You are on page 1of 2

‫تقرير‪ :‬تركيا السنية في مواجهة إيران الشيعية‬

‫التاريخ‪ 21/2/1430 :‬الموافق ‪ | 2009-02-17‬الزيارات‪543 :‬‬

‫المختصر ‪/‬‬

‫المختصر ‪ /‬قبل زهاء ثلث سنوات طفت إلى سطح الشرق الوسط تركيا كقوة إقليمية جديدة‪ ،‬لم تكن‬
‫حتى وقت قريب من القوى التقليدية المتصارعة بأقصى قوتها على النفوذ والمصالح المتباينة في‬
‫منطقة تضخمت فيها إلى حد بعيد لغة الصراعات حتى أصبحت هي القاعدة الثابتة‪.‬‬
‫وقد ساعدت التطورات المتسارعة منذ احتلل العراق والعدوان السرائيلي على لبنان في ظهور‬
‫محاور صراع جديدة لم تكن مألوفة قبل ذلك‪ ،‬وازدات هذه التطورات سخونة بعد أن أصبح العامل‬
‫الديني والمذهبي العمود الفقري والموجه لكل الصراعات‪ ،‬حتى غدت الخارطة مقسمة على أساس‬
‫الديان "مسلمون‪ ،‬مسيحيون‪ ،‬يهود" والمذاهب السلمية بالخصوص"سنة وشيعة"‪ ،‬وأفرز سقوط‬
‫العراق من المعادلة القليمية‪ ،‬أرضية جديدة أصبحت فيها إيران لعبا قويا تكتسب أوراقا حساسة‪،‬‬
‫ولعل أخطرها هي “الورقة الشيعية” في مقابل عالم مترامي الطراف من المسلمين السنة‪ ،‬ولكنه‬
‫عالم مشتت ومقسم ل يخضع لي مرجعية حاكمة‪ ،‬أو دولة مركزية تستطيع أن تواجه “الغزو الشيعي”‪،‬‬
‫أو “الهلل الشيعي”‪ ،‬كما عبر عنه أكثر من مسؤول سياسي وشخصية دينية من السنة في إشارة إلى‬
‫تنامي الدور اليراني‪.‬‬
‫وفي الواقع لم تكن أي دولة عربية سنية قادرة على مواجهة “الخطر اليراني”‪ ،‬وحتى المراهنة على‬
‫بعضها سرعان ما كان مجرد سراب‪ ،‬فمصر مثل القوة العربية الولى‪ ،‬انكفأت داخل حدودها لسباب‬
‫يراها البعض غير مفهومة‪ ،‬والمملكة العربية السعودية اختارت التركيز على حماية أمنها الداخلي من‬
‫“إرهاب” قد يتسرب من العراق والحدود الخرى‪ ،‬فيما غرقت باكستان الدولة النووية السلمية السنية‬
‫الوحيدة في مشاكلها القتصادية والسياسية وجرتها “الحرب المريكية على الرهاب” إلى حقل ألغام‬
‫من الزمات السياسية والتناحر مع القبائل قد يبعدها لسنوات عن اللتفات إلى ما حولها‪.‬‬
‫في ظل هذا المشهد‪ ،‬استيقظت تركيا وارتفع منسوب الحتمالت لتكون هي المرشحة القوى لمقابلة‬
‫ايران فكرا ونفوذا واستقطابا للعالم العربي‪ ،‬خصوصا وأن التراك في ظل حكم حزب العدالة والتنمية‬
‫بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان‪ ،‬وقبله رئيس الجمهورية الحالي عبد الله غول‪ ،‬تجرعت‬
‫بمرارة تداعيات احتلل العراق‪ ،‬كما تأذت تركيا شديد الذى من الدور اليراني المتهور ومن محاولته‬
‫مصادرة العراق والدول العربية ذات الطائفة الشيعية لخدمة مصالح طهران‪ ،‬لغير‪.‬‬
‫وتعلم تركيا وإيران أن ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما‪ ،‬فعلى الرغم من عدائهما للكراد‪ ،‬إل أن ايران لها‬
‫أجندة خاصة في هذا السياق‪ ،‬من خلل المناورة وفق مبدأ “فرق تسد”‪ ،‬وتركيا لن تنسى أنه منذ‬
‫احتلل العراق كانت ايران تعتمد “الورقة الشيعية” في الدعوة لتفتيت العراق إلى أقاليم مذهبية‬
‫وعرقية وهو ما يوفر فرصة ذهبية لكراد العراق ليقيموا دولة حقيقية غير معلنة‪ ،‬بما يهدد مصير الدولة‬
‫التركية نفسها‪.‬‬
‫وتؤشر التطورات المتلحقة‪ ،‬أن أنقرة وطهران تتجهان إلى تنافس قد يقودهما إلى تصادم بين‬
‫المصالح‪ ،‬وكلهما يريد أن يحشد ما أمكن له من النصار من العالم العربي‪ ،‬وهذا ما يفسر في جانب‬
‫كبير منه ازدياد اقتراب تركيا من العرب‪ ،‬وقد وفر العدوان السرائيلي الخير على قطاع غزة‬
‫الفلسطيني غطاء سميكا لظهور تركيا كقوة إقليمية تدافع عن مصالح المنطقة وشخصيتها‪ ،‬بلغة‬
‫مختلفة وناعمة‪ ،‬مناقضة تماما للغة التي تستخدمها ايران‪.‬‬
‫وبينما تسلحت ايران بسياسة شق الصف العربي‪ ،‬ومحاولت اليقاع بين الدول العربية من خلل ايقاظ‬
‫النعرات الطائفية‪ ،‬لتحقيق مصالح استراتيجية لها تتعلق بحضورها في المنطقة على المدى البعيد‪،‬‬
‫مالت تركيا إلى سياسة مرنة تحاول أن تستقطب العالم العربي بجانبيه الرسمي والشعبي‪ .‬ويوضح‬
‫أحد المراقبين في المنطقة الفرق بين السياستين اليرانية والتركية فيؤكد أن “إيران أتت بواسطة‬
‫الحرب وأدواتها البشرية والعسكرية‪ ،‬أما تركيا فرغم أن أدواتها البشرية والعسكرية حاضرة فإن بعدها‬
‫السياسي مختلف عن البعد اليراني‪.”..‬‬
‫لقد جّرت السياسة اليرانية في السنوات الخيرة تركيا إلى حلبة الصراع‪ ،‬على الساس المذهبي‪،‬‬
‫ورغم أن معظم الدول العربية ل تقدم نفسها على أنها “دول سنية” في مقابل “دولة شيعية”‪ ،‬إل أنها‬
‫اضطرت أمام تمادي طهران إلى العزف على هذا الوتر لستنفار أكثر ما يمكن من القوى‪ ،‬حتى‬
‫استجابت أنقرة من وراء الحدود الشمالية للوطن العربي لهذا النفير‪ ،‬وبدأ ُيلحظ تقارب مثير بين أنقرة‬
‫وعواصم عربية كبرى‪ ،‬لن أنقرة تعلم حق العلم أنها لن تكسب العالم العربي دون سياسة مختلفة عن‬
‫منافستها ايران‪ ،‬وهي لن تستطيع فعل أي شيء دون مساعدة مصر والسعودية أكبر دولتين سنيتين‬
‫في المنطقة‪ ،‬حيث تلتقي المصالح الدينية والدنيوية للبلدان الثلثة وبلدان أخرى أيضا‪.‬‬
‫وضمن سياستها لستنهاض العالم السني تعمل تركيا‪ ،‬وفق منهج يتفادى صناعة الخصوم‪ ،‬مثلما فعلت‬
‫ايران‪ ،‬فـ “تركيا الجديدة” تحت سلطة “حزب العدالة والتنمية” السلمي أصبحت تنظر إلى المنطقة‬
‫العربية نظرة مختلفة عن “تركيا العلمانية”‪ ،‬التي كانت ترى في المنطقة “إقليما متخلفا”‪ ،‬بينما تندفع‬
‫هي بأقصى قوتها نحو النضمام إلى التحاد الوروبي دون أن تحقق أي تقدم‪ ،‬لكن “تركيا الردوغانية”‬
‫بوجهها السلمي المعتدل وفي عودتها إلى “الشقاء السنة” تعمل على كسب التأييد لطروحاتها‬
‫القليمية بخصوص القضايا الشائكة‪ ،‬ومنها على الخصوص الصراع العربي السرائيلي على مساراته‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫أما على المستوى الداخلي‪ ،‬فإن “تركيا الجديدة” بدأت تتآكل فيها المبادئ العلمانية‪ ،‬من خلل تنامي‬
‫الوعي بضرورة الحضور الديني في العمل السياسي‪ ،‬وهذا المبدأ يعبر عنه أكثر من حزب في تركيا‬
‫اليوم ابتداء من حزب الرفاه الذي أطاح الجيش بزعيمه نجم الدين أربكان من رئاسة الحكومة عام‬
‫‪.1996‬‬
‫في ذلك الوقت كانت الحزاب السلمية ذات حضور محتشم‪ ،‬أما الن فيكاد السلميون السيطرة على‬
‫الحكومة والمعارضة أيضا‪ ،‬إذ نجد في مواجهة حزب العدالة والتنمية المعتدل الحاكم‪ ،‬حزب‬
‫“السعادة”‪ ،‬وهو حزب إسلمي "محظور" أكثر تشددا من حزب أردوغان‪ ،‬وقد بدأ في الشهر الخير‬
‫ينشط بقوة‪ ،‬وللدللة على ذلك أنه استطاع خلل العدوان السرائيلي على غزة أن ُيسّير أكبر‬
‫التظاهرات التركية المنددة بالعدوان‪ ،‬كما ينظر حزب “السعادة” إلى الفلسطينيين كإخوة في الدين‬
‫والمذهب تجب مناصرتهم ومقاطعة عدوهم "إسرائيل"‪ ،‬وهذا الحزب سيكون منافسا قويا لحزب‬
‫العدالة والتنمية في أي انتخابات‪ ،‬إذا رفع الحظر عنه‪ ،‬وهذا ما يخشاه حزب أردوغان الحاكم‪.‬‬
‫كل هذه المؤشرات تجعل سياسة تركيا القليمية تتحرك بقلق تجاه أي قوى يمكن أن تهدد ولو من بعيد‬
‫مصالحها‪ ،‬وكان الدفاع التركي المستميت على شرعية حماس وأحقية مقاومتها لسرائيل يصب في‬
‫هذا الباب‪ ،‬إذ أن أنقرة تخشى من أن تنضم حماس إلى محور إيران‪ -‬حزب الله‪ ،‬لتتحول القضية‬
‫الفلسطينية إلى ورقة سياسية تلعب بها إيران لتحقيق هيمنتها السياسية على المنطقة‪ ،‬وتحرم بالتالي‬
‫تركيا من عالمها الذي حلمت به منذ سقوط التحاد السوفياتي‪.‬‬
‫في بداية التسعينيات لم يخف تورجوت أوزال مؤسس حزب الوطن الم ذي المبادئ السلمية طموحه‬
‫في إقامة عالم تركي على أنقاض جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة لقامة عالم تركي‬
‫يمتد ّ من بحر إيجه حتى الحدود الصينية‪ ،‬في محاولة استباقية لمنع المتدادات اليرانية هناك‪ ،‬ولكن إذا‬
‫كان أوزال "المهادن للعلمانية" أسقط من أوراقه العامل المذهبي لبناء القوة التركية‪ ،‬إل أن تركيا‬
‫أردوغان ل تستحي من تقديم نفسها كدولة إسلمية تطمح لتكون عاصمة “العالم السني” في مقابل‬
‫ايران زعيمة” العالم الشيعي” وممثلته الوحيدة‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬العرب أون لين‬

You might also like