You are on page 1of 373

‫تأليـــــــــف‬

‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫الطبعة الولى‬
‫‪1427‬هـ ‪2006 -‬م‬
‫رقم اليداع‪9848/2005 :‬‬
‫الترقيم الدولى‪I.S.B.N :‬‬
‫‪3 - 60 – 6119 – 977‬‬

‫‪2‬‬
‫الهــــــــداء‬
‫إلى العلماء العاملين والدعاة المخلصين‪،‬‬
‫وطلب العلم المجتهدين‪ ،‬وأبناء المة الغيورين‬
‫أهدي هذا الكتاب‪ ،‬سائل المولى ‪-‬عز وجل‪ -‬بأسمائه‬
‫صا‬
‫الحسنى وصفاته الُعلى أن يكون خال ً‬
‫لوجهه الكريم‬

‫جو‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫قال تعالى‪َ + :‬‬


‫مل ً‬
‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬‫فل ْي َ ْ‬‫ه َ‬
‫قاءَ َرب ّ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ه‬
‫ة َرب ّ ِ‬‫عَبادَ ِ‬ ‫ك بِ ِ‬‫ر ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ول َ ي ُ ْ‬‫حا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ َ‬
‫دا" ]الكهف‪.[110 :‬‬ ‫ح ً‬‫أ َ‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫مقدمـــــــة‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫فل هادي له‪ .‬وأشهد أن ل َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫محمدا عبده ورسوله ‪َ+‬يا َ أي ّ َ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[102 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأن ُْتم ّ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قات ِ ِ‬ ‫تُ َ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫‪َ+‬يا أي ّ َ‬
‫ساءً‬ ‫ون ِ َ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا َ َ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ث ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وال‬ ‫ِ َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫وات ّ‬ ‫َ‬
‫با" ]النساء‪.[1 :‬‬ ‫قي ً‬ ‫َر ِ‬
‫قوُلوا َ‬ ‫َ‬
‫دا ‪‬‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ول ً َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬
‫ه َُ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها َ ال ّ ِ‬ ‫‪َ+‬يا أي ّ َ‬
‫ه‬
‫ع الل َ‬ ‫من ي ُطِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫م ذُُنوب َك ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح لََك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ما" ]الحزاب‪.[71 ،70 :‬‬ ‫ِ ً‬‫ظي‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫زا‬ ‫ْ ً‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا الكتاب يتحدث عن شخصية عثمان بن عفان ‪ ‬وعصره‪،‬‬
‫ديق والفاروق تبحث‬ ‫وهو امتداد لما سبقه من كتب تحدثت عن الص ّ‬
‫في دراسة عهد الخلفاء الراشدين؛ لكي نستخرج الدروس والعَِبر‬
‫ونستوعب السنن والقوانين اللهية في حركة المجتمعات وبناء‬
‫الدول ونهضة الشعوب‪ ،‬وتربية القادة والفراد لنشر دين الله بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫إن عودة المة لما كانت عليه في قيادتها للبشرية منوطة بسيرها‬
‫على هدى النبي × وخلفائه الراشدين؛ فقد أخبر الحبيب المصطفى‬
‫× عن المراحل التاريخية التي تمر بها المة في مسيرتها في الحياة‪،‬‬
‫فقال ×‪» :‬تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها الله‬
‫إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون خلفة على منهاج النبوة‪ ،‬فتكون ما شاء‬
‫ضا‬
‫الله أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون ملكا عا ّ‬
‫فيكون ما شاء الله أن تكون‪ ،‬ثم)‪(1‬يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها‪ ،‬ثم‬
‫تكون خلفة على منهاج النبوة« ‪.‬‬
‫إن معرفة عهد الخلفة الراشدة ومنهاج النبوة خطوة ل بد منها‬
‫في تحقيق الهداف التي تسعى المة لتحقيقها في هذه الحياة‪ ،‬فقد‬
‫قال ×‪»(2):‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من‬
‫بعدي« ‪.‬‬
‫إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر وهي‬
‫متناثرة في بطون الكتب والمصادر والمراجع‪ ،‬سواء كانت تاريخية أو‬
‫حديثية أو فقهية أو أدبية أو تفسيرية‪ ،‬فنحن في أشد الحاجة لجمعها‬
‫وترتيبها وتوثيقها وتحليلها‪ ،‬فتاريخ الخلفة الراشدة ‪-‬إذا أحسن‬
‫عرضه‪ -‬يغذي الرواح ويهذب النفوس‪ ,‬وينور القلوب ويبني العقول‪،‬‬
‫ويشحذ الهمم‪ ،‬ويقدم الدروس‪ ،‬ويسهل العَِبر‪ ،‬وينضج الفكار‪،‬‬
‫)( المسند )‪ ،(4/273‬البزار رقم )‪ (1588‬رجاله ثقات‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سنن أبي داود )‪ ،(4/201‬الترمذي )‪ (5/44‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ويوضح معالمها‪ ،‬وصفات قادتها‪ ,‬ونظام حكمها‪ ،‬وأخلق جيلها‪،‬‬
‫وعوامل ازدهارها‪ ،‬وأسباب زوالها‪ ،‬فنستفيد من ذلك في إعداد‬
‫الجيل المسلم الذي يتربى على منهاج النبوة وفقه الخلفة الراشدة‪،‬‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫تعالى فيهم‪َ + :‬‬ ‫ونتعرف على حياة عصر من قال الله‬
‫ن‬ ‫سا‬ ‫ح‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫صا ِ َ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وُلو َ‬
‫ِ ِ ْ َ ٍ‬
‫ها‬ ‫ت‬‫ح‬ ‫ت‬ ‫ري‬
‫ُ‬
‫ج‬ ‫ت‬
‫َ ُ‬
‫ت‬
‫ّ‬
‫نا‬ ‫ج‬
‫َ‬
‫م‬
‫ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫والهن ْ و َأ َ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ن َ‬ ‫ري َ‬
‫ضوا‬
‫ج ِ‬
‫ر‬
‫ها ِ‬
‫و‬
‫م َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ع‬
‫م َ‬
‫ه‬
‫ن ِ‬
‫الل‬ ‫ي‬
‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ُ ْ َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ها أ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ّر ِ‬
‫م"]التوبة‪.[100 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ظي‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ز‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫دا‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ال َ ُ‬
‫ها‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫داءُ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫مدٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ْ وقال تعالى ‪ُ +‬‬
‫دا" ]الفتح‪.[29 :‬‬ ‫ج‬
‫ُ ّ ً‬ ‫س‬ ‫عا‬ ‫ّ‬
‫ْ ُ ً‬ ‫ك‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫را‬
‫ماءُ ب َي ْ ُ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ح َ‬ ‫ر ُر َ‬ ‫فا ِ‬‫ال ك ُ ّ‬
‫فيهم رسول الله ×‪» :‬خير أمتي القرن الذي بعثت‬ ‫وقال‬
‫فيهم‪.(1) «...‬‬
‫وقال فيهم عبد الله بن مسعود‪» :‬من كان مستّنا فليستن بمن‬
‫قد مات‪ ،‬فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة‪ ,‬أولئك أصحاب محمد ×‪،‬‬
‫كانوا والله أفضل هذه المة‪ ،‬وأبرها قلوبا‪ ،‬وأعمقها علما‪ ،‬وأقلها‬
‫تكلفا‪ ،‬قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه‪ ،‬فاعرفوا لهم‬
‫استطعتم من أخلقهم‬ ‫)‪(2‬‬
‫فضلهم‪ ،‬واتبعوهم في آثارهم‪ ،‬وتمسكوا بما‬
‫ودينهم‪ ،‬فإنهم كانوا على الهدى المستقيم«‪.‬‬
‫فالصحابة قاموا بتطبيق أحكام السلم ونشروه في مشارق‬
‫الرض ومغاربها فعصرهم خير العصور‪ ،‬فهم الذين علموا المة‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ورووا السنن والثار عن رسول الله ×‪ ،‬فتاريخهم هو‬
‫الكنز الذي حفظ مدخرات المة في‪ :‬الفكر والثقافة والعلم والجهاد‪،‬‬
‫وحركة الفتوحات‪ ،‬والتعامل مع الشعوب والمم‪ ،‬فتجد الجيال في‬
‫هذا التاريخ المجيد ما يعينها على مواصلة رحلتها في الحياة على‬
‫منهج صحيح‪ ،‬وهدى رشيد‪ ،‬وتعرف من خلله حقيقة رسالتها ودورها‬
‫في دنيا الناس‪.‬‬
‫إن التاريخ السلمي أصبح غرضا ومرمى لسهام أعداء السلم‬
‫على مختلف مذاهبهم وعقائدهم‪ ،‬ويحاولون أن يوجدوا فجوة في‬
‫السلم وتاريخه الزاهر حتى يتسنى لهم عزل الجيال عن السلم‬
‫وعقيدته وشريعته وقيمه وتراثه العلمي‪ ،‬ولذلك يبذلون قصارى‬
‫جهدهم لنفث السموم في المجتمع السلمي‪.‬‬
‫لقد حاول المستشرقون ‪-‬ومن قبلهم الروافض‪ -‬أن ينشروا كل‬
‫رواية باطلة تنقص من شأن الصحابة الكرام‪ ،‬وتطعن في تاريخ المة‬
‫المجيد‪ ،‬وتصور تاريخهم بأنه صراع على السلطة والسيادة والنفوذ‪،‬‬
‫ولذلك يجب الحذر من كل رافضي كاذب‪ ،‬ومستشرق حاقد‪،‬‬
‫وعلماني جاهل‪ ,‬وكل من سار على نهجهم‪ .‬ول بد من الدفاع‬
‫المستميت عن تاريخنا الخالد والهجوم الشجاع على مناهج الكذابين‬
‫والمنحرفين‪ ،‬ويكون هذا الهجوم المبارك بقذائف الحق العلمية‬
‫المملوءة بالحقائق الساطعة والدلة القاطعة والبراهين الدامغة‪.‬‬
‫إن صياغة التاريخ السلمي بمنهج أهل السنة والجماعة ضرورة‬

‫)( مسلم )‪.(1964 ،4/1963‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( شرح السنة للبغوي )‪.(215 ،1/214‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ملحة لبناء المة‪ ،‬وقد بدأت أقلم الباحثين والكتاب تصوغ التاريخ‬
‫من هذا المنظور وهم لم يبدأوا من فراغ؛ لن الله حمى دينه وحمى‬
‫أمة السلم فقيض لتاريخ الصحابة من يحقق وقائعه ويصحح أخباره‪،‬‬
‫ويكشف الستر عن الوضاعين والكذابين من ملفقي الخبار‪ ،‬ويرجع‬
‫الفضل في ذلك التصحيح إلى الله ثم أهل السنة والجماعة من أئمة‬
‫الشارات‬ ‫الفقهاء والمحدثين الذين حفلت مصادرهم بالكثير من‬
‫فقون)‪.(1‬‬‫والروايات الصحيحة التي تنقض وترد كل ما وضعه المل ّ‬
‫هذا وقد سرت على أصول منهج أهل السنة‪ ،‬فعكفت على‬
‫المصادر والمراجع القديمة والحديثة‪ ,‬ولم أعتمد في دراسة عصر‬
‫الخلفاء الراشدين على الطبري وابن الثير والذهبي وكتب التاريخ‬
‫المشهورة فقط‪ ،‬بل رجعت إلى كتب التفسير والحديث وشروحها‪،‬‬
‫وكتب العقائد والفرق‪ ،‬وكتب التراجم والجرح والتعديل‪ ،‬وكتب الفقه‪،‬‬
‫فوجدت فيها مادة تاريخية غزيرة يصعب الوقوف على حقيقتها في‬
‫الكتب التاريخية المعروفة والمتداولة‪ ،‬وقد شرعت في هذا الكتاب‬
‫بالحديث عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان ‪ ‬الذي قال فيه‬
‫رسول الله ×‪» :‬وأصدقها حياء عثمان« )‪ ،(2‬وقال فيه رسول‬
‫ما ضر‬ ‫الله × في غزوة تبوك بعد تقديمه النفقة العظيمة‪» :‬‬
‫عثمان بعد اليوم‪ ،‬ما ضر عثمان)‪(4‬بعد اليوم«‪ .‬وقد بشره‬
‫)‪(3‬‬

‫رسول الله × بالجنة على بلوى تصيبه ‪ ,‬وحث الناس عند وقوع‬
‫الفتنة أن يكونوا مع عثمان وأصحابه؛ فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬إني‬
‫سمعت رسول الله × يقول‪» :‬إنكم تلقون بعدي فتنة‬
‫واختلفا أو اختلفا وفتنة«‪ ،‬فقال له قائل من الناس‪ :‬فمن لنا‬
‫رسول‪(5‬الله؟ قال‪» :‬عليكم بالمين وأصحابه« وهو يشير إلى‬ ‫)‬
‫يا‬
‫عثمان‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬في زمن النبي × ل يعدلون‬
‫بأبي بكر أحدا‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان؛ فعن ابن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫أحدا‪(6،‬ثم عمر‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪ :‬كنا في زمن النبي × ل نعدل بأبي بكر‬
‫عثمان‪ ،‬ثم نترك أصحاب النبي × ل نفاضل بينهم) ‪.‬‬
‫وقد قال فيه الشاعر النميري‪:‬‬
‫على متوكل أوفى وطابا‬ ‫عشية يدخلون بغير إذن‬
‫)‪(7‬‬
‫ورابع خير من وطئ الترابا‬ ‫خليل محمد ووزير صدق‬
‫وقال فيه أبو محمد القحطاني‪:‬‬
‫دفع الخلفة للمام الثاني‬ ‫حَبه‬
‫لما قضى صديق أحمد ن َ ْ‬
‫المنهج السلمي لكتابة التاريخ‪ ،‬د‪ .‬محمد محزون‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فضائل الصحابة لبي عبد الله أحمد بن حنبل )‪ ،(1/604‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سنن الترمذي‪ ،‬رقم‪.(3785) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البخاري رقم‪.(3695) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫فضائل الصحابة )‪ ،(1/550‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي‪ ،‬رقم )‪.(3698‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/206‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪6‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫بالسيف بين الكفر واليمان‬ ‫أعنى به الفاروق عنوة‬


‫ومحا الظلم وباح بالكتمان‬ ‫هو أظهر السلم بعد خفائه‬
‫في المر فاجتمعوا على‬ ‫ومضى وخلى المر شورى بينهم‬
‫عثمان‬
‫وتًرا فيكمل ختمة القرآن‬ ‫من كان يسهر ليلة في ركعة‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫العصيان‬ ‫والويل للركب الذين سعوا إلى‬
‫إن حياة ذي النورين عثمان بن عفان ‪ ‬صفحة مشرقة في‬
‫تاريخ المة‪ ،‬وقد قمت بتتبع أخباره وحياته وعصره وقمت بترتيبها‬
‫وتنسيقها وتوثيقها وتحليلها؛ لكي تصبح في متناول أبناء أمتي على‬
‫مختلف طبقاتهم؛ من علماء ودعاة وخطباء وساسة ومفكرين‪ ،‬وقادة‬
‫جيوش‪ ،‬وحكام‪ ،‬وطلب علم‪ ،‬وعامة الناس‪ ،‬لعلهم يستفيدون منها‬
‫في حياتهم‪ ،‬ويقتدون بها في أعمالهم فيكرمهم الله بالفوز في‬
‫الدارين‪.‬‬
‫لقد تحدثت في هذا الكتاب عن اسم ذي النورين ونسبه وكنيته‬
‫وألقابه وأسرته‪ ,‬ومكانته في الجاهلية‪ ،‬وإسلمه وزواجه من رقية‬
‫بنت رسول الله ×‪ ،‬وابتلئه وهجرته للحبشة‪ ،‬وعن حياته مع القرآن‬
‫الكريم وملزمته للنبي ×‪ ،‬وعن مواقفه في غزوات رسول الله ×‪،‬‬
‫وعن حياته الجتماعية بالمدينة‪ ،‬ومساهمته القتصادية في بناء‬
‫الدولة‪ ،‬وتتبعت أحاديث رسول الله × في ذي النورين فيما ورد في‬
‫فضائله مع غيره‪ ،‬وما ورد عن رسول الله × في أخباره عن الفتنة‬
‫التي يقتل فيها عثمان‪ ،‬وتكلمت عن مكانته في عهد الصديق‬
‫والفاروق وبينت قصة استخلفه‪ ،‬وما قام به عبد الرحمن بن عوف‬
‫من عمل عظيم في إشرافه على إدارة الشورى‪ ،‬ورددت على‬
‫الباطيل الرافضية التي دست في قصة الشورى‪ ،‬فأثبت بطلنها‬
‫وزيفها بالحجج العلمية والبراهين القوية والدلة المنطقية‪ ،‬وذكرت‬
‫أقوال أهل العلم في أحقية عثمان بالخلفة وانعقاد الجماع على‬
‫خلفته‪ ،‬وشرحت منهج عثمان ‪ ‬في نظام الحكم من خلل رسائله‬
‫للولة وأمراء الجند وعامة الناس‪ ,‬ومواقفه في الحياة‪ ،‬فقد وضح ‪‬‬
‫المرجعية العليا للدولة‪ ،‬وحق المة في محاكمة الخليفة‪ ،‬وقواعد‬
‫الشورى والعدل والمساواة والحريات‪ ،‬وأهمية المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر في حياة المجتمعات‪ .‬وقد أشرت إلى أهم صفات‬
‫عثمان ‪ ‬القيادية وذكرت تسع عشرة صفة من صفاته مع المواقف‬
‫الدالة على تلك الصفات الرفيعة والخلق الحميدة‪ .‬وتحدثت عن‬
‫المؤسسة المالية فبينت معالم السياسة المالية التي أعلنها عثمان‬
‫عندما تولى الحكم‪ ،‬وأنواع النفقات العامة في عهده؛ كصرف‬
‫مرتبات الولة والجنود‪ ،‬والنفاق على الحج‪ ،‬وتمويل إعادة المسجد‬

‫)( نونية القحطاني‪ ،‬ص )‪.(25-21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫النبوي‪ ،‬وتوسعة المسجد الحرام‪ ،‬وإنشاء أول أسطول بحري‪،‬‬
‫وتحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة‪ ،‬وتمويل حفر البار‪ ،‬ورواتب‬
‫المؤذنين‪ ،‬وأشرت إلى أثر تدفق الموال على الحياة الجتماعية‬
‫والقتصادية‪ ,‬وإلى حقيقة العلقة بين عثمان وأقاربه والعطاء من‬
‫بيت المال‪ ،‬وتكلمت عن مؤسسة القضاء وبعض الجتهادات الفقهية‬
‫لعثمان والتي أثرت في المدارس الفقهية فيما بعد‪ ،‬وجمعت فتوحات‬
‫عثمان المتناثرة في كتب التاريخ‪ ،‬وقمت بترتيبها وتنظيمها وفق‬
‫حركة الجيوش في المشرق‪ ،‬وبلد الشام‪ ،‬وفي الجبهة المصرية‪،‬‬
‫والشمال الفريقي‪ ،‬واستخرجت من حركة الفتوح دروسا وعبرا‬
‫وفوائد؛ كتحقق وعد الله للمؤمنين‪ ،‬وتطور فنون الحرب والسياسة‪،‬‬
‫والهتمام بحدود الدولة‪ ،‬والحرص على وحدة الكلمة في مواجهة‬
‫العدو‪ ،‬وجمع المعلومات على العداء‪ .‬وترجمت لبعض قادة الفتوح؛‬
‫كالحنف بن قيس‪ ،‬وعبد الرحمن بن ربيعة الباهلي‪ ،‬وسلمان بن‬
‫ربيعة‪ ،‬وحبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنهم‪.‬‬
‫وأشدت بأعظم مفاخر عثمان في توحيده للمة على قراءة‬
‫المصحف العثماني‪ ،‬ووضحت المراحل التي مرت بها كتابة القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وتحدثت عن الباعث على جمع القرآن في عهده‪،‬‬
‫واستشارته لجمهور الصحابة‪ ،‬وعن عدد المصاحف التي أرسلها إلى‬
‫المصار‪ ،‬وفهم الصحابة ليات النهي عن الختلف‪ ،‬وعن مؤسسة‬
‫الولة وأقاليم الدولة في عهده‪ ،‬وسياسته مع الولة وحقوقهم‬
‫وواجباتهم‪ ،‬وأساليبه في متابعة ولته ومراقبتهم والطلع على‬
‫أخبارهم‪ ،‬وبينت حقيقة ولة عثمان ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬وماذا لهم‬
‫وماذا عليهم‪ ،‬وحقيقة علقة عثمان بأبي ذر وابن مسعود وعمار بن‬
‫ياسر رضي الله عنهم جميعا‪ .‬وفصلت في أسباب فتنة مقتل عثمان‬
‫وأهمية دراسة وقائع هذه الفتنة‪ ،‬وتحدثت عن كل سبب من السباب‬
‫في فقرة مستقلة؛ كالرخاء وأثره في المجتمع‪ ،‬وطبيعة التحول‬
‫الجتماعي‪ ،‬ومجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما‪ ،‬وخروج كبار‬
‫الصحابة من المدينة‪ ،‬والعصبية الجاهلية‪ ،‬وتوقف الفتوحات‪ ،‬والورع‬
‫الجاهل‪ ،‬وطموح الطامحين‪ ،‬وتآمر الحاقدين‪ ،‬والتدبير المحكم لثارة‬
‫المآخذ ضد الخليفة الراشد المظلوم‪ ،‬واستخدام الساليب والوسائل‬
‫المهيجة للناس‪ ،‬وعن أثر السبئية في إحداث الفتنة‪ ،‬والخطوات التي‬
‫اتخذها عثمان ‪ ‬لمعالجتها؛ كإرسال لجان تحقيق وتفتيش‪ ،‬وإرساله‬
‫لكل المصار كتابا شامل بمثابة إعلن عام لكل المسلمين‪ ،‬ومشورته‬
‫لولة المصار وإقامة الحجة على المتمردين والستجابة لبعض‬
‫مطالبهم‪ .‬وبينت ضوابط التعامل مع الفتن من خلل فقه عثمان ‪‬؛‬
‫كالتثبت ولزوم العدل والنصاف‪ ،‬والحلم والناة‪ ،‬والحرص على ما‬
‫يجمع ونبذ ما يفرق‪ ،‬ولزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم‪،‬‬
‫واستشارة العلماء الربانيين‪ ،‬والسترشاد بأحاديث رسول الله × في‬
‫الفتن‪ .‬ووصفت احتلل أهل الفتنة للمدينة‪ ،‬وحصارهم لعثمان ودفاع‬
‫الصحابة عنه ورفضه لذلك‪ ،‬وذكرت مواقف الصحابة من مقتل‬
‫عثمان ‪ ‬وما ورد من أقوالهم في الفتنة‪.‬‬
‫وبالجملة فإن هذا الكتاب يبرهن على عظمة ذي النورين‪ ،‬ويثبت‬
‫للقارئ الكريم بأنه كان عظيما بإيمانه وبعلمه وبخلقه وبآثاره‪ ،‬وكانت‬
‫عظمته مستمدة من فهمه وتطبيقه للسلم‪ ,‬وصلته العظيمة بالله‬

‫‪8‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫واتباعه لهدي الرسول الكريم ×‪.‬‬
‫إن عثمان ‪ ‬من الئمة الذين يتأسى الناس بهديهم وبأقوالهم‬
‫وأفعالهم في هذه الحياة؛ فسيرته من أقوى مصادر اليمان‪،‬‬
‫والعاطفة السلمية الصحيحة والفهم السليم لهذا الدين‪ ،‬فلذلك‬
‫اجتهدت في دراسة شخصيته وعصره حسب وسعي وطاقتي‪ ،‬غير‬
‫مدٍع عصمة ول متبرئ من زلة‪ ،‬ووجه الله الكريم ل غيره قصدت‪،‬‬
‫وثوابه أردت‪ ،‬وهو المسئول في المعونة عليه‪) ,‬والنتفاع به(‪ ،‬إنه‬
‫طيب السماء وسميع الدعاء‪.‬‬
‫هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب الساعة الثانية من فجر يوم‬
‫الربعاء بتاريخ ‪ 8‬من شهر ربيع الثاني لعام ‪1423‬هـ الموافق‬
‫‪18/6/2002‬م‪ ،‬والفضل لله من قبل ومن بعد‪ ،‬وأسأله سبحانه‬
‫وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته الُعلى أن يجعل عملي لوجهه‬
‫خالصا‪ ،‬ولعباده نافعا‪ ،‬وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في‬
‫ميزان حسناتي‪ ،‬وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من‬
‫أجل إتمام هذا الجهد المتواضع‪ ،‬ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا‬
‫عفو َربه ومغفرته ورحمته‬ ‫الفقير ْإلى َ‬ ‫العبدب أ َ‬ ‫الكتاب أن ل ينسى‬
‫ك ال ِّتي‬ ‫مت َ َ‬ ‫ع َ‬‫شك َُر ن ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عِني َ أ ْ‬ ‫ز‬ ‫و‬
‫ْ‬
‫عَلى وال ِدي ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫‪+‬‬ ‫دعائه‪:‬‬ ‫َورضوانه من‬
‫ه‬
‫ضا ُ‬ ‫حا ت َْر َ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ َ ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫عل َ‬
‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ْ‬‫أن ْ َ‬
‫ن" ]النمل‪.[19 :‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عَباِدك ال ّ‬ ‫في ِ‬ ‫َ‬
‫مت ِك ِ‬ ‫ح َ‬‫خل ِْني ب َِر ْ‬ ‫وأ َدْ ِ‬‫َ‬
‫ك‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫فل َ ُ‬
‫مْْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح َ‬‫من ّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ح الل َ ُ‬ ‫فت َ ِ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫َ وقال تعالى‪َ + :‬‬
‫م"‬‫ُ‬ ‫كي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ز‬‫ُ‬ ‫زي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬‫َ َ‬‫ه‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ُ ْ‬‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬‫ك َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬
‫و َ‬‫ها َ‬ ‫ل َ‬
‫]فاطر‪ .[2 :‬وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‬
‫أشهد أن ل إله إل أنت‬
‫أستغفرك وأتوب إليك‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه‬


‫على محمد محمد الصلبي‬

‫‪9‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل الول‬
‫ذو النورين عثمان بن عفان ‪ ‬بين مكة والمدينة‬
‫المبحث الول‬
‫اسمه ونسبه وكنيته وألقابه وصفته‬
‫وأسرته ومكانته في الجاهلية‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وألقابه‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أبي‪(1‬العاص بن أمية بن عبد شمس‬ ‫‪ -1‬هو عثمان بن عفان بن‬
‫بن عبد مناف بن قصي بن كلب ) ‪,‬ويلتقي نسبه بنسب رسول الله‬
‫بنت‪(2‬كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد‬ ‫في عبد مناف‪ .‬وأمه أروى‬‫×‬
‫شمس بن عبد مناف بن قصي‪ ).‬وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد‬
‫× ويقال‪ :‬إنهما ولدا توأما‬ ‫المطلب‪ ،‬وهي شقيقة عبد الله والد النبي ‪،‬‬
‫)حكاه الزبير بن بكار(‪ ،‬فكان ابن بنت عمة النبي ×‪ ،‬وكان النبي × ابن‬
‫خال والدته‪ .‬وقد أسلمت)‪(3‬أم عثمان وماتت في خلفة ابنها عثمان‪ ,‬وكان‬
‫ممن حملها إلى قبرها ‪ ،‬وأما أبوه فهلك في الجاهلية‪.‬‬
‫‪ -2‬كنيته‪ :‬كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو‪ ،‬فلما ولد له من رقية‬
‫بنت رسول)‪(4‬الله غلم سماه عبد الله‪ ،‬واكتنى به‪ ،‬فكناه المسلمون‬
‫أبا عبد الله ‪.‬‬
‫‪(5)-3‬لقبه‪ :‬كان عثمان ‪ ‬يلقب بذي النورين‪ ،‬وقد ذكر بدر الدين‬
‫العيني)‪ (6‬في شرحه على صحيح البخاري‪ ،‬أنه قيل للمهلب بن أبي‬
‫ذو( النورين؟ فقال‪ :‬لنا ل نعلم أحدا أرسل‬ ‫صفرة ‪ :‬لم قيل لعثمان‬
‫سترا على بنتي نبي غيره‪ 7).‬وقال عبد الله بن عمر بن أبان‬
‫م سمي‬ ‫الجعفي‪ :‬قال لي خالي حسين الجعفي‪ :‬يا بني‪ ،‬أتدري ل ِ َ‬
‫عثمان ذا النورين؟ قلت‪ :‬ل أدري‪ ،‬قال‪ :‬لم يجمع بين ابنتي نبي منذ‬
‫الله‪(8‬آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان‪ ،‬فلذلك سمي ذا‬ ‫)‬
‫خلق‬
‫من تلوة القرآن‬ ‫يكثر‬ ‫كان‬ ‫لنه‬ ‫النورين‬ ‫بذي‬ ‫سمي‬ ‫وقيل‪:‬‬ ‫النورين‪.‬‬
‫في كل ليلة في صلته‪ ،‬فالقرآن نور وقيام الليل نور)‪.(9‬‬
‫‪ -4‬ولدته‪ :‬ولد في مكة بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح‬
‫‪ () 1‬الطبقات لبن سعد )‪ ،(3/53‬الصابة )‪ (4/377‬رقم )‪.(5463‬‬
‫‪ () 2‬التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬محمد يحيى الندلسي‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ () 3‬الخلفة الراشدة والدولة الموية‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص ‪.388‬‬
‫‪ () 4‬التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ () 5‬هو محمود بن أحمد بن موسى العيني‪ ،‬أبو محمد‪ :‬من علماء التاريخ والحديث‬
‫والفقه‪ ،‬له تآليف كثيرة‪ ،‬توفي ‪855‬هـ ‪ ،‬انظر‪ :‬شذرات الذهب )‪،(7/286‬‬
‫والضوء اللمع )‪.(10/131‬‬
‫هو المهلب بن أبي صفرة الزدي العقلي‪ :‬من المراء البطال‪ ،‬غزا المهلب الهند‬ ‫‪) (6‬‬
‫في خلفة معاوية‪ ،‬وولي الجزيرة لبن الزبير‪ ،‬وحارب الخوارج في عهد عبد الملك‬
‫هـ‪ ،‬وترجع شهرته إلى حرب الخوارج‪،‬‬ ‫بن مروان‪ ،‬ثم ولي خراسان من قبله سنة ‪79‬‬
‫توفي ‪83‬هـ‪ ،‬انظر‪ :‬وفيات العيان )‪ ،(5/350‬سير أعلم النبلء )‪.(4/383‬‬
‫‪ () 7‬عمدة القاري‪ ،‬شرح صحيح البخاري )‪.(16/201‬‬
‫‪ () 8‬سنن البيهقي )‪ ،(7/73‬قال الدكتور عاطف لماضة‪ :‬خبر حسن‪.‬‬
‫‪ () 9‬عثمان بن عفان ذو النورين‪ ،‬عباس العقاد‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪10‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وقيل‪ :‬ولد في الطائف‪ ،‬فهو أصغر من رسول الله × بنحو خمس‬ ‫)‪(2‬‬
‫)‪،(1‬‬
‫سنين ‪.‬‬
‫ول بالطويل‪ ،‬رقيق‬ ‫)‪(3‬‬
‫خْلقّية‪ :‬كان رجل ليس بالقصير‬ ‫‪ -5‬صفته ال ْ َ‬
‫البشرة‪ ،‬كث اللحية عظيمها‪ ،‬عظيم الكراديس ‪ ،‬عظيم ما بين‬
‫عثمان‬ ‫فر لحيته‪ .‬وقال الزهري‪ :‬كان‬ ‫المنكبين‪ ،‬كثير شعر الرأس‪ ،‬يص ّ‬
‫الشعر‪ ،‬حسن الوجه‪ ،‬أصلع‪ ،‬أروح الرجلين)‪,(4‬‬ ‫رجل مربوعا‪ ،‬حسن‬
‫وأقنى)‪ ,(5‬خدل الساقين)‪ ,(6‬طويل)‪(7‬الذراعين‪ ،‬قد كسا ذراعيه جعد‬
‫مته أسفل من أذنيه‪ ،‬حسن الوجه‪،‬‬ ‫ج ّ‬‫الشعر‪ ،‬أحسن الناس ثغرا‪ُ ،‬‬
‫أبيض اللون‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬ ‫والراجح أنه‬
‫أسمر اللون)‪.(8‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أسرته‪:‬‬
‫تزوج عثمان ‪ ‬ثماني زوجات كلهن بعد السلم وهن‪ :‬رقية بنت‬
‫رسول الله وقد أنجبت له عبد الله بن عثمان‪ ،‬ثم تزوج أم كلثوم‬
‫بنت رسول الله بعد وفاة رقية‪ ،‬وتزوج فاختة بنت غزوان‪ ،‬وهي أخت‬
‫المير عتبة بن غزوان‪ ،‬وأنجبت لعثمان عبد الله الصغر‪ ،‬وأم عمرو‬
‫بنت جندب الزدية‪ ،‬وقد أنجبت لعثمان عمرا وخالدا وأبان وعمر‬
‫ومريم‪ ،‬وتزوج فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة‬
‫المخزومية‪ ،‬وأنجبت لعثمان‪ :‬الوليد وسعيدا وأم سعد‪ ،‬وتزوج أم‬
‫البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية‪ ،‬وأنجبت لعثمان‪ :‬عبد الله‪،‬‬
‫وتزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة الموية‪ ،‬وأنجبت لعثمان‪ :‬عائشة وأم‬
‫أبان وأم عمرو‪ ،‬وقد أسلمت رملة‪ ،‬وبايعت رسول الله ×‪ ،‬وتزوج‬
‫وكانت على النصرانية وقد أسلمت قبل‬ ‫)‪(9‬‬
‫نائلة بنت الفرافصة الكلبية‪،‬‬
‫أن يدخل بها وحسن إسلمها‪.‬‬
‫وأما أبناؤه فقد كانوا تسعة أبناء من الذكور من خمس زوجات‬
‫وهم‪ :‬عبد الله وأمه رقية بنت رسول الله × ولد قبل الهجرة‬
‫بعامين‪ ،‬وأخذته أمه معها عندما هاجرت مع زوجها عثمان إلى‬
‫المدينة‪ .‬وفي أوائل أيام الحياة في المدينة نقره الديك في وجهه‬
‫قرب عينه‪ ،‬وأخذ مكان نقر الديك يتسع حتى طمر وجهه حتى مات‬
‫في السنة الرابعة للهجرة‪ ،‬وكان عمره ست سنوات‪ (10).‬وعبد الله‬
‫الصغر‪ ,‬وأمه فاختة بنت غزوان‪ ،‬وعمرو‪ ,‬وأمه أم عمرو بنت جندب‬
‫وقد روى عن أبيه‪ ،‬وعن أسامة بن زيد‪ ,‬وروى عنه علي بن الحسين‪،‬‬
‫وسعيد بن المسيب‪ ،‬وأبو الزّناد‪ ،‬وهو قليل الحديث‪ ،‬وتزوج رملة بنت‬
‫‪ () 1‬الصابة )‪ ،(4/377‬رقم )‪.(5465‬‬
‫‪ () 2‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ () 3‬الكراديس‪ :‬جمع كردوس‪ ،‬وهو كل عظمين التقيا في مفصل‪.‬‬
‫‪ () 4‬تاريخ الطبري )‪ (5/440‬أروح الرجلين‪ :‬منفرج ما بينهما‪.‬‬
‫‪ () 5‬أقنى‪ :‬طويل النف مع دقة أرنبته‪ ،‬وحدب في وسطه‪.‬‬
‫‪ () 6‬خدل الساقين‪ :‬أي ضخم الساقين‪.‬‬
‫‪ () 7‬جمته‪ :‬مجتمع شعر الرأس‪.‬‬
‫‪ () 8‬صفة الصفوة )‪ ،(1/295‬صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 19‬المين ذو‬
‫التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬ص ‪،‬‬ ‫‪5/441‬‬
‫‪ )( 9‬تاريخ الطبري ) (‬
‫النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪.364‬‬
‫‪ () 10‬المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪ ،365‬التمهيد والبيان في مقتل الشهيد‬
‫عثمان‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪11‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬توفي سنة ثمانين للهجرة‪ .‬وخالد‪ ,‬وأمه أم‬
‫ما في‬ ‫عمرو بنت جندب‪ .‬وأبان‪ ،‬وأمه أم عمرو بنت جندب‪ ،‬كان إما ً‬
‫الفقه‪ ،‬يكنى أبا سعيد‪ ،‬تولى إمرة المدينة سبع سنين في عهد عبد‬
‫الملك بن مروان‪ ،‬سمع أباه وزيد بن ثابت‪ ،‬له أحاديث قليلة‪ ،‬منها ما‬
‫رواه عن عثمان‪» :‬من قال في أول يومه وليلته‪ :‬بسم الله‬
‫الذي ل يضر مع اسمه شيء في الرض ول في السماء‬
‫وهو السميع العليم لم يضره ذلك اليوم شيء أو تلك‬
‫الليلة«‪ .‬فلما أصاب أبان الفالج قال‪ :‬إني والله نسيت هذا الدعاء‬
‫ليمضي في أمر الله‪ (1).‬ويعتبر من فقهاء المدينة في زمنه‪ ،‬وقد‬
‫)‪(2‬‬
‫توفى سنة خمس ومائة‪.‬‬
‫وعمر‪ ،‬وأمه أم عمرو بنت جندب‪ .‬والوليد‪ ،‬وأمه فاطمة بنت‬
‫الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومية‪ .‬وسعيد‪ ،‬وأمه فاطمة‬
‫بنت الوليد المخزومية‪ ،‬تولى أمر خراسان عام ستة وخمسين أيام‬
‫معاوية بن أبي سفيان‪ .‬وعبد الملك‪ ،‬وأمه أم البنين بنت عيينة بن‬
‫حصن‪ ،‬ومات صغيرا‪ ،‬ويقال‪ :‬ولدت نائلة بنت الفرافصة ولدا لعثمان‬
‫)‪(3‬‬
‫سمى عنبسة‪.‬‬
‫وأما بناته‪ ،‬فهن سبع من خمس نساء‪ ،‬منهن‪ :‬مريم وأمها أم‬
‫عمرو بنت جندب‪ .‬وأم سعيد‪ ،‬وأمها فاطمة بنت الوليد بن عبد‬
‫ربيعة‪(4.‬ومريم‬ ‫شمس المخزومية‪ .‬وعائشة‪ ،‬وأمها رملة بنت شيبة بن‬
‫بنت عثمان‪ ،‬وأمها نائلة بنت الفرافصة‪ .‬وأم البنين‪ ،‬وأمها أم) ولد‪.‬‬
‫وأما شقيقة عثمان‪ ،‬فهي آمنة بنت عفان‪ ،‬فقد عملت ماشطة‬
‫في الجاهلية‪ ،‬ثم تزوجت الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة‬
‫المخزومي‪ ،‬وأسرت سرية عبد الله بن جحش الحكم بن كيسان‪،‬‬
‫وفي المدينة أسلم وحسن إسلمه‪ ،‬وأقام عند رسول الله ×‪ ،‬حتى‬
‫قتل يوم بئر معونة شهيدا في بداية السنة الرابعة للهجرة‪ ،‬وبقيت‬
‫آمنة بنت عفان في مكة على شركها حتى يوم الفتح؛ حيث أسلمت‬
‫امرأة‬
‫)‪(5‬‬
‫مع أمها وبقية أخواتها‪ ،‬وبايعت رسول الله × مع هند بنت عتبة‬
‫أبي سفيان على أن ل يشركن بالله شيئا‪ ،‬ول يسرقن ول يزنين‪.‬‬
‫وأما إخوة عثمان من أمه فله ثلثة إخوة وهم‪ :‬الوليد بن عقبة بن‬
‫أبي معيط‪ ،‬قتل أبوه يوم بدر صبرا وهو كافر‪ ،‬وخرج الوليد مع أخيه‬
‫عمارة بعد الحديبية لرد أختهما أم كلثوم التي أسلمت وهاجرت‪،‬‬
‫فأبى رسول الله × ردها‪ ،‬أسلم يوم الفتح‪ .‬ومن إخوة عثمان لمه‬
‫عمارة بن عقبة‪ ،‬تأخر إسلمه‪ ،‬وخالد بن عقبة‪ .‬وأما أخواته من أمه‬
‫فهن‪ :‬أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط‪ ،‬أسلمت بمكة‪ ،‬وهاجرت‬
‫وبايعت رسول الله × وهي أول من هاجر من النساء بعد أن عاد‬
‫رسول الله × إلى المدينة بعد صلح الحديبية‪ .‬ومن أخوات عثمان‬

‫سنن الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات رقم )‪ ،(3385‬حديث صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سير أعلم النبلء )‪ ,(4/253‬تاريخ القضاعي‪ ،‬ص ‪.308‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪.369‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪.346‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪12‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لمه‪ :‬أم حكيم بنت عقبة‪ ،‬وهند بنت عقبة)‪.(1‬‬
‫ثالثـا‪ :‬مكانته في الجاهلية‪:‬‬
‫كان ‪ ‬في أيام الجاهلية من أفضل الناس في قومه؛ فهو‬
‫عريض الجاه ثري‪ ،‬شديد الحياء‪ ،‬عذب الكلمات‪ ،‬فكان قومه يحبونه‬
‫أشد الحب ويوقرونه‪ .‬لم يسجد في الجاهلية لصنم قط ولم يقترف‬
‫ذهب‬ ‫فاحشة قط‪ ،‬فلم يشرب خمرا قبل السلم وكان يقول‪ :‬إنها ت ُ ْ‬
‫العقل والعقل أسمى ما منحه الله للنسان‪ ،‬وعلى النسان أن يسمو‬
‫به‪ ،‬ل أن يصارعه‪ .‬وفي الجاهلية كذلك لم تجذبه أغاني الشباب ول‬
‫حلقات اللهو‪ ،‬ثم إن عثمان كان يتعفف عن أن يرى عورة)‪ .(2‬ويرحم‬
‫الله عثمان ‪ ‬فقد يسر لنا سبيل التعرف عليه؛ حيث قال‪ :‬ما‬
‫تغنيت‪ ،‬ول تمنيت‪ ،‬و ل مسست ذكري بيمني منذ بايعت بها رسول‬
‫شربت خمًرا في جاهلية ول إسلم‪ ،‬ول زنيت في جاهلية‬ ‫الله ×‪ ،‬ول‬
‫ول في إسلم‪ (3).‬وكان ‪ ‬على علم بمعارف العرب في الجاهلية‬
‫ومنها النساب والمثال وأخبار اليام‪ ،‬وساح في الرض فرحل إلى‬
‫الشام والحبشة‪ ،‬وعاشر أقواما غير العرب فعرف من أحوالهم‬
‫وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره‪ (4).‬واهتم بتجارته التي ورثها عن‬
‫والده‪ ،‬ونمت ثرواته‪ ,‬وأصبح يعد من رجالت بني أمية الذين لهم‬
‫مكانة في قريش كلها‪ ،‬فقد كان المجتمع المكي الجاهلي الذي عاش‬
‫فيه عثمان يقدر الرجال حسب أموالهم‪ ،‬ويهاب فيه الرجال حسب‬
‫أولدهم وإخوتهم ثم عشيرتهم وقومهم‪ ،‬فنال عثمان مكانة مرموقة‬
‫في قومه‪ ،‬ومحبة كبيرة‪.‬‬
‫مع فيه من‬ ‫ج ّ‬
‫ومن أطرف ما يروى عن حب الناس لعثمان لما ت َ َ‬
‫صفات الخير أن المرأة العربية في عصره كانت تغني لطفلها أغنية‬
‫تحمل تقدير الناس له وثناءهم عليه‪ ،‬فقد كانت تقول‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫ب قريش لعثمان‬ ‫ح ّ‬ ‫أحبك والرحمن‬
‫رابًعا‪ :‬إسلمه‪:‬‬
‫كان عثمان قد ناهز الرابعة والثلثين من عمره حين دعاه أبو بكر‬
‫الصديق إلى السلم‪ ،‬ولم يعرف عنه تكلؤ أو تلعثم بل كان سباقا‬
‫أجاب على الفور دعوة الصديق‪ ،‬فكان بذلك من السابقين الولين‬
‫كان أول الناس إسلما بعد أبى بكر وعلي‬ ‫حتى قال أبو إسحاق‪:‬‬
‫وزيد بن حارثة عثمان‪ (6).‬فكان بذلك رابع من أسلم من الرجال‪،‬‬
‫ولعل سبقه هذا إلى السلم كان نتيجة لما حدث له عند عودته من‬
‫الشام‪ ،‬وقد قصه ‪ ‬على رسول الله × حين دخل عليه هو وطلحة‬
‫بن عبيد الله‪ ،‬فعرض عليهما السلم وقرأ عليهما القرآن‪ ،‬وأنبأهما‬
‫بحقوق السلم ووعدهما الكرامة من الله فآمنا وصدقا‪ ،‬فقال‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.354‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫موسوعة التاريخ السلمي‪ ،‬أحمد شلبي‪.(1/618) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫حلية الولياء )‪ (61 ،1/60‬الخبر صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫عبقرية عثمان للعقاد‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫موسوعة التاريخ السلمي‪.(1/618) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫السيرة النبوية لبن هشام‪.(289 -1/287) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪13‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عثمان‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قدمت حديثا من الشام‪ ،‬فلما كنا بين معان‬
‫والزرقاء فنحن كالنيام فإذا مناد ٍ)‪(1‬ينادينا‪ :‬أيها النيام هبوا‪ ،‬فإن أحمد قد‬
‫خرج بمكة‪ ،‬فقدمنا فسمعنا بك‪.‬‬
‫ل شك أن هذه الحادثة تترك في نفس صاحبها أثًرا إيجابًيا ل‬
‫يستطيع أن يتخلى عنه‪ ،‬عندما يرى الحقيقة ماثلة بين عينيه‪ ،‬فمن ذا‬
‫الذي يسمع بخروج النبي قبل أن يصل إلى البلد الذي يعيش فيه‪،‬‬
‫حتى إذا نزله ووجد الحداث والحقائق تنطق كلها بصدق ما سمع به‬
‫ثم يتردد في إجابة الدعوة؟ ل يستطيع النسان مهما كان مكابرا إل‬
‫أن يذعن للحق‪ ،‬ومهما أظهر الجفاء فإن ضميره ل يزال يتلجلج في‬
‫صدره حتى يؤمن به أو يموت‪ ،‬فيتخلص من وخز الضمير وتأنيبه‪,‬‬
‫ولم تكن سرعة تلبيته عن طيش أو)‪(2‬حمق‪ ،‬ولكنها كانت عن يقين‬
‫راسخ وتصديق ل يتطرق إليه شك‪ .‬فقد تأمل في هذه الدعوة‬
‫الجديدة بهدوء كعادته في معالجة المور‪ ،‬فوجد أنها دعوة إلى‬
‫الفضيلة‪ ،‬ونبذ الرذيلة‪ ،‬دعوة إلى التوحيد وتحذير من الشرك‪ ،‬دعوة‬
‫إلى العبادة وترهيب من الغفلة‪ ،‬ودعوة إلى الخلق الفاضلة‪،‬‬
‫وترهيب من الخلق السيئة‪ ،‬ثم نظر إلى قومه‪ ،‬فإذا هم يعبدون‬
‫الوثان‪ ،‬ويأكلون الميتة‪ ،‬ويسيئون الجوار‪ ،‬ويستحلون المحارم من‬
‫سفك الدماء وغيرها‪ (3).‬وإذا بالنبي محمد بن عبد الله × صادق أمين‬
‫يعرف عنه كل خير‪ ,‬ول يعرف عنه شر قط‪ ،‬فلم تعهد عليه كذبة ولم‬
‫تحسب عليه خيانة‪ ،‬فإذا هو يدعو إلى عبادة الله وحده ل شريك له‬
‫وإلى‪(4‬صلة الرحم‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬والصلة والصوم‪ ,‬وأل يعبد غير‬
‫الله ‪ ,‬فأسلموا على يد أبي بكر الصديق‪ ،‬ومضى في إيمانه قُد ُ ً‬
‫)‬
‫ما‬
‫قويا هاديا‪ ،‬وديعا صابرا‪ ,‬عظيما راضيا‪ ،‬عفوا كريما‪ ،‬محسنا رحيما‪،‬‬
‫يواسي المؤمنين‪ ،‬ويعين المستضعفين‪ ،‬حتى اشتدت‬ ‫)‪(5‬‬
‫سخّيا باذل‪،‬‬
‫قناة السلم‪.‬‬
‫وفي إسلم عثمان قالت خالته سعدى بنت كريز‪:‬‬
‫وأرشده والله يهدي إلى الحق‬ ‫هدى الله عثمانا بقولي إلى‬
‫الهدى‬
‫وكان برأي ل يصد عن الصدق‬ ‫فتابع بالرأي السديد محمدا‬
‫ج الشمس في‬
‫ماَز َ‬
‫در َ‬
‫فكان كب َ ْ‬ ‫وأنكحه المبعوث بالحق بنته‬
‫الفق‬
‫)‪(6‬‬
‫للخلق‬ ‫فداؤك يا ابن الهاشميين مهجتي‬
‫سا‪ :‬زواجه من رقية بنت رسول الله ×‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫دا‪ ،‬وتوثقت بينه وبينهم‬
‫حا شدي ً‬
‫فرح المسلمون بإسلم عثمان فر ً‬
‫عرى المحبة وأخوة اليمان‪ ،‬وأكرمه الله تعالى بالزواج من بنت‬
‫الطبقات لبن سعد‪.(3/55) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.302‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬مرويات العهد المكي‪ ،‬عادل عبد الغفور‪.(2/805) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫فتنة مقتل عثمان‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد الله الغبان )‪.(1/37‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/210‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪14‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫رسول الله × رقية‪ ،‬وقصة ذلك أن رسول الله × كان قد زوجها من‬
‫لهب‪ ،‬فلما‬ ‫أبيما أ َ‬ ‫أم كلثوم عتيبة بن‬ ‫أختهادا أ َ‬ ‫عتبة بن أبي لهب‪ ،‬وزوج‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ع‬‫َ‬ ‫نى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫غ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫نزلت سورة المسد ‪+‬ت َ ّ ْ َ َ َ ِ‬
‫ي‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫ُ‬
‫مال َ َ‬ ‫ذا َت ٍ ل َه َب ّ ‪ ‬وا َمرأ َ‬
‫‪‬‬
‫ة‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫َ ْ َ ُ َ ّ‬ ‫ت‬ ‫َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫را‬
‫صلى َنا ً‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ب‪َ ‬‬ ‫ما ك َ َ‬
‫س َ‬ ‫و َ‬ ‫مال ُ ُ‬
‫ه َ َ‬ ‫َ‬
‫د" ]المسد‪ .[5 -1 :‬قال لهما‬ ‫س ٍ‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ب‬‫ح‬
‫َ ْ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫جي‬
‫ِ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫‪‬‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب"‬ ‫حط َ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫مال َ َ‬
‫ح ّ‬
‫أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية ‪َ +‬‬
‫فارقا ابنتي محمد‪ ،‬ففارقاهما قبل)‪(1‬أن يدخل بهما كرامة من الله‬
‫تعالى لهما‪ ،‬وهواًنا لبني أبي لهب ‪(2),‬وما كاد عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يسمع بخبر طلق رقية حتى استطار فرحا‪ ،‬وبادر فخطبها من‬
‫رسول الله × فزوجها الرسول الكريم × منه‪ ،‬وزفتها)‪ (3‬أم المؤمنين‬
‫خديجة بنت خويلد‪ ،‬وقد كان عثمان من أبهى قريش طلعة‪ ،‬وكانت‬
‫هي تضاهيه قسامة وصباحة‪ ،‬فكان يقال لها حين زفت إليه‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫رقية‪ ،‬وزوجها عثمان‬ ‫أحسن زوجين رآهما إنسان‬
‫وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي‪ :‬أن رسول الله × دخل‬
‫أحسني إلى‬ ‫على ابنته وهي تغسل رأس عثمان‪ ،‬فقال‪» :‬يا بنية‬
‫)‪(5‬‬
‫خل ُ ً‬
‫قا«‪.‬‬ ‫أبي عبد الله‪ ،‬فإنه أشبه أصحابي بي ُ‬
‫ظنت أم جميل بنت حرب وزوجها أبو لهب أنهما بتسريح رقية‬
‫وأم كلثوم ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬سيصيبان من البيت المحمدي مقتل أو‬
‫سيوهنانه‪ ،‬ولكن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬اختار لرقية وأم كلثوم الخير‪ ،‬وباءت‬
‫خيرا‪ ,‬وكفى الله البيت النبوي‬ ‫أم جميل وأبو لهب بغيظهما لم ينال‬
‫شرهما‪ ،‬وكان أمر الله قدرا مقدورا)‪.(6‬‬
‫سا‪ :‬ابتلؤه وهجرته إلى الحبشة‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫إن سنة البتلء ماضية في الفراد والجماعات والشعوب والمم‬
‫والدول‪ ،‬وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام‪ ،‬وتحملوا من‬
‫البلء ما تنوء به الرواسي الشامخات‪ ،‬وبذلوا أموالهم ودماءهم في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ‪ ،‬ولم يسلم أشراف‬
‫عذب في سبيل الله‬ ‫المسلمين من هذا البتلء‪ ،‬فقد أوذي عثمان و ُ‬
‫تعالى على يد عمه الحكم ابن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه‬
‫رباطا وقال‪ :‬أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله ل أحّلك‬
‫أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬والله ل‬
‫)‪(7‬‬
‫أدعه أبدا ول أفارقه‪ ،‬فلما رأى الحكم صلبته في دينه تركه‪.‬‬
‫واشتد اليذاء بالمسلمين جميعا‪ ،‬و تجاوز الحد حيث قتل ياسر‬
‫وزوجته سمية‪ ،‬والنبي × يتألم أشد اللم‪ ،‬إلى أين يذهب‬
‫المسلمون؟ ثم اهتدى رسول الله × إلى الحبشة حيث قال‬

‫ذو النورين عثمان بن عفان‪ ،‬محمد رشيد رضا‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (4‬زفتها‪ :‬قدمتها إلى زوجها‪.‬‬ ‫كاد يطير من شدة الفرح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫أنساب الشراف‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫رواه الطبراني ورجاله ثقات‪ ،‬قاله الهيثمي‪ ،‬المجمع رقم‪.(14500) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫دماء على قميص عثمان‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم المنتاوي‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪15‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫للمسلمين‪» :‬لو خرجتم إلى الحبشة‪ ،‬فإن بها ملكا صالحا‬
‫ظلم عنده أحد«‪ (1) .‬وبدأت الهجرة والنبي × يتألم‪ ،‬وهو يرى‬ ‫ل يُ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫الفئة المؤمنة تتسلل سّرا خارجة من مكة‪ ،‬ويركبون البحر‪ ،‬وخرج‬
‫يمتطي بعضهم الدواب‪ ،‬والبعض الخر يسير على القدام‪ ،‬وتابعوا‬
‫مروا عليهم عثمان بن‬ ‫السير حتى وصلوا ساحل البحر الحمر‪ ،‬ثم أ ّ‬
‫مظعون‪ ،‬وشاءت عناية الله أن يجدوا سفينتين‪ ،‬فركبوا مقابل نصف‬
‫دينار لكل منهم‪ ،‬وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل‬
‫ولكنهم كانوا قد أبحرت بهم السفينتان‪ (3).‬وكان ممن هاجر إلى أرض‬
‫الحبشة الهجرة الولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما‬
‫امرأته رقية بنت رسول الله ×‪ ،‬وكان وصولهم للحبشة في شهر‬
‫رجب من السنة الخامسة من البعثة‪ ،‬فوجدوا المن والمان وحرية‬
‫العبادة‪ ،‬وقد تحدث القرآن الكريم عن هجرة المسلمين الوائل إلى‬
‫د‬ ‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م َْ‬ ‫ه ِ‬ ‫في الل ِ‬ ‫جُروا َ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫أرض الحبشة‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ُ ْ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ج‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫في ال‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫موا ل َن ُب َ ّ‬
‫وئ َن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ما ظُل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن" ]النحل‪ .[41:‬وقد نقل القرطبي ‪-‬رحمه الله‪ -‬قول‬ ‫مو َ‬ ‫عل ُ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫قتادة رحمه الله‪ :‬المراد أصحاب محمد ×‪ ،‬ظلمهم المشركون بمكة‬
‫وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة‪ ،‬ثم بوأهم الله تعالى دار‬
‫ل َيا‬ ‫ق ْ‬ ‫الهجرة‪ ،‬وجعل لهم أنصارا من المؤمنين‪ (4).‬وقال تعالى‪ُ + :‬‬
‫َ‬
‫ه الدّن َْيا‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫في َ َ‬ ‫سُنوا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ِل ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫عَباِد ال ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫وفى ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ة إ ِن ّ َ‬ ‫ع ٌ‬
‫س َ‬‫وا ِ‬‫ه َ‬ ‫ض الل ِ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ب" ]الزمر‪ .[10 :‬قال ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ :-‬يريد‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬
‫بِ َ‬
‫جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة‪ (5).‬وقد استفاد‬
‫عثمان ‪ ‬من هذه الهجرة وأضاف خبرة ودروسا لنفسه استفاد منها‬
‫في مسيرته الميمونة‪ ،‬ومن أهم هذه الدروس والعبر‪:‬‬
‫أن ثبات المؤمنين على عقيدتهم بعد أن ينزل بهم الشرار‬ ‫‪-1‬‬
‫والضالون أنواع العذاب والضطهاد‪ ،‬دليل على صدق إيمانهم وإخلصهم‬
‫في معتقداتهم‪ ،‬وسمو نفوسهم وأرواحهم‪ ،‬بحيث يرون ما هم عليه من‬
‫راحة الضمير واطمئنان النفس والعقل‪ ،‬وما يأملونه من رضا الله ‪-‬جل‬
‫شأنه‪ -‬أعظم بكثير مما ينال أجسادهم من تعذيب وحرمان واضطهاد؛‬
‫لن السيطرة في المؤمنين الصادقين والدعاة المخلصين تكون دائما‬
‫وأبدا لرواحهم ل لجسادهم‪ ،‬وهم يسرعون إلى تلبية مطلب أرواحهم‬
‫وبهذا‬ ‫من حيث ل يبالون بما تتطلبه أجسامهم من راحة وشبع ولذة‪،‬‬
‫تنتصر الدعوات وبهذا تتحرر الجماهير من الظلمات والجهالت)‪.(6‬‬
‫‪ -2‬وقد تعلم عثمان ‪ ‬من هدي النبي × الشفقة على المة‪،‬‬
‫ما كان في المجتمع‬ ‫وظهرت هذه الشفقة لما تولى الخلفة وقبلها ل َ ّ‬
‫المدني في عهد النبي × وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم‪ ،‬فقد رأى‬
‫بعينه وبصيرة قلبه شفقة النبي × على أصحابه‪ ،‬ورحمته بهم‪،‬‬
‫الهجرة في القرآن الكريم‪ ،‬ص ‪ ،290‬السيرة النبوية لبن هشام‪.(1/413) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫دماء على قميص عثمان‪ ،‬ص ‪ ،15‬الطبقات )‪.(1/204‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات )‪ ،(1/204‬تاريخ الطبري )‪.(2/69‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الجامع لحكام القرآن للقرطبي )‪.(10/107‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(15/240‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫السيرة النبوية للدكتور مصطفى السباعي‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪16‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وحرصه الشديد للبحث عن أمنهم وراحتهم‪ ،‬ولذلك أشار عليهم‬
‫فكان المر كما‬ ‫بالذهاب إلى الملك العادل الذي ل يظلم عنده أحد‪،‬‬
‫قال × فأمنوا في دينهم ونزلوا عنده في خير منزل‪ (1).‬فالرسول ×‬
‫هو الذي وجه النظار إلى الحبشة‪ ،‬وهو الذي اختار المكان المن‬
‫لجماعته ودعوته كي يحميها من البادة‪ ،‬وهذه تربية نبوية لقيادات‬
‫المسلمين في كل عصر أن تخطط بحكمة وبعد نظر لحماية الدعوة‬
‫والدعاة‪ ،‬وتبحث عن الرض المنة التي تكون عاصمة احتياطية‬
‫للدعوة‪ ،‬ومركزا من مراكز انطلقها فيما لو تعرض المركز الرئيسي‬
‫للخطر‪ ،‬أو وقع احتمال اجتياحه‪ ،‬فجنود الدعوة هم الثروة الحقيقية‪،‬‬
‫وهم الذين تنصب الجهود كلها لحفظهم وحمايتهم‪ ،‬دون أن يتم أي‬
‫واحد يعادل ما على الرض من‬ ‫تفريط بأرواحهم وأمنهم‪ ،‬ومسلم‬
‫بشر خارجين عن دين الله وتوحيده)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬وتعلم عثمان ‪‬من هدي النبي ×في هجرة الحبشة أن الخطار‬
‫حمه‪ ،‬أما أن يكون‬‫ل بد أن يتجشمها المقربون إلى القائد وأهله وَر ِ‬
‫إليه البعدون غير ذوي‬ ‫خواص القائد في منأى عن الخطر‪ ،‬ويدفع‬
‫المكانة‪ ،‬فهو منهج بعيد عن نهج النبي ×‪(3).‬ولهذا لما تولى ذو النورين‬
‫الخلفة كان أقرباؤه في مقدمة الجيوش‪ ،‬فهذا عبد الله بن أبي سرح‬
‫في فتوحات أفريقية‪ ،‬وذاك عبد الله بن عامر في فتوحات المشرق‪،‬‬
‫وألزم معاوية أن يركب البحر ومعه زوجته وأن يكون في مقدمة‬
‫الجيوش الغازية‪ ،‬وسيأتي تفصيل ذلك ‪-‬بإذن الله‪ -‬عند حديثنا عن‬
‫الفتوحات‪.‬‬
‫‪ (4-)4‬كان عثمان ‪ ‬أول من هاجر إلى الحبشة بأهله من هذه‬
‫»صحبهما الله‪ ،‬إن عثمان لول من‬ ‫المة ‪ ,‬قال رسول الله ×‪:‬‬
‫هاجر إلى الله بأهله بعد لوط« )‪.(5‬‬
‫ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا‪ ،‬وبلغ ذلك مهاجري الحبشة‬
‫أقبلوا‪ ،‬حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلم‬
‫مكة‪ ،‬وكان فيمن‬ ‫أهل مكة كان باطل‪ ،‬فدخلوا في جوار بعض أهل‬
‫رجع عثمان بن عفان وزوجه رقية رضي الله عنهما‪ (6).‬واستقر‬
‫المقام به حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة‪ ،‬ومنذ اليوم الذي أسلم‬
‫فيه عثمان لزم النبي × حيث كان‪ ،‬ولم يفارقه إل للهجرة بإذنه‪ ،‬أو‬
‫في مهمة من المهام التي يندب لها ول يغني أحد فيها غناءه‪ ،‬شأنه‬
‫في هذه الملزمة شأن الخلفاء الراشدين جميعا‪ ،‬كأنما هي خاصة‬
‫)‪(7‬‬
‫من خواصهم رشحهم لها من رشحهم بعد ذلك للخلفة متعاقبين‪.‬‬
‫لقد كان ذو النورين على صلة وثيقة بالدعوة الكبرى منذ سنتها‬
‫الولى‪ ،‬فلم يفته شيء من أخبار النبوة الخاصة والعامة في حياة‬
‫النبي × ولم يفته شيء بعدها من أخبار الخلفة في حياة الشيخين‪،‬‬
‫ولم يفته بعبارة أخرى شيء مما نسميه اليوم بأعمال التأسيس في‬

‫)( الهجرة في القرآن الكريم‪ ،‬ص ‪.312‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪،‬‬ ‫)( التربية القيادية‪ ،‬منير الغضبان )‪.(1/333‬‬ ‫‪2‬‬

‫السيرة النبوية للصلبي‪.(1/348) ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (4‬المعرفة والتاريخ )‪ (3/268‬ضعيف‬ ‫)( الصواعق المرسلة )‪.(1/314‬‬ ‫‪4‬‬

‫السناد‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( السيرة النبوية لبن هشام )‪ (6) .(1/402‬عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫‪17‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الدولة السلمية)‪.(8‬‬
‫***‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪18‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حياة عثمان ‪ ‬مع القرآن الكريم‬
‫كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عثمان بن عفان وكل‬
‫الصحابة الكرام هو القرآن الكريم‪ ،‬المنزل من عند رب العالمين‪،‬‬
‫فهو المصدر الوحيد للتلقي‪ ،‬فقد حرص الحبيب المصطفى على‬
‫توحيد مصدر التلقي وتفرده‪ ،‬وأن يكون القرآن الكريم وحده هو‬
‫المنهج الذي يتربى عليه الفرد المسلم والسرة المسلمة والجماعة‬
‫المسلمة‪ ،‬فكانت اليات الكريمة التي سمعها عثمان ‪ ‬من رسول‬
‫الله × مباشرة لها أثرها في صياغة شخصية ذي النورين السلمية؛‬
‫فتحول إلى‬ ‫)‪(1‬‬
‫فقد طهرت قلبه‪ ،‬وزكت نفسه‪ ،‬وتفاعلت معها روحه؛‬
‫إنسان جديد بقيمه ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته‪.‬‬
‫وقد تعلق عثمان ‪ ‬بالقرآن الكريم‪ ،‬وحدثنا أبو عبد الرحمن‬
‫السلمي كيف تعلمه من رسول الله ×‪ ،‬وله أقوال تدل على حبه‬
‫الشديد للعيش مع كتاب الله تعالى؛ فعن أبي عبد الرحمن السلمي‬
‫قال‪ :‬حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ‪-‬كعثمان بن عفان‪ ،‬وعبد الله‬
‫بن مسعود وغيرهما‪ -‬أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي × عشر آيات‬
‫لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل‪ ،‬قالوا‪ :‬فتعلمنا‬
‫يبقون مدة في حفظ‬ ‫َ‬ ‫والعلم والعمل جميعا‪ ،‬ولهذا كانوا‬ ‫القرآن‬
‫ك‬‫مَباَر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ز‬
‫َِ ٌ ْ َ َ ُ ِ ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫‪+‬‬ ‫قال‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫أن‬ ‫وذلك‬ ‫‪,‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫السورة‬
‫ُ‬
‫ب" ]ص‪ [29 :‬وقد روى عثمان‬ ‫ول ِي َت َذَك َّر أوُلو الل َْبا ِ‬ ‫ل ّي َدّب ُّروا آَيات ِ ِ‬
‫ه َ‬
‫رسول الله × قوله‪» :‬خيركم من تعلم القرآن‬ ‫‪ ‬عن‬
‫وعلمه«‪ (3) .‬وقد عرض القرآن الكريم كامل على رسول الله ×‬
‫قبل وفاته‪ .‬ومن أشهر تلميذ عثمان في تعلم القرآن الكريم أبو عبد‬
‫الرحمن السلمي‪ ،‬والمغيرة بن أبي شهاب وأبو السود‪ ،‬وزر بن‬
‫حبيش‪ (4).‬وقد حفظ لنا التاريخ بعض أقوال عثمان ‪ ‬في القرآن‬
‫الكريم‪(5‬حيث قال‪ :‬لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلم الله عز‬ ‫)‬
‫ي يوم ل أنظر فيه إلى عهد‬ ‫وجل‪ (.‬وقال‪ :‬إني لكره أن يأتي عل ّ‬
‫ي)‪(7‬من الدنيا ثلث‪ :‬إشباع‬ ‫حبب إل ّ‬ ‫الله)‪) 6‬يعني المصحف(‪ .‬وقال‪ُ :‬‬
‫الجيعان‪ ،‬وكسوة العريان‪ ،‬وتلوة القرآن‪ .‬وقال‪ :‬أربعة ظاهرهن‬
‫فضيلة وباطنهن فريضة‪ :‬مخالطة الصالحين فضيلة والقتداء بهم‬
‫فريضة‪ ،‬وتلوة القرآن فضيلة والعمل به فريضة‪ ،‬وزيارة القبور‬
‫للموت فريضة‪ ،‬وعيادة المريض فضيلة واتخاذ‬ ‫فضيلة والستعداد‬
‫سأل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫عالم‬ ‫عشرة‪:‬‬ ‫الشياء‬ ‫أضيع‬ ‫‪:‬‬‫‪‬‬ ‫وقال‬ ‫)‪(8‬‬
‫فريضة‪.‬‬ ‫الوصية منه‬
‫عنه‪ ،‬وعلم ل يعمل به‪ ،‬ورأي صواب ل يقبل‪ ،‬وسلح ل يستعمل‪،‬‬
‫ومسجد ل يصلى فيه‪ ،‬ومصحف ل يقرأ فيه‪ ،‬ومال ل ينفق منه‪ ،‬وخيل‬
‫ل ت ُْركب‪ ،‬وعلم الزهد في بطن من يريد الدنيا‪ ،‬وعمر طويل ل يتزود‬
‫)‪ (2‬الفتاوى )‪.(13/177‬‬ ‫)( السيرة النبوية للصلبي )‪.(1/145‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬فضائل القرآن‪ ،‬رقم‪(5027) :‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ السلم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين للذهبي‪ ،‬ص ‪.467‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الفتاوى )‪ ،(11/122‬البداية والنهاية )‪.(7/225‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪ ،(7/225‬فرائد الكلم‪ ،‬ص ‪.275‬‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪،90‬‬ ‫)( إرشاد العباد للستعداد ليوم المعاد‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫‪7‬‬

‫فرائد الكلم‪ ،‬ص ‪.278‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪19‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫صاحبه فيه لسفره‪ (1).‬وكان ‪ ‬حافظا لكتاب الله‪ ،‬وكان حجره ل‬
‫)‪(3‬‬
‫يفارق المصحف‪ ،‬فقيل له في ذلك فقال‪ :‬إنه مبارك جاء به‬ ‫يكاد‬
‫مبارك‪ (2).‬وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم‬
‫الدار‪ :‬اقتلوه أو دعوه‪ ،‬فوالله‬ ‫النظر فيه‪ .‬وقالت امرأة عثمان يوم‬
‫ركعة()‪ ,(4‬وقد ذكر عنه أنه قرأ‬ ‫لقد كان يحيي الليل بالقرآن في‬
‫ليلة في ركعة لم يصل غيرها)‪ , 5‬وقد تحقق فيه قول الله‬ ‫القرآن ‪+‬أ َ‬
‫ما‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫دا‬ ‫ً‬ ‫ج‬‫ِ َ ِ‬ ‫سا‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫تعالى‪ْ ّ َ :‬‬
‫م‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وي‬ ‫َ‬
‫ّ ُ ُ ْ ِ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ر‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫خَر ّ َ ْ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫حذَُر ال ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ب" ]الزمر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لو‬ ‫أو‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مو‬ ‫ع ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫يَ ْ‬
‫‪.[9‬‬
‫بالمنهج القرآني وتتلمذ على يدي رسول الله‬ ‫لقد تشرب عثمان ‪‬‬
‫وعرف من خلل القرآن الكريم من هو الله الذي يجب أن يعبده‪،‬‬ ‫×‬
‫يغرس في نفسه معاني تلك اليات العظيمة‪ ،‬فقد حرص‬ ‫وكان النبي ×‬
‫× يربي أصحابه على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم‪،‬‬ ‫أن‬
‫مدركا أن هذا التصور سيورث التصديق واليقين عندما تصفى النفوس‬
‫وتستقيم الفطرة‪ ،‬فأصبحت نظرة ذي النورين إلى الله عز وجل‪،‬‬
‫والكون والحياة والجنة والنار‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وحقيقة النسان‪،‬‬
‫وصراعه مع الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدي النبي ×‪.‬‬
‫فالله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬منزه عن النقائص‪ ،‬موصوف بالكمالت‬
‫التي ل تتناهى‪ ،‬فهو سبحانه )واحد ل شريك له‪ ،‬ولم يتخذ صاحبة ول‬
‫سبحانه حدد مضمون هذه العبودية وهذا التوحيد في‬ ‫)‪(6‬‬
‫ولدا(‪ .‬وأنه‬
‫استمدها من قول الله‬ ‫خل َق ال َ‬ ‫فقد‬ ‫للكون‬ ‫نظرته‬ ‫وأما‬ ‫الكريم‪،‬‬
‫ل أَ‬ ‫القرآن‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫‪+‬‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫ْ َ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ َِ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫وا‬‫ة َأ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫في أ َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬
‫فيها أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫دا‬ ‫ً‬ ‫دا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ع‬ ‫ج َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫وى‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫سا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫تا أ َت َ َي َْنا َ‬ ‫عا ِأ َ‬ ‫‪‬‬
‫ن ‪‬‬ ‫عي َ‬ ‫طائ ِ ِ‬ ‫قال َ‬ ‫ها َ‬
‫َ‬ ‫و ك َْر ً‬ ‫ْ‬ ‫و ً‬ ‫ْ‬ ‫ض ائ ْت َِيا ط‬ ‫ِ‬ ‫ول ِل َْر‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ما ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫في ك ُ ّ‬ ‫حى ِ‬ ‫و َ‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ضا‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ديُر‬ ‫ْ‬
‫حفظا ذَل ِك ت َق ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ح َ‬ ‫صاِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ماءَ الدّن َْيا ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫وَزي ّّنا ال ّ‬ ‫ها َْ‬ ‫مَر َ‬ ‫أ ْْ‬
‫عِليم ِ" ]فصلت‪ .[12 -9 :‬وأما هذه الحياة مهما طالت فهي‬ ‫ز ال َ‬ ‫زي ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ال َ‬
‫ما‬ ‫تعالى‪+ :‬إ ِن ّ َ‬ ‫إلى زوال وأن متاعها مهما َعظم فإنه قليل حقير‪ ،‬قال‬
‫ت‬
‫ه ن ََبا ُ‬ ‫ط َ بِ ِ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ء أن َْزل َْناهُ ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ة ال ْدّن َْيا ك َ َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ا َل َ‬
‫ت ا َلْر ُ‬ ‫خذ ِ‬ ‫حّتى إ ِذا أ َ‬ ‫م َ‬ ‫عا ُ‬ ‫والن ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ض‬
‫َ ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ها‬ ‫ها أَتا َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قاِد َُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ها أن ّ ُ‬ ‫هل ُ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫وظَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وا َّزي ّن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫ف َ‬ ‫خر‬ ‫َُز ْ‬
‫س‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫بال‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫دا ك َأن ل ّ‬ ‫ً‬ ‫صي‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫عل ْ‬ ‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫مُر َُنا ل َ‬ ‫أ ْ‬
‫ِ‬
‫ن" ]يونس‪.[24 :‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫وم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل ال ََيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫ك َذَل ِ َ‬
‫وأما نظرته إلى الجنة‪ ،‬فقد استمدها من خلل اليات الكريمة‪،‬‬
‫عا في حياته عن أي انحراف عن شريعة الله‪،‬‬ ‫فأصبح هذا التصور راد ً‬
‫إرشاد العباد‪ ،‬ص ‪ ،91‬فرائد الكلم‪ ،‬ص ‪.278‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البيان والتبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،(3/177) ،‬فرائد الكلم‪ ،‬ص ‪.273‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫يديم‪ :‬يطيل‪ ،‬البداية والنهاية )‪.(7/225‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/225‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الخلفة الراشدة والدولة الموية‪ ،‬ص ‪.397‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫منهج الرسول في غرس الروح الجهادية‪ ،‬ص ‪.16 -10‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪20‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فيرى المتتبع لسيرة ذي النورين عمق استيعابه لفقه القدوم على‬
‫الله عز وجل‪ ،‬وشدة خوفه من عذاب الله وعقابه‪ ،‬وسنرى ذلك في‬
‫صفحات هذا البحث بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫وأما مفهوم القضاء والقدر فقد استمده من كتاب الله وتعليم‬
‫رسول الله × له‪ ،‬فقد رسخ مفهوم القضاء والقدر في قلبه‪،‬‬
‫واستوعب مراتبه في كتاب الله تعالى‪ ،‬فكان ْعلى يقين بأن علم‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ما ت َت ُْلو ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ش ُأ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫الله محيط بكل ُشيء‪َ + :‬‬
‫دا إ ِذْ‬ ‫هو ً‬ ‫مش ُ‬ ‫ُ‬ ‫علي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ل إ ِل كّنا َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ٍ‬ ‫ُ‬
‫في‬ ‫ة ِ‬ ‫ل ذّر ٍ‬ ‫َ‬ ‫مثقا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫من ّ‬ ‫َ‬
‫عن َ ّرب ّك ِ‬ ‫ب َ‬ ‫عُز ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬
‫ول َ أ َك ْب ََر إ ِل ّ ِ‬ ‫من ذَل ِ َ‬ ‫تُ ِ َ‬
‫في‬ ‫ك َ‬ ‫غَر ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ول َ أ ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ول َ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن" ]يونس‪.[61 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫حِيي‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح َُ‬ ‫وأن الله تعالى قد كتب كل شيء كائن‪+ :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫في‬
‫َ‬
‫صي َْناهُ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫ءأ ْ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وآَثاَر ُ‬ ‫موا َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫ون َك ْت ُ ُ‬ ‫وَتى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬
‫ول ْ‬ ‫نافذة وقدرته ّتامة‪+ :‬أ َ‬ ‫]يس‪ .[12 :‬وأن مشيئة الله‬ ‫في ال َ‬ ‫ن"‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫مام ٍ ّ‬ ‫إِ َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫فَينظُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫سي‬ ‫ِ‬ ‫يَ‬
‫من‬ ‫جَزهُ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه ل ِي ُ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و ََ‬ ‫َ‬ ‫وة ً‬‫ّ‬ ‫ق‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫كاُنوا أ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ديًرا"‬ ‫ق ِ‬‫ما َ‬ ‫ً‬ ‫عِلي‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ض إ ِن ّ‬ ‫ِ‬ ‫في الْر‬ ‫ول َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫س‬‫في ال ّ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل ّ‬‫م ل َ إ ِل َ َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫]فاطر‪ .[44 :‬وأن الله خالق لكل شيء ‪+‬ذَل ِ َك ُ ُ‬
‫ل"‬ ‫كي ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫على ك ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫دوهُ َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫فا ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫]النعام‪.[102 :‬‬
‫وقد ترتب على الفهم الصحيح والعتقاد الراسخ في قلبه لحقيقة‬
‫القضاء والقدر ثمار نافعة ومفيدة‪ ،‬ظهرت في حياته‪ ،‬وسنراها ‪-‬بإذن‬
‫الله تعالى‪ -‬في هذا الكتاب‪ .‬وعرف من خلل القرآن الكريم حقيقة‬
‫نفسه وبني النسان‪ ,‬وأن حقيقة خلقه ترجع إلى أصلين‪ :‬الصل‬
‫الروح‪،‬‬‫ذي أ َ‬ ‫البعيد وهو الخلقة الولى من طين‪ ،‬حين سواه ونفخ فيه‬
‫ن‬
‫ْ َ َ‬‫س‬ ‫ح‬ ‫خلقه من نطفة‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬ال ّ ِ‬ ‫وبدأ َ‬ ‫والصل القريب وهو‬
‫ل‬ ‫ع َ‬ ‫ج‬
‫ّ َ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫طي‬‫ِ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ َ ِ‬‫سا‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ه َ َ َ‬ ‫قَُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ون َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫في ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه‬
‫ّ ََ ّ ُ َ‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬‫ّ ِ َ ٍ‬ ‫هي‬ ‫م‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫نَ ْ ُ‬
‫ل‬‫س‬
‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ َ َ‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬‫ّ ْ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ّرو ِ‬
‫ن" ]السجدة‪.[9 -7 :‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫وعرف أن هذا النسان خلقه الله بيده وأكرمه بالصورة الحسنة‬
‫والقامة المعتدلة‪ ،‬ومنحه العقل والنطق والتمييز‪ ،‬وسخر له ما في‬
‫السموات والرض وفضله على كثير من خلقه‪ ،‬وكرمه بإرسال‬
‫الرسل له‪ .‬وإن من أروع مظاهر تكريم المولى ‪-‬عز وجل‪ -‬للنسان‬
‫أن جعله أهل لحبه ورضاه‪ ،‬ويكون ذلك باتباع النبي × الذي دعا‬
‫بالنعيم‬
‫ويظفرواك َر أ َ‬ ‫الناس إلى السلم لكي يحيوا حياة طيبة في الدنيا‬
‫و‬
‫َ ٍ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫من‬ ‫صال ِ ً ّ‬
‫حا‬ ‫ل ََ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى‪َ + :‬‬ ‫ُالمقيم في الخرة‪،‬‬
‫هم‬ ‫جَر ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ّ َ َ ْ ِ َ ُ ْ ْ‬‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ْ ِ َ ُ َ َ‬‫ن‬ ‫ي‬‫ي‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬
‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫أن ْ ََثى َ‬
‫ن" ]النحل‪.[97 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫َ ْ َ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫س ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫وعرف عثمان ‪ ‬من خلل القرآن الكريم حقيقة الصراع بين‬
‫النسان والشيطان‪ ،‬وأن هذا العدو يأتي للنسان من بين يديه ومن‬
‫خلفه وعن يمينه وعن شماله يوسوس له بالمعصية ويستثير فيه‬
‫كوامن الشهوات‪ ،‬فكان مستعينا بالله على عدوه إبليس وانتصر عليه‬
‫‪21‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫في حياته‪ ،‬وتعلم من قصة آدم مع الشيطان في القرآن الكريم أن‬
‫آدم هو أصل البشر‪ ،‬وجوهر السلم الطاعة المطلقة لله‪ ،‬وأن‬
‫النسان له قابلية للوقوع في الخطيئة‪ ,‬وتعلم من خطيئة آدم ضرورة‬
‫توكل المسلم على ربه وأهمية التوبة والستغفار في حياة المؤمن‪،‬‬
‫وضرورة الحتراز من الحسد والكبر‪ ،‬وأهمية التخاطب بأحسن الكلم‬
‫ي‬
‫ه َ‬‫قوُلوا ال ِّتي ِ‬ ‫عَباِدي ي َ ُ‬ ‫قل ل ّ ِ‬ ‫و ُ‬
‫َمع الصحابة؛ لقول َالله تعالى‪َ + :‬‬
‫ن‬ ‫سا‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ن َينَز ُ‬
‫غ ب َي ْن َ ُ ْ ِ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن ال ّ‬
‫شي ْطا َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫نا" ]السراء‪.[53 :‬‬
‫مِبي ً‬‫ع ّ ّ‬
‫وا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫لقد أكرم المولى ‪-‬عز وجل‪ -‬عثمان بن عفان ‪ ‬بالسلم‪ ،‬فعاش‬
‫به وجاهد به من أجل نشره‪ ،‬واستمد أصوله وفروعه من كتاب الله‬
‫وهدي النبي ×‪ ،‬وأصبح من أئمة الهدى الذين يرسمون للناس خط‬
‫سيرهم ويتأسى الناس بأقوالهم وأفعالهم في هذه الحياة‪(1)،‬ول ننسى‬
‫أن عثمان بن عفان كان من ك ُّتاب الوحي لرسول الله × ‪.‬‬
‫***‬

‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪ ،22‬التبيين في أنساب القرشيين‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫ملزمته للنبي × في المدينة‬
‫إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان ‪ ‬وصقل مواهبه‬
‫وفجر طاقته‪ ،‬وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله × وتتلمذه على‬
‫يديه في مدرسة النبوة‪ ،‬ذلك أن عثمان ‪ ‬لزم الرسول × في مكة‬
‫بعد إسلمه كما لزمه في المدينة بعد هجرته؛ فقد نظم عثمان‬
‫نفسه‪ ,‬وحرص على التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروع‬
‫شتى من المعارف والعلوم على يدي معلم البشرية وهاديها الذي‬
‫أدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬فحرص على تعلم القرآن الكريم والسنة‬
‫المطهرة من سيد الخلق أجمعين‪.‬‬
‫وهذا عثمان يحدثنا عن ملزمته لرسول الله × فيقول‪ :‬إن الله‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب‪ ،‬فكنت ممن‬
‫وآمن‪ ،‬فهاجرت الهجرتين الوليين‪ ،‬ونلت صهر‬ ‫استجاب لله ولرسوله‬
‫رسول الله‪ ،‬ورأيت هديه‪ (1).‬لقد تربى عثمان ‪ ‬على المنهج‬
‫القرآني‪ ،‬وكان المربي له رسول الله ×‪ ،‬وكانت نقطة البدء في‬
‫تربية عثمان هي لقاءه برسول الله ×‪ ،‬فحدث له تحول غريب‬
‫واهتداء مفاجئ بمجرد اتصاله بالنبي ×‪ ،‬فخرج من دائرة الظلم إلى‬
‫دائرة النور‪ ،‬واكتسب اليمان وطرح الكفر‪ ،‬وقوى على تحمل‬
‫الشدائد والمصائب في سبيل السلم وعقيدته السمحة‪ .‬كانت‬
‫شخصية رسول الله × تملك قوى الجذب والتأثير على الخرين‪ ،‬فقد‬
‫صنعه الله على عينه‪ ،‬وجعله أكمل صورة لبشر في تاريخ الرض‪،‬‬
‫والعظمة دائما تحب وتحاط من الناس بالعجاب‪ ،‬ويلتف حولها‬
‫المعجبون ويلتصقون بها التصاقا بدافع العجاب والحب‪ ،‬ولكن‬
‫رسول الله × يضيف إلى عظمته تلك أنه رسول الله × متلقي‬
‫الوحي من الله‪ ،‬ومبلغه إلى الناس‪ ،‬وذلك ب ُْعد آخر له أثره في‬
‫تكييف مشاعر ذلك المؤمن تجاهه‪ ،‬فهو ل يحبه لذاته فقط كما يحب‬
‫العظماء من الناس‪ ،‬ولكن أيضا لتلك النفخة الربانية التي تشمله من‬
‫عند الله‪ ،‬فهو معه في حضرة الوحي اللهي المكرم‪ ،‬ومن ثم يلتقي‬
‫في شخص الرسول × البشر العظيم والرسول العظيم‪ ،‬ثم يصبحان‬
‫شيئا واحدا في النهاية‪ ،‬غير متميز البداية ول النهاية‪ ،‬حب عميق‬
‫شامل للرسول البشر أو للبشر الرسول‪ ،‬ويرتبط حب الله بحب‬
‫رسوله ×‪ ,‬ويمتزجان في نفسه فيصبحان في مشاعره هما نقطة‬
‫ارتكاز المشاعر كلها‪ ،‬ومحور الحركة الشعورية والسلوكية كلها‬
‫كذلك‪.‬‬
‫مفتاح‬ ‫كان هذا الحب الذي حرك الرعيل الول من الصحابة هو‬
‫التربية السلمية ونقطة ارتكازها ومنطقها الذي تنطلق منه‪ (2).‬لقد‬
‫حصل لعثمان ‪‬وللصحابة ببركة صحبتهم لرسول الله × وتربيتهم على‬
‫يديه أحوال إيمانية عالية‪ ،‬ولقد تتلمذ عثمان ‪‬على يدي رسول الله‪،‬‬
‫فتعلم منه القرآن الكريم والسنة َالنبوية‪ ،‬وأحكام التلوة وتزكية‬
‫ة‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬
‫م ٍ‬ ‫عال َ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب تَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫النفوس‪ ،‬قال تعالى‪ُ + :‬‬
‫ق ْ‬
‫ل َيا أ ْ‬
‫)( فضائل الصحابة لبي عبد الله أحمد بن حنبل )‪ ،(1/597‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( منهج التربية السلمية‪ ،‬لمحمد قطب‪ ،‬ص ‪.35 ،34‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪23‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ول َ‬ ‫ر َ‬ ‫ول َ ن ُ ْ‬ ‫عب ُدَ إ ِل ّ الل‬ ‫ء بين ََنا وبين َك ُ َ‬
‫شي ًْئا ُ َ‬ ‫ه َ‬‫ك بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫م َ أل ّ ن َ ْ‬‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫وا ٍ َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫قولوا‬ ‫ف ُ‬‫وا َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫إن‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫دو‬
‫ُ ِ‬ ‫من‬ ‫با‬
‫ْ َ ً ّ‬ ‫با‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ضا‬
‫خ َ ْ ُ ََ َ ْ ً‬
‫ع‬ ‫ب‬ ‫نا‬‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[64 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫دوا ب ِأّنا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ا ْ‬
‫وحرص على التبحر في الهدي النبوي الكريم خلل ملزمته‬
‫سْلمه‪ ،‬وقد أمدته تلك المعايشة بخبرة‬ ‫رسول الله × في غزواته و ِ‬
‫ودربة ودراية بشئون الحرب ومعرفة بطبائع النفوس وغرائزها‪ ،‬وفي‬
‫الصفحات القادمة سنبين ‪-‬بإذن الله تعالى‪ -‬مواقفه في الميادين‬
‫الجهادية والسياسية والجتماعية والقتصادية مع رسول الله × في‬
‫العهد المدني‪.‬‬
‫ل‪ :‬عثمان ‪ ‬في ميادين الجهاد مع رسول الله ×‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫شرع رسول الله × بعد استقراره بالمدينة في تثبيت دعائم‬
‫الدولة السلمية‪ ،‬فآخى بين المهاجرين والنصار‪ ،‬فكل مهاجري يتخذ‬
‫من‪(1‬النصار‪ ،‬فكان نصيب عثمان بن عفان في المؤاخاة أوس‬ ‫خا له‬ ‫أ ً‬
‫بن ثابت‪ )،‬ثم أقام النبي × المسجد‪ ،‬وأبرم المعاهدة مع اليهود‪،‬‬
‫وبدأت حركة السرايا‪ ،‬واهتم بالبناء القتصادي والتعليمي والتربوي‬
‫في المجتمع الجديد‪ .‬وكان عثمان ‪ ‬من أعمدة الدولة السلمية‪،‬‬
‫فلم)‪(2‬يبخل بمشورة أو مال أو رأي‪ ،‬وشهد المشاهد كلها إل غزوة‬
‫بدر ‪.‬‬
‫‪ -1‬عثمان وغزوة بدر‪:‬‬
‫لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت زوجة عثمان السيدة رقية‬
‫بنت رسول الله × مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي دعا فيه رسول الله × للخروج لملقاة القافلة‪ ،‬وسارع‬
‫عثمان ‪ ‬للخروج مع رسول الله ×‪ ،‬إل انه تلقى أمًرا بالبقاء إلى‬
‫جانب رقية ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬لتمريضها‪ ،‬وامتثل لهذا المر بنفس‬
‫راضية وبقي إلى جوار زوجته الصابرة الطاهرة رقية ابنة رسول الله‬
‫× إذ اشتد بها المرض‪ ،‬وطاف بها شبح الموت‪ ،‬كانت رقية ‪-‬رضي‬
‫الله عنها‪ -‬تجود بأنفاسها وهي تتلهف لرؤية أبيها الذي خرج إلى بدر‪،‬‬
‫ورؤية أختها زينب في مكة‪ ،‬وجعل عثمان ‪ ‬يرنو إليها من خلل‬
‫دموعه‪ ،‬والحزن يعتصر قلبه)‪ ,(3‬ودعت نبض الحياة وهي تشهد أن ل‬
‫إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬ولحقت بالرفيق العلى‪ ،‬ولم تَر‬
‫أباها رسول الله ×؛ حيث كان ببدر مع أصحابه الكرام‪ ،‬يعلون كلمة‬
‫الله‪ ،‬فلم يشهد دفنها ×‪ ,‬وجهزت رقية ثم حمل جثمانها الطاهر على‬
‫العناق‪ ،‬وقد سار خلفه زوجها وهو حزين‪ ،‬حتى إذا بلغت الجنازة‬
‫البقيع‪ ،‬دفنت رقية هناك‪ ،‬وقد انهمرت دموع المشيعين‪ ،‬وسوى‬
‫التراب على قبر رقية بنت رسول الله ×‪ .‬وفيما هم عائدون إذ بزيد‬
‫ابن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله × يبشر بسلمة رسول الله‬
‫× وقتل المشركين وأسر أبطالهم‪ ،‬وتلقى المسلمون في المدينة‬
‫هذه النباء بوجوه مستبشرة بنصر الله لعباده المؤمنين‪ ،‬وكان من‬
‫بين المستبشرين وجه عثمان الذي لم يستطع أن يخفي آلمه لفقده‬
‫)( المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون‪ ،‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( نساء أهل البيت‪ ،‬أحمد خليل جمعة‪ ،‬ص ‪.504 -491‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫رقية رضي الله عنها‪ .‬وبعد عودة الرسول × علم بوفاة رقية ‪-‬رضي‬
‫عنها‪(1-‬فخرج إلى البقيع ووقف على قبر ابنته يدعو لها‬ ‫الله‬
‫بالغفران) ‪.‬‬
‫لم يكن عثمان بن عفان ‪‬ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه أو‬
‫هروب ينشده كما يزعم أصحاب الهواء ممن طعن عليه بتغيبه عن بدر‪،‬‬
‫فهو لم يقصد مخالفة الرسول ؛×لن الفضل الذي حازه أهل بدر في‬
‫شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته‪ ،‬وعثمان ‪‬خرج فيمن خرج مع‬
‫جل ّ فرض لطاعته‬‫ده ×للقيام على ابنته‪ ،‬فكان في أ َ‬ ‫رسول الله فر ّ‬
‫فشاركهم في الغنيمة‬ ‫وأجره‬ ‫بسهمه‬ ‫له‬ ‫ضرب‬ ‫وقد‬ ‫وتخليفه‪،‬‬ ‫لرسول الله‬
‫والفضل والجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما‪(2).‬فعن عثمان بن‬
‫عبد الله بن موهب قال‪ :‬جاء رجل من مصر حج البيت فقال‪ :‬يا ابن عمر‬
‫إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت‪ ،‬هل تعلم‬
‫أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن أما تغيبه عن‬
‫فمرضت‪ ،‬فقال له رسول الله ×‪:‬‬ ‫بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله‬
‫»لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه«‪(3).‬وعن أبي وائل‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫أنه قال‪ :‬أما يوم بدر فقد تخلفت على بنت رسول الله ×‪ ،‬وقد‬ ‫عفان ‪‬‬
‫وقال( زائدة في حديثه‪ :‬ومن ضرب‬ ‫بسهم‪.‬‬ ‫فيها‬ ‫لي‬
‫×‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫ضرب‬
‫عد عثمان ‪ ‬من البدريين‬ ‫رسول( الله ×فيها بسهم فقد شهد‪ 4).‬وقد ُ‬ ‫له‬
‫بالتفاق)‪. 5‬‬
‫‪ -2‬عثمان وغزوة أحد‪:‬‬
‫في غزوة أحد منح الله ‪-‬عز وجل‪ -‬النصر للمسلمين في أول‬
‫المعركة‪ ،‬وأخذت سيوف المسلمين تعمل عملها في رقاب‬
‫المشركين‪ ،‬وكانت الهزيمة ل شك فيها‪ ،‬وقتل أصحاب لواء‬
‫المشركين واحدا واحدا‪ ،‬ولم يقدر أحد أن يدنو من اللواء‪ ،‬وانهزم‬
‫المشركون‪ ،‬وولولت النسوة بعد أن كن يغنين بحماس ويضربن‬
‫بالدفوف‪ ،‬فألقين بالدفوف وانصرفن مذعورات إلى الجبل كاشفات‬
‫سيقانهن‪ ،‬ولكن مال ميزان المعركة فجأة‪ ،‬وكان سبب ذلك أن‬
‫الرماة الذين أوكل إليهم النبي × مكانا على سفح الجبل ل يغادرونه‬
‫مهما كانت نتيجة المعركة قد تخلوا إل قليل عن أماكنهم‪ ،‬ونزلوا إلى‬
‫الساحة يطلبون الغنائم لما نظروا المسلمين يجمعونها‪ ،‬وانتهز خالد‬
‫بن الوليد قائد سلح الفرسان القرشي فرصة خلو الجبل من الرماة‪،‬‬
‫وقلة من به منهم فكّر بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل‪ ،‬فقتلوا‬
‫بقية الرماة ومعهم أميرهم عبد الله بن جبير ‪ ‬الذي ثبت هو‬
‫وطائفة قليلة معه‪ ,‬وفي غفلة المسلمين‪ ،‬وأثناء انشغالهم بالغنائم‬
‫أطبق خالد ومن معه عليهم‪ ،‬فأعملوا فيهم القتل‪ ،‬فاضطرب أمر‬
‫المسلمين اضطرابا شديدا‪ ،‬وانهزمت طائفة من المسلمين إلى‬
‫قرب المدينة منهم عثمان بن عفان ولم يرجعوا حتى انفض القتال‪،‬‬
‫وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي × قد قتل‪ ،‬وفرقة ثبتت مع‬

‫دماء على قميص عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب المامة والرد على الرافضة‪ ،‬للصبهاني‪ ،‬ص ‪.302‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري‪ ،‬رقم‪.(3698) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المامة والرد على الرافضة‪ ،‬ص ‪.304‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪25‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫النبي ×‪ ،‬أما الفرقة التي انهزمت وفرت فلقد أنزل الله فيها قرآنا‬
‫م‬
‫و َ‬‫م يَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫يتلى إلى يوم القيامة‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫سُبوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ض‬ ‫ع‬
‫ُ ِ َ ْ ِ َ‬‫ب‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫طا‬ ‫ّ‬
‫م ال ْ‬
‫ي‬‫ش‬ ‫ه ُ‬ ‫ست ََزل ّ ُ‬‫ما ا ْ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫عا ِ‬‫م َ‬ ‫قى ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫ال ْت َ َ‬
‫م" ]آل عمران‪ [155 :‬غير‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫ٌ َ‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ُ ْ ِ ّ‬‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ق ْ‬
‫د‬ ‫ول َ َ‬‫َ‬
‫أن أصحاب الهواء ل يرون إل ما تهوى أنفسهم‪ ،‬فلم يروا من‬
‫المتراجعين إل عثمان ‪ ،‬فكانوا يتهمونه دون سائر)‪(1‬المتراجعين من‬
‫الصحابة‪ ،‬وهل يبقى وحده؟ ولو فعل لخاطر بنفسه ‪ ,‬وبعد أن عفا‬
‫ي‪ ،‬ل لبس فيه ول غموض‪ ،‬فل‬ ‫الله عن المتراجعين فالحكم واضح جل ّ‬
‫مؤاخذة بعد ذلك على عثمان بن عفان)‪ , (2‬فيكفي أن الله عفا عنه‬
‫بنص القرآن الكريم‪ ،‬وحياته الجهادية بمجموعها تشهد له على‬
‫شجاعته‪.‬‬
‫‪ -3‬في غزوة غطفان )ذي إمر(‪:‬‬
‫ندب رسول الله × المسلمين وخرج في أربعمائة رجل ومعهم‬
‫بعض الجياد‪ ،‬واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ‪ ‬فأصابوا‬
‫صة( يقال له جبار من بني ثعلبة‪ ،‬فأدخل على‬ ‫ق ّ‬ ‫رجل منهم )بذي ال ُ‬
‫رسول الله × فأخبره من خبرهم‪ ،‬وقال‪ :‬لن يلقوك‪ ،‬لما سمعوا‬
‫بمسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك‪ ،‬فدعاه رسول الله‬
‫ق‬
‫× إلى السلم فأسلم‪ ،‬وضمه رسول الله × إلى بلل ولم يل ِ‬
‫رسول‪(3‬الله × إلى المدينة ولم يلق‬ ‫رسول الله × أحدا‪ ،‬ثم أقبل‬
‫كيدا‪ ،‬وكانت غيبته إحدى عشر ليلة) ‪.‬‬
‫‪ -4‬في غزوة ذات الرقاع‪:‬‬
‫بلغ رسول الله × أن جمًعا من غطفان من ثعلبة وأنمار يريدون‬
‫غزو المدينة‪ ،‬فخرج في أربعمائة من أصحابه حتى قدم صراًرا‪ ،‬وكان‬
‫رسول الله × قد استخلف على المدينة قبل خروجه عثمان بن‬
‫عفان‪ ،‬لقي المسلمون جمعا غفيرا من غطفان‪ ،‬وتقارب الناس‪ ،‬ولم‬
‫يكن بينهم حرب‪ ،‬وقد خاف الناس بعضهم بعضا‪ ،‬حتى صلى رسول‬
‫الخوف ثم انصرف بالناس‪ ،‬وقد غاب عن‬ ‫الله × بالناس صلة‬
‫المدينة خمسة عشر يوما)‪.(4‬‬
‫‪ -5‬في بيعة الرضوان‪:‬‬
‫عندما نزل رسول الله الحديبية رأى من الضرورة إرسال مبعوث‬
‫خاص من جانبه إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة‬
‫في القتال‪ ،‬وحرصه على احترام المقدسات‪ ،‬ومن ثم أداء مناسك‬
‫العمرة‪ ،‬والعودة إلى المدينة‪ ،‬فوقع الختيار على أن يكون مبعوث‬
‫الرسول × إلى قريش )خراش بن أمية الخزاعي( وحمله على جمل‬
‫يقال له )الثعلب(‪ ,‬فلما دخل مكة عقرت به قريش‪ ،‬وأرادوا قتل‬
‫خراش فمنعهم الحابيش‪ ،‬فعاد خراش بن أمية إلى رسول الله ×‬
‫وأخبره بما صنعت قريش‪ ،‬فأراد رسول الله × أن يرسل سفيرا آخر‬
‫بتبليغ قريش رسالة رسول الله ×‪ ،‬ووقع الختيار في بداية المر‬
‫المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫ذو النورين مع النبي‪ ،‬د‪ .‬عاطف لماضة‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الروض النف )‪ ,(3/137‬الطبقات لبن سعد )‪.(35 ،2/34‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬ص ‪.53 ،52‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪26‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عن الذهاب إليهم‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫على عمر بن الخطاب)‪ ,(1‬فاعتذر لرسول الله ×‬
‫وأشار على رسول الله × أن يبعث عثمان مكانه‪ ،‬وعرض عمر ‪‬‬
‫رأيه هذا معزًزا بالحجة الواضحة‪ ،‬وهي ضرورة توافر الحماية لمن‬
‫يخالط هؤلء العداء‪ ,‬وحيث إن هذا المر لم يكن متحققا بالنسبة‬
‫لن( له قبيلة تحميه من‬ ‫لعمر ‪ ،‬فقد أشار على النبي × بعثمان ‪‬‬
‫أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله ×)‪ , 3‬وقال لرسول الله‬
‫×‪ :‬إني أخاف قريشا على نفسي‪ ،‬قد عرفت عداوتي لها‪ ،‬وليس بها‬
‫من بني عدي من يمنعني‪ ،‬وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم)‪,(4‬‬
‫فلم يقل رسول الله × شيئا‪ ،‬قال عمر‪ :‬ولكن أدلك يا رسول الله‬
‫على رجل أعز بمكة مني‪ ،‬وأكثر عشيرة وأمنع‪ ،‬عثمان بن عفان‪،‬‬
‫فدعا رسول الله × عثمان ‪ ‬فقال‪» :‬اذهب إلى قريش‬
‫ت لقتال أحد‪ ،‬وإنما جئنا زواًرا لهذا‬ ‫فخبرهم أّنا لم نأ ِ‬
‫الهدي‪ ،‬ننحره وننصرف«‪،‬‬ ‫معنا‬ ‫لحرمته‪،‬‬ ‫البيت‪ ،‬معظمين‬
‫فخرج عثمان بن عفان ‪ ‬حتى أتى بلدح)‪ (5‬فوجد قريشا هناك‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬أين تريد؟ قال‪ :‬بعثني رسول الله × إليكم‪ ،‬يدعوكم إلى الله‬
‫وإلى السلم‪ ،‬تدخلون في دين الله كافة‪ ،‬فإن الله مظهر دينه ومعز‬
‫نبيه‪ ،‬وأخرى تكفون وي َِلي هذا منه غيركم‪ ،‬فإن ظفروا بمحمد فذلك‬
‫ما أردتم‪ ،‬وإن ظفر محمد كنتم بالخيار أن تدخلوا فيما دخل فيه‬
‫الناس أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون‪ ،‬إن الحرب قد نهكتكم‪،‬‬
‫وأذهبت بالماثل منكم‪ ،‬فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما ل يريدون‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬قد سمعنا ما تقول ول كان هذا أبدا‪ ،‬ول دخلها علينا عنوة‪،‬‬
‫فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه ل يصل إلينا‪ ،‬فقام إليه أبان بن سعيد‬
‫بن العاص فرحب به وأجاره وقال‪ :‬ل تقصر عن حاجتك‪ ،‬ثم نزل عن‬
‫فرس كان عليه‪ ،‬فحمل عثمان على السرج وردفه وراءه‪ ،‬فدخل‬
‫عثمان مكة فأتى أشرافهم رجل رجل؛ أبا سفيان بن حرب‪ ،‬وصفوان‬
‫بن أمية‪ ،‬وغيرهما من لقي ببلدح‪ ،‬ومنهم من لقي بمكة‪ ،‬فجعلوا‬
‫أبدا‪ (6).‬وعرض المشركون‬ ‫يردون عليه‪ :‬إن محمدا ل يدخلها علينا‬
‫على عثمان ‪ ‬أن يطوف بالبيت فأبى)‪ ،(7‬وقام عثمان بتبليغ رسالة‬
‫رسول الله × إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج‬
‫والمخرج‪ (8)،‬وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله × جاء فيها‪:‬‬
‫اقرأ على رسول الله × منا السلم‪ ،‬إن الذي أنزله بالحديبية لقادر‬
‫على أن يدخله بطن مكة‪ (9).‬وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها‬
‫قتال‬
‫)‪(10‬‬
‫أن عثمان قتل‪ ،‬فدعا رسول الله × أصحابه إلى مبايعته على‬
‫الصحابة وبايعوه على الموت‬ ‫المشركين ومناجزتهم‪ ،‬فاستجاب‬
‫سوى الجد بن قيس وذلك لنفاقه‪ (11).‬وفي رواية أن البيعة كانت‬

‫)( غزوة الحديبية لبي فارس‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المغازي‪ ،‬محمد عمر الواقدي )‪.(2/600‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2،‬المغازي‪ ،‬محمد عمر الواقدي )‪.(2/600‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)( مكان قريب من مكة‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( زاد المعاد )‪ ،(3/290‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(3/344‬‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (6 ،‬زاد المعاد )‪.(3/290‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫)( غزوة الحديبية لبي فارس‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬رقم الحديث‪.(4169) :‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ ،‬ص ‪.486‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪27‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تعارض في ذلك؛‬ ‫)‪(3‬‬
‫على الصبر)‪ ,(1‬وفي رواية على عدم الفرار)‪ ،(2‬ول‬
‫لن المبايعة على الموت تعني الصبر وعدم الفرار‪ (4).‬وكان أول من‬
‫بايعه على ذلك أبا سنان عبد الله بن وهب السدي ‪ ،‬فخرج الناس‬
‫بعده يبايعون على بيعته)‪ ,(5‬وبايعه)‪(6‬سلمة بن الكوع ثلث مرات؛ في‬
‫أول الناس‪ ،‬وأوسطهم‪ ،‬وآخرهم‪ .‬وقال النبي × بيده اليمنى‪:‬‬
‫»هذه يد عثمان« فضرب بها على يده‪ (7).‬وكان عدد الصحابة‬
‫الذين أخذ منهم الرسول × المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة‬
‫صحابي‪ (8).‬وقد تحدث القرآن الكريم عن أهل بيعة الرضوان‪ ،‬وورد‬
‫فضلهم في نصوص كثيرة من اليات القرآنية‪ ،‬والحاديث النبوية‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫د‬
‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َُباي ِ ُ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫عون َ َ‬ ‫ن ي َُباي ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ -1‬قال َتعالى‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬
‫على ن َف ِ‬ ‫َ‬ ‫ث َ‬ ‫ُ‬
‫ما َين َك ُ‬ ‫ث فإ ِن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ن ّك َ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫دي ِ‬‫وق َ أي ْ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫َالل ِ‬
‫و َ‬
‫ما" ]الفتح‪.[10 :‬‬ ‫ظي‬
‫َ ُ ِ ِ ْ ً َ ِ ً‬ ‫ع‬ ‫را‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫تي‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ه‬
‫فى ِ َ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫عا‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫أ ْ‬
‫ج‬‫عَر ْ ِ‬ ‫عَلى ال ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫ع َ‬ ‫عَلى ال ْ‬ ‫س َ‬ ‫تعالى‪+ ْ :‬ل َي ْ َ‬ ‫‪ -2‬قال‬
‫ه‬
‫خل ُ‬ ‫دْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ َ‬‫و‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫ٌ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ول َ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫عذّب ْ ُ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫و ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ َ‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ح‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جَر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫حَ َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫عون َ َ‬ ‫ن إ ِذْ ي َُباي ِ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫عن ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫حا‬ ‫فت ْ ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وأَثاب َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ة َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فأ َن َْز َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫في ُ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫با" ]الفتح‪.[18 ،17 :‬‬ ‫ري ً‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫‪ -3‬قال جابر بن عبد الله ‪ :‬قال لنا رسول الله × يوم الحديبية‪:‬‬
‫الرض«‪ ،‬وكنا ألفا وأربعمائة‪ ،‬ولو كنت أبصر‬ ‫»أنتم خير أهل‬
‫لريتكم موضع الشجرة‪ (9).‬هذا الحديث صريح في فضل أصحاب‬
‫الشجرة؛ فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة‬
‫ي على عثمان؛‬ ‫وبغيرهما‪ ..‬وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل عل ّ‬
‫لن عليا كان من جملة من خوطب بذلك‪ ،‬وممن بايع تحت الشجرة‪،‬‬
‫وكان عثمان حينئذ غائبا‪ ،‬وهذا التمسك باطل؛ لن النبي × بايع عنه‬
‫الخيرية( المذكورة‪ ،‬ولم يقصد في الحديث‬ ‫)‪10‬‬
‫فاستوى معهم عثمان في‬
‫إلى تفضيل بعضهم على بعض‪.‬‬
‫وفي الحديبية ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان بعدة أمور‪،‬‬
‫منها‪ :‬اختصاصه بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما بايع‬
‫الصحابة وعثمان غائب‪ ،‬واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله × إلى‬
‫ن بمكة أسيرا من المسلمين‪ ،‬وذكر شهادة النبي × لعثمان‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة)‪ ،(11‬فعن‬
‫)( البخاري‪ ،‬رقم‪.4169 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( مسلم‪ ،‬رقم‪.1856 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (7 ،6 ،‬السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ ،‬ص ‪.486‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫زاد المعاد‪.(3/291) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫صحيح السيرة النبوية‪ ،‬ص ‪.404‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ ،‬ص ‪.482‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫مسلم‪.(1485) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫فتح الباري )‪.(7/443‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫الرياض النضرة في مناقب العشرة‪ ،‬ص)‪.(491 ،490‬‬ ‫)(‬ ‫‪11‬‬

‫‪28‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫إياس بن سلمة عن أبيه أن النبي × بايع لعثمان إحدى يديه على‬
‫الطواف بالبيت آمنا‪ ،‬فقال‬ ‫الخرى‪ ،‬فقال الناس‪ :‬هنيئا لبي عبد الله‬
‫النبي ×‪» :‬لو مكث كذا ما طاف حتى أطوف« )‪.(1‬‬
‫وقد اتهم عثمان ظلما بأنه لم يبايع رسول الله × بيعة الرضوان‬
‫وكان متغيبا عنها‪ ،‬فهذه من التهامات التي ألصقت بعثمان في‬
‫أحضان فتنة أريد بها تقويض أركان الخلفة خاصة)‪ ،(2‬وسيأتي تفصيل‬
‫ذلك بإذن الله تعالى‪ .‬وعن أنس قال‪ :‬لما أمر رسول الله × ببيعة‬
‫الرضوان كان عثمان بن عفان بعثه رسول الله × إلى أهل مكة‬
‫فبايعه الناس‪ ،‬فقال‪ :‬إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله‪،‬‬
‫الرض‪ ،‬فكانت يد رسول الله × لعثمان‬ ‫فضرب بإحدى يديه على‬
‫خيرا من أيديهم لنفسهم)‪.(3‬‬
‫‪ -6‬شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في‬
‫فتح مكة‪:‬‬
‫لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬فجاء به حتى أوقفه على النبي ×‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الله بايع عبد الله‪ ،‬فرفع رأسه‪ ،‬فنظر إليه ثلثا‪ ،‬كل ذلك يأبى‪ ,‬فبايعه‬
‫بعد ثلث ثم أقبل على الصحابة فقال‪» :‬أما كان فيكم رجل‬
‫رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته‬
‫فيقتله«‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما ندري يا رسول الله ما في نفسك‪ ،‬أل أومأت‬
‫بعينك؟‪(4‬قال‪» :‬إنه ل ينبغي لنبي أن يكون له خائنة‬ ‫إلينا‬
‫)‬
‫العين«‪.‬‬
‫وجاء في رواية‪ :‬لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله × الناس إل‬
‫أربعة نفر‪ ،‬وقال‪» :‬اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين‬
‫بن‪(5‬أبي جهل‪ ،‬وعبد الله بن‬ ‫بأستار الكعبة‪ :‬عكرمة‬
‫ومقيس بن حبابة) وعبد الله بن سعد بن أبي‬ ‫خطل‪،‬‬
‫السرح«‪ (6) .‬فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار‬
‫الكعبة فاستبق إليه سعد بن حارث وعمار بن ياسر فسبق سعيد‬
‫عمارا‪ ،‬وكان أشب الرجلين فقتله‪ ،‬وأما عكرمة فركب في البحر‬
‫فأصابتهم ريح عاصف‪ ،‬فقال أصحاب السفينة‪ :‬أخلصوا فإن آلهتكم ل‬
‫تغني عنكم شيئا ههنا‪ ،‬فقال عكرمة‪ :‬والله لئن لم ينجني في البحر‬
‫ي عهد إن أنت‬ ‫إل الخلص لم ينجني في البر غيره‪ ،‬اللهم لك عل ّ‬
‫عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ولجدنه‬
‫عفوا كريما‪ ،‬فجاء وأسلم‪ .‬وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه‬
‫البيعة‬
‫)‪(7‬‬
‫اختبأ عند عثمان بن عفان‪ ،‬فلما دعا رسول الله الناس إلى‬
‫جاء به حتى أوقفه على النبي ×‪ ،‬ثم ذكر الباقي كما مر معنا‪.‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،491‬في سنده ضعف‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ذو النورين مع النبي‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سير السلف الصالحين )‪ ،(1/181‬إسناده ضعيف‪ ،‬والحديث صحيح‪ ،‬سنن‬ ‫‪3‬‬

‫الترمذي‪ ،‬رقم‪.(3702) :‬‬


‫)( الصارم المسلول على شاتم الرسول‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( أضواء البيان في تاريخ القرآن‪ ,‬صابر أبو سليمان‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.79‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪29‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وعن عبد الله بن عباس قال‪ :‬كان عبد الله بن سعد بن أبي‬
‫السرح يكتب لرسول الله ×‪ ،‬فأزله الشيطان فلحق بالكفار‪ ،‬فأمر به‬
‫رسول( الله × أن يقتل يوم الفتح‪ ،‬فاستجار له عثمان‪ ،‬فأجاره رسول‬
‫الله‪ 1).‬وذكر ابن إسحاق سبب أمر رسول الله × بقتل سعد‬
‫وشفاعة عثمان فيه فقال‪ :‬وإنما أمر رسول الله × بقتله لنه كان قد‬
‫أسلم‪ ،‬وكان يكتب لرسول الله × الوحي‪ ،‬فارتد مشركا راجعا إلى‬
‫قريش‪ ،‬ففر إلى عثمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة‪ ،‬فغيبه حتى‬
‫أتى به رسول الله × بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة فاستأمن له‪،‬‬
‫فوله عمر بن الخطاب بعض أعماله‪،‬‬ ‫قال ابن هشام‪ :‬ثم أسلم بعد‪،‬‬
‫ثم وله عثمان بن عفان بعد عمر)‪.(2‬‬
‫‪ -7‬غزوة تبوك‪:‬‬
‫في العام التاسع الهجري ولي هرقل وجهه المتآمر صوب‬
‫ظا برغبة شريرة في العدوان عليها والتهامها‪،‬‬ ‫الجزيرة العربية متلم ً‬
‫وأمر قواته بالستعداد وانتظار أمره بالزحف‪ ،‬وترامت النباء إلى‬
‫الرسول × فنادى في أصحابه بالتهيؤ للجهاد وكان الصيف حارا‬
‫يصهر الجبال‪ ،‬وكانت البلد تعاني الجدب والعسرة‪ ،‬فإن قاوم‬
‫المسلمون بإيمانهم وطأة الحر القاتل وخرجوا إلى الجهاد فوق‬
‫الصحراء الملتهبة المتأججة فمن أين لهم العتاد‪ ،‬والنفقات التي‬
‫يتطلبها الجهاد؟ لقد حض الرسول على التبرع فأعطى ك ّ‬
‫ل قدَر‬
‫وسعه‪ ،‬وسارعت النساء بالحلي يقدمنه إلى رسول الله × يستعين‬
‫به في إعداد الجيش‪ ،‬بيد أن التبرعات جميعها لم تكن لتغني كثيرا‬
‫أمام المتطلبات للجيش الكبير‪ ،‬ونظر الرسول × إلى الصفوف‬
‫الطويلة العريضة من الذين تهيأوا للقتال وقال‪» :‬من يجهز هؤلء‬
‫ويغفر الله له؟« وما كاد عثمان يسمع نداء الرسول × هذا حتى‬
‫سارع إلى مغفرة من الله ورضوان‪ ،‬وهكذا وجدت العسرة الضاغطة‬
‫)عثمانها‬
‫المعطاء( )‪ ،(3‬وقام ‪ ‬بتجهيز الجيش حتى لم يتركه بحاجة إلى‬
‫خطام أو عقال‪.‬‬
‫يقول ابن شهاب الزهري‪ :‬قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة‬
‫تبوك تسعمائة وأربعين بعيرا‪ ،‬وستين فرسا أتم بها اللف‪ ،‬وجاء‬
‫عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلف دينار صبها‬
‫يقلبها بيده ويقول‪» :‬ما ضر عثمان ما‬ ‫بين يديه‪ ،‬فجعل الرسول‬
‫كان عثمان ‪ ‬صاحب القدح‬ ‫لقد‬ ‫)‪(4‬‬
‫مرتين‪.‬‬ ‫عمل بعد اليوم«‬
‫المعلى في النفاق في هذه الغزوة)‪ ,(5‬وهذا عبد الرحمن بن حباب‬
‫يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال‪ :‬شهدت النبي × وهو يحث على‬
‫ي‬
‫جيش العسرة‪ ،‬فقام عثمان بن عفان فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬عل ّ‬
‫مائتا بعير بأحلسها وأقتابها في سبيل الله‪ ،‬ثم حض على الجيش‬
‫ي ثلثمائة بعير‬
‫فقام عثمان بن عفان فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬عل ّ‬
‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( السيرة النبوية لبن هشام )‪.(58 ،4/57‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( فتح الباري )‪ ،(7/67‬خلفاء الرسول‪ ،‬ص ‪ ،250‬العشرة المبشرون بالجنة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد صالح عوض‪ ،‬ص ‪.53‬‬


‫)( سنن الترمذي‪ ،‬رقم‪ .(3785) :‬صحيح التوثيق‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ ،‬ص ‪.615‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪30‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بأحلسها وأقتابها في سبيل الله‪ ،‬فأنا رأيت رسول الله ينزل على‬
‫ما عمل بعد هذه‪ ،‬ما‬ ‫المنبر وهو يقول‪» :‬ما على عثمان‬
‫)‪(1‬‬
‫على عثمان ما عمل بعد هذه«‪.‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن سمرة ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬جاء عثمان‬
‫بن عفان إلى النبي × بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي × جيش‬
‫ويقول‪» :‬ما ضر ابن‬ ‫العسرة‪ ،‬قال‪ :‬فجعل النبي × يقلبها بيده‬
‫)‪(2‬‬
‫عفان ما عمل بعد اليوم« يرددها مرارا‪.‬‬
‫إنه يبدو وكأنه الممول الوحيد للمة الجديدة‪ ،‬ومضى الرسول ×‬
‫على رأس جيشه حتى وصلوا موطنا يدعى تبوك في منتصف الطريق‬
‫بين المدينة ودمشق‪ ،‬وهناك جاءته النباء مبشرة بأن هرقل الذي كان‬
‫يعد العدة للزحف من دمشق قد ثلم الله عزمه‪ ،‬وغادر دمشق نافضا‬
‫يديه من محاولته اليائسة بعد أن علم بخروج النبي وأصحابه إليه‪ ،‬ورجع‬
‫الجيش بكل عتاده الذي أمده به عثمان‪ ،‬فهل استرجع من ذلك شيئا؟‬
‫التلبية لكل إيماءة‬ ‫كل‪ ..‬وحاشاه أن يفعل‪ ،‬وقد ظل كما كان دوما سريع‬
‫تعني جديدا من البذل‪ ،‬ومزيدا من العطاء)‪.(3‬‬ ‫من النبي ×‬
‫ثانًيا‪ :‬من حياته الجتماعية في المدينة‪:‬‬
‫‪ -1‬زواجه من أم كلثوم سنة ‪ 3‬هـ‪:‬‬
‫عرفت أم كلثوم ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬بكنيتها ول يعرف لها اسم إل‬
‫مصعب‪(4‬الزبيري أن اسمها أمية‪ ،‬وهي أكبر سنا‬ ‫ما ذكره الحاكم عن‬
‫من فاطمة رضي الله عنها) ‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب‪ :‬تأيم عثمان من رقية بنت رسول الله ×‪،‬‬
‫وتأيمت حفصة بنت عمر من زوجها‪ ،‬فمر عمر بعثمان‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬
‫لك في حفصة‪ ،‬وكان عثمان قد سمع رسول الله × يذكرها فلم‬
‫من‪(5‬ذلك؟‬ ‫يجبه‪ ،‬وذكر ذلك عمر للنبي × فقال‪ :‬هل لك في خير‬
‫أتزوج حفصة‪ ،‬وأزوج عثمان خيرا منها‪ :‬أم كلثوم‪ ).‬وفي‬
‫رواية البخاري‪ :‬قال عمر‪ :‬تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن‬
‫حذافة السهمي‪ ،‬وكان من أصحاب رسول الله فتوفي في المدينة‪،‬‬
‫فقال عمر‪ :‬أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬إن شئت أنكحتك حفصة‪ ،‬فقال‪ :‬سأنظر في أمري‪،‬‬
‫فلبثت ليالي‪ ،‬ثم لقيني فقال‪ :‬قد بدا لي أن ل أتزوج يومي هذا‪ ،‬قال‬
‫بنت‬
‫شئت زوجتك حفصة َ‬ ‫عمر‪ :‬فلقيت أبا بكر الصديق‪ ،‬فقلت‪ :‬إن‬
‫جد َ‬‫ي شيئا‪ ،‬فكنت عليه أوْ َ‬ ‫ّ‬ ‫إل‬ ‫عمر‪ ،‬فصمت أبو بكر الصديق فلم يرجع‬
‫مني على عثمان‪ ،‬فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله × فأنكحتها‬
‫ي‬
‫ي حين عرضت عل ّ‬ ‫إياه‪ ،‬فلقيني أبو بكر فقال‪ :‬لعلك وجدت عل ّ‬
‫حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإنه لم يمنعني أن‬
‫ي‪ ،‬إل أني كنت علمت أن رسول الله قد‬ ‫أرجع إليك فيما عرضت عل ّ‬
‫ذكرها‪ ،‬فلم أكن لفشي سر رسول الله ×‪ ،‬ولو تركها رسول الله‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬رقم‪.(3700) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سنن الترمذي‪ ،‬رقم‪.(3702) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫خلفاء الرسول‪ ،‬ص ‪ ،138‬العشرة المبشرون بالجنة‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الدوحة النبوية الشريفة‪ ،‬فاروق حمادة‪ ،‬ص ‪.46 ،45‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫مستدرك الحاكم )‪ ،(4/49‬الثار لبي يوسف رقم‪.(1957) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪31‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫قبلتها‪.‬‬
‫وتروي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬خبر‬
‫زواج أم كلثوم من عثمان ‪ ‬فتقول‪ :‬لما زوج النبي ابنته أم كلثوم‬
‫أيمن‪» :‬هيئ ابنتي أم كلثوم وزفيها إلى عثمان‪،‬‬ ‫قال لم‬
‫وخفقي)‪ (2‬بين يديها بالدف«‪ ،‬ففعلت ذلك‪ ،‬فجاءها النبي ×‬
‫فدخل‪(3‬عليها فقال‪» :‬يا بنية‪ ،‬كيف وجدت بعلك«؟‬ ‫)‬
‫بعد الثالثة‬
‫قالت‪ :‬خير بعل‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي × وقف عند باب المسجد فقال‪:‬‬
‫»يا عثمان‪ ،‬هذا جبريل أخبرني أن الله قد زوجك أم‬
‫كلثوم بمثل صداق رقية‪ ،‬وعلى مثل صحبتها«‪ ،‬وكان ذلك‬
‫ثلث من الهجرة النبوية‪ ،‬في ربيع الول‪ ،‬وبنى بها في جمادى‬ ‫)‪(4‬‬
‫سنة‬
‫الخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬وفاة عبد الله بن عثمان‪:‬‬
‫وفي جمادى الولى سنة أربع من الهجرة مات عبد الله بن‬
‫عثمان ‪ ‬من رقية بنت رسول الله × وهو ابن)‪(5‬ست سنين‪ ،‬فصلى‬
‫رسول الله × عليه‪ ،‬ونزل حفرته والده عثمان‪ .‬وهذه محنة‬
‫عظيمة تعرض لها عثمان‪ ،‬وما أكثر المحن في حياة الدعاة إلى الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬وفاة أم كلثوم رضي الله عنها‪:‬‬
‫ولم تزل أم كلثوم عند عثمان ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬إلى أن توفيت‬
‫في شعبان سنة تسع من الهجرة بسبب مرض نزل بها‪ ،‬وصلى عليها‬
‫رسول الله × وجلس على قبرها‪ .‬وعن أنس ابن مالك أنه رأى النبي‬
‫× جالسا على قبر أم كلثوم‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت عينيه تدمعان‪ ،‬فقال‪» :‬هل‬
‫رجل لم يقارف الليلة؟« فقال أبو طلحة‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪» :‬فانزل في‬ ‫)‪(6‬‬
‫منكم‬
‫قبرها«‪.‬‬
‫وعن ليلى بنت قانف الثقفية قالت‪ :‬كنت فيمن غسل أم كلثوم‬
‫بنت رسول الله × عند وفاتها‪ ،‬فكان أول ما أعطانا رسول الله ×‬
‫الحقو‪ ،‬ثم الدرع‪ ،‬ثم الخمار‪ ،‬ثم الملحفة‪ ،‬ثم أدرجت بعده في الثوب‬
‫الخر‪ (،‬قالت‪ :‬ورسول الله × عند الباب ومعه كفنها يناولنا إياه ثوبا‬‫)‪7‬‬
‫ي بن أبي طالب‪ ,‬والفضل بن‬ ‫ثوبا‪ .‬وجاء عند ابن سعد أن عل ّ‬
‫العباس‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬قد نزلوا في حفرتها مع أبي طلحة وأن‬
‫التي غسلتها هي أسماء بنت عميس‪ ،‬وصفية بنت عبد المطلب)‪.(8‬‬
‫وقد تأثر عثمان ‪ ‬وحزن حزنا عظيما على فراقه لم كلثوم‪،‬‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬رقم‪.(5122) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫خفق‪ :‬اضطرب وتحرك‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫السيرة النبوية لبي شهبة )‪ ،(2/231‬دماء على قميص عثمان‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫سنن ابن ماجه‪ ،‬رقم‪ ،(110) :‬وفيه عثمان بن خالد وهو ضعيف‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الكامل لبن الثير )‪ ،(2/130‬دماء على قميص عثمان‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬رقم‪.(1342) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫سنن أبي داود‪ ،‬رقم‪.(3157) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫الطبقات لبن سعد‪ ,(8/39) ،‬الدوحة النبوية‪ ،‬ص ‪.48‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪32‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ورأى رسول الله × عثمان ‪ ‬وهو يسير منكسرا وفي وجهه حزن‬
‫فدنا منه وقال‪» :‬لو كانت عندنا ثالثة لزوجناكها يا‬ ‫لما أصابه‪،‬‬
‫عثمان«‪ .‬وهذا دليل حب رسول الله × لعثمان‪ ،‬ودليل وفاء‬ ‫)‪(1‬‬

‫عثمان لنبيه وتوقيره‪ ،‬وفيه دليل على نفي ما اعتاده الناس من‬
‫في مثل هذا الموطن‪ ،‬فإن قدر الله ماض وأمره نافذ ول‬ ‫التشاؤم‬
‫راد لمره)‪.(2‬‬
‫ثالثـا‪ :‬من مساهماته القتصادية في بناء الدولة‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬من الغنياء الذين أغناهم الله عز وجل‪ ،‬وكان‬
‫صاحب تجارة وأموال طائلة‪ ،‬ولكنه استخدم هذه الموال في طاعة‬
‫الله ‪-‬عز وجل‪ -‬وابتغاء مرضاته وما عنده‪ ،‬وصار سّباقا لكل خير ينفق‬
‫ول يخشى الفقر‪ ،‬ومما أنفقه ‪ ‬من نفقاته الكثيرة على سبيل‬
‫المثال ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬بئر رومة‪:‬‬
‫عندما قدم النبي × المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل‪،‬‬
‫وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة‪ ،‬فقال رسول الله ×‪» :‬من‬
‫بخير‪(4‬له في‬
‫)‬
‫يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلء المسلمين‬
‫الجنة«‪ (3).‬وقال ×‪» :‬من حفر بئر رومة فله الجنة«‪.‬‬
‫وقد كانت رومة قبل قدوم النبي × ل يشرب منه أحد إل بثمن‪،‬‬
‫فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء‪ ،‬وكانت لرجل من بني‬
‫د‪ ،‬فقال النبي ×‪:‬‬‫م ّ‬
‫غفار عين يقال لها رومة‪ ،‬وكان يبيع منها القربة ب ِ ُ‬
‫»تبيعها بعين في الجنة؟« فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ليس لي ول لعيالي‬
‫غيرها‪ ،‬فبلغ ذلك عثمان ‪ ‬فاشتراها بخمسة وثلثين ألف درهم‪ ،‬ثم‬
‫أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال‪» :‬نعم« قال‪:‬‬ ‫أتى النبي × فقال‪:‬‬
‫قد جعلتها للمسلمين‪ (5).‬وقيل‪ :‬كانت رومة ركية ليهودي يبيع‬
‫من‪(6‬اليهودي بعشرين‬ ‫المسلمين ماءها‪ ،‬فاشتراها عثمان بن عفان‬
‫ألف درهم‪ ،‬فجعلها للغني والفقير وابن السبيل) ‪.‬‬
‫‪ -2‬توسعة المسجد النبوي‪:‬‬
‫بعد أن بنى رسول الله × مسجده في المدينة‪ ،‬فصار المسلمون‬
‫يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس‪ ،‬ويحضروا خطب النبي ×‬
‫التي يصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه‪ ،‬ويتعلموا في المسجد أمور‬
‫دينهم‪ ،‬وينطلقوا منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها‪ ،‬ولذلك ضاق‬
‫المسجد بالناس‪ ،‬فرغب النبي × من بعض الصحابة أن يشتري بقعة‬
‫بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لهله‪ ،‬فقال ×‪:‬‬
‫»من يشتري بقعة آل فلن فيزيدها في المسجد بخير له منها في‬

‫مجمع الزوائد للهيثمي )‪ ،(9/83‬إسناده حسن لما له من شواهد‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الخلفاء الراشدون‪ ..‬أعمال وأحداث‪ ،‬د‪.‬أمين القضاة‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح النسائي لللباني )‪.(2/766‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫أخرجه البخاري رقم‪ (2778) :‬معلقا‪ ،‬وهو صحيح لشواهده‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تحفة الحوذي بشرح سنن الترمذي )‪.(10/196‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫فتح الباري )‪ ,(5/408‬الحكمة في الدعوة إلى الله‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪33‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بخمسة‬
‫)‪(2‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الجنة؟« فاشتراها عثمان بن عفان ‪ ‬من صلب ماله‬
‫ثم أضيفت للمسجد ‪ ,‬ووسع‬ ‫وعشرين ألف درهم‪ ،‬أو بعشرين ألفا‪،‬‬
‫على المسلمين رضي الله عنه وأرضاه)‪.(3‬‬
‫‪ -3‬العسرة وعثمانها المعطاء‪:‬‬
‫عندما أراد رسول الله × الرحيل إلى غزوة تبوك حث الصحابة‬
‫الغنياء على البذل لتجهيز جيش العسرة الذي أعده رسول الله ×‬
‫ل على‬ ‫لغزو الروم‪ ،‬فأنفق الموال من صحابة رسول الله × ك ّ‬
‫طاقته وجهده‪ ،‬أما عثمان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق‬ ‫حسب‬
‫أحد مثلها )‪ ,(4‬وقد تم بيانها عند حديثنا عن موقفه في غزوة تبوك‪.‬‬
‫***‬

‫صحيح سنن الترمذي لللباني )‪ ،(3/209‬رقم‪.(2921) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح سنن النسائي )‪.(2/766‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫أعلم المسلمين لخالد البيطار )‪.(3/41‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الحكمة في الدعوة إلى الله‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪34‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫من أحاديث الرسول × في عثمان بن عفان‬
‫ل‪ :‬فيما ورد في فضائله مع غيره‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫شره بالجنة على بلوى تصيبه‪:‬‬ ‫‪ -1‬افتح له وب ّ‬
‫عن أبي موسى ‪ ‬قال‪ :‬كنت مع النبي × في حائط من حيطان‬
‫المدينة‪ ،‬فجاء رجل فاستفتح‪ ،‬فقال النبي ×‪» :‬افتح له‪ ،‬وبشره‬
‫بالجنة« ففتحت له فإذا هو أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله‪،‬‬
‫فحمد الله‪ ،‬ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي ×‪» :‬افتح له وبشره‬
‫بالجنة« ففتحت له فإذا هو عمر‪ ،‬فأخبرته بما قال النبي × فحمد‬
‫الله‪ ،‬ثم استفتح رجل فقال لي‪» :‬افتح له وبشره بالجنة على بلوى‬
‫فأخبرته بما قال رسول الله × فحمد الله‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫تصيبه« فإذا هو عثمان‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬الله المستعان‪.‬‬
‫هذا الحديث تضمن فضيلة هؤلء الثلثة المذكورين؛ وهم أبو بكر‬
‫وعمر وعثمان‪ ،‬وأنهم من أهل الجنة كما تضمن فضيلة لبي موسى‪،‬‬
‫وفيه دللة على جواز الثناء على النسان في وجهه إذا أمنت عليه‬
‫لخباره بقصة عثمان‬ ‫العجاب ونحوه‪ ،‬وفيه معجزة ظاهرة للنبي ×‬
‫والبلوى‪ ،‬وأن الثلثة يستمرون على اليمان والهدى)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬اسكن أحد فليس عليك إل نبي وصديق وشهيدان‪:‬‬
‫عن أنس ‪ ‬قال‪ :‬صعد النبي × أحدا ومعه أبو بكر وعمر‬
‫‪-‬أظنه ضربه برجله‪ -‬فليس‬ ‫وعثمان‪ ،‬فرجف‪ ،‬فقال‪» :‬اسكن أحد‬
‫عليك إل نبي وصديق وشهيدان« )‪.(3‬‬
‫‪ -3‬اهدأ فما عليك إل نبي أو صديق أو شهيد‪:‬‬
‫عن أبي هريرة‪ :‬أن رسول الله × كان على حراء‪ ،‬وأبو بكر‬
‫وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير‪ ،‬فتحركت الصخرة‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله ×‪» :‬اهدأ‪ ،‬فما عليك إل نبي أو صديق أو شهيد« )‪.(4‬‬
‫‪ -4‬حياء عثمان ‪:‬‬
‫عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن‬
‫عائشة زوج النبي × وآله وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على‬
‫مْرط عائشة فأذن‬ ‫س ِ‬‫رسول الله × وهو مضطجع على فراشه لب ٌ‬
‫لبي بكر وهو كذلك‪ ،‬فقضى إليه حاجته ثم انصرف‪ ،‬ثم استأذن عمر‬
‫فأذن له وهو على تلك الحال‪ ،‬فقضى إليه حاجته ثم انصرف‪ ،‬قال‬
‫عثمان‪ :‬ثم استأذنت عليه فجلس‪ ،‬وقال لعائشة‪» :‬اجمعي عليك‬
‫ثيابك«‪ ،‬فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬ما لي لم أرك فزعت لبي بكر وعمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬كما‬

‫البخاري‪ ،‬رقم )‪.(3695‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫شرح النووي على صحيح مسلم‪.(171 ،170 /15) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري‪ ،‬رقم )‪.(3697‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫مسلم‪ ،‬رقم )‪.(2417‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪35‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فزعت لعثمان؟ قال رسول الله ×‪» :‬إن عثمان رجل حيي‪ ،‬وإني‬
‫)‪(1‬‬
‫ي في حاجته«‪.‬‬ ‫خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن ل يبلغ إل ّ‬
‫‪ -5‬استحياء الملئكة من عثمان‪:‬‬
‫عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت‪ :‬كان رسول الله‬
‫× مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه‪ ،‬فاستأذن أبو بكر‬
‫فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث‪ ،‬ثم استأذن عمر فأذن له وهو‬
‫كذلك فتحدث‪ ،‬ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله × وسوى ثيابه‪.‬‬
‫قال محمد ‪-‬أحد رواة الحديث‪ ،‬ول أقول ذلك في يوم واحد‪ -‬فدخل‬
‫ش له ولم‬‫فتحدث‪ ،‬فلما خرج قالت عائشة‪ :‬دخل أبو بكر فلم تهت ّ‬
‫ت َُباِله‪ ،‬ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله‪ ،‬ثم دخل عثمان فجلست‬
‫وسويت ثيابك‪ ،‬فقال‪» :‬أل استحي من رجل تستحي منه‬
‫الملئكة؟!«‪ (2) .‬قال المناوي‪ :‬مقام عثمان مقام الحياء‪ ،‬والحياء‬
‫فرع يتولد من إجلل من يشاهده ويعظم قدره‪ ،‬مع نقص يجده في‬
‫النفس‪ ،‬فكأنه غلب عليه إجلل الحق تعالى‪ ،‬ورأى نفسه بعين‬
‫النقص والتقصير‪ ،‬وهما من جليل خصال العباد المقربين‪ ،‬فعلت رتبة‬
‫كما‪(3‬أن من أحب‬‫)‬
‫عثمان كذلك‪ ،‬فاستحيت منه خلصة الله من خلقه‪،‬‬
‫الله أحب أولياءه‪ ،‬ومن خاف الله خاف منه كل شيء‪.‬‬
‫‪ -6‬أصدقها حياء عثمان‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله ×‪» :‬أرحم أمتي أبو‬
‫بكر‪ ،‬وأشدها في دين الله عمر‪ ،‬وأصدقها حياء عثمان‪ ،‬وأعلمها‬
‫بالحلل والحرام معاذ بن جبل‪ ،‬وأقرأها لكتاب الله ُأبي‪ ،‬وأعلمها‬
‫زيد‪(4‬بن ثابت‪ ،‬ولكل أمة أمين‪ ،‬وأمين هذه المة أبو عبيدة‬ ‫)‬
‫بالفرائض‬
‫بن الجراح«‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إخبار رسول الله × عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان‪:‬‬
‫‪ -1‬من نجا من ثلث فقد نجا‪:‬‬
‫عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله × قال‪» :‬من نجا من ثلث‬
‫فقد‬
‫مرات‪ :-‬موتى‪ ،‬والدجال‪ ،‬وقتل خليفة مصطبر بالحق‬ ‫)‪(5‬‬
‫‪-‬ثلث‬ ‫نجا‬
‫معطيه«‪.‬‬
‫ومعلوم أن الخليفة الذي قتل مصطبرا بالحق هو عثمان‪،‬‬
‫فالقرائن تدل على أن الخليفة المقصود بهذا الحديث هو عثمان بن‬
‫عفان ‪ .‬وفي الحديث ‪-‬والله أعلم‪ -‬لفتة عظيمة إلى أهمية السلمة‬
‫من الخوض في هذه الفتنة حسّيا ومعنوًيا‪ ،‬أما حسًيا فذلك يكون في‬
‫الفتنة من تحريض وتأليب وقتل وغير ذلك‪ ،‬وأما معنوًيا فبعد الفتنة‬
‫من خوض فيها بالباطل‪ ،‬وكلم فيها بغير حق‪ ،‬وبهذا يكون الحديث‬

‫)( مسلم‪ ،‬رقم )‪.(2402‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( مسلم‪ ،‬رقم )‪.(2401‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( فيض القدير للمناوي‪.(4/302) ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( مسند المام أحمد‪ ،‬باقي كتاب مسند المكثرين‪ ،‬باب مسند أنس بن مالك )‬ ‫‪4‬‬

‫‪.(12493‬‬
‫)( المسند )‪ ،(5/346) (4/419‬تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪36‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫عاما للمة‪ ،‬وليس خاصا بمن أدرك الفتنة‪.‬‬
‫‪ -2‬يقتل فيها هذا المقنع يومئذ‪:‬‬
‫عن ابن عمر قال‪ :‬ذكر رسول الله × فتنة‪ ،‬فمر رجل فقال‪:‬‬
‫»يقتل فيها هذا)‪(2‬المقنع يومئذ مظلوما« قال‪ :‬فنظرت فإذا‬
‫هو عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫‪ -3‬هذا يومئذ على الهدى‪:‬‬
‫عن كعب بن عجرة قال‪ :‬ذكر رسول الله × فتنة فقربها‪ ،‬فمر‬
‫رجل مقنع رأسه‪ ،‬فقال رسول الله ×‪» :‬هذا يومئذ على الهدى‪.‬‬
‫فوثبت فأخذت بضبعي عثمان‪ ،‬ثم استقبلت رسول الله × فقلت‪:‬‬
‫هذا؟ قال‪ :‬هذا«)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬تهيج فتنة كالصياصي‪ ،‬فهذا ومن معه على الحق‪:‬‬
‫عن مرة البهزي قال‪ :‬كنت عند رسول الله ×‪ ،‬وقال بهز ‪-‬من‬
‫رواة الحديث‪ :-‬قال رسول الله ×‪» :‬تهيج فتنة كالصياصى‪،‬‬
‫«‪(4.‬قال‪ :‬فذهبت فأخذت بمجامع‬ ‫فهذا ومن معه على الحق‬
‫ثوبه‪ ،‬فإذا هو عثمان بن عفان ‪. )‬‬
‫‪ -5‬هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى‪:‬‬
‫عن أبي الشعث قال‪ :‬قامت خطباء بإيلياء في إمارة معاوية ‪،‬‬
‫فتكلموا وكان آخر من تكلم مرة بن كعب فقال‪ :‬لول حديث سمعته‬
‫من رسول الله × ما قمت‪ ،‬سمعت رسول الله × يذكر فتنة فقربها‪،‬‬
‫فمر رجل مقنع فقال‪» :‬هذا يومئذ وأصحابه على الحق‬
‫والهدى«‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا يا رسول الله؟ وأقبلت بوجهه إليه فقال‪:‬‬
‫»هذا«‪ ،‬فإذا هو عثمان ‪.(5)‬‬
‫‪ -6‬عليكم بالمين وأصحابه‪:‬‬
‫عن أبي حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها‪ ،‬وأنه سمع أبا‬
‫هريرة يستأذن عثمان في الكلم‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فقام فحمد الله وأثنى‬
‫عليه ثم قال‪ :‬إني سمعت رسول الله × يقول‪» :‬إنكم تلقون بعدي‬
‫فتنة واختلفا« أو قال »اختلفا وفتنة«‪ ،‬فقال له قائل من الناس‪:‬‬
‫فمن لنا يا رسول الله؟ قال‪» :‬عليكم بالمين وأصحابه«‪ ،‬وهو يشير‬
‫إلى عثمان بذلك)‪.(6‬‬
‫‪ -7‬فإن أرادك المنافقون على خلعه فل تخلعه‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عامر‪ ،‬عن النعمان بن بشير عن عائشة قالت‪:‬‬
‫)( فتنة مقتل عثمان‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد الله الغبان )‪.(1/44‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ (1/551‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( صحيح سنن ابن ماجه )‪.(1/24‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( المسند )‪ (5/33‬له طرق تقويه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( مسند أحمد‪ ،‬مسند الشاميين‪ ،‬باب حديث كعب بن مرة السلمي أو مرة بن‬ ‫‪5‬‬

‫كعب‪ ،‬حديث رقم )‪.(17602‬‬


‫)( فضائل الصحابة )‪ (1/500‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪37‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أرسل رسول الله × إلى عثمان بن عفان‪ ،‬فأقبل عليه رسول الله‬
‫×‪ ،‬فلما رأينا رسول الله × أقبلت إحدانا على الخرى‪ ,‬فكان آخر‬
‫كلم كّلمه أن ضرب منكبه وقال‪» :‬يا عثمان‪ ،‬إن الله ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫عسى أن يلبسك قميصا‪ ،‬فإن أرادك المنافقون على خلعه فل تخلعه‬
‫حتى تلقاني‪ .‬يا عثمان‪ ،‬إن الله عسى أن يلبسك قميصا‪ ،‬فإن أرادك‬
‫المنافقون على خلعه فل تخلعه حتى تلقاني« ثلثا‪ .‬فقلت لها‪ :‬يا أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬فأين كان هذا عنك؟ قالت‪ :‬نسيته والله فما ذكرته‪ .‬قال‪:‬‬
‫ض بالذي أخبرته حتى كتب‬ ‫فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم ير َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ي به‪ ،‬فكتبت إليه به كتابا‪.‬‬
‫إلى أم المؤمنين أن اكتبي إل ّ‬
‫ي عهدا وإني صابر نفسي عليه‪:‬‬ ‫‪ -8‬إن رسول الله × عهد إل ّ‬
‫عن أبي سهلة‪ ،‬عن عائشة قالت‪ :‬قال رسول الله ×‪:‬‬
‫»ادعوا لي بعض أصحابي« قلت‪ :‬أبو بكر؟ قال‪» :‬ل« ‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ح«‪ ،‬فجعل يساره)‪,(2‬‬ ‫عثمان؟ قال‪» :‬نعم«‪ ،‬فلما جاء قال‪» :‬تن ّ‬
‫ولون عثمان يتغير‪ ،‬فلما كان يوم الدار وحصر قلنا‪ :‬يا أمير‬
‫ي عهدا‬ ‫قال‪ :‬ل‪ ،‬إن رسول الله × عهد إل ّ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬أل تقاتل؟‬
‫)‪(3‬‬
‫وهذا الحديث يبين شدة محبة‬ ‫وإني صابر نفسي عليه‪.‬‬
‫وحرصه على مصالح المة بعده‪ ،‬فقد‬ ‫رسول الله × لعثمان ‪‬‬
‫أخبره بأشياء تتعلق بهذه الفتنة التي ستنتهي بقتله‪ ،‬وحرص‬
‫عليه الصلة والسلم على سريتها‪ ،‬حتى إنه لم يصل إلينا منها‬
‫أثناء الفتنة لما قيل له‪ :‬أل تقاتل؟‬ ‫إل ما صرح به عثمان ‪‬‬
‫فقد قال‪ :‬ل‪ ،‬إن رسول الله × عهد إل ّي عهدا‪ ،‬وإني صابر‬
‫)‪(4‬‬
‫ويظهر من قوله هذا‪ ،‬أن النبي × قد أرشده إلى‬ ‫عليه‪.‬‬
‫الموقف الصحيح عند اشتعال الفتنة‪ ،‬وذلك أخذا منه × بحجز‬
‫الفتنة أن تنطلق‪ ،‬وفي بعض الروايات زيادة تكشف عن بعض‬
‫مكنون هذه المسا ّ رة‪ ،‬فقد جاء فيها أن النبي × قال له‪» :‬وإن‬
‫)‪(5‬‬
‫مصك الله ‪-‬عز وجل‪ -‬فل تفعل«‪.‬‬ ‫سألوك أن تنخلع من قميص ق ّ‬
‫ومضمون هذا العهد الذي ذكره عثمان ‪ ‬يتعلق بالفتنة‬
‫والوصية بالصبر فيها وعدم الخلع‪ ،‬وإن كان يفهم من هذه‬
‫الحاديث بأنه سيكون خليفة يو ًما ما‪.‬‬
‫ويبدو أن هناك وصايا وإرشادات تتعلق بهذه الفتنة‪ ،‬انفرد‬
‫بمعرفتها عثمان ‪ ‬محافظة من النبي × على السرية فيها‪ ،‬ومما‬
‫يبين ذلك أنه أمر عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬بالنصراف)‪ (6‬عندما‬
‫أراد السرار بها لعثمان ‪ ، ‬كما أسر إليه إسرارا رغم خلو‬
‫المكان من غيرهما حتى تغير لونه‪ ،‬مما يدل على عظم المسّر‬

‫)( مسند أحمد‪ ،‬باقي مسند النصار‪.(24045) ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( من المسارة مفاعلة‪ ،‬من السر أي المناجاة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3 ,‬فضائل الصحابة )‪ ،(1/506‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫)( فضائل الصحابةـ ) ‪ (1/506‬إسنادهـ صحيح‪.‬ـ‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ (1/613‬إسناد صحيح‪ ،‬الطبقات )‪.(3/67،66‬‬ ‫‪5‬‬

‫ح(‪ ،‬ومعنى التنحي النصراف‪ ،‬الفيروز آبادي‪،‬‬


‫)( فقد قال لها النبي × ‪) :‬تن ّ‬ ‫‪6‬‬

‫القاموس المحيط )‪ ،(4/396‬لسان العرب )‪.(15/311‬‬

‫‪38‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫به‪ .‬وربط عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬السرار بالفتنة دليل واضح‬
‫على أن هذه المسارة كانت حول الفتنة التي قتل فيها‪ ،‬كما أن‬
‫السرار تضمن توجيهات منه × إلى عثمان ليقف الموقف‬
‫الصحيح عند عرض الخلع‪ ،‬وأن النبي × لم يقتصر على الخبار‬
‫بوقوع الفتنة‪ ،‬فقد أخبر بذلك في أحاديث كثيرة كما تقدم‪،‬‬
‫فإسراره يدل على أن السرار تضمن أشياء أخرى زيادة على‬
‫الخبار عن وقوعها‪ ،‬ورغب عليه الصلة والسلم بالمحافظة على‬
‫سريتها لحكمة اقتضت ذلك‪ ,‬الله أعلم بها‪.‬‬
‫وهذا الحديث يفسر لنا جليا سبب إصرار عثمان على رفض‬
‫القتال أثناء الحصار‪ ،‬كما يفسر أيضا سبب رفضه للتنازل عن الخلفة‬
‫وخلعها عندما عرض القوم عليه ذلك‪ ،‬وهما موقفان طالما تساءل‬
‫الباحثون والمؤرخون عن السبب الذي أدى عثمان إليهما‬
‫واستشكلوهما‪ (1).‬وحدث فتنة مقتل عثمان ‪ ‬من ضمن حوادث‬
‫كثيرة أخبر رسول الله × في حياته بأنها ستقع بالغيب‪ ،‬فإن علم‬
‫لحد( من خلقه وإنما‬ ‫الغيب صفة من صفات الله عز وجل‪ ،‬ليست‬
‫ذلك علم َأطلعه الله عليه وأمره أن يبينه للناس)‪ , 2‬قال تعالى‪:‬‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ه َ‬‫شاءَ الل ُ‬ ‫ما َ‬‫ض ّْرا إ ِل ّ َ‬
‫ول َ َ‬ ‫عا َ‬ ‫ف ً‬‫سي ن َ ْ‬
‫ْ‬
‫ف ِ‬‫ك ل ِن َ ْ‬‫مل ِ ُ‬
‫ْ‬ ‫قل َل ّ َأ ْ‬ ‫‪ُ +‬‬
‫ُ‬
‫سوءُ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬
‫م ّ‬
‫ما َ‬
‫و َ‬‫ر َ‬ ‫خي ْ ِ‬
‫ن ال َ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫ست َكثْر ُ‬ ‫َ‬
‫بل ْ‬ ‫غي ْ َ‬‫م ال َ‬ ‫عل ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫كن ُ‬
‫ن" ]ألعراف‪.[188 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنو َ‬‫وم ٍ ي ّؤ ِ‬ ‫شيٌر لق ْ‬ ‫وب َ ِ‬‫ذيٌر َ‬ ‫ن أَنا إ ِل ن َ ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫***‬

‫)‪ (2 ,‬فتنة مقتل عثمان‪ ،‬محمد عبد الله الغبان‪.(1/48) ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫)( فتنة مقتل عثمان‪،‬ـ محمدـ عبد اللهـ الغبان‪.(1/48 ) ،‬‬

‫‪39‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫ذو النورين في عهد الصديق والفاروق‬
‫ل‪ :‬في عهد الصديق‪:‬‬‫أو ً‬
‫‪ -1‬من أهل الشورى في مسائل الدولة العليا‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في‬
‫أمهات المسائل في خلفة أبي بكر‪ ،‬فهو ثاني اثنين في الحظوة عند‬
‫الصديق؛ عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد‪ ،‬وعثمان بن عفان‬
‫للرفق والناة‪ .‬وكان عمر وزير الخلفة الصديقية‪ ،‬وكان عثمان أمينها‬
‫العام‪ ،‬وناموسها العظم وكاتبها الكبر‪ (1).‬وكان رأيه مقدما عند‬
‫الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة‪ ،‬أراد أن يغزو‬
‫الروم‪ ،‬وينطلق الجيش المجاهد إلى أطراف الرض‪ ،‬فقام في الناس‬
‫يستشيرهم‪ ،‬فقال اللباء ما عندهم‪ ،‬ثم استزادهم أبو بكر فقال‪ :‬ما‬
‫ترون؟ فقال عثمان‪ :‬إني أرى أنك ناصح لهل هذا الدين‪ ،‬شفيق‬
‫عليهم‪ ،‬فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلحا‪ ،‬فاعزم على إمضائه فإنك غير‬
‫ظنين‪ (2).‬فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن‬
‫حضر ذلك المجلس من المهاجرين والنصار رضي الله عنهم‪ :‬صدق‬
‫)‪(3‬‬
‫ضه‪.‬‬
‫م ِ‬
‫عثمان‪ ،‬ما رأيت من رأي فأ ْ‬
‫ولما أراد الصديق أن يبعث واليا إلى البحرين استشار أصحابه‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫فقال عثمان‪ :‬ابعث رجل قد بعثه رسول الله × إليهم فقدم عليه‬
‫بإسلمهم وطاعتهم‪ ،‬وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلده )يعني العلء‬
‫)‪(5‬‬
‫بن الحضرمي ‪ ،(‬فبعث الصديق العلء إلى البحرين‪.‬‬
‫ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم‬
‫بالمر من بعده‪ ،‬فأشاروا بعمر‪ ،‬وكان رأي عثمان في عمر‪ :‬اللهم‬
‫علمي به أن سريرته خير من علنيته‪ ،‬وأنه ليس فينا مثله‪ (6).‬فقال‬
‫)‪(7‬‬
‫أبو بكر‪ :‬يرحمك الله‪ ،‬والله لو تركته ما عدتك‪.‬‬
‫‪ -2‬أزمة اقتصادية في عهد الصديق‪:‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق‪،‬‬
‫فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا‪ :‬السماء لم تمطر‪ ،‬والرض لم‬
‫تنبت‪ ,‬والناس في شدة شديدة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬انصرفوا واصبروا‪،‬‬
‫فإنكم ل تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم‪ ،‬قال‪ :‬فما لبثنا أن جاء‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ دمشق لبن عساكر )‪ ،(65 -2/63‬أبو بكر الصديق للصلبي‪ ،‬ص ‪.364‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( أبو بكر الصديق للصلبي‪ ،‬ص ‪.364‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( أي على النبي ×‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( كنز العمال )‪ ،(5/620‬رقم‪ ,(14093) :‬القيود الواردة على سلطة الدولة‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫عبد الله الكيلني‪ ،‬ص ‪ ،169‬تاريخ الطبري )‪.(4/122‬‬


‫)( الكامل لبن الثير )‪ ،(2/79‬الخلفاء الراشدون لمحمود شاكر‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( الكامل لبن الثير )‪.(2/79‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪40‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أجراء عثمان من الشام‪ ،‬فجاءته مائة راحلة ب ُّرا ‪-‬أو قال طعاما‪-‬‬
‫فاجتمع الناس إلى باب عثمان‪ ،‬فقرعوا عليه الباب‪ ،‬فخرج إليهم‬
‫عثمان في مل من الناس‪ ،‬فقال‪ :‬ما تشاءون؟ قالوا‪ :‬الزمان قد‬
‫قحط؛ السماء ل تمطر‪ ،‬والرض ل تنبت‪ ،‬والناس في شدة شديدة‪،‬‬
‫وقد بلغنا أن عندك طعاما‪ ،‬فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين‪،‬‬
‫فقال عثمان‪ :‬حّبا وكرامة ادخلوا فاشتروا‪ ،‬فدخل التجار‪ ،‬فإذا الطعام‬
‫موضوع في دار عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر التجار كم تربحونني على‬
‫شرائي من الشام؟ قالوا‪ :‬للعشرة اثنا عشر‪ ،‬قال عثمان‪ :‬قد زادني‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬للعشرة خمسة عشر‪ ،‬قال عثمان‪ :‬قد زادني‪ ،‬قال التجار‪ :‬يا‬
‫أبا عمرو‪ ،‬ما بقي بالمدينة تجار غيرنا‪ ،‬فمن زادك؟ قال‪ :‬زادني الله‬
‫‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬بكل درهم عشرة‪ ،‬أعندكم زيادة؟ قالوا‪ :‬اللهم ل‪،‬‬
‫أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء‬ ‫)‪(1‬‬
‫قال‪ :‬فإني‬
‫عباس‪ (2:‬فرأيت من ليلتي رسول الله × في‬ ‫ابن‬ ‫قال‬ ‫المسلمين‪.‬‬
‫حّلة من نور‪ ،‬في رجليه نعلن‬ ‫المنام وهو على برذون أبلق) عليه ُ‬
‫من نور‪ ،‬وبيده قصبة من نور‪ ،‬وهو مستعجل‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫قد اشتد شوقي إليك وإلى كلمك فأين تبادر؟ قال‪» :‬يا ابن عباس‪،‬‬
‫الله قد قبلها منه وزوجه عروسا‬ ‫)‪(3‬‬
‫إن عثمان قد تصدق بصدقة‪ ،‬وإن‬
‫في الجنة‪ ،‬وقد دعينا إلى عرسه«‪.‬‬
‫فهل يفتح الله تعالى آذان عُّباد المال‪ ،‬ومحتكري قوت العباد‬
‫حا وجشًعا إلى صوت هذه العظمة العثمانية حتى تدلف إلى‬ ‫ش ّ‬
‫قلوبهم فتهزها هزة الريحية والعطف‪ ،‬وتوقظ فيها بواعث الرحمة‬
‫والحسان بالفقراء والمساكين‪ ،‬والرامل واليتامى وذوي الحاجات‬
‫من أهل الفاقة والبؤس‪ ،‬الذين طحنتهم أزمة الحياة واعتصرت‬
‫دماءهم شرابا لذوي القلوب المتحجرة من الثرياء؟! فما أحوج‬
‫المسلمين في هذه المرحلة من حياتهم إلى نفحة عثمانية في إنفاق‬
‫فا‬
‫والمساكين والمحتاجين تسري بينهم تعاط ً‬ ‫)‪(4‬‬
‫الموال على الفقراء‬
‫ومؤاساة وبّرا وإحسانا‪.‬‬
‫هذا موقف من مواقف الكرم والبر لعثمان ‪ ،‬فقد كان ‪ ‬من‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫أرحم الناس بالناس‪ ،‬فهو يقرأ قول رب الناس‪+ :‬ك َل ّ إ ِ ّ‬
‫ويقرأ قوله تعالى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الطغيان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫غى" ]العلق‪ [6 :‬فيصده ذلك عن‬ ‫ل َي َ َطْ ْ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫م ت َت ْلو َ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫وت َن ْ َ‬ ‫س ِبالب ِّر َ‬ ‫ْ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ َ‬ ‫‪+‬أت َأ ُ‬
‫ن" ]البقرة‪ [44 :‬فيجعله ذلك من َأبعد الناس عن‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫فل َ ت َ ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫وّلوا‬ ‫س ا ْل ْب ِّر أن ت ُ َ‬ ‫النفاق والمنافقين‪ ْ،‬ويقرأ قوله ْتعالى‪+ :‬ل َ َي ْ َ‬
‫ه‬
‫ن ِبالل ِ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن آْ َ‬ ‫م ْ‬‫ن الب ِّر َ‬ ‫ولك ِ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫والْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫رَ ِ‬ ‫شَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قب َ َ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ْ‬
‫و ُ‬ ‫ُ‬
‫على‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫تى‬ ‫َ‬ ‫وآ‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫يي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫وال‬ ‫ِْ َ‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ة‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مى‬ ‫وال ْي ََتا َ‬ ‫َ‬ ‫قْرَبى‬ ‫وي ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه ذَ‬ ‫حب ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫كا ْ َ‬ ‫وآَتى الّز َ‬ ‫صل َةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫وأ َ‬ ‫ب َ‬ ‫قا ِ‬ ‫في الّر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫سا ِ‬ ‫في الب َأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ّ ِ ِ‬‫ب‬ ‫صا‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫دوا‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫مو‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫)( الرقة والبكاء لبن قدامة‪ ،‬ص ‪ ,190‬الخلفاء الراشدون لحسن أبوب‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .191‬شهيد الدار لحمد‬


‫الخروف‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫)( الذي فيه سواد وبياض‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الرقة والبكاء‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪41‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫س" ]البقرة‪ [177ُ :‬فيحمله ذلك على أن يكون‬ ‫حين ال ْبأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و ِ َ‬ ‫ء ََ‬ ‫ضّرا ُ ِ‬‫وال)‪ّ (1‬‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ُ ُ‬‫ه‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬‫و‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫قوا‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫ِ َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫‪+‬‬ ‫من‬
‫ن" ]البقرة‪.[177 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫ثانًيا‪ :‬في عهد الفاروق‪:‬‬
‫كان عثمان ذا مكانة عند عمر‪ ،‬فكانوا إذا أرادوا أن يسألوا عمر‬
‫عن شيء رموه بعثمان‪ ،‬وبعبد الرحمن بن عوف‪ .‬وكان عثمان‬
‫يسمى الرديف‪ ،‬والرديف بلسان العرب هو الذي يكون بعد الرجل‪،‬‬
‫بعد‪(2‬رئيس‪ ،‬وكانوا إذا لم‬
‫)‬
‫والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه‬
‫يقدر هذان على عمل شيء ثلثوا بالعباس‪.‬‬
‫دعى‬ ‫وقد حدث ذات مرة أن خرج عمر بالناس وعسكر بهم بما ي ُ ْ‬
‫فنادى( عمر‬ ‫)صرارا(‪ ،‬فجاء عثمان فسأله‪ :‬ما بلغك؟ ما الذي تريد؟‬
‫)الصلة جامعة(‪ ،‬ثم أخبر الناس عن عزمه في غزو العراق‪ 3).‬ولما‬
‫ولي عمر الخلفة استشار وجوه الصحابة في عطائه من بيت مال‬
‫المسلمين‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬كل واطعم‪ (4).‬وعندما أرسل أبو عبيدة‬
‫إلى عمر أن يقدم إلى بيت المقدس ليفتحه‪ ،‬فاستشار عمر الناس‪،‬‬
‫فأشار عثمان بأن ل يركب إليهم ليكون أحقر لهم‪ ،‬وأرغم لنوفهم‪،‬‬
‫وقال لعمر‪ :‬فأنت إن أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم‬
‫مستعد‪ ،‬فلم يلبثوا إلى السير حتى ينزلوا على‬ ‫)‪(5‬‬
‫مستخف ولقتالهم‬
‫عمر ما قال‬ ‫)‪(6‬‬
‫فهوى‬ ‫بالمسير‪،‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫عل‬ ‫وأشار‬ ‫الجزية‪.‬‬ ‫الصغار ويعطوا‬
‫علي ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم‪.‬‬
‫لقد كانت مكانة عثمان في خلفة عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله‬
‫عنهما‪ -‬كمكانة الوزير من الخليفة‪ ،‬وإن شئت فقل‪ :‬هي مكانة عمر‬
‫من أبي بكر في خلفته‪ .‬وقد صنع الله لبي بكر بوزارة عمر لخلفته‬
‫ما يصنعه لخير أهله‪ ،‬وصنع لعمر بوزارة عثمان لخلفته ما يصنعه‬
‫لخير أهله‪ ،‬فقد كان أبو بكر أرحم الناس بالناس‪ ،‬وكان عمر أشدهم‬
‫في الحق‪ ،‬فمزج الله رحمة الصديق بشدة عمر‪ ،‬فكانت منها خلفة‬
‫الصدق وسياسة العدل‪ ،‬وقوم الحزم‪ .‬وكان عثمان ‪ ‬أشبه بالصديق‬
‫في رحمته‪ ،‬وكان عمر على سننه في شدته‪ ،‬فلما تولى بعد أبي بكر‬
‫ضا من رحمة الصديق‬ ‫جعل الله له في وزارة عثمان لخلفته عو ً‬
‫ورفقه‪ ،‬فكان منهما تلك المثال المضروبة في أنظمة الحكم‬
‫وسياسة المة أحكم سياسة وأعدلها‪ .‬وقد عرف الناس هذه المكانة‬
‫لعثمان في خلفة عمر‪ ،‬فهو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان‬
‫وكتابة التاريخ‪ ،‬كما جاء في‬
‫بعض الروايات‪.‬‬
‫‪ -1‬الديوان‪:‬‬

‫)( شهيد الدار‪ ،‬ص ‪.23 ،22‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ ,(4/83‬المرتضى للندوي‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (5 ,‬عثمان بن عفان‪ ،‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬الخليفةـ الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.63‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬لمحمد حسين هيكل‪ ،‬ص ‪ ,48 ،47‬نقل عن السياسة المالية‬ ‫‪5‬‬

‫لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.24‬‬


‫)( عثمان بن عفان الخليفة الشاكر‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪42‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لما اتسعت الفتوحات وكثرت الموال جمع عمر ناسا من‬
‫أصحاب رسول الله × ليستشيرهم في هذا المال‪ ،‬فقال عثمان‪:‬‬
‫أرى مال كثيرا يسع الناس‪ ،‬وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم‬
‫ينتشر‪ (1‬المر‪ ،‬فأقر عمر رأي عثمان‪ ،‬وانتهى‬
‫)‬
‫ممن لم يأخذ خشيت أن‬
‫بهم ذلك إلى تدوين الدواوين‪.‬‬
‫‪ -2‬التاريخ‪:‬‬
‫جاء في بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة‬
‫الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان‪ ،‬وذلك أنهم لما اتفقوا بعد مشاورات‬
‫على جعل مبدأ التاريخ السلمي من هجرة النبي × لنها فرقت بين‬
‫الحق والباطل‪ ،‬تعددت الراء في أي الشهر يجعل بداية للسنة‪،‬‬
‫فقال عثمان‪ :‬أرخوا من المحرم أول السنة‪ ،‬وهو شهر حرام‪ ،‬وأول‬
‫الشهور في العدة‪ ،‬وهو منصرف الناس من الحج‪ ،‬فرضي عمر ومن‬
‫من( أصحابه رأي عثمان واستقر عليه المر‪ ،‬وأصبح مبدأ تاريخ‬ ‫)‪2‬‬
‫شهده‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬أرض الخراج‪:‬‬
‫كان عثمان ممن أيدوا رأي عمر بن الخطاب في عدم تقسيم‬
‫الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيًئا للمسلمين وللذرية من‬ ‫أرض‬
‫بعدهم)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬حجه مع أمهات المؤمنين‪:‬‬
‫لما استخلف عمر بن الخطاب سنة ثلث عشرة بعث تلك السنة‬
‫على الحج عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬فحج بالناس‪ ،‬وحج مع عمر أيضا‬
‫آخر حجة حجها عمر سنة ثلث وعشرين‪ ،‬وأذن عمر تلك السنة‬
‫حملن في الهوادج‪ ،‬وبعث معهن عثمان‬ ‫لزواج النبي × في الحج‪ ،‬ف ُ‬
‫بن عفان وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬فكان عثمان يسير على راحلته‬
‫أمامهن فل يدع أحدا يدنو منهن‪ ،‬وينزلن مع عمر كل منزل‪ ،‬فكان‬
‫الشعاب‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫عثمان وعبد الرحمن ينزلن بهن في الشعاب فيقبلنهن‬
‫وينزلن هما في أذل الشعب‪ ،‬فل يتركان أحدا يمر عليهن‪.‬‬
‫***‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ ،(5/203‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪ ،(3/134‬أنساب الشراف للبلذري‪،(466 ،1/465) ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫مجلة البحوث السلمية‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬ص ‪.263‬‬

‫‪43‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل الثانى‬
‫استخلف ذى النورين ومنهجه في الحكم وأهم‬
‫صفاته الشخصية‬
‫المبحث الول‬
‫استخلف ذى النورين‬
‫ل‪ :‬الفقه العمرى فى الستخلف‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫استمر اهتمام الفاروق ‪ ‬بوحدة المة ومستقبلها حتى اللحظات‬
‫الخيرة من حياته‪ ،‬رغم ما كان يعانيه من آلم جراحاته البالغة‪ ،‬وهي‬
‫بل شك لحظات خالدة‪ ،‬تجلى فيها إيمان الفاروق العميق وإخلصه‬
‫وإيثاره‪ (1).‬وقد استطاع الفاروق في تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر‬
‫طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد‪ ،‬وكانت دليل‬
‫سا‪ ,‬ومعلما واضحا على فقهه في سياسة الدولة السلمية‪ .‬لقد‬ ‫ملمو ً‬
‫مضى قبله الرسول × ولم يستخلف بعده أحدا بنص صريح‪ ،‬ولقد‬
‫مضى أبو بكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة‪،‬‬
‫ولما طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت‪ ،‬فكر‬
‫في المر ملّيا وقرر أن يسلك مسلكا آخر يتناسب مع المقام؛‬
‫قّر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته‬ ‫م ِ‬
‫فرسول الله × ترك الناس وكلهم ُ‬
‫عليهم‪ ،‬فاحتمال الخلف كان نادرا وخصوصا أن النبي × وجه المة‬
‫قول وفعل إلى أن أبا بكر أولى بالمر من بعده‪ .‬والصديق لما‬
‫استخلف عمر كان يعلم أن عند الصحابة أجمعين قناعة بأن عمر‬
‫أقوى وأفضل من يحمل المسئولية بعده‪ ،‬فاستخلفه بعد مشاورة‬
‫الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم‪ ،‬وحصل الجماع على بيعة‬ ‫كبار‬
‫عمر)‪ ،(2‬وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد فتعتمد على جعل‬
‫الشورى في عدد محصور‪ ،‬وقد حصر ستة من صحابة رسول الله ×‬
‫كلهم يصلحون لتولي المر ولو أنهم يتفاوتون‪ ،‬وحدد لهم طريقة‬
‫النتخاب ومدته‪ ،‬وعدد الصوات الكافية لنتخاب الخليفة وحدد الحكم‬
‫في المجلس‪ ،‬والمرجح إن تعادلت الصوات‪ ،‬وأمر مجموعة من‬
‫جنود الله لمراقبة سير النتخابات في المجلس‪ ،‬وعقاب من يخالف‬
‫يدخل أو يسمع‬ ‫لحدما أ ُ‬ ‫يسمحون‬‫)‪(3‬‬
‫أمر الجماعة‪ ،‬ومنع الفوضى بحيث ل‬
‫مل في‬ ‫ج ِ‬
‫ْ‬ ‫بيان‬ ‫وهذا‬ ‫والعقد‪.‬‬ ‫ما يدور في مجلس أهل الحل‬
‫الفقرات السابقة‪:‬‬
‫‪ -1‬العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم‪:‬‬
‫أما العدد فهو ستة‪ ،‬وهم‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬والزبير بن العوام‪،‬‬
‫وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم جميعا‪ .‬وترك سعيد بن زيد وهو‬
‫)( الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أوليات الفاروق‪ ،‬د‪ .‬غالب عبد الكافي القرشي‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( أوليات الفاروق‪ ،‬د‪ .‬غالب عبد الكافي القرشي‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪44‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬ولعله تركه لنه من قبيلته بني‬
‫عدي)‪ .(1‬وكان عمر ‪ ‬حريصا على إبعاد المارة عن أقاربه‪ ،‬مع أن‬
‫لها‪ (،‬فهو يبعد قريبه سعيد بن زيد عن قائمة‬
‫)‪2‬‬
‫فيهم من هو أهل‬
‫المرشحين للخلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬طريقة اختيار الخليفة‪:‬‬
‫أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن‬
‫عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من المر شيء‪ ،‬ويصلي بالناس‬
‫أثناء التشاور صهيب الرومي‪ ،‬وقال له‪ :‬أنت أمير الصلة في هذه اليام‬
‫الصلة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحا من‬ ‫إمام َ‬
‫يولي( ة‬
‫)‪3‬‬
‫الثلثة حتى ل‬
‫وأمر‪ (4‬المقداد بن السود وأبا طلحة النصاري أن‬ ‫بالخلفة‪.‬‬ ‫عمر له‬
‫يرقبا سير النتخابات) ‪.‬‬
‫‪ -3‬مدة النتخابات أو المشاورة‪:‬‬
‫حددها الفاروق ‪ ‬بثلثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا عليها‪،‬‬
‫الخلف ستتسع‪ ،‬ولذلك قال لهم‪ :‬ل يأتي اليوم‬ ‫)‪(5‬‬
‫فمعنى ذلك أن شقة‬
‫الرابع إل وعليكم أمير‪.‬‬
‫‪ -4‬عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة‪:‬‬
‫أخرج ابن سعد بإسناد رجاله ثقات أن عمر ‪ ‬قال لصهيب‪ :‬ص ّ‬
‫ل‬
‫الرهط في بيت‪ ،‬فإذا اجتمعوا على رجل‬ ‫ل هؤلء‬ ‫بالناس ثلثا وليخ ُ‬
‫فمن خالفهم فاضربوا رأسه‪ (6).‬فعمر ‪ ‬أمر بقتل من يريد أن‬
‫يخالف هؤلء الرهط وشق عصا المسلمين ويفرق بينهم عمل بقوله‪:‬‬
‫على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم أو‬ ‫»من أتاكم وأمركم جمع‬
‫يفرق جماعتكم فاقتلوه«‪ (7).‬وما جاء في كتب التاريخ من أن عمر‬
‫‪ ‬أمرهم بالجتماع والتشاور‪ ،‬وحدد لهم أنه إذا اجتمع خمسة منهم‬
‫وإن اجتمع أربعة‬ ‫على رجل وأبى أحدهم فيضرب رأسه بالسيف‪،‬‬
‫وفرضوا رجل منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما‪ (8).‬وهذه من‬
‫الروايات التي ل تصح سندا‪ ،‬فهي من الغرائب التي ساقها أبو مخنف‬
‫‪-‬الرافضي الشيعي‪ -‬مخالفا فيها النصوص الصحيحة وما عرف من‬
‫سير الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬فما ذكر أبو مخنف من قول عمر‬
‫لصهيب‪ :‬وقم على رؤوسهم ‪-‬أي أهل الشورى‪ -‬فإن اجتمع خمسة‬
‫ورضوا رجل وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف‪ ،‬وإن اتفق أربعة‬
‫فرضوا رجل منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما)‪ ,(9‬فهذا قول منكر‪،‬‬
‫وكيف يقول عمر ‪ ‬هذا وهو يعلم أنهم هم الصفوة من أصحاب‬
‫رسول الله ×‪ ،‬وهو الذي اختارهم لهذا المر لعلمه بفضلهم‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(4/142‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الخلفة والخلفاء الراشدون للبهنساوي‪ ،‬ص ‪.213‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( أشهر مشاهير السلم في الحرب والسياسة‪ ،‬ص ‪.648‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الطبقات لبن سعد )‪.(3/364‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬
‫)‪ (7‬المرجع السابق )‪.(3/342‬‬
‫)( مسلم )‪.(3/1480‬‬ ‫‪7‬‬

‫)‪ (3،‬تاريخ الطبري )‪.(5/226‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪9‬‬

‫‪45‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وقدرهم؟!!)‪.(1‬‬
‫وقد ورد عن ابن سعد أن عمر قال للنصار‪ :‬أدخلوهم)‪(2‬بيتا ثلثة‬
‫أيام‪ ،‬فإن استقاموا وإل فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم‪ .‬وهذه‬
‫منقطعة وفي إسنادها )سماك بن حرب( وهو ضعيف‪ ،‬وقد‬ ‫)‪(3‬‬
‫الرواية‬
‫تغير بآخره‪.‬‬
‫‪ -5‬الحكم في حال الختلف‪:‬‬
‫لقد أوصى بأن يحضر عبد الله بن عمر معهم في المجلس وأن‬
‫ليس له من المر شيء‪ ،‬ولكن قال لهم‪ :‬فإن رضي ثلثة رجل منهم‬
‫وثلثة رجل منهم فحكموا عبد الله بن عمر‪ ،‬فأي الفريقين حكم له‬
‫فليختاروا رجل منهم‪ ،‬فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا‬
‫مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ووصف عبد الرحمن بن عوف‬
‫عبد‪ (4‬الرحمن بن عوف‪،‬‬ ‫)‬
‫بأنه مسدد رشيد‪ ،‬فقال عنه‪ :‬ونعم ذو الرأي‬
‫مسدد رشيد‪ ،‬له من الله حافظ‪ ،‬فاسمعوا منه‪.‬‬
‫‪ -6‬جماعة من جنود الله تراقب الختيار وتمنع الفوضى‪:‬‬
‫طلب عمر أبا طلحة النصاري وقال له‪ :‬يا أبا طلحة‪ ،‬إن الله ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬أعز السلم بكم‪ ،‬فاختر خمسين رجل من النصار فاستحث‬
‫هؤلء الرهط حتى يختاروا رجل منهم‪ (5).‬وقال للمقداد بن السود‪ :‬إذا‬
‫وضعتموني‪(6‬في حفرتي‪ ،‬فاجمع هؤلء الرهط في بيت حتى يختاروا‬
‫رجل منهم) ‪.‬‬
‫‪ -7‬جواز تولية المفضول مع وجود الفضل‪:‬‬
‫ومن فوائد قصة الشورى‪ ،‬جواز تولية المفضول مع وجود‬
‫الفضل؛ لن عمر جعل الشورى في ستة أنفس مع علمه أن بعضهم‬
‫كان أفضل من بعض‪ ،‬ويؤخذ هذا من سيرة عمر في أمرائه الذين‬
‫كان يؤمرهم في البلد؛ حيث كان ل يراعي الفضل في الدين فقط‪،‬‬
‫بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع‬
‫منها‪ ،‬فاستخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع‬
‫الدين والعلم؛ كأبي‬‫)‪(7‬‬
‫وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر‬
‫الدرداء في الشام‪ ،‬وابن مسعود في الكوفة‪.‬‬
‫‪ -8‬جمع عمر بين التعيين وعدمه‪:‬‬
‫جمع عمر بين التعيين‪ ،‬كما فعل أبو بكر أي تعيين المرشح‪ ،‬وبين‬
‫التعيين كما فعل الرسول ×‪ ،‬فعين ستة وطلب منهم التشاور‬ ‫عدم‬
‫في المر)‪.(8‬‬

‫)( مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الطبقات لبن سعد‪.(2/342) ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (7‬تاريخ الطبري )‬ ‫)( مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.(5/325‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (2،‬تاريخ الطبري )‪.(5/225‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)‪ (5 ،4،‬المدينة النبوية‪ ..‬فجر السلم والعصر الراشدي )‪.(2/97‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫‪46‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -9‬الشورى ليست بين الستة فقط‪:‬‬
‫عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط‪ ،‬وإنما ستكون‬
‫في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلفة؛ حيث جعل لهم‬
‫أمد ثلثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولية من‬
‫يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي هي‬
‫دار الهجرة‪ ،‬وبها معظم الصحابة وكل من كان ساكنا في بلد غيرها‬
‫كان تبعا لهم فيما يتفقون عليه‪ ،‬فما زالت المدينة حتى سنة ‪ 23‬هـ‬
‫استبقاهم عمر‬
‫)‪(1‬‬
‫مجمع الصحابة؛ بل لن كبار الصحابة فيها‪ ،‬حيث‬
‫بجانبه‪ ،‬ولم يأذن لهم بالهجرة إلى القاليم المفتوحة‪.‬‬
‫‪ -10‬أهل الشورى أعلى هيئة سياسية‪:‬‬
‫إن عمر ‪ ‬أناط بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم‪،‬‬
‫ومن المهم أن نشير إلى أن أحدا من أهل الشورى لم يعارض هذا‬
‫القرار الذي اتخذه عمر‪ ،‬كما أن أحدا من الصحابة الخرين لم ي ُِثر أي‬
‫اعتراض عليه‪ ،‬ذلك ما تدل عليه النصوص التي بين أيدينا‪ ،‬فنحن ل‬
‫نعلم أن اقتراحا آخر قد صدر عن أحد من الناس في ذلك العصر‪ ،‬أو‬
‫أن معارضة ثارت حول أمر عمر خلل الساعات الخيرة من حياته أو‬
‫بعد وفاته‪ ،‬وإنما رضي الناس كافة هذا التدبير‪ ،‬ورأوا فيه مصلحة‬
‫لجماعة المسلمين‪ .‬وفي وسعنا أن نقول‪ :‬إن عمر قد أحدث هيئة‬
‫سياسية عليا‪ ،‬مهمتها انتخاب رئيس الدولة أو الخليفة‪ ،‬وهذا التنظيم‬
‫الدستوري الجديد الذي أبدعته عبقرية عمر ل يتعارض مع المبادئ‬
‫الساسية التي أقرها السلم‪ ،‬ول سيما فيما يتعلق بالشورى؛ لن‬
‫العبرة من حيث النتيجة للبيعة العامة التي تجرى في المسجد‬
‫الجامع‪ .‬وعلى هذا ل يتوجه السؤال الذي قد يرد على بعض الذهان‬
‫وهو‪ :‬من أعطى عمر هذا الحق؟ ما مستند عمر في هذا التدبير؟‬
‫ويكفي أن نعلم أن جماعة من المسلمين قد أقرت هذا التدبير‬
‫أن الجماع‬ ‫ورضيت به‪ ،‬ولم يسمع صوت اعتراض عليه‪ ،‬حتى نتأكد‬
‫‪-‬وهو من مصادر التشريع‪ -‬قد انعقد على صحته ونفاذه‪ (2).‬ول ننسى‬
‫أن عمر خليفة راشد‪ ،‬كما ينبغي أن نؤكد على أن هذا المبدأ ‪-‬أهل‬
‫الشورى أعلى هيئة سياسية‪ -‬قد أقره نظام الحكم في السلم في‬
‫العهد الراشدي‪ ،‬كما أن الهيئة التي سماها عمر تمتعت بمزايا لم‬
‫يتمتع بها غيرها من جماعة المسلمين‪ ،‬وهذه المزايا منحت لها من‬
‫يبلغ أحد من‬ ‫الله وبلغها الرسول‪ ،‬فل يمكن عند المؤمنين أن‬
‫المسلمين مبلغ هؤلء العشرة من التقوى والمانة)‪.(3‬‬
‫هكذا ختم عمر ‪ ‬حياته ولم يشغله ما نزل به من البلء ول‬
‫سكرات الموت عن تدبير أمر المسلمين‪ ،‬وأرسى نظاما للشورى لم‬
‫يسبقه إليه أحد‪ ،‬ول يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن الكريم‬
‫والسنة القولية والفعلية‪ ،‬وقد عمل بها رسول الله × وأبو بكر ولم‬
‫يكن عمر مبتدعا بالنسبة للصل‪ ،‬ولكن الذي عمله عمر هو تعيين‬
‫الطريقة التي يختار بها الخليفة وحصر عدد معين جعلها فيهم‪ ،‬وهذا‬
‫‪1‬‬

‫)( نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي‪ ،‬ظافر القاسمي )‪،1/227‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.(228‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(1/229‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪47‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لم يفعله الرسول × ول الصديق ‪ ‬بل أول من فعل ذلك عمر‪،‬‬
‫فعل؛ فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في‬ ‫ونعم ما‬
‫ذلك الوقت)‪.(1‬‬
‫ثانًيا‪ :‬وصية عمر ‪ ‬للخليفة الذي بعده‪:‬‬
‫أوصى الفاروق عمر ‪ ‬الخليفة الذي سيخلفه في قيادة المة‬
‫بوصية مهمة قال فيها‪ :‬أوصيك بتقوى الله وحده ل شريك له‪،‬‬
‫وأوصيك بالمهاجرين الولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم‪،‬‬
‫وأوصيك بالنصار خيرا‪ ،‬فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم‪.‬‬
‫وأوصيك بأهل المصار خيرا‪ ،‬فإنهم ردء العدو‪ ،‬وجباة الفيء‪ ،‬ل‬
‫تحمل منهم إل عن فضل منهم‪ ،‬وأوصيك بأهل البادية خيرا‪ ،‬فإنهم‬
‫أصل العرب‪ ،‬ومادة السلم‪ ,‬أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد‬
‫على فقرائهم‪ .‬وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم‪،‬‬
‫ول تكلفهم فوق طاقتهم‪ ،‬إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا‪ ،‬أو‬
‫عن يد وهم صاغرون‪ .‬وأوصيك بتقوى الله والحذر منه‪ ،‬ومخافة‬
‫مقته أن يطلع منك على ريبة‪ ،‬وأوصيك أن تخشى الله في الناس‬
‫ول تخشى الناس في الله‪ ،‬وأوصيك بالعدل في الرعية‪ ،‬والتفرغ‬
‫لحوائجهم وثغورك‪ ،‬ول تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك‬
‫‪-‬بإذن الله‪ -‬سلمة لقلبك وح ّطا لوزرك‪ ،‬وخيرا في عاقبة أمرك‬
‫حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين‬
‫قلبك‪ ،‬وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على‬
‫قريب الناس وبعيدهم‪ ،‬ثم ل تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ل على َ‬ ‫منه مثل جرمه‪ ،‬واجعل الناس عندك سواء‪ ،‬ل تبا ِ‬
‫وجب الحق‪ ،‬ول تأخذك في الله لومة لئم‪ ،‬وإياك والمحاباة فيما‬
‫ولك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك‬
‫من ذلك ما قد وسعه الله عليك‪ ،‬وقد أصبحت بمنزلة من منازل‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬فإن اقترفت لدنياك عدل وعفة عما بسط لك‬
‫اقترفت به إيمانا ورضوانا‪ ،‬وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب‬
‫الله‪ .‬وأوصيك أل ترخص لنفسك ول لغيرك في ظلم أهل الذمة‪،‬‬
‫وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك‪ ،‬فابتغ بذلك وجه الله والدار‬
‫الخرة‪ ،‬واخترت من دللتك ما كنت دال عليه نفسي وولدي‪ ،‬فإن‬
‫عملت بالذي وعظتك‪ ،‬وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا‬
‫وافرا وحظا وافيا‪ ،‬وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك‪ ،‬ولم تترك معاظم‬
‫المور عند الذي يرضى به الله عنك‪ ،‬يكن ذلك بك انتقاصا‪ ،‬ورأيك‬
‫فيه مدخول؛ لن الهواء مشتركة‪ ،‬ورأس الخطيئة إبليس داع إلى‬
‫كل مهلكة‪ ،‬وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس‬
‫المورود‪ ،‬وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالة لعدو الله‬
‫الداعي إلى معاصيه‪ .‬ثم اركب الحق‪ ،‬وخض إليه الغمرات‪ ،‬وكن‬
‫واعظا لنفسك‪ .‬وأناشدك الله إل ترحمت على جماعة المسلمين‪،‬‬
‫وأجللت كبيرهم‪ ،‬ورحمت صغيرهم‪ ،‬ووقرت عالمهم‪ ،‬ول تضر بهم‬
‫فيذلوا‪ ،‬ول تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم‪ ،‬ول تحرمهم عطاياهم‬
‫عند محلها فتفقرهم‪ ،‬ول تج ّ مرهم في البعوث فينقطع نسلهم‪ ،‬ول‬
‫تجعل المال دولة بين الغنياء منهم‪ ،‬ول تغلق بابك دونهم فيأكل‬

‫)( أوليات الفاروق‪ ،‬د‪ .‬غالب عبد الكافي القرشي‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪48‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫قويهم‪(1‬ضعيفهم‪ ،‬هذه وصيتي إليك‪ ،‬وأشهد الله عليك وأقرأ عليك‬ ‫)‬
‫السلم‪.‬‬
‫هذه الوصية تدل على ب ُْعد نظر عمر في مسائل الحكم والدارة‪،‬‬
‫وتفصح عن نهج ونظام حكم وإدارة متكامل؛ فقد تضمنت الوصية‬
‫أمورا غاية في الهمية‪ ،‬فحق أن تكون وثيقة نفيسة لما احتوته من‬
‫قواعد ومبادئ أساسية للحكم‪ ،‬متكاملة الجوانب الدينية والسياسية‬
‫والعسكرية والقتصادية والجتماعية يأتي في مقدمتها‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرص على تقوى الله وخشيته‪:‬‬
‫أ‪ -‬الوصية بالحرص الشديد على تقوى الله والخشية منه في‬
‫السر والعلن‪ ،‬في القول والعمل؛ لن من اتقى الله وقاه‪ ,‬ومن‬
‫خشيه صانه وحماه )أوصيك بتقوى الله وحده ل شريك له(‪،‬‬
‫)وأوصيك بتقوى الله والحذر منه‪ ،‬وأوصيك أن تخشى الله(‪.‬‬
‫ن وجب‬ ‫م ْ‬
‫ل على َ‬ ‫ب‪ -‬إقامة حدود الله على القريب والبعيد )ل تبا ِ‬
‫الحق(‪) ،‬ول تأخذك في الله لومة لئم(؛ لن حدود الله نصت عليها‬
‫الشريعة فهي من الدين؛ ولن الشريعة حجة على الناس وأعمالهم‬
‫وأفعالهم تقاس بمقتضاها‪ ،‬وأن التغافل عنها إفساد للدين والمجتمع‪.‬‬
‫ج‪ -‬الستقامة )استقم كما أمرت(‪ ،‬وهي من الضرورات الدينية‬
‫والدنيوية التي يجب على الحاكم التحلي بها قول وعمل أول ثم‬
‫الرعية‪) ،‬كن واعظا لنفسك( )وابتغ بذلك وجه الله والدار الخرة(‪.‬‬
‫‪ -2‬الناحية السياسية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫أ‪ -‬اللتزام بالعدل؛ لنه أساس الحكم‪ ،‬وإن إقامته بين الرعية‬
‫تحقق للحكم قوة وهيبة ومتانة سياسية واجتماعية‪ ،‬وتزيد من هيبة‬
‫واحترام الحاكم في نفوس الناس )وأوصيك بالعدل(‪) ،‬واجعل الناس‬
‫عندك سواء(‪.‬‬
‫ب‪ -‬العناية بالمسلمين الوائل من المهاجرين والنصار لسابقتهم‬
‫في السلم‪ ،‬ولن العقيدة وما أفرزته من نظام سياسي قام على‬
‫ماته )أوصيك بالمهاجرين الولين خيرا‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫أكتافهم‪ ،‬فهم أهله وحملته و ُ‬
‫أن تعرف لهم سابقتهم‪ ،‬وأوصيك بالنصار خيرا‪ ،‬فاقبل من محسنهم‬
‫وتجاوز عن مسيئهم(‪.‬‬
‫‪ -3‬الناحية العسكرية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫عظم المسئولية‬‫َ‬ ‫أ‪ -‬الهتمام بالجيش وإعداده إعداًدا يتناسب و ِ‬
‫الملقاة على عاتقه لضمان أمن الدولة وسلمتها‪ ،‬والعناية بسد‬
‫حاجات المقاتلين )التفرغ لحوائجهم وثغورهم(‪.‬‬
‫ب‪ -‬تجنب إبقاء المقاتلين لمدة طويلة في الثغور بعيدا عن‬
‫عوائلهم‪ ،‬وتلفيا لما قد يسببه ذلك من ملل وقلق وهبوط في‬
‫المعنويات‪ ،‬فمن الضروري منحهم إجازات معلومة في أوقات‬
‫معلومة يستريحون فيها ويجددون نشاطهم خللها من جهة‪ ،‬ويعودون‬
‫)( الطبقات لبن سعد )‪ ,(3/339‬البيان والتبيين للجاحظ )‪ ,(2/46‬الكامل في‬ ‫‪1‬‬

‫التاريخ )‪ ,(2/210‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني‪ ،‬ص ‪.172 ،171‬‬

‫‪49‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫إلى عوائلهم لكي ل ينقطع نسلهم من جهة ثانية )ول تجمرهم في‬
‫الثغور فينقطع نسلهم(‪) ،‬وأوصيك بأهل المصار خيرا‪ ،‬فإنهم ردء‬
‫العدو(‪.‬‬
‫ج‪ -‬إعطاء كل مقاتل ما يستحقه من فيء وعطاء؛ وذلك لضمان‬
‫مورد ثابت له ولعائلته يدفعه إلى الجهاد‪ ،‬ويصرف عنه التفكير في‬
‫شئونه المالية )ول تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم‪ ،‬ول تحرمهم‬
‫عطاياهم عند محلها فتفقرهم(‪.‬‬
‫‪ -4‬الناحية القتصادية والمالية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫العناية بتوزيع الموال بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم‪،‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫وتلفي كل ما من شأنه تجميع الموال عند طبقة منهم دون أخرى )ول‬
‫تجعل الموال دولة بين الغنياء منهم(‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم تكليف أهل الذمة فوق طاقتهم إن هم أدوا ما عليهم‬
‫من التزامات مالية للدولة )ول تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما‬
‫عليهم للمؤمنين(‪.‬‬
‫ج‪ -‬ضمان الحقوق المالية للناس وعدم التفريط بها‪ ،‬وتجنب‬
‫إل‪(1‬عن فضل منهم(‪) ،‬أن‬ ‫)‬
‫فرض ما ل طاقة لهم به )ول تحمل منهم‬
‫تأخذ حواشي أموالهم فترد على فقرائهم(‪.‬‬
‫‪ -5‬الناحية الجتماعية‪ ،‬وتضمنت‪:‬‬
‫أ‪ -‬الهتمام بالرعية‪ ،‬والعمل على تفقد أمورهم وسد احتياجاتهم‬
‫وإعطاء حقوقهم من فيء وعطاء‪) ..‬ول تحرمهم عطاياهم عند‬
‫محلها(‪.‬‬
‫ب‪ -‬اجتناب الث ََرة والمحاباة واتباع الهوى؛ لما فيها من مخاطر‬
‫تقود إلى انحراف الراعي‪ ،‬وتؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب‬
‫علقاته النسانية )وإياك والثرة والمحاباة فيما ولك الله(‪) ،‬ول تؤثر‬
‫غنيهم على فقيرهم(‪.‬‬
‫ج‪ -‬احترام الرعية وتوقيرها والتواضع لها‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪ ،‬لما‬
‫في ذلك من سمو في العلقات الجتماعية‪ ،‬تؤدي إلى زيادة تلحم‬
‫الرعية بقائدها وحبها له )وأناشدك الله إل ترحمت على جماعة‬
‫المسلمين‪ ،‬وأجللت كبيرهم ورحمت صغيرهم‪ ،‬ووقرت عالمهم(‪.‬‬
‫د‪ -‬النفتاح على الرعية‪ ،‬وذلك بسماع شكاواهم وإنصاف بعضهم‬
‫من بعض‪ ،‬وبعكسه تضطرب العلقات بينهم ويعم الرتباك في‬
‫المجتمع )ول تغلق بابك دونهم‪ ،‬فيأكل قويهم ضعيفهم(‪.‬‬
‫هـ‪ -‬اتباع الحق والحرص على تحقيقه في المجتمع وفي كل‬
‫الظروف والحوال؛ لكونه ضرورة اجتماعية ل بد من تحقيقها بين‬
‫الناس )ثم اركب الحق‪ ،‬وخض إليه الغمرات(‪) ،‬واجعل الناس عندك‬
‫ن وجب الحق(‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ل على َ‬
‫سواء‪ ،‬ل تبا ِ‬
‫و‪ -‬اجتناب الظلم بكل صوره وأشكاله‪ ،‬خاصة مع أهل الذمة؛ لن‬

‫)( الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني‪ ،‬ص ‪.175 ،174‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪50‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫العدل مطلوب إقامته بين جميع رعايا الدولة مسلمين وذميين؛ لينعم‬
‫الجميع بعدل السلم )وأوصيك أل ترخص لنفسك ول لغيرك في‬
‫ظلم أهل الذمة(‪.‬‬
‫ز‪ -‬الهتمام بأهل البادية ورعايتهم والعناية بهم)‪)(1‬وأوصيك بأهل‬
‫البادية خيرا‪ ،‬فإنهم أصل العرب‪ ،‬ومادة السلم(‪.‬‬
‫لمن‪(2‬بعده‪ :‬أل يقر لي عامل أكثر‬‫)‬
‫ح‪ -‬وكان من ضمن وصية عمر‬
‫من سنة‪ ،‬وأقروا الشعري أربع سنين‪.‬‬
‫ثالثـا‪ :‬منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى‪:‬‬
‫‪ -1‬اجتماع الرهط للمشاورة‪:‬‬
‫لم يكد يفرغ الناس من دفن عمر بن الخطاب ‪ ‬حتى أسرع‬
‫رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة العلى إلى الجتماع في بيت‬
‫عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪ ،‬وقيل إنهم اجتمعوا في بيت‬
‫فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس‪ ،‬ليقضوا في‬
‫أعظم قضية عرضت في حياة المسلمين‪ ،‬بعد وفاة عمر‪ ،‬وقد تكلم‬
‫بتوفيق الله إلى كلمة سواء رضيها‬ ‫القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا‬
‫الخاصة والكافة من المسلمين)‪.(3‬‬
‫‪ -2‬عبد الرحمن يدعو إلى التنازل‪:‬‬
‫عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف‪:‬‬
‫اجعلوا أمركم إلى ثلثة منكم‪ ،‬فقال الزبير‪ :‬جعلت أمري إلى علي)‪,(4‬‬
‫وقال طلحة‪ :‬جعلت أمري إلى عثمان‪ ،‬وقال سعد‪ :‬جعلت أمري إلى‬
‫عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وأصبح المرشحون الثلثة علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬فقال عبد‬
‫الرحمن‪ :‬أيكما تبرأ من هذا المر فنجعله إليه والله عليه والسلم‬
‫بن‬
‫)‪(5‬‬
‫لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان‪ ،‬فقال عبد الرحمن‬
‫ي والله على أن ل آلو عن أفضلكما‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫عوف‪ :‬أفتجعلونه إل ّ‬
‫‪ -3‬تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى‪:‬‬
‫بدأ عبد الرحمن بن عوف ‪ ‬اتصالته ومشاوراته فور انتهاء‬
‫اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الحد‪ ،‬واستمرت مشاوراته‬
‫واتصالته ثلثة أيام كاملة‪ ،‬حتى فجر يوم الربعاء الرابع من محرم‬
‫وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر‪ ،‬وبدأ عبد الرحمن‬
‫ي‪ ،‬فمن ترشح‬ ‫بعلي بن أبي طالب فقال له‪ :‬إن لم أبايعك فأشر عل ّ‬
‫للخلفة؟ قال علي‪ :‬عثمان بن عفان‪ ،‬وذهب عبد الرحمن إلى عثمان‬
‫وقال له‪ :‬إن لم أبايعك‪ ،‬فمن ترشيح للخلفة؟ فقال عثمان‪ :‬علي بن‬
‫أبي طالب‪ ...‬وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الخرين‬
‫واستشارهم‪ ،‬وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار‬

‫)( الخليفة الفاروق للعاني‪ ،‬ص ‪.175 -173‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.63 ،62‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (3 ,‬البخاري‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي‪ ،‬رقم‪(3700) :‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬
‫)( البخاري‪ ،‬كتابـ فضائل أصحابـ النبي‪ ،‬رقم‪.(3700 ) :‬‬

‫‪51‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الصحابة وأشرافهم‪ ،‬ومن أمراء الجناد‪ ،‬ومن يأتي للمدينة‪ ،‬وشملت‬
‫مشاورته النساء في خدورهن‪ ،‬وقد أبدين رأيهن‪ ،‬كما شملت‬
‫الصبيان والعبيد في المدينة‪ ،‬وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن‬
‫عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان‪ ،‬ومنهم‬
‫من كان يشير بعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما‪ .‬وفي منتصف‬
‫بيت ابن أخته‪ :‬المسور‬ ‫ليلة الربعاء‪ ،‬ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى‬
‫بن مخرمة‪ ،‬فطرق البيت‪ ،‬فوجد المسور نائما)‪ ,(1‬فضرب الباب حتى‬
‫استيقظ فقال‪ :‬أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم‪،‬‬
‫له‪ ،‬فشاورهما ثم دعاني فقال‪:‬‬ ‫انطلق فادع الزبير وسعدا‪ ،‬فدعوتهما‬
‫ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهاّر)‪ (2‬الليل ثم قام علي من‬
‫عنده‪ ...‬ثم قال‪(3):‬ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما‬
‫المؤذن بالصبح‪.‬‬
‫‪ -4‬التفاق على بيعة عثمان‪:‬‬
‫وبعد صلة صبح يوم البيعة )اليوم الخير من شهر ذي الحجة‬
‫‪23‬هـ‪ 6 /‬نوفمبر ‪644‬م( وكان صهيب الرومي المام إذ أقبل عبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ ،‬وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله ×‪,‬‬
‫وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر‪ ،‬أرسل إلى من كان‬
‫حاضرا من المهاجرين والنصار وأمراء الجناد منهم‪ :‬معاوية أمير‬
‫الشام‪ ،‬وعمير بن سعد أمير حمص‪ ،‬وعمرو بن العاص أمير مصر‪،‬‬
‫تلك الحجة مع عمر وصاحبوه‬ ‫)‪(4‬‬
‫وكانوا وافوا‬
‫إلى المدينة‪.‬‬
‫وجاء في رواية البخاري‪ :‬فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك‬
‫الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والنصار‪،‬‬
‫وأرسل إلى أمراء الجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر‪ ،‬فلما‬
‫اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال‪ :‬أما بعد‪ ،‬يا علي إني قد نظرت‬
‫في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان‪ ،‬فل تجعلن على نفسك‬
‫سبيل‪ ،‬فقال‪ (5):‬أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده‪،‬‬
‫الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والنصار وأمراء الجناد‬ ‫)‪(6‬‬
‫فبايعه عبد‬
‫والبيان( أن علي بن‬
‫)‪(7‬‬
‫)التمهيد‬ ‫صاحب‬ ‫رواية‬ ‫في‬ ‫وجاء‬ ‫والمسلمون‪.‬‬
‫أبي طالب أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف‪.‬‬
‫‪ -5‬حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة الشورى‪:‬‬
‫نفذ عبد الرحمن بن عوف خطة الشورى بما دل على شرف‬
‫عقله‪ ،‬ونبل نفسه‪ ،‬وإيثاره مصلحة المسلمين العامة على مصلحته‬
‫الخاصة ونفعه الفردي‪ ،‬وترك عن طواعية ورضا أعظم منصب يطمع‬
‫إليه إنسان في الدنيا‪ ،‬ليجمع كلمة المسلمين‪ ،‬وحقق أول مظهر من‬
‫مظاهر الشورى المنظمة في اختيار من يجلس على عرش الخلفة‬
‫الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.107 ،106‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫ابهار‪ :‬أي انتصف‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الحكام‪ ،‬رقم‪.(7207) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫شهيد الدار عثمان بن عفان‪ ،‬أحمد الخروف‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫قوله‪" :‬فقال" أي عبد الرحمن مخاطبا عثمان‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الحكام‪ ،‬رقم‪.(7207) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪52‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ويسوس أمور المسلمين‪ ،‬فهو قد اصطنع من الناة والصبر والحزم‬
‫وحسن التدبير ما كفل له النجاح في أداء مهمته العظمى‪ ،‬وقد كانت‬
‫الخطوات التي اتخذها كالتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬بسط برنامجه في أول جلسة عقدها مجلس الشورى في‬
‫دائرة الزمن الذي حده لهم عمر‪ ،‬وبذلك أمكنه أن يحمل جميع‬
‫أعضاء مجلس الشورى على أن يدلوا برأيهم‪ ،‬فعرف مذهب كل‬
‫واحد منهم ومرماه‪ ،‬فسار في طريقه على بينة من أمره‪.‬‬
‫وخلع نفسه وتنازل عن حقه في الخلفة ليدفع الظنون ويستمسك‬ ‫ب‪-‬‬
‫بعروة الثقة الوثقى‪.‬‬
‫ج‪ -‬أخذ في تعرف نهاية ما يصبو إليه كل واحد من أصحابه‬
‫وشركائه في الشورى‪ ،‬فلم يزل يقلب وجوه الرأي معهم حتى انتهى‬
‫إلى شبه انتخاب جزئي فاز فيه عثمان برأي سعد ابن أبي وقاص‪،‬‬
‫ورأي الزبير بن العوام‪ ،‬فلحت له أغلبية آراء العضاء الحاضرين‬
‫معه‪.‬‬
‫د‪ -‬عمد إلى معرفة كل واحد من المامين‪ :‬عثمان وعلي في‬
‫صاحبه بالنسبة لوزنه من سائر الرهط الذي رشحهم عمر‪ ،‬فعرف‬
‫من كل واحد منهم أنه ل يعدل صاحبه أحدا إل فاته المر‪.‬‬
‫وراء مجلس الشورى من خاصة المة‬ ‫هـ‪-‬أخذ في تعرف رأين َم ْ‬
‫أن( معظم النا س ل يعدلون‬‫)‪1‬‬
‫فرأى‬ ‫وضعفائها‪،‬‬ ‫وذوي رأيها‪ ،‬ثم من عامتها‬
‫أحدا بعثمان‪ ،‬فبايع له‪ ،‬وبايعه عامة النا س‪.‬‬
‫لقد تمكن عبد الرحمن بن عوف بكياسته وأمانته واستقامته‬
‫ونسيانه نفسه بالتخلي عن الطمع في الخلفة والزهد بأعلى منصب‬
‫المحنة وقاد ركب الشورى بمهارة وتجرد‪،‬‬ ‫في الدولة‪ ،‬أن يجتاز هذه‬
‫مما يستحق أعظم التقدير)‪.(2‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من‬
‫المر وقت الشورى‪ ،‬واختياره للمة من أشار به أهل الحل والعقد‪،‬‬
‫فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع المة على عثمان‪ ,‬ولو كان‬
‫لنفسه‪ ،‬أو لولها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه‬ ‫محابيا فيها لخذها‬
‫سعد بن أبي وقاص)‪.(3‬‬
‫وبهذا تحققت صورة أخرى من صور الشورى في عهد‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬وهي الستخلف عن طريق مجلس‬
‫الشورى ليعينوا أحدهم بعد أخذ المشورة العامة‪ ،‬ثم البيعة‬
‫العامة)‪.(4‬‬
‫رابًعا‪ :‬أباطيل رافضية دست في قصة الشورى‪:‬‬
‫هناك أباطيل شيعية وأكاذيب رافضية دست في التاريخ‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.71 ،70‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫مجلة البحوث السلمية‪ ،‬العدد )‪ ،(10‬ص ‪.225‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سير أعلم النبلء‪ ،‬شمس الدين الذهبي‪.(1/86) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.278‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪53‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫السلمي‪ ،‬منها في قصة الشورى‪ ،‬وتولية عثمان الخلفة‪ ،‬وقد تلقفها‬
‫المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها‪ ،‬وتأثر بها الكثير من المؤرخين‬
‫والمفكرين المحدثين‪ ،‬ولم يمحصوا الروايات ويحققوا في سندها‬
‫ومتنها فانتشرت بين المسلمين‪.‬‬
‫لقد اهتم مؤرخو الشيعة الرافضة بقصة الشورى وتولية عثمان‬
‫بن عفان الخلفة ودسوا فيها الباطيل والكاذيب‪ ،‬وألف جماعة منهم‬
‫فقد ألف أبو مخنف كتاب الشورى‪ ،‬وكذلك ابن عقدة‬ ‫)‪(1‬‬
‫كتبا خاصة‪،‬‬
‫طريق الواقدي في‬ ‫من‬ ‫روايات‬ ‫تسع‬ ‫سعد‬ ‫ابن‬ ‫ونقل‬ ‫بابويه‪.‬‬ ‫وابن‬
‫خبر الشورى وبيعة عثمان وتاريخ توليه للخلفة)‪ ،(2‬ورواية من طريق‬
‫عبيد الله بن موسى تضمنت مقتل عمر وحصره للشورى في الستة‪،‬‬
‫وعثمان إذا تولى أحدهما أمر الخلفة‪ ،‬ووصيته‬ ‫)‪(3‬‬
‫ووصيته لكل من علي‬
‫لصهيب في هذا المر‪.‬‬
‫مخنف)‪,(4‬‬ ‫وقد نقل البلذري خبر الشورى وبيعة عثمان عن أبي‬
‫مخنف ومنها تفرد به)‪،(5‬‬
‫)‪(7‬‬
‫الكلبي منها ما نقله عن أبي‬ ‫)‪(6‬‬
‫وعن هشام‬
‫واعتمد( الطبري في‬ ‫‪،‬‬ ‫موسى‬ ‫بن‬ ‫الله‬ ‫عبيد‬ ‫وعن‬ ‫‪,‬‬ ‫الواقدي‬ ‫وعن‬
‫هذه القصة على عدة روايات منها رواية أبي مخنف)‪ ، 8‬ونقل ابن أبي‬
‫الحديد بعض أحداث قصة الشورى من طريق أحمد بن عبد العزيز‬
‫الجوهري)‪ ,(9‬وأشار إلى نقله عن كتاب )الشورى( للواقدي)‪ ,(10‬وقد‬
‫تضمنت الروايات الشيعية عدة أمور مدسوسة ليس لها دليل من‬
‫الصحة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين‪:‬‬
‫اتهمت الروايات الشيعية الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين‪،‬‬
‫وعدم رضا علي بأن يقوم عبد الرحمن باختيار الخليفة‪ ،‬فقد ورد عند‬
‫أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل‬
‫ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وأن عليا أحس بأن‬
‫ذهبت منه لن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي‬ ‫الخلفة‬
‫بينهما‪ (11) .‬وقد نفى ابن تيمية أي ارتباط في النسب القريب بين‬
‫عثمان وعبد الرحمن‪ ،‬فقال‪ :‬فإن عبد الرحمن ليس أخا لعثمان ول‬
‫ابن عمه ول من قبيلته أصل‪ ،‬بل هذا من بني زهرة وهذا من بني‬
‫أمية وبنو زهرة إلى بني هاشم أكثر ميل منهم إلى بني أمية‪ ،‬فإن‬
‫بني زهرة أخوال النبي × ومنهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن‬
‫أبي وقاص الذي قال له النبي ×‪» :‬هذا خالي فليرني امرؤ خاله«‪.‬‬
‫)‪ (12‬فإن النبي × لم يؤاِخ بين مهاجريّ ومهاجري‪ ،‬ول بين أنصاري‬
‫)( الذريعة إلى تصانيف الشيعة )‪.(14/246‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الطبقات الكبرى لبن سعد )‪. ،(3/67) (3/63‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر السابق‪.(3/340) ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (6،7 ،‬أنساب الشراف‪ ،‬البلذري )‪.(19 ،5/18‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫)( المصدر السابق‪.(5/6) ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز نور‪ ،‬ص ‪ ،321‬وهو العمدة‬ ‫‪8‬‬

‫في هذه الفقرة‪.‬‬


‫)( شرح نهج البلغة‪.(58 -50 ،9/49) ،‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( المصدر السابق )‪(9/15‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ ،‬ص ‪.322‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( صحيح سنن الترمذي )‪ ،(3/220‬رقم )‪.(4018‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪54‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وأنصاري‪ ،‬وإنما آخى بين المهاجرين والنصار؛ فآخى بين عبد‬
‫الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع النصاري))‪ ،((21‬وحديثه مشهور ثابت‬
‫في الصحاح وغيرها‪ ،‬يعرفه أهل العلم بذلك‪ .‬وقد بنت الروايات‬
‫الشيعية محاباة عبد الرحمن لعثمان للمصاهرة التي كانت بينهما‬
‫متناسية أن قوة النسب أقوى من المصاهرة من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى تناسوا طبيعة العلقة بين المؤمنين في الجيل الول‪ ،‬وأنها ل‬
‫تقوم على نسب ول مصاهرة‪ ،‬وأما كيفية المصاهرة التي كانت بين‬
‫أن عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت عقبة‬ ‫)‪(3‬‬
‫عبد الرحمن وعثمان فهي‬
‫بن أبي معيط أخت الوليد‪.‬‬
‫‪ -2‬حزب أموي وحزب هاشمي‪:‬‬
‫أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني‬
‫أثناء( المبايعة‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬ولم يرد ذلك برواية صحيحة ول‬ ‫أمية‬
‫ضعيفة‪ 4).‬وقد انساق بعض المؤرخين خلف الروايات الشيعية‬
‫الرافضية وبنوا تحليلتهم الخاطئة على تلك الروايات‪ ،‬فصوروا تشاور‬
‫أصحاب الرسول × في تحديد الخليفة الجديد بصورة الخلف‬
‫العشائري‪ ،‬وأن الناس قد انقسموا إلى حزبين حزب أموي وحزب‬
‫هاشمي‪ ،‬وهو تصور موهوم واستنتاج مردود ل دليل عليه؛ إذ ليس‬
‫نابًعا من ذلك الجو الذي كان يعيشه أصحاب رسول الله حينما كان‬
‫يقف المهاجري مع النصاري ضد أبيه وأخيه وابن عمه وبني‬
‫عشيرته‪ ،‬وليس نابًعا من تصور هؤلء الصحب وهم يضحون بكل‬
‫شيء من حطام الدنيا في سبيل أن يسلم لهم دينهم‪ ،‬ول من‬
‫المعرفة الصحيحة لهؤلء النخبة من المبشرين بالجنة‪ ،‬فالحداث‬
‫الكثيرة التي رويت عن هؤلء تثبت أن هؤلء كانوا أكبر بكثير من أن‬
‫ينطلقوا من هذه الزاوية الضيقة في‬
‫معالجة أمورهم‪ ،‬فليست القضية قضية تمثيل عائلي أو عشائري‪،‬‬
‫فهم أهل شورى لمكانتهم‬
‫في السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬أقوال نسبت زوًرا وبهتاًنا لعلي ‪:‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره‬
‫عن رجال ل يعرفون أن عليا قال لعبد الرحمن‪ :‬خدعتني‪ ،‬وإنك إنما‬
‫وليته لنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه‪ ،‬وأنه تلكأ حتى قال‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫عو َ‬‫ما ي َُباي ِ ُ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫عون َ َ‬ ‫ن ي َُباي ِ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫عبد الرحمن بن عوف‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫فسه ومن أ َ‬ ‫ه‬
‫ي َدُ الل َ ِ‬
‫فى‬ ‫و َ‬‫َ َ ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ث‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ين‬ ‫ما‬
‫ِ َ ََ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫من‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫وق َ أ ْ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫جًرا‬ ‫هأ ْ‬ ‫ؤِتي ِ‬ ‫سي ُ ْ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫ما‬‫بِ َ‬
‫ما" ]الفتح‪.[10 :‬‬ ‫ً‬ ‫ظي‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫‪ -4‬اتهام عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة‪:‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ ،‬رقم )‪.(3780‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫منهاج السنة النبوية لبن تيمية‪.(272 ،6/271) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات الكبرى‪.(3/127) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الخلفاء الراشدون‪ ,‬أمين القضاة‪ ،‬ص ‪.79 ،78‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وقد ذكر أبو مخنف في روايته في قضية الشورى عن عمرو بن‬
‫العاص والمغيرة بن شعبة أنهما جلسا عند الباب‪ ،‬ورد سعد عليهما‪،‬‬
‫فهذا يستغرب من رعاع الناس فضل عن الصحابة الكرام‪ ،‬وكيف‬
‫يقول سعد لهما‪ :‬تريدان أن تقول‪ :‬حضرنا وكنا من أهل الشورى وقد‬
‫علم الناس أهل الشورى بأعيانهم واستفاض ذلك عندهم‪ .‬وفي‬
‫الحقيقة أن رواية أبي مخنف يناقض بعضها بعضا‪ ،‬وهي واضحة لمن‬
‫تدبرها وقارنها بالصول الصحيحة‪ ،‬وغرائبها أشهر من ذكرها‪ .‬وقد‬
‫اليحيى‪(1‬إلى نماذج وأمثلة تكفي لسقاط هذه‬ ‫أشار الدكتور يحيى‬
‫الرواية وعدم العتبار بها‪ ).‬هذه بعض الشارات العابرة ذكرتها‬
‫للتنبيه والتحذير من تلك السموم المبثوثة في تراثنا التاريخي‪،‬‬
‫والموروث الثقافي للمة‪ ،‬فقد أثرت في رجال الفكر‬
‫والقلم والتاريخ‪.‬‬
‫سا‪ :‬أحقية خلفة عثمان بن عفان ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫ل يشك مؤمن في أحقية خلفة عثمان ‪ ‬وصحتها‪ ،‬وأنه ل‬
‫مطعن فيها لحد إل ممن أصيب قلبه بزيغ فنقم على أصحاب رسول‬
‫الله × بسبب ما حل في قلبه من الغيظ منهم‪ ،‬وهذا لم يحصل إل‬
‫من الشيعة الرافضة الذين جعلوا رأس مالهم في هذه الحياة الدنيا‬
‫هو سب الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬وبغضهم‪ ،‬ول قيمة لما يوجهونه‬
‫من المطاعن على خلفة الثلثة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬لظهور بطلنه‪،‬‬
‫وأنها افتراءات ل تصح‪ .‬وقد جاء في جملة من النصوص القطعية‬
‫الشهيرة التنبيه واليماء إلى أحقية خلفة عثمان بن‬ ‫الصحيحة والثار‬
‫عفان ‪ ،‬ومن ذلك)‪:(2‬‬
‫مُلوا‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪ -1‬قوله َتعالى‪َ + :‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ف ال ِ‬ ‫خل َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ف َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت لي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫من َ ِ ْ َ َ‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫ن ِبي‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نا‬‫ً‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن" ]النور‪.[55 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫كِ َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫فَر ب َ ْ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫َ‬
‫وجه الستدلل بهذه الية على أحقية خلفة عثمان ‪ ‬أنه من الذين‬
‫استخلفهم الله في الرض‪ ،‬ومكن لهم فيها‪ ،‬وسار في الناس أيام‬
‫خلفته سيرة حسنة؛ حيث حكم فيهم بالعدل وأقام الصلة وآتى‬
‫الزكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر‪ ،‬فهذه الية تضمنت الشارة‬
‫إلى‬
‫أحقيته ‪.(3)‬‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ست ُدْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫عَرا ِ‬ ‫ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫خل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قل ل ّل ْ ُ‬ ‫‪ -2‬قوله تعالى‪ُ + :‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فِإن‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫دي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫إ َِلى َ‬
‫ّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ ّْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وم ٍ أو ُِلي ب َأ ٍ‬ ‫ق ْ‬
‫من‬ ‫ولي ُْتم ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫وا ك َ‬ ‫ول ْ‬ ‫وِإن ت َت َ َ‬ ‫سًنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫ه َأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ؤت ِك ُ‬ ‫عوا ي ُ ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫ما" ]الفتح‪ .[16 :‬وجه الستدلل بهذه الية‬ ‫ً‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫با‬ ‫ً‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫قب ْ‬ ‫َ‬
‫على أحقية خلفة عثمان ‪ ‬هو أن الداعي لهؤلء العراب داع‬
‫يدعوهم بعد نبيه × وهو أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ فأبو‬
‫بكر دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك فوجبت طاعة هؤلء‬
‫)( مرويات أبي مخنف‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2 ,‬عقيدة أهل السنة في الصحابة‪.(2/656) ،‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫)( عقيدة أهل السنة في الصحابة‪،‬ـ ) ‪.(2/656‬‬

‫‪56‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬بنص القرآن‪ ،‬وإذا وجبت طاعتهم صحت‬ ‫الثلثة‬
‫خلفتهم)‪ (1‬رضي الله عنهم وأرضاهم‪.‬‬
‫‪ -3‬عن أبي موسى ‪ ‬قال‪ :‬إن النبي × دخل حائطا وأمرني‬
‫بحفظ باب الحائط‪ ،‬فجاء رجل يستأذن فقال‪ :‬ائذن له وبشره‬
‫بالجنة‪ ،‬فإذا هو أبو بكر‪ ،‬ثم جاء آخر يستأذن فقال‪ :‬ائذن له وبشره‬
‫بالجنة‪ ،‬فإذا هو عمر‪ ،‬ثم جاء آخر يستأذن فقال‪ :‬ائذن له وبشره‬
‫بالجنة على بلوى تصيبه‪ ,‬فإذا هو عثمان بن عفان‪ (2).‬هذا الحديث فيه‬
‫إشارة إلى ترتيب الثلثة في الخلفة‪ ،‬وإخبار عن بلوى تصيب عثمان‪،‬‬
‫هذه البلوى حصلت له ‪ ‬وهي حصاره يوم الدار‬
‫حتى قتل آنذاك مظلوما‪ ،‬فالحديث علم من أعلم النبوة‪ ،‬وفيه‬
‫الشارة إلى كونه‬
‫شهيدا رضي الله عنه وأرضاه)‪.(3‬‬
‫بإسناده إلى جابر بن عبد الله أنه‬ ‫‪ -4‬روى أبو داود ‪-‬رحمه الله‪-‬‬
‫ل صالح‪ :‬أن أبا‬ ‫دث أن رسول الله × قال‪» :‬أ ُرِيَ الليلة رج ٌ‬ ‫كان يح ّ‬
‫بكر نيط برسول الله ×‪ ،‬ونيط عمر بأبي بكر‪ ،‬ونيط عثمان بعمر«‪،‬‬
‫قال جابر‪ :‬فلما قمنا من عند رسول الله × قلنا‪ :‬أما الرجل‬
‫وط بعضهم ببعض‪ ،‬فهم ولة هذا‬ ‫الصالح فرسول الله ×‪ ،‬وأما ت َن َ ّ‬
‫المر الذي)‪(4‬بعث الله‬
‫به نبيه ×‪.‬‬
‫‪ -5‬وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله × يقول‪» :‬إنها ستكون فتنة واختلف ‪-‬أو‬
‫اختلف وفتنة‪ -‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬فما تأمرنا؟ قال‪:‬‬
‫»عليكم بالمين وأصحابه« وأشار إلى عثمان‪ (5).‬وهذا الحديث‬
‫فيه معجزة ظاهرة للنبي × الدالة على صدق نبوته؛ حيث أخبر‬
‫بالفتنة التي حصلت أيام خلفة عثمان وكانت كما أخبر‪ ،‬وتضمن‬
‫الحديث التنبيه على أحقية خلفة عثمان؛ إذ أنه × أرشد الناس إلى‬
‫أن يلزموه‪ ،‬وأخبر بأنه حين وقوع الفتنة والختلف مع أمير المؤمنين‬
‫ومقدمهم أمرهم باللتفاف حوله وملزمته لكونه على الحق‪،‬‬
‫وقد شهد له الرسول‬ ‫والخارجون عليه على الباطل أهل زيغ وهوى‪،‬‬
‫× بأنه سيكون مستمرا على الهدى ل ينفك عنه)‪.(6‬‬
‫‪ -6‬روى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى عائشة ‪-‬رضي الله‬
‫عنها‪ -‬أن النبي ×‬
‫صا فإن أرادوك على خلعه‬ ‫ً‬ ‫قمي‬ ‫مصك‬ ‫ّ‬ ‫يق‬ ‫الله‬ ‫لعل‬ ‫إنه‬ ‫قال‪» :‬يا عثمان‪،‬‬
‫فل تخلعه لهم«‪ (7).‬ففي هذا الحديث الشارة إلى الخلفة واستعارة‬
‫القميص لها وذكر الخلع ترشيح؛ أي‪:‬‬

‫)( الفصل في الملل والهواء والنحل‪.(110 ،4/109) ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬رقم )‪.(3695‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة‪.(2/657) ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سنن أبي داود )‪.(2/513‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المستدرك )‪ (3/99‬ثم قال‪ :‬حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه‬ ‫‪5‬‬

‫الذهبي‪.‬‬
‫)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة‪.(2/660) ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ (1/613‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪57‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫سيجعلك الله خليفة‪ ،‬فإن قصد الناس عزلك فل تعزل نفسك عنها‬
‫)‪(1‬‬
‫لجلهم؛ لكونك‬
‫على الحق وكونهم على الباطل‪.‬‬
‫لي( عثمان يوم‬ ‫وروى الترمذي بإسناده إلى أبي سهلة قال‪ :‬قال‬ ‫‪-7‬‬
‫الدار‪ :‬إن رسول الله × قد عهد إلي ّعهدا فأنا صابر عليه)‪ .2‬فقوله‪ :‬قد‬
‫أرادوك على خلعه‬ ‫ي ّعهدا‪ ،‬أي‪ :‬أوصاني أن ل أخلع بقوله‪»:‬وإن‬ ‫عهد إل‬
‫فل تخلعه لهم«فأنا صابر عليه‪ ،‬أي‪ :‬على ذلك العهد)‪.(3‬‬
‫‪ -8‬وروى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى أبي سهلة مولى‬
‫عثمان عن عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬أن رسول الله × قال‪» :‬ادعوا‬
‫لي أو ليت عندي رجل من أصحابي«‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬أبو بكر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫»ل«‪ ،‬قلت‪ :‬عمر‪ ،‬قال‪» :‬ل«‪ ,‬قلت‪ :‬ابن عمك علي‪ ،‬قال‪» :‬ل«‪,‬‬
‫قلت‪ :‬فعثمان‪ ،‬قال‪» :‬نعم« قالت‪ :‬فجاء عثمان‪ ،‬فقال‪» :‬قومي«‪,‬‬
‫قال‪ :‬فجعل النبي × يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير‪ ،‬قال‪ :‬فلما‬
‫ي‬
‫تقاتل؟ قال‪ :‬ل إن رسول الله × عهد إل ّ‬ ‫كان يوم الدار قلنا‪ :‬أل‬
‫أمرا فأنا صابر نفسي عليه)‪.(4‬‬
‫فهذا الحديث والذي قبله فيهما دللة على صحة خلفته‪ ،‬فمن‬
‫أنكر خلفته ولم يره من أهل الجنة والشهداء وأساء الدب فيه‬
‫باللسان أو الجنان فهو خارج عن دائرة اليمان وحيز السلم)‪.(5‬‬
‫‪ -9‬ومما دل على صحة خلفته وإمامته ما رواه البخاري بإسناده‬
‫عن ابن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬كنا في زمن النبي × ل نعدل‬
‫أحدا‪(6،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم نترك أصحاب النبي × ل‬ ‫)‬
‫بأبي بكر‬
‫وألقى‬ ‫ألهمهم‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫إشارة‬ ‫هذا‬ ‫وفي‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫نفاضل‬
‫في روعهم ما كان صانعه بعد نبيه × من أمر ترتيب الخلفة)‪.(7‬‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي‬
‫× من تفضيل أبي بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬وقد روى أن ذلك كان‬
‫يبلغ النبي × فل ينكره‪ ،‬وحينئذ فيكون هذا التفضيل ثابتا بالنص وإل‬
‫فيكون ثابتا بما ظهر بين المهاجرين والنصار على عهد النبي × من‬
‫غير نكير‪ ،‬وبما ظهر لما توفي عمر فإنهم كلهم بايعوا عثمان بن‬
‫عفان من غير رغبة ول رهبة ولم ينكر هذه الولية منكر منهم)‪.(8‬‬
‫وكل ما تقدم ذكره من النصوص في هذه الفقرة أدلة قوية كلها‬
‫فيها الشارة والتنبيه إلى أحقية خلفة عثمان ‪ ‬وأنه ل مرية في‬
‫ذلك‪ ,‬ول نزاع عند المتمسكين بالكتاب والسنة والذين هم أسعد‬
‫الناس بالعمل بهما وهم أهل السنة والجماعة‪ ،‬فيجب على كل‬
‫مسلم أن يعتقد أحقية عثمان ‪ ،‬وأن يسلم تسليما كامل للنصوص‬
‫)( الدين الخالص‪ ،‬محمد صديق حسن القنوجي‪ ,‬البخاري )‪.(3/446‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ (1/605‬إسناد صحيح‪ ،‬الترمذي )‪.(5/295‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تحفة الحوذي‪ ،‬محمد عبد الرحمن المباركفوري )‪.(10/209‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ (1/605‬إسناده صحيح‪ ،‬المستدرك )‪ (3/99‬حديث صحيح‬ ‫‪4‬‬

‫السناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬


‫)( الدين الخالص )‪.(3/446‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي‪ ،‬رقم )‪.(3698‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( عقيدة أهل السنة )‪.(2/664‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( منهاج السنة النبوية لبن تيمية )‪.(3/165‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪58‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الدالة على ذلك)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬انعقاد الجماع على خلفة عثمان‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫أجمع أصحاب رسول الله ×‪ ،‬وكذا من جاء بعدهم ممن سلك‬
‫سبيلهم من أهل السنة والجماعة على أن عثمان بن عفان ‪ ‬أحق‬
‫الناس بخلفة النبوة بعد عمر بن الخطاب ‪ ،‬ولم يخالف أو يعارض‬
‫في هذا أحد؛ بل الجميع سلم له بذلك لكونه أفضل خلق الله على‬
‫الطلق بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‪ ،‬وقد نقل‬
‫بعد‪ (2‬عمر ‪ ‬طائفة من أهل‬ ‫الجماع على أحقية عثمان ‪ ‬بالخلفة‬
‫العلم بالحديث وغيرهم‪ ،‬ومن تلك النقول) ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده إلى حارثة بن مضرب قال‪:‬‬
‫حججت)‪(3‬في إمارة عمر فلم يكونوا يشكون أن الخلفة من بعده‬
‫لعثمان‬
‫‪ -2‬وروى أبو نعيم الصبهاني بإسناده إلى حذيفة ‪ ‬قال‪ :‬إني‬
‫لواقف مع عمر تمس ركبتي ركبته فقال‪ :‬من ترى قومك يؤمرون؟‬
‫الناس قد أسندوا أمرهم إلى‬ ‫قال‪ :‬إن‬
‫ابن عفان)‪.(4‬‬
‫ونقل الحافظ الذهبي عن شريك بن عبد الله القاضي‬ ‫‪-3‬‬
‫فاستخلف المسلمون أبا بكر‪ ،‬فلو‬ ‫ض النبي ×‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أنه‬
‫علموا أن فيهم أحدا أفضل منه كانوا قد غشوا‪ ،‬ثم استخلف‬
‫أبو بكر عم َ ر فقام بما قام به من الحق والعدل‪ ،‬فلما احتضر‬
‫فاجتمعوا على عثمان‪ ،‬فلو علموا‬‫)‪(5‬‬
‫جعل المر شورى بين ستة‪،‬‬
‫أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا‪.‬‬
‫فهذه النقول فيها بيان واضح في أن أصحاب النبي × قد اشتهر‬
‫بينهم أولوية عثمان بالخلفة‪ ،‬وما زال عمر بن الخطاب ‪ ‬حّيا لما‬
‫سبق من علمهم ببعض النصوص المشيرة إلى أن ترتيبه سيكون في‬
‫أفضل الناس على‬
‫)‪(6‬‬
‫خلفة النبوة بعد الفاروق ‪ ،‬ولعلمهم أنه‬
‫الطلق بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم‪.‬‬
‫‪ -4‬روى ابن سعد بإسناده إلى النزال بن سبرة ‪ ‬قال‪ :‬قال عبد‬
‫الله بن مسعود حين استخلف عثمان‪ :‬استخلفنا خير من بقي ولم‬
‫مرنا‬‫اختيار الفضل(‪ .‬وفي رواية أخرى قال‪ :‬أ ّ‬ ‫نأله )أي لم نقصر في‬
‫)‪(7‬‬
‫خير من بقي ولم نأ ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -5‬وقال الحسن بن محمد الزعفراني‪ :‬سمعت الشافعي يقول‪:‬‬

‫)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن علي عايض‬ ‫‪1‬‬

‫حسن الشيخ )‪.(2/664‬‬


‫)( المصدر نفسه )‪.(2/665‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصنف )‪.(14/588‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( كتاب المامة والرد على الرافضة‪ ،‬ص ‪.306‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( ميزان العتدال في نقد الرجال‪ ،‬محمد بن عثمان الذهبي )‪.(2/273‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن على عايض )‬ ‫‪6‬‬

‫‪.(2/666‬‬
‫)( الطبقات الكبرى )‪.(3/63‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪59‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أجمع الناس على خلفة أبي بكر‪ ،‬واستخلف أبو بكر عمر‪ ،‬ثم جعل‬
‫ستة على أن يولوها واحدا فولوها عثمان رضي الله‬ ‫الشورى إلى‬
‫عنهم أجمعين‪ (1).‬وقد نقل أبو حامد محمد المقدسي كلما عزاه‬
‫للمام الشافعي أنه قال‪ :‬واعلموا أن المام الحق بعد عمر ‪‬‬
‫عثمان ‪ ‬بجعل أهل الشورى اختيار المامة إلى عبد الرحمن بن‬
‫عوف واختياره لعثمان ‪ ،‬وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم‪،‬‬
‫وصوبوا رأيه فيما فعله‪ ،‬وأقام الناس على محجة الحق‪ ،‬وبسط‬
‫العدل إلى أن‬
‫استشهد ‪.(2)‬‬
‫أحمد( أنه قال‪ :‬لم يجتمعوا على‬ ‫‪ -6‬وذكر ابن تيمية عن المام‬
‫بيعة أحد ما اجتمعوا على بيعة عثمان)‪. 3‬‬
‫‪ -7‬وقال أبو الحسن الشعري‪ :‬وثبتت إمامة عثمان ‪ ‬بعد عمر‬
‫نص عليهم‬ ‫‪ ‬بعقد من عقد له المامة من أصحاب الشورى الذين‬
‫عمر‪ ،‬فاختاروه ورضوا بإمامته وأجمعوا على فضله وعدله)‪.(4‬‬
‫‪ -8‬وقال عثمان الصابوني مبينا عقيدة السلف وأصحاب الحديث‬
‫في ترتيب الخلفة بعد أن ذكر أنهم يقولون أول ً بخلفة الصديق ثم‬
‫الشورى وإجماع‬ ‫عمر‪ ،‬قال‪ :‬ثم خلفة عثمان ‪ ‬بإجماع أهل‬
‫الصحاب كافة ورضاهم به‪ ،‬حتى جعل المر إليه)‪.(5‬‬
‫‪ -9‬وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمة الله تعالى عليه وعلى‬
‫جميع العلماء المصلحين‪:-‬‬
‫وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان لم يتخلف عن بيعته أحد‪...‬‬
‫فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما‪ ،‬وإل فلو قدر أن عبد‬
‫الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ول غيره من الصحابة أهل الشوكة لم‬
‫يصر إماما‪ ،‬ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة‪ :‬عثمان وعلي‬
‫وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬ثم إنه خرج طلحة‬
‫والزبير وسعد باختيارهم‪ ،‬وبقي عثمان وعلي وعبد الرحمن ل يتولى‬
‫ويولي أحد الرجلين‪ ،‬وأقام عبد الرحمن ثلثا حلف أنه لم يغمض فيها‬
‫بكبير نوم يشاور السابقين الولين والتابعين لهم بإحسان يشاور‬
‫أمراء الجناد‪ ،‬وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام‪ ،‬فأشار عليه‬
‫المسلمون بولية عثمان‪ ،‬وذكر أنهم كلهم قدموا عثمان فبايعوه ل‬
‫عن رغبة أعطاهم إياها ول عن رهبة أخافهم بها‪ ،‬ولهذا قال غير واحد‬
‫من السلف والئمة كأيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني‬
‫وغيرهم‪ :‬من قدم عليا على عثمان فقد ازدرى بالمهاجرين والنصار‪،‬‬
‫الدلة على أن عثمان أفضل؛ لنهم قدموه باختيارهم‬ ‫)‪(6‬‬
‫وهذا من‬
‫واشتوارهم‪.‬‬
‫‪ -10‬وقال الحافظ ابن كثير ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬حاكيا إجماع‬

‫مناقب الشافعي للبيهقي )‪.(435 ،1/434‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الرد على الرافضة‪ ،‬ص ‪.320 ،319‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫منهاج السنة )‪ ,(3/166‬السنة للخلل‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البانة عن أصول الديانة‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن الرسالة المنبرية )‪.(1/139‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫منهاج السنة )‪.(1/134‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪60‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الصحابة على خلفة عثمان ‪ :‬ويروى أن أهل الشورى جعلوا المر‬
‫إلى عبد الرحمن ليجتهد للمسلمين في أفضلهم ليوليه‪ ،‬فيذكر أنه‬
‫سأل من يمكنه سؤاله من أهل الشورى‪ ،‬وغيرهم فل يشير إل‬
‫بعثمان بن عفان حتى إنه قال لعلي‪ :‬أرأيت إن لم أوّلك بمن تشير به‬
‫ي؟ قال‪ :‬بعثمان‪ ،‬وقال لعثمان‪ :‬أرأيت إن لم أوّلك بمن تشير به؟‬ ‫عل ّ‬
‫قال‪ :‬بعلي بن أبي طالب‪ .‬والظاهر أن هذا كان قبل أن ينحصر المر‬
‫في ثلثة‪ ،‬وينخلع عبد الرحمن منها لينظر الفضل‪ ،‬والله عليه‬
‫والسلم ليجتهد في أفضل الرجلين فيوليه‪ ،‬ثم نهض عبد الرحمن بن‬
‫عوف ‪ ‬يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس‬
‫الناس وأقيادهم جميعا وأشتاتا‪ ،‬مثنى وفرادى‪ ،‬ومجتمعين سّرا‬
‫وجهًرا‪ ,‬حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن‪ ،‬وحتى سأل‬
‫رد من الركبان والعراب إلى‬ ‫الولدان في المكاتب‪ ،‬وحتى سأل من ي َ ِ‬
‫المدينة في مدة ثلثة أيام بلياليها‪ ،‬ل يغتمض بكثير نوم إل في صلة‬
‫ودعاء واستخارة وسؤال من ذوي الرأي عنهم‪ ،‬فلم يجد أحدا يعدل‬
‫بعثمان بن عفان ‪ ،‬فلما كانت الليلة التي يسفر صاحبها عن اليوم‬
‫الرابع من موت عمر بن الخطاب جاء إلى منزل ابن أخته المسور‬
‫بن مخرمة وأمره أن ينادي له عليا وعثمان ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫فناداهما فحضرا إلى عبد الرحمن فأخبرهما أنه سأل الناس فلم يجد‬
‫أحدا يعدل بهما أحدا‪ ،‬ثم أخذ العهد على كل منهما أيضا لئن وله‬
‫ليعدلن ولئن ُولي عليه ليسمعن وليطيعن‪ ،‬ثم خرج إلى المسجد وقد‬
‫لبس عبد الرحمن العمامة التي عممه بها رسول الله × وتقلد سيفا‪،‬‬
‫وبعث إلى وجوه الناس من المهاجرين والنصار‪ ،‬ونودي في الناس‬
‫ص بالناس‪،‬‬‫عامة الصلة جامعة‪ ،‬فامتل المسجد بالناس حتى غ ّ‬
‫ص الناس وتراصوا حتى لم يبق لعثمان موضع يجلس فيه إل في‬ ‫وترا ّ‬
‫أخريات الناس‪ ،‬وكان رجل حيّيا ‪ ،‬ثم صعد عبد الرحمن بن عوف‬
‫منبر رسول الله × فوقف وقوفا طويل ودعا دعاء طويل لم يسمعه‬
‫الناس‪ ،‬ثم تكلم فقال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إني سألتكم سّرا وجهًرا عن‬
‫إمامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين إما علي وإما عثمان‪،‬‬
‫ي يا علي‪ ،‬فقام إليه فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن‬ ‫فقم إل ّ‬
‫بيده فقال‪ :‬هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه × وفعل أبي‬
‫بكر وعمر؟ قال‪ :‬اللهم ل‪ ،‬ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ي يا عثمان‪ ،‬فأخذ بيده وقال‪ :‬هل أنت‬‫فأرسل يده‪ ،‬وقال‪ :‬قم إل ّ‬
‫مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله ×‪ ،‬وفعل أبي بكر وعمر؟ قال‪:‬‬
‫اللهم نعم‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان‪،‬‬
‫وقال‪ :‬اللهم اسمع واشهد‪ ،‬اللهم اسمع واشهد‪ ،‬اللهم اسمع واشهد‪،‬‬
‫اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه تحت المنبر‪ ،‬قال‪ :‬فقعد‬
‫عبد الرحمن مقعد النبي × وأجلس عثمان تحته على الدرجة الثانية‪،‬‬
‫وجاء إليه الناس يبايعونه‪ ،‬وبايعه علي بن أبي طالب أو ً‬
‫ل‪ ،‬ويقال ثانًيا‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫فهذه النقول المتقدم ذكرها للجماع عن هؤلء الئمة كلها‬


‫تفيد إفادة قطعية أن البيعة بالخلفة تمت لعثمان ‪ ‬بإجماع‬
‫الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم أجمعين‪ -‬ولم يخالف أو يعارض‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(161 -7/159‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪61‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫في ذلك أحد‪.‬‬
‫ي على عثمان رضي الله عنهما‪:‬‬ ‫سابًعا‪ :‬حكم تقديم عل ّ‬
‫دم ّ عليا على أبي بكر وعمر فإنه‬
‫نق‬‫الذي عليه أهل السنة أن َم ْ‬
‫مبتدع‪(2،‬ومن قدم عليا على عثمان فإنه مخطئ ول يضللونه ول‬ ‫ضال‬
‫يبدعونه‪).‬وإن كان بعض أهل العلم قد تكلم بشدة على من قدم عليا‬
‫على عثمان بأنه قال‪ :‬من قدم عليا على عثمان فقد زعم أن أصحاب‬
‫المانة؛ حيث اختاروا عثمان على علي ّ رضي الله‬ ‫خانوا‬
‫الرسول ×‬
‫تبارك وتعالى عنهما)‪.(3‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان‪ ،‬وإن‬
‫كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي ليست من الصول التي‬
‫يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة‪ ،‬لكن المسألة التي يضل‬
‫المخالف فيها هي مسألة الخلفة‪ ،‬وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة‬
‫ومن طعن‬ ‫)‪(4‬‬
‫بعد رسول الله × أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم علي‪،‬‬
‫في خلفة أحد من هؤلء الئمة فهو أضل من حمار أهله‪.‬‬
‫ي على عثمان‪،‬‬ ‫وذكر أقوال أهل العلم في مسألة تفضيل عل ّ‬
‫فقال‪ :‬فيها روايتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬ل يسوغ ذلك‪ ،‬فمن فضل عليا على عثمان خرج من‬
‫دم‬‫السنة إلى البدعة‪ ،‬لمخالفته لجماع الصحابة‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬من ق ّ‬
‫عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والنصار‪ ،‬يروى ذلك عن غير‬
‫واحد‪ ،‬منهم أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني‪.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫دم عليا؛ لتقارب حال عثمان وعلي‪.‬‬ ‫دع من ق ّ‬ ‫والثانية‪ :‬ل ي ُب َ ّ‬
‫***‬

‫)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن علي عايض )‬ ‫‪1‬‬

‫‪.(2/671‬‬
‫)( مجموع الفتاوى )‪.(102 ،3/101‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( حقبة من التاريخ‪ ،‬عثمان الخميس‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( مجموعة الفتاوى )‪.(102 ،3/101‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(4/267‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪62‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫منهج عثمان بن عفان في الحكم‬
‫عندما بويع عثمان ‪ ‬بالخلفة قام في الناس خطيبا فأعلن عن‬
‫منهجه السياسي‪ ،‬مبينا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين‪،‬‬
‫كما أشار في خطبته إلى أنه سيسوس الناس بالحلم والحكمة إل‬
‫فيما استوجبوه من الحدود‪ ،‬ثم حذرهم من الركون إلى الدنيا‬
‫والفتتان بحطامها؛ خوفا من التنافس والتباغض والتحاسد بينهم‪ ،‬مما‬
‫يفضي بالمة إلى الفرقة والخلف‪ .‬وكان عثمان ‪ ‬ينظر وراء‬
‫سيحدث‪(1‬في هذه المة من الفتن‬ ‫الحجب ببصيرته النفاذة إلى ما‬
‫بسبب الهواء وتهالك الناس بعدما بويع) فقال‪:‬‬
‫)أما بعد‪ ،‬فإني كلفت وقد قبلت‪ ،‬أل وإني متبع ولست بمبتدع‪ ،‬أل‬
‫ي بعد كتاب الله وسنة نبيه × ثلثا‪ :‬اتباع من كان قبلي‬ ‫وإن لكم عل ّ‬
‫فيما اجتمعتم عليه وسننتم‪ ،‬وسن أهل الخير فيما تسنوا عن مل‪،‬‬
‫والكف عنكم إل فيما استوجبتم العقوبة‪ .‬وإن الدنيا خضرة وقد‬
‫ول‬ ‫شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم‪ ،‬فل تركنوا إلى الدنيا‬
‫تثقوا بها فإنها ليست بثقة‪ ،‬واعلموا أنها غير تاركة إل من تركها( )‪.(2‬‬
‫وأما قول بعض الناس بأن عثمان لما خطب أول خطبة ارتج‬
‫عليه فلم يدر ما يقول حتى قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إن أول مركب صعب‬
‫صاحب‬ ‫وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها‪ ،‬فهو شيء يذكره‬
‫العقد)‪ ,(3‬وغيره من يذكر طرف الفوائد‪ ،‬وأن إسناده غير صحيح)‪.(4‬‬
‫ل‪ :‬ك ُُتب عثمان إلى عماله وولته وأمراء الجند وعامة الناس‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أقر عثمان ‪ ‬عمال عمر‪ ،‬فلم يعزل منهم أحدا عاما كامل أخذا‬
‫بوصية عمر ‪ ،‬والناظر في الكتب التي بعث بها إلى الولة وعمال‬
‫وأمراء الجناد يقف على النهج الذي أراد السير عليه وأخذ‬ ‫المال‬
‫المة به)‪.(5‬‬
‫‪ -1‬أول كتاب كتبه عثمان إلى جميع ولته‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن الله أمر الئمة أن يكونوا رعاة‪ ،‬ولم يتقدم إليهم أن‬
‫يكونوا جباة‪ ،‬وإن صدر هذه المة خلقوا رعاة‪ ،‬لم يخلقوا جباة‪،‬‬
‫وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ول يكونوا رعاة‪ ،‬فإذا عادوا كذلك‬
‫انقطع الحياء والمانة والوفاء‪ ،‬أل وإن أعدل السيرة أن تنظروا في‬
‫أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم‪ ،‬وتأخذوهم بما عليهم‪،‬‬
‫وتأخذوهم بالذي عليهم‪ ،‬ثم العدو‬ ‫ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم‬
‫الذي تنتابون‪ ،‬فاستفتحوا عليهم بالوفاء)‪.(6‬‬
‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/392‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/443‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المراد ابن عبد ربه الندلسي‪ ،‬صاحب كتاب )العقد الفريد(‪ ،‬وهو كتاب في‬ ‫‪3‬‬

‫طرق الخبار والحكايات والنوادر‪ ،‬ول يهتم بسند الخبر أو صحته‪.‬‬


‫)( خلفة عثمان بن عفان‪ ،‬د‪ .‬السلمي‪ ،‬ص ‪ ،35 ،34‬والخبر من طريق الواقدي‬ ‫‪4‬‬

‫وهو متروك‪.‬‬
‫)( تحقيق مواقف الصحابة‪ ،‬د‪ .‬محمد أمحزون )‪.(1/393‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/244‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪63‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والملحظ أن عثمان ‪ ‬أكد في هذا الكتاب الموجه إلى ولته‬
‫في المصار واجبهم نحو الرعية‪ ،‬وعرفهم أن مهمتهم ليست هي‬
‫جمع المال‪ ،‬وإنما تتمثل في رعاية مصالح الناس‪ ،‬ولجل ذلك بّين‬
‫السياسة التي يسوسون بها المة‪ ،‬وهي أخذ الناس بما عليهم من‬
‫الواجبات وإعطاؤهم حقوقهم‪ ،‬فإذا كانوا كذلك صلحت المة‪ ،‬وإذا‬
‫انقلبوا جباة ليس همهم إل جمع المال انقطع الحياء وفقدت المانة‬
‫والوفاء‪ (1).‬لقد كان في كتاب عثمان للولة التركيز على قيم العدل‬
‫السياسي والجتماعي والقتصادي‪ ،‬بإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم‬
‫وأخذ ما عليهم‪ ،‬وإعلء شأن مبدأ الرعاية السياسية ل الجباية وتكثير‬
‫الموال)‪.(2‬‬
‫ونبه على ما سيكون عند تغير الولة من رعاة إلى جباة؛ بأن ذلك‬
‫سبب في تقلص مكارم الخلق التي مثل لها بالحياء والمانة‬
‫والوفاء‪ ،‬وذلك أن بين الراعي والرعية خيطا ساميا من العلقات‬
‫المتينة‪ ،‬ويؤكده ويثبته اتفاق الجميع على هدف واحد‪ ،‬وهو ابتغاء وجه‬
‫الله تعالى‪ ،‬فالوالي يسعى لهذا الهدف بما يقدمه لمامه من طاعة‬
‫وولء وأمانة ووفاء‪ ،‬ويبقى خلق الحياء الذي أشار إليه عثمان ُيظ ّ‬
‫ل‬
‫الجميع فيمنعهم من ارتكاب ما يستقبح أو التعرض لجرح المشاعر‬
‫واليقاع في الحرج‪ ،‬ثم يوصي عثمان ولته بالعدل في الرعية؛ وذلك‬
‫بأخذ ما عليهم من الحقوق وبذل ما لهم من ذلك‪ ،‬ويشير إلى نقطة‬
‫مهمة وهي أن الوفاء بالعهود من أهم أسباب الفتح والنصر على‬
‫العداء‪ ،‬وقد بين التاريخ أثر هذا الخلق الرفيع في تفوق المسلمين‬
‫الداري والحربي)‪.(3‬‬
‫‪ -2‬كتابه إلى قادة الجنود‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وكان أول كتاب كتبه إلى قادة الجناد في الفروج ‪ :‬أما بعد‪،‬‬
‫فإنكم حماة المسلمين وذادتهم‪ ،‬وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا‪،‬‬
‫بل كان على مل منا‪ ،‬ول يبلغني عن أحد منكم تغيير ول تبديل فيغير‬
‫كيف تكونون؛ فإني أنظر‬ ‫الله بكم‪ ،‬ويستبدل بكم غيركم‪ ،‬فانظروا‬
‫فيما ألزمني الله النظر فيه والقيام عليه)‪.(5‬‬
‫وفي هذا الكتاب لفت النظر إلى أن المور لن تتغير بتغير‬
‫الخليفة؛ لن الخلفاء ومن دونهم من الولة يسيرون على خط واحد‪،‬‬
‫وهو القيام بمهمة تطبيق السلم في واقع الحياة‪ ،‬وقوله‪) :‬وقد وضع‬
‫لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان على مل منا(‪ ،‬إشارة إلى أن حكم‬
‫أولئك الخلفاء يقوم على الشورى‪ ،‬وذلك يترتب عليه أن جميع‬
‫القضايا المهمة تكون معلومة بتفاصيلها عند أهل الحل والعقد‪ ،‬فإذا‬
‫ذهب الحاكم وخلفه حاكم آخر سار على نفس المنهج؛ لوضوح‬
‫الهدف لدى الجميع‪ .‬وقوله‪) :‬ول تغيروا فيغير الله بكم( وعي لسنن‬
‫الله تعالى في هذا الكون‪ ،‬فمعية الله ‪-‬جل وعل‪ -‬لوليائه بالتوفيق‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/393‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬حمدي شاهين‪ ،‬ص ‪.246‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫التاريخ السلمي مواقف وعبر‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز الحميدي )‪.(12/369‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (2‬تاريخ الطبري )‪.(5/244‬‬ ‫الفروج‪ :‬يعني القاليم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬

‫‪64‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والحماية والنصر مشروطة بلزومهم شريعته واستسلمهم لمره‪،‬‬
‫تغيروا( في ذلك غّير الله ما بهم واستبدل بهم غيرهم في الهيمنة‬ ‫فإذا‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ت‬ ‫با‬‫ق‬‫ّ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫‪+‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫يقول‬ ‫ذلك‬ ‫وفي‬ ‫‪،‬‬ ‫)‪1‬‬
‫والتمكين‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ُ ُ َ َ ٌ ّ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬
‫ما‬ ‫غي ُّر َ‬ ‫ه ل َ يُ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫الل ِ‬‫َ‬ ‫ر‬
‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ظون َ ُ‬ ‫ما بأ َ‬
‫ح َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫ه َ‬‫ي َدَي ْ ِ‬
‫ءا‬‫سو ً‬ ‫م‬
‫ُ ِ ْ ٍ ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫د‬
‫َ َ‬‫را‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬‫و‬
‫ِ ْ َ ِ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ ِ‬ ‫روا‬ ‫و ٍ َ َ ُ ّ ُ‬
‫ي‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ق ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ل" ]الرعد‪ [11 :‬وذكرهم‬ ‫َ ٍ‬ ‫وا‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫َ َ ّ ُ َ َ‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫بأنه على علم بواجبه يؤديه ويقوم عليه ليتلقى عمل الرعية وعمل‬
‫بالواجب والقيام به‪ ،‬ويشعر كل فرد أنه يعمل‬ ‫الراعي في الشعور‬
‫لمته كما يعمل لنفسه)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬كتابه إلى عمال الخراج‪:‬‬
‫وكان أول كتاب كتبه إلى عمال الخراج‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن الله خلق بالحق فل يقبل إل الحق‪ ،‬خذوا الحق‬
‫وأعطوا الحق به‪ ،‬والمانة المانة‪ ،‬قوموا عليها‪ ،‬ول تكونوا أول من‬
‫والوفاء الوفاء‪ ،‬ل‬ ‫يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم‪،‬‬
‫تظلموا اليتيم ول المعاهد؛ فإن الله خصم لمن ظلمهم)‪.(3‬‬
‫خص في هذا الكتاب وزراء المال الذين يجبونه من أفراد المة‬
‫لينفق في مصالحها العامة‪ ،‬فبّين لهم أن الله ل يقبل إل الحق‪،‬‬
‫والحق قائم على المانة والوفاء‪ ،‬ثم ميز صنفين من الرعية هما‬
‫والمعاهد‪ ،‬فحض على التجافي عن ظلمهما؛ لن الله‬ ‫ضعيفاها؛ اليتيم‬
‫هو المتولي حمايتهما‪ (4).‬ويذكرهم بأنهم إذا ظلموهم فإنهم معرضون‬
‫لنقمة الله تعالى؛ لنه خصم لمن ظلم هؤلء المستضعفين‪ .‬وفي هذا‬
‫حيث يدعو إلى نصر‬ ‫لفتة إلى جانب من جوانب عظمة السلم؛‬
‫المظلومين وإن كانوا من الكفار المعاهدين)‪.(5‬‬
‫‪ -4‬كتابه إلى العامة‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإنكم إنما بلغتم بالقتداء والتباع فل تلفتنكم الدنيا عن‬
‫أمركم‪ ،‬فإن أمر هذه المة صائر إلى البتداع بعد اجتماع ثلث فيكم‪:‬‬
‫تكامل النعم‪ ،‬وبلوغ أولدكم من السبايا‪ ،‬وقراءة العراب والعاجم‬
‫في‪(6‬العجمة‪ ،‬فإذا‬ ‫القرآن‪ ،‬فإن رسول الله × قال‪» :‬الكفر‬
‫)‬
‫استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا«‪.‬‬
‫وفي هذا الخطاب نلحظ أن عثمان ‪ ‬رغب عامة المة في‬
‫التباع وترك التكلف والبتداع‪ ،‬وأنه حذرهم تغير الحال إذا اجتمعت‬
‫لهم ثلث خلل‪ :‬تكامل النعم الذي يبطر النفوس ويدفعها إلى‬
‫الترف‪ ،‬ويصدها عن الجتهاد والعمل‪ ،‬ويصرفها إلى الفراغ والكسل‪،‬‬
‫حتى تفتر حيويتها وتخور عزائمها‪ .‬وبلوغ أولدها من السبابا‪ ،‬وقد‬
‫لمست المة في تاريخها أثر هؤلء في المجتمع السلمي من‬
‫)‪ (4‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪،‬‬ ‫)( التاريخ السلمي )‪.(12/370‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.199‬‬
‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/244‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (2‬التاريخ السلمي )‬ ‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.198‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.(20/371‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/245‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪65‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الوجهة السياسية والجتماعية والدينية‪ .‬وقراءة العراب والعاجم‬
‫القرآن‪ ،‬وإنما يريد عثمان بذلك ما في طبائع العراب من جفوة‬
‫وغلظ الكباد‪ ،‬فل تبلغ هداية القرآن مكان الخير من أفئدتهم‪ ،‬وكذلك‬
‫يريد ما في العاجم من أخلق موروثة وعقائد متأصلة‪ ،‬وعادات‬
‫قديمة تباعد بينهم وبين سنن القرآن في الهداية‪ ،‬وقد ظهر أثر‬
‫العراب في فرقة الخوارج الذين كانت كثرتهم من أولئك الجفاة؛‬
‫فهم كانوا أقرأ الناس للقرآن وأبعدهم عن هدايته‪ ،‬ثم ظهر فيمن‬
‫عداهم أثر العاجم فيما ابتدعوه من مذاهب وتكلفوه من آراء كانت‬
‫ومنهم أكثر الفرق الضالة التي‬ ‫)‪(1‬‬
‫شّرا على المسلمين في عقائدهم‪،‬‬
‫لعبت في تاريخ السلم أخطر دور‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬المرجعية العليا للدولة‪:‬‬
‫أعلن ذو النورين أن مرجعيته لدولته كتاب الله وسنة رسوله ×‬
‫والقتداء بالشيخين في هديهم‪ ،‬فقد قال‪ ...» :‬أل وإني متبع ولست‬
‫وسنة نبيه × ثلثا‪ :‬اتباع من‬ ‫)‪(2‬‬
‫ي بعد كتاب الله‬ ‫بمبتدع‪ ،‬أل وإن لكم عل ّ‬
‫كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم‪.«....‬‬
‫ك‬‫‪ -1‬فالمصدر الول هو كتاب الله‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ول َ ت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ُ‬‫ما أ ََرا َ‬
‫س بِ َ‬
‫ن الّنا ِ‬‫م ب َي ْ َ‬‫حك ُ َ‬
‫ق ل ِت َ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ب ِبال ْ َ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫ما" ]النساء‪ .[105 :‬فكتاب الله تعالى يشتمل على‬ ‫ً‬ ‫صي‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫خائ ِ ِ َ‬
‫ني‬ ‫ل ّل ْ َ‬
‫جميع الحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة‪ ،‬كما يتضمن مبادئ‬
‫أساسية وأحكاما قاطعة لصلح كل شعبة من شعب الحياة‪ ،‬كما بين‬
‫القرآن الكريم للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها‬
‫دولتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬المصدر الثاني‪ :‬السنة المطهرة التي يستمد منها الدستور‬
‫خللها يمكن معرفة الصيغ التنفيذية‬ ‫السلمي أصوله‪ ،‬ومن‬
‫والتطبيقية لحكام القرآن)‪.(3‬‬
‫بالشيخين‪ :‬قال رسول الله ×‪»:‬اقتدوا بالذين من بعدي‪:‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫‪-3‬القتداء‬
‫أبي بكر وعمر«‪.‬‬
‫إن دولة ذي النورين خضعت للشريعة وأصبحت سيادة الشريعة‬
‫السلمية فيها فوق كل تشريع وفوق كل قانون‪ ،‬وأعطت لنا صورة‬
‫مضيئة مشرقة على أن الدولة السلمية دولة شريعة‪ ،‬خاضعة بكل‬
‫أجهزتها لحكام)‪(5‬هذه الشريعة‪ ،‬والحاكم فيها مقيد بأحكامها ل يتقدم‬
‫ول يتأخر عنها‪ .‬ففي دولة ذي النورين وفي مجتمع الصحابة‬
‫الشريعة فوق الجميع‪ ،‬يخضع لها الحاكم والمحكوم‪ ،‬وطاعة الخليفة‬
‫مقيدة بطاعته لله‪ ،‬قال رسول الله ×‪» :‬ل طاعة في المعصية‪ ،‬إنما‬
‫الطاعة في المعروف«‪ (6).‬وهيمنة الشريعة على الدولة من خصائص‬
‫الخلفة الراشدة‪ ،‬فحكومة الخلفة الراشدة تتميز عن الحكومات‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.199‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/443‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فقه التمكين في القرآن الكريم للصلبي‪ ،‬ص ‪.432‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح سنن الترمذي‪.(3/200) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫نظام الحكم في السلم‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البخاري‪ ،‬رقم )‪.(7145‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪66‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الخرى بعدة خصائص‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* أن اختصاص الحكومة )الخليفة( عامة؛ أي تقوم على التكامل‬
‫بين الشئون الدنيوية والدينية‪.‬‬
‫* أن حكومة الخلفة ملزمة بتنفيذ أحكام الشريعة‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫* أن الخلفة تقوم على وحدة العالم السلمي‪.‬‬
‫ثالثـا‪ :‬حق المة في محاكمة الخليفة‪:‬‬
‫المر الذي ل شك فيه أن سلطة الخليفة ليست مطلقة‪ ،‬وإنما‬
‫هي مقيدة بقيدين‪:‬‬
‫حا ورد في القرآن الكريم والسنة‪ ،‬وأن‬ ‫صا صري ً‬ ‫‪ -1‬أل يخالف ن ّ‬
‫يكون الجراء الذي يتخذه متفقا ‪-‬فضل عن ذلك‪ -‬مع روح الشريعة‬
‫ومقاصدها‪.‬‬
‫‪ -2‬أل يخالف ما اتفقت عليه المة السلمية أو يخرج على‬
‫إرادتها‪.‬‬
‫وأساس ذلك أن الخليفة نائب عن المة‪ ،‬منها يستمد سلطانه‪،‬‬
‫ويرجع إليها في تحديد هذا السلطان ومداه‪ ،‬فالمة تستطيع في كل‬
‫وقت أن توسع من هذا السلطان‪ ،‬وأن تضيق منه أو تقيده بقيود‬
‫كلما رأت في ذلك مصلحة أو ضمانا لحسن القيام على أمر الله‬
‫ومصلحة المة‪ (2).‬ويكون ذلك من خلل مجلس شورى المة‪ .‬وقد‬
‫أكد عثمان ‪ ‬حق المة في محاسبة الخليفة في قوله‪ :‬إن وجدتم‬
‫)‪(3‬‬
‫في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي في القيد‪.‬‬
‫وحينما أخذت طائفة عليه بعض أخطاء ‪-‬في زعمها‪ -‬في تصريفه‬
‫لشئون الحكم وإسناد وظائفه‪ ،‬وتظاهرت عليه جموع منهم‬
‫لمحاسبته على أعماله‪ ،‬فأذعن ‪-‬رضوان الله عليه‪ -‬لرغبتهم‪ ،‬ولم‬
‫استعدادا كريما لصلح ما عسى أن‬ ‫ينكر عليهم هذا الحق‪ ،‬وأبدى‬
‫يكون أخطأه التوفيق في إبرامه)‪.(4‬‬
‫رابًعا‪ :‬الشورى‪:‬‬
‫إن من قواعد الدولة السلمية حتمية تشاور قادة الدولة‬
‫وحكامها مع المسلمين والنزول على رضاهم ورأيهم‪ ،‬وإمضاء نظام‬
‫م‬‫ه ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫ه ِلن َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح َ‬‫ما َر ْ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫الحكم بالشورى‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬‬
‫ف‬‫ع ُ‬ ‫فا ْ‬‫ك َ‬ ‫ول ِ َ‬ ‫ِ ْ َ ْ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ضوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫قل ْ ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬ ‫غِلي َ‬
‫َ‬
‫ظا َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ت َ‬ ‫كن َ‬ ‫و ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م‬
‫َ ْ َ‬ ‫ز‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ّ ْ ِ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫و‬‫ِ‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ْ ُ‬ ‫ل‬ ‫ر‬‫ف‬‫ِ‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬‫عن ْ ُ ْ َ ْ‬
‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[159 :‬‬ ‫وكِلي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫عَلى الل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬
‫فت َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫صل َ َ‬
‫ة‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫بوا ل َِرب ّ ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ وقال تعالى‪َ + :‬‬
‫ن" ]الشورى‪.[38 :‬‬ ‫فقو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫ما َرَزقَنا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫شوَرى ب َي ْن َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫مُر ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫وقد اتخذ عثمان ‪ ‬في دولته مجلسا للشورى يتألف من كبار‬

‫فقه الخلفة‪ ،‬للسنهوري‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الدولة والسيادة‪ ،‬د‪ .‬فتحي عبد الكريم‪ ،‬ص ‪.268‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫مسند المام أحمد‪ ،‬الموسوعة الحديثية‪ ،‬رقم ‪.524‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الدولة والسيادة‪ ،‬ص ‪.379‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪67‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أصحاب رسول الله × من المهاجرين والنصار‪ (1).‬وقد طلب عثمان‬
‫‪ ‬من العمال والقادة قائل‪ :‬أما بعد‪ ،‬فقوموا على ما فارقتم عليه‬
‫تبدلوا‪ ،‬ومهما أشكل عليكم فردوه إلينا نجمع عليه المة ثم‬ ‫عمر ول‬
‫نرده عليكم‪ (2).‬فأخذ قادته بذلك‪ ،‬فكانوا إذا هموا بالغزو والتقدم في‬
‫الفتوحات السلمية استأذنوه واستشاروه‪ ،‬فيقوم هو بدوره بجمع‬
‫الصحابة واستشارتهم للعداد والقرار والتنفيذ ووضع الخطط‬
‫المناسبة لذلك‪ ،‬ومن ثم يأذن)‪ (3‬لهم؛ فقد قام عبد الله بن أبي‬
‫السرح بالكتابة إلى الخليفة عثمان ‪ ‬طالبا منه أن يأذن له بأن‬
‫المسلمين‪ ،‬فأجابه‬ ‫يغزو أطراف إفريقية‪ ،‬وذلك لقرب جزر الروم من‬
‫الخليفة عثمان إلى ذلك بعد المشورة وندب إليه الناس‪ (4).‬كما أن‬
‫معاوية بن أبي سفيان حين أراد فتح جزيرة قبرص ورودس فعل‬
‫الشيء نفسه في استشارة القيادة العليا المركزية‪ ،‬وطلب الذن‬
‫بعد‪ (5‬انعقاد مجلس الشورى وبحثه‬ ‫بالسماح له‪ ،‬ولم يأته الجواب إل‬
‫الخليفة عثمان ‪‬‬ ‫قادة‬ ‫وكان‬ ‫)‬
‫له‪.‬‬ ‫في الموضوع‪ ،‬ومن ثم السماح‬
‫في إدارتهم للمعارك الحربية يتشاورون فيما بينهم؛)‪ (6‬كما شاور‬
‫عثمان كبار الصحابة في جمع القرآن‪ ،‬وفي قتل عبيد الله بن عمر‬
‫للهرمزان‪ ،‬وحول التدابير الكفيلة بقطع دابر الفتنة‪ ،‬وفي مقام‬
‫القضاء‪ ،‬وغير ذلك من المواقف والحداث التي سيأتي بيانها في‬
‫محلها بإذن الله‪.‬‬
‫سا‪ :‬العدل والمساواة‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫إن من أهداف الحكم السلمي الحرص على إقامة قواعد النظام‬
‫السلمي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم‪،‬ومن أهم هذه‬
‫القواعد العدل والمساواة؛ فقد كتب ذو النورين إلى الناس في‬
‫المؤمن‬
‫)‪(7‬‬
‫المصار‪ :‬أن ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر‪ ،‬ول يذل‬
‫نفسه‪ ،‬فإني مع الضعيف على القوي ما دام مظلوما إن شاء الله‪.‬‬
‫فقد كانت سياسته تقوم على العدل بأسمى صوره؛ فقد أقام الحد‬
‫على والي الكوفة الوليد بن عقبة )أخوه لمه( عندما شهد عليه‬
‫الشهود بأنه شرب الخمر‪ ،‬وعزله عن الولية بسبب ذلك‪ ،‬وسيأتي‬
‫تفصيل هذه القضية بإذن الله‪ .‬وقبوله بتولية أبي موسى الشعري‬
‫مكانه؛ لن أهل الكوفة لم يوافقوا على تولية سعيد بن العاص خلفا‬
‫للوليد‪ .‬وقد روي عنه أيضا أنه غضب على خادم له يوما فعرك أذنه‬
‫حتى أوجعه‪ ،‬ولم يستطع أن ينام ليلته آنذاك إل بعد أن دعا خادمه‬
‫إلى مضجعه وأمره أن يقتص منه فيعرك أذنه‪ ،‬وقد أبى الخادم في‬
‫ولكن عثمان أمره ثانية في‬ ‫بادئ المر‪،‬‬
‫حزم فأطاعه)‪.(8‬‬
‫سا‪ :‬الحريات‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫مبدأ الحرية من المبادئ الساسية التي قام عليها الحكم في عهد‬
‫)( الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(1/277‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪ ،(1/277‬نقل عن تاريخ الطبري‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.183‬‬ ‫)( فتوح مصر‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (6 ،‬الدارة العسكرية )‪.(1/278‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(4/414‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمد محمد الصمد‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪68‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬ويقضي هذا المبدأ بتأمين وكفالة الحرية العامة‬
‫للناس كافة ضمن حدود الشريعة السلمية وبما ل يتناقض معها‪،‬‬
‫فقد كانت دعوة السلم لحرية الناس ‪-‬جميع الناس‪ -‬دعوة واسعة‬
‫وعريضة قلما تشتمل على مثلها دعوة في التاريخ‪ ،‬وفي عهد الخلفاء‬
‫الراشدين كانت الحريات العامة المعروفة في أيامنا معلومة‬
‫ومصونة)‪(1‬؛ كحرية العقيدة الدينية‪ ،‬وحرية التنقل‪ ،‬وحق المن‪،‬‬
‫وحرمة المسكن‪ ،‬وحرية الملكية‪ ،‬وحرية الرأي‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬الحتساب‪:‬‬
‫اهتم أمير المؤمنين عثمان ‪ ‬بالحتساب بنفسه كما أسنده إلى‬
‫غيره‪ ،‬فقد ثبت قيامه ‪ ‬بالحتساب في مجالت عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكاره على لبس الثوب المعصفر‪:‬‬
‫ومن احتسابه ‪ ‬أنه أنكر على محمد بن جعفر بن أبي طالب ‪‬‬
‫لبسه الثوب المعصفر‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬راح عثمان ‪ ‬إلى‬
‫فبات‬ ‫مكة حاجا‪ ،‬ودخلت على محمد بن جعفر بن أبي طالب امرأته‪،‬‬
‫غدا( عليه ردع)‪ (2‬الطيب وملحفة معصفرة مفدمة)‪،(3‬‬ ‫معها حتى أصبح‪,‬‬
‫)‪(5‬‬
‫انتهر‬ ‫‪‬‬ ‫عثمان‬ ‫رآه‬ ‫فلما‬ ‫يروحوا‪،‬‬ ‫أن‬ ‫قبل‬ ‫‪،‬‬ ‫)‪4‬‬
‫بملل‬ ‫فأدرك الناس‬
‫وأفف وقال‪» :‬أتلبس المعصفر وقد نهى عنه رسول الله × ؟!«‪.‬‬
‫‪ -2‬إنكاره على قاصدات العمرة والحج وهن في العدة‪:‬‬
‫ومن احتسابه ‪ ‬أنه كان يرد النساء اللواتي كن يخرجن للعمرة‬
‫أو الحج وهن في العدة؛ فقد روى المام عبد الرزاق عن مجاهد‬
‫‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬يرجعان حواج ومعتمرات‬ ‫قال‪ :‬كان عمر وعثمان‬
‫من الجحفة وذي الحليفة)‪.(6‬‬
‫‪ -3‬أمره بذبح الحمام‪:‬‬
‫)‪(7‬‬
‫ومن احتسابه أنه منع الناس من النشغال في طيران الحمام ‪,‬‬
‫لما بدأوا فيه مع سعة العيش‪ ،‬وأمرهم بذبحه؛ فقد روى المام‬
‫البخاري عن الحسن)‪(8‬قال‪ :‬سمعت عثمان ‪ ‬يأمر في خطبته بقتل‬
‫الكلب وذبح الحمام ‪.‬‬
‫‪ -4‬احتسابه على اللعب بالنرد‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬ينهى عن اللعب بالنرد وأمرهم بتحريقه أو كسره‬
‫ممن كان في بيته؛ فقد روى المام البيهقي عن زبيد بن الصلت أنه‬
‫سمع عثمان بن عفان ‪ ‬وهو على المنبر يقول‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬إياكم‬
‫والميسر ‪-‬يريد النرد‪ -‬فإنها قد ذكرت لي أنها في بيوت الناس منكم‪،‬‬
‫فمن كان في بيته فليحرقها أو فليكسرها‪ .‬وقال عثمان ‪ ‬مرة‬
‫)‪ (3‬ردع‪ :‬لطخ وأثر‪.‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.158 ،157‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (5‬ملل‪ :‬موضع بين مكة والمدينة‪.‬‬ ‫)( مفدمة‪ :‬مشبعة حمرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( المسند‪ ،‬رقم ‪ ،517‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬انظر‪ :‬تعليقات الشيخ‬ ‫‪5‬‬

‫على المسند )‪.(1/384‬‬


‫)‪ (2‬تاريخ الطبري )‪.(5/415‬‬ ‫)( المصنف‪ ،‬رقم )‪. (12071‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫)( الدب المفرد‪ ،‬باب ذبح الحمام‪ ،‬رقم )‪.(1307‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪69‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أخرى وهو على المنبر‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬إني قد كلمتكم في هذا النرد‪،‬‬
‫بحزم( الحطب‪ ،‬ثم أرسل‬ ‫ولم أركم أخرجتموها‪ ،‬فلقد هممت أن آمر‬
‫إلى بيوت الذين هم في بيوتهم فأحرقها عليهم)‪. 1‬‬
‫‪ -5‬إخراجه من يراه على شر أو يشهر سلحا في المدينة‪:‬‬
‫ومن احتسابه أيضا أنه كان ينكر على من يراه على شر أو كان‬
‫يحمل معه سلحا ويخرجه من المدينة؛ فعن سالم بن عبد الله ‪‬‬
‫قال‪ :‬وجعل عثمان )ل‪(2‬يأخذ أحدا منهم على شر أو شهر سلح‪ ،‬عصا‬
‫فما فوقها إل سّيره‪.‬‬
‫‪ -6‬ضربه لمن استخف بعم النبي ×‪:‬‬
‫ففي أيام خلفته ضرب رجل في منازعة استخف فيها بالعباس‬
‫بن عبد المطلب عم الرسول ×‪ ،‬فقيل له عن مبررات ضربه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الستخفاف به‪ ،‬لقد‬ ‫ل الله × عمه وأرخص في‬ ‫خم رسو ُ‬ ‫ف ّ‬
‫نعم‪ ،‬أي ُ َ‬
‫خالف رسول الله × من فعل ذلك ومن رضي به منه)‪.(3‬‬
‫‪ -7‬نهيه عن الخمر لنها أم الخبائث‪:‬‬
‫روى النسائي في سننه والبيهقي في سننه عن عثمان بن عفان أنه‬
‫قال‪ :‬اجتنبوا الخمر‪ ،‬فإنها أم الخبائث‪ ،‬إنه كان رجل ممن خل قبلكم‬
‫يتعبد‪ ،‬فعلقته امرأة أغوته‪ ،‬فأرسلت إليه جاريتها‪ ،‬فقالت له‪ :‬إنها تدعوك‬
‫للشهادة‪ ،‬فانطلق مع جاريتها فطفق كلما دخل بابا أغلقته دونه‪ ،‬حتى‬
‫أفضى إلى امرأة وضيئة‪ ،‬عندها غلم وباطية خمر‪ ،‬فقالت‪ :‬والله ما‬
‫ي‪ ّ ،‬أو تشرب من هذه الخمر‬ ‫دعوتك للشهادة‪ ،‬ولكن دعوتك لتقع عل‬
‫كأسا‪ ،‬أو تقتل هذا الغلم‪ ،‬قال‪ :‬فاسقني من هذا الخمر كأسا‪ ،‬فسقته‬
‫كأسا فقال‪ :‬زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل الغلم‪ ،‬فاجتنبوا‬
‫الخمر‪ ،‬فإنها والله)‪(4‬ل يجتمع اليمان وإدمان الخمر إل ويوشك أن يخرج‬
‫أحدهما صاحبه ‪.‬‬
‫كمه‪:‬‬‫ح َ‬
‫‪ -8‬من خطب عثمان في المجتمع ومن ِ‬
‫أ‪ -‬خطبة في الستعداد ليوم المعاد‪:‬‬
‫يقول الحسن البصري ‪-‬رحمه الله‪ :-‬خطب عثمان بن عفان‪،‬‬
‫فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬اتقوا الله فإن تقوى الله‬
‫غُْنم‪ ،‬وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر‪ ،‬وليخش عبد أن يحشره الله‬
‫أعمى‪ ,‬وقد كان بصيرا‪ ،‬وقد يكفي الحكيم جوامع الكلم‪ ،‬والصم‬
‫من( كان الله معه لم يخف شيئا‪،‬‬ ‫ينادي من مكان بعيد‪ ،‬واعلموا أن‬
‫ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده)‪. 5‬‬
‫ص من‬ ‫ق ّ‬ ‫وعن عثمان ‪ ‬أن رسول الله × قال‪» :‬إن الج ّ‬
‫ماء لت ُ َ‬

‫)( السنن الكبرى‪ ،‬كتاب الشهادات‪.(10/215) ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ (5/416‬معظم هذه الفقرة أخذتها من كتاب الحسبة في‬ ‫‪2‬‬

‫العصر النبوي والعهد الراشدي‪ ،‬للدكتور فضل إلهي‪.‬‬


‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/417‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سنن النسائي‪ ،‬كتاب الشربة‪ ،‬موسوعة فقه عثمان‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪70‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫القرناء يوم القيامة« )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬التذكير بمكارم الخلق‪:‬‬
‫قال عثمان ‪ :‬إنا والله صحبنا رسول الله × في السفر‬
‫والحضر فكان يعود مرضانا‪ ،‬ويشيع جنائزنا‪ ،‬ويغزو معنا‪ ،‬ويواسينا‬
‫بالقليل والكثير‪ ،‬وإن ناسا يعلمونني به عسى أل يكون أحدهم رآه‬
‫قط)‪.(2‬‬
‫ج‪ -‬من حكمه التي سارت بين الناس‪:‬‬
‫* قال ‪ :‬لو طهرت قلوبنا ما شبعتم من كلم ربكم ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫* وقال ‪ :‬ما أسّر أحد سريرة إل أبداها الله تعالى على‬


‫صفحات وجهه‪،‬‬
‫وفلتات لسانه)‪.(4‬‬
‫* إن الله ليزع بالسلطان ما ل يزع بالقرآن)‪.(5‬‬
‫م الدنيا ظلمة في‬ ‫فقال فيها‪) :‬ه ّ‬
‫)‪(6‬‬
‫* وكان ‪ ‬ل يقيم للدنيا وزنا‪،‬‬
‫م الخرة نور في القلب(‬ ‫القلب‪ ،‬وه ّ‬
‫ومن حكمه البالغة‪ :‬يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت‬ ‫*‬
‫سرورك)‪.(7‬‬
‫ظلمت‪ ،‬وقد‬ ‫* وقال ‪ ‬في أيام الفتنة‪ :‬أستغفر الله إن كنت َ‬
‫ظلمت)‪.(8‬‬ ‫عفوت إن كنت ُ‬
‫* ومن حكمه ومواعظه ‪ :‬إن لكل شيء آفة‪ ،‬ولكل نعمة عاهة‪،‬‬
‫وإن آفة هذا الدين وعاهة هذه النعمة عّيابون صغانون‪ ،‬يرونكم ما‬
‫ويسرون ما تكرهون‪ ،‬طغام‬ ‫)‪(9‬‬
‫تحبون‬
‫مثال النعام‪.‬‬
‫* ولما قدم عبد الله بن الزبير بفتح إفريقية‪ ،‬أمره عثمان بن‬
‫عفان ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬فقام خطيبا‪ ،‬فلما فرغ من كلمه قال‬
‫آبائهن وإخوتهن‪ ،‬فإني لم أر في ولد أبي‬ ‫عثمان‪ :‬انكحوا النساء على‬
‫بكر الصديق أشبه به من هذا)‪ ،(10‬وعبد الله بن الزبير أمه أسماء بنت‬
‫ويريد أن ابن الزبير كان شبيها بجده في الشجاعة والقدام‬ ‫أبي بكر‪.‬‬
‫والفصاحة)‪.(11‬‬

‫الموسوعة الحديثية‪ ،‬مسند أحمد‪ ،‬رقم )‪.(520‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫جامع العلوم والحكم‪ ،‬ص ‪.363‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫فرائد الكلم للخلفاء الكرام‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الكامل في اللغة والدب )‪.(1/157‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الستعداد ليوم المعاد‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫مجمع المثال للميداني )‪.(2/453‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫مجمع المثال للميداني )‪.(20/453‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫البيان والتبيين )‪.(2/95‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫فرائد الكلم‪ ،‬ص ‪.271‬‬ ‫)(‬ ‫‪11‬‬

‫‪71‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫* وقال ‪ :‬ما من عامل يعمل عمل إل كساه الله رداء عمله)‪.(12‬‬
‫* وقال ‪ :‬إن المؤمن في خمسة أنواع من الخوف؛ أحدها من‬
‫قبل الله تعالى أن يأخذ منه اليمان‪ ،‬والثاني من قبل الحفظة أن‬
‫يكتبوا عليه ما يفتضح به يوم القيامة‪ ،‬والثالث من قبل الشيطان أن‬
‫غفلة بغتة‪،‬‬ ‫يبطل عمله‪ ،‬والرابع من قبل ملك الموت أن يأخذه في‬
‫والخامس من قبل الدنيا أن يغتر بها وتشغله عن الخرة)‪.(2‬‬
‫وقال ‪ :‬وجدت حلوة العبادة في أربعة أشياء‪ :‬أولها في أداء‬
‫فرائض الله‪ ،‬والثاني في اجتناب محارم الله‪ ،‬والثالث في المر‬
‫ابتغاء ثواب الله‪ ،‬والرابع في النهي عن المنكر اتقاء‬ ‫بالمعروف‬
‫غضب الله)‪.(3‬‬
‫‪ -9‬عثمان ‪ ‬والشعر والشعراء‪:‬‬
‫لم تذكر لنا المصادر والمراجع سوى النزر القليل عن علقة‬
‫عثمان ‪ ‬مع الشعر والشعراء‪ ،‬مع أن فترة خلفته كانت طويلة‬
‫نسبيا‪ ،‬ومن هذا القليل تبين لنا أنه كان ملتزما المنهج العام‬
‫للعقيدة السلمية التي وضح معالمها الرسول × ‪ ،‬والتي سلك‬
‫طريقها سلفه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬ولشك أن لكل منهم شخصيته الدبية المميزة‪ ،‬فقد اشتهر‬
‫أبو بكر بمعرفة النساب‪ ،‬وبعلمه الوافر وحسن مجالسته‬
‫وبروايته للشعر‪ ،‬واشتهر عمر بالحث على تعلم الشعر‪ ،‬وأنه لم‬
‫تكن تعرض له قضية إل تمثل ببيت شعر‪ ،‬أضف إلى ذلك أنه كان‬
‫شاعرا‪ ،‬أما عثمان بن عفان ‪-‬رضوان الله عليه‪ -‬فلم يؤثر عنه‬
‫ذلك النغماس الكبير في الشعر‪ ،‬أو تلك العلقة الحميمة مع‬
‫الشعراء‪ .‬وإذا كنا نعرف أن الشعراء كانوا يتهافتون على أبواب‬
‫المراء طمعا برضاهم وبأعطيتهم‪ ،‬فإننا نرى أن الشعراء أيام‬
‫)‪ (4‬عثمان يتركون الحواضر ودار الخلفة ويؤثرون العودة إلى البادية‪.‬‬
‫وقد ذكرت كتب الدب والتاريخ بعض البيات نسبتها إلى‬
‫عثمان أو كان يتمثل بها‪ ,‬ومن هذه البيات يروي أنه قال‪:‬‬
‫صنيع ول يخفى على ملحد‬ ‫واعلم أن الله ليس كصنعه‬
‫وكان كثيرا ما ينشد أبياتا قالها ويطيل ذكرها ل تعرف لغيره‪:‬‬
‫من الحرام ويبقى الثم والعار‬ ‫تفنى اللذائذ ممن نال صفوتها‬
‫)‪(5‬‬
‫ل خير في لذة من بعدها نار‬ ‫ب سوٍء من مغبتها‬
‫يلقى عواق َ‬
‫قال يوم دخل عليه الثائرون في بيته ليقتلوه‪:‬‬

‫)( الزهد للمام أحمد‪ ،‬ص ‪.185‬‬ ‫‪12‬‬

‫)‪ (3 ,‬فرائد الكلم للخلفاء الكرام‪ ،‬ص ‪.278‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫)( فرائد الكلمـ للخلفاءـ الكرام‪،‬ـ ص ‪.278‬‬

‫)( أدب صدر السلم‪ ،‬واضح الصمد‪ ،‬ص ‪.99‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( شعراء الخلفاء‪ ،‬نبال تيسير الخماش‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪72‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫لعاد ملًذا في البلد ومرتعا‬ ‫أرى الموت ل يبقي عزيزا ولم‬
‫<‬ ‫يدع‬
‫ما حوصر في داره‪:‬‬ ‫َ‬
‫وقال ل ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫الُعل‬ ‫ُيبّيت أهل الحصن والحصن‬
‫مغلق‬
‫ويروى له أيضا‪:‬‬
‫ضها حتى يضّر بها الفقر‬
‫وإن عَ ّ‬ ‫ي النفس يغني النفس حتى‬ ‫غن ُ ّ‬
‫فها‬
‫يك ّ‬
‫سُر‬
‫بكائنة إل سيتبعها ي ُ ْ‬ ‫وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها‬
‫ونلحظ في البيت الخير أنه يتضمن معنى قرآنيا؛ إن مع العسر‬
‫يسرا‪ ،‬وهذا ليس غريبا على الخليفة المسلم‪ ،‬الذي نشأ وترعرع في‬
‫أحضان محمد × فهو يعاقب على شعر الهجاء والذي يتعارض‬
‫الحسن ويحب‬ ‫وأحكام الشريعة السلمية‪ ،‬ويثني على الشعر‬
‫الستماع إليه‪ ،‬وكل ذلك ضمن المفاهيم السلمية)‪.(3‬‬
‫وإذا كان الخليفة الراشد الثالث لم يهتم بالشعر‪ ،‬ولم يقرب إليه‬
‫الشعراء‪ ،‬فإن مقتله من قبل الغوغاء فتح الباب على مصراعيه‬
‫لزدهار الشعر العباسي الذي أصبح الداة الصحافية الفاعلة في‬
‫العصور السلمية المتلحقة‪ ،‬فعند مقتله بكاه كثير من شعراء‬
‫الصحابة‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك بإذن الله‪.‬‬
‫***‬

‫)‪ (3 ,‬البداية والنهاية )‪.(7/192‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬
‫)( البدايةـ والنهاية ) ‪.(7/192‬‬

‫)( أدب صدر السلم‪ ،‬واضح الصمد‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪73‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫أهـــــــــم صفاتـــــــــــه‬
‫إن شخصية ذي النورين تعتبر شخصية قيادية‪ ،‬وقد اتصف ‪‬‬
‫بصفات القائد الرباني‪ ،‬ونجملها في أمور ونركز على بعضها‬
‫بالتفصيل‪ ،‬فمن أهم هذه الصفات‪ :‬إيمانه العظيم بالله واليوم الخر‪،‬‬
‫والعلم الشرعي‪ ،‬والثقة بالله‪ ،‬والقدوة والصدق‪ ،‬والكفاءة‬
‫والشجاعة‪ ،‬والمروءة‪ ،‬والزهد‪ ،‬وحب التضحية‪ ،‬والتواضع‪ ،‬وقبول‬
‫النصيحة‪ ،‬والحلم‪ ،‬والصبر‪ ،‬وعلو الهمة‪ ،‬والحزم‪ ،‬والرادة القوية‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬والقدرة على حل المشكلت‪ ،‬والقدرة على التعليم وإعداد‬
‫القادة‪ ،‬وغير ذلك من الصفات‪ .‬وبسبب ما أودع الله فيه من صفات‬
‫القيادة الربانية استطاع أن يحافظ على الدولة ويقمع الثورات التي‬
‫حدثت في الراضي المفتوحة‪ ،‬وينتقل ‪-‬بفضل الله وتوفيقه‪ -‬بالمة‬
‫نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة‪ ،‬ومن أهم تلك الصفات التي‬
‫نحاول تسليط الضواء عليها في هذا المبحث هي‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬العلم والقدرة على التوجيه والتعليم‪:‬‬
‫يعتبر عثمان ‪ ‬من كبار علماء الصحابة في القرآن الكريم‬
‫والسنة النبوية‪ ،‬وسيأتي الحديث عن اجتهاداته الفقهية في المجال‬
‫القضائي والمالي والجهادي بإذن الله تعالى‪ ،‬وكان ‪ ‬حريصا على‬
‫اتباع هدي النبي × وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فعن عروة بن‬
‫الزبير‪ ،‬أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة‬
‫وعبد الرحمن بن السود عبد يغوث قال له‪ :‬ما يمنعك أن تكلم خالك‬
‫يكلم أمير المؤمنين عثمان في الوليد بن عقبة‪ ،‬وقد أكثر الناس فيما‬
‫فعل؟ قال عبيد الله‪ :‬فاعترضت لمير المؤمنين عثمان حين خرج‬
‫إلى الصلة فقلت له‪ :‬إن لي إليك حاجة هي نصيحة‪ ،‬قال‪ :‬يا أيها‬
‫المرء‪ ،‬إني أعوذ بالله منك‪ .‬قال‪ :‬فانصرفت‪ ،‬فلما قضت الصلة‬
‫جلست إلى المسور وابن عبد يغوث فحدثهما بالذي قلت لمير‬
‫المؤمنين وقال لي‪ ،‬فقال‪ :‬قد قضيت الذي عليك‪ ،‬فبينما أنا جالس‬
‫معهما جاءني رسول أمير المؤمنين عثمان فقال لي‪ :‬قد ابتلك الله‪،‬‬
‫فانطلقت حتى دخلت على عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬ما نصيحتك التي ذكرت‬
‫لي آنفا؟ قال‪ :‬فتشهدت ثم قلت له‪ :‬إن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬بعث محمدا‬
‫بالحق وأنزل عليه الكتاب‪ ،‬فكنت ممن استجاب لله ولرسوله ×‪،‬‬
‫ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد‪ ،‬فحق عليك أن تقيم‬
‫عليه الحد‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي‪ :‬ابن أختي‪ ،‬أدركت رسول الله ×؟ قال‪:‬‬
‫ي من علمه واليقين ما يخلص إلى العذراء‬ ‫فقلت‪ :‬ل‪ ،‬ولكن خلص إل ّ‬
‫في سترها‪ ،‬قال‪ :‬فتشهد ثم قال‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن الله بعث محمدا‬
‫بالحق‪ ،‬فكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث محمد ×‪،‬‬
‫ثم هاجرت الهجرتين كما قلت‪ ،‬ونلت صهر رسول الله ×‪ ،‬وبايعت‬
‫رسول الله ×‪ ،‬فوالله ما عصيته ول غششته حتى توفاه الله‪ ،‬ثم‬
‫استخلف بعده أبو بكر فبايعناه فوالله ما عصيته ول غششته حتى‬
‫توفاه الله‪ ،‬ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ول غششته حتى‬

‫‪74‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫توفاه الله‪ ،‬ثم استخلفني الله أفليس لي عليكم مثل الذي كان لهم‬
‫ي؟ قال‪ :‬فقلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فما هذه الحاديث التي تبلغني عنكم؟‬ ‫عل ّ‬
‫فأما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه ‪-‬إن شاء الله‪ -‬بالحق‪،‬‬
‫قال‪ :‬فجلد الوليد أربعين سوطا‪ ،‬وأمر عليا بجلده فكان هو يجلده)‪.(1‬‬
‫لقد لزم ذو النورين النبي × فاستفاد من علمه وهديه‪ ،‬مما جعله‬
‫من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم جميعا‪ ،‬وكان ‪ ‬قادرا على‬
‫توجيه رعيته توجيها مفيدا‪ ،‬وتعليمهم واجباتهم ونقل آرائه النابعة من‬
‫علمه وخبرته وتجاربه وممارسته إليهم؛ حتى يرتقوا في مجال‬
‫الدعوة والتربية والتعليم والجهاد والستعداد للقاء الله عز وجل‪.‬‬
‫ومن توجيهات عثمان ‪ ‬ما تضمنته خطبة خلفته التي قال فيها‬
‫بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ×‪ :‬إنكم في دار‬
‫قلعة‪ ،‬وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه‪ ،‬فلقد‬
‫أتيتم صبحتم أو مسيتم‪ ،‬أل وإن الدنيا طويت على الغرور‪ ،‬فل‬
‫تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بالله الغرور‪ ،‬واعتبروا بمن مضى ثم‬
‫جدوا ول تغفلوا‪ ،‬أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها‬
‫ومتعوا بها طويل؟ ألم تلفظهم؟ ارموا الدنيا بالذي هو خير)‪ ,(2‬قال‬
‫ل ال ْحياة الدن ْيا ك َما ٍ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ء أن َْزل َْناهُ ِ‬ ‫َ‬ ‫مث َ َ َ َ َ ِ َ ّ َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫تعالى‪َ + :‬‬
‫ما ت َذُْروهُ‬ ‫شي ً‬ ‫ه ِ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫فا‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ ِ‬
‫ن‬‫وال ْب َُنو َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪‬‬ ‫را‬
‫ً‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ريا‬ ‫ال ّ‬
‫واًبا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬‫ر‬
‫َ َ ّ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ ٌ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫ّ َ ُ‬ ‫حا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫ق‬
‫ِ‬
‫ّ َ َ َ َ ُ‬ ‫با‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫يا‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫يا‬ ‫ح‬
‫َ َ َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫زي‬ ‫ِ‬
‫مل ً" ]الكهف‪.[46 ،45 :‬‬ ‫و ْ ٌ َ‬
‫أ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ولقد كان المعنى الذي يدور حوله توجيه الخليفة الثالث ‪ ‬في‬
‫هذه الخطبة هو الحض على القبال على الله والزهد في الدنيا‪ ،‬وهذا‬
‫هو المناسب لخطبته في ذلك الوقت الذي ألقى فيه السلم‬
‫بجرانه)‪ (3‬في أقطار المعمورة وفتحت البلدان وأقبلت الدنيا بنعيمها‪،‬‬
‫وبدأ الناس في التنافس فيها)‪(4‬وبخاصة غير أصحاب رسول الله ×‬
‫فكان المقال مناسبا للمقام‪.‬‬
‫وقد روى عثمان ‪ ‬أحاديث عن رسول الله × انتفعت بها المة؛‬
‫فهذا أبو عبد الرحمن السلمي يحدثنا عن حديث سمعه من عثمان‬
‫فعمل به‪ ،‬فعن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي‪ ،‬عن‬
‫عثمان ‪ ،‬عن النبي × قال‪» :‬خيركم من تعلم القرآن‬
‫وعلمه«‪ (5).‬قال‪ :‬وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان‬
‫الحجاج‪ ،‬قال‪ :‬وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا‪ .‬وفي رواية عن شعبة‬
‫قال أبو عبد الرحمن‪ :‬فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا‪ ،‬وكان يعلم‬
‫القرآن‪ (6).‬وكان عثمان ‪ ‬يروي أحاديث رسول الله × للمسلمين‬

‫فضائل الصحابة )‪ (1/597‬رقم )‪ ،(791‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/153‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫جرانه‪ :‬أي ثبت واستقر‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الكفاءة الدارية في السياسة الشرعية‪ ،‬للقادري‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫البخاري رقم )‪.(5028‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الخلفة الراشدة‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص ‪.421 ،420‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪75‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫كل في محله ومناسبته‪ ،‬ومن هذه الحاديث‪:‬‬
‫‪ -1‬أهمية الوضوء‪:‬‬
‫توضأ عثمان على البلط‪ ،‬ثم قال‪ :‬لحدثنكم حديثا سمعته من‬
‫رسول الله ×‪ ,‬لول آية في كتاب الله ما حدثتكموه‪ ،‬سمعت النبي ×‬
‫فصلى‪ ،‬غفر‬ ‫يقول‪» :‬من توضأ فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم دخل‬
‫له ما بينه وبين الصلة الخرى حتى يصليها« )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬تقليده لرسول الله × في الوضوء‪:‬‬
‫عن حمران بن أبان‪ ،‬عن عثمان بن عفان‪ :‬أنه دعا بماء فتوضأ‬
‫ومضمض واستنشق‪ ،‬ثم غسل وجهه ثلثا‪ ،‬وذراعيه ثلثا ثلثا‪ ،‬ومسح‬
‫برأسه وظهر قدميه‪ ،‬ثم ضحك‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬أل تسألوني عما‬
‫أضحكني؟ فقالوا‪ :‬مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال‪ :‬رأيت رسول‬
‫الله × دعا بماء قريبا من هذه البقعة‪ ،‬فتوضأ كما توضأت ثم ضحك‪،‬‬
‫فقال‪» :‬أل تسألوني ما أضحكني؟« فقالوا‪ :‬ما أضحكك يا رسول‬
‫الله؟ فقال‪» :‬إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه‪ ،‬حط الله عنه‬
‫كل خطيئة أصابها بوجهه‪ ،‬فإذا غسل ذراعيه كان)‪(2‬كذلك‪ ،‬وإن مسح‬
‫برأسه كان كذلك‪ ،‬وإن طهر قدميه كان كذلك«‪.‬‬
‫‪ -3‬كفارات الوضوء‪:‬‬
‫الوضوء‪(3‬كما أمره‬ ‫عن عثمان قال‪ :‬قال رسول الله ×‪» :‬من أتم‬
‫الله ‪-‬عز وجل‪ -‬فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن« ) ‪.‬‬
‫‪ -4‬الوضوء وصلة ركعتين ومغفرة الذنوب‪:‬‬
‫دعا عثمان بماء وهو على المقاعد‪ ,‬فسكب على يمينه فغسلها‪،‬‬
‫ثم أدخل يمينه في الناء فغسل كفيه ثلثا‪ ،‬ثم غسل وجهه ثلث‬
‫مرار‪ ،‬ومضمض واستنثر‪ ،‬وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثلث مرار‪،‬‬
‫ثم مسح برأسه‪ ،‬ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلث مرار‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ثم صلى‬ ‫سمعت رسول الله × يقول‪» :‬من توضأ نحو وضوئي هذا‪،‬‬
‫ركعتين ل يحدث نفسه فيهما‪ ،‬غفر الله ما تقدم من ذنبه« )‪.(4‬‬
‫‪ -5‬كلمة الخلص وكلمة التقوى‪:‬‬
‫قال عثمان ‪ :‬سمعت رسول الله × يقول‪» :‬إني لعلم كلمة ل‬
‫حرم على النار«‪ ،‬فقال له عمر بن‬ ‫قا من قلبه إل ُ‬
‫يقولها عبد ح ً‬
‫الله‬ ‫ألزمها‬ ‫التي‬ ‫الخلص‬ ‫كلمة‬ ‫هي‬ ‫هي؟‬ ‫ما‬ ‫أحدثك‬
‫وتعالى‪ -‬محمدا × وأصحابه‪ ،‬وهي كلمة التقوى التي أ َ‬‫الخطاب‪ :‬أنا‬
‫)‪(5‬‬
‫ص‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫‪-‬تبارك‬
‫عليها‪ (6‬نبي الله × عمه أبا طالب عند الموت‪ :‬شهادة أن ل إله إل‬
‫الله) ‪.‬‬
‫‪ -6‬العلم بالله يدخل العبد الجنة‪:‬‬
‫الموسوعة الحديثية‪ ،‬مسند أحمد‪ ،‬رقم )‪ ،(400‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الموسوعة الحديثية‪ ،‬مسند أحمد رقم )‪ (415‬صحيح لغيره‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الموسوعة الحديثية‪ ،‬مسند المام أحمد رقم )‪ ،(406‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه رقم )‪ (418‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫ألص‪ :‬أي راوده فيها‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫مسند أحمد رقم )‪ ،(447‬إسناده قوي‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪76‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عن عثمان بن عفان‪ ،‬عن النبي × قال‪» :‬من مات وهو يعلم أن‬
‫ل إله إل الله‬
‫دخل الجنة« )‪.(1‬‬
‫‪ -7‬الحسنات والباقيات‪:‬‬
‫عن الحارث مولى عثمان قال‪ :‬جلس عثمان يوما وجلسنا معه‬
‫د‪ ،‬فتوضأ ثم‬ ‫م ّ‬ ‫فجاءه المؤذن‪ ،‬فدعا بماء في إناء أظنه سيكون فيه ُ‬
‫قال‪ :‬رأيت رسول الله × يتوضأ وضوئي هذا ثم قال‪» :‬ومن توضأ‬
‫وضوئي هذا‪ ،‬ثم قال فصلى صلة الظهر‪ ،‬غفر له ما كان بينها وبين‬
‫الصبح‪ ،‬ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين صلة الظهر‪ ،‬ثم صلى‬
‫المغرب غفر له ما بينها وبين صلة العصر‪ ،‬ثم صلى العشاء غفر له‬
‫ما بينها وبين صلة المغرب‪ ،‬ثم لعله أن يبيت يتمرغ ليلته‪ ،‬ثم إن قام‬
‫فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلة العشاء‪ ،‬وهن‬
‫الحسنات يذهبن السيئات«‪ .‬قالوا‪ :‬هذه الحسنات‪ ،‬فما الباقيات يا‬
‫عثمان؟ قال‪ :‬هن ل إله إل الله‪(2)،‬وسبحان الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬والله‬
‫أكبر‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله‪.‬‬
‫‪ -8‬خطورة الكذب على رسول الله ×‪:‬‬
‫ي كذبا‪،‬‬ ‫قال‪ (:‬قال رسول الله ×‪» :‬من تعمد عل ّ‬ ‫عن عثمان ‪‬‬
‫فليتبوأ بيًتا في النار« )‪. 3‬‬
‫هذه بعض الحاديث التي رواها عثمان عن رسول الله ×‪ ،‬وتدل‬
‫على علم عثمان وحرصه على الستزادة من الهدي النبوي‪ ،‬وفقه‬
‫الشريعة الغراء‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحلم‪:‬‬
‫إن الحلم ركن من أركان الحكمة‪ ،‬وقد وصف الله نفسه بصفة‬
‫ن‬
‫الحلم في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ كقوله تعالى‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫م‬‫ه ُ‬‫ست ََزل ّ ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬
‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قى ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫م ال ْت َ َ‬‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫ن َت َ َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫عفا الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ولقدْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫ض َ‬ ‫ال ّ‬
‫ع ِ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫شي ْطا ُ‬
‫غ ُ‬ ‫َ‬
‫م" ]آل عمران‪ [155 :‬وقد بلغ النبي × في حلمه وعفوه‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫فوٌر َ‬
‫الغاية المثالية‪ ،‬وكان الخليفة الراشد عثمان بن عفان شديد القتداء‬
‫في أقواله وأفعاله وأحواله برسول الله ×‪ ،‬وكانت له مواقف كثيرة‬
‫تدل على حلمه وضبطه لنفسه‪ ،‬ومن أوضح المواقف التي تدل على‬
‫حلمه قصته في حصار الثائرين عليه؛ حيث أمر من عنده من‬
‫المهاجرين والنصار أن ينصرفوا إلى منازلهم ويدعوه وكانوا قادرين‬
‫مبنيا على شوقه إلى لقاء ربه‪ ،‬وإرادته حقن‬ ‫على منعه‪ ،‬وكان حلمه‬
‫دماء المسلمين ولو بقتله)‪.(4‬‬
‫ثالثـا‪ :‬السماحة‪:‬‬
‫عن عطاء بن فروخ مولى القرشيين‪ :‬أن عثمان ‪ ‬اشترى من‬
‫مسند أحمد رقم )‪ ،(464‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫مسند أحمد رقم )‪ (513‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫مسند أحمد رقم )‪ (507‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الكفاءة الدارية في السياسة الشرعية‪ ،‬د‪ .‬عبد الله قادري‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪77‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫رجل أرضا فأبطأ عليه‪ ،‬فلقيه فقال‪ :‬ما منعك من قبض مالك؟ قال‪:‬‬
‫دا إل وهو يلومني‪ ،‬فقال‪ :‬أو ذلك‬ ‫إنك غبنتني فما ألقى من الناس أح ً‬
‫يمنعك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فاختر بين أرضك ومالك‪ ،‬ثم قال‪ :‬قال‬
‫»أدخل الله الجنة رجل كان سهل مشتريا وبائعا‪،‬‬ ‫رسول الله ×‪:‬‬
‫وقاضيا ومقتضيا«‪ (1) .‬فهذا مثل رفيع في السماحة في البيع‬
‫والشراء‪ ،‬وهو يدل على ما جبل عليه عثمان ‪ ‬من الكرم وعدم‬
‫التعلق بالدنيا‪ ،‬فهو يستعبد الدنيا لخدمة مكارم الخلق التي من‬
‫تستعبده‪(2‬الدنيا‪ ،‬فتجعل منه أنانيا يؤثر مصالحه‬ ‫أهمها اليثار‪ ،‬ول‬
‫الخاصة وإن أضر بالناس) ‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬اللين‪:‬‬
‫امتن الله تعالى على رسوله × بأن رزقه صفة اللين رحمة منه‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫م َ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه ِلن َ‬‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬‫م ٍ‬‫ح َ‬‫ما َر ْ‬ ‫فب ِ َ‬‫به وبعباده‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬‬
‫ك" ]آل عمران‪.[159 :‬‬ ‫ول ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ضوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬‫غِلي َ‬‫ظا َ‬‫ف ّ‬‫ت َ‬
‫كن َ‬‫ُ‬
‫أفادت الية الكريمة أن صفة اللين رحمة من الله يرزق بها من‬
‫شاء من عباده‪ ،‬وأن الرسول × قد رزق هذه الصفة رحمة من الله‬
‫باللين‪(3‬يحبه‬ ‫به وبعباده الذين بعثه إليهم‪ ،‬ويفهم من الية أن المتصف‬
‫الناس ويلتفون حوله ويقبلون منه ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه ) ؛‬
‫فاللين من الصفات الطيبة التي اتصف بها عثمان ‪ ،‬فكان ‪ ‬ليًنا‬
‫على رعيته عطوًفا على أمته‪ ،‬يخاف أن يصاب أحد دون علمه فل‬
‫يتمكن من تلبية حاجته‪ ،‬وكان يتتبع أخبار الناس‪ ،‬فينصر الضعيف‪،‬‬
‫ويأخذ الحق من القوي ‪.‬‬
‫سا‪ :‬العفو‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫عن عمران بن عبد الله بن طلحة‪ :‬أن عثمان بن عفان ‪ ‬خرج‬
‫لصلة الغداة فدخل من الباب الذي كان يدخل منه‪ ،‬فزحمه الباب‬
‫فقال‪ :‬انظروا‪ ،‬فنظروا فإذا رجل معه خنجر أو سيف‪ ،‬فقال له‬
‫عثمان ‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬أردت أن أقتلك‪ ،‬قال‪ :‬سبحان الله!! ويحك‪،‬‬
‫علم تقتلني؟ قال‪ :‬ظلمني عاملك باليمن‪ ،‬قال‪ :‬أفل رفعت ظلمتك‬
‫ي فإن لم أنصفك أو أعديك على عاملي أردت ذلك مني؟ فقال‬ ‫إل ّ‬
‫لمن حوله‪ :‬ما تقولون؟ فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬عدو أمكنك الله‬
‫م بذنب فكفه الله عني‪ ،‬ائتني بمن يكفل بك‪ ،‬ل‬ ‫منه‪ ،‬فقال‪ :‬عبد ه ّ‬
‫ما وليت أمر المسلمين‪ ،‬فأتاه برجل من قومه فكفل‬ ‫)‪(4‬‬
‫تدخل المدينة‬
‫به فخلى عنه‪.‬‬
‫فهذا تسامح كبير من أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪‬؛ حيث‬
‫عفا عمن أراد قتله‪ ،‬والعفو عند المقدرة صفة من صفات الكمال‬
‫في الرجال‪ ،‬وهو دليل على التجرد من حظ النفس وتقلص النانية‪،‬‬
‫وضعف الرتباط بالدنيا‪ ،‬وقوة الرتباط بالخرة‪ ،‬وهذا الخلق إضافة‬
‫إلى أنه عمل صالح يرفع من درجات صاحبه في الخرة فإنه سياسة‬
‫)( مسند أحمد رقم )‪ ،(410‬حسن لغيره‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( التاريخ السلمي )‪.(18/126 ،17‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الكفاءة الدارية‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( التاريخ السلمي )‪ (18،17/22‬نقل عن تاريخ المدينة المنورة‪ ،‬ص )‪،1027‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.(1028‬‬

‫‪78‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حكيمة في الدنيا؛ إذ أن هذا الرجل الذي أراد العتداء لو أنه قتل أو‬
‫عوقب عقوبة بليغة لربما أحدث فتنة بإيغار صدور أفراد قبيلته‬
‫واستعدادهم للنتقام إذا سنحت لهم الفرصة‪ ،‬لكن العفو عنه يجعل‬
‫أفراد قبيلته وأبناء بلده يعذلونه ويعنفونه على ما حاول القدام عليه‪،‬‬
‫الفتنة قبل تصاعدها‪ ،‬ويكسب صاحب العفو قلوب‬ ‫وبذلك تنطفئ‬
‫الناس وولءهم)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬التواضع‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫على الْر ِ‬ ‫ن َ‬
‫شو َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫سل ًَ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬
‫عَبادُ الّر ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫و ِ‬
‫قال تعالى‪َ +َ :‬‬
‫ما" ]الفرقان‪.[63 :‬‬ ‫َ‬ ‫لوا‬ ‫قا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫خاطب َ ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫وًنا َ‬
‫ه ْ‬
‫َ‬
‫جعل المولى ‪-‬عز وجل‪ -‬صفة التواضع أولى صفات عباده‬
‫المؤمنين‪ ،‬ولقد كان الخليفة الراشد عثمان متصفا بهذه الصفة‪،‬‬
‫وكانت هذه الصفة تنبع من إخلصه لله سبحانه وتعالى؛ فعن عبد‬
‫الله الرومي قال‪ :‬كان عثمان بن عفان يأخذ وضوءه لنفسه إذا قام‬
‫من الليل‪ ،‬فقيل له‪ :‬لو أمرت الخادم كفاك‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬الليل لهم‬
‫يستريحون فيه‪ (2).‬فهذا مثل من اتصاف أمير المؤمنين عثمان ‪‬‬
‫بالرحمة‪ ،‬فهو مع كبر سنه وعلو منزلته الجتماعية يخدم نفسه في‬
‫الليل ول يوقظ الخدم‪ ،‬وإن وجود الخدم من تسخير الله تعالى‬
‫للمخدومين‪ ،‬وإن مما ينبغي للمسلم الذي سخر الله تعالى من‬
‫يخدمه أن يتذكر أن الخادم إنسان مثله له طاقة محدودة في العمل‪،‬‬
‫مشاعره‪ ،‬وأن ييسر له‬ ‫وله مشاعر وأحاسيس فينبغي له أن يراعي‬
‫الراحة كاملة في النوم‪ ،‬وأن ل يشق عليه بعمل‪ (3).‬وكان ‪ ‬من‬
‫النبي‪ ×(4‬إذا مر به وهو راكب نزل حتى يزول‬ ‫تواضعه واحترامه لعم‬
‫العباس احتراما وتقديرا له) ‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬الحياء والعفة‪.‬‬
‫الحياء من أشهر أخلق عثمان ‪‬وأحلها‪ ،‬تلك الصفة النبيلة التي‬
‫زينه الله بها‪ ،‬فكانت فيه منبع الخير )‪(5‬والبركة‪ ،‬ومصدر العطف والرحمة‪،‬‬
‫فقد كان ‪‬من أشد الناس حياء‪ .‬فقد ذكر الحسن البصري ‪-‬رحمه‬
‫الله‪ -‬عثمان بن عفان يوما وشدة حيائه فقال‪ :‬إنه ليكون في البيت‪،‬‬
‫مغلق‪ (،‬فما يضع عنه ثوبه ليفيض عليه الماء‪ ،‬يمنعه الحياء‬ ‫)‪6‬‬
‫والباب عليه‬
‫أن يقيم صلبه‪.‬‬
‫ومن حيائه ‪ ‬ما روته بنانة ‪-‬وهي جارية لمرأته‪ -‬تقول‪ :‬كان‬
‫عثمان إذا اغتسل جئته بثيابه فيقول لي‪ :‬ل تنظري إلي‪ ،‬فإنه ل يحل‬
‫لك‪ (7).‬وقد وردت الحاديث النبوية التي تحدثت عن حيائه وقد ذكرتها‬
‫في موضعها‪.‬‬
‫وأما عن عفته وبعده عن مساوئ الخلق فحدث في ذلك بما‬
‫التاريخ السلمي )‪.(18/22 ،17‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فضائل الصحابة رقم )‪ ،(742‬إسناده صحيح وهو رواية أخرى‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫التاريخ السلمي )‪.(18/62 ،17‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫التبيين في أنساب القرشيين )‪.(152‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.49 ،48‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫طبقات ابن سعد )‪ ،(3/59‬خبر ل بأس به‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪79‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫في الجاهلية ول‬ ‫شئت ول حرج‪ ،‬فإنه ‪ ‬لم يعرف طريق الفحشاء‬
‫في السلم‪ ،‬يقول عثمان ‪ :‬ما تغنيت ول تمنيت)‪ ،(1‬ول مسست‬
‫في‬ ‫ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله ×‪ ،‬ول شربت خمرا‬
‫جاهلية ول في السلم‪ ،‬ول زنيت في جاهلية ول في السلم)‪.(2‬‬
‫ثامًنا‪ :‬الكرم‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬من أكرم المة وأسخاها‪ ،‬وله في ذلك مواقف‬
‫ومآثر ل تزال غرة في جبين التاريخ السلمي؛ فقد مر معنا ما قام‬
‫به في غزوة تبوك‪ ،‬وشراؤه لبئر رومة وتصدقه به على المسلمين‪،‬‬
‫وتوسيعه للمسجد النبوي في عهد النبي ×‪ ,‬وتصدقه بالقافلة‬
‫المحملة بالخيرات في عصر الصديق ‪ ،‬وكان ‪ ‬يعتق كل جمعة‬
‫في سبيل الله منذ أسلم‪ ،‬فجميع ما أعتقه ألفان وأربعمائة رقبة‬ ‫رقبة‬
‫تقريبا‪ (3).‬وقد روى أنه كان له على طلحة بن عبيد الله ‪-‬وكان من‬
‫أجود الناس‪ -‬خمسون ألفا‪ ،‬فقال له طلحة يوما‪ :‬قد تهيأ مالك‬
‫فاقبضه‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬هو لك معونة على مروءتك‪ (4).‬لقد كان‬
‫سخاء عثمان وجوده صفة أصلية في شخصيته الفذة ‪ ،‬فقد وظف‬
‫أمواله في خدمة دين الله فلم يبخل في تأسيس الدولة السلمية‬
‫والجهاد في سبيل الله تعالى‪ ،‬وخدمة المجتمع ابتغاء رضوان الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫تاسًعا‪ :‬شجاعته‪:‬‬
‫يعد عثمان ‪ ‬من الشجعان‪ ،‬والدليل على ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬خروجه للجهاد في سبيل الله‪ ،‬وحضوره المشاهد كلها مع‬
‫رسول الله ×‪ ،‬وإذا اتهم بتخلفه عن بدر فقد سبق أن قلنا إن ذلك‬
‫كان بأمر من رسول الله ×‪ ،‬ثم عده رسول الله × من الذين‬
‫شهدوها وأعطاه سهمه منها‪ ،‬ونال أجره إن شاء الله‪ ،‬وليس بعد‬
‫كلم رسول الله × كلم‪.‬‬
‫‪ -2‬سفارة رسول الله × له إلى قريش في الحديبية‪:‬‬
‫امتثل عثمان ‪- ‬كما مر معنا‪ -‬لطلب الرسول × وذهب إلى‬
‫قريش وهو يعرف ما أقدم عليه‪ ،‬غير أن رجولته وبطولته قد أبتا‬
‫عليه إل المتثال والطاعة‪.‬‬
‫إن من يقبل السفارة في مثل تلك الظروف لشجاع عظيم‪،‬‬
‫وبطل من البطال النوادر‪ ،‬صحيح أنها أمر من رسول الله × ولكنها‬
‫الوقت نفسه شجاعة ل يمكن أن يقبل بها جبان أو رجل‬ ‫في‬
‫عادي)‪.(5‬‬
‫‪ -3‬الفداء بالنفس‪:‬‬
‫عندما حوصر ‪ ‬في داره طلب منه المارقون التنازل عن‬
‫تغنيت‪ :‬من الغناء‪ ،‬تمنيت‪ :‬من التمني‪ ،‬وهو الكذب واختلق الباطل‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح التوثيق‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الصواعق المحرقة لبن حجر الهيثمي )‪.(1/237‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/227‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المين ذو النورين‪ ،‬ص ‪.196 -194‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪80‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الخلفة ل خيار غيره أو القتل‪ ،‬أو عزل ولته وتسليم بعضهم‪ ،‬فأصر‬
‫على موقفه مضحيا بنفسه من أن تصبح الخلفة بيد ثلة تزيح من‬
‫أو‪(1‬تنزع الخلفة من صاحبها الذي اختارته‬ ‫ترغب‪ ،‬وتعين من تحب‪،‬‬
‫المة‪ ،‬ويصبح ذلك قاعدة‪ ).‬فأصر على موقفه وهو يرى الموت في‬
‫سيوف المحاصرين‪ ،‬وإن الذي يقف هذا الموقف لهو الشجاع وإنه‬
‫للدنيا أبدا‪،‬‬ ‫لصاحب حق‪ ،‬ولن يقف هذا الموقف رجل جبان أو محب‬
‫فالحياة عند هؤلء الجبناء أفضل من المكانة ومن الدنيا كلها)‪ ،(2‬ولكن‬
‫هذا الصرار العجيب والعزيمة النافذة‪ ،‬والشجاعة الفائقة من عثمان‬
‫‪ ‬ثمرة إيمان قوي بالله‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬واليوم الخر وقر في قلبه‪ ،‬وجعله يستهين بكل شيء في‬
‫هذه الحياة حتى‬
‫بالحياة نفسها)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬الجهاد بالمال‪:‬‬
‫قدم عليه‪ ،‬قال‬ ‫إن الجهاد بالنفس اقترن مع الجهاد بالمال‪ ،‬وربما‬
‫غي ُْر َُأوِلي‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤَ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬
‫قا ِ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫تعالى‪+ :‬ل َ ي َ ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وأن ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫مَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫وال ِ‬ ‫م َ‬‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ل الل َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬‫جا ِ‬ ‫م َ‬
‫ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫على ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫و‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬
‫َ ِ‬‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫أ‬‫ْ ِ‬‫ب‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ض‬‫ف ّ‬ ‫َ‬
‫عَلى‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬
‫جا ِ‬‫م َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫نى‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ة‬ ‫ً‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ر‬‫دَ َ‬
‫ما" ]النساء‪.[95 :‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫جًرا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وهناك آيات كثيرة تقرن المال بالنفس‪ ،‬وإن الذي ينفق المال‬
‫في سبيل الله بسخاء إنما هو مجاهد وشجاع‪ ،‬وقد أنفق عثمان ‪‬‬
‫حتى قال رسول الله ×‪» :‬ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم«‬ ‫الكثير‬
‫مرتين)‪.(4‬‬
‫الموت‪ (،‬جريئا يواجه الباطل في‬ ‫لقد كان عثمان ‪ ‬شجاعا ل يهاب‬
‫تحد ّ سافر‪ ،‬حليما ل يجهله حمق الحمقى)‪. 5‬‬
‫عاشًرا‪ :‬الحزم‪:‬‬
‫إن صفة الحزم في شخصية ذي النورين أصيلة‪ ،‬ونجد الصديق ‪‬‬
‫عندما عرض عليه السلم قال له‪ :‬ويحك يا عثمان إنك رجل حازم‪،‬‬
‫ما يخفى عليك الحق من الباطل‪ ،‬ما هذه الوثان التي يعبدها قومنا‪.‬‬
‫)‪ (6‬وفي سنة ‪ 26‬هـ زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه‪ ،‬وابتاع‬
‫من قوم وأبى آخرون‪ ،‬فهدم عليهم‪ ،‬ووضع الثمان في بيت المال‪،‬‬
‫ي؟‬‫فصيحوا بعثمان‪ ،‬فأمر بهم بالحبس‪ ،‬وقال‪ :‬أتدرون ما جرأكم عل ّ‬
‫فلم تصيحوا به‪ ،‬ثم‬ ‫)‪(7‬‬
‫ما جرأكم علي إل حلمي‪ ،‬قد فعل هذا بكم عمر‬
‫كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد‪ ،‬فأخرجوا‪.‬‬
‫ومن المواقف التي تدل على حزمه‪ :‬حمايته لنظام الخلفة من‬
‫الضياع‪ ،‬فلم يجب الخارجين إلى خلع نفسه من الخلفة‪ ،‬فكان بذلك‬
‫)‪ (3،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.197‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد الوكيل‪ ،‬ص ‪.304‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سنن الترمذي‪ ،‬رقم )‪.(3785‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.304‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/250‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪81‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يمثل الثبات واستمرار النظام؛ لنه لو أجاب الخارجين إلى خلع‬
‫نفسه لصبح منصب المامة العظمى ألعوبة في أيدي المفتونين‬
‫الساعين في الرض بالفساد‪ ،‬ولسادت الفوضى واختل نظام البلد‪،‬‬
‫ولكان ذلك تسليطا للرعاع والغوغاء على الولة والحكام‪ .‬لقد كانت‬
‫نظرة عثمان ‪ ‬بعيدة الغور‪ ،‬فلو أجابهم إلى ما يريدون لسن بذلك‬
‫سنة‪ ،‬وهي كلما كره قوم أميرهم خلعوه‪ ،‬وللقى بأس المة بينها‪،‬‬
‫وشغلها بنفسها عن أعدائها‪ ,‬وذلك أقرب لضعفها وانهيارها‪ ،‬على أنه‬
‫لم يجد سوى نفسه يفدي بها المة‪ ،‬ويحفظ كيانها وبنيانها من‬
‫التصدع‪ ،‬ويدعم بهذا الفداء نظامها الجتماعي ويحمي سلطانها الذي‬
‫تساس به من أن تمتد إليه يد العبث والفوضى‪ .‬ومما ل شك فيه أن‬
‫هذا الصنع من عثمان كان أعظم وأقوى ما يستطيع أن يفعله رجل‬
‫الشرين وأخف الضررين‬ ‫ألقت إليه المة مقاليدها؛ إذ لجأ إلى أهون‬
‫ليدعم بهذا الفداء نظام الخلفة وسلطانها‪ (1).‬وسيأتي بيان ذلك في‬
‫محله بإذن الله‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬الصبر‪:‬‬
‫اتصف عثمان ‪ ‬بصفة الصبر‪ ،‬ومن المواقف الدالة على هذه‬
‫الصفة ثباته في الفتنة؛ إذ كان موقفه إزاء تلك الحداث التي ألمت‬
‫به وبالمسلمين المثل العلى لما يمكن أن يقدمه الفرد من تضحية‬
‫وفداء في سبيل حفظ كيان الجماعة‪ ،‬وصون كرامة المة‪ ،‬وحقن‬
‫دماء المسلمين؛ فقد كان بإمكانه أن يقي نفسه ويخلصها لو أنه أراد‬
‫نفسه ولم يرد حياة المة‪ ،‬ولو كان ذاتيا ولم يكن من أهل اليثار‬
‫لدفع بمن هب للذود عنه من الصحابة وأبناء المهاجرين والنصار إلى‬
‫نحور الخارجين المنحرفين عن طاعته‪ ،‬ولكنه أراد جمع شمل المة‪،‬‬
‫محتسبا‪ ،‬وقد أعلن عثمان ‪ ‬أنه سيواجه الفتنة‬ ‫ففداها بنفسه صابرا‬
‫م‬‫ه ُ‬‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫العارمة بالصبر الجميل)‪ (2‬ممتثل قوله سبحانه‪+ :‬ال ّ ِ‬
‫ماًنا‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه ْ‬
‫فَزادَ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬ ‫خ َ‬
‫ش ْ‬ ‫م َ‬
‫فا ْ‬ ‫عوا ل َك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫م ُ‬
‫ج َ‬ ‫قد ْ َ‬‫س َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬‫الّنا ُ ُ‬
‫ل" ]آل عمران‪.[173 :‬‬ ‫كي ُ‬ ‫َ ِ‬‫و‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ُ َ ِ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫نا‬ ‫ب‬‫س‬
‫َ ْ ُ َ‬‫ح‬ ‫لوا‬ ‫و َ‬
‫قا‬ ‫َ‬
‫إن عثمان ‪ ‬كان قوي اليمان بالله‪ ،‬كبير النفس‪ ،‬نفاذ البصيرة‪،‬‬
‫نبيل الصبر‪ ،‬حيث فدى المة بنفسه‪ ،‬فكان ذلك من أعظم فضائله‬
‫عند المسلمين‪ (3).‬قال ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ :-‬ومن المعلوم بالتواتر‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء‪ ،‬وأصبر الناس على َ‬
‫ن عرضه‪ ,‬وعلى من سعى في دمه‪ ،‬فحاصروه وسعوا في قتله‬ ‫م ْ‬‫نال ِ‬
‫وقد عرف إرادتهم لقتله‪ ،‬وقد جاءه المسلمون ينصرونه ويشيرون‬
‫عليه بقتالهم‪ ،‬وهو يأمر الناس بالكف عن القتال‪ ،‬ويأمر من يطيعه‬
‫أن ل يقاتلهم‪ .‬وقيل له‪ :‬تذهب إلى مكة‪ ,‬فقال‪ :‬ل أكون من ألحد في‬
‫الحرم‪ ،‬فقيل له‪ :‬تذهب إلى الشام‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفارق دار هجرتي‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬فقاتلهم‪ ،‬فقال‪ :‬ل أكون أول‬
‫من خلف محمدا في أمته بالسيف‪ .‬فكان صبر عثمان حتى قتل من‬
‫أعظم فضائله‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة )‪.(1/474‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سير الشهداء للسخستياني‪ ،‬ص ‪.58 ،57‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة )‪.(1/472‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪82‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عند المسلمين)‪.(1‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬العدل‪:‬‬
‫واتصف عثمان ‪‬‬
‫بصفة العدل؛ فعن عبيد الله بن عدي بن الخيار‬
‫وهو محصور فقال له‪ :‬إنك إمام العامة وقد نزل‬‫أنه دخل على عثمان ‪‬‬
‫بك ما ترى‪ ،‬وهو ذا يصلي بنا إمام فتنة ‪-‬عبد الرحمن بن عديس البلوى‪-‬‬
‫وأنا أخرج من الصلة معه‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬إن الصلة أحسن ما يعمل‬
‫الناس‪ ،‬فإذا أحسن الناس فأحسن معهم‪ ،‬وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وروى ابن شبة بإسناده‪ ،‬قال‪ :‬دخل عثمان بن عفان على غلم له‬
‫يعلف ناقة‪ ،‬فرأى في علفها ما كره‪ ،‬فأخذ بأذن غلمه فعركها‪ ،‬ثم‬
‫ندم‪ ،‬فقال لغلمه‪ :‬اقتص فأبى الغلم‪ ،‬فلم يدعه حتى أخذ بأذنه‬
‫فجعل يعركها‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬شد حتى ظن أنه قد بلغ منه مثل ما‬
‫ها لقصاص قبل قصاص الخرة)‪.(3‬‬ ‫بلغ منه‪ ،‬ثم قال عثمان ‪ :‬وا ً‬
‫ثالث عشر‪ :‬عبادته‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬من المجتهدين في العبادة‪ ،‬وقد روى من غير وجه‬
‫أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر السود أيام‬
‫الحج‪ ،‬وقد كان هذا من دأبه ‪ (4).‬ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال‬
‫َ‬
‫ما‬
‫قائ ِ ً‬‫و َ‬
‫دا َ‬ ‫ج ً‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬‫ت آَناءَ الل ّي ْ ِ‬‫قان ِ ٌ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫في قوله َتعالى‪+ :‬أ ّ‬
‫ه" ]الزمر‪ [9 :‬قال‪ :‬هو عثمان بن‬ ‫ة َرب ّ ِ‬‫م َ‬‫ح َ‬‫جو َر ْ‬ ‫وي َْر ُ‬‫خَرةَ َ‬ ‫حذَُر )ا‪(5‬ل ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫من‬‫و َ‬
‫َ َ‬‫و‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫وي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫‪+‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫عباس‬ ‫ابن‬ ‫وقال‬ ‫عفان‪.‬‬
‫ْ‬
‫قيم ٍ" ]النحل‪ [76 :‬قال‪ :‬هو‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫عَلى ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬‫ل َ‬
‫عد ْ ِ‬ ‫با‪6‬ل ْ( َ‬‫مُر ِ‬
‫ي َأ ُ‬
‫عثمان‪ .‬وكان ‪ ‬يفتتح القرآن ليلة الجمعة‪ ،‬ويختمه ليلة‬ ‫)‬

‫الخميس)‪ ،(7‬وكان ‪ ‬يصوم الدهر ويقوم الليل إل هجعة من أوله)‪.(8‬‬


‫رابع عشر‪ :‬خوفه من الله وبكاؤه ومحاسبته لنفسه‪:‬‬
‫فقد جاء في إحدى خطبه‪ :‬أيها الناس‪ ،‬اتقوا الله؛ فإن تقوى الله‬
‫غنم‪ ،‬وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫من( نور الله نورا لقبره‪ ،‬ويخشى أن يحشره الله أعمى وقد‬ ‫واكتسب‬
‫كان بصيرا‪ 9).‬وقد روى عنه قوله‪ :‬لو أني بين الجنة والنار ل أدري‬
‫إلى أيتها يؤمر بي لتمنيت أن أصير رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما‬
‫أصير‪.‬‬

‫منهاج السنة )‪.(203 ،3/202‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البخاري رقم )‪.(695‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫أخبار المدينة‪ ،‬لبن شبة )‪.(3/236‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الطبقات الكبرى )‪ ،(3/76‬تاريخ السلم‪ ،‬عهد الخلفاء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬ص ‪.476‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تفسير ابن كثير )‪.(4/47‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تفسير ابن كثير )‪.(2/579‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫علو الهمة )‪.(3/93‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫صفة الصفوة للمام ابن الجوزي )‪.(1/302‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين‪ ،‬مجدي فتحي السيد‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪83‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وكانت روحه ترتجف وعََبراته تفيض عندما يذكر الخرة‪ ،‬وعندما‬
‫يتخيل نفسه وقد انشق قبره ونسل من جدثه إلى العرض‬
‫والحساب)‪(1‬؛ فعن هاني مولى عثمان‪ ،‬قال‪ :‬كان عثمان إذا وقف‬
‫على قبر بكى حتى تبتل لحيته‪ ،‬فقيل له‪ :‬تذكر الجنة والنار وتبكي‬
‫من هذا؟ قال‪ :‬إن رسول الله × قال‪» :‬إن القبر أول منازل‬
‫الخرة‪ ،‬فإن نجا منه فما بعده أيسر منه‪ ،‬وإن لم ينج‬
‫منه فما بعده أشد منه«‪ .‬قال‪ :‬وقال رسول الله ×‪» :‬والله ما‬
‫رأيت منظرا إل والقبر أفظع منه«‪ .‬قال‪ :‬وكان النبي × إذا فرغ من‬
‫استغفروا لخيكم وسلوا له‬ ‫دفن الميت وقف عليه‪ ،‬ثم قال‪» :‬‬
‫بالتثبيت؛ فإنه الن يسأل«‪ (2) .‬وهذا من فقه القدوم على الله‬
‫الذي استوعبه عثمان ‪ ‬وعاش به في حياته‪ ،‬وما أحوجنا إلى هذا‬
‫الفقه العظيم الذي به تحيا النفوس‬
‫وتنفجر الطاقات‪.‬‬
‫خامس عشر‪ :‬زهده‪:‬‬
‫اشتهر أمير المؤمنين عثمان ‪ ‬بأنه من أهل الغنى والثروة‪،‬‬
‫ولكن مع هذه الشهرة فإنه قد رويت عنه أخبار تدل على أنه كان‬
‫من الزاهدين في الدنيا‪ ،‬فعن حميد ابن نعيم‪ ،‬أن عمر وعثمان‬
‫‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬دعيا إلى طعام‪ ،‬فلما خرجا قال عثمان لعمر‪ :‬قد‬
‫م؟ قال‪ :‬إني أخاف أن‬ ‫شهدنا طعاما لوددنا أنا لم نشهده‪ ،‬قال‪ :‬ل ِ َ‬
‫يكون صنع مباهاة‪ (3).‬فهذا فقه من عثمان ‪ ‬بمجالت السخاء‬
‫السلمي؛ فالسخاء في السلم ل يكون بالتفاخر بالكرم والتباهي‬
‫بنوع الطعام أو كثرته‪ ،‬وإنما يكون ببذل المال من غير إسراف ول‬
‫خيلء‪ ،‬مع شكر المنعم ‪-‬جل وعل‪ -‬والتواضع للناس‪ .‬وهذه النظرة‬
‫التزهيد بالجاه الدنيوي‪ ،‬وهذا يدل على أنه كان‬ ‫من عثمان تعتبر من‬
‫من الزاهدين في ذلك‪ (4).‬ومن زهد عثمان ‪ ‬وتواضعه ما أخرجه‬
‫الهمداني أنه‬
‫)‪(5‬‬
‫المام أحمد من حديث ميمون بن مهران قال‪ :‬أخبرني‬
‫رأى عثمان بن عفان عليه بغلة وخلفه غلمه نائل وهو خليفة‪.‬‬
‫وكذلك ما أخرجه من حديث الهمداني قال‪ :‬رأيت عثمان نائما في‬
‫المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين‪ (6).‬كما أخرج‬
‫من حديث شرحبيل بن مسلم أن عثمان بن عفان ‪ ‬كان)‪(7‬يطعم‬
‫الناس طعام المارة‪ ،‬ويدخل إلى بيته فيأكل الخل والزيت ‪.‬‬
‫فهذه أمثلة جليلة من زهد أمير المؤمنين عثمان ‪ ،‬وحينما‬
‫يكون الزاهد متوسطا في المعيشة فإن زهده ل يلفت النظر كثيرا‬
‫ول يثير العجب‪ ،‬ولكن حينما يكون غنيا فإن زهده يكون مدهشا‬
‫للمتأملين وعبرة للمعتبرين؛ ذلك لن كثرة المال تغري بالنصراف‬
‫نحو الملذات والتوسع في النفقات‪ ،‬فل بد ليكون الغني زاهدا من‬
‫استيعابه لفقه القدوم على الله حتى يكون مهيمنا على نفسه مذكرا‬
‫لقلبه‪ ،‬فتكبر الخرة في عينه وتصغر الدنيا في نفسه‪ ،‬وهكذا كان‬
‫)( نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمد محمد الصمد‪ ،‬ص ‪.205‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فضائل الصحابة رقم )‪ ،(773‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الزهد للمام أحمد‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( التاريخ السلمي )‪.(18/48 ،17‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫)‪ (3 ،‬الزهد‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫‪84‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عثمان ‪ ‬الذي كان من أعظم الثرياء في السلم‪ ،‬قد غلبت قوة‬
‫نفسه‬
‫)‪(1‬‬
‫إيمانه شهوته وهواه فكان من أعظم الزاهدين‪ ،‬وضرب من‬
‫مثل لجميع الغنياء بإمكان الجمع بين الغنى والزهد في الدنيا‪.‬‬
‫سادس عشر‪ :‬الشكر‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬كثير الشكر لله تعالى باللسان والجنان والركان‪،‬‬
‫دعى ذات يوم إلى قوم على ريبة‪ ،‬فانطلق ليأخذهم فتفرقوا قبل أن‬
‫يبلغهم‪(2،‬فأعتق رقبة شكرا لله أن ل يكون جرى على يديه خزي‬
‫مسلم) ‪.‬‬
‫سابع عشر‪ :‬تفقد أحوال الناس‪:‬‬
‫كان ‪ ‬ودودا رؤوفا يسأل عن أحوال المسلمين‪ ،‬ويتعرف على‬
‫مشكلتهم ويطمئن على غائبهم‪ ،‬ويواسي قادمهم‪ ،‬ويسأل عن‬
‫مرضاهم؛ فقد روى المام أحمد‪ ،‬عن موسى بن طلحة قال‪ :‬رأيت‬
‫عثمان بن عفان وهو على المنبر‪ ،‬وهو يستخبر الناس يسألهم عن‬
‫أخبارهم وأسعارهم‪ (3).‬وروى ابن سعد في الطبقات عنه أيضا قال‪:‬‬
‫رأيت عثمان بن عفان يخرج يوم الجمعة عليه ثوبان أصفران‪،‬‬
‫فيجلس على المنبر‪ ،‬فيؤذن المؤذن‪ ،‬وهو يتحدث يسأل الناس عن‬
‫أسفارهم وعن قادمهم وعن مرضاهم‪ (4).‬وكان ‪ ‬يهتم بشئون‬
‫الرعية‪ ،‬ويصل ذوي الحاجة‪ ،‬ويفرض العطاء للمواليد من بيت‬
‫المال)‪(5‬؛ فقد روى عن عروة بن الزبير أنه قال‪ :‬أدركت زمن عثمان‪،‬‬
‫وما من نفس مسلمة إل ولها في مال الله حق‪ .‬يعني بيت المال)‪.(6‬‬
‫ثامن عشر‪ :‬تحديد الختصاصات‪:‬‬
‫المراد بتحديد الختصاص تقسيم وظائف العمل على العاملين‪،‬‬
‫ما بالعمل الذي كلفه ليقوم به دون‬
‫بحيث يكون كل موظف عال ِ ً‬
‫تقصير فيه‪ ،‬ول يتجاوز إلى عمل آخر مسند إلى سواه‪ .‬وتقسيم‬
‫الوظائف سنة كونية ربانية عمل بها رسول الله × والخلفاء‬
‫الراشدون من بعده؛ ففي عهد عثمان ‪ ‬وزعت الوظائف والعمال‬
‫على المسلمين كل في ميدانه كما سيأتي بيانه بإذن الله؛ ففي‬
‫مؤسسة القضاة والمال‪ ،‬والجيش وولية المصار ظهرت الصفة‬
‫القيادية في تحديد الختصاصات عند الخليفة الراشد عثمان ‪ ،‬فقد‬
‫تم تقسيم العمال وحددت قواعد بين العاملين كانت من أهم‬
‫عوامل النجاح في دولة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وبذلك تعامل الخليفة‬
‫سّنتين الكونية والشرعية في تحديد‬ ‫عثمان‪ (7‬مع ال ُ‬ ‫الراشد‬
‫الختصاصات) ‪.‬‬

‫)‪ (6‬علو الهمة )‪.(5/481‬‬ ‫)( التاريخ السلمي )‪.(18/49 ،17‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫فضائل الصحابة رقم )‪ ،(812‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الطبقات )‪.(3/59‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/396‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصنف في الحديث لبن شيبة )‪.(3/1023‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫الكفاءة الدارية‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪85‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تاسع عشر‪ :‬الستفادة من أهل الكفاءات‪:‬‬
‫إن الشادة بالكفاء وإرشاد المة إلى احترامهم‪ ،‬وتكريمهم‬
‫ووضعهم في مواضعهم وعدم هضمهم‪ ،‬والستفادة من طاقاتهم‬
‫واختصاصاتهم‪ ،‬إن ذلك مما جعل أهل القرون المفضلة من سلف‬
‫هذه المة ينالون العز والمجد والتمكين في هذه المعمورة‪ (1).‬وقد‬
‫ظهرت هذه الصفة في شخصية عثمان ‪ ‬عندما استفاد من كفاءات‬
‫زيد بن ثابت واللجنة التي عينت معه في جمع القرآن على حرف‬
‫واحد‪.‬‬
‫هذه بعض الصفات التي تلحظ في شخصية عثمان ‪ ‬وهي‬
‫محل قدوة وأسوة لقادة المسلمين وعوامهم‪ ،‬لمن يريد أن يتبع هدي‬
‫النبي × والخلفاء الراشدين في هذه الحياة‪.‬‬
‫إن معرفة صفات الخلفاء الراشدين ومحاولة القتداء بهم‪ ،‬خطوة‬
‫صحيحة لمعرفة صفات القادة الربانيين الذين يستطيعون أن يقودوا‬
‫المة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة‪ ،‬فمن أسباب التمكين‬
‫لهذا الدين العمل على إيجاد قادة ربانيين‪ ،‬جرى اليمان في قلوبهم‬
‫وعروقهم‪ ،‬وانعكست ثماره على جوارحهم‪ ،‬وتفجرت صفات التقوى‬
‫في أعمالهم وسكناتهم وأحوالهم؛ فالقيادة الربانية الحكيمة هي التي‬
‫تسعى لتحكيم شرع الله وتفجير طاقات المة وتوجيهها‪ ،‬وهي التي‬
‫تحتضن السلم وتنهجه قلبا وقالبا‪ ،‬جوهرا ومنظرا‪ ،‬وعقيدة وشريعة‪،‬‬
‫ودينا ودولة‪ ،‬وهي التي تصبح وتمسي وهمها عقيدتها وأمتها‪ ،‬وهي‬
‫التي تسعى بكل ما تملك لحل المشاكل التي تواجهها‪ ،‬وتعمل بكل‬
‫جهد وإخلص للقضاء على عوائق التمكين الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫***‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.157‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪86‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫المؤسسة المالية والقضائية في عهد عثمان‬
‫المبحث الول‬
‫المؤسســـة الماليــــــــــــة‬
‫لما تولى عثمان ‪ ‬الخلفة لم يغير من سياسة عمر المالية‪،‬‬
‫وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور‬
‫وامتلك المساحات الشاسعة من الراضي‪ ،‬فقد زالت عن المسلمين‬
‫دون‬ ‫شدة عمر التي كانت ترهبهم وتخيفهم‪ ،‬والتي كانت تحول‬
‫الكثير مما يشتهون‪ ،‬وكان عهده عهد رخاء على المسلمين)‪.(1‬‬
‫ل‪ :‬السياسة المالية التي أعلنها عثمان عندما تولى الحكم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫وجه عثمان ‪ ‬كتابا إلى الولة وكتابا آخر إلى عمال الخراج‪،‬‬
‫ت نصوصها عند حديثي عن منهجه‬ ‫وأذاع كتابا على العامة‪ ،‬وقد ذكر ُ‬
‫في الحكم‪ ،‬وفي ضوء تلك النصوص تكون عناصر السياسة المالية‬
‫العامة التي أعلنها ثالث الخلفاء الراشدين قد قامت على السس‬
‫العامة التالية‪:‬‬
‫* تطبيق سياسة مالية عامة إسلمية‪.‬‬
‫* عدم إخلل الجباية بالرعاية‪.‬‬
‫* أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين‪.‬‬
‫* إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫* أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق‪ ،‬وإعطاؤهم‬
‫ما لهم‪ ،‬وعدم ظلمهم‪.‬‬
‫* تخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء‪.‬‬
‫تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى‬ ‫*‬
‫العامة)‪.(2‬‬
‫ونفصل فيما يلي هذه السس‪:‬‬
‫‪ -1‬نية عثمان بن عفان تطبيق سياسة مالية عامة‪:‬‬
‫مما ل شك فيه أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان عزم على‬
‫تطبيق سياسة مالية عامة إسلمية؛ فقد بويع ‪ ‬على أساس تطبيق‬
‫حكم الله وسنة رسوله × وسياسة الخليفتين قبله‪ ،‬وقد طبق أبو‬
‫بكر ‪ ‬ما نزل به القرآن وما سّنه رسول الله × فيما يتعلق‬
‫بالسياسة المالية وغيرها من الحكام‪ ،‬وقام عمر بتطوير المؤسسة‬
‫المالية ونظم قواعدها وأرسى مبادئها وزاد مواردها ورشد إنفاقها‪،‬‬
‫ونهج عثمان طريقهم‪ ,‬واجتهد في بعض المور القابلة للجتهاد‪ ،‬فنفذ‬
‫)( مبادئ القتصاد السلمي‪ ،‬سعاد إبراهيم صالح‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( السياسية المالية لعثمان ‪ ،‬قطب إبراهيم‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪87‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حكم الله في الرض في قضايا الموال وغيرها؛ فأشرف على دفع‬
‫الزكاة لبيت المال‪ ،‬وتوزيعها على مستحقيها‪ ،‬وأهل الكتاب في‬
‫دفعهم الجزية لبيت مال الدولة السلمية‪ ،‬وبذلك يدخلون في ذمتها‬
‫تحميهم وتوفر لهم المان وتضفي عليهم سائر خدماتها العامة‪،‬‬
‫والمجاهدون يغنمون الموال ويرسلون خمسها لبيت مال المسلمين‪،‬‬
‫ويقوم بيت المال بتوزيعها على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل‬
‫تعالى‪:‬‬ ‫فأ َ‬ ‫وجوه النفاق طبقا لقوله‬ ‫موا أ َ‬ ‫وغيرها من‬
‫ل‬ ‫سو‬
‫ُ َ ُ َ ّ ُُ ِ‬ ‫ر‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫لل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫من‬ ‫ّ‬ ‫تم‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪َ +‬‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫إن‬ ‫ل‬
‫ّ ِ ِ ِ‬ ‫بي‬‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬
‫ِ َ ْ ُِ‬‫وا‬ ‫ن‬ ‫كي‬‫ِ‬ ‫سا‬ ‫َ َ َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫تا‬
‫َ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫بى‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫َ‬
‫قى‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫بالل‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬
‫ديٌر" ]النفال‪ [41 :‬وغير ذلك من‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫والل‬ ‫ِ َ‬ ‫ن‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫مصادر الدولة المعروفة‪ .‬وقد تميزت المالية العامة في عهد ذي‬
‫النورين والخلفاء الراشدين بأنها مرتبطة بالسلم وتطبيق تعاليمه‬
‫وحماية إيراداته‪ ،‬ويساند النفاق العام فيها نشر راية السلم وخير‬
‫المسلمين‪ ،‬وهي مرشدة للنفاق؛ لن تعاليم السلم تمنع السراف‬
‫وتحاربه‪ ،‬والله ل يحب المسرفين‪ ،‬وتمنع السفهاء من التحكم في‬
‫الموال وهي مالية عامة خيرة؛ لن بعض مواردها العامة توجه للبنية‬
‫الضعيفة من الرعية‪ ،‬وهي نقية من الدنس‪ ،‬ول تتضمن مواردها كسًبا‬
‫من حرام؛ لن الله ل يبارك‬
‫الكسب الحرام‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم إخلل الجباية بالرعاية‪:‬‬
‫ينبه عثمان بن عفان ‪ ‬في كتابه للولة أن جباية أموال بيت‬
‫المال كادت تطغى على الواجب الول للولة وهي رعاية الرعية‪،‬‬
‫وذلك أن الجباية أحد واجبات الرعية المكلف بها رئيس الدولة‬
‫السلمية‪ ،‬فل يصح أن تطغى على سائر الواجبات‪ (1).‬وقد استنبط‬
‫الفقهاء من الهدي النبوي والعهد الراشدي تكاليف الرعاية؛ أي‬
‫واجبات الخليفة لتحقيق رعاية المة كما يلي‪:‬‬
‫قال الماوردي‪ :‬والذي يلزمه من المور العامة عشرة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف‬
‫المة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬تنفيذ الحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين‬
‫المتنازعين؛ حتى تعم النصفة فل يتعدى ظالم ول يضعف مظلوم‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬حماية البيضة والذب عن الحريم؛ ليتصرف الناس في‬
‫المعاش وينتشروا في السفار‪ ،‬آمنين من تغرير بنفس أو حال‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن النتهاك‪،‬‬
‫وتحفظ حقوق عباده من إتلف واستهلك‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة؛ حتى ل‬
‫تظفر العداء بغرة ينتهكون فيها محرما‪ ،‬أو يسفكون فيها لمسلم أو‬
‫ما‪.‬‬‫معاهد د ً‬
‫)( السياسة المالية لعثمان ‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪88‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والسادس‪ :‬جهاد من عاند السلم بعد الدعوة إليه حتى يسلم أو‬
‫يدخل الذمة‪ ،‬ليقام بحق الله تعالى في إظهاره )السلم( على الدين‬
‫كله‪.‬‬
‫صا ّ واجتهادا من غير‬‫جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه ن‬ ‫والسابع‪:‬‬
‫خوف ول عسف‪.‬‬
‫والثامن‪ :‬تقدير العطايا وما يستحق من بيت المال من غير سرف‬
‫ول تقتير‪ ،‬ودفعه في وقت ل تقديم فيه ول تأخير‪.‬‬
‫والتاسع‪ :‬استكفاء المناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من‬
‫العمال‪ ،‬ويكله إليهم من الموال؛ لتكون العمال بالكفاءة مضبوطة‬
‫والموال بالمناء محفوظة‪.‬‬
‫والعاشر‪ :‬أن يباشر بنفسه مشارفة المور وتصفح الحوال؛‬
‫بسياسة المة وحراسة الملة‪ ،‬ول يعول على التفويض تشاغل‬ ‫لينهض‬
‫بلذة أو عبادة)‪.(1‬‬
‫وبإيجاز‪ ،‬فإن واجبات الخليفة تتفرع عن شرطي عقد البيعة‪،‬‬
‫وهما حراسة الدين وسياسة الدنيا)‪ (2‬اللذين هما مهمة الرسول ×‬
‫الذي هو خليفته‪ ،‬وإن كان الماوردي والفراء المتعاصران قد تطابقت‬
‫تحديداتهما لواجبات المام‪ ،‬فإنما ذلك اجتهاد منهما حسب حاجة‬
‫المة في عصرها‪ ،‬ول ينبغي أن تقتصر حقوق المة على ما عدده‬
‫عالم من علمائها أو أكثر مهما بلغ من فضل وسعة علم‪ ،‬ومهما كانت‬
‫العالم معاصًرا‪ ،‬فكيف إن كانت‬ ‫نظرته للموضوع شاملة‪ ،‬هذا إن كان‬
‫آراؤه واجتهاداته قد سبقنا بها بقرون‪ (3).‬ولذا فينبغي أن تحدد‬
‫واجبات المام بناء على الشرطين العامين لصحة عقده وهما حراسة‬
‫الدنيا‪ ،‬وينبغي أن تقوم لجان من علماء المة بتحديد‬ ‫الدين وسياسة‬
‫ذلك لهل زمانهم)‪.(4‬‬
‫هذه بعض تكاليف الرعاية كما أوردها الفقهاء‪ ،‬وهي قابلة‬
‫للتطوير بما يلئم‬
‫صا من نصوص‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫التطوير‬ ‫يخالف‬ ‫ل‬ ‫بحيث‬ ‫والعصور‬ ‫تطور الزمان‬
‫ما من أحكام الدين)‪.(5‬‬ ‫القرآن أو حك ً‬
‫‪ -3‬أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين‪:‬‬
‫عمال الخراج نواب عن الدولة في استئداء حقوق بيت المال‪،‬‬
‫فإذا أخذوا ما على المسلمين بالحق أدوا واجبهم المنوط بهم‪ ،‬وإذا‬
‫غالوا في جباية حقوق بيت المال ظلموا الممولين وألحقوا بهم‬
‫ملوهم فوق ما يطيقون‪ ،‬والرسول × يحذر من المغالة‬ ‫الضرر وح ّ‬
‫في استئداء حقوق بيت المال؛ فقد نهى عن جباية كرائم الموال في‬

‫الحكام السلطانية والوليات الدينية‪ ،‬أبو الحسن الماوردي‪ ،‬ص ‪.17،16‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الخلفة بين التنظير والتطبيق‪ ،‬محمد المرداوي‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪89‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الزكاة‪ ،‬وأمر بالتخفيف في استئداء زكاة الثمر)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬إعطاء المسلمين ما لهم من بيت المال بالحق‪:‬‬
‫عطاء بيت المال للمسلمين إما أن يكون مباشرا كصرف الزكاة‬
‫للمستحقين لها‪ ،‬وما يقضي به نظام العطيات من توزيع فائض‬
‫الموال على المسلمين‪ ،‬أو يكون العطاء العام غير مباشر يتمثل في‬
‫الخدمات العامة التي تؤديها الدولة للرعية‪ ،‬وهذه ينفق عليها من‬
‫بيت مال المسلمين‪ .‬وفي كل العطاءين ينبغي أن يتسم العطاء‬
‫بالحق‪ ،‬فل يجوز في العطاء المباشر أن يخالف السس التي تحددت‬
‫لوضعه محاباة لبعض الفراد أو حرمانا أو نقصانا للبعض الخر دون‬
‫مبرر‪ ،‬ول يجوز أن يتأخر العطاء عن موعده بسبب تعقد الجراءات‬
‫أو كثرة الحجب التي تحجب أرباب الظلمات عن الوصول لمن‬
‫بيدهم أمر العطاء لبحث ظلمتهم من تأخير العطاء أو قلته‪ ،‬أو عدم‬
‫وصوله إليهم‪ ،‬ول يجوز في العطاء غير المباشر المتمثل في‬
‫تكون المنفعة لفرد‬ ‫الخدمات العامة التي تؤديها الدولة للشعب أن‬
‫معين؛ بل يجب أن يعود نفعها على المة جمعاء)‪.(2‬‬
‫‪ -5‬عدم ظلم أهل الذمة وأخذ ما عليهم لبيت المال بالحق‬
‫وإعطاؤهم حقوقهم بالحق كذلك‪:‬‬
‫ل يجوز ظلم أهل الكتاب عند أخذ الجزية منهم؛ لن أهل الكتاب‬
‫من الذميين الذين يقيمون في الدولة السلمية وهم في ذمتها‬
‫ورعايتها ما داموا يؤدون الجزية‪ ،‬وقد أوصى بهم رسول الله ×؛ فقد‬
‫ولى عبد الله بن أرقم على جزية أهل الذمة‪ ،‬فلما ولى عنده ناداه‬
‫أو( انتقصه أو أخذ منه‬ ‫دا أو كلفه فوق طاقته‬‫فقال‪ :‬أل من ظلم معاه ً‬
‫شيًئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة‪ 3) .‬واستنادا لذلك فقد‬
‫أوصى بهم عمر بن الخطاب ‪ ‬حين موته‪ :‬أوصى الخليفة من بعدي‬
‫يوفي لهم بعهدهم‪ ،‬وأن يقاتل من ورائهم‪ ،‬وأن‬ ‫بأهل الذمة خيرا‪ ،‬أن‬
‫ل ُيكلفوا فوق طاقتهم)‪.(4‬‬
‫فإذا آذى عمال الجزية الذميين أو كلفوهم فوق طاقاتهم أو‬
‫عذبوهم‪ ،‬أو أخذوا الجزية من الشيخ الكبير الذي ل شيء له ول‬
‫يستطيع العمل‪ ،‬أو أخذوها من الذمي الذي أسلم‪ ،‬كان هذا لونا من‬
‫إلى‪(5‬عمال‬ ‫ألوان الظلم الذي نبه عليه الخليفة الثالث في كتابه‬
‫الخراج بعد ارتكابه مستندا في ذلك لتعاليم الرسول ×) ‪.‬‬
‫هذا وعلوة على الجزية يؤدي أهل الذمة الذين يزرعون أرض‬
‫الخراج ‪-‬وهي التي آلت للدولة السلمية كغنيمة نتيجة للفتح‬
‫السلمي‪ -‬ما يستحق عليها من خراج لبيت مال المسلمين‪ ،‬ويجب‬
‫أن يراعى عمال الخراج الحق في تحديد قيمته المستحقة على‬
‫الراضي التي يزرعها أهل الذمة‪ ،‬وذلك بمراعاة العوامل التي تحكم‬
‫تحديده؛ لن إغفالها كلها أو بعضها يوقع الظلم بأهل الذمة الذين‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬المنتخب من السنة‪ ،‬ص ‪.261‬‬ ‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ (4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪90‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يزرعونها‪ ،‬وهذه العوامل أربعة‪:‬‬
‫* ما يختص بالرض من جودة يزكو بها زرعها أو رداءة يقل بها‬
‫ريعها‪.‬‬
‫* ما يختص بالزرع من اختلف أنواعه من الحبوب والثمار‪ ،‬فمنها‬
‫ما يكثر ثمنه ومنها ما يقل ثمنه فيكون الخراج بحسبه‪.‬‬
‫* ما يختص بالسقي والشرب؛ لن ما التزم المئونة في سقية‬
‫النواضح والدوالي ل يحتمل من الخراج ما يحتمله سقي السيوح‬
‫والمطار‪.‬‬
‫تحمله‪(1‬ليجعل فيها‬ ‫* أن ل يستقضي في وضع الخراج غاية ما‬
‫لرباب الرض بقية يجبرون بها في النوائب والجوائع) ‪.‬‬
‫هذا وإذا كانت الدولة السلمية قد أبرمت عهدا أو عقدت صلحا‬
‫مع أهل الكتاب‪ ،‬فواجب الدولة السلمية وعمال خراجها أن يلتزموا‬
‫بما ورد بها من شروط‪ ,‬ومنها الشروط التي تحدد قيمة ما يدفعونه‬
‫من جزية أو خراج؛ لن المسلمين إذا أبرموا عقدا أو عهدوا عهدا‬
‫التزموا بالوفاء بالعقود والعهود)‪.(2‬‬
‫‪ -6‬عدم ظلم اليتيم‪:‬‬
‫لليتيم حقوق في المال العام بنصوص القرآن الكريم‪ ،‬فهو من‬
‫ما‬ ‫المستحقين لموال الزكاة إن كان فقيرا‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ة‬
‫ف ِ‬‫ؤل ّ َ‬‫م َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫مِلي َ‬ ‫عا ِ‬‫وال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ َ‬‫ء َ‬ ‫قَرا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ل‬‫ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫غا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ق ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫م" ]التوبة‪.[60 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫كي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬‫ٌ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫والل‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫ولليتيم نصيب في خمس الغنائم تطبيقا لقوله جل وعل‪:‬‬
‫ء َ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫و ِ ّ‬
‫لل‬ ‫ه َ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لل ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫مُتم ّ‬ ‫غن ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪َ +‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫إن‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫بى‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ول‬
‫ْ‬
‫قى‬ ‫م ال ْت َ َ‬
‫ّ ِ ِ ِ‬
‫و‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ْ‬
‫ِ َ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬
‫ِ‬
‫نا‬
‫َ‬ ‫د‬
‫َ َ َ‬
‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫َ‬
‫نا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ن‬ ‫آ َم ِن ْت ُم بالل ْه وما َ أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ديٌر" ]النفال‪ [41 :‬ولليتيم‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫نصيب في عطاء بيت المال‪ ،‬فقد كان يفرض للطفال عموما ومنهم‬
‫يتامى الطفال‪ ،‬وإذا كان اليتيم غنيا فيؤدي الزكاة المفروضة على‬
‫أمواله إذا توافرت‪ ,‬وواجب المصدق أن يأخذ الزكاة بالحق والعدل‬
‫حتى ل يذهب ظلمه بمال اليتيم أو جزء منه بغير وجه حق)‪.(3‬‬
‫‪ -7‬تخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء‪:‬‬
‫ت إ َِلى‬ ‫ماَنا ِ‬ ‫دوا ال ْ َ‬ ‫ؤ ّ‬ ‫م َأن ت ُ َ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫ه َيأ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫َ قال تعالى‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫عد ْ ِ‬‫موا ِبال َ‬ ‫حك ُ‬ ‫س أن ت َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫هل ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫را" ]النساء‪.[58 :‬‬ ‫صي ً‬ ‫عا ب َ ِ‬ ‫مي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫عظُك ْ‬
‫ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫نِ ِ‬

‫)‪ (2 ,‬السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬
‫)( السياسة الماليةـ لعثمان‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪91‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ن"‬ ‫عو َ‬ ‫م َرا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ماَنات ِ ِ‬‫مل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬‫وقال تعالى‪َ + :‬‬
‫]المؤمنون‪.[8 :‬‬
‫طالب الخليفة الراشد عثمان بن عفان ‪ ‬عمال الخراج أن‬
‫يتحلوا بالمانة وهي صفة لزمة لجميع من يشتغلون بالموال العامة‪،‬‬
‫وإذا لم تتوافر فيهم هذه الصفة جاروا على حقوق بيت المال وجاروا‬
‫على الممولين‪ ،‬وانتكست العلقة بين بيت المال والممولين‪.‬‬
‫والقرآن الكريم والحاديث النبوية الشريفة تنبه وتحض على التزام‬
‫المانة‪ ،‬وطالب الخليفة عثمان كذلك عمال الخراج بأن يتحلوا‬
‫بالوفاء‪ .‬وقد ورد الوفاء مطلقا في كتاب الخليفة؛ فيشمل الوفاء‬
‫لبيت المال بمراعاة أخذ حقوقه كاملة من الرعية‪ ،‬والوفاء للممولين‬
‫بعدم ظلمهم بالمغالة في تحديد الفرائض المالية المطلوبة منهم‪،‬‬
‫وتطبيق ما تضمنته‬ ‫والوفاء لهل الذمة بالرفق وحسن المعاملة‬
‫شروط الصلح معهم من جزية وخراج دون زيادة)‪.(1‬‬
‫‪ -8‬أثر تكامل النعم على مسار المة‪:‬‬
‫لم يرد عثمان بن عفان ‪ ‬أن يترك العامة دون تبصيرهم‪،‬‬
‫فحذرهم من أن تجذبهم الدنيا إلى ملذها ومتاعها‪ ،‬وخشي أن أمر‬
‫توفرت( لهم ثلث‪ :‬وهي تكامل النعم‪،‬‬ ‫المة صائر إلى البتداع بعد أن‬
‫وبلوغ أولد السبايا‪ ،‬وقراءة العاجم‪ 2).‬فعثمان ‪ ‬أدرك أن تكامل‬
‫النعم لدى البعض سيميل بأولي النعم عن المسار السليم؛ لن‬
‫يفسدهم َ بسبب ما‬ ‫ذا أ َ‬ ‫لدى أفراد الرعية قد‬ ‫تكامل النعمة بزيادة الموال‬
‫هل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أن‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬‫ر‬ ‫َ ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬‫و‬ ‫‪+‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪,‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫والفساد‬ ‫ينفقونه َ على الترف‬
‫و ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ها‬ ‫مت َْر ِ َ‬
‫في‬ ‫مْرَنا ُ‬ ‫ةأ َ‬ ‫قْري َ ً‬ ‫َ‬
‫را" ]السراء‪.[16 :‬‬ ‫ً‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ ّ ْ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ف‬
‫‪ -9‬المقارنة بين السياسة العمرية والعثمانية‪:‬‬
‫هذه السياسة المالية التي أعلنها ذو النورين تكاد تتفق مع‬
‫السياسة العامة المالية التي نفذها الفاروق حين ولي أمر‬
‫ل ثلث؛‬ ‫خل ٌ‬ ‫يصلحه‪(4‬إل ِ‬ ‫المسلمين‪ ،‬فقد أعلن ونفذ‪ :‬أن المال العام ل‬
‫أن يؤخذ بالحق ويعطى في الحق ويمنع في الباطل‪ ).‬فالسياسة‬
‫تنبعان من مشكاة واحدة‪ ،‬وهي مشكاة‬ ‫العمرية والعثمانية في المال‬
‫السلم ومبادئه وأصوله وقواعده)‪.(5‬‬
‫ثانًيا‪ :‬توجيهات عثمانية توضح للناس قواعد زكاتهم‪:‬‬
‫قال عثمان ‪ :‬هذا شهر زكاتكم‪ ،‬فمن كان عليه دين فليؤده‬
‫حتى تخرجوا زكاة أموالكم‪ ،‬ومن لم تكن عنده لم تطلب منه حتى‬
‫هذا الشهر من قابل‪ ،‬قال‬ ‫يأتي بها تطوعا‪ ،‬ومن أخذ منه حتى يأتي‬
‫إبراهيم بن سعد‪ :‬آراه يعني شهر رمضان‪ (6).‬وقال أبو عبيد‪ :‬وقد‬
‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/245‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫السياسة المالية لعمر بن الخطاب‪ ،‬قطب إبراهيم محمد‪ ،‬ص ‪ ،23‬وما بعدها‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الموال لبي عبيد‪ ،‬ص ‪.534‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪92‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫جاءنا في بعض الثر أن هذا الشهر الذي أراده عثمان هو المحرم‪،‬‬
‫وبهذا القول أكد عثمان ‪ ‬المبادئ التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬مبدأ سنوية الزكاة؛ إذ يشترط لداء الزكاة ‪-‬ما عدا زكاة‬
‫ن الحول‪ ،‬ويظهر ذلك من قول عثمان أن من أخذ منه‬ ‫ول َ‬
‫الزروع‪ -‬ح َ‬
‫ل يؤدي زكاة عن أمواله حتى يأتي نفس الشهر في السنة التالية‪،‬‬
‫فل تتكرر عليه الزكاة في عام واحد‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا أخذنا بقول أبي عبيد أن الشهر الذي قصده عثمان بن‬
‫عفان هو شهر محرم‪ ،‬فكأنه أراد أن تكون السنة المالية السلمية‬
‫مطابقة للسنة الهجرية؛ فعلى المسلمين بعد مرور سنة هجرية‬
‫كاملة على ما لديهم من أموال أن يسددوا ما عليها من زكاة في‬
‫أول السنة الهجرة التالية‪ ،‬وهو شهر المحرم إذا توافرت شروطها‪.‬‬
‫ج‪ -‬ويدعو عثمان بن عفان ‪ ‬الناس إلى حساب وعاء الزكاة‪،‬‬
‫فيطلب منهم أداء ما عليهم من ديون حتى تؤخذ الزكاة على الباقي‪.‬‬
‫)‪ (2‬ولعل عثمان أراد أن يستحث الناس على أداء ما عليهم من ديون؛‬
‫الخاضع للزكاة‪ ،‬وحتى‬ ‫وفاء منهم للدائنين‪ ،‬وتسهيل لحساب المال‬
‫يقطع بجدية الدين وعدم تطرق الصورية إليه)‪.(3‬‬
‫د‪ -‬يقول عثمان ‪ :‬ومن لم تكن عنده لم تطلب منه حتى يأتي‬
‫بها تطوعا‪ .‬وبذلك يفتح عثمان بن عفان الدعوة إلى التطوع‪ ،‬فقد‬
‫يرى بعض المسلمين أنهم ل يستحق عليهم زكاة‪ ،‬ومع ذلك يرون‬
‫التطوع بأداء صدقات من أموالهم يؤدونها لبيت المال‪ ،‬فيقبلها منهم‬
‫ويضمها إلى موارد الزكاة‪ ،‬وتصرف الدولة منها على نفس مصارف‬
‫الزكاة‪ (4).‬وقد يكون قول عثمان ‪ :‬ومن أخذنا منه لم نأخذ منه‬
‫حتى يأتينا بها تطوعا‪ ،‬أنه يقصد أن ل يجبى بيت المال صدقة الذهب‬
‫والفضة إل إذا أتى بها صاحبها لبيت المال‪ ،‬وأما الصدقة التي يكره‬
‫الناس عليها ويجاهدون على منعها فهي صدقة الماشية والحرث‬
‫والنخل‪ ،‬وبذلك يكون عثمان قد ترك لصحاب الموال أداء الزكاة‬
‫على ما يعرف بالموال الباطنة‪ ،‬وهي أموال الذهب والفضة‬
‫والتجارة‪ ،‬ول يقبلها منهم إل إذا أتى بها صاحبها تطوعا)‪ .(5‬يقول في‬
‫ذلك أبو عبيد‪ :‬أل ترى أن رسول الله × قد كان يبعث مصدقيه إلى‬
‫الماشية فيأخذونها من أربابها بالكره منهم وبالرضا‪ ،‬وكذلك كانت‬
‫الئمة بعده‪ ،‬وعلى منع صدقة الماشية قاتلهم أبو بكر‪ ،‬ولم يأت عن‬
‫النبي × ول عن أحد بعده أنهم استكرهوا الناس على صدقات‬
‫الصامت‪ ،‬إل أن يأتوا بها غير مكرهين وإنما هي أماناتهم يؤدونها‪،‬‬
‫فعليهم فيها أداء العين والدين؛ لنها ملك أيمانهم وهم مؤتمنون‬
‫عليها‪ ،‬وأما الماشية فإنها حكم يحكم بها عليهم‪ ،‬وإنما تقع الحكام‬
‫فيما بين الناس على الموال الظاهرة وهي فيما بينهم وبين الله‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.535‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (6 ،‬السياسة المالية لعثمان ‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫)( السياسة الماليةـ لعثمان ‪،‬ـ ص ‪.76‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (4 ،3،‬الموال لبي عبيد‪ ،‬ص ‪.537‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪93‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫على الظاهرة والباطنة جميعا)‪.(1‬‬
‫‪ -1‬رأيه في زكاة دين الدائن‪:‬‬
‫عن السائب بن يزيد أن عثمان كان يقول‪ :‬إن الصدقة في الدين‬
‫الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه‪ ،‬والذي هو ملئ تدعه حياء أو‬
‫)‪(2‬‬
‫مصانعة ففيه الصدقة‪.‬‬
‫وعن عثمان ‪ ‬قال‪ :‬ز ّ‬
‫كه ‪-‬يعني الدين‪ -‬إذا كان عند الملئ)‪.(3‬‬
‫فمن هذين القولين لعثمان بن عفان يبين أن الصدقة واجبة على‬
‫الدين للدائن على المدين الملئ‪ ،‬ويستطيع أن يحصل من المدين‬
‫على دينه ولكن يستحي أن يذكر المدين به‪ ,‬أو أن الدائن يدع دينه‬
‫للمدين مصانعة له‪ ،‬والمصانعة تعني سكوت الدائن عن المطالبة‬
‫بدينه نظير منفعة يحصل عليها من المدين)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬اقتراضه من مصرف الزكاة وإنفاقه للمصالح العامة‪:‬‬
‫أخذ عثمان ‪ ‬من أموال الزكاة فأنفق منها في الحرب وفي غير‬
‫الحرب على المرافق العامة‪ ،‬فأنفق على الجهاد على أن يرد ذلك إذا‬
‫اتسع المال لرده‪ ،‬ومن حق المام أن يقترض من مصرف لمصرف‪،‬‬
‫موروثة ما دام مصمما على أن‬ ‫)‪(5‬‬
‫ل يخالف بذلك الدين‪ ،‬ول يغير سنة‬
‫يرد على أموال الصدقة ما أخذ منها‪.‬‬
‫وتذهب بعض الراء إلى أن أحد مصارف الزكاة وهو مصرف‬
‫»في سبيل الله« يعطي للغازي في سبيل الله من أموال الزكاة؛‬
‫لن انقطاعه للجهاد أقعده عن العمل والكسب‪ ،‬وليس هذا من باب‬
‫التشجيع على البطالة‪ ،‬فهذا الصنف قد آثر مصلحة السلم على‬
‫مصلحة نفسه‪ ,‬وترك العمل لشخصه ليعمل في مجال أرحب وأوسع‬
‫وهو العمل لعلء كلمة الله ونشر دينه في المعمورة‪ .‬ويرى بعض‬
‫العلماء جواز صرف الزكاة في المنافع العامة وما تقتضيه حاجات‬
‫المة)‪.(6‬‬
‫‪ -3‬النفاق من الزكاة على الطعام للفقراء وأبناء السبيل‪:‬‬
‫سّنة جديدة‪ ،‬فكان يضع الطعام في المسجد في‬ ‫ن عثمان ‪ُ ‬‬‫س ّ‬‫َ‬
‫وقال‪ :‬للمتعبد الذي يتخلف في المسجد‪ ،‬وابن السبيل‪،‬‬ ‫رمضان‬
‫والمعترين‪ (7).‬والخليفة عثمان ‪ ‬بذلك يكرم المسلمين من بيت‬
‫المال‪ ،‬وفي ذلك اقتداء بالرسول × الذي كان أجود الناس وأجود ما‬
‫يكون في رمضان‪ .‬وهذه السنة التي استنها عثمان ترغب المسلمين‬
‫وفي ذلك تشجيع‬ ‫دا‪،‬‬
‫في العتكاف في المساجد ما دام أكلهم مع ّ‬
‫على إحياء سنة الرسول الكريم × في العتكاف)‪.(8‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫المنتخب من السنة )‪.(6/301‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫تاريخ الطبري )‪ ،(5/245‬المعتر‪ :‬الفقير‪ ،‬المتعرض للمعروف بدون سؤال‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.83 ،82‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪94‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -4‬إنشاء منازل للضيافة من أموال الزكاة‪:‬‬
‫سمال السدي ومعه نفر من أهل الكوفة ينادي‬ ‫بلغ عثمان أن أبا‬
‫مناد لهم إذا قدم الميار)‪ :(1‬أن من كان من القبائل ليس لقومهم‬
‫بالكوفة منزل فمنزله على أبي سمال‪ ،‬فاتخذ عثمان بعض الدور‬
‫كمنازل للضيافة ينزل بها الغرباء ممن ليس لهم منزل‪ ،‬ومن هذه‬
‫وكان‪(2‬الضياف ينزلون‬ ‫الدور منزل عبد الله بن مسعود في هذيل‪،‬‬
‫داره في هذيل إذا ضاق عليهم ما حول المسجد) ‪.‬‬
‫‪ -5‬العطاء من بيت المال لكل مملوك‪:‬‬
‫على يده أن رد على كل مملوك بالكوفة من‬ ‫مما زاد عثمان ‪‬‬
‫ثلثة من كل شهر يتسعون بها من غير أن ينقص مواليهم‬ ‫)‪(3‬‬
‫فضول الموال‬
‫والغالب على أن مصدر هذه الموال التي وزعها عثمان‬ ‫من أرزاقهم‪.‬‬
‫على كل مملوك هو أموال الزكاة باعتبار أن لهم فيها نصيبا؛ لنهم أحد‬
‫في‬ ‫و ِ‬
‫التي( حددتها آية الزكاة‪ ،‬وهي مصرف ‪َ +‬‬ ‫المصارف الثمانية‬
‫ب"]التوبة‪. 4)[6 :‬‬ ‫الّر َ‬
‫قا ِ‬
‫ثالثـا‪ :‬خمس الغنائم‪:‬‬
‫بدأ الجهاد في عهد الرسول × ‪ ,‬واستمر في عهد أبي بكر‬
‫وعمر‪ ,‬وكذلك في عهد الخليفة عثمان بن عفان‪ ،‬وكانت نتيجة‬
‫ذلك انتشار السلم واتساع رقعة الدولة السلمية‪ ،‬وكانت‬
‫فتوحات عهد عثمان كبيرة حققت غنائم كثيرة إلى بيت المال‪،‬‬
‫منها الخمس‪ ،‬كما أنه آل إلى بيت المال جزية من آثر البقاء على‬
‫دينه من أهل الكتاب ولم يحارب‪ ،‬فهناك ارتباط إذن بين بيت‬
‫المال والفتوحات السلمية‪ ،‬فقد قام بيت المال في عهد عثمان‬
‫في تمويل هذه الفتوحات‪ ،‬سواء بما كان يدفعه للجنود من‬
‫مرتبات أو لشراء السلحة والعتاد بجانب التطوع بالموال‬
‫والنفس‪ ،‬وإذا تحقق النصر فرضت الجزية على من لم يسلم من‬
‫أهل الكتاب والخراج على الرض التي أخذت عنوة‪ ،‬وإذا أسلم‬
‫أهل البلد سددوا الزكاة إذا بلغت أموالهم نصابا وتوافرت‬
‫شروطها باعتبارها من أركان السلم‪ ،‬ول يكمل إسلم المسلم إل‬
‫بأدائها‪ ،‬وهذه كلها تساهم في زيادة اليرادات العامة للدولة‬
‫السلمية‪ ،‬وأحل الله للمسلمين غنائم الحرب‪ ،‬ويوزع أربعة‬
‫أخماسها‪(5‬بين الفاتحين‪ ،‬والخمس الباقي يؤول لبيت مال‬
‫المسلمين) ‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض المسائل التي أسفر عنها تطبيق السياسة‬
‫المالية العامة في عهد عثمان بن عفان بشأن خمس غنائم‬
‫الفتوحات‪:‬‬
‫‪ -1‬لم يسهم للصبي في الغنائم في عهد عثمان بن عفان‪:‬‬
‫)( الميار‪ :‬جمع مائر وهو جالب الميرة‪ ،‬والميرة‪ :‬الطعام‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري‪.(5/273) ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫)(المصدر نفسه‪.(5/275) ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.87 ،86‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪95‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عن تميم بن المهري قال‪ :‬شهدت فتح السكندرية في المرة‬
‫الثانية‪ ،‬فلم يسهم لي حتى كاد أن يقع بين قومي وبين قريش‬
‫منازعة‪ ،‬فقال بعض القوم‪ :‬أرسلوا إلى بصرة الغفاري وعقبة بن‬
‫فاسألوهما عن هذا‪،‬‬‫)‪(1‬‬
‫عامر الجهني‪ ،‬فإنهما من أصحاب رسول الله ×‬
‫فأسهموا‬ ‫أنبت‬ ‫كان‬ ‫فأرسلوا إليهما فسألوهما فقال‪ :‬انظروا فإن‬
‫ي بعض القوم فوجدوني قد أنبت فأسهموا لي)‪.(2‬‬ ‫له‪ ،‬فنظر إل ّ‬
‫ومعنى ذلك أنه ل يسهم للصبي ول للمرأة‪ ،‬إنما يرضخ لهم؛ أي‬
‫لمساعدتهم‪(3‬في غزوات المسلمين‪ ،‬وهذا ما كان‬ ‫يعطون شيئا قليل‬
‫يطبق في عهد رسول الله ×) ‪.‬‬
‫‪ -2‬السلب للقاتل في عهد عثمان كما كان في عهد رسول‬
‫الله ×‪:‬‬
‫السلب هو ما كان على القتيل في الحرب وما كان من سلح‪،‬‬
‫وما كان تحته من فرس‪ ،‬وقد قضى رسول الله × بالسلب للقاتل؛‬
‫رسول( الله × قال يوم حنين‪» :‬من قتل قتيل‬ ‫فعن أبي قتادة أن‬
‫له بينة فله سلبه«‪ 4) .‬ومفاد هذا الحديث أنه ل يستحق للقاتل‬
‫تنازع‬ ‫السلب إل بعد أن يقيم البينة على أنه هو الذي قتله‪ ،‬حتى إذا‬
‫اثنان كل منهما يدعى أنه قتله فالسلب لمن يقيم البينة منهما)‪.(5‬‬
‫وقد حدث بعد انتقاض السكندرية وجاءت الروم وعليهم منويل‬
‫الحصى وأرسوا بالسكندرية‪ ،‬وتركهم عمرو حتى يسيروا إليه‬
‫فيصيبوا من مروا به في البلد فخزي الله بعضهم ببعض‪ ،‬فخرجوا‬
‫من السكندرية ومعهم من نقض من أهل القرى‪ ،‬فجعلوا ينزلون‬
‫القرية فيشربون خمورهم‪ ،‬ويأكلون أطعمتها وينتهبون ما مروا به‪،‬‬
‫فلم يعرض عمرو حتى بلغوا نفيوس فلقوهم في البر والبحر‪،‬‬
‫فحاربوا بالنشاب ثم خرجوا من البحر‪ ،‬فاجتمعوا هم والذين في البر‬
‫واستمروا في حرب النشاب‪ ،‬وبرز بطريق ممن جاء من أرض الروم‬
‫على فرس له عليه سلح مذهب‪ ،‬فدعا إلى البراز فبرز له رجل من‬
‫زبيد يقال له )حومل( يكنى أبا مذجح‪ ،‬فاقتتل طويل برمحين‬
‫يتطاردان‪ ،‬ثم ألقى البطريق الرمح وأخذ السيف‪ ،‬وألقى حومل‬
‫رمحه وأخذ بسيفه‪ ،‬وجعل عمرو يصيح‪ :‬أبا مذجح فيجيبه‪ :‬لبيك‪،‬‬
‫والناس على شاطئ النيل في البر على تعبئتهم وصفوفهم‪ ،‬فتجاول‬
‫ساعة بالسيفين ثم حمل عليه البطريق فاحتمله‪ ،‬ثم أخذ حومل‬
‫خنجرا كان في منطقته أو في ذراعه فضرب به نحر عدوه فأوتر‬
‫قوته فأثبته ووقع عليه فأخذ سلبه‪ ،‬ثم مات حومل بعد ذلك بأيام‬
‫المسلمون حتى ألحقوهم بالسكندرية‪ ،‬ففتح‬ ‫رحمة الله عليه‪ ،‬ثم شد‬
‫الله عليهم وقتل منويل الحصى)‪.(6‬‬
‫‪ -3‬قيمة الغنائم ونصيب بيت المال في أحد فتوحات عثمان‪:‬‬
‫أنبت‪ :‬أي ظهر شعر في وجهه‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬رقم )‪.(4322‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬ص ‪.120 ،119‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪96‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من حديث عبد الملك بن مسلمة عن غيره قال‪ :‬غزونا مع عبد‬
‫الله بن سعد إفريقية فقسم بيننا الغنائم بعد إخراج الخمس‪ ،‬فبلغ‬
‫سهم الفارس ثلثة آلف دينار‪ ،‬للفرس ألفا دينار ولفارسه ألف دينار‪،‬‬
‫لرجل( من الجيش توفى بذات الحمام‬ ‫وللراجل ألف دينار‪ ،‬فقسم‬
‫فدفع لهله بعد موته ألف دينار‪ 1).‬ومن حديث لعثمان بن صالح‬
‫وغيره قال‪ :‬فكان جيش عبد الله بن سعد ذلك عشرين ألفا‪ ،‬ومن‬
‫المعروف أن َ يؤول الخمس لبيت المال‪َ ،‬استنادا إلى قول الله تعالى‪:‬‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫س ُ‬‫م َ‬‫خ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لل ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫من َ‬
‫ْ‬ ‫مُتم ّ‬ ‫غ ْن ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪َ +‬‬
‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫إن‬ ‫ل‬
‫ّ ِ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬
‫ِ َ ْ ُِ‬‫وا‬ ‫ن‬ ‫كي‬‫ِ‬ ‫سا‬ ‫َ َ َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫تا‬
‫َ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫بى‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫َ‬
‫قى‬ ‫م ال ْت َ َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫بالل‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬
‫ديٌر" ]النفال‪ [41 :‬وقد رفع‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫والل‬ ‫ِ َ‬ ‫ن‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫نصيب الرسول × وذي القربى في عهد أبي بكر ‪ ‬بعد وفاة‬
‫جه إلى السلح والكراع‪ ،‬وسايره عمر بن الخطاب ‪‬‬ ‫الرسول × وو ّ‬
‫من بعده في التطبيق‪ ،‬وكذا عثمان بن عفان ‪ ،‬والربعة أخماس‬
‫الباقية من الغنائم توزع على الفاتحين بنسبة ‪ 3‬للفارس وفرسه‪1 ،‬‬
‫للراجل‪ .‬فمن الحديثين السابقين يمكن حساب قيمة الخمس الذي‬
‫آل لبيت المال وكذلك قيمة الغنائم كلها‪ ،‬فبافتراض أن الفوارس‬
‫عشر الجيش الذي بلغ عشرين ألفا‪ ،‬وأن الباقين من الراجلين يكون‬
‫الحساب كالتي‪:‬‬
‫‪ 2000‬فارس × ‪ 3000‬دينار = ‪ 6000.000‬دينار‪.‬‬
‫‪ 18000‬راجل × ‪ 1000‬دينار = ‪ 18000.000‬دينار‪.‬‬
‫مجموع ما خص المحاربين = ‪ 24‬مليون دينار‪ ،‬وهو ما يمثل‬
‫أربعة أخماس قيمة الغنائم‪ ،‬ويكون نصيب بيت المال خمس الغنائم؛‬
‫مليين دينار‪ ،‬ويكون مجموع ما غنمه المسلمون = ‪30‬‬ ‫أي = ‪6‬‬
‫مليون دينار)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬النفاق العام من خمس الغنائم‪:‬‬
‫ينفق خمس الغنائم طبقا لنص الية للرسول × ولذي القربى‬
‫واليتامى والمساكين وابن السبيل بحق الخمس لكل منهم‪ ،‬وأنه بعد‬
‫موت الرسول × آل نصيبه ونصيب ذي القربى إلى بيت المال لينفق‬
‫منها على الكراع والسلح‪ ،‬وقد استنفد الخليفة الراشد عثمان ‪‬‬
‫نصيب رسول الله × وذي القربى الذي آل إلى بيت المال على‬
‫لكثرة‪ (3‬الفتوحات التي تمت في عهده‬ ‫)‬
‫النفاق على الكراع والسلح‬
‫وما استلزمته من أسلحة وخيول‪.‬‬
‫‪ -5‬نجاح السياسة المالية في تمويل فتوحات السلم في عهد‬
‫عثمان‪:‬‬
‫من ضمن التحديات التي واجهها عثمان ‪ ‬انتكاس بعض البلد‬
‫المفتوحة‪ ،‬واستطاع عثمان ‪ ‬إجبار البلد التي نقضت العهد على‬
‫اللتزام بعهودهم مع الدولة السلمية والنصياع لحكمها‪.‬‬
‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.95‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪97‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وفي ضوء ما تم من فتوحات جديدة فإنه يمكن القول‪ :‬إن تنفيذ‬
‫السياسة المالية فيما يتعلق بهذه الفتوح قد أسفر عن قيام المالية‬
‫العامة في عهد عثمان بن عفان بالمطلوب منها‪ ،‬سواء من ناحية‬
‫تمويلها لهذه الفتوح أو بما حققته النتصارات من غنائم كثيرة حصل‬
‫بيت المال على نصيبه منها أو من موارد أخرى‪ ،‬وهي زكاة من أسلم‬
‫م من أهل الكتاب وخراج‬ ‫المصار‪ ،‬وجزية من أبى السل َ‬ ‫من أهل‬
‫أراضيهم)‪.(1‬‬
‫رابًعا‪ :‬اليرادات العامة من الجزية في عهد عثمان ‪:‬‬
‫‪ -1‬استقرار المسائل الفنية للجزية في عهد عثمان ‪:‬‬
‫استقرت أحكام الجزية وقواعدها ونظام تطبيقها وتحصيلها في‬
‫عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬ولذلك كان دور بيت المال في عهد عثمان‬
‫أن يتلقى ما يتم تحصيله من جزية بعد التفاق على قيمتها‪ ،‬وأن تقر‬
‫الدولة ما تم عقده من صلح في عهود سابقة أو إقرار صلح جديد‪،‬‬
‫تتكفل الدولة لمن أدوا الجزية بالحقوق التي تترتب على هذا‬ ‫وأن‬
‫الداء)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬نماذج مما آل لبيت المال من إيرادات الجزية‪:‬‬
‫أ‪ -‬غزا الوليد بن عقبة في إمارته على الكوفة في عهد عثمان‬
‫أذربيجان‪ ،‬وصالح أهلها على ثمانمائة ألف درهم حبسوها عند وفاة‬
‫فوطئهم بالجيش وانقادوا له وقبض‬ ‫عمر‪،‬‬
‫منهم المال)‪.(3‬‬
‫ن عبد َ الله بن سعد إلى إفريقية كان الذي‬‫ب‪ -‬لما وجه عثما ُ‬
‫صالحهم عليه بطريق إفريقية جرجير ألفي ألف دينار وخمسمائة‬
‫عليه عبد الله‬
‫)‪(4‬‬
‫ألف دينار وعشرين ألف دينار‪ ،‬وكان الذي صالحهم‬
‫ثلثمائة قنطار ذهب )ولعل ذلك يعادل المبلغ الول(‪.‬‬
‫صلح‪ (5‬قبرص وقع على جزية سبعة آلف دينار يؤدونها إلى‬ ‫ج‪-‬‬
‫المسلمين) ‪.‬‬
‫ح‪ -‬صالح سعيد بن صالح أهل جرجان وكان يجبون أحيانا مائة‬
‫ألف‪ ،‬ويقولون‪ :‬هذا صلحنا‪ ،‬وأحيانا مائتي ألف وأحيانا ثلثمائة ألف)‪.(6‬‬
‫د‪ -‬غلب عبد الله بن عامر على نيسابور وخرج إلى سرخس‪،‬‬
‫فأرسل إليه أهل مرو يطلبون الصلح‪ ،‬فبعث إليهم ابن حاتم فصالح‬
‫مرزبان( مرو على ألفي ألف‪ ،‬وقال آخر‪ :‬صالحهم على ستين ألف‬
‫درهم)‪. 7‬‬
‫سار الحنف بن قيس إلى بلخ فحاصرهم‪ ،‬فصالحه أهلها على‬ ‫و‪-‬‬
‫أربعمائة ألف‪ ،‬فرضي منهم بذلك‪ ،‬واستعلم ابن عمه وهو أسيد بن‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3‬المصدر نفسه‪.(5/255) ،‬‬ ‫)( تاريخ الطبري‪.(5/246) ،‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)‪ (5،‬المصدر نفسه‪.(5/261) ،‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)‪ (7‬المصدر نفسه‪.(5/307) ،‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪(5/318) ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪98‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المتشمس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬عثمان بن عفان ينفذ كتاب الرسول × لهل نجران‪:‬‬
‫كان النبي × قد أقر أهل نجران على شروط اشترطها عليهم‬
‫واشترطوها هم‪ ،‬وكتب لهم بذلك كتابا يوضح هذه الشروط ومنها‬
‫دفعهم الجزية ومقدارها‪ ،‬ثم جاءوا بعد الرسول × فكتب لهم أبو بكر‬
‫‪ ‬كتابا بهذه الشروط‪ ،‬ثم جاءوا من بعد أن استخلف عمر ‪ ‬إليه‪،‬‬
‫وكان عمر قد أجلهم عن نجران اليمن وأسكنهم بنجران العراق؛‬
‫لنه خافهم على المسلمين وكتب لهم كتابا‪ (2)،‬فلما ُقبض عمر ‪‬‬
‫واستخلف عثمان بن عفان ‪ ‬أتوه إلى المدينة‪ ،‬فكتب لهم إلى‬
‫الوليد بن عقبة وهو عامله الكتاب التالي‪) :‬بسم الله الرحمن‬
‫ن أميرِ المؤمنين إلى الوليد بن عقبة سلم‬ ‫الرحيم‪ .‬من عبد الله عثما َ‬
‫الله عليك‪ ،‬فإني أحمد الله الذي ل إله إل هو‪ ،‬أما بعد‪ :‬فإن السقف‬
‫ي‬
‫والعاقب وسراة أهل نجران الذين بالعراق أتوني‪ ،‬فشكوا إل ّ‬
‫وأروني شرط عمر لهم‪ ،‬وقد علمت ما أصابهم من المسلمين‪ ،‬وإني‬
‫قد خففت عنهم ثلثين حلة من جزيتهم وتركتها لوجه الله تعالى جل‬
‫ثناؤه‪ ،‬وإني وفيت لهم بكل أرضهم التي تصدق عليهم عمر عقبى‬
‫ص بهم خيرا فإنهم أقوام لهم ذمة‪.‬‬ ‫مكان أرضهم باليمن‪ ،‬فاستو ِ‬
‫)‪(3‬‬
‫لهم‬ ‫كتبها‬ ‫عمر‬ ‫كان‬ ‫صحيفة‬ ‫وانظر‬ ‫وكانت بيني وبينهم معرفة‪،‬‬
‫والسلم‪.‬‬‫)‪(4‬‬
‫عليهم‪،‬‬ ‫فارددها‬ ‫صحيفتهم‬ ‫فأوفهم ما فيها‪ ،‬وإذا قرأت‬
‫وكان ذلك في النصف من شعبان سنة سبع وعشرين‪.‬‬
‫ومما سبق يتضح منه أمور‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن عثمان ‪ ‬أوفى بعهد الرسول ×‪ ،‬وعهد صاحبه ‪-‬رضي الله‬
‫عنهما‪ -‬من بعده‪ ،‬وأن ذلك ينبع من مبدأ عام في السلم‪ ،‬وهو أن‬
‫من عقد عقدا أو عهد عهدا أو وعد وعدا أوفى به‪.‬‬
‫ب‪ -‬خفف عثمان عنهم الجزية ووفى لهم بكل أرضهم‪ ،‬وطلب‬
‫ورد في كتاب عمر ‪،‬‬ ‫من عامله الوليد بن عقبة أن يوفي لهم بما‬
‫وأن يستوصي بهم خيرا لنهم أقوام لهم ذمة)‪.(5‬‬
‫‪ -4‬أهل الكتاب في ذمة المسلمين ما داموا يؤدون الجزية‪:‬‬
‫بعد انتصار عمرو بن العاص في السكندرية‪ ،‬وكان قد جمع من‬
‫القرى أثناء الحرب ما أصاب أهل القرى‪ ،‬فجاءه أهل تلك القرى‬
‫ممن لم يكن نقض‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد كنا على صلحنا‪ ،‬وقد مر علينا هؤلء‬
‫اللصوص )أي الروم( وأخذوا متاعنا ودوابنا‪ ،‬وهو قائم بين يديك‪ ،‬فرد‬
‫عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه‪ ،‬وأقاموا عليه البينة‪ .‬وقال‬
‫لنا أن تقاتل‬ ‫بعضهم لعمرو بن العاص‪ :‬ما حل لك ما صنعت بنا‪ ،‬كان‬
‫عنا لنا في ذمتك ولم ننقض‪ ،‬فأما من نقض فأبعده الله)‪ .(6‬فانظر‬
‫كيف نظام الجزية يرتب حقوقا تمسكوا بها‪ ،‬وهي حمايتهم نظير ما‬
‫يدفعون بالرغم من أنهم ل يشتركون في الدفاع عن البلد مع‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (2 ،‬الخراج لبي يوسف‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬

‫)‪ (4،‬السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪99‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المسلمين‪ ،‬وإنما يدفعونها نظير حقوق يحصلون عليها من الدولة‬
‫الرعاية‪ (1،‬وقد أقرهم‬
‫)‬
‫السلمية‪ ،‬ومن هذه الحقوق حق الحماية وحق‬
‫عمرو بن العاص على هذه الحقوق ورد إليهم أموالهم‪.‬‬
‫‪ -5‬مشاركة أهل الذمة في العباء العامة في عهد عثمان‪:‬‬
‫ومما يذكر بشأن فتح السكندرية الثاني في خلفة عثمان بن‬
‫عفان مما يتصل بالجزية أن صاحب اخنا ‪-‬وكان اسمه طلما‪ ،-‬قدم‬
‫على عمرو بن العاص فقال‪ :‬أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر‬
‫لها؟ فقال عمرو ‪-‬وهو يشير إلى ركن كنيسة‪ :-‬إنما أنتم خزانة لنا إن‬
‫كثر علينا كثرنا عليكم‪ ،‬وإن خفف عنا خففنا عنكم‪ ،‬فغضب صاحب‬
‫اخنا فخرج إلى الروم فقدم بهم‪ ،‬فهزمهم الله وأسر‪ ،‬فأتي به إلى‬
‫عمرو‪ ،‬فقال له الناس‪ :‬اقتله‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬وقيل‪ :‬إن عمرا لما أتى به‬
‫وجه وكساه برنس أرجوان‪ ،‬وقال له‪ :‬ائتنا بمثل هؤلء‪،‬‬ ‫وره وت ّ‬
‫س ّ‬
‫لو أتيت ملك الروم‪ ،‬فقال‪ :‬لو‬ ‫لطلما‪:‬‬ ‫فقيل‬ ‫الجزية‪،‬‬ ‫بأداء‬ ‫فرضى‬
‫أتيته لقتلني‪ ،‬وقال‪ :‬قتلت أصحابي)‪.(2‬‬
‫وعندما نحلل قول عمرو بن العاص‪ :‬إنما أنتم خزانة لنا‪ ،‬إن كثر‬
‫علينا كثرنا عليكم‪ ،‬وإن خفف عنا خففنا عنكم‪ ،‬نستنتج بعض المبادئ‬
‫للسياسة المالية في عهد عثمان بالنسبة لغير المسلمين‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أهل الذمة يساهمون في بيت مال المسلمين بما يؤدونه من‬
‫جزية‪ ،‬فهم خزانة لبيت المال‪ ،‬يحصل منها بيت المال على نصيبه‬
‫في أموالهم على هيئة جزية‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن هذا النصيب في أموال أهل الذمة يتحدد في ظل العباء‬
‫الملقاة على الدولة‪ ،‬فإن كبر هذا العبء ارتفعت قيمة الجزية‪ ،‬وإن‬
‫خف هذا العبء خفت قيمة الجزية‪.‬‬
‫ج‪ -‬هذا التحول في قيمة الجزية ‪-‬ارتفاعا وانخفاضا‪ -‬مع أعباء‬
‫الحكم ينبثق من مبدأ المشاركة المالية من مواطني الدولة في‬
‫ل على قدر طاقته وبما يحقق العدالة في‬ ‫العباء‪ ،‬بحيث يساهم ك ّ‬
‫توزيع العباء‪ ،‬وفي ظل الوصايا)‪(3‬التي أوصى بها الرسول الكريم‬
‫بحسن معاملة أهل الذمة عامة ‪.‬‬
‫سا‪ :‬اليرادات العامة من الخراج والعشور في عهد عثمان‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫‪ -1‬الخراج‪:‬‬
‫امتدت فتوحات السلم في عهد عثمان بن عفان ‪ ،‬ونتج عن‬
‫هذه الفتوحات أن دخلت الرض الزراعية للبلد المفتوحة في حوزة‬
‫الدولة السلمية‪ ،‬وكان عمر ‪ ‬قد اعتبرها فيئا للمسلمين‪ ،‬وأبقى‬
‫عليها أهلها من أهل الكتاب الذين آثروا البقاء على دينهم يزرعونها‪،‬‬
‫ويؤدون عنها خراج الرض لبيت مال المسلمين‪ ،‬وقد ساهم خراج‬
‫هذه الراضي في زيادة إيرادات بيت المال في عهد عثمان ‪‬‬
‫)( السياسية المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪100‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بسبب امتداد الفتوحات السلمية في عصره)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬عشور التجارة‪:‬‬
‫استقر نظام العشور في عهد الفاروق على السس والقواعد التي‬
‫وضعها عمر‪،‬وفي عهد عثمان بن عفان يبدو بصفة عامة أن إيرادات‬
‫بيت المال زادت من عشور التجارة نتيجة لزيادة رقعة الدولة السلمية‪،‬‬
‫بسبب الفتوحات التي تمت في عهده ونتيجة لزيادة الثروات لدى‬
‫البعض‪ ،‬مما زاد القوة الشرائية بصفة عامة خصوصا في السنوات‬
‫الولى في عهد عثمان بن عفان التي اتسمت بالستقرار‪ ،‬وزيادة القوة‬
‫الشرائية تزيد الطلب على السلع‪ ،‬وزيادة الطلب على السلع تدعو إلى‬
‫تنشيط استيرادها وخضوعها لعشور التجارة متى توافرت شروط‬
‫الخضاع‪ ،‬ومن العوامل التي أدت إلى زيادة حصيلة عشور التجارة في‬
‫عهد عثمان بن عفان ارتفاع السعار‪ ،‬وارتفاع أسعار السلع يؤدي بالتالي‬
‫تؤخذ‪(2‬نسبة‬ ‫إلى زيادة حصيلة عشور التجارة منها‪ ,‬لنها ضريبة قيمية‬
‫معينة على قيمة السلعة‪ ،‬وليس نوعية تؤخذ من نوع السلعة) ‪.‬‬
‫سا‪ :‬سياسة عثمان بن عفان في إقطاع الرض‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫مضى أبو بكر ‪ ‬في تطبيق السياسة النبوية في إقطاع الراضي‬
‫لستصلحها؛ فقد أقطع الزبير بن العوام أرضا مواتا ما‬
‫)‪(3‬‬
‫للناس طلبا‬
‫وأقطع مجاعة ابن مرارة الحنفي الخضرمة‬ ‫‪،‬‬ ‫وقناة‬ ‫بين الجرف‬
‫)قرية كانت باليمامة(‪ (4) .‬وأراد إقطاع الزبرقان بن بدر‪ ،‬ثم عدل عن‬
‫ذلك لعتراض عمر ‪ ،‬كما أراد إقطاع عيينة بن حصن الفزاري‬
‫والقرع بن حابس التميمي أرضا سبخة )ليس فيها كل ول منفعة(‬
‫ذا برأي عمر ‪ ‬في عدم‬ ‫أرادا استصلحها‪ ،‬ثم عدل عن ذلك أخ ً‬
‫الحاجة لتأليفهما على السلم‪ ،‬وقال‪ :‬إن رسول الله × كان يتألفكما‬
‫والسلم يومئذ ذليل‪ ،‬وإن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬قد أعز السلم فاذهبا‬
‫فاجهدا جهدكما‪.‬‬
‫ومن الواضح أن اعتراض عمر ليس على مبدأ القطاع لستصلح‬
‫الراضي بل على أشخاص بعينهم ل يرى تأليفهم على السلم‪ ،‬وقد‬
‫توسع عمر ‪ ‬في إقطاع الرض لغرض استصلحها جريا على‬
‫ضا ميًتا فهي‬
‫السياسة النبوية‪ ،‬فقد أعلن‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬من أحيا أر ً‬
‫ضعيفة( تؤكد انتزاع عمر ‪ ‬ملكية الرض المقطعة‬ ‫)‪6‬‬
‫له‪ (5).‬وهناك آثار‬
‫إذا لم يتم استصلحها‪ .‬وتحدد رواية ضعيفة لذلك ثلث سنوات من‬
‫تاريخ القطاع‪ ،‬وقد ثبت إقطاع عمر ‪ ‬لخوان بن جبير أرضا مواتا‪,‬‬
‫وللزبير بن العوام أرض العقيق جميعها‪ ،‬ولعلي بن أبي طالب أرض‬
‫ينبع‪ ،‬فتدفق فيها الماء الغزير فأوقفها علي ‪ ‬صدقة على الفقراء‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.123‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات الكبرى لبن سعد‪.(3/104) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫عصر الخلفة الراشدة للعمري‪ ،‬ص ‪.220‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫عصر الخلفة للعمري‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪101‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ولما تولى عثمان ‪ ‬الخلفة توسع في القطاع وخاصة في‬
‫المناطق المفتوحة؛ حيث ترك عدد من الملكين أراضيهم فارين‪،‬‬
‫فصارت صوافي)‪(1‬تقوم الدولة باستثمارها‪ ،‬فأقطع عثمان ‪ ‬منها‬
‫خوفا من بوارها ‪ ،‬ولكن المام أحمد يرى أنه أقطع من السواد‬
‫أيضا‪ ،‬ومما ل شك فيه أن الصوافي قد يقع كثير منها في أرض‬
‫السواد‪ ،‬وعلى أية حال فإن القطاع من الصوافي رفع غلتها من‬
‫تسعة مليين درهم )‪ 9000000‬درهم( سنويا في خلفة عمر ‪ ‬إلى‬
‫خمسين مليون درهم )‪ 50.000.000‬درهم( في خلفة عثمان ‪،‬‬
‫مما يدل على نجاح سياسته في إدارة الصوافي‪ .‬وتذكر المصادر‬
‫قائمة بأسماء الذين أقطعهم عثمان ‪ ‬ومعظمهم ليسوا من قريش‪،‬‬
‫ومعظم الروايات في إقطاع عثمان ‪ ‬ضعيفة‪ ،‬وهي بالجملة تثبت‬
‫توسعه في القطاع‪ ،‬ومن المفيد ذكر أسماء المقطعين وهم‪:‬‬
‫* عبد الله بن مسعود الهذلي )أرض بين نهري بيل وبين السواد(‪.‬‬
‫* عمار بن ياسر )أستينيا(‪.‬‬
‫* خباب بن الرت التميمي )صعنبي – قرية بالسواد(‪.‬‬
‫* عدي بن حاتم الطائي )الروحاء – قرية من قرى بغداد على نهر‬
‫عبس(‬
‫* سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي )قرية هرمز بب َّر فارس(‪.‬‬
‫* الزبير بن العوام‪.‬‬
‫* أسامة بن زيد الكلبي‪.‬‬
‫* سعيد بن زيد العدوي القرشي‪.‬‬
‫* جرير بن عبد الله البجلي )أرض على شاطئ الفرات(‪.‬‬
‫* ابن هبار‪.‬‬
‫* طلحة بن عبيد الله التميمي القرشي )النشاستبح ‪ -‬ضيعة‬
‫بالكوفة(‪.‬‬
‫* وائل بن حجر الحضرمي )أرض توالي قرية زرارة بالكوفة(‪.‬‬
‫* خالد بن عرفطة القضاعي )أرض عند حمام أعين بالكوفة(‪.‬‬
‫* الشعث بن قيس الكندي )طيزنباذ ‪ -‬موضع بين الكوفة‬
‫والقادسية(‪.‬‬
‫* أبو مريد الحنفي )أرض بالهواز على نهر تيري(‪.‬‬
‫* نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي )قطيعة بشط عثمان‬
‫بالبصرة(‬
‫* أبو موسى الشعري )قطيعة بحمام عمرة(‪.‬‬
‫* عثمان بن أبي العاص الثقفي )شط عثمان بالبصرة(‪.‬‬
‫ويبدو أن جلء أهل هذه الراضي عنها صّيرها مواتا‪ ،‬وأقطعها‬
‫عثمان ‪ ‬لحيائها‪ ،‬ويبدو أن معاوية بن أبي سفيان أقطع قطائع في‬
‫هجمات الروم‪ ،‬وكذلك‬ ‫سواحل الشام لتعميرها وإعدادها لمواجهة‬
‫أقطع قطائع بأنطاكية بأمر عثمان‪ ،‬وآخر بقاليقل)‪ ،(2‬وأما إقطاعه‬
‫فدك لمروان بن الحكم فلم يعرف من طريق صحيحة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.223‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.225‬‬ ‫)( عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.224‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪102‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الذي أقطع فدك لمروان هو معاوية بن أبي سفيان)‪.(1‬‬
‫إن سياسة عثمان في إقطاع الراضي ساهم في زيادة موارد‬
‫بيت مال المسلمين بما يؤديه الجميع من زكاة على أموالهم إذا‬
‫توافرت شروطها‪ ،‬وقد نجح مشروع عثمان في إقطاع الرض بدليل‬
‫خمسين‬ ‫زيادة إيراد الدولة من أملكها الخاصة في العراق؛ إذ بلغت‬
‫ألف ألف درهم بعد أن كانت ‪ 900.000‬درهم في عهد الفاروق)‪.(2‬‬
‫سابًعا‪ :‬سياسة عثمان في حمى الرض‪:‬‬
‫وهي أراض خصصت لرعي البل والخيل التي تملكها الدولة‪ ،‬وقد‬
‫أبي‪(3‬بكر وعمر رضي الله‬ ‫)‬
‫استمرت حماية وادي النقيع في خلفة‬
‫وطوله ثمانون‬ ‫‪,‬‬ ‫للخيل‬ ‫عنهما؛ حيث كان النبي × قد حماه‬
‫كيلومترا‪ ،‬ويبدأ جنوب المدينة بـ ‪ 40‬كيلومترا‪ (4).‬وقد كثرت المناطق‬
‫المحمية في خلفة عمر ‪ ‬لكثرة ما تملكه الدولة من البل والخيل‬
‫المعدة للجهاد‪ ،‬ومن ذلك حمى الربذة لنعم الزكاة‪ ،‬وعين عليه موله‬
‫هّني وأوصاه بالسماح لصحاب البل القليلة بالرعي فيه دون‬
‫احتجاجهم على ذلك‬ ‫الغنياء‪ ،‬وحمى أرضا في ديار بني ثعلبة رغم‬
‫فقد أجابهم‪ :‬البلد بلد الله‪ ،‬تحمى لنعم مال الله‪ (5).‬ونهج عثمان نهج‬
‫من سبقه في الحمى بسبب اتساع الدولة وازدياد الفتوحات في‬
‫عهده‪ ،‬وقد اقتصر في الحمى على صدقات المسلمين لحمايتها‪،‬‬
‫زادت الرعية‪ ،‬وإذا جاز‬ ‫وعلى هذا فإن عثمان ‪ ‬زاد في الحمى لما‬
‫أصله للحاجة إليه جازت الزيادة لزيادة الحاجة)‪.(6‬‬
‫ولما كان أبو بكر وعمر قد حميا دون أن ينكر عليهم أحد ذلك‪،‬‬
‫فإن عثمان وسع الحمى لكثرة إبل الصدقة وماشيتها‪ ،‬وكثرة‬
‫الخصومات بين رعاة ماشية الصدقة‪ ،‬فل اعتراض على فعله)‪ ,(7‬بل‬
‫ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان في الحمى قد اشتهر ذلك بين‬
‫عليهم منكر‪ ،‬ويعتبر ذلك إجماعا‪ (8).‬وقد حكى‬ ‫الصحابة فلم ينكر‬
‫الجماع ابن قدامة)‪.(9‬‬
‫ثامًنا‪ :‬أنواع النفقات العامة في عهد عثمان‪:‬‬
‫‪ -1‬نفقات الخليفة‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬ل يأخذ من بيت مال المسلمين شيئا؛ فقد كان‬
‫أكثر قريش مال وأجدهم في التجارة‪ ،‬فكان ينفق على أهله ومن‬
‫حوله من ماله الخاص‪.‬‬
‫‪ -2‬صرف مرتبات الولة من بيت المال‪:‬‬
‫في عهد عثمان ‪ ‬كانت الدولة السلمية مقسمة إلى وليات‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( صحيح سنن أبي داود‪ ،‬اللباني )‪ (2) .(2/595‬عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.226 ،225‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الطبقات )‪ ،(3/326‬والثر صحيح‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( نظام الخلفة في الفكر السلمي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى حلمي‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪7‬‬

‫)‪ (7‬المغني لبن‬ ‫)( نظام الراضي في صدر الدولة السلمية‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫‪8‬‬

‫قدامة‪.(5/581) ،‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪103‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وكان على كل ولية وال يعينه الخليفة يأخذ مرتبه من بيت المال‪،‬‬
‫ويدير شئون الولية طبقا لحكام الشريعة السلمية‪ ،‬وإذا لم يعين‬
‫الخليفة ممثل له على بيت مال الولية‪ ،‬فإنه يدخل في اختصاص‬
‫ف على جباية موارد الولية‪ ،‬وهي الجزية والخراج‬ ‫الوالي الشرا ُ‬
‫وعشور التجارة ينفق منها على شئون الولية‪ ،‬والفائض يرسله إلى‬
‫أما‪(1‬الزكاة التي تحصل من أغنياء‬ ‫بيت مال المسلمين في المدينة‪،‬‬
‫الولية فكانت تصرف على فقرائهم) ‪.‬‬
‫‪ -3‬النفاق من بيت المال على مرتبات الجند‪:‬‬
‫كان بيت المال يدفع مرتبات للجند علوة على ما يحصلون عليه من‬
‫نصيب في الغنائم‪ ،‬وكان جند كل ولية يحصلون على مرتباتهم من بيت‬
‫مال الولية‪ ،‬فمثل بالنسبة لجند مصر كتب عثمان ابن عفان إلى عبد‬
‫الله بن سعد والي مصر الكتاب التالي لصرف مرتبات الجند المرابطين‬
‫في السكندرية‪) :‬قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين بالسكندرية‬
‫وقد نقضت الروم مرتين‪ ،‬فالزم السكندرية)‪(2‬رابطتها ثم أجر ِ عليهم‬
‫أرزاقهم وأعقب بينهم في كل ستة أشهر( ‪.‬‬
‫‪ -4‬النفاق العام على الحج من بيت المال‪:‬‬
‫كان النفاق العام على الحج في عهد عثمان ‪ ‬من بيت المال‪،‬‬
‫وكانت‪ (3‬كسوة الكعبة من القباطي‪ ،‬وهو ثياب من كتان من نسيج‬
‫مصر) ‪.‬‬
‫‪ -5‬تمويل إعادة بناء المسجد النبوي من بيت المال‪:‬‬
‫كلم الناس عثمان بن عفان أول ما تولى الخلفة أن يزيد في‬
‫مسجد الرسول ×؛ إذ كان يضيق بالناس في صلة الجمعة بسبب‬
‫امتداد الفتح وزيادة سكان المدينة زيادة عظيمة‪ ،‬فاستشار عثمان‬
‫أهل الرأي فأجمعوا على هدم المسجد وبنائه وتوسيعه‪ ،‬فصلى‬
‫عثمان الظهر بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‪:‬‬
‫أيها الناس‪ ،‬إني قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله × وأزيد فيه‬
‫سمعت رسول الله يقول‪» :‬من بنى مسجدا بنى الله له‬ ‫وأشهد أني‬
‫بيتا في الجنة« )‪ ,(4‬وكان لي فيه سلف وإمام سبقني وتقدمني عمر‬
‫بن الخطاب كان قد زاد فيه وبناه‪ ،‬وقد شاورت أهل الرأي من‬
‫أصحاب رسول الله‪ ،‬فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه‪ ،‬فحسن‬
‫يومئذ ذلك ودعوا له‪ ،‬فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك‬ ‫الناس‬
‫بنفسه)‪.(5‬‬
‫‪ -6‬تمويل توسعة المسجد الحرام من بيت المال‪:‬‬
‫كانت الكعبة أيام الرسول × قائمة وليس حولها إل فناء ضيق‬
‫يصلي الناس فيه‪ ،‬وظل المسجد كذلك في خلفة أبي بكر‪ ،‬وفي عهد‬
‫عمر وسع المسجد فاشترى دورا حول الكعبة وهدمها وأدخلها في‬
‫بيت الله الحرام وأحاطها بجدار قصير‪ ،‬وأدخل إنارة المسجد ليل؛‬
‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫)( السياسة المالية لعثمان‪ ،‬ص ‪.130‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (4‬المسند رقم )‪ (434‬إسناده‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.141 ،140‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪ ،(7/60‬تاريخ الطبري )‪.(5/267‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪104‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وذلك لن المسجد كان قد ضاق بالحجاج الذين يأتون لداء فريضة‬
‫الحج بعد أن امتدت فتوحات السلم ودخل الناس في دين الله‬
‫أفواجا‪ ،‬فلما ضاق المسجد ثانية في عهد عثمان احتذى بمثل عمر‬
‫وأحاطها بجدار قصير ل يرتفع إلى‬ ‫وأضاف إلى الكعبة دورا اشتراها‬
‫قامة الرجل كما فعل عمر من قبل‪ (1).‬كما كان الولة يبنون‬
‫المساجد في ولياتهم وينفقون عليها من بيت مال الولية‪ ،‬كما حدث‬
‫الرحمة بالسكندرية‪ ،‬ومسجد في اصطخر في‬ ‫عند بناء مسجد‬
‫فتوحات المشرق)‪.(2‬‬
‫‪ -7‬النفاق على إنشاء أول أسطول بحري‪:‬‬
‫ساهم بيت مال المسلمين في إنشاء أول أسطول بحري في‬
‫السلم في عهد عثمان‪ ،‬وسيأتي دور هذا السطول)‪(3‬في الفتوحات‬
‫السلمية بإذن الله تعالى عند حديثنا عن الفتوحات ‪.‬‬
‫‪ -8‬النفاق على تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة‪:‬‬
‫في سنة ست وعشرين هجرية كلم أهل مكة عثمان ‪ ‬أن يحول‬
‫الساحل من الشعيبة وهي ساحل مكة قديما في الجاهلية إلى ساحلها‬
‫اليوم وهي جدة لقربها من مكة‪ ،‬فخرج عثمان إلى جدة ورأى موضعها‬
‫وأمر بتحويل الساحل إليها‪ ،‬ودخل البحر واغتسل فيه وقال إنه مبارك‪،‬‬
‫وقال لمن معه‪ :‬ادخلوا البحر للغتسال إل بمئزر‪ ،‬ثم خرج من جدة من‬
‫طريق عسفان إلى المدينة وترك الناس ساحل)‪(4‬الشعيبة في ذلك الزمان‬
‫واستمرت جدة بندرا إلى الن لمكة المشرفة ‪.‬‬
‫‪ -9‬تمويل حفر البار من بيت مال المسلمين‪:‬‬
‫ومن العمال التي مولها بيت مال المسلمين في عهد عثمان‬
‫حفر بئر للشرب بالمدينة‪ ،‬وتسمى بئر أريس وهي على ميلين من‬
‫المدينة وكان ذلك في سنة ثلثين هجريا‪ ،‬وحدث أن قعد عثمان على‬
‫رأس البئر وكان بإصبعه خاتم رسول الله‪ ،‬فانسل الخاتم من إصبعه‬
‫فوقع في البئر‪ ،‬فطلبوه من البئر ونزحوا ما فيها من الماء فلم‬
‫يقدروا عليه‪ ،‬فجعل فيه مال عظيما لمن جاء به‪ ،‬واغتم لذلك غما‬
‫شديدا فلما يئس من العثور على الخاتم صنع خاتما آخر مثله من‬
‫في‬ ‫فضة على مثاله وشبهه ونقش عليه )محمد رسول الله( فجعله‬
‫أصبعه حتى قتل‪ ،‬فلما قتل ذهب الخاتم من يده فلم يدر من أخذه)‪.(5‬‬
‫‪ -10‬النفاق على المؤذنين من بيت المال‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬أول من رزق المؤذنين من بيت المال‪(6)،‬قال المام‬
‫الشافعي‪) :‬قد أرزق المؤذنين إمام هدى عثمان بن عفان ‪ ،‬وقد‬
‫جعل عثمان ‪ ‬على الذان جعالة‪ ،‬ول‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ ,(5/250‬ذو النورين‪ ،‬محمد رشيد‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.148 ،147‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ذو النورين عثمان بن عفان‪ ،‬محمد رشيد‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪ ،(7/161‬تاريخ الطبري )‪.(5/284‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (3 ,‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪105‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يستأجر استئجارا( )‪.(1‬‬
‫‪ -11‬تمويل أهداف السلم العليا‪:‬‬
‫يتضح من دراسة النفقات العامة السابقة من بيت المال أنها‬
‫ساهمت في تمويل الهداف العليا للدولة السلمية‪ ،‬فضل عن‬
‫النفاق العام على إدارة الدولة ومصالح الرعية‪ ،‬ثم النفاق على نشر‬
‫السلم كي تكون كلمة الله هي العليا‪ .‬وتم تمويل إنشاء أول‬
‫أسطول بحري للدولة السلمية‪ ،‬كما تم تعمير بيوت الله بالنفاق‬
‫على إقامة المساجد وتجديدها ورزق المؤذنين‪ ،‬والولة‪ ،‬والقضاة‬
‫والجند‪ ،‬وعمال الدولة‪ ،‬كما تم الصرف على رحلت الحج إلى بيت‬
‫الله الحرام‪ ،‬وكسوة الكعبة وهي قبلة السلم والمسلمين‪ ،‬كما أن‬
‫بيت مال المسلمين قدم أمواله لحفر البار ليشرب منها الغادي‬
‫والرائح من مواطني الدولة السلمية‪ ،‬ومن مصادر الدولة‪ ،‬كالزكاة‬
‫وخمس الغنائم‪ ،‬ثم تمويل شرائح المجتمع الضعيفة في الدولة‬
‫والمساكين واليتامى‪ ،‬وفي مساندة الغرباء‬ ‫السلمية وهم الفقراء‬
‫وأبناء السبيل وفك الرقاب)‪.(2‬‬
‫تاسًعا‪ :‬استمرار نظام العطيات في عهد عثمان بن عفان‪:‬‬
‫استمر نظام العطيات في عهد عثمان كما كان في عهد عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنهما‪ ،‬فقد اعتمد السابقة في الدين أساسا‬
‫للعطاء‪ ،‬وكتب بذلك لواليه على الكوفة بقوله‪ :‬أما بعد‪ ،‬ففضل أهل‬
‫السابقة والقدمة ممن فتح الله عليه تلك البلد‪ ،‬وليكن من نزلها‬
‫بسببهم تبعا لهم‪ ،‬إل أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به‪،‬‬
‫جميعا بقسطهم من‬ ‫وقام به هؤلء‪ ،‬واحفظ لكل منزلته‪ ،‬وأعطهم‬
‫الحق‪ ،‬فإن المعرفة بالناس بها يصاب العدل‪ (3).‬وحين اتسعت‬
‫الفتوحات السلمية في عهده كثرت موارد الدولة المالية‪ ،‬مما أدى‬
‫ذلك بالخليفة عثمان ‪ ‬أن يتخذ له الخزائن)‪ ،(4‬فانعكس ذلك بدوره‬
‫على العطاء‪ ،‬فزاد في أرزاق الجند بمقدار مئة درهم لكل منهم‪ ،‬فهو‬
‫خليفة زاد الناس في العطاء واستن به الخلفاء من بعده في‬ ‫)‪(5‬‬
‫أول‬
‫الزيادة‪.‬‬
‫قال الحسن‪ :‬وشهدت منادي عثمان ينادي‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬اغدوا على‬
‫لل‪ ،‬واغدوا على السمن والعسل‪ .‬قال الحسن‪:‬‬ ‫حَ‬‫كسوتكم فيأخذون ال ْ ُ‬
‫بين( حسن‪ ،‬ما على الرض مؤمن يخاف‬ ‫رة‪ ّ ،‬وخير كثير‪ ،‬وذات‬ ‫أرزاق دا‬
‫مؤمنا إل يوده وينصره ويألفه‪6).‬واهتم الخليفة عثمان بأمر الثغور‬
‫فكان يأمر قادته بإجراء الرزاق والعطاء ومضاعفته‬ ‫والمرابطة فيها‪،‬‬
‫للجند المرابطين)‪.(7‬‬
‫عاشًرا‪ :‬أثر تدفق الموال على الحياة الجتماعية والقتصادية‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( موسوعةـ فقهـ عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري‪.(5/280) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪ ،(2/6836‬النجوم الزاهرة )‪.(1/87‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/245‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫مجمع الزوائد )‪ ،(94 ،9/93‬فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫فتوح مصر‪ ،‬ص ‪ ،192‬فتح البلدان للبلذري )‪.(157-1/152‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪106‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫في عهد عثمان كثر الخراج وأتاه المال من كل وجه‪ ،‬فاتخذ له‬
‫الخزائن‪ ،‬وأثر ذلك بدوره في الثر القتصادي والجتماعي؛ فعن أبي‬
‫إسحاق أن جده مر على عثمان فقال له‪ :‬كم معك من عيالك يا‬
‫شيخ؟ قال‪ :‬معي كذا‪ ،‬قال‪ :‬قد فرضنا لك)‪(1‬في خمس عشرة‪ ،‬يعني‬
‫ألفا وخمسمائة‪ ،‬وفرضنا لعيالك مئة مئة‪ .‬وعن محمد بن هلل‬
‫المديني قال‪ :‬حدثني أبي عن جدتي أنها كانت تدخل على عثمان‬
‫فافتقدها يوما فقال لهله‪ :‬ما لي ل أرى فلنة؟ فقالت امرأته‪ :‬يا‬
‫ي بخمسين‬ ‫أمير المؤمنين‪ ،‬ولدت الليلة غلما‪ ،‬فقالت‪ :‬فأرسل إل ّ‬
‫قال‪ :‬هذا عطاء ابنك وهذه كسوته‪ ،‬فإذا‬ ‫درهما وشقيقة سنبلنية‪ ،‬ثم‬
‫على عيال أهل‬ ‫‪‬‬ ‫وسع‬ ‫كما‬ ‫)‪(2‬‬
‫مائة‪.‬‬ ‫مرت به سنة رفعناه إلى‬
‫العوالي بالمدينة المنورة في القوت والكسوة‪ (3).‬وحين قام القائد‬
‫قطن بن عمرو الهللي بإعطاء الجيش الذي برفقته ‪-‬وعدده أربعة‬
‫آلف جندي‪ -‬أربعة آلف درهم كتشجيع لهم استكثر ذلك والي‬
‫البصرة عبد الله بن عامر وكتب بالخبر إلى الخليفة عثمان ‪‬‬
‫وقال‪ (4:‬ما كان معونة في سبيل الله فجائز‪ ،‬فصارت الجائزة‬ ‫فأجازها‬
‫اسما للعطية) ‪.‬‬
‫وقام عثمان بتوريث عطاء الجندي السلمي لورثته من بناته‬
‫وزوجاته‪ ،‬فقد قال الزبير ابن العوام للخليفة عثمان بعدما مات عبد‬
‫الله بن مسعود ‪-‬رضي الله عنهم‪ :-‬أعطني عطاء عبد الله؛)‪(5‬فعيال‬
‫عبد الله أحق به من بيت المال‪ ،‬فأعطاه خمسة عشر ألفا ‪.‬‬
‫هذا وقد نشطت الحركة الزراعية والصناعية والتجارية في عهد‬
‫الخليفة الراشد عثمان بن عفان‪ ،‬وبسبب ما من الله به على‬
‫المسلمين من فتوح‪ ،‬أصبح أهل المدينة خاصة والمسلمون عامة في‬
‫نعمة ويسار‪ ،‬وكان يقترن بهذا الثراء ضروب واسعة من الحضارة لم‬
‫تعرفها الجزيرة العربية قبل الفتوحات الكبيرة‪ .‬لقد اطلع المسلمون‬
‫على ما عند المم الجنبية واقتبسوا منهم‪ ،‬وبدأ هذا القتباس يتسع‬
‫في خلفة عثمان‪ ،‬فبنى بعض الصحابة الدور والمنازل الكبيرة‪،‬‬
‫سُبوا في الفتوح في تطوير الحياة الجتماعية‬ ‫الجانب الذين ُ‬ ‫وساهم‬
‫والقتصادية)‪.(6‬‬
‫حادي عشر‪ :‬عثمان وأقاربه والعطاء من بيت المال‪:‬‬
‫اتهم عثمان ‪ ‬من قبل الغوغاء والخوارج بإسرافه في بيت‬
‫المال وإعطائه أكثره لقاربه‪ ،‬وقد ساند هذا التهام حملة دعائية‬
‫باطلة قادها السبئيون والشيعة الروافض ضده‪ ،‬وتسربت في كتب‬
‫التاريخ وتعامل معها بعض المفكرين والمؤرخين على كونها حقائق‬
‫وهي باطلة لم تثبت؛ لنها مختلفة‪ ,‬والذي ثبت من إعطائه أقاربه‬
‫أمور تعد من مناقبه ل من المثالب فيه‪:‬‬

‫الدارة العسكرية )‪.(2/768‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(2/769‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات )‪.(3/298‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الوائل للعسكري )‪.(27 ،2/26‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الدارة العسكرية )‪.(2/770‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الحضارة العربية السلمية‪ ،‬د‪ .‬وضاح الصمد‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪107‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫‪ -1‬إن عثمان ‪ ‬كان ذا ثروة عظيمة وكان وَ ُ‬


‫)‪(1‬‬
‫صول للرحم‬
‫يصلهم بصلت وفيرة‪ ،‬فنقم عليه أولئك الشرار وقالوا بأنه إنما كان‬
‫يصلهم من بيت المال‪ ،‬وعثمان قد أجاب عن موقفه هذا بقوله‪:‬‬
‫وقالوا إني أحب أهل بيتي وأعطيهم‪ ،‬فأما حبي لهم فإنه لم يمل‬
‫معهم إلى جور‪ ،‬بل أحمل الحقوق عليهم‪ ،‬وأما إعطاؤهم فإني إنما‬
‫أعطيهم من مالي‪ ،‬ول أستحل أموال المسلمين لنفسي ول لحد من‬
‫الناس‪ ،‬وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرعية من صلب مالي‬
‫وعمر‪ ،‬وأنا يومئذ شحيح حريص‪،‬‬ ‫أزمان رسول الله × وأبي بكر‬
‫أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي)‪(3()2‬وفني عمري وودعت الذي لي‬
‫في أهلي قال الملحدون ما قالوا؟!‬
‫وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية‪ ،‬وجعل ولده‬
‫كبعض من يعطي‪ ،‬فبدأ ببني أبي العاص فأعطى آل الحكم رجالهم‬
‫عثمان مثل ذلك‪ ،‬وقسم‬ ‫عشرة آلف‪ ،‬فأخذوا مائة ألف‪ ،‬وأعطى بني‬
‫في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب‪ (4).‬فهذه النصوص‬
‫وغيرها مما اشتهر عنه وما صح من الحاديث في فضائله الجمة‪،‬‬
‫تدل على أن كل ما قيل فيه من إسرافه في بيت المال وإنفاق‬
‫أكثره على نفسه وأقاربه وقصوره في حكايات بدون زمام ول خطام‬
‫يطول ذكرها مفترى عليه‪ ،‬مع براءة عثمان مما نسب إليه‪ ،‬قال تقي‬
‫الدين بن تيمية‪ :‬إن سهم ذوي القربى ذهب بعض الفقهاء إلى أنه‬
‫لقرابة المام كما قال الحسن وأبو ثور‪ ،‬وأن النبي × كان يعطي‬
‫أقاربه بحكم الولية فذوو القربى في حياة النبي × ذوو قرباه‪ ،‬وبعد‬
‫موته هم ذوو قربى من يتولى المر بعده؛ وذلك لن نصر ولي المر‬
‫والذب عنه متعين‪ ،‬وأقاربه ينصرونه ويذبون عنه ما ل يفعله غيرهم‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وبالجملة‪ ،‬فعامة من تولى المر بعد عمر كان يخص بعض‬
‫أقاربه إما بالولية أو بمال‪ (5).‬وقال‪ :‬إن ما فعله عثمان في المال له‬
‫ثلثة مآخذ‪ :‬أحدها‪ :‬أنه عامل عليه والعامل يستحق مع الغنى‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬أن ذوي القربى هم ذوو قربى المام‪ ،‬والثالث‪ :‬أن قرابة‬
‫عثمان كانوا قبيلة كبيرة كثيرة ليسوا مثل قبيلة أبي بكر وعمر‪،‬‬
‫فكان يحتاج إلى إعطائهم ووليتهم أكثر من حاجة أبي بكر وعمر إلى‬
‫أقاربهما وإعطائهم‪ ..‬وهذا مما نقل عن عثمان بن عفان ‪‬‬ ‫تولية‬
‫الحتجاج به)‪.(6‬‬
‫‪ -2‬جاء في تاريخ الطبري أن عثمان لما أمر عبد الله بن سعد بن‬
‫أبي سرح بالزحف من مصر على تونس لفتحها قال له‪ :‬إن فتح الله‬
‫عليك بإفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من‬
‫الغنيمة نفل‪ ،‬فخرج بجيشه‪ ،‬حتى قطعوا أرض مصر وأوغلوا في‬
‫أرض إفريقية وفتحوها وسهلها وجبالها‪ ،‬وقسم عبد الله على الجند‬
‫ما أفاء الله عليهم وأخذ خمس الخمس‪ ،‬وبعث بأربعة أخماسه إلى‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫جاوزت أعمارهم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/356‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/356‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫منهاج السنة )‪.(188 ،3/187‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪ ,(3/237‬الدولة الموية‪ ،‬حمدي شاهين‪ ،‬ص ‪.163‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪108‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عثمان مع ابن وثيمة النضري‪ ،‬فشكى وفد ممن كان معه إلى عثمان‬
‫ما أخذه عبد الله‪ ،‬فقال لهم عثمان‪ :‬إنما أمرت له بذلك‪ ،‬فإن‬
‫سخطتم فهو رد‪ .‬قالوا‪ :‬إنا نسخطه‪ ،‬فأمر عثمان عبد الله أن يرده‬
‫فرده‪ (1).‬وقد ثبت في السنة تنفيل أهل الغناء والبأس في الجهاد)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬وكان قد بقى من الخماس والحيوان ‪-‬في فتح أفريقية‪ -‬ما‬
‫يشق حمله إلى المدينة‪ ،‬فاشتراه مروان بمائة ألف درهم‪ ،‬ونقد‬
‫أكثرها وبقيت منه بقية‪ ،‬وسبق إلى عثمان مبشرا بالفتح‪ ،‬وكانت‬
‫قلوب المسلمين في غاية القلق خائفة من أن يصيب المسلمين‬
‫نكبة من أمر أفريقية‪ ،‬فوهب له عثمان ما بقي جزاء بشارته‪ .‬وللمام‬
‫أن يعطي البشير ما يراه لئقا بتعبه وخطر بشارته‪ ،‬هذا هو الثابت‬
‫في عطية عثمان لمروان‪ ،‬وما ذكروه من إعطائه خمس أفريقية‬
‫فكذب‪ (3).‬لقد كان عثمان ‪ ‬شديد الحب لقاربه‪ ،‬ولكن ذلك لم يمل‬
‫به إلى غشيان محرم أو إساءة السيرة والسياسة في أمور المال أو‬
‫غيرها‪ ،‬وإنما دست في كتب التاريخ أكاذيب باطلة كان خلفها الدعاية‬
‫السبئية والشعبية الرافضية ضد عثمان ‪.‬‬
‫إن سيرة عثمان ‪ ‬في أقاربه تمثل جانبا من جوانب السلم‬
‫ه‬
‫بادَ ُ‬ ‫شُر الله ع‬
‫عل َ ُيه ِ َأ َ‬
‫ذي ي ُب َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫الكريمة الرحيمة لقوله تعالى‪+ :‬ذَل ِ َ‬
‫جًرا إ ِل ّ‬‫م َ ْ ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫سألك ْ‬ ‫ُ‬ ‫قل ل أ ْ‬‫ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫سًنا‬‫ح ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫في َ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫زدْ ل ُ‬ ‫ة نّ ِ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ف َ‬ ‫ر ْ‬ ‫من ي َ ْ‬
‫قت َ ِ‬ ‫و َ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫ْ‬
‫في ال ُ‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ذا‬‫ت َ‬ ‫وآ ِ‬ ‫كوٌر" ]الشورى‪ ،[23 :‬وقوله جل ثناؤه‪َ + :‬‬ ‫ش ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ذيًرا"‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫ُ َ ْ َ ْ ِ‬ ‫ذ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫كي‬ ‫س‬
‫َ ُ َ ِ ْ ِ َ َ ْ َ‬‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫بى‬‫ال ْ ْ َ‬
‫ر‬ ‫ق‬‫ُ‬
‫]السراء‪ [26 :‬كما أنها تمثل جانبا عمليا من سيرة المصطفى ×؛ فقد‬
‫رأى من رسول الله × وعلم من حاله ما لم ير أو يعلم غيره من‬
‫منتقديه‪ ،‬وعقل من الفقه ما لم يعقله مثله من جمهرة الناس‪ ،‬وكان‬
‫مما رأى شدة حب رسول الله × على أقاربه وبره لهم وإحسانه‬
‫إليهم‪ ،‬وقد أعطى عمه العباس ما لم يعط أحدا عندما ورد عليه مال‬
‫البحرين‪ (4).‬وولى عليا وهو ابن عمه وصهره‪ ،‬ولعثمان وسائر‬
‫المؤمنين في رسول الله × أعظم القدوة)‪.(5‬‬
‫يقول ابن كثير ‪-‬رحمه الله‪ :-‬وقد كان عثمان ‪ ‬كريم الخلق ذا‬
‫حياء كثير‪ ،‬وكرم غزير‪ ،‬يؤثر أهله وأقاربه في الله تأليفا لقلوبهم من‬
‫متاع الدنيا الفاني‪ ،‬لعله يرغبهم في إيثار ما يبقى على ما يفنى‪ ،‬كما‬
‫كان النبي × يعطي أقواما ويدع آخرين إلى ما جعل في قلوبهم من‬
‫الخصلة أقوام‪ ،‬كما تعنت‬ ‫الهدى واليمان‪ ،‬وقد تعنت عليه بسبب هذه‬
‫بعض الخوارج على رسول الله × في اليثار)‪(6‬؛ فعن جابر بن عبد‬
‫الله ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ :‬بينما رسول الله × يقسم غنيمة‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/253‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (3 ،‬فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫)( فصل الخطابـ في مواقفـ الصحاب‪،‬ـ ص ‪.84‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب الجزية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (2 ،‬البداية والنهاية )‪.(7/201‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬
‫)( البدايةـ والنهاية ) ‪.(7/201‬‬

‫‪109‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بالجعرانة))‪ ،((21‬إذ قال له رجل‪ :‬اعدل‪ ،‬فقال‪» :‬شقيت إن لم‬
‫أعدل«‪ .‬ويحتج عثمان ‪ ‬لبره أهل بيته وقرابته مخاطبا مجلس‬
‫ي اللذين كانا‬
‫الشورى بقوله‪ :‬أنا أخبركم عني وعما وليت‪ ،‬إن صاحب ّ‬
‫قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما سبيل احتسابا‪ ،‬وإن رسول الله‬
‫× كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش‪ ،‬فبسطت‬
‫في( شيء من ذلك لما أقوم به فيه‪ ،‬فإن رأيتم ذلك خطأ‬ ‫يدي‬
‫فردوه)‪. 3‬‬
‫وقد رد ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬على من اتهم عثمان بتفضيله أهله‬
‫بالموال الكثيرة من بيت المال فقال‪» :‬وكان يؤثر أهله بالموال‬
‫الكثيرة من بيت المال حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش‬
‫زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار‪ ،‬ودفع إلى مروان ألف ألف دينار‬
‫)مليون دينار(‪ ،‬فالجواب يقال‪ :‬أين النقل الثابت بهذا؟!! نعم كان‬
‫يعطي أقاربه ويعطي غير أقاربه أيضا‪ ،‬وكان يحسن إلى جميع‬
‫المسلمين‪ ،‬وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت‪ ،‬ثم يقال‬
‫ثانًيا‪ :‬هذا من الكذب البين‪ ،‬فإنه ل عثمان ول)‪(4‬غيره من الخلفاء‬
‫الراشدين أعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ( ‪.‬‬
‫***‬

‫ماء بين الطائف ومكة‪ ،‬وهي إلى مكة أقرب‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب فرض الخمس‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات الكبرى )‪.(3/64‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫منهاج السنة )‪.(3/190‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪110‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫المؤسسة القضائية وبعض الجتهادات الفقهية‬
‫يعتبر عهد ذي النورين امتدادا للعهد الراشدي الذي تتجلى أهميته‬
‫بصلته بالعهد النبوي وقربه منه‪ ،‬فكان العهد الراشدي عامة والجانب‬
‫القضائي فيه خاصة امتدادا للقضاء في العهد النبوي‪ ،‬مع المحافظة‬
‫الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي‪ ،‬وتطبيقه‬
‫بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه‪ ،‬وتظهر أهمية العهد الراشدي في‬
‫القضاء بأمرين أساسيين‪:‬‬
‫* المحافظة على نصوص العهد النبوي في القضاء‪ ،‬والتقيد بما‬
‫جاء فيه‪ ،‬والسير في ركابه‪ ،‬والستمرار في اللتزام به‪.‬‬
‫دعائم الدولة‬ ‫* وضع التنظيمات القضائية الجديدة لترسيخ‬
‫السلمية الواسعة‪ ،‬ومواجهة المستجدات المتنوعة)‪.(1‬‬
‫استطاع الفاروق بتوفيق الله ثم عبقريته الفذة أن يطور‬
‫مؤسسة القضاء للدولة السلمية‪ ،‬وأصبحت لها قواعد ونظم‪،‬‬
‫استفاد منها الخليفة الراشد عثمان ‪ ‬في تعيين القضاة وأرزاقهم‪،‬‬
‫واختصاصهم القضائي ومعرفة صفات القاضي‪ ،‬وما يجب عليه‪،‬‬
‫ومصادر الحكام القضائية‪ ،‬والدلة التي يعتمد عليها القضاة‪ ،‬كما أنه‬
‫أصبحت هناك سوابق قضائية من الصديق والفاروق استفاد منها‬
‫القضاة في عهد عثمان ‪.‬‬
‫عندما تولى عثمان ‪ ‬الخلفة كان على قضاء المدينة يومئذ‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬والسائب بن يزيد رضي الله‬
‫عنهم‪ .‬ويذكر بعض الباحثين أن عثمان لم يترك لحد من هؤلء‬
‫القضاة الستقلل بالفصل في قضية من القضايا‪ ,‬كما كان الحال‬
‫في عهد عمر ‪ , ‬بل كان ينظر في الخصومات بنفسه‪ ،‬ويستشير‬
‫هؤلء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به‪ ،‬فإن وافق رأيهم رأَيه‬
‫أمضاه‪ ،‬وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في المر بعد ذلك‪ .‬وهذا‬
‫يعني أن عثمان ‪ ‬قد أعفى القضاة الثلثة في المدينة من ولية‬
‫القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع‬
‫استشارة آخرين‪ ،‬ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد‬
‫العفاء‪ ،‬وغاية ما ورد في ذلك يدل على أن عثمان ‪ ‬قد أقر‬
‫قضاة عمر بالمدينة‪ ،‬ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من‬
‫ض‬
‫القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها‪ ،‬ومنشأ هذا الخلف ت ََعار ُ‬
‫الروايات الواردة في ذلك‪:‬‬
‫* روى البيهقي في سننه‪ ،‬ووكيع في أخبار القضاة واللفظ له‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن سعيد قال‪ :‬أخبرني جدي‪ ،‬قال‪ :‬رأيت عثمان بن‬
‫عفان في المسجد‪ ،‬إذ جاءه الخصمان‪ ،‬قال لهذا‪ :‬اذهب فادع عليا‪،‬‬
‫وللخر‪ :‬اذهب فادع طلحة بن عبيد الله والزبير وعبد الرحمن‪،‬‬
‫فجاءوا فجلسوا‪ ،‬فقال لهما‪ :‬تكلما‪ ،‬ثم يقبل عليهم فيقول‪ :‬أشيروا‬
‫ي‪ ،‬فإن قالوا ما يوافق رأيه أمضاه عليهما‪ ،‬وإل نظر فيقومون‬ ‫عل ّ‬
‫)( تاريخ القضاء في السلم للزحيلي‪ ،‬ص ‪.84 ،83‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪111‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫مسّلمين‪ ،‬ول يعلم أن عثمان بن عفان استعمل قاضيا بالمدينة إلى‬
‫أن ُقتل ‪.‬‬
‫* جاء في تاريخ الطبري عند الحديث على أعمال عثمان‪ :‬وكان‬
‫على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت‪ ،‬وهذا يشعر بأن عثمان أبقى‬
‫زيدا على ولية القضاء‪ ،‬ويستلزم الذن له بالفصل في الخصومات‪،‬‬
‫وما دام الجمع بين النصين ممكنا‪ ،‬فإن الخذ به أولى من الخذ بأحد‬
‫النصين في غير المرجح‪ ،‬ويجمع بين النصين بأن عثمان أبقى قضاة‬
‫المدينة للفصل في بعض الخصومات‪ ،‬ولكن بعضها الخر من‬
‫معضلت القضايا جعله خاصا به مع استشارة أصحابه فيها‪ ،‬ومنهم‬
‫قضاته)‪.(1‬‬
‫يعين القضاة على القاليم حينا؛ مثل تعيينه كعب بن‬ ‫وكان عثمان ‪‬‬
‫سور على قضاة البصرة‪ ،‬ويترك القضاء للوالي حينا آخر؛ مثل طلبه من‬
‫واليه على البصرة أن يقوم بالقضاء بين الناس إضافة إلى عمل الولية‪،‬‬
‫وذلك بعد عزل كعب بن سور‪ ،‬وكذلك كان يعلي بن أمية واليا وقاضيا‬
‫)‪(2‬‬
‫ويلحظ أن بعض الولة كانوا يختارون قضاة بلدانهم‬ ‫على صنعاء‪.‬‬
‫بأنفسهم‪ ،‬ويكونون مسئولين أمامهم‪ ،‬مما يشير إلى ازدياد نفوذ الولة‬
‫)‪(3‬‬
‫والمأثور عن عثمان كتبه ورسائله إلى أمراء‬ ‫في خلفته من القضاة‪.‬‬
‫المصار‪ ،‬وإلى أمراء الجناد بالثغور وإلى عامة المسلمين‪ ،‬وهذا يدعو‬
‫إلى غلبة الظن بأنه جعل القضاء من اختصاص الولة‪ ،‬يتولونه بأنفسهم‪،‬‬
‫أو يعينون له من يستطيع القيام به‪(4).‬ففي الوقت الذي نجد فيه‬
‫مراسلت كثيرة بين عمر وقضاة المصار نجد ندرة في المراسلت في‬
‫عهد عثمان بينه وبين أولئك القضاة)‪.(5‬‬
‫* ابن عمر يعتذر عن القضاء‪:‬‬
‫قال عثمان لبن عمر‪ :‬اقض بين الناس‪ ،‬فقال‪ :‬ل أقضي بين‬
‫اثنين ول أؤم رجلين‪ ،‬أما سمعت النبي × يقول‪» :‬من عاذ بالله‬
‫فقد عاذ بمعاذ«؟ قال عثمان‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪(6):‬فإني أعوذ بالله أن‬
‫تستعملني‪ ،‬فأعفاه‪ ،‬وقال‪ :‬ل تخبر بهذا أحدا ‪.‬‬
‫* دار القضاء‪:‬‬
‫تذكر بعض كتب التاريخ أن من مآثر ذي النورين اتخاذه دارا‬
‫للقضاء‪ ،‬كما يظهر ذلك من رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح‬
‫مولى العباس قال‪ :‬أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار‬
‫القضاء إلى آخر الحديث‪ ،‬فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ‬
‫وقد‪(7‬كان الخليفتان قبله يجلسان للقضاء‬ ‫في السلم دارا للقضاء‪،‬‬
‫في المسجد كما هو مشهور) ‪.‬‬
‫)( النظم السلمية‪ ،(1/378) ،‬وقائع ندوة أبي ظبي‪1405 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (4 ،‬النظم السلمية )‪.(1/378‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫)( النظم السلمية‪،‬ـ ) ‪.(1/378‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(2/92‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( مسند المام أحمد‪ ،‬رقم )‪ ،(475‬حسن لغيره‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( أشهر مشاهير السلم )‪.(4/740‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪112‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫* أشهر القضاة في خلفة عثمان‪:‬‬
‫‪ -1‬زيد بن ثابت )المدينة(‪.‬‬
‫‪ -2‬أبو الدرداء )دمشق(‪.‬‬
‫‪ -3‬كعب بن سور )البصرة(‪.‬‬
‫‪ -4‬أبو موسى الشعري )البصرة بالضافة إلى وليته(‪.‬‬
‫‪ -5‬شريح )الكوفة(‪.‬‬
‫‪ -6‬يعلى بن أمية )اليمن(‪.‬‬
‫‪ -7‬ثمامة )صنعاء(‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -8‬عثمان بن قيس بن أبي العاص )مصر( ‪.‬‬
‫هذا وقد ترك الخليفة الراشد أحكاما فقهية في مجال القصاص‬
‫والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملت‪ ،‬كان لها الثر‬
‫الواضح في المدارس الفقهية السلمية‪ ،‬وهذه بعض الحكام التي‬
‫أصدرها عثمان أو أفتى بها‪:‬‬
‫ل‪ :‬فيما يتعلق بالقصاص والحدود والتعزير‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬أول قضية واجهت عثمان ‪ ‬قضية قتل‪:‬‬
‫أول قضية حكم فيها عثمان ‪ ‬قضية عبيد الله بن عمر‪ ،‬وذلك‬
‫أنه غدا على ابنة أبي لؤلؤة قاتل عمر فقتلها‪ ،‬وضرب رجل نصرانيا‬
‫يقال له جفينة بالسيف فقتله‪ ،‬وضرب الهرمزان الذي كان صاحب‬
‫فقتله‪ ،‬وكان قد قيل إنهما مال أبا لؤلؤة على قتل عمر فالله‬ ‫تستر‬
‫أعلم‪ (2).‬وكان عمر قد أمر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعده‪ ،‬فلما‬
‫ولي عثمان وجلس للناس كان أول ما تحوكم إليه في شأن عبيد‬
‫الله‪ ،‬فقال علي‪ :‬ما من العدل تركه‪ ،‬وأمر بقتله‪ .‬وقال بعض‬
‫المهاجرين‪ :‬أيقتل أبوه بالمس ويقتل هو اليوم؟ فقال عمرو بن‬
‫العاص‪ :‬يا أمير المؤمنين‪(3)،‬قد برأك الله من ذلك‪ ،‬قضية لم تكن في‬
‫أيامك فدعها عنك‪ ،‬فودى عثمان ‪ ‬أولئك القتلى من ماله؛ لن‬
‫إل بيت المال‪ ،‬والمام يرى الصلح في‬ ‫أمرهم إليه؛ إذ ل وارث لهم‬
‫ذلك‪ ،‬وخلى سبيل عبيد الله‪ (4).‬وقد جاءت رواية في الطبري تفيد‬
‫بأن القماذبان بن الهرمزان قد عفا عن عبيد الله‪ ،‬عن أبي منصور‬
‫قال‪ :‬سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كانت العجم‬
‫بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض‪ ،‬فمر فيروز بأبي ومعه خنجر له‬
‫رأسان‪ ،‬فتناوله منه‪ ،‬وقال‪ :‬ما تصنع بهذا في هذه البلد؟ فقال‪ :‬آنس‬
‫به‪ ،‬فرآه رجل‪ ،‬فلما أصيب عمر قال‪ :‬رأيت هذا مع الهرمزان‪ ،‬دفعه‬
‫إلى فيروز‪ ،‬فأقبل عبيد الله فقتله‪ ،‬فلما ولي عثمان دعاني فأمكنني‬
‫منه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا بني‪ ،‬هذا قاتل أبيك‪ ،‬وأنت أولى به منا‪ ،‬فاذهب‬
‫فاقتله‪ ،‬فخرجت به وما في الرض أحد إل معي‪ ،‬إل أنهم يطلبون إلي‬
‫عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.160 ،159‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/154‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫ودى‪ :‬وقع دية القتلى‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/154‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪113‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فيه‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬ألي قتله؟ قالوا‪ :‬نعم )وسبوا عبيد الله(‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫فاحتملوني‪،‬‬ ‫أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬وسبوه‪ ،‬فتركته لله ولهم‪،‬‬
‫فوالله ما بلغت المنزل إل على رؤوس الرجال وأكفهم‪ (1).‬ول يوجد‬
‫تعارض بين هذه الرواية والرواية الخرى التي تذكر أن الخليفة‬
‫عثمان عفا عن عبيد الله بن عمر وتحمل هو الدية الشرعية لورثة‬
‫الهرمزان؛ لنه يوجد في فهم جميع الصحابة حق لبن الهرمزان في‬
‫القصاص‪ ،‬وقد استجاب لرجائهم له في العفو على النحو السالف‬
‫ذكره‪ ،‬كما أن عفو الخليفة يرجع إلى سلطة التحقيق في الجريمة‪,‬‬
‫والحكم فيها هو للخليفة وليس لبن المقتول‪ ،‬فيكون عبيد الله قد‬
‫اعتدى على حق الخليفة‪ ،‬ومن ثم فرواية العفو منه تنصرف إلى‬
‫العفو بسبب هذا الحق‪ ،‬وهذه المخالفة من عبيد الله حيث أضاع‬
‫على الدولة أمرا هاما هو معرفة الخليا التي تتصل بالجريمة من‬
‫الجناة والشخاص والجهات التي كانت خلف هذه المؤامرة‪ ،‬كما‬
‫ينصرف العفو من الخليفة إلى من ليس لهم ولي وهم جفينة وابنة‬
‫المجوسي القاتل‪ ،‬ول يوجد خلف في الروايات والمصادر التاريخية‬
‫على أن الخنجر الذي قتل به عمر ابن الخطاب كان بيد الهرمزان‬
‫وجفينة قبل الحادث‪ ،‬وقد شاهد ذلك اثنان من الصحابة وهما عبد‬
‫الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬ورواية عبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر تفيد أن القاتل أبا لؤلؤة كان مع هذين الشريكين يتناجون‬
‫بينهم‪ ،‬وبعد قتل عمر وجدوا‬ ‫ثلثتهم‪ ،‬فلما باغتهم سقط الخنجر من‬
‫أنه نفس الخنجر الذي وصفه الشاهدان‪ (2).‬وبالتالي فالهرمزان‬
‫وجفينة يستحقان القتل‪ ،‬أما ابنة أبي لؤلؤة الذي قتل نفسه ليخفي‬
‫المشتركين معه‪ ،‬فهذه قتلت خطأ ول يقتل فيها أحد‪ ،‬وقد رأى عبيد‬
‫الله أنها من المشاركين في القتل؛ حيث كانت تخفى السلح لبيها‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫‪ -2‬قتل اللصوص‪:‬‬
‫إن شبابا من شباب أهل الكوفة في ولية الوليد بن عقبة نقبوا على‬
‫ابن الحيسمان الخزاعي وكاثروه‪ ،‬فنذر بهم‪ ،‬فخرج عليهم بالسيف‪ ،‬فلما‬
‫رأى كثرتهم استصرخ فقالوا له‪ :‬اسكت‪ ،‬فإنما هي ضربة حتى نريحك‬
‫من روعة هذه الليلة‪ ،‬وأبو شريح الخزاعي مشرف عليهم‪ ،‬فصاح بهم‬
‫وضربوه فقتلوه‪ ،‬وأحاط الناس بهم فأخذوهم‪ ،‬وفيهم زهير بن جندب‬
‫الزدي ومورع بن أبي مورع السدي‪ ،‬وشبيل بن أبي الزدي في عدة‪،‬‬
‫فشهد عليهم أبو شريح وابنه أنهم دخلوا عليه‪ ,‬فمنع بعضهم بعضا من‬
‫الناس‪ ،‬فقتله بعضهم‪ ،‬فكتب فيه إلى عثمان فكتب إليه في قتلهم‪،‬‬
‫فقتلهم على باب القصر في الرحبة‪ ،‬وقال في ذلك عمر بن عاصم‬
‫التميمي‪:‬‬
‫أهل الزعارة في ملك ابن‬ ‫سَرفا‬
‫ل تأكلوا أبدا جيرانكم َ‬
‫عفان‬
‫وقال أيضا‪:‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ ،(5/243‬إسناده ل يصح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الطبقات الكبرى )‪.(355-3/350‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.1219 ،218‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪114‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫فطم اللصوص بمحكم‬ ‫إن ابن عفان الذي جربتم‬


‫الفرقان‬
‫)‪(1‬‬
‫في كل عنق منهم وبنان‬ ‫ما زال يعمل بالكتاب مهيمنا‬
‫‪ -3‬رجل قتل تاجرا لماله‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫كان ذلك في خلفة عثمان‪ ،‬وكانت العقوبة القتل قصاصا ‪.‬‬
‫‪ -4‬عقوبة الساحر‪:‬‬
‫حدث في عهد عثمان بن عفان ‪ ‬أن جارية لحفصة سحرتها‪،‬‬
‫فاعترفت الجارية بذلك‪ ،‬فأمرت حفصة بها عبد الرحمن بن زيد‬
‫فقتلها‪ ،‬فأنكر ذلك عليها عثمان‪ ،‬فقال ابن عمر‪ :‬ما تنكر على أم‬
‫المؤمنين امرأة سحرتها واعترفت‪ ،‬فسكت عثمان‪ ،‬وعثمان لم ينكر‬
‫على حفصة القتل ولكنه أنكر عليها الفتئات على حق المام في‬
‫إقامة الحدود‪ ،‬فإن أمر الحدود إلى المام‪ ،‬وهذا ما يدل عليه قول‬
‫ابن عمر‪ :‬ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرتها واعترفت؛‬
‫يعني أن القضاء فيها واضح‪ ،‬وأن استحقاقها القتل ل تدفعه شبهة)‪.(3‬‬
‫‪ -5‬جناية العمى‪:‬‬
‫جالسه غفل‪،‬‬ ‫م َ‬‫العمى مع قائده كاللة‪ ،‬يتحرك بأمره‪ ،‬وهو مع ُ‬
‫يتحرك وهو قد يتردى في حركته أو يتضرر‪ ،‬فل يتوقع أنه يتحاشا‬
‫إضرار غيره بحركته وهو ل يراه‪ ،‬ولذلك فإنه إذا ما جنى على قائده‬
‫أو من جالسه دون قصد فجنايته هدر‪ ،‬قال عثمان بن عفان‪ :‬أيما‬
‫رجل جالس أعمى فأصابه العمى بشيء فهو هدر)‪.(4‬‬
‫‪ -6‬جناية المقتتلين على بعضهما‪:‬‬
‫قد يقع شجار بين الشخاص فيجني كل واحد من المتشاجرين‬
‫على صاحبه‪ ،‬فإن حصل شيء من هذا فالواجب القصاص‪ ،‬أن هذه‬
‫الجناية عمد؛ إذ الظاهر أن كل واحد منهما حريص على أن ينال من‬
‫صاحبه‪ ،‬قال عثمان بن عفان ‪ :‬إذا اقتتل المقتتلن فما كان بينهما‬
‫من جراح فهو قصاص)‪.(5‬‬
‫‪ -7‬الجناية على الحيوان‪:‬‬
‫إذا وقعت الجناية على الحيوان فالواجب فيها الضمان بالقيمة‪،‬‬
‫فعن عقبة بن عامر قال‪ :‬قتل رجل في خلفة عثمان بن عفان كلبا‬
‫وم بثمانمائة درهم‪ ،‬فألزمه‬ ‫ق ّ‬
‫لصيد ل يعرف مثله في الكلب‪ ،‬ف ُ‬
‫عثمان تلك القيمة‪ ،‬وأغرم رجل ثمن كلب قتله عشرين بعيرا)‪.(6‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/272‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.153‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.170 ،169‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.99‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.100‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫موسوعة فقه عثمان‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪115‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -8‬الجناية على الصائل‪:‬‬
‫إذا صال شخص على مال شخص آخر أو على نفسه أو على‬
‫عرضه فقتله المصول عليه أثناء اعتدائه فدمه هدر‪ ،‬فقد روى ابن‬
‫أن( رجل رأى مع امرأته رجل فقتله‪ ،‬فارتفعوا إلى‬ ‫حزم في المحلي‬
‫عثمان فأبطل دمه)‪. 1‬‬
‫ده‪:‬‬‫‪ -9‬استتابة المرتد وح ّ‬
‫قتل‪،‬‬ ‫ل يقام الحد على المرتد حتى يستتاب ثلثا‪ ،‬فإن أصر على ردته ُ‬
‫وحدث أن أخذ عبد الله بن مسعود بالكوفة رجال ارتدوا عن السلم‪،‬‬
‫وأخذوا ينعشون حديث مسيلمة الكذاب‪ ،‬فكتب فيهم إلى أمير المؤمنين‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬فكتب عثمان إليه‪ :‬أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة‬
‫أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬فمن قبلها وبرئ من مسيلمة‬
‫فاقتله‪ ،‬فقبلها رجال منهم فتركوا‪،‬‬ ‫فل تقتله‪ ،‬ومن لزم دين مسيلمة‬
‫ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا)‪.(2‬‬
‫‪ -10‬إني قتلت فهل لي من توبة‪:‬‬
‫قال رجل لعثمان‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إني قتلت فهل لي من توبة؟‬
‫ن‬‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫زي ُ‬‫عثمان من أول سورة غافر‪+ :‬حم ‪َ ‬تن ِ‬ ‫ْ‬
‫فقرأ عليه‬
‫د‬ ‫دي‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ب‬ ‫و‬
‫ّ ْ ِ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫قا‬
‫ِ َ ِ ِ‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫ذن‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫غا‬ ‫‪‬‬ ‫م‬ ‫لي‬
‫َ ِ ِ‬‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ز‬
‫ع ِ ِ‬
‫زي‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫الل ِ‬
‫ب" ]غافر‪ [3 -1 :‬ثم قال له‪ :‬اعمل ول تيأس‪ (3).‬والجدير بالذكر‬ ‫ِ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ع‬
‫في( حق العباد ل بد فيها من أداء‬ ‫ارتكبت‬ ‫إذا‬ ‫الثام‬ ‫من‬ ‫التوبة‬ ‫أن‬
‫الحقوق لصحابها أو تنازلهم عنها)‪. 4‬‬
‫‪ -11‬حد الخمر‪:‬‬
‫المعروف أن رسول الله × قد عاقب الحر إذا شرب الخمر‬
‫بأربعين جلدة‪ ،‬ضربه القوم بالنع ‪0‬ال وأطراف الثياب امتهانا له‪،‬‬
‫وكذلك أبو بكر‪ ،‬وكذلك عمر في أول خلفته‪ ،‬ثم لم يلبث أن زاد‬
‫العقوبة بمشورة من الصحابة إلى ثمانين جلدة‪ ،‬لما رأى الناس‬
‫يتحاقرون هذه العقوبة ول يرتدعون بها‪ .‬أما عثمان بن عفان فقد‬
‫ثبت عنه أنه جلد الحر أربعين جلدة‪ ،‬وثبت عنه أنه جلده ثمانين‬
‫ه أو هوى‪ ،‬ولكنه فرق بين‬ ‫جلدة‪ ،‬ولم يكن ذلك منه عن تش ّ‬
‫الشاربين‪ ,‬فلم يعاقب من كان شربه زلة منه عقوبة من أدمن‬
‫شربها‪ ،‬فجعل عقوبة من كان شربه لها أول مرة‪ ،‬وكانت من زلة‬
‫أربعين جلدة‪ ،‬وجعل عقوبة من اعتاد شربها ومن أدمن عليها ثمانين‬
‫وكأنه كان يجعل الربعين الولى حدا‪ ،‬والربعين الثانية‬ ‫جلدة‪،‬‬
‫تعزيرا)‪.(5‬‬
‫‪ -12‬إقامة الحد على أخيه من أمه الوليد بن عقبة‪:‬‬
‫عن حصين بن المنذر قال‪ :‬شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد‬
‫فشهد عليه رجلن ‪-‬أحدهما حمران‪ -‬أنه شرب الخمر‪ ،‬وشهد آخر أنه‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (4‬سنن البيهقي )‪.(8/17‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪116‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫رآه يتقيأ‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬إنه لم يتقيأ حتى شربها‪ ،‬فقال‪ :‬يا علي قم‬
‫ل حاّرها‬ ‫فاجلده‪ ،‬فقال علي‪ :‬قم يا حسن فاجلده‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬و ّ‬
‫من تولى قاّرها)‪ ,(1‬فكأنه وجد عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد الله بن جعفر قم‬
‫ي يعد‪ ،‬حتى بلغ أربعين‪ ،‬فقال‪ :‬أمسك‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫فاجلده‪ ،‬فجلده وعل ّ‬
‫سّنة‪ ،‬وهذا‬‫ُ‬ ‫وكل‬ ‫ثمانين‪،‬‬ ‫وعمر‬ ‫أربعين‪،‬‬ ‫بكر‬ ‫وأبو‬ ‫جلد النبي × أربعين‪،‬‬
‫ي‪ (2).‬ويؤخذ من هذا الحديث بأن سلف عثمان ‪-‬رضي الله‬ ‫أحب إل ّ‬
‫عنهم‪ -‬نفذوا هذا الحد‪ ,‬وبأن للمنفذ أو المأمور أن ينيب عنه غيره‪.‬‬
‫تأخذه في الله لومة‬ ‫ويؤخذ منه أيضا‪ :‬قوة عثمان في الحق‪ ،‬وأنه ل‬
‫معيط‪(4‬أخوه لمه)‪ ،(3‬وتنفيذ الحكام‬
‫)‬
‫لئم؛ فالوليد بن عقبة بن أبي‬
‫الشرعية هو أحب أعمال الشرطة‪.‬‬
‫‪ -13‬سرقة الغلم‪:‬‬
‫ل يقام حد السرقة إل إذا كان السارق بالغا عاقل مختارا عالما‬
‫فقال‪ :‬انظروا إلى‬
‫)‪(5‬‬
‫بالتحريم‪ ،‬وقد أتى إلى عثمان بغلم سرق‪،‬‬
‫مؤتزره فنظروا فلم يجدوه أنبت‪ ،‬فلم يقطعه‪.‬‬
‫‪ -14‬الحبس تعزيًرا‪:‬‬
‫استعار ضابي بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من‬
‫قوم من النصار كلبا يدعى قرحان يصيد الظباء‪ ،‬فحبسه عنهم‪,‬‬
‫فنافره النصاريون واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه‪ ،‬فانتزعوه منه‬
‫وردوه على النصار‪ ،‬فهاجمهم وقال في ذلك‪:‬‬
‫ل لها الوجناء وهي حسير‬ ‫تض ّ‬ ‫شم دوني وفد قرحان خطة‬ ‫تج ّ‬
‫حباهم ببيت المرزبان أمير‬ ‫فباتوا شباعا ناعمين كأنما‬
‫فإن عقوق المهات كبير‬ ‫فكلبكم ل تتركوا فهو أمكم‬
‫سَتعدوا عليه عثمان‪ ،‬فأرسل إليه فعزره وحبسه كما كان)‪(6‬يصنع‬ ‫فا ْ‬
‫بالمسلمين‪ ،‬فاستثقل ذلك‪ ،‬فما زال في الحبس حتى مات فيه ‪.‬‬
‫‪ -15‬حد القذف بالتعريض‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬يقيم حد القذف بالتعريض به‪ ،‬فقد قال رجل‬
‫لخر‪) :‬يا ابن شامة الوذر( ‪-‬يعرض له بزنا أمه‪ -‬فاستعدى عليه‬
‫عثمان‬
‫)‪(7‬‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إنما عنيت كذا وكذا‪ ،‬فأمر به‬
‫فجلد الحد؛ أي حد القذف‪ ،‬ولم يلتفت إلى تفسير مراده مما قال‪.‬‬
‫‪ -16‬عقوبة الزنا‪:‬‬
‫را محصنا ً فإنه يعاقب‬
‫ح ّ‬
‫إذا ثبت الزنا على رجل أو امرأة وكان ُ‬
‫أي‪ :‬ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحدود )‪.(11/216‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫ولية الشرطة في السلم‪ ،‬د‪ .‬نمر الحميداني‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح التوثيق‪ ،‬ص ‪ ,77‬موسوعة فقه عثمان‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/420‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.247‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪117‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫محصنة في عهد عثمان‬ ‫بالرجم بالحجارة حتى الموت‪ ،‬وقد زنت امرأة‬
‫بن عفان فقضى عثمان برجمها ولم يحضر رجمها)‪.(1‬‬
‫‪ -17‬التعزير بالنفي والطرد‪:‬‬
‫جا ‪-‬قال محمد بن‬ ‫بلغ عثمان أن ابن الحبكة النهدي يعالج نيرن ً‬
‫سلمة‪ :‬إنما نيرج أخذ كالسحر وليس به‪ -‬فأرسل إلى الوليد بن عقبة‬
‫ليسأله عن ذلك‪ ،‬فإن أقر به فأوجعه‪ ،‬فدعا به فسأله‪ ،‬فقال‪ :‬إنما هو‬
‫رفق وأمر يعجب منه‪ ،‬فأمر به فعزر‪ ،‬وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم‬
‫كتاب عثمان‪ :‬إنه قد جد بكم‪ ،‬فعليكم بالجد‪ ،‬وإياكم وال ْهُّزال‪ ،‬فكن‬
‫الناس عليه‪ ،‬وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره‪ ،‬فغضب‬
‫فنفر في الذين نفروا‪ ،‬فضرب معهم‪ ،‬فكتب إلى عثمان فيه‪ ،‬فلما‬
‫سّير إلى الشام من سّير‪ ،‬سير كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد‬
‫الله ‪-‬وكان دينه على دينه‪ -‬إلى دنياوند‪ ،‬فقال في ذلك كعب بن ذي‬
‫الحبكة للوليد‪:‬‬
‫طمعت بها من سقطتي‬ ‫لعمري لئن طردتني ما إلى التي‬
‫لسبيل‬
‫غول‬ ‫إلى الحق دهًرا غال ذلك ُ‬ ‫ت رجوعي يا ابن أروى‬ ‫رجو ُ‬
‫ورجعتي‬
‫وشتمي في ذات الله قليل‬ ‫وإن اغترابي في البلد وجفوتي‬
‫)‪(2‬‬ ‫دنيا وندِ ُ‬
‫كم لطويل‬ ‫عليك ب ُ‬ ‫وإن دعائي كل يوم وليلة‬
‫‪ -18‬دفع الناس عن جنازة العباس‪:‬‬
‫عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال‪ :‬لما أتى بجنازة العباس بن عبد‬
‫المطلب إلى موضع الجنائز تضايق الناس فتقدموا به إلى البقيع‪،‬‬
‫ولقد رأيتنا يوم صلينا عليه بالبقيع‪ ،‬وما رأيت مثل ذلك الخروج على‬
‫أحد من الناس قط‪ ،‬وما يستطيع أحد أن يدنو من سريره‪ ،‬وغلب‬
‫عليه بنو هاشم‪ ،‬فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه‪ ،‬فأرى عثمان‬
‫اعتزل وبعث الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم‪ ،‬حتى خلص‬
‫بنو هاشم فكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلوه في اللحد‪ (3).‬وهذا‬
‫يدل على كثرة رجال الشرطة آنذاك‪ ،‬ويعتبر عثمان ‪ ‬لدى بعض‬
‫المؤرخين)‪ (4‬أول من اتخذ صاحب شرطة من الخلفاء‪ ،‬وقد أسند هذه‬
‫في( المدينة إلى الصحابي الجليل المهاجر ابن قنفذ بن عمير‬ ‫المهمة‬
‫القرشي‪ 5).‬وهذا يدل على عنايته بها‪ ،‬وأن صيتها قد ذاع في عهده‪.‬‬
‫وفي الكوفة كان عبد الرحمن السدي على شرطة سعيد بن العاص‬
‫الرحمن على شرطة معاوية‬ ‫)واليها لعثمان( كما كان نصير بن عبد‬
‫بن أبي سفيان )والي عثمان على الشام( )‪.(6‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/419‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات )‪.(4/32‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫ولية الشرطة في السلم‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪118‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وفي الحقيقة ل يعلم خليفة في السلم بعد أبي بكر وعمر‬
‫‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬يقيم الحدود على القريب والبعيد‪ ،‬والشريف‬
‫والوضيع‪ ،‬والغني والفقير ول يبالي‪ ،‬ويعطي كل ما يطلب منه من‬
‫إصلح أو)‪(1‬حقوق كعثمان ‪ ،‬وكفاه فخرا أن ينتمي لحكم الخلفة‬
‫الراشدة ‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬في العبادات والمعاملت‪:‬‬
‫‪ -1‬إتمام عثمان الصلة بمنى وعرفات‪:‬‬
‫ت‬‫في حج عام ‪29‬هـ صلى عثمان ‪ ‬بالناس بمنى أربعا‪ ،‬فأتى آ ٍ‬
‫عبد َ الرحمن بن عوف‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك في أخيك قد صلى بالناس‬
‫أربعا؟ فصلى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين‪ ،‬ثم خرج حتى دخل على‬
‫ل في هذا المكان مع رسول الله ×‬‫عثمان‪ ،‬فقال له‪ :‬ألم تص ّ‬
‫ركعتين؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أفلم تصل مع أبي بكر ركعتين؟ قال‪ :‬بلى‪،‬‬
‫قال‪ :‬أفلم تصل مع عمر ركعتين؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬ألم تصل صدرا‬
‫من خلفتك ركعتين؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فاسمع مني يا أبا محمد)‪ ،(2‬إني‬
‫أخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في‬
‫عامنا الماضي‪ :‬إن الصلة للمقيم ركعتان‪ ،‬هذا إمامكم عثمان يصلي‬
‫ركعتين‪ ،‬وقد اتخذت بمكة أهل‪ ،‬فرأيت أن أصلي لخوف ما أخاف‬
‫على الناس‪ ،‬وأخرى قد اتخذت بها زوجة‪ ،‬ولي بالطائف مال‪ ،‬فربما‬
‫أطلعته فأقمت فيه بعد الصدر‪ ،‬فقال عبد الرحمن بن عوف‪ :‬ما من‬
‫هذا شيء لك فيه عذر‪ ،‬أما قولك‪ :‬اتخذت أهل‪ ،‬فزوجتك بالمدينة‬
‫تخرج بها إذا شئت وتقدم بها إذا شئت‪ ،‬إنما تسكن بسكناك‪ ،‬وأما‬
‫قولك‪ :‬ولي مال بالطائف فإنك بينك وبين الطائف مسيرة ثلثة ليال‬
‫وأنت لست من أهل الطائف‪ ،‬وأما قولك‪ :‬يرجع من حج من أهل‬
‫اليمن وغيرهم فيقولون‪ :‬هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وهو‬
‫مقيم‪ ،‬فقد كان رسول الله × ينزل عليه الوحي والناس يومئذ‬
‫السلم فيهم قليل‪ ،‬ثم أبو بكر مثل ذلك‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬فضرب السلم‬
‫بجرانه‪ ،‬فصلى لهم عمر حتى مات ركعتين‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬هذا رأي‬
‫رأيته‪ ،‬فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال‪ :‬أبا محمد‪ ،‬غير ما‬
‫يعلم؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فما أصنع؟ قال‪ :‬اعمل بما تعلم‪ ،‬فقال ابن‬
‫مسعود‪ :‬الخلف شر‪ ،‬قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت بأصحابي‬
‫أربعا‪ ،‬فقال عبد الرحمن بن عوف‪ :‬قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت‬
‫ركعتين‪ ،‬وأما الن فسوف يكون الذي تقول )يعني تصلي‬ ‫بأصحابي‬
‫معه أربعا()‪.(3‬‬
‫إن عثمان صنع ما صنع من إتمام الصلة في منى وعرفات‬
‫شفقة على ضعفاء المسلمين أن يفتنوا في دينهم‪ ،‬فقد أبدى لفعله‬
‫سببا معقول حينما سأله عبد الرحمن بن عوف عنه وعما دعاه إليه‪،‬‬
‫فلما أطلعه عثمان على وجهة نظره‪ ،‬أخذ عبد الرحمن بقوله وأتم‬
‫الصلة بأصحابه‪ ،‬وكذلك صنع عبد الله بن مسعود وغيره من جمهور‬
‫الصحابة‪ ،‬فتابعوه ولم يخالفوه؛ لنه إمام راشد تجب متابعته فيما لم‬
‫يخرج عن حدود الشريعة المطهرة‪ ،‬ولو كان فيما جاء به عثمان أدنى‬
‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/409‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أبو محمد كنية عبد الرحمن بن عوف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/268‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪119‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫شبهة لمخالفة نص شرعي ما أمكن مطلقا جمهور الصحابة أن‬
‫يتابعوه‪ (1).‬والذي أبداه عثمان في تحاوره مع عبد الرحمن بن عوف‬
‫واحتج به لرأيه معقول المعنى‪ ،‬ولو تأمل فيه ناظر في أسرار الدين‬
‫وحكم الشريعة لرأى أن إتمام الصلة الذي انتهى إليه رأي عثمان‬
‫أرجح حينئذ من قصرها‪ ،‬وقد حدث من المور ما لم يكن على عهد‬
‫النبي × وأبي بكر وعمر‪ ،‬فخاف عثمان أن يفتن الناس في صلتهم‪،‬‬
‫ول سيما جفاة العراب في مضاربهم‪ ،‬ومن بعدت بلدهم في‬
‫أطراف الرض‪ ،‬وقد ل يتصل بهم من أهل العلم من يعلمهم‬
‫ويرشدهم‪ ،‬فأراد عثمان بما صنع حسم هذا الشر المخوف على كثير‬
‫من ضعفاء المسلمين‪ ،‬وقد بالغ عثمان ‪ ‬في إبعاد الشبهة عن‬
‫نفسه‪ ،‬فقال‪ :‬إنه اتخذ بمكة أهل‪ ،‬وله بالطائف مال ربما نظر إليه‬
‫وأقام فيه بعد انتهاء الموسم‪ ،‬فيكون حينئذ مقيما ففرضه التمام‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وذلك منه ‪ ‬من دقيق النظر في الدين‪ ،‬وفهم أسراره وحكمه‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وقد رأى جماعة من الصحابة إتمام الصلة في السفر‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫عائشة‪ ،‬وعثمان وسلمان‪ ،‬وأربعة عشر من أصحاب رسول الله ×‪.‬‬
‫فعثمان ‪ ‬لم يوجب القصر في السفر‪ ،‬وإنما كان يتجه كما رآه‬
‫)‪(4‬‬
‫اجتهادية‪،‬‬ ‫فقهاء المدينة ومالك والشافعي وغيرهما‪ ،‬ثم إنها مسألة‬
‫ولذلك اختلف فيها العلماء؛ فقوله فيها)‪(5‬ل يوجب تكفيرا ول تفسيقا‪.‬‬
‫وأما قول ابن مسعود ‪ :‬الخلف شر ‪ ,‬وفي رواية‪ :‬إني أكره‬
‫الخلف)‪ ،(6‬ففيه ترشيد لنا وتذكير على استحباب الخروج من الخلف‬
‫يستحضرها ويحاول أن‬ ‫في مسائل الجتهاد‪ ،‬ويحسن بالمسلم أن‬
‫يقلل الخوض والجدال في الفروع المختلف فيها)‪(7‬؛ إذ الظروف‬
‫المحيطة بنا ل تساعدنا على إضاعة مزيد من الوقت الثمين في‬
‫الجدل والخلف عما يجب أن نفعله لمواجهة التحديات الخطيرة)‪,(8‬‬
‫كما أن في فعل ابن مسعود وابن عوف ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬من‬
‫الصلة خلف عثمان بيانا لحرص الصحابة على الجتماع والوحدة‪،‬‬
‫وهذا خلق عظيم من أخلق جيل النصر‪.‬‬
‫‪ -2‬زاد الذان الثاني يوم الجمعة‪:‬‬
‫قال)‪(9‬رسول الله ×‪» :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من‬
‫بعدي« ‪ ،‬وهذه الزيادة من سنة الخلفاء الراشدين‪ ،‬ول شك أن‬
‫عثمان من الخلفاء الراشدين ورأى مصلحة أن يزاد هذا الذان لتنبيه‬
‫الناس عن قرب وقت صلة الجمعة بعد أن اتسعت رقعة المدينة‪،‬‬
‫فاجتهد في هذا ووافقه جميع الصحابة‪ ،‬واستمر العمل به لم يخالفه‬
‫أحد حتى في زمن علي وزمن معاوية وزمني بني أمية وبني العباس‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق‪ ،‬ص‬ ‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.194‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( كتاب المامة والرد على الرافضة للصبهاني‪ ،‬ص ‪.312‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (5‬تاريخ الطبري )‪.(5/268‬‬ ‫)( الرياض النضرة‪ ،‬ص ‪.566‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫)‪ (7‬فقه الولويات‪ ،‬محمد الوكيلي‪ ،‬ص‬ ‫)( القواعد الفقهية للندوي‪ ،‬ص ‪.336‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪.169‬‬
‫‪7‬‬

‫)( الفكر السلمي بين المثالية والتطبيق‪ ،‬كامل الشريف‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( سنن أبي داود‪ ،‬كتاب السنة رقم )‪ .(4607‬سنن الترمذي‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬رقم )‬ ‫‪9‬‬

‫‪.(2676‬‬

‫‪120‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫إلى يومنا هذا‪ ،‬فهي سنة بإجماع المسلمين‪ (1).‬ثم هو له أصل في‬
‫الشرع‪ ،‬وهو الذان الول في الفجر‪ ،‬فقاس عثمان هذا الذان عليه‪.‬‬
‫)‪ (2‬لقد سن عثمان ذلك أخذا من سنة الرسول × وأذانه الذي شرعه‬
‫في الفجر قبل دخول الوقت لينبه النائم ويستعد اليقظان ومريد‬
‫الصيام‪ ،‬فهو مستن بسنة الرسول × وآخذ من طريقته‪ ،‬وقد اختلف‬
‫أهل العلم‪ :‬هل أوقعه قبيل دخول الوقت كما هو الحال في الذان‬
‫الول من الفجر أم أوقعه في الوقت؟ ويميل الحافظ إلى أن وقوعه‬
‫كان إعلما بالوقت‪ ،‬قال في فتح الباري‪ :‬وتبين أن عثمان أحدثه‬
‫لعلم الناس بدخول وقت الصلة قياسا على بقية الصلوات فألحق‬
‫الجمعة بها‪ ،‬وأبقى خصوصيتها بالذان بين يدي الخطيب‪ ،‬وفيه‬
‫استنباط معنى من الصل ل يبطله‪ ،‬وأما ما أحدث الناس قبل وقت‬
‫الجمعة من الدعاء إليها والذكر والصلة على)‪(3‬النبي × فهو في بعض‬
‫البلد دون بعض واتباع السلف الصالح أولى‪ .‬وأما الذين قالوا‪ :‬إنه‬
‫أحدث قبيل دخول الوقت‪ ،‬قالوا‪ :‬لن الغرض منه العلم بالجمعة‬
‫والسعي إليها على غرار الذان الول في الفجر‪ ،‬فلو كان بعد دخول‬
‫الوقت لما أدى المعنى المطلوب إل بتأخير الجمعة بعض الشيء‬
‫وهو خلف السنة‪ ،‬وبه ُيستغنى عما أحدثه في التذكير والذكر‬
‫أشار إليه الحافظ ولم ينكره إل بقوله‪) :‬واتباع السلف‬ ‫وغيرهما مما‬
‫الصالح أولى( )‪.(4‬‬
‫‪ -3‬اغتساله كل يوم منذ أسلم‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫كان عثمان بن عفان يغتسل كل يوم منذ أسلم ‪ ،‬وقد صلى‬
‫ذات يوم الصبح بالناس وهو جنب دون أن يدري‪ ،‬فلما أصبح رأى في‬
‫إني لراني أجنب ول أعلم‪ ،‬ثم أعاد‬ ‫ثوبه احتلما‪ ،‬فقال‪ :‬كبرت والله‬
‫الصلة)‪ (6‬ولم يعد من صلى خلفه)‪.(7‬‬
‫‪ -4‬سجود التلوة‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان ‪ ‬يرى أن سجود التلوة يجب على‬
‫المكلف التالي للقرآن‪ ,‬وعلى الجالس لسماع القرآن‪ ،‬أما من سمعه‬
‫من غير قصد فليس عليه سجود التلوة‪ ،‬فقد مر ‪ ‬بقاص فقرأ‬
‫عثمان‪ (،‬فقال عثمان‪ :‬إنما السجود على‬
‫)‪8‬‬
‫القاص سجدة ليسجد معه‬
‫يعني‬ ‫استمع‪:‬‬ ‫من‬ ‫على‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫يسجد‪.‬‬ ‫من استمع ثم مضى ولم‬
‫على من قصد السماع‪ .‬وقال ‪ :‬إنما السجدة على من جلس لها)‪،(9‬‬
‫استمعت السجدة تومئ بها إيماء‬ ‫وروى عن عثمان أن الحائض إذا‬
‫ول تتركها‪ ،‬ول تسجد لها سجود الصلة)‪.(10‬‬
‫‪ -5‬صلة الجمعة في السواحل‪:‬‬
‫قال الليث بن سعد‪ :‬كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة‪،‬‬
‫)‪ (3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫)( حقبة من التاريخ‪ ،‬عثمان الخميس‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( فتح الباري )‪.(4/345‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( السنة والبدعة‪ ،‬عبد الله باعلوي الحضرمي‪ ،‬ص ‪.133 ،132‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( فضائل الصحابة رقم )‪ ،(756‬إسناد حسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( الخلفة الراشدة والدولة الموية‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص ‪.444‬‬ ‫‪8‬‬

‫)‪ (5 ،‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.168‬‬ ‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫‪121‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان‬ ‫فإن أهل مصر وسواحلها كانوا‬
‫بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬استراحة عثمان في الخطبة‪:‬‬
‫وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم‬ ‫عن قتادة أن النبي ×‬
‫يخطب‪ (2‬قائما ثم يجل س‪ ،‬فلما‬ ‫فكان‬ ‫عثمان‬ ‫الجمعة حتى شق القيام على‬
‫كان معاوية خطب الولى جالسا والخرى قائما) ‪.‬‬
‫‪ -7‬جعل القنوت قبل الركوع‪:‬‬
‫القنوت قبل الركوع ‪-‬أي دائما‪-‬‬ ‫قال أنس‪ :‬إن أول من جعل‬
‫عثمان؛ لكي يدرك الناس الركعة)‪.(3‬‬
‫‪ -8‬أعلم الناس بأحكام الحج‪:‬‬
‫بالمناسك‬ ‫يقول محمد بن سيرين‪ :‬كانوا يرون أن أعلم الناس‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬ثم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)‪.(4‬‬
‫‪ -9‬النهي عن الحرام قبل الميقات‪:‬‬
‫لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال‪ :‬إن هذا نصر من الله ل‬
‫بد لي من أن أشكره عليه‪ ،‬ولجعلن شكري لله أن أخرج من‬
‫موضعي هذا ‪ -‬خراسان‪ -‬محرما‪ ،‬فأحرم من نيسابور وخلف على‬
‫خراسان الحنف بن قيس‪ ،‬فلما قضى عمرته أتى عثمان‪ ،‬وذلك في‬
‫فيها‪(5،‬فقال له عثمان‪ :‬لقد غررت بعمرتك حين‬ ‫السنة التي قتل‬
‫أحرمت من نيسابور) ‪.‬‬
‫‪ -10‬سفر المعتدة للحج والعمرة‪:‬‬
‫المعروف أن المعتدة ل تبيت إل في بيتها‪ ،‬ول تسافر إل بعد‬
‫انتهاء عدتها؛ لن سفرها يقتضي مبيتها في غير بيتها‪ ،‬والحج ل يخلو‬
‫من سفر‪ ،‬ولذلك فإن عثمان كان يرى أن المعتدة ل يلزمها الحج ما‬
‫كان ‪ ‬يرجع المعتدة حاجة أو معتمرة من‬ ‫دامت في العدة‪ ،‬و‬
‫الجحفة وذي الحليفة)‪.(6‬‬
‫‪ -11‬النهي عن متعة الحج‪:‬‬
‫نهى عثمان ‪ ‬المتعة أو الجمع بينهما ليعمل بالفضل ل ليبطل‬
‫المتعة‪ ،‬ول يخفى على عثمان ومن دونه أن من أراد الحرام فهو‬
‫مخير بين الفراد والقران والتمتع‪ ،‬ولكنه ‪ ‬رأى الفراد أفضل من‬
‫الثنين‪ ،‬فعن مروان بن الحكم قال‪ :‬شهدت عثمان وعليا ‪-‬رضي الله‬
‫ي‬
‫عنهما‪ -‬وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما‪ ،‬فلما رأى عل ّ‬
‫ل بهما وقال‪ :‬لبيك بعمرة وحجة‪ ،‬وقال‪ :‬ما كنت لدع سنة‬ ‫ذلك أه ّ‬

‫فتح الباري )‪.(2/441‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الخلفة الراشدة‪ ،‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص)‪.(444‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،444‬فتح الباري )‪.(2/569‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫سنن البيهقي )‪ ،(5/31‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪122‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫النبي × لقول أحد‪ (1).‬ولم ينكر عثمان على علي ذلك منه؛ لن عليا‬
‫‪ ‬يخشى أن يحمل غيره النهي على البطال والتحريم‪ ،‬وإنما قال‪:‬‬
‫لقول أحد‪ ،‬ليظهر جواز ذلك وأنها‬
‫)‪(2‬‬
‫ما كنت لدع سنة رسول الله ×‬
‫سنة ماضية‪ ،‬وكلهما مجتهد مأجور‪.‬‬
‫وفي الحديث من الفوائد الظاهرة‪ :‬مناظرة العلماء ولة المر‬
‫بقصد إشاعة العلم ومناصحة المسلمين‪ ،‬وسعة صدر الولة لجتهاد‬
‫العلماء في المسائل التي يتسع معها الجتهاد‪ ،‬وأن المجتهد ل يجبر‬
‫باتباعه لسكوت عثمان عن علي‪ ،‬وفيه أن العلم يسبق‬ ‫مجتهدا آخر‬
‫القول والعمل)‪.(3‬‬
‫‪ -12‬أكل لحم الصيد‪:‬‬
‫للمحرم أن يأكل من الصيد الذي صاده هو‪ ،‬أو صاده‬ ‫ل يجوز‬
‫غيره من الحلل)‪ ,(4‬فعن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع‬
‫عثمان بن عفان في ركب‪ ،‬فلما كان بالروحاء قدم لهم لحم طير‬
‫)يعاقيب(‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬كلوا‪ ،‬وكره أن يأكل منه‪ ،‬فقال عمرو بن‬
‫العاص‪ :‬أنأكل مما لست منه آكل؟ قال عثمان‪ :‬لست في ذلكم‬
‫مثلكم‪ ،‬إنما صيدت لي‪ ،‬وأميتت باسمي‪ ،‬أو قال‪ :‬من أجلي‪ (5).‬وقد‬
‫تكرر ذلك من عثمان مرة أخرى‪ ،‬كما روى عبد الله بن عامر بن‬
‫بالعرج وهو محرم في يوم صائف‬ ‫ربيعة قال‪ :‬رأيت عثمان بن عفان‬
‫قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان‪ ،‬ثم ُأتى بلحم صيد فقال لصحابه‪:‬‬
‫فقالوا‪ :‬أل تأكل أنت؟ قال‪ :‬إني لست كهيئتكم‪ ،‬إنما صيد من‬ ‫كلوا‪،‬‬
‫أجلي)‪.(6‬‬
‫‪ -13‬كراهية الجمع بين القرابة في الزواج‪:‬‬
‫أخرج الخلل من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن أبي بكر وعمر)‪(7‬وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين‬
‫القرابة مخافة الضغائن ‪.‬‬
‫‪ -14‬في الرضاعة‪:‬‬
‫شهاب قال‪ :‬فرق عثمان‬ ‫روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن‬
‫بين ناس تناكحوا بقول امرأة سوداء أرضعتهم)‪.(8‬‬
‫‪ -15‬في الخلع‪:‬‬
‫عن الُربيع بنت معوذ قالت‪ :‬كان بيني وبين ابن عمي كلم ‪-‬وكان‬
‫زوجها‪ -‬قالت‪ :‬فقلت له‪ :‬لك كل شيء وفارقني‪ ،‬قال‪ :‬قد فعلت‪،‬‬
‫فأخذ والله كل شيء حتى فراشي‪ ،‬فجئت عثمان وهو محصور‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬رقم )‪.(1563‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( شهيد الدار عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( شهيد الدار عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (3 ،‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬
‫)( موسوعةـ فقهـ عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫)( سنن البيهقي )‪ ،(5/191‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( الخلفة الراشدة‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص ‪.449‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( الفتح )‪.(5/18‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪123‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فقال‪ :‬الشرط أملك‪ ،‬خذ كل شيء حتى عقاص رأسها‪ (1).‬وفي‬
‫اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي‪ ،‬فأجاز ذلك‬ ‫رواية‪:‬‬
‫عثمان)‪.(2‬‬
‫‪ -16‬يجب الحداد على المعتدة لوفاة زوجها‪:‬‬
‫ومن الحداد ترك الزينة‪ ،‬وترك المبيت في غير البيت الذي توفى‬
‫فيه زوجها إل لضرورة‪ ،‬ويجوز لها أن تخرج نهارا لقضاء حاجتها‪،‬‬
‫ولكنها ل تبيت في المساء إل في بيتها)‪(3‬؛ فعن فريعة بنت مالك بن‬
‫سنان أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله‪ ،‬فأخبرته‬
‫أن زوجها خرج في طلب أعيد له‪ ،‬فقتلوه بطرف القدوم‪ ،‬فسألت‬
‫رسول الله أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن‬
‫يملكه ول نفقة‪ ،‬قالت‪ :‬فقال رسول الله ×‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬فانصرفت‬
‫حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله أو أمر بي فنوديت‪،‬‬
‫فقال‪) :‬كيف قلت؟( فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن‬
‫زوجي‪ ،‬فقال‪ :‬امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫عثمان‪(4‬ابن عفان‬ ‫فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا‪ ،‬قالت‪ :‬فلما كان‬
‫ي فسألني عن ذلك؟ فأخبرته‪ ،‬فاتبعه وقضى به‪ ).‬ولذلك‬ ‫أرسل إل ّ‬
‫كان عثمان يتشدد في أمر مبيت المرأة المعتدة خارج بيتها‪ ،‬فقد‬
‫حدث أن امرأة توفي عنها زوجها زارت أهلها في عدتها‪ ،‬فضربها‬
‫الطلق فأتوا عثمان فسألوه فقال‪ :‬احملوها إلى بيتها وهي تطلق)‪.(5‬‬
‫‪ -17‬ل تنكحها إل نكاح رغبة‪:‬‬
‫جاء رجل إلى عثمان في خلفته وقد ركب‪ ،‬فسأله فقال‪ :‬إن لي‬
‫إليك حاجة يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬إني الن مستعجل‪،‬‬
‫فإن أردت أن تركب خلفي حتى تقضي حاجتك‪ ،‬فركب خلفه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن لي جارا طلق امرأته في غضبه‪ ،‬ولقي شدة‪ ،‬فأردت أن أحتسب‬
‫أطلقها‪(6‬فترجع إلى زوجها‬ ‫بنفسي ومالي فأتزوجها ثم ابتني بها ثم‬
‫الول‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬ل تنكحها إل نكاح رغبة) ‪.‬‬
‫‪ -18‬طلق السكران‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان ‪ ‬يرى أن كل ما يتكلم به السكران فهو‬
‫يقع( طلقه؛ لنه ل‬ ‫هدر‪ ،‬فل تصح عقوده‪ ،‬ول فسوخه‪ ،‬ول إقراره‪ ،‬ول‬
‫إلزام لغير إرادة‪ 7).‬قال عثمان‬ ‫يعي ما يقول ول يريد ما يقول‪ ،‬ول‬
‫‪ :‬ليس لسكران ول مجنون طلق)‪.(8‬‬
‫‪ -19‬هبة الوالد لولده‪:‬‬
‫إذا نحل الب ولده نحلة‪ ،‬كان عليه أن يشهد على هذه الهبة‪ ،‬فإذا‬
‫أشهد عليها اعتبر هذا الشهاد قبضا لها‪ ،‬وصح أن تبقى بعد ذلك في‬
‫)‪ (2‬الخلفة الراشدة‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪،‬‬ ‫)( الطبقات )‪.(8/448‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.449‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪ (4) .244‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪،224‬‬ ‫‪3‬‬

‫الموطأ )‪.(2/591‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.225‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪ ,53‬الفتاوى )‪.(14/72‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( الفتاوى )‪ ،(33/61‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪124‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يد الب‪ ،‬فقد ورد عن عثمان بن عفان ‪ ‬قوله‪ :‬من نحل ولدا له‬
‫صغيرا لم يبلغ أن يجوز نحلة‪ ،‬فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي جائزة‬
‫وإن وليها أبوه)‪ ،(1‬وأما إذا لم يشهد ولم يسلمها للولد فهي هبة غير‬
‫لزمة‪ .‬قال عثمان ‪ :‬ما بال أقوام يعطي أحدهم ولده العطية‪ ،‬فإن‬
‫مات ولده قال‪ :‬مالي وفي يدي‪ ،‬وإن مات هو قال‪ :‬وهبته‪ ،‬ل يثبت‬
‫من الهبة إل ما حازه الولد من مال أبيه)‪.(2‬‬
‫‪ -20‬الحجر على السفيه‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان ‪ ‬يرى الحجر على السفيه؛ فقد‬
‫حدث أن اشترى عبد الله بن جعفر أرضا بمبلغ ستين ألف‬
‫دينار‪ ،‬فبلغ ذلك علي بن أبي طالب‪ ،‬فقرر على أن الرض ل‬
‫تساوي هذا المبلغ من المال‪ ،‬وأن عبد الله بن جعفر قد غ ُ ِبن‬
‫نا فاحشا‪ ،‬بل إنه قد تصرف تصرفا أخرق‪ ،‬وأعرب أنه‬ ‫فيها غب ً‬
‫سيتوجه نحو أمير المؤمنين عثمان بن عفان ليطلب منه‬
‫الحجر على عبد الله بن جعفر لسفهه وإساءته التصرف في‬
‫ماله‪ ،‬فأسرع عبد الله بن جعفر إلى الزبير ‪-‬وكان تاجرا حاذقا‪-‬‬
‫وقال له‪ :‬إني ابتعت بيعا بكذا وكذا‪ ،‬وإن عليا يريد أن يأتي‬
‫عثمان فيسأله أن يحجر عل ّ ي‪ ،‬فقال له الزبير‪ :‬فأنا شريكك‬
‫في البيع‪ ،‬وأتى عل ّ ي عثمان بن عفان فقال له‪ :‬إن ابن أخي‬
‫اشترى سبخة بستين ألفا ما يسرني أنها لي بنعلي‪ ،‬فاحجر‬
‫عليه‪ ،‬وقال الزبير لعثمان‪ :‬أنا شريكه في هذا البيع‪ ،‬فقال‬
‫عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب‪ :‬كيف أحجر على رجل‬
‫في بيع شريكه فيه الزبير؟)‪ (3‬يعني‪ :‬إننا ل نستطيع أن نحكم‬
‫على جعفر‬
‫بالسفه لتصرف تص ّ رفه شريكه فيه الزبير؛ لن الزبير ل يمكن‬
‫أن يشارك في تصرف تجاري أخرق لحذقه بالتجارة)‪.(4‬‬
‫‪ -21‬الحجر على المفلس‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان ‪ ‬يرى الحجر على المفلس‪ ،‬وإذا حجر‬
‫على مفلس اقتسم الدائنون ماله بنسبة ديونهم‪ ،‬لكن إن وجد بعض‬
‫عنده‪ ،‬جاز له أن يفسخ البيع‬ ‫دائنيه سلعته التي باعه إياها بعينها‬
‫ويأخذ سلعته)‪ ,(5‬فهو أحق بها من غيره)‪.(6‬‬
‫‪ -22‬تحريم الحتكار‪:‬‬
‫كان عثمان بن عفان ‪‬يمنع الحتكار وينهى عنه ‪ ،‬ويظهر أن‬
‫)‪(7‬‬

‫عثمان بن عفان كان كسلفه عمر بن الخطاب ل يفرق في تحريم‬


‫سنن البيهقي )‪ ,(6/170‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.288‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الفتاوى )‪.(31/154‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سنن البيهقي )‪ ,(6/661‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫سنن البيهقي )‪.(6/46‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫موطأ مالك )‪.(2/651‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪125‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الحتكار بين الطعام وغيره؛ لن نهيه عن الحتكار كان عاما‪ ،‬خاصة أن‬
‫ما ورد عن رسول الله في تحريم الحتكار منه ما هو مطلق في كل‬
‫شيء‪ ،‬ومنه ما هو مقيد)‪(1‬عند الجمهور لعدم التعارض بينهما‪ ،‬بل يبقى‬
‫المطلق على إطلقه ‪.‬‬
‫‪ -23‬ضوال البل‪:‬‬
‫روى مالك أنه سمع ابن شهاب يقول‪ :‬كانت ضوال البل في‬
‫زمن عمر بن الخطاب إبل مرسلة تناتج ل يمسها أحد‪ ،‬حتى إذا كان‬
‫زمن عثمان بن عفان أمر بتعريفها ثم تباع‪ ،‬فإذا جاء صاحبها أعطي‬
‫ثمنها‪ (2).‬وقد كان فعل عمر تبعا لحديث الصحيحين عن زيد بن خالد‬
‫ي × فسأله عما يلتقطه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫الجهني ‪ ‬قال‪ :‬جاء أعرابي النب ّ‬
‫أعرف عفاصها ووكاءها)‪ ,(3‬ثم عرفها سنة‪ ،‬فإن جاء صاحبها وإل‬
‫فشأنك بها‪ ،‬قال‪ :‬فضالة الغنم يا رسول الله؟ قال‪ :‬هي لك‪ ،‬أو لخيك‬
‫معها سقاؤها‬ ‫أو للذئب‪ ،‬قال‪ :‬فضالة البل؟ قال‪ :‬ما لك ولها‪،‬‬
‫وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)‪.(4‬‬
‫وقد رأى الستاذ الحجوي أن هذا الجتهاد من عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(5‬‬
‫مبني على المصلحة المرسلة؛ أنه رأى الناس مدوا أيديهم إلى‬
‫ضوال البل‪ ،‬فجعل راعيا يجمعها‪ ،‬ثم تباع قياما بالمصلحة العامة‪.‬‬
‫غير أن الستاذ عبد السلم السليماني‪ ،‬رد على هذا القول بقوله‪:‬‬
‫غير أنه من الصعب التسليم بمقالة الستاذ الحجوي على إطلقها؛‬
‫لن المصلحة المرسلة هي التي لم ينص الشارع ل على اعتبارها ول‬
‫على إلغائها‪ ،‬في حين أن النبي × قد نص على حكم ضوال البل في‬
‫الحديث المذكور أعله‪ ،‬فهي إذن مصلحة معتبرة نص عليها النبي‬
‫بنفسه‪ ،‬فل يصح أن يقال إن ما فعله عثمان من بيع ضوال البل يعد‬
‫مصلحة مرسلة‪ ،‬فالمصلحة المرسلة ل تكون في مقابلة النص‪.‬‬
‫والذي يظهر لنا أن اجتهاد عثمان في هذه القضية بني على‬
‫المصلحة العامة فعل لكنها ليست مصلحة مرسلة‪ ،‬وأن هذه القضية‬
‫من القضايا القابلة للجتهاد‪ ،‬والتي يمكن أن يتغير حكمها بتغير‬
‫الزمنة والحوال‪ ,‬وبالنظر إلى ما يحقق مصلحة أصحاب ضوال‬
‫البل؛ لن علة الحكم فيها على ما يظهر‪ ،‬هي المحافظة على هذه‬
‫البل إما بأعيانها أو في شكل ثمنها وكل المرين مصلحة‪ ،‬ول شك‬
‫أن سيدنا عثمان بصنيعه هذا كان هدفه تحقق المصلحة العامة؛ لنه‬
‫رأى أن ترك البل على حالها ‪-‬كما كان المر في عهد النبي × وإلى‬
‫زمن عمر‪ -‬يعرضها للضياع‪ ،‬بعد أن تغيرت أخلق الناس‪ ،‬وأصبحوا‬
‫يقطع الطريق عليهم بما فعل‪،‬‬ ‫يمدون أيديهم لضوال البل‪ ،‬فرأى أن‬
‫وهو اجتهاد سليم وحكم سديد بل ريب)‪.(6‬‬
‫‪ -24‬توريث المرأة المطلقة في مرض الموت‪:‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( موطأ مالك‪ ،‬ص ‪ ،649 ،648‬طبعة دار الفاق الجديدة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( العفاص‪ :‬الوعاء الذي تحفظ فيه النفقة‪ ،‬والوكاء‪ :‬الخيط الذي يربط به‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب اللقطة رقم )‪.(2429 ،2428 ،2427‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (2‬الجتهاد في الفقه السلمي‪ ،‬ص‬ ‫)( الفكر السامي )‪.(1/245‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪.144 ،143‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪126‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته وهو مريض فوّرثها عثمان منه‬
‫بعد انقضاء مدة عدتها‪ ،‬وقد روى أن شريحا كتب إلى عمر بن‬
‫الخطاب في رجل طلق امرأته ثلثا وهو مريض‪ ,‬فأجاب عمر‪ :‬أن‬
‫وّرثها ما دامت في عدتها‪ ،‬فإن انقضت عدتها فل ميراث لها‪ .‬فبعد أن‬
‫اتفقا على أن طلق المريض مرض الموت ل يزيل الزوجية كسبب‬
‫موجب للرث‪ ،‬جعل عمر حدا لذلك وهو العدة‪ ،‬بينما لم يجعل عثمان‬
‫حدا لذلك‪ ،‬وقال‪ :‬ترث مطلقها سواء مات في العدة أو بعدها‪ ،‬وليس‬
‫في المسألة نص يرجع إليه‪ ،‬والباعث على الحكم هو معاملة الزوج‬
‫قصده؛‪(1‬لن الزوج بطلقه في مرض الموت يعتبر فارا من‬ ‫بنقيض‬
‫توريث زوجته) ‪.‬‬
‫ض عدتها‪:‬‬
‫‪ -25‬توريث المطلقة ما لم تنق ِ‬
‫قال عثمان بن عفان‪ :‬إذا مات)‪(2‬أحد الزوجين قبل الحيضة الثالثة‬
‫للمطلقة ورث الحي منهما الميت ‪ ,‬ول يمنع التوارث بينهما طوال‬
‫فترة العدة‪ ،‬كما إذا حاضت المعتدة حيضة أو حيضتين ثم ارتفعت‬
‫حيضتها؛ فقد طلق حبان بن منقذ امرأته وهو صحيح‪ ،‬وهي ترضع‬
‫ابنته‪ ،‬فمكثت سبعة عشر شهرا ل تحيض‪ ،‬يمنعها الرضاع أن تحيض‪،‬‬
‫ثم مرض حبان بعد أن طلقها سبعة أشهر أو ثمانية‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن‬
‫امرأتك ترث‪ ،‬فقال‪ :‬احملوني إلى عثمان‪ ،‬فحملوه إليه‪ ،‬فذكر له‬
‫شأن امرأته‪ ،‬وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت‪ ،‬فقال لهما‬
‫عثمان‪ :‬ما تريان؟ فقال‪ :‬نرى أنها ترثه إن مات‪ ،‬ويرثها إن ماتت‪،‬‬
‫فإنها ليست من القواعد من النساء اللئي يئسن من المحيض‪،‬‬
‫وليست من البكار اللئي لم يحضن‪ ،‬ثم هي على عدة حيضها ما كان‬
‫من قليل أو كثير‪ ،‬فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته‪ ،‬فلما فقدت‬
‫أن‬ ‫الرضاع حاضت حيضة‪ ،‬ثم حاضت أخرى‪ ،‬ثم توفي حبان قبل‬
‫تحيض الثالثة‪ ،‬فاعتدت عدة الوفاة وورثت زوجها حبان بن منقذ)‪.(3‬‬
‫‪ -26‬توريث الحميل‪:‬‬
‫إذا سبيت امرأة من الكفار ومعها طفل تحمله مدعية أنه ولدها‪،‬‬
‫وهو ما يسمى بـ )الحميل(‪ ،‬فإنها ل تصدق بدعواها‪ ،‬ول يجري‬
‫التوارث بينها وبينه إل إذا أقامت البينة على أنه ابنها‪ .‬وقد استشار‬
‫عثمان في ذلك أصحاب رسول الله × فأبدى كل منهما رأيه‪ ,‬وقال‬
‫نرى أن نورث مال الله إل بالبينات‪ ،‬وقال‪ :‬ل يورث‬ ‫عثمان آنئذ‪ :‬ما‬
‫الحميل إل ببينة)‪.(4‬‬
‫هذه بعض اجتهادات ذي النورين أثرت في المؤسسة القضائية‬
‫في مجال القصاص والحدود والجنايات والتعزير‪ ،‬كما أنه ساهم في‬
‫تطوير المدارس الفقهية السلمية باجتهاداته الدالة على سعة‬
‫اطلعه‪ ،‬وغزارة علمه وعمق فهمه واستيعابه لمقاصد الشريعة‬
‫الغراء‪ ،‬فهو خليفة راشد‪ ،‬أعماله تسترشد بها المة في مسيرتها‬
‫الطويلة لنصرة دين الله تعالى وإعزازه‪.‬‬
‫)( تاريخ التشريع السلمي للخضري‪ ،‬ص ‪ .118‬نشأة الفقه الجتهادي‪ ،‬محمد‬ ‫‪1‬‬

‫السايس‪ ،‬ص ‪ .27‬الجتهاد في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.142‬‬


‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سنن البيهقي )‪ .(7/419‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪127‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫***‬

‫‪128‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫عفان ‪‬‬ ‫الفتوحات في عهد عثمان بن‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫شجع خبر مقتل عمر بن الخطاب ‪ ‬أعداء السلم وخصوصا‬
‫في بلد الفرس والروم إلى الطمع في استرداد ملكهم‪ ،‬فبدأ يزدجر‬
‫ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة )فرغنة(‬
‫عاصمة سمرقند‪ ،‬وأما زعماء الروم فقد تركوا بلد الشام وانتقلوا‬
‫إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية‪ ،‬وبدأوا في عهد عثمان في‬
‫البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم‪ .‬وكانت بقايا‬
‫جيوش الروم في مصر وقد تحصنوا بالسكندرية في عهد عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها‪ ،‬وكانت‬
‫معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها‪ ،‬وكان هرقل‬
‫قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ول يتخلف أحد من الروم؛ لن‬
‫السكندرية هي معقلهم الخير‪ (1).‬وفي عصر عثمان تجمع الروم في‬
‫السكندرية وبدأوا يبحثون عن وسيلة لسترداد ملكهم فيها‪ ،‬حتى‬
‫وصل بهم المر إلى نقض الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية)‪،(2‬‬
‫فأمدوهم بثلثمائة سفينة بحرية تحمل الرجال والسلح‪ .‬ولقد واجه‬
‫عثمان ذلك كله بسياسة تتسم بالحسم والعزم وتمثلت في الخطة‬
‫التية‪:‬‬
‫‪ -1‬إخضاع المتمردين من الفرس والروم وإعادة سلطان السلم‬
‫إلى هذه البلد‪.‬‬
‫‪ -2‬استمرار الجهاد والفتوحات فيما وراء هذه البلد؛ لقطع المدد‬
‫عنهم‪.‬‬
‫‪ -3‬إقامة قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلد‬
‫السلمية‪.‬‬
‫)‪ -(34‬إنشاء قوة بحرية عسكرية لفتقار الجيش السلمي إلى‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫كانت معسكرات السلم ومسالحه في عهد عثمان هي عواصم‬
‫أقطاره الكبرى‪ ،‬فمعسكر العراق الكوفة والبصرة‪ ،‬ومعسكر الشام‬
‫في دمشق بعد أن خلص الشام كله لمعاوية بن أبي سفيان‬
‫المعسكرات‬ ‫ومعسكر مصر‪ ،‬وكان مركزه الفسطاط‪ ،‬وكانت هذه‬
‫تقوم بحماية دولة السلم ومواصلة الفتوحات‪ ،‬ونشر السلم)‪.(4‬‬

‫الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.324‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫عثمان بن عفان صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.200 ،199‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪129‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الول‬
‫فتوحات عثمان في المشرق‬
‫ل‪ :‬فتوحات أهل الكوفة‪ :‬أذربيجان ‪ 24‬هـ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيحان‪ ،‬وكان يرابط بها عشرة‬
‫آلف مقاتل؛ ستة آلف بأذربيجان‪ ،‬وأربعة آلف بالري‪ ،‬وكان جيش‬
‫الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل‪ ،‬يغزو كل عام منهم عشرة آلف‪،‬‬
‫فيصيب الرجل غزوة كل أربعة أعوام‪ .‬ولما أخلص عثمان ‪ ‬الكوفة‬
‫للوليد ابن عقبة انتفض أهل أذربيجان‪ ،‬فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه‬
‫حذيفة بن اليمان أيام عمر‪ ،‬وثاروا على واليهم عقبة بن فرقد‪ ،‬فأمر‬
‫عثمان الوليد أن يغزوهم‪ ،‬فجهز لهم قائده سليمان بن ربيعة الباهلي‪،‬‬
‫وبعثه مقدمة أمامه في طائفة من الجند‪ ،‬ثم سار الوليد بعده في جماعة‬
‫من الناس‪ ،‬فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا‬
‫صالحوا عليه حذيفة‪ ،‬فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم‪ ،‬وبث فيمن حولهم‬
‫السرايا وشن عليهم الغارات‪ ،‬فبعث عبد الله بن شبيل الحمسي في‬
‫أربعة آلف إلى أهل موقان والببر الطيلسان‪ ،‬فأصاب من أموالهم وغنم‬
‫دهم‪ ،‬ثم جهز سليمان الباهلي في‬ ‫لح ّ‬‫وسبي‪ ،‬ولكنهم تحرزوا منه فلم يف ّ‬
‫منها مليء اليدين بالغنائم‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد‬
‫وانصرف الوليد بعد ذلك عائدا إلى الكوفة‪.‬‬
‫ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة‪ ،‬فكتب الشعث بن‬
‫قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل‬
‫الكوفة‪ ،‬وتتبع الشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة‪ ،‬فطلبوا الصلح‬
‫فصالحهم على صلحهم الول‪ ،‬وخاف الشعث أن يعيدوا الك َّرة فوضع‬
‫حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان‪ ،‬وأمرهم‬
‫بدعوة الناس إلى السلم‪ .‬ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد‬
‫أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد‪ ،‬فبعث إليه جرير بن عبد‬
‫الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم‪ ،‬ثم استقرت المور بعد أن أسلم‬
‫أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم‪ .‬وأما الري فقد صدر أمر الخليفة‬
‫عثمان إلى أبي موسى الشعري وفي وقت وليته على الكوفة‪،‬‬
‫إليها لتمردها‪ ،‬فأرسل إليها قريظة بن كعب‬ ‫وأمره بتوجيه جيش‬
‫النصاري فأعاد فتحها)‪.(2‬‬
‫ثانًيا‪ :‬مشاركة أهل الكوفة في إحباط تحركات الروم‪:‬‬
‫عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى‬
‫بعد‪ ،‬فإن معاوية بن‬ ‫الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه‪) :‬أما‬
‫ي يخبرني أن الروم قد أجلبت)‪ (3‬على المسلمين‬ ‫أبي سفيان كتب إل ّ‬
‫بجموع عظيمة‪ ،‬وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة‪ ،‬فإذا‬
‫أتاك كتابي هذا فابعث رجل ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته‬
‫وإسلمه في ثمانية آلف أو تسعة آلف أو عشرة آلف إليهم من‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/246‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.224‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( أجلبت‪ :‬تجمعت للحرب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪130‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المكان الذي يأتيك فيه رسولي)‪ ،(1‬والسلم(‪ .‬فقام الوليد في الناس‪،‬‬
‫فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما بعد أيها الناس‪ ،‬فإن الله قد أبلى‬
‫المسلمين في هذا الوجه بلء حسنا‪ ،‬ورد عليهم بلدهم التي كفرت‪،‬‬
‫وفتح بلدا لم تكن افتتحت‪ ،‬وردهم سالمين غانمين مأجورين‪،‬‬
‫ي أمير المؤمنين يأمرني أن‬ ‫فالحمد لله رب العالمين‪ .‬وقد كتب إل ّ‬
‫أندب منكم ما بين العشرة آلف إلى الثمانية آلف‪ ،‬تمدون إخوانكم‬
‫من أهل الشام‪ ،‬فإنهم قد جاشت عليهم الروم‪ ،‬وفي ذلك الجر‬
‫العظيم والفضل المبين‪ .‬فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة‬
‫ض ثالثة حتى خرج ثمانية آلف رجل‬ ‫الباهلي‪ ،‬فانتدب الناس‪ ،‬فلم يم ِ‬
‫من أهل الكوفة‪ ،‬فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم‪،‬‬
‫وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري‪ ،‬وعلى جند‬
‫أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي‪ ،‬فشنوا الغارات على أرض‬
‫شاءوا من سبي‪ ،‬وملوا أيديهم من المغنم‪،‬‬ ‫الروم‪ ،‬فأصاب الناس ما‬
‫وافتتحوا بها حصونا كثيرة‪ (2).‬وفي جهاد الوليد وغزوه يقول بعض‬
‫الرواة‪ :‬رأيت الشعبي جلس إلى محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة‪،‬‬
‫فذكر محمد غزوة مسلمة بن عبد الملك‪ ،‬فقال الشعبي‪ :‬كيف لو‬
‫فينتهي إلى كذا وكذا ما‬ ‫أدركتم الوليد وغزوه وإمارته؟ إن كان ليغزو‬
‫قصر ول انتقض عليه أحد حتى عزل من عمله)‪.(3‬‬
‫ثالثـا‪ :‬غزوة سعيد بن العاص طبرستان ‪ 30‬هـ‪:‬‬
‫غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلثين يريد خراسان ومعه‬
‫حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله ×‪ ،‬ومعه الحسن‬
‫والحسين‪ ,‬وعبد الله بن عباس‪ ,‬وعبد الله بن عمر وعبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪ ،‬وخرج عبد الله بن عامر من‬
‫البصرة يريد خراسان‪ ،‬فسبق سعيدا ونزل أبرشهر‪ ،‬وبلغ نزوله‬
‫أبرشهر سعيدا‪ ،‬فنزل سعيد قوميس‪ ،‬وهي صلح‪ ،‬صالحهم حذيفة بعد‬
‫نهاوند‪ ،‬فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف‪ ،‬ثم أتى طميسة‪،‬‬
‫وهي كلها من طبرستان جرجان‪ ،‬وهي مدينة على ساحل البحر‪،‬‬
‫وهي في تخوم جرجان‪ ،‬فقاتله أهلها حتى صلى صلة الخوف‪ ،‬فقال‬
‫لحذيفة‪ :‬كيف صلى رسول الله ×؟ فأخبره فصلى بها سعيد صلة‬
‫الخوف وهم يقتتلون‪ ،‬وضرب يومئذ سعيد رجل من المشركين على‬
‫حبل عاتقه‪ ،‬فخرج السيف من تحت مرفقه‪ ،‬وحاصرهم‪ ,‬فسألوا‬
‫المان فأعطاهم على أل يقتل منهم رجل واحدا‪ ،‬ففتحوا الحصن‪،‬‬
‫فقتلهم جميعا إل رجل واحدا‪ ،‬وحوى ما كان في الحصن‪ ،‬فأصاب‬
‫رجل من بني نهد سفطا عليه قفل‪ ،‬فظن فيه جواهر‪ ،‬وبلغ سعيدا‪،‬‬
‫فيه سفطا‬ ‫فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله‪ ،‬فوجدوا‬
‫ففتحوه فإذا فيه خرقة صفراء وفيها أيران‪ :‬كميت وورد‪ (4).‬وعندما‬
‫قفل سعيد إلى الكوفة‪ ،‬مدحه كعب بن جعبل فقال‪:‬‬
‫وإذا هبطوا من دستبي ثم‬ ‫فنعم الفتى إذا جال جيلن دونه‬
‫أبهرا‬

‫)‪ ( 3،‬تاريخ الطبري )‪.(5/247‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.201‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/270‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪131‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫ن أن‬‫م ْ‬
‫إذا هبطت أشفقت ِ‬ ‫تعلم سعيد الخير أن مطيتي‬
‫ت ُْعقرا‬
‫حَرا‬
‫ص َ‬
‫تحّرد َ من ليث العرين وأ ْ‬ ‫كأنك يوم الشعب ل َْيث خ ّ‬
‫فية‬
‫)‪(1‬‬
‫سرا‬
‫ح ّ‬
‫ثمانين ألفا دارعين و ُ‬ ‫تسوس الذي ما ساس قبلك‬
‫واحد‬
‫رابًعا‪ :‬هروب ملك الفرس )يزدجرد( إلى خراسان‪:‬‬
‫قدم ابن عامر البصرة ثم خرج إلى فارس فافتتحها‪ ،‬وهرب‬
‫يزدجرد من وجوز ‪-‬وهي أردشير خرة‪ -‬في سنة ثلثين‪ ،‬فوجه ابن‬
‫كرمان‪ ،‬فنزل‬ ‫عامر في أثره مجاشع بن مسعود السلمي‪ ،‬فاتبعه إلى‬
‫مجاشع السيرجان بالعسكر‪ ,‬وهرب يزدجرد إلى خراسان)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬مقتل يزدجرد ملك الفرس ‪ 31‬هـ‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫اختلف في سبب ذكر قتله كيف كان‪ ،‬قال ابن إسحاق‪ :‬هرب‬
‫يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو‪ ،‬فسأل من بعض‬
‫أهلها مال فمنعوه وخافوه على أنفسهم‪ ،‬فبعثوا إلى الترك‬
‫وهرب هو حتى أتى منزل‬ ‫يستفزونهم عليه‪ ،‬فأتوه فقتلوا أصحابه‪،‬‬
‫ينقر الرحاء)‪ (3‬على شط المرغاب)‪ (4‬فأوى إليه ليل‪ ،‬فلما نام‬ ‫رجل‬
‫قتله‪ (5).‬وجاء في رواية عند الطبري‪ :‬بل سار يزدجرد من كرمان‬
‫قبل ورود العرب إياها‪ ،‬فأخذ على طريق الطبسين وقهمستان‪ ،‬حتى‬
‫شارف مرو في زهاء أربعة آلف رجل‪ ،‬ليجمع من أهل خراسان‬
‫جموعا‪ ،‬ويكر إلى العرب ويقاتلهم‪ ،‬فتلقاه قائدان متباغضان‬
‫متحاسدان كانا بمرو‪ ،‬يقال لحدهما براز والخر سنجان‪ ،‬ومنحاه‬
‫الطاعة‪ ،‬وأقام بمرو‪ ،‬وخص براز فحسده ذلك سنجان‪ ،‬وجعل براز‬
‫يبغي سنجان الغوائل‪ ،‬ويوغل صدر يزدجرد عليه‪ ،‬وسعى سنجان‬
‫حتى عزم على قتله‪ ،‬وأفشى ما كان عزم عليه من ذلك إلى امرأة‬
‫من نسائه كان براز واطأها‪ ،‬فأرسلت إلى براز بنسوة زعمت بإجماع‬
‫يزدجرد على قتل سنجان‪ ،‬وفشا ما كان عزم عليه يزدجرد من ذلك‪،‬‬
‫فنذر)‪ (6‬سنجان وأخذ حذره‪ ،‬وجمع جمعا كنحو أصحاب براز‪ ،‬ومن‬
‫كان مع يزدجرد من الجند‪ ،‬وتوجه نحو القصر الذي كان يزدجرد‬
‫نازله‪ ،‬وبلغ ذلك براز‪ ،‬فنكص عن سنجان لكثرة جموعه‪ ،‬ورعب جمع‬
‫سنجان يزدجرد وأخافه‪ ،‬فخرج من قصره متنكرا‪ ،‬ومضى على وجهه‬
‫راجل لينجو بنفسه‪ ،‬فمشى نحو من فرسخين حتى وقع إلى رحا‬
‫فدخل بيت الرحا فجلس فيه كال)‪ (7‬لغبا)‪ ،(8‬فرآه صاحب الرحا ذات‬
‫هيئة وطرة وبرزة كريمة‪ ،‬ففرش له‪ ،‬فجلس وأتاه بطعام فطعم‪،‬‬
‫ومكث عنده يوما وليلة‪ ،‬فسأله صاحب الرحا أن يأمل له بشيء‬
‫فبذل له منطقه مكللة بجوهر كانت عليه‪ ،‬فأبى صاحب الرحا أن‬
‫يقبلها‪ ،‬وقال‪ :‬إنما كان يرضيني من هذه المنطقة أربعة دراهم كنت‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/271‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/288‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬المرغاب‪ :‬نهر بمرو‪.‬‬ ‫الرحاء‪ :‬جمع رحا‪ :‬الطاحون‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (4‬نذر‪ :‬علم‪.‬‬ ‫تاريخ الطبري )‪.(5/295‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)‪ (6‬لغبا‪ :‬متعبا أشد التعب‪.‬‬ ‫كال‪ :‬متعبا‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫‪132‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أطعم بها وأشرب‪ ،‬فأخبره أنه ل ورق معه‪ ،‬فتملقه صاحب الرحا‬
‫حتى إذا غفا قام إليه بفأس له فضرب بها هامته فقتله‪ ،‬واحتز رأسه‬
‫وأخذ ما كان عليه من ثياب ومنطقه‪ ,‬وألقى جيفته في النهر الذي‬
‫كان تدور بمائه رحاه وبقر بطنه‪ ،‬وأدخل فيه أصول من أصول‬
‫طرفاء)‪ (1‬كانت نابتة في ذلك النهر لتجس جثته في الموضع الذي‬
‫يسفل( فيعرف ويطلب قاتله‪ ،‬وما أخذ من سلبه‪,‬‬ ‫ألقاه فيه‪ ،‬فل‬
‫وهرب على وجهه‪ 2).‬وجاء في رواية‪ :‬وجاءت الترك في طلبه‬
‫فوجدوه قد قتله وأخذ حاصله‪ ،‬فقتلوا ذلك الرجل وأهل بيته‪ ،‬وأخذوا‬
‫كسرى‪ ،‬ووضعوا كسرى في تابوت وحملوه‬ ‫ما كان مع‬
‫إلى اصطخر)‪.(3‬‬
‫وقد ذكر الطبري حديثين مطولين‪ ،‬وأحدهما أطول من الخر‬
‫الضطرابات تقلب فيها‪ ،‬وأنواعا من الدوائر دارت‬ ‫يتضمن ضروبا من‬
‫عليه حتى كانت منيته آخرها‪ (4).‬وقد قال يزدجرد لمن أراد قتله في‬
‫بعض الروايات أل يقتلوه وقال لهم‪ :‬ويحكم‪ ،‬إنا نجد في كتبنا أن من‬
‫اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا‪ ،‬مع ما هو قادم‬
‫الدهقان‪ ،‬أو سرحوني إلى العرب‬ ‫عليه‪ ،‬فل تقتلوني وائتوا بي إلى‬
‫مْلك يزدجرد عشرين‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬ ‫)‪(5‬‬
‫الملوك‪.‬‬ ‫فإنهم يستحيون مثلي من‬
‫سنة منها أربعة سنين في دعة‪ ،‬وباقي ذلك هاربا من بلد إلى آخر‪،‬‬
‫خوفا من)‪(6‬السلم وأهله‪ ،‬وهو آخر ملوك الفرس في الدنيا على‬
‫الطلق‪ .‬فسبحان ذي العظمة والملكوت‪ ،‬الملك الحق الحي‬
‫الدائم الذي ل يموت‪7) ،‬ل( إله إل هو‪ ،‬كل شيء هالك إل وجهه‪ ،‬له‬
‫الحكم وإليه ترجعون‪ .‬وقد قال رسول الله × في ملوك الفرس‬
‫والروم‪» :‬إذا هلك قيصر فل قيصر بعده‪ ،‬وإذا هلك كسرى‬
‫والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما‬ ‫فل كسرى بعده‪،‬‬
‫)‪(8‬‬
‫في سبيل الله«‪.‬‬
‫سا‪ :‬تعاطف النصارى مع يزدجرد بعد مقتله‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫بلغ قتل يزدجرد رجل من أهل الهواز كان مطرانا على مرو يقال‬
‫له إيلياء‪ ،‬فجمع من كان قبله من النصارى‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إن ملك‬
‫الفرس قد قتل‪ ،‬وهو ابن شهريار بن كسرى‪ ،‬وإنما شهريار ولد‬
‫شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملتها من‬
‫غير وجه‪ ،‬ولهذا الملك عنصر في النصرانية مع ما نال النصارى في‬
‫ملك جده كسرى من الشرف‪ .‬وقبل ذلك في مملكة ملوك من‬
‫أسلفه من الخير‪ ،‬حتى بنى لهم بعض الب َِيع‪ ،‬وسدد لهم بعض ملتهم‪،‬‬
‫إحسان إسلفه‬ ‫فينبغي لنا أن نحزن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر‬
‫وجدته شيرين إلى النصارى‪ ،‬وقد رأيت أن أبني له ناووسا)‪ ,(9‬وأحمل‬
‫جثته في كرامة حتى أواريها فيه‪ ،‬فقال النصارى‪ :‬أمرنا لمرك أيها‬
‫طرفاء‪ :‬شجر‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫خلفة عثمان‪ ،‬للسلمي‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬الكتفاء‪ ،‬للكلعي )‪.(4/417‬‬ ‫تاريخ الطبري )‪.(5/297‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪ ,(4/418‬تاريخ الطبري )‪.(5/302‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫خلفة عثمان‪ ،‬د‪ .‬السلمي‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫الكتفاء للكلعي )‪.(4/419‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫مسلم في الفتن‪ ،‬رقم )‪.(2919 ،2918‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫الناووس‪ :‬حجر منقور تجعل فيه جثة الميت‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪133‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المطران تبع‪ ،‬ونحن لك على رأيك هذا مواطئون‪ ،‬فأمر المطران‬
‫فبنى في جوف بستان المطارنة بمرو ناووسا‪ ،‬ومضى بنفسه ومعه‬
‫نصارى مرو حتى استخرج جثة يزدجرد من النهر وكفنها‪ ،‬وجعلها في‬
‫عواتقهم حتى أتوا به‬ ‫تابوت‪ ،‬وحمله من كان معه من النصارى على‬
‫الناووس الذي أمر ببنائه له وواروه فيه‪ ،‬وردموا بابه)‪.(1‬‬
‫سابًعا‪ :‬فتوحات عبد الله بن عامر ‪ 31‬هـ‪:‬‬
‫في هذه السنة ‪ 31‬هـ شخص عبد الله بن عامر إلى خراسان‬
‫ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس‪ ،‬وصالح فيها‬
‫أهل مرو‪ .‬وقد جاء في رواية عن السكن بن قتادة الُعريني قال‪ :‬فتح‬
‫ابن عامر فارس ورجع إلى البصرة‪ ،‬واستعمل على إصطخر شريك‬
‫بن العور الحارثي‪ ،‬فبنى شريك مسجد إصطخر‪ ،‬فدخل على ابن‬
‫عامر رجل من بني تميم كنا نقول‪ :‬إنه الحنف ‪-‬ويقال‪ :‬أوس بن‬
‫شم تميم‪ -‬فقال له‪ :‬إن عدوك منك هارب‪ ،‬وهو لك‬ ‫ج َ‬
‫جابر الجشمي ُ‬
‫سْر فإن الله ناصرك ومعز دينه‪ ،‬فتجهز ابن‬ ‫هائب‪ ،‬والبلد واسعة‪ ،‬ف ِ‬
‫عامر‪ ،‬وأمر الناس بالجهاز للمسير‪ ،‬واستخلف على البصرة زيادا‪،‬‬
‫وسار إلى كرمان‪ ،‬ثم أخذ إلى خراسان؛ فقوم يقولون‪ :‬أخذ طريق‬
‫أصبهان‪ ،‬ثم سار إلى خراسان‪ ،‬واستعمل على كرمان مجاشع بن‬
‫مسعود السلمي‪ ،‬وأخذ ابن عامر على مفازة واَبر‪ ،‬وهي ثمانون‬
‫فرسخا‪ ،‬ثم سار إلى الط َّبسين يريد أبرشهر‪ ،‬وهي مدينة نيسابور‪،‬‬
‫وعلى مقدمته الحنف بن قيس‪ ،‬فأخذ إلى ُقهستان‪ ،‬وخرج إلى‬
‫الهباطلة‪(2،‬وهم أهل هراة‪ ،‬فقاتلهم الحنف فهزمهم‪ ،‬ثم‬‫)‬
‫أبرشهر فلقيه‬
‫أتى ابن عامر نيسابور‪.‬‬
‫وجاء في رواية‪ :‬نزل ابن عامر على أبرشهر فغلب على نصفها‬
‫عنوة‪ ،‬وكان النصف الخر في يد كناري‪ ،‬ونصف نساوطوس‪ ،‬فلم‬
‫يقدر ابن عامر أن يجوز إلى مرو‪ ،‬فصالح كنارى‪ ،‬فأعطاه ابنه أبا‬
‫ما رهًنا‪ .‬ووجه عبد الله بن خازم‬ ‫الصلت ابن كنارى وابن أخيه سلي ً‬
‫ابن‪(3‬عامر ابني كنارى‪،‬‬ ‫وأخذ‬ ‫مرو‪،‬‬ ‫إلى هراة‪ ،‬وحاتم بن النعمان إلى‬
‫فصار إلى النعمان بن الفقم النصري فأعتقهما) ‪ ،‬وفتح ابن عامر ما‬
‫حول مدينة أبرشهر‪ ،‬كطوس وبيورد‪ ،‬ونسا وحمران‪ ،‬حتى انتهى إلى‬
‫سرخس‪ ،‬وسرح ابن عامر السود بن كلثوم العدوي ‪-‬عدى الرباب‪-‬‬
‫إلى ببهق وهو من أبرشهر‪ ،‬بينهما وبين أبرشهر ستة عشر فرسخا‪،‬‬
‫ففتحها وقتل السود بن كلثوم‪ ،‬وكان فاضل في دينه‪ ،‬وكان من‬
‫أصحاب عامر بن عبد الله العنبري‪ .‬وكان عامر يقول بعدما أخرج من‬
‫البصرة‪ :‬ما آسى من العراق على شيء إل على ظماء الهواجر‪،‬‬
‫وتجاوب المؤذنين‪ ،‬وإخوان مثل السود بن كلثوم‪ (4).‬واستطاع ابن‬
‫عامر أن يتغلب على نيسابور‪ ،‬وخرج إلى سرخس‪ ،‬فأرسل إلى أهل‬
‫النعمان الباهلي‪،‬‬ ‫مرو يطلب الصلح‪ ،‬فبعث إليهم ابن عامر حاتم بن‬
‫فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف)‪.(5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/304‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/305‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/306‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/307‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/307‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪134‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ثامًنا‪ :‬غزوة الباب وبلنجر سنة ‪32‬هـ‪:‬‬
‫كتب عثمان بن عفان ‪ ‬إلى سعيد بن العاص‪ :‬أن اغُز سلمان‬
‫الباب‪ ،‬وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة وهو على الباب‪ :‬أن الرعية‬
‫قد أبطر كثيرا منهم البطنة‪ ،‬فقصر‪ ،‬ول تقتحم بالمسلمين‪ ،‬فإني‬
‫ش أن يبتلوا‪ ،‬فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته‪ ،‬وكان ل يقصر‬ ‫خا ٍ‬
‫عن بلنجر‪ ،‬فغزا سنة تسع من إمارة عثمان)‪(1‬حتى إذا بلغ بلنجر‬
‫والعرادات ‪ ،‬فجعل ل يدنو منها أحد‬ ‫حصروها ونصبوا عليها المجانيق‬
‫إل أعنتوه أو قتلوه‪ ،‬فأسرعوا في الناس)‪ ،(2‬ثم إن الترك اتعدوا يوما‬
‫فخرج أهل بلنجر‪ ،‬وتوافت إليهم الترك فاقتتلوا‪ ،‬فأصيب عبد الرحمن‬
‫بن ربيعة )وكان يقال له ذو النورين(‪ ،‬وانهزم المسلمون فتفرقوا‪،‬‬
‫فأما من أخذ طريق سلمان بن ربيعة فحماه حتى خرج من الباب‪،‬‬
‫وأما من أخذ طريق الخزر وبلدها فإنه خرج على جيلن وجرجان‬
‫وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة‪ ،‬وأخذ القوم جسد عبد الرحمن‬
‫سفط فبقى في أيديهم‪ ،‬فهم يستسقون به إلى اليوم‬ ‫)‪(3‬‬
‫فجعلوه في‬
‫ويستنصرون به‪.‬‬
‫‪ -1‬مقتل يزيد بن معاوية‪ :‬غزا أهل الكوفة بلنجر سنين من‬
‫إمارة عثمان لم ت َِئم)‪ (4‬فيهن امرأة‪ ،‬ولم ييتم فيهن صبي من قتل‪،‬‬
‫حتى كان سنة تسع من خلفة عثمان قبل المزاحفة بيومين رأى يزيد‬
‫بن معاوية أن غزال جيء به إلى خبائه لم يَر غزال أحسن منه حتى‬
‫لف في ملحفته‪ ،‬ثم أتى به قبر عليه أربعة نفر لم يرقبوا أشد‬
‫استواء منه ول أحسن منه حتى دفن فيه‪ ،‬فلما تفادى الناس على‬
‫الترك رمى يزيد بحجر‪ ،‬فهشم رأسه‪ ،‬فكأنما زين ثوبه بالدماء زينة‪،‬‬
‫وليس بتلطخ‪ ،‬فكان ذلك الغزال الذي رأى‪ (5).‬وكان يزيد رقيقا جميل‬
‫رحمه الله‪ ،‬وبلغ ذلك عثمان فقال‪ :‬إنا لله)‪(6‬وإنا إليه راجعون‪ ،‬انتكث‬
‫أهل الكوفة‪ ،‬اللهم تب عليهم وأقبل بهم‪.‬‬
‫‪ -2‬ما أحسن حمرة الدماء في بياضك‪ :‬كان عمرو بن عتبة‬
‫فأصيب‬
‫)‪(7‬‬
‫يقول لقباء عليه أبيض‪ :‬ما أحسن حمرة الدماء في بياضك‪،‬‬
‫عند اللتحام مع العدو بجراحة‪ ،‬فرأى قباءه كما اشتهى وقتل‪.‬‬
‫‪ -3‬ما أحسن لمع الدماء على الثياب‪ :‬كان القرشع يقول‪ :‬ما‬
‫أحسن لمع الدماء على الثياب‪ ،‬فلما كان يوم المزاحفة قاتل القرشع‬
‫خّرق بالحراب‪ ،‬فكأنما كان قباؤه ثوبا أرضه بيضاء ووشيه‬ ‫حتى ُ‬
‫أحمر‪(8)،‬وما زال الناس ثبوتا حتى أصيب‪ ،‬وكانت هزيمة الناس مع‬
‫مقتله ‪.‬‬
‫يموتون كما تموتون‪ :‬كان الترك في تلك المعركة‬ ‫‪ -4‬إن هؤلء‬
‫قد اختفوا في الغياض)‪ ،(9‬وكانوا قد خافوا المسلمين واعتقدوا أن‬
‫)( العرادة‪ :‬آلة حربية كالمنجنيق‪ ،‬ترمي بالحجارة المرمى البعيد لدك الحصون‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/308‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(5/309‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( لم تئم امرأة‪ :‬لم تفقد زوجها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ .(5/310‬الذي رأى‪ :‬أي في نومه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(5/311‬‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (4 ،‬المصدر نفسه )‪.(5/310‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫)( الغياض‪ :‬جمع غيضة‪ ،‬وهي المواضع التي يكثر فيه الشجر ويلتف‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪135‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫السلح ل يعمل فيهم‪ ،‬واتفق أن تركًيا اختفى في غيضة ورشق‬
‫ما بسهم فقتله‪ ،‬فنادى في قومه إن هؤلء يموتون‪ ،‬فلم‬ ‫مسل ً‬
‫مكانهم‬‫)‪(1‬‬
‫من‬ ‫عليهم‬ ‫وخرجوا‬ ‫المسلمين‬ ‫على‬ ‫الترك‬ ‫فاجترأ‬ ‫تخافوهم؟‬
‫وأوقعوا بهم‪ ،‬واشتد القتال فثبت عبد الرحمن حتى استشهد‪.‬‬
‫‪ -5‬صبًرا آل سلمان‪ :‬جاء في رواية أخرى‪ :‬حين استشهد عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬أخذ الراية أخوه سلمان بن ربيعة الباهلي وقاتل بها‪ ،‬ونادى‬
‫سلمان‬ ‫)‪(3‬‬
‫مناد‪) :‬صبرا آل سلمان(‪ ،‬فقال سلمان‪ :‬أو ترى جزعا‪ ،‬وخرج‬
‫على جيلن)‪ (2‬فقطعوها إلى جرجان‬ ‫)‪(4‬‬
‫ومعه أبو هريرة الدوسي‬
‫بنواحي‬ ‫الرحمن‬ ‫عبد‬ ‫أخاه‬ ‫دفن‬ ‫أن‬ ‫بعد‬ ‫‪,‬‬ ‫خاسرة‬ ‫منسحبا من معركة‬
‫بلنجر)‪ ،(5‬وبهذا النسحاب أنقذ سلمان بقية باقية من جيش أخيه)‪.(6‬‬
‫وقد رجح هذه الرواية محمود شيت خطاب وقال‪ :‬إن النسحاب‬
‫أشبه بقتال المسلمين يومئذ‪ ،‬وذلك في حالة اشتداد الضغط عليهم‬
‫من العدو وتكبدهم خسائر فادحة بالرواح‪ ،‬والنسحاب هو من أجل‬
‫النحياز إلى فئة من المسلمين‪ ،‬ليعيدوا الكرة ثانية على عدوهم‪.‬‬
‫وقد جاء سلمان بن ربيعة مدًدا لعبد الرحمن بأمر عثمان بن عفان‪،‬‬
‫فليس من المعقول أن يبقى ومدده في )الباب(‪ ،‬وليس من المعقول‬
‫أن يتركه أخوه عبد الرحمن هناك وهو يخوض معركة قاسية شرسة‪،‬‬
‫س الحاجة إلى الجندي الواحد‪ ،‬فكيف يترك عبد‬ ‫يكون فيها القائد بأم ّ‬
‫الرحمن جيشا كامل على رأسه أخوه دون أن يستفيد منه في‬
‫المعركة؟‬
‫إن المؤرخين القدامى كانوا يستعملون تعبير )الهزيمة( وهم‬
‫يريدون بها تعبير النسحاب؛ ذلك لن أكثرهم مدنيون ل يفرقون بين‬
‫هذين التعبيرين‪) ,‬الهزيمة( وهي ترك ساحة القتال بدون نظام ول‬
‫قيادة فهي كارثة‪ ،‬و)النسحاب( وهو ترك ساحة القتال وفق خطة‬
‫مرسومة بقيادة واحدة‪ ،‬فهو ‪-‬أي النسحاب‪ -‬صفحة من صفحات‬
‫القتال‪ ،‬الهدف منه إعادة الكرة على العدو بعد إكمال متطلبات‬
‫المعركة عَد ًَدا وعُد ًَدا‪ ،‬وعسى أل يقع المؤرخون المحدثون في مثل‬
‫يفرقون بين )الهزيمة( و)النسحاب(؛ لن‬ ‫هذا الخطأ في التعبير‪ ،‬فل‬
‫الفرق بين التعبيرين شاسع بعيد)‪.(7‬‬
‫تاسًعا‪ :‬أول اختلف وقع بين أهل الكوفة وأهل الشام ‪ 32‬هـ‪:‬‬
‫لما قتل عبد الرحمن بن ربيعة استعمل سعيد ُ بن العاص على‬
‫ن بن ربيعة‪ ،‬وأمدهم عثمان بأهل الشام عليهم‬ ‫ذلك الفرع سلما َ‬
‫حبيب بن مسلمة‪ ،‬فتنازع حبيب وسلمان على المرة‪ ،‬وقال أهل‬
‫الشام‪ :‬لقد هممنا بضرب سلمان‪ ،‬فقال في ذلك الناس‪ :‬إذن والله‬
‫نضرب حبيًبا ونحبسه‪ ،‬وإن أبيتم كثرت القتلى فيكم وفينا‪ ،‬حتى قال‬
‫في ذلك رجل من أهل الكوفة وهو أوس بن مغراء‪:‬‬
‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬محمود خطاب‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫جيلن‪ :‬اسم لبلد كثيرة من وراء بلد طبرستان‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫جرجان‪ :‬مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪ ,(5/309‬قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫معجم البلدان )‪.(2/278‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.153 ،152‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪136‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫وإن ترحلوا نحو ابن عفان‬ ‫إن تضربوا سلمان نضرب‬


‫حل‬‫ن َْر َ‬ ‫حبيبكم‬
‫قبل‬
‫م ْ‬
‫وهذا أمير في الكتائب ُ‬ ‫وإن تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا‬
‫)‪(1‬‬
‫ليالي نرمي كل ثغر وننكل‬ ‫ماته‬
‫ح َ‬
‫ونحن ولة ُ الثغر كنا ُ‬
‫وتغلب المسلمون على الفتنة بتوفيق الله ثم بوجود أمثال حذيفة‬
‫الكوفة‪ ،‬فقد غزا ذلك الثغر‬ ‫بن اليمان‪ ،‬الذي كان على الغزو بأهل‬
‫)‪(2‬‬
‫ثلث غزوات‪ ،‬فقتل عثمان ‪ ‬في الثالثة‪.‬‬
‫عاشًرا‪ :‬فتوحات ابن عامر سنة ‪ 32‬هـ‪:‬‬
‫وفيها فتح ابن عامر مرو الروذ‪ ،‬والطالقان والفارياب‪،‬‬
‫والجوزجان‪ ،‬وطخارستان؛ فقد بعث ابن عامر الحنف بن قيس إلى‬
‫مرو روذ فحصر أهلها‪ ،‬فخرجوا إليهم فقاتلوهم‪ ،‬فهزمهم المسلمون‬
‫حتى اضطروهم إلى حصنهم فأشرفوا عليه‪ ،‬قال‪ :‬يا معشر العرب‪،‬‬
‫ما كنتم عندنا كما نرى‪ ،‬ولو علمنا أنكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال‬
‫غير هذه‪ ،‬فأمهلونا ننظر يومنا‪ ،‬وارجعوا إلى عسكركم‪ ،‬فرجع‬
‫الحنف‪ ،‬فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له الحرب‪ ،‬فخرج رجل من‬
‫العجم معه كتاب من المدينة‪ ،‬فقال‪ :‬إني رسول فأمنوني‪ ،‬فأمنوه‪،‬‬
‫فإذا رسول من مرزبان مرو ابن أخيه وترجمانه‪ ،‬وإذا كتاب المرزبان‬
‫إلى الحنف‪ ،‬فقرأ الكتاب‪ ،‬قال‪ :‬فإذا هو إلى أمير الجيش‪ ،‬إنا نحمد‬
‫الله الذي بيده الدول‪ ،‬يغير ما شاء من الملك‪ ،‬ويرفع من شاء بعد‬
‫الذلة‪ ،‬ويضع من شاء بعد الرفعة‪ ،‬إنه دعاني إلى مصالحتك‬
‫وموادعتك ما كان من إسلم جدي‪ ،‬وما كان رأي من صاحبكم من‬
‫الكرامة والمنزلة‪ ،‬فمرحبا بكم وأبشروا‪ ،‬وأنا أدعوكم إلى الصلح فيما‬
‫بينكم وبيننا‪ ،‬على أن أؤدي إليكم خراجا ستين ألف درهم‪ ،‬وأن تقروا‬
‫بيدي ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبي حيث قتل الحية التي‬
‫أكلت الناس‪ ،‬وقطعت السبيل من الرضين والقرى بما فيها من‬
‫الرجال‪(3)،‬ول تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئا من الخراج‪ ،‬ول تخرج‬
‫المرزبة من أهل بيتي إلى غيركم‪ ،‬فإن جعلت ذلك لي خرجت‬
‫إليك‪ ،‬وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق منك‪.‬‬
‫فكتب إليه الحنف‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬من صخر بن‬
‫قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مرو روذ ومن معه من‬
‫الساورة والعاجم‪ ،‬سلم على من اتبع الهدى‪ ،‬وآمن واتقى‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ي‪ ،‬فنصح لك جهده‪ ،‬وأبلغ عنك‪ ،‬وقد‬ ‫فإن ابن أخيك ماهك قدم عل ّ‬
‫عرضت ذلك على من معي من المسلمين‪ ,‬وأنا وهم فيما عليك‬
‫سواء‪ ،‬وقد أجبناك إلى ما سألت وعرضت على أن تؤدي على‬
‫أكَرِتك)‪ (4‬وفلحيك والرضين التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه‬
‫أقطع جد أبيك لما كان من قتله الحية التي أفسدت الرض وقطعت‬
‫السبيل‪ ،‬والرض لله ولرسوله يورثها من يشاء من عباده‪ ،‬وإن عليك‬
‫تاريخ الطبري )‪ ،(5/311‬البداية والنهاية )‪.(7/166‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/311‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المرزبة‪ :‬الرئاسة عند العجم‪ ،‬والمرزبان‪ :‬الرئيس المقدم فيهم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الكرة‪ :‬جمع أكار‪ :‬الحراث‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪137‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الساورة‪ ،‬إن أحب‬
‫المسلمون ذلك وأرادوه‪ ،‬وإن لك على ذلك نصرة المسلمين على‬
‫من يقاتل من وراءك من أهل ملتك‪ ,‬جار لك بذلك مني كتاب يكون‬
‫لك بعدي‪ ،‬ول خراج عليك ول على أحد من أهل بيتك من ذوي‬
‫الرحام‪ ،‬وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك من المسلمين‬
‫العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم‪ ،‬ولك بذلك ذمتي وذمة أبي‬
‫وذمم المسلمين وذمم آبائهم‪ ،‬شهد على ما في هذا الكتاب جزء بن‬
‫معاوية‪ ،‬أو معاوية بن جزء السعدي‪ ،‬وحمزة بن الهرماس‪ ,‬وحميد بن‬
‫الخيار المازنيان‪ ،‬وعياض بن ورقاء السيدي‪ ،‬وكتب كيسان مولى‬
‫المحرم‪ ،‬وختم أمير الجيش الحنف بن‬ ‫بني ثعلبة يوم الحد من شهر‬
‫قيس‪ ،‬ونقش خاتم الحنف نعبد الله)‪.(1‬‬
‫حادي عشر‪ :‬القتال بين جيش الحنف وأهل طخارستان‬
‫والجوزجان والطالقان والفارياب‪:‬‬
‫صالح ابن عامر أهل مرو‪ ،‬وبعث الحنف في أربعة آلف إلى‬
‫طخارستان فأقبل حتى نزل موضع قصر الحنف من مرو روذ‪ ،‬وجمع‬
‫له أهل طخارستان‪ ،‬وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب‪ ،‬فكانوا‬
‫ثلثة زحوف‪ ،‬ثلثين ألفا‪ ،‬وأتى الحنف خبرهم وما جمعوا له‪،‬‬
‫فاستشار الناس فاختلفوا فبين قائل‪ :‬نرجع إلى مرو‪ ،‬وقائل‪ :‬نرجع‬
‫إلى أبرشهر‪ ،‬وقائل‪ :‬نقيم نستمد‪ ،‬وقائل‪ :‬نلقاهم فنناجزهم‪ ،‬فلما‬
‫العسكر‪ ،‬ويستمع حديث الناس‪ ،‬فمر‬ ‫أمسى الحنف خرج يمشي في‬
‫بأهل خباء ورجل يوقد تحت خزيرة)‪ ,(2‬أو يعجن‪ ،‬وهم يتحدثون‬
‫ويذكرون العدو‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬الرأي للمير أن يسير إذا أصبح‪ ،‬حتى‬
‫يلقى القوم حيث لقيهم‪ ،‬فإنه أرعب لهم فيناجزهم‪ ،‬فقال صاحب‬
‫الخزيرة أو العجين‪ :‬إن فعل ذلك فقد أخطأ وأخطأتم‪ ،‬أتأمرونه أن‬
‫يلقى حد العدو مصحرا في بلدهم‪ ،‬فيلقى جمعا كثيرا بعدد قليل‪،‬‬
‫فإن جالوا جولة اصطلمونا)‪ ،(3‬ولكن الرأي له أن ينزل بين المرغاب‬
‫والجبل‪ ،‬فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره‪ ،‬فل يلقاه من‬
‫عدوه وإن كثروا إل عدد أصحابه‪ ،‬فرجع الحنف وقد اعتقد ما قال‬
‫فضرب عسكره‪ ،‬وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن‬
‫يقاتلوا معه‪ ،‬فقال‪ :‬إني أكره أن أستنصر بالمشركين‪ ،‬فأقيموا على‬
‫ما أعطيناكم وجعلنا بيننا وبينكم‪ ،‬فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا‬
‫لكم وإن ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم‪ ،‬فوافق المسلمين‬
‫صلة العصر‪ ،‬فعاجلهم المشركون فناهضوهم‪ ،‬فقاتلوهم وصبر‬
‫جؤّية العرجي‪:‬‬ ‫الفريقان حتى أمسوا والحنف يتمثل بشعر ابن ُ‬
‫)‪(5‬‬
‫حزوٌّر)‪ (4‬ليس له ذرية‬ ‫أحقّ من لم يكره المنية‬
‫وجاء في رواية‪ :‬فقاتلهم حتى ذهب عامة الليل ثم هزمهم الله‪،‬‬
‫سكن ‪-‬وهي على اثنى عشر‬ ‫فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى َر ْ‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/316‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخزيرة‪ :‬الحساء من الدسم والدقيق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( اصطلم‪ :‬اقتلعه من أصله‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الحزّور‪ :‬الغلم القوي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (3 ,‬تاريخ الطبري )‪.(5/317‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪138‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فرسخا من قصر الحنف‪ .-‬وكان مرزبان مرو روذ قد تربص بحمل ما‬
‫كانوا صالحوه عليه‪ ،‬لينظر ما يكون من أمرهم‪ ،‬فلما ظفر الحنف‬
‫ففعل‪،‬‬ ‫سرح رجلين إلى المرزبان‪ ،‬وأمرهما أل يكلماه حتى يقبضاه‪,‬‬
‫فحمل ما كان عليه)‪,(1‬‬ ‫فعلم أنهم لم يصنعوا ذلك به إل وقد ظفروا‪،‬‬
‫وبعث الحنف القرع بن حابس في جريدة خيل)‪ (2‬إلى الجوزجان‬
‫حيث بقية كانت بقيت من الزحوف الذين هزمهم الحنف‪ ،‬فقاتلهم‬
‫فجال المسلمون جولة فقتل فرسان من فرسانهم‪ ،‬ثم أظفر الله‬
‫المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم‪ ،‬فقال ُ‬
‫كثير النهشلي‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫مصارع فتية بالجوزجان‬ ‫استهلت‬
‫)‪(4‬‬
‫أقادهم هناك القرعان‬ ‫خوط‬
‫ستاق ُ‬
‫إلى القصرين من ُر ْ‬
‫ثاني عشر‪ :‬صلح الحنف مع أهل بلخ ‪ 32‬هـ‪:‬‬
‫سار الحنف من مرو الروذ إلى بلخ فحاصرهم‪ ،‬فصالحه أهلها‬
‫على أربعمائة ألف‪ ،‬فرضي منهم بذلك‪ ،‬واستعمل ابن عمه‪ ،‬وهو‬
‫أسيد بن المتشمس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه‪ ،‬ومضى إلى خارزم‬
‫فأقام حتى هجم عليه الشتاء‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬ما تشاءون؟ فقالوا‪:‬‬
‫قد قال عمر بن معد يكرب‪:‬‬
‫وجاوزه إلى ما تستطيع‬ ‫إذا لم تستطع أمًرا فدعه‬
‫فأمر الحنف بالرحيل‪ ،‬ثم انصرف إلى بلخ‪ ،‬وقد قبض ابن عمه‬
‫ما صالحهم عليه‪ ،‬وكان وافق ‪-‬وهو يجيبهم‪ -‬المهرجان‪ ،‬فأهدوا إليه‬
‫هدايا من آنية الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب‪ ،‬فقال ابن‬
‫عم الحنف‪ :‬هذا ما صالحناكم عليه؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬ولكن هذا شيء‬
‫نصنعه في هذا اليوم بمن ولينا نستعطفه به‪ ،‬قال‪ :‬وما هذا اليوم؟‬
‫قالوا‪ :‬المهرجان‪ ،‬قال‪ :‬ما أدري ما هذا؟ وإني لكره أن أرده ولعله‬
‫من حقي‪ ،‬ولكن أقبضه وأعزله حتى أنظر فيه‪ ،‬فقبضه‪ ،‬وقدم‬
‫الحنف فأخبره‪ ،‬فسألهم عنه‪ ،‬فقالوا له مثل ما قالوا لبن عمه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬آتى به المير‪ ،‬فحمله إلى ابن عامر‪ ،‬فأخبره عنه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فقال ابن عامر‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫اقبضه يا أبا بحر‪ ،‬فهو لك؟ قال‪ :‬ل حاجة لي فيه‪،‬‬
‫ما‪.‬‬
‫ض ّ‬
‫ضمه إليك يا مسمار‪ ،‬فضمه القرشي وكان م َ‬
‫ثالث عشر‪ :‬لجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما‬
‫معتمرا من موقفي هذا‪:‬‬
‫ولما رجع الحنف إلى ابن عامر قال الناس لبن عامر‪ :‬ما فتح على‬
‫أحد ما قد فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان‪ ،‬قال‪ :‬ل‬
‫جرم‪ ،‬لجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا من موقفي‬
‫هذا‪ ،‬فأحرم بعمرة من نيسابور‪ ،‬فلما قدم على عثمان لمه على إحرامه‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخـ الطبري ) ‪.(5/317‬‬

‫جريدة الخيل‪ :‬كتيبة الخيل التي ل رجالة فيها‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫استهلت السحابة‪ :‬أمطرت واشتد مطرها‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/318‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/319‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪139‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من خراسان‪ ،‬وقال‪ :‬ليتك تضبط ذلك من الوقت الذي يحرم منه‬
‫الناس)‪.(1‬‬
‫رابع عشر‪ :‬هزيمة قاِرن في خراسان‪.‬‬
‫لما رجع ابن عامر من الغزو استخلف قيس بن الهيثم على‬
‫خراسان‪ ،‬فأقبل قارن في جمع من الترك‪ ،‬أربعين ألفا‪ ،‬فالتقاه عبد‬
‫الله بن خازم السلمي في أربعة آلف‪ ،‬وجعل لهم مقدمة ستمائة‬
‫رجل‪ ،‬وأمر كل منهم أن يجعل على رأس رمحه نارا‪ ،‬وأقبلوا إليهم‬
‫في وسط الليل فبيتوهم فثاروا إليهم‪ ,‬فناوشتهم المقدمة‪ ،‬فاشتغلوا‬
‫بهم وأقبل عبد الله بن خازم بمن معه من المسلمين فأحاطوا بهم‪،‬‬
‫فولى المشركون مدبرين‪ ،‬واتبعهم المسلمون يقتلون من شاءوا‬
‫وقتل قارن فيمن قتل‪ ،‬وغنموا سبًيا كثيرا‪ ،‬وأموال جزيلة‪ ،‬ثم بعث‬
‫عبد الله بن خازم بالفتح إلى ابن عامر‪ ،‬فرضي عنه وأقره على‬
‫خراسان‪ ،‬وذلك أنه كان قد احتال على الوالي السابق قيس بن‬
‫الهيثم السلمي حتى أخرجه من خراسان‪ ،‬ثم تولى حرب قارن‪ ،‬فلما‬
‫هزمه وغنم عسكره‪ ،‬رضي عليه ابن عامر‪ ،‬وأقره على ولية‬
‫خراسان)‪.(2‬‬
‫وهكذا تصدى الخليفة الراشد عثمان لحركات التمرد في‬
‫ت تلك الثورات في عضد‬ ‫المشرق‪ ،‬وواصل فتوحاته‪ ،‬ولم تف ّ‬
‫كفًئا لها؛ حيث‬‫المسلمين‪ ،‬ولم تنل من عزم الخليفة الذي كان ُ‬
‫واجهها بالعزم والرأي والسرعة في تصريف المور‪ ،‬وتسيير‬
‫النجدات‪ ،‬وإسناد كل عمل إلى من يحسنه كما يظهر من تتبع‬
‫كا في‬‫الحداث في تاريخ الطبري وابن كثير والكلعي‪ ،‬بما ل يدع ش ً‬
‫أن اختيار عثمان للقادة الذين قاموا بهذه النتصارات وتطويق هذه‬
‫القلقل كان اختيارا موفقا‪ ،‬مع العلم أن أعباء الجهاد كانت أشق‬
‫وأكبر وأحوج إلى التوجيه؛ لمتداد خطوط القتال‪ ،‬وتعدد الفتن‪،‬‬
‫وتباعد المسافات بين البلدان‪.‬‬
‫إن علج تلك المعضلت التي فاجأت عثمان ‪ ‬بعد وليته‪،‬‬
‫وتصدى لها بالعزم والسداد والسرعة والحيطة والناة لدليل على‬
‫قوة شخصيته ونفاذ بصيرته‪ ،‬وكان له بعد ذلك أكبر الفضل ‪-‬بعد الله‪-‬‬
‫في تثبيت مهابة الدولة بعدما أصابها من الوهن والتخلخل عند مقتل‬
‫عمر ‪ ،‬وكانت ثمرات تلك الوقفات الرائعة‪:‬‬
‫أ‪ -‬إخضاع المتمردين وإعادة سلطة المسلمين عليهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬ازدياد الفتوحات السلمية إلى ما وراء البلد المتمردة؛ منعا‬
‫لرتداد الهاربين إليها‪ ،‬وانبعاث الفتن والدسائس من قَِبلها‪.‬‬
‫اتخاذ المسلمين قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلد‬ ‫ج‪-‬‬
‫التي خضعت للمسلمين‪.‬‬
‫فهل كانت تلك الفتوحات العظيمة والسياسة الحكيمة والضبط‬
‫للقاليم يمكن أن تتحقق لو كان عثمان ‪ ‬ضعيفا غير قادر على‬
‫)( البداية والنهاية )‪ ،(7/167‬تاريخ الطبري )‪.(5/319‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/167‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪140‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫اتخاذ القرار)‪ ,(1‬كما يزعم من وقع وتورط في روايات الرفض‬
‫والتشيع والستشراق‪ ،‬ومن سار على نهجهم السقيم؟!!‪.‬‬
‫خامس عشر‪ :‬من قادة فتح بلد المشرق في عهد عثمان‪:‬‬
‫الحنف بن قيس‪:‬‬
‫كانت الفتوحات في عهد عثمان ‪ ‬عظيمة‪ ،‬فرأيت من المناسب‬
‫أن نسلط الضواء على بعض قادة الفتوح في عهد عثمان‪ ،‬وبما أنني‬
‫تحدثت عن فتوح المشرق‪ ،‬فل بد إذن من إعطاء صورة مشرقة عن‬
‫أحد قادة تلك الفتوح‪ ،‬فاخترت الحنف بن قيس‪.‬‬
‫‪ -1‬نسبه وأهله‪:‬‬
‫حصين بن حفص بن‬ ‫الحنف بن قيس بن معاوية بن‬ ‫هو أبو بحر‪،‬‬
‫بة بنت عمرو‬ ‫واسمه الضحاك وقيل‪ :‬صخر‪ (3).‬وأمه ح ّ‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪،‬‬ ‫التميمي‬ ‫عبادة‬
‫بن قُ ْ‬
‫)‪(4‬‬
‫الشجعان‪ ،‬وقد قال‬ ‫)‪(5‬‬
‫من‬ ‫قرط‬ ‫بن‬ ‫الخطل‬ ‫أخوها‬ ‫كان‬ ‫‪,‬‬‫الباهلية‬ ‫رط‬
‫الحنف مفاخرا بخاله هذا‪ :‬ومن له خال مثل خالي؟‬
‫‪ -2‬حياته‪:‬‬
‫)‪(6‬‬
‫سادات‪ (7‬التابعين وأكابرهم‪ ،‬وسيدا مطاعا في قومه ‪،‬‬ ‫)‬
‫كان من‬
‫بمختلف‬ ‫جميعا‬ ‫الناس‬ ‫ثقة‬ ‫موضع‬ ‫وكان‬ ‫‪،‬‬ ‫البصرة‬ ‫وسيد أهل‬
‫وميولهم‪ ،‬وكان أحد الحكماء الدهاة العقلء)‪ ،(8‬ذا‬ ‫وأهوائهم‬ ‫طبقاتهم‬
‫دين وذكاء وفصاحة)‪ ،(9‬وكان سيد قومه موصوفا بالعقل والدهاء‬
‫والعلم والحلم‪ ،‬يضرب بحلمه المثل‪ ،‬وقد قال فيه الشاعر‪:‬‬
‫)‪(10‬‬
‫ظللن مهابة منه خشوعا‬ ‫إذا البصار أبصرت ابن‬
‫قيس‬
‫وقال عنه خالد بن صفوان‪ :‬كان الحنف يفر من الشرف‬
‫والشرف يتبعه‪ (11).‬وإليك بعض صفاته التي أثرت فيمن حوله‪:‬‬
‫أ‪ -‬حلمه‪:‬‬
‫كان الحنف حليما يضرب بحلمه المثل‪ ،‬سئل عن الحلم‪ :‬ما هو؟‬
‫فقال‪ :‬الذل مع الصبر‪ .‬وكان يقول إذا عجب الناس من حلمه‪ :‬إني‬
‫لجد ما تجدون‪ ،‬ولكني صبور‪ ،‬ما تعلمت الحلم إل من قيس بن‬
‫عاصم المنقري)‪(12‬؛ لنه قتل ابن أخ له بعض بنيه‪ ،‬فأتى القاتل‬
‫مكتوفا يقاد إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ذعرتم الفتى‪ ،‬ثم أقبل على الفتى فقال‪:‬‬
‫بئس ما فعلت‪ ،‬نقصت عددك وأوهنت عضدك‪ ،‬وأشمت عدوك‪،‬‬
‫وأسأت لقومك‪ ،‬خلوا سبيله واحملوا إلى أم المقتول ديته فإنها‬
‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪.(409 ،1/408‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( جمهرة أنساب العرب‪ ،‬ص ‪ ,217‬طبقات ابن سعد )‪.(7/95‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3 ،‬قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬محمود خطاب‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( جمهرة أنساب العرب‪ ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( الصابة )‪ ،(1/103‬أسد الغابة )‪.(1/55‬‬ ‫‪7‬‬

‫)‪ (9 ،8 ،‬قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.304‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫)( تهذيب ابن عساكر )‪.(7/13‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( الستيعاب )‪.(3/1294‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪141‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫غريبة‪ ،‬ثم انصرف القاتل وما حل قيس حبوته ول تغير وجهه‪ (1).‬وقال‬
‫رجل للحنف‪ :‬علمني الحلم يا أبا بحر‪ ،‬فقال‪ :‬هو الذل يا ابن أخي‪،‬‬
‫أفتصبر عليه؟ وقال‪ :‬لست حليما ولكنني أتحالم‪ (2).‬ومن أخبار حلمه‪،‬‬
‫أن رجل شتمه فسكت عنه‪ ،‬وأعاد الرجل فسكت عنه‪ ،‬وأعاد فسكت‬
‫عنه‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬والهفاه‪ ،‬ما يمنعه من أن يرد علي إل هواني‬
‫عنده‪ (3).‬وكان يقول‪ :‬من لم يصبر على كلمة سمع كلمات‪ ،‬ورب‬
‫غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه‪ (4).‬ولكن حلمه كان حلم‬
‫القوي القدير ل حلم العاجز الضعيف‪ ،‬فقد قاتل في بعض المواطن‬
‫قتال شديدا‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا أبا بحر أين الحلم؟ فقال‪ :‬عند الحي)‪.(5‬‬
‫ب‪ -‬عقله‪:‬‬
‫كان الحنف عاقل راجح العقل‪ ،‬قال مرة‪ :‬من كان فيه أربع‬
‫كان له دين يحجزه‪ ،‬وحسب‬ ‫خصال ساد قومه غير مدافع‪ :‬من‬
‫يصونه‪ ،‬وعقل يرشده‪ ،‬وحياء يمنعه)‪.(6‬‬
‫وقال‪ :‬العقل خير قرين‪ ،‬والدب خير ميراث‪ ،‬والتوفيق خير‬
‫رفيق‪ (7).‬وقال‪ :‬ما ذكرت أحدا بسوء بعد أن يقوم من عندي‪(8).‬وكان‬
‫يقول إذا ذكر عنده رجل‪ :‬دعوه يأكل رزقه ويأتي عليه أجله‪ .‬وشكا‬
‫أخيه وجع الضرس فقال‪ :‬ذهبت عيني منذ ثلثين سنة ما ذكرتها‬ ‫)‪(9‬‬
‫ابن‬
‫‪(10‬كان‬
‫ول‬ ‫قدره‪،‬‬ ‫له‬ ‫عرفت‬ ‫إل‬ ‫فوقي‬ ‫أحد‬ ‫نازعني‬ ‫ما‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫لحد‪.‬‬
‫دوني إل رفعت قدري عنه‪ ،‬ول كان مثلي إل تفضلت عليه) ‪.‬‬
‫ج‪ -‬علمه‪:‬‬
‫)‪(11‬‬
‫كان عالما ثقة مأمونا‪ ،‬قليل الحديث‪ ،‬وقد روى عن عمر بن‬
‫‪(12‬الغفاري‪.‬‬
‫الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي ذر‬
‫وروى عنه الحسن البصري وعروة بن الزبير وغيرهما‪ ).‬وقد كان‬
‫من الفقهاء البارزين أيام معاوية‪.‬‬
‫د‪ -‬حكمته‪:‬‬
‫كان حكيما ينطق بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬سئل عن‬
‫المروءة‪ ،‬فقال‪ :‬التقى والحتمال‪ ،‬ثم أطرق ساعة وقال‪:‬‬
‫ت الجميل فما حماله؟‬‫يأ ِ‬ ‫وإذا جميل الوجه لم‬
‫إل تقاه واحتماله‬ ‫ما خير أخلق الفتى‬
‫وسئل عن المروءة فقال‪ :‬العفة في الدين‪ ،‬والصبر على‬
‫)( وفيات العيان )‪.(2/188‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (4 ،3 ،‬قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.306‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،306‬يعني بها‪ :‬تركته في الدار‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (7‬تهذيب ابن عساكر )‪.(7/19‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.306‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫)‪ (9‬المصدر نفسه )‪.(7/16‬‬ ‫)( المصدر نفسه )‪.(7/21‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪9‬‬

‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.307‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪.(7/93‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.308‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪142‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫النوائب‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬والحلم عند الغضب‪ ،‬والعفو عند المقدرة)‪.(1‬‬
‫وقال‪ :‬رأس الدب آلة المنطق‪ ،‬ول خير في قول إل بفعل‪ ،‬ول‬
‫ول‪ (2‬في صديق إل بوفاء‪ ،‬ول‬‫)‬
‫منظر إل بمخبر‪ ،‬ول في مال إل بجود‪،‬‬
‫في فقه إل بورع‪ ،‬ول في صدقة إل بنية‪.‬‬
‫تذهب‬ ‫)‪(4‬‬
‫وقال‪ :‬أحي المعروف بإماتة ذكره‪ (3).‬وقال‪ :‬كثرة الضحك‬
‫الهيبة‪ ،‬وكثرة المزاح تذهب المروءة‪ ،‬ومن لزم شيئا عرف به‪.‬‬
‫وقال‪ :‬جنبوا مجلسنا الطعام والنساء؛ فإني لبغض الرجل يكون‬
‫لفرجه وبطنه‪ ،‬وإن المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو‬ ‫وصافا‬
‫يشتهيه)‪.(5‬‬
‫وقال‪ :‬السؤدد مع السواد‪ .‬يريد‪ :‬من لم يطر)‪(6‬له اسم على ألسنة‬
‫العامة بالسؤدد لم ينفعه ما طار له في الخاصة ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬بلغته‪:‬‬
‫)‪(7‬‬
‫وها ‪ ،‬خطب مرة فقال‪ :‬بعد حمد الله والثناء‬ ‫كان فصيحا مف ّ‬
‫عليه‪ :‬يا معشر الزد وربيعة‪ :‬أنتم إخواننا في الدين‪ ،‬وشركاؤنا في‬
‫الصهر‪ ،‬وأشقاؤنا في النسب‪ ،‬وجيراننا في الدار‪ ،‬ويدنا على العدو‪،‬‬
‫والله لزد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة‪ ،‬ولزد الكوفة أحب إلينا‬
‫استشرف شنان حسد صدوركم‪ ،‬ففي أحلمنا‬ ‫من تميم الشام‪ ،‬فإن‬
‫وأموالنا سعة لنا ولكم)‪.(8‬‬
‫لقد كان حاضر البديهة قوي الحجة منطقيا‪ ،‬جاء الحنف إلى قوم‬
‫يتكلمون في دم فقال‪ :‬احكموا‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحكم بديتين‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك‬
‫لكم‪ ،‬فلما سكتوا قال‪ :‬أنا أعطيكم ما سألتم‪ ,‬غير أني قائل لكم‬
‫شيئا‪ :‬إن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬قضى بدية واحدة‪ ،‬وإن النبي × قضى بدية‬
‫واحدة‪ ،‬وأنتم اليوم طالبون‪ ،‬وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين‪ ،‬فل‬
‫يرضى)‪(9‬الناس منكم إل بمثل ما سننتم لنفسكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬نردها دية‬
‫واحدة ‪.‬‬
‫أبالي( أمدحت أم ذممت‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫وسمع الحنف رجل يقول‪ :‬ما‬
‫لقد استرحت من حيث تعب الكرام)‪. 10‬‬
‫و‪ -‬إيثاره‪:‬‬
‫كان الحنف يحب لغيره ما يحبه لنفسه‪ ،‬بل كان يؤثر غيره على‬
‫نفسه بالخير والمعروف‪ ,‬ويرضى نفسه الرضية المطمئنة إلى ما‬
‫أصاب غيره بجهده من خير‪ ،‬فعندما جاء الحنف إلى عمر في‬
‫المدينة‪ ،‬عرض أمير المؤمنين عليه جائزة‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫والله ما قطعنا الفلوات ودأبنا الروحات والعشيات للجوائز‪ ،‬وما‬

‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.308‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تهذيب ابن عساكر )‪.(20 ،7/19‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/331‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( وفيات العيان‪ ،‬لبن خلكان )‪.(2/187‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( وفيات العيان )‪.(2/188‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (8 ،7 ،‬قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.309‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫)‪ (3‬تهذيب ابن عساكر )‪.(7/12‬‬ ‫)‪ (2،‬وفيات العيان )‪.(2/188‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫‪143‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حاجتي إل حاجة من خلفي‪ ،‬فزاده ذلك عند عمر خيرا)‪.(1‬‬
‫ز‪ -‬أمانته‪:‬‬
‫كان الحنف أمينا غاية المانة‪ ،‬وقد مر بنا عندما استعمل ابن‬
‫عمه على أهل بلخ‪ ،‬وقد قبض ابن عمه ما صالحوه عليه من آنية‬
‫الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب‪ ،‬فقال ابن عمه لهم‪ :‬هذا‬
‫اليوم‬
‫)‪(2‬‬
‫ما صالحناكم عليه؟ فقالوا‪ :‬ل‪ ،‬ولكن هذا شيء نضعه في هذا‬
‫بمن ولينا نستعطف به‪ ،‬قال‪ :‬وما هذا اليوم؟ فقالوا‪ :‬المهرجان‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما أدري ما هذا‪ ،‬وإني لكره أن أرده ولعله من حقي‪ ،‬ولكن‬
‫أقبضه وأعزله حتى أنظر‪ ،‬فقبضه‪ ,‬وقدم الحنف فأخبره‪ ،‬فسألهم‬
‫عنه‪ ،‬فقالوا مثل ما قالوا لبن عمه‪ ،‬فقال‪ :‬آتي به المير‪ ،‬فحمله إلى‬
‫عبد الله ابن عامر فأخبره عنه‪ ،‬فقال‪ :‬اقبضه يا أبا بحر فهو لك‪،‬‬
‫فقال الحنف‪ :‬ل حاجة لي فيه‪(4()3).‬لقد كان يتحرج حتى من الهدايا‪،‬‬
‫وكان يكتفي بسهمه من الغنائم‪.‬‬
‫ح‪ -‬أ ََناته‪:‬‬
‫كان الحنف شديد الناة‪ ،‬ل يقدم على عمل إل بعد أن يحسب له‬
‫ألف حساب‪ .‬قيل له‪ :‬يا أبا بحر‪ ,‬إن فيك أناة شديدة‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬
‫عرفت من نفسي عجلة في أمور ثلثة‪ :‬في صلتي إذا حضرت حتى‬
‫حضرت حتى أغيبها في حفرتها‪ ،‬وابنتي إذا‬ ‫أصليها‪ ،‬وجنازتي إذا‬
‫خطبها كفيئها حتى أزوجه)‪.(5‬‬
‫ط‪ -‬ورعه‪:‬‬
‫اعتناق‬ ‫كان الحنف مؤمنا ورعا قوي اليمان‪ ،‬فقد سارع إلى‬
‫قومه بإشارته)‪,(6‬‬ ‫السلم أول ما بلغته الدعوة السلمية‪ ،‬وأسلم‬
‫وبسط حمايته القوية المينة على الدعاة الولين)‪ ،(7‬وثبت على‬
‫عقيدته عندما ارتد أكثر قومه وأكثر العرب بعد وفاة النبي ×‪ ،‬وجاهد‬
‫البلء‪ .‬قال‬ ‫للدفاع عنها ونشرها حق الجهاد‪ ،‬وأبلى في ذلك أعظم‬
‫الحسن البصري عنه‪ :‬ما رأيت شريف قوم أفضل منه‪ (8).‬قال‬
‫الحنف‪ :‬حبسني عمر بن الخطاب عنده بالمدينة سنة‪ ،‬يأتيني كل‬
‫يوم وليلة فل يأتيه عني إل ما يحب‪ (9).‬فكتب عمر بعد نجاح الحنف‬
‫في الختبار العمري ‪-‬وما أصعبه وأدقه من اختبار‪ -‬معه كتًبا إلى‬
‫البصرة‪ (10).‬وكتب إلى‬ ‫المير على البصرة يقول‪ :‬الحنف سيد أهل‬
‫موسى الشعري أن يشاور الحنف ويسمع منه‪ (11)،‬وقال له عمر بعد‬
‫أن حبسه حول عنده‪ :‬يا أحنف‪ ،‬قد بلوتك وخبرتك‪ ،‬فلم أر إل خيرا‪،‬‬
‫ورأيت علنيتك حسنة‪ ،‬وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علنيتك)‪.(12‬‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (5‬تاريخ الطبري )‪.(5/319‬‬ ‫)( المهرجان‪ :‬أحد أعياد الفرس‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬محمود خطاب‪ ،‬ص ‪.313‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪.(7/96‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬أبو الفلح عبد الحي )‪.(1/78‬‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (4‬البداية والنهاية )‪.(7/331‬‬ ‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.314‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫)‪ (6،‬قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪ (7) .314‬تهذيب ابن عساكر )‪.(7/12‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫‪11‬‬

‫)‪ (9‬البداية والنهاية )‪.(7/331‬‬ ‫)( طبقات ابن سعد )‪.(7/94‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪144‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لقد كان الحنف رجل صالحا كثير الصلة بالليل‪ ،‬وكان يسرج‬
‫المصباح ويصلي ويبكي حتى الصباح‪ ،‬وكان يضع أصبعه في المصباح‬
‫لنفسه‪ :‬إذا لم تصبر على المصباح‪ ،‬فكيف تصبر على النار‬ ‫)‪(1‬‬
‫ويقول‬
‫إنك‪(2‬تكثر الصوم وإن ذلك يرق المعدة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫له‪:‬‬ ‫وقيل‬ ‫الكبرى‪.‬‬
‫إني أعده لسفر طويل‪ ).‬واستعمل الحنف على )خراسان( فلما‬
‫أتى فارس أصابته جنابة في ليلة باردة‪ ،‬فلم يوقظ أحدا من غلمانه‬
‫على‪(3‬شوط وشجر حتى سالت‬ ‫)‬
‫ول جنده‪ ،‬وانطلق يطلب الماء‪ ،‬فأتى‬
‫خل‪ (4‬إل دعا‬ ‫قلما‬ ‫وكان‬ ‫واغتسل‪.‬‬ ‫ما‪ ،‬فوجد الثلج فكسره‬ ‫قدماه د ً‬
‫بالمصحف‪ ،‬وكان النظر في المصاحف خلقا في الولين‪ ).‬وكان في‬
‫ذاك‪.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫دعائه‪ :‬اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك‪ ،‬وإن تعذبني فأنا أهل‬ ‫)‪(5‬‬
‫)‪(7‬‬
‫الدنيا‪.‬‬ ‫ى مصيبات‬‫ومن دعائه‪ :‬اللهم هب لي يقينا تهون به عل ّ‬
‫ومرت به جنازة فقال‪ :‬رحم الله من أجهد نفسه لمثل هذا اليوم‪.‬‬
‫وكان يقول‪ :‬عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر)‪.(8‬‬
‫هذه بعض صفات شخصية الحنف‪ ،‬استحوذ بها على ثقة الناس‬
‫به وحبهم وتقديرهم له‪ ،‬وهذه الصفات تجعل من يتحلى بها شخصية‬
‫وجودها بين الناس في كل زمان ومكان‪ ،‬وقلما يجود‬ ‫)‪(9‬‬
‫قوية نافذة يندر‬
‫بها الدهر إل نادرا‪.‬‬
‫لقد كان الحنف من قادة الفتوحات في عهد عثمان ‪ ،‬وقد‬
‫تميز في قيادته لجيوش الفتح لبلد المشرق بقدرته على إعداد‬
‫الخطط الصحيحة الناجحة‪ ،‬وإعطاء القرارات السريعة الصائبة‪ ،‬كما‬
‫كان لشجاعته الشخصية وإقدامه أثر كبير في وضع تلك الخطط‬
‫والقرارات في حيز التنفيذ‪ ،‬لقد كان يبذل قصارى جهده في إعداد‬
‫خططه العسكرية وإعطاء ذوي الرأي‪ ،‬بل يتجول سّرا في الليل بين‬
‫عامة رجاله يتسمع أحاديثهم‪ ،‬فإذا وجد رأيا سديدا يبدونه فيما بينهم‬
‫سارع إلى العمل به‪ ،‬ل يهمه أن يأخذ الحكمة من أي وعاء‪ ،‬وقد كان‬
‫هذا القائد الميداني في عهد عثمان يقاتل عدوه بسيفه وعقله مًعا؛‬
‫فقد كان على جانب عظيم من الشجاعة والقدام‪ ،‬حتى إنه كان‬
‫يستأثر بالخطر دون رجاله‪ ،‬ويؤثرهم بالراحة والمن‪ ،‬كما كان على‬
‫من الدهاء‪ ،‬فيوفر بدهائه على قواته كثيًرا من الجهود‬ ‫جانب عظيم‬
‫)‪(10‬‬
‫والمشقات‪.‬‬
‫لقد كان الحنف رجل في أمة‪ ,‬وأمة في رجل‪ ،‬إنه سيد أهل‬
‫المشرق المسمى بغير اسمه‪ ،‬كما كان يقول عنه عمر بن الخطاب‬
‫‪.(11)‬‬

‫‪1‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪ ،(7/94‬قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.315‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪.(7/94‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( طبقات ابن سعد‪.(7/95) ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ترجمة الحنف لخصتها من هذا الكتاب القيم‬ ‫‪315‬‬


‫( )قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫مع الرجوع لبع ض المصادر‪.‬‬


‫)‪ (5‬البداية والنهاية )‪.(7/331‬‬ ‫)‪ (4 ،‬تهذيب ابن عساكر )‪.(7/16‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫)‪ (7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫)( قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬ص ‪.316‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪10‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.322‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪145‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لقد أطنبت في الحديث عن الحنف لنه من ضمن قادة الفتوح‬
‫في عهد عثمان‪ ،‬وممن أسهم في صناعة الحياة في عصر الخليفة‬
‫الراشد الثالث الذي وجهت إليه سهامهم الكاذبة في ولته وقادة‬
‫حربه‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الفتوحات في الشــــــــــام‬
‫ل‪ :‬فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫مر بنا أن الروم أجلبت على المسلمين بالشام بجموع عظيمة‬
‫أول خلفة عثمان‪ ،‬فكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة بالكوفة أن يمد‬
‫إخوانه بالشام‪ ,‬فأمدهم بثمانية آلف عليهم سلمان ابن ربيعة‬
‫الباهلي‪ ،‬فظفر المسلمون بعدوهم بعد أن غزوهم في أرض الروم‬
‫فأسروا منهم وغنموا‪ .‬وكان تحالف الروم والترك قد تجمع لملقاة‬
‫المسلمين الذين غزوا أرمينية من الشام‪ ،‬وكان على المسلمين‬
‫حبيب بن مسلمة وكان صاحب كيد لعدوه‪ ،‬فأجمع أن يبّيت قائدهم‬
‫الموريان‪ ،‬أي يباغته ليل‪ ،‬فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد‬
‫الكلبية يذكر ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬فأين موعدك؟ قال‪ :‬سرادق الموريان أو‬
‫بيتهم فغلبهم‪ ,‬وأتى سرادق الموريان فوجد امرأته قد‬ ‫)‪(1‬‬
‫الجنة‪ ..‬ثم‬
‫وانتصاراته‪ (2‬المتوالية في أراضي‬ ‫جهاده‬ ‫حبيب‬ ‫وواصل‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫سبقته‬
‫أرمينية وأذربيجان‪ ،‬ففتحها إما صلحا أو عنوة) ‪.‬‬
‫لقد كان حبيب بن مسلمة الفهري من أبرز القادة الذين حاربوا في‬
‫البيزنطية؛ فقد أباد جيوشا بأكملها للعدو‪ ,‬وفتح حصونا ومدنا‬
‫)‪(3‬‬
‫أرمينية‬
‫كما غزا ما يلى ثغور الجزيرة العراقية من أرض الروم فافتتح‬ ‫كثيرة‪.‬‬
‫عدة حصون هناك‪ ،‬مثل شمشاط وملطية وغيرهما‪ ،‬وفي سنة ‪ 25‬هـ‬
‫غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي بين أنطاكية‬
‫وطرسوس خالية‪ ،‬فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة‪،‬‬
‫ولما فرغ‬ ‫وواصل قائده قيس بن الحر العبسي الغزو في الصيف التالي‪،‬‬
‫هدم بعض الحصون القريبة من أنطاكية كي ل يفيد منها الروم)‪.(4‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أول من أجاز الغزو البحري عثمان بن عفان‪:‬‬
‫كان معاوية بن أبي سفيان وهو أمير الشام يلح على عمر بن‬
‫الخطاب في غزو البحر‪ ،‬ويصف له قرب الروم من حمص ويقول‪:‬‬
‫إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلبهم وصياح دجاجهم‪،‬‬
‫حتى كان ذلك يأخذ بقلب عمر‪ ،‬فكتب عمر إلى عمرو بن العاص‪:‬‬
‫صف لي البحر وراكبه‪ ،‬فإن نفسي تنازعني إليه‪ ،‬فكتب إليه عمرو‪:‬‬
‫إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير‪ ،‬إن ركن خرق القلب‪ ،‬وإن‬
‫تحرك أزاغ العقول‪ ،‬يزداد فيه اليقين قلة‪ ،‬والشك كثرة‪ ،‬هم كدود‬
‫على عود‪ ،‬إن مال غرق‪ ،‬وإن نجا برق‪ ،‬فلما قرأ عمر بن الخطاب‬
‫كتاب عمرو بن العاص كتب إلى معاوية‪ :‬ل والذي بعث محمدا‬
‫ي مما حوت‬ ‫بالحق‪ ،‬ل أحمل فيه مسلما أبدا‪ ،‬وتالله لمسلم أحب إل ّ‬
‫الروم‪ ،‬فإياك أن تعرض لي‪ ،‬وقد تقدمت إليك‪ ،‬وقد علمت ما لقى‬

‫)( تاريخ الطبري )‪(5/248‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمدي شاهين‪ ،‬ص ‪.252‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( حروب السلم في الشام في عهود الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد أحمد باشميل‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.577‬‬
‫)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.253‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪147‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫العلء مني‪ ،‬ولم أتقدم إليه في ذلك‪ (1).‬ولكن الفكرة لم تبرح نفس‬
‫معاوية‪ ،‬وقد رأى في الروم ما رأى‪ ،‬فطمع في بلدهم وفي فتحها‪،‬‬
‫فلما تولى الخلفة عثمان عاود معاوية الحديث وألح به على عثمان‪،‬‬
‫فرد عليه عثمان ‪ ‬قائل‪) :‬إني قد شهدت ما رد عليك عمر ‪-‬رحمه‬
‫الله‪ -‬حين استأذنته في غزو البحر(‪ ،‬ثم كتب إليه معاوية مرة أخرى‬
‫يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه‪) :‬فإن ركبت معك‬
‫امرأتك فاركبه مأذونا وإل فل(‪ (2) .‬كما اشترط عليه الخليفة عثمان‬
‫الناس ول تقرع بينهم‪ ،‬خيرهم فمن اختار‬ ‫‪ ‬أيضا بقوله‪) :‬ل تنتخب‬
‫الغزو طائعا فاحمله وأعنه(‪ (3) .‬فلما قرأ معاوية كتاب عثمان نشط‬
‫لركوب البحر إلى قبرص‪ ،‬فكتب لهل السواحل يأمرهم بإصلح‬
‫ساحل حصن عكا‪ ،‬فقد رمه ليكون ركوب‬ ‫المراكب وتقريبها إلى‬
‫المسلمين منه إلى قبرص)‪.(4‬‬
‫ثالثـا‪ :‬غزوة قبرص‪:‬‬
‫أعد معاوية المراكب اللزمة لحمل الجيش الغازي‪ ،‬واتخذ ميناء‬
‫عكا مكانا للقلع‪ ،‬وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجه فاختة‬
‫عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت‬ ‫بنت قرظة‪ ،‬كذلك حمل‬
‫ملحان معه في تلك الغزوة)‪.(5‬‬
‫وأم حرام هذه هي صاحبة القصة المشهورة‪ ،‬عن أنس بن مالك‬
‫‪ ‬أن رسول الله × كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه‪،‬‬
‫وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت‪ ،‬فدخل عليها رسول الله ×‬
‫يوما فأطعمته‪ ،‬ثم جلست تفلي من رأسه‪ ,‬فنام رسول الله × ثم‬
‫استيقظ وهو يضحك فقلت‪ :‬ما يضحكك يا رسول الله؟ قال‪» :‬ناس‬
‫ي غزاة في سبيل الله‪ ،‬يركبون ثبج هذا البحر‬ ‫من أمتي عرضوا عل ّ‬
‫ملوكا على السرة أو مثل الملوك على السرة« قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬ادع الله أن يجعلني منهم‪ ،‬فدعا لها‪ ،‬ثم وضع رأسه‬
‫فنام‪ ،‬ثم استيقظ وهو يضحك‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ما يضحكك يا رسول‬
‫الله؟ قال‪» :‬ناس من أمتي عرضوا علي في سبيل الله« كما قال‬
‫في الولى‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم‬
‫فقال‪» :‬أنت من الولين« فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في‬
‫زمن معاوية‪ ،‬فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت)‪.(6‬‬
‫ورغم أن معاوية ‪ ‬لم يجبر الناس على الخروج‪ ،‬فقد خرج معه‬
‫جيش عظيم من المسلمين)‪ ،(7‬مما يدل على أن المسلمين قد هانت‬
‫في أعينهم الدنيا بما فيها‪ ،‬فأصبحوا ل يعبأون بها بالرغم من أنها قد‬
‫فتحت عليهم أبوابها‪ ،‬فصاروا يرفلون في نعيمها‪.‬‬
‫إن المسلمين قد تربوا على أن ما عند الله خير وأبقى‪ ،‬وأن الله‬
‫تاريخ الطبري )‪.(5/258‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الدارة العسكرية في الدولة السلمية‪ ،‬د‪ .‬سليمان بن صالح )‪.(2/538‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/260‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(2/538‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/159‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البخاري‪ ،‬رقم‪.2877 :‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬محمد السيد الوكيل‪ ،‬ص ‪.356‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪148‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫اصطفاهم لنصرة دينه وإقامة العدل ونشر الفضيلة‪ ،‬والعمل على‬
‫إظهار دين الله على كل ما عداه‪ ،‬وهم يعتقدون أن هذه المهمة هي‬
‫رسالتهم الحقيقية‪ ،‬وأن الجهاد في سبيل الله هو سبيل الحصول‬
‫على مرضاة الله‪ ،‬فإن هم قصروا في مهمتهم وقعدوا عن أداء‬
‫واجبهم فيمسك الله عنهم نصره في الدنيا‪ ،‬ويحرمهم مرضاته في‬
‫الخرة‪ ،‬وذلك هو الخسران المبين‪ .‬من أجل هذا هرعوا مع معاوية‬
‫وتسابقوا إلى السفن يركبونها‪ ،‬ولعل حديث أم حرام قد ألم‬
‫بخواطرهم فدفعهم إلى الخروج للغزو في سبيل الله تصديقا لحديث‬
‫رسول الله ×‪ ،‬وكان ذلك بعد انتهاء فصل الشتاء في سنة ثمان‬
‫وعشرين من الهجرة )‪649‬م( )‪.(1‬‬
‫وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين‬
‫إلى قبرص‪ ،‬ونزل المسلمون إلى الساحل‪ ،‬تقدمت أم حرام‬
‫لتركب دابتها‪ ،‬فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الرض‬
‫)‪(2‬‬
‫وترك المسلمون أم حرام بعد دفنها‬ ‫فاندقت عنقها فماتت‪.‬‬
‫في أرض الجزيرة عنوانا على مدى التضحيات التي قدمها‬
‫المسلمون في سبيل نشر دينهم‪ ،‬وعرف قبرها هناك بقبر‬
‫المرأة الصالحة)‪.(3‬‬
‫واجتمع معاوية بأصحابه وكان فيهم‪ :‬أبو أيوب خالد بن زيد‬
‫النصاري‪ ،‬وأبو الدرداء‪ ،‬وأبو ذر الغفاري‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وواثلة‬
‫بن السقع‪ ،‬وعبد الله بن بشر المازني‪ ،‬وشداد ابن أوس بن ثابت‪،‬‬
‫بن( السود‪ ،‬وكعب الحبر بن ماتع‪ ،‬وجبير بن نفير‬ ‫)‪4‬‬
‫والمقداد‬
‫أهل قبرص‬ ‫إلى‬ ‫وأرسلوا‬ ‫بينهم‬ ‫فيما‬ ‫وتشاوروا‬ ‫‪،‬‬ ‫الحضرمي‬
‫يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للستيلء على جزيرتهم)‪ ،(5‬ولكن أرادوا‬
‫دعوتهم لدين الله ثم تأمين حدود الدولة السلمية بالشام؛ وذلك لن‬
‫البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا‬
‫ونون منها إذا قل زادهم‪ ،‬وهي بهذه المثابة تهدد بلد الشام‬ ‫ويتم ّ‬
‫الواقعة تحت رحمتها‪ ،‬فإذا لم يطمئن المسلمون على مسالمة هذه‬
‫الجزيرة لهم وخضوعها لرادتهم فإن وجودها كذلك سيظل شوكة‬
‫في ظهورهم وسهما مسددا في حدودهم‪ ،‬ولكن سكان الجزيرة لم‬
‫يستسلموا للغزاة ولم يفتحوا لهم بلدهم‪ ،‬بل تحصنوا في العاصمة‬
‫الجزيرة ينتظرون تقدم‬ ‫ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين‪ ،‬وكان أهل‬
‫الروم للدفاع عنهم‪ ،‬وصد هجوم المسلمين عليها)‪.(6‬‬
‫رابًعا‪ :‬الستسلم وطلب الصلح‪:‬‬
‫تقدم المسلمون إلى عاصمة قبرص )قسطنطينا( وحاصروها‪،‬‬
‫وما هي إل ساعات حتى طلب الناس الصلح‪ ،‬وأجابهم المسلمون‬
‫طا واشترط عليهم المسلمون‬ ‫إلى الصلح‪ ،‬وقدموا للمسلمين شرو ً‬
‫شروطا‪ ،‬وأما شرط أهل قبرص فكان في طلبهم أل يشترط عليهم‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.356‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/159‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.357‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.357‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.357‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.357‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪149‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المسلمون شروطا تورطهم مع الروم؛ لنهم ل قبل لهم بهم‪ ،‬ول‬
‫قدرة لهم على قتالهم‪ ،‬وأما‬
‫شروط المسلمين‪:‬‬
‫‪ -1‬أل يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يدل سكان الجزيرة المسلمين على تحركات عدوهم من‬
‫الروم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يدفع سكان الجزيرة للمسلمين سبعة آلف ومائتي دينار‬
‫في كل عام‪.‬‬
‫الروم‪(1‬إذا حاولوا غزو بلد المسلمين‪ ،‬ول‬ ‫‪ -4‬أل يساعدوا‬
‫يطلعوهم على أسرارهم) ‪.‬‬
‫وعاد المسلمون إلى بلد الشام‪ ،‬وأثبتت هذه الحملة قدرة‬
‫المسلمين على خوض غمار المعارك البحرية بجدارة‪ ،‬وأعطت‬
‫المسلمون فرصة المران على الدخول في معارك من هذا النوع مع‬
‫المتربص بهم سواء بالهجوم على بلد الشام أم على‬ ‫العدو‬
‫السكندرية)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬عبد الله بن قيس قائد السطول السلمي في الشام‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫استعمل معاوية بن أبي سفيان على البحر عبد الله بن قيس‬
‫الجاسي حليف بني فزارة‪ ،‬فغزا خمسين غزاة من بين شاتية‬
‫وصائفة في البحر‪ ،‬ولم يغرق فيه أحد ولم ينكب‪ ،‬وكان يدعو الله أن‬
‫يرزقه العافية في جنده‪ ،‬وأل يبتليه بمصاب أحد منهم‪ ،‬ففعل‪ ،‬حتى‬
‫إذا أراد أن يصيبه وحده خرج في قاربه طليعة‪ ،‬فانتهى إلى المرفأ‬
‫ؤال يعتّرون)‪ (3‬بذلك المكان‪ ،‬فتصدق‬ ‫من أرض الروم‪ ،‬وعليه س ّ‬
‫ؤال إلى قريتها‪ ،‬فقالت للرجال‪ :‬هل‬ ‫عليهم‪ ،‬فرجعت امرأة من الس ّ‬
‫لكم في عبد الله بن قيس؟ قالوا‪ :‬وأين هو؟ قالت‪ :‬في المرفأ‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬أي عدوة الله‪ ،‬ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس؟ فوبختهم‬
‫وقالت‪ :‬أنتم أعجز من أن يخفى عبد الله على أحد‪ ،‬فثاروا إليه‪،‬‬
‫فهجموا عليه‪ ،‬فقاتلوه وقاتلهم‪ ،‬فأصيب وحده‪ ،‬وأفلت الملح حتى‬
‫أتى أصحابه فجاءوا حتى أرقوا‪ ،‬والخليفة منهم سفيان بن عوف‬
‫الزدي‪ ،‬فخرج فقاتلهم‪ ،‬فضجر وجعل يعبث بأصحابه ويشتمهم‪،‬‬
‫فقالت جارية عبد الله‪ :‬واعبد الله‪ ،‬ما هكذا كان يقول حين يقاتل‪،‬‬
‫فقال سفيان‪ :‬وكيف كان يقول؟ قالت‪ :‬الغمرات ثم ينجلينا‪ ،‬فترك ما‬
‫كان يقول ولزم‪ :‬الغمرات ثم ينجلينا‪ ،‬وأصيب في المسلمين يومئذ‬
‫وذلك آخر زمان عبد الله بن قيس الجاسي)‪ ،(4‬وقيل لتلك المرأة‬
‫التي استثارت الروم على عبد الله بن قيس‪ :‬كيف عرفته؟ قالت‪:‬‬
‫كان كالتاجر‪ ،‬فلما سألته أعطاني كالملك‪ ،‬فعرفت أنه عبد الله بن‬
‫قيس)‪.(5‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(5/261‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.359 ،358‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫يعترون‪ :‬يعترضون للناس دون أن يسألوهم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/260‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/260‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪150‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وهكذا حينما أراد الله تعالى أن يمن بالشهادة على هذا القائد‬
‫العظيم أتيحت له وهو في وضع ل يضر بسمعة المسلمين البحرية؛‬
‫حيث كان وحده يتطلع ويراقب العداء‪ ،‬فكانت تلك الكائنة الغريبة‬
‫التي أبصرت غورها تلك المرأة الذكية من نساء تلك البلد؛ حيث‬
‫رأت ذلك الرجل يظهر في مظاهره الخارجية بمظهر التجار‬
‫العاديين‪ ،‬ولكنه يعطي عطاء الملوك‪ ،‬فلقد رأت فيه أمارات السيادة‬
‫مع بساطة مظهره‪ ،‬فعرفت أنه قائد المسلمين الذي دوخ المحاربين‬
‫في تلك البلد‪ ،‬وهكذا كانت سماحة ذلك القائد وسخاؤه البارز حتى‬
‫مع غير المسلمين سببا في كشف أمره‪ ،‬ومعرفة مركزه‪ ،‬ليقضي‬
‫الله أمرا كان مفعول‪ ،‬فيتم بذلك الهجوم عليه وظفره بالشهادة‪.‬‬
‫وهكذا يضرب قادة المسلمين المثل العليا بأنفسهم لتتم‬
‫النجازات الكبرى على أيديهم‪ ،‬وليكونوا قدوة صالحة لمن يخلفهم؛‬
‫فقد قام هذا القائد الملهم بمهمة الستطلع بنفسه ولم يكل المر‬
‫إلى جنوده‪ ،‬وفي انفراده بهذه المهمة مظنة للتورط مع العداء‬
‫والهلك على أيديهم‪ ،‬ولكنه مع ذلك يغامر بنفسه فيتولى هذه‬
‫المهمة‪ ،‬ثم نجده يتخلق بأخلق السلم العليا حتى مع نساء العداء‬
‫وضعفتهم‪ ،‬فيمد إليهم يد الحنان والعطف‪ ،‬ويسخو لهم بالمال الذي‬
‫هو من أعز ما يملك الناس‪ ،‬ونجده قبل ذلك مع جنده رفيقا صبورا‪،‬‬
‫ل معنفا ول مستكبرا‪ ،‬وإذا ادلهمت الخطوب تفاءل بانكشاف الغمة‬
‫ولم يلجأ إلى لوم أصحابه وتعنيفهم‪ ،‬ولم يهيمن عليه الرتباك الذي‬
‫يفسد العمل‪ ،‬ويعجل بالخلل والفوضى‪ ،‬وأما خليفته سفيان الزدي‬
‫فلعله وقع فيما وقع فيه من الرتباك والشتغال بطرح اللئمة على‬
‫جنده لكونه حديث العهد بأمور القيادة‪ ،‬ولكن مما يحفظ له أنه لما‬
‫نبهته جارية عبد الله بن قيس إلى ذلك السلوب الحكيم الذي كان‬
‫أميره ينتهجه في القيادة سارع في التأسي به في ذلك‪ ،‬ولم يحمله‬
‫التكبر على عدم سماع كلمة الحق وإن صدرت من جارية مغمورة‪.‬‬
‫وهذا مثل من أمثلة التجرد من هوى النفس‪ ،‬هذا الخلق العظيم الذي‬
‫كان غالبا في الجيل الول‪ ،‬وبه تم إنجاز الفتوحات العظيمة ونجاح‬
‫الولة والقادة في إدارة المة‪ ،‬فلله در أبناء ذلك الجيل‪ :‬ما أبلغ‬
‫ذكرهم‪ ،‬وما أبعد غورهم‪ ،‬وما أعظم وطأتهم في الرض على‬
‫وما( أعذب لمساتهم في الرض على المستضعفين‬ ‫)‪1‬‬
‫الجبارين‪،‬‬
‫والمساكين‪.‬‬
‫سا‪ :‬القبارصة ينقضون الصلح‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫في سنة اثنتين وثلثين هجرية‪ ،‬وقع سكان قبرص تحت ضغط‬
‫رومي عنيف أجبرهم على إمداد جيش الروم بالسفن ليغزوا بها بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬وبذلك يكون القبرصيون قد أخلوا بشروط الصلح‪ ،‬وعلم‬
‫معاوية بخيانة أهل قبرص فعزم على الستيلء على الجزيرة ووضعها‬
‫تحت سلطان المسلمين‪ ،‬فقد هاجم المسلمون الجزيرة هجوما‬
‫عنيفا فقتلوا وأسروا وسلبوا؛ هجم عليها جيش معاوية من جهة وعبد‬
‫الجانب الخر‪ ،‬فقتلوا خلقا كثيرا‪ ،‬وسبوا سبيا كثيرا‬ ‫الله بن سعد من‬
‫وغنموا مال جزيل‪ (2).‬وتحت ضغط القوات السلمية اضطر حاكم‬
‫)( التاريخ السلمي )‪.(12/402‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( جولة تاريخية‪ ،‬ص ‪.360 ،359‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪151‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫للفاتحين ويلتمس منهم الصلح‪ ،‬فأقرهم معاوية‬ ‫قبرص أن يستسلم‬
‫على صلحهم الول‪ (1).‬وخشى معاوية أن يتركهم هذه المرة بغير‬
‫جيش يرابط في الجزيرة فيحميها من غارات العداء ويضبط المن‬
‫فيها حتى ل تتمرد على المسلمين‪ ،‬فبعث إليهم اثني عشر ألفا من‬
‫الجنود‪ ،‬ونقل إليهم جماعة من بعلبك‪ ,‬وبنى هناك مدينة‪ ،‬وأقام فيها‬
‫مسجدا‪ ،‬وأجرى معاوية على الجنود أرزاقهم‪ .‬وظل الحال على ذلك‪،‬‬
‫الجزيرة هادئة والمسلمون آمنون من هجمات الروم المفاجئة‪،‬‬
‫ولحظ المسلمون أن أهل قبرص ليس فيهم قدرات عسكرية‪ ،‬وهم‬
‫مستضعفون أمام من يغزوهم‪ ،‬وأحس المسلمون أن الروم يغلبونهم‬
‫على أمرهم ويسخرونهم لمصالحهم فرأوا أن من حقهم عليهم أن‬
‫يحموهم من ظلم الروم‪ ،‬وأن يمنعوهم من تسلط البيزنطيين‪ ،‬وقال‬
‫يغلبهم‪(2‬الروم على‬ ‫إسماعيل بن عياش‪ :‬أهل قبرص أذلء مقهورون‬
‫أنفسهم ونسائهم‪ ،‬فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم) ‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه‪:‬‬
‫وقد جاء في سياق هذه الغزوة المذكورة خبر أبي الدرداء ‪‬‬
‫حينما نظر إلى سبي العداء فبكى‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما أهون الخلق على‬
‫الله إذا هم عصوه‪ .‬فانظر إلى هؤلء القوم بينما هم ظاهرون‬
‫قاهرون لمن)‪(3‬ناوأهم‪ ،‬فلما تركوا أمر الله ‪-‬عز وجل‪ -‬وعصوه صاروا‬
‫إلى ما ترى‪ .‬وجاء في رواية‪ :‬فقال له جبير بن نفير‪ :‬أتبكي وهذا‬
‫يوم أعز الله فيه السلم وأهله؟ فقال‪ :‬ويحك إن هذه كانت أمة‬
‫قاهرة لهم ملك‪ ،‬فلما ضيعوا أمر الله صيرهم إلى ما ترى‪ ،‬سلط الله‬
‫فيهم حاجة‪،‬‬
‫)‪(4‬‬
‫عليهم السبي‪ ،‬وإذا سلط على قوم السبي فليس لله‬
‫وقال‪ :‬ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره!!‪.‬‬
‫إن ما تفوه به أبو الدرداء يعتبر مثل للبصيرة النافذة والفقه في‬
‫أمر الله تعالى‪ ،‬فهذا الصحابي الجليل يبكي حسرة على هؤلء الذين‬
‫أعمى الله بصائرهم‪ ،‬فلم ينقادوا لدعوة الحق فباءوا بهذا المصير‬
‫المؤلم؛ حيث تحولوا من الملك والعزة إلى الستسلم والذلة‬
‫لصرارهم على لزوم الباطل والتكبر على الخضوع لدعوة الحق‪ ،‬ولو‬
‫أنهم عقلوا وتدبروا لكان في دخولهم في السلم بقاء ملكهم‬
‫وعمران ديارهم والظفر بحماية دولة السلم‪ ،‬وإن هذا التفكير‬
‫العميق من أبي الدرداء مظهر من مظاهر الرحمة والعطف تفتحت‬
‫عنه نفسه الزكية‪ ،‬فتشكل ذلك في الظاهر على هيئة دموع تنحدر‬
‫من عيني هذا الرجل العظيم‪ ،‬ليعبر عما يجول في نفسه من نظرات‬
‫الحنان والرحمة والسى على مصير تلك المة التي اجتمع لها البقاء‬
‫على الضلل والمآل السيئ بزوال الملك والوقوع في الذل والهوان‪،‬‬
‫وإنه بقدر ما يفرح المسلم بدخول الناس في السلم فإنه يحزن من‬
‫رؤية الكافرين وهم يعيشون في ضلل مع إدراكه ما ينتظرهم من‬
‫العذاب الليم المؤبد في الخرة‪ ،‬فكيف إذا أضيف إلى ذلك وقوعهم‬

‫البلذري‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫جولة تاريخية‪ ،‬ص ‪.361‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫التاريخ السلمي )‪.(12/396‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪(7/159‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪152‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫في السر والتشرد وتعرضهم للقتل في الحياة الدنيا؟‬
‫ثامًنا‪ :‬عبادة بن الصامت يقسم غنائم قبرص‪:‬‬
‫قال عبادة بن الصامت لمعاوية ‪-‬رضي الله عنهما‪ :-‬شهدت‬
‫رسول الله × في غزوة حنين والناس يكلمونه في الغنائم‪ ،‬فأخذ‬
‫وبرة من بعير وقال‪» :‬ما لي مما أفاء الله عليكم من هذه‬
‫الغنائم إل الخمس‪ ،‬والخمس مردود عليكم«‪ ،‬فاتق الله يا‬
‫ط منها أحدا أكثر من حقه‪،‬‬ ‫معاوية واقسم الغنائم على وجهها‪ ،‬ول تع ِ‬
‫فقال له معاوية‪ :‬قد وليتك قسمة الغنائم‪ ،‬وليس أحد بالشام أفضل‬
‫واتق الله فيها‪ .‬فقسمها عبادة بين‬ ‫منك ول أعلم‪ ،‬فاقسمها بين أهلها‬
‫أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو أمامة)‪.(2‬‬
‫***‬

‫)( التاريخ السلمي )‪.(12/397‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الرياض النضرة في مناقب العشرة‪ ،‬لبي جعفر أحمد‪ ،‬الشهير بالمحب‬ ‫‪2‬‬

‫الطبري‪ ،‬ص ‪.561‬‬

‫‪153‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫فتوحات الجبهة المصــــــــــرية‬
‫ل‪ :‬ردع المتمردين في السكندرية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫كبر على الروم خروج السكندرية من أيديهم‪ ،‬وظلوا يتحينون‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن بالسكندرية‬‫م ْ‬
‫الفرص لعادتها إلى حوزتهم‪ ،‬فراحوا يحرضون َ‬
‫الروم على التمرد والخروج على سلطان المسلمين؛ ذلك لن الروم‬
‫كانوا يعتقدون أنهم ل يستطيعون الستقرار في بلدهم بعد خروج‬
‫السكندرية من ملكهم‪ (1).‬وصادف تحريض الروم لهل السكندرية‬
‫هوى في نفوس سكانها فاستجابوا للدعوة‪ ،‬وكتبوا إلى قسطنطين‬
‫المسلمين‪ (2‬ويصفون له ما يعيش فيه‬ ‫بن هرقل يخبرونه بقلة عدد‬
‫الروم بالسكندرية من الذل والهوان‪ ).‬وكان عثمان ‪ ‬قد عزل‬
‫عمرو بن العاص عن مصر‪ ،‬وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي‬
‫السرح‪ ،‬وفي أثناء ذلك وصل منويل الخصى قائد قوات الروم إلى‬
‫السكندرية لعادتها وتخليصها من يد المسلمين‪ ،‬ومعه قوات هائلة‬
‫ثلثمائة مركب مشحونة بكل ما يلزم هذه القوات من‬ ‫يحملهم في‬
‫السلح والعتاد)‪.(3‬‬
‫علم أهل مصر بأن قوات الروم قد وصلت إلى السكندرية‪،‬‬
‫فكتبوا إلى عثمان يلتمسون إعادة عمرو بن العاص ليواجه القوات‬
‫الغازية فإنه أعرف بحربهم‪ ،‬وله هيبة في نفوسهم‪ ،‬فاستجاب‬
‫الخليفة لطلب المصريين‪ ،‬وأبقى ابن العاص أميرا على مصر)‪،(4‬‬
‫ونهب منويل وجيشه السكندرية وغادروها بعد أن تركوها قاعا‬
‫صفصفا‪ ,‬ليعيثوا فيما حولها من القرى ظلما وفسادا‪ ،‬وأمهلهم عمرو‬
‫بن العاص ليمعنوا في الفساد وليشعر المصريون بالفرق الهائل بين‬
‫حكامهم من المسلمين وحكامهم من الروم‪ ،‬ولتمتلئ قلوب‬
‫المصريين على الروم حقدا وغضبا فل يكون لهم من حبهم والعطف‬
‫عليهم أدنى حظ‪ ،‬وخرج منويل بجيشه من السكندرية يقصد مصر‬
‫السفلى دون أن يخرج إليهم عمرو أو يقاومهم أحد‪ ،‬وتخوف بعض‬
‫أصحابه‪ ,‬وعمرو كان له رأي آخر‪ ،‬فقد كان يرى أن يتركهم يقصدونه‪،‬‬
‫ول شك أنهم سينهبون أموال المصريين‪ ،‬وسيرتكبون من الحماقات‬
‫في حقهم ما يمل قلوبهم حقدا عليهم وغضبا منهم‪ ،‬فإذا نهض‬
‫المسلمون لمواجهتهم عاونهم المصريون على التخلص منهم‪ ،‬وحدد‬
‫ي‪ ،‬فإنهم يصيبون من‬ ‫عمرو سياسته هذه بقوله‪» :‬دعهم يسيروا إل ّ‬
‫مروا به‪ ،‬فيخزي بعضهم ببعض«‪ (5).‬وقد صدق حدس عمرو‪ ،‬وأمعن‬
‫الروم في إفسادهم ونهبهم وسلبهم‪ ،‬وضج المصريون من فعالهم‪،‬‬
‫وأخذوا يتطلعون إلى من يخلصهم من شر هؤلء الغزاة المفسدين‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫وصل منويل إلى نقيوس‪ ،‬واستعد عمرو للقائه وعبأ جنده‪ ،‬وسار بهم‬

‫)( الكامل لبن الثير‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (4 ،3 ،‬جولة تاريخية‪ ،‬ص ‪.335‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( جولة تاريخية ص ‪ ،336‬عثمان بن عفان‪ ،‬لهيكل‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.338‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.336‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪154‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫نحو عدوه الشرس‪ ،‬وتقابل الجيشان عند حصن نقيوس على شاطئ نهر‬
‫النيل‪ ،‬واستبسل الفريقان أيما استبسال‪ ،‬وصبر كل فريق صبرا أمام‬
‫خصمه مما زاد الحرب ضراوة واشتعال‪ ،‬ودفع بالقائد عمرو إلى أن‬
‫يمعن في صفوف العدو‪ ،‬ويقدم فرسه بين فرسانهم‪ ،‬ويشهر سيفه بين‬
‫سيوفهم‪ ،‬ويقطع به هامات الرجال وأعناق البطال‪ ،‬وأصاب فرسه سهم‬
‫فقتله‪ ،‬فترجل عمرو وانضم إلى صفوف المشاة‪ ،‬ورآه المسلمون‬
‫الحرب بقلوب كقلوب السود ل يهابون ول يخافون قعقعة‬ ‫)‪(1‬‬
‫فأقبلوا على‬
‫وأمام ضربات المسلمين وهنت عزائم الروم وخارت قواهم‪،‬‬ ‫السيوف‪.‬‬
‫فانهزموا أمام البطال الذين يريدون إحدى الحسنيين‪ ،‬وقصد الروم في‬
‫المنيعة وأسوارها‬ ‫فرارهم السكندرية لعلهم يجدون في حصونهم‬
‫الشاهقة ما يواري عنهم شبح الموت الذي يلحقهم)‪.(2‬‬
‫وخرج المصريون بعد أن رأوا هزيمة الروم يصلحون للمسلمين‬
‫ما أفسده العدو الهارب من الطرق‪ ،‬ويقيمون لهم ما دمره من‬
‫الجسور‪ ،‬وأظهر المصريون فرحتهم بانتصار المسلمين على العدو‬
‫وممتلكاتهم‪ ،‬وقدموا‬ ‫الذي انتهك حرماتهم واعتدى على أموالهم‬
‫للمسلمين ما ينقصهم من السلح والمؤونة)‪.(3‬‬
‫ولما وصل عمرو السكندرية ضرب عليهم الحصار ونصب عليها‬
‫المجانيق وظل يضرب أسوار السكندرية حتى أوهنها‪ ،‬وألح عليها‬
‫بالضرب حتى ضعف أهلها وتصدعت أسوارها وفتحت المدينة‬
‫الحصينة أبوابها‪ ،‬ودخل المسلمون السكندرية وأعملوا سيوفهم في‬
‫الروم يقتلون المقاتلين‪ ،‬ويأسرون النساء والذرية‪ ،‬وهرب من نجا‬
‫من الموت لجئين إلى السفن ليفروا بها عائدين من حيث أتوا‪ ،‬وكان‬
‫منويل في عداد القتلى‪ ،‬ولم يكف المسلمون عن القتل والسبي‬
‫توسط‪(4‬المسلمون المدينة‪ ،‬ولما لم يكن‬ ‫حتى أمر عمرو بذلك لما‬
‫هناك من يقاوم أو يتصدى لهم‪ ).‬ولما فرغ المسلمون أمر عمرو‬
‫مسجد في المكان الذي أوقف فيه القتال وسماه مسجد‬ ‫)‪(5‬‬
‫ببناء‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫وعادت إلى العاصمة العتيدة طمأنينتها‪ ،‬وعادت السكينة إلى‬
‫قلوب المصريين فيها‪ ،‬فرجع إليها من كان قد فر منها أمام الزحف‬
‫الرومي الرهيب‪ ،‬وعاد بنيامين بطريرك القبط إلى السكندرية بعد‬
‫أن فر مع الفارين‪ ،‬وأخذ يرجو عمرو أل يسيء معاملة القبط لنهم‬
‫كذلك‪ (6‬أل يعقد‬ ‫لم ينقضوا عهدهم ولم يتخلوا عن واجبهم‪ ،‬ورجاه‬
‫صلحا مع الروم‪ ،‬وأن يدفنه إذا مات في كنيسة يحنس) ‪.‬‬
‫وجاء المصريون من كل حدب وصوب إلى عمرو يشكرونه على‬
‫تخليصهم من ظلم الروم‪ ،‬ويطلبون منه إعادة ما نهبوا من أموالهم‬
‫ودوابهم معلنين ولءهم وطاعتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن الروم قد أخذوا دوابنا‬
‫وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة‪ ،‬فطلب منهم عمرو‬
‫)‪(7‬‬
‫أن يقيموا البينة على ما ادعوا‪ ،‬ومن أقام بينة وعرف من له بعينه رده‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (5‬جولة تاريخية‪ ،‬ص ‪.338‬‬ ‫)( البلذري‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ (2،‬جولة تاريخية‪ ،‬ص ‪.338‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬

‫)‪ (4 ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.340‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪7‬‬

‫‪155‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عليه‪ ،‬وهدم عمرو سور السكندرية‪ ،‬وكان ذلك في سنة ‪ 25‬هـ‪.‬‬
‫وأصبحت السكندرية آمنة من جهاتها كلها رغم هدم سورها‪ ،‬فقد كان‬
‫شرقيها في قبضة المسلمين وكذلك جنوبها‪ ،‬وأما غربيها فقد أمنه عمرو‬
‫بن العاص بفتح برقة وزويلة وطرابلس الغرب‪ ،‬وصالح أهل هذه البلد‬
‫على الجزية فكانوا يدفعونها طائعين‪ ،‬وأما شمالها فكان في قبضة‬
‫الروم‪ ،‬وقد تلقوا درسا على يد المسلمين لم يترك لهم فرصة للتفكير‬
‫في العودة‪ ،‬وحتى لو فكروا في العودة فهيهات أن يدخلوها وليس لهم‬
‫فيها نصير ول معين‪ ،‬وقوات المسلمين تراقب البحر بكل يقظة‬
‫واهتمام)‪.(1‬‬
‫ثانًيا‪ :‬فتح بلد النوبة‪:‬‬
‫كان عمرو بن العاص قد شرع في فتح بلد النوبة بإذن من الخليفة‬
‫عمر‪ ،‬فوجد حربا لم يتدرب عليها المسلمون وهي الرمي بالنبال في‬
‫أعين المحاربين حتى فقدوا مائة وخمسين عينا في أول معركة‪ ،‬ولهذا‬
‫قبل الجيش الصلح‪ ,‬ولكن عمرو بن العاص رفض للوصول إلى شروط‬
‫)‪(2‬‬
‫وعندما تولى ابن سعد ولية مصر غزا النوبة في عام إحدى‬ ‫أفضل‬
‫‪،‬‬
‫وثلثين هجرية فقاتله الساود من أهل النوبة قتال شديدا‪ ،‬فأصيبت يومئذ‬
‫عيون كثيرة من المسلمين‪ ،‬فقال شاعرهم‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫والخيل تعدو بالدروع مثقلة‬ ‫لم تر عين مثل يوم ُدمقلة‬

‫النوبة عبد الله بن سعد المهادنة‪ ،‬فهادنهم هدنة بقيت‬ ‫فسأل أهل‬
‫إلى ستة قرون)‪ ،(4‬وعقد لهم عقدا يضمن لهم استقلل بلدهم‬
‫ويحقق للمسلمين الطمئنان إلى حدودهم الجنوبية‪ ،‬ويفتح النوبة‬
‫السلمية‪،‬‬ ‫للتجارة والحصول على عدد من الرقيق في خدمة الدولة‬
‫وقد اختلط المسلمون بالنوبة والبجة‪ ،‬واعتنق كثير منهم السلم)‪.(5‬‬
‫ثالثـا‪ :‬فتح إفريقية‪:‬‬
‫كان من مقاصد حملة عمرو بن العاص ‪ ‬لبرقة وطرابلس‬
‫وبقية مناطق ليبيا‪ ،‬فتح البلد وإزالة الطاغوت الروماني عن قلوب‬
‫العباد حتى تتضح لهم السبل وتفترق لهم الطرق‪ ،‬وتصبح حرية‬
‫الختيار في متناول تلك الشعوب‪ ،‬بعد تلك الحملة المباركة التي‬
‫كانت سببا في دخول ذلك النور إلى تلك المناطق المظلمة بعبادة‬
‫الصنام والتقرب إليها بالقرابين‪ ،‬واتخاذ النداد والرباب من البشر‬
‫العباد إلى عبادة رب‬ ‫من دونه سبحانه وتعالى‪ ،‬وإخراجهم من عبادة‬
‫العباد‪ .‬وعن حملة عبد الله بن سعد على إفريقية)‪ (6‬يقول الدكتور‬
‫زل عمرو بن العاص ‪‬‬ ‫صالح مصطفى‪ :‬وفي سنة ‪ 26‬هـ‪646/‬م عُ ِ‬
‫عن ولية مصر‪ ،‬واستعمل عليها عبد الله بن سعد ‪ ،‬وكان عبد الله‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.341‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.229‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫قادة الفتح لبلد المغرب‪.(63 -1/61) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الخلفة والخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.229‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫قادة الفتح لبلد المغرب‪.(63 -1/61) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الشرف والتسامي بحركة الفتح السلمي‪ ،‬للصلبي‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪156‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بن سعد يبعث جرائد الخيل كما كانوا يفعلون أيام عمرو بن العاص‬
‫فيصيبون من أطراف إفريقية ويغنمون)‪ ،(1‬وكانت جرائد الخيل تقصد‬
‫إفريقية )تونس( تمهيدا لفتحها ومعرفة وضعها‪ ،‬فكان حال هذه‬
‫الجرائد أشبه ما يكون بكتائب الستطلع التي تعتبر مقدمة الجيش‬
‫وعيونه‪ ،‬فلما اجتمعت عند عبد الله بن سعد معلومات كافية عن‬
‫إفريقية من ناحية مداخلها ومخارجها‪ ،‬وقوتها وعدادها‪ ،‬وموقعها‬
‫الجغرافي الستراتيجي كتب حينئذ إلى الخليفة الراشد عثمان بن‬
‫عفان يخبره بهذه المعلومات الهامة عن إفريقية‪ ،‬يستأذن بناء على‬
‫تلك المعلومات بفتحها‪ ،‬فكان له ما طلب‪ .‬يقول الدكتور صالح‬
‫مصطفى‪ :‬ولما استأذن عبد الله بن سعد الخليفة عثمان بن عفان‬
‫في غزو إفريقية‪ ،‬جمع الصحابة واستشارهم في ذلك‪ ،‬فأشاروا عليه‬
‫بفتحها‪ ،‬إل أبو العور سعيد بن زيد‪ ،‬الذي خالفه متمسكا برأي عمر‬
‫بن الخطاب في أل يغزو أفريقية أحد من المسلمين‪ ،‬ولما أجمع‬
‫الصحابة على ذلك دعا عثمان للجهاد‪ ،‬واستعدت المدينة ‪-‬عاصمة‬
‫الخلفة السلمية‪ -‬لجميع المتطوعين وتجهيزهم‪ ،‬وترحيلهم إلى مصر‬
‫لغزو إفريفية تحت قيادة عبد الله بن سعد‪ .‬وقد ظهر الهتمام بأمر‬
‫تلك الغزوة جليا‪ ،‬وهذا يتضح من الذين خرجوا إليها من كبار‬
‫الصحابة‪ ،‬ومن خيار شباب آل البيت‪ ،‬وأبناء المهاجرين الوائل وكذلك‬
‫النصار؛ فقد خرج في تلك الغزوة الحسن والحسين‪ ،‬وابن عباس‬
‫وابن جعفر وغيرهم‪.‬‬
‫هذا وقد خرج من قبيلة مهرة وحدها في غزوة عبد الله بن سعد‬
‫ستمائة رجل‪ ،‬ومن غنث سبعمائة رجل‪ ،‬ومن ميدعان سبعمائة رجل‪،‬‬
‫ما خطب عثمان فيهم‪ ،‬ورغبهم في الجهاد‪،‬‬ ‫وعندما بات الستعداد تا ً‬
‫وقال لهم‪ :‬لقد استعملت عليكم الحارث بن الحكم إلى أن تقدموا‬
‫على عبد الله بن سعد فيكون المر إليه‪ ،‬وأستودعكم الله‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫إن عثمان ‪ ‬قد أعان في هذه الغزوة بألف بعير يحمل عليها ضعفاء‬
‫الناس‪ ،‬وعندما وصل هذا الجيش إلى مصر انضم إلى جيش عبد الله‬
‫بن سعد‪ ،‬وتقدم من الفسطاط تحت قيادة عبد الله ذلك الجيش‬
‫الذي يقدر بعشرين ألفا يخترق الحدود المصرية الليبية‪ ،‬وعندما‬
‫وصلوا إلى برقة انضم إليهم عقبة بن نافع الفهري ومن معه من‬
‫المسلمين‪ ،‬ولم يواجه الجيش السلمي أية صعوبات أثناء سيرهم‬
‫في برقة؛ وذلك لنها ظلت وفية لما عاهدت المسلمين عليه من‬
‫الشروط زمن عمرو بن العاص‪ ،‬حتى إنه لم يكن يدخلها جابي‬
‫الخراج‪ ،‬وإنما كانت تبعث بخراجها إلى مصر في الوقت المناسب‪.‬‬
‫ومما يؤكد بقاء برقة على عهدها لعمرو بن العاص‪ ،‬ما ذكر أنه سمع‬
‫قعدت مقعدي هذا‪ ،‬وما لحد من قبط مصر علي عهد إل أهل‬ ‫يقول‪:‬‬
‫دا يوفي لهم به‪ ،‬كما أن عبد الله بن عمرو‬ ‫أنطابلس)‪ ،(2‬فإن لهم عه ً‬
‫ولول‪(3‬مالي بالحجاز لنزلت برقة‪ ،‬فما أعلم‬ ‫بن العاص كان يقول‪:‬‬
‫منزل أسلم ول أعزل منها) ‪.‬‬
‫وهكذا انطلقت هذه الحملة المباركة نحو إفريقية‪ ,‬وكان ذلك بعد‬
‫)( ليبيا من الفتح العربي حتى انتقال الخلفة الفاطمية إلى مصر‪ ،‬صالح‬ ‫‪1‬‬

‫مصطفى مفتاح المزيني‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫)( أنطابلس‪ :‬معناها برقة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ليبيا من الفتح العربي حتى انتقال الخلفة الفاطمية إلى مصر‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪157‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫انضمام قوات عقبة بن نافع إليها‪ ،‬إل أن عبد الله بن سعد قائد‬
‫الحملة ما فتئ يرسل الطلئع والعيون في جميع التجاهات‬
‫لستكشاف الطرق وتأمينها ورصد تحركات العدو وضبطها؛ تحسبا‬
‫لي كمين أو مباغتة تطرأ على حين غفلة‪ ،‬فكان من نتائج تلك‬
‫الطلئع الستطلعية أن تم رصد مجموعات من السفن الحربية تابعة‬
‫للمبراطورية الرومانية‪ ،‬حيث كانت هذه السفن الحربية قد رست‬
‫في ساحل ليبيا البحري بالقرب من مدينة طرابلس‪ ،‬فما هي إل‬
‫برهة من الزمن حتى كان ما تحمله هذه السفن غنيمة للمسلمين‪،‬‬
‫أول غنيمة ذات‬ ‫)‪(1‬‬
‫وقد أسروا أكثر من مائة من أصحابها‪ ،‬وتعتبر هذه‬
‫قيمة أصابها المسلمون في طريقهم لفتح إفريقية‪.‬‬
‫وواصل عبد الله بن سعد السير إلى إفريقيا‪ ،‬وبث طلئعه وعيونه‬
‫في كل ناحية‪ ،‬حتى وصل جيشه إلى مدينة سبيطلة بأمان‪ ،‬وهناك‬
‫التقى الجمعان؛ جيش المسلمين بقيادة عبد الله ابن سعد وجيش‬
‫جرجير حاكم إفريقية‪ ،‬وكان تعداد جيشه يبلغ حوالي مائة وعشرين‬
‫واها‬ ‫ألفا‪ ،‬وكان بين القائدين اتصالت مستمرة ورسائل متبادلة‪ ،‬فَ ْ‬
‫ح َ‬
‫عرض الدعوة السلمية على جرجير ودعوته للدخول في السلم‪،‬‬
‫ويستسلم لمر الله سبحانه‪ ،‬أو أن يدفع الجزية‪ ،‬ويبقى على دينه‬
‫خاضعا لسيادة السلم‪ ،‬ولكن كل تلك العروض رفضها وأصر‬
‫واستكبر هو وجنوده‪ ،‬وضاق المر بالمسلمين‪ ،‬ونشبت المعركة بين‬
‫الجمعين وحمى الوطيس بينهما لعدة أيام‪ ،‬حتى وصل مدد بقيادة‬
‫الله بن الزبير‪ ،‬وكانت نهاية هذا المستكبر الطاغي جرجير على‬ ‫عبد‬
‫يديه)‪.(2‬‬
‫ولما رأى الروم الذين بالساحل ما حل بجرجير وأهل سبيطلة‪،‬‬
‫غارت أنفسهم وتجمعوا وكاتب بعضهم بعضا في حرب عبد الله بن‬
‫سعد إياهم‪ ،‬فخافوه وراسلوه وجعلوا له جعل على أن يرتحل‬
‫بجيشه‪ ،‬وأل يعترضوه بشيء ووجهوا إليه ثلثمائة قنطار من الذهب‬
‫في بعض الروايات‪ ،‬وفي البعض الخر مائة قنطار‪ ،‬جزية في كل‬
‫سنة على أن يكف عنهم ويخرج من بلدهم‪ ،‬فقبل ذلك منهم وقبض‬
‫المال‪ ،‬وكان في شرط صلحهم أن ما أصاب المسلمون قبل الصلح‬
‫فهو لهم‪ ،‬وما أصابوه بعد الصلح رده عمر إن عبد الله بن الزبير قال‬
‫لعبد الله بن سعد‪ :‬إن أمرنا يطول مع هؤلء وهم في أمداد متصلة‬
‫وبلد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلدهم‪ ،‬وقد رأيت أن‬
‫نترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين‬
‫ونقاتل نحن الروم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملوا‪ ,‬فإذا‬
‫رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من‬
‫المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة‪،‬‬
‫فلعل الله ينصرنا عليهم‪ ،‬فأحضر جماعة من أعيان الصحابة‬
‫واستشارهم فوافقوه على ذلك‪ ،‬فلما كان الغد فعل عبد الله ما‬
‫اتفقوا عليه‪ ،‬وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم‬
‫عندهم مسرجة‪ ،‬ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتال‬
‫م الروم بالنصراف على العادة فلم‬ ‫شديدا‪ ،‬فلما أذن بالظهر ه ّ‬
‫يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم‪ ،‬ثم عاد عنهم‬
‫)( الشرف والتسامي بحركة الفتح السلمي‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المصدر نفسه ص ‪ ،193‬البداية والنهاية )‪.(7/158‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪158‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والمسلمون؛ فكل الطائفتين ألقى سلحه ووقع تعبا‪ ،‬فعند ذلك أخذ‬
‫عبد الله بن الزبير من كان مستريحا من شجعان المسلمين وقصد‬
‫الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا حملة رجل واحد‬
‫وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلحهم حتى غشيهم المسلمون‪،‬‬
‫وقتل جرجير‪ ،‬قتله ابن الزبير‪ ،‬وانهزم الروم وقتل منهم مقتلة‬
‫عظيمة‪ ،‬وأخذت ابنة الملك جرجير سبية‪ ،‬ونازل عبد الله بن سعد‬
‫المدينة وحاصرهم حتى فتحها‪ ،‬ورأى فيها من الموال ما لم يكن في‬
‫غيرها‪ ،‬فكان سهم الفارس ثلثة آلف دينار وسهم الراجل ألف دينار‪.‬‬
‫ولما فتح عبد الله مدينة سبيطلة بث جيوشه في البلد فبلغت قفصة‬
‫فسبوا وغنموا‪ ،‬وسّير عسكرا إلى حصن الجم‪ ،‬وقد احتمى به أهل‬
‫تلك البلد فحصرهم وفتحه بالمان فصالحه أهل إفريقية كما مر‬
‫معنا‪ ،‬ونفل عبد الله بن الزبير)‪(1‬ابنة الملك وأرسله ابن سعد إلى‬
‫عثمان بالبشارة بفتح إفريقية ‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬بطولة عبد الله بن الزبير في فتح إفريقية‪:‬‬
‫هذا ولقد كان لعبد الله بن الزبير ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬موقف‬
‫عظيم في البطولة والشجاعة‪ ،‬وقد ذكره الحافظ ابن كثير حيث‬
‫قال‪ :‬لما قصد المسلمون ‪-‬وهم عشرون ألفا‪ -‬إفريقية‪ ،‬وعليهم عبد‬
‫الله بن سعد بن أبي السرح‪ ،‬وفي جيشه عبد الله بن عمر وعبد الله‬
‫بن الزبير‪ ،‬صمد إليهم ملك البربر جرجير في عشرين ومائة ألف‪،‬‬
‫وقيل في مائتي ألف‪ ،‬فلما تراءى الجمعان أمر جيشه فأحاطوا‬
‫بالمسلمين هالة‪ ،‬فوقف المسلمون في موقف لم ير أشنع منه ول‬
‫أخوف عليهم منه‪.‬‬
‫قال عبد الله بن الزبير‪ :‬نظرت إلى الملك جرجير من وراء‬
‫الصفوف وهو راكب على برذون‪ ،‬وجاريتان تظلنه بريش‬
‫الطواويس‪ ،‬فذهبت إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح فسألته أن‬
‫يبعث معي من يحمي ظهري‪ ،‬وأقصد الملك‪ ،‬فجهز معي جماعة من‬
‫الشجعان‪ ،‬فأمر بهم فحموا ظهري وذهبت حتى خرقت الصفوف‬
‫إليه‪ ،‬وهم يظنون أني في رسالة إلى الملك‪ ،‬فلما اقتربت منه أحس‬
‫مني الشر‪ ،‬ففر على برذونه فلحقته فصفعته برمحي وذففت ‪-‬يعني‬
‫أجهزت‪ -‬عليه بسيفي‪ ،‬وأخذت رأسه فنصبته على رأس الرمح‬
‫وكبرت‪ ،‬فلما رأى ذلك البربر فَرُِقوا وفروا كفرار القطا‪ ،‬واتبعهم‬
‫المسلمون يقتلون ويأسرون‪ ,‬فغنموا غنائم جمة وأموال عظيمة‬
‫ما‪ ،‬وذلك ببلد يقال له‪) :‬سبيطلة( على يومين من‬ ‫وسبًيا عظي ً‬
‫القيروان‪.‬‬
‫عبد الله بن‬ ‫قال ابن كثير‪ :‬فكان هذا أول موقف اشتهر فيه أمر‬
‫الزبير ‪ ‬وعن أبيه‪ ،‬وعن سائر الصحابة الكرام أجمعين)‪.(2‬‬
‫إن ما قام به ابن الزبير نوع من الطموح نحو المعالي المحفوفة‬
‫بالهوال بدون تدرج سابق‪ ،‬لقد كان عمره آنذاك سبعا وعشرين‬
‫سنة‪ ،‬ولم يذكر له قبل ذلك مواقف بطولية من نوع المغامرات‪،‬‬
‫فكيف أقدم على هذه المغامرة الهائلة التي يغلب على الظن أو يكاد‬
‫)( الكامل لبن الثير )‪.(46 ،3/45‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/158‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪159‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يقرب من اليقين في عرف الناس العاديين أن فيها الهلك؟!! وإن‬
‫الحتمالت التي يمكن أن ترد في مثل هذه المغامرة أن يدور في‬
‫خلد المغامر أمران‪:‬‬
‫أن ينجح في هجومه فيقضي على ملك البربر‪ ،‬ويتفرق جنده كما‬ ‫‪-1‬‬
‫هي عادة الكفار‪ ،‬وفي ذلك نصر مؤزر للمسلمين‪ ،‬وكفاية لهم عن خوض‬
‫معركة شرسة قد تخوف منها المسلمون‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتقبله الله شهيدا‪ ،‬وفي ذلك الوصول إلى أسمى الماني‪،‬‬
‫وأبلغ الدرجات التي يطمح إليها الصالحون ويتنافسون على بلوغها‪،‬‬
‫كما أن في ذلك من إرهاب الكفار وإثارة الرعب فيهم الشيء‬
‫الكثير؛ حيث سيتوقع الكفار أن المسلمين الذين سيقاتلونهم كلهم‬
‫من هذا النوع الجريء الفتاك؛ إذ أنه يكفي المغامر شجاعة أن يقذف‬
‫بنفسه في وسط المعركة الملتهبة‪ ،‬إنه ل يقدم على هذه الوثبة‬
‫العالية إل العظماء الذين يتصورون الجنة من وراء تلك الوثبة‬
‫ويشتاقون للعيش فيها‪ .‬ولقد كان ابن الزبير وثب تلك الوثبة متجردا‬
‫من علئق الدنيا وأثقالها المثبطة‪ ،‬طامحا إلى ما أعده الله تعالى‬
‫سبيله على قدر طاقتهم‪ ،‬سواء انتصروا على أعدائهم‬ ‫)‪(1‬‬
‫للمجاهدين في‬
‫أو نالوا الشهادة‪.‬‬
‫وقد جاء في هذا الخبر أن البربر بعدما قتل ملكهم فروا من جيش‬
‫طا‪َ ،‬وأن المسلمين تبعوهم يقتلون ويأسرون منهم‬ ‫المسلمين كفرار ال َق‬
‫من غير مقاومة‪ ،‬وإن هذا الخبر دليل على أن الله تعالى مع أوليائه‬
‫المؤمنين‪ ،‬وأنه يقيض لهم إذا صدقوا ما يخلصهم من الشدائد وينقذهم‬
‫من المآزق‪ ،‬فإن المسلمين قد وقعوا في معضلة كبرى؛ حيث أحاط بهم‬
‫أعداؤهم الذين يفوقونهم ست مرات في العدد أو أكثر‪ ،‬وكان على‬
‫المسلمين أن يقاتلوهم من كل جانب‪ ،‬وهو أمر عسير على جيش صغير‬
‫بالنسبة لكثرة عدوه‪ ،‬كما جاء في قول الراوي‪ :‬فوقف المسلمون في‬
‫موقف لم ير أشنع منه ول أخوف عليهم منه‪ ،‬فقيض الله لهم هذا البطل‬
‫المثال‪ ،‬فأنقذ الله به ذلك الجيش‬ ‫)‪(2‬‬
‫المغوار الذي أقدم على مغامرة نادرة‬
‫السلمي من عسرة كان يعاني منها‪.‬‬
‫ول ننسى موقف البطال الذين كانوا مع عبد الله بن الزبير‬
‫يحمون ظهره‪ ،‬فإنهم قد شاركوه في تلك المخاطرة‪ ،‬ولئن لم يذكر‬
‫التاريخ أسماءهم فإن عملهم الفدائي قد بقي مخلدا في الدنيا برفع‬
‫بأبطالها‪ ،‬وفي الخرة بما ينتظرون من‬ ‫ذكر هذه المة حينما تفاخر‬
‫وعد الله للمجاهدين الصادقين)‪.(3‬‬
‫دم ّالمسلمون الغالي والرخيص في فتوحات إفريقية‪،‬‬ ‫هذا وقد ق‬
‫واستشهد منهم الكثير‪ ،‬وممن توفى منم غازيا بإفريقية في خلفة عثمان‬
‫أبو ذؤيب الهذلي وكان شاعرا مشهورا‪ ،‬وهو الذي قال‪:‬‬
‫ألفيت كل تميمة ل تنفع‬ ‫وإذا المنية أنشبت أظفارها‬
‫)‪(4‬‬
‫أني لريب الدهر ل أتضعضع‬ ‫وتجلدي للشامتين أريهم‬

‫)( التاريخ السلمي )‪.(12/390‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2 ،‬التاريخ السلمي‪.(12/392) ،‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬

‫‪160‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫سا‪ :‬معركة ذات الصواري‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫أصيب الروم بضربة حاسمة في إفريقية‪ ،‬وتعرضت سواحلهم‬
‫للخطر بعد سيطرة السطول السلمي على سواحل المتوسط من‬
‫ردوس حتى برقة‪ ،‬فجمع قسطنطين بن هرقل أسطول بناه الروم‬
‫من قبل‪ ،‬فخرج بألف سفينة لضرب المسلمين ضربة يثأر لها‬
‫لخسارته المتوالية في البر‪ ،‬فأذن عثمان ‪ ‬لصد العدوان‪ ،‬فأرسل‬
‫معاوية مراكب الشام بقيادة بسر بن أرطأة‪ ،‬واجتمع مع عبد الله بن‬
‫سعد بن أبي السرح في مراكب مصر‪ ،‬وكانت كلها تحت أمرته‪،‬‬
‫ومجموعها مائتا سفينة فقط‪ ،‬وسار هذا الجيش السلمي وفيه‬
‫أشجع المجاهدين المسلمين ممن أبلوا في المعارك السابقة؛ فقد‬
‫انتصر هؤلء على الروم من قبل في معارك عديدة‪ ،‬فشوكة عدوهم‬
‫في أنفسهم محطمة‪ ،‬ل يخشونه ول يهابونه‪ ،‬على الرغم من قلة‬
‫عدد سفنهم إذا قيست بعدد سفن عدوهم‪ .‬خرج المسلمون إلى‬
‫البحر وفي أذهانهم وقلوبهم إعزاز دين الله وكسر شوكة الروم‪،‬‬
‫ولقد كان لهذه المعركة التاريخية أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الضربات القوية التي وجهها المسلمون إلى الروم في‬
‫إفريقية‪.‬‬
‫أصيب الروم في سواحلهم الشرقية والجنوبية بعد أن سيطر‬ ‫‪-2‬‬
‫المسلمون بأسطولهم عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬خشية الروم من أن يقوى أسطول المسلمين فيفكروا في‬
‫غزو القسطنطينية‪.‬‬
‫‪ -4‬أراد قسطنطين بن هرقل استرداد هيبة ملكه بعد الخسائر‬
‫المتتالية بّرا‪ ،‬وعلى شواطئه في بلد الشام ومصر وساحل برقة‪.‬‬
‫‪ -5‬كما أراد الروم خوض معركة ظنوا أنها مضمونة النتائج‪ ،‬كي‬
‫تبقى لهم السيطرة في المتوسط‪ ،‬فيحافظوا على جزره‪ ،‬فينطلقوا‬
‫منها للغارة على شواطئ بلد العرب‪.‬‬
‫‪ -6‬محاولة استرجاع السكندرية بسبب مكانتها عند الروم‪ ،‬وقد‬
‫لقسطنطين بن هرقل ملك الروم‪ .‬هذه‬ ‫ثبت تاريخيا مكاتبة سكانها‬
‫بعض أسباب معركة ذات الصواري)‪.(1‬‬
‫أين وقعت هذه المعركة؟‬
‫وهذا السؤال لم يجد المؤرخون له جوابا موحدا؛ فالمراجع‬
‫العربية لم تحدد مكانها‪ ،‬باستثناء مرجع واحد على ما نعلم صرح‬
‫بالمكان بدقة‪ ،‬وآخر قال اتجه الروم إليه‪.‬‬
‫* في )فتح مصر وأخبارها( )‪(2‬ذكر الكتاب خطبة عبد الله بن سعد‬
‫بن أبي السرح وقال‪ :‬قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف‬
‫مركب‪ .‬ولم يحدد مكان المعركة‪.‬‬
‫)( تاريخ السلم للذهبي‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.359‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( ذات الصواري‪ ،‬شوقي أبو خليل‪ ،‬ص ‪.61 ،60‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (3‬تاريخ الطبري )‪.(5/290‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪161‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫* )الطبري( )‪ (1‬في أخبار سنة ‪31‬هـ‪ ،‬ربط حدوث ذات الصواري‬
‫بما أصاب المسلمون من الروم في إفريقية‪ ،‬وقال‪ :‬فخرجوا في‬
‫جمع لم يجتمع للروم مثله قط‪.‬‬
‫* ولم يذكر )الكامل في التاريخ( )‪ (2‬مكان الموقعة أيضا‪ ،‬ولكنه‬
‫ربط سبب وقوعها بما أحرزه المسلمون من نصر في إفريقية‬
‫بالذات‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫* وفي )البداية والنهاية( ‪ :‬فلما أصاب عبد الله بن سعد بن أبي‬
‫السرح من أصاب من الفرنج والبربر بلد إفريقية‪ ،‬حميت الروم‬
‫واجتمعت على قسطنطين بن هرقل‪ ،‬وساروا إلى المسلمين في‬
‫جمع لهم لم ير مثله منذ كان السلم؛ خرجوا في خمسمائة مركب‬
‫وقصدوا عبد الله بن سعد بن أبي السرح في أصحابه من المسلمين‬
‫ببلد المغرب‪.‬‬
‫)‪(5‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫* )تاريخ المم السلمية(‪ :‬لم يذكر مكان الموقعة أيضا ‪،‬‬
‫ورجح الدكتور شوقي أبو خليل أن المعركة كانت على شواطئ‬
‫السكندرية‪ ،‬وذلك للسباب التالية‪:‬‬
‫والقاهرة( يذكر صراحة‪:‬‬ ‫* كتاب )النجوم الزاهرة في ملوك مصر‬
‫غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية السكندرية)‪.(6‬‬
‫* تاريخ ابن خلدون يذكر)‪ :(7‬ثم بعث ابن أبي السرح السرايا‬
‫ودوخ البلد فأطاعوا وعاد إلى مصر‪ ،‬ولما أصاب ابن أبي السرح‬
‫إفريقية ما أصاب‪ ،‬ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا‬
‫إلى السكندرية في ستمائة مركب‪.‬‬
‫* ربطت المراجع العربية التي لم تحدد موقع المعركة بين‬
‫حدوث المعركة وبين ما خسره الروم في شمال إفريقية بالذات‪.‬‬
‫* السطول الرومي صاحب ماض عريق‪ ،‬فهو سيد المتوسط‬
‫قبل ذات الصواري‪ ،‬فهو أجرأ على مهاجمة السواحل السلمية‪،‬‬
‫ولذلك رجح الدكتور شوقي أبو خليل مجيء السطول الرومي إلى‬
‫شواطئ السكندرية لستعادتها بسبب مكانتها عند الروم‪ ،‬ومكاتبة‬
‫أهلها لملكهم السابق‪ ،‬وهو بذلك يقضي أيضا على السطول الفتي‬
‫في مهده‪ ،‬الذي شرع العرب في بنائه بمصر‪ ،‬فتبقى للروم السيطرة‬
‫والسطوة في مياه المتوسط وجزره‪.‬‬
‫* المراجع الجنبية تعرف ذات الصواري بموقعة )فونيكة(‪،‬‬
‫السكندرية‪ ،‬بالقرب من مدينة‬ ‫وفونيكة هو ثغر يقع غرب مدينة‬
‫مرسى مطروح‪ ،‬فهي تحدد الموقع تماما)‪.(8‬‬
‫* أحداث المعركة‪:‬‬
‫قال مالك بن أوس بن الحدثان‪ :‬كنت معهم في ذات الصواري‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫)( الكامل في التاريخ )‪ (3/58‬طبعة البابي الحلبي ‪ -‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬الشيخ الخضري )‪.(2/29‬‬ ‫)( البداية والنهاية )‪.(7/163‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)‪ (4‬النجوم الزاهرة )‪.(1/80‬‬ ‫)( ذات الصواري‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫)‪ (6‬ذات الصواري‪ ،‬شوقي أبو خليل‪،‬‬ ‫)( تاريخ ابن خلدون )‪.(2/468‬‬ ‫‪7‬‬

‫ص ‪.64‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪162‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فالتقينا في البحر‪ ،‬فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط‪ ،‬وكانت‬
‫الريح علينا ‪-‬أي لصالح مراكب الروم‪ -‬فأرسينا ساعة‪ ،‬وأرسوا قريبا‬
‫منا‪ ،‬وسكتت الريح عنا‪ ،‬قلنا للروم‪ :‬المن بيننا وبينكم‪ ،‬قالوا‪ :‬ذلك‬
‫لكم‪ ،‬ولنا منكم‪ (1).‬كما طلب المسلمون من الروم‪ :‬إن أحببتم ننزل‬
‫إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لحدنا النصر‪ ،‬وإن شئتم فالبحر‪ .‬قال‬
‫مالك بن أوس‪ :‬فنخروا نخرة واحدة‪ ،‬وقالوا‪ :‬بل الماء الماء‪ ،‬وهذا‬
‫يظهر لنا ثقة الروم بخبرتهم البحرية‪ ،‬وأملهم في النصر لممارستهم‬
‫فطمعوا‬ ‫أحواله وفنونه‪ ،‬مرنوا عليه فأحكموا الدراية بثقافته وأنوائه‬
‫بالنصر فيه‪ ،‬خصوصا أنهم يعلمون حداثة عهد المسلمين به)‪.(2‬‬
‫بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر‪ ،‬وموقف المسلمين‬
‫ي؟ فقالوا‪ :‬انتظر‬ ‫حرج‪ ،‬فقال القائد المسلم لصحبه‪ :‬أشيروا عل ّ‬
‫الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا‪ ،‬فبات المسلمون يصلون‬
‫ويدعون الله ‪-‬عز وجل‪ -‬ويذكرونه ويتهجدون‪ ،‬فكان لهم دوي كدوي‬
‫النحل على نغمات تلطم المواج بالمراكب‪ ،‬أما الروم فباتوا‬
‫يضربون النواقيس في سفنهم‪ ،‬وأصبح القوم‪ ،‬وأراد قسطنطين أن‬
‫يسرع في القتال‪ ،‬ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ‬
‫من صلته إماما بالمسلمين للصبح‪ ،‬استشار رجال الرأي والمشورة‬
‫عنده‪ ،‬فاتفق معهم على خطة رائعة‪ :‬فقد اتفقوا على أن يجعلوا‬
‫المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر‪ ،‬فكيف تم‬
‫للمسلمين ذلك؟ أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم‬
‫فاقتربوا حتى لمست سفنهم سفن العدو‪ ،‬فنزل الفدائيون أو رجال‬
‫الضفادع البشرية في عرفنا الحالي إلى الماء‪ ،‬وربطوا السفن‬
‫السلمية بسفن الروم‪ ،‬ربطوها بحبال متينة‪ ،‬فصار ‪ 1200‬سفينة‬
‫في عرض البحر‪ ،‬كل عشرة أو عشرين منها متصلة مع بعضها‪،‬‬
‫ف عبد الله بن سعد‬ ‫فكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة‪ ،‬وص ّ‬
‫المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلوة القرآن‬
‫الكريم‪(3)،‬خصوصا سورة النفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات‬
‫والصبر ‪.‬‬
‫وبدأ الروم القتال‪ ،‬فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا‪:‬‬
‫بل الماء الماء‪ ،‬وانقضوا على سفن المسلمين بدافع المل بالنصر‪،‬‬
‫مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة السطول‬
‫السلمي‪ ،‬فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم‪ ،‬وصار‬
‫القتال كيفما اتفق‪ ,‬وكان قاسيا على الطرفين‪ ،‬وسالت الدماء غزيرة‬
‫اصطبغت بها صفحة الماء‪ ،‬فصار أحمر‪ ،‬وترامت الجثث في الماء‪،‬‬
‫وتساقطت فيه‪ ,‬وضربت المواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل‪،‬‬
‫وقتل من المسلمين الكثير‪ ،‬وقتل من الروم ما ل يحصى‪ ،‬حتى‬
‫البيزنطي )ثيوفانس( هذه المعركة بأنها كانت يرموكا‬ ‫)‪(4‬‬
‫وصف المؤرخ‬
‫ووصفها الطبري بقوله‪ :‬إن الدم كان غالبا في‬ ‫الروم‪.‬‬ ‫ثانيا على‬
‫الماء في هذه المعركة)‪ ،(5‬حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد‬
‫المسلم عبد الله بن أبي السرح‪ ،‬كي يبقى جند المسلمين دون قائد‪،‬‬
‫فتقدمت من سفينته سفينة رومية‪ ،‬ألقت إلى عبد الله السلسل‬
‫)‪ (2‬ذات الصواري‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/292‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (2‬تاريخ الطبري )‪.(5/293‬‬ ‫)( ذات الصواري‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪163‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أنقذ‪(1‬السفينة‬ ‫لتسحبها وتنفرد بها‪ ،‬ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي‬
‫والقائد بأن ألقى بنفسه على السلسل وقطعها بسيفه) ‪.‬‬
‫وصمد المسلمون رغم كل شيء‪ ،‬وصبروا كعادتهم في معاركهم‪،‬‬
‫فكتب الله ‪-‬عز وجل‪ -‬لهم النصر بما صبروا‪ ،‬واندحر ما تبقى من‬
‫السطول الرومي‪ ،‬وكاد المير قسطنطين أن يقع أسيرا في أيدي‬
‫المسلمين ‪-‬كما ذكر ابن عبد الحكم‪ -‬لكنه تمكن من الفرار لما رأى‬
‫قواه تنهار وجثث جنده على سطح الماء تلقى بها المواج إلى‬
‫الساحل‪ .‬لقد رأى أسطوله الذي تأمل فيه خيرا ونصرا وإعادة كرامة‬
‫جسمه‪ ،‬والحسرة‬ ‫يغرق قطعة بعد قطعة‪ ،‬ففر مدبرا والجراحات في‬
‫تأكل فؤاده‪ ،‬يجر خيبة وفشل‪ ،‬فوصل جزيرة صقلية)‪ ،(2‬وألقت به‬
‫)‪(3‬‬
‫الريح هناك‪ ،‬فسأله أهله عن أمره فأخبرهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬شمت‬
‫المسلمون لم نجد من يردهم‬ ‫النصرانية‪ ،‬وأفنيت رجالها‪ ،‬لو دخل‬
‫فقتلوه‪ ،‬وخلوا من كان معه من المراكب)‪.(4‬‬
‫* نتائج ذات الصواري‪:‬‬
‫‪ -1‬كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها‬
‫جَلد‬
‫ي الصبر واليمان‪ ،‬وال َ‬
‫المسلمون‪ ،‬أظهر فيها السطول الفت ّ‬
‫والفكر السليم بما تفّتق عنه الذهن السلمي من خطة جعلت‬
‫المعركة صعبة على أعدائهم‪ ،‬فاستحال عليهم اختراق صفوف‬
‫المسلمين بسهولة‪ ،‬كما استخدم المسلمون خطاطيف طويلة‬
‫يجرون بها صواري وشرع سفن العداء‪ ،‬المر الذي انتهى بكارثة‬
‫بالنسبة للروم‪.‬‬
‫‪ -2‬كانت ذات الصواري حدا فاصل في سياسة الروم إزاء‬
‫المسلمين‪ ،‬فأدركوا فشل خططهم في استرداد هيبتهم‪ ،‬أو استرجاع‬
‫مصر أو الشام‪ ،‬وانطلق المسلمون في عرض هذا البحر الذي كان‬
‫بحيرة رومية‪ ،‬وانتهى اسم )بحر الروم( إلى البد‪ ،‬واستطاع‬
‫المسلمون فتح قبرص وكريت وكورسيكا وسردينيا وصقلية وجزر‬
‫البليار‪ ،‬ووصلوا إلى جنوة ومرسيليا‪.‬‬
‫‪ -3‬قتل قسطنطين فتولى ابن قسطنطين الرابع من بعده‪ ،‬وكان‬
‫حد ًَثا صغير السن‪ ،‬مما جعل الظروف مواتية لقيام حملة بحرية‬ ‫َ‬
‫وبرية إسلمية تستهدف عاصمة روما )القسطنطينية( فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -4‬العداد الروحي قبل المعركة ‪-‬أو ما يسمى بالتوجيه المعنوي‬
‫في أيامنا هذه‪ -‬له قيمته في تحقيق النصر؛ حيث تتجه القلوب إلى‬
‫الله بصدق‪ ،‬فهذا المؤمن الذي بات ليله في تهجد وذكر‪ ،‬يستمد‬
‫العون من الله‪ ،‬من عظمته وعزته‪ ،‬بعد أن هيأ السباب‪ ،‬يلقى‬
‫العداء بروح عالية ل يهاب الموت‪ ،‬فالله أكبر من كل شيء‪ ،‬وهذه‬
‫المعارك التي نصف أحداثها التاريخية هي وصفة طبية نعرضها‬
‫لنستفيد منها في حياتنا؛ فحياة الصحابة ما هي إل‬
‫)‪(5‬‬
‫للتطبيق والنهج‪،‬‬
‫للقدوة وسيرة للتباع‪.‬‬
‫)‪ (4‬تاريخ ابن خلدون )‪.(2/468‬‬ ‫)( ذات الصواري‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (6‬ذات الصواري‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫)( المصدر نفسه )‪.(2/468‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫)( ذات الصواري‪ ،‬ص ‪.72 ،71‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪164‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -5‬أصبح البحر المتوسط بحيرة إسلمية‪ ،‬وصار السطول‬
‫السلمي سيد مياه البحر المتوسط‪ ،‬وهذا السطول ليس للتسلط‬
‫والقرصنة بل للدعوة إلى الله وكسر شوكة المشركين‪ ،‬ونشر‬
‫الحضارة المنبثقة عن كتاب الله وسنة رسوله ×‪.‬‬
‫‪ -6‬عكف المسلمون على دراسة علوم البحرية‪ ،‬وصناعة السفن‪،‬‬
‫وكيفية تسليحها‪ ،‬وأسلوب القتال من فوقها‪ ،‬وعلوم الفلك المتصلة‬
‫بتسييرها في البحار‪ ،‬ومعرفة مواقعهم على المصورات البحرية‬
‫المختلفة‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬فعرفوا الصطرلب )البوصلة الفلكية(‪ ,‬وطوروها‬
‫أمثال‪:‬‬ ‫إلى المدى الذي استفاد منه بعد ذلك البحارة الغربيون‬
‫كرستوف كولومبس‪ ،‬وأمريكوفيسبوشي في اكتشافاتهم)‪.(1‬‬
‫‪ -7‬لقد كانت هذه المعركة مظهرا من مظاهر تفوق العقيدة‬
‫دد‪،‬‬‫الصحيحة الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العدد والعُ َ‬
‫فلقد كان الروم هم أهل البحر منذ القدم‪ ،‬وقد مروا بتجارب طويلة‬
‫في الحروب البحرية‪ ،‬بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب البحر‬
‫والقتال البحري‪ ،‬ولكن الله تعالى أدلى المسلمين عليهم برغم‬
‫التفوق المذكور؛ لنه سبحانه قد سخر أولئك المؤمنين لنشر دينه‬
‫وإعلء كلمته في الرض‪ .‬وإن مما يشاد به في هذه المعركة قوة‬
‫قائدها عبد الله بن سعد بن أبي السرح ورباطة جأشه‪ ،‬ومقدرته‬
‫الجيدة على إدارة الحروب‪ ،‬وهي بعد ذلك لون من ألوان بسالة‬
‫واستقالتهم في الحروب بأنفسهم في سبيل إعزاز دينهم‬ ‫المسلمين‬
‫ورفع شأن دولتهم)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬تحقيق وعد الله للمؤمنين‪:‬‬
‫قال ابن كثير في حديثه عن عثمان بن عفان ‪ ...:‬ففتح الله‬
‫على يديه كثيرا من القاليم والمصار‪ ،‬وتوسعت المملكة السلمية‪،‬‬
‫وامتدت الدولة المحمدية‪ ،‬وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق‬
‫ه‬
‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫للناس مصداق قولهَ تعالى‪َ + :‬‬ ‫الرض ومغاربها‪ ،‬وظهر‬
‫في‬ ‫م ِ‬ ‫ه َْ‬
‫فن ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت لي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫مَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ َ ِ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫م ِدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫مكن َ َ ّ‬‫ّ‬ ‫ولي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ف ال ِ‬
‫َ‬
‫خل َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ضك َ‬ ‫ا ّلْر ِ‬
‫دون َِني‬ ‫عب ُ ُ‬
‫مًنا ي َ ْ‬ ‫مَ أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ال ِ‬
‫م‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫ك ُ‬ ‫ف ُِأولئ ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ئا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ش‬‫َ‬ ‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫لَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬‫سول ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫و ال ِ‬ ‫ه َ‬‫ن" ]النور‪ ،[55 :‬وقوله تعالى‪ُ + :‬‬ ‫سقو َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْفا ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ر َ‬ ‫وك ِ‬‫َ‬ ‫ول ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن كل ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫دي ِ‬ ‫على ال ّ‬ ‫هَرهُ َ‬ ‫ق ل ِي ُظ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وِدي ِ‬ ‫دى ُ َ‬ ‫ه َ‬
‫ن" ]التوبة‪ ،[33 :‬وقوله ×‪» :‬إذا هلك قيصر فل قيصر بعده‪،‬‬ ‫ركو َ‬ ‫مش ِ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وإذا هلك كسرى فل كسرى بعده‪ ،‬والذي نفسي بيده لتنفقن‬
‫سبيل الله«‪ (3).‬وهذا كله تحقق وقوعه وتأكد وتوطد في‬ ‫كنوزهما في‬
‫زمان عثمان ‪.(4)‬‬
‫‪ -2‬التطور في فنون الحرب والسياسة‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬مسلم‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬رقم )‪،2918‬‬ ‫)( التاريخ السلمي )‪.(12/407‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪(2919‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/216‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪165‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫كانت الحروب تنشأ بين الشعوب من أجل قطعة من الرض يراد‬
‫تملكها‪ ،‬أو بسبب اعتداء يقع على بلد أو قبيلة‪ ،‬ولكنها في عهد النبوة‬
‫والعهد الراشدي أصبحت بسبب المبادئ؛ فالمسلمون يريدون أن‬
‫تكون عقيدتهم هي السائدة والمهيمنة في الرض‪ ،‬فاصطدمت بعقائد‬
‫فاسدة ومنحرفة كعقائد المشركين والمجوس‪ ،‬على أن هذا لم يكن‬
‫كل شيء في التطور الحربي‪ ،‬بل نجد لونا جديدا آخر وهو ما كان‬
‫يعرضه المجاهدون المسلمون على أعدائهم من‪ :‬السلم أو الجزية‬
‫أو المناجزة‪ ،‬ونتج عن تلك الفتوح سياسة فذة أرضت جميع الشعوب‬
‫إل من كان في قلبه حقد على العدل والمساواة ممن كانت تحدثهم‬
‫نفوسهم بالفتن والعصيان‪(1)،‬وهؤلء اضطروا المسلمين أحيانا إلى‬
‫الشدة معهم والتنكيل بهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬بدء التجنيد اللزامي في عهد عمر واستمراره في عهد‬
‫عثمان‪:‬‬
‫كانت معركة القادسية من أسباب اتخاذ الفاروق لقرار التجنيد‬
‫اللزامي‪ ،‬فقد أمر عماله على القاليم بإحضار كل فارس ذي نجدة‬
‫أو رأى أو فرس أو سلح‪ ،‬فإن جاء طائعا وإل حشروه حشرا وقادوه‬
‫بحزمه المشهور قائل‪ :‬ل تدعوا أحدا إل‬ ‫مقادا‪ ،‬واستعجلهم في ذلك‬
‫ل العجل‪ (2).‬وكان عمر يفكر في التجنيد‬‫ج َ‬
‫ي‪ ،‬والعَ َ‬
‫وجهتموه إل ّ‬
‫اللزامي الموقوف للجهاد‪ ،‬فلما دّون الديوان ورتب للمسلمين‬
‫أرزاقهم السنوية‪ ،‬خرجت فكرته إلى حيز الوجود‪ ،‬واقترنت نشأة‬
‫الديوان بنشأة التجنيد النظامي الرسمي‪ ،‬وحددت للجنود النظاميين‬
‫عطاياهم ورواتبهم من بيت مال المسلمين‪ ،‬وعندما أذن عثمان‬
‫لمعاوية بالغزو بحرا أمره أن يخير الناس ول يكرههم؛ حتى ل يذهب‬
‫أحد إلى هذا الضرب من الغزو إل طائعا مختارا‪ ،‬أما التجنيد برا‬
‫لتمام حركة الفتوح‪ ،‬فقد ظل في عهده إلزاميا على أصحاب‬
‫الرواتب والرزاق)‪(3‬من‬
‫الجنود النظاميين ‪.‬‬
‫‪ -4‬اهتمام عثمان بحدود الدولة السلمية‪:‬‬
‫ترتب على توسع الدولة السلمية في عهد عثمان ‪ ‬الستمرار‬
‫في سياسة تحصين الثغور للحفاظ على حدود الدولة السلمية من‬
‫مهاجمة العداء‪ ،‬سواء كان ذلك بشحنها بالجند المرابطين أو بناء‬
‫الحاميات الدفاعية المختلفة بها‪ ،‬فكان أول كتاب كتبه عثمان بن‬
‫عفان ‪ ‬في خلفته لمر الجناد في الثغور لحماية حدود الدولة‬
‫السلمية قوله‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإنكم حماة المسلمين وذادتهم‪ ،‬وقد وضع‬
‫لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان على مل منا‪ ،‬ول يبلغني عن أحد‬
‫منكم تغيير ول تبديل‪ ،‬فيغير الله ما بكم ويستبدل بكم غيركم‪،‬‬
‫كيف‪(4‬تكونون فإني أنظر فيما أكرمني الله النظر فيه‬ ‫فانظروا‬
‫والقيام عليه ) ‪.‬‬
‫عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬عبد الحميد بخيت‪ ،‬ص ‪.216‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫إتمام الوفاء‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫النظم السلمية‪ ،‬صبحي الصالح‪ ،‬ص ‪.489‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/244‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪166‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وتسهيل وتيسيرا للعملية الدارية جمع الخليفة عثمان ‪ ‬لمعاوية بن‬
‫أبي سفيان الشام والجزيرة وولية ثغورهما في إدارة موحدة‪ ،‬وكلفه‬
‫بغزو ثغر شمشاط بنفسه‪ ،‬أو أن يولي ذلك من يرتضيه من كبار قواده‬
‫)‪(1‬‬
‫من أصحاب الخبرة والشجاعة الراغبين في الجهاد والحرب مع الروم‪.‬‬
‫كما كتب أيضا لمعاوية بن أبي سفيان أن يلزم ثغر أنطاكية قوما‪ ،‬وأن‬
‫يقطعهم القطائع به ففعل ذلك‪ (2).‬وكان ‪‬يهتم بأمر الثغور ويبعث من‬
‫يستعلم له عن بعضها‪(3)،‬وعندما غزا معاوية بن أبي سفيان عمورية وجد‬
‫الحصون التي فيها بين ثغر أنطاكية وثغر طرسوس خالية من مقاتلة‬
‫الروم‪ ،‬فجعل به جماعة من جند الشام والجزيرة وقنسرين وأمرهم‬
‫بالوقوف عندها لتحمي ظهره أثناء انسحابه وانصرافه من غزواته‪ ،‬ثم‬
‫أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد بن الحر العبسي)‪(4‬الصائفة وأمره‬
‫بفعل الشيء نفسه‪ ،‬وكانت ولة الصوائف والشواتي إذا دخلوا بلد الروم‬
‫فعلوا ذلك؛ حيث يخلفون بها جندا كثيفا إلى خروجهم من أرض العدو)‪،(5‬‬
‫وقد أبلى معاوية بن أبي سفيان في أثناء إدارته للسواحل الشامية وفي‬
‫تحصينها بلء حسنا)‪.(6‬‬
‫وكتب عثمان ‪ ‬لعبد الله بن سعد بن أبي السرح يأمره بالحفاظ‬
‫على ثغر السكندرية بإلزام الجند المرابطة به وأن يجري عليهم‬
‫أرزاقهم‪ ،‬وأن يعقب بين المرابطين من أجل أنه ل يضر بهم التجمير‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫بالسكندرية‪ ،‬وقد نقضت الروم مرتين‪ ،‬فألزم السكندرية مرابطيها‪،‬‬
‫ثم أجرِ عليهم أرزاقهم وأعقب بينهم في كل ستة أشهر‪ (7).‬وكان من‬
‫عادة قادة الخليفة عثمان بن عفان ‪ ‬إذا تقدموا في الفتوح‬
‫واستولوا على حصون العدو قاموا بترميمها كمن سبقهم من القادة‪،‬‬
‫ثم إسكانها جند المسلمين من المرابطين‪ ،‬بالضافة إلى استحداثهم‬
‫لتحصينات دفاعية جديدة‪ ،‬فمن تلك الحصون التي قام بترميمها‬
‫معاوية بن أبي سفيان‪ :‬حصون الفرات وهي سميساط)‪ ،(8‬وملطية)‪,(9‬‬
‫وسمشاط وكمخ)‪ ,(10‬وقاليقل)‪ ،(11‬وهي حصون استولى عليها‬
‫المسلمون عند فتحهم لرمينية في عهد عثمان ‪ ،‬وقاموا بترميمها‬
‫وإسكانها الجند)‪.(12‬‬
‫ففي قاليقل قام القائد حبيب بن مسلمة الفهري بإسكان ألفي‬

‫)( الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(2/466‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فتوح البلدان‪ ،‬البلذري )‪.(1/175‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الخراج وصناعة الكتابة‪ ،‬لبن قدامة‪ ،‬ص ‪.413‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(2/467‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (5‬المصدر نفسه )‪.(2/467‬‬ ‫)( المصدر نفسه )‪.(2/467‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)( فتوح مصر‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( سميساط‪ :‬مدينة على شاطئ الفرات في طرف بلد الروم على غربي‬ ‫‪8‬‬

‫الفرات‪.‬‬
‫)( ملطية‪ :‬من بلد الروم مشهورة مذكورة‪ ،‬تتاخم الشام‪ ،‬وهي للمسلمين‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( كمخ‪ :‬مدينة بالروم بينها وبين أرزنجان يوم واحد‪ ،‬معجم البلدان )‪.(4/479‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( قالقيل‪ :‬بأرمينية العظمى من نواحي خلط‪ ،‬ثم من نواحي منازجرد‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( من تاريخ التحصينات‪ ،‬محمد عبد الهادي‪ ،‬ص ‪.434‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪167‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫رجل وأقطعهم بها القطائع‪ ،‬وجعلهم مرابطين بها‪ (1).‬وقد كلف‬
‫الخليفة عثمان ‪ ‬القائد حبيب بن مسلمة بأن يقيم بثغور الشام‬
‫والجزيرة لدارتها وحمايتها‪ (2).‬وعندما فتح البراء بن عازب ‪ ‬ثغر‬
‫قزوين رتب فيهم خمسمائة رجل من جند المسلمين وعين عليهم‬
‫فعمروا‪(4‬وأجروا أنهارها‬ ‫قائدا وأقطعهم)‪(3‬أرضا وضياعا ل حق فيها لحد‪،‬‬
‫العاص طميسة) جعل بها‬ ‫وحفروا آبارها‪ .‬وحين فتح سعيد بن‬
‫مرابطة من ألفي رجل وعين عليهم قائدا‪ (5).‬إلى غير ذلك من‬
‫عفان‬ ‫التحصينات التي أنشئت بالثغور في إدارة الخليفة عثمان بن‬
‫)‪(6‬‬
‫‪ ،‬والتي كانت تشحن بالجند لحماية حدود الدولة السلمية‪.‬‬
‫وعني الخليفة عثمان ‪ ‬في إدارته بأمر الصوائف والشواتي؛‬
‫حيث عمل على تسييرها وتسهيل أمرها في كل عام‪ ،‬وكان يتولها‬
‫كبار قادته وولته أمثال معاوية بن أبي سفيان ‪ ‬الذي بنى جسرا‬
‫بمنبج)‪ (7‬لمرور الصوائف عليه فلم يكن قبل إذ‪ ،‬وقد فوض الخليفة‬
‫عثمان ‪ ‬إلى واليه معاوية في غزو الروم وتولى قيادة الصائفة من‬
‫يختاره‪ ،‬فولي معاوية سفيان بن عوف الذي لم يزل على الصوائف‬
‫والشواتي على‬ ‫في عهد عثمان ‪ ،‬ولم تقتصر حملت الصوائف‬
‫الحدود البرية بل شملت كذلك البحر في عهد عثمان ‪.(8)‬‬
‫‪ -5‬قسمة الغنائم بين أهل الشام والعراق‪:‬‬
‫استطاع حبيب بن مسلمة أن يهزم الروم في أرمينية قبل وصول‬
‫مدد الوليد بن عقبة من الكوفة‪ ،‬وغنم أهل الشام غنائم كثيرة‪ ،‬وبعد‬
‫وصول مدد أهل الكوفة اختلفوا في أمر الغنائم‪ ،‬مما جعل حبيبا‬
‫يكتب بذلك إلى معاوية فكتب معاوية‪ ,‬إلى الخليفة عثمان ‪ ‬يخبره‬
‫بذلك‪ ،‬فحكم عثمان بن عفان ‪ ‬على أهل الشام أن يقاسموا أهل‬
‫العراق ما غنموا من تلك الغنائم‪ ،‬فلما ورد كتاب الخليفة عثمان بن‬
‫)‪(9‬‬
‫عفان ‪ ‬حبيب بن مسلمة قرأه على جند أهل الشام‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫السمع والطاعة لمير المؤمنين‪ ،‬ثم قاسموا أهل العراق وغنموا‪.‬‬
‫‪ -6‬الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدو‪:‬‬
‫في عهد عثمان ‪ ‬استخلف عبد الله بن عامر على خراسان‬
‫قيس بن الهيثم السلمي‪ ،‬حيث خرج منها فجمع قارن جمعا كثيرا من‬
‫ناحية الطبسين وأهل بادغيس وهراة وقستهان‪ ،‬فأقبل في أربعين‬
‫ألفا‪ ،‬فاستشار قيس بن الهيثم عبد الله بن خازم قائل له‪ :‬ما ترى؟‬
‫قال‪ :‬أرى أن تخلي البلد فإني أميرها ومعي عهد من ابن عامر‪ ،‬إذا‬
‫أميرها‪ ،‬وأخرج كتابا قد افتعله عمدا‪ ،‬فكره‬ ‫كانت حرب بخراسان فأنا‬
‫قيس مشاغبته وخله والبلد‪ (10).‬أحب قيس بن الهيثم بفعله هذا أن‬
‫يجمع الكلمة بدل من تفريقها حتى ل يحدث الفشل والوهن للجنود‪،‬‬
‫)‪ (2‬المصدر نفسه )‪.(1/241‬‬ ‫)( فتوح البلدان )‪.(1/234‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (4‬طميسة‪ :‬بلدة من سهول‬ ‫)( الدارة العسكرية )‪.(2/469‬‬ ‫‪3‬‬

‫طبرستان‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (6‬المصدر نفسه‪(2/470) ،‬‬ ‫)( الدارة العسكرية )‪.(2/469‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)‪ (8‬الدارة العسكرية )‪.(2/470‬‬ ‫)( منبج‪ :‬بلد قديم‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫)( الفتوح‪ ،‬ابن أعثم )‪.(342 ،1/341‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( الدارة العسكرية )‪ ،(1/189‬نقل عن تاريخ الطبري‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪168‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فتكون الهزيمة‪ ،‬وقد تم النصر للمسلمين على العداء بحمد الله)‪.(1‬‬
‫‪ -7‬شرط ما يحتاج إليه الجنود في بنود الصلح‪:‬‬
‫في عهد عثمان ‪ ‬زادت الفتوحات السلمية اتساعا مما جعل‬
‫قادته يشترطون في بعض عهودهم للصلح بأن تكون من المواشي‬
‫والطعام والشراب لعداد ما يحتاج إليه الجيش؛ من زاد وتموين‬
‫وميرة حتى تساعدهم في فتوحاتهم‪ ،‬فل يتكلفون عناء حمل الميرة‬
‫ويستغنون عن طلبها؛ ليكونوا على الحرب أوفر‬ ‫)‪(2‬‬
‫من القيادة المركزية‬
‫وعلى منازلة العدو أقدر‪.‬‬
‫‪ -8‬جمع المعلومات عن العداء‪:‬‬
‫الخليفة عثمان بن عفان‬ ‫استمرت الفتوحات السلمية في عهد‬
‫‪ ,‬وكان ‪ ‬يهتم بالخبار ويتقصاها بنفسه)‪ ،(3‬وسار قادته على‬
‫منوال من سبقهم من القادة بالعتناء بأمر العيون وتقصي أخبار‬
‫العدو‪ (4).‬كما أنهم جعلوها شرطا من شروط المعاهدات بينهم وبين‬
‫المعاهدين حيث طلبوا منهم بأن ينصحوا وينذروا المسلمين بسير‬
‫ومعاونتهم بأن يكونوا عليهم جواسيس وإبلغ‬ ‫عدوهم إليهم‪,‬‬
‫المسلمين بتحركاتهم)‪.(5‬‬
‫‪ -9‬عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد‬
‫عثمان‪:‬‬
‫قدّيا من الطراز الرفيع‪ ،‬وكان لتمسكه‬ ‫كان عبد الرحمن قائدا عَ َ‬
‫الشديد بعقيدته موضع ثقة رؤسائه ومرؤوسيه على حد سواء‪،‬‬
‫بالضافة إلى شجاعته وإقدامه وعلمه بأمور الدين‪ ،‬لذلك بقي قائدا‬
‫لمنطقة )باب البواب( وواليا عليها منذ وفاة سراقة بن عمرو حتى‬
‫استشهد‪ ،‬لم يعزل من منصبه على الرغم من تبدل الخلفاء وتغير‬
‫الولة والقادة في الكوفة مرجع عبد الرحمن المباشر‪ ،‬وكان عبد‬
‫حرب الفروسية الشريفة‪ ،‬فل يخون ول يغدر‬ ‫الرحمن يؤمن بوسائل‬
‫ول يضرب من الخلف‪ (6).‬وكان لسيرته الحسنة في منطقة )باب‬
‫البواب( وجنوب بحر الخزر وغربه أثر أي أثر في استقرار المور‬
‫واستتباب المن والنظام في تلك الربوع‪ ،‬فأصبحت تلك المناطق‬
‫قاعدة أمامية لنشر السلم والفتح شمال‪ ،‬فثبت السلم في تلك‬
‫في وجه مختلف المحن والتيارات منذ أربعة عشر‬ ‫الصقاع النائية‬
‫قرنا حتى اليوم)‪.(7‬‬
‫ومن مواقفه الخالدة التي سطرها على صفحات التاريخ عندما‬
‫خرج بالناس حتى قطع )الباب( فقال له الملك شهريار‪ :‬ماذا تريد أن‬
‫جر( والترك‪ ،‬قال‪ :‬إنا لنرضى منهم أن يدعونا‬ ‫تصنع؟ قال‪ :‬أريد )ب َل َن ْ َ‬
‫من دون )الباب(‪ .‬قال عبد الرحمن‪ :‬لكنا ل نرضى منهم ذلك حتى‬
‫)‪ (3‬تاريخ اليعقوبي )‪.(167 ،2/166‬‬ ‫المصدر نفسه )‪.(1/189‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (5‬الدارة العسكرية )‪.(1/403‬‬ ‫الطبقات )‪.(3/59‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/403‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (3‬الردم‪ :‬قيل سد الصين‪.‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪169‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وتالله إن معنا لقواما لو يأذن أميرنا في المعان‬ ‫نأتيهم في ديارهم‪،‬‬
‫لبلغت فيهم )الَرْدم(‪ (1) .‬قال الملك‪ :‬وما هو؟ فأجابه عبد الرحمن‪:‬‬
‫أقوام صحبوا رسول الله × ودخلوا في هذا المر بنية‪ ،‬كانوا أصحاب‬
‫حياء وتكرم في الجاهلية‪ ،‬فازداد حياؤهم وتكرمهم‪ ,‬فل يزال هذا‬
‫المر دائما لهم‪ ،‬ول يزال النصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم‪،‬‬
‫وحتى يلفتوا عن حالهم‪ (2).‬وقد غزا عبد الرحمن )بلنجر( غزاة في‬
‫زمن عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال الترك‪ :‬ما اجترأ علينا إل ومعه الملئكة‬
‫تمنعهم من الموت‪ ،‬فهرب منه الترك وتحصنوا فرجع بالغنيمة‬
‫على رأس مائتي فرسخ من‬ ‫والظفر بعد أن بلغه خيله )البيضاء(‬
‫)بلنجر(‪ ،‬وعادوا ولم يقتل منهم أحد‪ (3).‬ومن الواضح أن معنويات‬
‫المسلمين كانت عالية جدا لتتابع انتصاراتهم‪ ،‬ولتمسكهم بدينهم‪ ،‬كما‬
‫أن معنويات المم التي حاربوها كانت منهارة؛ لن المسلمين غلبوا‬
‫المم التي قاتلوها‪ ،‬لذلك هرب التراك من المسلمين وتحصنوا‪ ،‬فلم‬
‫يحدث قتال فعلي في هذه الغزوة‪ ،‬فلم يسقط من المسلمين شهيد‪.‬‬
‫)‪ (4‬لقد كان عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي على جانب عظيم من‬
‫التقوى والخلق الكريم‪ ،‬وكان تصرفه مع المغلوبين له الثر في‬
‫استتباب المن واستقرار النظام وانتشار السلم‪ ،‬فقد كان وفّيا غاية‬
‫الوفاء‪ ،‬أمينا غاية المانة؛ فقد أرسل ملك الباب رسول إلى ملك‬
‫)الصين( مع هدايا ‪-‬وذلك قبل أن يفتح المسلمون بلده‪ -‬فعاد رسوله‬
‫من رحلته بعد فتح المسلمين لتلك البلد‪ ،‬وكان مع الرسول العائد‬
‫هدايا من ملك الصين بينها ياقوتة حمراء ثمينة‪ ،‬وكان ملك )الباب(‬
‫حين عودة رسوله في مجلس عبد الرحمن‪ ،‬فتناول الملك من‬
‫رسوله تلك الياقوتة ثم ناولها عبد الرحمن‪ ،‬ولكن عبد الرحمن ردها‬
‫فورا إلى الملك بعد أن نظر إليها‪ ،‬فهتف الملك متأثرا وقال‪ :‬لهذه‬
‫‪-‬يعني الياقوتة‪ -‬خير من هذا البلد )أي باب البواب(‪ ،‬وأيم الله لنتم‬
‫ي حكاما من آل كسرى‪ ،‬فلو كنت في سلطانهم ثم بلغهم‬ ‫أحب إل ّ‬
‫لنتزعوها( مني‪ ،‬وأيم الله ل يقوم لكم شيء ما وفيتم ووفى‬
‫)‪5‬‬
‫خبرها‬
‫ملككم الكبر‪.‬‬
‫كان من حق ملك المدينة )الباب( وما حولها أن يعجب أشد‬
‫العجب ويدهش أشد الدهشة بأمانة القائد المسلم ووفائه‪ ،‬فقد‬
‫عاش هذا الملك عمره كله في دوامة عنيفة من الخيانة وفي جو‬
‫مشحون بالغدر‪ ،‬فلما رأى أمانة المسلمين المثالية ووفائهم المطلق‬
‫لم يتمالك نفسه أن نسى ملكه المضاع وملوكه الغابرين‪ ,‬فعبر عن‬
‫بكلمات خارجة من أعماق قلبه إعجابا بما يرى ويسمع من‬ ‫شعوره‬
‫أمانة ووفاء)‪.(6‬‬
‫كان عبد الرحمن يعلم أن الستيلء على الياقوتة التي ل تقدر‬
‫بثمن ليس من حقه شخصيا‪ ,‬ول من حق بيت مال المسلمين‪،‬‬
‫فكانت تلك الياقوتة والتراب عنده سيان‪ ،‬فقد كان عبد الرحمن‬
‫كريما مضيافا شهما غيورا‪ ،‬ورعا تقيا‪ ،‬متفقها في الدين تقيا‪ ،‬ل يملك‬
‫‪1‬‬

‫الكامل لبن الثير )‪ ،(30 ،3/29‬تاريخ الطبري )‪.(5/146‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(54/146‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/148‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪170‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫شيئا من حطام الدنيا على الرغم من أنه قضى أكثر عمره غازيا‬
‫وواليا‪ ،‬وقد استشهد في عام اثنتين وثلثين للهجرة في منطقة‬
‫)بلنجر(‪ (1) .‬ويعتبر عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي من قادة الفتح في‬
‫عهد عثمان ‪ ،‬وقد كانت له صحبة وقد أسلم متأخرا‪.‬‬
‫‪ -10‬سلمان بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد‬
‫عثمان‪:‬‬
‫كان هذا الصحابي أول من قضى بالكوفة‪ ،‬فقد بعثه عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ‬قاضيا بالكوفة قبل شريح‪ ،‬فلما ولي سعد بن أبي وقاص‬
‫الولية الثانية في أيام عثمان بن عفان استقضى سلمان أيضا‪ ،‬وقد‬
‫شهد القادسية فقضى بها‪ ،‬ثم قضى بـ)المدائن(‪ ،‬وليس كل إنسان‬
‫يصلح للقضاء‪ ،‬خاصة في أيام عمر بن الخطاب ‪ ,‬أو يصلح لهل‬
‫الكوفة التي كانت حينذاك تعج برجالت العرب وكبار الصحابة من‬
‫جهة‪ ،‬وبأخلط شتى من أمم وأقوام وقبائل مختلفة من جهة أخرى‪،‬‬
‫وهذا دليل على غزارة علم سلمان بالدين الحنيف واستقامته وعدله‬
‫وتدينه‪ ،‬وتمتعه بعقلية راجحة متزنة‪ ،‬وشخصية قوية نافذة‪ ،‬مما جعله‬
‫موضع ثقة الناس جميعا‪ ،‬كما أنه تولى المقاسم في فتح )المدائن(‬
‫وفي غزوة )الباب( أيضا‪ ،‬مما يدل على تمتعه بالنزاهة المطلقة‪ .‬كان‬
‫رجل صالحا يحج كل سنة‪ ،‬روى عنه بعض كبار التابعين‪ ،‬وكان مثال‬
‫نادرا للخلق القويم‪ ،‬كريما مضيافا شهما غيورا وفيا صادقا محبا‬
‫للخير‪ ،‬يحب للناس ما يحبه لنفسه‪ ،‬ولم يترك حين استشهاده دينارا‬
‫ول دارا‪ ،‬بعد أن عاش كل حياته مجاهدا‬
‫وقاضيا وأميرا‪.‬‬
‫وقد كان متفوقا على زملئه في الصفات القيادية‪ ،‬فعندما بعث‬
‫عثمان بن عفان ‪ ‬كتابا إلى الوليد بن عقبة ‪-‬عامله على الكوفة‪-‬‬
‫يأمره به أن يرسل نجدة من أهل الكوفة إلى أهل الشام بقيادة‬
‫رجل ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلمه‪ ،‬لم يتردد الوليد‬
‫لحظة في اختيار سلمان لهذا الواجب البالغ الخطورة‪ ،‬فاختاره من‬
‫بين عدد كبير من القادة أصحاب الفتوح واليام الذين كانوا معه أو‬
‫كانوا في الكوفة؛ ذلك لن سلمان كان حقا مثال رائعا من أمثلة‬
‫النجدة والبأس والشجاعة بالضافة إلى ورعه وتقواه‪ ،‬لقد كان‬
‫شجاعا مقداما سريعا إلى النجدة‪ ،‬خبيرا بفنون الحرب لممارسته‬
‫الطويلة لها‪ ,‬وله تجارب طويلة في قيادة الرجال‪ ،‬وكان أبصر‬
‫بالمضارب من الجازر بمفاصل الجزور)‪ ،(2‬مما يدل على أنه كان من‬
‫الرماة الماهرين‪ ،‬وكان ماهرا في الفروسية خبيرا بالخيل‪ ،‬وكان يلي‬
‫الخيل لعمر بن الخطاب ‪ ،‬قد أعد في كل مصر من أمصار‬
‫المسلمين خيل كثيرة معدة للجهاد‪ ،‬وكان في الكوفة أربعة آلف‬
‫المجاهدون‬ ‫فرس‪ ،‬فإذا داهم العدو الثغور السلمية ركبها المسلمون‬
‫وساروا مجدين لقتاله)‪ ،(3‬وكان سلمان يتولى الخيل بالكوفة)‪.(4‬‬
‫وكان شجاعا في الفروسية‪ ،‬قال سلمان‪) :‬قتلت بسيفي هذا‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تهذيب ابن عساكر )‪ ،(6/210‬تاريخ الطبري )‪.(5/309‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫أسد الغابة في معرفة الصحابة‪.(2/327) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪171‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫مائة مستلئم)‪ (1‬كلهم يعبد غير الله‪ ،‬ما قتلت منهم رجل منهم صبرا(‪.‬‬
‫إنه ل يقتل حتى عدوه الكافر بالله الذي يعبد غير الله‪ ،‬ل يقتله في‬
‫ويقتله عندما‬
‫)‪(2‬‬
‫ساحة القتال صبرا بل ينذره ثم يصاوله مصاولة النداد‪،‬‬
‫يجد فرصة لقتله‪ ،‬فل يكون هذا القتل غدرا‪ ،‬ول يكون صبرا‪.‬‬
‫لقد كان مثال للمجاهد الصادق المحتسب‪ ،‬الذي يجاهد لتكون‬
‫كلمة الله هي العليا ل يبالي على أي جنب كان في الله مصرعه‪،‬‬
‫وأخيرا سقط مضرجا بدمائه ولم يسقط السيف من يده‪ ،‬إنه قدوة‬
‫ولكل( قائد في ماضيه المشرف المجيد‪ ،‬وفي‬ ‫)‪3‬‬
‫حسنة لكل جندي‬
‫هذا‪(4‬وقد استشهد سنة اثنتين وثلثين هجرية‬ ‫الخالدة‪.‬‬ ‫أعماله الفذة‬
‫أو سنة ثلث وثلثين هجرية) ‪ ,‬رضي الله عنه‪ ,‬الفقيه المحدث‪،‬‬
‫الفارس( المغوار‪،‬‬ ‫القاضي العادل‪ ،‬المين النزيه‪ ،‬الداري الحازم‪،‬‬
‫البطل الشهيد‪ ،‬القائد الفاتح سلمان بن ربيعة الباهلي)‪. 5‬‬
‫‪ -11‬حبيب بن مسلمة الفهري من قادة الفتوح في عهد‬
‫عثمان‪:‬‬
‫كان حبيب على صغر سنه يتنقل من ساحة عمليات إلى ساحة‬
‫عمليات أخرى‪ ،‬فاتحا مرة‪ ،‬ومددا مرة أخرى‪ ،‬وكان النصر حليفه في‬
‫كل معركة خاضها‪ ،‬قدم على النبي × وهو بالمدينة غازيا‪ ،‬وكان‬
‫يومئذ صغيرا‪ ،‬وشهد غزوة تبوك تحت لواء الرسول عليه أفضل‬
‫والسلم‪ ،‬وبهذه الغزوة بدأ جهاده وهو يناهز العشرين من‬ ‫الصلة‬
‫عمره القصير)‪ ،(6‬وحين رآه عمر بن الخطاب صلب العود وقوي‬
‫البدن‪ ،‬جربه تجربة عملية ليرى أي نوع من الرجال هو‪ ،‬فعرض عليه‬
‫خزائن المال وخزائن السلح‪ ،‬فاختار السلح وعف عن المال‪،‬‬
‫وتفضيل السلح على المال من مزايا القائد الذي يتغلغل حب‬
‫الجندية في أعماق نفسه‪ .‬وقد تولى قيادة كردوس في معركة‬
‫)اليرموك( الحاسمة وهو ابن أربع وعشرين سنة‪ ،‬مما يدل على‬
‫ظهور سماته القيادية مبكرا وهو في ريعان الشباب‪ ،‬ووله عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ‬عجم )الجزيرة( إداريا وقائدا‪ ،‬وليس من السهل أن‬
‫يولي عمر كل إنسان مثل هذا المنصب الرفيع؛ لن عمر كان يلتزم‬
‫بصفات معينة في القائد قل أن تتوافر في الرجال‪ ،‬أخيرا وله عمر‬
‫بن الخطاب ‪) ‬أرمينية( و)أذربيجان( وهي مناطق شاسعة وقيادة‬
‫لشدة شكيمة أهلها ولبعدها عن قواعد المسلمين‬ ‫)‪(7‬‬
‫مهمة للغاية‪ ،‬نظرا‬
‫الرئيسية والمتقدمة‪.‬‬
‫ومارس القيادة والدارة في عهد عثمان ‪ ،‬ولقد كان شجاعا‬
‫غاية الشجاعة‪ ،‬مقداما غاية القدام؛ لما توجه لقتال )الموريان( كان‬
‫في ستة آلف‪ ،‬وكان )الموريان( في سبعين ألفا‪ ،‬فقال حبيب لمن‬
‫معه‪ :‬إن يصبروا وتصبروا فأنتم أولى بالله منهم‪ ،‬وإن يصبروا‬
‫المستلئم‪ :‬الجندي الذي لبس عدته وأصبح جاهزا للقتال‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الستيعاب في معرفة الصحاب )‪.(2/633‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.170‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫كان عمره يوم تولى منصب قيادة منطقة الجزيرة وإدارتها ‪ 28‬سنة‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫تولى )أرمينية( و)أذربيجان( وعمره ثلث وثلثون سنة‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪172‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وتجزعوا فإن الله مع الصابرين‪ ،‬ولقيهم ليل‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم أجل لنا‬
‫واحبس عنا مطرها‪ ،‬واحقن دماء أصحابي‪ ،‬واكتبهم شهداء‪،‬‬ ‫قمرها‪،‬‬
‫ففتح الله له‪ (1).‬فكان من أسباب انتصاره على عدوه ‪-‬بالضافة إلى‬
‫عامل اليمان‪ -‬هو الهجوم الليلي الذي باغت به العدو‪ ،‬وجعل‬
‫معنوياته تنهار ثم يولي الدبار‪ (2).‬وكان مثال شخصيا حيا لرجاله من‬
‫الشجاعة والقدام‪ ،‬فقد كان يقود رجاله من المام‪ ،‬يقول لهم‪:‬‬
‫اتبعوني‪ ،‬ول يبقى في الخطوط الخليفة مؤثرا السلمة والعافية‪،‬‬
‫وحين عزم أن يبّيت )الموريان( سمعته امرأته يذكر ذلك‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫وأين الموعد؟ فقال‪ :‬سرادق موريان أو الجنة‪ .‬وبّيت حبيب عدوه‬
‫وقتل من صادفه في طريقه‪ ،‬فلما أتى السرادق وجد امرأته قد‬
‫سبقته إليه‪ (3).‬فلم يكن وحده بطل يضرب لرجاله بأعماله البطولية‬
‫أروع المثال‪ ،‬بل كانت امرأته بطلة يقتفى البطال آثارها في‬
‫التضحية والفداء‪ (4).‬وكان يستشير رجاله ويتقبل مشورتهم‪ ،‬وكان ل‬
‫يستأثر بالرأي دونهم‪ ،‬بل كان يتصنت ليتلقف آراء رجاله‪ ،‬ويطبق ما‬
‫رآه حسنا‪ ،‬وينفذ ما يجده صوابا‪ ،‬بالضافة إلى عقد مؤتمرات‬
‫الشورى قبل المعارك وفي أثنائها وبعدها؛ فقد سمع يوما أحد رجاله‬
‫يقول‪ :‬لو كنت ممن يسمع حبيب مشورته‪ ،‬لشرت عليه بأمر يجعل‬
‫الله فيه لنا نصرا وفرجا إن شاء الله‪ ،‬واستمع حبيب لقوله‪ ،‬فقال‬
‫أصحابه‪ :‬وما مشورتك؟ فقال‪ :‬أشير عليه أن ينادي بالخيول فيقدمها‪،‬‬
‫ثم يرتحل بعسكره فيتبع خيله‪ ،‬وتوافيه الخيل في جوف الليل‪،‬‬
‫الفجر‪ ،‬فيظنون أن‬ ‫وينشب القتال‪ ،‬ويأتيهم حبيب بسواد عسكره مع‬
‫المدد قد جاءهم فيرعبهم الله‪ ،‬فيهزمهم بالرعب‪ (5).‬ونادى حبيب‬
‫بالخيول‪ ،‬فوجهها بليلة مقمرة مطيرة‪ ،‬ثم ارتحل وراء خيوله‪ ،‬ولكنه‬
‫السحر‪ ،‬فحمل وحمل أصحابه فانهزم العدو‬ ‫عاد إلى عدوه في‬
‫وأصابوا غنائم كثيرة)‪.(6‬‬
‫كان حبيب صاحب كيد‪ ،‬يفكر ويقدر‪ ،‬ثم يستشير رجاله ويستطلع‬
‫ساحة القتال‪ ،‬ويحصل على المعلومات المستفيضة عن العدو‪ ،‬ثم‬
‫يبني بعد ذلك خطته العسكرية على هدى وبصيرة‪.‬‬
‫إن أعمال حبيب الجهادية خطط مدبرة ولم تكن خططا ارتجالية‪،‬‬
‫لذلك رافق النصر أعلمه في أخطر ساحات القتال في الفتح‪،‬‬
‫وبالضافة إلى تلك المزايا أو قبلها كان حبيب مؤمنا حقا صادق‬
‫اليمان‪ ،‬وكان إذا لقى عدوا أو)‪(7‬ناهض حصنا يحب أن يقول‪ :‬ل حول‬
‫ول قوة إل بالله العلي العظيم ‪.‬‬
‫مزايا القائد الفذ‪ :‬الطبع الموهوب‪،‬‬ ‫ذا‪ ،‬جمع‬‫لقد كان حبيب قائدا ف ّ‬
‫والعلم المكتسب‪ ،‬والتجربة العلمية)‪ ،(8‬والثقة بالله القوي العزيز‪.‬‬

‫تهذيب ابن عساكر )‪.(4/37‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تهذيب ابن عساكر )‪(4/37‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.190‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫تهذيب ابن عساكر )‪.(4/3‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪173‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫إن حبيب بن مسلمة أسدى للفتح السلمي خدمات ل تنسى‪،‬‬
‫فهو بدون شك من ألمع قادة الفتوح في عهد عثمان ‪ ،‬وقد توفى‬
‫هذا القائد الفذ سنة اثنتين وأربعين هجرية‪ ,‬فكان عمره يوم توفى‬
‫أربًعا وخمسين سنة قمرية‪ ،‬وكانت حياته قليلة في تعداد السنوات‪،‬‬
‫كثيرة في تعداد جلئل العمال‪ ،‬قصيرة في عمر الزمن‪ ،‬باقية آثارها‬
‫على مر الدهور وتوالي السنين والقرون‪ .‬رضي الله عن الصحابي‬
‫الجليل‪ ،‬الداري)‪(9‬الحازم‪ ،‬السياسي المحنك‪ ،‬القائد الفاتح‪ ،‬حبيب بن‬
‫مسلمة الفهري ‪.‬‬
‫***‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.187‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪174‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫أعظم مفاخر عثمان جمع المة على مصحف واحد‬
‫ل‪ :‬المراحل التي مرت بها كتابة القرآن الكريم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬المرحلة الولى في العهد النبوي‪:‬‬
‫حيث ثبت بالدليل القاطع‪ ،‬أن رسول الله × كان يأمر بكتابة‬
‫القرآن الذي ينزل عليه‪ ،‬وثبت أنه كان له كاتب أو كتاب يكتبون‬
‫شهر زيد بن ثابت بلقب )كاتب‬ ‫الوحي‪ ،‬حتى ُ‬
‫وب البخاري في كتاب )فضائل‬ ‫ّ‬ ‫وب‬ ‫الوحي(‪،‬‬ ‫بكتابة‬ ‫لختصاصه‬ ‫النبي ×‬
‫القرآن( )باب كّتاب النبي ×(‪ ،‬وذكر فيه حديثين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنا أبا بكر ‪ ‬قال لزيد‪) :‬إنك كنت تكتب الوحي لرسول‬ ‫)‪(1‬‬
‫الله‪(...‬‬
‫ن‬‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫وي ال َ‬ ‫ست َ ِ‬‫والثاني‪ :‬عن البراء قال‪ :‬لما نزلت ‪+‬ل َ ي َ ْ‬
‫»ادع لي زيدا وليجئ باللوح‬ ‫)‪(2‬‬
‫ن ‪ "...‬قال النبي ×‪:‬‬
‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ِ‬
‫وكان النبي × يكتب‬ ‫والدواة والكتف‪ ،‬أو الكتف والدواة«‪.‬‬
‫القرآن في مكة أيضا قبل الهجرة‪ ،‬وممن كتب له عبد الله بن‬
‫سعد بن أبي السرح ثم ارتد‪ ،‬ثم أسلم عام الفتح‪ ،‬وله في ذلك‬
‫قصة مشهورة قد ذكرتها‪ .‬والمعروف أن الخلفاء الراشدين‬
‫الربعة كانوا كتبة‪ ،‬فلعلهم كانوا يكتبون القرآن في مكة‪ ،‬ومما‬
‫يدل على أن القرآن كان مكتوبا في مكة قصة إسلم عمر بن‬
‫الخطاب ودخوله على أخته‪ ،‬وبيدها صحيفة فيها سورة طه‪ ،‬وقد‬
‫أعلم الله تعالى في القرآن بأنه ‪-‬أي القرآن‪ -‬مجموع في الصحف‬
‫ة"‬‫ر ً‬ ‫مطَ ّ‬
‫ه َ‬ ‫ح ً‬
‫فا ّ‬ ‫ص ُ‬‫ه ي َت ُْلو ُ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫في قوله تعالى‪َ+ :‬ر ُ‬
‫]البينة‪ .[2 :‬وقد توفى رسول الله × والقرآن كله مكتوب لكنه غير‬
‫مجموع في موضع واحد‪ ،‬وكان مكتوبا على العسب واللخاف‪,‬‬
‫ومحفوظا في صدور الرجال‪ ،‬ومع حفظه في الصحف وفي‬
‫النبي × كل عام مرة‪،‬‬ ‫الصدور كان جبريل يعرض القرآن على‬
‫وعرض عليه مرتين في العام الذي قبض‪ (3).‬ويحتمل أن النبي ×‬
‫لم يجمع القرآن في مصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ‬
‫لبعض أحكامه أو تلوته‪ ،‬فلما انقضى نزوله بوفاته × ألهم الله‬
‫ذلك‪ ،‬وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على‬ ‫الخلفاء الراشدين‬
‫هذه المة المحمدية)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬المرحلة الثانية في عهد أبي بكر ‪:‬‬
‫كان من ضمن شهداء المسلمين في حرب اليمامة كثير من‬
‫حفظة القرآن‪ ،‬وقد نتج عن ذلك أن قام أبو بكر ‪ ‬بمشورة عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ‬بجمع القرآن؛ حيث جمع من الرقاع والعظام والعسب‬
‫)( البخاري‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬رقم )‪.(4986‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬رقم )‪.(4593‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬رقم )‪.(4998‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( المدينة النبوية فجر السلم والعصر الراشدي‪ ،‬ص ‪ ،240‬نقل عن فتح الباري‬ ‫‪4‬‬

‫)‪.(9/12‬‬

‫‪175‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ومن صدور الرجال)‪ ،(1‬وأسند الصديق هذا العمل العظيم إلى‬
‫الصحابي الجليل زيد بن ثابت النصاري ‪ ،‬يروى زيد بن ثابت ‪‬‬
‫ي أبو بكر ‪ ‬لمقتل أهل اليمامة)‪ ،(2‬فإذا عمر بن‬ ‫فيقول‪ :‬بعث إل ّ‬
‫الخطاب عنده‪ ،‬قال أبو بكر ‪ :‬إن عمر أتاني فقال‪ :‬إن القتل قد‬
‫استحر)‪ (3‬يوم اليمامة بقراء القرآن‪ ،‬وإني أخشى أن يستحر القتل‬
‫بالقراء في المواطن)‪ (4‬كلها فيذهب كثير من القرآن‪ ،‬وإني أرى أن‬
‫تأمر بجمع القرآن‪ ،‬قلت لعمر‪ :‬كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله‬
‫× )‪(5‬؟ فقال عمر‪ :‬هذا والله خير‪ ،‬فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح‬
‫الله صدري للذي شرح له صدر عمر‪ ،‬ورأيت في ذلك الذي رأى‬
‫عمر‪ ،‬قال زيد‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬وإنك رجل شاب عاقل‪ ،‬ول نتهمك)‪،(6‬‬
‫وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ×‪ ،‬فتتبع القرآن فاجمعه‪ (7).‬قال‬
‫زيد‪ :‬فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما‬
‫)‪(9‬‬
‫كلفني به من جمع القرآن‪ ،‬فتتبعت القرآن من العسب)‪ (8‬واللخاف‬
‫وصدور الرجال والرقاع والكتاف‪ (10).‬قال‪ :‬حتى وجدت آخر سورة‬
‫د‬ ‫التوبة مع أبي خزيمة النصاري لم أجدها مع أحد غيره ‪+‬ل َ َ‬
‫ق ْ‬
‫م‬
‫عن ِت ّ ْ‬
‫ما َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫زيٌز َ‬‫ع ِ‬
‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن َ ُ‬‫م ْ‬ ‫ل ّ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م" ]التوبة‪ [128 :‬حتى‬ ‫ٌ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ف‬
‫ٌ‬ ‫ؤو‬‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ؤ‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ ُ‬‫با‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ص‬
‫ٌ‬ ‫ري‬ ‫ح‬
‫َ ِ‬
‫خاتمة براءة‪ ،‬وكانت الصحف عند أبي بكر في حياته حتى توفاه الله‪،‬‬
‫ثم عمر في حياته حتى توفاه الله‪ ،‬ثم عند حفصة بنت عمر رضي‬
‫الله عنهم)‪.(11‬‬
‫ونستخلص من المرحلة الثانية في جمع القرآن بعض النتائج‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن جمع القرآن الكريم جاء نتيجة الخوف على ضياعه نظرا‬
‫لموت العديد من القراء في حروب الردة‪ ،‬وهذا يدل على أن القراء‬
‫والعلماء كانوا وقتئذ أسرع الناس إلى العمل والجهاد لرفع شأن‬
‫السلم والمسلمين بأفكارهم وسلوكهم وسيوفهم‪ ،‬فكانوا خير أمة‬
‫أخرجت للناس ينبغي القتداء بهم لكل من جاء بعدهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن جمع القرآن تم بناء على المصلحة المرسلة‪ ،‬ول أدل على‬
‫ذلك من قول عمر لبي بكر حين سأله كيف نفعل شيئا لم يفعله‬
‫رسول الله ×‪ :‬إنه خير‪ .‬وفي بعض الروايات أنه قال له‪ :‬إنه والله‬
‫خير ومصلحة للمسلمين‪ .‬وهو نفس ما أجاب به أبو بكر زيد بن ثابت‬
‫حين سأل نفس السؤال‪ ،‬وسواء صحت الرواية التي جاء فيها لفظ‬
‫)( حروب الردة وبناء الدولة السلمية‪ ،‬أحمد سعيد‪ ،‬ص ‪.145‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( يعني وقعة يوم اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وأعوانه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( استحر‪ :‬كثر واشتد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( أي في الماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( يحتمل أن يكون إنما لم يجمع القرآن في المصحف‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( هذه الصفات التي جعلت زيدا يتقدم على غيره في هذا العمل‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( أي‪ :‬من الشياء التي عندي وعند غيرك‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( العسب‪ :‬هو جريد النخيل‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( اللخاف‪ :‬جمع لخفة‪ :‬وهي صفائح الحجارة‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( الرقاع‪ :‬جمع رقعة وهي قطع الجلود‪ .‬الكتاف‪ :‬جمع كتف‪ ،‬وهو العظم الذي‬ ‫‪10‬‬

‫للبعير أو الشاة‪.‬‬
‫)( البخاري‪ ،‬رقم )‪.(4986‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪176‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المصلحة أو لم تصح فإن التعبير بكلمة خير يفيد نفس المعنى‪ ،‬وهو‬
‫مصلحة المسلمين في جمع القرآن مبني على المصلحة المرسلة‬
‫أول المر‪ ،‬ثم انعقد الجماع على ذلك بعد أن وافق الجميع بالقرار‬
‫الصريح أو الضمني‪ ،‬وهذا يدل على أن المصلحة المرسلة يصح أن‬
‫تكون سندا للجماع بالنسبة لمن يقول بحجيتها كما هو مقرر في‬
‫كتب أصول الفقه‪.‬‬
‫ج‪ -‬وقد اتضح لنا من هذه الواقعة كذلك كيف كان الصحابة‬
‫يجتهدون في جو من الهدوء يسوده الود والحترام‪ ،‬هدفهم الوصول‬
‫إلى ما يحقق الصالح العام لجماعة المسلمين‪ ،‬وأنهم كانوا ينقادون‬
‫إلى الرأي الصحيح وتنشرح قلوبهم له بعد القناع والقتناع‪ ،‬فإذا‬
‫وبهذه الروح‬ ‫اقتنعوا بالرأي دافعوا عنه كما لو كان رأيهم منذ البداية‪،‬‬
‫أمكن انعقاد إجماعهم حول العديد من الحكام الجتهادية)‪.(1‬‬
‫* ما المقومات الساسية لزيد بن ثابت للقيام بهذه‬
‫المهمة؟‬
‫اختار أبو بكر ‪ ‬زيد بن ثابت لهذه المهمة العظيمة‪ ،‬وذلك لنه‬
‫رأى فيه المقومات الساسية للقيام بها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬كونه شابا؛ حيث كان عمره ‪ 21‬سنة‪ ،‬فيكون أنشط لما يطلب‬
‫منه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أكثر تأهيل‪ ،‬فيكون أوعى له؛ إذ من وهبه الله عقل راجحا فقد‬ ‫كونه‬
‫يسر له سبيل الخير‪.‬‬
‫ج‪ -‬كونه ثقة‪ ،‬فليس هو موضعا للتهمة‪ ،‬فيكون عمله مقبول‪،‬‬
‫وتركن إليه النفس ويطمئن إليه القلب‪.‬‬
‫د‪ -‬كونه كاتبا للوحي‪ ،‬فهو بذلك ذو خبرة سابقة في هذا المر‪،‬‬
‫وممارسته عملية له‪ ،‬فليس غريبا عن هذا العمل ول دخيل عليه)‪.(2‬‬
‫هـ‪ -‬ويضاف لذلك أنه أحد الربعة الذين جمعوا القرآن على عهد‬
‫النبي ×‪ ،‬فعن قتادة قال‪ :‬سألت أنس بن مالك ‪ :‬من جمع القرآن‬
‫على عهد النبي ×؟ قال‪ :‬أربعة كلهم من النصار‪ :‬أبي بن كعب‪،‬‬
‫ومعاذ بن جبل‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو زيد‪ (3).‬وأما الطريقة التي اتبعها‬
‫زيد في جمع القرآن فكان ل يثبت شيئا من القرآن إل إذا كان مكتوبا‬
‫بين يدي النبي × ومحفوظا من الصحابة‪ ،‬فكان ل يكتفي بالحفظ‬
‫هم‪ ،‬وأيضا لم‬ ‫دون الكتابة‪ ،‬خشية أن يكون في الحفظ خطأ أو وَ ْ‬
‫يقبل من أحد شيئا جاء به إل إذا أتى معه شاهدان يشهدان أن ذلك‬
‫المكتوب‪(4‬كتب بين يدي رسول الله × وأنه من الوجوه التي نزل بها‬
‫استمر زيد ‪ ‬في جمع القرآن حذرا‬ ‫)‪(5‬‬
‫القرآن‪ ).‬وعلى هذا المنهج‬
‫متثبتا مبالغا في الدقة والتحري ‪.‬‬

‫الجتهاد في الفقه السلمي‪ ،‬عبد السلم السليماني‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫التفوق والنجابة على نهج الصحابة‪ ،‬حمد العجمي‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سير أعلم النبلء‪ ،‬المام الذهبي‪(2/431) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫التفوق والنجابة على نهج الصحابة‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫النشراح ورفع الضيق بسيرة أبي بكر الصديق‪ ،‬للصلبي‪ ،‬ص ‪.206‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪177‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫* الفرق بين المكتوب في العهد النبوي وعهد الصديق‪:‬‬
‫الفرق بين المكتوب في العهد النبوي وما كتب في عهد أبي بكر‪:‬‬
‫أن القرآن كان مكتوبا في العهد النبوي‪ ،‬مفرقا في الصحف واللواح‬
‫والُعسب والكرانيف والقصب وأدوات أخرى‪ ،‬ولم تكن مجموعة‬
‫سوره في خيط واحد‪ ،‬وأما الذي تم في أيام أبي بكر فهو كتابة‬
‫القرآن في صحف كل سورة أو سور في صحيفة مرتبة آياته على ما‬
‫حفظوه عن رسول الله ×‪ ،‬فكانت مهمة زيد بن ثابت أن يكتب ما‬
‫في( صحف‪ ،‬كل سورة في صحيفة‬ ‫كان مكتوبا في العهد النبوي‬
‫مرتبة فيها اليات ترتيبا توقيفيا)‪. 1‬‬
‫‪ -3‬المرحلة الثالثة في جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان‬
‫‪:‬‬
‫* الباعث على جمع القرآن في عهد عثمان‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك‪ :‬أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان‬
‫يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق‪ ،‬فأفزع‬
‫حذيفة اختلفهم في القراءة‪ ،‬فقال حذيفة لعثمان‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫أدرك هذه المة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلف اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف‬
‫ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك‪ ،‬فأرسلت بها حفصة إلى‬
‫عثمان‪ ،‬فأمر زيد بن ثابت‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪ ,‬وسعيد بن العاص‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف‪ ،‬وقال‬
‫عثمان للرهط القرشيين الثلثة‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في‬
‫شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنما نزل بلسانهم‪ ،‬ففعلوا‬
‫حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف‪ ،‬رد عثمان الصحف إلى‬
‫نسخوا‪ ،‬وأمر بما سواه‬ ‫حفصة‪ ،‬فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما‬
‫من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق)‪.(2‬‬
‫ويؤخذ من هذا الحديث الصحيح أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن السبب الحامل لعثمان ‪ ‬على جمع القرآن مع أنه كان‬
‫مجموعا مرتبا في صحف أبي بكر الصديق إنما هو اختلف قراء‬
‫المسلمين في القراءة اختلفا أوشك أن يؤدي بهم إلى أخطر فتنة‬
‫في كتاب الله تعالى‪ ،‬وهو أصل الشريعة ودعامة الدين‪ ،‬وأساس بناء‬
‫المة الجتماعي والسياسي والخلقي‪ ،‬حتى إن بعضهم كان يقول‬
‫لبعض‪ :‬إن قراءتي خير من قراءتك‪ ،‬فأفزع ذلك حذيفة‪ ،‬ففزع فيه‬
‫إلى خليفة المسلمين وإمامهم‪ ,‬وطلب إليه أن يدرك المة قبل أن‬
‫تختلف فيستشري بينهم الختلف ويتفاقم أمره ويعظم خطبه‪،‬‬
‫فيمس نص القرآن وتحرف عن مواضعها كلماته وآياته‪ ،‬كالذي وقع‬
‫بين اليهود والنصارى من اختلف كل أمة على نفسها في كتابها‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن هذا الحديث الصحيح قاطع بأن القرآن الكريم كان‬
‫مجموعا في صحف ومضموما في خيط‪ ،‬وقد اتفقت كلمة المة‬

‫)( المدينة النبوية فجر السلم والعصر الراشدي )‪.(2/241‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬رقم )‪.(4987‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪178‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫اتفاقا تاما على أن ما في تلك الصحف هو القرآن كما تلقته عن‬
‫النبي × في آخر عرضة على أمين الوحي جبريل عليه السلم‪ ،‬وأن‬
‫تلك الصحف ظلت في رعاية الخليفة الول أبي بكر الصديق‪ ،‬ثم‬
‫انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب‪ ،‬ثم لما‬
‫دا معينا في خلفة‬‫ل عهده أح ً‬‫عرف عمر حضور أجله ولم يو ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬وإنما جعل المر شورى في الرهط المصطفين بالرضا‬
‫من رسول الله ×‪ ،‬أوصى بحفظ الصحف عند ابنته حفصة أم‬
‫المؤمنين رضي الله عنها‪ ،‬وأن عثمان اعتمد في جمعه على تلك‬
‫الصحف‪ ،‬وعنها نقل مصحفه )الرسمي(‪ ،‬وأنه أمر أربعة من أشهر‬
‫قراء الصحابة إتقانا لحفظ القرآن ووعيا لحروفه وأداء لقراءته وفهما‬
‫لعرابه ولغته‪ :‬ثلثة قرشيين وواحدا أنصاريا‪ ،‬وهو زيد بن ثابت‬
‫صاحب الجمع الول في عهد الصديق بإشارة الفاروق‪ ،‬وفي بعض‬
‫الصحف‪(1‬اثنا عشر‬ ‫الروايات أن الذين أمرهم عثمان أن يكتبوا من‬
‫رجل‪ ،‬فيهم أبي بن كعب‪ ،‬وآخرون من قريش والنصار) ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ونأخذ من هذا أن الفتوحات في عهد عثمان كانت بإذن وأمر‬
‫من الخليفة‪ ،‬وأن القرار العسكري يصدر من المدينة‪ ،‬وأن الوليات‬
‫السلمية كلها كانت خاضعة لمر الخليفة عثمان في عهده؛ بل يدل‬
‫على أن هناك إجماعا من الصحابة والتابعين في جميع القاليم على‬
‫خلفة عثمان‪ .‬وقدوم حذيفة بن اليمان إلى المدينة‪ ،‬لرفع اختلف‬
‫الناس في قراءة القرآن‪ ،‬يدل على أن القضايا الشرعية الكبرى كان‬
‫في المدينة‪ ،‬وأن المدينة ما زالت دار السنة‬ ‫يستشار فيها الخليفة‬
‫ومجمع فقهاء الصحابة)‪.(2‬‬
‫ثانًيا‪ :‬استشارة جمهور الصحابة في جمع عثمان‪:‬‬
‫جمع عثمان ‪ ‬المهاجرين والنصار وشاورهم في المر‪ ،‬وفيهم‬
‫أعيان المة وأعلم الئمة وعلماء الصحابة‪ ،‬وفي طليعتهم علي بن‬
‫أبي طالب ‪ ،‬وعرض عثمان ‪ ‬هذه المعضلة على صفوة المة‬
‫وقادتها الهادين المهديين‪ ،‬ودارسهم أمرها ودارسوه‪ ،‬وناقشهم فيها‬
‫وناقشوه‪ ،‬حتى عرف رأيهم وعرفوا رأيه‪ ،‬فأجابوه إلى رأيه في‬
‫صراحة ل تجعل للريب إلى قلوب المؤمنين سبيل‪ ،‬وظهر للناس في‬
‫أرجاء الرض ما انعقد عليه إجماعهم‪ ،‬فلم يعرف قط يومئذ لهم‬
‫مخالف ول عرف عند أحد نكير‪ ،‬وليس شأن القرآن الذي يخفى على‬
‫آحاد المة فضل عن علمائها وأئمتها البارزين)‪.(3‬‬
‫إن عثمان ‪ ‬لم يبتدع في جمعه المصحف‪ ،‬بل سبقه إلى ذلك‬
‫أبو بكر الصديق ‪ ،‬كما أنه لم يصنع ذلك من قَِبل نفسه‪ ،‬إنما فعله‬
‫عن مشورة للصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬وأعجبهم هذا الفعل وقالوا‪:‬‬
‫نعم ما رأيت‪ ،‬وقالوا أيضا‪ :‬قد أحسن )أي في فعله في المصاحف(‬
‫)‪.(4‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المدينة النبوية فجر السلم والعصر الراشدي )‪.(2/244‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫فتنة مقتل عثمان بن عفان )‪.(1/78‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪179‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حين مشق)‪ (1‬عثمان‬ ‫وقد أدرك مصعب بن سعد صحابة النبي ×‬
‫‪ ‬المصاحف فرآهم قد أعجبوا بهذا الفعل منه)‪ ،(2‬وكان علي ‪‬‬
‫ينهى من يعيب على عثمان ‪ ‬بذلك ويقول‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬ل تغلوا‬
‫في عثمان‪ ،‬ول تقولوا له إل خيرا أو قولوا خيرا‪ ,‬فوالله ما فعل الذي‬
‫عن‪(3‬مل ٍ منا جميعا ‪-‬أي الصحابة‪ ,-‬والله‬ ‫فعل ‪-‬أي في المصاحف‪ -‬إل‬
‫لو وليت لفعلت مثل الذي فعل) ‪.‬‬
‫وبعد اتفاق هذا الجمع الفاضل من خيرة الخلق على هذا المر‬
‫المبارك‪ ،‬يتبين لكل متجرد عن الهوى أن الواجب على المسلم‬
‫الرضا بهذا الصنيع الذي صنعه عثمان ‪ ‬وحفظ به القرآن الكريم)‪.(4‬‬
‫قال القرطبي في التفسير‪ :‬وكان هذا من عثمان ‪ ‬بعد أن جمع‬
‫المهاجرين والنصار وجلة أهل السلم وشاورهم في ذلك‪ ،‬فاتفقوا‬
‫على جمعه بما صح وثبت من القراءة المشهورة عن النبي ×‬
‫)‪(5‬‬
‫واطراح ما سواها‪ ،‬واستصوبوا رأيه‪ ،‬وكان رأيا سديدا موفقا‬
‫ثالثـا‪ :‬الفرق بين جمع الصديق وجمع عثمان رضي الله عنهما‪:‬‬
‫قال ابن التين‪ :‬الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع‬
‫أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته؛ لنه‬
‫لم يكن مجموعا في موضع واحد‪ ،‬فجمعه في صحائف مرتًبا ليات‬
‫سوره على ما وقفهم عليه النبي ×‪ .‬وجمع عثمان كان لما كثر‬
‫الختلف في وجوه القراءة حتى قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات‪،‬‬
‫فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض‪ ،‬فخشى من تفاقم المر في‬
‫ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتًبا لسوره‪ ،‬واقتصر في‬
‫سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم‪ ،‬وإن كان قد‬
‫وسع في قراءاته بلغة غيرهم‪ ،‬دفًعا للحرج والمشقة في ابتداء المر‪،‬‬
‫فرأى أن الحاجة قد انتهت‪ ،‬فاقتصر على لغة واحدة‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو بكر الباقلني‪ :‬لم يقصد أبو بكر في جمع نفس‬
‫القرآن بين لوحين‪ ،‬إنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة‬
‫عن النبي × وإلغاء ما ليس كذلك‪ ،‬وأخذهم بمصحف ل تقديم فيه ول‬
‫تأخير‪ ،‬ول تأويل أثبت مع تنزيل‪ ،‬ول منسوخ تلوته كتب مع مثبت‬
‫رسمه ومفروض قراءته وحفظه‪ ،‬خشية دخول الفساد والشبهة على‬
‫من يأتي بعد‪.‬‬
‫وقال الحارث المحاسبي‪ :‬المشهور عند الناس أن جامع القرآن‬
‫عثمان‪ ،‬وليس كذلك؛ إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه‬
‫واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والنصار‬
‫لما خشي الفتنة عند اختلف أهل العراق والشام في حروف‬
‫القراءات‪ ،‬فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه القراءات‬
‫المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن‪ ،‬فأما السابق‬

‫مشق هو‪ :‬الحرق‪) ،‬لسان العرب ‪.(10/344‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫التاريخ الصغير للبخاري )‪ ،(1/94‬إسناده حسن لغيره‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فتح الباري )‪ ،(9/18‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫فتنة مقتل عثمان بن عفان )‪.(1/78‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الجامع لحكام القرآن )‪.(1/88‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪180‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وقد قال علي ‪ :‬لو وليت لعملت‬ ‫إلى جمع الجملة فهو الصديق‪،‬‬
‫بالمصاحف التي عمل بها عثمان)‪.(1‬‬
‫وقال القرطبي‪ :‬فإن قيل‪ :‬فما وجه جمع عثمان الناس على‬
‫مصحفه وقد سبقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه؟ قيل له‪ :‬إن عثمان‬
‫‪ ‬لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف‪ ،‬أل ترى كيف‬
‫أرسل إلى حفصة‪ :‬أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف‬
‫ثم نردها إليك؟ وإنما فعل ذلك عثمان لن الناس اختلفوا في‬
‫القراءة لتفرق الصحابة في البلدان‪ ،‬واشتد المر في ذلك وعظم‬
‫اختلفهم وتشبثهم‪ ،‬ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة‬
‫‪.(2)‬‬
‫رابًعا‪ :‬هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الحرف‬
‫السبعة‪:‬‬
‫ذهب الشيخ المحقق صادق عرجون ‪-‬رحمه الله‪ -‬إلى أن صحف‬
‫الصديق التي كانت أصل للمصحف المام بإجماع المسلمين لم تكن‬
‫جامعة للحرف السبعة التي وردت صحاح الحديث بإنزال القرآن‬
‫عليها‪ ،‬بل كانت على حرف منها‪ ،‬هو الذي وقعت به العرضة الخيرة‬
‫واستقر عليها المر في آخر حياة رسول الله ×‪ ،‬وإنما كانت الحرف‬
‫السبعة أول من باب التيسير على المة‪ ،‬ثم ارتفع حكمها لما‬
‫استفاض القرآن وتمازج الناس وتوحدت لغاتهم‪ .‬قال المام‬
‫الطحاوي‪ :‬إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ‬
‫القرآن على غير لغاتهم؛ لنهم كانوا أميين ل يكتب إل القليل منهم‪،‬‬
‫فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات‪،‬‬
‫ولو رام ذلك لم يتهيأ له إل بمشقة عظيمة‪ ،‬وسع لهم في اختلف‬
‫اللفاظ إذا كان المعنى متفقا‪ ،‬فكانوا كذلك حتى كثرت منهم من‬
‫يكتب‪ ,‬وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله ×‪ ،‬فقدروا بذلك على‬
‫تحفظ ألفاظه‪ ,‬فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلفها‪ .‬قال ابن عبد‬
‫البر‪ :‬فبان بهذا أن تلك السبعة الحرف إنما كانت في وقت خاص‬
‫فارتفع‪(3‬حكم هذه‬
‫)‬
‫لضرورة دعت إلى ذلك‪ ،‬ثم ارتفعت تلك الضرورة‪،‬‬
‫السبعة الحرف وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد‪.‬‬
‫وقال الطبري‪ :‬إن القراءة على الحرف السبعة لم تكن واجبة‬
‫على المة‪ ،‬وإنما كان جائزا لهم ومرخصا لهم فيه‪ ،‬فلما رأى الصحابة‬
‫أن المة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد أجمعوا‬
‫على ذلك إجماعا شائعا‪ ،‬وهم معصومون من الضللة‪ (4).‬وهذا الحرف‬
‫الذي كتبت به صحف الجماع القاطع ونقل عنها المصحف المام‬
‫جامع لقراءات القراء السبعة وغيرها‪ ،‬مما يقرأ به الناس ونقل‬
‫عن‪(5‬رسول الله ×؛ لن الحرف الواردة في الحديث غير هذه‬ ‫متواترا‬
‫القراءات‪ ).‬قال القرطبي‪ :‬قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي‬
‫صفرة وغيرهما‪ :‬هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلء القراء‬
‫السبعة ليست هي الحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في‬
‫القراءة بها‪ ،‬وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة‪ ،‬وهو‬
‫)( عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الجامع لحكام القرآن )‪.(1/87‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3 ،2 ،‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.180‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪181‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الذي جمع عليه المصحف)‪ ،(1‬وأقرب الراء إلى الفهم عند ظننا في‬
‫معنى الحرف إنما هو الرأي القائل بأنها هي أفصح لغات العرب‬
‫وأشهرها‪ ،‬وهي مبثوثة في القرآن كله‪ ،‬وإليه ذهب القاسم بن سلم‬
‫نحو سبعة أقوال مما‬ ‫وابن عطية في جماعة من الجلء‪ ،‬وإليه يرجع‬
‫ذكره السيوطي في التقان في معنى الحرف)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬عدد المصاحف التي أرسلها عثمان ‪ ‬إلى المصار‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫لما فرغ عثمان ‪ ‬من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق‬
‫بمصحف‪ ،‬وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي‬
‫أرسله إلى الفاق‪ ،‬وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في‬
‫المصار‪ ،‬فقيل‪ :‬إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إنها خمسة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها ستة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها سبعة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها ثمانية‪ .‬أما‬
‫كونها أربعة فقيل‪ :‬إنه أبقى مصحفا بالمدينة‪ ،‬وأرسل مصحفا إلى‬
‫الشام‪ ،‬ومصحفا إلى الكوفة‪ ،‬ومصحفا إلى البصرة‪ .‬وأما كونها‬
‫خمسة؛ فالربعة المتقدم ذكرها‪ ،‬والخامس أرسله إلى مكة‪ .‬وأما‬
‫كونها ستة فالخمسة والمتقدم ذكرها‪ ،‬والسادس اختلف فيه‪ ،‬فقيل‬
‫جعله خاصا لنفسه‪ ،‬وقيل‪ :‬أرسله إلى البحرين‪ .‬وأما كونها سبعة‪،‬‬
‫فالستة المتقدم ذكرها‪ ،‬والسابع أرسله إلى اليمن‪ .‬وأما كونها ثمانية‪،‬‬
‫فالسبعة المتقدم ذكرها‪ ،‬والثامن كان لعثمان يقرأ فيه‪ ،‬وهو الذي‬
‫قتل وهو بين يديه‪ (3).‬وبعث ‪ ‬مع كل مصحف من يرشد الناس إلى‬
‫قراءته بما يحتمله رسمه من القراءات مما صح وتواتر‪ ،‬فكان عبد‬
‫الله بن السائب مع المصحف المكي‪ ،‬والمغيرة بن شهاب مع‬
‫المصحف الشامي‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي مع المصحف الكوفي‪،‬‬
‫قيس‪(4‬مع المصحف البصري‪ ،‬وأمر زيد بن ثابت أن يقرئ‬ ‫وعامر بن‬
‫الناس بالمدني) ‪.‬‬
‫سا‪ :‬موقف عبد الله بن مسعود من مصحف عثمان‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫لم يثبت أن ابن مسعود ‪ ‬خالف عثمان في ذلك‪ ،‬وكل ما روي‬
‫في ذلك ضعيف السناد‪ ،‬كما أن هذه الروايات الضعيفة التي تتضمن‬
‫ذلك تثبت أن ابن مسعود رجع إلى ما اتفق عليه الصحابة في جمع‬
‫القرآن‪ ،‬وأنه قام في الناس وأعلن ذلك‪ ،‬وأمرهم بالرجوع إلى‬
‫جماعة المسلمين في ذلك)‪ .(5‬وقال‪ :‬إن الله ل ينتزع العلم انتزاعا‪،‬‬
‫ولكن ينتزعه بذهاب العلماء‪ ،‬وإن الله ل يجمع أمة محمد × على‬
‫اجتمعوا عليه‪ ،‬فإن الحق فيما اجتمعوا‬ ‫ضللة‪ ،‬فجامعوهم على ما‬
‫إلى عثمان‪ (6).‬وقد ورد عن ابن كثير رجوع ابن‬ ‫)‪(7‬‬
‫عليه‪ ،‬وكتب بذلك‬
‫ذلك‪(8‬فقال‪ :‬وقد ورد أن ابن‬ ‫الذهبي‬ ‫وأكد‬ ‫‪،‬‬ ‫الوفاق‬ ‫مسعود إلى‬
‫مسعود رضي وتابع عثمان ولله الحمد‪ ).‬ول يلتفت إلى ما كتبه طه‬
‫حسين في قضية المصحف وعلقة عثمان مع ابن مسعود وما ساقه‬

‫الجامع لحكام القرآن )‪.(1/79‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫التقان للسيوطي )‪.(148-1/144‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫أضواء البيان في تاريخ القرآن‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫فتنة مقتل عثمان بن عفان )‪ (4) .(1/78‬المصدر نفسه )‪.(1/79‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/228‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫سير أعلم النبلء )‪.(1/349‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪182‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بأسلوب مسموم‪ ،‬فيه أفكار أخذها من أساتذته المستشرقين)‪.(1‬‬
‫الذين اعتمدوا على روايات ضعيفة ورافضية في تشويه علقة‬
‫الصحابة ببعضهم رضي الله‬
‫عنهم جميعا‪.‬‬
‫إن ابن مسعود ‪ ‬الذي ترك صلة القصر في منى خشية من‬
‫المنبر‬ ‫الخلف والفتنة ومتابعة للخليفة‪ ،‬هل يتوقع منه أن يصعد‬
‫ويحرض الناس على الخلف‪ ،‬وهو القائل‪ :‬إن الخلف شر)‪.(2‬‬
‫إن مؤرخي الروافض زّوروا روايات ونسبوها لبن مسعود‬
‫وموقفه من عثمان رضي الله عنهم‪ ،‬وأظهروا في تلك الكاذيب‬
‫الصحابة قوما متنازعين متباغضين‪ ،‬متعنتين متفاحشين في القول‪،‬‬
‫وهي روايات ساقطة ل تثبت أمام النقد الهادئ الموضوعي‪،‬‬
‫ويرفضها الذوق المؤمن والعقل الفطن‪ ،‬وقد زعمت الرافضة كذبا‬
‫وزورا بأن ابن مسعود كان يطعن على عثمان ويكفره‪ ،‬ولما حكم‬
‫عثمان ضربه حتى مات‪ ،‬وهذا كذب بّين على ابن مسعود‪ ،‬فإن علماء‬
‫النقل يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفر عثمان بل لما بويع عثمان‬
‫بالخلفة سار عبد الله بن مسعود من المدينة إلى الكوفة‪ ،‬ولما‬
‫وصل إليها حمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن أمير المؤمنين‬
‫عمر بن الخطاب مات فلم نر يوما أكثر نشيجا من يومئذ‪ ،‬وإنا‬
‫اجتمعنا أصحاب محمد فلم نأل عن خيرنا ذي ُفوق‪ ،‬فبايعنا أمير‬
‫المؤمنين عثمان فبايعوه‪ (3).‬وهذه الكلمات الواضحة أكبر دليل على‬
‫تلك المكانة الرفيعة لعثمان بن عفان في قلب ابن مسعود وعند‬
‫جميع الصحابة‪ ،‬أولئك الذين مدحهم الله تعالى ورضي عنهم‪ ،‬وهم‬
‫َ‬
‫ه‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خير من فقه قوله سبحانه‪َ+ :‬يا أي ّ َ‬
‫دا" ]الحزاب‪ .[70 :‬فقول عبد الله بن مسعود‬ ‫دي ً‬ ‫ول ً َ‬
‫س ِ‬ ‫قوُلوا َ‬
‫ق ْ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬
‫صدق ل يعدو الحقيقة‪ ،‬كما أنه نابع عن قناعته وصادر عن محض‬
‫إرادته‪ ،‬ما قاله خوفا ول خشية‪ ،‬ولم يقذف به هكذا رخيصا للستهلك‬
‫والتغرير‪ ،‬أو ليحوز مكانة ومنصبا في الخلفة الجديدة‪ .‬إذن فمن‬
‫بدهيات المور وأولياتها أن ليس ثمة حقد أو بغضاء في قلب أحدهما‬
‫على الخر‪ ،‬وإن حدث شيء فإنما هو من أجل الحق وصالح‬
‫المسلمين)‪ ،(4‬ويندرج تحت فقه النصيحة وآدابها وتأديب الخليفة‬
‫لرعيته‪ ،‬وأما ما زعم الروافض ومن سار على نهجهم من أن عثمان‬
‫ضرب ابن مسعود حتى مات فهذا كذب باتفاق أهل العلم‪ ،‬قال أبو‬
‫بكر بن العربي‪ :‬وأما ضربه لبن مسعود ومنعه عطاءه فزور‪ (5).‬فل‬
‫وجهة للرافضة بالطعن على عثمان بقصة ابن مسعود هذه‪ ,‬فإنه لم‬
‫يضربه ولم يمنعه عطاءه‪ ،‬وإنما كان يعرف له قدره ومكانته‪ ،‬كما‬
‫كان ابن مسعود شديد اللتزام بطاعة إمامه الذي بايع له وهو يعتقد‬

‫الفتنة الكبرى )‪.(1/159‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الله بن مسعود‪ ،‬عبد الستار الشيخ‪ ،‬ص ‪.335‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫طبقات ابن سعد )‪.(3/63‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الله بن مسعود‪ ،‬ص ‪.324‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪183‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أنه خير المسلمين وقت البيعة)‪.(1‬‬
‫سابًعا‪ :‬فهم الصحابة ليات النهي عن الختلف‪:‬‬
‫ول َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫قال تعالى‪َ + :‬‬
‫عوهُ َ‬ ‫فات ّب ِ ُ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫م بِ ِ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ذَل ِك ُ ْ‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫فت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫عوا ال ّ‬ ‫ت َت ّب ِ ُ‬
‫ن" ]النعام‪ ,[153 :‬فالصراط المستقيم هو القرآن‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫عل ّ ْ َ ّ‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لَ َ‬
‫والسلم والفطرة التي فطر الله الناس عليها‪ ،‬والسبل هي الهواء‬
‫ل"‬ ‫سب ُ َ‬ ‫عوا ال ّ‬ ‫ول َ ت َت ّب ِ ُ‬ ‫مجاهد‪َ + :‬‬ ‫والفرق والبدع والمحدثات‪ ،‬قال‬
‫يعني البدع والشبهات والضللت)‪.(2‬‬
‫ونهى الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬هذه المة عما وقعت فيه المم‬
‫السابقة من الختلف والتفرق من بعد ما جاءتهم البينات‪ ،‬وأنزل الله‬
‫قوا‬ ‫فّر ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫إليهم َالكتاب فقال سبحانه‪َ + :‬‬
‫ب‬‫عذا ٌ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫وأولئ ِك ل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫م" ]آل عمران‪.[105 :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫ونهى المة أن يكون أفرادها من َالمشركين‪ ،‬الذين فرقوا دينهم‬
‫فا‬ ‫حِني ً‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِْ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فأ ِ‬ ‫وكانوا شيعا‪ ،‬فقال عز من قائل‪َ + :‬‬
‫ه‬
‫ق الل ِ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫الّنا َ‬ ‫فطََر‬ ‫ه ال ِّتي َ‬ ‫ت الل ِ‬ ‫فطَْر َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مِنيِبي َ‬ ‫ن‪ُ ‬‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫عل‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫َ ُِ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫دي‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذَ‬
‫ن ‪‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قوه وأ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ص‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫قي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫َّ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إِ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ما ل َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ب‬‫ٍ‬ ‫ز‬‫ْ‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫عا‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫ِ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن" ]الروم‪.[32 -30 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ف ِ‬
‫وأخبر سبحانه وتعالى أن)‪(3‬رسول الله × برئ من الذين يفرقون‬
‫قوا‬ ‫فّر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دينهم ويكونون شيعا وأحزابا ‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م إ ِلى‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ء ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫س َ‬ ‫عا ل ّ ْ‬ ‫شي َ ً‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِدين َ ُ‬
‫ن" ]النعام‪.[159 :‬‬ ‫علو َ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫الل ِ‬
‫ويظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان ‪ ‬مدى فهم‬
‫الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬ليات النهي عن الختلف؛ حيث إن الله‬
‫نهى عن الختلف وحذر منه‪ ،‬فلعمق فهمهم لهذه اليات ارتعد‬
‫حذيفة ‪ ‬عندما سمع بوادر الختلف في قراءة القرآن‪ ،‬فرحل فورا‬
‫إلى المدينة النبوية‪ ،‬وأخبر عثمان ‪ ‬بما رأى وبما سمع‪ ،‬فسرعان‬
‫ما قام عثمان يخطب الناس‪ ،‬يحذرهم من مغبة هذا الخلف‪ ،‬ويشاور‬
‫الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم‪ -‬في الحل لهذه المحنة التي بدأت‬
‫بالظهور‪ ،‬وفي مدة قصيرة يحسم المر ويغلق باب الخلف الذي كاد‬
‫أن ينفتح بجمع الصحف ونسخها في مصحف واحد من المصادر‬
‫الموثوقة جدا‪ ،‬وبإغلق باب الفتنة هذا فرح المسلمون‪ ،‬بينما اغتاظ‬
‫المنافقون الذين كانوا قد استبشروا ببوادر الخلف التي كانوا‬
‫ينتظرونها بفارغ الصبر ويسعون إلى تحقيقها‪ ،‬ولما حسم الخلف‪،‬‬
‫ولم يجد أولئك طريقا إلى استنهاضه‪ ،‬ازداد حقدهم على عثمان ‪‬‬
‫وسعوا إلى التشنيع عليه وتصوير حسنته هذه سيئة‪ ،‬وتلمسوا في‬
‫سبيل إثبات ذلك خيوط العنكبوت الواهية‪ ،‬ليطعنوا فيه ويسوغوا‬
‫)( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪.(3/1066) ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تفسير مجاهد‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( دراسات في الهواء والفرق والبدع‪ ،‬ناصر العقل‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪184‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عليه‪(1‬بها‪ ،‬مظهرين للناس أن هذه الحسنة سيئة تستوجب‬ ‫خروجهم‬
‫الخروج عليه) ‪.‬‬
‫إن الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم‪ -‬لم يتركوا كل قارئ على قراءته‬
‫الصحيحة‪ ،‬بل جمعوهم على قراءة واحدة‪ ،‬فاجتمع شملهم وتوحد‬
‫لتاريخ عهد الخلفاء‬ ‫صفهم‪ ،‬وهذا درس عظيم نستلهمه من دراستنا‬
‫الراشدين‪ ،‬الحافل بالعبر والدروس ومواطن القدوة)‪.(2‬‬
‫قال رسول الله ×‪» :‬إن الله يرضى لكم ثلًثا‪ :‬أن تعبدوه ول‬
‫بحبل الله جميعا ول تفرقوا‪ ،‬وأن‬ ‫)‪(3‬‬
‫تشركوا به شيئا‪ ،‬وأن تعتصموا‬
‫ن وله الله أمركم«‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫تناصحوا َ‬
‫إن طريق العتصام بحبل الله أن نلتزم بكتاب الله وسنة رسوله‬
‫×‪ ،‬وهذا الصل من آكد الصول في هذا الدين العظيم‪ ،‬يقول ابن‬
‫تيمية ‪-‬رحمه الله‪ :-‬وهذا الصل العظيم ‪-‬وهو السلم‪ -‬مما عظمت‬
‫وصية الله تعالى به في كتابه‪ ،‬ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل‬
‫وغيرهم‪ ،‬مما عظمت به وصية النبي × في مواطن عامة‬ ‫الكتاب‬
‫وخاصة)‪ .(4‬ولذلك أمر الله تعالى ورسوله × بكل ما يحفظ على‬
‫المسلمين جماعتهم وألفتهم‪ ،‬ونهى عن كل ما يعكر صفو هذا المر‬
‫العظيم‪.‬‬
‫إن ما حصل من فرقة بين المسلمين وتدابر وتقاطع وتناحر‪،‬‬
‫بسبب عدم مراعاة هذا الصل وضوابطه مما ترتب عليه تفرق في‬
‫وضعف في التحاد‪ ،‬وأصبحوا شيعا وأحزاًبا كل حزب بما‬ ‫الصفوف‪،‬‬
‫لديهم فرحون)‪.(5‬‬
‫إن وحدة المسلمين واجتماعهم مطلب شرعي‪ ،‬ومقصد عظيم‬
‫من مقاصد الشريعة؛ بل من أهم أسباب التمكين لدين الله تعالى‪،‬‬
‫ونحن مأمورون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر‪ ،‬فل بد من تضافر‬
‫الجهود بين الدعاة وقادة الحركات السلمية‪ ،‬وبين علماء المسلمين‬
‫قا ل تلفيقّيا؛ لن أنصاف‬ ‫حا حقي ً‬
‫وطلبة العلم لصلح ذات البين إصل ً‬
‫الحلول تفسد أكثر مما تصلح‪ ،‬قال الشيخ عبد الرحمن السعدي‬
‫‪-‬رحمه الله‪ :-‬الجهاد نوعان؛ جهاد يقصد به صلح المسلمين‬
‫وإصلحهم في عقائدهم وأخلقهم وآدابهم وجميع شئونهم الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬وفي تربيتهم العلمية وهذا النوع هو الجهاد وقوامه‪ ،‬وعليه‬
‫يتأسس النوع الثاني‪ ،‬وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على السلم‬
‫والمسلمين من الكفار والمنافقين والملحدين وجميع أعداء الدين‬
‫ومقاومتهم‪ ،‬وهذان نوعان‪ :‬جهاد بالحجة)‪(6‬والبرهان واللسان‪ ،‬وجهاد‬
‫بالسلح المناسب في كل وقت وزمان‪ .‬ثم أفرد فصل بعنوان‪:‬‬
‫الجهاد المتعلق بالمسلمين بقيام اللفة واتفاق الكلمة‪ (7).‬وبعد أن‬
‫ذكر اليات والحاديث الدالة على وجوب تعاون المسلمين ووحدتهم‬
‫)( فتنة مقتل عثمان بن عفان )‪ (2) .(1/82‬المصدر نفسه )‪.(1/83‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى )‪.(22/359‬‬ ‫)( مسند أحمد )‪.(26 ،1/2‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين‪ ،‬للصلبي‪ ،‬ص ‪.307‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( وجوب التعاون بين المسلمين للسعدي‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪185‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫قال‪ :‬فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الصل في تأليف‬
‫المسلمين واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية‬ ‫قلوب‬
‫والدنيوية)‪.(1‬‬
‫ولذلك نرى أن الخذ بالسباب نحو تأليف قلوب المسلمين‬
‫وتوحيد صفهم من أعظم الجهاد؛ لن هذه الخطوة مهمة جدا في‬
‫إعزاز المسلمين وإقامة دولتهم‪ ،‬وتحكيم شرع ربهم‪ ،‬وهذا من فقه‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬ويتجلى في أبهى صورة في جمع عثمان ‪ ‬للمة‬
‫على مصحف واحد‪.‬‬
‫***‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪186‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫مؤسسة الولة في عهد عثمان ‪‬‬
‫المبحث الول‬
‫أقاليم الدولة في عهد عثمان وسياسته مع الولة‬
‫ل‪ :‬مكة المكرمة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪(1‬وواليه على مكة خالد بن العاص بن‬ ‫توفى عمر بن الخطاب‬
‫هشام بن المغيرة المخزومي) ‪ ,‬وقد أبقاه عثمان ‪ ‬فترة من‬
‫الوقت يصعب تحديدها ثم قام بعزله‪ ،‬ولم ترد أخبار عن سبب ذلك‪،‬‬
‫إضافة إلى صعوبة تحديد أهم أعماله‪ .‬وقد قام عثمان ‪ ‬بعد عزله‬
‫بتولية علي بن ربيعة بن عبد العزى‪ ،‬ثم قام عثمان ‪ ‬بعد ذلك‬
‫بتولية مجموعة من المراء على مكة يصعب تحديد فترات وليتهم‬
‫منهم عبد الله بن عمرو الحضرمي‪ ،‬الذي كان أحد عمال عثمان على‬
‫مكة‪ ،‬كما أن النصوص تثبت أن عثمان ‪ ‬قد أعاد خالد بن العاص‬
‫بن هشام على مكة مرة أخرى‪ ،‬وتؤكد بعض المصادر أن عثمان‬
‫ي ‪ ‬بعزله وتولية غيره‪ (2).‬وهذه‬ ‫توفي وخالد على مكة فقام عل ّ‬
‫تذكر‪(3‬أن عبد الله بن‬ ‫التي‬ ‫الروايات‬ ‫الرواية على ما يبدو أثبت من‬
‫الحضرمي هو الوالي على مكة حين قتل عثمان‪ ).‬وقد تميزت مكة‬
‫المستمر رغم ما وقع في بعض المصار من‬ ‫في عهد عثمان بالهدوء‬
‫فتنة في أواخر عهد عثمان)‪.(4‬‬
‫ثانًيا‪ :‬المدينة النبوية‪:‬‬
‫تعد المدينة المنورة من أهم المدن السلمية في عهد عثمان‪,‬‬
‫بها مركز الخلفة وإليها تفد الوفود من مختلف المصار‪ ،‬والجناد‬
‫السلمية‪ ،‬ويقيم بها كثير من شيوخ الصحابة من المهاجرين‬
‫والنصار‪ ،‬وبذلك تكتسب أهمية خاصة‪ .‬وقد كان عثمان بحكم خلفته‬
‫مقيما بها ويتفقد أحوالها‪ ،‬حتى إنه كان يسأل عن أسعار المواد‬
‫الغذائية وعن أخبار الناس‪ (5).‬وكان عثمان ‪ ‬إذا سافر إلى الحج‬
‫يستخلف أحد الصحابة على المدينة حتى يرجع‪ ،‬وكثيرا ما كان‬
‫يستخلف زيد بن ثابت ‪ (6).‬وكان في المدينة بيت مال وديوان‬
‫للعطيات كغيرها من المصار‪ ،‬وتعتبر المدينة من أكثر المصار‬
‫السلمية هدوًءا خلل عصر عثمان سوى ما حدث في أيامه الخيرة‬
‫وصول جيوش الفتنة وحصار عثمان‬ ‫من اضطراب الحوال فيها بعد‬
‫وخروج بعض كبار الصحابة منها)‪.(7‬‬
‫)( تجريد أسماء الصحابة‪ ،‬المام الذهبي‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الولية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬عبد العزى العمري )‬ ‫‪2‬‬

‫‪.(1/166‬‬
‫)( نهاية الرب في فنون الدب للنويري )‪.(2/27‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/167‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تاريخ المدينة )‪.(962 ،3/961‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(169 ،1/168‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(1/169‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪187‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ثالثـا‪ :‬البحرين واليمامة )‪: (1‬‬
‫توفي عمر بن الخطاب ‪ ‬وعلى البحرين عثمان بن أبي‬
‫العاص الثقفي فأقره عثمان عليها فترة من الوقت‪ ،‬وتدل‬
‫الروايات على أن عثمان بن أبي العاص كان على ولية‬
‫البحرين بعد مبايعة عثمان بثلث سنين؛ أي سنة ‪ 27‬هـ‪ ،‬بدليل‬
‫مشاركته بجيشه مع جيش البصرة في بعض الفتوح‪ (2).‬ويبدو‬
‫أن التعاون الذي بدأ بين ولية البحرين وولية البصرة في عهد‬
‫عمر أخذ يشتد ويقوى في عهد عثمان خصوصا بعد تولية )عبد‬
‫)‪(3‬‬
‫على البصرة؛ حيث أصبح عامل‬ ‫الله بن عامر بن كريز(‬
‫البحرين أحد القواد التابعين لعبد الله بن عامر والي البصرة‪،‬‬
‫كما أن النصوص التاريخية تفيد تبعية ولية البحرين للبصرة‬
‫‪-‬إلى حد ما‪ -‬واندماجها معها‪ ،‬بحيث أصبح ابن عامر يعين‬
‫)‪(4‬‬
‫ويؤكد أحد الباحثين هذا التعاون في‬ ‫العمال عليها من قبله‪.‬‬
‫قوله‪ :‬وفي زمن الخليفة عثمان بن عفان ألحقت البحرين‬
‫بالبصرة عندما أصبحت الخيرة قاعدة لفتوح فارس وجنوب‬
‫إيران‪ ،‬فصار ولتها تابعين لمير البصرة‪ ,‬وقد عزز هذا صلة‬
‫البصرة بالبحرين ووثقها‪ (5).‬وقد ذكر من ولة عثمان على‬
‫البحرين مروان بن الحكم‪ ،‬وعبد الله بن سوار العبدي‪ ،‬وقد‬
‫توفي عثمان وعبد الله على البحرين‪ (6).‬وقد كان للبحرين في‬
‫أيام عثمان دور كبير في تلك الفتوح)‪. (7‬‬
‫وقد كانت الوضاع داخل البحرين مستقرة حتى وفاة عثمان‪،‬‬
‫وأما اليمامة فقد كانت في عهد عمر ‪ ‬تابعة لولية البحرين وعمان‬
‫إلى حد كبير‪ ،‬بل إن والي البحرين هو الذي كان يبعث عليها المراء‬
‫أحيانا‪ ،‬أما في عهد عثمان ‪ ‬فالذي يبدو أن اليمامة كان عليها وال‬
‫من قبل عثمان مباشرة‪ ,‬وقد ورد ذكره في أحداث الفتنة بعد مقتل‬
‫مباشرة؛ إذ وصلته بعض الكتب في تلك الفترة ممن غضبوا‬ ‫عثمان‬
‫لمقتل عثمان)‪.(8‬‬
‫رابًعا‪ :‬اليمن وحضرموت‪:‬‬
‫توفي عمر ‪ ‬وعامله على اليمن )يعلى بن ُ‬
‫منّية(‪ ،‬وكان في‬
‫طريقه إلى المدينة بناء على طلب عمر إذ جاءه كتاب من عثمان‬
‫قبل عثمان له‬ ‫يخبره بوفاة عمر وبيعة الناس لعثمان‪ ،‬واستعماله من‬
‫على صنعاء‪ ،‬فاستمر على صنعاء إلى وفاة عثمان ‪ (9).‬وكان على‬
‫)( البحرين‪ :‬كانت تطلق على المناطق التي تشمل إمارات الخليج العربي‬ ‫‪1‬‬

‫والجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية عدا الكويت‪ ,‬وأما اليمامة‪:‬‬


‫فكانت في بلد نجد‪.‬‬
‫)( تاريخ خليفة بن خياط ص ‪ ،159‬الولية على البلدان )‪.(1/169‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الطبقات لبن سعد )‪.(5/44‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/169‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( البحرين في صدر السلم‪ ،‬عبد الرحمن بن النجم‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/170‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/170‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(1/170‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/442‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪188‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫مدينة الجند عبد الله بن ربيعة الذي استمر واليا عليها طيلة عهد‬
‫عثمان ‪ .(1)‬ويبدو أن هناك ولة آخرين كانوا على بقية من اليمن‪،‬‬
‫ولكن المصادر الرئيسية ركزت على هذين الواليين في الغالب‪ ،‬كما‬
‫أن المصادر لم تفصل القول في أحداث اليمن خلل عصر عثمان‪،‬‬
‫كما يقل إيرادها للمراسلت بين عثمان وولته في اليمن سوى ما‬
‫ذكره من أوامر عامة مرسلة لجميع الولة‪ (2).‬وقد اشتهر عن أهل‬
‫اليمن خلل عصر عثمان طاعتهم وانقيادهم لولتهم‪ ،‬يدل على ذلك‬
‫ما روي من أن عثمان ‪ ‬بعث رجل ثقفيا إلى اليمن‪ ،‬فلما عاد سأله‬
‫عثمان‪(3‬عن أهلها فقال‪ :‬رأيت قوما ما سئلوا أعطوا حقا كان أو‬
‫)‬
‫باطل‪.‬‬
‫ومن المعروف أن العديد من القبائل اليمنية هاجرت خلل‬
‫الفتوح في أيام عمر بن الخطاب إلى المصار السلمية الجديدة‬
‫سواء في العراق أو مصر أو الشام‪ ،‬وبالتالي فإن صلت اليمن‬
‫وأهلها بهذه المصار لم تتوقف طيلة عهد عثمان؛ حيث نجد لناس‬
‫من يهود اليمن دورا خطيرا في أحداث الفتنة التي قامت أواخر عهد‬
‫عثمان‪ ،‬واستشهد فيها‬
‫عثمان ‪ ,‬وعلى رأس هؤلء الوالغين في الفتنة )عبد الله بن سبأ(‪،‬‬
‫وبعد مقتل عثمان ‪ ‬ترك اليمن عدد من ولتها وقدموا إلى الحجاز‬
‫للمشاركة فيما يجري من أحداث‪ ،‬ومنهم يعلى بن منية وعبد الله بن‬
‫ربيعة)‪.(4‬‬
‫سا‪ :‬ولية الشام‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫الخلفة كان معاوية ‪ ‬واليا على معظم‬ ‫حينما جاء عثمان إلى‬
‫الشام فأقره عثمان عليها)‪ ،(5‬كما أقر بعض الولة الخرين على‬
‫ولياتهم كاليمن والبحرين ومصر وغيرها من الوليات‪ .‬وقد تطورت‬
‫الحداث وضمت إلى معاوية بعض المناطق الخرى حتى أصبح‬
‫معاوية هو الوالي المطلق لبلد الشام‪ ،‬بل أصبح أقوى ولة عثمان‬
‫وأشدهم نفوذا‪ ،‬وقد كان في بداية خلفة عثمان ولة آخرون منهم‪:‬‬
‫عمير بن سعد النصاري وكان على حمص‪ ،‬وينافس معاوية بن أبي‬
‫سفيان في المكانة لدى عثمان ‪ ‬إل أن عميرا مرض مرضا أعياه‬
‫عن القيام بأعباء الولية‪ ،‬فطلب من الخليفة عثمان أن يعفيه‪ ،‬فأعفاه‬
‫وضم وليته إلى معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وبذلك زاد نفوذ معاوية فامتد‬
‫إلى حمص التي ولى عليها من قبله عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪.‬‬
‫)‪ (6‬كما توفى علقمة بن محرز ‪-‬وكان على فلسطين‪ -‬فضم عثمان‬
‫وليته إلى ولية معاوية بن أبي سفيان ‪ ‬فاجتمعت الشام لمعاوية‬
‫بعد سنتين من خلفة عثمان ‪ ،‬وأصبح الوالي المطلق فيها طيلة‬
‫الباقية من خلفة عثمان حتى توفي عثمان وهو عليها كما‬ ‫السنوات‬
‫هو معروف‪ (7).‬وقد كانت فترة ولية معاوية على الشام مليئة‬
‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الولة على البلدان )‪.(1/171‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ اليمن السياسي في العصر السلمي‪ ،‬حسن سليمان‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/442‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/442‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/443‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪189‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بالحداث‪ ،‬كانت الشام من أهم مناطق الجهاد‪ ،‬ومع أن الشام في‬
‫ت محاولت الروم‬ ‫داخلها قد استقرت أوضاعها وسادها السلم وقل ّ ْ‬
‫إثارة القلقل فيها‪ ،‬إل أن الشام كانت متاخمة لرض الروم‪ ،‬وبالتالي‬
‫كان المجال مفتوحا أمام معاوية للجهاد في تلك النواحي‪ ،‬وقد تحدثنا‬
‫عنها فيما مضى‪ ،‬وقد كان لمعاوية ثقله السياسي في الدولة‬
‫السلمية أواخر خلفة عثمان ‪‬؛ إذ كان ضمن الولة الذين جمعهم‬
‫عثمان ليستشيرهم حين بدأت ملمح الفتنة تلوح في الفق‪ ،‬كما‬
‫ظهرت له آراء خاصة في هذا الجتماع وجهها إلى عثمان)‪ ،(1‬وسيأتي‬
‫الحديث عنها بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫سا‪ :‬أرمينية‪:‬‬
‫ساد ً‬
‫بدأت الجيوش السلمية بالتوجه إلى أرمينية لول مرة في عهد‬
‫عثمان ‪‬؛ حيث توجه أول جيش إسلمي إلى تلك المنطقة من بلد‬
‫الشام‪ ،‬وهي من أقرب الوليات إليها‪ ،‬يقوده حبيب بن مسلمة‬
‫الفهري وقوامه حوالي ثمانية آلف مقاتل‪ ،‬واستطاع هذا الجيش أن‬
‫يفتح العديد من المواقع في أرمينية‪ ،‬إل أنه أحس بالخطر نتيجة‬
‫تجمع حشود من الروم لمساعدة الرمن في حروبهم ضد‬
‫المسلمين‪ ،‬فطلب المساعدة من الخليفة الذي أمر بتسيير جيش‬
‫من الكوفة قوامه ستة آلف رجل تقريبا ويقوده سلمان بن ربيعة‬
‫الباهلي‪ (2).‬وقد حدث نزاع بعد ذلك بين حبيب بن مسلمة وسلمان‬
‫الخليفة عثمان عليه‪ ،‬فقام بالكتابة إلى القوم وحل‬
‫)‪(3‬‬
‫بن ربيعة‪ ،‬وقف‬
‫قيادة‬ ‫تولى‬ ‫ربيعة‬ ‫بن‬ ‫سلمان‬ ‫أن‬ ‫ويبدو‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫المشكلة التي‬
‫على أرمينية)‪ ،(4‬ثم‬ ‫بإمرته‬ ‫عثمان‬ ‫إليه‬ ‫كتب‬ ‫حيث‬ ‫السلمية؛‬ ‫الجيوش‬
‫توغل سلمان بن ربيعة في أرمينية ثم بلد )الخزر( )‪ (5‬فاتحا ومنتصرا‪،‬‬
‫حتى وقعت معركة حامية بين جيشه وقوامه عشرة آلف رجل‬
‫وجيش ملك الخزر وقوامه ثلثمائة ألف ‪-‬كما تقول الروايات‪ -‬فقتل‬
‫سلمان وجميع جنوده‪ ،‬وقد كتب عثمان ‪ ‬إلى حبيب بن مسلمة أن‬
‫يسير مرة أخرى إلى بلد أرمينية‪ ,‬فاتجه بجيشه وقام بفتح المواقع‬
‫أخرى‪ ،‬وثبت أقدام المسلمين فيها‪ ،‬وعقد بعض المعاهدات‬ ‫مرة بعد‬
‫مع أهل البلد)‪ ،(6‬ثم رأى عثمان ‪ ‬أن يوجهه إلى ثغور الجزيرة‬
‫لخبرته بها وقدرته عليها‪ ،‬وعين مكانه على أرمينية حذيفة بن اليمان‬
‫بالضافة لوليته على أذربيجان؛ حيث قام بعدة غزوات نحو بلد‬
‫الخزر من أرمينية)‪ ،(7‬وبعد ما يقرب من سنة عزله عثمان وولى على‬
‫أرمينية المغيرة بن شعبة ‪ ‬حتى توفى عثمان وهو عليها وعلى‬
‫أذربيجان في الوقت نفسه‪ (8).‬وتعد هذه الولية إضافة جديدة أضافها‬
‫عثمان إلى الدولة السلمية ولم تكن فتحت قبله‪ ،‬وقد لقي‬
‫المسلمون عناء شديدا في فتحها وتنظيمها وضبط أمورها)‪.(9‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(1/176‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الطبقات )‪.(6/131‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الخراج وصناعة الكتابة‪ ،‬قدامة بن جعفر‪ ،‬ص ‪.326‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫القنوح لبن أعثم )‪.(2/112‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الخزر‪ :‬بلد الترك في آسيا الوسطى‪ ،‬وهي الن في جنوب روسيا‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/177‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/177‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫تاريخ اليعقوبي )‪ ،(2/168‬الولية على البلدان )‪.(1/177‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/177‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪190‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫سابًعا‪ :‬ولية مصر‪:‬‬
‫الخطاب هو عمرو بن العاص‬ ‫كان والي مصر في خلفة عمر بن‬
‫الذي حكمها ما يقرب من أربع سنوات‪ (1).‬وتوفي عمر وهو وال‬
‫عليها‪ ،‬وقد أقره عثمان بن عفان في بداية خلفته فترة من الوقت‪,‬‬
‫وكان يساعده في عمله في بعض نواحي مصر عبد الله بن أبي‬
‫السرح)‪ (2‬الذي كان مصاحبا لعمرو بن العاص منذ أيام فتوحه في‬
‫فلسطين؛ حيث كان من ضمن قواده واشترك معه)‪(4‬في فتوح مصر‪.‬‬
‫)‪ (3‬وقد عينه عمر على بعض صعيد مصر بعد فتحها ‪ ,‬ويبدو أن‬
‫عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح حدث بينهما‬
‫خلف في وجهات النظر‪ ،‬فوفد عمرو بن العاص على عثمان بعد‬
‫مبايعته بالخلفة‪ ،‬وطلب منه عزل عبد الله بن سعد عن ولية‬
‫الصعيد‪ ،‬فرفض عثمان ذلك‪ ,‬وذكر له أن عمر هو الذي ولى ابن أبي‬
‫السرح‪ ،‬وأنه لم يأت بما يوجب العزل‪ ،‬فأصر عمرو على عزله‪،‬‬
‫وأصر عثمان على عدم موافقته‪ ،‬ونتيجة لصرار كل من الطرفين‬
‫مصر وتولية‬ ‫على رأيه‪ ،‬رأى عثمان أن من الصلح عزل عمرو عن‬
‫عبد الله بن أبي السرح مكانه‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل‪ (5).‬وفي هذه‬
‫الظروف قام الروم بالغارة على السكندرية والستيلء عليها وقتلوا‬
‫جميع من فيها من المسلمين‪ ،‬فرأى أمير المؤمنين تعيين عمرو على‬
‫لفتح السكندرية من جديد والقضاء على جيش الروم‪،‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫جيوش مصر‬
‫صلت أحداثه في حديثي عن الفتوحات‪ ،‬ثم إن‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫فعل‬ ‫وتم ذلك‬
‫عثمان أراد أن يعيد عمرو على ولية أجناد مصر وحربها‪ ,‬وأن يجعل‬
‫عبد الله بن سعد على الخراج‪ ،‬إل أن عمرو رفض ذلك‪ ،‬وتكاد الخبار‬
‫تندر عن ولية عمرو في مصر خلل عهد عثمان ‪ ‬سوى ما ورد من‬
‫دوره في الجهاد؛ سواء في رد الروم وطردهم عن السكندرية‬
‫قضايا‪(7‬الخراج التي دارت فيها‬ ‫وتثبيت المن في أنحاء مصر‪ ،‬أم في‬
‫بين عثمان وبين عمرو خلفات في الرأي‪ ).‬وبعد عزل عمرو بن‬
‫العاص عن مصر مرة أخرى أو عن ولية السكندرية على أرجح‬
‫الراء‪ ،‬وبعد رفضه ما اقترحه عثمان ‪ ‬من وليته على الجناد‬
‫وولية ابن أبي السرح على الخراج‪ ،‬أقر عثمان عبد الله بن‬
‫أبي السرح مرة أخرى على مصر‪ ،‬وأصبح هو الوالي الرسمي‬
‫لمصر‪ ،‬والمدير الفعلي لولية مصر بأجنادها وخراجها ومختلف‬ ‫)‪(8‬‬
‫وقد كانت ولية مصر في أول أمرها هادئة مستقرة‬ ‫شئونها‪.‬‬
‫إلى أن تمكن مثيرو الفتنة من أمثال عبد الله بن سبأ من‬
‫الناس‪(9‬فيها‪ ،‬فكان لهم وللمتأثرين بهم‬ ‫الوصول إليها وإثارة‬
‫‪ ،‬وسيأتي بإذن الله تعالى‬ ‫)‬
‫دور كبير في مقتل عثمان ‪‬‬
‫تفصيل ذلك‪.‬‬
‫النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬د‪ .‬جمال الدين بردي )‪.(1/77‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سير أعلم النبلء )‪.(1/33‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/33‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫ولة مصر للكندي‪ ،‬ص ‪ ,33‬فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬ص ‪.173‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/178‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(179 ،1/178‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫الولية على البلدان )‪ ,(1/179‬فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/79‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/186‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪191‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ثامًنا‪ :‬ولية البصرة‪:‬‬
‫استشهد عمر بن الخطاب ‪ ‬وواليه على البصرة أبو موسى‬
‫الشعري‪ ،‬وكان المجتمع البصري في تلك الفترة قد بدأ يشهد‬
‫تغيرات أساسية في بنيته السكانية والجتماعية حيث أصبحت‬
‫البصرة من أكبر المعسكرات السلمية؛ إذ هاجر إليها العديد من‬
‫الكثير من المواقع‪ ،‬وبالتالي اكتسبت أهمية‬ ‫القبائل وقام جندها بفتح‬
‫خاصة في بداية عهد عثمان‪ (1).‬وقد انشغل الناس بأمورهم الخاصة‬
‫إضافة إلى المور العامة من جهاد وغيره‪ ،‬وبالتالي فإن الولية على‬
‫مثل هذه المنطقة وكذلك ما يتبعها من أقاليم أخرى تعتبر مهمة‬
‫ليست باليسيرة وتتطلب دراية خاصة بإدارة أحوال تلك الولية‪،‬‬
‫ولعل عمر بن الخطاب ‪ ‬كان يحس بمقدرة أبي موسى الخاصة‬
‫بعده( أن يترك أبا‬ ‫على إدارة تلك الولية؛ حيث أوصى الخليفة من‬
‫موسى في الولية من بعده أربع سنوات بعد وفاته‪ 2).‬وقد كانت‬
‫فترة ولية أبي موسى للبصرة فترة جهاد وكفاح برز فيها دور أهل‬
‫البصرة‪ ،‬كما برز فيها أبو موسى ‪ ‬بفتح العديد من المواقع في بلد‬
‫فارس‪ ،‬إضافة إلى تثبيته لقدام المسلمين في المواقع المفتوحة‬
‫الخطاب ‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫سابقا‪ ،‬والتي حاول أهلها النتقاض بعد وفاة عمر بن‬
‫فقام أبو موسى بغزوهم وتثبيت السلم في تلك الربوع‪.‬‬
‫وبالضافة إلى دور أبي موسى في الفتوح فإنه قام بدور مهم في‬
‫تنظيم الري وحفر القنوات والنهار في البصرة أثناء وليته زمن‬
‫الخليفة عثمان‪ ،‬وقد قام بحفر قناة لجلب مياه الشرب إلى البصرة‬
‫مشاريع لحفر‬ ‫اعتمد عليها الناس بعد ذلك في شربهم‪ ،‬كما بدأ في‬
‫الولية حال دون إتمامها)‪ ،(4‬فقام‬ ‫قنوات أخرى‪ ،‬إل أن عزله عن‬
‫خليفته عبد الله بن عامر بإتمامها‪ (5).‬ولم تستمر ولية أبي موسى‬
‫على البصرة طويل؛ إذ قام عثمان بعزله سنة ‪ 29‬هـ ‪-‬كما ترجح‬
‫معظم الروايات‪ -‬وعين مكانه عبد الله بن عامر بن كريز‪ (6).‬ويورد‬
‫المؤرخون عدة روايات حول عزل أبي موسى‪ ،‬نستخلص منها أن‬
‫هناك مشكلة قامت بين أبي موسى وبين جند البصرة اختلف في‬
‫سببها‪ ،‬وقد قدمت مجموعة من أهل البصرة إلى عثمان تحرضه‬
‫على عزل أبي موسى قائلين له‪ :‬ما كل ما نعلم نحب أن تسألنا عنه‬
‫فأبدلنا سواه‪ ،‬قال عثمان‪ :‬من تحبون؟ فقالوا‪ :‬في كل أحد عوض‬
‫عنه‪ ،‬وطلب قوم من عثمان أن يولي عليهم قرشيا)‪ ،(7‬فعزل عثمان‬
‫أبا موسى وولى مكانه عبد الله بن عامر‪ .‬وهنا تتجلى لنا حكمة أبي‬
‫موسى وسعة صدره وطاعته لمر الخليفة‪ ،‬وأنه لم يكن يحرص على‬
‫الولية كما يظن البعض‪ ،‬فحينما بلغه عزله وتولية عبد الله بن عامر‬
‫مكانه‪ ،‬صعد المنبر وأثنى على عبد الله بن عامر ‪ -‬وكان شابا صغيرا‬
‫عمره ‪ 25‬سنة ‪ -‬وكان ما مدحه به أبو موسى قوله‪ :‬قد جاءكم غلم‬
‫مات والخالت والجدات في قريش‪ ،‬يفيض عليكم المال‬ ‫كريم الع ّ‬
‫التنظيمات الجتماعية والقتصادية في البصرة‪ ،‬صالح العلي‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سير أعلم النبلء )‪ ،(2/391‬الولية على البلدان )‪.(1/186‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/187‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/187‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/187‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/264‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/264‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪192‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فيضا‪.‬‬
‫لقد استطاع عثمان ‪ ‬في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها‬
‫ولية البصرة أن يعين قائدا جديدا يستجيب له الجناد‪ ،‬وبالتالي‬
‫توحدت صفوفهم أمام العداء‪ ،‬فضل عن أن هذا العزل تكريم لبي‬
‫موسى من أن يهان من قبل بعض العوام‪ ،‬ممن تأثروا بالغوغاء‬
‫وأفكار المتمردين المنحرفة ممن حملوا في نفوسهم كراهيته‬
‫والتشهير به والتفوا عليه‪ (2).‬وقد كانت ولية البصرة تمر بظروف‬
‫صعبة حينما تولى ابن عامر‪ ،‬مما دفع عثمان ‪ ‬إلى إجراء تغيير‬
‫أساسي في إدارة الولية؛ إذ أنه ضم أجناد البحرين وعمان إلى ابن‬
‫عامر في البصرة؛ حتى يعطيه سلطة أقوى للوقوف أمام التحديات‬
‫التي تواجهه في تلك الفترة‪ ،‬وقد كان لهذا الدمج أثره الكبير على‬
‫قوة ابن عامر ونفوذه‪ ،‬كما أنه أثر من ناحية أخرى على البصرة‬
‫نفسها؛ حيث أصبحت إحدى العواصم السلمية المستقرة‪ ،‬وزادت‬
‫هجرة القبائل إليها أكثر من ذي قبل)‪ ،(3‬وبالتالي زادت أعباء الولية‬
‫سواء في الديوان أم في تنظيم مختلف شئون الولية الدارية‬
‫والمالية والمنية وغيرها‪.‬‬
‫وقد كانت لولية البصرة وأجنادها ولبن عامر نفسه فتوح عظيمة‬
‫بدأت بعد وليته مباشرة‪ ،‬وانتهت قبل مقتل أمير المؤمنين عثمان‬
‫‪ ،(4)‬وقد تم بيانها عند حديثنا عن فتوحات عثمان ‪ .‬وقد اكتسبت‬
‫البصرة أيام ابن عامر مكانة خاصة بين الوليات السلمية لفتت نظر‬
‫الخليفة عثمان ‪ ‬نتيجة فتوحها وتوسعها في مختلف المجالت‪،‬‬
‫فأصبحت مركزا إداريا مرموقا)‪ ،(5‬وتدار منها العديد من المناطق‬
‫السلمية‪ .‬وكان ابن عامر مسئول عن توزيع المراء في مختلف‬
‫المناطق التابعة لوليته باتفاق مسبق مع الخليفة عثمان ‪ ،‬وبالتالي‬
‫كانت مسئولياته عظيمة‪ .‬وقد قام ابن عامر بتوزيع المراء على‬
‫المناطق التابعة له بمجرد أن تولى المارة؛ حيث اختار بعض القواد‬
‫والمراء وعينهم على تلك المناطق‪ ,‬ومن أهمها عمان والبحرين‬
‫والهواز‪ ,‬بما في هذه المناطق من‬ ‫وسجستان وخراسان وفارس‬
‫مدن مختلفة ومناطق شاسعة)‪ ،(6‬وكان يجري تنقلت بين هؤلء‬
‫المراء والعمال من وقت لخر تبعا للمصلحة في ذلك‪ .‬كما اشتهرت‬
‫البصرة في أيامه ببيت مالها الذي زاد دخله في أيامه وكثرت‬
‫مصروفاته‪ ،‬وكان المسئول عن بيت المال في أيام عمر زياد بن أبي‬
‫كان يلي بعض المشاريع من حفر للنهار وغيرها نيابة‬ ‫سفيان‪ ،‬وقد‬
‫عن ابن عامر)‪ ،(7‬وفي ولية ابن عامر ضربت الدراهم في أنحاء‬
‫فارس التابعة لوليته‪ ،‬وعليها ألفاظ عربية في الفترة من سنة ‪30‬هـ‬

‫)( المصدر نفسه )‪ ،(5/266‬سير أعلم النبلء )‪.(3/19‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الولية على البلدان‪.(1/189) ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( التنظيمات الجتماعية والقتصادية في البصرة في القرن الول الهجري‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫صالح العلي‪ ،‬ص ‪.141‬‬


‫)( الولية على البلدان )‪.(1/189‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(1/193‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( نهاية الرب )‪.(19/433‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/194‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪193‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حتى ‪35‬هـ)‪ .(1‬وقد كان ابن عامر محبوبا لهل البصرة عموما منذ‬
‫حوله من أن عثمان وله لنه قريب له‪ ،‬إل‬ ‫قدومه إليها‪ ،‬ورغم ما أثير‬
‫أن أهل البصرة تمسكوا به‪ (2).‬ومن خلل هذا العرض تبين أن ولية‬
‫البصرة في عهد عثمان انحصرت في رجلين هما أبو موسى‬
‫ولقد‪(3‬كان لكل الواليين دوره الرئيسي‬ ‫الشعري وعبد الله بن عامر‪،‬‬
‫في ضبط أمور البصرة وما يتبعها) ‪.‬‬
‫تاسًعا‪ :‬ولية الكوفة‪:‬‬
‫كان على ولية الكوفة حين بويع عثمان بالخلفة المغيرة بن‬
‫شعبة ‪ ،‬وكان قد تولى في أواخر عهد عمر ‪ ،(4)‬وقد قام عثمان‬
‫‪ ‬بعزل المغيرة عن الكوفة وتعيين سعد بن أبي وقاص مكانه‪ ،‬وقد‬
‫ذكر في سبب العزل أنه كان بوصية من عمر ‪‬؛ حيث أوصى‬
‫الخليفة من بعده أن يستعمل سعدا نظرا لن عمر عزله عن الكوفة‬
‫في أواخر خلفته‪ ،‬وقال‪ :‬إني لم أعزله عن سوء ول خيانة‪ ،‬وأوصي‬
‫الخليفة بعدي أن يستعمله‪ (5).‬تولى سعد بن أبي وقاص على الكوفة‬
‫)‪(6‬‬
‫وكان قرار التعيين مشتركا بين سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن‬
‫مسعود؛ سعد على الصلة والجند‪ ،‬وابن مسعود على بيت المال‪.‬‬
‫وقد كان سعد بن أبي وقاص صاحب خبرة في ولية الكوفة وله‬
‫معرفة تامة بأمورها وسكانها وثغورها وأجنادها؛ نظرا لنه‬
‫كان مؤسسها في عهد عمر‪ ،‬كما أنه وليها عدة سنوات‪ ،‬فكان أخبر‬
‫)‪(7‬‬
‫الناس بها‬
‫وأعلمهم بأحوالها‪.‬‬
‫ومن العمال التي قام بها سعد أثناء وليته في عهد عثمان على‬
‫الكوفة قيامه بزيارة بعض الثغور التابعة للكوفة ومنها )الري(‬
‫وترتيب أمورها وضبطها سنة ‪25‬هـ)‪ ،(8‬وكذلك قيامه بتعيين بعض‬
‫المراء والعمال الجدد في )همذان( وما حولها‪ ،‬ولم تطل فترة ولية‬
‫سعد ابن أبي وقاص على الكوفة إذ حدث بينه وبين عبد الله بن‬
‫مسعود خلف‪ ،‬وكان ابن مسعود على بيت المال‪ ،‬فاقترض منه‬
‫سعدا شيئا من الموال إلى أجل‪ ،‬فجاء الجل ولم يكن عند سعد ما‬
‫يسد به ذلك القرض‪ ،‬فجاءه ابن مسعود يطالبه بتسديد ذلك القرض‬
‫فاشتدا في الكلم واجتمع حولهما الناس‪ ،‬فقرر عثمان عزل سعد‬
‫سعد( العزل وعقوبة ابن مسعود‬ ‫وإبقاء ابن مسعود‪ ،‬فكانت عقوبة‬
‫القرار في العمل كما يقول الطبري‪ 9).‬وهذه القصة تدلنا على تورع‬
‫كل الصحابيين‪ ،‬وتدل على حاجة سعد إلى المال‪ ،‬وعدم وجود ما‬
‫يكفيه وأنه لذلك اضطر إلى القتراض من بيت المال‪ ،‬كما تدل على‬
‫اجتهاد عبد الله بن مسعود في حفظ أموال المسلمين وإصراره‬
‫الدراهم السلمية‪ ،‬وداد على القزاز‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/194‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/195‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(5/239‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/225‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪ ،(5/250‬الولية على البلدان )‪.(1/196‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪ ,105‬الولية على البلدان )‪.(1/196‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/197‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/251‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪194‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والي الكوفة وحاكمها‪ ،‬وكانت ولية‬ ‫)‪(1‬‬
‫على استرداد القرض من سعد‬
‫سعد على الكوفة سنة وأشهرا‪.‬‬
‫وبعد عزل سعد ولي عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي‬
‫من‬ ‫معيط الذي كان قبل تعيينه على الكوفة قد عمل قائدا لجيش‬
‫جيوش أبي بكر في الردن‪ ،‬ثم عمل لعمر على عرب الجزيرة)‪،(2‬‬
‫وفي أواخر خلفة عمر وأوائل خلفة عثمان كان الوليد أحد قواد‬
‫أجناد الكوفة‪ ،‬وقام بالجهاد في العديد من المواقع قائدا لتلك‬
‫الجناد)‪ ،(3‬فكان قبل تعيينه على ولية الكوفة صاحب خبرة بالكوفة‬
‫وأجنادها وثغورها ومختلف شئونها‪ .‬وكعادة الخلفاء الراشدين في‬
‫تفضيل أصحاب الخبرة في المنطقة على غيره عند الحاجة إلى‬
‫تعيين ولة جدد‪ ،‬فقد وقع اختيار عثمان ‪ ‬على الوليد بن عقبة‬
‫لولية الكوفة‪ ،‬وكثير ممن كتبوا عن تعيين عثمان ‪ ‬للوليد سواء من‬
‫المتقدمين أو من المتأخرين حاولوا اتهام عثمان في هذا التعيين‪،‬‬
‫الكوفة أخاه لمه الوليد بن‬ ‫فهم يقولون‪ :‬إن عثمان استعمل على‬
‫عقبة)‪ ،(4‬وهذا فيه غمز مباشر لعثمان ‪ (5).‬وفي بداية ولية الوليد‬
‫كان يشترك معه عبد الله بن مسعود حيث كان واليا على بيت‬
‫المال‪ ،‬إل أن خلفا حدث بين الوليد وعبد الله بن مسعود على أمر‬
‫يتعلق بأموال الدولة ورفع النزاع إلى عثمان ليفصل فيما يراه‪ ،‬فرأى‬
‫عثمان ‪ ‬أن من المصلحة توحيد الولية وبيت المال في يد الوليد‬
‫الله بن مسعود‪ ،‬وقد اعتقد أن المصلحة العامة تقتضي‬ ‫)‪(6‬‬
‫وعزل عبد‬
‫بقي الوليد بن عقبة في الكوفة محبوبا من أهلها‪،‬‬ ‫وقد‬ ‫الضم‪.‬‬ ‫ذلك‬
‫ليس على داره باب)‪ ،(7‬يستقبل الناس في مختلف الوقات ليحل‬
‫مشكلتهم‪ ،‬ويقوم بالواجبات الملقاة عليه‪ ،‬إلى أن وقعت بعض‬
‫الحوادث في الكوفة أوجدت بعض الحاقدين عليه بسبب موقفه‬
‫الحازم في قضية ابن الحيسمان الخزاعي الذي قتله مجموعة من‬
‫شباب الكوفة‪ ،‬فأقام الوليد بن عقبة بأمر من عثمان ‪ ‬حد‬
‫القصاص على هؤلء الشباب المعتدين‪ ،‬ومنذ تلك الحادثة أخذ أولياء‬
‫هؤلء المجرمين وأقاربهم يروجون الشائعات على الوليد بن عقبة‪،‬‬
‫ويحاولون جاهدين أن يتصيدوا أخطاء الوليد ما استطاعوا إلى ذلك‬
‫سبيل‪ ،‬واستطاع أولئك الموتورون تلفيق قضية ضد الوليد‪ ،‬وهي‬
‫إقامة الحد عليه وعزله عن ولية‬ ‫دعوى شربه الخمر‪ ،‬التي سببت‬
‫الكوفة‪ ،‬وهذا ما أراده المتآمرون)‪ ،(8‬وسيأتي تفصيل قضية شرب‬
‫الوليد بن عقبة للخمر عند حديثنا عن ولة عثمان ‪ ‬بإذن الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وبعد عزل الوليد أرسل عثمان إلى أهل الكوفة كتابا جاء فيه‪:‬‬
‫من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة‪ ،‬سلم أما بعد‪،‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/250‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/251‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/198‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/198‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫انظر التهامات التي ألقاها طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى )‪.(1/94‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/251‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/201‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪195‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فإني استعملت عليكم الوليد بن عقبة حتى تولت منعته واستقامت‬
‫طريقته‪ ،‬وكان من صالحي أهله وأوصيته بكم ولم أوصكم به‪ ،‬فلما‬
‫بذل لكم خيره وكف عنكم شره‪ ،‬وغلبتكم علنيته طعنتم به في‬
‫سريرته والله أعلم بكم وبه‪ ،‬وقد بعثت عليكم سعيد بن العاص‬
‫أميرا‪ (1).‬وكانت شكاية أهل الكوفة للوليد وعزله حلقة في سلسلة‬
‫طويلة من الشكايات والعزل من قبل بعض أهل الكوفة لمرائهم)‪،(2‬‬
‫وقد غضب الكثير من أهل الكوفة لعزل الوليد‪ ،‬وبعد عزل عثمان ‪‬‬
‫للوليد عن ولية الكوفة عين بعده سعيد بن العاص سنة ‪30‬هـ الذي‬
‫كان مقيما في المدينة‪ ،‬فاتجه إلى الكوفة ورافقه وفد من أهل‬
‫الكوفة الذين قدموا على عثمان في شكاية الوليد‪ ،‬وكان فيهم‬
‫الشتر النخعي وغيره)‪ ،(3‬فلما وصل سعيد الكوفة صعد المنبر فحمد‬
‫الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬والله لقد بعثت إليكم‪ ،‬وإني لكاره ولكني لم‬
‫دا إذ أمرت أن أئتمر‪ ،‬إل إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها‪،‬‬ ‫أجد ب ّ‬
‫والله لضربن وجهها حتى أقمعها أو ُتعييني‪ ،‬وإني الرائد نفسي‬
‫اليوم‪ ،‬ثم نزل عن المنبر)‪.(4‬‬
‫ومن خلل هذه الخطبة يتبين لنا معرفة سعيد ببدايات الفتنة‬
‫وإرهاصاتها التي بدأت تظهر في الكوفة قبل وليته‪ ،‬وتهديده‬
‫لصحاب الفتنة وعزمه على القضاء على الفتنة التي استشعر بدايتها‬
‫في الكوفة‪ (5).‬واستطاع سعيد بن العاص أن ينظم أمور وليته ويعين‬
‫المراء والولة في مختلف الثغور التابعة للكوفة ويضبط أمورها)‪،(6‬‬
‫وقام بغزوات ناجحة تم ذكرها عند حديثنا عن الفتوحات في عهد‬
‫عثمان‪ ,‬ثم بدأت الفتنة تطل برأسها في الكوفة سنة ‪33‬هـ‪ ،‬وسيأتي‬
‫الحديث عنها ‪-‬بإذن الله تعالى‪ -‬بالتفصيل‪ ،‬ودبر الشتر النخعي‬
‫مؤامرة ضد سعيد بن العاص وانخدع بها بعض عوام الكوفة فقاموا‬
‫مع الشتر في رفض ولية سعيد والطلب من عثمان إبداله بغيره‪،‬‬
‫ولم يكن سعيد سوى وال من الولة الذين سبق لهل الكوفة أن‬
‫اعترضوا عليهم وطلبوا عزلهم قبل ذلك‪ ،‬كسعد بن أبي وقاص‬
‫والوليد بن عقبة وغيرهما‪ ،‬وكان طلب خلعه مقرونا بثورة حمل‬
‫الغوغاء فيها السلح وهي سابقة خطيرة في تاريخ الكوفة‪ ،‬بل وفي‬
‫تاريخ الدولة السلمية كلها‪ ،‬وليس فيها سبب حقيقي‪ ,‬وإنما السبب‬
‫الحقيقي هو تطور الوضاع والتغير الذي طرأ على نفوس الناس‬
‫بتأثير دعاة الفتنة والخروج على عثمان‪ ،‬وقد أصدر الخليفة عثمان‬
‫‪ ‬أمرا بتولية أبي موسى الشعري على الكوفة وعزل سعيد بن‬
‫العاص بناء على طلب بعض أهل الكوفة‪ .‬وقد استهل أبو موسى‬
‫وليته بخطبة أمام أهل الكوفة قال فيها‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ل تنفروا في‬
‫مثل هذا ول تعودوا لمثله‪ ،‬الزموا جماعتكم والطاعة‪ ،‬وإياكم والعجلة‪،‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(5/280‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/206‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/280‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/280‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/207‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/208‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪196‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫اصبروا فكأنكم بأمير‪ ،‬قالوا‪ :‬فَ َ‬


‫ص ّ‬ ‫)‪(1‬‬
‫ل بنا‪ ،‬قال‪ :‬ل إل على السمع‬
‫)‪(2‬‬
‫والطاعة لعثمان بن عفان‪ ،‬قالوا‪ :‬على السمع والطاعة لعثمان‪.‬‬
‫وقد كتب عثمان إلى أهل الكوفة‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ :‬أما‬
‫بعد‪ ،‬فقد أمرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد‪ ،‬ووالله‬
‫لفرشنكم عرضي ولبذلن لكم صبري‪ ،‬ولستصلحنكم بجهدي‪ ،‬فل‬
‫تدعوا شيئا أجبتموه ل يعصى الله فيه إل سألتموه‪ ،‬ول شيئا كرهتموه‬
‫ل يعصى الله فيه إل استعفيتم منه أنزل فيه عندما أجبتم حتى ل‬
‫ي حجة)‪.(3‬‬‫يكون لكم عل ّ‬
‫وقد استمر أبو موسى ‪ ‬واليا على الكوفة حتى قتل عثمان‬
‫‪ ،(4)‬وهكذا نجد أن ولية الكوفة في خلفة عثمان ‪ ‬قد تولى‬
‫عليها خمسة ولة‪ ،‬ابتداء بالمغيرة بن شعبة وانتهاء بأبي موسى‬
‫الشعري‪ ،‬وقد حفلت فترة الولية لكل من هؤلء الخمسة بالعديد‬
‫من الحوادث التي برزت على ساحة الحداث‪ ،‬وكان لها تأثير مباشر‬
‫على مسيرة الدولة السلمية‪ ،‬وقد نمت الفتنة في الكوفة واشتهر‬
‫عن أهلها تسلطهم على ولتهم‪ ،‬ورفضهم لهم في كثير من الحيان‬
‫مهما استرضوهم؛ فقد شكوا سعد بن أبي وقاص‪ ،‬وشكوا الوليد بن‬
‫عقبة‪ ،‬وطردوا سعيد بن العاص‪ ،‬ولعلنا نتذكر هنا أنهم أتعبوا عمر‬
‫قبل عثمان حتى قال فيهم‪ :‬من عذيري من أهل الكوفة‪ ،‬وقد كان‬
‫لبعض أهل الكوفة دور مباشر ورئيسي في مقتل الخليفة‬
‫عثمان ‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أنه كانت هناك بعض الوليات المتفرعة من ولية‬
‫كطبرستان‪ ،‬وأذربيجان‪ ،‬وبعض المناطق الخرى شمالي بلد‬ ‫الكوفة‬
‫فارس‪ (5).‬ومما يؤيد ارتباطها بالكوفة أن ولة الكوفة ‪-‬ومنهم سعيد‬
‫بن العاص‪ -‬هم الذين كانوا يتولون الفتوح في نواحيها‪ ،‬كما كانوا‬
‫هذه الوليات الفرعية‬ ‫يؤدبون أهلها في حال عصيانهم‪ ،‬وقد لعبت‬
‫دورا مرتبطا بدور الكوفة أيضا إلى حد كبير)‪.(6‬‬
‫ومن خلل العرض السابق للوليات السلمية في عهد عثمان‬
‫يتبين لنا أن هناك وليات تمتعت بالستقرار طيلة عهد عثمان ‪،‬‬
‫ومنها الوليات الواقعة في بلد العرب كالبحرين واليمن ومكة‬
‫والطائف وغيرها‪ ،‬كما تمتعت الشام بالستقرار أيضا طيلة خلفة‬
‫عثمان ‪ ،‬وأما البصرة فقد شغل أهلها بالفتوح مع واليهم عبد الله‬
‫بن عامر‪ ،‬وأما مصر والكوفة فقد حدث فيهما الضطراب في أواخر‬
‫خلفة عثمان‪ ،‬وبالتالي ولدت فيهما الفتنة وأقدم أناس من أهلها‬
‫المدينة وعلى قتل الخليفة عثمان ‪ ‬بدل من غزو أعداء‬ ‫)‪(7‬‬
‫على غزو‬
‫السلم!!‪.‬‬

‫المراد‪ :‬اصبروا فإن معكم أميرا الن إن سمعتم وأطعتم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/339‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/343‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/343‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/213‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/213‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/214‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪197‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫***‬

‫‪198‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫سياسة عثمان مع الولة وحقوقهم وواجباتهم‬
‫ل‪ :‬سياسة عثمان مع الولة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫تولى عثمان ‪ ‬الخلفة في بداية سنة ‪24‬هـ‪ ،‬وكان ولة عمر ‪‬‬
‫ينتشرون في المصار السلمية‪ ,‬وقد أقرهم عثمان في ولياتهم‬
‫عاما كامل‪ ،‬ثم باشر بعد ذلك العزل والتعيين في هذه المصار‬
‫بمقتضى سلطته وحسب ما يراه في مصلحة المسلمين‪ ،‬ولعل‬
‫عثمان في ذلك قد اتبع وصية عمر ‪ ‬التي أوصى فيها‪ :‬أن ل يقر لي‬
‫عامل أكثر من سنة‪ ،‬وأقروا الشعري أربع سنين‪ (1).‬وكان عثمان ‪‬‬
‫في سياسته مع الولة يعتمد على مشورة الصحابة في كثير من‬
‫تصرفاته‪ ،‬كما أنه قام بضم بعض الوليات إلى بعضها لما يراه في‬
‫مصلحة المسلمين‪ ،‬ولذلك قد حدد الولة إلى حد ما في بعض‬
‫المناطق؛ فقد ضم البحرين إلى البصرة‪ ،‬كما ضم بعض وليات‬
‫الشام إلى بعضها الخر نتيجة لوفاة بعض الولة أو طلبهم العفاء‬
‫من العمل‪.‬‬
‫وقد كان عثمان ‪ ‬دائم النصح لولته بالعدل والرحمة بين‬
‫الناس‪ ،‬فكان أول كتبه إلى ولته بعد مبايعته خليفة للمسلمين‪ :‬أما‬
‫بعد‪ ،‬فإن الله أمر الئمة أن يكونوا رعاة ولم يتقدم إليهم أن يكونوا‬
‫جباة‪ ،‬وإن صدر هذه المة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة‪ ،‬وليوشكن‬
‫أئمتكم أن يصيروا جباة ول يكونوا رعاة‪ ،‬فإذا عادوا كذلك انقطع‬
‫الحياء والمانة والوفاء‪ .‬أل وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور‬
‫المسلمين وفيما عليهم فتعطوهم ما لهم‪ ،‬وتأخذوهم بما عليهم‪ ،‬ثم‬
‫تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوا الذي عليهم‪ ،‬ثم العدو الذي‬
‫تنتابون فاستفتحوا بالوفاء)‪.(2‬‬
‫ونحن نرى من هذا أن عثمان حدد لولته معالم السياسة التي‬
‫يجب أن يسيروا عليها‪ ،‬من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما‬
‫عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم‬
‫من واجبات‪ ،‬وبالوفاء حتى مع العداء وبالعدل في ذلك كله‪ ،‬وأن ل‬
‫يكون همهم جباية المال‪ (3).‬كما كان عثمان ‪ ‬يكتب إلى عماله‬
‫ببعض التعليمات الخاصة في المور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم‬
‫للوليات‪ ،‬إضافة إلى كتبه العامة والتي كان يصدر فيها تعليمات‬
‫محددة يلتزم بها الجميع‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬إلزامه الناس في الوليات‬
‫بالمصاحف التي كتبت في المدينة على مل من الصحابة؛ حيث‬
‫أرسل مصاحف إلى كل من الكوفة والبصرة ومكة ومصر والشام‬
‫والبحرين واليمن والجزيرة بالضافة إلى مصحف المدينة)‪ ,(4‬وقد أمر‬
‫عثمان بجمع المصاحف الخرى وإحراقها وذلك بموافقة الصحابة في‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(2/391‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/244‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/215‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪199‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المدينة‪ ،‬كما ورد ذلك عن علي ‪ ،(1)‬كما كان عثمان ‪ ‬حريصا‬
‫على أن يتنافس المراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة‪،‬‬
‫فقد كتب إلى عبد الله بن عامر في البصرة وإلى سعيد بن العاص‬
‫في الكوفة يقول‪ :‬أيكما سبق إلى خراسان فهو أمير عليها‪ ،‬مما دفع‬
‫)‪(2‬‬
‫ابن عامر إلى فتح خراسان وسعيد بن العاص إلى فتح طبرستان‪.‬‬
‫وقد كان عثمان يشترط بعض الشروط على الولة أحيانا ليضمن أن‬
‫يكون تصرفهم في صالح المسلمين‪ ،‬ومثال ذلك أن معاوية بن أبي‬
‫ون عليه ركوب البحر إلى قبرص‪ ،‬فكتب‬ ‫سفيان كتب إلى عثمان يه ّ‬
‫إليه عثمان‪ :‬فإن ركبت البحر ومعك امرأتك فاركبه مأذونا لك وإل‬
‫فل‪ ،‬فركب البحر وحمل امرأته)‪.(3‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أساليب عثمان ‪ ‬لمراقبة عماله والطلع على أخبارهم‪:‬‬
‫اتبع عثمان ‪ ‬عدة أساليب لمراقبة عماله والطلع على‬
‫أخبارهم‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬حضوره لموسم الحج‪:‬‬
‫كان عثمان يحرص على الحج بنفسه ويلتقي بالحجاج‪ ،‬ويسمع‬
‫شكاياتهم وتظلمهم من ولتهم‪ ،‬كما أنه طلب من العمال أن يوافوه‬
‫موسم‪ (4،‬وكتب إلى المصار أن يوافيه العمال في كل موسم‬ ‫)‬
‫في كل‬
‫كان عليه الحال أيام عمر‬ ‫لما‬ ‫استمرارا‬ ‫ذلك‬ ‫وكان‬ ‫‪،‬‬ ‫يشكوهم‬ ‫ومن‬
‫من لقاء سنوي بين الخليفة والولة والرعية)‪.(5‬‬
‫‪ -2‬سؤال القادمين من المصار والوليات‪:‬‬
‫وتعتبر هذه الطريقة من أيسر الطرق؛ حيث إنها ل تكلف الخلفاء‬
‫كثيرا‪ ،‬كما أنها تأتي في كثير من الحيان دون ترتيب مسبق‪ ،‬وقد‬
‫اشتهر عن الخلفاء الراشدين الربعة عملهم بهذه الطريقة‪ ،‬وكان‬
‫وجود الخليفة في المدينة المنورة خلل عصور الخلفاء الثلثة الول‬
‫لكثرة الوافدين إلى المدينة للزيارة‪،‬‬ ‫مما يساعد الخليفة‪ ،‬نظرا‬
‫وخصوصا أثناء موسم الحج)‪.(6‬‬
‫‪ -3‬وجود أناس من أهل البلد يكتبون إلى الخليفة‪:‬‬
‫فقد استقبل عثمان ‪ ‬الكتب التي أرسلها بعض الرعية من‬
‫المصار إلى المدينة بما فيها شكاوي؛ فقد استقبل كتابا أرسله أهل‬
‫الكوفة إليه‪ ،‬وكذلك كتابا أرسله أهل مصر إليه‪ ،‬كما استقبل كتبا‬
‫من الشام‪ ،‬وقد اطلع عثمان على ما في هذه‬ ‫أخرى أرسلها أناس‬
‫الكتب وعالج ما فيها)‪.(7‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه )‪،3/995‬‬ ‫)( تاريخ المدينة‪ ،‬أبو زيد البصري )‪.(3/997‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.(996‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ اليعقوبي )‪.(2/166‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪ ,(1/216‬الخراج وصناعة الكتابة‪ ،‬ص ‪.306‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪ (1/216‬نقل عن تاريخ الطبري‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(1/216‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(2/122‬‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (4 ،3 ،‬المصدر نفسه )‪.(1/217‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪200‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -4‬إرسال المفتشين إلى الوليات‪:‬‬
‫بعث عثمان ‪ ‬العديد من المفتشين إلى بعض الوليات للطلع‬
‫على أحوالها ومعرفة ما يشاع عن ولته من ظلم للرعية‪ ،‬وقد جاء‬
‫أولئك المفتشون بتقارير وافية عن أحوال أولئك الولة)‪(1‬؛ فقد أرسل‬
‫عمار بن ياسر إلى مصر‪ ،‬ومحمد بن مسلمة إلى الكوفة‪ ،‬وأسامة‬
‫عمر( إلى الشام‪ ،‬بالضافة إلى‬ ‫ابن زيد إلى البصرة‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫إرساله رجال آخرين إلى أماكن أخرى)‪. 2‬‬
‫‪ -5‬السفر إلى الوليات والطلع على أحوالها مباشرة‪:‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬يزور مكة في موسم الحج‪ ،‬ويطلع على أحوالها‪،‬‬
‫ويقابل الولة بها وحجاج المصار‪ ،‬ويسأل عن أخبارهم وأحوالهم‪.‬‬
‫‪ -6‬طلب الموفدين من الوليات لسؤالهم عن أمرائهم‬
‫وولتهم‪:‬‬
‫كان الخلفاء الراشدون في كثير من الحيان يطلبون من الولة‬
‫أن يبعثوا إليهم بأناس من أهل البلد ليسألوهم‪ ،‬وقد تكرر ذلك من‬
‫عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم‪ ،‬أما أبو‬
‫بكر ‪ ‬فكان مشغول بأمور جهادية منعته من ذلك‪ ،‬كما كان لقصر‬
‫دور في قلة‬ ‫مدة خلفته‬
‫هذه الحوادث)‪.(3‬‬
‫‪ -7‬استقدام الولة وسؤالهم عن أحوال بلدهم‪:‬‬
‫وقد اشتهرت هذه الطريقة خلل عصر الخلفاء الراشدين الربعة‪،‬‬
‫و قد كانت التصالت المستمرة قائمة بين الخليفة عثمان وبين ولته‬
‫لبحث مختلف شئون الدولة‪ ،‬ومن أهم هذه التصالت‪ :‬الجتماع الذي‬
‫عقده عثمان مع ولته في المدينة؛ حيث دعا ولة البصرة والكوفة‬
‫والشام ومصر وغيرهم‪ ،‬ودعا كبار الصحابة وعقد معهم اجتماعا‬
‫بحث فيه بوادر الفتنة التي بدأت تظهر‪ ،‬وتعرف على آراء أولئك‬
‫الولة في الفتنة وكيفية علجها‪ ،‬فقد أدلى كل وال من هؤلء برأيه‬
‫في علج تلك الظاهرة)‪.(4‬‬
‫‪ -8‬المراسلة مع الولة‪:‬‬
‫وطلب التقارير منهم عن أحوال رعيتهم وأحوال بلدهم‪ ،‬وقد‬
‫اشتهرت هذه الطريقة خلل عصور الخلفاء الراشدين الربعة‪،‬‬
‫وكانت بالحرى أهم الطرق خلل عصر أبي بكر الصديق وعلي بن‬
‫أبي طالب رضي الله عنهما)‪.(5‬‬
‫هذه أهم الساليب التي اتبعها عثمان في متابعة ومراقبة ولته‪،‬‬
‫وقد كان ‪ ‬حريصا على قيام الولة بواجباتهم‪ ،‬وفي حالة وقوع أي‬
‫مخالفة منهم‪ ،‬فإنهم يؤدبهم على ذلك الخطأ إذا وصل إلى علمه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(2/122‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه )‪.(2/122‬‬ ‫)( الولية على البلدان )‪.(2/123‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪201‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وإذا ثبت عليه ارتكابه شرع في عقوبته دون النظر إلى حسن ظنه‬
‫في العامل‪ ،‬ومن ذلك جلده للوليد بن عقبة حد الخمر بعد اكتمال‬
‫شروطه وبغض النظر عن صدق الشهود من عدمه)‪ ،(1‬وقام بعد‬
‫جلده بعزله عن ولية الكوفة‪ (2).‬وقد درج عثمان ‪ ‬أن يكتب إلى‬
‫أهل المصار عن تعيين وال جديد عليهم ليوصيهم به كما أوصاه بهم‪،‬‬
‫وكذلك كان يكتب في كثير من الحيان إلى العامة في المصار‬
‫ناصحا‪ ،‬حتى يساعد الولة في تسيير أمور الرعية‪ ،‬ومن ذلك الكتاب‬
‫الذي أرسله عثمان إلى المصار‪ ،‬يقول فيه‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإني آخذ‬
‫العمال بموافاتي في كل موسم‪ ،‬وقد سلطت المة منذ وليت على‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر فل يرفع على شيء ول على أحد‬
‫من عمالي إل أعطيته‪ ،‬وليس لي ول لعيالي حق قبل الرعية إل‬
‫متروك لهم‪ ,‬فيا من ضرب سرا وشتم سرا‪ ..‬من ادعى شيئا من‬
‫ذلك فليواف الموسم فيأخذ بحقه؛ حيث كان مني أو من عمالي‪ ...‬أو‬
‫تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين‪ ،‬فلما قرئ في المصار‪ ،‬أبكى‬
‫الناس ودعوا لعثمان)‪.(3‬‬
‫ثالثـا‪ :‬حقوق الولة‪:‬‬
‫استقر في عهد الخلفاء الراشدين بأن للولة حقوقا مختلفة‬
‫يتصل بعضها بالرعية وبعضها بالخليفة‪ ،‬بالضافة إلى حقوق أخرى‬
‫متعلقة ببيت المال‪ ،‬وكل هذه الحقوق الدبية أو المادية تهدف‬
‫بالدرجة الولى إلى إعانة الولة على القيام بواجباتهم وخدمة‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬ومن أهم هذه الحقوق‪:‬‬
‫‪ -1‬الطاعة في غير معصية الله‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عوا‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا الل َ‬ ‫طي ُ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫تعالى‪َ+ :‬يا أي ّ َ‬ ‫لو ُ‬ ‫قال‬
‫فِإن‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫من ْك ُ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫الّر ُ‬
‫م‬‫إن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫ّ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬‫ش‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ع‬‫ْ‬ ‫ت ََناَز‬
‫ويل ً" ]النساء‪:‬‬
‫خير وأ َحسن ت َأِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫ِ‬
‫ر‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ه وال ْ ْي َوم ال َ‬ ‫ِ‬ ‫بالل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫تُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫‪.[59‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬لما تقدم إلى الولة في الية المتقدمة وبدأ بهم‬
‫فأمرهم بأداء المانات‪ ،‬وأن يحكموا بين الناس بالعدل‪ ،‬تقدم في‬
‫هذه الية فأمر الرعية بطاعته جل وعل أول ً وهي امتثال أوامره‬
‫واجتناب نواهيه‪ ،‬ثم بطاعة رسوله × ثانيا فيما أمر به ونهى عنه‪ ،‬ثم‬
‫بطاعة المراء ثالثا‪ ،‬على قول الجمهور وأبي هريرة وابن عباس‬
‫وغيرهم)‪ .(4‬وفي العهد الراشدي خصوصا والمجتمع السلمي عموما‪،‬‬
‫الشريعة فوق الجميع‪ ،‬يخضع لها الحاكم والمحكوم‪ ،‬ولهذا فإن طاعة‬
‫الحكام مقيدة دائما بطاعة الله ورسوله‪ ،‬كما قال)‪(5‬رسول الله ×‪» :‬ل‬
‫طاعة في المعصية‪ ،‬إنما الطاعة في المعروف« ‪.‬‬
‫‪ -2‬بذل النصيحة للولة‪:‬‬
‫من منطلق المر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الساس الذي‬
‫)‪ (4‬المصدر نفسه )‪.(2/217‬‬ ‫)( المصدر نفسه )‪.(2/126‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬تفسير القرطبي )‪.(5/259‬‬ ‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/349‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب الحكام‪ ،‬رقم )‪.(7145‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪202‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تقره المة بأكملها‪ ،‬والذي وردت الوامر به من خلل اليات القرآنية‬
‫والحاديث النبوية التي تحدثت عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫على وجه العموم‪ ،‬ومنها ما خص الولة به؛ حيث أمرت الحاديث النبوية‬
‫ببذل النصيحة لهم‪ ،‬وقد دأب الخلفاء الراشدون الربعة على الكتابة‬
‫يبذلون لهم النصيحة‪ ،‬والنصوص الواردة في هذه كثيرة‬ ‫لولتهم باستمرار‬
‫يصعب حصرها)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬يجب على الرعية للوالي إيصال الخبار الصحيحة إليه‪:‬‬
‫والصدق في ذلك سواء ما يخص أحوال العامة‪ ،‬أو ما يخص أخبار‬
‫العداء‪ ,‬أو ما كان متعلقا بعمال الوالي وموظفيه‪ ،‬والعجلة في ذلك‬
‫قدر المستطاع‪ ،‬خصوصا ما كان متعلقا بالمور الحربية وأخبار‬
‫الشتراك‬ ‫العداء وما يتعلق بخيانات العمال وغير ذلك‪ ،‬من منطلق‬
‫في المسئولية مع الوالي في مراعاة المصلحة العامة للمة)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬مؤازرة الوالي في موقفه‪:‬‬
‫وعندما اندلعت الفتنة وطلب أصحابها من عثمان عزل بعض‬
‫ولته رفض عثمان ذلك‪ ،‬وكان هذا التعضيد يخدم الهدف العام للدولة‬
‫السلمية ويمنع الضطراب‪ ،‬ول يعني ذلك عدم اللتفات إلى‬
‫الشكاوي ومؤازرة الولة بدون تحقق؛ بل إن هذا التعضيد من‬
‫الخلفاء إنما يأتي بعد تحقق وتثبت من تلك الشكايات‪ ،‬وبعد محاسبة‬
‫دقيقة قد تتطلب إرسال لجان خاصة من بعض الصحابة للتحقيق في‬
‫تلك القضايا‪ ،‬كما أن المؤازرة للوالي واجبة من قبل الخليفة‪ ،‬فهي‬
‫كذلك واجبة من قبل الرعية‪ ،‬وأن على الناس احترامهم وتقديرهم)‪،(3‬‬
‫وإن كان عثمان ‪ ‬قد عزل بعض الولة وذلك لما رآه من مصلحة‬
‫الرعية‪.‬‬
‫‪ -5‬احترامهم بعد عزلهم‪:‬‬
‫ومن ذلك ما فعله عثمان مع أبي موسى الشعري وعمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنهما‪ ،‬بل نلحظ أن عثمان استشار عمرو بن‬
‫العاص في مسائل الدولة الكبرى بعد عزله‪ ،‬وهذا احترام فائق من‬
‫عثمان ‪ ‬لمن عزلهم من الولة‪.‬‬
‫‪ -6‬مرتبات الولة‪:‬‬
‫ومن حقوق الولة مرتباتهم التي يعيشون عليها‪ ،‬ومبدأ الرزاق‬
‫والرواتب للعمال متفق عليه بين الخلفاء الراشدين اقتداء بما فعله‬
‫الرسول ×‪ ،‬ولئن كانت الروايات قد اقتصرت على ذكر مرتبات‬
‫بعض العمال فقط‪ ،‬فإن المفهوم أن جميع العمال كانت لهم مرتبات‬
‫خلل عصور الراشدين‪ ،‬ومعظم الروايات التي وردت في هذا‬
‫الموضوع كانت تركز بالدرجة الولى على عصر عمر بن الخطاب؛‬
‫حيث ورد ذكر مقدار أرزاق بعض الولة في عصره‪ ،‬وقد مضى‬
‫عثمان وعلي ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬على سيرة من سبقهما من الخلفاء‬
‫في فرض الرزاق للعمال والولة‪ ،‬إل أن عصر عثمان ‪ ‬كان على‬
‫)( الولية على البلدان )‪.(2/56‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(2/57‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(2/58‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪203‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ما يبدو أكثر توسعا في بذل العطيات للناس عموما ومن ضمنهم‬
‫الولة؛ نظرا لزيادة الدخل في بيت المال نتيجة الفتوح الواسعة التي‬
‫قام بها ولة عثمان في المشرق وفي أرمينية وأفريقية وغيرها‪ ،‬بل‬
‫إن عثمان ‪ ‬كان يعطي مكافآت مقطوعة للعمال خاصة وبارزة؛‬
‫فقد أعطى لعبد الله بن سعد بن أبي السرح خمس الخمس من‬
‫الغنيمة جزاء فتوحه في شمال أفريقية؛ حيث قال له‪ :‬إن فتح الله‬
‫أفريقية‪ (1‬فلك ما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس‬ ‫دا‬
‫عليك غ ً‬
‫من الغنيمة نفل‪ ).‬وعلى كل حال فإن إعطاء الرزاق للعمال‬
‫وإغناءهم عن الناس كان مبدأ إسلميا فرضه رسول الله × وسار‬
‫أغنوا العمال عن أموال‬ ‫عليه الخلفاء الراشدون من بعده‪ ،‬حتى‬
‫الناس‪ ،‬وفرغوهم للعمل ولمصلحة الدولة)‪.(2‬‬
‫رابًعا‪ :‬واجبات الولة‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة الدين‪ ،‬ومن أبرز تلك الواجبات‪:‬‬
‫أ‪ -‬نشر الدين السلمي بين الناس‪:‬‬
‫حيث اختص ذلك العصر بفتوحات عظيمة اقتضت من الولة‬
‫العمل على نشر الدين في البلد المفتوحة مستعينين بمن معهم من‬
‫الصحابة‪ ،‬وقد كان الولة يقومون بهذه المهمة مع وجود من‬
‫يساعدهم في بداية الفتوح في عهد أبي بكر ‪ ،‬ثم بدأت المصار‬
‫تعتمد على معلمين وفقهاء قدموا لهذه المهمة بعد التوسع وبناء‬
‫المصار في عهد عمر‪ ،‬وقد تأكد وجود المعلمين بعد ذلك خلل‬
‫الفترة الخيرة من خلفة عمر‪ ،‬وخلل فترة خلفة عثمان وعلي‪،‬‬
‫وذلك لكثرة السكان في المصار وكثرة طلب العلم‪ ،‬وانشغال الولة‬
‫بأمور مختلفة‪ ،‬وتوسع الوليات؛ حيث كانت تتبع الولية الواحدة‬
‫من‪ (3‬المصار التي كان الناس فيها بحاجة إلى فقهاء‬ ‫العديد‬
‫ومعلمين) ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إقامة الصلة‪:‬‬
‫كان الخليفة نفسه طيلة عصر الخلفاء الراشدين الربعة هو الذي‬
‫يقيم صلة الجمعة والجماعة والعياد في البلد الذي يقيم فيه‪،‬‬
‫ويخطب في الناس الجمعة والعياد والمناسبات الخرى‪ ،‬وكذلك‬
‫نوابه يقومون بهذه المهمة في أمصارهم‪ ،‬وطيلة عهد الخلفاء‬
‫الراشدين كان الولة يخطبون في الناس بأنفسهم ويؤمونهم في‬
‫الصلة)‪.(4‬‬
‫ج‪ -‬حفظ الدين وأصوله‪:‬‬
‫كان الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول × يشعرون بعظم‬
‫الواجب الملقى عليهم في حفظ الدين على أصوله الصحيحة التي‬
‫نزلت على رسول الله ×‪ ،‬وكانوا يعملون جاهدين في إحياء سنة‬
‫الرسول × والقضاء على البدع‪ ،‬والعمل على احترام دين الله‬
‫تاريخ الطبري )‪.(5/252‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(2/64‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(2/66‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (2‬تاريخ المدينة )‪.(999-3/996‬‬ ‫الولية على البلدان )‪.(2/67‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪204‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫واحترام رسوله ×‪ ،‬ورد كيد من يحاولون الدس على هذا الدين‪ .‬وقد‬
‫عمل عثمان ‪ ‬على كتابة المصحف الشريف وإرسال نسخ منه إلى‬
‫المصار‪ ،‬وأمر ولته بإحراق ما لدى الناس من مصاحف أخرى من‬
‫قبيل المحافظة على أهم أصول الدين‪ ،‬وهو القرآن الكريم‪ (1).‬وقد‬
‫بذل ولة عثمان جهودا كبيرة في محاربة السبئية الذين جاءوا بآراء‬
‫غريبة على السلم وضيقوا عليهم وطاردوهم‪ (2).‬وعلى العموم فإن‬
‫المحافظة على الدين واحترامه كان من أهم الواجبات الموكلة إلى‬
‫الولة)‪.(3‬‬
‫د‪ -‬تخطيط وبناء المساجد‪:‬‬
‫حينما وصل الرسول ×إلى قباء قام ببناء أول المساجد في‬
‫السلم‪ ،‬وبعد وصوله إلى المدينة بدأ ببناء مسجده فيها‪ ،‬وحينما كان‬
‫يبعث بالولة إلى البلدان كان هؤلء الولة يقومون ببناء‬ ‫الرسول ×‬
‫المساجد فيها‪ ،‬واستمر الخلفاء الراشدون بعد ذلك في بناء المساجد في‬
‫البلدان والمصار التي فتحها المسلمون‪ ،‬وإن كان الولة لم يقوموا‬
‫المساجد الرئيسية‬ ‫بتأسيس جميع هذه المساجد فإن لهم دورا في إنشاء‬
‫في معظم البلدان التابعة لولتهم وخصوصا الجوامع منها)‪.(4‬‬
‫هـ‪ -‬تيسير أمور الحج‪:‬‬
‫كان الولة على البلدان في صدر السلم مسئولين عن تيسير‬
‫أمور الحج في ولياتهم وتأمين سلمة الحجاج منها‪ ،‬فقد كان الولة‬
‫يعينون المراء على قوافل الحج‪ ،‬ويحددون لهم أوقات السفر؛ حيث‬
‫ف بعض المراء‬ ‫ل يغادر الحجاج بلدانهم إل بإذن الوالي‪ ،‬ولم يكت ِ‬
‫بأمور الترتيب؛ بل نجد منهم من عمل على تأمين المياه في الماكن‬
‫التي يسلكها الحجاج من وليته‪ ،‬فهذا عبد الله بن عامر بن كريز‬
‫أجرى المياه في طريق حجاج البصرة حينما كان عامل عليها لعثمان‬
‫بن عفان؛ حيث أوجد المياه في الطريق من البصرة إلى مكة‪ (5).‬وقد‬
‫أكد الفقهاء بعد ذلك على أن تسيير الحجاج عمل من مهام الوالي‬
‫على بلده‪ ،‬يقول الماوردي‪ :‬أما تسيير الحجيج فداخلة في أحكام‬
‫إمارته؛ لنه من جملة المعونات التي تنسب إليه)‪.(6‬‬
‫و‪ -‬إقامة الحدود الشرعية‪:‬‬
‫إن إقامة الحدود على المخالفين لوامر الله وسنة رسوله ×‬
‫واجب ديني ملقى على الولة‪ ،‬وهو من أهم المور الموكلة إليهم‬
‫سواء منها الحدود المتعلقة بمن يتعرض لمنافع المسلمين العامة أو‬
‫من يتعرض بالضرر لقوام معينين)‪ ،(7‬وقد قام عثمان وولته بإقامة‬
‫الحدود الشرعية في عهده ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫)( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‪ ،‬سليمان العودة‪ ،‬ص ‪.214‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (5 ،‬الولية على البلدان )‪.(2/69‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(1/192‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الحكام السلطانية‪ ،‬أبو الحسن الماوردي‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( السياسة الشرعية لبن تيمية‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪205‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -2‬تأمين الناس في بلدهم‪:‬‬
‫المحافظة على المن في الولية من أعظم المور الموكلة إلى‬
‫الوالي‪ ،‬وفي سبيل تحقيق ذلك فإنه يقوم بالعديد من المور أهمها إقامة‬
‫الحدود على العصاة والفساق)‪(1،‬مما يحد من الجرائم التي تهدد حياة‬
‫الناس وممتلكاتهم‪ ،‬وبالتالي تقل الحوادث المنية من القتل أو السرقة‬
‫أو قطع الطريق وما إلى ذلك؛ بل المر أيضا يشمل ما يلقيه الناس من‬
‫أقوال ضد بعضهم البعض من قذف وغيره‪ ،‬فإن إقامة الحد فيها يمنع من‬
‫العتداء الدبي على الناس في أعراضهم ومحارمهم‪ ,‬ولم يقتصر المر‬
‫على تأمين الناس بعضهم من بعض؛ بل إن العمال ‪-‬وبأمر من الخلفاء‪-‬‬
‫يعملون على تأمين رعاياهم من الحشرات والهوام كالعقارب وغيرها‪،‬‬
‫يقول البلذري‪ :‬كتب عامل نصيبين إلى معاوية وهو عامل عثمان على‬
‫الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة من المسلمين ممن معه أصيبوا‬
‫بالعقارب فكتب إليه يأمره أن يوظف على أهل كل حيز من المدينة عدة‬
‫)‪(2‬‬
‫من العقارب مسماة في كل ليلة ففعل‪ ،‬وكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها‪.‬‬
‫‪ -3‬الجهاد في سبيل الله‪:‬‬
‫إن السمة العامة لعهد الخلفاء الراشدين أن الولة هم قادة‬
‫الجهاد في تلك البلدان‪ ،‬كما أن الولة في عهد عثمان ‪ ‬كان لهم‬
‫دور كبير في الفتوح ومنهم عبد الله بن عامر بن كريز والمغيرة بن‬
‫شعبة‪ ،‬وأبو موسى الشعري الذين واصلوا الفتوح في المشرق‪،‬‬
‫ومثل عبد الله بن سعد بن أبي السرح الذي واصل الفتوح في‬
‫شمال أفريقية‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان الذي واصل الفتوح في‬
‫نواحي أرمينية وبلد الروم‪ ،‬وهكذا فإننا نرى أن المراء في عهد‬
‫الخلفاء الراشدين كانوا مع إدارتهم لبلدهم مجاهدين لنواحي العدو‪،‬‬
‫ولم يمنعهم ذلك من القيام بأعمالهم الموكلة إليهم‪ ،‬ول شك أن‬
‫الجهاد كان مصحوبا بعمليات معينة تخدم الشئون العامة له‪ ،‬وقد‬
‫تحدثت المصادر التاريخية عن أهم هذه العمال التي جرت من قبل‬
‫المراء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬إرسال المتطوعين من قبل المراء إلى الجهاد‪ :‬فقد‬
‫والبحرين ومكة وعمان يبعثون بالمجاهدين خلل عهد‬ ‫كان ولة اليمن‬
‫أبي بكر وعمر وعثمان)‪.(3‬‬
‫ب‪ -‬الدفاع عن الولية ضد العداء‪ :‬كان ولة الشام‬
‫يدافعون الروم طيلة عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬وكذلك الحال عند ولة‬
‫العراق الذين دافعوا الفرس حتى تمكنوا من قتل آخر ملوكهم في‬
‫عصر الخليفة عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫ج‪ -‬تحصين البلد‪ :‬كان عثمان ‪ ‬يأمر بتحصين السواحل‬
‫وإقطاع( القطائع لمن ينزلها من المسلمين للمساعدة في‬ ‫وشحنها‪،‬‬
‫شحنها بالرجال)‪. 4‬‬
‫الولية على البلدان )‪.(2/71‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فتوح البلدان‪ ،‬البلذري‪ ،‬ص ‪.183‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(2/72‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(2/73‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪206‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫د‪ -‬تتبع أخبار العداء‪ :‬فقد قام الولة بتتبع أخبار العداء‬
‫وتوجيه الضربات الموجعة إليهم‪ ،‬واستطاعوا أن يخترقوا صفوفهم‬
‫ويزرعوا عيونا تابعة لهم‪.‬‬
‫هـ‪ -‬إمداد المصار بالخيل‪ :‬كانت الخيل ذات أهمية خاصة‬
‫في الجهاد‪ ،‬وقد اهتم المسلمون بتربيتها منذ أيام الرسول × واعتنوا‬
‫بها عناية خاصة‪ ،‬وقد وضع عمر سياسة عامة في الدولة لتوفير‬
‫الخيل اللزمة للجهاد في المصار السلمية حسب حاجتها‪ (1).‬وسار‬
‫عثمان ‪ ‬على نفس السياسة العمرية في اهتمامه بالخيل‪ ،‬فقد‬
‫كانت هذه الخيول مجهزة للدفاع الفوري عن الدولة السلمية‪.‬‬
‫و‪ -‬تعليم الغلمان وإعدادهم للجهاد‪ :‬اهتم الخلفاء‬
‫الراشدون بتربية الولد وتعليمهم ما يفيدهم في حياتهم الجهادية‬
‫مستقبل‪.‬‬
‫ز‪ -‬متابعة دواوين الجند‪ :‬سار عثمان ‪ ‬على نهج السياسة‬
‫العمرية في اهتمامه بدواوين الجند‪ ،‬وقد اهتم ‪ ‬اهتماما بدواوين‬
‫المصار لعتقاده بأن أهل المصار أحوج الناس للضبط خصوصا‬
‫القريبة من العداء وهي المصار التي تحتاج إلى الجنود باستمرار‪،‬‬
‫وقد كان الولة على البلدان مسئولين مباشرة عن دواوين الجند‬
‫رغم وجود بعض الموظفين الخرين الذين يتولون مهمتها‪ ،‬ولكن‬
‫مسئوليتهم عن‬ ‫باعتبار أن هؤلء الولة هم أمراء الحرب؛ فقد كانت‬
‫واًبا)‪.(2‬‬
‫الدواوين في بلدانهم كمسئولية الخليفة باعتبارهم ن ّ‬
‫ح‪ -‬تنفيذ المعاهدات‪ :‬إن الفتوح السلمية في عهد الخلفاء‬
‫الراشدين صاحبتها مراسلت مع العداء‪ ،‬ومعاهدات ومصالحات‬
‫كثيرة بين المسلمين وأهل البلد المفتوحة‪ ،‬وقد كان المراء على‬
‫البلدان بصفتهم قادة الجند مسئولين مباشرة عن عقد مثل هذه‬
‫المصالحات‬
‫وعن تنفيذها)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬بذل الجهد في تأمين الرزاق للناس‪:‬‬
‫اتبع الخلفاء الراشدون منذ عصر أبي بكر الصديق ‪ ‬طريقة‬
‫جديدة لتوزيع العطيات على المسلمين من موارد بيت المال‬
‫المختلفة‪ ،‬وقد كانت في البداية غير محددة بأوقات معينة‪ ،‬ولكن في‬
‫عهد عمر ‪ ‬تغيرت بعد وضعه للدواوين في المصار المختلفة؛ حيث‬
‫بدأ توزيع العطيات يأخذ شكل دوريا منتظما سار عليه عثمان ‪،‬‬
‫ولم يكتف الخلفاء وولتهم في العهد الراشدي بتأمين الطعام‬
‫ومراقبة السواق فقط؛ بل إن السكن وتوزيعه كان من المهام‬
‫كان المراء يشرفون على تقسيم‬ ‫الموكلة لمراء البلدان‪ ،‬كما‬
‫البيوت في المدن المفتوحة)‪.(4‬‬
‫‪ -5‬تعيين العمال والموظفين‪:‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(2/74‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه )‪.(2/77‬‬ ‫)( الولية على البلدان )‪.(2/75‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(2/79‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪207‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫كان تعيين العمال والموظفين في الوظائف التابعة للولية في‬
‫كثير من الحايين من مهام الوالي‪ ،‬حيث إن الولية في الغالب‬
‫تتكون من بلد رئيسي إضافة إلى بلدان وأقاليم أخرى تابعة للولية‪،‬‬
‫وهي بحاجة إلى تنظيم أمورها‪ ،‬فكان الولة يعينون من قبلهم عمال‬
‫وموظفين في تلك المناطق‪ ،‬وفي عصر عثمان ‪ ‬أصبح هؤلء‬
‫العمال التابعون للولة يحكمون مناطق كبيرة نظرا لتوسع الوليات‬
‫نتيجة الفتوح وانضمام أقاليم كبيرة بأكملها إلى وليات كانت محددة‬
‫في السابق كالبصرة والكوفة والشام وغيرها‪ ،‬وبالتالي فإن توزيع‬
‫العمال وإدارتهم وتنظيمهم كانت مهمة كبيرة من المهام التي يقوم‬
‫بها ولة البلدان‪.‬‬
‫‪ -6‬رعاية أهل الذمة‪:‬‬
‫كانت رعاية أهل الذمة واحترام عهودهم والقيام بحقوقهم‬
‫الشرعية‪ ،‬ومطالبتهم بما عليهم للمسلمين من واجبات‪ ،‬وتتبع‬
‫يظلمهم انطلقا من الوامر الشرعية‬ ‫أحوالهم‪ ،‬وأخذ حقوقهم ممن‬
‫في هذا الجانب من واجبات الوالي)‪.(1‬‬
‫‪ -7‬مشاورة أهل الرأي في وليته‪:‬‬
‫سار الخلفاء على نهج الرسول × في مشاورة أهل الرأي من‬
‫كانوا( يعقدون مجالس لكبار الصحابة‪ ،‬يستشيرونهم‬ ‫الصحابة؛ حيث‬
‫في مختلف المور)‪ ، 2‬كما كانوا يأمرون ولتهم باستشارة أهل الرأي‬
‫وكان الولة يطبقون ذلك ويعقدون مجالس للناس‬ ‫في بلدهم‪،‬‬
‫لخذ آرائهم)‪.(3‬‬
‫‪ -8‬النظر في حاجة الولية العمرانية‪:‬‬
‫اشتهر عن الخلفاء الراشدين وولتهم عنايتهم بحاجة السكان في‬
‫النواحي العمرانية والزراعية‪ ،‬وفي عهد عثمان ‪ ‬قام عبد الله بن‬
‫عامر واليه على البصرة بحفر البار)‪(4‬والعيون ليس في ولية البصرة‬
‫فحسب بل في أماكن أخرى عديدة ‪.‬‬
‫‪ -9‬مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية‪:‬‬
‫كان الولة من منطلق تعاليم السلم الشاملة يراعون هذا‬
‫الجانب بكل ما فيه من تعليمات‪ ،‬إل أن ولة ذلك العصر ‪-‬وبتوجيه‬
‫من الخلفاء الراشدين‪ -‬قاموا ببعض العمال الجتماعية التي يصعب‬
‫أن يقوم بها من هم في مثل منصبهم‪ ،‬كما حرص الخلفاء على أن‬
‫ينزلوا الناس على منازلهم‪ ،‬وأن يحترم الولة أهل الشرف والسابقة‬
‫في السلم‪ ،‬ومن ذلك أن عامل عثمان على الكوفة كتب إليه يشكو‬
‫من غلبة)‪(5‬العراب والروادف على أهل الشرف والبلء والسابقة في‬
‫ضل أهل السابقة والقدمة‬ ‫السلم‪ ،‬فكتب إليه عثمان‪ :‬أما بعد‪ ،‬فف ّ‬
‫ممن فتح الله عليه تلك البلد وليكن من نزلها بسببهم تبعا لهم‪ ،‬إل‬
‫)‪ (3 ،2 ،‬الولية على البلدان )‪.(2/80‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(2/81‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪ ،(2/82‬تاريخ الطبري )‪.(5/280‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪208‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلء‪ ،‬واحفظ‬
‫جميعا بقسطهم من الحق‪ ،‬فإن المعرفة‬ ‫ل منزلته‪ ،‬وأعطهم‬‫لك ّ‬
‫بالناس بها يصاب العدل)‪.(1‬‬
‫‪ -10‬أوقات عمل الوالي‪:‬‬
‫اشتهر عن الوليد بن عقبة والي عثمان على الكوفة أنه لم يكن‬
‫لداره باب‪ ،‬وأنه كان يستقبل الناس في جميع الوقات‪ ،‬وهذا يدل‬
‫تمتع الناس بحرية مراجعة المير من غير حرج متى أرادوا ذلك‬ ‫على‬
‫لحاجة)‪(2‬؛ فقد كان للوالي قسم تابع لبيته مفتوح للناس متى أرادوا‬
‫المجيء إليه مفصول عن أهله وأولده‪.‬‬
‫***‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(2/82‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(2/82‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪209‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫حقيقــــة ولة عثمــــــــان ‪‬‬
‫يكثر المؤرخون من الحديث عن محاباة عثمان أقاربه‬
‫وسيطرتهم على أزِ ّ مة الحكم في عهده‪ ،‬حتى أثاروا عليه نقمة‬
‫كثير من الناس‪ ،‬فثاروا ناقمين عليه إطلقه يد ذوي قرباه في‬
‫شئون الدولة‪ (1).‬وأقارب عثمان الذين ولهم ‪ : ‬أولهم معاوية‪،‬‬
‫والثاني عبد الله بن أبي السرح‪ ،‬الثالث الوليد بن عقبة‪ ،‬الرابع‬
‫سعيد بن العاص‪ ،‬الخامس عبد الله بن عامر‪ ،‬هؤلء خمسة ولهم‬
‫عثمان وهم من أقاربه‪ ،‬وهذا في زعمهم مطعن عليه فلننظر أول‬
‫من هم ولة عثمان ‪ ، ‬هم‪ :‬أبو موسى الشعري‪ ،‬القعقاع بن‬
‫عمرو‪ ،‬جابر المزني‪ ،‬حبيب بن مسلمة‪ ،‬عبد الرحمن بن خالد بن‬
‫الوليد‪ ،‬أبو العور السلمي‪ ،‬حكيم بن سلمة‪ ،‬الشعث بن قيس‪،‬‬
‫جرير بن عبد الله البجلي‪ ،‬عيينة بن النهاس‪ ،‬مالك بن حبيب‪،‬‬
‫النسير العجلي‪ ،‬السائب بن القرع‪ ،‬سعيد بن قيس‪ ،‬سلمان بن‬
‫ربيعة‪ ،‬خنيس بن حبيش‪ ،‬الحنف بن قيس‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫م َنية)‪ ، (2‬وعبد الله بن عمرو الحضرمي‪ ،‬وعلي‬ ‫ربيعة‪ ،‬ويعلى بن ُ‬
‫بن ربيعة بن عبد العزى‪ .‬هؤلء هم ولة عثمان ‪ ، ‬يعني لو أخذنا‬
‫إحصائية لوجدنا أن عدد الولة ثمانية عشر واليا‪ ،‬أل يصح أن‬
‫يكون خمسة من بني أمية يستحقون الولية‪ ،‬وبخاصة إذا علمنا‬
‫أن النبي × كان يولي بني أمية أكثر من غيرهم‪ ،‬ثم يقال بعد‬
‫ذلك‪ :‬إن هؤلء الولة لم يكونوا كلهم في وقت واحد‪ ،‬بل كان‬
‫عثمان ‪ ‬قد ولى الوليد بن عقبة ثم عزله فولى مكانه سعيد بن‬
‫العاص‪ ،‬فلم يكونوا خمسة في وقت واحد‪ ،‬وأيضا لم يتوف عثمان‬
‫إل وقد عزل أيضا سعيد بن العاص‪ ،‬فعندما توفي عثمان لم يكن‬
‫من بني أمية من الولة إل ثلثة وهم‪ :‬معاوبة وعبد الله بن سعد‬
‫بن أبي السرح‪ ،‬وعبد الله بن عامر بن كريز فقط‪ ،‬عزل عثمان‬
‫الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص‪ ،‬ولكنه عزلهما من أين؟ من‬
‫الكوفة التي عزل منها عمر سعد بن أبي وقاص‪ ،‬الكوفة التي لم‬
‫الولة ل يعتبر مطعنا‬ ‫ض بوال أبدا؛ إذ عزل عثمان ‪ ‬لولئك‬ ‫تر َ‬
‫فيهم بل مطعن في المدينة التي ولوا عليها )‪.(3‬‬
‫إن بني أمية كان رسول الله × يستعملهم في حياته واستعملهم‬
‫بعده من ل يتهم بقرابة فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما‪ ،‬ول‬
‫نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله × أكثر من‬
‫بني عبد شمس؛ لنهم كانوا كثيرين‪ ،‬وكان فيهم شرف وسؤدد‪،‬‬
‫فاستعمل النبي × عتاب بن أسيد بن أبي العاص على مكة‪ ،‬وأبا‬
‫سفيان بن حرب على نجران‪ ،‬وخالد ابن سعيد على صدقات بني‬
‫مذجح‪ ،‬وأبان بن سعيد على بعض السرايا ثم على البحرين‪ ،‬فعثمان‬
‫لم يستعمل إل من استعمله النبي × ومن جنسهم وقبيلتهم‪ ،‬وكذلك‬
‫أبو بكر وعمر بعده؛ فقد ولى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان في فتوح‬
‫)( الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪.159‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( وهو يعلي بن أمية بن أبي عبيدة التميمي‪ ،‬سير أعلم النبلء‪.(3/100) ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( حقبة من التاريخ‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪210‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الشام‪ ،‬وأقره عمر‪ ،‬ثم ولى عمر بعده أخاه معاوية)‪.(1‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه أأثبت هؤلء كفاءتهم أم ل؟ وستأتي‬
‫شهادات أهل العلم في أولئك الولة الذين ولهم عثمان ‪ ‬بإذن الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫إن عثمان خليفة راشد يقتدى به‪ ،‬وأفعاله تشكل سوابق دستورية‬
‫في هذه المة‪ ،‬فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج عن تقريب‬
‫القربين فإن عثمان سن لمن بعده تقريب القربين إذا كانوا أهل‬
‫كفاءة‪ ،‬ومن تتبع سيرة عثمان ل يشك في كفاءتهم الدارية‪ ،‬وكل ما‬
‫أنكر على عثمان ل يخرج عن دائرة المباح)‪.(2‬‬
‫إن الولة الذين ولهم عثمان ‪ ‬من أقاربه قد أثبتوا الكفاية‬
‫والمقدرة في إدارة شئون ولياتهم‪ ،‬وفتح الله على أيديهم الكثير من‬
‫البلدان‪ ،‬وساروا في الرعية سيرة العدل والحسان‪ ,‬ومنهم من تقلد‬
‫مهام الولية قبل ذلك في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬ولننظر إلى أقوال أهل العلم في أولئك الولة‪:‬‬
‫ل‪ :‬معاوية بن أبي سفيان بن حرب الموي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ذكر المترجمون لهذا الصحابي الكريم فضائل جمة‪ ،‬وإليك شيئا‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1‬من القرآن الكريم‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ل الل ُ‬ ‫م أن َْز َ‬ ‫تعالى‪+ :‬ث ُ ّ‬ ‫اشترك معاوية ‪ ‬في غزوة حنين‪ ،‬قال‬
‫ؤمِنين وأ َ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫دا‬ ‫ً‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ‬ ‫ن‬ ‫م ْ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬‫عَلى َر ُ‬ ‫ه َ‬‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ن" ]التوبة‪.[26 :‬‬ ‫ِ ِ َ‬‫ري‬ ‫ف‬‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ء‬‫زا‬‫ج‬
‫َ َ ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬
‫َ ِ‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫روا‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫وع‬
‫و َ َ‬‫ها‬ ‫ت ََر ْ‬
‫حنين‪ ،‬وكان من المؤمنين‬ ‫فمعاوية ‪ ‬من الذين شهدوا غزوة‬
‫الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي ×)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬من السنة‪:‬‬
‫الرسول × لمعاوية)‪ ،(7‬ومن ذلك قوله ×‪» :‬اللهم اجعله‬ ‫)‪(6‬‬
‫دعاء‬
‫)‪(5‬‬
‫الصلة والسلم‪» :‬اللهم‬ ‫عليه‬ ‫وقوله‬ ‫به«‪.‬‬ ‫واهد‬ ‫مهديا‬ ‫هاديا‬
‫وقال( رسول الله‬ ‫)‪9‬‬
‫)‪(8‬‬
‫العذاب«‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫والحساب‪،‬‬ ‫الكتاب‬ ‫معاوية‬ ‫عّلم‬
‫×‪» :‬أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا«‪ .‬قالت أم‬
‫فيهم«‪ ،‬ثم قال‬ ‫حرام‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا فيهم؟ قال‪» :‬أنت‬
‫النبي ×‪» :‬أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر)‪ (10‬مغفور لهم«‪،‬‬
‫منهاج السنة )‪.(176 ،3/175‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الساس في السنة وفقهها‪ ،‬سعيد حوى )‪.(4/1675‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/417‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري‪ ،‬خالد الغيث‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫هاديا‪ :‬للناس‪ ،‬أو دال على الخير‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫مهديا‪ :‬أي مهتديا في نفسه‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫صحيح سنن الترمذي لللباني )‪.(3/236‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫موارد الظمآن )‪ (7/249‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫أوجبوا‪ :‬أي فعلوا فعل وجبت لهم به الجنة‪ ،‬فتح الباري )‪.(6/121‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫مدينة قيصر‪ :‬يعني القسطنطينية‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫‪211‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫)‪(3‬‬
‫‪-‬أي أم حرام‪ :-‬أنا فيهم يا رسول الله؟ قال‪ :‬ل‪ (1).‬قال‬ ‫فقلت‬
‫المهلب)‪ :(2‬في هذا الحديث منقبة لمعاوية؛ لنه أول من غزا البحر‪.‬‬
‫‪ -3‬ثناء أهل العلم على معاوية ‪: ‬‬
‫أ‪ -‬ثناء عبد الله بن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬عليه‪:‬‬
‫قيل لبن عباس‪ :‬هل لك في أمير المؤمنين معاوية‪ ،‬فإنه ما أوتر‬
‫إل بواحدة‪ ،‬قال‪ :‬إنه فقيه‪ (4).‬ومما يناسب المقام ذكر بعض المسائل‬
‫الفقهية التي أثرت عن معاوية ‪ ‬ومن تلك المسائل ما يلي‪:‬‬
‫* أثر عنه ‪ ‬أنه أوتر بركعة‪.‬‬
‫* أثر عنه ‪ ‬الستسقاء بمن ظهر صلحه ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫* أنه يجزئ إخراج نصف صاع من الب ُّر في زكاة الفطر)‪.(6‬‬


‫* استحباب تطييب البدن لمن أراد الحرام)‪.(7‬‬
‫* جواز بيع وشراء دور مكة)‪.(8‬‬
‫* التفريق بين الزوجين بسبب)‪ (9‬العُّنة)‪.(10‬‬
‫* وقوع طلق السكران‪.‬‬
‫* عدم قتل المسلم بالكافر قصاصا‪.‬‬
‫)‪(11‬‬
‫* حبس القاتل حتى يبلغ ابن القتيل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ثناء عبد الله بن المبارك على معاوية ‪:‬‬
‫محنة‪ ،‬فمن رأيناه ينظر‬ ‫قال عبد الله بن المبارك‪ :‬معاوية عندنا‬
‫إليه شذرا اتهمناه على القوم؛ يعني الصحابة)‪.(12‬‬
‫ج‪ -‬ثناء أحمد بن حنبل‪:‬‬
‫سئل المام أحمد‪ :‬ما تقول ‪ -‬رحمك الله‪ -‬فيمن قال‪ :‬ل أقول إن‬
‫معاوية‪(13‬كاتب الوحي‪ ،‬ول أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف‬
‫سوء‪(14‬رديء‪ ،‬يجانبون هؤلء‬ ‫)‬
‫غصبا) ؟ قال أبو عبد الله‪ :‬هذا قول‬
‫القوم ول يجالسون‪ ،‬ونبين أمرهم للناس ‪.‬‬
‫د‪ -‬ثناء القاضي ابن العربي على معاوية ‪:‬‬
‫تحدث ابن العربي عن الخصال التي اجتمعت في معاوية ‪‬‬
‫)( البخاري رقم )‪.(2924‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المهلب بن أحمد الندلسي‪ ،‬مصنف شرح صحيح البخاري‪ ،‬توفي ‪435‬هـ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (11‬المصدر نفسه )‪.(7/130‬‬ ‫)( فتح الباري )‪.(6/120‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)( المغني لبن قدامة )‪.(3/346‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( المغني )‪.(5/77‬‬ ‫)( زاد المعاد )‪.(2/19‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪7‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(6/366‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( العنة‪ :‬هي عجز الرجل عن إتيان زوجته‪ ،‬القاموس المحيط‪.(1570) ،‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري‪ ،‬خالد الغيث‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪10‬‬

‫)‪ (8 ,7 ,‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪11‬‬


‫‪12‬‬
‫)‪ (8 ،‬مروياتـ خلفة معاوية‪،‬ـ ص ‪.29‬‬
‫‪13‬‬

‫)( السنة للخلل‪ ،‬تحقيق عطية الزهراني )‪.(2/434‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪212‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فذكر منها‪ :‬قيامه بحماية البيضة‪ ،‬وسد الثغور‪ ،‬وإصلح الجند‪،‬‬
‫والظهور على العدو‪ ،‬وسياسة الخلق‪ (1).‬وقد علق محب الدين‬
‫الخطيب على هذا النص بقوله‪ :‬وقد بلغ من همته ‪-‬يعني معاوية‪-‬‬
‫وعظيم عنايته بذلك أن أرسل يهدد ملك الروم وهو في معمعة‬
‫القتال مع علي في صفين‪ ،‬وقد بلغه أن ملك الروم اقترب من‬
‫الحدود في جنود عظيمة‪ (2).‬وفي ذلك يقول ابن كثير‪ :‬وطمع في‬
‫معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله‪ ،‬وقهر جنده ودحاهم‪،‬‬
‫ي تدانى إلى بعض‬ ‫فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب عل ّ‬
‫البلد في جنود عظيمة وطمع فيه‪ ،‬فكتب معاوية إليه‪ :‬والله لئن لم‬
‫تنته وترجع إلى بلدك يا لعين‪ ،‬لصطلحن أنا وابن عمي عليك‪،‬‬
‫ولخرجنك من جميع بلدك‪ ،‬ولضيقن عليك)‪(3‬الرض بما رحبت‪ ،‬فعند‬
‫ذلك خاف ملك الروم‪ ،‬وبعث يطلب الهدنة ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ثناء ابن تيمية على معاوية ‪:‬‬
‫مَره‬
‫قال عنه ابن تيمية‪ ...» :‬فإن معاوية ثبت عنه بالتواتر أنه أ ّ‬
‫النبي × كما أمر غيره‪ ،‬وجاهد معه‪ ،‬وكان أمينا عنده يكتب له‬
‫الوحي‪ ،‬وما اتهمه النبي × في كتابة الوحي‪ ،‬ووله عمر بن الخطاب‬
‫بالرجال‪ ،‬وقد ضرب الله الحق على لسانه‬ ‫)‪(4‬‬
‫الذي كان من أخبر الناس‬
‫وقلبه‪ ،‬ولم يتهمه في وليته«‪.‬‬
‫و‪ -‬ثناء ابن كثير عليه‪:‬‬
‫قال عنه ابن كثير‪ :‬وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى‬
‫وأربعين‪ ،‬فلم يزل مستقل بالمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي‬
‫كانت فيها وفاته‪ ،‬والجهاد في بلد العدو قائم‪ ،‬وكلمة الله عالية‪،‬‬
‫والمسلمون معه في راحة‬ ‫والغنائم ترد إليه من أطراف الرض‪،‬‬
‫أيضا‪(6:‬كان حليما)‪ ,(5‬وقورا‪ ،‬رئيسا‪ ،‬سيدا‬
‫)‬
‫وعدل‪ ،‬وصفح وعفو‪ .‬وقال‬
‫جيد( السيرة‪،‬‬ ‫كان‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫عنه‬ ‫وقال‬ ‫شهما‪.‬‬ ‫في الناس‪ ،‬كريما‪ ،‬عادل‪,‬‬
‫حسن التجاوز‪ ،‬جميل العفو‪ ،‬كثير الستر‪ ،‬رحمه الله تعالى)‪. 7‬‬
‫‪ -4‬روايته للحديث‪:‬‬
‫يعد معاوية ‪ ‬من الذين نالوا شرف الرواية عن رسول الله ×‪،‬‬
‫ومرد ذلك إلى ملزمته لرسول الله × بعد فتح مكة‪ ،‬لكونه صهره‬
‫وكاتبه ×‪ .‬هذا وقد روى معاوية ‪ ‬مائة وثلثة وستين حديثا عن‬
‫رسول الله ×‪ ،‬اتفق له البخاري)‪(8‬ومسلم على أربعة أحاديث‪ ،‬وانفرد‬
‫البخاري بأربعة ومسلم بخمسة‪ .‬وكانت سيرة معاوية ‪ ‬مع الرعية‬
‫في وليته من خير سير الولة‪ ،‬مما جعل الناس يحبونه‪ ،‬وقد ثبت في‬
‫الصحيح عن النبي × قال‪» :‬خيار أئمتكم ‪ -‬حكامكم ‪ -‬الذين‬

‫العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.211 ،210‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬البداية والنهاية )‪.(8/119‬‬ ‫مرويات خلفة معاوية‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫الفتاوى )‪ ,(4/472‬البداية والنهاية )‪ ،(8/122‬سير أعلم النبلء )‪.(3/129‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫أفرد ابن أبي الدنيا‪ ،‬وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفا في حلم معاوية‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(8/118‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(8/126‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪213‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تحبونهم ويحبونكم‪ ،‬وتصلون عليهم – تدعون لهم ‪-‬‬
‫الذين تبغضونهم‬ ‫ويصلون عليكم‪ ،‬وشرار أئمتكم‬
‫ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم« )‪.(1‬‬
‫وأختم حديثي عن معاوية ‪ ‬بما قاله القاضي أبو بكر بن العربي‪:‬‬
‫فعمر وله وجمع له الشامات كلها وأقره عثمان‪ ،‬بل إنما وله أبو‬
‫بكر الصديق لنه ولى أخاه يزيد واستخلفه‪ ،‬فأقره عمر‪ ،‬لتعلقه بولية‬
‫فتعلق عثمان بعمر وأقره‪ ،‬فانظر‬ ‫أبي بكر لجل استخلف واليه له‪،‬‬
‫إلى هذه السلسلة ما أوثق عراها‪ (2).‬وثبت أن رسول الله ×‬
‫استكتبه‪ ،‬فيكون سند وليته العمال في الدولة السلمية‪ ،‬لم يكن‬
‫لحد قبله ولم يكن لحد بعده؛ حيث اجتمع على توليته رسول الله‬
‫الثلثة‪ ،‬ثم صالحه وأقر له بالخلفة الحسن بن‬ ‫×‪ ،‬ومن بعده خلفاؤه‬
‫علي سبط رسول الله ×)‪.(3‬‬
‫ثانًيا‪ :‬عبد الله بن عامر بن كريز‪:‬‬
‫بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد‬ ‫هو عبد الله بن عامر بن كريز‬
‫مناف بن قصي القرشي العبشمي)‪.(4‬‬
‫)‪(5‬‬
‫ولد في عهد رسول الله × وذلك في السنة الرابعة للهجرة‪.‬‬
‫وعندما اعتمر الرسول الكريم × في السنة السابعة للهجرة عمرة‬
‫القضاء‪ ،‬ودخل مكة حمل إليه عبد الله بن عامر‪ ،‬قال ابن حجر‪...» :‬‬
‫فتلمظ وتثاءب‪ ،‬فتفل رسول الله في فيه‪ ،‬وقال‪» :‬هذا ابن‬
‫السلمية؟« قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪» :‬هذا أشبهنا« وجعل يتفل في‬
‫ريق‪(6‬النبي × فقال‪ :‬إنه لمسقى‪ ،‬فكان ل‬ ‫فيه ويعوذه‪ ،‬فجعل يبتلع‬
‫يعالج أرضا إل ظهر له الماء) ‪.‬‬
‫لم يتول عبد الله بن عامر منصبا إداريا أو عسكريا إلى أن أصبح‬
‫واليا على البصرة سنة ‪29‬هـ‪649/‬م‪ ،‬وهو ابن خال الخليفة عثمان‬
‫بن عفان ‪‬؛ لن أم عثمان هي أروى بنت كريز بن ربيعة‪ ،‬وكانت أم‬
‫سليم)‪.(7‬‬
‫عبد الله بن عامر من بني ُ‬
‫عين لولية البصرة كان عمره أربعا أو خمسا وعشرين)‪،(8‬‬ ‫ولما ُ‬
‫وظل واليا على البصرة حتى مقتل الخليفة عثمان ‪ ‬عندما تجهز‬
‫بجيش كبير‪ ،‬وحمل ما عنده من الموال فسار إلى مكة حيث وافى‬
‫الزبير‪ ،‬ورجع منها إلى البصرة فشهد موقعة الجمل‪ ،‬ولم يحضر‬
‫موقعة صفين‪ ،‬على الرغم من أن القلقشندي ذكر أنه كان في‬
‫التحكيم مع معاوية بصفين‪ (9).‬وفي خلفة معاوية تولى إمارة البصرة‬
‫)( مسلم‪ ،‬كتاب المارة‪ ،‬رقم ‪.65‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المدينة المنورة‪ ..‬فجر السلم والعصر الراشدي )‪.(2/216‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(8/91‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تهذيب التهذيب )‪.(5/272‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( سير أعلم النبلء )‪ ،(3/19‬تهذيب التهذيب )‪ ،(5/273‬أسد الغابة )‪،(3/293‬‬ ‫‪6‬‬

‫رقم )‪.(3031‬‬
‫)( الطبقات )‪ ،(5/31‬تهذيب التهذيب )‪ (2) .(5/272‬البداية والنهاية )‪.(8/91‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫)( مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬رقم ‪ ،21‬ص ‪ (4) .128‬سير أعلم النبلء )‪.(3/21‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪214‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لمدة ثلث سنوات ثم عزله عنها‪ ،‬فأقام بالمدينة‪ ،‬ومات بها سنة‬
‫سبع وخمسين للهجرة‪ (1).‬وفي رواية ابن قتيبة‪ :‬أنه توفى بمكة ودفن‬
‫بعرفات عام تسع وخمسين‪ (2).‬وأشاد ابن سعد به قائل‪ :‬كان عبد الله‬
‫شريفا‪ ،‬سخيا كريما كثير المال‪ ،‬والولد‪ ،‬محبا للعمران)‪ .(3‬وقال عنه‬
‫ابن حجر‪ :‬كان جوادا كريما ميمونا‪ ..‬جريئا شجاعا)‪ ,(4‬وكان يعتبر من‬
‫أجود أهل البصرة)‪ ,(5‬ومن أجود أهل السلم‪ (6).‬وكان لعبد الله بن‬
‫عامر أثر حميد في الفتوحات؛ فقد تمكن من القضاء على آمال‬
‫الفرس بشكل تام‪ ،‬عندما قضى على آخر رمق من المل الفارسي‬
‫القديم‪ ،‬وذلك بقضائه على آخر ملوكهم يزدجر بن شهريار بن‬
‫كسرى‪ ،‬وخرزاد مهر أخي رستم اللذين تزعما المعارضة الفارسية‬
‫ضد المسلمين‪.‬‬
‫وإضافة إلى براعة عبد الله بن عامر في الشئون الدارية‬
‫العسكرية‪ ،‬فإنه كان مهتما بالمعارف السلمية‪ ،‬ويروى أنه روى‬
‫حديثا عن النبي ×‪ .‬وقال ابن قتيبة‪ :‬لم يروِ عن رسول الله إل حديثا‬
‫واحدا)‪ ،(7‬غير أنه لم يكن له رواية في الكتب الستة‪ (8).‬أما الحديث‬
‫النبوي الذي رواه فقد أورده ابن قانع‪ ،‬وابن منده عن طريق مصعب‬
‫الزبيري‪ :‬حدثني أبي عن جدي مصعب بن ثابت‪ ،‬عن حنظلة بن‬
‫قيس‪ ،‬عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر أن‬
‫)‪(9‬‬
‫رسول الله × قال‪» :‬من قتل دون ماله فهو شهيد«‪.‬‬
‫إصلحاته القتصادية في البصرة‪:‬‬
‫يقترن باسم عبد الله بن عامر عدد من الصلحات في البصرة‪،‬‬
‫ل تقل أهمية عن إنجازاته العسكرية الفذة المتمثلة في انتصاراته‬
‫العديدة على المجوس‪ ،‬وتتبعه لفلولهم المنهزمة وقضائه على آمال‬
‫يزدجر‪ ،‬فقد كانت إصلحاته القتصادية ممثلة في عنايته بسوق‬
‫البصرة‪ ،‬فقد اشترى هذا السوق من ماله ووهبه لهلها)‪ ،(10‬وكان‬
‫السوق يتوسط البصرة‪ ،‬بدليل ما ذكره خليفة بن خياط من أن‬
‫السوق قائم على ضفاف النهر الذي يتوسط البصرة‪ ،‬وهذا اختيار‬
‫جيد؛ لنه يجعل السوق مركزا مهما في وسط المدينة‪ .‬ولعل أبرز‬
‫أعماله الصلحية في البصرة في ميدان الري‪ ،‬وقد اهتم ابن عامر‬
‫بهذه المسألة اهتماما كبيرا‪ ،‬وذكر ابن قتيبة أن ابن عامر احتفر‬
‫الشرق‪(11‬والخر يعرف بأم عبد الله وهو‬ ‫بالبصرة نهرين أحدهما في‬
‫منسوب إلى أم عبد الله بن عامر) ‪ ،‬وأمر عبد الله بن عامر‪ ،‬زياد‬
‫بن أبي سفيان بحفر البلة‪ ،‬وكان زياد واليا على الديوان وبيت المال‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (6‬مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬رقم ‪،21‬‬ ‫)( المعارف لبن قتيبة‪ ،‬ص ‪.321‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.129‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ (8‬العقد الفريد )‪.(294 ،1/293‬‬ ‫)( تهذيب التهذيب )‪.(5/272‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫)( صبح العشي في صناعة النشا‪ ،‬أبو العباس القلقشندي )‪.(451 ،1/450‬‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (11‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.321‬‬ ‫)( المعارف‪ ،‬ص ‪.321‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫)( الحاكم في المستدرك )‪ ،(3/639‬إسناده ضعيف وله ما يقويه في الباب‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( الطبقات الكبرى )‪ ،(5/73‬مجلة المؤرخ العربي هي العمدة في ترجمتي لعبد‬ ‫‪10‬‬

‫الله بن عامر‪ ،‬حيث استفدت من الستاذ محمد حمادي جزاه الله خيرا‪.‬‬
‫)( مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬رقم ‪ ،21‬محمد حمادي‪ ،‬ص ‪.134‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪215‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من قبل عبد الله بن عامر‪ ،‬وكان يستخلفه في مكانه عند توجهه‬
‫للفتوح‪ (1).‬وذكر خليفة بن خياط أن زياد احتفر نهر البلة حتى انتهى‬
‫إلى موضع الجبل‪ ،‬والذي تولى حفره لزياد عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكرة)‪(3),(2‬فلما فتح عبد الرحمن الماء جعل يركض فرسه والماء يكاد‬
‫يسبقه‪ .‬وحفر عبد الله بن عامر حوضا نسب إلى أمه‪ ،‬وهو حوض‬
‫أم عبد الله بن عامر بالبصرة منسوب إليها‪ (4).‬وذكر البلذري أن عبد‬
‫حفر نهرا‪ ،‬تولى أمر حفره له نافذ موله فغلب عليه‪،‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫الله بن عامر‬
‫عامر‪ (6،‬تولى حفره له مرة‬ ‫لبن‬ ‫رة‬ ‫م‬
‫ُ ّ‬ ‫نهر‬ ‫وهناك‬ ‫نافذ‪.‬‬ ‫فقيل‪ :‬نهر‬
‫مولى أبي بكر الصديق ‪ ‬فغلب على ذكره) ‪ ،‬وهناك نهر الساورة‬
‫الذي حفره لهم عبد الله بن عامر‪ .‬ويذكر البلذري قنطرة قرة‬
‫حيان الباهلي‪ ،‬وكان‬ ‫بالبصرة فيقول‪ :‬قنطرة قرة نسبة إلى قرة بن‬
‫قديم ثم اشترته أم عبد الله بن عامر)‪ (7‬فتصدقت به مغيثا‬ ‫عندها نهر‬
‫لهل البصرة)‪.(8‬‬
‫مما تقدم‪ ،‬يتبين لنا أن عبد الله بن عامر كان مهتما بحفر النهار‬
‫من أجل ازدهار الزراعة التي هي عماد الحياة القتصادية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫موقع البصرة الستراتيجي بالنسبة إلى طرق التجارة‪ ،‬وأهميتها‬
‫العسكرية كقاعدة للفتوحات السلمية في المشرق‪ .‬ويمكن أن‬
‫نلحظ مدى رغبة عبد الله بن عامر في الصلح‪ ،‬من خلل قوله‪ :‬لو‬
‫في حاجتها على دابتها‪ ،‬ترد كل يوم على ماء‬ ‫ُتركت لخرجت المرأة‬
‫وسوق حتى توافي مكة)‪.(9‬‬
‫وفي الحقيقة أن إصلحاته هذه ل تقل أهمية عن الفتوحات في‬
‫المشرق التي قام بها‪ ،‬فقد كانت البصرة هي القاعدة العسكرية‬
‫للخلفة في فتوحاتها ببلد المشرق‪ .‬وأشار الدكتور صالح العلي إلى‬
‫أن الفتوح الواسعة أدت إلى ازدياد دخل البصرة وانتشار الرخاء‬
‫‪(10‬التقاطر إليها‪،‬‬
‫على‬
‫)‬
‫القتصادي فيها‪ ،‬مما شجع التجار ورجال العمال‬
‫وبذلك بدأت الحياة المدنية تنمو سريعا في البصرة‪.‬‬
‫لقد كانت الحالة المالية لمارة البصرة جيدة جدا‪ ،‬نتيجة للفتوح‬
‫الواسعة في المشرق‪ ،‬والنشاط القتصادي التجاري للبصرة‬
‫واستقرار المن فيها‪ ،‬وكان عبد الله بن عامر رجل متواضعا فاتحا‬
‫بابه لجميع الناس‪ ،‬حتى إنه عاقب الحاجب وأمره أل يغلق بابه ليل‬
‫ول نهارا‪ (11).‬وفي الحقيقة أصبح ابن عامر ذا شهرة واسعة بالبصرة‪,‬‬
‫قال ابن سعد‪ :‬كان الناس يقولون‪ :‬قال ابن عامر وفعل ابن عامر‪.‬‬
‫)‪ (12‬ونتيجة لعماله الصلحية وسيرته الحميدة فقد ازداد حب المة‬
‫فتوح البلدان للبلذري‪ ،‬ص ‪.351‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط )‪.(1/142‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪.351‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫مجلة المؤرخ العربي رقم ‪ ،21‬عبد الله بن عامر‪ ،‬ص ‪.134‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫مجلة المؤرخ العربي رقم ‪ ،21‬ص ‪ ،135‬فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪.354‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫مجلة المؤرخ العربي رقم ‪ ،21‬ص ‪ ،136‬فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪.354‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫مجلة المؤرخ العربي رقم ‪ ،21‬ص ‪ (2) .136‬فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪.354 ،353‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫المعارف لبن قتيبة‪ ،‬ص ‪.321‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫التنظيمات الجتماعية والقتصادية‪ ،‬ص ‪.31 ،30‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬العدد ‪ ،21‬عبد الله بن عامر‪ ،‬محمد حمادي‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫)(‬ ‫‪11‬‬

‫الطبقات )‪.(5/33‬‬ ‫)(‬ ‫‪12‬‬

‫‪216‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫له)‪ .(1‬وظل ابن عامر عليها إلى أن قتل الخليفة عثمان ‪.(2)‬‬
‫فهذا عبد الله بن عامر أحد ولة عثمان‪ ،‬فهو الذي شق نهر‬
‫البصرة‪ ،‬وأول من اتخذ الحياض بعرفات وأجرى إليها العين)‪ ،(3‬وهو‬
‫الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما ل ينكر‬ ‫)‪(4‬‬
‫الرجل الذي له من‬
‫وكان من كبار أمراء العرب‬ ‫الذهبي‪:‬‬ ‫فيه‬ ‫وقال‬ ‫تيمية‪.‬‬ ‫كما يقول ابن‬
‫وشجعانهم وأجوادهم‪ ،‬وكان فيه رفق وحلم)‪.(5‬‬
‫ثالثـا‪ :‬الوليد بن عقبة‪:‬‬
‫هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد‬
‫شمس بن عبد مناف‪ ،‬المير أبو وهب الموي‪ ،‬له صحبة قليلة)‪ ,(6‬وهو‬
‫أخو عثمان لمه‪.‬‬
‫كان الوليد بن عقبة من رجال الدولة السلمية على عهد أبي‬
‫بكر وعمر اللذين كانا يتخيران للعمال ذوي الكفاءة والمانة من‬
‫الرجال‪ ،‬وكان ذلك من أعظم أسباب ذلك النتشار السريع على‬
‫أوسع نطاق للسلم في عهدهما‪ ،‬وأنه كان محل ثقة واعتماد‬
‫إليه المور المهمة لما كان يريان فيه من‬ ‫الخليفتين‪ ،‬وممن وسد‬
‫الكفاءة وصدق اليمان‪ (7).‬وأول عمل له في خلفة الصديق أنه كان‬
‫موضع السر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده‬
‫مع‪(9‬الفرس)‪12 (8‬هـ‪ ،‬ثم وجهه مددا‬ ‫خالد بن الوليد في وقعة المذار‬
‫إلى قائده عياض بن غنم الفهري‪ ).‬وفي سنة ‪13‬هـ كان الوليد يلي‬
‫لبي بكر صدقات قضاعة‪ ،‬ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان‬
‫الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة‪،‬‬
‫فكتب إلى عمرو بن العاص وإلى الوليد بن عقبة يدعوهما لقيادة‬
‫السلم نحو فلسطين‪ ،‬وسار‬ ‫)‪(10‬‬
‫فيالق الجهاد‪ ،‬فسار ابن العاص بلواء‬
‫سنة‬ ‫في‬ ‫الوليد‬ ‫رأينا‬ ‫ثم‬ ‫الردن‪.‬‬ ‫الوليد بن عقبة قائدا إلى شرق‬
‫‪15‬هـ على عهد عمر أميرا على بلد بني تغلب وعرب الجزيرة)‪،(11‬‬
‫وكان في وليته هذه يحمي ظهور المجاهدين في بلد الشام لئل‬
‫يؤتوا من خلفهم‪ ,‬وانتهز الوليد فرصة وليته على هذه الجهة التي‬
‫كانت ل تزال مليئة بالنصارى‪ ،‬فكانت من جهاده الحربي وعمله‬
‫والموعظة الحسنة‬ ‫الداري داعيا إلى الله يستعمل أساليب الحكمة‬
‫لحمل نصارى إياد وتغلب على الدخول في السلم‪ (12).‬وبهذا‬
‫الماضي المجيد جاء الوليد في خلفة عثمان‪ ،‬فتولى الكوفة له وكان‬
‫من خير ولتها عدل ورفقا وإحسانا‪ ،‬وكانت جيوشه مدة وليته على‬
‫الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظاهرة موفقة‪ ،‬كما شهد له‬
‫في التاريخ علما‬ ‫بذلك بظهر الغيب قاضي من أعظم قضاة السلم‬
‫وفضل وإنصافا‪ ،‬وهو التابعي الجليل المام الشعبي)‪(13‬؛ فقد أثنى‬
‫مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬عبدالله بن عامر‪ ،‬محمد حمادي‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البداية والنهاية‪.(8/91) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬منهاج السنة )‪(190 ،3/189‬‬ ‫البداية والنهاية )‪.(8/91‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (4‬سير أعلم النبلء )‪.(413 ،3/412‬‬ ‫سير أعلم النبلء )‪.(3/21‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬محمد صالح الغرسي‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫)‪ (7‬المصدر نفسه )‪.(4/194‬‬ ‫تاريخ الطبري )‪.(4/168‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬


‫‪9‬‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(29 ،5/28‬‬ ‫)(‬ ‫‪11‬‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫)(‬ ‫‪12‬‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫)(‬ ‫‪13‬‬

‫‪217‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫على غزوه وإمارته بقوله حين ذكر له غزو مسلمة بن عبد الملك)‪:(1‬‬
‫فينتهي إلى كذا‬ ‫كيف لو أدركتم الوليد وغزوه وإمارته‪ ،‬إنه كان ليغزو‬
‫وكذا‪ ،‬ما نقص ول انتقص عليه أحد حتى عزل عن عمله‪ (2).‬وقد كان‬
‫الوليد ‪ ‬أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم‪ ،‬وقد أمضى خمس‬
‫سنين وليس في داره باب‪ (3).‬وقد قال عثمان‪ :‬ما وليت الوليد لنه‬
‫أخي وإنما وليته لنه ابن أم حكيم البيضاء عمة رسول الله × وتوأمة‬
‫والولية اجتهاد‪ ،‬وقد عزل عمر سعد بن أبي وقاص وقدم أقل‬ ‫أبيه‪،‬‬
‫منه درجة)‪.(4‬‬
‫والمستعرض لسيرة هذا الصحابي الجليل والبطل السلمي‬
‫العظيم الذي كان محل ثقة الخلفاء الراشدين الثلثة ل يرتاب؛ فإنه‬
‫أهل للولية‪ ،‬وإنما تساوره الشكوك في ثبوت ما قيل فيه من نزول‬
‫وشربه للخمر‪ ،‬والمر يحتاج إلى تحقيق‪،‬‬ ‫الية فيه وتسميته فاسقا‬
‫وإليك بحث هذين المرين)‪:(5‬‬
‫ق"؟‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م َ‬‫جاءَك ُ ْ‬ ‫هل ثبت بأن الوليد نزلت فيه الية ‪ِ+‬إن َ‬
‫َ‬
‫ق ب ِن َب َأ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫فا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫جاءَك ُ‬
‫مُنوا ِإن َ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬
‫تعالى‪َ+ :‬يا أي ّ َ‬ ‫نوا َ‬‫قال‬
‫م‬‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ف‬‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫حوا‬ ‫ب‬‫ص‬
‫ْ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ف‬‫َ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫ج‬ ‫ب‬
‫ْ ً ِ َ َ‬‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫بوا‬
‫ُ‬ ‫صي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫فت َب َي ّ ُ‬
‫ن" ]الحجرات‪.[6 :‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫نا‬‫َ‬
‫يتناقل الرواة في ذلك قصة تقول‪) :‬إن رسول الله × بعث الوليد‬
‫بن عقبة إلى بني المصطلق مصدقا‪ ،‬فأخبر عنهم أنهم ارتدوا‪ ،‬وأبوا‬
‫في أداء الصدقة‪ ،‬وذلك أنهم خرجوا إليه فهابهم ولم يعرف ما‬
‫عندهم‪ ،‬فانصرف عنهم‪ ،‬وأخبر بارتدادهم‪ ،‬فبعث إليهم رسول الله ×‬
‫خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت فيهم‪ ،‬فأخبروه أنهم متمسكون‬
‫الية‪ (6).‬وقد جاءت روايات عديدة وليس للقصة‬ ‫بالسلم‪ ،‬ونزلت‬
‫سند موصول صحيح)‪ ،(7‬وأقل ما يوصف به سند القصة أنه ضعيف‪،‬‬
‫وإذا قبلوا السانيد الضعيفة في فضائل العمال التي ل تحل حراما‬
‫ول تحرم حلل‪ ،‬فإننا ل نقبل السند الضعيف في قصة الوليد؛ لنه‬
‫يحل حراما‪ ،‬وهو وصف رجل صحب الرسول عليه السلم ‪-‬ولو يوما‪-‬‬
‫على‬ ‫بأنه فاسق‪ ..‬وكيف نقبل السند الضعيف والية نفسها تحث‬
‫التثبت في قبول الخبار‪ ،‬فهذه الية وضعت أصل علم الرواية)‪.(8‬‬
‫إن قصة الوليد بن عقبة فيما نسبوه إليه ل تقبل فيها إل الخبار‬
‫الصحيحة السند والمتن؛ لنها تصفه بالفسق‪ ،‬وهذا مطعن ل يتساهل‬
‫في قبوله إذا ُوصف به رجل من عرض الناس في العصر الحديث‬
‫بعد خمسة عشر قرنا من عصر الدعوة‪ ،‬فكيف نتساهل في نسبتها‬
‫إلى رجل عاش في العهد النبوي‪ ،‬وفي عهد الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫وأوكلوا إليه أعمال ذات خطر؟!‪.‬‬
‫والقصة تمثل جزءا من تاريخ صدر السلم‪ ،‬وتتصل أجزاء القصة‬
‫مسلمة بن عبد الملك بن مروان أحد القادة الفاتحين‪ ،‬توفي ‪120‬هـ‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/251‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المدينة النبوية فجر السلم )‪.(2/176‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه )‪.(2/182‬‬ ‫المدينة النبوية فجر السلم‪.(2/176) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫‪218‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وحوادثها بالعقيدة السلمية‪ ،‬وأخبار هذا الجانب من التاريخ السلمي‬
‫ل يتساهل في قبولها‪ ،‬كما يتساهل في قبول الخبار التي تتصل‬
‫بالعمران المدني‪ ،‬ثم إن الوليد بن عقبة من مسلمة الفتح‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫توجه المطاعن إلى إسلم هذه الفئة من الناس‪ ،‬ويزعم بعض‬
‫أسلموا مكرهين‪ ،‬ولم يدخل اليمان إلى قلوبهم‪ ،‬وهو‬ ‫المؤرخين أنهم‬
‫زعم باطل بل ريب‪ (1).‬وأخبار الوليد بن عقبة تزّيد الرواة فيها‪ ،‬ولعبت‬
‫بها الهواء المذهبية والسياسية‪ ،‬ودخلها الوضع‪ ،‬وكانت ميدانا لتسابق‬
‫القصة في اختبار القدرة على الوضع وإثبات عبقريتهم الدبية‬ ‫أهل‬
‫المجنحة)‪.(2‬‬
‫ومما يعكر على رواية إرسال الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني‬
‫المصطلق ويعارضها حديث موصول السند إلى رجال ثقات‪ ،‬أن‬
‫الوليد بن عقبة كان يوم الفتح صغيرا ومن كان في سنه ل يرسله‬
‫النبي × عامل‪ ،‬فعن فياض بن محمد الرقي‪ ،‬عن جعفر بن برقان‪،‬‬
‫عن ثابت بن الحجاج الكلبي‪ ،‬عن عبد الله الهمداني )أبي موسى(‬
‫عن الوليد بن عقبة قال‪ :‬لما فتح رسول الله × مكة‪ ،‬جعل أهل مكة‬
‫يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم فجيء بي إليه‪،‬‬
‫يمنعه( من ذلك إل‬ ‫وإني مطيب بالخلوق‪ ،‬ولم يمسح على رأسي‪ ،‬ولم‬
‫أن أمي خلقتني بالخلوق‪ ،‬فلم يمسني من أجل الخلوق)‪. 3‬‬
‫إن القصة لعبت بها الهواء المذهبية؛ فالوليد أموي عثماني‪،‬‬
‫والذي أقحم اسم الوليد في قصة سبب نزول الية شيعي رافضي‬
‫)محمد بن السائب الكلبي(‪ ،‬قال عنه ابن حجر‪ :‬كان يعد من شيعة‬
‫أهل الكوفة‪ ،‬وقال ابن حجر‪ :‬كان بالكوفة كذابان‪ ،‬أحدهما الكلبي‪،‬‬
‫والخر السدي‪ (4).‬واختاره لهذه القصة؛ لنها تتصل بجمع الصدقات‪،‬‬
‫والوليد عمل على صدقات قضاعة في عهد أبي بكر‪ ،‬وعمل على‬
‫صدقات تغلب في الجزيرة في زمن عمر‪ ،‬وكتب الشيعة تعيب‬
‫عثمان بن عفان بسبب قصة الوليد‪ (5).‬ونحن ل ننكر أن تكون الية‬
‫نزلت في سياق قصة بني المصطلق‪ ،‬ولكن الذي ننكره أن يكون‬
‫الوليد هو الموصوف بالفاسق في الية‪ ،‬ذلك أن منطوق ‪ِ+‬إن‬
‫ق" بصيغة التنكير يدل على الشمول؛ لن النكرة إذا‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬‫م َ‬‫جاءَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫وقعت)‪(6‬في سياق الشرط عمت كما تعم إذا وقعت في سياق‬
‫النفي‬
‫حد الوليد بن عقبة في الخمر‪:‬‬
‫وأما حد الوليد في الخمر فقد ثبت في الصحيحين أن عثمان حده‬
‫بعدما شهدت عليه الشهود‪ ،‬فهو ليس مأخذا على عثمان‪ ،‬بل كان‬
‫عن‪(7‬الكوفة؛ حيث‬ ‫من مناقب عثمان ‪ ‬أن أقام عليه الحد وعزله‬
‫علي ‪‬‬ ‫وكان‬ ‫‪,‬‬ ‫)‬
‫عثمان(‬ ‫ذكر البخاري هذه الحادثة في باب )مناقب‬
‫يقول‪ :‬إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه ليقتل رِد َْءه‪ (8).‬ما‬
‫)‪ (4 ،‬المصدر نفسه )‪.(2/173‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( مسند أحمد )‪.(4/32‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/179‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (4‬البخاري‪ ،‬كتاب مناقب عثمان‪.‬‬ ‫)‪ (3 ،‬المصدر نفسه )‪(2/180‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫)( الردء‪ :‬هو العون‪ ،‬تاريخ الطبري )‪ (6) .(5/278‬تحقيق مواقف الصحابة في‬ ‫‪8‬‬

‫الفتنة )‪.(1/421‬‬

‫‪219‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ذنب عثمان في رجل قد ضربه بفعله وعزله عن عمله‪ ،‬وما ذنب‬
‫عثمان فيما صنع عن أمرنا‪ (1).‬ثم إن تلك الحادثة لم تطرأ في عهد‬
‫عثمان فحسب‪ ،‬بل لها سابقة في عهد عمر بن الخطاب ‪‬؛ حيث‬
‫ذكر أن قدامة بن مظعون له صحبة شرب الخمر‪ ،‬وهو أمير على‬
‫قبل عمر‬ ‫البحرين من‬
‫فحده وعزله)‪.(2‬‬
‫وقد ذكر بعض المؤرخين أنه لم يثبت على الوليد شربه‬
‫الخمر‪ ،‬قال الحافظ في الصابة‪ :‬ويقال إن بعض أهل الكوفة‬
‫تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق‪ (3).‬وقد أشار إلى هذا ابن‬
‫خلدون فقال‪ :‬وما زالت الشائعات ‪-‬أي على عمال عثمان‪ -‬من‬
‫قبل المشاغبين تنمو‪ ،‬ورمى الوليد بن عقبة ‪ -‬وهو على الكوفة ‪-‬‬
‫)‪(4‬‬
‫بشرب الخمر وشهد عليه جماعة منهم وحده عثمان وعزله‪.‬‬
‫وما حكاه الطبري ببعض تفاصيل‪ :‬إن أبناًء لبي زينب وأبي مورع‬
‫وجندب بن زهير نقبوا على ابن الحيسمان داره وقتلوه‪ ،‬فشهد‬
‫عليهم بذلك أبو شريح الخزاعي الصحابي وابنه‪- ،‬وكان جارا لبن‬
‫الحيسمان‪ -‬فاقتص منهم الوليد‪ ،‬فأخذ الباء على أنفسهم أن‬
‫يكيدوا للوليد‪ ،‬وأخذوا يترقبون حركاته فنزل به أبو زبيد الشاعر‪،‬‬
‫وكان نصرانيا من أخواله بني تغلب‪ ،‬وأسلم على يد الوليد‪ ,‬وكان‬
‫الضيف متهما بشرب الخمر‪ ،‬فأخذ بعض السفهاء يتحدثون بذلك‬
‫في الوليد لملزمته أبا زبيد‪ ،‬ووجد أبو زينب وأبو مورع خير فرصة‬
‫يغتنمانها‪ ،‬فسافرا إلى المدينة وتقدما إلى عثمان شاهدين على‬
‫الوليد بشرب الخمر‪ ،‬وأنهما وجداه يقئ الخمر‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬ما‬
‫يقئ الخمر إل شاربها‪ ،‬فجيء بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان‬
‫وأخبره خبرهم‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬نقيم حدود الله ويبوء شاهد الزور‬
‫بالنار‪ ،‬فاصبر يا أخي)‪.(5‬‬
‫قال محب الدين الخطيب‪ :‬وأما الزيادة التي وردت في رواية‬
‫مسلم من أنه أتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال‪ :‬أزيدكم‪،‬‬
‫وفي بعض طرق أحمد أن صلى أربعا‪ ،‬فلم تثبت في شيء من‬
‫شهادة الشهود‪ ،‬فهي من كلم حضين الراوي للقصة‪ ،‬ولم يكن‬
‫حضين من الشهود ولم يروها عن شاهد ول عن إنسان معروف‪ ،‬ول‬
‫كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم‪ ،‬فل اعتداد بهذا الجزء‬
‫من كلمه)‪.(6‬‬
‫هذا هو والي عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة‪ ،‬المجاهد‬
‫الفاتح‪ ،‬العادل المظلوم الذي كان منه لمته كل ما استطاعه من‬
‫عمل طيب‪ ،‬ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين‪,‬‬
‫وينفذ باطلهم فيهم‪ ,‬فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له‬
‫منقطعة عن صخب المجتمع‪ ،‬وهي تبعد خمسة عشر ميل عن‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (8‬الصابة )‪(3/638‬‬ ‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬

‫)( تاريخ ابن خلدون )‪ ،(2/473‬فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (3‬العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪،96‬‬ ‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/277‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪97‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪220‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو الناس‬
‫للسلم في خلفة عمر)‪ ، (1‬واعتزل جميع الحروب التي كانت أيام‬
‫علي ومعاوية ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬إلى أن توفي بضيعته ودفن بها‬
‫في عام ‪ 61‬هـ‪ ،‬وقيل إنه توفي في أيام معاوية)‪.(2‬‬
‫رابًعا‪ :‬سعيد بن العاص‪.‬‬
‫بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‪،‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫هو سعيد‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬له صحبة‪ ،‬ولي الكوفة بعد‬ ‫القرشي الموي‪.‬‬
‫الوليد بن عقبة‪ ،‬كان من فصحاء قريش‪ ,‬ولهذا ندبه عثمان‬
‫فيمن ندب لكتابة القرآن؛ فعن أنس بن مالك قال‪ ...» :‬فأمر‬
‫عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير‪ ،‬وسعيد بن العاص‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها )أي الصحف(‬
‫في المصاحف‪ .‬وقال عثمان للرهط القرشيين الثلثة‪ :‬إذا‬
‫وزيد بن ثابت في شيء من القرآن‪ ،‬فاكتبوه‬ ‫)‪(4‬‬
‫اختلفتم أنتم‬
‫وقد أقيمت عربية القرآن على لسان سعيد‬ ‫بلسان قريش«‪.‬‬
‫بن العاص؛ لنه كان أشبههم لهجة برسول الله × ‪ .‬أدرك من‬
‫تسع( سنين‪ ،‬وقتل أبوه يوم بدر مشركا‪ ،‬قتله‬ ‫)‪5‬‬
‫الحياة النبوية‬
‫علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫واقرأ معي هذا الخبر الذي يدل على قوة إيمانه‪ :‬حيث روي أن‬
‫عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص‪ :‬لم أقتل أباك‪ ،‬وإنما قتلت‬
‫خالي العاص بن هشام‪ ،‬فقال سعيد‪ :‬لو قتلته لكنت على الحق‪،‬‬
‫وكان على الباطل‪ ،‬فأعجب عمر بجوابه‪ .‬وفي أيام وليته الكوفة غزا‬
‫طبرستان‪(6‬ففتحها وغزا جرجان‪ ،‬وكان في عسكره حذيفة وغيره من‬
‫السائل ‪-‬وليس‬
‫)‪(7‬‬
‫الصحابة‪ ).‬وكان مشهورا بالكرم والبر‪ ،‬حتى سأله‬
‫عنده ما يعطيه‪ -‬فكتب له بما يريد أن يعطيه‪ ،‬مسطورا‪ .‬وكان‬
‫رحمه الله يحب جمع شمل المسلمين ويكره الفتنة ويفر منها‪ ،‬وله‬
‫عثمان الكوفة بعد الوليد بن عقبة ووفد إلى المدينة مرة‪ ،‬وعندما‬
‫عاد إلى الكوفة جند أهل الشغب جنودهم ومنعوه من دخولها‪ ،‬فعاد‬
‫ولزم المدينة‪ .‬وهؤلء الذين منعوه من العودة إلى المارة كان منهم‬
‫ذلك اعتزل الجمل وصفين وحث أهل الجمل على‬ ‫قتلة عثمان‪ ،‬ومع‬
‫القعود عن الخروج‪ (8).‬هذه هي سيرته؛ كرم وشجاعة‪ ،‬وبر‪ ،‬وجهاد‪،‬‬
‫وفصاحة أشبه ما تكون بفصاحة النبي ×‪ ،‬وكان قد أملى على زيد‬
‫بن ثابت هذا المصحف الذي نقرؤه اليوم‪ ،‬فتأمل هذه المناقب الثابتة‬
‫له بالرواية الصحيحة‪ ،‬وقارنها بما يذكرون من مثالبه التي ل سند لها‪،‬‬
‫وتأمل فيمن أشاعها‪ ،‬فتظن أنها ملفقة لنها تجمع في الرجل‬
‫النقيضين؛ الكرم والبخل‪ ،‬والبر والتوحش‪ ،‬والفهم والجهل‪ ،‬والجهاد‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.94‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (5‬البداية والنهاية )‪.(8/216‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬البخاري‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪،‬‬ ‫)( البداية والنهاية )‪.(8/87‬‬ ‫‪3‬‬

‫رقم )‪.(4987‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (4‬المصدر نفسه )‪.(2/211‬‬ ‫)( المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/211‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫)‪ (6‬الطبقات )‪.(5/34‬‬ ‫)( الصابة‪ ،‬ترجمة )‪.(3268‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫‪221‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والنكوص‪ ،‬وهذا ل يعقل اجتماعه في رجل سوى‪ (1).‬يزعم الرواة بل‬
‫إسناد أنه عندما ولي سعيد الكوفة بعد الوليد كان بعض الموالي‬
‫يقول رجزا‪:‬‬
‫زل الوليـد‬‫يا ويلنا قد عُ ِ‬
‫عا ســـــعيد‬
‫وجاءنــا مجوّ ً‬
‫ينقص في الصاع ول يزيد)‪.(2‬‬
‫وهذا رجز مصنوع‪ ،‬وقصة موضوعة بل شك)‪(3‬؛ لن الموالي في‬
‫سنة ‪ 30‬هـ ‪ -‬أي العبيد من أسرى الحروب‪ -‬لم يكونوا يحسنون‬
‫العربية بله قول الشعر‪ ،‬ولن سعيد بن العاص المشهور بالكرم والبر‬
‫مدح الناس والشعراء الوليد‬ ‫وع(‪ ،‬وإذا‬‫ل يمكن أن يوصف بأنه )مج ّ‬
‫لكرمه فإن سعيدا ضرب المثل بكرمه)‪ ،(4‬فكان يقال له‪ :‬عكة‬
‫العسل‪ ،‬وقال فيه الفرزدق‬
‫يذكر كرمه‪:‬‬
‫إذا ما المر في الحدثان عال‬ ‫ترى الغُّر الجحاجح من قريش‬
‫)‪(5‬‬
‫كأنهم يرون به هلل‬ ‫قياما ينظرون إلى سعيد‬

‫وإذا قال الموالي هذا الرجز في أول مجيء سعيد إلى الكوفة‪,‬‬
‫فكيف عرف الموالي سياسة سعيد‪ ،‬وهل جاء مجوعا أم جاء مشبعا‪،‬‬
‫والغريب أن الرواة يسوقون هذا الخبر في سياق ينقض بعضه بعضا؛‬
‫حيث يقولون‪ :‬فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة فسار فيهم‬
‫سيرة عادلة‪ ،‬فكان بعض الموالي يقول‪ ...‬الرجز)‪ !(6‬فكيف تكون‬
‫السيرة عادلة‪ ،‬ويوصف بأنه جوع الموالي؟! فقد كان الخير كثيرا‬
‫يسع الجميع‪ ،‬ويفيض‪ ,‬والسيرة العادلة تجعل الخير يعم‪ (7).‬ورحم الله‬
‫المؤرخين القدماء‪ ،‬فقد كانوا حسني الظن بالقراء‪ ،‬فجمعوا في‬
‫كتبهم الروايات المتناقضة‪ ،‬وحسبوا أن القراء في جميع العصور‬
‫يستطيعون تمييز الغث من السمين‪ ،‬وعذرهم بأنهم كانوا يؤلفون‬
‫عصرهم‪ ،‬وما عرفوا أن القرون التالية ستحفل بمن يحتطب‬ ‫لهل‬
‫بليل‪ (8).‬فقد روى ابن سعد في ترجمة سعيد بل إسناد يقول‪ :‬قالوا‪:‬‬
‫فلما قدم سعيد الكوفة واليا قدمها شابا مترفا ليست له سابقة‪،‬‬
‫المنبر‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬ل أصعد المنبر حتى يطهر‪ ،‬فأمر به فغسل‪ ،‬وقال على‬
‫)‪(9‬‬
‫إنما هذا السواد بستان لغُْيلمة من قريش‪ ،‬فشكوه إلى عثمان‪.‬‬
‫وهذا كلم ل يصح لنه غير مسند؛ ولن سعيد بن العاص الذي قاد‬
‫جيوش الجهاد وفتح الفتوح ل يكون كما وصف القائلون‪ .‬ثم إن ابن‬
‫سعد يروي قولة سعيد هذه على لسان الشتر مالك بن الحارث‬
‫عندما منع سعيد بن العاص من دخول الكوفة بعد سنوات من وليته؛‬
‫)‪ (2‬تاريخ الطبري )‪.(5/279‬‬ ‫)( المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/212‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (5‬البداية والنهاية )‪.(8/88‬‬ ‫)‪ (4 ,‬المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/212‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (6‬تاريخ الطبري )‪.(5/279‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)‪ (8 ,‬المدينة المنورة فجر السلم )‪(2/213‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫)( المدينة المنورة فجر السلم )‪ ،(2/213‬الطبقات )‪.(5/32‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪222‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حيث قال الشتر‪ :‬هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن هذا‬
‫والسواد مساقط رؤوسكم‪,‬‬ ‫السواد بستان لغيلمة من قريش‪،‬‬
‫ومراكز رماحكم‪ ،‬وفيئكم وفئ آبائكم)‪.(1‬‬
‫ومالك بن الحارث الملقب بـ)الشتر( صاحبة فتنة؛ كان من‬
‫رؤساء الخوارج الذين حاصروا عثمان وقتلوه‪ ،‬ول يستغرب من هؤلء‬
‫أن يختلقوا القوال لثارة كره الناس‪ ،‬وإذا كانت هذه الجملة قد‬
‫قيلت‪ ،‬فإن الذين قالوها هم الخارجون على الخلفة؛ لنهم فهموا‬
‫‪-‬وبخاصة‪ (2‬الكوفة‪-‬‬ ‫هذا الفهم السقيم بسبب تتابع المراء على العراق‬
‫من قريش‪ ،‬ولن العصبية القبلية واضحة في هذه المقولة‪ ).‬وقد‬
‫دحا‪ ،‬حليما‪،‬‬‫قال المام الذهبي فيه‪ :‬وكان أميرا شريفا جوادا‪ ،‬مم ّ‬
‫وقورا‪ ،‬ذا حزم وعقل‪ ،‬يصلح للخلفة )الولية(‪ (3).‬وأما قول‬
‫المخالفين والذين طعنوا في عثمان ‪ ‬بأنه استعمل سعيد بن‬
‫العاص على الكوفة وظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة)‪,(4‬‬
‫فمجرد إخراج أهل الكوفة له ل يدل على ذنب يوجب ذلك‪ ،‬فمن‬
‫عرف الكوفة وسبر أحوالها عرف كثرة تشكي أهلها من ولتهم بل‬
‫مبرر شرعي ولتفه السباب‪ ،‬حتى قال فيهم عمر بن الخطاب ‪:‬‬
‫الكوفة‪ ،‬ما يرضون أحدا ول يرضى بهم‪ ،‬ول‬ ‫أعياني وأعضل بي أهل‬
‫يصلحون ول يصلح عليهم‪ (5).‬وفي رواية‪ :‬أعياني أهل الكوفة؛ فإن‬
‫استعملت عليهم لّينا استضعفوه‪ ،‬وإن استعملت عليهم شديدا‬
‫)‪(6‬‬
‫ي فلّبس‬ ‫شكوه‪ (7.‬بل إنه دعا عليهم فقال‪ :‬اللهم إنهم قد لبسوا عل ّ‬
‫عليهم) ‪.‬‬
‫ى‬
‫وقد كان سعيد بن العاص رجل حكيما‪ ،‬فقد قال‪ :‬لجليسي عل ّ‬
‫ثلث؛ إذا دنا رحبت به‪ ،‬وإذا جلس أوسعت له‪ ،‬وإذا حدث أقبلت‬
‫عليه‪ .‬وقال لبنه‪ :‬يا بني‪ ،‬أجرِ لله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير‬
‫مسألة‪ ،‬فأما إذا أتاك الرجل تكاد ترى دمه في وجهه‪ ،‬أو جاءك‬
‫مخاطرا ل يدري أتعطيه أم تمنعه‪ ،‬فوالله لو خرجت له من جميع‬
‫مالك ما كافأته‪ .‬وقال أيضا‪ :‬يا بني‪ ،‬ل تمازح الشريف فيحقد عليك‪،‬‬
‫ول الدنيء فتهون عليه‪ .‬ودخلت عليه ذات يوم امرأة من العابدات‬
‫وهو أمير الكوفة فأكرمها وأحسن إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬ل جعل الله لك إلى‬
‫لئيم حاجة‪ ،‬ول زالت المنة في أعناق الكرام‪ ،‬وإذا أزال عن كريم‬
‫نعمة جعلك سببا لردها عليه‪.‬‬
‫دا الوفاة جمع بنيه وقال لهم‪ :‬ل يفقدن‬ ‫ولما حضرت سعي ً‬
‫أصحابي غير وجهي‪ ،‬وصلوهم بما كنت أصلهم به‪ ،‬وأجروا عليهم ما‬
‫كنت أجري عليهم‪ ،‬واكفوهم مؤنة الطلب‪ ،‬فإن الرجل إذا طلب‬
‫الحاجة اضطربت أركانه‪ ،‬وارتعدت فرائصه مخافة أن يرد‪ ،‬فوالله‬
‫لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعا لحاجته أعظم منة عليكم‬
‫مما تعطونه‪ .‬ثم أوصاهم بوصايا كثيرة‪ ،‬وكانت وفاته ‪58‬هـ‪ ،‬وقيل‬
‫)‪ (3 ،‬المصدر نفسه )‪.(2/214‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (5‬تاريخ الطبري )‪.(5/279‬‬ ‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/447‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( المعرفة والتاريخ للفسوي )‪ (7) .(2/754‬تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة‬ ‫‪5‬‬

‫)‪.(1/423‬‬
‫‪6‬‬

‫)( المنهاج لبن تيمية )‪.(3/188‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪223‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪57‬هـ‪ ،‬وقيل ‪59‬هـ)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬عبد الله بن سعد بن أبي السرح‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫درج المؤرخون في الغالب إذا ذكروا اسم عبد الله بن أبي‬
‫السرح وتولية عثمان له على ولية مصر على أن يقولوا‪ :‬لقد ولى‬
‫)‪(2‬‬
‫عثمان على مصر عبد الله بن أبي السرح أخاه من الرضاعة‪.‬‬
‫وإيراد عبارة )أخاه من الرضاعة( مقرونة بالتولية تعتبر إيحاء من‬
‫بعض المؤرخين باتهام عثمان ‪ ,‬وأنه لهذه الخوة من الرضاعة وله‬
‫على مصر‪ ،‬وهذا الذي يراه المؤرخ غير صحيح‪ ،‬ولكي نرد على هؤلء‬
‫وعلى ما يغمزون به أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ‬نستعرض‬
‫جهود فارس بني عامر بن لؤى)‪- (3‬عبد الله بن سعد‪-‬؛ فقد كان على‬
‫خبرة ودراية تامة بأحوال مصر ونواحيها نتيجة اشتراكه مع جيش‬
‫عمرو في فتحها‪ ،‬ونتيجة وليته على بعض النواحي أثناء خلفة عمر‪،‬‬
‫فقد كان على صعيد مصر)‪ ,(4‬وكذلك أول خلفة عثمان‪ ،‬مما أهله لن‬
‫يصبح واليا عاما على مصر‪ ،‬فكان أقوى المرشحين لتلك الولية بعد‬
‫عمرو بن العاص نتيجة لتلك الخبرات‪ ،‬ويبدو أن عبد الله بن سعد‬
‫تمكن من ضبط خراج مصر حتى زاد ما كان يجمعه من الخراج على‬
‫ما كان يجمعه عمرو بن العاص قبله‪ ،‬ولعل مرد ذلك إلى اتباع عبد‬
‫الله بن سعد لسياسة جديدة في المصروفات اختلفت عن سياسة‬
‫)‪(5‬‬
‫عمرو‪ ،‬وبالتالي زادت أموال الخراج المتوافرة في مصر‪.‬‬
‫وقد قام عبد الله بن سعد أثناء وليته بالجهاد في عدة مواقع‪،‬‬
‫فكانت له فتوح مختلفة لها شأن عظيم‪ ،‬فكان من غزواته غزوة‬
‫أفريقية سنة ‪27‬هـ وفتوحه فيها‪ ,‬وقتله ملكها جرجير‪ ،‬وكان يصاحبه‬
‫في تلك الغزوات مجموعة من الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬عبد الله بن الزبير‪،‬‬
‫وانتهت‬
‫)‪(6‬‬
‫وعبد الله ابن عمر‪ ،‬وعبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬
‫الغزوة بصلح مع بطريرك أفريقيا على تأدية الجزية للمسلمين‪.‬‬
‫السرح إلى أفريقية مرة أخرى ووطد فيها السلم‬ ‫وقد عاد ابن أبي‬
‫وذلك في سنة ‪33‬هـ)‪ ،(7‬كما كان من أهم أعمال عبد الله بن سعد‬
‫بن أبي السرح غزوه لبلد النوبة وتسمى غزوة الساودة أو غزوة‬
‫الحبشة عند بعض المؤرخين‪ ،‬وقد وقعت هذه الغزوة سنة إحدى‬
‫وثلثين للهجرة‪ ،‬وقد دار قتال شديد بين أجناد المسلمين وجنود‬
‫النوبة‪ ،‬وأصيب مجموعة من المسلمين نظرا لجادة أهالي النوبة‬
‫للرمي‪ ،‬وقد انتهت تلك الغزوة بصلح وقعه عبد الله بن سعد مع‬
‫أهالي النوبة بوضع جزية محددة عليهم‪ (8).‬ويعتبر عبد الله بن سعد‬
‫بحق أول قائد مسلم تمكن من اقتحام النوبة‪ ،‬وقاتل أهلها وفرض‬
‫عليهم الجزية‪ ،‬واستقرت الحال على ذلك في أيامه بين أهل النوبة‬
‫البداية والنهاية )‪.(8/90‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الكامل لبن الثير )‪.(3/88‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة‪ ،‬ص ‪.418‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الولية على البلدان‪.(1/180) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬ص ‪ ،183‬الولية على البلدان )‪.(1/180‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫النجوم الزاهرة )‪.(1/80‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫الولية على البلدان )‪ ,(1/181‬فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬ص ‪.188‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪224‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫كذلك من أهم أعمال عبد الله بن سعد العسكرية غزوة ذات‬
‫الصواري‪ ،‬وقد انتصر فيها المسلمون على الروم‪ ،‬وقد كانت ولية‬
‫عبد الله بن سعد على مصر محمودة على العموم لدى المصريين‬
‫ولم يروا منه ما يكرهون‪ ،‬يقول عنه المقريزي‪ :‬ومكث أميرا مدة‬
‫ولية عثمان ‪ ‬كلها محمودا في وليته‪ (1).‬وقال فيه الذهبي‪ :‬ولم‬
‫)‪(2‬‬
‫يتعد ول فعل ما ينقم عليه‪ ،‬وكان أحد عقلء الرجال وأجوادهم‪.‬‬
‫وقد كانت ولية مصر في أول أمرها هادئة مستقرة إلى أن تمكن‬
‫مثيرو الفتنة من أمثال عبد الله بن سبأ من الوصول إليها وإثارة‬
‫الناس فيها‪ ،‬فكان لهم وللمتأثرين بهم دور كبير في مقتل عثمان ‪،‬‬
‫كما أن الحوال في مصر نفسها اضطربت نتيجة طرد الوالي‬
‫الشرعي لها واستيلء أقوام آخرين على المور بطريقة غير شرعية‪،‬‬
‫وقد تمكنوا خلل تلك الفترة من بث الكراهية في قلوب الناس‬
‫)‪(3‬‬
‫لخليفتهم عثمان نتيجة مكائد قاموا بها وأكاذيب لفقوها ونشروها‬
‫‪-‬سيأتي الحديث عنها بإذن الله تعالى‪ .-‬ولما وقعت الفتنة بمقتل‬
‫عثمان ‪ ‬اعتزلها عبد الله بن سعد وسكن عسقلن‪ ،‬أو الرملة في‬
‫فلسطين‪ .‬وروى البغوي بإسناد صحيح عن يزيد بن أبي حبيب قال‪:‬‬
‫خرج ابن أبي السرح إلى الرملة بفلسطين‪ ،‬فلما كان عند الصبح‬
‫قال‪ :‬اللهم اجعل آخر عملي الصبح‪ ،‬فتوضأ ثم صلى‪ ،‬فسلم عن‬
‫يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه)‪.(4‬‬
‫سا‪ :‬مروان بن الحكم ووالده‪:‬‬
‫ساد ً‬
‫كان مروان بن الحكم من أخص أقرباء عثمان به‪ ،‬وأوثقهم صلة‬
‫بمركز الخلفة وألصقهم بالحداث التي عصفت بالوحدة السلمية‬
‫في عهد عثمان ‪ ،‬فكان منه بمنزلة كاتم سر الدولة‪ ،‬أو حامل ختم‬
‫الملك‪ (5).‬ولم يكن مروان بالتأكيد المستشار الوحد للخليفة الذي‬
‫كان يستشير كبار الصحابة وصغارهم‪ ،‬ولم يكن بمعزل عن قادة‬
‫الرأي في مجتمع السلم‪ ،‬وكذلك لم يكن مروان الوزير الذي‬
‫تجمعت تحت يده سلطات الدولة‪ ،‬إنما كان كاتبا للخليفة‪ ،‬وهي‬
‫وظيفة تستمد أهميتها من قرب صاحبها من إذن الخليفة وخاتمه‪ ،‬أما‬
‫ادعاء توريطه عثمان وإثارة الناس عليه لتنقل الخلفة بعد ذلك إلى‬
‫بني أمية‪ ،‬فافتراض ل دليل عليه‪ ،‬ولم تنتقل الخلفة إلى بني أمية إل‬
‫بعد أهوال جسام لم يكن لمروان فيها دور خطير‪ ،‬ثم إن عثمان لم‬
‫يكن ضعيف الشخصية حتى يتمكن منه كاتبه إلى الحد الذي يتصوره‬
‫الرواة‪ (6).‬ول ذنب لمروان بن الحكم إن كان في حياة الرسول × لم‬
‫يبلغ الحلم باتفاق أهل العلم‪ ،‬بل غايته أن يكون له عشر سنين أو‬
‫الخطط )‪.(1/299‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سير أعلم النبلء )‪.(3/34‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الولية على البلدان )‪.(1/186‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الصابة ترجمة )‪ ،(4711‬سير أعلم النبلء )‪.(3/35‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬حمدي شاهين‪ ،‬ص ‪.160‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪225‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫قريب منها‪ ،‬وكان مسلما يقرأ القرآن ويتفقه في الدين‪ ،‬ولم يكن‬
‫قبل الفتنة معروفا بشيء يعاب فيه‪ ،‬فل ذنب لعثمان في استكتابه‪،‬‬
‫وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان‪ (1).‬بل إن خبر طرد‬
‫النبي × لبيه ضعيف سندا ومتنا‪ ،‬وتعقبه شيخ السلم ابن تيمية‬
‫عرف عن مروان بن الحكم العلم والفقه‬ ‫فأوضح تهافته وضعفه‪ (2).‬و ُ‬
‫والعدل‪ ،‬فقد كان سيدا من سادات شباب قريش لما عل نجمه أيام‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬وقد شهد له المام مالك بالفقه‪ ،‬واحتج بقضائه‬
‫وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ‪ ,‬كما وردت في غيره‬
‫)‪(3‬‬
‫من كتب السنة المتداولة في أيدي الئمة المسلمين يعملون بها‪.‬‬
‫وكان المام أحمد يقول‪ :‬يقال‪ :‬كان عند مروان قضاء‪ ،‬وكان يتتبع‬
‫قضايا عمر بن الخطاب‪ (4).‬وكان مروان من أقرأ الناس للقرآن كما‬
‫كان له رواية للحديث الشريف؛ حيث روى عن بعض مشاهير‬
‫الصحابة‪ ،‬وروى عنه بعضهم‪ ،‬وكما روى عنه بعض التابعين‪ (5).‬وكان‬
‫حريصا على تحري السنة والعمل بها؛ روى الليث بن سعد ‪-‬فقيه‬
‫مصر‪ -‬بسنده قال‪ :‬شهد مروان جنازة‪ ،‬فلما صلى عليها انصرف‪،‬‬
‫فقال أبو هريرة‪ :‬أصاب قيراطا وحرم قيراطا )أي الجر والثواب‪،‬‬
‫كما ورد في حديث شريف(‪ (6).‬فأخبر بذلك مروان فأقبل يجري حتى‬
‫)‪(7‬‬
‫بدت ركبتاه‪ ،‬فقعد حتى أذن له‪.‬‬
‫وجاء في مقدمة فتح الباري‪ :‬مروان بن الحكم بن أبي العاص بن‬
‫الرسول‬
‫)‪(8‬‬
‫أمية ابن عم عثمان بن عفان‪ ،‬يقال له رؤية‪ ،‬يعني رؤية‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬فإن ثبتت‪ ،‬فل يعرج على من تكلم فيه‪.‬‬
‫وكان يقول ابن كثير‪ :‬وهو صحابي عند طائفة كثيرة؛ لنه ولد في‬
‫حياة النبي ×‪ (9).‬وقد ولى مروان المدينة لمعاوية بن أبي سفيان‪،‬‬
‫فكان شديدا على أهل الفسوق بها‪ ،‬حربا على مظاهر الترف‬
‫والتخنث)‪ ،(10‬عادل مع رعيته‪ ،‬حذرا من مجاملة ذوي قرباه‪ ،‬أو من‬
‫يحاول منهم استغلل نفوذه؛ فقد لطم أخوه عبد الرحمن مولى لهل‬
‫المدينة يعمل حناطا أثناء فترة ولية مروان على المدينة‪ ،‬فشكا‬
‫الحناط إلى مروان‪ ،‬فأتى بأخيه عبد الرحمن‪ ،‬وأجلسه بين يدي‬
‫الحناط وقال له‪ :‬الطمه‪ ،‬فقال الحناط‪ :‬والله ما أردت هذا‪ ،‬وإنما‬
‫أردت أن أعلمه أن فوقه سلطانا ينصرني عليه‪ ،‬وقد وهبتها لك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬لست أقبلها منك‪ ،‬فخذ حقك‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل ألطمه‪ ،‬ولكن‬
‫أهبها لك‪ ،‬ولست والله لطمه‪ ،‬فقال مروان‪ :‬لست والله قابلها‪ ،‬فإن‬
‫وهبتها فهبها لمن لطمك أو لله عز وعل‪ ،‬قال‪ :‬قد وهبتها لله تعالى‪،‬‬

‫منهاج السنة )‪.(3/197‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫منهاج السنة )‪.(196 ،3/195‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(8/260‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(8/260‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪ ،(8/260‬المسند رقم‪.(4650 - 4453) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪ ,200‬البداية والنهاية )‪.(8/260‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫فتح الباري )‪ ،(2/164‬أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬ص ‪.254‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(8/259‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫)(‬ ‫‪10‬‬

‫‪226‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فقال عبد الرحمن شعرا يهجو أخاه مروان لذلك)‪.(1‬‬
‫إن هذه الصورة المشرقة عن علم مروان وعدله وفقهه وتدينه‬
‫تكاد تختلف تماما عن تلك الصورة الكريهة التي يقدمها عنه معظم‬
‫المؤرخين والرواة الذين اجتهدوا لتشويه حياة الرجل‪ ،‬فلما حانت‬
‫وفاته اجتهدوا أيضا لتشويهها‪ ,‬فزعموا أن امرأته أم خالد بن يزيد بن‬
‫معاوية‪ ،‬خنقته بوسادتها‪ ،‬أو دست له السم لما سب ابنها ‪-‬بزعمهم‪-‬‬
‫أمام جماعة من الناس‪ ،‬وهذه القصة ‪-‬ومع ما تحتويه من عناصر‬
‫متناقضة‪ -‬تبدو لول وهلة وكأنها أسطورة اخترعتها مخيلت عجائز‬
‫القوم‪ ،‬ثم رددتها اللسن‪ ،‬إما حّبا في الثرثرة‪ ،‬أو لتنال من سمعة‬
‫هذه السرة الرفيعة المكانة حسدا لما وصلت إليه من مجد‪ (2).‬فهل‬
‫كان موته طبيعيا‪ ،‬أم مات بإصابة الطاعون‪ ،‬أم خنقته زوجته؟ إن‬
‫تناقض الروايات دليل على أن الحقيقة غير معروفة‪ ،‬والروايات التي‬
‫تزعم أن زوجته هي التي اغتالته مباشرة أو بالواسطة )عن طريق‬
‫بعض جواريها( غير مقبولة أو معقولة‪ ،‬فهذه الزوجة سيدة شريفة‬
‫من بيت عبد شمس وزوجها قريبها‪ ،‬وهو خليفة‪ ،‬وهي كانت زوجة‬
‫خليفة وأم خليفة )وهو معاوية بن يزيد بن معاوية(‪ ،‬وهو عمل ل‬
‫تقدم النساء الشريفات عليه‪ ،‬ثم إننا لم نر أي أثر لهذا الغتيال‪ ،‬فلم‬
‫يحدث في السرة أي خلف‪ ،‬ول مطالبة بالثأر‪ ،‬وظل خالد على‬
‫مكانته)‪(3‬عند عبد الملك‪ ،‬كما أن الدافع ل يكفي بحال لرتكاب جريمة‬
‫القتل‪ .‬وذكر عن بعض أهل العلم أنه قال‪ :‬كان آخر كلم تكلم به‬
‫خاف النار‪ ،‬وكان نقش خاتمه العزة لله‪،‬‬ ‫مروان‪ :‬وجبت الجنة لمن‬
‫الرحيم‪ (4()5.‬وقال ابن القيم‪ :‬أحاديث ذم الوليد‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬آمنت بالعزيز‬
‫وذم مروان بن الحكم كذب) ‪.‬‬
‫دا من أقاربه على حساب‬ ‫سابًعا‪ :‬هل جامل عثمان أح ً‬
‫المسلمين؟‬
‫أراد أن يجامل أحدا من أقاربه على حساب‬ ‫لو كان عثمان ‪‬‬
‫المسلمين لكان ربيبه محمد ابن أبي حذيفة أولى الناس بهذه المجاملة‪،‬‬
‫ئا ًله بقوله‪ :‬يا بني‪ ،‬لو كنت‬
‫ولكن الخليفة أبي أن يوليه شيئا ليس كف‬
‫رضا ثم سألتني العمل لستعملتك‪ ،‬ولكن لست هناك‪ (6).‬ولم يكن ذلك‬
‫كراهية له ول نفورا منه‪ ،‬وإل لما)‪(7‬جهزه من عنده وحمله وأعطاه حين‬
‫استأذن في الخروج إلى مصر ‪.‬‬
‫وأما استعمال الحداث فكان لعثمان ‪ ‬في رسول الله أسوة‬
‫حسنة‪ ،‬فقد جهز جيشا لغزو الروم في آخر حياته واستعمل عليه‬
‫أسامة بن زيد رضي الله عنهما)‪ ،(8‬وعندما توفي الرسول × تمسك‬
‫الصديق ‪ ‬بإنفاذ هذا الجيش‪ ،‬لكن بعض الصحابة رغبوا في تغيير‬

‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الملك بن مروان‪ ،‬د‪ .‬الريس‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪.201‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية‪.(8/262) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المنار المنيف‪ ،‬ص ‪ ،117‬فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/247‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪ ،(1/247‬تاريخ الطبري )‪.(5/416‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪ ،(1/427‬تاريخ الطبري )‪.(5/416‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪227‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أسامة بقائد أسن منه‪ ،‬فكلموا عمر في ذلك ليكلم أبا بكر‪ ،‬فغضب‬
‫أبو بكر لما سمع هذه المقالة وقال لعمر‪ :‬يا عمر‪ ،‬استعمله رسول‬
‫الله × وتأمرني أن أعزله‪ (1).‬ويجيب عثمان بنفسه على هذه المآخذ‬
‫أمام المل من الصحابة بقوله‪ :‬ولم أستعمل إل مجتمعا محتلما‬
‫مرضيا‪ ،‬وهؤلء أهل عملهم فسلوهم عنهم‪ ،‬وهؤلء أهل بلدهم‪ ،‬وقد‬
‫)‪(2‬‬
‫ن قبلي أحدث منهم‪ ،‬وقيل لرسول الله × مما قيل لي في‬ ‫م ْ‬
‫ولى َ‬
‫استعماله لسامة‪ ،‬أكذلك؟ قالوا‪ :‬نعم يعيبون للناس ما ل يفسرون‪.‬‬
‫ولى‬ ‫ل ‪-‬أي عثمان‪ -‬إل رجل سويا عدل‪ ،‬وقد‬ ‫ويقول علي ‪) :‬ولم يو ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫رسول الله × عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة(‪.‬‬
‫لم يكن ولة المصار في عهد عثمان جاهلين بأمور الشرع‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا من المفرطين في الدين‪ ،‬وإذا كانت لهم ذنوب فلهم حسنات‬
‫كثيرة‪ ،‬ومع ذلك فإن سيئات وذنوب هؤلء كانت تعود عليهم‪ ،‬ولم يكن‬
‫لها تأثير في المجتمع المسلم‪ ،‬وقد تتبعنا آثار هؤلء الولة أيام وليتهم‪،‬‬
‫ووجدناها عظيمة الفائدة للسلم والمسلمين‪ ،‬وقد اهتدى على يدي ولة‬
‫عثمان مئات اللوف إلى السلم‪ ،‬وبسبب فتوحاتهم انضم إلى ديار‬
‫السلم أقاليم واسعة‪ ،‬ولو لم يكن عند هؤلء من الشجاعة والدين ما‬
‫يحثهم على الجهاد‪ ,‬ما قادوا الجيوش إلى الجهاد‪ ،‬وفيه مظنة الهلك‪،‬‬
‫وفيه ترك الراحة ومتاع الدنيا‪ ،‬وقد تتبعنا سيرة هؤلء الولة‪ ،‬فوجدنا لكل‬
‫الجهات التي تجاور وليته‪ ،‬مع مناقب‬ ‫واحد منهم فتحا أو فتوحا في‬
‫وصفات حسنة تؤهله للقيادة)‪.(4‬‬
‫إن الذي يرجع إلى الصحيح من وقائع التاريخ‪ ،‬ويتتبع سيرة‬
‫الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين ذو النورين رضوان الله‬
‫عليهم‪ ،‬وما كان لجهادهم من جميل الثر في تاريخ الدعوة‬
‫السلمية‪ ،‬بل ما كان لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء المة‬
‫وسعادتها فإنه ل يستطيع أن يمنع نفسه من الجهر بالعجاب)‪(5‬والفخر‬
‫كلما أمعن في دراسة ذلك الدور من أدوار التاريخ السلمي ‪.‬‬
‫إن عثمان وولته انشغلوا بمدافعة العداء وجهادهم وردهم‪ ،‬ولم‬
‫يمنعهم ذلك من توسيع رقعة الدولة السلمية ومد نفوذها في مناطق‬
‫جديدة‪ ،‬وقد كان للولة تأثير مباشر في أحداث الفتنة؛ حيث كانت التهمة‬
‫موجهة إليهم‪ ،‬وأنهم اعتدوا على الناس‪ ،‬ولكننا لم نلمس حوادث معينة‬
‫يتضح فيها هذا العتداء المزعوم والمشاع‪ ،‬كما اتهم عثمان بتولية‬
‫أقاربه‪ ,‬وقد دحضنا تلك الفرية‪ ،‬وهكذا نرى أن عثمان لم يأل ُ جهدا في‬
‫نصح المة وفي تولية من يراه أهل للولية‪ ،‬ومع هذا فلم يسلم عثمان‬
‫وولته من اتهامات وجهت إليهم من قبل أصحاب الفتنة في حينها‪ ،‬كما‬
‫لم يسلم من كثير من الباحثين في كتاباتهم غير المنصفة‬ ‫أن عثمان ‪‬‬
‫وغير المحققة عن عهد عثمان‪ ،‬وخصوصا الباحثين المحدثين الذين‬
‫يطلقون أحكاما ل تعتمد على التحقيق أو على وقائع محددة‪ ،‬يعتمدون‬
‫فيها على مصادر موثوقة؛ فقد تورط الكثير منهم في الروايات الضعيفة‬
‫والرافضية‪ ،‬وبنوا أحكاما باطلة وجائرة في حق الخليفة الراشد عثمان‬
‫)‪ (5‬المصدر نفسه )‪.(5/355‬‬ ‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/46‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (7‬المدينة المنورة فجر السلم )‬ ‫)( البداية والنهاية )‪.(8/178‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.(2/211‬‬
‫‪4‬‬

‫)( حاشية المتقى من منهاج العتدال‪ ،‬ص ‪.390‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪228‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بن عفان؛ مثل‪ :‬طه حسين في كتابه )الفتنة الكبرى(‪ ،‬وراضى عبد‬
‫الرحيم في كتابه )النظام الداري والحربي(‪ ،‬وصبحي الصالح في كتابه‬
‫)النظم السلمية(‪ ،‬ومولوي حسين في كتابه )الدارة العربية(‪ ،‬وصبحي‬
‫محمصاني في كتابه )تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء(‪،‬‬
‫وتوفيق اليوزبكي في كتابه )دراسات في النظم العربية والسلمية(‪،‬‬
‫ومحمد الملحم في كتابه )تاريخ البحرين في القرن الول الهجري(‪،‬‬
‫وبدوي عبد اللطيف في كتابه )الحزاب السياسية في فجر السلم(‪،‬‬
‫وأنور الرفاعي في كتابه )النظم السلمية(‪ ،‬ومحمد الريس في كتابه‬
‫)النظريات السياسية(‪ ،‬وعلي حسني الخربوطي في كتابه )السلم‬
‫والخلفة(‪ ،‬وأبي العلى المودودي في كتابه )الملك والخلفة(‪ ،‬وسيد‬
‫قطب في كتابه )العدالة الجتماعية(‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫المظلوم الذي افترى عليه‬ ‫لقد كان عثمان ‪ ‬بحق الخليفة‬
‫خصومه الولون‪ ،‬ولم ينصفه المتأخرون)‪.(1‬‬

‫)( الولية على البلدان )‪.(223-1/222‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪229‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫حقيقة العلقة بين أبي ذر الغفاري‬
‫وعثمان بن عفان رضي الله عنهما‬
‫ل‪ :‬مجمل القصة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫إن مبغضي عثمان بن عفان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر‬
‫إلى الربذة‪ ،‬وزعم بعض المؤرخين أن ابن السوداء )عبد الله بن‬
‫سبأ( لقي أبا ذر في الشام وأوحى إليه بمذهب القناعة والزهد‪،‬‬
‫ومواساة الفقراء‪ ،‬ووجوب إنفاق المال الزائد عن الحاجة‪ ،‬وجعله‬
‫يعيب معاوية‪ ،‬فأخذه عبادة بن الصامت إلى معاوية‪ ،‬وقال له‪ :‬هذا‬
‫والله الذي بعث إليك أبا ذر فأخرج معاوية أبا ذر من الشام‪ (1).‬وقد‬
‫حاول أحمد أمين أن يوجد شبها بين رأي أبي ذر ورأي مزدك‬
‫الفارسي‪ ،‬وقال بأن وجه الشبه جاء من أن ابن سبأ كان في اليمن‪،‬‬
‫وف في العراق‪ ،‬وكان الفرس في اليمن والعراق قبل السلم‪،‬‬ ‫وط َ ّ‬
‫فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقى هذه الفكرة من مزدكية‬
‫)‪(2‬‬
‫العراق‪ ،‬واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها‪.‬‬
‫وكل ما قيل في قصة أبي ذر مما يشنع به على عثمان بن عفان‬
‫باطل‪ ،‬ل يبنى على رواية صحيحة‪ ،‬وكل ما قيل حول اتصال أبي ذر‬
‫‪ ‬بابن السوداء باطل ل محالة)‪ ،(3‬والصحيح‪ :‬أن أبا ذر ‪ ‬نزل في‬
‫الربذة باختياره‪ ،‬وأن ذلك كان بسبب اجتهاد أبي ذر في فهم آية‬
‫خالف فيها الصحابة‪ ،‬وأصر على رأيه‪ ،‬فلم يوافقه أحد عليه فطلب‬
‫أن ينزل بالربذة)‪ (4‬التي كان يغدو إليها زمن النبي ×‪ ،‬ولم يكن نزوله‬
‫بها نفيا قسريا‪ ،‬أو إقامة جبرية‪ ،‬ولم يأمره الخليفة بالرجوع عن رأيه؛‬
‫)‪(5‬‬
‫لن له وجها مقبول‪ ،‬لكنه ل يجب على المسلمين الخذ به‪.‬‬
‫وأصح ما روي في قصة أبي ذر ‪ ‬ما رواه البخاري في صحيحه‬
‫عن زيد بن وهب قال‪ :‬مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر ‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫ما أنزلك منزلك هذا؟ قال‪ :‬كنت بالشام‪ ،‬فاختلفت أنا ومعاوية في‬
‫َ‬
‫ن‬‫هَبا ِ‬‫والّر ْ‬‫ر َ‬ ‫حَبا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ّ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها اَل ّ ِ‬‫‪َْ +‬يا أي ّ َ‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫باطِ ِ‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل الّنا‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ل َي َأك ُُلو َ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬‫في َ‬ ‫ها ِ‬‫قون َ َ‬ ‫ف ُ‬‫ول َ ي ُن ْ ِ‬‫ة َ‬ ‫ض َ‬‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫وال ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ه َ‬‫ن الذّ َ‬ ‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ب أِليم ٍ" ]التوبة‪ [34 :‬قال معاوية‪ :‬نزلت في‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫فب َ ّ‬ ‫ه َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫شْر ُ‬ ‫الل ِ‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬فقلت‪ :‬نزلت فينا وفيهم‪ ،‬فكان بيني وبينه في ذاك‪,‬‬
‫ي عثمان أن أقدم المدينة‬ ‫وكتب إلى عثمان يشكوني‪ ،‬فكتب إل ّ‬
‫فقدمتها‪ ،‬فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك‪ ،‬فذكرت‬
‫ذلك لعثمان‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن شئت فكنت قريبا‪ ،‬فذاك الذي أنزلني هذا‬
‫المدينة المنورة فجر السلم )‪.(217 ،2/216‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فجر السلم‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/217‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫كانت منزل في الطريق بين العراق ومكة‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/217‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪230‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وقد أشار هذا‬ ‫ي حبشيا لسمعت وأطعت‪.‬‬ ‫المنزل‪ ،‬ولو أمروا عل ّ‬
‫الثر إلى أمور مهمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬سأله زيد بن وهب ليتحقق مما أشاعه مبغضو عثمان‪ :‬هل‬
‫نفاه عثمان أو اختار أبو ذر المكان؟ فجاء سياق الكلم أنه خرج بعد‬
‫أن أكثر الناس عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام‪ ،‬وليس‬
‫في نص الحديث أن عثمان أمره بالذهاب إلى الربذة بل اختارها‬
‫بنفسه‪ ،‬ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر عن عبد الله بن الصامت قال‪:‬‬
‫دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما أنا منهم‬
‫‪-‬يعني الخوارج‪ ،-‬فقال‪ :‬إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫حاجة لي في ذلك‪ ،‬ائذن لي بالربذة‪ ،‬قال‪ :‬نعم)‪.(2‬‬
‫ين ّ السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو‬ ‫‪-2‬قوله‪ :‬كنت بالشام‪ :‬ب‬
‫يعلى عن طريق زيد ابن وهب‪ :‬حدثني أبو ذر‪ ،‬قال‪ :‬قال لي رسول الله‬
‫×‪» :‬إذا بلغ البناء ‪-‬أي المدينة‪-‬سلعا‪ ،‬فارتحل إلى الشام«‪،‬‬
‫فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها‪(3).‬وفي رواية قالت أم‬
‫ذر‪ :‬والله ما سير عثمان أبا ذر ‪-‬تعني الربذة‪ -‬ولكن رسول الله × قال‪:‬‬
‫إذا بلغ البناء سلعا‪ ،‬فاخرج منها« )‪.(4‬‬ ‫»‬
‫‪ -3‬إن قصة أبي ذر في المال جاءت من اجتهاده في فهم الية‬
‫َ‬
‫ر‬
‫حَبا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ّ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ َِ‬ ‫الكريمة‪َ+ :‬يا ْأي ّ َ‬
‫عن‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وي َ ُ‬
‫ل َ‬ ‫س ِبال َْباطِ ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ل َي َأك ُُلو َ‬ ‫هَبا ِ‬‫والّر ْ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ض‬
‫ّ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫زو‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫سِبي‬‫َ‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫مى َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ب أِليم ٍ ‪ ‬ي َ ْ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬
‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شْر ُ‬ ‫فب َ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ر‬ ‫هو‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ُ ُ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫جنو‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ِ َ ِ َ ُ ُ ْ َ ُ‬ ‫با‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫وى‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ف‬‫َ‬
‫َ ِ َ َ ّ َ َ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫في‬ ‫ِ‬
‫ن" ]التوبة‪،34 :‬‬ ‫م ت َك ْن ُِزو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫قوا َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م لن ْ ُ‬ ‫ما ك َن َْزت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬‫ه َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫و َ‬‫‪ [35‬وروى َالبخاري عن أبي ذر ما يدل على أنه فسر الوعيد ‪+‬ي َ ْ‬
‫ها" الية‪ ..‬وكان يخوف الناس به‪ ،‬فعن الحنف ابن قيس‬ ‫علي ْ َ‬ ‫مى َ‬ ‫ح َ‬‫يُ ْ‬
‫حدثهم قال‪ :‬جلست إلى مل من قريش فجاء رجل خشن الشعر‬
‫والثياب والهيئة حتى قام عليهم‪ ،‬فسلم ثم قال‪ :‬بشر الكانزين‬
‫ضف)‪ (5‬يحمى عليه في نار جنهم‪ ،‬ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم‬ ‫بَر ْ‬
‫)‪(6‬‬
‫حتى يخرج من ن ُْغض كتفه‪ ،‬ويوضع على ن ُْغض كتفه حتى يخرج من‬
‫حلمة ثديه‪ ،‬يتزلزل‪ (7).‬ثم ولى فجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه‬
‫وأنا ل أدري من هو‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما أرى القوم إل قد كرهوا الذي‬
‫قلت‪ ،‬قال‪ :‬إنهم ل يعلقون شيئا‪.‬‬
‫الله ×‪» :‬ما أحب أن لي مثل‬ ‫واستدل أبو ذر ‪ ‬بقول رسول‬
‫أحد ذهبا‪ ،‬أنفقه كله إل ثلثة دنانير« )‪.(8‬‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب ما أدى زكاته‪ ،‬رقم ‪.1406‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري )‪.(3/274‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المدينة المنورة فجر السلم‪.(2/219) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫سير أعلم النبلء )‪ (2/72‬صحيح السناد‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الرضف‪ :‬الحجارة المحماة‪ ،‬واحدها رضفة‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫نغض‪ :‬العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫يتزلزل‪ :‬يضطرب ويتحرك‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬رقم )‪.(1407‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪231‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -4‬وقد خالف جمهور الصحابة أبا ذر‪ ،‬وحملوا الوعيد على مانعي‬
‫الزكاة‪ ،‬واستدلوا على ذلك بالحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري‬
‫فيما‬
‫)‪(1‬‬
‫قال‪ :‬قال النبي ×‪» :‬ليس فيما دون خمس أواق صدقة‪ ،‬وليس‬
‫دون خمس ذود صدقة‪ ،‬وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة«‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬ومفهوم الحديث أن ما زاد على الخمس‬
‫ففيه صدقة‪ ،‬ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فل وعيد‬
‫على صاحبه‪ ،‬فل يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا‪ (2).‬وقال‬
‫ابن زيد‪ :‬فإن ما دون الخمس ل تجب فيه الزكاة‪ ،‬وقد عفى عن‬
‫الحق فيه فليس بكنز قطعا‪ ،‬والله قد أثنى على فاعل الزكاة‪ ،‬ومن‬
‫واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثنى عليه‬ ‫أثنى عليه في‬
‫فيه‪ ،‬وهو المال‪ (3).‬قال الحافظ‪ :‬ويتلخص أن يقال‪ :‬ما لم تجب فيه‬
‫منه الزكاة‬ ‫الصدقة ل يسمى كنزا؛ لنه معفو عنه‪ ،‬فليكن ما أخرجت‬
‫كذلك؛ لنه عفى عنه بإخراج ما وجب منه فل يسمى كنزا)‪.(4‬‬
‫وقال ابن عبد البر‪ :‬والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد ّ‬
‫زكاته‪ ،‬ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا‪ :‬إذا أديت زكاة مالك فقد‬
‫قضيت ما عليك‪ ،‬ولم يخالف في ذلك إل طائفة من أهل الزهد كأبي‬
‫ذر)‪.(5‬‬
‫ولعل مما يفسر مذهب أبي ذر في النفاق ما رواه المام أحمد‬ ‫‪-5‬‬
‫عن شداد بن أوس‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله ×‬
‫فيه الشدة‪ ،‬ثم يخرج إلى قومه‪ ،‬يسلم لعله يشدد عليهم‪ ،‬ثم إن رسول‬
‫يرخص فيه بعد‪ ،‬فلم يسمعه أبو ذر فيتعلق أبو ذر بالمر‬ ‫الله ×‬
‫الشديد)‪.(6‬‬
‫‪ -6‬قوله‪» :‬إن شئت تنحيت فكنت قريبا«‪ .‬يدل على أن عثمان‬
‫طلب من أبي ذر أن يتنحى عن المدينة برفق ولم يأمره‪ ،‬ولم يحدد‬
‫له المكان الذي يخرج إليه‪ ،‬ولو رفض أبو ذر الخروج ما أجبره عثمان‬
‫على ذلك‪ ،‬ولكن أبا ذر كان مطيعا للخليفة؛ لنه قال في نهاية‬
‫ي حبشّيا لسمعت وأطعت‪ (7).‬ومما يدل على‬ ‫مروا عل ّ‬‫الحديث‪ :‬لو أ ّ‬
‫أنه يمقت الفتنة والخروج على المام المبايع‪ ،‬ما رواه ابن سعد في‬
‫أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لبي ذر وهو بالربذة‪ :‬إن هذا الرجل‬
‫فعل بك وفعل‪ ،‬هل أنت ناصب له راية؟ ‪-‬يعني مقاتله‪ -‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬لو‬
‫أن عثمان سيرني من المشرق إلى المغرب لسمعت وأطعت)‪.(8‬‬
‫والسبب في تنحي أبي ذر عن المدينة‪ ،‬أو طلب عثمان منه ذلك‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أن الفتنة بدأت تطل برأسها في القاليم‪ ،‬وأشاع المبغضون القاويل‬
‫الملفقة‪ ،‬وأرادوا أن يستفيدوا من إنكار أبي ذر متعلقا برأيه ومذهبه‪ ،‬ول‬
‫يريد أن يفارقه‪ ،‬فرأى عثمان ‪‬تقديم دفع المفسدة على جلب‬
‫المصلحة؛ لن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في‬
‫)( البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬رقم )‪.(1405‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فتح الباري )‪.(3/272‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (8 ،‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/107‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)( المسند )‪.(5/125‬‬ ‫)( فتح الباري )‪.(3/273‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)‪ (4‬الطبقات )‪.(4/227‬‬ ‫)( البخاري )‪.(1406‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫‪232‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫طلب العلم‪ ،‬ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من‬
‫الخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة‪.‬‬
‫‪ -8‬قال أبو بكر بن العربي‪ :‬كان أبو ذر زاهدا ويرى الناس‬
‫يتسعون في المراكب والملبس حين وجدوا فينكر ذلك عليهم‪ ،‬ويريد‬
‫تفريق جميع ذلك من بين أيديهم‪ ,‬وهو غير لزم‪ ،‬فوقع بين أبي ذر‬
‫ومعاوية كلم بالشام‪ ،‬فخرج إلى المدينة فاجتمع إليه الناس‪ ،‬فجعل‬
‫يسلك تلك الطرق‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬لو اعتزلت؛ معناه‪ :‬إنك على‬
‫مذهب ل يصلح لمخالطة الناس‪ ،‬ومن كان على طريقة أبي ذر‬
‫فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه ول يخالط الناس‪ ،‬ويسلم لكل أحد‬
‫حاله مما ليس بحرام في الشريعة‪ ،‬فخرج زاهدا فاضل‪ ،‬وترك جلة‬
‫فضلء‪ ،‬وكل على خير وبركة وفضل‪ ،‬وحال أبي ذر أفضل‪ ،‬ول تمكن‬
‫لجميع الخلق‪ ،‬فلو كانوا عليها لهلكوا‪ ،‬فسبحان مرتب المنازل)‪.(1‬‬
‫وقال ابن العربي‪ :‬ووقع بين أبي الدرداء ومعاوية كلم‪ ،‬وكان أبو‬
‫الدرداء زاهدا فاضل قاضيا لهم )في الشام(‪ ،‬فلما اشتد في الحق‬
‫وأخرج طريقة عمر بن الخطاب في قوم لم يحتملوها عزلوه‪ ،‬فخرج‬
‫إلى المدينة‪ ,‬وهذه كلها مصالح ل تقدح في الدين‪ ،‬ول تؤثر في منزلة‬
‫أحد من المسلمين بحال‪ ،‬وأبو الدرداء وأبو ذر بريئان من كل عيب‪،‬‬
‫وعثمان برئ أعظم)‪(2‬براءة وأكثر نزاهة‪ ،‬فمن روى أنه نفي وروى‬
‫سبًبا فهو كل باطل ‪.‬‬
‫‪ -9‬ولم يقل أحد من الصحابة لبي ذر إنه أخطأ في رأيه‪ ،‬لنه‬
‫مذهب محمود لمن يقدر عليه‪ ,‬ولم يأمر عثمان أبا ذر بالرجوع عن‬
‫مذهبه‪ ،‬وإنما طلب منه أن يكف عن النكار على الناس ما هم فيه‬
‫نهى أبا ذر عن الفتيا مطلقا‬ ‫من المتاع الحلل‪ .‬ومن روى أنه عثمان‬
‫لم تصل روايته إلى درجة الخبر الصحيح‪ (3).‬والذي صح عند البخاري‬
‫أن أبا ذر قال‪ :‬لو وضعتم الصمصامة على هذه ‪-‬وأشار إلى قفاه‪ -‬ثم‬
‫ي‬
‫أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي × قبل أن تجيزوا عل ّ‬‫)‪(4‬‬
‫ظننت‬
‫الفتيا؛ لن‬ ‫عن‬ ‫ذر‬ ‫أبا‬ ‫نهى‬ ‫عثمان‬ ‫أن‬ ‫يروا‬ ‫لم‬ ‫البخاري‬ ‫وفي‬ ‫لنفذتها‪.‬‬
‫نهي الصحابي عن الفتيا دون تحديد الموضوع أمر ليس بالهين)‪.(5‬‬
‫ولو كان عثمان نهاه عن الفتيا مطلقا لختار له مكانا ل يرى فيه‬ ‫‪-10‬‬
‫الناس‪ ،‬أو حبسه في المدينة‪ ،‬أو منعه من دخول المدينة‪ ،‬ولكن أذن له‬
‫بالنزول في منزل يكثر مرور الناس به؛ لن الربذة كانت منزل من‬
‫منازل الحجاج العراقيين‪ ،‬وكان أبو ذر يتعاهد المدينة يصلي في مسجد‬
‫رسول الله‪×.‬وقال له عثمان‪ :‬لو تنحيت فكنت قريبا‪ .‬والربذة ليست‬
‫بعيدة عن المدينة‪ ،‬وكان يجاورها حمى الربذة الذي ترعى فيه إبل‬
‫الصدقة‪ ،‬ولذلك يروى أن عثمان أقطعه صرمة من إبل الصدقة‪ ،‬وأعطاه‬
‫مملوكين‪ (،‬وأجرى عليه رزقا‪ ،‬وكانت الربذة أحسن المنازل في طريق‬‫)‪6‬‬
‫وبعد أن ذكر المام الطبري الخبار التي تفيد اعتزال أبي ذر من‬ ‫مكة‪.‬‬
‫)‪ (2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/223‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب العلم قبل القول والعمل )‪.(1/29‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المدينة المنورة فجر السلم )‪.(2/224‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/286‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪233‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الخرون‪(1‬فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة‬ ‫تلقاء نفسه قال‪ :‬وأما‬
‫وأمورا شنيعة كرهت ذكرها) ‪.‬‬
‫ف أبا ذر ‪ ‬إنما‬ ‫إن الحقيقة التاريخية تقول إن عثمان ‪ ‬لم ين ِ‬
‫استأذنه فأذن له‪ ،‬ولكن أعداء عثمان ‪ ‬كانوا يشيعون عليه بأنه‬
‫نفاه‪ ،‬ولذلك لما سأل غالب القطان الحسن البصري‪ :‬عثمان أخرج‬
‫أبا ذر؟ قال الحسن‪ :‬ل‪ ،‬معاذ الله‪ (2).‬وكل ما روي في أن عثمان نفاه‬
‫إلى الربذة‪ ،‬فإنه ضعيف السناد ل يخلو من علة قادحة‪ ،‬مع ما في‬
‫والحسنة‪ ،‬التي تبين أن‬ ‫متنه من نكارة لمخالفته للمرويات الصحيحة‬
‫أبا ذر استأذن للخروج إلى الربذة وأن عثمان أذن له)‪(3‬؛ بل إن‬
‫قال له عندما‬ ‫عثمان أرسل يطلبه من الشام ليجاوره بالمدينة‪ ،‬فقد‬
‫لتجاورنا بالمدينة‪ (4).‬وقال له‬ ‫قدم من الشام‪ :‬إنا أرسلنا إليك لخير‬
‫كن عندي تغدو عليك وتروح اللقاح‪ (5).‬أفمن يقول ذلك له‬ ‫أيضا‪:‬‬
‫ينفيه؟)‪(6‬ولم تنص على نفيه إل رواية رواها ابن سعد‪ ،‬وفيها بريدة بن‬
‫سفيان السلمي الذي قال عنه الحافظ ابن حجر‪ :‬ليس بالقوي وفيه‬
‫رفض‪ ،‬فهل تقبل رواية رافضي تتعارض مع الروايات الصحيحة‬
‫والحسنة؟)‪ (7‬واستغل الرافضة هذه الحادثة أبشع استغلل فأشاعوا‬
‫أن عثمان ‪ ‬نفى أبا ذر إلى الربذة‪ ،‬وأن ذلك مما عيب عليه من‬
‫قَِبل الخارجين عليه أو أنهم سوغوا الخروج عليه‪ (8).‬وعاب عثمان ‪‬‬
‫المتوفي سنة ‪726‬هـ‪ ،‬بل زاد أن‬ ‫بذلك ابن المطهر الحلي الرافضي‬
‫ذر‪(10‬ضربا وجيعا)‪ ،(9‬ورد عليه شيخ السلم ابن‬ ‫عثمان ‪ ‬ضرب أبا‬
‫تيمية ردا جامعا قويا‪ ).‬وكان سلف هذه المة يعلمون هذه‬
‫فإنه لما قيل للحسن البصري‪ :‬عثمان أخرج أبا ذر؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬ ‫الحقيقة‪،‬‬
‫ذر‪،‬‬
‫)‪(12‬‬
‫أبا‬ ‫سير‬ ‫‪‬‬ ‫عثمان‬ ‫أن‬ ‫له‬ ‫ذكر‬ ‫إذا‬ ‫سيرين‬ ‫ابن‬ ‫وكان‬ ‫)‪(11‬‬
‫الله‪.‬‬ ‫معاذ‬
‫أخذه أمر عظيم‪ ،‬ويقول‪ :‬هو خرج من نفسه‪ ،‬ولم يسيره عثمان‪.‬‬
‫وكما تقدم في الرواية الصحيحة السناد أن أبا ذر ‪ ‬لما رأى كثرة‬
‫في‬ ‫الناس عليه خشي الفتنة‪ ،‬فذكر ذلك لعثمان كأنه يستأذنه‬
‫الخروج‪ ،‬فقال له عثمان ‪ :‬إن شئت تنحيت فكنت قريبا)‪.(13‬‬
‫ثانًيا‪ :‬بطلن تأثير ابن سبأ على أبي ذر ‪:‬‬
‫كتب سعيد الفغاني في كتابه )عائشة والسياسة(‪ ،‬فعظم دور‬
‫ابن سبأ في الفتنة‪ ،‬ونسب إليه كل المؤامرات والفتن والملحم‬
‫الواقعة بين الصحابة‪ ،‬ويرى أن هذه المؤامرة المحكمة سهر عليها‬
‫أبالسة خبيرون‪ ،‬وسددوا خطاها وتعاهدوها حتى أتت ثمارها في‬
‫جميع القطار‪ ،‬ولهذا كتب هذا العنوان )ابن سبأ البطل الخفي‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(5/288‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ المدينة‪ ،‬ابن شبة‪ ،‬ص)‪ ،(1037‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪.(1/110‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ المدينة‪ ،‬ص ‪ ،1037 ،1036‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الطبقات‪ ،‬لبن سعد )‪.(227 ،4/226‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (7 ،6 ،‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/111‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪7‬‬
‫‪8‬‬

‫)( منهاج السنة لبن تيمية )‪.(6/183‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(355-6/271‬‬ ‫‪10‬‬

‫)‪ (11 ،‬تاريخ المدينة )‪ (1037‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫)( البخاري كتاب الزكاة رقم )‪.(1406‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪234‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المخيف(‪ (1).‬ويبدو التهويل من شأن ابن سبأ عند الفغاني حينما‬
‫الفراسة‪ ،‬والنظر البعيد‪،‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫يصفه بأنه رجل على غاية من الذكاء وصدق‬
‫أحد‬ ‫أنه‬ ‫ويقطع‬ ‫‪،‬‬ ‫الجماهير‬ ‫والحيلة الواسعة‪ ،‬والنفاذ إلى نفسية‬
‫أبطال جمعية تلمودية سرية غايتها تقويض الدولة السلمية‪ (3).‬ويكاد‬
‫يقرر بأنه يعمل لصالح دولة الروم التي انتزع المسلمون منها لفترة‬
‫قريبة قطرين هامين هما مصر والشام‪ ،‬عدا ما سواهما من بلد‬
‫أخرى على البحر المتوسط‪ ،‬ويستغرب نشاط ابن سبأ إلى شتى‬
‫المجالت الدينية‬
‫والسياسية والحربية)‪.(4‬‬
‫وهو يرى أن ابن سبأ كان موفقا كل التوفيق في لقائه مع أبي‬
‫ذر‪ ،‬وفي تفصيل هذه المقالة التي ركبها على مزاج أبي ذر‪ ،‬وأن‬
‫الذي ساعده على ذلك فهمه الجيد لمزجة الناس واستخباراته‬
‫الصادقة المنظمة‪ (5).‬وهذا الزعم ‪-‬أي تأثير ابن سبأ على أبي ذر ‪-‬‬
‫ل أساس له من الصحة من عدة وجوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬حينما أرسل معاوية إلى عثمان ‪ ‬يشكو إليه أمر أبي ذر لم‬
‫تكن منه إشارة‬
‫إلى تأثير ابن سبأ عليه‪ ،‬واكتفى أن قال‪ :‬إن أبا ذر قد أعضل بي‪،‬‬
‫من( أمره‬ ‫وقد كان‬
‫كيت وكيت)‪. 6‬‬
‫بالشام في‬ ‫ب‪ -‬ذكر ابن كثير الخلف الواقع بين أبي ذر ومعاوية‬
‫أكثر من موضع في كتابه‪ ،‬ولم يرد ابن سبأ في واحد منها)‪.(7‬‬
‫ج‪ -‬وفي صحيح البخاري‪ ،‬ورد الحديث الذي يشير إلى أصل‬
‫أبي ذر ومعاوية‪ ،‬وليس فيه الشارة من قريب أو بعيد‬ ‫الخلف بين‬
‫إلى ابن سبأ)‪.(8‬‬
‫د‪ -‬وفي أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ترد محاورة معاوية‬
‫لبي ذر‪ ،‬ثم نزوله الربذة‪ ،‬ولكن شيئا من تأثير ابن سبأ على أبي ذر‬
‫ل يذكر)‪.(9‬‬
‫بل ورد الخبر في الطبري هكذا‪ ..‬فأما العاذرون معاوية في ذلك‬ ‫هـ‪-‬‬
‫‪-‬يعني إشخاص معاوية أبا ذر إلى المدينة‪ -‬فذكروا في ذلك قصة ورود‬
‫ابن السوداء الشام ولقياه أبا ذر‪ ..‬إلخ‪(10).‬وهذا الخبر الذي أورده‬
‫الطبري ساقط وكاذب‪ ،‬تكذبه وقائع التاريخ الزمنية‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫* يذكرون أن ابن سبأ أسلم في عهد عثمان‪ ،‬وكان يهوديا من‬
‫اليمن‪ ،‬وبدأ نشاطه المخرب في الحجاز‪ ،‬ولكنهم لم يذكروا أنه‬
‫التقى أحدا أو التقاه أحد في الحجاز‪.‬‬
‫)‪ (5-‬عائشة والسياسة‪ ،‬سعيد الفغاني‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/285‬‬
‫)( عائشة والسياسة‪،‬ـ ص ‪.60‬‬
‫‪6‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(180-7/170‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬رقم )‪.(1406‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‪ ،‬سليمان العودة‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/285‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪235‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫* كان أول ظهوره في البصرة بعد أن تولى عبد الله بن عامر‬
‫عليها بثلث سنوات‪ ،‬وعبد الله بن عامر جاء بعد أبي موسى‬
‫الشعري سنة ‪29‬هـ‪ ،‬وبهذا يكون ظهوره في البصرة ‪32‬هـ‪ ،‬وقد‬
‫طرده ابن عامر من البصرة يوم عرفة‪.‬‬
‫* قالوا‪ :‬إنه توجه إلى الكوفة‪ ،‬فباض وفرخ‪ ،‬وحرضه على‬
‫معاوية‪ ,‬ول بد أنه مكث زمنا في الشام ليتعرف على أحوال الرجال‪،‬‬
‫ويضع خططه ليبث دعوته فيهم‪ ،‬ولنفرض جدل ً أنه عرف أمره في‬
‫الشام في أواخر سنة ‪33‬هـ‪ ،‬فماذا تقول أيها القارئ إذا عرفت أن‬
‫الروايات الصحيحة تقول‪ :‬إن أبا ذر كانت مناظرته لمعاوية سنة‬
‫‪30‬هـ‪ ،‬وأنه رجع إلى المدينة وتوفي بالربذة سنة ‪31‬هـ‪ ،‬أو سنة‬
‫‪32‬هـ‪ ،‬ومعنى هذا أن ابن سبأ ظهر في البصرة في وقت كان فيه‬
‫)‪(1‬‬
‫أبو ذر ميتا‪ ،‬فكيف وأين التقاه؟‪.‬‬
‫إن أبا ذر ‪ ‬لم يتأثر ل من قريب ول من بعيد بآراء عبد الله بن‬
‫سبأ اليهودي‪ ،‬وقد أقام بالربذة حتى توفى‪ ،‬ولم يحضر شيئا مما وقع‬
‫في الفتن)‪ ،(2‬ثم هو قد روى حديثا من أحاديث النهي عن الدخول في‬
‫الفتنة)‪.(3‬‬
‫ثالثـا‪ :‬وفاة أبي ذر ‪ ‬وضم عثمان عياله إلى عياله‪:‬‬
‫في غزوة تبوك قيل لرسول الله ×‪ :‬قد تخلف أبو ذر وأبطأ به‬
‫بعيره‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فيه‪(4‬خير فسيلحقه الله بكم‪ ،‬وإن يك غير ذلك فقد‬ ‫يك‬ ‫»دعوه فإن‬
‫أراحكم الله منه«‪ ).‬وتلوم أبو ذر على بعيره‪ ،‬فلما أبطأ عليه أخذ‬
‫متاعه فحمله على ظهره‪ ،‬ثم خرج يتبع أثر رسول الله × ماشيا‪،‬‬
‫منازله‪ ،‬فنظر ناظر من المسلمين‬ ‫ونزل رسول الله × في بعض‬
‫فقال رسول الله ×‪» :‬كن أبا ذر« )‪ ,(5‬فلما تأمله القوم قالوا‪ :‬يا‬
‫الله‪» :×(6‬رحم الله أبا ذر‪،‬‬ ‫رسول الله‪ ،‬هو والله أبو ذر‪ ،‬فقال رسول‬
‫يمشي وحده‪ ،‬ويموت وحده‪ ،‬وُيبعث وحده«‪ ) .‬ومضى الزمان وجاء‬
‫عهد عثمان وأقام أبو ذر في الربذة‪ ،‬فلما حضرته الوفاة أوصى‬
‫امرأته وغلمه‪ :‬إذا مت فاغسلني وكفناني ثم احملني فضعاني على‬
‫قارعة الطريق‪ ،‬فأول ركب يمرون بكم فقولوا‪ :‬هذا أبو ذر‪ .‬فلما‬
‫مات فعلوا به كذلك‪ ،‬فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم‬
‫تطأ سريره‪ ،‬فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫هذا؟ فقيل‪ :‬جنازة أبي ذر‪ ،‬فاستهل ابن مسعود يبكي‪ ،‬فقال‪ :‬صدق‬
‫رسول الله ×‪» :‬يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت‬
‫وحده ويبعث وحده«‪ (7).‬فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه‪،‬‬
‫)( المدينة المنورة‪ ،‬فجر السلم )‪.(2/225‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أحداث الفتنة الولى بين الصحابة في ضوء قواعد الجرح والتعديل‪ ،‬د‪ .‬عبد‬ ‫‪2‬‬

‫العزيز دخان‪ ،‬ص ‪.174‬‬


‫)( تلوم على بعيره‪ :‬تمهل‪.‬‬ ‫)( المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.174‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( كن أبا ذر‪ :‬لفظه لفظ المر ومعناه الدعاء‪ ،‬أرجو الله أن تكون أبا ذر‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( السيرة النبوية‪ ،‬لبن هشام )‪.(4/178‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(4/478‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪236‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته‪ :‬إن أبا ذر يقرأ عليكم السلم‬
‫وأقسم أل تركبوا حتى تأكلوا‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬وحملوهم حتى أقدموهم إلى‬
‫مكة‪ ،‬ونعوه إلى عثمان ‪ ‬فضم ابنته إلى عياله‪ (1).‬وجاء في رواية‪:‬‬
‫»‪ ...‬فلما دفناه دعتنا إلى الطعام وأردنا احتمالها‪ ,‬فقال ابن مسعود‪:‬‬
‫أمير المؤمنين قريب نستأمره‪ ،‬فقدما مكة فأخبرناه الخبر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يرحم الله أبا ذر‪ ،‬ويغفر له نزوله الربذة‪ ،‬ولما صدر خرج‪ ،‬فأخذ‬
‫الربذة‪ ،‬فضم عياله إلى عياله‪ ،‬وتوجه نحو المدينة وتوجهنا‬ ‫طريق‬
‫نحو العراق)‪.(2‬‬
‫***‬

‫)( التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬ص ‪.88 ،87‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/314‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪237‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل السادس‬
‫أسباب فتنة مقتل عثمان ‪‬‬
‫المبحث الول‬
‫أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان وما ترتب عليها من‬
‫أحداث‬
‫والحكمة من إخباره × بوقوعها‬
‫ل‪ :‬أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان ‪ ‬وما ترتب عليها‬ ‫أو ً‬
‫من أحداث في الجمل وصفين وغيرهما‪:‬‬
‫ورد عن كثير من السلف والعلماء المر بالتوقف عن الخوض في‬
‫تفاصيل ما وقع بين الصحابة‪ ،‬وإيكال أمرهم إلى الله الحكم العدل‪،‬‬
‫ضي عنهم‪ ،‬واعتقاد أنهم مجتهدون‪ ،‬مأجورون إن شاء الله‪،‬‬ ‫مع التر ّ‬
‫والحذر من الطعن فيهم والوقوع في أعراضهم؛ لما يجر ذلك من‬
‫الطعن في الشريعة؛ إذ هم حملتها وحاملوها إلينا‪ ،‬ومن ذلك ما روى‬
‫عن عمر بن عبد العزيز أنه سئل عن أهل صفين فقال‪ :‬تلك دماء‬
‫لساني فيها‪ (1).‬وسئل أحدهم‬ ‫ك أُ‬ ‫طهر الله منها يدي‪ ،‬فل أحب أن أخضب‬
‫ما‬ ‫ها‬
‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫خ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ة‬ ‫ٌ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عن ذلك فقال متمثل قوله تعالى‪+ :‬ت ِل ْ‬
‫ن"‬‫ملو َ‬
‫َ ْ َ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ول َ ت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ول َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ت َ‬ ‫كَ َ‬
‫سب َ ْ‬
‫]البقرة‪.[134 :‬‬
‫وهذا النهي معلل‪ ،‬علته الخوف مما ذكرناه من الطعن فيهم‬
‫والوقوع في أعراضهم‪ ،‬وما يستوجب ذلك من غضب الله ونقمته‪،‬‬
‫فإذا انتفت هذه العلة فالظاهر أنه ل حرج في ذلك‪ ،‬إذا كان الكلم‬
‫والبحث في تفاصيل ما وقع بينهم ل يؤدي إلى الطعن فيهم مطلقا‪،‬‬
‫فل بأس من دراسة ذلك والتعمق في أسبابه ودوافعه وتفصيلته‬
‫الدقيقة ونتائجه وتداعياته على مجتمع الصحابة‪ ،‬ثم على من بعدهم‪،‬‬
‫وقد كتب من العلماء عن الفتنة‪ ،‬أمثال‪ :‬ابن كثير والطبري وغيرهما‬
‫حول أحداث تلك الفترة الحرجة من تاريخ السلم‪ ،‬وفصلوا في‬
‫قضايا كثيرة تتعلق بتلك الفتنة‪ ،‬ومنهم من ذهب إلى حد تخطئة أحد‬
‫الطرفين‪ ،‬أو كليهما اعتمادا على روايات ونصوص كثيرة اختلط فيها‬
‫الصحيح بغيره‪ (2).‬وهناك أسباب تدعو علماء أهل السنة وطلب العلم‬
‫منهم للغوص في أعماق فتنة الهرج التي وقعت في صدر السلم‬
‫والبحث عن تفاصيلها‪ ،‬ومن هذه السباب‪:‬‬
‫‪ -1‬أن المؤلفات المعاصرة التي تناولت أحداث الفتنة بين‬
‫الصحابة والتابعين انقسمت إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬مصنفات تربى أصحابها على موائد الفكر الغربي الحاقد على‬
‫التاريخ السلمي‪ ,‬أو الجاهل بالتاريخ السلمي‪ ،‬فلم يروا فيه شيئا‬
‫جميل‪ ،‬فراحوا يطعنون في الصحابة والتابعين بطريقة تخدم أهداف‬
‫)( حلية الولياء )‪ ،(9/114‬عون المعبود )‪.(12/274‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز دخان‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪238‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أعداء السلم وخصومه‪ ،‬الذين قاموا لدراسة أحداث تلك الفتنة‬
‫وتفاصيلها‪ ،‬وإعطائها تفسيرات تطعن في جموع الصحابة‪ ،‬وتضرب‬
‫السلم في أصوله‪ ،‬وتجعل من هذه الحداث صراعا سياسيا على‬
‫مناصب وكراسي‪ ،‬تخلي فيه الصحابة عن إيمانهم وتقواهم وصدقهم‬
‫مع الله‪ ،‬وانقلبوا إلى طلب دنيا‪ ،‬وعشاق زعامة‪ ،‬ل يهمهم أن تراق‬
‫الدماء‪ ،‬وتزهق الرواح وتسلب الموال وتستباح الحرمات إذا كان‬
‫في ذلك ما يحقق لهم ما يريدون من الرياسة والزعامة‪.‬‬
‫وممن تولى كبر هذه الفرية طه حسين )الفتنة الكبرى( )‪ ،(1‬الذي‬
‫هو بحق فتنة كبرى على عقول الناشئة من أبناء المسلمين؛ فقد راح‬
‫طه حسين يشنع على الصحابة ويشكك في نياتهم‪ ،‬ويتهمهم‬
‫باتهامات مغرضة خدمة لهداف أعداء السلم والمسلمين‪ (2).‬وقد‬
‫تأثر الكثير بمنهجه‪ ،‬ويبدو أن أمثال هؤلء اعتمدوا على الروايات‬
‫التاريخية التي أوردها المؤرخون كالطبري وابن عساكر وغيرهما‪،‬‬
‫والتي اختلط فيها الغث بالسمين‪ ،‬والكذب بالصدق‪ ،‬أخذها دون‬
‫مراعاة لمنهج هؤلء في مصنفاتهم‪ ،‬وهذا خطأ كبير‪ (3).‬وقد تأثرت‬
‫هذه الكتابات بالفكر الرافضي والكتابات الشيعية الرافضية للتاريخ‬
‫السلمي)‪(4‬؛ فقد تعمد الروافض الساءة في كتاباتهم للتاريخ‬
‫السلمي‪ ،‬كما في روايات وأخبار الكلبي)‪ ,(5‬وأبى مخنف)‪ ,(6‬ونصر بن‬
‫مزاحم المنقري)‪ ,(7‬والتي توجد حتى عند الطبري في تاريخه‪ ،‬لكن‬
‫الطبري يذكرها مسندة لهؤلء‪ ،‬فيعرف أهل العلم حالها‪ (8).‬وكما في‬
‫كتابات المسعودي في مروج الذهب واليعقوبي في تاريخه‪ .‬وقد‬
‫أشار الستاذ محب الدين الخطيب في حاشية )العواصم( إلى أن‬
‫التدوين التاريخي إنما بدأ بعد الدولة الموية‪ ,‬وكان للصابع الباطنية‬
‫والشعوبية المتلفعة برداء التشيع دور في طمس معالم الخير فيه‪،‬‬
‫وتسويد صفحاته الناصعة)‪.(9‬‬
‫ويظهر هذا الكيد لمن تدبر كتاب )العواصم من القواصم( لبن‬
‫العربي مع الحاشية الممتازة التي وضعها العلمة محب الدين‬
‫ب أفضل‬ ‫الخطيب‪ ،‬لقد سود شيوخ الروافض آلف الصفحات بس ّ‬
‫البشرية‪ ،‬وصرفوا أوقاتهم وجهودهم لتشويه تاريخ‬ ‫قرن عرفته‬
‫المسلمين‪ (10).‬وكانت هذه المادة )الرافضية( الكبيرة والتي تجدها‬

‫)( انظر الفتنة الكبرى )عثمان( )علي وبنوه(‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (4 ،3،‬أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( محمد بن السائب الكلبي‪ ،‬قال ابن حبان‪ :‬كان سبئيا من أولئك الذين يقولون‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫إن عليا لم يمت وإنه راجع إلى الدنيا‪ .‬توفي سنة ‪ 146‬هـ‪ .‬ميزان العتدال )‬
‫‪ (3/558‬ابن أبي حاتم‪ ،‬الجرح والتعديل )‪.(271 ،7/270‬‬
‫)( لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الزدي من أهل الكوفة‪ ،‬قال ابن عدي‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫شيعي محترق صاحب أخبارهم‪ ،‬توفي سنة ‪157‬هـ‪ ،‬له تصانيف كثيرة منها‪:‬‬
‫الردة‪ ،‬الجمل‪ ،‬صفين‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫)( نصر بن مزاحم بن سيار المنقري الكوفي‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬رافضي جلد تركوه‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫توفي سنة ‪212‬هـ‪ .‬ومن كتبه‪ :‬وقعة صفين‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬والجمل ومقتل‬
‫الحسين‪ ,‬ميزان العتدال )‪.(4/253‬‬
‫)( أصول مذهب الشيعة المامية‪ ،‬ناصر الغفاري )‪.(3/1457‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(3/1458‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(3/1459‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪239‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫في كتب التاريخ التي وضعها الروافض أو شاركوا في بعض أخبارها‪،‬‬
‫وتراها في كتب الحديث عندهم كالكافي‪ ،‬والبحار‪ ،‬وفيما كتبه‬
‫شيوخهم في القديم؛ كإحقاق الحق‪ ،‬وفي الحديث ككتاب الغدير‪،‬‬
‫هذه المادة السوداء المظلمة الكريهة الشائهة هي المرجع لما كتبه‬
‫أعداء المسلمين من المستشرقين وغيرهم‪ ،‬وجاء ذلك الجيل‬
‫المهزوم روحيا‪ ،‬والذي يرى في الغرب قدوته وأمثولته من‬
‫المستغربين‪ ،‬فتلقف ما كتبته القلم الستشراقية وجعلها مصدره‬
‫ومنهله‪ ،‬وتبنى أفكارهم ونشر شبهاتهم في ديار المسلمين‪ ،‬وكان‬
‫لذلك أثره الخطير في أفكار المسلمين وثقافتهم‪ ،‬وكان الرفض هو‬
‫الصل في هذا الشر كله‪ .‬وإن دراسة آراء المستشرقين وصلتها‬
‫بالتشيع لهي موضوع مهم يستحق الدراسة والتتبع‪ ،‬لقد بدأت‬
‫ومفترياتهم‬ ‫استفادة العدو الكافر من شبهات الروافض وأكاذيبهم‬
‫على السلم والمسلمين منذ عهد المام ابن حزم )ت ‪456‬هـ( )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬مصنفات لبعض علماء هذه المة من المعاصرين‪ ،‬وهي‬
‫مفيدة إجمال‪ ،‬ولكن طريقة عرضهم للحداث وتفسيرهم لمواقف‬
‫بعض الصحابة والتابعين فيها كثير ‪-‬أو بعض‪ -‬من عدم النصاف‪ ،‬مثل‬
‫ما كتبه أبو العلى المودودي ‪-‬رحمه الله‪ -‬في كتابه )الخلفة‬
‫والملك(‪ ،‬وما دونه الشيخ محمد أبو زهرة ‪-‬رحمه الله‪ -‬في كتابه‬
‫)تاريخ المم السلمية( و)المام زيد بن علي(‪ ،‬فالكتابان مشحونان‬
‫خلفاء‪ (2‬بني‬
‫)‬
‫بكثير من التحامل على مقام بعض الصحابة والطعن على‬
‫أمية‪ ،‬وتنقصهم وتجريدهم من أية خصلة حميدة أو عمل صالح‪.‬‬
‫ويبدو أن أمثال هؤلء العلماء لم يحققوا في الروايات التاريخية‪،‬‬
‫فتورطوا في الروايات الرافضية الشيعية وبنوا عليها تحليلتهم‬
‫واستنتاجاتهم‪ ،‬غفر الله لنا ولهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬مصنفات حاول أصحابها أن يسلكوا فيها منهج علماء الجرح‬
‫والتعديل في نقد الروايات التاريخية وعرضها على أصول منهج‬
‫المحدثين من حيث السند والمتن من أجل تمييز صحيحها من‬
‫سقيمها‪ ,‬وسليمها من عليلها‪.‬‬
‫وفي هذه المؤلفات محاولة جيدة وجهد مشكور للوقوف في‬
‫التفسير الصحيح الذي ل يتعارض‬ ‫وجه هذا الزيف‪ ،‬وتفسير الحداث‬
‫مع فضل الصحابة وإيمانهم وجهادهم)‪ ,(3‬ومن هذه المؤلفات الجيدة‬
‫ما كتبه الدكتور يوسف العش في )تاريخ الدولة الموية(‪ ،‬وما كتبه‬
‫محب الدين الخطيب تعليقا على كتاب )العواصم من القواصم( لبي‬
‫بكر بن العربي‪ ،‬وما كتبه صادق عرجون في كتابه )عثمان بن‬
‫عفان(‪ ،‬وما سطره الدكتور سليمان بن حمد العودة في كتابه )عبد‬
‫الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر السلم(‪ ،‬وما كتبه‬
‫الفتنة(‪ ،‬وما‬ ‫محمد أمحزون في كتابه )تحقيق مواقف الصحابة في‬
‫كتبه الدكتور أكرم العمري في كتابه )الخلفة الراشدة()‪ ,(4‬وما كتبه‬
‫عثمان الخميس في كتابه )حقبة من التاريخ(‪ ،‬وما كتبه الدكتور‬

‫المصدر نفسه )‪.(3/1459‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪240‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫محمد حسن شراب في كتابه )المدينة النبوية‪ ..‬فجر السلم والعصر‬
‫الراشدي(‪ ،‬وما قام به محب الدين من تحقيقات نافعة وتعليقات‬
‫صائبة على كتاب )العواصم من القواصم( و)المنتقى(‪ ،‬وغيرها من‬
‫الكتب والبحوث والرسائل التي سارت على نفس المنهج؛ فقد ظهر‬
‫من هذا البيان شدة الحاجة إلى وجود مؤلفات ومصنفات ترد على‬
‫هذه المزاعم والخطاء‪ ،‬ول يتم الرد على هؤلء المزيفين للتاريخ‬
‫السلمي ومقام الصحابة إل بمحاولة دراسة تفاصيل تلك الحداث‪،‬‬
‫الخبار والروايات الواردة بميزان الجرح والتعديل‪ ،‬والتصحيح‬ ‫وغربلة‬
‫والتضعيف‪ (1).‬وقد جاء عن ابن تيمية قوله‪ :‬لكن إذا ظهر مبتدع‪،‬‬
‫يقدح فيهم بالباطل‪,‬‬
‫فل بد من الذب عنهم‪ ،‬وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل‪ (2).‬وقد‬
‫ذهب المام الذهبي ‪-‬رحمه الله‪ -‬في هذا مذهبا آخر‪ ،‬فهو يدعو إلى‬
‫إحراق هذه الكتب التي فيها هذا الكذب والتشويه لمقام الصحابة‪،‬‬
‫قال رحمه الله‪ :‬كما تقرر الكف عن كثير مما وقع بين الصحابة‬
‫وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين‬
‫والكتب والجزاء‪ ،‬ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف‪ ،‬وبعضه كذب‪،‬‬
‫وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه؛‬
‫لتصفو القلوب وتتوافر على حب الصحابة والترضي عنهم‪ (3).‬وقد‬
‫أفادنا الذهبي في كلمه فائدة كبيرة‪ ،‬وهو تصريحه بكون أكثر ما‬
‫ينقل من ذلك في الكتب والدواوين كذبا وزورا وافتراء على مقام‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬إل أن اقتراح الذهبي بحرق تلك المؤلفات‬
‫لم يعد ممكنا؛ فقد انتشرت هذه الكتب‪ ،‬وتولت طباعتها كثير من‬
‫دور النشر‪ ،‬وكثير من ذوي النيات السيئة فلم يبق إل وضعها موضع‬
‫وكذب؛ حفظا لجيال‬ ‫الدراسة وبيان ما فيها من عوار وخطأ‬
‫المسلمين من انحراف السلوك والعقيدة)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬تظهر أهمية دراسة فتنة مقتل عثمان ‪ ‬وما ترتب عليها من‬
‫أحداث لمعرفة أسباب الفتنة الحقيقية‪ ،‬سواء كانت هذه السباب‬
‫داخلية أو خارجية‪ ،‬ومعرفة نصيب كل سبب من السباب فيما حدث‪،‬‬
‫وهل هناك أسباب يمكن إدراجها في هذا السبيل؟‬
‫إن الذي يقرأ طرفا مما كتب عن هذه الفتنة يحس أن مؤامرة‬
‫كبرى جرى التخطيط لها‪ ،‬وتعاون المجوس والنصارى واليهود‬
‫فقضية( تآمر العداء ترافق المة السلمية‬ ‫والمنافقون على تنفيذها؛‬
‫في كل مراحل تاريخها الطويل)‪. 5‬‬
‫إل أن هذه المؤامرة ما كانت لتنجح لول وجود عوامل ضعف‬
‫داخلية أسهمت في التمكين لنجاح هذه المؤامرة‪ .‬أل يصح دراسة‬
‫عهد الصحابة ‪-‬والحالة هذه‪ -‬واجبا من الواجبات في سبيل معرفة‬
‫أسباب ضعف المة السلمية‪ ،‬وتحديد مكامن الداء التي أوتيت منها‪،‬‬
‫والستفادة من ذلك في إصلح حاضر هذه المة وتجنبها هذه‬
‫المزالق في مستقبل حياتها؟ أم كتب عليها أن تظل ترزأ تحت ثقل‬
‫أدوائها من الداخل وكيد أعدائها‬
‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬سير أعلم النبلء )‪.(10/92‬‬ ‫)( منهاج السنة )‪.(3/192‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ (4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫)( أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪241‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من الخارج)‪.(1‬‬
‫إن ما وقع من أحداث جسام في فتنة مقتل عثمان ‪ ‬وما ترتب‬
‫عليها من أحداث تحتاج لدراسة عميقة ومتأنية لكي نستخرج من تلك‬
‫الحقبة التاريخية دروسا وعبرا نستضيء بها في حاضرنا؛ لكي‬
‫نسترشد بها في سعينا الجاد لعادة الخلفة الراشدة على منهاج‬
‫النبوة‪ ،‬حتى تسعد البشرية بدين الله وشرعه‪ ،‬وتخرج من شقاوتها‬
‫وتعاستها وضنكها بسبب بعدها عن شرع الله تعالى‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحكمة من إخباره × بوقوعها‪:‬‬
‫لقد أخبر النبي × في كثير من أحاديثه بأن هذه المة ستختلف‬
‫وستتقاتل‪ ،‬وتعددت الحاديث التي تشير إلى ذلك بإجمال أو بتفصيل‪،‬‬
‫وتنوعت أساليب الخبار عن ذلك من ذكر لسباب الفتن أو لنتائجها‪،‬‬
‫أو لبعض أحداثها ووقائعها‪ ،‬أو لمن يثيرونها‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وكان كثير‬
‫من هذا البيان والتوضيح منه × جوابا لسئلة الصحابة الكرام الذين‬
‫كانوا يطرحونها عليه‪ ،‬وهم يشاهدون ويتذوقون النعمة العظيمة التي‬
‫أفاءها الله عليهم‪ ،‬وهي نعمة الخوة ووحدة الصف واجتماع الكلمة‪،‬‬
‫فراحوا يسألون عما إذا كانت هذه النعمة ستدوم أم تزول‪ ،‬ولما كان‬
‫رسول الله × يعلم بالوحي أنها لن تدوم كما هي أحب أن يربيهم‬
‫على الستعداد لهذه المحن والفتن حتى يحسنوا التصرف يوم يقدر‬
‫الله لهذه الفتنة أن تقع‪ ،‬فيسعوا إلى علجها في وقتها‪ ،‬ومن خلل‬
‫في جملة الحاديث الواردة في ذكر الفتن نلمح الحكم‬ ‫النظر‬
‫التالية)‪:(2‬‬
‫‪ -1‬أن النبي × وهو يذكر هذه الفتن والوقائع يريد أن يربي المة‬
‫على الستعداد لها حتى تحسن التصرف يوم تقع هذه الفتن‪ ،‬فتسعى‬
‫إلى علجها في وقتها‪.‬‬
‫‪ -2‬إن في هذه الحاديث إشارات إلى من يثيرونها‪ ،‬وأنها أحيانا‬
‫تكون من قوم ظاهري اليمان والتشدد‪ ،‬ولكن عقولهم منحرفة‪،‬‬
‫وقلوبهم ملتوية‪ ،‬وهم في جملة حالهم غير مدركين ول فاقهين)‪.(3‬‬
‫‪ -3‬إن هذه الفتنة تكشف المنافقين وتصقل قلوب المؤمنين‬
‫فيزدادون إيمانا‪ ،‬ويتحفزون للمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وهو‬
‫النفوس وتتعود المجاهدة وتتعرف الخير‬ ‫نوع من البتلء تصقل به‬
‫فتأمر به والشر فتنهى عنه)‪.(4‬‬
‫‪ -4‬إن الخبار عن هذه الفتن يحمل في مضمونه تحذيرا شديدا‬
‫من الوقوع فيها‪ ,‬أو ملبسة شيء منها؛ ذلك أن المؤمنين من هذه‬
‫المة ‪-‬من الصحابة وغيرهم‪ -‬حين يسمعون خبر النبي × بأن منهم‬
‫من سيحدث منه القتل‪ ،‬ومنهم من سيتعلق بالدنيا‪ ،‬ومنهم من‬
‫سيترك الجهاد‪ ،‬ومنهم‪ ،‬ومنهم‪ ..‬تتحرك في نفوسهم مشاعر‬
‫المواجهة لهذه الفتن‪ ،‬ويقول كل واحد منهم‪ :‬لعلي أنجو‪ ،‬ويصبح‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.85‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الوحدة السلمية‪ ،‬محمد أبو زهرة‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.137 ،136‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪242‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المهالك على‬ ‫الموقف منها الخوف على الدوام أن يقع في تلك‬
‫غفلة‪ ،‬والخوف في هذا الباب من أعظم سبل النجاة)‪.(1‬‬
‫قال ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬بعد أن أورد عدة أحاديث مرفوعة في‬
‫وقوع هذا الخلف والختلف في هذه المة‪ :‬وهذا المعنى محفوظ‬
‫من‬ ‫عن النبي × من غير وجه‪ ،‬يشير إلى أن التفرقة والختلف ل بد‬
‫وقوعها في المة‪ ،‬وكان يحذر أمته لينجو من شاء الله له السلمة)‪.(2‬‬
‫‪ -5‬إن الخبار عن هذه الفتن أدق في تحديد سبل النجاة منها؛‬
‫فإن النسان مهما بالغت في تحذيره من خطر يهدده ‪-‬دون أن تحدد‬
‫له هذا الخطر أو تبين له كيفية الوقوع فيه‪ -‬قد ل يتصور الطريقة‬
‫سيواجهها‪ ،‬وقد‬ ‫التي سيحدث بها‪ ،‬ول يستبين طبيعة المشكلة التي‬
‫يقع في المحذور دون أن يعرف أنه المقصود بالتحذير)‪.(3‬‬
‫‪ -6‬إن الخبار عن تلك الفتن اقترن في بعض الحاديث بذكر‬
‫أسبابها‪ ،‬أو بيان نتائجها‪ ،‬أو موقف المسلم منها‪ ،‬وهذا ينفع المسلم‬
‫أو المة كلها في نبذ أسباب الفتن‪ ،‬أو الحكم على وقائع معينة من‬
‫خلل النظر في نتائجها‪ ،‬أو اتخاذ الموقف السليم منها ابتداء‪.‬‬
‫ثم إن فيها دليل واضحا على صدق رسالة محمد × ونبوته‪ ،‬يزداد‬ ‫‪-7‬‬
‫به إيمان الصحابة الذين سمعوا الحديث ثم رأوا تأويله في مواقفهم بعد‬
‫ومصر‪ ،‬وهو‬ ‫مدة‪ ،‬ويزداد به إيمان المؤمن ‪-‬كل مؤمن‪ -‬في كل عصر‬
‫يعيش وقائع الفتن والختلفات التي أخبر النبي × بوقوعها)‪.(4‬‬
‫وقد جمع الدكتور عبد العزيز صغير دخان أحاديث الفتنة وقام‬
‫بدراستها‪ ،‬وبيان صحيحها من ضعيفها في كتابه )أحداث وأحاديث‬
‫الفتنة الولى(‪ ،‬ثم استخرج من الحاديث الصحيحة معاني دلت عليها‬
‫تلك الحاديث‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الفتنة سنة الله ‪-‬عز وجل‪ -‬في المم‪ ،‬وفي هذه المة إلى‬
‫قيام الساعة‪ ،‬وهي فتن كقطع الليل المظلم‪ ،‬عمياء صماء بكماء‪،‬‬
‫من سعى فيها هلك في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن كف يده أفلح‪ ،‬ل يكاد‬
‫يبصر فيها أحد موقفه إل من أحياه الله بالعلم وزوده بالتقوى‪ ،‬وهداه‬
‫إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه)‪.(5‬‬
‫‪ -2‬وفي هذه الحاديث أن فتنة القتال بين المسلمين أمر واقع ل‬
‫محالة‪ ،‬ول سبيل لنكاره واستغرابه بدءا بما وقع بين الصحابة‬
‫والتابعين‪ ،‬ومرورا بالعصور السلمية إلى اليوم‪ ،‬ولكن الواجب هو‬
‫معرفة أسباب هذا القتال لتلفيها‪ ،‬أو السعي في إطفاء نار الفتنة‬
‫حينما تشب في ديار المسلمين‪ ،‬وأل ينبغي أن يقف المسلم منها‬
‫موقف المتفرج‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن رحمة الله بهذه المة أن يكفر عنها ذنوبها في الدنيا‪،‬‬

‫)( أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .70‬اقتضاء الصراط )‪.(1/127‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫)( المصدر نفسه‪،‬ـ ص ‪.70‬‬

‫)‪ ( ،3‬أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.345‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪243‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وليس القتل والفتن التي تنزل ساحتها والزلزل التي تصيبها إل‬
‫كفارة لهذه الذنوب‪.‬‬
‫‪ -4‬وفي بعض هذه الحاديث إشارة واضحة وصريحة إلى أن‬
‫منبت معظم هذه الفتن من قبل المشرق‪ ،‬وكذلك كان الواقع؛ فإن‬
‫الفتنة الولى بدأ تحريكها في الكوفة والبصرة‪ ،‬وفتنة الجمل كانت‬
‫هناك‪.‬‬
‫‪ -5‬وفي الفتنة يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا يسير‪ ،‬وتتحكم‬
‫فيها الشهوات والشبهات‪ ،‬ويصير أهل السلم الصحيح غرباء في‬
‫سلوكهم وتصرفاتهم‪ ،‬ويصبح المتمسك بدينه أشبه ما يكون بالذي‬
‫يقبض على الجمر أو على الشوك‪ ،‬صابرا محتسبا ما يصيبه من اللم‬
‫والذى في سبيل دينه وما يعتقد أنه حق‪.‬‬
‫‪ -6‬وفي الفتنة يحفظ الله طائفة من الناس‪ ،‬فل تلتبس بالفتنة‪،‬‬
‫ول تتلطخ أيديهم من دماء المسلمين‪ ،‬يسعون في إصلح ذات البين‪،‬‬
‫والدعوة إلى مبادئ السلم الصحيحة من رحمة وأخوة وسيكون‬
‫موقفهم غريبا بدون شك وسط الجموع الهائجة والهواء‬
‫المستحكمة)‪.(1‬‬
‫‪ -7‬وفي الفتنة يلعب اللسان دورا أخطر من السيف‪ ،‬بل إن‬
‫اللسان يكون غالبا منشأ الفتن والبليا‪ ،‬فرب كلمة شر مسمومة‬
‫انطلقت فأشعلت النار في القلوب‪ ،‬وهيجت ما كان مستكنا في‬
‫النفوس‪ ،‬وشحذت العواطف‪ ،‬وكانت سببا في فتن ضارية)‪.(2‬‬
‫‪ -8‬وفي الفتنة ينقص العلم؛ إما بموت العلماء أو بسكوتهم‬
‫واعتزالهم إيثارا للسلمة‪ ،‬أو لنصراف الناس عنهم لسبب من‬
‫السباب‪ ،‬ويسود عندها الجهل‪ ،‬ويتخذ الناس رؤساء جهال‪ ،‬فيفتوا‬
‫ضلوا‪ ،‬ويسود الرويبضة ‪-‬وهو التافه من الناس‪-‬‬ ‫ضلوا وي َ ِ‬‫بغير علم‪ ،‬في ُ ِ‬
‫ويستعلي السفهاء منهم)‪.(3‬‬
‫‪ -9‬وفي هذه الحاديث أن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬ضمن لرسوله × أل‬
‫يهلك هذه المة بالسنين والمجاعات‪ ،‬وأل يسلط عليهم عدوا فيتمكن‬
‫منها دائما‪ ،‬مهما كانت قوة هذه العدو وإمكانياته وجبروته‪ ،‬ولكن‬
‫المر الذي لم يضمنه الله لرسوله × هو أل تختلف هذه المة‪،‬‬
‫وسيكون هذا هو الباب الذي يدخل منه العدو الخارجي؛ إذ أن المة‬
‫إذا اختلفت فيما بينها وقتل بعضها بعضا‪ ،‬ضعفت عوامل القوة فيها‪،‬‬
‫وتمكن منها عدوها فعبث بخيراتها ومقدراتها‪ ،‬ولن يرفع عنها حتى‬
‫تحقيق القوة في نفسها بالوحدة‪ ،‬وجمع الكلمة‪ ،‬والحتكام‬ ‫تعود إلى‬
‫إلى شرع الله)‪.(4‬‬
‫‪ -10‬وفي الحاديث أن وقوع الفتنة واستمرارها مظنة ظهور‬
‫فرق المنحرفين عن هدى السلم‪ ،‬وتمكن أهل الباطل وظهورهم‪.‬‬
‫‪ -11‬وفي الفتنة تتغير أخلق الناس وتتبدل‪ ،‬ويزهد الناس في‬
‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.348 -346‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (3 ،2 ،‬أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.348‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫‪244‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫العمل الصالح‪ ،‬ومشاريع الخير‪ ،‬ويلقى بين الناس العداوة والبغضاء‬
‫والحقد‪ ،‬ويختلط المر على الناس‪.‬‬
‫‪ -12‬وفي الحاديث أن هذه الفتن يسبقها أمن واستقرار وصلح‬
‫أحوال الناس المادية والمنية‪ ،‬حتى يسير الراكب بين العراق ومكة‬
‫لل الطريق‪ ،‬ويظهر هذا في عهد عثمان ‪‬؛ فقد كان‬ ‫ض ّ‬
‫ل يخاف إل ُ‬
‫عهد أمن واستقرار وتدفق الموال والخيرات‪ ،‬ثم حدثت فتنة الهرج‬
‫قوض ذلك كله‪ ،‬حتى تبدل الحال من المن إلى الخوف‪.‬‬ ‫ف ُ‬
‫‪ -13‬وفي الفتنة يقتل خيار الناس وذوو العقول والرأي)‪(1‬فيهم‪،‬‬
‫ويبقى رجرجة من الناس ل تعرف معروفا ول تنكر منكرا‪ .‬هذه‬
‫بعض المعاني من أحاديث الفتن‪.‬‬
‫***‬

‫)( المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.350 ،349‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪245‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫أسباب فتنة مقتل عثمان ‪‬‬
‫قال المام الزهري‪ :‬ولي عثمان اثنتي عشرة سنة أميرا‬
‫للمؤمنين‪ ،‬أول ست سنين منها لم ينقم الناس عليه شيئا‪ ،‬وإنه لحب‬
‫إلى قريش من عمر بن الخطاب؛ لن عمر كان شديدا عليهم‪ ،‬أما‬
‫عثمان فقد لن لهم ووصلهم‪ .‬ثم حدثت الفتنة بعد ذلك‪ ،‬وقد سمى‬
‫المؤرخون المسلمون الحداث في النصف الثاني من ولية عثمان‬
‫‪35-30‬هـ )الفتنة( التي أدت إلى استشهاد عثمان ‪ (1) .‬كان‬
‫المسلمون في خلفة أبي بكر وعمر وصدر من خلفة عثمان متفقين‬
‫ل تنازع بينهم‪ ،‬ثم حدث في أواخر خلفة عثمان أمور أوجبت نوعا‬
‫من التفرق‪ ،‬وقام قوم من أهل الفتنة والظلم فقتلوا عثمان فتفرق‬
‫المسلمون بعد مقتل عثمان)‪.(2‬‬
‫وقد كان المجتمع السلمي في خلفة الصديق والفاروق‬
‫والنصف الول من خلفة عثمان يتصف بالسمات التية‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ‪ -‬في عمومه‪ -‬مجتمع مسلم بكامل معنى السلم‪ ،‬عميق‬
‫اليمان بالله واليوم الخر‪ ،‬مطبق لتعاليم السلم بجدية واضحة‪،‬‬
‫والتزام ظاهر‪ ،‬وبأقل قدر من المعاصي وقع في أي مجتمع في‬
‫التاريخ؛ فالدين بالنسبة له هو الحياة‪ ،‬وليس شيئا هامشيا يفئ الناس‬
‫إليه بين الحين والحين‪ ،‬إنما هو حياة الناس وروحهم‪ ،‬ليس فقط فيما‬
‫يؤدونه من شعائر تعبدية يحرصون على أدائها على وجهها الصحيح‪،‬‬
‫وإنما من أخلقياتهم وتصوراتهم واهتماماتهم وقيمهم وروابطهم‬
‫الجتماعية‪ ،‬وعلقات السرة وعلقات الجوار‪ ،‬والبيع والشراء‪،‬‬
‫والضرب في مناكب الرض‪ ،‬والسعي وراء الرزاق‪ ،‬وأمانة التعامل‪،‬‬
‫وكفالة القادرين لغير القادرين‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫والرقابة على أعمال الحكام والولة‪ ،‬ول يعني هذا بطبيعة الحال أن‬
‫كل أفراد المجتمع هم على هذا الوصف‪ ،‬فهذا ل يتحقق في الحياة‬
‫الدنيا‪ ،‬ول في أي مجتمع من البشر‪ .‬وقد كان في مجتمع الرسول ×‬
‫‪-‬كما ورد في كتاب الله‪ -‬منافقون يتظاهرون بالسلم وهم في دخيلة‬
‫أنفسهم من العداء‪ ،‬وكان فيه ضعاف اليمان‪ ،‬والمعوقون‪،‬‬
‫طئون‪ ،‬والخائنون‪ ،‬ولكن هؤلء جميعا لم يكن لهم‬ ‫والمتثاقلون‪ ،‬والمب ّ‬
‫وزن في ذلك المجتمع‪ ،‬ول قدرة على تحويل مجراه؛ لن التيار‬
‫الدافق هو تيار أولئك المؤمنين صادقي اليمان‪ ،‬المجاهدين في‬
‫سبيل الله بأموالهم وأنفسهم‪ ،‬الملتزمين بتعاليم هذا الدين)‪.(3‬‬
‫‪ -2‬أنه المجتمع الذي تحقق فيه أعلى مستوى من المعنى‬
‫الحقيقي )للمة(‪ ،‬فليست المة مجرد مجموعة من البشر جمعتهم‬
‫وحدة اللغة ووحدة الرض‪ ،‬ووحدة المصالح‪ ،‬فتلك هي الروابط التي‬
‫)( طبقات ابن سعد )‪ ،(47-1/39‬البداية والنهاية )‪ (149-7/144‬الخلفاء‬ ‫‪1‬‬

‫الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫)( مجموع الفتاوى )‪.(13/20‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( كيف نكتب التاريخ السلمي؟ محمد قطب‪ ،‬ص ‪.100‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪246‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تربط البشر في الجاهلية‪ ،‬فإن تكونت منهم أمة فهي أمة جاهلية‪،‬‬
‫أما المة بمعناها الرباني‪ ،‬فهي المة التي تربط بينها رابطة العقيدة‪،‬‬
‫بصرف النظر عن اللغة والجنس واللون‪ ،‬ومصالح الرض القريبة‪،‬‬
‫وهذه لم تتحقق في التاريخ وحده كما تحققت في المة السلمية‪،‬‬
‫فالمة السلمية هي أمة ل تقوم على عصبية الرض ول الجنس ول‬
‫اللون ول المصالح الرضية‪ ،‬إنما هو رباط العقيدة‪ ،‬يربط بين العربي‬
‫والحبشي والرومي والفارسي‪ ،‬يربط بين أهل البلد المفتوحة والمة‬
‫الفاتحة على أساس الخوة الكاملة في الدين‪ ،‬ولئن كان معنى المة‬
‫قد حققته هذه المة أطول فترة عرفتها الرض‪ ،‬فقد كانت فترة‬
‫فيها معاني السلم كلها‪ ،‬بما فيها‬ ‫صدر السلم أزهى فترة تحققت‬
‫معنى المة على نحو غير مسبوق)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬أنه مجتمع أخلقي يقوم على قاعدة أخلقية واضحة مستمدة‬
‫من أوامر الدين وتوجيهاته‪ ،‬وهي قاعدة ل تشمل علقات الجنسين‬
‫وحدها‪ ،‬وإن كانت هذه من أبرز سمات هذا المجتمع؛ فهو خال من‬
‫التبرج ومن فوضى الختلط‪ ،‬وخال من كل ما يخدش الحياء من‬
‫فعل أو قول أو إشارة‪ ،‬وخال من الفاحشة إل القليل الذي ل يخلو‬
‫منه مجتمع على الطلق‪ ،‬ولكن القاعدة الخلقية أوسع بكثير من‬
‫علقات الجنسين؛ فهي تشمل السياسة والقتصاد والجتماع والفكر‬
‫والتعبير‪ ،‬فالحكم قائم على أخلقيات السلم‪ ،‬وعلقات الناس في‬
‫والخلص والتعاون والحب‪ ،‬ل‬ ‫المجتمع قائمة على الصدق والمانة‬
‫غمز ول لمز ول نميمة ول قذف للعراض)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬أنه مجتمع جاد‪ ،‬مشغول بمعالي المور ل بسفاسفها‪ ،‬وليس‬
‫الجد بالضرورة عبوسا وصرامة‪ ،‬ولكنه روح تبعث الهمة في الناس‬
‫وتحث على النشاط والعمل والحركة‪ ،‬كما أن اهتماماته أعلى وأبعد‬
‫من واقع الحس القريب‪ ،‬وليست فيه سمات المجتمع الفارغة‬
‫البيوت وفي الطرقات‪ ،‬تبحث عن وسيلة‬ ‫المترهلة التي تتسكع في‬
‫لقتل الوقت من شدة الفراغ)‪.(3‬‬
‫‪ -5‬أنه مجتمع مجند للعمل في كل اتجاه تلمس فيه روح الجندية‬
‫واضحة‪ ،‬ل في القتال في سبيل الله فحسب ‪-‬وإن كان القتال في‬
‫سبيل الله قد شغل حيزا كبيرا في حياة هذا المجتمع‪ -‬ولكن في‬
‫جميع التجاهات؛ فالكل متأهب للعمل في اللحظة التي يطلب منه‬
‫فيها العمل‪ ،‬ومن ثم لم يكن في حاجة إلى تعبئة عسكرية ول مدنية‪،‬‬
‫فهو معبأ من تلقاء نفسه بدافع العقيدة وبتأثير شحنها الدافعة لبذل‬
‫النشاط في كل اتجاه)‪.(4‬‬
‫‪ -6‬أنه مجتمع متعبد تلمس فيه روح العبادة واضحة في تصرفاته‪،‬‬
‫ليس فقط في أداء الفرائض والتطوع بالنوافل ابتغاء مرضات الله‪،‬‬
‫ولكن في أداء العمال جميعا؛ فالعمل في حسه عبادة‪ ،‬يؤديه بروح‬
‫العبادة‪ ،‬الحاكم يسوس رعيته بروح العبادة‪ ،‬والمعلم الذي يعلم‬
‫القرآن ويفقه الناس في الدين ي ُعَّلم بروح العبادة‪ ،‬والتاجر الذي‬
‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3، 2،‬كيف نكتب التاريخ السلمي؟‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫‪247‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يراعى الله في بيعه وشرائه يفعل ذلك بروح العبادة‪ ،‬والزوج يرعى‬
‫بيته بروح العبادة‪ ،‬والزوجة ترعى بيتها بروح العبادة‪ ،‬تحقيقا لتوجيه‬
‫رسول الله ×‪» :‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته« )‪.(1‬‬
‫هذه من أهم سمات عصر الصديق وعهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬إل‬
‫أن تلك السمات كانت أقوى كلما اقتربنا من عهد النبوة‪ ،‬وتضعف‬
‫كلما ابتعدنا عن عصر النبوة‪ .‬وهذه السمات جعلته مجتمعا مسلما‬
‫في أعلى آفاقه‪ ،‬وهي التي جعلت هذه الفترة المثالية في تاريخ‬
‫السلم‪ ،‬كما أنها هي التي ساعدت في نشر هذا الدين بالسرعة‬
‫العجيبة التي انتشرت بها؛ فحركة الفتح ذاتها من أسرع حركات‬
‫الفتح في التاريخ كله‪ ،‬بحيث شملت في أقل من خمسين عاما أرضا‬
‫تمتد من المحيط غربا إلى الهند شرقا‪ ،‬وهي ظاهرة في ذاتها‬
‫تستحق التسجيل والبراز‪ ،‬وكذلك دخول الناس في السلم في‬
‫البلد المفتوحة بل قهر ول ضغط‪ ،‬وقد كانت تلك السمات التي‬
‫اشتمل عليها المجتمع المسلم هي الرصيد الحقيقي لهذه الظاهرة؛‬
‫فقد‬
‫أحب الناس السلم لما رأوه مطبقا على هذه الصورة العجيبة‬
‫الوضاءة‪ ،‬فأحبوا أن يكونوا من بين معتنقيه)‪.(2‬‬
‫إن دراسة هذه الفترة من التاريخ ينبغي أن تترك انطباعا ل‬
‫يمحى في نفس الدارس؛ انطباعا بأن السلم دين واقعي قابل‬
‫للتطبيق في عالم الواقع بكل مثالياته‪ ،‬فهي ليست مثاليات معلقة‬
‫في الفضاء لمجرد التأمل أو التمني‪ ،‬ولكنها مثاليات واقعية في‬
‫متناول التطبيق إذا حاولها الناس بالجدية الواجبة وأعطوها حقها من‬
‫عا بأن ما حدث مرة يمكن أن يحدث مرة أخرى؛ لن‬ ‫الجهد‪ ،‬ثم انطبا ً‬
‫البشر هم البشر‪ ،‬وقد استطاع البشر دائما أن يحاولوا الصعود مرة‬
‫أخرى وسيصعدون حين يعزمون‪ ,‬وسينالون على ذلك النصر‬
‫مُلوا‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه اَل ّ ِ‬ ‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫والتمكين‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬‬
‫ن‬
‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫ت‬
‫ْ َ‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ه ْ ِ‬‫م‬ ‫فن ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫ت‬
‫ْ َ َ‬‫ر‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫من ْ ِ ِ ْ َ ُ َ َ ّ ُ ْ ِ َ َ ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ن‬‫دي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫ن ِبي‬ ‫ركو َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫نا‬‫ً‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬
‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫َ ِ‬
‫ن" ]النور‪.[55 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ك َ‬ ‫عدَ ذَل ِ‬ ‫فَر ب َ ْ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫َ‬
‫ومن المور التي تساعد المسلمين على العودة إلى الخلفة‬
‫الراشدة معرفة العوامل والسباب التي أدت إلى زوالها‪ ،‬لكي نعمل‬
‫على اجتنابها والخذ بالسباب التي جعلها الله سببا في إكرام المة‬
‫بها‪ ،‬ولذلك نريد أن نفصل في أسباب فتنة مقتل عثمان لهميتها‪،‬‬
‫وإليك أهم هذه السباب‪:‬‬
‫ل‪ :‬الرخاء وأثره في المجتمع‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫كان رسول الله × يرى ما يعانيه أصحابه من شظف العيش‬
‫وفقر الحال‪ ،‬فكان يصبرهم‪ ،‬ثم يخبرهم أن هذا الحال الذي هم عليه‬
‫لن يدوم طويل‪ ،‬حتى تفتح عليهم خزائن الدنيا وخيراتها‪ ،‬وحذرهم من‬
‫‪1‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪248‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وما يمكن‬ ‫الشتغال بذلك عن العمل الصالح والجهاد في سبيل الله‪،‬‬
‫أن يجره ذلك عليهم من التقاتل على الدنيا ومتاعها الزائل‪ (1).‬وقد‬
‫فقه عمر بن الخطاب هذا التحذير فكان من سياسته حماية‬
‫المسلمين من غوائل فتنة المال وزخارف الدنيا‪ ،‬فاجتهد في منع‬
‫المسلمين من التوسع في بلد العجم‪ ،‬ولول ظهور مصلحة أخرى‬
‫راجحة في توسعهم لبقى المنع قائما‪ ،‬إل أن هذا التراجع من عمر لم‬
‫يشمل كبار الصحابة والمهاجرين والنصار‪ ،‬الذين كانوا بالمدينة إذ‬
‫بقى المنع في حقهم‪ (2).‬ول شك أن الذي فعله عمر كان يدل على‬
‫إحساسه وخوفه من انتشار المسلمين في أرض تزخر بألوان‬
‫الخيرات والرزاق فتستولي الدنيا على قلوبهم وتفسد عليهم‬
‫آخرتهم‪ (3).‬فلما جاء عهد عثمان وتوسعت الفتوحات شرقا وغربا‪،‬‬
‫وبدأت الموال تتقاطر على بيت المال من الغنائم والسلب‪,‬‬
‫وامتلت أيدي الناس بالخيرات والرزاق)‪ ،(4‬وغني عن الشارة أن‬
‫النعم والخيرات وتلك الواردات من الفتوح سيكون لها أثرها على‬
‫المجتمع؛ إذ تجلب الرخاء وما يترتب عليه من انشغال الناس بالدنيا‬
‫والفتتان بها‪ ،‬كما أنها مادة للتنافس والبغضاء‪ ،‬خاصة بين أولئك‬
‫الذين لم يصقل اليمان نفوسهم‪ ،‬ولم تهذبهم التقوى من أعراب‬
‫البادية وجفاتها‪ ،‬ومن مسلمة الفتوحات وأبناء المم المترفة الدخلء‬
‫في السلم الذين جروا شوطا بعيدا في زخارف الدنيا وبهجتها‪،‬‬
‫واتخذوها غاية يتنافسون فيها‪ .‬وقد أدرك عثمان هذه الظاهرة وأنذر‬
‫بما سيؤول إليه أمر المة من التبدل والتغير في كتابه الموجه إلى‬
‫الرعية‪» :‬فإن أمر هذه المة صائر إلى البتداع بعد اجتماع ثلثة‬
‫النعم‪(5،‬وبلوغ أولدكم من السبايا‪ ،‬وقراءة العراب‬
‫)‬
‫فيكم‪ :‬تكامل‬
‫والعاجم للقرآن«‪.‬‬
‫أما تكامل النعم فيتحدث الحسن البصري ‪-‬وهو شاهد عيان‪ -‬عن‬
‫حالة المجتمع‪ ،‬ووفور الخيرات وإدرار الموال‪ ،‬وما آل إليه أمر‬
‫الناس من البطر وعدم الشكر‪ ،‬فيقول‪ :‬أدركت عثمان على ما نقموا‬
‫عليه‪ ،‬قلما يأتي على الناس يوم إل وهم يقتسمون فيه خيرا‪ ,‬يقال‬
‫لهم‪ :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافرة‪ ،‬ثم‬
‫يقال لهم‪ :‬اغدوا على السمن والعسل‪ .‬العطيات جارية‪ ،‬والرزاق‬
‫داّرة‪ ،‬والعدو متقى‪ ،‬وذات البين حسن‪ ،‬والخير كثير‪ ...‬والخرى كان‬
‫السيف مغمدا على أهل السلم فسلوه على أنفسهم‪ ،‬فوالله ما زال‬
‫مسلول إلى)‪(6‬يوم الناس هذا‪ ،‬وأيم الله‪ ،‬إني لراه سيفا مسلول إلى‬
‫يوم القيامة ‪.‬‬
‫وأما بلوغ أولد المسلمين من السبايا فيتمثل فيما آل إليه أمر‬
‫فاضت‬ ‫هؤلء من الدعة والترف‪ ،‬وكان أول منكر ظهر بالمدينة حين‬
‫الدنيا وانتهى وسع الناس لطيران الحمام والرمي على الجلهقات)‪،(7‬‬

‫أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.559‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.565‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.565‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (2‬تاريخ الطبري )‪.(5/245‬‬ ‫أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.566‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫)‪ (4‬قوس البندق الذي يرمى به‪.‬‬ ‫)( البداية والنهاية )‪.(7/224‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫‪249‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ضضها‬ ‫عثمان رجل من بني ليث سنة ثمان)‪ (1‬فق ّ‬ ‫فاستعمل عليها‬
‫وكسر الجلهقات‪ (2).‬وحدث بين الناس النشو بتناولهم النبيذ‪ ،‬فأرسل‬
‫عثمان رجل يطوف عليهم بالعصا ليمنعهم من ذلك‪ ،‬وعندما اشتد‬
‫ذلك شكاهم عثمان إلى الناس‪ ،‬فأجمعوا على أن يجلدوا في النبيذ‪،‬‬
‫على شر أو‬ ‫فأخذ نفر منهم فجلدوا‪ ،‬ثم جعل عثمان ل يأخذ أحدا‬
‫شهر سلحا إل نفاه من المدينة‪ ،‬فضج آباؤهم من ذلك‪ (3).‬وقام‬
‫عثمان في المدينة فقال‪» :‬إن الناس تبلغني عنهم هنات وهنات‪،‬‬
‫أل وإني‬ ‫)‪(4‬‬
‫وإني ل أكون أول من فتح بابها ول أدار راحتها )أي الفتنة(‪،‬‬
‫زام نفسي بزمام‪ ,‬وملجمها بلجام‪ ،‬فأقودها بزمامها وأكبعها‬
‫بلجامها‪ ،‬ومنا ولكم طرف الحبل‪ ،‬فمن اتبعني حملته على المر الذي‬
‫يعرف‪ ،‬ومن لم يتبعني فمن خلف منه وعزاء منه‪ ،‬أل وإن لكل نفس‬
‫يوم القيامة سائقا وشهيدا؛ سائق يسوقها على أمر الله وشاهد‬
‫بعملها‪(5،‬فمن كان يريد الله بشيء فليبشر ومن كان يريد‬ ‫يشهد عليها‬
‫الدنيا فقد خسر«‪ ).‬وهكذا لما قام عثمان الرجل التقي والخليفة‬
‫الراشد بواجبه‪ ،‬وكانت إجراءاته تعزيرية تجاه أبناء الغنياء الذين‬
‫بدأوا نوعا من حياة الترف وفساد الخلق‪ ،‬انضم أولئك المنحرفون‬
‫إلى صف الناقمين من الرعاع‪.‬‬
‫وبالنسبة لقراءة العراب والعاجم القرآن‪ ،‬فيظهر في شكل‬
‫واضح في تكوين طبقة في المجتمع المسلم تتعلم القرآن ل رغبة‬
‫في الثواب‪ ،‬وإنما رغبة في الجعل الذي جعله الخليفة تشجيعا‬
‫وتأليفا‪ (6).‬ويجب أن نلحظ أن هذا التغير بدأ أثره يظهر أول على‬
‫أطراف الدولة السلمية‪ ،‬ثم أخذ يزحف إلى عاصمة الخلفة‪ ،‬مما‬
‫دفع عثمان إلى تذكير المسلمين في خطبه بضرورة الحذر من‬
‫التهالك على الدنيا وحطامها‪ ،‬فكان مما قاله في إحدى خطبه‪:‬‬
‫إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الخرة‪ ،‬ولم يعطكموها‬
‫لتركنوا إليها‪ ،‬إن الدنيا تفنى وإن الخرة تبقى‪ ،‬ول تبطرنكم الفانية‬
‫الباقية‪ ..‬واحذروا من الله الغَِير‪ ،‬والزموا جماعتكم‪،‬‬ ‫ول تشغلنكم عن‬
‫ول َ‬ ‫عا‬
‫ِ َ َِ ّ ً َ‬ ‫مي‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫موا‬ ‫ص‬
‫َ َ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫وا‬ ‫‪+‬‬ ‫قرأ‪:‬‬ ‫ثم‬ ‫‪,‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫أحزابا‬ ‫ول تصيروا‬
‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ء‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫ك ُن ْ َت ُ ْم ِ أ َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫فّر ُ‬ ‫تَ َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ُِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫قوا َ َ ُ‬
‫ك‬ ‫ذ‬ ‫وا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫فَر ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫نا‬ ‫ً‬ ‫وا‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫َْ َ ْ ُْ ِ ْ َ َ ِ َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫م‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬‫ق ِ ْ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ُ َ ُ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫ْ‬
‫ْ ّ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م أُ‬ ‫من ْك ُ‬ ‫ول ْت َ ُ‬
‫مُرو َ‬ ‫وي َأ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫خي ْ ْ ِ‬ ‫ن إ ِلى ال َ‬ ‫عو ُ َ‬ ‫ة ي َدْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫كن‬ ‫َ‬ ‫ن‪‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن" ]آل‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫رو‬ ‫ِبا َ ُ‬
‫ع‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫عمران‪.[104 ،103 :‬‬
‫وفي مثل هذه الظروف‪ ،‬والخيرات وافرة‪ ،‬فاضت الدنيا على‬
‫الناس بعد أن فتحوا القاليم واطمأنوا فأخذوا‬ ‫المسلمين وتفرغ‬
‫ينقمون على خليفتهم)‪.(8‬‬
‫)‪ (6‬تاريخ الطبري )‪.(5/415‬‬ ‫)( أي في السنة الثامنة من خلفته‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬أي من الكبع‪ ،‬وهو المنع‪.‬‬ ‫تاريخ الطبري )‪.(5/416‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/361‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.392‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫أحداث وأحاديث الفتنة الولى‪ ،‬ص ‪.567‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/362‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪250‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ومن هنا يعلم أثر الرخاء في تحريك الفتنة‪ ،‬ومن هنا أيضا يمكن‬
‫مقالة عثمان ‪ ‬لعبد الرحمن بن ربيعة ‪-‬له صحبة‪ -‬وهو على‬ ‫)‪(1‬‬
‫فهم‬
‫كثيرا‪(2‬منهم البطنة فقصر بهم‪ ،‬ول تقتحم‬‫)‬
‫أبطر‬ ‫قد‬ ‫الرعية‬ ‫إن‬ ‫‪:‬‬ ‫الباب‬
‫ش أن يبتلوا‪.‬‬
‫بالمسلمين فإني خا ٍ‬
‫وفي آخر خطبة لعثمان ‪ ‬وهو يعظ المسلمين بعد أن فتحت‬
‫الدنيا عليهم قال‪:‬‬
‫واحذروا( أحداث‬ ‫أل ل تبطرنكم الفانية ول تشغلنكم عن الباقية‪..‬‬
‫الدهر المغير‪ ،‬والزموا جماعتكم‪ ،‬ول تتفرقوا شيعا وأحزابا)‪. 3‬‬
‫ثانًيا‪ :‬طبيعة التحول الجتماعي في عهد عثمان ‪:‬‬
‫حدثت تغيرات اجتماعية عميقة‪ ،‬ظلت تعمل في صمت وقوة ل‬
‫يلحظها كثير من الناس‪ ،‬حتى ظهرت على ذلك الشكل العنيف‬
‫وبلغت قمة‬ ‫المتفجر بدءا من النصف الثاني من خلفة عثمان‪،‬‬
‫فورانها في التمرد الذي أدى إلى استشهاد عثمان ‪.(4)‬‬
‫لما توسعت الدولة السلمية عبر حركة الفتوح حصل تغير في‬
‫تركيبة المجتمع واختللت في نسيجه؛ لن هذه الدولة بتوسعها‬
‫المكاني والبشري ورثت ما على هذه الرقعة الواسعة من أجناس‪،‬‬
‫وألوان‪ ،‬ولغات‪ ،‬وثقافات‪ ،‬وعادات‪ ،‬ونظم‪ ،‬وأفكار‪ ،‬ومعتقدات‪،‬‬
‫وفنون أدبية وعمرانية‪ ،‬ومظاهر‪ ،‬وظهرت على سطح هذا النسيج‬
‫ألوان مضطربة وخروقات غير منتظمة‪ ،‬ورقع غير منسجمة‪ ،‬مما‬
‫صيرت المجتمع غير متجانس في نسيجه التركيبي وبالذات في‬
‫المصار الكبرى‪ ،‬بمواقعها وأهميتها‪ ،‬تدفع بجيوش الفتوح وتستقبلها‬
‫وهي عائدة‪ ،‬وقد نقص عددها بالموت والقتل‪ ،‬وتستقبل بدل عنهم أو‬
‫أكثر منهم أعدادا وفيرة من أبناء المناطق المفتوحة‪ ،‬فرس‪ ،‬وترك‪،‬‬
‫وكان( أكثرهم من الفرس أو من النصارى‬ ‫وروم‪ ،‬وقبط‪ ،‬وكرد‪ ،‬وبربر‪،‬‬
‫العرب أو غيرهم أو من اليهود‪ 5).‬وأكثر سكان هذه المصار الكبيرة‬
‫هم ممن شاركوا في حركة الفتح السلمي ثم استقروا في هذه‬
‫المصار‪ ،‬وكان أغلب هؤلء من القبائل العربية من جنوبها وشمالها‬
‫وشرقها‪ ،‬والذين لم يكونوا ‪ -‬عادة ‪ -‬من الصحابة‪ ،‬وبمعنى أدق ليسوا‬
‫ممن تلقوا التربية الكافية على يد رسول الله ×‪ ,‬أو على أيدي‬
‫الجيل الول من الصحابة؛ إما لنشغالهم بالفتوح أو لقلة الصحابة‪.‬‬
‫وقد حصلت تغيرات في نسيج المجتمع البشري المكون من جيل‬
‫السابقين وسكان البلد المفتوحة‪ ،‬والعراب ومن سبقت لهم ردة‪،‬‬
‫واليهود والنصارى‪ ،‬وفي تكوين نسيج المجتمع الثقافي‪ ،‬وفي بسطة‬
‫المجتمع‪ ،‬وفي ظهور لون جديد من النحرافات‪ ،‬وفي قبول‬ ‫عيش‬
‫الشائعات)‪.(6‬‬

‫)( المقصود بالباب منطقة في جهات أذربيجان تسمى الدر البند‪ ،‬معجم البلدان‬ ‫‪1‬‬

‫)‪.(1/303‬‬
‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/361‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(1/362‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الدولة الموية المفترى عليها‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.379‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬
‫)( المصدر نفسه‪،‬ـ ص ‪.380‬‬

‫‪251‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -1‬المتغيرات في نسيج المجتمع البشري‪:‬‬
‫أ‪ -‬لقد تكون هذا النسيج من قطاعات عدة‪:‬‬
‫قطاع السبقين ممن بقى من الصحابة ومن الذين نالوا قسطا‬
‫من رعاية الصحابة‪ ،‬ولكن هذا القطاع وذاك ظل يتناقص إما عن‬
‫طريق الموت والقتل في ميادين الفتوح‪ ،‬وإما عن طريق تفرقهم‬
‫في المصار‪ ،‬مما جعلهم أقل حضورا‪ ،‬وكانوا موزعين في البلدان‬
‫المفتوحة والمصار الكبيرة المستحدثة كالبصرة‪ ,‬والكوفة‪ ،‬والشام‪،‬‬
‫وبعضهم في الجزيرة العربية يخرجون منها ثم يعودون إليها‬ ‫ومصر‪،‬‬
‫مرة أخرى)‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬سكان المناطق المفتوحة‪ :‬وكانوا يشكلون الكثرية‬
‫بالنسبة للقادمين إليهم مع حركة الفتوح؛ فقد ظل القادمون قلة وإن‬
‫كان لهم حضور فعلي في إدارة البلد أو التأثير السلوكي والخلقي‬
‫والفكري واللغوي‪ ،‬إل أنهم رغم ذلك يعتبرون قلة‪ ،‬وظل هذا القطاع‬
‫‪-‬قطاع سكان المناطق المفتوحة‪ -‬مقتصرا في استقراره غالبا على‬
‫مناطقهم‪ ،‬ومع هذا فقد تنقل بعضهم في المناطق الخرى من بلدان‬
‫الدولة السلمية؛ بل استقر بعضهم في المصار الكبيرة وفي‬
‫عاصمة الدولة أيضا‪ ،‬إما على شكل ما عرف بالسبي‪ ،‬أي يستقرون‬
‫تابعين لمواليهم‪ ،‬وإما على شكل تنقل تجاري ومعارفي وإداري؛‬
‫يوجد قانون يمنعهم من ذلك‪ ،‬إن لم يكونوا يلقون التشجيع‬ ‫حيث ل‬
‫والدعم‪ (2).‬وقد كان العاجم الذين جاءوا من البلد المفتوحة من‬
‫أسرع الناس إلى الفتنة‪ ،‬ذلكم لن أغلب العاجم من المم‬
‫الموتورة‪ ،‬والشعوب المقهورة‪ ،‬فتكثر مسارعتهم للفتن لسباب‬
‫كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* جهلهم وحداثة عهد أكثرهم بالكفر‪ ،‬والملك والعز الذي كانوا‬
‫سلبوه‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬ثم ُ‬
‫* قلة فقههم في الدين‪ ،‬بسبب العجمة وغيرها‪.‬‬
‫* العصبية وكراهية العرب‪.‬‬
‫* أن طوائف منهم دخلت السلم ظاهرا وخوفا من السيف أو‬
‫الجزية‪ ،‬وأضمروا للسلم والمسلمين الشر والكيد‪ ،‬فيسارعون إلى‬
‫كل فتنة‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫* طمع أهل الهواء فيهم للسباب المذكورة وتحريضهم لهم ‪.‬‬
‫عرفوا بأنهم من سكان البادية‪:‬‬ ‫ج‪ -‬أولئك العراب ُ‬
‫ومنهم الكافر‬ ‫وهم مثل بقية الناس منهم المسلم التقي‬
‫ب أَ َ‬
‫شد ّ ك ُ ْ‬
‫فًرا‬ ‫عَرا ُ‬
‫‪+‬ال ْ‬ ‫والمنافق‪َ ،‬إل أنهمَ كما قال الله عنهم‪:‬‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬‫عَلى َر ُ‬ ‫ه َ‬‫ل الل ُ‬‫ما أ َن َْز َ‬‫دودَ َ‬
‫ح ُ‬
‫موا ُ‬‫عل َ ُ‬
‫جدَُر أل ّ ي َ ْ‬‫وأ ْ‬‫قا َ‬‫فا ً‬‫ون ِ َ‬
‫َ‬
‫م" ]التوبة‪[97 :‬؛ وذلك لنهم أقسى قلوبا وأغلظ‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ه َ‬ ‫والل ُ‬ ‫َ‬
‫)‪ (3 ، ،1‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.380‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دراساتـ في عهد النبوة والخلفةـ الراشدة‪،‬ـ ص ‪.380‬‬

‫)( دراسات في الهواء والفرق والبدع‪ ،‬ناصر العقل‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪252‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫طبعا وأجفى قول‪ ،‬ولصفاتهم هذه فهم جديرون وأخلق بهم أن ل‬
‫يعلموا حدود ما أنزل الله من الشرائع والحكام والجهاد)‪(1‬؛ فهم من‬
‫أسرع الناس في الفتن ولمسارعتهم فيها أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* قلة فقههم في الدين‪.‬‬
‫* سرعة اغترار الواحد منهم بما يتعلمه من القرآن‪ ،‬فيظن أنه‬
‫صار عالما بقليل من العلم‪.‬‬
‫* جفاؤهم للعلماء‪ ،‬وترك التلقي عنهم والقتداء بهم‪.‬‬
‫* تمكن العصبية القبلية من نفوسهم‪.‬‬
‫* تغرير أهل المطامع بهم‪ ،‬واستغلل سذاجتهم وجهلهم‪.‬‬
‫* حدة طباعهم ونفورهم من المدنية والخلطة‪ ،‬وإساءة الظن‬
‫بالخرين ممن ل يعرفونهم‪ ،‬وهذا من طباع العراب في كل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫تشددهم في)‪(2‬الدين‪ ،‬وتنطعهم بل علم‪ ،‬لذلك صار غالب الخوارج‬ ‫*‬
‫من هذا الصنف ‪.‬‬
‫وخرج من هؤلء العراب رجال عرفوا )بالقراء( وقد اختلف‬
‫مفهوم )القراء( هذا عن منطوقه‪ ,‬فالمنطوق يقصد به جماعة ممن‬
‫تخصصوا بقراءة القرآن‪ ،‬إل أن المفهوم ومن خلل الواقع أنتج‬
‫دللت أخرى‪ ،‬فمنهم من كان على طريقة الخوارج‪ ،‬يفهمون القرآن‬
‫كان‪(3‬زاهدا ل يفقه حقيقة ما يقرأ ولم‬ ‫بطريقتهم الخاصة‪ ،‬ومنهم من‬
‫يستطع التأقلم مع واقع المجتمع‪ ).‬وهؤلء القراء الجهلة يسارعون‬
‫للفتن وذلك لسباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* الشدة في نزعة التدين عندهم مع قلة الفقه في الدين‪ ،‬مما‬
‫يورث غيرة على الدين بغير علم ول بصيرة‪ ،‬فتجرفهم الهواء‬
‫والعواطف باسم الغيرة على الدين‪ ,‬دون نظر في العواقب ول فقه‬
‫لقواعد الشرع كدرء المفاسد‪ ،‬وجلب المصالح‪.‬‬
‫* الغترار بما يحصله الواحد منهم من اليات والحاديث دون فقه‬
‫ول بصيرة‪ ،‬فيتوهم أنه صار من أهل العلم الذين ُيحّلون ويعقدون في‬
‫مصالح المسلمين‪.‬‬
‫* تعاليهم على العلماء والئمة‪ ،‬وظنهم أنهم وصلوا درجة‬
‫الستغناء عنهم وعن فقههم وعلمهم‪ ،‬تحت شعار )هم رجال ونحن‬
‫رجال(‪.‬‬
‫* اتخاذهم رؤساء جهال من بينهم دون العلماء والئمة‪ .‬لن أهل‬
‫الهواء ورؤوس البدع والفتن ‪-‬وغالبهم من الدهاة‪ -‬يفزعون إلى‬
‫القراء فيغوونهم‪ ،‬ويستدرجونهم‪ ،‬ويستغلون نزعة التدين فيهم‪،‬‬
‫)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪ ،380‬نقل عن الشوكاني‪ ،‬فتح‬ ‫‪1‬‬

‫القدير )‪.(397-2/395‬‬
‫)( دراسات في الهواء والفرق والبدع‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.381‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪253‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ويستثيرون غيرتهم بل بصيرة‪.‬‬
‫* جهلهم بقواعد الستدلل وأحكام الفتن)‪.(1‬‬
‫د‪ -‬وفصيل أو قطاع آخر في نسيج المجتمع السلمي‬
‫وهو ممن سبقت لهم ردة‪ :‬وكانت حياتهم في السلم قصيرة‬
‫وانتماؤهم إليه ضرورة‪ ،‬ول ننفي أن منهم من زكى وصلح وكان من‬
‫الفضلء إل أن منهم من لم يتذوق حلوة السلم‪ ،‬فظل ‪-‬رغم‬
‫انتسابه للسلم‪ -‬يعيش بعقليته السابقة ونفسيته التي عاشها قبل‬
‫السلم‪ ،‬العقلية القبلية‪ ،‬تناوشه العصبيات‪ ،‬وكأن السلم لم يدخل‬
‫ما‪ (2‬يعرفونه من إسلم وما‬ ‫فيهم‪ ,‬أو أنهم ظنوا عدم التناقض بين‬
‫يتعاملون به في الواقع من دوافع قبلية) ‪.‬‬
‫لقد شكلت طوائف من المرتدين عنصرا أسهم في تهيئة أجواء‬
‫الفتنة‪ ،‬والمرتدون كانوا على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‪،‬‬
‫ولكن الشيء الجديد هو اختلف سياسة عثمان ‪ ‬عن الخليفتين‬
‫قبله تجاههم؛ فأبو بكر ‪ ‬يكتب إلى عماله‪ :‬أل يستعينوا بمرتد في‬
‫جهاد العدو‪ ،‬ويؤكد على خالد بن الوليد‪ ،‬وعياض بن غنم أل يغزو‬
‫معهما أحد قد ارتد حتى يرى رأيه فيهم‪ ،‬فلم تشهد أيامه)‪ (3‬مرتدا‪.‬‬
‫ويقول الشعبي‪ :‬كان أبو بكر ل يستعين في حروبه بأحد من أهل‬
‫الردة حتى مات‪ (4).‬ولذلك كان بعض من ارتد وحسن إسلمه بعد‬
‫ذلك يستحيون من مواجهة أبي بكر‪ ،‬فطليحة بن خويلد مثل يذهب‬
‫إلى مكة معتمرا وما استطاع مقابلة أبي بكر حتى مات‪ (5).‬وفي‬
‫خلفة عمر ‪ ‬تخف هذه السياسة تجاه المرتدين‪ ،‬فيندب أهل الردة‬
‫ليرمي بهم الشام والعراق)‪ ،(6‬وقد كان في مسيرة جيش سعد بن‬
‫أبي وقاص في القادسية قيس بن مكشوح المرادي‪ ،‬وعمرو بن معد‬
‫يكرب كان يحمس الناس ويحرك مشاعرهم‪ ،‬وهذا كله كان بعد أن‬
‫أذن عمر لهل الردة في الغزو‪ (7).‬ولكن هذا التجاوز عن سياسة أبي‬
‫بكر عند عمر يصحبه نوع من الحذر والحيطة‪ ،‬ول ينفك عن الضوابط‬
‫والشروط المقيدة؛ فأهل الردة ل يولون على مائة‪ ،‬ولهذا اضطر‬
‫سعد أن يبعث قيس بن المكشوح في سبعين رجل فقط في أثر‬
‫العاجم‪ ،‬ثاروا بهم في ليلة الهرير‪ (8).‬ويأتي عثمان ‪ ‬فيتجاوز‬
‫سياسة التقييد التي فرضها الخليفتان قبله تجاه المرتدين‪ ،‬ويرى أن‬
‫عامل الزمن الذي مضى على عهد الردة كاف لن يتخلص من كان‬
‫قد ارتد من رواسبها‪ ،‬ويجتهد عثمان فيستعمل أهل الردة استصلحا‬
‫لهم‪ ،‬فلم يصلحهم ذلك‪ ،‬بل زادهم فسادا وجعل قائلهم يتمثل‬
‫قول القائل‪:‬‬
‫)( دراسات في الهواء والفرق والبدع‪ ،‬ص ‪.163‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.381‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‪ ،‬سليمان العودة‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(6/347‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( التاريخ السلمي )‪.(9/59‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (5 ,‬عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫)(عبد اللهـ بن سبأـ وأثره في أحداثـ الفتنة‪ ،‬ص ‪.156‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(4/382‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪254‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫وكنت وعمرا كال ْ ُ‬


‫)‪(1‬‬
‫فخدشه أنيابه وأظافره‬ ‫من كلبه‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫وكانت من نتائج استعمال عثمان لهل الردة في الكوفة أن تبدل‬
‫أهلها وأصيب قائدهم عبد الرحمن بن ربيعة في غزوة للترك‪ ،‬وهو‬
‫ويقولون‪ :‬ما اجترأ‬
‫)‪(2‬‬
‫فَرُقون منه‪،‬‬‫الذي كان يقاتلهم في عهد عمر في َ ْ‬
‫علينا هذا الرجل إل ومعه ملئكة تمنعه من الموت‪ .‬وتظهر الثار‬
‫بشكل واضح في الفتنة التي انتهت بقتل عثمان‪ ،‬وذلك حينما نجد‬
‫في أسماء المتهمين في دم عثمان رجال ينتسبون إلى قبائل كانت‬
‫حمران السكوني‪ ،‬وقتيرة بن‬ ‫في عداد المرتدين‪ ،‬أمثال‪ :‬سودان بن‬
‫فلن السكوني‪ ،‬وحكيم بن جبلة العبدي)‪.(3‬‬
‫هـ‪ -‬اليهود والنصارى‪:‬‬
‫وكان بعضهم ‪-‬وهو كثير‪ -‬قد خرج أو أخرج من جزيرة العرب‬
‫فاستقروا في المصار الكبيرة‪ ،‬ومنها الكوفة والبصرة‪ ،‬وكان اليهود‬
‫خاصة ‪-‬حسب طبعهم‪ -‬ظلوا في تلك المصار المطلة على ميادين‬
‫الفتوح يمارسون مهنتهم المشهورة المزدوجة‪ ,‬السيطرة المالية‬
‫بوسائلهم المختلفة‪ ،‬والتآمر على قطع اليد التي تمد لهم المساعدة‪.‬‬
‫)‪ (4‬وسيأتي الحديث عن دور اليهود بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تكوينات نسيج المجتمع الثقافي‪:‬‬
‫فإلى جوار هذا الخليط البشري كان هناك خليط آخر ل يقل‬
‫خطره ‪ -‬إن لم يفق الخليط البشري‪ -‬أل وهو الخليط الثقافي؛ حيث‬
‫تدفقت الثقافات والفكار والنظم والعقائد مع تلك العداد البشرية‬
‫التي انضمت إلى محتويات المجتمع السلمي‪ ،‬فصارت تشكل حمل‬
‫ضخما على عاتقه‪ ،‬ومما زاد الطين بلة أنه بالرغم من اندماج‬
‫المسلمين في نسيج البلدان المفتوحة؛ حيث عاشوا في أوساطهم‬
‫وتزوجوا منهم‪ ،‬وتعلموا لغاتهم‪ ،‬ولبسوا ملبسهم‪ ،‬ومارسوا عاداتهم‪،‬‬
‫تأثيرهم في أهل البلد المفتوح‬ ‫إل أنه بالرغم من ذلك فقد كان‬
‫محدودا في هذه الفترة المبكرة‪ (5).‬فلم ينل أهالي هذه البلد‬
‫المفتوحة حظا وافرا من التربية‪ ،‬ولم تتشبع بروح السلم كما هو‬
‫حال الصحابة من المهاجرين والنصار‪ ،‬وكذلك القبائل العربية التي‬
‫اختلطت بأهالي البلد المفتوحة‪ .‬وإذا كان السلم قد تمكن من صهر‬
‫هذه القبائل المختلفة في بوتقة لفترة معينة‪ ،‬إل أنه مما يجب أن‬
‫يوضع في الحسبان أن عملية التعليم والتربية التي كانت تقودها‬
‫القاعدة الصلبة من المهاجرين والنصار لم تكن قادرة على استيعاب‬
‫هذه الفواج الكبيرة واحتوائها؛ فالموالي لم يتخلصوا من كل الفكار‬
‫والعادات التي كانوا عليها في جاهليتهم‪ ،‬ويرجع ذلك إلى عدم‬
‫التوازن بين حركة التوسع الفقي في فتح البلدان وبين التوسع‬
‫الرأسي في تعليم الناس وتفقيههم في كتاب الله وسنة رسوله ×‪،‬‬

‫‪ () 1‬عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‪ ،‬ص ‪.157‬‬


‫‪ () 2‬تاريخ الطبري )‪.(5/146‬‬
‫‪ ()3‬عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪ () 4‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.381‬‬
‫‪ () 5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.381‬‬

‫‪255‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫على أن حركة الجهاد ل بد أن يصحبها ويتبعها الدعاة والمعلمون‬
‫ليفقهوا الناس في دينهم؛ حتى ل يختل ميزان التربية‪ ،‬وتحدث‬
‫الخلخلة في الصف السلمي‪ ،‬وتتوسع الفجوة بين الفاتحين وسكان‬
‫سلبية تؤثر في‬ ‫الراضي المفتوحة‪ ،‬مما يتسبب في حدوث ظواهر‬
‫تماسك الصف السلمي ووحدته السياسية والفكرية‪ (1).‬ولم يكن‬
‫يمكن تفادي هذا الجانب السلبي رغم وجود البذل والحماس في‬
‫ميدان التعليم والتربية السلمية؛ حيث كان التوسع في الرض‬
‫سريعا وواسعا‪ ،‬فقد فتحت العراق وما وراءها وبلد الشام في‬
‫سنوات قليلة معدودة‪ ،‬فلم يكن في مقدرة الطاقة البشرية في‬
‫ميدان التربية والتعليم استيعاب العداد الهائلة من سكان تلك‬
‫المناطق وتعليمها‪ (2).‬ومن أسباب ذلك‪ :‬أن الصحابة الذين كان من‬
‫المفروض أن يقوموا بهذه المانة قد قتل معظمهم في ميادين‬
‫الجهاد‪ ،‬ولم يبق إل أفراد قليلون متفرقون تجمع حولهم المسلمون‬
‫الذين يحبون أن يتعلموا‪ ،‬فظهرت طبقة التابعين‪ ،‬ولن معظمهم‬
‫قتل أيضا منهم من‬ ‫مخلصون فقد كانوا في مقدمة ميادين الجهاد‪ ،‬ف ُ‬
‫ُقتل)‪ ,(3‬كما لم يكن الزمن كافيا لترسيخ التعاليم السلمية في‬
‫نفوس كثير منهم‪ ،‬مما ساعد مع غيره من العوامل على وجود‬
‫خلخلة فكرية وظواهر سلبية دخيلة على النهج السلمي‪ ,‬مما كان له‬
‫استقرار الدولة‪ ،‬وظهر ذلك جليا في السنوات الخيرة‬ ‫الثر في عدم‬
‫من عهد عثمان ‪.(4)‬‬
‫‪ -3‬ظهور جيل جديد‪:‬‬
‫فقد حدث في المجتمع تغير أكبر؛ ذلك أن جيل جديدا من الناس‬
‫ظهر‪ ،‬وأخذ يحتل مكانة في المجتمع‪ ،‬وهو غير جيل الصحابة‪ ،‬جيل‬
‫العصر الذي كانوا يعيشون فيه‪ ،‬ويتصف بما ل‬ ‫يعيش في عصر غير‬
‫يتصفون به؛ فهو جيل)‪ (5‬يعتبر في مجموعه أقل من الجيل الول‬
‫الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها‪ ،‬فقد تميز الجيل‬
‫الول من المسلمين بقوة اليمان والفهم السليم لجوهر العقيدة‬
‫السلمية والستعداد التام لخضاع النفس لنظام السلم المتمثل‬
‫في القرآن والسنة‪ ،‬وكانت هذه الميزات أقل ظهورا في الجيل‬
‫جد نتيجة للفتوحات الواسعة‪ ،‬وظهرت فيه المطامع‬ ‫الجديد الذي وُ ِ‬
‫الفردية‪ ،‬وبعثت فيه العصبية للجناس والقوام‪ ,‬وبعضهم يحملون‬
‫رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها‪ ،‬ولم ينالوا من‬
‫التربية السلمية على العقيدة الصحيحة السليمة مثل ما نال الرعيل‬
‫الله( ×؛ وذلك‬
‫)‪6‬‬
‫الول من الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم‪ -‬على يد رسول‬
‫لكثرتهم وانشغال الفاتحين بالحروب والفتوحات الجديدة‪.‬‬
‫سائر من بعدهم‪ ،‬فإنه كلما تأخر العصر‬ ‫فالصحابة كانوا أقل فتنا من‬
‫عن النبوة كثر التفرق والخلف)‪.(7‬‬
‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/358‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/358‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫اليمن في صدر السلم للشجاع‪ ،‬ص ‪.334‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/359‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الدولة الموية‪ ،‬يوسف العش‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة )‪.(1/356‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫ذو النورين‪ ..‬عثمان بن عفان‪ ،‬محمد مال الله‪ ،‬ص ‪.99‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪256‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫كان الجيل الجديد ل يرضى بالواقع الذي كان يتسم به جيل الذين‬
‫سبقوه‪ ،‬فقد اعتاد على غير ما اعتادوا عليه‪ ،‬فتكونت عقلية جديدة‬
‫ومفهوم جديد للحياة‪ ،‬وهو مفهوم قد ابتعد عن العقلية التي كانت‬
‫سائدة في عصر الراشدين الولين‪ ،‬فأصبح )ل‪(1‬يفهم تلك العقلية ول‬
‫يستطيع تشربها‪ ،‬ول يسعه أن يذعن لحكمها ‪ ،‬ولذلك انضم‬
‫المنحرفون من الجيل الجديد لدعاة الفتنة‪.‬‬
‫‪ -4‬استعداد المجتمع لقبول الشائعات‪:‬‬
‫وهكذا ندرك من خلل هذا الخليط غير المتجانس في نسيج‬
‫المجتمع أنه صار مهيأ للهزات‪ ،‬مستعدا للضطراب‪ ،‬قابل لتلقي‬
‫الذاعات والقاويل والشائعات)‪ ،(2‬وهذا ما يعبر عنه بوضوح ابن تيمية‬
‫مر‬ ‫ُ‬
‫قائل‪ :‬ولهذا لما كان الناس في زمن أبي بكر وعمر اللذين أ ِ‬
‫المسلمون بالقتداء بهما كما قال رسول الله ×‪» :‬اقتدوا باللذين‬
‫من بعدي أبي بكر وعمر‪ ،«..‬أقرب عهدا بالرسالة وأعظم إيمانا‬
‫وصلحا‪ ،‬وأئمتهم أقوم بالواجب‪ ،‬وأثبت في الطمأنينة لم تقع فتنة؛ إذ‬
‫كانوا في حكم القسط )أي النفوس المطمئنة(‪ ،‬ولما كان في آخر‬
‫ي كثر القسم الثالث )أهل النفس اللوامة‬ ‫خلفة عثمان وخلفة عل ّ‬
‫التي تخلط عمل صالحا وآخر سيئا(‪ ،‬فصار فيهم شهوة وشبهة مع‬
‫اليمان والدين‪ ،‬وصار ذلك في بعض الولة وبعض الرعايا‪ ،‬ثم كثر‬
‫هذا القسم )الذي خلط عمل صالحا وآخر سيئا( بعد‪ ،‬فنشأت الفتنة‬
‫التي سببها ما تقدم من عدم تمحيص التقوى والطاعة في الطرفين‪،‬‬
‫واختلطهما بنوع من الهوى والمعصية في الطرفين‪ ،‬وكل منهم‬
‫متأول وأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬وأنه مع الحق والعدل‪،‬‬
‫ومع هذا التأويل نوع من الهوى‪ ،‬ففيه نوع من الظن‪ ،‬وما تهوى‬
‫)‪(3‬‬
‫النفس‪ ،‬وإن كانت إحدى الطائفتين أولى بالحق من الخرى‪.‬‬
‫ويوضح هذا الواقع بدقة أكثر ذلك الحوار الذي دار بين أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب وأحد أتباعه‪ ،‬قال الرجل‪ :‬ما بال المسلمين‬
‫اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ قال علي‪ :‬لن أبا‬
‫بكر وعمر كانا واليين على مثلي‪ ،‬وأنا اليوم وال على مثلك‪ (4).‬وكان‬
‫أمير المؤمنين عثمان بن عفان مدركا لما يدور في وسط المجتمع؛‬
‫حيث قال في رسالته إلى المراء‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن الرعية قد طعنت‬
‫شره‪ ،‬وأعداها على ذلك ثلث‪ :‬دنيا‬ ‫في النتشار‪ ،‬ونزعت إلى ال ّ‬
‫سرعة‪ ،‬وضغائن محمولة‪ ،‬يوشك أن تنفر فتغير)‪.(5‬‬ ‫م ْ‬
‫مؤثرة‪ ،‬وأهواء ُ‬
‫ثالثـا‪ :‬مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما‪:‬‬
‫كان مجيء عثمان ‪ ‬مباشرة بعد عمر بن الخطاب ‪ ‬واختلف‬
‫الطبع بينهما مؤديا إلى تغير أسلوبهما في معاملة الرعية‪ ،‬فبينما كان‬

‫الدولة الموية‪ ،‬يوسف العش‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.382‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫مجموع فتاوى ابن تيمية )‪.(149 ،28/148‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪257‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عمر قوي الشكيمة‪ ،‬شديد المحاسبة لنفسه‪ ,‬ولمن تحت يديه‪ ،‬كان‬
‫عثمان ألين طبعا وأرق في المعاملة‪ ،‬ولم يكن يأخذ نفسه أو يأخذ‬
‫الناس بما يأخذهم به عمر حتى يقول عثمان نفسه‪ :‬يرحم الله عمر‪،‬‬
‫ومن يطيق ما كان عمر يطيق‪ (1).‬لكن الناس وإن رغبوا في الشوط‬
‫الول من خلفته لنه لن معهم وكان عمر شديدا عليهم‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت محبته مضرب المثل‪ ،‬فقد أنكروا عليه بعد ذلك‪ ،‬ويرجع هذا‬
‫إلى نشأة عثمان في لطفه ولين عريكته ورقة طبعه ودماثة خلقه‪،‬‬
‫مما كان له بعض الثر في مظاهر الفرق عند الحداث بين عهده‬
‫وعهد سلفه عمر بن الخطاب‪ ،‬وقد أدرك عثمان ذلك حين قال‬
‫)‪(2‬‬
‫ي؟ ما جرأكم علي إل حلمي‪.‬‬ ‫لقوام سجنهم‪ :‬أتدرون ما جرأكم عل ّ‬
‫وحين بدت نوايا الخارجين وقد ألزمهم عثمان الحجة في رده على‬
‫المآخذ التي أخذوها عليه أمام المل من الصحابة والناس‪ ،‬أبى‬
‫المسلمون إل قتلهم‪ ،‬وأبى عثمان إل تركهم لحلمه ووداعته قائل‪ :‬بل‬
‫نعفو ونقبل‪ ،‬ولنبصرهم بجهدها‪ ،‬ول نحاد ّ أحدا حتى يركب حدا أو‬
‫)‪(3‬‬
‫يبدي كفرا‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬خروج كبار الصحابة من المدينة‪:‬‬
‫كان عمر ‪ ‬قد حجر على أعلم قريش من المهاجرين الخروج‬
‫في البلدان إل بإذن وأجل‪ ،‬فشكوه فبلغه‪ ،‬فقام فقال‪ :‬أل إني قد‬
‫ن البعير‪ ،‬يبدأ فيكون جذعا‪ ،‬ثم ث َن ِّيا‪ ،‬ثم رباعيا‪ ،‬ثم‬
‫س ّ‬
‫سننت السلم َ‬
‫سداسيا‪ ،‬ثم بازل)‪ ،(4‬إل فهل ينتظر البازل إل النقصان‪ ،‬أل فإن‬
‫السلم قد بزل‪ ،‬أل وإن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات‬
‫دون عباده‪ ،‬أل فأما وابن الخطاب حي فل‪ ،‬إني قائم دون شعب‬
‫الحرة‪ ،‬آخذ بحلقيم)‪ (5‬قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار‪ (6).‬لقد‬
‫كان عمر يخاف على هؤلء الصحابة من انتشارهم في البلد‬
‫المفتوحة وتوسعهم في القطاع والضياع‪ ،‬فكان يأتيه الرجل من‬
‫المهاجرين وهو ممن حبس في المدينة فيستأذنه في الخروج فيجيبه‬
‫عمر‪ :‬لقد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يبلغك‪ ،‬وخير لك من‬
‫الغزو اليوم أل ترى الدنيا ول تراك‪ (7).‬وأما عثمان فقد سمح لهم‬
‫بالخروج ولن معهم‪ .‬يقول الشعبي‪ :‬فلما ولي عثمان خلى عنهم‬
‫فاضطربوا في البلد وانقطع إليهم الناس‪ ،‬فكان أحب إليهم من‬
‫عمر)‪ ،(8‬فكان من نتائج هذا التوسع أن اتخذ رجال من قريش أموال‬
‫في المصار‪ ،‬وانقطع إليهم الناس‪ (9).‬وفي رواية‪ :‬فلما ولي عثمان لم‬
‫يأخذهم بالذي كان يأخذهم عمر فانساحوا في البلد‪ ،‬فلما رأوها‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/418‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/250‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/364‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البازل‪ :‬الذي انشق نابه بدخوله في التاسعة‪ ،‬ص ‪.413‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الحلقيم‪ :‬جمع حلقوم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/413‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه‪.(5/414) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫المصدر نفسه‪.(5/414) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫المصدر نفسه )‪(5/413‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪258‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع إليهم من لم يكن له طول ول مزية‬
‫في السلم‪ ،‬فكان مغموما )مغمورا( في الناس‪ ،‬وصاروا أوزاعا‬
‫إليهم وأملوهم‪ ،‬وتقدموا في ذلك فقالوا‪ :‬يملكون فنكون قد‬
‫عرفناهم‪ ،‬وتقدمنا في‬
‫التقريب والنقطاع إليهم‪ ،‬فكان ذلك أول وهن دخل في السلم‪،‬‬
‫وأول فتنة كانت في العامة ليس إل ذلك)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬العصبية الجاهلية‪:‬‬‫خام ً‬
‫يقول ابن خلدون‪ :‬لما استكمل الفتح واستكمل للملة الملك‪،‬‬
‫ونزل العرب بالمصار في حدود ما بينهم وبين المم من البصرة‬
‫والكوفة والشام ومصر‪ ،‬وكان المختصون بصحبة الرسول ×‬
‫والقتداء بهديه وآدابه المهاجرين والنصار وقريش وأهل الحجاز‪،‬‬
‫ومن ظفر بمثل ذلك من غيرهم‪ ،‬وأما سائر العرب من بني بكر بن‬
‫وائل وعبد القيس وسائر ربيعة والزد وكندة وقضاعة وغيرهم‪ ،‬فلم‬
‫يكونوا في تلك الصحبة بمكان إل قليل منهم‪ ،‬وكانت لهم في‬
‫الفتوحات قدم‪ ،‬فكانوا يرون ذلك لنفسهم مع ما يدين به فضلؤهم‬
‫من تفضيل أهل السابقة ومعرفة حقهم‪ ،‬وما كانوا فيه من الذهول‬
‫والدهش لمر النبوة وتردد الوحي وتنزل الملئكة‪ ،‬فلما انحصر ذلك‬
‫العباب‪ ،‬وتنوسى الحال بعض الشيء‪ ،‬وذل العدو واستفحل الملك‪،‬‬
‫كانت عروق الجاهلية تنبض‪ ،‬ووجدوا الرياسة عليهم من المهاجرين‬
‫والنصار وقريش وسواهم‪ ،‬فأنفت نفوسهم منه‪ ،‬ووافق ذلك أيام‬
‫عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولته بالمصار‪ ،‬والمؤاخذة لهم‬
‫باللحظات والخطوات‪ ،‬والستبطاء عليهم الطاعات‪ ،‬والتجني بسؤال‬
‫الستبداد منهم والعزل‪ ،‬ويفيضون في النكير على عثمان‪ ،‬وفشت‬
‫المقالة في ذلك في أتباعهم‪ ،‬وتناولوا بالظلم في جهاتهم‪ ،‬وانتهت‬
‫الخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة‪ ،‬فارتابوا وأفاضوا في عزل عثمان‬
‫وحمله على عزل أمرائه‪ ،‬وبعث إلى المصار من يأتيه بالخبر‪..‬‬
‫إليه فقالوا‪ :‬ما أنكرنا شيئا ول أنكره أعيان المسلمين ول‬ ‫فرجعوا‬
‫عوامهم)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬توقف الفتوحات‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫حين توقفت الفتوح في أواخر عهد عثمان أمام حواجز طبيعية أو‬
‫بشرية لم تتجاوزها سواء في جهات فارس وشمالي بلد الشام أم‬
‫في جهة أفريقية‪ ،‬توقفت الغنائم على أثرها‪ ،‬فتساءل العراب‪ :‬أين‬
‫ذهبت الغنائم القديمة؟ أين ذهبت الراضي المفتوحة التي يعدونها‬
‫حقا من حقوقهم؟)‪ (3‬وانتشرت الشائعات الباطلة التي اتهمت عثمان‬
‫‪ ‬بأنه تصرف في الراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه‪،‬‬
‫وأنه أقطع منها لمن شاء من الناس‪ ،‬وقد كان لها أثر ووقع على‬
‫العراب؛ خاصة أن معظمهم بقى بدون عمل يقضون شطرا من‬
‫وقتهم في الطعام والنوم‪ ،‬والشطر الخر بالخوض في سياسة‬
‫ولها السبئية‪ .‬وقد‬ ‫الدولة والحديث عن تصرفات عثمان التي كانت ته ّ‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(5/414‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ ابن خلدون )‪.(2/477‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/344‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪259‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أدرك أحد عمال عثمان هذا المر ‪-‬وهو عبد الله بن عامر‪ -‬فأشار‬
‫على الخليفة حيث طلب من عماله ‪-‬وهم وزراؤه ونصحاؤه‪ -‬أن‬
‫يجتهدوا في آرائهم ويشيروا عليه‪ ،‬فأشار عليه أن يأمر الناس بالجهاد‬
‫م أحدهم قمل فروة رأسه‬ ‫في المغازي حتى ل يتعدى ه ّ‬‫)‪(1‬‬
‫ويجمهرهم‬
‫ودبرة دابته‪.‬‬
‫وفي ذلك الجو من الحديث والفكر عند أفراد تعودوا الغزو ولم‬
‫يفقهوا من الدين شيئا كثيرا يمكن أن يتوقع كل سوء‪ ،‬ويكفي أن‬
‫ُيحرك هؤلء العراب وأن ُيوجهوا توجيها‪ ،‬فإذا هم يثورون ويحدثون‬
‫القلقل والفتن‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل؛ فإن العراب بسبب توقف‬
‫الفتوحات‪(2‬ساهموا في بوادر الفتنة الولى‪ ،‬وكانوا سببا من أسباب‬
‫)‬
‫اندلعها‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬المفهوم الخاطئ للورع‪:‬‬
‫الورع في الشريعة طيب؛ وهو أن يترك ما ل بأس به مخافة مما‬
‫فيه بأس‪ .‬وهو في الصل‪ :‬ترفع عن المباحات في الله ولله‪ .‬والورع‬
‫شيء شخصي يصح للنسان أن يطالب به نفسه‪ ،‬ولكن ل يصح أن‬
‫يطالب به الخرين‪ .‬ومن أخطر أنواع الورع‪ :‬الورع الجاهل الذي‬
‫ضا‪ ،‬وهذا الذي وقع فيه أصحاب الفتنة)‪(3‬؛‬ ‫يجعل المباح حراما أو مفرو ً‬
‫فقد استغل أعداء السلم يومها مشاعرهم هذه ونفخوا فيها‪ ،‬فرأوا‬
‫فيما فعله عثمان من المباحات أو المصالح خروجا على السلم‬
‫وتغييرا لسنة من سبقه‪ ،‬وعظمت هذه المسائل في أعين الجهلة‬
‫فاستباحوا أو أعانوا من استباح دم الخليفة الراشد عثمان بن عفان‬
‫‪ ،‬وفتحوا على المسلمين باب الفتنة إلى اليوم‪ .‬وهذا الورع‬
‫الجاهل نلحظه اليوم في تصرفات بعض المسلمين الذين يصرون‬
‫على تكييف أحكام)‪(4‬السلم وفق ما يشتهون أو يكرهون‪ ،‬أو وفق‬
‫عاداتهم وتقاليدهم ‪.‬‬
‫ثامًنا‪ :‬طموح الطامحين‪:‬‬
‫وجد في الجيل الثاني من أبناء الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬من‬
‫يعتبر نفسه جديرا بالحكم والدارة‪ ،‬ووجد أمثال هؤلء أن الطريق‬
‫أمامهم مغلق‪ ،‬وفي العادة أنه متى‬
‫يدخلون‬ ‫فإنهم‬ ‫متنفسا‬ ‫لطموحهم‬ ‫وجد الطامحون الذين ل يجدون‬
‫في كل عملية تغيير‪ ،‬ومعالجة أمر هؤلء في غاية الهمية)‪.(5‬‬
‫تاسًعا‪ :‬تآمر الحاقدين‪:‬‬
‫لقد دخل في السلم منافقون موتورون اجتمع لهم من‬
‫الحقد والذكاء والدهاء ما استطاعوا أن يدركوا نقاط الضعف‬
‫التي يستطعيون من خللها أن يوجدوا الفتنة‪ ,‬ووجدوا من‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(2/340‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة‪ ،‬ص ‪.353‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الساس في السنة )‪.(4/1676‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬ص ‪.517‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (2 ,‬الساس في السنة )‪.(4/1676‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪260‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يستمع إليهم بآذان مصغية‪ ،‬فكان من آثار ذلك ما كان)‪ (1‬؛ فقد‬
‫عرفنا سابقا وجود يهود ونصارى وفرس‪ ،‬وهؤلء جميعا‬
‫معروف باعث غيظهم وحقدهم على السلم والدولة‬
‫السلمية‪ ،‬ولكننا هنا نضيف من وقع عليه حد أو تعزير لمر‬
‫ارتكبه في وسط الدولة‪ ،‬عاقبه الخليفة أو ولته في بعض‬
‫المصار وبالذات البصرة والكوفة ومصر والمدينة‪ ،‬فاستغل‬
‫أولئك الحاقدون من يهود ونصارى وفرس وأصحاب الجرائم‬
‫مجموعات من الناس كان معظمهم من العراب‪ ،‬ممن ل‬
‫يفقهون هذا الدين على حقيقته‪ ,‬فتكونت لهؤلء جميعا طائفة‬
‫وصفت من جميع من قابلهم بأنهم أصحاب شر‪ ،‬فقد وصفوا‪:‬‬
‫بالغوغاء من أهل المصار‪ ،‬ون ُ ّ زاع القبائل‪ ،‬وأهل المياه وعبيد‬
‫المدينة)‪ ، (2‬وبأنهم ذؤبان العرب)‪ ، (3‬وأنهم حثالة الناس ومتفقون‬
‫على الشر)‪ ، (4‬وسفهاء عديمو الفقه)‪ , (5‬وأراذل من أوباش‬
‫)‪(6‬‬
‫‪ ،‬فهم أهل جفاء وهمج‪ ،‬ورعاع من غوغاء القبائل‪،‬‬ ‫القبائل‬
‫)‪(8‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫وقد تردد‬ ‫‪ ،‬وأنهم آلة الشيطان‪.‬‬ ‫وسفلة الطراف الراذل‬
‫في المصادر اسم عبد الله بن سبأ الصنعاني اليهودي ضمن‬
‫هؤلء الموتورين الحاقدين‪ ،‬وأنه كان من اليهود ثم أسلم‪ ،‬ولم‬
‫ينقب أحد عن نواياه فتنقل بين البلدان السلمية باعتباره أحد‬
‫)‪(9‬‬
‫‪ ،‬وسيأتي الحديث عنه في مبحث مستقل‬ ‫أفراد المسلمين‬
‫بإذن الله‪.‬‬
‫عاشًرا‪ :‬التدبير المحكم لثارة المآخذ ضد عثمان ‪:‬‬
‫كان المجتمع مهيأ لقبول القاويل والشائعات نتيجة عوامل‬
‫وأسباب متداخلة‪ ،‬وكانت الرض مهيأة‪ ،‬ونسيج المجتمع قابل لتلقي‬
‫الخروقات‪ ،‬وأصحاب الفتنة أجمعوا على الطعن في المراء بحجة‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى استمالوا الناس إلى‬
‫صفوفهم‪ ،‬ووصل الطعن إلى عثمان بن عفان ‪ ‬نفسه باعتباره قائد‬
‫الدولة‪ .‬وإذا ما حصرنا الدعاوي التي روجت ضد الخليفة وطعنوه بها‬
‫فيمكننا تصنيفها إلى مجموعات خمس‪:‬‬
‫‪ -1‬مواقف شخصية له قبل توليه الخلفة )تغيبه عن بعض‬
‫الغزوات والمواقع(‪.‬‬
‫‪ -2‬سياسته المالية‪ :‬العطيات‪ ،‬الحمى‪.‬‬
‫‪ -3‬سياسته الدارية النافذة‪ :‬تولية أقربائه‪ ،‬طريقته في التولية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الساسـ في السنة ) ‪.(4/1676‬‬

‫)‪ (4 ،‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.392‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫)( دراساتـ في عهد النبوة والخلفةـ الراشدة‪،‬ـ ص ‪.392‬‬

‫الطبقات )‪ (3/71‬هذا وصف ابن سعد‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.392‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫شذرات الذهب )‪ ،(1/40‬هذا وصف ابن العماد‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫شرح صحيح مسلم )‪.(149 ،15/148‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/327‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.393‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫‪261‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫اجتهادات خاصة به أو بمصلحة المة )إتمام الصلة بمنى‪ ،‬جمع‬ ‫‪-4‬‬
‫القرآن‪ ،‬الزيادة في المسجد(‪.‬‬
‫‪ -5‬معاملته لبعض الصحابة‪ :‬عمار‪ ،‬أبي ذر‪ ،‬ابن مسعود)‪.(1‬‬
‫وقد بينت موقف عثمان في كل ما وجه إليه في موضعه‪ ،‬ولم‬
‫يبق إل عمار ‪ ,‬وسيأتي الحديث عنه بإذن الله‪ .‬وقد حدثت زيادات‬
‫في إبراز المطاعن على عثمان ‪ ‬سواء في عهده وما واجهوه بها‬
‫الرواة والكتاب‬ ‫ول عليه فيما بعد عند‬‫ق ّ‬‫ورده عليها في حينها‪ ،‬أو ما ت ُ ُ‬
‫فإنها لم تصح ولم تصل إلى حد أن تكون سببا في قتله)‪.(2‬‬
‫إن المآخذ السابق ذكرها والمدونة في تاريخ الطبري وغيره من‬
‫كتب التاريخ‪ ،‬والمروية عن طريق المجاهيل والخباريين الضعفاء‬
‫سَير‬‫خاصة الرافضة‪ ،‬كانت ول تزال بلية عظمى على الحقائق في ِ‬
‫الخلفاء والئمة‪ ،‬خاصة في مراحل الضطرابات والفتن‪ ،‬وقد كان مع‬
‫السف لسيرة عثمان أمير المؤمنين ‪ ‬من ذلك الحظ الوافر؛‬
‫فرواية الحوادث ووضع الباطيل على النهج الملتوي بعض ما نال تلك‬
‫السيرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الغالين بغية التأليب‬
‫عليه أو التشهير به‪ ،‬وقد أدرك عثمان ‪ ‬بنفسه ذلك عندما كتب إلى‬
‫أمرائه‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن الرعية طعنت في النتشار‪ ,‬ونزعت إلى الشر‬
‫أعداها على ذلك ثلث‪ :‬دنيا مؤثرة‪ ،‬وأهواء متسرعة‪ ،‬وضغائن‬
‫محمولة‪ (3).‬وقال ابن العربي عن تلك المآخذ جملة‪ :‬قالوا متعدين‬
‫كذابين‪ (4‬جاء عثمان في وليته بمظالم ومناكير‪ ..‬هذا‬ ‫)‬
‫متعلقين برواية‬
‫كله باطل سند ومتنا‪.‬‬
‫وقد بّين ابن تيمية بأن عثمان ‪ ‬ليس معصوما‪ ،‬فقال‪ :‬والقاعدة‬
‫الكلية في هذا أن ل يعتقد أن أحدا معصوم بعد النبي ×؛ بل الخلفاء‬
‫وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ‪ ،‬والذنوب التي تقع منهم قد يتوبون‬
‫منها‪ ،‬وقد تكفر عنهم بحسناتهم الكثيرة‪ ،‬وقد يبتلون أيضا بمصائب‬
‫يكفر الله بها‪ ،‬وقد يكفر عنهم بغير ذلك‪ ،‬فكل ما ينقل عن عثمان‬
‫غايته أن يكون ذنبا أو خطأ‪ ،‬وعثمان ‪ ‬قد حصلت له أسباب‬
‫المغفرة من وجوه كثيرة منها سابقته وإيمانه وجهاده وغير ذلك من‬
‫طاعته‪ (5.‬وقد ثبت أن النبي × شهد له؛ بل بشره بالجنة على بلوى‬
‫تصيبه) ‪ ،‬ومنها أنه تاب من عامة ما أنكروه عليه‪ ،‬وأنه ابتلى ببلء‬
‫وصبر حتى قتل شهيدا مظلوما‪ ،‬وهذا‬ ‫)‪(6‬‬
‫عظيم فكفر الله به خطاياه‪,‬‬
‫من أعظم ما يكفر به الخطايا‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬استخدام الساليب والوسائل المهيجة للناس‪:‬‬
‫وأهم هذه الساليب‪ :‬إشاعة الراجيف حيث ترددت كلمة الشاعة‬
‫والذاعة كثيرا‪ ،‬والتحريض والمناظرة والمجادلة للخليفة أمام الناس‪،‬‬
‫والطعن على الولة‪ ،‬واستخدام تزوير الكتب واختلفها على لسان‬
‫دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.394‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.400‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.63-61‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪.(1869 ،4/1867) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫ذو النورين‪ ..‬عثمان بن عفان‪ ،‬محمد مال الله‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪262‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الصحابة رضي الله عنهم؛ عائشة وعلي وطلحة والزبير‪ ،‬والشاعة‬
‫بأن علي بن أبي طالب ‪ ‬الحق بالخلفة‪ ،‬وأنه الوصي بعد رسول‬
‫الله ×‪ ،‬وتنظيم فرق في كل من البصرة والكوفة ومصر‪ ،‬أربع فرق‬
‫من كل مصر‪ ،‬مما يدل على التدبير المسبق‪ .‬وأوهموا أهل المدينة‬
‫ما‪(1‬جاءوا إل بدعوة الصحابة‪ ،‬وصّعدوا الحداث حتى وصلت إلى‬ ‫أنهم‬
‫القتل‪ ).‬وإلى جوار هذه الوسائل استخدموا مجموعة من الشعارات‬
‫منها‪ :‬التكبير‪ ،‬ومنها أن جهادهم هذا ضد المظالم‪ ،‬ومنها أنهم ل‬
‫يقومون إل بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ومنها المطالبة‬
‫باستبدال الولة وعزلهم‪ ،‬ثم تطورت المطالبة إلى خلع عثمان إلى‬
‫أن تمادوا في جرأتهم وطالبوا بل سارعوا إلى قتل الخليفة‪ ،‬وخاصة‬
‫حينما وصلهم الخبر بأن أهل المصار قادمون لنصرة الخليفة‪،‬‬
‫المحموم لتضييق الخناق على الخليفة‪ ,‬والتشوق‬ ‫فزادهم حماسهم‬
‫إلى قتله بأي وسيلة)‪.(2‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬أثر السبئية في أحداث الفتنة‪:‬‬
‫‪ -1‬السبئية حقيقة أم خيال‪:‬‬
‫أجمع القدماء على وجوده بل استثناء‪ ،‬وخالف في ذلك قلة من‬
‫المعاصرين أكثرهم من الشيعة‪ ،‬وحجة من أنكره أنه من إبداع مخيلة‬
‫سيف بن عمر التميمي؛ وذلك لنتقاد بعض علماء الرجال له في مجال‬
‫رواية الحديث‪ ،‬إل أن العلماء يعدونه حجة في الخبار‪ ،‬علما بأنه وردت‬
‫روايات كثيرة عند ابن عساكر تذكر عبد الله بن سبأ ليس من بين‬
‫الرواة سيف بن عمر‪ ،‬وقد حكم اللباني على بعضها بأنها صحيحة من‬
‫الشيعة سواء في كتب الفرق أو الرجال‪ ،‬أو الحديث عندهم‪ ،‬وليس‬
‫فيها عمر هذا ل من قريب ول من بعيد‪ .‬وقد فصل ذلك الدكتور‬
‫سليمان العودة في كتابه )عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في‬
‫صدر السلم(‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وشكك بعض الباحثين في عبد الله بن سبأ وقالوا بأنه شخصية‬
‫وهمية‪ ،‬وأنكروا وجوده بدون حجة أو برهان‪ ،‬والذين أنكروا شخصية‬
‫ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين وفئة من الباحثين العرب‪،‬‬
‫وغالبية الشيعة المعاصرين‪ ،‬ومن العجيب أن هؤلء المستشرقين‬
‫وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد‬
‫الله بن سبأ‪ ،‬وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود‪ ،‬فأين بلغ هؤلء‬
‫من قلة الحياء والجهل‪ ،‬وقد ملت ترجمته كتب التاريخ والفرق‪،‬‬
‫وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الفاق‪ .‬لقد اتفق المؤرخون‬
‫والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والدب‬
‫والنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن‬
‫سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة‪ ،‬كما ظهر في كتب الشيعة‬
‫شخصية تاريخية حقيقية‪ ،‬ولهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها‬
‫لم تكن قصرا على تاريخ المام الطبري‪ ،‬واستنادا إلى روايات سيف‬
‫)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.401‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬ص ‪.402‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء‪ ،‬يهودي من صنعاء‪ ،‬أظهر إسلمه في‬ ‫‪3‬‬

‫زمن عثمان بن عفان‪ ،‬ظهر له نشاط ملحوظ في الشام والعراق ومصر خاصة‪،‬‬
‫يرسم خططا ويدلي بآراء هدامة ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة خليفتهم‪،‬‬
‫ويوقع بينهم الفرقة والخلف‪ .‬تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/284‬‬

‫‪263‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بن عمر التميمي فيه‪ ،‬وإنما هي أخبار منتشرة في روايات‬
‫المتقدمين‪ ،‬وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ السلمي‪،‬‬
‫وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة‪ ،‬إل أن ميزة المام الطبري على‬
‫غيره أنه أغزرها مادة وأكثرها تفصيل ل أكثر‪ ،‬ولهذا فإن التشكيك في‬
‫هذه الحداث بل سند وبل دليل إنما يعني الهدم لكل تلك الخبار‪،‬‬
‫والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء‪ ،‬وتزييف الحقائق التاريخية‪،‬‬
‫فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الستنتاج العقلي المحض في‬
‫مقابل النصوص والروايات المتضافرة؟! وهل تكون المنهجية في‬
‫الضرب صفحا والعراض عن المصادر)‪(1‬الكثيرة المتقدمة والمتأخرة‬
‫التي أثبتت لبن سبأ شخصية واقعية؟ وقد جاء ذكر ابن سبأ في‬
‫كتب أهل السنة كثيرا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫* جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان المتوفي عام‬
‫‪83‬هـ‪ ،‬وقد هجا المختار ابن أبي عبيد الثقفي وأنصاره من أهل‬
‫الكوفة بعدما فر مع أشراف قبائل الكوفة إلى‬
‫البصرة بقوله‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫عارف‬ ‫شهدت عليكم أنكم سبئية‬
‫‪721‬م( تفيد أن‬ ‫وهناك رواية عن الشعبي المتوفي عام ‪103‬هـ )‬
‫)أول من كذب عبد الله ابن سبأ)‪ ،(4‬وتحدث ابن حبيب)‪ (5‬المتوفي‬
‫عام ‪245‬هـ )‪860‬م( عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات‪.‬‬
‫خشيش بن أصرم المتوفي سنة ‪253‬هـ خبر‬
‫)‪(7‬‬
‫)‪ (6‬كما روى أبو عاصم ُ‬
‫إحراق علي ‪ ‬لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الستقامة‪.‬‬
‫الجاحظ)‪ (8‬المتوفي سنة ‪255‬هـ من أوائل من أشار إلى عبد‬ ‫)‪(9‬‬
‫ويعتبر‬
‫ولكن( روايته ليست أقدم رواية عن ابن سبأ‪ ،‬كما يرى‬ ‫‪،‬‬ ‫سبأ‬ ‫بن‬ ‫الله‬
‫الدكتور جواد علي)‪. 10‬‬
‫تكشف‬ ‫)‪(11‬‬
‫وخبر إحراق علي بن أبي طالب ‪ ‬لطائفة من الزنادقة‬
‫عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد‪.‬‬
‫ولفظ الزندقة ليس غريبا عن عبد الله بن سبأ وطائفته‪ ،‬يقول ابن‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪ ،(1/70‬كتاب )دعاوي النقاذ للتاريخ‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي‪ ..‬رد على حسن فرحات المالكي(‪ ،‬للدكتور سليمان بن حمد العودة‪،‬‬
‫وقد ذكر في رده الطرق التي عرضت على اللباني ‪-‬رحمه الله‪ -‬وحكم عليها‪.‬‬
‫)( هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث الهمداني‪ ،‬المعروف بأعشي همدان‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫شاعر فارسي‪ ،‬أحد الفقهاء القّراء‪ ،‬لكنه قال الشعر وعرف به‪ .‬قال الذهبي‪:‬‬
‫وه شهير‪ ،‬كان متعبدا فاضل‪ ،‬قتل عام ‪83‬هـ‪.‬‬ ‫شاعر مف ّ‬
‫)( ديوان أعشى همدان‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ دمشق‪ ،‬ابن عساكر )‪.(9/331‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( محمد بن حبيب بن أمية الهاشمي‪ ،‬عالم بالنساب والخبار واللغة والشعر‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫توفي عام ‪ 245‬هـ‪ ،‬تاريخ بغداد )‪.(2/277‬‬


‫)( المحبر‪ ،‬ابن حبيب‪ ،‬ص ‪ ,308‬عبد الله بن سبأ‪ ،‬للعودة‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( هو خشيش بن أصرم بن السود النسائي‪ ،‬ترجم له الذهبي‪ ،‬تذكرة الحفاظ )‬ ‫‪7‬‬

‫‪ ،(2/551‬شذارت الذهب )‪.(2/129‬‬


‫)( هو عمرو بن بحر بن محبوب الكنابي‪ ،‬من أئمة الدب والعلم‪ ،‬توفي عام‬ ‫‪8‬‬

‫‪255‬هـ‪ ،‬وفيات العيان )‪.(3/470‬‬


‫)( البيان والتبيين )‪.(3/81‬‬ ‫‪9‬‬

‫)‪ (2،‬تحقيق مواقف الصحابة )‪ ,(1/290‬عبد الله بن سبأ للعودة‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪11‬‬

‫‪264‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫)‪(2‬‬
‫تيمية‪ :‬إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ)‪,(1‬‬
‫ويقول الذهبي‪ :‬عبد الله بن سبأ من غلة الزنادقة‪ ،‬ضال مضل‪.‬‬
‫ويقول ابن حجر‪ :‬عبد الله بن سبأ من غلة الزنادقة‪ ..‬وله أتباع يقال‬
‫لهم السبئية‪ ,‬معتقدون)‪(3‬اللهية في علي بن أبي طالب‪ ،‬وقد أحرقهم‬
‫علي بالنار في خلفته‪ .‬ويوجد لبن سبأ ذكر في كتب الجرح‬
‫والتعديل؛ يقول ابن حبان المتوفى ‪354‬هـ‪ :‬وكان الكلبي – محمد بن‬
‫السائب الخباري – سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ‪ ،‬من أولئك‬
‫الذين يقولون‪ :‬إن عليا لم يمت‪ ،‬وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام‬
‫الساعة‪ ..‬وإن رأوا سحابة قالوا‪ :‬أمير المؤمنين فيها‪ (4).‬كما أن كتب‬
‫النساب هي الخرى تؤكد نسبة )السبئية( إلى عبد الله بن سبأ‪،‬‬
‫على سبيل المثال كتاب )النساب( للسمعاني )‪ (5‬المتوفي عام‬ ‫ومنها‬
‫‪562‬هـ‪ (6).‬وعّرف ابن عساكر المتوفي عام ‪571‬هـ ابن سبأ بقوله‪:‬‬
‫وهم الغلة من الرافضة‪،‬‬ ‫عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه السبئية‪،‬‬
‫أصله من اليمن‪ ،‬كان يهوديا وأظهر السلم‪ (7).‬ولم يكن سيف بن‬
‫عمر هو المصدر الوحيد لخبار عبد الله بن سبأ؛ إذ أورد ابن عساكر‬
‫في تاريخه روايات لم يكن سيف فيها‪ ،‬وهي تثبت ابن سبأ وتؤكد‬
‫أخباره‪ (8).‬ويذكر شيخ السلم ابن تيمية المتوفى سنة ‪728‬هـ‪ ،‬أن‬
‫أصل الرفض من المنافقين الزنادقة‪ ،‬فإنه ابتداع ابن سبأ الزنديق‪،‬‬
‫‪(10‬يدعو المامة والنص عليه‪ ،‬وادعى العصمة له‪.‬‬ ‫وأظهر الغلو في علي‬
‫)‪ (9‬ويشير الشاطبي) ‪ ,‬المتوفى عام ‪790‬هـ‪ ,‬إلى أن بدعة السبئية‬
‫‪(11‬مع الله ‪-‬تعالى الله‪ -‬وهي‬ ‫من البدع العتقادية المتعلقة بوجود إله‬
‫بدعة تختلف عن غيرها من المقالت‪ ).‬وفي خطط المقريزي‪,‬‬
‫بن سبأ قام في زمن علي محدثا‬ ‫المتوفى عام ‪845‬هـ‪ ،‬أن عبد الله‬
‫القول بالوصية والرجعة والتناسخ)‪.(12‬‬
‫وأما المصادر الشيعية التي ذكرت ابن سبأ فهي‪ :‬فقد روى‬
‫الكشي عن محمد بن قولوية قال‪ :‬حدثني سعد بن عبد الله قال‪:‬‬
‫حدثني يعقوب بن يزيد‪ ،‬ومحمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬عن‬
‫فضالة بن أيوب الزدي‪ ،‬عن أبان بن عثمان قال‪ :‬سمعت أبا عبد الله‬
‫يقول‪ :‬لعن الله عبد الله بن سبأ‪ ،‬إنه ادعى الربوبية في أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬وكان والله أمير المؤمنين عبدا طائعا‪ ،‬الويل لمن كذب‬
‫علينا‪ ،‬وإن قوما يقولون فينا ما ل نقول في أنفسنا‪ ،‬نبرأ إلى الله‬

‫)( مجموع الفتاوى‪.(28/483) ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ميزان العتدال للذهبي )‪.(2/426‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( لسان الميزان‪ ،‬أحمد بن حجر‪ ،‬حيدر آباد الدكن )‪.(3/360‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( المجروحين من المحدثين‪ ،‬أبو حاتم التميمي )‪.(2/253‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( عبد الكريم بن محمد السمعاني‪ ،‬توفي عام ‪562‬هـ‪ ،‬تذكرة الحفاظ )‬ ‫‪5‬‬

‫‪.(4/1316‬‬
‫)( النساب‪ ،‬أبو سعيد التميمي )‪.(7/24‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( تاريخ دمشق لبن عساكر )‪.(329 ،9/328‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪ (1/298‬عبد الله بن سبأ للعودة‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( مجموعة الفتاوى لبن تيمية )‪.(4/435‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( إبراهيم بن موسى‪ ،‬محمد الغرناطي‪ ،‬توفي عام ‪790‬هـ‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( العتصام‪ ،‬أبو إسحاق اللخمي )‪.(2/197‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار‪ ،‬المقريزي )‪.(257 ،2/256‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪265‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫منهم‪ (1).‬والرواية من حيث السند صحيحة)‪.(2‬‬
‫وفي كتاب الخصال أورد القمي الخبر نفسه‪ ،‬ولكن موصول بسند‬
‫آخر‪ ،‬وأما صاحب )روضات الجنات( فقد ذكر ابن سبأ عنده على‬
‫الذي لعن ابن سبأ لتهامه بالكذب والتزوير‬ ‫لسان الصادق المصدوق‬
‫وإذاعة السرار والتأويل‪ (3).‬وقد ذكر الدكتور سليمان العودة في‬
‫كتابه مجموعة من النصوص التي تزخر بها كتب الشيعة ومروياتهم‬
‫عن عبد الله بن سبأ‪ ،‬فهي أشبه ما تكون وثائق مسجلة تدين من‬
‫التشكيك في‬ ‫حاول من متأخري الشيعة إنكار عبد الله بن سبأ أو‬
‫أخباره‪ ،‬بحجة قلة أو ضعف المصادر التي حكت أخباره)‪.(4‬‬
‫إن شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية ل لبس فيها في المصادر‬
‫أيضا‬ ‫السنية والشيعية المتقدمة والمتأخرة على السواء‪ ،‬وهي كذلك‬
‫المستشرقين أمثال‪(8):‬يوليوس فلهاوزن) )‪(9(5‬وفان فولتن)‪,(6‬‬ ‫عند غالبية‬
‫ديلفيدا)‪ ,(7‬وجولد تسيهر ‪ ,‬ورينولد نكلسن ‪ ,‬ودوايت‬ ‫)‪(10‬‬
‫وليفي‬
‫مجرد‪(11‬خرافة عند‬ ‫أو‬ ‫شك‬ ‫محل‬ ‫سبأ‬ ‫ابن‬ ‫يبقى‬ ‫حين‬ ‫على‬ ‫‪.‬‬ ‫رونلدسن‬
‫المستشرقين أمثال كيتاني‪ ,‬وبرنارد لويس) ‪ ,‬وفريد‬ ‫فئة قليلة من‬
‫لندر المتأرجح)‪ ..(12‬علما بأننا ل نعتد بهم في أحداث تاريخنا‪.‬‬
‫ومن استقرأ المصادر‪ ،‬سواء القديمة والمتأخرة عند السنة‬
‫والشيعة‪ ،‬يتأكد له أن وجود ابن سبأ كان وجودا تؤكده الروايات‬
‫التاريخية‪ ،‬وتفيض فيه كتب العقائد‪ ,‬وذكرته كتب الحديث‪ ،‬والرجال‪،‬‬
‫والنساب‪ ،‬والدب‪ ،‬واللغة‪ ،‬وسار على هذا النهج كثير من المحققين‬
‫والباحثين المحدثين‪ ،‬ويبدو أن أول من شكك في وجود ابن سبأ‬
‫بعض المستشرقين‪ ،‬ثم دعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة‬
‫المحدثين؛ بل وأنكر بعضهم وجوده البتة‪ ،‬وبرز من الباحثين العرب‬
‫المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين ومن تأثر بكتابات الشيعة‬
‫المحدثين‪ ،‬ولكن هؤلء جميعا ليس لهم ما يدعمون به شكهم‬
‫)‪(13‬‬
‫وإنكارهم إل الشك ذاته والستناد إلى مجرد الظنون والفرضيات ‪،‬‬
‫ومن أراد التوسع في معرفة المراجع والمصادر السنية‬
‫والستشراقية والشيعية التي ذكرت ابن سبأ فليراجع )تحقيق‬
‫مواقف الصحابة في الفتنة( للدكتور محمد أمحزون‪ ،‬و)عبد الله بن‬
‫سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر السلم( للدكتور سليمان بن‬
‫حمد العودة‪.‬‬

‫)( رجال الكشي )‪.(1/324‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عبد الله بن سبأ‪ ..‬الحقيقة المجهولة‪ ،‬لمحمد علي المعلم‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (6 ،‬عبد الله بن سبأ‪ ،‬سليمان العودة‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)( الخوارج والشيعة‪ ،‬يوليوس فلهاوزن‪ ،‬ص ‪.170‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( السيادة العربية والشيعة والسرائيليات‪ ،‬ص ‪ ،80‬فان فولتن‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/312‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( العقيدة والشريعة السلمية‪ ،‬جولد تسيهر‪ ،‬ص ‪.229‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( تاريخ العرب الدبي في الجاهلية وصدر السلم‪ ،‬ص ‪.235‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( عقائد الشيعة‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( أصول السماعيلية‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪11‬‬


‫‪12‬‬
‫)( تحقق مواقف الصحابة ) ‪.(1/312‬‬

‫)‪ ( ،3‬تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/312‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪266‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -2‬دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة‪:‬‬
‫في السنوات الخيرة من خلفة عثمان ‪ ‬بدت في الفق سمات‬
‫الضطراب في المجتمع السلمي نتيجة عوامل التغير التي ذكرناها‪،‬‬
‫وأخذ بعض اليهود يتحينون فرصة الظهور مستغلين عوامل الفتنة‬
‫ومتظاهرين بالسلم واستعمال التقية‪ ،‬ومن هؤلء عبد الله بن سبأ‬
‫الملقب بابن السوداء‪ .‬وإذا كان ابن سبأ ل يجوز التهويل من شأنه‬
‫كما فعل بعض المغالين في تضخيم دوره في الفتنة)‪ ،(1‬فإنه كذلك ل‬
‫يجوز التشكيك فيه أو الستهانة بالدور الذي لعبه في أحداث الفتنة‬
‫كعامل من عواملها‪ ,‬على أنه أبرزها وأخطرها؛ إذ أن هناك أجواء‬
‫للفتنة مهدت له‪ ،‬وعوامل أخرى ساعدته‪ .‬وغاية ما جاء به ابن سبأ‬
‫آراء ومعتقدات ادعاها واخترعها من قبل نفسه وافتعلها من يهوديته‬
‫الحاقدة‪ ،‬وجعل يروجها لغاية ينشدها‪ ,‬وغرض يستهدفه؛ وهو الدس‬
‫في المجتمع السلمي‪ ،‬بغية النيل من وحدته وإذكاء نار الفتنة‪،‬‬
‫وغرس بذور الشقاق بين أفراده‪ ،‬فكان ذلك من جملة العوامل التي‬
‫)‪(2‬‬
‫أدت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان ‪ ‬وتفرق المة شيعا وأحزابا‪.‬‬
‫وخلصة ما جاء به أنه أتى بمقدمات صادقة‪ ،‬وبنى عليها مبادئ‬
‫ذج والغلة وأصحاب الهواء من الناس‪ ،‬وقد‬ ‫فاسدة راجت لدى الس ّ‬
‫من ْ حوله حتى اجتمعوا‬ ‫َ‬ ‫بس فيها على‬ ‫سلك في ذلك مسالك ملتوية ل ّ‬
‫ب‬‫ج ٌ‬ ‫عليه؛ فطرق باب القرآن بتأوله على زعمه الفاسد‪ ،‬حيث قال‪ :‬ل َعَ َ‬
‫ذب بأن محمدا يرجع‪ ،‬وقد قال تعالى‪:‬‬ ‫ممن يزعم أن عيسى يرجع‪ ،‬ويك ّ‬
‫د" ]القصص‪[85 :‬‬ ‫عا‬‫م‬
‫َ َ ٍ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫قْرآ َ َ ّ‬
‫د‬ ‫را‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ض َ‬
‫فَر َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪+‬إ ِ ّ‬
‫فمحمد أحق بالرجوع من عيسى‪ (3).‬كما سلك طريق القياس الفاسد‬
‫من ادعاء إثبات الوصية لعلي ‪‬بقوله‪ :‬إنه كان ألف نبي‪ ،‬ولكل نبي‬
‫علي( وصي محمد‪ ،‬ثم قال‪ :‬محمد خاتم النبياء‪ ،‬وعلي‬ ‫وصي‪ ،‬وكان‬
‫خاتم الوصياء‪ 4).‬وحينما استقر المر في نفوس أتباعه انتقل إلى‬
‫هدفه المرسوم‪ ،‬وهو خروج الناس على الخليفة عثمان ‪ ،‬فصادف‬
‫ذلك هوى في نفوس بعض القوم حيث قال لهم‪ :‬من أظلم ممن لم‬
‫يجز وصية رسول الله ×‪ ،‬ووثب على وصي ّ رسول الله × وتناول أمر‬
‫المة؟ ثم قال لهم بعد ذلك‪ :‬إن عثمان أخذها بغير حق‪ ،‬وهذا وصي‬
‫رسول الله ×فانهضوا في هذا المر فحركوه‪ ،‬وابدأوا بالطعن على‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا‬ ‫أمرائكم‪ ،‬وأظهروا المر‬
‫الناس‪ ،‬وادعوهم إلى هذا المر‪ (5).‬وبث دعاته‪ ،‬وكاتب من كان‬
‫استفسد من المصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم‪،‬‬
‫وأظهروا المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وجعلوا يكتبون إلى‬
‫المصار بكتب يضعونها في عيوب ولتهم‪ ،‬ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك‪،‬‬
‫ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون‪ ،‬فيقرأه أولئك‬
‫في أمصارهم وهؤلء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة‪،‬‬
‫وأوسعوا الرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون‪ ,‬ويسرون غير ما‬
‫يبدون‪ ،‬فيقول أهل مصر‪ :‬إنا لفي عافية مما ابتلى به هؤلء‪ ،‬إل أهل‬
‫)( مثال سعيد الفغاني في كتابه )عائشة والسياسة(‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/327‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3 ،‬تاريخ الطبري )‪.(5/347‬‬ ‫‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (5 ،‬المصدر نفسه )‪.(5/348‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪267‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫جاءهم ذلك عن جميع المصار فقالوا‪ :‬إنا لفي عافية‬ ‫المدينة فإنهم‬
‫مما فيه الناس)‪.(1‬‬
‫ويظهر من هذا النص السلوب الذي اتبعه ابن سبأ؛ فهو أراد أن‬
‫يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة؛ حيث جعل أحدهما‬
‫مهضوم الحق وهو علي‪ ،‬وجعل الثاني مغتصبا وهو عثمان‪ ،‬ثم حاول‬
‫بعد ذلك أن يحرك الناس ‪ -‬خاصة في الكوفة ‪ -‬على أمرائهم باسم‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فجعل هؤلء يثورون لصغر‬
‫الحوادث على ولتهم‪ ،‬علما بأنه ركز في حملته هذه على العراب‬
‫الذين وجد فيهم مادة ملئمة لتنفيذ خطته؛ فالقراء منهم استهواهم‬
‫عن طريق المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وأصحاب المطامع‬
‫منهم هيج أنفسهم بالشاعات المغرضة المفتراة على عثمان؛ مثل‬
‫تحيزه لقاربه وإغداق الموال من بيت مال المسلمين عليهم‪ ،‬وأنه‬
‫حمى الحمى لنفسه‪ ،‬إلى غير ذلك من التهم والمطاعن التي حرك‬
‫بها نفوس الغوغاء ضد عثمان ‪ ،‬ثم إنه أخذ يحض أتباعه على‬
‫إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مصرهم إلى بقية المصار‪،‬‬
‫وهكذا يتخيل الناس في جميع المصار أن الحال بلغ من السوء ما ل‬
‫مزيد عليه‪ ،‬والمستفيد من هذه الحال هم السبئية؛ لن تصديق ذلك‬
‫من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع‬
‫السلمي‪ (2).‬هذا وقد شعر عثمان ‪ ‬بأن شيئا ما يحاك في المصار‪،‬‬
‫فقال‪ (3:‬والله إن رحى الفتنة لدائرة‪ ،‬فطوبى‬ ‫وأن المة تمخض ب ِ َ‬
‫شّر‬
‫لعثمان إن مات ولم يحركها) ‪.‬‬
‫على أن المكان الذي رتع فيه ابن سبأ هو مصر‪ ،‬وهناك أخذ‬
‫ينظم حملته ضد عثمان ‪ ,‬ويحث الناس على التوجه إلى المدينة‬
‫لثارة الفتنة بدعوى أن عثمان أخذ)‪(4‬الخلفة بغير حق‪ ،‬ووثب على‬
‫ي رسول الله × )يقصد علًيا(‪ .‬وقد غشهم بكتب ادعى أنها‬ ‫وص ّ‬
‫وردت من كبار الصحابة‪ ،‬حتى إذا أتى هؤلء العراب المدينة المنورة‬
‫واجتمعوا بالصحابة لم يجدوا منهم تشجيعا؛ حيث تبرأوا مما نسب‬
‫إليهم من رسائل تؤلب الناس على عثمان‪ (5).‬ووجدوا عثمان مقدرا‬
‫للحقوق بل وناظرهم فيما نسبوا إليه‪ ،‬ورد عليهم افتراءهم وفسر‬
‫لهم صدق أعماله‪ ،‬حتى قال)‪(6‬أحد هؤلء العراب وهو مالك بن الشتر‬
‫مكر به وبكم‪ .‬ويعتبر الذهبي أن عبد الله بن سبأ‬ ‫النخعي‪ :‬لعله ُ‬
‫وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولة‪ ،‬ثم‬ ‫بمصر‪،‬‬ ‫المهيج للفتنة‬
‫على المام عثمان فيها‪ (7).‬ولم يكن ابن سبأ وحده‪ ،‬وإنما كان عماله‬
‫ضمن شبكة من المتآمرين‪ ،‬وأخطبوط من أساليب الخداع والحتيال‬
‫والمكر‪ ,‬وتجنيد العراب والقراء وغيرهم‪ .‬ويروي ابن كثير أن من‬
‫أسباب تألب الحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر‪،‬‬
‫وإذاعته بين الناس كلما اخترعه من عند نفسه‪ ،‬فافتتن به بشر كثير‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخـ الطبري ) ‪.(5/348‬‬

‫الدولة الموية‪ ،‬يوسف العش‪ ،‬ص ‪ ,168‬تحقيق مواقف الصحابة‪.(1/331) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/350‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(1/330‬تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(1/330‬تاريخ الطبري )‪.(5/365‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/331‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/338‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪268‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من‬
‫أهل مصر)‪.(1‬‬
‫خل َ ِ‬
‫فَها‬ ‫إن المشاهير من المؤرخين والعلماء من سلف المة و َ‬
‫يتفقون على أن ابن سبأ ظهر بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط‬
‫سبئية ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة إمامهم‪ ،‬ويوقع بينهم‬
‫فْرقة والخلف‪ ،‬فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكونت به الطائفة‬ ‫ال ُ‬
‫السبئية المعروفة‪ ,‬التي كانت عامل من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل‬
‫أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬والذي يظهر من خطط السبئية‬
‫أنها كانت أكثر تنظيما؛ إذ كانت بارعة في توجيه دعايتها ونشر‬
‫أفكارها لمتلكها ناصية الدعاية والتأثير بين الغوغاء والرعاع من‬
‫الناس‪ ،‬كما كانت نشيطة في تكوين فروع لها سواء في البصرة أم‬
‫الكوفة أم مصر‪ ،‬مستغلة العصبية القبلية‪ ،‬ومتمكنة من إثارة مكامن‬
‫والعبيد والموالي‪ ،‬عارفة بالمواضع الحساسة‬ ‫التذمر عند العراب‬
‫في حياتهم وبما يريدون)‪.(2‬‬
‫***‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(168 ،7/167‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة‪ ،‬ص ‪.339‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪269‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الفصل السابع‬
‫مقتل عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المبحث الول‬
‫اشـــــــــــتعال الفتنـــــة‬
‫نجح الموتورون الحاقدون الكاذبون في إزاحة الوليد بن عقبة‬
‫عن ولية الكوفة‪ ،‬وعين عثمان ‪ ‬سعيد بن العاص واليا جديدا على‬
‫الكوفة‪ ،‬وعندما وصل سعيد إلى وليته صعد المنبر‪ ،‬وبعدما حمد الله‬
‫وأثنى عليه قال‪ :‬والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره‪ ،‬ولكني عندما‬
‫دا من التنفيذ‪ ،‬أل وإن الفتنة قد أطلت رأسها‬ ‫أمرني عثمان‪ ،‬لم أجد ب ّ‬
‫فيكم‪(1،‬والله لضربن وجهها حتى أقمعها أو تغلبني‪ ،‬وإني رائد نفسي‬
‫اليوم) ‪ ,‬واطلع سعيد على أحوال الكوفة‪ ،‬وعرف توجهات الناس‬
‫فيها‪ ،‬وأدرك تعمق الفتن فيها‪ ،‬وضلوع مجموعة من الخوارج‬
‫والكيد والفتنة‬
‫)‪(2‬‬
‫والموتورين والحاقدين وأعداء السلم في التآمر‬
‫وسيطرة الرعاع والغوغاء والعراب على الرأي فيها‪.‬‬
‫وكتب سعيد رسالة إلى أمير المؤمنين عثمان يخبره فيها بالوضاع‬
‫المتردية في الكوفة‪ ،‬ومما قال فيها‪ :‬إن أهل الكوفة قد اضطرب‬
‫قدمة‪ ،‬والغالب على‬ ‫أمرهم‪ ,‬وقد غلب فيها أهل الشرف والسابقة وال ِ‬
‫ت ْحتى ما ينظر فيها إلى ذي‬ ‫تلك البلد روادف ردفت‪ ,‬وأعراب ل َ َ‬
‫ح‬
‫شرف وبلء‪ ..‬فرد عليه عثمان ‪‬برسالة طلب منه فيها إعادة ترتيب‬
‫أوضاع أهلها وتصنيفهم على أساس السبق والجهاد‪ ،‬وتقديم أهل العلم‬
‫والصدق والجهاد على غيرهم‪ ،‬ومما قال له فيها‪ :‬فضل أهل السابقة‬
‫والقدمة ممن فتح الله على أيديهم تلك البلد‪ ،‬واجعل الذين نزلوا البلد‬
‫بعد فتحها من العراب تبعا لولئك السابقين المجاهدين إل أن يكون‬
‫السابقون تثاقلوا عن الجهاد والحق‪ ،‬وتركوا القيام به‪ ،‬وقام به من‬
‫وأعطهم جميعا قسطهم بالحق‪،‬‬ ‫بعدهم‪ .‬واحفظ لكل إنسان منهم منزلته‬
‫فإن المعرفة بالناس يتحقق بها العدل بينهم‪(3).‬وقام سعيد بتنفيذ‬
‫وأخبر الخليفة بما فعل‪ ،‬وجمع عثمان أهل الحل‬ ‫توجيهات عثمان ‪‬‬
‫والعقد في المدينة‪ ،‬وأبلغهم بأوضاع الكوفة ورسوخ الفتنة فيها‪،‬‬
‫وإجراءات سعيد بن العاص لمواجهتها‪ ،‬فقالوا‪ :‬أصبت بما فعلت‪ ،‬ول‬
‫تسعف أهل الفتنة بشيء ول تقدمهم على الناس‪ ،‬ول تطعمهم فيما‬
‫ليسوا له بأهل‪ ،‬فإنه إذا تولى المور من ليس أهل لها‪ ،‬لم يقم بها بل‬
‫يفسدها‪ ،‬فقال عثمان لهم‪ :‬يا أهل المدينة‪ ،‬إن الناس قد تحركوا للفتنة‪،‬‬
‫واستمسكوا بالحق‪ ،‬وسوف أخبركم بأخبارها‬ ‫فاستعدوا لمواجهتها‪،‬‬
‫وأنقلها لكم أول بأول)‪.(4‬‬
‫ل‪ :‬تأذى أصحاب الهواء من الصلح‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫تاريخ الطبري )‪.(5/280‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الخلفاء الراشدون‪ ،‬للخالدي‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/280‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/281‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪270‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تأذى الرعاع وأجلف العراب من تقديم أصحاب السابقة والجهاد‬
‫والبلء والعلم والتقوى في المجالس والرئاسة والستشارة‪ ،‬وصاروا‬
‫يعيبون على الولة تقديم هؤلء عليهم واستشارتهم دونهم‬
‫ويعتبرونهم تمييزا‪ ,‬وجفوة وإقصاء لهم‪ ،‬واستغل الحاقدون‬
‫الموتورون هذا المر في نفوسهم‪ ،‬وغرسوا فيهم كره الخليفة‬
‫والدولة ورفض أعمال الوالي سعيد بن العاص‪ ،‬ونشر الشاعات‬
‫ضده بين الناس‪ ،‬ورفض عامة الناس في الكوفة كلم الموتورين‬
‫الخارجين‪ ،‬فسكت هؤلء الحاقدون وصاروا يخفون شبهاتهم ول‬
‫يظهرونها؛ لرفض‬
‫معظم المسلمين لها‪ ،‬ولكنهم كانوا يسرون بها إلى من يؤيدهم من‬
‫)‪(1‬‬
‫العراب أو الغوغاء‬
‫أو المعاقبين المغررين‪.‬‬
‫وكان أعداء السلم الموتورون من اليهود والنصارى والمجوس‬
‫يتآمرون على السلم والمسلمين‪ ،‬وينشرون الشاعات الكاذبة ضد‬
‫الخليفة والولة‪ ،‬ويستثمرون الخطاء التي تصدر عن بعضهم في‬
‫تهييج العامة ضدهم‪ ،‬ويزيدون عليها الكثير من الفتراءات‬
‫والتزويرات‪ ،‬وهم يهدفون من ذلك إلى نشر الفوضى وتعميق الفرقة‬
‫بين المسلمين‪ ،‬وذلك لتغذية غيظهم وحقدهم على السلم‪ ,‬الذي‬
‫قضى على أديانهم الباطلة وهدم نظام الحكم السلمي‪ ،‬الذي حطم‬
‫دولهم وقضى على جيوشهم‪ ،‬وجند هؤلء العداء لتحقيق أهدافهم‬
‫الموتورين من الرعاع والسذج والبلهاء والتف حولهم الحاقدون ممن‬
‫دهم أو عّزرهم الخليفة أو أحد ولته‪ ،‬ونظم هؤلء العداء‬ ‫أّدبهم أو ح ّ‬
‫)جمعية سرية( خبيثة جعلوا أعضاءها هؤلء الذين استجابوا لهم‪،‬‬
‫وجعلوا لهم أتباعا في المدن الكبيرة والقاليم العديدة‪ ،‬وكونوا شبكة‬
‫اتصالت سرية بينهم‪ .‬وكانت أهم فروع جمعيتهم الخبيثة في‪:‬‬
‫الكوفة‪ ،‬والبصرة‪ ،‬ومصر‪ ،‬ولهم بعض العناصر في المدينة المنورة‬
‫والشام)‪.(2‬‬
‫ثانًيا‪ :‬عبد الله بن سبأ اليهودي على رأس العصابة‪:‬‬
‫أوصى ابن سبأ أتباعه المجرمين في جمعيته السرية الخبيثة‪،‬‬
‫المنتشرين في بلد المسلمين‪ ،‬فقال لهم‪ :‬انهضوا في هذا المر‪،‬‬
‫فحركوه وابدأوا بالطعن على أمرائكم وولتكم الذين يعينهم‬
‫والنهي عن المنكر لتستميلوا‬ ‫الخليفة‪ ،‬وأظهروا المر بالمعروف‬
‫الناس إليكم‪ ،‬وادعوهم إلى هذا المر‪ (3).‬وبث عبد الله بن سبأ‬
‫دعاته في المصار‪ ،‬وكاتب أتباعه الذين أفسدهم في المصار‬
‫وضمهم إليه وكاتبوه‪ ،‬وتحرك أتباعه في البلدان بدعوتهم ودعوا‬
‫مؤيديهم في السر إلى ما هم عليه من الخروج على الولة‬
‫والخليفة‪ ،‬والعمل على عزل عثمان عن الخلفة‪ ،‬وكانوا في‬
‫الظاهر يظهرون المر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليؤثروا في‬
‫الناس‪ ،‬ويستميلوهم ويخدعوهم‪ ،‬وصار أتباع ابن سبأ يؤلفون‬
‫)( الخلفاء الراشدون‪ ،‬للخالدي‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪271‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الكاذيب والفتراءات عن عيوب أمرائهم وولتهم‪ ،‬وينشرونها في‬
‫كتب يرسلها بعضهم إلى بعض في المصار‪ ،‬وصار أهل كل مصر‬
‫منهم يكتبون كتبا بهذه الكاذيب إلى أهل مصر آخر‪ ،‬فيقرأ أهل‬
‫كل مصر تلك الكتب المزورة على الناس عندهم فيسمع الناس‬
‫عندهم عن عيوب وأخطاء الوالي في ذلك البلد فيقولون‪ :‬إنا لفي‬
‫عافية مما ابتلى به المسلمون في ذلك البلد‪ ،‬ويصدقون ما‬
‫يسمعون‪ .‬وبذلك أفسد السبئيون الرض وأفسدوا المسلمين‪،‬‬
‫ومزقوا كلمتهم‪ ،‬وزعزعوا أخوتهم ووحدتهم‪ ،‬وهيجوا الناس على‬
‫الولة والمراء‪ ،‬ونشروا الفتراءات ضد الخليفة عثمان‬
‫نفسه‪،‬وكانوا يقومون بهذه الجرائم المنظمة والمدروسة بمهارة‬
‫ما يعلنون‪ ،‬ويهدفون إلى‬ ‫يريدون غير ما يظهرون‪ ،‬ويسرون غير‬
‫عزل عثمان والقضاء على دولة السلم)‪.(1‬‬
‫ولكنه‬
‫)‪(2‬‬
‫توجه ابن سبأ إلى الشام ليفسد بعض أهلها ويؤثر فيهم‪،‬‬
‫لم ينجح في هدفه الشيطاني‪ ،‬فقد كان له معاوية ‪ ‬بالمرصاد‪.‬‬
‫ودخل البصرة ليجند التباع له من المارقين أو الحاقدين أو‬
‫الرعاع البلهاء‪ ،‬وكان والي البصرة عبد الله بن عامر بن كريز‪،‬‬
‫نزل عند‬ ‫وكان حازما عادل صالحا‪ ،‬ولما وصل ابن سبأ البصرة‪،‬‬
‫رجل خبيث من أهلها كان لصا فاتكا‪ ،‬هو حكيم بن جبلة)‪.(3‬‬
‫وبلغ عبد الله بن عامر أن رجل غريبا نازل على حكيم بن جبلة‪،‬‬
‫وكان حكيم بن جبلة لصا‪ ،‬وعندما كانت تعود جيوش الجهاد إلى‬
‫البصرة‪ ،‬كان حكيم يتخلف عنها ليسعى في أرض فارس فسادا‪،‬‬
‫ويغير على أرض أهل الذمة‪ ،‬ويعتدي على أرض المسلمين‪ ،‬ويأخذ‬
‫منها ما يشاء‪ ،‬فشكاه أهل الذمة والمسلمون إلى عثمان‪ ،‬فكتب‬
‫عثمان إلى عبد الله بن عامر‪ ،‬وقال له‪ :‬احبس حكيم بن جبلة في‬
‫البصرة‪ ،‬ول تتركه يخرج منها حتى تأنس منه رشدا‪ ،‬فحبسه ابن‬
‫عامر في بيته‪ ،‬وكان ل يستطيع أن يخرج من البصرة‪ ،‬وبينما كان‬
‫اللص ابن جبلة تحت القامة الجبرية في بيته‪ ،‬نزل عليه اليهودي عبد‬
‫الله بن سبأ‪ ،‬واستغل ابن سبأ زعارة ابن جبلة وانحرافه وحقده‬
‫ولؤمه فجنده لصالحه‪ ،‬وصار ابن جبلة رجل ابن سبأ في البصرة‪،‬‬
‫وصار ابن جبلة يقدم لبن سبأ أمثاله من المنحرفين والموتورين‪،‬‬
‫فيغرس ابن سبأ في نفوسهم أفكاره‪ ،‬ويجندهم بجمعيته السرية‪.‬‬
‫ولما علم ابن عامر بابن سبأ‪ ،‬استدعاه‪ ،‬وقال له‪ :‬ما أنت؟ قال ابن‬
‫سبأ‪ :‬أنا رجل من أهل الكتاب رغب في السلم فأسلم‪ ،‬ورغب في‬
‫جوارك فأقام عندك‪ .‬قال ابن عامر‪ :‬ما هذا الكلم الذي يبلغني‬
‫عنك؟ اخرج عني‪ .‬أخرجه ابن عامر من البصرة‪ ،‬فغادرها ابن سبأ‬
‫بعد أن ترك فيها رجال وأتباعا له‪ ،‬وجعل فيها فرعا لحزبه‬
‫السبئي اليهودي‪.‬‬
‫ذهب ابن سبأ إلى الكوفة فوجد فيها رجال من المنحرفين‬
‫جاهزين لستقباله‪ ،‬فجندهم لجماعته وحزبه‪ ،‬ولما علم به سعيد بن‬
‫العاص أخرجه من الكوفة‪ ،‬فتوجه إلى مصر‪ ،‬فأقام فيها وعشش‬
‫)‪ (4 ،‬الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.128‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪272‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فيها وباض‪ ،‬وفرخ فيها وأفسد‪ ،‬واستمال أناسا هناك من الرعاع‬
‫والبلهاء‪ ،‬ومن الحاقدين والموتورين‪ ،‬ومن العصاة والمذنبين‪ .‬وكان‬
‫ابن سبأ يرتب التصالت السرية بين مقره في مصر‪ ،‬وبين أتباعه‬
‫)‪(1‬‬
‫في المدينة والبصرة والكوفة‪ ،‬ويتحرك رجاله بين هذه البلدان‪.‬‬
‫واستمرت جهود ابن سبأ وأعوانه حوالي ست سنوات‪ ،‬حيث بدأوا‬
‫أعمالهم الشيطانية سنة ثلثين‪ ،‬ونجحوا في آخر سنة خمس وثلثين‬
‫في قتل الخليفة عثمان‪ ،‬واستمر إفسادهم طيلة خلفة علي ‪،‬‬
‫وقرر )السبئيون( أن تكون بداية الفتنة في الكوفة)‪.(2‬‬
‫ثالثـا‪ :‬أهل الفتنة يفسدون في مجلس سعيد بن العاص‪:‬‬
‫في يوم من أيام سنة ثلث وثلثين جلس سعيد بن العاص في‬
‫مجلسه العام وحوله عامة الناس‪ ،‬وكانوا يتحدثون ويتناقشون فيما‬
‫بينهم‪ ،‬فتسلل هؤلء الخوارج من السبئيين إلى المجلس‪ ،‬وعملوا‬
‫على إفساده‪ ،‬وعلى إشعال نار الفتنة‪.‬‬
‫جرى كلم وحوار في المجلس بين سعيد بن العاص وبين أحد‬
‫حبيش السدي( واختلفا على أمر‪ ،‬وكان‬ ‫الحضور‪ ،‬وهو )خنيس ابن ُ‬
‫سبعة من الخوارج‪ ،‬أصحاب الفتنة جالسين‪ :‬منهم جندب الزدي‪،‬‬
‫الذي قتل ابنه السارق بسبب تورطه في قضية قتل‪ ،‬ومنهم الشتر‬
‫النخعي‪ ،‬وابن الكواء‪ ،‬وصعصعة ابن صوحان‪ ،‬فاستغل أصحاب الفتنة‬
‫المناسبة‪ ،‬وقاموا بضرب خنيس السدي في المجلس‪ ،‬ولما قام أبوه‬
‫يساعده وينقذه ضربوه‪ ،‬وحاول سعيد منعهم من الضرب فلم‬
‫يمتنعوا‪ ،‬وأغمى على الرجل وابنه من شدة الضرب‪ ،‬وجاء بنو أسد‬
‫ن سعيدا‬ ‫للخذ بثأر أبنائهم‪ ،‬وكادت الحرب تقع بين الفريقين‪ ،‬ولك ّ‬
‫تمكن من إصلح المر)‪ ،(3‬ولما علم عثمان بالحادثة طلب من سعيد‬
‫بن العاص أن يعالج الموضوع بحكمة‪ ،‬وأن يضيق على الفتنة ما‬
‫استطاع‪.‬‬
‫ذهب الخوارج المفتونون إلى بيوتهم وصاروا ينشرون الشاعات‬
‫ويذيعون الفتراءات والكاذيب ضد سعيد وضد عثمان‪ ،‬وضد أهل‬
‫الكوفة ووجوهها‪ ،‬فاستاء أهل الكوفة منهم وطلبوا من سعيد أن‬
‫يعاقبهم‪ ،‬فقال لهم سعيد‪ :‬إن عثمان قد نهاني عن ذلك‪ ،‬فإذا أردتم‬
‫ذلك فأخبروه‪ ،‬وكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان‬
‫بشأن هؤلء النفر‪ ،‬وطلبوا منه إخراجهم من الكوفة ونفيهم عنها‪،‬‬
‫فهم مفسدون مخربون فيها‪ ،‬فأمر عثمان واليه سعيد بن العاص‬
‫بإخراجهم من الكوفة‪ ،‬وكانوا بضعة عشر رجل‪ ،‬وأرسلهم سعيد إلى‬
‫معاوية في الشام بأمر عثمان‪ ،‬وكتب عثمان إلى معاوية بشأن هؤلء‬
‫عهم‬‫فقال له‪ :‬إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة‪ ،‬فَر ْ‬
‫ُ )‪(4‬‬
‫وأخفهم وأدبهم وأقم عليهم‪ ،‬فإن آنست منهم رشدا فاقبل منهم‪.‬‬
‫ومن الذين تم نفيهم إلى الشام‪ :‬الشتر النخعي‪ ،‬وجندب الزدي‪،‬‬
‫وصعصعة بن صوحان‪ ،‬وكميل بن زياد‪ ،‬وعمير بن ضابئ‪ ،‬وابن‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.130‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/323‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/324‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪273‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الكواء)‪.(1‬‬
‫رابًعا‪ :‬أهل الفتنة منفيون عند معاوية‪:‬‬
‫لما قدموا على معاوية رحب بهم وأنزلهم كنيسة تسمى مريم‪،‬‬
‫وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق‪ ،‬وجعل ل يزال‬
‫يتغدى ويتعشى معهم‪ ،‬فقال لهم يوما‪ :‬إنكم قوم من العرب لكم أسنان‬
‫وألسنة‪ ,‬وقد أدركتم بالسلم شرفا وغلبتم المم‪ ،‬وحويتم مراتبهم‬
‫بلغني أنكم نقمتم قريشا‪ ،‬وإن قريشا لو لم تكن لعدتم‬ ‫ومواريثهم‪ ،‬وقد‬
‫أذلة كما كنتم)‪.(2‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬يدرك أن معاوية للمعضلة‪ ،‬فله من فصاحته‬
‫وبلغته‪ ,‬وله من حلمه وصبره‪ ،‬وله من ذكائه ودهائه ما يواجه به‬
‫الفتن‪ ،‬ومن أجل ذلك ما إن تقع المعضلة حتى يرسلها لبن أبي‬
‫سفيان كي يحلها‪ ،‬وفعل بذل معاوية ‪ ‬ما بوسعه من أجل إقناع‬
‫هؤلء النفر؛ أكرمهم أول‪ ،‬وخالطهم وجالسهم‪ ,‬وعرف سرائرهم من‬
‫خلل هذه المجالس قبل أن يحكم عليهم بما نقلوا عنهم‪ ،‬وبعد أن‬
‫أزال الوحشة عنهم وأزال الكلفة بينه وبينهم‪ ،‬لحظ أن النعرة القبلية‬
‫هي التي تحركهم‪ ،‬وأن شهوة الحكم والسلطة هي التي تثيرهم‪،‬‬
‫فكان ل بد من أن يلج عليهم من زاويتين اثنتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أثر السلم في عزة العرب‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬دور قريش في نشر السلم وتحمل أعبائه‪.‬‬
‫فإن كان للسلم أثر في تكوينهم فل بد أن يرعووا لهذا الحديث‪،‬‬
‫بعد هذا وضع أمامهم صورة لوضع العرب‪ ،‬وقد انقلبوا بالسلم أمة‬
‫لمام واحد‪ ،‬وودعوا حياة الفوضى وسفك الدماء‬ ‫واحدة تخضع‬
‫والقبلية المنتنة)‪.(3‬‬
‫ويتابع معاوية حديثه معهم فيقول‪ :‬إن أئمتكم لكم إلى اليوم‬
‫جّنة)‪ (4‬فل تشذوا عن جنتكم‪ ،‬وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على‬ ‫ُ‬
‫الجور‪ ،‬ويحتملون منكم المؤونة‪ ،‬والله لتنتهين أو ليبتلينكم الله بمن‬
‫يسومكم‪ ،‬ثم ل يحمدكم على الصبر‪ ,‬ثم تكونون شركاءهم فيما‬
‫جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم‪ ،‬فقال رجل من القوم‪:‬‬
‫أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب‪ ،‬ول أمنعها في‬
‫جنة‪ ،‬فإن الجنة إذا اخترقت‬ ‫الجاهلية فتخوفنا‪ ،‬وأما ما ذكرت من ال ُ‬
‫خلص إلينا‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬عرفتكم الن‪ ،‬علمت أن الذي أغراكم على‬
‫هذا قلة العقول‪ ،‬وأنت خطيب القوم ول أرى لك عقل‪ ،‬أعظم عليك‬
‫كرك به‪ ،‬وتذكرني الجاهلية؟ وقد وعظتك وتزعم لما‬ ‫أمر السلم‪ ،‬وأذ ّ‬
‫يخترق( إلى الجنة‪ ،‬أخزى الله أقواما‬ ‫جنك أنه يخترق‪ ،‬ول ينسب ما‬ ‫يُ ِ‬
‫أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم)‪. 5‬‬
‫وعرف معاوية أن الشارة العابرة لن تقنعهم‪ ،‬ل بد من شرح‬
‫مسهب لواقع قريش أول فقال‪ :‬افقهوا ول أظنكم تفقهون؛ إن‬
‫الخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/324‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬منير الغضبان‪ ،‬ص ‪.101‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫جنة‪ :‬وقاية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (2‬النزاع‪ :‬جمع نزيع وهو الغريب‪.‬‬ ‫تاريخ الطبري )‪.(5/324‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪274‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫قريش لم تعز في جاهلية ول في إسلم إل بالله عز وجل‪ ،‬لم تكن‬
‫أكثر العرب ول أشدهم‪ ،‬ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا‪ ،‬وأمحضهم‬
‫أنسابا‪ ،‬وأعظمهم أخطارا‪ ،‬وأكملهم مروءة‪ ،‬ولم يمتنعوا في الجاهلية‬
‫ستذل من أعز‪ ،‬ول يوضع‬ ‫والناس يأكل بعضهم بعضا إل بالله الذي ل ي ُ ْ‬
‫من رفع‪ ،‬هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إل قد أصابه‬
‫الدهر في بلده وحرمته بدولة‪ ,‬إل ما كان من قريش؛ فإنه لم يردهم‬
‫أحد بكيد إل جعل الله خده السفل‪ ،‬حتى أراد الله أن ينتقذ من أكرم‬
‫واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الخرة فارتضى لذلك خير‬
‫خلقه‪ ،‬ثم ارتضى له أصحابا فكان خيارهم قريشا‪ ,‬ثم بنى هذا الملك‬
‫عليهم‪ ،‬وجعل هذه الخلفة فيهم‪ ،‬ول يصلح ذلك إل عليهم‪ ،‬فكان الله‬
‫يحوطهم وهم على دينه‪ ،‬وقد حاطهم الله في الجاهلية من الملوك‬
‫ف لك ولصحابك‪ ،‬ولو أن متكلما غيرك تكلم‪،‬‬ ‫الذين كانوا يدينونكم؟ أ ّ‬
‫ولكنك ابتدأت‪ ،‬فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية‪،‬‬
‫أنتنها نبًتا‪ ،‬وأعمقها وادًيا‪ ،‬واعرفها بالشر‪ ،‬وألمها جيرانا‪ ،‬لم يسكنها‬
‫ب بها‪ ،‬وكانت عليه هجنة‪ ،‬ثم كانوا أقبح‬ ‫س ّ‬
‫شريف قط ول وضيع إل ُ‬
‫العرب ألقابا وألمهم أصهارا‪ ،‬نّزاع)‪ (1‬المم‪ ،‬وأنتم جيران الخط وفعلة‬
‫فارس‪ ،‬حتى أصابتكم دعوة النبي × ونكبتكم دعوته‪ ,‬وأنت نزيع‬
‫شطير)‪ (2‬في عمان لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي ×‪,‬‬
‫فأنت شر قومك‪ ،‬حتى إذا أبرزك السلم وخلطك بالناس وحملك‬
‫على المم التي كانت عليك‪ ،‬أقبلت تبغي دين الله عوجا‪ ،‬وتنزع إلى‬
‫اللمة والذلة ول يضع ذلك قريشا‪ ،‬ولن يضرهم‪ ,‬ولن يمنعهم من‬
‫تأدية ما عليهم‪ ،‬إن الشيطان عنكم غير غافل‪ ،‬قد عرفكم بالشر من‬
‫بين أمتكم‪ ،‬فأغرى بكم الناس‪ ،‬وهو صارعكم‪ ،‬لقد علم أنه ل‬
‫يستطيع أن يرد بكم قضاء الله‪ ،‬ول أمرا أراده الله‪ ،‬ول تدركون‬
‫منه وأخزى‪ ،‬ثم قام وتركهم‬ ‫بالشر أمرا إل فتح الله عليكم شرا‬
‫فتذامروا‪ ،‬فتقاصرت إليهم أنفسهم)‪.(3‬‬
‫وبذلك بذل معاوية كل طاقاته الفكرية والثقافية والسياسية‬
‫لقناعهم‪:‬‬
‫* عرض لهم أول أمر قريش في الجاهلية والسلم‪.‬‬
‫* تناول قبائل هؤلء النفر ووضعها في الجاهلية؛ حيث كانت‬
‫تعاني سوء المناخ ونتن المنبت من الناحية الطبيعية‪ ،‬ثم الذلة‬
‫والتبعية لفارس من الناحية السياسية‪ ،‬إلى أن أكرمهم الله بالسلم‬
‫ل‪ ،‬وارتفعت بعد هوان‪.‬‬ ‫فعزت بعد ذ ّ‬
‫* تناول معاوية صعصعة بن صوحان خطيب القوم‪ ،‬وكيف تلكأ‬
‫عن تلبية نداء الرسالة‪ ،‬وقد دخل قومه بها‪ ،‬ثم عاد وانضم إلى‬
‫السلم‪ ،‬ورفعه السلم ثانية بعد انحدار‪.‬‬
‫* كشف معاوية ‪ ‬عن مخططات صعصعة وأصحابه‪ ،‬وكيف‬
‫يبغون الفتنة‪ ،‬ويبغون دين الله عوجا‪.‬‬
‫وإن الشيطان هو وكر هذه الفتنة‪ ,‬ومحرك هذا الشر‪ ،‬وبذلك‬
‫ربط تاريخ المة بالله ثم بالسلم والعقيدة‪ ،‬ثم كشف عن زيف‬
‫‪1‬‬

‫)‪ (4‬تاريخ الطبري )‪.(5/326‬‬ ‫)( الشطير‪ :‬الغريب‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬

‫‪275‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وفضحهم عن آخرهم‪ ،‬وأبان عن مخططاتهم وصلتها‬ ‫هؤلء النفر‪،‬‬
‫بدعوى الجاهلية)‪.(1‬‬
‫* جلسة أخرى‪:‬‬
‫ثم أتاهم القابلة فتحدث عندهم طويل ثم قال‪ :‬أيها القوم‪ ،‬ردوا‬
‫ي خيرا‪ ،‬أو اسكتوا وتفكروا‪ ،‬وانظروا فيما ينفعكم‪ ,‬وينفع أهليكم‪،‬‬ ‫عل ّ‬
‫وينفع عشائركم‪ ،‬وينفع جماعة المسلمين‪ ،‬فاطلبوه تعيشوا ونعش‬
‫بكم‪.‬‬
‫قال صعصعة‪ :‬لست بأهل ذلك‪ ،‬ول كرامة لك أن تطاع في‬
‫معصية الله‪ .‬قال معاوية‪ :‬أو ليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى‬
‫الله‪ ،‬وطاعته‪ ,‬وطاعة نبيه ×‪ ،‬وأن تعتصموا بحبله جميعا ول‬
‫تفرقوا؟! قالوا‪ :‬بل أمرت بالفرقة وخلف ما جاء به النبي ×‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إني آمركم الن إن كنت فعلت فأتوب إلى الله وآمركم بتقواه‬
‫وطاعته وطاعة نبيه ×‪ ،‬ولزوم الجماعة وكراهة الفرقة‪ ،‬وأن توقروا‬
‫أئمتكم‪ ،‬وتدلوهم على كل حسن ما قدرتم‪ ،‬وتعظوهم في لين‬
‫ولطف في شيء إن كان منهم‪ .‬قال صعصعة‪ :‬فإنا نأمرك أن تعتزل‬
‫عملك‪ ،‬فإن من المسلمين من هو أحق به منك‪ .‬قال معاوية‪ :‬من‬
‫هو؟ قالوا‪ :‬من كان أبوه أحسن قدما من أبيك‪ ،‬وهو بنفسه أحسن‬
‫قدما منك في السلم‪ .‬قال معاوية‪ :‬والله إن لي في السلم قدما‪،‬‬
‫ولغيري كان أحسن قدما مني‪ ،‬ولكنه ليس في زماني أحد أقوى‬
‫على ما أنا فيه مني‪ ،‬ولقد رأى ذلك عمر ابن الخطاب‪ ،‬فلو كان‬
‫غيري أقوى مني لم يكن لي عند عمر هوادة ول لغيري‪ ،‬ولم أحدث‬
‫من الحدث ما ينبغي لي أن أعتزل عملي‪ ،‬ولو رأى ذلك أمير‬
‫المؤمنين وجماعة المسلمين لكتب بخط يده فاعتزلت عمله‪ ،‬ولو‬
‫قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت أن ل يعزم له على ذلك إل هو خير‪.‬‬
‫فمهل فإن في ذلك وأشباهه ما يتمنى الشيطان ويأمر‪ ،‬ولعمري لو‬
‫كانت المور تقضى على رأيكم وأمانيكم ما استقامت المور لهل‬
‫السلم يوما ول ليلة‪ ،‬ولكن الله يقضيها ويدبرها وهو بالغ أمره‪،‬‬
‫فعاودوا الخير وقولوه‪ .‬قالوا‪ :‬لست لذلك أهل‪ ،‬قال معاوية‪ :‬أما والله‬
‫إن لله سطوات ونقمات‪ ،‬وإني لخائف عليكم أن تتابعوا في مطاوعة‬
‫الشيطان حتى ُتحّلكم مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن دار‬
‫الهوان من نقم الله في عاجل المر والخزي الدائم في الجل‪،‬‬
‫فوثبوا عليه فأخذوا بلحيته ورأسه فقال‪ :‬مه‪ ،‬إن هذه ليست بأرض‬
‫الكوفة‪ ،‬والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت‬
‫أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم‪ ،‬فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه‬
‫بعضا‪ ،‬ثم قام من عندهم فقال‪ :‬والله ل أدخل عليكم مدخل ما بقيت‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫هذه المحاولة الخيرة التي بذل فيها معاوية أمير الشام كل‬
‫جهده‪ ،‬واستعمل حلمه وثقافته وأعصابه كي يثنيهم عن الفتنة‪ ،‬إنه‬
‫يدعوهم إلى تقوى الله وطاعته‪ ،‬والستمساك بالجماعة والبتعاد عن‬
‫الفرقة‪ ،‬وإذا بهم يرفعون عقيرتهم قائلين‪ :‬ليس لك أن تطاع في‬

‫)( معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(331 ،5/330‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪276‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫معصية الله‪ (1).‬وبحلمه الكبير‪ ،‬وصدره الواسع عاد فذكرهم بأنه ل‬
‫يأمرهم إل بطاعة الله‪ ،‬وعلى حد زعمهم فهو يتوب من المعصية إن‬
‫وقعت‪ ،‬ثم يعود لدعوتهم إلى الطاعة والجماعة والبتعاد عن تفريق‬
‫كلمة المة‪ ،‬ولو كان الوعظ يجدي معهم لمكن أن تتأثر قلوبهم لهذه‬
‫المعاملة‪ ،‬وهذا اللطف وهذا الحلم‪ ،‬لكنهم اعتبروا ذلك ضعفا وتهاونا‬
‫منه؛ خاصة وهو يوجههم إلى أن يستعملوا السلوب الهادئ في‬
‫العظة واللين في النصح‪ ،‬فوجدوا المجال رحبا أن يكشفوا عن‬
‫مكنون قلوبهم‪ .‬فقالوا‪ :‬فإنا نأمرك أن تعتزل عملك؛ فإن بالمسلمين‬
‫من هو أحق به منك‪ ،‬وانتبه معاوية انتباها مفاجئا إلى ما يكّنون‪،‬‬
‫فأحب أن يتعرف على جانب غامض عليه‪ ،‬لعل في هذا التعرف ما‬
‫يوصله إلى من يحركهم‪ ،‬ويبث في ذهنهم الراجيف المغرضة‪،‬‬
‫ولكنهم أخفوا ما يكنون‪ ,‬واكتفوا بالشارة إلى أنهم يحبون أن يدع‬
‫ن أ َُبوه أفضل من أبيه‪ ،‬ثم تحلم‬‫م ْ‬‫العمل لمن هو أفضل منه‪ ،‬ول ِ َ‬
‫عليهم أكثر فأكثر‪ ،‬رغم السلوب الفج الذي سلكوه معه‪ ،‬وهم‬
‫يأمرونه بأن يعتزل العمل‪ .‬وهنا نجد لمعاوية جوابا مستفيضا عن‬
‫وجهة نظره في الحكم والمارة والقيادة‪ ،‬وقد لخص معاوية إجابته‬
‫في ست نقاط أساسية ومهمة‪:‬‬
‫‪ -1‬هي أن له قدما وسابقة في السلم‪ ،‬فهو حامي ثغر الشام‬
‫منذ وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما‪.‬‬
‫‪ -2‬إن هناك في المسلمين من هو أفضل منه وأكرم‪ ،‬وأحسن‬
‫سابقة وأكثر بلء‪ ،‬وهو يرى أنه أقوى من يحمي هذا الثغر السلمي‬
‫العظيم )الشام(‪ ،‬فمنذ أن توله تمكن من ضبطه وسياسته‪ ،‬وفهم‬
‫نفسيات أهله حتى أحبوه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الميزان الحساس والمعيار الدقيق الذي يقيم الولة هو‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ‬الذي ل تأخذه في الله لومة لئم‪ ،‬فلو وجد في‬
‫معاوية شططا أو انحرافا أو ضعفا لعزله‪ ،‬ولما أبقى عليه يوما‬
‫واحدا‪ ،‬فقد عمل له طيلة خلفته‪ ،‬كما وله من قبل رسوله الله ×‬
‫على بعض عمله‪ ،‬واستخدمه كاتبا بين يديه‪ ،‬ووله أبو بكر الصديق‬
‫من بعده ولم يطعن في كفاءته أحد‪.‬‬
‫‪ -4‬إن اعتزال العمل يجب أن يستند لسباب موجبة للعتزال‪،‬‬
‫فما الحجة التي يقدمها دعاة الفتنة ليتم العتزال على أساسها؟‬
‫‪ -5‬إن الذي يقرر العزل عن العمل أو البقاء في المارة ليس‬
‫هؤلء الدعياء‪ ،‬إن ذلك من حق أمير المؤمنين عثمان ‪ ،‬وهو الذي‬
‫له الحق في تعيين الولة وعزلهم‪.‬‬
‫‪ -6‬إن أمير المؤمنين عثمان يوم يقرر عزل معاوية‪ ،‬فهو واثق أن‬
‫كله‪ ،‬ول غضاضة في ذلك؛ فهو أمير مأمور وهو أمر خليفة‬ ‫أمره خير‬
‫المسلمين)‪.(2‬‬
‫كان ختام الجلسة مؤسفا أشد السف‪ ,‬مؤلما أشد اللم‪ ،‬لقد‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(5/330‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬صحابي كبير وملك مجاهد‪ ،‬ص ‪.117-114‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪277‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫حذرهم نقمة الله وغضبه‪ ،‬وحذرهم مهاوي الشيطان ومنزلقاته‪،‬‬
‫وحذرهم فرقة الكلمة ومعصية المام‪ ،‬وحذرهم النقياد إلى أهوائهم‬
‫وغرورهم‪ ،‬فماذا كان منهم مقابل ذلك؟ وثبوا عليه وأخذوا برأسه‬
‫ولحيته‪ ،‬وعندئذ زجرهم وقمعهم‪ ،‬ووجه لهم كلما قاسيا مبطنا‬
‫بالتهديد‪ ،‬وعرف أن هؤلء يستحيل أن ينصاعوا للحق‪ ،‬فل بد من إبلغ‬
‫عثمان‪ ،(1‬وكشف هوياتهم وخطرهم ليرى‬ ‫أمرهم لمير المؤمنين‬
‫فيهم أمير المؤمنين رأيا آخر) ‪.‬‬
‫كتاب معاوية إلى عثمان ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬بشأن أهل‬
‫الفتنة من الكوفة‪:‬‬
‫كتب معاوية إلى عثمان ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قائل‪ :‬بسم الله‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي‬
‫ي أقواما يتكلمون‬‫سفيان‪ ،‬أما بعد‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬فإنك بعثت إل ّ‬
‫بألسنة الشياطين‪ ،‬وما يملون عليهم‪ ،‬ويأتون الناس ‪ -‬زعموا‪ -‬من‬
‫قبل القرآن فيشبهون على الناس‪ ،‬وليس كل الناس يعلم ما‬
‫يريدون‪ ،‬وإنما يريدون فرقة‪ ،‬ويقربون فتنة‪ ،‬قد أثقلهم السلم‬
‫وأضجرهم‪ ،‬وتمكنت رقى الشيطان من قلوبهم‪ ،‬فقد أفسدوا كثيرا‬
‫من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة‪ ،‬ولست آمن إن‬
‫أقاموا وسط أهل الشام‬
‫أن يغروهم بسحرهم وفجورهم‪ ,‬فارددهم إلى مصرهم‪ ،‬فلتكن دارهم‬
‫في مصرهم الذي‬
‫نجم فيه نفاقهم)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬رجوع أهل الفتنة إلى الكوفة ثم نفيهم إلى الجزيرة‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫كتب عثمان إلى سعيد بن العاص‪ ،‬فردهم إليه‪ ،‬فلم يكونوا إل‬
‫أطلق ألسنة منهم حين رجعوا‪ ،‬وكتب سعيد إلى عثمان يضج‬
‫منهم‪ ،‬فكتب عثمان إلى سعيد أن س ّ يرهم إلى عبد الرحمن بن‬
‫خالد بن الوليد ‪-‬وكان أميرا على حمص‪ -‬فلما وصلوا إلى عبد‬
‫الرحمن ابن خالد بن الوليد استدعاهم‪ ،‬وكلمهم كلما شديدا‪،‬‬
‫وكان مما قاله لهم‪ :‬يا آلة الشيطان‪ ،‬ل مرحبا بكم ول أهل‪ ،‬لقد‬
‫رجع الشيطان محسورا خائبا‪ ،‬وأنتم ما زلتم نشيطين في‬
‫الباطل!! خ ّ سر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم ويخزكم‪ ،‬يا معشر‬
‫من ل أدري من أنتم‪ :‬أعرب أم عجم‪ ،‬لن تقولوا لي كما كنتم‬
‫تقولون لسعيد ومعاوية‪ ،‬أنا ابن خالد بن الوليد‪ ،‬أنا ابن من قد‬
‫عجمته العاجمات‪ ،‬أنا ابن فاقئ الردة‪ ،‬والله لذلنكم‪ .‬وأقامهم‬
‫عبد الرحمن بن خالد عنده شهرا كامل‪ ،‬وعاملهم بمنتهى الحزم‬
‫والشدة‪ ،‬ولم يلن معهم كما لن سعيد ومعاوية‪ ،‬وكان إذا مشى‬
‫مشوا معه‪ ،‬وإذا ركب ركبوا معه‪ ,‬وإذا غزا غزوا معه‪ ،‬وكان ل يدع‬
‫مناسبة إل ويذلهم فيها‪ ،‬وكان إذا قابل زعيمهم )صعصة بن‬
‫صوحان( يقول له‪ :‬يا ابن الخطيئة‪ ،‬هل تعلم أن من لم يصلحه‬
‫الخير أصلحه الشر‪ ،‬وأن من لم يصلحه اللين أصلحته الشدة‪،‬‬
‫وكان يقول لهم‪ :‬لماذا ل تردون عل ّي كما كنتم تردون على سعيد‬
‫في الكوفة‪ ،‬وعلى معاوية بالشام؟ لماذا ل تخاطبوني كما كنتم‬
‫)( معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬الغضبان‪ ،‬ص ‪.118 ،117‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/331‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪278‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تخاطبونهما؟‬
‫ونفع معهم أسلوب عبد الرحمن بن خالد‪ ،‬وأخرسهم حزمه‬
‫وشدته وقسوته‪ ,‬وأظهروا له التوبة والندم‪ ،‬وقالوا له‪ :‬نتوب إلى الله‬
‫ونستغفره‪ ،‬أقلنا أقالك الله‪ ،‬وسامحنا سامحك الله‪ .‬وبقى القوم في‬
‫الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد‪ ,‬وأرسل عبد الرحمن أحد‬
‫زعمائهم ‪-‬وهو الشتر النخعي‪ -‬إلى عثمان ليخبره بتوبتهم وصلحهم‪،‬‬
‫وتراجعهم عما كانوا عليه من الفتنة‪ ،‬فقال عثمان للشتر‪ :‬احلل أنت‬
‫ومن معك حيث شئتم فقد عفوت عنكم‪ .‬قال الشتر‪ :‬نريد أن نبقى‬
‫عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪ ،‬وذكر له من فضل عبد الرحمن‬
‫عبد الرحمن في الجزيرة مدة أظهروا فيها التوبة‬ ‫وحزمه‪ ،‬فأقاما عند‬
‫والستقامة والصلح)‪ ،(1‬وسكت أصحاب الفتنة في الكوفة إلى حين‪،‬‬
‫وكان هذا في شهور سنة ثلث وثلثين‪ ،‬بعدما تم نفي رؤوس الفتنة‬
‫أصحاب‬ ‫إلى معاوية في الشام‪ ،‬ثم عبد الرحمن بن خالد‪ ،‬فرأى‬
‫الفتنة في الكوفة أن المصلحة تقتضي أن يسكنوا إلى حين)‪.(2‬‬
‫‪ -1‬أهل الفتنة بالبصرة يفترون على أشج عبد القيس‪:‬‬
‫أما أهل الفتنة بالبصرة بزعامة حكيم بن جبلة فقد كانوا ضد أهل‬
‫الفضل فيها‪ ,‬وتآمروا وكذبوا عليهم‪ ،‬وكان من أفضل وأتقى أهل‬
‫البصرة )أشج عبد القيس( واسمه عامر بن عبد القيس‪ ،‬وكان زعيما‬
‫لقومه‪ ،‬وقد وفد على رسول الله × وتعلم منه‪ ،‬ومدحه رسول)‪(3‬الله‬
‫بقوله‪» :‬إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله‪ :‬الحلم والناة«‪.‬‬
‫وكان عامر بن عبد القيس من قادة الجهاد في القادسية وغيرها‪،‬‬
‫وكان مقيما في البصرة‪ ،‬وكان على قسط كبير من الصلح والتقوى‪،‬‬
‫فكذب الخارجون عليه‪ ،‬واتهموه بالباطل‪ ،‬فسّيره عثمان إلى معاوية‬
‫بالشام‪ ،‬ولما كلمه معاوية وعامله‪ ،‬وعرف براءته وصدقه‪ ،‬وكذب‬
‫الخوارج وافتراءهم‬
‫عليه‪ ،‬وكان الذي تولى الكذب على عامر بن عبد القيس هو )حمران‬
‫بن أبان( وهو‬
‫رجل عاص بدون دين؛ حيث تزوج امرأة في أثناء عدتها‪ ،‬ولما علم‬
‫عثمان بذلك فرق بينهما‪ ،‬وضربه ونكل به لمعصيته‪ ،‬ونفاه إلى‬
‫البصرة‪ ،‬وهناك التقى مع زعيم السبئيين فيها؛ اللص حكيم بن‬
‫جبلة)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬ابن سبأ يحدد سنة أربع وثلثين للتحرك‪:‬‬
‫وفي سنة أربع وثلثين ‪ -‬السنة الحادية عشرة من خلفة عثمان ‪-‬‬
‫أحكم عبد الله بن سبأ اليهودي خطته‪ ،‬ورسم مؤامراته‪ ,‬ورتب مع‬
‫جماعته السبئيين الخروج على الخليفة وولته‪ ،‬فقد اتصل ابن سبأ‬
‫اليهودي من وكر مؤامراته في مصر بالشياطين من حزبه في‬
‫البصرة والكوفة والمدينة‪ ،‬واتفق معهم على تفاصيل الخروج‪،‬‬
‫وكاتبهم وكاتبوه‪ ،‬وراسلهم وراسلوه‪ ،‬وكان ممن كاتبهم وراسلهم‪،‬‬

‫)‪ (2‬الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص‬ ‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/327‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.134‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( صحيح السيرة النبوية‪ ،‬ص ‪.635‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(334 ،5/333‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪279‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫السبئيون في الكوفة‪ ،‬وقد كان بضعة عشر رجل منهم منفيين في‬
‫الشام‪ ،‬ثم في الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪ ،‬وبعد‬
‫أولئك( الخارجين كان زعيم السبئيين الحاقدين في الكوفة يزيد‬ ‫نفي‬
‫بن قيس)‪ ، 1‬وقد خلت الكوفة في سنة أربع وثلثين من وجوهها‬
‫وأشرافها‪ ،‬لنهم توجهوا للجهاد في سبيل الله‪ ،‬ولم يبق إل الرعاع‬
‫بأفكارهم‬ ‫والغوغاء‪ ،‬الذي أثر فيهم السبئيون والمنحرفون وشحنوهم‬
‫الخبيثة‪ ،‬وهّيجوهم ضد والي عثمان على الكوفة سعيد بن العاص)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬أوضاع أهل الكوفة عند تحرك أهل الفتنة‪:‬‬
‫قال الطبري عن أوضاع الكوفة سنة أربع وثلثين‪ :‬وفد سعيد بن‬
‫العاص إلى عثمان في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان‪ ،‬وقد بعث‬
‫سعيد قبل خروج الشعث بن قيس إلى أذربيجان‪ ،‬وسعيد بن قيس‬
‫إلى الري‪ ،‬والنسير العجلي إلى همذان‪ ،‬والسائب بن القرع إلى‬
‫أصبهان‪ ،‬ومالك بن حبيب إلى ماه‪ ،‬وحكيم بن سلمة إلى الموصل‪،‬‬
‫وجرير بن عبد الله إلى قرقيسيا‪ ،‬وسلمان بن ربيعة إلى الباب‪،‬‬
‫وعتيبة بن النهاس إلى حلوان‪ ،‬وجعل على الحرب القعقاع بن عمرو‬
‫)‪(3‬‬
‫التميمي‪ ،‬وكان نائبه بعد خروجه عمرو بن حريث‪ ،‬وبذلك خلت‬
‫الكوفة من الوجوه والرؤساء‪ ،‬ولم يبق فيها إل منزوع أو مفتون‪.‬‬
‫وفي هذا الجو خرج زعيم السبئيين في الكوفة )يزيد بن قيس( بعد‬
‫الذين‬ ‫اتفاق مع شيطانه ابن سبأ في مصر‪ ،‬وخرج معه أهل الفتنة‬
‫انضموا إلى جمعية ابن سبأ السرية‪ ،‬والغوغاء الذين تأثروا بها)‪.(4‬‬
‫‪ -4‬القعقاع بن عمرو التميمي يقضي على التحرك الول‪:‬‬
‫خرج يزيد بن قيس في الكوفة‪ ،‬وهو يريد خلع عثمان‪ ،‬فدخل‬
‫المسجد وجلس فيه‪ ,‬وتجمع عليه في المسجد السبئيون‪ ,‬الذين كان‬
‫ابن السوداء يكاتبهم من مصر‪ ،‬ولما تجمع الخارجون في المسجد‪،‬‬
‫علم بأمرهم القعقاع بن عمرو أمير الحرب‪ ،‬فألقى القبض عليهم‪،‬‬
‫وأخذ زعيمهم يزيد بن قيس معه‪ ،‬ولما رأى يزيد شدة القعقاع‬
‫ويقظته وبصيرته لم يجاهره بهدفهم وخطتهم في الخروج على‬
‫الخليفة عثمان وخلعه‪ ،‬وأظهر له أن كل ما يريده هو وجماعته عزل‬
‫الوالي سعيد بن العاص‪ ،‬والمطالبة بوال آخر مكانه‪ ،‬فاستجيب‬
‫لطلبهم‪ ,‬ولذلك أطلق القعقاع سراح الجماعة لما سمع كلم يزيد‪،‬‬
‫ثم قال ليزيد‪ :‬ل تجلس لهذا الهدف في المسجد ول يجتمع عليك أحد‬
‫في بيتك‪ ،‬واطلب ما تريد من الخليفة وسيحقق‬ ‫واجلس‬
‫لك ذلك)‪.(5‬‬
‫‪ -5‬يزيد بن قيس يكاتب أهل الفتنة عند عبد الرحمن بن خالد‪:‬‬
‫جلس يزيد بن قيس في بيته‪ ،‬واضطر إلى تعديل خطته في‬
‫الخروج والفتنة‪ ،‬واستأجر هذا السبئي )يزيد بن قيس( رجل وأعطاه‬
‫دراهم وبغل‪ ،‬وأمره أن يذهب بسرعة وكتمان إلى السبئيين من أهل‬
‫الكوفة الذين نفاهم عثمان بن عفان إلى الشام‪ ,‬ثم إلى الجزيرة‪،‬‬
‫)‪ (2 ،‬الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.135‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/337‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون‪ ،‬للخالدي‪ ،‬ص ‪.136‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/337‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪280‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وهم مقيمون عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد هناك‪ ،‬وقد أظهروا‬
‫له التوبة والندم‪ ،‬وقال يزيد لخوانه الشياطين في كتابه‪ :‬إذا وصلكم‬
‫ي‪ ،‬فقد راسلنا إخواننا في‬ ‫كتابي فل تضعوه من أيديكم حتى تأتوا إل ّ‬
‫مصر ‪-‬وهم السبئيون هناك‪ -‬واتفقنا معهم على الخروج‪ .‬ولما قرأ‬
‫الشتر كتاب يزيد خرج فورا للكوفة‪ ،‬ولحق به إخوانه الخارجون‪،‬‬
‫وفقدهم عبد الرحمن بن خالد فلم يجدهم فأرسل جماعة في طلبهم‬
‫فلم يدركوهم‪ ،‬واتصل يزيد بن قيس بجماعته مرة ثانية‪ ،‬واتصل‬
‫جماعته بالرعاع والغوغاء في الكوفة‪ ،‬وتجمعوا في المسجد‪ ،‬ودخل‬
‫عليهم الشتر النخعي في المسجد وعمل على إثارتهم وتهييجهم‬
‫ودفعهم للثورة والخروج‪ ،‬وكان مما قال لهم‪ :‬لقد جئتكم من عند‬
‫الخليفة عثمان‪ ،‬وتركت واليكم سعيد بن العاص عنده‪ ،‬وقد اتفق‬
‫عثمان وسعيد على إنقاص عطائكم‪ ،‬وخفض أموالكم من مئتي درهم‬
‫إلى مئة درهم‪ .‬وقد كذب الشتر فيما قال‪ ،‬ولم يتحدث عثمان‬
‫وسعيد بذلك‪ ،‬ولكنه كيد السبئيين في نشر الكاذيب والفتراءات‬
‫لتهييج العامة‪ ،‬واستخف الشتر بكلمه الناس في المسجد‪ ،‬وأثر في‬
‫الرعاع والغوغاء وهيجهم‪ ،‬وكانت ضجة كبيرة في المسجد‪ ،‬وصار‬
‫يكلمه عقلء المسلمين من وجوههم وأشرافهم وصالحيهم وأتقيائهم؛‬
‫بن مسعود‪ ،‬والقعقاع بن عمرو‪،‬‬ ‫كأبي موسى الشعري‪ ،‬وعبد الله‬
‫فلم يسمع لهم‪ ،‬ولم يستجب لهم‪ (1).‬وصاح يزيد بن قيس في‬
‫الغوغاء والرعاع داخل المسجد وخارجه‪ ،‬وقال‪ :‬إني خارج إلى طرق‬
‫المدينة لمنع سعيد بن العاص من دخول الكوفة‪ ،‬ومن شاء أن يخرج‬
‫معي لمنع سعيد من الدخول والمطالبة بوال مكانه فليفعل‪،‬‬
‫فاستجاب لندائه السبئيون والرعاع‪ ،‬وخرج معه حوالي ألف منهم)‪.(2‬‬
‫‪ -6‬القعقاع بن عمرو يرى قتل قادة أهل الفتنة‪:‬‬
‫ولما خرج السبئيون والغوغاء طلبا للفتنة والتمرد وإحداث‬
‫القلقل‪ ،‬بقى في المسجد وجوه المسلمين وأشرافهم وحلماؤهم‪،‬‬
‫حريث وطالب المسلمين بالخوة‬ ‫فصعد المنبر نائب الوالي عمرو بن ُ‬
‫والفتنة والخروج‪ ،‬ودعاهم‬ ‫والختلف‬ ‫والوحدة ونهاهم عن التفرق‬
‫إلى عدم الستجابة للخارجين والمتمردين)‪ ،(3‬فقال القعقاع بن‬
‫الفرات عن أدراجه‪ ،‬هيهات‪ ،‬ل‬ ‫عمرو‪ :‬أترد السيل عن عبابه‪ ،‬فاردد‬
‫جون‬ ‫ّ‬ ‫يع‬ ‫ثم‬ ‫ضى‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َُْ َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ويوشك‬ ‫‪،‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫المشرفية‬ ‫س ّ‬
‫كن الغوغاء إل‬ ‫والله ل ت ُ َ‬
‫عجيج العتدان)‪ ،(5‬ويتمنون ما هم)‪(6‬فيه فل يرده عليهم أبدا‪ ،‬فاصبر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أصبر‪ ,‬وتحول إلى منزله‪.‬‬
‫‪ -7‬أهل الفتنة يمنعون سعيد بن العاص من دخول الكوفة‪:‬‬
‫سار يزيد بن قيس ومعه الشتر النخعي باللف من الخارجين‬
‫جَرعة(‪ ،‬وبينما كانوا‬‫إلى مكان على طريق المدينة يسمى )ال َ‬
‫معسكرين في الجرعة‪ ،‬طلع عليهم سعيد بن العاص عائدا من عند‬
‫تاريخ الطبري )‪ ،(5/338‬الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/338‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المشرفية‪ :‬نوع من السيوف‪ .‬تنتضى‪ :‬تمضي وتزول النعم والخيرات‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫العتود‪ :‬الجدي الذي استكرش‪ ،‬وقيل‪ :‬الحولي من أولد الماعز‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/338‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪281‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عد من حيث أتيت ول حاجة لنا بك‪ ،‬ونحن نمنعك‬ ‫عثمان‪ ،‬فقالوا له‪ُ :‬‬
‫من دخول الكوفة‪ ،‬وأخبر عثمان أننا ل نريد واليا علينا‪ ،‬ونريد من‬
‫عثمان أن يجعل أبا موسى الشعري واليا مكانك‪ ،‬قال لهم سعيد‪:‬‬
‫لماذا خرجتم ألفا لتقولوا لي هذا الكلم؟ كان يكفيكم أن تبعثوا رجل‬
‫إلى أمير المؤمنين بطلبكم‪ ،‬وأن توقفوا لي رجل في الطريق‬
‫ليخبرني بذلك‪ ،‬وهل يخرج ألف رجل لهم عقول لمواجهة رجل‬
‫واحد)‪(1‬؟‬
‫رأى سعيد بن العاص أن من الحكمة عدم مواجهتهم‪ ،‬وعدم‬
‫تأجيج نار الفتنة‪ ،‬بل محاولة إخمادها‪ ،‬أو تأجيل اشتعالها على القل‪،‬‬
‫وهذا رأي أبي موسى الشعري‪ ،‬وعمرو بن حريث‪ ,‬والقعقاع بن‬
‫عمرو في الكوفة‪ (2).‬وعاد سعيد بن العاص إلى عثمان وأخبره خبر‬
‫القوم الخوارج‪ ،‬قال له عثمان‪ :‬ماذا يريدون؟ هل خلعوا يدا من‬
‫طاعة؟ وهل خرجوا على الخليفة وأعلنوا عدم طاعتهم له؟ قال له‬
‫سعيد‪ :‬ل لقد أظهروا أنهم ل يريدونني واليا عليهم‪ ،‬ويريدون واليا‬
‫آخر مكاني‪ ،‬قال له عثمان‪ :‬من يريدون واليا؟ قال سعيد بن العاص‪:‬‬
‫يريدون أبا موسى الشعري‪ ،‬قال عثمان‪ :‬قد عينا وأثبتنا أبا موسى‬
‫واليا عليهم‪ ،‬والله لن نجعل لحد عذرا‪ ،‬ولن نترك لحد حجة‪،‬‬
‫ولنصبرن عليهم كما هو مطلوب منا‪ ،‬حتى نعرف حقيقة ما يريدون‪.‬‬
‫وكتب عثمان إلى أبي موسى بتعيينه واليا على الكوفة)‪.(3‬‬
‫وقبل وصول كتاب عثمان بتعيين أبي موسى واليا كان في مسجد‬
‫الكوفة بعض أصحاب رسول الله ×‪ ،‬وقد حاولوا ضبط المور وتهدئة‬
‫العامة‪ ،‬ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك؛ لن السبئيين والحاقدين سيطروا‬
‫على الرعاع والغوغاء وهيجوهم‪ ،‬فلم يعودوا يسمعون صوت عقل أو‬
‫منطق‪ .‬وكان في مسجد الكوفة وقت التمرد والفتنة اثنان من أصحاب‬
‫رسول الله ×هما‪ :‬حذيفة بن اليمان‪ ،‬وأبو مسعود عقبة بن عمرو‬
‫النصاري البدري‪ ،‬وكان أبو مسعود غاضبا لتمرد وثورة الرعاع‬
‫وخروجهم إلى الجرعة‪ ،‬وعزلهم الوالي سعيد‪ ،‬وعصيانهم له‪ ،‬وهي أول‬
‫مرة تحصل‪ ،‬بينما كان حذيفة بعيد النظر‪ ،‬يتعامل مع الحدث‬
‫بموضوعية وتفكير‪(4).‬قال أبو مسعود لحذيفة‪ :‬لن يعودوا من الجرعة‬
‫سالمين‪ ،‬وسيرسل الخليفة جيشا لتأديبهم‪ ،‬وستسفك فيها دماء كثيرة‪،‬‬
‫فرد عليه حذيفة قائل‪ :‬والله سيعودون إلى الكوفة‪ ،‬ولن يكون هناك‬
‫اشتباك أو حرب ولن تسفك هناك دماء‪ ،‬وما أعلم من هذه الفتن‬
‫شيئا‪ ،‬إل وقد علمته من رسول الله × وهو حي؛ حيث أخبرنا عن هذه‬
‫الفتن التي نراها اليوم قبل وفاته‪ ،‬ولقد أخبرنا رسول الله × أن‬
‫الرجل يصبح على السلم ثم يمسي وليس معه من السلم شيء‪ ،‬ثم‬
‫يقاتل المسلمين‪ ،‬فيرتد وينكص قلبه ويقتله الله غدا‪ ،‬وسيكون هذا‬
‫فيما بعد‪ (5).‬لقد كان حذيفة بن اليمان ‪ ‬متخصصا في علم الفتن‪،‬‬
‫وتعامل مع فتن السبئيين في الكوفة وغيرها وفق ما سمعه وعلمه‬
‫× واستحضر ما حفظه من تلك الحاديث‪ ,‬ففهم‬ ‫من رسول الله ‪،‬‬
‫حقيقة ما يجري حوله‪ ،‬ولم يستبعده ولم يستغربه وحاول الصلح ما‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(5/338‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪ (2) .104‬تاريخ الطبري )‪.(5/339‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ (4‬تاريخ الطبري )‪.(5/342‬‬ ‫)( الخلفاء الراشدون‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫‪282‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أمكنه)‪.(1‬‬
‫‪ -8‬أبو موسى الشعري يهدئ المور وينهى عن العصيان‪:‬‬
‫قام أبو موسى الشعري ‪ ‬بتهدئة المور‪ ،‬ونهى الناس عن‬
‫العصيان‪ ،‬وقال لهم‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ل تخرجوا في مثل هذه المخالفة‪،‬‬
‫الزموا جماعتكم والطاعة‪ ،‬وإياكم‬ ‫ول تعودوا لمثل هذا العصيان‪،‬‬
‫ل بنا‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬إل على‬ ‫والعجلة‪ ،‬اصبروا فكأنكم بأمير‪ (2).‬فقالوا‪ :‬فص ّ‬
‫والطاعة لعثمان بن عفان‪ ،‬قالوا‪ :‬على السمع والطاعة‬ ‫السمع‬
‫لعثمان)‪.(3‬‬
‫وما كانوا صادقين في ذلك‪ ،‬لكنهم كانوا يخفون أهدافهم الحقيقية‬
‫عن الخرين‪ ،‬وكان أبو موسى يصلي بالناس إلى أن جاءه كتاب‬
‫عثمان بتعيينه واليا على الكوفة‪ ،‬ولما هدأت المور في الكوفة إلى‬
‫حين ‪ -‬في سنة أربع وثلثين ‪ -‬عاد حذيفة بن اليمان إلى أذربيجان‬
‫جيوش‪(4‬الجهاد هناك‪ ،‬وعاد العمال والولة إلى أعمالهم‬ ‫والباب يقود‬
‫في مناطق فارس) ‪.‬‬
‫‪ -9‬كتاب عثمان إلى الخارجين في الكوفة‪:‬‬
‫كتب عثمان بن عفان إلى الخارجين من أهل الكوفة كتابا يبين‬
‫فيه الحكمة من استجابته لطلبهم في عزل سعيد وتعيين أبي موسى‬
‫بدله‪ ،‬وهي رسالة ذات دللت هامة‪ ،‬وتبين طريقة عثمان في‬
‫مواجهة هذه الفتن‪ ،‬ومحاولته تأجيل اشتعالها ما استطاع‪ ،‬مع علمه‬
‫اليقيني أنها قادمة‪ ،‬وأنه عاجز عن مواجهتها‪ ،‬فهذا ما علمه من‬
‫مرت‬ ‫رسول الله ×‪ ،‬قال لهم عثمان في رسالته‪ :‬أما بعد‪ ،‬فقد أ ّ‬
‫عليكم من اخترتم‪ ،‬وأعفيتكم من سعيد‪ ،‬والله لفرشن لكم عرضي‪،‬‬
‫ولبذلن لكم صبري‪ ،‬ولستصلحنكم بجهدي‪ ،‬واسألوني كل ما أحببتم‬
‫مما ل يعصى الله فيه‪ ،‬فسأعطيه لكم‪ ،‬ول شيئا كرهتموه ل يعصى‬
‫ما( أحببتم حتى ل يكون لكم‬ ‫الله فيه إل استعفيتم منه‪ ،‬أنزل فيه عند‬
‫ي حجة‪ ،‬وكتب بمثل ذلك في المصار‪ 5).‬رضي الله عن أمير‬ ‫عل ّ‬
‫المؤمنين عثمان‪ ،‬ما أصلحه‪ ،‬وأوسع صدره‪(6)،‬وكم ظلمه السبئيون‬
‫والخارجون والحاقدون وكذبوا وافتروا عليه ‪.‬‬
‫***‬
‫المبحث الثاني‬
‫سياسة عثمان ‪ ‬في التعامل مع الفتنة‬
‫من خلل النصوص التاريخية في العديد من المصادر يتضح أن‬
‫عثمان ‪ ‬قد واجه الفتنة بعدد من الساليب وهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬رأي بعض الصحابة بأن يرسل عثمان لجان تفتيش‬ ‫أو ً‬
‫وتحقيق‪:‬‬

‫)( حذيفة بن اليمان‪ ،‬إبراهيم العلي‪ ،‬ص ‪ ,86‬الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.141‬‬
‫)( أي‪ :‬يأتيكم من قبل أمير المؤمنين عثمان‪ (3) .‬تاريخ الطبري )‪.(5/339‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪ (5) .142‬تاريخ الطبري )‪.(5/343‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪283‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫اهتز محمد بن مسلمة وطلحة بن عبيد الله وغيرهما لما سمعوا‬
‫من الشاعات التي بثها عبد الله بن سبأ في المصار‪ ،‬فدخلوا على‬
‫أمير المؤمنين عثمان على عجل وقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أيأتيك عن‬
‫الناس الذي يأتينا؟ قال‪ :‬ل والله‪ ،‬ما جاءني إل السلمة‪ .‬قالوا‪ :‬فإنا‬
‫قد أتانا‪ ،‬وأخبروه بما تناهى لسمعهم عن الفتنة التي تموج بها‬
‫المصار السلمية‪ ،‬وعن الهجوم الشرس على ولته في كل صقع‪،‬‬
‫ي؟ قالوا‪ :‬نشير‬ ‫وقال‪ :‬أنتم شركائي وشهود المؤمنين‪ ،‬فأشيروا عل ّ‬
‫أن‪(1‬تبعث رجال ممن تثق بهم إلى المصار حتى يرجعوا إليك‬ ‫عليك‬
‫بخبرهم) ‪ ،‬فقام عثمان بإجراء سديد عظيم‪ ،‬وتخير نفرا من الصحابة‬
‫ل يختلف اثنان في صدقهم وتقواهم وورعهم‪ ،‬ونصحهم‪ ،‬اختار محمد‬
‫بن مسلمة الذي كان عمر يأتمنه على محاسبة ولته والتفتيش‬
‫حّبه‪،‬‬
‫ب رسول الله × وابن ِ‬ ‫ح ّ‬‫عليهم في القاليم‪ ،‬وأسامة بن زيد ِ‬
‫وأمير الجيش الذي أوصى النبي × بإنفاذه في آخر عهده بالدنيا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أنفذوا بعث أسامة‪ .‬وعمار بن ياسر السّباق إلى السلم‪،‬‬
‫والمجاهد العظيم‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪ ،‬التقي الفقيه الورع‪ .‬فأرسل‬
‫محمد بن مسلمة إلى الكوفة‪ ،‬وأسامة إلى البصرة‪ ،‬وعمار إلى‬
‫مصر‪ ،‬وابن عمر إلى الشام‪ ،‬وكانوا على رأس جماعة‪ ،‬فأرسلهم إلى‬
‫تلك المصار الكبيرة‪ ،‬فمضوا جميعا إلى عملهم الشاق المضني‬
‫الخطير العظيم‪ ،‬ثم عادوا جميعا عدا عمار بن ياسر الذي استبطأ‬
‫في مصر ثم عاد‪ ،‬وقدموا بين يدي أمير المؤمنين ما شاهدوه‬
‫وسمعوه وسألوا الناس عنه‪ (2).‬وكان ما جاء به هؤلء واحد في كل‬
‫ول‪(3‬أنكر المسلمون إل‬ ‫المصار‪ ،‬وقالوا‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ما أنكرنا شيئا‪،‬‬
‫أن أمراءهم يقسطون بينهم‪ ،‬ويقومون عليهم‪ ).‬وأما ما روي من‬
‫اتهام عمار بن ياسر ‪ ‬بالتأليب على عثمان ‪ ‬فإن أسانيد الروايات‬
‫تتضمن هذه التهمة ضعيفة‪ ،‬ل تخلو من علة‪ ،‬كما أن في متونها‬ ‫التي‬
‫نكارة)‪.(4‬‬
‫رجع مفتشو المصار‪ ،‬واتضح بأنه ليس هناك ما يوجب على‬
‫الخليفة أن يعزل واحدا من ولته‪ ،‬والناس في عافية وعدل وخير‬
‫ورحمة واطمئنان‪ ،‬وأمير المؤمنين يعدل في القضية‪ ،‬ويقسم‬
‫بالسوية‪ ،‬ويرعى حق الله وحق الرعية‪ ،‬وما يثار هو شكوك وأراجيف‬
‫وأكاذيب يبثها الحاقدون في الظلمات لكي ل يعرف مصدرها‪ ،‬ولكن‬
‫ف بهذا‪ ،‬بل كتب إلى أهل‬ ‫البار الراشد العظيم لم يكت ِ‬ ‫الخليفة‬
‫المصار)‪.(5‬‬
‫ثانًيا‪ :‬كتب إلى أهل المصار كتابا شامل بمثابة إعلن عام لكل‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم‪ ،‬وقد سلطت‬
‫المة منذ وليت على المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فل يرفع‬
‫على شيء ول على أحد من عمالي إل أعطيته‪ ،‬وليس لي ولعيالي‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ..‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.210‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪.(1/117‬‬ ‫‪4‬‬

‫)‪ (3 ،‬تاريخ الطبري )‪.(1/349‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪284‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ى أهل المدينة أن أقواما‬ ‫حق قبل الرعية إل متروك لهم‪ ،‬وقد رفع إل ّ‬
‫شتم سرا‪ ،‬من‬ ‫ضرب سرا‪ ،‬و ُ‬ ‫يشتمون‪ ،‬وآخرون يضربون‪ ،‬فيا من ُ‬
‫ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان‪ ،‬مني أو‬
‫من عمالي‪ ،‬أو تصدقوا فإن الله‬
‫المصار أبكى الناس‪ ،‬ودعوا‬ ‫في‬ ‫يجزي المتصدقين‪ ،‬فلما قرئ‬
‫شّر )‪.(1‬‬‫خض ب ِ َ‬ ‫لعثمان‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن المة لتم ّ‬
‫فهل تريد الدنيا أن تسمع بحزم وعزم أعلى وأشمخ من هذا‬
‫الحزم والعزم من رجل زادت سنه على اثنتين وثمانين سنة‪ ،‬وهو‬
‫في هذه الفورة والقوة من المتابعة والتنقيب عن المظالم؟ أم هل‬
‫يريد الناس أن يروا عدل أرفع وأسمى من هذا العدل والنصاف‪،‬‬
‫حتى إن حق أمير المؤمنين الشخصي متروك لرعيته‪ ،‬ما دام حق‬
‫الله قائما وحدوده مرعية؟ نعم عند عثمان‪ ،‬الذي لم يقف عند ذلك‪،‬‬
‫ف بأن أرسل أمناءه للتفتيش عن أحوال الناس‪ ،‬وكتابته من‬ ‫ولم يكت ِ‬
‫ثم إلى أهل المصار بأن يأتوا موسم الحج ليرفعوا شكاتهم ‪-‬إن كانت‬
‫لهم‪ -‬أمام جموع الحجيج‪ ،‬ولم يكتف عثمان بذلك كله؛ بل بعث إلى‬
‫عمال المصار أنفسهم ليواجهوا الناس عندما يرفعون مظالمهم ‪-‬إن‬
‫عما يتناقله الناس‪ ،‬وليشيروا‬ ‫وجدت‪ -‬ثم ليسألهم أمير المؤمنين‬
‫عليه بالرأي الناصح السديد الرشيد)‪.(2‬‬
‫ثالثـا‪ :‬مشورة عثمان لولة المصار‪:‬‬
‫بعث عثمان ‪ ‬إلى ولة المصار واستدعاهم على عجل؛ عبد‬
‫الله بن عامر‪ ،‬ومعاوية ابن أبي سفيان‪ ،‬وعبد الله بن سعد‪ ،‬وأدخل‬
‫معهم في المشورة سعيد بن العاص‪ ،‬وعمرو بن العاص ‪-‬وهم من‬
‫الولة السابقين‪ ،-‬وكانت جلسة مغلقة وخطيرة جرت فيها البحاث‬
‫الجديدة على ضوء الخبار المتناهية‬ ‫التالية التي تقرر خطة العمل‬
‫إلى المدينة عاصمة دولة السلم‪ (3).‬قال عثمان‪ :‬ويحكم ما هذه‬
‫الشكاية؟ وما هذه الذاعة؟ إني والله لخائف أن يكون مصدوقا‬
‫عليكم وما يعصب)‪ (4‬هذا إل بي‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك‬
‫الخبر عن القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ ل والله ما‬
‫صدقوا ول بروا‪ ،‬ول نعلم لهذا المر أصل‪ ،‬وما كنت لتأخذ به أحد‬
‫فيضمنك على شيء‪ ،‬وما هي إل إذاعة ل يحل الخذ بها‪ ،‬ول النتهاء‬
‫ي‪ ،‬فقال سعيد بن العاص‪ :‬هذا أمر مصنوع‬ ‫إليها‪ .‬قال‪ :‬فأشيروا عل ّ‬
‫يصنع في السر‪ ،‬فيلقى به غير ذي معرفة‪ ،‬فيخبر به فيتحدث به في‬
‫مجالسهم‪ ،‬قال‪ :‬فما دواء ذلك؟ قال‪ :‬طلب هؤلء القوم‪ ،‬ثم قتل‬
‫هؤلء الذين يخرج هذا من عندهم‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن سعد‪ :‬خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم‬
‫الذي لهم‪ ،‬فإنه خير من أن تدعهم‪ .‬قال معاوية‪ :‬قد وليتني فوليت‬
‫قوما ل يأتيك عنهم إل الخير‪ ،‬والرجلن أعلم بناحيتهما‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫الرأي؟ قال‪ :‬حسن الدب‪ ،‬قال‪ :‬فما ترى يا عمرو؟ قال‪ :‬أرى أنك قد‬
‫لنت لهم‪ ،‬وتراضيت عنهم‪ ،‬وزدتهم عما كان يصنع عمر‪ ،‬فأرى أن‬
‫تلزم طريقة صاحبك فتشد في موضع الشدة‪ ,‬وتلين في موضع‬
‫‪1‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ..‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬يعصب بي‪ :‬يناط بي‪.‬‬ ‫)( معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫‪285‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫اللين‪ ،‬إن الشدة تنبغي لمن ل يألو الناس شرا‪ ،‬واللين لمن يخلف‬
‫الناس بالنصح‪ ،‬وقد فرشتهما جميعا اللين‪ .‬وقام عثمان فحمد الله‬
‫ي قد سمعت‪ ،‬ولكل أمر باب‬ ‫وأثنى عليه وقال‪ :‬كل ما أشرتم به عل ّ‬
‫يؤتى منه‪ ،‬إن هذا المر الذي يخاف على هذه المة كائن‪ ،‬وإن بابه‬
‫الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة‪ ،‬إل في حدود‬
‫الله تعالى ذكره‪ ،‬التي ل يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها‪ ،‬فإن‬
‫ى حجة حق‪،‬‬ ‫سده شيء فرفق‪ ،‬فذاك والله ليفتحن‪ ،‬وليست لحد عل ّ‬
‫وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا‪ ،‬ول نفسي‪ ،‬ووالله إن رحى‬
‫الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها‪ ،‬كفكفوا الناس‪،‬‬
‫حقوقهم‪ ،‬واغتفروا لهم‪ ،‬وإذا تعوطيت حقوق الله فل‬ ‫وهبوا لهم‬
‫دهنوا فيها)‪.(1‬‬‫تُ ْ‬
‫لقد خالف عثمان ‪ ‬رأي أخيه عمرو باتباع الشدة‪ ،‬ولم يخالفه‬
‫في اتباع سنة صاحبيه‪ ،‬فرحى الفتنة دائرة‪ ،‬ول تعالج بالعنف؛ لن‬
‫العنف هو الذي يدير هذه الرحى‪ ،‬ولن يرضى أمير المؤمنين أن‬
‫يكون صاحبها )فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها(‪ ،‬وكان واضحا‬
‫صريحا ‪ ‬فيما ل هوادة فيه وهي حدود الله‪ ،‬فل مداهنة فيها وما‬
‫ذلك؛ فالرفق أولى والمغفرة أفضل‪ ،‬ول بد من تأدية الحقوق‬ ‫)‪(2‬‬
‫غير‬
‫كلها‪.‬‬
‫وقد جاءت روايات بسند فيه ضعيف ومجهولون تشوه العلقة‬
‫بين عمرو بن العاص وعثمان رضي الله عنهما‪ ،‬وساهمت روايات‬
‫ساقطة في مسخ صورة عمرو بن العاص ‪ ،‬وتحويل علقته بعثمان‬
‫إلى‪ (3‬علقة فاتك خطط لقتل أميره‪ ،‬ثم عاد بانتهازية ليطالب‬ ‫)‬
‫‪‬‬
‫وهذه الرواية ضعيفة ومرفوضة عند أهل التاريخ وأهل‬ ‫بدمه‪.‬‬
‫الحديث‪ (4).‬وقد جاء في رواية بسند فيها ضعفاء ومجهولون أيضا بأن‬
‫عمرو بن العاص قال‪ :‬يا عثمان‪ :‬إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية‬
‫وزغت( وزاغوا‪ ،‬فاعتدل أو اعتزل‪ ،‬فإن أبيت فاعتزم‬ ‫فقلت وقالوا‪,‬‬
‫عزما وامض قدما‪ 5).‬وجاء في نفس الرواية أن عبد الله بن عامر‬
‫قال‪ :‬أرى لك أن تجمرهم‬
‫رجل منهم قمل فروة رأسه ودبر‬ ‫كل‬ ‫يهم‬ ‫في هذه البعوث حتى‬
‫دابته‪ ،‬وتشغلهم عن الرجاف بك)‪.(6‬‬
‫بمثيري الشغب )حبسهم أو‬ ‫إن عثمان ‪ ‬منع الولة من التنكيل‬
‫قتلهم(‪ ،‬وقرر أن يعاملهم بالحسنى واللين)‪ ,(7‬وطلب من عماله أن‬
‫يعودوا إلى أعمالهم‪ ،‬وفق ما أعلنه)‪(8‬لهم من أسلوب مواجهة الفتنة‬
‫التي كان كل بصير يرى أنها قادمة ‪.‬‬
‫‪ -1‬اقتراحان لمعاوية يرفضهما عثمان رضي الله عنهما‪:‬‬
‫قبل أن يتوجه معاوية بن أبي سفيان إلى الشام‪ ،‬أتى إلى عثمان‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/351‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عمرو بن العاص‪ ..‬المير المجاهد‪ ،‬للغضبان‪ ،‬ص ‪.447‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (3 ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.448‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫)‪ (5 ،‬تاريخ الطبري )‪.(5/340‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫)( خلفة عثمان‪ ،‬د‪.‬السلمي‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون‪ ،‬للخالدي‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪286‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ,‬انطلق معي إلى الشام‪ ،‬قبل أن يهجم‬
‫عليك من المور والحداث ما ل قبل لك بها‪.‬‬
‫قال عثمان‪ :‬أنا ل أبيع جوار رسول الله × بشيء ولو كان فيه‬
‫قطع خيط عنقي‪ .‬قال له معاوية‪ :‬إذن أبعث لك جيشا من أهل‬
‫الشام‪ ،‬يقيم في المدينة‪ ،‬لمواجهة الخطار المتوقعة ليدافع عنك‬
‫وعن أهل المدينة‪ ،‬قال عثمان‪ :‬ل‪ ،‬حتى ل أقّتر على جيران رسول‬
‫الله × الرزاق بجند تساكنهم‪ ،‬ول أضيق على أهل الهجرة والنصرة‪.‬‬
‫المؤمنين‪(1,‬والله لتغتالن أو لتغزين‪ ،‬قال‬ ‫قال له معاوية‪ :‬يا أمير‬
‫عثمان‪ :‬حسبي الله ونعم الوكيل) ‪.‬‬
‫لكأنما معاوية ‪ ‬كان يعلم أن وراء تلك الفتن والشائعات يدا‬
‫خبيثة تخطط لهدف مرهوب ليس دونه ضرب الخليفة والخلفة‪ ،‬لكن‬
‫عثمان الخليفة الراشد كان له رأي آخر‪ ،‬فهو يريد أن يسير مع هؤلء‬
‫لخر الطريق حتى ل يترك لهم حجة عند الله وعند الناس‪ ،‬فيفضحهم‬
‫الدنيا( والخرة‪ ،‬وتلك مصابرة عظيمة من هذا المام العادل‬ ‫في‬
‫العظيم)‪. 2‬‬
‫‪ -2‬عثمان يخترق صفوف المتآمرين بعد مجيئهم للمدينة‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين عثمان من اليقظة والوعي ما يجعله يحقق‬
‫بقلم استخباراته مع هؤلء المتآمرين‪ ،‬حيث بث في صفوفهم رجلين‬
‫من المسلمين كانا قد عوقبا من الخليفة ليطمئن المتآمرون إليهم‪،‬‬
‫فقد أرسل عثمان رجلين‪ ،‬مخزوميا وزهريا فقال‪ :‬انظرا ما يريدون‬
‫واعلما علمهم‪ ،‬وكانا مما نالهما من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم‬
‫يضطغنا‪ ،‬فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون‪ ،‬فقال‪ :‬من‬
‫معكم على هذا من أهل المدينة‪ ،‬قالوا‪ :‬ثلثة نفر‪ ،‬فقال‪ :‬هل إل؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فكيف تريدون أن تصنعوا؟ وشرح هؤلء القوم‬
‫للرجلين أبعاد المؤامرة كاملة والخطة المقترحة‪ ،‬وقالوا‪ :‬نريد أن‬
‫نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم‬
‫لهم أنا قررناه بها فلم يخرج ولم يتب‪ ،‬ثم نخرج كأنا حجاج حتى‬
‫نقدم فنحيط به فنخلعه‪ ،‬فإن أبى قتلناه وكانت إياها‪ ،‬فرجعا إلى‬
‫عثمان فضحك وقال‪ :‬اللهم سلم هؤلء فإنك إن لم تسلمهم شقوا‪.‬‬
‫فأرسل إلى الكوفيين والبصريين ونادى‪ :‬الصلة جامعة‪ ،‬وهم عنده‬
‫في أصل المنبر‪ ،‬فأقبل أصحاب رسول الله × حتى أحاطوا بهم‪،‬‬
‫فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬وأخبرهم خبر القوم‪ ،‬وحقيقة ما يريدون من‬
‫تأكيد الشبهات عليه تمهيدا للخروج عليه وخلعه أو قتله‪ ،‬وقام‬
‫الرجلن اللذان حادثا السبئيين‪ ،‬فشهدا بما أخبروهما به‪ ،‬فقال‬
‫المسلمون جميعا في داخل المسجد‪ :‬اقتلهم يا أمير المؤمنين‪ ،‬لنهم‬
‫يريدون الخروج على أمير المؤمنين‪ ،‬وتفريق كلمة المسلمين‪.‬‬
‫ورفض عثمان ‪ ‬دعوة الصحابة لقتلهم؛ لنهم مسلمون في الظاهر‪،‬‬
‫من رعيته‪ ،‬ول يرضى أن يقال‪ :‬عثمان يقتل مسلمين مخالفين له‪،‬‬
‫ولذلك رد عثمان بن عفان على تلك الدعوة قائل‪ :‬ل نقتلهم‪ ،‬بل نعفو‬
‫ونصفح‪ ،‬ونبصرهم بجهدنا‪ ،‬ول نقتل أحدا من المسلمين‪ ،‬إل إذا‬

‫)( تاريخ الطبري‪.(5/353) ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عثمان بن عفان‪ ..‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.214‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪287‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫دا يوجب القتل‪ ،‬أو أظهر ردة وكفرا)‪.(1‬‬
‫ارتكب ح ّ‬
‫رابًعا‪ :‬إقامة الحجة على المتمردين‪:‬‬
‫ثم دعا عثمان القوم السبئيين إلى عرض ما عندهم من شبهات‬
‫وإظهار ما يرونه من أخطاء وتجاوزات ومخالفات وقع هو فيها‪ ،‬وكانت‬
‫جلسة مصارحة ومكاشفة في المسجد على مرأى ومسمع من الصحابة‬
‫والمسلمين‪ ،‬فتكلم السبئيون وعرضوا الخطاء التي ارتكبها عثمان ‪-‬‬
‫على حد زعمهم‪ ,-‬وقام عثمان ‪‬بالبيان واليضاح وقدم حججه وأدلته‬
‫فيما فعل‪ ،‬والمسلمون المنصفون يسمعون هذه المصارحة والمحاسبة‬
‫المر ودافع عن‬ ‫والمكاشفة‪ ،‬وأورد عثمان ما أخذوه عليه‪ ،‬ثم بين حقيقة‬
‫حسن فعله‪ ،‬وأشهد معه الصحابة الجالسين في المسجد)‪.(2‬‬
‫‪ -1‬قال‪ :‬قالوا‪ :‬إني أتممت الصلة في السفر‪ ،‬وما أتمها قبلي‬
‫رسول الله ول أبو بكر ول عمر‪ ،‬لقد أتممت الصلة لما سافرت من‬
‫المدينة إلى مكة‪ ،‬ومكة بلد فيها أهلي فأنا مقيم بين أهلي ولست‬
‫مسافرا‪ ،‬أكذلك؟ فقال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫‪ -2‬وقالوا‪ :‬إني حميت حمى‪ ،‬وضّيقت على المسلمين‪ ،‬وجعلت‬
‫أرضا واسعة خاصة لرعي إبلي‪ ،‬ولقد كان الحمى قبلي لبل الصدقة‬
‫والجهاد‪ ،‬حيث جعل الحمى كل من رسول الله وأبو بكر وعمر‪ ،‬وأنا‬
‫زدت فيه لما كثرت إبل الصدقة والجهاد‪ ،‬ثم لم نمنع ماشية فقراء‬
‫المسلمين من الرعي في ذلك الحمى‪ ،‬وما حميت لماشيتي‪ ،‬ولما‬
‫وليت الخلفة كنت من أكثر المسلمين إبل وغنما‪ ،‬وقد أنفقتها كلها‪،‬‬
‫ومالي الن ثاغية ول راغية‪ ،‬ولم يبق لي إل بعيران‪ ،‬خصصتهما‬
‫لحجي‪ ،‬أكذلك؟ فقال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫‪ -3‬وقالوا‪ :‬إني أبقيت نسخة واحدة من المصاحف‪ ،‬وحرقت ما‬
‫سواها‪ ،‬وجمعت الناس على مصحف واحد‪ ،‬أل إن القرآن كلم الله‪،‬‬
‫من عند الله‪ ،‬وهو واحد‪ ،‬ولم أفعل سوى أن جمعت المسلمين على‬
‫القرآن‪ ،‬ونهيتهم عن الختلف فيه‪ ،‬وأنا في فعلي هذا تابع لما فعله‬
‫أبو بكر‪ ،‬لما جمع القرآن‪ ،‬أكذلك؟ فقال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫‪ -4‬وقالوا‪ :‬إني رددت الحكم بن أبي العاص إلى المدينة‪ ،‬وقد‬
‫كان رسول الله × نفاه إلى الطائف‪ ،‬إن الحكم بن العاص مكي‪،‬‬
‫وليس مدنيا‪ ،‬وقد سيره رسول الله × من مكة إلى الطائف‪ ،‬وأعاده‬
‫الرسول × إلى مكة بعدما رضي عنه‪ ،‬فالرسول × سيره إلى‬
‫الطائف‪ ،‬وهو الذي رده وأعاده‪ ،‬أكذلك؟ فقال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫‪ -5‬وقالوا‪ :‬إني استعملت الحداث ووليت الشباب صغار السن‪،‬‬
‫ل إل رجل فاضل محتمل مرضيا‪ ،‬وهؤلء الناس أهل عملهم‬ ‫ولم أو ّ‬
‫فسلوهم عنهم‪ .‬ولقد ولى الذين من قبلي من هم أحدث منهم‬
‫وأصغر منهم سنا‪ ،‬ولقد ولى رسول الله × أسامة بن زيد وهو أصغر‬
‫ممن وليته‪ ،‬وقالوا لرسول الله × أشد مما قالوا لي‪ ،‬أكذلك؟ قال‬
‫الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬إن هؤلء الناس يعيبون للناس ما ل يفسرونه‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(355 ،5/354‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.155 ،154‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪288‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ول يوضحونه‪.‬‬
‫‪ -6‬وقالوا‪ :‬إني أعطيت عبد الله بن سعد بن أبي السرح ما أفاء‬
‫الله به‪ ،‬وإنما أعطيته خمس الخمس ‪-‬وكان مئة ألف‪ -‬لما فتح‬
‫أفريقية‪ ،‬جزاء جهده‪ ،‬وقد قلت له‪ :‬إن فتح الله عليك أفريقية فلك‬
‫خمس الخمس من الغنيمة نفل‪ ،‬وقد فعلها قبلي أبو بكر وعمر‬
‫‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬ومع ذلك قال لي الجنود المجاهدون‪ :‬إنا نكره أن‬
‫تعطيه خمس الخمس ول يحق لهم العتراض والرفض‪ ،‬فأخذت‬
‫خمس الخمس من ابن سعد ورددته على الجنود‪ ،‬وبذلك لم يأخذ ابن‬
‫سعد شيئا‪ ،‬أكذلك؟ قال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫‪ -7‬وقالوا‪ :‬إني أحب أهل بيتي وأعطيهم‪ ،‬فأما حبي لهل بيتي‬
‫فإنه لم يحملني على أن أميل معهم إلى جور وظلم الخرين‪ ،‬بل‬
‫أحمل الحقوق عليهم وآخذ الحق منهم‪ ،‬وأما إعطاؤهم فإني أعطيهم‬
‫من مالي الخاص‪ ،‬وليس من أموال المسلمين‪ ،‬لني ل أستحل أموال‬
‫المسلمين‪ ،‬ول لحد من الناس‪ .‬ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة‬
‫الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله × وأبي بكر وعمر رضي‬
‫الله عنهما‪ ،‬وأنا يومئذ شحيح حريص‪ ،‬أفحين أتيت على أسنان أهل‬
‫بيتي‪ ،‬وفني عمري‪ ،‬وجعلت مالي الذي لي لهلي وأقاربي‪ ،‬قال‬
‫الملحدون ما قالوا؟ وإني والله ما أخذت من مصر من أمصار‬
‫المسلمين مال ول فضل‪ ،‬ولقد رددت على تلك المصار الموال‪ ،‬ولم‬
‫يحضروا إلى المدينة إل الخماس من الغنائم‪ ،‬ولقد تولى المسلمون‬
‫تقسيم تلك الخماس‪ ،‬ووضعها في أهلها‪ ،‬ووالله ما أخذت من تلك‬
‫سا فما فوقه‪ ،‬وإنني ل آكل إل من مالي‪ ،‬ول‬ ‫الخماس وغيرها فِل ْ ً‬
‫أعطي أهلي إل من مالي‪.‬‬
‫‪ -8‬وقالوا‪ :‬إني أعطيت الرض المفتوحة لرجال معينين‪ ،‬وإن هذه‬
‫الرضين المفتوحة قد اشترك في فتحها المهاجرون والنصار‬
‫وغيرهم من المجاهدين‪ ،‬ولما قسمت هذه الراضي على المجاهدين‬
‫الفاتحين‪ ،‬منهم من أقام بها واستقر فيها‪ ،‬ومنهم من رجع إلى أهله‬
‫في المدينة‬
‫أو غيرها‪ ،‬وبقيت تلك الرض ملكا له‪ ،‬وقد باع بعضهم تلك الراضي‪،‬‬
‫وكان ثمنها‬
‫في أيديهم‪.‬‬
‫العتراضات التي أثيرت عليه‪ ،‬وتولي‬ ‫وبذلك أورد عثمان ‪ ‬أهم‬
‫توضيحها‪ ،‬وبيان وجه الحق فيها‪ (1).‬وترى من ذلك الدفاع المحكم‬
‫الذي دافع به عثمان بن عفان ‪ ,‬وساجل الصحابة فيه وذاكرهم إياه‬
‫صورة لما كان يجري من النقد المر العنيف له ‪ ‬وما كان يشيعه‬
‫السبئيون من قالة السوء‪ ،‬وما يعملون على ترويجه من باطل‬
‫مزيف‪ ،‬فقد أجمل ‪ ‬ذكر العتراضات التي كانوا يعترضون بها عليه‪،‬‬
‫وبّين وجه الحق فيما يفعل‪ ،‬وأنه كان على بينة من أمره وعلى حجة‬
‫من دينه‪ ،‬ولكنهم مغرضون ل يريدون رشادا‪ ،‬ول يبغون سدادا‪،‬‬
‫فمجادلته لهم مجادلة رجل مخلص مع آخر يتربص به الدوائر‬
‫ويتسقط هفواته لينفذ أغراضا‪ ,‬ويلقى في نفوس الناس عنه إعراضا‪،‬‬
‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪ ،111-61‬تاريخ الطبري )‪ ،(356 ،5/355‬الخلفاء‬ ‫‪1‬‬

‫الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪ ,158‬الفتنة‪ ،‬أحمد عرموش‪ ،‬ص ‪.14-10‬‬

‫‪289‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫كذلك ل تقنعه الحجة‪ ،‬ول يهديه الدليل‪ ،‬ومن يضلل‬ ‫ومن كان شأنه‬
‫الله فل هادي له)‪.(1‬‬
‫وقد سمع كلمه وتوضيحه زعماء أهل الفتنة الذين بجانب المنبر‪ ،‬كما‬
‫سمعه الصحابة الكرام ومن معهم من المسلمين الصالحين‪ ،‬وتأثر‬
‫المسلمون بكلم عثمان وبيانه وتوضيحه وصدقوه فيما قال‪ ،‬وازدادوا له‬
‫وأما السبئيون دعاة الفتنة والفرقة‪ ،‬فلم يتأثروا بذلك ولم يتراجعوا؛‬ ‫با‪،‬ح ّ‬
‫لنهم لم يكونوا باحثين عن حق‪ ،‬ول راغبين في خير‪ ،‬إنما كان هدفهم‬
‫الفتنة‪ ،‬والكيد للسلم والمسلمين‪ .‬وقد أشار الصحابة والمسلمون على‬
‫عثمان بقتل أولئك السبئيين )زعماء الفتنة( بسبب ما ظهر من كذبهم‬
‫وتزويرهم‪ ،‬وحقدهم بل أصروا عليه في قتلهم‪ ،‬ليتخلص المسلمون من‬
‫شرهم‪ ،‬وتستقر بلد المسلمين ويقضي على الفتنة التي يثيرها هؤلء‬
‫وأتباعهم‪ ،‬ولكن عثمان كان له رأي آخر وتحليل مغاير‪ ،‬فآثر أن يتركهم‪،‬‬
‫ورأي عدم قتلهم محاولة منه لتأخير وقوع الفتنة‪ ،‬ولم يتخذ عثمان ضد‬
‫بما‬ ‫السبئيين القادمين من مصر والكوفة والبصرة أي إجراء مع علمه‬
‫يخططون ويريدون‪ ،‬وتركهم يغادرون المدينة ويعودون إلى بلدهم)‪.(2‬‬
‫سا‪ :‬الستجابة لبعض مطالبهم‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫استجاب لبعض مطالبهم في خلع بعض الولة وتولية من طلبوا‬
‫توليته‪ ،‬هذه الساليب كافية في المعالجة وإقامة الحق والعدل لو‬
‫كانت المور تسير في وضعها الطبيعي‪ ،‬لكن الواقع أن وراء هذه‬
‫الشكاوى والثارات أموًرا خفية‪ ،‬وأحقادا جاهلية تسعى لثارة الفتنة‬
‫وتفريق وحدتهم‪ ،‬ووقوع ما أخبر به النبي × من‬ ‫بين المسلمين‬
‫استشهاد عثمان ‪.(3)‬‬
‫سا‪ :‬ضوابط التعامل مع الفتن عند عثمان ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫إن المتأمل في هدي عثمان ‪ ‬في تعامله مع الفتنة التي وقعت‬
‫في عهده يمكنه أن يستنبط بعض الضوابط التي تعين المسلم في‬
‫مواجهته للفتن‪ ،‬ومن هذه الضوابط‪:‬‬
‫‪ -1‬التثبت‪ :‬فقد أرسل لجان تفتيش للمصار واستمع لهلها‪،‬‬
‫واستطاع أن يخترق جماعة السبئيين ويقف على حقيقة أمرهم‪ ،‬ولم‬
‫يستعجل في إصداره للحكام عليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬لزوم العدل والنصاف‪ :‬فقد اتضح هذا الضابط في كتابه‬
‫للمصار‪ ،‬وطلب‬
‫ممن ادعى أنه شتم أو ضرب من الولة فليواف الموسم فليأخذ‬
‫كان منه‬ ‫بحقه حيث‬
‫أو من عماله)‪.(4‬‬
‫‪ -3‬الحلم والناة‪ :‬ويتضح هذا الضابط في كتابه لهل الكوفة‬
‫عندما طلبوا عزل سعيد بن العاص وتعيين أبا موسى الشعري وقد‬
‫جاء في هذا الكتاب‪ ..» :‬والله لفرشنكم عرضي‪ ،‬ولبذلن لكم‬

‫)( تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة‪ ،‬ص ‪.99 ،98‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.159 ،158‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬تاريخ الطبري )‪.(5/349‬‬ ‫)( خلفة عثمان للسلمي‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫‪290‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫صبري‪ ،‬ولستصلحّنكم بجهدي‪ ،‬فل تدعوا شيئا أحببتموه ل يعصى الله‬
‫فيه إل)‪(1‬سألتموه‪ ،‬ول شيئا كرهتموه ل يعصى الله فيه إل استعفيتم‬
‫منه«‪.‬‬
‫مع‪ ،‬ونبذ ما يفرق بين المسلمين‪ :‬ولذلك‬ ‫‪ -4‬الحرص على ما يج ّ‬
‫جمع الناس على مصحف واحد كما مر معنا‪ ،‬وعندما عرض عليه‬
‫الشتر النخعي عروضا ثلثة ‪-‬يأتي تفصيلها بإذن الله‪ -‬قال عثمان‪:‬‬
‫»‪ ...‬وإن قتلتموني فلم أرتكب ما يوجب قتلي‪ ،‬والله لئن قتلتموني‬
‫بعدي أبدا‪ ،‬ول تصلون جميعا بعدي أبدا‪ ،‬ول تقاتلون‬‫)‪(2‬‬
‫فإنكم ل تتحابون‬
‫العدو جميعا بعدي«‪.‬‬
‫‪ -5‬لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم‪ :‬من خلل سيرة‬
‫عثمان ‪ ‬تتضح صفة قلة كلمه إل فيما ينفع من علم أو نصح أو‬
‫توجيه أو رد اتهامات باطلة‪ ،‬وقد كان ‪ ‬كثير الصمت قليل الكلم‪.‬‬
‫‪ 6-‬استشارة العلماء الربانيين‪ :‬فقد كان ‪‬يستشير علماء الصحابة‬
‫كعلي‪ ،‬وطلحة‪ ،‬والزبير‪ ،‬ومحمد بن مسلمة‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫سلم رضي الله عنهم جميعا‪ ،‬فالعلماء هم صمام المان‪ ،‬والملجأ في‬
‫الخطوب المدلهمة والفتن المظلمة؛ لنهم أبصر الناس بحالها‪ ،‬وأعرفهم‬
‫إليهم وجد الفهم السليم والنظر الصحيح‪ ،‬والموقف‬ ‫بمآلها‪ ،‬فمن التجأ‬
‫الشرعي الواضح)‪.(3‬‬
‫‪ -7‬السترشاد بأحاديث رسول الله × في الفتن‪ :‬إن منهج‬
‫عثمان ‪ ‬أثناء الفتنة ومسلكه مع المتمردين الذين خرجوا عليه لم‬
‫تفرضه عليه مجريات الحداث ول ضغط الواقع؛ بل كان منهجا نابعا‬
‫من مشكاة النبوة؛ حيث أمره رسول الله × بالصبر والحتساب‬
‫وعدم القتال حتى يقضي الله أمرا كان مفعول‪ ،‬وقد وّفى ذو النورين‬
‫×( طوال أيام خلفته حتى خر شهيدا‬ ‫‪ ‬بوعده وعهده لرسول الله‬
‫جا بدمائه الطاهرة الزكية)‪. 4‬‬‫مضر ً‬
‫وقد قال محب الدين الخطيب‪ :‬الذي يدل عليه مجموع الخبار عن‬
‫موقف عثمان من أمر الدفاع عنه أو الستسلم للقدار‪ ،‬هو أنه كان‬
‫يكره الفتنة‪ ،‬ويتقي الله في دماء المسلمين‪ ،‬إل أنه صار في آخر المر‬
‫يود لو كانت لديه قوة راجحة يهابها البغاة‪ ،‬فيرتدعون عن بغيهم‪ ،‬بل‬
‫حاجة إلى استعمال السلح للوصول إلى هذه النتيجة‪ ،‬وقبل أن تبلغ‬
‫المور مبلغها عرض عليه معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام‬
‫تكون رهن إشارته فأبى أن يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم‪،‬‬
‫وكان ل يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن‬
‫يتكالبوا على دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه‪ ،‬فلما تذاءب عليه‬
‫البغاة واعتقد أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزافا‪ ،‬عزم على كل من‬
‫له عليهم سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عن مزالق العنف‪.‬‬
‫والخبار بذلك مستفيضة في مصادر أوليائه وشانئيه‪ ،‬على أنه لو ظهرت‬
‫في الميدان قوة منظمة ذات هيبة تقف في وجوه الثوار‪ ،‬وتضع حدا‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(5/343‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البداية والنهاية )‪(7/184‬‬ ‫‪2‬‬

‫)‪ (2‬استشهاد عثمان ووقعة‬ ‫)( أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬ص ‪.728‬‬ ‫‪3‬‬

‫الجمل‪ ،‬ص ‪.116‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪291‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عثمان لذلك وسر به‪ ،‬مع ما هو مطمئن‬ ‫لغطرستهم وجاهليتهم‪ ،‬لرتاح‬
‫إليه من أنه لن يموت إل شهيدا)‪.(1‬‬
‫***‬

‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪292‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫احتلل أهل الفتنة للمدينة‬
‫ل‪ :‬قدوم أهل الفتنة من المصار‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫اتفق أهل الفتنة فيما بينهم على القيام بخطوتهم العملية النهائية‬
‫في مهاجمة عثمان في المدينة‪ ،‬وحمله على التنازل عن الخلفة وإل‬
‫يقتل‪ ،‬وقرروا أن يأتوا من مراكزهم الثلثة‪ :‬مصر والكوفة والبصرة‬
‫في موسم الحج‪ ،‬وأن يغادروا بلدهم مع الحجاج‪ ،‬وأن يكونوا في‬
‫صورة الحجاج‪ ،‬وأن يعلنوا للخرين أنهم خارجون للحج‪ ،‬فإذا وصلوا‬
‫المدينة‪ ،‬تركوا الحجاج يذهبون إلى مكة لداء مناسك الحج‪ ،‬واستغلوا‬
‫أهلها‪-(1‬المشغولين بالحج‪ -‬وقاموا بمحاصرة‬‫)‬
‫فراغ المدينة من معظم‬
‫وفي شوال سنة خمس وثلثين كان‬ ‫قتله‪.‬‬ ‫عثمان تمهيدا لخلعه أو‬
‫أهل الفتنة على مشارف المدينة)‪ ,(2‬فقد خرج المتمردون من مصر‬
‫في أربع فرق لكل فرقة أمير‪ ،‬ولهؤلء المراء أمير ومعهم شيطانهم‬
‫عبد الله بن سبأ وأمراء الفرق الربعة‪ ،‬هم‪ :‬عبد الرحمن بن عديس‬
‫البلوي‪ ،‬وكنانة بن بشير التجيبي‪ ،‬وسودان بن حمران السكوني‪،‬‬
‫وقتيرة بن فلن السكوني‪ ،‬وأمير هؤلء المراء هو الغافقي بن حرب‬
‫العكي‪ ،‬وكان عدد الفرق الربعة ألف رجل‪ .‬وخرج المتمردون من‬
‫الكوفة ألف رجل‪ ،‬في أربع فرق‪ ،‬وأمراء فرقهم هم‪ :‬زيد بن صوحان‬
‫العبدي‪ ،‬والشتر النخعي‪ ،‬وزياد بن النضر الحارثي‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫الصم‪ ،‬وأمير متمردي الكوفة هو عمرو بن الصم‪ .‬وخرج متمردو‬
‫البصرة ألف رجل‪ ،‬في أربع فرق‪ ،‬وأمراء فرقهم‪ ،‬هم‪ :‬حكيم بن جبلة‬
‫العبدي‪ ،‬وذريح بن عباد‪ ،‬وبشر بن شريح القيسي‪ ،‬وابن المحرش ابن‬
‫عبد الحنقي‪ ،‬وأمير متمردي البصرة هو حرقوص بن زهير السعدي‪.‬‬
‫وكان عبد الله بن سبأ يسير مع هؤلء مزهوا مسرورا بنجاح خطته‬
‫اليهودية الشيطانية‪ ،‬وكان أهل الفتنة من مصر يريدون علي بن أبي‬
‫العوام‬
‫)‪(3‬‬
‫طالب خليفة‪ ،‬وكان أهل الفتنة من الكوفة يريدون الزبير بن‬
‫خليفة‪ ،‬وكان أهل الفتنة من البصرة يريدون طلحة بن عبيد الله‪.‬‬
‫وهذا العمل منهم كان بهدف اليقاع بين الصحابة رضوان الله عليهم‪،‬‬
‫وهو ما ذهب إليه الجري حيث قال‪ :‬وقد برأ الله ‪-‬عز وجل‪ -‬علي بن‬
‫أبي طالب ‪ ‬وطلحة والزبير رضي الله عنهم من هذه الفرق‪ ،‬وإنما‬
‫الناس وليوقعوا بين الصحابة‪ ،‬وقد أعاذ الله‬ ‫أظهروا ليموهوا على‬
‫الكريم الصحابة من ذلك)‪.(4‬‬
‫وبلغ خبر قدومهم عثمان ‪ ‬قبل وصولهم‪ ،‬وكان في قرية خارج‬
‫المدينة فلما سمعوا بوجوده فيها‪ ،‬اتجهوا إليه فاستقبلهم فيها‪ ،‬ولم‬
‫تصرح لنا الروايات باسم هذه)‪(5‬القرية‪ ،‬ويحدد المدائني تاريخ قدومهم‬
‫بليلة الربعاء هلل ذي القعدة ‪ ,‬وكان أول من وصل المصريين‪،‬‬
‫فقالوا لعثمان‪ :‬ادع بالمصحف فدعا به‪ ،‬فقالوا‪ :‬افتح السابعة‪ ،‬وكانوا‬
‫الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.159‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/357‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ ،‬خالد الغيث‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫فتنة مقتل عثمان‪ ،‬د‪ .‬محمد الغبان )‪.(1/127‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫‪293‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫يسمون سورة يونس بالسابعة‪ ،‬فقرأ حتى أتى هذه الية‪ُ + :‬‬
‫حل َل ً‬ ‫ما َ َ‬
‫و‬ ‫حَرا ً‬‫ه َ‬ ‫عل ُْتم ّ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ق َ‬
‫ف َ‬ ‫من ّرْز ٍ‬ ‫كم ّ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل‬ ‫ما َ أ َن َْز َ‬
‫ّ‬ ‫أ ََرأ َي ُْتم‬
‫ن" ]يونس‪.[59 :‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫عَلى الل ِ‬
‫ه تَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫ه أِذ َ‬ ‫ل آلل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ُ‬
‫فقالوا له‪ :‬قف أرأيت ما حميت من الحمى؟ الله أذن لك أم على‬
‫الله تفتري؟ فقال‪ :‬امضه نزلت في كذا وكذا‪ ،‬فأما الحمى فإن عمر‬
‫حماه قبلي لبل الصدقة‪ ،‬فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في‬
‫الحمى لما زاد من إبل الصدقة‪ .‬امضه‪ ،‬قال‪ :‬فجعلوا يأخذونه بالية‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬امضه نزلت في كذا فما يزيدون‪ ،‬فأخذوا ميثاقه‪ ،‬وكتبوا عليه‬
‫يشقوا عصا‪ ،‬ول يفارقوا جماعة ما أقام لهم‬ ‫شرطا‪ ،‬وأخذ عليهم أل‬
‫شرطهم‪ ،‬ثم رجعوا راضين)‪.(1‬‬
‫* علي بن أبي طالب يرسله عثمان للمفاوضة مع أهل الفتنة‬
‫من المصار‪:‬‬
‫ونزل القوم في ذي المروة‪ ،‬قبل مقتله بما يقارب شهرا ونصفا‪،‬‬
‫فأرسل عثمان إليهم عليا ‪ ‬ورجل آخر لم تسمه الروايات‪ ،‬والتقى‬
‫بهم علي ‪ ‬فقال لهم‪ :‬تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما‬
‫سخطتم‪ ،‬فوافقوا على ذلك‪ (2).‬وفي رواية أنهم شادوه‪ ،‬وشادهم‬
‫مرتين أو ثلثا‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬ابن عم رسول الله × ورسول أمير‬
‫المؤمنين يعرض عليكم كتاب الله فقبلوا)‪ ،(3‬فاصطلحوا على خمس‪:‬‬
‫على أن المنفى يقلب‪ ،‬والمحروم يعطى‪ ،‬ويوفر الفيء‪ ،‬ويعدل في‬
‫كتاب‪ (4،‬وأن يرد‬ ‫القسم‪ ،‬ويستعمل ذو المانة والقوة‪ ،‬وكتبوا ذلك في‬
‫ابن عامر على البصرة‪ ،‬وأن يبقى أبو موسى على الكوفة) ‪.‬‬
‫وهكذا اصطلح)‪(5‬عثمان ‪ ‬مع كل وفد على حدة ثم انصرفت‬
‫الوفود إلى ديارها ‪.‬‬
‫* الكتاب المزعوم بقتل وفد أهل مصر‪:‬‬
‫وبعد هذا الصلح وعودة أهل المصار جميعا راضين تبين لمشعلي‬
‫الفتنة أن خطتهم قد فشلت‪ ،‬وأن أهدافهم الدنيئة لم تتحقق‪ ،‬لذا‬
‫خططوا تخطيطا آخر يذكي الفتنة ويحييها يقتضي تدمير ما جرى من‬
‫صلح بين أهل المصار وعثمان ‪ ،‬وبرز ذلك فيما يأتي‪ :‬في أثناء‬
‫طريق عودة أهل مصر‪ ،‬رأوا راكبا على جمل يتعرض لهم‪ ،‬ويفارقهم‬
‫‪ُ-‬يظهر أنه هارب منهم‪ -‬فكأنه يقول‪ :‬خذوني‪ ،‬فقبضوا عليه‪ ،‬وقالوا‬
‫له‪ :‬ما لك؟ فقال‪ :‬أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر‪،‬‬
‫ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان ‪ ‬وعليه خاتمه إلى‬
‫عامله‪ ،‬ففتحوا الكتاب فإذا فيه أمر بصلبهم أو قتلهم‪ ،‬أو تقطيع‬
‫أيديهم وأرجلهم‪ ،‬فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها)‪ .(6‬ونفى عثمان‬
‫‪ ‬أن يكون كتب هذا الكتاب‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إنهما اثنتان‪ :‬أن تقيموا‬
‫رجلين من المسلمين أو يمين بالله الذي ل إله إل هو ما كتبت ول‬
‫المصدر نفسه )‪.(1/128‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ دمشق‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص ‪ ,328‬تاريخ خليفة‪ ،‬ص ‪.170 ،169‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/129‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪.(1/129) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/129‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/379‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪294‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش‬ ‫أمللت‪ ،‬ول علمت‪،‬‬
‫الخاتم‪ ،‬فلم يصدقوه)‪.(1‬‬
‫وهذا الكتاب الذي زعم هؤلء المتمردون البغاة المنحرفون أنه‬
‫من عثمان‪ ،‬وعليه خاتمه يحمله غلمه على واحد من إبل الصدقة‬
‫إلى عامله بمصر ابن أبي السرح‪ ،‬يأمر فيه بقتل هؤلء الخارجين هو‬
‫كتاب مزور مكذوب على لسان عثمان‪ ،‬وذلك لعدة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬إن حامل الكتاب المزور قد تعرض لهؤلء المصريين ثم‬
‫فارقهم‪ ،‬وكرر ذلك مرارا‪ ،‬وهو لم يفعل ذلك إل ليلفت أنظارهم إليه‪،‬‬
‫ويثير شكوكهم فيه‪ ،‬وكأنه يقول لهم‪ :‬معي شيء هام بشأنكم‪ .‬وإل‬
‫فلو كان من عثمان لخافهم حامل الكتاب المزعوم‪ ،‬ولبعد عنهم‪,‬‬
‫وأسرع إلى والي مصر ليضع بين يديه المر فينفذه‪.‬‬
‫‪ -2‬كيف علم العراقيون بالمر وقد اتجهوا إلى بلدهم‪ ،‬وفصلتهم‬
‫عن المصريين ‪-‬الذين أمسكوا بالكتاب المزعوم‪ -‬مسافة شاسعة؛‬
‫فالعراقيون في الشرق والمصريون في الغرب‪ ،‬ومع ذلك عادوا‬
‫جميعا في آن واحد كأنما كانوا على ميعاد؟ ل يعقل هذا إل إذا كان‬
‫الذين زوروا الكتاب واستأجروا راكبا ليحمله ويمثل الدور في‬
‫)البويب( أمام المصريين‪ ،‬قد استأجروا راكبا آخر انطلق إلى‬
‫العراقيين ليخبرهم بأن المصريين قد اكتشفوا كتابا بعث به عثمان‬
‫لقتل المنحرفين المصريين‪ ،‬وهذا ما احتج به علي بن أبي طالب ‪‬‬
‫فقد قال‪ :‬كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل‬
‫مراحل( ثم طويتم نحونا)‪ .(2‬بل إن علّيا يجزم‪ :‬هذا‬ ‫مصر‪ ،‬وقد سرتم‬
‫والله أمر أبرم بالمدينة)‪. 3‬‬
‫‪-3‬كيف يكتب عثمان إلى ابن أبي السرح بقتل هؤلء وابن أبي‬
‫السرح كان عقب خروج المتمردين من مصر متجهين إلى المدينة كتب‬
‫إلى الخليفة يستأذنه بالقدوم عليه‪ ،‬وقد تغلب على مصر محمد بن أبي‬
‫حذيفة‪ ،‬وفعل خرج ابن أبي السرح من مصر إلى العريش وفلسطين‬
‫فالعقبة‪ ،‬فكيف يكتب له عثمان بقتلهم وعنده كتابه الذي يستأذنه به‬
‫منه بالقدوم عليه؟‬
‫‪ -4‬إن عثمان ‪ ‬قد نهى عن قتل المتمردين عندما حاصروه‬
‫وأبى على الصحابة أن يدافعوا عنه‪ ،‬ولم يأمر بقتال الخارجين دفاعا‬
‫عن نفسه‪ ،‬كما سيأتي تفصيله إن شاء الله‪ ،‬فكيف يكتب مثل هذا‬
‫الكتاب المزور وقد خرجوا عنه من المدينة مظهرين التوبة والنابة‪.‬‬
‫حكيم بن جبلة والشتر النخعي ‪-‬بعد خروج المتمردين‪-‬‬ ‫‪ -5‬تخلف ُ‬
‫في المدينة يشير إشارة واضحة إلى أنهما هما اللذان افتعل الكتاب‪،‬‬
‫إذ لم يكن لهما أي عمل بالمدينة ليتخلفا فيها‪ ،‬وما مكثا إل لمثل هذا‬
‫الغرض‪ ،‬فهما صاحبا المصلحة في ذلك‪ (4).‬وربما كان ذلك بتوجيه من‬
‫عبد الله بن سبأ‪ ,‬ولم يكن لعثمان ‪ ‬في ذلك أية مصلحة‪ ،‬وكذلك‬
‫ليس لمروان بن الحكم أية مصلحة‪ ،‬والذين يتهمون مروان في هذا‬
‫فتنة مقتل عثمان )‪ ،(5/132‬البداية والنهاية )‪.(7/191‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/359‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/359‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫عثمان بن عفان‪ ..‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.277‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪295‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫إنما ينسبون إلى الخليفة الغفلة عن مهامه‪ ،‬وأن في ديوان الخلفة‬
‫من يجري المور ويقضي بها دون علمه‪ ،‬وبذلك يبرئون ساحة أولئك‬
‫المجرمين الناقمين‪ ،‬الغادرين‪ ،‬ثم لو أن مروان زور الكتاب لكان‬
‫أوصى حامل ذلك الكتاب أن يبتعد عن أولئك المنحرفين‪ ،‬ول يتعرض‬
‫لهم في الطريق حتى يأخذوه وإل لكان متآمرا معهم على عثمان‪،‬‬
‫وهذا محال‪.‬‬
‫‪ -6‬إن هذا الكتاب المشئوم ليس أول كتاب يزوره هؤلء‬
‫المجرمون‪ ،‬بل زوروا كتبا على لسان أمهات المؤمنين‪ ،‬وكذلك على‬
‫لسان علي وطلحة والزبير‪ ،‬فهذه عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ُ -‬تتهم بأنها‬
‫كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي وتقول‪ :‬ل‬
‫الكافرون‪ ،‬ما كتبت لهم سوداء‬ ‫والذي آمن به المؤمنون‪ ,‬وكفر به‬
‫في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا)‪.(1‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ويعقب العمش فيقول‪ :‬فكانوا يرون أنه كتب على لسانها‪.‬‬
‫ويتهم الوافدون عليا بأنه كتب إليهم أن يقدموا عليه بالمدينة‪،‬‬
‫فينكر ذلك عليهم‪ ،‬ويقسم‪ :‬والله ما كتبت إليكم كتابا‪ (3).‬كما‬
‫ينسب إلى الصحابة بكتابة الكتب إلى أهل المصار يأمرونهم‬
‫بالقدوم إليهم‪ ،‬فدين محمد قد فسد وترك‪ ،‬والجهاد في المدينة‬
‫خير من الرباط في الثغور البعيدة‪ (4).‬ويعلق ابن كثير على هذا‬
‫الخبر قائل‪ :‬وهذا كذب على الصحابة‪ ،‬وإنما كتبت كتب مزورة‬
‫عليهم‪ ،‬فقد كتب من جهة علي وطلحة والزبير إلى الخوارج ‪-‬قتلة‬
‫عثمان‪ -‬كت ٌ ب مزورة عليهم أنكروها‪ ،‬وكذلك زور هذا الكتاب على‬
‫عثمان أيضا‪ ،‬فإنه لم يأمر به‪ ،‬ولم يعلم به‪ (5).‬ويؤكد كلم ابن كثير‬
‫ما رواه الطبري وخليفة من استنكار كبار الصحابة ‪-‬علي وعائشة‬
‫والزبير‪ -‬أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات‪ (6).‬إن اليدي‬
‫المجرمة التي زورت الرسائل الكاذبة على لسان أولئك الصحابة‬
‫هي نفسها التي أوقدت نار الفتن من أولها إلى آخرها‪ ،‬ورتبت‬
‫ذلك الفساد العريض‪ ،‬وهي التي زورت وروجت على عثمان تلك‬
‫الباطيل‪ ،‬وأنه فعل وفعل‪ ،‬ولقنتها للناس‪ ،‬حتى قبلها الرعاع‪ ،‬ثم‬
‫زورت على لسان عثمان ذلك الكتاب ليذهب عثمان ضحية إلى‬
‫ربه شهيدا سعيدا‪ .‬ولم يكن عثمان الشهيد هو المجني عليه وحده‬
‫في هذه المؤامرة السبئية اليهودية‪ ،‬بل السلم نفسه كان مجنيا‬
‫عليه قبل ذلك‪ ،‬ثم التاريخ المشوه المحرف والجيال السلمية‬
‫التي تلقت تاريخها مشوها هي كذلك ممن جنى عليهم الخبيث‬
‫اليهودي‪ ،‬وأعوانه من أصحاب المطامع والشهوات والحقد‬
‫الدفين‪ ،‬أما آن للجيال السلمية أن تعرف تاريخها الحق‪ ،‬وسير‬
‫رجالتها العظام؟ بل ألم يأن لمن يكتب في هذا العصر من‬

‫تحقيق مواقف الصحابة‪.(1/334) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة‪.(1/335) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/335‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫البداية والنهاية )‪(7/175‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/335‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪296‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المسلمين أن يخاف الله ول يتجرأ على تجريح البرياء‪ ،‬قبل أن‬
‫)‪(1‬‬
‫يحقق ويدقق حتى ل يسقط كما سقط غيره؟!‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬بدء الحصار ورأي عثمان في الصلة خلف أئمة الفتنة‪:‬‬
‫صل الروايات الصحيحة كيفية بدء الحصار ووقوعه‪ ،‬ولعل‬ ‫لم تف ّ‬
‫بدئه‪ (2،‬فبينما كان‬ ‫كيفية‬ ‫على‬ ‫الضوء‬ ‫من‬ ‫شيئا‬ ‫تلقي‬ ‫سبقته‬ ‫التي‬ ‫الحداث‬
‫الناس ذات يوم إذا برجل ‪-‬يقال له أعين) ‪ -‬يقاطعه‬ ‫يخطب‬ ‫‪‬‬ ‫عثمان‬
‫ويقول له‪ :‬يا نعثل)‪ (,3‬إنك قد بدلت‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬من هذا؟ فقالوا‪:‬‬
‫الناس إلى أعين‪ ،‬وجعل‬ ‫أعين‪ ،‬قال عثمان‪ :‬بل أنت أيها العبد‪ ،‬فوثب‬
‫رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله الدار‪ (4).‬وكان رجوع‬
‫المتمردين الثاني‪ ،‬وقبل اشتداد الحصار كان عثمان ‪ ‬يتمكن من‬
‫منع من الخروج من الدار حتى‬ ‫ودخول من شاء إليه‪ ،‬ثم ُ‬‫)‪(5‬‬
‫الخروج للصلة‬
‫صرين من‬ ‫ِ‬ ‫المحا‬ ‫من‬ ‫رجل‬ ‫بالناس‬ ‫يصلي‬ ‫فكان‬ ‫‪،‬‬ ‫الفريضة‬ ‫إلى صلة‬
‫أئمة الفتنة‪ ،‬حتى إن عبيد الله بن عدي بن الخيار تحرج من الصلة‬
‫خلفه‪ ،‬فاستشار عثمان في ذلك‪ ،‬فأشار عليه بأن يصلي خلفه‪ ،‬وقال‬
‫الناس‪ ،‬فإذا أحسن الناس فأحسن معهم‪،‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫له‪ :‬الصلة أحسن ما يعمل‬
‫بعض الروايات الضعيفة أن الذي‬ ‫وفي‬ ‫إساءتهم‪.‬‬ ‫وإذا أساءوا فاجتنب‬
‫كان يصلي بالناس هو أميرهم الغافقي)‪ (.7‬ول صحة لما روى الواقدي‬
‫يصلي‪ (8‬بالناس فصلى بهم أول‬ ‫من أن علّيا ‪‬أمر أبا أيوب النصاري أن‬
‫الحصر‪ ،‬ثم صلى علي ‪ ‬بهم العيد وما بعده‪ ).‬وإضافة إلى شدة‬
‫ضعف إسناد هذه الرواية‪ ،‬فلو كان الذي يصلي بالناس هو علي‪ ،‬أو أبو‬
‫الله‪(9‬عنهما‪ -‬لما تحرج عبيد الله بن عدي بن الخيار من‬ ‫أيوب ‪-‬رضي‬
‫الصلة خلفهما) ‪.‬‬
‫ثالثـا‪ :‬المفاوضات بين عثمان ومحاصريه‪:‬‬
‫الخارجون على عثمان ‪ ‬بالدار‬ ‫وبعد أن تم الحصار‪ ،‬وأحاط‬
‫فقد رفض عثمان ‪ ‬خلع نفسه‪،‬‬ ‫‪,‬‬ ‫)‪(10‬‬
‫طلبوا منه خلع نفسه أو يقتلوه‬
‫وقال‪ :‬ل أخلع سربال سربلنيه الله‪ (11).‬يشير إلى ما أوصاه به رسول‬
‫الله × بينما كان قلة من الصحابة ‪-‬رضوان الله عليهم‪ -‬يرون خلف‬
‫نفسه( ليعصم دمه‪ ،‬ومن‬ ‫ما ذهب إليه‪ ,‬وأشار عليه بعضهم بأن يخلع‬
‫هؤلء المغيرة بن الخنس ‪ ،‬لكنه رفض ذلك)‪. 12‬‬
‫‪ -1‬ابن عمر يحث عثمان على عدم التنازل عن منصب‬
‫)( عثمان بن عفان‪ ..‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص ‪.229 ،228‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أعين بن ضبعية بن ناجية بن غفال التميمي الحنظلي الذرمي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( هو لقب أطلقه الخارجون على عثمان ‪ ،‬وهذا اللقب أطلق من باب‬ ‫‪3‬‬

‫التنقيص‪.‬‬
‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/143‬تاريخ دمشق ترجمة عثمان‪ ،‬ص ‪ ،247‬إسناده‬ ‫‪4‬‬

‫حسن‪.‬‬
‫)( تاريخ دمشق‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص ‪ ،342 ،341‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬رقم )‪.(192‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان‪(1/145) ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/444‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪.(1/145‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( الطبقات لبن سعد )‪ ،(3/66‬تاريخ خليفة‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( التمهيد‪ ،‬ص ‪.47 ،46‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪.(1/147‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪297‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الخلفة‪:‬‬
‫دخل ابن عمر على عثمان ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أثناء حصاره‪ ،‬فقال‬
‫له عثمان ‪ :‬انظر إلى ما يقول هؤلء‪ ،‬يقولون‪ :‬اخلعها ول تقتل‬
‫نفسك‪ ،‬فقال ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬إذا خلعتها أمخلد أنت في‬
‫الدنيا؟ فقال عثمان ‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم تخلعها هل يزيدون على أن‬
‫يقتلوك؟ قال عثمان ‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل يملكون لك جنة أو ناًرا؟ قال‪:‬‬
‫مصكه الله فتكون سنة كلما‬ ‫قميصا‪(1‬ق ّ‬ ‫ل‪ ،‬قال‪ :‬فل أرى لك أن تخلع‬
‫كره قوم خليفتهم أو إمامهم قتلوه) ‪.‬‬
‫رضي الله عن عبد الله بن عمر‪ ،‬ما كان أبعد نظره‪ ،‬إنه ل يريد‬
‫أن يسن عثمان سنة سيئة للخلفاء‪ ،‬وحاشا لعثمان أن يفعل‪ ،‬فلو‬
‫تنازل عثمان لهؤلء الخوارج السبئيين وخلع نفسه‪ ،‬لصار الخلفاء‬
‫ألعوبة وملهاة بأيدي الطامعين أو المغرضين‪ ،‬وبذلك تهتز صورة‬
‫الخليفة‪ ،‬وتزول هيبته عند الناس‪ ،‬ولقد سن عثمان سنة حسنة لمن‬
‫حيث‬ ‫بعده بمشورة ابن عمر وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم؛‬
‫صبر واحتسب فلم يتنازل عن الخلفة ولم يسفك دماء المسلمين)‪.(2‬‬
‫إن الستجابة لمطالب المتمردين‪ ،‬وهم فئة قليلة من المة ليسوا‬
‫من أهل الحل والعقد‪ ،‬ول من رجالت السلم وفقهاء الشريعة‪،‬‬
‫ستكون لها آثار خطيرة على مسيرة المة‪ ،‬وهيبة الخلفة وعلقة‬
‫الراعي بالرعية‪ ،‬وكان ثمن دفع هذه الثار السيئة أن دفع الخليفة‬
‫حياته‪ ،‬وهو يعلم بمصيره ويستسلم له‪ ,‬وهو أمر ثقيل على النفس‪،‬‬
‫ولكنه قدم مصالح المة على مصلحته الشخصية‪ ،‬مما يكشف عن‬
‫قوة وعزيمة‪ ،‬وشجاعة ومضاء‪ ،‬ويرد به على تلك التهم التي وجهت‬
‫إليه من ضعف في هذه الصفات‪ ،‬فإنه ‪ ‬كان قادرا ‪ -‬بإذن الله ‪-‬‬
‫على كبح الفتنة‪ ،‬ولكنه قدر حدوث مفاسد تغلب على مصلحة كبحها‪،‬‬
‫فأعرض عن ذلك درءا لها‪ ،‬وبذلك يعلم خطأ العقاد عندما قال بأن‬
‫قتل عثمان ل يوصف بأكثر من أنه )مشاغبة دهماء( لم تجد من‬
‫يكبحها‪ (3).‬فإن في ذلك غمزا في شخصية وشجاعة عثمان ‪ ،‬وهي‬
‫حقا فتنة دهماء‪ ،‬ولكن عدم كبحها يعد منقبة لعثمان ‪ ،‬لما فيه من‬
‫سبيل الله رجاء تحصيل مصلحة للمة‪ ،‬وعمل بوصية‬ ‫تضحية في‬
‫رسول الله ×)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬توعد المحاصرين له بالقتل‪:‬‬
‫وبينما كان عثمان ‪ ‬في داره‪ ،‬والقوم أمام الدار محاصروها‬
‫دخل ذات يوم مدخل الدار‪ ،‬فسمع توعد المحاصرين له بالقتل‪،‬‬
‫فخرج من المدخل ودخل على من معه في الدار ولونه ممتقع‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفا‪ ،‬فقالوا له‪ :‬يكفيكم الله يا أمير‬
‫م يقتلونني وقد سمعت رسول الله × يقول‪» :‬ل‬ ‫المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬ول ِ َ‬
‫يحل دم امرئ مسلم إل في إحدى ثلث‪ :‬رجل كفر بعد‬
‫إيمانه‪ ،‬أو زنى بعد إحصانه‪ ،‬أو قتل نفسا بغير نفس«؟‬
‫فضائل الصحابة )‪ ،(1/473‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫ذو النورين عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/149‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪298‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فوالله ما زنيت في جاهلية ول في إسلم قط‪ ،‬ول تمنيت أن لي‬
‫بديني بدل منذ هداني الله‪ ،‬ول قتلت نفسا‪ ،‬ففيم يقتلونني؟!)‪ (1‬ثم‬
‫أشرف على المحاصرين وحاول تهدئة ثورتهم عن خروجهم على‬
‫إمامهم‪ ،‬مضمنا كلمه الرد على ما عابوه به‪ ،‬وكشف الحقائق التي‬
‫لّبسها القوم‪ ،‬عسى أن يفيق المغرور بهم ويعودوا إلى رشدهم‪،‬‬
‫فطلب من المحاصرين أن يخرجوا له رجل يكلمه‪ ،‬فأخرجوا له شابا‬
‫يقال)‪(2‬له‪ :‬صعصعة بن صوحان‪ ،‬فطلب عثمان ‪ ‬أن يبين له ما نقموه‬
‫عليه ‪.‬‬
‫‪ -3‬إقامة عثمان الحجة على زيف استدلل صعصعة‪:‬‬
‫قال صعصعة‪ :‬أخرجنا من ديارنا بغير حق إل أن قلنا ربنا الله‪،‬‬
‫قات َُلون بأ َ‬ ‫بالقرآن‪ -‬فقرأ‪+ :‬أ ُ‬ ‫فقال له عثمان ‪:‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫اتل ‪-‬أي استدل‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ِ‬
‫ْ ِ ْ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫موا َ‬ ‫َظُل ِ ُ‬
‫ر" ]الحج‪.[39 :‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل َ‬
‫فقال عثمان‪ :‬ليست لك‪ ،‬ول لصحابك‪ ،‬ولكنها لي ولصحابي‪،‬‬
‫صعصعة وما بعدها‪ ،‬مما يفسرها‬ ‫بهافتل‪+ :‬أ ُ‬ ‫فقرأ عثمان الية التي استدل‬
‫ن‬
‫ُ َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ِ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذ‬ ‫بها‬ ‫ويبين زيف استدلل صعصعة‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جوا‬ ‫ِ ُ‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪‬‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ْ ُِ ْ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫موا َ‬ ‫م ظُل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب ِأن ّ ُ‬
‫ه‬‫ع الل ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول َ دَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قولوا َرب َّنا الل ُ‬ ‫ق إ ِل ّ أن ي َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ر َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ر ِ‬ ‫من ِدَيا ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ َ َ ٌ‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ََ ِ‬ ‫و‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ص‬
‫ٍ ُ َ ْ ََ َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ ْ ِ‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ين‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫ثي‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫الل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫اس‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫جدُ ي ُذْك َ‬ ‫ِ‬ ‫سا‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫في ال َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫إن‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ز‬
‫ٌ‬ ‫زي‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ين‬ ‫ََ‬
‫ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِْ ّ‬ ‫‪‬‬
‫كاةَ وأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫وا‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫رو‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫روا‬ ‫م‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وآ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫أ ْ ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ر" ]الحج‪ .[41 -39 :‬فأفهم عثمان ‪‬‬ ‫مو‬ ‫ة ُ ال ُ‬ ‫ب‬ ‫ق‬
‫َ‬
‫عا‬ ‫ه‬ ‫ولل‬ ‫َ‬
‫ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫من ْ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ال ُ‬
‫الناس اليات فهما صحيحا كما نزلت‪ ،‬مبينا سبب نزولها وفيمن‬
‫من قرأ القرآن‪ ،‬وهو ل يعرف‬ ‫نزلت‪ ،‬وعلى ما تدل؛ لئل يلبس عليهم‬
‫معناه ويستدل به على ما يضاد مراده‪ (3).‬كما أن نفي عثمان لمن‬
‫نفاه إنما هو عمل بالية التي تلي الية التي استدل بها صعصعة‪،‬‬
‫فإنها تأمر من مكنه الله في الرض أن يأمر بالمعروف وينهى عن‬
‫المنكر‪ ،‬وعثمان خليفة‪ ،‬ونفيهم أمر بالمعروف ونهي عن المنكر‪ ،‬لما‬
‫قاموا به من تعد ّ على بعض المسلمين‪ ،‬ومن محاولت لثارة الفتنة‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫‪ -4‬تذكير عثمان ‪ ‬الناس بفضائله‪:‬‬


‫كر الناس بمكانته وببعض‬ ‫وبعد أن رد عثمان ‪ ‬على هؤلء ذ ّ‬
‫فضائله‪ ،‬مناشدا من يعلمها أو سمعها من رسول الله × ليبينها‬
‫للناس‪ ،‬فقد قال‪ :‬أنشد الله من شهد رسول الله × يوم حراء إذ‬
‫اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال‪ :‬اسكن حراء‪ ،‬ليس عليك إل نبي أو‬
‫ديق أو شهيد وأنا معه‪ .‬فانتشد له رجال‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنشد الله من‬
‫ص ّ‬
‫المسند )‪ ،(1/63‬وقال أحمد شاكر )‪ :(452‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/150‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/151‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(1/152‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪299‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫شهد رسول الله يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى‬
‫أهل مكة فقال‪ :‬هذه يدي وهذه يد عثمان‪ ،‬فبايع لي‪ ،‬فانتشد له‬
‫رجال‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنشد الله من شهد رسول الله × قال‪ :‬من يوسع لنا‬
‫البيت في المسجد ببيت له في الجنة‪ ،‬فابتعته من مالي فوسعت به‬
‫المسجد‪ ،‬فانتشد له رجال‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنشد الله من شهد رسول الله‬
‫× يوم جيش العسرة قال‪ :‬من ينفق اليوم نفقة متقبلة؟ فجهزت‬
‫نصف الجيش من مالي‪ ،‬فانتشد له رجال‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنشد الله من‬
‫السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن‬
‫)‪(1‬‬
‫شهد رومة يباع ماؤها ابن‬
‫السبيل‪ ،‬قال‪ :‬فانتشد له رجال‪.‬‬
‫وعن أبي ثور الفهمي يقول‪ :‬قدمت على عثمان‪ ،‬فبينا أنا عنده‬
‫فخرجت فإذا بوفد أهل مصر قد رجعوا‪ ،‬فدخلت على عثمان‬
‫فأعلمته‪ ،‬قال‪ :‬فكيف رأيتهم؟ فقلت‪ :‬رأيت في وجوههم الشر‪،‬‬
‫وعليهم ابن عديس البلوي‪ ،‬فصعد ابن عديس منبر رسول الله ×‬
‫فصلى بهم الجمعة‪ ،‬وتنقص عثمان في خطبته‪ ،‬فدخلت على عثمان‬
‫فأخبرته بما قال فيهم‪ ،‬فقال‪ :‬كذب والله ابن عديس‪ ،‬ولول ما ذكر‬
‫ما ذكرت‪ ،‬إني رابع أربعة في السلم‪ ،‬ولقد أنكحني رسول الله ×‬
‫ابنته‪ ،‬ثم توفيت‪ ,‬فأنكحني ابنته الخرى‪ ،‬ول زنيت ول سرقت في‬
‫جاهلية ول إسلم‪ ،‬ول تغنيت ول تمنيت منذ أسلمت‪ ،‬ول مسست‬
‫فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله ×‪ ،‬ولقد جمعت القرآن‬
‫ي جمعة إل وأنا أعتق فيها رقبة‬‫على عهد رسول الله ×‪ ,‬ول أتت عل ّ‬
‫منذ أسلمت إل أن ل أجدها في تلك الجمعة‪ ،‬فأجمعها في الجمعة‬
‫الثانية)‪.(2‬‬
‫ولما رأى عثمان ‪ ‬إصرار المتمردين على قتله حذرهم من ذلك‬
‫ومن مغبته فاطلع عليهم من كوة)‪ (3‬وقال لهم‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ل تقتلوني‬
‫واستعتبوني‪ ،‬فوالله لئن قتلتموني ل تقاتلوا جميعا أبدا‪ ،‬ول تجاهدوا‬
‫عدوا أبدا‪ ،‬لتختلفن حتى تصيروا هكذا‪ ،‬وشبك بين أصابعه‪ (4).‬وفي‬
‫ل وأخ مسلم‪ ،‬فوالله‬ ‫رواية أنه قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ل تقتلوني‪ ،‬فإني وا ٍ‬
‫إن أردت إل الصلح ما استطعت‪ ،‬أصبت أو أخطأت‪ ،‬وإنكم إن‬
‫تقتلوني ل تصلوا جميعا أبدا‪ ،‬ول تغزوا جميعا أبدا‪ ،‬ول يقسم فيئكم‬
‫بينكم)‪ .(5‬وقال أيضا‪ :‬فوالله لئن قتلوني ل يحابون بعدي أبدا‪ ،‬ول‬
‫يقاتلون بعدي أبدا‪ (6).‬وقد تحقق ما حذرهم منه؛ فبعد قتله وقع كل‬
‫ما قاله ‪ ،‬وفي ذلك يقول الحسن البصري‪ :‬فوالله إن صلى القوم‬
‫)‪(7‬‬
‫جميعا إن قلوبهم لمختلفة‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬دفاع الصحابة عن عثمان ‪ ‬ورفضه لذلك‪:‬‬
‫المسند )‪ ،(1/59‬وقال أحمد شاكر )‪ :(420‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المعرفة والتاريخ )‪ ،(2/488‬خلفة عثمان بن عفان للسلمي‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الكوة‪ :‬الخرق في الحائط‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الطبقات )‪ ،(3/71‬تاريخ ابن خياط‪ ،‬ص ‪ ،171‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الطبقات )‪ (68 ،3/67‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/156‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تاريخ ابن خياط‪ ،‬ص ‪ ،171‬فتنة مقتل عثمان‪ (1/157) ،‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/157‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪300‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أرسل عثمان ‪ ‬إلى الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬يشاورهم في‬
‫أمر المحاصرين وتوعدهم إياه بالقتل‪ ،‬فكانت مواقفهم كالتي‪:‬‬
‫‪ -1‬علي بن أبي طالب ‪: ‬‬
‫فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله ‪ ‬أن عليا أرسل‬
‫إلى عثمان فقال‪ :‬إن معي خمسمائة دارع‪ ،‬فأذن لي فأمنعك من‬
‫جزيت خيرا‪ ،‬ما‬ ‫يستحل به دمك‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬ ‫القوم‪ ،‬فإنك لم تحدث شيئا‬
‫أحب أن يهراق دم في سببي)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬الزبير بن العوام ‪:‬‬
‫عن أبي حبيبة)‪ (2‬قال‪ :‬بعثني الزبير إلى عثمان وهو محاصر‬
‫فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي‪ ،‬وعنده الحسن بن‬
‫علي‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلم ويقول لك‪ :‬إني‬
‫على طاعتي لم أبدل ولم أنكث‪ ،‬فإن شئت دخلت الدار معك‪،‬‬
‫وكنت رجل من القوم‪ ،‬وإن شئت أقمت‪ ،‬فإن بني عمرو بن عوف‬
‫وعدوني أن يصبحوا على بابي‪ ،‬ثم يمضون على ما آمرهم به‪،‬‬
‫فلما سمع ‪-‬يعني عثمان‪ -‬الرسالة قال‪ :‬الله أكبر‪ ،‬الحمد لله الذي‬
‫ي‪ ،‬وعسى الله أن‬ ‫ب إل ّ‬
‫عصم أخي‪ ،‬أقرئه السلم‪ ،‬ثم قل له‪ :‬أح ّ‬
‫يدفع بك عني‪ ،‬فلما قرأ الرسالة أبو هريرة قام فقال‪ :‬أل أخبركم‬
‫ما سمعت أذناي من رسول الله × ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أشهد‬
‫لسمعت رسول الله × يقول‪» :‬تكون بعدي فتن وأمور«‪،‬‬
‫فقلنا‪ :‬فأين المنجى منها يا رسول الله؟ قال‪» :‬إلى المين‬
‫وحزبه «‪ ،‬وأشار إلى عثمان بن عفان‪ ،‬فقام الناس فقالوا‪ :‬قد‬
‫لنا( في الجهاد؟ فقال‪) :‬أعزم على من كانت‬ ‫أمكنتنا البصائر‪ ،‬فأذن‬
‫لي عليه طاعة أل يقاتل()‪. 3‬‬
‫‪ -3‬المغيرة بن شعبة ‪:‬‬
‫فقد ورد أن المغيرة بن شعبة ‪ ‬دخل عليه وهو محاصر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إنك إمام العامة‪ ،‬وقد نزل بك ما ترى‪ ،‬وإني أعرض عليك خصال ثلثة‬
‫اختر إحداهن‪ :‬إما أن تخرج فتقاتلهم‪ ،‬فإن معك عددا وقوة‪ ،‬وأنت‬
‫على الحق وهم على الباطل‪ ،‬وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي‬
‫هم عليه‪ ،‬فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة‪ ،‬فإنهم لن يستحلوك بها‪،‬‬
‫وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية‪ ،‬فقال عثمان‪:‬‬
‫أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون‬
‫أول من خلف رسول الله × في أمته بسفك الدماء‪ ،‬وأما أن أخرج‬
‫إلى مكة فإنهم لن يستحلوني‪ ,‬فإني سمعت رسول الله × يقول‪:‬‬
‫»يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم«‪ ،‬ولن‬
‫أكون أنا‪ ،‬وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن‬

‫)( تاريخ دمشق‪ ،‬ص ‪.403‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( هو أبو حبيبة مولى الزبير بن العوام‪ ،‬روى عن الزبير‪ ،‬وسمع أبا هريرة‬ ‫‪2‬‬

‫وعثمان محصور‪.‬‬
‫)( فضائل الصحابة )‪ (512 ،1/511‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪301‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أفارق دار هجرتي ومجاورة الرسول)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬عبد الله بن الزبير ‪:‬‬
‫عزم الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬على الدفاع عن عثمان‪ ،‬ودخل بعضهم‬
‫عزم عليهم بشدة‪ ،‬وشدد عليهم في الكف عن‬ ‫الدار‪ ،‬ولكن عثمان ‪‬‬
‫القتال دفاعا عنه‪ ،‬مما حال بين رغبتهم الصادقة في الدفاع عنه وبين‬
‫تحقيقها‪ ،‬وكان من ضمن أولئك عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما‪ ،‬فقد‬
‫فوالله لقد أحل الله لك قتالهم‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬ل‬ ‫قاتلهم‪،‬‬‫لعثمان ‪‬‬
‫‪:‬‬ ‫قال‬
‫والله‪ ،‬ل أقاتلهم أبدا)‪.(2‬‬
‫وفي رواية‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنا معك في الدار عصابة‬
‫مستبصرة ينصر الله)‪(3‬بأقل منها فأذن لنا‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬أنشد الله‬
‫مره)‪(4‬على الدار‪ ،‬وقال‪ :‬من كانت لي عليه‬ ‫ي دمه ‪ ،‬ثم أ ّ‬ ‫رجل أهراق ف ّ‬
‫طاعة فليطع عبد الله بن الزبير ‪.‬‬
‫‪ -5‬كعب بن مالك‪ ،‬وزيد بن ثابت النصاريان رضي الله عنهما‪:‬‬
‫حث كعب بن مالك ‪ ‬النصار على نصرة عثمان ‪ ‬وقال لهم‪:‬‬
‫يا معشر النصار‪ ،‬كونوا أنصار الله مرتين‪ ،‬فجاءت النصار عثمان‬
‫ثابت‪ (5‬وقال له‪ :‬هؤلء النصار بالباب‪،‬‬ ‫ووقفوا بابه‪ ،‬ودخل زيد بن‬
‫أنصار الله مرتين‪ ).‬فرفض القتال وقال‪ :‬ل حاجة لي‬ ‫إن شئت كنا‬
‫في ذلك‪ ،‬كفوا)‪.(6‬‬
‫‪ -6‬الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما‪:‬‬
‫وقال له‪ :‬اخترط سيفي؟‬ ‫الحسن بن علي رضي الله عنهما‪،‬‬ ‫وجاء‬
‫ن دمك‪ ،‬ولكن ثم)‪ (8‬سيفك‪ ،‬وارجع إلى‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫الله‬ ‫)‪(7‬‬
‫أبرأ‬ ‫ل‬ ‫له‪:‬‬ ‫قال‬
‫أبيك)‪.(9‬‬
‫‪ -7‬عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‪:‬‬
‫)‪(10‬‬
‫ولما رأى الصحابة أن المر استفحل‪ ،‬وأن السيل بلغ الزبى‬
‫عزم بعضهم على الدفاع عنه دون استشارته‪ ،‬فدخل بعضهم الدار‬
‫مستعدا للقتال‪ ،‬فقد كان ابن عمر معه في الدار‪ ،‬متقلدا سيفه لبسا‬
‫درعه ليقاتل دفاعا عن عثمان ‪ ،‬ولكن عثمان عزم عليه أن يخرج‬
‫من الدار خشية أن يتقاتل مع القوم عند دخولهم عليه فيقتل‪ ،‬كما‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/211‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪ (3/70‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪ ،(3/70‬تاريخ ابن خياط‪ ،‬ص ‪.173‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪ ،(3/70‬إسناده صحيح إلى عبد الله بن الزبير‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( طبقات ابن سعد )‪ ،(3/70‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/162‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪.(1/162‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( هكذا في الصل‪ ،‬ولعلها )أبرأ إلى الله(‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( هكذا في الصل‪ ،‬والثم هو‪ :‬إصلح الشيء وإحكامه‪ ،‬لسان العرب )‪،(12/79‬‬ ‫‪8‬‬

‫ويحتمل أن تكون مصحفة من شم‪ ،‬والشم هو‪ :‬إعادة السيف إلى غمده‪.‬‬
‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/162‬المصنف لبن أبي شيبة )‪.(152/224‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( بلغ الماء الزبى أو الربى‪ ،‬ويروى بلغ السيل الزبى أو الربى‪ ،‬والزبى‪ :‬جمع‬ ‫‪10‬‬

‫زبية السد‪ ،‬وهي حفرة تحفر له في مكان مرتفع ليصطاد‪ ،‬فإذا بلغ الماء فهو‬
‫المجحف‪ .‬الربى‪ :‬جمع ربوة‪ ،‬وهذا المثل يضرب في الشر الفظيع‪) ،‬المستسقى‬
‫في أمثال العرب( للزمخشري )‪.(2/14‬‬

‫‪302‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫لبسه مرة أخرى)‪.(1‬‬
‫‪ -8‬أبو هريرة ‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫دخل الدار على عثمان يقول‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬طاب أمضرب ‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإنك والله إن قتلت رجل واحدا فكأنما قُِتل الناس جميعا‪،‬‬
‫يقاتل‪ .‬وفي رواية‪ :‬أن أبا هريرة كان متقلدا سيفه حتى‬ ‫فرجع ولم‬
‫نهاه عثمان)‪.(3‬‬
‫‪ -9‬سليط بن سليط‪:‬‬
‫قال‪ :‬نهانا)‪(4‬عثمان عن قتالهم‪ ،‬ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم‬
‫من أقطارها‪.‬‬
‫ويقول ابن سيرين‪ :‬كان مع عثمان في الدار سبعمائة‪ ،‬لو يدعهم‬
‫لضربوهم إن شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها‪ ،‬منهم‪ :‬ابن عمر‪،‬‬
‫والحسن بن علي‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪ .‬ويقول أيضا‪ :‬لقد قتل عثمان‬
‫الحسن بن علي‬ ‫يوم قتل وإن الدار لغاصة‪ ،‬منهم ابن عمر وفيهم‬
‫في عقنه السيف‪ ،‬ولكن عثمان عزم عليهم أل يقاتلوا)‪.(5‬‬
‫وبذلك يظهر زيف ما اتهم به الصحابة مهاجرين وأنصارا من تخاذل‬
‫فإنه ل يسلم من علة إن لم‬ ‫عن نصرة عثمان‪،‬وكل ما روي في ذلك‬
‫تكن علل قادحة في السناد والمتن جميعا)‪.(6‬‬
‫‪ -10‬عرض بعض الصحابة على عثمان مساعدته في الخروج‬
‫إلى مكة‪:‬‬
‫ولما رأى بعض الصحابة إصرار عثمان ‪ ‬على رفض قتال‬
‫المحاصرين‪ ،‬وأن المحاصرين مصرون على قتله‪ ،‬لم يجدوا حيلة‬
‫لحمايته سوى أن يعرضوا عليه مساعدته في الخروج إلى مكة هربا‬
‫من المحاصرين‪ ،‬فقد روى أن عبد الله بن الزبير‪ ،‬والمغيرة بن‬
‫شعبة‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬عرضوا عليه ذلك‪ ،‬وكان عرضهم متفرقا‪،‬‬
‫واحد منهم عليه ذلك على حدة‪ ،‬وعثمان ‪ ‬يرفض‬ ‫فقد عرض كل‬
‫كل هذه العروض)‪.(7‬‬
‫* السباب التي دعت عثمان إلى منع الصحابة من القتال‪:‬‬
‫يظهر للباحثين من خلل روايات الفتنة أن هناك أسبابا خمسة‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -1‬العمل بوصية رسول الله × التي ساّره بها‪ ،‬وبّينها عثمان ‪‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/163‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الميم بدل اللم‪ ،‬فأصلها )الضرب( وهي لغة لبعض أهل اليمن‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/165‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ دمشق لبن عساكر‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص ‪.395‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/166‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/166‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪303‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫يوم الدار‪ ،‬وأنها عهد ٌ عهد به إليه‪ ،‬وأنه صابر نفسه عليه)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬ما جاء في قوله‪ :‬لن أكون أول من خلف رسول الله × في‬
‫يكون أول من خلف رسول الله ×‬ ‫أمته بسفك الدماء؛ أي كره أن‬
‫في أمته بسفك دماء المسلمين)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬علمه بأن البغاة ل يريدون غيره‪ ،‬فكره أن يتوقى بالمؤمنين‪،‬‬
‫وأحب أن‬
‫يقيهم بنفسه)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬علمه بأن هذه الفتنة فيها قتله‪ ،‬وذلك فيما أخبره بها رسول‬
‫الله × عند تبشيره إياه بالجنة على بلوى تصيبه‪ ،‬وأنه سيقتل‬
‫مصطبرا بالحق‪ ,‬معطيه في فتنة‪ ،‬والدللت تدل على أن أوانها قد‬
‫حان‪ ،‬وأكد ذلك تلك الرؤيا التي رآها ليلة قتله‪ ،‬فقد رأى رسول الله‬
‫× وقال له‪» :‬أفطر عندنا القابلة«‪ ،‬ففهم ‪ ‬أن موعد الستشهاد قد‬
‫قرب‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل بمشورة ابن سلم ‪ ‬له؛ إذ قال له‪ :‬الكف الكف‪ ،‬فإنه‬
‫أبلغ لك‬
‫في الحجة)‪.(4‬‬
‫وتحقق إخبار النبي × بأن عثمان ‪ ‬سوف يقتل‪ ،‬وذلك فيما‬
‫رواه عبد الله بن حوالة)‪  (5‬عن النبي × قال‪» :‬من نجا من‬
‫ثلث فقد نجا ‪-‬ثلث مرات‪ :-‬موتي‪ ،‬والدجال‪ ،‬وقتل خليفة‬
‫مصطبرا بالحق معطيه« )‪.(6‬‬
‫وفيما تقدم يتبين هدوؤه في التفكير ‪ ،‬وأن شدة البلوى لم‬
‫تحل بينه وبين ذلك التفكير الصحيح والرأي السليم‪ ،‬فقد تضافرت‬
‫السباب لتحديد هذا الموقف المسالم في قتال الخارجين عليه‪ ،‬ول‬
‫شك أنه ‪ ‬كان على الحق في مواقفه التي اتخذها لما صح عن‬
‫النبي × أنه أشار إلى وقوع هذه الفتنة‪ ،‬وشهد لعثمان وأصحابه أنهم‬
‫على الحق فيها)‪.(7‬‬
‫قال ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ :-‬ومن المعلوم بالتواتر أن عثمان كان‬
‫من أكف الناس عن الدماء‪ ،‬وأصبر الناس عمن نال من عرضه‪،‬‬
‫وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا في قتله‪ ،‬وقد عرف‬
‫إرادتهم لقتله‪ ،‬وقد جاء المسلمون ينصرونه ويشيرون عليه بقتالهم‪،‬‬
‫وهو يأمر الناس بالكف عن القتال ويأمر من يطيعه أن ل يقاتلهم‪...‬‬
‫وقيل له‪ :‬تذهب إلى مكة؟ فقال‪ :‬ل أكون ممن ألحد في الحرم‪،‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ ،(1/605‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/167‬المسند )‪ (1/396‬أحمد شاكر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/167‬إسناد الرواية فيه ضعف‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الطبقات )‪ (3/71‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/168‬إسناده حسن‪ ،‬أو صحيح‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( مسند أحمد )‪ ،(4/106‬رقم )‪ ،(16973‬ط‪ /‬الرسالة‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ (1/168‬انظر الحاديث الصحيحة التي ذكرتها في فضائله‬ ‫‪7‬‬

‫وأخبار النبي × عن قتله في هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فقيل له‪ :‬تذهب إلى الشام؟ فقال‪ :‬ل أفارق دار هجرتي‪ ،‬فقيل له‪:‬‬
‫فقاتلهم‪ ،‬فقال‪ :‬ل أكون أول من خلف محمدا في أمته بالسيف‪،‬‬
‫فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬موقف أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫‪ -1‬أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما‪:‬‬
‫كان موقف السيدة أم حبيبة أم المؤمنين من المواقف البالغة‬
‫الخطر في هذه الحداث‪ ،‬وهو موقف كان من الخطورة بحيث كادت‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ -‬أن تقتل فيه‪ ،‬ذلك أنه‬
‫لما حوصر عثمان ‪ ‬ومنع عنه الماء‪ ،‬سّرح عثمان ابنا لعمرو بن‬
‫حزم النصاري ‪ -‬من جيران عثمان ‪ -‬إلى علي بأنهم قد منعونا الماء‪،‬‬
‫فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من‬
‫الماء فافعلوا‪ ،‬وإلى طلحة وإلى الزبير وإلى عائشة وأزواج النبي ×‪،‬‬
‫فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة‪ (2).‬وكانت أم حبيبة معنية‬
‫بعثمان‪ ،‬كما قال ابن عساكر‪ ،‬وكان هذا طبيعيا منها؛ حيث النسب‬
‫الموي الواحد‪ ،‬جاءت أم حبيبة‪ ،‬فضربوا وجه بغلتها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن‬
‫وصايا بني أمية إلى هذا الرجل‪ ،‬فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك‬
‫كيل تهلك أموال أيتام وأرامل‪ ،‬قالوا‪ :‬كاذبة‪ ،‬وأهووا لها وقطعوا حبل‬
‫البغلة بالسيف فندت)‪ (3‬بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد مالت راحلتها‪،‬‬
‫فتعلقوا بها‪ ،‬وأخذوها وقد كادت تقتل‪ ،‬فذهبوا بها إلى بيتها‪ (4).‬ويبدو‬
‫أنها ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬أمرت ابن الجراح مولها أن يلزم عثمان ‪،‬‬
‫فقد حدثت أحداث الدار‪ ،‬وكان ابن الجراح حاضرا)‪.(5‬‬
‫‪ -2‬صفية زوجة رسول الله ×‪:‬‬
‫وما فعلته السيدة أم حبيبة فعلت مثله السيدة صفية رضي الله‬
‫عنها؛ فلقد روي عن كنانة)‪ (6‬قال‪ :‬كنت أقود بصفية لترد ّ عن عثمان‪،‬‬
‫فلقيها الشتر)‪ ،(7‬فضرب وجه بغلتها حتى مالت‪ ،‬فقالت‪ :‬ذروني ل‬
‫يفضحني هذا‪ ،‬ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل عثمان تنقل‬
‫عليه الطعام والماء)‪.(8‬‬
‫‪ -3‬عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪:‬‬
‫ولما حدث ما حدث للسيدة أم حبيبة أعظمه الناس جدا‪،‬‬
‫فخرجت عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬من المدينة وهي ممتلئة غيظا‬
‫على المتمردين‪ ،‬وجاءها مروان بن الحكم‪ ،‬فقال‪ :‬أم المؤمنين‪ ،‬لو‬
‫)( منهاج السنة )‪.(203 ،3/202‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( دور المرأة السياسي‪ ،‬أسماء محمد‪ ،‬ص ‪.340‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ند البعير ونحوه ندا‪ ،‬وندودا‪ :‬نفر وشرد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ ،(5/401‬نقل عن دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.340‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تاريخ المدينة )‪.(2/298‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( كناية بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف‬ ‫‪6‬‬

‫العبشمي‪.‬‬
‫)( دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.340‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( سير أعلم النبلء )‪.(2/237‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪305‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل‪ ،‬فقالت‪ :‬أتريد أن يصنع بي‬
‫كما صنع بأم حبيبة‪ ،‬ثم ل أجد من يمنعني‪ ،‬ل والله ل أ ُعَّير)‪ ,(1‬ول‬
‫أدري إلم يسلم أمر هؤلء‪ (2).‬ورأت ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬أن خروجها‬
‫ربما كان معينا في فض هذه الجموع‪ ،‬كما سيتضح من الرواية التية‬
‫بعد‪ ،‬وتجهزت أمهات المؤمنين إلى الحج هربا من الفتنة‪ ،‬على أن‬
‫خروجهن لم يكن تنزها عن ملبسات الفتنة وحسب‪ ،‬ولم يكن هربا‬
‫محضا‪ ،‬وإنما كان محاولة منهن لتخليص عثمان ‪ ‬من أيدي هؤلء‬
‫المفتونين‪ ،‬الذين كان منهم محمد بن أبي بكر‪ ،‬أخو السيدة عائشة‬
‫رضي الله عنها‪ ،‬الذي حاولت أن تستتبعه معها إلى الحج فأبى‪ ،‬ولقد‬
‫دلل على هذه المحاولة منها أن استتباعها له ورفضه كانا لفتين‬
‫للنظر حتى إن حنظلة الكاتب)‪ (3‬قد هاله رفض محمد لن يتبع أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬وقارن بين هذا الرفض وبين متابعته لهل المصار‪ ،‬قائل‪:‬‬
‫يا محمد‪ ،‬تدعوك أم المؤمنين فل تتبعها‪ ،‬وتدعوك ذؤبان)‪ (4‬العرب‬
‫إلى ما ل يحل فتتبعهم‪ ،‬فأبى‪ ،‬فقالت السيدة عائشة‪ :‬أما والله لو‬
‫استطعت أن يحرمهم الله ما يجولون لفعلن‪ (5).‬وهذا القول منها‬
‫بعدما حاولته مع أخيها‪ ،‬دليل على أنها قد بدأت محاولتها لفض‬
‫الثائرين عن عثمان‪ ،‬ولثارة الرأي العام عليهم منذ بدأ تفكيرهم في‬
‫الذهاب إلى مكة‪ ،‬وهذا هو ما أكد عليه المام ابن العربي‪ ،‬قال‪ :‬إنه‬
‫يروي أن تغيبهم ‪ -‬تغيب أمهات المؤمنين مع عدد من الصحابة ‪ -‬كان‬
‫قطعا للشغب بين الناس رجاء أن يرجع الناس إلى أمهاتهم‪ ،‬وأمهات‬
‫المؤمنين‪ ،‬فيرعوا حرمة نبيهم)‪ ،(6‬ويستمعوا إلى كلمتهن التي طالما‬
‫كانوا يقصدونها في كل الفاق)‪ .(7‬أي أن خروجهم كان نوعا من‬
‫التفريق لهذه الجموع؛ حيث كان معروفا عند الناس التماس رأيهن‬
‫وفتاواهن‪ ،‬وكن ‪-‬رضوان الله عليهن‪ -‬ل يتصورن أن يصل المر بهؤلء‬
‫الناس إلى قتل الخليفة ‪.(8)‬‬
‫‪ -4‬مواقف للصحابيات‪:‬‬
‫أ‪ -‬وقد حاولت أسماء بنت عميس نفس المحاولة التي حاولتها‬
‫أم المؤمنين عائشة‪ ،‬فبعثت إلى ابنيها محمد بن أبي بكر‪ ،‬ومحمد بن‬
‫جعفر)‪ (9‬فقالت‪ :‬إن المصباح يأكل نفسه ويضيء للناس‪ ،‬فل تأثما في‬
‫أمر تسوقانه إلى من ل يأثم فيكما‪ ،‬فإن هذا المر الذي تحاولون‬
‫جا‬
‫اليوم لغيركم غدا‪ ،‬فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم‪ ،‬فل ّ‬
‫وخرجا مغضبين يقولن‪ :‬ل ننسى ما صنع بنا عثمان‪ ،‬وتقول‪ :‬ما صنع‬
‫)( أ ُعَّير‪ :‬من العار‪ ،‬وقد يبدى هذا التعبير أن الحالة التي وضع فيها الغوغاء‬ ‫‪1‬‬

‫السيدة أم حبيبة كانت‬


‫شديدة اليلم‪.‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/401‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( حنظلة بن ربيع التميمي‪ ،‬كان يكتب الوحي لرسول الله ×‪ ،‬فسمي الكاتب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (3 ،‬تاريخ الطبري‪.(5/401) ،‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪5‬‬

‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.342‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.343‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( محمد بن جعفر بن أبي طالب‪ ،‬أمه أسماء بنت عميس الخشعمية‪ ،‬ولد بأرض‬ ‫‪9‬‬

‫الحبشة‪ ،‬شهد صفين مع علي‪ ،‬وكان مع أخيه محمد بمصر لما قتل‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وقيل الحديث كان بين ليلى بنت أسماء‬ ‫بكما‪ ،‬أل ألزمكما الله‪.‬‬
‫وأخويها)‪.(2‬‬
‫وهي في ذلك تشير إلى أنه لما جاء أهل المصار‪ ،‬وكروا راجعين‬
‫إلى المدينة بعدما كانوا ناظروا عثمان ‪ ‬فناظرهم‪ ،‬وأقام عليهم‬
‫الحجة‪ ،‬فأظهروا أنهم راجعون إلى بلدهم‪ ،‬ثم ما لبثوا أن عادوا‬
‫رسل في قتل أناس كان منهم ‪-‬حسب‬ ‫بدعوى أن عثمان ‪ ‬بعث‬
‫دعواهم‪ -‬محمد بن أبي بكر)‪ ،(3‬ولعل هذا هو ما يشير إليه محمد بن‬
‫أبي بكر في قوله‪ :‬ل ننسى ما صنع بنا عثمان‪ ،‬وقد نفى عثمان ‪‬‬
‫ي بذلك وإل‬ ‫نسبة هذا الكتاب إليه وقال‪ :‬إما أن تقيموا شاهدين عل ّ‬
‫يكتب على لسان الرجل‬ ‫فيميني أني ما كتبت ول أمرت‪ ،‬وقد‬
‫ويضرب على خطه وينقش على خاتمه)‪.(4‬‬
‫لقد كانت السيدة أسماء ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬واعية بما يجري من‬
‫تدبير خفي لزعزعة أحوال المسلمين‪ ،‬وتنحية عثمان ‪ ‬عن الخلفة‪،‬‬
‫وهكذا فإن موقفها ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬من ابنيها‪ ,‬ووضوح المر عندها‬
‫على هذا النحو الذي جعلها ل تتأثر في مقام المومة‪ ،‬ول تبدو إل‬
‫يستهان به ول‬ ‫محقة للحق في هذا الموقف الواضح‪ ،‬هذا الموقف ل‬
‫شك‪ ،‬وهو يعد صورة جلية لعدالة هؤلء الصحابة الكرام)‪.(5‬‬
‫ب‪ -‬الصعبة بنت الحضرمي‪:‬‬
‫ولما اشتد حصار عثمان ‪ ‬طلبت الصعبة بنت الحضرمي من‬
‫ابنها طلحة بن عبيد الله أن يكلم عثمان كي يردعه عن إصراره على‬
‫إسلمه نفسه دون مدافعة من الصحابة‪ ،‬واستنصار بأهل المصار‪،‬‬
‫لبنها‪(6‬طلحة بن عبيد الله‪:‬‬ ‫فقد خرجت الصعبة بنت الحضرمي وقالت‬
‫إن عثمان اشتد حصره‪ ،‬فلو كلمته حتى تردعه‪ ).‬والرواية يبدو منها‬
‫إشفاق الصعبة على عثمان ‪ ،‬كما يبدو منها كذلك عناية أم عبد‬
‫أحداث الفتنة)‪ ،(7‬وهي‬ ‫الله بن رافع بالمر‪ ،‬ومتابعتها لما يجري من‬
‫التي روت عن الصعبة بنت الحضرمي الحادثة)‪.(8‬‬
‫هذا هو الموقف العام لنساء المسلمين‪ ،‬فقد كان موقفا معتدل‬
‫وقادرا على النظر السليم في المسألة‪ ،‬رغم الغيوم التي كانت‬
‫على( كل حال كان هذا موقف الصحابة جميعا رضي‬ ‫ملتبسة بها‪ ،‬وهو‬
‫الله عنهم وأرضاهم)‪. 9‬‬
‫سا‪ :‬من حج بالناس ذلك العام؟ وهل طلب عثمان من‬ ‫ساد ً‬
‫الولة نصرته؟‬

‫تاريخ الطبري‪.(5/202) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق‪.(5/202) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.343‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.344‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬


‫‪6‬‬
‫)( المصدر نفسه‪،‬ـ ص ‪.345‬‬

‫)‪ ( ،1‬دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.345‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.345‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.346 ،345‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪307‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -1‬من حج بالناس ذلك العام )‪ 35‬هـ(؟‬
‫استدعى عثمان عبد الله بن عباس رضي الله عنهم‪ ،‬وكلفه أن‬
‫يحج بالناس هذا الموسم‪ ،‬فقال له ابن عباس‪ :‬دعني أكن معك‬
‫وبجانبك يا أمير المؤمنين في مواجهة هؤلء‪ ،‬فوالله إن جهاد هؤلء‬
‫ي من الحج‪ ،‬قال له‪ :‬عزمت عليك أن تحج‬ ‫ب إل ّ‬ ‫الخوارج أح ّ‬
‫بالمسلمين‪ ،‬فلم يجد ابن عباس أمامه إل أن يطيع أمير المؤمنين‪،‬‬
‫وكتب عثمان كتابا مع ابن عباس ليقرأ على المسلمين في الحج‪،‬‬
‫بّين فيه قصته مع الخوارج عليه‪ ،‬وموقفه منهم‪ ،‬وطلباتهم منه )‪.(1‬‬
‫وهذا نص خطاب عثمان ‪ ‬للمسلمين في موسم الحج عام ‪ 35‬هـ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى‬
‫المؤمنين والمسلمين‪ ،‬سلم عليكم‪ ،‬فإني أحمد الله إليكم الذي ل‬
‫إله إل هو‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإني أذكركم بالله ‪-‬جل وعز‪ -‬الذي أنعم عليكم‬
‫وعلمكم السلم‪ ،‬وهداكم من الضللة‪ ،‬وأنقذكم من الكفر‪ ،‬وأراكم‬
‫البينات‪ ،‬وأوسع عليكم من الرزق ونصركم على العدو‪ ،‬وأسبغ عليكم‬
‫ل‬‫من ك ُ ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫وآَتا ُ‬ ‫نعمته‪ َ ،‬فإن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬يقول وقوله الحق‪َ + :‬‬
‫ن‬ ‫سا َ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو ََ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه ل َ تُ ْ‬ ‫ت الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫دوا ن ِ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫وِإن ت َ ُ‬ ‫موهُ َ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫وجل‪َ+ :‬يا أي ّ َ‬ ‫فاٌر" ]إبراهيم‪ ،[34 :‬وقال عز‬ ‫مك ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ل َظَُلو‬
‫قات ِه ول َ ت َموت ُن إل ّ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأن ُْتم ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ق تُ َ ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫ه‬‫ت الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫وا َذكُروا ن ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ول ت َفّرقوا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عا َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫مت ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ب ِن ِ ْ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫فأ َل ّ َ‬ ‫داءً َ‬ ‫ع َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫م إ ِذْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫من ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قذَك ُ ْ‬ ‫فأن َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫فَر ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫وك ُن ْت ُ ْ‬ ‫واًنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫م‬
‫ّ ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫كن‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫دو‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ْ َ ِ ِْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ن‬
‫ُ َ ّ ُ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ُك َ ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وي َن ْ َ‬
‫ّ‬
‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫وي َأ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫خي ْ ْ ِ‬ ‫ن إ ِلى ال َ‬
‫َ‬
‫عو ُ َ‬ ‫ة ي َدْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫قوا‬ ‫فّر ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كو‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫حو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ال ْ ُ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وأول َئ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫واذْكُروا ن ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م" ]آل عمران‪ ،[105-102 :‬وقال وقوله الحق‪َ + :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫عَنا‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬ ‫ه إ ِذْ ُ‬ ‫كم ب ِ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫واث َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ميَثا َ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ِ‬ ‫َ‬
‫ر" ]المائدة‪،[7 :‬‬ ‫ّ ُ ِ‬ ‫دو‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫ٌ ِ‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ق ب ِن َب َأ ٍ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م َ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِإن َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫وقوله الحق‪َ+ :‬يا أي ّ َ‬ ‫وقال‬
‫م‬ ‫عل ْت ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ما َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫حوا َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫هال َ ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫و ً‬ ‫ق ْ‬ ‫صيُبوا َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فت َب َي ُّنوا َأن ت‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫طي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫عل َموا أ َ‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫د‬ ‫نا‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ِ َ َ َ َ ّ َ ُ‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫لي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ َ ّ َ ِ ْ ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ك‬
‫ْ ِ َ ِ ّ ْ َ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ٍ ّ َ‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ثي‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫ن ُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫صَيا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫سوقَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫فَر َ‬ ‫م ال ْك ُ ْ‬ ‫وك َّرهَ إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ِ‬
‫م"‬ ‫ٌ‬ ‫كي‬ ‫ِ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫والل‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫ً‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ش‬‫ِ‬ ‫را‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫د الل ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫عز وجل‪+ :‬إ ِ ّ‬ ‫]الحجرات‪ ،[8-6 :‬وقوله‬
‫ول َ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫قِليل ً ُأول َئ ِ َ‬ ‫مًنا َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫مان ِ‬ ‫وأي ْ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫كي‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ين‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫الل‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ذاب أ َ‬
‫ه‬‫ُ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫يُ‬
‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫‪+‬‬ ‫الحق‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫وقال‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪77‬‬ ‫عمران‪:‬‬ ‫]آل‬ ‫"‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.168 ،167‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪308‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خي ًْرا ل َن ْ ُ‬ ‫قوا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وأ َن ْ ِ‬ ‫عوا َ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬
‫است َطَعت ُم واسمعوا َ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن" ]التغابن‪ ،[16 :‬وقال‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫س َِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ّيوقَ ُ‬
‫ضوا‬ ‫ق ُ‬ ‫ول َ َتن ُ‬ ‫م َ‬ ‫هدت ّ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه إِ َ‬ ‫د الل ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫فوا ب ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وقوله الحق‪َ + :‬‬
‫ه‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫د‬
‫و ِ ِ‬ ‫كي‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عد َ ت َ ْ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ا لي ْ َ‬
‫د‬
‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫ُ‬ ‫غْزل َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ق ََ‬ ‫كال ِّتي ن َ َ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫عُلو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ََ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ي‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ة‬‫ٌ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذو‬ ‫ُ‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ثا‬ ‫ً‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ة‬ ‫ٍ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ َر ّبى من أ ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ َ‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ْ َُ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫ُ ِ َ ُ َ ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لو‬ ‫ب‬
‫ْ ّ ِ َ َ ْ‬‫ي‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬
‫ة‬
‫حد َ ً‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َك ُ َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سأل ُ ّ‬ ‫ول َت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫عدَ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫قد َ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ز ّ‬ ‫ِ‬ ‫فت َ‬ ‫م َ‬ ‫خل ً ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م دَ َ‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫ذوا أي ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ول َ ت َت ّ ِ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬ ‫ددت ّ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ما َ‬ ‫سوءَ ب ِ َ‬ ‫قوا ال ّ‬ ‫ذو ُ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ث ُُبوت ِ َ‬
‫د‬
‫عن ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫مًنا قِليل إ ِن ّ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫هث َ‬ ‫َ‬ ‫د الل ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫شت َُروا ب ِ َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‪َ ‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ين‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ََ‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫إن‬ ‫َْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫س َِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫صب َُروا أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫زي َ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ولن َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫با ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْدَ الل ِ‬ ‫ِ‬
‫ها‬ ‫ن" ]النحل‪ .[َ 96 -91 :‬وقال وقوله الحق‪َ+ ُ :‬يا أي ّ َ‬ ‫ملو ََ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫طي‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫طي‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫نآ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل ِإن‬ ‫سو ِ‬ ‫والر‬ ‫ه َ‬ ‫دوهُ إ ِلى الل َ ِ‬ ‫َ‬ ‫فُر ّ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫فِإن ت ََناَز ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ويل ً"‬ ‫سن ّ ت َأ ُْ‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫بالل‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ؤ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫َ ْ ٌ َ ْ َ ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ َ َ ْ ِ‬ ‫ْ ُ ْ ُ ِ ُ َ ِ‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عدَ الل‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫‪+‬‬ ‫الحق‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫]النساء‪ .[59 :‬وقال‬
‫خل َ َ‬ ‫في ال َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫حا‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ضى‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ِ ْ َ ُ َ َ ّ َُ ْ ِ َ ُ ُ‬‫ن‬ ‫دي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫ال ّ ِ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ن ِبي‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫دون َِني ل َ ي ُ ْ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫مًنا ي َ ْ‬ ‫م ُأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ول َي ُب َدّل َن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن" ]النور‪.[55 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ئا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َُباي ِ ُ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫عون َ َ‬ ‫ن ي َُباي ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال وقوله َالحق‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلى ن َ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ما َينك ُ ُ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫ث َ‬ ‫من ن ّك َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫وق َ أي ْ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َالل ِ‬
‫ما" ]الفتح‪.[10 :‬‬
‫َ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫جًرا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ؤِتي ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه الل َ‬ ‫علي ْ ُ‬ ‫هد َ َ‬ ‫عا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فى ب ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن الله ‪-‬عز وجل‪ -‬رضي لكم السمع والطاعة‬
‫والجماعة‪ ،‬وحذركم المعصية والفرقة والختلف‪ ،‬ونبأكم ما قد فعله‬
‫الذين من قبلكم‪ ،‬وتقدم إليكم فيه ليكون له الحجة عليكم‪ ،‬إن‬
‫عصيتموه فاقبلوا نصيحة الله ‪-‬عز وجل‪ -‬واحذروا عذابه‪ ،‬فإنكم لن‬
‫تجدوا أمة هلكت إل من بعد أن تختلف‪ ،‬إل أن يكون لها رأس‬
‫يجمعها‪ ،‬ومتى ما تفعلوا ذلك ل تقيموا الصلة جميعا‪ ،‬وسلط عليكم‬
‫عدوكم‪ ،‬ويستحل بعضكم حرمة بعض‪ ،‬ومتى يفعل ذلك ل يقم لله‬
‫سبحانه دين‪ ،‬وتكونوا شيئا‪ ،‬وقد قال الله ‪-‬جل وعز‪ -‬لرسوله ×‪:‬‬
‫في‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫س َ‬ ‫عا ل ّ ْ‬ ‫شي َ ً‬‫كاُنوا ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قوا ِدين َ ُ‬ ‫فّر ُ‬ ‫ن َ‬
‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫‪+‬إ ِ ّ‬
‫ن"‬
‫علو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َف َ‬ ‫َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م ي ُن َب ّئ ُ‬ ‫ُ‬
‫هث ّ‬ ‫م إ ِلى الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مُر ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ء إ ِن ّ َ‬
‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫]النعام‪ [159 :‬وإني أوصيكم بما أوصاكم الله وأحذركم عذابه‪ ،‬فإن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شعيبا × قال لقومه‪:‬‬
‫ب‬
‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫كم‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫قي أن ي ُ ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ش َ‬‫م َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫من ّك ُ‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫وم ِ َ ل َ ي َ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وَيا َ‬ ‫‪َ +‬‬
‫كم‬‫من ْ ُ‬ ‫ٍ ّ‬ ‫ط‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫ْ َ َ ِ ٍ َ َ َ‬‫صا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫د‬‫هو‬
‫ْ َ ُ ٍ ُْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫م ُ ٍ ْ‬
‫أ‬ ‫ح‬ ‫نو‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫َ ِ ٌ‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫ِ ْ ِ ِ ّ َ ّ‬‫إ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫إ‬ ‫بوا‬ ‫تو‬
‫ّ ُ ُ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫َ ّ ْ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫روا‬ ‫ف‬ ‫غ‬
‫ْ‬
‫َ ْ َ ِ ُ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫‪‬‬ ‫د‬
‫بِ َ ِ ٍ‬
‫عي‬ ‫ب‬

‫‪309‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫]هود‪.[90 ،89 :‬‬ ‫د"‬
‫دو ٌ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن أقواما مما كان يقول في هذا الحديث‪ ،‬أظهروا‬
‫للناس أنما يدعون إلى كتاب الله ‪-‬عز وجل‪ -‬والحق ول يريدون‬
‫الدنيا ول منازعة فيها‪ ،‬فلما عرض عليهم الحق إذ الناس في ذلك‬
‫شتى؛ منهم آخذ للحق ونازع عنه حين يعطاه‪ ،‬ومنهم تارك للحق‬
‫ونازل عنه في المر يريد أن يبتزه بغير الحق‪ ،‬طال عليهم‬
‫عمري‪ ،‬وراث)‪ (1‬عليهم المرة‪ ,‬فاستعجلوا القدر‪ ،‬وقد كتبوا إليكم‬
‫أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم‪ ،‬ول أعلم أني تركت من الذي‬
‫عاهدتهم عليه شيئا‪ ،‬كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أقيموها على من علمتم تعداها في أحد‪ ،‬أقيموها على من‬
‫ظلمكم من قريب أو بعيد‪ ،‬قالوا‪ :‬كتاب الله يتلى‪ ،‬فقلت‪ :‬فليتله‬
‫من تله غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫المحروم يرزق‪ ،‬والمال يوفى ليستن فيه السنة الحسنة‪ ،‬ول‬
‫يعتدى في الخمس ول في الصدقة‪ ،‬ويؤ ّمر ذو القوة والمانة‪،‬‬
‫وترد مظالم الناس إلى أهلها‪ ،‬فرضيت بذلك واصطبرت له‪...،‬‬
‫كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في المر استعجلوا القدر‬
‫ومنعوا مني الصلة‪ ،‬وحالوا بيني وبين المسجد‪ ،‬وابتزوا ما قدروا‬
‫عليه بالمدينة‪ .‬كتبت إليكم كتابي هذا‪ ،‬وهم يخبرونني إحدى ثلث‪:‬‬
‫إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صوابا‪ ،‬غير متروك منه‬
‫شيء‪ ،‬وإما أعتزل المر فيؤ ّ مرون آخر غيري‪ ،‬وإما يرسلون إلى‬
‫من أطاعهم من الجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل‬
‫الله سبحانه عليهم من السمع والطاعة‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬أما إقادتي‬
‫)‪(2‬‬
‫ستقد‬ ‫من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم ي ُ ْ‬
‫من أحد منهم‪ ،‬وقد علمت أنما يريدون نفسي‪ ،‬وأما أن أتبرأ من‬
‫المارة فأن يكلبوني)‪ (3‬أحب إل ّي من أن أتبرأ من عمل الله ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬وخلفته‪ ،‬وأما قولكم‪ :‬يرسلون إلى الجناد وأهل المدينة‬
‫فيتبرؤون من طاعتي فلست عليكم بوكيل‪ ,‬ولم أكن استكرهتهم‬
‫من قبل على السمع والطاعة‪ ،‬ولكن أتوها طائعين‪ ،‬يبتغون‬
‫مرضاة الله ‪-‬عز وجل‪ -‬وإصلح ذات البين‪ ،‬ومن يكن منكم يبتغي‬
‫الدنيا فليس بنائل منها إل ما كتب الله عز وجل له‪ ،‬ومن يكن إنما‬
‫يريد وجه الله والدار الخرة وصلح المة وابتغاء مرضاة الله ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬والسنة الحسنة التي استن بها رسول الله × والخليفتان‬
‫من بعده رضي الله عنهما‪ ،‬فإنما يجزي بذلكم الله وليس بيدي‬
‫جزاؤكم‪ ،‬ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم‪،‬‬
‫ولم يغن عنكم شيئا‪ ،‬فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده‪ ،‬فمن يرض‬
‫بال ّ نكث منكم فإني ل أرضاه له‪ ،‬ول يرضى الله سبحانه أن تنكثوا‬
‫عهده‪ ،‬وأما الذي يخيرونني فإنما كله النزع والتأمير‪ ،‬فملكت‬
‫نفسي ومن معي‪ ،‬ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله‬

‫)‪ (2‬استقاد الحاكم‪ :‬سأله أن يقيد‬ ‫)( راث‪ :‬أبطأ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاتل بالقتل‪.‬‬
‫)( كّلبه‪ :‬ضربه بالك ُ ّ‬
‫‪2‬‬

‫لب‪ ،‬والكلب‪ :‬الحديدة التي على خف الراكب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪310‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫سبحانه‪ ،‬وكرهت سنة السوء‪ ،‬وشقاق المة وسفك الدماء‪ ،‬فإني‬
‫أنشدكم بالله وبالسلم أل تأخذوا إل الحق وتعطوه مني‪ ,‬وترك‬
‫البغي على أهله‪ ،‬وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز وجل‪،‬‬
‫فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والمؤازرة في‬
‫ما َ‬
‫ل‬ ‫ر ُبوا َ‬ ‫ق َ‬ ‫أمر الله‪ ،‬فإن الله سبحانه قال وقوله الحق‪+ :‬ول َ ت ْ‬
‫و ُ‬ ‫ش َده َوأ َ‬ ‫ال ْيِتيم إل ّ بال ِّتي هي أ َحسن ح ّتى يبل ُ َ َ‬
‫فوا‬ ‫غأ ُ ّ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ ُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ؤول ً" ]السراء‪ [34 :‬فإن هذه معذرة‬ ‫س ُ‬
‫كا َ َ ْ‬
‫م‬ ‫ن‬ ‫د َ‬‫ه َ‬ ‫ع ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫د إِ ّ‬‫ه ِ‬
‫ع ْ‬‫ِبال ْ َ‬
‫ما‬‫و َ‬
‫ُ إلى الله ولعلكم تذكرون‪ .‬أما بعد‪ ،‬فإنني ل أبرئ نفسي ‪َ +‬‬
‫م َر ّبي‬‫ح َ‬‫ما َر ِ‬ ‫ء إ ِل ّ َ‬‫سو ِ‬‫ة ِبال ّ‬
‫ماَر ٌ‬
‫سل ّ‬ ‫ف َ‬‫ن الن ّ ْ‬ ‫سي إ ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ئ نَ ْ‬‫ر ُ‬ ‫أب َ ّ‬
‫م" ]يوسف‪ [53 :‬وإن عاقبت أقواما فما‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ن َر ّبي غ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫أبتغي بذلك إل الخير‪ ،‬وإني أتوب إلى الله ‪-‬عز وجل‪ -‬من كل‬
‫عمل عملته‪ ،‬وأستغفره إنه ل يغفر الذنوب إل هو‪ ،‬إن رحمة ربي‬
‫وسعت كل شيء‪ ،‬إنه ل يقنط من رحمة الله إل القوم الضالون‪،‬‬
‫وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون‪،‬‬
‫وأنا أسأل الله ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يغفر لي ولكم‪ ،‬وأن يؤلف قلوب‬
‫هذه المة على الخير‪ ،‬وي ُك َ ّ ره إليها الفسق‪ .‬والسلم عليكم ورحمة‬
‫الله وبركاته أيها المؤمنون والمسلمون(‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬فقرأت‬
‫هذا الكتاب عليهم قبل التروية)‪ (1‬بمكة بيوم‪.‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(431-5/425‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪311‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫‪ -2‬هل طلب عثمان ‪ ‬من الولة نصرته‪:‬‬


‫يزعم سيف بن عمر في روايته عند الطبري أن عثمان لما حصر‬
‫كتب إلى عماله على المصار يستمدهم‪ ،‬فبعث معاوية حبيب بن‬
‫مسلمة الفهري على رأس جيش‪ ،‬وكذا فعل عبد الله بن سعد في‬
‫مصر‪ ،‬فأرسل معاوية بن حديج‪ ،‬وخرج من أهل الكوفة القعقاع بن‬
‫عمرو على رأس قواته‪ (1).‬وهذا الزعم ل يتفق مع منهج عثمان في‬
‫مواجهة الفتنة من إيثار العافية والكف‪ ،‬ول يتفق مع تيقنه بالقتل‪ ،‬ول‬
‫يتفق مع ما لجأ إليه من صرف المدافعين عنه من كبار الصحابة‬
‫وأبنائهم‪ ،‬بل عبيده ومواليه الذين نهاهم أشد النهي عن القتال‪ ،‬بل‬
‫جعل العتق نصيب من يكف يده منهم ول يقاتل كما سوف نرى‪.‬‬
‫ولكن الذي يمكن تصوره هو أنه كما بادر جماعة من الصحابة إلى‬
‫الدفاع عن عثمان دون أن يطلب منهم ذلك ورغم محاولته العديدة‬
‫لصرفهم‪ ،‬فإنه قد بادرت جماعات كثيفة من أجناد المسلمين في‬
‫المصار للدفاع عن الخليفة المظلوم من تلقاء أنفسهم وتوجيه من‬
‫أمرائهم‪ ،‬ول يصح أن نظن أن رجل مثل معاوية في قرابته من‬
‫عثمان كان سيسعه ‪ -‬لو أراد‪ -‬أن يتقاعس عن السير إليه أو تسيير‬
‫الجنود إليه‪ ،‬ول يمكن أن نفترض أن رجال مثل أنصار عثمان بمصر ‪-‬‬
‫وعلى رأسهم معاوية بن حديج ومسلمة بن مخلد وغيرهما من أبطال‬
‫المسلمين‪ -‬كانوا سينتظرون قابعين حتى يقتل الخليفة ثم يتحركون‬
‫للثأر له‪ ،‬ويعرضون نحورهم للقتل في سبيله‪ ،‬بل الذي يمكن تصوره‬
‫وافتراضه أن جنودا من المصار قد تحركت بالفعل نحو المدينة‬
‫لنجدة الخليفة دون أن يطلب منها نجدته)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬آخر خطبة خطبها عثمان ‪: ‬‬
‫كان آخر لقاء عام لعثمان مع المسلمين بعد أسابيع من الحصار؛‬
‫حيث دعا الناس‪ ،‬فاجتمعوا له جميعا‪ ،‬المحارب الطارئ من‬
‫السبئيين‪ ،‬والمسالم المقيم من أهل المدينة‪ ،‬وكان في مقدمة‬
‫القادمين‪ :‬علي وطلحة والزبير‪ ،‬فلما جلسوا أمامه قال لهم‪ :‬إن الله‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الخرة‪ ،‬ولم يعطكم الدنيا‬
‫لتركنوا إليها‪ ،‬وإن الدنيا تفنى والخرة تبقى‪ ،‬فل تبطرنكم الفانية ول‬
‫تشغلنكم عن الباقية‪ ،‬وآثروا ما يبقى على ما يفنى‪ ،‬فإن الدنيا‬
‫جّنة‬ ‫منقطعة‪ ،‬وإن المصير إلى الله‪ ،‬واتقوا الله عز وجل‪ ،‬فإن تقواه ُ‬
‫ووقاية من بأسه وانتقامه‪ ،‬والزموا جماعتكم ول تصيروا أحزابا‪ ،‬قال‬
‫واذْك ُُروا‬‫قوا َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫ول َ ت َ َ‬ ‫عا َ‬ ‫مي‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ِ‬ ‫عتصموا بحبل‬ ‫وا ْ‬‫تعالى‪َ + :‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫فأً َ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫عَل َي ِك ُ ُم إ ِذْ َك ُ ْن ْت ُِم أ َ‬ ‫ه‬ ‫ت الل‬
‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَ َ‬
‫نِ ْ‬
‫ر‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ َ ٍ ّ َ‬‫ة‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ح‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫ً‬ ‫وا‬‫ف َ ْ َ ْ ْ ِ ْ َ ِ ِ َ‬
‫خ‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫م‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ن" ]آل‬ ‫دو‬ ‫ت‬‫ه‬
‫ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ َ ِ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫َُ ّ ُ‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫ن‬‫م‬
‫ْ ّ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫أن‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫عمران‪ .[103 :‬ثم قال للمسلمين‪ :‬يا أهل المدينة‪ :‬إني أستودعكم الله‪،‬‬
‫وأسأله أن يحسن عليكم الخلفة من بعدي‪ ،‬وإني والله ل أدخل على‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(380 ،5/379‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.279 ،278‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪312‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ن هؤلء‬ ‫ي قضاءه‪ ،‬ولدعَ ّ‬ ‫أحد بعد يومي هذا‪ ،‬حتى يقضى الله ف ّ‬
‫خل في دين أو‬ ‫الخوارج وراء بابي‪ ،‬ول أعطيهم شيئا يتخذونه عليكم د َ َ‬
‫دنيا‪ ،‬حتى يكون الله هو الصانع في ذلك ما أحب‪ ،‬وأمر أهل المدينة‬
‫بالرجوع وأقسم عليهم‪ ،‬فرجعوا إل الحسن ومحمد وابن الزبير‬
‫ها لهم‪ ،‬فجلسوا على باب عثمان عن أمر آبائهم‪ ،‬وثاب إليهم‬ ‫وأشبا ً‬
‫ناس كثير‪ ،‬ولزم عثمان الدار)‪ (1‬حتى أتاه أجله‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬استشهاد عثمان ‪:‬‬
‫وفضل عن تحرك جيوش المصار منها لنجدة الخليفة‪ ،‬فقد كانت‬
‫أيام الحج تنقضي سريعا وتوشك جماعات من هؤلء أن تزحف إلى‬
‫المدينة لنجدة الخليفة‪ ،‬وبخاصة مع وجود عبد الله بن عباس وعائشة‬
‫وغيرهما من المدافعين عن عثمان‪ ،‬وقدمت الخبار إلى المتمردين‬
‫بأن أهل الموسم يريدون نصرة عثمان‪ ،‬فلما أتاهم ذلك مع ما بلغهم‬
‫من نفور أهل المصار إليهم أعلقهم)‪ (2‬الشيطان وقالوا‪ :‬ل يخرجنا‬
‫مما وقعنا فيه إل قتل هذا الرجل‪ ،‬فيشتغل بذلك الناس عنا)‪.(3‬‬
‫‪ -1‬آخر أيام الحصار وفيه الرؤيا‪:‬‬
‫وفي آخر أيام الحصار ‪ -‬وهو اليوم الذي قتل فيه‪ -‬نام ‪ ‬فأصبح‬
‫دث الناس‪ :‬ليقتلني القوم)‪ ،(4‬ثم قال‪ :‬رأيت النبي × في المنام‪،‬‬ ‫يح ّ‬
‫ومعه أبو بكر وعمر‪ ،‬فقال النبي ×‪ :‬يا عثمان أفطر عندنا‪ ،‬فأصبح‬
‫صائما وقتل من يومه)‪.(5‬‬
‫‪ -2‬صفة قتله‪:‬‬
‫هاجم المتمردون الدار فتصدى لهم الحسن بن علي وعبد الله‬
‫بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص‪،‬‬
‫ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم‪ ،‬فنشب القتال فناداهم‬
‫عثمان‪ :‬الله الله‪ ،‬أنتم في حل من نصرتي‪ ،‬فأبوا‪ ،‬ودخل غلمان‬
‫لينصروه‪ ،‬فأمرهم أل يفعلوا؛ بل إنه أعلن أنه من كف يده‬ ‫عثمان‬
‫منهم فهو حر‪ (6).‬وقال عثمان في وضوح وإصرار وحسم‪ ،‬وهو‬
‫أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا‬ ‫الخليفة الذي تجب طاعته‪:‬‬
‫وطاعة إل كف يده وسلحه‪ (7).‬ول تبرير لذلك إل بأن عثمان كان‬
‫واثقا من استشهاده بشهادة النبي × له بذلك‪ ،‬ولذلك أراد أل تراق‬
‫بسببه الدماء‪ ،‬وتقوم بسببه فتنة بين المسلمين‪ (8).‬وكان المغيرة بن‬
‫الخنس بن شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه‪ ،‬فأدرك‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(400 ،5/399‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أعلقهم‪ :‬أي وسوس لهم وزين لهم أقوالهم وأفعالهم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/402‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الطبقات لبن سعد )‪ ،(3/75‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/172‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الطبقات )‪ ،(3/75‬الخبر حسن لغيره‪ .‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/175‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪ ،282‬البداية والنهاية )‬ ‫‪6‬‬

‫‪.(7/190‬‬
‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.283‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪313‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫عثمان قبل أن يقتل‪ ،‬ودخل الدار يحمي عنه وقال‪ :‬ما عذرنا عند الله‬
‫إن تركناك ونحن نستطيع أل ندعهم حتى نموت؟ فأقدم المتمردون‬
‫على حرق الباب والسقيفة‪ ،‬فثار أهل الدار ‪-‬وعثمان يصلي‪ -‬حتى‬
‫منعوهم‪ ،‬وقاتل المغيرة بن الخنس والحسن بن علي ومحمد بن‬
‫طلحة وسعيد بن العاص‪ ،‬ومروان بن الحكم وأبو هريرة‪ ،‬فأبلوا‬
‫النصراف دون قتال‪ ،‬ثم ينتقل‬ ‫أحسن البلء وعثمان يرسل إليهم في‬
‫ما أ َن َْزل َْنا َ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫طه‬ ‫إلى صلته‪ ،‬فاستفتح قوله تعالى‪+ :‬‬
‫شى" ]طه‪ [3-1 :‬وكان‬ ‫خ َ‬ ‫من ي ّ ْ‬ ‫قى ‪ ‬إ ِل ّ ت َذْك َِرةً ل ّ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ل ِت َ ْ‬‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سريع القراءة‪ ،‬فما أزعجه ما سمع‪ ،‬ومضى في قراءته ما يخطئ‬
‫وما يتعتع‪ ،‬حتى إذا أتى إلى نهايتها قبل أن يصلوا إليه ثم َ دعا فجلس‬
‫ض‬
‫في الْر ِ‬ ‫سيُروا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َ‬‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬‫من َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وقرأ‪َ + :‬‬
‫ن" ]آل عمران‪.[137 :‬‬ ‫َ‬
‫مكذِّبي َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ق‬‫ِ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫روا‬ ‫فان ْظُ ُ‬ ‫َ‬
‫وأصيب يومئذ أربعة من شبان قريش وهم‪ :‬الحسن بن علي‪،‬‬
‫ومروان‪(2‬بن الحكم)‪ ,(1‬وقتل‬ ‫وعبد الله بن الزبير‪ ،‬ومحمد بن حاطب‪،‬‬
‫المغيرة بن الخنس‪ ،‬ونيار بن عبد الله السلمي) ‪ ،‬وزياد الفهري‪،‬‬
‫واستطاع عثمان أن يقنع المدافعين عنه‪ ،‬وألزمهم بالخروج من‬
‫الدار‪ ،‬وخلى بينه وبين المحاصرين‪ ،‬فلم يبق في الدار إل عثمان‬
‫بينه وبين المحاصرين مدافع ول حام من الناس‪ ،‬وفتح‬ ‫وآله‪ ،‬وليس‬
‫‪ ‬باب الدار)‪.(3‬‬
‫وبعد أن خرج من في الدار ممن كان يريد الدفاع عنه‪ ،‬نشر ‪‬‬
‫المصحف بين يديه‪ ،‬وأخذ يقرأ منه وكان إذ ذاك صائما‪ ،‬فإذا برجل‬
‫من المحاصرين لم تسمه الروايات يدخل عليه‪ ،‬فلما رآه عثمان ‪‬‬
‫قال له‪ :‬بيني وبينك كتاب الله)‪ ,(4‬فخرج الرجل وتركه‪ ،‬وما إن ولى‬
‫حتى دخل آخر‪ ،‬وهو رجل من بني سدوس‪ ،‬يقال له‪ :‬الموت السود‪،‬‬
‫فخنقه وخنقه قبل أن يضرب بالسيف‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما رأيت شيئا‬
‫ألين من خنقه‪ ،‬لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان)‪ (5‬تردد في‬
‫جسده‪ ،‬ثم أهوى إليه بالسيف‪ ،‬فاتقاه عثمان ‪ ‬بيده فقطعها‪ ،‬فقال‬
‫صل)‪(6‬؛ وذلك أنه كان من‬ ‫عثمان‪ :‬أما والله إنها لول كف خطت المف ّ‬
‫كتبة الوحي‪ ،‬وهو أول من كتب المصحف من إملء رسول الله ×‪،‬‬
‫فقتل ‪ ‬والمصحف بين يديه‪ ،‬وعلى أثر قطع اليد انتضح الدم على‬
‫المصحف الذي كان بين يديه يقرأ منه‪ ،‬وسقط على قوله تعالى‪:‬‬
‫م")‪] (7‬البقرة‪.[137 :‬‬ ‫عِلي ُ‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬
‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فيك َ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬ ‫ف َ‬‫‪َ +‬‬
‫وفي رواية‪ :‬إن أول من ضربه رجل يسمى رومان اليماني‪ ،‬ضربه‬
‫بصولجان‪ ،‬ولما دخلوا عليه ليقتلوه أنشد قائل‪:‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/169‬تاريخ الطبري )‪ (5/404‬رواية صحيحة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪ ،185 ،184‬البداية والنهاية )‪.(7/196‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( فتنة مقتل عثمان )‪.(1/188‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(406 ،5/405‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تاريخ ابن خياط‪ ،‬ص ‪ ،175 ،174‬إسناده صحيح أو حسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/398‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪ (5/398‬الخبر له طرق عديدة بمجموعها يرتقي إلى درجة‬ ‫‪7‬‬

‫الحسن لغيره‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫لعاد ملذا في البلد ومرتقى‬ ‫أرى الموت ل يبقى عزيزا ولم‬


‫يدع‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫العلي‬ ‫يبيت أهل الحصن والحصن‬
‫مغلق‬
‫ولما أحاطوا به قالت امرأته نائلة بنت الفرافصة‪ :‬إن تقتلوه أو‬
‫تدعوه فقد كان يحيى الليل بركعة يجمع فيها القرآن‪ (3).‬وقد دافعت‬
‫نائلة عن زوجها عثمان وانكبت عليه واتقت السيف بيدها‪ ,‬فتعمدها‬
‫حمران ونضح أصابعها فقطع أصابع يدها‪ ،‬وولت‪،‬‬ ‫سودان بن‬
‫فغمز أوراكها)‪.(4‬‬
‫ولما رأى أحد غلمان عثمان المر‪ ،‬راعه قتل عثمان‪ ،‬وكان‬
‫يسمى )نجيح( فهجم نجيح على سودان بن حمران فقتله‪ ،‬ولما رأى‬
‫قتيرة بن فلن السكوني نجيحا قد قتل سودان‪ ،‬هجم على نجيح‬
‫فقتله‪ ،‬وهجم غلم آخر لعثمان اسمه )صبيح( على قتيرة بن فلن‬
‫فقتله‪ ،‬فصار في البيت أربعة قتلى شهيدان‪ ،‬ومجرمان‪ ،‬أما‬
‫الشهيدان‪ :‬فعثمان وغلمه نجيح‪ ،‬وأما المجرمان فسودان وقتيرة‬
‫السكونيان‪ ،‬ولما تم قتل عثمان ‪ ‬نادى مناد ٍ القوم السبئيين قائل‪:‬‬
‫إنه لم يحل لنا دم الرجل ويحرم علينا ماله‪ ،‬أل إن ماله حلل لنا‪،‬‬
‫فانهبوا ما في البيت‪ ،‬فعاث رعاع السبئيين في البيت فسادا‪ ،‬ونهبوا‬
‫كل ما في البيت‪ ،‬حتى نهبوا ما على النساء‪ ،‬وهجم أحد السبئيين‬
‫ويدعى كلثوم التجيبي على امرأة عثمان )نائلة( ونهب الملءة التي‬
‫عليها‪ ،‬ثم غمز وركها‪ ،‬وقال لها‪ :‬ويح أمك من عجيزة ما أتمك‪ ،‬فرآه‬
‫غلم عثمان )صبيح( وسمعه وهو يتكلم في حق نائلة هذا الكلم‬
‫الفاحش‪ ،‬فعله بالسيف فقتله)‪ ،(5‬وهجم أحد السبئيين على الغلم‬
‫فقتله‪ ،‬وبعدما أتم السبئيون نهب دار عثمان‪ ،‬تنادوا وقالوا‪ :‬أدركوا‬
‫بيت المال‪ ،‬وإياكم أن يسبقكم أحد إليه‪ ،‬وخذوا ما فيه‪ ،‬وسمع‬
‫حراس بيت المال أصواتهم‪ ،‬ولم يكن فيه إل غرارتان من طعام‬
‫فقالوا‪ :‬انجوا بأنفسكم‪ ،‬فإن القوم يريدون الدنيا‪ ،‬واقتحم السبئيون‬
‫بيت المال وانتهبوا ما فيه)‪.(6‬‬
‫حقق الخوارج السبئيون مرادهم‪ ،‬وقتلوا أمير المؤمنين‪ ،‬وتوقف‬
‫كثير من أتباعهم من الرعاع والغوغاء بعد قتل عثمان ليفكروا‪ ,‬وما‬
‫كانوا يظنون أن المر سينتهي بهم إلى قتله‪ ،‬لقد استغفلهم‬
‫شياطينهم السبئيون‪ ،‬واستغلوهم في الشغب على عثمان‪ ،‬أما أن‬
‫يقتلوه فهذا ما استفظعوه واستشنعوه‪ ،‬وسقط في أيدي هؤلء‬
‫الغوغاء‪ ،‬وحصل لهم كما حصل لبني إسرائيل لما عبدوا العجل‪ ،‬ندم‬
‫شماريخها‪ :‬رؤوسها )لسان العرب ‪.(3/31‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪ ،(1/191‬البداية والنهاية )‪.(7/192‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الطبقات )‪ ،(3/76‬فتنة مقتل عثمان )‪.(1/191‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(407 ،5/406‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/407‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/407‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪315‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫د ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫مَ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫وات ّ َ‬ ‫تعالى‪َ + :‬‬ ‫بعضهم‪ ،‬كما قال الله‬
‫ول َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ل ي ُكل ُ‬ ‫وا أن ّ ُ‬ ‫م ي ََر ْ‬ ‫واٌر أل ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫دا ل ُ‬ ‫س ً‬ ‫ج َ‬ ‫جل ً َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫حل ِي ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫في‬ ‫قط ِ‬ ‫َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ول ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪َ ّ‬‬ ‫مي َ‬ ‫وكاُنوا ظال ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذوهُ‬ ‫خ ُ‬ ‫س َِبيل ً َات ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي ََ‬
‫ِ‬
‫مَنا َرب َّنا‬ ‫ح ْ‬ ‫م ي َْر َ‬ ‫قاُلوا)‪1‬ل( َِئن ل ْ‬ ‫ضّلوا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا أن ّ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫أ‬
‫ن" ]العراف‪ [149 ،148 :‬وحزن‬ ‫ِ َ‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫َ‬
‫الصالحون في المدينة لمقتل خليفتهم‪ ،‬وصاروا يسترجعون ويبكون‪،‬‬
‫لكن ماذا يفعلون وجيوش الخوارج السبئيين تحتل المدينة‪ ،‬وتعيث‬
‫فيها فسادا‪ ،‬وتمنع أهلها من فعل أي شيء؟ وكان الحاكم الفعلي‬
‫للمدينة هو أمير خوارج مصر )الغافقي بن حرب العكي(‪ ،‬وكان معهم‬
‫شيطانهم المخطط )عبد الله بن سبأ( وهو فرح مسرور لما وصل‬
‫إليه من أهداف ومآرب يهودية شيطانية‪.‬‬
‫وعلق كبار الصحابة على مقتل عثمان )‪: (2‬‬
‫أ‪ -‬الزبير بن العوم ‪ :‬لما علم بمقتل عثمان قال‪ :‬رحم الله‬
‫عثمان‪ ،‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن القوم نادمون‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما‬‫ن َ‬ ‫وب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫و ِ‬ ‫دبروا ودبروا‪ ،‬ولكن كما َ قال الله تعالى‪َ + :‬‬
‫شكّ‬ ‫في َ‬ ‫م كاُنوا ِ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫من َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ل ب ِأ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫هو َ‬ ‫شت َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ب" ]سبأ‪.[54 :‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ب‪ -‬طلحة بن عبيد الله ‪ :‬لما علم بمقتل عثمان قال‪ :‬رحم الله‬
‫عثمان‪ ،‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن القوم نادمون قال‪ :‬تّبا‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫خذ ُ ُ‬ ‫حدَةًَ ت َأ ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ً‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫ما َينظُُرو َ‬ ‫لهم‪ ،‬وقرأ قوله تعالى‪َ + :‬‬
‫م‬ ‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫ْ َ َ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫طي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فل َ ي َ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن" ]يس‪.[50 ،49 :‬‬ ‫ي َْر ِ ُ َ‬ ‫عو‬ ‫ج‬
‫ج‪ -‬علي بن أبي طالب ‪ :‬لما علم بمقتل عثمان قال‪ :‬رحم الله‬
‫عثمان‪ ،‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬قيل له‪ :‬إن القوم نادمون‪ ،‬فقرأ‬
‫ما‬ ‫فل َ ّ‬ ‫فْر َ‬ ‫ن اك ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ل ِل ِن ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن إ ِذْ َ‬
‫َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫قوله تعالى‪+ :‬ك َ َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫عال ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل َ‬ ‫خا ُ‬ ‫من ْك إ ِّني أ َ‬ ‫َ‬ ‫ريءٌ ّ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫فَر َ‬ ‫كَ َ‬
‫جَزاءُ‬ ‫وذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ك َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خال ِدَي ْ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫في الّنا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما أن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قب َت َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬
‫ن" ]الحشر‪.[17 ،16 :‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫د‪ -‬سعد بن أبي وقاص ‪ :‬ولما علم سعد بذلك قال‪ :‬رحم الله‬
‫مال ً‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خ َ‬ ‫كم ِبال ْ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫عثمان‪ ،‬ثم تل قوله تعالى‪ُ + :‬‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ُ ُ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ‬ال ّ ِ‬
‫ه‬
‫ول ِقائ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َرب ّه ْ‬ ‫ن كفُروا ِبآَيا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫عا ‪ ‬أولئ ِك ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صن ْ ً‬ ‫ن َ ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ك‬ ‫و ِْزًنا ‪ ‬ذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫ِ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫قي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ف ِ‬
‫ب‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫َ‬
‫وا"‬ ‫ً‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫َ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ذوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫َ ُ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫زا‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫]الكهف‪ [106-103 :‬ثم قال سعد‪ :‬اللهم اندمهم واخزهم واخذلهم‪ ،‬ثم‬
‫خذهم‪ (3).‬واستجاب الله دعوة سعد ‪-‬وكان مستجاب الدعوة‪ -‬فقد‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(198 ،7/197‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪ .190‬البداية والنهاية )‪.(7/197‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪ ،(408 ،5/407‬البداية والنهاية )‪.(7/189‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪316‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أخذ كل من شارك في قتل عثمان‪ ،‬مثل عبد الله بن سبأ‪ ،‬والغافقي‬
‫والشتر‪ ،‬وحكيم بن جبلة‪ ،‬وكنانة التجيبي‪ ،‬حيث قتلوا فيما بعد)‪.(1‬‬
‫ثامًنا‪ :‬تاريخ قتله‪ ،‬وسنه عند استشهاده‪ ,‬وجنازته والصلة عليه‬
‫ودفنه‪:‬‬
‫‪ -1‬تاريخ قتله‪:‬‬
‫إن في تحديد السنة التي قتل فيها عثمان ‪ ‬شبه إجماع من‬
‫المؤرخين‪ ،‬فلم يقع خلف في أنه كان في السنة الخامسة بعد‬
‫روي( عن مصعب بن عبد الله من أنه كان‬ ‫الثلثين من الهجرة‪ ،‬إل ما‬
‫من السنة السادسة والثلثين)‪ ، 2‬وهو قول شاذ مخالف للجماع‪،‬‬
‫فمن قال بالقول الول جمع غفير منهم‪ :‬عبد الله بن عمرو بن‬
‫شرحبيل‪(3‬الشعبي‪ ،‬ونافع مولى ابن عمر‪ ،‬ومخرمة‬ ‫عثمان‪ ،‬وعامر بن‬
‫بن سليمان‪ ،‬وغيرهم كثير‪ ).‬ولم يختلف المؤرخون في الشهر الذي‬
‫قتل فيه وأنه ذو الحجة‪ ،‬إل أنه اختلف في تحديد ما بعد ذلك من‬
‫اليوم والساعة‪ ،‬والذي ترجح لديّ من أقوال العلماء الكثيرة أنه‬
‫استشهد في )‪18/12/35‬هـ(‪ (4) .‬وأما عن تحديد اليوم الذي قتل فيه‬
‫من أيام السبوع ففيه ثلثة أقوال‪ ،‬والذي ترجح لدي من هذه القوال‬
‫الجمهور‪ ،‬وهو يوم الجمعة؛ لنه قول الجمهور ول يخالفه قول‬ ‫)‪(5‬‬
‫قول‬
‫صبيحة يوم الجمعة‪ ،‬وهو ما ذهب إليه‬ ‫قتله‬ ‫وقت‬ ‫وكان‬ ‫منه‪.‬‬ ‫أقوى‬
‫الجمهور‪ ،‬ولم يخالف بأقوى منه)‪.(6‬‬
‫‪ -2‬سنه عند استشهاده‪:‬‬
‫اضطربت الروايات في سنه عند استشهاده والخلف في ذلك‬
‫الطبري ‪-‬رحمه الله‪ -‬يقول‪ :‬اختلف السلف قبلنا في‬ ‫قديم‪ ،‬حتى إن‬
‫قدر مدة حياته)‪ ،(7‬والذي أميل إليه أنه توفي وسنه اثنتان وثمانون )‪8‬‬
‫‪ 2‬سنة(‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬ويترجح هذا القول لعدة أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن نتيجة مقارنة سنة ولدته مع سنة استشهاده تؤيد هذا‬
‫القول؛ فإنه ولد في السنة السادسة بعد عام الفيل‪ ،‬واستشهد في‬
‫السنة الخامسة والثلثين بعد الهجرة‪ ،‬فطرح تاريخ مولده من تاريخ‬
‫استشهاده يتبين لنا سنه عند استشهاده‪.‬‬
‫)‪(8‬‬
‫ب‪ -‬إنه قول الجمهور ولم يخالفه قول أقوى منه ‪.‬‬
‫‪ -3‬جنازته والصلة عليه ودفنه‪:‬‬
‫قام نفر من الصحابة في يوم قتله بغسله وكفنوه وحملوه على‬
‫باب‪ ،‬ومنهم‪ :‬حكيم بن حزام‪ ،‬وحويطب بن عبد العزى‪ ،‬وأبو الجهم‬

‫الخلفاء الراشدون للخالدي‪ ،‬ص ‪.192‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(436 ،5/435‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(194 ،1/193‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/435‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/436‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/437‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(5/438‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/204‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪317‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بن حذيفة‪ ،‬ونيار بن مكرم السلمي‪ ،‬وجبير ابن مطعم‪ ،‬والزبير بن‬
‫العوام‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وجماعة من أصحابه ونسائه‪ ،‬منهن‬
‫امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عتبة بن حصين‪ ،‬وصبيان‪ ،‬وصلى عليه‬
‫جبير بن مطعم‪ ،‬وقيل‪ :‬الزبير بن العوام‪ ،‬وقيل‪ :‬حكيم بن حزام‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬مروان بن الحكم‪ ،‬وقيل‪ :‬المسور بن مخرمة)‪ ،(1‬والذي ترجح‬
‫عندي أن الذي صلى عليه الزبير بن العوام لرواية المام أحمد في‬
‫أن( الزبير بن العوام ‪ ‬صلى على‬ ‫مسنده؛ فقد بينت تلك الرواية‬
‫ما‬ ‫ذلك‬ ‫أكد‬ ‫وقد‬ ‫ليل‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫دفن‬ ‫وقد‬ ‫)‪2‬‬
‫إليه‪.‬‬ ‫عثمان ودفنه‪ ,‬وكان أوصى‬
‫رواه ابن سعد والذهبي؛ حيث ذكرا أنه دفن بين المغرب والعشاء)‪,(3‬‬
‫رضوان الله عليه‪ ،‬وأما ما رواه الطبراني من طريق عبد الملك بن‬
‫مالكا يقول‪ :‬قتل عثمان ‪ ‬فأقام مطروحا‬ ‫الماجشون قال‪ :‬سمعت‬
‫على كناسة بني فلن ثلثا)‪ ،(4‬فالرواية السابقة ضعيف سندها‪،‬‬
‫وباطل متنها‪ ،‬فأما السند ففيه علتان‪:‬‬
‫أ‪ -‬ضعف عبد الملك بن الماجشون الذي كان يروي المناكير عن‬
‫المام مالك‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن هذه الرواية مرسلة؛ حيث)‪(5‬إن المام مالكا لم يدرك مقتل‬
‫عثمان ‪ ،‬لنه لم يولد إل سنة ‪93‬هـ ‪.‬‬
‫وأما متن هذه الرواية فباطل‪ ،‬وفيه يقول ابن حزم‪ :‬من قال إنه‬
‫‪ ‬أقام مطروحا على مزبلة ثلثة أيام فكذب بحت‪ ،‬وإفك موضوع‪،‬‬
‫وتوليد من ل حياء في وجهه‪ ،‬ولقد أمر رسول الله × برمي أجساد‬
‫قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب‪ ,‬وألقى التراب عليهم‬
‫وهم شر خلق الله تعالى‪ ،‬وأمر عليه السلم أن يحفر أخاديد لقتلى‬
‫يهود قريظة‪ ،‬وهم شر من وارته الرض‪ ،‬فمواراة المؤمن والكافر‬
‫فرض على المسلمين‪ ،‬فكيف يجوز لذي حياء في وجهه أن ينسب‬
‫الصحابة أنهم تركوا رجل ميتا‬ ‫إلى علي وهو المام‪ ,‬ومن بالمدينة من‬
‫بين أظهرهم على مزبلة ثلثة أيام ل يوارونه)‪.(6‬‬
‫إنه ل يدخل في عقل أي إنسان سليم من داء الرفض أنهم‬
‫يتركون إمامهم ملقى دون دفن ثلثة أيام‪ ،‬مهما كانت قوة أولئك‬
‫الفجرة الذين جاءوا لحصاره وقتله‪ ،‬فالصحابة كما وصفهم ربهم‬
‫وإنما تلك الروايات التي شوهت‬ ‫ل يخافون في الله لومة لئم‪،‬‬
‫كتب التاريخ من دس الروافض)‪.(7‬‬
‫‪ -4‬براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان ‪:‬‬
‫إن قاتل عثمان ‪ ‬رجل مصري‪ ،‬لم تفصح الروايات عن اسمه‪،‬‬
‫وبينت أنه سدوسي الصل‪ ،‬أسود البشرة‪ ،‬لقب بـ )جبلة( لسواد‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(7/199‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الموسوعة الحديثية‪ ،‬مسند المام أحمد )‪ ،(1/555‬رجال السناد ثقات إل إنه‬ ‫‪2‬‬

‫منقطع‪.‬‬
‫)( الطبقات )‪ ,(3/78‬تاريخ السلم )عهد الخلفاء(‪ ،‬ص ‪.481‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( المعجم الكبير )‪ ،(1/78‬استشهاد عثمان‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( التهذيب‪ ،‬ابن حجر )‪.(6/408‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الفصل )‪.(240 ،4/239‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( عقيدة أهل السنة )‪.(3/1091‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪318‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بشرته‪ ،‬كما لقب أيضا بـ )الموت السود(‪ ،‬وذهب محب الدين‬
‫الخطيب إلى أن القاتل‪ :‬هو عبد الله بن سبأ حيث قال‪ :‬ومن الثابت‬
‫أن ابن سبأ كان مع ثوار مصر عند مجيئهم من الفسطاط إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وهو في كل الدوار التي مثلها كان شديد الحرص على أن‬
‫مستعار‪(1‬له أراد أن‬ ‫يعمل من وراء ستار‪ ،‬فلعل )الموت السود( اسم‬
‫يرمز به إليه ليتمكن من مواصلة دسائسه لهدم السلم‪ ).‬وقد‬
‫‪ ‬أنه وصفه‬ ‫يشهد له‪ :‬أن ابن سبأ أسود البشرة‪ ،‬فقد صح عن علي‬
‫بالخبث وسواد البشرة‪ ،‬وذلك في قوله‪ :‬الخبيث السود)‪.(2‬‬
‫وأما ما يتعلق بتهمة محمد بن أبي بكر بقتل عثمان بمشاقصه‪،‬‬
‫شاذة‬
‫)‪(3‬‬
‫فهذا باطل‪ ،‬وقد جاءت روايات ضعيفة في ذلك‪ ،‬كما أن متونها‬
‫لمخالفتها للرواية الصحيحة التي تبين أن القاتل هو رجل مصري‪.‬‬
‫وقد ذكر الدكتور يحيى اليحيى عدة أسباب ترجح براءة محمد بن أبي‬
‫بكر من دم عثمان‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬خرجت إلى البصرة للمطالبة‬
‫بقتلة عثمان‪ ،‬ولو كان أخوها منهم ما حزنت عليه لما قتل فيما بعد‪،‬‬
‫وسيأتي تفصيله عند حديثنا عن علي بن أبي طالب ‪ ‬بإذن الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ب‪ -‬لعن علي ‪ ‬لقتلة عثمان ‪ ‬وتبرؤه منهم‪ ،‬يقتضي عدم‬
‫تقريبهم وتوليتهم‪ ،‬وقد ولي محمد بن أبي بكر مصر‪ ،‬فلو كان منهم‬
‫ما فعل ذلك‪.‬‬
‫ج‪ -‬ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن محمد بن طلحة بن مصرف‬
‫قال‪ :‬سمعت كنانة مولى صفية بنت حيي قال‪ :‬شهدت مقتل عثمان‬
‫وأنا ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬قالت‪ :‬هل أندى محمد بن أبي بكر بشيء‬
‫عثمان‪ :‬يا ابن أخي‬ ‫من دمه؟ فقال‪ :‬معاذ الله‪ ،‬دخل عليه‪ ،‬فقال‬
‫لست بصاحبي فخرج‪ ،‬ولم يند من دمه بشيء)‪.(4‬‬
‫ويشهد لهذا ما أخرجه خليفة بن خياط والطبري بإسناد رجال‬
‫ثقات عن الحسن البصري ‪-‬وكان ممن حضر يوم الدار)‪ - (5‬أن ابن‬
‫مني مأخذا أو قعدت‬ ‫أبي بكر أخذ بلحيته‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬لقد أخذت‬
‫مني مقعدا‪ ،‬ما كان أبوك ليقعده فخرج وتركه)‪.(6‬‬
‫وبهذا يتبين لنا براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان‪،‬‬
‫براءة الذئب‬
‫من دم يوسف‪ ،‬كما تبين أن سبب تهمته هو دخوله قبل القتل‪ (7).‬وقد‬
‫ذكر ابن كثير ‪-‬رحمه الله‪ -‬أنه لما كلمه عثمان ‪ ‬استحى‪ ،‬ورجع‪،‬‬
‫وتندم‪ ،‬وغطى وجهه‪ ،‬وحاجز دونه فلم‬

‫العواصم من القواصم‪ ،‬نقل عن فتنة مقتل عثمان )‪.(1/207‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫لسان الميزان )‪.(3/290‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/209‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص ‪.243‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ,244‬تهذيب الكمال‪.(6/97) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫مرويات أبي مخنف‪ ،‬ص ‪244‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫فتنة مقتل عثمان )‪.(1/209‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪319‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تفد محاجزته)‪.(1‬‬
‫***‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/193‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪320‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫موقف الصحابة من مقتل عثمان رضي الله عنهم‬
‫شوهت بعض كتب التاريخ مواقف الصحابة من فتنة مقتل‬
‫عثمان‪ ،‬وذلك بسبب الروايات الرافضية التي ذكرها كثير من‬
‫المؤرخين‪ ،‬فالمتتبع لحداث الفتنة في تاريخ المام الطبري‪ ،‬وكتب‬
‫التاريخ الخرى من خلل روايات أبي مخنف‪ ،‬والواقدي وابن أعثم‪،‬‬
‫وغيرهم من الخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون‬
‫المؤامرة ويثيرون الفتنة‪ ،‬فأبو مخنف ذو الميول الشيعية ل يتورع‬
‫في اتهام عثمان بأنه الخليفة الذي كثرت سقطاته فاستحق ما‬
‫استحقه‪ ،‬ويظهر طلحة في مروياته كواحد من الثائرين على عثمان‬
‫والمؤلبين ضده‪ .‬ول تختلف روايات الواقدي عن روايات أبي مخنف؛‬
‫فعمرو بن العاص يقدم المدينة ويأخذ في الطعن على عثمان‪ ،‬وقد‬
‫‪,‬‬‫كثرت الروايات الرافضية التي تتهم الصحابة بالتآمر ضد عثمان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وأنهم هم الذين حركوا الفتنة وأثاروا الناس‪ ،‬وهذا كله كذب وزور‪.‬‬
‫وخلفا للروايات الرافضية والموضوعة والضعيفة‪ ،‬فقد حفظت لنا‬
‫كتب المحدثين ‪-‬بحمد الله‪ -‬الروايات الصحيحة التي يظهر فيها‬
‫الصحابة من المؤازرين لعثمان والمنافحين عنه‪،‬‬
‫بعد‪(2‬مقتله‪ ،‬وبذلك يستبعد أي‬ ‫المتبرئين من قتله‪ ،‬والمطالبين بدمه‬
‫اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها) ‪.‬‬
‫إن الصحابة جميعا ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬أبرياء من دم عثمان ‪،‬‬
‫ومن قال خلف ذلك فكلمه باطل ل يستطيع أن يقيم عليه أي دليل‬
‫ينهض إلى مرتبة الصحة‪ ،‬ولذلك أخرج خليفة في تاريخه عن عبد‬
‫العلى بن الهيثم‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬قلت للحسن‪ :‬أكان فيمن قتل‬
‫عثمان أحد من المهاجرين والنصار؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬كانوا أعلجا)‪ (3‬من أهل‬
‫مصر‪ .‬وقال المام النووي‪ :‬ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة‪،‬‬
‫وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل سفلة الطراف والراذل‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬فعجز الصحابة الحاضرون عن دفعهم‬ ‫تحزبوا وقصدوه من‬
‫فحصروه حتى قتلوه ‪.(4)‬‬
‫وقد وصفهم الزبير ‪ ‬بأنهم غوغاء من المصار‪ ،‬ووصفتهم‬
‫السيدة عائشة بأنهم ن ُّزاع القبائل‪ (5).‬ووصفهم ابن سعد بأنهم حثالة‬
‫الناس متفقون على الشر‪ (6).‬ووصفهم ابن تيمية بأنهم خوارج‬
‫مفسدون وضالون باغون معتدون‪ (7).‬ووصفهم الذهبي بأنهم رؤوس‬
‫شر وجفاء)‪ .(8‬ووصفهم ابن العماد الحنبلي في الشذرات بأنهم أراذل‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(18-2/14‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(2/18‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫العلج‪ :‬كل جاف شديد من الرجال‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫شهيد الدار‪ ..‬عثمان بن عفان‪ ،‬أحمد الخروف‪ ،‬ص ‪.148‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫شرح النووي على صحيح مسلم )‪ ،(5/148‬كتاب فضائل الصحابة‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(1/481‬طبقات ابن سعد )‪.(3/71‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫منهاج السنة )‪.(206-3/189‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫دول السلم للذهبي )‪.(1/12‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪321‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫من أوباش القبائل)‪.(1‬‬
‫ويشهد على هذا الوصف تصرف هؤلء الرعاع منذ الحصار إلى‬
‫قتل الخليفة ‪ ‬ظلما وعدوانا‪ ،‬فكيف يمنع الماء عنه والطعام وهو‬
‫الذي طالما دفع من ماله الخاص ما يروي ظمأ المسلمين‬
‫بالمجان)‪ ،(2‬وهو الذي ساهم بأموال كثيرة عندما يلم بالناس مجاعة‬
‫أو مكروه‪ ،‬وهو الدائم العطاء عندما يصيب الناس ضائقة أو شدة من‬
‫الشدائد؟)‪(3‬حتى إن عليا ‪ ‬يصف هذا الحال وهو يؤنب المحاصرين‬
‫بقوله‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬إن الذي تفعلونه ل يشبه أمر المؤمنين ول أمر‬
‫الكافرين‪ ،‬فل تمنعوا عن هذا الرجل الماء ول المادة )الطعام(؛ فإن‬
‫الروم وفارس لتأسر وتطعم وتسقي)‪ .(4‬لقد صحت الخبار وأكدت‬
‫حوادث التاريخ على براءة الصحابة من التحريض على عثمان أو‬
‫المشاركة في الفتنة ضده)‪ .(5‬وإليك أقوال الصحابة في البراءة من‬
‫دم عثمان‪:‬‬
‫ل‪ :‬ثناء أهل البيت على عثمان ‪ ‬وبراءتهم من دمه‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬موقف السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن فاطمة بنت عبد الرحمن اليشكرية عن أمها‪ ،‬أنها سألت‬
‫عائشة‪ :‬وأرسلها عمها فقال‪ :‬إن أحد بنيك يقرئك السلم ويسألك‬
‫عن عثمان بن عفان‪ ،‬فإن الناس قد أكثروا فيه‪ ،‬فقالت‪ :‬لعن الله‬
‫من لعنه‪ ،‬فوالله لقد كان قاعدا عند نبي الله‪ ،‬وإن رسول الله ×‬
‫ي‪ ،‬وإن جبريل ‪-‬عليه السلم‪ -‬ليوحي إليه القرآن وإنه‬ ‫مسند ظهره إل ّ‬
‫ليقول‪» :‬اكتب عثمان«‪ ،‬فما كان الله لينزل تلك المنزلة إل كريما‬
‫على الله ورسوله)‪.(6‬‬
‫ب‪ -‬وعن مسروق‪ ،‬عن عائشة قالت حين قتل عثمان‪ :‬تركتموه‬
‫كالثوب النقي من الدنس‪ ،‬ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش‪،‬‬
‫فقال لها مسروق‪ :‬هذا عملك‪ ،‬أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم‬
‫بالخروج إليه‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬ل والذي آمن به المؤمنون وكفر به‬
‫الكافرون‪ ،‬ما كتبت إليهم بسوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي‬
‫هذا‪ (7).‬وقد مر معنا كذب السبئيين‪ ،‬وأنهم كتبوا رسائل لهل المصار‬
‫ونسبوها كذبا وزورا للسيدة عائشة رضي الله عنها‪.‬‬
‫ج‪ -‬ولما سمعت بموت عثمان في طريق عودتها من مكة إلى‬
‫جر‬ ‫المدينة رجعت إلى مكة ودخلت المسجد الحرام‪ ،‬وقصدت ال ْ ِ‬
‫ح ْ‬
‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(1/482‬شذرات الذهب )‪.(1/40‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪ ,(1/482‬البخاري‪ ،‬كتاب مناقب عثمان )‪.(4/202‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.242‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/400‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪.(2/18‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(1/378‬المسند )‪ ،(261-6/205‬البداية والنهاية )‬ ‫‪6‬‬

‫‪.(7/219‬‬
‫)( فتنة مقتل عثمان )‪ ,(1/391‬تاريخ خليفة‪ ،‬ص ‪ ،176‬إسناده صحيح إلى‬ ‫‪7‬‬

‫عائشة‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فتسترت فيه‪ ،‬واجتمع الناس إليها فقالت‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إن الغوغاء من‬
‫أهل المصار‪ ،‬وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب‬
‫الغوغاء على هذا المقتول بالمس الرب)‪ ،(1‬واستعمال من حدثت‬
‫سنه‪ ،‬وقد استعمل أسنانهم قبله‪ ،‬ومواضع من الحمى حماها لهم‪،‬‬
‫وهي أمور قد سبق بها ل يصلح غيرها‪ ،‬فتابعهم ونزع لهم عنها‬
‫استصلحا لهم‪ ،‬فلما لم يجدوا حجة ول غدرا خلجوا)‪ ,(2‬وبادروا‬
‫بالعدوان‪ ،‬ونبا فعلهم عن قولهم‪ ،‬فسفكوا الدم الحرام‪ ،‬واستحلوا‬
‫البلد الحرام‪ ،‬وأخذوا المال الحرام‪ ،‬واستحلوا الشهر الحرام‪ ،‬والله‬
‫لصبع عثمان خير من طباق الرض أمثالهم‪ ،‬فنجاة)‪ (3‬من اجتماعكم‬
‫عليه حتى ي َْنكل)‪ (4‬بهم غيرهم‪ ،‬ويشرد)‪ (5‬من بعدهم‪ ،‬ووالله لو أن‬
‫الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من‬
‫خبثه‪ ،‬أو الثوب من د ََرنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء)‪.(6‬‬
‫وعلى العكس من الصورة الطيبة التي نفهمها من الروايات‬
‫السابقة الموثوقة للعلقة بين أم المؤمنين عائشة وعثمان‪ ،‬فإنه‬
‫تبقى عند الطبري وغيره روايات أخرى صورت العلقة بين عائشة‬
‫وعثمان على صورة متناقضة تماما لما انتهينا إليه‪ ،‬وشوهت الدور‬
‫الرائع الناصع الواعي الذي قامت به رضي الله عنها‪ ،‬دفاعا عن‬
‫حرمات الله عز وجل‪ ،‬ودفعا عن‬
‫عثمان ‪ ،‬وفهما للعيب السبئية)‪.(7‬‬
‫إن الروايات التي جاءت في العقد الفريد‪ ,‬وفي الغاني‪ ,‬وتاريخ‬
‫اليعقوبي‪ ,‬وتاريخ المسعودي‪ ،‬وأنساب الشراف‪ ،‬وما انتهت إليه من‬
‫استدللت في شأن الدور السياسي للسيدة عائشة ‪-‬رضي الله‬
‫عنها‪ -‬في حياة عثمان بن عفان ‪ ،‬إن جميع ما تؤدي إليه استدللت‬
‫تدين الموقف السياسي للسيدة عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬ل يعتد بها‬
‫لمخالفتها للروايات الصحيحة‪ ،‬وقيامها على روايات واهية)‪(8‬؛ فأغلبها‬
‫روايات غير مسندة‪ ،‬والمسند مجروح السناد ل يحتج بروايته‪ ،‬هذا‬
‫فساد‪(9‬متونها إذا ما قورنت بالروايات الخرى الكثر صحة وقربا‬ ‫إلى‬
‫بالحقيقة) ‪ .‬وقد قامت السيدة أسماء محمد أحمد زيادة بدراسة‬
‫السانيد والمتون للروايات التي تحدثت عن الدور السياسي للسيدة‬
‫عائشة في أحداث الفتنة‪ ،‬ونقدت الروايات القائلة بالخلف السياسي‬
‫بين عائشة وعثمان عند الطبري وغيره وبينت زيفها وكذبها‪ ،‬ثم‬
‫قالت‪ :‬وكان الحرى بنا أن نعرض عن ذكرها جميعا ‪-‬كما ذكرت آنفا‪-‬‬
‫لعدم وصولها إلينا عن طريق معتمد‪ ،‬بل الطرق التي وصلت منها‬
‫ُرمى أصحابها بالتشيع والكذب والرفض لكننا عرضنا لها لشيوعها في‬
‫)( الرب‪ :‬الحاجة والدهاء والفطنة والعقل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( خلجوا‪ :‬تحركوا واضطربوا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( نجاة‪ :‬اطلبوا النجاة باجتماعكم عليهم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ينكل بهم غيرهم‪ :‬حتى يردعهم ويروع بهم غيرهم‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( يشرد‪ :‬يفرق‪ ،‬ويبدد جمعهم‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( تاريخ الطبري )‪.(474 ،5/473‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين‪ ،‬ص ‪.352‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( انظر أيضا في هذه الستدللت الباطلة‪ :‬العقاد‪ ،‬الصديقة بنت الصديق‪ ،‬ص‬ ‫‪8‬‬

‫‪.124-116‬‬
‫)( دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.370‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪323‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫أغلب الدراسات الحديثة‪ ،‬وللتدليل على سقوطها‪ ،‬فهي روايات ‪-‬كما‬
‫الخلف‪ ،‬والتنكر‬ ‫اتضح لنا‪ -‬حاولت خلق تاريخ ل وجود له أصل من‬
‫بين عثمان وعائشة وبين عثمان والصحابة جميعا‪ (1).‬ولو صح أن‬
‫عائشة اتفقت مع المتمردين على التحريض على عثمان ‪ ‬لكان‬
‫من المتوقع أن يكون عندها نوع من التماس العذر لهؤلء المتمردين‪،‬‬
‫لكن لم يصح عنها ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬شيء من هذا‪ ،‬وإنه لو صح‬
‫شيء من هذه الروايات في وصف موقف السيدة عائشة ‪-‬رضي الله‬
‫عنها‪ -‬من مقتل عثمان فهي روايات كفيلة بإسقاط العدالة عن‬
‫عائشة رضي الله عنها‪ ،‬وعن الصحابة الذين اشتركوا معها‪ ،‬وهو ما ل‬
‫نقبل به للخبر الصادق عن الله ورسوله في تقرير عدالتهم التي‬
‫كانت كافية لدحض هذه الروايات‪ ،‬لكننا توقفنا أمام الروايات تأكيدا‬
‫منا على سقوط هذه الرواية ومن بعدها الستدللت القائمة عليها‪،‬‬
‫الدلة الدينية والعلمية والتاريخية في صعيد واحد يؤكد‬ ‫حتى تجتمع‬
‫بعضها بعضا)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬علي بن أبي طالب ‪:‬‬
‫كان علي ‪ ‬وآل البيت يجلونه ويعترفون بحقه فكان‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫أ‪ -‬أول من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف علي بن أبي طالب ‪.‬‬
‫وعن قيس بن عباد قال‪ :‬سمعت عليا ‪ ‬وذكر عثمان فقال‪ :‬هو‬
‫رجل قال له رسول الله ×‪» :‬أل أستحي ممن تستحي منه الملئكة«‬
‫)‪.(4‬‬
‫ب‪ -‬وقد شهد ‪ ‬له بالجنة‪ ،‬فعن النزال بن سبرة قال‪ :‬سألت‬
‫النورين‪،‬‬ ‫عليا عن عثمان فقال‪ :‬ذاك امرؤ يدعى في المل العلى ذا‬
‫ضمن له بيت في الجنة)‪.(5‬‬ ‫كان ختن رسول الله × على ابنتيه‪ُ ,‬‬
‫ج‪ -‬وكان ‪ ‬طائعا معترفا بإمامته وخلفته‪ ،‬ل يعصي له أمرا؛ فقد‬
‫روى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن الحنفية)‪(6‬عن علي‪ :‬قال لو‬
‫الخيط‬ ‫سيرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت‪ .‬والصرار‪ :‬هو‬
‫ولدها)‪ ،(7‬وفيه‬ ‫الذي تشد به التوادي على أطراف الناقة لئل يرضعها‬
‫دليل على مدى اتباعه وطاعته لعثمان رضي الله عنهما)‪.(8‬‬
‫د‪ -‬ولما جمع عثمان ‪ ‬الناس على قراءة واحدة بعد استشارة‬
‫على ذلك‪ ،‬قال علي ‪ :‬لو‬ ‫الصحابة رضوان الله عليهم وإجماعهم‬
‫وليت الذي ولى‪ ،‬لصنعت مثل الذي صنع)‪.(9‬‬
‫هـ‪ -‬ولقد أنكر علي ‪ ‬قتل عثمان وتبرأ من دمه‪ ،‬وكان يقسم‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.370‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( دور المرأة السياسي‪ ،‬ص ‪.371‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( البخاري‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬رقم )‪.(3700‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬رقم )‪.(2401‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط‪ ،‬ص ‪ ،227‬المختصر من كتاب‬ ‫‪5‬‬

‫الموافقة بين أهل البيت والصحابة للزمخشري‪ ،‬مخطوط بمكتبة المخطوطات‬


‫بالجامعة السلمية‪ ،‬وقد طبع هذا الكتاب عن طريق دار الحديث‪.‬‬
‫)( السنة للخلل )‪ ،(1/325‬رقم )‪ (416‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( لسان العرب )‪.(4/451‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( السنن للبيهقي )‪.(2/42‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪324‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله‪ ،‬ول أمر بقتله‪ ،‬ول مال ول‬
‫رضي‪ ،‬وقد ثبت ذلك عنه بطرق تفيد القطع)‪ ,(1‬خلفا لما تزعمه‬
‫الرافضة من أنه كان راضيا بقتل عثمان رضي الله عنهما‪ (2).‬وقال‬
‫الحاكم بعد ذكر بعض الخبار الواردة في مقتله ‪ :‬فأما الذي ادعته‬
‫المبتدعة من معونة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإنه كذب‬
‫وزور‪ ،‬فقد تواترت الخبار بخلفه‪ (3).‬وقال ابن تيمية‪ :‬وهذا كله كذب‬
‫ي ‪ ‬وافتراء عليه‪ ،‬فعلي ‪ ‬لم يشارك في دم عثمان‪ ،‬ول‬ ‫على عل ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫أمر ول رضي‪ ،‬وقد روى عنه ذلك وهو الصادق البار‪ .‬وقد قال علي‬
‫‪ :‬اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان‪ (5).‬وروى الحاكم بإسناده عن‬
‫قيس بن عباد قال‪ :‬سمعت عليا ‪ ‬يوم الجمل يقول‪ :‬اللهم إني أبرأ‬
‫إليك من دم عثمان‪ ،‬ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان‪ ،‬وأنكرت‬
‫نفسي وجاءوني للبيعة‪ ،‬فقلت‪ :‬والله إني لستحي من الله أن أبايع‬
‫قوما قتلوا رجل قال فيه رسول الله ×‪» :‬أل أستحي ممن تستحي‬
‫منه الملئكة«‪ ،‬وإني لستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على‬
‫الرض لم يدفن بعد‪ ،‬فانصرفوا‪ ,‬فلما دفن رجع الناس‪ ،‬فسألوني‬
‫البيعة‪ ،‬فقلت‪ :‬اللهم إني مشفق مما أقدم عليه‪ ،‬ثم جاءت عزيمة‬
‫فبايعت فلقد قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬فكأنما صدع قلبي‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى‪ (6).‬وروى المام أحمد بسنده عن‬
‫محمد بن الحنفية قال‪ :‬بلغ عليا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في‬
‫المربد)‪ (7‬قال‪ :‬فرفع يده حتى بلغ بهما وجهه‪ ،‬فقال‪ :‬وأنا ألعن قتلة‬
‫عثمان‪ ،‬لعنهم الله في السهل والجبل‪ ،‬قال مرتين أو ثلثا‪ (8).‬وروى‬
‫ابن سعد بسنده عن ابن عباس أن عليا قال‪ :‬والله ما قتلت عثمان‬
‫ول أمرت بقتله‪ ،‬ولكني نهيت‪ ،‬والله ما قتلت عثمان ول أمرت ولكني‬
‫غلبت‪ ،‬قالها ثلثا‪ (9).‬وجاء عنه أيضا أنه قال ‪ :‬من تبرأ من دين‬
‫عثمان فقد تبرأ من اليمان‪ ،‬والله ما أعنت على قتله ول أمرت ول‬
‫رضيت)‪.(10‬‬
‫علي ‪ ‬عن عثمان ‪ ...» :‬كان أوصلنا للرحم‪ ،‬وأتقانا‬ ‫و‪ -‬وقال‬
‫للرب تعالى«)‪.(11‬‬
‫ز‪ -‬وعن أبي عون قال‪ :‬سمعت محمد بن حاطب قال‪ :‬سألت‬
‫عثمان‪(12‬فقال‪ :‬هو من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم آمنوا ثم اتقوا‪.‬‬ ‫عليا عن‬
‫ولم يختم الية) ‪.‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(7/202‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط‪ ،‬ص ‪ ،229‬حق اليقين لعبد الله‬ ‫‪2‬‬

‫شبر‪ ،‬ص ‪.189‬‬


‫)‪ (4‬منهاج السنة )‪.(4/406‬‬ ‫)( المستدرك )‪.(3/103‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)( العقيدة في أهل البيت‪ ،‬ص ‪ ،230‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( المستدرك )‪ (3/95‬حديث صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه‬ ‫‪6‬‬

‫الذهبي‪.‬‬
‫)( موضع قرب البصرة بينهما نحو ثلثة أميال‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ ،(1/555‬رقم )‪ (733‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫)( الطبقات )‪ ،(3/82‬البداية والنهاية )‪.(7/202‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( الرياض النضرة‪ ،‬ص ‪.543‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( صفة الصفوة )‪.(1/306‬‬ ‫‪11‬‬

‫)( فضائل الصحابة )‪ ،(1/580‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪325‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ي على شاطئ الفرات‪،‬‬ ‫ح‪ -‬عن عميرة بن سعد قال‪ :‬كنا مع عل ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫َ ُ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫‪+‬‬ ‫وجل‪:‬‬ ‫عز‬ ‫الله‬ ‫يقول‬ ‫فمرت سفينة مرفوع شراعها فقال علي‪:‬‬
‫والذي‬ ‫عل َم ِ" ]الرحمن‪[24 :‬‬ ‫كال ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ِ‬‫في ال ْب َ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫شَئا ُ‬ ‫من َ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ج َ‬‫ال ْ َ‬
‫أنشأها في بحر من بحاره ما قتلت عثمان ول مالت على قتله)‪.(1‬‬
‫ط‪ -‬وروى المام أحمد في مسنده‪ ،‬عن محمد بن حاطب قال‪:‬‬
‫سَنى‬ ‫ح ْ‬ ‫نا‪(2‬ال ْ ُ‬ ‫م ّ‬‫هم ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ُسمعت عليا يقول‪+ :‬إ ِ ّ‬
‫]النبياء‪ [101 :‬منهم عثمان ‪ ،‬وقال علي ‪:‬‬
‫)‬
‫ن"‬
‫دو َ‬ ‫ع ُ‬
‫مب ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫أول َئ ِ َ‬
‫)‪(3‬‬
‫إنما وهنت يوم قتل عثمان ‪ .‬وقد اعتنى الحافظ ابن عساكر بجمع‬
‫الطرق الواردة عن علي ‪ ‬أنه تبرأ من دم عثمان‪ ،‬وكان يقسم على‬
‫بذلك‪ ،‬ثبت ذلك عنه‬ ‫ذلك في خطبه وغيرها‪ ،‬أنه لم يقتله ول رضي‬
‫من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث)‪.(4‬‬
‫‪ -3‬عبد الله بن عباس ‪:‬‬
‫روى المام أحمد بإسناده عن ابن عباس أنه قال‪ :‬لو اجتمع‬
‫الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمى قوم لوط‪ (5).‬وقال‬
‫‪ ‬في مدح عثمان وذم من ينتقصه‪ :‬رحم الله أبا عمرو‪ ،‬كان والله‬
‫جادا بالسحار‪ ،‬كثير الدموع عند ذكر‬ ‫أكرم الحفدة وأفضل البررة‪ ،‬ه ّ‬
‫النار‪ ،‬نّهاضا عند كل مكرمة‪ ،‬سّباقا إلى كل محنة‪ ،‬حبيًبا أبّيا وفّيا‪،‬‬
‫رسول‪ (6‬الله ×‪ ،‬فأعقب الله على من‬ ‫صاحب جيش العسرة‪ ،‬ختن‬
‫يلعنه لعنة اللعنين إلى يوم الدين) ‪.‬‬
‫‪ -4‬زيد بن علي رحمه الله‪:‬‬
‫روى ابن عساكر بإسناده إلى السدي قال‪ :‬أتيته ‪-‬أي زيد‪ -‬وهو‬
‫في بارق حي من أحياء الكوفة‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنتم سادتنا وأنتم ولة‬
‫أمورنا‪ ،‬فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال‪ :‬تولهما‪ ،‬وكان يقول‬
‫البراءة من علي‪ ،‬والبراءة من‬ ‫البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان)‪.(7‬‬
‫‪ -5‬علي بن الحسين رحمه الله‪:‬‬
‫وقد ثبت عن علي بن الحسين البراءة من قول الرافضة في أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم‪ ،‬فقد روى أبو نعيم بسنده عن‬
‫محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال‪ :‬جلس قوم من‬
‫أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر‪ ،‬فنالوا منهما‪ ،‬ثم ابتدأوا ُفي عثمان‬
‫جوا‬ ‫ر ُ‬‫خ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫أخبروني أأنتم من المهاجرين الولين ‪+‬ال ّ ِ‬ ‫لهم‪:‬هم وأ َ‬ ‫فقال‬
‫واًنا‬‫ض َ‬‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫غو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫يا‬‫َ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫ه"؟ ]الحشر‪ [8 :‬قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فأنتم من‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫وَين ُ‬ ‫َ‬
‫جَر‬
‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫داَر َ‬ ‫ءوا ال ّ‬ ‫و ُ‬ ‫الذين ‪+‬ت َب َ ّ‬
‫المصدر نفسه )‪ (560 ،1/559‬إسناده لغيره‪ ،‬رقم‪.(379) :‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه )‪ ،(1/580‬رقم ‪ 771‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المنتظم في تاريخ الملوك والمم )‪.(5/61‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/193‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫فضائل الصحابة )‪ ،(1/563‬رقم )‪.(746‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫العقيدة في أهل البيت‪ ،‬ص ‪ ,234‬مروج الذهب للمسعودي )‪.(3/64‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫العقيدة في أهل البيت‪ ،‬ص ‪ ،335‬تهذيب تاريخ دمشق )‪.(6/21‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫‪326‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫م"؟ ]الحشر‪ [9 :‬قالوا‪ :‬ل‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أما أنتم فقد أقررتم‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِلي ْ ِ‬
‫وشهدتهم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلء ول من هؤلء‪ ،‬وأنا‬
‫أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله ‪-‬عز وجل‪ -‬فيهم‪:‬‬
‫وان َِنا‬
‫خ َ‬ ‫ول ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫فْر ل ََنا ّ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ن َرب َّنا ا ْ‬
‫ُ‬
‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬‫ءوا ِ‬ ‫جا ُ‬
‫ن َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪َ +‬‬
‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫غ‬
‫ِ‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫ِ ِ َ ِ َ‬ ‫لي‬ ‫با‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ال ّ ِ َ َ َ‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫فيكم‪ ،‬ول قرب‬ ‫الله‬ ‫بارك‬ ‫ل‬ ‫عني‪،‬‬ ‫فقوموا‬ ‫‪,‬‬ ‫نوا" ]الحشر‪[10 :‬‬ ‫م ُ‬‫آ َ‬
‫دوركم‪ ،‬أنتم مستهزئون بالسلم‪ ،‬ولستم من أهله)‪.(1‬‬
‫ثانًيا‪ :‬موقف عمار بن ياسر ‪: ‬‬
‫جاء في الروايات التاريخية التي تحمل في طياتها غثا وسمينا أن‬
‫هناك خلفا بين عمار وعثمان رضي الله عنهما‪ ،‬وقد خطم بعضها‬
‫بأسانيد‪ ،‬وأخرى ل خطام لها ول زمام‪ ،‬ولم أجد من أغنى فيه بحثا‬
‫ماما‪ ،‬والتعرض لمثل هذا الموضوع الذي يمس كرامة أطهر‬ ‫وتحليل إل ل َ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫خلق الله وأحبهم إليه وإلى نبيه‪ ،‬ل يمكن معه العتماد على روايات‬
‫تسرح فيه أعراض الصحابة كما تشاء وتمرح من غير زمام أو خطام‪.‬‬
‫ومن التهم الساقطة التي ساقتها الروايات الضعيفة‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرب عمار بن ياسر‪:‬‬
‫تعتبر الروايات التي تحدثت عن ضرب عثمان لعمار من أشهر‬
‫الروايات في هذا الموضوع وأكثرها‪ ،‬ولقد تفنن واضعوها في ذكر‬
‫ما نتج عنه‪،‬‬ ‫الساليب التي استخدمها عثمان ‪ ‬بالضرب‪ ،‬وفي ذكر‬
‫وهي مع فساد أسانيدها تحمل نكارة شديدة في متونها‪ (3).‬يقول‬
‫القاضي أبو بكر بن العربي في عواصمه ضمن تفنيده لما نسب إلى‬
‫عثمان ‪ ‬من افتراءات‪ :‬وأما ضربه لبن مسعود ومنعه عطاءه‬
‫فزور‪ ،‬وضربه لعمار إفك مثله‪ ،‬ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا‪ ،‬وقد‬
‫اعتذر عن ذلك العلماء بوجوه ل ينبغي أن يشتغل بها؛ لنها مبنية‬
‫على باطل‪ ،‬ول نذهب الزمان في مماشاة‬ ‫على باطل‪ ،‬ول يبنى حق‬
‫الجهال‪ ،‬فإن ذلك ل آخر له‪ (4).‬إن أخلق عثمان ‪ ‬في سنه وإيمانه‬
‫وحيائه ولين عريكته ورقة طبعه وسابقته وجليل مكانته في السلم‬
‫ل من أن تنزل به إلى هذا الدرك من التصرف مع رجل من أجلء‬ ‫ج ّ‬ ‫أ َ‬
‫أصحاب النبي ×‪ ,‬يعرف له عثمان سابقته وفضله مهما كان بينهما‬
‫من اختلف في الرأي‪ ،‬أفيرضى عثمان لنفسه وهو الذي أبى على‬
‫الناس أن يقاتلوا دونه‪ ،‬ورضي بالموت صابرا محتسبا حقنا لدماء‬
‫المسلمين واتقاء للفتنة العامة‪ ،‬أفيرضى أن يصنع بعمار ‪-‬وهو أعلم‬
‫بسابقته وفضله في السلم‪ -‬ما ذكرت الروايات المزعومة بأنه أمر‬
‫غلمانه بأن يضربوه حتى أغمى عليه‪ ،‬ثم يقوم عثمان في هذه الحال‬
‫فيطأه في بطنه؟ ثم هل ترضى أخلق عثمان وحياؤه بأن يدعو‬
‫بدعوة الجاهلية فيعير عمارا بأمه سمية وهي من أهل السابقة‬
‫والفضل‪ ،‬وعثمان يعرف شرف انتساب عمار إلى أمه سمية رضي‬

‫)( العقيدة في أهل البيت‪ ،‬ص ‪ ,236‬البداية والنهاية )‪ ،(9/112‬الجامع لحكام‬ ‫‪1‬‬

‫القرآن )‪.(32 ،18/31‬‬


‫)( عمار بن ياسر‪ ،‬أسامة أحمد سلطان‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عمار بن ياسر‪ ،‬أسامة أحمد سلطان‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.84-82‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪327‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الله عنها‪ ،‬أول شهيدة في السلم؟‬
‫كل إن الخبار الصحيحة والموثوقة ل يوجد فيها ما يدني عثمان‬
‫من هذا السلوب المنحط في الزجر والتأديب‪ ،‬علوة على أن أخلقه‬
‫وطبيعته وسيرته تستبعد ذلك تماما‪ ،‬ومما ل شك فيه أن عرض‬
‫أمثال تلك الروايات الموضوعة على ما عرف من مواقف وأخلق‬
‫ومعاييره‬ ‫أولئك الئمة العلم‪ ،‬والخذ بالعتبار مقاييس ذلك العصر‬
‫لهو أصدق ميزان في النقد لكشف دخائل الوضاعين والمفترين)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬اتهام عمار بالمساهمة في الفتنة وإثارة الشغب ضد‬
‫عثمان‪:‬‬
‫اعتمد المؤرخون في نسبة هذه الفتراءات إلى عمار ‪ ‬على‬
‫روايات لم تسلم إحداها من الطعن في صحة أسانيدها أو في‬
‫استقامة متونها‪ ،‬وتتنوع التهم المنسوبة إلى عمار ‪ ‬في تحريكه‬
‫لمر الفتنة‪ ،‬وتحريضه على عثمان‪ ،‬وسعيه بين العامة للتمرد عليه‪،‬‬
‫فمنها ما يذكر من إرسال عثمان ‪ ‬له إلى مصر لستجلء ما يحدث‬
‫فيها مما نقل إليه عن تمرد العامة هناك‪ ،‬وأن السبئيين استطاعوا‬
‫استقطاب عمار والتأثير عليه‪ .‬وهذا الخبر الذي يرويه الطبري)‪ (2‬فيه‬
‫شعيب بن إبراهيم التميمي الكوفي راوية كتب سيف‪ ،‬فيه جهالة‪،‬‬
‫وقال عنه الراوي‪ :‬ليس بالمعروف وله أحاديث)‪(3‬وأخبار‪ ،‬فيها بعض‬
‫النكارة‪ ،‬وفيها ما فيها من تحامل على السلف‪ .‬ورواه عمر بن شبة‬
‫في تاريخ المدينة وفيه شيخ عمر‪ :‬علي بن عاصم‪ ،‬قال عنه ابن‬
‫المديني‪ :‬كان على بن عاصم كثير الغلط‪ ،‬وإذا رد)‪(4‬عليه لم يرجع‪،‬‬
‫وقال يحيى بن‬ ‫الحديث‪ ،‬ويروي أحاديث منكرة ‪،‬‬ ‫وكان معروفا في‬
‫وقال مرة‪ :‬كذاب ليس بشيء)‪ ,(6‬وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫بشيء‬ ‫معين‪ :‬ليس‬
‫متروك الحديث)‪ ،(7‬وقال البخاري‪ :‬ليس بالقوي عندهم‪،‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫النسائي‪:‬‬
‫بالكلم عليه وقال عنه ابن حجر‪:‬‬ ‫تلطف‬ ‫من‬ ‫وهناك‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫يتكلمون‬
‫صدوق يخطئ ويصر‪ ،‬ورمي بالتشيع)‪ .(9‬وخبٌر هذا حال إسناده ل‬
‫يمكن الطمئنان إليه لسيما ما عرف عن عمار ‪ ‬من الورع الذي‬
‫يربأ به عن النغماس في مثل تلك الوحال‪ ,‬التي ما عهدنا مرتادا لها‬
‫إل سبئيا يهوديا حاقدا‪ ،‬ومعاذ الله أن يصل الحال بصحابي من صحابة‬
‫النبي × إلى هذا المستوى‪ ،‬يقول خالد الغيث‪ :‬وهذا الخبر يعارضه ما‬
‫رضوان الله عليهم‪ ،‬هذا فضل عن عدم‬ ‫ثبت من عدالة الصحابة‬
‫وروده من طريق صحيح)‪.(10‬‬
‫ومن الروايات الباطلة في هذا الباب ما نسب إلى سعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬وفيها أن الصحابة بمجملهم نقموا على عثمان ‪ ‬مع‬
‫من نقم‪ ،‬وحنقوا عليه‪ ،‬وخاصة أبا ذر وابن مسعود وعمار بن‬

‫)( الخليفة المفترى عليه عثمان بن عفان‪ ،‬ص ‪ ،41-14‬عمار بن ياسر‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪،‬‬ ‫)( تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.30‬‬ ‫‪3‬‬

‫)‪ (4‬المصدر نفسه )‪.(9/255‬‬ ‫)( سير أعلم النبلء )‪.(9/253‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬

‫)‪ (6‬المصدر نفسه )‪.(9/255‬‬ ‫)( المصدر نفسه )‪.(9/257‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪7‬‬

‫)‪ (8‬تقريب التهذيب‪ ،‬ص ‪.403‬‬ ‫)( المصدر نفسه )‪.(9/255‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪9‬‬

‫)( استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪328‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫سا ليس‬ ‫رضي الله عنهم‪ .‬وآفة هذه الرواية أن فيها تدلي ً‬ ‫ياسر‬
‫و‬
‫ٍ‬ ‫را‬ ‫منها‬ ‫أسقط‬ ‫فقد‬ ‫عنه‪،‬‬ ‫والتجاوز‬ ‫إقراره‬ ‫الممكن‬ ‫النوع‬ ‫من‬
‫متهم بالوضع والكذب وهو إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله‪،‬‬
‫ولذلك جاء تضعيف علماء الحديث لهذه الرواية‪ ،‬وبيان زيفها عند‬
‫ترجمتهم لمحمد بن عيسى بن سميع راوي الخبر عن ابن أبي‬
‫ذئب‪ ،‬يقول المام البخاري عن ابن سميع‪ :‬يقال إنه لم يسمع من‬
‫ابن أبي ذئب هذا الحديث‪ ،‬يعني حديثه عن الزهري في مقتل‬
‫عثمان‪ .‬ويقول ابن حبان‪ :‬إن ابن سميع لم يسمع حديثه من ابن‬
‫أبي ذئب‪ ،‬وإنما سمعه من إسماعيل ابن يحيى‪ ،‬فدلس عنه‪ .‬وقال‬
‫الحاكم‪ :‬أبو محمد ‪-‬يعني ابن سميع‪ -‬روى عن ابن أبي ذئب حديثا‬
‫منكرا وهو حديث مقتل عثمان‪ ،‬ويقال‪ :‬كان في كتابه عن‬
‫إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذئب فأسقطه‪ ،‬وإسماعيل ذاهب‬
‫الحديث‪ (2).‬ويقول الدكتور يوسف العش‪ :‬والرواية المنسوبة إلى‬
‫سعيد بن المسيب يجب استبعادها‪ ،‬فهي بعد التحري تظهر‬
‫موضوعة‪ ،‬فقد نص الحاكم النيسابوري أن أحد رجال سندها قد‬
‫أسقط من السند رجل واهيا‪ ،‬وأنها منكرة‪ ،‬والواقع أنها ل تنبئ عن‬
‫الحترام( الذي يكنه سعيد بن المسيب للصحابة في أقواله الخرى‬
‫الصحيحة)‪. 3‬‬
‫‪ -3‬براءة عمار من دم عثمان رضي الله عنهما‪:‬‬
‫وما يروى في ذلك اتهام مسروق وأبي موسى ‪ ‬لعمار بذلك‬
‫عند قدومه مع الحسن لستنفار أهل الكوفة‪ ،‬وهذه الرواية قد وهي‬
‫إسنادها بشعيب المجهول‪ ،‬وسيف المعلول‪ ،‬كما أن الرواية التي في‬
‫صحيح البخاري ل تذكر شيئا من ذلك‪ ،‬فزيادتها ل تحتمل القبول‪ ،‬ل‬
‫على‪(5‬لسان‬ ‫صحابي مثل عمار بن ياسر المجار ‪-‬‬ ‫سيما مع طعنها في‬
‫مشاش من اليمان) ‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫النبي × ‪ -‬من الشيطان ‪ ،‬والملئ إلى ال ُ‬
‫وقد ب ّ ين العلماء بطلن مثل هذا التهام الذي لم يختص‬
‫ج ّلة‬
‫بعمار فحسب‪ ،‬بل تعداه إلى مجموعة أخرى من أ ِ‬
‫الصحابة‪ ،‬يقول ابن كثير‪ :‬أما ما يذكره بعض الناس من أن‬
‫يصح‪(6‬عن أحد من‬ ‫)‬
‫سل َ َ مه ورضي بقتله‪ ،‬فهذا ل‬ ‫بعض الصحابة أ ْ‬
‫الصحابة‪ ،‬بل كلهم كرهه ومقته وسب من فعله‪ .‬ويقول‬
‫القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬فهذا أشبه ما روي في الباب‪ ،‬وبه‬
‫يتبين ‪-‬وأصل المسألة سلوك سبيل أهل الحق‪ -‬أن أحدا من‬
‫الصحابة لم يس َ ع عليه‪ ،‬ول قعد عنه‪ ،‬ولو استنصر ما غلب ألف‬
‫أو أربعة آلف غرباء عشرين ألفا بلديين أو أكثر من ذلك‪،‬‬
‫ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة‪ (7).‬ويقول‪ :‬وقد انتدبت المردة‬
‫والجهلة إلى أن يقولوا‪ :‬إن كان فاضل من الصحابة كان عليه‬
‫مشاغبا مؤلبا‪ ،‬وبما جرى عليه راضيا واخترعوا كتابا فيه‬
‫فصاحة‪ ,‬وأمثال كتب عثمان به مستصرخا إلى علي‪ ,‬وذلك كل‬
‫)( تاريخ دمشق )‪ ،(39/415‬عمار بن ياسر‪ ،‬ص ‪.144‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(18-2/16‬التاريخ الكبير للبخاري )‪،(1/203‬‬ ‫‪2‬‬

‫التهذيب )‪ ،(9/391‬تهذيب التهذيب )‪.(9/392‬‬


‫)‪ (3‬البخاري‪ ،‬رقم )‪.(3743‬‬ ‫)( الدولة الموية )‪.(39‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫)‪ (5‬البداية والنهاية )‪.(7/207‬‬ ‫)( عمار بن ياسر‪ ،‬ص ‪.147‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬

‫)( العواصم من القواصم‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪329‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫مصنوع‪ ،‬ليوغروا قلوب المسلمين على السلف الماضيين‬
‫والخلفاء الراشدين‪ ،‬فالذي ي ُ ْ نخل من ذلك أن عثمان مظلوم‬
‫دمه بأجمعهم‪ ،‬لنهم‬ ‫محجوج بغير حجة‪ ،‬وأن الصحابة براء من‬
‫أتوا إرادته‪ ،‬وسلموا له رأيه في إسلم نفسه)‪.(1‬‬
‫ثالثـا‪ :‬براءة عمرو من دم عثمان‪:‬‬
‫لما أحيط بعثمان ‪ ‬خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها‬
‫إلى الشام وقال‪ :‬والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل‬
‫هذا الرجل إل ضربه الله عز وجل بذل‪ ،‬ومن لم يستطع نصره‬
‫الله‪(2‬ومحمد‪ ،‬وخرج بعده حسان‬ ‫فليهرب‪ ،‬فسار وسار معه ابناه عبد‬
‫بن ثابت‪ ،‬وتتابع على ذلك ما شاء الله‪ ).‬وعندما جاءه الخبر عن‬
‫مقتل عثمان ‪ ‬وبأن الناس بايعوا علي بن أبي طالب قال عمرو‪ :‬أنا‬
‫أبو عبد الله تكون حرب من حك فيه قرحة نكأها‪ ،‬رحم الله عثمان‬
‫ورضي الله عنه وغفر له‪ ،‬فقال سلمة بن زنباغ الجذامي‪ :‬يا معشر‬
‫العرب‪ ،‬إنه قد كان بينكم وبين العرب باب فاتخذوا بابا إذا كسر‬
‫)‪(3‬‬
‫الباب‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬وذاك الذي نريد ول يصلح الباب إل أشاف‬
‫تخرج الحق من حافرة البأس ويكون الناس في العدل سواء‪ ،‬ثم‬
‫تمثل عمرو بن العاص بهذه البيات‪:‬‬
‫وهل يصرف مالك حفظ‬ ‫فيا لهف نفسي على مالك‬
‫القدر؟‬
‫فأعذرهم أم بقومي سكر‬ ‫أنزع من الحّر )‪ (4‬أودى بهم‬
‫ارتحل‪(5‬راجل يبكي ويقول‪ :‬يا عثماناه‪ ،‬أنعي الحياء والدين حتى‬ ‫ثم‬
‫قدم دمشق) ‪.‬‬
‫هذه هي الصورة الصادقة عن عمرو ‪ ‬والمتتالية مع شخصيته‪،‬‬
‫وخط حياته وقربه من عثمان‪ ،‬أما الصورة التي تمسخه إلى رجل‬
‫مصالح وصاحب مطامع وراغب دنيا‪ ،‬فهي الرواية المتروكة الضعيفة‪،‬‬
‫رواية الواقدي عن موسى بن يعقوب)‪ .(6‬وقد تأثر بالروايات الضعيفة‬
‫والسقيمة مجموعة من الكتاب والمؤرخين فأهووا بعمرو إلى‬
‫الحضيض‪ ،‬كالذي كتبه محمود شيت خطاب)‪ ،(7‬وعبد الخالق سيد أبو‬
‫رابية)‪ ،(8‬وعباس محمود العقاد الذي يتعالى عن النظر في السناد‬
‫ويستخف بقارئه‪ ،‬ويظهر له صورة معاوية وعمرو ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫بأنهما‪ :‬انتهازيان صاحبا مصالح‪ ،‬ولو أجمع الناقدون التاريخيون على‬
‫بطلن الروايات التي استند إليها في تحليله‪ ،‬فهذا ل يعني للعقاد‬
‫شيئا‪ ،‬فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة واهية ل تقوم بها حجة‪:‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري‪ ،‬نقل عن عمرو بن العاص‪ ،‬للغضبان‪ ،‬ص ‪.464‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫أشاف‪ :‬جمع أشفى وهو المثقب‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫الحر‪ :‬جمع حرة وهي الظلمة الشديدة‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ الطبري‪ ،‬نقل عن عمرو بن العاص‪ ,‬للغضبان‪ ،‬ص ‪.481‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫عمرو بن العاص‪ ،‬للغضبان‪ ،‬ص ‪.481‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫سفراء النبي × ‪ ،‬محمود شيت خطاب‪ ،‬ص ‪.508‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫عمرو بن العاص‪ ،‬عبد الخالق سيد أبو رابية‪ ،‬ص ‪.316‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪330‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫»‪ ...‬وليقل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا‬
‫الحوار‪ ،‬وصحة هذه الكلمات‪ ،‬وما ثبت نقله ولم يثبت منه سنده ول‬
‫نصه‪ ،‬فالذي ل ريب فيه ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه أن‬
‫التفاق بين الرجلين كان اتفاق مساومة ومعاونة على الملك‬
‫والولية‪ ،‬وأن المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل على كل‬
‫منهما‪ ،‬ولوله لما كان بينهما اتفاق)‪.(1‬‬
‫إن شخصية عمرو بن العاص ‪ ‬الحقيقية‪ ،‬أنه رجل مبادئ‬
‫غادر المدينة حين عجز عن نصرة عثمان‪ ،‬وبكى عليه بكاء م ّرا‬
‫قتل‪ ،‬فقد كان من أقرب أصحابه وخلنه ومستشاريه‪،‬‬ ‫حين ُ‬
‫وكان يدخل في الشورى ‪ -‬في عهد عثمان‪ -‬من غير ولية‪،‬‬
‫ومضى إلى معاوية ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬ليتعاونا معا على حرب‬
‫قتلة عثمان والثأر للخليفة الشهيد‪ (2).‬لقد كان مقتل عثمان‬
‫كافيا لن يحرك كل غضبه على أولئك المجرمين السفاكين‪،‬‬
‫وكان ل بد من اختيار مكان غير المدينة للثأر من هؤلء الذين‬
‫تجرأوا على حرم رسول الله وقتلوا خليفته على أعين الناس‪،‬‬
‫وأي غرابة أن يغضب عمرو لعثمان؟ وإن كان هناك من يشك‬
‫في هذا الموضوع فمداره على الروايات المكذوبة التي تصور‬
‫عم ً را كل همه السلطة والحكم)‪.(3‬‬
‫رابًعا‪ :‬من أقوال الصحابة في الفتنة‪:‬‬
‫‪ -1‬أنس بن مالك ‪:‬‬
‫ب علي وعثمان )‪4‬ل( يجتمعان في قلب‪،‬‬ ‫قيل لنس بن مالك‪ :‬إن ح ّ‬
‫فقال أنس‪ :‬كذبوا‪ ،‬لقد اجتمع حبهما في قلوبنا ‪.‬‬
‫‪ -2‬حذيفة بن اليمان ‪:‬‬
‫عن خالد بن الربيع قال‪ :‬سمعنا بوجع حذيفة‪ ،‬فركب إليه أبو‬
‫ثم‪(5‬ذكر قتل‬ ‫قال‪:‬‬ ‫مسعود النصاري ‪ ‬في نفر فيهم إلى المدائن‪،‬‬
‫ولم أ َ‬
‫ض) ‪ .‬وأخرج‬ ‫ْ َ‬‫ر‬ ‫عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم إني لم أشهد‪ ،‬ولم أقتل‪,‬‬
‫أحمد بن حنبل عن ابن سيرين عن حذيفة قال‪ :‬لما بلغه قتل عثمان‬
‫قال‪ :‬اللهم إنك تعلم براءتي من دم عثمان‪ ،‬فإن كان الذين قتلوه‬
‫أصابوا‪ ،‬فإني برئ منهم‪ ،‬وإن كانوا أخطأوا فقد تعلم براءتي من‬
‫دمه‪ ،‬وستعلم العرب لئن كانت أصابت بقتله لحلبنا بذلك لب ًَنا‪ ،‬وإن‬
‫ما‪ ،‬ما رفعت‬ ‫ما‪ ،‬فاحتلبوا بذلك د ً‬‫كانت أخطأت بقتله لتحتلبن بذلك د ً‬
‫عنهم السيوف ول القتل‪ (6).‬وروى ابن عساكر عن جندب بن عبد الله‬
‫‪-‬له صحبة‪ -‬أنه لقى حذيفة فذكر له أمير المؤمنين عثمان فقال‪ :‬أما‬
‫إنهم سيقتلونه‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فأين هو؟ قال‪ :‬في الجنة‪ ،‬قلت‪ :‬فأين‬

‫)( عمرو بن العاص للعقاد‪ ،‬ص ‪.232 ،231‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عمرو بن العاص للغضبان‪ ،‬ص ‪.490 ،489‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.492‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(2/25‬التهذيب لبن حجر )‪.(7/141‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المصدر نفسه )‪.(2/27‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (4 ،‬تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(2/28‬تاريخ دمشق‪ ،‬ص ‪.388‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪331‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫قاتلوه؟ قال‪ :‬في النار)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬أم سليم النصارية رضي الله عنها‪:‬‬
‫لما( سمعت بقتل‬ ‫قالت أم سليم النصارية ‪ -‬رضي الله عنها‪-‬‬
‫عثمان‪ :‬رحمه الله‪ ،‬أما إنه لم يحلبوا بعده إل دما)‪. 2‬‬
‫‪ -4‬أبو هريرة ‪:‬‬
‫وعن أبي مريم قال‪ :‬رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله‬
‫وهو ممسك بهما وهو يقول‪ :‬قتل والله عثمان على غير‬ ‫ضفيرتان‪،‬‬
‫وجه الحق)‪.(3‬‬
‫‪ -5‬أبو بكرة ‪:‬‬
‫روى ابن كثير في البداية والنهاية عن ُأبي بكرة ‪ ‬قال‪ :‬لن)‪4‬أ( ِ‬
‫خّر‬
‫ي من أن أشرك في قتل عثمان ‪.‬‬ ‫ب إل ّ‬‫من السماء إلى الرض أح ّ‬
‫‪ -6‬أبو موسى الشعري ‪:‬‬
‫عن أبي عثمان النهدي قال أبو موسى الشعري ‪ :‬إن قتل‬
‫كان( هدي احتلبت به المانة لبًنا‪ ،‬ولكنه كان ضلل‬ ‫عثمان ‪ ‬لو‬
‫فاحتلبت به دما)‪. 5‬‬
‫‪ -7‬سمرة بن جندب ‪:‬‬
‫روى ابن عساكر بإسناده إلى سمرة بن جندب ‪ ‬قال‪ :‬إن‬
‫السلم كان في حصن حصين‪ ،‬وإنهم ثلموا في السلم ثلمة بقتلهم‬
‫عثمان‪ ،‬وإنهم شرطوا أشرطة‪ ,‬وإنهم لم يسدوا ثلمتهم أو ل يسدونها‬
‫القيامة‪ ،‬وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلفة فأخرجوها ولم‬ ‫إلى يوم‬
‫تعد فيهم)‪.(6‬‬
‫‪ -8‬عبد الله بن عمرو بن العاص ‪:‬‬
‫وأخرج أبو نعيم في )معرفة الصحابة( بسنده إلى عبد الله بن‬
‫قال‪(7:‬عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما‪،‬‬ ‫عمرو بن العاص‪،‬‬
‫أوتي كفلين من الجر) ‪.‬‬
‫‪ -9‬عبد الله بن سلم ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬ل تقتلوا عثمان‪ ،‬فإنكم إن فعلتم لم تصّلوا جميعا)‪ (8‬أبدا‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬والله ل تهرقون محجما من دم ‪-‬أي‪ :‬من دم عثمان‪ -‬إل‬

‫‪1‬‬
‫)(تحقيقـ مواقفـ الصحابةـ ) ‪ ،(2/28‬تاريخ دمشق‪،‬ـ ص ‪.388‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/195‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(2/31‬تاريخ دمشق‪ ،‬ص ‪.493‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(2/31‬تاريخ دمشق‪ ،‬ص ‪.493‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ المدينة )‪.(4/1245‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(2/31‬تاريخ دمشق‪ ،‬ص ‪.493‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫معرفة الصحابة )‪ ,(1/245‬المعجم الكبير )‪.(1/46‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ (2/34‬فضائل الصحابة‪ ،‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪332‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ازددتم به من الله ُبعدا)‪.(1‬‬
‫‪ -10‬الحسن بن علي ‪:‬‬
‫عن طلق بن خشاف قال‪ :‬انطلقنا إلى المدينة ومعنا ُقرط بن‬
‫له‪(2‬قرط‪ :‬فيم ُقتل أمير‬ ‫خيثمة‪ ،‬فلقينا الحسن بن علي فقال‬
‫المؤمنين عثمان؟ فقال‪ :‬قتل مظلوما) ‪.‬‬
‫‪ -11‬سلمة بن الكوع ‪:‬‬
‫وعن يزيد بن أبي عبيدة قال‪ :‬لما قتل عثمان خرج سلمة بن‬
‫بدري‪ -‬من المدينة قبل الربذة‪ ،‬فلم يزل بها حتى كان‬ ‫الكوع ‪-‬وهو‬
‫قبيل أن يموت)‪.(3‬‬
‫‪ -12‬عبد الله بن عمر ‪:‬‬
‫فعن أبي حازم قال‪ :‬كنت عند عبد الله بن عمر بن الخطاب‬
‫فذكر عثمان‪ ،‬فذكر فضله ومناقبه وقرابته حتى تركه أنقى من‬
‫الزجاجة‪ ،‬ثم ذكر علي بن أبي طالب فذكر فضله وسابقته وقرابته‬
‫الزجاجة‪ ،‬ثم قال‪ :‬من أراد أن يذكر هذين‬
‫)‪(4‬‬
‫حتى تركه أنقى من‬
‫عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أيضا‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫وقال‬ ‫فليدع‪.‬‬ ‫فليذكرهما هكذا أو‬
‫ل تسبوا عثمان؛ فإنا كنا نعده من خيارنا)‪.(5‬‬
‫سا‪ :‬أثر مقتل عثمان في حدوث فتن أخرى‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫لقد كانت فتنة قتل عثمان سببا في حدوث كثير من الفتن‬
‫الخرى‪ ،‬وألقت بظللها على أحداث الفتن التي تلتها‪ ،‬فتغيرت قلوب‬
‫الكذب‪ ،‬وبدأ الخط البياني للنحراف عن السلم في‬ ‫)‪(6‬‬
‫الناس وظهر‬
‫السباب( التي‬ ‫أعظم‬ ‫من‬ ‫عثمان‬ ‫مقتل‬ ‫وكان‬ ‫‪.‬‬ ‫وشريعته‬ ‫عقيدته‬
‫أوجبت الفتن بين الناس‪ ،‬وبسببه تفرقت المة إلى اليوم)‪ 7‬؛ فتفرقت‬
‫القلوب‪ ،‬وعظمت الكروب‪ ،‬وظهرت الشرار وذل الخيار‪ ،‬وسعى‬
‫في الفتنة من كان عاجزا عنها‪ ،‬وعجز عن الخير والصلح من كان‬
‫يحب إقامته‪ ،‬فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬وهو أحق‬
‫الناس بالخلفة حينئذ‪ ،‬وأفضل من بقي‪ ,‬لكن القلوب متفرقة ونار‬
‫الفتنة متوقدة‪ ،‬فلم تتفق الكلمة ولم تنتظم الجماعة‪ ،‬ولم يتمكن‬
‫الخليفة وخيار)‪(8‬المة من كل ما يريدون من الخير‪ ،‬ودخل في الفرقة‬
‫والفتنة أقوام ‪.‬‬
‫وبدأ ضعف الفتوحات تدريجيا خلل السنين الخيرة من خلفة‬
‫عثمان‪ ،‬عندما بدأت الفتن تضرب بلد السلم ومركز الخلفة‪ ،‬ثم‬
‫توقفت عندما قتل عثمان‪ ،‬واستمرت متوقفة بل تراجعت في بعض‬
‫الماكن إلى بداية عهد معاوية؛ حيث استقرت أحوال المسلمين‬

‫الطبقات )‪.(3/81‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (2‬المصدر نفسه )‪.(4/142‬‬ ‫تاريخ المدينة )‪.(4/145‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪.(1/379‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫تحقيق مواقف الصحابة )‪ (1/379‬فضائل الصحابة‪ ،‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫)‪ (6‬مجموع الفتاوي )‪.(25/162‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.590‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(25/163‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫‪333‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فانطلقت الفتوحات شرقا وغربا وشمال)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬الظلم والعتداء على الخرين من أسباب الهلك في‬ ‫ساد ً‬
‫الدنيا والخرة‪:‬‬
‫إن الظلم والعتداء على الخرين بغير حق من أسباب الهلك في‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫قَرى أ َ ْ‬
‫هل َك َْنا ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫وت ِل ْ َ‬
‫والخرة‪ ،‬كما ْ قال الله ‪-‬عز وجل‪َ + :-‬‬ ‫الدنيا‬
‫دا" وإن المتتبع لحوال أولئك‬ ‫ع ً‬ ‫و ِ‬ ‫م‬
‫ّ ْ‬ ‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ه‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫موا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫لَ ّ‬
‫ما‬
‫ِ‬
‫الخارجين على عثمان ‪ ‬المعتدين عليه يجد أن الله تعالى لم‬
‫ج منهم أحدا)‪.(2‬‬ ‫يمهلهم‪ ,‬بل أذلهم وأخزاهم وانتقم منهم فلم ين ُ‬
‫روى خليفة بن خياط في تاريخه بإسناد صحيح إلى عمران بن‬
‫الحدير قال‪ :‬إن لم يكن عبد الله بن شقيق حدثني أن أول قطرة‬
‫ه" ]البقرة‪:‬‬ ‫م الل ُ‬
‫ه ُ‬ ‫فيك َ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬ ‫قطرت من دمه ‪-‬يعني عثمان‪ -‬على ‪َ +‬‬
‫ف َ‬
‫حريت ذكر أنه ذهب وسهيل النميري‪ ،‬فأخرجوا إليه‬ ‫‪ [137‬فإن أبا ُ‬
‫ه"‪ ،‬فإنها في‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫فيك ُ‬ ‫ْ‬
‫سي َك ِ‬ ‫َ‬
‫المصحف‪ ,‬فإذا القطرة على ‪+‬ف َ‬
‫المصحف ما حكت‪ .‬وفي تاريخ ابن عساكر عن محمد بن سيرين‬
‫قال‪ :‬كنت أطوف بالكعبة‪ ،‬فإذا رجل يقول‪ :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬وما أظن‬
‫أن تغفر لي‪ ،‬قلت‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬ما سمعت أحدا يقول ما تقول‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كنت أعطيت الله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إل لطمته‪،‬‬
‫فلما ُقتل وضع على سريره في البيت‪ ،‬والناس يجيئون فيصلون‬
‫عليه‪ ،‬فدخلت كأني أصلي عليه‪ ،‬فوجدت خلوة‪ ،‬فرفعت الثوب عن‬
‫وجهه فلطمت وجهه‪ ،‬وسجيته‪ ,‬وقد يبست يميني‪ ،‬قال محمد بن‬
‫سيرين‪ :‬رأيتها يابسة كأنها عود‪ (3).‬ولو لم يكن من آثار ظلم هؤلء‬
‫الحاقدين إل سل المسلمين السيف عليهم إلى يوم القيامة لكفى‬
‫بذلك رادعا لهم ولكل من سار في فلكهم‪ ،‬قال القاسم بن محمد‪:‬‬
‫ي ‪ ‬على رجلين بالمدينة بعدما قتل عثمان‪ ،‬وقبل بيعته وهما‬ ‫مر عل ّ‬
‫يقولن‪ :‬قتل ابن بيضاء‪ ،‬ومكانه من السلم والعرب‪ ،‬ثم والله ما‬
‫انتطح فيه عنزان‪ ،‬فقال علي‪ :‬ما قلتما؟ فأعادا عليه فقال‪ :‬بلى‬
‫والله‪ ،‬ورجال بعد رجال‪ ،‬وكتائب بعد كتائب‪ ،‬أو يخرج ابن مريم)‪.(4‬‬
‫سابًعا‪ :‬تأثر المسلمين لمقتل عثمان ‪ ‬وما قيل من أشعار‪:‬‬
‫كان وقع المصيبة على نفوس المؤمنين عظيما‪ ،‬فجللهم الحزن‬
‫وفاضت مآقيهم بالدموع‪ ،‬ولهجت ألسنتهم بالثناء على عثمان‪،‬‬
‫المؤمنين ويكثر‬ ‫والترحم عليه‪ ،‬وقام حسان بن ثابت ‪ ‬يرثي أمير‬
‫التفجع لمقتله‪ ،‬ويهجو قاتليه‪ ،‬ويقرعهم بما كسبت أيديهم)‪ (5‬فيقول‪:‬‬
‫وغزوتمونا عند قبر محمد‬ ‫أتركتم غزو الدروب وراءكم‬

‫‪ () 1‬أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬ص ‪.591‬‬


‫‪ () 2‬تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة )‪.(1/483‬‬
‫‪67‬تاريخ دمشق‪ ،‬ص ‪ ،458‬تحقيق‬‫سير الشهداء‪ ..‬دروس وعبر للسحيباني‪ ،‬ص ‪,‬‬ ‫‪) (3‬‬
‫مواقف الصحابة )‪(1/485‬‬
‫‪ () 4‬تحقيق مواقف الصحابة )‪ ،(1/485‬التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪ () 5‬سير الشهداء للسحيباني‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪334‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫ولبئس أمر الفاجر المتعمد‬ ‫فلبئس هدى المسلمين هديتم‬


‫)‪(1‬‬
‫حول المدينة كل لين مذود‬ ‫قدموا نجعل ِقرى سرواتكم‬
‫إن ت ُ ْ‬
‫ل أمر أميركم لم يرشد‬ ‫ول َ ِ‬
‫مث ُ‬ ‫أو تدبروا فلبئس ما سافرتم‬
‫ُبدن ت ُذ َب ّ ُ‬
‫ح عند باب المسجد‬ ‫وكأن أصحاب النبي عشية‬
‫)‪(2‬‬
‫الغرقد‬ ‫أبكي أبا عمرو لحسن بلئه‬
‫وقال حسان أيضا‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫المقد ّدِ‬ ‫ماذا أردتم من أخي الدين‬
‫باركت‬
‫وجئتم بأمر جائر غير مهتد‬ ‫قتلتم ولي الله في جوف داره‬
‫وأوفيتم بالعهد عهد محمد‬ ‫فهل رعيتم ذمة الله بينكم‬
‫وأوفاكم عهدا لدى كل مشهد‬ ‫ألم يك فيكم ذا بلء ومصدق‬
‫)‪(4‬‬
‫المسدد‬ ‫فل ظفرت أيمان قوم تبايعوا‬
‫وقال حسان أيضا‪:‬‬
‫فليأت مأسدة في دار عثمانا‬ ‫من سره الموت صرفا ل مزاج‬
‫له‬
‫)‪(6‬‬
‫بيض زان‬ ‫قبل المغاطم‬ ‫ى)‪ (5‬قد‬
‫ّ‬ ‫الماذ‬ ‫حلق‬ ‫مستشعري‬
‫أبدانا‬ ‫شفعت‬ ‫ُ‬
‫قد ينفع الصبر في المكروه‬ ‫دى لكم أمي وما ولدت‬ ‫صبرا فِ ً‬
‫أحيانا‬
‫وبالمير وبالخوان إخوانا‬ ‫فقد رضينا بأهل الشام نافرة‬
‫ميت حسانا‬
‫س ّ‬
‫ما دمت حّيا وما ُ‬ ‫إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا‬
‫الله أكبر يا ثارات عثمانا‬ ‫لتسمعن وشيكا في ديارهم‬
‫وقال أيضا‪:‬‬

‫مذود‪ :‬آلة الذود‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ الطبري )‪.(5/445‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫الديم المقدد‪ :‬الجلد اليابس‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(7/205‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫الماذي‪ :‬خالص الحديد‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫المغاطم‪ :‬النوف‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪335‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫باب صريع وباب محرق خرب‬ ‫س دار ابن أروى منه‬


‫إن ُتم ِ‬
‫خاوية‬
‫فيها ويهوى إليها الذكر‬ ‫فقد يصادق باغي الخير حاجته‬
‫والحسب‬
‫ل يستوي الصدق عند الله‬ ‫يا أيها الناس أبدوا ذات أنفسكم‬
‫والكذب‬
‫عصب‬
‫صب من خلفها ُ‬ ‫بغرة عُ َ‬ ‫قوموا بحق مليك الناس تعترفوا‬
‫)‪(1‬‬
‫الغضب‬ ‫مهم‬
‫قد ُ ُ‬
‫فيهم حبيب شها بالوت ي َ ْ‬
‫وقال كعب بن مالك ‪:‬‬
‫هد ّ الجبال فأنغضت برجوف‬ ‫ح لمر قد أتاني رائع‬
‫وي ٌ‬
‫والشمس بازغة له بكسوف‬ ‫قتل المام له النجوم خواضع‬
‫بالنعش فوق عواتق وكتوف‬ ‫يا لهف نفسي إذا تولوا غدوة‬
‫)‪(2‬‬
‫ن ضريحه المسقوف‬
‫ماذا أج ّ‬ ‫وّلوا ودّلوا في الضريح أخاهم‬
‫سبقت له في الناس أو‬ ‫من نائل أو سؤدد وحمالة‬
‫معروف‬
‫أمسى بمنزلة الضياع يطوف‬ ‫كم من يتيم كان يجبر عظمه‬
‫كادت وأيقن بعدها بحتوف‬ ‫فرجتها عنه برحمك بعد ما‬
‫حتى سمعت برنة التلهيف‬ ‫ما زال يقبلهم ويرأب ظلمهم‬
‫)‪(3‬‬
‫متفرقين قد أجمعوا بحفوف‬ ‫أمسي مقيما بالبقيع وأصبحوا‬
‫عثمان صهر في البلد عفيف‬ ‫النار موعدهم بقتل إمامهم‬
‫)‪(4‬‬
‫والخير فيه مبين معروف‬ ‫بعد حلم راجح‬ ‫جمع الحمالة‬
‫ما دمت حيا في البلد تطوف‬ ‫يا كعب ل تنفك تبكي هالكا‬
‫وقال كعب أيضا‪:‬‬

‫حبيب بن مسلمة الفهري‪ ،‬تاريخ الطبري )‪.(5/446‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.210‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫التمهيد والبيان‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫‪336‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫وأيقن أن الله ليس بغافل‬ ‫ف يديه ثم أغلق بابه‬


‫فك ّ‬
‫عفا الله عن كل امرئ لم‬ ‫وقال لهل الدار ل تقتلوهم‬
‫يقاتل‬
‫العداوة والبغضاء بعد‬ ‫ب عليهم‬
‫فكيف رأيت الله ص ّ‬
‫التواصل؟‬
‫)‪(1‬‬
‫الجوافل؟‬ ‫وكيف رأيت الخير أدبر بعده‬
‫وقال راعي البل النميري في ذلك‪:‬‬
‫على متوكل أوفى وطابا‬ ‫عشية يدخلون بغير إذن‬
‫)‪(2‬‬
‫ورابع خير من وطئ الترابا‬ ‫خليل محمد وزير صدق‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫***‬

‫)( البداية والنهاية )‪.(7/205‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أي‪ :‬خير من وطئ التراب في أمة محمد × بعد رسول الله × ثم أبي بكر ثم‬ ‫‪2‬‬

‫عمر ثم عثمان‪ ،‬البداية والنهاية )‪.(7/206‬‬

‫‪337‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫الخلصـــــــــة‬
‫‪ -1‬كان عثمان ‪ ‬في أيام الجاهلية من أفضل الناس في قومه؛‬
‫فهو عريض الجاه‪ ،‬ثري‪ ،‬شديد الحياء‪ ،‬عذب الكلمات‪ ،‬فكان‬
‫قومه يحبونه أشد الحب ويوقرونه‪ .‬لم يسجد في الجاهلية لصنم‬
‫قط‪ ،‬ولم يقترف فاحشة قط‪ ،‬فلم يشرب الخمر في الجاهلية‪.‬‬
‫‪ -2‬كان عثمان قد ناهز الرابعة والثلثين من عمره حين دعاه أبو‬
‫بكر الصديق إلى السلم‪ ،‬ولم يعرف عنه تلكؤ أو تلعثم‪ ،‬بل كان‬
‫سباقا أجاب على الفور دعوة الصديق‪ ،‬فكان بذلك من السابقين‬
‫الولين‪.‬‬
‫فرح المسلمون بإسلم عثمان فرحا شديدا‪ ،‬وتوثقت بينه وبينهم‬ ‫‪-3‬‬
‫عرى المحبة وأخوة اليمان‪ ،‬وأكرمه الله تعالى بالزواج من بنت‬
‫رسول الله × رقية‪.‬‬
‫إن سنة البتلء ماضية في الفراد والجماعات والشعوب والمم‬ ‫‪-4‬‬
‫والدول‪ ،‬وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام‪ ,‬وتحملوا‬
‫من البلء ما تنوء به الرواسي الشامخات‪ ،‬وبذلوا أموالهم‬
‫ودماءهم في سبيل الله‪ ،‬وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ‪،‬‬
‫ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا البتلء؛ فقد أوذي عثمان‬
‫وعذب في سبيل الله تعالى على يدي عمه الحكم بن أبي‬
‫العاص‪.‬‬
‫منذ اليوم الذي أسلم فيه عثمان لزم النبي × حيث كان‪ ،‬ولم‬ ‫‪-5‬‬
‫يفارقه إل للهجرة بإذنه أو في مهمة من المهام التي يندب لها‪،‬‬
‫ول يغني فيها أحد غناءه‪ ،‬شأنه في هذه الملزمة شأن الخلفاء‬
‫الراشدين جميعا‪ ،‬كأنما هي خاصة من خواصهم رشحهم لها ما‬
‫رشحهم بعد ذلك للخلفة متعاقبين‪.‬‬
‫‪ -6‬كان ذو النورين على صلة وثيقة بالدعوة الكبرى من سنتها‬
‫الولى‪ ،‬فلم يفته من أخبار النبوة الخاصة والعامة في حياة النبي‬
‫×‪ ،‬ولم يفته شيء بعدها من أخبار الخلفة في حياة الشيخين‪،‬‬
‫ولم يفته بعبارة أخرى شيء مما نسميه اليوم بأعمال التأسيس‬
‫في الدولة السلمية‪.‬‬
‫‪ -7‬كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عثمان بن عفان‪ ،‬وكل‬
‫الصحابة الكرام هو القرآن الكريم المنزل من عند رب العالمين‪.‬‬
‫إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان بن عفان وصقل‬ ‫‪-8‬‬
‫مواهبه‪ ،‬وفجر طاقته‪ ،‬وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله ×‬
‫وتتلمذه على يديه في مدرسة النبوة‪ ،‬ذلك أن عثمان ‪ ‬لزم‬
‫الرسول × في مكة بعد إسلمه‪ ،‬كما لزمه في المدينة بعد‬
‫هجرته؛ فقد نظم عثمان نفسه‪ ،‬وحرص على التلمذة في حلقات‬
‫مدرسة النبوة في فروع شتى من المعارف والعلوم على يدي‬
‫معلم البشرية وهاديها‪ ،‬والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫لم يكن عثمان بن عفان ‪ ‬ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه‬ ‫‪-9‬‬
‫أو هروب ينشده‪ ،‬كما يزعم أصحاب الهواء ممن طعن عليه‬
‫تغيبه عن بدر‪ ،‬فهو لم يقصد مخالفة الرسول ×؛ لن الفضل‬
‫الذي حازه أهل بدر في شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته‪،‬‬
‫وعثمان ‪ ‬خرج فيمن خرج مع رسول الله ×‪ ,‬فرده × للقيام‬
‫على ابنته‪ ،‬فكان في أجل فرض لطاعته لرسول الله وتخليفه‪،‬‬
‫وقد ضرب له بسهمه وأجره‪ ،‬فشاركهم في الغنيمة والفضل‬
‫والجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما‪.‬‬
‫في الحديبية ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان بعدة‬ ‫‪-10‬‬
‫أمور منها‪ :‬اختصاصه بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما‬
‫بايع الصحابة وعثمان غائب‪ ،‬واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله‬
‫× إلى من بمكة أسيًرا من المسلمين‪ ،‬وذكر شهادة النبي ×‬
‫لعثمان بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة‪.‬‬
‫قبل رسول الله × شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله‬ ‫‪-11‬‬
‫بن أبي السرح في فتح مكة‪.‬‬
‫من حياة عثمان الجتماعية في المدينة‪ :‬زواجه من أم‬ ‫‪-12‬‬
‫كلثوم بنت رسول الله × بعد وفاة رقية بنت رسول الله ×‪،‬‬
‫ووفاة عبد الله بن عثمان‪ ،‬ثم وفاة أم كلثوم رضي الله عنهما‪.‬‬
‫من مساهمته القتصادية في بناء الدولة‪ :‬شراء بئر رومة‬ ‫‪-13‬‬
‫بعشرين ألف درهم‪ ,‬وجعلها عثمان ‪ ‬للغني والفقير وابن‬
‫السبيل‪ ،‬وتوسعة المسجد النبوي‪ ،‬وإنفاقه الكثير على جيش‬
‫العسرة‪.‬‬
‫وردت أحاديث كثيرة في فضل عثمان ‪ ،‬منها ما ورد في‬ ‫‪-14‬‬
‫فضله مع غيره‪ ،‬ومنها ما ورد في فضله وحده‪ ،‬وقد أخبر رسول‬
‫الله × عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان‪.‬‬
‫كان عثمان ‪ ‬من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ‬ ‫‪-15‬‬
‫برأيهم في أمهات المسائل في عهد الصديق‪ ،‬فهو ثاني اثنين‬
‫في الحظوة عند الصديق؛ فعمر بن الخطاب للحزم والشدائد‪،‬‬
‫وعثمان للرفق والناة‪ ،‬وكان عثمان أمينها العام‪ ،‬وناموسها‬
‫العظم‪ ,‬وكاتبها الكبر‪.‬‬
‫‪ -16‬كان عثمان ذا مكانة عند عمر‪ ،‬فكانوا إذا أرادوا أن يسألوا عمر‬
‫عن شيء رموه بعثمان وبعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وكان عثمان‬
‫يسمى الرديف‪ ،‬والرديف بلسان العرب هو الذي يكون بعد‬
‫الرجل‪ ،‬والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيس‪،‬‬
‫وكانوا إذا لم يقدر هذان على عمل شيء ثلثوا بالعباس‪.‬‬
‫‪ -17‬من أفضل أعمال عبد الرحمن بن عوف عزله نفسه من المر‬
‫وقت الشورى‪ ،‬واختياره للمة من أشار به أهل الحل والعقد‪،‬‬
‫فنهض في ذلك أتم نهوض على جميع المة على عثمان‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -18‬هناك أباطيل شيعية وأكاذيب رافضية دست في التاريخ‬
‫السلمي في قصة الشورى‪ ،‬وتولية عثمان الخلفة‪ ،‬وقد تلقفها‬
‫المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها وتأثر بها الكثير من‬
‫المؤرخين والمفكرين والمحدثين‪ ،‬ولم يمحوا الروايات ويحققوا‬
‫في سندها ومتنها فانتشرت بين المسلمين‪.‬‬
‫جاءت الدلة الكثيرة التي تشير وتنبه إلى أحقية خلفة‬ ‫‪-19‬‬
‫عثمان ‪ ‬بالخلفة‪ ،‬ول نزاع عند المتمسكين بالكتاب والسنة‬
‫في ذلك‪ ,‬وقد أجمع أصحاب رسول الله × وكذا من جاء بعدهم‬
‫ممن سلك سبيلهم من أهل السنة والجماعة على أن عثمان بن‬
‫عفان ‪ ‬أحق الناس بخلفة النبوة بعد عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنهما‪.‬‬
‫عندما بويع عثمان ‪ ‬بالخلفة قام في الناس خطيبا‬ ‫‪-20‬‬
‫وأعلن عن نهجه السياسي‪ ،‬مبينا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة‬
‫وسيرة الشيخين‪ ،‬كما أنه أشار في خطبته إلى أنه سيسوس‬
‫الناس بالحلم والحكمة إل فيما استوجبوه من الحدود‪ ،‬وحذرهم‬
‫من الركون إلى الدنيا والفتتان بحطامها خوفا من التنافس‬
‫والتباغض والتحاسد بينهم‪ ،‬مما يفضي بالمة إلى الفرقة‬
‫والخلف‪.‬‬
‫إن شخصية ذي النورين تعتبر شخصية قيادية‪ ،‬وقد اتصف‬ ‫‪-21‬‬
‫‪ ‬بصفات القائد الرباني‪ ،‬من العلم والقدرة على التوجيه‬
‫والتعليم‪ ،‬والحلم‪ ،‬والسماحة‪ ,‬واللين‪ ,‬والعفو‪ ،‬والتواضع‪ ،‬والحياء‪،‬‬
‫والعفة‪ ،‬والكرم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والحزم‪ ،‬والصبر‪ ،‬والعدل‪ ،‬والعبادة‪،‬‬
‫والخوف‪ ،‬والبكاء‪ ،‬والمحاسبة‪ ،‬والزهد‪ ،‬والشكر‪ ،‬وتفقد أحوال‬
‫الناس‪ ،‬وتحديد الختصاصات والستفادة من أهل الكفاءات‪.‬‬
‫‪ -22‬إن معرفة صفات الخلفاء الراشدين‪ ،‬ومحاولة القتداء بهم‬
‫خطوة صحيحة لمعرفة صفات القادة الربانيين‪ ،‬الذين‬
‫يستطيعون أن يقودوا المة نحو أهدافها المرسومة بخطوات‬
‫ثابتة‪.‬‬
‫قامت سياسة عثمان المالية على السس العامة التالية‪:‬‬ ‫‪-23‬‬
‫تطبيق سياسة مالية عامة إسلمية‪ ،‬عدم إخلل الجباية بالرعاية‪،‬‬
‫أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين‪ ،‬وأخذ ما‬
‫على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق‪ ،‬وإعطائهم ما لهم‬
‫وعدم ظلمهم‪ ،‬وتخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء‪ ،‬وتفادي أي‬
‫انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة‪.‬‬
‫كانت النفقات في عهد عثمان تصرف على‪ :‬صرف‬ ‫‪-24‬‬
‫مرتبات الولة‪ ،‬ومرتبات الجند‪ ،‬وعلى أسطول بحري‪ ،‬وتحويل‬
‫الساحل من الشعيبة إلى جدة‪ ،‬وحفر البار‪ ,‬والنفاق على‬
‫المؤذنين‪ ،‬وغيرها من المور‪.‬‬
‫اتهم عثمان ‪ ‬من قبل الغوغاء والخوارج بإسرافه في‬ ‫‪-25‬‬

‫‪340‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫بيت المال وإعطائه أكثره لقاربه‪ ،‬وقد ساند هذا التهام حملة‬
‫دعائية باطلة قادها السبئيون وتلقفها الشيعة الروافض إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬وتسربت في كتب التاريخ‪ ،‬وتعامل المفكرون‬
‫والمؤرخون على كونها حقائق‪ ،‬وهي باطلة لم تثبت لنها‬
‫مختلقة‪.‬‬
‫‪ -26‬يعتبر عهد ذي النورين امتدادا للعهد الراشدي الذي تتجلى‬
‫أهميته بصلته بالعهد النبوي وقربه منه‪ ،‬فكان العهد الراشدي‬
‫عامة والجانب القضائي فيه خاصة امتدادا للقضاء في العهد‬
‫النبوي‪ ،‬مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في‬
‫العهد النبوي‪ ،‬وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه‪.‬‬
‫‪ -27‬كانت خطة عثمان في الفتوحات تتسم بالحسم والعزم‪ ،‬وتمثلت‬
‫في التي‪ :‬إخضاع المتمردين من الفرس والروم‪ ،‬وإعادة‬
‫سلطان السلم إلى هذه البلد‪ ،‬واستمرار الجهاد والفتوحات‬
‫فيما وراء هذه البلد لقطع المدد عنهم‪ ،‬وإقامة قواعد ثابتة‬
‫يرابط فيها المسلمون لحماية البلد السلمية‪ ،‬وإنشاء قوة‬
‫بحرية عسكرية لفتقار الجيش السلمي إلى ذلك‪.‬‬
‫كانت معسكرات السلم ومسالحه)‪ (1‬في عهد عثمان هي‬ ‫‪-28‬‬
‫عواصم أقطاره الكبرى‪ ،‬فمعسكر العراق في الكوفة والبصرة‪،‬‬
‫ومعسكر الشام في دمشق بعد أن خلص الشام كله لمعاوية بن‬
‫أبي سفيان‪ ،‬ومعسكر مصر وكان مركزه الفسطاط‪ ,‬وكانت هذه‬
‫المعسكرات تقوم بحماية دولة السلم ومواصلة الفتوحات‬
‫ونشر السلم‪.‬‬
‫‪ -29‬من أشهر قادة الفتوحات في عهد عثمان ‪ :‬الحنف بن‬
‫قيس‪ ،‬وسليمان بن ربيعة‪ ،‬وعبد الرحمن بن ربيعة‪ ،‬وحبيب بن‬
‫مسلمة‪.‬‬
‫‪ -30‬كانت معركة ذات الصواري من مظاهر تفوق العقيدة الصحيحة‬
‫دد‪ ،‬فلقد‬
‫دد والعُ َ‬
‫الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العَ َ‬
‫كان الروم هم أهل البحر منذ القدم‪ ،‬وقد مروا بتجارب طويلة‬
‫في الحروب البحرية‪ ،‬بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب‬
‫البحر والقتال البحري‪.‬‬
‫‪ -31‬من أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان بن‬
‫عفان ‪ ‬تحقق وعد الله بالنصر والتمكين للمؤمنين‪ ،‬التطور في‬
‫فنون الحرب والسياسة‪ ،‬ركوب المسلمين البحر‪ ،‬جمع‬
‫المعلومات عن العداء‪ ،‬الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة‬
‫العدو‪.‬‬
‫‪ -32‬يظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان ‪ ‬مدى فهم‬
‫الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬ليات النهي عن الختلف؛ حيث إن‬
‫الله نهى عن الختلف وحذر منه‪ ،‬فلعمق فهمهم لهذه اليات‬
‫ارتعد حذيفة ‪ ‬عندما سمع بوادر الختلف في قراءة القرآن‪،‬‬
‫)( مسالحه‪ :‬ثغوره‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪341‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فرحل فورا إلى المدينة النبوية‪ ,‬وأخبر عثمان ‪ ‬بما رأى وبما‬
‫سمع‪ ،‬وفي مدة قصيرة حسم عثمان المر وأغلق باب الخلف‪.‬‬
‫‪ -33‬إن الخذ بالسباب نحو تأليف المسلمين وتوحيد صفهم من‬
‫أعظم الجهاد‪ ،‬وهذه الخطوة مهمة في إعزاز المسلمين وإقامة‬
‫دولتهم وتحكيم شرع ربهم‪ ،‬وهذا من فقه الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫ويتجلى في أبهى صورة في جمع عثمان ‪ ‬للمة على مصحف‬
‫واحد‪.‬‬
‫‪ -34‬كانت أقاليم الدولة السلمية في عهد عثمان ‪ ‬تضم كل ً من‪:‬‬
‫مكة‪ ،‬والمدينة‪ ,‬والبحرين‪ ,‬واليمامة‪ ،‬واليمن‪ ،‬وحضرموت‪ ،‬والشام‪،‬‬
‫وأرمينية‪ ،‬ومصر‪ ،‬والبصرة والكوفة‪.‬‬
‫‪ -35‬اتخذ عثمان ‪ ‬أساليب متنوعة لمراقبة عماله والطلع‬
‫على أخبارهم‪ ،‬منها‪ :‬حضوره لموسم الحج‪ ،‬سؤال القادمين من‬
‫المصار والوليات‪ ،‬إرسال المفتشين إلى الوليات‪ ،‬استقدام‬
‫الولة وسؤالهم‪ ،‬وغير ذلك من الساليب‪.‬‬
‫‪ -36‬من حقوق الولة في العهد الراشدي‪ :‬الطاعة في غير معصية‬
‫الله‪ ،‬بذل النصيحة للولة‪ ،‬إيصال الخبار الصحيحة إليهم‪،‬‬
‫احترامهم بعد عزلهم‪ ،‬وإعطاؤهم مرتباتهم‪.‬‬
‫‪ -37‬من واجبات الولة في العهد الراشدي‪ :‬إقامة أمور الدين‪ ،‬تأمين‬
‫الناس في بلدهم‪ ،‬الجهاد في سبيل الله‪ ،‬بذل الجهد في تأمين‬
‫الرزاق للناس‪ ،‬تعيين العمال والموظفين‪ ،‬رعاية أهل الذمة‪،‬‬
‫مشاورة أهل الرأي في وليتهم‪ ،‬النظر في حاجة الولية‬
‫العمرانية‪ ،‬مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية‪.‬‬
‫‪ -38‬إن عثمان خليفة راشد يقتدى به‪ ،‬وأفعاله تشكل سوابق‬
‫دستورية في هذه المة‪ ،‬فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج‬
‫عن تقريب القربين‪ ,‬فكان عثمان سن لمن بعده تقريب‬
‫القربين إذا كانوا في كفاءتهم الدارية‪ ،‬وكل ما أنكر على عثمان‬
‫ل يخرج من دائرة المباح‪.‬‬
‫‪ -39‬إن الولة الذين ولهم عثمان ‪ ‬من أقاربه قد أثبتوا الكفاية‬
‫والمقدرة في إدارة شئون ولياتهم‪ ،‬وفتح الله على أيديهم الكثير‬
‫من البلدان‪ ,‬وساروا في الرعية سيرة العدل والحسان‪ ،‬ومنهم‬
‫من تقلد مهام الولية في عهد الصديق والفاروق رضي الله‬
‫عنهما‪.‬‬
‫‪ -40‬إن الذي يرجع إلى الصحيح المحض من وقائع التاريخ‪ ،‬ويتتبع‬
‫سيرة الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين عثمان‪ ،‬وما كان‬
‫لجهادهم من جميل الثر في تاريخ الدعوة السلمية‪ ،‬بل ما كان‬
‫لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء المة وسعادتها‪ ،‬فإنه‬
‫ل يستطيع أن يمنع نفسه من الجهر بالعجاب والفخر كلما أمعن‬
‫في دراسة ذلك الدور من أدوار التاريخ السلمي‪.‬‬
‫إن عثمان ‪ ‬لم يسلم من كثير من الباحثين في كتاباتهم‬ ‫‪-41‬‬
‫‪342‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫غير المنصفة وغير المحققة عن عهد عثمان‪ ،‬فقد تورط الكثير‬
‫منهم في الروايات الضعيفة والرافضية‪ ،‬وبنوا أحكاما باطلة‬
‫وجائرة في حق عثمان‪ ،‬مثل طه حسين في كتابه )الفتنة‬
‫الكبرى(‪ ،‬وراضي عبد الرحيم في كتابه )النظم السلمية(‪،‬‬
‫ومحمد الريس في كتابه )النظريات السياسية(‪ ،‬وعلي حسين‬
‫الخربوطلي في كتابه )السلم والخلفة(‪ ،‬وأبي العلى‬
‫المودودي في كتابه )الملك والخلفة(‪ ،‬وسيد قطب في كتابه‬
‫)العدالة الجتماعية( وغيرهم‪ ،‬لقد كان عثمان ‪ ‬بحق الخليفة‬
‫المظلوم الذي افترى عليه خصومه الولون ولم ينصفه‬
‫المتأخرون‪.‬‬
‫‪ -42‬إن الحقيقة التاريخية تقول‪ :‬إن عثمان ‪ ‬لم ين ِ‬
‫ف أبا ذر ‪،‬‬
‫إنما استأذن فأذن له‪ ،‬ولكن أعداء عثمان ‪ ‬كانوا يشيعون عليه‬
‫بأنه نفاه‪.‬‬
‫‪ -43‬إن أبا ذر ‪ ‬لم يتأثر ل من قريب ول من بعيد بآراء عبد الله‬
‫بن سبأ اليهودي‪ ،‬وقد أقام بالربذة حتى توفي ولم يحضر شيئا‬
‫مما وقع من الفتن‪.‬‬
‫‪ -44‬من أسباب فتنة مقتل عثمان ‪ ‬أمور عدة‪ ،‬منها‪ :‬الرخاء‬
‫وأثره في المجتمع‪ ،‬طبيعة التحول الجتماعي في عهد عثمان‬
‫‪ ،‬مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما‪ ،‬وخروج كبار‬
‫الصحابة من المدينة‪ ،‬العصبية الجاهلية‪ ،‬توقف الفتوحات‪ ،‬الورع‬
‫الجاهل‪ ،‬طموح الطامحين‪ ،‬تآمر الحاقدين‪ ،‬التدبير المحكم لثارة‬
‫المآخذ ضد عثمان‪ ،‬استخدام الساليب والوسائل المهيجة‬
‫للناس‪ ،‬دور عبد الله بن سبأ في الفتنة‪.‬‬
‫‪ -45‬كانت بداية اشتعال الفتنة بالكوفة‪ ،‬وقد تم نفي رجالها إلى‬
‫الشام‪ ,‬ثم استقر أمرهم عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‬
‫بالجزيرة‪ ،‬ثم رجعوا إلى الكوفة بعد مكاتبة يزيد بن قيس لهم‬
‫بالمجيء للكوفة‪.‬‬
‫‪ -46‬كانت سياسة عثمان ‪ ‬في التعامل مع الفتنة قائمة على‬
‫الحلم والتأني والعدل‪ ،‬وقد اتخذ عدة أساليب لمواجهتها‪ ,‬منها‪:‬‬
‫إرسال لجان تفتيش وتحقيق‪ ،‬كتب إلى أهل المصار كتابا شامل‬
‫بمثابة إعلن عام لكل المسلمين‪ ،‬مشورة عثمان لولة المصار‪،‬‬
‫إقامة الحجة على المتمردين‪ ،‬الستجابة لبعض مطالبهم‪.‬‬
‫‪ -47‬إن المتأمل في هدي عثمان ‪ ‬في تعامله مع الفتنة التي‬
‫وقعت في عهده يمكنه أن يستنبط بعض الضوابط التي تعين‬
‫المسلم على مواجهة الفتن‪ ،‬ومن هذه الضوابط‪ :‬التثبت‪ ,‬لزوم‬
‫العدل والنصاف‪ ،‬الحلم والناة‪ ،‬الحرص على ما ينفع ونبذ ما‬
‫يفرق بين المسلمين‪ ،‬لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم‪،‬‬
‫استشارة العلماء الربانيين‪ ،‬السترشاد بأحاديث رسول الله ×‬
‫في الفتن‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫‪ -48‬يظهر للباحثين أن هناك أسبابا دعت عثمان إلى منع‬


‫الصحابة من القتال‪ ،‬وهي‪ :‬العمل بوصية الرسول × التي ساّره‬
‫بها ‪ ‬يوم الدار‪ ،‬وأنها عَهْد ٌ عَِهد به إليه‪ ،‬وأنه صابر نفسه عليه‪،‬‬
‫كره أن يكون أول من خلف رسول الله × في أمته بسفك دماء‬
‫ره أن يتوقى‬ ‫المسلمين‪ ،‬علما بأن البغاة ل يريدون غيره فك َ ِ‬
‫بالمؤمنين‪ ،‬وأحب أن يقيهم بنفسه‪ ،‬علمه بأن هذه الفتنة فيها‬
‫قتله‪ ،‬وذلك فيما أخبره بها رسول الله × عند تبشيره إياه بالجنة‬
‫على بلوى تصيبه‪ ،‬وأنه سيقتل مصطبرا بالحق معطيه في فتنة‪،‬‬
‫العمل بمشورة ابن سلم ‪ ‬له إذ قال له‪ :‬الكف الكف‪ ،‬فإنه‬
‫أبلغ لك في الحجة‪.‬‬
‫‪ -49‬إن قاتل عثمان ‪ ‬رجل مصري‪ ،‬لم تفصح الروايات عن‬
‫اسمه‪ ،‬وأما ما يتعلق بتهمة محمد بن أبي بكر بقتل عثمان‬
‫بمشاقصه فهذا باطل والروايات بذلك ضعيفة‪ ،‬كما أن متونها‬
‫شاذة لمخالفتها للرواية الصحيحة التي تبين أن القاتل هو رجل‬
‫مصري‪.‬‬
‫‪ -50‬إن الصحابة جميعا ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬أبرياء من دم عثمان‬
‫‪ ،‬وقد صحت الخبار وأكدت حوادث التاريخ براءة الصحابة من‬
‫التحريض على عثمان أو المشاركة في الفتنة ضده‪ ،‬كما أوردنا‬
‫ذلك بالروايات الصحيحة‪.‬‬
‫‪ -51‬إن عثمان كان متيقظا ولم تنطل عليه المؤامرة ول أهدافها‪،‬‬
‫بل استطاع أن يخترق صفوف المتمردين وكشف مخططهم‬
‫كامل‪ ،‬وواجه الحداث بشجاعة فائقة‪ ،‬وكره أن يكون أول من‬
‫يسل السيف في المسلمين‪ ،‬وآثر أن يفدي المة بنفسه‪ ,‬وهذه‬
‫قمة التفدية واليثار‪.‬‬
‫‪ -52‬كانت فتنة مقتل عثمان سببا في حدوث كثير من الفتن الخرى‪،‬‬
‫وألقت بظللها على أحداث الفتن التي تليها‪ ،‬فتغيرت قلوب‬
‫الناس‪ ،‬وظهر الكذب وبدأ الخط البياني للنحراف عن السلم‬
‫في عقيدته وشريعته‪.‬‬
‫‪ -53‬إن الظلم والعتداء على الخرين بغير حق من أسباب‬
‫قَرى‬‫ك ال ْ ُ‬‫وت ِل ْ َ‬
‫والخرة كما ْقال تعالى‪َ + :‬‬ ‫َالهلك في الدنيا‬
‫دا" ]الكهف‪:‬‬ ‫ع ً‬
‫و ِ‬‫ّ ْ‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ه‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫موا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ما‬‫م لَ ّ‬ ‫هل َك َْنا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ِ‬
‫‪ .[59‬وإن المتتبع لحوال أولئك الخارجين على عثمان ‪‬‬
‫المعتدين عليه يجد أن الله تعالى لم يمهلهم بل أذلهم وأخزاهم‬
‫ج منهم أحد‪.‬‬ ‫وانتقم منهم‪ ،‬فلم ين ُ‬
‫‪ -54‬كان وقع المصيبة على نفوس المسلمين كبي ً‬
‫را‪ ،‬فذهلت‬
‫عقولهم وجللهم الحزن‪ ،‬وفاضت مآقيهم بالدموع‪ ،‬ولهجت ألسنتهم‬
‫بالثناء على عثمان والترحم عليه‪ ،‬وقام حسان بن ثابت ‪ ‬يرثي‬
‫أمير المؤمنين ويكثر التفجع لمقتله‪ ،‬ويهجو قاتليه بقصائد مبكية‬
‫حزينة‪ ،‬وحفظها لنا التاريخ ولم تهملها الليالي‪ ،‬ولم تفصلها عنا‬
‫حواجز الزمن ول أسوار القرون‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫‪ -55‬وبعد‪ ..‬فهذا ما يسره الله لي من جمع وترتيب وتحليل‬


‫تضمنتها فصول هذا الكتاب )عثمان بن عفان ‪ ‬شخصيته‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫عل‬ ‫وعصره(‪ ،‬فما كان فيه من صواب فهو محض فضل الله‬
‫فله الحمد والمنة‪ ،‬وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله تعالى‬
‫وأتوب إليه‪ ،‬والله ورسوله بريء منه‪ ،‬وحسبي أني كنت حريصا‬
‫على بيان الحقائق والبراهين والدلة التي تبين حقيقة الخليفة‬
‫الراشد عثمان بن عفان ‪ ،‬وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا‬
‫الكتاب إخواني المسلمين‪ ،‬وأن يذكرني من يقرأه في دعائه؛‬
‫فإن دعوة الخ لخيه في ظهر الغيب مستجابة إن شاء الله‬
‫من‬ ‫ءوا ِ‬ ‫جا ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬‫تعالى‪ .‬وأختم ُهذا الكتاب بقوله َ تعالى‪َ + :‬‬
‫قوَنا‬ ‫سب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وان َِنا ال ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ول ِ ْ‬‫فْر لَنا َ‬ ‫ن َرب َّنا ا ْ‬
‫غ ِ‬ ‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ه ْ‬ ‫د ِ‬‫ع ِ‬‫بَ ْ‬
‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫غل ّ ل ّل ّ ِ‬ ‫قُلوب َِنا ِ‬
‫في ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫لي‬
‫ِبا ِ‬
‫م" ]الحشر‪.[10 :‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف ّر ِ‬‫ؤو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫وبقول الشاعر‪:‬‬
‫ل من ل عيب فيه وعل‬ ‫ج ّ‬‫َ‬ ‫خَلل‬‫إن تجد عيبا فسد ال ْ َ‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫أبعد الخير على أهل الكسل‬ ‫اطلب العلم ول تكسل فما‬
‫ول‬
‫ح َ‬
‫تشتغل عنه بمال و َ‬ ‫احتفل للفقه في الدين ول‬
‫يعرف المطلوب يحقر ما بذل‬ ‫صله فمن‬
‫واهجر النوم وح ّ‬
‫كل من سار على الدرب وصل‬ ‫ل تقل قد ذهبت أربابه‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫كتبه الفقير إلى عفو ربه ومغفرته‬
‫ورحمته ورضوانه‬
‫علي محمد محمد الصلبي‬
‫‪ 8‬ربيع الثاني ‪1423‬هـ‬
‫‪18/6/2002‬م‬

‫‪345‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫)‪(1‬‬
‫تعريف بعض المناطق التي ذكرت في البحث‬
‫‪ -1‬طبرستان‪ :‬منطقة تقع جنوب بحر قزوين‪ ،‬عاصمتها مدينة‬
‫همدان‪ ،‬جاء اسمها من جمع كلمة طبر التي تعني في اللغة‬
‫الفارسية الفأس‪ ،‬مع زنان التي تعني النساء‪.‬‬
‫‪ -2‬أذربيجان‪ :‬أصل الكلمة أتروباتن‪ ،‬التي تعني أرض النار‪ ،‬تقع هذه‬
‫المنطقة غرب بحر قزوين‪ ،‬عاصمتها مدينة أردبيل‪.‬‬
‫أرمينيا‪ :‬صقع كبير يقع شرق آسيا الصغرى جنوب البحر السود‪ ،‬جاءت‬ ‫‪-3‬‬
‫تسميتها من سكانها الرمن‪ ،‬وهم قبائل هندوأوربية‪ ،‬اعتنقوا النصرانية‬
‫في بداية القرن الرابع الميلدي‪ ،‬بعد ذلك تحولوا إلى المذهب‬
‫المنوفيستي )أصحاب الطبيعة الواحدة للسيد المسيح عليه السلم(‪،‬‬
‫كان سكانها قد قاوموا الفتح السلمي لبلدهم وبقوا محافظين على‬
‫ديانتهم النصرانية‪.‬‬
‫‪ -4‬طخارستان‪ :‬إقليم يقع جنوب غرب بلد ما وراء النهر عاصمتها‬
‫بلخ‪ ،‬تقع غالبية أراضيها حاليا ضمن أفغانستان‪ ،‬أهم مراكزها‬
‫اليوم قندز وخوست‪.‬‬
‫‪ -5‬خراسان‪ :‬معناها مشرق الشمس‪ ،‬تقع شرق الهضبة اليرانية‪،‬‬
‫عاصمتها مرو‪.‬‬
‫سجستان‪ :‬منطقة تقع جنوب إقليم خراسان عاصمتها بست‪ ،‬جاء‬ ‫‪-6‬‬
‫اسمها من سكنة قوم فيها يدعون بالساكا )السكيثيين(‪ ،‬أما الترجمة‬
‫الحرفية لها فتعني أرض الكلب‪ ،‬على أساس أن سلك تعني الكلب‬
‫في اللغة الفارسية‪ ،‬واستان المنطقة‪ ،‬وحاليا تدعى سيستان‪.‬‬
‫‪ -7‬بلد ما وراء النهر‪ :‬وهي الراضي الواقعة ما بين نهري جيحون‬
‫)آموداريا( وسيحون )سرداريا(‪ ،‬ومن مدنها بخارى وسمرقند‬
‫وطشقند‪ ،‬وحاليا تقع ضمن جمهوريات تركمنستان‪،‬‬
‫وأوزبيكستان‪ ،‬وطاجيكستان‪.‬‬
‫‪ -8‬جرجان‪ :‬إقليم يقع شرق بحر قزوين‪ ،‬وكان اسمها سابقا إقليم‬
‫باكتريا؛ حيث بشر فيه زرادشت بدعوته‪.‬‬
‫‪ -9‬خوزستان‪ :‬إقليم يقع جنوب غرب الهضبة اليرانية‪ ،‬يحادد العراق‬
‫العربي‪ ،‬قصبتها الهواز‪ ،‬أطلق عليها العرب اسم إقليم‬
‫عربستان‪ ،‬سيطر عليه الشاه رضا بهلوي سنة ‪1925‬م‪ ،‬بعد أن‬
‫اعتقل حاكمها العربي الشيخ خزعل الكعبي‪ ،‬وهي مشهورة‬
‫بالنفط‪.‬‬
‫***‬

‫)( التعريف بهذه المناطق قام بها الدكتور فرست مرعي الدهوكي جزاه الله‬ ‫‪1‬‬

‫خيرا‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -1‬أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬إبراهيم شعوط‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪ -2‬أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز نور ولي‪ ،‬دار‬
‫الخضيري‪ ،‬المدينة‪.‬‬
‫‪ -3‬أحداث وأحاديث الفتن الولى‪ ،‬عبد العزيز صغير دخان‪ ،‬تحت الطبع‪.‬‬
‫‪ -4‬الحكام السلطانية‪ ،‬أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -5‬أدب صدر السلم‪ ،‬واضح الصمد‪.‬‬
‫‪ -6‬الدب في السلم في عهد النبوة وخلفة الراشدين‪ ،‬د‪ .‬نايف‬
‫معروف‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الولى‪1410 ،‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬الساس في السنة وفقهها السيرة النبوية‪ ،‬سعيد حوى‪ ،‬دار السلم‪،‬‬
‫‪1989 – 1409‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ ،‬عز الدين بن الثير‪ ،‬أبي الحسن بن‬
‫علي بن محمد الجزري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪1417 ،‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬أشهر مشاهير السلم‪ ،‬رفيق العظم‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪1403 ،‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬أصول السماعيلية‪ ،‬لويس بارنارد‪ ،‬ترجمه إلى العربية خليل أحمد‬
‫جلو‪ ،‬جاسم محمد الرجب‪ ،‬بغداد‪ ،‬مكتبة المثنى‪1367 ،‬هـ ‪1947 -‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬أصول مذهب الشيعة المامية‪ ،‬ناصر بن عبد الله الغفاري‪ ،‬دار الرضا‬
‫للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -12‬أضواء البيان في تاريخ القرآن‪ ،‬صابر حسن محمد أبو سليمان‪ ،‬دار‬
‫عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ -13‬أعلم المسلمين لخالد البيطار‪.‬‬
‫الكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله × والثلثة الخلفاء‪،‬‬ ‫‪-14‬‬
‫لبي الربيع سليمان بن موسى الكلعي الندلسي‪ ،‬عالم الكتب‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪1417 ،‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬الموال لبي عبيد‪.‬‬
‫‪ -16‬أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الميلد إلى الستشهاد‪ ،‬د‪.‬‬
‫أحمد السيد يعقوب يوسف الرفاعي‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -17‬المين ذو النورين‪ ،‬محمود شاكر‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -18‬النساب‪ ،‬أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي‪ ،‬تحقيق‬
‫عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني‪ ،‬بيروت‪ ،‬الناشر محمد أمين‬
‫دمج‪.‬‬
‫‪ -19‬أوليات الفاروق‪ ،‬د‪ .‬غالب عبد الكافي القرشي‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬مكتبة الحرمين‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى‪1403 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬البانة في أصول الديانة‪ ،‬لبي الحسن الشعري‪ ،‬طبعة الجامعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫‪ -21‬التقان للسيوطي‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪1407 ،‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -22‬إتمام الوفاء في سيرة الخفاء‪ ،‬محمد الخضري‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬الدارة العسكرية في الدولة السلمية‪ ،‬نشأتها وتطورها‪ ،‬الدكتور‬
‫سليمان بن صالح بن سليمان آل كمال‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬معهد‬
‫البحوث وإحياء التراث‪.‬‬
‫‪ -24‬إرشاد العباد للستعداد ليوم المعاد‪ ،‬عبد العزيز المحمد السلمان‪،‬‬
‫مطابع الخالد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -25‬الصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -26‬النشراح ورفع الضيق بسيرة أبي بكر الصديق‪ ،‬د‪ .‬علي محمد‬
‫الصلبي‪ ،‬مكتبة الصحابة‪ ،‬الشارقة‪ ،‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬الجتهاد في الفقه السلمي‪ ،‬عبد السلم السليماني‪ ،‬وزارة الوقاف‬
‫والشئون السلمية بالمغرب‪ ،‬طبعة ‪1417‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ‬
‫الطبري‪ ..‬دراسة نقدية‪ ،‬د‪ .‬خالد بن محمد الغيث‪ ،‬دار الندلس‬
‫الخضراء‪ ،‬جدة‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -29‬الستيعاب في معرفة الصحاب‪ ،‬لبي عمر يوسف بن عبد الله بن‬
‫عبد البر‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الولى‪1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬العتصام‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي‪.‬‬
‫‪ -31‬اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم‪ ،‬لتقي الدين ابن‬
‫تيمية‪ ،‬تحقيق د‪ .‬ناصر العقل‪ ،‬طبع مطابع العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬البحرين في صدر السلم وأثرها في حركة الخوارج‪ ،‬عبد الرحمن‬
‫عبد الكريم النجم‪ ،‬دار الحرية‪ ،‬بغداد‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬البداية والنهاية‪ ،‬أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي‪ ،‬دار الريان‪.‬‬
‫‪ -34‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر‪ ،‬دار الخانجي‬
‫بمصر‪.‬‬
‫تاريخ الدعوة السلمية في زمن الرسول والخلفاء الراشدين‪،‬‬ ‫‪-35‬‬
‫د‪ .‬جميل عبد الله المصري‪ ،‬الطبعة الولى‪1407 ،‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ -36‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى‪1419 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -37‬تاريخ المم والملوك لبي جعفر الطبري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ -38‬تاريخ السلم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد بن أحمد بن عثمان‬
‫الذهبي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الولى‪1407 ،‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ -39‬التاريخ السلمي مواقف وعبر‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز عبد الله الحميدي‪ ،‬دار‬
‫الدعوة‪ ،‬السكندرية‪ ،‬دار الندلس الخضراء‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1418‬هـ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬تاريخ التشريع السلمي‪ ،‬محمد الخضري‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪،‬‬
‫مطبعة السعادة‪ ،‬الطبعة السادسة‪1373 ،‬هـ‪1954 -‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬تاريخ الجدل‪ ،‬محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1934‬م‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫تاريخ العرب الدبي في الجاهلية وصدر السلم‪ ،‬نكلسن‪،‬‬ ‫‪-42‬‬


‫رينولد‪ ،‬ترجمة صفاء خلوصي‪ ,‬بغداد‪ ،‬مطبعة المعارف ‪1388‬هـ‪-‬‬
‫‪1969‬م‪.‬‬
‫تاريخ القضاء في السلم‪ ،‬د‪ .‬محمد الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪-43‬‬
‫دمشق‪ ,‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الولى‪1415 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬تاريخ القضاعي‪ ،‬كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلئف للمام‬
‫القاضي محمد بن سلمة بن جعفر الشافعي‪ ،‬مطبوعات جامعة أم‬
‫القرى‪.‬‬
‫‪ -45‬تاريخ المدينة‪ ،‬أبو زيد بن شبه النميري البصري‪ ،‬تحقيق محمود‬
‫شلتوت‪ ،‬نشر السيد حبيب محمود أحمد‪ ،‬المدينة‪1393 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -46‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنشر‪ ،‬طبعة ‪1400‬هـ‪-‬‬
‫‪1980‬م‪.‬‬
‫تاريخ اليمن السياسي في العصر السلمي‪ ،‬حسن سليمان‬ ‫‪-47‬‬
‫محمود‪ ,‬بغداد ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬أبو عمر خليفة بن خياط بن أبي هبيرة الليثي‪،‬‬
‫تحقيق أكرم ضياء العمري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ودار القلم‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1397‬م‪.‬‬
‫تاريخ دمشق‪ ،‬ابن عساكر‪ ،‬ترجمة عثمان ‪ ،‬تحقيق سكينة‬ ‫‪-49‬‬
‫الشهابي‪ ،‬نشر المجلس العلمي بدمشق‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم‪ ،‬على‬
‫الصلبي‪ ،‬دار الصحابة‪ ،‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -51‬التبيين في أنساب القرشيين‪ ،‬موفق الدين أبي محمد عبد الله بن‬
‫أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي‪ ،‬حققه محمد نايف الدليمي‪،‬‬
‫عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ -52‬تجريد أسماء الصحابة‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان‬
‫الذهبي‪ ،‬تصحيح صالحة عبد الحكيم شرف الدين‪ ،‬طبعة شرف الدين‬
‫الكتبي وأولده‪ ،‬بومباي‪ ،‬الهند‪1389 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -53‬تحفة الحوذي بشرح سنن الترمذي‪ ،‬محمد عبد الرحمن‬
‫المباركفوري‪ ،‬تصحيح عبد الرحمن محمد عثمان‪ ،‬مطبعة العتماد‪،‬‬
‫نشر محمد عبد المحسن الكتبي‪.‬‬
‫‪ -54‬تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين‪،‬‬
‫تأليف د‪ .‬محمد أمحزون‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬مكتبة الكوثر‪ ،‬الرياض ‪1415‬هـ‪-‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -55‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -56‬التربية القيادية‪ ،‬منير الغضبان‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬المنصورة‪ ،‬مصر ‪1418‬هـ‬
‫‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -57‬تفسير القرطبي‪ ،‬لبي عبد الله محمد بن أحمد النصار‪ ،‬القرطبي‪،‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪1965‬م‪.‬‬
‫‪ -58‬التفوق والنجابة على نهج الصحابة‪ ،‬حمد بن بيله بن مرهان العجمي‪،‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى‪.‬‬
‫‪ -59‬تقريب التهذيب‪ ،‬لبن حجر‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬محمد بن يحيى بن أبي بكر‬ ‫‪-60‬‬
‫المالقي الندلسي‪ ،‬حققه د‪ .‬محمود يوسف زايد‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫الدوحة‪ ،‬الطبعة الولى‪1405 ،‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫التنظيمات الجتماعية والقتصادية في البصرة في القرن الول‬ ‫‪-61‬‬
‫الهجري‪ ،‬صالح العلي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪1969‬م‪.‬‬
‫تهذيب ابن عساكر‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1407 ،‬هـ‪-‬‬ ‫‪-62‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-63‬‬
‫جامع العلوم والحكم لبن رجب الحنبلي‪ ،‬مكتبة طيبة‪ ،‬المدينة‬ ‫‪-64‬‬
‫المنورة‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1410 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬
‫الجرح والتعديل‪ ،‬أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪-65‬‬
‫مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد‪ ،‬الدكن‪ ،‬الهند‪1372 ،‬هـ‪.‬‬
‫جمهرة أنساب العرب‪ ،‬علي بن أحمد بن حزم الندلسي‪ ،‬تحقيق عبد‬ ‫‪-66‬‬
‫السلم هارون‪ ،‬القاهرة‪1382 ،‬هـ‪.‬‬
‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬محمد السيد الوكيل‪،‬‬ ‫‪-67‬‬
‫دار المجتمع‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1416 ،‬هـ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫حذيفة بن اليمان‪ ،‬إبراهيم العلي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1417 ،‬هـ‪-‬‬ ‫‪-68‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫حروب السلم في الشام في عهود الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد أحمد‬ ‫‪-69‬‬
‫باشميل‪ ،‬الطبعة الولى‪1400 ،‬هـ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫حروب الردة وبناء الدولة السلمية‪ ،‬أحمد سعيد بن سالم‪ ،‬دار‬ ‫‪-70‬‬
‫المنار‪.‬‬
‫الحضارة العربية في السلم‪ ،‬د‪ .‬واضح الصمد‪ ،‬المؤسسة الحديثة‬ ‫‪-71‬‬
‫للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫حقبة من التاريخ‪ ،‬عثمان الخميس‪ ،‬دار اليمان‪ ،‬السكندرية‪.‬‬ ‫‪-72‬‬
‫الحكمة في الدعوة إلى الله‪ ،‬سعيد القحطاني‪ ،‬مؤسسة الجريسي‪،‬‬ ‫‪-73‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫حلية الولياء وطبقات الصفياء‪ ،‬لبي نعيم أحمد بن عبد الله‬ ‫‪-74‬‬
‫الصفهاني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫الخراج لبي يوسف‪ ،‬منشورات مكتبة الرياض الحديثة‪ ،‬بدون تاريخ‬ ‫‪-75‬‬
‫الطبع‪.‬‬
‫الخراج وصناعة الكتابة‪ ،‬أبو الفتوح قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد‬ ‫‪-76‬‬
‫البغدادي‪ ،‬شرح وتحقيق د‪ .‬محمد حسين الزبيدي‪ ،‬دار الرشيد‪،‬‬
‫بغداد‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫الخلفة الراشدة والدولة الموية من فتح الباري‪ ،‬يحيى بن إبراهيم‬ ‫‪-77‬‬
‫اليحيى‪ ،‬دار الهجرة‪.‬‬
‫الخلفة بين التنظير والتطبيق‪ ،‬محمود المرداوي‪1403 ،‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬ ‫‪-78‬‬
‫خلفة عثمان بن عفان‪ ،‬د‪ .‬محمد بن صامل السلمي‪ ،‬مكتبة سالم‪،‬‬ ‫‪-79‬‬
‫العزيزية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬الطبعة الولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫الخلفة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية‪ ،‬المستشار‬ ‫‪-80‬‬
‫سالم البهنساوي‪ ،‬مكتبة المنار السلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1418 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -81‬الخلفاء الراشدون أعمال وأحداث‪ ،‬د‪ .‬أمين القضاة‪ ،‬دار الفرقان‪،‬‬
‫الردن‪.‬‬
‫‪ -82‬الخلفاء الراشدون بين الستخلف والستشهاد‪ ،‬صلح عبد الفتاح‬
‫الخالدي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1416‬هـ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ -83‬الخلفاء الراشدون‪ ،‬حسن أيوب‪ ،‬دار التوزيع والنشر السلمية‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫الخلفاء الراشدون‪ ,‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪-84‬‬
‫لبنان‪1406 .‬هـ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -85‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب‪ ،‬عبد الرحمن عبد الكريم العاني‪،‬‬
‫د‪ .‬حسن فاضل زغين‪ ،‬دار الشئون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬طبعة‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫الخوارج والشيعة‪ ،‬يوليوس فلهاوزن‪.‬‬ ‫‪-86‬‬
‫‪ -87‬دراسات في الهواء والفرق والبدع‪ ،‬وموقف السلف منها‪ ،‬د‪ .‬ناصر‬
‫بن عبد الكريم‪ ،‬مركز دار إشبليا‪ ،‬الطبعة الولى‪1418 ،‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -88‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن الشجاع‪،‬‬
‫الطبعة الولى‪1419 ،‬هـ‪1999 -‬م‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬صنعاء‪.‬‬
‫‪ -89‬الدراهم المضروبة على الطراز الساساني للخلفاء الراشدين في‬
‫المتحف العراقي‪ ،‬مجلة المسكوكات‪ ،‬مديرية الثار العامة بغداد‪،‬‬
‫‪1969‬م‪ ،‬وداد على القزاز‪.‬‬
‫‪ -90‬دماء على قميص عثمان بن عفان‪ ،‬دار البشير‪1421 ،‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -91‬الدوحة النبوية‪ ،‬د‪ .‬فاروق حمادة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1420 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫دور المرأة السياسي في عهد النبي × والخلفاء الراشدين‪،‬‬ ‫‪-92‬‬
‫تأليف أسماء محمد أحمد زيادة‪ ،‬دار السلم بمصر‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫الدولة الموية المفترى عليها‪ ..‬دراسة الشبهات ورد المفتريات‪،‬‬ ‫‪-93‬‬
‫د‪ .‬حمدي شاهين‪ ،‬دار القاهرة للكتاب‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬الدولة الموية‪ ،‬يوسف العش‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1406‬هـ‪-‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -95‬الدولة السلمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬حمدي شاهين‪ ،‬دار‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -96‬الدولة والسيادة‪ ،‬د‪ .‬فتحي عبد الكريم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬مصر‪1404 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -97‬الدين الخالص‪ ،‬محمد صديق حسن القنوجي البخاري‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫زهري البخار‪ ،‬مكتبة الفرقان‪.‬‬
‫‪ -98‬ديوان أعشى همدان‪ ،‬عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث‪ ،‬تحقيق‬
‫د‪ .‬حسن عيسى أبو ياسين‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار العلوم‪1403 ،‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -99‬ذات الصواري‪ ،‬شوقي أبو خليل‪ ،‬دار الفكر‪1400 ،‬هـ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫‪ -100‬ذو النورين عثمان بن عفان‪ ،‬محمد رشيد رضا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1402 ،‬هـ‪1982 -‬م‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -101‬ذو النورين عثمان بن عفان‪ ،‬محمد مال الله‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬

‫‪351‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪1410‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -102‬الرد على الرافضة‪ ،‬لبي حامد محمد المقدسي‪ ،‬تحقيق عبد الوهاب‬
‫خليل الرحمن‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬بومباي الهند‪ ،‬طبعة أولى ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -103‬الرقة والبكاء‪ ،‬موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1422 ،‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -104‬الروض النف في شرح السيرة النبوية لبن هشام‪ ،‬أبو القاسم‬
‫السهيلي‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن الوكيل‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬طبعة‬
‫‪1387‬هـ‪.‬‬
‫‪ -105‬الرياض النضرة في مناقب العشرة‪ ،‬لبي جعفر أحمد الشهير‬
‫بالمحب الطبري‪ ،‬المكتبة القيمة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -106‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن‬
‫القيم‪ ،‬تحقيق شعيب الرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،13‬‬
‫‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -107‬الزهد‪ ،‬للمام أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول‪،‬‬
‫دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪1409 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -108‬سفراء النبي ×‪ ،‬محمود شيت خطاب‪ ،‬مؤسسة الريان‪ ،‬ودار‬
‫الندلس الخضراء بجدة‪ ،‬الطبعة الولى‪1407 ،‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -109‬سنن أبي داود‪ ،‬المام أبو داود‪ ،‬تحقيق وتعليق عزت الدعاس‪،‬‬
‫سوريا‪.‬‬
‫‪ -110‬سنن ابن ماجة‪ ،‬الحافظ أبو عبد الله محمد بن زيد القزويني‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫‪ -111‬سنن الترمذي‪ ،‬أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -112‬السنن الكبرى‪ ،‬للحافظ أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬طبع دار‬
‫المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬توزيع مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -113‬السنة والبدعة‪ ،‬عبد الله باعلوي الحضرمي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫الدار الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬طبعة دار القلم‪ ،‬الولى‪1413 ،‬هـ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬السنة‪ ،‬أبو بكر أحمد بن محمد الخلل‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عطية الزهراني‪،‬‬
‫دار الراية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -115‬السيادة العربية والشيعة والسرائيليات‪ ،‬فان فولتن‪ ،‬ترجمة‬
‫حسن إبراهيم حسن‪ ،‬ومحمد زكي إبراهيم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة‬
‫المصرية‪ ،‬ط ‪1965 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -116‬السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية‪ ،‬تقي الدين أحمد بن‬
‫تيمية‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1969 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -117‬السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬قطب إبراهيم محمد‪ ،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬سير أعلم النبلء‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -119‬سير الشهداء‪ ..‬دروس وعبر‪ ،‬عبد الحميد بن عبد الرحمن‬
‫السحيباني‪ ،‬دار الوطن‪.‬‬
‫‪ -120‬السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة‪ ،‬د‪ .‬محمد أبو شهبة‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -121‬السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ ،‬د‪ .‬مهدي رزق الله أحمد‪،‬‬

‫‪352‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات السلمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1412‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫السيرة النبوية لبن هشام‪ ،‬دار إحياء التراث‪1417 ،‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬ ‫‪-122‬‬
‫السيرة النبوية دروس وعبر‪ ،‬مصطفى السباعي‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬ ‫‪-123‬‬
‫بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة التاسعة‪1406 ،‬هـ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث‪ ،‬د‪ .‬علي محمد الصلبي‪،‬‬ ‫‪-124‬‬
‫دار الصحابة‪ ،‬الشارقة‪ ،‬طبعة أولى‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬أبو الفلح عبد الحي بن أحمد‬ ‫‪-125‬‬
‫بن حمد الحنبلي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتب التجاري للطباعة والنشر‪.‬‬
‫شرح صحيح مسلم‪ ،‬للمام النووي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬طبعة‬ ‫‪-126‬‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫الشرف والتسامي بحركة الفتح السلمي‪ ،‬د‪ .‬علي محمد الصلبي‪،‬‬ ‫‪-127‬‬
‫مكتبة الصحابة‪ ،‬الشارقة‪ ،‬الطبعة الولى‪1422 ،‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫شعراء الخلفاء‪ ،‬نبال تيسير الخماش‪.‬‬ ‫‪-128‬‬
‫شهيد الدار‪ ..‬عثمان بن عفان‪ ،‬أحمد الخروف‪ ،‬دار البيارق‪ ،‬دار‬ ‫‪-129‬‬
‫عمار‪.‬‬
‫الصارم المسلول على شاتم الرسول‪ ،‬لتقي الدين ابن تيمية‪.‬‬ ‫‪-130‬‬
‫صبح العشى في صناعة النشا‪ ،‬أبو العباس أحمد بن علي‬ ‫‪-131‬‬
‫القلقشندي‪ ،‬وزارة الثقافة والرشاد القومي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬
‫نسخة مصورة عن الطبعة الميرية‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬لبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار‬ ‫‪-132‬‬
‫الفكر‪.‬‬
‫صحيح التوثيق في سيرة وحياة ذي النورين‪ ،‬مجدي فتحي السيد‪،‬‬ ‫‪-133‬‬
‫دار الصحابة بطنطا‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫صحيح السيرة النبوية‪ ،‬إبراهيم العلي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط ‪1408 ،3‬هـ‪-‬‬ ‫‪-134‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫صحيح النسائي لللباني‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‪،‬‬ ‫‪-135‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬لللباني‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‪،‬‬ ‫‪-136‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫صحيح سنن الترمذي‪ ،‬محمد ناصر الدين اللباني‪ ،‬مكتبة التربية‬ ‫‪-137‬‬
‫العربي لدول الخليج‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1408 ،1‬هـ‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث‬ ‫‪-138‬‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫الصديقة بنت الصديق‪ ،‬للعقاد‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬مصر‪1943 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-139‬‬
‫صفة الصفوة للمام أبي الفرج ابن الجوزي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-140‬‬
‫صلح المة في علو الهمة‪ ،‬د‪ .‬سيد بن حسين العفاني‪ ،‬دار الرسالة‪.‬‬ ‫‪-141‬‬
‫الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة‪ ،‬شهاب الدين‬ ‫‪-142‬‬
‫أبو العباس أحمد بن حجر الهيثمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ ،‬محمد سعيد بن منيع الهاشمي‪ ،‬دار صادر‪،‬‬ ‫‪-143‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫عائشة والسياسة‪ ،‬سعيد الفغاني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1391 ،‬هـ‪-‬‬ ‫‪-144‬‬
‫‪1971‬م‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -145‬عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر السلم‪ ،‬سليمان‬
‫بن حمد العودة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -146‬عبد الله بن مسعود‪ ،‬عبد الستار الشيخ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪1410‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -147‬عبد الملك بن مروان والدولة الموية‪ ،‬ضياء الدين الريس‪ ،‬مطابع‬
‫سجل العرب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬سنة ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ -148‬عثمان بن عفان‪ ..‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬عبد الستار الشيخ‪،‬‬
‫‪1412‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ -149‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬الدار السعودية‪1410 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -150‬عثمان بن عفان‪ ،‬محمد حسنين هيكل‪.‬‬
‫‪ -151‬العشرة المبشرون بالجنة‪ ،‬محمد صالح عوض‪ ،‬مؤسسة المختار‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -152‬عصر الخلفة الراشدة‪ ،‬الدكتور أكرم ضياء العمري‪ ،‬مكتبة العلوم‬
‫والحكم‪.‬‬
‫‪ -153‬عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬عبد الحميد بخيت‪ ،‬دار المعارف بمصر‪.‬‬
‫‪ -154‬عقائد الشيعة‪ ،‬رونلدسن دوايت‪ ،‬تعريب )ع‪.‬م( القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪1365 ،‬هـ‪1946 -‬م‪.‬‬
‫‪ -155‬العقد الفريد‪ ،‬أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -156‬عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن الرسائل المنبرية‪ ،‬للشيخ‬
‫إسماعيل الصابوني‪ ،‬نشر محمد أمين دمج‪ ،‬بيروت ‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ -157‬عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪ ،‬الدكتور ناصر بن‬
‫علي عايض حسن الشيخ‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -158‬العقيدة في أهل البيت بين الفراط والتفريط‪ ،‬د‪ .‬سليمان بن سالم‬
‫بن رجاء السحيمي‪ ،‬مكتبة المام البخاري‪ ،‬الطبعة الولى ‪1420‬هـ‪-‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -159‬العقيدة والشريعة السلمية‪ ،‬جولد تسيهر‪ ،‬أجناس ترجمة‪ ،‬د‪.‬‬
‫محمد يوسف موسى وآخرين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪.‬‬
‫‪ -160‬عمار بن ياسر‪ ..‬رجل المحنة وميزان الفتنة‪ ،‬أسامة محمد‬
‫سلطان‪ ،‬المكتبة المكية‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬الطبعة الولى‪1420 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -161‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.‬‬
‫‪ -162‬عمرو بن العاص‪ ..‬المير المجاهد‪ ،‬د‪ .‬منير محمد الغضبان‪ ،‬جامعة‬
‫أم القرى‪.‬‬
‫‪ -163‬عمرو بن العاص‪ ،‬عبد الخالق سيد أبو رابية‪1408 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -164‬عمرو بن العاص‪ ،‬محمود العقاد‪ ،‬الناشر دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ -165‬العواصم من القواصم‪ ،‬أبو بكر بن العربي‪ ،‬تحقيق محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬إعداد محمد سعيد مبيض‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬قطر‪ ،‬الدوحة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -166‬غزوة الحديبية لبي فارس‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪ ،‬الردن‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق الستاذ محب الدين‬ ‫‪-167‬‬
‫الخطيب‪ ،‬دار الريان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1407 ،1‬هـ‪.‬‬
‫فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير‪،‬‬ ‫‪-168‬‬
‫محمد علي الشوكاني‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪1403 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫الفتنة الكبرى‪ ،‬عثمان‪ ،‬طه حسين‪ ،‬دار المعارف بمصر‪1947 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-169‬‬
‫الفتنة الكبرى‪ ،‬علس وبنوه‪ ،‬طه حسين‪ ،‬دار المعارف بمصر‪،‬‬ ‫‪-170‬‬
‫‪1966‬م‪.‬‬
‫فتنة مقتل عثمان‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد الله الغبان‪ ،‬مكتبة العبيكان‪،‬‬ ‫‪-171‬‬
‫‪1419‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫الفتنة‪ ،‬أحمد عرموش‪.‬‬ ‫‪-172‬‬
‫فتوح البلدان‪ ،‬لبي العباس‪ ،‬أحمد بن يحيى البلذري‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-173‬‬
‫المعارف بيروت‪ ،‬لبنان‪1407 ،‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫فتوح مصر وأخبارها‪ ،‬لبن عبد الحكم‪ ،‬أبو القاسم عبد الرحمن بن‬ ‫‪-174‬‬
‫عبد الله بن عبد الحكم‪ ،‬نسخة عن طبعة لندن‪1339 ،‬هـ‪1920 -‬م‪،‬‬
‫نشر مكتبة المثنى بغداد‪.‬‬
‫فرائد الكلم للخلفاء الكرام‪ ،‬قاسم عاشور‪ ،‬الطبعة الولى‬ ‫‪-175‬‬
‫‪1419‬هـ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫فصل الخطاب في مواقف الصحاب‪ ،‬محمد صالح الغرسي‪ ،‬دار‬ ‫‪-176‬‬
‫السلم‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫الفصل في الملل والهواء والنحل‪ ،‬لبي محمد بن حزم الظاهري‪،‬‬ ‫‪-177‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬لبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل‪ ،‬دار ابن‬ ‫‪-178‬‬
‫الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 ،‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫فقه الولويات‪ ،‬محمد الوكيلي‪ ،‬المعهد العالمي للفكر السلمي‪،‬‬ ‫‪-179‬‬
‫هيرندن‪ ،‬فيرجينيا‪1416 ،‬هـ‪1997 -‬م‪ ،‬الطبعة الولى‪.‬‬
‫فقه الخلفة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق‬ ‫‪-180‬‬
‫أحمد السنهوري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الولى‪1422 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫الفكر السلمي بين المثالية والتطبيق‪ ،‬كامل الشريف‪.‬‬ ‫‪-181‬‬
‫فيض القدير للمناوي‪.‬‬ ‫‪-182‬‬
‫قادة الفتح السلمي في أرمينية‪ ،‬محمود شيت خطاب‪ ،‬دار‬ ‫‪-183‬‬
‫الندلس الخضراء‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة الولى ‪1419‬هـ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫قادة فتح السند وأفغانستان‪ ،‬محمود شيت خطاب‪ ،‬دار الندلس‬ ‫‪-184‬‬
‫الخضراء‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة الولى‪1419 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫قادة فتح بلد المغرب‪ ،‬محمود شيت خطاب‪ ،‬دار الفكر‪1404 ،‬هـ‪-‬‬ ‫‪-185‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫القاموس المحيط‪ ،‬للفيروز آبادي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪-186‬‬
‫القواعد الفقهية‪ ..‬مفهومها تطورها‪ ،‬دراسة مؤلفاتها‪ ،‬أدلتها‪،‬‬ ‫‪-187‬‬
‫تطبيقها‪ ،‬على محمد الندوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط ‪1406 ،1‬هـ‪-‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫القيود الواردة على سلطة الدولة‪ ،‬عبد الله الكيلني‪ ،‬دار البشير‪،‬‬ ‫‪-188‬‬
‫عمان‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -189‬الكامل في التاريخ‪ ،‬أبو الحسن علي بن أبي المكارم الشيباني‬
‫المعروف بابن الثير‪ ،‬تحقيق علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت ‪1408‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -190‬الكامل في اللغة والداب‪ ،‬لبي العباس محمد بن يزيد‪ ،‬الناشر‬
‫البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1356‬هـ‪1937 -‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ -191‬كتاب المامة والرد على الرافضة لبي نعيم الصبهاني‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1422 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -192‬الكفاءة الدارية في السياسة الشرعية‪ ،‬د‪ .‬عبد الله قادري‪ ،‬دار‬
‫المجتمع‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫‪ -193‬كيف نكتب التاريخ السلمي؟ محمد قطب‪ ،‬دار الوطن السعودية‪.‬‬
‫‪ -194‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -195‬لسان الميزان‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر‪ ،‬حيدر آباد الدكن‪ ،‬مطبعة‬
‫دائرة المعارف العثمانية‪1331 ،‬هـ‪1912 -‬م‪.‬‬
‫‪ -196‬ليبيا من الفتح العربي حتى انتقال الخلفة الفاطمية إلى مصر‪،‬‬
‫د‪ .‬صالح مصطفى مفتاح المزيني‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪،‬‬
‫ببغازي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -197‬مبادئ القتصاد السلمي‪ ،‬سعاد إبراهيم صالح‪ ،‬دار عالم الكتب‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -198‬المجروحون من المحدثين‪ ،‬أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد‬
‫التميمي‪ ،‬تحقيق إبراهيم محمود زايد‪ ،‬حلب دار الوعي‪.‬‬
‫‪ -199‬مجلة البحوث السلمية‪ ،‬العدد العاشر‪.‬‬
‫‪ -200‬مجلة المؤرخ العربي‪ ،‬رقم ‪.21‬‬
‫‪ -201‬مجمع المثال للميداني‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1374 ،‬هـ‪1955 -‬م‪.‬‬
‫‪ -202‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬نور الدين علي بن أبي بكر‬
‫الهيثمي‪ ،‬بتحرير الحافظين العراقي وابن حجر‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪1402 ,3‬هـ‪.‬‬
‫‪ -203‬مجموعة الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني‪ ،‬دار الوفاء‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -204‬مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلفة الراشدة‪،‬‬
‫محمد حميد الله‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1405 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -205‬المدينة المنورة‪ ..‬فجر السلم والعصر الراشدي‪ ،‬محمد محمد‬
‫حسن شراب‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪1415 ،‬هـ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ -206‬مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬يحيى إبراهيم اليحيى‪ ،‬دار‬
‫العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -207‬مرويات العهد المكي‪ ،‬عادل عبد الغفور‪.‬‬
‫‪ -208‬مرويات خلفة معاوية في تاريخ الطبري‪ ،‬خالد الغيث‪ ،‬دار الندلس‬
‫الخضراء‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫‪ -209‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬لبي عبد الله محمد بن عبد الله‬

‫‪356‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫النيسابوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1411‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -210‬مسند المام أحمد‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -211‬المعارف لبن قتيبة‪.‬‬
‫‪ -212‬معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد‪ ،‬منير محمد‬
‫الغضبان‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1417 ،‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -213‬معجم البلدان‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1397 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1977‬م‪.‬‬
‫‪ -214‬معجم الطبراني الكبير‪ ،‬لبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني‪،‬‬
‫مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬الطبعة الثانية‪1406 ،‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -215‬معرفة الصحابة لبي نعيم المتوفى سنة ‪430‬هـ‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫راضي ابن حاج عثمان‪ ،‬مكتبة الدار في المدينة النبوية‪ ،‬ومكتبة‬
‫الحرمين في الرياض‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -216‬المعرفة والتاريخ للفسوي‪ ،‬لبي يوسف الفسوي‪ ،‬تحقيق أكرم ضياء‬
‫العمري‪ ،‬مطبعة الرشاد‪ ،‬بغداد‪1394 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -217‬المغازي‪ ،‬محمد عمر الواقدي‪ ،‬د‪ .‬مارسدن جونس‪ ،‬عالم الكتب‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪1404 ،3‬هـ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪ -218‬المغني‪ ،‬موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة‪،‬‬
‫تحقيق د‪ .‬عبد الله التركي‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح الحلو‪ ،‬دار هجر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط ‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -219‬المنار المنيف في الصحيح والضعيف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة السنة‬
‫المحمدية‪.‬‬
‫‪ -220‬مناقب الشافعي للبيهقي‪ ،‬تحقيق أحمد صقر‪ ،‬مكتبة دار التراث‪،‬‬
‫‪1391‬هـ‪.‬‬
‫‪ -221‬المنتظم في تاريخ الملوك والمم‪ ،‬لبي الفرج عبد الرحمن بن علي‬
‫بن محمد بن الجوزي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -222‬منهج السنة النبوية‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬تحقيق محمد رشاد سالم‪ ،‬مؤسسة‬
‫قرطبة‪.‬‬
‫‪ -223‬منهج التربية السلمية‪ ،‬محمد قطب‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط ‪1403 ،5‬هـ‪-‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -224‬منهج الرسول في غرس الروح الجهادية في نفوس أصحابه‪ ،‬د‪.‬‬
‫السيد محمد نوح‪ ،‬نشرته جامعة المارات العربية المتحدة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1411‬هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -225‬موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‪ ،‬تحقيق حسين الداراني‪ ،‬عبده‬
‫كوشك‪ ،‬دار الثقافة العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -226‬المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار‪ ،‬المعروف بالخطط‬
‫للمقريزي‪ ،‬أحمد بن علي بن عبد القادر تقي الدين أبو العباس‬
‫المقريزي‪.‬‬
‫‪ -227‬موسوعة التاريخ السلمي‪ ،‬أحمد شلبي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -228‬الموسوعة الحديثية‪ ،‬مسند المام أحمد‪ ،‬وزارة الشئون السلمية‬
‫والوقاف والدعوة والرشاد بالسعودية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -229‬موسوعة فقه عثمان بن عفان‪ ،‬الدكتور محمد رواس قلعجي‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬طبعة ‪1404‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -230‬ميزان العتدال في نقد الرجال‪ ،‬محمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫علي البجاوي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1382‬هـ‪.‬‬
‫‪ -231‬النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬جمال الدين أبي‬
‫المحاسن يوسف بن تغري بردي‪ ،‬وزارة الثقافة والرشاد القومي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -232‬نساء أهل البيت‪ ،‬أحمد خليل جمعة‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫‪ -233‬نشأة الفقه الجتهادي وأطواره‪ ،‬محمد السايس‪ ،‬مطبعة الزهر‪،‬‬
‫‪1387‬هـ‪1967 -‬م‪ ،‬مجمع البحوث بالزهر‪ ،‬المؤتمر الرابع‪.‬‬
‫‪ -234‬نظام الراضي في صدر الدولة السلمية‪ ،‬محمد حسن أبو يحيى‪،‬‬
‫دار عمار‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪ -235‬نظام الحكم في السلم‪ ،‬عارف أبو عبيد‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الردن‪،‬‬
‫‪1416‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -236‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي‪ ،‬ظافر القاسمي‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1407 ،‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ -237‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمد محمد الصمد‪،‬‬
‫المؤسسة الجماعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -238‬نظام الخلفة في الفكر السلمي‪ ،‬الدكتور مصطفى حلمي‪ ،‬دار‬
‫الدعوة‪ ،‬السكندرية‪.‬‬
‫‪ -239‬النظم السلمية‪ ،‬صبحي الصالح‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -240‬النظم السلمية‪ ،‬وقائع ندوة أبو ظبي‪ ،‬مكتب التراث العربي لدول‬
‫الخليج‪.‬‬
‫‪ -241‬نهاية الرب في فنون الدب‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب‬
‫النويري‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬القاهرة ‪1395‬هـ‪.‬‬
‫‪ -242‬الهجرة في القرآن الكريم‪ ،‬أحزمي سامعون جزولي‪ ،‬مكتبة الرشد‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط ‪1417 ،1‬هـ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -243‬وجوب التعاون بين المسلمين للسعدي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫طبعة ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -244‬الوحدة السلمية‪ ،‬محمد أبو زهرة‪.‬‬
‫‪ -245‬وفيات العيان وأنباء الزمان‪ ،‬لبن خلكان أبو العباس شمس‬
‫الدين أحمد‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -246‬ولة مصر‪ ،‬أبو يوسف محمد يوسف الكندي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬حسن نصار‪،‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -247‬ولية الشرطة في السلم‪ ،‬د‪ .‬نمر الحميداني‪ ،‬دار عالم الكتب‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -248‬الولية على البلدان‪ ،‬في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز‬
‫إبراهيم العمري‪.‬‬
‫‪ -249‬اليمن في صدر السلم‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن الشجاع‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫***‬

‫‪359‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬

‫فهرس الكتاب‬
‫الموضوع‬
‫لصفحة‬
‫الهداء‪3......................................................................‬‬
‫المقدمة‪4....................................................................‬‬
‫الفصل الول‪ :‬ذو النورين عثمان بن عفان ‪ ‬بين مكة والمدينة‬
‫المبحث الول‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وألقابه وصفته وأسرته ومكانته‬
‫في الجاهلية ‪11..............................................................‬‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وألقابه ‪11......................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬أسرته‪12................................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬مكانته في الجاهلية‪14...............................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬إسلمه‪15..............................................................‬‬
‫سا‪ :‬زواجه من رقية بنت رسول الله ×‪17.........................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬ابتلؤه وهجرته إلى الحبشة‪18..................................‬‬ ‫ساد ً‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حياة عثمان ‪ ‬مع القرآن الكريم‪21..................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ملزمته للنبي × في المدينة‪25.......................‬‬
‫ل‪ :‬عثمان ‪ ‬في ميادين الجهاد مع رسول الله ×‪26...............‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬عثمان وغزوة بدر‪26.....................................................‬‬
‫‪ -2‬عثمان وغزوة أحد‪28....................................................‬‬
‫‪ -3‬في غزوة غطفان )ذي إمر(‪29........................................‬‬
‫‪ -4‬في غزوة ذات الرقاع‪29................................................‬‬
‫‪ -5‬في بيعة الرضوان‪29....................................................‬‬
‫‪ -6‬شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في فتح مكة‬
‫‪32...............................................................................‬‬
‫‪ -7‬غزوة تبوك‪33.............................................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬من حياته الجتماعية في المدينة‪35................................‬‬
‫‪ -1‬زواجه من أم كلثوم سنة ‪3‬هـ‪35......................................‬‬
‫‪ -2‬وفاة عبد الله بن عثمان‪36.............................................‬‬
‫‪ -3‬وفاة أم كلثوم رضي الله عنها‪36.....................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬من مساهماته القتصادية في بناء الدولة ‪37....................‬‬
‫‪ -1‬بئر رومة‪37................................................................‬‬
‫‪ -2‬توسعة المسجد النبوي‪38..............................................‬‬
‫‪ -3‬العسرة وعثمانها المعطاء‪38..........................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬من أحاديث الرسول × في عثمان بن عفان‪39....‬‬
‫ل‪ :‬فيما ورد في فضله مع غيره‪39.....................................‬‬ ‫أو ً‬

‫‪360‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -1‬افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه‪39..........................‬‬
‫‪ -2‬اسكن أحد فليس عليك إل نبي وصديق وشهيدان‪39..............‬‬
‫‪ -3‬اهدأ فما عليك إل نبي أو صديق أو شهيد‪39........................‬‬
‫‪ -4‬حياء عثمان ‪40........................................................‬‬
‫‪ -5‬استحياء الملئكة من عثمان‪40........................................‬‬
‫‪ -6‬أصدقها حياء عثمان‪40..................................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إخبار رسول الله × عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان‪41......‬‬
‫‪ -1‬من نجا من ثلث فقد نجا‪41...........................................‬‬
‫‪ -2‬يقتل فيها هذا المقنع يومئذ‪41.........................................‬‬
‫‪ -3‬هذا يومئذ على الهدى‪41................................................‬‬
‫‪ -4‬تهيج فتنة كالصياصي‪ ،‬فهذا ومن معه على الحق‪41...............‬‬
‫‪ -5‬هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى‪52...........................‬‬
‫‪ -6‬عليكم بالمين وأصحابه‪52..............................................‬‬
‫‪ -7‬فإن أرادك المنافقون على خلعه فل تخلعه‪52......................‬‬
‫‪ -8‬إن رسول الله × عهد إلي عهدا‪ ،‬وإني صابر نفسي عليه ‪43. . .‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬ذو النورين في عهد الصديق والفاروق‪45........‬‬
‫ل‪ :‬في عهد الصديق‪45....................................................‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬من أهل الشورى في مسائل الدولة العليا ‪45......................‬‬
‫‪ -2‬أزمة اقتصادية في عهد الصديق‪46...................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬في عهد الفاروق‪47...................................................‬‬
‫‪ -1‬الديوان‪48.................................................................‬‬
‫‪ -2‬التاريخ‪48..................................................................‬‬
‫‪ -3‬أرض الخراج‪49...........................................................‬‬
‫‪ -4‬حجه مع أمهات المؤمنين‪49...........................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬استخلف ذي النورين ومنهجه في الحكم‪ ،‬وأهم‬
‫صفاته الشخصية‬
‫المبحث الول‪ :‬استخلف ذي النورين‪50.................................‬‬
‫ل‪ :‬الفقه العمري في الستخلف‪50....................................‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم‪51............................‬‬
‫‪ -2‬طريقة اختيار الخليفة‪51................................................‬‬
‫‪ -3‬مدة النتخابات أو المشاورة‪51........................................‬‬
‫‪ -4‬عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة‪51.............................‬‬
‫‪ -5‬الحكم في حال الختلف‪52............................................‬‬
‫‪ -6‬جماعة من جنود الله تراقب الختيار وتمنع الفوضى‪52...........‬‬
‫‪ -7‬جواز تولية المفضول مع وجود الفضل‪53...........................‬‬

‫‪361‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -8‬جمع عمر بين التعيين وعدمه ‪53.....................................‬‬
‫‪ -9‬الشورى ليست بين الستة فقط‪53...................................‬‬
‫‪ -10‬أهل الشورى أعلى هيئة سياسية‪53................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬وصية عمر ‪ ‬للخليفة الذي بعده‪54...............................‬‬
‫‪ -1‬الحرص على تقوى الله وخشيته‪56...................................‬‬
‫‪ -2‬الناحية السياسية‪56.....................................................‬‬
‫‪ -3‬الناحية العسكرية‪57.....................................................‬‬
‫‪ -4‬الناحية القتصادية والمالية‪57..........................................‬‬
‫‪ -5‬الناحية الجتماعية‪57 ....................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى‪58.............‬‬
‫‪ -1‬اجتماع الرهط للمشاورة‪58............................................‬‬
‫‪ -2‬عبد الرحمن يدعو إلى التنازل‪59 .....................................‬‬
‫‪ -3‬تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى‪59.........................‬‬
‫‪ -4‬التفاق على بيعة عثمان ‪60............................................‬‬
‫‪ -5‬حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة الشورى‪60.........‬‬
‫رابًعا‪ :‬أباطيل رافضية دست في قصة الشورى‪62.....................‬‬
‫‪ -1‬اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين‪63.....................‬‬
‫‪ -2‬حزب أموي وحزب هاشمي‪63........................................‬‬
‫‪ -3‬أقوال نسبت زورا وبهتانا لعلي ‪64................................‬‬
‫‪ -4‬اتهام عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة‪64.......................‬‬
‫سا‪ :‬أحقية خلفة عثمان بن عفان ‪65............................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬انعقاد الجماع على خلفة عثمان‪68...........................‬‬ ‫ساد ً‬
‫ي على عثمان رضي الله عنهما‪72............‬‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫تقديم‬ ‫حكم‬ ‫عا‪:‬‬‫ساب ً‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج عثمان بن عفان في الحكم‪73..................‬‬
‫ل‪ :‬كتب عثمان إلى عماله وولته وأمراء الجند وعامة الناس‪73. .‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬أول كتاب كتبه عثمان إلى جميع ولته‪74............................‬‬
‫‪ -2‬كتابه إلى قادة الجنود‪75................................................‬‬
‫‪ -3‬كتابه إلى عمال الخراج‪75..............................................‬‬
‫‪ -4‬كتابه إلى العامة‪76......................................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬المرجعية العليا للدولة‪77............................................‬‬
‫‪ -1‬المصدر الول‪ :‬كتاب الله‪77............................................‬‬
‫‪ -2‬المصدر الثاني‪ :‬السنة المطهرة‪77...................................‬‬
‫‪ -3‬القتداء بالشيخين‪77....................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬حق المة في محاكمة الخليفة ‪78................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬الشورى‪78.............................................................‬‬

‫‪362‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫سا‪ :‬العدل والمساواة‪79...............................................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬الحريات‪80..........................................................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬الحتساب‪80.........................................................‬‬
‫‪ -1‬إنكاره على لبس الثوب المعصفر‪80.................................‬‬
‫‪ -2‬إنكاره على قاصدات العمرة والحج وهن في العدة‪81............‬‬
‫‪ -3‬أمره بذبح الحمام‪81.....................................................‬‬
‫‪ -4‬احتسابه على اللعب بالنرد‪81..........................................‬‬
‫‪ -5‬إخراجه من يراه على شر أو يشهر سلحا في المدينة‪81........‬‬
‫‪ -6‬ضربه لمن استخف بعم النبي ×‪81..................................‬‬
‫‪ -7‬نهيه عن الخمر لنها أم الخبائث‪82...................................‬‬
‫كمه‪82......................‬‬ ‫ح َ‬
‫‪ -8‬من خطب عثمان في المجتمع ومن ِ‬
‫أ‪ -‬خطبة في الستعداد ليوم المعاد‪82....................................‬‬
‫ب‪ -‬التذكير بمكارم الخلق‪82.............................................‬‬
‫ج‪ -‬من حكمه التي سارت بين الناس‪83.................................‬‬
‫‪ -9‬عثمان ‪ ‬والشعر والشعراء‪84.......................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أهم صفاته‪86.............................................‬‬
‫ل‪ :‬العلم والقدرة على التوجيه والتعليم‪86............................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬الحلم‪90.................................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬السماحة‪90............................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬اللين‪91.................................................................‬‬
‫سا‪ :‬العفو‪91..............................................................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬التواضع‪92..........................................................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬الحياء والعفة‪92.....................................................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬الكرم‪93................................................................‬‬
‫تاسًعا‪ :‬الشجاعة‪94..........................................................‬‬
‫عاشًرا‪ :‬الحزم‪95.............................................................‬‬
‫حادي عشر‪ :‬الصبر‪96.......................................................‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬العدل‪97.........................................................‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬عبادته‪97........................................................‬‬
‫رابع عشر‪ :‬خوفه من الله وبكاؤه ومحاسبته لنفسه‪98...............‬‬
‫خامس عشر‪ :‬زهده‪98......................................................‬‬
‫سادس عشر‪ :‬الشكر‪99....................................................‬‬
‫سابع عشر‪ :‬تفقد أحوال الناس‪99........................................‬‬
‫ثامن عشر‪ :‬تحديد الختصاصات‪100.......................................‬‬
‫تاسع عشر‪ :‬الستفادة من أهل الكفاءات‪100............................‬‬

‫‪363‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬المؤسسة المالية والقضائية في عهد عثمان‬
‫المبحث الول‪ :‬المؤسسة المالية‪102......................................‬‬
‫ل‪ :‬السياسة المالية التي أعلنها عثمان عندما تولى الحكم‪102.....‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬نية عثمان ‪ ‬تطبيق سياسة مالية عامة‪103.........................‬‬
‫‪ -2‬عدم إخلل الجباية بالرعاية‪103.........................................‬‬
‫‪ -3‬أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين‪105...........‬‬
‫‪ -4‬إعطاء المسلمين ما لهم من بيت المال بالحق‪105.................‬‬
‫عدم‪ -‬ظلم أهل الذمة وأخذ ما عليهم لبيت المال بالحق وإعطاؤهم‬ ‫‪5‬‬
‫حقوقهم بالحق كذلك‪106......................................................‬‬
‫‪ -6‬عدم ظلم اليتيم‪107.......................................................‬‬
‫‪ -7‬تخلق عمال الخراج بالمانة والوفاء‪108...............................‬‬
‫‪ -8‬أثر تكامل النعم على مسار المة‪108..................................‬‬
‫‪ -9‬المقارنة بين السياسة العمرية والعثمانية‪108........................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬توجيهات عثمانية توضح للناس قواعد زكاتهم‪109................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬خمس الغنائم‪112......................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬اليرادات العامة من الجزية في عهد عثمان ‪115............‬‬
‫سا‪ :‬اليرادات العامة من الخراج والعشور في عهد عثمان‪119. .‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬سياسة عثمان في إقطاع الرض‪199...........................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬سياسة عثمان في حمى الرض‪122..............................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬أنواع النفقات العامة في عهد عثمان‪122..........................‬‬
‫‪ -1‬نفقات الخليفة‪122........................................................‬‬
‫‪ -2‬صرف مرتبات الولة من بيت المال‪122..............................‬‬
‫‪ -3‬النفاق من بيت المال على مرتبات الجند‪123.......................‬‬
‫‪ -4‬النفاق العام على الحج من بيت المال‪123..........................‬‬
‫‪ -5‬تمويل إعادة بناء المسجد النبوي من بيت المال‪123...............‬‬
‫‪ -6‬تمويل توسعة المسجد الحرام من بيت المال‪124..................‬‬
‫‪ -7‬النفاق على إنشاء أول أسطول بحري‪124...........................‬‬
‫‪ -8‬النفاق على تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة‪124............‬‬
‫‪ -9‬تمويل حفر البار من بيت مال المسلمين‪124.......................‬‬
‫‪ -10‬النفاق على المؤذنين من بيت المال‪125...........................‬‬
‫‪ -11‬تمويل أهداف السلم العليا‪125......................................‬‬
‫تاسًعا‪ :‬استمرار نظام العطيات في عهد عثمان بن عفان‪125.......‬‬
‫عاشًرا‪ :‬أثر تدفق الموال على الحياة الجتماعية والقتصادية‪126. . .‬‬
‫حادي عشر‪ :‬عثمان وأقاربه والعطاء من بيت المال‪127...............‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المؤسسة القضائية وبعض الجتهادات الفقهية‪131..‬‬

‫‪364‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫* ابن عمر يعتذر عن القضاء‪133...........................................‬‬
‫* دار القضاء‪133...............................................................‬‬
‫* أشهر القضاة في خلفة عثمان‪133......................................‬‬
‫ل‪ :‬فيما يتعلق بالقصاص والحدود والتعزير‪134........................‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬أول قضية واجهت عثمان ‪ ‬قضية قتل‪134.........................‬‬
‫‪ -2‬قتل اللصوص‪135..........................................................‬‬
‫‪ -3‬رجل قتل تاجرا لماله‪136................................................‬‬
‫‪ -4‬عقوبة الساحر‪136.........................................................‬‬
‫‪ -5‬جناية العمى‪136..........................................................‬‬
‫‪ -6‬جناية المقتتلين على بعضهما‪136.......................................‬‬
‫‪ -7‬الجناية على الحيوان‪137.................................................‬‬
‫‪ -8‬الجناية على الصائل‪137..................................................‬‬
‫‪ -9‬استتابة المرتد وحده‪137.................................................‬‬
‫‪ -10‬إني قتلت‪ ،‬فهل لي من توبة؟‪137....................................‬‬
‫‪ -11‬حد الخمر‪137.............................................................‬‬
‫‪ -12‬إقامة الحد على أخيه من أمه‪ ،‬الوليد بن عقبة‪138................‬‬
‫‪ -13‬سرقة الغلم‪138.........................................................‬‬
‫‪ -14‬الحبس تعزيرا‪138.......................................................‬‬
‫‪ -15‬حد القذف بالتعريض‪139...............................................‬‬
‫‪ -16‬عقوبة الزنا‪139..........................................................‬‬
‫‪ -17‬التعزير بالنفي والطرد‪139.............................................‬‬
‫‪ -18‬دفع الناس عن جنازة العباس‪140....................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬في العبادات والمعاملت‪141.........................................‬‬
‫‪ -1‬إتمام عثمان الصلة بمنى وعرفات‪141...............................‬‬
‫‪ -2‬زاد الذان الثاني في يوم الجمعة‪143..................................‬‬
‫‪ -3‬اغتساله كل يوم منذ أسلم‪143.........................................‬‬
‫‪ -4‬سجود التلوة‪144..........................................................‬‬
‫‪ -5‬صلة الجمعة في السواحل‪144.........................................‬‬
‫‪ -6‬استراحة عثمان في الخطبة‪144........................................‬‬
‫‪ -7‬جعل القنوت قبل الركوع‪144...........................................‬‬
‫‪ -8‬أعلم الناس بأحكام الحج‪144............................................‬‬
‫‪ -9‬النهي عن الحرام قبل الميقات‪145...................................‬‬
‫‪ -10‬سفر المعتدة للحج والعمرة‪145......................................‬‬
‫‪ -11‬النهي عن متعة الحج‪145...............................................‬‬
‫‪ -12‬أكل لحم الصيد‪146......................................................‬‬

‫‪365‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫كراهية الجمع بين القرابة في الزواج‪146...........................‬‬ ‫‪-13‬‬
‫في الرضاعة‪146.........................................................‬‬ ‫‪-14‬‬
‫في الخلع‪146.............................................................‬‬ ‫‪-15‬‬
‫يجب الحداد على المعتدة لوفاة زوجها‪147........................‬‬ ‫‪-16‬‬
‫ل تنكحها إل نكاح رغبة‪147.............................................‬‬ ‫‪-17‬‬
‫طلق السكران‪147.....................................................‬‬ ‫‪-18‬‬
‫هبة الوالد لولده‪148....................................................‬‬ ‫‪-19‬‬
‫الحجر على السفيه‪148.................................................‬‬ ‫‪-20‬‬
‫الحجر على المفلس‪149...............................................‬‬ ‫‪-21‬‬
‫تحريم الحتكار‪149......................................................‬‬ ‫‪-22‬‬
‫ضوال البل‪149..........................................................‬‬ ‫‪-23‬‬
‫توريث المرأة المطلقة في مرض الموت‪150......................‬‬ ‫‪-24‬‬
‫توريث المطلقة ما لم تنقض عدتها‪151.............................‬‬ ‫‪-25‬‬
‫توريث الحميل‪151.......................................................‬‬ ‫‪-26‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الفتوحات في عهد عثمان بن عفان ‪‬‬
‫تمهيد‪152........................................................................‬‬
‫المبحث الول‪ :‬فتوحات عثمان في المشرق‪153........................‬‬
‫ل‪ :‬فتوحات أهل الكوفة‪ :‬أذربيجان ‪24‬هـ‪153...........................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬مشاركة أهل الكوفة في إحباط تحركات الروم‪154..............‬‬
‫ثالثـا‪ :‬غزو سعيد بن العاص طبرستان ‪30‬هـ‪154........................‬‬
‫رابًعا‪ :‬هروب ملك الفرس )يزدجر( إلى خراسان‪155...................‬‬
‫سا‪ :‬مقتل يزدجرد ملك الفرس ‪31‬هـ‪155............................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬تعاطف النصارى مع يزدجر بعد مقتله‪157.....................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬فتوحات عبد الله بن عامر ‪31‬هـ‪158..............................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬غزو الباب وبلنجر سنة اثنتين وثلثين‪159..........................‬‬
‫‪ -1‬مقتل يزيد بن معاوية‪159................................................‬‬
‫‪ -2‬ما أحسن حمرة الدم في بياضك‪160..................................‬‬
‫‪ -3‬ما أحسن لمع الدماء على الثياب‪160..................................‬‬
‫‪ -4‬إن هؤلء يموتون كما تموتون‪160......................................‬‬
‫‪ -5‬صبرا آل سلمان‪160......................................................‬‬
‫تاسًعا‪ :‬أول اختلف وقع بين أهل الكوفة وأهل الشام ‪32‬هـ‪161.....‬‬
‫عاشًرا‪ :‬فتوحات ابن عامر سنة ‪32‬هـ‪162................................‬‬
‫القتال بين جي ش الحنف وأهل طخارستان والجوزجان‬ ‫حادي عشر‪:‬‬
‫والطالقان والفارياب‪163.......................................................‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬صلح الحنف مع أهل بلخ ‪32‬هـ‪164..........................‬‬

‫‪366‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬لجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا‬
‫من موقفي هذا‪165...........................................................‬‬
‫رابع عشر‪ :‬هزيمة قارن في خراسان‪165.................................‬‬
‫خامس عشر‪ :‬من قادة الفتح في بلد المشرق في عهد عثمان‪:‬‬
‫الحنف بن قيس‪166..........................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الفتوحات في الشام‪173.................................‬‬
‫ل‪ :‬فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري‪173..............................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬أول من أجاز الغزو البحري عثمان بن عفان‪173.................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬غزو قبرص‪174.........................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬الستسلم وطلب الصلح‪176........................................‬‬
‫سا‪ :‬عبد الله بن قيس قائد السطول السلمي بالشام‪177......‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬القبارصة ينقضون الصلح‪178.....................................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه‪179.....................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬عبادة بن الصامت يقسم غنائم قبرص‪180........................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فتوحات الجبهة المصرية‪181............................‬‬
‫ل‪ :‬ردع المتمردين في السكندرية‪181..................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬فتح بلد النوبة‪183......................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬فتح إفريقية‪184........................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬بطولة عبد الله بن الزبير في فتح إفريقية‪187...................‬‬
‫سا‪ :‬معركة ذات الصواري‪189..........................................‬‬ ‫خام ً‬
‫* أحداث المعركة‪191.........................................................‬‬
‫* نتائج ذات الصواري‪193....................................................‬‬
‫سا‪ :‬أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان ‪195. . .‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬تحقيق وعد الله للمؤمنين‪195..........................................‬‬
‫‪ -2‬التطور في فنون الحرب والسياسة‪195...............................‬‬
‫‪ -3‬بدء التجنيد اللزامي في عهد عمر‪ ،‬واستمراره في عهد عثمان‬
‫‪196‬‬
‫‪ -4‬اهتمام عثمان بحدود الدولة السلمية‪196............................‬‬
‫‪ -5‬قسمة الغنائم بين أهل الشام والعراق‪198...........................‬‬
‫‪ -6‬الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدو‪199...................‬‬
‫‪ -7‬شرط ما يحتاج إليه الجنود في بنود الصلح‪199......................‬‬
‫‪ -8‬جمع المعلومات عن العداء‪199........................................‬‬
‫‪ -9‬عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد عثمان‬
‫‪199‬‬
‫‪ -10‬سلمان بن ربيعة الباهلي من قادة الفتوح في عهد عثمان ‪201.‬‬
‫‪ -11‬حبيب بن مسلمة الفهري من قادة الفتوح في عهد عثمان ‪203.‬‬

‫‪367‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أعظم مفاخر عثمان جمع المة على مصحف واحد‬
‫‪206‬‬
‫ل‪ :‬المراحل التي مرت بها كتابة القرآن الكريم‪206..................‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬المرحلة الولى‪ :‬في العهد النبوي‪206.................................‬‬
‫‪ -2‬المرحلة الثانية‪ :‬في عهد أبي بكر الصديق ‪207...................‬‬
‫* بعض نتائج جمع القرآن الكريم في المرحلة الثانية‪208..............‬‬
‫* المقومات الساسية لزيد بن ثابت للقيام بهذه المهمة‪208.........‬‬
‫* الفرق بين المكتوب في العهد النبوي‪ ،‬وعهد الصديق‪209...........‬‬
‫‪ -3‬المرحلة الثالثة في جمع القرآن‪ :‬في عهد عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪210‬‬
‫* الباعث على جمع القرآن في عهد عثمان‪210.........................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬استشارة جمهور الصحابة في جمع عثمان‪211....................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬الفرق بين جمع الصديق وجمع عثمان رضي الله عنهما‪212...‬‬
‫رابًعا‪ :‬هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الحرف السبعة؟‬
‫‪213...............................................................................‬‬
‫سا‪ :‬عدد المصاحف التي أرسلها عثمان ‪ ‬إلى المصار‪214.....‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬موقف عبد الله بن مسعود من مصحف عثمان‪215..........‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬فهم الصحابة ليات النهي عن الختلف‪217.....................‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬مؤسسة الولة في عهد عثمان ‪‬‬
‫المبحث الول‪ :‬أقاليم الدولة في عهد عثمان وسياسته مع الولة‬
‫‪220‬‬
‫ل‪ :‬مكة المكرمة‪220........................................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬المدينة المنورة‪220.....................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬البحرين واليمامة‪221..................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬اليمن وحضرموت‪222.................................................‬‬
‫سا‪ :‬ولية الشام‪223......................................................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬أرمينية‪234...........................................................‬‬
‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬ولية مصر‪235.........................................................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬ولية البصرة‪226.......................................................‬‬
‫تاسًعا‪ :‬ولية الكوفة‪229......................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سياسة عثمان مع الولة وحقوقهم وواجباتهم‪234...‬‬
‫ل‪ :‬سياسة عثمان مع الولة‪234..........................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬أساليب عثمان ‪ ‬لمراقبة عماله والطلع على أخبارهم‪235..‬‬
‫‪ -1‬حضوره لموسم الحج‪235................................................‬‬
‫‪ -2‬سؤال القادمين من المصار والوليات‪235...........................‬‬
‫‪ -3‬وجود أناس من أهل البلد يكتبون إلى الخليفة‪236.................‬‬
‫‪368‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -4‬إرسال المفتشين إلى الوليات‪236....................................‬‬
‫‪ -5‬السفر إلى الوليات والطلع على أحوالها مباشرة‪236............‬‬
‫‪ -6‬طلب الموفدين من الوليات لسؤالهم عن أمرائهم وولتهم ‪236.‬‬
‫‪ -7‬استقدام الولة وسؤالهم عن أحوال بلدهم‪237.....................‬‬
‫‪ -8‬المراسلة مع الولة‪237...................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬حقوق الولة‪238.......................................................‬‬
‫‪ -1‬الطاعة في غير معصية الله‪238........................................‬‬
‫‪ -2‬بذل النصيحة للولة‪238..................................................‬‬
‫‪ -3‬يجب على الرعية للوالي إيصال الخبار الصحيحة إليه‪239........‬‬
‫‪ -4‬مؤازرة الوالي في موقفه‪239...........................................‬‬
‫‪ -5‬احترامهم بعد عزلهم‪239.................................................‬‬
‫‪ -6‬مرتبات الولة‪239.........................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬واجبات الولة‪240......................................................‬‬
‫‪ -1‬إقامة أمور الدين‪241.....................................................‬‬
‫‪ -2‬تأمين الناس في بلدهم‪242.............................................‬‬
‫‪ -3‬الجهاد في سبيل الله‪243................................................‬‬
‫‪ -4‬بذل الجهد في تأمين الرزاق للناس‪244..............................‬‬
‫‪ -5‬تعيين العمال والموظفين‪244...........................................‬‬
‫‪ -6‬رعاية أهل الذمة‪245......................................................‬‬
‫‪ -7‬مشاورة أهل الرأي في وليته‪245......................................‬‬
‫‪ -8‬النظر إلى حاجة الولية العمرانية‪245.................................‬‬
‫‪ -9‬مراعاة الحوال الجتماعية لسكان الولية‪245.......................‬‬
‫‪ -10‬أوقات عمل الوالي‪246.................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حقيقة ولة عثمان ‪247...............................‬‬
‫ل‪ :‬معاوية بن أبي سفيان بن حرب الموي‪248........................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬عبد الله بن عامر بن كريز‪252.......................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬الوليد بن عقبة‪256.....................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬سعيد بن العاص‪261...................................................‬‬
‫سا‪ :‬عبد الله بن سعد بن أبي السرح‪264............................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬مروان بن الحكم ووالده‪266......................................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬هل جامل عثمان أحدا من أقاربه على حساب المسلمين؟‬
‫‪268‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حقيقة العلقة بين أبي ذر الغفاري وعثمان رضي‬
‫الله عنهما‪271..................................................................‬‬
‫ل‪ :‬مجمل القصة‪271........................................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬بطلن تأثير ابن سبأ على أبي ذر ‪277...........................‬‬

‫‪369‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫ثالثـا‪ :‬وفاة أبي ذر ‪ ‬وضم عثمان عياله إلى عياله‪279...............‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬أسباب فتنة مقتل عثمان ‪‬‬
‫المبحث الول‪ :‬أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان‪ ،‬وما‬
‫ترتب عليها من أحداث‪ ،‬والحكمة من إخباره × بوقوعها‬
‫‪..............................................................................‬‬
‫‪280‬‬
‫ل‪ :‬أهمية دراسة وقائع فتنة مقتل عثمان ‪ ،‬وما ترتب عليها‬ ‫أو ً‬
‫من أحداث في الجمل وصفين وغيرهما‬
‫‪..............................................................................‬‬
‫‪280‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحكمة من إخباره × بوقوعها‪285..................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب فتنة مقتل عثمان ‪289........................‬‬
‫ل‪ :‬الرخاء وأثره في المجتمع‪292.........................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬طبيعة التحول الجتماعي في عهد عثمان ‪295.................‬‬
‫‪ -1‬المتغيرات في نسيج المجتمع البشري‪296...........................‬‬
‫‪ -2‬تكوينات نسيج المجتمع الثقافي‪300...................................‬‬
‫‪ -3‬ظهور جيل جديد‪301......................................................‬‬
‫‪ -4‬استعداد المجتمع لقبول الشائعات‪302................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬مجيء عثمان بعد عمر رضي الله عنهما‪303.....................‬‬
‫رابًعا‪ :‬خروج كبار الصحابة من المدينة‪304................................‬‬
‫سا‪ :‬العصبية الجاهلية‪305...............................................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬توقف الفتوحات‪305................................................‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬المفهوم الخاطئ للورع‪306........................................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬طموح الطامحين‪306..................................................‬‬
‫تاسًعا‪ :‬تآمر الحاقدين‪307....................................................‬‬
‫عاشًرا‪ :‬التدبير المحكم لثارة المآخذ ضد عثمان ‪308...............‬‬
‫حادي عشر‪ :‬استخدام الساليب والوسائل المهيجة للناس‪309.......‬‬
‫ثاني عشر‪ :‬أثر السبئية في أحداث الفتنة‪310............................‬‬
‫‪ -1‬السبئية حقيقة أم خيال؟‪310............................................‬‬
‫‪ -2‬دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة‪314...........................‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬مقتل عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المبحث الول‪ :‬اشتعال الفتنة‪318..........................................‬‬
‫ل‪ :‬تأذي أصحاب الهواء من الصلح‪319................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬عبد الله بن سبأ اليهودي على رأس العصابة‪320.................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬أهل الفتنة يفسدون في مجلس سعيد بن العاص‪322..........‬‬
‫‪370‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫رابًعا‪ :‬أهل الفتنة منفيون عند معاوية‪323.................................‬‬
‫سا‪ :‬رجوع أهل الفتنة إلى الكوفة ثم نفيهم إلى الجزيرة‪328....‬‬ ‫خام ً‬
‫‪ -1‬أهل الفتنة بالبصرة يفترون على أشج عبد القيس‪329.............‬‬
‫‪ -2‬ابن سبأ يحدد سنة أربع وثلثين للهجرة للتحرك‪330................‬‬
‫‪ -3‬أوضاع أهل الكوفة عند تحرك أهل الفتنة‪330........................‬‬
‫‪ -4‬القعقاع بن عمرو التميمي يقضي على التحرك الول‪330.........‬‬
‫‪ -5‬يزيد بن قيس يكاتب أهل الفتنة عند عبد الرحمن بن خالد‪331...‬‬
‫‪ -6‬القعقاع بن عمرو يرى قتل قادة أهل الفتنة‪332.....................‬‬
‫‪ -7‬أهل الفتنة يمنعون سعيد بن العاص من دخول الكوفة‪332........‬‬
‫‪ -8‬أبو موسى الشعري يهدئ المور‪ ،‬وينهى عن العصيان‪334........‬‬
‫‪ -9‬كتاب عثمان إلى الخارجين في الكوفة‪334...........................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سياسة عثمان ‪ ‬في التعامل مع الفتنة‪335.........‬‬
‫ل‪ :‬رأي بعض الصحابة بأن يرسل عثمان لجان تفتيش وتحقيق‬ ‫أو ً‬
‫‪335‬‬
‫ثانًيا‪ :‬كتب إلى أهل المصار كتابا شامل بمثابة إعلن عام لكل‬
‫المسلمين‪336..................................................................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬مشورة عثمان لولة المصار‪337...................................‬‬
‫‪ -1‬اقتراحان لمعاوية يرفضهما عثمان رضي الله عنهما‪338...........‬‬
‫‪ -2‬عثمان يخترق صفوف المتآمرين بعد مجيئهم للمدينة‪339.........‬‬
‫رابًعا‪ :‬إقامة الحجة على المتمردين‪340...................................‬‬
‫سا‪ :‬الستجابة لبعض مطالبهم‪343.....................................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬ضوابط التعامل مع الفتن عند عثمان ‪343..................‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬التثبت‪343...................................................................‬‬
‫‪ -2‬لزوم العدل والنصاف‪343...............................................‬‬
‫‪ -3‬الحلم والناة‪343...........................................................‬‬
‫‪ -4‬الحرص على ما يجمع‪ ،‬ونبذ ما يفرق بين المسلمين‪343..........‬‬
‫‪ -5‬لزوم الصمت والحذر من كثرة الكلم‪344............................‬‬
‫‪ -6‬استشارة العلماء الربانيين‪344..........................................‬‬
‫‪ -7‬السترشاد بأحاديث رسول الله × في الفتن‪344...................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬احتلل أهل الفتنة للمدينة‪345..........................‬‬
‫ل‪ :‬قدوم أهل الفتنة من المصار‪345....................................‬‬ ‫أو ً‬
‫* علي بن أبي طالب يرسله عثمان للمفاوضة مع أهل الفتنة من‬
‫المصار‪346.....................................................................‬‬
‫* الكتاب المزعوم بقتل وفد أهل مصر‪347..............................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬بدء الحصار‪ ،‬ورأي عثمان في الصلة خلف أئمة الفتنة‪350.....‬‬
‫ثالثـا‪ :‬المفاوضات بين عثمان ومحاصريه‪350............................‬‬

‫‪371‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫‪ -1‬ابن عمر يحث عثمان على عدم التنازل عن منصب الخلفة ‪351.‬‬
‫‪ -2‬توعد المحاصرين له بالقتل‪352.........................................‬‬
‫‪ -3‬إقامة عثمان الحجة على زيف استدلل صعصعة بن صوحان ‪352‬‬
‫‪ -4‬تذكير عثمان ‪ ‬الناس بفضائله‪353...................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬دفاع الصحابة عن عثمان ‪ ‬ورفضه لذلك‪354...................‬‬
‫‪ -1‬علي بن أبي طالب ‪354...............................................‬‬
‫‪ -2‬الزبير بن العوام ‪355..................................................‬‬
‫‪ -3‬المغيرة بن شعبة ‪355.................................................‬‬
‫‪ -4‬عبد الله بن الزبير ‪356................................................‬‬
‫‪ -5‬كعب بن مالك وزيد بن ثابت النصاريان رضي الله عنهما‪356....‬‬
‫‪ -6‬الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما‪356...............‬‬
‫‪ -7‬عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‪357.................‬‬
‫‪ -8‬أبو هريرة ‪357..........................................................‬‬
‫‪ -9‬سليط بن سليط ‪357..................................................‬‬
‫‪-10‬عرض بعض الصحابة على عثمان مساعدته في الخروج إلى مكة‬
‫‪358...............................................................................‬‬
‫* السباب التي دعت عثمان إلى منع الصحابة من القتال‪358........‬‬
‫سا‪ :‬موقف أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات‪359................‬‬ ‫خام ً‬
‫‪ -1‬أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما‪359......................‬‬
‫‪ -2‬صفية زوجة رسول الله ×‪360..........................................‬‬
‫‪ -3‬عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪360...............................‬‬
‫‪ -4‬مواقف للصحابيات‪362...................................................‬‬
‫سا‪ :‬من حج بالناس ذلك العام؟ وهل طلب عثمان من الولة‬ ‫ساد ً‬
‫نصرته؟ ‪363....................................................................‬‬
‫‪ -1‬من حج بالناس ذلك العام )‪35‬هـ(؟ ‪363..............................‬‬
‫‪ -2‬هل طلب عثمان ‪ ‬من الولة نصرته؟ ‪367.........................‬‬
‫‪ -3‬آخر خطبة خطبها عثمان ‪367........................................‬‬
‫سابًعا‪ :‬استشهاد عثمان ‪368..............................................‬‬
‫‪ -1‬آخر أيام الحصار وفيه الرؤيا‪368........................................‬‬
‫‪ -2‬صفة قتله‪369..............................................................‬‬
‫ثامًنا‪ :‬تاريخ قتله‪ ،‬وسنه عند استشهاده وجنازته والصلة عليه ودفنه‬
‫‪373...............................................................................‬‬
‫‪ -1‬تاريخ قتله‪373..............................................................‬‬
‫‪ -2‬سنه عند استشهاده‪373..................................................‬‬
‫‪ -3‬جنازته والصلة عليه ودفنه‪374.........................................‬‬
‫‪ -4‬براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان ‪375............‬‬

‫‪372‬‬
‫شخصيته وعصره‬ ‫عثمان بن عفان ‪‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬موقف الصحابة من مقتل عثمان رضي الله عنهم‬
‫‪377‬‬
‫ل‪ :‬ثناء أهل البيت على عثمان ‪ ‬وبراءتهم من دمه‪378............‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬موقف السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪378............‬‬
‫‪ -2‬علي بن أبي طالب ‪381...............................................‬‬
‫‪ -3‬عبد الله بن عباس ‪383...............................................‬‬
‫‪ -4‬زيد بن علي رحمه الله‪383..............................................‬‬
‫‪ -5‬علي بن الحسين رحمه الله‪384........................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬موقف عمار بن ياسر ‪384.........................................‬‬
‫‪ -1‬ضرب عمار بن ياسر‪384.................................................‬‬
‫‪ -2‬اتهام عمار بالمساهمة في الفتنة وإثارة الشغب ضد عثمان ‪385.‬‬
‫‪ -3‬براءة عمار من دم عثمان رضي الله عنهما‪387.....................‬‬
‫ثالثـا‪ :‬براءة عمرو بن العاص من دم عثمان‪388.........................‬‬
‫رابًعا‪ :‬من أقوال الصحابة في الفتنة‪390.................................:‬‬
‫‪ -1‬أنس بن مالك ‪390.....................................................‬‬
‫‪ -2‬حذيفة بن اليمان ‪390..................................................‬‬
‫‪ -3‬أم سليم النصارية رضي الله عنها‪390................................‬‬
‫‪ -4‬أبو هريرة ‪390..........................................................‬‬
‫‪ -5‬أبو بكرة ‪391............................................................‬‬
‫‪ -6‬أبو موسى الشعري ‪391.............................................‬‬
‫‪ -7‬سمرة بن جندب ‪391..................................................‬‬
‫‪ -8‬عبد الله بن عمرو بن العاص ‪391...................................‬‬
‫‪ -9‬عبد الله بن سلم ‪391.................................................‬‬
‫‪ -10‬الحسن بن علي ‪391.................................................‬‬
‫‪ -11‬سلمة بن الكوع ‪392................................................‬‬
‫‪ -12‬عبد الله بن عمر ‪392................................................‬‬
‫سا‪ :‬أثر مقتل عثمان في حدوث فتن أخرى‪392....................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬الظلم والعتداء على الخرين من أسباب الهلك في الدنيا‬ ‫ساد ً‬
‫والخرة‪393.....................................................................‬‬
‫سابًعا‪ :‬تأثر المسلمين لمقتل عثمان ‪ ‬وما قيل من أشعار‪394.....‬‬
‫الخلصة‪397.....................................................................‬‬
‫تعريف ببعض المناطق التي ذكرت في البحث‪406......................‬‬
‫المصادر والمراجع‪407........................................................‬‬
‫فهرس الكتاب‪421...................................................‬‬
‫***‬

‫‪373‬‬

You might also like