Professional Documents
Culture Documents
الطبعة الولى
1427هـ 2006 -م
رقم اليداع9848/2005 :
الترقيم الدولىI.S.B.N :
3 - 60 – 6119 – 977
2
الهــــــــداء
إلى العلماء العاملين والدعاة المخلصين،
وطلب العلم المجتهدين ،وأبناء المة الغيورين
أهدي هذا الكتاب ،سائل المولى -عز وجل -بأسمائه
صا
الحسنى وصفاته الُعلى أن يكون خال ً
لوجهه الكريم
مقدمـــــــة
إن الحمد لله ،نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له ،ومن يضلل
إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن فل هادي له .وأشهد أن ل َ
ق
ح ّ ه َ قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ محمدا عبده ورسوله َ+يا َ أي ّ َ
ن" ]آل عمران.[102 : مو َ سل ِ ُ م ْ وأن ُْتم ّ ن إ ِل ّ َ موت ُ ّ ول َ ت َ ُ ه َ قات ِ ِ تُ َ
خل َ َ َ
سف ٍ من ن ّ ْ كم ّ ق ُ ذي َ م ال ّ ِ قوا َرب ّك ُ ُ س ات ّ ُ ها الّنا ُ َ+يا أي ّ َ
ساءً ون ِ َ جال ً ك َِثيًرا َ َ ر َ ما ِ ه َ من ْ ُ ث ِ وب َ ّ ها َ ج َ و َ ها َز ْ من ْ َ ق ِ خل َ َ و َ ة َ حد َ ٍ وا ِ َ
م
ْ ُ ك ْ يَ ل ع
َ ن
َ كا ه
َ الل ن
ّ ِ إ م َ حا َ ر
ْ وال ِ َ ه
ِ ب نَ لو ُ َ ء سا َ َ ت ذي ِ ّ ل ا ه
َ الل قوا ُ وات ّ َ
با" ]النساء.[1 : قي ً َر ِ
قوُلوا َ َ
دا دي ً س ِ ول ً َ ق ْ و ُ
ه َُ قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ َ نآ ذي َ ها َ ال ّ ِ َ+يا أي ّ َ
ه
ع الل َ من ي ُطِ ِ و َ م َ م ذُُنوب َك ْ فْر ل َك ُ ْ غ ِ وي َ ْ م َ مال َك ُ ْ ع َ مأ ْ ح لََك ُ ْ صل ِ ْ يُ ْ
ما" ]الحزاب.[71 ،70 : ِ ًظي ع
َ زا ْ ً و َ
ف ز َ فا َ ْ د قَ َ
ف هُ ل سو وَر ُ َ
أما بعد:
فهذا الكتاب يتحدث عن شخصية عثمان بن عفان وعصره،
ديق والفاروق تبحث وهو امتداد لما سبقه من كتب تحدثت عن الص ّ
في دراسة عهد الخلفاء الراشدين؛ لكي نستخرج الدروس والعَِبر
ونستوعب السنن والقوانين اللهية في حركة المجتمعات وبناء
الدول ونهضة الشعوب ،وتربية القادة والفراد لنشر دين الله بين
الناس.
إن عودة المة لما كانت عليه في قيادتها للبشرية منوطة بسيرها
على هدى النبي × وخلفائه الراشدين؛ فقد أخبر الحبيب المصطفى
× عن المراحل التاريخية التي تمر بها المة في مسيرتها في الحياة،
فقال ×» :تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ،ثم يرفعها الله
إذا شاء أن يرفعها ،ثم تكون خلفة على منهاج النبوة ،فتكون ما شاء
ضا
الله أن تكون ،ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ،ثم تكون ملكا عا ّ
فيكون ما شاء الله أن تكون ،ثم)(1يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ،ثم
تكون خلفة على منهاج النبوة« .
إن معرفة عهد الخلفة الراشدة ومنهاج النبوة خطوة ل بد منها
في تحقيق الهداف التي تسعى المة لتحقيقها في هذه الحياة ،فقد
قال ×»(2):عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من
بعدي« .
إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر وهي
متناثرة في بطون الكتب والمصادر والمراجع ،سواء كانت تاريخية أو
حديثية أو فقهية أو أدبية أو تفسيرية ،فنحن في أشد الحاجة لجمعها
وترتيبها وتوثيقها وتحليلها ،فتاريخ الخلفة الراشدة -إذا أحسن
عرضه -يغذي الرواح ويهذب النفوس ,وينور القلوب ويبني العقول،
ويشحذ الهمم ،ويقدم الدروس ،ويسهل العَِبر ،وينضج الفكار،
)( المسند ) ،(4/273البزار رقم ) (1588رجاله ثقات. 1
4
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ويوضح معالمها ،وصفات قادتها ,ونظام حكمها ،وأخلق جيلها،
وعوامل ازدهارها ،وأسباب زوالها ،فنستفيد من ذلك في إعداد
الجيل المسلم الذي يتربى على منهاج النبوة وفقه الخلفة الراشدة،
ن
قو َ ساب ِ ُ وال ّ تعالى فيهمَ + : ونتعرف على حياة عصر من قال الله
ن سا ح إ ب هم عو ب ت ا ن ذي ّ ل وا صا ِ َ
ر ن ال ْ ُ وُلو َ
ِ ِ ْ َ ٍ
ها تح ت ري
ُ
ج ت
َ ُ
ت
ّ
نا ج
َ
م
ِ
ه َ ل د ع والهن ْ و َأ َ ن ع
ن َ ري َ
ضوا
ج ِ
ر
ها ِ
و
م َ
م ه نع
م َ
ه
ن ِ
الل ي
ال ّ
َ
ْ َ َ ْ ِ َ ٍ ّ ّ ُ ْ َ
ْ
َ
ْ ُ َ
َ
ْ َ ُ
ها أ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ض َ ّر ِ
م"]التوبة.[100 : ُ ظيِ ع
َ ل ا ز
ُ و
ْ َ
ف ل ا ك ِ لَ ذ دا
ً َ ب َ في ِ ن
َ دي ِ ِ ل خا
َ ر
ال َ ُ
ها ْ ن
عَلى َ
داءُ َ ش ّ هأ ِ ع ُ م َ ن َ ذي َ وال ّ ِ ه َ ل الل ِ سو ُ مدٌ ّر ُ ح ّ م َ ْ وقال تعالى ُ +
دا" ]الفتح.[29 : ج
ُ ّ ً س عا ّ
ْ ُ ً كر م هُ را
ماءُ ب َي ْ ُ ْ َ
َ ت م هَ ن ح َ ر ُر َ فا ِال ك ُ ّ
فيهم رسول الله ×» :خير أمتي القرن الذي بعثت وقال
فيهم.(1) «...
وقال فيهم عبد الله بن مسعود» :من كان مستّنا فليستن بمن
قد مات ،فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة ,أولئك أصحاب محمد ×،
كانوا والله أفضل هذه المة ،وأبرها قلوبا ،وأعمقها علما ،وأقلها
تكلفا ،قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه ،فاعرفوا لهم
استطعتم من أخلقهم )(2
فضلهم ،واتبعوهم في آثارهم ،وتمسكوا بما
ودينهم ،فإنهم كانوا على الهدى المستقيم«.
فالصحابة قاموا بتطبيق أحكام السلم ونشروه في مشارق
الرض ومغاربها فعصرهم خير العصور ،فهم الذين علموا المة
القرآن الكريم ،ورووا السنن والثار عن رسول الله × ،فتاريخهم هو
الكنز الذي حفظ مدخرات المة في :الفكر والثقافة والعلم والجهاد،
وحركة الفتوحات ،والتعامل مع الشعوب والمم ،فتجد الجيال في
هذا التاريخ المجيد ما يعينها على مواصلة رحلتها في الحياة على
منهج صحيح ،وهدى رشيد ،وتعرف من خلله حقيقة رسالتها ودورها
في دنيا الناس.
إن التاريخ السلمي أصبح غرضا ومرمى لسهام أعداء السلم
على مختلف مذاهبهم وعقائدهم ،ويحاولون أن يوجدوا فجوة في
السلم وتاريخه الزاهر حتى يتسنى لهم عزل الجيال عن السلم
وعقيدته وشريعته وقيمه وتراثه العلمي ،ولذلك يبذلون قصارى
جهدهم لنفث السموم في المجتمع السلمي.
لقد حاول المستشرقون -ومن قبلهم الروافض -أن ينشروا كل
رواية باطلة تنقص من شأن الصحابة الكرام ،وتطعن في تاريخ المة
المجيد ،وتصور تاريخهم بأنه صراع على السلطة والسيادة والنفوذ،
ولذلك يجب الحذر من كل رافضي كاذب ،ومستشرق حاقد،
وعلماني جاهل ,وكل من سار على نهجهم .ول بد من الدفاع
المستميت عن تاريخنا الخالد والهجوم الشجاع على مناهج الكذابين
والمنحرفين ،ويكون هذا الهجوم المبارك بقذائف الحق العلمية
المملوءة بالحقائق الساطعة والدلة القاطعة والبراهين الدامغة.
إن صياغة التاريخ السلمي بمنهج أهل السنة والجماعة ضرورة
5
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ملحة لبناء المة ،وقد بدأت أقلم الباحثين والكتاب تصوغ التاريخ
من هذا المنظور وهم لم يبدأوا من فراغ؛ لن الله حمى دينه وحمى
أمة السلم فقيض لتاريخ الصحابة من يحقق وقائعه ويصحح أخباره،
ويكشف الستر عن الوضاعين والكذابين من ملفقي الخبار ،ويرجع
الفضل في ذلك التصحيح إلى الله ثم أهل السنة والجماعة من أئمة
الشارات الفقهاء والمحدثين الذين حفلت مصادرهم بالكثير من
فقون).(1والروايات الصحيحة التي تنقض وترد كل ما وضعه المل ّ
هذا وقد سرت على أصول منهج أهل السنة ،فعكفت على
المصادر والمراجع القديمة والحديثة ,ولم أعتمد في دراسة عصر
الخلفاء الراشدين على الطبري وابن الثير والذهبي وكتب التاريخ
المشهورة فقط ،بل رجعت إلى كتب التفسير والحديث وشروحها،
وكتب العقائد والفرق ،وكتب التراجم والجرح والتعديل ،وكتب الفقه،
فوجدت فيها مادة تاريخية غزيرة يصعب الوقوف على حقيقتها في
الكتب التاريخية المعروفة والمتداولة ،وقد شرعت في هذا الكتاب
بالحديث عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان الذي قال فيه
رسول الله ×» :وأصدقها حياء عثمان« ) ،(2وقال فيه رسول
ما ضر الله × في غزوة تبوك بعد تقديمه النفقة العظيمة» :
عثمان بعد اليوم ،ما ضر عثمان)(4بعد اليوم« .وقد بشره
)(3
رسول الله × بالجنة على بلوى تصيبه ,وحث الناس عند وقوع
الفتنة أن يكونوا مع عثمان وأصحابه؛ فعن أبي هريرة قال :إني
سمعت رسول الله × يقول» :إنكم تلقون بعدي فتنة
واختلفا أو اختلفا وفتنة« ،فقال له قائل من الناس :فمن لنا
رسول(5الله؟ قال» :عليكم بالمين وأصحابه« وهو يشير إلى )
يا
عثمان.
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم -في زمن النبي × ل يعدلون
بأبي بكر أحدا ،ثم عمر ،ثم عثمان؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-
أحدا(6،ثم عمر ،ثم قال :كنا في زمن النبي × ل نعدل بأبي بكر
عثمان ،ثم نترك أصحاب النبي × ل نفاضل بينهم) .
وقد قال فيه الشاعر النميري:
على متوكل أوفى وطابا عشية يدخلون بغير إذن
)(7
ورابع خير من وطئ الترابا خليل محمد ووزير صدق
وقال فيه أبو محمد القحطاني:
دفع الخلفة للمام الثاني حَبه
لما قضى صديق أحمد ن َ ْ
المنهج السلمي لكتابة التاريخ ،د .محمد محزون ،ص .4 )( 1
فضائل الصحابة لبي عبد الله أحمد بن حنبل ) ،(1/604إسناده صحيح. )( 2
6
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
7
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
النبوي ،وتوسعة المسجد الحرام ،وإنشاء أول أسطول بحري،
وتحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة ،وتمويل حفر البار ،ورواتب
المؤذنين ،وأشرت إلى أثر تدفق الموال على الحياة الجتماعية
والقتصادية ,وإلى حقيقة العلقة بين عثمان وأقاربه والعطاء من
بيت المال ،وتكلمت عن مؤسسة القضاء وبعض الجتهادات الفقهية
لعثمان والتي أثرت في المدارس الفقهية فيما بعد ،وجمعت فتوحات
عثمان المتناثرة في كتب التاريخ ،وقمت بترتيبها وتنظيمها وفق
حركة الجيوش في المشرق ،وبلد الشام ،وفي الجبهة المصرية،
والشمال الفريقي ،واستخرجت من حركة الفتوح دروسا وعبرا
وفوائد؛ كتحقق وعد الله للمؤمنين ،وتطور فنون الحرب والسياسة،
والهتمام بحدود الدولة ،والحرص على وحدة الكلمة في مواجهة
العدو ،وجمع المعلومات على العداء .وترجمت لبعض قادة الفتوح؛
كالحنف بن قيس ،وعبد الرحمن بن ربيعة الباهلي ،وسلمان بن
ربيعة ،وحبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنهم.
وأشدت بأعظم مفاخر عثمان في توحيده للمة على قراءة
المصحف العثماني ،ووضحت المراحل التي مرت بها كتابة القرآن
الكريم ،وتحدثت عن الباعث على جمع القرآن في عهده،
واستشارته لجمهور الصحابة ،وعن عدد المصاحف التي أرسلها إلى
المصار ،وفهم الصحابة ليات النهي عن الختلف ،وعن مؤسسة
الولة وأقاليم الدولة في عهده ،وسياسته مع الولة وحقوقهم
وواجباتهم ،وأساليبه في متابعة ولته ومراقبتهم والطلع على
أخبارهم ،وبينت حقيقة ولة عثمان -رضي الله عنهم -وماذا لهم
وماذا عليهم ،وحقيقة علقة عثمان بأبي ذر وابن مسعود وعمار بن
ياسر رضي الله عنهم جميعا .وفصلت في أسباب فتنة مقتل عثمان
وأهمية دراسة وقائع هذه الفتنة ،وتحدثت عن كل سبب من السباب
في فقرة مستقلة؛ كالرخاء وأثره في المجتمع ،وطبيعة التحول
الجتماعي ،ومجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما ،وخروج كبار
الصحابة من المدينة ،والعصبية الجاهلية ،وتوقف الفتوحات ،والورع
الجاهل ،وطموح الطامحين ،وتآمر الحاقدين ،والتدبير المحكم لثارة
المآخذ ضد الخليفة الراشد المظلوم ،واستخدام الساليب والوسائل
المهيجة للناس ،وعن أثر السبئية في إحداث الفتنة ،والخطوات التي
اتخذها عثمان لمعالجتها؛ كإرسال لجان تحقيق وتفتيش ،وإرساله
لكل المصار كتابا شامل بمثابة إعلن عام لكل المسلمين ،ومشورته
لولة المصار وإقامة الحجة على المتمردين والستجابة لبعض
مطالبهم .وبينت ضوابط التعامل مع الفتن من خلل فقه عثمان ؛
كالتثبت ولزوم العدل والنصاف ،والحلم والناة ،والحرص على ما
يجمع ونبذ ما يفرق ،ولزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم،
واستشارة العلماء الربانيين ،والسترشاد بأحاديث رسول الله × في
الفتن .ووصفت احتلل أهل الفتنة للمدينة ،وحصارهم لعثمان ودفاع
الصحابة عنه ورفضه لذلك ،وذكرت مواقف الصحابة من مقتل
عثمان وما ورد من أقوالهم في الفتنة.
وبالجملة فإن هذا الكتاب يبرهن على عظمة ذي النورين ،ويثبت
للقارئ الكريم بأنه كان عظيما بإيمانه وبعلمه وبخلقه وبآثاره ،وكانت
عظمته مستمدة من فهمه وتطبيقه للسلم ,وصلته العظيمة بالله
8
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
واتباعه لهدي الرسول الكريم ×.
إن عثمان من الئمة الذين يتأسى الناس بهديهم وبأقوالهم
وأفعالهم في هذه الحياة؛ فسيرته من أقوى مصادر اليمان،
والعاطفة السلمية الصحيحة والفهم السليم لهذا الدين ،فلذلك
اجتهدت في دراسة شخصيته وعصره حسب وسعي وطاقتي ،غير
مدٍع عصمة ول متبرئ من زلة ،ووجه الله الكريم ل غيره قصدت،
وثوابه أردت ،وهو المسئول في المعونة عليه) ,والنتفاع به( ،إنه
طيب السماء وسميع الدعاء.
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب الساعة الثانية من فجر يوم
الربعاء بتاريخ 8من شهر ربيع الثاني لعام 1423هـ الموافق
18/6/2002م ،والفضل لله من قبل ومن بعد ،وأسأله سبحانه
وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته الُعلى أن يجعل عملي لوجهه
خالصا ،ولعباده نافعا ،وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في
ميزان حسناتي ،وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من
أجل إتمام هذا الجهد المتواضع ،ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا
عفو َربه ومغفرته ورحمته الفقير ْإلى َ العبدب أ َ الكتاب أن ل ينسى
ك ال ِّتي مت َ َ ع َشك َُر ن ِ ْ نأ ْ عِني َ أ ْ ز و
ْ
عَلى وال ِدي ِ َ ّ رَ + دعائه: َورضوانه من
ه
ضا ُ حا ت َْر َ صال ِ ًل َ م َ ع َ نأ ْ وأ ْ َ َ ّ َ و َ ي َ ّ عل َ
ت َ م َ ع ْأن ْ َ
ن" ]النمل.[19 : حي َ صال ِ ِ َ
عَباِدك ال ّ في ِ َ
مت ِك ِ ح َخل ِْني ب َِر ْ وأ َدْ َِ
ك س َ م ِ فل َ ُ
مْْ ة َ م ٍ ح َمن ّر ْ س ِ ه ِللّنا ِ ح الل َ ُ فت َ ِما ي َ ْ َ وقال تعالىَ + :
م"ُ كي
ِ ح
َ ل ا زُ زي ِ ع
َ ْ ل ا وَ َهُ و هِ د
ِ ع
ْ َ ب منِ ه
ُ ل ل َ س
ِ ر
ُ ْم َ ل فك َ س ْ م ِ ما ي ُ ْ
و َها َ ل َ
]فاطر .[2 :وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك
أشهد أن ل إله إل أنت
أستغفرك وأتوب إليك
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
9
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل الول
ذو النورين عثمان بن عفان بين مكة والمدينة
المبحث الول
اسمه ونسبه وكنيته وألقابه وصفته
وأسرته ومكانته في الجاهلية
ل :اسمه ونسبه وكنيته وألقابه: أو ً
أبي(1العاص بن أمية بن عبد شمس -1هو عثمان بن عفان بن
بن عبد مناف بن قصي بن كلب ) ,ويلتقي نسبه بنسب رسول الله
بنت(2كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد في عبد مناف .وأمه أروى×
شمس بن عبد مناف بن قصي ).وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد
× ويقال :إنهما ولدا توأما المطلب ،وهي شقيقة عبد الله والد النبي ،
)حكاه الزبير بن بكار( ،فكان ابن بنت عمة النبي × ،وكان النبي × ابن
خال والدته .وقد أسلمت)(3أم عثمان وماتت في خلفة ابنها عثمان ,وكان
ممن حملها إلى قبرها ،وأما أبوه فهلك في الجاهلية.
-2كنيته :كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو ،فلما ولد له من رقية
بنت رسول)(4الله غلم سماه عبد الله ،واكتنى به ،فكناه المسلمون
أبا عبد الله .
(5)-3لقبه :كان عثمان يلقب بذي النورين ،وقد ذكر بدر الدين
العيني) (6في شرحه على صحيح البخاري ،أنه قيل للمهلب بن أبي
ذو( النورين؟ فقال :لنا ل نعلم أحدا أرسل صفرة :لم قيل لعثمان
سترا على بنتي نبي غيره 7).وقال عبد الله بن عمر بن أبان
م سمي الجعفي :قال لي خالي حسين الجعفي :يا بني ،أتدري ل ِ َ
عثمان ذا النورين؟ قلت :ل أدري ،قال :لم يجمع بين ابنتي نبي منذ
الله(8آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان ،فلذلك سمي ذا )
خلق
من تلوة القرآن يكثر كان لنه النورين بذي سمي وقيل: النورين.
في كل ليلة في صلته ،فالقرآن نور وقيام الليل نور).(9
-4ولدته :ولد في مكة بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح
() 1الطبقات لبن سعد ) ،(3/53الصابة ) (4/377رقم ).(5463
() 2التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ،محمد يحيى الندلسي ،ص .19
() 3الخلفة الراشدة والدولة الموية ،د .يحيى اليحيى ،ص .388
() 4التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ،ص .19
() 5هو محمود بن أحمد بن موسى العيني ،أبو محمد :من علماء التاريخ والحديث
والفقه ،له تآليف كثيرة ،توفي 855هـ ،انظر :شذرات الذهب )،(7/286
والضوء اللمع ).(10/131
هو المهلب بن أبي صفرة الزدي العقلي :من المراء البطال ،غزا المهلب الهند ) (6
في خلفة معاوية ،وولي الجزيرة لبن الزبير ،وحارب الخوارج في عهد عبد الملك
هـ ،وترجع شهرته إلى حرب الخوارج، بن مروان ،ثم ولي خراسان من قبله سنة 79
توفي 83هـ ،انظر :وفيات العيان ) ،(5/350سير أعلم النبلء ).(4/383
() 7عمدة القاري ،شرح صحيح البخاري ).(16/201
() 8سنن البيهقي ) ،(7/73قال الدكتور عاطف لماضة :خبر حسن.
() 9عثمان بن عفان ذو النورين ،عباس العقاد ،ص .79
10
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وقيل :ولد في الطائف ،فهو أصغر من رسول الله × بنحو خمس )(2
)،(1
سنين .
ول بالطويل ،رقيق )(3
خْلقّية :كان رجل ليس بالقصير -5صفته ال ْ َ
البشرة ،كث اللحية عظيمها ،عظيم الكراديس ،عظيم ما بين
عثمان فر لحيته .وقال الزهري :كان المنكبين ،كثير شعر الرأس ،يص ّ
الشعر ،حسن الوجه ،أصلع ،أروح الرجلين),(4 رجل مربوعا ،حسن
وأقنى) ,(5خدل الساقين) ,(6طويل)(7الذراعين ،قد كسا ذراعيه جعد
مته أسفل من أذنيه ،حسن الوجه، ج ّالشعر ،أحسن الناس ثغراُ ،
أبيض اللون ،وقد قيل: والراجح أنه
أسمر اللون).(8
ثانًيا :أسرته:
تزوج عثمان ثماني زوجات كلهن بعد السلم وهن :رقية بنت
رسول الله وقد أنجبت له عبد الله بن عثمان ،ثم تزوج أم كلثوم
بنت رسول الله بعد وفاة رقية ،وتزوج فاختة بنت غزوان ،وهي أخت
المير عتبة بن غزوان ،وأنجبت لعثمان عبد الله الصغر ،وأم عمرو
بنت جندب الزدية ،وقد أنجبت لعثمان عمرا وخالدا وأبان وعمر
ومريم ،وتزوج فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة
المخزومية ،وأنجبت لعثمان :الوليد وسعيدا وأم سعد ،وتزوج أم
البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية ،وأنجبت لعثمان :عبد الله،
وتزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة الموية ،وأنجبت لعثمان :عائشة وأم
أبان وأم عمرو ،وقد أسلمت رملة ،وبايعت رسول الله × ،وتزوج
وكانت على النصرانية وقد أسلمت قبل )(9
نائلة بنت الفرافصة الكلبية،
أن يدخل بها وحسن إسلمها.
وأما أبناؤه فقد كانوا تسعة أبناء من الذكور من خمس زوجات
وهم :عبد الله وأمه رقية بنت رسول الله × ولد قبل الهجرة
بعامين ،وأخذته أمه معها عندما هاجرت مع زوجها عثمان إلى
المدينة .وفي أوائل أيام الحياة في المدينة نقره الديك في وجهه
قرب عينه ،وأخذ مكان نقر الديك يتسع حتى طمر وجهه حتى مات
في السنة الرابعة للهجرة ،وكان عمره ست سنوات (10).وعبد الله
الصغر ,وأمه فاختة بنت غزوان ،وعمرو ,وأمه أم عمرو بنت جندب
وقد روى عن أبيه ،وعن أسامة بن زيد ,وروى عنه علي بن الحسين،
وسعيد بن المسيب ،وأبو الزّناد ،وهو قليل الحديث ،وتزوج رملة بنت
() 1الصابة ) ،(4/377رقم ).(5465
() 2عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص .45
() 3الكراديس :جمع كردوس ،وهو كل عظمين التقيا في مفصل.
() 4تاريخ الطبري ) (5/440أروح الرجلين :منفرج ما بينهما.
() 5أقنى :طويل النف مع دقة أرنبته ،وحدب في وسطه.
() 6خدل الساقين :أي ضخم الساقين.
() 7جمته :مجتمع شعر الرأس.
() 8صفة الصفوة ) ،(1/295صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين ،ص .15
19المين ذو
التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ،ص ، 5/441
)( 9تاريخ الطبري ) (
النورين ،محمود شاكر ،ص .364
() 10المين ذو النورين ،محمود شاكر ،ص ،365التمهيد والبيان في مقتل الشهيد
عثمان ،ص .19
11
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
معاوية بن أبي سفيان ،توفي سنة ثمانين للهجرة .وخالد ,وأمه أم
ما في عمرو بنت جندب .وأبان ،وأمه أم عمرو بنت جندب ،كان إما ً
الفقه ،يكنى أبا سعيد ،تولى إمرة المدينة سبع سنين في عهد عبد
الملك بن مروان ،سمع أباه وزيد بن ثابت ،له أحاديث قليلة ،منها ما
رواه عن عثمان» :من قال في أول يومه وليلته :بسم الله
الذي ل يضر مع اسمه شيء في الرض ول في السماء
وهو السميع العليم لم يضره ذلك اليوم شيء أو تلك
الليلة« .فلما أصاب أبان الفالج قال :إني والله نسيت هذا الدعاء
ليمضي في أمر الله (1).ويعتبر من فقهاء المدينة في زمنه ،وقد
)(2
توفى سنة خمس ومائة.
وعمر ،وأمه أم عمرو بنت جندب .والوليد ،وأمه فاطمة بنت
الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومية .وسعيد ،وأمه فاطمة
بنت الوليد المخزومية ،تولى أمر خراسان عام ستة وخمسين أيام
معاوية بن أبي سفيان .وعبد الملك ،وأمه أم البنين بنت عيينة بن
حصن ،ومات صغيرا ،ويقال :ولدت نائلة بنت الفرافصة ولدا لعثمان
)(3
سمى عنبسة.
وأما بناته ،فهن سبع من خمس نساء ،منهن :مريم وأمها أم
عمرو بنت جندب .وأم سعيد ،وأمها فاطمة بنت الوليد بن عبد
ربيعة(4.ومريم شمس المخزومية .وعائشة ،وأمها رملة بنت شيبة بن
بنت عثمان ،وأمها نائلة بنت الفرافصة .وأم البنين ،وأمها أم) ولد.
وأما شقيقة عثمان ،فهي آمنة بنت عفان ،فقد عملت ماشطة
في الجاهلية ،ثم تزوجت الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة
المخزومي ،وأسرت سرية عبد الله بن جحش الحكم بن كيسان،
وفي المدينة أسلم وحسن إسلمه ،وأقام عند رسول الله × ،حتى
قتل يوم بئر معونة شهيدا في بداية السنة الرابعة للهجرة ،وبقيت
آمنة بنت عفان في مكة على شركها حتى يوم الفتح؛ حيث أسلمت
امرأة
)(5
مع أمها وبقية أخواتها ،وبايعت رسول الله × مع هند بنت عتبة
أبي سفيان على أن ل يشركن بالله شيئا ،ول يسرقن ول يزنين.
وأما إخوة عثمان من أمه فله ثلثة إخوة وهم :الوليد بن عقبة بن
أبي معيط ،قتل أبوه يوم بدر صبرا وهو كافر ،وخرج الوليد مع أخيه
عمارة بعد الحديبية لرد أختهما أم كلثوم التي أسلمت وهاجرت،
فأبى رسول الله × ردها ،أسلم يوم الفتح .ومن إخوة عثمان لمه
عمارة بن عقبة ،تأخر إسلمه ،وخالد بن عقبة .وأما أخواته من أمه
فهن :أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ،أسلمت بمكة ،وهاجرت
وبايعت رسول الله × وهي أول من هاجر من النساء بعد أن عاد
رسول الله × إلى المدينة بعد صلح الحديبية .ومن أخوات عثمان
12
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لمه :أم حكيم بنت عقبة ،وهند بنت عقبة).(1
ثالثـا :مكانته في الجاهلية:
كان في أيام الجاهلية من أفضل الناس في قومه؛ فهو
عريض الجاه ثري ،شديد الحياء ،عذب الكلمات ،فكان قومه يحبونه
أشد الحب ويوقرونه .لم يسجد في الجاهلية لصنم قط ولم يقترف
ذهب فاحشة قط ،فلم يشرب خمرا قبل السلم وكان يقول :إنها ت ُ ْ
العقل والعقل أسمى ما منحه الله للنسان ،وعلى النسان أن يسمو
به ،ل أن يصارعه .وفي الجاهلية كذلك لم تجذبه أغاني الشباب ول
حلقات اللهو ،ثم إن عثمان كان يتعفف عن أن يرى عورة) .(2ويرحم
الله عثمان فقد يسر لنا سبيل التعرف عليه؛ حيث قال :ما
تغنيت ،ول تمنيت ،و ل مسست ذكري بيمني منذ بايعت بها رسول
شربت خمًرا في جاهلية ول إسلم ،ول زنيت في جاهلية الله × ،ول
ول في إسلم (3).وكان على علم بمعارف العرب في الجاهلية
ومنها النساب والمثال وأخبار اليام ،وساح في الرض فرحل إلى
الشام والحبشة ،وعاشر أقواما غير العرب فعرف من أحوالهم
وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره (4).واهتم بتجارته التي ورثها عن
والده ،ونمت ثرواته ,وأصبح يعد من رجالت بني أمية الذين لهم
مكانة في قريش كلها ،فقد كان المجتمع المكي الجاهلي الذي عاش
فيه عثمان يقدر الرجال حسب أموالهم ،ويهاب فيه الرجال حسب
أولدهم وإخوتهم ثم عشيرتهم وقومهم ،فنال عثمان مكانة مرموقة
في قومه ،ومحبة كبيرة.
مع فيه من ج ّ
ومن أطرف ما يروى عن حب الناس لعثمان لما ت َ َ
صفات الخير أن المرأة العربية في عصره كانت تغني لطفلها أغنية
تحمل تقدير الناس له وثناءهم عليه ،فقد كانت تقول:
)(5
ب قريش لعثمان ح ّ أحبك والرحمن
رابًعا :إسلمه:
كان عثمان قد ناهز الرابعة والثلثين من عمره حين دعاه أبو بكر
الصديق إلى السلم ،ولم يعرف عنه تكلؤ أو تلعثم بل كان سباقا
أجاب على الفور دعوة الصديق ،فكان بذلك من السابقين الولين
كان أول الناس إسلما بعد أبى بكر وعلي حتى قال أبو إسحاق:
وزيد بن حارثة عثمان (6).فكان بذلك رابع من أسلم من الرجال،
ولعل سبقه هذا إلى السلم كان نتيجة لما حدث له عند عودته من
الشام ،وقد قصه على رسول الله × حين دخل عليه هو وطلحة
بن عبيد الله ،فعرض عليهما السلم وقرأ عليهما القرآن ،وأنبأهما
بحقوق السلم ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا ،فقال
المصدر السابق ،ص .354 )( 1
13
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عثمان :يا رسول الله ،قدمت حديثا من الشام ،فلما كنا بين معان
والزرقاء فنحن كالنيام فإذا مناد ٍ)(1ينادينا :أيها النيام هبوا ،فإن أحمد قد
خرج بمكة ،فقدمنا فسمعنا بك.
ل شك أن هذه الحادثة تترك في نفس صاحبها أثًرا إيجابًيا ل
يستطيع أن يتخلى عنه ،عندما يرى الحقيقة ماثلة بين عينيه ،فمن ذا
الذي يسمع بخروج النبي قبل أن يصل إلى البلد الذي يعيش فيه،
حتى إذا نزله ووجد الحداث والحقائق تنطق كلها بصدق ما سمع به
ثم يتردد في إجابة الدعوة؟ ل يستطيع النسان مهما كان مكابرا إل
أن يذعن للحق ،ومهما أظهر الجفاء فإن ضميره ل يزال يتلجلج في
صدره حتى يؤمن به أو يموت ،فيتخلص من وخز الضمير وتأنيبه,
ولم تكن سرعة تلبيته عن طيش أو)(2حمق ،ولكنها كانت عن يقين
راسخ وتصديق ل يتطرق إليه شك .فقد تأمل في هذه الدعوة
الجديدة بهدوء كعادته في معالجة المور ،فوجد أنها دعوة إلى
الفضيلة ،ونبذ الرذيلة ،دعوة إلى التوحيد وتحذير من الشرك ،دعوة
إلى العبادة وترهيب من الغفلة ،ودعوة إلى الخلق الفاضلة،
وترهيب من الخلق السيئة ،ثم نظر إلى قومه ،فإذا هم يعبدون
الوثان ،ويأكلون الميتة ،ويسيئون الجوار ،ويستحلون المحارم من
سفك الدماء وغيرها (3).وإذا بالنبي محمد بن عبد الله × صادق أمين
يعرف عنه كل خير ,ول يعرف عنه شر قط ،فلم تعهد عليه كذبة ولم
تحسب عليه خيانة ،فإذا هو يدعو إلى عبادة الله وحده ل شريك له
وإلى(4صلة الرحم ،وحسن الجوار ،والصلة والصوم ,وأل يعبد غير
الله ,فأسلموا على يد أبي بكر الصديق ،ومضى في إيمانه قُد ُ ً
)
ما
قويا هاديا ،وديعا صابرا ,عظيما راضيا ،عفوا كريما ،محسنا رحيما،
يواسي المؤمنين ،ويعين المستضعفين ،حتى اشتدت )(5
سخّيا باذل،
قناة السلم.
وفي إسلم عثمان قالت خالته سعدى بنت كريز:
وأرشده والله يهدي إلى الحق هدى الله عثمانا بقولي إلى
الهدى
وكان برأي ل يصد عن الصدق فتابع بالرأي السديد محمدا
ج الشمس في
ماَز َ
در َ
فكان كب َ ْ وأنكحه المبعوث بالحق بنته
الفق
)(6
للخلق فداؤك يا ابن الهاشميين مهجتي
سا :زواجه من رقية بنت رسول الله ×: خام ً
دا ،وتوثقت بينه وبينهم
حا شدي ً
فرح المسلمون بإسلم عثمان فر ً
عرى المحبة وأخوة اليمان ،وأكرمه الله تعالى بالزواج من بنت
الطبقات لبن سعد.(3/55) ، )( 1
انظر :مرويات العهد المكي ،عادل عبد الغفور.(2/805) ، )( 3
فتنة مقتل عثمان ،د .محمد عبد الله الغبان ).(1/37 )( 4
14
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
رسول الله × رقية ،وقصة ذلك أن رسول الله × كان قد زوجها من
لهب ،فلما أبيما أ َ أم كلثوم عتيبة بن أختهادا أ َ عتبة بن أبي لهب ،وزوج
ه ْ نعَ نى َ ْ
غ ب َ تو ب ه َ ل بي نزلت سورة المسد +ت َ ّ ْ َ َ َ ِ
ي ت ب
ُ
مال َ َ ذا َت ٍ ل َه َب ّ وا َمرأ َ
ة ح ه ُ
َ ْ َ ُ َ ّ ت َ ٍ َ َ را
صلى َنا ً سي َ ْ بَ ما ك َ َ
س َ و َ مال ُ ُ
ه َ َ َ
د" ]المسد .[5 -1 :قال لهما س ٍ ّ َ م من ّ لٌ بح
َ ْ هاَ د
ِ جي
ِ فيِ ب
ِ ط ح ال ْ َ
ب" حط َ ِ ة ال ْ َ مال َ َ
ح ّ
أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية َ +
فارقا ابنتي محمد ،ففارقاهما قبل)(1أن يدخل بهما كرامة من الله
تعالى لهما ،وهواًنا لبني أبي لهب (2),وما كاد عثمان بن عفان
يسمع بخبر طلق رقية حتى استطار فرحا ،وبادر فخطبها من
رسول الله × فزوجها الرسول الكريم × منه ،وزفتها) (3أم المؤمنين
خديجة بنت خويلد ،وقد كان عثمان من أبهى قريش طلعة ،وكانت
هي تضاهيه قسامة وصباحة ،فكان يقال لها حين زفت إليه:
)(4
رقية ،وزوجها عثمان أحسن زوجين رآهما إنسان
وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي :أن رسول الله × دخل
أحسني إلى على ابنته وهي تغسل رأس عثمان ،فقال» :يا بنية
)(5
خل ُ ً
قا«. أبي عبد الله ،فإنه أشبه أصحابي بي ُ
ظنت أم جميل بنت حرب وزوجها أبو لهب أنهما بتسريح رقية
وأم كلثوم -رضي الله عنهما -سيصيبان من البيت المحمدي مقتل أو
سيوهنانه ،ولكن الله -عز وجل -اختار لرقية وأم كلثوم الخير ،وباءت
خيرا ,وكفى الله البيت النبوي أم جميل وأبو لهب بغيظهما لم ينال
شرهما ،وكان أمر الله قدرا مقدورا).(6
سا :ابتلؤه وهجرته إلى الحبشة: ساد ً
إن سنة البتلء ماضية في الفراد والجماعات والشعوب والمم
والدول ،وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام ،وتحملوا من
البلء ما تنوء به الرواسي الشامخات ،وبذلوا أموالهم ودماءهم في
سبيل الله ،وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ ،ولم يسلم أشراف
عذب في سبيل الله المسلمين من هذا البتلء ،فقد أوذي عثمان و ُ
تعالى على يد عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه
رباطا وقال :أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله ل أحّلك
أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين ،فقال عثمان :والله ل
)(7
أدعه أبدا ول أفارقه ،فلما رأى الحكم صلبته في دينه تركه.
واشتد اليذاء بالمسلمين جميعا ،و تجاوز الحد حيث قتل ياسر
وزوجته سمية ،والنبي × يتألم أشد اللم ،إلى أين يذهب
المسلمون؟ ثم اهتدى رسول الله × إلى الحبشة حيث قال
ذو النورين عثمان بن عفان ،محمد رشيد رضا ،ص .12 )( 1
) (4زفتها :قدمتها إلى زوجها. كاد يطير من شدة الفرح. )( 2
3
رواه الطبراني ورجاله ثقات ،قاله الهيثمي ،المجمع رقم.(14500) : )( 5
دماء على قميص عثمان ،د .إبراهيم المنتاوي ،ص .84 )( 6
15
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
للمسلمين» :لو خرجتم إلى الحبشة ،فإن بها ملكا صالحا
ظلم عنده أحد« (1) .وبدأت الهجرة والنبي × يتألم ،وهو يرى ل يُ ْ
)(2
الفئة المؤمنة تتسلل سّرا خارجة من مكة ،ويركبون البحر ،وخرج
يمتطي بعضهم الدواب ،والبعض الخر يسير على القدام ،وتابعوا
مروا عليهم عثمان بن السير حتى وصلوا ساحل البحر الحمر ،ثم أ ّ
مظعون ،وشاءت عناية الله أن يجدوا سفينتين ،فركبوا مقابل نصف
دينار لكل منهم ،وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل
ولكنهم كانوا قد أبحرت بهم السفينتان (3).وكان ممن هاجر إلى أرض
الحبشة الهجرة الولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما
امرأته رقية بنت رسول الله × ،وكان وصولهم للحبشة في شهر
رجب من السنة الخامسة من البعثة ،فوجدوا المن والمان وحرية
العبادة ،وقد تحدث القرآن الكريم عن هجرة المسلمين الوائل إلى
د ع ِ ن بَ ْ م َْ ه ِ في الل ِ جُروا َ ِ ها َ ن َ ذي َ وال ّ ِ أرض الحبشة ،قال تعالىَ + :
َ َ
و
ُ ْ ل ر َ بْ ك أ ة
ِ رَ خ
ِ ل ا ر
ُ جْ ل و
َ ةً َ نس َ ح
َ ياَ ْ نّ د في ال م ِ ه ْ موا ل َن ُب َ ّ
وئ َن ّ ُ
َ
ما ظُل ِ ُ َ
ن" ]النحل .[41:وقد نقل القرطبي -رحمه الله -قول مو َ عل ُ كاُنوا ي َ ْ َ
قتادة رحمه الله :المراد أصحاب محمد × ،ظلمهم المشركون بمكة
وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ،ثم بوأهم الله تعالى دار
ل َيا ق ْ الهجرة ،وجعل لهم أنصارا من المؤمنين (4).وقال تعالىُ + :
َ
ه الدّن َْيا ذ ِ ه ِ في َ َ سُنوا ِ ح َ نأ ْ ذي َ م ل ِل ّ ِ قوا َرب ّك ُ ْ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ َ عَباِد ال ّ ِ ِ
مه ْ جَر ُ نأ ْ صاب ُِرو َ وفى ال ّ ّ ما ي ُ َ ة إ ِن ّ َ ع ٌ
س َوا ِه َ ض الل ِ وأْر ُ ة َ سن َ ٌ ح َ َ
ب" ]الزمر .[10 :قال ابن عباس -رضي الله عنهما :-يريد سا ٍ ح َ ر ِ غي ْ ِ
بِ َ
جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة (5).وقد استفاد
عثمان من هذه الهجرة وأضاف خبرة ودروسا لنفسه استفاد منها
في مسيرته الميمونة ،ومن أهم هذه الدروس والعبر:
أن ثبات المؤمنين على عقيدتهم بعد أن ينزل بهم الشرار -1
والضالون أنواع العذاب والضطهاد ،دليل على صدق إيمانهم وإخلصهم
في معتقداتهم ،وسمو نفوسهم وأرواحهم ،بحيث يرون ما هم عليه من
راحة الضمير واطمئنان النفس والعقل ،وما يأملونه من رضا الله -جل
شأنه -أعظم بكثير مما ينال أجسادهم من تعذيب وحرمان واضطهاد؛
لن السيطرة في المؤمنين الصادقين والدعاة المخلصين تكون دائما
وأبدا لرواحهم ل لجسادهم ،وهم يسرعون إلى تلبية مطلب أرواحهم
وبهذا من حيث ل يبالون بما تتطلبه أجسامهم من راحة وشبع ولذة،
تنتصر الدعوات وبهذا تتحرر الجماهير من الظلمات والجهالت).(6
-2وقد تعلم عثمان من هدي النبي × الشفقة على المة،
ما كان في المجتمع وظهرت هذه الشفقة لما تولى الخلفة وقبلها ل َ ّ
المدني في عهد النبي × وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم ،فقد رأى
بعينه وبصيرة قلبه شفقة النبي × على أصحابه ،ورحمته بهم،
الهجرة في القرآن الكريم ،ص ،290السيرة النبوية لبن هشام.(1/413) ، )( 1
16
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وحرصه الشديد للبحث عن أمنهم وراحتهم ،ولذلك أشار عليهم
فكان المر كما بالذهاب إلى الملك العادل الذي ل يظلم عنده أحد،
قال × فأمنوا في دينهم ونزلوا عنده في خير منزل (1).فالرسول ×
هو الذي وجه النظار إلى الحبشة ،وهو الذي اختار المكان المن
لجماعته ودعوته كي يحميها من البادة ،وهذه تربية نبوية لقيادات
المسلمين في كل عصر أن تخطط بحكمة وبعد نظر لحماية الدعوة
والدعاة ،وتبحث عن الرض المنة التي تكون عاصمة احتياطية
للدعوة ،ومركزا من مراكز انطلقها فيما لو تعرض المركز الرئيسي
للخطر ،أو وقع احتمال اجتياحه ،فجنود الدعوة هم الثروة الحقيقية،
وهم الذين تنصب الجهود كلها لحفظهم وحمايتهم ،دون أن يتم أي
واحد يعادل ما على الرض من تفريط بأرواحهم وأمنهم ،ومسلم
بشر خارجين عن دين الله وتوحيده).(2
-3وتعلم عثمان من هدي النبي ×في هجرة الحبشة أن الخطار
حمه ،أما أن يكونل بد أن يتجشمها المقربون إلى القائد وأهله وَر ِ
إليه البعدون غير ذوي خواص القائد في منأى عن الخطر ،ويدفع
المكانة ،فهو منهج بعيد عن نهج النبي ×(3).ولهذا لما تولى ذو النورين
الخلفة كان أقرباؤه في مقدمة الجيوش ،فهذا عبد الله بن أبي سرح
في فتوحات أفريقية ،وذاك عبد الله بن عامر في فتوحات المشرق،
وألزم معاوية أن يركب البحر ومعه زوجته وأن يكون في مقدمة
الجيوش الغازية ،وسيأتي تفصيل ذلك -بإذن الله -عند حديثنا عن
الفتوحات.
(4-)4كان عثمان أول من هاجر إلى الحبشة بأهله من هذه
»صحبهما الله ،إن عثمان لول من المة ,قال رسول الله ×:
هاجر إلى الله بأهله بعد لوط« ).(5
ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا ،وبلغ ذلك مهاجري الحبشة
أقبلوا ،حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلم
مكة ،وكان فيمن أهل مكة كان باطل ،فدخلوا في جوار بعض أهل
رجع عثمان بن عفان وزوجه رقية رضي الله عنهما (6).واستقر
المقام به حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة ،ومنذ اليوم الذي أسلم
فيه عثمان لزم النبي × حيث كان ،ولم يفارقه إل للهجرة بإذنه ،أو
في مهمة من المهام التي يندب لها ول يغني أحد فيها غناءه ،شأنه
في هذه الملزمة شأن الخلفاء الراشدين جميعا ،كأنما هي خاصة
)(7
من خواصهم رشحهم لها من رشحهم بعد ذلك للخلفة متعاقبين.
لقد كان ذو النورين على صلة وثيقة بالدعوة الكبرى منذ سنتها
الولى ،فلم يفته شيء من أخبار النبوة الخاصة والعامة في حياة
النبي × ولم يفته شيء بعدها من أخبار الخلفة في حياة الشيخين،
ولم يفته بعبارة أخرى شيء مما نسميه اليوم بأعمال التأسيس في
) (2المصدر نفسه، )( التربية القيادية ،منير الغضبان ).(1/333 2
السناد. 5
)( السيرة النبوية لبن هشام ) (6) .(1/402عثمان بن عفان ،ص .80 6
7
17
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الدولة السلمية).(8
***
18
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثاني
حياة عثمان مع القرآن الكريم
كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عثمان بن عفان وكل
الصحابة الكرام هو القرآن الكريم ،المنزل من عند رب العالمين،
فهو المصدر الوحيد للتلقي ،فقد حرص الحبيب المصطفى على
توحيد مصدر التلقي وتفرده ،وأن يكون القرآن الكريم وحده هو
المنهج الذي يتربى عليه الفرد المسلم والسرة المسلمة والجماعة
المسلمة ،فكانت اليات الكريمة التي سمعها عثمان من رسول
الله × مباشرة لها أثرها في صياغة شخصية ذي النورين السلمية؛
فتحول إلى )(1
فقد طهرت قلبه ،وزكت نفسه ،وتفاعلت معها روحه؛
إنسان جديد بقيمه ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته.
وقد تعلق عثمان بالقرآن الكريم ،وحدثنا أبو عبد الرحمن
السلمي كيف تعلمه من رسول الله × ،وله أقوال تدل على حبه
الشديد للعيش مع كتاب الله تعالى؛ فعن أبي عبد الرحمن السلمي
قال :حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن -كعثمان بن عفان ،وعبد الله
بن مسعود وغيرهما -أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي × عشر آيات
لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ،قالوا :فتعلمنا
يبقون مدة في حفظ َ والعلم والعمل جميعا ،ولهذا كانوا القرآن
كمَباَر ٌ ُ َ
ك يَ ل إ ه ناْ لز
َِ ٌ ْ َ َ ُ ِ ْ ن أ ب تا ك + قال: تعالى الله أن وذلك , )(2
السورة
ُ
ب" ]ص [29 :وقد روى عثمان ول ِي َت َذَك َّر أوُلو الل َْبا ِ ل ّي َدّب ُّروا آَيات ِ ِ
ه َ
رسول الله × قوله» :خيركم من تعلم القرآن عن
وعلمه« (3) .وقد عرض القرآن الكريم كامل على رسول الله ×
قبل وفاته .ومن أشهر تلميذ عثمان في تعلم القرآن الكريم أبو عبد
الرحمن السلمي ،والمغيرة بن أبي شهاب وأبو السود ،وزر بن
حبيش (4).وقد حفظ لنا التاريخ بعض أقوال عثمان في القرآن
الكريم(5حيث قال :لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلم الله عز )
ي يوم ل أنظر فيه إلى عهد وجل (.وقال :إني لكره أن يأتي عل ّ
ي)(7من الدنيا ثلث :إشباع حبب إل ّ الله)) 6يعني المصحف( .وقالُ :
الجيعان ،وكسوة العريان ،وتلوة القرآن .وقال :أربعة ظاهرهن
فضيلة وباطنهن فريضة :مخالطة الصالحين فضيلة والقتداء بهم
فريضة ،وتلوة القرآن فضيلة والعمل به فريضة ،وزيارة القبور
للموت فريضة ،وعيادة المريض فضيلة واتخاذ فضيلة والستعداد
سأل ْ ُ ي ل عالم عشرة: الشياء أضيع : وقال )(8
فريضة. الوصية منه
عنه ،وعلم ل يعمل به ،ورأي صواب ل يقبل ،وسلح ل يستعمل،
ومسجد ل يصلى فيه ،ومصحف ل يقرأ فيه ،ومال ل ينفق منه ،وخيل
ل ت ُْركب ،وعلم الزهد في بطن من يريد الدنيا ،وعمر طويل ل يتزود
) (2الفتاوى ).(13/177 )( السيرة النبوية للصلبي ).(1/145 1
2
)( تاريخ السلم ،عهد الخلفاء الراشدين للذهبي ،ص .467 4
) (2المصدر نفسه ،ص ،90 )( إرشاد العباد للستعداد ليوم المعاد ،ص .88 7
19
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
صاحبه فيه لسفره (1).وكان حافظا لكتاب الله ،وكان حجره ل
)(3
يفارق المصحف ،فقيل له في ذلك فقال :إنه مبارك جاء به يكاد
مبارك (2).وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم
الدار :اقتلوه أو دعوه ،فوالله النظر فيه .وقالت امرأة عثمان يوم
ركعة() ,(4وقد ذكر عنه أنه قرأ لقد كان يحيي الليل بالقرآن في
ليلة في ركعة لم يصل غيرها) , 5وقد تحقق فيه قول الله القرآن +أ َ
ما ً ِ ئ قا َ و َ دا ً جِ َ ِ سا ل ْ ي ّ ل ال َ ء نا َ آ ت ٌ ِ ن قا َ و
َ ه
ُ ن تعالىْ ّ َ :
م
ن َ ذي ِ ّ ل ا وي َ
ّ ُ ُ ْ ِت س َ ي ْ
ل ه َ لْ ق ُ هِ ّ ب ر ََ َ َ ة َ م حْ ر جو ُ ر خَر ّ َ َْ ي و َ ة حذَُر ال ِ يَ ْ
ب" ]الزمر: ِ با َ ْ ل ال لو أو ر ُ ك َ ذ َ ت َ ي ما ِ َ ّ ن إ ن
َ مو ُ ل عْ َ ي َ ل ن َ ذي ِ ل وا َ ن
َ مو ع ُ َ ل يَ ْ
.[9
بالمنهج القرآني وتتلمذ على يدي رسول الله لقد تشرب عثمان
وعرف من خلل القرآن الكريم من هو الله الذي يجب أن يعبده، ×
يغرس في نفسه معاني تلك اليات العظيمة ،فقد حرص وكان النبي ×
× يربي أصحابه على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم، أن
مدركا أن هذا التصور سيورث التصديق واليقين عندما تصفى النفوس
وتستقيم الفطرة ،فأصبحت نظرة ذي النورين إلى الله عز وجل،
والكون والحياة والجنة والنار ،والقضاء والقدر ،وحقيقة النسان،
وصراعه مع الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدي النبي ×.
فالله -سبحانه وتعالى -منزه عن النقائص ،موصوف بالكمالت
التي ل تتناهى ،فهو سبحانه )واحد ل شريك له ،ولم يتخذ صاحبة ول
سبحانه حدد مضمون هذه العبودية وهذا التوحيد في )(6
ولدا( .وأنه
استمدها من قول الله خل َق ال َ فقد للكون نظرته وأما الكريم،
ل أَ القرآن
ن ْ ي م و َ ي في ِ ض ر َ ذي ِ ّ ل با ن َ رو ف ُ ْ ك َ ت َ ل م ُ ك ّ ن إ ْ ق ُ + تعالى:
ْ َ ِ ْ َ َ َ ْ ِ ُ
َ
ْ َ َِ ُ
ي
َ س
ِ واة َأ َ ر َ ها َ في ِ
في أ َ ل َ ع
َ ج َ و
َ ن
َ مي
فيها أ َ ِ ل عا َ ل ا ب ّ ر َ ك ِ ل َ ذ دا ً دا َ ْ ن أ ه ُ ل ن َ لو ع ج َ وت َ ْ َ
ٍ م يا ّ ِ عَ َ ب ر ْ ِ ها َ َ ت وا َ ْ
ق َ ِ ر َ ّ د َ
ق وَ ها َ في ِ ك َ ر َ با َ و َ ها َ قِ و ْ ف َ من ِ
ن خا ٌ ي دُ َ ه ِ و
َ َ ء
ِ ما َ س
ّ ال لى َ إ وى ََ َ ت س
ْ ا مّ ُ ث ن َ لي ِ ِ ئ سا ّ لل ّ ً ء وا َ س َ
تا أ َت َ َي َْنا َ عا ِأ َ
ن عي َ طائ ِ ِ قال َ ها َ
َ و ك َْر ً ْ و ً ْ ض ائ ْت َِيا ط ِ ول ِل َْر َ ها ل لَ َ قا َ ف َ َ
ء
ما ٍ س َ ل َ في ك ُ ّ حى ِ و َ ِ َ ْ أ و ن ْ ي مَ و
ْ َ ي في ِ ت ٍ وا َ ما َ س َ ع َ ْ ب س َ ن ّ ه ُ ضا َ قَ ف َ
َ
ديُر ْ
حفظا ذَل ِك ت َق ِ َ ً ْ و ِ ح َ صاِبي َ م َ ماءَ الدّن َْيا ب ِ َ س َ وَزي ّّنا ال ّ ها َْ مَر َ أ ْْ
عِليم ِ" ]فصلت .[12 -9 :وأما هذه الحياة مهما طالت فهي ز ال َ زي ِ ع ِ ال َ
ما تعالى+ :إ ِن ّ َ إلى زوال وأن متاعها مهما َعظم فإنه قليل حقير ،قال
ت
ه ن ََبا ُ ط َ بِ ِ خت َل َ َ فا ْ ء َ ما ِ س َ ن ال ّ م َ ء أن َْزل َْناهُ ِ ما ٍ ة ال ْدّن َْيا ك َ َ حَيا ِ ل ال ْ َ مث َ ُ
ض َ َ َ ُ ُ ا َل َ
ت ا َلْر ُ خذ ِ حّتى إ ِذا أ َ م َ عا ُ والن ْ َ َ َ س
ُ نا ّ ال ل ك أ َ ي ماّ مِ ض
َ ِ ر ْ
ها ها أَتا َ عل َي ْ َ ن َ قاِد َُرو َ م َ ْ ه ها أن ّ ُ هل ُ َ ن أَ ْ وظَ ّ َ ت وا َّزي ّن َ ْ َ ها ف َ خر َُز ْ
س مْ بال ِ ن َ غ ْ َ ت م ْ دا ك َأن ل ّ ً صي ِ ح َ ها َ نا َ عل ْ َ ج
َ ف َ را ً ها َ َ ن و
ْ أ ً ل ْ ي مُر َُنا ل َ أ ْ
ِ
ن" ]يونس.[24 : فك ُّرو َ وم ٍ ي َت َ َ ق ْ ت لِ َ ل ال ََيا ِ ص ُ ف ّ ك نُ َ ك َذَل ِ َ
وأما نظرته إلى الجنة ،فقد استمدها من خلل اليات الكريمة،
عا في حياته عن أي انحراف عن شريعة الله، فأصبح هذا التصور راد ً
إرشاد العباد ،ص ،91فرائد الكلم ،ص .278 )( 1
البيان والتبيان في مقتل الشهيد عثمان ،(3/177) ،فرائد الكلم ،ص .273 )( 2
منهج الرسول في غرس الروح الجهادية ،ص .16 -10 )( 6
20
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فيرى المتتبع لسيرة ذي النورين عمق استيعابه لفقه القدوم على
الله عز وجل ،وشدة خوفه من عذاب الله وعقابه ،وسنرى ذلك في
صفحات هذا البحث بإذن الله تعالى.
وأما مفهوم القضاء والقدر فقد استمده من كتاب الله وتعليم
رسول الله × له ،فقد رسخ مفهوم القضاء والقدر في قلبه،
واستوعب مراتبه في كتاب الله تعالى ،فكان ْعلى يقين بأن علم
من ه ِ من ْ ُما ت َت ُْلو ِ و َ ن َ ش ُأ ٍ في َ ن ِ كو ُ ما ت َ ُ و َ الله محيط بكل ُشيءَ + :
دا إ ِذْ هو ً مش ُ ُ علي ْك ْ َ ل إ ِل كّنا َ ُ ّ م ٍ ع َ ن َ م ْ ن ِ ملو َ ع َ ول َ ت َ ْ ن َ قْرآ ٍ ُ
في ة ِ ل ذّر ٍ َ مثقا ِ َ ْ من ّ َ
عن َ ّرب ّك ِ ب َ عُز ُ ما ي َ ْ و َ ه َ في ِ ن ِ ضو َ في ُ
ول َ أ َك ْب ََر إ ِل ّ ِ من ذَل ِ َ تُ ِ َ
في ك َ غَر ِ ص َ ول َ أ ْ ء َ ما ِ س َ في ال ّ ول َ ِ ض َ الْر ِ
ن" ]يونس.[61 : مِبي ٍ ب ّ ك َِتا ٍ
حِيي ن نُ ْ ح َُ وأن الله تعالى قد كتب كل شيء كائن+ :إ ِّنا ن َ ْ
في
َ
صي َْناهُ َ ِ َ ح
ءأ ْ ي ٍ ش ْ ل َ وك ُ ّ م َ ه ْ وآَثاَر ُ موا َ قد ّ ُ ما َ ب َ ون َك ْت ُ ُ وَتى َ م ْ ال ْ َ
م
ول ْ نافذة وقدرته ّتامة+ :أ َ ]يس .[12 :وأن مشيئة الله في ال َ ن" مِبي ٍ مام ٍ ّ إِ َ
من ن ِ ذي َ ة ال ِ قب َ ُ عا ِ ن َ كا َ ف َ فَينظُُروا ك َي ْ َ ض َ َْ ِ ر ِ روا ُ سي ِ يَ
من جَزهُ ِ ع ِ ه ل ِي ُ ْ ن الل ُ كا َ ما َ و ََ َ وة ًّ قم ُ ه ْ من ْ ُ شد ّ ِ كاُنوا أ َ و َ َ م
ه ْ ِ ِ ل ْ ب ق َ
ديًرا" ق ِما َ ً عِلي ن َ كا َ ه َ ُ ض إ ِن ّ ِ في الْر ول َ ِ َ توا ِ َ ما َ سفي ال ّ ء ِ ي ٍ ش ْ َ
ه إ ِل ّم ل َ إ ِل َ َ ه َرب ّك ُ ْ م الل ُ ]فاطر .[44 :وأن الله خالق لكل شيء +ذَل ِ َك ُ ُ
ل" كي ٌ و ِ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ على ك ُ ّ و َ ه َ و ُ دوهُ َ عب ُ ُفا ْ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ ق كُ ّ خال ِ ُ و َ ه َ ُ
]النعام.[102 :
وقد ترتب على الفهم الصحيح والعتقاد الراسخ في قلبه لحقيقة
القضاء والقدر ثمار نافعة ومفيدة ،ظهرت في حياته ،وسنراها -بإذن
الله تعالى -في هذا الكتاب .وعرف من خلل القرآن الكريم حقيقة
نفسه وبني النسان ,وأن حقيقة خلقه ترجع إلى أصلين :الصل
الروح،ذي أ َ البعيد وهو الخلقة الولى من طين ،حين سواه ونفخ فيه
ن
ْ َ َس ح خلقه من نطفة ،قال تعالى+ :ال ّ ِ وبدأ َ والصل القريب وهو
ل ع َ ج
ّ َ َ م ُ ث ن طيِ من ِ ن ِ َ ِسا ْ ن ل ا ق
َ ْ ل خَ ه َ َ َ قَُ خل َ َ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ كُ ّ
ون َ َ ٍ َ َ
من ه ِ في ِ خ ِ ف َ ه
ّ ََ ّ ُ َ وا س م ُ ث نّ ِ َ ٍ هي م ء
ٍ ما ّ من ّ ة
ٍ ل ل س ُ من ِ هنَ ْ ُ
لس
ما ّ ً ل لي ِ َ
ق َ ةَ د ِ ئ فْ ل واَ َ َ ر صا ْ ب ل واَ ع
َ مّ ْ س ال مُ ُ ك َ ل َ
ل ع
َ ج
َ و
َ ه
ِ ح ّرو ِ
ن" ]السجدة.[9 -7 : شك ُُرو َ تَ ْ
وعرف أن هذا النسان خلقه الله بيده وأكرمه بالصورة الحسنة
والقامة المعتدلة ،ومنحه العقل والنطق والتمييز ،وسخر له ما في
السموات والرض وفضله على كثير من خلقه ،وكرمه بإرسال
الرسل له .وإن من أروع مظاهر تكريم المولى -عز وجل -للنسان
أن جعله أهل لحبه ورضاه ،ويكون ذلك باتباع النبي × الذي دعا
بالنعيم
ويظفرواك َر أ َ الناس إلى السلم لكي يحيوا حياة طيبة في الدنيا
و
َ ٍ ْ َ ذ من صال ِ ً ّ
حا ل ََ م َ ع ِن َ م ْ قال تعالىَ + : ُالمقيم في الخرة،
هم جَر ُ أ م
ّ َ َ ْ ِ َ ُ ْ ْه ّ ن ي ز ج َ ن ل و ة
ً ب ي َ ط ً ة يا ح ه ّ
ْ ِ َ ُ َ َن يي ح ُ ن َ لفَ ن
م ٌ ؤ ِ م ْ و ُ ه َ و ُ أن ْ ََثى َ
ن" ]النحل.[97 : مُلو َ َ ْ َع ي نوا ُ كاَ ما س ِ َ ن ح َ ب ِأ ْ
وعرف عثمان من خلل القرآن الكريم حقيقة الصراع بين
النسان والشيطان ،وأن هذا العدو يأتي للنسان من بين يديه ومن
خلفه وعن يمينه وعن شماله يوسوس له بالمعصية ويستثير فيه
كوامن الشهوات ،فكان مستعينا بالله على عدوه إبليس وانتصر عليه
21
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
في حياته ،وتعلم من قصة آدم مع الشيطان في القرآن الكريم أن
آدم هو أصل البشر ،وجوهر السلم الطاعة المطلقة لله ،وأن
النسان له قابلية للوقوع في الخطيئة ,وتعلم من خطيئة آدم ضرورة
توكل المسلم على ربه وأهمية التوبة والستغفار في حياة المؤمن،
وضرورة الحتراز من الحسد والكبر ،وأهمية التخاطب بأحسن الكلم
ي
ه َقوُلوا ال ِّتي ِ عَباِدي ي َ ُ قل ل ّ ِ و ُ
َمع الصحابة؛ لقول َالله تعالىَ + :
ن سا
ِ َ ِ ْ نلِ ل ن
َ َ
كا ن
َ َ
طا ْ يشّ ال ن
ّ ن َينَز ُ
غ ب َي ْن َ ُ ْ ِ
إ م ه ن ال ّ
شي ْطا َ ن إِ ّس ُح َ أ ْ
نا" ]السراء.[53 :
مِبي ًع ّ ّ
وا ُ د َ
لقد أكرم المولى -عز وجل -عثمان بن عفان بالسلم ،فعاش
به وجاهد به من أجل نشره ،واستمد أصوله وفروعه من كتاب الله
وهدي النبي × ،وأصبح من أئمة الهدى الذين يرسمون للناس خط
سيرهم ويتأسى الناس بأقوالهم وأفعالهم في هذه الحياة(1)،ول ننسى
أن عثمان بن عفان كان من ك ُّتاب الوحي لرسول الله × .
***
)( السياسة المالية لعثمان ،ص ،22التبيين في أنساب القرشيين ،ص .94 1
22
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثالث
ملزمته للنبي × في المدينة
إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان وصقل مواهبه
وفجر طاقته ،وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله × وتتلمذه على
يديه في مدرسة النبوة ،ذلك أن عثمان لزم الرسول × في مكة
بعد إسلمه كما لزمه في المدينة بعد هجرته؛ فقد نظم عثمان
نفسه ,وحرص على التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروع
شتى من المعارف والعلوم على يدي معلم البشرية وهاديها الذي
أدبه ربه فأحسن تأديبه ،فحرص على تعلم القرآن الكريم والسنة
المطهرة من سيد الخلق أجمعين.
وهذا عثمان يحدثنا عن ملزمته لرسول الله × فيقول :إن الله
-عز وجل -بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ،فكنت ممن
وآمن ،فهاجرت الهجرتين الوليين ،ونلت صهر استجاب لله ولرسوله
رسول الله ،ورأيت هديه (1).لقد تربى عثمان على المنهج
القرآني ،وكان المربي له رسول الله × ،وكانت نقطة البدء في
تربية عثمان هي لقاءه برسول الله × ،فحدث له تحول غريب
واهتداء مفاجئ بمجرد اتصاله بالنبي × ،فخرج من دائرة الظلم إلى
دائرة النور ،واكتسب اليمان وطرح الكفر ،وقوى على تحمل
الشدائد والمصائب في سبيل السلم وعقيدته السمحة .كانت
شخصية رسول الله × تملك قوى الجذب والتأثير على الخرين ،فقد
صنعه الله على عينه ،وجعله أكمل صورة لبشر في تاريخ الرض،
والعظمة دائما تحب وتحاط من الناس بالعجاب ،ويلتف حولها
المعجبون ويلتصقون بها التصاقا بدافع العجاب والحب ،ولكن
رسول الله × يضيف إلى عظمته تلك أنه رسول الله × متلقي
الوحي من الله ،ومبلغه إلى الناس ،وذلك ب ُْعد آخر له أثره في
تكييف مشاعر ذلك المؤمن تجاهه ،فهو ل يحبه لذاته فقط كما يحب
العظماء من الناس ،ولكن أيضا لتلك النفخة الربانية التي تشمله من
عند الله ،فهو معه في حضرة الوحي اللهي المكرم ،ومن ثم يلتقي
في شخص الرسول × البشر العظيم والرسول العظيم ،ثم يصبحان
شيئا واحدا في النهاية ،غير متميز البداية ول النهاية ،حب عميق
شامل للرسول البشر أو للبشر الرسول ،ويرتبط حب الله بحب
رسوله × ,ويمتزجان في نفسه فيصبحان في مشاعره هما نقطة
ارتكاز المشاعر كلها ،ومحور الحركة الشعورية والسلوكية كلها
كذلك.
مفتاح كان هذا الحب الذي حرك الرعيل الول من الصحابة هو
التربية السلمية ونقطة ارتكازها ومنطقها الذي تنطلق منه (2).لقد
حصل لعثمان وللصحابة ببركة صحبتهم لرسول الله × وتربيتهم على
يديه أحوال إيمانية عالية ،ولقد تتلمذ عثمان على يدي رسول الله،
فتعلم منه القرآن الكريم والسنة َالنبوية ،وأحكام التلوة وتزكية
ة وا إ َِلى ك َل ِ َ
م ٍ عال َ ْ ل ال ْك َِتا ِ
ب تَ َ ه َ النفوس ،قال تعالىُ + :
ق ْ
ل َيا أ ْ
)( فضائل الصحابة لبي عبد الله أحمد بن حنبل ) ،(1/597إسناده صحيح. 1
)( منهج التربية السلمية ،لمحمد قطب ،ص .35 ،34 2
23
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ول َ ر َ ول َ ن ُ ْ عب ُدَ إ ِل ّ الل ء بين ََنا وبين َك ُ َ
شي ًْئا ُ َ ه َك بِ ِ ِ ش َ ه
َ م َ أل ّ ن َ ْْ َ َ ْ وا ٍ َ ْ س َ َ
قولوا ف ُوا َ ّ ل
َ َ ْ و ت إن ف
ِ َِ ه الل ن دو
ُ ِ من با
ْ َ ً ّ با ر أ ضا
خ َ ْ ُ ََ َ ْ ً
ع ب ناض ع ب َ ذ ي َت ّ ِ
ن" ]آل عمران.[64 : مو َ سل ِ ُم ْ دوا ب ِأّنا ُ ه ُ ش َ ا ْ
وحرص على التبحر في الهدي النبوي الكريم خلل ملزمته
سْلمه ،وقد أمدته تلك المعايشة بخبرة رسول الله × في غزواته و ِ
ودربة ودراية بشئون الحرب ومعرفة بطبائع النفوس وغرائزها ،وفي
الصفحات القادمة سنبين -بإذن الله تعالى -مواقفه في الميادين
الجهادية والسياسية والجتماعية والقتصادية مع رسول الله × في
العهد المدني.
ل :عثمان في ميادين الجهاد مع رسول الله ×: أو ً
شرع رسول الله × بعد استقراره بالمدينة في تثبيت دعائم
الدولة السلمية ،فآخى بين المهاجرين والنصار ،فكل مهاجري يتخذ
من(1النصار ،فكان نصيب عثمان بن عفان في المؤاخاة أوس خا له أ ً
بن ثابت )،ثم أقام النبي × المسجد ،وأبرم المعاهدة مع اليهود،
وبدأت حركة السرايا ،واهتم بالبناء القتصادي والتعليمي والتربوي
في المجتمع الجديد .وكان عثمان من أعمدة الدولة السلمية،
فلم)(2يبخل بمشورة أو مال أو رأي ،وشهد المشاهد كلها إل غزوة
بدر .
-1عثمان وغزوة بدر:
لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان السيدة رقية
بنت رسول الله × مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش ،في
الوقت الذي دعا فيه رسول الله × للخروج لملقاة القافلة ،وسارع
عثمان للخروج مع رسول الله × ،إل انه تلقى أمًرا بالبقاء إلى
جانب رقية -رضي الله عنها -لتمريضها ،وامتثل لهذا المر بنفس
راضية وبقي إلى جوار زوجته الصابرة الطاهرة رقية ابنة رسول الله
× إذ اشتد بها المرض ،وطاف بها شبح الموت ،كانت رقية -رضي
الله عنها -تجود بأنفاسها وهي تتلهف لرؤية أبيها الذي خرج إلى بدر،
ورؤية أختها زينب في مكة ،وجعل عثمان يرنو إليها من خلل
دموعه ،والحزن يعتصر قلبه) ,(3ودعت نبض الحياة وهي تشهد أن ل
إله إل الله وأن محمدا رسول الله ،ولحقت بالرفيق العلى ،ولم تَر
أباها رسول الله ×؛ حيث كان ببدر مع أصحابه الكرام ،يعلون كلمة
الله ،فلم يشهد دفنها × ,وجهزت رقية ثم حمل جثمانها الطاهر على
العناق ،وقد سار خلفه زوجها وهو حزين ،حتى إذا بلغت الجنازة
البقيع ،دفنت رقية هناك ،وقد انهمرت دموع المشيعين ،وسوى
التراب على قبر رقية بنت رسول الله × .وفيما هم عائدون إذ بزيد
ابن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله × يبشر بسلمة رسول الله
× وقتل المشركين وأسر أبطالهم ،وتلقى المسلمون في المدينة
هذه النباء بوجوه مستبشرة بنصر الله لعباده المؤمنين ،وكان من
بين المستبشرين وجه عثمان الذي لم يستطع أن يخفي آلمه لفقده
)( المين ذو النورين ،محمود شاكر ،ص .40 1
)( نساء أهل البيت ،أحمد خليل جمعة ،ص .504 -491 3
24
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
رقية رضي الله عنها .وبعد عودة الرسول × علم بوفاة رقية -رضي
عنها(1-فخرج إلى البقيع ووقف على قبر ابنته يدعو لها الله
بالغفران) .
لم يكن عثمان بن عفان ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه أو
هروب ينشده كما يزعم أصحاب الهواء ممن طعن عليه بتغيبه عن بدر،
فهو لم يقصد مخالفة الرسول ؛×لن الفضل الذي حازه أهل بدر في
شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته ،وعثمان خرج فيمن خرج مع
جل ّ فرض لطاعتهده ×للقيام على ابنته ،فكان في أ َ رسول الله فر ّ
فشاركهم في الغنيمة وأجره بسهمه له ضرب وقد وتخليفه، لرسول الله
والفضل والجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما(2).فعن عثمان بن
عبد الله بن موهب قال :جاء رجل من مصر حج البيت فقال :يا ابن عمر
إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت ،هل تعلم
أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال :نعم ،ولكن أما تغيبه عن
فمرضت ،فقال له رسول الله ×: بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله
»لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه«(3).وعن أبي وائل ،عن عثمان بن
أنه قال :أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله × ،وقد عفان
وقال( زائدة في حديثه :ومن ضرب بسهم. فيها لي
× الله رسول ضرب
عد عثمان من البدريين رسول( الله ×فيها بسهم فقد شهد 4).وقد ُ له
بالتفاق). 5
-2عثمان وغزوة أحد:
في غزوة أحد منح الله -عز وجل -النصر للمسلمين في أول
المعركة ،وأخذت سيوف المسلمين تعمل عملها في رقاب
المشركين ،وكانت الهزيمة ل شك فيها ،وقتل أصحاب لواء
المشركين واحدا واحدا ،ولم يقدر أحد أن يدنو من اللواء ،وانهزم
المشركون ،وولولت النسوة بعد أن كن يغنين بحماس ويضربن
بالدفوف ،فألقين بالدفوف وانصرفن مذعورات إلى الجبل كاشفات
سيقانهن ،ولكن مال ميزان المعركة فجأة ،وكان سبب ذلك أن
الرماة الذين أوكل إليهم النبي × مكانا على سفح الجبل ل يغادرونه
مهما كانت نتيجة المعركة قد تخلوا إل قليل عن أماكنهم ،ونزلوا إلى
الساحة يطلبون الغنائم لما نظروا المسلمين يجمعونها ،وانتهز خالد
بن الوليد قائد سلح الفرسان القرشي فرصة خلو الجبل من الرماة،
وقلة من به منهم فكّر بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل ،فقتلوا
بقية الرماة ومعهم أميرهم عبد الله بن جبير الذي ثبت هو
وطائفة قليلة معه ,وفي غفلة المسلمين ،وأثناء انشغالهم بالغنائم
أطبق خالد ومن معه عليهم ،فأعملوا فيهم القتل ،فاضطرب أمر
المسلمين اضطرابا شديدا ،وانهزمت طائفة من المسلمين إلى
قرب المدينة منهم عثمان بن عفان ولم يرجعوا حتى انفض القتال،
وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي × قد قتل ،وفرقة ثبتت مع
كتاب المامة والرد على الرافضة ،للصبهاني ،ص .302 )( 2
25
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
النبي × ،أما الفرقة التي انهزمت وفرت فلقد أنزل الله فيها قرآنا
م
و َم يَ ْ من ْك ُ ْ ول ّ ْ
وا ِ ن تَ َ ذي َ ن ال ّ ِ
َ
يتلى إلى يوم القيامة ،قال تعالى+ :إ ِ ّ
سُبوا َ َ ك ما ض ع
ُ ِ َ ْ ِ َبب ن طا ّ
م ال ْ
يش ه ُ ست ََزل ّ ُما ا ْ
ن إ ِن ّ َ عا ِم َ قى ال ْ َ
ج ْ ال ْت َ َ
م" ]آل عمران [155 :غير ٌ لي
ِ ح
ٌ َ ر فو ُ َ
غ ه
َ الل ن إ م
ُ ْ ِ ّه ْ ن ع
َ ه
ُ الل فا َ ع
َ ق ْ
د ول َ ََ
أن أصحاب الهواء ل يرون إل ما تهوى أنفسهم ،فلم يروا من
المتراجعين إل عثمان ،فكانوا يتهمونه دون سائر)(1المتراجعين من
الصحابة ،وهل يبقى وحده؟ ولو فعل لخاطر بنفسه ,وبعد أن عفا
ي ،ل لبس فيه ول غموض ،فل الله عن المتراجعين فالحكم واضح جل ّ
مؤاخذة بعد ذلك على عثمان بن عفان) , (2فيكفي أن الله عفا عنه
بنص القرآن الكريم ،وحياته الجهادية بمجموعها تشهد له على
شجاعته.
-3في غزوة غطفان )ذي إمر(:
ندب رسول الله × المسلمين وخرج في أربعمائة رجل ومعهم
بعض الجياد ،واستخلف على المدينة عثمان بن عفان فأصابوا
صة( يقال له جبار من بني ثعلبة ،فأدخل على ق ّ رجل منهم )بذي ال ُ
رسول الله × فأخبره من خبرهم ،وقال :لن يلقوك ،لما سمعوا
بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك ،فدعاه رسول الله
ق
× إلى السلم فأسلم ،وضمه رسول الله × إلى بلل ولم يل ِ
رسول(3الله × إلى المدينة ولم يلق رسول الله × أحدا ،ثم أقبل
كيدا ،وكانت غيبته إحدى عشر ليلة) .
-4في غزوة ذات الرقاع:
بلغ رسول الله × أن جمًعا من غطفان من ثعلبة وأنمار يريدون
غزو المدينة ،فخرج في أربعمائة من أصحابه حتى قدم صراًرا ،وكان
رسول الله × قد استخلف على المدينة قبل خروجه عثمان بن
عفان ،لقي المسلمون جمعا غفيرا من غطفان ،وتقارب الناس ،ولم
يكن بينهم حرب ،وقد خاف الناس بعضهم بعضا ،حتى صلى رسول
الخوف ثم انصرف بالناس ،وقد غاب عن الله × بالناس صلة
المدينة خمسة عشر يوما).(4
-5في بيعة الرضوان:
عندما نزل رسول الله الحديبية رأى من الضرورة إرسال مبعوث
خاص من جانبه إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة
في القتال ،وحرصه على احترام المقدسات ،ومن ثم أداء مناسك
العمرة ،والعودة إلى المدينة ،فوقع الختيار على أن يكون مبعوث
الرسول × إلى قريش )خراش بن أمية الخزاعي( وحمله على جمل
يقال له )الثعلب( ,فلما دخل مكة عقرت به قريش ،وأرادوا قتل
خراش فمنعهم الحابيش ،فعاد خراش بن أمية إلى رسول الله ×
وأخبره بما صنعت قريش ،فأراد رسول الله × أن يرسل سفيرا آخر
بتبليغ قريش رسالة رسول الله × ،ووقع الختيار في بداية المر
المين ذو النورين ،محمود شاكر ،ص .49 )( 1
ذو النورين مع النبي ،د .عاطف لماضة ،ص .32 )( 2
26
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عن الذهاب إليهم، )(2
على عمر بن الخطاب) ,(1فاعتذر لرسول الله ×
وأشار على رسول الله × أن يبعث عثمان مكانه ،وعرض عمر
رأيه هذا معزًزا بالحجة الواضحة ،وهي ضرورة توافر الحماية لمن
يخالط هؤلء العداء ,وحيث إن هذا المر لم يكن متحققا بالنسبة
لن( له قبيلة تحميه من لعمر ،فقد أشار على النبي × بعثمان
أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله ×) , 3وقال لرسول الله
× :إني أخاف قريشا على نفسي ،قد عرفت عداوتي لها ،وليس بها
من بني عدي من يمنعني ،وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم),(4
فلم يقل رسول الله × شيئا ،قال عمر :ولكن أدلك يا رسول الله
على رجل أعز بمكة مني ،وأكثر عشيرة وأمنع ،عثمان بن عفان،
فدعا رسول الله × عثمان فقال» :اذهب إلى قريش
ت لقتال أحد ،وإنما جئنا زواًرا لهذا فخبرهم أّنا لم نأ ِ
الهدي ،ننحره وننصرف«، معنا لحرمته، البيت ،معظمين
فخرج عثمان بن عفان حتى أتى بلدح) (5فوجد قريشا هناك،
فقالوا :أين تريد؟ قال :بعثني رسول الله × إليكم ،يدعوكم إلى الله
وإلى السلم ،تدخلون في دين الله كافة ،فإن الله مظهر دينه ومعز
نبيه ،وأخرى تكفون وي َِلي هذا منه غيركم ،فإن ظفروا بمحمد فذلك
ما أردتم ،وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه
الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون ،إن الحرب قد نهكتكم،
وأذهبت بالماثل منكم ،فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما ل يريدون،
ويقولون :قد سمعنا ما تقول ول كان هذا أبدا ،ول دخلها علينا عنوة،
فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه ل يصل إلينا ،فقام إليه أبان بن سعيد
بن العاص فرحب به وأجاره وقال :ل تقصر عن حاجتك ،ثم نزل عن
فرس كان عليه ،فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه ،فدخل
عثمان مكة فأتى أشرافهم رجل رجل؛ أبا سفيان بن حرب ،وصفوان
بن أمية ،وغيرهما من لقي ببلدح ،ومنهم من لقي بمكة ،فجعلوا
أبدا (6).وعرض المشركون يردون عليه :إن محمدا ل يدخلها علينا
على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى) ،(7وقام عثمان بتبليغ رسالة
رسول الله × إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج
والمخرج (8)،وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله × جاء فيها:
اقرأ على رسول الله × منا السلم ،إن الذي أنزله بالحديبية لقادر
على أن يدخله بطن مكة (9).وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها
قتال
)(10
أن عثمان قتل ،فدعا رسول الله × أصحابه إلى مبايعته على
الصحابة وبايعوه على الموت المشركين ومناجزتهم ،فاستجاب
سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه (11).وفي رواية أن البيعة كانت
27
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تعارض في ذلك؛ )(3
على الصبر) ,(1وفي رواية على عدم الفرار) ،(2ول
لن المبايعة على الموت تعني الصبر وعدم الفرار (4).وكان أول من
بايعه على ذلك أبا سنان عبد الله بن وهب السدي ،فخرج الناس
بعده يبايعون على بيعته) ,(5وبايعه)(6سلمة بن الكوع ثلث مرات؛ في
أول الناس ،وأوسطهم ،وآخرهم .وقال النبي × بيده اليمنى:
»هذه يد عثمان« فضرب بها على يده (7).وكان عدد الصحابة
الذين أخذ منهم الرسول × المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة
صحابي (8).وقد تحدث القرآن الكريم عن أهل بيعة الرضوان ،وورد
فضلهم في نصوص كثيرة من اليات القرآنية ،والحاديث النبوية،
منها:
د
ه يَ ُ ن الل َ عو َ ما ي َُباي ِ ُ ك إ ِن ّ َ عون َ َ ن ي َُباي ِ ُ ذي َ ن ال ّ ِ -1قال َتعالى+ :إ ِ ّ
ن م ْ و َ ه َ س ِ ْ
على ن َف ِ َ ث َ ُ
ما َين َك ُ ث فإ ِن ّ َ َ َ
من ن ّك َ ف َ م َ ه ْ ه َ
َ َ دي ِوق َ أي ْ ِ ف ْ َالل ِ
و َ
ما" ]الفتح.[10 : ظي
َ ُ ِ ِ ْ ً َ ِ ً ع را ج أ ه تي ْ
ؤ ي س ف ه
َ الل ه
فى ِ َ َ َ َ َ ْ ُ
ي ل ع د ه عا ما ب أ ْ
جعَر ْ ِ عَلى ال ْ ول َ َ ج َ حَر ٌ مى َ ع َ عَلى ال ْ س َ تعالى+ ْ :ل َي ْ َ -2قال
ه
خل ُ دْ ِ ُ ي ه
ُ َ ل سو ُ ر َ َو ه
َ الل ع ِ ط ُ ي من َ و
َ ج
ٌ رَ ح
َ ض ري ِ م
َ ل ا لى َ ع
َ ول َ ج َ حَر ٌ َ
َ ِ ِ
ما ذاًبا أِلي ً ع َ ه َ عذّب ْ ُ ل يُ َ و ّ َ َ ت َ ي من َ و ُ َ ر ها َ ْ ن ال ها
َ ِ تح ْ َ ت من ِ ري ِ جْ َ ت ت
ٍ نا ّ ج َ
ة
جَر ِ ش َ ت ال ّ حَ َ ك تَ ْ عون َ َ ن إ ِذْ ي َُباي ِ ُ مِني َ ؤ ِ م ْ ُ عن ال ْ َ ه
ُ الل ي
َ ض ِ ر
َ ْ د قَ َ ل
ِ
حا فت ْ ً م َ ه ْ وأَثاب َ ُ م َ ه ْ ة َ َ
علي ْ ِ كين َ َ س ِ ل ال ّ فأ َن َْز َ م َ ه ْ قلوب ِ ِ
في ُ ُ ما ِ م َ عل ِ َ ف َ َ
با" ]الفتح.[18 ،17 : ري ً ق ِ َ
-3قال جابر بن عبد الله :قال لنا رسول الله × يوم الحديبية:
الرض« ،وكنا ألفا وأربعمائة ،ولو كنت أبصر »أنتم خير أهل
لريتكم موضع الشجرة (9).هذا الحديث صريح في فضل أصحاب
الشجرة؛ فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة
ي على عثمان؛ وبغيرهما ..وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل عل ّ
لن عليا كان من جملة من خوطب بذلك ،وممن بايع تحت الشجرة،
وكان عثمان حينئذ غائبا ،وهذا التمسك باطل؛ لن النبي × بايع عنه
الخيرية( المذكورة ،ولم يقصد في الحديث )10
فاستوى معهم عثمان في
إلى تفضيل بعضهم على بعض.
وفي الحديبية ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان بعدة أمور،
منها :اختصاصه بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما بايع
الصحابة وعثمان غائب ،واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله × إلى
ن بمكة أسيرا من المسلمين ،وذكر شهادة النبي × لعثمان م ْ َ
بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة) ،(11فعن
)( البخاري ،رقم.4169 : 1
28
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
إياس بن سلمة عن أبيه أن النبي × بايع لعثمان إحدى يديه على
الطواف بالبيت آمنا ،فقال الخرى ،فقال الناس :هنيئا لبي عبد الله
النبي ×» :لو مكث كذا ما طاف حتى أطوف« ).(1
وقد اتهم عثمان ظلما بأنه لم يبايع رسول الله × بيعة الرضوان
وكان متغيبا عنها ،فهذه من التهامات التي ألصقت بعثمان في
أحضان فتنة أريد بها تقويض أركان الخلفة خاصة) ،(2وسيأتي تفصيل
ذلك بإذن الله تعالى .وعن أنس قال :لما أمر رسول الله × ببيعة
الرضوان كان عثمان بن عفان بعثه رسول الله × إلى أهل مكة
فبايعه الناس ،فقال :إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله،
الرض ،فكانت يد رسول الله × لعثمان فضرب بإحدى يديه على
خيرا من أيديهم لنفسهم).(3
-6شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في
فتح مكة:
لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند
عثمان بن عفان ،فجاء به حتى أوقفه على النبي × ،فقال :يا رسول
الله بايع عبد الله ،فرفع رأسه ،فنظر إليه ثلثا ،كل ذلك يأبى ,فبايعه
بعد ثلث ثم أقبل على الصحابة فقال» :أما كان فيكم رجل
رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته
فيقتله« ،فقالوا :ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ،أل أومأت
بعينك؟(4قال» :إنه ل ينبغي لنبي أن يكون له خائنة إلينا
)
العين«.
وجاء في رواية :لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله × الناس إل
أربعة نفر ،وقال» :اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين
بن(5أبي جهل ،وعبد الله بن بأستار الكعبة :عكرمة
ومقيس بن حبابة) وعبد الله بن سعد بن أبي خطل،
السرح« (6) .فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار
الكعبة فاستبق إليه سعد بن حارث وعمار بن ياسر فسبق سعيد
عمارا ،وكان أشب الرجلين فقتله ،وأما عكرمة فركب في البحر
فأصابتهم ريح عاصف ،فقال أصحاب السفينة :أخلصوا فإن آلهتكم ل
تغني عنكم شيئا ههنا ،فقال عكرمة :والله لئن لم ينجني في البحر
ي عهد إن أنت إل الخلص لم ينجني في البر غيره ،اللهم لك عل ّ
عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ولجدنه
عفوا كريما ،فجاء وأسلم .وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه
البيعة
)(7
اختبأ عند عثمان بن عفان ،فلما دعا رسول الله الناس إلى
جاء به حتى أوقفه على النبي × ،ثم ذكر الباقي كما مر معنا.
)( سير السلف الصالحين ) ،(1/181إسناده ضعيف ،والحديث صحيح ،سنن 3
)( أضواء البيان في تاريخ القرآن ,صابر أبو سليمان ،ص .79 5
29
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وعن عبد الله بن عباس قال :كان عبد الله بن سعد بن أبي
السرح يكتب لرسول الله × ،فأزله الشيطان فلحق بالكفار ،فأمر به
رسول( الله × أن يقتل يوم الفتح ،فاستجار له عثمان ،فأجاره رسول
الله 1).وذكر ابن إسحاق سبب أمر رسول الله × بقتل سعد
وشفاعة عثمان فيه فقال :وإنما أمر رسول الله × بقتله لنه كان قد
أسلم ،وكان يكتب لرسول الله × الوحي ،فارتد مشركا راجعا إلى
قريش ،ففر إلى عثمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة ،فغيبه حتى
أتى به رسول الله × بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة فاستأمن له،
فوله عمر بن الخطاب بعض أعماله، قال ابن هشام :ثم أسلم بعد،
ثم وله عثمان بن عفان بعد عمر).(2
-7غزوة تبوك:
في العام التاسع الهجري ولي هرقل وجهه المتآمر صوب
ظا برغبة شريرة في العدوان عليها والتهامها، الجزيرة العربية متلم ً
وأمر قواته بالستعداد وانتظار أمره بالزحف ،وترامت النباء إلى
الرسول × فنادى في أصحابه بالتهيؤ للجهاد وكان الصيف حارا
يصهر الجبال ،وكانت البلد تعاني الجدب والعسرة ،فإن قاوم
المسلمون بإيمانهم وطأة الحر القاتل وخرجوا إلى الجهاد فوق
الصحراء الملتهبة المتأججة فمن أين لهم العتاد ،والنفقات التي
يتطلبها الجهاد؟ لقد حض الرسول على التبرع فأعطى ك ّ
ل قدَر
وسعه ،وسارعت النساء بالحلي يقدمنه إلى رسول الله × يستعين
به في إعداد الجيش ،بيد أن التبرعات جميعها لم تكن لتغني كثيرا
أمام المتطلبات للجيش الكبير ،ونظر الرسول × إلى الصفوف
الطويلة العريضة من الذين تهيأوا للقتال وقال» :من يجهز هؤلء
ويغفر الله له؟« وما كاد عثمان يسمع نداء الرسول × هذا حتى
سارع إلى مغفرة من الله ورضوان ،وهكذا وجدت العسرة الضاغطة
)عثمانها
المعطاء( ) ،(3وقام بتجهيز الجيش حتى لم يتركه بحاجة إلى
خطام أو عقال.
يقول ابن شهاب الزهري :قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة
تبوك تسعمائة وأربعين بعيرا ،وستين فرسا أتم بها اللف ،وجاء
عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلف دينار صبها
يقلبها بيده ويقول» :ما ضر عثمان ما بين يديه ،فجعل الرسول
كان عثمان صاحب القدح لقد )(4
مرتين. عمل بعد اليوم«
المعلى في النفاق في هذه الغزوة) ,(5وهذا عبد الرحمن بن حباب
يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال :شهدت النبي × وهو يحث على
ي
جيش العسرة ،فقام عثمان بن عفان فقال :يا رسول الله ،عل ّ
مائتا بعير بأحلسها وأقتابها في سبيل الله ،ثم حض على الجيش
ي ثلثمائة بعير
فقام عثمان بن عفان فقال :يا رسول الله ،عل ّ
)( المصدر نفسه ،ص .80 1
)( فتح الباري ) ،(7/67خلفاء الرسول ،ص ،250العشرة المبشرون بالجنة، 3
30
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بأحلسها وأقتابها في سبيل الله ،فأنا رأيت رسول الله ينزل على
ما عمل بعد هذه ،ما المنبر وهو يقول» :ما على عثمان
)(1
على عثمان ما عمل بعد هذه«.
وعن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنهما -قال :جاء عثمان
بن عفان إلى النبي × بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي × جيش
ويقول» :ما ضر ابن العسرة ،قال :فجعل النبي × يقلبها بيده
)(2
عفان ما عمل بعد اليوم« يرددها مرارا.
إنه يبدو وكأنه الممول الوحيد للمة الجديدة ،ومضى الرسول ×
على رأس جيشه حتى وصلوا موطنا يدعى تبوك في منتصف الطريق
بين المدينة ودمشق ،وهناك جاءته النباء مبشرة بأن هرقل الذي كان
يعد العدة للزحف من دمشق قد ثلم الله عزمه ،وغادر دمشق نافضا
يديه من محاولته اليائسة بعد أن علم بخروج النبي وأصحابه إليه ،ورجع
الجيش بكل عتاده الذي أمده به عثمان ،فهل استرجع من ذلك شيئا؟
التلبية لكل إيماءة كل ..وحاشاه أن يفعل ،وقد ظل كما كان دوما سريع
تعني جديدا من البذل ،ومزيدا من العطاء).(3 من النبي ×
ثانًيا :من حياته الجتماعية في المدينة:
-1زواجه من أم كلثوم سنة 3هـ:
عرفت أم كلثوم -رضي الله عنها -بكنيتها ول يعرف لها اسم إل
مصعب(4الزبيري أن اسمها أمية ،وهي أكبر سنا ما ذكره الحاكم عن
من فاطمة رضي الله عنها) .
قال سعيد بن المسيب :تأيم عثمان من رقية بنت رسول الله ×،
وتأيمت حفصة بنت عمر من زوجها ،فمر عمر بعثمان ،فقال :هل
لك في حفصة ،وكان عثمان قد سمع رسول الله × يذكرها فلم
من(5ذلك؟ يجبه ،وذكر ذلك عمر للنبي × فقال :هل لك في خير
أتزوج حفصة ،وأزوج عثمان خيرا منها :أم كلثوم ).وفي
رواية البخاري :قال عمر :تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن
حذافة السهمي ،وكان من أصحاب رسول الله فتوفي في المدينة،
فقال عمر :أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر.
قال :فقلت :إن شئت أنكحتك حفصة ،فقال :سأنظر في أمري،
فلبثت ليالي ،ثم لقيني فقال :قد بدا لي أن ل أتزوج يومي هذا ،قال
بنت
شئت زوجتك حفصة َ عمر :فلقيت أبا بكر الصديق ،فقلت :إن
جد َي شيئا ،فكنت عليه أوْ َ ّ إل عمر ،فصمت أبو بكر الصديق فلم يرجع
مني على عثمان ،فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله × فأنكحتها
ي
ي حين عرضت عل ّ إياه ،فلقيني أبو بكر فقال :لعلك وجدت عل ّ
حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر :نعم ،قال :فإنه لم يمنعني أن
ي ،إل أني كنت علمت أن رسول الله قد أرجع إليك فيما عرضت عل ّ
ذكرها ،فلم أكن لفشي سر رسول الله × ،ولو تركها رسول الله
سنن الترمذي ،رقم.(3700) : )( 1
خلفاء الرسول ،ص ،138العشرة المبشرون بالجنة ،ص .31 )( 3
الدوحة النبوية الشريفة ،فاروق حمادة ،ص .46 ،45 )( 4
31
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
قبلتها.
وتروي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها -خبر
زواج أم كلثوم من عثمان فتقول :لما زوج النبي ابنته أم كلثوم
أيمن» :هيئ ابنتي أم كلثوم وزفيها إلى عثمان، قال لم
وخفقي) (2بين يديها بالدف« ،ففعلت ذلك ،فجاءها النبي ×
فدخل(3عليها فقال» :يا بنية ،كيف وجدت بعلك«؟ )
بعد الثالثة
قالت :خير بعل.
وعن أبي هريرة أن النبي × وقف عند باب المسجد فقال:
»يا عثمان ،هذا جبريل أخبرني أن الله قد زوجك أم
كلثوم بمثل صداق رقية ،وعلى مثل صحبتها« ،وكان ذلك
ثلث من الهجرة النبوية ،في ربيع الول ،وبنى بها في جمادى )(4
سنة
الخرة.
-2وفاة عبد الله بن عثمان:
وفي جمادى الولى سنة أربع من الهجرة مات عبد الله بن
عثمان من رقية بنت رسول الله × وهو ابن)(5ست سنين ،فصلى
رسول الله × عليه ،ونزل حفرته والده عثمان .وهذه محنة
عظيمة تعرض لها عثمان ،وما أكثر المحن في حياة الدعاة إلى الله
تعالى.
-3وفاة أم كلثوم رضي الله عنها:
ولم تزل أم كلثوم عند عثمان -رضي الله عنهما -إلى أن توفيت
في شعبان سنة تسع من الهجرة بسبب مرض نزل بها ،وصلى عليها
رسول الله × وجلس على قبرها .وعن أنس ابن مالك أنه رأى النبي
× جالسا على قبر أم كلثوم ،قال :فرأيت عينيه تدمعان ،فقال» :هل
رجل لم يقارف الليلة؟« فقال أبو طلحة :أنا ،قال» :فانزل في )(6
منكم
قبرها«.
وعن ليلى بنت قانف الثقفية قالت :كنت فيمن غسل أم كلثوم
بنت رسول الله × عند وفاتها ،فكان أول ما أعطانا رسول الله ×
الحقو ،ثم الدرع ،ثم الخمار ،ثم الملحفة ،ثم أدرجت بعده في الثوب
الخر (،قالت :ورسول الله × عند الباب ومعه كفنها يناولنا إياه ثوبا)7
ي بن أبي طالب ,والفضل بن ثوبا .وجاء عند ابن سعد أن عل ّ
العباس ،وأسامة بن زيد ،قد نزلوا في حفرتها مع أبي طلحة وأن
التي غسلتها هي أسماء بنت عميس ،وصفية بنت عبد المطلب).(8
وقد تأثر عثمان وحزن حزنا عظيما على فراقه لم كلثوم،
البخاري ،كتاب النكاح ،رقم.(5122) : )( 1
السيرة النبوية لبي شهبة ) ،(2/231دماء على قميص عثمان ،ص .22 )( 3
سنن ابن ماجه ،رقم ،(110) :وفيه عثمان بن خالد وهو ضعيف. )( 4
الكامل لبن الثير ) ،(2/130دماء على قميص عثمان ،ص .22 )( 5
الطبقات لبن سعد ,(8/39) ،الدوحة النبوية ،ص .48 )( 8
32
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ورأى رسول الله × عثمان وهو يسير منكسرا وفي وجهه حزن
فدنا منه وقال» :لو كانت عندنا ثالثة لزوجناكها يا لما أصابه،
عثمان« .وهذا دليل حب رسول الله × لعثمان ،ودليل وفاء )(1
عثمان لنبيه وتوقيره ،وفيه دليل على نفي ما اعتاده الناس من
في مثل هذا الموطن ،فإن قدر الله ماض وأمره نافذ ول التشاؤم
راد لمره).(2
ثالثـا :من مساهماته القتصادية في بناء الدولة:
كان عثمان من الغنياء الذين أغناهم الله عز وجل ،وكان
صاحب تجارة وأموال طائلة ،ولكنه استخدم هذه الموال في طاعة
الله -عز وجل -وابتغاء مرضاته وما عنده ،وصار سّباقا لكل خير ينفق
ول يخشى الفقر ،ومما أنفقه من نفقاته الكثيرة على سبيل
المثال ما يأتي:
-1بئر رومة:
عندما قدم النبي × المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل،
وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة ،فقال رسول الله ×» :من
بخير(4له في
)
يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلء المسلمين
الجنة« (3).وقال ×» :من حفر بئر رومة فله الجنة«.
وقد كانت رومة قبل قدوم النبي × ل يشرب منه أحد إل بثمن،
فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء ،وكانت لرجل من بني
د ،فقال النبي ×:م ّ
غفار عين يقال لها رومة ،وكان يبيع منها القربة ب ِ ُ
»تبيعها بعين في الجنة؟« فقال :يا رسول الله ,ليس لي ول لعيالي
غيرها ،فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلثين ألف درهم ،ثم
أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال» :نعم« قال: أتى النبي × فقال:
قد جعلتها للمسلمين (5).وقيل :كانت رومة ركية ليهودي يبيع
من(6اليهودي بعشرين المسلمين ماءها ،فاشتراها عثمان بن عفان
ألف درهم ،فجعلها للغني والفقير وابن السبيل) .
-2توسعة المسجد النبوي:
بعد أن بنى رسول الله × مسجده في المدينة ،فصار المسلمون
يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس ،ويحضروا خطب النبي ×
التي يصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه ،ويتعلموا في المسجد أمور
دينهم ،وينطلقوا منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها ،ولذلك ضاق
المسجد بالناس ،فرغب النبي × من بعض الصحابة أن يشتري بقعة
بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لهله ،فقال ×:
»من يشتري بقعة آل فلن فيزيدها في المسجد بخير له منها في
الخلفاء الراشدون ..أعمال وأحداث ،د.أمين القضاة ،ص .73 )( 2
أخرجه البخاري رقم (2778) :معلقا ،وهو صحيح لشواهده. )( 4
فتح الباري ) ,(5/408الحكمة في الدعوة إلى الله ،ص .231 )( 6
33
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بخمسة
)(2
)(1
الجنة؟« فاشتراها عثمان بن عفان من صلب ماله
ثم أضيفت للمسجد ,ووسع وعشرين ألف درهم ،أو بعشرين ألفا،
على المسلمين رضي الله عنه وأرضاه).(3
-3العسرة وعثمانها المعطاء:
عندما أراد رسول الله × الرحيل إلى غزوة تبوك حث الصحابة
الغنياء على البذل لتجهيز جيش العسرة الذي أعده رسول الله ×
ل على لغزو الروم ،فأنفق الموال من صحابة رسول الله × ك ّ
طاقته وجهده ،أما عثمان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق حسب
أحد مثلها ) ,(4وقد تم بيانها عند حديثنا عن موقفه في غزوة تبوك.
***
34
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الرابع
من أحاديث الرسول × في عثمان بن عفان
ل :فيما ورد في فضائله مع غيره: أو ً
شره بالجنة على بلوى تصيبه: -1افتح له وب ّ
عن أبي موسى قال :كنت مع النبي × في حائط من حيطان
المدينة ،فجاء رجل فاستفتح ،فقال النبي ×» :افتح له ،وبشره
بالجنة« ففتحت له فإذا هو أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله،
فحمد الله ،ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي ×» :افتح له وبشره
بالجنة« ففتحت له فإذا هو عمر ،فأخبرته بما قال النبي × فحمد
الله ،ثم استفتح رجل فقال لي» :افتح له وبشره بالجنة على بلوى
فأخبرته بما قال رسول الله × فحمد الله، )(1
تصيبه« فإذا هو عثمان،
ثم قال :الله المستعان.
هذا الحديث تضمن فضيلة هؤلء الثلثة المذكورين؛ وهم أبو بكر
وعمر وعثمان ،وأنهم من أهل الجنة كما تضمن فضيلة لبي موسى،
وفيه دللة على جواز الثناء على النسان في وجهه إذا أمنت عليه
لخباره بقصة عثمان العجاب ونحوه ،وفيه معجزة ظاهرة للنبي ×
والبلوى ،وأن الثلثة يستمرون على اليمان والهدى).(2
-2اسكن أحد فليس عليك إل نبي وصديق وشهيدان:
عن أنس قال :صعد النبي × أحدا ومعه أبو بكر وعمر
-أظنه ضربه برجله -فليس وعثمان ،فرجف ،فقال» :اسكن أحد
عليك إل نبي وصديق وشهيدان« ).(3
-3اهدأ فما عليك إل نبي أو صديق أو شهيد:
عن أبي هريرة :أن رسول الله × كان على حراء ،وأبو بكر
وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ،فتحركت الصخرة ،فقال
رسول الله ×» :اهدأ ،فما عليك إل نبي أو صديق أو شهيد« ).(4
-4حياء عثمان :
عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن
عائشة زوج النبي × وآله وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على
مْرط عائشة فأذن س ِرسول الله × وهو مضطجع على فراشه لب ٌ
لبي بكر وهو كذلك ،فقضى إليه حاجته ثم انصرف ،ثم استأذن عمر
فأذن له وهو على تلك الحال ،فقضى إليه حاجته ثم انصرف ،قال
عثمان :ثم استأذنت عليه فجلس ،وقال لعائشة» :اجمعي عليك
ثيابك« ،فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت ،فقالت عائشة :يا رسول
الله ،ما لي لم أرك فزعت لبي بكر وعمر -رضي الله عنهما -كما
شرح النووي على صحيح مسلم.(171 ،170 /15) ، )( 2
35
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فزعت لعثمان؟ قال رسول الله ×» :إن عثمان رجل حيي ،وإني
)(1
ي في حاجته«. خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن ل يبلغ إل ّ
-5استحياء الملئكة من عثمان:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت :كان رسول الله
× مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه ،فاستأذن أبو بكر
فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ،ثم استأذن عمر فأذن له وهو
كذلك فتحدث ،ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله × وسوى ثيابه.
قال محمد -أحد رواة الحديث ،ول أقول ذلك في يوم واحد -فدخل
ش له ولمفتحدث ،فلما خرج قالت عائشة :دخل أبو بكر فلم تهت ّ
ت َُباِله ،ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ،ثم دخل عثمان فجلست
وسويت ثيابك ،فقال» :أل استحي من رجل تستحي منه
الملئكة؟!« (2) .قال المناوي :مقام عثمان مقام الحياء ،والحياء
فرع يتولد من إجلل من يشاهده ويعظم قدره ،مع نقص يجده في
النفس ،فكأنه غلب عليه إجلل الحق تعالى ،ورأى نفسه بعين
النقص والتقصير ،وهما من جليل خصال العباد المقربين ،فعلت رتبة
كما(3أن من أحب)
عثمان كذلك ،فاستحيت منه خلصة الله من خلقه،
الله أحب أولياءه ،ومن خاف الله خاف منه كل شيء.
-6أصدقها حياء عثمان:
عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله ×» :أرحم أمتي أبو
بكر ،وأشدها في دين الله عمر ،وأصدقها حياء عثمان ،وأعلمها
بالحلل والحرام معاذ بن جبل ،وأقرأها لكتاب الله ُأبي ،وأعلمها
زيد(4بن ثابت ،ولكل أمة أمين ،وأمين هذه المة أبو عبيدة )
بالفرائض
بن الجراح«.
ثانًيا :إخبار رسول الله × عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان:
-1من نجا من ثلث فقد نجا:
عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله × قال» :من نجا من ثلث
فقد
مرات :-موتى ،والدجال ،وقتل خليفة مصطبر بالحق )(5
-ثلث نجا
معطيه«.
ومعلوم أن الخليفة الذي قتل مصطبرا بالحق هو عثمان،
فالقرائن تدل على أن الخليفة المقصود بهذا الحديث هو عثمان بن
عفان .وفي الحديث -والله أعلم -لفتة عظيمة إلى أهمية السلمة
من الخوض في هذه الفتنة حسّيا ومعنوًيا ،أما حسًيا فذلك يكون في
الفتنة من تحريض وتأليب وقتل وغير ذلك ،وأما معنوًيا فبعد الفتنة
من خوض فيها بالباطل ،وكلم فيها بغير حق ،وبهذا يكون الحديث
)( مسند المام أحمد ،باقي كتاب مسند المكثرين ،باب مسند أنس بن مالك ) 4
.(12493
)( المسند ) ،(5/346) (4/419تحقيق أحمد شاكر. 5
36
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
عاما للمة ،وليس خاصا بمن أدرك الفتنة.
-2يقتل فيها هذا المقنع يومئذ:
عن ابن عمر قال :ذكر رسول الله × فتنة ،فمر رجل فقال:
»يقتل فيها هذا)(2المقنع يومئذ مظلوما« قال :فنظرت فإذا
هو عثمان بن عفان .
-3هذا يومئذ على الهدى:
عن كعب بن عجرة قال :ذكر رسول الله × فتنة فقربها ،فمر
رجل مقنع رأسه ،فقال رسول الله ×» :هذا يومئذ على الهدى.
فوثبت فأخذت بضبعي عثمان ،ثم استقبلت رسول الله × فقلت:
هذا؟ قال :هذا«).(3
-4تهيج فتنة كالصياصي ،فهذا ومن معه على الحق:
عن مرة البهزي قال :كنت عند رسول الله × ،وقال بهز -من
رواة الحديث :-قال رسول الله ×» :تهيج فتنة كالصياصى،
«(4.قال :فذهبت فأخذت بمجامع فهذا ومن معه على الحق
ثوبه ،فإذا هو عثمان بن عفان . )
-5هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى:
عن أبي الشعث قال :قامت خطباء بإيلياء في إمارة معاوية ،
فتكلموا وكان آخر من تكلم مرة بن كعب فقال :لول حديث سمعته
من رسول الله × ما قمت ،سمعت رسول الله × يذكر فتنة فقربها،
فمر رجل مقنع فقال» :هذا يومئذ وأصحابه على الحق
والهدى« ،فقلت :هذا يا رسول الله؟ وأقبلت بوجهه إليه فقال:
»هذا« ،فإذا هو عثمان .(5)
-6عليكم بالمين وأصحابه:
عن أبي حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها ،وأنه سمع أبا
هريرة يستأذن عثمان في الكلم ،فأذن له ،فقام فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال :إني سمعت رسول الله × يقول» :إنكم تلقون بعدي
فتنة واختلفا« أو قال »اختلفا وفتنة« ،فقال له قائل من الناس:
فمن لنا يا رسول الله؟ قال» :عليكم بالمين وأصحابه« ،وهو يشير
إلى عثمان بذلك).(6
-7فإن أرادك المنافقون على خلعه فل تخلعه:
عن عبد الله بن عامر ،عن النعمان بن بشير عن عائشة قالت:
)( فتنة مقتل عثمان ،د .محمد عبد الله الغبان ).(1/44 1
)( مسند أحمد ،مسند الشاميين ،باب حديث كعب بن مرة السلمي أو مرة بن 5
37
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أرسل رسول الله × إلى عثمان بن عفان ،فأقبل عليه رسول الله
× ،فلما رأينا رسول الله × أقبلت إحدانا على الخرى ,فكان آخر
كلم كّلمه أن ضرب منكبه وقال» :يا عثمان ،إن الله -عز وجل-
عسى أن يلبسك قميصا ،فإن أرادك المنافقون على خلعه فل تخلعه
حتى تلقاني .يا عثمان ،إن الله عسى أن يلبسك قميصا ،فإن أرادك
المنافقون على خلعه فل تخلعه حتى تلقاني« ثلثا .فقلت لها :يا أم
المؤمنين ،فأين كان هذا عنك؟ قالت :نسيته والله فما ذكرته .قال:
ض بالذي أخبرته حتى كتب فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم ير َ
)(1
ي به ،فكتبت إليه به كتابا.
إلى أم المؤمنين أن اكتبي إل ّ
ي عهدا وإني صابر نفسي عليه: -8إن رسول الله × عهد إل ّ
عن أبي سهلة ،عن عائشة قالت :قال رسول الله ×:
»ادعوا لي بعض أصحابي« قلت :أبو بكر؟ قال» :ل« ،قلت:
ح« ،فجعل يساره),(2 عثمان؟ قال» :نعم« ،فلما جاء قال» :تن ّ
ولون عثمان يتغير ،فلما كان يوم الدار وحصر قلنا :يا أمير
ي عهدا قال :ل ،إن رسول الله × عهد إل ّ المؤمنين ،أل تقاتل؟
)(3
وهذا الحديث يبين شدة محبة وإني صابر نفسي عليه.
وحرصه على مصالح المة بعده ،فقد رسول الله × لعثمان
أخبره بأشياء تتعلق بهذه الفتنة التي ستنتهي بقتله ،وحرص
عليه الصلة والسلم على سريتها ،حتى إنه لم يصل إلينا منها
أثناء الفتنة لما قيل له :أل تقاتل؟ إل ما صرح به عثمان
فقد قال :ل ،إن رسول الله × عهد إل ّي عهدا ،وإني صابر
)(4
ويظهر من قوله هذا ،أن النبي × قد أرشده إلى عليه.
الموقف الصحيح عند اشتعال الفتنة ،وذلك أخذا منه × بحجز
الفتنة أن تنطلق ،وفي بعض الروايات زيادة تكشف عن بعض
مكنون هذه المسا ّ رة ،فقد جاء فيها أن النبي × قال له» :وإن
)(5
مصك الله -عز وجل -فل تفعل«. سألوك أن تنخلع من قميص ق ّ
ومضمون هذا العهد الذي ذكره عثمان يتعلق بالفتنة
والوصية بالصبر فيها وعدم الخلع ،وإن كان يفهم من هذه
الحاديث بأنه سيكون خليفة يو ًما ما.
ويبدو أن هناك وصايا وإرشادات تتعلق بهذه الفتنة ،انفرد
بمعرفتها عثمان محافظة من النبي × على السرية فيها ،ومما
يبين ذلك أنه أمر عائشة -رضي الله عنها -بالنصراف) (6عندما
أراد السرار بها لعثمان ، كما أسر إليه إسرارا رغم خلو
المكان من غيرهما حتى تغير لونه ،مما يدل على عظم المسّر
38
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
به .وربط عائشة -رضي الله عنها -السرار بالفتنة دليل واضح
على أن هذه المسارة كانت حول الفتنة التي قتل فيها ،كما أن
السرار تضمن توجيهات منه × إلى عثمان ليقف الموقف
الصحيح عند عرض الخلع ،وأن النبي × لم يقتصر على الخبار
بوقوع الفتنة ،فقد أخبر بذلك في أحاديث كثيرة كما تقدم،
فإسراره يدل على أن السرار تضمن أشياء أخرى زيادة على
الخبار عن وقوعها ،ورغب عليه الصلة والسلم بالمحافظة على
سريتها لحكمة اقتضت ذلك ,الله أعلم بها.
وهذا الحديث يفسر لنا جليا سبب إصرار عثمان على رفض
القتال أثناء الحصار ،كما يفسر أيضا سبب رفضه للتنازل عن الخلفة
وخلعها عندما عرض القوم عليه ذلك ،وهما موقفان طالما تساءل
الباحثون والمؤرخون عن السبب الذي أدى عثمان إليهما
واستشكلوهما (1).وحدث فتنة مقتل عثمان من ضمن حوادث
كثيرة أخبر رسول الله × في حياته بأنها ستقع بالغيب ،فإن علم
لحد( من خلقه وإنما الغيب صفة من صفات الله عز وجل ،ليست
ذلك علم َأطلعه الله عليه وأمره أن يبينه للناس) , 2قال تعالى:
ول َ ْ
و ه َشاءَ الل ُ ما َض ّْرا إ ِل ّ َ
ول َ َ عا َ ف ًسي ن َ ْ
ْ
ف ِك ل ِن َ ْمل ِ ُ
ْ قل َل ّ َأ ْ ُ +
ُ
سوءُ ي ال ّ سن ِ َ
م ّ
ما َ
و َر َ خي ْ ِ
ن ال َم َ ت ِ َ
ست َكثْر ُ َ
بل ْ غي ْ َم ال َ عل ُ تأ ْ كن ُ
ن" ]ألعراف.[188 : ْ َ ّ ّ َ
مُنو َوم ٍ ي ّؤ ِ شيٌر لق ْ وب َ ِذيٌر َ ن أَنا إ ِل ن َ ِ إِ ْ
***
) (2 ,فتنة مقتل عثمان ،محمد عبد الله الغبان.(1/48) ، 1
2
)( فتنة مقتل عثمان،ـ محمدـ عبد اللهـ الغبان.(1/48 ) ،
39
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الخامس
ذو النورين في عهد الصديق والفاروق
ل :في عهد الصديق:أو ً
-1من أهل الشورى في مسائل الدولة العليا:
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في
أمهات المسائل في خلفة أبي بكر ،فهو ثاني اثنين في الحظوة عند
الصديق؛ عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد ،وعثمان بن عفان
للرفق والناة .وكان عمر وزير الخلفة الصديقية ،وكان عثمان أمينها
العام ،وناموسها العظم وكاتبها الكبر (1).وكان رأيه مقدما عند
الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة ،أراد أن يغزو
الروم ،وينطلق الجيش المجاهد إلى أطراف الرض ،فقام في الناس
يستشيرهم ،فقال اللباء ما عندهم ،ثم استزادهم أبو بكر فقال :ما
ترون؟ فقال عثمان :إني أرى أنك ناصح لهل هذا الدين ،شفيق
عليهم ،فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلحا ،فاعزم على إمضائه فإنك غير
ظنين (2).فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن
حضر ذلك المجلس من المهاجرين والنصار رضي الله عنهم :صدق
)(3
ضه.
م ِ
عثمان ،ما رأيت من رأي فأ ْ
ولما أراد الصديق أن يبعث واليا إلى البحرين استشار أصحابه،
)(4
فقال عثمان :ابعث رجل قد بعثه رسول الله × إليهم فقدم عليه
بإسلمهم وطاعتهم ،وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلده )يعني العلء
)(5
بن الحضرمي ،(فبعث الصديق العلء إلى البحرين.
ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم
بالمر من بعده ،فأشاروا بعمر ،وكان رأي عثمان في عمر :اللهم
علمي به أن سريرته خير من علنيته ،وأنه ليس فينا مثله (6).فقال
)(7
أبو بكر :يرحمك الله ،والله لو تركته ما عدتك.
-2أزمة اقتصادية في عهد الصديق:
عن ابن عباس قال :قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق،
فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا :السماء لم تمطر ،والرض لم
تنبت ,والناس في شدة شديدة ،فقال أبو بكر :انصرفوا واصبروا،
فإنكم ل تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم ،قال :فما لبثنا أن جاء
)( تاريخ دمشق لبن عساكر ) ،(65 -2/63أبو بكر الصديق للصلبي ،ص .364 2
)( كنز العمال ) ،(5/620رقم ,(14093) :القيود الواردة على سلطة الدولة، 5
40
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أجراء عثمان من الشام ،فجاءته مائة راحلة ب ُّرا -أو قال طعاما-
فاجتمع الناس إلى باب عثمان ،فقرعوا عليه الباب ،فخرج إليهم
عثمان في مل من الناس ،فقال :ما تشاءون؟ قالوا :الزمان قد
قحط؛ السماء ل تمطر ،والرض ل تنبت ،والناس في شدة شديدة،
وقد بلغنا أن عندك طعاما ،فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين،
فقال عثمان :حّبا وكرامة ادخلوا فاشتروا ،فدخل التجار ،فإذا الطعام
موضوع في دار عثمان ،فقال :يا معشر التجار كم تربحونني على
شرائي من الشام؟ قالوا :للعشرة اثنا عشر ،قال عثمان :قد زادني،
قالوا :للعشرة خمسة عشر ،قال عثمان :قد زادني ،قال التجار :يا
أبا عمرو ،ما بقي بالمدينة تجار غيرنا ،فمن زادك؟ قال :زادني الله
-تبارك وتعالى -بكل درهم عشرة ،أعندكم زيادة؟ قالوا :اللهم ل،
أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء )(1
قال :فإني
عباس (2:فرأيت من ليلتي رسول الله × في ابن قال المسلمين.
حّلة من نور ،في رجليه نعلن المنام وهو على برذون أبلق) عليه ُ
من نور ،وبيده قصبة من نور ،وهو مستعجل ،فقلت :يا رسول الله،
قد اشتد شوقي إليك وإلى كلمك فأين تبادر؟ قال» :يا ابن عباس،
الله قد قبلها منه وزوجه عروسا )(3
إن عثمان قد تصدق بصدقة ،وإن
في الجنة ،وقد دعينا إلى عرسه«.
فهل يفتح الله تعالى آذان عُّباد المال ،ومحتكري قوت العباد
حا وجشًعا إلى صوت هذه العظمة العثمانية حتى تدلف إلى ش ّ
قلوبهم فتهزها هزة الريحية والعطف ،وتوقظ فيها بواعث الرحمة
والحسان بالفقراء والمساكين ،والرامل واليتامى وذوي الحاجات
من أهل الفاقة والبؤس ،الذين طحنتهم أزمة الحياة واعتصرت
دماءهم شرابا لذوي القلوب المتحجرة من الثرياء؟! فما أحوج
المسلمين في هذه المرحلة من حياتهم إلى نفحة عثمانية في إنفاق
فا
والمساكين والمحتاجين تسري بينهم تعاط ً )(4
الموال على الفقراء
ومؤاساة وبّرا وإحسانا.
هذا موقف من مواقف الكرم والبر لعثمان ،فقد كان من
ن
سا َ ن ال ِن ْ َ أرحم الناس بالناس ،فهو يقرأ قول رب الناس+ :ك َل ّ إ ِ ّ
ويقرأ قوله تعالى: َ الطغيان، َ غى" ]العلق [6 :فيصده ذلك عن ل َي َ َطْ ْ َ
ن ُ
م ت َت ْلو َ وأن ْت ُ ْ م َ سك ُ ْ ف َ ن أن ْ ُ و َ س ْ وت َن ْ َ س ِبالب ِّر َ ْ ن الّنا َ مُرو َ َ +أت َأ ُ
ن" ]البقرة [44 :فيجعله ذلك من َأبعد الناس عن قُلو َ ع ِ فل َ ت َ ْ بأ َ ال ْك َِتا َ
وّلوا س ا ْل ْب ِّر أن ت ُ َ النفاق والمنافقين ْ،ويقرأ قوله ْتعالى+ :ل َ َي ْ َ
ه
ن ِبالل ِ
َ
م َ ن آْ َ م ْن الب ِّر َ ولك ِ ّ ب َ ر ِ غ ِ م ْ والْ َ ق َ رَ ِ شَ ِ م ْ ل ال ْ َ قب َ َ م ِ
َ هك ُ ْ جو َ
ْ
و ُ ُ
على ل َ ما َ َ ل ا تى َ وآ
َ َ ن يي
ّ ِ ب ّ نوال ِْ َ ب تا َ ِ ك ل واَ ةِ ك ِ ئ ل م
َ ل وا
َ ر
ِ خ
ِ ل ا ِ م و
ْ َ ي ل وا َ
لسِبي ِ ن ال ّ واب ْ َ َ ن كي َ سا ِ م َ وال َ َ َ مى وال ْي ََتا َ َ قْرَبى وي ال ْ ُ ِ ه ذَ حب ّ ِ ُ
ة
كا ْ َ وآَتى الّز َ صل َةَ َ م ال ّ قا َ وأ َ ب َ قا ِ في الّر َ و ِ ن َ سائ ِِلي َ وال ّ َ
ء
سا ِ في الب َأ َ ْ ن ِ ري َ ّ ِ ِب صا وال َ دوا ُ ه
َ عا َ َ
ذا ِ إ م
ْ ه
ِ د
ِ ه
ْ ع
َ ِ ب ن َ فو ُ مو وال ْ ُ َ
)( الرقة والبكاء لبن قدامة ،ص ,190الخلفاء الراشدون لحسن أبوب ،ص 1
41
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
س" ]البقرة [177ُ :فيحمله ذلك على أن يكون حين ال ْبأ ْ
ِ َ و ِ َ ء ََ ضّرا ُ ِوال)ّ (1 َ
م
ُ ُه كَ ِ ئَ ل أووَ ُ
قوا د ص
ِ َ َ َ ن ذي ّ ل ا َ
ك ِ ئ ل أو + من
ن" ]البقرة.[177 : قو َ مت ّ ُال ْ ُ
ثانًيا :في عهد الفاروق:
كان عثمان ذا مكانة عند عمر ،فكانوا إذا أرادوا أن يسألوا عمر
عن شيء رموه بعثمان ،وبعبد الرحمن بن عوف .وكان عثمان
يسمى الرديف ،والرديف بلسان العرب هو الذي يكون بعد الرجل،
بعد(2رئيس ،وكانوا إذا لم
)
والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه
يقدر هذان على عمل شيء ثلثوا بالعباس.
دعى وقد حدث ذات مرة أن خرج عمر بالناس وعسكر بهم بما ي ُ ْ
فنادى( عمر )صرارا( ،فجاء عثمان فسأله :ما بلغك؟ ما الذي تريد؟
)الصلة جامعة( ،ثم أخبر الناس عن عزمه في غزو العراق 3).ولما
ولي عمر الخلفة استشار وجوه الصحابة في عطائه من بيت مال
المسلمين ،فقال له عثمان :كل واطعم (4).وعندما أرسل أبو عبيدة
إلى عمر أن يقدم إلى بيت المقدس ليفتحه ،فاستشار عمر الناس،
فأشار عثمان بأن ل يركب إليهم ليكون أحقر لهم ،وأرغم لنوفهم،
وقال لعمر :فأنت إن أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم
مستعد ،فلم يلبثوا إلى السير حتى ينزلوا على )(5
مستخف ولقتالهم
عمر ما قال )(6
فهوى بالمسير، ي
ّ عل وأشار الجزية. الصغار ويعطوا
علي ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم.
لقد كانت مكانة عثمان في خلفة عمر بن الخطاب -رضي الله
عنهما -كمكانة الوزير من الخليفة ،وإن شئت فقل :هي مكانة عمر
من أبي بكر في خلفته .وقد صنع الله لبي بكر بوزارة عمر لخلفته
ما يصنعه لخير أهله ،وصنع لعمر بوزارة عثمان لخلفته ما يصنعه
لخير أهله ،فقد كان أبو بكر أرحم الناس بالناس ،وكان عمر أشدهم
في الحق ،فمزج الله رحمة الصديق بشدة عمر ،فكانت منها خلفة
الصدق وسياسة العدل ،وقوم الحزم .وكان عثمان أشبه بالصديق
في رحمته ،وكان عمر على سننه في شدته ،فلما تولى بعد أبي بكر
ضا من رحمة الصديق جعل الله له في وزارة عثمان لخلفته عو ً
ورفقه ،فكان منهما تلك المثال المضروبة في أنظمة الحكم
وسياسة المة أحكم سياسة وأعدلها .وقد عرف الناس هذه المكانة
لعثمان في خلفة عمر ،فهو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان
وكتابة التاريخ ،كما جاء في
بعض الروايات.
-1الديوان:
)( عثمان بن عفان ،لمحمد حسين هيكل ،ص ,48 ،47نقل عن السياسة المالية 5
42
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لما اتسعت الفتوحات وكثرت الموال جمع عمر ناسا من
أصحاب رسول الله × ليستشيرهم في هذا المال ،فقال عثمان:
أرى مال كثيرا يسع الناس ،وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم
ينتشر (1المر ،فأقر عمر رأي عثمان ،وانتهى
)
ممن لم يأخذ خشيت أن
بهم ذلك إلى تدوين الدواوين.
-2التاريخ:
جاء في بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة
الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان ،وذلك أنهم لما اتفقوا بعد مشاورات
على جعل مبدأ التاريخ السلمي من هجرة النبي × لنها فرقت بين
الحق والباطل ،تعددت الراء في أي الشهر يجعل بداية للسنة،
فقال عثمان :أرخوا من المحرم أول السنة ،وهو شهر حرام ،وأول
الشهور في العدة ،وهو منصرف الناس من الحج ،فرضي عمر ومن
من( أصحابه رأي عثمان واستقر عليه المر ،وأصبح مبدأ تاريخ )2
شهده
السلم.
-3أرض الخراج:
كان عثمان ممن أيدوا رأي عمر بن الخطاب في عدم تقسيم
الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيًئا للمسلمين وللذرية من أرض
بعدهم).(3
-4حجه مع أمهات المؤمنين:
لما استخلف عمر بن الخطاب سنة ثلث عشرة بعث تلك السنة
على الحج عبد الرحمن بن عوف ،فحج بالناس ،وحج مع عمر أيضا
آخر حجة حجها عمر سنة ثلث وعشرين ،وأذن عمر تلك السنة
حملن في الهوادج ،وبعث معهن عثمان لزواج النبي × في الحج ،ف ُ
بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ،فكان عثمان يسير على راحلته
أمامهن فل يدع أحدا يدنو منهن ،وينزلن مع عمر كل منزل ،فكان
الشعاب،
)(4
عثمان وعبد الرحمن ينزلن بهن في الشعاب فيقبلنهن
وينزلن هما في أذل الشعب ،فل يتركان أحدا يمر عليهن.
***
)( تاريخ الطبري ) ،(5/203عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص .60 1
)( طبقات ابن سعد ) ،(3/134أنساب الشراف للبلذري،(466 ،1/465) ، 4
43
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل الثانى
استخلف ذى النورين ومنهجه في الحكم وأهم
صفاته الشخصية
المبحث الول
استخلف ذى النورين
ل :الفقه العمرى فى الستخلف: أو ً
استمر اهتمام الفاروق بوحدة المة ومستقبلها حتى اللحظات
الخيرة من حياته ،رغم ما كان يعانيه من آلم جراحاته البالغة ،وهي
بل شك لحظات خالدة ،تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلصه
وإيثاره (1).وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر
طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد ،وكانت دليل
سا ,ومعلما واضحا على فقهه في سياسة الدولة السلمية .لقد ملمو ً
مضى قبله الرسول × ولم يستخلف بعده أحدا بنص صريح ،ولقد
مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة،
ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت ،فكر
في المر ملّيا وقرر أن يسلك مسلكا آخر يتناسب مع المقام؛
قّر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته م ِ
فرسول الله × ترك الناس وكلهم ُ
عليهم ،فاحتمال الخلف كان نادرا وخصوصا أن النبي × وجه المة
قول وفعل إلى أن أبا بكر أولى بالمر من بعده .والصديق لما
استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر
أقوى وأفضل من يحمل المسئولية بعده ،فاستخلفه بعد مشاورة
الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم ،وحصل الجماع على بيعة كبار
عمر) ،(2وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد فتعتمد على جعل
الشورى في عدد محصور ،وقد حصر ستة من صحابة رسول الله ×
كلهم يصلحون لتولي المر ولو أنهم يتفاوتون ،وحدد لهم طريقة
النتخاب ومدته ،وعدد الصوات الكافية لنتخاب الخليفة وحدد الحكم
في المجلس ،والمرجح إن تعادلت الصوات ،وأمر مجموعة من
جنود الله لمراقبة سير النتخابات في المجلس ،وعقاب من يخالف
يدخل أو يسمع لحدما أ ُ يسمحون)(3
أمر الجماعة ،ومنع الفوضى بحيث ل
مل في ج ِ
ْ بيان وهذا والعقد. ما يدور في مجلس أهل الحل
الفقرات السابقة:
-1العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم:
أما العدد فهو ستة ،وهم :علي بن أبي طالب ،وعثمان بن عفان،
وعبد الرحمن بن عوف ،وسعد بن أبي وقاص ،والزبير بن العوام،
وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعا .وترك سعيد بن زيد وهو
)( الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ،ص .161 1
)( أوليات الفاروق ،د .غالب عبد الكافي القرشي ،ص .122 2
)( أوليات الفاروق ،د .غالب عبد الكافي القرشي ،ص .124 3
44
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من العشرة المبشرين بالجنة ،ولعله تركه لنه من قبيلته بني
عدي) .(1وكان عمر حريصا على إبعاد المارة عن أقاربه ،مع أن
لها (،فهو يبعد قريبه سعيد بن زيد عن قائمة
)2
فيهم من هو أهل
المرشحين للخلفة.
-2طريقة اختيار الخليفة:
أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن
عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من المر شيء ،ويصلي بالناس
أثناء التشاور صهيب الرومي ،وقال له :أنت أمير الصلة في هذه اليام
الصلة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحا من إمام َ
يولي( ة
)3
الثلثة حتى ل
وأمر (4المقداد بن السود وأبا طلحة النصاري أن بالخلفة. عمر له
يرقبا سير النتخابات) .
-3مدة النتخابات أو المشاورة:
حددها الفاروق بثلثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها،
الخلف ستتسع ،ولذلك قال لهم :ل يأتي اليوم )(5
فمعنى ذلك أن شقة
الرابع إل وعليكم أمير.
-4عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة:
أخرج ابن سعد بإسناد رجاله ثقات أن عمر قال لصهيب :ص ّ
ل
الرهط في بيت ،فإذا اجتمعوا على رجل ل هؤلء بالناس ثلثا وليخ ُ
فمن خالفهم فاضربوا رأسه (6).فعمر أمر بقتل من يريد أن
يخالف هؤلء الرهط وشق عصا المسلمين ويفرق بينهم عمل بقوله:
على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم أو »من أتاكم وأمركم جمع
يفرق جماعتكم فاقتلوه« (7).وما جاء في كتب التاريخ من أن عمر
أمرهم بالجتماع والتشاور ،وحدد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم
وإن اجتمع أربعة على رجل وأبى أحدهم فيضرب رأسه بالسيف،
وفرضوا رجل منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما (8).وهذه من
الروايات التي ل تصح سندا ،فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف
-الرافضي الشيعي -مخالفا فيها النصوص الصحيحة وما عرف من
سير الصحابة رضي الله عنهم ،فما ذكر أبو مخنف من قول عمر
لصهيب :وقم على رؤوسهم -أي أهل الشورى -فإن اجتمع خمسة
ورضوا رجل وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف ،وإن اتفق أربعة
فرضوا رجل منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما) ,(9فهذا قول منكر،
وكيف يقول عمر هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب
رسول الله × ،وهو الذي اختارهم لهذا المر لعلمه بفضلهم
45
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وقدرهم؟!!).(1
وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للنصار :أدخلوهم)(2بيتا ثلثة
أيام ،فإن استقاموا وإل فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم .وهذه
منقطعة وفي إسنادها )سماك بن حرب( وهو ضعيف ،وقد )(3
الرواية
تغير بآخره.
-5الحكم في حال الختلف:
لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن
ليس له من المر شيء ،ولكن قال لهم :فإن رضي ثلثة رجل منهم
وثلثة رجل منهم فحكموا عبد الله بن عمر ،فأي الفريقين حكم له
فليختاروا رجل منهم ،فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا
مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ،ووصف عبد الرحمن بن عوف
عبد (4الرحمن بن عوف، )
بأنه مسدد رشيد ،فقال عنه :ونعم ذو الرأي
مسدد رشيد ،له من الله حافظ ،فاسمعوا منه.
-6جماعة من جنود الله تراقب الختيار وتمنع الفوضى:
طلب عمر أبا طلحة النصاري وقال له :يا أبا طلحة ،إن الله -عز
وجل -أعز السلم بكم ،فاختر خمسين رجل من النصار فاستحث
هؤلء الرهط حتى يختاروا رجل منهم (5).وقال للمقداد بن السود :إذا
وضعتموني(6في حفرتي ،فاجمع هؤلء الرهط في بيت حتى يختاروا
رجل منهم) .
-7جواز تولية المفضول مع وجود الفضل:
ومن فوائد قصة الشورى ،جواز تولية المفضول مع وجود
الفضل؛ لن عمر جعل الشورى في ستة أنفس مع علمه أن بعضهم
كان أفضل من بعض ،ويؤخذ هذا من سيرة عمر في أمرائه الذين
كان يؤمرهم في البلد؛ حيث كان ل يراعي الفضل في الدين فقط،
بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع
منها ،فاستخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع
الدين والعلم؛ كأبي)(7
وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر
الدرداء في الشام ،وابن مسعود في الكوفة.
-8جمع عمر بين التعيين وعدمه:
جمع عمر بين التعيين ،كما فعل أبو بكر أي تعيين المرشح ،وبين
التعيين كما فعل الرسول × ،فعين ستة وطلب منهم التشاور عدم
في المر).(8
)( مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ،د .يحيى اليحيى ،ص .175 1
) (7تاريخ الطبري ) )( مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ،ص .176 3
.(5/325
4
46
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-9الشورى ليست بين الستة فقط:
عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط ،وإنما ستكون
في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلفة؛ حيث جعل لهم
أمد ثلثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولية من
يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي
دار الهجرة ،وبها معظم الصحابة وكل من كان ساكنا في بلد غيرها
كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه ،فما زالت المدينة حتى سنة 23هـ
استبقاهم عمر
)(1
مجمع الصحابة؛ بل لن كبار الصحابة فيها ،حيث
بجانبه ،ولم يأذن لهم بالهجرة إلى القاليم المفتوحة.
-10أهل الشورى أعلى هيئة سياسية:
إن عمر أناط بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم،
ومن المهم أن نشير إلى أن أحدا من أهل الشورى لم يعارض هذا
القرار الذي اتخذه عمر ،كما أن أحدا من الصحابة الخرين لم ي ُِثر أي
اعتراض عليه ،ذلك ما تدل عليه النصوص التي بين أيدينا ،فنحن ل
نعلم أن اقتراحا آخر قد صدر عن أحد من الناس في ذلك العصر ،أو
أن معارضة ثارت حول أمر عمر خلل الساعات الخيرة من حياته أو
بعد وفاته ،وإنما رضي الناس كافة هذا التدبير ،ورأوا فيه مصلحة
لجماعة المسلمين .وفي وسعنا أن نقول :إن عمر قد أحدث هيئة
سياسية عليا ،مهمتها انتخاب رئيس الدولة أو الخليفة ،وهذا التنظيم
الدستوري الجديد الذي أبدعته عبقرية عمر ل يتعارض مع المبادئ
الساسية التي أقرها السلم ،ول سيما فيما يتعلق بالشورى؛ لن
العبرة من حيث النتيجة للبيعة العامة التي تجرى في المسجد
الجامع .وعلى هذا ل يتوجه السؤال الذي قد يرد على بعض الذهان
وهو :من أعطى عمر هذا الحق؟ ما مستند عمر في هذا التدبير؟
ويكفي أن نعلم أن جماعة من المسلمين قد أقرت هذا التدبير
أن الجماع ورضيت به ،ولم يسمع صوت اعتراض عليه ،حتى نتأكد
-وهو من مصادر التشريع -قد انعقد على صحته ونفاذه (2).ول ننسى
أن عمر خليفة راشد ،كما ينبغي أن نؤكد على أن هذا المبدأ -أهل
الشورى أعلى هيئة سياسية -قد أقره نظام الحكم في السلم في
العهد الراشدي ،كما أن الهيئة التي سماها عمر تمتعت بمزايا لم
يتمتع بها غيرها من جماعة المسلمين ،وهذه المزايا منحت لها من
يبلغ أحد من الله وبلغها الرسول ،فل يمكن عند المؤمنين أن
المسلمين مبلغ هؤلء العشرة من التقوى والمانة).(3
هكذا ختم عمر حياته ولم يشغله ما نزل به من البلء ول
سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين ،وأرسى نظاما للشورى لم
يسبقه إليه أحد ،ول يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن الكريم
والسنة القولية والفعلية ،وقد عمل بها رسول الله × وأبو بكر ولم
يكن عمر مبتدعا بالنسبة للصل ،ولكن الذي عمله عمر هو تعيين
الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم ،وهذا
1
)( نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي ،ظافر القاسمي )،1/227 2
.(228
)( المصدر نفسه ).(1/229 3
47
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لم يفعله الرسول × ول الصديق بل أول من فعل ذلك عمر،
فعل؛ فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ونعم ما
ذلك الوقت).(1
ثانًيا :وصية عمر للخليفة الذي بعده:
أوصى الفاروق عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة المة
بوصية مهمة قال فيها :أوصيك بتقوى الله وحده ل شريك له،
وأوصيك بالمهاجرين الولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم،
وأوصيك بالنصار خيرا ،فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم.
وأوصيك بأهل المصار خيرا ،فإنهم ردء العدو ،وجباة الفيء ،ل
تحمل منهم إل عن فضل منهم ،وأوصيك بأهل البادية خيرا ،فإنهم
أصل العرب ،ومادة السلم ,أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد
على فقرائهم .وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم،
ول تكلفهم فوق طاقتهم ،إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا ،أو
عن يد وهم صاغرون .وأوصيك بتقوى الله والحذر منه ،ومخافة
مقته أن يطلع منك على ريبة ،وأوصيك أن تخشى الله في الناس
ول تخشى الناس في الله ،وأوصيك بالعدل في الرعية ،والتفرغ
لحوائجهم وثغورك ،ول تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك
-بإذن الله -سلمة لقلبك وح ّطا لوزرك ،وخيرا في عاقبة أمرك
حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين
قلبك ،وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على
قريب الناس وبعيدهم ،ثم ل تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك
ن
م ْل على َ منه مثل جرمه ،واجعل الناس عندك سواء ،ل تبا ِ
وجب الحق ،ول تأخذك في الله لومة لئم ،وإياك والمحاباة فيما
ولك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك
من ذلك ما قد وسعه الله عليك ،وقد أصبحت بمنزلة من منازل
الدنيا والخرة ،فإن اقترفت لدنياك عدل وعفة عما بسط لك
اقترفت به إيمانا ورضوانا ،وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب
الله .وأوصيك أل ترخص لنفسك ول لغيرك في ظلم أهل الذمة،
وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك ،فابتغ بذلك وجه الله والدار
الخرة ،واخترت من دللتك ما كنت دال عليه نفسي وولدي ،فإن
عملت بالذي وعظتك ،وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا
وافرا وحظا وافيا ،وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك ،ولم تترك معاظم
المور عند الذي يرضى به الله عنك ،يكن ذلك بك انتقاصا ،ورأيك
فيه مدخول؛ لن الهواء مشتركة ،ورأس الخطيئة إبليس داع إلى
كل مهلكة ،وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس
المورود ،وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالة لعدو الله
الداعي إلى معاصيه .ثم اركب الحق ،وخض إليه الغمرات ،وكن
واعظا لنفسك .وأناشدك الله إل ترحمت على جماعة المسلمين،
وأجللت كبيرهم ،ورحمت صغيرهم ،ووقرت عالمهم ،ول تضر بهم
فيذلوا ،ول تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ،ول تحرمهم عطاياهم
عند محلها فتفقرهم ،ول تج ّ مرهم في البعوث فينقطع نسلهم ،ول
تجعل المال دولة بين الغنياء منهم ،ول تغلق بابك دونهم فيأكل
)( أوليات الفاروق ،د .غالب عبد الكافي القرشي ،ص .127 1
48
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
قويهم(1ضعيفهم ،هذه وصيتي إليك ،وأشهد الله عليك وأقرأ عليك )
السلم.
هذه الوصية تدل على ب ُْعد نظر عمر في مسائل الحكم والدارة،
وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل؛ فقد تضمنت الوصية
أمورا غاية في الهمية ،فحق أن تكون وثيقة نفيسة لما احتوته من
قواعد ومبادئ أساسية للحكم ،متكاملة الجوانب الدينية والسياسية
والعسكرية والقتصادية والجتماعية يأتي في مقدمتها:
-1الحرص على تقوى الله وخشيته:
أ -الوصية بالحرص الشديد على تقوى الله والخشية منه في
السر والعلن ،في القول والعمل؛ لن من اتقى الله وقاه ,ومن
خشيه صانه وحماه )أوصيك بتقوى الله وحده ل شريك له(،
)وأوصيك بتقوى الله والحذر منه ،وأوصيك أن تخشى الله(.
ن وجب م ْ
ل على َ ب -إقامة حدود الله على القريب والبعيد )ل تبا ِ
الحق() ،ول تأخذك في الله لومة لئم(؛ لن حدود الله نصت عليها
الشريعة فهي من الدين؛ ولن الشريعة حجة على الناس وأعمالهم
وأفعالهم تقاس بمقتضاها ،وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع.
ج -الستقامة )استقم كما أمرت( ،وهي من الضرورات الدينية
والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قول وعمل أول ثم
الرعية) ،كن واعظا لنفسك( )وابتغ بذلك وجه الله والدار الخرة(.
-2الناحية السياسية ،وتضمنت:
أ -اللتزام بالعدل؛ لنه أساس الحكم ،وإن إقامته بين الرعية
تحقق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية ،وتزيد من هيبة
واحترام الحاكم في نفوس الناس )وأوصيك بالعدل() ،واجعل الناس
عندك سواء(.
ب -العناية بالمسلمين الوائل من المهاجرين والنصار لسابقتهم
في السلم ،ولن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي قام على
ماته )أوصيك بالمهاجرين الولين خيرا، ح َ
أكتافهم ،فهم أهله وحملته و ُ
أن تعرف لهم سابقتهم ،وأوصيك بالنصار خيرا ،فاقبل من محسنهم
وتجاوز عن مسيئهم(.
-3الناحية العسكرية ،وتضمنت:
عظم المسئوليةَ أ -الهتمام بالجيش وإعداده إعداًدا يتناسب و ِ
الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلمتها ،والعناية بسد
حاجات المقاتلين )التفرغ لحوائجهم وثغورهم(.
ب -تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيدا عن
عوائلهم ،وتلفيا لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في
المعنويات ،فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات
معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خللها من جهة ،ويعودون
)( الطبقات لبن سعد ) ,(3/339البيان والتبيين للجاحظ ) ,(2/46الكامل في 1
49
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
إلى عوائلهم لكي ل ينقطع نسلهم من جهة ثانية )ول تجمرهم في
الثغور فينقطع نسلهم() ،وأوصيك بأهل المصار خيرا ،فإنهم ردء
العدو(.
ج -إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء؛ وذلك لضمان
مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد ،ويصرف عنه التفكير في
شئونه المالية )ول تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم ،ول تحرمهم
عطاياهم عند محلها فتفقرهم(.
-4الناحية القتصادية والمالية ،وتضمنت:
العناية بتوزيع الموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم، أ-
وتلفي كل ما من شأنه تجميع الموال عند طبقة منهم دون أخرى )ول
تجعل الموال دولة بين الغنياء منهم(.
ب -عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم
من التزامات مالية للدولة )ول تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما
عليهم للمؤمنين(.
ج -ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها ،وتجنب
إل(1عن فضل منهم() ،أن )
فرض ما ل طاقة لهم به )ول تحمل منهم
تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم(.
-5الناحية الجتماعية ،وتضمنت:
أ -الهتمام بالرعية ،والعمل على تفقد أمورهم وسد احتياجاتهم
وإعطاء حقوقهم من فيء وعطاء) ..ول تحرمهم عطاياهم عند
محلها(.
ب -اجتناب الث ََرة والمحاباة واتباع الهوى؛ لما فيها من مخاطر
تقود إلى انحراف الراعي ،وتؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب
علقاته النسانية )وإياك والثرة والمحاباة فيما ولك الله() ،ول تؤثر
غنيهم على فقيرهم(.
ج -احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها ،صغيرها وكبيرها ،لما
في ذلك من سمو في العلقات الجتماعية ،تؤدي إلى زيادة تلحم
الرعية بقائدها وحبها له )وأناشدك الله إل ترحمت على جماعة
المسلمين ،وأجللت كبيرهم ورحمت صغيرهم ،ووقرت عالمهم(.
د -النفتاح على الرعية ،وذلك بسماع شكاواهم وإنصاف بعضهم
من بعض ،وبعكسه تضطرب العلقات بينهم ويعم الرتباك في
المجتمع )ول تغلق بابك دونهم ،فيأكل قويهم ضعيفهم(.
هـ -اتباع الحق والحرص على تحقيقه في المجتمع وفي كل
الظروف والحوال؛ لكونه ضرورة اجتماعية ل بد من تحقيقها بين
الناس )ثم اركب الحق ،وخض إليه الغمرات() ،واجعل الناس عندك
ن وجب الحق(. م ْل على َ
سواء ،ل تبا ِ
و -اجتناب الظلم بكل صوره وأشكاله ،خاصة مع أهل الذمة؛ لن
)( الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ،ص .175 ،174 1
50
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
العدل مطلوب إقامته بين جميع رعايا الدولة مسلمين وذميين؛ لينعم
الجميع بعدل السلم )وأوصيك أل ترخص لنفسك ول لغيرك في
ظلم أهل الذمة(.
ز -الهتمام بأهل البادية ورعايتهم والعناية بهم))(1وأوصيك بأهل
البادية خيرا ،فإنهم أصل العرب ،ومادة السلم(.
لمن(2بعده :أل يقر لي عامل أكثر)
ح -وكان من ضمن وصية عمر
من سنة ،وأقروا الشعري أربع سنين.
ثالثـا :منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى:
-1اجتماع الرهط للمشاورة:
لم يكد يفرغ الناس من دفن عمر بن الخطاب حتى أسرع
رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة العلى إلى الجتماع في بيت
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ،وقيل إنهم اجتمعوا في بيت
فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس ،ليقضوا في
أعظم قضية عرضت في حياة المسلمين ،بعد وفاة عمر ،وقد تكلم
بتوفيق الله إلى كلمة سواء رضيها القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا
الخاصة والكافة من المسلمين).(3
-2عبد الرحمن يدعو إلى التنازل:
عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف:
اجعلوا أمركم إلى ثلثة منكم ،فقال الزبير :جعلت أمري إلى علي),(4
وقال طلحة :جعلت أمري إلى عثمان ،وقال سعد :جعلت أمري إلى
عبد الرحمن بن عوف ،وأصبح المرشحون الثلثة علي بن أبي
طالب ،وعثمان بن عفان ،وعبد الرحمن بن عوف ،فقال عبد
الرحمن :أيكما تبرأ من هذا المر فنجعله إليه والله عليه والسلم
بن
)(5
لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان ،فقال عبد الرحمن
ي والله على أن ل آلو عن أفضلكما ،قال :نعم. عوف :أفتجعلونه إل ّ
-3تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى:
بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالته ومشاوراته فور انتهاء
اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الحد ،واستمرت مشاوراته
واتصالته ثلثة أيام كاملة ،حتى فجر يوم الربعاء الرابع من محرم
وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر ،وبدأ عبد الرحمن
ي ،فمن ترشح بعلي بن أبي طالب فقال له :إن لم أبايعك فأشر عل ّ
للخلفة؟ قال علي :عثمان بن عفان ،وذهب عبد الرحمن إلى عثمان
وقال له :إن لم أبايعك ،فمن ترشيح للخلفة؟ فقال عثمان :علي بن
أبي طالب ...وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الخرين
واستشارهم ،وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار
51
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الصحابة وأشرافهم ،ومن أمراء الجناد ،ومن يأتي للمدينة ،وشملت
مشاورته النساء في خدورهن ،وقد أبدين رأيهن ،كما شملت
الصبيان والعبيد في المدينة ،وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن
عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان ،ومنهم
من كان يشير بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما .وفي منتصف
بيت ابن أخته :المسور ليلة الربعاء ،ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى
بن مخرمة ،فطرق البيت ،فوجد المسور نائما) ,(1فضرب الباب حتى
استيقظ فقال :أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم،
له ،فشاورهما ثم دعاني فقال: انطلق فادع الزبير وسعدا ،فدعوتهما
ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهاّر) (2الليل ثم قام علي من
عنده ...ثم قال(3):ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما
المؤذن بالصبح.
-4التفاق على بيعة عثمان:
وبعد صلة صبح يوم البيعة )اليوم الخير من شهر ذي الحجة
23هـ 6 /نوفمبر 644م( وكان صهيب الرومي المام إذ أقبل عبد
الرحمن بن عوف ،وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله ×,
وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر ،أرسل إلى من كان
حاضرا من المهاجرين والنصار وأمراء الجناد منهم :معاوية أمير
الشام ،وعمير بن سعد أمير حمص ،وعمرو بن العاص أمير مصر،
تلك الحجة مع عمر وصاحبوه )(4
وكانوا وافوا
إلى المدينة.
وجاء في رواية البخاري :فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك
الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والنصار،
وأرسل إلى أمراء الجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ،فلما
اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال :أما بعد ،يا علي إني قد نظرت
في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان ،فل تجعلن على نفسك
سبيل ،فقال (5):أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده،
الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والنصار وأمراء الجناد )(6
فبايعه عبد
والبيان( أن علي بن
)(7
)التمهيد صاحب رواية في وجاء والمسلمون.
أبي طالب أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.
-5حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة الشورى:
نفذ عبد الرحمن بن عوف خطة الشورى بما دل على شرف
عقله ،ونبل نفسه ،وإيثاره مصلحة المسلمين العامة على مصلحته
الخاصة ونفعه الفردي ،وترك عن طواعية ورضا أعظم منصب يطمع
إليه إنسان في الدنيا ،ليجمع كلمة المسلمين ،وحقق أول مظهر من
مظاهر الشورى المنظمة في اختيار من يجلس على عرش الخلفة
الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص .107 ،106 )( 1
شهيد الدار عثمان بن عفان ،أحمد الخروف ،ص .37 )( 4
52
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ويسوس أمور المسلمين ،فهو قد اصطنع من الناة والصبر والحزم
وحسن التدبير ما كفل له النجاح في أداء مهمته العظمى ،وقد كانت
الخطوات التي اتخذها كالتي:
أ -بسط برنامجه في أول جلسة عقدها مجلس الشورى في
دائرة الزمن الذي حده لهم عمر ،وبذلك أمكنه أن يحمل جميع
أعضاء مجلس الشورى على أن يدلوا برأيهم ،فعرف مذهب كل
واحد منهم ومرماه ،فسار في طريقه على بينة من أمره.
وخلع نفسه وتنازل عن حقه في الخلفة ليدفع الظنون ويستمسك ب-
بعروة الثقة الوثقى.
ج -أخذ في تعرف نهاية ما يصبو إليه كل واحد من أصحابه
وشركائه في الشورى ،فلم يزل يقلب وجوه الرأي معهم حتى انتهى
إلى شبه انتخاب جزئي فاز فيه عثمان برأي سعد ابن أبي وقاص،
ورأي الزبير بن العوام ،فلحت له أغلبية آراء العضاء الحاضرين
معه.
د -عمد إلى معرفة كل واحد من المامين :عثمان وعلي في
صاحبه بالنسبة لوزنه من سائر الرهط الذي رشحهم عمر ،فعرف
من كل واحد منهم أنه ل يعدل صاحبه أحدا إل فاته المر.
وراء مجلس الشورى من خاصة المة هـ-أخذ في تعرف رأين َم ْ
أن( معظم النا س ل يعدلون)1
فرأى وضعفائها، وذوي رأيها ،ثم من عامتها
أحدا بعثمان ،فبايع له ،وبايعه عامة النا س.
لقد تمكن عبد الرحمن بن عوف بكياسته وأمانته واستقامته
ونسيانه نفسه بالتخلي عن الطمع في الخلفة والزهد بأعلى منصب
المحنة وقاد ركب الشورى بمهارة وتجرد، في الدولة ،أن يجتاز هذه
مما يستحق أعظم التقدير).(2
قال الذهبي :ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من
المر وقت الشورى ،واختياره للمة من أشار به أهل الحل والعقد،
فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع المة على عثمان ,ولو كان
لنفسه ،أو لولها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه محابيا فيها لخذها
سعد بن أبي وقاص).(3
وبهذا تحققت صورة أخرى من صور الشورى في عهد
الخلفاء الراشدين ،وهي الستخلف عن طريق مجلس
الشورى ليعينوا أحدهم بعد أخذ المشورة العامة ،ثم البيعة
العامة).(4
رابًعا :أباطيل رافضية دست في قصة الشورى:
هناك أباطيل شيعية وأكاذيب رافضية دست في التاريخ
53
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
السلمي ،منها في قصة الشورى ،وتولية عثمان الخلفة ،وقد تلقفها
المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها ،وتأثر بها الكثير من المؤرخين
والمفكرين المحدثين ،ولم يمحصوا الروايات ويحققوا في سندها
ومتنها فانتشرت بين المسلمين.
لقد اهتم مؤرخو الشيعة الرافضة بقصة الشورى وتولية عثمان
بن عفان الخلفة ودسوا فيها الباطيل والكاذيب ،وألف جماعة منهم
فقد ألف أبو مخنف كتاب الشورى ،وكذلك ابن عقدة )(1
كتبا خاصة،
طريق الواقدي في من روايات تسع سعد ابن ونقل بابويه. وابن
خبر الشورى وبيعة عثمان وتاريخ توليه للخلفة) ،(2ورواية من طريق
عبيد الله بن موسى تضمنت مقتل عمر وحصره للشورى في الستة،
وعثمان إذا تولى أحدهما أمر الخلفة ،ووصيته )(3
ووصيته لكل من علي
لصهيب في هذا المر.
مخنف),(4 وقد نقل البلذري خبر الشورى وبيعة عثمان عن أبي
مخنف ومنها تفرد به)،(5
)(7
الكلبي منها ما نقله عن أبي )(6
وعن هشام
واعتمد( الطبري في ، موسى بن الله عبيد وعن , الواقدي وعن
هذه القصة على عدة روايات منها رواية أبي مخنف) ، 8ونقل ابن أبي
الحديد بعض أحداث قصة الشورى من طريق أحمد بن عبد العزيز
الجوهري) ,(9وأشار إلى نقله عن كتاب )الشورى( للواقدي) ,(10وقد
تضمنت الروايات الشيعية عدة أمور مدسوسة ليس لها دليل من
الصحة ،وهي:
-1اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين:
اتهمت الروايات الشيعية الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين،
وعدم رضا علي بأن يقوم عبد الرحمن باختيار الخليفة ،فقد ورد عند
أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل
ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف ،وأن عليا أحس بأن
ذهبت منه لن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي الخلفة
بينهما (11) .وقد نفى ابن تيمية أي ارتباط في النسب القريب بين
عثمان وعبد الرحمن ،فقال :فإن عبد الرحمن ليس أخا لعثمان ول
ابن عمه ول من قبيلته أصل ،بل هذا من بني زهرة وهذا من بني
أمية وبنو زهرة إلى بني هاشم أكثر ميل منهم إلى بني أمية ،فإن
بني زهرة أخوال النبي × ومنهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن
أبي وقاص الذي قال له النبي ×» :هذا خالي فليرني امرؤ خاله«.
) (12فإن النبي × لم يؤاِخ بين مهاجريّ ومهاجري ،ول بين أنصاري
)( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ).(14/246 1
)( أثر التشيع على الروايات التاريخية ،د .عبد العزيز نور ،ص ،321وهو العمدة 8
54
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وأنصاري ،وإنما آخى بين المهاجرين والنصار؛ فآخى بين عبد
الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع النصاري)) ،((21وحديثه مشهور ثابت
في الصحاح وغيرها ،يعرفه أهل العلم بذلك .وقد بنت الروايات
الشيعية محاباة عبد الرحمن لعثمان للمصاهرة التي كانت بينهما
متناسية أن قوة النسب أقوى من المصاهرة من جهة ،ومن جهة
أخرى تناسوا طبيعة العلقة بين المؤمنين في الجيل الول ،وأنها ل
تقوم على نسب ول مصاهرة ،وأما كيفية المصاهرة التي كانت بين
أن عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت عقبة )(3
عبد الرحمن وعثمان فهي
بن أبي معيط أخت الوليد.
-2حزب أموي وحزب هاشمي:
أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني
أثناء( المبايعة ،وهذا غير صحيح ،ولم يرد ذلك برواية صحيحة ول أمية
ضعيفة 4).وقد انساق بعض المؤرخين خلف الروايات الشيعية
الرافضية وبنوا تحليلتهم الخاطئة على تلك الروايات ،فصوروا تشاور
أصحاب الرسول × في تحديد الخليفة الجديد بصورة الخلف
العشائري ،وأن الناس قد انقسموا إلى حزبين حزب أموي وحزب
هاشمي ،وهو تصور موهوم واستنتاج مردود ل دليل عليه؛ إذ ليس
نابًعا من ذلك الجو الذي كان يعيشه أصحاب رسول الله حينما كان
يقف المهاجري مع النصاري ضد أبيه وأخيه وابن عمه وبني
عشيرته ،وليس نابًعا من تصور هؤلء الصحب وهم يضحون بكل
شيء من حطام الدنيا في سبيل أن يسلم لهم دينهم ،ول من
المعرفة الصحيحة لهؤلء النخبة من المبشرين بالجنة ،فالحداث
الكثيرة التي رويت عن هؤلء تثبت أن هؤلء كانوا أكبر بكثير من أن
ينطلقوا من هذه الزاوية الضيقة في
معالجة أمورهم ،فليست القضية قضية تمثيل عائلي أو عشائري،
فهم أهل شورى لمكانتهم
في السلم.
-3أقوال نسبت زوًرا وبهتاًنا لعلي :
قال ابن كثير :وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره
عن رجال ل يعرفون أن عليا قال لعبد الرحمن :خدعتني ،وإنك إنما
وليته لنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه ،وأنه تلكأ حتى قال
ه
َ الل نعو َما ي َُباي ِ ُ
ك إ ِن ّ َ عون َ َ ن ي َُباي ِ ُذي َ ن ال ّ ِ عبد الرحمن بن عوف+ :إ ِ ّ
فسه ومن أ َ ه
ي َدُ الل َ ِ
فى و ََ َ ْ ْ ِ ِ ْ َ ن لى َ ع
َ ثُ ُ كين ما
ِ َ ََ ّ ن إ َ
ف ث َ َ كّ ن منَ َ
ف م وق َ أ ْ ِ ْ
ه دي ِ ي ف ْ َ
جًرا هأ ْ ؤِتي ِ سي ُ َْ ف َ ه
َ الل ه
ُ ْ يَ لعَ َ د ه
َ عا َ مابِ َ
ما" ]الفتح.[10 : ً ظي
ِ ع
َ
-4اتهام عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة:
55
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وقد ذكر أبو مخنف في روايته في قضية الشورى عن عمرو بن
العاص والمغيرة بن شعبة أنهما جلسا عند الباب ،ورد سعد عليهما،
فهذا يستغرب من رعاع الناس فضل عن الصحابة الكرام ،وكيف
يقول سعد لهما :تريدان أن تقول :حضرنا وكنا من أهل الشورى وقد
علم الناس أهل الشورى بأعيانهم واستفاض ذلك عندهم .وفي
الحقيقة أن رواية أبي مخنف يناقض بعضها بعضا ،وهي واضحة لمن
تدبرها وقارنها بالصول الصحيحة ،وغرائبها أشهر من ذكرها .وقد
اليحيى(1إلى نماذج وأمثلة تكفي لسقاط هذه أشار الدكتور يحيى
الرواية وعدم العتبار بها ).هذه بعض الشارات العابرة ذكرتها
للتنبيه والتحذير من تلك السموم المبثوثة في تراثنا التاريخي،
والموروث الثقافي للمة ،فقد أثرت في رجال الفكر
والقلم والتاريخ.
سا :أحقية خلفة عثمان بن عفان : خام ً
ل يشك مؤمن في أحقية خلفة عثمان وصحتها ،وأنه ل
مطعن فيها لحد إل ممن أصيب قلبه بزيغ فنقم على أصحاب رسول
الله × بسبب ما حل في قلبه من الغيظ منهم ،وهذا لم يحصل إل
من الشيعة الرافضة الذين جعلوا رأس مالهم في هذه الحياة الدنيا
هو سب الصحابة -رضي الله عنهم -وبغضهم ،ول قيمة لما يوجهونه
من المطاعن على خلفة الثلثة -رضي الله عنهم -لظهور بطلنه،
وأنها افتراءات ل تصح .وقد جاء في جملة من النصوص القطعية
الشهيرة التنبيه واليماء إلى أحقية خلفة عثمان بن الصحيحة والثار
عفان ،ومن ذلك):(2
مُلوا ع ِ و َ م َ َ من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ َ ه ال ّ ِ عدَ الل ُ و َ -1قوله َتعالىَ + :
نذي َ ّ
ف ال ِ خل َ ست َ ْ ما ا ْ َ َ ك ض ر ل ا في ِ م
ف َ ْ ه ُ ّ ن خل ِ َ ست َ ْ ت لي َ ْ حا ِ صال ِ َ ال ّ
َ ْ ّ ِ ّ َ َ
م ْ هُ ل ضى َ َ ت ر
ْ ا ذي ِ ل ا مَ ُ ه
ُ َ ن دي ِ م ْ ه
ُ ل ن
ّ َ ن ك م من َ ِ ْ َ َ
ُ ي لو م ه ِ ل ْ ب ق ِ
ن ِبي كو َ ر ُ ِ شْ ُ ي َ ل ني ِ َ ن دوُ ُ ب ع
ْ َ ي ناً م
ْ أ م ْ ه فِ و
ْ خ َ د
ِ عْ َ ب من ّ هم ُ ّ ن ل ّ د َ بُ ي َ ل و
َ
ن" ]النور.[55 : قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ه ُ ك ُ فُأول َئ ِ َ كِ َ عدَ ذَل ِ َ فَر ب َ ْ من ك َ َ و َ شي ًْئا َ َ
وجه الستدلل بهذه الية على أحقية خلفة عثمان أنه من الذين
استخلفهم الله في الرض ،ومكن لهم فيها ،وسار في الناس أيام
خلفته سيرة حسنة؛ حيث حكم فيهم بالعدل وأقام الصلة وآتى
الزكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ،فهذه الية تضمنت الشارة
إلى
أحقيته .(3)
ن
و َ ع ْ ست ُدْ َ ب َ عَرا ِ ال ْ َ ن
م َ ن ِ في َ خل ّ ِ م َ قل ل ّل ْ ُ -2قوله تعالىُ + :
ْ ُ
فِإن ن َ مو َ ل س ي و أ م ه ن لو ُ ت قا َ ت د دي ش َ س إ َِلى َ
ّ ْ ُ ِ
َ
ُ ُ ْ ّْ َ ِ ُ ٍ ِ َ وم ٍ أو ُِلي ب َأ ٍ ق ْ
من ولي ُْتم ّ ما ت َ َ وا ك َ ول ْ وِإن ت َت َ َ سًنا َ ح َ جًرا َ ه َأ ْ م الل ُ ؤت ِك ُ عوا ي ُ ْ طي ُ تُ ِ
ما" ]الفتح .[16 :وجه الستدلل بهذه الية ً لي ِ أ با ً ذا َ ع َ م ْ ُ ك ْ ب ّ ذ ع َ ُ ي ل ُ قب ْ َ
على أحقية خلفة عثمان هو أن الداعي لهؤلء العراب داع
يدعوهم بعد نبيه × وهو أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ فأبو
بكر دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك فوجبت طاعة هؤلء
)( مرويات أبي مخنف ،ص .179 1
56
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-رضي الله عنهم -بنص القرآن ،وإذا وجبت طاعتهم صحت الثلثة
خلفتهم) (1رضي الله عنهم وأرضاهم.
-3عن أبي موسى قال :إن النبي × دخل حائطا وأمرني
بحفظ باب الحائط ،فجاء رجل يستأذن فقال :ائذن له وبشره
بالجنة ،فإذا هو أبو بكر ،ثم جاء آخر يستأذن فقال :ائذن له وبشره
بالجنة ،فإذا هو عمر ،ثم جاء آخر يستأذن فقال :ائذن له وبشره
بالجنة على بلوى تصيبه ,فإذا هو عثمان بن عفان (2).هذا الحديث فيه
إشارة إلى ترتيب الثلثة في الخلفة ،وإخبار عن بلوى تصيب عثمان،
هذه البلوى حصلت له وهي حصاره يوم الدار
حتى قتل آنذاك مظلوما ،فالحديث علم من أعلم النبوة ،وفيه
الشارة إلى كونه
شهيدا رضي الله عنه وأرضاه).(3
بإسناده إلى جابر بن عبد الله أنه -4روى أبو داود -رحمه الله-
ل صالح :أن أبا دث أن رسول الله × قال» :أ ُرِيَ الليلة رج ٌ كان يح ّ
بكر نيط برسول الله × ،ونيط عمر بأبي بكر ،ونيط عثمان بعمر«،
قال جابر :فلما قمنا من عند رسول الله × قلنا :أما الرجل
وط بعضهم ببعض ،فهم ولة هذا الصالح فرسول الله × ،وأما ت َن َ ّ
المر الذي)(4بعث الله
به نبيه ×.
-5وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة قال:
سمعت رسول الله × يقول» :إنها ستكون فتنة واختلف -أو
اختلف وفتنة -قال :قلنا :يا رسول الله ،فما تأمرنا؟ قال:
»عليكم بالمين وأصحابه« وأشار إلى عثمان (5).وهذا الحديث
فيه معجزة ظاهرة للنبي × الدالة على صدق نبوته؛ حيث أخبر
بالفتنة التي حصلت أيام خلفة عثمان وكانت كما أخبر ،وتضمن
الحديث التنبيه على أحقية خلفة عثمان؛ إذ أنه × أرشد الناس إلى
أن يلزموه ،وأخبر بأنه حين وقوع الفتنة والختلف مع أمير المؤمنين
ومقدمهم أمرهم باللتفاف حوله وملزمته لكونه على الحق،
وقد شهد له الرسول والخارجون عليه على الباطل أهل زيغ وهوى،
× بأنه سيكون مستمرا على الهدى ل ينفك عنه).(6
-6روى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى عائشة -رضي الله
عنها -أن النبي ×
صا فإن أرادوك على خلعه ً قمي مصك ّ يق الله لعل إنه قال» :يا عثمان،
فل تخلعه لهم« (7).ففي هذا الحديث الشارة إلى الخلفة واستعارة
القميص لها وذكر الخلع ترشيح؛ أي:
)( المستدرك ) (3/99ثم قال :حديث صحيح السناد ولم يخرجاه ،ووافقه 5
الذهبي.
)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة.(2/660) ، 6
57
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
سيجعلك الله خليفة ،فإن قصد الناس عزلك فل تعزل نفسك عنها
)(1
لجلهم؛ لكونك
على الحق وكونهم على الباطل.
لي( عثمان يوم وروى الترمذي بإسناده إلى أبي سهلة قال :قال -7
الدار :إن رسول الله × قد عهد إلي ّعهدا فأنا صابر عليه) .2فقوله :قد
أرادوك على خلعه ي ّعهدا ،أي :أوصاني أن ل أخلع بقوله»:وإن عهد إل
فل تخلعه لهم«فأنا صابر عليه ،أي :على ذلك العهد).(3
-8وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سهلة مولى
عثمان عن عائشة -رضي الله عنها -أن رسول الله × قال» :ادعوا
لي أو ليت عندي رجل من أصحابي« ،قالت :قلت :أبو بكر ،قال:
»ل« ،قلت :عمر ،قال» :ل« ,قلت :ابن عمك علي ،قال» :ل«,
قلت :فعثمان ،قال» :نعم« قالت :فجاء عثمان ،فقال» :قومي«,
قال :فجعل النبي × يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير ،قال :فلما
ي
تقاتل؟ قال :ل إن رسول الله × عهد إل ّ كان يوم الدار قلنا :أل
أمرا فأنا صابر نفسي عليه).(4
فهذا الحديث والذي قبله فيهما دللة على صحة خلفته ،فمن
أنكر خلفته ولم يره من أهل الجنة والشهداء وأساء الدب فيه
باللسان أو الجنان فهو خارج عن دائرة اليمان وحيز السلم).(5
-9ومما دل على صحة خلفته وإمامته ما رواه البخاري بإسناده
عن ابن عمر -رضي الله عنهما -قال :كنا في زمن النبي × ل نعدل
أحدا(6،ثم عمر ،ثم عثمان ،ثم نترك أصحاب النبي × ل )
بأبي بكر
وألقى ألهمهم تعالى الله أن إلى إشارة هذا وفي بينهم. نفاضل
في روعهم ما كان صانعه بعد نبيه × من أمر ترتيب الخلفة).(7
قال ابن تيمية :فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي
× من تفضيل أبي بكر ،ثم عمر ،ثم عثمان ،وقد روى أن ذلك كان
يبلغ النبي × فل ينكره ،وحينئذ فيكون هذا التفضيل ثابتا بالنص وإل
فيكون ثابتا بما ظهر بين المهاجرين والنصار على عهد النبي × من
غير نكير ،وبما ظهر لما توفي عمر فإنهم كلهم بايعوا عثمان بن
عفان من غير رغبة ول رهبة ولم ينكر هذه الولية منكر منهم).(8
وكل ما تقدم ذكره من النصوص في هذه الفقرة أدلة قوية كلها
فيها الشارة والتنبيه إلى أحقية خلفة عثمان وأنه ل مرية في
ذلك ,ول نزاع عند المتمسكين بالكتاب والسنة والذين هم أسعد
الناس بالعمل بهما وهم أهل السنة والجماعة ،فيجب على كل
مسلم أن يعتقد أحقية عثمان ،وأن يسلم تسليما كامل للنصوص
)( الدين الخالص ،محمد صديق حسن القنوجي ,البخاري ).(3/446 1
58
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الدالة على ذلك).(1
سا :انعقاد الجماع على خلفة عثمان: ساد ً
أجمع أصحاب رسول الله × ،وكذا من جاء بعدهم ممن سلك
سبيلهم من أهل السنة والجماعة على أن عثمان بن عفان أحق
الناس بخلفة النبوة بعد عمر بن الخطاب ،ولم يخالف أو يعارض
في هذا أحد؛ بل الجميع سلم له بذلك لكونه أفضل خلق الله على
الطلق بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ،وقد نقل
بعد (2عمر طائفة من أهل الجماع على أحقية عثمان بالخلفة
العلم بالحديث وغيرهم ،ومن تلك النقول) :
-1ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده إلى حارثة بن مضرب قال:
حججت)(3في إمارة عمر فلم يكونوا يشكون أن الخلفة من بعده
لعثمان
-2وروى أبو نعيم الصبهاني بإسناده إلى حذيفة قال :إني
لواقف مع عمر تمس ركبتي ركبته فقال :من ترى قومك يؤمرون؟
الناس قد أسندوا أمرهم إلى قال :إن
ابن عفان).(4
ونقل الحافظ الذهبي عن شريك بن عبد الله القاضي -3
فاستخلف المسلمون أبا بكر ،فلو ض النبي × ِ َ بُ ق قال: أنه
علموا أن فيهم أحدا أفضل منه كانوا قد غشوا ،ثم استخلف
أبو بكر عم َ ر فقام بما قام به من الحق والعدل ،فلما احتضر
فاجتمعوا على عثمان ،فلو علموا)(5
جعل المر شورى بين ستة،
أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا.
فهذه النقول فيها بيان واضح في أن أصحاب النبي × قد اشتهر
بينهم أولوية عثمان بالخلفة ،وما زال عمر بن الخطاب حّيا لما
سبق من علمهم ببعض النصوص المشيرة إلى أن ترتيبه سيكون في
أفضل الناس على
)(6
خلفة النبوة بعد الفاروق ،ولعلمهم أنه
الطلق بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
-4روى ابن سعد بإسناده إلى النزال بن سبرة قال :قال عبد
الله بن مسعود حين استخلف عثمان :استخلفنا خير من بقي ولم
مرنااختيار الفضل( .وفي رواية أخرى قال :أ ّ نأله )أي لم نقصر في
)(7
خير من بقي ولم نأ ُ
ل.
-5وقال الحسن بن محمد الزعفراني :سمعت الشافعي يقول:
)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ،د .ناصر بن علي عايض 1
)( ميزان العتدال في نقد الرجال ،محمد بن عثمان الذهبي ).(2/273 5
)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ،د .ناصر بن على عايض ) 6
.(2/666
)( الطبقات الكبرى ).(3/63 7
59
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أجمع الناس على خلفة أبي بكر ،واستخلف أبو بكر عمر ،ثم جعل
ستة على أن يولوها واحدا فولوها عثمان رضي الله الشورى إلى
عنهم أجمعين (1).وقد نقل أبو حامد محمد المقدسي كلما عزاه
للمام الشافعي أنه قال :واعلموا أن المام الحق بعد عمر
عثمان بجعل أهل الشورى اختيار المامة إلى عبد الرحمن بن
عوف واختياره لعثمان ،وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم،
وصوبوا رأيه فيما فعله ،وأقام الناس على محجة الحق ،وبسط
العدل إلى أن
استشهد .(2)
أحمد( أنه قال :لم يجتمعوا على -6وذكر ابن تيمية عن المام
بيعة أحد ما اجتمعوا على بيعة عثمان). 3
-7وقال أبو الحسن الشعري :وثبتت إمامة عثمان بعد عمر
نص عليهم بعقد من عقد له المامة من أصحاب الشورى الذين
عمر ،فاختاروه ورضوا بإمامته وأجمعوا على فضله وعدله).(4
-8وقال عثمان الصابوني مبينا عقيدة السلف وأصحاب الحديث
في ترتيب الخلفة بعد أن ذكر أنهم يقولون أول ً بخلفة الصديق ثم
الشورى وإجماع عمر ،قال :ثم خلفة عثمان بإجماع أهل
الصحاب كافة ورضاهم به ،حتى جعل المر إليه).(5
-9وقال شيخ السلم ابن تيمية -رحمة الله تعالى عليه وعلى
جميع العلماء المصلحين:-
وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان لم يتخلف عن بيعته أحد...
فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما ،وإل فلو قدر أن عبد
الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ول غيره من الصحابة أهل الشوكة لم
يصر إماما ،ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة :عثمان وعلي
وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف ،ثم إنه خرج طلحة
والزبير وسعد باختيارهم ،وبقي عثمان وعلي وعبد الرحمن ل يتولى
ويولي أحد الرجلين ،وأقام عبد الرحمن ثلثا حلف أنه لم يغمض فيها
بكبير نوم يشاور السابقين الولين والتابعين لهم بإحسان يشاور
أمراء الجناد ،وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام ،فأشار عليه
المسلمون بولية عثمان ،وذكر أنهم كلهم قدموا عثمان فبايعوه ل
عن رغبة أعطاهم إياها ول عن رهبة أخافهم بها ،ولهذا قال غير واحد
من السلف والئمة كأيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني
وغيرهم :من قدم عليا على عثمان فقد ازدرى بالمهاجرين والنصار،
الدلة على أن عثمان أفضل؛ لنهم قدموه باختيارهم )(6
وهذا من
واشتوارهم.
-10وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى -حاكيا إجماع
عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن الرسالة المنبرية ).(1/139 )( 5
60
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الصحابة على خلفة عثمان :ويروى أن أهل الشورى جعلوا المر
إلى عبد الرحمن ليجتهد للمسلمين في أفضلهم ليوليه ،فيذكر أنه
سأل من يمكنه سؤاله من أهل الشورى ،وغيرهم فل يشير إل
بعثمان بن عفان حتى إنه قال لعلي :أرأيت إن لم أوّلك بمن تشير به
ي؟ قال :بعثمان ،وقال لعثمان :أرأيت إن لم أوّلك بمن تشير به؟ عل ّ
قال :بعلي بن أبي طالب .والظاهر أن هذا كان قبل أن ينحصر المر
في ثلثة ،وينخلع عبد الرحمن منها لينظر الفضل ،والله عليه
والسلم ليجتهد في أفضل الرجلين فيوليه ،ثم نهض عبد الرحمن بن
عوف يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس
الناس وأقيادهم جميعا وأشتاتا ،مثنى وفرادى ،ومجتمعين سّرا
وجهًرا ,حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن ،وحتى سأل
رد من الركبان والعراب إلى الولدان في المكاتب ،وحتى سأل من ي َ ِ
المدينة في مدة ثلثة أيام بلياليها ،ل يغتمض بكثير نوم إل في صلة
ودعاء واستخارة وسؤال من ذوي الرأي عنهم ،فلم يجد أحدا يعدل
بعثمان بن عفان ،فلما كانت الليلة التي يسفر صاحبها عن اليوم
الرابع من موت عمر بن الخطاب جاء إلى منزل ابن أخته المسور
بن مخرمة وأمره أن ينادي له عليا وعثمان -رضي الله عنهما-
فناداهما فحضرا إلى عبد الرحمن فأخبرهما أنه سأل الناس فلم يجد
أحدا يعدل بهما أحدا ،ثم أخذ العهد على كل منهما أيضا لئن وله
ليعدلن ولئن ُولي عليه ليسمعن وليطيعن ،ثم خرج إلى المسجد وقد
لبس عبد الرحمن العمامة التي عممه بها رسول الله × وتقلد سيفا،
وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والنصار ،ونودي في الناس
ص بالناس،عامة الصلة جامعة ،فامتل المسجد بالناس حتى غ ّ
ص الناس وتراصوا حتى لم يبق لعثمان موضع يجلس فيه إل في وترا ّ
أخريات الناس ،وكان رجل حيّيا ،ثم صعد عبد الرحمن بن عوف
منبر رسول الله × فوقف وقوفا طويل ودعا دعاء طويل لم يسمعه
الناس ،ثم تكلم فقال :أيها الناس ،إني سألتكم سّرا وجهًرا عن
إمامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما علي وإما عثمان،
ي يا علي ،فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن فقم إل ّ
بيده فقال :هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه × وفعل أبي
بكر وعمر؟ قال :اللهم ل ،ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ،قال:
ي يا عثمان ،فأخذ بيده وقال :هل أنتفأرسل يده ،وقال :قم إل ّ
مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله × ،وفعل أبي بكر وعمر؟ قال:
اللهم نعم ،قال :فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان،
وقال :اللهم اسمع واشهد ،اللهم اسمع واشهد ،اللهم اسمع واشهد،
اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان ،وقال:
وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه تحت المنبر ،قال :فقعد
عبد الرحمن مقعد النبي × وأجلس عثمان تحته على الدرجة الثانية،
وجاء إليه الناس يبايعونه ،وبايعه علي بن أبي طالب أو ً
ل ،ويقال ثانًيا. )(1
61
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
في ذلك أحد.
ي على عثمان رضي الله عنهما: سابًعا :حكم تقديم عل ّ
دم ّ عليا على أبي بكر وعمر فإنه
نقالذي عليه أهل السنة أن َم ْ
مبتدع(2،ومن قدم عليا على عثمان فإنه مخطئ ول يضللونه ول ضال
يبدعونه).وإن كان بعض أهل العلم قد تكلم بشدة على من قدم عليا
على عثمان بأنه قال :من قدم عليا على عثمان فقد زعم أن أصحاب
المانة؛ حيث اختاروا عثمان على علي ّ رضي الله خانوا
الرسول ×
تبارك وتعالى عنهما).(3
وقال ابن تيمية :استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ،وإن
كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي ليست من الصول التي
يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ،لكن المسألة التي يضل
المخالف فيها هي مسألة الخلفة ،وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة
ومن طعن )(4
بعد رسول الله × أبو بكر ،ثم عمر ،ثم عثمان ،ثم علي،
في خلفة أحد من هؤلء الئمة فهو أضل من حمار أهله.
ي على عثمان، وذكر أقوال أهل العلم في مسألة تفضيل عل ّ
فقال :فيها روايتان:
إحداهما :ل يسوغ ذلك ،فمن فضل عليا على عثمان خرج من
دمالسنة إلى البدعة ،لمخالفته لجماع الصحابة ،ولهذا قيل :من ق ّ
عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والنصار ،يروى ذلك عن غير
واحد ،منهم أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني.
)(5
دم عليا؛ لتقارب حال عثمان وعلي. دع من ق ّ والثانية :ل ي ُب َ ّ
***
)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ،د .ناصر بن علي عايض ) 1
.(2/671
)( مجموع الفتاوى ).(102 ،3/101 2
62
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثاني
منهج عثمان بن عفان في الحكم
عندما بويع عثمان بالخلفة قام في الناس خطيبا فأعلن عن
منهجه السياسي ،مبينا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين،
كما أشار في خطبته إلى أنه سيسوس الناس بالحلم والحكمة إل
فيما استوجبوه من الحدود ،ثم حذرهم من الركون إلى الدنيا
والفتتان بحطامها؛ خوفا من التنافس والتباغض والتحاسد بينهم ،مما
يفضي بالمة إلى الفرقة والخلف .وكان عثمان ينظر وراء
سيحدث(1في هذه المة من الفتن الحجب ببصيرته النفاذة إلى ما
بسبب الهواء وتهالك الناس بعدما بويع) فقال:
)أما بعد ،فإني كلفت وقد قبلت ،أل وإني متبع ولست بمبتدع ،أل
ي بعد كتاب الله وسنة نبيه × ثلثا :اتباع من كان قبلي وإن لكم عل ّ
فيما اجتمعتم عليه وسننتم ،وسن أهل الخير فيما تسنوا عن مل،
والكف عنكم إل فيما استوجبتم العقوبة .وإن الدنيا خضرة وقد
ول شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم ،فل تركنوا إلى الدنيا
تثقوا بها فإنها ليست بثقة ،واعلموا أنها غير تاركة إل من تركها( ).(2
وأما قول بعض الناس بأن عثمان لما خطب أول خطبة ارتج
عليه فلم يدر ما يقول حتى قال :أيها الناس ،إن أول مركب صعب
صاحب وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها ،فهو شيء يذكره
العقد) ,(3وغيره من يذكر طرف الفوائد ،وأن إسناده غير صحيح).(4
ل :ك ُُتب عثمان إلى عماله وولته وأمراء الجند وعامة الناس: أو ً
أقر عثمان عمال عمر ،فلم يعزل منهم أحدا عاما كامل أخذا
بوصية عمر ،والناظر في الكتب التي بعث بها إلى الولة وعمال
وأمراء الجناد يقف على النهج الذي أراد السير عليه وأخذ المال
المة به).(5
-1أول كتاب كتبه عثمان إلى جميع ولته:
أما بعد ،فإن الله أمر الئمة أن يكونوا رعاة ،ولم يتقدم إليهم أن
يكونوا جباة ،وإن صدر هذه المة خلقوا رعاة ،لم يخلقوا جباة،
وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ول يكونوا رعاة ،فإذا عادوا كذلك
انقطع الحياء والمانة والوفاء ،أل وإن أعدل السيرة أن تنظروا في
أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم ،وتأخذوهم بما عليهم،
وتأخذوهم بالذي عليهم ،ثم العدو ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم
الذي تنتابون ،فاستفتحوا عليهم بالوفاء).(6
)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ).(1/392 1
)( المراد ابن عبد ربه الندلسي ،صاحب كتاب )العقد الفريد( ،وهو كتاب في 3
وهو متروك.
)( تحقيق مواقف الصحابة ،د .محمد أمحزون ).(1/393 5
63
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والملحظ أن عثمان أكد في هذا الكتاب الموجه إلى ولته
في المصار واجبهم نحو الرعية ،وعرفهم أن مهمتهم ليست هي
جمع المال ،وإنما تتمثل في رعاية مصالح الناس ،ولجل ذلك بّين
السياسة التي يسوسون بها المة ،وهي أخذ الناس بما عليهم من
الواجبات وإعطاؤهم حقوقهم ،فإذا كانوا كذلك صلحت المة ،وإذا
انقلبوا جباة ليس همهم إل جمع المال انقطع الحياء وفقدت المانة
والوفاء (1).لقد كان في كتاب عثمان للولة التركيز على قيم العدل
السياسي والجتماعي والقتصادي ،بإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم
وأخذ ما عليهم ،وإعلء شأن مبدأ الرعاية السياسية ل الجباية وتكثير
الموال).(2
ونبه على ما سيكون عند تغير الولة من رعاة إلى جباة؛ بأن ذلك
سبب في تقلص مكارم الخلق التي مثل لها بالحياء والمانة
والوفاء ،وذلك أن بين الراعي والرعية خيطا ساميا من العلقات
المتينة ،ويؤكده ويثبته اتفاق الجميع على هدف واحد ،وهو ابتغاء وجه
الله تعالى ،فالوالي يسعى لهذا الهدف بما يقدمه لمامه من طاعة
وولء وأمانة ووفاء ،ويبقى خلق الحياء الذي أشار إليه عثمان ُيظ ّ
ل
الجميع فيمنعهم من ارتكاب ما يستقبح أو التعرض لجرح المشاعر
واليقاع في الحرج ،ثم يوصي عثمان ولته بالعدل في الرعية؛ وذلك
بأخذ ما عليهم من الحقوق وبذل ما لهم من ذلك ،ويشير إلى نقطة
مهمة وهي أن الوفاء بالعهود من أهم أسباب الفتح والنصر على
العداء ،وقد بين التاريخ أثر هذا الخلق الرفيع في تفوق المسلمين
الداري والحربي).(3
-2كتابه إلى قادة الجنود:
)(4
وكان أول كتاب كتبه إلى قادة الجناد في الفروج :أما بعد،
فإنكم حماة المسلمين وذادتهم ،وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا،
بل كان على مل منا ،ول يبلغني عن أحد منكم تغيير ول تبديل فيغير
كيف تكونون؛ فإني أنظر الله بكم ،ويستبدل بكم غيركم ،فانظروا
فيما ألزمني الله النظر فيه والقيام عليه).(5
وفي هذا الكتاب لفت النظر إلى أن المور لن تتغير بتغير
الخليفة؛ لن الخلفاء ومن دونهم من الولة يسيرون على خط واحد،
وهو القيام بمهمة تطبيق السلم في واقع الحياة ،وقوله) :وقد وضع
لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان على مل منا( ،إشارة إلى أن حكم
أولئك الخلفاء يقوم على الشورى ،وذلك يترتب عليه أن جميع
القضايا المهمة تكون معلومة بتفاصيلها عند أهل الحل والعقد ،فإذا
ذهب الحاكم وخلفه حاكم آخر سار على نفس المنهج؛ لوضوح
الهدف لدى الجميع .وقوله) :ول تغيروا فيغير الله بكم( وعي لسنن
الله تعالى في هذا الكون ،فمعية الله -جل وعل -لوليائه بالتوفيق
الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ،د .حمدي شاهين ،ص .246 )( 2
التاريخ السلمي مواقف وعبر ،د .عبد العزيز الحميدي ).(12/369 )( 3
64
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والحماية والنصر مشروطة بلزومهم شريعته واستسلمهم لمره،
تغيروا( في ذلك غّير الله ما بهم واستبدل بهم غيرهم في الهيمنة فإذا
ن ي ب من ت باقّ ع م ه َ ل + تعالى: الله يقول ذلك وفي ، )1
والتمكين
َ ْ ِ ُ ُ َ َ ٌ ّ َ ف ُ
ما غي ُّر َ ه ل َ يُ َ ن الل َ ه إِ ّ الل َِ ر
م ِ نأ ْ م ْ ه ِ ظون َ ُ ما بأ َ
ح َ
ه يَ ْ ف ِ خل ْ ِن َ م ْ و ِ
ه َي َدَي ْ ِ
ءاسو ً م
ُ ِ ْ ٍ ُ و َ
ق ب ه الل د
َ َرا أ َ
ذا إو
ِ ْ َ ِم ه س ِ ف ُ ْ ن َ ِ روا و ٍ َ َ ُ ّ ُ
ي غ
َ ي تى ّ ح م ق ْ بِ َ
ل" ]الرعد [11 :وذكرهم َ ٍ وا من ِ ه
ِ ِ ن دوُ من ّ هم ُ َ ل ما و ه ل
َ َ ّ ُ َ َ د ر م َ ل َ
ف
بأنه على علم بواجبه يؤديه ويقوم عليه ليتلقى عمل الرعية وعمل
بالواجب والقيام به ،ويشعر كل فرد أنه يعمل الراعي في الشعور
لمته كما يعمل لنفسه).(2
-3كتابه إلى عمال الخراج:
وكان أول كتاب كتبه إلى عمال الخراج:
أما بعد ،فإن الله خلق بالحق فل يقبل إل الحق ،خذوا الحق
وأعطوا الحق به ،والمانة المانة ،قوموا عليها ،ول تكونوا أول من
والوفاء الوفاء ،ل يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم،
تظلموا اليتيم ول المعاهد؛ فإن الله خصم لمن ظلمهم).(3
خص في هذا الكتاب وزراء المال الذين يجبونه من أفراد المة
لينفق في مصالحها العامة ،فبّين لهم أن الله ل يقبل إل الحق،
والحق قائم على المانة والوفاء ،ثم ميز صنفين من الرعية هما
والمعاهد ،فحض على التجافي عن ظلمهما؛ لن الله ضعيفاها؛ اليتيم
هو المتولي حمايتهما (4).ويذكرهم بأنهم إذا ظلموهم فإنهم معرضون
لنقمة الله تعالى؛ لنه خصم لمن ظلم هؤلء المستضعفين .وفي هذا
حيث يدعو إلى نصر لفتة إلى جانب من جوانب عظمة السلم؛
المظلومين وإن كانوا من الكفار المعاهدين).(5
-4كتابه إلى العامة:
أما بعد ،فإنكم إنما بلغتم بالقتداء والتباع فل تلفتنكم الدنيا عن
أمركم ،فإن أمر هذه المة صائر إلى البتداع بعد اجتماع ثلث فيكم:
تكامل النعم ،وبلوغ أولدكم من السبايا ،وقراءة العراب والعاجم
في(6العجمة ،فإذا القرآن ،فإن رسول الله × قال» :الكفر
)
استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا«.
وفي هذا الخطاب نلحظ أن عثمان رغب عامة المة في
التباع وترك التكلف والبتداع ،وأنه حذرهم تغير الحال إذا اجتمعت
لهم ثلث خلل :تكامل النعم الذي يبطر النفوس ويدفعها إلى
الترف ،ويصدها عن الجتهاد والعمل ،ويصرفها إلى الفراغ والكسل،
حتى تفتر حيويتها وتخور عزائمها .وبلوغ أولدها من السبابا ،وقد
لمست المة في تاريخها أثر هؤلء في المجتمع السلمي من
) (4عثمان بن عفان ،صادق عرجون، )( التاريخ السلمي ).(12/370 1
ص .199
2
) (2التاريخ السلمي ) )( عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص .198 4
.(20/371 5
65
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الوجهة السياسية والجتماعية والدينية .وقراءة العراب والعاجم
القرآن ،وإنما يريد عثمان بذلك ما في طبائع العراب من جفوة
وغلظ الكباد ،فل تبلغ هداية القرآن مكان الخير من أفئدتهم ،وكذلك
يريد ما في العاجم من أخلق موروثة وعقائد متأصلة ،وعادات
قديمة تباعد بينهم وبين سنن القرآن في الهداية ،وقد ظهر أثر
العراب في فرقة الخوارج الذين كانت كثرتهم من أولئك الجفاة؛
فهم كانوا أقرأ الناس للقرآن وأبعدهم عن هدايته ،ثم ظهر فيمن
عداهم أثر العاجم فيما ابتدعوه من مذاهب وتكلفوه من آراء كانت
ومنهم أكثر الفرق الضالة التي )(1
شّرا على المسلمين في عقائدهم،
لعبت في تاريخ السلم أخطر دور.
ثانًيا :المرجعية العليا للدولة:
أعلن ذو النورين أن مرجعيته لدولته كتاب الله وسنة رسوله ×
والقتداء بالشيخين في هديهم ،فقد قال ...» :أل وإني متبع ولست
وسنة نبيه × ثلثا :اتباع من )(2
ي بعد كتاب الله بمبتدع ،أل وإن لكم عل ّ
كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم.«....
ك -1فالمصدر الول هو كتاب الله ،قال تعالى+ :إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ
ول َ ت َك ُ ْ
ن ه َ ك الل ُما أ ََرا َ
س بِ َ
ن الّنا ِم ب َي ْ َحك ُ َ
ق ل ِت َ ْ ح ّب ِبال ْ َال ْك َِتا َ
ما" ]النساء .[105 :فكتاب الله تعالى يشتمل على ً صي ِ خ
َ ن
خائ ِ ِ َ
ني ل ّل ْ َ
جميع الحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة ،كما يتضمن مبادئ
أساسية وأحكاما قاطعة لصلح كل شعبة من شعب الحياة ،كما بين
القرآن الكريم للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها
دولتهم.
-2المصدر الثاني :السنة المطهرة التي يستمد منها الدستور
خللها يمكن معرفة الصيغ التنفيذية السلمي أصوله ،ومن
والتطبيقية لحكام القرآن).(3
بالشيخين :قال رسول الله ×»:اقتدوا بالذين من بعدي: )(4
-3القتداء
أبي بكر وعمر«.
إن دولة ذي النورين خضعت للشريعة وأصبحت سيادة الشريعة
السلمية فيها فوق كل تشريع وفوق كل قانون ،وأعطت لنا صورة
مضيئة مشرقة على أن الدولة السلمية دولة شريعة ،خاضعة بكل
أجهزتها لحكام)(5هذه الشريعة ،والحاكم فيها مقيد بأحكامها ل يتقدم
ول يتأخر عنها .ففي دولة ذي النورين وفي مجتمع الصحابة
الشريعة فوق الجميع ،يخضع لها الحاكم والمحكوم ،وطاعة الخليفة
مقيدة بطاعته لله ،قال رسول الله ×» :ل طاعة في المعصية ،إنما
الطاعة في المعروف« (6).وهيمنة الشريعة على الدولة من خصائص
الخلفة الراشدة ،فحكومة الخلفة الراشدة تتميز عن الحكومات
عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص .199 )( 1
66
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الخرى بعدة خصائص ،منها:
* أن اختصاص الحكومة )الخليفة( عامة؛ أي تقوم على التكامل
بين الشئون الدنيوية والدينية.
* أن حكومة الخلفة ملزمة بتنفيذ أحكام الشريعة.
)(1
* أن الخلفة تقوم على وحدة العالم السلمي.
ثالثـا :حق المة في محاكمة الخليفة:
المر الذي ل شك فيه أن سلطة الخليفة ليست مطلقة ،وإنما
هي مقيدة بقيدين:
حا ورد في القرآن الكريم والسنة ،وأن صا صري ً -1أل يخالف ن ّ
يكون الجراء الذي يتخذه متفقا -فضل عن ذلك -مع روح الشريعة
ومقاصدها.
-2أل يخالف ما اتفقت عليه المة السلمية أو يخرج على
إرادتها.
وأساس ذلك أن الخليفة نائب عن المة ،منها يستمد سلطانه،
ويرجع إليها في تحديد هذا السلطان ومداه ،فالمة تستطيع في كل
وقت أن توسع من هذا السلطان ،وأن تضيق منه أو تقيده بقيود
كلما رأت في ذلك مصلحة أو ضمانا لحسن القيام على أمر الله
ومصلحة المة (2).ويكون ذلك من خلل مجلس شورى المة .وقد
أكد عثمان حق المة في محاسبة الخليفة في قوله :إن وجدتم
)(3
في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي في القيد.
وحينما أخذت طائفة عليه بعض أخطاء -في زعمها -في تصريفه
لشئون الحكم وإسناد وظائفه ،وتظاهرت عليه جموع منهم
لمحاسبته على أعماله ،فأذعن -رضوان الله عليه -لرغبتهم ،ولم
استعدادا كريما لصلح ما عسى أن ينكر عليهم هذا الحق ،وأبدى
يكون أخطأه التوفيق في إبرامه).(4
رابًعا :الشورى:
إن من قواعد الدولة السلمية حتمية تشاور قادة الدولة
وحكامها مع المسلمين والنزول على رضاهم ورأيهم ،وإمضاء نظام
مه ْت لَ ُ ه ِلن َ
ن الل ِ م َ ة ّ م ٍ ح َما َر ْ فب ِ َ الحكم بالشورى ،قال تعالىَ + :
فع ُ فا ْك َ ول ِ َ ِ ْ َ ْ ح ن م ضوا ّ َ
ف ْ نَ ل بقل ْ ِ ظ ال ْ َ غِلي َ
َ
ظا َ ف ّ ت َ كن َ و ُ ول َ ْ َ
ت م
َ ْ َ ز ع
َ َ
ذا ِ إ َ
ف ر م
ّ ْ ِ ال في ِ م ْ ه
ُ رْ وِ شا َ و
َ م ْ ه
ْ ُ ل رفِ غ
ْ َ ت سعن ْ ُ ْ َ ْ
وا م ه َ
ن" ]آل عمران.[159 : وكِلي َ مت َ َ ب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل َ ه إِ ّ عَلى الل ِ ل َ وك ّ ْ
فت َ َ َ
َ
صل َ َ
ة موا ال ّ قا ُ وأ َ م َ ه ْ بوا ل َِرب ّ ِ جا ُ ست َ َ نا ْ ذي َ وال ّ ِ َ وقال تعالىَ + :
ن" ]الشورى.[38 : فقو َ ُ م ي ُن ْ ِ ه ْ ْ
ما َرَزقَنا ُ م ّ و ِم َ ه ْشوَرى ب َي ْن َ ُ م ُ ه ْمُر ُ وأ ْ َ
وقد اتخذ عثمان في دولته مجلسا للشورى يتألف من كبار
الدولة والسيادة ،د .فتحي عبد الكريم ،ص .268 )( 2
67
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أصحاب رسول الله × من المهاجرين والنصار (1).وقد طلب عثمان
من العمال والقادة قائل :أما بعد ،فقوموا على ما فارقتم عليه
تبدلوا ،ومهما أشكل عليكم فردوه إلينا نجمع عليه المة ثم عمر ول
نرده عليكم (2).فأخذ قادته بذلك ،فكانوا إذا هموا بالغزو والتقدم في
الفتوحات السلمية استأذنوه واستشاروه ،فيقوم هو بدوره بجمع
الصحابة واستشارتهم للعداد والقرار والتنفيذ ووضع الخطط
المناسبة لذلك ،ومن ثم يأذن) (3لهم؛ فقد قام عبد الله بن أبي
السرح بالكتابة إلى الخليفة عثمان طالبا منه أن يأذن له بأن
المسلمين ،فأجابه يغزو أطراف إفريقية ،وذلك لقرب جزر الروم من
الخليفة عثمان إلى ذلك بعد المشورة وندب إليه الناس (4).كما أن
معاوية بن أبي سفيان حين أراد فتح جزيرة قبرص ورودس فعل
الشيء نفسه في استشارة القيادة العليا المركزية ،وطلب الذن
بعد (5انعقاد مجلس الشورى وبحثه بالسماح له ،ولم يأته الجواب إل
الخليفة عثمان قادة وكان )
له. في الموضوع ،ومن ثم السماح
في إدارتهم للمعارك الحربية يتشاورون فيما بينهم؛) (6كما شاور
عثمان كبار الصحابة في جمع القرآن ،وفي قتل عبيد الله بن عمر
للهرمزان ،وحول التدابير الكفيلة بقطع دابر الفتنة ،وفي مقام
القضاء ،وغير ذلك من المواقف والحداث التي سيأتي بيانها في
محلها بإذن الله.
سا :العدل والمساواة: خام ً
إن من أهداف الحكم السلمي الحرص على إقامة قواعد النظام
السلمي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم،ومن أهم هذه
القواعد العدل والمساواة؛ فقد كتب ذو النورين إلى الناس في
المؤمن
)(7
المصار :أن ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ،ول يذل
نفسه ،فإني مع الضعيف على القوي ما دام مظلوما إن شاء الله.
فقد كانت سياسته تقوم على العدل بأسمى صوره؛ فقد أقام الحد
على والي الكوفة الوليد بن عقبة )أخوه لمه( عندما شهد عليه
الشهود بأنه شرب الخمر ،وعزله عن الولية بسبب ذلك ،وسيأتي
تفصيل هذه القضية بإذن الله .وقبوله بتولية أبي موسى الشعري
مكانه؛ لن أهل الكوفة لم يوافقوا على تولية سعيد بن العاص خلفا
للوليد .وقد روي عنه أيضا أنه غضب على خادم له يوما فعرك أذنه
حتى أوجعه ،ولم يستطع أن ينام ليلته آنذاك إل بعد أن دعا خادمه
إلى مضجعه وأمره أن يقتص منه فيعرك أذنه ،وقد أبى الخادم في
ولكن عثمان أمره ثانية في بادئ المر،
حزم فأطاعه).(8
سا :الحريات: ساد ً
مبدأ الحرية من المبادئ الساسية التي قام عليها الحكم في عهد
)( الدارة العسكرية في الدولة السلمية ).(1/277 1
) (4المصدر نفسه ،ص .183 )( فتوح مصر ،ص .83 3
4
)( نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ،حمد محمد الصمد ،ص .149 8
68
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الخلفاء الراشدين ،ويقضي هذا المبدأ بتأمين وكفالة الحرية العامة
للناس كافة ضمن حدود الشريعة السلمية وبما ل يتناقض معها،
فقد كانت دعوة السلم لحرية الناس -جميع الناس -دعوة واسعة
وعريضة قلما تشتمل على مثلها دعوة في التاريخ ،وفي عهد الخلفاء
الراشدين كانت الحريات العامة المعروفة في أيامنا معلومة
ومصونة)(1؛ كحرية العقيدة الدينية ،وحرية التنقل ،وحق المن،
وحرمة المسكن ،وحرية الملكية ،وحرية الرأي.
سابًعا :الحتساب:
اهتم أمير المؤمنين عثمان بالحتساب بنفسه كما أسنده إلى
غيره ،فقد ثبت قيامه بالحتساب في مجالت عدة ،منها:
-1إنكاره على لبس الثوب المعصفر:
ومن احتسابه أنه أنكر على محمد بن جعفر بن أبي طالب
لبسه الثوب المعصفر ،فعن أبي هريرة قال :راح عثمان إلى
فبات مكة حاجا ،ودخلت على محمد بن جعفر بن أبي طالب امرأته،
غدا( عليه ردع) (2الطيب وملحفة معصفرة مفدمة)،(3 معها حتى أصبح,
)(5
انتهر عثمان رآه فلما يروحوا، أن قبل ، )4
بملل فأدرك الناس
وأفف وقال» :أتلبس المعصفر وقد نهى عنه رسول الله × ؟!«.
-2إنكاره على قاصدات العمرة والحج وهن في العدة:
ومن احتسابه أنه كان يرد النساء اللواتي كن يخرجن للعمرة
أو الحج وهن في العدة؛ فقد روى المام عبد الرزاق عن مجاهد
-رضي الله عنهما -يرجعان حواج ومعتمرات قال :كان عمر وعثمان
من الجحفة وذي الحليفة).(6
-3أمره بذبح الحمام:
)(7
ومن احتسابه أنه منع الناس من النشغال في طيران الحمام ,
لما بدأوا فيه مع سعة العيش ،وأمرهم بذبحه؛ فقد روى المام
البخاري عن الحسن)(8قال :سمعت عثمان يأمر في خطبته بقتل
الكلب وذبح الحمام .
-4احتسابه على اللعب بالنرد:
كان عثمان ينهى عن اللعب بالنرد وأمرهم بتحريقه أو كسره
ممن كان في بيته؛ فقد روى المام البيهقي عن زبيد بن الصلت أنه
سمع عثمان بن عفان وهو على المنبر يقول :يا أيها الناس ،إياكم
والميسر -يريد النرد -فإنها قد ذكرت لي أنها في بيوت الناس منكم،
فمن كان في بيته فليحرقها أو فليكسرها .وقال عثمان مرة
) (3ردع :لطخ وأثر. )( المصدر نفسه ،ص .158 ،157 1
2
) (5ملل :موضع بين مكة والمدينة. )( مفدمة :مشبعة حمرة. 3
4
)( المسند ،رقم ،517قال أحمد شاكر :إسناده صحيح ،انظر :تعليقات الشيخ 5
69
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أخرى وهو على المنبر :يا أيها الناس ،إني قد كلمتكم في هذا النرد،
بحزم( الحطب ،ثم أرسل ولم أركم أخرجتموها ،فلقد هممت أن آمر
إلى بيوت الذين هم في بيوتهم فأحرقها عليهم). 1
-5إخراجه من يراه على شر أو يشهر سلحا في المدينة:
ومن احتسابه أيضا أنه كان ينكر على من يراه على شر أو كان
يحمل معه سلحا ويخرجه من المدينة؛ فعن سالم بن عبد الله
قال :وجعل عثمان )ل(2يأخذ أحدا منهم على شر أو شهر سلح ،عصا
فما فوقها إل سّيره.
-6ضربه لمن استخف بعم النبي ×:
ففي أيام خلفته ضرب رجل في منازعة استخف فيها بالعباس
بن عبد المطلب عم الرسول × ،فقيل له عن مبررات ضربه ،فقال:
الستخفاف به ،لقد ل الله × عمه وأرخص في خم رسو ُ ف ّ
نعم ،أي ُ َ
خالف رسول الله × من فعل ذلك ومن رضي به منه).(3
-7نهيه عن الخمر لنها أم الخبائث:
روى النسائي في سننه والبيهقي في سننه عن عثمان بن عفان أنه
قال :اجتنبوا الخمر ،فإنها أم الخبائث ،إنه كان رجل ممن خل قبلكم
يتعبد ،فعلقته امرأة أغوته ،فأرسلت إليه جاريتها ،فقالت له :إنها تدعوك
للشهادة ،فانطلق مع جاريتها فطفق كلما دخل بابا أغلقته دونه ،حتى
أفضى إلى امرأة وضيئة ،عندها غلم وباطية خمر ،فقالت :والله ما
ي ّ ،أو تشرب من هذه الخمر دعوتك للشهادة ،ولكن دعوتك لتقع عل
كأسا ،أو تقتل هذا الغلم ،قال :فاسقني من هذا الخمر كأسا ،فسقته
كأسا فقال :زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل الغلم ،فاجتنبوا
الخمر ،فإنها والله)(4ل يجتمع اليمان وإدمان الخمر إل ويوشك أن يخرج
أحدهما صاحبه .
كمه:ح َ
-8من خطب عثمان في المجتمع ومن ِ
أ -خطبة في الستعداد ليوم المعاد:
يقول الحسن البصري -رحمه الله :-خطب عثمان بن عفان،
فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال :أيها الناس ،اتقوا الله فإن تقوى الله
غُْنم ،وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت،
واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر ،وليخش عبد أن يحشره الله
أعمى ,وقد كان بصيرا ،وقد يكفي الحكيم جوامع الكلم ،والصم
من( كان الله معه لم يخف شيئا، ينادي من مكان بعيد ،واعلموا أن
ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده). 5
ص من ق ّ وعن عثمان أن رسول الله × قال» :إن الج ّ
ماء لت ُ َ
)( تاريخ الطبري ) (5/416معظم هذه الفقرة أخذتها من كتاب الحسبة في 2
)( سنن النسائي ،كتاب الشربة ،موسوعة فقه عثمان ،ص .52 4
70
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
القرناء يوم القيامة« ).(1
ب -التذكير بمكارم الخلق:
قال عثمان :إنا والله صحبنا رسول الله × في السفر
والحضر فكان يعود مرضانا ،ويشيع جنائزنا ،ويغزو معنا ،ويواسينا
بالقليل والكثير ،وإن ناسا يعلمونني به عسى أل يكون أحدهم رآه
قط).(2
ج -من حكمه التي سارت بين الناس:
* قال :لو طهرت قلوبنا ما شبعتم من كلم ربكم .
)(3
71
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
* وقال :ما من عامل يعمل عمل إل كساه الله رداء عمله).(12
* وقال :إن المؤمن في خمسة أنواع من الخوف؛ أحدها من
قبل الله تعالى أن يأخذ منه اليمان ،والثاني من قبل الحفظة أن
يكتبوا عليه ما يفتضح به يوم القيامة ،والثالث من قبل الشيطان أن
غفلة بغتة، يبطل عمله ،والرابع من قبل ملك الموت أن يأخذه في
والخامس من قبل الدنيا أن يغتر بها وتشغله عن الخرة).(2
وقال :وجدت حلوة العبادة في أربعة أشياء :أولها في أداء
فرائض الله ،والثاني في اجتناب محارم الله ،والثالث في المر
ابتغاء ثواب الله ،والرابع في النهي عن المنكر اتقاء بالمعروف
غضب الله).(3
-9عثمان والشعر والشعراء:
لم تذكر لنا المصادر والمراجع سوى النزر القليل عن علقة
عثمان مع الشعر والشعراء ،مع أن فترة خلفته كانت طويلة
نسبيا ،ومن هذا القليل تبين لنا أنه كان ملتزما المنهج العام
للعقيدة السلمية التي وضح معالمها الرسول × ،والتي سلك
طريقها سلفه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله
عنهما ،ولشك أن لكل منهم شخصيته الدبية المميزة ،فقد اشتهر
أبو بكر بمعرفة النساب ،وبعلمه الوافر وحسن مجالسته
وبروايته للشعر ،واشتهر عمر بالحث على تعلم الشعر ،وأنه لم
تكن تعرض له قضية إل تمثل ببيت شعر ،أضف إلى ذلك أنه كان
شاعرا ،أما عثمان بن عفان -رضوان الله عليه -فلم يؤثر عنه
ذلك النغماس الكبير في الشعر ،أو تلك العلقة الحميمة مع
الشعراء .وإذا كنا نعرف أن الشعراء كانوا يتهافتون على أبواب
المراء طمعا برضاهم وبأعطيتهم ،فإننا نرى أن الشعراء أيام
) (4عثمان يتركون الحواضر ودار الخلفة ويؤثرون العودة إلى البادية.
وقد ذكرت كتب الدب والتاريخ بعض البيات نسبتها إلى
عثمان أو كان يتمثل بها ,ومن هذه البيات يروي أنه قال:
صنيع ول يخفى على ملحد واعلم أن الله ليس كصنعه
وكان كثيرا ما ينشد أبياتا قالها ويطيل ذكرها ل تعرف لغيره:
من الحرام ويبقى الثم والعار تفنى اللذائذ ممن نال صفوتها
)(5
ل خير في لذة من بعدها نار ب سوٍء من مغبتها
يلقى عواق َ
قال يوم دخل عليه الثائرون في بيته ليقتلوه:
72
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
لعاد ملًذا في البلد ومرتعا أرى الموت ل يبقي عزيزا ولم
< يدع
ما حوصر في داره: َ
وقال ل ّ
)(2
الُعل ُيبّيت أهل الحصن والحصن
مغلق
ويروى له أيضا:
ضها حتى يضّر بها الفقر
وإن عَ ّ ي النفس يغني النفس حتى غن ُ ّ
فها
يك ّ
سُر
بكائنة إل سيتبعها ي ُ ْ وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها
ونلحظ في البيت الخير أنه يتضمن معنى قرآنيا؛ إن مع العسر
يسرا ،وهذا ليس غريبا على الخليفة المسلم ،الذي نشأ وترعرع في
أحضان محمد × فهو يعاقب على شعر الهجاء والذي يتعارض
الحسن ويحب وأحكام الشريعة السلمية ،ويثني على الشعر
الستماع إليه ،وكل ذلك ضمن المفاهيم السلمية).(3
وإذا كان الخليفة الراشد الثالث لم يهتم بالشعر ،ولم يقرب إليه
الشعراء ،فإن مقتله من قبل الغوغاء فتح الباب على مصراعيه
لزدهار الشعر العباسي الذي أصبح الداة الصحافية الفاعلة في
العصور السلمية المتلحقة ،فعند مقتله بكاه كثير من شعراء
الصحابة ،وسيأتي بيان ذلك بإذن الله.
***
73
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثالث
أهـــــــــم صفاتـــــــــــه
إن شخصية ذي النورين تعتبر شخصية قيادية ،وقد اتصف
بصفات القائد الرباني ،ونجملها في أمور ونركز على بعضها
بالتفصيل ،فمن أهم هذه الصفات :إيمانه العظيم بالله واليوم الخر،
والعلم الشرعي ،والثقة بالله ،والقدوة والصدق ،والكفاءة
والشجاعة ،والمروءة ،والزهد ،وحب التضحية ،والتواضع ،وقبول
النصيحة ،والحلم ،والصبر ،وعلو الهمة ،والحزم ،والرادة القوية،
والعدل ،والقدرة على حل المشكلت ،والقدرة على التعليم وإعداد
القادة ،وغير ذلك من الصفات .وبسبب ما أودع الله فيه من صفات
القيادة الربانية استطاع أن يحافظ على الدولة ويقمع الثورات التي
حدثت في الراضي المفتوحة ،وينتقل -بفضل الله وتوفيقه -بالمة
نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة ،ومن أهم تلك الصفات التي
نحاول تسليط الضواء عليها في هذا المبحث هي:
أو ً
ل :العلم والقدرة على التوجيه والتعليم:
يعتبر عثمان من كبار علماء الصحابة في القرآن الكريم
والسنة النبوية ،وسيأتي الحديث عن اجتهاداته الفقهية في المجال
القضائي والمالي والجهادي بإذن الله تعالى ،وكان حريصا على
اتباع هدي النبي × وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فعن عروة بن
الزبير ،أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة
وعبد الرحمن بن السود عبد يغوث قال له :ما يمنعك أن تكلم خالك
يكلم أمير المؤمنين عثمان في الوليد بن عقبة ،وقد أكثر الناس فيما
فعل؟ قال عبيد الله :فاعترضت لمير المؤمنين عثمان حين خرج
إلى الصلة فقلت له :إن لي إليك حاجة هي نصيحة ،قال :يا أيها
المرء ،إني أعوذ بالله منك .قال :فانصرفت ،فلما قضت الصلة
جلست إلى المسور وابن عبد يغوث فحدثهما بالذي قلت لمير
المؤمنين وقال لي ،فقال :قد قضيت الذي عليك ،فبينما أنا جالس
معهما جاءني رسول أمير المؤمنين عثمان فقال لي :قد ابتلك الله،
فانطلقت حتى دخلت على عثمان ،فقال :ما نصيحتك التي ذكرت
لي آنفا؟ قال :فتشهدت ثم قلت له :إن الله -عز وجل -بعث محمدا
بالحق وأنزل عليه الكتاب ،فكنت ممن استجاب لله ولرسوله ×،
ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد ،فحق عليك أن تقيم
عليه الحد ،قال :فقال لي :ابن أختي ،أدركت رسول الله ×؟ قال:
ي من علمه واليقين ما يخلص إلى العذراء فقلت :ل ،ولكن خلص إل ّ
في سترها ،قال :فتشهد ثم قال :أما بعد ،فإن الله بعث محمدا
بالحق ،فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث محمد ×،
ثم هاجرت الهجرتين كما قلت ،ونلت صهر رسول الله × ،وبايعت
رسول الله × ،فوالله ما عصيته ول غششته حتى توفاه الله ،ثم
استخلف بعده أبو بكر فبايعناه فوالله ما عصيته ول غششته حتى
توفاه الله ،ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ول غششته حتى
74
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
توفاه الله ،ثم استخلفني الله أفليس لي عليكم مثل الذي كان لهم
ي؟ قال :فقلت :بلى ،قال :فما هذه الحاديث التي تبلغني عنكم؟ عل ّ
فأما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه -إن شاء الله -بالحق،
قال :فجلد الوليد أربعين سوطا ،وأمر عليا بجلده فكان هو يجلده).(1
لقد لزم ذو النورين النبي × فاستفاد من علمه وهديه ،مما جعله
من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم جميعا ،وكان قادرا على
توجيه رعيته توجيها مفيدا ،وتعليمهم واجباتهم ونقل آرائه النابعة من
علمه وخبرته وتجاربه وممارسته إليهم؛ حتى يرتقوا في مجال
الدعوة والتربية والتعليم والجهاد والستعداد للقاء الله عز وجل.
ومن توجيهات عثمان ما تضمنته خطبة خلفته التي قال فيها
بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي × :إنكم في دار
قلعة ،وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه ،فلقد
أتيتم صبحتم أو مسيتم ،أل وإن الدنيا طويت على الغرور ،فل
تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بالله الغرور ،واعتبروا بمن مضى ثم
جدوا ول تغفلوا ،أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها
ومتعوا بها طويل؟ ألم تلفظهم؟ ارموا الدنيا بالذي هو خير) ,(2قال
ل ال ْحياة الدن ْيا ك َما ٍ َ
ن م َ ء أن َْزل َْناهُ ِ َ مث َ َ َ َ َ ِ َ ّ َ هم ّ ب لَ ُ ر ْ ض ِ وا ْ تعالىَ + :
ما ت َذُْروهُ شي ً ه ِ ح َ صب َ َ ْ أ فَ ض ر ل ا ت ُ با
َ َ ن ه
ِ ِ ب َ
ط َ ل َ ت خ
ْ فا ء َ ما ِ س َ ال ّ
ْ ِ
نوال ْب َُنو َ َ لُ ما َ ْ ل ا را
ً د
ِ َ ت ْ
ق م
ّ ء
ٍ ي
ْ شَ ّ
ل ُ ك لى َ ع
َ هُ الل نَ َ
كا و
ْ َ ح
ُ ريا ال ّ
واًباَ َ ث كَ بر
َ َ ّ دْ ن ع
ِ ر
ْ ٌ ي خ
َ تّ َ ُ حا ِ ل صا ال ت يا ق
ِ
ّ َ َ َ َ ُ با ْ ل وا يا ْ ن د ال ة
ِ يا ح
َ َ َ ل ا ة
ُ َ ن زي ِ
مل ً" ]الكهف.[46 ،45 : و ْ ٌ َ
أ ر ي خ
َ َ
ولقد كان المعنى الذي يدور حوله توجيه الخليفة الثالث في
هذه الخطبة هو الحض على القبال على الله والزهد في الدنيا ،وهذا
هو المناسب لخطبته في ذلك الوقت الذي ألقى فيه السلم
بجرانه) (3في أقطار المعمورة وفتحت البلدان وأقبلت الدنيا بنعيمها،
وبدأ الناس في التنافس فيها)(4وبخاصة غير أصحاب رسول الله ×
فكان المقال مناسبا للمقام.
وقد روى عثمان أحاديث عن رسول الله × انتفعت بها المة؛
فهذا أبو عبد الرحمن السلمي يحدثنا عن حديث سمعه من عثمان
فعمل به ،فعن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي ،عن
عثمان ،عن النبي × قال» :خيركم من تعلم القرآن
وعلمه« (5).قال :وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان
الحجاج ،قال :وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا .وفي رواية عن شعبة
قال أبو عبد الرحمن :فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا ،وكان يعلم
القرآن (6).وكان عثمان يروي أحاديث رسول الله × للمسلمين
الخلفة الراشدة ،د .يحيى اليحيى ،ص .421 ،420 )( 6
75
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
كل في محله ومناسبته ،ومن هذه الحاديث:
-1أهمية الوضوء:
توضأ عثمان على البلط ،ثم قال :لحدثنكم حديثا سمعته من
رسول الله × ,لول آية في كتاب الله ما حدثتكموه ،سمعت النبي ×
فصلى ،غفر يقول» :من توضأ فأحسن الوضوء ،ثم دخل
له ما بينه وبين الصلة الخرى حتى يصليها« ).(1
-2تقليده لرسول الله × في الوضوء:
عن حمران بن أبان ،عن عثمان بن عفان :أنه دعا بماء فتوضأ
ومضمض واستنشق ،ثم غسل وجهه ثلثا ،وذراعيه ثلثا ثلثا ،ومسح
برأسه وظهر قدميه ،ثم ضحك ،فقال لصحابه :أل تسألوني عما
أضحكني؟ فقالوا :مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال :رأيت رسول
الله × دعا بماء قريبا من هذه البقعة ،فتوضأ كما توضأت ثم ضحك،
فقال» :أل تسألوني ما أضحكني؟« فقالوا :ما أضحكك يا رسول
الله؟ فقال» :إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه ،حط الله عنه
كل خطيئة أصابها بوجهه ،فإذا غسل ذراعيه كان)(2كذلك ،وإن مسح
برأسه كان كذلك ،وإن طهر قدميه كان كذلك«.
-3كفارات الوضوء:
الوضوء(3كما أمره عن عثمان قال :قال رسول الله ×» :من أتم
الله -عز وجل -فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن« ) .
-4الوضوء وصلة ركعتين ومغفرة الذنوب:
دعا عثمان بماء وهو على المقاعد ,فسكب على يمينه فغسلها،
ثم أدخل يمينه في الناء فغسل كفيه ثلثا ،ثم غسل وجهه ثلث
مرار ،ومضمض واستنثر ،وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثلث مرار،
ثم مسح برأسه ،ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلث مرار ،ثم قال:
ثم صلى سمعت رسول الله × يقول» :من توضأ نحو وضوئي هذا،
ركعتين ل يحدث نفسه فيهما ،غفر الله ما تقدم من ذنبه« ).(4
-5كلمة الخلص وكلمة التقوى:
قال عثمان :سمعت رسول الله × يقول» :إني لعلم كلمة ل
حرم على النار« ،فقال له عمر بن قا من قلبه إل ُ
يقولها عبد ح ً
الله ألزمها التي الخلص كلمة هي هي؟ ما أحدثك
وتعالى -محمدا × وأصحابه ،وهي كلمة التقوى التي أ َالخطاب :أنا
)(5
ص
َ َ ل -تبارك
عليها (6نبي الله × عمه أبا طالب عند الموت :شهادة أن ل إله إل
الله) .
-6العلم بالله يدخل العبد الجنة:
الموسوعة الحديثية ،مسند أحمد ،رقم ) ،(400إسناده صحيح. )( 1
الموسوعة الحديثية ،مسند المام أحمد رقم ) ،(406إسناده صحيح. )( 3
76
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عن عثمان بن عفان ،عن النبي × قال» :من مات وهو يعلم أن
ل إله إل الله
دخل الجنة« ).(1
-7الحسنات والباقيات:
عن الحارث مولى عثمان قال :جلس عثمان يوما وجلسنا معه
د ،فتوضأ ثم م ّ فجاءه المؤذن ،فدعا بماء في إناء أظنه سيكون فيه ُ
قال :رأيت رسول الله × يتوضأ وضوئي هذا ثم قال» :ومن توضأ
وضوئي هذا ،ثم قال فصلى صلة الظهر ،غفر له ما كان بينها وبين
الصبح ،ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين صلة الظهر ،ثم صلى
المغرب غفر له ما بينها وبين صلة العصر ،ثم صلى العشاء غفر له
ما بينها وبين صلة المغرب ،ثم لعله أن يبيت يتمرغ ليلته ،ثم إن قام
فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلة العشاء ،وهن
الحسنات يذهبن السيئات« .قالوا :هذه الحسنات ،فما الباقيات يا
عثمان؟ قال :هن ل إله إل الله(2)،وسبحان الله ،والحمد لله ،والله
أكبر ،ول حول ول قوة إل بالله.
-8خطورة الكذب على رسول الله ×:
ي كذبا، قال (:قال رسول الله ×» :من تعمد عل ّ عن عثمان
فليتبوأ بيًتا في النار« ). 3
هذه بعض الحاديث التي رواها عثمان عن رسول الله × ،وتدل
على علم عثمان وحرصه على الستزادة من الهدي النبوي ،وفقه
الشريعة الغراء.
ثانًيا :الحلم:
إن الحلم ركن من أركان الحكمة ،وقد وصف الله نفسه بصفة
ن
الحلم في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ كقوله تعالى+ :إ ِ ّ
مه ُست ََزل ّ ُ ما ا ْ ن إ ِن ّ َ
عا ِ م َ قى ال ْ َ
ج ْ م ال ْت َ َو َ م يَ ْمن ْك ُ ْ
وا ِ ول ّ ْ
ن َت َ َ
ذي َال ّ ِ
ه
ن الل َ م إِ ّ ه ْ عن ْ ُ
ه َ عفا الل ُ َ ولقدْ َ َ َ سُبوا َ َ
ما ك َ ض َ ال ّ
ع ِ ن ب ِب َ ْ شي ْطا ُ
غ ُ َ
م" ]آل عمران [155 :وقد بلغ النبي × في حلمه وعفوه حِلي ٌ فوٌر َ
الغاية المثالية ،وكان الخليفة الراشد عثمان بن عفان شديد القتداء
في أقواله وأفعاله وأحواله برسول الله × ،وكانت له مواقف كثيرة
تدل على حلمه وضبطه لنفسه ،ومن أوضح المواقف التي تدل على
حلمه قصته في حصار الثائرين عليه؛ حيث أمر من عنده من
المهاجرين والنصار أن ينصرفوا إلى منازلهم ويدعوه وكانوا قادرين
مبنيا على شوقه إلى لقاء ربه ،وإرادته حقن على منعه ،وكان حلمه
دماء المسلمين ولو بقتله).(4
ثالثـا :السماحة:
عن عطاء بن فروخ مولى القرشيين :أن عثمان اشترى من
مسند أحمد رقم ) ،(464إسناده صحيح. )( 1
الكفاءة الدارية في السياسة الشرعية ،د .عبد الله قادري ،ص .65 )( 4
77
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
رجل أرضا فأبطأ عليه ،فلقيه فقال :ما منعك من قبض مالك؟ قال:
دا إل وهو يلومني ،فقال :أو ذلك إنك غبنتني فما ألقى من الناس أح ً
يمنعك؟ قال :نعم ،قال :فاختر بين أرضك ومالك ،ثم قال :قال
»أدخل الله الجنة رجل كان سهل مشتريا وبائعا، رسول الله ×:
وقاضيا ومقتضيا« (1) .فهذا مثل رفيع في السماحة في البيع
والشراء ،وهو يدل على ما جبل عليه عثمان من الكرم وعدم
التعلق بالدنيا ،فهو يستعبد الدنيا لخدمة مكارم الخلق التي من
تستعبده(2الدنيا ،فتجعل منه أنانيا يؤثر مصالحه أهمها اليثار ،ول
الخاصة وإن أضر بالناس) .
رابًعا :اللين:
امتن الله تعالى على رسوله × بأن رزقه صفة اللين رحمة منه
ول َ ْ
و م َ ت لَ ُ
ه ْ ه ِلن َن الل ِ م َ ة ّم ٍح َما َر ْ فب ِ َبه وبعباده ،قال تعالىَ + :
ك" ]آل عمران.[159 : ول ِ َ
ْ ح
َ نْ م
ِ ضوا ّ َ
ف ْ ن َ ل بقل ْ ِ
ظ ال ْ َغِلي َظا َف ّت َ
كن َُ
أفادت الية الكريمة أن صفة اللين رحمة من الله يرزق بها من
شاء من عباده ،وأن الرسول × قد رزق هذه الصفة رحمة من الله
باللين(3يحبه به وبعباده الذين بعثه إليهم ،ويفهم من الية أن المتصف
الناس ويلتفون حوله ويقبلون منه ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه ) ؛
فاللين من الصفات الطيبة التي اتصف بها عثمان ،فكان ليًنا
على رعيته عطوًفا على أمته ،يخاف أن يصاب أحد دون علمه فل
يتمكن من تلبية حاجته ،وكان يتتبع أخبار الناس ،فينصر الضعيف،
ويأخذ الحق من القوي .
سا :العفو: خام ً
عن عمران بن عبد الله بن طلحة :أن عثمان بن عفان خرج
لصلة الغداة فدخل من الباب الذي كان يدخل منه ،فزحمه الباب
فقال :انظروا ،فنظروا فإذا رجل معه خنجر أو سيف ،فقال له
عثمان :ما هذا؟ قال :أردت أن أقتلك ،قال :سبحان الله!! ويحك،
علم تقتلني؟ قال :ظلمني عاملك باليمن ،قال :أفل رفعت ظلمتك
ي فإن لم أنصفك أو أعديك على عاملي أردت ذلك مني؟ فقال إل ّ
لمن حوله :ما تقولون؟ فقالوا :يا أمير المؤمنين ،عدو أمكنك الله
م بذنب فكفه الله عني ،ائتني بمن يكفل بك ،ل منه ،فقال :عبد ه ّ
ما وليت أمر المسلمين ،فأتاه برجل من قومه فكفل )(4
تدخل المدينة
به فخلى عنه.
فهذا تسامح كبير من أمير المؤمنين عثمان بن عفان ؛ حيث
عفا عمن أراد قتله ،والعفو عند المقدرة صفة من صفات الكمال
في الرجال ،وهو دليل على التجرد من حظ النفس وتقلص النانية،
وضعف الرتباط بالدنيا ،وقوة الرتباط بالخرة ،وهذا الخلق إضافة
إلى أنه عمل صالح يرفع من درجات صاحبه في الخرة فإنه سياسة
)( مسند أحمد رقم ) ،(410حسن لغيره. 1
)( التاريخ السلمي ) (18،17/22نقل عن تاريخ المدينة المنورة ،ص )،1027 4
.(1028
78
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حكيمة في الدنيا؛ إذ أن هذا الرجل الذي أراد العتداء لو أنه قتل أو
عوقب عقوبة بليغة لربما أحدث فتنة بإيغار صدور أفراد قبيلته
واستعدادهم للنتقام إذا سنحت لهم الفرصة ،لكن العفو عنه يجعل
أفراد قبيلته وأبناء بلده يعذلونه ويعنفونه على ما حاول القدام عليه،
الفتنة قبل تصاعدها ،ويكسب صاحب العفو قلوب وبذلك تنطفئ
الناس وولءهم).(1
سا :التواضع: ساد ً
ض َ َ م ُ ّ
على الْر ِ ن َ
شو َ ن يَ ْ
سل ًَ
ذي َن ال ِ
ُ َ م ِح َ
عَبادُ الّر ْ
ُ ْ
و ِ
قال تعالىَ +َ :
ما" ]الفرقان.[63 : َ لوا قا ن
َ لو ه
ِ جا
َ ل ا مخاطب َ ُ ُ
ه ذا َ وإ ِ َ
وًنا َ
ه ْ
َ
جعل المولى -عز وجل -صفة التواضع أولى صفات عباده
المؤمنين ،ولقد كان الخليفة الراشد عثمان متصفا بهذه الصفة،
وكانت هذه الصفة تنبع من إخلصه لله سبحانه وتعالى؛ فعن عبد
الله الرومي قال :كان عثمان بن عفان يأخذ وضوءه لنفسه إذا قام
من الليل ،فقيل له :لو أمرت الخادم كفاك ،قال :ل ،الليل لهم
يستريحون فيه (2).فهذا مثل من اتصاف أمير المؤمنين عثمان
بالرحمة ،فهو مع كبر سنه وعلو منزلته الجتماعية يخدم نفسه في
الليل ول يوقظ الخدم ،وإن وجود الخدم من تسخير الله تعالى
للمخدومين ،وإن مما ينبغي للمسلم الذي سخر الله تعالى من
يخدمه أن يتذكر أن الخادم إنسان مثله له طاقة محدودة في العمل،
مشاعره ،وأن ييسر له وله مشاعر وأحاسيس فينبغي له أن يراعي
الراحة كاملة في النوم ،وأن ل يشق عليه بعمل (3).وكان من
النبي ×(4إذا مر به وهو راكب نزل حتى يزول تواضعه واحترامه لعم
العباس احتراما وتقديرا له) .
سابًعا :الحياء والعفة.
الحياء من أشهر أخلق عثمان وأحلها ،تلك الصفة النبيلة التي
زينه الله بها ،فكانت فيه منبع الخير )(5والبركة ،ومصدر العطف والرحمة،
فقد كان من أشد الناس حياء .فقد ذكر الحسن البصري -رحمه
الله -عثمان بن عفان يوما وشدة حيائه فقال :إنه ليكون في البيت،
مغلق (،فما يضع عنه ثوبه ليفيض عليه الماء ،يمنعه الحياء )6
والباب عليه
أن يقيم صلبه.
ومن حيائه ما روته بنانة -وهي جارية لمرأته -تقول :كان
عثمان إذا اغتسل جئته بثيابه فيقول لي :ل تنظري إلي ،فإنه ل يحل
لك (7).وقد وردت الحاديث النبوية التي تحدثت عن حيائه وقد ذكرتها
في موضعها.
وأما عن عفته وبعده عن مساوئ الخلق فحدث في ذلك بما
التاريخ السلمي ).(18/22 ،17 )( 1
فضائل الصحابة رقم ) ،(742إسناده صحيح وهو رواية أخرى. )( 2
79
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
في الجاهلية ول شئت ول حرج ،فإنه لم يعرف طريق الفحشاء
في السلم ،يقول عثمان :ما تغنيت ول تمنيت) ،(1ول مسست
في ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله × ،ول شربت خمرا
جاهلية ول في السلم ،ول زنيت في جاهلية ول في السلم).(2
ثامًنا :الكرم:
كان عثمان من أكرم المة وأسخاها ،وله في ذلك مواقف
ومآثر ل تزال غرة في جبين التاريخ السلمي؛ فقد مر معنا ما قام
به في غزوة تبوك ،وشراؤه لبئر رومة وتصدقه به على المسلمين،
وتوسيعه للمسجد النبوي في عهد النبي × ,وتصدقه بالقافلة
المحملة بالخيرات في عصر الصديق ،وكان يعتق كل جمعة
في سبيل الله منذ أسلم ،فجميع ما أعتقه ألفان وأربعمائة رقبة رقبة
تقريبا (3).وقد روى أنه كان له على طلحة بن عبيد الله -وكان من
أجود الناس -خمسون ألفا ،فقال له طلحة يوما :قد تهيأ مالك
فاقبضه ،فقال له عثمان :هو لك معونة على مروءتك (4).لقد كان
سخاء عثمان وجوده صفة أصلية في شخصيته الفذة ،فقد وظف
أمواله في خدمة دين الله فلم يبخل في تأسيس الدولة السلمية
والجهاد في سبيل الله تعالى ،وخدمة المجتمع ابتغاء رضوان الله
تعالى.
تاسًعا :شجاعته:
يعد عثمان من الشجعان ،والدليل على ذلك:
-1خروجه للجهاد في سبيل الله ،وحضوره المشاهد كلها مع
رسول الله × ،وإذا اتهم بتخلفه عن بدر فقد سبق أن قلنا إن ذلك
كان بأمر من رسول الله × ،ثم عده رسول الله × من الذين
شهدوها وأعطاه سهمه منها ،ونال أجره إن شاء الله ،وليس بعد
كلم رسول الله × كلم.
-2سفارة رسول الله × له إلى قريش في الحديبية:
امتثل عثمان - كما مر معنا -لطلب الرسول × وذهب إلى
قريش وهو يعرف ما أقدم عليه ،غير أن رجولته وبطولته قد أبتا
عليه إل المتثال والطاعة.
إن من يقبل السفارة في مثل تلك الظروف لشجاع عظيم،
وبطل من البطال النوادر ،صحيح أنها أمر من رسول الله × ولكنها
الوقت نفسه شجاعة ل يمكن أن يقبل بها جبان أو رجل في
عادي).(5
-3الفداء بالنفس:
عندما حوصر في داره طلب منه المارقون التنازل عن
تغنيت :من الغناء ،تمنيت :من التمني ،وهو الكذب واختلق الباطل. )( 1
80
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الخلفة ل خيار غيره أو القتل ،أو عزل ولته وتسليم بعضهم ،فأصر
على موقفه مضحيا بنفسه من أن تصبح الخلفة بيد ثلة تزيح من
أو(1تنزع الخلفة من صاحبها الذي اختارته ترغب ،وتعين من تحب،
المة ،ويصبح ذلك قاعدة ).فأصر على موقفه وهو يرى الموت في
سيوف المحاصرين ،وإن الذي يقف هذا الموقف لهو الشجاع وإنه
للدنيا أبدا، لصاحب حق ،ولن يقف هذا الموقف رجل جبان أو محب
فالحياة عند هؤلء الجبناء أفضل من المكانة ومن الدنيا كلها) ،(2ولكن
هذا الصرار العجيب والعزيمة النافذة ،والشجاعة الفائقة من عثمان
ثمرة إيمان قوي بالله
-عز وجل -واليوم الخر وقر في قلبه ،وجعله يستهين بكل شيء في
هذه الحياة حتى
بالحياة نفسها).(3
-4الجهاد بالمال:
قدم عليه ،قال إن الجهاد بالنفس اقترن مع الجهاد بالمال ،وربما
غي ُْر َُأوِلي ن َ مِني َ م ْ
ؤَ ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ دو َ ع ُ
قا ِ وي ال ْ َ ست َ ِ تعالى+ :ل َ ي َ ْ
مه ْ س ِ ف ِ وأن ْ ُ
ْ مَ َ ه ْ ِ وال ِ م َه ب ِأ ْ ل الل َ ِ سِبي ِ في َ َ ن ِ دو َ ه ُجا ِ م َ
ْ وال ْ ُ ر َ ضَر ِ ال ّ
ن
دي َ ع ِقا ِ على ال َ م َ ْ هِ س ِ ُ
ف ْ ن أوَ مْ هِ
َ ِل وا م
ْ أْ ِب ن
َ دي ِ ه
ِ جا َ م
ُ ل ا ه
ُ الل لَ ضف ّ َ
عَلى ن َ دي َ ه ِ
جا ِم َ ه ال ْ ُ ل الل ُ ض َ ف ّ و َ َ نى َ س
ْ حُ ل ا هُ الل َ د ع
َ وَ َ ّ ل ُ ك و
َ ة ً ج
َ ردَ َ
ما" ]النساء.[95 : ظي ً ع ِ جًرا َ نأ ْ دي َ ع ِقا ِ ال ْ َ
وهناك آيات كثيرة تقرن المال بالنفس ،وإن الذي ينفق المال
في سبيل الله بسخاء إنما هو مجاهد وشجاع ،وقد أنفق عثمان
حتى قال رسول الله ×» :ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم« الكثير
مرتين).(4
الموت (،جريئا يواجه الباطل في لقد كان عثمان شجاعا ل يهاب
تحد ّ سافر ،حليما ل يجهله حمق الحمقى). 5
عاشًرا :الحزم:
إن صفة الحزم في شخصية ذي النورين أصيلة ،ونجد الصديق
عندما عرض عليه السلم قال له :ويحك يا عثمان إنك رجل حازم،
ما يخفى عليك الحق من الباطل ،ما هذه الوثان التي يعبدها قومنا.
) (6وفي سنة 26هـ زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه ،وابتاع
من قوم وأبى آخرون ،فهدم عليهم ،ووضع الثمان في بيت المال،
ي؟فصيحوا بعثمان ،فأمر بهم بالحبس ،وقال :أتدرون ما جرأكم عل ّ
فلم تصيحوا به ،ثم )(7
ما جرأكم علي إل حلمي ،قد فعل هذا بكم عمر
كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد ،فأخرجوا.
ومن المواقف التي تدل على حزمه :حمايته لنظام الخلفة من
الضياع ،فلم يجب الخارجين إلى خلع نفسه من الخلفة ،فكان بذلك
) (3،المصدر نفسه ،ص .197 1
2
)( جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين ،محمد الوكيل ،ص .304 3
81
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يمثل الثبات واستمرار النظام؛ لنه لو أجاب الخارجين إلى خلع
نفسه لصبح منصب المامة العظمى ألعوبة في أيدي المفتونين
الساعين في الرض بالفساد ،ولسادت الفوضى واختل نظام البلد،
ولكان ذلك تسليطا للرعاع والغوغاء على الولة والحكام .لقد كانت
نظرة عثمان بعيدة الغور ،فلو أجابهم إلى ما يريدون لسن بذلك
سنة ،وهي كلما كره قوم أميرهم خلعوه ،وللقى بأس المة بينها،
وشغلها بنفسها عن أعدائها ,وذلك أقرب لضعفها وانهيارها ،على أنه
لم يجد سوى نفسه يفدي بها المة ،ويحفظ كيانها وبنيانها من
التصدع ،ويدعم بهذا الفداء نظامها الجتماعي ويحمي سلطانها الذي
تساس به من أن تمتد إليه يد العبث والفوضى .ومما ل شك فيه أن
هذا الصنع من عثمان كان أعظم وأقوى ما يستطيع أن يفعله رجل
الشرين وأخف الضررين ألقت إليه المة مقاليدها؛ إذ لجأ إلى أهون
ليدعم بهذا الفداء نظام الخلفة وسلطانها (1).وسيأتي بيان ذلك في
محله بإذن الله.
حادي عشر :الصبر:
اتصف عثمان بصفة الصبر ،ومن المواقف الدالة على هذه
الصفة ثباته في الفتنة؛ إذ كان موقفه إزاء تلك الحداث التي ألمت
به وبالمسلمين المثل العلى لما يمكن أن يقدمه الفرد من تضحية
وفداء في سبيل حفظ كيان الجماعة ،وصون كرامة المة ،وحقن
دماء المسلمين؛ فقد كان بإمكانه أن يقي نفسه ويخلصها لو أنه أراد
نفسه ولم يرد حياة المة ،ولو كان ذاتيا ولم يكن من أهل اليثار
لدفع بمن هب للذود عنه من الصحابة وأبناء المهاجرين والنصار إلى
نحور الخارجين المنحرفين عن طاعته ،ولكنه أراد جمع شمل المة،
محتسبا ،وقد أعلن عثمان أنه سيواجه الفتنة ففداها بنفسه صابرا
مه ُل لَ ُ قا َ ن َذي َ العارمة بالصبر الجميل) (2ممتثل قوله سبحانه+ :ال ّ ِ
ماًنا م ِإي َ ه ْ
فَزادَ ُم َ ه ْ
و ُ خ َ
ش ْ م َ
فا ْ عوا ل َك ُ ْ
ْ
م ُ
ج َ قد ْ َس َن الّنا َ س إِ ّالّنا ُ ُ
ل" ]آل عمران.[173 : كي ُ َ ِو ل ا م ع ن و
ُ َ ِ ْ َ ه الل نا بس
َ ْ ُ َح لوا و َ
قا َ
إن عثمان كان قوي اليمان بالله ،كبير النفس ،نفاذ البصيرة،
نبيل الصبر ،حيث فدى المة بنفسه ،فكان ذلك من أعظم فضائله
عند المسلمين (3).قال ابن تيمية -رحمه الله :-ومن المعلوم بالتواتر
ن
م ْ أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء ،وأصبر الناس على َ
ن عرضه ,وعلى من سعى في دمه ،فحاصروه وسعوا في قتله م ْنال ِ
وقد عرف إرادتهم لقتله ،وقد جاءه المسلمون ينصرونه ويشيرون
عليه بقتالهم ،وهو يأمر الناس بالكف عن القتال ،ويأمر من يطيعه
أن ل يقاتلهم .وقيل له :تذهب إلى مكة ,فقال :ل أكون من ألحد في
الحرم ،فقيل له :تذهب إلى الشام ،فقال :ل أفارق دار هجرتي،
فقيل له :فقاتلهم ،فقال :ل أكون أول
من خلف محمدا في أمته بالسيف .فكان صبر عثمان حتى قتل من
أعظم فضائله
82
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عند المسلمين).(1
ثاني عشر :العدل:
واتصف عثمان
بصفة العدل؛ فعن عبيد الله بن عدي بن الخيار
وهو محصور فقال له :إنك إمام العامة وقد نزلأنه دخل على عثمان
بك ما ترى ،وهو ذا يصلي بنا إمام فتنة -عبد الرحمن بن عديس البلوى-
وأنا أخرج من الصلة معه ،فقال له عثمان :إن الصلة أحسن ما يعمل
الناس ،فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ،وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
)(2
وروى ابن شبة بإسناده ،قال :دخل عثمان بن عفان على غلم له
يعلف ناقة ،فرأى في علفها ما كره ،فأخذ بأذن غلمه فعركها ،ثم
ندم ،فقال لغلمه :اقتص فأبى الغلم ،فلم يدعه حتى أخذ بأذنه
فجعل يعركها ،فقال له عثمان :شد حتى ظن أنه قد بلغ منه مثل ما
ها لقصاص قبل قصاص الخرة).(3 بلغ منه ،ثم قال عثمان :وا ً
ثالث عشر :عبادته:
كان عثمان من المجتهدين في العبادة ،وقد روى من غير وجه
أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر السود أيام
الحج ،وقد كان هذا من دأبه (4).ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال
َ
ما
قائ ِ ًو َ
دا َ ج ً سا ِ ل َت آَناءَ الل ّي ْ ِقان ِ ٌو َ ه َن ُ م ْفي قوله َتعالى+ :أ ّ
ه" ]الزمر [9 :قال :هو عثمان بن ة َرب ّ ِم َح َجو َر ْ وي َْر ُخَرةَ َ حذَُر )ا(5ل ِ يَ ْ
منو َ
َ َو هُ وي ِ َ تسْ َ ي ْ
ل هَ + تعالى: قوله في عباس ابن وقال عفان.
ْ
قيم ٍ" ]النحل [76 :قال :هو ست َ ِ
م ْ
ط ّ صَرا ٍ عَلى ِ و َ ه َ
و ُل َ
عد ْ ِ با6ل ْ( َمُر ِ
ي َأ ُ
عثمان .وكان يفتتح القرآن ليلة الجمعة ،ويختمه ليلة )
الطبقات الكبرى ) ،(3/76تاريخ السلم ،عهد الخلفاء ،الذهبي ،ص .476 )( 4
صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين ،مجدي فتحي السيد ،ص .107 )( 9
83
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وكانت روحه ترتجف وعََبراته تفيض عندما يذكر الخرة ،وعندما
يتخيل نفسه وقد انشق قبره ونسل من جدثه إلى العرض
والحساب)(1؛ فعن هاني مولى عثمان ،قال :كان عثمان إذا وقف
على قبر بكى حتى تبتل لحيته ،فقيل له :تذكر الجنة والنار وتبكي
من هذا؟ قال :إن رسول الله × قال» :إن القبر أول منازل
الخرة ،فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ،وإن لم ينج
منه فما بعده أشد منه« .قال :وقال رسول الله ×» :والله ما
رأيت منظرا إل والقبر أفظع منه« .قال :وكان النبي × إذا فرغ من
استغفروا لخيكم وسلوا له دفن الميت وقف عليه ،ثم قال» :
بالتثبيت؛ فإنه الن يسأل« (2) .وهذا من فقه القدوم على الله
الذي استوعبه عثمان وعاش به في حياته ،وما أحوجنا إلى هذا
الفقه العظيم الذي به تحيا النفوس
وتنفجر الطاقات.
خامس عشر :زهده:
اشتهر أمير المؤمنين عثمان بأنه من أهل الغنى والثروة،
ولكن مع هذه الشهرة فإنه قد رويت عنه أخبار تدل على أنه كان
من الزاهدين في الدنيا ،فعن حميد ابن نعيم ،أن عمر وعثمان
-رضي الله عنهما -دعيا إلى طعام ،فلما خرجا قال عثمان لعمر :قد
م؟ قال :إني أخاف أن شهدنا طعاما لوددنا أنا لم نشهده ،قال :ل ِ َ
يكون صنع مباهاة (3).فهذا فقه من عثمان بمجالت السخاء
السلمي؛ فالسخاء في السلم ل يكون بالتفاخر بالكرم والتباهي
بنوع الطعام أو كثرته ،وإنما يكون ببذل المال من غير إسراف ول
خيلء ،مع شكر المنعم -جل وعل -والتواضع للناس .وهذه النظرة
التزهيد بالجاه الدنيوي ،وهذا يدل على أنه كان من عثمان تعتبر من
من الزاهدين في ذلك (4).ومن زهد عثمان وتواضعه ما أخرجه
الهمداني أنه
)(5
المام أحمد من حديث ميمون بن مهران قال :أخبرني
رأى عثمان بن عفان عليه بغلة وخلفه غلمه نائل وهو خليفة.
وكذلك ما أخرجه من حديث الهمداني قال :رأيت عثمان نائما في
المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين (6).كما أخرج
من حديث شرحبيل بن مسلم أن عثمان بن عفان كان)(7يطعم
الناس طعام المارة ،ويدخل إلى بيته فيأكل الخل والزيت .
فهذه أمثلة جليلة من زهد أمير المؤمنين عثمان ،وحينما
يكون الزاهد متوسطا في المعيشة فإن زهده ل يلفت النظر كثيرا
ول يثير العجب ،ولكن حينما يكون غنيا فإن زهده يكون مدهشا
للمتأملين وعبرة للمعتبرين؛ ذلك لن كثرة المال تغري بالنصراف
نحو الملذات والتوسع في النفقات ،فل بد ليكون الغني زاهدا من
استيعابه لفقه القدوم على الله حتى يكون مهيمنا على نفسه مذكرا
لقلبه ،فتكبر الخرة في عينه وتصغر الدنيا في نفسه ،وهكذا كان
)( نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ،حمد محمد الصمد ،ص .205 1
) (4المصدر نفسه ،ص .129 ) (3 ،الزهد ،ص .127 5
6
7
84
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عثمان الذي كان من أعظم الثرياء في السلم ،قد غلبت قوة
نفسه
)(1
إيمانه شهوته وهواه فكان من أعظم الزاهدين ،وضرب من
مثل لجميع الغنياء بإمكان الجمع بين الغنى والزهد في الدنيا.
سادس عشر :الشكر:
كان عثمان كثير الشكر لله تعالى باللسان والجنان والركان،
دعى ذات يوم إلى قوم على ريبة ،فانطلق ليأخذهم فتفرقوا قبل أن
يبلغهم(2،فأعتق رقبة شكرا لله أن ل يكون جرى على يديه خزي
مسلم) .
سابع عشر :تفقد أحوال الناس:
كان ودودا رؤوفا يسأل عن أحوال المسلمين ،ويتعرف على
مشكلتهم ويطمئن على غائبهم ،ويواسي قادمهم ،ويسأل عن
مرضاهم؛ فقد روى المام أحمد ،عن موسى بن طلحة قال :رأيت
عثمان بن عفان وهو على المنبر ،وهو يستخبر الناس يسألهم عن
أخبارهم وأسعارهم (3).وروى ابن سعد في الطبقات عنه أيضا قال:
رأيت عثمان بن عفان يخرج يوم الجمعة عليه ثوبان أصفران،
فيجلس على المنبر ،فيؤذن المؤذن ،وهو يتحدث يسأل الناس عن
أسفارهم وعن قادمهم وعن مرضاهم (4).وكان يهتم بشئون
الرعية ،ويصل ذوي الحاجة ،ويفرض العطاء للمواليد من بيت
المال)(5؛ فقد روى عن عروة بن الزبير أنه قال :أدركت زمن عثمان،
وما من نفس مسلمة إل ولها في مال الله حق .يعني بيت المال).(6
ثامن عشر :تحديد الختصاصات:
المراد بتحديد الختصاص تقسيم وظائف العمل على العاملين،
ما بالعمل الذي كلفه ليقوم به دون
بحيث يكون كل موظف عال ِ ً
تقصير فيه ،ول يتجاوز إلى عمل آخر مسند إلى سواه .وتقسيم
الوظائف سنة كونية ربانية عمل بها رسول الله × والخلفاء
الراشدون من بعده؛ ففي عهد عثمان وزعت الوظائف والعمال
على المسلمين كل في ميدانه كما سيأتي بيانه بإذن الله؛ ففي
مؤسسة القضاة والمال ،والجيش وولية المصار ظهرت الصفة
القيادية في تحديد الختصاصات عند الخليفة الراشد عثمان ،فقد
تم تقسيم العمال وحددت قواعد بين العاملين كانت من أهم
عوامل النجاح في دولة الخلفاء الراشدين ،وبذلك تعامل الخليفة
سّنتين الكونية والشرعية في تحديد عثمان (7مع ال ُ الراشد
الختصاصات) .
) (6علو الهمة ).(5/481 )( التاريخ السلمي ).(18/49 ،17 1
2
85
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تاسع عشر :الستفادة من أهل الكفاءات:
إن الشادة بالكفاء وإرشاد المة إلى احترامهم ،وتكريمهم
ووضعهم في مواضعهم وعدم هضمهم ،والستفادة من طاقاتهم
واختصاصاتهم ،إن ذلك مما جعل أهل القرون المفضلة من سلف
هذه المة ينالون العز والمجد والتمكين في هذه المعمورة (1).وقد
ظهرت هذه الصفة في شخصية عثمان عندما استفاد من كفاءات
زيد بن ثابت واللجنة التي عينت معه في جمع القرآن على حرف
واحد.
هذه بعض الصفات التي تلحظ في شخصية عثمان وهي
محل قدوة وأسوة لقادة المسلمين وعوامهم ،لمن يريد أن يتبع هدي
النبي × والخلفاء الراشدين في هذه الحياة.
إن معرفة صفات الخلفاء الراشدين ومحاولة القتداء بهم ،خطوة
صحيحة لمعرفة صفات القادة الربانيين الذين يستطيعون أن يقودوا
المة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة ،فمن أسباب التمكين
لهذا الدين العمل على إيجاد قادة ربانيين ،جرى اليمان في قلوبهم
وعروقهم ،وانعكست ثماره على جوارحهم ،وتفجرت صفات التقوى
في أعمالهم وسكناتهم وأحوالهم؛ فالقيادة الربانية الحكيمة هي التي
تسعى لتحكيم شرع الله وتفجير طاقات المة وتوجيهها ،وهي التي
تحتضن السلم وتنهجه قلبا وقالبا ،جوهرا ومنظرا ،وعقيدة وشريعة،
ودينا ودولة ،وهي التي تصبح وتمسي وهمها عقيدتها وأمتها ،وهي
التي تسعى بكل ما تملك لحل المشاكل التي تواجهها ،وتعمل بكل
جهد وإخلص للقضاء على عوائق التمكين الداخلية والخارجية.
***
86
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل الثالث
المؤسسة المالية والقضائية في عهد عثمان
المبحث الول
المؤسســـة الماليــــــــــــة
لما تولى عثمان الخلفة لم يغير من سياسة عمر المالية،
وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور
وامتلك المساحات الشاسعة من الراضي ،فقد زالت عن المسلمين
دون شدة عمر التي كانت ترهبهم وتخيفهم ،والتي كانت تحول
الكثير مما يشتهون ،وكان عهده عهد رخاء على المسلمين).(1
ل :السياسة المالية التي أعلنها عثمان عندما تولى الحكم: أو ً
وجه عثمان كتابا إلى الولة وكتابا آخر إلى عمال الخراج،
ت نصوصها عند حديثي عن منهجه وأذاع كتابا على العامة ،وقد ذكر ُ
في الحكم ،وفي ضوء تلك النصوص تكون عناصر السياسة المالية
العامة التي أعلنها ثالث الخلفاء الراشدين قد قامت على السس
العامة التالية:
* تطبيق سياسة مالية عامة إسلمية.
* عدم إخلل الجباية بالرعاية.
* أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
* إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
* أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق ،وإعطاؤهم
ما لهم ،وعدم ظلمهم.
* تخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء.
تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى *
العامة).(2
ونفصل فيما يلي هذه السس:
-1نية عثمان بن عفان تطبيق سياسة مالية عامة:
مما ل شك فيه أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان عزم على
تطبيق سياسة مالية عامة إسلمية؛ فقد بويع على أساس تطبيق
حكم الله وسنة رسوله × وسياسة الخليفتين قبله ،وقد طبق أبو
بكر ما نزل به القرآن وما سّنه رسول الله × فيما يتعلق
بالسياسة المالية وغيرها من الحكام ،وقام عمر بتطوير المؤسسة
المالية ونظم قواعدها وأرسى مبادئها وزاد مواردها ورشد إنفاقها،
ونهج عثمان طريقهم ,واجتهد في بعض المور القابلة للجتهاد ،فنفذ
)( مبادئ القتصاد السلمي ،سعاد إبراهيم صالح ،ص .217 1
87
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حكم الله في الرض في قضايا الموال وغيرها؛ فأشرف على دفع
الزكاة لبيت المال ،وتوزيعها على مستحقيها ،وأهل الكتاب في
دفعهم الجزية لبيت مال الدولة السلمية ،وبذلك يدخلون في ذمتها
تحميهم وتوفر لهم المان وتضفي عليهم سائر خدماتها العامة،
والمجاهدون يغنمون الموال ويرسلون خمسها لبيت مال المسلمين،
ويقوم بيت المال بتوزيعها على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل
تعالى: فأ َ وجوه النفاق طبقا لقوله موا أ َ وغيرها من
ل سو
ُ َ ُ َ ّ ُُ ِ ر لل
ِ و ه س م خ
ُ ه
ِ لل ن
ّ َ ء
ٍ ي ْ ش َ
ْ
من ّ تم ُ م
ْ ْ ِ ن َ
غ ما َ ّ ن
ْ عل َ ُ وا ْ َ +
م
ْ ُ تْ ن ك إن ل
ّ ِ ِ ِ بيس ال ن ْ ب
ِ َ ْ ُِوا ن كيِ سا َ َ َ م ل وا مى تا
َ
َ َ ْ َ َ ي ل وا بى َ رْ قُ ل ا ذي ِ ول ِ َ
قى م ال ْت َ َ و َ َ
ِ ْ ي ن َ
قا ر
ْ ف ل ا م
َ و
ْ َ ي نا
َ د
ِ ْ ب ع
َ لى َ ع
َ نا
َ ل زَ ْ ن أ ماَ و
َ هِ بالل ِ مْ ُ ت ْ ن م
َ آ
ديٌر" ]النفال [41 :وغير ذلك من ق ِ ء َ ي ٍ ْ شَ ل ّ ُ ك لى َ ع
َ ه ُ والل ِ َ ن عاَ مْ ج َ ْ ل ا
مصادر الدولة المعروفة .وقد تميزت المالية العامة في عهد ذي
النورين والخلفاء الراشدين بأنها مرتبطة بالسلم وتطبيق تعاليمه
وحماية إيراداته ،ويساند النفاق العام فيها نشر راية السلم وخير
المسلمين ،وهي مرشدة للنفاق؛ لن تعاليم السلم تمنع السراف
وتحاربه ،والله ل يحب المسرفين ،وتمنع السفهاء من التحكم في
الموال وهي مالية عامة خيرة؛ لن بعض مواردها العامة توجه للبنية
الضعيفة من الرعية ،وهي نقية من الدنس ،ول تتضمن مواردها كسًبا
من حرام؛ لن الله ل يبارك
الكسب الحرام.
-2عدم إخلل الجباية بالرعاية:
ينبه عثمان بن عفان في كتابه للولة أن جباية أموال بيت
المال كادت تطغى على الواجب الول للولة وهي رعاية الرعية،
وذلك أن الجباية أحد واجبات الرعية المكلف بها رئيس الدولة
السلمية ،فل يصح أن تطغى على سائر الواجبات (1).وقد استنبط
الفقهاء من الهدي النبوي والعهد الراشدي تكاليف الرعاية؛ أي
واجبات الخليفة لتحقيق رعاية المة كما يلي:
قال الماوردي :والذي يلزمه من المور العامة عشرة أشياء:
أحدها :حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف
المة.
والثاني :تنفيذ الحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين
المتنازعين؛ حتى تعم النصفة فل يتعدى ظالم ول يضعف مظلوم.
والثالث :حماية البيضة والذب عن الحريم؛ ليتصرف الناس في
المعاش وينتشروا في السفار ،آمنين من تغرير بنفس أو حال.
والرابع :إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن النتهاك،
وتحفظ حقوق عباده من إتلف واستهلك.
والخامس :تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة؛ حتى ل
تظفر العداء بغرة ينتهكون فيها محرما ،أو يسفكون فيها لمسلم أو
ما.معاهد د ً
)( السياسة المالية لعثمان ،ص .62 1
88
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والسادس :جهاد من عاند السلم بعد الدعوة إليه حتى يسلم أو
يدخل الذمة ،ليقام بحق الله تعالى في إظهاره )السلم( على الدين
كله.
صا ّ واجتهادا من غيرجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه ن والسابع:
خوف ول عسف.
والثامن :تقدير العطايا وما يستحق من بيت المال من غير سرف
ول تقتير ،ودفعه في وقت ل تقديم فيه ول تأخير.
والتاسع :استكفاء المناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من
العمال ،ويكله إليهم من الموال؛ لتكون العمال بالكفاءة مضبوطة
والموال بالمناء محفوظة.
والعاشر :أن يباشر بنفسه مشارفة المور وتصفح الحوال؛
بسياسة المة وحراسة الملة ،ول يعول على التفويض تشاغل لينهض
بلذة أو عبادة).(1
وبإيجاز ،فإن واجبات الخليفة تتفرع عن شرطي عقد البيعة،
وهما حراسة الدين وسياسة الدنيا) (2اللذين هما مهمة الرسول ×
الذي هو خليفته ،وإن كان الماوردي والفراء المتعاصران قد تطابقت
تحديداتهما لواجبات المام ،فإنما ذلك اجتهاد منهما حسب حاجة
المة في عصرها ،ول ينبغي أن تقتصر حقوق المة على ما عدده
عالم من علمائها أو أكثر مهما بلغ من فضل وسعة علم ،ومهما كانت
العالم معاصًرا ،فكيف إن كانت نظرته للموضوع شاملة ،هذا إن كان
آراؤه واجتهاداته قد سبقنا بها بقرون (3).ولذا فينبغي أن تحدد
واجبات المام بناء على الشرطين العامين لصحة عقده وهما حراسة
الدنيا ،وينبغي أن تقوم لجان من علماء المة بتحديد الدين وسياسة
ذلك لهل زمانهم).(4
هذه بعض تكاليف الرعاية كما أوردها الفقهاء ،وهي قابلة
للتطوير بما يلئم
صا من نصوص ّ ن التطوير يخالف ل بحيث والعصور تطور الزمان
ما من أحكام الدين).(5 القرآن أو حك ً
-3أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين:
عمال الخراج نواب عن الدولة في استئداء حقوق بيت المال،
فإذا أخذوا ما على المسلمين بالحق أدوا واجبهم المنوط بهم ،وإذا
غالوا في جباية حقوق بيت المال ظلموا الممولين وألحقوا بهم
ملوهم فوق ما يطيقون ،والرسول × يحذر من المغالة الضرر وح ّ
في استئداء حقوق بيت المال؛ فقد نهى عن جباية كرائم الموال في
الحكام السلطانية والوليات الدينية ،أبو الحسن الماوردي ،ص .17،16 )( 1
الخلفة بين التنظير والتطبيق ،محمد المرداوي ،ص .66 )( 3
89
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الزكاة ،وأمر بالتخفيف في استئداء زكاة الثمر).(1
-4إعطاء المسلمين ما لهم من بيت المال بالحق:
عطاء بيت المال للمسلمين إما أن يكون مباشرا كصرف الزكاة
للمستحقين لها ،وما يقضي به نظام العطيات من توزيع فائض
الموال على المسلمين ،أو يكون العطاء العام غير مباشر يتمثل في
الخدمات العامة التي تؤديها الدولة للرعية ،وهذه ينفق عليها من
بيت مال المسلمين .وفي كل العطاءين ينبغي أن يتسم العطاء
بالحق ،فل يجوز في العطاء المباشر أن يخالف السس التي تحددت
لوضعه محاباة لبعض الفراد أو حرمانا أو نقصانا للبعض الخر دون
مبرر ،ول يجوز أن يتأخر العطاء عن موعده بسبب تعقد الجراءات
أو كثرة الحجب التي تحجب أرباب الظلمات عن الوصول لمن
بيدهم أمر العطاء لبحث ظلمتهم من تأخير العطاء أو قلته ،أو عدم
وصوله إليهم ،ول يجوز في العطاء غير المباشر المتمثل في
تكون المنفعة لفرد الخدمات العامة التي تؤديها الدولة للشعب أن
معين؛ بل يجب أن يعود نفعها على المة جمعاء).(2
-5عدم ظلم أهل الذمة وأخذ ما عليهم لبيت المال بالحق
وإعطاؤهم حقوقهم بالحق كذلك:
ل يجوز ظلم أهل الكتاب عند أخذ الجزية منهم؛ لن أهل الكتاب
من الذميين الذين يقيمون في الدولة السلمية وهم في ذمتها
ورعايتها ما داموا يؤدون الجزية ،وقد أوصى بهم رسول الله ×؛ فقد
ولى عبد الله بن أرقم على جزية أهل الذمة ،فلما ولى عنده ناداه
أو( انتقصه أو أخذ منه دا أو كلفه فوق طاقتهفقال :أل من ظلم معاه ً
شيًئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة 3) .واستنادا لذلك فقد
أوصى بهم عمر بن الخطاب حين موته :أوصى الخليفة من بعدي
يوفي لهم بعهدهم ،وأن يقاتل من ورائهم ،وأن بأهل الذمة خيرا ،أن
ل ُيكلفوا فوق طاقتهم).(4
فإذا آذى عمال الجزية الذميين أو كلفوهم فوق طاقاتهم أو
عذبوهم ،أو أخذوا الجزية من الشيخ الكبير الذي ل شيء له ول
يستطيع العمل ،أو أخذوها من الذمي الذي أسلم ،كان هذا لونا من
إلى(5عمال ألوان الظلم الذي نبه عليه الخليفة الثالث في كتابه
الخراج بعد ارتكابه مستندا في ذلك لتعاليم الرسول ×) .
هذا وعلوة على الجزية يؤدي أهل الذمة الذين يزرعون أرض
الخراج -وهي التي آلت للدولة السلمية كغنيمة نتيجة للفتح
السلمي -ما يستحق عليها من خراج لبيت مال المسلمين ،ويجب
أن يراعى عمال الخراج الحق في تحديد قيمته المستحقة على
الراضي التي يزرعها أهل الذمة ،وذلك بمراعاة العوامل التي تحكم
تحديده؛ لن إغفالها كلها أو بعضها يوقع الظلم بأهل الذمة الذين
) (2المنتخب من السنة ،ص .261 )( السياسة المالية لعثمان ،ص .66 2
3
) (4المصدر نفسه ،ص .67 )( السياسة المالية لعثمان ،ص .67 4
5
90
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يزرعونها ،وهذه العوامل أربعة:
* ما يختص بالرض من جودة يزكو بها زرعها أو رداءة يقل بها
ريعها.
* ما يختص بالزرع من اختلف أنواعه من الحبوب والثمار ،فمنها
ما يكثر ثمنه ومنها ما يقل ثمنه فيكون الخراج بحسبه.
* ما يختص بالسقي والشرب؛ لن ما التزم المئونة في سقية
النواضح والدوالي ل يحتمل من الخراج ما يحتمله سقي السيوح
والمطار.
تحمله(1ليجعل فيها * أن ل يستقضي في وضع الخراج غاية ما
لرباب الرض بقية يجبرون بها في النوائب والجوائع) .
هذا وإذا كانت الدولة السلمية قد أبرمت عهدا أو عقدت صلحا
مع أهل الكتاب ،فواجب الدولة السلمية وعمال خراجها أن يلتزموا
بما ورد بها من شروط ,ومنها الشروط التي تحدد قيمة ما يدفعونه
من جزية أو خراج؛ لن المسلمين إذا أبرموا عقدا أو عهدوا عهدا
التزموا بالوفاء بالعقود والعهود).(2
-6عدم ظلم اليتيم:
لليتيم حقوق في المال العام بنصوص القرآن الكريم ،فهو من
ما المستحقين لموال الزكاة إن كان فقيرا ،قال تعالى+ :إ ِن ّ َ
ة
ف ِؤل ّ َم َ وال ْ ُ ها َ عل َي ْ َ
ن َ مِلي َ عا ِوال ْ َ ن َ كي ِ سا ِ م َ وال ْ َء َ قَرا ِ ف َ ت ل ِل ْ ُ قا ُ صد َ َ ال ّ
ن ْ ب وا
َ ه
ِ الل لِ ِ بي س
َ في ِ و
َ نَ مي ِ ر
ِ غاَ ْ لوا َ بِ قا َ ر
ّ ال في ِ و
َ م
ْ ه
ُ ُ ب لو ق ُ
ُ
ِ
م" ]التوبة.[60 : ٌ كي
ِ ح
َ مٌ لي
ِ ع
َ ه
ُ والل َ ه
ِ الل نَ م
ّ ةً ض
َ ري ِ ف َ ل ِ ِ بي س ّ ال
ولليتيم نصيب في خمس الغنائم تطبيقا لقوله جل وعل:
ء َ َ َ
ل ِ سو ُ ر
و ِ ّ
لل ه َ س ُم َ خ ُ ه ُ ن لل ِ فأ ّ ي ٍ ش ْ من َ مُتم ّ غن ِ ْ ما َ موا أن ّ َ عل َ ُ وا ْ َ +
م ُ تْ ن ُ ك إن ل بي س ال ن ب وا ن كي سا م ْ ل وا مى تا َ ي ْ ل وا بى ر ُ
ق ْ ل ا ذي ول
ْ
قى م ال ْت َ َ
ّ ِ ِ ِ
و ي ن قا َ ر ف
ْ
ِ َ ْ ِ
ُ ل ا م و ي
ِ
نا
َ د
َ َ َ
ب ع
َ لى َ ع
َ
َ
ناَ ْ ل ز
َ
ْ ن آ َم ِن ْت ُم بالل ْه وما َ أ َ
َ ِ
ِ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ِ َ ِ َ َ ْ ِ َ
ديٌر" ]النفال [41 :ولليتيم ق ِ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ عَلى ك ُ ّ ه َ والل ُ ن َ عا ِ م َج ْ ال ْ َ
نصيب في عطاء بيت المال ،فقد كان يفرض للطفال عموما ومنهم
يتامى الطفال ،وإذا كان اليتيم غنيا فيؤدي الزكاة المفروضة على
أمواله إذا توافرت ,وواجب المصدق أن يأخذ الزكاة بالحق والعدل
حتى ل يذهب ظلمه بمال اليتيم أو جزء منه بغير وجه حق).(3
-7تخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء:
ت إ َِلى ماَنا ِ دوا ال ْ َ ؤ ّ م َأن ت ُ َ مُرك ُ ْ ه َيأ ُ ن الل َ َ قال تعالى+ :إ ِ ّ
ُ َ
ه
ن الل َ ل إِ ّ عد ْ ِموا ِبال َ حك ُ س أن ت َ ْ ِ ناّ ال ن
َ ْ ي َ ب م مت ُ ْ حك َ ْ ذا َ وإ ِ َ ها َ هل ِ َ أ ْ
را" ]النساء.[58 : صي ً عا ب َ ِ مي ً س ِ ن َ ه كا َ َ ن الل َ ه إِ ّ م بِ ِ عظُك ْ
ُ ما ي َ ِ ع ّ نِ ِ
91
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ن" عو َ م َرا ُ ه ْ د ِ ه ِ ع ْو َم َ ه ْ ماَنات ِ ِمل َ ه ْ ن ُ ذي َوال ّ ِوقال تعالىَ + :
]المؤمنون.[8 :
طالب الخليفة الراشد عثمان بن عفان عمال الخراج أن
يتحلوا بالمانة وهي صفة لزمة لجميع من يشتغلون بالموال العامة،
وإذا لم تتوافر فيهم هذه الصفة جاروا على حقوق بيت المال وجاروا
على الممولين ،وانتكست العلقة بين بيت المال والممولين.
والقرآن الكريم والحاديث النبوية الشريفة تنبه وتحض على التزام
المانة ،وطالب الخليفة عثمان كذلك عمال الخراج بأن يتحلوا
بالوفاء .وقد ورد الوفاء مطلقا في كتاب الخليفة؛ فيشمل الوفاء
لبيت المال بمراعاة أخذ حقوقه كاملة من الرعية ،والوفاء للممولين
بعدم ظلمهم بالمغالة في تحديد الفرائض المالية المطلوبة منهم،
وتطبيق ما تضمنته والوفاء لهل الذمة بالرفق وحسن المعاملة
شروط الصلح معهم من جزية وخراج دون زيادة).(1
-8أثر تكامل النعم على مسار المة:
لم يرد عثمان بن عفان أن يترك العامة دون تبصيرهم،
فحذرهم من أن تجذبهم الدنيا إلى ملذها ومتاعها ،وخشي أن أمر
توفرت( لهم ثلث :وهي تكامل النعم، المة صائر إلى البتداع بعد أن
وبلوغ أولد السبايا ،وقراءة العاجم 2).فعثمان أدرك أن تكامل
النعم لدى البعض سيميل بأولي النعم عن المسار السليم؛ لن
يفسدهم َ بسبب ما ذا أ َ لدى أفراد الرعية قد تكامل النعمة بزيادة الموال
هل ِ َ
ك ْ ّ ن أن ناَ ْ در َ ِ َ َ َ إو + تعالى: قال , )(3
والفساد ينفقونه َ على الترف
و ُ
ل ْ قَ ْ ل ا ها َ ْ ي ل ع
َ ق
ّ ح
َ َ
ف ها َ في
ِ قوا ُ سَ فَ َ
ف ها مت َْر ِ َ
في مْرَنا ُ ةأ َ قْري َ ً َ
را" ]السراء.[16 : ً مي
ِ ْ دَ ت ها
َ نا
َ َ ّ ْ
ر م َ د ف
-9المقارنة بين السياسة العمرية والعثمانية:
هذه السياسة المالية التي أعلنها ذو النورين تكاد تتفق مع
السياسة العامة المالية التي نفذها الفاروق حين ولي أمر
ل ثلث؛ خل ٌ يصلحه(4إل ِ المسلمين ،فقد أعلن ونفذ :أن المال العام ل
أن يؤخذ بالحق ويعطى في الحق ويمنع في الباطل ).فالسياسة
تنبعان من مشكاة واحدة ،وهي مشكاة العمرية والعثمانية في المال
السلم ومبادئه وأصوله وقواعده).(5
ثانًيا :توجيهات عثمانية توضح للناس قواعد زكاتهم:
قال عثمان :هذا شهر زكاتكم ،فمن كان عليه دين فليؤده
حتى تخرجوا زكاة أموالكم ،ومن لم تكن عنده لم تطلب منه حتى
هذا الشهر من قابل ،قال يأتي بها تطوعا ،ومن أخذ منه حتى يأتي
إبراهيم بن سعد :آراه يعني شهر رمضان (6).وقال أبو عبيد :وقد
السياسة المالية لعثمان ،ص .69 )( 1
السياسة المالية لعمر بن الخطاب ،قطب إبراهيم محمد ،ص ،23وما بعدها. )( 4
92
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
جاءنا في بعض الثر أن هذا الشهر الذي أراده عثمان هو المحرم،
وبهذا القول أكد عثمان المبادئ التالية:
أ -مبدأ سنوية الزكاة؛ إذ يشترط لداء الزكاة -ما عدا زكاة
ن الحول ،ويظهر ذلك من قول عثمان أن من أخذ منه ول َ
الزروع -ح َ
ل يؤدي زكاة عن أمواله حتى يأتي نفس الشهر في السنة التالية،
فل تتكرر عليه الزكاة في عام واحد.
ب -إذا أخذنا بقول أبي عبيد أن الشهر الذي قصده عثمان بن
عفان هو شهر محرم ،فكأنه أراد أن تكون السنة المالية السلمية
مطابقة للسنة الهجرية؛ فعلى المسلمين بعد مرور سنة هجرية
كاملة على ما لديهم من أموال أن يسددوا ما عليها من زكاة في
أول السنة الهجرة التالية ،وهو شهر المحرم إذا توافرت شروطها.
ج -ويدعو عثمان بن عفان الناس إلى حساب وعاء الزكاة،
فيطلب منهم أداء ما عليهم من ديون حتى تؤخذ الزكاة على الباقي.
) (2ولعل عثمان أراد أن يستحث الناس على أداء ما عليهم من ديون؛
الخاضع للزكاة ،وحتى وفاء منهم للدائنين ،وتسهيل لحساب المال
يقطع بجدية الدين وعدم تطرق الصورية إليه).(3
د -يقول عثمان :ومن لم تكن عنده لم تطلب منه حتى يأتي
بها تطوعا .وبذلك يفتح عثمان بن عفان الدعوة إلى التطوع ،فقد
يرى بعض المسلمين أنهم ل يستحق عليهم زكاة ،ومع ذلك يرون
التطوع بأداء صدقات من أموالهم يؤدونها لبيت المال ،فيقبلها منهم
ويضمها إلى موارد الزكاة ،وتصرف الدولة منها على نفس مصارف
الزكاة (4).وقد يكون قول عثمان :ومن أخذنا منه لم نأخذ منه
حتى يأتينا بها تطوعا ،أنه يقصد أن ل يجبى بيت المال صدقة الذهب
والفضة إل إذا أتى بها صاحبها لبيت المال ،وأما الصدقة التي يكره
الناس عليها ويجاهدون على منعها فهي صدقة الماشية والحرث
والنخل ،وبذلك يكون عثمان قد ترك لصحاب الموال أداء الزكاة
على ما يعرف بالموال الباطنة ،وهي أموال الذهب والفضة
والتجارة ،ول يقبلها منهم إل إذا أتى بها صاحبها تطوعا) .(5يقول في
ذلك أبو عبيد :أل ترى أن رسول الله × قد كان يبعث مصدقيه إلى
الماشية فيأخذونها من أربابها بالكره منهم وبالرضا ،وكذلك كانت
الئمة بعده ،وعلى منع صدقة الماشية قاتلهم أبو بكر ،ولم يأت عن
النبي × ول عن أحد بعده أنهم استكرهوا الناس على صدقات
الصامت ،إل أن يأتوا بها غير مكرهين وإنما هي أماناتهم يؤدونها،
فعليهم فيها أداء العين والدين؛ لنها ملك أيمانهم وهم مؤتمنون
عليها ،وأما الماشية فإنها حكم يحكم بها عليهم ،وإنما تقع الحكام
فيما بين الناس على الموال الظاهرة وهي فيما بينهم وبين الله
93
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
على الظاهرة والباطنة جميعا).(1
-1رأيه في زكاة دين الدائن:
عن السائب بن يزيد أن عثمان كان يقول :إن الصدقة في الدين
الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه ،والذي هو ملئ تدعه حياء أو
)(2
مصانعة ففيه الصدقة.
وعن عثمان قال :ز ّ
كه -يعني الدين -إذا كان عند الملئ).(3
فمن هذين القولين لعثمان بن عفان يبين أن الصدقة واجبة على
الدين للدائن على المدين الملئ ،ويستطيع أن يحصل من المدين
على دينه ولكن يستحي أن يذكر المدين به ,أو أن الدائن يدع دينه
للمدين مصانعة له ،والمصانعة تعني سكوت الدائن عن المطالبة
بدينه نظير منفعة يحصل عليها من المدين).(4
-2اقتراضه من مصرف الزكاة وإنفاقه للمصالح العامة:
أخذ عثمان من أموال الزكاة فأنفق منها في الحرب وفي غير
الحرب على المرافق العامة ،فأنفق على الجهاد على أن يرد ذلك إذا
اتسع المال لرده ،ومن حق المام أن يقترض من مصرف لمصرف،
موروثة ما دام مصمما على أن )(5
ل يخالف بذلك الدين ،ول يغير سنة
يرد على أموال الصدقة ما أخذ منها.
وتذهب بعض الراء إلى أن أحد مصارف الزكاة وهو مصرف
»في سبيل الله« يعطي للغازي في سبيل الله من أموال الزكاة؛
لن انقطاعه للجهاد أقعده عن العمل والكسب ،وليس هذا من باب
التشجيع على البطالة ،فهذا الصنف قد آثر مصلحة السلم على
مصلحة نفسه ,وترك العمل لشخصه ليعمل في مجال أرحب وأوسع
وهو العمل لعلء كلمة الله ونشر دينه في المعمورة .ويرى بعض
العلماء جواز صرف الزكاة في المنافع العامة وما تقتضيه حاجات
المة).(6
-3النفاق من الزكاة على الطعام للفقراء وأبناء السبيل:
سّنة جديدة ،فكان يضع الطعام في المسجد في ن عثمان ُ س َّ
وقال :للمتعبد الذي يتخلف في المسجد ،وابن السبيل، رمضان
والمعترين (7).والخليفة عثمان بذلك يكرم المسلمين من بيت
المال ،وفي ذلك اقتداء بالرسول × الذي كان أجود الناس وأجود ما
يكون في رمضان .وهذه السنة التي استنها عثمان ترغب المسلمين
وفي ذلك تشجيع دا،
في العتكاف في المساجد ما دام أكلهم مع ّ
على إحياء سنة الرسول الكريم × في العتكاف).(8
1
2
تاريخ الطبري ) ،(5/245المعتر :الفقير ،المتعرض للمعروف بدون سؤال. )( 7
94
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-4إنشاء منازل للضيافة من أموال الزكاة:
سمال السدي ومعه نفر من أهل الكوفة ينادي بلغ عثمان أن أبا
مناد لهم إذا قدم الميار) :(1أن من كان من القبائل ليس لقومهم
بالكوفة منزل فمنزله على أبي سمال ،فاتخذ عثمان بعض الدور
كمنازل للضيافة ينزل بها الغرباء ممن ليس لهم منزل ،ومن هذه
وكان(2الضياف ينزلون الدور منزل عبد الله بن مسعود في هذيل،
داره في هذيل إذا ضاق عليهم ما حول المسجد) .
-5العطاء من بيت المال لكل مملوك:
على يده أن رد على كل مملوك بالكوفة من مما زاد عثمان
ثلثة من كل شهر يتسعون بها من غير أن ينقص مواليهم )(3
فضول الموال
والغالب على أن مصدر هذه الموال التي وزعها عثمان من أرزاقهم.
على كل مملوك هو أموال الزكاة باعتبار أن لهم فيها نصيبا؛ لنهم أحد
في و ِ
التي( حددتها آية الزكاة ،وهي مصرف َ + المصارف الثمانية
ب"]التوبة. 4)[6 : الّر َ
قا ِ
ثالثـا :خمس الغنائم:
بدأ الجهاد في عهد الرسول × ,واستمر في عهد أبي بكر
وعمر ,وكذلك في عهد الخليفة عثمان بن عفان ،وكانت نتيجة
ذلك انتشار السلم واتساع رقعة الدولة السلمية ،وكانت
فتوحات عهد عثمان كبيرة حققت غنائم كثيرة إلى بيت المال،
منها الخمس ،كما أنه آل إلى بيت المال جزية من آثر البقاء على
دينه من أهل الكتاب ولم يحارب ،فهناك ارتباط إذن بين بيت
المال والفتوحات السلمية ،فقد قام بيت المال في عهد عثمان
في تمويل هذه الفتوحات ،سواء بما كان يدفعه للجنود من
مرتبات أو لشراء السلحة والعتاد بجانب التطوع بالموال
والنفس ،وإذا تحقق النصر فرضت الجزية على من لم يسلم من
أهل الكتاب والخراج على الرض التي أخذت عنوة ،وإذا أسلم
أهل البلد سددوا الزكاة إذا بلغت أموالهم نصابا وتوافرت
شروطها باعتبارها من أركان السلم ،ول يكمل إسلم المسلم إل
بأدائها ،وهذه كلها تساهم في زيادة اليرادات العامة للدولة
السلمية ،وأحل الله للمسلمين غنائم الحرب ،ويوزع أربعة
أخماسها(5بين الفاتحين ،والخمس الباقي يؤول لبيت مال
المسلمين) .
وفيما يلي بعض المسائل التي أسفر عنها تطبيق السياسة
المالية العامة في عهد عثمان بن عفان بشأن خمس غنائم
الفتوحات:
-1لم يسهم للصبي في الغنائم في عهد عثمان بن عفان:
)( الميار :جمع مائر وهو جالب الميرة ،والميرة :الطعام. 1
95
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عن تميم بن المهري قال :شهدت فتح السكندرية في المرة
الثانية ،فلم يسهم لي حتى كاد أن يقع بين قومي وبين قريش
منازعة ،فقال بعض القوم :أرسلوا إلى بصرة الغفاري وعقبة بن
فاسألوهما عن هذا،)(1
عامر الجهني ،فإنهما من أصحاب رسول الله ×
فأسهموا أنبت كان فأرسلوا إليهما فسألوهما فقال :انظروا فإن
ي بعض القوم فوجدوني قد أنبت فأسهموا لي).(2 له ،فنظر إل ّ
ومعنى ذلك أنه ل يسهم للصبي ول للمرأة ،إنما يرضخ لهم؛ أي
لمساعدتهم(3في غزوات المسلمين ،وهذا ما كان يعطون شيئا قليل
يطبق في عهد رسول الله ×) .
-2السلب للقاتل في عهد عثمان كما كان في عهد رسول
الله ×:
السلب هو ما كان على القتيل في الحرب وما كان من سلح،
وما كان تحته من فرس ،وقد قضى رسول الله × بالسلب للقاتل؛
رسول( الله × قال يوم حنين» :من قتل قتيل فعن أبي قتادة أن
له بينة فله سلبه« 4) .ومفاد هذا الحديث أنه ل يستحق للقاتل
تنازع السلب إل بعد أن يقيم البينة على أنه هو الذي قتله ،حتى إذا
اثنان كل منهما يدعى أنه قتله فالسلب لمن يقيم البينة منهما).(5
وقد حدث بعد انتقاض السكندرية وجاءت الروم وعليهم منويل
الحصى وأرسوا بالسكندرية ،وتركهم عمرو حتى يسيروا إليه
فيصيبوا من مروا به في البلد فخزي الله بعضهم ببعض ،فخرجوا
من السكندرية ومعهم من نقض من أهل القرى ،فجعلوا ينزلون
القرية فيشربون خمورهم ،ويأكلون أطعمتها وينتهبون ما مروا به،
فلم يعرض عمرو حتى بلغوا نفيوس فلقوهم في البر والبحر،
فحاربوا بالنشاب ثم خرجوا من البحر ،فاجتمعوا هم والذين في البر
واستمروا في حرب النشاب ،وبرز بطريق ممن جاء من أرض الروم
على فرس له عليه سلح مذهب ،فدعا إلى البراز فبرز له رجل من
زبيد يقال له )حومل( يكنى أبا مذجح ،فاقتتل طويل برمحين
يتطاردان ،ثم ألقى البطريق الرمح وأخذ السيف ،وألقى حومل
رمحه وأخذ بسيفه ،وجعل عمرو يصيح :أبا مذجح فيجيبه :لبيك،
والناس على شاطئ النيل في البر على تعبئتهم وصفوفهم ،فتجاول
ساعة بالسيفين ثم حمل عليه البطريق فاحتمله ،ثم أخذ حومل
خنجرا كان في منطقته أو في ذراعه فضرب به نحر عدوه فأوتر
قوته فأثبته ووقع عليه فأخذ سلبه ،ثم مات حومل بعد ذلك بأيام
المسلمون حتى ألحقوهم بالسكندرية ،ففتح رحمة الله عليه ،ثم شد
الله عليهم وقتل منويل الحصى).(6
-3قيمة الغنائم ونصيب بيت المال في أحد فتوحات عثمان:
أنبت :أي ظهر شعر في وجهه. )( 1
96
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من حديث عبد الملك بن مسلمة عن غيره قال :غزونا مع عبد
الله بن سعد إفريقية فقسم بيننا الغنائم بعد إخراج الخمس ،فبلغ
سهم الفارس ثلثة آلف دينار ،للفرس ألفا دينار ولفارسه ألف دينار،
لرجل( من الجيش توفى بذات الحمام وللراجل ألف دينار ،فقسم
فدفع لهله بعد موته ألف دينار 1).ومن حديث لعثمان بن صالح
وغيره قال :فكان جيش عبد الله بن سعد ذلك عشرين ألفا ،ومن
المعروف أن َ يؤول الخمس لبيت المالَ ،استنادا إلى قول الله تعالى:
ل سو ِ وِللّر ُ َ ه
س ُم َخ ُ ه ُ ن لل ِ فأ ّ ء َ ي ٍ ْ ش من َ
ْ مُتم ّ غ ْن ِ ْ ما َ موا أن ّ َ ْ عل َ ُ وا ْ َ +
مْ ُ تْ نُ ك إن ل
ّ ِ ِ ِ بي س ال ن ْ ب
ِ َ ْ ُِوا ن كيِ سا َ َ َ م ل وا مى تا
َ
َ َ ْ َ َ ي ل وا بى َ رْ قُ ل ا ذي ِ ول ِ َ
قى م ال ْت َ َو َ َ
ِ ْ ي ن قاَ ر
ْ ف ل ا مَ وْ َ ي نا
َ د
ِ ْ ب ع
َ لى َ ع
َ نا
َ ل زَ ْ ن أ ماَ و
َ ه
ِ بالل ِ مْ ُ ت ْ ن م
َ آ
ديٌر" ]النفال [41 :وقد رفع ق ِ ء َ ي ٍ ْ شَ ل ّ ُ ك لى َ ع
َ ه ُ والل ِ َ ن عاَ م
ْ ج َ ْ ل ا
نصيب الرسول × وذي القربى في عهد أبي بكر بعد وفاة
جه إلى السلح والكراع ،وسايره عمر بن الخطاب الرسول × وو ّ
من بعده في التطبيق ،وكذا عثمان بن عفان ،والربعة أخماس
الباقية من الغنائم توزع على الفاتحين بنسبة 3للفارس وفرسه1 ،
للراجل .فمن الحديثين السابقين يمكن حساب قيمة الخمس الذي
آل لبيت المال وكذلك قيمة الغنائم كلها ،فبافتراض أن الفوارس
عشر الجيش الذي بلغ عشرين ألفا ،وأن الباقين من الراجلين يكون
الحساب كالتي:
2000فارس × 3000دينار = 6000.000دينار.
18000راجل × 1000دينار = 18000.000دينار.
مجموع ما خص المحاربين = 24مليون دينار ،وهو ما يمثل
أربعة أخماس قيمة الغنائم ،ويكون نصيب بيت المال خمس الغنائم؛
مليين دينار ،ويكون مجموع ما غنمه المسلمون = 30 أي = 6
مليون دينار).(2
-4النفاق العام من خمس الغنائم:
ينفق خمس الغنائم طبقا لنص الية للرسول × ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل بحق الخمس لكل منهم ،وأنه بعد
موت الرسول × آل نصيبه ونصيب ذي القربى إلى بيت المال لينفق
منها على الكراع والسلح ،وقد استنفد الخليفة الراشد عثمان
نصيب رسول الله × وذي القربى الذي آل إلى بيت المال على
لكثرة (3الفتوحات التي تمت في عهده )
النفاق على الكراع والسلح
وما استلزمته من أسلحة وخيول.
-5نجاح السياسة المالية في تمويل فتوحات السلم في عهد
عثمان:
من ضمن التحديات التي واجهها عثمان انتكاس بعض البلد
المفتوحة ،واستطاع عثمان إجبار البلد التي نقضت العهد على
اللتزام بعهودهم مع الدولة السلمية والنصياع لحكمها.
)( المصدر نفسه ،ص .125 1
97
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وفي ضوء ما تم من فتوحات جديدة فإنه يمكن القول :إن تنفيذ
السياسة المالية فيما يتعلق بهذه الفتوح قد أسفر عن قيام المالية
العامة في عهد عثمان بن عفان بالمطلوب منها ،سواء من ناحية
تمويلها لهذه الفتوح أو بما حققته النتصارات من غنائم كثيرة حصل
بيت المال على نصيبه منها أو من موارد أخرى ،وهي زكاة من أسلم
م من أهل الكتاب وخراج المصار ،وجزية من أبى السل َ من أهل
أراضيهم).(1
رابًعا :اليرادات العامة من الجزية في عهد عثمان :
-1استقرار المسائل الفنية للجزية في عهد عثمان :
استقرت أحكام الجزية وقواعدها ونظام تطبيقها وتحصيلها في
عهد عمر بن الخطاب ،ولذلك كان دور بيت المال في عهد عثمان
أن يتلقى ما يتم تحصيله من جزية بعد التفاق على قيمتها ،وأن تقر
الدولة ما تم عقده من صلح في عهود سابقة أو إقرار صلح جديد،
تتكفل الدولة لمن أدوا الجزية بالحقوق التي تترتب على هذا وأن
الداء).(2
-2نماذج مما آل لبيت المال من إيرادات الجزية:
أ -غزا الوليد بن عقبة في إمارته على الكوفة في عهد عثمان
أذربيجان ،وصالح أهلها على ثمانمائة ألف درهم حبسوها عند وفاة
فوطئهم بالجيش وانقادوا له وقبض عمر،
منهم المال).(3
ن عبد َ الله بن سعد إلى إفريقية كان الذيب -لما وجه عثما ُ
صالحهم عليه بطريق إفريقية جرجير ألفي ألف دينار وخمسمائة
عليه عبد الله
)(4
ألف دينار وعشرين ألف دينار ،وكان الذي صالحهم
ثلثمائة قنطار ذهب )ولعل ذلك يعادل المبلغ الول(.
صلح (5قبرص وقع على جزية سبعة آلف دينار يؤدونها إلى ج-
المسلمين) .
ح -صالح سعيد بن صالح أهل جرجان وكان يجبون أحيانا مائة
ألف ،ويقولون :هذا صلحنا ،وأحيانا مائتي ألف وأحيانا ثلثمائة ألف).(6
د -غلب عبد الله بن عامر على نيسابور وخرج إلى سرخس،
فأرسل إليه أهل مرو يطلبون الصلح ،فبعث إليهم ابن حاتم فصالح
مرزبان( مرو على ألفي ألف ،وقال آخر :صالحهم على ستين ألف
درهم). 7
سار الحنف بن قيس إلى بلخ فحاصرهم ،فصالحه أهلها على و-
أربعمائة ألف ،فرضي منهم بذلك ،واستعلم ابن عمه وهو أسيد بن
98
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المتشمس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه).(1
-3عثمان بن عفان ينفذ كتاب الرسول × لهل نجران:
كان النبي × قد أقر أهل نجران على شروط اشترطها عليهم
واشترطوها هم ،وكتب لهم بذلك كتابا يوضح هذه الشروط ومنها
دفعهم الجزية ومقدارها ،ثم جاءوا بعد الرسول × فكتب لهم أبو بكر
كتابا بهذه الشروط ،ثم جاءوا من بعد أن استخلف عمر إليه،
وكان عمر قد أجلهم عن نجران اليمن وأسكنهم بنجران العراق؛
لنه خافهم على المسلمين وكتب لهم كتابا (2)،فلما ُقبض عمر
واستخلف عثمان بن عفان أتوه إلى المدينة ،فكتب لهم إلى
الوليد بن عقبة وهو عامله الكتاب التالي) :بسم الله الرحمن
ن أميرِ المؤمنين إلى الوليد بن عقبة سلم الرحيم .من عبد الله عثما َ
الله عليك ،فإني أحمد الله الذي ل إله إل هو ،أما بعد :فإن السقف
ي
والعاقب وسراة أهل نجران الذين بالعراق أتوني ،فشكوا إل ّ
وأروني شرط عمر لهم ،وقد علمت ما أصابهم من المسلمين ،وإني
قد خففت عنهم ثلثين حلة من جزيتهم وتركتها لوجه الله تعالى جل
ثناؤه ،وإني وفيت لهم بكل أرضهم التي تصدق عليهم عمر عقبى
ص بهم خيرا فإنهم أقوام لهم ذمة. مكان أرضهم باليمن ،فاستو ِ
)(3
لهم كتبها عمر كان صحيفة وانظر وكانت بيني وبينهم معرفة،
والسلم.)(4
عليهم، فارددها صحيفتهم فأوفهم ما فيها ،وإذا قرأت
وكان ذلك في النصف من شعبان سنة سبع وعشرين.
ومما سبق يتضح منه أمور:
أ -أن عثمان أوفى بعهد الرسول × ،وعهد صاحبه -رضي الله
عنهما -من بعده ،وأن ذلك ينبع من مبدأ عام في السلم ،وهو أن
من عقد عقدا أو عهد عهدا أو وعد وعدا أوفى به.
ب -خفف عثمان عنهم الجزية ووفى لهم بكل أرضهم ،وطلب
ورد في كتاب عمر ، من عامله الوليد بن عقبة أن يوفي لهم بما
وأن يستوصي بهم خيرا لنهم أقوام لهم ذمة).(5
-4أهل الكتاب في ذمة المسلمين ما داموا يؤدون الجزية:
بعد انتصار عمرو بن العاص في السكندرية ،وكان قد جمع من
القرى أثناء الحرب ما أصاب أهل القرى ،فجاءه أهل تلك القرى
ممن لم يكن نقض ،فقالوا :قد كنا على صلحنا ،وقد مر علينا هؤلء
اللصوص )أي الروم( وأخذوا متاعنا ودوابنا ،وهو قائم بين يديك ،فرد
عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه ،وأقاموا عليه البينة .وقال
لنا أن تقاتل بعضهم لعمرو بن العاص :ما حل لك ما صنعت بنا ،كان
عنا لنا في ذمتك ولم ننقض ،فأما من نقض فأبعده الله) .(6فانظر
كيف نظام الجزية يرتب حقوقا تمسكوا بها ،وهي حمايتهم نظير ما
يدفعون بالرغم من أنهم ل يشتركون في الدفاع عن البلد مع
1
99
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المسلمين ،وإنما يدفعونها نظير حقوق يحصلون عليها من الدولة
الرعاية (1،وقد أقرهم
)
السلمية ،ومن هذه الحقوق حق الحماية وحق
عمرو بن العاص على هذه الحقوق ورد إليهم أموالهم.
-5مشاركة أهل الذمة في العباء العامة في عهد عثمان:
ومما يذكر بشأن فتح السكندرية الثاني في خلفة عثمان بن
عفان مما يتصل بالجزية أن صاحب اخنا -وكان اسمه طلما ،-قدم
على عمرو بن العاص فقال :أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر
لها؟ فقال عمرو -وهو يشير إلى ركن كنيسة :-إنما أنتم خزانة لنا إن
كثر علينا كثرنا عليكم ،وإن خفف عنا خففنا عنكم ،فغضب صاحب
اخنا فخرج إلى الروم فقدم بهم ،فهزمهم الله وأسر ،فأتي به إلى
عمرو ،فقال له الناس :اقتله ،فقال :ل ،وقيل :إن عمرا لما أتى به
وجه وكساه برنس أرجوان ،وقال له :ائتنا بمثل هؤلء، وره وت ّ
س ّ
لو أتيت ملك الروم ،فقال :لو لطلما: فقيل الجزية، بأداء فرضى
أتيته لقتلني ،وقال :قتلت أصحابي).(2
وعندما نحلل قول عمرو بن العاص :إنما أنتم خزانة لنا ،إن كثر
علينا كثرنا عليكم ،وإن خفف عنا خففنا عنكم ،نستنتج بعض المبادئ
للسياسة المالية في عهد عثمان بالنسبة لغير المسلمين ،منها:
أ -أهل الذمة يساهمون في بيت مال المسلمين بما يؤدونه من
جزية ،فهم خزانة لبيت المال ،يحصل منها بيت المال على نصيبه
في أموالهم على هيئة جزية.
ب -أن هذا النصيب في أموال أهل الذمة يتحدد في ظل العباء
الملقاة على الدولة ،فإن كبر هذا العبء ارتفعت قيمة الجزية ،وإن
خف هذا العبء خفت قيمة الجزية.
ج -هذا التحول في قيمة الجزية -ارتفاعا وانخفاضا -مع أعباء
الحكم ينبثق من مبدأ المشاركة المالية من مواطني الدولة في
ل على قدر طاقته وبما يحقق العدالة في العباء ،بحيث يساهم ك ّ
توزيع العباء ،وفي ظل الوصايا)(3التي أوصى بها الرسول الكريم
بحسن معاملة أهل الذمة عامة .
سا :اليرادات العامة من الخراج والعشور في عهد عثمان: خام ً
-1الخراج:
امتدت فتوحات السلم في عهد عثمان بن عفان ،ونتج عن
هذه الفتوحات أن دخلت الرض الزراعية للبلد المفتوحة في حوزة
الدولة السلمية ،وكان عمر قد اعتبرها فيئا للمسلمين ،وأبقى
عليها أهلها من أهل الكتاب الذين آثروا البقاء على دينهم يزرعونها،
ويؤدون عنها خراج الرض لبيت مال المسلمين ،وقد ساهم خراج
هذه الراضي في زيادة إيرادات بيت المال في عهد عثمان
)( السياسية المالية لعثمان ،ص .106 1
100
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بسبب امتداد الفتوحات السلمية في عصره).(1
-2عشور التجارة:
استقر نظام العشور في عهد الفاروق على السس والقواعد التي
وضعها عمر،وفي عهد عثمان بن عفان يبدو بصفة عامة أن إيرادات
بيت المال زادت من عشور التجارة نتيجة لزيادة رقعة الدولة السلمية،
بسبب الفتوحات التي تمت في عهده ونتيجة لزيادة الثروات لدى
البعض ،مما زاد القوة الشرائية بصفة عامة خصوصا في السنوات
الولى في عهد عثمان بن عفان التي اتسمت بالستقرار ،وزيادة القوة
الشرائية تزيد الطلب على السلع ،وزيادة الطلب على السلع تدعو إلى
تنشيط استيرادها وخضوعها لعشور التجارة متى توافرت شروط
الخضاع ،ومن العوامل التي أدت إلى زيادة حصيلة عشور التجارة في
عهد عثمان بن عفان ارتفاع السعار ،وارتفاع أسعار السلع يؤدي بالتالي
تؤخذ(2نسبة إلى زيادة حصيلة عشور التجارة منها ,لنها ضريبة قيمية
معينة على قيمة السلعة ،وليس نوعية تؤخذ من نوع السلعة) .
سا :سياسة عثمان بن عفان في إقطاع الرض: ساد ً
مضى أبو بكر في تطبيق السياسة النبوية في إقطاع الراضي
لستصلحها؛ فقد أقطع الزبير بن العوام أرضا مواتا ما
)(3
للناس طلبا
وأقطع مجاعة ابن مرارة الحنفي الخضرمة ، وقناة بين الجرف
)قرية كانت باليمامة( (4) .وأراد إقطاع الزبرقان بن بدر ،ثم عدل عن
ذلك لعتراض عمر ،كما أراد إقطاع عيينة بن حصن الفزاري
والقرع بن حابس التميمي أرضا سبخة )ليس فيها كل ول منفعة(
ذا برأي عمر في عدم أرادا استصلحها ،ثم عدل عن ذلك أخ ً
الحاجة لتأليفهما على السلم ،وقال :إن رسول الله × كان يتألفكما
والسلم يومئذ ذليل ،وإن الله -عز وجل -قد أعز السلم فاذهبا
فاجهدا جهدكما.
ومن الواضح أن اعتراض عمر ليس على مبدأ القطاع لستصلح
الراضي بل على أشخاص بعينهم ل يرى تأليفهم على السلم ،وقد
توسع عمر في إقطاع الرض لغرض استصلحها جريا على
ضا ميًتا فهي
السياسة النبوية ،فقد أعلن :يا أيها الناس ،من أحيا أر ً
ضعيفة( تؤكد انتزاع عمر ملكية الرض المقطعة )6
له (5).وهناك آثار
إذا لم يتم استصلحها .وتحدد رواية ضعيفة لذلك ثلث سنوات من
تاريخ القطاع ،وقد ثبت إقطاع عمر لخوان بن جبير أرضا مواتا,
وللزبير بن العوام أرض العقيق جميعها ،ولعلي بن أبي طالب أرض
ينبع ،فتدفق فيها الماء الغزير فأوقفها علي صدقة على الفقراء. )(7
101
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ولما تولى عثمان الخلفة توسع في القطاع وخاصة في
المناطق المفتوحة؛ حيث ترك عدد من الملكين أراضيهم فارين،
فصارت صوافي)(1تقوم الدولة باستثمارها ،فأقطع عثمان منها
خوفا من بوارها ،ولكن المام أحمد يرى أنه أقطع من السواد
أيضا ،ومما ل شك فيه أن الصوافي قد يقع كثير منها في أرض
السواد ،وعلى أية حال فإن القطاع من الصوافي رفع غلتها من
تسعة مليين درهم ) 9000000درهم( سنويا في خلفة عمر إلى
خمسين مليون درهم ) 50.000.000درهم( في خلفة عثمان ،
مما يدل على نجاح سياسته في إدارة الصوافي .وتذكر المصادر
قائمة بأسماء الذين أقطعهم عثمان ومعظمهم ليسوا من قريش،
ومعظم الروايات في إقطاع عثمان ضعيفة ،وهي بالجملة تثبت
توسعه في القطاع ،ومن المفيد ذكر أسماء المقطعين وهم:
* عبد الله بن مسعود الهذلي )أرض بين نهري بيل وبين السواد(.
* عمار بن ياسر )أستينيا(.
* خباب بن الرت التميمي )صعنبي – قرية بالسواد(.
* عدي بن حاتم الطائي )الروحاء – قرية من قرى بغداد على نهر
عبس(
* سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي )قرية هرمز بب َّر فارس(.
* الزبير بن العوام.
* أسامة بن زيد الكلبي.
* سعيد بن زيد العدوي القرشي.
* جرير بن عبد الله البجلي )أرض على شاطئ الفرات(.
* ابن هبار.
* طلحة بن عبيد الله التميمي القرشي )النشاستبح -ضيعة
بالكوفة(.
* وائل بن حجر الحضرمي )أرض توالي قرية زرارة بالكوفة(.
* خالد بن عرفطة القضاعي )أرض عند حمام أعين بالكوفة(.
* الشعث بن قيس الكندي )طيزنباذ -موضع بين الكوفة
والقادسية(.
* أبو مريد الحنفي )أرض بالهواز على نهر تيري(.
* نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي )قطيعة بشط عثمان
بالبصرة(
* أبو موسى الشعري )قطيعة بحمام عمرة(.
* عثمان بن أبي العاص الثقفي )شط عثمان بالبصرة(.
ويبدو أن جلء أهل هذه الراضي عنها صّيرها مواتا ،وأقطعها
عثمان لحيائها ،ويبدو أن معاوية بن أبي سفيان أقطع قطائع في
هجمات الروم ،وكذلك سواحل الشام لتعميرها وإعدادها لمواجهة
أقطع قطائع بأنطاكية بأمر عثمان ،وآخر بقاليقل) ،(2وأما إقطاعه
فدك لمروان بن الحكم فلم يعرف من طريق صحيحة ،وقيل :إن
) (2المصدر نفسه ،ص .225 )( عصر الخلفة الراشدة ،ص .224 2
102
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الذي أقطع فدك لمروان هو معاوية بن أبي سفيان).(1
إن سياسة عثمان في إقطاع الراضي ساهم في زيادة موارد
بيت مال المسلمين بما يؤديه الجميع من زكاة على أموالهم إذا
توافرت شروطها ،وقد نجح مشروع عثمان في إقطاع الرض بدليل
خمسين زيادة إيراد الدولة من أملكها الخاصة في العراق؛ إذ بلغت
ألف ألف درهم بعد أن كانت 900.000درهم في عهد الفاروق).(2
سابًعا :سياسة عثمان في حمى الرض:
وهي أراض خصصت لرعي البل والخيل التي تملكها الدولة ،وقد
أبي(3بكر وعمر رضي الله )
استمرت حماية وادي النقيع في خلفة
وطوله ثمانون , للخيل عنهما؛ حيث كان النبي × قد حماه
كيلومترا ،ويبدأ جنوب المدينة بـ 40كيلومترا (4).وقد كثرت المناطق
المحمية في خلفة عمر لكثرة ما تملكه الدولة من البل والخيل
المعدة للجهاد ،ومن ذلك حمى الربذة لنعم الزكاة ،وعين عليه موله
هّني وأوصاه بالسماح لصحاب البل القليلة بالرعي فيه دون
احتجاجهم على ذلك الغنياء ،وحمى أرضا في ديار بني ثعلبة رغم
فقد أجابهم :البلد بلد الله ،تحمى لنعم مال الله (5).ونهج عثمان نهج
من سبقه في الحمى بسبب اتساع الدولة وازدياد الفتوحات في
عهده ،وقد اقتصر في الحمى على صدقات المسلمين لحمايتها،
زادت الرعية ،وإذا جاز وعلى هذا فإن عثمان زاد في الحمى لما
أصله للحاجة إليه جازت الزيادة لزيادة الحاجة).(6
ولما كان أبو بكر وعمر قد حميا دون أن ينكر عليهم أحد ذلك،
فإن عثمان وسع الحمى لكثرة إبل الصدقة وماشيتها ،وكثرة
الخصومات بين رعاة ماشية الصدقة ،فل اعتراض على فعله) ,(7بل
ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان في الحمى قد اشتهر ذلك بين
عليهم منكر ،ويعتبر ذلك إجماعا (8).وقد حكى الصحابة فلم ينكر
الجماع ابن قدامة).(9
ثامًنا :أنواع النفقات العامة في عهد عثمان:
-1نفقات الخليفة:
كان عثمان ل يأخذ من بيت مال المسلمين شيئا؛ فقد كان
أكثر قريش مال وأجدهم في التجارة ،فكان ينفق على أهله ومن
حوله من ماله الخاص.
-2صرف مرتبات الولة من بيت المال:
في عهد عثمان كانت الدولة السلمية مقسمة إلى وليات،
1
)( صحيح سنن أبي داود ،اللباني ) (2) .(2/595عصر الخلفة الراشدة ،ص 3
)( نظام الخلفة في الفكر السلمي ،د .مصطفى حلمي ،ص .78 6
) (7المغني لبن )( نظام الراضي في صدر الدولة السلمية ،ص .169 8
103
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وكان على كل ولية وال يعينه الخليفة يأخذ مرتبه من بيت المال،
ويدير شئون الولية طبقا لحكام الشريعة السلمية ،وإذا لم يعين
الخليفة ممثل له على بيت مال الولية ،فإنه يدخل في اختصاص
ف على جباية موارد الولية ،وهي الجزية والخراج الوالي الشرا ُ
وعشور التجارة ينفق منها على شئون الولية ،والفائض يرسله إلى
أما(1الزكاة التي تحصل من أغنياء بيت مال المسلمين في المدينة،
الولية فكانت تصرف على فقرائهم) .
-3النفاق من بيت المال على مرتبات الجند:
كان بيت المال يدفع مرتبات للجند علوة على ما يحصلون عليه من
نصيب في الغنائم ،وكان جند كل ولية يحصلون على مرتباتهم من بيت
مال الولية ،فمثل بالنسبة لجند مصر كتب عثمان ابن عفان إلى عبد
الله بن سعد والي مصر الكتاب التالي لصرف مرتبات الجند المرابطين
في السكندرية) :قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين بالسكندرية
وقد نقضت الروم مرتين ،فالزم السكندرية)(2رابطتها ثم أجر ِ عليهم
أرزاقهم وأعقب بينهم في كل ستة أشهر( .
-4النفاق العام على الحج من بيت المال:
كان النفاق العام على الحج في عهد عثمان من بيت المال،
وكانت (3كسوة الكعبة من القباطي ،وهو ثياب من كتان من نسيج
مصر) .
-5تمويل إعادة بناء المسجد النبوي من بيت المال:
كلم الناس عثمان بن عفان أول ما تولى الخلفة أن يزيد في
مسجد الرسول ×؛ إذ كان يضيق بالناس في صلة الجمعة بسبب
امتداد الفتح وزيادة سكان المدينة زيادة عظيمة ،فاستشار عثمان
أهل الرأي فأجمعوا على هدم المسجد وبنائه وتوسيعه ،فصلى
عثمان الظهر بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس ،إني قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله × وأزيد فيه
سمعت رسول الله يقول» :من بنى مسجدا بنى الله له وأشهد أني
بيتا في الجنة« ) ,(4وكان لي فيه سلف وإمام سبقني وتقدمني عمر
بن الخطاب كان قد زاد فيه وبناه ،وقد شاورت أهل الرأي من
أصحاب رسول الله ،فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه ،فحسن
يومئذ ذلك ودعوا له ،فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك الناس
بنفسه).(5
-6تمويل توسعة المسجد الحرام من بيت المال:
كانت الكعبة أيام الرسول × قائمة وليس حولها إل فناء ضيق
يصلي الناس فيه ،وظل المسجد كذلك في خلفة أبي بكر ،وفي عهد
عمر وسع المسجد فاشترى دورا حول الكعبة وهدمها وأدخلها في
بيت الله الحرام وأحاطها بجدار قصير ،وأدخل إنارة المسجد ليل؛
) (2المصدر نفسه ،ص .140 )( السياسة المالية لعثمان ،ص .130 1
2
) (4المسند رقم ) (434إسناده )( المصدر نفسه ،ص .141 ،140 3
صحيح. 4
104
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وذلك لن المسجد كان قد ضاق بالحجاج الذين يأتون لداء فريضة
الحج بعد أن امتدت فتوحات السلم ودخل الناس في دين الله
أفواجا ،فلما ضاق المسجد ثانية في عهد عثمان احتذى بمثل عمر
وأحاطها بجدار قصير ل يرتفع إلى وأضاف إلى الكعبة دورا اشتراها
قامة الرجل كما فعل عمر من قبل (1).كما كان الولة يبنون
المساجد في ولياتهم وينفقون عليها من بيت مال الولية ،كما حدث
الرحمة بالسكندرية ،ومسجد في اصطخر في عند بناء مسجد
فتوحات المشرق).(2
-7النفاق على إنشاء أول أسطول بحري:
ساهم بيت مال المسلمين في إنشاء أول أسطول بحري في
السلم في عهد عثمان ،وسيأتي دور هذا السطول)(3في الفتوحات
السلمية بإذن الله تعالى عند حديثنا عن الفتوحات .
-8النفاق على تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة:
في سنة ست وعشرين هجرية كلم أهل مكة عثمان أن يحول
الساحل من الشعيبة وهي ساحل مكة قديما في الجاهلية إلى ساحلها
اليوم وهي جدة لقربها من مكة ،فخرج عثمان إلى جدة ورأى موضعها
وأمر بتحويل الساحل إليها ،ودخل البحر واغتسل فيه وقال إنه مبارك،
وقال لمن معه :ادخلوا البحر للغتسال إل بمئزر ،ثم خرج من جدة من
طريق عسفان إلى المدينة وترك الناس ساحل)(4الشعيبة في ذلك الزمان
واستمرت جدة بندرا إلى الن لمكة المشرفة .
-9تمويل حفر البار من بيت مال المسلمين:
ومن العمال التي مولها بيت مال المسلمين في عهد عثمان
حفر بئر للشرب بالمدينة ،وتسمى بئر أريس وهي على ميلين من
المدينة وكان ذلك في سنة ثلثين هجريا ،وحدث أن قعد عثمان على
رأس البئر وكان بإصبعه خاتم رسول الله ،فانسل الخاتم من إصبعه
فوقع في البئر ،فطلبوه من البئر ونزحوا ما فيها من الماء فلم
يقدروا عليه ،فجعل فيه مال عظيما لمن جاء به ،واغتم لذلك غما
شديدا فلما يئس من العثور على الخاتم صنع خاتما آخر مثله من
في فضة على مثاله وشبهه ونقش عليه )محمد رسول الله( فجعله
أصبعه حتى قتل ،فلما قتل ذهب الخاتم من يده فلم يدر من أخذه).(5
-10النفاق على المؤذنين من بيت المال:
كان عثمان أول من رزق المؤذنين من بيت المال(6)،قال المام
الشافعي) :قد أرزق المؤذنين إمام هدى عثمان بن عفان ،وقد
جعل عثمان على الذان جعالة ،ول
)( تاريخ الطبري ) ,(5/250ذو النورين ،محمد رشيد ،ص .25 1
105
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يستأجر استئجارا( ).(1
-11تمويل أهداف السلم العليا:
يتضح من دراسة النفقات العامة السابقة من بيت المال أنها
ساهمت في تمويل الهداف العليا للدولة السلمية ،فضل عن
النفاق العام على إدارة الدولة ومصالح الرعية ،ثم النفاق على نشر
السلم كي تكون كلمة الله هي العليا .وتم تمويل إنشاء أول
أسطول بحري للدولة السلمية ،كما تم تعمير بيوت الله بالنفاق
على إقامة المساجد وتجديدها ورزق المؤذنين ،والولة ،والقضاة
والجند ،وعمال الدولة ،كما تم الصرف على رحلت الحج إلى بيت
الله الحرام ،وكسوة الكعبة وهي قبلة السلم والمسلمين ،كما أن
بيت مال المسلمين قدم أمواله لحفر البار ليشرب منها الغادي
والرائح من مواطني الدولة السلمية ،ومن مصادر الدولة ،كالزكاة
وخمس الغنائم ،ثم تمويل شرائح المجتمع الضعيفة في الدولة
والمساكين واليتامى ،وفي مساندة الغرباء السلمية وهم الفقراء
وأبناء السبيل وفك الرقاب).(2
تاسًعا :استمرار نظام العطيات في عهد عثمان بن عفان:
استمر نظام العطيات في عهد عثمان كما كان في عهد عمر بن
الخطاب رضي الله عنهما ،فقد اعتمد السابقة في الدين أساسا
للعطاء ،وكتب بذلك لواليه على الكوفة بقوله :أما بعد ،ففضل أهل
السابقة والقدمة ممن فتح الله عليه تلك البلد ،وليكن من نزلها
بسببهم تبعا لهم ،إل أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به،
جميعا بقسطهم من وقام به هؤلء ،واحفظ لكل منزلته ،وأعطهم
الحق ،فإن المعرفة بالناس بها يصاب العدل (3).وحين اتسعت
الفتوحات السلمية في عهده كثرت موارد الدولة المالية ،مما أدى
ذلك بالخليفة عثمان أن يتخذ له الخزائن) ،(4فانعكس ذلك بدوره
على العطاء ،فزاد في أرزاق الجند بمقدار مئة درهم لكل منهم ،فهو
خليفة زاد الناس في العطاء واستن به الخلفاء من بعده في )(5
أول
الزيادة.
قال الحسن :وشهدت منادي عثمان ينادي :يا أيها الناس ،اغدوا على
لل ،واغدوا على السمن والعسل .قال الحسن: حَكسوتكم فيأخذون ال ْ ُ
بين( حسن ،ما على الرض مؤمن يخاف رة ّ ،وخير كثير ،وذات أرزاق دا
مؤمنا إل يوده وينصره ويألفه6).واهتم الخليفة عثمان بأمر الثغور
فكان يأمر قادته بإجراء الرزاق والعطاء ومضاعفته والمرابطة فيها،
للجند المرابطين).(7
عاشًرا :أثر تدفق الموال على الحياة الجتماعية والقتصادية:
1
)( موسوعةـ فقهـ عثمان بن عفان ،ص .14
مجمع الزوائد ) ،(94 ،9/93فصل الخطاب في مواقف الصحاب ،ص .52 )( 6
106
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
في عهد عثمان كثر الخراج وأتاه المال من كل وجه ،فاتخذ له
الخزائن ،وأثر ذلك بدوره في الثر القتصادي والجتماعي؛ فعن أبي
إسحاق أن جده مر على عثمان فقال له :كم معك من عيالك يا
شيخ؟ قال :معي كذا ،قال :قد فرضنا لك)(1في خمس عشرة ،يعني
ألفا وخمسمائة ،وفرضنا لعيالك مئة مئة .وعن محمد بن هلل
المديني قال :حدثني أبي عن جدتي أنها كانت تدخل على عثمان
فافتقدها يوما فقال لهله :ما لي ل أرى فلنة؟ فقالت امرأته :يا
ي بخمسين أمير المؤمنين ،ولدت الليلة غلما ،فقالت :فأرسل إل ّ
قال :هذا عطاء ابنك وهذه كسوته ،فإذا درهما وشقيقة سنبلنية ،ثم
على عيال أهل وسع كما )(2
مائة. مرت به سنة رفعناه إلى
العوالي بالمدينة المنورة في القوت والكسوة (3).وحين قام القائد
قطن بن عمرو الهللي بإعطاء الجيش الذي برفقته -وعدده أربعة
آلف جندي -أربعة آلف درهم كتشجيع لهم استكثر ذلك والي
البصرة عبد الله بن عامر وكتب بالخبر إلى الخليفة عثمان
وقال (4:ما كان معونة في سبيل الله فجائز ،فصارت الجائزة فأجازها
اسما للعطية) .
وقام عثمان بتوريث عطاء الجندي السلمي لورثته من بناته
وزوجاته ،فقد قال الزبير ابن العوام للخليفة عثمان بعدما مات عبد
الله بن مسعود -رضي الله عنهم :-أعطني عطاء عبد الله؛)(5فعيال
عبد الله أحق به من بيت المال ،فأعطاه خمسة عشر ألفا .
هذا وقد نشطت الحركة الزراعية والصناعية والتجارية في عهد
الخليفة الراشد عثمان بن عفان ،وبسبب ما من الله به على
المسلمين من فتوح ،أصبح أهل المدينة خاصة والمسلمون عامة في
نعمة ويسار ،وكان يقترن بهذا الثراء ضروب واسعة من الحضارة لم
تعرفها الجزيرة العربية قبل الفتوحات الكبيرة .لقد اطلع المسلمون
على ما عند المم الجنبية واقتبسوا منهم ،وبدأ هذا القتباس يتسع
في خلفة عثمان ،فبنى بعض الصحابة الدور والمنازل الكبيرة،
سُبوا في الفتوح في تطوير الحياة الجتماعية الجانب الذين ُ وساهم
والقتصادية).(6
حادي عشر :عثمان وأقاربه والعطاء من بيت المال:
اتهم عثمان من قبل الغوغاء والخوارج بإسرافه في بيت
المال وإعطائه أكثره لقاربه ،وقد ساند هذا التهام حملة دعائية
باطلة قادها السبئيون والشيعة الروافض ضده ،وتسربت في كتب
التاريخ وتعامل معها بعض المفكرين والمؤرخين على كونها حقائق
وهي باطلة لم تثبت؛ لنها مختلفة ,والذي ثبت من إعطائه أقاربه
أمور تعد من مناقبه ل من المثالب فيه:
الحضارة العربية السلمية ،د .وضاح الصمد ،ص .114 )( 6
107
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المصدر نفسه ) ,(3/237الدولة الموية ،حمدي شاهين ،ص .163 )( 6
108
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عثمان مع ابن وثيمة النضري ،فشكى وفد ممن كان معه إلى عثمان
ما أخذه عبد الله ،فقال لهم عثمان :إنما أمرت له بذلك ،فإن
سخطتم فهو رد .قالوا :إنا نسخطه ،فأمر عثمان عبد الله أن يرده
فرده (1).وقد ثبت في السنة تنفيل أهل الغناء والبأس في الجهاد).(2
-3وكان قد بقى من الخماس والحيوان -في فتح أفريقية -ما
يشق حمله إلى المدينة ،فاشتراه مروان بمائة ألف درهم ،ونقد
أكثرها وبقيت منه بقية ،وسبق إلى عثمان مبشرا بالفتح ،وكانت
قلوب المسلمين في غاية القلق خائفة من أن يصيب المسلمين
نكبة من أمر أفريقية ،فوهب له عثمان ما بقي جزاء بشارته .وللمام
أن يعطي البشير ما يراه لئقا بتعبه وخطر بشارته ،هذا هو الثابت
في عطية عثمان لمروان ،وما ذكروه من إعطائه خمس أفريقية
فكذب (3).لقد كان عثمان شديد الحب لقاربه ،ولكن ذلك لم يمل
به إلى غشيان محرم أو إساءة السيرة والسياسة في أمور المال أو
غيرها ،وإنما دست في كتب التاريخ أكاذيب باطلة كان خلفها الدعاية
السبئية والشعبية الرافضية ضد عثمان .
إن سيرة عثمان في أقاربه تمثل جانبا من جوانب السلم
ه
بادَ ُ شُر الله ع
عل َ ُيه ِ َأ َ
ذي ي ُب َ ّ
َ َ ك ال ّ ِ الكريمة الرحيمة لقوله تعالى+ :ذَل ِ َ
جًرا إ ِل ّم َ ْ ِ ْ ُ
سألك ْ ُ قل ل أ ّْ ت ُ حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ ع ِو َ مُنوا َ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
سًناح ْ ها ُ في َ ه ِ َ
زدْ ل ُ ة نّ ِ سن َ ً
ح َ ف َ ر ْ من ي َ ْ
قت َ ِ و َ
قْرَبى َ ْ
في ال ُ ودّةَ ِ ال ْ َ
م َ
ذات َ وآ ِ كوٌر" ]الشورى ،[23 :وقوله جل ثناؤهَ + : ش ُ فوٌر َ ه َ
غ ُ ن الل َ إِ ّ
ذيًرا" ب ت ر ّ
ُ َ ْ َ ْ ِ ذ ب ت َ ل و ل
ّ ِ ِ َ بي س ال ن ب وا ن كي س
َ ُ َ ِ ْ ِ َ َ ْ َمْ ل وا ه ّ
ق ح بىال ْ ْ َ
ر قُ
]السراء [26 :كما أنها تمثل جانبا عمليا من سيرة المصطفى ×؛ فقد
رأى من رسول الله × وعلم من حاله ما لم ير أو يعلم غيره من
منتقديه ،وعقل من الفقه ما لم يعقله مثله من جمهرة الناس ،وكان
مما رأى شدة حب رسول الله × على أقاربه وبره لهم وإحسانه
إليهم ،وقد أعطى عمه العباس ما لم يعط أحدا عندما ورد عليه مال
البحرين (4).وولى عليا وهو ابن عمه وصهره ،ولعثمان وسائر
المؤمنين في رسول الله × أعظم القدوة).(5
يقول ابن كثير -رحمه الله :-وقد كان عثمان كريم الخلق ذا
حياء كثير ،وكرم غزير ،يؤثر أهله وأقاربه في الله تأليفا لقلوبهم من
متاع الدنيا الفاني ،لعله يرغبهم في إيثار ما يبقى على ما يفنى ،كما
كان النبي × يعطي أقواما ويدع آخرين إلى ما جعل في قلوبهم من
الخصلة أقوام ،كما تعنت الهدى واليمان ،وقد تعنت عليه بسبب هذه
بعض الخوارج على رسول الله × في اليثار)(6؛ فعن جابر بن عبد
الله -رضي الله عنهما -قال :بينما رسول الله × يقسم غنيمة
109
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بالجعرانة)) ،((21إذ قال له رجل :اعدل ،فقال» :شقيت إن لم
أعدل« .ويحتج عثمان لبره أهل بيته وقرابته مخاطبا مجلس
ي اللذين كانا
الشورى بقوله :أنا أخبركم عني وعما وليت ،إن صاحب ّ
قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما سبيل احتسابا ،وإن رسول الله
× كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش ،فبسطت
في( شيء من ذلك لما أقوم به فيه ،فإن رأيتم ذلك خطأ يدي
فردوه). 3
وقد رد ابن تيمية -رحمه الله -على من اتهم عثمان بتفضيله أهله
بالموال الكثيرة من بيت المال فقال» :وكان يؤثر أهله بالموال
الكثيرة من بيت المال حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش
زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار ،ودفع إلى مروان ألف ألف دينار
)مليون دينار( ،فالجواب يقال :أين النقل الثابت بهذا؟!! نعم كان
يعطي أقاربه ويعطي غير أقاربه أيضا ،وكان يحسن إلى جميع
المسلمين ،وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت ،ثم يقال
ثانًيا :هذا من الكذب البين ،فإنه ل عثمان ول)(4غيره من الخلفاء
الراشدين أعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ( .
***
ماء بين الطائف ومكة ،وهي إلى مكة أقرب. )( 1
110
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثاني
المؤسسة القضائية وبعض الجتهادات الفقهية
يعتبر عهد ذي النورين امتدادا للعهد الراشدي الذي تتجلى أهميته
بصلته بالعهد النبوي وقربه منه ،فكان العهد الراشدي عامة والجانب
القضائي فيه خاصة امتدادا للقضاء في العهد النبوي ،مع المحافظة
الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي ،وتطبيقه
بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه ،وتظهر أهمية العهد الراشدي في
القضاء بأمرين أساسيين:
* المحافظة على نصوص العهد النبوي في القضاء ،والتقيد بما
جاء فيه ،والسير في ركابه ،والستمرار في اللتزام به.
دعائم الدولة * وضع التنظيمات القضائية الجديدة لترسيخ
السلمية الواسعة ،ومواجهة المستجدات المتنوعة).(1
استطاع الفاروق بتوفيق الله ثم عبقريته الفذة أن يطور
مؤسسة القضاء للدولة السلمية ،وأصبحت لها قواعد ونظم،
استفاد منها الخليفة الراشد عثمان في تعيين القضاة وأرزاقهم،
واختصاصهم القضائي ومعرفة صفات القاضي ،وما يجب عليه،
ومصادر الحكام القضائية ،والدلة التي يعتمد عليها القضاة ،كما أنه
أصبحت هناك سوابق قضائية من الصديق والفاروق استفاد منها
القضاة في عهد عثمان .
عندما تولى عثمان الخلفة كان على قضاء المدينة يومئذ
علي بن أبي طالب ،وزيد بن ثابت ،والسائب بن يزيد رضي الله
عنهم .ويذكر بعض الباحثين أن عثمان لم يترك لحد من هؤلء
القضاة الستقلل بالفصل في قضية من القضايا ,كما كان الحال
في عهد عمر , بل كان ينظر في الخصومات بنفسه ،ويستشير
هؤلء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به ،فإن وافق رأيهم رأَيه
أمضاه ،وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في المر بعد ذلك .وهذا
يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلثة في المدينة من ولية
القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع
استشارة آخرين ،ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد
العفاء ،وغاية ما ورد في ذلك يدل على أن عثمان قد أقر
قضاة عمر بالمدينة ،ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من
ض
القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها ،ومنشأ هذا الخلف ت ََعار ُ
الروايات الواردة في ذلك:
* روى البيهقي في سننه ،ووكيع في أخبار القضاة واللفظ له،
عن عبد الرحمن بن سعيد قال :أخبرني جدي ،قال :رأيت عثمان بن
عفان في المسجد ،إذ جاءه الخصمان ،قال لهذا :اذهب فادع عليا،
وللخر :اذهب فادع طلحة بن عبيد الله والزبير وعبد الرحمن،
فجاءوا فجلسوا ،فقال لهما :تكلما ،ثم يقبل عليهم فيقول :أشيروا
ي ،فإن قالوا ما يوافق رأيه أمضاه عليهما ،وإل نظر فيقومون عل ّ
)( تاريخ القضاء في السلم للزحيلي ،ص .84 ،83 1
111
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
مسّلمين ،ول يعلم أن عثمان بن عفان استعمل قاضيا بالمدينة إلى
أن ُقتل .
* جاء في تاريخ الطبري عند الحديث على أعمال عثمان :وكان
على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت ،وهذا يشعر بأن عثمان أبقى
زيدا على ولية القضاء ،ويستلزم الذن له بالفصل في الخصومات،
وما دام الجمع بين النصين ممكنا ،فإن الخذ به أولى من الخذ بأحد
النصين في غير المرجح ،ويجمع بين النصين بأن عثمان أبقى قضاة
المدينة للفصل في بعض الخصومات ،ولكن بعضها الخر من
معضلت القضايا جعله خاصا به مع استشارة أصحابه فيها ،ومنهم
قضاته).(1
يعين القضاة على القاليم حينا؛ مثل تعيينه كعب بن وكان عثمان
سور على قضاة البصرة ،ويترك القضاء للوالي حينا آخر؛ مثل طلبه من
واليه على البصرة أن يقوم بالقضاء بين الناس إضافة إلى عمل الولية،
وذلك بعد عزل كعب بن سور ،وكذلك كان يعلي بن أمية واليا وقاضيا
)(2
ويلحظ أن بعض الولة كانوا يختارون قضاة بلدانهم على صنعاء.
بأنفسهم ،ويكونون مسئولين أمامهم ،مما يشير إلى ازدياد نفوذ الولة
)(3
والمأثور عن عثمان كتبه ورسائله إلى أمراء في خلفته من القضاة.
المصار ،وإلى أمراء الجناد بالثغور وإلى عامة المسلمين ،وهذا يدعو
إلى غلبة الظن بأنه جعل القضاء من اختصاص الولة ،يتولونه بأنفسهم،
أو يعينون له من يستطيع القيام به(4).ففي الوقت الذي نجد فيه
مراسلت كثيرة بين عمر وقضاة المصار نجد ندرة في المراسلت في
عهد عثمان بينه وبين أولئك القضاة).(5
* ابن عمر يعتذر عن القضاء:
قال عثمان لبن عمر :اقض بين الناس ،فقال :ل أقضي بين
اثنين ول أؤم رجلين ،أما سمعت النبي × يقول» :من عاذ بالله
فقد عاذ بمعاذ«؟ قال عثمان :بلى ،قال(6):فإني أعوذ بالله أن
تستعملني ،فأعفاه ،وقال :ل تخبر بهذا أحدا .
* دار القضاء:
تذكر بعض كتب التاريخ أن من مآثر ذي النورين اتخاذه دارا
للقضاء ،كما يظهر ذلك من رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح
مولى العباس قال :أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار
القضاء إلى آخر الحديث ،فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ
وقد(7كان الخليفتان قبله يجلسان للقضاء في السلم دارا للقضاء،
في المسجد كما هو مشهور) .
)( النظم السلمية ،(1/378) ،وقائع ندوة أبي ظبي1405 ،هـ. 1
112
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
* أشهر القضاة في خلفة عثمان:
-1زيد بن ثابت )المدينة(.
-2أبو الدرداء )دمشق(.
-3كعب بن سور )البصرة(.
-4أبو موسى الشعري )البصرة بالضافة إلى وليته(.
-5شريح )الكوفة(.
-6يعلى بن أمية )اليمن(.
-7ثمامة )صنعاء(.
)(1
-8عثمان بن قيس بن أبي العاص )مصر( .
هذا وقد ترك الخليفة الراشد أحكاما فقهية في مجال القصاص
والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملت ،كان لها الثر
الواضح في المدارس الفقهية السلمية ،وهذه بعض الحكام التي
أصدرها عثمان أو أفتى بها:
ل :فيما يتعلق بالقصاص والحدود والتعزير: أو ً
-1أول قضية واجهت عثمان قضية قتل:
أول قضية حكم فيها عثمان قضية عبيد الله بن عمر ،وذلك
أنه غدا على ابنة أبي لؤلؤة قاتل عمر فقتلها ،وضرب رجل نصرانيا
يقال له جفينة بالسيف فقتله ،وضرب الهرمزان الذي كان صاحب
فقتله ،وكان قد قيل إنهما مال أبا لؤلؤة على قتل عمر فالله تستر
أعلم (2).وكان عمر قد أمر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعده ،فلما
ولي عثمان وجلس للناس كان أول ما تحوكم إليه في شأن عبيد
الله ،فقال علي :ما من العدل تركه ،وأمر بقتله .وقال بعض
المهاجرين :أيقتل أبوه بالمس ويقتل هو اليوم؟ فقال عمرو بن
العاص :يا أمير المؤمنين(3)،قد برأك الله من ذلك ،قضية لم تكن في
أيامك فدعها عنك ،فودى عثمان أولئك القتلى من ماله؛ لن
إل بيت المال ،والمام يرى الصلح في أمرهم إليه؛ إذ ل وارث لهم
ذلك ،وخلى سبيل عبيد الله (4).وقد جاءت رواية في الطبري تفيد
بأن القماذبان بن الهرمزان قد عفا عن عبيد الله ،عن أبي منصور
قال :سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه ،قال :كانت العجم
بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض ،فمر فيروز بأبي ومعه خنجر له
رأسان ،فتناوله منه ،وقال :ما تصنع بهذا في هذه البلد؟ فقال :آنس
به ،فرآه رجل ،فلما أصيب عمر قال :رأيت هذا مع الهرمزان ،دفعه
إلى فيروز ،فأقبل عبيد الله فقتله ،فلما ولي عثمان دعاني فأمكنني
منه ،ثم قال :يا بني ،هذا قاتل أبيك ،وأنت أولى به منا ،فاذهب
فاقتله ،فخرجت به وما في الرض أحد إل معي ،إل أنهم يطلبون إلي
عصر الخلفة الراشدة ،ص .160 ،159 )( 1
113
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فيه ،فقلت لهم :ألي قتله؟ قالوا :نعم )وسبوا عبيد الله( ،فقلت:
فاحتملوني، أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا :ل ،وسبوه ،فتركته لله ولهم،
فوالله ما بلغت المنزل إل على رؤوس الرجال وأكفهم (1).ول يوجد
تعارض بين هذه الرواية والرواية الخرى التي تذكر أن الخليفة
عثمان عفا عن عبيد الله بن عمر وتحمل هو الدية الشرعية لورثة
الهرمزان؛ لنه يوجد في فهم جميع الصحابة حق لبن الهرمزان في
القصاص ،وقد استجاب لرجائهم له في العفو على النحو السالف
ذكره ،كما أن عفو الخليفة يرجع إلى سلطة التحقيق في الجريمة,
والحكم فيها هو للخليفة وليس لبن المقتول ،فيكون عبيد الله قد
اعتدى على حق الخليفة ،ومن ثم فرواية العفو منه تنصرف إلى
العفو بسبب هذا الحق ،وهذه المخالفة من عبيد الله حيث أضاع
على الدولة أمرا هاما هو معرفة الخليا التي تتصل بالجريمة من
الجناة والشخاص والجهات التي كانت خلف هذه المؤامرة ،كما
ينصرف العفو من الخليفة إلى من ليس لهم ولي وهم جفينة وابنة
المجوسي القاتل ،ول يوجد خلف في الروايات والمصادر التاريخية
على أن الخنجر الذي قتل به عمر ابن الخطاب كان بيد الهرمزان
وجفينة قبل الحادث ،وقد شاهد ذلك اثنان من الصحابة وهما عبد
الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن أبي بكر ،ورواية عبد الرحمن بن
أبي بكر تفيد أن القاتل أبا لؤلؤة كان مع هذين الشريكين يتناجون
بينهم ،وبعد قتل عمر وجدوا ثلثتهم ،فلما باغتهم سقط الخنجر من
أنه نفس الخنجر الذي وصفه الشاهدان (2).وبالتالي فالهرمزان
وجفينة يستحقان القتل ،أما ابنة أبي لؤلؤة الذي قتل نفسه ليخفي
المشتركين معه ،فهذه قتلت خطأ ول يقتل فيها أحد ،وقد رأى عبيد
الله أنها من المشاركين في القتل؛ حيث كانت تخفى السلح لبيها. )(3
-2قتل اللصوص:
إن شبابا من شباب أهل الكوفة في ولية الوليد بن عقبة نقبوا على
ابن الحيسمان الخزاعي وكاثروه ،فنذر بهم ،فخرج عليهم بالسيف ،فلما
رأى كثرتهم استصرخ فقالوا له :اسكت ،فإنما هي ضربة حتى نريحك
من روعة هذه الليلة ،وأبو شريح الخزاعي مشرف عليهم ،فصاح بهم
وضربوه فقتلوه ،وأحاط الناس بهم فأخذوهم ،وفيهم زهير بن جندب
الزدي ومورع بن أبي مورع السدي ،وشبيل بن أبي الزدي في عدة،
فشهد عليهم أبو شريح وابنه أنهم دخلوا عليه ,فمنع بعضهم بعضا من
الناس ،فقتله بعضهم ،فكتب فيه إلى عثمان فكتب إليه في قتلهم،
فقتلهم على باب القصر في الرحبة ،وقال في ذلك عمر بن عاصم
التميمي:
أهل الزعارة في ملك ابن سَرفا
ل تأكلوا أبدا جيرانكم َ
عفان
وقال أيضا:
114
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
) (2المصدر نفسه ،ص .103 موسوعة فقه عثمان ،ص .102 )( 6
115
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-8الجناية على الصائل:
إذا صال شخص على مال شخص آخر أو على نفسه أو على
عرضه فقتله المصول عليه أثناء اعتدائه فدمه هدر ،فقد روى ابن
أن( رجل رأى مع امرأته رجل فقتله ،فارتفعوا إلى حزم في المحلي
عثمان فأبطل دمه). 1
ده: -9استتابة المرتد وح ّ
قتل، ل يقام الحد على المرتد حتى يستتاب ثلثا ،فإن أصر على ردته ُ
وحدث أن أخذ عبد الله بن مسعود بالكوفة رجال ارتدوا عن السلم،
وأخذوا ينعشون حديث مسيلمة الكذاب ،فكتب فيهم إلى أمير المؤمنين
عثمان بن عفان ،فكتب عثمان إليه :أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة
أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله ،فمن قبلها وبرئ من مسيلمة
فاقتله ،فقبلها رجال منهم فتركوا، فل تقتله ،ومن لزم دين مسيلمة
ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا).(2
-10إني قتلت فهل لي من توبة:
قال رجل لعثمان :يا أمير المؤمنين ،إني قتلت فهل لي من توبة؟
نم َب ِ ل ال ْك َِتا ِزي ُعثمان من أول سورة غافر+ :حم َ تن ِ ْ
فقرأ عليه
د دي
ِ ِ َ
ش ب و
ّ ْ ِ تال ل ب َ
قا
ِ َ ِ ِو ب ّ
ذن ال ر ف
ِ ِ َ
غا م لي
َ ِ ِع ل ا ز
ع ِ ِ
زي ه ال ْ َ الل ِ
ب" ]غافر [3 -1 :ثم قال له :اعمل ول تيأس (3).والجدير بالذكر ِ قاَ ال ْ ِ
ع
في( حق العباد ل بد فيها من أداء ارتكبت إذا الثام من التوبة أن
الحقوق لصحابها أو تنازلهم عنها). 4
-11حد الخمر:
المعروف أن رسول الله × قد عاقب الحر إذا شرب الخمر
بأربعين جلدة ،ضربه القوم بالنع 0ال وأطراف الثياب امتهانا له،
وكذلك أبو بكر ،وكذلك عمر في أول خلفته ،ثم لم يلبث أن زاد
العقوبة بمشورة من الصحابة إلى ثمانين جلدة ،لما رأى الناس
يتحاقرون هذه العقوبة ول يرتدعون بها .أما عثمان بن عفان فقد
ثبت عنه أنه جلد الحر أربعين جلدة ،وثبت عنه أنه جلده ثمانين
ه أو هوى ،ولكنه فرق بين جلدة ،ولم يكن ذلك منه عن تش ّ
الشاربين ,فلم يعاقب من كان شربه زلة منه عقوبة من أدمن
شربها ،فجعل عقوبة من كان شربه لها أول مرة ،وكانت من زلة
أربعين جلدة ،وجعل عقوبة من اعتاد شربها ومن أدمن عليها ثمانين
وكأنه كان يجعل الربعين الولى حدا ،والربعين الثانية جلدة،
تعزيرا).(5
-12إقامة الحد على أخيه من أمه الوليد بن عقبة:
عن حصين بن المنذر قال :شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد
فشهد عليه رجلن -أحدهما حمران -أنه شرب الخمر ،وشهد آخر أنه
1
) (4سنن البيهقي ).(8/17 )( المصدر نفسه ،ص .150 2
3
116
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
رآه يتقيأ ،فقال عثمان :إنه لم يتقيأ حتى شربها ،فقال :يا علي قم
ل حاّرها فاجلده ،فقال علي :قم يا حسن فاجلده ،فقال الحسن :و ّ
من تولى قاّرها) ,(1فكأنه وجد عليه ،فقال :يا عبد الله بن جعفر قم
ي يعد ،حتى بلغ أربعين ،فقال :أمسك ،ثم قال: فاجلده ،فجلده وعل ّ
سّنة ،وهذاُ وكل ثمانين، وعمر أربعين، بكر وأبو جلد النبي × أربعين،
ي (2).ويؤخذ من هذا الحديث بأن سلف عثمان -رضي الله أحب إل ّ
عنهم -نفذوا هذا الحد ,وبأن للمنفذ أو المأمور أن ينيب عنه غيره.
تأخذه في الله لومة ويؤخذ منه أيضا :قوة عثمان في الحق ،وأنه ل
معيط(4أخوه لمه) ،(3وتنفيذ الحكام
)
لئم؛ فالوليد بن عقبة بن أبي
الشرعية هو أحب أعمال الشرطة.
-13سرقة الغلم:
ل يقام حد السرقة إل إذا كان السارق بالغا عاقل مختارا عالما
فقال :انظروا إلى
)(5
بالتحريم ،وقد أتى إلى عثمان بغلم سرق،
مؤتزره فنظروا فلم يجدوه أنبت ،فلم يقطعه.
-14الحبس تعزيًرا:
استعار ضابي بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من
قوم من النصار كلبا يدعى قرحان يصيد الظباء ،فحبسه عنهم,
فنافره النصاريون واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه ،فانتزعوه منه
وردوه على النصار ،فهاجمهم وقال في ذلك:
ل لها الوجناء وهي حسير تض ّ شم دوني وفد قرحان خطة تج ّ
حباهم ببيت المرزبان أمير فباتوا شباعا ناعمين كأنما
فإن عقوق المهات كبير فكلبكم ل تتركوا فهو أمكم
سَتعدوا عليه عثمان ،فأرسل إليه فعزره وحبسه كما كان)(6يصنع فا ْ
بالمسلمين ،فاستثقل ذلك ،فما زال في الحبس حتى مات فيه .
-15حد القذف بالتعريض:
كان عثمان يقيم حد القذف بالتعريض به ،فقد قال رجل
لخر) :يا ابن شامة الوذر( -يعرض له بزنا أمه -فاستعدى عليه
عثمان
)(7
عثمان بن عفان ،فقال الرجل :إنما عنيت كذا وكذا ،فأمر به
فجلد الحد؛ أي حد القذف ،ولم يلتفت إلى تفسير مراده مما قال.
-16عقوبة الزنا:
را محصنا ً فإنه يعاقب
ح ّ
إذا ثبت الزنا على رجل أو امرأة وكان ُ
أي :ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها. )( 1
شرح النووي على صحيح مسلم ،كتاب الحدود ).(11/216 )( 2
ولية الشرطة في السلم ،د .نمر الحميداني ،ص .105 )( 3
صحيح التوثيق ،ص ,77موسوعة فقه عثمان ،ص .171 )( 5
117
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
محصنة في عهد عثمان بالرجم بالحجارة حتى الموت ،وقد زنت امرأة
بن عفان فقضى عثمان برجمها ولم يحضر رجمها).(1
-17التعزير بالنفي والطرد:
جا -قال محمد بن بلغ عثمان أن ابن الحبكة النهدي يعالج نيرن ً
سلمة :إنما نيرج أخذ كالسحر وليس به -فأرسل إلى الوليد بن عقبة
ليسأله عن ذلك ،فإن أقر به فأوجعه ،فدعا به فسأله ،فقال :إنما هو
رفق وأمر يعجب منه ،فأمر به فعزر ،وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم
كتاب عثمان :إنه قد جد بكم ،فعليكم بالجد ،وإياكم وال ْهُّزال ،فكن
الناس عليه ،وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره ،فغضب
فنفر في الذين نفروا ،فضرب معهم ،فكتب إلى عثمان فيه ،فلما
سّير إلى الشام من سّير ،سير كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد
الله -وكان دينه على دينه -إلى دنياوند ،فقال في ذلك كعب بن ذي
الحبكة للوليد:
طمعت بها من سقطتي لعمري لئن طردتني ما إلى التي
لسبيل
غول إلى الحق دهًرا غال ذلك ُ ت رجوعي يا ابن أروى رجو ُ
ورجعتي
وشتمي في ذات الله قليل وإن اغترابي في البلد وجفوتي
)(2 دنيا وندِ ُ
كم لطويل عليك ب ُ وإن دعائي كل يوم وليلة
-18دفع الناس عن جنازة العباس:
عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال :لما أتى بجنازة العباس بن عبد
المطلب إلى موضع الجنائز تضايق الناس فتقدموا به إلى البقيع،
ولقد رأيتنا يوم صلينا عليه بالبقيع ،وما رأيت مثل ذلك الخروج على
أحد من الناس قط ،وما يستطيع أحد أن يدنو من سريره ،وغلب
عليه بنو هاشم ،فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه ،فأرى عثمان
اعتزل وبعث الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم ،حتى خلص
بنو هاشم فكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلوه في اللحد (3).وهذا
يدل على كثرة رجال الشرطة آنذاك ،ويعتبر عثمان لدى بعض
المؤرخين) (4أول من اتخذ صاحب شرطة من الخلفاء ،وقد أسند هذه
في( المدينة إلى الصحابي الجليل المهاجر ابن قنفذ بن عمير المهمة
القرشي 5).وهذا يدل على عنايته بها ،وأن صيتها قد ذاع في عهده.
وفي الكوفة كان عبد الرحمن السدي على شرطة سعيد بن العاص
الرحمن على شرطة معاوية )واليها لعثمان( كما كان نصير بن عبد
بن أبي سفيان )والي عثمان على الشام( ).(6
118
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وفي الحقيقة ل يعلم خليفة في السلم بعد أبي بكر وعمر
-رضي الله عنهما -يقيم الحدود على القريب والبعيد ،والشريف
والوضيع ،والغني والفقير ول يبالي ،ويعطي كل ما يطلب منه من
إصلح أو)(1حقوق كعثمان ،وكفاه فخرا أن ينتمي لحكم الخلفة
الراشدة .
ثانًيا :في العبادات والمعاملت:
-1إتمام عثمان الصلة بمنى وعرفات:
تفي حج عام 29هـ صلى عثمان بالناس بمنى أربعا ،فأتى آ ٍ
عبد َ الرحمن بن عوف ،فقال :هل لك في أخيك قد صلى بالناس
أربعا؟ فصلى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين ،ثم خرج حتى دخل على
ل في هذا المكان مع رسول الله ×عثمان ،فقال له :ألم تص ّ
ركعتين؟ قال :بلى ،قال :أفلم تصل مع أبي بكر ركعتين؟ قال :بلى،
قال :أفلم تصل مع عمر ركعتين؟ قال :بلى ،قال :ألم تصل صدرا
من خلفتك ركعتين؟ قال :بلى ،قال :فاسمع مني يا أبا محمد) ،(2إني
أخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في
عامنا الماضي :إن الصلة للمقيم ركعتان ،هذا إمامكم عثمان يصلي
ركعتين ،وقد اتخذت بمكة أهل ،فرأيت أن أصلي لخوف ما أخاف
على الناس ،وأخرى قد اتخذت بها زوجة ،ولي بالطائف مال ،فربما
أطلعته فأقمت فيه بعد الصدر ،فقال عبد الرحمن بن عوف :ما من
هذا شيء لك فيه عذر ،أما قولك :اتخذت أهل ،فزوجتك بالمدينة
تخرج بها إذا شئت وتقدم بها إذا شئت ،إنما تسكن بسكناك ،وأما
قولك :ولي مال بالطائف فإنك بينك وبين الطائف مسيرة ثلثة ليال
وأنت لست من أهل الطائف ،وأما قولك :يرجع من حج من أهل
اليمن وغيرهم فيقولون :هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وهو
مقيم ،فقد كان رسول الله × ينزل عليه الوحي والناس يومئذ
السلم فيهم قليل ،ثم أبو بكر مثل ذلك ،ثم عمر ،فضرب السلم
بجرانه ،فصلى لهم عمر حتى مات ركعتين ،فقال عثمان :هذا رأي
رأيته ،فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال :أبا محمد ،غير ما
يعلم؟ قال :ل ،قال :فما أصنع؟ قال :اعمل بما تعلم ،فقال ابن
مسعود :الخلف شر ،قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت بأصحابي
أربعا ،فقال عبد الرحمن بن عوف :قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت
ركعتين ،وأما الن فسوف يكون الذي تقول )يعني تصلي بأصحابي
معه أربعا().(3
إن عثمان صنع ما صنع من إتمام الصلة في منى وعرفات
شفقة على ضعفاء المسلمين أن يفتنوا في دينهم ،فقد أبدى لفعله
سببا معقول حينما سأله عبد الرحمن بن عوف عنه وعما دعاه إليه،
فلما أطلعه عثمان على وجهة نظره ،أخذ عبد الرحمن بقوله وأتم
الصلة بأصحابه ،وكذلك صنع عبد الله بن مسعود وغيره من جمهور
الصحابة ،فتابعوه ولم يخالفوه؛ لنه إمام راشد تجب متابعته فيما لم
يخرج عن حدود الشريعة المطهرة ،ولو كان فيما جاء به عثمان أدنى
)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ).(1/409 1
119
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
شبهة لمخالفة نص شرعي ما أمكن مطلقا جمهور الصحابة أن
يتابعوه (1).والذي أبداه عثمان في تحاوره مع عبد الرحمن بن عوف
واحتج به لرأيه معقول المعنى ،ولو تأمل فيه ناظر في أسرار الدين
وحكم الشريعة لرأى أن إتمام الصلة الذي انتهى إليه رأي عثمان
أرجح حينئذ من قصرها ،وقد حدث من المور ما لم يكن على عهد
النبي × وأبي بكر وعمر ،فخاف عثمان أن يفتن الناس في صلتهم،
ول سيما جفاة العراب في مضاربهم ،ومن بعدت بلدهم في
أطراف الرض ،وقد ل يتصل بهم من أهل العلم من يعلمهم
ويرشدهم ،فأراد عثمان بما صنع حسم هذا الشر المخوف على كثير
من ضعفاء المسلمين ،وقد بالغ عثمان في إبعاد الشبهة عن
نفسه ،فقال :إنه اتخذ بمكة أهل ،وله بالطائف مال ربما نظر إليه
وأقام فيه بعد انتهاء الموسم ،فيكون حينئذ مقيما ففرضه التمام،
)(2
وذلك منه من دقيق النظر في الدين ،وفهم أسراره وحكمه.
)(3
وقد رأى جماعة من الصحابة إتمام الصلة في السفر ،منهم:
عائشة ،وعثمان وسلمان ،وأربعة عشر من أصحاب رسول الله ×.
فعثمان لم يوجب القصر في السفر ،وإنما كان يتجه كما رآه
)(4
اجتهادية، فقهاء المدينة ومالك والشافعي وغيرهما ،ثم إنها مسألة
ولذلك اختلف فيها العلماء؛ فقوله فيها)(5ل يوجب تكفيرا ول تفسيقا.
وأما قول ابن مسعود :الخلف شر ,وفي رواية :إني أكره
الخلف) ،(6ففيه ترشيد لنا وتذكير على استحباب الخروج من الخلف
يستحضرها ويحاول أن في مسائل الجتهاد ،ويحسن بالمسلم أن
يقلل الخوض والجدال في الفروع المختلف فيها)(7؛ إذ الظروف
المحيطة بنا ل تساعدنا على إضاعة مزيد من الوقت الثمين في
الجدل والخلف عما يجب أن نفعله لمواجهة التحديات الخطيرة),(8
كما أن في فعل ابن مسعود وابن عوف -رضي الله عنهما -من
الصلة خلف عثمان بيانا لحرص الصحابة على الجتماع والوحدة،
وهذا خلق عظيم من أخلق جيل النصر.
-2زاد الذان الثاني يوم الجمعة:
قال)(9رسول الله ×» :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من
بعدي« ،وهذه الزيادة من سنة الخلفاء الراشدين ،ول شك أن
عثمان من الخلفاء الراشدين ورأى مصلحة أن يزاد هذا الذان لتنبيه
الناس عن قرب وقت صلة الجمعة بعد أن اتسعت رقعة المدينة،
فاجتهد في هذا ووافقه جميع الصحابة ،واستمر العمل به لم يخالفه
أحد حتى في زمن علي وزمن معاوية وزمني بني أمية وبني العباس
) (2المصدر السابق ،ص )( عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص .192 1
.194 2
)( كتاب المامة والرد على الرافضة للصبهاني ،ص .312 3
) (5تاريخ الطبري ).(5/268 )( الرياض النضرة ،ص .566 4
5
) (7فقه الولويات ،محمد الوكيلي ،ص )( القواعد الفقهية للندوي ،ص .336 6
.169
7
)( الفكر السلمي بين المثالية والتطبيق ،كامل الشريف ،ص .29 8
)( سنن أبي داود ،كتاب السنة رقم ) .(4607سنن الترمذي ،كتاب العلم ،رقم ) 9
.(2676
120
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
إلى يومنا هذا ،فهي سنة بإجماع المسلمين (1).ثم هو له أصل في
الشرع ،وهو الذان الول في الفجر ،فقاس عثمان هذا الذان عليه.
) (2لقد سن عثمان ذلك أخذا من سنة الرسول × وأذانه الذي شرعه
في الفجر قبل دخول الوقت لينبه النائم ويستعد اليقظان ومريد
الصيام ،فهو مستن بسنة الرسول × وآخذ من طريقته ،وقد اختلف
أهل العلم :هل أوقعه قبيل دخول الوقت كما هو الحال في الذان
الول من الفجر أم أوقعه في الوقت؟ ويميل الحافظ إلى أن وقوعه
كان إعلما بالوقت ،قال في فتح الباري :وتبين أن عثمان أحدثه
لعلم الناس بدخول وقت الصلة قياسا على بقية الصلوات فألحق
الجمعة بها ،وأبقى خصوصيتها بالذان بين يدي الخطيب ،وفيه
استنباط معنى من الصل ل يبطله ،وأما ما أحدث الناس قبل وقت
الجمعة من الدعاء إليها والذكر والصلة على)(3النبي × فهو في بعض
البلد دون بعض واتباع السلف الصالح أولى .وأما الذين قالوا :إنه
أحدث قبيل دخول الوقت ،قالوا :لن الغرض منه العلم بالجمعة
والسعي إليها على غرار الذان الول في الفجر ،فلو كان بعد دخول
الوقت لما أدى المعنى المطلوب إل بتأخير الجمعة بعض الشيء
وهو خلف السنة ،وبه ُيستغنى عما أحدثه في التذكير والذكر
أشار إليه الحافظ ولم ينكره إل بقوله) :واتباع السلف وغيرهما مما
الصالح أولى( ).(4
-3اغتساله كل يوم منذ أسلم:
)(5
كان عثمان بن عفان يغتسل كل يوم منذ أسلم ،وقد صلى
ذات يوم الصبح بالناس وهو جنب دون أن يدري ،فلما أصبح رأى في
إني لراني أجنب ول أعلم ،ثم أعاد ثوبه احتلما ،فقال :كبرت والله
الصلة) (6ولم يعد من صلى خلفه).(7
-4سجود التلوة:
كان عثمان بن عفان يرى أن سجود التلوة يجب على
المكلف التالي للقرآن ,وعلى الجالس لسماع القرآن ،أما من سمعه
من غير قصد فليس عليه سجود التلوة ،فقد مر بقاص فقرأ
عثمان (،فقال عثمان :إنما السجود على
)8
القاص سجدة ليسجد معه
يعني استمع: من على وقوله: يسجد. من استمع ثم مضى ولم
على من قصد السماع .وقال :إنما السجدة على من جلس لها)،(9
استمعت السجدة تومئ بها إيماء وروى عن عثمان أن الحائض إذا
ول تتركها ،ول تسجد لها سجود الصلة).(10
-5صلة الجمعة في السواحل:
قال الليث بن سعد :كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة،
) (3المصدر نفسه ،ص .89 )( حقبة من التاريخ ،عثمان الخميس ،ص .88 1
2
)( السنة والبدعة ،عبد الله باعلوي الحضرمي ،ص .133 ،132 4
)( الخلفة الراشدة والدولة الموية ،د .يحيى اليحيى ،ص .444 8
121
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان فإن أهل مصر وسواحلها كانوا
بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة).(1
-6استراحة عثمان في الخطبة:
وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم عن قتادة أن النبي ×
يخطب (2قائما ثم يجل س ،فلما فكان عثمان الجمعة حتى شق القيام على
كان معاوية خطب الولى جالسا والخرى قائما) .
-7جعل القنوت قبل الركوع:
القنوت قبل الركوع -أي دائما- قال أنس :إن أول من جعل
عثمان؛ لكي يدرك الناس الركعة).(3
-8أعلم الناس بأحكام الحج:
بالمناسك يقول محمد بن سيرين :كانوا يرون أن أعلم الناس
عثمان بن عفان ،ثم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما).(4
-9النهي عن الحرام قبل الميقات:
لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال :إن هذا نصر من الله ل
بد لي من أن أشكره عليه ،ولجعلن شكري لله أن أخرج من
موضعي هذا -خراسان -محرما ،فأحرم من نيسابور وخلف على
خراسان الحنف بن قيس ،فلما قضى عمرته أتى عثمان ،وذلك في
فيها(5،فقال له عثمان :لقد غررت بعمرتك حين السنة التي قتل
أحرمت من نيسابور) .
-10سفر المعتدة للحج والعمرة:
المعروف أن المعتدة ل تبيت إل في بيتها ،ول تسافر إل بعد
انتهاء عدتها؛ لن سفرها يقتضي مبيتها في غير بيتها ،والحج ل يخلو
من سفر ،ولذلك فإن عثمان كان يرى أن المعتدة ل يلزمها الحج ما
كان يرجع المعتدة حاجة أو معتمرة من دامت في العدة ،و
الجحفة وذي الحليفة).(6
-11النهي عن متعة الحج:
نهى عثمان المتعة أو الجمع بينهما ليعمل بالفضل ل ليبطل
المتعة ،ول يخفى على عثمان ومن دونه أن من أراد الحرام فهو
مخير بين الفراد والقران والتمتع ،ولكنه رأى الفراد أفضل من
الثنين ،فعن مروان بن الحكم قال :شهدت عثمان وعليا -رضي الله
ي
عنهما -وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ،فلما رأى عل ّ
ل بهما وقال :لبيك بعمرة وحجة ،وقال :ما كنت لدع سنة ذلك أه ّ
سنن البيهقي ) ،(5/31موسوعة فقه عثمان بن عفان ،ص .17 )( 5
122
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
النبي × لقول أحد (1).ولم ينكر عثمان على علي ذلك منه؛ لن عليا
يخشى أن يحمل غيره النهي على البطال والتحريم ،وإنما قال:
لقول أحد ،ليظهر جواز ذلك وأنها
)(2
ما كنت لدع سنة رسول الله ×
سنة ماضية ،وكلهما مجتهد مأجور.
وفي الحديث من الفوائد الظاهرة :مناظرة العلماء ولة المر
بقصد إشاعة العلم ومناصحة المسلمين ،وسعة صدر الولة لجتهاد
العلماء في المسائل التي يتسع معها الجتهاد ،وأن المجتهد ل يجبر
باتباعه لسكوت عثمان عن علي ،وفيه أن العلم يسبق مجتهدا آخر
القول والعمل).(3
-12أكل لحم الصيد:
للمحرم أن يأكل من الصيد الذي صاده هو ،أو صاده ل يجوز
غيره من الحلل) ,(4فعن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع
عثمان بن عفان في ركب ،فلما كان بالروحاء قدم لهم لحم طير
)يعاقيب( ،فقال عثمان :كلوا ،وكره أن يأكل منه ،فقال عمرو بن
العاص :أنأكل مما لست منه آكل؟ قال عثمان :لست في ذلكم
مثلكم ،إنما صيدت لي ،وأميتت باسمي ،أو قال :من أجلي (5).وقد
تكرر ذلك من عثمان مرة أخرى ،كما روى عبد الله بن عامر بن
بالعرج وهو محرم في يوم صائف ربيعة قال :رأيت عثمان بن عفان
قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ،ثم ُأتى بلحم صيد فقال لصحابه:
فقالوا :أل تأكل أنت؟ قال :إني لست كهيئتكم ،إنما صيد من كلوا،
أجلي).(6
-13كراهية الجمع بين القرابة في الزواج:
أخرج الخلل من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
أبيه ،عن أبي بكر وعمر)(7وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين
القرابة مخافة الضغائن .
-14في الرضاعة:
شهاب قال :فرق عثمان روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن
بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أرضعتهم).(8
-15في الخلع:
عن الُربيع بنت معوذ قالت :كان بيني وبين ابن عمي كلم -وكان
زوجها -قالت :فقلت له :لك كل شيء وفارقني ،قال :قد فعلت،
فأخذ والله كل شيء حتى فراشي ،فجئت عثمان وهو محصور
)( سنن البيهقي ) ،(5/191موسوعة فقه عثمان بن عفان ،ص .20 6
123
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فقال :الشرط أملك ،خذ كل شيء حتى عقاص رأسها (1).وفي
اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي ،فأجاز ذلك رواية:
عثمان).(2
-16يجب الحداد على المعتدة لوفاة زوجها:
ومن الحداد ترك الزينة ،وترك المبيت في غير البيت الذي توفى
فيه زوجها إل لضرورة ،ويجوز لها أن تخرج نهارا لقضاء حاجتها،
ولكنها ل تبيت في المساء إل في بيتها)(3؛ فعن فريعة بنت مالك بن
سنان أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله ،فأخبرته
أن زوجها خرج في طلب أعيد له ،فقتلوه بطرف القدوم ،فسألت
رسول الله أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن
يملكه ول نفقة ،قالت :فقال رسول الله × :نعم ،قالت :فانصرفت
حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله أو أمر بي فنوديت،
فقال) :كيف قلت؟( فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن
زوجي ،فقال :امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ،قالت:
عثمان(4ابن عفان فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ،قالت :فلما كان
ي فسألني عن ذلك؟ فأخبرته ،فاتبعه وقضى به ).ولذلك أرسل إل ّ
كان عثمان يتشدد في أمر مبيت المرأة المعتدة خارج بيتها ،فقد
حدث أن امرأة توفي عنها زوجها زارت أهلها في عدتها ،فضربها
الطلق فأتوا عثمان فسألوه فقال :احملوها إلى بيتها وهي تطلق).(5
-17ل تنكحها إل نكاح رغبة:
جاء رجل إلى عثمان في خلفته وقد ركب ،فسأله فقال :إن لي
إليك حاجة يا أمير المؤمنين ،فقال له عثمان :إني الن مستعجل،
فإن أردت أن تركب خلفي حتى تقضي حاجتك ،فركب خلفه ،فقال:
إن لي جارا طلق امرأته في غضبه ،ولقي شدة ،فأردت أن أحتسب
أطلقها(6فترجع إلى زوجها بنفسي ومالي فأتزوجها ثم ابتني بها ثم
الول ،فقال له عثمان :ل تنكحها إل نكاح رغبة) .
-18طلق السكران:
كان عثمان بن عفان يرى أن كل ما يتكلم به السكران فهو
يقع( طلقه؛ لنه ل هدر ،فل تصح عقوده ،ول فسوخه ،ول إقراره ،ول
إلزام لغير إرادة 7).قال عثمان يعي ما يقول ول يريد ما يقول ،ول
:ليس لسكران ول مجنون طلق).(8
-19هبة الوالد لولده:
إذا نحل الب ولده نحلة ،كان عليه أن يشهد على هذه الهبة ،فإذا
أشهد عليها اعتبر هذا الشهاد قبضا لها ،وصح أن تبقى بعد ذلك في
) (2الخلفة الراشدة ،د .يحيى اليحيى، )( الطبقات ).(8/448 1
ص .449 2
)( موسوعة فقه عثمان بن عفان ،ص (4) .244المصدر نفسه ،ص ،224 3
) (6المصدر نفسه ،ص .81 )( المصدر نفسه ،ص .225 5
6
124
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يد الب ،فقد ورد عن عثمان بن عفان قوله :من نحل ولدا له
صغيرا لم يبلغ أن يجوز نحلة ،فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي جائزة
وإن وليها أبوه) ،(1وأما إذا لم يشهد ولم يسلمها للولد فهي هبة غير
لزمة .قال عثمان :ما بال أقوام يعطي أحدهم ولده العطية ،فإن
مات ولده قال :مالي وفي يدي ،وإن مات هو قال :وهبته ،ل يثبت
من الهبة إل ما حازه الولد من مال أبيه).(2
-20الحجر على السفيه:
كان عثمان بن عفان يرى الحجر على السفيه؛ فقد
حدث أن اشترى عبد الله بن جعفر أرضا بمبلغ ستين ألف
دينار ،فبلغ ذلك علي بن أبي طالب ،فقرر على أن الرض ل
تساوي هذا المبلغ من المال ،وأن عبد الله بن جعفر قد غ ُ ِبن
نا فاحشا ،بل إنه قد تصرف تصرفا أخرق ،وأعرب أنه فيها غب ً
سيتوجه نحو أمير المؤمنين عثمان بن عفان ليطلب منه
الحجر على عبد الله بن جعفر لسفهه وإساءته التصرف في
ماله ،فأسرع عبد الله بن جعفر إلى الزبير -وكان تاجرا حاذقا-
وقال له :إني ابتعت بيعا بكذا وكذا ،وإن عليا يريد أن يأتي
عثمان فيسأله أن يحجر عل ّ ي ،فقال له الزبير :فأنا شريكك
في البيع ،وأتى عل ّ ي عثمان بن عفان فقال له :إن ابن أخي
اشترى سبخة بستين ألفا ما يسرني أنها لي بنعلي ،فاحجر
عليه ،وقال الزبير لعثمان :أنا شريكه في هذا البيع ،فقال
عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب :كيف أحجر على رجل
في بيع شريكه فيه الزبير؟) (3يعني :إننا ل نستطيع أن نحكم
على جعفر
بالسفه لتصرف تص ّ رفه شريكه فيه الزبير؛ لن الزبير ل يمكن
أن يشارك في تصرف تجاري أخرق لحذقه بالتجارة).(4
-21الحجر على المفلس:
كان عثمان بن عفان يرى الحجر على المفلس ،وإذا حجر
على مفلس اقتسم الدائنون ماله بنسبة ديونهم ،لكن إن وجد بعض
عنده ،جاز له أن يفسخ البيع دائنيه سلعته التي باعه إياها بعينها
ويأخذ سلعته) ,(5فهو أحق بها من غيره).(6
-22تحريم الحتكار:
كان عثمان بن عفان يمنع الحتكار وينهى عنه ،ويظهر أن
)(7
سنن البيهقي ) ,(6/661موسوعة فقه عثمان بن عفان ،ص .119 )( 3
125
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الحتكار بين الطعام وغيره؛ لن نهيه عن الحتكار كان عاما ،خاصة أن
ما ورد عن رسول الله في تحريم الحتكار منه ما هو مطلق في كل
شيء ،ومنه ما هو مقيد)(1عند الجمهور لعدم التعارض بينهما ،بل يبقى
المطلق على إطلقه .
-23ضوال البل:
روى مالك أنه سمع ابن شهاب يقول :كانت ضوال البل في
زمن عمر بن الخطاب إبل مرسلة تناتج ل يمسها أحد ،حتى إذا كان
زمن عثمان بن عفان أمر بتعريفها ثم تباع ،فإذا جاء صاحبها أعطي
ثمنها (2).وقد كان فعل عمر تبعا لحديث الصحيحين عن زيد بن خالد
ي × فسأله عما يلتقطه ،فقال: الجهني قال :جاء أعرابي النب ّ
أعرف عفاصها ووكاءها) ,(3ثم عرفها سنة ،فإن جاء صاحبها وإل
فشأنك بها ،قال :فضالة الغنم يا رسول الله؟ قال :هي لك ،أو لخيك
معها سقاؤها أو للذئب ،قال :فضالة البل؟ قال :ما لك ولها،
وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها).(4
وقد رأى الستاذ الحجوي أن هذا الجتهاد من عثمان بن عفان
)(5
مبني على المصلحة المرسلة؛ أنه رأى الناس مدوا أيديهم إلى
ضوال البل ،فجعل راعيا يجمعها ،ثم تباع قياما بالمصلحة العامة.
غير أن الستاذ عبد السلم السليماني ،رد على هذا القول بقوله:
غير أنه من الصعب التسليم بمقالة الستاذ الحجوي على إطلقها؛
لن المصلحة المرسلة هي التي لم ينص الشارع ل على اعتبارها ول
على إلغائها ،في حين أن النبي × قد نص على حكم ضوال البل في
الحديث المذكور أعله ،فهي إذن مصلحة معتبرة نص عليها النبي
بنفسه ،فل يصح أن يقال إن ما فعله عثمان من بيع ضوال البل يعد
مصلحة مرسلة ،فالمصلحة المرسلة ل تكون في مقابلة النص.
والذي يظهر لنا أن اجتهاد عثمان في هذه القضية بني على
المصلحة العامة فعل لكنها ليست مصلحة مرسلة ،وأن هذه القضية
من القضايا القابلة للجتهاد ،والتي يمكن أن يتغير حكمها بتغير
الزمنة والحوال ,وبالنظر إلى ما يحقق مصلحة أصحاب ضوال
البل؛ لن علة الحكم فيها على ما يظهر ،هي المحافظة على هذه
البل إما بأعيانها أو في شكل ثمنها وكل المرين مصلحة ،ول شك
أن سيدنا عثمان بصنيعه هذا كان هدفه تحقق المصلحة العامة؛ لنه
رأى أن ترك البل على حالها -كما كان المر في عهد النبي × وإلى
زمن عمر -يعرضها للضياع ،بعد أن تغيرت أخلق الناس ،وأصبحوا
يقطع الطريق عليهم بما فعل، يمدون أيديهم لضوال البل ،فرأى أن
وهو اجتهاد سليم وحكم سديد بل ريب).(6
-24توريث المرأة المطلقة في مرض الموت:
)( موطأ مالك ،ص ،649 ،648طبعة دار الفاق الجديدة. 2
)( العفاص :الوعاء الذي تحفظ فيه النفقة ،والوكاء :الخيط الذي يربط به. 3
) (2الجتهاد في الفقه السلمي ،ص )( الفكر السامي ).(1/245 5
126
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته وهو مريض فوّرثها عثمان منه
بعد انقضاء مدة عدتها ،وقد روى أن شريحا كتب إلى عمر بن
الخطاب في رجل طلق امرأته ثلثا وهو مريض ,فأجاب عمر :أن
وّرثها ما دامت في عدتها ،فإن انقضت عدتها فل ميراث لها .فبعد أن
اتفقا على أن طلق المريض مرض الموت ل يزيل الزوجية كسبب
موجب للرث ،جعل عمر حدا لذلك وهو العدة ،بينما لم يجعل عثمان
حدا لذلك ،وقال :ترث مطلقها سواء مات في العدة أو بعدها ،وليس
في المسألة نص يرجع إليه ،والباعث على الحكم هو معاملة الزوج
قصده؛(1لن الزوج بطلقه في مرض الموت يعتبر فارا من بنقيض
توريث زوجته) .
ض عدتها:
-25توريث المطلقة ما لم تنق ِ
قال عثمان بن عفان :إذا مات)(2أحد الزوجين قبل الحيضة الثالثة
للمطلقة ورث الحي منهما الميت ,ول يمنع التوارث بينهما طوال
فترة العدة ،كما إذا حاضت المعتدة حيضة أو حيضتين ثم ارتفعت
حيضتها؛ فقد طلق حبان بن منقذ امرأته وهو صحيح ،وهي ترضع
ابنته ،فمكثت سبعة عشر شهرا ل تحيض ،يمنعها الرضاع أن تحيض،
ثم مرض حبان بعد أن طلقها سبعة أشهر أو ثمانية ،فقيل له :إن
امرأتك ترث ،فقال :احملوني إلى عثمان ،فحملوه إليه ،فذكر له
شأن امرأته ،وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت ،فقال لهما
عثمان :ما تريان؟ فقال :نرى أنها ترثه إن مات ،ويرثها إن ماتت،
فإنها ليست من القواعد من النساء اللئي يئسن من المحيض،
وليست من البكار اللئي لم يحضن ،ثم هي على عدة حيضها ما كان
من قليل أو كثير ،فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته ،فلما فقدت
أن الرضاع حاضت حيضة ،ثم حاضت أخرى ،ثم توفي حبان قبل
تحيض الثالثة ،فاعتدت عدة الوفاة وورثت زوجها حبان بن منقذ).(3
-26توريث الحميل:
إذا سبيت امرأة من الكفار ومعها طفل تحمله مدعية أنه ولدها،
وهو ما يسمى بـ )الحميل( ،فإنها ل تصدق بدعواها ،ول يجري
التوارث بينها وبينه إل إذا أقامت البينة على أنه ابنها .وقد استشار
عثمان في ذلك أصحاب رسول الله × فأبدى كل منهما رأيه ,وقال
نرى أن نورث مال الله إل بالبينات ،وقال :ل يورث عثمان آنئذ :ما
الحميل إل ببينة).(4
هذه بعض اجتهادات ذي النورين أثرت في المؤسسة القضائية
في مجال القصاص والحدود والجنايات والتعزير ،كما أنه ساهم في
تطوير المدارس الفقهية السلمية باجتهاداته الدالة على سعة
اطلعه ،وغزارة علمه وعمق فهمه واستيعابه لمقاصد الشريعة
الغراء ،فهو خليفة راشد ،أعماله تسترشد بها المة في مسيرتها
الطويلة لنصرة دين الله تعالى وإعزازه.
)( تاريخ التشريع السلمي للخضري ،ص .118نشأة الفقه الجتهادي ،محمد 1
)( سنن البيهقي ) .(7/419موسوعة فقه عثمان بن عفان ،ص .29 3
127
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
***
128
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل الرابع
عفان الفتوحات في عهد عثمان بن
تمهيد:
شجع خبر مقتل عمر بن الخطاب أعداء السلم وخصوصا
في بلد الفرس والروم إلى الطمع في استرداد ملكهم ،فبدأ يزدجر
ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة )فرغنة(
عاصمة سمرقند ،وأما زعماء الروم فقد تركوا بلد الشام وانتقلوا
إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية ،وبدأوا في عهد عثمان في
البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم .وكانت بقايا
جيوش الروم في مصر وقد تحصنوا بالسكندرية في عهد عمر بن
الخطاب ،فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها ،وكانت
معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها ،وكان هرقل
قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ول يتخلف أحد من الروم؛ لن
السكندرية هي معقلهم الخير (1).وفي عصر عثمان تجمع الروم في
السكندرية وبدأوا يبحثون عن وسيلة لسترداد ملكهم فيها ،حتى
وصل بهم المر إلى نقض الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية)،(2
فأمدوهم بثلثمائة سفينة بحرية تحمل الرجال والسلح .ولقد واجه
عثمان ذلك كله بسياسة تتسم بالحسم والعزم وتمثلت في الخطة
التية:
-1إخضاع المتمردين من الفرس والروم وإعادة سلطان السلم
إلى هذه البلد.
-2استمرار الجهاد والفتوحات فيما وراء هذه البلد؛ لقطع المدد
عنهم.
-3إقامة قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلد
السلمية.
) -(34إنشاء قوة بحرية عسكرية لفتقار الجيش السلمي إلى
ذلك .
كانت معسكرات السلم ومسالحه في عهد عثمان هي عواصم
أقطاره الكبرى ،فمعسكر العراق الكوفة والبصرة ،ومعسكر الشام
في دمشق بعد أن خلص الشام كله لمعاوية بن أبي سفيان
المعسكرات ومعسكر مصر ،وكان مركزه الفسطاط ،وكانت هذه
تقوم بحماية دولة السلم ومواصلة الفتوحات ،ونشر السلم).(4
129
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الول
فتوحات عثمان في المشرق
ل :فتوحات أهل الكوفة :أذربيجان 24هـ: أو ً
كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيحان ،وكان يرابط بها عشرة
آلف مقاتل؛ ستة آلف بأذربيجان ،وأربعة آلف بالري ،وكان جيش
الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل ،يغزو كل عام منهم عشرة آلف،
فيصيب الرجل غزوة كل أربعة أعوام .ولما أخلص عثمان الكوفة
للوليد ابن عقبة انتفض أهل أذربيجان ،فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه
حذيفة بن اليمان أيام عمر ،وثاروا على واليهم عقبة بن فرقد ،فأمر
عثمان الوليد أن يغزوهم ،فجهز لهم قائده سليمان بن ربيعة الباهلي،
وبعثه مقدمة أمامه في طائفة من الجند ،ثم سار الوليد بعده في جماعة
من الناس ،فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا
صالحوا عليه حذيفة ،فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم ،وبث فيمن حولهم
السرايا وشن عليهم الغارات ،فبعث عبد الله بن شبيل الحمسي في
أربعة آلف إلى أهل موقان والببر الطيلسان ،فأصاب من أموالهم وغنم
دهم ،ثم جهز سليمان الباهلي في لح ّوسبي ،ولكنهم تحرزوا منه فلم يف ّ
منها مليء اليدين بالغنائم،
)(1
اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد
وانصرف الوليد بعد ذلك عائدا إلى الكوفة.
ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة ،فكتب الشعث بن
قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل
الكوفة ،وتتبع الشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة ،فطلبوا الصلح
فصالحهم على صلحهم الول ،وخاف الشعث أن يعيدوا الك َّرة فوضع
حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان ،وأمرهم
بدعوة الناس إلى السلم .ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد
أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد ،فبعث إليه جرير بن عبد
الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم ،ثم استقرت المور بعد أن أسلم
أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم .وأما الري فقد صدر أمر الخليفة
عثمان إلى أبي موسى الشعري وفي وقت وليته على الكوفة،
إليها لتمردها ،فأرسل إليها قريظة بن كعب وأمره بتوجيه جيش
النصاري فأعاد فتحها).(2
ثانًيا :مشاركة أهل الكوفة في إحباط تحركات الروم:
عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى
بعد ،فإن معاوية بن الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه) :أما
ي يخبرني أن الروم قد أجلبت) (3على المسلمين أبي سفيان كتب إل ّ
بجموع عظيمة ،وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة ،فإذا
أتاك كتابي هذا فابعث رجل ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته
وإسلمه في ثمانية آلف أو تسعة آلف أو عشرة آلف إليهم من
130
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المكان الذي يأتيك فيه رسولي) ،(1والسلم( .فقام الوليد في الناس،
فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال :أما بعد أيها الناس ،فإن الله قد أبلى
المسلمين في هذا الوجه بلء حسنا ،ورد عليهم بلدهم التي كفرت،
وفتح بلدا لم تكن افتتحت ،وردهم سالمين غانمين مأجورين،
ي أمير المؤمنين يأمرني أن فالحمد لله رب العالمين .وقد كتب إل ّ
أندب منكم ما بين العشرة آلف إلى الثمانية آلف ،تمدون إخوانكم
من أهل الشام ،فإنهم قد جاشت عليهم الروم ،وفي ذلك الجر
العظيم والفضل المبين .فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة
ض ثالثة حتى خرج ثمانية آلف رجل الباهلي ،فانتدب الناس ،فلم يم ِ
من أهل الكوفة ،فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم،
وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري ،وعلى جند
أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي ،فشنوا الغارات على أرض
شاءوا من سبي ،وملوا أيديهم من المغنم، الروم ،فأصاب الناس ما
وافتتحوا بها حصونا كثيرة (2).وفي جهاد الوليد وغزوه يقول بعض
الرواة :رأيت الشعبي جلس إلى محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة،
فذكر محمد غزوة مسلمة بن عبد الملك ،فقال الشعبي :كيف لو
فينتهي إلى كذا وكذا ما أدركتم الوليد وغزوه وإمارته؟ إن كان ليغزو
قصر ول انتقض عليه أحد حتى عزل من عمله).(3
ثالثـا :غزوة سعيد بن العاص طبرستان 30هـ:
غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلثين يريد خراسان ومعه
حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله × ،ومعه الحسن
والحسين ,وعبد الله بن عباس ,وعبد الله بن عمر وعبد الله بن
عمرو بن العاص ،وعبد الله بن الزبير ،وخرج عبد الله بن عامر من
البصرة يريد خراسان ،فسبق سعيدا ونزل أبرشهر ،وبلغ نزوله
أبرشهر سعيدا ،فنزل سعيد قوميس ،وهي صلح ،صالحهم حذيفة بعد
نهاوند ،فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ،ثم أتى طميسة،
وهي كلها من طبرستان جرجان ،وهي مدينة على ساحل البحر،
وهي في تخوم جرجان ،فقاتله أهلها حتى صلى صلة الخوف ،فقال
لحذيفة :كيف صلى رسول الله ×؟ فأخبره فصلى بها سعيد صلة
الخوف وهم يقتتلون ،وضرب يومئذ سعيد رجل من المشركين على
حبل عاتقه ،فخرج السيف من تحت مرفقه ،وحاصرهم ,فسألوا
المان فأعطاهم على أل يقتل منهم رجل واحدا ،ففتحوا الحصن،
فقتلهم جميعا إل رجل واحدا ،وحوى ما كان في الحصن ،فأصاب
رجل من بني نهد سفطا عليه قفل ،فظن فيه جواهر ،وبلغ سعيدا،
فيه سفطا فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله ،فوجدوا
ففتحوه فإذا فيه خرقة صفراء وفيها أيران :كميت وورد (4).وعندما
قفل سعيد إلى الكوفة ،مدحه كعب بن جعبل فقال:
وإذا هبطوا من دستبي ثم فنعم الفتى إذا جال جيلن دونه
أبهرا
131
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ن أنم ْ
إذا هبطت أشفقت ِ تعلم سعيد الخير أن مطيتي
ت ُْعقرا
حَرا
ص َ
تحّرد َ من ليث العرين وأ ْ كأنك يوم الشعب ل َْيث خ ّ
فية
)(1
سرا
ح ّ
ثمانين ألفا دارعين و ُ تسوس الذي ما ساس قبلك
واحد
رابًعا :هروب ملك الفرس )يزدجرد( إلى خراسان:
قدم ابن عامر البصرة ثم خرج إلى فارس فافتتحها ،وهرب
يزدجرد من وجوز -وهي أردشير خرة -في سنة ثلثين ،فوجه ابن
كرمان ،فنزل عامر في أثره مجاشع بن مسعود السلمي ،فاتبعه إلى
مجاشع السيرجان بالعسكر ,وهرب يزدجرد إلى خراسان).(2
سا :مقتل يزدجرد ملك الفرس 31هـ: خام ً
اختلف في سبب ذكر قتله كيف كان ،قال ابن إسحاق :هرب
يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو ،فسأل من بعض
أهلها مال فمنعوه وخافوه على أنفسهم ،فبعثوا إلى الترك
وهرب هو حتى أتى منزل يستفزونهم عليه ،فأتوه فقتلوا أصحابه،
ينقر الرحاء) (3على شط المرغاب) (4فأوى إليه ليل ،فلما نام رجل
قتله (5).وجاء في رواية عند الطبري :بل سار يزدجرد من كرمان
قبل ورود العرب إياها ،فأخذ على طريق الطبسين وقهمستان ،حتى
شارف مرو في زهاء أربعة آلف رجل ،ليجمع من أهل خراسان
جموعا ،ويكر إلى العرب ويقاتلهم ،فتلقاه قائدان متباغضان
متحاسدان كانا بمرو ،يقال لحدهما براز والخر سنجان ،ومنحاه
الطاعة ،وأقام بمرو ،وخص براز فحسده ذلك سنجان ،وجعل براز
يبغي سنجان الغوائل ،ويوغل صدر يزدجرد عليه ،وسعى سنجان
حتى عزم على قتله ،وأفشى ما كان عزم عليه من ذلك إلى امرأة
من نسائه كان براز واطأها ،فأرسلت إلى براز بنسوة زعمت بإجماع
يزدجرد على قتل سنجان ،وفشا ما كان عزم عليه يزدجرد من ذلك،
فنذر) (6سنجان وأخذ حذره ،وجمع جمعا كنحو أصحاب براز ،ومن
كان مع يزدجرد من الجند ،وتوجه نحو القصر الذي كان يزدجرد
نازله ،وبلغ ذلك براز ،فنكص عن سنجان لكثرة جموعه ،ورعب جمع
سنجان يزدجرد وأخافه ،فخرج من قصره متنكرا ،ومضى على وجهه
راجل لينجو بنفسه ،فمشى نحو من فرسخين حتى وقع إلى رحا
فدخل بيت الرحا فجلس فيه كال) (7لغبا) ،(8فرآه صاحب الرحا ذات
هيئة وطرة وبرزة كريمة ،ففرش له ،فجلس وأتاه بطعام فطعم،
ومكث عنده يوما وليلة ،فسأله صاحب الرحا أن يأمل له بشيء
فبذل له منطقه مكللة بجوهر كانت عليه ،فأبى صاحب الرحا أن
يقبلها ،وقال :إنما كان يرضيني من هذه المنطقة أربعة دراهم كنت
) (2المرغاب :نهر بمرو. الرحاء :جمع رحا :الطاحون. )( 3
4
132
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أطعم بها وأشرب ،فأخبره أنه ل ورق معه ،فتملقه صاحب الرحا
حتى إذا غفا قام إليه بفأس له فضرب بها هامته فقتله ،واحتز رأسه
وأخذ ما كان عليه من ثياب ومنطقه ,وألقى جيفته في النهر الذي
كان تدور بمائه رحاه وبقر بطنه ،وأدخل فيه أصول من أصول
طرفاء) (1كانت نابتة في ذلك النهر لتجس جثته في الموضع الذي
يسفل( فيعرف ويطلب قاتله ،وما أخذ من سلبه, ألقاه فيه ،فل
وهرب على وجهه 2).وجاء في رواية :وجاءت الترك في طلبه
فوجدوه قد قتله وأخذ حاصله ،فقتلوا ذلك الرجل وأهل بيته ،وأخذوا
كسرى ،ووضعوا كسرى في تابوت وحملوه ما كان مع
إلى اصطخر).(3
وقد ذكر الطبري حديثين مطولين ،وأحدهما أطول من الخر
الضطرابات تقلب فيها ،وأنواعا من الدوائر دارت يتضمن ضروبا من
عليه حتى كانت منيته آخرها (4).وقد قال يزدجرد لمن أراد قتله في
بعض الروايات أل يقتلوه وقال لهم :ويحكم ،إنا نجد في كتبنا أن من
اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا ،مع ما هو قادم
الدهقان ،أو سرحوني إلى العرب عليه ،فل تقتلوني وائتوا بي إلى
مْلك يزدجرد عشرين ُ وكان )(5
الملوك. فإنهم يستحيون مثلي من
سنة منها أربعة سنين في دعة ،وباقي ذلك هاربا من بلد إلى آخر،
خوفا من)(6السلم وأهله ،وهو آخر ملوك الفرس في الدنيا على
الطلق .فسبحان ذي العظمة والملكوت ،الملك الحق الحي
الدائم الذي ل يموت7) ،ل( إله إل هو ،كل شيء هالك إل وجهه ،له
الحكم وإليه ترجعون .وقد قال رسول الله × في ملوك الفرس
والروم» :إذا هلك قيصر فل قيصر بعده ،وإذا هلك كسرى
والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما فل كسرى بعده،
)(8
في سبيل الله«.
سا :تعاطف النصارى مع يزدجرد بعد مقتله: ساد ً
بلغ قتل يزدجرد رجل من أهل الهواز كان مطرانا على مرو يقال
له إيلياء ،فجمع من كان قبله من النصارى ،وقال لهم :إن ملك
الفرس قد قتل ،وهو ابن شهريار بن كسرى ،وإنما شهريار ولد
شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملتها من
غير وجه ،ولهذا الملك عنصر في النصرانية مع ما نال النصارى في
ملك جده كسرى من الشرف .وقبل ذلك في مملكة ملوك من
أسلفه من الخير ،حتى بنى لهم بعض الب َِيع ،وسدد لهم بعض ملتهم،
إحسان إسلفه فينبغي لنا أن نحزن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر
وجدته شيرين إلى النصارى ،وقد رأيت أن أبني له ناووسا) ,(9وأحمل
جثته في كرامة حتى أواريها فيه ،فقال النصارى :أمرنا لمرك أيها
طرفاء :شجر. )( 1
133
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المطران تبع ،ونحن لك على رأيك هذا مواطئون ،فأمر المطران
فبنى في جوف بستان المطارنة بمرو ناووسا ،ومضى بنفسه ومعه
نصارى مرو حتى استخرج جثة يزدجرد من النهر وكفنها ،وجعلها في
عواتقهم حتى أتوا به تابوت ،وحمله من كان معه من النصارى على
الناووس الذي أمر ببنائه له وواروه فيه ،وردموا بابه).(1
سابًعا :فتوحات عبد الله بن عامر 31هـ:
في هذه السنة 31هـ شخص عبد الله بن عامر إلى خراسان
ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس ،وصالح فيها
أهل مرو .وقد جاء في رواية عن السكن بن قتادة الُعريني قال :فتح
ابن عامر فارس ورجع إلى البصرة ،واستعمل على إصطخر شريك
بن العور الحارثي ،فبنى شريك مسجد إصطخر ،فدخل على ابن
عامر رجل من بني تميم كنا نقول :إنه الحنف -ويقال :أوس بن
شم تميم -فقال له :إن عدوك منك هارب ،وهو لك ج َ
جابر الجشمي ُ
سْر فإن الله ناصرك ومعز دينه ،فتجهز ابن هائب ،والبلد واسعة ،ف ِ
عامر ،وأمر الناس بالجهاز للمسير ،واستخلف على البصرة زيادا،
وسار إلى كرمان ،ثم أخذ إلى خراسان؛ فقوم يقولون :أخذ طريق
أصبهان ،ثم سار إلى خراسان ،واستعمل على كرمان مجاشع بن
مسعود السلمي ،وأخذ ابن عامر على مفازة واَبر ،وهي ثمانون
فرسخا ،ثم سار إلى الط َّبسين يريد أبرشهر ،وهي مدينة نيسابور،
وعلى مقدمته الحنف بن قيس ،فأخذ إلى ُقهستان ،وخرج إلى
الهباطلة(2،وهم أهل هراة ،فقاتلهم الحنف فهزمهم ،ثم)
أبرشهر فلقيه
أتى ابن عامر نيسابور.
وجاء في رواية :نزل ابن عامر على أبرشهر فغلب على نصفها
عنوة ،وكان النصف الخر في يد كناري ،ونصف نساوطوس ،فلم
يقدر ابن عامر أن يجوز إلى مرو ،فصالح كنارى ،فأعطاه ابنه أبا
ما رهًنا .ووجه عبد الله بن خازم الصلت ابن كنارى وابن أخيه سلي ً
ابن(3عامر ابني كنارى، وأخذ مرو، إلى هراة ،وحاتم بن النعمان إلى
فصار إلى النعمان بن الفقم النصري فأعتقهما) ،وفتح ابن عامر ما
حول مدينة أبرشهر ،كطوس وبيورد ،ونسا وحمران ،حتى انتهى إلى
سرخس ،وسرح ابن عامر السود بن كلثوم العدوي -عدى الرباب-
إلى ببهق وهو من أبرشهر ،بينهما وبين أبرشهر ستة عشر فرسخا،
ففتحها وقتل السود بن كلثوم ،وكان فاضل في دينه ،وكان من
أصحاب عامر بن عبد الله العنبري .وكان عامر يقول بعدما أخرج من
البصرة :ما آسى من العراق على شيء إل على ظماء الهواجر،
وتجاوب المؤذنين ،وإخوان مثل السود بن كلثوم (4).واستطاع ابن
عامر أن يتغلب على نيسابور ،وخرج إلى سرخس ،فأرسل إلى أهل
النعمان الباهلي، مرو يطلب الصلح ،فبعث إليهم ابن عامر حاتم بن
فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف).(5
134
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ثامًنا :غزوة الباب وبلنجر سنة 32هـ:
كتب عثمان بن عفان إلى سعيد بن العاص :أن اغُز سلمان
الباب ،وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة وهو على الباب :أن الرعية
قد أبطر كثيرا منهم البطنة ،فقصر ،ول تقتحم بالمسلمين ،فإني
ش أن يبتلوا ،فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته ،وكان ل يقصر خا ٍ
عن بلنجر ،فغزا سنة تسع من إمارة عثمان)(1حتى إذا بلغ بلنجر
والعرادات ،فجعل ل يدنو منها أحد حصروها ونصبوا عليها المجانيق
إل أعنتوه أو قتلوه ،فأسرعوا في الناس) ،(2ثم إن الترك اتعدوا يوما
فخرج أهل بلنجر ،وتوافت إليهم الترك فاقتتلوا ،فأصيب عبد الرحمن
بن ربيعة )وكان يقال له ذو النورين( ،وانهزم المسلمون فتفرقوا،
فأما من أخذ طريق سلمان بن ربيعة فحماه حتى خرج من الباب،
وأما من أخذ طريق الخزر وبلدها فإنه خرج على جيلن وجرجان
وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة ،وأخذ القوم جسد عبد الرحمن
سفط فبقى في أيديهم ،فهم يستسقون به إلى اليوم )(3
فجعلوه في
ويستنصرون به.
-1مقتل يزيد بن معاوية :غزا أهل الكوفة بلنجر سنين من
إمارة عثمان لم ت َِئم) (4فيهن امرأة ،ولم ييتم فيهن صبي من قتل،
حتى كان سنة تسع من خلفة عثمان قبل المزاحفة بيومين رأى يزيد
بن معاوية أن غزال جيء به إلى خبائه لم يَر غزال أحسن منه حتى
لف في ملحفته ،ثم أتى به قبر عليه أربعة نفر لم يرقبوا أشد
استواء منه ول أحسن منه حتى دفن فيه ،فلما تفادى الناس على
الترك رمى يزيد بحجر ،فهشم رأسه ،فكأنما زين ثوبه بالدماء زينة،
وليس بتلطخ ،فكان ذلك الغزال الذي رأى (5).وكان يزيد رقيقا جميل
رحمه الله ،وبلغ ذلك عثمان فقال :إنا لله)(6وإنا إليه راجعون ،انتكث
أهل الكوفة ،اللهم تب عليهم وأقبل بهم.
-2ما أحسن حمرة الدماء في بياضك :كان عمرو بن عتبة
فأصيب
)(7
يقول لقباء عليه أبيض :ما أحسن حمرة الدماء في بياضك،
عند اللتحام مع العدو بجراحة ،فرأى قباءه كما اشتهى وقتل.
-3ما أحسن لمع الدماء على الثياب :كان القرشع يقول :ما
أحسن لمع الدماء على الثياب ،فلما كان يوم المزاحفة قاتل القرشع
خّرق بالحراب ،فكأنما كان قباؤه ثوبا أرضه بيضاء ووشيه حتى ُ
أحمر(8)،وما زال الناس ثبوتا حتى أصيب ،وكانت هزيمة الناس مع
مقتله .
يموتون كما تموتون :كان الترك في تلك المعركة -4إن هؤلء
قد اختفوا في الغياض) ،(9وكانوا قد خافوا المسلمين واعتقدوا أن
)( العرادة :آلة حربية كالمنجنيق ،ترمي بالحجارة المرمى البعيد لدك الحصون. 1
)( الغياض :جمع غيضة ،وهي المواضع التي يكثر فيه الشجر ويلتف. 9
135
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
السلح ل يعمل فيهم ،واتفق أن تركًيا اختفى في غيضة ورشق
ما بسهم فقتله ،فنادى في قومه إن هؤلء يموتون ،فلم مسل ً
مكانهم)(1
من عليهم وخرجوا المسلمين على الترك فاجترأ تخافوهم؟
وأوقعوا بهم ،واشتد القتال فثبت عبد الرحمن حتى استشهد.
-5صبًرا آل سلمان :جاء في رواية أخرى :حين استشهد عبد
الرحمن ،أخذ الراية أخوه سلمان بن ربيعة الباهلي وقاتل بها ،ونادى
سلمان )(3
مناد) :صبرا آل سلمان( ،فقال سلمان :أو ترى جزعا ،وخرج
على جيلن) (2فقطعوها إلى جرجان )(4
ومعه أبو هريرة الدوسي
بنواحي الرحمن عبد أخاه دفن أن بعد , خاسرة منسحبا من معركة
بلنجر) ،(5وبهذا النسحاب أنقذ سلمان بقية باقية من جيش أخيه).(6
وقد رجح هذه الرواية محمود شيت خطاب وقال :إن النسحاب
أشبه بقتال المسلمين يومئذ ،وذلك في حالة اشتداد الضغط عليهم
من العدو وتكبدهم خسائر فادحة بالرواح ،والنسحاب هو من أجل
النحياز إلى فئة من المسلمين ،ليعيدوا الكرة ثانية على عدوهم.
وقد جاء سلمان بن ربيعة مدًدا لعبد الرحمن بأمر عثمان بن عفان،
فليس من المعقول أن يبقى ومدده في )الباب( ،وليس من المعقول
أن يتركه أخوه عبد الرحمن هناك وهو يخوض معركة قاسية شرسة،
س الحاجة إلى الجندي الواحد ،فكيف يترك عبد يكون فيها القائد بأم ّ
الرحمن جيشا كامل على رأسه أخوه دون أن يستفيد منه في
المعركة؟
إن المؤرخين القدامى كانوا يستعملون تعبير )الهزيمة( وهم
يريدون بها تعبير النسحاب؛ ذلك لن أكثرهم مدنيون ل يفرقون بين
هذين التعبيرين) ,الهزيمة( وهي ترك ساحة القتال بدون نظام ول
قيادة فهي كارثة ،و)النسحاب( وهو ترك ساحة القتال وفق خطة
مرسومة بقيادة واحدة ،فهو -أي النسحاب -صفحة من صفحات
القتال ،الهدف منه إعادة الكرة على العدو بعد إكمال متطلبات
المعركة عَد ًَدا وعُد ًَدا ،وعسى أل يقع المؤرخون المحدثون في مثل
يفرقون بين )الهزيمة( و)النسحاب(؛ لن هذا الخطأ في التعبير ،فل
الفرق بين التعبيرين شاسع بعيد).(7
تاسًعا :أول اختلف وقع بين أهل الكوفة وأهل الشام 32هـ:
لما قتل عبد الرحمن بن ربيعة استعمل سعيد ُ بن العاص على
ن بن ربيعة ،وأمدهم عثمان بأهل الشام عليهم ذلك الفرع سلما َ
حبيب بن مسلمة ،فتنازع حبيب وسلمان على المرة ،وقال أهل
الشام :لقد هممنا بضرب سلمان ،فقال في ذلك الناس :إذن والله
نضرب حبيًبا ونحبسه ،وإن أبيتم كثرت القتلى فيكم وفينا ،حتى قال
في ذلك رجل من أهل الكوفة وهو أوس بن مغراء:
قادة الفتح السلمي في أرمينية ،محمود خطاب ،ص .151 )( 1
تاريخ الطبري ) ,(5/309قادة الفتح السلمي في أرمينية ،ص .151 )( 4
136
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المرزبة :الرئاسة عند العجم ،والمرزبان :الرئيس المقدم فيهم. )( 3
137
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الساورة ،إن أحب
المسلمون ذلك وأرادوه ،وإن لك على ذلك نصرة المسلمين على
من يقاتل من وراءك من أهل ملتك ,جار لك بذلك مني كتاب يكون
لك بعدي ،ول خراج عليك ول على أحد من أهل بيتك من ذوي
الرحام ،وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك من المسلمين
العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم ،ولك بذلك ذمتي وذمة أبي
وذمم المسلمين وذمم آبائهم ،شهد على ما في هذا الكتاب جزء بن
معاوية ،أو معاوية بن جزء السعدي ،وحمزة بن الهرماس ,وحميد بن
الخيار المازنيان ،وعياض بن ورقاء السيدي ،وكتب كيسان مولى
المحرم ،وختم أمير الجيش الحنف بن بني ثعلبة يوم الحد من شهر
قيس ،ونقش خاتم الحنف نعبد الله).(1
حادي عشر :القتال بين جيش الحنف وأهل طخارستان
والجوزجان والطالقان والفارياب:
صالح ابن عامر أهل مرو ،وبعث الحنف في أربعة آلف إلى
طخارستان فأقبل حتى نزل موضع قصر الحنف من مرو روذ ،وجمع
له أهل طخارستان ،وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب ،فكانوا
ثلثة زحوف ،ثلثين ألفا ،وأتى الحنف خبرهم وما جمعوا له،
فاستشار الناس فاختلفوا فبين قائل :نرجع إلى مرو ،وقائل :نرجع
إلى أبرشهر ،وقائل :نقيم نستمد ،وقائل :نلقاهم فنناجزهم ،فلما
العسكر ،ويستمع حديث الناس ،فمر أمسى الحنف خرج يمشي في
بأهل خباء ورجل يوقد تحت خزيرة) ,(2أو يعجن ،وهم يتحدثون
ويذكرون العدو ،فقال بعضهم :الرأي للمير أن يسير إذا أصبح ،حتى
يلقى القوم حيث لقيهم ،فإنه أرعب لهم فيناجزهم ،فقال صاحب
الخزيرة أو العجين :إن فعل ذلك فقد أخطأ وأخطأتم ،أتأمرونه أن
يلقى حد العدو مصحرا في بلدهم ،فيلقى جمعا كثيرا بعدد قليل،
فإن جالوا جولة اصطلمونا) ،(3ولكن الرأي له أن ينزل بين المرغاب
والجبل ،فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره ،فل يلقاه من
عدوه وإن كثروا إل عدد أصحابه ،فرجع الحنف وقد اعتقد ما قال
فضرب عسكره ،وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن
يقاتلوا معه ،فقال :إني أكره أن أستنصر بالمشركين ،فأقيموا على
ما أعطيناكم وجعلنا بيننا وبينكم ،فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا
لكم وإن ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم ،فوافق المسلمين
صلة العصر ،فعاجلهم المشركون فناهضوهم ،فقاتلوهم وصبر
جؤّية العرجي: الفريقان حتى أمسوا والحنف يتمثل بشعر ابن ُ
)(5
حزوٌّر) (4ليس له ذرية أحقّ من لم يكره المنية
وجاء في رواية :فقاتلهم حتى ذهب عامة الليل ثم هزمهم الله،
سكن -وهي على اثنى عشر فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى َر ْ
)( تاريخ الطبري ).(5/316 1
138
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فرسخا من قصر الحنف .-وكان مرزبان مرو روذ قد تربص بحمل ما
كانوا صالحوه عليه ،لينظر ما يكون من أمرهم ،فلما ظفر الحنف
ففعل، سرح رجلين إلى المرزبان ،وأمرهما أل يكلماه حتى يقبضاه,
فحمل ما كان عليه),(1 فعلم أنهم لم يصنعوا ذلك به إل وقد ظفروا،
وبعث الحنف القرع بن حابس في جريدة خيل) (2إلى الجوزجان
حيث بقية كانت بقيت من الزحوف الذين هزمهم الحنف ،فقاتلهم
فجال المسلمون جولة فقتل فرسان من فرسانهم ،ثم أظفر الله
المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم ،فقال ُ
كثير النهشلي:
)(3
مصارع فتية بالجوزجان استهلت
)(4
أقادهم هناك القرعان خوط
ستاق ُ
إلى القصرين من ُر ْ
ثاني عشر :صلح الحنف مع أهل بلخ 32هـ:
سار الحنف من مرو الروذ إلى بلخ فحاصرهم ،فصالحه أهلها
على أربعمائة ألف ،فرضي منهم بذلك ،واستعمل ابن عمه ،وهو
أسيد بن المتشمس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه ،ومضى إلى خارزم
فأقام حتى هجم عليه الشتاء ،فقال لصحابه :ما تشاءون؟ فقالوا:
قد قال عمر بن معد يكرب:
وجاوزه إلى ما تستطيع إذا لم تستطع أمًرا فدعه
فأمر الحنف بالرحيل ،ثم انصرف إلى بلخ ،وقد قبض ابن عمه
ما صالحهم عليه ،وكان وافق -وهو يجيبهم -المهرجان ،فأهدوا إليه
هدايا من آنية الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب ،فقال ابن
عم الحنف :هذا ما صالحناكم عليه؟ قالوا :ل ،ولكن هذا شيء
نصنعه في هذا اليوم بمن ولينا نستعطفه به ،قال :وما هذا اليوم؟
قالوا :المهرجان ،قال :ما أدري ما هذا؟ وإني لكره أن أرده ولعله
من حقي ،ولكن أقبضه وأعزله حتى أنظر فيه ،فقبضه ،وقدم
الحنف فأخبره ،فسألهم عنه ،فقالوا له مثل ما قالوا لبن عمه،
فقال :آتى به المير ،فحمله إلى ابن عامر ،فأخبره عنه ،فقال:
فقال ابن عامر:
)(5
اقبضه يا أبا بحر ،فهو لك؟ قال :ل حاجة لي فيه،
ما.
ض ّ
ضمه إليك يا مسمار ،فضمه القرشي وكان م َ
ثالث عشر :لجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما
معتمرا من موقفي هذا:
ولما رجع الحنف إلى ابن عامر قال الناس لبن عامر :ما فتح على
أحد ما قد فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان ،قال :ل
جرم ،لجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا من موقفي
هذا ،فأحرم بعمرة من نيسابور ،فلما قدم على عثمان لمه على إحرامه
1
)( تاريخـ الطبري ) .(5/317
139
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من خراسان ،وقال :ليتك تضبط ذلك من الوقت الذي يحرم منه
الناس).(1
رابع عشر :هزيمة قاِرن في خراسان.
لما رجع ابن عامر من الغزو استخلف قيس بن الهيثم على
خراسان ،فأقبل قارن في جمع من الترك ،أربعين ألفا ،فالتقاه عبد
الله بن خازم السلمي في أربعة آلف ،وجعل لهم مقدمة ستمائة
رجل ،وأمر كل منهم أن يجعل على رأس رمحه نارا ،وأقبلوا إليهم
في وسط الليل فبيتوهم فثاروا إليهم ,فناوشتهم المقدمة ،فاشتغلوا
بهم وأقبل عبد الله بن خازم بمن معه من المسلمين فأحاطوا بهم،
فولى المشركون مدبرين ،واتبعهم المسلمون يقتلون من شاءوا
وقتل قارن فيمن قتل ،وغنموا سبًيا كثيرا ،وأموال جزيلة ،ثم بعث
عبد الله بن خازم بالفتح إلى ابن عامر ،فرضي عنه وأقره على
خراسان ،وذلك أنه كان قد احتال على الوالي السابق قيس بن
الهيثم السلمي حتى أخرجه من خراسان ،ثم تولى حرب قارن ،فلما
هزمه وغنم عسكره ،رضي عليه ابن عامر ،وأقره على ولية
خراسان).(2
وهكذا تصدى الخليفة الراشد عثمان لحركات التمرد في
ت تلك الثورات في عضد المشرق ،وواصل فتوحاته ،ولم تف ّ
كفًئا لها؛ حيثالمسلمين ،ولم تنل من عزم الخليفة الذي كان ُ
واجهها بالعزم والرأي والسرعة في تصريف المور ،وتسيير
النجدات ،وإسناد كل عمل إلى من يحسنه كما يظهر من تتبع
كا فيالحداث في تاريخ الطبري وابن كثير والكلعي ،بما ل يدع ش ً
أن اختيار عثمان للقادة الذين قاموا بهذه النتصارات وتطويق هذه
القلقل كان اختيارا موفقا ،مع العلم أن أعباء الجهاد كانت أشق
وأكبر وأحوج إلى التوجيه؛ لمتداد خطوط القتال ،وتعدد الفتن،
وتباعد المسافات بين البلدان.
إن علج تلك المعضلت التي فاجأت عثمان بعد وليته،
وتصدى لها بالعزم والسداد والسرعة والحيطة والناة لدليل على
قوة شخصيته ونفاذ بصيرته ،وكان له بعد ذلك أكبر الفضل -بعد الله-
في تثبيت مهابة الدولة بعدما أصابها من الوهن والتخلخل عند مقتل
عمر ،وكانت ثمرات تلك الوقفات الرائعة:
أ -إخضاع المتمردين وإعادة سلطة المسلمين عليهم.
ب -ازدياد الفتوحات السلمية إلى ما وراء البلد المتمردة؛ منعا
لرتداد الهاربين إليها ،وانبعاث الفتن والدسائس من قَِبلها.
اتخاذ المسلمين قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلد ج-
التي خضعت للمسلمين.
فهل كانت تلك الفتوحات العظيمة والسياسة الحكيمة والضبط
للقاليم يمكن أن تتحقق لو كان عثمان ضعيفا غير قادر على
)( البداية والنهاية ) ،(7/167تاريخ الطبري ).(5/319 1
140
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
اتخاذ القرار) ,(1كما يزعم من وقع وتورط في روايات الرفض
والتشيع والستشراق ،ومن سار على نهجهم السقيم؟!!.
خامس عشر :من قادة فتح بلد المشرق في عهد عثمان:
الحنف بن قيس:
كانت الفتوحات في عهد عثمان عظيمة ،فرأيت من المناسب
أن نسلط الضواء على بعض قادة الفتوح في عهد عثمان ،وبما أنني
تحدثت عن فتوح المشرق ،فل بد إذن من إعطاء صورة مشرقة عن
أحد قادة تلك الفتوح ،فاخترت الحنف بن قيس.
-1نسبه وأهله:
حصين بن حفص بن الحنف بن قيس بن معاوية بن هو أبو بحر،
بة بنت عمرو واسمه الضحاك وقيل :صخر (3).وأمه ح ّ )(2
، التميمي عبادة
بن قُ ْ
)(4
الشجعان ،وقد قال )(5
من قرط بن الخطل أخوها كان ,الباهلية رط
الحنف مفاخرا بخاله هذا :ومن له خال مثل خالي؟
-2حياته:
)(6
سادات (7التابعين وأكابرهم ،وسيدا مطاعا في قومه ، )
كان من
بمختلف جميعا الناس ثقة موضع وكان ، البصرة وسيد أهل
وميولهم ،وكان أحد الحكماء الدهاة العقلء) ،(8ذا وأهوائهم طبقاتهم
دين وذكاء وفصاحة) ،(9وكان سيد قومه موصوفا بالعقل والدهاء
والعلم والحلم ،يضرب بحلمه المثل ،وقد قال فيه الشاعر:
)(10
ظللن مهابة منه خشوعا إذا البصار أبصرت ابن
قيس
وقال عنه خالد بن صفوان :كان الحنف يفر من الشرف
والشرف يتبعه (11).وإليك بعض صفاته التي أثرت فيمن حوله:
أ -حلمه:
كان الحنف حليما يضرب بحلمه المثل ،سئل عن الحلم :ما هو؟
فقال :الذل مع الصبر .وكان يقول إذا عجب الناس من حلمه :إني
لجد ما تجدون ،ولكني صبور ،ما تعلمت الحلم إل من قيس بن
عاصم المنقري)(12؛ لنه قتل ابن أخ له بعض بنيه ،فأتى القاتل
مكتوفا يقاد إليه ،فقال :ذعرتم الفتى ،ثم أقبل على الفتى فقال:
بئس ما فعلت ،نقصت عددك وأوهنت عضدك ،وأشمت عدوك،
وأسأت لقومك ،خلوا سبيله واحملوا إلى أم المقتول ديته فإنها
)( تحقيق مواقف الصحابة ).(409 ،1/408 1
)( جمهرة أنساب العرب ،ص ,217طبقات ابن سعد ).(7/95 2
) (3 ،قادة فتح السند وأفغانستان ،محمود خطاب ،ص .285 3
4
141
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
غريبة ،ثم انصرف القاتل وما حل قيس حبوته ول تغير وجهه (1).وقال
رجل للحنف :علمني الحلم يا أبا بحر ،فقال :هو الذل يا ابن أخي،
أفتصبر عليه؟ وقال :لست حليما ولكنني أتحالم (2).ومن أخبار حلمه،
أن رجل شتمه فسكت عنه ،وأعاد الرجل فسكت عنه ،وأعاد فسكت
عنه ،فقال الرجل :والهفاه ،ما يمنعه من أن يرد علي إل هواني
عنده (3).وكان يقول :من لم يصبر على كلمة سمع كلمات ،ورب
غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه (4).ولكن حلمه كان حلم
القوي القدير ل حلم العاجز الضعيف ،فقد قاتل في بعض المواطن
قتال شديدا ،فقال له رجل :يا أبا بحر أين الحلم؟ فقال :عند الحي).(5
ب -عقله:
كان الحنف عاقل راجح العقل ،قال مرة :من كان فيه أربع
كان له دين يحجزه ،وحسب خصال ساد قومه غير مدافع :من
يصونه ،وعقل يرشده ،وحياء يمنعه).(6
وقال :العقل خير قرين ،والدب خير ميراث ،والتوفيق خير
رفيق (7).وقال :ما ذكرت أحدا بسوء بعد أن يقوم من عندي(8).وكان
يقول إذا ذكر عنده رجل :دعوه يأكل رزقه ويأتي عليه أجله .وشكا
أخيه وجع الضرس فقال :ذهبت عيني منذ ثلثين سنة ما ذكرتها )(9
ابن
(10كان
ول قدره، له عرفت إل فوقي أحد نازعني ما وقال: لحد.
دوني إل رفعت قدري عنه ،ول كان مثلي إل تفضلت عليه) .
ج -علمه:
)(11
كان عالما ثقة مأمونا ،قليل الحديث ،وقد روى عن عمر بن
(12الغفاري.
الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي ذر
وروى عنه الحسن البصري وعروة بن الزبير وغيرهما ).وقد كان
من الفقهاء البارزين أيام معاوية.
د -حكمته:
كان حكيما ينطق بالحكمة والموعظة الحسنة ،سئل عن
المروءة ،فقال :التقى والحتمال ،ثم أطرق ساعة وقال:
ت الجميل فما حماله؟يأ ِ وإذا جميل الوجه لم
إل تقاه واحتماله ما خير أخلق الفتى
وسئل عن المروءة فقال :العفة في الدين ،والصبر على
)( وفيات العيان ).(2/188 1
) (7تهذيب ابن عساكر ).(7/19 )( المصدر نفسه ،ص .306 6
7
142
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
النوائب ،وبر الوالدين ،والحلم عند الغضب ،والعفو عند المقدرة).(1
وقال :رأس الدب آلة المنطق ،ول خير في قول إل بفعل ،ول
ول (2في صديق إل بوفاء ،ول)
منظر إل بمخبر ،ول في مال إل بجود،
في فقه إل بورع ،ول في صدقة إل بنية.
تذهب )(4
وقال :أحي المعروف بإماتة ذكره (3).وقال :كثرة الضحك
الهيبة ،وكثرة المزاح تذهب المروءة ،ومن لزم شيئا عرف به.
وقال :جنبوا مجلسنا الطعام والنساء؛ فإني لبغض الرجل يكون
لفرجه وبطنه ،وإن المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو وصافا
يشتهيه).(5
وقال :السؤدد مع السواد .يريد :من لم يطر)(6له اسم على ألسنة
العامة بالسؤدد لم ينفعه ما طار له في الخاصة .
هـ -بلغته:
)(7
وها ،خطب مرة فقال :بعد حمد الله والثناء كان فصيحا مف ّ
عليه :يا معشر الزد وربيعة :أنتم إخواننا في الدين ،وشركاؤنا في
الصهر ،وأشقاؤنا في النسب ،وجيراننا في الدار ،ويدنا على العدو،
والله لزد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة ،ولزد الكوفة أحب إلينا
استشرف شنان حسد صدوركم ،ففي أحلمنا من تميم الشام ،فإن
وأموالنا سعة لنا ولكم).(8
لقد كان حاضر البديهة قوي الحجة منطقيا ،جاء الحنف إلى قوم
يتكلمون في دم فقال :احكموا ،فقالوا :نحكم بديتين ،فقال :ذلك
لكم ،فلما سكتوا قال :أنا أعطيكم ما سألتم ,غير أني قائل لكم
شيئا :إن الله -عز وجل -قضى بدية واحدة ،وإن النبي × قضى بدية
واحدة ،وأنتم اليوم طالبون ،وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين ،فل
يرضى)(9الناس منكم إل بمثل ما سننتم لنفسكم ،فقالوا :نردها دية
واحدة .
أبالي( أمدحت أم ذممت ،فقال له: وسمع الحنف رجل يقول :ما
لقد استرحت من حيث تعب الكرام). 10
و -إيثاره:
كان الحنف يحب لغيره ما يحبه لنفسه ،بل كان يؤثر غيره على
نفسه بالخير والمعروف ,ويرضى نفسه الرضية المطمئنة إلى ما
أصاب غيره بجهده من خير ،فعندما جاء الحنف إلى عمر في
المدينة ،عرض أمير المؤمنين عليه جائزة ،فقال :يا أمير المؤمنين،
والله ما قطعنا الفلوات ودأبنا الروحات والعشيات للجوائز ،وما
) (3تهذيب ابن عساكر ).(7/12 ) (2،وفيات العيان ).(2/188 9
10
143
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حاجتي إل حاجة من خلفي ،فزاده ذلك عند عمر خيرا).(1
ز -أمانته:
كان الحنف أمينا غاية المانة ،وقد مر بنا عندما استعمل ابن
عمه على أهل بلخ ،وقد قبض ابن عمه ما صالحوه عليه من آنية
الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب ،فقال ابن عمه لهم :هذا
اليوم
)(2
ما صالحناكم عليه؟ فقالوا :ل ،ولكن هذا شيء نضعه في هذا
بمن ولينا نستعطف به ،قال :وما هذا اليوم؟ فقالوا :المهرجان.
فقال :ما أدري ما هذا ،وإني لكره أن أرده ولعله من حقي ،ولكن
أقبضه وأعزله حتى أنظر ،فقبضه ,وقدم الحنف فأخبره ،فسألهم
عنه ،فقالوا مثل ما قالوا لبن عمه ،فقال :آتي به المير ،فحمله إلى
عبد الله ابن عامر فأخبره عنه ،فقال :اقبضه يا أبا بحر فهو لك،
فقال الحنف :ل حاجة لي فيه(4()3).لقد كان يتحرج حتى من الهدايا،
وكان يكتفي بسهمه من الغنائم.
ح -أ ََناته:
كان الحنف شديد الناة ،ل يقدم على عمل إل بعد أن يحسب له
ألف حساب .قيل له :يا أبا بحر ,إن فيك أناة شديدة ،فقال :قد
عرفت من نفسي عجلة في أمور ثلثة :في صلتي إذا حضرت حتى
حضرت حتى أغيبها في حفرتها ،وابنتي إذا أصليها ،وجنازتي إذا
خطبها كفيئها حتى أزوجه).(5
ط -ورعه:
اعتناق كان الحنف مؤمنا ورعا قوي اليمان ،فقد سارع إلى
قومه بإشارته),(6 السلم أول ما بلغته الدعوة السلمية ،وأسلم
وبسط حمايته القوية المينة على الدعاة الولين) ،(7وثبت على
عقيدته عندما ارتد أكثر قومه وأكثر العرب بعد وفاة النبي × ،وجاهد
البلء .قال للدفاع عنها ونشرها حق الجهاد ،وأبلى في ذلك أعظم
الحسن البصري عنه :ما رأيت شريف قوم أفضل منه (8).قال
الحنف :حبسني عمر بن الخطاب عنده بالمدينة سنة ،يأتيني كل
يوم وليلة فل يأتيه عني إل ما يحب (9).فكتب عمر بعد نجاح الحنف
في الختبار العمري -وما أصعبه وأدقه من اختبار -معه كتًبا إلى
البصرة (10).وكتب إلى المير على البصرة يقول :الحنف سيد أهل
موسى الشعري أن يشاور الحنف ويسمع منه (11)،وقال له عمر بعد
أن حبسه حول عنده :يا أحنف ،قد بلوتك وخبرتك ،فلم أر إل خيرا،
ورأيت علنيتك حسنة ،وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علنيتك).(12
1
) (5تاريخ الطبري ).(5/319 )( المهرجان :أحد أعياد الفرس. 2
3
)( قادة فتح السند وأفغانستان ،محمود خطاب ،ص .313 4
)( شذرات الذهب في أخبار من ذهب ،أبو الفلح عبد الحي ).(1/78 6
) (4البداية والنهاية ).(7/331 )( قادة فتح السند وأفغانستان ،ص .314 7
8
) (6،قادة فتح السند وأفغانستان ،ص (7) .314تهذيب ابن عساكر ).(7/12 9
10
11
) (9البداية والنهاية ).(7/331 )( طبقات ابن سعد ).(7/94 12
144
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لقد كان الحنف رجل صالحا كثير الصلة بالليل ،وكان يسرج
المصباح ويصلي ويبكي حتى الصباح ،وكان يضع أصبعه في المصباح
لنفسه :إذا لم تصبر على المصباح ،فكيف تصبر على النار )(1
ويقول
إنك(2تكثر الصوم وإن ذلك يرق المعدة ،فقال: له: وقيل الكبرى.
إني أعده لسفر طويل ).واستعمل الحنف على )خراسان( فلما
أتى فارس أصابته جنابة في ليلة باردة ،فلم يوقظ أحدا من غلمانه
على(3شوط وشجر حتى سالت )
ول جنده ،وانطلق يطلب الماء ،فأتى
خل (4إل دعا قلما وكان واغتسل. ما ،فوجد الثلج فكسره قدماه د ً
بالمصحف ،وكان النظر في المصاحف خلقا في الولين ).وكان في
ذاك.
)(6
دعائه :اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك ،وإن تعذبني فأنا أهل )(5
)(7
الدنيا. ى مصيباتومن دعائه :اللهم هب لي يقينا تهون به عل ّ
ومرت به جنازة فقال :رحم الله من أجهد نفسه لمثل هذا اليوم.
وكان يقول :عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر).(8
هذه بعض صفات شخصية الحنف ،استحوذ بها على ثقة الناس
به وحبهم وتقديرهم له ،وهذه الصفات تجعل من يتحلى بها شخصية
وجودها بين الناس في كل زمان ومكان ،وقلما يجود )(9
قوية نافذة يندر
بها الدهر إل نادرا.
لقد كان الحنف من قادة الفتوحات في عهد عثمان ،وقد
تميز في قيادته لجيوش الفتح لبلد المشرق بقدرته على إعداد
الخطط الصحيحة الناجحة ،وإعطاء القرارات السريعة الصائبة ،كما
كان لشجاعته الشخصية وإقدامه أثر كبير في وضع تلك الخطط
والقرارات في حيز التنفيذ ،لقد كان يبذل قصارى جهده في إعداد
خططه العسكرية وإعطاء ذوي الرأي ،بل يتجول سّرا في الليل بين
عامة رجاله يتسمع أحاديثهم ،فإذا وجد رأيا سديدا يبدونه فيما بينهم
سارع إلى العمل به ،ل يهمه أن يأخذ الحكمة من أي وعاء ،وقد كان
هذا القائد الميداني في عهد عثمان يقاتل عدوه بسيفه وعقله مًعا؛
فقد كان على جانب عظيم من الشجاعة والقدام ،حتى إنه كان
يستأثر بالخطر دون رجاله ،ويؤثرهم بالراحة والمن ،كما كان على
من الدهاء ،فيوفر بدهائه على قواته كثيًرا من الجهود جانب عظيم
)(10
والمشقات.
لقد كان الحنف رجل في أمة ,وأمة في رجل ،إنه سيد أهل
المشرق المسمى بغير اسمه ،كما كان يقول عنه عمر بن الخطاب
.(11)
1
)( طبقات ابن سعد ) ،(7/94قادة فتح السند وأفغانستان ،ص .315 2
) (7المصدر نفسه ،ص .320 )( قادة فتح السند وأفغانستان ،ص .316 9
10
145
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لقد أطنبت في الحديث عن الحنف لنه من ضمن قادة الفتوح
في عهد عثمان ،وممن أسهم في صناعة الحياة في عصر الخليفة
الراشد الثالث الذي وجهت إليه سهامهم الكاذبة في ولته وقادة
حربه.
146
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثاني
الفتوحات في الشــــــــــام
ل :فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري: أو ً
مر بنا أن الروم أجلبت على المسلمين بالشام بجموع عظيمة
أول خلفة عثمان ،فكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة بالكوفة أن يمد
إخوانه بالشام ,فأمدهم بثمانية آلف عليهم سلمان ابن ربيعة
الباهلي ،فظفر المسلمون بعدوهم بعد أن غزوهم في أرض الروم
فأسروا منهم وغنموا .وكان تحالف الروم والترك قد تجمع لملقاة
المسلمين الذين غزوا أرمينية من الشام ،وكان على المسلمين
حبيب بن مسلمة وكان صاحب كيد لعدوه ،فأجمع أن يبّيت قائدهم
الموريان ،أي يباغته ليل ،فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد
الكلبية يذكر ذلك ،فقالت :فأين موعدك؟ قال :سرادق الموريان أو
بيتهم فغلبهم ,وأتى سرادق الموريان فوجد امرأته قد )(1
الجنة ..ثم
وانتصاراته (2المتوالية في أراضي جهاده حبيب وواصل إليه. سبقته
أرمينية وأذربيجان ،ففتحها إما صلحا أو عنوة) .
لقد كان حبيب بن مسلمة الفهري من أبرز القادة الذين حاربوا في
البيزنطية؛ فقد أباد جيوشا بأكملها للعدو ,وفتح حصونا ومدنا
)(3
أرمينية
كما غزا ما يلى ثغور الجزيرة العراقية من أرض الروم فافتتح كثيرة.
عدة حصون هناك ،مثل شمشاط وملطية وغيرهما ،وفي سنة 25هـ
غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي بين أنطاكية
وطرسوس خالية ،فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة،
ولما فرغ وواصل قائده قيس بن الحر العبسي الغزو في الصيف التالي،
هدم بعض الحصون القريبة من أنطاكية كي ل يفيد منها الروم).(4
ثانًيا :أول من أجاز الغزو البحري عثمان بن عفان:
كان معاوية بن أبي سفيان وهو أمير الشام يلح على عمر بن
الخطاب في غزو البحر ،ويصف له قرب الروم من حمص ويقول:
إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلبهم وصياح دجاجهم،
حتى كان ذلك يأخذ بقلب عمر ،فكتب عمر إلى عمرو بن العاص:
صف لي البحر وراكبه ،فإن نفسي تنازعني إليه ،فكتب إليه عمرو:
إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير ،إن ركن خرق القلب ،وإن
تحرك أزاغ العقول ،يزداد فيه اليقين قلة ،والشك كثرة ،هم كدود
على عود ،إن مال غرق ،وإن نجا برق ،فلما قرأ عمر بن الخطاب
كتاب عمرو بن العاص كتب إلى معاوية :ل والذي بعث محمدا
ي مما حوت بالحق ،ل أحمل فيه مسلما أبدا ،وتالله لمسلم أحب إل ّ
الروم ،فإياك أن تعرض لي ،وقد تقدمت إليك ،وقد علمت ما لقى
)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ،حمدي شاهين ،ص .252 2
)( حروب السلم في الشام في عهود الخلفاء الراشدين ،محمد أحمد باشميل، 3
ص .577
)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ،ص .253 4
147
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
العلء مني ،ولم أتقدم إليه في ذلك (1).ولكن الفكرة لم تبرح نفس
معاوية ،وقد رأى في الروم ما رأى ،فطمع في بلدهم وفي فتحها،
فلما تولى الخلفة عثمان عاود معاوية الحديث وألح به على عثمان،
فرد عليه عثمان قائل) :إني قد شهدت ما رد عليك عمر -رحمه
الله -حين استأذنته في غزو البحر( ،ثم كتب إليه معاوية مرة أخرى
يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه) :فإن ركبت معك
امرأتك فاركبه مأذونا وإل فل( (2) .كما اشترط عليه الخليفة عثمان
الناس ول تقرع بينهم ،خيرهم فمن اختار أيضا بقوله) :ل تنتخب
الغزو طائعا فاحمله وأعنه( (3) .فلما قرأ معاوية كتاب عثمان نشط
لركوب البحر إلى قبرص ،فكتب لهل السواحل يأمرهم بإصلح
ساحل حصن عكا ،فقد رمه ليكون ركوب المراكب وتقريبها إلى
المسلمين منه إلى قبرص).(4
ثالثـا :غزوة قبرص:
أعد معاوية المراكب اللزمة لحمل الجيش الغازي ،واتخذ ميناء
عكا مكانا للقلع ،وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجه فاختة
عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت بنت قرظة ،كذلك حمل
ملحان معه في تلك الغزوة).(5
وأم حرام هذه هي صاحبة القصة المشهورة ،عن أنس بن مالك
أن رسول الله × كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه،
وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ،فدخل عليها رسول الله ×
يوما فأطعمته ،ثم جلست تفلي من رأسه ,فنام رسول الله × ثم
استيقظ وهو يضحك فقلت :ما يضحكك يا رسول الله؟ قال» :ناس
ي غزاة في سبيل الله ،يركبون ثبج هذا البحر من أمتي عرضوا عل ّ
ملوكا على السرة أو مثل الملوك على السرة« قالت :فقلت :يا
رسول الله ،ادع الله أن يجعلني منهم ،فدعا لها ،ثم وضع رأسه
فنام ،ثم استيقظ وهو يضحك ،قالت :فقلت :ما يضحكك يا رسول
الله؟ قال» :ناس من أمتي عرضوا علي في سبيل الله« كما قال
في الولى ،قالت :قلت :يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم
فقال» :أنت من الولين« فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في
زمن معاوية ،فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت).(6
ورغم أن معاوية لم يجبر الناس على الخروج ،فقد خرج معه
جيش عظيم من المسلمين) ،(7مما يدل على أن المسلمين قد هانت
في أعينهم الدنيا بما فيها ،فأصبحوا ل يعبأون بها بالرغم من أنها قد
فتحت عليهم أبوابها ،فصاروا يرفلون في نعيمها.
إن المسلمين قد تربوا على أن ما عند الله خير وأبقى ،وأن الله
تاريخ الطبري ).(5/258 )( 1
الدارة العسكرية في الدولة السلمية ،د .سليمان بن صالح ).(2/538 )( 2
جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين ،د .محمد السيد الوكيل ،ص .356 )( 7
148
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
اصطفاهم لنصرة دينه وإقامة العدل ونشر الفضيلة ،والعمل على
إظهار دين الله على كل ما عداه ،وهم يعتقدون أن هذه المهمة هي
رسالتهم الحقيقية ،وأن الجهاد في سبيل الله هو سبيل الحصول
على مرضاة الله ،فإن هم قصروا في مهمتهم وقعدوا عن أداء
واجبهم فيمسك الله عنهم نصره في الدنيا ،ويحرمهم مرضاته في
الخرة ،وذلك هو الخسران المبين .من أجل هذا هرعوا مع معاوية
وتسابقوا إلى السفن يركبونها ،ولعل حديث أم حرام قد ألم
بخواطرهم فدفعهم إلى الخروج للغزو في سبيل الله تصديقا لحديث
رسول الله × ،وكان ذلك بعد انتهاء فصل الشتاء في سنة ثمان
وعشرين من الهجرة )649م( ).(1
وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين
إلى قبرص ،ونزل المسلمون إلى الساحل ،تقدمت أم حرام
لتركب دابتها ،فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الرض
)(2
وترك المسلمون أم حرام بعد دفنها فاندقت عنقها فماتت.
في أرض الجزيرة عنوانا على مدى التضحيات التي قدمها
المسلمون في سبيل نشر دينهم ،وعرف قبرها هناك بقبر
المرأة الصالحة).(3
واجتمع معاوية بأصحابه وكان فيهم :أبو أيوب خالد بن زيد
النصاري ،وأبو الدرداء ،وأبو ذر الغفاري ،وعبادة بن الصامت ،وواثلة
بن السقع ،وعبد الله بن بشر المازني ،وشداد ابن أوس بن ثابت،
بن( السود ،وكعب الحبر بن ماتع ،وجبير بن نفير )4
والمقداد
أهل قبرص إلى وأرسلوا بينهم فيما وتشاوروا ، الحضرمي
يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للستيلء على جزيرتهم) ،(5ولكن أرادوا
دعوتهم لدين الله ثم تأمين حدود الدولة السلمية بالشام؛ وذلك لن
البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا
ونون منها إذا قل زادهم ،وهي بهذه المثابة تهدد بلد الشام ويتم ّ
الواقعة تحت رحمتها ،فإذا لم يطمئن المسلمون على مسالمة هذه
الجزيرة لهم وخضوعها لرادتهم فإن وجودها كذلك سيظل شوكة
في ظهورهم وسهما مسددا في حدودهم ،ولكن سكان الجزيرة لم
يستسلموا للغزاة ولم يفتحوا لهم بلدهم ،بل تحصنوا في العاصمة
الجزيرة ينتظرون تقدم ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين ،وكان أهل
الروم للدفاع عنهم ،وصد هجوم المسلمين عليها).(6
رابًعا :الستسلم وطلب الصلح:
تقدم المسلمون إلى عاصمة قبرص )قسطنطينا( وحاصروها،
وما هي إل ساعات حتى طلب الناس الصلح ،وأجابهم المسلمون
طا واشترط عليهم المسلمون إلى الصلح ،وقدموا للمسلمين شرو ً
شروطا ،وأما شرط أهل قبرص فكان في طلبهم أل يشترط عليهم
المصدر نفسه ،ص .356 )( 1
149
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المسلمون شروطا تورطهم مع الروم؛ لنهم ل قبل لهم بهم ،ول
قدرة لهم على قتالهم ،وأما
شروط المسلمين:
-1أل يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون.
-2أن يدل سكان الجزيرة المسلمين على تحركات عدوهم من
الروم.
-3أن يدفع سكان الجزيرة للمسلمين سبعة آلف ومائتي دينار
في كل عام.
الروم(1إذا حاولوا غزو بلد المسلمين ،ول -4أل يساعدوا
يطلعوهم على أسرارهم) .
وعاد المسلمون إلى بلد الشام ،وأثبتت هذه الحملة قدرة
المسلمين على خوض غمار المعارك البحرية بجدارة ،وأعطت
المسلمون فرصة المران على الدخول في معارك من هذا النوع مع
المتربص بهم سواء بالهجوم على بلد الشام أم على العدو
السكندرية).(2
سا :عبد الله بن قيس قائد السطول السلمي في الشام: خام ً
استعمل معاوية بن أبي سفيان على البحر عبد الله بن قيس
الجاسي حليف بني فزارة ،فغزا خمسين غزاة من بين شاتية
وصائفة في البحر ،ولم يغرق فيه أحد ولم ينكب ،وكان يدعو الله أن
يرزقه العافية في جنده ،وأل يبتليه بمصاب أحد منهم ،ففعل ،حتى
إذا أراد أن يصيبه وحده خرج في قاربه طليعة ،فانتهى إلى المرفأ
ؤال يعتّرون) (3بذلك المكان ،فتصدق من أرض الروم ،وعليه س ّ
ؤال إلى قريتها ،فقالت للرجال :هل عليهم ،فرجعت امرأة من الس ّ
لكم في عبد الله بن قيس؟ قالوا :وأين هو؟ قالت :في المرفأ،
قالوا :أي عدوة الله ،ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس؟ فوبختهم
وقالت :أنتم أعجز من أن يخفى عبد الله على أحد ،فثاروا إليه،
فهجموا عليه ،فقاتلوه وقاتلهم ،فأصيب وحده ،وأفلت الملح حتى
أتى أصحابه فجاءوا حتى أرقوا ،والخليفة منهم سفيان بن عوف
الزدي ،فخرج فقاتلهم ،فضجر وجعل يعبث بأصحابه ويشتمهم،
فقالت جارية عبد الله :واعبد الله ،ما هكذا كان يقول حين يقاتل،
فقال سفيان :وكيف كان يقول؟ قالت :الغمرات ثم ينجلينا ،فترك ما
كان يقول ولزم :الغمرات ثم ينجلينا ،وأصيب في المسلمين يومئذ
وذلك آخر زمان عبد الله بن قيس الجاسي) ،(4وقيل لتلك المرأة
التي استثارت الروم على عبد الله بن قيس :كيف عرفته؟ قالت:
كان كالتاجر ،فلما سألته أعطاني كالملك ،فعرفت أنه عبد الله بن
قيس).(5
تاريخ الطبري ).(5/261 )( 1
جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين ،ص .359 ،358 )( 2
150
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وهكذا حينما أراد الله تعالى أن يمن بالشهادة على هذا القائد
العظيم أتيحت له وهو في وضع ل يضر بسمعة المسلمين البحرية؛
حيث كان وحده يتطلع ويراقب العداء ،فكانت تلك الكائنة الغريبة
التي أبصرت غورها تلك المرأة الذكية من نساء تلك البلد؛ حيث
رأت ذلك الرجل يظهر في مظاهره الخارجية بمظهر التجار
العاديين ،ولكنه يعطي عطاء الملوك ،فلقد رأت فيه أمارات السيادة
مع بساطة مظهره ،فعرفت أنه قائد المسلمين الذي دوخ المحاربين
في تلك البلد ،وهكذا كانت سماحة ذلك القائد وسخاؤه البارز حتى
مع غير المسلمين سببا في كشف أمره ،ومعرفة مركزه ،ليقضي
الله أمرا كان مفعول ،فيتم بذلك الهجوم عليه وظفره بالشهادة.
وهكذا يضرب قادة المسلمين المثل العليا بأنفسهم لتتم
النجازات الكبرى على أيديهم ،وليكونوا قدوة صالحة لمن يخلفهم؛
فقد قام هذا القائد الملهم بمهمة الستطلع بنفسه ولم يكل المر
إلى جنوده ،وفي انفراده بهذه المهمة مظنة للتورط مع العداء
والهلك على أيديهم ،ولكنه مع ذلك يغامر بنفسه فيتولى هذه
المهمة ،ثم نجده يتخلق بأخلق السلم العليا حتى مع نساء العداء
وضعفتهم ،فيمد إليهم يد الحنان والعطف ،ويسخو لهم بالمال الذي
هو من أعز ما يملك الناس ،ونجده قبل ذلك مع جنده رفيقا صبورا،
ل معنفا ول مستكبرا ،وإذا ادلهمت الخطوب تفاءل بانكشاف الغمة
ولم يلجأ إلى لوم أصحابه وتعنيفهم ،ولم يهيمن عليه الرتباك الذي
يفسد العمل ،ويعجل بالخلل والفوضى ،وأما خليفته سفيان الزدي
فلعله وقع فيما وقع فيه من الرتباك والشتغال بطرح اللئمة على
جنده لكونه حديث العهد بأمور القيادة ،ولكن مما يحفظ له أنه لما
نبهته جارية عبد الله بن قيس إلى ذلك السلوب الحكيم الذي كان
أميره ينتهجه في القيادة سارع في التأسي به في ذلك ،ولم يحمله
التكبر على عدم سماع كلمة الحق وإن صدرت من جارية مغمورة.
وهذا مثل من أمثلة التجرد من هوى النفس ،هذا الخلق العظيم الذي
كان غالبا في الجيل الول ،وبه تم إنجاز الفتوحات العظيمة ونجاح
الولة والقادة في إدارة المة ،فلله در أبناء ذلك الجيل :ما أبلغ
ذكرهم ،وما أبعد غورهم ،وما أعظم وطأتهم في الرض على
وما( أعذب لمساتهم في الرض على المستضعفين )1
الجبارين،
والمساكين.
سا :القبارصة ينقضون الصلح: ساد ً
في سنة اثنتين وثلثين هجرية ،وقع سكان قبرص تحت ضغط
رومي عنيف أجبرهم على إمداد جيش الروم بالسفن ليغزوا بها بلد
المسلمين ،وبذلك يكون القبرصيون قد أخلوا بشروط الصلح ،وعلم
معاوية بخيانة أهل قبرص فعزم على الستيلء على الجزيرة ووضعها
تحت سلطان المسلمين ،فقد هاجم المسلمون الجزيرة هجوما
عنيفا فقتلوا وأسروا وسلبوا؛ هجم عليها جيش معاوية من جهة وعبد
الجانب الخر ،فقتلوا خلقا كثيرا ،وسبوا سبيا كثيرا الله بن سعد من
وغنموا مال جزيل (2).وتحت ضغط القوات السلمية اضطر حاكم
)( التاريخ السلمي ).(12/402 1
151
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
للفاتحين ويلتمس منهم الصلح ،فأقرهم معاوية قبرص أن يستسلم
على صلحهم الول (1).وخشى معاوية أن يتركهم هذه المرة بغير
جيش يرابط في الجزيرة فيحميها من غارات العداء ويضبط المن
فيها حتى ل تتمرد على المسلمين ،فبعث إليهم اثني عشر ألفا من
الجنود ،ونقل إليهم جماعة من بعلبك ,وبنى هناك مدينة ،وأقام فيها
مسجدا ،وأجرى معاوية على الجنود أرزاقهم .وظل الحال على ذلك،
الجزيرة هادئة والمسلمون آمنون من هجمات الروم المفاجئة،
ولحظ المسلمون أن أهل قبرص ليس فيهم قدرات عسكرية ،وهم
مستضعفون أمام من يغزوهم ،وأحس المسلمون أن الروم يغلبونهم
على أمرهم ويسخرونهم لمصالحهم فرأوا أن من حقهم عليهم أن
يحموهم من ظلم الروم ،وأن يمنعوهم من تسلط البيزنطيين ،وقال
يغلبهم(2الروم على إسماعيل بن عياش :أهل قبرص أذلء مقهورون
أنفسهم ونسائهم ،فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم) .
سابًعا :ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه:
وقد جاء في سياق هذه الغزوة المذكورة خبر أبي الدرداء
حينما نظر إلى سبي العداء فبكى ،ثم قال :ما أهون الخلق على
الله إذا هم عصوه .فانظر إلى هؤلء القوم بينما هم ظاهرون
قاهرون لمن)(3ناوأهم ،فلما تركوا أمر الله -عز وجل -وعصوه صاروا
إلى ما ترى .وجاء في رواية :فقال له جبير بن نفير :أتبكي وهذا
يوم أعز الله فيه السلم وأهله؟ فقال :ويحك إن هذه كانت أمة
قاهرة لهم ملك ،فلما ضيعوا أمر الله صيرهم إلى ما ترى ،سلط الله
فيهم حاجة،
)(4
عليهم السبي ،وإذا سلط على قوم السبي فليس لله
وقال :ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره!!.
إن ما تفوه به أبو الدرداء يعتبر مثل للبصيرة النافذة والفقه في
أمر الله تعالى ،فهذا الصحابي الجليل يبكي حسرة على هؤلء الذين
أعمى الله بصائرهم ،فلم ينقادوا لدعوة الحق فباءوا بهذا المصير
المؤلم؛ حيث تحولوا من الملك والعزة إلى الستسلم والذلة
لصرارهم على لزوم الباطل والتكبر على الخضوع لدعوة الحق ،ولو
أنهم عقلوا وتدبروا لكان في دخولهم في السلم بقاء ملكهم
وعمران ديارهم والظفر بحماية دولة السلم ،وإن هذا التفكير
العميق من أبي الدرداء مظهر من مظاهر الرحمة والعطف تفتحت
عنه نفسه الزكية ،فتشكل ذلك في الظاهر على هيئة دموع تنحدر
من عيني هذا الرجل العظيم ،ليعبر عما يجول في نفسه من نظرات
الحنان والرحمة والسى على مصير تلك المة التي اجتمع لها البقاء
على الضلل والمآل السيئ بزوال الملك والوقوع في الذل والهوان،
وإنه بقدر ما يفرح المسلم بدخول الناس في السلم فإنه يحزن من
رؤية الكافرين وهم يعيشون في ضلل مع إدراكه ما ينتظرهم من
العذاب الليم المؤبد في الخرة ،فكيف إذا أضيف إلى ذلك وقوعهم
152
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
في السر والتشرد وتعرضهم للقتل في الحياة الدنيا؟
ثامًنا :عبادة بن الصامت يقسم غنائم قبرص:
قال عبادة بن الصامت لمعاوية -رضي الله عنهما :-شهدت
رسول الله × في غزوة حنين والناس يكلمونه في الغنائم ،فأخذ
وبرة من بعير وقال» :ما لي مما أفاء الله عليكم من هذه
الغنائم إل الخمس ،والخمس مردود عليكم« ،فاتق الله يا
ط منها أحدا أكثر من حقه، معاوية واقسم الغنائم على وجهها ،ول تع ِ
فقال له معاوية :قد وليتك قسمة الغنائم ،وليس أحد بالشام أفضل
واتق الله فيها .فقسمها عبادة بين منك ول أعلم ،فاقسمها بين أهلها
أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو أمامة).(2
***
)( الرياض النضرة في مناقب العشرة ،لبي جعفر أحمد ،الشهير بالمحب 2
153
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثالث
فتوحات الجبهة المصــــــــــرية
ل :ردع المتمردين في السكندرية: أو ً
كبر على الروم خروج السكندرية من أيديهم ،وظلوا يتحينون
ن
َ م
ِ ن بالسكندريةم ْ
الفرص لعادتها إلى حوزتهم ،فراحوا يحرضون َ
الروم على التمرد والخروج على سلطان المسلمين؛ ذلك لن الروم
كانوا يعتقدون أنهم ل يستطيعون الستقرار في بلدهم بعد خروج
السكندرية من ملكهم (1).وصادف تحريض الروم لهل السكندرية
هوى في نفوس سكانها فاستجابوا للدعوة ،وكتبوا إلى قسطنطين
المسلمين (2ويصفون له ما يعيش فيه بن هرقل يخبرونه بقلة عدد
الروم بالسكندرية من الذل والهوان ).وكان عثمان قد عزل
عمرو بن العاص عن مصر ،وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي
السرح ،وفي أثناء ذلك وصل منويل الخصى قائد قوات الروم إلى
السكندرية لعادتها وتخليصها من يد المسلمين ،ومعه قوات هائلة
ثلثمائة مركب مشحونة بكل ما يلزم هذه القوات من يحملهم في
السلح والعتاد).(3
علم أهل مصر بأن قوات الروم قد وصلت إلى السكندرية،
فكتبوا إلى عثمان يلتمسون إعادة عمرو بن العاص ليواجه القوات
الغازية فإنه أعرف بحربهم ،وله هيبة في نفوسهم ،فاستجاب
الخليفة لطلب المصريين ،وأبقى ابن العاص أميرا على مصر)،(4
ونهب منويل وجيشه السكندرية وغادروها بعد أن تركوها قاعا
صفصفا ,ليعيثوا فيما حولها من القرى ظلما وفسادا ،وأمهلهم عمرو
بن العاص ليمعنوا في الفساد وليشعر المصريون بالفرق الهائل بين
حكامهم من المسلمين وحكامهم من الروم ،ولتمتلئ قلوب
المصريين على الروم حقدا وغضبا فل يكون لهم من حبهم والعطف
عليهم أدنى حظ ،وخرج منويل بجيشه من السكندرية يقصد مصر
السفلى دون أن يخرج إليهم عمرو أو يقاومهم أحد ،وتخوف بعض
أصحابه ,وعمرو كان له رأي آخر ،فقد كان يرى أن يتركهم يقصدونه،
ول شك أنهم سينهبون أموال المصريين ،وسيرتكبون من الحماقات
في حقهم ما يمل قلوبهم حقدا عليهم وغضبا منهم ،فإذا نهض
المسلمون لمواجهتهم عاونهم المصريون على التخلص منهم ،وحدد
ي ،فإنهم يصيبون من عمرو سياسته هذه بقوله» :دعهم يسيروا إل ّ
مروا به ،فيخزي بعضهم ببعض« (5).وقد صدق حدس عمرو ،وأمعن
الروم في إفسادهم ونهبهم وسلبهم ،وضج المصريون من فعالهم،
وأخذوا يتطلعون إلى من يخلصهم من شر هؤلء الغزاة المفسدين. )(6
وصل منويل إلى نقيوس ،واستعد عمرو للقائه وعبأ جنده ،وسار بهم
) (3المصدر نفسه ،ص .338 )( المصدر نفسه ،ص .336 6
154
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
نحو عدوه الشرس ،وتقابل الجيشان عند حصن نقيوس على شاطئ نهر
النيل ،واستبسل الفريقان أيما استبسال ،وصبر كل فريق صبرا أمام
خصمه مما زاد الحرب ضراوة واشتعال ،ودفع بالقائد عمرو إلى أن
يمعن في صفوف العدو ،ويقدم فرسه بين فرسانهم ،ويشهر سيفه بين
سيوفهم ،ويقطع به هامات الرجال وأعناق البطال ،وأصاب فرسه سهم
فقتله ،فترجل عمرو وانضم إلى صفوف المشاة ،ورآه المسلمون
الحرب بقلوب كقلوب السود ل يهابون ول يخافون قعقعة )(1
فأقبلوا على
وأمام ضربات المسلمين وهنت عزائم الروم وخارت قواهم، السيوف.
فانهزموا أمام البطال الذين يريدون إحدى الحسنيين ،وقصد الروم في
المنيعة وأسوارها فرارهم السكندرية لعلهم يجدون في حصونهم
الشاهقة ما يواري عنهم شبح الموت الذي يلحقهم).(2
وخرج المصريون بعد أن رأوا هزيمة الروم يصلحون للمسلمين
ما أفسده العدو الهارب من الطرق ،ويقيمون لهم ما دمره من
الجسور ،وأظهر المصريون فرحتهم بانتصار المسلمين على العدو
وممتلكاتهم ،وقدموا الذي انتهك حرماتهم واعتدى على أموالهم
للمسلمين ما ينقصهم من السلح والمؤونة).(3
ولما وصل عمرو السكندرية ضرب عليهم الحصار ونصب عليها
المجانيق وظل يضرب أسوار السكندرية حتى أوهنها ،وألح عليها
بالضرب حتى ضعف أهلها وتصدعت أسوارها وفتحت المدينة
الحصينة أبوابها ،ودخل المسلمون السكندرية وأعملوا سيوفهم في
الروم يقتلون المقاتلين ،ويأسرون النساء والذرية ،وهرب من نجا
من الموت لجئين إلى السفن ليفروا بها عائدين من حيث أتوا ،وكان
منويل في عداد القتلى ،ولم يكف المسلمون عن القتل والسبي
توسط(4المسلمون المدينة ،ولما لم يكن حتى أمر عمرو بذلك لما
هناك من يقاوم أو يتصدى لهم ).ولما فرغ المسلمون أمر عمرو
مسجد في المكان الذي أوقف فيه القتال وسماه مسجد )(5
ببناء
الرحمة.
وعادت إلى العاصمة العتيدة طمأنينتها ،وعادت السكينة إلى
قلوب المصريين فيها ،فرجع إليها من كان قد فر منها أمام الزحف
الرومي الرهيب ،وعاد بنيامين بطريرك القبط إلى السكندرية بعد
أن فر مع الفارين ،وأخذ يرجو عمرو أل يسيء معاملة القبط لنهم
كذلك (6أل يعقد لم ينقضوا عهدهم ولم يتخلوا عن واجبهم ،ورجاه
صلحا مع الروم ،وأن يدفنه إذا مات في كنيسة يحنس) .
وجاء المصريون من كل حدب وصوب إلى عمرو يشكرونه على
تخليصهم من ظلم الروم ،ويطلبون منه إعادة ما نهبوا من أموالهم
ودوابهم معلنين ولءهم وطاعتهم ،فقالوا :إن الروم قد أخذوا دوابنا
وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة ،فطلب منهم عمرو
)(7
أن يقيموا البينة على ما ادعوا ،ومن أقام بينة وعرف من له بعينه رده
1
) (5جولة تاريخية ،ص .338 )( البلذري ،ص .69 2
3
155
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عليه ،وهدم عمرو سور السكندرية ،وكان ذلك في سنة 25هـ.
وأصبحت السكندرية آمنة من جهاتها كلها رغم هدم سورها ،فقد كان
شرقيها في قبضة المسلمين وكذلك جنوبها ،وأما غربيها فقد أمنه عمرو
بن العاص بفتح برقة وزويلة وطرابلس الغرب ،وصالح أهل هذه البلد
على الجزية فكانوا يدفعونها طائعين ،وأما شمالها فكان في قبضة
الروم ،وقد تلقوا درسا على يد المسلمين لم يترك لهم فرصة للتفكير
في العودة ،وحتى لو فكروا في العودة فهيهات أن يدخلوها وليس لهم
فيها نصير ول معين ،وقوات المسلمين تراقب البحر بكل يقظة
واهتمام).(1
ثانًيا :فتح بلد النوبة:
كان عمرو بن العاص قد شرع في فتح بلد النوبة بإذن من الخليفة
عمر ،فوجد حربا لم يتدرب عليها المسلمون وهي الرمي بالنبال في
أعين المحاربين حتى فقدوا مائة وخمسين عينا في أول معركة ،ولهذا
قبل الجيش الصلح ,ولكن عمرو بن العاص رفض للوصول إلى شروط
)(2
وعندما تولى ابن سعد ولية مصر غزا النوبة في عام إحدى أفضل
،
وثلثين هجرية فقاتله الساود من أهل النوبة قتال شديدا ،فأصيبت يومئذ
عيون كثيرة من المسلمين ،فقال شاعرهم:
)(3
والخيل تعدو بالدروع مثقلة لم تر عين مثل يوم ُدمقلة
النوبة عبد الله بن سعد المهادنة ،فهادنهم هدنة بقيت فسأل أهل
إلى ستة قرون) ،(4وعقد لهم عقدا يضمن لهم استقلل بلدهم
ويحقق للمسلمين الطمئنان إلى حدودهم الجنوبية ،ويفتح النوبة
السلمية، للتجارة والحصول على عدد من الرقيق في خدمة الدولة
وقد اختلط المسلمون بالنوبة والبجة ،واعتنق كثير منهم السلم).(5
ثالثـا :فتح إفريقية:
كان من مقاصد حملة عمرو بن العاص لبرقة وطرابلس
وبقية مناطق ليبيا ،فتح البلد وإزالة الطاغوت الروماني عن قلوب
العباد حتى تتضح لهم السبل وتفترق لهم الطرق ،وتصبح حرية
الختيار في متناول تلك الشعوب ،بعد تلك الحملة المباركة التي
كانت سببا في دخول ذلك النور إلى تلك المناطق المظلمة بعبادة
الصنام والتقرب إليها بالقرابين ،واتخاذ النداد والرباب من البشر
العباد إلى عبادة رب من دونه سبحانه وتعالى ،وإخراجهم من عبادة
العباد .وعن حملة عبد الله بن سعد على إفريقية) (6يقول الدكتور
زل عمرو بن العاص صالح مصطفى :وفي سنة 26هـ646/م عُ ِ
عن ولية مصر ،واستعمل عليها عبد الله بن سعد ،وكان عبد الله
المصدر نفسه ،ص .341 )( 1
الشرف والتسامي بحركة الفتح السلمي ،للصلبي ،ص .189 )( 6
156
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بن سعد يبعث جرائد الخيل كما كانوا يفعلون أيام عمرو بن العاص
فيصيبون من أطراف إفريقية ويغنمون) ،(1وكانت جرائد الخيل تقصد
إفريقية )تونس( تمهيدا لفتحها ومعرفة وضعها ،فكان حال هذه
الجرائد أشبه ما يكون بكتائب الستطلع التي تعتبر مقدمة الجيش
وعيونه ،فلما اجتمعت عند عبد الله بن سعد معلومات كافية عن
إفريقية من ناحية مداخلها ومخارجها ،وقوتها وعدادها ،وموقعها
الجغرافي الستراتيجي كتب حينئذ إلى الخليفة الراشد عثمان بن
عفان يخبره بهذه المعلومات الهامة عن إفريقية ،يستأذن بناء على
تلك المعلومات بفتحها ،فكان له ما طلب .يقول الدكتور صالح
مصطفى :ولما استأذن عبد الله بن سعد الخليفة عثمان بن عفان
في غزو إفريقية ،جمع الصحابة واستشارهم في ذلك ،فأشاروا عليه
بفتحها ،إل أبو العور سعيد بن زيد ،الذي خالفه متمسكا برأي عمر
بن الخطاب في أل يغزو أفريقية أحد من المسلمين ،ولما أجمع
الصحابة على ذلك دعا عثمان للجهاد ،واستعدت المدينة -عاصمة
الخلفة السلمية -لجميع المتطوعين وتجهيزهم ،وترحيلهم إلى مصر
لغزو إفريفية تحت قيادة عبد الله بن سعد .وقد ظهر الهتمام بأمر
تلك الغزوة جليا ،وهذا يتضح من الذين خرجوا إليها من كبار
الصحابة ،ومن خيار شباب آل البيت ،وأبناء المهاجرين الوائل وكذلك
النصار؛ فقد خرج في تلك الغزوة الحسن والحسين ،وابن عباس
وابن جعفر وغيرهم.
هذا وقد خرج من قبيلة مهرة وحدها في غزوة عبد الله بن سعد
ستمائة رجل ،ومن غنث سبعمائة رجل ،ومن ميدعان سبعمائة رجل،
ما خطب عثمان فيهم ،ورغبهم في الجهاد، وعندما بات الستعداد تا ً
وقال لهم :لقد استعملت عليكم الحارث بن الحكم إلى أن تقدموا
على عبد الله بن سعد فيكون المر إليه ،وأستودعكم الله .ويقال:
إن عثمان قد أعان في هذه الغزوة بألف بعير يحمل عليها ضعفاء
الناس ،وعندما وصل هذا الجيش إلى مصر انضم إلى جيش عبد الله
بن سعد ،وتقدم من الفسطاط تحت قيادة عبد الله ذلك الجيش
الذي يقدر بعشرين ألفا يخترق الحدود المصرية الليبية ،وعندما
وصلوا إلى برقة انضم إليهم عقبة بن نافع الفهري ومن معه من
المسلمين ،ولم يواجه الجيش السلمي أية صعوبات أثناء سيرهم
في برقة؛ وذلك لنها ظلت وفية لما عاهدت المسلمين عليه من
الشروط زمن عمرو بن العاص ،حتى إنه لم يكن يدخلها جابي
الخراج ،وإنما كانت تبعث بخراجها إلى مصر في الوقت المناسب.
ومما يؤكد بقاء برقة على عهدها لعمرو بن العاص ،ما ذكر أنه سمع
قعدت مقعدي هذا ،وما لحد من قبط مصر علي عهد إل أهل يقول:
دا يوفي لهم به ،كما أن عبد الله بن عمرو أنطابلس) ،(2فإن لهم عه ً
ولول(3مالي بالحجاز لنزلت برقة ،فما أعلم بن العاص كان يقول:
منزل أسلم ول أعزل منها) .
وهكذا انطلقت هذه الحملة المباركة نحو إفريقية ,وكان ذلك بعد
)( ليبيا من الفتح العربي حتى انتقال الخلفة الفاطمية إلى مصر ،صالح 1
)( ليبيا من الفتح العربي حتى انتقال الخلفة الفاطمية إلى مصر ،ص .39 3
157
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
انضمام قوات عقبة بن نافع إليها ،إل أن عبد الله بن سعد قائد
الحملة ما فتئ يرسل الطلئع والعيون في جميع التجاهات
لستكشاف الطرق وتأمينها ورصد تحركات العدو وضبطها؛ تحسبا
لي كمين أو مباغتة تطرأ على حين غفلة ،فكان من نتائج تلك
الطلئع الستطلعية أن تم رصد مجموعات من السفن الحربية تابعة
للمبراطورية الرومانية ،حيث كانت هذه السفن الحربية قد رست
في ساحل ليبيا البحري بالقرب من مدينة طرابلس ،فما هي إل
برهة من الزمن حتى كان ما تحمله هذه السفن غنيمة للمسلمين،
أول غنيمة ذات )(1
وقد أسروا أكثر من مائة من أصحابها ،وتعتبر هذه
قيمة أصابها المسلمون في طريقهم لفتح إفريقية.
وواصل عبد الله بن سعد السير إلى إفريقيا ،وبث طلئعه وعيونه
في كل ناحية ،حتى وصل جيشه إلى مدينة سبيطلة بأمان ،وهناك
التقى الجمعان؛ جيش المسلمين بقيادة عبد الله ابن سعد وجيش
جرجير حاكم إفريقية ،وكان تعداد جيشه يبلغ حوالي مائة وعشرين
واها ألفا ،وكان بين القائدين اتصالت مستمرة ورسائل متبادلة ،فَ ْ
ح َ
عرض الدعوة السلمية على جرجير ودعوته للدخول في السلم،
ويستسلم لمر الله سبحانه ،أو أن يدفع الجزية ،ويبقى على دينه
خاضعا لسيادة السلم ،ولكن كل تلك العروض رفضها وأصر
واستكبر هو وجنوده ،وضاق المر بالمسلمين ،ونشبت المعركة بين
الجمعين وحمى الوطيس بينهما لعدة أيام ،حتى وصل مدد بقيادة
الله بن الزبير ،وكانت نهاية هذا المستكبر الطاغي جرجير على عبد
يديه).(2
ولما رأى الروم الذين بالساحل ما حل بجرجير وأهل سبيطلة،
غارت أنفسهم وتجمعوا وكاتب بعضهم بعضا في حرب عبد الله بن
سعد إياهم ،فخافوه وراسلوه وجعلوا له جعل على أن يرتحل
بجيشه ،وأل يعترضوه بشيء ووجهوا إليه ثلثمائة قنطار من الذهب
في بعض الروايات ،وفي البعض الخر مائة قنطار ،جزية في كل
سنة على أن يكف عنهم ويخرج من بلدهم ،فقبل ذلك منهم وقبض
المال ،وكان في شرط صلحهم أن ما أصاب المسلمون قبل الصلح
فهو لهم ،وما أصابوه بعد الصلح رده عمر إن عبد الله بن الزبير قال
لعبد الله بن سعد :إن أمرنا يطول مع هؤلء وهم في أمداد متصلة
وبلد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلدهم ،وقد رأيت أن
نترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين
ونقاتل نحن الروم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملوا ,فإذا
رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من
المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة،
فلعل الله ينصرنا عليهم ،فأحضر جماعة من أعيان الصحابة
واستشارهم فوافقوه على ذلك ،فلما كان الغد فعل عبد الله ما
اتفقوا عليه ،وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم
عندهم مسرجة ،ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتال
م الروم بالنصراف على العادة فلم شديدا ،فلما أذن بالظهر ه ّ
يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم ،ثم عاد عنهم
)( الشرف والتسامي بحركة الفتح السلمي ،ص .191 1
158
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والمسلمون؛ فكل الطائفتين ألقى سلحه ووقع تعبا ،فعند ذلك أخذ
عبد الله بن الزبير من كان مستريحا من شجعان المسلمين وقصد
الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا حملة رجل واحد
وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلحهم حتى غشيهم المسلمون،
وقتل جرجير ،قتله ابن الزبير ،وانهزم الروم وقتل منهم مقتلة
عظيمة ،وأخذت ابنة الملك جرجير سبية ،ونازل عبد الله بن سعد
المدينة وحاصرهم حتى فتحها ،ورأى فيها من الموال ما لم يكن في
غيرها ،فكان سهم الفارس ثلثة آلف دينار وسهم الراجل ألف دينار.
ولما فتح عبد الله مدينة سبيطلة بث جيوشه في البلد فبلغت قفصة
فسبوا وغنموا ،وسّير عسكرا إلى حصن الجم ،وقد احتمى به أهل
تلك البلد فحصرهم وفتحه بالمان فصالحه أهل إفريقية كما مر
معنا ،ونفل عبد الله بن الزبير)(1ابنة الملك وأرسله ابن سعد إلى
عثمان بالبشارة بفتح إفريقية .
رابًعا :بطولة عبد الله بن الزبير في فتح إفريقية:
هذا ولقد كان لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما -موقف
عظيم في البطولة والشجاعة ،وقد ذكره الحافظ ابن كثير حيث
قال :لما قصد المسلمون -وهم عشرون ألفا -إفريقية ،وعليهم عبد
الله بن سعد بن أبي السرح ،وفي جيشه عبد الله بن عمر وعبد الله
بن الزبير ،صمد إليهم ملك البربر جرجير في عشرين ومائة ألف،
وقيل في مائتي ألف ،فلما تراءى الجمعان أمر جيشه فأحاطوا
بالمسلمين هالة ،فوقف المسلمون في موقف لم ير أشنع منه ول
أخوف عليهم منه.
قال عبد الله بن الزبير :نظرت إلى الملك جرجير من وراء
الصفوف وهو راكب على برذون ،وجاريتان تظلنه بريش
الطواويس ،فذهبت إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح فسألته أن
يبعث معي من يحمي ظهري ،وأقصد الملك ،فجهز معي جماعة من
الشجعان ،فأمر بهم فحموا ظهري وذهبت حتى خرقت الصفوف
إليه ،وهم يظنون أني في رسالة إلى الملك ،فلما اقتربت منه أحس
مني الشر ،ففر على برذونه فلحقته فصفعته برمحي وذففت -يعني
أجهزت -عليه بسيفي ،وأخذت رأسه فنصبته على رأس الرمح
وكبرت ،فلما رأى ذلك البربر فَرُِقوا وفروا كفرار القطا ،واتبعهم
المسلمون يقتلون ويأسرون ,فغنموا غنائم جمة وأموال عظيمة
ما ،وذلك ببلد يقال له) :سبيطلة( على يومين من وسبًيا عظي ً
القيروان.
عبد الله بن قال ابن كثير :فكان هذا أول موقف اشتهر فيه أمر
الزبير وعن أبيه ،وعن سائر الصحابة الكرام أجمعين).(2
إن ما قام به ابن الزبير نوع من الطموح نحو المعالي المحفوفة
بالهوال بدون تدرج سابق ،لقد كان عمره آنذاك سبعا وعشرين
سنة ،ولم يذكر له قبل ذلك مواقف بطولية من نوع المغامرات،
فكيف أقدم على هذه المغامرة الهائلة التي يغلب على الظن أو يكاد
)( الكامل لبن الثير ).(46 ،3/45 1
159
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يقرب من اليقين في عرف الناس العاديين أن فيها الهلك؟!! وإن
الحتمالت التي يمكن أن ترد في مثل هذه المغامرة أن يدور في
خلد المغامر أمران:
أن ينجح في هجومه فيقضي على ملك البربر ،ويتفرق جنده كما -1
هي عادة الكفار ،وفي ذلك نصر مؤزر للمسلمين ،وكفاية لهم عن خوض
معركة شرسة قد تخوف منها المسلمون.
-2أن يتقبله الله شهيدا ،وفي ذلك الوصول إلى أسمى الماني،
وأبلغ الدرجات التي يطمح إليها الصالحون ويتنافسون على بلوغها،
كما أن في ذلك من إرهاب الكفار وإثارة الرعب فيهم الشيء
الكثير؛ حيث سيتوقع الكفار أن المسلمين الذين سيقاتلونهم كلهم
من هذا النوع الجريء الفتاك؛ إذ أنه يكفي المغامر شجاعة أن يقذف
بنفسه في وسط المعركة الملتهبة ،إنه ل يقدم على هذه الوثبة
العالية إل العظماء الذين يتصورون الجنة من وراء تلك الوثبة
ويشتاقون للعيش فيها .ولقد كان ابن الزبير وثب تلك الوثبة متجردا
من علئق الدنيا وأثقالها المثبطة ،طامحا إلى ما أعده الله تعالى
سبيله على قدر طاقتهم ،سواء انتصروا على أعدائهم )(1
للمجاهدين في
أو نالوا الشهادة.
وقد جاء في هذا الخبر أن البربر بعدما قتل ملكهم فروا من جيش
طاَ ،وأن المسلمين تبعوهم يقتلون ويأسرون منهم المسلمين كفرار ال َق
من غير مقاومة ،وإن هذا الخبر دليل على أن الله تعالى مع أوليائه
المؤمنين ،وأنه يقيض لهم إذا صدقوا ما يخلصهم من الشدائد وينقذهم
من المآزق ،فإن المسلمين قد وقعوا في معضلة كبرى؛ حيث أحاط بهم
أعداؤهم الذين يفوقونهم ست مرات في العدد أو أكثر ،وكان على
المسلمين أن يقاتلوهم من كل جانب ،وهو أمر عسير على جيش صغير
بالنسبة لكثرة عدوه ،كما جاء في قول الراوي :فوقف المسلمون في
موقف لم ير أشنع منه ول أخوف عليهم منه ،فقيض الله لهم هذا البطل
المثال ،فأنقذ الله به ذلك الجيش )(2
المغوار الذي أقدم على مغامرة نادرة
السلمي من عسرة كان يعاني منها.
ول ننسى موقف البطال الذين كانوا مع عبد الله بن الزبير
يحمون ظهره ،فإنهم قد شاركوه في تلك المخاطرة ،ولئن لم يذكر
التاريخ أسماءهم فإن عملهم الفدائي قد بقي مخلدا في الدنيا برفع
بأبطالها ،وفي الخرة بما ينتظرون من ذكر هذه المة حينما تفاخر
وعد الله للمجاهدين الصادقين).(3
دم ّالمسلمون الغالي والرخيص في فتوحات إفريقية، هذا وقد ق
واستشهد منهم الكثير ،وممن توفى منم غازيا بإفريقية في خلفة عثمان
أبو ذؤيب الهذلي وكان شاعرا مشهورا ،وهو الذي قال:
ألفيت كل تميمة ل تنفع وإذا المنية أنشبت أظفارها
)(4
أني لريب الدهر ل أتضعضع وتجلدي للشامتين أريهم
160
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
سا :معركة ذات الصواري: خام ً
أصيب الروم بضربة حاسمة في إفريقية ،وتعرضت سواحلهم
للخطر بعد سيطرة السطول السلمي على سواحل المتوسط من
ردوس حتى برقة ،فجمع قسطنطين بن هرقل أسطول بناه الروم
من قبل ،فخرج بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها
لخسارته المتوالية في البر ،فأذن عثمان لصد العدوان ،فأرسل
معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة ،واجتمع مع عبد الله بن
سعد بن أبي السرح في مراكب مصر ،وكانت كلها تحت أمرته،
ومجموعها مائتا سفينة فقط ،وسار هذا الجيش السلمي وفيه
أشجع المجاهدين المسلمين ممن أبلوا في المعارك السابقة؛ فقد
انتصر هؤلء على الروم من قبل في معارك عديدة ،فشوكة عدوهم
في أنفسهم محطمة ،ل يخشونه ول يهابونه ،على الرغم من قلة
عدد سفنهم إذا قيست بعدد سفن عدوهم .خرج المسلمون إلى
البحر وفي أذهانهم وقلوبهم إعزاز دين الله وكسر شوكة الروم،
ولقد كان لهذه المعركة التاريخية أسباب ،منها:
-1الضربات القوية التي وجهها المسلمون إلى الروم في
إفريقية.
أصيب الروم في سواحلهم الشرقية والجنوبية بعد أن سيطر -2
المسلمون بأسطولهم عليها.
-3خشية الروم من أن يقوى أسطول المسلمين فيفكروا في
غزو القسطنطينية.
-4أراد قسطنطين بن هرقل استرداد هيبة ملكه بعد الخسائر
المتتالية بّرا ،وعلى شواطئه في بلد الشام ومصر وساحل برقة.
-5كما أراد الروم خوض معركة ظنوا أنها مضمونة النتائج ،كي
تبقى لهم السيطرة في المتوسط ،فيحافظوا على جزره ،فينطلقوا
منها للغارة على شواطئ بلد العرب.
-6محاولة استرجاع السكندرية بسبب مكانتها عند الروم ،وقد
لقسطنطين بن هرقل ملك الروم .هذه ثبت تاريخيا مكاتبة سكانها
بعض أسباب معركة ذات الصواري).(1
أين وقعت هذه المعركة؟
وهذا السؤال لم يجد المؤرخون له جوابا موحدا؛ فالمراجع
العربية لم تحدد مكانها ،باستثناء مرجع واحد على ما نعلم صرح
بالمكان بدقة ،وآخر قال اتجه الروم إليه.
* في )فتح مصر وأخبارها( )(2ذكر الكتاب خطبة عبد الله بن سعد
بن أبي السرح وقال :قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف
مركب .ولم يحدد مكان المعركة.
)( تاريخ السلم للذهبي ،عهد الخلفاء الراشدين ،ص .359 4
)( ذات الصواري ،شوقي أبو خليل ،ص .61 ،60 1
) (3تاريخ الطبري ).(5/290 )( المصدر نفسه ،ص .61 2
161
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
* )الطبري( ) (1في أخبار سنة 31هـ ،ربط حدوث ذات الصواري
بما أصاب المسلمون من الروم في إفريقية ،وقال :فخرجوا في
جمع لم يجتمع للروم مثله قط.
* ولم يذكر )الكامل في التاريخ( ) (2مكان الموقعة أيضا ،ولكنه
ربط سبب وقوعها بما أحرزه المسلمون من نصر في إفريقية
بالذات.
)(3
* وفي )البداية والنهاية( :فلما أصاب عبد الله بن سعد بن أبي
السرح من أصاب من الفرنج والبربر بلد إفريقية ،حميت الروم
واجتمعت على قسطنطين بن هرقل ،وساروا إلى المسلمين في
جمع لهم لم ير مثله منذ كان السلم؛ خرجوا في خمسمائة مركب
وقصدوا عبد الله بن سعد بن أبي السرح في أصحابه من المسلمين
ببلد المغرب.
)(5 )(4
* )تاريخ المم السلمية( :لم يذكر مكان الموقعة أيضا ،
ورجح الدكتور شوقي أبو خليل أن المعركة كانت على شواطئ
السكندرية ،وذلك للسباب التالية:
والقاهرة( يذكر صراحة: * كتاب )النجوم الزاهرة في ملوك مصر
غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية السكندرية).(6
* تاريخ ابن خلدون يذكر) :(7ثم بعث ابن أبي السرح السرايا
ودوخ البلد فأطاعوا وعاد إلى مصر ،ولما أصاب ابن أبي السرح
إفريقية ما أصاب ،ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا
إلى السكندرية في ستمائة مركب.
* ربطت المراجع العربية التي لم تحدد موقع المعركة بين
حدوث المعركة وبين ما خسره الروم في شمال إفريقية بالذات.
* السطول الرومي صاحب ماض عريق ،فهو سيد المتوسط
قبل ذات الصواري ،فهو أجرأ على مهاجمة السواحل السلمية،
ولذلك رجح الدكتور شوقي أبو خليل مجيء السطول الرومي إلى
شواطئ السكندرية لستعادتها بسبب مكانتها عند الروم ،ومكاتبة
أهلها لملكهم السابق ،وهو بذلك يقضي أيضا على السطول الفتي
في مهده ،الذي شرع العرب في بنائه بمصر ،فتبقى للروم السيطرة
والسطوة في مياه المتوسط وجزره.
* المراجع الجنبية تعرف ذات الصواري بموقعة )فونيكة(،
السكندرية ،بالقرب من مدينة وفونيكة هو ثغر يقع غرب مدينة
مرسى مطروح ،فهي تحدد الموقع تماما).(8
* أحداث المعركة:
قال مالك بن أوس بن الحدثان :كنت معهم في ذات الصواري،
1
) (4النجوم الزاهرة ).(1/80 )( ذات الصواري ،ص .62 5
6
) (6ذات الصواري ،شوقي أبو خليل، )( تاريخ ابن خلدون ).(2/468 7
ص .64 8
162
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فالتقينا في البحر ،فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط ،وكانت
الريح علينا -أي لصالح مراكب الروم -فأرسينا ساعة ،وأرسوا قريبا
منا ،وسكتت الريح عنا ،قلنا للروم :المن بيننا وبينكم ،قالوا :ذلك
لكم ،ولنا منكم (1).كما طلب المسلمون من الروم :إن أحببتم ننزل
إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لحدنا النصر ،وإن شئتم فالبحر .قال
مالك بن أوس :فنخروا نخرة واحدة ،وقالوا :بل الماء الماء ،وهذا
يظهر لنا ثقة الروم بخبرتهم البحرية ،وأملهم في النصر لممارستهم
فطمعوا أحواله وفنونه ،مرنوا عليه فأحكموا الدراية بثقافته وأنوائه
بالنصر فيه ،خصوصا أنهم يعلمون حداثة عهد المسلمين به).(2
بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ،وموقف المسلمين
ي؟ فقالوا :انتظر حرج ،فقال القائد المسلم لصحبه :أشيروا عل ّ
الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا ،فبات المسلمون يصلون
ويدعون الله -عز وجل -ويذكرونه ويتهجدون ،فكان لهم دوي كدوي
النحل على نغمات تلطم المواج بالمراكب ،أما الروم فباتوا
يضربون النواقيس في سفنهم ،وأصبح القوم ،وأراد قسطنطين أن
يسرع في القتال ،ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ
من صلته إماما بالمسلمين للصبح ،استشار رجال الرأي والمشورة
عنده ،فاتفق معهم على خطة رائعة :فقد اتفقوا على أن يجعلوا
المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر ،فكيف تم
للمسلمين ذلك؟ أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم
فاقتربوا حتى لمست سفنهم سفن العدو ،فنزل الفدائيون أو رجال
الضفادع البشرية في عرفنا الحالي إلى الماء ،وربطوا السفن
السلمية بسفن الروم ،ربطوها بحبال متينة ،فصار 1200سفينة
في عرض البحر ،كل عشرة أو عشرين منها متصلة مع بعضها،
ف عبد الله بن سعد فكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة ،وص ّ
المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلوة القرآن
الكريم(3)،خصوصا سورة النفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات
والصبر .
وبدأ الروم القتال ،فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا:
بل الماء الماء ،وانقضوا على سفن المسلمين بدافع المل بالنصر،
مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة السطول
السلمي ،فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم ،وصار
القتال كيفما اتفق ,وكان قاسيا على الطرفين ،وسالت الدماء غزيرة
اصطبغت بها صفحة الماء ،فصار أحمر ،وترامت الجثث في الماء،
وتساقطت فيه ,وضربت المواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل،
وقتل من المسلمين الكثير ،وقتل من الروم ما ل يحصى ،حتى
البيزنطي )ثيوفانس( هذه المعركة بأنها كانت يرموكا )(4
وصف المؤرخ
ووصفها الطبري بقوله :إن الدم كان غالبا في الروم. ثانيا على
الماء في هذه المعركة) ،(5حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد
المسلم عبد الله بن أبي السرح ،كي يبقى جند المسلمين دون قائد،
فتقدمت من سفينته سفينة رومية ،ألقت إلى عبد الله السلسل
) (2ذات الصواري ،ص .66 )( تاريخ الطبري ).(5/292 1
2
) (2تاريخ الطبري ).(5/293 )( ذات الصواري ،ص .67 4
5
163
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أنقذ(1السفينة لتسحبها وتنفرد بها ،ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي
والقائد بأن ألقى بنفسه على السلسل وقطعها بسيفه) .
وصمد المسلمون رغم كل شيء ،وصبروا كعادتهم في معاركهم،
فكتب الله -عز وجل -لهم النصر بما صبروا ،واندحر ما تبقى من
السطول الرومي ،وكاد المير قسطنطين أن يقع أسيرا في أيدي
المسلمين -كما ذكر ابن عبد الحكم -لكنه تمكن من الفرار لما رأى
قواه تنهار وجثث جنده على سطح الماء تلقى بها المواج إلى
الساحل .لقد رأى أسطوله الذي تأمل فيه خيرا ونصرا وإعادة كرامة
جسمه ،والحسرة يغرق قطعة بعد قطعة ،ففر مدبرا والجراحات في
تأكل فؤاده ،يجر خيبة وفشل ،فوصل جزيرة صقلية) ،(2وألقت به
)(3
الريح هناك ،فسأله أهله عن أمره فأخبرهم ،فقالوا :شمت
المسلمون لم نجد من يردهم النصرانية ،وأفنيت رجالها ،لو دخل
فقتلوه ،وخلوا من كان معه من المراكب).(4
* نتائج ذات الصواري:
-1كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها
جَلد
ي الصبر واليمان ،وال َ
المسلمون ،أظهر فيها السطول الفت ّ
والفكر السليم بما تفّتق عنه الذهن السلمي من خطة جعلت
المعركة صعبة على أعدائهم ،فاستحال عليهم اختراق صفوف
المسلمين بسهولة ،كما استخدم المسلمون خطاطيف طويلة
يجرون بها صواري وشرع سفن العداء ،المر الذي انتهى بكارثة
بالنسبة للروم.
-2كانت ذات الصواري حدا فاصل في سياسة الروم إزاء
المسلمين ،فأدركوا فشل خططهم في استرداد هيبتهم ،أو استرجاع
مصر أو الشام ،وانطلق المسلمون في عرض هذا البحر الذي كان
بحيرة رومية ،وانتهى اسم )بحر الروم( إلى البد ،واستطاع
المسلمون فتح قبرص وكريت وكورسيكا وسردينيا وصقلية وجزر
البليار ،ووصلوا إلى جنوة ومرسيليا.
-3قتل قسطنطين فتولى ابن قسطنطين الرابع من بعده ،وكان
حد ًَثا صغير السن ،مما جعل الظروف مواتية لقيام حملة بحرية َ
وبرية إسلمية تستهدف عاصمة روما )القسطنطينية( فيما بعد.
-4العداد الروحي قبل المعركة -أو ما يسمى بالتوجيه المعنوي
في أيامنا هذه -له قيمته في تحقيق النصر؛ حيث تتجه القلوب إلى
الله بصدق ،فهذا المؤمن الذي بات ليله في تهجد وذكر ،يستمد
العون من الله ،من عظمته وعزته ،بعد أن هيأ السباب ،يلقى
العداء بروح عالية ل يهاب الموت ،فالله أكبر من كل شيء ،وهذه
المعارك التي نصف أحداثها التاريخية هي وصفة طبية نعرضها
لنستفيد منها في حياتنا؛ فحياة الصحابة ما هي إل
)(5
للتطبيق والنهج،
للقدوة وسيرة للتباع.
) (4تاريخ ابن خلدون ).(2/468 )( ذات الصواري ،ص .68 1
2
) (6ذات الصواري ،ص .68 )( المصدر نفسه ).(2/468 3
4
) (2المصدر نفسه ،ص .76 )( ذات الصواري ،ص .72 ،71 5
164
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-5أصبح البحر المتوسط بحيرة إسلمية ،وصار السطول
السلمي سيد مياه البحر المتوسط ،وهذا السطول ليس للتسلط
والقرصنة بل للدعوة إلى الله وكسر شوكة المشركين ،ونشر
الحضارة المنبثقة عن كتاب الله وسنة رسوله ×.
-6عكف المسلمون على دراسة علوم البحرية ،وصناعة السفن،
وكيفية تسليحها ،وأسلوب القتال من فوقها ،وعلوم الفلك المتصلة
بتسييرها في البحار ،ومعرفة مواقعهم على المصورات البحرية
المختلفة ،فيما بعد ،فعرفوا الصطرلب )البوصلة الفلكية( ,وطوروها
أمثال: إلى المدى الذي استفاد منه بعد ذلك البحارة الغربيون
كرستوف كولومبس ،وأمريكوفيسبوشي في اكتشافاتهم).(1
-7لقد كانت هذه المعركة مظهرا من مظاهر تفوق العقيدة
دد،الصحيحة الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العدد والعُ َ
فلقد كان الروم هم أهل البحر منذ القدم ،وقد مروا بتجارب طويلة
في الحروب البحرية ،بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب البحر
والقتال البحري ،ولكن الله تعالى أدلى المسلمين عليهم برغم
التفوق المذكور؛ لنه سبحانه قد سخر أولئك المؤمنين لنشر دينه
وإعلء كلمته في الرض .وإن مما يشاد به في هذه المعركة قوة
قائدها عبد الله بن سعد بن أبي السرح ورباطة جأشه ،ومقدرته
الجيدة على إدارة الحروب ،وهي بعد ذلك لون من ألوان بسالة
واستقالتهم في الحروب بأنفسهم في سبيل إعزاز دينهم المسلمين
ورفع شأن دولتهم).(2
سا :أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان : ساد ً
-1تحقيق وعد الله للمؤمنين:
قال ابن كثير في حديثه عن عثمان بن عفان ...:ففتح الله
على يديه كثيرا من القاليم والمصار ،وتوسعت المملكة السلمية،
وامتدت الدولة المحمدية ،وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق
ه
عدَ الل ُ و َ للناس مصداق قولهَ تعالىَ + : الرض ومغاربها ،وظهر
في م ِ ه َْ
فن ّ ُ خل ِ َ ست َ ْ ت لي َ ْ حا ِ صال ِ َ ّ ال لوا ُ م
ِ ع
َ و مَ َ من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ال ّ َ ِ
م ه ُ م ِدين َ ُ ه ْ نل ُ مكن َ َ ّّ ولي ُ َ َ م َ ه ْ من َ ّ َ
قب ْل ِ ِ ن ِ ذي َ
َ
ف ال ِ
َ
خل َ ست َ ْ
َ
ما ا ْ ضك َ ا ّلْر ِ
دون َِني عب ُ ُ
مًنا ي َ ْ مَ أ ْ ه ْ ف
ِ و
ْ خ
َ د
ِ ع
ْ َ ب من ّ هم ُ ّ ن ل ّ د َ بُ ي ل و
َ م ْ هُ ل ضى َ َ ت ر ذي ا ْ ال ِ
مُ ه
ك ُ ف ُِأولئ ِ َ ك َ عدَ ذَل ِ َ ْ َ ب ر َ َ
ف َ ك من َ و
َ ئا ً ْ يشَ بي ِ ن
َ كو ُ ر
ِ ش ْ ُ ي لَ
َ َ ّ
هسول ُ ل َر ُ س َ ذي أْر َ و ال ِ ه َن" ]النور ،[55 :وقوله تعالىُ + : سقو َ ُ ال ْفا ِ َ
ه
ر َ وك َِ ول ْ َ ه َ ّ
ن كل ِ ُ َ ْ ْ ِبال ْ ُ
دي ِ على ال ّ هَرهُ َ ق ل ِي ُظ ِ ح ّ ن ال َ وِدي ِ دى ُ َ ه َ
ن" ]التوبة ،[33 :وقوله ×» :إذا هلك قيصر فل قيصر بعده، ركو َ مش ِ ْ ال ْ ُ
وإذا هلك كسرى فل كسرى بعده ،والذي نفسي بيده لتنفقن
سبيل الله« (3).وهذا كله تحقق وقوعه وتأكد وتوطد في كنوزهما في
زمان عثمان .(4)
-2التطور في فنون الحرب والسياسة:
1
) (2مسلم ،كتاب الفتن ،رقم )،2918 )( التاريخ السلمي ).(12/407 2
(2919 3
165
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
كانت الحروب تنشأ بين الشعوب من أجل قطعة من الرض يراد
تملكها ،أو بسبب اعتداء يقع على بلد أو قبيلة ،ولكنها في عهد النبوة
والعهد الراشدي أصبحت بسبب المبادئ؛ فالمسلمون يريدون أن
تكون عقيدتهم هي السائدة والمهيمنة في الرض ،فاصطدمت بعقائد
فاسدة ومنحرفة كعقائد المشركين والمجوس ،على أن هذا لم يكن
كل شيء في التطور الحربي ،بل نجد لونا جديدا آخر وهو ما كان
يعرضه المجاهدون المسلمون على أعدائهم من :السلم أو الجزية
أو المناجزة ،ونتج عن تلك الفتوح سياسة فذة أرضت جميع الشعوب
إل من كان في قلبه حقد على العدل والمساواة ممن كانت تحدثهم
نفوسهم بالفتن والعصيان(1)،وهؤلء اضطروا المسلمين أحيانا إلى
الشدة معهم والتنكيل بهم .
-3بدء التجنيد اللزامي في عهد عمر واستمراره في عهد
عثمان:
كانت معركة القادسية من أسباب اتخاذ الفاروق لقرار التجنيد
اللزامي ،فقد أمر عماله على القاليم بإحضار كل فارس ذي نجدة
أو رأى أو فرس أو سلح ،فإن جاء طائعا وإل حشروه حشرا وقادوه
بحزمه المشهور قائل :ل تدعوا أحدا إل مقادا ،واستعجلهم في ذلك
ل العجل (2).وكان عمر يفكر في التجنيدج َ
ي ،والعَ َ
وجهتموه إل ّ
اللزامي الموقوف للجهاد ،فلما دّون الديوان ورتب للمسلمين
أرزاقهم السنوية ،خرجت فكرته إلى حيز الوجود ،واقترنت نشأة
الديوان بنشأة التجنيد النظامي الرسمي ،وحددت للجنود النظاميين
عطاياهم ورواتبهم من بيت مال المسلمين ،وعندما أذن عثمان
لمعاوية بالغزو بحرا أمره أن يخير الناس ول يكرههم؛ حتى ل يذهب
أحد إلى هذا الضرب من الغزو إل طائعا مختارا ،أما التجنيد برا
لتمام حركة الفتوح ،فقد ظل في عهده إلزاميا على أصحاب
الرواتب والرزاق)(3من
الجنود النظاميين .
-4اهتمام عثمان بحدود الدولة السلمية:
ترتب على توسع الدولة السلمية في عهد عثمان الستمرار
في سياسة تحصين الثغور للحفاظ على حدود الدولة السلمية من
مهاجمة العداء ،سواء كان ذلك بشحنها بالجند المرابطين أو بناء
الحاميات الدفاعية المختلفة بها ،فكان أول كتاب كتبه عثمان بن
عفان في خلفته لمر الجناد في الثغور لحماية حدود الدولة
السلمية قوله :أما بعد ،فإنكم حماة المسلمين وذادتهم ،وقد وضع
لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان على مل منا ،ول يبلغني عن أحد
منكم تغيير ول تبديل ،فيغير الله ما بكم ويستبدل بكم غيركم،
كيف(4تكونون فإني أنظر فيما أكرمني الله النظر فيه فانظروا
والقيام عليه ) .
عصر الخلفاء الراشدين ،د .عبد الحميد بخيت ،ص .216 )( 1
166
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وتسهيل وتيسيرا للعملية الدارية جمع الخليفة عثمان لمعاوية بن
أبي سفيان الشام والجزيرة وولية ثغورهما في إدارة موحدة ،وكلفه
بغزو ثغر شمشاط بنفسه ،أو أن يولي ذلك من يرتضيه من كبار قواده
)(1
من أصحاب الخبرة والشجاعة الراغبين في الجهاد والحرب مع الروم.
كما كتب أيضا لمعاوية بن أبي سفيان أن يلزم ثغر أنطاكية قوما ،وأن
يقطعهم القطائع به ففعل ذلك (2).وكان يهتم بأمر الثغور ويبعث من
يستعلم له عن بعضها(3)،وعندما غزا معاوية بن أبي سفيان عمورية وجد
الحصون التي فيها بين ثغر أنطاكية وثغر طرسوس خالية من مقاتلة
الروم ،فجعل به جماعة من جند الشام والجزيرة وقنسرين وأمرهم
بالوقوف عندها لتحمي ظهره أثناء انسحابه وانصرافه من غزواته ،ثم
أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد بن الحر العبسي)(4الصائفة وأمره
بفعل الشيء نفسه ،وكانت ولة الصوائف والشواتي إذا دخلوا بلد الروم
فعلوا ذلك؛ حيث يخلفون بها جندا كثيفا إلى خروجهم من أرض العدو)،(5
وقد أبلى معاوية بن أبي سفيان في أثناء إدارته للسواحل الشامية وفي
تحصينها بلء حسنا).(6
وكتب عثمان لعبد الله بن سعد بن أبي السرح يأمره بالحفاظ
على ثغر السكندرية بإلزام الجند المرابطة به وأن يجري عليهم
أرزاقهم ،وأن يعقب بين المرابطين من أجل أنه ل يضر بهم التجمير،
فقال له :قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
بالسكندرية ،وقد نقضت الروم مرتين ،فألزم السكندرية مرابطيها،
ثم أجرِ عليهم أرزاقهم وأعقب بينهم في كل ستة أشهر (7).وكان من
عادة قادة الخليفة عثمان بن عفان إذا تقدموا في الفتوح
واستولوا على حصون العدو قاموا بترميمها كمن سبقهم من القادة،
ثم إسكانها جند المسلمين من المرابطين ،بالضافة إلى استحداثهم
لتحصينات دفاعية جديدة ،فمن تلك الحصون التي قام بترميمها
معاوية بن أبي سفيان :حصون الفرات وهي سميساط) ،(8وملطية),(9
وسمشاط وكمخ) ,(10وقاليقل) ،(11وهي حصون استولى عليها
المسلمون عند فتحهم لرمينية في عهد عثمان ،وقاموا بترميمها
وإسكانها الجند).(12
ففي قاليقل قام القائد حبيب بن مسلمة الفهري بإسكان ألفي
)( سميساط :مدينة على شاطئ الفرات في طرف بلد الروم على غربي 8
الفرات.
)( ملطية :من بلد الروم مشهورة مذكورة ،تتاخم الشام ،وهي للمسلمين. 9
)( كمخ :مدينة بالروم بينها وبين أرزنجان يوم واحد ،معجم البلدان ).(4/479 10
)( قالقيل :بأرمينية العظمى من نواحي خلط ،ثم من نواحي منازجرد. 11
167
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
رجل وأقطعهم بها القطائع ،وجعلهم مرابطين بها (1).وقد كلف
الخليفة عثمان القائد حبيب بن مسلمة بأن يقيم بثغور الشام
والجزيرة لدارتها وحمايتها (2).وعندما فتح البراء بن عازب ثغر
قزوين رتب فيهم خمسمائة رجل من جند المسلمين وعين عليهم
فعمروا(4وأجروا أنهارها قائدا وأقطعهم)(3أرضا وضياعا ل حق فيها لحد،
العاص طميسة) جعل بها وحفروا آبارها .وحين فتح سعيد بن
مرابطة من ألفي رجل وعين عليهم قائدا (5).إلى غير ذلك من
عفان التحصينات التي أنشئت بالثغور في إدارة الخليفة عثمان بن
)(6
،والتي كانت تشحن بالجند لحماية حدود الدولة السلمية.
وعني الخليفة عثمان في إدارته بأمر الصوائف والشواتي؛
حيث عمل على تسييرها وتسهيل أمرها في كل عام ،وكان يتولها
كبار قادته وولته أمثال معاوية بن أبي سفيان الذي بنى جسرا
بمنبج) (7لمرور الصوائف عليه فلم يكن قبل إذ ،وقد فوض الخليفة
عثمان إلى واليه معاوية في غزو الروم وتولى قيادة الصائفة من
يختاره ،فولي معاوية سفيان بن عوف الذي لم يزل على الصوائف
والشواتي على في عهد عثمان ،ولم تقتصر حملت الصوائف
الحدود البرية بل شملت كذلك البحر في عهد عثمان .(8)
-5قسمة الغنائم بين أهل الشام والعراق:
استطاع حبيب بن مسلمة أن يهزم الروم في أرمينية قبل وصول
مدد الوليد بن عقبة من الكوفة ،وغنم أهل الشام غنائم كثيرة ،وبعد
وصول مدد أهل الكوفة اختلفوا في أمر الغنائم ،مما جعل حبيبا
يكتب بذلك إلى معاوية فكتب معاوية ,إلى الخليفة عثمان يخبره
بذلك ،فحكم عثمان بن عفان على أهل الشام أن يقاسموا أهل
العراق ما غنموا من تلك الغنائم ،فلما ورد كتاب الخليفة عثمان بن
)(9
عفان حبيب بن مسلمة قرأه على جند أهل الشام ،فقالوا:
السمع والطاعة لمير المؤمنين ،ثم قاسموا أهل العراق وغنموا.
-6الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدو:
في عهد عثمان استخلف عبد الله بن عامر على خراسان
قيس بن الهيثم السلمي ،حيث خرج منها فجمع قارن جمعا كثيرا من
ناحية الطبسين وأهل بادغيس وهراة وقستهان ،فأقبل في أربعين
ألفا ،فاستشار قيس بن الهيثم عبد الله بن خازم قائل له :ما ترى؟
قال :أرى أن تخلي البلد فإني أميرها ومعي عهد من ابن عامر ،إذا
أميرها ،وأخرج كتابا قد افتعله عمدا ،فكره كانت حرب بخراسان فأنا
قيس مشاغبته وخله والبلد (10).أحب قيس بن الهيثم بفعله هذا أن
يجمع الكلمة بدل من تفريقها حتى ل يحدث الفشل والوهن للجنود،
) (2المصدر نفسه ).(1/241 )( فتوح البلدان ).(1/234 1
2
طبرستان. 4
168
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فتكون الهزيمة ،وقد تم النصر للمسلمين على العداء بحمد الله).(1
-7شرط ما يحتاج إليه الجنود في بنود الصلح:
في عهد عثمان زادت الفتوحات السلمية اتساعا مما جعل
قادته يشترطون في بعض عهودهم للصلح بأن تكون من المواشي
والطعام والشراب لعداد ما يحتاج إليه الجيش؛ من زاد وتموين
وميرة حتى تساعدهم في فتوحاتهم ،فل يتكلفون عناء حمل الميرة
ويستغنون عن طلبها؛ ليكونوا على الحرب أوفر )(2
من القيادة المركزية
وعلى منازلة العدو أقدر.
-8جمع المعلومات عن العداء:
الخليفة عثمان بن عفان استمرت الفتوحات السلمية في عهد
,وكان يهتم بالخبار ويتقصاها بنفسه) ،(3وسار قادته على
منوال من سبقهم من القادة بالعتناء بأمر العيون وتقصي أخبار
العدو (4).كما أنهم جعلوها شرطا من شروط المعاهدات بينهم وبين
المعاهدين حيث طلبوا منهم بأن ينصحوا وينذروا المسلمين بسير
ومعاونتهم بأن يكونوا عليهم جواسيس وإبلغ عدوهم إليهم,
المسلمين بتحركاتهم).(5
-9عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد
عثمان:
قدّيا من الطراز الرفيع ،وكان لتمسكه كان عبد الرحمن قائدا عَ َ
الشديد بعقيدته موضع ثقة رؤسائه ومرؤوسيه على حد سواء،
بالضافة إلى شجاعته وإقدامه وعلمه بأمور الدين ،لذلك بقي قائدا
لمنطقة )باب البواب( وواليا عليها منذ وفاة سراقة بن عمرو حتى
استشهد ،لم يعزل من منصبه على الرغم من تبدل الخلفاء وتغير
الولة والقادة في الكوفة مرجع عبد الرحمن المباشر ،وكان عبد
حرب الفروسية الشريفة ،فل يخون ول يغدر الرحمن يؤمن بوسائل
ول يضرب من الخلف (6).وكان لسيرته الحسنة في منطقة )باب
البواب( وجنوب بحر الخزر وغربه أثر أي أثر في استقرار المور
واستتباب المن والنظام في تلك الربوع ،فأصبحت تلك المناطق
قاعدة أمامية لنشر السلم والفتح شمال ،فثبت السلم في تلك
في وجه مختلف المحن والتيارات منذ أربعة عشر الصقاع النائية
قرنا حتى اليوم).(7
ومن مواقفه الخالدة التي سطرها على صفحات التاريخ عندما
خرج بالناس حتى قطع )الباب( فقال له الملك شهريار :ماذا تريد أن
جر( والترك ،قال :إنا لنرضى منهم أن يدعونا تصنع؟ قال :أريد )ب َل َن ْ َ
من دون )الباب( .قال عبد الرحمن :لكنا ل نرضى منهم ذلك حتى
) (3تاريخ اليعقوبي ).(167 ،2/166 المصدر نفسه ).(1/189 )( 1
2
) (3الردم :قيل سد الصين. المصدر نفسه ،ص .156 )( 7
169
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وتالله إن معنا لقواما لو يأذن أميرنا في المعان نأتيهم في ديارهم،
لبلغت فيهم )الَرْدم( (1) .قال الملك :وما هو؟ فأجابه عبد الرحمن:
أقوام صحبوا رسول الله × ودخلوا في هذا المر بنية ،كانوا أصحاب
حياء وتكرم في الجاهلية ،فازداد حياؤهم وتكرمهم ,فل يزال هذا
المر دائما لهم ،ول يزال النصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم،
وحتى يلفتوا عن حالهم (2).وقد غزا عبد الرحمن )بلنجر( غزاة في
زمن عمر بن الخطاب ،فقال الترك :ما اجترأ علينا إل ومعه الملئكة
تمنعهم من الموت ،فهرب منه الترك وتحصنوا فرجع بالغنيمة
على رأس مائتي فرسخ من والظفر بعد أن بلغه خيله )البيضاء(
)بلنجر( ،وعادوا ولم يقتل منهم أحد (3).ومن الواضح أن معنويات
المسلمين كانت عالية جدا لتتابع انتصاراتهم ،ولتمسكهم بدينهم ،كما
أن معنويات المم التي حاربوها كانت منهارة؛ لن المسلمين غلبوا
المم التي قاتلوها ،لذلك هرب التراك من المسلمين وتحصنوا ،فلم
يحدث قتال فعلي في هذه الغزوة ،فلم يسقط من المسلمين شهيد.
) (4لقد كان عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي على جانب عظيم من
التقوى والخلق الكريم ،وكان تصرفه مع المغلوبين له الثر في
استتباب المن واستقرار النظام وانتشار السلم ،فقد كان وفّيا غاية
الوفاء ،أمينا غاية المانة؛ فقد أرسل ملك الباب رسول إلى ملك
)الصين( مع هدايا -وذلك قبل أن يفتح المسلمون بلده -فعاد رسوله
من رحلته بعد فتح المسلمين لتلك البلد ،وكان مع الرسول العائد
هدايا من ملك الصين بينها ياقوتة حمراء ثمينة ،وكان ملك )الباب(
حين عودة رسوله في مجلس عبد الرحمن ،فتناول الملك من
رسوله تلك الياقوتة ثم ناولها عبد الرحمن ،ولكن عبد الرحمن ردها
فورا إلى الملك بعد أن نظر إليها ،فهتف الملك متأثرا وقال :لهذه
-يعني الياقوتة -خير من هذا البلد )أي باب البواب( ،وأيم الله لنتم
ي حكاما من آل كسرى ،فلو كنت في سلطانهم ثم بلغهم أحب إل ّ
لنتزعوها( مني ،وأيم الله ل يقوم لكم شيء ما وفيتم ووفى
)5
خبرها
ملككم الكبر.
كان من حق ملك المدينة )الباب( وما حولها أن يعجب أشد
العجب ويدهش أشد الدهشة بأمانة القائد المسلم ووفائه ،فقد
عاش هذا الملك عمره كله في دوامة عنيفة من الخيانة وفي جو
مشحون بالغدر ،فلما رأى أمانة المسلمين المثالية ووفائهم المطلق
لم يتمالك نفسه أن نسى ملكه المضاع وملوكه الغابرين ,فعبر عن
بكلمات خارجة من أعماق قلبه إعجابا بما يرى ويسمع من شعوره
أمانة ووفاء).(6
كان عبد الرحمن يعلم أن الستيلء على الياقوتة التي ل تقدر
بثمن ليس من حقه شخصيا ,ول من حق بيت مال المسلمين،
فكانت تلك الياقوتة والتراب عنده سيان ،فقد كان عبد الرحمن
كريما مضيافا شهما غيورا ،ورعا تقيا ،متفقها في الدين تقيا ،ل يملك
1
170
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
شيئا من حطام الدنيا على الرغم من أنه قضى أكثر عمره غازيا
وواليا ،وقد استشهد في عام اثنتين وثلثين للهجرة في منطقة
)بلنجر( (1) .ويعتبر عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي من قادة الفتح في
عهد عثمان ،وقد كانت له صحبة وقد أسلم متأخرا.
-10سلمان بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد
عثمان:
كان هذا الصحابي أول من قضى بالكوفة ،فقد بعثه عمر بن
الخطاب قاضيا بالكوفة قبل شريح ،فلما ولي سعد بن أبي وقاص
الولية الثانية في أيام عثمان بن عفان استقضى سلمان أيضا ،وقد
شهد القادسية فقضى بها ،ثم قضى بـ)المدائن( ،وليس كل إنسان
يصلح للقضاء ،خاصة في أيام عمر بن الخطاب ,أو يصلح لهل
الكوفة التي كانت حينذاك تعج برجالت العرب وكبار الصحابة من
جهة ،وبأخلط شتى من أمم وأقوام وقبائل مختلفة من جهة أخرى،
وهذا دليل على غزارة علم سلمان بالدين الحنيف واستقامته وعدله
وتدينه ،وتمتعه بعقلية راجحة متزنة ،وشخصية قوية نافذة ،مما جعله
موضع ثقة الناس جميعا ،كما أنه تولى المقاسم في فتح )المدائن(
وفي غزوة )الباب( أيضا ،مما يدل على تمتعه بالنزاهة المطلقة .كان
رجل صالحا يحج كل سنة ،روى عنه بعض كبار التابعين ،وكان مثال
نادرا للخلق القويم ،كريما مضيافا شهما غيورا وفيا صادقا محبا
للخير ،يحب للناس ما يحبه لنفسه ،ولم يترك حين استشهاده دينارا
ول دارا ،بعد أن عاش كل حياته مجاهدا
وقاضيا وأميرا.
وقد كان متفوقا على زملئه في الصفات القيادية ،فعندما بعث
عثمان بن عفان كتابا إلى الوليد بن عقبة -عامله على الكوفة-
يأمره به أن يرسل نجدة من أهل الكوفة إلى أهل الشام بقيادة
رجل ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلمه ،لم يتردد الوليد
لحظة في اختيار سلمان لهذا الواجب البالغ الخطورة ،فاختاره من
بين عدد كبير من القادة أصحاب الفتوح واليام الذين كانوا معه أو
كانوا في الكوفة؛ ذلك لن سلمان كان حقا مثال رائعا من أمثلة
النجدة والبأس والشجاعة بالضافة إلى ورعه وتقواه ،لقد كان
شجاعا مقداما سريعا إلى النجدة ،خبيرا بفنون الحرب لممارسته
الطويلة لها ,وله تجارب طويلة في قيادة الرجال ،وكان أبصر
بالمضارب من الجازر بمفاصل الجزور) ،(2مما يدل على أنه كان من
الرماة الماهرين ،وكان ماهرا في الفروسية خبيرا بالخيل ،وكان يلي
الخيل لعمر بن الخطاب ،قد أعد في كل مصر من أمصار
المسلمين خيل كثيرة معدة للجهاد ،وكان في الكوفة أربعة آلف
المجاهدون فرس ،فإذا داهم العدو الثغور السلمية ركبها المسلمون
وساروا مجدين لقتاله) ،(3وكان سلمان يتولى الخيل بالكوفة).(4
وكان شجاعا في الفروسية ،قال سلمان) :قتلت بسيفي هذا
المصدر نفسه ،ص .154 )( 1
171
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
مائة مستلئم) (1كلهم يعبد غير الله ،ما قتلت منهم رجل منهم صبرا(.
إنه ل يقتل حتى عدوه الكافر بالله الذي يعبد غير الله ،ل يقتله في
ويقتله عندما
)(2
ساحة القتال صبرا بل ينذره ثم يصاوله مصاولة النداد،
يجد فرصة لقتله ،فل يكون هذا القتل غدرا ،ول يكون صبرا.
لقد كان مثال للمجاهد الصادق المحتسب ،الذي يجاهد لتكون
كلمة الله هي العليا ل يبالي على أي جنب كان في الله مصرعه،
وأخيرا سقط مضرجا بدمائه ولم يسقط السيف من يده ،إنه قدوة
ولكل( قائد في ماضيه المشرف المجيد ،وفي )3
حسنة لكل جندي
هذا(4وقد استشهد سنة اثنتين وثلثين هجرية الخالدة. أعماله الفذة
أو سنة ثلث وثلثين هجرية) ,رضي الله عنه ,الفقيه المحدث،
الفارس( المغوار، القاضي العادل ،المين النزيه ،الداري الحازم،
البطل الشهيد ،القائد الفاتح سلمان بن ربيعة الباهلي). 5
-11حبيب بن مسلمة الفهري من قادة الفتوح في عهد
عثمان:
كان حبيب على صغر سنه يتنقل من ساحة عمليات إلى ساحة
عمليات أخرى ،فاتحا مرة ،ومددا مرة أخرى ،وكان النصر حليفه في
كل معركة خاضها ،قدم على النبي × وهو بالمدينة غازيا ،وكان
يومئذ صغيرا ،وشهد غزوة تبوك تحت لواء الرسول عليه أفضل
والسلم ،وبهذه الغزوة بدأ جهاده وهو يناهز العشرين من الصلة
عمره القصير) ،(6وحين رآه عمر بن الخطاب صلب العود وقوي
البدن ،جربه تجربة عملية ليرى أي نوع من الرجال هو ،فعرض عليه
خزائن المال وخزائن السلح ،فاختار السلح وعف عن المال،
وتفضيل السلح على المال من مزايا القائد الذي يتغلغل حب
الجندية في أعماق نفسه .وقد تولى قيادة كردوس في معركة
)اليرموك( الحاسمة وهو ابن أربع وعشرين سنة ،مما يدل على
ظهور سماته القيادية مبكرا وهو في ريعان الشباب ،ووله عمر بن
الخطاب عجم )الجزيرة( إداريا وقائدا ،وليس من السهل أن
يولي عمر كل إنسان مثل هذا المنصب الرفيع؛ لن عمر كان يلتزم
بصفات معينة في القائد قل أن تتوافر في الرجال ،أخيرا وله عمر
بن الخطاب ) أرمينية( و)أذربيجان( وهي مناطق شاسعة وقيادة
لشدة شكيمة أهلها ولبعدها عن قواعد المسلمين )(7
مهمة للغاية ،نظرا
الرئيسية والمتقدمة.
ومارس القيادة والدارة في عهد عثمان ،ولقد كان شجاعا
غاية الشجاعة ،مقداما غاية القدام؛ لما توجه لقتال )الموريان( كان
في ستة آلف ،وكان )الموريان( في سبعين ألفا ،فقال حبيب لمن
معه :إن يصبروا وتصبروا فأنتم أولى بالله منهم ،وإن يصبروا
المستلئم :الجندي الذي لبس عدته وأصبح جاهزا للقتال. )( 1
كان عمره يوم تولى منصب قيادة منطقة الجزيرة وإدارتها 28سنة. )( 6
172
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وتجزعوا فإن الله مع الصابرين ،ولقيهم ليل ،فقال :اللهم أجل لنا
واحبس عنا مطرها ،واحقن دماء أصحابي ،واكتبهم شهداء، قمرها،
ففتح الله له (1).فكان من أسباب انتصاره على عدوه -بالضافة إلى
عامل اليمان -هو الهجوم الليلي الذي باغت به العدو ،وجعل
معنوياته تنهار ثم يولي الدبار (2).وكان مثال شخصيا حيا لرجاله من
الشجاعة والقدام ،فقد كان يقود رجاله من المام ،يقول لهم:
اتبعوني ،ول يبقى في الخطوط الخليفة مؤثرا السلمة والعافية،
وحين عزم أن يبّيت )الموريان( سمعته امرأته يذكر ذلك ،فقالت له:
وأين الموعد؟ فقال :سرادق موريان أو الجنة .وبّيت حبيب عدوه
وقتل من صادفه في طريقه ،فلما أتى السرادق وجد امرأته قد
سبقته إليه (3).فلم يكن وحده بطل يضرب لرجاله بأعماله البطولية
أروع المثال ،بل كانت امرأته بطلة يقتفى البطال آثارها في
التضحية والفداء (4).وكان يستشير رجاله ويتقبل مشورتهم ،وكان ل
يستأثر بالرأي دونهم ،بل كان يتصنت ليتلقف آراء رجاله ،ويطبق ما
رآه حسنا ،وينفذ ما يجده صوابا ،بالضافة إلى عقد مؤتمرات
الشورى قبل المعارك وفي أثنائها وبعدها؛ فقد سمع يوما أحد رجاله
يقول :لو كنت ممن يسمع حبيب مشورته ،لشرت عليه بأمر يجعل
الله فيه لنا نصرا وفرجا إن شاء الله ،واستمع حبيب لقوله ،فقال
أصحابه :وما مشورتك؟ فقال :أشير عليه أن ينادي بالخيول فيقدمها،
ثم يرتحل بعسكره فيتبع خيله ،وتوافيه الخيل في جوف الليل،
الفجر ،فيظنون أن وينشب القتال ،ويأتيهم حبيب بسواد عسكره مع
المدد قد جاءهم فيرعبهم الله ،فيهزمهم بالرعب (5).ونادى حبيب
بالخيول ،فوجهها بليلة مقمرة مطيرة ،ثم ارتحل وراء خيوله ،ولكنه
السحر ،فحمل وحمل أصحابه فانهزم العدو عاد إلى عدوه في
وأصابوا غنائم كثيرة).(6
كان حبيب صاحب كيد ،يفكر ويقدر ،ثم يستشير رجاله ويستطلع
ساحة القتال ،ويحصل على المعلومات المستفيضة عن العدو ،ثم
يبني بعد ذلك خطته العسكرية على هدى وبصيرة.
إن أعمال حبيب الجهادية خطط مدبرة ولم تكن خططا ارتجالية،
لذلك رافق النصر أعلمه في أخطر ساحات القتال في الفتح،
وبالضافة إلى تلك المزايا أو قبلها كان حبيب مؤمنا حقا صادق
اليمان ،وكان إذا لقى عدوا أو)(7ناهض حصنا يحب أن يقول :ل حول
ول قوة إل بالله العلي العظيم .
مزايا القائد الفذ :الطبع الموهوب، ذا ،جمعلقد كان حبيب قائدا ف ّ
والعلم المكتسب ،والتجربة العلمية) ،(8والثقة بالله القوي العزيز.
173
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
إن حبيب بن مسلمة أسدى للفتح السلمي خدمات ل تنسى،
فهو بدون شك من ألمع قادة الفتوح في عهد عثمان ،وقد توفى
هذا القائد الفذ سنة اثنتين وأربعين هجرية ,فكان عمره يوم توفى
أربًعا وخمسين سنة قمرية ،وكانت حياته قليلة في تعداد السنوات،
كثيرة في تعداد جلئل العمال ،قصيرة في عمر الزمن ،باقية آثارها
على مر الدهور وتوالي السنين والقرون .رضي الله عن الصحابي
الجليل ،الداري)(9الحازم ،السياسي المحنك ،القائد الفاتح ،حبيب بن
مسلمة الفهري .
***
174
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الرابع
أعظم مفاخر عثمان جمع المة على مصحف واحد
ل :المراحل التي مرت بها كتابة القرآن الكريم: أو ً
-1المرحلة الولى في العهد النبوي:
حيث ثبت بالدليل القاطع ،أن رسول الله × كان يأمر بكتابة
القرآن الذي ينزل عليه ،وثبت أنه كان له كاتب أو كتاب يكتبون
شهر زيد بن ثابت بلقب )كاتب الوحي ،حتى ُ
وب البخاري في كتاب )فضائل ّ وب الوحي(، بكتابة لختصاصه النبي ×
القرآن( )باب كّتاب النبي ×( ،وذكر فيه حديثين:
الول :أنا أبا بكر قال لزيد) :إنك كنت تكتب الوحي لرسول )(1
الله(...
ندو َ ع ُقا ِ ْ
وي ال َ ست َ ِوالثاني :عن البراء قال :لما نزلت +ل َ ي َ ْ
»ادع لي زيدا وليجئ باللوح )(2
ن "...قال النبي ×:
مِني َ م ْ
ؤ ِ ن ال ْ ُ
م َ
ِ
وكان النبي × يكتب والدواة والكتف ،أو الكتف والدواة«.
القرآن في مكة أيضا قبل الهجرة ،وممن كتب له عبد الله بن
سعد بن أبي السرح ثم ارتد ،ثم أسلم عام الفتح ،وله في ذلك
قصة مشهورة قد ذكرتها .والمعروف أن الخلفاء الراشدين
الربعة كانوا كتبة ،فلعلهم كانوا يكتبون القرآن في مكة ،ومما
يدل على أن القرآن كان مكتوبا في مكة قصة إسلم عمر بن
الخطاب ودخوله على أخته ،وبيدها صحيفة فيها سورة طه ،وقد
أعلم الله تعالى في القرآن بأنه -أي القرآن -مجموع في الصحف
ة"ر ً مطَ ّ
ه َ ح ً
فا ّ ص ُه ي َت ُْلو ُ ن الل ِ م َ سو ٌ
ل ّ في قوله تعالىَ+ :ر ُ
]البينة .[2 :وقد توفى رسول الله × والقرآن كله مكتوب لكنه غير
مجموع في موضع واحد ،وكان مكتوبا على العسب واللخاف,
ومحفوظا في صدور الرجال ،ومع حفظه في الصحف وفي
النبي × كل عام مرة، الصدور كان جبريل يعرض القرآن على
وعرض عليه مرتين في العام الذي قبض (3).ويحتمل أن النبي ×
لم يجمع القرآن في مصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ
لبعض أحكامه أو تلوته ،فلما انقضى نزوله بوفاته × ألهم الله
ذلك ،وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على الخلفاء الراشدين
هذه المة المحمدية).(4
-2المرحلة الثانية في عهد أبي بكر :
كان من ضمن شهداء المسلمين في حرب اليمامة كثير من
حفظة القرآن ،وقد نتج عن ذلك أن قام أبو بكر بمشورة عمر بن
الخطاب بجمع القرآن؛ حيث جمع من الرقاع والعظام والعسب
)( البخاري ،كتاب فضائل القرآن ،رقم ).(4986 1
)( المدينة النبوية فجر السلم والعصر الراشدي ،ص ،240نقل عن فتح الباري 4
).(9/12
175
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ومن صدور الرجال) ،(1وأسند الصديق هذا العمل العظيم إلى
الصحابي الجليل زيد بن ثابت النصاري ،يروى زيد بن ثابت
ي أبو بكر لمقتل أهل اليمامة) ،(2فإذا عمر بن فيقول :بعث إل ّ
الخطاب عنده ،قال أبو بكر :إن عمر أتاني فقال :إن القتل قد
استحر) (3يوم اليمامة بقراء القرآن ،وإني أخشى أن يستحر القتل
بالقراء في المواطن) (4كلها فيذهب كثير من القرآن ،وإني أرى أن
تأمر بجمع القرآن ،قلت لعمر :كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله
× )(5؟ فقال عمر :هذا والله خير ،فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح
الله صدري للذي شرح له صدر عمر ،ورأيت في ذلك الذي رأى
عمر ،قال زيد :قال أبو بكر :وإنك رجل شاب عاقل ،ول نتهمك)،(6
وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله × ،فتتبع القرآن فاجمعه (7).قال
زيد :فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما
)(9
كلفني به من جمع القرآن ،فتتبعت القرآن من العسب) (8واللخاف
وصدور الرجال والرقاع والكتاف (10).قال :حتى وجدت آخر سورة
د التوبة مع أبي خزيمة النصاري لم أجدها مع أحد غيره +ل َ َ
ق ْ
م
عن ِت ّ ْ
ما َ عل َي ْ ِ
ه َ زيٌز َع ِ
م َ سك ُ ْ ف ِ ن أ َن َ ُم ْ ل ّسو ٌ م َر ُ جاءَك ُ ْ َ
م" ]التوبة [128 :حتى ٌ حي ِ رّ ف
ٌ ؤوُ رَ نَ ني
ِ مِ ؤْ م ْ ل
ْ ِ ُبا م ُ كْ يَ لعَ ص
ٌ ري ح
َ ِ
خاتمة براءة ،وكانت الصحف عند أبي بكر في حياته حتى توفاه الله،
ثم عمر في حياته حتى توفاه الله ،ثم عند حفصة بنت عمر رضي
الله عنهم).(11
ونستخلص من المرحلة الثانية في جمع القرآن بعض النتائج:
أ -أن جمع القرآن الكريم جاء نتيجة الخوف على ضياعه نظرا
لموت العديد من القراء في حروب الردة ،وهذا يدل على أن القراء
والعلماء كانوا وقتئذ أسرع الناس إلى العمل والجهاد لرفع شأن
السلم والمسلمين بأفكارهم وسلوكهم وسيوفهم ،فكانوا خير أمة
أخرجت للناس ينبغي القتداء بهم لكل من جاء بعدهم.
ب -أن جمع القرآن تم بناء على المصلحة المرسلة ،ول أدل على
ذلك من قول عمر لبي بكر حين سأله كيف نفعل شيئا لم يفعله
رسول الله × :إنه خير .وفي بعض الروايات أنه قال له :إنه والله
خير ومصلحة للمسلمين .وهو نفس ما أجاب به أبو بكر زيد بن ثابت
حين سأل نفس السؤال ،وسواء صحت الرواية التي جاء فيها لفظ
)( حروب الردة وبناء الدولة السلمية ،أحمد سعيد ،ص .145 1
)( هذه الصفات التي جعلت زيدا يتقدم على غيره في هذا العمل. 6
)( الرقاع :جمع رقعة وهي قطع الجلود .الكتاف :جمع كتف ،وهو العظم الذي 10
للبعير أو الشاة.
)( البخاري ،رقم ).(4986 11
176
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المصلحة أو لم تصح فإن التعبير بكلمة خير يفيد نفس المعنى ،وهو
مصلحة المسلمين في جمع القرآن مبني على المصلحة المرسلة
أول المر ،ثم انعقد الجماع على ذلك بعد أن وافق الجميع بالقرار
الصريح أو الضمني ،وهذا يدل على أن المصلحة المرسلة يصح أن
تكون سندا للجماع بالنسبة لمن يقول بحجيتها كما هو مقرر في
كتب أصول الفقه.
ج -وقد اتضح لنا من هذه الواقعة كذلك كيف كان الصحابة
يجتهدون في جو من الهدوء يسوده الود والحترام ،هدفهم الوصول
إلى ما يحقق الصالح العام لجماعة المسلمين ،وأنهم كانوا ينقادون
إلى الرأي الصحيح وتنشرح قلوبهم له بعد القناع والقتناع ،فإذا
وبهذه الروح اقتنعوا بالرأي دافعوا عنه كما لو كان رأيهم منذ البداية،
أمكن انعقاد إجماعهم حول العديد من الحكام الجتهادية).(1
* ما المقومات الساسية لزيد بن ثابت للقيام بهذه
المهمة؟
اختار أبو بكر زيد بن ثابت لهذه المهمة العظيمة ،وذلك لنه
رأى فيه المقومات الساسية للقيام بها ،وهي:
أ -كونه شابا؛ حيث كان عمره 21سنة ،فيكون أنشط لما يطلب
منه.
ب -أكثر تأهيل ،فيكون أوعى له؛ إذ من وهبه الله عقل راجحا فقد كونه
يسر له سبيل الخير.
ج -كونه ثقة ،فليس هو موضعا للتهمة ،فيكون عمله مقبول،
وتركن إليه النفس ويطمئن إليه القلب.
د -كونه كاتبا للوحي ،فهو بذلك ذو خبرة سابقة في هذا المر،
وممارسته عملية له ،فليس غريبا عن هذا العمل ول دخيل عليه).(2
هـ -ويضاف لذلك أنه أحد الربعة الذين جمعوا القرآن على عهد
النبي × ،فعن قتادة قال :سألت أنس بن مالك :من جمع القرآن
على عهد النبي ×؟ قال :أربعة كلهم من النصار :أبي بن كعب،
ومعاذ بن جبل ،وزيد بن ثابت ،وأبو زيد (3).وأما الطريقة التي اتبعها
زيد في جمع القرآن فكان ل يثبت شيئا من القرآن إل إذا كان مكتوبا
بين يدي النبي × ومحفوظا من الصحابة ،فكان ل يكتفي بالحفظ
هم ،وأيضا لم دون الكتابة ،خشية أن يكون في الحفظ خطأ أو وَ ْ
يقبل من أحد شيئا جاء به إل إذا أتى معه شاهدان يشهدان أن ذلك
المكتوب(4كتب بين يدي رسول الله × وأنه من الوجوه التي نزل بها
استمر زيد في جمع القرآن حذرا )(5
القرآن ).وعلى هذا المنهج
متثبتا مبالغا في الدقة والتحري .
الجتهاد في الفقه السلمي ،عبد السلم السليماني ،ص .127 )( 1
التفوق والنجابة على نهج الصحابة ،حمد العجمي ،ص .73 )( 2
النشراح ورفع الضيق بسيرة أبي بكر الصديق ،للصلبي ،ص .206 )( 5
177
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
* الفرق بين المكتوب في العهد النبوي وعهد الصديق:
الفرق بين المكتوب في العهد النبوي وما كتب في عهد أبي بكر:
أن القرآن كان مكتوبا في العهد النبوي ،مفرقا في الصحف واللواح
والُعسب والكرانيف والقصب وأدوات أخرى ،ولم تكن مجموعة
سوره في خيط واحد ،وأما الذي تم في أيام أبي بكر فهو كتابة
القرآن في صحف كل سورة أو سور في صحيفة مرتبة آياته على ما
حفظوه عن رسول الله × ،فكانت مهمة زيد بن ثابت أن يكتب ما
في( صحف ،كل سورة في صحيفة كان مكتوبا في العهد النبوي
مرتبة فيها اليات ترتيبا توقيفيا). 1
-3المرحلة الثالثة في جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
:
* الباعث على جمع القرآن في عهد عثمان:
عن أنس بن مالك :أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان
يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ،فأفزع
حذيفة اختلفهم في القراءة ،فقال حذيفة لعثمان :يا أمير المؤمنين،
أدرك هذه المة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلف اليهود
والنصارى ،فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف
ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ،فأرسلت بها حفصة إلى
عثمان ،فأمر زيد بن ثابت ،وعبد الله بن الزبير ,وسعيد بن العاص،
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ،وقال
عثمان للرهط القرشيين الثلثة :إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في
شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ،فإنما نزل بلسانهم ،ففعلوا
حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ،رد عثمان الصحف إلى
نسخوا ،وأمر بما سواه حفصة ،فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما
من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق).(2
ويؤخذ من هذا الحديث الصحيح أمور ،منها:
أ -أن السبب الحامل لعثمان على جمع القرآن مع أنه كان
مجموعا مرتبا في صحف أبي بكر الصديق إنما هو اختلف قراء
المسلمين في القراءة اختلفا أوشك أن يؤدي بهم إلى أخطر فتنة
في كتاب الله تعالى ،وهو أصل الشريعة ودعامة الدين ،وأساس بناء
المة الجتماعي والسياسي والخلقي ،حتى إن بعضهم كان يقول
لبعض :إن قراءتي خير من قراءتك ،فأفزع ذلك حذيفة ،ففزع فيه
إلى خليفة المسلمين وإمامهم ,وطلب إليه أن يدرك المة قبل أن
تختلف فيستشري بينهم الختلف ويتفاقم أمره ويعظم خطبه،
فيمس نص القرآن وتحرف عن مواضعها كلماته وآياته ،كالذي وقع
بين اليهود والنصارى من اختلف كل أمة على نفسها في كتابها.
ب -أن هذا الحديث الصحيح قاطع بأن القرآن الكريم كان
مجموعا في صحف ومضموما في خيط ،وقد اتفقت كلمة المة
178
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
اتفاقا تاما على أن ما في تلك الصحف هو القرآن كما تلقته عن
النبي × في آخر عرضة على أمين الوحي جبريل عليه السلم ،وأن
تلك الصحف ظلت في رعاية الخليفة الول أبي بكر الصديق ،ثم
انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ،ثم لما
دا معينا في خلفةل عهده أح ًعرف عمر حضور أجله ولم يو ّ
المسلمين ،وإنما جعل المر شورى في الرهط المصطفين بالرضا
من رسول الله × ،أوصى بحفظ الصحف عند ابنته حفصة أم
المؤمنين رضي الله عنها ،وأن عثمان اعتمد في جمعه على تلك
الصحف ،وعنها نقل مصحفه )الرسمي( ،وأنه أمر أربعة من أشهر
قراء الصحابة إتقانا لحفظ القرآن ووعيا لحروفه وأداء لقراءته وفهما
لعرابه ولغته :ثلثة قرشيين وواحدا أنصاريا ،وهو زيد بن ثابت
صاحب الجمع الول في عهد الصديق بإشارة الفاروق ،وفي بعض
الصحف(1اثنا عشر الروايات أن الذين أمرهم عثمان أن يكتبوا من
رجل ،فيهم أبي بن كعب ،وآخرون من قريش والنصار) .
ج -ونأخذ من هذا أن الفتوحات في عهد عثمان كانت بإذن وأمر
من الخليفة ،وأن القرار العسكري يصدر من المدينة ،وأن الوليات
السلمية كلها كانت خاضعة لمر الخليفة عثمان في عهده؛ بل يدل
على أن هناك إجماعا من الصحابة والتابعين في جميع القاليم على
خلفة عثمان .وقدوم حذيفة بن اليمان إلى المدينة ،لرفع اختلف
الناس في قراءة القرآن ،يدل على أن القضايا الشرعية الكبرى كان
في المدينة ،وأن المدينة ما زالت دار السنة يستشار فيها الخليفة
ومجمع فقهاء الصحابة).(2
ثانًيا :استشارة جمهور الصحابة في جمع عثمان:
جمع عثمان المهاجرين والنصار وشاورهم في المر ،وفيهم
أعيان المة وأعلم الئمة وعلماء الصحابة ،وفي طليعتهم علي بن
أبي طالب ،وعرض عثمان هذه المعضلة على صفوة المة
وقادتها الهادين المهديين ،ودارسهم أمرها ودارسوه ،وناقشهم فيها
وناقشوه ،حتى عرف رأيهم وعرفوا رأيه ،فأجابوه إلى رأيه في
صراحة ل تجعل للريب إلى قلوب المؤمنين سبيل ،وظهر للناس في
أرجاء الرض ما انعقد عليه إجماعهم ،فلم يعرف قط يومئذ لهم
مخالف ول عرف عند أحد نكير ،وليس شأن القرآن الذي يخفى على
آحاد المة فضل عن علمائها وأئمتها البارزين).(3
إن عثمان لم يبتدع في جمعه المصحف ،بل سبقه إلى ذلك
أبو بكر الصديق ،كما أنه لم يصنع ذلك من قَِبل نفسه ،إنما فعله
عن مشورة للصحابة -رضي الله عنهم -وأعجبهم هذا الفعل وقالوا:
نعم ما رأيت ،وقالوا أيضا :قد أحسن )أي في فعله في المصاحف(
).(4
179
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حين مشق) (1عثمان وقد أدرك مصعب بن سعد صحابة النبي ×
المصاحف فرآهم قد أعجبوا بهذا الفعل منه) ،(2وكان علي
ينهى من يعيب على عثمان بذلك ويقول :يا أيها الناس ،ل تغلوا
في عثمان ،ول تقولوا له إل خيرا أو قولوا خيرا ,فوالله ما فعل الذي
عن(3مل ٍ منا جميعا -أي الصحابة ,-والله فعل -أي في المصاحف -إل
لو وليت لفعلت مثل الذي فعل) .
وبعد اتفاق هذا الجمع الفاضل من خيرة الخلق على هذا المر
المبارك ،يتبين لكل متجرد عن الهوى أن الواجب على المسلم
الرضا بهذا الصنيع الذي صنعه عثمان وحفظ به القرآن الكريم).(4
قال القرطبي في التفسير :وكان هذا من عثمان بعد أن جمع
المهاجرين والنصار وجلة أهل السلم وشاورهم في ذلك ،فاتفقوا
على جمعه بما صح وثبت من القراءة المشهورة عن النبي ×
)(5
واطراح ما سواها ،واستصوبوا رأيه ،وكان رأيا سديدا موفقا
ثالثـا :الفرق بين جمع الصديق وجمع عثمان رضي الله عنهما:
قال ابن التين :الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع
أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته؛ لنه
لم يكن مجموعا في موضع واحد ،فجمعه في صحائف مرتًبا ليات
سوره على ما وقفهم عليه النبي × .وجمع عثمان كان لما كثر
الختلف في وجوه القراءة حتى قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات،
فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض ،فخشى من تفاقم المر في
ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتًبا لسوره ،واقتصر في
سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم ،وإن كان قد
وسع في قراءاته بلغة غيرهم ،دفًعا للحرج والمشقة في ابتداء المر،
فرأى أن الحاجة قد انتهت ،فاقتصر على لغة واحدة.
وقال القاضي أبو بكر الباقلني :لم يقصد أبو بكر في جمع نفس
القرآن بين لوحين ،إنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة
عن النبي × وإلغاء ما ليس كذلك ،وأخذهم بمصحف ل تقديم فيه ول
تأخير ،ول تأويل أثبت مع تنزيل ،ول منسوخ تلوته كتب مع مثبت
رسمه ومفروض قراءته وحفظه ،خشية دخول الفساد والشبهة على
من يأتي بعد.
وقال الحارث المحاسبي :المشهور عند الناس أن جامع القرآن
عثمان ،وليس كذلك؛ إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه
واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والنصار
لما خشي الفتنة عند اختلف أهل العراق والشام في حروف
القراءات ،فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه القراءات
المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن ،فأما السابق
180
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وقد قال علي :لو وليت لعملت إلى جمع الجملة فهو الصديق،
بالمصاحف التي عمل بها عثمان).(1
وقال القرطبي :فإن قيل :فما وجه جمع عثمان الناس على
مصحفه وقد سبقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه؟ قيل له :إن عثمان
لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف ،أل ترى كيف
أرسل إلى حفصة :أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف
ثم نردها إليك؟ وإنما فعل ذلك عثمان لن الناس اختلفوا في
القراءة لتفرق الصحابة في البلدان ،واشتد المر في ذلك وعظم
اختلفهم وتشبثهم ،ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة
.(2)
رابًعا :هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الحرف
السبعة:
ذهب الشيخ المحقق صادق عرجون -رحمه الله -إلى أن صحف
الصديق التي كانت أصل للمصحف المام بإجماع المسلمين لم تكن
جامعة للحرف السبعة التي وردت صحاح الحديث بإنزال القرآن
عليها ،بل كانت على حرف منها ،هو الذي وقعت به العرضة الخيرة
واستقر عليها المر في آخر حياة رسول الله × ،وإنما كانت الحرف
السبعة أول من باب التيسير على المة ،ثم ارتفع حكمها لما
استفاض القرآن وتمازج الناس وتوحدت لغاتهم .قال المام
الطحاوي :إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ
القرآن على غير لغاتهم؛ لنهم كانوا أميين ل يكتب إل القليل منهم،
فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات،
ولو رام ذلك لم يتهيأ له إل بمشقة عظيمة ،وسع لهم في اختلف
اللفاظ إذا كان المعنى متفقا ،فكانوا كذلك حتى كثرت منهم من
يكتب ,وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله × ،فقدروا بذلك على
تحفظ ألفاظه ,فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلفها .قال ابن عبد
البر :فبان بهذا أن تلك السبعة الحرف إنما كانت في وقت خاص
فارتفع(3حكم هذه
)
لضرورة دعت إلى ذلك ،ثم ارتفعت تلك الضرورة،
السبعة الحرف وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد.
وقال الطبري :إن القراءة على الحرف السبعة لم تكن واجبة
على المة ،وإنما كان جائزا لهم ومرخصا لهم فيه ،فلما رأى الصحابة
أن المة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد أجمعوا
على ذلك إجماعا شائعا ،وهم معصومون من الضللة (4).وهذا الحرف
الذي كتبت به صحف الجماع القاطع ونقل عنها المصحف المام
جامع لقراءات القراء السبعة وغيرها ،مما يقرأ به الناس ونقل
عن(5رسول الله ×؛ لن الحرف الواردة في الحديث غير هذه متواترا
القراءات ).قال القرطبي :قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي
صفرة وغيرهما :هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلء القراء
السبعة ليست هي الحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في
القراءة بها ،وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة ،وهو
)( عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص .178 1
181
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الذي جمع عليه المصحف) ،(1وأقرب الراء إلى الفهم عند ظننا في
معنى الحرف إنما هو الرأي القائل بأنها هي أفصح لغات العرب
وأشهرها ،وهي مبثوثة في القرآن كله ،وإليه ذهب القاسم بن سلم
نحو سبعة أقوال مما وابن عطية في جماعة من الجلء ،وإليه يرجع
ذكره السيوطي في التقان في معنى الحرف).(2
سا :عدد المصاحف التي أرسلها عثمان إلى المصار: خام ً
لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق
بمصحف ،وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي
أرسله إلى الفاق ،وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في
المصار ،فقيل :إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء ،وقيل:
إنها خمسة ،وقيل :إنها ستة ،وقيل :إنها سبعة ،وقيل :إنها ثمانية .أما
كونها أربعة فقيل :إنه أبقى مصحفا بالمدينة ،وأرسل مصحفا إلى
الشام ،ومصحفا إلى الكوفة ،ومصحفا إلى البصرة .وأما كونها
خمسة؛ فالربعة المتقدم ذكرها ،والخامس أرسله إلى مكة .وأما
كونها ستة فالخمسة والمتقدم ذكرها ،والسادس اختلف فيه ،فقيل
جعله خاصا لنفسه ،وقيل :أرسله إلى البحرين .وأما كونها سبعة،
فالستة المتقدم ذكرها ،والسابع أرسله إلى اليمن .وأما كونها ثمانية،
فالسبعة المتقدم ذكرها ،والثامن كان لعثمان يقرأ فيه ،وهو الذي
قتل وهو بين يديه (3).وبعث مع كل مصحف من يرشد الناس إلى
قراءته بما يحتمله رسمه من القراءات مما صح وتواتر ،فكان عبد
الله بن السائب مع المصحف المكي ،والمغيرة بن شهاب مع
المصحف الشامي ،وأبو عبد الرحمن السلمي مع المصحف الكوفي،
قيس(4مع المصحف البصري ،وأمر زيد بن ثابت أن يقرئ وعامر بن
الناس بالمدني) .
سا :موقف عبد الله بن مسعود من مصحف عثمان: ساد ً
لم يثبت أن ابن مسعود خالف عثمان في ذلك ،وكل ما روي
في ذلك ضعيف السناد ،كما أن هذه الروايات الضعيفة التي تتضمن
ذلك تثبت أن ابن مسعود رجع إلى ما اتفق عليه الصحابة في جمع
القرآن ،وأنه قام في الناس وأعلن ذلك ،وأمرهم بالرجوع إلى
جماعة المسلمين في ذلك) .(5وقال :إن الله ل ينتزع العلم انتزاعا،
ولكن ينتزعه بذهاب العلماء ،وإن الله ل يجمع أمة محمد × على
اجتمعوا عليه ،فإن الحق فيما اجتمعوا ضللة ،فجامعوهم على ما
إلى عثمان (6).وقد ورد عن ابن كثير رجوع ابن )(7
عليه ،وكتب بذلك
ذلك(8فقال :وقد ورد أن ابن الذهبي وأكد ، الوفاق مسعود إلى
مسعود رضي وتابع عثمان ولله الحمد ).ول يلتفت إلى ما كتبه طه
حسين في قضية المصحف وعلقة عثمان مع ابن مسعود وما ساقه
) (2المصدر نفسه ،ص .78 أضواء البيان في تاريخ القرآن ،ص .77 )( 3
4
فتنة مقتل عثمان بن عفان ) (4) .(1/78المصدر نفسه ).(1/79 )( 5
6
182
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بأسلوب مسموم ،فيه أفكار أخذها من أساتذته المستشرقين).(1
الذين اعتمدوا على روايات ضعيفة ورافضية في تشويه علقة
الصحابة ببعضهم رضي الله
عنهم جميعا.
إن ابن مسعود الذي ترك صلة القصر في منى خشية من
المنبر الخلف والفتنة ومتابعة للخليفة ،هل يتوقع منه أن يصعد
ويحرض الناس على الخلف ،وهو القائل :إن الخلف شر).(2
إن مؤرخي الروافض زّوروا روايات ونسبوها لبن مسعود
وموقفه من عثمان رضي الله عنهم ،وأظهروا في تلك الكاذيب
الصحابة قوما متنازعين متباغضين ،متعنتين متفاحشين في القول،
وهي روايات ساقطة ل تثبت أمام النقد الهادئ الموضوعي،
ويرفضها الذوق المؤمن والعقل الفطن ،وقد زعمت الرافضة كذبا
وزورا بأن ابن مسعود كان يطعن على عثمان ويكفره ،ولما حكم
عثمان ضربه حتى مات ،وهذا كذب بّين على ابن مسعود ،فإن علماء
النقل يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفر عثمان بل لما بويع عثمان
بالخلفة سار عبد الله بن مسعود من المدينة إلى الكوفة ،ولما
وصل إليها حمد الله وأثنى عليه ثم قال :أما بعد ،فإن أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب مات فلم نر يوما أكثر نشيجا من يومئذ ،وإنا
اجتمعنا أصحاب محمد فلم نأل عن خيرنا ذي ُفوق ،فبايعنا أمير
المؤمنين عثمان فبايعوه (3).وهذه الكلمات الواضحة أكبر دليل على
تلك المكانة الرفيعة لعثمان بن عفان في قلب ابن مسعود وعند
جميع الصحابة ،أولئك الذين مدحهم الله تعالى ورضي عنهم ،وهم
َ
ه
قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ
نآ َ ها ال ّ ِ
ذي َ خير من فقه قوله سبحانهَ+ :يا أي ّ َ
دا" ]الحزاب .[70 :فقول عبد الله بن مسعود دي ً ول ً َ
س ِ قوُلوا َ
ق ْ و ُ
َ
صدق ل يعدو الحقيقة ،كما أنه نابع عن قناعته وصادر عن محض
إرادته ،ما قاله خوفا ول خشية ،ولم يقذف به هكذا رخيصا للستهلك
والتغرير ،أو ليحوز مكانة ومنصبا في الخلفة الجديدة .إذن فمن
بدهيات المور وأولياتها أن ليس ثمة حقد أو بغضاء في قلب أحدهما
على الخر ،وإن حدث شيء فإنما هو من أجل الحق وصالح
المسلمين) ،(4ويندرج تحت فقه النصيحة وآدابها وتأديب الخليفة
لرعيته ،وأما ما زعم الروافض ومن سار على نهجهم من أن عثمان
ضرب ابن مسعود حتى مات فهذا كذب باتفاق أهل العلم ،قال أبو
بكر بن العربي :وأما ضربه لبن مسعود ومنعه عطاءه فزور (5).فل
وجهة للرافضة بالطعن على عثمان بقصة ابن مسعود هذه ,فإنه لم
يضربه ولم يمنعه عطاءه ،وإنما كان يعرف له قدره ومكانته ،كما
كان ابن مسعود شديد اللتزام بطاعة إمامه الذي بايع له وهو يعتقد
عبد الله بن مسعود ،عبد الستار الشيخ ،ص .335 )( 2
183
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أنه خير المسلمين وقت البيعة).(1
سابًعا :فهم الصحابة ليات النهي عن الختلف:
ول َ ما َ ه َ قال تعالىَ + :
عوهُ َ فات ّب ِ ُ قي ً ست َ ِ م ْ طي ُ صَرا ِ ذا ِ ن َ وأ ّ َ
هم بِ ِ صاك ُ ْ و ّ م َ ه ذَل ِك ُ ْ سِبيل ِ ِ عن َ م َ فّرقَ ب ِك ُ ْ فت َ َ ل َ سب ُ َ عوا ال ّ ت َت ّب ِ ُ
ن" ]النعام ,[153 :فالصراط المستقيم هو القرآن َ قو ُ عل ّ ْ َ ّ
ت ت م ُ ك لَ َ
والسلم والفطرة التي فطر الله الناس عليها ،والسبل هي الهواء
ل" سب ُ َ عوا ال ّ ول َ ت َت ّب ِ ُ مجاهدَ + : والفرق والبدع والمحدثات ،قال
يعني البدع والشبهات والضللت).(2
ونهى الله -سبحانه وتعالى -هذه المة عما وقعت فيه المم
السابقة من الختلف والتفرق من بعد ما جاءتهم البينات ،وأنزل الله
قوا فّر ُ ن تَ َ ذي َ كال ّ ِ ُ
كوُنوا َ ول َ ت َ ُ إليهم َالكتاب فقال سبحانهَ + :
بعذا ٌ َ م َ ه ْ َ
وأولئ ِك ل ُ َ َ ت َ م ال ْب َي َّنا ُ ه ُ جاءَ ُ ما َ د َ ع ِ من ب َ ْ فوا ِ خت َل ُ وا ْ َ
م" ]آل عمران.[105 : ظي ٌ ع ِ َ
ونهى المة أن يكون أفرادها من َالمشركين ،الذين فرقوا دينهم
فا حِني ً ن َ دي ِْ ك ِلل ّ ه َ ج َ و ْ م َ ق ْ فأ ِ وكانوا شيعا ،فقال عز من قائلَ + :
ه
ق الل ِ ل خ َ ِ ل ل َ دي ِ ْ ب َ ت َ ل ها َ ْ ي عل َ َ س
الّنا َ فطََر ه ال ِّتي َ ت الل ِ فطَْر َ ِ
ِ َ َ ْ َ َ َ ْ َ
ن مِنيِبي َ نُ مو َ ُ عل س ل يَ ْ َ ُِ نا ّ ال ر َ َ ث ك أ نّ ِ ك ل و
َ م ُ ّ ي ق ل ا نُ ديّ ال ك ِ ل ذَ
ن ْ ْ َ قوه وأ َ ُ َ
كي َ ر ِ ِ ش مُ ل ا ن َ م ِ نوا ُ كو َ ت ل و
َ َ َ ة ل صّ ال موا ُ قي ِ َ ُ ّ ت وا َّ هِ ْ ي ل إِ
م
ه ْ ْ ي َ د ما ل َ َ ِ ب بٍ زْ حِ لّ ُ ك عاً َ ي شِ نوا ُ كا و
َ م
ْ ه
ُ َ ن دي ِ قوا ُ ر ّ ف َ ن َ ذي ِ ل ا ن
َ م ِ
ِ َ
ن" ]الروم.[32 -30 : حو َ ر ُ ف ِ
وأخبر سبحانه وتعالى أن)(3رسول الله × برئ من الذين يفرقون
قوا فّر ُ ن َ ذي َ َ ن ال ّ ِ دينهم ويكونون شيعا وأحزابا ,قال تعالى+ :إ ِ ّ
َ
م إ ِلى ْ ُ ْ ه
ُ ر م أ ما ء ِ َ ّ ن إ ي ٍ ش ْ في َ م ِ ه ْ من ْ ُ ت ِ س َ عا ل ّ ْ شي َ ً كاُنوا ِ و َ م َ ه ْ ِدين َ ُ
ن" ]النعام.[159 : علو َ ُ ف َ ما كاُنوا ي َ ْ َ ِ َ ب هم ُ ُ ئّ ب َ ن ُ ي م ه ّ ُ ث الل ِ
ويظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان مدى فهم
الصحابة -رضي الله عنهم -ليات النهي عن الختلف؛ حيث إن الله
نهى عن الختلف وحذر منه ،فلعمق فهمهم لهذه اليات ارتعد
حذيفة عندما سمع بوادر الختلف في قراءة القرآن ،فرحل فورا
إلى المدينة النبوية ،وأخبر عثمان بما رأى وبما سمع ،فسرعان
ما قام عثمان يخطب الناس ،يحذرهم من مغبة هذا الخلف ،ويشاور
الصحابة -رضوان الله عليهم -في الحل لهذه المحنة التي بدأت
بالظهور ،وفي مدة قصيرة يحسم المر ويغلق باب الخلف الذي كاد
أن ينفتح بجمع الصحف ونسخها في مصحف واحد من المصادر
الموثوقة جدا ،وبإغلق باب الفتنة هذا فرح المسلمون ،بينما اغتاظ
المنافقون الذين كانوا قد استبشروا ببوادر الخلف التي كانوا
ينتظرونها بفارغ الصبر ويسعون إلى تحقيقها ،ولما حسم الخلف،
ولم يجد أولئك طريقا إلى استنهاضه ،ازداد حقدهم على عثمان
وسعوا إلى التشنيع عليه وتصوير حسنته هذه سيئة ،وتلمسوا في
سبيل إثبات ذلك خيوط العنكبوت الواهية ،ليطعنوا فيه ويسوغوا
)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام.(3/1066) ، 1
)( دراسات في الهواء والفرق والبدع ،ناصر العقل ،ص .49 3
184
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عليه(1بها ،مظهرين للناس أن هذه الحسنة سيئة تستوجب خروجهم
الخروج عليه) .
إن الصحابة -رضوان الله عليهم -لم يتركوا كل قارئ على قراءته
الصحيحة ،بل جمعوهم على قراءة واحدة ،فاجتمع شملهم وتوحد
لتاريخ عهد الخلفاء صفهم ،وهذا درس عظيم نستلهمه من دراستنا
الراشدين ،الحافل بالعبر والدروس ومواطن القدوة).(2
قال رسول الله ×» :إن الله يرضى لكم ثلًثا :أن تعبدوه ول
بحبل الله جميعا ول تفرقوا ،وأن )(3
تشركوا به شيئا ،وأن تعتصموا
ن وله الله أمركم«. م ْ
تناصحوا َ
إن طريق العتصام بحبل الله أن نلتزم بكتاب الله وسنة رسوله
× ،وهذا الصل من آكد الصول في هذا الدين العظيم ،يقول ابن
تيمية -رحمه الله :-وهذا الصل العظيم -وهو السلم -مما عظمت
وصية الله تعالى به في كتابه ،ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل
وغيرهم ،مما عظمت به وصية النبي × في مواطن عامة الكتاب
وخاصة) .(4ولذلك أمر الله تعالى ورسوله × بكل ما يحفظ على
المسلمين جماعتهم وألفتهم ،ونهى عن كل ما يعكر صفو هذا المر
العظيم.
إن ما حصل من فرقة بين المسلمين وتدابر وتقاطع وتناحر،
بسبب عدم مراعاة هذا الصل وضوابطه مما ترتب عليه تفرق في
وضعف في التحاد ،وأصبحوا شيعا وأحزاًبا كل حزب بما الصفوف،
لديهم فرحون).(5
إن وحدة المسلمين واجتماعهم مطلب شرعي ،ومقصد عظيم
من مقاصد الشريعة؛ بل من أهم أسباب التمكين لدين الله تعالى،
ونحن مأمورون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر ،فل بد من تضافر
الجهود بين الدعاة وقادة الحركات السلمية ،وبين علماء المسلمين
قا ل تلفيقّيا؛ لن أنصاف حا حقي ً
وطلبة العلم لصلح ذات البين إصل ً
الحلول تفسد أكثر مما تصلح ،قال الشيخ عبد الرحمن السعدي
-رحمه الله :-الجهاد نوعان؛ جهاد يقصد به صلح المسلمين
وإصلحهم في عقائدهم وأخلقهم وآدابهم وجميع شئونهم الدينية
والدنيوية ،وفي تربيتهم العلمية وهذا النوع هو الجهاد وقوامه ،وعليه
يتأسس النوع الثاني ،وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على السلم
والمسلمين من الكفار والمنافقين والملحدين وجميع أعداء الدين
ومقاومتهم ،وهذان نوعان :جهاد بالحجة)(6والبرهان واللسان ،وجهاد
بالسلح المناسب في كل وقت وزمان .ثم أفرد فصل بعنوان:
الجهاد المتعلق بالمسلمين بقيام اللفة واتفاق الكلمة (7).وبعد أن
ذكر اليات والحاديث الدالة على وجوب تعاون المسلمين ووحدتهم
)( فتنة مقتل عثمان بن عفان ) (2) .(1/82المصدر نفسه ).(1/83 1
2
) (4مجموع الفتاوى ).(22/359 )( مسند أحمد ).(26 ،1/2 3
4
)( تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين ،للصلبي ،ص .307 5
185
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
قال :فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الصل في تأليف
المسلمين واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية قلوب
والدنيوية).(1
ولذلك نرى أن الخذ بالسباب نحو تأليف قلوب المسلمين
وتوحيد صفهم من أعظم الجهاد؛ لن هذه الخطوة مهمة جدا في
إعزاز المسلمين وإقامة دولتهم ،وتحكيم شرع ربهم ،وهذا من فقه
الخلفاء الراشدين ،ويتجلى في أبهى صورة في جمع عثمان للمة
على مصحف واحد.
***
186
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل الخامس
مؤسسة الولة في عهد عثمان
المبحث الول
أقاليم الدولة في عهد عثمان وسياسته مع الولة
ل :مكة المكرمة: أو ً
(1وواليه على مكة خالد بن العاص بن توفى عمر بن الخطاب
هشام بن المغيرة المخزومي) ,وقد أبقاه عثمان فترة من
الوقت يصعب تحديدها ثم قام بعزله ،ولم ترد أخبار عن سبب ذلك،
إضافة إلى صعوبة تحديد أهم أعماله .وقد قام عثمان بعد عزله
بتولية علي بن ربيعة بن عبد العزى ،ثم قام عثمان بعد ذلك
بتولية مجموعة من المراء على مكة يصعب تحديد فترات وليتهم
منهم عبد الله بن عمرو الحضرمي ،الذي كان أحد عمال عثمان على
مكة ،كما أن النصوص تثبت أن عثمان قد أعاد خالد بن العاص
بن هشام على مكة مرة أخرى ،وتؤكد بعض المصادر أن عثمان
ي بعزله وتولية غيره (2).وهذه توفي وخالد على مكة فقام عل ّ
تذكر(3أن عبد الله بن التي الروايات الرواية على ما يبدو أثبت من
الحضرمي هو الوالي على مكة حين قتل عثمان ).وقد تميزت مكة
المستمر رغم ما وقع في بعض المصار من في عهد عثمان بالهدوء
فتنة في أواخر عهد عثمان).(4
ثانًيا :المدينة النبوية:
تعد المدينة المنورة من أهم المدن السلمية في عهد عثمان,
بها مركز الخلفة وإليها تفد الوفود من مختلف المصار ،والجناد
السلمية ،ويقيم بها كثير من شيوخ الصحابة من المهاجرين
والنصار ،وبذلك تكتسب أهمية خاصة .وقد كان عثمان بحكم خلفته
مقيما بها ويتفقد أحوالها ،حتى إنه كان يسأل عن أسعار المواد
الغذائية وعن أخبار الناس (5).وكان عثمان إذا سافر إلى الحج
يستخلف أحد الصحابة على المدينة حتى يرجع ،وكثيرا ما كان
يستخلف زيد بن ثابت (6).وكان في المدينة بيت مال وديوان
للعطيات كغيرها من المصار ،وتعتبر المدينة من أكثر المصار
السلمية هدوًءا خلل عصر عثمان سوى ما حدث في أيامه الخيرة
وصول جيوش الفتنة وحصار عثمان من اضطراب الحوال فيها بعد
وخروج بعض كبار الصحابة منها).(7
)( تجريد أسماء الصحابة ،المام الذهبي ،ص .151 1
)( الولية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين ،د .عبد العزى العمري ) 2
.(1/166
)( نهاية الرب في فنون الدب للنويري ).(2/27 3
187
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ثالثـا :البحرين واليمامة ): (1
توفي عمر بن الخطاب وعلى البحرين عثمان بن أبي
العاص الثقفي فأقره عثمان عليها فترة من الوقت ،وتدل
الروايات على أن عثمان بن أبي العاص كان على ولية
البحرين بعد مبايعة عثمان بثلث سنين؛ أي سنة 27هـ ،بدليل
مشاركته بجيشه مع جيش البصرة في بعض الفتوح (2).ويبدو
أن التعاون الذي بدأ بين ولية البحرين وولية البصرة في عهد
عمر أخذ يشتد ويقوى في عهد عثمان خصوصا بعد تولية )عبد
)(3
على البصرة؛ حيث أصبح عامل الله بن عامر بن كريز(
البحرين أحد القواد التابعين لعبد الله بن عامر والي البصرة،
كما أن النصوص التاريخية تفيد تبعية ولية البحرين للبصرة
-إلى حد ما -واندماجها معها ،بحيث أصبح ابن عامر يعين
)(4
ويؤكد أحد الباحثين هذا التعاون في العمال عليها من قبله.
قوله :وفي زمن الخليفة عثمان بن عفان ألحقت البحرين
بالبصرة عندما أصبحت الخيرة قاعدة لفتوح فارس وجنوب
إيران ،فصار ولتها تابعين لمير البصرة ,وقد عزز هذا صلة
البصرة بالبحرين ووثقها (5).وقد ذكر من ولة عثمان على
البحرين مروان بن الحكم ،وعبد الله بن سوار العبدي ،وقد
توفي عثمان وعبد الله على البحرين (6).وقد كان للبحرين في
أيام عثمان دور كبير في تلك الفتوح). (7
وقد كانت الوضاع داخل البحرين مستقرة حتى وفاة عثمان،
وأما اليمامة فقد كانت في عهد عمر تابعة لولية البحرين وعمان
إلى حد كبير ،بل إن والي البحرين هو الذي كان يبعث عليها المراء
أحيانا ،أما في عهد عثمان فالذي يبدو أن اليمامة كان عليها وال
من قبل عثمان مباشرة ,وقد ورد ذكره في أحداث الفتنة بعد مقتل
مباشرة؛ إذ وصلته بعض الكتب في تلك الفترة ممن غضبوا عثمان
لمقتل عثمان).(8
رابًعا :اليمن وحضرموت:
توفي عمر وعامله على اليمن )يعلى بن ُ
منّية( ،وكان في
طريقه إلى المدينة بناء على طلب عمر إذ جاءه كتاب من عثمان
قبل عثمان له يخبره بوفاة عمر وبيعة الناس لعثمان ،واستعماله من
على صنعاء ،فاستمر على صنعاء إلى وفاة عثمان (9).وكان على
)( البحرين :كانت تطلق على المناطق التي تشمل إمارات الخليج العربي 1
)( البحرين في صدر السلم ،عبد الرحمن بن النجم ،ص .141 5
188
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
مدينة الجند عبد الله بن ربيعة الذي استمر واليا عليها طيلة عهد
عثمان .(1)ويبدو أن هناك ولة آخرين كانوا على بقية من اليمن،
ولكن المصادر الرئيسية ركزت على هذين الواليين في الغالب ،كما
أن المصادر لم تفصل القول في أحداث اليمن خلل عصر عثمان،
كما يقل إيرادها للمراسلت بين عثمان وولته في اليمن سوى ما
ذكره من أوامر عامة مرسلة لجميع الولة (2).وقد اشتهر عن أهل
اليمن خلل عصر عثمان طاعتهم وانقيادهم لولتهم ،يدل على ذلك
ما روي من أن عثمان بعث رجل ثقفيا إلى اليمن ،فلما عاد سأله
عثمان(3عن أهلها فقال :رأيت قوما ما سئلوا أعطوا حقا كان أو
)
باطل.
ومن المعروف أن العديد من القبائل اليمنية هاجرت خلل
الفتوح في أيام عمر بن الخطاب إلى المصار السلمية الجديدة
سواء في العراق أو مصر أو الشام ،وبالتالي فإن صلت اليمن
وأهلها بهذه المصار لم تتوقف طيلة عهد عثمان؛ حيث نجد لناس
من يهود اليمن دورا خطيرا في أحداث الفتنة التي قامت أواخر عهد
عثمان ،واستشهد فيها
عثمان ,وعلى رأس هؤلء الوالغين في الفتنة )عبد الله بن سبأ(،
وبعد مقتل عثمان ترك اليمن عدد من ولتها وقدموا إلى الحجاز
للمشاركة فيما يجري من أحداث ،ومنهم يعلى بن منية وعبد الله بن
ربيعة).(4
سا :ولية الشام: خام ً
الخلفة كان معاوية واليا على معظم حينما جاء عثمان إلى
الشام فأقره عثمان عليها) ،(5كما أقر بعض الولة الخرين على
ولياتهم كاليمن والبحرين ومصر وغيرها من الوليات .وقد تطورت
الحداث وضمت إلى معاوية بعض المناطق الخرى حتى أصبح
معاوية هو الوالي المطلق لبلد الشام ،بل أصبح أقوى ولة عثمان
وأشدهم نفوذا ،وقد كان في بداية خلفة عثمان ولة آخرون منهم:
عمير بن سعد النصاري وكان على حمص ،وينافس معاوية بن أبي
سفيان في المكانة لدى عثمان إل أن عميرا مرض مرضا أعياه
عن القيام بأعباء الولية ،فطلب من الخليفة عثمان أن يعفيه ،فأعفاه
وضم وليته إلى معاوية بن أبي سفيان ،وبذلك زاد نفوذ معاوية فامتد
إلى حمص التي ولى عليها من قبله عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
) (6كما توفى علقمة بن محرز -وكان على فلسطين -فضم عثمان
وليته إلى ولية معاوية بن أبي سفيان فاجتمعت الشام لمعاوية
بعد سنتين من خلفة عثمان ،وأصبح الوالي المطلق فيها طيلة
الباقية من خلفة عثمان حتى توفي عثمان وهو عليها كما السنوات
هو معروف (7).وقد كانت فترة ولية معاوية على الشام مليئة
تاريخ خليفة بن خياط ،ص .179 )( 1
تاريخ اليمن السياسي في العصر السلمي ،حسن سليمان ،ص .79 )( 3
189
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بالحداث ،كانت الشام من أهم مناطق الجهاد ،ومع أن الشام في
ت محاولت الروم داخلها قد استقرت أوضاعها وسادها السلم وقل ّ ْ
إثارة القلقل فيها ،إل أن الشام كانت متاخمة لرض الروم ،وبالتالي
كان المجال مفتوحا أمام معاوية للجهاد في تلك النواحي ،وقد تحدثنا
عنها فيما مضى ،وقد كان لمعاوية ثقله السياسي في الدولة
السلمية أواخر خلفة عثمان ؛ إذ كان ضمن الولة الذين جمعهم
عثمان ليستشيرهم حين بدأت ملمح الفتنة تلوح في الفق ،كما
ظهرت له آراء خاصة في هذا الجتماع وجهها إلى عثمان) ،(1وسيأتي
الحديث عنها بإذن الله تعالى.
سا :أرمينية:
ساد ً
بدأت الجيوش السلمية بالتوجه إلى أرمينية لول مرة في عهد
عثمان ؛ حيث توجه أول جيش إسلمي إلى تلك المنطقة من بلد
الشام ،وهي من أقرب الوليات إليها ،يقوده حبيب بن مسلمة
الفهري وقوامه حوالي ثمانية آلف مقاتل ،واستطاع هذا الجيش أن
يفتح العديد من المواقع في أرمينية ،إل أنه أحس بالخطر نتيجة
تجمع حشود من الروم لمساعدة الرمن في حروبهم ضد
المسلمين ،فطلب المساعدة من الخليفة الذي أمر بتسيير جيش
من الكوفة قوامه ستة آلف رجل تقريبا ويقوده سلمان بن ربيعة
الباهلي (2).وقد حدث نزاع بعد ذلك بين حبيب بن مسلمة وسلمان
الخليفة عثمان عليه ،فقام بالكتابة إلى القوم وحل
)(3
بن ربيعة ،وقف
قيادة تولى ربيعة بن سلمان أن ويبدو بينهما. المشكلة التي
على أرمينية) ،(4ثم بإمرته عثمان إليه كتب حيث السلمية؛ الجيوش
توغل سلمان بن ربيعة في أرمينية ثم بلد )الخزر( ) (5فاتحا ومنتصرا،
حتى وقعت معركة حامية بين جيشه وقوامه عشرة آلف رجل
وجيش ملك الخزر وقوامه ثلثمائة ألف -كما تقول الروايات -فقتل
سلمان وجميع جنوده ،وقد كتب عثمان إلى حبيب بن مسلمة أن
يسير مرة أخرى إلى بلد أرمينية ,فاتجه بجيشه وقام بفتح المواقع
أخرى ،وثبت أقدام المسلمين فيها ،وعقد بعض المعاهدات مرة بعد
مع أهل البلد) ،(6ثم رأى عثمان أن يوجهه إلى ثغور الجزيرة
لخبرته بها وقدرته عليها ،وعين مكانه على أرمينية حذيفة بن اليمان
بالضافة لوليته على أذربيجان؛ حيث قام بعدة غزوات نحو بلد
الخزر من أرمينية) ،(7وبعد ما يقرب من سنة عزله عثمان وولى على
أرمينية المغيرة بن شعبة حتى توفى عثمان وهو عليها وعلى
أذربيجان في الوقت نفسه (8).وتعد هذه الولية إضافة جديدة أضافها
عثمان إلى الدولة السلمية ولم تكن فتحت قبله ،وقد لقي
المسلمون عناء شديدا في فتحها وتنظيمها وضبط أمورها).(9
الولية على البلدان ).(1/176 )( 1
الخزر :بلد الترك في آسيا الوسطى ،وهي الن في جنوب روسيا. )( 5
190
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
سابًعا :ولية مصر:
الخطاب هو عمرو بن العاص كان والي مصر في خلفة عمر بن
الذي حكمها ما يقرب من أربع سنوات (1).وتوفي عمر وهو وال
عليها ،وقد أقره عثمان بن عفان في بداية خلفته فترة من الوقت,
وكان يساعده في عمله في بعض نواحي مصر عبد الله بن أبي
السرح) (2الذي كان مصاحبا لعمرو بن العاص منذ أيام فتوحه في
فلسطين؛ حيث كان من ضمن قواده واشترك معه)(4في فتوح مصر.
) (3وقد عينه عمر على بعض صعيد مصر بعد فتحها ,ويبدو أن
عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح حدث بينهما
خلف في وجهات النظر ،فوفد عمرو بن العاص على عثمان بعد
مبايعته بالخلفة ،وطلب منه عزل عبد الله بن سعد عن ولية
الصعيد ،فرفض عثمان ذلك ,وذكر له أن عمر هو الذي ولى ابن أبي
السرح ،وأنه لم يأت بما يوجب العزل ،فأصر عمرو على عزله،
وأصر عثمان على عدم موافقته ،ونتيجة لصرار كل من الطرفين
مصر وتولية على رأيه ،رأى عثمان أن من الصلح عزل عمرو عن
عبد الله بن أبي السرح مكانه ،وهذا ما حدث بالفعل (5).وفي هذه
الظروف قام الروم بالغارة على السكندرية والستيلء عليها وقتلوا
جميع من فيها من المسلمين ،فرأى أمير المؤمنين تعيين عمرو على
لفتح السكندرية من جديد والقضاء على جيش الروم، )(6
جيوش مصر
صلت أحداثه في حديثي عن الفتوحات ،ثم إن ّ ف وقد ، فعل وتم ذلك
عثمان أراد أن يعيد عمرو على ولية أجناد مصر وحربها ,وأن يجعل
عبد الله بن سعد على الخراج ،إل أن عمرو رفض ذلك ،وتكاد الخبار
تندر عن ولية عمرو في مصر خلل عهد عثمان سوى ما ورد من
دوره في الجهاد؛ سواء في رد الروم وطردهم عن السكندرية
قضايا(7الخراج التي دارت فيها وتثبيت المن في أنحاء مصر ،أم في
بين عثمان وبين عمرو خلفات في الرأي ).وبعد عزل عمرو بن
العاص عن مصر مرة أخرى أو عن ولية السكندرية على أرجح
الراء ،وبعد رفضه ما اقترحه عثمان من وليته على الجناد
وولية ابن أبي السرح على الخراج ،أقر عثمان عبد الله بن
أبي السرح مرة أخرى على مصر ،وأصبح هو الوالي الرسمي
لمصر ،والمدير الفعلي لولية مصر بأجنادها وخراجها ومختلف )(8
وقد كانت ولية مصر في أول أمرها هادئة مستقرة شئونها.
إلى أن تمكن مثيرو الفتنة من أمثال عبد الله بن سبأ من
الناس(9فيها ،فكان لهم وللمتأثرين بهم الوصول إليها وإثارة
،وسيأتي بإذن الله تعالى )
دور كبير في مقتل عثمان
تفصيل ذلك.
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،د .جمال الدين بردي ).(1/77 )( 1
ولة مصر للكندي ،ص ,33فتوح مصر وأخبارها ،ص .173 )( 4
191
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ثامًنا :ولية البصرة:
استشهد عمر بن الخطاب وواليه على البصرة أبو موسى
الشعري ،وكان المجتمع البصري في تلك الفترة قد بدأ يشهد
تغيرات أساسية في بنيته السكانية والجتماعية حيث أصبحت
البصرة من أكبر المعسكرات السلمية؛ إذ هاجر إليها العديد من
الكثير من المواقع ،وبالتالي اكتسبت أهمية القبائل وقام جندها بفتح
خاصة في بداية عهد عثمان (1).وقد انشغل الناس بأمورهم الخاصة
إضافة إلى المور العامة من جهاد وغيره ،وبالتالي فإن الولية على
مثل هذه المنطقة وكذلك ما يتبعها من أقاليم أخرى تعتبر مهمة
ليست باليسيرة وتتطلب دراية خاصة بإدارة أحوال تلك الولية،
ولعل عمر بن الخطاب كان يحس بمقدرة أبي موسى الخاصة
بعده( أن يترك أبا على إدارة تلك الولية؛ حيث أوصى الخليفة من
موسى في الولية من بعده أربع سنوات بعد وفاته 2).وقد كانت
فترة ولية أبي موسى للبصرة فترة جهاد وكفاح برز فيها دور أهل
البصرة ،كما برز فيها أبو موسى بفتح العديد من المواقع في بلد
فارس ،إضافة إلى تثبيته لقدام المسلمين في المواقع المفتوحة
الخطاب ،
)(3
سابقا ،والتي حاول أهلها النتقاض بعد وفاة عمر بن
فقام أبو موسى بغزوهم وتثبيت السلم في تلك الربوع.
وبالضافة إلى دور أبي موسى في الفتوح فإنه قام بدور مهم في
تنظيم الري وحفر القنوات والنهار في البصرة أثناء وليته زمن
الخليفة عثمان ،وقد قام بحفر قناة لجلب مياه الشرب إلى البصرة
مشاريع لحفر اعتمد عليها الناس بعد ذلك في شربهم ،كما بدأ في
الولية حال دون إتمامها) ،(4فقام قنوات أخرى ،إل أن عزله عن
خليفته عبد الله بن عامر بإتمامها (5).ولم تستمر ولية أبي موسى
على البصرة طويل؛ إذ قام عثمان بعزله سنة 29هـ -كما ترجح
معظم الروايات -وعين مكانه عبد الله بن عامر بن كريز (6).ويورد
المؤرخون عدة روايات حول عزل أبي موسى ،نستخلص منها أن
هناك مشكلة قامت بين أبي موسى وبين جند البصرة اختلف في
سببها ،وقد قدمت مجموعة من أهل البصرة إلى عثمان تحرضه
على عزل أبي موسى قائلين له :ما كل ما نعلم نحب أن تسألنا عنه
فأبدلنا سواه ،قال عثمان :من تحبون؟ فقالوا :في كل أحد عوض
عنه ،وطلب قوم من عثمان أن يولي عليهم قرشيا) ،(7فعزل عثمان
أبا موسى وولى مكانه عبد الله بن عامر .وهنا تتجلى لنا حكمة أبي
موسى وسعة صدره وطاعته لمر الخليفة ،وأنه لم يكن يحرص على
الولية كما يظن البعض ،فحينما بلغه عزله وتولية عبد الله بن عامر
مكانه ،صعد المنبر وأثنى على عبد الله بن عامر -وكان شابا صغيرا
عمره 25سنة -وكان ما مدحه به أبو موسى قوله :قد جاءكم غلم
مات والخالت والجدات في قريش ،يفيض عليكم المال كريم الع ّ
التنظيمات الجتماعية والقتصادية في البصرة ،صالح العلي ،ص .141 )( 1
192
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
فيضا.
لقد استطاع عثمان في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها
ولية البصرة أن يعين قائدا جديدا يستجيب له الجناد ،وبالتالي
توحدت صفوفهم أمام العداء ،فضل عن أن هذا العزل تكريم لبي
موسى من أن يهان من قبل بعض العوام ،ممن تأثروا بالغوغاء
وأفكار المتمردين المنحرفة ممن حملوا في نفوسهم كراهيته
والتشهير به والتفوا عليه (2).وقد كانت ولية البصرة تمر بظروف
صعبة حينما تولى ابن عامر ،مما دفع عثمان إلى إجراء تغيير
أساسي في إدارة الولية؛ إذ أنه ضم أجناد البحرين وعمان إلى ابن
عامر في البصرة؛ حتى يعطيه سلطة أقوى للوقوف أمام التحديات
التي تواجهه في تلك الفترة ،وقد كان لهذا الدمج أثره الكبير على
قوة ابن عامر ونفوذه ،كما أنه أثر من ناحية أخرى على البصرة
نفسها؛ حيث أصبحت إحدى العواصم السلمية المستقرة ،وزادت
هجرة القبائل إليها أكثر من ذي قبل) ،(3وبالتالي زادت أعباء الولية
سواء في الديوان أم في تنظيم مختلف شئون الولية الدارية
والمالية والمنية وغيرها.
وقد كانت لولية البصرة وأجنادها ولبن عامر نفسه فتوح عظيمة
بدأت بعد وليته مباشرة ،وانتهت قبل مقتل أمير المؤمنين عثمان
،(4)وقد تم بيانها عند حديثنا عن فتوحات عثمان .وقد اكتسبت
البصرة أيام ابن عامر مكانة خاصة بين الوليات السلمية لفتت نظر
الخليفة عثمان نتيجة فتوحها وتوسعها في مختلف المجالت،
فأصبحت مركزا إداريا مرموقا) ،(5وتدار منها العديد من المناطق
السلمية .وكان ابن عامر مسئول عن توزيع المراء في مختلف
المناطق التابعة لوليته باتفاق مسبق مع الخليفة عثمان ،وبالتالي
كانت مسئولياته عظيمة .وقد قام ابن عامر بتوزيع المراء على
المناطق التابعة له بمجرد أن تولى المارة؛ حيث اختار بعض القواد
والمراء وعينهم على تلك المناطق ,ومن أهمها عمان والبحرين
والهواز ,بما في هذه المناطق من وسجستان وخراسان وفارس
مدن مختلفة ومناطق شاسعة) ،(6وكان يجري تنقلت بين هؤلء
المراء والعمال من وقت لخر تبعا للمصلحة في ذلك .كما اشتهرت
البصرة في أيامه ببيت مالها الذي زاد دخله في أيامه وكثرت
مصروفاته ،وكان المسئول عن بيت المال في أيام عمر زياد بن أبي
كان يلي بعض المشاريع من حفر للنهار وغيرها نيابة سفيان ،وقد
عن ابن عامر) ،(7وفي ولية ابن عامر ضربت الدراهم في أنحاء
فارس التابعة لوليته ،وعليها ألفاظ عربية في الفترة من سنة 30هـ
193
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حتى 35هـ) .(1وقد كان ابن عامر محبوبا لهل البصرة عموما منذ
حوله من أن عثمان وله لنه قريب له ،إل قدومه إليها ،ورغم ما أثير
أن أهل البصرة تمسكوا به (2).ومن خلل هذا العرض تبين أن ولية
البصرة في عهد عثمان انحصرت في رجلين هما أبو موسى
ولقد(3كان لكل الواليين دوره الرئيسي الشعري وعبد الله بن عامر،
في ضبط أمور البصرة وما يتبعها) .
تاسًعا :ولية الكوفة:
كان على ولية الكوفة حين بويع عثمان بالخلفة المغيرة بن
شعبة ،وكان قد تولى في أواخر عهد عمر ،(4)وقد قام عثمان
بعزل المغيرة عن الكوفة وتعيين سعد بن أبي وقاص مكانه ،وقد
ذكر في سبب العزل أنه كان بوصية من عمر ؛ حيث أوصى
الخليفة من بعده أن يستعمل سعدا نظرا لن عمر عزله عن الكوفة
في أواخر خلفته ،وقال :إني لم أعزله عن سوء ول خيانة ،وأوصي
الخليفة بعدي أن يستعمله (5).تولى سعد بن أبي وقاص على الكوفة
)(6
وكان قرار التعيين مشتركا بين سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن
مسعود؛ سعد على الصلة والجند ،وابن مسعود على بيت المال.
وقد كان سعد بن أبي وقاص صاحب خبرة في ولية الكوفة وله
معرفة تامة بأمورها وسكانها وثغورها وأجنادها؛ نظرا لنه
كان مؤسسها في عهد عمر ،كما أنه وليها عدة سنوات ،فكان أخبر
)(7
الناس بها
وأعلمهم بأحوالها.
ومن العمال التي قام بها سعد أثناء وليته في عهد عثمان على
الكوفة قيامه بزيارة بعض الثغور التابعة للكوفة ومنها )الري(
وترتيب أمورها وضبطها سنة 25هـ) ،(8وكذلك قيامه بتعيين بعض
المراء والعمال الجدد في )همذان( وما حولها ،ولم تطل فترة ولية
سعد ابن أبي وقاص على الكوفة إذ حدث بينه وبين عبد الله بن
مسعود خلف ،وكان ابن مسعود على بيت المال ،فاقترض منه
سعدا شيئا من الموال إلى أجل ،فجاء الجل ولم يكن عند سعد ما
يسد به ذلك القرض ،فجاءه ابن مسعود يطالبه بتسديد ذلك القرض
فاشتدا في الكلم واجتمع حولهما الناس ،فقرر عثمان عزل سعد
سعد( العزل وعقوبة ابن مسعود وإبقاء ابن مسعود ،فكانت عقوبة
القرار في العمل كما يقول الطبري 9).وهذه القصة تدلنا على تورع
كل الصحابيين ،وتدل على حاجة سعد إلى المال ،وعدم وجود ما
يكفيه وأنه لذلك اضطر إلى القتراض من بيت المال ،كما تدل على
اجتهاد عبد الله بن مسعود في حفظ أموال المسلمين وإصراره
الدراهم السلمية ،وداد على القزاز ،ص .14 )( 1
عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،ص ,105الولية على البلدان ).(1/196 )( 7
194
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والي الكوفة وحاكمها ،وكانت ولية )(1
على استرداد القرض من سعد
سعد على الكوفة سنة وأشهرا.
وبعد عزل سعد ولي عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي
من معيط الذي كان قبل تعيينه على الكوفة قد عمل قائدا لجيش
جيوش أبي بكر في الردن ،ثم عمل لعمر على عرب الجزيرة)،(2
وفي أواخر خلفة عمر وأوائل خلفة عثمان كان الوليد أحد قواد
أجناد الكوفة ،وقام بالجهاد في العديد من المواقع قائدا لتلك
الجناد) ،(3فكان قبل تعيينه على ولية الكوفة صاحب خبرة بالكوفة
وأجنادها وثغورها ومختلف شئونها .وكعادة الخلفاء الراشدين في
تفضيل أصحاب الخبرة في المنطقة على غيره عند الحاجة إلى
تعيين ولة جدد ،فقد وقع اختيار عثمان على الوليد بن عقبة
لولية الكوفة ،وكثير ممن كتبوا عن تعيين عثمان للوليد سواء من
المتقدمين أو من المتأخرين حاولوا اتهام عثمان في هذا التعيين،
الكوفة أخاه لمه الوليد بن فهم يقولون :إن عثمان استعمل على
عقبة) ،(4وهذا فيه غمز مباشر لعثمان (5).وفي بداية ولية الوليد
كان يشترك معه عبد الله بن مسعود حيث كان واليا على بيت
المال ،إل أن خلفا حدث بين الوليد وعبد الله بن مسعود على أمر
يتعلق بأموال الدولة ورفع النزاع إلى عثمان ليفصل فيما يراه ،فرأى
عثمان أن من المصلحة توحيد الولية وبيت المال في يد الوليد
الله بن مسعود ،وقد اعتقد أن المصلحة العامة تقتضي )(6
وعزل عبد
بقي الوليد بن عقبة في الكوفة محبوبا من أهلها، وقد الضم. ذلك
ليس على داره باب) ،(7يستقبل الناس في مختلف الوقات ليحل
مشكلتهم ،ويقوم بالواجبات الملقاة عليه ،إلى أن وقعت بعض
الحوادث في الكوفة أوجدت بعض الحاقدين عليه بسبب موقفه
الحازم في قضية ابن الحيسمان الخزاعي الذي قتله مجموعة من
شباب الكوفة ،فأقام الوليد بن عقبة بأمر من عثمان حد
القصاص على هؤلء الشباب المعتدين ،ومنذ تلك الحادثة أخذ أولياء
هؤلء المجرمين وأقاربهم يروجون الشائعات على الوليد بن عقبة،
ويحاولون جاهدين أن يتصيدوا أخطاء الوليد ما استطاعوا إلى ذلك
سبيل ،واستطاع أولئك الموتورون تلفيق قضية ضد الوليد ،وهي
إقامة الحد عليه وعزله عن ولية دعوى شربه الخمر ،التي سببت
الكوفة ،وهذا ما أراده المتآمرون) ،(8وسيأتي تفصيل قضية شرب
الوليد بن عقبة للخمر عند حديثنا عن ولة عثمان بإذن الله
تعالى.
وبعد عزل الوليد أرسل عثمان إلى أهل الكوفة كتابا جاء فيه:
من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة ،سلم أما بعد،
انظر التهامات التي ألقاها طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ).(1/94 )( 5
195
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فإني استعملت عليكم الوليد بن عقبة حتى تولت منعته واستقامت
طريقته ،وكان من صالحي أهله وأوصيته بكم ولم أوصكم به ،فلما
بذل لكم خيره وكف عنكم شره ،وغلبتكم علنيته طعنتم به في
سريرته والله أعلم بكم وبه ،وقد بعثت عليكم سعيد بن العاص
أميرا (1).وكانت شكاية أهل الكوفة للوليد وعزله حلقة في سلسلة
طويلة من الشكايات والعزل من قبل بعض أهل الكوفة لمرائهم)،(2
وقد غضب الكثير من أهل الكوفة لعزل الوليد ،وبعد عزل عثمان
للوليد عن ولية الكوفة عين بعده سعيد بن العاص سنة 30هـ الذي
كان مقيما في المدينة ،فاتجه إلى الكوفة ورافقه وفد من أهل
الكوفة الذين قدموا على عثمان في شكاية الوليد ،وكان فيهم
الشتر النخعي وغيره) ،(3فلما وصل سعيد الكوفة صعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال :والله لقد بعثت إليكم ،وإني لكاره ولكني لم
دا إذ أمرت أن أئتمر ،إل إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها، أجد ب ّ
والله لضربن وجهها حتى أقمعها أو ُتعييني ،وإني الرائد نفسي
اليوم ،ثم نزل عن المنبر).(4
ومن خلل هذه الخطبة يتبين لنا معرفة سعيد ببدايات الفتنة
وإرهاصاتها التي بدأت تظهر في الكوفة قبل وليته ،وتهديده
لصحاب الفتنة وعزمه على القضاء على الفتنة التي استشعر بدايتها
في الكوفة (5).واستطاع سعيد بن العاص أن ينظم أمور وليته ويعين
المراء والولة في مختلف الثغور التابعة للكوفة ويضبط أمورها)،(6
وقام بغزوات ناجحة تم ذكرها عند حديثنا عن الفتوحات في عهد
عثمان ,ثم بدأت الفتنة تطل برأسها في الكوفة سنة 33هـ ،وسيأتي
الحديث عنها -بإذن الله تعالى -بالتفصيل ،ودبر الشتر النخعي
مؤامرة ضد سعيد بن العاص وانخدع بها بعض عوام الكوفة فقاموا
مع الشتر في رفض ولية سعيد والطلب من عثمان إبداله بغيره،
ولم يكن سعيد سوى وال من الولة الذين سبق لهل الكوفة أن
اعترضوا عليهم وطلبوا عزلهم قبل ذلك ،كسعد بن أبي وقاص
والوليد بن عقبة وغيرهما ،وكان طلب خلعه مقرونا بثورة حمل
الغوغاء فيها السلح وهي سابقة خطيرة في تاريخ الكوفة ،بل وفي
تاريخ الدولة السلمية كلها ،وليس فيها سبب حقيقي ,وإنما السبب
الحقيقي هو تطور الوضاع والتغير الذي طرأ على نفوس الناس
بتأثير دعاة الفتنة والخروج على عثمان ،وقد أصدر الخليفة عثمان
أمرا بتولية أبي موسى الشعري على الكوفة وعزل سعيد بن
العاص بناء على طلب بعض أهل الكوفة .وقد استهل أبو موسى
وليته بخطبة أمام أهل الكوفة قال فيها :أيها الناس ،ل تنفروا في
مثل هذا ول تعودوا لمثله ،الزموا جماعتكم والطاعة ،وإياكم والعجلة،
تاريخ الطبري ).(5/280 )( 1
196
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المراد :اصبروا فإن معكم أميرا الن إن سمعتم وأطعتم. )( 1
197
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
***
198
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثاني
سياسة عثمان مع الولة وحقوقهم وواجباتهم
ل :سياسة عثمان مع الولة: أو ً
تولى عثمان الخلفة في بداية سنة 24هـ ،وكان ولة عمر
ينتشرون في المصار السلمية ,وقد أقرهم عثمان في ولياتهم
عاما كامل ،ثم باشر بعد ذلك العزل والتعيين في هذه المصار
بمقتضى سلطته وحسب ما يراه في مصلحة المسلمين ،ولعل
عثمان في ذلك قد اتبع وصية عمر التي أوصى فيها :أن ل يقر لي
عامل أكثر من سنة ،وأقروا الشعري أربع سنين (1).وكان عثمان
في سياسته مع الولة يعتمد على مشورة الصحابة في كثير من
تصرفاته ،كما أنه قام بضم بعض الوليات إلى بعضها لما يراه في
مصلحة المسلمين ،ولذلك قد حدد الولة إلى حد ما في بعض
المناطق؛ فقد ضم البحرين إلى البصرة ،كما ضم بعض وليات
الشام إلى بعضها الخر نتيجة لوفاة بعض الولة أو طلبهم العفاء
من العمل.
وقد كان عثمان دائم النصح لولته بالعدل والرحمة بين
الناس ،فكان أول كتبه إلى ولته بعد مبايعته خليفة للمسلمين :أما
بعد ،فإن الله أمر الئمة أن يكونوا رعاة ولم يتقدم إليهم أن يكونوا
جباة ،وإن صدر هذه المة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة ،وليوشكن
أئمتكم أن يصيروا جباة ول يكونوا رعاة ،فإذا عادوا كذلك انقطع
الحياء والمانة والوفاء .أل وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور
المسلمين وفيما عليهم فتعطوهم ما لهم ،وتأخذوهم بما عليهم ،ثم
تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوا الذي عليهم ،ثم العدو الذي
تنتابون فاستفتحوا بالوفاء).(2
ونحن نرى من هذا أن عثمان حدد لولته معالم السياسة التي
يجب أن يسيروا عليها ،من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما
عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم
من واجبات ،وبالوفاء حتى مع العداء وبالعدل في ذلك كله ،وأن ل
يكون همهم جباية المال (3).كما كان عثمان يكتب إلى عماله
ببعض التعليمات الخاصة في المور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم
للوليات ،إضافة إلى كتبه العامة والتي كان يصدر فيها تعليمات
محددة يلتزم بها الجميع ،ومن ذلك :إلزامه الناس في الوليات
بالمصاحف التي كتبت في المدينة على مل من الصحابة؛ حيث
أرسل مصاحف إلى كل من الكوفة والبصرة ومكة ومصر والشام
والبحرين واليمن والجزيرة بالضافة إلى مصحف المدينة) ,(4وقد أمر
عثمان بجمع المصاحف الخرى وإحراقها وذلك بموافقة الصحابة في
)( سير أعلم النبلء ).(2/391 1
199
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المدينة ،كما ورد ذلك عن علي ،(1)كما كان عثمان حريصا
على أن يتنافس المراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة،
فقد كتب إلى عبد الله بن عامر في البصرة وإلى سعيد بن العاص
في الكوفة يقول :أيكما سبق إلى خراسان فهو أمير عليها ،مما دفع
)(2
ابن عامر إلى فتح خراسان وسعيد بن العاص إلى فتح طبرستان.
وقد كان عثمان يشترط بعض الشروط على الولة أحيانا ليضمن أن
يكون تصرفهم في صالح المسلمين ،ومثال ذلك أن معاوية بن أبي
ون عليه ركوب البحر إلى قبرص ،فكتب سفيان كتب إلى عثمان يه ّ
إليه عثمان :فإن ركبت البحر ومعك امرأتك فاركبه مأذونا لك وإل
فل ،فركب البحر وحمل امرأته).(3
ثانًيا :أساليب عثمان لمراقبة عماله والطلع على أخبارهم:
اتبع عثمان عدة أساليب لمراقبة عماله والطلع على
أخبارهم ،من ذلك:
-1حضوره لموسم الحج:
كان عثمان يحرص على الحج بنفسه ويلتقي بالحجاج ،ويسمع
شكاياتهم وتظلمهم من ولتهم ،كما أنه طلب من العمال أن يوافوه
موسم (4،وكتب إلى المصار أن يوافيه العمال في كل موسم )
في كل
كان عليه الحال أيام عمر لما استمرارا ذلك وكان ، يشكوهم ومن
من لقاء سنوي بين الخليفة والولة والرعية).(5
-2سؤال القادمين من المصار والوليات:
وتعتبر هذه الطريقة من أيسر الطرق؛ حيث إنها ل تكلف الخلفاء
كثيرا ،كما أنها تأتي في كثير من الحيان دون ترتيب مسبق ،وقد
اشتهر عن الخلفاء الراشدين الربعة عملهم بهذه الطريقة ،وكان
وجود الخليفة في المدينة المنورة خلل عصور الخلفاء الثلثة الول
لكثرة الوافدين إلى المدينة للزيارة، مما يساعد الخليفة ،نظرا
وخصوصا أثناء موسم الحج).(6
-3وجود أناس من أهل البلد يكتبون إلى الخليفة:
فقد استقبل عثمان الكتب التي أرسلها بعض الرعية من
المصار إلى المدينة بما فيها شكاوي؛ فقد استقبل كتابا أرسله أهل
الكوفة إليه ،وكذلك كتابا أرسله أهل مصر إليه ،كما استقبل كتبا
من الشام ،وقد اطلع عثمان على ما في هذه أخرى أرسلها أناس
الكتب وعالج ما فيها).(7
) (2المصدر نفسه )،3/995 )( تاريخ المدينة ،أبو زيد البصري ).(3/997 4
.(996 1
)( الولية على البلدان ) ,(1/216الخراج وصناعة الكتابة ،ص .306 3
200
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-4إرسال المفتشين إلى الوليات:
بعث عثمان العديد من المفتشين إلى بعض الوليات للطلع
على أحوالها ومعرفة ما يشاع عن ولته من ظلم للرعية ،وقد جاء
أولئك المفتشون بتقارير وافية عن أحوال أولئك الولة)(1؛ فقد أرسل
عمار بن ياسر إلى مصر ،ومحمد بن مسلمة إلى الكوفة ،وأسامة
عمر( إلى الشام ،بالضافة إلى ابن زيد إلى البصرة ،وعبد الله بن
إرساله رجال آخرين إلى أماكن أخرى). 2
-5السفر إلى الوليات والطلع على أحوالها مباشرة:
كان عثمان يزور مكة في موسم الحج ،ويطلع على أحوالها،
ويقابل الولة بها وحجاج المصار ،ويسأل عن أخبارهم وأحوالهم.
-6طلب الموفدين من الوليات لسؤالهم عن أمرائهم
وولتهم:
كان الخلفاء الراشدون في كثير من الحيان يطلبون من الولة
أن يبعثوا إليهم بأناس من أهل البلد ليسألوهم ،وقد تكرر ذلك من
عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ،أما أبو
بكر فكان مشغول بأمور جهادية منعته من ذلك ،كما كان لقصر
دور في قلة مدة خلفته
هذه الحوادث).(3
-7استقدام الولة وسؤالهم عن أحوال بلدهم:
وقد اشتهرت هذه الطريقة خلل عصر الخلفاء الراشدين الربعة،
و قد كانت التصالت المستمرة قائمة بين الخليفة عثمان وبين ولته
لبحث مختلف شئون الدولة ،ومن أهم هذه التصالت :الجتماع الذي
عقده عثمان مع ولته في المدينة؛ حيث دعا ولة البصرة والكوفة
والشام ومصر وغيرهم ،ودعا كبار الصحابة وعقد معهم اجتماعا
بحث فيه بوادر الفتنة التي بدأت تظهر ،وتعرف على آراء أولئك
الولة في الفتنة وكيفية علجها ،فقد أدلى كل وال من هؤلء برأيه
في علج تلك الظاهرة).(4
-8المراسلة مع الولة:
وطلب التقارير منهم عن أحوال رعيتهم وأحوال بلدهم ،وقد
اشتهرت هذه الطريقة خلل عصور الخلفاء الراشدين الربعة،
وكانت بالحرى أهم الطرق خلل عصر أبي بكر الصديق وعلي بن
أبي طالب رضي الله عنهما).(5
هذه أهم الساليب التي اتبعها عثمان في متابعة ومراقبة ولته،
وقد كان حريصا على قيام الولة بواجباتهم ،وفي حالة وقوع أي
مخالفة منهم ،فإنهم يؤدبهم على ذلك الخطأ إذا وصل إلى علمه،
1
2
) (2المصدر نفسه ).(2/122 )( الولية على البلدان ).(2/123 4
5
201
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وإذا ثبت عليه ارتكابه شرع في عقوبته دون النظر إلى حسن ظنه
في العامل ،ومن ذلك جلده للوليد بن عقبة حد الخمر بعد اكتمال
شروطه وبغض النظر عن صدق الشهود من عدمه) ،(1وقام بعد
جلده بعزله عن ولية الكوفة (2).وقد درج عثمان أن يكتب إلى
أهل المصار عن تعيين وال جديد عليهم ليوصيهم به كما أوصاه بهم،
وكذلك كان يكتب في كثير من الحيان إلى العامة في المصار
ناصحا ،حتى يساعد الولة في تسيير أمور الرعية ،ومن ذلك الكتاب
الذي أرسله عثمان إلى المصار ،يقول فيه :أما بعد ،فإني آخذ
العمال بموافاتي في كل موسم ،وقد سلطت المة منذ وليت على
المر بالمعروف والنهي عن المنكر فل يرفع على شيء ول على أحد
من عمالي إل أعطيته ،وليس لي ول لعيالي حق قبل الرعية إل
متروك لهم ,فيا من ضرب سرا وشتم سرا ..من ادعى شيئا من
ذلك فليواف الموسم فيأخذ بحقه؛ حيث كان مني أو من عمالي ...أو
تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين ،فلما قرئ في المصار ،أبكى
الناس ودعوا لعثمان).(3
ثالثـا :حقوق الولة:
استقر في عهد الخلفاء الراشدين بأن للولة حقوقا مختلفة
يتصل بعضها بالرعية وبعضها بالخليفة ،بالضافة إلى حقوق أخرى
متعلقة ببيت المال ،وكل هذه الحقوق الدبية أو المادية تهدف
بالدرجة الولى إلى إعانة الولة على القيام بواجباتهم وخدمة
المصلحة العامة ،ومن أهم هذه الحقوق:
-1الطاعة في غير معصية الله:
َ َ َ
عوا طي ُ وأ ِ ه َ عوا الل َ طي ُ مُنوا أ ِ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ تعالىَ+ :يا أي ّ َ لو ُ قال
فِإن م َ ْ من ْك ُ ر ِ ِ م
ْ ال لي ِ أو َ َ سو الّر ُ
مإن ك ُن ْت ُ ْ ل
ِ سو ُ ر
ّ وال َ ه
ِ الل لى َ إ ُ ه دو ّ ر
ُ َ
ف ء
ٍ يش َ في ِ م
ْ ُ تعْ ت ََناَز
ويل ً" ]النساء:
خير وأ َحسن ت َأِ ْ
ُ َ ْ ْ َ َ
ك ِ لَ ذ
ِ
ر خِ ه وال ْ ْي َوم ال َ ِ بالل ن َ نو ُ م تُ ْ
ؤ ِ
ِ َ ٌ ِ ِ ْ َ ِ
.[59
قال القرطبي :لما تقدم إلى الولة في الية المتقدمة وبدأ بهم
فأمرهم بأداء المانات ،وأن يحكموا بين الناس بالعدل ،تقدم في
هذه الية فأمر الرعية بطاعته جل وعل أول ً وهي امتثال أوامره
واجتناب نواهيه ،ثم بطاعة رسوله × ثانيا فيما أمر به ونهى عنه ،ثم
بطاعة المراء ثالثا ،على قول الجمهور وأبي هريرة وابن عباس
وغيرهم) .(4وفي العهد الراشدي خصوصا والمجتمع السلمي عموما،
الشريعة فوق الجميع ،يخضع لها الحاكم والمحكوم ،ولهذا فإن طاعة
الحكام مقيدة دائما بطاعة الله ورسوله ،كما قال)(5رسول الله ×» :ل
طاعة في المعصية ،إنما الطاعة في المعروف« .
-2بذل النصيحة للولة:
من منطلق المر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الساس الذي
) (4المصدر نفسه ).(2/217 )( المصدر نفسه ).(2/126 1
2
202
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تقره المة بأكملها ،والذي وردت الوامر به من خلل اليات القرآنية
والحاديث النبوية التي تحدثت عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر
على وجه العموم ،ومنها ما خص الولة به؛ حيث أمرت الحاديث النبوية
ببذل النصيحة لهم ،وقد دأب الخلفاء الراشدون الربعة على الكتابة
يبذلون لهم النصيحة ،والنصوص الواردة في هذه كثيرة لولتهم باستمرار
يصعب حصرها).(1
-3يجب على الرعية للوالي إيصال الخبار الصحيحة إليه:
والصدق في ذلك سواء ما يخص أحوال العامة ،أو ما يخص أخبار
العداء ,أو ما كان متعلقا بعمال الوالي وموظفيه ،والعجلة في ذلك
قدر المستطاع ،خصوصا ما كان متعلقا بالمور الحربية وأخبار
الشتراك العداء وما يتعلق بخيانات العمال وغير ذلك ،من منطلق
في المسئولية مع الوالي في مراعاة المصلحة العامة للمة).(2
-4مؤازرة الوالي في موقفه:
وعندما اندلعت الفتنة وطلب أصحابها من عثمان عزل بعض
ولته رفض عثمان ذلك ،وكان هذا التعضيد يخدم الهدف العام للدولة
السلمية ويمنع الضطراب ،ول يعني ذلك عدم اللتفات إلى
الشكاوي ومؤازرة الولة بدون تحقق؛ بل إن هذا التعضيد من
الخلفاء إنما يأتي بعد تحقق وتثبت من تلك الشكايات ،وبعد محاسبة
دقيقة قد تتطلب إرسال لجان خاصة من بعض الصحابة للتحقيق في
تلك القضايا ،كما أن المؤازرة للوالي واجبة من قبل الخليفة ،فهي
كذلك واجبة من قبل الرعية ،وأن على الناس احترامهم وتقديرهم)،(3
وإن كان عثمان قد عزل بعض الولة وذلك لما رآه من مصلحة
الرعية.
-5احترامهم بعد عزلهم:
ومن ذلك ما فعله عثمان مع أبي موسى الشعري وعمرو بن
العاص رضي الله عنهما ،بل نلحظ أن عثمان استشار عمرو بن
العاص في مسائل الدولة الكبرى بعد عزله ،وهذا احترام فائق من
عثمان لمن عزلهم من الولة.
-6مرتبات الولة:
ومن حقوق الولة مرتباتهم التي يعيشون عليها ،ومبدأ الرزاق
والرواتب للعمال متفق عليه بين الخلفاء الراشدين اقتداء بما فعله
الرسول × ،ولئن كانت الروايات قد اقتصرت على ذكر مرتبات
بعض العمال فقط ،فإن المفهوم أن جميع العمال كانت لهم مرتبات
خلل عصور الراشدين ،ومعظم الروايات التي وردت في هذا
الموضوع كانت تركز بالدرجة الولى على عصر عمر بن الخطاب؛
حيث ورد ذكر مقدار أرزاق بعض الولة في عصره ،وقد مضى
عثمان وعلي -رضي الله عنهما -على سيرة من سبقهما من الخلفاء
في فرض الرزاق للعمال والولة ،إل أن عصر عثمان كان على
)( الولية على البلدان ).(2/56 1
203
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ما يبدو أكثر توسعا في بذل العطيات للناس عموما ومن ضمنهم
الولة؛ نظرا لزيادة الدخل في بيت المال نتيجة الفتوح الواسعة التي
قام بها ولة عثمان في المشرق وفي أرمينية وأفريقية وغيرها ،بل
إن عثمان كان يعطي مكافآت مقطوعة للعمال خاصة وبارزة؛
فقد أعطى لعبد الله بن سعد بن أبي السرح خمس الخمس من
الغنيمة جزاء فتوحه في شمال أفريقية؛ حيث قال له :إن فتح الله
أفريقية (1فلك ما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس دا
عليك غ ً
من الغنيمة نفل ).وعلى كل حال فإن إعطاء الرزاق للعمال
وإغناءهم عن الناس كان مبدأ إسلميا فرضه رسول الله × وسار
أغنوا العمال عن أموال عليه الخلفاء الراشدون من بعده ،حتى
الناس ،وفرغوهم للعمل ولمصلحة الدولة).(2
رابًعا :واجبات الولة:
-1إقامة الدين ،ومن أبرز تلك الواجبات:
أ -نشر الدين السلمي بين الناس:
حيث اختص ذلك العصر بفتوحات عظيمة اقتضت من الولة
العمل على نشر الدين في البلد المفتوحة مستعينين بمن معهم من
الصحابة ،وقد كان الولة يقومون بهذه المهمة مع وجود من
يساعدهم في بداية الفتوح في عهد أبي بكر ،ثم بدأت المصار
تعتمد على معلمين وفقهاء قدموا لهذه المهمة بعد التوسع وبناء
المصار في عهد عمر ،وقد تأكد وجود المعلمين بعد ذلك خلل
الفترة الخيرة من خلفة عمر ،وخلل فترة خلفة عثمان وعلي،
وذلك لكثرة السكان في المصار وكثرة طلب العلم ،وانشغال الولة
بأمور مختلفة ،وتوسع الوليات؛ حيث كانت تتبع الولية الواحدة
من (3المصار التي كان الناس فيها بحاجة إلى فقهاء العديد
ومعلمين) .
ب -إقامة الصلة:
كان الخليفة نفسه طيلة عصر الخلفاء الراشدين الربعة هو الذي
يقيم صلة الجمعة والجماعة والعياد في البلد الذي يقيم فيه،
ويخطب في الناس الجمعة والعياد والمناسبات الخرى ،وكذلك
نوابه يقومون بهذه المهمة في أمصارهم ،وطيلة عهد الخلفاء
الراشدين كان الولة يخطبون في الناس بأنفسهم ويؤمونهم في
الصلة).(4
ج -حفظ الدين وأصوله:
كان الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول × يشعرون بعظم
الواجب الملقى عليهم في حفظ الدين على أصوله الصحيحة التي
نزلت على رسول الله × ،وكانوا يعملون جاهدين في إحياء سنة
الرسول × والقضاء على البدع ،والعمل على احترام دين الله
تاريخ الطبري ).(5/252 )( 1
) (2تاريخ المدينة ).(999-3/996 الولية على البلدان ).(2/67 )( 4
204
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
واحترام رسوله × ،ورد كيد من يحاولون الدس على هذا الدين .وقد
عمل عثمان على كتابة المصحف الشريف وإرسال نسخ منه إلى
المصار ،وأمر ولته بإحراق ما لدى الناس من مصاحف أخرى من
قبيل المحافظة على أهم أصول الدين ،وهو القرآن الكريم (1).وقد
بذل ولة عثمان جهودا كبيرة في محاربة السبئية الذين جاءوا بآراء
غريبة على السلم وضيقوا عليهم وطاردوهم (2).وعلى العموم فإن
المحافظة على الدين واحترامه كان من أهم الواجبات الموكلة إلى
الولة).(3
د -تخطيط وبناء المساجد:
حينما وصل الرسول ×إلى قباء قام ببناء أول المساجد في
السلم ،وبعد وصوله إلى المدينة بدأ ببناء مسجده فيها ،وحينما كان
يبعث بالولة إلى البلدان كان هؤلء الولة يقومون ببناء الرسول ×
المساجد فيها ،واستمر الخلفاء الراشدون بعد ذلك في بناء المساجد في
البلدان والمصار التي فتحها المسلمون ،وإن كان الولة لم يقوموا
المساجد الرئيسية بتأسيس جميع هذه المساجد فإن لهم دورا في إنشاء
في معظم البلدان التابعة لولتهم وخصوصا الجوامع منها).(4
هـ -تيسير أمور الحج:
كان الولة على البلدان في صدر السلم مسئولين عن تيسير
أمور الحج في ولياتهم وتأمين سلمة الحجاج منها ،فقد كان الولة
يعينون المراء على قوافل الحج ،ويحددون لهم أوقات السفر؛ حيث
ف بعض المراء ل يغادر الحجاج بلدانهم إل بإذن الوالي ،ولم يكت ِ
بأمور الترتيب؛ بل نجد منهم من عمل على تأمين المياه في الماكن
التي يسلكها الحجاج من وليته ،فهذا عبد الله بن عامر بن كريز
أجرى المياه في طريق حجاج البصرة حينما كان عامل عليها لعثمان
بن عفان؛ حيث أوجد المياه في الطريق من البصرة إلى مكة (5).وقد
أكد الفقهاء بعد ذلك على أن تسيير الحجاج عمل من مهام الوالي
على بلده ،يقول الماوردي :أما تسيير الحجيج فداخلة في أحكام
إمارته؛ لنه من جملة المعونات التي تنسب إليه).(6
و -إقامة الحدود الشرعية:
إن إقامة الحدود على المخالفين لوامر الله وسنة رسوله ×
واجب ديني ملقى على الولة ،وهو من أهم المور الموكلة إليهم
سواء منها الحدود المتعلقة بمن يتعرض لمنافع المسلمين العامة أو
من يتعرض بالضرر لقوام معينين) ،(7وقد قام عثمان وولته بإقامة
الحدود الشرعية في عهده .
1
)( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة ،سليمان العودة ،ص .214 2
205
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-2تأمين الناس في بلدهم:
المحافظة على المن في الولية من أعظم المور الموكلة إلى
الوالي ،وفي سبيل تحقيق ذلك فإنه يقوم بالعديد من المور أهمها إقامة
الحدود على العصاة والفساق)(1،مما يحد من الجرائم التي تهدد حياة
الناس وممتلكاتهم ،وبالتالي تقل الحوادث المنية من القتل أو السرقة
أو قطع الطريق وما إلى ذلك؛ بل المر أيضا يشمل ما يلقيه الناس من
أقوال ضد بعضهم البعض من قذف وغيره ،فإن إقامة الحد فيها يمنع من
العتداء الدبي على الناس في أعراضهم ومحارمهم ,ولم يقتصر المر
على تأمين الناس بعضهم من بعض؛ بل إن العمال -وبأمر من الخلفاء-
يعملون على تأمين رعاياهم من الحشرات والهوام كالعقارب وغيرها،
يقول البلذري :كتب عامل نصيبين إلى معاوية وهو عامل عثمان على
الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة من المسلمين ممن معه أصيبوا
بالعقارب فكتب إليه يأمره أن يوظف على أهل كل حيز من المدينة عدة
)(2
من العقارب مسماة في كل ليلة ففعل ،وكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها.
-3الجهاد في سبيل الله:
إن السمة العامة لعهد الخلفاء الراشدين أن الولة هم قادة
الجهاد في تلك البلدان ،كما أن الولة في عهد عثمان كان لهم
دور كبير في الفتوح ومنهم عبد الله بن عامر بن كريز والمغيرة بن
شعبة ،وأبو موسى الشعري الذين واصلوا الفتوح في المشرق،
ومثل عبد الله بن سعد بن أبي السرح الذي واصل الفتوح في
شمال أفريقية ،ومعاوية بن أبي سفيان الذي واصل الفتوح في
نواحي أرمينية وبلد الروم ،وهكذا فإننا نرى أن المراء في عهد
الخلفاء الراشدين كانوا مع إدارتهم لبلدهم مجاهدين لنواحي العدو،
ولم يمنعهم ذلك من القيام بأعمالهم الموكلة إليهم ،ول شك أن
الجهاد كان مصحوبا بعمليات معينة تخدم الشئون العامة له ،وقد
تحدثت المصادر التاريخية عن أهم هذه العمال التي جرت من قبل
المراء ،منها:
أ -إرسال المتطوعين من قبل المراء إلى الجهاد :فقد
والبحرين ومكة وعمان يبعثون بالمجاهدين خلل عهد كان ولة اليمن
أبي بكر وعمر وعثمان).(3
ب -الدفاع عن الولية ضد العداء :كان ولة الشام
يدافعون الروم طيلة عهد الخلفاء الراشدين ،وكذلك الحال عند ولة
العراق الذين دافعوا الفرس حتى تمكنوا من قتل آخر ملوكهم في
عصر الخليفة عثمان بن عفان .
ج -تحصين البلد :كان عثمان يأمر بتحصين السواحل
وإقطاع( القطائع لمن ينزلها من المسلمين للمساعدة في وشحنها،
شحنها بالرجال). 4
الولية على البلدان ).(2/71 )( 1
206
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
د -تتبع أخبار العداء :فقد قام الولة بتتبع أخبار العداء
وتوجيه الضربات الموجعة إليهم ،واستطاعوا أن يخترقوا صفوفهم
ويزرعوا عيونا تابعة لهم.
هـ -إمداد المصار بالخيل :كانت الخيل ذات أهمية خاصة
في الجهاد ،وقد اهتم المسلمون بتربيتها منذ أيام الرسول × واعتنوا
بها عناية خاصة ،وقد وضع عمر سياسة عامة في الدولة لتوفير
الخيل اللزمة للجهاد في المصار السلمية حسب حاجتها (1).وسار
عثمان على نفس السياسة العمرية في اهتمامه بالخيل ،فقد
كانت هذه الخيول مجهزة للدفاع الفوري عن الدولة السلمية.
و -تعليم الغلمان وإعدادهم للجهاد :اهتم الخلفاء
الراشدون بتربية الولد وتعليمهم ما يفيدهم في حياتهم الجهادية
مستقبل.
ز -متابعة دواوين الجند :سار عثمان على نهج السياسة
العمرية في اهتمامه بدواوين الجند ،وقد اهتم اهتماما بدواوين
المصار لعتقاده بأن أهل المصار أحوج الناس للضبط خصوصا
القريبة من العداء وهي المصار التي تحتاج إلى الجنود باستمرار،
وقد كان الولة على البلدان مسئولين مباشرة عن دواوين الجند
رغم وجود بعض الموظفين الخرين الذين يتولون مهمتها ،ولكن
مسئوليتهم عن باعتبار أن هؤلء الولة هم أمراء الحرب؛ فقد كانت
واًبا).(2
الدواوين في بلدانهم كمسئولية الخليفة باعتبارهم ن ّ
ح -تنفيذ المعاهدات :إن الفتوح السلمية في عهد الخلفاء
الراشدين صاحبتها مراسلت مع العداء ،ومعاهدات ومصالحات
كثيرة بين المسلمين وأهل البلد المفتوحة ،وقد كان المراء على
البلدان بصفتهم قادة الجند مسئولين مباشرة عن عقد مثل هذه
المصالحات
وعن تنفيذها).(3
-4بذل الجهد في تأمين الرزاق للناس:
اتبع الخلفاء الراشدون منذ عصر أبي بكر الصديق طريقة
جديدة لتوزيع العطيات على المسلمين من موارد بيت المال
المختلفة ،وقد كانت في البداية غير محددة بأوقات معينة ،ولكن في
عهد عمر تغيرت بعد وضعه للدواوين في المصار المختلفة؛ حيث
بدأ توزيع العطيات يأخذ شكل دوريا منتظما سار عليه عثمان ،
ولم يكتف الخلفاء وولتهم في العهد الراشدي بتأمين الطعام
ومراقبة السواق فقط؛ بل إن السكن وتوزيعه كان من المهام
كان المراء يشرفون على تقسيم الموكلة لمراء البلدان ،كما
البيوت في المدن المفتوحة).(4
-5تعيين العمال والموظفين:
)( المصدر نفسه ).(2/74 1
) (2المصدر نفسه ).(2/77 )( الولية على البلدان ).(2/75 2
3
207
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
كان تعيين العمال والموظفين في الوظائف التابعة للولية في
كثير من الحايين من مهام الوالي ،حيث إن الولية في الغالب
تتكون من بلد رئيسي إضافة إلى بلدان وأقاليم أخرى تابعة للولية،
وهي بحاجة إلى تنظيم أمورها ،فكان الولة يعينون من قبلهم عمال
وموظفين في تلك المناطق ،وفي عصر عثمان أصبح هؤلء
العمال التابعون للولة يحكمون مناطق كبيرة نظرا لتوسع الوليات
نتيجة الفتوح وانضمام أقاليم كبيرة بأكملها إلى وليات كانت محددة
في السابق كالبصرة والكوفة والشام وغيرها ،وبالتالي فإن توزيع
العمال وإدارتهم وتنظيمهم كانت مهمة كبيرة من المهام التي يقوم
بها ولة البلدان.
-6رعاية أهل الذمة:
كانت رعاية أهل الذمة واحترام عهودهم والقيام بحقوقهم
الشرعية ،ومطالبتهم بما عليهم للمسلمين من واجبات ،وتتبع
يظلمهم انطلقا من الوامر الشرعية أحوالهم ،وأخذ حقوقهم ممن
في هذا الجانب من واجبات الوالي).(1
-7مشاورة أهل الرأي في وليته:
سار الخلفاء على نهج الرسول × في مشاورة أهل الرأي من
كانوا( يعقدون مجالس لكبار الصحابة ،يستشيرونهم الصحابة؛ حيث
في مختلف المور) ، 2كما كانوا يأمرون ولتهم باستشارة أهل الرأي
وكان الولة يطبقون ذلك ويعقدون مجالس للناس في بلدهم،
لخذ آرائهم).(3
-8النظر في حاجة الولية العمرانية:
اشتهر عن الخلفاء الراشدين وولتهم عنايتهم بحاجة السكان في
النواحي العمرانية والزراعية ،وفي عهد عثمان قام عبد الله بن
عامر واليه على البصرة بحفر البار)(4والعيون ليس في ولية البصرة
فحسب بل في أماكن أخرى عديدة .
-9مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية:
كان الولة من منطلق تعاليم السلم الشاملة يراعون هذا
الجانب بكل ما فيه من تعليمات ،إل أن ولة ذلك العصر -وبتوجيه
من الخلفاء الراشدين -قاموا ببعض العمال الجتماعية التي يصعب
أن يقوم بها من هم في مثل منصبهم ،كما حرص الخلفاء على أن
ينزلوا الناس على منازلهم ،وأن يحترم الولة أهل الشرف والسابقة
في السلم ،ومن ذلك أن عامل عثمان على الكوفة كتب إليه يشكو
من غلبة)(5العراب والروادف على أهل الشرف والبلء والسابقة في
ضل أهل السابقة والقدمة السلم ،فكتب إليه عثمان :أما بعد ،فف ّ
ممن فتح الله عليه تلك البلد وليكن من نزلها بسببهم تبعا لهم ،إل
) (3 ،2 ،الولية على البلدان ).(2/80 1
2
3
208
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلء ،واحفظ
جميعا بقسطهم من الحق ،فإن المعرفة ل منزلته ،وأعطهملك ّ
بالناس بها يصاب العدل).(1
-10أوقات عمل الوالي:
اشتهر عن الوليد بن عقبة والي عثمان على الكوفة أنه لم يكن
لداره باب ،وأنه كان يستقبل الناس في جميع الوقات ،وهذا يدل
تمتع الناس بحرية مراجعة المير من غير حرج متى أرادوا ذلك على
لحاجة)(2؛ فقد كان للوالي قسم تابع لبيته مفتوح للناس متى أرادوا
المجيء إليه مفصول عن أهله وأولده.
***
209
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثالث
حقيقــــة ولة عثمــــــــان
يكثر المؤرخون من الحديث عن محاباة عثمان أقاربه
وسيطرتهم على أزِ ّ مة الحكم في عهده ،حتى أثاروا عليه نقمة
كثير من الناس ،فثاروا ناقمين عليه إطلقه يد ذوي قرباه في
شئون الدولة (1).وأقارب عثمان الذين ولهم : أولهم معاوية،
والثاني عبد الله بن أبي السرح ،الثالث الوليد بن عقبة ،الرابع
سعيد بن العاص ،الخامس عبد الله بن عامر ،هؤلء خمسة ولهم
عثمان وهم من أقاربه ،وهذا في زعمهم مطعن عليه فلننظر أول
من هم ولة عثمان ، هم :أبو موسى الشعري ،القعقاع بن
عمرو ،جابر المزني ،حبيب بن مسلمة ،عبد الرحمن بن خالد بن
الوليد ،أبو العور السلمي ،حكيم بن سلمة ،الشعث بن قيس،
جرير بن عبد الله البجلي ،عيينة بن النهاس ،مالك بن حبيب،
النسير العجلي ،السائب بن القرع ،سعيد بن قيس ،سلمان بن
ربيعة ،خنيس بن حبيش ،الحنف بن قيس ،وعبد الرحمن بن
م َنية) ، (2وعبد الله بن عمرو الحضرمي ،وعلي ربيعة ،ويعلى بن ُ
بن ربيعة بن عبد العزى .هؤلء هم ولة عثمان ، يعني لو أخذنا
إحصائية لوجدنا أن عدد الولة ثمانية عشر واليا ،أل يصح أن
يكون خمسة من بني أمية يستحقون الولية ،وبخاصة إذا علمنا
أن النبي × كان يولي بني أمية أكثر من غيرهم ،ثم يقال بعد
ذلك :إن هؤلء الولة لم يكونوا كلهم في وقت واحد ،بل كان
عثمان قد ولى الوليد بن عقبة ثم عزله فولى مكانه سعيد بن
العاص ،فلم يكونوا خمسة في وقت واحد ،وأيضا لم يتوف عثمان
إل وقد عزل أيضا سعيد بن العاص ،فعندما توفي عثمان لم يكن
من بني أمية من الولة إل ثلثة وهم :معاوبة وعبد الله بن سعد
بن أبي السرح ،وعبد الله بن عامر بن كريز فقط ،عزل عثمان
الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص ،ولكنه عزلهما من أين؟ من
الكوفة التي عزل منها عمر سعد بن أبي وقاص ،الكوفة التي لم
الولة ل يعتبر مطعنا ض بوال أبدا؛ إذ عزل عثمان لولئك تر َ
فيهم بل مطعن في المدينة التي ولوا عليها ).(3
إن بني أمية كان رسول الله × يستعملهم في حياته واستعملهم
بعده من ل يتهم بقرابة فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ،ول
نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله × أكثر من
بني عبد شمس؛ لنهم كانوا كثيرين ،وكان فيهم شرف وسؤدد،
فاستعمل النبي × عتاب بن أسيد بن أبي العاص على مكة ،وأبا
سفيان بن حرب على نجران ،وخالد ابن سعيد على صدقات بني
مذجح ،وأبان بن سعيد على بعض السرايا ثم على البحرين ،فعثمان
لم يستعمل إل من استعمله النبي × ومن جنسهم وقبيلتهم ،وكذلك
أبو بكر وعمر بعده؛ فقد ولى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان في فتوح
)( الدولة الموية المفترى عليها ،ص .159 1
)( وهو يعلي بن أمية بن أبي عبيدة التميمي ،سير أعلم النبلء.(3/100) ، 2
210
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الشام ،وأقره عمر ،ثم ولى عمر بعده أخاه معاوية).(1
والسؤال الذي يطرح نفسه أأثبت هؤلء كفاءتهم أم ل؟ وستأتي
شهادات أهل العلم في أولئك الولة الذين ولهم عثمان بإذن الله
تعالى.
إن عثمان خليفة راشد يقتدى به ،وأفعاله تشكل سوابق دستورية
في هذه المة ،فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج عن تقريب
القربين فإن عثمان سن لمن بعده تقريب القربين إذا كانوا أهل
كفاءة ،ومن تتبع سيرة عثمان ل يشك في كفاءتهم الدارية ،وكل ما
أنكر على عثمان ل يخرج عن دائرة المباح).(2
إن الولة الذين ولهم عثمان من أقاربه قد أثبتوا الكفاية
والمقدرة في إدارة شئون ولياتهم ،وفتح الله على أيديهم الكثير من
البلدان ،وساروا في الرعية سيرة العدل والحسان ,ومنهم من تقلد
مهام الولية قبل ذلك في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما.
) (3ولننظر إلى أقوال أهل العلم في أولئك الولة:
ل :معاوية بن أبي سفيان بن حرب الموي: أو ً
ذكر المترجمون لهذا الصحابي الكريم فضائل جمة ،وإليك شيئا
منها:
-1من القرآن الكريم:
َ
ه
ل الل ُ م أن َْز َ تعالى+ :ث ُ ّ اشترك معاوية في غزوة حنين ،قال
ؤمِنين وأ َ
م ْ ّ ل دا ً نو ُ ج
ُ َ
ل ز ْ
َ َ َ ن م ْ ِ عَلى ال ْ ُ و َ ه َ سول ِ ِعَلى َر ُ ه َكين َت َ ُ
س ِ َ
ن" ]التوبة.[26 : ِ ِ َري فكاَ ْ ل ا ءزاج
َ َ ُ كَ ل
َ َِ ذ و رواُ َ
ف َ ك ن ذي
ِ َ ّ ل ا ب َ ّ ذ وع
و َ َها ت ََر ْ
حنين ،وكان من المؤمنين فمعاوية من الذين شهدوا غزوة
الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي ×).(4
-2من السنة:
الرسول × لمعاوية) ،(7ومن ذلك قوله ×» :اللهم اجعله )(6
دعاء
)(5
الصلة والسلم» :اللهم عليه وقوله به«. واهد مهديا هاديا
وقال( رسول الله )9
)(8
العذاب«. ِ ه ِ ق و والحساب، الكتاب معاوية عّلم
×» :أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا« .قالت أم
فيهم« ،ثم قال حرام :قلت :يا رسول الله ،أنا فيهم؟ قال» :أنت
النبي ×» :أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر) (10مغفور لهم«،
منهاج السنة ).(176 ،3/175 )( 1
مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري ،خالد الغيث ،ص .23 )( 4
أوجبوا :أي فعلوا فعل وجبت لهم به الجنة ،فتح الباري ).(6/121 )( 9
211
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(3
-أي أم حرام :-أنا فيهم يا رسول الله؟ قال :ل (1).قال فقلت
المهلب) :(2في هذا الحديث منقبة لمعاوية؛ لنه أول من غزا البحر.
-3ثناء أهل العلم على معاوية :
أ -ثناء عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -عليه:
قيل لبن عباس :هل لك في أمير المؤمنين معاوية ،فإنه ما أوتر
إل بواحدة ،قال :إنه فقيه (4).ومما يناسب المقام ذكر بعض المسائل
الفقهية التي أثرت عن معاوية ومن تلك المسائل ما يلي:
* أثر عنه أنه أوتر بركعة.
* أثر عنه الستسقاء بمن ظهر صلحه .
)(5
)( المهلب بن أحمد الندلسي ،مصنف شرح صحيح البخاري ،توفي 435هـ. 2
)( العنة :هي عجز الرجل عن إتيان زوجته ،القاموس المحيط.(1570) ، 9
)( مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري ،خالد الغيث ،ص .28 10
212
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فذكر منها :قيامه بحماية البيضة ،وسد الثغور ،وإصلح الجند،
والظهور على العدو ،وسياسة الخلق (1).وقد علق محب الدين
الخطيب على هذا النص بقوله :وقد بلغ من همته -يعني معاوية-
وعظيم عنايته بذلك أن أرسل يهدد ملك الروم وهو في معمعة
القتال مع علي في صفين ،وقد بلغه أن ملك الروم اقترب من
الحدود في جنود عظيمة (2).وفي ذلك يقول ابن كثير :وطمع في
معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله ،وقهر جنده ودحاهم،
ي تدانى إلى بعض فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب عل ّ
البلد في جنود عظيمة وطمع فيه ،فكتب معاوية إليه :والله لئن لم
تنته وترجع إلى بلدك يا لعين ،لصطلحن أنا وابن عمي عليك،
ولخرجنك من جميع بلدك ،ولضيقن عليك)(3الرض بما رحبت ،فعند
ذلك خاف ملك الروم ،وبعث يطلب الهدنة .
هـ -ثناء ابن تيمية على معاوية :
مَره
قال عنه ابن تيمية ...» :فإن معاوية ثبت عنه بالتواتر أنه أ ّ
النبي × كما أمر غيره ،وجاهد معه ،وكان أمينا عنده يكتب له
الوحي ،وما اتهمه النبي × في كتابة الوحي ،ووله عمر بن الخطاب
بالرجال ،وقد ضرب الله الحق على لسانه )(4
الذي كان من أخبر الناس
وقلبه ،ولم يتهمه في وليته«.
و -ثناء ابن كثير عليه:
قال عنه ابن كثير :وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى
وأربعين ،فلم يزل مستقل بالمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي
كانت فيها وفاته ،والجهاد في بلد العدو قائم ،وكلمة الله عالية،
والمسلمون معه في راحة والغنائم ترد إليه من أطراف الرض،
أيضا(6:كان حليما) ,(5وقورا ،رئيسا ،سيدا
)
وعدل ،وصفح وعفو .وقال
جيد( السيرة، كان أيضا: عنه وقال شهما. في الناس ،كريما ،عادل,
حسن التجاوز ،جميل العفو ،كثير الستر ،رحمه الله تعالى). 7
-4روايته للحديث:
يعد معاوية من الذين نالوا شرف الرواية عن رسول الله ×،
ومرد ذلك إلى ملزمته لرسول الله × بعد فتح مكة ،لكونه صهره
وكاتبه × .هذا وقد روى معاوية مائة وثلثة وستين حديثا عن
رسول الله × ،اتفق له البخاري)(8ومسلم على أربعة أحاديث ،وانفرد
البخاري بأربعة ومسلم بخمسة .وكانت سيرة معاوية مع الرعية
في وليته من خير سير الولة ،مما جعل الناس يحبونه ،وقد ثبت في
الصحيح عن النبي × قال» :خيار أئمتكم -حكامكم -الذين
) (2البداية والنهاية ).(8/119 مرويات خلفة معاوية ،ص .31 )( 2
3
أفرد ابن أبي الدنيا ،وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفا في حلم معاوية. )( 5
213
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تحبونهم ويحبونكم ،وتصلون عليهم – تدعون لهم -
الذين تبغضونهم ويصلون عليكم ،وشرار أئمتكم
ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم« ).(1
وأختم حديثي عن معاوية بما قاله القاضي أبو بكر بن العربي:
فعمر وله وجمع له الشامات كلها وأقره عثمان ،بل إنما وله أبو
بكر الصديق لنه ولى أخاه يزيد واستخلفه ،فأقره عمر ،لتعلقه بولية
فتعلق عثمان بعمر وأقره ،فانظر أبي بكر لجل استخلف واليه له،
إلى هذه السلسلة ما أوثق عراها (2).وثبت أن رسول الله ×
استكتبه ،فيكون سند وليته العمال في الدولة السلمية ،لم يكن
لحد قبله ولم يكن لحد بعده؛ حيث اجتمع على توليته رسول الله
الثلثة ،ثم صالحه وأقر له بالخلفة الحسن بن × ،ومن بعده خلفاؤه
علي سبط رسول الله ×).(3
ثانًيا :عبد الله بن عامر بن كريز:
بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد هو عبد الله بن عامر بن كريز
مناف بن قصي القرشي العبشمي).(4
)(5
ولد في عهد رسول الله × وذلك في السنة الرابعة للهجرة.
وعندما اعتمر الرسول الكريم × في السنة السابعة للهجرة عمرة
القضاء ،ودخل مكة حمل إليه عبد الله بن عامر ،قال ابن حجر...» :
فتلمظ وتثاءب ،فتفل رسول الله في فيه ،وقال» :هذا ابن
السلمية؟« قالوا :نعم ،فقال» :هذا أشبهنا« وجعل يتفل في
ريق(6النبي × فقال :إنه لمسقى ،فكان ل فيه ويعوذه ،فجعل يبتلع
يعالج أرضا إل ظهر له الماء) .
لم يتول عبد الله بن عامر منصبا إداريا أو عسكريا إلى أن أصبح
واليا على البصرة سنة 29هـ649/م ،وهو ابن خال الخليفة عثمان
بن عفان ؛ لن أم عثمان هي أروى بنت كريز بن ربيعة ،وكانت أم
سليم).(7
عبد الله بن عامر من بني ُ
عين لولية البصرة كان عمره أربعا أو خمسا وعشرين)،(8 ولما ُ
وظل واليا على البصرة حتى مقتل الخليفة عثمان عندما تجهز
بجيش كبير ،وحمل ما عنده من الموال فسار إلى مكة حيث وافى
الزبير ،ورجع منها إلى البصرة فشهد موقعة الجمل ،ولم يحضر
موقعة صفين ،على الرغم من أن القلقشندي ذكر أنه كان في
التحكيم مع معاوية بصفين (9).وفي خلفة معاوية تولى إمارة البصرة
)( مسلم ،كتاب المارة ،رقم .65 1
)( سير أعلم النبلء ) ،(3/19تهذيب التهذيب ) ،(5/273أسد الغابة )،(3/293 6
رقم ).(3031
)( الطبقات ) ،(5/31تهذيب التهذيب ) (2) .(5/272البداية والنهاية ).(8/91 7
8
)( مجلة المؤرخ العربي ،رقم ،21ص (4) .128سير أعلم النبلء ).(3/21 9
214
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لمدة ثلث سنوات ثم عزله عنها ،فأقام بالمدينة ،ومات بها سنة
سبع وخمسين للهجرة (1).وفي رواية ابن قتيبة :أنه توفى بمكة ودفن
بعرفات عام تسع وخمسين (2).وأشاد ابن سعد به قائل :كان عبد الله
شريفا ،سخيا كريما كثير المال ،والولد ،محبا للعمران) .(3وقال عنه
ابن حجر :كان جوادا كريما ميمونا ..جريئا شجاعا) ,(4وكان يعتبر من
أجود أهل البصرة) ,(5ومن أجود أهل السلم (6).وكان لعبد الله بن
عامر أثر حميد في الفتوحات؛ فقد تمكن من القضاء على آمال
الفرس بشكل تام ،عندما قضى على آخر رمق من المل الفارسي
القديم ،وذلك بقضائه على آخر ملوكهم يزدجر بن شهريار بن
كسرى ،وخرزاد مهر أخي رستم اللذين تزعما المعارضة الفارسية
ضد المسلمين.
وإضافة إلى براعة عبد الله بن عامر في الشئون الدارية
العسكرية ،فإنه كان مهتما بالمعارف السلمية ،ويروى أنه روى
حديثا عن النبي × .وقال ابن قتيبة :لم يروِ عن رسول الله إل حديثا
واحدا) ،(7غير أنه لم يكن له رواية في الكتب الستة (8).أما الحديث
النبوي الذي رواه فقد أورده ابن قانع ،وابن منده عن طريق مصعب
الزبيري :حدثني أبي عن جدي مصعب بن ثابت ،عن حنظلة بن
قيس ،عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر أن
)(9
رسول الله × قال» :من قتل دون ماله فهو شهيد«.
إصلحاته القتصادية في البصرة:
يقترن باسم عبد الله بن عامر عدد من الصلحات في البصرة،
ل تقل أهمية عن إنجازاته العسكرية الفذة المتمثلة في انتصاراته
العديدة على المجوس ،وتتبعه لفلولهم المنهزمة وقضائه على آمال
يزدجر ،فقد كانت إصلحاته القتصادية ممثلة في عنايته بسوق
البصرة ،فقد اشترى هذا السوق من ماله ووهبه لهلها) ،(10وكان
السوق يتوسط البصرة ،بدليل ما ذكره خليفة بن خياط من أن
السوق قائم على ضفاف النهر الذي يتوسط البصرة ،وهذا اختيار
جيد؛ لنه يجعل السوق مركزا مهما في وسط المدينة .ولعل أبرز
أعماله الصلحية في البصرة في ميدان الري ،وقد اهتم ابن عامر
بهذه المسألة اهتماما كبيرا ،وذكر ابن قتيبة أن ابن عامر احتفر
الشرق(11والخر يعرف بأم عبد الله وهو بالبصرة نهرين أحدهما في
منسوب إلى أم عبد الله بن عامر) ،وأمر عبد الله بن عامر ،زياد
بن أبي سفيان بحفر البلة ،وكان زياد واليا على الديوان وبيت المال
1
) (6مجلة المؤرخ العربي ،رقم ،21 )( المعارف لبن قتيبة ،ص .321 2
ص .129
3
) (8العقد الفريد ).(294 ،1/293 )( تهذيب التهذيب ).(5/272 4
5
)( صبح العشي في صناعة النشا ،أبو العباس القلقشندي ).(451 ،1/450 6
) (11المصدر نفسه ،ص .321 )( المعارف ،ص .321 7
8
)( الطبقات الكبرى ) ،(5/73مجلة المؤرخ العربي هي العمدة في ترجمتي لعبد 10
الله بن عامر ،حيث استفدت من الستاذ محمد حمادي جزاه الله خيرا.
)( مجلة المؤرخ العربي ،رقم ،21محمد حمادي ،ص .134 11
215
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من قبل عبد الله بن عامر ،وكان يستخلفه في مكانه عند توجهه
للفتوح (1).وذكر خليفة بن خياط أن زياد احتفر نهر البلة حتى انتهى
إلى موضع الجبل ،والذي تولى حفره لزياد عبد الرحمن بن أبي
بكرة)(3),(2فلما فتح عبد الرحمن الماء جعل يركض فرسه والماء يكاد
يسبقه .وحفر عبد الله بن عامر حوضا نسب إلى أمه ،وهو حوض
أم عبد الله بن عامر بالبصرة منسوب إليها (4).وذكر البلذري أن عبد
حفر نهرا ،تولى أمر حفره له نافذ موله فغلب عليه، )(5
الله بن عامر
عامر (6،تولى حفره له مرة لبن رة م
ُ ّ نهر وهناك نافذ. فقيل :نهر
مولى أبي بكر الصديق فغلب على ذكره) ،وهناك نهر الساورة
الذي حفره لهم عبد الله بن عامر .ويذكر البلذري قنطرة قرة
حيان الباهلي ،وكان بالبصرة فيقول :قنطرة قرة نسبة إلى قرة بن
قديم ثم اشترته أم عبد الله بن عامر) (7فتصدقت به مغيثا عندها نهر
لهل البصرة).(8
مما تقدم ،يتبين لنا أن عبد الله بن عامر كان مهتما بحفر النهار
من أجل ازدهار الزراعة التي هي عماد الحياة القتصادية ،إضافة إلى
موقع البصرة الستراتيجي بالنسبة إلى طرق التجارة ،وأهميتها
العسكرية كقاعدة للفتوحات السلمية في المشرق .ويمكن أن
نلحظ مدى رغبة عبد الله بن عامر في الصلح ،من خلل قوله :لو
في حاجتها على دابتها ،ترد كل يوم على ماء ُتركت لخرجت المرأة
وسوق حتى توافي مكة).(9
وفي الحقيقة أن إصلحاته هذه ل تقل أهمية عن الفتوحات في
المشرق التي قام بها ،فقد كانت البصرة هي القاعدة العسكرية
للخلفة في فتوحاتها ببلد المشرق .وأشار الدكتور صالح العلي إلى
أن الفتوح الواسعة أدت إلى ازدياد دخل البصرة وانتشار الرخاء
(10التقاطر إليها،
على
)
القتصادي فيها ،مما شجع التجار ورجال العمال
وبذلك بدأت الحياة المدنية تنمو سريعا في البصرة.
لقد كانت الحالة المالية لمارة البصرة جيدة جدا ،نتيجة للفتوح
الواسعة في المشرق ،والنشاط القتصادي التجاري للبصرة
واستقرار المن فيها ،وكان عبد الله بن عامر رجل متواضعا فاتحا
بابه لجميع الناس ،حتى إنه عاقب الحاجب وأمره أل يغلق بابه ليل
ول نهارا (11).وفي الحقيقة أصبح ابن عامر ذا شهرة واسعة بالبصرة,
قال ابن سعد :كان الناس يقولون :قال ابن عامر وفعل ابن عامر.
) (12ونتيجة لعماله الصلحية وسيرته الحميدة فقد ازداد حب المة
فتوح البلدان للبلذري ،ص .351 )( 1
مجلة المؤرخ العربي رقم ،21عبد الله بن عامر ،ص .134 )( 4
مجلة المؤرخ العربي رقم ،21ص ،135فتوح البلدان ،ص .354 )( 5
مجلة المؤرخ العربي رقم ،21ص ،136فتوح البلدان ،ص .354 )( 6
مجلة المؤرخ العربي رقم ،21ص (2) .136فتوح البلدان ،ص .354 ،353 )( 7
8
مجلة المؤرخ العربي ،العدد ،21عبد الله بن عامر ،محمد حمادي ،ص .138 )( 11
216
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
له) .(1وظل ابن عامر عليها إلى أن قتل الخليفة عثمان .(2)
فهذا عبد الله بن عامر أحد ولة عثمان ،فهو الذي شق نهر
البصرة ،وأول من اتخذ الحياض بعرفات وأجرى إليها العين) ،(3وهو
الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما ل ينكر )(4
الرجل الذي له من
وكان من كبار أمراء العرب الذهبي: فيه وقال تيمية. كما يقول ابن
وشجعانهم وأجوادهم ،وكان فيه رفق وحلم).(5
ثالثـا :الوليد بن عقبة:
هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف ،المير أبو وهب الموي ،له صحبة قليلة) ,(6وهو
أخو عثمان لمه.
كان الوليد بن عقبة من رجال الدولة السلمية على عهد أبي
بكر وعمر اللذين كانا يتخيران للعمال ذوي الكفاءة والمانة من
الرجال ،وكان ذلك من أعظم أسباب ذلك النتشار السريع على
أوسع نطاق للسلم في عهدهما ،وأنه كان محل ثقة واعتماد
إليه المور المهمة لما كان يريان فيه من الخليفتين ،وممن وسد
الكفاءة وصدق اليمان (7).وأول عمل له في خلفة الصديق أنه كان
موضع السر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده
مع(9الفرس)12 (8هـ ،ثم وجهه مددا خالد بن الوليد في وقعة المذار
إلى قائده عياض بن غنم الفهري ).وفي سنة 13هـ كان الوليد يلي
لبي بكر صدقات قضاعة ،ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان
الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة،
فكتب إلى عمرو بن العاص وإلى الوليد بن عقبة يدعوهما لقيادة
السلم نحو فلسطين ،وسار )(10
فيالق الجهاد ،فسار ابن العاص بلواء
سنة في الوليد رأينا ثم الردن. الوليد بن عقبة قائدا إلى شرق
15هـ على عهد عمر أميرا على بلد بني تغلب وعرب الجزيرة)،(11
وكان في وليته هذه يحمي ظهور المجاهدين في بلد الشام لئل
يؤتوا من خلفهم ,وانتهز الوليد فرصة وليته على هذه الجهة التي
كانت ل تزال مليئة بالنصارى ،فكانت من جهاده الحربي وعمله
والموعظة الحسنة الداري داعيا إلى الله يستعمل أساليب الحكمة
لحمل نصارى إياد وتغلب على الدخول في السلم (12).وبهذا
الماضي المجيد جاء الوليد في خلفة عثمان ،فتولى الكوفة له وكان
من خير ولتها عدل ورفقا وإحسانا ،وكانت جيوشه مدة وليته على
الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظاهرة موفقة ،كما شهد له
في التاريخ علما بذلك بظهر الغيب قاضي من أعظم قضاة السلم
وفضل وإنصافا ،وهو التابعي الجليل المام الشعبي)(13؛ فقد أثنى
مجلة المؤرخ العربي ،عبدالله بن عامر ،محمد حمادي ،ص .138 )( 1
) (2منهاج السنة )(190 ،3/189 البداية والنهاية ).(8/91 )( 3
4
) (4سير أعلم النبلء ).(413 ،3/412 سير أعلم النبلء ).(3/21 )( 5
6
فصل الخطاب في مواقف الصحاب ،محمد صالح الغرسي ،ص .78 )( 7
217
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
على غزوه وإمارته بقوله حين ذكر له غزو مسلمة بن عبد الملك):(1
فينتهي إلى كذا كيف لو أدركتم الوليد وغزوه وإمارته ،إنه كان ليغزو
وكذا ،ما نقص ول انتقص عليه أحد حتى عزل عن عمله (2).وقد كان
الوليد أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم ،وقد أمضى خمس
سنين وليس في داره باب (3).وقد قال عثمان :ما وليت الوليد لنه
أخي وإنما وليته لنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله × وتوأمة
والولية اجتهاد ،وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص وقدم أقل أبيه،
منه درجة).(4
والمستعرض لسيرة هذا الصحابي الجليل والبطل السلمي
العظيم الذي كان محل ثقة الخلفاء الراشدين الثلثة ل يرتاب؛ فإنه
أهل للولية ،وإنما تساوره الشكوك في ثبوت ما قيل فيه من نزول
وشربه للخمر ،والمر يحتاج إلى تحقيق، الية فيه وتسميته فاسقا
وإليك بحث هذين المرين):(5
ق"؟ س ُ فا ِ م َجاءَك ُ ْ هل ثبت بأن الوليد نزلت فيه الية ِ+إن َ
َ
ق ب ِن َب َأ ٍ ُ س
فا ِ م َ ْ جاءَك ُ
مُنوا ِإن َ َ نآ ذي َها ال ّ ِ
تعالىَ+ :يا أي ّ َ نوا َقال
مَ ْ ُ تْ ل عفَ ما
َ لى َ ع
َ حوا بص
ْ ِ ُ ُ تفَ ة
ٍ َ ل ها ج ب
ْ ً ِ َ َما و َ
ق بوا
ُ صي
ِ ُ ت أن َ
فت َب َي ّ ُ
ن" ]الحجرات.[6 : َ مي ِ د
ِ ناَ
يتناقل الرواة في ذلك قصة تقول) :إن رسول الله × بعث الوليد
بن عقبة إلى بني المصطلق مصدقا ،فأخبر عنهم أنهم ارتدوا ،وأبوا
في أداء الصدقة ،وذلك أنهم خرجوا إليه فهابهم ولم يعرف ما
عندهم ،فانصرف عنهم ،وأخبر بارتدادهم ،فبعث إليهم رسول الله ×
خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت فيهم ،فأخبروه أنهم متمسكون
الية (6).وقد جاءت روايات عديدة وليس للقصة بالسلم ،ونزلت
سند موصول صحيح) ،(7وأقل ما يوصف به سند القصة أنه ضعيف،
وإذا قبلوا السانيد الضعيفة في فضائل العمال التي ل تحل حراما
ول تحرم حلل ،فإننا ل نقبل السند الضعيف في قصة الوليد؛ لنه
يحل حراما ،وهو وصف رجل صحب الرسول عليه السلم -ولو يوما-
على بأنه فاسق ..وكيف نقبل السند الضعيف والية نفسها تحث
التثبت في قبول الخبار ،فهذه الية وضعت أصل علم الرواية).(8
إن قصة الوليد بن عقبة فيما نسبوه إليه ل تقبل فيها إل الخبار
الصحيحة السند والمتن؛ لنها تصفه بالفسق ،وهذا مطعن ل يتساهل
في قبوله إذا ُوصف به رجل من عرض الناس في العصر الحديث
بعد خمسة عشر قرنا من عصر الدعوة ،فكيف نتساهل في نسبتها
إلى رجل عاش في العهد النبوي ،وفي عهد الخلفاء الراشدين،
وأوكلوا إليه أعمال ذات خطر؟!.
والقصة تمثل جزءا من تاريخ صدر السلم ،وتتصل أجزاء القصة
مسلمة بن عبد الملك بن مروان أحد القادة الفاتحين ،توفي 120هـ. )( 1
) (2المصدر نفسه ).(2/182 المدينة النبوية فجر السلم.(2/176) ، )( 7
8
218
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وحوادثها بالعقيدة السلمية ،وأخبار هذا الجانب من التاريخ السلمي
ل يتساهل في قبولها ،كما يتساهل في قبول الخبار التي تتصل
بالعمران المدني ،ثم إن الوليد بن عقبة من مسلمة الفتح ،وكثيرا ما
توجه المطاعن إلى إسلم هذه الفئة من الناس ،ويزعم بعض
أسلموا مكرهين ،ولم يدخل اليمان إلى قلوبهم ،وهو المؤرخين أنهم
زعم باطل بل ريب (1).وأخبار الوليد بن عقبة تزّيد الرواة فيها ،ولعبت
بها الهواء المذهبية والسياسية ،ودخلها الوضع ،وكانت ميدانا لتسابق
القصة في اختبار القدرة على الوضع وإثبات عبقريتهم الدبية أهل
المجنحة).(2
ومما يعكر على رواية إرسال الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني
المصطلق ويعارضها حديث موصول السند إلى رجال ثقات ،أن
الوليد بن عقبة كان يوم الفتح صغيرا ومن كان في سنه ل يرسله
النبي × عامل ،فعن فياض بن محمد الرقي ،عن جعفر بن برقان،
عن ثابت بن الحجاج الكلبي ،عن عبد الله الهمداني )أبي موسى(
عن الوليد بن عقبة قال :لما فتح رسول الله × مكة ،جعل أهل مكة
يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم فجيء بي إليه،
يمنعه( من ذلك إل وإني مطيب بالخلوق ،ولم يمسح على رأسي ،ولم
أن أمي خلقتني بالخلوق ،فلم يمسني من أجل الخلوق). 3
إن القصة لعبت بها الهواء المذهبية؛ فالوليد أموي عثماني،
والذي أقحم اسم الوليد في قصة سبب نزول الية شيعي رافضي
)محمد بن السائب الكلبي( ،قال عنه ابن حجر :كان يعد من شيعة
أهل الكوفة ،وقال ابن حجر :كان بالكوفة كذابان ،أحدهما الكلبي،
والخر السدي (4).واختاره لهذه القصة؛ لنها تتصل بجمع الصدقات،
والوليد عمل على صدقات قضاعة في عهد أبي بكر ،وعمل على
صدقات تغلب في الجزيرة في زمن عمر ،وكتب الشيعة تعيب
عثمان بن عفان بسبب قصة الوليد (5).ونحن ل ننكر أن تكون الية
نزلت في سياق قصة بني المصطلق ،ولكن الذي ننكره أن يكون
الوليد هو الموصوف بالفاسق في الية ،ذلك أن منطوق ِ+إن
ق" بصيغة التنكير يدل على الشمول؛ لن النكرة إذا س ُفا ِم َجاءَك ُ ْ
َ
وقعت)(6في سياق الشرط عمت كما تعم إذا وقعت في سياق
النفي
حد الوليد بن عقبة في الخمر:
وأما حد الوليد في الخمر فقد ثبت في الصحيحين أن عثمان حده
بعدما شهدت عليه الشهود ،فهو ليس مأخذا على عثمان ،بل كان
عن(7الكوفة؛ حيث من مناقب عثمان أن أقام عليه الحد وعزله
علي وكان , )
عثمان( ذكر البخاري هذه الحادثة في باب )مناقب
يقول :إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه ليقتل رِد َْءه (8).ما
) (4 ،المصدر نفسه ).(2/173 1
2
) (4البخاري ،كتاب مناقب عثمان. ) (3 ،المصدر نفسه )(2/180 5
6
7
)( الردء :هو العون ،تاريخ الطبري ) (6) .(5/278تحقيق مواقف الصحابة في 8
الفتنة ).(1/421
219
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ذنب عثمان في رجل قد ضربه بفعله وعزله عن عمله ،وما ذنب
عثمان فيما صنع عن أمرنا (1).ثم إن تلك الحادثة لم تطرأ في عهد
عثمان فحسب ،بل لها سابقة في عهد عمر بن الخطاب ؛ حيث
ذكر أن قدامة بن مظعون له صحبة شرب الخمر ،وهو أمير على
قبل عمر البحرين من
فحده وعزله).(2
وقد ذكر بعض المؤرخين أنه لم يثبت على الوليد شربه
الخمر ،قال الحافظ في الصابة :ويقال إن بعض أهل الكوفة
تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق (3).وقد أشار إلى هذا ابن
خلدون فقال :وما زالت الشائعات -أي على عمال عثمان -من
قبل المشاغبين تنمو ،ورمى الوليد بن عقبة -وهو على الكوفة -
)(4
بشرب الخمر وشهد عليه جماعة منهم وحده عثمان وعزله.
وما حكاه الطبري ببعض تفاصيل :إن أبناًء لبي زينب وأبي مورع
وجندب بن زهير نقبوا على ابن الحيسمان داره وقتلوه ،فشهد
عليهم بذلك أبو شريح الخزاعي الصحابي وابنه- ،وكان جارا لبن
الحيسمان -فاقتص منهم الوليد ،فأخذ الباء على أنفسهم أن
يكيدوا للوليد ،وأخذوا يترقبون حركاته فنزل به أبو زبيد الشاعر،
وكان نصرانيا من أخواله بني تغلب ،وأسلم على يد الوليد ,وكان
الضيف متهما بشرب الخمر ،فأخذ بعض السفهاء يتحدثون بذلك
في الوليد لملزمته أبا زبيد ،ووجد أبو زينب وأبو مورع خير فرصة
يغتنمانها ،فسافرا إلى المدينة وتقدما إلى عثمان شاهدين على
الوليد بشرب الخمر ،وأنهما وجداه يقئ الخمر ،فقال عثمان :ما
يقئ الخمر إل شاربها ،فجيء بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان
وأخبره خبرهم ،فقال عثمان :نقيم حدود الله ويبوء شاهد الزور
بالنار ،فاصبر يا أخي).(5
قال محب الدين الخطيب :وأما الزيادة التي وردت في رواية
مسلم من أنه أتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال :أزيدكم،
وفي بعض طرق أحمد أن صلى أربعا ،فلم تثبت في شيء من
شهادة الشهود ،فهي من كلم حضين الراوي للقصة ،ولم يكن
حضين من الشهود ولم يروها عن شاهد ول عن إنسان معروف ،ول
كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم ،فل اعتداد بهذا الجزء
من كلمه).(6
هذا هو والي عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة ،المجاهد
الفاتح ،العادل المظلوم الذي كان منه لمته كل ما استطاعه من
عمل طيب ،ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين,
وينفذ باطلهم فيهم ,فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له
منقطعة عن صخب المجتمع ،وهي تبعد خمسة عشر ميل عن
1
)( تاريخ ابن خلدون ) ،(2/473فصل الخطاب في مواقف الصحاب ،ص .81 4
) (3العواصم من القواصم ،ص ،96 )( تاريخ الطبري ).(5/277 5
97 6
220
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو الناس
للسلم في خلفة عمر) ، (1واعتزل جميع الحروب التي كانت أيام
علي ومعاوية -رضي الله عنهما -إلى أن توفي بضيعته ودفن بها
في عام 61هـ ،وقيل إنه توفي في أيام معاوية).(2
رابًعا :سعيد بن العاص.
بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، )(3
هو سعيد
وقال أبو حاتم :له صحبة ،ولي الكوفة بعد القرشي الموي.
الوليد بن عقبة ،كان من فصحاء قريش ,ولهذا ندبه عثمان
فيمن ندب لكتابة القرآن؛ فعن أنس بن مالك قال ...» :فأمر
عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ،وسعيد بن العاص،
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها )أي الصحف(
في المصاحف .وقال عثمان للرهط القرشيين الثلثة :إذا
وزيد بن ثابت في شيء من القرآن ،فاكتبوه )(4
اختلفتم أنتم
وقد أقيمت عربية القرآن على لسان سعيد بلسان قريش«.
بن العاص؛ لنه كان أشبههم لهجة برسول الله × .أدرك من
تسع( سنين ،وقتل أبوه يوم بدر مشركا ،قتله )5
الحياة النبوية
علي بن أبي طالب.
واقرأ معي هذا الخبر الذي يدل على قوة إيمانه :حيث روي أن
عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص :لم أقتل أباك ،وإنما قتلت
خالي العاص بن هشام ،فقال سعيد :لو قتلته لكنت على الحق،
وكان على الباطل ،فأعجب عمر بجوابه .وفي أيام وليته الكوفة غزا
طبرستان(6ففتحها وغزا جرجان ،وكان في عسكره حذيفة وغيره من
السائل -وليس
)(7
الصحابة ).وكان مشهورا بالكرم والبر ،حتى سأله
عنده ما يعطيه -فكتب له بما يريد أن يعطيه ،مسطورا .وكان
رحمه الله يحب جمع شمل المسلمين ويكره الفتنة ويفر منها ،وله
عثمان الكوفة بعد الوليد بن عقبة ووفد إلى المدينة مرة ،وعندما
عاد إلى الكوفة جند أهل الشغب جنودهم ومنعوه من دخولها ،فعاد
ولزم المدينة .وهؤلء الذين منعوه من العودة إلى المارة كان منهم
ذلك اعتزل الجمل وصفين وحث أهل الجمل على قتلة عثمان ،ومع
القعود عن الخروج (8).هذه هي سيرته؛ كرم وشجاعة ،وبر ،وجهاد،
وفصاحة أشبه ما تكون بفصاحة النبي × ،وكان قد أملى على زيد
بن ثابت هذا المصحف الذي نقرؤه اليوم ،فتأمل هذه المناقب الثابتة
له بالرواية الصحيحة ،وقارنها بما يذكرون من مثالبه التي ل سند لها،
وتأمل فيمن أشاعها ،فتظن أنها ملفقة لنها تجمع في الرجل
النقيضين؛ الكرم والبخل ،والبر والتوحش ،والفهم والجهل ،والجهاد
) (2البخاري ،كتاب فضائل القرآن، )( البداية والنهاية ).(8/87 3
رقم ).(4987
4
) (4المصدر نفسه ).(2/211 )( المدينة المنورة فجر السلم ).(2/211 5
6
221
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والنكوص ،وهذا ل يعقل اجتماعه في رجل سوى (1).يزعم الرواة بل
إسناد أنه عندما ولي سعيد الكوفة بعد الوليد كان بعض الموالي
يقول رجزا:
زل الوليـديا ويلنا قد عُ ِ
عا ســـــعيد
وجاءنــا مجوّ ً
ينقص في الصاع ول يزيد).(2
وهذا رجز مصنوع ،وقصة موضوعة بل شك)(3؛ لن الموالي في
سنة 30هـ -أي العبيد من أسرى الحروب -لم يكونوا يحسنون
العربية بله قول الشعر ،ولن سعيد بن العاص المشهور بالكرم والبر
مدح الناس والشعراء الوليد وع( ،وإذال يمكن أن يوصف بأنه )مج ّ
لكرمه فإن سعيدا ضرب المثل بكرمه) ،(4فكان يقال له :عكة
العسل ،وقال فيه الفرزدق
يذكر كرمه:
إذا ما المر في الحدثان عال ترى الغُّر الجحاجح من قريش
)(5
كأنهم يرون به هلل قياما ينظرون إلى سعيد
وإذا قال الموالي هذا الرجز في أول مجيء سعيد إلى الكوفة,
فكيف عرف الموالي سياسة سعيد ،وهل جاء مجوعا أم جاء مشبعا،
والغريب أن الرواة يسوقون هذا الخبر في سياق ينقض بعضه بعضا؛
حيث يقولون :فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة فسار فيهم
سيرة عادلة ،فكان بعض الموالي يقول ...الرجز) !(6فكيف تكون
السيرة عادلة ،ويوصف بأنه جوع الموالي؟! فقد كان الخير كثيرا
يسع الجميع ،ويفيض ,والسيرة العادلة تجعل الخير يعم (7).ورحم الله
المؤرخين القدماء ،فقد كانوا حسني الظن بالقراء ،فجمعوا في
كتبهم الروايات المتناقضة ،وحسبوا أن القراء في جميع العصور
يستطيعون تمييز الغث من السمين ،وعذرهم بأنهم كانوا يؤلفون
عصرهم ،وما عرفوا أن القرون التالية ستحفل بمن يحتطب لهل
بليل (8).فقد روى ابن سعد في ترجمة سعيد بل إسناد يقول :قالوا:
فلما قدم سعيد الكوفة واليا قدمها شابا مترفا ليست له سابقة،
المنبر: فقال :ل أصعد المنبر حتى يطهر ،فأمر به فغسل ،وقال على
)(9
إنما هذا السواد بستان لغُْيلمة من قريش ،فشكوه إلى عثمان.
وهذا كلم ل يصح لنه غير مسند؛ ولن سعيد بن العاص الذي قاد
جيوش الجهاد وفتح الفتوح ل يكون كما وصف القائلون .ثم إن ابن
سعد يروي قولة سعيد هذه على لسان الشتر مالك بن الحارث
عندما منع سعيد بن العاص من دخول الكوفة بعد سنوات من وليته؛
) (2تاريخ الطبري ).(5/279 )( المدينة المنورة فجر السلم ).(2/212 1
2
) (5البداية والنهاية ).(8/88 ) (4 ,المدينة المنورة فجر السلم ).(2/212 3
4
222
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حيث قال الشتر :هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن هذا
والسواد مساقط رؤوسكم, السواد بستان لغيلمة من قريش،
ومراكز رماحكم ،وفيئكم وفئ آبائكم).(1
ومالك بن الحارث الملقب بـ)الشتر( صاحبة فتنة؛ كان من
رؤساء الخوارج الذين حاصروا عثمان وقتلوه ،ول يستغرب من هؤلء
أن يختلقوا القوال لثارة كره الناس ،وإذا كانت هذه الجملة قد
قيلت ،فإن الذين قالوها هم الخارجون على الخلفة؛ لنهم فهموا
-وبخاصة (2الكوفة- هذا الفهم السقيم بسبب تتابع المراء على العراق
من قريش ،ولن العصبية القبلية واضحة في هذه المقولة ).وقد
دحا ،حليما،قال المام الذهبي فيه :وكان أميرا شريفا جوادا ،مم ّ
وقورا ،ذا حزم وعقل ،يصلح للخلفة )الولية( (3).وأما قول
المخالفين والذين طعنوا في عثمان بأنه استعمل سعيد بن
العاص على الكوفة وظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة),(4
فمجرد إخراج أهل الكوفة له ل يدل على ذنب يوجب ذلك ،فمن
عرف الكوفة وسبر أحوالها عرف كثرة تشكي أهلها من ولتهم بل
مبرر شرعي ولتفه السباب ،حتى قال فيهم عمر بن الخطاب :
الكوفة ،ما يرضون أحدا ول يرضى بهم ،ول أعياني وأعضل بي أهل
يصلحون ول يصلح عليهم (5).وفي رواية :أعياني أهل الكوفة؛ فإن
استعملت عليهم لّينا استضعفوه ،وإن استعملت عليهم شديدا
)(6
ي فلّبس شكوه (7.بل إنه دعا عليهم فقال :اللهم إنهم قد لبسوا عل ّ
عليهم) .
ى
وقد كان سعيد بن العاص رجل حكيما ،فقد قال :لجليسي عل ّ
ثلث؛ إذا دنا رحبت به ،وإذا جلس أوسعت له ،وإذا حدث أقبلت
عليه .وقال لبنه :يا بني ،أجرِ لله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير
مسألة ،فأما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه في وجهه ،أو جاءك
مخاطرا ل يدري أتعطيه أم تمنعه ،فوالله لو خرجت له من جميع
مالك ما كافأته .وقال أيضا :يا بني ،ل تمازح الشريف فيحقد عليك،
ول الدنيء فتهون عليه .ودخلت عليه ذات يوم امرأة من العابدات
وهو أمير الكوفة فأكرمها وأحسن إليها ،فقالت :ل جعل الله لك إلى
لئيم حاجة ،ول زالت المنة في أعناق الكرام ،وإذا أزال عن كريم
نعمة جعلك سببا لردها عليه.
دا الوفاة جمع بنيه وقال لهم :ل يفقدن ولما حضرت سعي ً
أصحابي غير وجهي ،وصلوهم بما كنت أصلهم به ،وأجروا عليهم ما
كنت أجري عليهم ،واكفوهم مؤنة الطلب ،فإن الرجل إذا طلب
الحاجة اضطربت أركانه ،وارتعدت فرائصه مخافة أن يرد ،فوالله
لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعا لحاجته أعظم منة عليكم
مما تعطونه .ثم أوصاهم بوصايا كثيرة ،وكانت وفاته 58هـ ،وقيل
) (3 ،المصدر نفسه ).(2/214 1
2
) (5تاريخ الطبري ).(5/279 )( سير أعلم النبلء ).(3/447 3
4
)( المعرفة والتاريخ للفسوي ) (7) .(2/754تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة 5
).(1/423
6
223
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
57هـ ،وقيل 59هـ).(1
سا :عبد الله بن سعد بن أبي السرح: خام ً
درج المؤرخون في الغالب إذا ذكروا اسم عبد الله بن أبي
السرح وتولية عثمان له على ولية مصر على أن يقولوا :لقد ولى
)(2
عثمان على مصر عبد الله بن أبي السرح أخاه من الرضاعة.
وإيراد عبارة )أخاه من الرضاعة( مقرونة بالتولية تعتبر إيحاء من
بعض المؤرخين باتهام عثمان ,وأنه لهذه الخوة من الرضاعة وله
على مصر ،وهذا الذي يراه المؤرخ غير صحيح ،ولكي نرد على هؤلء
وعلى ما يغمزون به أمير المؤمنين عثمان بن عفان نستعرض
جهود فارس بني عامر بن لؤى)- (3عبد الله بن سعد-؛ فقد كان على
خبرة ودراية تامة بأحوال مصر ونواحيها نتيجة اشتراكه مع جيش
عمرو في فتحها ،ونتيجة وليته على بعض النواحي أثناء خلفة عمر،
فقد كان على صعيد مصر) ,(4وكذلك أول خلفة عثمان ،مما أهله لن
يصبح واليا عاما على مصر ،فكان أقوى المرشحين لتلك الولية بعد
عمرو بن العاص نتيجة لتلك الخبرات ،ويبدو أن عبد الله بن سعد
تمكن من ضبط خراج مصر حتى زاد ما كان يجمعه من الخراج على
ما كان يجمعه عمرو بن العاص قبله ،ولعل مرد ذلك إلى اتباع عبد
الله بن سعد لسياسة جديدة في المصروفات اختلفت عن سياسة
)(5
عمرو ،وبالتالي زادت أموال الخراج المتوافرة في مصر.
وقد قام عبد الله بن سعد أثناء وليته بالجهاد في عدة مواقع،
فكانت له فتوح مختلفة لها شأن عظيم ،فكان من غزواته غزوة
أفريقية سنة 27هـ وفتوحه فيها ,وقتله ملكها جرجير ،وكان يصاحبه
في تلك الغزوات مجموعة من الصحابة ،منهم :عبد الله بن الزبير،
وانتهت
)(6
وعبد الله ابن عمر ،وعبد الله بن عمرو بن العاص ،وغيرهم،
الغزوة بصلح مع بطريرك أفريقيا على تأدية الجزية للمسلمين.
السرح إلى أفريقية مرة أخرى ووطد فيها السلم وقد عاد ابن أبي
وذلك في سنة 33هـ) ،(7كما كان من أهم أعمال عبد الله بن سعد
بن أبي السرح غزوه لبلد النوبة وتسمى غزوة الساودة أو غزوة
الحبشة عند بعض المؤرخين ،وقد وقعت هذه الغزوة سنة إحدى
وثلثين للهجرة ،وقد دار قتال شديد بين أجناد المسلمين وجنود
النوبة ،وأصيب مجموعة من المسلمين نظرا لجادة أهالي النوبة
للرمي ،وقد انتهت تلك الغزوة بصلح وقعه عبد الله بن سعد مع
أهالي النوبة بوضع جزية محددة عليهم (8).ويعتبر عبد الله بن سعد
بحق أول قائد مسلم تمكن من اقتحام النوبة ،وقاتل أهلها وفرض
عليهم الجزية ،واستقرت الحال على ذلك في أيامه بين أهل النوبة
البداية والنهاية ).(8/90 )( 1
فتوح مصر وأخبارها ،ص ،183الولية على البلدان ).(1/180 )( 6
الولية على البلدان ) ,(1/181فتوح مصر وأخبارها ،ص .188 )( 8
224
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
والمسلمين.
كذلك من أهم أعمال عبد الله بن سعد العسكرية غزوة ذات
الصواري ،وقد انتصر فيها المسلمون على الروم ،وقد كانت ولية
عبد الله بن سعد على مصر محمودة على العموم لدى المصريين
ولم يروا منه ما يكرهون ،يقول عنه المقريزي :ومكث أميرا مدة
ولية عثمان كلها محمودا في وليته (1).وقال فيه الذهبي :ولم
)(2
يتعد ول فعل ما ينقم عليه ،وكان أحد عقلء الرجال وأجوادهم.
وقد كانت ولية مصر في أول أمرها هادئة مستقرة إلى أن تمكن
مثيرو الفتنة من أمثال عبد الله بن سبأ من الوصول إليها وإثارة
الناس فيها ،فكان لهم وللمتأثرين بهم دور كبير في مقتل عثمان ،
كما أن الحوال في مصر نفسها اضطربت نتيجة طرد الوالي
الشرعي لها واستيلء أقوام آخرين على المور بطريقة غير شرعية،
وقد تمكنوا خلل تلك الفترة من بث الكراهية في قلوب الناس
)(3
لخليفتهم عثمان نتيجة مكائد قاموا بها وأكاذيب لفقوها ونشروها
-سيأتي الحديث عنها بإذن الله تعالى .-ولما وقعت الفتنة بمقتل
عثمان اعتزلها عبد الله بن سعد وسكن عسقلن ،أو الرملة في
فلسطين .وروى البغوي بإسناد صحيح عن يزيد بن أبي حبيب قال:
خرج ابن أبي السرح إلى الرملة بفلسطين ،فلما كان عند الصبح
قال :اللهم اجعل آخر عملي الصبح ،فتوضأ ثم صلى ،فسلم عن
يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه).(4
سا :مروان بن الحكم ووالده:
ساد ً
كان مروان بن الحكم من أخص أقرباء عثمان به ،وأوثقهم صلة
بمركز الخلفة وألصقهم بالحداث التي عصفت بالوحدة السلمية
في عهد عثمان ،فكان منه بمنزلة كاتم سر الدولة ،أو حامل ختم
الملك (5).ولم يكن مروان بالتأكيد المستشار الوحد للخليفة الذي
كان يستشير كبار الصحابة وصغارهم ،ولم يكن بمعزل عن قادة
الرأي في مجتمع السلم ،وكذلك لم يكن مروان الوزير الذي
تجمعت تحت يده سلطات الدولة ،إنما كان كاتبا للخليفة ،وهي
وظيفة تستمد أهميتها من قرب صاحبها من إذن الخليفة وخاتمه ،أما
ادعاء توريطه عثمان وإثارة الناس عليه لتنقل الخلفة بعد ذلك إلى
بني أمية ،فافتراض ل دليل عليه ،ولم تنتقل الخلفة إلى بني أمية إل
بعد أهوال جسام لم يكن لمروان فيها دور خطير ،ثم إن عثمان لم
يكن ضعيف الشخصية حتى يتمكن منه كاتبه إلى الحد الذي يتصوره
الرواة (6).ول ذنب لمروان بن الحكم إن كان في حياة الرسول × لم
يبلغ الحلم باتفاق أهل العلم ،بل غايته أن يكون له عشر سنين أو
الخطط ).(1/299 )( 1
الدولة الموية المفترى عليها ،حمدي شاهين ،ص .160 )( 6
225
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
قريب منها ،وكان مسلما يقرأ القرآن ويتفقه في الدين ،ولم يكن
قبل الفتنة معروفا بشيء يعاب فيه ،فل ذنب لعثمان في استكتابه،
وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان (1).بل إن خبر طرد
النبي × لبيه ضعيف سندا ومتنا ،وتعقبه شيخ السلم ابن تيمية
عرف عن مروان بن الحكم العلم والفقه فأوضح تهافته وضعفه (2).و ُ
والعدل ،فقد كان سيدا من سادات شباب قريش لما عل نجمه أيام
عثمان بن عفان ،وقد شهد له المام مالك بالفقه ،واحتج بقضائه
وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ ,كما وردت في غيره
)(3
من كتب السنة المتداولة في أيدي الئمة المسلمين يعملون بها.
وكان المام أحمد يقول :يقال :كان عند مروان قضاء ،وكان يتتبع
قضايا عمر بن الخطاب (4).وكان مروان من أقرأ الناس للقرآن كما
كان له رواية للحديث الشريف؛ حيث روى عن بعض مشاهير
الصحابة ،وروى عنه بعضهم ،وكما روى عنه بعض التابعين (5).وكان
حريصا على تحري السنة والعمل بها؛ روى الليث بن سعد -فقيه
مصر -بسنده قال :شهد مروان جنازة ،فلما صلى عليها انصرف،
فقال أبو هريرة :أصاب قيراطا وحرم قيراطا )أي الجر والثواب،
كما ورد في حديث شريف( (6).فأخبر بذلك مروان فأقبل يجري حتى
)(7
بدت ركبتاه ،فقعد حتى أذن له.
وجاء في مقدمة فتح الباري :مروان بن الحكم بن أبي العاص بن
الرسول
)(8
أمية ابن عم عثمان بن عفان ،يقال له رؤية ،يعني رؤية
عليه الصلة والسلم ،فإن ثبتت ،فل يعرج على من تكلم فيه.
وكان يقول ابن كثير :وهو صحابي عند طائفة كثيرة؛ لنه ولد في
حياة النبي × (9).وقد ولى مروان المدينة لمعاوية بن أبي سفيان،
فكان شديدا على أهل الفسوق بها ،حربا على مظاهر الترف
والتخنث) ،(10عادل مع رعيته ،حذرا من مجاملة ذوي قرباه ،أو من
يحاول منهم استغلل نفوذه؛ فقد لطم أخوه عبد الرحمن مولى لهل
المدينة يعمل حناطا أثناء فترة ولية مروان على المدينة ،فشكا
الحناط إلى مروان ،فأتى بأخيه عبد الرحمن ،وأجلسه بين يدي
الحناط وقال له :الطمه ،فقال الحناط :والله ما أردت هذا ،وإنما
أردت أن أعلمه أن فوقه سلطانا ينصرني عليه ،وقد وهبتها لك،
فقال :لست أقبلها منك ،فخذ حقك ،فقال :والله ل ألطمه ،ولكن
أهبها لك ،ولست والله لطمه ،فقال مروان :لست والله قابلها ،فإن
وهبتها فهبها لمن لطمك أو لله عز وعل ،قال :قد وهبتها لله تعالى،
الدولة الموية المفترى عليها ،ص ,200البداية والنهاية ).(8/260 )( 7
فتح الباري ) ،(2/164أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ،ص .254 )( 8
226
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فقال عبد الرحمن شعرا يهجو أخاه مروان لذلك).(1
إن هذه الصورة المشرقة عن علم مروان وعدله وفقهه وتدينه
تكاد تختلف تماما عن تلك الصورة الكريهة التي يقدمها عنه معظم
المؤرخين والرواة الذين اجتهدوا لتشويه حياة الرجل ،فلما حانت
وفاته اجتهدوا أيضا لتشويهها ,فزعموا أن امرأته أم خالد بن يزيد بن
معاوية ،خنقته بوسادتها ،أو دست له السم لما سب ابنها -بزعمهم-
أمام جماعة من الناس ،وهذه القصة -ومع ما تحتويه من عناصر
متناقضة -تبدو لول وهلة وكأنها أسطورة اخترعتها مخيلت عجائز
القوم ،ثم رددتها اللسن ،إما حّبا في الثرثرة ،أو لتنال من سمعة
هذه السرة الرفيعة المكانة حسدا لما وصلت إليه من مجد (2).فهل
كان موته طبيعيا ،أم مات بإصابة الطاعون ،أم خنقته زوجته؟ إن
تناقض الروايات دليل على أن الحقيقة غير معروفة ،والروايات التي
تزعم أن زوجته هي التي اغتالته مباشرة أو بالواسطة )عن طريق
بعض جواريها( غير مقبولة أو معقولة ،فهذه الزوجة سيدة شريفة
من بيت عبد شمس وزوجها قريبها ،وهو خليفة ،وهي كانت زوجة
خليفة وأم خليفة )وهو معاوية بن يزيد بن معاوية( ،وهو عمل ل
تقدم النساء الشريفات عليه ،ثم إننا لم نر أي أثر لهذا الغتيال ،فلم
يحدث في السرة أي خلف ،ول مطالبة بالثأر ،وظل خالد على
مكانته)(3عند عبد الملك ،كما أن الدافع ل يكفي بحال لرتكاب جريمة
القتل .وذكر عن بعض أهل العلم أنه قال :كان آخر كلم تكلم به
خاف النار ،وكان نقش خاتمه العزة لله، مروان :وجبت الجنة لمن
الرحيم (4()5.وقال ابن القيم :أحاديث ذم الوليد، وقيل :آمنت بالعزيز
وذم مروان بن الحكم كذب) .
دا من أقاربه على حساب سابًعا :هل جامل عثمان أح ً
المسلمين؟
أراد أن يجامل أحدا من أقاربه على حساب لو كان عثمان
المسلمين لكان ربيبه محمد ابن أبي حذيفة أولى الناس بهذه المجاملة،
ئا ًله بقوله :يا بني ،لو كنت
ولكن الخليفة أبي أن يوليه شيئا ليس كف
رضا ثم سألتني العمل لستعملتك ،ولكن لست هناك (6).ولم يكن ذلك
كراهية له ول نفورا منه ،وإل لما)(7جهزه من عنده وحمله وأعطاه حين
استأذن في الخروج إلى مصر .
وأما استعمال الحداث فكان لعثمان في رسول الله أسوة
حسنة ،فقد جهز جيشا لغزو الروم في آخر حياته واستعمل عليه
أسامة بن زيد رضي الله عنهما) ،(8وعندما توفي الرسول × تمسك
الصديق بإنفاذ هذا الجيش ،لكن بعض الصحابة رغبوا في تغيير
المنار المنيف ،ص ،117فصل الخطاب في مواقف الصحاب ،ص .77 )( 5
227
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أسامة بقائد أسن منه ،فكلموا عمر في ذلك ليكلم أبا بكر ،فغضب
أبو بكر لما سمع هذه المقالة وقال لعمر :يا عمر ،استعمله رسول
الله × وتأمرني أن أعزله (1).ويجيب عثمان بنفسه على هذه المآخذ
أمام المل من الصحابة بقوله :ولم أستعمل إل مجتمعا محتلما
مرضيا ،وهؤلء أهل عملهم فسلوهم عنهم ،وهؤلء أهل بلدهم ،وقد
)(2
ن قبلي أحدث منهم ،وقيل لرسول الله × مما قيل لي في م ْ
ولى َ
استعماله لسامة ،أكذلك؟ قالوا :نعم يعيبون للناس ما ل يفسرون.
ولى ل -أي عثمان -إل رجل سويا عدل ،وقد ويقول علي ) :ولم يو ّ
)(3
رسول الله × عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة(.
لم يكن ولة المصار في عهد عثمان جاهلين بأمور الشرع ،ولم
يكونوا من المفرطين في الدين ،وإذا كانت لهم ذنوب فلهم حسنات
كثيرة ،ومع ذلك فإن سيئات وذنوب هؤلء كانت تعود عليهم ،ولم يكن
لها تأثير في المجتمع المسلم ،وقد تتبعنا آثار هؤلء الولة أيام وليتهم،
ووجدناها عظيمة الفائدة للسلم والمسلمين ،وقد اهتدى على يدي ولة
عثمان مئات اللوف إلى السلم ،وبسبب فتوحاتهم انضم إلى ديار
السلم أقاليم واسعة ،ولو لم يكن عند هؤلء من الشجاعة والدين ما
يحثهم على الجهاد ,ما قادوا الجيوش إلى الجهاد ،وفيه مظنة الهلك،
وفيه ترك الراحة ومتاع الدنيا ،وقد تتبعنا سيرة هؤلء الولة ،فوجدنا لكل
الجهات التي تجاور وليته ،مع مناقب واحد منهم فتحا أو فتوحا في
وصفات حسنة تؤهله للقيادة).(4
إن الذي يرجع إلى الصحيح من وقائع التاريخ ،ويتتبع سيرة
الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين ذو النورين رضوان الله
عليهم ،وما كان لجهادهم من جميل الثر في تاريخ الدعوة
السلمية ،بل ما كان لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء المة
وسعادتها فإنه ل يستطيع أن يمنع نفسه من الجهر بالعجاب)(5والفخر
كلما أمعن في دراسة ذلك الدور من أدوار التاريخ السلمي .
إن عثمان وولته انشغلوا بمدافعة العداء وجهادهم وردهم ،ولم
يمنعهم ذلك من توسيع رقعة الدولة السلمية ومد نفوذها في مناطق
جديدة ،وقد كان للولة تأثير مباشر في أحداث الفتنة؛ حيث كانت التهمة
موجهة إليهم ،وأنهم اعتدوا على الناس ،ولكننا لم نلمس حوادث معينة
يتضح فيها هذا العتداء المزعوم والمشاع ،كما اتهم عثمان بتولية
أقاربه ,وقد دحضنا تلك الفرية ،وهكذا نرى أن عثمان لم يأل ُ جهدا في
نصح المة وفي تولية من يراه أهل للولية ،ومع هذا فلم يسلم عثمان
وولته من اتهامات وجهت إليهم من قبل أصحاب الفتنة في حينها ،كما
لم يسلم من كثير من الباحثين في كتاباتهم غير المنصفة أن عثمان
وغير المحققة عن عهد عثمان ،وخصوصا الباحثين المحدثين الذين
يطلقون أحكاما ل تعتمد على التحقيق أو على وقائع محددة ،يعتمدون
فيها على مصادر موثوقة؛ فقد تورط الكثير منهم في الروايات الضعيفة
والرافضية ،وبنوا أحكاما باطلة وجائرة في حق الخليفة الراشد عثمان
) (5المصدر نفسه ).(5/355 )( تاريخ الطبري ).(5/46 1
2
) (7المدينة المنورة فجر السلم ) )( البداية والنهاية ).(8/178 3
.(2/211
4
228
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بن عفان؛ مثل :طه حسين في كتابه )الفتنة الكبرى( ،وراضى عبد
الرحيم في كتابه )النظام الداري والحربي( ،وصبحي الصالح في كتابه
)النظم السلمية( ،ومولوي حسين في كتابه )الدارة العربية( ،وصبحي
محمصاني في كتابه )تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء(،
وتوفيق اليوزبكي في كتابه )دراسات في النظم العربية والسلمية(،
ومحمد الملحم في كتابه )تاريخ البحرين في القرن الول الهجري(،
وبدوي عبد اللطيف في كتابه )الحزاب السياسية في فجر السلم(،
وأنور الرفاعي في كتابه )النظم السلمية( ،ومحمد الريس في كتابه
)النظريات السياسية( ،وعلي حسني الخربوطي في كتابه )السلم
والخلفة( ،وأبي العلى المودودي في كتابه )الملك والخلفة( ،وسيد
قطب في كتابه )العدالة الجتماعية( ،وغيرهم.
المظلوم الذي افترى عليه لقد كان عثمان بحق الخليفة
خصومه الولون ،ولم ينصفه المتأخرون).(1
229
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الرابع
حقيقة العلقة بين أبي ذر الغفاري
وعثمان بن عفان رضي الله عنهما
ل :مجمل القصة: أو ً
إن مبغضي عثمان بن عفان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر
إلى الربذة ،وزعم بعض المؤرخين أن ابن السوداء )عبد الله بن
سبأ( لقي أبا ذر في الشام وأوحى إليه بمذهب القناعة والزهد،
ومواساة الفقراء ،ووجوب إنفاق المال الزائد عن الحاجة ،وجعله
يعيب معاوية ،فأخذه عبادة بن الصامت إلى معاوية ،وقال له :هذا
والله الذي بعث إليك أبا ذر فأخرج معاوية أبا ذر من الشام (1).وقد
حاول أحمد أمين أن يوجد شبها بين رأي أبي ذر ورأي مزدك
الفارسي ،وقال بأن وجه الشبه جاء من أن ابن سبأ كان في اليمن،
وف في العراق ،وكان الفرس في اليمن والعراق قبل السلم، وط َ ّ
فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية
)(2
العراق ،واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها.
وكل ما قيل في قصة أبي ذر مما يشنع به على عثمان بن عفان
باطل ،ل يبنى على رواية صحيحة ،وكل ما قيل حول اتصال أبي ذر
بابن السوداء باطل ل محالة) ،(3والصحيح :أن أبا ذر نزل في
الربذة باختياره ،وأن ذلك كان بسبب اجتهاد أبي ذر في فهم آية
خالف فيها الصحابة ،وأصر على رأيه ،فلم يوافقه أحد عليه فطلب
أن ينزل بالربذة) (4التي كان يغدو إليها زمن النبي × ،ولم يكن نزوله
بها نفيا قسريا ،أو إقامة جبرية ،ولم يأمره الخليفة بالرجوع عن رأيه؛
)(5
لن له وجها مقبول ،لكنه ل يجب على المسلمين الخذ به.
وأصح ما روي في قصة أبي ذر ما رواه البخاري في صحيحه
عن زيد بن وهب قال :مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر ،فقلت له:
ما أنزلك منزلك هذا؟ قال :كنت بالشام ،فاختلفت أنا ومعاوية في
َ
نهَبا ِوالّر ْر َ حَبا ِ ن ال ْ م َ ن ك َِثيًرا ّ مُنوا إ ِ ّ نآ َ ذي َ ها اَل ّ َِْ +يا أي ّ َ
ه
ل الل ِ سِبي ِ عن َ ن َ دو َ ص ّ وي َ ُ ل َ باطِ ِ س ِبال ْ َ ِ ل الّنا وا َ م َ نأ ْ ل َي َأك ُُلو َ
ل
سِبي ِفي َ ها ِقون َ َ ف ُول َ ي ُن ْ ِة َ ض َف ّ ْ
وال ِ ب َ ه َن الذّ َ ن ي َك ْن ُِزو َ ذي َ وال ّ ِ
َ
ب أِليم ٍ" ]التوبة [34 :قال معاوية :نزلت في َ ع َ فب َ ّ ه َ
ذا ٍ م بِ َ ه ْشْر ُ الل ِ
أهل الكتاب ،فقلت :نزلت فينا وفيهم ،فكان بيني وبينه في ذاك,
ي عثمان أن أقدم المدينة وكتب إلى عثمان يشكوني ،فكتب إل ّ
فقدمتها ،فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ،فذكرت
ذلك لعثمان ،فقال لي :إن شئت فكنت قريبا ،فذاك الذي أنزلني هذا
المدينة المنورة فجر السلم ).(217 ،2/216 )( 1
230
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
وقد أشار هذا ي حبشيا لسمعت وأطعت. المنزل ،ولو أمروا عل ّ
الثر إلى أمور مهمة ،منها:
-1سأله زيد بن وهب ليتحقق مما أشاعه مبغضو عثمان :هل
نفاه عثمان أو اختار أبو ذر المكان؟ فجاء سياق الكلم أنه خرج بعد
أن أكثر الناس عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام ،وليس
في نص الحديث أن عثمان أمره بالذهاب إلى الربذة بل اختارها
بنفسه ،ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر عن عبد الله بن الصامت قال:
دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر رأسه ،فقال :والله ما أنا منهم
-يعني الخوارج ،-فقال :إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة ،فقال :ل
حاجة لي في ذلك ،ائذن لي بالربذة ،قال :نعم).(2
ين ّ السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو -2قوله :كنت بالشام :ب
يعلى عن طريق زيد ابن وهب :حدثني أبو ذر ،قال :قال لي رسول الله
×» :إذا بلغ البناء -أي المدينة-سلعا ،فارتحل إلى الشام«،
فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها(3).وفي رواية قالت أم
ذر :والله ما سير عثمان أبا ذر -تعني الربذة -ولكن رسول الله × قال:
إذا بلغ البناء سلعا ،فاخرج منها« ).(4 »
-3إن قصة أبي ذر في المال جاءت من اجتهاده في فهم الية
َ
ر
حَبا ِ ن ال ْ م َ ن ك َِثيًرا ّ مُنوا إ ِ ّ نآ َ ذي َ ها ال ّ َِ الكريمةَ+ :يا ْأي ّ َ
عن ن َ دو َ ص ّ وي َ ُ
ل َ س ِبال َْباطِ ِ ل الّنا ِ وا َ م َ نأ ْ ن ل َي َأك ُُلو َ هَبا ِوالّر ْ َ
هاَ َ ن قو ُ فِ ْ ن ُ ي َ ل و
َ ة
َ ض
ّ فِ ْ ل واَ ب َ هَ ّ ذ ال ن
َ زوُ ِ نْ ك َ ي ن
َ ذي ِ ّ ل واَ ه
ِ الل لِ سِبيَ
َ
ها عل َي ْ َ
مى َ ح َ م يُ ْ و َ ب أِليم ٍ ي َ ْ ذا ٍ ع َ
م بِ َ ه ْ شْر ُ فب َ ّ ه َ ل الل ِ سِبي ِ في َ ِ
م ه
ُ ُ ُ ْ ر هو ُ ظ و م
ُ ُ ْ َ ه ب جنو و م ه ه
ِ َ ِ َ ُ ُ ْ َ ُ با ج ها ب وى ْ ك تفَ
َ ِ َ َ ّ َ َ ُ َ م ن ه ج ر نا في ِ
ن" ]التوبة،34 : م ت َك ْن ُِزو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
قوا َ ذو ُ ف ُ م َ سك ُ ْ ف ِ م لن ْ ُ ما ك َن َْزت ُ ْ ذا َه َ َ
مو َ [35وروى َالبخاري عن أبي ذر ما يدل على أنه فسر الوعيد +ي َ ْ
ها" الية ..وكان يخوف الناس به ،فعن الحنف ابن قيس علي ْ َ مى َ ح َيُ ْ
حدثهم قال :جلست إلى مل من قريش فجاء رجل خشن الشعر
والثياب والهيئة حتى قام عليهم ،فسلم ثم قال :بشر الكانزين
ضف) (5يحمى عليه في نار جنهم ،ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم بَر ْ
)(6
حتى يخرج من ن ُْغض كتفه ،ويوضع على ن ُْغض كتفه حتى يخرج من
حلمة ثديه ،يتزلزل (7).ثم ولى فجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه
وأنا ل أدري من هو ،فقلت له :ما أرى القوم إل قد كرهوا الذي
قلت ،قال :إنهم ل يعلقون شيئا.
الله ×» :ما أحب أن لي مثل واستدل أبو ذر بقول رسول
أحد ذهبا ،أنفقه كله إل ثلثة دنانير« ).(8
البخاري ،كتاب الزكاة ،باب ما أدى زكاته ،رقم .1406 )( 1
نغض :العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف. )( 6
231
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-4وقد خالف جمهور الصحابة أبا ذر ،وحملوا الوعيد على مانعي
الزكاة ،واستدلوا على ذلك بالحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري
فيما
)(1
قال :قال النبي ×» :ليس فيما دون خمس أواق صدقة ،وليس
دون خمس ذود صدقة ،وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة«.
وقال الحافظ ابن حجر :ومفهوم الحديث أن ما زاد على الخمس
ففيه صدقة ،ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فل وعيد
على صاحبه ،فل يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا (2).وقال
ابن زيد :فإن ما دون الخمس ل تجب فيه الزكاة ،وقد عفى عن
الحق فيه فليس بكنز قطعا ،والله قد أثنى على فاعل الزكاة ،ومن
واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثنى عليه أثنى عليه في
فيه ،وهو المال (3).قال الحافظ :ويتلخص أن يقال :ما لم تجب فيه
منه الزكاة الصدقة ل يسمى كنزا؛ لنه معفو عنه ،فليكن ما أخرجت
كذلك؛ لنه عفى عنه بإخراج ما وجب منه فل يسمى كنزا).(4
وقال ابن عبد البر :والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد ّ
زكاته ،ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا :إذا أديت زكاة مالك فقد
قضيت ما عليك ،ولم يخالف في ذلك إل طائفة من أهل الزهد كأبي
ذر).(5
ولعل مما يفسر مذهب أبي ذر في النفاق ما رواه المام أحمد -5
عن شداد بن أوس ،قال :كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله ×
فيه الشدة ،ثم يخرج إلى قومه ،يسلم لعله يشدد عليهم ،ثم إن رسول
يرخص فيه بعد ،فلم يسمعه أبو ذر فيتعلق أبو ذر بالمر الله ×
الشديد).(6
-6قوله» :إن شئت تنحيت فكنت قريبا« .يدل على أن عثمان
طلب من أبي ذر أن يتنحى عن المدينة برفق ولم يأمره ،ولم يحدد
له المكان الذي يخرج إليه ،ولو رفض أبو ذر الخروج ما أجبره عثمان
على ذلك ،ولكن أبا ذر كان مطيعا للخليفة؛ لنه قال في نهاية
ي حبشّيا لسمعت وأطعت (7).ومما يدل على مروا عل ّالحديث :لو أ ّ
أنه يمقت الفتنة والخروج على المام المبايع ،ما رواه ابن سعد في
أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لبي ذر وهو بالربذة :إن هذا الرجل
فعل بك وفعل ،هل أنت ناصب له راية؟ -يعني مقاتله -فقال :ل ،لو
أن عثمان سيرني من المشرق إلى المغرب لسمعت وأطعت).(8
والسبب في تنحي أبي ذر عن المدينة ،أو طلب عثمان منه ذلك، -7
أن الفتنة بدأت تطل برأسها في القاليم ،وأشاع المبغضون القاويل
الملفقة ،وأرادوا أن يستفيدوا من إنكار أبي ذر متعلقا برأيه ومذهبه ،ول
يريد أن يفارقه ،فرأى عثمان تقديم دفع المفسدة على جلب
المصلحة؛ لن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في
)( البخاري ،كتاب الزكاة ،رقم ).(1405 1
232
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
طلب العلم ،ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من
الخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة.
-8قال أبو بكر بن العربي :كان أبو ذر زاهدا ويرى الناس
يتسعون في المراكب والملبس حين وجدوا فينكر ذلك عليهم ،ويريد
تفريق جميع ذلك من بين أيديهم ,وهو غير لزم ،فوقع بين أبي ذر
ومعاوية كلم بالشام ،فخرج إلى المدينة فاجتمع إليه الناس ،فجعل
يسلك تلك الطرق ،فقال له عثمان :لو اعتزلت؛ معناه :إنك على
مذهب ل يصلح لمخالطة الناس ،ومن كان على طريقة أبي ذر
فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه ول يخالط الناس ،ويسلم لكل أحد
حاله مما ليس بحرام في الشريعة ،فخرج زاهدا فاضل ،وترك جلة
فضلء ،وكل على خير وبركة وفضل ،وحال أبي ذر أفضل ،ول تمكن
لجميع الخلق ،فلو كانوا عليها لهلكوا ،فسبحان مرتب المنازل).(1
وقال ابن العربي :ووقع بين أبي الدرداء ومعاوية كلم ،وكان أبو
الدرداء زاهدا فاضل قاضيا لهم )في الشام( ،فلما اشتد في الحق
وأخرج طريقة عمر بن الخطاب في قوم لم يحتملوها عزلوه ،فخرج
إلى المدينة ,وهذه كلها مصالح ل تقدح في الدين ،ول تؤثر في منزلة
أحد من المسلمين بحال ،وأبو الدرداء وأبو ذر بريئان من كل عيب،
وعثمان برئ أعظم)(2براءة وأكثر نزاهة ،فمن روى أنه نفي وروى
سبًبا فهو كل باطل .
-9ولم يقل أحد من الصحابة لبي ذر إنه أخطأ في رأيه ،لنه
مذهب محمود لمن يقدر عليه ,ولم يأمر عثمان أبا ذر بالرجوع عن
مذهبه ،وإنما طلب منه أن يكف عن النكار على الناس ما هم فيه
نهى أبا ذر عن الفتيا مطلقا من المتاع الحلل .ومن روى أنه عثمان
لم تصل روايته إلى درجة الخبر الصحيح (3).والذي صح عند البخاري
أن أبا ذر قال :لو وضعتم الصمصامة على هذه -وأشار إلى قفاه -ثم
ي
أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي × قبل أن تجيزوا عل ّ)(4
ظننت
الفتيا؛ لن عن ذر أبا نهى عثمان أن يروا لم البخاري وفي لنفذتها.
نهي الصحابي عن الفتيا دون تحديد الموضوع أمر ليس بالهين).(5
ولو كان عثمان نهاه عن الفتيا مطلقا لختار له مكانا ل يرى فيه -10
الناس ،أو حبسه في المدينة ،أو منعه من دخول المدينة ،ولكن أذن له
بالنزول في منزل يكثر مرور الناس به؛ لن الربذة كانت منزل من
منازل الحجاج العراقيين ،وكان أبو ذر يتعاهد المدينة يصلي في مسجد
رسول الله×.وقال له عثمان :لو تنحيت فكنت قريبا .والربذة ليست
بعيدة عن المدينة ،وكان يجاورها حمى الربذة الذي ترعى فيه إبل
الصدقة ،ولذلك يروى أن عثمان أقطعه صرمة من إبل الصدقة ،وأعطاه
مملوكين (،وأجرى عليه رزقا ،وكانت الربذة أحسن المنازل في طريق)6
وبعد أن ذكر المام الطبري الخبار التي تفيد اعتزال أبي ذر من مكة.
) (2المصدر نفسه ،ص .79 العواصم من القواصم ،ص .77 )( 1
2
البخاري ،كتاب العلم ،باب العلم قبل القول والعمل ).(1/29 )( 4
233
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الخرون(1فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة تلقاء نفسه قال :وأما
وأمورا شنيعة كرهت ذكرها) .
ف أبا ذر إنما إن الحقيقة التاريخية تقول إن عثمان لم ين ِ
استأذنه فأذن له ،ولكن أعداء عثمان كانوا يشيعون عليه بأنه
نفاه ،ولذلك لما سأل غالب القطان الحسن البصري :عثمان أخرج
أبا ذر؟ قال الحسن :ل ،معاذ الله (2).وكل ما روي في أن عثمان نفاه
إلى الربذة ،فإنه ضعيف السناد ل يخلو من علة قادحة ،مع ما في
والحسنة ،التي تبين أن متنه من نكارة لمخالفته للمرويات الصحيحة
أبا ذر استأذن للخروج إلى الربذة وأن عثمان أذن له)(3؛ بل إن
قال له عندما عثمان أرسل يطلبه من الشام ليجاوره بالمدينة ،فقد
لتجاورنا بالمدينة (4).وقال له قدم من الشام :إنا أرسلنا إليك لخير
كن عندي تغدو عليك وتروح اللقاح (5).أفمن يقول ذلك له أيضا:
ينفيه؟)(6ولم تنص على نفيه إل رواية رواها ابن سعد ،وفيها بريدة بن
سفيان السلمي الذي قال عنه الحافظ ابن حجر :ليس بالقوي وفيه
رفض ،فهل تقبل رواية رافضي تتعارض مع الروايات الصحيحة
والحسنة؟) (7واستغل الرافضة هذه الحادثة أبشع استغلل فأشاعوا
أن عثمان نفى أبا ذر إلى الربذة ،وأن ذلك مما عيب عليه من
قَِبل الخارجين عليه أو أنهم سوغوا الخروج عليه (8).وعاب عثمان
المتوفي سنة 726هـ ،بل زاد أن بذلك ابن المطهر الحلي الرافضي
ذر(10ضربا وجيعا) ،(9ورد عليه شيخ السلم ابن عثمان ضرب أبا
تيمية ردا جامعا قويا ).وكان سلف هذه المة يعلمون هذه
فإنه لما قيل للحسن البصري :عثمان أخرج أبا ذر؟ قال :ل، الحقيقة،
ذر،
)(12
أبا سير عثمان أن له ذكر إذا سيرين ابن وكان )(11
الله. معاذ
أخذه أمر عظيم ،ويقول :هو خرج من نفسه ،ولم يسيره عثمان.
وكما تقدم في الرواية الصحيحة السناد أن أبا ذر لما رأى كثرة
في الناس عليه خشي الفتنة ،فذكر ذلك لعثمان كأنه يستأذنه
الخروج ،فقال له عثمان :إن شئت تنحيت فكنت قريبا).(13
ثانًيا :بطلن تأثير ابن سبأ على أبي ذر :
كتب سعيد الفغاني في كتابه )عائشة والسياسة( ،فعظم دور
ابن سبأ في الفتنة ،ونسب إليه كل المؤامرات والفتن والملحم
الواقعة بين الصحابة ،ويرى أن هذه المؤامرة المحكمة سهر عليها
أبالسة خبيرون ،وسددوا خطاها وتعاهدوها حتى أتت ثمارها في
جميع القطار ،ولهذا كتب هذا العنوان )ابن سبأ البطل الخفي
234
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المخيف( (1).ويبدو التهويل من شأن ابن سبأ عند الفغاني حينما
الفراسة ،والنظر البعيد، )(2
يصفه بأنه رجل على غاية من الذكاء وصدق
أحد أنه ويقطع ، الجماهير والحيلة الواسعة ،والنفاذ إلى نفسية
أبطال جمعية تلمودية سرية غايتها تقويض الدولة السلمية (3).ويكاد
يقرر بأنه يعمل لصالح دولة الروم التي انتزع المسلمون منها لفترة
قريبة قطرين هامين هما مصر والشام ،عدا ما سواهما من بلد
أخرى على البحر المتوسط ،ويستغرب نشاط ابن سبأ إلى شتى
المجالت الدينية
والسياسية والحربية).(4
وهو يرى أن ابن سبأ كان موفقا كل التوفيق في لقائه مع أبي
ذر ،وفي تفصيل هذه المقالة التي ركبها على مزاج أبي ذر ،وأن
الذي ساعده على ذلك فهمه الجيد لمزجة الناس واستخباراته
الصادقة المنظمة (5).وهذا الزعم -أي تأثير ابن سبأ على أبي ذر -
ل أساس له من الصحة من عدة وجوه:
أ -حينما أرسل معاوية إلى عثمان يشكو إليه أمر أبي ذر لم
تكن منه إشارة
إلى تأثير ابن سبأ عليه ،واكتفى أن قال :إن أبا ذر قد أعضل بي،
من( أمره وقد كان
كيت وكيت). 6
بالشام في ب -ذكر ابن كثير الخلف الواقع بين أبي ذر ومعاوية
أكثر من موضع في كتابه ،ولم يرد ابن سبأ في واحد منها).(7
ج -وفي صحيح البخاري ،ورد الحديث الذي يشير إلى أصل
أبي ذر ومعاوية ،وليس فيه الشارة من قريب أو بعيد الخلف بين
إلى ابن سبأ).(8
د -وفي أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ترد محاورة معاوية
لبي ذر ،ثم نزوله الربذة ،ولكن شيئا من تأثير ابن سبأ على أبي ذر
ل يذكر).(9
بل ورد الخبر في الطبري هكذا ..فأما العاذرون معاوية في ذلك هـ-
-يعني إشخاص معاوية أبا ذر إلى المدينة -فذكروا في ذلك قصة ورود
ابن السوداء الشام ولقياه أبا ذر ..إلخ(10).وهذا الخبر الذي أورده
الطبري ساقط وكاذب ،تكذبه وقائع التاريخ الزمنية ،وإليك البيان:
* يذكرون أن ابن سبأ أسلم في عهد عثمان ،وكان يهوديا من
اليمن ،وبدأ نشاطه المخرب في الحجاز ،ولكنهم لم يذكروا أنه
التقى أحدا أو التقاه أحد في الحجاز.
) (5-عائشة والسياسة ،سعيد الفغاني ،ص .60 1
2
3
4
5
)( تاريخ الطبري ).(5/285
)( عائشة والسياسة،ـ ص .60
6
)( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة ،سليمان العودة ،ص .51 9
235
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
* كان أول ظهوره في البصرة بعد أن تولى عبد الله بن عامر
عليها بثلث سنوات ،وعبد الله بن عامر جاء بعد أبي موسى
الشعري سنة 29هـ ،وبهذا يكون ظهوره في البصرة 32هـ ،وقد
طرده ابن عامر من البصرة يوم عرفة.
* قالوا :إنه توجه إلى الكوفة ،فباض وفرخ ،وحرضه على
معاوية ,ول بد أنه مكث زمنا في الشام ليتعرف على أحوال الرجال،
ويضع خططه ليبث دعوته فيهم ،ولنفرض جدل ً أنه عرف أمره في
الشام في أواخر سنة 33هـ ،فماذا تقول أيها القارئ إذا عرفت أن
الروايات الصحيحة تقول :إن أبا ذر كانت مناظرته لمعاوية سنة
30هـ ،وأنه رجع إلى المدينة وتوفي بالربذة سنة 31هـ ،أو سنة
32هـ ،ومعنى هذا أن ابن سبأ ظهر في البصرة في وقت كان فيه
)(1
أبو ذر ميتا ،فكيف وأين التقاه؟.
إن أبا ذر لم يتأثر ل من قريب ول من بعيد بآراء عبد الله بن
سبأ اليهودي ،وقد أقام بالربذة حتى توفى ،ولم يحضر شيئا مما وقع
في الفتن) ،(2ثم هو قد روى حديثا من أحاديث النهي عن الدخول في
الفتنة).(3
ثالثـا :وفاة أبي ذر وضم عثمان عياله إلى عياله:
في غزوة تبوك قيل لرسول الله × :قد تخلف أبو ذر وأبطأ به
بعيره ،فقال:
فيه(4خير فسيلحقه الله بكم ،وإن يك غير ذلك فقد يك »دعوه فإن
أراحكم الله منه« ).وتلوم أبو ذر على بعيره ،فلما أبطأ عليه أخذ
متاعه فحمله على ظهره ،ثم خرج يتبع أثر رسول الله × ماشيا،
منازله ،فنظر ناظر من المسلمين ونزل رسول الله × في بعض
فقال رسول الله ×» :كن أبا ذر« ) ,(5فلما تأمله القوم قالوا :يا
الله» :×(6رحم الله أبا ذر، رسول الله ،هو والله أبو ذر ،فقال رسول
يمشي وحده ،ويموت وحده ،وُيبعث وحده« ) .ومضى الزمان وجاء
عهد عثمان وأقام أبو ذر في الربذة ،فلما حضرته الوفاة أوصى
امرأته وغلمه :إذا مت فاغسلني وكفناني ثم احملني فضعاني على
قارعة الطريق ،فأول ركب يمرون بكم فقولوا :هذا أبو ذر .فلما
مات فعلوا به كذلك ،فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم
تطأ سريره ،فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة ،فقال :ما
هذا؟ فقيل :جنازة أبي ذر ،فاستهل ابن مسعود يبكي ،فقال :صدق
رسول الله ×» :يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت
وحده ويبعث وحده« (7).فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه،
)( المدينة المنورة ،فجر السلم ).(2/225 1
)( أحداث الفتنة الولى بين الصحابة في ضوء قواعد الجرح والتعديل ،د .عبد 2
)( كن أبا ذر :لفظه لفظ المر ومعناه الدعاء ،أرجو الله أن تكون أبا ذر. 5
236
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته :إن أبا ذر يقرأ عليكم السلم
وأقسم أل تركبوا حتى تأكلوا ،ففعلوا ،وحملوهم حتى أقدموهم إلى
مكة ،ونعوه إلى عثمان فضم ابنته إلى عياله (1).وجاء في رواية:
» ...فلما دفناه دعتنا إلى الطعام وأردنا احتمالها ,فقال ابن مسعود:
أمير المؤمنين قريب نستأمره ،فقدما مكة فأخبرناه الخبر ،فقال:
يرحم الله أبا ذر ،ويغفر له نزوله الربذة ،ولما صدر خرج ،فأخذ
الربذة ،فضم عياله إلى عياله ،وتوجه نحو المدينة وتوجهنا طريق
نحو العراق).(2
***
)( التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ،ص .88 ،87 1
237
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل السادس
أسباب فتنة مقتل عثمان
المبحث الول
أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان وما ترتب عليها من
أحداث
والحكمة من إخباره × بوقوعها
ل :أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان وما ترتب عليها أو ً
من أحداث في الجمل وصفين وغيرهما:
ورد عن كثير من السلف والعلماء المر بالتوقف عن الخوض في
تفاصيل ما وقع بين الصحابة ،وإيكال أمرهم إلى الله الحكم العدل،
ضي عنهم ،واعتقاد أنهم مجتهدون ،مأجورون إن شاء الله، مع التر ّ
والحذر من الطعن فيهم والوقوع في أعراضهم؛ لما يجر ذلك من
الطعن في الشريعة؛ إذ هم حملتها وحاملوها إلينا ،ومن ذلك ما روى
عن عمر بن عبد العزيز أنه سئل عن أهل صفين فقال :تلك دماء
لساني فيها (1).وسئل أحدهم ك أُ طهر الله منها يدي ،فل أحب أن أخضب
ما ها
َُ َ َ ل تْ َ لخَ ْ د َ
ق ة ٌ م ّ َ عن ذلك فقال متمثل قوله تعالى+ :ت ِل ْ
ن"ملو َ
َ ْ َع ي نوا ُ كاَ ما
ّ ع
َ نَ لو سأ َ ُ
ول َ ت ُ ْ
م َ ما ك َ َ
سب ْت ُ ْ ول َ ُ
كم ّ ت َ كَ َ
سب َ ْ
]البقرة.[134 :
وهذا النهي معلل ،علته الخوف مما ذكرناه من الطعن فيهم
والوقوع في أعراضهم ،وما يستوجب ذلك من غضب الله ونقمته،
فإذا انتفت هذه العلة فالظاهر أنه ل حرج في ذلك ،إذا كان الكلم
والبحث في تفاصيل ما وقع بينهم ل يؤدي إلى الطعن فيهم مطلقا،
فل بأس من دراسة ذلك والتعمق في أسبابه ودوافعه وتفصيلته
الدقيقة ونتائجه وتداعياته على مجتمع الصحابة ،ثم على من بعدهم،
وقد كتب من العلماء عن الفتنة ،أمثال :ابن كثير والطبري وغيرهما
حول أحداث تلك الفترة الحرجة من تاريخ السلم ،وفصلوا في
قضايا كثيرة تتعلق بتلك الفتنة ،ومنهم من ذهب إلى حد تخطئة أحد
الطرفين ،أو كليهما اعتمادا على روايات ونصوص كثيرة اختلط فيها
الصحيح بغيره (2).وهناك أسباب تدعو علماء أهل السنة وطلب العلم
منهم للغوص في أعماق فتنة الهرج التي وقعت في صدر السلم
والبحث عن تفاصيلها ،ومن هذه السباب:
-1أن المؤلفات المعاصرة التي تناولت أحداث الفتنة بين
الصحابة والتابعين انقسمت إلى ثلثة أنواع:
أ -مصنفات تربى أصحابها على موائد الفكر الغربي الحاقد على
التاريخ السلمي ,أو الجاهل بالتاريخ السلمي ،فلم يروا فيه شيئا
جميل ،فراحوا يطعنون في الصحابة والتابعين بطريقة تخدم أهداف
)( حلية الولياء ) ،(9/114عون المعبود ).(12/274 1
)( أحداث وأحاديث فتنة الهرج ،د .عبد العزيز دخان ،ص .79 2
238
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أعداء السلم وخصومه ،الذين قاموا لدراسة أحداث تلك الفتنة
وتفاصيلها ،وإعطائها تفسيرات تطعن في جموع الصحابة ،وتضرب
السلم في أصوله ،وتجعل من هذه الحداث صراعا سياسيا على
مناصب وكراسي ،تخلي فيه الصحابة عن إيمانهم وتقواهم وصدقهم
مع الله ،وانقلبوا إلى طلب دنيا ،وعشاق زعامة ،ل يهمهم أن تراق
الدماء ،وتزهق الرواح وتسلب الموال وتستباح الحرمات إذا كان
في ذلك ما يحقق لهم ما يريدون من الرياسة والزعامة.
وممن تولى كبر هذه الفرية طه حسين )الفتنة الكبرى( ) ،(1الذي
هو بحق فتنة كبرى على عقول الناشئة من أبناء المسلمين؛ فقد راح
طه حسين يشنع على الصحابة ويشكك في نياتهم ،ويتهمهم
باتهامات مغرضة خدمة لهداف أعداء السلم والمسلمين (2).وقد
تأثر الكثير بمنهجه ،ويبدو أن أمثال هؤلء اعتمدوا على الروايات
التاريخية التي أوردها المؤرخون كالطبري وابن عساكر وغيرهما،
والتي اختلط فيها الغث بالسمين ،والكذب بالصدق ،أخذها دون
مراعاة لمنهج هؤلء في مصنفاتهم ،وهذا خطأ كبير (3).وقد تأثرت
هذه الكتابات بالفكر الرافضي والكتابات الشيعية الرافضية للتاريخ
السلمي)(4؛ فقد تعمد الروافض الساءة في كتاباتهم للتاريخ
السلمي ،كما في روايات وأخبار الكلبي) ,(5وأبى مخنف) ,(6ونصر بن
مزاحم المنقري) ,(7والتي توجد حتى عند الطبري في تاريخه ،لكن
الطبري يذكرها مسندة لهؤلء ،فيعرف أهل العلم حالها (8).وكما في
كتابات المسعودي في مروج الذهب واليعقوبي في تاريخه .وقد
أشار الستاذ محب الدين الخطيب في حاشية )العواصم( إلى أن
التدوين التاريخي إنما بدأ بعد الدولة الموية ,وكان للصابع الباطنية
والشعوبية المتلفعة برداء التشيع دور في طمس معالم الخير فيه،
وتسويد صفحاته الناصعة).(9
ويظهر هذا الكيد لمن تدبر كتاب )العواصم من القواصم( لبن
العربي مع الحاشية الممتازة التي وضعها العلمة محب الدين
ب أفضل الخطيب ،لقد سود شيوخ الروافض آلف الصفحات بس ّ
البشرية ،وصرفوا أوقاتهم وجهودهم لتشويه تاريخ قرن عرفته
المسلمين (10).وكانت هذه المادة )الرافضية( الكبيرة والتي تجدها
)( محمد بن السائب الكلبي ،قال ابن حبان :كان سبئيا من أولئك الذين يقولون: 5
إن عليا لم يمت وإنه راجع إلى الدنيا .توفي سنة 146هـ .ميزان العتدال )
(3/558ابن أبي حاتم ،الجرح والتعديل ).(271 ،7/270
)( لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الزدي من أهل الكوفة ،قال ابن عدي: 6
شيعي محترق صاحب أخبارهم ،توفي سنة 157هـ ،له تصانيف كثيرة منها:
الردة ،الجمل ،صفين ،وغيرها.
)( نصر بن مزاحم بن سيار المنقري الكوفي ،قال الذهبي :رافضي جلد تركوه، 7
توفي سنة 212هـ .ومن كتبه :وقعة صفين ،وهو مطبوع ،والجمل ومقتل
الحسين ,ميزان العتدال ).(4/253
)( أصول مذهب الشيعة المامية ،ناصر الغفاري ).(3/1457 8
239
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
في كتب التاريخ التي وضعها الروافض أو شاركوا في بعض أخبارها،
وتراها في كتب الحديث عندهم كالكافي ،والبحار ،وفيما كتبه
شيوخهم في القديم؛ كإحقاق الحق ،وفي الحديث ككتاب الغدير،
هذه المادة السوداء المظلمة الكريهة الشائهة هي المرجع لما كتبه
أعداء المسلمين من المستشرقين وغيرهم ،وجاء ذلك الجيل
المهزوم روحيا ،والذي يرى في الغرب قدوته وأمثولته من
المستغربين ،فتلقف ما كتبته القلم الستشراقية وجعلها مصدره
ومنهله ،وتبنى أفكارهم ونشر شبهاتهم في ديار المسلمين ،وكان
لذلك أثره الخطير في أفكار المسلمين وثقافتهم ،وكان الرفض هو
الصل في هذا الشر كله .وإن دراسة آراء المستشرقين وصلتها
بالتشيع لهي موضوع مهم يستحق الدراسة والتتبع ،لقد بدأت
ومفترياتهم استفادة العدو الكافر من شبهات الروافض وأكاذيبهم
على السلم والمسلمين منذ عهد المام ابن حزم )ت 456هـ( ).(1
ب -مصنفات لبعض علماء هذه المة من المعاصرين ،وهي
مفيدة إجمال ،ولكن طريقة عرضهم للحداث وتفسيرهم لمواقف
بعض الصحابة والتابعين فيها كثير -أو بعض -من عدم النصاف ،مثل
ما كتبه أبو العلى المودودي -رحمه الله -في كتابه )الخلفة
والملك( ،وما دونه الشيخ محمد أبو زهرة -رحمه الله -في كتابه
)تاريخ المم السلمية( و)المام زيد بن علي( ،فالكتابان مشحونان
خلفاء (2بني
)
بكثير من التحامل على مقام بعض الصحابة والطعن على
أمية ،وتنقصهم وتجريدهم من أية خصلة حميدة أو عمل صالح.
ويبدو أن أمثال هؤلء العلماء لم يحققوا في الروايات التاريخية،
فتورطوا في الروايات الرافضية الشيعية وبنوا عليها تحليلتهم
واستنتاجاتهم ،غفر الله لنا ولهم.
ج -مصنفات حاول أصحابها أن يسلكوا فيها منهج علماء الجرح
والتعديل في نقد الروايات التاريخية وعرضها على أصول منهج
المحدثين من حيث السند والمتن من أجل تمييز صحيحها من
سقيمها ,وسليمها من عليلها.
وفي هذه المؤلفات محاولة جيدة وجهد مشكور للوقوف في
التفسير الصحيح الذي ل يتعارض وجه هذا الزيف ،وتفسير الحداث
مع فضل الصحابة وإيمانهم وجهادهم) ,(3ومن هذه المؤلفات الجيدة
ما كتبه الدكتور يوسف العش في )تاريخ الدولة الموية( ،وما كتبه
محب الدين الخطيب تعليقا على كتاب )العواصم من القواصم( لبي
بكر بن العربي ،وما كتبه صادق عرجون في كتابه )عثمان بن
عفان( ،وما سطره الدكتور سليمان بن حمد العودة في كتابه )عبد
الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر السلم( ،وما كتبه
الفتنة( ،وما محمد أمحزون في كتابه )تحقيق مواقف الصحابة في
كتبه الدكتور أكرم العمري في كتابه )الخلفة الراشدة() ,(4وما كتبه
عثمان الخميس في كتابه )حقبة من التاريخ( ،وما كتبه الدكتور
240
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
محمد حسن شراب في كتابه )المدينة النبوية ..فجر السلم والعصر
الراشدي( ،وما قام به محب الدين من تحقيقات نافعة وتعليقات
صائبة على كتاب )العواصم من القواصم( و)المنتقى( ،وغيرها من
الكتب والبحوث والرسائل التي سارت على نفس المنهج؛ فقد ظهر
من هذا البيان شدة الحاجة إلى وجود مؤلفات ومصنفات ترد على
هذه المزاعم والخطاء ،ول يتم الرد على هؤلء المزيفين للتاريخ
السلمي ومقام الصحابة إل بمحاولة دراسة تفاصيل تلك الحداث،
الخبار والروايات الواردة بميزان الجرح والتعديل ،والتصحيح وغربلة
والتضعيف (1).وقد جاء عن ابن تيمية قوله :لكن إذا ظهر مبتدع،
يقدح فيهم بالباطل,
فل بد من الذب عنهم ،وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل (2).وقد
ذهب المام الذهبي -رحمه الله -في هذا مذهبا آخر ،فهو يدعو إلى
إحراق هذه الكتب التي فيها هذا الكذب والتشويه لمقام الصحابة،
قال رحمه الله :كما تقرر الكف عن كثير مما وقع بين الصحابة
وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين ،وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين
والكتب والجزاء ،ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف ،وبعضه كذب،
وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه؛
لتصفو القلوب وتتوافر على حب الصحابة والترضي عنهم (3).وقد
أفادنا الذهبي في كلمه فائدة كبيرة ،وهو تصريحه بكون أكثر ما
ينقل من ذلك في الكتب والدواوين كذبا وزورا وافتراء على مقام
الصحابة رضي الله عنهم ،إل أن اقتراح الذهبي بحرق تلك المؤلفات
لم يعد ممكنا؛ فقد انتشرت هذه الكتب ،وتولت طباعتها كثير من
دور النشر ،وكثير من ذوي النيات السيئة فلم يبق إل وضعها موضع
وكذب؛ حفظا لجيال الدراسة وبيان ما فيها من عوار وخطأ
المسلمين من انحراف السلوك والعقيدة).(4
-2تظهر أهمية دراسة فتنة مقتل عثمان وما ترتب عليها من
أحداث لمعرفة أسباب الفتنة الحقيقية ،سواء كانت هذه السباب
داخلية أو خارجية ،ومعرفة نصيب كل سبب من السباب فيما حدث،
وهل هناك أسباب يمكن إدراجها في هذا السبيل؟
إن الذي يقرأ طرفا مما كتب عن هذه الفتنة يحس أن مؤامرة
كبرى جرى التخطيط لها ،وتعاون المجوس والنصارى واليهود
فقضية( تآمر العداء ترافق المة السلمية والمنافقون على تنفيذها؛
في كل مراحل تاريخها الطويل). 5
إل أن هذه المؤامرة ما كانت لتنجح لول وجود عوامل ضعف
داخلية أسهمت في التمكين لنجاح هذه المؤامرة .أل يصح دراسة
عهد الصحابة -والحالة هذه -واجبا من الواجبات في سبيل معرفة
أسباب ضعف المة السلمية ،وتحديد مكامن الداء التي أوتيت منها،
والستفادة من ذلك في إصلح حاضر هذه المة وتجنبها هذه
المزالق في مستقبل حياتها؟ أم كتب عليها أن تظل ترزأ تحت ثقل
أدوائها من الداخل وكيد أعدائها
)( المصدر نفسه ،ص .83 1
) (2سير أعلم النبلء ).(10/92 )( منهاج السنة ).(3/192 2
3
) (4المصدر نفسه ،ص .83 )( أحداث وأحاديث الفتنة الولى ،ص .84 4
5
241
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من الخارج).(1
إن ما وقع من أحداث جسام في فتنة مقتل عثمان وما ترتب
عليها من أحداث تحتاج لدراسة عميقة ومتأنية لكي نستخرج من تلك
الحقبة التاريخية دروسا وعبرا نستضيء بها في حاضرنا؛ لكي
نسترشد بها في سعينا الجاد لعادة الخلفة الراشدة على منهاج
النبوة ،حتى تسعد البشرية بدين الله وشرعه ،وتخرج من شقاوتها
وتعاستها وضنكها بسبب بعدها عن شرع الله تعالى.
ثانًيا :الحكمة من إخباره × بوقوعها:
لقد أخبر النبي × في كثير من أحاديثه بأن هذه المة ستختلف
وستتقاتل ،وتعددت الحاديث التي تشير إلى ذلك بإجمال أو بتفصيل،
وتنوعت أساليب الخبار عن ذلك من ذكر لسباب الفتن أو لنتائجها،
أو لبعض أحداثها ووقائعها ،أو لمن يثيرونها ،وغير ذلك ،وكان كثير
من هذا البيان والتوضيح منه × جوابا لسئلة الصحابة الكرام الذين
كانوا يطرحونها عليه ،وهم يشاهدون ويتذوقون النعمة العظيمة التي
أفاءها الله عليهم ،وهي نعمة الخوة ووحدة الصف واجتماع الكلمة،
فراحوا يسألون عما إذا كانت هذه النعمة ستدوم أم تزول ،ولما كان
رسول الله × يعلم بالوحي أنها لن تدوم كما هي أحب أن يربيهم
على الستعداد لهذه المحن والفتن حتى يحسنوا التصرف يوم يقدر
الله لهذه الفتنة أن تقع ،فيسعوا إلى علجها في وقتها ،ومن خلل
في جملة الحاديث الواردة في ذكر الفتن نلمح الحكم النظر
التالية):(2
-1أن النبي × وهو يذكر هذه الفتن والوقائع يريد أن يربي المة
على الستعداد لها حتى تحسن التصرف يوم تقع هذه الفتن ،فتسعى
إلى علجها في وقتها.
-2إن في هذه الحاديث إشارات إلى من يثيرونها ،وأنها أحيانا
تكون من قوم ظاهري اليمان والتشدد ،ولكن عقولهم منحرفة،
وقلوبهم ملتوية ،وهم في جملة حالهم غير مدركين ول فاقهين).(3
-3إن هذه الفتنة تكشف المنافقين وتصقل قلوب المؤمنين
فيزدادون إيمانا ،ويتحفزون للمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو
النفوس وتتعود المجاهدة وتتعرف الخير نوع من البتلء تصقل به
فتأمر به والشر فتنهى عنه).(4
-4إن الخبار عن هذه الفتن يحمل في مضمونه تحذيرا شديدا
من الوقوع فيها ,أو ملبسة شيء منها؛ ذلك أن المؤمنين من هذه
المة -من الصحابة وغيرهم -حين يسمعون خبر النبي × بأن منهم
من سيحدث منه القتل ،ومنهم من سيتعلق بالدنيا ،ومنهم من
سيترك الجهاد ،ومنهم ،ومنهم ..تتحرك في نفوسهم مشاعر
المواجهة لهذه الفتن ،ويقول كل واحد منهم :لعلي أنجو ،ويصبح
242
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المهالك على الموقف منها الخوف على الدوام أن يقع في تلك
غفلة ،والخوف في هذا الباب من أعظم سبل النجاة).(1
قال ابن تيمية -رحمه الله -بعد أن أورد عدة أحاديث مرفوعة في
وقوع هذا الخلف والختلف في هذه المة :وهذا المعنى محفوظ
من عن النبي × من غير وجه ،يشير إلى أن التفرقة والختلف ل بد
وقوعها في المة ،وكان يحذر أمته لينجو من شاء الله له السلمة).(2
-5إن الخبار عن هذه الفتن أدق في تحديد سبل النجاة منها؛
فإن النسان مهما بالغت في تحذيره من خطر يهدده -دون أن تحدد
له هذا الخطر أو تبين له كيفية الوقوع فيه -قد ل يتصور الطريقة
سيواجهها ،وقد التي سيحدث بها ،ول يستبين طبيعة المشكلة التي
يقع في المحذور دون أن يعرف أنه المقصود بالتحذير).(3
-6إن الخبار عن تلك الفتن اقترن في بعض الحاديث بذكر
أسبابها ،أو بيان نتائجها ،أو موقف المسلم منها ،وهذا ينفع المسلم
أو المة كلها في نبذ أسباب الفتن ،أو الحكم على وقائع معينة من
خلل النظر في نتائجها ،أو اتخاذ الموقف السليم منها ابتداء.
ثم إن فيها دليل واضحا على صدق رسالة محمد × ونبوته ،يزداد -7
به إيمان الصحابة الذين سمعوا الحديث ثم رأوا تأويله في مواقفهم بعد
ومصر ،وهو مدة ،ويزداد به إيمان المؤمن -كل مؤمن -في كل عصر
يعيش وقائع الفتن والختلفات التي أخبر النبي × بوقوعها).(4
وقد جمع الدكتور عبد العزيز صغير دخان أحاديث الفتنة وقام
بدراستها ،وبيان صحيحها من ضعيفها في كتابه )أحداث وأحاديث
الفتنة الولى( ،ثم استخرج من الحاديث الصحيحة معاني دلت عليها
تلك الحاديث ،منها:
-1أن الفتنة سنة الله -عز وجل -في المم ،وفي هذه المة إلى
قيام الساعة ،وهي فتن كقطع الليل المظلم ،عمياء صماء بكماء،
من سعى فيها هلك في الدنيا والخرة ،ومن كف يده أفلح ،ل يكاد
يبصر فيها أحد موقفه إل من أحياه الله بالعلم وزوده بالتقوى ،وهداه
إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه).(5
-2وفي هذه الحاديث أن فتنة القتال بين المسلمين أمر واقع ل
محالة ،ول سبيل لنكاره واستغرابه بدءا بما وقع بين الصحابة
والتابعين ،ومرورا بالعصور السلمية إلى اليوم ،ولكن الواجب هو
معرفة أسباب هذا القتال لتلفيها ،أو السعي في إطفاء نار الفتنة
حينما تشب في ديار المسلمين ،وأل ينبغي أن يقف المسلم منها
موقف المتفرج.
-3ومن رحمة الله بهذه المة أن يكفر عنها ذنوبها في الدنيا،
243
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وليس القتل والفتن التي تنزل ساحتها والزلزل التي تصيبها إل
كفارة لهذه الذنوب.
-4وفي بعض هذه الحاديث إشارة واضحة وصريحة إلى أن
منبت معظم هذه الفتن من قبل المشرق ،وكذلك كان الواقع؛ فإن
الفتنة الولى بدأ تحريكها في الكوفة والبصرة ،وفتنة الجمل كانت
هناك.
-5وفي الفتنة يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا يسير ،وتتحكم
فيها الشهوات والشبهات ،ويصير أهل السلم الصحيح غرباء في
سلوكهم وتصرفاتهم ،ويصبح المتمسك بدينه أشبه ما يكون بالذي
يقبض على الجمر أو على الشوك ،صابرا محتسبا ما يصيبه من اللم
والذى في سبيل دينه وما يعتقد أنه حق.
-6وفي الفتنة يحفظ الله طائفة من الناس ،فل تلتبس بالفتنة،
ول تتلطخ أيديهم من دماء المسلمين ،يسعون في إصلح ذات البين،
والدعوة إلى مبادئ السلم الصحيحة من رحمة وأخوة وسيكون
موقفهم غريبا بدون شك وسط الجموع الهائجة والهواء
المستحكمة).(1
-7وفي الفتنة يلعب اللسان دورا أخطر من السيف ،بل إن
اللسان يكون غالبا منشأ الفتن والبليا ،فرب كلمة شر مسمومة
انطلقت فأشعلت النار في القلوب ،وهيجت ما كان مستكنا في
النفوس ،وشحذت العواطف ،وكانت سببا في فتن ضارية).(2
-8وفي الفتنة ينقص العلم؛ إما بموت العلماء أو بسكوتهم
واعتزالهم إيثارا للسلمة ،أو لنصراف الناس عنهم لسبب من
السباب ،ويسود عندها الجهل ،ويتخذ الناس رؤساء جهال ،فيفتوا
ضلوا ،ويسود الرويبضة -وهو التافه من الناس- ضلوا وي َ ِبغير علم ،في ُ ِ
ويستعلي السفهاء منهم).(3
-9وفي هذه الحاديث أن الله -عز وجل -ضمن لرسوله × أل
يهلك هذه المة بالسنين والمجاعات ،وأل يسلط عليهم عدوا فيتمكن
منها دائما ،مهما كانت قوة هذه العدو وإمكانياته وجبروته ،ولكن
المر الذي لم يضمنه الله لرسوله × هو أل تختلف هذه المة،
وسيكون هذا هو الباب الذي يدخل منه العدو الخارجي؛ إذ أن المة
إذا اختلفت فيما بينها وقتل بعضها بعضا ،ضعفت عوامل القوة فيها،
وتمكن منها عدوها فعبث بخيراتها ومقدراتها ،ولن يرفع عنها حتى
تحقيق القوة في نفسها بالوحدة ،وجمع الكلمة ،والحتكام تعود إلى
إلى شرع الله).(4
-10وفي الحاديث أن وقوع الفتنة واستمرارها مظنة ظهور
فرق المنحرفين عن هدى السلم ،وتمكن أهل الباطل وظهورهم.
-11وفي الفتنة تتغير أخلق الناس وتتبدل ،ويزهد الناس في
)( المصدر نفسه ،ص .348 -346 1
244
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
العمل الصالح ،ومشاريع الخير ،ويلقى بين الناس العداوة والبغضاء
والحقد ،ويختلط المر على الناس.
-12وفي الحاديث أن هذه الفتن يسبقها أمن واستقرار وصلح
أحوال الناس المادية والمنية ،حتى يسير الراكب بين العراق ومكة
لل الطريق ،ويظهر هذا في عهد عثمان ؛ فقد كان ض ّ
ل يخاف إل ُ
عهد أمن واستقرار وتدفق الموال والخيرات ،ثم حدثت فتنة الهرج
قوض ذلك كله ،حتى تبدل الحال من المن إلى الخوف. ف ُ
-13وفي الفتنة يقتل خيار الناس وذوو العقول والرأي)(1فيهم،
ويبقى رجرجة من الناس ل تعرف معروفا ول تنكر منكرا .هذه
بعض المعاني من أحاديث الفتن.
***
245
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثاني
أسباب فتنة مقتل عثمان
قال المام الزهري :ولي عثمان اثنتي عشرة سنة أميرا
للمؤمنين ،أول ست سنين منها لم ينقم الناس عليه شيئا ،وإنه لحب
إلى قريش من عمر بن الخطاب؛ لن عمر كان شديدا عليهم ،أما
عثمان فقد لن لهم ووصلهم .ثم حدثت الفتنة بعد ذلك ،وقد سمى
المؤرخون المسلمون الحداث في النصف الثاني من ولية عثمان
35-30هـ )الفتنة( التي أدت إلى استشهاد عثمان (1) .كان
المسلمون في خلفة أبي بكر وعمر وصدر من خلفة عثمان متفقين
ل تنازع بينهم ،ثم حدث في أواخر خلفة عثمان أمور أوجبت نوعا
من التفرق ،وقام قوم من أهل الفتنة والظلم فقتلوا عثمان فتفرق
المسلمون بعد مقتل عثمان).(2
وقد كان المجتمع السلمي في خلفة الصديق والفاروق
والنصف الول من خلفة عثمان يتصف بالسمات التية:
-1أنه -في عمومه -مجتمع مسلم بكامل معنى السلم ،عميق
اليمان بالله واليوم الخر ،مطبق لتعاليم السلم بجدية واضحة،
والتزام ظاهر ،وبأقل قدر من المعاصي وقع في أي مجتمع في
التاريخ؛ فالدين بالنسبة له هو الحياة ،وليس شيئا هامشيا يفئ الناس
إليه بين الحين والحين ،إنما هو حياة الناس وروحهم ،ليس فقط فيما
يؤدونه من شعائر تعبدية يحرصون على أدائها على وجهها الصحيح،
وإنما من أخلقياتهم وتصوراتهم واهتماماتهم وقيمهم وروابطهم
الجتماعية ،وعلقات السرة وعلقات الجوار ،والبيع والشراء،
والضرب في مناكب الرض ،والسعي وراء الرزاق ،وأمانة التعامل،
وكفالة القادرين لغير القادرين ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
والرقابة على أعمال الحكام والولة ،ول يعني هذا بطبيعة الحال أن
كل أفراد المجتمع هم على هذا الوصف ،فهذا ل يتحقق في الحياة
الدنيا ،ول في أي مجتمع من البشر .وقد كان في مجتمع الرسول ×
-كما ورد في كتاب الله -منافقون يتظاهرون بالسلم وهم في دخيلة
أنفسهم من العداء ،وكان فيه ضعاف اليمان ،والمعوقون،
طئون ،والخائنون ،ولكن هؤلء جميعا لم يكن لهم والمتثاقلون ،والمب ّ
وزن في ذلك المجتمع ،ول قدرة على تحويل مجراه؛ لن التيار
الدافق هو تيار أولئك المؤمنين صادقي اليمان ،المجاهدين في
سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ،الملتزمين بتعاليم هذا الدين).(3
-2أنه المجتمع الذي تحقق فيه أعلى مستوى من المعنى
الحقيقي )للمة( ،فليست المة مجرد مجموعة من البشر جمعتهم
وحدة اللغة ووحدة الرض ،ووحدة المصالح ،فتلك هي الروابط التي
)( طبقات ابن سعد ) ،(47-1/39البداية والنهاية ) (149-7/144الخلفاء 1
)( كيف نكتب التاريخ السلمي؟ محمد قطب ،ص .100 3
246
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تربط البشر في الجاهلية ،فإن تكونت منهم أمة فهي أمة جاهلية،
أما المة بمعناها الرباني ،فهي المة التي تربط بينها رابطة العقيدة،
بصرف النظر عن اللغة والجنس واللون ،ومصالح الرض القريبة،
وهذه لم تتحقق في التاريخ وحده كما تحققت في المة السلمية،
فالمة السلمية هي أمة ل تقوم على عصبية الرض ول الجنس ول
اللون ول المصالح الرضية ،إنما هو رباط العقيدة ،يربط بين العربي
والحبشي والرومي والفارسي ،يربط بين أهل البلد المفتوحة والمة
الفاتحة على أساس الخوة الكاملة في الدين ،ولئن كان معنى المة
قد حققته هذه المة أطول فترة عرفتها الرض ،فقد كانت فترة
فيها معاني السلم كلها ،بما فيها صدر السلم أزهى فترة تحققت
معنى المة على نحو غير مسبوق).(1
-3أنه مجتمع أخلقي يقوم على قاعدة أخلقية واضحة مستمدة
من أوامر الدين وتوجيهاته ،وهي قاعدة ل تشمل علقات الجنسين
وحدها ،وإن كانت هذه من أبرز سمات هذا المجتمع؛ فهو خال من
التبرج ومن فوضى الختلط ،وخال من كل ما يخدش الحياء من
فعل أو قول أو إشارة ،وخال من الفاحشة إل القليل الذي ل يخلو
منه مجتمع على الطلق ،ولكن القاعدة الخلقية أوسع بكثير من
علقات الجنسين؛ فهي تشمل السياسة والقتصاد والجتماع والفكر
والتعبير ،فالحكم قائم على أخلقيات السلم ،وعلقات الناس في
والخلص والتعاون والحب ،ل المجتمع قائمة على الصدق والمانة
غمز ول لمز ول نميمة ول قذف للعراض).(2
-4أنه مجتمع جاد ،مشغول بمعالي المور ل بسفاسفها ،وليس
الجد بالضرورة عبوسا وصرامة ،ولكنه روح تبعث الهمة في الناس
وتحث على النشاط والعمل والحركة ،كما أن اهتماماته أعلى وأبعد
من واقع الحس القريب ،وليست فيه سمات المجتمع الفارغة
البيوت وفي الطرقات ،تبحث عن وسيلة المترهلة التي تتسكع في
لقتل الوقت من شدة الفراغ).(3
-5أنه مجتمع مجند للعمل في كل اتجاه تلمس فيه روح الجندية
واضحة ،ل في القتال في سبيل الله فحسب -وإن كان القتال في
سبيل الله قد شغل حيزا كبيرا في حياة هذا المجتمع -ولكن في
جميع التجاهات؛ فالكل متأهب للعمل في اللحظة التي يطلب منه
فيها العمل ،ومن ثم لم يكن في حاجة إلى تعبئة عسكرية ول مدنية،
فهو معبأ من تلقاء نفسه بدافع العقيدة وبتأثير شحنها الدافعة لبذل
النشاط في كل اتجاه).(4
-6أنه مجتمع متعبد تلمس فيه روح العبادة واضحة في تصرفاته،
ليس فقط في أداء الفرائض والتطوع بالنوافل ابتغاء مرضات الله،
ولكن في أداء العمال جميعا؛ فالعمل في حسه عبادة ،يؤديه بروح
العبادة ،الحاكم يسوس رعيته بروح العبادة ،والمعلم الذي يعلم
القرآن ويفقه الناس في الدين ي ُعَّلم بروح العبادة ،والتاجر الذي
)( المصدر نفسه ،ص .101 1
247
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يراعى الله في بيعه وشرائه يفعل ذلك بروح العبادة ،والزوج يرعى
بيته بروح العبادة ،والزوجة ترعى بيتها بروح العبادة ،تحقيقا لتوجيه
رسول الله ×» :كلكم راع ،وكلكم مسئول عن رعيته« ).(1
هذه من أهم سمات عصر الصديق وعهد الخلفاء الراشدين ،إل
أن تلك السمات كانت أقوى كلما اقتربنا من عهد النبوة ،وتضعف
كلما ابتعدنا عن عصر النبوة .وهذه السمات جعلته مجتمعا مسلما
في أعلى آفاقه ،وهي التي جعلت هذه الفترة المثالية في تاريخ
السلم ،كما أنها هي التي ساعدت في نشر هذا الدين بالسرعة
العجيبة التي انتشرت بها؛ فحركة الفتح ذاتها من أسرع حركات
الفتح في التاريخ كله ،بحيث شملت في أقل من خمسين عاما أرضا
تمتد من المحيط غربا إلى الهند شرقا ،وهي ظاهرة في ذاتها
تستحق التسجيل والبراز ،وكذلك دخول الناس في السلم في
البلد المفتوحة بل قهر ول ضغط ،وقد كانت تلك السمات التي
اشتمل عليها المجتمع المسلم هي الرصيد الحقيقي لهذه الظاهرة؛
فقد
أحب الناس السلم لما رأوه مطبقا على هذه الصورة العجيبة
الوضاءة ،فأحبوا أن يكونوا من بين معتنقيه).(2
إن دراسة هذه الفترة من التاريخ ينبغي أن تترك انطباعا ل
يمحى في نفس الدارس؛ انطباعا بأن السلم دين واقعي قابل
للتطبيق في عالم الواقع بكل مثالياته ،فهي ليست مثاليات معلقة
في الفضاء لمجرد التأمل أو التمني ،ولكنها مثاليات واقعية في
متناول التطبيق إذا حاولها الناس بالجدية الواجبة وأعطوها حقها من
عا بأن ما حدث مرة يمكن أن يحدث مرة أخرى؛ لن الجهد ،ثم انطبا ً
البشر هم البشر ،وقد استطاع البشر دائما أن يحاولوا الصعود مرة
أخرى وسيصعدون حين يعزمون ,وسينالون على ذلك النصر
مُلوا ع ِ و َ م َ من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ه اَل ّ ِ عدَ الل ُ و َ والتمكين ،قال تعالىَ + :
ن
ِ َذي ّ ل ا فَ َ ل خْ ت
ْ َ س ا ما َ َ ك ض ر ل ا في ه ْ ِم فن ّ ُ خل ِ َ ست َ ْ ت ل َي َ ْحا ِ صال ِ َ ال ّ
َ ْ ّ ِ َ ّ َ
م
ُ ْ ه ل ضى ت
ْ َ َر ا ذي ِ ل ا ممن ْ ِ ِ ْ َ ُ َ َ ّ ُ ْ ِ َ َ ُ ُ
ه ندي م ه ل ن ن ك م ي لو م ه ل ب َ
ق ِ
ن ِبي ركو َ ُ ِ شْ ُ ي َ ل ني ِ َ ن دوُ ُ ب ع
ْ َ ي ناً م
ْ أ م
ْ ه ف
ِ و
ْ خ
َ د
ِ عْ َ ب من ّ هم ُ ّ ن َ ل ّ دَ بُ يَ ل و
َ
فُأول َئ ِ َ َ ِ
ن" ]النور.[55 : قو َ س ُ فا ِ م ال ْ َ ه ُ ك ُ ك َ عدَ ذَل ِ فَر ب َ ْ من ك َ َ و َ شي ًْئا َ َ
ومن المور التي تساعد المسلمين على العودة إلى الخلفة
الراشدة معرفة العوامل والسباب التي أدت إلى زوالها ،لكي نعمل
على اجتنابها والخذ بالسباب التي جعلها الله سببا في إكرام المة
بها ،ولذلك نريد أن نفصل في أسباب فتنة مقتل عثمان لهميتها،
وإليك أهم هذه السباب:
ل :الرخاء وأثره في المجتمع: أو ً
كان رسول الله × يرى ما يعانيه أصحابه من شظف العيش
وفقر الحال ،فكان يصبرهم ،ثم يخبرهم أن هذا الحال الذي هم عليه
لن يدوم طويل ،حتى تفتح عليهم خزائن الدنيا وخيراتها ،وحذرهم من
1
248
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وما يمكن الشتغال بذلك عن العمل الصالح والجهاد في سبيل الله،
أن يجره ذلك عليهم من التقاتل على الدنيا ومتاعها الزائل (1).وقد
فقه عمر بن الخطاب هذا التحذير فكان من سياسته حماية
المسلمين من غوائل فتنة المال وزخارف الدنيا ،فاجتهد في منع
المسلمين من التوسع في بلد العجم ،ولول ظهور مصلحة أخرى
راجحة في توسعهم لبقى المنع قائما ،إل أن هذا التراجع من عمر لم
يشمل كبار الصحابة والمهاجرين والنصار ،الذين كانوا بالمدينة إذ
بقى المنع في حقهم (2).ول شك أن الذي فعله عمر كان يدل على
إحساسه وخوفه من انتشار المسلمين في أرض تزخر بألوان
الخيرات والرزاق فتستولي الدنيا على قلوبهم وتفسد عليهم
آخرتهم (3).فلما جاء عهد عثمان وتوسعت الفتوحات شرقا وغربا،
وبدأت الموال تتقاطر على بيت المال من الغنائم والسلب,
وامتلت أيدي الناس بالخيرات والرزاق) ،(4وغني عن الشارة أن
النعم والخيرات وتلك الواردات من الفتوح سيكون لها أثرها على
المجتمع؛ إذ تجلب الرخاء وما يترتب عليه من انشغال الناس بالدنيا
والفتتان بها ،كما أنها مادة للتنافس والبغضاء ،خاصة بين أولئك
الذين لم يصقل اليمان نفوسهم ،ولم تهذبهم التقوى من أعراب
البادية وجفاتها ،ومن مسلمة الفتوحات وأبناء المم المترفة الدخلء
في السلم الذين جروا شوطا بعيدا في زخارف الدنيا وبهجتها،
واتخذوها غاية يتنافسون فيها .وقد أدرك عثمان هذه الظاهرة وأنذر
بما سيؤول إليه أمر المة من التبدل والتغير في كتابه الموجه إلى
الرعية» :فإن أمر هذه المة صائر إلى البتداع بعد اجتماع ثلثة
النعم(5،وبلوغ أولدكم من السبايا ،وقراءة العراب
)
فيكم :تكامل
والعاجم للقرآن«.
أما تكامل النعم فيتحدث الحسن البصري -وهو شاهد عيان -عن
حالة المجتمع ،ووفور الخيرات وإدرار الموال ،وما آل إليه أمر
الناس من البطر وعدم الشكر ،فيقول :أدركت عثمان على ما نقموا
عليه ،قلما يأتي على الناس يوم إل وهم يقتسمون فيه خيرا ,يقال
لهم :يا معشر المسلمين ،اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافرة ،ثم
يقال لهم :اغدوا على السمن والعسل .العطيات جارية ،والرزاق
داّرة ،والعدو متقى ،وذات البين حسن ،والخير كثير ...والخرى كان
السيف مغمدا على أهل السلم فسلوه على أنفسهم ،فوالله ما زال
مسلول إلى)(6يوم الناس هذا ،وأيم الله ،إني لراه سيفا مسلول إلى
يوم القيامة .
وأما بلوغ أولد المسلمين من السبايا فيتمثل فيما آل إليه أمر
فاضت هؤلء من الدعة والترف ،وكان أول منكر ظهر بالمدينة حين
الدنيا وانتهى وسع الناس لطيران الحمام والرمي على الجلهقات)،(7
) (2تاريخ الطبري ).(5/245 أحداث وأحاديث الفتنة الولى ،ص .566 )( 4
5
) (4قوس البندق الذي يرمى به. )( البداية والنهاية ).(7/224 6
7
249
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ضضها عثمان رجل من بني ليث سنة ثمان) (1فق ّ فاستعمل عليها
وكسر الجلهقات (2).وحدث بين الناس النشو بتناولهم النبيذ ،فأرسل
عثمان رجل يطوف عليهم بالعصا ليمنعهم من ذلك ،وعندما اشتد
ذلك شكاهم عثمان إلى الناس ،فأجمعوا على أن يجلدوا في النبيذ،
على شر أو فأخذ نفر منهم فجلدوا ،ثم جعل عثمان ل يأخذ أحدا
شهر سلحا إل نفاه من المدينة ،فضج آباؤهم من ذلك (3).وقام
عثمان في المدينة فقال» :إن الناس تبلغني عنهم هنات وهنات،
أل وإني )(4
وإني ل أكون أول من فتح بابها ول أدار راحتها )أي الفتنة(،
زام نفسي بزمام ,وملجمها بلجام ،فأقودها بزمامها وأكبعها
بلجامها ،ومنا ولكم طرف الحبل ،فمن اتبعني حملته على المر الذي
يعرف ،ومن لم يتبعني فمن خلف منه وعزاء منه ،أل وإن لكل نفس
يوم القيامة سائقا وشهيدا؛ سائق يسوقها على أمر الله وشاهد
بعملها(5،فمن كان يريد الله بشيء فليبشر ومن كان يريد يشهد عليها
الدنيا فقد خسر« ).وهكذا لما قام عثمان الرجل التقي والخليفة
الراشد بواجبه ،وكانت إجراءاته تعزيرية تجاه أبناء الغنياء الذين
بدأوا نوعا من حياة الترف وفساد الخلق ،انضم أولئك المنحرفون
إلى صف الناقمين من الرعاع.
وبالنسبة لقراءة العراب والعاجم القرآن ،فيظهر في شكل
واضح في تكوين طبقة في المجتمع المسلم تتعلم القرآن ل رغبة
في الثواب ،وإنما رغبة في الجعل الذي جعله الخليفة تشجيعا
وتأليفا (6).ويجب أن نلحظ أن هذا التغير بدأ أثره يظهر أول على
أطراف الدولة السلمية ،ثم أخذ يزحف إلى عاصمة الخلفة ،مما
دفع عثمان إلى تذكير المسلمين في خطبه بضرورة الحذر من
التهالك على الدنيا وحطامها ،فكان مما قاله في إحدى خطبه:
إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الخرة ،ولم يعطكموها
لتركنوا إليها ،إن الدنيا تفنى وإن الخرة تبقى ،ول تبطرنكم الفانية
الباقية ..واحذروا من الله الغَِير ،والزموا جماعتكم، ول تشغلنكم عن
ول َ عا
ِ َ َِ ّ ً َ مي ج ه الل ل ب ح ب موا ص
َ َ ِ ُ َ ت ع
ْ وا + قرأ: ثم , )(7
أحزابا ول تصيروا
ن يب ف ل أ َ
ف ء دا ع ك ُن ْ َت ُ ْم ِ أ َ ِ
ْ ذ إ م ُ ك ي لع ه الل ت م ع ن روا ُ ْ فّر ُ تَ َ
َْ َ َ ً َ ْ
َ ْ ْ ْ ُِ َ ِ ْ َ َ ِ قوا َ َ ُ
ك ذ وا
ُ ُ
ة
فَر ٍ ح ْ ُ فا َ ش َ لى ع
َ م ْ ُ ت ْ ن ك و
َ نا ً وا خ
ْ
َْ َ ْ ُْ ِ ْ َ َ ِ َ إ ه
ِ ِ تم ع ِ نب م ُ ت ح ب ص أ َ
ف مق ِ ْ ك ب لو ُ
مْ ُ كّ لعَ َ ل هِ ِ ت يا َ آ م ُ ك
ُ َ ُ ْ ْ َ ل ه الل ن ّ ي َ ب ُ ي ك َ ِ ل َ ذ ك ها ْ
ْ ّ َ ن م م ك َ ذ قَ أن فَ ر
ِ نا
ّ ال ن ّ َ م
ن ْ م أُ من ْك ُ ول ْت َ ُ
مُرو َ وي َأ ُ ر َ خي ْ ْ ِ ن إ ِلى ال َ عو ُ َ ة ي َدْ ُ م ٌ ّ ْ ّ كن َ ن دو َ هت َ ُ تَ ْ
ن" ]آل حو َ فل ِ ُ م ْ ُ ل ا م
ُ ه
ُ َ
ك ِ ئ َ ل أو و
ِ َ ر َ ك ْ ن م ُ ْ ل ا ن ع
َ ن
َ و ه
َ َ ْ ْ ن َ ي و فِ رو ِبا َ ُ
ع
ْ م ْ ل
ِ عمران.[104 ،103 :
وفي مثل هذه الظروف ،والخيرات وافرة ،فاضت الدنيا على
الناس بعد أن فتحوا القاليم واطمأنوا فأخذوا المسلمين وتفرغ
ينقمون على خليفتهم).(8
) (6تاريخ الطبري ).(5/415 )( أي في السنة الثامنة من خلفته. 1
2
) (2أي من الكبع ،وهو المنع. تاريخ الطبري ).(5/416 )( 3
4
الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلفة الراشدة ،ص .392 )( 6
250
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ومن هنا يعلم أثر الرخاء في تحريك الفتنة ،ومن هنا أيضا يمكن
مقالة عثمان لعبد الرحمن بن ربيعة -له صحبة -وهو على )(1
فهم
كثيرا(2منهم البطنة فقصر بهم ،ول تقتحم)
أبطر قد الرعية إن : الباب
ش أن يبتلوا.
بالمسلمين فإني خا ٍ
وفي آخر خطبة لعثمان وهو يعظ المسلمين بعد أن فتحت
الدنيا عليهم قال:
واحذروا( أحداث أل ل تبطرنكم الفانية ول تشغلنكم عن الباقية..
الدهر المغير ،والزموا جماعتكم ،ول تتفرقوا شيعا وأحزابا). 3
ثانًيا :طبيعة التحول الجتماعي في عهد عثمان :
حدثت تغيرات اجتماعية عميقة ،ظلت تعمل في صمت وقوة ل
يلحظها كثير من الناس ،حتى ظهرت على ذلك الشكل العنيف
وبلغت قمة المتفجر بدءا من النصف الثاني من خلفة عثمان،
فورانها في التمرد الذي أدى إلى استشهاد عثمان .(4)
لما توسعت الدولة السلمية عبر حركة الفتوح حصل تغير في
تركيبة المجتمع واختللت في نسيجه؛ لن هذه الدولة بتوسعها
المكاني والبشري ورثت ما على هذه الرقعة الواسعة من أجناس،
وألوان ،ولغات ،وثقافات ،وعادات ،ونظم ،وأفكار ،ومعتقدات،
وفنون أدبية وعمرانية ،ومظاهر ،وظهرت على سطح هذا النسيج
ألوان مضطربة وخروقات غير منتظمة ،ورقع غير منسجمة ،مما
صيرت المجتمع غير متجانس في نسيجه التركيبي وبالذات في
المصار الكبرى ،بمواقعها وأهميتها ،تدفع بجيوش الفتوح وتستقبلها
وهي عائدة ،وقد نقص عددها بالموت والقتل ،وتستقبل بدل عنهم أو
أكثر منهم أعدادا وفيرة من أبناء المناطق المفتوحة ،فرس ،وترك،
وكان( أكثرهم من الفرس أو من النصارى وروم ،وقبط ،وكرد ،وبربر،
العرب أو غيرهم أو من اليهود 5).وأكثر سكان هذه المصار الكبيرة
هم ممن شاركوا في حركة الفتح السلمي ثم استقروا في هذه
المصار ،وكان أغلب هؤلء من القبائل العربية من جنوبها وشمالها
وشرقها ،والذين لم يكونوا -عادة -من الصحابة ،وبمعنى أدق ليسوا
ممن تلقوا التربية الكافية على يد رسول الله × ,أو على أيدي
الجيل الول من الصحابة؛ إما لنشغالهم بالفتوح أو لقلة الصحابة.
وقد حصلت تغيرات في نسيج المجتمع البشري المكون من جيل
السابقين وسكان البلد المفتوحة ،والعراب ومن سبقت لهم ردة،
واليهود والنصارى ،وفي تكوين نسيج المجتمع الثقافي ،وفي بسطة
المجتمع ،وفي ظهور لون جديد من النحرافات ،وفي قبول عيش
الشائعات).(6
)( المقصود بالباب منطقة في جهات أذربيجان تسمى الدر البند ،معجم البلدان 1
).(1/303
)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ).(1/361 2
251
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-1المتغيرات في نسيج المجتمع البشري:
أ -لقد تكون هذا النسيج من قطاعات عدة:
قطاع السبقين ممن بقى من الصحابة ومن الذين نالوا قسطا
من رعاية الصحابة ،ولكن هذا القطاع وذاك ظل يتناقص إما عن
طريق الموت والقتل في ميادين الفتوح ،وإما عن طريق تفرقهم
في المصار ،مما جعلهم أقل حضورا ،وكانوا موزعين في البلدان
المفتوحة والمصار الكبيرة المستحدثة كالبصرة ,والكوفة ،والشام،
وبعضهم في الجزيرة العربية يخرجون منها ثم يعودون إليها ومصر،
مرة أخرى).(1
ب -سكان المناطق المفتوحة :وكانوا يشكلون الكثرية
بالنسبة للقادمين إليهم مع حركة الفتوح؛ فقد ظل القادمون قلة وإن
كان لهم حضور فعلي في إدارة البلد أو التأثير السلوكي والخلقي
والفكري واللغوي ،إل أنهم رغم ذلك يعتبرون قلة ،وظل هذا القطاع
-قطاع سكان المناطق المفتوحة -مقتصرا في استقراره غالبا على
مناطقهم ،ومع هذا فقد تنقل بعضهم في المناطق الخرى من بلدان
الدولة السلمية؛ بل استقر بعضهم في المصار الكبيرة وفي
عاصمة الدولة أيضا ،إما على شكل ما عرف بالسبي ،أي يستقرون
تابعين لمواليهم ،وإما على شكل تنقل تجاري ومعارفي وإداري؛
يوجد قانون يمنعهم من ذلك ،إن لم يكونوا يلقون التشجيع حيث ل
والدعم (2).وقد كان العاجم الذين جاءوا من البلد المفتوحة من
أسرع الناس إلى الفتنة ،ذلكم لن أغلب العاجم من المم
الموتورة ،والشعوب المقهورة ،فتكثر مسارعتهم للفتن لسباب
كثيرة ،منها:
* جهلهم وحداثة عهد أكثرهم بالكفر ،والملك والعز الذي كانوا
سلبوه. عليه ،ثم ُ
* قلة فقههم في الدين ،بسبب العجمة وغيرها.
* العصبية وكراهية العرب.
* أن طوائف منهم دخلت السلم ظاهرا وخوفا من السيف أو
الجزية ،وأضمروا للسلم والمسلمين الشر والكيد ،فيسارعون إلى
كل فتنة.
)(3
* طمع أهل الهواء فيهم للسباب المذكورة وتحريضهم لهم .
عرفوا بأنهم من سكان البادية: ج -أولئك العراب ُ
ومنهم الكافر وهم مثل بقية الناس منهم المسلم التقي
ب أَ َ
شد ّ ك ُ ْ
فًرا عَرا ُ
+ال ْ والمنافقَ ،إل أنهمَ كما قال الله عنهم:
ه
سول ِ ِعَلى َر ُ ه َل الل ُما أ َن َْز َدودَ َ
ح ُ
موا ُعل َ ُ
جدَُر أل ّ ي َ ْوأ ْقا َفا ًون ِ َ
َ
م" ]التوبة[97 :؛ وذلك لنهم أقسى قلوبا وأغلظ كي ٌ
ح ِ
م َ عِلي ٌ
ه َ والل ُ َ
) (3 ، ،1دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ،ص .380 1
2
)( دراساتـ في عهد النبوة والخلفةـ الراشدة،ـ ص .380
)( دراسات في الهواء والفرق والبدع ،ناصر العقل ،ص .161 3
252
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
طبعا وأجفى قول ،ولصفاتهم هذه فهم جديرون وأخلق بهم أن ل
يعلموا حدود ما أنزل الله من الشرائع والحكام والجهاد)(1؛ فهم من
أسرع الناس في الفتن ولمسارعتهم فيها أسباب ،منها:
* قلة فقههم في الدين.
* سرعة اغترار الواحد منهم بما يتعلمه من القرآن ،فيظن أنه
صار عالما بقليل من العلم.
* جفاؤهم للعلماء ،وترك التلقي عنهم والقتداء بهم.
* تمكن العصبية القبلية من نفوسهم.
* تغرير أهل المطامع بهم ،واستغلل سذاجتهم وجهلهم.
* حدة طباعهم ونفورهم من المدنية والخلطة ،وإساءة الظن
بالخرين ممن ل يعرفونهم ،وهذا من طباع العراب في كل زمان
ومكان.
تشددهم في)(2الدين ،وتنطعهم بل علم ،لذلك صار غالب الخوارج *
من هذا الصنف .
وخرج من هؤلء العراب رجال عرفوا )بالقراء( وقد اختلف
مفهوم )القراء( هذا عن منطوقه ,فالمنطوق يقصد به جماعة ممن
تخصصوا بقراءة القرآن ،إل أن المفهوم ومن خلل الواقع أنتج
دللت أخرى ،فمنهم من كان على طريقة الخوارج ،يفهمون القرآن
كان(3زاهدا ل يفقه حقيقة ما يقرأ ولم بطريقتهم الخاصة ،ومنهم من
يستطع التأقلم مع واقع المجتمع ).وهؤلء القراء الجهلة يسارعون
للفتن وذلك لسباب ،منها:
* الشدة في نزعة التدين عندهم مع قلة الفقه في الدين ،مما
يورث غيرة على الدين بغير علم ول بصيرة ،فتجرفهم الهواء
والعواطف باسم الغيرة على الدين ,دون نظر في العواقب ول فقه
لقواعد الشرع كدرء المفاسد ،وجلب المصالح.
* الغترار بما يحصله الواحد منهم من اليات والحاديث دون فقه
ول بصيرة ،فيتوهم أنه صار من أهل العلم الذين ُيحّلون ويعقدون في
مصالح المسلمين.
* تعاليهم على العلماء والئمة ،وظنهم أنهم وصلوا درجة
الستغناء عنهم وعن فقههم وعلمهم ،تحت شعار )هم رجال ونحن
رجال(.
* اتخاذهم رؤساء جهال من بينهم دون العلماء والئمة .لن أهل
الهواء ورؤوس البدع والفتن -وغالبهم من الدهاة -يفزعون إلى
القراء فيغوونهم ،ويستدرجونهم ،ويستغلون نزعة التدين فيهم،
)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ،ص ،380نقل عن الشوكاني ،فتح 1
القدير ).(397-2/395
)( دراسات في الهواء والفرق والبدع ،ص .161 2
253
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ويستثيرون غيرتهم بل بصيرة.
* جهلهم بقواعد الستدلل وأحكام الفتن).(1
د -وفصيل أو قطاع آخر في نسيج المجتمع السلمي
وهو ممن سبقت لهم ردة :وكانت حياتهم في السلم قصيرة
وانتماؤهم إليه ضرورة ،ول ننفي أن منهم من زكى وصلح وكان من
الفضلء إل أن منهم من لم يتذوق حلوة السلم ،فظل -رغم
انتسابه للسلم -يعيش بعقليته السابقة ونفسيته التي عاشها قبل
السلم ،العقلية القبلية ،تناوشه العصبيات ،وكأن السلم لم يدخل
ما (2يعرفونه من إسلم وما فيهم ,أو أنهم ظنوا عدم التناقض بين
يتعاملون به في الواقع من دوافع قبلية) .
لقد شكلت طوائف من المرتدين عنصرا أسهم في تهيئة أجواء
الفتنة ،والمرتدون كانوا على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،
ولكن الشيء الجديد هو اختلف سياسة عثمان عن الخليفتين
قبله تجاههم؛ فأبو بكر يكتب إلى عماله :أل يستعينوا بمرتد في
جهاد العدو ،ويؤكد على خالد بن الوليد ،وعياض بن غنم أل يغزو
معهما أحد قد ارتد حتى يرى رأيه فيهم ،فلم تشهد أيامه) (3مرتدا.
ويقول الشعبي :كان أبو بكر ل يستعين في حروبه بأحد من أهل
الردة حتى مات (4).ولذلك كان بعض من ارتد وحسن إسلمه بعد
ذلك يستحيون من مواجهة أبي بكر ،فطليحة بن خويلد مثل يذهب
إلى مكة معتمرا وما استطاع مقابلة أبي بكر حتى مات (5).وفي
خلفة عمر تخف هذه السياسة تجاه المرتدين ،فيندب أهل الردة
ليرمي بهم الشام والعراق) ،(6وقد كان في مسيرة جيش سعد بن
أبي وقاص في القادسية قيس بن مكشوح المرادي ،وعمرو بن معد
يكرب كان يحمس الناس ويحرك مشاعرهم ،وهذا كله كان بعد أن
أذن عمر لهل الردة في الغزو (7).ولكن هذا التجاوز عن سياسة أبي
بكر عند عمر يصحبه نوع من الحذر والحيطة ،ول ينفك عن الضوابط
والشروط المقيدة؛ فأهل الردة ل يولون على مائة ،ولهذا اضطر
سعد أن يبعث قيس بن المكشوح في سبعين رجل فقط في أثر
العاجم ،ثاروا بهم في ليلة الهرير (8).ويأتي عثمان فيتجاوز
سياسة التقييد التي فرضها الخليفتان قبله تجاه المرتدين ،ويرى أن
عامل الزمن الذي مضى على عهد الردة كاف لن يتخلص من كان
قد ارتد من رواسبها ،ويجتهد عثمان فيستعمل أهل الردة استصلحا
لهم ،فلم يصلحهم ذلك ،بل زادهم فسادا وجعل قائلهم يتمثل
قول القائل:
)( دراسات في الهواء والفرق والبدع ،ص .163 1
)( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة ،سليمان العودة ،ص .155 3
) (5 ,عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة ،ص .156 6
7
)(عبد اللهـ بن سبأـ وأثره في أحداثـ الفتنة ،ص .156
254
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
255
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
على أن حركة الجهاد ل بد أن يصحبها ويتبعها الدعاة والمعلمون
ليفقهوا الناس في دينهم؛ حتى ل يختل ميزان التربية ،وتحدث
الخلخلة في الصف السلمي ،وتتوسع الفجوة بين الفاتحين وسكان
سلبية تؤثر في الراضي المفتوحة ،مما يتسبب في حدوث ظواهر
تماسك الصف السلمي ووحدته السياسية والفكرية (1).ولم يكن
يمكن تفادي هذا الجانب السلبي رغم وجود البذل والحماس في
ميدان التعليم والتربية السلمية؛ حيث كان التوسع في الرض
سريعا وواسعا ،فقد فتحت العراق وما وراءها وبلد الشام في
سنوات قليلة معدودة ،فلم يكن في مقدرة الطاقة البشرية في
ميدان التربية والتعليم استيعاب العداد الهائلة من سكان تلك
المناطق وتعليمها (2).ومن أسباب ذلك :أن الصحابة الذين كان من
المفروض أن يقوموا بهذه المانة قد قتل معظمهم في ميادين
الجهاد ،ولم يبق إل أفراد قليلون متفرقون تجمع حولهم المسلمون
الذين يحبون أن يتعلموا ،فظهرت طبقة التابعين ،ولن معظمهم
قتل أيضا منهم من مخلصون فقد كانوا في مقدمة ميادين الجهاد ،ف ُ
ُقتل) ,(3كما لم يكن الزمن كافيا لترسيخ التعاليم السلمية في
نفوس كثير منهم ،مما ساعد مع غيره من العوامل على وجود
خلخلة فكرية وظواهر سلبية دخيلة على النهج السلمي ,مما كان له
استقرار الدولة ،وظهر ذلك جليا في السنوات الخيرة الثر في عدم
من عهد عثمان .(4)
-3ظهور جيل جديد:
فقد حدث في المجتمع تغير أكبر؛ ذلك أن جيل جديدا من الناس
ظهر ،وأخذ يحتل مكانة في المجتمع ،وهو غير جيل الصحابة ،جيل
العصر الذي كانوا يعيشون فيه ،ويتصف بما ل يعيش في عصر غير
يتصفون به؛ فهو جيل) (5يعتبر في مجموعه أقل من الجيل الول
الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها ،فقد تميز الجيل
الول من المسلمين بقوة اليمان والفهم السليم لجوهر العقيدة
السلمية والستعداد التام لخضاع النفس لنظام السلم المتمثل
في القرآن والسنة ،وكانت هذه الميزات أقل ظهورا في الجيل
جد نتيجة للفتوحات الواسعة ،وظهرت فيه المطامع الجديد الذي وُ ِ
الفردية ،وبعثت فيه العصبية للجناس والقوام ,وبعضهم يحملون
رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها ،ولم ينالوا من
التربية السلمية على العقيدة الصحيحة السليمة مثل ما نال الرعيل
الله( ×؛ وذلك
)6
الول من الصحابة -رضوان الله عليهم -على يد رسول
لكثرتهم وانشغال الفاتحين بالحروب والفتوحات الجديدة.
سائر من بعدهم ،فإنه كلما تأخر العصر فالصحابة كانوا أقل فتنا من
عن النبوة كثر التفرق والخلف).(7
تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ).(1/358 )( 1
ذو النورين ..عثمان بن عفان ،محمد مال الله ،ص .99 )( 7
256
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
كان الجيل الجديد ل يرضى بالواقع الذي كان يتسم به جيل الذين
سبقوه ،فقد اعتاد على غير ما اعتادوا عليه ،فتكونت عقلية جديدة
ومفهوم جديد للحياة ،وهو مفهوم قد ابتعد عن العقلية التي كانت
سائدة في عصر الراشدين الولين ،فأصبح )ل(1يفهم تلك العقلية ول
يستطيع تشربها ،ول يسعه أن يذعن لحكمها ،ولذلك انضم
المنحرفون من الجيل الجديد لدعاة الفتنة.
-4استعداد المجتمع لقبول الشائعات:
وهكذا ندرك من خلل هذا الخليط غير المتجانس في نسيج
المجتمع أنه صار مهيأ للهزات ،مستعدا للضطراب ،قابل لتلقي
الذاعات والقاويل والشائعات) ،(2وهذا ما يعبر عنه بوضوح ابن تيمية
مر ُ
قائل :ولهذا لما كان الناس في زمن أبي بكر وعمر اللذين أ ِ
المسلمون بالقتداء بهما كما قال رسول الله ×» :اقتدوا باللذين
من بعدي أبي بكر وعمر ،«..أقرب عهدا بالرسالة وأعظم إيمانا
وصلحا ،وأئمتهم أقوم بالواجب ،وأثبت في الطمأنينة لم تقع فتنة؛ إذ
كانوا في حكم القسط )أي النفوس المطمئنة( ،ولما كان في آخر
ي كثر القسم الثالث )أهل النفس اللوامة خلفة عثمان وخلفة عل ّ
التي تخلط عمل صالحا وآخر سيئا( ،فصار فيهم شهوة وشبهة مع
اليمان والدين ،وصار ذلك في بعض الولة وبعض الرعايا ،ثم كثر
هذا القسم )الذي خلط عمل صالحا وآخر سيئا( بعد ،فنشأت الفتنة
التي سببها ما تقدم من عدم تمحيص التقوى والطاعة في الطرفين،
واختلطهما بنوع من الهوى والمعصية في الطرفين ،وكل منهم
متأول وأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،وأنه مع الحق والعدل،
ومع هذا التأويل نوع من الهوى ،ففيه نوع من الظن ،وما تهوى
)(3
النفس ،وإن كانت إحدى الطائفتين أولى بالحق من الخرى.
ويوضح هذا الواقع بدقة أكثر ذلك الحوار الذي دار بين أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب وأحد أتباعه ،قال الرجل :ما بال المسلمين
اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ قال علي :لن أبا
بكر وعمر كانا واليين على مثلي ،وأنا اليوم وال على مثلك (4).وكان
أمير المؤمنين عثمان بن عفان مدركا لما يدور في وسط المجتمع؛
حيث قال في رسالته إلى المراء :أما بعد ،فإن الرعية قد طعنت
شره ،وأعداها على ذلك ثلث :دنيا في النتشار ،ونزعت إلى ال ّ
سرعة ،وضغائن محمولة ،يوشك أن تنفر فتغير).(5 م ْ
مؤثرة ،وأهواء ُ
ثالثـا :مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما:
كان مجيء عثمان مباشرة بعد عمر بن الخطاب واختلف
الطبع بينهما مؤديا إلى تغير أسلوبهما في معاملة الرعية ،فبينما كان
257
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عمر قوي الشكيمة ،شديد المحاسبة لنفسه ,ولمن تحت يديه ،كان
عثمان ألين طبعا وأرق في المعاملة ،ولم يكن يأخذ نفسه أو يأخذ
الناس بما يأخذهم به عمر حتى يقول عثمان نفسه :يرحم الله عمر،
ومن يطيق ما كان عمر يطيق (1).لكن الناس وإن رغبوا في الشوط
الول من خلفته لنه لن معهم وكان عمر شديدا عليهم ،حتى
أصبحت محبته مضرب المثل ،فقد أنكروا عليه بعد ذلك ،ويرجع هذا
إلى نشأة عثمان في لطفه ولين عريكته ورقة طبعه ودماثة خلقه،
مما كان له بعض الثر في مظاهر الفرق عند الحداث بين عهده
وعهد سلفه عمر بن الخطاب ،وقد أدرك عثمان ذلك حين قال
)(2
ي؟ ما جرأكم علي إل حلمي. لقوام سجنهم :أتدرون ما جرأكم عل ّ
وحين بدت نوايا الخارجين وقد ألزمهم عثمان الحجة في رده على
المآخذ التي أخذوها عليه أمام المل من الصحابة والناس ،أبى
المسلمون إل قتلهم ،وأبى عثمان إل تركهم لحلمه ووداعته قائل :بل
نعفو ونقبل ،ولنبصرهم بجهدها ،ول نحاد ّ أحدا حتى يركب حدا أو
)(3
يبدي كفرا.
رابًعا :خروج كبار الصحابة من المدينة:
كان عمر قد حجر على أعلم قريش من المهاجرين الخروج
في البلدان إل بإذن وأجل ،فشكوه فبلغه ،فقام فقال :أل إني قد
ن البعير ،يبدأ فيكون جذعا ،ثم ث َن ِّيا ،ثم رباعيا ،ثم
س ّ
سننت السلم َ
سداسيا ،ثم بازل) ،(4إل فهل ينتظر البازل إل النقصان ،أل فإن
السلم قد بزل ،أل وإن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات
دون عباده ،أل فأما وابن الخطاب حي فل ،إني قائم دون شعب
الحرة ،آخذ بحلقيم) (5قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار (6).لقد
كان عمر يخاف على هؤلء الصحابة من انتشارهم في البلد
المفتوحة وتوسعهم في القطاع والضياع ،فكان يأتيه الرجل من
المهاجرين وهو ممن حبس في المدينة فيستأذنه في الخروج فيجيبه
عمر :لقد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يبلغك ،وخير لك من
الغزو اليوم أل ترى الدنيا ول تراك (7).وأما عثمان فقد سمح لهم
بالخروج ولن معهم .يقول الشعبي :فلما ولي عثمان خلى عنهم
فاضطربوا في البلد وانقطع إليهم الناس ،فكان أحب إليهم من
عمر) ،(8فكان من نتائج هذا التوسع أن اتخذ رجال من قريش أموال
في المصار ،وانقطع إليهم الناس (9).وفي رواية :فلما ولي عثمان لم
يأخذهم بالذي كان يأخذهم عمر فانساحوا في البلد ،فلما رأوها
البازل :الذي انشق نابه بدخوله في التاسعة ،ص .413 )( 4
258
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع إليهم من لم يكن له طول ول مزية
في السلم ،فكان مغموما )مغمورا( في الناس ،وصاروا أوزاعا
إليهم وأملوهم ،وتقدموا في ذلك فقالوا :يملكون فنكون قد
عرفناهم ،وتقدمنا في
التقريب والنقطاع إليهم ،فكان ذلك أول وهن دخل في السلم،
وأول فتنة كانت في العامة ليس إل ذلك).(1
سا :العصبية الجاهلية:خام ً
يقول ابن خلدون :لما استكمل الفتح واستكمل للملة الملك،
ونزل العرب بالمصار في حدود ما بينهم وبين المم من البصرة
والكوفة والشام ومصر ،وكان المختصون بصحبة الرسول ×
والقتداء بهديه وآدابه المهاجرين والنصار وقريش وأهل الحجاز،
ومن ظفر بمثل ذلك من غيرهم ،وأما سائر العرب من بني بكر بن
وائل وعبد القيس وسائر ربيعة والزد وكندة وقضاعة وغيرهم ،فلم
يكونوا في تلك الصحبة بمكان إل قليل منهم ،وكانت لهم في
الفتوحات قدم ،فكانوا يرون ذلك لنفسهم مع ما يدين به فضلؤهم
من تفضيل أهل السابقة ومعرفة حقهم ،وما كانوا فيه من الذهول
والدهش لمر النبوة وتردد الوحي وتنزل الملئكة ،فلما انحصر ذلك
العباب ،وتنوسى الحال بعض الشيء ،وذل العدو واستفحل الملك،
كانت عروق الجاهلية تنبض ،ووجدوا الرياسة عليهم من المهاجرين
والنصار وقريش وسواهم ،فأنفت نفوسهم منه ،ووافق ذلك أيام
عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولته بالمصار ،والمؤاخذة لهم
باللحظات والخطوات ،والستبطاء عليهم الطاعات ،والتجني بسؤال
الستبداد منهم والعزل ،ويفيضون في النكير على عثمان ،وفشت
المقالة في ذلك في أتباعهم ،وتناولوا بالظلم في جهاتهم ،وانتهت
الخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة ،فارتابوا وأفاضوا في عزل عثمان
وحمله على عزل أمرائه ،وبعث إلى المصار من يأتيه بالخبر..
إليه فقالوا :ما أنكرنا شيئا ول أنكره أعيان المسلمين ول فرجعوا
عوامهم).(2
سا :توقف الفتوحات: ساد ً
حين توقفت الفتوح في أواخر عهد عثمان أمام حواجز طبيعية أو
بشرية لم تتجاوزها سواء في جهات فارس وشمالي بلد الشام أم
في جهة أفريقية ،توقفت الغنائم على أثرها ،فتساءل العراب :أين
ذهبت الغنائم القديمة؟ أين ذهبت الراضي المفتوحة التي يعدونها
حقا من حقوقهم؟) (3وانتشرت الشائعات الباطلة التي اتهمت عثمان
بأنه تصرف في الراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه،
وأنه أقطع منها لمن شاء من الناس ،وقد كان لها أثر ووقع على
العراب؛ خاصة أن معظمهم بقى بدون عمل يقضون شطرا من
وقتهم في الطعام والنوم ،والشطر الخر بالخوض في سياسة
ولها السبئية .وقد الدولة والحديث عن تصرفات عثمان التي كانت ته ّ
)( المصدر نفسه ).(5/414 1
259
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أدرك أحد عمال عثمان هذا المر -وهو عبد الله بن عامر -فأشار
على الخليفة حيث طلب من عماله -وهم وزراؤه ونصحاؤه -أن
يجتهدوا في آرائهم ويشيروا عليه ،فأشار عليه أن يأمر الناس بالجهاد
م أحدهم قمل فروة رأسه في المغازي حتى ل يتعدى ه ّ)(1
ويجمهرهم
ودبرة دابته.
وفي ذلك الجو من الحديث والفكر عند أفراد تعودوا الغزو ولم
يفقهوا من الدين شيئا كثيرا يمكن أن يتوقع كل سوء ،ويكفي أن
ُيحرك هؤلء العراب وأن ُيوجهوا توجيها ،فإذا هم يثورون ويحدثون
القلقل والفتن ،وهذا ما حدث بالفعل؛ فإن العراب بسبب توقف
الفتوحات(2ساهموا في بوادر الفتنة الولى ،وكانوا سببا من أسباب
)
اندلعها.
سابًعا :المفهوم الخاطئ للورع:
الورع في الشريعة طيب؛ وهو أن يترك ما ل بأس به مخافة مما
فيه بأس .وهو في الصل :ترفع عن المباحات في الله ولله .والورع
شيء شخصي يصح للنسان أن يطالب به نفسه ،ولكن ل يصح أن
يطالب به الخرين .ومن أخطر أنواع الورع :الورع الجاهل الذي
ضا ،وهذا الذي وقع فيه أصحاب الفتنة)(3؛ يجعل المباح حراما أو مفرو ً
فقد استغل أعداء السلم يومها مشاعرهم هذه ونفخوا فيها ،فرأوا
فيما فعله عثمان من المباحات أو المصالح خروجا على السلم
وتغييرا لسنة من سبقه ،وعظمت هذه المسائل في أعين الجهلة
فاستباحوا أو أعانوا من استباح دم الخليفة الراشد عثمان بن عفان
،وفتحوا على المسلمين باب الفتنة إلى اليوم .وهذا الورع
الجاهل نلحظه اليوم في تصرفات بعض المسلمين الذين يصرون
على تكييف أحكام)(4السلم وفق ما يشتهون أو يكرهون ،أو وفق
عاداتهم وتقاليدهم .
ثامًنا :طموح الطامحين:
وجد في الجيل الثاني من أبناء الصحابة -رضي الله عنهم -من
يعتبر نفسه جديرا بالحكم والدارة ،ووجد أمثال هؤلء أن الطريق
أمامهم مغلق ،وفي العادة أنه متى
يدخلون فإنهم متنفسا لطموحهم وجد الطامحون الذين ل يجدون
في كل عملية تغيير ،ومعالجة أمر هؤلء في غاية الهمية).(5
تاسًعا :تآمر الحاقدين:
لقد دخل في السلم منافقون موتورون اجتمع لهم من
الحقد والذكاء والدهاء ما استطاعوا أن يدركوا نقاط الضعف
التي يستطعيون من خللها أن يوجدوا الفتنة ,ووجدوا من
)( تاريخ الطبري ).(2/340 1
260
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يستمع إليهم بآذان مصغية ،فكان من آثار ذلك ما كان) (1؛ فقد
عرفنا سابقا وجود يهود ونصارى وفرس ،وهؤلء جميعا
معروف باعث غيظهم وحقدهم على السلم والدولة
السلمية ،ولكننا هنا نضيف من وقع عليه حد أو تعزير لمر
ارتكبه في وسط الدولة ،عاقبه الخليفة أو ولته في بعض
المصار وبالذات البصرة والكوفة ومصر والمدينة ،فاستغل
أولئك الحاقدون من يهود ونصارى وفرس وأصحاب الجرائم
مجموعات من الناس كان معظمهم من العراب ،ممن ل
يفقهون هذا الدين على حقيقته ,فتكونت لهؤلء جميعا طائفة
وصفت من جميع من قابلهم بأنهم أصحاب شر ،فقد وصفوا:
بالغوغاء من أهل المصار ،ون ُ ّ زاع القبائل ،وأهل المياه وعبيد
المدينة) ، (2وبأنهم ذؤبان العرب) ، (3وأنهم حثالة الناس ومتفقون
على الشر) ، (4وسفهاء عديمو الفقه) , (5وأراذل من أوباش
)(6
،فهم أهل جفاء وهمج ،ورعاع من غوغاء القبائل، القبائل
)(8 )(7
وقد تردد ،وأنهم آلة الشيطان. وسفلة الطراف الراذل
في المصادر اسم عبد الله بن سبأ الصنعاني اليهودي ضمن
هؤلء الموتورين الحاقدين ،وأنه كان من اليهود ثم أسلم ،ولم
ينقب أحد عن نواياه فتنقل بين البلدان السلمية باعتباره أحد
)(9
،وسيأتي الحديث عنه في مبحث مستقل أفراد المسلمين
بإذن الله.
عاشًرا :التدبير المحكم لثارة المآخذ ضد عثمان :
كان المجتمع مهيأ لقبول القاويل والشائعات نتيجة عوامل
وأسباب متداخلة ،وكانت الرض مهيأة ،ونسيج المجتمع قابل لتلقي
الخروقات ،وأصحاب الفتنة أجمعوا على الطعن في المراء بحجة
المر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى استمالوا الناس إلى
صفوفهم ،ووصل الطعن إلى عثمان بن عفان نفسه باعتباره قائد
الدولة .وإذا ما حصرنا الدعاوي التي روجت ضد الخليفة وطعنوه بها
فيمكننا تصنيفها إلى مجموعات خمس:
-1مواقف شخصية له قبل توليه الخلفة )تغيبه عن بعض
الغزوات والمواقع(.
-2سياسته المالية :العطيات ،الحمى.
-3سياسته الدارية النافذة :تولية أقربائه ،طريقته في التولية.
1
)( الساسـ في السنة ) .(4/1676
261
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
اجتهادات خاصة به أو بمصلحة المة )إتمام الصلة بمنى ،جمع -4
القرآن ،الزيادة في المسجد(.
-5معاملته لبعض الصحابة :عمار ،أبي ذر ،ابن مسعود).(1
وقد بينت موقف عثمان في كل ما وجه إليه في موضعه ،ولم
يبق إل عمار ,وسيأتي الحديث عنه بإذن الله .وقد حدثت زيادات
في إبراز المطاعن على عثمان سواء في عهده وما واجهوه بها
الرواة والكتاب ول عليه فيما بعد عندق ّورده عليها في حينها ،أو ما ت ُ ُ
فإنها لم تصح ولم تصل إلى حد أن تكون سببا في قتله).(2
إن المآخذ السابق ذكرها والمدونة في تاريخ الطبري وغيره من
كتب التاريخ ،والمروية عن طريق المجاهيل والخباريين الضعفاء
سَيرخاصة الرافضة ،كانت ول تزال بلية عظمى على الحقائق في ِ
الخلفاء والئمة ،خاصة في مراحل الضطرابات والفتن ،وقد كان مع
السف لسيرة عثمان أمير المؤمنين من ذلك الحظ الوافر؛
فرواية الحوادث ووضع الباطيل على النهج الملتوي بعض ما نال تلك
السيرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الغالين بغية التأليب
عليه أو التشهير به ،وقد أدرك عثمان بنفسه ذلك عندما كتب إلى
أمرائه :أما بعد ،فإن الرعية طعنت في النتشار ,ونزعت إلى الشر
أعداها على ذلك ثلث :دنيا مؤثرة ،وأهواء متسرعة ،وضغائن
محمولة (3).وقال ابن العربي عن تلك المآخذ جملة :قالوا متعدين
كذابين (4جاء عثمان في وليته بمظالم ومناكير ..هذا )
متعلقين برواية
كله باطل سند ومتنا.
وقد بّين ابن تيمية بأن عثمان ليس معصوما ،فقال :والقاعدة
الكلية في هذا أن ل يعتقد أن أحدا معصوم بعد النبي ×؛ بل الخلفاء
وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ ،والذنوب التي تقع منهم قد يتوبون
منها ،وقد تكفر عنهم بحسناتهم الكثيرة ،وقد يبتلون أيضا بمصائب
يكفر الله بها ،وقد يكفر عنهم بغير ذلك ،فكل ما ينقل عن عثمان
غايته أن يكون ذنبا أو خطأ ،وعثمان قد حصلت له أسباب
المغفرة من وجوه كثيرة منها سابقته وإيمانه وجهاده وغير ذلك من
طاعته (5.وقد ثبت أن النبي × شهد له؛ بل بشره بالجنة على بلوى
تصيبه) ،ومنها أنه تاب من عامة ما أنكروه عليه ،وأنه ابتلى ببلء
وصبر حتى قتل شهيدا مظلوما ،وهذا )(6
عظيم فكفر الله به خطاياه,
من أعظم ما يكفر به الخطايا.
حادي عشر :استخدام الساليب والوسائل المهيجة للناس:
وأهم هذه الساليب :إشاعة الراجيف حيث ترددت كلمة الشاعة
والذاعة كثيرا ،والتحريض والمناظرة والمجادلة للخليفة أمام الناس،
والطعن على الولة ،واستخدام تزوير الكتب واختلفها على لسان
دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ،ص .394 )( 1
ذو النورين ..عثمان بن عفان ،محمد مال الله ،ص .63 )( 6
262
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الصحابة رضي الله عنهم؛ عائشة وعلي وطلحة والزبير ،والشاعة
بأن علي بن أبي طالب الحق بالخلفة ،وأنه الوصي بعد رسول
الله × ،وتنظيم فرق في كل من البصرة والكوفة ومصر ،أربع فرق
من كل مصر ،مما يدل على التدبير المسبق .وأوهموا أهل المدينة
ما(1جاءوا إل بدعوة الصحابة ،وصّعدوا الحداث حتى وصلت إلى أنهم
القتل ).وإلى جوار هذه الوسائل استخدموا مجموعة من الشعارات
منها :التكبير ،ومنها أن جهادهم هذا ضد المظالم ،ومنها أنهم ل
يقومون إل بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ومنها المطالبة
باستبدال الولة وعزلهم ،ثم تطورت المطالبة إلى خلع عثمان إلى
أن تمادوا في جرأتهم وطالبوا بل سارعوا إلى قتل الخليفة ،وخاصة
حينما وصلهم الخبر بأن أهل المصار قادمون لنصرة الخليفة،
المحموم لتضييق الخناق على الخليفة ,والتشوق فزادهم حماسهم
إلى قتله بأي وسيلة).(2
ثاني عشر :أثر السبئية في أحداث الفتنة:
-1السبئية حقيقة أم خيال:
أجمع القدماء على وجوده بل استثناء ،وخالف في ذلك قلة من
المعاصرين أكثرهم من الشيعة ،وحجة من أنكره أنه من إبداع مخيلة
سيف بن عمر التميمي؛ وذلك لنتقاد بعض علماء الرجال له في مجال
رواية الحديث ،إل أن العلماء يعدونه حجة في الخبار ،علما بأنه وردت
روايات كثيرة عند ابن عساكر تذكر عبد الله بن سبأ ليس من بين
الرواة سيف بن عمر ،وقد حكم اللباني على بعضها بأنها صحيحة من
الشيعة سواء في كتب الفرق أو الرجال ،أو الحديث عندهم ،وليس
فيها عمر هذا ل من قريب ول من بعيد .وقد فصل ذلك الدكتور
سليمان العودة في كتابه )عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في
صدر السلم(.
)(3
وشكك بعض الباحثين في عبد الله بن سبأ وقالوا بأنه شخصية
وهمية ،وأنكروا وجوده بدون حجة أو برهان ،والذين أنكروا شخصية
ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين وفئة من الباحثين العرب،
وغالبية الشيعة المعاصرين ،ومن العجيب أن هؤلء المستشرقين
وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد
الله بن سبأ ،وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ،فأين بلغ هؤلء
من قلة الحياء والجهل ،وقد ملت ترجمته كتب التاريخ والفرق،
وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الفاق .لقد اتفق المؤرخون
والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والدب
والنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن
سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة ،كما ظهر في كتب الشيعة
شخصية تاريخية حقيقية ،ولهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها
لم تكن قصرا على تاريخ المام الطبري ،واستنادا إلى روايات سيف
)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ،ص .401 1
)( عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء ،يهودي من صنعاء ،أظهر إسلمه في 3
زمن عثمان بن عفان ،ظهر له نشاط ملحوظ في الشام والعراق ومصر خاصة،
يرسم خططا ويدلي بآراء هدامة ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة خليفتهم،
ويوقع بينهم الفرقة والخلف .تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ).(1/284
263
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بن عمر التميمي فيه ،وإنما هي أخبار منتشرة في روايات
المتقدمين ،وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ السلمي،
وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة ،إل أن ميزة المام الطبري على
غيره أنه أغزرها مادة وأكثرها تفصيل ل أكثر ،ولهذا فإن التشكيك في
هذه الحداث بل سند وبل دليل إنما يعني الهدم لكل تلك الخبار،
والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ،وتزييف الحقائق التاريخية،
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الستنتاج العقلي المحض في
مقابل النصوص والروايات المتضافرة؟! وهل تكون المنهجية في
الضرب صفحا والعراض عن المصادر)(1الكثيرة المتقدمة والمتأخرة
التي أثبتت لبن سبأ شخصية واقعية؟ وقد جاء ذكر ابن سبأ في
كتب أهل السنة كثيرا ،منها:
)(2
* جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان المتوفي عام
83هـ ،وقد هجا المختار ابن أبي عبيد الثقفي وأنصاره من أهل
الكوفة بعدما فر مع أشراف قبائل الكوفة إلى
البصرة بقوله:
)(3
عارف شهدت عليكم أنكم سبئية
721م( تفيد أن وهناك رواية عن الشعبي المتوفي عام 103هـ )
)أول من كذب عبد الله ابن سبأ) ،(4وتحدث ابن حبيب) (5المتوفي
عام 245هـ )860م( عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات.
خشيش بن أصرم المتوفي سنة 253هـ خبر
)(7
) (6كما روى أبو عاصم ُ
إحراق علي لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الستقامة.
الجاحظ) (8المتوفي سنة 255هـ من أوائل من أشار إلى عبد )(9
ويعتبر
ولكن( روايته ليست أقدم رواية عن ابن سبأ ،كما يرى ، سبأ بن الله
الدكتور جواد علي). 10
تكشف )(11
وخبر إحراق علي بن أبي طالب لطائفة من الزنادقة
عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد.
ولفظ الزندقة ليس غريبا عن عبد الله بن سبأ وطائفته ،يقول ابن
)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ) ،(1/70كتاب )دعاوي النقاذ للتاريخ 1
السلمي ..رد على حسن فرحات المالكي( ،للدكتور سليمان بن حمد العودة،
وقد ذكر في رده الطرق التي عرضت على اللباني -رحمه الله -وحكم عليها.
)( هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث الهمداني ،المعروف بأعشي همدان. 2
شاعر فارسي ،أحد الفقهاء القّراء ،لكنه قال الشعر وعرف به .قال الذهبي:
وه شهير ،كان متعبدا فاضل ،قتل عام 83هـ. شاعر مف ّ
)( ديوان أعشى همدان ،ص .148 3
)( محمد بن حبيب بن أمية الهاشمي ،عالم بالنساب والخبار واللغة والشعر، 5
)( هو خشيش بن أصرم بن السود النسائي ،ترجم له الذهبي ،تذكرة الحفاظ ) 7
) (2،تحقيق مواقف الصحابة ) ,(1/290عبد الله بن سبأ للعودة ،ص .53 10
11
264
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(2
تيمية :إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ),(1
ويقول الذهبي :عبد الله بن سبأ من غلة الزنادقة ،ضال مضل.
ويقول ابن حجر :عبد الله بن سبأ من غلة الزنادقة ..وله أتباع يقال
لهم السبئية ,معتقدون)(3اللهية في علي بن أبي طالب ،وقد أحرقهم
علي بالنار في خلفته .ويوجد لبن سبأ ذكر في كتب الجرح
والتعديل؛ يقول ابن حبان المتوفى 354هـ :وكان الكلبي – محمد بن
السائب الخباري – سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ ،من أولئك
الذين يقولون :إن عليا لم يمت ،وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام
الساعة ..وإن رأوا سحابة قالوا :أمير المؤمنين فيها (4).كما أن كتب
النساب هي الخرى تؤكد نسبة )السبئية( إلى عبد الله بن سبأ،
على سبيل المثال كتاب )النساب( للسمعاني ) (5المتوفي عام ومنها
562هـ (6).وعّرف ابن عساكر المتوفي عام 571هـ ابن سبأ بقوله:
وهم الغلة من الرافضة، عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه السبئية،
أصله من اليمن ،كان يهوديا وأظهر السلم (7).ولم يكن سيف بن
عمر هو المصدر الوحيد لخبار عبد الله بن سبأ؛ إذ أورد ابن عساكر
في تاريخه روايات لم يكن سيف فيها ،وهي تثبت ابن سبأ وتؤكد
أخباره (8).ويذكر شيخ السلم ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ ،أن
أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ،فإنه ابتداع ابن سبأ الزنديق،
(10يدعو المامة والنص عليه ،وادعى العصمة له. وأظهر الغلو في علي
) (9ويشير الشاطبي) ,المتوفى عام 790هـ ,إلى أن بدعة السبئية
(11مع الله -تعالى الله -وهي من البدع العتقادية المتعلقة بوجود إله
بدعة تختلف عن غيرها من المقالت ).وفي خطط المقريزي,
بن سبأ قام في زمن علي محدثا المتوفى عام 845هـ ،أن عبد الله
القول بالوصية والرجعة والتناسخ).(12
وأما المصادر الشيعية التي ذكرت ابن سبأ فهي :فقد روى
الكشي عن محمد بن قولوية قال :حدثني سعد بن عبد الله قال:
حدثني يعقوب بن يزيد ،ومحمد بن عيسى ،عن علي بن مهزيار ،عن
فضالة بن أيوب الزدي ،عن أبان بن عثمان قال :سمعت أبا عبد الله
يقول :لعن الله عبد الله بن سبأ ،إنه ادعى الربوبية في أمير
المؤمنين ،وكان والله أمير المؤمنين عبدا طائعا ،الويل لمن كذب
علينا ،وإن قوما يقولون فينا ما ل نقول في أنفسنا ،نبرأ إلى الله
)( لسان الميزان ،أحمد بن حجر ،حيدر آباد الدكن ).(3/360 3
)( عبد الكريم بن محمد السمعاني ،توفي عام 562هـ ،تذكرة الحفاظ ) 5
.(4/1316
)( النساب ،أبو سعيد التميمي ).(7/24 6
)( تحقيق مواقف الصحابة ) (1/298عبد الله بن سبأ للعودة ،ص .54 8
)( المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار ،المقريزي ).(257 ،2/256 12
265
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
منهم (1).والرواية من حيث السند صحيحة).(2
وفي كتاب الخصال أورد القمي الخبر نفسه ،ولكن موصول بسند
آخر ،وأما صاحب )روضات الجنات( فقد ذكر ابن سبأ عنده على
الذي لعن ابن سبأ لتهامه بالكذب والتزوير لسان الصادق المصدوق
وإذاعة السرار والتأويل (3).وقد ذكر الدكتور سليمان العودة في
كتابه مجموعة من النصوص التي تزخر بها كتب الشيعة ومروياتهم
عن عبد الله بن سبأ ،فهي أشبه ما تكون وثائق مسجلة تدين من
التشكيك في حاول من متأخري الشيعة إنكار عبد الله بن سبأ أو
أخباره ،بحجة قلة أو ضعف المصادر التي حكت أخباره).(4
إن شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية ل لبس فيها في المصادر
أيضا السنية والشيعية المتقدمة والمتأخرة على السواء ،وهي كذلك
المستشرقين أمثال(8):يوليوس فلهاوزن) )(9(5وفان فولتن),(6 عند غالبية
ديلفيدا) ,(7وجولد تسيهر ,ورينولد نكلسن ,ودوايت )(10
وليفي
مجرد(11خرافة عند أو شك محل سبأ ابن يبقى حين على . رونلدسن
المستشرقين أمثال كيتاني ,وبرنارد لويس) ,وفريد فئة قليلة من
لندر المتأرجح) ..(12علما بأننا ل نعتد بهم في أحداث تاريخنا.
ومن استقرأ المصادر ،سواء القديمة والمتأخرة عند السنة
والشيعة ،يتأكد له أن وجود ابن سبأ كان وجودا تؤكده الروايات
التاريخية ،وتفيض فيه كتب العقائد ,وذكرته كتب الحديث ،والرجال،
والنساب ،والدب ،واللغة ،وسار على هذا النهج كثير من المحققين
والباحثين المحدثين ،ويبدو أن أول من شكك في وجود ابن سبأ
بعض المستشرقين ،ثم دعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة
المحدثين؛ بل وأنكر بعضهم وجوده البتة ،وبرز من الباحثين العرب
المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين ومن تأثر بكتابات الشيعة
المحدثين ،ولكن هؤلء جميعا ليس لهم ما يدعمون به شكهم
)(13
وإنكارهم إل الشك ذاته والستناد إلى مجرد الظنون والفرضيات ،
ومن أراد التوسع في معرفة المراجع والمصادر السنية
والستشراقية والشيعية التي ذكرت ابن سبأ فليراجع )تحقيق
مواقف الصحابة في الفتنة( للدكتور محمد أمحزون ،و)عبد الله بن
سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر السلم( للدكتور سليمان بن
حمد العودة.
)( عبد الله بن سبأ ..الحقيقة المجهولة ،لمحمد علي المعلم ،ص .30 2
)( تاريخ العرب الدبي في الجاهلية وصدر السلم ،ص .235 9
266
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-2دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة:
في السنوات الخيرة من خلفة عثمان بدت في الفق سمات
الضطراب في المجتمع السلمي نتيجة عوامل التغير التي ذكرناها،
وأخذ بعض اليهود يتحينون فرصة الظهور مستغلين عوامل الفتنة
ومتظاهرين بالسلم واستعمال التقية ،ومن هؤلء عبد الله بن سبأ
الملقب بابن السوداء .وإذا كان ابن سبأ ل يجوز التهويل من شأنه
كما فعل بعض المغالين في تضخيم دوره في الفتنة) ،(1فإنه كذلك ل
يجوز التشكيك فيه أو الستهانة بالدور الذي لعبه في أحداث الفتنة
كعامل من عواملها ,على أنه أبرزها وأخطرها؛ إذ أن هناك أجواء
للفتنة مهدت له ،وعوامل أخرى ساعدته .وغاية ما جاء به ابن سبأ
آراء ومعتقدات ادعاها واخترعها من قبل نفسه وافتعلها من يهوديته
الحاقدة ،وجعل يروجها لغاية ينشدها ,وغرض يستهدفه؛ وهو الدس
في المجتمع السلمي ،بغية النيل من وحدته وإذكاء نار الفتنة،
وغرس بذور الشقاق بين أفراده ،فكان ذلك من جملة العوامل التي
)(2
أدت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان وتفرق المة شيعا وأحزابا.
وخلصة ما جاء به أنه أتى بمقدمات صادقة ،وبنى عليها مبادئ
ذج والغلة وأصحاب الهواء من الناس ،وقد فاسدة راجت لدى الس ّ
من ْ حوله حتى اجتمعوا َ بس فيها على سلك في ذلك مسالك ملتوية ل ّ
بج ٌ عليه؛ فطرق باب القرآن بتأوله على زعمه الفاسد ،حيث قال :ل َعَ َ
ذب بأن محمدا يرجع ،وقد قال تعالى: ممن يزعم أن عيسى يرجع ،ويك ّ
د" ]القصص[85 : عام
َ َ ٍ لى َ ِ إ َ
ك َ
قْرآ َ َ ّ
د را ل ن ك ال ْ ُ
عل َي ْ َ
ض َ
فَر َ ن ال ّ ِ
ذي َ +إ ِ ّ
فمحمد أحق بالرجوع من عيسى (3).كما سلك طريق القياس الفاسد
من ادعاء إثبات الوصية لعلي بقوله :إنه كان ألف نبي ،ولكل نبي
علي( وصي محمد ،ثم قال :محمد خاتم النبياء ،وعلي وصي ،وكان
خاتم الوصياء 4).وحينما استقر المر في نفوس أتباعه انتقل إلى
هدفه المرسوم ،وهو خروج الناس على الخليفة عثمان ،فصادف
ذلك هوى في نفوس بعض القوم حيث قال لهم :من أظلم ممن لم
يجز وصية رسول الله × ،ووثب على وصي ّ رسول الله × وتناول أمر
المة؟ ثم قال لهم بعد ذلك :إن عثمان أخذها بغير حق ،وهذا وصي
رسول الله ×فانهضوا في هذا المر فحركوه ،وابدأوا بالطعن على
بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا أمرائكم ،وأظهروا المر
الناس ،وادعوهم إلى هذا المر (5).وبث دعاته ،وكاتب من كان
استفسد من المصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم،
وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وجعلوا يكتبون إلى
المصار بكتب يضعونها في عيوب ولتهم ،ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك،
ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون ،فيقرأه أولئك
في أمصارهم وهؤلء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة،
وأوسعوا الرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ,ويسرون غير ما
يبدون ،فيقول أهل مصر :إنا لفي عافية مما ابتلى به هؤلء ،إل أهل
)( مثال سعيد الفغاني في كتابه )عائشة والسياسة(. 1
267
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
جاءهم ذلك عن جميع المصار فقالوا :إنا لفي عافية المدينة فإنهم
مما فيه الناس).(1
ويظهر من هذا النص السلوب الذي اتبعه ابن سبأ؛ فهو أراد أن
يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة؛ حيث جعل أحدهما
مهضوم الحق وهو علي ،وجعل الثاني مغتصبا وهو عثمان ،ثم حاول
بعد ذلك أن يحرك الناس -خاصة في الكوفة -على أمرائهم باسم
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فجعل هؤلء يثورون لصغر
الحوادث على ولتهم ،علما بأنه ركز في حملته هذه على العراب
الذين وجد فيهم مادة ملئمة لتنفيذ خطته؛ فالقراء منهم استهواهم
عن طريق المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وأصحاب المطامع
منهم هيج أنفسهم بالشاعات المغرضة المفتراة على عثمان؛ مثل
تحيزه لقاربه وإغداق الموال من بيت مال المسلمين عليهم ،وأنه
حمى الحمى لنفسه ،إلى غير ذلك من التهم والمطاعن التي حرك
بها نفوس الغوغاء ضد عثمان ،ثم إنه أخذ يحض أتباعه على
إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مصرهم إلى بقية المصار،
وهكذا يتخيل الناس في جميع المصار أن الحال بلغ من السوء ما ل
مزيد عليه ،والمستفيد من هذه الحال هم السبئية؛ لن تصديق ذلك
من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع
السلمي (2).هذا وقد شعر عثمان بأن شيئا ما يحاك في المصار،
فقال (3:والله إن رحى الفتنة لدائرة ،فطوبى وأن المة تمخض ب ِ َ
شّر
لعثمان إن مات ولم يحركها) .
على أن المكان الذي رتع فيه ابن سبأ هو مصر ،وهناك أخذ
ينظم حملته ضد عثمان ,ويحث الناس على التوجه إلى المدينة
لثارة الفتنة بدعوى أن عثمان أخذ)(4الخلفة بغير حق ،ووثب على
ي رسول الله × )يقصد علًيا( .وقد غشهم بكتب ادعى أنها وص ّ
وردت من كبار الصحابة ،حتى إذا أتى هؤلء العراب المدينة المنورة
واجتمعوا بالصحابة لم يجدوا منهم تشجيعا؛ حيث تبرأوا مما نسب
إليهم من رسائل تؤلب الناس على عثمان (5).ووجدوا عثمان مقدرا
للحقوق بل وناظرهم فيما نسبوا إليه ،ورد عليهم افتراءهم وفسر
لهم صدق أعماله ،حتى قال)(6أحد هؤلء العراب وهو مالك بن الشتر
مكر به وبكم .ويعتبر الذهبي أن عبد الله بن سبأ النخعي :لعله ُ
وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولة ،ثم بمصر، المهيج للفتنة
على المام عثمان فيها (7).ولم يكن ابن سبأ وحده ،وإنما كان عماله
ضمن شبكة من المتآمرين ،وأخطبوط من أساليب الخداع والحتيال
والمكر ,وتجنيد العراب والقراء وغيرهم .ويروي ابن كثير أن من
أسباب تألب الحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر،
وإذاعته بين الناس كلما اخترعه من عند نفسه ،فافتتن به بشر كثير
1
)( تاريخـ الطبري ) .(5/348
الدولة الموية ،يوسف العش ،ص ,168تحقيق مواقف الصحابة.(1/331) ، )( 2
268
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من
أهل مصر).(1
خل َ ِ
فَها إن المشاهير من المؤرخين والعلماء من سلف المة و َ
يتفقون على أن ابن سبأ ظهر بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط
سبئية ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة إمامهم ،ويوقع بينهم
فْرقة والخلف ،فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكونت به الطائفة ال ُ
السبئية المعروفة ,التي كانت عامل من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل
أمير المؤمنين عثمان بن عفان ،والذي يظهر من خطط السبئية
أنها كانت أكثر تنظيما؛ إذ كانت بارعة في توجيه دعايتها ونشر
أفكارها لمتلكها ناصية الدعاية والتأثير بين الغوغاء والرعاع من
الناس ،كما كانت نشيطة في تكوين فروع لها سواء في البصرة أم
الكوفة أم مصر ،مستغلة العصبية القبلية ،ومتمكنة من إثارة مكامن
والعبيد والموالي ،عارفة بالمواضع الحساسة التذمر عند العراب
في حياتهم وبما يريدون).(2
***
269
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل السابع
مقتل عثمان بن عفان
المبحث الول
اشـــــــــــتعال الفتنـــــة
نجح الموتورون الحاقدون الكاذبون في إزاحة الوليد بن عقبة
عن ولية الكوفة ،وعين عثمان سعيد بن العاص واليا جديدا على
الكوفة ،وعندما وصل سعيد إلى وليته صعد المنبر ،وبعدما حمد الله
وأثنى عليه قال :والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره ،ولكني عندما
دا من التنفيذ ،أل وإن الفتنة قد أطلت رأسها أمرني عثمان ،لم أجد ب ّ
فيكم(1،والله لضربن وجهها حتى أقمعها أو تغلبني ،وإني رائد نفسي
اليوم) ,واطلع سعيد على أحوال الكوفة ،وعرف توجهات الناس
فيها ،وأدرك تعمق الفتن فيها ،وضلوع مجموعة من الخوارج
والكيد والفتنة
)(2
والموتورين والحاقدين وأعداء السلم في التآمر
وسيطرة الرعاع والغوغاء والعراب على الرأي فيها.
وكتب سعيد رسالة إلى أمير المؤمنين عثمان يخبره فيها بالوضاع
المتردية في الكوفة ،ومما قال فيها :إن أهل الكوفة قد اضطرب
قدمة ،والغالب على أمرهم ,وقد غلب فيها أهل الشرف والسابقة وال ِ
ت ْحتى ما ينظر فيها إلى ذي تلك البلد روادف ردفت ,وأعراب ل َ َ
ح
شرف وبلء ..فرد عليه عثمان برسالة طلب منه فيها إعادة ترتيب
أوضاع أهلها وتصنيفهم على أساس السبق والجهاد ،وتقديم أهل العلم
والصدق والجهاد على غيرهم ،ومما قال له فيها :فضل أهل السابقة
والقدمة ممن فتح الله على أيديهم تلك البلد ،واجعل الذين نزلوا البلد
بعد فتحها من العراب تبعا لولئك السابقين المجاهدين إل أن يكون
السابقون تثاقلوا عن الجهاد والحق ،وتركوا القيام به ،وقام به من
وأعطهم جميعا قسطهم بالحق، بعدهم .واحفظ لكل إنسان منهم منزلته
فإن المعرفة بالناس يتحقق بها العدل بينهم(3).وقام سعيد بتنفيذ
وأخبر الخليفة بما فعل ،وجمع عثمان أهل الحل توجيهات عثمان
والعقد في المدينة ،وأبلغهم بأوضاع الكوفة ورسوخ الفتنة فيها،
وإجراءات سعيد بن العاص لمواجهتها ،فقالوا :أصبت بما فعلت ،ول
تسعف أهل الفتنة بشيء ول تقدمهم على الناس ،ول تطعمهم فيما
ليسوا له بأهل ،فإنه إذا تولى المور من ليس أهل لها ،لم يقم بها بل
يفسدها ،فقال عثمان لهم :يا أهل المدينة ،إن الناس قد تحركوا للفتنة،
واستمسكوا بالحق ،وسوف أخبركم بأخبارها فاستعدوا لمواجهتها،
وأنقلها لكم أول بأول).(4
ل :تأذى أصحاب الهواء من الصلح: أو ً
تاريخ الطبري ).(5/280 )( 1
270
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تأذى الرعاع وأجلف العراب من تقديم أصحاب السابقة والجهاد
والبلء والعلم والتقوى في المجالس والرئاسة والستشارة ،وصاروا
يعيبون على الولة تقديم هؤلء عليهم واستشارتهم دونهم
ويعتبرونهم تمييزا ,وجفوة وإقصاء لهم ،واستغل الحاقدون
الموتورون هذا المر في نفوسهم ،وغرسوا فيهم كره الخليفة
والدولة ورفض أعمال الوالي سعيد بن العاص ،ونشر الشاعات
ضده بين الناس ،ورفض عامة الناس في الكوفة كلم الموتورين
الخارجين ،فسكت هؤلء الحاقدون وصاروا يخفون شبهاتهم ول
يظهرونها؛ لرفض
معظم المسلمين لها ،ولكنهم كانوا يسرون بها إلى من يؤيدهم من
)(1
العراب أو الغوغاء
أو المعاقبين المغررين.
وكان أعداء السلم الموتورون من اليهود والنصارى والمجوس
يتآمرون على السلم والمسلمين ،وينشرون الشاعات الكاذبة ضد
الخليفة والولة ،ويستثمرون الخطاء التي تصدر عن بعضهم في
تهييج العامة ضدهم ،ويزيدون عليها الكثير من الفتراءات
والتزويرات ،وهم يهدفون من ذلك إلى نشر الفوضى وتعميق الفرقة
بين المسلمين ،وذلك لتغذية غيظهم وحقدهم على السلم ,الذي
قضى على أديانهم الباطلة وهدم نظام الحكم السلمي ،الذي حطم
دولهم وقضى على جيوشهم ،وجند هؤلء العداء لتحقيق أهدافهم
الموتورين من الرعاع والسذج والبلهاء والتف حولهم الحاقدون ممن
دهم أو عّزرهم الخليفة أو أحد ولته ،ونظم هؤلء العداء أّدبهم أو ح ّ
)جمعية سرية( خبيثة جعلوا أعضاءها هؤلء الذين استجابوا لهم،
وجعلوا لهم أتباعا في المدن الكبيرة والقاليم العديدة ،وكونوا شبكة
اتصالت سرية بينهم .وكانت أهم فروع جمعيتهم الخبيثة في:
الكوفة ،والبصرة ،ومصر ،ولهم بعض العناصر في المدينة المنورة
والشام).(2
ثانًيا :عبد الله بن سبأ اليهودي على رأس العصابة:
أوصى ابن سبأ أتباعه المجرمين في جمعيته السرية الخبيثة،
المنتشرين في بلد المسلمين ،فقال لهم :انهضوا في هذا المر،
فحركوه وابدأوا بالطعن على أمرائكم وولتكم الذين يعينهم
والنهي عن المنكر لتستميلوا الخليفة ،وأظهروا المر بالمعروف
الناس إليكم ،وادعوهم إلى هذا المر (3).وبث عبد الله بن سبأ
دعاته في المصار ،وكاتب أتباعه الذين أفسدهم في المصار
وضمهم إليه وكاتبوه ،وتحرك أتباعه في البلدان بدعوتهم ودعوا
مؤيديهم في السر إلى ما هم عليه من الخروج على الولة
والخليفة ،والعمل على عزل عثمان عن الخلفة ،وكانوا في
الظاهر يظهرون المر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليؤثروا في
الناس ،ويستميلوهم ويخدعوهم ،وصار أتباع ابن سبأ يؤلفون
)( الخلفاء الراشدون ،للخالدي ،ص .14 1
271
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الكاذيب والفتراءات عن عيوب أمرائهم وولتهم ،وينشرونها في
كتب يرسلها بعضهم إلى بعض في المصار ،وصار أهل كل مصر
منهم يكتبون كتبا بهذه الكاذيب إلى أهل مصر آخر ،فيقرأ أهل
كل مصر تلك الكتب المزورة على الناس عندهم فيسمع الناس
عندهم عن عيوب وأخطاء الوالي في ذلك البلد فيقولون :إنا لفي
عافية مما ابتلى به المسلمون في ذلك البلد ،ويصدقون ما
يسمعون .وبذلك أفسد السبئيون الرض وأفسدوا المسلمين،
ومزقوا كلمتهم ،وزعزعوا أخوتهم ووحدتهم ،وهيجوا الناس على
الولة والمراء ،ونشروا الفتراءات ضد الخليفة عثمان
نفسه،وكانوا يقومون بهذه الجرائم المنظمة والمدروسة بمهارة
ما يعلنون ،ويهدفون إلى يريدون غير ما يظهرون ،ويسرون غير
عزل عثمان والقضاء على دولة السلم).(1
ولكنه
)(2
توجه ابن سبأ إلى الشام ليفسد بعض أهلها ويؤثر فيهم،
لم ينجح في هدفه الشيطاني ،فقد كان له معاوية بالمرصاد.
ودخل البصرة ليجند التباع له من المارقين أو الحاقدين أو
الرعاع البلهاء ،وكان والي البصرة عبد الله بن عامر بن كريز،
نزل عند وكان حازما عادل صالحا ،ولما وصل ابن سبأ البصرة،
رجل خبيث من أهلها كان لصا فاتكا ،هو حكيم بن جبلة).(3
وبلغ عبد الله بن عامر أن رجل غريبا نازل على حكيم بن جبلة،
وكان حكيم بن جبلة لصا ،وعندما كانت تعود جيوش الجهاد إلى
البصرة ،كان حكيم يتخلف عنها ليسعى في أرض فارس فسادا،
ويغير على أرض أهل الذمة ،ويعتدي على أرض المسلمين ،ويأخذ
منها ما يشاء ،فشكاه أهل الذمة والمسلمون إلى عثمان ،فكتب
عثمان إلى عبد الله بن عامر ،وقال له :احبس حكيم بن جبلة في
البصرة ،ول تتركه يخرج منها حتى تأنس منه رشدا ،فحبسه ابن
عامر في بيته ،وكان ل يستطيع أن يخرج من البصرة ،وبينما كان
اللص ابن جبلة تحت القامة الجبرية في بيته ،نزل عليه اليهودي عبد
الله بن سبأ ،واستغل ابن سبأ زعارة ابن جبلة وانحرافه وحقده
ولؤمه فجنده لصالحه ،وصار ابن جبلة رجل ابن سبأ في البصرة،
وصار ابن جبلة يقدم لبن سبأ أمثاله من المنحرفين والموتورين،
فيغرس ابن سبأ في نفوسهم أفكاره ،ويجندهم بجمعيته السرية.
ولما علم ابن عامر بابن سبأ ،استدعاه ،وقال له :ما أنت؟ قال ابن
سبأ :أنا رجل من أهل الكتاب رغب في السلم فأسلم ،ورغب في
جوارك فأقام عندك .قال ابن عامر :ما هذا الكلم الذي يبلغني
عنك؟ اخرج عني .أخرجه ابن عامر من البصرة ،فغادرها ابن سبأ
بعد أن ترك فيها رجال وأتباعا له ،وجعل فيها فرعا لحزبه
السبئي اليهودي.
ذهب ابن سبأ إلى الكوفة فوجد فيها رجال من المنحرفين
جاهزين لستقباله ،فجندهم لجماعته وحزبه ،ولما علم به سعيد بن
العاص أخرجه من الكوفة ،فتوجه إلى مصر ،فأقام فيها وعشش
) (4 ،الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص .126 1
2
272
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فيها وباض ،وفرخ فيها وأفسد ،واستمال أناسا هناك من الرعاع
والبلهاء ،ومن الحاقدين والموتورين ،ومن العصاة والمذنبين .وكان
ابن سبأ يرتب التصالت السرية بين مقره في مصر ،وبين أتباعه
)(1
في المدينة والبصرة والكوفة ،ويتحرك رجاله بين هذه البلدان.
واستمرت جهود ابن سبأ وأعوانه حوالي ست سنوات ،حيث بدأوا
أعمالهم الشيطانية سنة ثلثين ،ونجحوا في آخر سنة خمس وثلثين
في قتل الخليفة عثمان ،واستمر إفسادهم طيلة خلفة علي ،
وقرر )السبئيون( أن تكون بداية الفتنة في الكوفة).(2
ثالثـا :أهل الفتنة يفسدون في مجلس سعيد بن العاص:
في يوم من أيام سنة ثلث وثلثين جلس سعيد بن العاص في
مجلسه العام وحوله عامة الناس ،وكانوا يتحدثون ويتناقشون فيما
بينهم ،فتسلل هؤلء الخوارج من السبئيين إلى المجلس ،وعملوا
على إفساده ،وعلى إشعال نار الفتنة.
جرى كلم وحوار في المجلس بين سعيد بن العاص وبين أحد
حبيش السدي( واختلفا على أمر ،وكان الحضور ،وهو )خنيس ابن ُ
سبعة من الخوارج ،أصحاب الفتنة جالسين :منهم جندب الزدي،
الذي قتل ابنه السارق بسبب تورطه في قضية قتل ،ومنهم الشتر
النخعي ،وابن الكواء ،وصعصعة ابن صوحان ،فاستغل أصحاب الفتنة
المناسبة ،وقاموا بضرب خنيس السدي في المجلس ،ولما قام أبوه
يساعده وينقذه ضربوه ،وحاول سعيد منعهم من الضرب فلم
يمتنعوا ،وأغمى على الرجل وابنه من شدة الضرب ،وجاء بنو أسد
ن سعيدا للخذ بثأر أبنائهم ،وكادت الحرب تقع بين الفريقين ،ولك ّ
تمكن من إصلح المر) ،(3ولما علم عثمان بالحادثة طلب من سعيد
بن العاص أن يعالج الموضوع بحكمة ،وأن يضيق على الفتنة ما
استطاع.
ذهب الخوارج المفتونون إلى بيوتهم وصاروا ينشرون الشاعات
ويذيعون الفتراءات والكاذيب ضد سعيد وضد عثمان ،وضد أهل
الكوفة ووجوهها ،فاستاء أهل الكوفة منهم وطلبوا من سعيد أن
يعاقبهم ،فقال لهم سعيد :إن عثمان قد نهاني عن ذلك ،فإذا أردتم
ذلك فأخبروه ،وكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان
بشأن هؤلء النفر ،وطلبوا منه إخراجهم من الكوفة ونفيهم عنها،
فهم مفسدون مخربون فيها ،فأمر عثمان واليه سعيد بن العاص
بإخراجهم من الكوفة ،وكانوا بضعة عشر رجل ،وأرسلهم سعيد إلى
معاوية في الشام بأمر عثمان ،وكتب عثمان إلى معاوية بشأن هؤلء
عهمفقال له :إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة ،فَر ْ
ُ )(4
وأخفهم وأدبهم وأقم عليهم ،فإن آنست منهم رشدا فاقبل منهم.
ومن الذين تم نفيهم إلى الشام :الشتر النخعي ،وجندب الزدي،
وصعصعة بن صوحان ،وكميل بن زياد ،وعمير بن ضابئ ،وابن
273
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الكواء).(1
رابًعا :أهل الفتنة منفيون عند معاوية:
لما قدموا على معاوية رحب بهم وأنزلهم كنيسة تسمى مريم،
وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق ،وجعل ل يزال
يتغدى ويتعشى معهم ،فقال لهم يوما :إنكم قوم من العرب لكم أسنان
وألسنة ,وقد أدركتم بالسلم شرفا وغلبتم المم ،وحويتم مراتبهم
بلغني أنكم نقمتم قريشا ،وإن قريشا لو لم تكن لعدتم ومواريثهم ،وقد
أذلة كما كنتم).(2
كان عثمان يدرك أن معاوية للمعضلة ،فله من فصاحته
وبلغته ,وله من حلمه وصبره ،وله من ذكائه ودهائه ما يواجه به
الفتن ،ومن أجل ذلك ما إن تقع المعضلة حتى يرسلها لبن أبي
سفيان كي يحلها ،وفعل بذل معاوية ما بوسعه من أجل إقناع
هؤلء النفر؛ أكرمهم أول ،وخالطهم وجالسهم ,وعرف سرائرهم من
خلل هذه المجالس قبل أن يحكم عليهم بما نقلوا عنهم ،وبعد أن
أزال الوحشة عنهم وأزال الكلفة بينه وبينهم ،لحظ أن النعرة القبلية
هي التي تحركهم ،وأن شهوة الحكم والسلطة هي التي تثيرهم،
فكان ل بد من أن يلج عليهم من زاويتين اثنتين:
الولى :أثر السلم في عزة العرب.
الثانية :دور قريش في نشر السلم وتحمل أعبائه.
فإن كان للسلم أثر في تكوينهم فل بد أن يرعووا لهذا الحديث،
بعد هذا وضع أمامهم صورة لوضع العرب ،وقد انقلبوا بالسلم أمة
لمام واحد ،وودعوا حياة الفوضى وسفك الدماء واحدة تخضع
والقبلية المنتنة).(3
ويتابع معاوية حديثه معهم فيقول :إن أئمتكم لكم إلى اليوم
جّنة) (4فل تشذوا عن جنتكم ،وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على ُ
الجور ،ويحتملون منكم المؤونة ،والله لتنتهين أو ليبتلينكم الله بمن
يسومكم ،ثم ل يحمدكم على الصبر ,ثم تكونون شركاءهم فيما
جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم ،فقال رجل من القوم:
أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ،ول أمنعها في
جنة ،فإن الجنة إذا اخترقت الجاهلية فتخوفنا ،وأما ما ذكرت من ال ُ
خلص إلينا ،فقال معاوية :عرفتكم الن ،علمت أن الذي أغراكم على
هذا قلة العقول ،وأنت خطيب القوم ول أرى لك عقل ،أعظم عليك
كرك به ،وتذكرني الجاهلية؟ وقد وعظتك وتزعم لما أمر السلم ،وأذ ّ
يخترق( إلى الجنة ،أخزى الله أقواما جنك أنه يخترق ،ول ينسب ما يُ ِ
أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم). 5
وعرف معاوية أن الشارة العابرة لن تقنعهم ،ل بد من شرح
مسهب لواقع قريش أول فقال :افقهوا ول أظنكم تفقهون؛ إن
الخلفاء الراشدون ،ص .131 )( 1
جنة :وقاية.
ُ )( 4
) (2النزاع :جمع نزيع وهو الغريب. تاريخ الطبري ).(5/324 )( 5
274
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
قريش لم تعز في جاهلية ول في إسلم إل بالله عز وجل ،لم تكن
أكثر العرب ول أشدهم ،ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا ،وأمحضهم
أنسابا ،وأعظمهم أخطارا ،وأكملهم مروءة ،ولم يمتنعوا في الجاهلية
ستذل من أعز ،ول يوضع والناس يأكل بعضهم بعضا إل بالله الذي ل ي ُ ْ
من رفع ،هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إل قد أصابه
الدهر في بلده وحرمته بدولة ,إل ما كان من قريش؛ فإنه لم يردهم
أحد بكيد إل جعل الله خده السفل ،حتى أراد الله أن ينتقذ من أكرم
واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الخرة فارتضى لذلك خير
خلقه ،ثم ارتضى له أصحابا فكان خيارهم قريشا ,ثم بنى هذا الملك
عليهم ،وجعل هذه الخلفة فيهم ،ول يصلح ذلك إل عليهم ،فكان الله
يحوطهم وهم على دينه ،وقد حاطهم الله في الجاهلية من الملوك
ف لك ولصحابك ،ولو أن متكلما غيرك تكلم، الذين كانوا يدينونكم؟ أ ّ
ولكنك ابتدأت ،فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية،
أنتنها نبًتا ،وأعمقها وادًيا ،واعرفها بالشر ،وألمها جيرانا ،لم يسكنها
ب بها ،وكانت عليه هجنة ،ثم كانوا أقبح س ّ
شريف قط ول وضيع إل ُ
العرب ألقابا وألمهم أصهارا ،نّزاع) (1المم ،وأنتم جيران الخط وفعلة
فارس ،حتى أصابتكم دعوة النبي × ونكبتكم دعوته ,وأنت نزيع
شطير) (2في عمان لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي ×,
فأنت شر قومك ،حتى إذا أبرزك السلم وخلطك بالناس وحملك
على المم التي كانت عليك ،أقبلت تبغي دين الله عوجا ،وتنزع إلى
اللمة والذلة ول يضع ذلك قريشا ،ولن يضرهم ,ولن يمنعهم من
تأدية ما عليهم ،إن الشيطان عنكم غير غافل ،قد عرفكم بالشر من
بين أمتكم ،فأغرى بكم الناس ،وهو صارعكم ،لقد علم أنه ل
يستطيع أن يرد بكم قضاء الله ،ول أمرا أراده الله ،ول تدركون
منه وأخزى ،ثم قام وتركهم بالشر أمرا إل فتح الله عليكم شرا
فتذامروا ،فتقاصرت إليهم أنفسهم).(3
وبذلك بذل معاوية كل طاقاته الفكرية والثقافية والسياسية
لقناعهم:
* عرض لهم أول أمر قريش في الجاهلية والسلم.
* تناول قبائل هؤلء النفر ووضعها في الجاهلية؛ حيث كانت
تعاني سوء المناخ ونتن المنبت من الناحية الطبيعية ،ثم الذلة
والتبعية لفارس من الناحية السياسية ،إلى أن أكرمهم الله بالسلم
ل ،وارتفعت بعد هوان. فعزت بعد ذ ّ
* تناول معاوية صعصعة بن صوحان خطيب القوم ،وكيف تلكأ
عن تلبية نداء الرسالة ،وقد دخل قومه بها ،ثم عاد وانضم إلى
السلم ،ورفعه السلم ثانية بعد انحدار.
* كشف معاوية عن مخططات صعصعة وأصحابه ،وكيف
يبغون الفتنة ،ويبغون دين الله عوجا.
وإن الشيطان هو وكر هذه الفتنة ,ومحرك هذا الشر ،وبذلك
ربط تاريخ المة بالله ثم بالسلم والعقيدة ،ثم كشف عن زيف
1
275
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وفضحهم عن آخرهم ،وأبان عن مخططاتهم وصلتها هؤلء النفر،
بدعوى الجاهلية).(1
* جلسة أخرى:
ثم أتاهم القابلة فتحدث عندهم طويل ثم قال :أيها القوم ،ردوا
ي خيرا ،أو اسكتوا وتفكروا ،وانظروا فيما ينفعكم ,وينفع أهليكم، عل ّ
وينفع عشائركم ،وينفع جماعة المسلمين ،فاطلبوه تعيشوا ونعش
بكم.
قال صعصعة :لست بأهل ذلك ،ول كرامة لك أن تطاع في
معصية الله .قال معاوية :أو ليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى
الله ،وطاعته ,وطاعة نبيه × ،وأن تعتصموا بحبله جميعا ول
تفرقوا؟! قالوا :بل أمرت بالفرقة وخلف ما جاء به النبي × ،قال:
إني آمركم الن إن كنت فعلت فأتوب إلى الله وآمركم بتقواه
وطاعته وطاعة نبيه × ،ولزوم الجماعة وكراهة الفرقة ،وأن توقروا
أئمتكم ،وتدلوهم على كل حسن ما قدرتم ،وتعظوهم في لين
ولطف في شيء إن كان منهم .قال صعصعة :فإنا نأمرك أن تعتزل
عملك ،فإن من المسلمين من هو أحق به منك .قال معاوية :من
هو؟ قالوا :من كان أبوه أحسن قدما من أبيك ،وهو بنفسه أحسن
قدما منك في السلم .قال معاوية :والله إن لي في السلم قدما،
ولغيري كان أحسن قدما مني ،ولكنه ليس في زماني أحد أقوى
على ما أنا فيه مني ،ولقد رأى ذلك عمر ابن الخطاب ،فلو كان
غيري أقوى مني لم يكن لي عند عمر هوادة ول لغيري ،ولم أحدث
من الحدث ما ينبغي لي أن أعتزل عملي ،ولو رأى ذلك أمير
المؤمنين وجماعة المسلمين لكتب بخط يده فاعتزلت عمله ،ولو
قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت أن ل يعزم له على ذلك إل هو خير.
فمهل فإن في ذلك وأشباهه ما يتمنى الشيطان ويأمر ،ولعمري لو
كانت المور تقضى على رأيكم وأمانيكم ما استقامت المور لهل
السلم يوما ول ليلة ،ولكن الله يقضيها ويدبرها وهو بالغ أمره،
فعاودوا الخير وقولوه .قالوا :لست لذلك أهل ،قال معاوية :أما والله
إن لله سطوات ونقمات ،وإني لخائف عليكم أن تتابعوا في مطاوعة
الشيطان حتى ُتحّلكم مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن دار
الهوان من نقم الله في عاجل المر والخزي الدائم في الجل،
فوثبوا عليه فأخذوا بلحيته ورأسه فقال :مه ،إن هذه ليست بأرض
الكوفة ،والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت
أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم ،فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه
بعضا ،ثم قام من عندهم فقال :والله ل أدخل عليكم مدخل ما بقيت. )(2
هذه المحاولة الخيرة التي بذل فيها معاوية أمير الشام كل
جهده ،واستعمل حلمه وثقافته وأعصابه كي يثنيهم عن الفتنة ،إنه
يدعوهم إلى تقوى الله وطاعته ،والستمساك بالجماعة والبتعاد عن
الفرقة ،وإذا بهم يرفعون عقيرتهم قائلين :ليس لك أن تطاع في
276
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
معصية الله (1).وبحلمه الكبير ،وصدره الواسع عاد فذكرهم بأنه ل
يأمرهم إل بطاعة الله ،وعلى حد زعمهم فهو يتوب من المعصية إن
وقعت ،ثم يعود لدعوتهم إلى الطاعة والجماعة والبتعاد عن تفريق
كلمة المة ،ولو كان الوعظ يجدي معهم لمكن أن تتأثر قلوبهم لهذه
المعاملة ،وهذا اللطف وهذا الحلم ،لكنهم اعتبروا ذلك ضعفا وتهاونا
منه؛ خاصة وهو يوجههم إلى أن يستعملوا السلوب الهادئ في
العظة واللين في النصح ،فوجدوا المجال رحبا أن يكشفوا عن
مكنون قلوبهم .فقالوا :فإنا نأمرك أن تعتزل عملك؛ فإن بالمسلمين
من هو أحق به منك ،وانتبه معاوية انتباها مفاجئا إلى ما يكّنون،
فأحب أن يتعرف على جانب غامض عليه ،لعل في هذا التعرف ما
يوصله إلى من يحركهم ،ويبث في ذهنهم الراجيف المغرضة،
ولكنهم أخفوا ما يكنون ,واكتفوا بالشارة إلى أنهم يحبون أن يدع
ن أ َُبوه أفضل من أبيه ،ثم تحلمم ْالعمل لمن هو أفضل منه ،ول ِ َ
عليهم أكثر فأكثر ،رغم السلوب الفج الذي سلكوه معه ،وهم
يأمرونه بأن يعتزل العمل .وهنا نجد لمعاوية جوابا مستفيضا عن
وجهة نظره في الحكم والمارة والقيادة ،وقد لخص معاوية إجابته
في ست نقاط أساسية ومهمة:
-1هي أن له قدما وسابقة في السلم ،فهو حامي ثغر الشام
منذ وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
-2إن هناك في المسلمين من هو أفضل منه وأكرم ،وأحسن
سابقة وأكثر بلء ،وهو يرى أنه أقوى من يحمي هذا الثغر السلمي
العظيم )الشام( ،فمنذ أن توله تمكن من ضبطه وسياسته ،وفهم
نفسيات أهله حتى أحبوه.
-3إن الميزان الحساس والمعيار الدقيق الذي يقيم الولة هو
عمر بن الخطاب الذي ل تأخذه في الله لومة لئم ،فلو وجد في
معاوية شططا أو انحرافا أو ضعفا لعزله ،ولما أبقى عليه يوما
واحدا ،فقد عمل له طيلة خلفته ،كما وله من قبل رسوله الله ×
على بعض عمله ،واستخدمه كاتبا بين يديه ،ووله أبو بكر الصديق
من بعده ولم يطعن في كفاءته أحد.
-4إن اعتزال العمل يجب أن يستند لسباب موجبة للعتزال،
فما الحجة التي يقدمها دعاة الفتنة ليتم العتزال على أساسها؟
-5إن الذي يقرر العزل عن العمل أو البقاء في المارة ليس
هؤلء الدعياء ،إن ذلك من حق أمير المؤمنين عثمان ،وهو الذي
له الحق في تعيين الولة وعزلهم.
-6إن أمير المؤمنين عثمان يوم يقرر عزل معاوية ،فهو واثق أن
كله ،ول غضاضة في ذلك؛ فهو أمير مأمور وهو أمر خليفة أمره خير
المسلمين).(2
كان ختام الجلسة مؤسفا أشد السف ,مؤلما أشد اللم ،لقد
)( المصدر نفسه ).(5/330 1
)( معاوية بن أبي سفيان ،صحابي كبير وملك مجاهد ،ص .117-114 2
277
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
حذرهم نقمة الله وغضبه ،وحذرهم مهاوي الشيطان ومنزلقاته،
وحذرهم فرقة الكلمة ومعصية المام ،وحذرهم النقياد إلى أهوائهم
وغرورهم ،فماذا كان منهم مقابل ذلك؟ وثبوا عليه وأخذوا برأسه
ولحيته ،وعندئذ زجرهم وقمعهم ،ووجه لهم كلما قاسيا مبطنا
بالتهديد ،وعرف أن هؤلء يستحيل أن ينصاعوا للحق ،فل بد من إبلغ
عثمان ،(1وكشف هوياتهم وخطرهم ليرى أمرهم لمير المؤمنين
فيهم أمير المؤمنين رأيا آخر) .
كتاب معاوية إلى عثمان -رضي الله عنهما -بشأن أهل
الفتنة من الكوفة:
كتب معاوية إلى عثمان -رضي الله عنهما -قائل :بسم الله
الرحمن الرحيم ،لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي
ي أقواما يتكلمونسفيان ،أما بعد :يا أمير المؤمنين ،فإنك بعثت إل ّ
بألسنة الشياطين ،وما يملون عليهم ،ويأتون الناس -زعموا -من
قبل القرآن فيشبهون على الناس ،وليس كل الناس يعلم ما
يريدون ،وإنما يريدون فرقة ،ويقربون فتنة ،قد أثقلهم السلم
وأضجرهم ،وتمكنت رقى الشيطان من قلوبهم ،فقد أفسدوا كثيرا
من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة ،ولست آمن إن
أقاموا وسط أهل الشام
أن يغروهم بسحرهم وفجورهم ,فارددهم إلى مصرهم ،فلتكن دارهم
في مصرهم الذي
نجم فيه نفاقهم).(2
سا :رجوع أهل الفتنة إلى الكوفة ثم نفيهم إلى الجزيرة: خام ً
كتب عثمان إلى سعيد بن العاص ،فردهم إليه ،فلم يكونوا إل
أطلق ألسنة منهم حين رجعوا ،وكتب سعيد إلى عثمان يضج
منهم ،فكتب عثمان إلى سعيد أن س ّ يرهم إلى عبد الرحمن بن
خالد بن الوليد -وكان أميرا على حمص -فلما وصلوا إلى عبد
الرحمن ابن خالد بن الوليد استدعاهم ،وكلمهم كلما شديدا،
وكان مما قاله لهم :يا آلة الشيطان ،ل مرحبا بكم ول أهل ،لقد
رجع الشيطان محسورا خائبا ،وأنتم ما زلتم نشيطين في
الباطل!! خ ّ سر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم ويخزكم ،يا معشر
من ل أدري من أنتم :أعرب أم عجم ،لن تقولوا لي كما كنتم
تقولون لسعيد ومعاوية ،أنا ابن خالد بن الوليد ،أنا ابن من قد
عجمته العاجمات ،أنا ابن فاقئ الردة ،والله لذلنكم .وأقامهم
عبد الرحمن بن خالد عنده شهرا كامل ،وعاملهم بمنتهى الحزم
والشدة ،ولم يلن معهم كما لن سعيد ومعاوية ،وكان إذا مشى
مشوا معه ،وإذا ركب ركبوا معه ,وإذا غزا غزوا معه ،وكان ل يدع
مناسبة إل ويذلهم فيها ،وكان إذا قابل زعيمهم )صعصة بن
صوحان( يقول له :يا ابن الخطيئة ،هل تعلم أن من لم يصلحه
الخير أصلحه الشر ،وأن من لم يصلحه اللين أصلحته الشدة،
وكان يقول لهم :لماذا ل تردون عل ّي كما كنتم تردون على سعيد
في الكوفة ،وعلى معاوية بالشام؟ لماذا ل تخاطبوني كما كنتم
)( معاوية بن أبي سفيان ،الغضبان ،ص .118 ،117 1
278
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تخاطبونهما؟
ونفع معهم أسلوب عبد الرحمن بن خالد ،وأخرسهم حزمه
وشدته وقسوته ,وأظهروا له التوبة والندم ،وقالوا له :نتوب إلى الله
ونستغفره ،أقلنا أقالك الله ،وسامحنا سامحك الله .وبقى القوم في
الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد ,وأرسل عبد الرحمن أحد
زعمائهم -وهو الشتر النخعي -إلى عثمان ليخبره بتوبتهم وصلحهم،
وتراجعهم عما كانوا عليه من الفتنة ،فقال عثمان للشتر :احلل أنت
ومن معك حيث شئتم فقد عفوت عنكم .قال الشتر :نريد أن نبقى
عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ،وذكر له من فضل عبد الرحمن
عبد الرحمن في الجزيرة مدة أظهروا فيها التوبة وحزمه ،فأقاما عند
والستقامة والصلح) ،(1وسكت أصحاب الفتنة في الكوفة إلى حين،
وكان هذا في شهور سنة ثلث وثلثين ،بعدما تم نفي رؤوس الفتنة
أصحاب إلى معاوية في الشام ،ثم عبد الرحمن بن خالد ،فرأى
الفتنة في الكوفة أن المصلحة تقتضي أن يسكنوا إلى حين).(2
-1أهل الفتنة بالبصرة يفترون على أشج عبد القيس:
أما أهل الفتنة بالبصرة بزعامة حكيم بن جبلة فقد كانوا ضد أهل
الفضل فيها ,وتآمروا وكذبوا عليهم ،وكان من أفضل وأتقى أهل
البصرة )أشج عبد القيس( واسمه عامر بن عبد القيس ،وكان زعيما
لقومه ،وقد وفد على رسول الله × وتعلم منه ،ومدحه رسول)(3الله
بقوله» :إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله :الحلم والناة«.
وكان عامر بن عبد القيس من قادة الجهاد في القادسية وغيرها،
وكان مقيما في البصرة ،وكان على قسط كبير من الصلح والتقوى،
فكذب الخارجون عليه ،واتهموه بالباطل ،فسّيره عثمان إلى معاوية
بالشام ،ولما كلمه معاوية وعامله ،وعرف براءته وصدقه ،وكذب
الخوارج وافتراءهم
عليه ،وكان الذي تولى الكذب على عامر بن عبد القيس هو )حمران
بن أبان( وهو
رجل عاص بدون دين؛ حيث تزوج امرأة في أثناء عدتها ،ولما علم
عثمان بذلك فرق بينهما ،وضربه ونكل به لمعصيته ،ونفاه إلى
البصرة ،وهناك التقى مع زعيم السبئيين فيها؛ اللص حكيم بن
جبلة).(4
-2ابن سبأ يحدد سنة أربع وثلثين للتحرك:
وفي سنة أربع وثلثين -السنة الحادية عشرة من خلفة عثمان -
أحكم عبد الله بن سبأ اليهودي خطته ،ورسم مؤامراته ,ورتب مع
جماعته السبئيين الخروج على الخليفة وولته ،فقد اتصل ابن سبأ
اليهودي من وكر مؤامراته في مصر بالشياطين من حزبه في
البصرة والكوفة والمدينة ،واتفق معهم على تفاصيل الخروج،
وكاتبهم وكاتبوه ،وراسلهم وراسلوه ،وكان ممن كاتبهم وراسلهم،
) (2الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص )( تاريخ الطبري ).(5/327 1
.134 2
279
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
السبئيون في الكوفة ،وقد كان بضعة عشر رجل منهم منفيين في
الشام ،ثم في الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ،وبعد
أولئك( الخارجين كان زعيم السبئيين الحاقدين في الكوفة يزيد نفي
بن قيس) ، 1وقد خلت الكوفة في سنة أربع وثلثين من وجوهها
وأشرافها ،لنهم توجهوا للجهاد في سبيل الله ،ولم يبق إل الرعاع
بأفكارهم والغوغاء ،الذي أثر فيهم السبئيون والمنحرفون وشحنوهم
الخبيثة ،وهّيجوهم ضد والي عثمان على الكوفة سعيد بن العاص).(2
-3أوضاع أهل الكوفة عند تحرك أهل الفتنة:
قال الطبري عن أوضاع الكوفة سنة أربع وثلثين :وفد سعيد بن
العاص إلى عثمان في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان ،وقد بعث
سعيد قبل خروج الشعث بن قيس إلى أذربيجان ،وسعيد بن قيس
إلى الري ،والنسير العجلي إلى همذان ،والسائب بن القرع إلى
أصبهان ،ومالك بن حبيب إلى ماه ،وحكيم بن سلمة إلى الموصل،
وجرير بن عبد الله إلى قرقيسيا ،وسلمان بن ربيعة إلى الباب،
وعتيبة بن النهاس إلى حلوان ،وجعل على الحرب القعقاع بن عمرو
)(3
التميمي ،وكان نائبه بعد خروجه عمرو بن حريث ،وبذلك خلت
الكوفة من الوجوه والرؤساء ،ولم يبق فيها إل منزوع أو مفتون.
وفي هذا الجو خرج زعيم السبئيين في الكوفة )يزيد بن قيس( بعد
الذين اتفاق مع شيطانه ابن سبأ في مصر ،وخرج معه أهل الفتنة
انضموا إلى جمعية ابن سبأ السرية ،والغوغاء الذين تأثروا بها).(4
-4القعقاع بن عمرو التميمي يقضي على التحرك الول:
خرج يزيد بن قيس في الكوفة ،وهو يريد خلع عثمان ،فدخل
المسجد وجلس فيه ,وتجمع عليه في المسجد السبئيون ,الذين كان
ابن السوداء يكاتبهم من مصر ،ولما تجمع الخارجون في المسجد،
علم بأمرهم القعقاع بن عمرو أمير الحرب ،فألقى القبض عليهم،
وأخذ زعيمهم يزيد بن قيس معه ،ولما رأى يزيد شدة القعقاع
ويقظته وبصيرته لم يجاهره بهدفهم وخطتهم في الخروج على
الخليفة عثمان وخلعه ،وأظهر له أن كل ما يريده هو وجماعته عزل
الوالي سعيد بن العاص ،والمطالبة بوال آخر مكانه ،فاستجيب
لطلبهم ,ولذلك أطلق القعقاع سراح الجماعة لما سمع كلم يزيد،
ثم قال ليزيد :ل تجلس لهذا الهدف في المسجد ول يجتمع عليك أحد
في بيتك ،واطلب ما تريد من الخليفة وسيحقق واجلس
لك ذلك).(5
-5يزيد بن قيس يكاتب أهل الفتنة عند عبد الرحمن بن خالد:
جلس يزيد بن قيس في بيته ،واضطر إلى تعديل خطته في
الخروج والفتنة ،واستأجر هذا السبئي )يزيد بن قيس( رجل وأعطاه
دراهم وبغل ،وأمره أن يذهب بسرعة وكتمان إلى السبئيين من أهل
الكوفة الذين نفاهم عثمان بن عفان إلى الشام ,ثم إلى الجزيرة،
) (2 ،الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص .135 1
2
280
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وهم مقيمون عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد هناك ،وقد أظهروا
له التوبة والندم ،وقال يزيد لخوانه الشياطين في كتابه :إذا وصلكم
ي ،فقد راسلنا إخواننا في كتابي فل تضعوه من أيديكم حتى تأتوا إل ّ
مصر -وهم السبئيون هناك -واتفقنا معهم على الخروج .ولما قرأ
الشتر كتاب يزيد خرج فورا للكوفة ،ولحق به إخوانه الخارجون،
وفقدهم عبد الرحمن بن خالد فلم يجدهم فأرسل جماعة في طلبهم
فلم يدركوهم ،واتصل يزيد بن قيس بجماعته مرة ثانية ،واتصل
جماعته بالرعاع والغوغاء في الكوفة ،وتجمعوا في المسجد ،ودخل
عليهم الشتر النخعي في المسجد وعمل على إثارتهم وتهييجهم
ودفعهم للثورة والخروج ،وكان مما قال لهم :لقد جئتكم من عند
الخليفة عثمان ،وتركت واليكم سعيد بن العاص عنده ،وقد اتفق
عثمان وسعيد على إنقاص عطائكم ،وخفض أموالكم من مئتي درهم
إلى مئة درهم .وقد كذب الشتر فيما قال ،ولم يتحدث عثمان
وسعيد بذلك ،ولكنه كيد السبئيين في نشر الكاذيب والفتراءات
لتهييج العامة ،واستخف الشتر بكلمه الناس في المسجد ،وأثر في
الرعاع والغوغاء وهيجهم ،وكانت ضجة كبيرة في المسجد ،وصار
يكلمه عقلء المسلمين من وجوههم وأشرافهم وصالحيهم وأتقيائهم؛
بن مسعود ،والقعقاع بن عمرو، كأبي موسى الشعري ،وعبد الله
فلم يسمع لهم ،ولم يستجب لهم (1).وصاح يزيد بن قيس في
الغوغاء والرعاع داخل المسجد وخارجه ،وقال :إني خارج إلى طرق
المدينة لمنع سعيد بن العاص من دخول الكوفة ،ومن شاء أن يخرج
معي لمنع سعيد من الدخول والمطالبة بوال مكانه فليفعل،
فاستجاب لندائه السبئيون والرعاع ،وخرج معه حوالي ألف منهم).(2
-6القعقاع بن عمرو يرى قتل قادة أهل الفتنة:
ولما خرج السبئيون والغوغاء طلبا للفتنة والتمرد وإحداث
القلقل ،بقى في المسجد وجوه المسلمين وأشرافهم وحلماؤهم،
حريث وطالب المسلمين بالخوة فصعد المنبر نائب الوالي عمرو بن ُ
والفتنة والخروج ،ودعاهم والختلف والوحدة ونهاهم عن التفرق
إلى عدم الستجابة للخارجين والمتمردين) ،(3فقال القعقاع بن
الفرات عن أدراجه ،هيهات ،ل عمرو :أترد السيل عن عبابه ،فاردد
جون ّ يع ثم ضى ت ن
َُْ َ ت أن ويوشك ، )(4
المشرفية س ّ
كن الغوغاء إل والله ل ت ُ َ
عجيج العتدان) ،(5ويتمنون ما هم)(6فيه فل يرده عليهم أبدا ،فاصبر،
فقال :أصبر ,وتحول إلى منزله.
-7أهل الفتنة يمنعون سعيد بن العاص من دخول الكوفة:
سار يزيد بن قيس ومعه الشتر النخعي باللف من الخارجين
جَرعة( ،وبينما كانواإلى مكان على طريق المدينة يسمى )ال َ
معسكرين في الجرعة ،طلع عليهم سعيد بن العاص عائدا من عند
تاريخ الطبري ) ،(5/338الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص .138 )( 1
المشرفية :نوع من السيوف .تنتضى :تمضي وتزول النعم والخيرات. )( 4
العتود :الجدي الذي استكرش ،وقيل :الحولي من أولد الماعز. )( 5
281
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عد من حيث أتيت ول حاجة لنا بك ،ونحن نمنعك عثمان ،فقالوا لهُ :
من دخول الكوفة ،وأخبر عثمان أننا ل نريد واليا علينا ،ونريد من
عثمان أن يجعل أبا موسى الشعري واليا مكانك ،قال لهم سعيد:
لماذا خرجتم ألفا لتقولوا لي هذا الكلم؟ كان يكفيكم أن تبعثوا رجل
إلى أمير المؤمنين بطلبكم ،وأن توقفوا لي رجل في الطريق
ليخبرني بذلك ،وهل يخرج ألف رجل لهم عقول لمواجهة رجل
واحد)(1؟
رأى سعيد بن العاص أن من الحكمة عدم مواجهتهم ،وعدم
تأجيج نار الفتنة ،بل محاولة إخمادها ،أو تأجيل اشتعالها على القل،
وهذا رأي أبي موسى الشعري ،وعمرو بن حريث ,والقعقاع بن
عمرو في الكوفة (2).وعاد سعيد بن العاص إلى عثمان وأخبره خبر
القوم الخوارج ،قال له عثمان :ماذا يريدون؟ هل خلعوا يدا من
طاعة؟ وهل خرجوا على الخليفة وأعلنوا عدم طاعتهم له؟ قال له
سعيد :ل لقد أظهروا أنهم ل يريدونني واليا عليهم ،ويريدون واليا
آخر مكاني ،قال له عثمان :من يريدون واليا؟ قال سعيد بن العاص:
يريدون أبا موسى الشعري ،قال عثمان :قد عينا وأثبتنا أبا موسى
واليا عليهم ،والله لن نجعل لحد عذرا ،ولن نترك لحد حجة،
ولنصبرن عليهم كما هو مطلوب منا ،حتى نعرف حقيقة ما يريدون.
وكتب عثمان إلى أبي موسى بتعيينه واليا على الكوفة).(3
وقبل وصول كتاب عثمان بتعيين أبي موسى واليا كان في مسجد
الكوفة بعض أصحاب رسول الله × ،وقد حاولوا ضبط المور وتهدئة
العامة ،ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك؛ لن السبئيين والحاقدين سيطروا
على الرعاع والغوغاء وهيجوهم ،فلم يعودوا يسمعون صوت عقل أو
منطق .وكان في مسجد الكوفة وقت التمرد والفتنة اثنان من أصحاب
رسول الله ×هما :حذيفة بن اليمان ،وأبو مسعود عقبة بن عمرو
النصاري البدري ،وكان أبو مسعود غاضبا لتمرد وثورة الرعاع
وخروجهم إلى الجرعة ،وعزلهم الوالي سعيد ،وعصيانهم له ،وهي أول
مرة تحصل ،بينما كان حذيفة بعيد النظر ،يتعامل مع الحدث
بموضوعية وتفكير(4).قال أبو مسعود لحذيفة :لن يعودوا من الجرعة
سالمين ،وسيرسل الخليفة جيشا لتأديبهم ،وستسفك فيها دماء كثيرة،
فرد عليه حذيفة قائل :والله سيعودون إلى الكوفة ،ولن يكون هناك
اشتباك أو حرب ولن تسفك هناك دماء ،وما أعلم من هذه الفتن
شيئا ،إل وقد علمته من رسول الله × وهو حي؛ حيث أخبرنا عن هذه
الفتن التي نراها اليوم قبل وفاته ،ولقد أخبرنا رسول الله × أن
الرجل يصبح على السلم ثم يمسي وليس معه من السلم شيء ،ثم
يقاتل المسلمين ،فيرتد وينكص قلبه ويقتله الله غدا ،وسيكون هذا
فيما بعد (5).لقد كان حذيفة بن اليمان متخصصا في علم الفتن،
وتعامل مع فتن السبئيين في الكوفة وغيرها وفق ما سمعه وعلمه
× واستحضر ما حفظه من تلك الحاديث ,ففهم من رسول الله ،
حقيقة ما يجري حوله ،ولم يستبعده ولم يستغربه وحاول الصلح ما
)( المصدر نفسه ).(5/338 1
)( الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص (2) .104تاريخ الطبري ).(5/339 2
3
) (4تاريخ الطبري ).(5/342 )( الخلفاء الراشدون ،ص .141 4
5
282
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أمكنه).(1
-8أبو موسى الشعري يهدئ المور وينهى عن العصيان:
قام أبو موسى الشعري بتهدئة المور ،ونهى الناس عن
العصيان ،وقال لهم :أيها الناس ،ل تخرجوا في مثل هذه المخالفة،
الزموا جماعتكم والطاعة ،وإياكم ول تعودوا لمثل هذا العصيان،
ل بنا ،قال :ل ،إل على والعجلة ،اصبروا فكأنكم بأمير (2).فقالوا :فص ّ
والطاعة لعثمان بن عفان ،قالوا :على السمع والطاعة السمع
لعثمان).(3
وما كانوا صادقين في ذلك ،لكنهم كانوا يخفون أهدافهم الحقيقية
عن الخرين ،وكان أبو موسى يصلي بالناس إلى أن جاءه كتاب
عثمان بتعيينه واليا على الكوفة ،ولما هدأت المور في الكوفة إلى
حين -في سنة أربع وثلثين -عاد حذيفة بن اليمان إلى أذربيجان
جيوش(4الجهاد هناك ،وعاد العمال والولة إلى أعمالهم والباب يقود
في مناطق فارس) .
-9كتاب عثمان إلى الخارجين في الكوفة:
كتب عثمان بن عفان إلى الخارجين من أهل الكوفة كتابا يبين
فيه الحكمة من استجابته لطلبهم في عزل سعيد وتعيين أبي موسى
بدله ،وهي رسالة ذات دللت هامة ،وتبين طريقة عثمان في
مواجهة هذه الفتن ،ومحاولته تأجيل اشتعالها ما استطاع ،مع علمه
اليقيني أنها قادمة ،وأنه عاجز عن مواجهتها ،فهذا ما علمه من
مرت رسول الله × ،قال لهم عثمان في رسالته :أما بعد ،فقد أ ّ
عليكم من اخترتم ،وأعفيتكم من سعيد ،والله لفرشن لكم عرضي،
ولبذلن لكم صبري ،ولستصلحنكم بجهدي ،واسألوني كل ما أحببتم
مما ل يعصى الله فيه ،فسأعطيه لكم ،ول شيئا كرهتموه ل يعصى
ما( أحببتم حتى ل يكون لكم الله فيه إل استعفيتم منه ،أنزل فيه عند
ي حجة ،وكتب بمثل ذلك في المصار 5).رضي الله عن أمير عل ّ
المؤمنين عثمان ،ما أصلحه ،وأوسع صدره(6)،وكم ظلمه السبئيون
والخارجون والحاقدون وكذبوا وافتروا عليه .
***
المبحث الثاني
سياسة عثمان في التعامل مع الفتنة
من خلل النصوص التاريخية في العديد من المصادر يتضح أن
عثمان قد واجه الفتنة بعدد من الساليب وهي:
ل :رأي بعض الصحابة بأن يرسل عثمان لجان تفتيش أو ً
وتحقيق:
)( حذيفة بن اليمان ،إبراهيم العلي ،ص ,86الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص 1
.141
)( أي :يأتيكم من قبل أمير المؤمنين عثمان (3) .تاريخ الطبري ).(5/339 2
3
)( الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص (5) .142تاريخ الطبري ).(5/343 4
5
283
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
اهتز محمد بن مسلمة وطلحة بن عبيد الله وغيرهما لما سمعوا
من الشاعات التي بثها عبد الله بن سبأ في المصار ،فدخلوا على
أمير المؤمنين عثمان على عجل وقالوا :يا أمير المؤمنين ،أيأتيك عن
الناس الذي يأتينا؟ قال :ل والله ،ما جاءني إل السلمة .قالوا :فإنا
قد أتانا ،وأخبروه بما تناهى لسمعهم عن الفتنة التي تموج بها
المصار السلمية ،وعن الهجوم الشرس على ولته في كل صقع،
ي؟ قالوا :نشير وقال :أنتم شركائي وشهود المؤمنين ،فأشيروا عل ّ
أن(1تبعث رجال ممن تثق بهم إلى المصار حتى يرجعوا إليك عليك
بخبرهم) ،فقام عثمان بإجراء سديد عظيم ،وتخير نفرا من الصحابة
ل يختلف اثنان في صدقهم وتقواهم وورعهم ،ونصحهم ،اختار محمد
بن مسلمة الذي كان عمر يأتمنه على محاسبة ولته والتفتيش
حّبه،
ب رسول الله × وابن ِ ح ّعليهم في القاليم ،وأسامة بن زيد ِ
وأمير الجيش الذي أوصى النبي × بإنفاذه في آخر عهده بالدنيا،
فقال :أنفذوا بعث أسامة .وعمار بن ياسر السّباق إلى السلم،
والمجاهد العظيم ،وعبد الله بن عمر ،التقي الفقيه الورع .فأرسل
محمد بن مسلمة إلى الكوفة ،وأسامة إلى البصرة ،وعمار إلى
مصر ،وابن عمر إلى الشام ،وكانوا على رأس جماعة ،فأرسلهم إلى
تلك المصار الكبيرة ،فمضوا جميعا إلى عملهم الشاق المضني
الخطير العظيم ،ثم عادوا جميعا عدا عمار بن ياسر الذي استبطأ
في مصر ثم عاد ،وقدموا بين يدي أمير المؤمنين ما شاهدوه
وسمعوه وسألوا الناس عنه (2).وكان ما جاء به هؤلء واحد في كل
ول(3أنكر المسلمون إل المصار ،وقالوا :أيها الناس ،ما أنكرنا شيئا،
أن أمراءهم يقسطون بينهم ،ويقومون عليهم ).وأما ما روي من
اتهام عمار بن ياسر بالتأليب على عثمان فإن أسانيد الروايات
تتضمن هذه التهمة ضعيفة ،ل تخلو من علة ،كما أن في متونها التي
نكارة).(4
رجع مفتشو المصار ،واتضح بأنه ليس هناك ما يوجب على
الخليفة أن يعزل واحدا من ولته ،والناس في عافية وعدل وخير
ورحمة واطمئنان ،وأمير المؤمنين يعدل في القضية ،ويقسم
بالسوية ،ويرعى حق الله وحق الرعية ،وما يثار هو شكوك وأراجيف
وأكاذيب يبثها الحاقدون في الظلمات لكي ل يعرف مصدرها ،ولكن
ف بهذا ،بل كتب إلى أهل البار الراشد العظيم لم يكت ِ الخليفة
المصار).(5
ثانًيا :كتب إلى أهل المصار كتابا شامل بمثابة إعلن عام لكل
المسلمين:
أما بعد :فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم ،وقد سلطت
المة منذ وليت على المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فل يرفع
على شيء ول على أحد من عمالي إل أعطيته ،وليس لي ولعيالي
284
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ى أهل المدينة أن أقواما حق قبل الرعية إل متروك لهم ،وقد رفع إل ّ
شتم سرا ،من ضرب سرا ،و ُ يشتمون ،وآخرون يضربون ،فيا من ُ
ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان ،مني أو
من عمالي ،أو تصدقوا فإن الله
المصار أبكى الناس ،ودعوا في يجزي المتصدقين ،فلما قرئ
شّر ).(1خض ب ِ َ لعثمان ،وقالوا :إن المة لتم ّ
فهل تريد الدنيا أن تسمع بحزم وعزم أعلى وأشمخ من هذا
الحزم والعزم من رجل زادت سنه على اثنتين وثمانين سنة ،وهو
في هذه الفورة والقوة من المتابعة والتنقيب عن المظالم؟ أم هل
يريد الناس أن يروا عدل أرفع وأسمى من هذا العدل والنصاف،
حتى إن حق أمير المؤمنين الشخصي متروك لرعيته ،ما دام حق
الله قائما وحدوده مرعية؟ نعم عند عثمان ،الذي لم يقف عند ذلك،
ف بأن أرسل أمناءه للتفتيش عن أحوال الناس ،وكتابته من ولم يكت ِ
ثم إلى أهل المصار بأن يأتوا موسم الحج ليرفعوا شكاتهم -إن كانت
لهم -أمام جموع الحجيج ،ولم يكتف عثمان بذلك كله؛ بل بعث إلى
عمال المصار أنفسهم ليواجهوا الناس عندما يرفعون مظالمهم -إن
عما يتناقله الناس ،وليشيروا وجدت -ثم ليسألهم أمير المؤمنين
عليه بالرأي الناصح السديد الرشيد).(2
ثالثـا :مشورة عثمان لولة المصار:
بعث عثمان إلى ولة المصار واستدعاهم على عجل؛ عبد
الله بن عامر ،ومعاوية ابن أبي سفيان ،وعبد الله بن سعد ،وأدخل
معهم في المشورة سعيد بن العاص ،وعمرو بن العاص -وهم من
الولة السابقين ،-وكانت جلسة مغلقة وخطيرة جرت فيها البحاث
الجديدة على ضوء الخبار المتناهية التالية التي تقرر خطة العمل
إلى المدينة عاصمة دولة السلم (3).قال عثمان :ويحكم ما هذه
الشكاية؟ وما هذه الذاعة؟ إني والله لخائف أن يكون مصدوقا
عليكم وما يعصب) (4هذا إل بي ،فقالوا له :ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك
الخبر عن القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ ل والله ما
صدقوا ول بروا ،ول نعلم لهذا المر أصل ،وما كنت لتأخذ به أحد
فيضمنك على شيء ،وما هي إل إذاعة ل يحل الخذ بها ،ول النتهاء
ي ،فقال سعيد بن العاص :هذا أمر مصنوع إليها .قال :فأشيروا عل ّ
يصنع في السر ،فيلقى به غير ذي معرفة ،فيخبر به فيتحدث به في
مجالسهم ،قال :فما دواء ذلك؟ قال :طلب هؤلء القوم ،ثم قتل
هؤلء الذين يخرج هذا من عندهم.
وقال عبد الله بن سعد :خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم
الذي لهم ،فإنه خير من أن تدعهم .قال معاوية :قد وليتني فوليت
قوما ل يأتيك عنهم إل الخير ،والرجلن أعلم بناحيتهما ،قال :فما
الرأي؟ قال :حسن الدب ،قال :فما ترى يا عمرو؟ قال :أرى أنك قد
لنت لهم ،وتراضيت عنهم ،وزدتهم عما كان يصنع عمر ،فأرى أن
تلزم طريقة صاحبك فتشد في موضع الشدة ,وتلين في موضع
1
) (2يعصب بي :يناط بي. )( معاوية بن أبي سفيان ،ص .126 3
4
285
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
اللين ،إن الشدة تنبغي لمن ل يألو الناس شرا ،واللين لمن يخلف
الناس بالنصح ،وقد فرشتهما جميعا اللين .وقام عثمان فحمد الله
ي قد سمعت ،ولكل أمر باب وأثنى عليه وقال :كل ما أشرتم به عل ّ
يؤتى منه ،إن هذا المر الذي يخاف على هذه المة كائن ،وإن بابه
الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة ،إل في حدود
الله تعالى ذكره ،التي ل يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها ،فإن
ى حجة حق، سده شيء فرفق ،فذاك والله ليفتحن ،وليست لحد عل ّ
وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا ،ول نفسي ،ووالله إن رحى
الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها ،كفكفوا الناس،
حقوقهم ،واغتفروا لهم ،وإذا تعوطيت حقوق الله فل وهبوا لهم
دهنوا فيها).(1تُ ْ
لقد خالف عثمان رأي أخيه عمرو باتباع الشدة ،ولم يخالفه
في اتباع سنة صاحبيه ،فرحى الفتنة دائرة ،ول تعالج بالعنف؛ لن
العنف هو الذي يدير هذه الرحى ،ولن يرضى أمير المؤمنين أن
يكون صاحبها )فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها( ،وكان واضحا
صريحا فيما ل هوادة فيه وهي حدود الله ،فل مداهنة فيها وما
ذلك؛ فالرفق أولى والمغفرة أفضل ،ول بد من تأدية الحقوق )(2
غير
كلها.
وقد جاءت روايات بسند فيه ضعيف ومجهولون تشوه العلقة
بين عمرو بن العاص وعثمان رضي الله عنهما ،وساهمت روايات
ساقطة في مسخ صورة عمرو بن العاص ،وتحويل علقته بعثمان
إلى (3علقة فاتك خطط لقتل أميره ،ثم عاد بانتهازية ليطالب )
وهذه الرواية ضعيفة ومرفوضة عند أهل التاريخ وأهل بدمه.
الحديث (4).وقد جاء في رواية بسند فيها ضعفاء ومجهولون أيضا بأن
عمرو بن العاص قال :يا عثمان :إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية
وزغت( وزاغوا ،فاعتدل أو اعتزل ،فإن أبيت فاعتزم فقلت وقالوا,
عزما وامض قدما 5).وجاء في نفس الرواية أن عبد الله بن عامر
قال :أرى لك أن تجمرهم
رجل منهم قمل فروة رأسه ودبر كل يهم في هذه البعوث حتى
دابته ،وتشغلهم عن الرجاف بك).(6
بمثيري الشغب )حبسهم أو إن عثمان منع الولة من التنكيل
قتلهم( ،وقرر أن يعاملهم بالحسنى واللين) ,(7وطلب من عماله أن
يعودوا إلى أعمالهم ،وفق ما أعلنه)(8لهم من أسلوب مواجهة الفتنة
التي كان كل بصير يرى أنها قادمة .
-1اقتراحان لمعاوية يرفضهما عثمان رضي الله عنهما:
قبل أن يتوجه معاوية بن أبي سفيان إلى الشام ،أتى إلى عثمان
286
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وقال له :يا أمير المؤمنين ,انطلق معي إلى الشام ،قبل أن يهجم
عليك من المور والحداث ما ل قبل لك بها.
قال عثمان :أنا ل أبيع جوار رسول الله × بشيء ولو كان فيه
قطع خيط عنقي .قال له معاوية :إذن أبعث لك جيشا من أهل
الشام ،يقيم في المدينة ،لمواجهة الخطار المتوقعة ليدافع عنك
وعن أهل المدينة ،قال عثمان :ل ،حتى ل أقّتر على جيران رسول
الله × الرزاق بجند تساكنهم ،ول أضيق على أهل الهجرة والنصرة.
المؤمنين(1,والله لتغتالن أو لتغزين ،قال قال له معاوية :يا أمير
عثمان :حسبي الله ونعم الوكيل) .
لكأنما معاوية كان يعلم أن وراء تلك الفتن والشائعات يدا
خبيثة تخطط لهدف مرهوب ليس دونه ضرب الخليفة والخلفة ،لكن
عثمان الخليفة الراشد كان له رأي آخر ،فهو يريد أن يسير مع هؤلء
لخر الطريق حتى ل يترك لهم حجة عند الله وعند الناس ،فيفضحهم
الدنيا( والخرة ،وتلك مصابرة عظيمة من هذا المام العادل في
العظيم). 2
-2عثمان يخترق صفوف المتآمرين بعد مجيئهم للمدينة:
كان أمير المؤمنين عثمان من اليقظة والوعي ما يجعله يحقق
بقلم استخباراته مع هؤلء المتآمرين ،حيث بث في صفوفهم رجلين
من المسلمين كانا قد عوقبا من الخليفة ليطمئن المتآمرون إليهم،
فقد أرسل عثمان رجلين ،مخزوميا وزهريا فقال :انظرا ما يريدون
واعلما علمهم ،وكانا مما نالهما من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم
يضطغنا ،فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون ،فقال :من
معكم على هذا من أهل المدينة ،قالوا :ثلثة نفر ،فقال :هل إل؟
قالوا :ل ،قال :فكيف تريدون أن تصنعوا؟ وشرح هؤلء القوم
للرجلين أبعاد المؤامرة كاملة والخطة المقترحة ،وقالوا :نريد أن
نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم
لهم أنا قررناه بها فلم يخرج ولم يتب ،ثم نخرج كأنا حجاج حتى
نقدم فنحيط به فنخلعه ،فإن أبى قتلناه وكانت إياها ،فرجعا إلى
عثمان فضحك وقال :اللهم سلم هؤلء فإنك إن لم تسلمهم شقوا.
فأرسل إلى الكوفيين والبصريين ونادى :الصلة جامعة ،وهم عنده
في أصل المنبر ،فأقبل أصحاب رسول الله × حتى أحاطوا بهم،
فحمد الله وأثنى عليه ،وأخبرهم خبر القوم ،وحقيقة ما يريدون من
تأكيد الشبهات عليه تمهيدا للخروج عليه وخلعه أو قتله ،وقام
الرجلن اللذان حادثا السبئيين ،فشهدا بما أخبروهما به ،فقال
المسلمون جميعا في داخل المسجد :اقتلهم يا أمير المؤمنين ،لنهم
يريدون الخروج على أمير المؤمنين ،وتفريق كلمة المسلمين.
ورفض عثمان دعوة الصحابة لقتلهم؛ لنهم مسلمون في الظاهر،
من رعيته ،ول يرضى أن يقال :عثمان يقتل مسلمين مخالفين له،
ولذلك رد عثمان بن عفان على تلك الدعوة قائل :ل نقتلهم ،بل نعفو
ونصفح ،ونبصرهم بجهدنا ،ول نقتل أحدا من المسلمين ،إل إذا
287
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
دا يوجب القتل ،أو أظهر ردة وكفرا).(1
ارتكب ح ّ
رابًعا :إقامة الحجة على المتمردين:
ثم دعا عثمان القوم السبئيين إلى عرض ما عندهم من شبهات
وإظهار ما يرونه من أخطاء وتجاوزات ومخالفات وقع هو فيها ،وكانت
جلسة مصارحة ومكاشفة في المسجد على مرأى ومسمع من الصحابة
والمسلمين ،فتكلم السبئيون وعرضوا الخطاء التي ارتكبها عثمان -
على حد زعمهم ,-وقام عثمان بالبيان واليضاح وقدم حججه وأدلته
فيما فعل ،والمسلمون المنصفون يسمعون هذه المصارحة والمحاسبة
المر ودافع عن والمكاشفة ،وأورد عثمان ما أخذوه عليه ،ثم بين حقيقة
حسن فعله ،وأشهد معه الصحابة الجالسين في المسجد).(2
-1قال :قالوا :إني أتممت الصلة في السفر ،وما أتمها قبلي
رسول الله ول أبو بكر ول عمر ،لقد أتممت الصلة لما سافرت من
المدينة إلى مكة ،ومكة بلد فيها أهلي فأنا مقيم بين أهلي ولست
مسافرا ،أكذلك؟ فقال الصحابة :اللهم نعم.
-2وقالوا :إني حميت حمى ،وضّيقت على المسلمين ،وجعلت
أرضا واسعة خاصة لرعي إبلي ،ولقد كان الحمى قبلي لبل الصدقة
والجهاد ،حيث جعل الحمى كل من رسول الله وأبو بكر وعمر ،وأنا
زدت فيه لما كثرت إبل الصدقة والجهاد ،ثم لم نمنع ماشية فقراء
المسلمين من الرعي في ذلك الحمى ،وما حميت لماشيتي ،ولما
وليت الخلفة كنت من أكثر المسلمين إبل وغنما ،وقد أنفقتها كلها،
ومالي الن ثاغية ول راغية ،ولم يبق لي إل بعيران ،خصصتهما
لحجي ،أكذلك؟ فقال الصحابة :اللهم نعم.
-3وقالوا :إني أبقيت نسخة واحدة من المصاحف ،وحرقت ما
سواها ،وجمعت الناس على مصحف واحد ،أل إن القرآن كلم الله،
من عند الله ،وهو واحد ،ولم أفعل سوى أن جمعت المسلمين على
القرآن ،ونهيتهم عن الختلف فيه ،وأنا في فعلي هذا تابع لما فعله
أبو بكر ،لما جمع القرآن ،أكذلك؟ فقال الصحابة :اللهم نعم.
-4وقالوا :إني رددت الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ،وقد
كان رسول الله × نفاه إلى الطائف ،إن الحكم بن العاص مكي،
وليس مدنيا ،وقد سيره رسول الله × من مكة إلى الطائف ،وأعاده
الرسول × إلى مكة بعدما رضي عنه ،فالرسول × سيره إلى
الطائف ،وهو الذي رده وأعاده ،أكذلك؟ فقال الصحابة :اللهم نعم.
-5وقالوا :إني استعملت الحداث ووليت الشباب صغار السن،
ل إل رجل فاضل محتمل مرضيا ،وهؤلء الناس أهل عملهم ولم أو ّ
فسلوهم عنهم .ولقد ولى الذين من قبلي من هم أحدث منهم
وأصغر منهم سنا ،ولقد ولى رسول الله × أسامة بن زيد وهو أصغر
ممن وليته ،وقالوا لرسول الله × أشد مما قالوا لي ،أكذلك؟ قال
الصحابة :اللهم نعم ،إن هؤلء الناس يعيبون للناس ما ل يفسرونه
)( تاريخ الطبري ).(355 ،5/354 1
288
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ول يوضحونه.
-6وقالوا :إني أعطيت عبد الله بن سعد بن أبي السرح ما أفاء
الله به ،وإنما أعطيته خمس الخمس -وكان مئة ألف -لما فتح
أفريقية ،جزاء جهده ،وقد قلت له :إن فتح الله عليك أفريقية فلك
خمس الخمس من الغنيمة نفل ،وقد فعلها قبلي أبو بكر وعمر
-رضي الله عنهما -ومع ذلك قال لي الجنود المجاهدون :إنا نكره أن
تعطيه خمس الخمس ول يحق لهم العتراض والرفض ،فأخذت
خمس الخمس من ابن سعد ورددته على الجنود ،وبذلك لم يأخذ ابن
سعد شيئا ،أكذلك؟ قال الصحابة :اللهم نعم.
-7وقالوا :إني أحب أهل بيتي وأعطيهم ،فأما حبي لهل بيتي
فإنه لم يحملني على أن أميل معهم إلى جور وظلم الخرين ،بل
أحمل الحقوق عليهم وآخذ الحق منهم ،وأما إعطاؤهم فإني أعطيهم
من مالي الخاص ،وليس من أموال المسلمين ،لني ل أستحل أموال
المسلمين ،ول لحد من الناس .ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة
الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله × وأبي بكر وعمر رضي
الله عنهما ،وأنا يومئذ شحيح حريص ،أفحين أتيت على أسنان أهل
بيتي ،وفني عمري ،وجعلت مالي الذي لي لهلي وأقاربي ،قال
الملحدون ما قالوا؟ وإني والله ما أخذت من مصر من أمصار
المسلمين مال ول فضل ،ولقد رددت على تلك المصار الموال ،ولم
يحضروا إلى المدينة إل الخماس من الغنائم ،ولقد تولى المسلمون
تقسيم تلك الخماس ،ووضعها في أهلها ،ووالله ما أخذت من تلك
سا فما فوقه ،وإنني ل آكل إل من مالي ،ول الخماس وغيرها فِل ْ ً
أعطي أهلي إل من مالي.
-8وقالوا :إني أعطيت الرض المفتوحة لرجال معينين ،وإن هذه
الرضين المفتوحة قد اشترك في فتحها المهاجرون والنصار
وغيرهم من المجاهدين ،ولما قسمت هذه الراضي على المجاهدين
الفاتحين ،منهم من أقام بها واستقر فيها ،ومنهم من رجع إلى أهله
في المدينة
أو غيرها ،وبقيت تلك الرض ملكا له ،وقد باع بعضهم تلك الراضي،
وكان ثمنها
في أيديهم.
العتراضات التي أثيرت عليه ،وتولي وبذلك أورد عثمان أهم
توضيحها ،وبيان وجه الحق فيها (1).وترى من ذلك الدفاع المحكم
الذي دافع به عثمان بن عفان ,وساجل الصحابة فيه وذاكرهم إياه
صورة لما كان يجري من النقد المر العنيف له وما كان يشيعه
السبئيون من قالة السوء ،وما يعملون على ترويجه من باطل
مزيف ،فقد أجمل ذكر العتراضات التي كانوا يعترضون بها عليه،
وبّين وجه الحق فيما يفعل ،وأنه كان على بينة من أمره وعلى حجة
من دينه ،ولكنهم مغرضون ل يريدون رشادا ،ول يبغون سدادا،
فمجادلته لهم مجادلة رجل مخلص مع آخر يتربص به الدوائر
ويتسقط هفواته لينفذ أغراضا ,ويلقى في نفوس الناس عنه إعراضا،
)( العواصم من القواصم ،ص ،111-61تاريخ الطبري ) ،(356 ،5/355الخلفاء 1
289
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
كذلك ل تقنعه الحجة ،ول يهديه الدليل ،ومن يضلل ومن كان شأنه
الله فل هادي له).(1
وقد سمع كلمه وتوضيحه زعماء أهل الفتنة الذين بجانب المنبر ،كما
سمعه الصحابة الكرام ومن معهم من المسلمين الصالحين ،وتأثر
المسلمون بكلم عثمان وبيانه وتوضيحه وصدقوه فيما قال ،وازدادوا له
وأما السبئيون دعاة الفتنة والفرقة ،فلم يتأثروا بذلك ولم يتراجعوا؛ با،ح ّ
لنهم لم يكونوا باحثين عن حق ،ول راغبين في خير ،إنما كان هدفهم
الفتنة ،والكيد للسلم والمسلمين .وقد أشار الصحابة والمسلمون على
عثمان بقتل أولئك السبئيين )زعماء الفتنة( بسبب ما ظهر من كذبهم
وتزويرهم ،وحقدهم بل أصروا عليه في قتلهم ،ليتخلص المسلمون من
شرهم ،وتستقر بلد المسلمين ويقضي على الفتنة التي يثيرها هؤلء
وأتباعهم ،ولكن عثمان كان له رأي آخر وتحليل مغاير ،فآثر أن يتركهم،
ورأي عدم قتلهم محاولة منه لتأخير وقوع الفتنة ،ولم يتخذ عثمان ضد
بما السبئيين القادمين من مصر والكوفة والبصرة أي إجراء مع علمه
يخططون ويريدون ،وتركهم يغادرون المدينة ويعودون إلى بلدهم).(2
سا :الستجابة لبعض مطالبهم: خام ً
استجاب لبعض مطالبهم في خلع بعض الولة وتولية من طلبوا
توليته ،هذه الساليب كافية في المعالجة وإقامة الحق والعدل لو
كانت المور تسير في وضعها الطبيعي ،لكن الواقع أن وراء هذه
الشكاوى والثارات أموًرا خفية ،وأحقادا جاهلية تسعى لثارة الفتنة
وتفريق وحدتهم ،ووقوع ما أخبر به النبي × من بين المسلمين
استشهاد عثمان .(3)
سا :ضوابط التعامل مع الفتن عند عثمان : ساد ً
إن المتأمل في هدي عثمان في تعامله مع الفتنة التي وقعت
في عهده يمكنه أن يستنبط بعض الضوابط التي تعين المسلم في
مواجهته للفتن ،ومن هذه الضوابط:
-1التثبت :فقد أرسل لجان تفتيش للمصار واستمع لهلها،
واستطاع أن يخترق جماعة السبئيين ويقف على حقيقة أمرهم ،ولم
يستعجل في إصداره للحكام عليهم.
-2لزوم العدل والنصاف :فقد اتضح هذا الضابط في كتابه
للمصار ،وطلب
ممن ادعى أنه شتم أو ضرب من الولة فليواف الموسم فليأخذ
كان منه بحقه حيث
أو من عماله).(4
-3الحلم والناة :ويتضح هذا الضابط في كتابه لهل الكوفة
عندما طلبوا عزل سعيد بن العاص وتعيين أبا موسى الشعري وقد
جاء في هذا الكتاب ..» :والله لفرشنكم عرضي ،ولبذلن لكم
)( تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة ،ص .99 ،98 1
) (2تاريخ الطبري ).(5/349 )( خلفة عثمان للسلمي ،ص .78 3
4
290
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
صبري ،ولستصلحّنكم بجهدي ،فل تدعوا شيئا أحببتموه ل يعصى الله
فيه إل)(1سألتموه ،ول شيئا كرهتموه ل يعصى الله فيه إل استعفيتم
منه«.
مع ،ونبذ ما يفرق بين المسلمين :ولذلك -4الحرص على ما يج ّ
جمع الناس على مصحف واحد كما مر معنا ،وعندما عرض عليه
الشتر النخعي عروضا ثلثة -يأتي تفصيلها بإذن الله -قال عثمان:
» ...وإن قتلتموني فلم أرتكب ما يوجب قتلي ،والله لئن قتلتموني
بعدي أبدا ،ول تصلون جميعا بعدي أبدا ،ول تقاتلون)(2
فإنكم ل تتحابون
العدو جميعا بعدي«.
-5لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم :من خلل سيرة
عثمان تتضح صفة قلة كلمه إل فيما ينفع من علم أو نصح أو
توجيه أو رد اتهامات باطلة ،وقد كان كثير الصمت قليل الكلم.
6-استشارة العلماء الربانيين :فقد كان يستشير علماء الصحابة
كعلي ،وطلحة ،والزبير ،ومحمد بن مسلمة ،وابن عمر ،وعبد الله بن
سلم رضي الله عنهم جميعا ،فالعلماء هم صمام المان ،والملجأ في
الخطوب المدلهمة والفتن المظلمة؛ لنهم أبصر الناس بحالها ،وأعرفهم
إليهم وجد الفهم السليم والنظر الصحيح ،والموقف بمآلها ،فمن التجأ
الشرعي الواضح).(3
-7السترشاد بأحاديث رسول الله × في الفتن :إن منهج
عثمان أثناء الفتنة ومسلكه مع المتمردين الذين خرجوا عليه لم
تفرضه عليه مجريات الحداث ول ضغط الواقع؛ بل كان منهجا نابعا
من مشكاة النبوة؛ حيث أمره رسول الله × بالصبر والحتساب
وعدم القتال حتى يقضي الله أمرا كان مفعول ،وقد وّفى ذو النورين
×( طوال أيام خلفته حتى خر شهيدا بوعده وعهده لرسول الله
جا بدمائه الطاهرة الزكية). 4مضر ً
وقد قال محب الدين الخطيب :الذي يدل عليه مجموع الخبار عن
موقف عثمان من أمر الدفاع عنه أو الستسلم للقدار ،هو أنه كان
يكره الفتنة ،ويتقي الله في دماء المسلمين ،إل أنه صار في آخر المر
يود لو كانت لديه قوة راجحة يهابها البغاة ،فيرتدعون عن بغيهم ،بل
حاجة إلى استعمال السلح للوصول إلى هذه النتيجة ،وقبل أن تبلغ
المور مبلغها عرض عليه معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام
تكون رهن إشارته فأبى أن يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم،
وكان ل يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن
يتكالبوا على دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه ،فلما تذاءب عليه
البغاة واعتقد أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزافا ،عزم على كل من
له عليهم سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عن مزالق العنف.
والخبار بذلك مستفيضة في مصادر أوليائه وشانئيه ،على أنه لو ظهرت
في الميدان قوة منظمة ذات هيبة تقف في وجوه الثوار ،وتضع حدا
) (2استشهاد عثمان ووقعة )( أحداث وأحاديث فتنة الهرج ،ص .728 3
291
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عثمان لذلك وسر به ،مع ما هو مطمئن لغطرستهم وجاهليتهم ،لرتاح
إليه من أنه لن يموت إل شهيدا).(1
***
292
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الثالث
احتلل أهل الفتنة للمدينة
ل :قدوم أهل الفتنة من المصار: أو ً
اتفق أهل الفتنة فيما بينهم على القيام بخطوتهم العملية النهائية
في مهاجمة عثمان في المدينة ،وحمله على التنازل عن الخلفة وإل
يقتل ،وقرروا أن يأتوا من مراكزهم الثلثة :مصر والكوفة والبصرة
في موسم الحج ،وأن يغادروا بلدهم مع الحجاج ،وأن يكونوا في
صورة الحجاج ،وأن يعلنوا للخرين أنهم خارجون للحج ،فإذا وصلوا
المدينة ،تركوا الحجاج يذهبون إلى مكة لداء مناسك الحج ،واستغلوا
أهلها-(1المشغولين بالحج -وقاموا بمحاصرة)
فراغ المدينة من معظم
وفي شوال سنة خمس وثلثين كان قتله. عثمان تمهيدا لخلعه أو
أهل الفتنة على مشارف المدينة) ,(2فقد خرج المتمردون من مصر
في أربع فرق لكل فرقة أمير ،ولهؤلء المراء أمير ومعهم شيطانهم
عبد الله بن سبأ وأمراء الفرق الربعة ،هم :عبد الرحمن بن عديس
البلوي ،وكنانة بن بشير التجيبي ،وسودان بن حمران السكوني،
وقتيرة بن فلن السكوني ،وأمير هؤلء المراء هو الغافقي بن حرب
العكي ،وكان عدد الفرق الربعة ألف رجل .وخرج المتمردون من
الكوفة ألف رجل ،في أربع فرق ،وأمراء فرقهم هم :زيد بن صوحان
العبدي ،والشتر النخعي ،وزياد بن النضر الحارثي ،وعبد الله بن
الصم ،وأمير متمردي الكوفة هو عمرو بن الصم .وخرج متمردو
البصرة ألف رجل ،في أربع فرق ،وأمراء فرقهم ،هم :حكيم بن جبلة
العبدي ،وذريح بن عباد ،وبشر بن شريح القيسي ،وابن المحرش ابن
عبد الحنقي ،وأمير متمردي البصرة هو حرقوص بن زهير السعدي.
وكان عبد الله بن سبأ يسير مع هؤلء مزهوا مسرورا بنجاح خطته
اليهودية الشيطانية ،وكان أهل الفتنة من مصر يريدون علي بن أبي
العوام
)(3
طالب خليفة ،وكان أهل الفتنة من الكوفة يريدون الزبير بن
خليفة ،وكان أهل الفتنة من البصرة يريدون طلحة بن عبيد الله.
وهذا العمل منهم كان بهدف اليقاع بين الصحابة رضوان الله عليهم،
وهو ما ذهب إليه الجري حيث قال :وقد برأ الله -عز وجل -علي بن
أبي طالب وطلحة والزبير رضي الله عنهم من هذه الفرق ،وإنما
الناس وليوقعوا بين الصحابة ،وقد أعاذ الله أظهروا ليموهوا على
الكريم الصحابة من ذلك).(4
وبلغ خبر قدومهم عثمان قبل وصولهم ،وكان في قرية خارج
المدينة فلما سمعوا بوجوده فيها ،اتجهوا إليه فاستقبلهم فيها ،ولم
تصرح لنا الروايات باسم هذه)(5القرية ،ويحدد المدائني تاريخ قدومهم
بليلة الربعاء هلل ذي القعدة ,وكان أول من وصل المصريين،
فقالوا لعثمان :ادع بالمصحف فدعا به ،فقالوا :افتح السابعة ،وكانوا
الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص .159 )( 1
استشهاد عثمان ووقعة الجمل ،خالد الغيث ،ص .148 )( 4
293
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ق ْ
ل يسمون سورة يونس بالسابعة ،فقرأ حتى أتى هذه اليةُ + :
حل َل ً ما َ َ
و حَرا ًه َ عل ُْتم ّ
من ْ ُ ج َ ق َ
ف َ من ّرْز ٍ كم ّ ه لَ ُ
ُ َ ل الل ما َ أ َن َْز َ
ّ أ ََرأ َي ُْتم
ن" ]يونس.[59 : فت َُرو َ عَلى الل ِ
ه تَ ْ م َ مأ ْ ن ل َك ُ ْ
ه أِذ َ ل آلل ُ ق ْ ُ
فقالوا له :قف أرأيت ما حميت من الحمى؟ الله أذن لك أم على
الله تفتري؟ فقال :امضه نزلت في كذا وكذا ،فأما الحمى فإن عمر
حماه قبلي لبل الصدقة ،فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في
الحمى لما زاد من إبل الصدقة .امضه ،قال :فجعلوا يأخذونه بالية،
فيقول :امضه نزلت في كذا فما يزيدون ،فأخذوا ميثاقه ،وكتبوا عليه
يشقوا عصا ،ول يفارقوا جماعة ما أقام لهم شرطا ،وأخذ عليهم أل
شرطهم ،ثم رجعوا راضين).(1
* علي بن أبي طالب يرسله عثمان للمفاوضة مع أهل الفتنة
من المصار:
ونزل القوم في ذي المروة ،قبل مقتله بما يقارب شهرا ونصفا،
فأرسل عثمان إليهم عليا ورجل آخر لم تسمه الروايات ،والتقى
بهم علي فقال لهم :تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما
سخطتم ،فوافقوا على ذلك (2).وفي رواية أنهم شادوه ،وشادهم
مرتين أو ثلثا ،ثم قالوا :ابن عم رسول الله × ورسول أمير
المؤمنين يعرض عليكم كتاب الله فقبلوا) ،(3فاصطلحوا على خمس:
على أن المنفى يقلب ،والمحروم يعطى ،ويوفر الفيء ،ويعدل في
كتاب (4،وأن يرد القسم ،ويستعمل ذو المانة والقوة ،وكتبوا ذلك في
ابن عامر على البصرة ،وأن يبقى أبو موسى على الكوفة) .
وهكذا اصطلح)(5عثمان مع كل وفد على حدة ثم انصرفت
الوفود إلى ديارها .
* الكتاب المزعوم بقتل وفد أهل مصر:
وبعد هذا الصلح وعودة أهل المصار جميعا راضين تبين لمشعلي
الفتنة أن خطتهم قد فشلت ،وأن أهدافهم الدنيئة لم تتحقق ،لذا
خططوا تخطيطا آخر يذكي الفتنة ويحييها يقتضي تدمير ما جرى من
صلح بين أهل المصار وعثمان ،وبرز ذلك فيما يأتي :في أثناء
طريق عودة أهل مصر ،رأوا راكبا على جمل يتعرض لهم ،ويفارقهم
ُ-يظهر أنه هارب منهم -فكأنه يقول :خذوني ،فقبضوا عليه ،وقالوا
له :ما لك؟ فقال :أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر،
ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان وعليه خاتمه إلى
عامله ،ففتحوا الكتاب فإذا فيه أمر بصلبهم أو قتلهم ،أو تقطيع
أيديهم وأرجلهم ،فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها) .(6ونفى عثمان
أن يكون كتب هذا الكتاب ،وقال لهم :إنهما اثنتان :أن تقيموا
رجلين من المسلمين أو يمين بالله الذي ل إله إل هو ما كتبت ول
المصدر نفسه ).(1/128 )( 1
تاريخ دمشق ،ترجمة عثمان ،ص ,328تاريخ خليفة ،ص .170 ،169 )( 2
294
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش أمللت ،ول علمت،
الخاتم ،فلم يصدقوه).(1
وهذا الكتاب الذي زعم هؤلء المتمردون البغاة المنحرفون أنه
من عثمان ،وعليه خاتمه يحمله غلمه على واحد من إبل الصدقة
إلى عامله بمصر ابن أبي السرح ،يأمر فيه بقتل هؤلء الخارجين هو
كتاب مزور مكذوب على لسان عثمان ،وذلك لعدة أمور:
-1إن حامل الكتاب المزور قد تعرض لهؤلء المصريين ثم
فارقهم ،وكرر ذلك مرارا ،وهو لم يفعل ذلك إل ليلفت أنظارهم إليه،
ويثير شكوكهم فيه ،وكأنه يقول لهم :معي شيء هام بشأنكم .وإل
فلو كان من عثمان لخافهم حامل الكتاب المزعوم ،ولبعد عنهم,
وأسرع إلى والي مصر ليضع بين يديه المر فينفذه.
-2كيف علم العراقيون بالمر وقد اتجهوا إلى بلدهم ،وفصلتهم
عن المصريين -الذين أمسكوا بالكتاب المزعوم -مسافة شاسعة؛
فالعراقيون في الشرق والمصريون في الغرب ،ومع ذلك عادوا
جميعا في آن واحد كأنما كانوا على ميعاد؟ ل يعقل هذا إل إذا كان
الذين زوروا الكتاب واستأجروا راكبا ليحمله ويمثل الدور في
)البويب( أمام المصريين ،قد استأجروا راكبا آخر انطلق إلى
العراقيين ليخبرهم بأن المصريين قد اكتشفوا كتابا بعث به عثمان
لقتل المنحرفين المصريين ،وهذا ما احتج به علي بن أبي طالب
فقد قال :كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل
مراحل( ثم طويتم نحونا) .(2بل إن علّيا يجزم :هذا مصر ،وقد سرتم
والله أمر أبرم بالمدينة). 3
-3كيف يكتب عثمان إلى ابن أبي السرح بقتل هؤلء وابن أبي
السرح كان عقب خروج المتمردين من مصر متجهين إلى المدينة كتب
إلى الخليفة يستأذنه بالقدوم عليه ،وقد تغلب على مصر محمد بن أبي
حذيفة ،وفعل خرج ابن أبي السرح من مصر إلى العريش وفلسطين
فالعقبة ،فكيف يكتب له عثمان بقتلهم وعنده كتابه الذي يستأذنه به
منه بالقدوم عليه؟
-4إن عثمان قد نهى عن قتل المتمردين عندما حاصروه
وأبى على الصحابة أن يدافعوا عنه ،ولم يأمر بقتال الخارجين دفاعا
عن نفسه ،كما سيأتي تفصيله إن شاء الله ،فكيف يكتب مثل هذا
الكتاب المزور وقد خرجوا عنه من المدينة مظهرين التوبة والنابة.
حكيم بن جبلة والشتر النخعي -بعد خروج المتمردين- -5تخلف ُ
في المدينة يشير إشارة واضحة إلى أنهما هما اللذان افتعل الكتاب،
إذ لم يكن لهما أي عمل بالمدينة ليتخلفا فيها ،وما مكثا إل لمثل هذا
الغرض ،فهما صاحبا المصلحة في ذلك (4).وربما كان ذلك بتوجيه من
عبد الله بن سبأ ,ولم يكن لعثمان في ذلك أية مصلحة ،وكذلك
ليس لمروان بن الحكم أية مصلحة ،والذين يتهمون مروان في هذا
فتنة مقتل عثمان ) ،(5/132البداية والنهاية ).(7/191 )( 1
295
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
إنما ينسبون إلى الخليفة الغفلة عن مهامه ،وأن في ديوان الخلفة
من يجري المور ويقضي بها دون علمه ،وبذلك يبرئون ساحة أولئك
المجرمين الناقمين ،الغادرين ،ثم لو أن مروان زور الكتاب لكان
أوصى حامل ذلك الكتاب أن يبتعد عن أولئك المنحرفين ،ول يتعرض
لهم في الطريق حتى يأخذوه وإل لكان متآمرا معهم على عثمان،
وهذا محال.
-6إن هذا الكتاب المشئوم ليس أول كتاب يزوره هؤلء
المجرمون ،بل زوروا كتبا على لسان أمهات المؤمنين ،وكذلك على
لسان علي وطلحة والزبير ،فهذه عائشة -رضي الله عنهاُ -تتهم بأنها
كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي وتقول :ل
الكافرون ،ما كتبت لهم سوداء والذي آمن به المؤمنون ,وكفر به
في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا).(1
)(2
ويعقب العمش فيقول :فكانوا يرون أنه كتب على لسانها.
ويتهم الوافدون عليا بأنه كتب إليهم أن يقدموا عليه بالمدينة،
فينكر ذلك عليهم ،ويقسم :والله ما كتبت إليكم كتابا (3).كما
ينسب إلى الصحابة بكتابة الكتب إلى أهل المصار يأمرونهم
بالقدوم إليهم ،فدين محمد قد فسد وترك ،والجهاد في المدينة
خير من الرباط في الثغور البعيدة (4).ويعلق ابن كثير على هذا
الخبر قائل :وهذا كذب على الصحابة ،وإنما كتبت كتب مزورة
عليهم ،فقد كتب من جهة علي وطلحة والزبير إلى الخوارج -قتلة
عثمان -كت ٌ ب مزورة عليهم أنكروها ،وكذلك زور هذا الكتاب على
عثمان أيضا ،فإنه لم يأمر به ،ولم يعلم به (5).ويؤكد كلم ابن كثير
ما رواه الطبري وخليفة من استنكار كبار الصحابة -علي وعائشة
والزبير -أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات (6).إن اليدي
المجرمة التي زورت الرسائل الكاذبة على لسان أولئك الصحابة
هي نفسها التي أوقدت نار الفتن من أولها إلى آخرها ،ورتبت
ذلك الفساد العريض ،وهي التي زورت وروجت على عثمان تلك
الباطيل ،وأنه فعل وفعل ،ولقنتها للناس ،حتى قبلها الرعاع ،ثم
زورت على لسان عثمان ذلك الكتاب ليذهب عثمان ضحية إلى
ربه شهيدا سعيدا .ولم يكن عثمان الشهيد هو المجني عليه وحده
في هذه المؤامرة السبئية اليهودية ،بل السلم نفسه كان مجنيا
عليه قبل ذلك ،ثم التاريخ المشوه المحرف والجيال السلمية
التي تلقت تاريخها مشوها هي كذلك ممن جنى عليهم الخبيث
اليهودي ،وأعوانه من أصحاب المطامع والشهوات والحقد
الدفين ،أما آن للجيال السلمية أن تعرف تاريخها الحق ،وسير
رجالتها العظام؟ بل ألم يأن لمن يكتب في هذا العصر من
296
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المسلمين أن يخاف الله ول يتجرأ على تجريح البرياء ،قبل أن
)(1
يحقق ويدقق حتى ل يسقط كما سقط غيره؟!.
ثانًيا :بدء الحصار ورأي عثمان في الصلة خلف أئمة الفتنة:
صل الروايات الصحيحة كيفية بدء الحصار ووقوعه ،ولعل لم تف ّ
بدئه (2،فبينما كان كيفية على الضوء من شيئا تلقي سبقته التي الحداث
الناس ذات يوم إذا برجل -يقال له أعين) -يقاطعه يخطب عثمان
ويقول له :يا نعثل) (,3إنك قد بدلت ،فقال عثمان :من هذا؟ فقالوا:
الناس إلى أعين ،وجعل أعين ،قال عثمان :بل أنت أيها العبد ،فوثب
رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله الدار (4).وكان رجوع
المتمردين الثاني ،وقبل اشتداد الحصار كان عثمان يتمكن من
منع من الخروج من الدار حتى ودخول من شاء إليه ،ثم ُ)(5
الخروج للصلة
صرين من ِ المحا من رجل بالناس يصلي فكان ، الفريضة إلى صلة
أئمة الفتنة ،حتى إن عبيد الله بن عدي بن الخيار تحرج من الصلة
خلفه ،فاستشار عثمان في ذلك ،فأشار عليه بأن يصلي خلفه ،وقال
الناس ،فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، )(6
له :الصلة أحسن ما يعمل
بعض الروايات الضعيفة أن الذي وفي إساءتهم. وإذا أساءوا فاجتنب
كان يصلي بالناس هو أميرهم الغافقي) (.7ول صحة لما روى الواقدي
يصلي (8بالناس فصلى بهم أول من أن علّيا أمر أبا أيوب النصاري أن
الحصر ،ثم صلى علي بهم العيد وما بعده ).وإضافة إلى شدة
ضعف إسناد هذه الرواية ،فلو كان الذي يصلي بالناس هو علي ،أو أبو
الله(9عنهما -لما تحرج عبيد الله بن عدي بن الخيار من أيوب -رضي
الصلة خلفهما) .
ثالثـا :المفاوضات بين عثمان ومحاصريه:
الخارجون على عثمان بالدار وبعد أن تم الحصار ،وأحاط
فقد رفض عثمان خلع نفسه، , )(10
طلبوا منه خلع نفسه أو يقتلوه
وقال :ل أخلع سربال سربلنيه الله (11).يشير إلى ما أوصاه به رسول
الله × بينما كان قلة من الصحابة -رضوان الله عليهم -يرون خلف
نفسه( ليعصم دمه ،ومن ما ذهب إليه ,وأشار عليه بعضهم بأن يخلع
هؤلء المغيرة بن الخنس ،لكنه رفض ذلك). 12
-1ابن عمر يحث عثمان على عدم التنازل عن منصب
)( عثمان بن عفان ..الخليفة الشاكر الصابر ،ص .229 ،228 1
)( هو لقب أطلقه الخارجون على عثمان ،وهذا اللقب أطلق من باب 3
التنقيص.
)( فتنة مقتل عثمان ) ،(1/143تاريخ دمشق ترجمة عثمان ،ص ،247إسناده 4
حسن.
)( تاريخ دمشق ،ترجمة عثمان ،ص ،342 ،341إسناده حسن. 5
297
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الخلفة:
دخل ابن عمر على عثمان -رضي الله عنهما -أثناء حصاره ،فقال
له عثمان :انظر إلى ما يقول هؤلء ،يقولون :اخلعها ول تقتل
نفسك ،فقال ابن عمر رضي الله عنهما :إذا خلعتها أمخلد أنت في
الدنيا؟ فقال عثمان :ل ،قال :فإن لم تخلعها هل يزيدون على أن
يقتلوك؟ قال عثمان :ل ،قال :فهل يملكون لك جنة أو ناًرا؟ قال:
مصكه الله فتكون سنة كلما قميصا(1ق ّ ل ،قال :فل أرى لك أن تخلع
كره قوم خليفتهم أو إمامهم قتلوه) .
رضي الله عن عبد الله بن عمر ،ما كان أبعد نظره ،إنه ل يريد
أن يسن عثمان سنة سيئة للخلفاء ،وحاشا لعثمان أن يفعل ،فلو
تنازل عثمان لهؤلء الخوارج السبئيين وخلع نفسه ،لصار الخلفاء
ألعوبة وملهاة بأيدي الطامعين أو المغرضين ،وبذلك تهتز صورة
الخليفة ،وتزول هيبته عند الناس ،ولقد سن عثمان سنة حسنة لمن
حيث بعده بمشورة ابن عمر وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم؛
صبر واحتسب فلم يتنازل عن الخلفة ولم يسفك دماء المسلمين).(2
إن الستجابة لمطالب المتمردين ،وهم فئة قليلة من المة ليسوا
من أهل الحل والعقد ،ول من رجالت السلم وفقهاء الشريعة،
ستكون لها آثار خطيرة على مسيرة المة ،وهيبة الخلفة وعلقة
الراعي بالرعية ،وكان ثمن دفع هذه الثار السيئة أن دفع الخليفة
حياته ،وهو يعلم بمصيره ويستسلم له ,وهو أمر ثقيل على النفس،
ولكنه قدم مصالح المة على مصلحته الشخصية ،مما يكشف عن
قوة وعزيمة ،وشجاعة ومضاء ،ويرد به على تلك التهم التي وجهت
إليه من ضعف في هذه الصفات ،فإنه كان قادرا -بإذن الله -
على كبح الفتنة ،ولكنه قدر حدوث مفاسد تغلب على مصلحة كبحها،
فأعرض عن ذلك درءا لها ،وبذلك يعلم خطأ العقاد عندما قال بأن
قتل عثمان ل يوصف بأكثر من أنه )مشاغبة دهماء( لم تجد من
يكبحها (3).فإن في ذلك غمزا في شخصية وشجاعة عثمان ،وهي
حقا فتنة دهماء ،ولكن عدم كبحها يعد منقبة لعثمان ،لما فيه من
سبيل الله رجاء تحصيل مصلحة للمة ،وعمل بوصية تضحية في
رسول الله ×).(4
-2توعد المحاصرين له بالقتل:
وبينما كان عثمان في داره ،والقوم أمام الدار محاصروها
دخل ذات يوم مدخل الدار ،فسمع توعد المحاصرين له بالقتل،
فخرج من المدخل ودخل على من معه في الدار ولونه ممتقع،
فقال :إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفا ،فقالوا له :يكفيكم الله يا أمير
م يقتلونني وقد سمعت رسول الله × يقول» :ل المؤمنين ،فقال :ول ِ َ
يحل دم امرئ مسلم إل في إحدى ثلث :رجل كفر بعد
إيمانه ،أو زنى بعد إحصانه ،أو قتل نفسا بغير نفس«؟
فضائل الصحابة ) ،(1/473إسناده صحيح. )( 1
298
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فوالله ما زنيت في جاهلية ول في إسلم قط ،ول تمنيت أن لي
بديني بدل منذ هداني الله ،ول قتلت نفسا ،ففيم يقتلونني؟!) (1ثم
أشرف على المحاصرين وحاول تهدئة ثورتهم عن خروجهم على
إمامهم ،مضمنا كلمه الرد على ما عابوه به ،وكشف الحقائق التي
لّبسها القوم ،عسى أن يفيق المغرور بهم ويعودوا إلى رشدهم،
فطلب من المحاصرين أن يخرجوا له رجل يكلمه ،فأخرجوا له شابا
يقال)(2له :صعصعة بن صوحان ،فطلب عثمان أن يبين له ما نقموه
عليه .
-3إقامة عثمان الحجة على زيف استدلل صعصعة:
قال صعصعة :أخرجنا من ديارنا بغير حق إل أن قلنا ربنا الله،
قات َُلون بأ َ بالقرآن -فقرأ+ :أ ُ فقال له عثمان :
م ْ هُ ّ ن ِ َ َ ُ ي ن َ ذي ِ ّ ل ِ ل نَ ذِ اتل -أي استدل
م ه
ِ
ْ ِ ْ ر ص َ ن لى َ ع َ ه
َ الل ن وإ ِ ّ موا َ َظُل ِ ُ
ر" ]الحج.[39 : دي ٌ ق ِ ل َ
فقال عثمان :ليست لك ،ول لصحابك ،ولكنها لي ولصحابي،
صعصعة وما بعدها ،مما يفسرها بهافتل+ :أ ُ فقرأ عثمان الية التي استدل
ن
ُ َ لو ُ َ ت قا َ ي
ِ َ ُ ن ذي ّ ل ِ ل ن
ِ َ ذ بها ويبين زيف استدلل صعصعة
ّ َ َ َ
جوا ِ ُ ر خْ أ ن
َ ذي ِ
َ
ل ا ر ٌ دي ِ َ
ق ل م ْ ُِ ْ ه
ِ ر ص َ ن لى َ ع ه َ ن الل َ وإ ِ ّ موا َ م ظُل ِ ُ ه ْ ب ِأن ّ ُ
هع الل ِ ف ُ ول َ دَ ْ ول َ ْ ه َ قولوا َرب َّنا الل ُ ق إ ِل ّ أن ي َ ُ ح ّ ر َ غي ْ ِ هم ب ِ َ ر ِ من ِدَيا ِ ِ
ت َ َ َ ٌ وا ل ص و ع ٌ َ ي ب
ََ ِ و ع
ُ م ِ وا ص
ٍ ُ َ ْ ََ َ ت م ّ د ه ّ ل ض ع
ْ َ ب ُ ْ ِب م ه ض
َ ع
ْ َ ب س
َ نا ّ ال
من َ ه ُ الل ن ّ ر
َ ص ُ ينَ ل و
َ را ً ثي ِ ك هِ الل م ُ اس ها َ في ِ ر ُ جدُ ي ُذْك َ ِ سا م َ و َ َ
ض ر في ال َ ِ م ه ُ نا ّ ّ ك م إن ن ذي ِ ّ ل ا ز
ٌ زي ع
َ ي و قَ َ ل ه الل ن
ّ إ ه ر ص ين ََ
ْ ِ ْ َ ِْ ّ
كاةَ وأ َ ِ ّ ِ َ ِ ُ ُ ُ
ن عَ وا َ َ ْ ه َ ن و ف
ِ رو ِ َ ُ ع
ْ م ل با روا م
َ َ ُ َ ز ّ ال وا َ ت وآ َ ة َ ل ص
ّ ال موا أ ْ ُ قا َ
ِ
ر" ]الحج .[41 -39 :فأفهم عثمان مو ة ُ ال ُ ب ق
َ
عا ه ولل َ
ُ ِ ُ َ ِ َ ِ من ْ ِ َ ر ك ال ُ
الناس اليات فهما صحيحا كما نزلت ،مبينا سبب نزولها وفيمن
من قرأ القرآن ،وهو ل يعرف نزلت ،وعلى ما تدل؛ لئل يلبس عليهم
معناه ويستدل به على ما يضاد مراده (3).كما أن نفي عثمان لمن
نفاه إنما هو عمل بالية التي تلي الية التي استدل بها صعصعة،
فإنها تأمر من مكنه الله في الرض أن يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر ،وعثمان خليفة ،ونفيهم أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ،لما
قاموا به من تعد ّ على بعض المسلمين ،ومن محاولت لثارة الفتنة. )(4
299
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
شهد رسول الله يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى
أهل مكة فقال :هذه يدي وهذه يد عثمان ،فبايع لي ،فانتشد له
رجال ،ثم قال :أنشد الله من شهد رسول الله × قال :من يوسع لنا
البيت في المسجد ببيت له في الجنة ،فابتعته من مالي فوسعت به
المسجد ،فانتشد له رجال ،ثم قال :أنشد الله من شهد رسول الله
× يوم جيش العسرة قال :من ينفق اليوم نفقة متقبلة؟ فجهزت
نصف الجيش من مالي ،فانتشد له رجال ،ثم قال :أنشد الله من
السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن
)(1
شهد رومة يباع ماؤها ابن
السبيل ،قال :فانتشد له رجال.
وعن أبي ثور الفهمي يقول :قدمت على عثمان ،فبينا أنا عنده
فخرجت فإذا بوفد أهل مصر قد رجعوا ،فدخلت على عثمان
فأعلمته ،قال :فكيف رأيتهم؟ فقلت :رأيت في وجوههم الشر،
وعليهم ابن عديس البلوي ،فصعد ابن عديس منبر رسول الله ×
فصلى بهم الجمعة ،وتنقص عثمان في خطبته ،فدخلت على عثمان
فأخبرته بما قال فيهم ،فقال :كذب والله ابن عديس ،ولول ما ذكر
ما ذكرت ،إني رابع أربعة في السلم ،ولقد أنكحني رسول الله ×
ابنته ،ثم توفيت ,فأنكحني ابنته الخرى ،ول زنيت ول سرقت في
جاهلية ول إسلم ،ول تغنيت ول تمنيت منذ أسلمت ،ول مسست
فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله × ،ولقد جمعت القرآن
ي جمعة إل وأنا أعتق فيها رقبةعلى عهد رسول الله × ,ول أتت عل ّ
منذ أسلمت إل أن ل أجدها في تلك الجمعة ،فأجمعها في الجمعة
الثانية).(2
ولما رأى عثمان إصرار المتمردين على قتله حذرهم من ذلك
ومن مغبته فاطلع عليهم من كوة) (3وقال لهم :أيها الناس ،ل تقتلوني
واستعتبوني ،فوالله لئن قتلتموني ل تقاتلوا جميعا أبدا ،ول تجاهدوا
عدوا أبدا ،لتختلفن حتى تصيروا هكذا ،وشبك بين أصابعه (4).وفي
ل وأخ مسلم ،فوالله رواية أنه قال :أيها الناس ،ل تقتلوني ،فإني وا ٍ
إن أردت إل الصلح ما استطعت ،أصبت أو أخطأت ،وإنكم إن
تقتلوني ل تصلوا جميعا أبدا ،ول تغزوا جميعا أبدا ،ول يقسم فيئكم
بينكم) .(5وقال أيضا :فوالله لئن قتلوني ل يحابون بعدي أبدا ،ول
يقاتلون بعدي أبدا (6).وقد تحقق ما حذرهم منه؛ فبعد قتله وقع كل
ما قاله ،وفي ذلك يقول الحسن البصري :فوالله إن صلى القوم
)(7
جميعا إن قلوبهم لمختلفة.
رابًعا :دفاع الصحابة عن عثمان ورفضه لذلك:
المسند ) ،(1/59وقال أحمد شاكر ) :(420إسناده صحيح. )( 1
المعرفة والتاريخ ) ،(2/488خلفة عثمان بن عفان للسلمي ،ص .91 )( 2
تاريخ ابن خياط ،ص ،171فتنة مقتل عثمان (1/157) ،إسناده حسن. )( 6
300
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أرسل عثمان إلى الصحابة -رضي الله عنهم -يشاورهم في
أمر المحاصرين وتوعدهم إياه بالقتل ،فكانت مواقفهم كالتي:
-1علي بن أبي طالب :
فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله أن عليا أرسل
إلى عثمان فقال :إن معي خمسمائة دارع ،فأذن لي فأمنعك من
جزيت خيرا ،ما يستحل به دمك ،فقالُ : القوم ،فإنك لم تحدث شيئا
أحب أن يهراق دم في سببي).(1
-2الزبير بن العوام :
عن أبي حبيبة) (2قال :بعثني الزبير إلى عثمان وهو محاصر
فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي ،وعنده الحسن بن
علي ،وأبو هريرة ،وعبد الله بن عمر ،وعبد الله بن الزبير ،فقلت:
بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلم ويقول لك :إني
على طاعتي لم أبدل ولم أنكث ،فإن شئت دخلت الدار معك،
وكنت رجل من القوم ،وإن شئت أقمت ،فإن بني عمرو بن عوف
وعدوني أن يصبحوا على بابي ،ثم يمضون على ما آمرهم به،
فلما سمع -يعني عثمان -الرسالة قال :الله أكبر ،الحمد لله الذي
ي ،وعسى الله أن ب إل ّ
عصم أخي ،أقرئه السلم ،ثم قل له :أح ّ
يدفع بك عني ،فلما قرأ الرسالة أبو هريرة قام فقال :أل أخبركم
ما سمعت أذناي من رسول الله × ؟ قالوا :بلى ،قال :أشهد
لسمعت رسول الله × يقول» :تكون بعدي فتن وأمور«،
فقلنا :فأين المنجى منها يا رسول الله؟ قال» :إلى المين
وحزبه « ،وأشار إلى عثمان بن عفان ،فقام الناس فقالوا :قد
لنا( في الجهاد؟ فقال) :أعزم على من كانت أمكنتنا البصائر ،فأذن
لي عليه طاعة أل يقاتل(). 3
-3المغيرة بن شعبة :
فقد ورد أن المغيرة بن شعبة دخل عليه وهو محاصر ،فقال:
إنك إمام العامة ،وقد نزل بك ما ترى ،وإني أعرض عليك خصال ثلثة
اختر إحداهن :إما أن تخرج فتقاتلهم ،فإن معك عددا وقوة ،وأنت
على الحق وهم على الباطل ،وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي
هم عليه ،فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة ،فإنهم لن يستحلوك بها،
وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية ،فقال عثمان:
أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون
أول من خلف رسول الله × في أمته بسفك الدماء ،وأما أن أخرج
إلى مكة فإنهم لن يستحلوني ,فإني سمعت رسول الله × يقول:
»يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم« ،ولن
أكون أنا ،وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن
)( هو أبو حبيبة مولى الزبير بن العوام ،روى عن الزبير ،وسمع أبا هريرة 2
وعثمان محصور.
)( فضائل الصحابة ) (512 ،1/511إسناده صحيح. 3
301
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أفارق دار هجرتي ومجاورة الرسول).(1
-4عبد الله بن الزبير :
عزم الصحابة -رضي الله عنهم -على الدفاع عن عثمان ،ودخل بعضهم
عزم عليهم بشدة ،وشدد عليهم في الكف عن الدار ،ولكن عثمان
القتال دفاعا عنه ،مما حال بين رغبتهم الصادقة في الدفاع عنه وبين
تحقيقها ،وكان من ضمن أولئك عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ،فقد
فوالله لقد أحل الله لك قتالهم ،فقال عثمان :ل قاتلهم،لعثمان
: قال
والله ،ل أقاتلهم أبدا).(2
وفي رواية :يا أمير المؤمنين ،إنا معك في الدار عصابة
مستبصرة ينصر الله)(3بأقل منها فأذن لنا ،فقال عثمان :أنشد الله
مره)(4على الدار ،وقال :من كانت لي عليه ي دمه ،ثم أ ّ رجل أهراق ف ّ
طاعة فليطع عبد الله بن الزبير .
-5كعب بن مالك ،وزيد بن ثابت النصاريان رضي الله عنهما:
حث كعب بن مالك النصار على نصرة عثمان وقال لهم:
يا معشر النصار ،كونوا أنصار الله مرتين ،فجاءت النصار عثمان
ثابت (5وقال له :هؤلء النصار بالباب، ووقفوا بابه ،ودخل زيد بن
أنصار الله مرتين ).فرفض القتال وقال :ل حاجة لي إن شئت كنا
في ذلك ،كفوا).(6
-6الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
وقال له :اخترط سيفي؟ الحسن بن علي رضي الله عنهما، وجاء
ن دمك ،ولكن ثم) (8سيفك ،وارجع إلى ْ م
ِ ً
ذا إ الله )(7
أبرأ ل له: قال
أبيك).(9
-7عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:
)(10
ولما رأى الصحابة أن المر استفحل ،وأن السيل بلغ الزبى
عزم بعضهم على الدفاع عنه دون استشارته ،فدخل بعضهم الدار
مستعدا للقتال ،فقد كان ابن عمر معه في الدار ،متقلدا سيفه لبسا
درعه ليقاتل دفاعا عن عثمان ،ولكن عثمان عزم عليه أن يخرج
من الدار خشية أن يتقاتل مع القوم عند دخولهم عليه فيقتل ،كما
)( طبقات ابن سعد ) ،(3/70إسناده صحيح إلى عبد الله بن الزبير. 4
)( هكذا في الصل ،والثم هو :إصلح الشيء وإحكامه ،لسان العرب )،(12/79 8
ويحتمل أن تكون مصحفة من شم ،والشم هو :إعادة السيف إلى غمده.
)( فتنة مقتل عثمان ) ،(1/162المصنف لبن أبي شيبة ).(152/224 9
)( بلغ الماء الزبى أو الربى ،ويروى بلغ السيل الزبى أو الربى ،والزبى :جمع 10
زبية السد ،وهي حفرة تحفر له في مكان مرتفع ليصطاد ،فإذا بلغ الماء فهو
المجحف .الربى :جمع ربوة ،وهذا المثل يضرب في الشر الفظيع) ،المستسقى
في أمثال العرب( للزمخشري ).(2/14
302
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لبسه مرة أخرى).(1
-8أبو هريرة :
)(2
دخل الدار على عثمان يقول :يا أمير المؤمنين ،طاب أمضرب ،
فقال له :يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي؟ قال :ل،
قال :فإنك والله إن قتلت رجل واحدا فكأنما قُِتل الناس جميعا،
يقاتل .وفي رواية :أن أبا هريرة كان متقلدا سيفه حتى فرجع ولم
نهاه عثمان).(3
-9سليط بن سليط:
قال :نهانا)(4عثمان عن قتالهم ،ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم
من أقطارها.
ويقول ابن سيرين :كان مع عثمان في الدار سبعمائة ،لو يدعهم
لضربوهم إن شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها ،منهم :ابن عمر،
والحسن بن علي ،وعبد الله بن الزبير .ويقول أيضا :لقد قتل عثمان
الحسن بن علي يوم قتل وإن الدار لغاصة ،منهم ابن عمر وفيهم
في عقنه السيف ،ولكن عثمان عزم عليهم أل يقاتلوا).(5
وبذلك يظهر زيف ما اتهم به الصحابة مهاجرين وأنصارا من تخاذل
فإنه ل يسلم من علة إن لم عن نصرة عثمان،وكل ما روي في ذلك
تكن علل قادحة في السناد والمتن جميعا).(6
-10عرض بعض الصحابة على عثمان مساعدته في الخروج
إلى مكة:
ولما رأى بعض الصحابة إصرار عثمان على رفض قتال
المحاصرين ،وأن المحاصرين مصرون على قتله ،لم يجدوا حيلة
لحمايته سوى أن يعرضوا عليه مساعدته في الخروج إلى مكة هربا
من المحاصرين ،فقد روى أن عبد الله بن الزبير ،والمغيرة بن
شعبة ،وأسامة بن زيد ،عرضوا عليه ذلك ،وكان عرضهم متفرقا،
واحد منهم عليه ذلك على حدة ،وعثمان يرفض فقد عرض كل
كل هذه العروض).(7
* السباب التي دعت عثمان إلى منع الصحابة من القتال:
يظهر للباحثين من خلل روايات الفتنة أن هناك أسبابا خمسة
هي:
-1العمل بوصية رسول الله × التي ساّره بها ،وبّينها عثمان
الميم بدل اللم ،فأصلها )الضرب( وهي لغة لبعض أهل اليمن. )( 2
تاريخ دمشق لبن عساكر ،ترجمة عثمان ،ص .395 )( 5
303
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
يوم الدار ،وأنها عهد ٌ عهد به إليه ،وأنه صابر نفسه عليه).(1
-2ما جاء في قوله :لن أكون أول من خلف رسول الله × في
يكون أول من خلف رسول الله × أمته بسفك الدماء؛ أي كره أن
في أمته بسفك دماء المسلمين).(2
-3علمه بأن البغاة ل يريدون غيره ،فكره أن يتوقى بالمؤمنين،
وأحب أن
يقيهم بنفسه).(3
-4علمه بأن هذه الفتنة فيها قتله ،وذلك فيما أخبره بها رسول
الله × عند تبشيره إياه بالجنة على بلوى تصيبه ،وأنه سيقتل
مصطبرا بالحق ,معطيه في فتنة ،والدللت تدل على أن أوانها قد
حان ،وأكد ذلك تلك الرؤيا التي رآها ليلة قتله ،فقد رأى رسول الله
× وقال له» :أفطر عندنا القابلة« ،ففهم أن موعد الستشهاد قد
قرب.
-5العمل بمشورة ابن سلم له؛ إذ قال له :الكف الكف ،فإنه
أبلغ لك
في الحجة).(4
وتحقق إخبار النبي × بأن عثمان سوف يقتل ،وذلك فيما
رواه عبد الله بن حوالة) (5عن النبي × قال» :من نجا من
ثلث فقد نجا -ثلث مرات :-موتي ،والدجال ،وقتل خليفة
مصطبرا بالحق معطيه« ).(6
وفيما تقدم يتبين هدوؤه في التفكير ،وأن شدة البلوى لم
تحل بينه وبين ذلك التفكير الصحيح والرأي السليم ،فقد تضافرت
السباب لتحديد هذا الموقف المسالم في قتال الخارجين عليه ،ول
شك أنه كان على الحق في مواقفه التي اتخذها لما صح عن
النبي × أنه أشار إلى وقوع هذه الفتنة ،وشهد لعثمان وأصحابه أنهم
على الحق فيها).(7
قال ابن تيمية -رحمه الله :-ومن المعلوم بالتواتر أن عثمان كان
من أكف الناس عن الدماء ،وأصبر الناس عمن نال من عرضه،
وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا في قتله ،وقد عرف
إرادتهم لقتله ،وقد جاء المسلمون ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم،
وهو يأمر الناس بالكف عن القتال ويأمر من يطيعه أن ل يقاتلهم...
وقيل له :تذهب إلى مكة؟ فقال :ل أكون ممن ألحد في الحرم،
)( فتنة مقتل عثمان ) (1/168انظر الحاديث الصحيحة التي ذكرتها في فضائله 7
304
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فقيل له :تذهب إلى الشام؟ فقال :ل أفارق دار هجرتي ،فقيل له:
فقاتلهم ،فقال :ل أكون أول من خلف محمدا في أمته بالسيف،
فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين).(1
سا :موقف أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات: خام ً
-1أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما:
كان موقف السيدة أم حبيبة أم المؤمنين من المواقف البالغة
الخطر في هذه الحداث ،وهو موقف كان من الخطورة بحيث كادت
-رضي الله عنها -أن تقتل فيه ،ذلك أنه
لما حوصر عثمان ومنع عنه الماء ،سّرح عثمان ابنا لعمرو بن
حزم النصاري -من جيران عثمان -إلى علي بأنهم قد منعونا الماء،
فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من
الماء فافعلوا ،وإلى طلحة وإلى الزبير وإلى عائشة وأزواج النبي ×،
فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة (2).وكانت أم حبيبة معنية
بعثمان ،كما قال ابن عساكر ،وكان هذا طبيعيا منها؛ حيث النسب
الموي الواحد ،جاءت أم حبيبة ،فضربوا وجه بغلتها ،فقالت :إن
وصايا بني أمية إلى هذا الرجل ،فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك
كيل تهلك أموال أيتام وأرامل ،قالوا :كاذبة ،وأهووا لها وقطعوا حبل
البغلة بالسيف فندت) (3بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد مالت راحلتها،
فتعلقوا بها ،وأخذوها وقد كادت تقتل ،فذهبوا بها إلى بيتها (4).ويبدو
أنها -رضي الله عنها -أمرت ابن الجراح مولها أن يلزم عثمان ،
فقد حدثت أحداث الدار ،وكان ابن الجراح حاضرا).(5
-2صفية زوجة رسول الله ×:
وما فعلته السيدة أم حبيبة فعلت مثله السيدة صفية رضي الله
عنها؛ فلقد روي عن كنانة) (6قال :كنت أقود بصفية لترد ّ عن عثمان،
فلقيها الشتر) ،(7فضرب وجه بغلتها حتى مالت ،فقالت :ذروني ل
يفضحني هذا ،ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل عثمان تنقل
عليه الطعام والماء).(8
-3عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:
ولما حدث ما حدث للسيدة أم حبيبة أعظمه الناس جدا،
فخرجت عائشة -رضي الله عنها -من المدينة وهي ممتلئة غيظا
على المتمردين ،وجاءها مروان بن الحكم ،فقال :أم المؤمنين ،لو
)( منهاج السنة ).(203 ،3/202 1
)( تاريخ الطبري ) ،(5/401نقل عن دور المرأة السياسي ،ص .340 4
)( كناية بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف 6
العبشمي.
)( دور المرأة السياسي ،ص .340 7
305
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل ،فقالت :أتريد أن يصنع بي
كما صنع بأم حبيبة ،ثم ل أجد من يمنعني ،ل والله ل أ ُعَّير) ,(1ول
أدري إلم يسلم أمر هؤلء (2).ورأت -رضي الله عنها -أن خروجها
ربما كان معينا في فض هذه الجموع ،كما سيتضح من الرواية التية
بعد ،وتجهزت أمهات المؤمنين إلى الحج هربا من الفتنة ،على أن
خروجهن لم يكن تنزها عن ملبسات الفتنة وحسب ،ولم يكن هربا
محضا ،وإنما كان محاولة منهن لتخليص عثمان من أيدي هؤلء
المفتونين ،الذين كان منهم محمد بن أبي بكر ،أخو السيدة عائشة
رضي الله عنها ،الذي حاولت أن تستتبعه معها إلى الحج فأبى ،ولقد
دلل على هذه المحاولة منها أن استتباعها له ورفضه كانا لفتين
للنظر حتى إن حنظلة الكاتب) (3قد هاله رفض محمد لن يتبع أم
المؤمنين ،وقارن بين هذا الرفض وبين متابعته لهل المصار ،قائل:
يا محمد ،تدعوك أم المؤمنين فل تتبعها ،وتدعوك ذؤبان) (4العرب
إلى ما ل يحل فتتبعهم ،فأبى ،فقالت السيدة عائشة :أما والله لو
استطعت أن يحرمهم الله ما يجولون لفعلن (5).وهذا القول منها
بعدما حاولته مع أخيها ،دليل على أنها قد بدأت محاولتها لفض
الثائرين عن عثمان ،ولثارة الرأي العام عليهم منذ بدأ تفكيرهم في
الذهاب إلى مكة ،وهذا هو ما أكد عليه المام ابن العربي ،قال :إنه
يروي أن تغيبهم -تغيب أمهات المؤمنين مع عدد من الصحابة -كان
قطعا للشغب بين الناس رجاء أن يرجع الناس إلى أمهاتهم ،وأمهات
المؤمنين ،فيرعوا حرمة نبيهم) ،(6ويستمعوا إلى كلمتهن التي طالما
كانوا يقصدونها في كل الفاق) .(7أي أن خروجهم كان نوعا من
التفريق لهذه الجموع؛ حيث كان معروفا عند الناس التماس رأيهن
وفتاواهن ،وكن -رضوان الله عليهن -ل يتصورن أن يصل المر بهؤلء
الناس إلى قتل الخليفة .(8)
-4مواقف للصحابيات:
أ -وقد حاولت أسماء بنت عميس نفس المحاولة التي حاولتها
أم المؤمنين عائشة ،فبعثت إلى ابنيها محمد بن أبي بكر ،ومحمد بن
جعفر) (9فقالت :إن المصباح يأكل نفسه ويضيء للناس ،فل تأثما في
أمر تسوقانه إلى من ل يأثم فيكما ،فإن هذا المر الذي تحاولون
جا
اليوم لغيركم غدا ،فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم ،فل ّ
وخرجا مغضبين يقولن :ل ننسى ما صنع بنا عثمان ،وتقول :ما صنع
)( أ ُعَّير :من العار ،وقد يبدى هذا التعبير أن الحالة التي وضع فيها الغوغاء 1
)( حنظلة بن ربيع التميمي ،كان يكتب الوحي لرسول الله × ،فسمي الكاتب. 3
)( محمد بن جعفر بن أبي طالب ،أمه أسماء بنت عميس الخشعمية ،ولد بأرض 9
الحبشة ،شهد صفين مع علي ،وكان مع أخيه محمد بمصر لما قتل.
306
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
وقيل الحديث كان بين ليلى بنت أسماء بكما ،أل ألزمكما الله.
وأخويها).(2
وهي في ذلك تشير إلى أنه لما جاء أهل المصار ،وكروا راجعين
إلى المدينة بعدما كانوا ناظروا عثمان فناظرهم ،وأقام عليهم
الحجة ،فأظهروا أنهم راجعون إلى بلدهم ،ثم ما لبثوا أن عادوا
رسل في قتل أناس كان منهم -حسب بدعوى أن عثمان بعث
دعواهم -محمد بن أبي بكر) ،(3ولعل هذا هو ما يشير إليه محمد بن
أبي بكر في قوله :ل ننسى ما صنع بنا عثمان ،وقد نفى عثمان
ي بذلك وإل نسبة هذا الكتاب إليه وقال :إما أن تقيموا شاهدين عل ّ
يكتب على لسان الرجل فيميني أني ما كتبت ول أمرت ،وقد
ويضرب على خطه وينقش على خاتمه).(4
لقد كانت السيدة أسماء -رضي الله عنها -واعية بما يجري من
تدبير خفي لزعزعة أحوال المسلمين ،وتنحية عثمان عن الخلفة،
وهكذا فإن موقفها -رضي الله عنها -من ابنيها ,ووضوح المر عندها
على هذا النحو الذي جعلها ل تتأثر في مقام المومة ،ول تبدو إل
يستهان به ول محقة للحق في هذا الموقف الواضح ،هذا الموقف ل
شك ،وهو يعد صورة جلية لعدالة هؤلء الصحابة الكرام).(5
ب -الصعبة بنت الحضرمي:
ولما اشتد حصار عثمان طلبت الصعبة بنت الحضرمي من
ابنها طلحة بن عبيد الله أن يكلم عثمان كي يردعه عن إصراره على
إسلمه نفسه دون مدافعة من الصحابة ،واستنصار بأهل المصار،
لبنها(6طلحة بن عبيد الله: فقد خرجت الصعبة بنت الحضرمي وقالت
إن عثمان اشتد حصره ،فلو كلمته حتى تردعه ).والرواية يبدو منها
إشفاق الصعبة على عثمان ،كما يبدو منها كذلك عناية أم عبد
أحداث الفتنة) ،(7وهي الله بن رافع بالمر ،ومتابعتها لما يجري من
التي روت عن الصعبة بنت الحضرمي الحادثة).(8
هذا هو الموقف العام لنساء المسلمين ،فقد كان موقفا معتدل
وقادرا على النظر السليم في المسألة ،رغم الغيوم التي كانت
على( كل حال كان هذا موقف الصحابة جميعا رضي ملتبسة بها ،وهو
الله عنهم وأرضاهم). 9
سا :من حج بالناس ذلك العام؟ وهل طلب عثمان من ساد ً
الولة نصرته؟
307
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-1من حج بالناس ذلك العام ) 35هـ(؟
استدعى عثمان عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ،وكلفه أن
يحج بالناس هذا الموسم ،فقال له ابن عباس :دعني أكن معك
وبجانبك يا أمير المؤمنين في مواجهة هؤلء ،فوالله إن جهاد هؤلء
ي من الحج ،قال له :عزمت عليك أن تحج ب إل ّ الخوارج أح ّ
بالمسلمين ،فلم يجد ابن عباس أمامه إل أن يطيع أمير المؤمنين،
وكتب عثمان كتابا مع ابن عباس ليقرأ على المسلمين في الحج،
بّين فيه قصته مع الخوارج عليه ،وموقفه منهم ،وطلباتهم منه ).(1
وهذا نص خطاب عثمان للمسلمين في موسم الحج عام 35هـ:
بسم الله الرحمن الرحيم ،من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى
المؤمنين والمسلمين ،سلم عليكم ،فإني أحمد الله إليكم الذي ل
إله إل هو ،أما بعد ،فإني أذكركم بالله -جل وعز -الذي أنعم عليكم
وعلمكم السلم ،وهداكم من الضللة ،وأنقذكم من الكفر ،وأراكم
البينات ،وأوسع عليكم من الرزق ونصركم على العدو ،وأسبغ عليكم
لمن ك ُ ّ كم ّ وآَتا ُ نعمته َ ،فإن الله -عز وجل -يقول وقوله الحقَ + :
ن سا َ ن ال ِن ْ َ ها إ ِ ّ صو ََ ح ُ ه ل َ تُ ْ ت الل ِ م َ ع َ دوا ن ِ ْ ع ّ وِإن ت َ ُ موهُ َ سأل ْت ُ ُ ما َ َ
مُنوا نآ َ ذي َ ها ال ِ ّ وجلَ+ :يا أي ّ َ فاٌر" ]إبراهيم ،[34 :وقال عز مك ّ َ ٌ ل َظَُلو
قات ِه ول َ ت َموت ُن إل ّ َ
ن مو َ سل ِ ُ م ْ وأن ُْتم ّ َ ّ ِ ُ ق تُ َ ِ َ ح ّ ه َ قوا الل َ ات ّ ُ
هت الل ِ م َ ع َ وا َذكُروا ن ِ ْ ُ ْ ول ت َفّرقوا َ ُ َ َ عا َ مي ً ج ِ ه َ ل الل ِ حب ْ ِ موا ب ِ َ ص ُ عت َ ِ وا ْ َ
همت ِ ِ ع َ م ب ِن ِ ْ حت ُ ْ صب َ ْ فأ َ ْ م َ قُلوب ِك ُ ْ ن ُ ف ب َي ْ َ فأ َل ّ َ داءً َ ع َ م أَ ْ م إ ِذْ ك ُن ْت ُ ْ عل َي ْك ُ ْ َ
ها من ْ َ م ّ قذَك ُ ْ فأن َ ر َ ِ ن الّنا م َ ة ّ فَر ٍ ح ْ فا ُ ش َ عَلى َ م َ وك ُن ْت ُ ْ واًنا َ خ َ إِ ْ
م
ّ ْ ْ ُ ك ن م كن ُ ت
َ َ ْ ل و ن ْ َ ْ َ ُ َ دو ت ه ت م ُ ك ّ ل ع
ْ َ ِ ِْ َ َ ل ه ت يا آ م ُ ك َ ل هُ الل ن
ُ َ ّ ُ ي ب ي ك َ ُك َ ِ
ل َ ذ
ن ْ ْ َ
ع ِ ن َ و َ ه ْ وي َن ْ َ
ّ
ف َ عُرو ِ م ْ ن ِبال َ مُرو َ وي َأ ُ ر َ خي ْ ْ ِ ن إ ِلى ال َ
َ
عو ُ َ ة ي َدْ ُ م ٌ أ ّ
قوا فّر ُ ن تَ َ َ ذي ِ ل كا َ نوا ُ كو
ُ
ُ َ ت َ ل وَ نَ حو ُ ِ ل ف ْ مُ ل ا م ُ ه
ُ َ
ك ِ ئ ل أو و
ِ َ ر َ ك ْ ن مال ْ ُ
ب ذا ٌ ع َ م َ ه ْ ك لَ ُ وأول َئ ِ َ ت َ م ال ْب َي َّنا ُ ه ُ جاءَ ُ ما َ د َ ع ِ من ب َ ْ فوا ِ خت َل َ ُ وا ْ َ
ةم َ ع َ واذْكُروا ن ِ ْ ُ م" ]آل عمران ،[105-102 :وقال وقوله الحقَ + : ظي ٌ ع ِ َ
عَنا م ْ س ِ م َ قل ْت ُ ْ ه إ ِذْ ُ كم ب ِ ِ ق ُ واث َ َ ذي َ ه ال ّ ِ ق ُ ميَثا َ و ِ م َ عل َي ْك ُ ْ ه َ الل ِ َ
ر" ]المائدة،[7 : ّ ُ ِ دو ص ال ت ِ ذا َ ب
ٌ ِ م لي ِ ع
َ ه َ الل ن ّ ِ إ ه
َ الل قوا ُ ّ ت وا َ نا َ ع وأ ْ َ ط َ
َ
ق ب ِن َب َأ ٍ س ُ فا ِ م َ جاءَك ُ ْ مُنوا ِإن َ نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ وقوله الحقَ+ :يا أي ّ َ وقال
م عل ْت ُ ْ ف َ ما َ عَلى َ حوا َ صب ِ ُ فت ُ ْ ة َ هال َ ٍ ج َ ما ب ِ َ و ً ق ْ صيُبوا َ ِ ُ فت َب َي ُّنوا َأن ت َ
في م ِ ُ ك ع طي ي و َ ل ه الل ل َ سو ر م ُ ك في ِ ن عل َموا أ َ ْ وا ن مي د نا َ
ْ ُ ِ ُ ْ ِ ْ َ ُ ّ ُ َ َ ِ ِ
ه ن ي
ِ َ َ َ َ ّ َ ُ ز و ن ما لي ا م ُ ك
َ َ ّ َ ِ ْ ُ ي َ ل إ ب ب ح ه الل ن ك
ْ ِ َ ِ ّ ْ َ ِ ّ َ ل و م ت ن ع َ ل ر م ال ن
ِ ٍ ّ َ م ر ثي َ ك
ن ُأول َئ ِ َ
ك صَيا َ ع ْ وال ْ ِ سوقَ َ ف ُ وال ْ ُ فَر َ م ال ْك ُ ْ وك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ م َ قُلوب ِك ُ ْ في ُ ِ
م" ٌ كي ِ حَ م ٌ لي ِ ع
َ ه
ُ والل َ ةً م
َ عْ ِ ن و
َ هِ الل نّ َ م ً ل ض ْ َ
ف ن َ دو ُ شِ را ّ ال م ُ ه ُ
ه
د الل ِ ه ِ ع ْ ن بِ َ شت َُرو َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ عز وجل+ :إ ِ ّ ]الحجرات ،[8-6 :وقوله
ول َ ة َ خَر ِ في ال َ ِ م ِ ه ْ خل َقَ ل َ ُ ك لَ َ قِليل ً ُأول َئ ِ َ مًنا َ م ثَ َ ه ْ ِ مان ِ وأي ْ َ
َ
َ
م ه ْ ول َ ُ َ م ْ هِ كي ّ ز َ ُ ي َ ل و
َ ة
ِ م
َ يا َ ق ِ ْ ل ا مَ و ْ َ ي مْ هُ ِ ِ ْ ي َ ل إ ر ُ ظ ين َ َ ل و َ ه ُ الل م ُ
ذاب أ َ
هُ م
ُ ّ ل َ ك يُ
ما َ َ ه الل قوا ُ ّ ت فا َ + الحق: وقوله وقال [، 77 عمران: ]آل " م ٌ لي ِ ٌ َ ع َ
308
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من و َ م َ سك ُ ْ ف ِ خي ًْرا ل َن ْ ُ قوا َ ف ُ وأ َن ْ ِ عوا َ طي ُ وأ ِ
است َطَعت ُم واسمعوا َ
َ ْ ْ َ ْ َ ُ ْ
ن" ]التغابن ،[16 :وقال حو َ فل ِ ُ م ْ م ال ْ ُ ه ُ ك ُ فُأول َئ ِ َ ه َ س َِ ف ِ ح نَ ْ ش ّ ّيوقَ ُ
ضوا ق ُ ول َ َتن ُ م َ هدت ّ ْ عا َ ذا َ ه إِ َ د الل ِ ه ِ ع ْ فوا ب ِ َ و ُ وأ ْ وقوله الحقَ + :
ه الل ن إ ً ل في َ ك م ُ ك ي َ ل ع ه الل م ت ْ ل ع ج د ق َ و ها د
و ِ ِ كي َ
َ ِ ّ ِ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ عد َ ت َ ْ ن بَ ْ ما َ ا لي ْ َ
د
ع ِ من ب َ ْ ها ِ ُ غْزل َ َ ت َ ض ْ ق ََ كال ِّتي ن َ َ كوُنوا َ ول َ ت َ ُ
َ نَ عُلو َ ف َ ما ت َ ْ م ََ عل َ ُ يَ ْ
ي هِ ةٌ م
ّ أ ن َ كو ُ َ ت أن م ْ ُ ك َ ن ْ ي َ ب ً ل خ َ َ د مْ ُ ك َ ن ما َ ْ ي أ ن َ ذو ُ خِ ّ ت َ ت ثا ً كا َ أن ة ٍ و ق ُ
ة
َ
ْ ُ َ َ ُ ُ أ َر ّبى من أ ُ
م ِ َ َ يا ق ِ ل ا مْ َُ ْ َ و ي م ك ل نُ ِ َ ُ َ ّ ّ َ ن ي ب ي ل و ه
ِ ب ه الل م ُ ك لو ب
ْ ّ ِ َ َ ْي ما ّ ن إ ة
ٍ م ِ ْ َ
ة
حد َ ً وا ِ ة َ م ً مأ ّ عل َك ُ َ ْ ج َ ه لَ َ شاءَ الل ُ و َ ول َ ْ نَ فو َ خت َل ِ ُ ه تَ ْ في ِ م ِ ما ك ُن ْت ُ ْ َ
مما ك ُن ْت ُ ْ ع ّ ن َ سأل ُ ّ ول َت ُ ْ َ ُ ء شا َ َ ي من َ دي ِ ه ْ َ ي و ََ ُ ء شا َ َ ي من َ ّ
ل ضِ ُ ي ن ْ ِ ك َ ل و َ
عدَ م بَ ْ قد َ ٌ ل َ ز ّ ِ فت َ م َ خل ً ب َي ْن َك ُ ْ م دَ َ مان َك ُ ْ ذوا أي ْ َ خ ُ ول َ ت َت ّ ِ نَ مُلو َ ع َ تَ ْ
م ول َك ُ ْ ه َ ل الل ِ سِبي ِ عن َ م َ ددت ّ ْ ص َ ما َ سوءَ ب ِ َ قوا ال ّ ذو ُ وت َ ُ ها َ ث ُُبوت ِ َ
د
عن ْ َ ما ِ مًنا قِليل إ ِن ّ َ ً َ هث َ َ د الل ِ ه ِ ع ْ شت َُروا ب ِ َ ول ت َ ْ َ مَ ظي ٌ ع ِ ب َ ذا ٌ ع َ َ
ما َ َ و ُ د ف َ ين َ م
َْ ُ ك َ د ْ ن ع ِ ما ََ ن َ مو ُ َ ل عْ َ ت م ْ ُ ت ْ ن ُ ك إن َْ ِ م ُ ك ّ ل ر ٌ ْ ي خَ و َ هُ ه
ِ الل
ما ن َ س َِ ح َ م ب ِأ ْ ه ْ جَر ُ صب َُروا أ ْ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ زي َ ّ ج ِ ولن َ ْ ق َ با ٍ ه َ عن ْدَ الل ِ ِ
ها ن" ]النحل .[َ 96 -91 :وقال وقوله الحقَ+ ُ :يا أي ّ َ ملو ََ ُ ع َ كاُنوا ي َ ْ َ
رِ م ْ ال لي ِ أو وَ ل َ سو ُ ر ّ ال عوا ُ طي ِ أ و َ ه
َ الل عوا ُ طي ِ أ نوا ُ مَ نآ ذي َ ال ّ ِ
ل ِإن سو ِ والر ه َ دوهُ إ ِلى الل َ ِ َ فُر ّ ء َ ي ٍ ش ْ في َ م ِ عت ُ ْ فِإن ت ََناَز ْ م َ من ْك ُ ْ ِ
ويل ً" سن ّ ت َأ ُْ ح أ و ر ي خ ك َ ل َ ذ ر خ َ ل ا م و ي ْ ل وا ه بالل ن نو م ْ
ؤ ت م ت ن ُ ك
ِ َ ْ ٌ َ ْ َ ُ ِ ِ ِ ِ َ َ ْ ِ ْ ُ ْ ُ ِ ُ َ ِ
م من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ه ال ّ ِ ُ عدَ الل و َ َ + الحق: وقوله ]النساء .[59 :وقال
خل َ َ في ال َ َ
ف ست َ ْ ْ ا ما َ َ ك ض
ِ ر ْ ِ م ُ ْ ه ّ ن فَ ِ ل خ ْ َ ت س ْ َ ي ل ت ِ حا صال ِ َ مُلوا ال ّ ع ِ و َ َ
مُ ْ ه َ ل ضى ْ َ َ ت ر ا ذي ِ ّ ل ا م ه
ْ ِ ِ ْ َ ُ َ َ ّ َُ ْ ِ َ ُ ُن دي م ه َ ل ن ن ّ ك م ي َ ل و م ه ل ب ق َ من ال ّ ِ َ ِ ن ذي
ن ِبي كو َ ر ُ ش ِ دون َِني ل َ ي ُ ْ عب ُ ُ مًنا ي َ ْ م ُأ ْ ه ْ ف ِ و ِ خ ْ د َ ع ِ من ب َ ْ هم ّ ول َي ُب َدّل َن ّ ُ َ
ن" ]النور.[55 : قو َ س ُ فا ِ م ال َ ْ ُ ه ُ ك َ ِ ئ َ ل أو ف َ ك َ ِ ل َ ذ َ د ع
ْ َ ب ر َ ف َ َ ك من َ َ و ئا ً ْ ي ش َ
د
ه يَ ُ ن الل َ عو َ ما ي َُباي ِ ُ ك إ ِن ّ َ عون َ َ ن ي َُباي ِ ُ ذي َ ن ال ّ ِ وقال وقوله َالحق+ :إ ِ ّ
ن م ْ و َ ه َ س ِ ف ِ عَلى ن َ ْ ث َ ما َينك ُ ُ فإ ِن ّ َ ث َ من ن ّك َ َ ف َ م َ ه ْ دي ِ وق َ أي ْ ِ ف ْ ه َ َالل ِ
ما" ]الفتح.[10 :
َ سي ُ ْ ه َ َ و َ
ظي ً ع ِ جًرا َ هأ ْ ؤِتي ِ ف َ ه الل َ علي ْ ُ هد َ َ عا َ ما َ فى ب ِ َ أ ْ
أما بعد ،فإن الله -عز وجل -رضي لكم السمع والطاعة
والجماعة ،وحذركم المعصية والفرقة والختلف ،ونبأكم ما قد فعله
الذين من قبلكم ،وتقدم إليكم فيه ليكون له الحجة عليكم ،إن
عصيتموه فاقبلوا نصيحة الله -عز وجل -واحذروا عذابه ،فإنكم لن
تجدوا أمة هلكت إل من بعد أن تختلف ،إل أن يكون لها رأس
يجمعها ،ومتى ما تفعلوا ذلك ل تقيموا الصلة جميعا ،وسلط عليكم
عدوكم ،ويستحل بعضكم حرمة بعض ،ومتى يفعل ذلك ل يقم لله
سبحانه دين ،وتكونوا شيئا ،وقد قال الله -جل وعز -لرسوله ×:
في م ِ ه ْمن ْ ُ
ت ِ س َ عا ل ّ ْ شي َ ًكاُنوا ِ و َ م َ ه ْقوا ِدين َ ُ فّر ُ ن َ
َ ذي َ ن ال ّ ِ+إ ِ ّ
ن"
علو َ ُ ْ
ما كاُنوا ي َف َ َ هم ب ِ َ ُ
م ي ُن َب ّئ ُ ُ
هث ّ م إ ِلى الل ِ َ ه ْ مُر ُ ما أ ْ ء إ ِن ّ َ
ي ٍش ْ َ
]النعام [159 :وإني أوصيكم بما أوصاكم الله وأحذركم عذابه ،فإن
َ َ شعيبا × قال لقومه:
ب
صا َ ما أ َ ل َ مث ْ ُ ّ كم صيب َ ُ قي أن ي ُ ِ قا ِ ش َم َ ِ ْ من ّك ُ
َ ر
ج ِ وم ِ َ ل َ ي َ ْ ق ْ وَيا َ َ +
كممن ْ ُ ٍ ّ ط لو ُ م
ْ ُ و َ
ق ما و ح ل
ْ َ َ ِ ٍ َ َ َصا م و قَ و أ دهو
ْ َ ُ ٍ ُْ م و َ
ق و م ُ ٍ ْ
أ ح نو و َق ْ َ
مَ ِ ٌ حي ر بي ر ن
ِ ْ ِ ِ ّ َ ّإ ه يل إ بوا تو
ّ ُ ُ م ُ ث م ك
َ ّ ْ ب ر روا ف غ
ْ
َ ْ َ ِ ُ ت س وا د
بِ َ ِ ٍ
عي ب
309
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
]هود.[90 ،89 : د"
دو ٌ
و ُ
َ
أما بعد ،فإن أقواما مما كان يقول في هذا الحديث ،أظهروا
للناس أنما يدعون إلى كتاب الله -عز وجل -والحق ول يريدون
الدنيا ول منازعة فيها ،فلما عرض عليهم الحق إذ الناس في ذلك
شتى؛ منهم آخذ للحق ونازع عنه حين يعطاه ،ومنهم تارك للحق
ونازل عنه في المر يريد أن يبتزه بغير الحق ،طال عليهم
عمري ،وراث) (1عليهم المرة ,فاستعجلوا القدر ،وقد كتبوا إليكم
أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم ،ول أعلم أني تركت من الذي
عاهدتهم عليه شيئا ،كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود ،فقلت:
أقيموها على من علمتم تعداها في أحد ،أقيموها على من
ظلمكم من قريب أو بعيد ،قالوا :كتاب الله يتلى ،فقلت :فليتله
من تله غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب ،وقالوا:
المحروم يرزق ،والمال يوفى ليستن فيه السنة الحسنة ،ول
يعتدى في الخمس ول في الصدقة ،ويؤ ّمر ذو القوة والمانة،
وترد مظالم الناس إلى أهلها ،فرضيت بذلك واصطبرت له...،
كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في المر استعجلوا القدر
ومنعوا مني الصلة ،وحالوا بيني وبين المسجد ،وابتزوا ما قدروا
عليه بالمدينة .كتبت إليكم كتابي هذا ،وهم يخبرونني إحدى ثلث:
إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صوابا ،غير متروك منه
شيء ،وإما أعتزل المر فيؤ ّ مرون آخر غيري ،وإما يرسلون إلى
من أطاعهم من الجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل
الله سبحانه عليهم من السمع والطاعة ،فقلت لهم :أما إقادتي
)(2
ستقد من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم ي ُ ْ
من أحد منهم ،وقد علمت أنما يريدون نفسي ،وأما أن أتبرأ من
المارة فأن يكلبوني) (3أحب إل ّي من أن أتبرأ من عمل الله -عز
وجل -وخلفته ،وأما قولكم :يرسلون إلى الجناد وأهل المدينة
فيتبرؤون من طاعتي فلست عليكم بوكيل ,ولم أكن استكرهتهم
من قبل على السمع والطاعة ،ولكن أتوها طائعين ،يبتغون
مرضاة الله -عز وجل -وإصلح ذات البين ،ومن يكن منكم يبتغي
الدنيا فليس بنائل منها إل ما كتب الله عز وجل له ،ومن يكن إنما
يريد وجه الله والدار الخرة وصلح المة وابتغاء مرضاة الله -عز
وجل -والسنة الحسنة التي استن بها رسول الله × والخليفتان
من بعده رضي الله عنهما ،فإنما يجزي بذلكم الله وليس بيدي
جزاؤكم ،ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم،
ولم يغن عنكم شيئا ،فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده ،فمن يرض
بال ّ نكث منكم فإني ل أرضاه له ،ول يرضى الله سبحانه أن تنكثوا
عهده ،وأما الذي يخيرونني فإنما كله النزع والتأمير ،فملكت
نفسي ومن معي ،ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله
القاتل بالقتل.
)( كّلبه :ضربه بالك ُ ّ
2
310
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
سبحانه ،وكرهت سنة السوء ،وشقاق المة وسفك الدماء ،فإني
أنشدكم بالله وبالسلم أل تأخذوا إل الحق وتعطوه مني ,وترك
البغي على أهله ،وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز وجل،
فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والمؤازرة في
ما َ
ل ر ُبوا َ ق َ أمر الله ،فإن الله سبحانه قال وقوله الحق+ :ول َ ت ْ
و ُ ش َده َوأ َ ال ْيِتيم إل ّ بال ِّتي هي أ َحسن ح ّتى يبل ُ َ َ
فوا غأ ُ ّ ُ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َ ِ َ ِ ِ ِ َ
ؤول ً" ]السراء [34 :فإن هذه معذرة س ُ
كا َ َ ْ
م ن د َه َ ع ْن ال ْ َ د إِ ّه ِ
ع ِْبال ْ َ
ماو َ
ُ إلى الله ولعلكم تذكرون .أما بعد ،فإنني ل أبرئ نفسي َ +
م َر ّبيح َما َر ِ ء إ ِل ّ َسو ِة ِبال ّ
ماَر ٌ
سل ّ ف َن الن ّ ْ سي إ ِ ّ ف ِ ئ نَ ْر ُ أب َ ّ
م" ]يوسف [53 :وإن عاقبت أقواما فما حي ٌ فوٌر ّر ِ َ
ن َر ّبي غ ُ إِ ّ
أبتغي بذلك إل الخير ،وإني أتوب إلى الله -عز وجل -من كل
عمل عملته ،وأستغفره إنه ل يغفر الذنوب إل هو ،إن رحمة ربي
وسعت كل شيء ،إنه ل يقنط من رحمة الله إل القوم الضالون،
وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون،
وأنا أسأل الله -عز وجل -أن يغفر لي ولكم ،وأن يؤلف قلوب
هذه المة على الخير ،وي ُك َ ّ ره إليها الفسق .والسلم عليكم ورحمة
الله وبركاته أيها المؤمنون والمسلمون( .قال ابن عباس :فقرأت
هذا الكتاب عليهم قبل التروية) (1بمكة بيوم.
311
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ،ص .279 ،278 2
312
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ن هؤلء ي قضاءه ،ولدعَ ّ أحد بعد يومي هذا ،حتى يقضى الله ف ّ
خل في دين أو الخوارج وراء بابي ،ول أعطيهم شيئا يتخذونه عليكم د َ َ
دنيا ،حتى يكون الله هو الصانع في ذلك ما أحب ،وأمر أهل المدينة
بالرجوع وأقسم عليهم ،فرجعوا إل الحسن ومحمد وابن الزبير
ها لهم ،فجلسوا على باب عثمان عن أمر آبائهم ،وثاب إليهم وأشبا ً
ناس كثير ،ولزم عثمان الدار) (1حتى أتاه أجله.
سابًعا :استشهاد عثمان :
وفضل عن تحرك جيوش المصار منها لنجدة الخليفة ،فقد كانت
أيام الحج تنقضي سريعا وتوشك جماعات من هؤلء أن تزحف إلى
المدينة لنجدة الخليفة ،وبخاصة مع وجود عبد الله بن عباس وعائشة
وغيرهما من المدافعين عن عثمان ،وقدمت الخبار إلى المتمردين
بأن أهل الموسم يريدون نصرة عثمان ،فلما أتاهم ذلك مع ما بلغهم
من نفور أهل المصار إليهم أعلقهم) (2الشيطان وقالوا :ل يخرجنا
مما وقعنا فيه إل قتل هذا الرجل ،فيشتغل بذلك الناس عنا).(3
-1آخر أيام الحصار وفيه الرؤيا:
وفي آخر أيام الحصار -وهو اليوم الذي قتل فيه -نام فأصبح
دث الناس :ليقتلني القوم) ،(4ثم قال :رأيت النبي × في المنام، يح ّ
ومعه أبو بكر وعمر ،فقال النبي × :يا عثمان أفطر عندنا ،فأصبح
صائما وقتل من يومه).(5
-2صفة قتله:
هاجم المتمردون الدار فتصدى لهم الحسن بن علي وعبد الله
بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص،
ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم ،فنشب القتال فناداهم
عثمان :الله الله ،أنتم في حل من نصرتي ،فأبوا ،ودخل غلمان
لينصروه ،فأمرهم أل يفعلوا؛ بل إنه أعلن أنه من كف يده عثمان
منهم فهو حر (6).وقال عثمان في وضوح وإصرار وحسم ،وهو
أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا الخليفة الذي تجب طاعته:
وطاعة إل كف يده وسلحه (7).ول تبرير لذلك إل بأن عثمان كان
واثقا من استشهاده بشهادة النبي × له بذلك ،ولذلك أراد أل تراق
بسببه الدماء ،وتقوم بسببه فتنة بين المسلمين (8).وكان المغيرة بن
الخنس بن شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه ،فأدرك
)( أعلقهم :أي وسوس لهم وزين لهم أقوالهم وأفعالهم. 2
)( الطبقات ) ،(3/75الخبر حسن لغيره .فتنة مقتل عثمان ).(1/175 5
)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ،ص ،282البداية والنهاية ) 6
.(7/190
)( العواصم من القواصم ،ص .133 7
313
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
عثمان قبل أن يقتل ،ودخل الدار يحمي عنه وقال :ما عذرنا عند الله
إن تركناك ونحن نستطيع أل ندعهم حتى نموت؟ فأقدم المتمردون
على حرق الباب والسقيفة ،فثار أهل الدار -وعثمان يصلي -حتى
منعوهم ،وقاتل المغيرة بن الخنس والحسن بن علي ومحمد بن
طلحة وسعيد بن العاص ،ومروان بن الحكم وأبو هريرة ،فأبلوا
النصراف دون قتال ،ثم ينتقل أحسن البلء وعثمان يرسل إليهم في
ما أ َن َْزل َْنا َ
عل َي ْ َ
ك َ طه إلى صلته ،فاستفتح قوله تعالى+ :
شى" ]طه [3-1 :وكان خ َ من ي ّ ْ قى إ ِل ّ ت َذْك َِرةً ل ّ َ ش َ ن ل ِت َ ْقْرآ َ ال ْ ُ
سريع القراءة ،فما أزعجه ما سمع ،ومضى في قراءته ما يخطئ
وما يتعتع ،حتى إذا أتى إلى نهايتها قبل أن يصلوا إليه ثم َ دعا فجلس
ض
في الْر ِ سيُروا ِ ف ِ ن َسن َ ٌ م ُ قب ْل ِك ُ ْمن َ ت ِ خل َ ْ قد ْ َ وقرأَ + :
ن" ]آل عمران.[137 : َ
مكذِّبي َ ُ ْ ل ا ة
ُ َ بقِ عاَ ن
َ َ
كا فَ ْ يَ ك روا فان ْظُ ُ َ
وأصيب يومئذ أربعة من شبان قريش وهم :الحسن بن علي،
ومروان(2بن الحكم) ,(1وقتل وعبد الله بن الزبير ،ومحمد بن حاطب،
المغيرة بن الخنس ،ونيار بن عبد الله السلمي) ،وزياد الفهري،
واستطاع عثمان أن يقنع المدافعين عنه ،وألزمهم بالخروج من
الدار ،وخلى بينه وبين المحاصرين ،فلم يبق في الدار إل عثمان
بينه وبين المحاصرين مدافع ول حام من الناس ،وفتح وآله ،وليس
باب الدار).(3
وبعد أن خرج من في الدار ممن كان يريد الدفاع عنه ،نشر
المصحف بين يديه ،وأخذ يقرأ منه وكان إذ ذاك صائما ،فإذا برجل
من المحاصرين لم تسمه الروايات يدخل عليه ،فلما رآه عثمان
قال له :بيني وبينك كتاب الله) ,(4فخرج الرجل وتركه ،وما إن ولى
حتى دخل آخر ،وهو رجل من بني سدوس ،يقال له :الموت السود،
فخنقه وخنقه قبل أن يضرب بالسيف ،فقال :والله ما رأيت شيئا
ألين من خنقه ،لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان) (5تردد في
جسده ،ثم أهوى إليه بالسيف ،فاتقاه عثمان بيده فقطعها ،فقال
صل)(6؛ وذلك أنه كان من عثمان :أما والله إنها لول كف خطت المف ّ
كتبة الوحي ،وهو أول من كتب المصحف من إملء رسول الله ×،
فقتل والمصحف بين يديه ،وعلى أثر قطع اليد انتضح الدم على
المصحف الذي كان بين يديه يقرأ منه ،وسقط على قوله تعالى:
م")] (7البقرة.[137 : عِلي ُ ع ال ْ َ
مي ُ س ِ و ال ّ ه َ و ُ ه َ
م الل ُ ه ُ فيك َ ُ سي َك ْ ِ ف ََ +
وفي رواية :إن أول من ضربه رجل يسمى رومان اليماني ،ضربه
بصولجان ،ولما دخلوا عليه ليقتلوه أنشد قائل:
)( الخلفاء الراشدون للخالدي ،ص ،185 ،184البداية والنهاية ).(7/196 2
)( تاريخ ابن خياط ،ص ،175 ،174إسناده صحيح أو حسن. 5
)( المصدر نفسه ) (5/398الخبر له طرق عديدة بمجموعها يرتقي إلى درجة 7
الحسن لغيره.
314
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
315
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ن
م ْ ه ِ د ِ ع ِ من ب َ ْ سى ِ مو َ مَ ُ و ُ ق ْ خذ َ َ وات ّ َ تعالىَ + : بعضهم ،كما قال الله
ول َ ّ َ َ َ َ ّ
م َ ه ْ م ُ ه ل ي ُكل ُ وا أن ّ ُ م ي ََر ْ واٌر أل ْ خ َ ه ُ دا ل ُ س ً ج َ جل ً َ ع ْ م ِ ه ْ حل ِي ّ ِ ُ
في قط ِ َ س ِ ما ُ ول ّ َ ن َ ّ مي َ وكاُنوا ظال ِ ِ َ َ َ ذوهُ خ ُ س َِبيل ً َات ّ َ م َ ه ْ دي ِ هْ ي ََ
ِ
مَنا َرب َّنا ح ْ م ي َْر َ قاُلوا)1ل( َِئن ل ْ ضّلوا َ قد ْ َ م َ ه ْ وا أن ّ ُ َ َ ْ أ ر و م ْ ه ِ دي ِ ْ ي أ
ن" ]العراف [149 ،148 :وحزن ِ َ ري س ِ خا َ ْ ل ا نَ م ِ ن
ّ َ ن كو ُ َ ن َ ل ناَ َ ل ر ْ ف ِ غ
ْ َ ي و
َ
الصالحون في المدينة لمقتل خليفتهم ،وصاروا يسترجعون ويبكون،
لكن ماذا يفعلون وجيوش الخوارج السبئيين تحتل المدينة ،وتعيث
فيها فسادا ،وتمنع أهلها من فعل أي شيء؟ وكان الحاكم الفعلي
للمدينة هو أمير خوارج مصر )الغافقي بن حرب العكي( ،وكان معهم
شيطانهم المخطط )عبد الله بن سبأ( وهو فرح مسرور لما وصل
إليه من أهداف ومآرب يهودية شيطانية.
وعلق كبار الصحابة على مقتل عثمان ): (2
أ -الزبير بن العوم :لما علم بمقتل عثمان قال :رحم الله
عثمان ،إنا لله وإنا إليه راجعون ،فقيل له :إن القوم نادمون ،فقال:
مان َ وب َي ْ َ م َ ه ْ ل ب َي ْن َ ُ حي َ و ِ دبروا ودبروا ،ولكن كما َ قال الله تعالىَ + :
شكّ في َ م كاُنوا ِ َ ه ْ ل إ ِن ّ ُ قب ْ ُ من َ هم ّ ع ِ شَيا ِ ل ب ِأ ْ ع َ ف ِ ما ُ ن كَ َ هو َ شت َ ُ يَ ْ
ب" ]سبأ.[54 : ري ٍ م ِ ّ
ب -طلحة بن عبيد الله :لما علم بمقتل عثمان قال :رحم الله
عثمان ،إنا لله وإنا إليه راجعون ،فقيل له :إن القوم نادمون قال :تّبا
م ه ْ خذ ُ ُ حدَةًَ ت َأ ْ ُ وا ِ ة َ ح ً صي ْ َ ن إ ِل ّ َ ما َينظُُرو َ لهم ،وقرأ قوله تعالىَ + :
م ِ ْ ه ِ ل ه
ْ أ لى َ ِ إ َ ل وْ َ َ ة
ً ي ص
ِ و َ ت ن
َ عو ُ طي ِ َ ت س فل َ ي َ ْ نَ مو َ ص ُ خ ّ م يَ ِ ه ْ و ُ َ
ن" ]يس.[50 ،49 : ي َْر ِ ُ َ عو ج
ج -علي بن أبي طالب :لما علم بمقتل عثمان قال :رحم الله
عثمان ،إنا لله وإنا إليه راجعون ،قيل له :إن القوم نادمون ،فقرأ
ما فل َ ّ فْر َ ن اك ْ ُ سا ِ ل ل ِل ِن ْ َ قا َ ن إ ِذْ َ
َ طا ِ شي ْ َ ل ال ّ مث َ ِ قوله تعالى+ :ك َ َ
ن مي َ َ
عال ِ ب ال َ ْ ه َر ّ ف الل َ خا ُ من ْك إ ِّني أ َ َ ريءٌ ّ ل إ ِّني ب َ ِ قا َ فَر َ كَ َ
جَزاءُ وذَل ِ َ َ ف َ َ
ك َ ها َ في َ ن ِ خال ِدَي ْ ِ ر َ في الّنا ِ ما ِ ه َ ما أن ّ ُ ه َ قب َت َ ُ عا ِ ن َ كا َ
ن" ]الحشر.[17 ،16 : َ مي ِ ِ ل ظا ّ ال
د -سعد بن أبي وقاص :ولما علم سعد بذلك قال :رحم الله
مال ً ع َ َ ن أَ ْ ري َ س ِ خ َ كم ِبال ْ ل ن ُن َب ّئ ُ ُ ه ْ ل َ ق ْ عثمان ،ثم تل قوله تعالىُ + :
مه ْ ن أن ّ ُ سُبو َ ح َ م يَ ْ ه ْ و ُ ة الدّن َْيا َ حَيا ِ في ال َ ْ م ِ ه ْ عي ُ ُ ُ س ْ ل َ ض ّ ن َ ذي َ ال ّ ِ
ه
ول ِقائ ِ ِ َ م َ ت َرب ّه ْ ن كفُروا ِبآَيا ِ َ َ ذي َ ّ
عا أولئ ِك ال ِ َ َ صن ْ ً ن َ ُ سُنو َ ح ِ يُ ْ
ك و ِْزًنا ذَل ِ َ َ ةِ مَ يا َ ق ِ ْ ل ا مَ وْ َ ي م ْ ه
ُ َ ل مُ قي ِ ُ ن َ ل َ
ف م ْ هُ ُ ل ما َ ع ْ أ ت ْ َ ط ف ِ
ب حَ َ
وا" ً ز ُ ه ُ لي ِ سَ ُ ُ ر و تي ِ يا
َ آ ذوا ُ خ
َ ّ ت وا َ روا ُ َ
ف َ ك ما َ ُ ِ َ ب م ّ ن ه ج َ م ْ ه ُ ؤُ زا َ ج َ
]الكهف [106-103 :ثم قال سعد :اللهم اندمهم واخزهم واخذلهم ،ثم
خذهم (3).واستجاب الله دعوة سعد -وكان مستجاب الدعوة -فقد
)( البداية والنهاية ).(198 ،7/197 1
316
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أخذ كل من شارك في قتل عثمان ،مثل عبد الله بن سبأ ،والغافقي
والشتر ،وحكيم بن جبلة ،وكنانة التجيبي ،حيث قتلوا فيما بعد).(1
ثامًنا :تاريخ قتله ،وسنه عند استشهاده ,وجنازته والصلة عليه
ودفنه:
-1تاريخ قتله:
إن في تحديد السنة التي قتل فيها عثمان شبه إجماع من
المؤرخين ،فلم يقع خلف في أنه كان في السنة الخامسة بعد
روي( عن مصعب بن عبد الله من أنه كان الثلثين من الهجرة ،إل ما
من السنة السادسة والثلثين) ، 2وهو قول شاذ مخالف للجماع،
فمن قال بالقول الول جمع غفير منهم :عبد الله بن عمرو بن
شرحبيل(3الشعبي ،ونافع مولى ابن عمر ،ومخرمة عثمان ،وعامر بن
بن سليمان ،وغيرهم كثير ).ولم يختلف المؤرخون في الشهر الذي
قتل فيه وأنه ذو الحجة ،إل أنه اختلف في تحديد ما بعد ذلك من
اليوم والساعة ،والذي ترجح لديّ من أقوال العلماء الكثيرة أنه
استشهد في )18/12/35هـ( (4) .وأما عن تحديد اليوم الذي قتل فيه
من أيام السبوع ففيه ثلثة أقوال ،والذي ترجح لدي من هذه القوال
الجمهور ،وهو يوم الجمعة؛ لنه قول الجمهور ول يخالفه قول )(5
قول
صبيحة يوم الجمعة ،وهو ما ذهب إليه قتله وقت وكان منه. أقوى
الجمهور ،ولم يخالف بأقوى منه).(6
-2سنه عند استشهاده:
اضطربت الروايات في سنه عند استشهاده والخلف في ذلك
الطبري -رحمه الله -يقول :اختلف السلف قبلنا في قديم ،حتى إن
قدر مدة حياته) ،(7والذي أميل إليه أنه توفي وسنه اثنتان وثمانون )8
2سنة( ،وهو قول الجمهور ،ويترجح هذا القول لعدة أسباب ،منها:
أ -أن نتيجة مقارنة سنة ولدته مع سنة استشهاده تؤيد هذا
القول؛ فإنه ولد في السنة السادسة بعد عام الفيل ،واستشهد في
السنة الخامسة والثلثين بعد الهجرة ،فطرح تاريخ مولده من تاريخ
استشهاده يتبين لنا سنه عند استشهاده.
)(8
ب -إنه قول الجمهور ولم يخالفه قول أقوى منه .
-3جنازته والصلة عليه ودفنه:
قام نفر من الصحابة في يوم قتله بغسله وكفنوه وحملوه على
باب ،ومنهم :حكيم بن حزام ،وحويطب بن عبد العزى ،وأبو الجهم
317
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بن حذيفة ،ونيار بن مكرم السلمي ،وجبير ابن مطعم ،والزبير بن
العوام ،وعلي بن أبي طالب ،وجماعة من أصحابه ونسائه ،منهن
امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عتبة بن حصين ،وصبيان ،وصلى عليه
جبير بن مطعم ،وقيل :الزبير بن العوام ،وقيل :حكيم بن حزام،
وقيل :مروان بن الحكم ،وقيل :المسور بن مخرمة) ،(1والذي ترجح
عندي أن الذي صلى عليه الزبير بن العوام لرواية المام أحمد في
أن( الزبير بن العوام صلى على مسنده؛ فقد بينت تلك الرواية
ما ذلك أكد وقد ليل، دفن وقد )2
إليه. عثمان ودفنه ,وكان أوصى
رواه ابن سعد والذهبي؛ حيث ذكرا أنه دفن بين المغرب والعشاء),(3
رضوان الله عليه ،وأما ما رواه الطبراني من طريق عبد الملك بن
مالكا يقول :قتل عثمان فأقام مطروحا الماجشون قال :سمعت
على كناسة بني فلن ثلثا) ،(4فالرواية السابقة ضعيف سندها،
وباطل متنها ،فأما السند ففيه علتان:
أ -ضعف عبد الملك بن الماجشون الذي كان يروي المناكير عن
المام مالك.
ب -أن هذه الرواية مرسلة؛ حيث)(5إن المام مالكا لم يدرك مقتل
عثمان ،لنه لم يولد إل سنة 93هـ .
وأما متن هذه الرواية فباطل ،وفيه يقول ابن حزم :من قال إنه
أقام مطروحا على مزبلة ثلثة أيام فكذب بحت ،وإفك موضوع،
وتوليد من ل حياء في وجهه ،ولقد أمر رسول الله × برمي أجساد
قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب ,وألقى التراب عليهم
وهم شر خلق الله تعالى ،وأمر عليه السلم أن يحفر أخاديد لقتلى
يهود قريظة ،وهم شر من وارته الرض ،فمواراة المؤمن والكافر
فرض على المسلمين ،فكيف يجوز لذي حياء في وجهه أن ينسب
الصحابة أنهم تركوا رجل ميتا إلى علي وهو المام ,ومن بالمدينة من
بين أظهرهم على مزبلة ثلثة أيام ل يوارونه).(6
إنه ل يدخل في عقل أي إنسان سليم من داء الرفض أنهم
يتركون إمامهم ملقى دون دفن ثلثة أيام ،مهما كانت قوة أولئك
الفجرة الذين جاءوا لحصاره وقتله ،فالصحابة كما وصفهم ربهم
وإنما تلك الروايات التي شوهت ل يخافون في الله لومة لئم،
كتب التاريخ من دس الروافض).(7
-4براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان :
إن قاتل عثمان رجل مصري ،لم تفصح الروايات عن اسمه،
وبينت أنه سدوسي الصل ،أسود البشرة ،لقب بـ )جبلة( لسواد
)( البداية والنهاية ).(7/199 1
)( الموسوعة الحديثية ،مسند المام أحمد ) ،(1/555رجال السناد ثقات إل إنه 2
منقطع.
)( الطبقات ) ,(3/78تاريخ السلم )عهد الخلفاء( ،ص .481 3
318
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بشرته ،كما لقب أيضا بـ )الموت السود( ،وذهب محب الدين
الخطيب إلى أن القاتل :هو عبد الله بن سبأ حيث قال :ومن الثابت
أن ابن سبأ كان مع ثوار مصر عند مجيئهم من الفسطاط إلى
المدينة ،وهو في كل الدوار التي مثلها كان شديد الحرص على أن
مستعار(1له أراد أن يعمل من وراء ستار ،فلعل )الموت السود( اسم
يرمز به إليه ليتمكن من مواصلة دسائسه لهدم السلم ).وقد
أنه وصفه يشهد له :أن ابن سبأ أسود البشرة ،فقد صح عن علي
بالخبث وسواد البشرة ،وذلك في قوله :الخبيث السود).(2
وأما ما يتعلق بتهمة محمد بن أبي بكر بقتل عثمان بمشاقصه،
شاذة
)(3
فهذا باطل ،وقد جاءت روايات ضعيفة في ذلك ،كما أن متونها
لمخالفتها للرواية الصحيحة التي تبين أن القاتل هو رجل مصري.
وقد ذكر الدكتور يحيى اليحيى عدة أسباب ترجح براءة محمد بن أبي
بكر من دم عثمان ،منها:
أ -أن عائشة -رضي الله عنها -خرجت إلى البصرة للمطالبة
بقتلة عثمان ،ولو كان أخوها منهم ما حزنت عليه لما قتل فيما بعد،
وسيأتي تفصيله عند حديثنا عن علي بن أبي طالب بإذن الله
تعالى.
ب -لعن علي لقتلة عثمان وتبرؤه منهم ،يقتضي عدم
تقريبهم وتوليتهم ،وقد ولي محمد بن أبي بكر مصر ،فلو كان منهم
ما فعل ذلك.
ج -ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن محمد بن طلحة بن مصرف
قال :سمعت كنانة مولى صفية بنت حيي قال :شهدت مقتل عثمان
وأنا ابن أربع عشرة سنة ،قالت :هل أندى محمد بن أبي بكر بشيء
عثمان :يا ابن أخي من دمه؟ فقال :معاذ الله ،دخل عليه ،فقال
لست بصاحبي فخرج ،ولم يند من دمه بشيء).(4
ويشهد لهذا ما أخرجه خليفة بن خياط والطبري بإسناد رجال
ثقات عن الحسن البصري -وكان ممن حضر يوم الدار) - (5أن ابن
مني مأخذا أو قعدت أبي بكر أخذ بلحيته ،فقال عثمان :لقد أخذت
مني مقعدا ،ما كان أبوك ليقعده فخرج وتركه).(6
وبهذا يتبين لنا براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان،
براءة الذئب
من دم يوسف ،كما تبين أن سبب تهمته هو دخوله قبل القتل (7).وقد
ذكر ابن كثير -رحمه الله -أنه لما كلمه عثمان استحى ،ورجع،
وتندم ،وغطى وجهه ،وحاجز دونه فلم
319
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
تفد محاجزته).(1
***
320
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الرابع
موقف الصحابة من مقتل عثمان رضي الله عنهم
شوهت بعض كتب التاريخ مواقف الصحابة من فتنة مقتل
عثمان ،وذلك بسبب الروايات الرافضية التي ذكرها كثير من
المؤرخين ،فالمتتبع لحداث الفتنة في تاريخ المام الطبري ،وكتب
التاريخ الخرى من خلل روايات أبي مخنف ،والواقدي وابن أعثم،
وغيرهم من الخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون
المؤامرة ويثيرون الفتنة ،فأبو مخنف ذو الميول الشيعية ل يتورع
في اتهام عثمان بأنه الخليفة الذي كثرت سقطاته فاستحق ما
استحقه ،ويظهر طلحة في مروياته كواحد من الثائرين على عثمان
والمؤلبين ضده .ول تختلف روايات الواقدي عن روايات أبي مخنف؛
فعمرو بن العاص يقدم المدينة ويأخذ في الطعن على عثمان ،وقد
,كثرت الروايات الرافضية التي تتهم الصحابة بالتآمر ضد عثمان
)(1
وأنهم هم الذين حركوا الفتنة وأثاروا الناس ،وهذا كله كذب وزور.
وخلفا للروايات الرافضية والموضوعة والضعيفة ،فقد حفظت لنا
كتب المحدثين -بحمد الله -الروايات الصحيحة التي يظهر فيها
الصحابة من المؤازرين لعثمان والمنافحين عنه،
بعد(2مقتله ،وبذلك يستبعد أي المتبرئين من قتله ،والمطالبين بدمه
اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها) .
إن الصحابة جميعا -رضي الله عنهم -أبرياء من دم عثمان ،
ومن قال خلف ذلك فكلمه باطل ل يستطيع أن يقيم عليه أي دليل
ينهض إلى مرتبة الصحة ،ولذلك أخرج خليفة في تاريخه عن عبد
العلى بن الهيثم ،عن أبيه قال :قلت للحسن :أكان فيمن قتل
عثمان أحد من المهاجرين والنصار؟ قال :ل ،كانوا أعلجا) (3من أهل
مصر .وقال المام النووي :ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة،
وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل سفلة الطراف والراذل،
مصر ،فعجز الصحابة الحاضرون عن دفعهم تحزبوا وقصدوه من
فحصروه حتى قتلوه .(4)
وقد وصفهم الزبير بأنهم غوغاء من المصار ،ووصفتهم
السيدة عائشة بأنهم ن ُّزاع القبائل (5).ووصفهم ابن سعد بأنهم حثالة
الناس متفقون على الشر (6).ووصفهم ابن تيمية بأنهم خوارج
مفسدون وضالون باغون معتدون (7).ووصفهم الذهبي بأنهم رؤوس
شر وجفاء) .(8ووصفهم ابن العماد الحنبلي في الشذرات بأنهم أراذل
شهيد الدار ..عثمان بن عفان ،أحمد الخروف ،ص .148 )( 4
شرح النووي على صحيح مسلم ) ،(5/148كتاب فضائل الصحابة. )( 5
321
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
من أوباش القبائل).(1
ويشهد على هذا الوصف تصرف هؤلء الرعاع منذ الحصار إلى
قتل الخليفة ظلما وعدوانا ،فكيف يمنع الماء عنه والطعام وهو
الذي طالما دفع من ماله الخاص ما يروي ظمأ المسلمين
بالمجان) ،(2وهو الذي ساهم بأموال كثيرة عندما يلم بالناس مجاعة
أو مكروه ،وهو الدائم العطاء عندما يصيب الناس ضائقة أو شدة من
الشدائد؟)(3حتى إن عليا يصف هذا الحال وهو يؤنب المحاصرين
بقوله :يا أيها الناس ،إن الذي تفعلونه ل يشبه أمر المؤمنين ول أمر
الكافرين ،فل تمنعوا عن هذا الرجل الماء ول المادة )الطعام(؛ فإن
الروم وفارس لتأسر وتطعم وتسقي) .(4لقد صحت الخبار وأكدت
حوادث التاريخ على براءة الصحابة من التحريض على عثمان أو
المشاركة في الفتنة ضده) .(5وإليك أقوال الصحابة في البراءة من
دم عثمان:
ل :ثناء أهل البيت على عثمان وبراءتهم من دمه: أو ً
-1موقف السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:
أ -عن فاطمة بنت عبد الرحمن اليشكرية عن أمها ،أنها سألت
عائشة :وأرسلها عمها فقال :إن أحد بنيك يقرئك السلم ويسألك
عن عثمان بن عفان ،فإن الناس قد أكثروا فيه ،فقالت :لعن الله
من لعنه ،فوالله لقد كان قاعدا عند نبي الله ،وإن رسول الله ×
ي ،وإن جبريل -عليه السلم -ليوحي إليه القرآن وإنه مسند ظهره إل ّ
ليقول» :اكتب عثمان« ،فما كان الله لينزل تلك المنزلة إل كريما
على الله ورسوله).(6
ب -وعن مسروق ،عن عائشة قالت حين قتل عثمان :تركتموه
كالثوب النقي من الدنس ،ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش،
فقال لها مسروق :هذا عملك ،أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم
بالخروج إليه ،قالت عائشة :ل والذي آمن به المؤمنون وكفر به
الكافرون ،ما كتبت إليهم بسوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي
هذا (7).وقد مر معنا كذب السبئيين ،وأنهم كتبوا رسائل لهل المصار
ونسبوها كذبا وزورا للسيدة عائشة رضي الله عنها.
ج -ولما سمعت بموت عثمان في طريق عودتها من مكة إلى
جر المدينة رجعت إلى مكة ودخلت المسجد الحرام ،وقصدت ال ْ ِ
ح ْ
)( تحقيق مواقف الصحابة ) ،(1/482شذرات الذهب ).(1/40 1
)( تحقيق مواقف الصحابة ) ,(1/482البخاري ،كتاب مناقب عثمان ).(4/202 2
.(7/219
)( فتنة مقتل عثمان ) ,(1/391تاريخ خليفة ،ص ،176إسناده صحيح إلى 7
عائشة.
322
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فتسترت فيه ،واجتمع الناس إليها فقالت :أيها الناس ،إن الغوغاء من
أهل المصار ،وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب
الغوغاء على هذا المقتول بالمس الرب) ،(1واستعمال من حدثت
سنه ،وقد استعمل أسنانهم قبله ،ومواضع من الحمى حماها لهم،
وهي أمور قد سبق بها ل يصلح غيرها ،فتابعهم ونزع لهم عنها
استصلحا لهم ،فلما لم يجدوا حجة ول غدرا خلجوا) ,(2وبادروا
بالعدوان ،ونبا فعلهم عن قولهم ،فسفكوا الدم الحرام ،واستحلوا
البلد الحرام ،وأخذوا المال الحرام ،واستحلوا الشهر الحرام ،والله
لصبع عثمان خير من طباق الرض أمثالهم ،فنجاة) (3من اجتماعكم
عليه حتى ي َْنكل) (4بهم غيرهم ،ويشرد) (5من بعدهم ،ووالله لو أن
الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من
خبثه ،أو الثوب من د ََرنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء).(6
وعلى العكس من الصورة الطيبة التي نفهمها من الروايات
السابقة الموثوقة للعلقة بين أم المؤمنين عائشة وعثمان ،فإنه
تبقى عند الطبري وغيره روايات أخرى صورت العلقة بين عائشة
وعثمان على صورة متناقضة تماما لما انتهينا إليه ،وشوهت الدور
الرائع الناصع الواعي الذي قامت به رضي الله عنها ،دفاعا عن
حرمات الله عز وجل ،ودفعا عن
عثمان ،وفهما للعيب السبئية).(7
إن الروايات التي جاءت في العقد الفريد ,وفي الغاني ,وتاريخ
اليعقوبي ,وتاريخ المسعودي ،وأنساب الشراف ،وما انتهت إليه من
استدللت في شأن الدور السياسي للسيدة عائشة -رضي الله
عنها -في حياة عثمان بن عفان ،إن جميع ما تؤدي إليه استدللت
تدين الموقف السياسي للسيدة عائشة -رضي الله عنها -ل يعتد بها
لمخالفتها للروايات الصحيحة ،وقيامها على روايات واهية)(8؛ فأغلبها
روايات غير مسندة ،والمسند مجروح السناد ل يحتج بروايته ،هذا
فساد(9متونها إذا ما قورنت بالروايات الخرى الكثر صحة وقربا إلى
بالحقيقة) .وقد قامت السيدة أسماء محمد أحمد زيادة بدراسة
السانيد والمتون للروايات التي تحدثت عن الدور السياسي للسيدة
عائشة في أحداث الفتنة ،ونقدت الروايات القائلة بالخلف السياسي
بين عائشة وعثمان عند الطبري وغيره وبينت زيفها وكذبها ،ثم
قالت :وكان الحرى بنا أن نعرض عن ذكرها جميعا -كما ذكرت آنفا-
لعدم وصولها إلينا عن طريق معتمد ،بل الطرق التي وصلت منها
ُرمى أصحابها بالتشيع والكذب والرفض لكننا عرضنا لها لشيوعها في
)( الرب :الحاجة والدهاء والفطنة والعقل. 1
)( ينكل بهم غيرهم :حتى يردعهم ويروع بهم غيرهم. 4
)( دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين ،ص .352 7
)( انظر أيضا في هذه الستدللت الباطلة :العقاد ،الصديقة بنت الصديق ،ص 8
.124-116
)( دور المرأة السياسي ،ص .370 9
323
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
أغلب الدراسات الحديثة ،وللتدليل على سقوطها ،فهي روايات -كما
الخلف ،والتنكر اتضح لنا -حاولت خلق تاريخ ل وجود له أصل من
بين عثمان وعائشة وبين عثمان والصحابة جميعا (1).ولو صح أن
عائشة اتفقت مع المتمردين على التحريض على عثمان لكان
من المتوقع أن يكون عندها نوع من التماس العذر لهؤلء المتمردين،
لكن لم يصح عنها -رضي الله عنها -شيء من هذا ،وإنه لو صح
شيء من هذه الروايات في وصف موقف السيدة عائشة -رضي الله
عنها -من مقتل عثمان فهي روايات كفيلة بإسقاط العدالة عن
عائشة رضي الله عنها ،وعن الصحابة الذين اشتركوا معها ،وهو ما ل
نقبل به للخبر الصادق عن الله ورسوله في تقرير عدالتهم التي
كانت كافية لدحض هذه الروايات ،لكننا توقفنا أمام الروايات تأكيدا
منا على سقوط هذه الرواية ومن بعدها الستدللت القائمة عليها،
الدلة الدينية والعلمية والتاريخية في صعيد واحد يؤكد حتى تجتمع
بعضها بعضا).(2
-2علي بن أبي طالب :
كان علي وآل البيت يجلونه ويعترفون بحقه فكان:
)(3
أ -أول من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف علي بن أبي طالب .
وعن قيس بن عباد قال :سمعت عليا وذكر عثمان فقال :هو
رجل قال له رسول الله ×» :أل أستحي ممن تستحي منه الملئكة«
).(4
ب -وقد شهد له بالجنة ،فعن النزال بن سبرة قال :سألت
النورين، عليا عن عثمان فقال :ذاك امرؤ يدعى في المل العلى ذا
ضمن له بيت في الجنة).(5 كان ختن رسول الله × على ابنتيهُ ,
ج -وكان طائعا معترفا بإمامته وخلفته ،ل يعصي له أمرا؛ فقد
روى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن الحنفية)(6عن علي :قال لو
الخيط سيرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت .والصرار :هو
ولدها) ،(7وفيه الذي تشد به التوادي على أطراف الناقة لئل يرضعها
دليل على مدى اتباعه وطاعته لعثمان رضي الله عنهما).(8
د -ولما جمع عثمان الناس على قراءة واحدة بعد استشارة
على ذلك ،قال علي :لو الصحابة رضوان الله عليهم وإجماعهم
وليت الذي ولى ،لصنعت مثل الذي صنع).(9
هـ -ولقد أنكر علي قتل عثمان وتبرأ من دمه ،وكان يقسم
)( المصدر السابق ،ص .370 1
)( العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط ،ص ،227المختصر من كتاب 5
)( العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط ،ص .227 8
324
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ،ول أمر بقتله ،ول مال ول
رضي ،وقد ثبت ذلك عنه بطرق تفيد القطع) ,(1خلفا لما تزعمه
الرافضة من أنه كان راضيا بقتل عثمان رضي الله عنهما (2).وقال
الحاكم بعد ذكر بعض الخبار الواردة في مقتله :فأما الذي ادعته
المبتدعة من معونة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإنه كذب
وزور ،فقد تواترت الخبار بخلفه (3).وقال ابن تيمية :وهذا كله كذب
ي وافتراء عليه ،فعلي لم يشارك في دم عثمان ،ول على عل ّ
)(4
أمر ول رضي ،وقد روى عنه ذلك وهو الصادق البار .وقد قال علي
:اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان (5).وروى الحاكم بإسناده عن
قيس بن عباد قال :سمعت عليا يوم الجمل يقول :اللهم إني أبرأ
إليك من دم عثمان ،ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان ،وأنكرت
نفسي وجاءوني للبيعة ،فقلت :والله إني لستحي من الله أن أبايع
قوما قتلوا رجل قال فيه رسول الله ×» :أل أستحي ممن تستحي
منه الملئكة« ،وإني لستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على
الرض لم يدفن بعد ،فانصرفوا ,فلما دفن رجع الناس ،فسألوني
البيعة ،فقلت :اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ،ثم جاءت عزيمة
فبايعت فلقد قالوا :يا أمير المؤمنين ،فكأنما صدع قلبي ،وقلت:
اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى (6).وروى المام أحمد بسنده عن
محمد بن الحنفية قال :بلغ عليا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في
المربد) (7قال :فرفع يده حتى بلغ بهما وجهه ،فقال :وأنا ألعن قتلة
عثمان ،لعنهم الله في السهل والجبل ،قال مرتين أو ثلثا (8).وروى
ابن سعد بسنده عن ابن عباس أن عليا قال :والله ما قتلت عثمان
ول أمرت بقتله ،ولكني نهيت ،والله ما قتلت عثمان ول أمرت ولكني
غلبت ،قالها ثلثا (9).وجاء عنه أيضا أنه قال :من تبرأ من دين
عثمان فقد تبرأ من اليمان ،والله ما أعنت على قتله ول أمرت ول
رضيت).(10
علي عن عثمان ...» :كان أوصلنا للرحم ،وأتقانا و -وقال
للرب تعالى«).(11
ز -وعن أبي عون قال :سمعت محمد بن حاطب قال :سألت
عثمان(12فقال :هو من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم آمنوا ثم اتقوا. عليا عن
ولم يختم الية) .
)( البداية والنهاية ).(7/202 1
)( العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط ،ص ،229حق اليقين لعبد الله 2
)( المستدرك ) (3/95حديث صحيح على شرط الشيخين ،ولم يخرجاه ،ووافقه 6
الذهبي.
)( موضع قرب البصرة بينهما نحو ثلثة أميال. 7
325
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ي على شاطئ الفرات، ح -عن عميرة بن سعد قال :كنا مع عل ّ
ه َ
َ ُ لو + وجل: عز الله يقول فمرت سفينة مرفوع شراعها فقال علي:
والذي عل َم ِ" ]الرحمن[24 : كال ْ ر َ ح ِفي ال ْب َ ْ ت ِ شَئا ُ من َ ر ال ْ ُ وا ِ ج َال ْ َ
أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ول مالت على قتله).(1
ط -وروى المام أحمد في مسنده ،عن محمد بن حاطب قال:
سَنى ح ْ نا(2ال ْ ُ م ّهم ّ ت لَ ُ ق ْ سب َ َ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ ُسمعت عليا يقول+ :إ ِ ّ
]النبياء [101 :منهم عثمان ،وقال علي :
)
ن"
دو َ ع ُ
مب ْ َ ها ُ عن ْ َ ك َ أول َئ ِ َ
)(3
إنما وهنت يوم قتل عثمان .وقد اعتنى الحافظ ابن عساكر بجمع
الطرق الواردة عن علي أنه تبرأ من دم عثمان ،وكان يقسم على
بذلك ،ثبت ذلك عنه ذلك في خطبه وغيرها ،أنه لم يقتله ول رضي
من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث).(4
-3عبد الله بن عباس :
روى المام أحمد بإسناده عن ابن عباس أنه قال :لو اجتمع
الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمى قوم لوط (5).وقال
في مدح عثمان وذم من ينتقصه :رحم الله أبا عمرو ،كان والله
جادا بالسحار ،كثير الدموع عند ذكر أكرم الحفدة وأفضل البررة ،ه ّ
النار ،نّهاضا عند كل مكرمة ،سّباقا إلى كل محنة ،حبيًبا أبّيا وفّيا،
رسول (6الله × ،فأعقب الله على من صاحب جيش العسرة ،ختن
يلعنه لعنة اللعنين إلى يوم الدين) .
-4زيد بن علي رحمه الله:
روى ابن عساكر بإسناده إلى السدي قال :أتيته -أي زيد -وهو
في بارق حي من أحياء الكوفة ،فقلت له :أنتم سادتنا وأنتم ولة
أمورنا ،فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال :تولهما ،وكان يقول
البراءة من علي ،والبراءة من البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان
علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان).(7
-5علي بن الحسين رحمه الله:
وقد ثبت عن علي بن الحسين البراءة من قول الرافضة في أبي
بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ،فقد روى أبو نعيم بسنده عن
محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال :جلس قوم من
أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر ،فنالوا منهما ،ثم ابتدأوا ُفي عثمان
جوا ر ُخ ِنأ ْ ذي َ أخبروني أأنتم من المهاجرين الولين +ال ّ ِ لهم:هم وأ َ فقال
واًناض َر ْ ِ وَ ه
ِ الل نَ م
ّ ً ل ض
ْ ف َ ن
َ غو ُ َ ت ْ بَ ي م
ْ هِ ِ لوا َ مْ َ ْ ِ ر ِ ياَ د
ِ من ِ
ه"؟ ]الحشر [8 :قالوا :ل ،قال :فأنتم من سول َ ُ وَر ُ ه َ ن الل َ صُرو َ وَين ُ َ
جَر
ها َ ن َ م ْ ن َ حّبو َ م يُ ِ
ه ْ قب ْل ِ ِ من َ ن ِ ما َ لي َ وا ِ داَر َ ءوا ال ّ و ُ الذين +ت َب َ ّ
المصدر نفسه ) (560 ،1/559إسناده لغيره ،رقم.(379) : )( 1
العقيدة في أهل البيت ،ص ,234مروج الذهب للمسعودي ).(3/64 )( 6
العقيدة في أهل البيت ،ص ،335تهذيب تاريخ دمشق ).(6/21 )( 7
326
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
م"؟ ]الحشر [9 :قالوا :ل ،فقال لهم :أما أنتم فقد أقررتم ه ْ َ
إ ِلي ْ ِ
وشهدتهم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلء ول من هؤلء ،وأنا
أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله -عز وجل -فيهم:
وان َِنا
خ َ ول ِ ْ
ّ فْر ل ََنا ّ َ غ ِ ن َرب َّنا ا ْ
ُ
قوُلو َ م يَ ُ ه ْد ِع ِ
من ب َ ْءوا ِ جا ُ
ن َ وال ّ ِ
ذي َ َ +
نَ ذيِ ل ل ّ ل غ
ِ ناَ ِ ب لو ُ
ق في ِ ْ
ل ع ج
ْ َ َ ت َ ل و ن ما
ِ ِ َ ِ َ لي با نا
َ قوُ ال ّ ِ َ َ َ
ب س ن ذي
فيكم ،ول قرب الله بارك ل عني، فقوموا , نوا" ]الحشر[10 : م ُآ َ
دوركم ،أنتم مستهزئون بالسلم ،ولستم من أهله).(1
ثانًيا :موقف عمار بن ياسر :
جاء في الروايات التاريخية التي تحمل في طياتها غثا وسمينا أن
هناك خلفا بين عمار وعثمان رضي الله عنهما ،وقد خطم بعضها
بأسانيد ،وأخرى ل خطام لها ول زمام ،ولم أجد من أغنى فيه بحثا
ماما ،والتعرض لمثل هذا الموضوع الذي يمس كرامة أطهر وتحليل إل ل َ َ
)(2
خلق الله وأحبهم إليه وإلى نبيه ،ل يمكن معه العتماد على روايات
تسرح فيه أعراض الصحابة كما تشاء وتمرح من غير زمام أو خطام.
ومن التهم الساقطة التي ساقتها الروايات الضعيفة:
-1ضرب عمار بن ياسر:
تعتبر الروايات التي تحدثت عن ضرب عثمان لعمار من أشهر
الروايات في هذا الموضوع وأكثرها ،ولقد تفنن واضعوها في ذكر
ما نتج عنه، الساليب التي استخدمها عثمان بالضرب ،وفي ذكر
وهي مع فساد أسانيدها تحمل نكارة شديدة في متونها (3).يقول
القاضي أبو بكر بن العربي في عواصمه ضمن تفنيده لما نسب إلى
عثمان من افتراءات :وأما ضربه لبن مسعود ومنعه عطاءه
فزور ،وضربه لعمار إفك مثله ،ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا ،وقد
اعتذر عن ذلك العلماء بوجوه ل ينبغي أن يشتغل بها؛ لنها مبنية
على باطل ،ول نذهب الزمان في مماشاة على باطل ،ول يبنى حق
الجهال ،فإن ذلك ل آخر له (4).إن أخلق عثمان في سنه وإيمانه
وحيائه ولين عريكته ورقة طبعه وسابقته وجليل مكانته في السلم
ل من أن تنزل به إلى هذا الدرك من التصرف مع رجل من أجلء ج ّ أ َ
أصحاب النبي × ,يعرف له عثمان سابقته وفضله مهما كان بينهما
من اختلف في الرأي ،أفيرضى عثمان لنفسه وهو الذي أبى على
الناس أن يقاتلوا دونه ،ورضي بالموت صابرا محتسبا حقنا لدماء
المسلمين واتقاء للفتنة العامة ،أفيرضى أن يصنع بعمار -وهو أعلم
بسابقته وفضله في السلم -ما ذكرت الروايات المزعومة بأنه أمر
غلمانه بأن يضربوه حتى أغمى عليه ،ثم يقوم عثمان في هذه الحال
فيطأه في بطنه؟ ثم هل ترضى أخلق عثمان وحياؤه بأن يدعو
بدعوة الجاهلية فيعير عمارا بأمه سمية وهي من أهل السابقة
والفضل ،وعثمان يعرف شرف انتساب عمار إلى أمه سمية رضي
)( العقيدة في أهل البيت ،ص ,236البداية والنهاية ) ،(9/112الجامع لحكام 1
327
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الله عنها ،أول شهيدة في السلم؟
كل إن الخبار الصحيحة والموثوقة ل يوجد فيها ما يدني عثمان
من هذا السلوب المنحط في الزجر والتأديب ،علوة على أن أخلقه
وطبيعته وسيرته تستبعد ذلك تماما ،ومما ل شك فيه أن عرض
أمثال تلك الروايات الموضوعة على ما عرف من مواقف وأخلق
ومعاييره أولئك الئمة العلم ،والخذ بالعتبار مقاييس ذلك العصر
لهو أصدق ميزان في النقد لكشف دخائل الوضاعين والمفترين).(1
-2اتهام عمار بالمساهمة في الفتنة وإثارة الشغب ضد
عثمان:
اعتمد المؤرخون في نسبة هذه الفتراءات إلى عمار على
روايات لم تسلم إحداها من الطعن في صحة أسانيدها أو في
استقامة متونها ،وتتنوع التهم المنسوبة إلى عمار في تحريكه
لمر الفتنة ،وتحريضه على عثمان ،وسعيه بين العامة للتمرد عليه،
فمنها ما يذكر من إرسال عثمان له إلى مصر لستجلء ما يحدث
فيها مما نقل إليه عن تمرد العامة هناك ،وأن السبئيين استطاعوا
استقطاب عمار والتأثير عليه .وهذا الخبر الذي يرويه الطبري) (2فيه
شعيب بن إبراهيم التميمي الكوفي راوية كتب سيف ،فيه جهالة،
وقال عنه الراوي :ليس بالمعروف وله أحاديث)(3وأخبار ،فيها بعض
النكارة ،وفيها ما فيها من تحامل على السلف .ورواه عمر بن شبة
في تاريخ المدينة وفيه شيخ عمر :علي بن عاصم ،قال عنه ابن
المديني :كان على بن عاصم كثير الغلط ،وإذا رد)(4عليه لم يرجع،
وقال يحيى بن الحديث ،ويروي أحاديث منكرة ، وكان معروفا في
وقال مرة :كذاب ليس بشيء) ,(6وقال ، )(5
بشيء معين :ليس
متروك الحديث) ،(7وقال البخاري :ليس بالقوي عندهم، )(8
النسائي:
بالكلم عليه وقال عنه ابن حجر: تلطف من وهناك فيه. يتكلمون
صدوق يخطئ ويصر ،ورمي بالتشيع) .(9وخبٌر هذا حال إسناده ل
يمكن الطمئنان إليه لسيما ما عرف عن عمار من الورع الذي
يربأ به عن النغماس في مثل تلك الوحال ,التي ما عهدنا مرتادا لها
إل سبئيا يهوديا حاقدا ،ومعاذ الله أن يصل الحال بصحابي من صحابة
النبي × إلى هذا المستوى ،يقول خالد الغيث :وهذا الخبر يعارضه ما
رضوان الله عليهم ،هذا فضل عن عدم ثبت من عدالة الصحابة
وروده من طريق صحيح).(10
ومن الروايات الباطلة في هذا الباب ما نسب إلى سعيد بن
المسيب ،وفيها أن الصحابة بمجملهم نقموا على عثمان مع
من نقم ،وحنقوا عليه ،وخاصة أبا ذر وابن مسعود وعمار بن
)( الخليفة المفترى عليه عثمان بن عفان ،ص ،41-14عمار بن ياسر ،ص .137 1
) (2استشهاد عثمان ووقعة الجمل، )( تاريخ الطبري ).(5/348 2
ص .30 3
) (4المصدر نفسه ).(9/255 )( سير أعلم النبلء ).(9/253 4
5
) (8تقريب التهذيب ،ص .403 )( المصدر نفسه ).(9/255 8
9
328
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
سا ليس رضي الله عنهم .وآفة هذه الرواية أن فيها تدلي ً ياسر
و
ٍ را منها أسقط فقد عنه، والتجاوز إقراره الممكن النوع من
متهم بالوضع والكذب وهو إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله،
ولذلك جاء تضعيف علماء الحديث لهذه الرواية ،وبيان زيفها عند
ترجمتهم لمحمد بن عيسى بن سميع راوي الخبر عن ابن أبي
ذئب ،يقول المام البخاري عن ابن سميع :يقال إنه لم يسمع من
ابن أبي ذئب هذا الحديث ،يعني حديثه عن الزهري في مقتل
عثمان .ويقول ابن حبان :إن ابن سميع لم يسمع حديثه من ابن
أبي ذئب ،وإنما سمعه من إسماعيل ابن يحيى ،فدلس عنه .وقال
الحاكم :أبو محمد -يعني ابن سميع -روى عن ابن أبي ذئب حديثا
منكرا وهو حديث مقتل عثمان ،ويقال :كان في كتابه عن
إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذئب فأسقطه ،وإسماعيل ذاهب
الحديث (2).ويقول الدكتور يوسف العش :والرواية المنسوبة إلى
سعيد بن المسيب يجب استبعادها ،فهي بعد التحري تظهر
موضوعة ،فقد نص الحاكم النيسابوري أن أحد رجال سندها قد
أسقط من السند رجل واهيا ،وأنها منكرة ،والواقع أنها ل تنبئ عن
الحترام( الذي يكنه سعيد بن المسيب للصحابة في أقواله الخرى
الصحيحة). 3
-3براءة عمار من دم عثمان رضي الله عنهما:
وما يروى في ذلك اتهام مسروق وأبي موسى لعمار بذلك
عند قدومه مع الحسن لستنفار أهل الكوفة ،وهذه الرواية قد وهي
إسنادها بشعيب المجهول ،وسيف المعلول ،كما أن الرواية التي في
صحيح البخاري ل تذكر شيئا من ذلك ،فزيادتها ل تحتمل القبول ،ل
على(5لسان صحابي مثل عمار بن ياسر المجار - سيما مع طعنها في
مشاش من اليمان) . )(4
النبي × -من الشيطان ،والملئ إلى ال ُ
وقد ب ّ ين العلماء بطلن مثل هذا التهام الذي لم يختص
ج ّلة
بعمار فحسب ،بل تعداه إلى مجموعة أخرى من أ ِ
الصحابة ،يقول ابن كثير :أما ما يذكره بعض الناس من أن
يصح(6عن أحد من )
سل َ َ مه ورضي بقتله ،فهذا ل بعض الصحابة أ ْ
الصحابة ،بل كلهم كرهه ومقته وسب من فعله .ويقول
القاضي أبو بكر بن العربي :فهذا أشبه ما روي في الباب ،وبه
يتبين -وأصل المسألة سلوك سبيل أهل الحق -أن أحدا من
الصحابة لم يس َ ع عليه ،ول قعد عنه ،ولو استنصر ما غلب ألف
أو أربعة آلف غرباء عشرين ألفا بلديين أو أكثر من ذلك،
ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة (7).ويقول :وقد انتدبت المردة
والجهلة إلى أن يقولوا :إن كان فاضل من الصحابة كان عليه
مشاغبا مؤلبا ،وبما جرى عليه راضيا واخترعوا كتابا فيه
فصاحة ,وأمثال كتب عثمان به مستصرخا إلى علي ,وذلك كل
)( تاريخ دمشق ) ،(39/415عمار بن ياسر ،ص .144 1
) (5البداية والنهاية ).(7/207 )( عمار بن ياسر ،ص .147 5
6
329
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
مصنوع ،ليوغروا قلوب المسلمين على السلف الماضيين
والخلفاء الراشدين ،فالذي ي ُ ْ نخل من ذلك أن عثمان مظلوم
دمه بأجمعهم ،لنهم محجوج بغير حجة ،وأن الصحابة براء من
أتوا إرادته ،وسلموا له رأيه في إسلم نفسه).(1
ثالثـا :براءة عمرو من دم عثمان:
لما أحيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها
إلى الشام وقال :والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل
هذا الرجل إل ضربه الله عز وجل بذل ،ومن لم يستطع نصره
الله(2ومحمد ،وخرج بعده حسان فليهرب ،فسار وسار معه ابناه عبد
بن ثابت ،وتتابع على ذلك ما شاء الله ).وعندما جاءه الخبر عن
مقتل عثمان وبأن الناس بايعوا علي بن أبي طالب قال عمرو :أنا
أبو عبد الله تكون حرب من حك فيه قرحة نكأها ،رحم الله عثمان
ورضي الله عنه وغفر له ،فقال سلمة بن زنباغ الجذامي :يا معشر
العرب ،إنه قد كان بينكم وبين العرب باب فاتخذوا بابا إذا كسر
)(3
الباب ،فقال عمرو :وذاك الذي نريد ول يصلح الباب إل أشاف
تخرج الحق من حافرة البأس ويكون الناس في العدل سواء ،ثم
تمثل عمرو بن العاص بهذه البيات:
وهل يصرف مالك حفظ فيا لهف نفسي على مالك
القدر؟
فأعذرهم أم بقومي سكر أنزع من الحّر ) (4أودى بهم
ارتحل(5راجل يبكي ويقول :يا عثماناه ،أنعي الحياء والدين حتى ثم
قدم دمشق) .
هذه هي الصورة الصادقة عن عمرو والمتتالية مع شخصيته،
وخط حياته وقربه من عثمان ،أما الصورة التي تمسخه إلى رجل
مصالح وصاحب مطامع وراغب دنيا ،فهي الرواية المتروكة الضعيفة،
رواية الواقدي عن موسى بن يعقوب) .(6وقد تأثر بالروايات الضعيفة
والسقيمة مجموعة من الكتاب والمؤرخين فأهووا بعمرو إلى
الحضيض ،كالذي كتبه محمود شيت خطاب) ،(7وعبد الخالق سيد أبو
رابية) ،(8وعباس محمود العقاد الذي يتعالى عن النظر في السناد
ويستخف بقارئه ،ويظهر له صورة معاوية وعمرو -رضي الله عنهما-
بأنهما :انتهازيان صاحبا مصالح ،ولو أجمع الناقدون التاريخيون على
بطلن الروايات التي استند إليها في تحليله ،فهذا ل يعني للعقاد
شيئا ،فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة واهية ل تقوم بها حجة:
تاريخ الطبري ،نقل عن عمرو بن العاص ،للغضبان ،ص .464 )( 2
تاريخ الطبري ،نقل عن عمرو بن العاص ,للغضبان ،ص .481 )( 5
عمرو بن العاص ،عبد الخالق سيد أبو رابية ،ص .316 )( 8
330
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
» ...وليقل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا
الحوار ،وصحة هذه الكلمات ،وما ثبت نقله ولم يثبت منه سنده ول
نصه ،فالذي ل ريب فيه ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه أن
التفاق بين الرجلين كان اتفاق مساومة ومعاونة على الملك
والولية ،وأن المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل على كل
منهما ،ولوله لما كان بينهما اتفاق).(1
إن شخصية عمرو بن العاص الحقيقية ،أنه رجل مبادئ
غادر المدينة حين عجز عن نصرة عثمان ،وبكى عليه بكاء م ّرا
قتل ،فقد كان من أقرب أصحابه وخلنه ومستشاريه، حين ُ
وكان يدخل في الشورى -في عهد عثمان -من غير ولية،
ومضى إلى معاوية -رضي الله عنهما -ليتعاونا معا على حرب
قتلة عثمان والثأر للخليفة الشهيد (2).لقد كان مقتل عثمان
كافيا لن يحرك كل غضبه على أولئك المجرمين السفاكين،
وكان ل بد من اختيار مكان غير المدينة للثأر من هؤلء الذين
تجرأوا على حرم رسول الله وقتلوا خليفته على أعين الناس،
وأي غرابة أن يغضب عمرو لعثمان؟ وإن كان هناك من يشك
في هذا الموضوع فمداره على الروايات المكذوبة التي تصور
عم ً را كل همه السلطة والحكم).(3
رابًعا :من أقوال الصحابة في الفتنة:
-1أنس بن مالك :
ب علي وعثمان )4ل( يجتمعان في قلب، قيل لنس بن مالك :إن ح ّ
فقال أنس :كذبوا ،لقد اجتمع حبهما في قلوبنا .
-2حذيفة بن اليمان :
عن خالد بن الربيع قال :سمعنا بوجع حذيفة ،فركب إليه أبو
ثم(5ذكر قتل قال: مسعود النصاري في نفر فيهم إلى المدائن،
ولم أ َ
ض) .وأخرج ْ َر عثمان ،فقال :اللهم إني لم أشهد ،ولم أقتل,
أحمد بن حنبل عن ابن سيرين عن حذيفة قال :لما بلغه قتل عثمان
قال :اللهم إنك تعلم براءتي من دم عثمان ،فإن كان الذين قتلوه
أصابوا ،فإني برئ منهم ،وإن كانوا أخطأوا فقد تعلم براءتي من
دمه ،وستعلم العرب لئن كانت أصابت بقتله لحلبنا بذلك لب ًَنا ،وإن
ما ،ما رفعت ما ،فاحتلبوا بذلك د ًكانت أخطأت بقتله لتحتلبن بذلك د ً
عنهم السيوف ول القتل (6).وروى ابن عساكر عن جندب بن عبد الله
-له صحبة -أنه لقى حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان فقال :أما
إنهم سيقتلونه ،قال :قلت :فأين هو؟ قال :في الجنة ،قلت :فأين
331
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
قاتلوه؟ قال :في النار).(1
-3أم سليم النصارية رضي الله عنها:
لما( سمعت بقتل قالت أم سليم النصارية -رضي الله عنها-
عثمان :رحمه الله ،أما إنه لم يحلبوا بعده إل دما). 2
-4أبو هريرة :
وعن أبي مريم قال :رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله
وهو ممسك بهما وهو يقول :قتل والله عثمان على غير ضفيرتان،
وجه الحق).(3
-5أبو بكرة :
روى ابن كثير في البداية والنهاية عن ُأبي بكرة قال :لن)4أ( ِ
خّر
ي من أن أشرك في قتل عثمان . ب إل ّمن السماء إلى الرض أح ّ
-6أبو موسى الشعري :
عن أبي عثمان النهدي قال أبو موسى الشعري :إن قتل
كان( هدي احتلبت به المانة لبًنا ،ولكنه كان ضلل عثمان لو
فاحتلبت به دما). 5
-7سمرة بن جندب :
روى ابن عساكر بإسناده إلى سمرة بن جندب قال :إن
السلم كان في حصن حصين ،وإنهم ثلموا في السلم ثلمة بقتلهم
عثمان ،وإنهم شرطوا أشرطة ,وإنهم لم يسدوا ثلمتهم أو ل يسدونها
القيامة ،وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلفة فأخرجوها ولم إلى يوم
تعد فيهم).(6
-8عبد الله بن عمرو بن العاص :
وأخرج أبو نعيم في )معرفة الصحابة( بسنده إلى عبد الله بن
قال(7:عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما، عمرو بن العاص،
أوتي كفلين من الجر) .
-9عبد الله بن سلم :
قال :ل تقتلوا عثمان ،فإنكم إن فعلتم لم تصّلوا جميعا) (8أبدا.
وفي رواية :والله ل تهرقون محجما من دم -أي :من دم عثمان -إل
1
)(تحقيقـ مواقفـ الصحابةـ ) ،(2/28تاريخ دمشق،ـ ص .388
332
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ازددتم به من الله ُبعدا).(1
-10الحسن بن علي :
عن طلق بن خشاف قال :انطلقنا إلى المدينة ومعنا ُقرط بن
له(2قرط :فيم ُقتل أمير خيثمة ،فلقينا الحسن بن علي فقال
المؤمنين عثمان؟ فقال :قتل مظلوما) .
-11سلمة بن الكوع :
وعن يزيد بن أبي عبيدة قال :لما قتل عثمان خرج سلمة بن
بدري -من المدينة قبل الربذة ،فلم يزل بها حتى كان الكوع -وهو
قبيل أن يموت).(3
-12عبد الله بن عمر :
فعن أبي حازم قال :كنت عند عبد الله بن عمر بن الخطاب
فذكر عثمان ،فذكر فضله ومناقبه وقرابته حتى تركه أنقى من
الزجاجة ،ثم ذكر علي بن أبي طالب فذكر فضله وسابقته وقرابته
الزجاجة ،ثم قال :من أراد أن يذكر هذين
)(4
حتى تركه أنقى من
عمر -رضي الله عنهما -أيضا: ابن وقال فليدع. فليذكرهما هكذا أو
ل تسبوا عثمان؛ فإنا كنا نعده من خيارنا).(5
سا :أثر مقتل عثمان في حدوث فتن أخرى: خام ً
لقد كانت فتنة قتل عثمان سببا في حدوث كثير من الفتن
الخرى ،وألقت بظللها على أحداث الفتن التي تلتها ،فتغيرت قلوب
الكذب ،وبدأ الخط البياني للنحراف عن السلم في )(6
الناس وظهر
السباب( التي أعظم من عثمان مقتل وكان . وشريعته عقيدته
أوجبت الفتن بين الناس ،وبسببه تفرقت المة إلى اليوم) 7؛ فتفرقت
القلوب ،وعظمت الكروب ،وظهرت الشرار وذل الخيار ،وسعى
في الفتنة من كان عاجزا عنها ،وعجز عن الخير والصلح من كان
يحب إقامته ،فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو أحق
الناس بالخلفة حينئذ ،وأفضل من بقي ,لكن القلوب متفرقة ونار
الفتنة متوقدة ،فلم تتفق الكلمة ولم تنتظم الجماعة ،ولم يتمكن
الخليفة وخيار)(8المة من كل ما يريدون من الخير ،ودخل في الفرقة
والفتنة أقوام .
وبدأ ضعف الفتوحات تدريجيا خلل السنين الخيرة من خلفة
عثمان ،عندما بدأت الفتن تضرب بلد السلم ومركز الخلفة ،ثم
توقفت عندما قتل عثمان ،واستمرت متوقفة بل تراجعت في بعض
الماكن إلى بداية عهد معاوية؛ حيث استقرت أحوال المسلمين
) (6مجموع الفتاوي ).(25/162 المصدر نفسه ،ص .590 )( 6
7
333
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فانطلقت الفتوحات شرقا وغربا وشمال).(1
سا :الظلم والعتداء على الخرين من أسباب الهلك في ساد ً
الدنيا والخرة:
إن الظلم والعتداء على الخرين بغير حق من أسباب الهلك في
م
ه ْ قَرى أ َ ْ
هل َك َْنا ُ ك ال ْ ُ وت ِل ْ َ
والخرة ،كما ْ قال الله -عز وجلَ + :- الدنيا
دا" وإن المتتبع لحوال أولئك ع ً و ِ م
ّ ْ هم ِ كِ له م
َ ْ ِ ل نا
َ لعَ ج
َ وَ مواُ َ لَ ظ لَ ّ
ما
ِ
الخارجين على عثمان المعتدين عليه يجد أن الله تعالى لم
ج منهم أحدا).(2 يمهلهم ,بل أذلهم وأخزاهم وانتقم منهم فلم ين ُ
روى خليفة بن خياط في تاريخه بإسناد صحيح إلى عمران بن
الحدير قال :إن لم يكن عبد الله بن شقيق حدثني أن أول قطرة
ه" ]البقرة: م الل ُ
ه ُ فيك َ ُ سي َك ْ ِ قطرت من دمه -يعني عثمان -على َ +
ف َ
حريت ذكر أنه ذهب وسهيل النميري ،فأخرجوا إليه [137فإن أبا ُ
ه" ،فإنها في م الل ُ ه ُ َ
فيك ُ ْ
سي َك ِ َ
المصحف ,فإذا القطرة على +ف َ
المصحف ما حكت .وفي تاريخ ابن عساكر عن محمد بن سيرين
قال :كنت أطوف بالكعبة ،فإذا رجل يقول :اللهم اغفر لي ،وما أظن
أن تغفر لي ،قلت :يا عبد الله ،ما سمعت أحدا يقول ما تقول ،قال:
كنت أعطيت الله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إل لطمته،
فلما ُقتل وضع على سريره في البيت ،والناس يجيئون فيصلون
عليه ،فدخلت كأني أصلي عليه ،فوجدت خلوة ،فرفعت الثوب عن
وجهه فلطمت وجهه ،وسجيته ,وقد يبست يميني ،قال محمد بن
سيرين :رأيتها يابسة كأنها عود (3).ولو لم يكن من آثار ظلم هؤلء
الحاقدين إل سل المسلمين السيف عليهم إلى يوم القيامة لكفى
بذلك رادعا لهم ولكل من سار في فلكهم ،قال القاسم بن محمد:
ي على رجلين بالمدينة بعدما قتل عثمان ،وقبل بيعته وهما مر عل ّ
يقولن :قتل ابن بيضاء ،ومكانه من السلم والعرب ،ثم والله ما
انتطح فيه عنزان ،فقال علي :ما قلتما؟ فأعادا عليه فقال :بلى
والله ،ورجال بعد رجال ،وكتائب بعد كتائب ،أو يخرج ابن مريم).(4
سابًعا :تأثر المسلمين لمقتل عثمان وما قيل من أشعار:
كان وقع المصيبة على نفوس المؤمنين عظيما ،فجللهم الحزن
وفاضت مآقيهم بالدموع ،ولهجت ألسنتهم بالثناء على عثمان،
المؤمنين ويكثر والترحم عليه ،وقام حسان بن ثابت يرثي أمير
التفجع لمقتله ،ويهجو قاتليه ،ويقرعهم بما كسبت أيديهم) (5فيقول:
وغزوتمونا عند قبر محمد أتركتم غزو الدروب وراءكم
334
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
335
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
336
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)( أي :خير من وطئ التراب في أمة محمد × بعد رسول الله × ثم أبي بكر ثم 2
337
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الخلصـــــــــة
-1كان عثمان في أيام الجاهلية من أفضل الناس في قومه؛
فهو عريض الجاه ،ثري ،شديد الحياء ،عذب الكلمات ،فكان
قومه يحبونه أشد الحب ويوقرونه .لم يسجد في الجاهلية لصنم
قط ،ولم يقترف فاحشة قط ،فلم يشرب الخمر في الجاهلية.
-2كان عثمان قد ناهز الرابعة والثلثين من عمره حين دعاه أبو
بكر الصديق إلى السلم ،ولم يعرف عنه تلكؤ أو تلعثم ،بل كان
سباقا أجاب على الفور دعوة الصديق ،فكان بذلك من السابقين
الولين.
فرح المسلمون بإسلم عثمان فرحا شديدا ،وتوثقت بينه وبينهم -3
عرى المحبة وأخوة اليمان ،وأكرمه الله تعالى بالزواج من بنت
رسول الله × رقية.
إن سنة البتلء ماضية في الفراد والجماعات والشعوب والمم -4
والدول ،وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام ,وتحملوا
من البلء ما تنوء به الرواسي الشامخات ،وبذلوا أموالهم
ودماءهم في سبيل الله ،وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ،
ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا البتلء؛ فقد أوذي عثمان
وعذب في سبيل الله تعالى على يدي عمه الحكم بن أبي
العاص.
منذ اليوم الذي أسلم فيه عثمان لزم النبي × حيث كان ،ولم -5
يفارقه إل للهجرة بإذنه أو في مهمة من المهام التي يندب لها،
ول يغني فيها أحد غناءه ،شأنه في هذه الملزمة شأن الخلفاء
الراشدين جميعا ،كأنما هي خاصة من خواصهم رشحهم لها ما
رشحهم بعد ذلك للخلفة متعاقبين.
-6كان ذو النورين على صلة وثيقة بالدعوة الكبرى من سنتها
الولى ،فلم يفته من أخبار النبوة الخاصة والعامة في حياة النبي
× ،ولم يفته شيء بعدها من أخبار الخلفة في حياة الشيخين،
ولم يفته بعبارة أخرى شيء مما نسميه اليوم بأعمال التأسيس
في الدولة السلمية.
-7كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عثمان بن عفان ،وكل
الصحابة الكرام هو القرآن الكريم المنزل من عند رب العالمين.
إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان بن عفان وصقل -8
مواهبه ،وفجر طاقته ،وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله ×
وتتلمذه على يديه في مدرسة النبوة ،ذلك أن عثمان لزم
الرسول × في مكة بعد إسلمه ،كما لزمه في المدينة بعد
هجرته؛ فقد نظم عثمان نفسه ،وحرص على التلمذة في حلقات
مدرسة النبوة في فروع شتى من المعارف والعلوم على يدي
معلم البشرية وهاديها ،والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه.
338
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
لم يكن عثمان بن عفان ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه -9
أو هروب ينشده ،كما يزعم أصحاب الهواء ممن طعن عليه
تغيبه عن بدر ،فهو لم يقصد مخالفة الرسول ×؛ لن الفضل
الذي حازه أهل بدر في شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته،
وعثمان خرج فيمن خرج مع رسول الله × ,فرده × للقيام
على ابنته ،فكان في أجل فرض لطاعته لرسول الله وتخليفه،
وقد ضرب له بسهمه وأجره ،فشاركهم في الغنيمة والفضل
والجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما.
في الحديبية ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان بعدة -10
أمور منها :اختصاصه بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما
بايع الصحابة وعثمان غائب ،واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله
× إلى من بمكة أسيًرا من المسلمين ،وذكر شهادة النبي ×
لعثمان بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة.
قبل رسول الله × شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله -11
بن أبي السرح في فتح مكة.
من حياة عثمان الجتماعية في المدينة :زواجه من أم -12
كلثوم بنت رسول الله × بعد وفاة رقية بنت رسول الله ×،
ووفاة عبد الله بن عثمان ،ثم وفاة أم كلثوم رضي الله عنهما.
من مساهمته القتصادية في بناء الدولة :شراء بئر رومة -13
بعشرين ألف درهم ,وجعلها عثمان للغني والفقير وابن
السبيل ،وتوسعة المسجد النبوي ،وإنفاقه الكثير على جيش
العسرة.
وردت أحاديث كثيرة في فضل عثمان ،منها ما ورد في -14
فضله مع غيره ،ومنها ما ورد في فضله وحده ،وقد أخبر رسول
الله × عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان.
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ -15
برأيهم في أمهات المسائل في عهد الصديق ،فهو ثاني اثنين
في الحظوة عند الصديق؛ فعمر بن الخطاب للحزم والشدائد،
وعثمان للرفق والناة ،وكان عثمان أمينها العام ،وناموسها
العظم ,وكاتبها الكبر.
-16كان عثمان ذا مكانة عند عمر ،فكانوا إذا أرادوا أن يسألوا عمر
عن شيء رموه بعثمان وبعبد الرحمن بن عوف ،وكان عثمان
يسمى الرديف ،والرديف بلسان العرب هو الذي يكون بعد
الرجل ،والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيس،
وكانوا إذا لم يقدر هذان على عمل شيء ثلثوا بالعباس.
-17من أفضل أعمال عبد الرحمن بن عوف عزله نفسه من المر
وقت الشورى ،واختياره للمة من أشار به أهل الحل والعقد،
فنهض في ذلك أتم نهوض على جميع المة على عثمان.
339
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-18هناك أباطيل شيعية وأكاذيب رافضية دست في التاريخ
السلمي في قصة الشورى ،وتولية عثمان الخلفة ،وقد تلقفها
المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها وتأثر بها الكثير من
المؤرخين والمفكرين والمحدثين ،ولم يمحوا الروايات ويحققوا
في سندها ومتنها فانتشرت بين المسلمين.
جاءت الدلة الكثيرة التي تشير وتنبه إلى أحقية خلفة -19
عثمان بالخلفة ،ول نزاع عند المتمسكين بالكتاب والسنة
في ذلك ,وقد أجمع أصحاب رسول الله × وكذا من جاء بعدهم
ممن سلك سبيلهم من أهل السنة والجماعة على أن عثمان بن
عفان أحق الناس بخلفة النبوة بعد عمر بن الخطاب رضي
الله عنهما.
عندما بويع عثمان بالخلفة قام في الناس خطيبا -20
وأعلن عن نهجه السياسي ،مبينا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة
وسيرة الشيخين ،كما أنه أشار في خطبته إلى أنه سيسوس
الناس بالحلم والحكمة إل فيما استوجبوه من الحدود ،وحذرهم
من الركون إلى الدنيا والفتتان بحطامها خوفا من التنافس
والتباغض والتحاسد بينهم ،مما يفضي بالمة إلى الفرقة
والخلف.
إن شخصية ذي النورين تعتبر شخصية قيادية ،وقد اتصف -21
بصفات القائد الرباني ،من العلم والقدرة على التوجيه
والتعليم ،والحلم ،والسماحة ,واللين ,والعفو ،والتواضع ،والحياء،
والعفة ،والكرم ،والشجاعة ،والحزم ،والصبر ،والعدل ،والعبادة،
والخوف ،والبكاء ،والمحاسبة ،والزهد ،والشكر ،وتفقد أحوال
الناس ،وتحديد الختصاصات والستفادة من أهل الكفاءات.
-22إن معرفة صفات الخلفاء الراشدين ،ومحاولة القتداء بهم
خطوة صحيحة لمعرفة صفات القادة الربانيين ،الذين
يستطيعون أن يقودوا المة نحو أهدافها المرسومة بخطوات
ثابتة.
قامت سياسة عثمان المالية على السس العامة التالية: -23
تطبيق سياسة مالية عامة إسلمية ،عدم إخلل الجباية بالرعاية،
أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين ،وأخذ ما
على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق ،وإعطائهم ما لهم
وعدم ظلمهم ،وتخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء ،وتفادي أي
انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.
كانت النفقات في عهد عثمان تصرف على :صرف -24
مرتبات الولة ،ومرتبات الجند ،وعلى أسطول بحري ،وتحويل
الساحل من الشعيبة إلى جدة ،وحفر البار ,والنفاق على
المؤذنين ،وغيرها من المور.
اتهم عثمان من قبل الغوغاء والخوارج بإسرافه في -25
340
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
بيت المال وإعطائه أكثره لقاربه ،وقد ساند هذا التهام حملة
دعائية باطلة قادها السبئيون وتلقفها الشيعة الروافض إلى
يومنا هذا ،وتسربت في كتب التاريخ ،وتعامل المفكرون
والمؤرخون على كونها حقائق ،وهي باطلة لم تثبت لنها
مختلقة.
-26يعتبر عهد ذي النورين امتدادا للعهد الراشدي الذي تتجلى
أهميته بصلته بالعهد النبوي وقربه منه ،فكان العهد الراشدي
عامة والجانب القضائي فيه خاصة امتدادا للقضاء في العهد
النبوي ،مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في
العهد النبوي ،وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه.
-27كانت خطة عثمان في الفتوحات تتسم بالحسم والعزم ،وتمثلت
في التي :إخضاع المتمردين من الفرس والروم ،وإعادة
سلطان السلم إلى هذه البلد ،واستمرار الجهاد والفتوحات
فيما وراء هذه البلد لقطع المدد عنهم ،وإقامة قواعد ثابتة
يرابط فيها المسلمون لحماية البلد السلمية ،وإنشاء قوة
بحرية عسكرية لفتقار الجيش السلمي إلى ذلك.
كانت معسكرات السلم ومسالحه) (1في عهد عثمان هي -28
عواصم أقطاره الكبرى ،فمعسكر العراق في الكوفة والبصرة،
ومعسكر الشام في دمشق بعد أن خلص الشام كله لمعاوية بن
أبي سفيان ،ومعسكر مصر وكان مركزه الفسطاط ,وكانت هذه
المعسكرات تقوم بحماية دولة السلم ومواصلة الفتوحات
ونشر السلم.
-29من أشهر قادة الفتوحات في عهد عثمان :الحنف بن
قيس ،وسليمان بن ربيعة ،وعبد الرحمن بن ربيعة ،وحبيب بن
مسلمة.
-30كانت معركة ذات الصواري من مظاهر تفوق العقيدة الصحيحة
دد ،فلقد
دد والعُ َ
الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العَ َ
كان الروم هم أهل البحر منذ القدم ،وقد مروا بتجارب طويلة
في الحروب البحرية ،بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب
البحر والقتال البحري.
-31من أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان بن
عفان تحقق وعد الله بالنصر والتمكين للمؤمنين ،التطور في
فنون الحرب والسياسة ،ركوب المسلمين البحر ،جمع
المعلومات عن العداء ،الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة
العدو.
-32يظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان مدى فهم
الصحابة -رضي الله عنهم -ليات النهي عن الختلف؛ حيث إن
الله نهى عن الختلف وحذر منه ،فلعمق فهمهم لهذه اليات
ارتعد حذيفة عندما سمع بوادر الختلف في قراءة القرآن،
)( مسالحه :ثغوره. 1
341
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فرحل فورا إلى المدينة النبوية ,وأخبر عثمان بما رأى وبما
سمع ،وفي مدة قصيرة حسم عثمان المر وأغلق باب الخلف.
-33إن الخذ بالسباب نحو تأليف المسلمين وتوحيد صفهم من
أعظم الجهاد ،وهذه الخطوة مهمة في إعزاز المسلمين وإقامة
دولتهم وتحكيم شرع ربهم ،وهذا من فقه الخلفاء الراشدين،
ويتجلى في أبهى صورة في جمع عثمان للمة على مصحف
واحد.
-34كانت أقاليم الدولة السلمية في عهد عثمان تضم كل ً من:
مكة ،والمدينة ,والبحرين ,واليمامة ،واليمن ،وحضرموت ،والشام،
وأرمينية ،ومصر ،والبصرة والكوفة.
-35اتخذ عثمان أساليب متنوعة لمراقبة عماله والطلع
على أخبارهم ،منها :حضوره لموسم الحج ،سؤال القادمين من
المصار والوليات ،إرسال المفتشين إلى الوليات ،استقدام
الولة وسؤالهم ،وغير ذلك من الساليب.
-36من حقوق الولة في العهد الراشدي :الطاعة في غير معصية
الله ،بذل النصيحة للولة ،إيصال الخبار الصحيحة إليهم،
احترامهم بعد عزلهم ،وإعطاؤهم مرتباتهم.
-37من واجبات الولة في العهد الراشدي :إقامة أمور الدين ،تأمين
الناس في بلدهم ،الجهاد في سبيل الله ،بذل الجهد في تأمين
الرزاق للناس ،تعيين العمال والموظفين ،رعاية أهل الذمة،
مشاورة أهل الرأي في وليتهم ،النظر في حاجة الولية
العمرانية ،مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية.
-38إن عثمان خليفة راشد يقتدى به ،وأفعاله تشكل سوابق
دستورية في هذه المة ،فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج
عن تقريب القربين ,فكان عثمان سن لمن بعده تقريب
القربين إذا كانوا في كفاءتهم الدارية ،وكل ما أنكر على عثمان
ل يخرج من دائرة المباح.
-39إن الولة الذين ولهم عثمان من أقاربه قد أثبتوا الكفاية
والمقدرة في إدارة شئون ولياتهم ،وفتح الله على أيديهم الكثير
من البلدان ,وساروا في الرعية سيرة العدل والحسان ،ومنهم
من تقلد مهام الولية في عهد الصديق والفاروق رضي الله
عنهما.
-40إن الذي يرجع إلى الصحيح المحض من وقائع التاريخ ،ويتتبع
سيرة الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين عثمان ،وما كان
لجهادهم من جميل الثر في تاريخ الدعوة السلمية ،بل ما كان
لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء المة وسعادتها ،فإنه
ل يستطيع أن يمنع نفسه من الجهر بالعجاب والفخر كلما أمعن
في دراسة ذلك الدور من أدوار التاريخ السلمي.
إن عثمان لم يسلم من كثير من الباحثين في كتاباتهم -41
342
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
غير المنصفة وغير المحققة عن عهد عثمان ،فقد تورط الكثير
منهم في الروايات الضعيفة والرافضية ،وبنوا أحكاما باطلة
وجائرة في حق عثمان ،مثل طه حسين في كتابه )الفتنة
الكبرى( ،وراضي عبد الرحيم في كتابه )النظم السلمية(،
ومحمد الريس في كتابه )النظريات السياسية( ،وعلي حسين
الخربوطلي في كتابه )السلم والخلفة( ،وأبي العلى
المودودي في كتابه )الملك والخلفة( ،وسيد قطب في كتابه
)العدالة الجتماعية( وغيرهم ،لقد كان عثمان بحق الخليفة
المظلوم الذي افترى عليه خصومه الولون ولم ينصفه
المتأخرون.
-42إن الحقيقة التاريخية تقول :إن عثمان لم ين ِ
ف أبا ذر ،
إنما استأذن فأذن له ،ولكن أعداء عثمان كانوا يشيعون عليه
بأنه نفاه.
-43إن أبا ذر لم يتأثر ل من قريب ول من بعيد بآراء عبد الله
بن سبأ اليهودي ،وقد أقام بالربذة حتى توفي ولم يحضر شيئا
مما وقع من الفتن.
-44من أسباب فتنة مقتل عثمان أمور عدة ،منها :الرخاء
وأثره في المجتمع ،طبيعة التحول الجتماعي في عهد عثمان
،مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما ،وخروج كبار
الصحابة من المدينة ،العصبية الجاهلية ،توقف الفتوحات ،الورع
الجاهل ،طموح الطامحين ،تآمر الحاقدين ،التدبير المحكم لثارة
المآخذ ضد عثمان ،استخدام الساليب والوسائل المهيجة
للناس ،دور عبد الله بن سبأ في الفتنة.
-45كانت بداية اشتعال الفتنة بالكوفة ،وقد تم نفي رجالها إلى
الشام ,ثم استقر أمرهم عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
بالجزيرة ،ثم رجعوا إلى الكوفة بعد مكاتبة يزيد بن قيس لهم
بالمجيء للكوفة.
-46كانت سياسة عثمان في التعامل مع الفتنة قائمة على
الحلم والتأني والعدل ،وقد اتخذ عدة أساليب لمواجهتها ,منها:
إرسال لجان تفتيش وتحقيق ،كتب إلى أهل المصار كتابا شامل
بمثابة إعلن عام لكل المسلمين ،مشورة عثمان لولة المصار،
إقامة الحجة على المتمردين ،الستجابة لبعض مطالبهم.
-47إن المتأمل في هدي عثمان في تعامله مع الفتنة التي
وقعت في عهده يمكنه أن يستنبط بعض الضوابط التي تعين
المسلم على مواجهة الفتن ،ومن هذه الضوابط :التثبت ,لزوم
العدل والنصاف ،الحلم والناة ،الحرص على ما ينفع ونبذ ما
يفرق بين المسلمين ،لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم،
استشارة العلماء الربانيين ،السترشاد بأحاديث رسول الله ×
في الفتن.
343
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
344
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
345
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
)(1
تعريف بعض المناطق التي ذكرت في البحث
-1طبرستان :منطقة تقع جنوب بحر قزوين ،عاصمتها مدينة
همدان ،جاء اسمها من جمع كلمة طبر التي تعني في اللغة
الفارسية الفأس ،مع زنان التي تعني النساء.
-2أذربيجان :أصل الكلمة أتروباتن ،التي تعني أرض النار ،تقع هذه
المنطقة غرب بحر قزوين ،عاصمتها مدينة أردبيل.
أرمينيا :صقع كبير يقع شرق آسيا الصغرى جنوب البحر السود ،جاءت -3
تسميتها من سكانها الرمن ،وهم قبائل هندوأوربية ،اعتنقوا النصرانية
في بداية القرن الرابع الميلدي ،بعد ذلك تحولوا إلى المذهب
المنوفيستي )أصحاب الطبيعة الواحدة للسيد المسيح عليه السلم(،
كان سكانها قد قاوموا الفتح السلمي لبلدهم وبقوا محافظين على
ديانتهم النصرانية.
-4طخارستان :إقليم يقع جنوب غرب بلد ما وراء النهر عاصمتها
بلخ ،تقع غالبية أراضيها حاليا ضمن أفغانستان ،أهم مراكزها
اليوم قندز وخوست.
-5خراسان :معناها مشرق الشمس ،تقع شرق الهضبة اليرانية،
عاصمتها مرو.
سجستان :منطقة تقع جنوب إقليم خراسان عاصمتها بست ،جاء -6
اسمها من سكنة قوم فيها يدعون بالساكا )السكيثيين( ،أما الترجمة
الحرفية لها فتعني أرض الكلب ،على أساس أن سلك تعني الكلب
في اللغة الفارسية ،واستان المنطقة ،وحاليا تدعى سيستان.
-7بلد ما وراء النهر :وهي الراضي الواقعة ما بين نهري جيحون
)آموداريا( وسيحون )سرداريا( ،ومن مدنها بخارى وسمرقند
وطشقند ،وحاليا تقع ضمن جمهوريات تركمنستان،
وأوزبيكستان ،وطاجيكستان.
-8جرجان :إقليم يقع شرق بحر قزوين ،وكان اسمها سابقا إقليم
باكتريا؛ حيث بشر فيه زرادشت بدعوته.
-9خوزستان :إقليم يقع جنوب غرب الهضبة اليرانية ،يحادد العراق
العربي ،قصبتها الهواز ،أطلق عليها العرب اسم إقليم
عربستان ،سيطر عليه الشاه رضا بهلوي سنة 1925م ،بعد أن
اعتقل حاكمها العربي الشيخ خزعل الكعبي ،وهي مشهورة
بالنفط.
***
)( التعريف بهذه المناطق قام بها الدكتور فرست مرعي الدهوكي جزاه الله 1
خيرا.
346
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المصادر والمراجع
-1أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ،إبراهيم شعوط ،بيروت ،المكتب
السلمي.
-2أثر التشيع على الروايات التاريخية ،د .عبد العزيز نور ولي ،دار
الخضيري ،المدينة.
-3أحداث وأحاديث الفتن الولى ،عبد العزيز صغير دخان ،تحت الطبع.
-4الحكام السلطانية ،أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي،
دار الفكر ،بيروت ،بدون تاريخ.
-5أدب صدر السلم ،واضح الصمد.
-6الدب في السلم في عهد النبوة وخلفة الراشدين ،د .نايف
معروف ،دار النفائس ،الطبعة الولى1410 ،هـ1990 -م.
-7الساس في السنة وفقهها السيرة النبوية ،سعيد حوى ،دار السلم،
1989 – 1409م.
-8أسد الغابة في معرفة الصحابة ،عز الدين بن الثير ،أبي الحسن بن
علي بن محمد الجزري ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،الطبعة
الولى1417 ،هـ1996 -م.
-9أشهر مشاهير السلم ،رفيق العظم ،دار الرائد العربي ،بيروت،
لبنان1403 ،هـ1983 -م.
-10أصول السماعيلية ،لويس بارنارد ،ترجمه إلى العربية خليل أحمد
جلو ،جاسم محمد الرجب ،بغداد ،مكتبة المثنى1367 ،هـ 1947 -م.
-11أصول مذهب الشيعة المامية ،ناصر بن عبد الله الغفاري ،دار الرضا
للنشر والتوزيع.
-12أضواء البيان في تاريخ القرآن ،صابر حسن محمد أبو سليمان ،دار
عالم الكتب.
-13أعلم المسلمين لخالد البيطار.
الكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله × والثلثة الخلفاء، -14
لبي الربيع سليمان بن موسى الكلعي الندلسي ،عالم الكتب،
بيروت ،لبنان1417 ،هـ1997 -م.
-15الموال لبي عبيد.
-16أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الميلد إلى الستشهاد ،د.
أحمد السيد يعقوب يوسف الرفاعي ،دار الفضيلة ،القاهرة.
-17المين ذو النورين ،محمود شاكر ،المكتب السلمي ،الطبعة الولى
1418هـ.
-18النساب ،أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي ،تحقيق
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ،بيروت ،الناشر محمد أمين
دمج.
-19أوليات الفاروق ،د .غالب عبد الكافي القرشي ،المكتب السلمي،
بيروت ،مكتبة الحرمين ،الرياض ،الطبعة الولى1403 ،هـ -
1983م.
-20البانة في أصول الديانة ،لبي الحسن الشعري ،طبعة الجامعة
السلمية.
-21التقان للسيوطي ،دار ابن كثير ،دمشق ،بيروت1407 ،هـ1987 -م.
347
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-22إتمام الوفاء في سيرة الخفاء ،محمد الخضري ،دار المعرفة،
بيروت1996 ،م.
-23الدارة العسكرية في الدولة السلمية ،نشأتها وتطورها ،الدكتور
سليمان بن صالح بن سليمان آل كمال ،جامعة أم القرى ،معهد
البحوث وإحياء التراث.
-24إرشاد العباد للستعداد ليوم المعاد ،عبد العزيز المحمد السلمان،
مطابع الخالد ،الرياض ،الطبعة الولى 1406هـ.
-25الصابة في تمييز الصحابة ،أحمد بن علي بن حجر ،دار الكتب
العلمية ،بيروت.
-26النشراح ورفع الضيق بسيرة أبي بكر الصديق ،د .علي محمد
الصلبي ،مكتبة الصحابة ،الشارقة ،الطبعة الولى1421 ،هـ-
2000م.
-27الجتهاد في الفقه السلمي ،عبد السلم السليماني ،وزارة الوقاف
والشئون السلمية بالمغرب ،طبعة 1417هـ1996 -م.
-28استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ
الطبري ..دراسة نقدية ،د .خالد بن محمد الغيث ،دار الندلس
الخضراء ،جدة1418 ،هـ.
-29الستيعاب في معرفة الصحاب ،لبي عمر يوسف بن عبد الله بن
عبد البر ،دار الجيل ،بيروت ،الطبعة الولى1412 ،هـ 1992 -م.
-30العتصام ،أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي.
-31اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ،لتقي الدين ابن
تيمية ،تحقيق د .ناصر العقل ،طبع مطابع العبيكان ،الرياض ،الطبعة
الولى1404 ،هـ.
-32البحرين في صدر السلم وأثرها في حركة الخوارج ،عبد الرحمن
عبد الكريم النجم ،دار الحرية ،بغداد1973 ،م.
-33البداية والنهاية ،أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي ،دار الريان.
-34البيان والتبيين ،للجاحظ ،أبو عثمان عمرو بن بحر ،دار الخانجي
بمصر.
تاريخ الدعوة السلمية في زمن الرسول والخلفاء الراشدين، -35
د .جميل عبد الله المصري ،الطبعة الولى1407 ،هـ 1987 -م.
-36تاريخ ابن خلدون ،دار النفائس ،الرياض ،الطبعة الولى1419 ،هـ-
1999م.
-37تاريخ المم والملوك لبي جعفر الطبري ،دار الفكر ،بيروت،
1407هـ1987 -م.
-38تاريخ السلم ،عهد الخلفاء الراشدين ،محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي ،دار الكتاب العربي ،الطبعة الولى1407 ،هـ1987 -م.
-39التاريخ السلمي مواقف وعبر ،د .عبد العزيز عبد الله الحميدي ،دار
الدعوة ،السكندرية ،دار الندلس الخضراء ،جدة ،الطبعة الولى
1418هـ1998 -م.
-40تاريخ التشريع السلمي ،محمد الخضري ،المكتبة التجارية الكبرى،
مطبعة السعادة ،الطبعة السادسة1373 ،هـ1954 -م.
-41تاريخ الجدل ،محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربي ،الطبعة الولى،
1934م.
348
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
349
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ،محمد بن يحيى بن أبي بكر -60
المالقي الندلسي ،حققه د .محمود يوسف زايد ،دار الثقافة،
الدوحة ،الطبعة الولى1405 ،هـ1985 -م.
التنظيمات الجتماعية والقتصادية في البصرة في القرن الول -61
الهجري ،صالح العلي ،الطبعة الثانية ،دار الطليعة ،بيروت 1969م.
تهذيب ابن عساكر ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت1407 ،هـ- -62
1987م.
تهذيب التهذيب ،أحمد بن علي بن حجر ،دار صادر ،بيروت. -63
جامع العلوم والحكم لبن رجب الحنبلي ،مكتبة طيبة ،المدينة -64
المنورة ،مؤسسة الكتب الثقافية ،بيروت ،الطبعة الثانية1410 ،هـ-
1990م.
الجرح والتعديل ،أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ،مطبعة -65
مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد ،الدكن ،الهند1372 ،هـ.
جمهرة أنساب العرب ،علي بن أحمد بن حزم الندلسي ،تحقيق عبد -66
السلم هارون ،القاهرة1382 ،هـ.
جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين ،د .محمد السيد الوكيل، -67
دار المجتمع ،الطبعة الخامسة1416 ،هـ1995 -م.
حذيفة بن اليمان ،إبراهيم العلي ،دار القلم ،دمشق1417 ،هـ- -68
1996م.
حروب السلم في الشام في عهود الخلفاء الراشدين ،محمد أحمد -69
باشميل ،الطبعة الولى1400 ،هـ1980 -م.
حروب الردة وبناء الدولة السلمية ،أحمد سعيد بن سالم ،دار -70
المنار.
الحضارة العربية في السلم ،د .واضح الصمد ،المؤسسة الحديثة -71
للكتاب ،طرابلس ،لبنان.
حقبة من التاريخ ،عثمان الخميس ،دار اليمان ،السكندرية. -72
الحكمة في الدعوة إلى الله ،سعيد القحطاني ،مؤسسة الجريسي، -73
الرياض.
حلية الولياء وطبقات الصفياء ،لبي نعيم أحمد بن عبد الله -74
الصفهاني ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
الخراج لبي يوسف ،منشورات مكتبة الرياض الحديثة ،بدون تاريخ -75
الطبع.
الخراج وصناعة الكتابة ،أبو الفتوح قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد -76
البغدادي ،شرح وتحقيق د .محمد حسين الزبيدي ،دار الرشيد،
بغداد1981 ،م.
الخلفة الراشدة والدولة الموية من فتح الباري ،يحيى بن إبراهيم -77
اليحيى ،دار الهجرة.
الخلفة بين التنظير والتطبيق ،محمود المرداوي1403 ،هـ1983 -م. -78
خلفة عثمان بن عفان ،د .محمد بن صامل السلمي ،مكتبة سالم، -79
العزيزية ،جامعة أم القرى ،الطبعة الولى1419 ،هـ.
الخلفة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية ،المستشار -80
سالم البهنساوي ،مكتبة المنار السلمية ،الطبعة الثانية1418 ،هـ-
1997م.
350
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-81الخلفاء الراشدون أعمال وأحداث ،د .أمين القضاة ،دار الفرقان،
الردن.
-82الخلفاء الراشدون بين الستخلف والستشهاد ،صلح عبد الفتاح
الخالدي ،دار القلم ،دمشق ،الدار الشامية ،بيروت ،الطبعة الولى
1416هـ1995 -م.
-83الخلفاء الراشدون ،حسن أيوب ،دار التوزيع والنشر السلمية،
1418هـ1997 -م.
الخلفاء الراشدون ,عبد الوهاب النجار ،دار القلم ،بيروت، -84
لبنان1406 .هـ1986 -م.
-85الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ،عبد الرحمن عبد الكريم العاني،
د .حسن فاضل زغين ،دار الشئون الثقافية العامة ،بغداد ،طبعة
1989م.
الخوارج والشيعة ،يوليوس فلهاوزن. -86
-87دراسات في الهواء والفرق والبدع ،وموقف السلف منها ،د .ناصر
بن عبد الكريم ،مركز دار إشبليا ،الطبعة الولى1418 ،هـ1997 -م.
-88دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ،د .عبد الرحمن الشجاع،
الطبعة الولى1419 ،هـ1999 -م ،دار الفكر المعاصر ،صنعاء.
-89الدراهم المضروبة على الطراز الساساني للخلفاء الراشدين في
المتحف العراقي ،مجلة المسكوكات ،مديرية الثار العامة بغداد،
1969م ،وداد على القزاز.
-90دماء على قميص عثمان بن عفان ،دار البشير1421 ،هـ2001 -م.
-91الدوحة النبوية ،د .فاروق حمادة ،دار القلم ،دمشق1420 ،هـ-
2000م.
دور المرأة السياسي في عهد النبي × والخلفاء الراشدين، -92
تأليف أسماء محمد أحمد زيادة ،دار السلم بمصر ،الطبعة الولى،
1421هـ2001 -م.
الدولة الموية المفترى عليها ..دراسة الشبهات ورد المفتريات، -93
د .حمدي شاهين ،دار القاهرة للكتاب2001 ،م.
-94الدولة الموية ،يوسف العش ،دار الفكر ،الطبعة الثانية 1406هـ-
1985م.
-95الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين ،د .حمدي شاهين ،دار
القاهرة.
-96الدولة والسيادة ،د .فتحي عبد الكريم ،مكتبة وهبة ،مصر1404 ،هـ-
1984م.
-97الدين الخالص ،محمد صديق حسن القنوجي البخاري ،تحقيق محمد
زهري البخار ،مكتبة الفرقان.
-98ديوان أعشى همدان ،عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث ،تحقيق
د .حسن عيسى أبو ياسين ،الرياض ،دار العلوم1403 ،هـ1983 -م.
-99ذات الصواري ،شوقي أبو خليل ،دار الفكر1400 ،هـ1980 -م.
-100ذو النورين عثمان بن عفان ،محمد رشيد رضا ،دار الكتب العلمية،
الطبعة الثانية1402 ،هـ1982 -م ،بيروت ،لبنان.
-101ذو النورين عثمان بن عفان ،محمد مال الله ،مكتبة ابن تيمية،
351
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
1410هـ1989 -م.
-102الرد على الرافضة ،لبي حامد محمد المقدسي ،تحقيق عبد الوهاب
خليل الرحمن ،الدار السلفية ،بومباي الهند ،طبعة أولى 1403هـ.
-103الرقة والبكاء ،موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة ،دار القلم،
دمشق ،الدار الشامية ،بيروت ،الطبعة الثانية1422 ،هـ2001 -م.
-104الروض النف في شرح السيرة النبوية لبن هشام ،أبو القاسم
السهيلي ،تحقيق عبد الرحمن الوكيل ،دار الكتب الحديثة ،طبعة
1387هـ.
-105الرياض النضرة في مناقب العشرة ،لبي جعفر أحمد الشهير
بالمحب الطبري ،المكتبة القيمة ،القاهرة.
-106زاد المعاد في هدي خير العباد ،أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن
القيم ،تحقيق شعيب الرناؤوط ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط ،13
1406هـ.
-107الزهد ،للمام أحمد بن حنبل ،تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول،
دار الكتاب العربي ،بيروت1409 ،هـ1988 -م.
-108سفراء النبي × ،محمود شيت خطاب ،مؤسسة الريان ،ودار
الندلس الخضراء بجدة ،الطبعة الولى1407 ،هـ1996 -م.
-109سنن أبي داود ،المام أبو داود ،تحقيق وتعليق عزت الدعاس،
سوريا.
-110سنن ابن ماجة ،الحافظ أبو عبد الله محمد بن زيد القزويني ،دار
الفكر.
-111سنن الترمذي ،أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ،دار الفكر،
1398هـ.
-112السنن الكبرى ،للحافظ أحمد بن الحسين البيهقي ،طبع دار
المعارف ،بيروت ،لبنان ،توزيع مكتبة المعارف ،الرياض.
-113السنة والبدعة ،عبد الله باعلوي الحضرمي ،دار القلم ،دمشق،
الدار الشامية ،بيروت ،طبعة دار القلم ،الولى1413 ،هـ1992 -م.
-114السنة ،أبو بكر أحمد بن محمد الخلل ،تحقيق د .عطية الزهراني،
دار الراية ،الرياض ،ط 1410 ،1هـ.
-115السيادة العربية والشيعة والسرائيليات ،فان فولتن ،ترجمة
حسن إبراهيم حسن ،ومحمد زكي إبراهيم ،القاهرة ،مكتبة النهضة
المصرية ،ط 1965 ،2م.
-116السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية ،تقي الدين أحمد بن
تيمية ،دار المعرفة ،بيروت ،الطبعة الرابعة1969 ،م.
-117السياسة المالية لعثمان بن عفان ،قطب إبراهيم محمد ،الهيئة
المصرية العامة للكتاب1986 ،م.
-118سير أعلم النبلء ،شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي،
الطبعة الثانية ،مؤسسة الرسالة ،بيروت1402 ،هـ.
-119سير الشهداء ..دروس وعبر ،عبد الحميد بن عبد الرحمن
السحيباني ،دار الوطن.
-120السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة ،د .محمد أبو شهبة ،دار
القلم ،دمشق.
-121السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية ،د .مهدي رزق الله أحمد،
352
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات السلمية ،الرياض ،ط ،1
1412هـ1999 -م.
السيرة النبوية لبن هشام ،دار إحياء التراث1417 ،هـ1997 -م. -122
السيرة النبوية دروس وعبر ،مصطفى السباعي ،المكتب السلمي، -123
بيروت لبنان ،الطبعة التاسعة1406 ،هـ1986 -م.
السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث ،د .علي محمد الصلبي، -124
دار الصحابة ،الشارقة ،طبعة أولى2001 ،م.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب ،أبو الفلح عبد الحي بن أحمد -125
بن حمد الحنبلي ،بيروت ،المكتب التجاري للطباعة والنشر.
شرح صحيح مسلم ،للمام النووي ،بيروت ،دار الفكر ،طبعة -126
1981م.
الشرف والتسامي بحركة الفتح السلمي ،د .علي محمد الصلبي، -127
مكتبة الصحابة ،الشارقة ،الطبعة الولى1422 ،هـ2001 -م.
شعراء الخلفاء ،نبال تيسير الخماش. -128
شهيد الدار ..عثمان بن عفان ،أحمد الخروف ،دار البيارق ،دار -129
عمار.
الصارم المسلول على شاتم الرسول ،لتقي الدين ابن تيمية. -130
صبح العشى في صناعة النشا ،أبو العباس أحمد بن علي -131
القلقشندي ،وزارة الثقافة والرشاد القومي ،القاهرة ،بدون تاريخ،
نسخة مصورة عن الطبعة الميرية.
صحيح البخاري ،لبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ،دار -132
الفكر.
صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين ،مجدي فتحي السيد، -133
دار الصحابة بطنطا ،مصر.
صحيح السيرة النبوية ،إبراهيم العلي ،دار النفائس ،ط 1408 ،3هـ- -134
1998م.
صحيح النسائي لللباني ،مكتب التربية العربي لدول الخليج، -135
الرياض.
صحيح سنن ابن ماجه ،لللباني ،مكتب التربية العربي لدول الخليج، -136
الرياض.
صحيح سنن الترمذي ،محمد ناصر الدين اللباني ،مكتبة التربية -137
العربي لدول الخليج ،الرياض ،ط 1408 ،1هـ.
صحيح مسلم ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث -138
العربي ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية1972 ،م.
الصديقة بنت الصديق ،للعقاد ،مطبعة المعارف ،مصر1943 ،م. -139
صفة الصفوة للمام أبي الفرج ابن الجوزي ،دار المعرفة ،بيروت. -140
صلح المة في علو الهمة ،د .سيد بن حسين العفاني ،دار الرسالة. -141
الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ،شهاب الدين -142
أبو العباس أحمد بن حجر الهيثمي ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
الطبقات الكبرى ،محمد سعيد بن منيع الهاشمي ،دار صادر، -143
بيروت.
عائشة والسياسة ،سعيد الفغاني ،دار الفكر ،بيروت1391 ،هـ- -144
1971م.
353
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-145عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر السلم ،سليمان
بن حمد العودة ،دار طيبة ،الرياض ،الطبعة الثالثة1412 ،هـ.
-146عبد الله بن مسعود ،عبد الستار الشيخ ،دار القلم ،دمشق،
1410هـ1990 -م.
-147عبد الملك بن مروان والدولة الموية ،ضياء الدين الريس ،مطابع
سجل العرب ،الطبعة الثالثة ،سنة 1969م.
-148عثمان بن عفان ..الخليفة الشاكر الصابر ،عبد الستار الشيخ،
1412هـ1991 -م.
-149عثمان بن عفان ،صادق عرجون ،الدار السعودية1410 ،هـ-
1990م.
-150عثمان بن عفان ،محمد حسنين هيكل.
-151العشرة المبشرون بالجنة ،محمد صالح عوض ،مؤسسة المختار،
القاهرة.
-152عصر الخلفة الراشدة ،الدكتور أكرم ضياء العمري ،مكتبة العلوم
والحكم.
-153عصر الخلفاء الراشدين ،د .عبد الحميد بخيت ،دار المعارف بمصر.
-154عقائد الشيعة ،رونلدسن دوايت ،تعريب )ع.م( القاهرة ،مكتبة
الخانجي1365 ،هـ1946 -م.
-155العقد الفريد ،أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب ،دار
الفكر ،بيروت.
-156عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن الرسائل المنبرية ،للشيخ
إسماعيل الصابوني ،نشر محمد أمين دمج ،بيروت 1970م.
-157عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ،الدكتور ناصر بن
علي عايض حسن الشيخ ،مكتبة الرشد ،الرياض.
-158العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط ،د .سليمان بن سالم
بن رجاء السحيمي ،مكتبة المام البخاري ،الطبعة الولى 1420هـ-
2000م.
-159العقيدة والشريعة السلمية ،جولد تسيهر ،أجناس ترجمة ،د.
محمد يوسف موسى وآخرين ،القاهرة ،دار الكتب الحديثة.
-160عمار بن ياسر ..رجل المحنة وميزان الفتنة ،أسامة محمد
سلطان ،المكتبة المكية ،مكة المكرمة ،الطبعة الولى1420 ،هـ-
1999م.
-161عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
-162عمرو بن العاص ..المير المجاهد ،د .منير محمد الغضبان ،جامعة
أم القرى.
-163عمرو بن العاص ،عبد الخالق سيد أبو رابية1408 ،هـ1988 -م.
-164عمرو بن العاص ،محمود العقاد ،الناشر دار الكتاب العربي ،بيروت،
لبنان.
-165العواصم من القواصم ،أبو بكر بن العربي ،تحقيق محب الدين
الخطيب ،إعداد محمد سعيد مبيض ،دار الثقافة ،قطر ،الدوحة،
الطبعة الثانية1989 ،م.
-166غزوة الحديبية لبي فارس ،دار الفرقان ،عمان ،الردن.
354
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،تحقيق الستاذ محب الدين -167
الخطيب ،دار الريان ،القاهرة ،ط 1407 ،1هـ.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، -168
محمد علي الشوكاني ،دار الفكر للطباعة والنشر1403 ،هـ-
1983م.
الفتنة الكبرى ،عثمان ،طه حسين ،دار المعارف بمصر1947 ،م. -169
الفتنة الكبرى ،علس وبنوه ،طه حسين ،دار المعارف بمصر، -170
1966م.
فتنة مقتل عثمان ،د .محمد عبد الله الغبان ،مكتبة العبيكان، -171
1419هـ1999 -م.
الفتنة ،أحمد عرموش. -172
فتوح البلدان ،لبي العباس ،أحمد بن يحيى البلذري ،مؤسسة -173
المعارف بيروت ،لبنان1407 ،هـ1987 -م.
فتوح مصر وأخبارها ،لبن عبد الحكم ،أبو القاسم عبد الرحمن بن -174
عبد الله بن عبد الحكم ،نسخة عن طبعة لندن1339 ،هـ1920 -م،
نشر مكتبة المثنى بغداد.
فرائد الكلم للخلفاء الكرام ،قاسم عاشور ،الطبعة الولى -175
1419هـ1998 -م.
فصل الخطاب في مواقف الصحاب ،محمد صالح الغرسي ،دار -176
السلم ،مصر.
الفصل في الملل والهواء والنحل ،لبي محمد بن حزم الظاهري، -177
مكتبة الخانجي ،مصر.
فضائل الصحابة ،لبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ،دار ابن -178
الجوزي ،السعودية ،الطبعة الثانية1420 ،هـ1999 -م.
فقه الولويات ،محمد الوكيلي ،المعهد العالمي للفكر السلمي، -179
هيرندن ،فيرجينيا1416 ،هـ1997 -م ،الطبعة الولى.
فقه الخلفة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية ،د .عبد الرزاق -180
أحمد السنهوري ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الولى1422 ،هـ-
2001م.
الفكر السلمي بين المثالية والتطبيق ،كامل الشريف. -181
فيض القدير للمناوي. -182
قادة الفتح السلمي في أرمينية ،محمود شيت خطاب ،دار -183
الندلس الخضراء ،دار ابن حزم ،الطبعة الولى 1419هـ1998 -م.
قادة فتح السند وأفغانستان ،محمود شيت خطاب ،دار الندلس -184
الخضراء ،دار ابن حزم ،الطبعة الولى1419 ،هـ1988 -م.
قادة فتح بلد المغرب ،محمود شيت خطاب ،دار الفكر1404 ،هـ- -185
1984م.
القاموس المحيط ،للفيروز آبادي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان. -186
القواعد الفقهية ..مفهومها تطورها ،دراسة مؤلفاتها ،أدلتها، -187
تطبيقها ،على محمد الندوي ،بيروت ،دار القلم ،ط 1406 ،1هـ-
1986م.
القيود الواردة على سلطة الدولة ،عبد الله الكيلني ،دار البشير، -188
عمان ،مؤسسة الرسالة.
355
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-189الكامل في التاريخ ،أبو الحسن علي بن أبي المكارم الشيباني
المعروف بابن الثير ،تحقيق علي شيري ،دار إحياء التراث العربي،
بيروت 1408هـ1989 -م.
-190الكامل في اللغة والداب ،لبي العباس محمد بن يزيد ،الناشر
البابي الحلبي ،مصر ،طبعة 1356هـ1937 -م ،مؤسسة الرسالة.
-191كتاب المامة والرد على الرافضة لبي نعيم الصبهاني ،مكتبة
العلوم والحكم ،المدينة المنورة ،الطبعة الثالثة 1422 ،هـ-
2001م.
-192الكفاءة الدارية في السياسة الشرعية ،د .عبد الله قادري ،دار
المجتمع ،جدة.
-193كيف نكتب التاريخ السلمي؟ محمد قطب ،دار الوطن السعودية.
-194لسان العرب ،محمد بن مكرم بن منظور ،دار صادر ،بيروت.
-195لسان الميزان ،أحمد بن علي بن حجر ،حيدر آباد الدكن ،مطبعة
دائرة المعارف العثمانية1331 ،هـ1912 -م.
-196ليبيا من الفتح العربي حتى انتقال الخلفة الفاطمية إلى مصر،
د .صالح مصطفى مفتاح المزيني ،منشورات جامعة قاريونس،
ببغازي ،الطبعة الثالثة1994 ،م.
-197مبادئ القتصاد السلمي ،سعاد إبراهيم صالح ،دار عالم الكتب،
الرياض.
-198المجروحون من المحدثين ،أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد
التميمي ،تحقيق إبراهيم محمود زايد ،حلب دار الوعي.
-199مجلة البحوث السلمية ،العدد العاشر.
-200مجلة المؤرخ العربي ،رقم .21
-201مجمع المثال للميداني ،تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد،
دار المعرفة ،بيروت1374 ،هـ1955 -م.
-202مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،نور الدين علي بن أبي بكر
الهيثمي ،بتحرير الحافظين العراقي وابن حجر ،دار الكتاب العربي،
بيروت ،ط 1402 ,3هـ.
-203مجموعة الفتاوى ،تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني ،دار الوفاء،
1418هـ.
-204مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلفة الراشدة،
محمد حميد الله ،دار النفائس ،الطبعة الخامسة1405 ،هـ-
1985م.
-205المدينة المنورة ..فجر السلم والعصر الراشدي ،محمد محمد
حسن شراب ،دار القلم ،دمشق ،الدار الشامية ،بيروت ،الطبعة
الولى1415 ،هـ1994 -م.
-206مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري ،يحيى إبراهيم اليحيى ،دار
العاصمة ،الرياض ،الطبعة الولى1410 ،هـ.
-207مرويات العهد المكي ،عادل عبد الغفور.
-208مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري ،خالد الغيث ،دار الندلس
الخضراء ،جدة.
-209المستدرك على الصحيحين ،لبي عبد الله محمد بن عبد الله
356
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
النيسابوري ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الولى،
1411هـ1990 -م.
-210مسند المام أحمد ،المكتب السلمي ،بيروت ،لبنان.
-211المعارف لبن قتيبة.
-212معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد ،منير محمد
الغضبان ،دار القلم ،دمشق ،الطبعة الثالثة1417 ،هـ1996 -م.
-213معجم البلدان ،ياقوت الحموي ،دار صادر ،بيروت1397 ،هـ-
1977م.
-214معجم الطبراني الكبير ،لبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني،
مكتبة العلوم والحكم ،الطبعة الثانية1406 ،هـ1985 -م.
-215معرفة الصحابة لبي نعيم المتوفى سنة 430هـ ،تحقيق محمد
راضي ابن حاج عثمان ،مكتبة الدار في المدينة النبوية ،ومكتبة
الحرمين في الرياض1408 ،هـ.
-216المعرفة والتاريخ للفسوي ،لبي يوسف الفسوي ،تحقيق أكرم ضياء
العمري ،مطبعة الرشاد ،بغداد1394 ،هـ.
-217المغازي ،محمد عمر الواقدي ،د .مارسدن جونس ،عالم الكتب،
بيروت ،ط 1404 ،3هـ1984 -م.
-218المغني ،موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة،
تحقيق د .عبد الله التركي ،د .عبد الفتاح الحلو ،دار هجر ،القاهرة،
ط 1412 ،1هـ.
-219المنار المنيف في الصحيح والضعيف ،القاهرة ،مطبعة السنة
المحمدية.
-220مناقب الشافعي للبيهقي ،تحقيق أحمد صقر ،مكتبة دار التراث،
1391هـ.
-221المنتظم في تاريخ الملوك والمم ،لبي الفرج عبد الرحمن بن علي
بن محمد بن الجوزي ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
-222منهج السنة النبوية ،ابن تيمية ،تحقيق محمد رشاد سالم ،مؤسسة
قرطبة.
-223منهج التربية السلمية ،محمد قطب ،دار الشروق ،ط 1403 ،5هـ-
1983م.
-224منهج الرسول في غرس الروح الجهادية في نفوس أصحابه ،د.
السيد محمد نوح ،نشرته جامعة المارات العربية المتحدة ،ط ،1
1411هـ1990 -م.
-225موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ،تحقيق حسين الداراني ،عبده
كوشك ،دار الثقافة العربية ،دمشق ،ط 1411 ،1هـ.
-226المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار ،المعروف بالخطط
للمقريزي ،أحمد بن علي بن عبد القادر تقي الدين أبو العباس
المقريزي.
-227موسوعة التاريخ السلمي ،أحمد شلبي ،مكتبة النهضة المصرية،
1996م.
-228الموسوعة الحديثية ،مسند المام أحمد ،وزارة الشئون السلمية
والوقاف والدعوة والرشاد بالسعودية ،الطبعة الثانية1420 ،هـ-
1999م.
357
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-229موسوعة فقه عثمان بن عفان ،الدكتور محمد رواس قلعجي ،دار
النفائس ،طبعة 1404هـ1983 -م.
-230ميزان العتدال في نقد الرجال ،محمد بن عثمان الذهبي ،تحقيق:
علي البجاوي ،دار إحياء الكتب العربية ،القاهرة ،الطبعة الولى،
1382هـ.
-231النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،جمال الدين أبي
المحاسن يوسف بن تغري بردي ،وزارة الثقافة والرشاد القومي،
القاهرة ،بدون تاريخ.
-232نساء أهل البيت ،أحمد خليل جمعة ،دار ابن كثير ،دمشق ،سوريا.
-233نشأة الفقه الجتهادي وأطواره ،محمد السايس ،مطبعة الزهر،
1387هـ1967 -م ،مجمع البحوث بالزهر ،المؤتمر الرابع.
-234نظام الراضي في صدر الدولة السلمية ،محمد حسن أبو يحيى،
دار عمار ،عمان.
-235نظام الحكم في السلم ،عارف أبو عبيد ،دار النفائس ،الردن،
1416هـ1996 -م.
-236نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي ،ظافر القاسمي ،دار
النفائس ،بيروت ،الطبعة الثالثة1407 ،هـ1987 -م.
-237نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ،حمد محمد الصمد،
المؤسسة الجماعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،الطبعة
الولى1414 ،هـ.
-238نظام الخلفة في الفكر السلمي ،الدكتور مصطفى حلمي ،دار
الدعوة ،السكندرية.
-239النظم السلمية ،صبحي الصالح ،دار العلم للمليين ،بيروت ،لبنان.
-240النظم السلمية ،وقائع ندوة أبو ظبي ،مكتب التراث العربي لدول
الخليج.
-241نهاية الرب في فنون الدب ،شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب
النويري ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ،القاهرة 1395هـ.
-242الهجرة في القرآن الكريم ،أحزمي سامعون جزولي ،مكتبة الرشد،
الرياض ،ط 1417 ،1هـ1996 -م.
-243وجوب التعاون بين المسلمين للسعدي ،دار المعارف ،الرياض،
طبعة 1402هـ.
-244الوحدة السلمية ،محمد أبو زهرة.
-245وفيات العيان وأنباء الزمان ،لبن خلكان أبو العباس شمس
الدين أحمد ،تحقيق :إحسان عباس ،دار صادر ،بيروت.
-246ولة مصر ،أبو يوسف محمد يوسف الكندي ،تحقيق د .حسن نصار،
دار صادر ،بيروت ،بدون تاريخ.
-247ولية الشرطة في السلم ،د .نمر الحميداني ،دار عالم الكتب،
الرياض.
-248الولية على البلدان ،في عصر الخلفاء الراشدين ،د .عبد العزيز
إبراهيم العمري.
-249اليمن في صدر السلم ،د .عبد الرحمن الشجاع ،دار الفكر،
دمشق.
358
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
***
359
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
فهرس الكتاب
الموضوع
لصفحة
الهداء3......................................................................
المقدمة4....................................................................
الفصل الول :ذو النورين عثمان بن عفان بين مكة والمدينة
المبحث الول :اسمه ونسبه وكنيته وألقابه وصفته وأسرته ومكانته
في الجاهلية 11..............................................................
ل :اسمه ونسبه وكنيته وألقابه 11...................................... أو ً
ثانًيا :أسرته12................................................................
ثالثـا :مكانته في الجاهلية14...............................................
رابًعا :إسلمه15..............................................................
سا :زواجه من رقية بنت رسول الله ×17......................... خام ً
سا :ابتلؤه وهجرته إلى الحبشة18.................................. ساد ً
المبحث الثاني :حياة عثمان مع القرآن الكريم21..................
المبحث الثالث :ملزمته للنبي × في المدينة25.......................
ل :عثمان في ميادين الجهاد مع رسول الله ×26............... أو ً
-1عثمان وغزوة بدر26.....................................................
-2عثمان وغزوة أحد28....................................................
-3في غزوة غطفان )ذي إمر(29........................................
-4في غزوة ذات الرقاع29................................................
-5في بيعة الرضوان29....................................................
-6شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في فتح مكة
32...............................................................................
-7غزوة تبوك33.............................................................
ثانًيا :من حياته الجتماعية في المدينة35................................
-1زواجه من أم كلثوم سنة 3هـ35......................................
-2وفاة عبد الله بن عثمان36.............................................
-3وفاة أم كلثوم رضي الله عنها36.....................................
ثالثـا :من مساهماته القتصادية في بناء الدولة 37....................
-1بئر رومة37................................................................
-2توسعة المسجد النبوي38..............................................
-3العسرة وعثمانها المعطاء38..........................................
المبحث الرابع :من أحاديث الرسول × في عثمان بن عفان39....
ل :فيما ورد في فضله مع غيره39..................................... أو ً
360
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-1افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه39..........................
-2اسكن أحد فليس عليك إل نبي وصديق وشهيدان39..............
-3اهدأ فما عليك إل نبي أو صديق أو شهيد39........................
-4حياء عثمان 40........................................................
-5استحياء الملئكة من عثمان40........................................
-6أصدقها حياء عثمان40..................................................
ثانًيا :إخبار رسول الله × عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان41......
-1من نجا من ثلث فقد نجا41...........................................
-2يقتل فيها هذا المقنع يومئذ41.........................................
-3هذا يومئذ على الهدى41................................................
-4تهيج فتنة كالصياصي ،فهذا ومن معه على الحق41...............
-5هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى52...........................
-6عليكم بالمين وأصحابه52..............................................
-7فإن أرادك المنافقون على خلعه فل تخلعه52......................
-8إن رسول الله × عهد إلي عهدا ،وإني صابر نفسي عليه 43. . .
المبحث الخامس :ذو النورين في عهد الصديق والفاروق45........
ل :في عهد الصديق45.................................................... أو ً
-1من أهل الشورى في مسائل الدولة العليا 45......................
-2أزمة اقتصادية في عهد الصديق46...................................
ثانًيا :في عهد الفاروق47...................................................
-1الديوان48.................................................................
-2التاريخ48..................................................................
-3أرض الخراج49...........................................................
-4حجه مع أمهات المؤمنين49...........................................
الفصل الثاني :استخلف ذي النورين ومنهجه في الحكم ،وأهم
صفاته الشخصية
المبحث الول :استخلف ذي النورين50.................................
ل :الفقه العمري في الستخلف50.................................... أو ً
-1العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم51............................
-2طريقة اختيار الخليفة51................................................
-3مدة النتخابات أو المشاورة51........................................
-4عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة51.............................
-5الحكم في حال الختلف52............................................
-6جماعة من جنود الله تراقب الختيار وتمنع الفوضى52...........
-7جواز تولية المفضول مع وجود الفضل53...........................
361
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-8جمع عمر بين التعيين وعدمه 53.....................................
-9الشورى ليست بين الستة فقط53...................................
-10أهل الشورى أعلى هيئة سياسية53................................
ثانًيا :وصية عمر للخليفة الذي بعده54...............................
-1الحرص على تقوى الله وخشيته56...................................
-2الناحية السياسية56.....................................................
-3الناحية العسكرية57.....................................................
-4الناحية القتصادية والمالية57..........................................
-5الناحية الجتماعية57 ....................................................
ثالثـا :منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى58.............
-1اجتماع الرهط للمشاورة58............................................
-2عبد الرحمن يدعو إلى التنازل59 .....................................
-3تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى59.........................
-4التفاق على بيعة عثمان 60............................................
-5حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة الشورى60.........
رابًعا :أباطيل رافضية دست في قصة الشورى62.....................
-1اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين63.....................
-2حزب أموي وحزب هاشمي63........................................
-3أقوال نسبت زورا وبهتانا لعلي 64................................
-4اتهام عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة64.......................
سا :أحقية خلفة عثمان بن عفان 65............................ خام ً
سا :انعقاد الجماع على خلفة عثمان68........................... ساد ً
ي على عثمان رضي الله عنهما72............ ّ عل تقديم حكم عا:ساب ً
المبحث الثاني :منهج عثمان بن عفان في الحكم73..................
ل :كتب عثمان إلى عماله وولته وأمراء الجند وعامة الناس73. . أو ً
-1أول كتاب كتبه عثمان إلى جميع ولته74............................
-2كتابه إلى قادة الجنود75................................................
-3كتابه إلى عمال الخراج75..............................................
-4كتابه إلى العامة76......................................................
ثانًيا :المرجعية العليا للدولة77............................................
-1المصدر الول :كتاب الله77............................................
-2المصدر الثاني :السنة المطهرة77...................................
-3القتداء بالشيخين77....................................................
ثالثـا :حق المة في محاكمة الخليفة 78................................
رابًعا :الشورى78.............................................................
362
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
سا :العدل والمساواة79............................................... خام ً
سا :الحريات80.......................................................... ساد ً
سابًعا :الحتساب80.........................................................
-1إنكاره على لبس الثوب المعصفر80.................................
-2إنكاره على قاصدات العمرة والحج وهن في العدة81............
-3أمره بذبح الحمام81.....................................................
-4احتسابه على اللعب بالنرد81..........................................
-5إخراجه من يراه على شر أو يشهر سلحا في المدينة81........
-6ضربه لمن استخف بعم النبي ×81..................................
-7نهيه عن الخمر لنها أم الخبائث82...................................
كمه82...................... ح َ
-8من خطب عثمان في المجتمع ومن ِ
أ -خطبة في الستعداد ليوم المعاد82....................................
ب -التذكير بمكارم الخلق82.............................................
ج -من حكمه التي سارت بين الناس83.................................
-9عثمان والشعر والشعراء84.......................................
المبحث الثالث :أهم صفاته86.............................................
ل :العلم والقدرة على التوجيه والتعليم86............................ أو ً
ثانًيا :الحلم90.................................................................
ثالثـا :السماحة90............................................................
رابًعا :اللين91.................................................................
سا :العفو91.............................................................. خام ً
سا :التواضع92.......................................................... ساد ً
سابًعا :الحياء والعفة92.....................................................
ثامًنا :الكرم93................................................................
تاسًعا :الشجاعة94..........................................................
عاشًرا :الحزم95.............................................................
حادي عشر :الصبر96.......................................................
ثاني عشر :العدل97.........................................................
ثالث عشر :عبادته97........................................................
رابع عشر :خوفه من الله وبكاؤه ومحاسبته لنفسه98...............
خامس عشر :زهده98......................................................
سادس عشر :الشكر99....................................................
سابع عشر :تفقد أحوال الناس99........................................
ثامن عشر :تحديد الختصاصات100.......................................
تاسع عشر :الستفادة من أهل الكفاءات100............................
363
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
الفصل الثالث :المؤسسة المالية والقضائية في عهد عثمان
المبحث الول :المؤسسة المالية102......................................
ل :السياسة المالية التي أعلنها عثمان عندما تولى الحكم102..... أو ً
-1نية عثمان تطبيق سياسة مالية عامة103.........................
-2عدم إخلل الجباية بالرعاية103.........................................
-3أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين105...........
-4إعطاء المسلمين ما لهم من بيت المال بالحق105.................
عدم -ظلم أهل الذمة وأخذ ما عليهم لبيت المال بالحق وإعطاؤهم 5
حقوقهم بالحق كذلك106......................................................
-6عدم ظلم اليتيم107.......................................................
-7تخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء108...............................
-8أثر تكامل النعم على مسار المة108..................................
-9المقارنة بين السياسة العمرية والعثمانية108........................
ثانًيا :توجيهات عثمانية توضح للناس قواعد زكاتهم109................
ثالثـا :خمس الغنائم112......................................................
رابًعا :اليرادات العامة من الجزية في عهد عثمان 115............
سا :اليرادات العامة من الخراج والعشور في عهد عثمان119. . خام ً
سا :سياسة عثمان في إقطاع الرض199........................... ساد ً
سابًعا :سياسة عثمان في حمى الرض122..............................
ثامًنا :أنواع النفقات العامة في عهد عثمان122..........................
-1نفقات الخليفة122........................................................
-2صرف مرتبات الولة من بيت المال122..............................
-3النفاق من بيت المال على مرتبات الجند123.......................
-4النفاق العام على الحج من بيت المال123..........................
-5تمويل إعادة بناء المسجد النبوي من بيت المال123...............
-6تمويل توسعة المسجد الحرام من بيت المال124..................
-7النفاق على إنشاء أول أسطول بحري124...........................
-8النفاق على تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة124............
-9تمويل حفر البار من بيت مال المسلمين124.......................
-10النفاق على المؤذنين من بيت المال125...........................
-11تمويل أهداف السلم العليا125......................................
تاسًعا :استمرار نظام العطيات في عهد عثمان بن عفان125.......
عاشًرا :أثر تدفق الموال على الحياة الجتماعية والقتصادية126. . .
حادي عشر :عثمان وأقاربه والعطاء من بيت المال127...............
المبحث الثاني :المؤسسة القضائية وبعض الجتهادات الفقهية131..
364
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
* ابن عمر يعتذر عن القضاء133...........................................
* دار القضاء133...............................................................
* أشهر القضاة في خلفة عثمان133......................................
ل :فيما يتعلق بالقصاص والحدود والتعزير134........................ أو ً
-1أول قضية واجهت عثمان قضية قتل134.........................
-2قتل اللصوص135..........................................................
-3رجل قتل تاجرا لماله136................................................
-4عقوبة الساحر136.........................................................
-5جناية العمى136..........................................................
-6جناية المقتتلين على بعضهما136.......................................
-7الجناية على الحيوان137.................................................
-8الجناية على الصائل137..................................................
-9استتابة المرتد وحده137.................................................
-10إني قتلت ،فهل لي من توبة؟137....................................
-11حد الخمر137.............................................................
-12إقامة الحد على أخيه من أمه ،الوليد بن عقبة138................
-13سرقة الغلم138.........................................................
-14الحبس تعزيرا138.......................................................
-15حد القذف بالتعريض139...............................................
-16عقوبة الزنا139..........................................................
-17التعزير بالنفي والطرد139.............................................
-18دفع الناس عن جنازة العباس140....................................
ثانًيا :في العبادات والمعاملت141.........................................
-1إتمام عثمان الصلة بمنى وعرفات141...............................
-2زاد الذان الثاني في يوم الجمعة143..................................
-3اغتساله كل يوم منذ أسلم143.........................................
-4سجود التلوة144..........................................................
-5صلة الجمعة في السواحل144.........................................
-6استراحة عثمان في الخطبة144........................................
-7جعل القنوت قبل الركوع144...........................................
-8أعلم الناس بأحكام الحج144............................................
-9النهي عن الحرام قبل الميقات145...................................
-10سفر المعتدة للحج والعمرة145......................................
-11النهي عن متعة الحج145...............................................
-12أكل لحم الصيد146......................................................
365
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
كراهية الجمع بين القرابة في الزواج146........................... -13
في الرضاعة146......................................................... -14
في الخلع146............................................................. -15
يجب الحداد على المعتدة لوفاة زوجها147........................ -16
ل تنكحها إل نكاح رغبة147............................................. -17
طلق السكران147..................................................... -18
هبة الوالد لولده148.................................................... -19
الحجر على السفيه148................................................. -20
الحجر على المفلس149............................................... -21
تحريم الحتكار149...................................................... -22
ضوال البل149.......................................................... -23
توريث المرأة المطلقة في مرض الموت150...................... -24
توريث المطلقة ما لم تنقض عدتها151............................. -25
توريث الحميل151....................................................... -26
الفصل الرابع :الفتوحات في عهد عثمان بن عفان
تمهيد152........................................................................
المبحث الول :فتوحات عثمان في المشرق153........................
ل :فتوحات أهل الكوفة :أذربيجان 24هـ153........................... أو ً
ثانًيا :مشاركة أهل الكوفة في إحباط تحركات الروم154..............
ثالثـا :غزو سعيد بن العاص طبرستان 30هـ154........................
رابًعا :هروب ملك الفرس )يزدجر( إلى خراسان155...................
سا :مقتل يزدجرد ملك الفرس 31هـ155............................ خام ً
سا :تعاطف النصارى مع يزدجر بعد مقتله157..................... ساد ً
سابًعا :فتوحات عبد الله بن عامر 31هـ158..............................
ثامًنا :غزو الباب وبلنجر سنة اثنتين وثلثين159..........................
-1مقتل يزيد بن معاوية159................................................
-2ما أحسن حمرة الدم في بياضك160..................................
-3ما أحسن لمع الدماء على الثياب160..................................
-4إن هؤلء يموتون كما تموتون160......................................
-5صبرا آل سلمان160......................................................
تاسًعا :أول اختلف وقع بين أهل الكوفة وأهل الشام 32هـ161.....
عاشًرا :فتوحات ابن عامر سنة 32هـ162................................
القتال بين جي ش الحنف وأهل طخارستان والجوزجان حادي عشر:
والطالقان والفارياب163.......................................................
ثاني عشر :صلح الحنف مع أهل بلخ 32هـ164..........................
366
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ثالث عشر :لجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا
من موقفي هذا165...........................................................
رابع عشر :هزيمة قارن في خراسان165.................................
خامس عشر :من قادة الفتح في بلد المشرق في عهد عثمان:
الحنف بن قيس166..........................................................
المبحث الثاني :الفتوحات في الشام173.................................
ل :فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري173.............................. أو ً
ثانًيا :أول من أجاز الغزو البحري عثمان بن عفان173.................
ثالثـا :غزو قبرص174.........................................................
رابًعا :الستسلم وطلب الصلح176........................................
سا :عبد الله بن قيس قائد السطول السلمي بالشام177...... خام ً
سا :القبارصة ينقضون الصلح178..................................... ساد ً
سابًعا :ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه179.....................
ثامًنا :عبادة بن الصامت يقسم غنائم قبرص180........................
المبحث الثالث :فتوحات الجبهة المصرية181............................
ل :ردع المتمردين في السكندرية181.................................. أو ً
ثانًيا :فتح بلد النوبة183......................................................
ثالثـا :فتح إفريقية184........................................................
رابًعا :بطولة عبد الله بن الزبير في فتح إفريقية187...................
سا :معركة ذات الصواري189.......................................... خام ً
* أحداث المعركة191.........................................................
* نتائج ذات الصواري193....................................................
سا :أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان 195. . . ساد ً
-1تحقيق وعد الله للمؤمنين195..........................................
-2التطور في فنون الحرب والسياسة195...............................
-3بدء التجنيد اللزامي في عهد عمر ،واستمراره في عهد عثمان
196
-4اهتمام عثمان بحدود الدولة السلمية196............................
-5قسمة الغنائم بين أهل الشام والعراق198...........................
-6الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدو199...................
-7شرط ما يحتاج إليه الجنود في بنود الصلح199......................
-8جمع المعلومات عن العداء199........................................
-9عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد عثمان
199
-10سلمان بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد عثمان 201.
-11حبيب بن مسلمة الفهري من قادة الفتوح في عهد عثمان 203.
367
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الرابع :أعظم مفاخر عثمان جمع المة على مصحف واحد
206
ل :المراحل التي مرت بها كتابة القرآن الكريم206.................. أو ً
-1المرحلة الولى :في العهد النبوي206.................................
-2المرحلة الثانية :في عهد أبي بكر الصديق 207...................
* بعض نتائج جمع القرآن الكريم في المرحلة الثانية208..............
* المقومات الساسية لزيد بن ثابت للقيام بهذه المهمة208.........
* الفرق بين المكتوب في العهد النبوي ،وعهد الصديق209...........
-3المرحلة الثالثة في جمع القرآن :في عهد عثمان بن عفان
210
* الباعث على جمع القرآن في عهد عثمان210.........................
ثانًيا :استشارة جمهور الصحابة في جمع عثمان211....................
ثالثـا :الفرق بين جمع الصديق وجمع عثمان رضي الله عنهما212...
رابًعا :هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الحرف السبعة؟
213...............................................................................
سا :عدد المصاحف التي أرسلها عثمان إلى المصار214..... خام ً
سا :موقف عبد الله بن مسعود من مصحف عثمان215.......... ساد ً
سابًعا :فهم الصحابة ليات النهي عن الختلف217.....................
الفصل الخامس :مؤسسة الولة في عهد عثمان
المبحث الول :أقاليم الدولة في عهد عثمان وسياسته مع الولة
220
ل :مكة المكرمة220........................................................ أو ً
ثانًيا :المدينة المنورة220.....................................................
ثالثـا :البحرين واليمامة221..................................................
رابًعا :اليمن وحضرموت222.................................................
سا :ولية الشام223...................................................... خام ً
سا :أرمينية234...........................................................
ساد ً
سابًعا :ولية مصر235.........................................................
ثامًنا :ولية البصرة226.......................................................
تاسًعا :ولية الكوفة229......................................................
المبحث الثاني :سياسة عثمان مع الولة وحقوقهم وواجباتهم234...
ل :سياسة عثمان مع الولة234.......................................... أو ً
ثانًيا :أساليب عثمان لمراقبة عماله والطلع على أخبارهم235..
-1حضوره لموسم الحج235................................................
-2سؤال القادمين من المصار والوليات235...........................
-3وجود أناس من أهل البلد يكتبون إلى الخليفة236.................
368
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-4إرسال المفتشين إلى الوليات236....................................
-5السفر إلى الوليات والطلع على أحوالها مباشرة236............
-6طلب الموفدين من الوليات لسؤالهم عن أمرائهم وولتهم 236.
-7استقدام الولة وسؤالهم عن أحوال بلدهم237.....................
-8المراسلة مع الولة237...................................................
ثالثـا :حقوق الولة238.......................................................
-1الطاعة في غير معصية الله238........................................
-2بذل النصيحة للولة238..................................................
-3يجب على الرعية للوالي إيصال الخبار الصحيحة إليه239........
-4مؤازرة الوالي في موقفه239...........................................
-5احترامهم بعد عزلهم239.................................................
-6مرتبات الولة239.........................................................
رابًعا :واجبات الولة240......................................................
-1إقامة أمور الدين241.....................................................
-2تأمين الناس في بلدهم242.............................................
-3الجهاد في سبيل الله243................................................
-4بذل الجهد في تأمين الرزاق للناس244..............................
-5تعيين العمال والموظفين244...........................................
-6رعاية أهل الذمة245......................................................
-7مشاورة أهل الرأي في وليته245......................................
-8النظر إلى حاجة الولية العمرانية245.................................
-9مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية245.......................
-10أوقات عمل الوالي246.................................................
المبحث الثالث :حقيقة ولة عثمان 247...............................
ل :معاوية بن أبي سفيان بن حرب الموي248........................ أو ً
ثانًيا :عبد الله بن عامر بن كريز252.......................................
ثالثـا :الوليد بن عقبة256.....................................................
رابًعا :سعيد بن العاص261...................................................
سا :عبد الله بن سعد بن أبي السرح264............................ خام ً
سا :مروان بن الحكم ووالده266...................................... ساد ً
سابًعا :هل جامل عثمان أحدا من أقاربه على حساب المسلمين؟
268
المبحث الرابع :حقيقة العلقة بين أبي ذر الغفاري وعثمان رضي
الله عنهما271..................................................................
ل :مجمل القصة271........................................................ أو ً
ثانًيا :بطلن تأثير ابن سبأ على أبي ذر 277...........................
369
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
ثالثـا :وفاة أبي ذر وضم عثمان عياله إلى عياله279...............
الفصل السادس :أسباب فتنة مقتل عثمان
المبحث الول :أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان ،وما
ترتب عليها من أحداث ،والحكمة من إخباره × بوقوعها
..............................................................................
280
ل :أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان ،وما ترتب عليها أو ً
من أحداث في الجمل وصفين وغيرهما
..............................................................................
280
ثانًيا :الحكمة من إخباره × بوقوعها285..................................
المبحث الثاني :أسباب فتنة مقتل عثمان 289........................
ل :الرخاء وأثره في المجتمع292......................................... أو ً
ثانًيا :طبيعة التحول الجتماعي في عهد عثمان 295.................
-1المتغيرات في نسيج المجتمع البشري296...........................
-2تكوينات نسيج المجتمع الثقافي300...................................
-3ظهور جيل جديد301......................................................
-4استعداد المجتمع لقبول الشائعات302................................
ثالثـا :مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما303.....................
رابًعا :خروج كبار الصحابة من المدينة304................................
سا :العصبية الجاهلية305............................................... خام ً
سا :توقف الفتوحات305................................................ ساد ً
سابًعا :المفهوم الخاطئ للورع306........................................
ثامًنا :طموح الطامحين306..................................................
تاسًعا :تآمر الحاقدين307....................................................
عاشًرا :التدبير المحكم لثارة المآخذ ضد عثمان 308...............
حادي عشر :استخدام الساليب والوسائل المهيجة للناس309.......
ثاني عشر :أثر السبئية في أحداث الفتنة310............................
-1السبئية حقيقة أم خيال؟310............................................
-2دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة314...........................
الفصل السابع :مقتل عثمان بن عفان
المبحث الول :اشتعال الفتنة318..........................................
ل :تأذي أصحاب الهواء من الصلح319................................ أو ً
ثانًيا :عبد الله بن سبأ اليهودي على رأس العصابة320.................
ثالثـا :أهل الفتنة يفسدون في مجلس سعيد بن العاص322..........
370
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
رابًعا :أهل الفتنة منفيون عند معاوية323.................................
سا :رجوع أهل الفتنة إلى الكوفة ثم نفيهم إلى الجزيرة328.... خام ً
-1أهل الفتنة بالبصرة يفترون على أشج عبد القيس329.............
-2ابن سبأ يحدد سنة أربع وثلثين للهجرة للتحرك330................
-3أوضاع أهل الكوفة عند تحرك أهل الفتنة330........................
-4القعقاع بن عمرو التميمي يقضي على التحرك الول330.........
-5يزيد بن قيس يكاتب أهل الفتنة عند عبد الرحمن بن خالد331...
-6القعقاع بن عمرو يرى قتل قادة أهل الفتنة332.....................
-7أهل الفتنة يمنعون سعيد بن العاص من دخول الكوفة332........
-8أبو موسى الشعري يهدئ المور ،وينهى عن العصيان334........
-9كتاب عثمان إلى الخارجين في الكوفة334...........................
المبحث الثاني :سياسة عثمان في التعامل مع الفتنة335.........
ل :رأي بعض الصحابة بأن يرسل عثمان لجان تفتيش وتحقيق أو ً
335
ثانًيا :كتب إلى أهل المصار كتابا شامل بمثابة إعلن عام لكل
المسلمين336..................................................................
ثالثـا :مشورة عثمان لولة المصار337...................................
-1اقتراحان لمعاوية يرفضهما عثمان رضي الله عنهما338...........
-2عثمان يخترق صفوف المتآمرين بعد مجيئهم للمدينة339.........
رابًعا :إقامة الحجة على المتمردين340...................................
سا :الستجابة لبعض مطالبهم343..................................... خام ً
سا :ضوابط التعامل مع الفتن عند عثمان 343.................. ساد ً
-1التثبت343...................................................................
-2لزوم العدل والنصاف343...............................................
-3الحلم والناة343...........................................................
-4الحرص على ما يجمع ،ونبذ ما يفرق بين المسلمين343..........
-5لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم344............................
-6استشارة العلماء الربانيين344..........................................
-7السترشاد بأحاديث رسول الله × في الفتن344...................
المبحث الثالث :احتلل أهل الفتنة للمدينة345..........................
ل :قدوم أهل الفتنة من المصار345.................................... أو ً
* علي بن أبي طالب يرسله عثمان للمفاوضة مع أهل الفتنة من
المصار346.....................................................................
* الكتاب المزعوم بقتل وفد أهل مصر347..............................
ثانًيا :بدء الحصار ،ورأي عثمان في الصلة خلف أئمة الفتنة350.....
ثالثـا :المفاوضات بين عثمان ومحاصريه350............................
371
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
-1ابن عمر يحث عثمان على عدم التنازل عن منصب الخلفة 351.
-2توعد المحاصرين له بالقتل352.........................................
-3إقامة عثمان الحجة على زيف استدلل صعصعة بن صوحان 352
-4تذكير عثمان الناس بفضائله353...................................
رابًعا :دفاع الصحابة عن عثمان ورفضه لذلك354...................
-1علي بن أبي طالب 354...............................................
-2الزبير بن العوام 355..................................................
-3المغيرة بن شعبة 355.................................................
-4عبد الله بن الزبير 356................................................
-5كعب بن مالك وزيد بن ثابت النصاريان رضي الله عنهما356....
-6الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما356...............
-7عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما357.................
-8أبو هريرة 357..........................................................
-9سليط بن سليط 357..................................................
-10عرض بعض الصحابة على عثمان مساعدته في الخروج إلى مكة
358...............................................................................
* السباب التي دعت عثمان إلى منع الصحابة من القتال358........
سا :موقف أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات359................ خام ً
-1أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما359......................
-2صفية زوجة رسول الله ×360..........................................
-3عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها360...............................
-4مواقف للصحابيات362...................................................
سا :من حج بالناس ذلك العام؟ وهل طلب عثمان من الولة ساد ً
نصرته؟ 363....................................................................
-1من حج بالناس ذلك العام )35هـ(؟ 363..............................
-2هل طلب عثمان من الولة نصرته؟ 367.........................
-3آخر خطبة خطبها عثمان 367........................................
سابًعا :استشهاد عثمان 368..............................................
-1آخر أيام الحصار وفيه الرؤيا368........................................
-2صفة قتله369..............................................................
ثامًنا :تاريخ قتله ،وسنه عند استشهاده وجنازته والصلة عليه ودفنه
373...............................................................................
-1تاريخ قتله373..............................................................
-2سنه عند استشهاده373..................................................
-3جنازته والصلة عليه ودفنه374.........................................
-4براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان 375............
372
شخصيته وعصره عثمان بن عفان
المبحث الرابع :موقف الصحابة من مقتل عثمان رضي الله عنهم
377
ل :ثناء أهل البيت على عثمان وبراءتهم من دمه378............ أو ً
-1موقف السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها378............
-2علي بن أبي طالب 381...............................................
-3عبد الله بن عباس 383...............................................
-4زيد بن علي رحمه الله383..............................................
-5علي بن الحسين رحمه الله384........................................
ثانًيا :موقف عمار بن ياسر 384.........................................
-1ضرب عمار بن ياسر384.................................................
-2اتهام عمار بالمساهمة في الفتنة وإثارة الشغب ضد عثمان 385.
-3براءة عمار من دم عثمان رضي الله عنهما387.....................
ثالثـا :براءة عمرو بن العاص من دم عثمان388.........................
رابًعا :من أقوال الصحابة في الفتنة390.................................:
-1أنس بن مالك 390.....................................................
-2حذيفة بن اليمان 390..................................................
-3أم سليم النصارية رضي الله عنها390................................
-4أبو هريرة 390..........................................................
-5أبو بكرة 391............................................................
-6أبو موسى الشعري 391.............................................
-7سمرة بن جندب 391..................................................
-8عبد الله بن عمرو بن العاص 391...................................
-9عبد الله بن سلم 391.................................................
-10الحسن بن علي 391.................................................
-11سلمة بن الكوع 392................................................
-12عبد الله بن عمر 392................................................
سا :أثر مقتل عثمان في حدوث فتن أخرى392.................... خام ً
سا :الظلم والعتداء على الخرين من أسباب الهلك في الدنيا ساد ً
والخرة393.....................................................................
سابًعا :تأثر المسلمين لمقتل عثمان وما قيل من أشعار394.....
الخلصة397.....................................................................
تعريف ببعض المناطق التي ذكرت في البحث406......................
المصادر والمراجع407........................................................
فهرس الكتاب421...................................................
***
373