Professional Documents
Culture Documents
CaImness
By H . H PoPe shenauda III
الكتاب :الهدوء
المؤلف :قداسة البابا شنوده الثالث .
الطبعة :الثالثة نوفمبر 1990
المطبعة :النبا رويس } الوفست العباسية – القاهرة .
رقم اليداع بدرا الكتب 1986 /15153 :م.
حضرة صاحب القداسة والغبطة
شنوده الثالث
والعجيب أن النسان فقد هدوءه ،وهو ل يزال في الجنة وذلك بعد أن أخطأ ..
لما أخطأ خاف ،واختبأ وراء الشجار ..ولما أخطأ خجل ،وخاط له من أوراق التين ما يستر عريه .وطرد ال آدم
وحواء من الجنة .
ثم كانت خطيئة قايين ،لما فقد هدوءه القلبي بسبب حسده لخيه هابيل .وتطورت مشاعره الداخلية إلي أنه } قام
علي أخيه وقتله {}تك .{8:4
ولما قتل قايين أخاه ،فقد هدوءه إلي البد ،فعاش تائها ً وهاربا ً في الرض {
تك .}12:4خائفا ً من الله والناس
}تك .{14:4
بدأت تعصف به المراض النفسية من خوف وقلق وإضراب .وكان عينة لهذه المراض ،ومقدمة لدخولها إلي
الطبيعة البشرية .وزاد علي خوف قايين من ال ،خوفه من الناس ،وأيضًا صيحته المرة } :ذنبي أعظم من أن
يحتمل ..فيكون كل من وجدني يقتلني {}تك .{13،14 :4
وكان قتل قايين لهابيل مقدمة للحروب التي إجتاحت الرض فيما بعد ،ومعها
فقد العالم هدوءه ..
ل أيضًا .وقد اعترف بذلك لزوجتيه .وقال } إنه ينتقم لقايين سبعة أضعاف } لمك { الذي من نسل قايين ،كان قات ً
وأما للمك فسبعة وسبعين {}تك .{23،24 :4
وهكذا دخل النتقام إلي الرض .وامتل العالم شرًا ،وفقد هدوءه .ووجد في الرض } طغاة { و} جبابرة {
}تك …{4:6وأغرق ال العالم الصاخب بالطوفان …
ً
وبعد الطوفان } ولد نمرود ،الذي إبتدأ يكون جبارا في الرض { تك .} 8:10
وتفرقت الشعوب في الرض بعد برج بابل }تك .{9:11وقامت النزاعات بين المم .فسدت الطبيعة البشرية وفقدت
هدوءها .وشجع علي ذلك التنافس والتنازع بين الناس .حتي أنه بسبب تخاصم الرعاة علي الرض المعشبة ،
نسمع عن رجلين قديسين هما إبرام ولوط أنه } لم تحتملهما الرض أن يسكنا معًا {} تك .{6:13
أنها قصة مأساة :تحول بها النسان من عمق الهدوء إلي الل هدوء ..
فما هو الهـــــــــدوء ؟ وما عناصره ؟ وما نتائجه ؟
وما الفضائل التي ترتبـــــــــــــــــــط بالهدوء ؟ وتفقـــد بفقده ؟
وكيف يمكن للنسان أن يحصل علي الهدوء ،ويستمــــر فيه ؟
هذا وغيره ما نود أن نعرض له في هـــــــذا الكتاب الصــغير ..
الهدوء يشمل حياة النسان كلها ،في الداخل والخارج ،ما ظهر منها وما أستتر .وهكذا يشمل :
* الهدوء الداخلي :ويشمل هدوء النفس ،هدوء القلب ،هدوء الفكر .
* هدوء الجسد :ويشمل هدوء الحواس ،وهدوء الحركات .
* هدوء العصاب :ويشمل هدوء الملمح ،وروح البشاشة .
* هدوء الكلم :ويشمل أيضًا هدوء الصوت .
* هدوء التصرف :ويشمل الهدوء في الحياة العملية والسلوك الخاص ،وهدوء الحلول فيما يصادف
النسان من مشاكل.
*ل يمكن أن نحكم علي إنسان بأنه هادئ ،إل إذا حدث إختبار لهدوئه ..
فقد يبدو النسان هادئًا ،لن الظروف الخارجية التي حوله هي الهادئة .ولم تحدث مشكلة أو إثارة تختبر هدوءه .
وربما لو اصطدمت به يظهر علي حقيقته ،إن كان هادئًا أو ل ..
فإن إصطدم مع شخص آخر في الرأي ،أو في التصرف ،أو أن أصابته إهانة
أو أصابه أذى ،أو تعرض لكلمة ،جارحة ،حينئذ من تصرفه يمكن الحكم علي
هدوئه ..
ونفس الوضع إن وقع في مشكلة ما ،أو في ضيقة ،أو تعرض لمرض ،أو أن واجهته صعوبة ما ..فإن هذا كله
يكون إختبار لنفسيته ،وإختبار لعصابه :كيف يسلك ؟ وكيف يتصرف ؟ وهل يفقد هدوءه ،أو يحتمل ويحل مشكلته
بهدوء …؟
هذا هو أول إختبار للهدوء الحقيقي ،لن كل إنسان يمكنه أن يكون هادئًا في الظروف الهادئة .
* أما الختبار الثاني ،فهو مدي الستمرار في الهدوء فلهدوء الحقيقي هو
هدوء دائم ،كشيء من الطبع .
فل يهدأ إلي فترة زمنية ،ثم يفقد بعدها هدوءه ،ويتغير أسلوب تماسكه أمام المشاكل .فالهدوء الحقيقي ليس هو
مجرد تدريب للحتمال في مدي معين ،إنما هو الطبيعة الهادئة ،التي تستمر في هدوئها ،مهما طال الزمن ،ومهما
تغير الحال ..
الهدوء الحقيقي ليس ستارا تختفي وراءه طبيعة غير هادئه ،تكشفها الحداث ً
…!
فالنسان الهادئ بطبعه ،ل تضره المشاكل والصطدامات ،بل علي العكس تظهر ما فيه من رحابة الصدر ،ومن
وداعة وطيبة قلب .
القديس بولس الرسول كان يعيش في أجواء صعبة } في شدائد ،في ضرورات ،في ضيقات ،في ضربات ،في
سجون …{ ومع ذلك قال في مقدمة كل هذه } :في صبر كثير {}2كو .{4،5 :6وقال بروح اليمان } :لذلك ل
نفشل .بل وإن كان إنساننًا الخارج يفني ،فالداخل يومًا فيومًا {}2كو .{16:4وأطلق علي كل مشاكله ومتاعبه
عبارة } خفة ضيقاتنا الرضية {}2كو .{17:4
* والهدوء الحقيقي ليس هو الهدوء الظاهري ،بل الداخلي .
فل يكون هادئًا من الخارج فقط ،بينما في داخله بركان ثائر .بل علي العكس يكون هدوؤه الداخلي هو منبع وسبب
هدوئه الخارجي .ولعلنا سنتكلم عن هذه النقطة بشيء من التفاصيل حينما نتحدث عن هدوء القلب .
- 4وهناك فرق بين الهدوء الحقيقي ،والبرود الذي قد يكون أحيانا ً برودا ً
مثيرا ً … !
فالنسان الهادئ المحب الهدوء ،ل يكون فقط هادئًا وإنما أيضًا يحاول أن يهدئ غيره ،ويشيع الهدوء فيما حوله
ل ،ويرد بهدوء شديد ،أو ببرود ل منفع ً
وذلك لنه قد يحدث أحيانًا أن شخصًا قوي العصاب يمكنه أن يحتمل زمي ً
شديد ،بأسلوب يثير أعصابه بالكثر ،فيزداد إنفعاله ،ويقابل هو هذا النفعال بمنتهي الهدوء أو البرود ،متفرجًا
ل منه مجال نقد للحاضرين … عليه ،جاع ً
كل ،ليس هذا هو الهدوء في معناه الروحي .
فالنسان الروحاني الهادئ ،ل يحطم غيره بهدوئه !
إن أخاه المنفعل هو وديعة في يديه ،يحافظ علي أعصابه ،وعلي سمعته ،ويحاول أن يوصله إلي الهدوء هو إلي
هو أيضًا .وبالتالي ل يثيره .لن محب الهدوء ،يريد الهدوء لغيره كما يريده لنفسه ..ول يجعل شيطان المجد
الباطل يحاربه بهدوء زائف ،يكون فيه خصمه هائجًا وثائرًا ،ويكون هو قد أفرح الشيطان بهذا الهياج من خصمه
وهذه الثورة !
إن النسان الناجح ،ل يفرح روحيا ً بسقوط غيره .
بل إنه في هدوئه ،يشيع الهدوء علي الكل .ويجعل لقاءه بغيره هادئًا ،سواء من جهته هو ،أو من جهة هذا الغير .
وإن وجد غيره هائجًا ،يهدئه بالجواب اللين }أم .{1:15وليس بالجواب المثير …
_5النسان الهادئ قد يكون هادئا ً بطبيعته ،قد ولد هكذا .وقد يكون هدوؤه
مكتسبا ً .
والهادئ بطبيعته ل يبذل جهدًا لكي 0يصل إلي الهدوء ،لنه ينفر من كل ما هو غير هادئ .أما الهدوء المكتسب ،
فهو يحتاج إلي جهد ،وإلي شئ سنعرض لها في حينها إن شاء ال .وكل جهد في الوصول إلي الهدوء ،له مكافأته
وأجره .
ومثل هذا الشخص قد يصل إلي الهدوء تدريجيًا .فإن وصل ،ل يعود يبذل جهدًا ،بل يكون ثابتًا وراسخًا في حياة
الهدوء ،وله فيها خبرات ..ولذلك فإنه يحافظ علي هذا الذي اقتناه بتعب ،وبمعونة كبيرة من النعمة .
وكمثال للهدوء الذي ينال بالتدريب ،القديس موسى السود .
إنه لم يولد هكذا ،بل كان في بدأ حياته قاسيًا قتاًل .ولما دخل في حياة الرهبنة ،أخذ يدرب نفسه علي الهدوء حتي
اتقنه .لدرجة أنه لما دعي لسيامته قسًا ،وأمر البابا بطرده لختباره ،خرج القديس موسى السود في هدوء وهو
يبكت نفسه ،دون أن ينزعج من الداخل .ولما سمحوا له بالرجوع ،عاد وهو هادئ ،دون أن يشعر بحرج في
كرامته …
لذلك لم يكن غريبًا أن يراه أحد القديسين في رؤيا ،والملئكة تطعمه شهد العسل .
وأنت ،إن كنت غير هادئ الطبع ،ل تحتج قائل ً ماذا أفعل ؟! ولدت وطبيعي
هكذا ! ..
حتي إن كنت قد ولدت هكذا ،أو ورثت عدم الهدوء عن أب أو أم ،فليس هذا بعذر .تستطيع أن تغير هذا الذي قد
ورثته .فالذي لم ينل الهدوء الطبيعي ،يمكنه أن ينال الهدوء المكتسب ..ويدرب نفسه عليه ،ويجاهد لكي يقتنيه ..
فالطباع التي يولد بها أي شخص ،ليست بالمر الثابت غير قابل للتغير ،فما أسهل أن تتغير إن وجدت النية الطيبة ،
والعزيمة الصادقة ،والتعب والجهاد ..حينئذ يمنحك الرب قلبًا جديدًا ،وينزع منك قلب الحجر ويعطيك قلب لحم ،
الرض }مت .{5:5الرض هنا وفي السماء ..يكسبون محبة الناس علي الرض بوداعتها وهدوئهم ،كما يكسبون
أرض الحياء أيضًا }مز .{13:27
ً
-2وهكذا ترتبط فضيلة الهدوء بالسلم أيضا :
فالنسان الهادئ يكون دائمًا مسالمًا .والنسان المسالم يكون أيضًا هادئًا .والهادي } ل يخاصم ول يصيح ،ول
يسمع أحد في الشوارع صوته { كما قيل عن السيد المسيح }مت .{19:12لذلك يعيش مع الناس في سلم ،لنه ل
يتشاجر مع أحد ،ول يرفع صوت علي أحد ،ول يحل مشاكله مع الناس بالعنف ،وإنما بالهدوء .
إن السلم قد يفقد بين عنيف وعنيف .ولكنه ل يفقد بين عنيف وهادئ ،لن
الهادئ يحتمل العنيف .
وكما قيل إن النار ل تطفئها نار ،بل يطفئها الماء ..وإن كان الهادئ يستطيع بهدوئه أن يسالم العنيف ،فمن باب
أولي يمكن أن يوجد السلم بين اثنين هادئين .
كذلك الهدوء هو مظهر من مظاهر السلم الداخلي ،وهو أيضًا سبب يؤدي إليه .فالذي يحتفظ بهدوئه ،يحتفظ
بسلمة الداخلي .
-3العلقة بين الهدوء والوداعة ،علقة بديهيه :
إذ أن الهدوء هو فرع من فروع الوداعة ،أو مظهر من مظاهرها ،حتي أن اسميهما قد يتبادلن المواقع .فحينما
تتكلم عن الهادئ تتكلم عن الوديع .وحينما تتكلم عن الوديع تتكلم عن الهادئ .والنسان الذي يفقد هدوءه ،ل شك
يفقد وداعته إذن حينما تتكلم عن العلقة بين الهدوء والوداعة ،إنما نتكلم عن العلقة بين الجزء والكل .
-1العلقة بين الهدوء والعمق :
النسان الهادئ يمكنه بهدوئه أن يصل إلي العمق ،إن كانت له موهبة التأمل ..ولكن ل يشترط أن يكون كل هادئ
عميقًا .إنما الصح أن نقول إن كل إنسان عميق يكون هادئًا … وهنا تعجبني عبارة قالها أحد الدباء الروحيين .
ولعلني كررتها عليكم أكثر من مرة وهي .
" حينما رمي بي الله حصاة علي بحيرة الحياة ،أحدثت فقاقيع علي سطحها ،
ودوائر ل حصر لها .ولكنني حينما وصلت إلي القاع ،صرت هادئا ً ".
كذلك المواج تكون صاخبة علي سطح البحر ،أما عمق البحر أو عمق المحيط ،فيكون هادئًا ..وهكذا النسان فإنه
في فترة طياشته ،وفترة الحياة السطحية غير العميقة ،يريد أن يحدث فقاقيع علي سطح الحياة ودوائر ل حصر
لها .ولكنه حينما يصل إلي السن الناضجة ،وإلي الفكر العميق ،يصير هادئًا …
النسان السطحي عير العميق ل يكون هادئًا ،بل يجول باحثًا عن ذاته ،أو محاوًل أن يحقق ذاته ،هنا وهناك !
-2هنا واجب أن أفرق بين العمق والذكاء وعلقة كل منهما بالهدوء .
بعض الذكياء يكون الذكاء عندهم مجرد قدرات عقليه .ول تكون نفوسهم ول قلوبهم في نفس مستوي عقولهم ،فل
يصلون إلي العمق بمعناه الكامل ،أقصد العمق في الفكر وفي القلب وفي النفس وفي الروح .
فليس كل ذكي عميقا ً .ولكن العميق يكون ذكيا ً .
والذكي بدون عمق ،قد يقع في أخطاء تفقده هدوءه .
ربما يفهم الذكي ما ل يفهمه غيره ،فيستصغر هذا الغير ويشبعه لومًا وإنتهارًا ؟ ،وإن كان يعمل معه أو تحت
إمرته ،ويفقد الهدوء في تعامله معه .وربما لذكائه يكتشف كثيرًا من أخطاء الناس ،فيثور عليهم ،أو يتضايق في
داخله من أخطائهم ،وهكذا يفقد هدوءه من الداخل ومن الخارج .
إن الذكاء -مجرد الذكاء -له حروبه وله متاعبه ،إن لم يكن مصحوبا ً بالوداعة
والتضاع ..
وهكذا إن كان العقل صخابًا ومتعاليًا ،فقد هدوءه .وإن تكبر العقل واعتز بذاته ،فقد الهدوء والسلم في علقته مع
ال ومع الناس .فعلي كل من يهبه ال ذكاء ،أن يصلي ليهبه ال وداعة وتواضع قبل ،حتي ل يقع الذكاء في
الغرور ،والغرور يفقده الهدوء .
-6علقة الهدوء بفضيلة التضاع :
قال القديس دورثيئوس } :النسان المتواضع ل يغضب أحدًا ،ول يغضب من أحد { .إنه ل يغضب أحدًا ،لنه يطلب
بركة وصلة كل أحد .وهو ل يغضب من أحد ،لنه باستمرار يأتي بالملمة علي نفسه في كل شئ .ومن كان هذا
شأنه ،يعيش في هدوء مع جميع الناس .فإن فقد إتضاعه ،يفقد هدوءه .
كذلك المتواضع ل يفقد هدوءه بسبب الرغبات والسعي وراءها ،لنه ل يري نفسه مستحقًا لشئ ،ول يجب أن يرتفع
عن الوضع الذي هو فيه ..
- 7علقة الهدوء باليمان والتسليم :
الذي يحيا حياة اليمان ،يعيش في هدوء مسلمًا بالكلية ل ،ويقبل كل شئ بإيمان من يديه الحانيتين ،فل يضطرب
لشئ ول يتضايق ،بل يكون هادئًا باستمرار يقول مع داود النبي }:وإن قام علي جيش ،ففي ذلك أنا مطمئن {.
باليمان يقول {:كله للخير } .وأن حاقت به مشكلة ،يؤمن أن الله سيحلها ،
لذلك يبقي قلبه هادئا ً ،وإن أتعبته الضيقات يقول {:مصيرها تنتهي } ،فيهدا ً
قلبه ..
وبعكس ذلك من يبعد عن حياة اليمان والتسليم ،تتعبه أفكاره ول يهدأ ابدًا .وإن ألمت به المشاكل ترهقه أرهاقًا ،
لنه ل يضع أمامه معونة تأتي من فوق .
ومن الناحية الخري فإن الذين ل يحبون حياة اليمان يحاولون أن يكونوا سببًا لتعكير هدوء غيرهم ،بما يجلبونه
عليهم من إيذاء وإضرار .
- 8علقة الهدوء بالحياة مع الله .
ما أجمل قول القديس أوغسطينوس في كتاب إعترافاته ،مخاطبًا الرب بهذه العبارة الجميلة العميقة :
{ سيظل قلبي مضربا ً ،إلي أن يجد راحته فيك } .
ذلك لن هدوء القلب ليس مصدره العالم وشهواته ورغابته إنما مصدره ال وحده .فكل من يعيش بعيدًا عن ال ،ل
يمكن أن يحيا في هدوء ،ويظل قلبه مضربًا تعصف به الهواء ،إلي أن يعرف ال ويذوق حلوة العشرة معه .
وحينئذ فقط يجد الهدوء والسلم ،كمسافر في بحر مضطرب وصل إلي ميناء المان ..
لشخص غير الهادئ نفسيا ً ،يضع هموم الدنيا كلها فوق رأسه .وتصيبه
مشاكل كثيرة .
يقفد سلمة الداخلي ،ويقع في القلق والضطراب النفسي ،مع ما في كل ذلك من أتعاب .
وقد يقع أيضًا في الكآبة والحزن والضطراب ..
وقد يصاب نتيجة لذلك بأمراض عديدة :منها تعب أعصابه فقدان الهدوء يسبب توترًا في العصاب .وتوتر
العصاب يفقد النسان هدوءه .وكلهما سبب للخر ونتيجة .
والنسان غير الهادي عصبيا ً ،يضر نفسه صحيا ً وفكريا ً وإجتماعيا ً .
إنه يفقد شخصيته ،ويفقد إحترام الناس له ..
المدرس الهادي الحازم محترم من تلميذه .أما الذي يثور علي تلميذه ويضج ،مهددًا ومتوعدًا ،أو شاتمًا
وموبخًا ،فهذا يفقد إحترامهم له ،وقد يصبح العوبة في أيديهم :متي أرادوا أن يثيره يمكنهم إثارته ..
وكذلك الم التي تعامل أطفالها بالصراخ والنتهار والزعيق ،وبالضرب أو التهديد ،وتظن أنها بهذا السلوب
تربيهم !! هذه تفقد أعصابها ،وايضًا تفقد محبتهم .وتصبح حياتها ضجيجًا مستمرًا ،وصراعًا مع الطفال .
والنسان غير الهادئ عصبيا ً ،يفقد سلمه مع الناس .
إنه يغضب عليهم ،فيغضبون عليه وإن فقد هدوءه وثار عليهم ،ما أسهل أن يعاملوه بالمثل ،فيفقد صداقتهم
ومحبتهم ،وقد يفقد إحترامهم ايضًا ،ويتعرض لعداوتهم .ويدخل في سوء علقة مع الناس .
إن فقد هدوءه ،قد يصل إلي الصخب والضوضاء والضجيج .وربما يصل إلي الثورة والعنف .أو في فقدان الهدوء
يبدو عليه الضطراب الخارجي نتيجة لضرابه الداخلي ،وتبدو تصرفاته غير متزنة .
أقل كلمة تعكره ،وأقل تصرف يثيره ،لنه غير هادئ .
وقد يكون له رغبة في النتقام ،وفي الدفاع عن نفسه ؟ وفي إثبات وجوده ،وفي حماية كرامته ،ثأئرًا بغير وصول
إلي نتيجة .وهكذا يصطدم مع الخرين .بينما الهادئ – حتي إذا أثير يرد في هدوء ،ويكسب الموقف في هدوء .
غير الهادي يخسر المواقف ،وتمسك عليه أخطاء ..
وربما يكون هو المتعدي عليه ،ولكنه حينما يرد بعنف ويخطئ في الرد ،حينئذ ينقلب الموقف ،ويصبح هو المتعدي
وليس المتعدي عليه !!
ً
أما الهادئ :فحتي إن كان مناقشه ثائرا ،فإنه يهدئه .
وكما قال الكتاب }:الجواب اللين يصرف الغضب {} أم .{1:15وأيضًا } :كلمات الحكماء تسمع في الهدوء ،أكثر
من صراخ المتسلط بين الجهال {}جا .{17:9
وبينما يقع غير الهادئ في خطايا كثيرة ،يقول الكتاب :
{ الهدوء يسكن خطايا كثيرة }{ جا .}4:10
ويقول أيضًا }هدوء اللسان شجرة حياة {}أم .{4:15إننا ل نستطيع أن نحصي الضرار والنتائج السيئة التي تحدث
من معالجة المور بعنف أو بشدة أو بعصبية …وقد يظن غير الهادئ أنه بهذا العنف إنما يعبر عن رجولته وقوة
شخصيته !!
بينما العصبية والعنف ،ل يدلن إطلقا ً علي رجولة أو علي قوة شخصيته .
ودئمًا الهادي هو الشخص القوي ..أقوي لنه إستطاع أن يتحكم في اعصابه وفي ألفاظه .وأقوي لنه إرتفع فوق
مستوي الثارة فلم تقو عليه ..وايضًا لنه في هدوءه يمكنه أن يتحكم في الموقف ،وأن يفكر في حل الشكال بدون
إنفعال .ولهذا قال الرسول }:يجب علينا نحن القوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء {}رو .{1:15
انظروا أيضا ً إلي السماء في هدوئها ،وكذلك الملئكة وأرواح القدسيين ..
إنها مثال عجيب للهدوء .وكل الملئكة الذين ينفذون أوامر ال بسرعة عجيبة وفي هدوء عجيب .وقد وضعوا
أمامهم عبارة } تكن مشيئتك { .وأيضًا يعمل الملئكة علي الرض معنا ومن حولنا ،بهدوء عجيب حتي أننا قد ل
نشعر وبعملهم ومع ذلك } ألبسوا جميعهم أرواحًا خادمة ،مرسلة للخدمة لجل العتدين أن يرثوا الخلص{}عب
.{14:1وبنفس الهدوء تعمل معنا أرواح القديسين .لقد تعلموا الهدوء من السيد الرب .
تأملوا أيضا ً هدوء السيد المسيح في فترة تجسده علي الرض .
هدوء في الرد علي معرضية من الكتبة والفريسيين والصدوقيين والكهنة وشيوخ الشعب ..والهدوء العجيب الذي
كان يقابل به تحدياتهم وشتائمهم وإتهاماتهم الباطلة له ..وكيف كان يرد عليهم بموضوعية وبإقناع ،دون أن يثور
علي ألفاظهم الجارحة ،وهو يقولون له }:السنا حسنًا نقول إنك سامري وبك شيطان {}يو .{48:8أو حينما قالوا
عنه أنه }:أكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة {}مت .{19:11
بل ما أعجب هدوء الرب ،أثناء القبض عليه ..
انتظر تللك الساعة في هدوء ،واستقبلها في هدوء ..في هدوء داخلي ،وفي هدوء خارجي .وقف في هدوء يقول
لهم }:من تطلبون ؟{ } أنا هو { .ومن فرط هدوئه ،رجع الجند إلي الوراء وسقطوا علي الرض }يو .{8-5 :17
في هدوء استقبل قبلة يهوذا الخائن دون أن يجرح شعوره ،بل قال له } :يا صاحب لمناذا جئت {}مت .{50:26
كانت كل تصرفاته في تلك الساعة الحرجة في منتهي الهدوء .
إهتم بسلمة تلميذه ،فقال للجند }:إن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلء يذهبون {}يو .{8:18ولما أراد بطرس الرسول
ل له } :رد
أن يستخدم العنف واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه ،أمره الرب بالتزام الهدوء ،قائ ً
سيفك إلي مكانه .لن كل الذين يأخذون السيف ،بالسيف يهلكون {}مت .{51،52 :26
وأثناء محاكمته ،كان هادئا ً جدا ً ..
} كشاة تساق إلي الذبح ..صامته أمام جازيها ،فلم يفتح فاه {}إش .{7:53وفي مجلس السنهدريم واجهوه بتهم
} أما هو فكان ساكتًا ولم يجب بشئ {}مر .{61:14وأمام شهود زور لم تتفق شهاداتهم ..وأما بيلطس كان هادئًا
جدًا وقف صامتًا .وحينما كان يتكلم ،كانت إجاباته تذهل الوالي حتي قال }:لست أجد عله في هذا البار {.
ولما دفن ،قام من الموت في هدوء عجيب ..
في ساعة لم يعرفها أحد ،وبدون ضجيج ،وبدون إعلن أمام الناس ،وبدون مظاهر عظمة وقوة ..حتي شك اليهود
ل وسرقوه } مت .{13،15 :28ما هذا العجب ؟! يعوزنا الوقت إن تحدثنا في قيامته .وأشاعوا أن تلميذه أوتوا لي ً
عن كل هدوئه ،ولن نستطيع ..
ومن قدرة الرب ،كان هدوء الشهداء أثناء إستشهادهم ...
هدوء عجيب أثناء القبض عليهم ،وأثناء محاكمتهم ،وأثناء تعذيبهم .وفي فترات سجنهم ،وفي ساعة الموت ..بل
كانوا يرتلون ويسبحون ال وهم في أعماق السجون ،كما فعل بولس وسيل ،وهما في السجن الداخلي وأرجلهم
مضبوطة في المقطرة } أع .{24،25 :16
كيف إستقبلوا الموت ،بكل هدوء وبكل فرح .
إنها قصص طويلة متعددة الجوانب ،تعطي صورة مشرقة للنفوس الهادئة ،التي إستمدت
هدوءها من اليمان العميق بالحياة الفضل بعد الموت .أو قد إستمدت هدوئها من روئ
وإعلنات كانت تطمئن النفس علي مصيرها البدي .
أما قصص هدوء القديسين في حياتهم ،فهي عجيبة وطويلة ..
ولكن لعلنا نقدم هنا مجرد إشارات :
قد يولد البعض هادئين بطبعهم أو بطبيعتهم ،وربما ورثوا الهدوء من آبائهم .وغيرهم تدربوا علي الهدوء ،
ومارسوه ،وتعودوا عليه ،فصار لهم طبعًا …
غير أن البعض علي عكس ذلك ،ليس لهم هدوء في طبيعتهم ..طبيعتهم
نارية :
أينما يحل الواحد منهم ،يحل معه التوتر والغليان ،ويسبقه ضجيجة .هو عبارة عن شعلة متقدة ،أينما القيت
أحرقت وأشتعلت ،وتفجر منها الشرار ..
نظراته من نار ،كلماته قذائف ،طلباته أوامر وتهديدات ،ول تقبل التأجيل .
إن الطبيعة الثائرة ،إن وجدت هادئا ً تثيره ..
أما الطبيعة الهادئة ،فإن وجدت ثائرا ً تهدئه .
فيما هي طبيعتك إذن ؟ أهي طبيعة نارية ،أم طبيعة هادئة علي أية الحالت ل يتأس ،ول تستسلم إلي حال أنت فيه ،
حتي إن كنت قد ولدت بطبيعة نارية …
فالطبائع يمكن أن تتغير ،وأن تتدرب علي عكسها .
القديس موسى السود ،في بدء حياته كان له طبع قاس مخيف قتال .فتحول إلي إنسان هادئ ولطيف ،محب للناس
ومحبوب منهم .إنسان مضياف وديع بشوش .
والقديس يوحنا الحبيب ،لم يبدأ حياته هكذا ،إنما كان هو وإخوه يعقوب يلقبان } بوانرجس { أي إبني الرعد
} مر .{17:3ولما رفضت إحدي قري السامرة قبول الرب ،طلب إليه يعقوب ويوحنا أن } تنزل نار من السماء
فتفنيهم { } لو .{54:9ولكن هذا الطبع الناري هذا بالوقت وبعمل الروح ،تحول يوحنا إلي الحبيب الذي يتكلم عن
الحب ..
في موضوع الهدوء ،ما أعظم الفرق بين طبيعة الجذور وطبيعة الغصان
والفروع .
الغصان بطبيعهتا تتماوج مع الرياح يمينًا ويسارًا حسب إتجاه الريح .وقد تحدث في تمايلها صوتًا أو ضوضاء .
أما الجذور فتمتد في الرض في هدوء وبل صوت ،تتغذي وتغذي الغصان الصاخبة أيضًا …
ننتقل من هدوء الطبع إلي نقطة أخري هي :
أما النسان الثائر العصاب ،فإنه ينفعل بسرعة ،ويثور ويصخب ويضج ،وربما لتفه السباب ،أو لغير ما سبب ،
لمجرد شكوكه الداخلية وتصوراته للمور .
الشخص الهادئ العصاب هو إنسان قوي :
لن السباب الخارجية عجزت عن أن تثيره ،بل إستطاعت أعصابه القوية أن تصمد أمامها .وبسبب قوته الداخلية
هذه ينال إحترام الناس وإعجابهم …
أما الثائر الصاخب ،فمهما ثار وضج ،وشتم وهدد ،وبدا وكأنه يخيف غيره ،فإنه ل ينال إحترام أحد .ثورته تدل
علي ضعف أعصابه ،أو ضعف شخصيته …
إن أراد أحد أن يجعله منظرا ً للناس وهزأة ،فإنه يستطيع ..
كمثال لذلك :إن وجد مدرس ضعيف العصاب ل يحتمل خطأ أو إثارة من طالب ،فأن أي تلميذ يستطيع أن يقول
لزميله :أتريد أن أجعلك تتفرج علي هذا المدرس وهو في حالة عصبية ،ليست مخيفة للتلميذ بل هي مضحكة ؟
ويتصرف التصرف الذي يعرف أن المدرس سيثور بسببه .ثم يتفرج عليه !
هدوء العصاب يتعلق بسببين :أحدهما جسدي ،والخر نفسي .
والسباب العضوية التي تتعب العصاب كثيرة ،وليس مجالها الن .ولكننا سنتعرض هنا إلي سبب جسدي كثيرًا
ما يتعب أعصاب الناس ،حتي الفضلء منهم .وهو الرهاق .
إن كان الجسد مرهقا ً بسبب التعب والمجهود الزائد ،حينئذ تكون العصاب
في حالة عدم إحتمال .
نصيحتي لك في هذه الحالة ،ل تدخل في حديث طويل ول في نقاش مع أحد ،وبخاصة مع الذين لهم صلبة
في رايهم وليس من السهل إقناعهم ..ول يصح في حالة الرهاق هذه ألن تثبت في أمرهام أو تتعرض لحل
مشاكل ..وإحترس من الجدل وأنت مرهق ،فربما تفقد أعصابك …
حالة الرهاق يلزمها النوم ،أو علي القل الراحة والسترخاء .وعلي أحبائك أن يلحظوا حالت الرهاق التي تكون
فيها ،فل يدخلوا معك أثناءها في مناقشة أو حل مشكلة .
ومن الوسائل التي تساعد علي هدوء العصاب ،وروح المرح والبشاشة :
فالمرح يوجد في الجسد حالة من السترخاء تريح العصاب .وكل الذين يتصفون بروح المرح ،تكون
أعصابهم هادئة ،ول يتضايقون بسرعة .وربما يقابلون الثارة بفكاهة تضحك مثيريهم أيضًا ،ويهدأ المر .
أما المتزمتون الذين يظنون أن الضحك خطية ،فغالبًا ما تجد أعصابهم متوترة ..والجدية الخشنة التي يقابلون
بها تصرفات الناس ،كثيرًا ما تفقد الجو هدوءه ويتأزم ..
أرجو أن نعود إلي هذه النقطة بمشيئة ال حينما نتحدث عن مسببات الهدوء ..وننتقل حاليًا إلي الحديث عن الضرار
التي تنتج عن عدم هدوء العصاب :
الشخص الثائر العصاب يؤذي نفسه نتيجة لعصابه غير الهادئة ،كما يؤذي
غيره أيضا ً .
يوذي نفسه بأمراض العصاب .وبما ينتج عن إنفعالته وثوراته من أمراض القلب وضغط الدم ،وكذلك المراض
النفسية العديدة .وقد يضطر إلي تعاطي المهدئات والمسكنات والمنومات ،التي تريح أعصابه إلي حين ،ثم يرجع
الشد مرة أخري بدوافع نفسية من الداخل ،ودوافع مثيرة من الخارج ،فيرجع إلي المهدئات … !
وتصبح أعصابه مثل الستك الذي بتوالي شده وإرخائه يفقد مرونته ويتلف ..
ويدخل في دموامة من مشاكل المراض العصبية ،التي يحاول الطب معالجة نتائجها ،بينما الهم هم معالجة
أسبابها .وفي المقدمة القتناع بالهدوء .فالنفس الهادئة ل تصاب بأمراض عصبية ول تحتاج إلي مهدئات لنها
هادئة بطبعها ..
الشخص الذي يتحكم في أعصابه ويهدئها ،يمكنه أن يتحكم في ألفاظه أيضا ً
ول يخطئ .
وكذلك يمكنه أن يتحكم في تصرفاته ،ويكون عنده ضبط النفس .بهذا كله يكسب المواقف ول يخسرها .
لذلك إن وجد إنسان أن أعصابه غير هادئة ،عليه أن يؤجل بعض اللقاءات والجتماعات التي يفسدها عدم
هدوء العصاب .ويؤجل أيضًا إتخاذ القرارات وهو في مثل هذه الحالة .
ومسألة العصاب هذه ،تتعلق بالحياة الروحية بوجه عام .
فالنسان الروحي يدرب نفسه علي الوداعة والهدوء وعدم الغضب ،كما يدرب ذاته علي ضبط النفس والتحكم
في ألفاظه ،وعلي السلم مع الناس .وبالتالي يصل إلي هدوء العصاب .
لذلك يلزم للوصول إلي هدوء العصاب ،معالجة العوامل النفسية الداخلية
التي تؤدي إلي توتر العصاب .
ومن ضمنها الحساسية الشديده نحو الكرامة الشخصية ،والثائر بأقل لفظ يظنه جارحًا له .كذلك موقفه من أخطاء
الخرين ومقابلتها بالعنف ،ومحاولة النتقام لنفسه محافظة علي حقوقه !! كل هذه المور تحتاج إلي موقف روحي
سليم ،وإلي إقتناع داخلي بأنه يمكنه الحتفاظ بشخصيته وحقوقه وكرامته عن طريق الهدوء ..
وعليه معرفة أن ثورة العصاب ،من الخطاء المكشوفة .
فهي نقطة واضحة امام الناس ،تصرخ قائلة إن صاحبها عجز عن حل مشكلته بالعقل والمنطق ،وعجز عن حلها
ل علي أن الشر قد غلبه ولم يستطيع مقاومته ، بالهدوء ،فلجأ إلي العصاب .والذي تثور أعصابه ،يعطي دلي ً
فثار ..بينما يقول الرسول } :ل يغلبك الشر ،بل إغلب الشر بالخير {} رو .{21:12
الثأئر العصاب شخص منهار .والهادئ العصاب إنسان متماسك .
اللسان الهادئ محبوب من الكل .واللسان غير الهادئ يوقع صاحبه في أخطاء كثيرة .وعدم هدوء اللسان له
ل يكفي أن يكون النسان هادئًا من الخارج ،في كلمه وفي أعصابه ،وإنما يجب أن يكون هادئًا في الداخل أيضًا ..
تكون نفسه هادئة ..
وهدوء النفس من الداخل ،ينبع منه الهدوء الخارجي .
أما النفس التي تغلي من الداخل ،فإنها حيثما حلت يحل الغليان ويحل التوتر ،تعيش كشعلة حيثما ألقيت
أحرقت وأنتشرت نارها هنا وهناك ،لدرجة أن أمثال هؤلء الناس إذا دخلوا مكانًا ،يتهامس البعض قائلين :
}يارب استر{.
ولكن النسان الهادئ من الداخل ،نري هدوءه الداخلي يفيض هدوءا ً في
الخارج .
تجد صوته هادئًا ،ومشيته هادئة ،ومعاملته هادئة ،ومناقشانه هادئة ومريحة ..وبهدوئه ل يصيح ول يتشاجر ،
بل تكون علقاته طيبة مع جميع الناس ،إذا ل يلجأ إلي المشادة أو إلي العنف مع أحد ..هذا من جهة الخارج ..
أما في الداخل ،فيتمتع بهدوء الفكر ،وهدوء القلب :
النسان غير الهادي من الداخل ،تجد داخله أفكارًا كثيرة تموج وتطيش ،وتروح وتجئ ،ول تثبث علي حال ،
ففكر يجذبه إلي هنا ،وفكره يشده إلي هناك .وذهنه دائم التغير ،والفكار تؤثر علي نفسه ،لنها غير مستقرة.
وغير الهادئ ،يقاسي أيضا ً من عدم الهدوء في مشاعره :
إنفعالته وأحاسيسه غير هادئة .ورغباته وآماله طائشة غير مستقرة .بجذبها الخيال أحيانًا إلي آفاق عاليه
ل يستطيع الوصول إليها ،ويحطمه الفكر العملي إلي واقعه البعيد عن آماله .ويظل يضطرب بين الرغبة
والواقع .وتضطرب معه إنفعالته ..وقد يقع في إضطرابات نفسيه عديدة ،نذكر أمثله منها :
فالشخص الذي يعيش في قلق ،هو فاقد لهدوئه ..
فالقلق يدل علي هدوء في النفس .والقلق يدفع إلي الخوف .والنسان القلق أفكاره غير هادئة غير مستقرة .
والقلق قد يدعو إلي الشك .والشك ل يجعل النفس هادئة .
والنسان الشكاك ل يكون هادئًا مطلقًا من الداخل ..يسائل نفسه باستمرار هل هو علي حق في شكوكه ؟ وهل من
الممكن أن تكون شكوكه غير حقيقية ؟ وكيف يمكنه أن يتحقق من هذه الشكوك ويثبتها ..وتبقي أفكاره غير هادئة ..
وقد تعذبه نفسيًا وتتعبه .وهذا التعب يذيد من عدم هدوئه ..كما أن الشك قد يتعب الشخص في علقاته مع
الخرين ..
والشك له أنواع .وكلها تفقد الهدوء .
سواء كان شكًا في وقائع أو في اشخاص ..أو شكًا في علقات ..أو كان شكًا في عقيدة أو في ال نفسه .وربما
يكون الشك في مستقبله وما ينتظره فيه ..وفي كل ذلك الشك يكون العقل مضطربًا والنفس مضطربة ..
من هذه المشاعر وما يماثلها ل يمكن أ ،يكون هادئًا .وكذلك أفكاره ..ومما يفقد القلب هدوءه بالكثر :
الرغبات التي تطلب سرعة تحقيقها ،بينما هذه السرعة غير متوفرة في الواقع العملي … فيفقد القلب هدوءه ..
القلب الهادئ يري كل شئ هادئا ً ،فل يضطرب لشئ .أما القلب غير الهادئ ،
فيري في كل شئ
سببا للضطراب .لذلك يضطرب ،ويثير الضطراب حيثما حل !!..
القلب الهادئ ل تزعجه المشاكل الخارجية .وإنما يتقبلها في هدوء ويتناولها بعقل ،ويحللها ،ويفحصها ،
ويحلها في هدوء .ول يسمح للضطراب الخارجي أن يدخل إلي داخل نفسه لكي يعكر صفاءها ..
إنه ل يترك المشكلة تنتصر عليه ،بل ينتصر هو عليها .
يقول لنفسه ،ل أريد أن تزعجني هذه المشكلة ،ول أريدها ان تدفعني إلي الغضب أو النرفزة أو الحزن ..
ول أن تفقدني سلمي .أريد أن هذه المشكلة تبقي خارجي ،ول تدخل إلي داخل نفسى …
القلب الهادئ بحر عميق .قد تطفو المعكرات علي سطحه ول تزعج هدوءه .أما أن هبطت إلي اعماقة ،فإنها
تذوب وتتلشي ….
أما إذا إنزعج النسان من الداخل وفقد هدوءه ،فإنه يعجز عن حل إشكالته ،فتزعجه ،ويظهر عدم الهدوء
في تصرفاته وفي التعامل مع الناس والحداث ..
القلب الهادئ يصلح للعمل الروحي .
أما إذا فقد القلب هدوءه ،فإنه ل يقدر علي التأمل .وإن حاول الصلة تسرح أفكاره .وإن قرأ كتابًا يسرح أثناء
القراءة لجل كل هذا ،كان آباؤنا يبحثون عن الهدوء والسكون لنه في الجو الهادئ ،وفي المكان الهادئ ،يمكنهم
أن يماسوا عملهم الروحي ….
القلب الهادئ يبسط هدوءه علي النسان كله :
هدوء القلب يسبب هدوء الفكر ،وهدوء العصاب ،وهدوء الملمح .وقد تحدثنا من قبل عن هدوء
هناك أشخاض أجسادهم غير هادئة ل تستطيع أن تستقر في مكان واحد .
تريد أن تروح وتجئ ،وتخرج وتدخل ،وتقوم وتقعد .حتي البيت ل تستقر فيه كثيرًا .وإنما لبد من
الزيارات والفسح ونزهة الجسد والنتقال من مكان إلي آخر … هؤلء لهم طياشة في الجسد ..
بعكس الرهبان الذين يتدربون علي هدوء الجسد .
فيستطيع الراهب المتوحد أن يمكث في قليته أيامًا وأسابيع ل يخرج منها ول يتحرك إل لضرورة .وإن تحرك
فيكون ذلك لعمل نافع ..
فرق كبير بينهم وبين الذين يتحركون بل سبب .
حتي إن جلس بمفرده في مكان ،تجد جسده متحركًا باستمرار .فإن تكلم مع أحد تجد يديه تتحركان ،
وقدميه تتحركان ،ورأسه تتحرك .وقد يشير بيده ،وقد يرفع أصبعه أثناء الكلم ،وتهتز يداه في حركات
مستمرة .وقد يتنافس أثنان ،وتنظر إلي أيديهما ،فتجدها دائمة الحركة ،بعكس الجندية التي يتكلم فيها
الجندي وهو في وضع هادئ .فإن حرك يديه يقولون له } :إثبت {.
ل للتعبير عن النفعال الداخلي .ولكنها ل تكون حركة مستمرة ل تهدأ … وفي بعض الحيان تلزم الحركة قلي ً
وما أكثر الذين تدل حركاتهم علي عدم هدوء .
إن دخل أو خرج ،يحدث صوتًا أو ضجيجًا في فتح الباب وغلقه .وإن مشي يحدث صوتًا في مشيته .وإن شرب
تسمع صوتًا له أثناء شربه ..وحتي إن أراد إذابة السكر في كون شاي ،يخيل إليك أنه يدق جرسًا ..ل هدوء في
الحركات علي الطلق .بينما الهادئون يسكنون في مكان ،فل تسمع لهم صوتًا.
وفي البلد الهادئة ،تجد ان المظاهرات نفسها هادئة !
المظاهرات بحسب قواميسنا ضجيج هنا وهناك .تجمهر يسير فيه المتظاهرون يصيحون ويهتفون ،ويلوحون
بأيديهم ،ويقيمون الدنيا ويقعدونها ،وكأنهم في شبه ثورة .أما في البلد الهادئة فتخرج المظاهرة تعبر عن رأيها
بلفتات تحمل فكرها ومطالبها وتنتقل من شارع إلي آخر ،تنقل إليه الفكر بهدوء …
هدوء الجسد يصحبه هدوء الحواس ..
وهدوء الحواس يساعد صاحبه علي هدوء الفكر .
الحواس الطائشة – من نظر وسمع وشم – تجلب أفكارًا والفكار تؤئر علي مشاعر القلب .وهكذا قد يجلس إنسان
في إجتماع ،وعيناه زائغتان تنظران ماذا يفعل هذا وماذا يفعل ذاك .وما أسهل أن ينفعل الشخص بما بيصره
ويسمعه .بل قد يجلس إلي مائدة ،وتتجول عينه لتري ماذا يأكل هذا أو ذاك ،وكيف يأكل ..وتتبع ذلك أفكار …!.
لذلك قال آباء البرية }:إذا دخلت قلية أخ ،فل تبصر ما في داخلها .وإذا جلست إلي مائدة ،فل تبصر عيناك
إل ما هو أمامك فقط {.
تطلع الحواس علي أسرار غيرها ،يسمى زنا الحواس ..
فإذا حاولت الذن أن تسمع ما ليس من حقها أن تسمعه ،يسمي هذا عند الباء زنا الذان .ويدخل في ذلك
التصنت .ويدل علي أن الذن غير هادئة .وكذلك العين التي تحاول أن تبصر ما ليس من حقها أن تبصره ..
إنها حواس غير هادئة ،همها مثل الشيطان } الجولن في الرض والتمشي فيها { } أي .{2:2
والحواس الطائشة غير الهادئة ،تسبب في أثارة العصاب .
وبخاصة الذن التي تجول باحثة عن خبر مثير ،وكذلك العين التي تبحث عن منظر مثير .والفم الذي كثيرًا
ما يسأل }:ما هي الخبار ؟{ ويجلب لذنه ولقلبه ولفكره ما يتعبه و يفقده هدوءه ..
العجيب أن الحواس قد ل تكون هادئة ،حتي أثناء الصلة ! ..
العين تجول هنا وهناك لتبصر ،وتعطل صلتها بال .وكذلك الذن قد تكون حساسة إلي ما يمكن سماعه .وبهذا
يسرح الفكر ،لن الحواس غير هادئة ..تصدر عن جسد غير هادئ ،وفكر غير هادئ .علي أن الجسد قد ل يكون
مشكلته فقط هي الحواس …
فعدم هدوء الجسد قد يأتي بسبب شهواته .
فشغب الجسد قد يأتي بسبب شهوة جسدية تثور عليه ،مثل شهوة الطعام أو شهوة الجسد ،فيفقد هدوءه ،وينتقل
من مكان إلي آخر بيحث عن إشباع شهواته .وكتب الباء تسمي مثل هذه الشهوات أوجاعًا أو ألمًا للجسد .فالجسد
متألم وغير هادئ بسبب الخطية .
وقد يكون عدم هدوء الجسد لسباب صحية .
النسان الهادئ يحل مشاكله في هدوء .وفي أصعب المواقف ل يفقد هدوءه ،بل يتصرف بعقل وإتزان .لذلك تكون
تصرفاته متزنه ومقبولة ،ول تأتي بردور فعل عنيفة .
حتي إن إحتج أو عارض ،يحتج ويعارض في هدوء .
بطريقة موضوعية مقنعة ،يعمل فيها المنطق وليس العصاب .وينجح بهذا في كسب الموقف وفي عدم الصطدام
بمعارضيه ..بينما شخص آخر – إذا إحتج – يفعل ذلك بصخب وضوضاء وصوت عال .ويتهم الطرف الخر
باتهامات قاسية .ويتناول الشخاص ونياتهم ومقاصدهم بعنف شديد ! وما أسهل أن يخطئ في كل هذا ويخسر
الموقف .
اما الشخص الهادئ ،فحتي إن إستقال ،يستقيل بهدوء .
لم يستطيع أن يتعاون مع زملئه ،فينسحب في هدوء ،دون أن يخسرهم ،دون أن يعكر الجو حولهم .ولكن غير
الهادئ أن إستقال ،يريد أن يرج الدنيا باستقالته .وإن لم تحدث ضجة يغضب ويقول }:كيف أستقيل والدنيا ل تزال
دنيا .كيف لم يغضب فلن وفلن لغضبي ؟! وكيف لم يثورا مثلي ؟!{..
الهادئ في تصرفاته ،يكون قدوة لغيره :
يتعلمون منه الهدوء وحسن التصرف ،ويأخذون خبرة في طريقة التعامل مع المشاكل ومع الشخاص المتعبين .
ويذكرون قول الرسول :
} من هو حكيم وعالم بينكم .فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة .ولكن إن كان لكم غيرة مرة وتخرب
في قلوبكم ،فل تفتخروا وتكذبوا علي الحق .ليست هذه الحكمة نازلة من فوق ،بل هي أرضية نفسانية شيطانية .
لنه حيث الغيرة والتخريب ،هناك التشويش وكل أمر درئ {}يع .{16-13 : 3
ويقول القديس بولس في التعامل مع زلت الخرين :
{ اصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة } {غل .}1:6
هناك أسباب كثيرة تفقد النسان هدوءه :بعضها من داخل النفس ،وبعضها من الخارج .وسنحاول أن نتعرض إلي
كل من هذين النوعين .
أسباب من الداخل
منها طبع النسان ،سواء كان طبعًا ناريًا ا ,سوداويًا ،أو له حساسية خاصة .كذلك طريقة تفكير النسان إن كانت
ضده وأعصابه إن كانت مرهقة .تضاف إلي هذا المراض والمحاربات النفسية :مثل الخوف ،والضطراب ،
والكآبة ،والشهوة والغضب .ومن أسباب عدم الهدوء أيضًا :محبة الضجيج .
طبع النسان له أثره الول علي هدوئه أو عدم هدوئه .فهناك أشخاص لهم طبيعة هادئة ،وآخرون لهم طبيعة
ثائرة ،وآخرون بين بين .
ً ً
الطبيعة الهادئة ل تثور .وإن وجدت شيئا ثائرا تهدئه أما الطبيعة الثائرة ،
فإنها تثور حتي من غير سبب !
هذا الطبع الثائر يسمونه } الطبع الناري { .وهو ل يحب الهدوء مطلقًا ،ول يستطيع أن يعيش فيه ،وإن وجد
جوًا هادئاً سرعان ما يشعله ويهيجه ويثيره .
صاحب هذا الطبع ل تجده هادئًا أبدًا .وعدم هدوئه ليس له أي سبب خارجي ،إنما هو ناتج عن طبعه .فهو
دائمًا ساخط هائج متوتر ثائر ..
ً ً
أو قد يكون الطبع سوداويا ،متشائما باستمرار .
ينظر نظرة سوداء إلي كل شئ ،ويتوقع شرًا في كل مناسبة .ويشك في نيات كل من حوله ،كما يشك في
تدابيرهم ،ويتخوف مما يعملون .وقد يصل إلي حالة مرضية يسمونها persecution Complexأي
} عقدة الضطهاد { ..ولذلك فهو يفقد هدوءه بسبب تشاؤمه وتوقعاته الرديئة .
وصاحب هذا الطبع يتخيل لتشاؤمه أسبابا ً متنوعة .
فهو يفقد هدوءه إن كان تاريخ اليوم 13أو مضاعفاته ،سواء في الشهر العربي أو الميلدي ويظل يقول :
} يارب استر { ..أو حيثما يرد هذا الرقم ،في عنوان ،أو بطاقة شخصية ،أو رقم جلوس ،أو رقم عربة
أو رقم تليفون ..أو إذا وصل عمره إلي مضاعفات هذا الرقم .كما يفقد هدوءه إن سمع صوت بومة ،أو
إن قابل شخصًا يتشاءم من لقائه !!..أو شخصًا يرتبط اسمه بحادث سبب له مضيقًا ..وكذلك يفقد هدوءه
إذا تشاءم من قراءة طالعة في باب ،،أنت والنجوم ،،في الجرائد والمجلت …!
وتحاول أن تهدئه فل يستطيع !
إنها أمور راسخة في طبعه ،تسبب له قلقًا باستمرار ،وتعكر هدوءه .ويتغلب فيها الطبع علي التفكير
وعلي القناع .
وقد يفقد النسان هدوءه بسبب حساسية في الطبع .
ل حساس جدًا نحو كرامته أو نحو حقوقه ،أقل كلمة يستشعر منها خدشًا لحقوقه وكرامته أو أقلفإنسان مث ً
تصرف ..تراه يضطرب من الداخل ،وتتأثر أعصابه ،وقد يحتد .وفي كل ذلك يفقد هدوءه الداخلي .
وقد يتصرف بطريقة غير هادئة مع الناس …
هناك إنسان يفكر بطريقة هادئة ،بينما يفكر غيره بطريقة مضطربة أو
وهنا يدخل في الفكر حسن الظن أو سوء الظن .فالذي يفكر في كل ما يحدث وفي كل ما يسمعه بحسن الظن ،يكون
هادئ الفكر من الداخل ،ويجعل المور تمر بسلم .أما إذا أرتكز تفكيره علي سوء الظن ،فإن يفقد هدوءه ،
وتضطرب أفكاره ،وينقله فكر إلي فكر آخر ،في غير هدوءه .
وإلي جوار سوء الظن ،ربما تضطرب أفكاره بسبب الشكوك ،أو بسبب
استنتاجاته التي تتعبه.
وما أكثر الستنتاجات الخاطئة التي تنبع من نفسية قلقة ،ول يكون لها أي ظل من الحقيقة .حتي إنك
قد تقول لصاحبها في إستغراب }:لماذا تفكر بهذا السلوب ؟! لماذا تؤول الكلم إلي هذا التأويل ؟! {.
إنها حالة إنسان أفكاره تعمل ضده !
أسلوبه في التفكير يتعبه .يحتاج إلي أنسان آخر يصحح له مجري تفكيره
ليفكر بطرية هادئة تريحه .
ومن أسلوب التفكير المتعب تضخيم المشاكل :
المبالغة في تقدير المتاعب التي تصادفه ،وافتراض نتائج سيئة وخطيرة ،بخيال خصب في إستنتاج الخطار .
وبهذا يحيا في رعب ويفقد هدوءه ..
بطرس الرسول كان ملقي في السجن ،وكان هيرودس مزمعا ً أن يقتله .
ومع ذلك نام نوما ً عميقا ً حتي أن الملك الذي جاء لينقذه لكزه في جنبه
ليوقظه { أع .}7-3 :12
أما النسان الذي يخاف ويضطرب ،فإنه يفقد هدوءه .
وفي خوفه واضطرابه يعجز عن التفكير الهادئ السليم .
وهكذا تتعقد المور أمامه ،وتبدو بل حل ،فيفقد هدوءه تمامًا .ولستعادة هذا الهدوء ،لبد من معونة
ل .فإن عثر علي الحل ،يقل خوفه ويهدًا … خارجية تسنده ،وتوجد له ح ً
وتنفعه في هذه الحالة :الصلة والمشورة .
ل إلي جوارهبالصلة يشعر بالقوة اللهية التي تحل له مشاكله ،فل يخاف .وبالمشورة يجد قلبًا محبًا عاق ً
يقدم له الحل ويعالجه باليمان ،فل يخاف با يهدأ .
ولعل البعض يسأل عن الذين يخافون من الموت
في الواقع إن الذي يخاف من الموت ،يخاف بالكثر من مصيره بعد الموت ،وإلي أين يذهب .أما المؤمن الواثق
بمحبة ال ،والذي دائمًا يقدم توبة عن كل صغيرة وكبيرة ،فإنه ل يخاف من الموت ،بل يقول مع بولس الرسول :
} } لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح .ذاك أفضل جدًا {} في .{23:1وهكذا نجد أن الشهداء كانوا يستقبلون
الموت بفرح ،وكانوا هادئين جدًا ساعة موتهم ،بل إضطراب .
وهذا ل يمنع أن بعض القديسين كانوا يتكلمون عن الموت بخوف ،من باب التضاع ،حتي ل ترتفع قلوبهم
بسبب برهم وأستحقاقهم للكاليل ..
ما أكثر السباب التي تفقد الجسد هدوءه ،بأن تتعب الحواس ،ونعني بها ما يختص بالمساكن ،والصوات ،
والضواء ،واللوان ،والمواصلت والتليفونات …
المساكن :
إزدحام المساكن في المدينة ،أية مدينة يسبب ضوضاء -1
وصخبا للحواس … ً
وبخاصة في الشوارع التجارية من المدينة ،حيث يزدحم الناس بطريقة عير عادية .وكذلك في الماكن التي تكثر
فيها المصانع والمعامل والجامعات والمدارس و المستشفيات ،أو ما يسمونها } منطقة الخدمات { في المدينة .
و يستتبع كل هذا تعدد طرق المواصلت ،وما تحدثه من -2
أصوات ومن ضجيج ..
وبخاصة في ساعات بدء وإنتهاء العمل في شتى المصالح التي يسمونها The rush Hoursحيث يخرج آلف من
الموظفين والطلبة ورجال العمال ،أما بعرباتهم الخاصة أو في البحث عن التوبيسات وعربات الترام وعربات
الجرة .
وهنا يبدو ضجيج المدينة في عمقه ،مما يتعب محب الهدوء ويفقده هدوء
الحواس .
وقد تتعطل المواصلت من كثرة الزحام ،وبخاصة في المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان وما يتبع كل ذلك من
مشاكل وانفعالت وتعطل مصالح البعض ،وضياع للوقت ..
-3لهذا كله كان البعض يفضل السكني في الضواحي .
ومدينة لندن التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 12مليونًا ،بعض سكانها يفضلون السكني خارج المدينة ،
ل {.
في الضواحي المعروفة باسم الــ } Suburbiaكالمعادي بالنسبة إلي القاهرة مث ً
وعلي القل ،إن لم يستطع الناس السكني في الضواحي ،فإنهم يقضون فيها نهاية السبوع كفترة راحة
وإستجمام ،بعيدًا عن ضجيج المدينة .
والتماسا ً للهدوء ،بعض المدن ل تسمح قوانينها ببناء كل 4
مساحة الراضي السكنية .
ل.ففي بعض المدن ل يسمح لصاحب الرض إل ببناء ثلث أو ربع مساحة أرضه .ويبقي الباقي كحديقة مث ً
وهكذا تبعد المساكن عن بعضها البعض .وتوجد الخضرة التي تساعد علي هدوء العصاب والهدوء النفسي ،
حيث يقل الزحام ،وتقل الضوضاء … وبعض المدن ل تسمح إل بارتفاع محدود للمساكن ،قد يصل إلي 12متر
فقط } ثلثة أو أربعة طوابق {..
أمثال هذه الحياء السكنية هي الحياء الهادئة في المدينة .
ونظرًا لرتفاع ثمن الراضي حاليًا ،ولكثرة السكان ،وأزمة المساكن ،فإن أمثال هذه المساكن المريحة الهادئة
من الصعب أن تتوفر إل للقادرين الذين يحبون الهدوء والسكون ..
وتلفيًا لهذا النقص ،تحاول بعض المدن أن تخصص بعض الراضي داخل المدينة لتكون حدائق عامة
كمتنفس للناس ..
علي أن هذه الحدائق – علي الرغم من نواحيها الجمالية والصحية -إل أنها غالبًا ما تكون مكانًا صاخبًا
من جهة الصوت ،باعتباره مكانًا للترفيه وليس للهدوء ….
من هنا كان محبو الهدوء يلجأون إلي الديرة حيث البرية .5
الهادئة .
وعلي الرغم من هدوء البرية والديرة ،وإل أنه لكثرة زيارات الناس للديرة ،فإنهم يفقدونها هدوءها .لهذا ينبغي
وضع أنظمة حازمة تحفظ هدوء الديرة ،لنه فارق كبير بين أن تأتي رحلة كبيرة من خمسين شخصًا إلي الدير
لمجرد الزيارة والفرحة ونوال البركة ،وتحدث في زيارتها ضجيجًا لعدم تعودها الهدوء ..وبينما يأتي أفراد إلي الدير
لقضاء فترة هدوء وتعبد ،ويقيمون في أبنية خاصة تعرف في الديرة بأسم } بيوت الخلوة {.
وعلي العموم فإن الديرة لحفظ الهدوء ،تحاول أن ،تجمع أماكن الزوار ،بعيدًا عن قللي الرهبان ،وبعيدا
عن بيوت الخلوة ،كما تعود الزوار علي الهدوء ..
ً
اما الرهبان الذين يريدون هدوءا أكثر ،فإنهم يسكنون .6
القللي المنفردة أو المغارات .
وهي أماكن بعيدة عن ضجيج الضيوف ،وحتي مساكن الرهبان .يرتقون فيها إلي درجة من الوحدة
والهدوء ،ول توجد في مجمع الرهبان …
الماكينات:
مما يزعج الهدوء أيضًا الماكينات ،التي وإن يسرت النتاج في العالم ،وساعدت علي نشر المدينة والحضارة ،
إل أنها أفقدته الكثير من هدوئه .
ففقد هدوء الصوت ،ودخل في سرعة أفقدته هدوء العصاب .
الماكينات في عصرنا اللي تعمل بسرعة وبدقة ،تحتاج من العاملين عليها أن يكونوا بنفس السرعة والدقة ،مما
يجعل أعصابهم متحفزة باستمرار ،لئل يحدث خطأ منهم أو من اللة تكون له خطورته ،مما يؤثر علي إنتاجهم
ومعيشتهم وحوافزهم وتقريرهم …
الضواء الشديدة مثيرة وتتعب العين والعصاب .وهكذا فإن الكشافات القوية التي للسيارات تتعب أعين السائقين في
التجاه المضاد .ولعلنا نري أن بعض الشوارع في المدن الكبيرة تضاء بلمبات هادئة بلون خاص
} أصفر تقريبًا {.
كذلك فإن الكنائس حينما كانت تضاء بالشموع ،كان جوها اكثر هدوءًا وهيبة وخشوعًا .من حالها حينما دخلتها
بهرجة الضواء .
تحدثنا عن السباب التي هي ضد هدوء الحواس .ننتقل إلي سبب آخر يعكر الهدوء ،ولكنه :
-1هناك أسباب كثيرة تعكر هدوء النفس منها أخطاء الخرين .
قد يكون تصرفاتهم مؤذية أو مقلقة أو مثيرة تفقد النسان هدوءه .وقد تكون أخطاؤهم موذية .وربما تكون لهم
حروب أو معاكسات أو محاولت للمضايقة .وهكذا قد يفقد إنسان هدوءه ،بسبب جار مشاكس ،أو زميل متعب في
العمل ،أو في الخدمة ،أو بسبب أخطاء أناس تسبب لهم ضررًا ،أو تجعله في حالة حرص مستمر أو حالة توتر
بسبب ما يتوقعه من أخطائهم .
قد يخرج المدرس عن هدوئه بسبب تصرفات تلميذه .وقد يفقد الب أو الم هدوءه بسبب أخطاء البن .وربما
تصرفات أفراد من الشعب تضر بهدوء البلد كله ..
-2وقد يفقد النسان هدوءه بسبب معاشرة غير الهادئين :
فإن عاشر إنسانًا قلقًا أو مضطربًا أو خائفًا ،ربما تنتقل عدوي أخطائه إليه .وينتقل إليه خوف هذا الشخص ،أو
إضطرابه أو بالعكس فإن معاشرة الهادئين تدخل الهدوء إلي النفس .
إن كثيرا ً من النواحي النفسية يمتصها النسان من غيرة ،جيدة كانت أو
ردئية ..
وكما كتب أحد الدباء " قل لي من هو صديقك ،أقول لك من أنت "…
لذلك ليس غريبًا إن داومت الجلوس في مكان فيه سجن ،أن تتسجس نفسك بسبب ما تسمعه من أحاديث الناس ..
وليس بعيدًا إن عاشرت إنسانًا كثير الشك ،إن يسري الشك إلي قلبك وإلي فكرك دون أن تقصد ذلك ..
_3مما يفقد الهدوء أيضا ً :الخبار ووسائل العلم .
ما أكثر ما تقدمه الذاعات والجرائد والمجلت ودور النشر من أخبار مثيرة قد تزعج الناس ،وتؤثر علي تفكيرهم
وأعصابهم حتي ليظن البعض أن العالم قارب أن ينتهي أو أن كوارث توشك أن تحدث .
وقد تتلحق هذه الخبار بسرعة ،حتي ما يفيق النسان سماع خبر ،إل ويلحقه آخر .وهكذا يعيش الناس في
توتر مستمر .وهناك صحفيون يرون أن الثارة هي دليل النجاح في نشر أخبارهم ،فيختارون العناوين المثيرة
والخبار المثيرة بغض النظر عما تحدثه في قلوب الناس من أثر!
ونفس الوضع ينطبق علي الخبار التي يرويها الناس في أحاديثهم ..
أخبار المشاكل والضيقات واللم ،علي مستوي عام ،أو علي مستوي السرة أو الفرد ..وهناك من يروي
بطريقة فيها إنفعال شديد ،ينقله إلي سامعه فينفعل بانفعاله ..
ويعيش الناس في شد وجذب ،من جراء الخبار المتلحقة .
حتي أن من يريد أن يحيا في هدوء ،يحاول بقدر طاقته أن يبعد بقدر طاقته عن الخبار المثيرة ،أو أن يبعد
تأثيرها عليه ….
_4وأهم ما يفقد النسان هدوءه النفسي :المشاكل .
صغار النفوس أقل مشكلة تزعجهم .أما الكبار فقد ينزعجون أمام المشكلة التي تبدو بل حل .فإن وصلوا إلي حل ،
تهدأ نفوسهم .النسان غير الهادي يريد أن يقيم الدنيا ويقعدها كلما صادف مشكلة ..وربما يقول :
" لن أجعل هذا المر يمر بخير " أنا سأعرف كيف أتصرف "!! وقد يكون تصرفه العنيف مشكلة أخري لها
نتائج أسوأ من المشكلة الصلية.
ل ،أو كالروتين أو المشكلة
قد يفقد النسان هدوءه أمام مشكلة خاصة ،أو أمام مشكلة عامة ،كالمواصلت مث ً
القتصادية والغلء .
نذكر نوعًا ثالثًا من السباب التي تعكر الهدوء وهي أسباب :
الخطية تعكر هدوء النسان روحيًا .كما قال الوحي اللهي }:ل سلم – قال الرب – للشرار {} أش .{22:48
}أما الشرار فكالبحر المضطرب ،لنه ل يستطيع أن يهدأ ،وتقذف مياهه حمأة وطنيًا .ليس سلم قال إلهي
للشرار {}أش .{21:57الخاطئ يعيش في صراع داخلي ل يعطيه سلمًا .يفقد هدوءه قبل الخطية في التدبير
والتفكير .وبعد الخطية يفقد هدوءه خوفًا .
خوفا ً من إكتشاف الخطيئة :خوفا من العقوبة ومن سوء السمعة .
ً
قايين فقد هدوءه بعد قتله لخيه هابيل .وقال } :ذنبي أعظم من أن يحتمل { كما قال في خوفه :
} يكون كل من وجدني يقتلني {}تك .{13،14 :4
كذلك فإن السباب التي تعكر الهدوء من الداخل ،تتعلق غالبيتها بخطايا أو نقائص :مثل الشهوة والخوف
وعدم اليمان ….
لذلك فإن النسان الروحي يتصف دائما ً بالهدوء ؟
ففي مقدمة ثمار الروح } محبة فرح سلم { }غل .{22:5ومع الفرح والسلم يوجد هدوء ..
كذلك مما يفقد النسان الخاطئ هدوءه :خوف الدينونة .
.{12:1ويستمعون إن الحاية الفضلى تعطي أولد ال رجاء في أبدية سعيدة ويكونون } فرحين في الرجاء {}رو 2
إلي قول القديس يوحنا الرسول } :إثبتوا فيه .حتي إذا اظهر يكون لنا ثقة ،ول نخجل منه في مجيئه {
} 1يو .{28:2أما الخطاة فإنهم يعيشون في خوف كلما فكروا في أبديتهم ،كما قال القديس بولس الرسول :
{ مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي }{ عب .}31:10
النسان الروحي له علقة طيبة مع الله .أما الخاطئ فهو في خصومة أو في
عداوة مع الله ،تفقده هدوءه .ويزعجه جدا ً الحديث عن الموت أو عن البدية ،
أو عن الدينونة .إنها كلمات ل يطيقها .ربما يهرب منها .ولكنها حينما
تلحقه وتضغط عليه ،يتعب قلبه من الداخل .
هناك خطأ روحي أيضا ً يعكر الهدوء :
إنه الضمير الموسوس الضيق ،الذي ل يمكن لصاحبه أن يحيا ً في هدوء …
هذا الضمير الذي } يصف عن البعوضة {}مت .{23ويظن الشر حيث ل يوجد شر أو يضخم من قيمة الخطية فوق
مستواها .إنه يعيش باستمرار في عذاب وفي شك وفي تأنيب ضمير ،ول يهدأ من الداخل .
****
–{1محبة الهدوء .
– {2هدوء الطبيعة .
– {3هدوء القلب .
– {4ل تكن سهل الستثارة .
– {5اليمــــــــــــــــــــــان.
– {6معاشرة الهادئين .
– {7المرح والبشاشة .
– {8التواضع والوداعة .
– {9تداريب علي الهدوء .
هناك وسائل عديدة للحصول علي الهدوء ،لبد أن نضع في مقدمتها :محبة الهدوء والقتناع به .
نتذكر أن السيد المسيح كان يأخذ تلميذه إلي مواضع خلء .
أحيانًا يأخذهم إلي الحقول والبساتين ،وأحيانًا يكلمهم علي الجبل ،أو عند شاطئ البحيرة .ومعجزة
الخمس خبزات والسمكتين تمت في موضع خلء ..ليت البعض يدرس موضوع الطبيعة وعلقة
السيد المسيح بها .
وآباء البرية كانوا يعيشون في هدوء البرية .وهكذا عاشوا هادئين .
ل توجد أسباب خارجية تثيرهم أم تزعجهم .لذلك كانت نفسياتهم هادئة ،ولهم هدوء في الفكر والقلب ،
وطول أناة في معالجة المور .وكانوا يقدمون نصائح هادئة لمن يسترشد بهم ووضعوا أمامهم
ذلك المبدأ الرهباني :
بهدوء الجسد نقتنى هدوء النفس .
والذي ما كان يجد هدوءًا كافيًا في المجامع الرهبانية .كان يلجأ إلي حياة الوحدة في سكني الجبال
والمغارات ،ويحيا بحواس هادئة ومشاعر هادئة .وهكذا فإن بعض الباء يسمون حياة الرهبنة
} حياة السكون {.
وكان الباء يفضلون هدوء الليل علي ضجيج النهار .
ل مما في النهار الصاخب .حتي أن مار أسحق يقول ك وتكون صلواتهم في الليل الهادئ ،أكثر عمقًا وتأم ً
}الليل مفروز لعمل الصلة { .ويقول المرتل في المزمور }:في الليالي إرفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا
الرب }{..مز .{134
وأتذكر أنني كتبت في مذكرتي في إحدي الليالي ،وأنا في مغارتي في الجبل } ربما سنة .{1960البيتين التيين :
وأسرار *** سكون الليل موسيقي
تهــــــــامســني
يصب اللحن في أذني *** وصوت الريح في رفق
وللسف فإن بعض المدن أفسدت هدوء الليل .
وجعلت الليل مجاًل لصخب الملهي والحفلت بكافة مجالتها وبرامجها وضجيجها .وأبعد الليل عن الهدوء وعن ال
ولذلك فمن اجل الهدوء أقامت الديرة بيوتا ً للخلوة .
يقصدها الشباب لقضاء فترة هادئة للتأمل والصلة ،بعيدًا عن ضوضاء المدينة ،وبعيدًا عن الثارات التي تصعد
بالنفس وتهبط .يأخذون في هذه الفترة شحنة من الهدوء الداخلي ،تجدد قواهم الروحية ،وتمنحهم لونًا من
الحصانة القلبية …
المهم أن هؤلء الذين يقصدون الديرة للهدوء يفقدون الديرة هدوءها ..
فتكون الزيارة ل لمجرد تغيير الجو ،ول لمجرد التبرك بالماكن المقدسة ،إنما بالكثر للستفادة الروحية ،وقضاء
الوقت ففي صلة وقراءة ،وتأمل وفحص للنفس .ويستحسن أن يكون وحده ،فل يأتي مع مجموعة يقضي الوقت
معها في نقاش وكلم !!
وبالمنهج الروحي يستفيد زائر الدير ،ول يعكر هدوء الدير .
وسط المتاعب والمشاكل ،يمكن أن النسان يهدأ عن طريق اليمان ،إذ يؤمن أن ال موجود ،وأنه يحفظ ويدبر
ل ،أو يتدخل
ويحمي ،وأنه أيضًا يحكم للمظلومين }مز .{7:146ويؤمن أن ال لبد سيتدخل بمحبته ويوجد له ح ً
بعدله ويرفع عنه ظلمًا ،واضعًا أمامه قول الرب } :ل أهملك ول أتركك {}يش .{5:1
فهو يترك كل شئ لله ،ول يخاف ول يضطرب ،مؤمنا ً بعمل الله من أجله .
إن المؤمنين بعمل ال وحفظه ل يضطربون أبدًا .واعتمادهم علي ال يمنحهم سلمًا داخليًا عميقًا .بل إن إيمانهم
يجعلهم يرون الخير في كل شئ ..حتي ما يبدو أنه ضيق وتعب ،لبد أن ال سيحوله إلي خير .وفي الثقة بال ،
يحيون حياة التسليم الكامل والسلم العميق .
وليس معني اليمان أن النسان يقف موقفا ً سلبيا ً .
بل علي العكس إنه يعمل كل ما يستطيعه ،دون انزعاج واضعًا المر من أوله في يد ال .وواضعًا أمامه أيضًا قول
الكتاب }:الغير مستطاع عند الناس ،مستطاع عند ال { }لو ..{27:18وما دام ال يري كل شئ ،ويريد الخير
للكل ويستطيع ذلك ،فلماذا فقدان السلم ؟!
فإن فقد أحد سلمه القلبي أمام المشاكل ،فلبد أن هناك خال ً داخل القلب
يحتاج إلي علج .
قد يكون هذا الخلل قلة إيمان ،أنتجت شكًا ،فخوفًا ،فاضطرابًا ..ويدخل في عنصر اليمان :اليمان بقوة
الصلة وفاعليتها .والصلة – لمن يؤمن بها – علج للخوف والضطراب .
بالصلة تشعر بأنك لست وحدك ،وإنما أنت محاط بقوة إلهية تسندك .لذلك تهدأ نفسك وتطمئن .
روح المرح والبشاشة تعطي النسان هدوءًا نفسيًا واسترخاء وتبعد عنه الضطراب والكآبة .ومهما كان الجو
مكهربًا وصاخبًا ،فإنه يستطيع بفكاهة لطيفة أن يجعل الكل يضحكون أو علي القل يبتسمون ،ويزيل بمرحة
جو التوتر .هنا ونتذكر قول الكتاب :
كذلك المتضع ل يحيط نفسه الضجيج الذي يشغف به محبو المديح .
أقرأ أسباب فقدان الهدوء ،وقارنها بالتضاع وصفاته .حينئذ ستري كيف يساعد التضاع علي الهدوء ؟
وستري أن من يفقد إتضاعه ،يفقد هدوءه .
-1كككك كككككك كك ككككك ككك ككككك .
وأغلق بابك وافتحه في هدوء ،دون أن يحدث صوتًا .حرك أدواتك وأثاثك داخل حجرتك في هدوء .
كككك ككككك ككككك ،ل بجري ،ول باضطراب ،ول تجعل حذاءاك يحدث صوتًا مثل أولئك الذي -2
تعلن أحذيتهم عن قدومهم قبل أن يأتوا .يقول بستان الرهبان }:مشي هين وصوت لين {.
-3كككك كككككك كك كككككك ك فل تسرع في حديثك ،ول يحتد صوتك ،ول تتعود الصياح والصوت
العالي .
ولتكن ألفاظك هادئة .وإن أردت ان تقول كلمة عنيفة أو جارحة ،اضبط لسانك ول تلفظها ..وفكر في
نتائجها السيئة ..
-4ككك كككك ككككككككك كككك ك ككك ككككك ككككك .إتركه يومًا أو يومين ،وأعد
قراءته ،وغير
ما يلزم تغييره فيه.
-5كك ككك ككك كككك ككككك كك كككككك ك كك كككككك .وانظر حتي تفحصه بهدوء من
كل ناحية ..
-6ككك كككك ككك ككك كككككككك ك كككك كككككك .واعرف أن عدم الصبر يدل علي عدم
هدوء النسان
في الداخل .فالنسان الهادئ طويل البال .وإذا إضطرب النسان يفقد القدرة علي الصبر .فهو ل يستطيع أن
ينتظر .يريد الن أن يعمل أي عمل أو يتكلم أي كلم ،أو يتخذ أي قرار ،بل هدوء ..
فإن قال لك أحد }:تعوزني فضيلة الصبر { .فقل له } :وأيضًا تعوزك فضيلة الهدوء { لن كليهما مرتبطتان معًا .
-7ككك كككك كككك ك ككك ككككك .لن النسان في حالة الرهاق ،تكون أعصابه عرضة لعدم
الحتمال .وربما يفقد هدوءه ويتصرف بغضب أو عصبية لتفه السباب .لذلك ل تدخل في مناقشة حادة وأنت مرهق
.
-8ككككك ككككك ككككك ككككككك كك كككككك .فالكتاب يقول }:قدسوا صومًا ،نادوا
باعتكاف {}.يؤ .{2
وتذكر أن السيد المسيح قضي الربعين يومًا صومًا علي الجبل في هدوء } مت .{4مشكلتنا أننا نصوم كثيرا
ولكن ونحن محاطون بالضجيج من كل ناحية ،فل نستفيد الفائدة المتوقعة من الصوم …!
- 9كككك كككك كككككك كك ككككك ككككككك كككككككك .وإن فقدت هدوءك ،أو حوربت
بذلك فابحث عن السباب سواء كانت من داخلك أو من الخارج ،وتحاشي تلك السباب ،وبخاصة في المعاملت .
وكما قال أحد الباء :
}ل تأخذ وتعطي مع إنسان يقاتلك به العدو { .وابعد عن المناقشات الحادة ،مطيعًا قول الحكيم
} ل تستصحب غضوبًا {}أم .{24:22
ابعد أيضًا عن الماكن الصاخبة ،وعن القراءات التي تفقدك الهدوء ،وعن سماع الخبار التي تتعبك أو تزعجك .
– 10كك ككككك كككككككك كك كككك ككككك .
فإن قوبلت بتصرف خاطئ من البعض ،ل تتضايق فالناس هكذا ،فيهم الطيب والردئ .ول تتوقع أننا نتعامل
مع ملئكة أو مع قديسين ..وأنما مع بشر عاديين ،أخطاؤهم نحونا ل يصح أن تقلقنا !..
-11كك ككك ككك ككك كككك ككككك .
بل إنتظر إلي أن تهدئ نفسك ،ثم إكمل الحديث معه .أو علي القل أصمت .وقل لنفسك :ليس من الصالح أن
أناقشه وأنا غير هادئ .
83 الشهوة
84 الغضب والنرفزة
85 محبة الضجيج
87 أسباب من الخارج
88 أ -ضد الحواس :المساكن
92 الماكينات :
94 الصوات والضواء واللوان
97 ب -ضد هدوء النفس
100 ج -ضد هدوء الروح
103 الفصل الرابع :كيف نكتسب الهدوء
104 محبة الهدوء
105 هدوء الطبيعة
109 هدوء القلب
111 ل تكن سهل الستشارة
113 اليمان
114 معاشرة الهادئين
116 المرح والبشاشة
117 التواضع والوداعة
121 تداريب علي الهدوء
126 الفهرست