Professional Documents
Culture Documents
تعريف ...وعاطفة
لعله من المفيد أن نلقيَ ضوءًا على مدلول عبارة "التيار السلمي"؛ حتى تتضح حقيقته ول يتأولها أحد بغير مفهومها .كأن يقول
البعض :هل يعني ذلك أن غير التيار السلمي ليسوا مسلمين؟ إلى غير ذلك من فهم خاطئ...
نحن ل ننفي عن مسلم إسلمه مهما كان عاصيًا إل أن ينكر معلومًا من الدين بالضرورة ،أو يأتي عملً ل يحتمل تأويلً إل الكفر ..ومع
ذلك تتاح له فرصة الستتابة ،ولكننا نميز أفرادَ التيارالسلمي عن باقي المسلمين بأنهم انتبهوا وعرفوا معني انتمائهم للسلم ،وما
يمليه عليهم السلم ،من واجبات نحو أنفسهم ،وأهلهم ،ووطنهم ،وأمتهم السلمية ،فالتقوا وتعارفوا وتعاونوا معًا على تحقيق هذه
الواجبات ،...وصاروا يدعون باقي المسلمين ،أن هلمّوا إلينا؛ لتتضافر الجهود لمواجهة الكيد والحرب من أعداء ال ضد السلم
والمسلمين.
وقد أضاءَ الطريقَ أمام التيار السلمي أئمةُ فضلءُ من القرون الولى ،ثم تتبعهم أئمة اهتدوا بهديهم ،أمثال :جمال الدين الفغاني،
ومحمد عبده ،وابن باديس ،وحسن البنا ،والمودودي ،...،ووفق ال المام حسن البنا في وضع السس والمقومات التي يقوم عليها
العمل السلمي لتحقيق أهم هدف يجب على المسلمين جميعًا تحقيقه ،وهو التمكين لدين ال في الرض،وإقامة دولة السلم العالمية
وعلى رأسها الخلفة السلمية.
فكان الخوان المسلمون في مصر هم الطلئع الولى للتيار السلمي في مصر وخارجها.
ونقول :إن التيار السلمي الذي نعنيه ليس قاصرًا على الخوان ،ولكن يتسع لكل مسلم -ذكرًا كان أو أنثى -عرف معنى
انتمائه للسلم ،وتعرف على ما يطلبه منه إسلمه من واجبات ،فدفعه ذلك إلى الحركة والعمل مع العاملين الصادقين لتحقيق مبادئ
السلم ،أيًا كان موقع هذا الفرد.
إن التيار السلمي الذي نعنيه يتميز بفهمه الشامل النقي للسلم كما جاء به رسول ال -صلى ال عليه وسلم -دون اجتزاء أو خطأ أو
انحراف ،ويطبقونه في اعتدال دون تطرف أو غلو ،ودون تفريط كذلك.
إن التيار السلمي الذي نعنيه هو الذي يلتزم بتعاليم السلم في كل شئون الحياة العامة والخاصةً ،ويسعي إلى تحقيق أهدافه بالحكمة
والموعظة الحسنة ،دون تهور أو فتور ،ودون عنف أو ضعف ،مقتديًا في ذلك برسول ال -صلى ال عليه وسلم -وصحابته الكرمين.
إن أفراد التيار السلمي ل يضفون على أنفسهم هالة معينة ،ولم ينسبوا لنفسهم تفويضًا إلهيًا كما يفتري البعض عليهم ،ولم يعتبروا
أنفسهم "جماعة المسلمين" ولكن جماعة من المسلمين ،ويمتنعون عن تكفير المسلم برأي أو معصية.
التيار السلمي ليس قاصرًا على جماعة بذاتها أو أفراد بذواتهم ،بل إنه يضم في كل لحظة كلَ مسلم يصحو من غفوته ،ويعرف حقيقة
رسالته في هذه الحياة ،وما يجب أن يؤديه للسلم والمسلمين من تضحية وجهاد ،فهو تيار متجدد متنامي.
إن كلمة "تيار" تفيد الحركة والتدفق ،وكلمة "إسلمي" تفيد الوجهة والهدف؛ فهدف "التيار السلمي" هو السلم ،ول شيء غير السلم،
فل أغراض شخصية ول مطامع دنيوية بل تضحية وفداء!!
إن التيار السلمي هادئ ومتواضع ،ولكنه قوى وعزيز؛ يستمد قوته وعزته من ال القوي العزيز القهار.
إن التيار السلمي يهتم بقضية اليمان ،فاليمان هو الذي يضيء الطريق ،ويوضح الخير من الشر والنافع من الضار ،فهو بذلك تيار
مبصر .واليمان هو الذي يفجر طاقات العمل والحركة والتضحية والجهاد ،ويضبط هذه الطاقات ،ويصرفها في الوجهة المناسبة وفي
الوقت المناسب ،فهو بذلك تيار متجدد الطاقة ويتحكم فيها بعيدًا عن الرتجال وردود الفعال.
إن معظم أفراد التيار السلمي تمرسوا على الصبر والتحمل ،واكتسبوا خبرة وتجربة وحكمة يستفيد منها الشباب من أفراد التيار
السلمي ،فتمتزج الحكمة والتجربة بالحيوية والحماس؛ فيحدث العتدال في السير دون التعجل والندفاع غير المدروس ،ودون السير
البطيء الذي يؤدي إلى التخلف.
إن بوابةَ التيار السلمي متسعة ومفتوحة لكل راغب في العلم لتحقيق أهداف السلم ومبادئه وتحكيم شريعته وإقامة دولته ،وليست
مغلقةً في وجه غير المسلم الذي يقتنع أن هيمنة شريعة السلم على حياة الناس تحقق لهم المن والعدل والحياة المعيشية الرغيدة
بصورة أفضلَ ألف مرة مما عليه الحال الن ،وقد سبق أن انتقل كثير من غير المسلمين من أوطانهم إلى دولة السلم ليهنئوا بحياة
فاضلة آمنة في ظل شريعة السلم.
إن التيار السلمي من صميم شعب مصر ومن أبناء مصر وليس دخيلً عليه ،وما هو بالجسم الغريب على شعب مصر ،إن جزءًا من هذا
الشعب يفرح لفرحه ويألم للمه يشعر بكل أحاسيسه ،ول نغالي إذا قلنا :إنه الشد حساسي ًة والكثر انفعالً بكل ما يخص شعبَ مصر من
آمال وآلم ،والسرع تلبي ًة لكل عمل أو جهد أو تضحية لسعاد هذا الشعب وراحته .هذه الستجابة غرسها السلم وعقيدته في أفراد
التيار السلمي ،فصاروا يسارعون فيها طاع ًة ل وأداءً للواجب الديني ،وليس مجرد واجب وطني.
إن أفراد التيار السلمي يقدرون -أكثر من غيرهم -مكان َة مصر وشعب مصر ودروه التاريخي ومواقفه السلمية الرائعة ضد الصليبيين
والتتار وغيرهم ،فعرفوا لماذا ركز أعداء السلم على مصر وعلى شعب مصر بكل ألوان الغزو والكيد؟! ،ولماذا حرص أعداء السلم
وعملؤهم على إيجاد فجوة بين شعب مصر وبين العاملين للسلم بإلصاق التهم الباطلة للتيار السلمي ،وتصوير العاملين في حقل
الدعوة السلمية وكأنهم أعداء الشعب ويريدون الدمار والتخلف؟! ،ويعلم ال أن العكس هو الصحيح ،وأن هؤلء العملء هم الذين
يسيئون لشعب مصر وينحدرون به إلى الهاوية.
وشاء ال أن تتاح الفرصة بعض الشيء لتتضح للشعب الحقيقة ،ويكشف الزيف والتهم الباطلة التي ألصقت -زورًا وبهتانًا -على
العاملين الصادقين للسلم ،ومدى الظلم الذي وقع عليهم دون جريرة ول ذنب إل أن يقولوا :ربنا ال ،وأن شريعة ال لبد أن تحكم لكي
يسعد بها الناس.
إن التيار السلمي يحمد لشعب مصر هذه المشاعر وهذه العاطفة الجياشة التي لمسها في النتخابات الخيرة ،ويحمد ال أن بدأت
القناعة تأخذ مكانتها في نفوس أبناء الشعب بأن السلم هو الحل ،وأنه ل خلص ول إنقاذ مما نعانيه إل بمنهاج رب العالمين الخالق
العليم بخلقه الرءوف الرحيم بهم.
إن أفراد التيار السلمي الذين تعرضوا للسجن والتعذيب والقتل ل لشيء إل أنهم يريدون الخير لهذا الشعب ،ويقولون كلمة الحق للطغاة،
ول يخافون لومة لئم ،ولم يقبل الطغاة أن يكون من بين الشعب من يقول لهم" :ل" ،وأطلق الطغاة علي أبناء التيار السلمي أنهم أعداء
الشعب ،وعلم ال أنهم أخلص الناس لهذا الشعب وأحب أبناء الشعب لهذا الشعب ،ولم نكن نصدق أبدًا -ونحن في السجون وتحت سياط
التعذيب -أن أفرادًا من الشعب يحملون لنا كراهية أو بغضاء رغم خداع أجهزة العلم!! ،وقد أكد هذا الحساسَ ما لمسناه في النتخابات
الخيرة من رصيد مُدخر في أعماق هذا الشعب نحو عقيدته ونحو العاملين الصادقين لهذه العقيدة.
إن التيار السلمي يتوجه بكل الصدق والخلص إلى الشعب المصري لتوضيح المواقف وتصحيح المفاهيم ،وبقصد توحيد الوجهة
وتضافر الجهود لعادة بناء هذا الوطن العزيز ،والتخلص من كل صور المعاناة التي يلقيها شعبنا؛ ولكي نبني مستقبلً طيبًا عزيزًا هنيئًا
للجيال التالية ،ولتستعيد مصر مكانتها السامقة بين الدول ،وتحتل مكان الريادة بين دول العالم السلمي ،وليؤدي الزهر الشريف دوره
المشرق المنير-كما كان وأفضل ،-ولتصدر مصر الخير والخيرات كعهدها السابق بدلً من أن تستورد ،ولتقدم العلم والخبرة لشقائها من
القطار العربية والسلمية ،ولتفتح أبوابها لطلب العلم من كل القطار ،ولتقف بجانب المظلومين والمعتدي عليهم من القليات السلمية
في أي مكان.
هذا ما يريد التيار السلمي أن يوضحه لشعب مصر ،فليستمع الشعب المصري لصوت التيار السلمي ،وليلب نداءه ،ولنسارع جميعًا
إلي فعل الخيرات مستعينين بال ،وفي ظل الحب والخوة والعاطفة بين أبناء الشعب جميعًا ،متخلصين من أسباب الفرقة والخلف والنفاق
والمهاترات ،فالمر ل يحتمل ،والوقت ل يمهل ،فإلى المام دائمًا ،وإلى العمل الجاد ،وبال التوفيق.
حول تشخيص الداء
بكل معاني الحب والفداء يتوجه التيار السلمي إلى الشعب المصري يدعوه إلى التفهم والتشاور حول ما يحيط بوطننا العزيز من
مؤامرات وما أصابه من علل وأمراض ،فإنه لعزيزعلى أفراد التيار السلمي -جد عزيز -بأن يروا هذا الحال ثم يستسلموا للذل أو
يرضوا بالهوان أو يستكينوا لليأس ،فهم يريدون أن يعلم شعب مصر أنه أحب إليهم من أنفسهم ،وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب
فدا ًء لعزة هذا الشعب إن كان فيها الغَناء .ويقرر أفراد التيار السلمي أنهم يعملون للناس في سبيل ال أكثر مما يعملون لنفسهم ،وأنهم
للشعب المصري الحبيب ،ولن يكونوا عليه يومًا من اليام.
ما أحوجنا أن نستشعر أن هذا الوطن وطننا وأننا مسئولون عنه وعن مستقبل أبنائنا والجيال التالية ،ومن خيانة المانة أن نرى العلل
والمراض تفتك به ثم نقف مكتوفي اليدي ،أو موقف اللمبالة وكأنه أمر ل يهمنا ،أو أن نترك فئة من الناس تتصرف في مقدرات هذا
الوطن كما تشاء دون رقيب من ال ودون حرص على مصلحة إل مصالحهم الشخصية.
علينا أن نتعرف معًا على الداء ،ونعلم متى وكيف أصيب مجتمعنا بتلك العلل والمراض ،ثم نشخص الداء ونصف الدواء وطريق العلج
وما يحتاجه من تخطيط وعزم وصبر كي ننهض من هذه الكبوة ونصحو من تلك الغفوة ،وتعود لشعبنا عزته وكرامته ومكانته.
لقد كان لشعب مصر مواقفُ بطوليةُ رائعةُ ضد الحملت الصليبية وضد التتار وغيرهم ،فركز أعداء السلم كيدهم وحربهم ضد مصر
وشعب مصر فكانت الحملة الفرنسية ثم الحتلل البريطاني ،وما صاحب كلً منهما من غزو فكري وانحللي فاسد ،وتنحية لشريعة ال
وإحلل القوانين الوضعية محلها ،وأنشأوا لذلك كليات الحقوق – ومدرسة الحقوق سابقًا – وطوال مدة الحتلل العسكري يتم تنفيذ هذا
المخطط وبعد الجلء قامت أنظمة حاكمة بمواصلة تنفيذ المخطط بأسوأ مما كان يتم أثناء الحتلل.
وأنقل هنا بعض ما ذكره المام الشهيد حسن البنا في وصفه لما كان عليه وطننا من خير واكتفاء ذاتي وقيم ومثل ،ثم ما أحدثه الحتلل
والغزو الوروبي من آثار مدمرة فيقول" :إننا في أخصب بقاع الرض وأعذبها ماء ،وأعدلها هواء ،وأيسرها رزقًا ،وأكثرها خيرًا،
وأوسطها دارًا ،وأقدمها مدينةً وحضارةً وعلمًا ومعرفةً ،وأحفلها بآثار العمران الروحي والمادي والعملي والفني ،وفي بلدنا المواد
الولية والخامات الصناعية والخيرات الزراعية ،وكل ما تحتاج إليه أمة قوية تريد أن تستغني بنفسها ،وأن تسوق الخير إلى غيرها ،وما
من أجنبي هبط هذا البلد المين إل صحّ بعد مرض واغتني بعد فاقة وعز بعد ذلة ،وأترف بعد البؤس والشقاء ...فماذا أفاد المصريون
أنفسهم من ذلك كله؟ ل شيء ،وهل ينتشر الفقر والجهل والمرض والشغف في بلد متمدن كما ينتشر في مصر الغنية مهد الحضارة
والعلوم ،وزعيمة أقطار الشرق غير مدافعة؟".
وبعد تفاصيل حول سوء الوضاع وسوء أحوال الفلحين والعمال ،وتحكم شركات الحتكار التي وضعت يدها على مرافق الحياة والمنافع
العامة .وانتشار المراض وكذا انتشار المية ،وانحطاط الخلق وانتشار الجرائم ،مع عدم البقاء على قوانا الروحية وعزتنا السلمية،
يقول رضى ال عنه" :أما سبب ذلك ففساد النظام الجتماعي في مصر فسادًا لبد له من علج ،فقد غزتنا أوروبا منذ مائة سنة بجيوشها
السياسية وجيوشها العسكرية وقوانينها ونظمها ومدارسها ولغتها وعلومها وفنونها ،وإلى جانب ذلك بخمرها ونسائها ومتعها وترفها
وعاداتها وتقاليدها ،ووجدت منا صدورًا رحبة وأدوات طيعة تقبل كل ما يُعرض عليها .ولقد أُعجبنا نحن بذلك كله ،ولم نقف عند حد
النتفاع بما يفيد من علم ومعرفة ونظام وقوة ومنعة وعزة واستعلء ،بل كنا عند حسن ظن الغاصبين بنا ،فأسلمنا لهم قيادنا وأهملنا من
أجلهم ديننا ،وقدموا لنا الضار من بضاعتهم فأقبلنا عليه ،وحجبوا عنا النافع منها وغفلنا عنه ،وزاد الطين بلة أن تفرقنا على الفتات
شيعًا وأحزابًا يضرب بعضنا وجوه بعض ،وينال بعضنا من بعض ،ل نتبين هدفًا ول نجتمع على منهاج".
"أما المسئول عن ذلك فالحاكم والمحكوم على السواء ،الحاكم الذي لنت قناته للغامزين وسلُس قيادة الغاصبين ،وعُني بنفسه أكثر مما
عُني بقومه ،حتى فشت في الدارة المصرية أدواء عطلت فائدتها وجرّت على الناس بلءها ..فالنانية والرشوة والمحاباة والعجز
التكاسل والتعقيد كلها صفات بارزة في الدارة المصرية .والمحكوم الذي رضي بالذل وغفل عن الواجب وخُدع بالباطل ،وانقاد وراء
الهواء وفقد قوة اليمان وقوة الجماعة ،فأصبح نهب الناهبين وطعمة الطامعين".
هكذا نرى المام البنا يشرح حقيقة ما وصل إليه مجتمعنا ودور المحتلين في ذلك ،ولكنه يحمّل الحاكم والمحكومين المسئولية ،وذلك
بضعف الحاكم ولين قناته وانشغاله بنفسه ،وكذلك المحكومين الذين رضوا بالذلة وبغفلتهم عن واجبهم ،وانقيادهم وراء الهواء وفقدهم
لقوة اليمان وقوة الوحدة.
فواجبنا اليوم أن نزداد معرفةً ودراس ًة لحوال مجتمعنا وكيف تطورت أحواله إلى هذا النحدار ،ثم نتحاور حول كيف نتدارك المر لننقذ
وطننا من التردي إلى الهاوية.
ويزيدنا المام البنا تعريفًا ودراية بأصل الداء ومصدره فيقول" :لقد عمل الوربيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية
بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القاتلة جميع البلد السلمية ،التي امتدت إليها أيديهم وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم ،مع حرصهم
الشديد أن يحتجزوا دون هذه المم عناصر الصلح والقوة من العلوم والمعارف والصناعات والنظم النافعة ،وقد أحكموا خطة هذا الغزو
الجتماعي إحكامًا شديدًا ،واستعانوا بدهائم السياسي وسلطانهم العسكري حتى تم لهم ما أرادوا ،أغروا كبار المسئولين بالستدانة منهم
والتعامل معهم وسهلوا عليهم ذلك وهونوه عليهم ،واستطاعوا بذلك أن يكتسبوا حق التدخل القتصادي وأن يغرقوا البلد برؤوس
أموالهم ومصارفهم وشركاتهم ،وأن يديروا دولب العمل القتصادي كما يريدون ،وأن يستأثروا دون الهلين بالرباح الطائلة والثروات
العظيمة ،وتمكنوا بعد ذلك من أن يغيروا قواعد الحكم والقضاء والتعليم وأن يصبغوا النظم السياسة والتشريعية والثقافية بصيغتهم
الخالصة في أقوى بلد السلم.
وجلبوا إلى هذه الديار نسائهم الكاسيات العاريات وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم ملهيهم وقصصهم وجرائدهم ورواياتهم وخيالتهم
وعبثهم ومجونهم .وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم ،وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة التي تعج بالثم وتطفح بالفجور
في أعين البسطاء الغرار من المسلمين ،الغنياء وذوي الرأي فيهم وأهل المكانة والسلطان ،ولم يكفهم هذا حتى أنشأوا المدارس
والمعاهد العلمية والثقافية في عقر ديار السلم تقذف في نفوس أبنائه الشك واللحاد ،وتعلمهم كيف ينتقصون أنفسهم ويحتقرون دينهم
ووطنهم ،وينسلخون من تقاليدهم وعقائدهم ويقدسون كل ما هو غربي ،ويؤمنون بأن ما يصدر من الوروبيين وحده هو المثل العلى
في هذه الحياة ،واحتوت هذه المدارس على أبناء الطبقة العليا وحدها وصارت وقفًا عليهم ،وأبناء هذه الطبقة هم العظماء والحكام ومن
سيكون بيدهم بعد قليل مقاليد المور في هذه المم والشعوب .ومن لم يتم نضجه في هذه المعاهد الموضعية فإن في البعثات المتلحقة ما
يكفل لهم التمام ،ونجح هذا الغزو الجتماعي المنظم العنيف أعظم النجاح ،فهو غزو محبب إلى النفوس لصق بالقلوب طويل العمر قوي
الثر ،وهو لهذا أخطر من الغزو السياسي والعسكري بأضعاف الضعاف".
ثم يقول" :ولقد استطاع خصوم السلم أن يخدعوا عقلء المسلمين ،وأن يضعوا ستارًا كثيفًا أمام أعين الغُيّر منهم بتصوير السلم نفسه
تصويرًا قاصرًا في ضروب من العقائد والعبادات والخلق ،إلى جانب مجموعة من الطقوس والخرافات والمظاهر الجوفاء ،وأعانهم على
هذه الخديعة جهل المسلمين بحقيقة دينهم حتى استراح كثير منهم إلى هذا التصوير واطمأنوا إليه ورضوا به ،وطال عليهم في ذلك المر
يّ كاملُ يتناول كل شئون الحياة".
حتى صار من العسير أن نُفهم أحدهم أن السلم نظامُ اجتماع ُ
وهكذا كان من الضروري ونحن بصدد التعرف على العلل والمراض التي أصابت مجتمعنا أن نذكر هذه النظرة العميقة الجامعة للمام
البنا حول أصل وأسباب هذا البلء ،ورغم أن هذا الكلم مر عليه حوالي أربعين عامًا ،ولكنه ل يزال واضحًا ونافعًا لكل من يريد أن يأخذ
بأسباب علج العلل والمراض التي نعاني منها حاليًا ،خاصةً وقد تضخمت بعض هذه العلل وأضيف إليها غيرها ،فها هي الديون
وأرباحها تتضخم وتشكل عبئًا ثقيلً على شعب مصر حاليًا ومستقبلً ،وها هي التبعية الذليلة لمن يتحكمون في توفير رغيف الخبز الذي
ل يستغني عنه كل فم من هذه المليين الخمسين .وها هي المخدرات بأنواعها تدمر أفراد الشعب وخاصةً الشباب الذي هو عدة
المستقبل ،وهاهي السفارة الصهيونية تحتل مكانها في عاصمة مصر ،وتقوم بدورها الذي لن تتخلى عنه من الفساد والتجسس والتأثير
المباشر وغير المباشر في المجالت المختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وغيرها؛ تنفيذًا للتطبيع الذي فرضته التفاقية
المشئومة.
وهاهو التضخم النقدي المرتفع الذي ينعكس بانخفاض القيمة الشرائية لعملتنا المحلية.
وهاهي القوانين الستثنائية التي تقيد الحرية وعلى رأسها قانون الطوارئ مما يسم الحكم بأنه حكم دكتاتوري بوليسي.
وهاهو العتقال العشوائي وما يصحبه من إيذاء وتعذيب ،وقد ظهر بأبشع صورة في عام 54وعام 65وعام ،81ثم هاهو يعاود هذه
اليام.
وهاهي البطالة ونتائجها السلبية المتعدد نتيجة سوء التخطيط عامة وسياسة التعليم خاصةً.
وهاهي جرائم السرقة والختلس ونهب المال العام والكسب غير المشروع أصبحت ل تخلو الجرائد اليومية من ذكر الكثير منها.
وهاهو القضاء يفقد مكانته ومنزله التي كان يعتز بها في العهد البائد ،إذا بها تهب في العهد السائد.
وهاهو التزوير وتزييف إرادة الشعب يبرز بصورة لم تبرز من قبل ودون استحياء.
وهاهو الغش الجماعي في المتحانات لول مرة مقتديًا بالتزوير الجماعي في النتخابات.
وهذا بالضافة إلى صورة أخري من المراض والمشاكل الجتماعية والقتصادية وغيرها ،التي تلح علينا جميعًا بالمسارعة إلى حلها
على أساس سليم ولن يكون ذلك على أساس من شرع ال.
الداء والدواء
أوضحنا فيما سبق للشعب المصري العزيز بصورة قاطعة الدللة ،أن مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي غزت مجتمعاتنا مع
الحتلل العسكري كانت وراء ما أصابنا من علل وأمراض متنوعة وأزمات ومشاكل مختلفة ،وبينا كيف أن هذه الحضارة المادية قد
انتصرت بوسائلها الفتاكة المختلفة في تلك الحرب الضروس على أرض السلم ،وكان ميدانها نفوس المسلمين وأرواحهم وعقائدهم
وعقولهم كما انتصرت في الميدان السياسي والعسكري ،فمظاهر الحياة ل تتجزأ ،والقوة قوةُ فيها جميعًا ،والضعف ضعف فيها جميعًا
ك الَيّامُ ُندَا ِوُلهَا َبيْنَ النّاسِ﴾ (آل عمران :من الية .)140ومن ذلك فقد ظلت مبادئ السلم قوية في ذاتها لنها الحق ،ولن
كذلك﴿وَ ِتلْ َ
تقوم الحياة النسانية كاملةً فاضلةً بغيرها ،ولنها من صنع ال وفي حفظه﴿ :وَ َيأْبَى اللّهُ ِإلّا َأنْ يُ ِتمّ نُو َر ُه َو َلوْ كَ ِر َه ا ْلكَافِرُونَ﴾ (التوبة:
من الية .)32
ولكن في ظل قاعدة لكل فعل رد فعل مضاد ،فقد تنبهت المشاعر للتصدي للغزو السياسي والعسكري كذلك كان للغزو الجتماعي ردُ فعل
كان له أثره في انتعاش الفكرة السلمية ،ويوضح المام البنا هذا المعنى بأسلوبه السهل العميق فيقول" :وكما كان للعدوان السياسي
والعسكري أثره في تنبيه المشاعر القومية ،كذلك كان لهذا الطغيان المادي أثره في انتعاش الفكرة السلمية ،فارتفعت الصوات من كل
مكان تطالب بالرجوع إلى السلم ،وتفهم أحكامه وتطبيق نظامه ،ول بد أن يأتي قريبًا ذلك اليوم الذي تندك فيه صرح هذه المدنية
المادية على رؤوس أهلها ،وحينئذ يشعرون بسعير الجوع الروحي تشتعل في قلوبهم وأرواحهم ول يجدون الغذاء والشفاء والدواء إل
ض ِل الِ
حمَ ٌة ّللْ ُمؤْمِنِينَ*ُ .ق ْل بِفَ ْ
صدُورِ َو ُهدًى وَرَ ْ
في هذا الكتاب الكريم﴿:يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَاءَ ْتكُم ّموْعِظَةٌ مّن رّ ّب ُكمْ وَشِفَا ٌء لّمَا فِي ال ّ
وَبِرَحْ َمتِهِ َف ِب َذلِكَ َفلْيَفْرَحُوا ُهوَ خَيْرٌ مّمّا يَجْ َمعُونَ﴾".
وتعالوا معنا ننظر كيف يحلل المام البنا هذه الحضارة المادية التي انبهر بها الكثير من أبناء وطننا في حين أنها لم تحقق الراحة
والسعادة لهلها فيقول رضوان ال عليه" :حقًا لقد تقدم العلم وتقدم الفن وتقدم الفكر ،وتزايد المال ،وتبرجت الدنيا ،وأخذت الرض
زخرفها وازينت ،وأترف الناس ونعموا ،ولكن هل جلب شيء من هذا السعادة لهم؟ هل اطمأنت الجنوب في المضاجع؟ هل جفت الجفون
من المدامع؟ هل حوربت الجريمة واستراح المجتمع من شرور المجرمين؟ هل استغني الفقراء وأشبعت المليين التي ملت الرض
وسرت مسرى الهواء العزاء إلى المحزونين؟ هل تذوقت الشعوب طعم الراحة والهدوء وأمنت عدوان المعتدين وظلم الظالمين؟
ل شيء من هذا أيها الناس ،فما فضل هذه الحضارة –إذن -على غيرها من الحضارات؟ وهل هذا فحسب؟ ألسنا نرى هذه النظم والتعالى
والفلسفات – حتى في العلوم والرقام – يحطم بعضها بعضًا ويقضى بعضها على بعض ،ويرجع الناس بعد طول التجربة وعظيم
التضحيات فيها بمرارة الفشل وخيبة المل وألم الحرمان؟".
ثم يتعرض إلى الموقف الواجب علينا إزاء هذه الموجة المادية الطاغية وضرورة التصدي لها وإزالة آثارها بكل العزم والقوة والمل
فيقول" :إن مهمتنا أن نقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي جرفت الشعوب السلمية،
فأبعدتها عن زعامة النبي -صلى ال عليه وسلم -وهداية القرآن ،وحرمت العالم من أنوار هديها ،أخرت تقدمه مئات السنين ،حتى
تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلئها قومنا .ولسنا واقفين عن هذا الحد بل سنلحقها في أرضها ونغزوها في عقر دارها ،حتى يهتف العالم
كله باسم النبي -صلى ال عليه وسلم ،-وتؤمن الدنيا كلها بتعاليم القرآن ،وينتشر ظل السلم الوارف على الرض ،وحينئذ يتحقق
ح الْ ُمؤْمِنُونَ * بِ َنصْ ِر اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَاءُ
ن قَ ْب ُل وَمِنْ َب ْع ُد وَ َيوْ َم ِئذٍ يَفْ َر ُ
للمسلم ما ينشده ،فل تكون فتنة ويكون الدين كله ل ﴿ ِللّ ِه ا ْلأَمْرُ مِ ْ
َو ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ﴾ (الروم.)5 -4:
هكذا بهذه البساطة واليجاز مع عمق النظرة وسلسة السلوب يوضح لنا المام البنا زيف هذه الحضارة المادية التي غزت بلدنا وتركت
آثارها المدمرة ،وكيف أنها أشقت أهلها وأشقتنا كذلك ،حيث أبعدتنا عن منابع السعادة والراحة والمن والطمئنان وعن النور اللهي
والهدي القرآني وزعامة النبي -صلى ال عليه وسلم ،-وأوضح أن السلم هو الحل لكل هذه المشاكل التي عمت البشرية .ونراه يحدد
مهمة العاملين للسلم إزاء هذه الموجة المادية في أن يحسروها عن أرضنا وأن يغزوها في عقر دارها ،ول شك أن هذه روح عالية
واطمئنان أن نور الحق حينما يحمله المؤمنون سيزهق ال به الباطل في أي مكان مهما انتفش.
وعلى ضوء ذلك فإن التيار السلمي يطلب من شعب مصر أن يجدد علقته مع ربه وأن يجدد الثقة بدينه وأنه الدين الحق المقبول عند
ال ،وبالشريعة السمحة العادلة التي ل يعدلها شيء من قوانين البشر.
نريد من شعب مصر أن ينزع من قلبه كل آثار الوهن والضعف ،وأي شعور باليأس وأن يمل المل كل قلب والشعور بالعزة والقوة ،وأن
ينفض أفراد الشعب غبار النوم والكسل ،وينشغلوا بقضية بناء هذا الوطن.
نريد أن نقف جميعًا حراسًا أمناء لهذا الوطن نحميه من كل من يريد به شرًا سواءً كان من أعدائه أومن عملئهم.
وحول هذه المعاني يقول المام الشهيد البنا" :إن من واجبنا -وفي يدنا شعلة النور وقارورة الدواء -أن نتقدم لنصلح أنفسنا وندعو
غيرنا ،فإن نجحنا فذاك وإل فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة وأدينا المانة ،وأردنا الخير للناس ،ول يصح أبدًا أن نحتقر أنفسنا فحسب
الذين يحملون الرسالت ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح ،أن يكونوا بها مؤمنين ولها مخلصين وفي سبيلها مجاهدين ،وأن يكون
جنّةٍ إِنْ
ح ِب ُكمْ مِنْ ِ
ن تَقُومُوا ِللّهِ َمثْنَى وَ ُفرَادَى ُثمّ َتتَ َفكّرُوا مَا بِصَا ِ
ح َدةٍ أَ ْ
ظ ُكمْ ِبوَا ِ
الزمن ينتظرها والعالم يترقبها ،فهل من مجيب ﴿ ُقلْ ِإنّمَا أَعِ ُ
شدِيدٍ﴾(سـبأ.)46:
عذَابٍ َ
ُهوَ ِإلّا َنذِيرٌ َل ُكمْ َبيْنَ َي َديْ َ
فالتيار السلمي يريد من أفراد شعب مصر أن ينزعوا من قلوبهم أي اعتقاد بصلح النظم الرضية وأن يتحقق عندهم اليقين بفشلها
وإفلسها ،وأنه ليس أمامنا إل النظام السلمي بتعاليمه وأحكامه .فقد آمنا بهذا السلم الحنيف دينًا ودولة ،واعتبرنا مصر دولة إسلمية
بل هي زعيمة دول السلم ،وهذا الشعب يدين بهذا الدين الحنيف ،والقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد
ن َلمْ يُقَا ِتلُو ُكمْ فِي الدّينِ
ن اّلذِي َ
الطمأنينة والمن والعدالة والمساواة التام في كل تعاليمه وأحكامه .هذا الذي يقوله كتابه﴿ل يَ ْنهَا ُكمُ اللّهُ عَ ِ
سطِينَ﴾(الممتحنة )8:والكلم في هذا المعنى مفروغ منه ،وهذا
ب الْمُقْ ِ
ن اللّهَ يُحِ ّ
سطُوا ِإَل ْي ِهمْ إِ ّ
ن ِديَا ِركُمْ أَنْ َتبَرّو ُهمْ وَتُقْ ِ
َو َلمْ ُيخْرِجُو ُكمْ مِ ْ
التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعًا – مسلمين وغير مسلمين – يكفينا مؤونة الفاضة والسراف،
فإن من الجميل حقًا أن نسجل لهؤلء المواطنين أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات ،ويعتبرون السلم من معاني قوميتهم وإن
لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم.
ونريد أن نؤكد للشعب المصري أن التيار السلمي -الذي سبق تعريفنا له -لم ولن يكون بإذن ال موضع اتهام بما يسمونه الفتنة
الطائفية ،بل إنه حريص كل الحرص على الوحدة الوطنية وعلى تحقيق المن والستقرار لهذا الوطن العزيز ،ولكن ماذا نقول للقلم
المأجورة؟ نسأل ال أن يهديها وأن يسخرها لصالح هذا الوطن.
نريد من شعب مصر أن يكون على بصيرة ومعرفة دقيقة بمن يريدون له الخير والمن والسعادة والرقي من غيرهم ،الذين يريدون
مصالحهم الشخصية ولو كانت على حساب أمن وسعادة ورقي الشعب ،ولو كانوا في مواقع المسئولية ويظن الناس أنهم يسهرون على
خدمة الشعب .إن تحديد هذه النوعيات وتحديد المواقف معهم أمر ضروري حتى ل تلتبس المور ويختلط الحق بالباطل.
لقد تعرض وطننا العزيز مصر إلى محاولت مريرة لتطبيق بعض المبادئ الرضية كالرأسمالية والشتراكية والقومية وغيرها ،وقاسى
ول يزال يقاسي من النتائج السيئة لتلك المحاولت ،وسواء كان فرض تطبيق هذه المبادئ على شعبنا تنفيذًا لمخطط العداء لبعادنا عن
ديننا وشريعتنا ،أو كان نتيجة انهيار حكامنا المغلبين بهذه المبادئ وظنهم أن فيها صلح بلدنا ،فقد أثبت الواقع التطبيقي خطأ هذا الظن
وأوصلنا إلى الشقاء والضياع والدمار والضعف الذي دفعنا إلى التبعية وفقدان عزتنا وكرامتنا واستقلل قراراتنا .وصار الكثير من أبناء
هذا الشعب المخلصين في حيرة حول كيفية الخروج من هذا الزمة والنجاة من النحدار إلى الهاوية ،بدأ اليأس يداخل نفوس الكثيرين
من أبناء هذا الوطن لكثرة العلل وعدم سلوك الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى الشفاء والتخلص من هذه العلل والمراض ،بل على
العكس نرى المسئولين يحاربون من بيدهم قارورة الدواء من الدعاة المخلصين المطالبين بتطبيق شريعة ال ،وإلغاء كل المنكرات
والكبائر التي تجلب علينا سخط ال ومحق البركة كالربا والخمر والميسر وغيرها من المعاصي والثام.
ف الْخَبِيرُ﴾(الملك.)14:
خَلقَ َو ُهوَ اللّطِي ُ
هذا هو الدواء ول دواء غيره؛ لنه من عند ال العليم الخبير اللطيف بخلقه﴿أَل َي ْع َلمُ مَنْ َ
نريد من أفراد الشعب أن يقتنعوا أولً بأن هذا هو الدواء الوحيد الذي يرجى من روائه الشفاء والنجاة وأن يطالبوا المسئولين بكل
الصرار بأن يعدلوا عن هذا التخبط بين المبادئ الرضية التي تعلن كل يوم فشلها وإفلسها ،وليلجأوا إلى العلج ،إلى شريعة ال
العادلة.
نريد من الشعب أن يطالب المسئولين بعدم التضييق على المواطنين المخلصين الذين يتحرقون شوقًا لبناء وطنهم على أساس من شرع
ال ،وأن تُتاح لهم فرص التحرك وتوضيح الحل السلمي للرأي العام ،والقيام بالمشروعات الناجحة للنتاج وتحقيق الكتفاء الذاتي.
نريد من شعب مصر أن تكون له وقفات مع نوابه في مجلس الشعب ويطالبونهم بتحقيق هذه المطالب ويتابعون ذلك معهم ويحاسبونهم
على حسن تمثيلهم في مجلس الشعب وأل يخونوا أمانة هذا التمثيل﴿ .قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾
لقد أتى على بلدنا السلمية حين من الدهر زحف عليها ظلم من الغرب ومن الشرق ،وكان نور اليمان قد خفت في قلوب الكثير من
المسلمين ،وزيّن عملء الغرب والشرق هذا الظلم وقدموه على أنه النور والرقي والحضارة ،وفي المقابل صوروا إسلمنا الدين الحق
على أنه التخلف والرجعية .وانبهر الكثيرون بهذا الخداع ،وقيل يومئذ عن باريس إنها مدينة النور ،تلك المدينة التي اشتهرت بالباحية
والتبرج والنحلل ،وهكذا انقلبت الموازين وعميت القلوب التي في الصدور وغفل الناس عن مصدر النور الحقيقي ،الذي ظهر في مكة
المكرمة واكتمل في المدينة المنورة ،إن نور الوحي المتمثل في كتاب ال وسنة رسوله -صلى ال عليه وسلم.-
وأثناء فترة الظلم التي ل تزال ممتدة أُصيبت مجتمعاتنا بأنواع شتى من العلل والمراض الفتاكة ،وسبق أن أوضح لنا المام البنا شيئًا
من تلك العلل والمراض وكيف صارت بلدنا ضحية تجارب مريرة لنظم ومبادئ أرضية من صنع البشر العاجز القائمة على فلسفة مادية
أو إلحادية.
ولكن رغم هذا الظلم شاء ال أن ترتفع الصوات من جديد بالسلم دينًا ودولة ومنهاجًًا كاملً للحياة ،وطالبت تلك الصوات وما تزال
تطالب برفض كل هذا المبادئ الوضعية التي تعلن كل يوم فشلها وإفلسها في إسعاد الناس ،والتي أشقت من طبقوها حتى في البلد التي
نشأت فيها.
ولقد قامت أجهزة العلم في بلدنا السلمية بالدعاية لهذا المبادئ وتقديمها للشعوب على أنها المنقذة لهم مما يعانونه من مشاق.
وساندت دول عظمى هذه المبادئ والنظم الحاكمة التي تطبقها في بلدنا .وكلما نادى أهل الحق بدعوة الحق والعود لهذا الدين الحق
عقيدة وعبادة وشريعة ،قامت النظم الحاكمة المتسلطة بكل الوسائل لتخفت هذا الصوت وتقضي عليه ،ولكن أنى لهم ذلك ،لقد ظنوه
خ ْلقُ وَا ْلأَمْرُ﴾
صوت البشر الداعين إليه ،ولكنه صوت الحق خالق البشر صوت ال المهيمن على كل من في هذا الكون﴿أَل لَ ُه الْ َ
(العراف :من الية .)54
فباءت كل محاولت إخفات صوت الحق بالفشل وأخذ يعلو ويرتفع رويدًا رويدًا وأخذ صوت الباطل يتوارى وينحسر وتمجه الذان
حقّ وَمَا
ط َل كَانَ َزهُوقًا﴾(السراءُ ﴿،)81:قلْ جَا َء الْ َ
ن الْبَا ِ
طلُ إِ ّ
ق الْبَا ِ
ق وَ َزهَ َ
حّويرفض العقلء المخلصون ،وصدق ال العظيم﴿وَ ُقلْ جَاءَ الْ َ
طلِ َف َيدْ َمغُهُ َف ِإذَا ُهوَ زَا ِهقٌ﴾(النبياء :من الية )18ظهر ذلك واضحًا في
علَى الْبَا ِ
ف بِالْحَقّ َ
ط ُل وَمَا ُيعِيدُ﴾(سـبأَ ﴿،)49:بلْ نَ ْقذِ ُ
ُي ْب ِدئُ الْبَا ِ
النتخابات الخيرة حينما ارتفع شعار(السلم هو الحل) وانزوى بجواره غيره من الشعارات الرضية.
نعم أيها الشعب المصري الكريم جاء الحق بقوته وجاء باستعلئه وهيمنته﴿،وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾ نعم سينتهي أمر الباطل بإذن ال
إن عاجلً أو آجلً ،ومهما يقع من غلبة مادية للباطل في بعض الحوال والظروف ،إل أنها ليست غلبةً على الحق إنما هي غلبة على
المنتمين إلى الحق .غلبة الناس ل المبادئ ،وهذه موقوتة ثم تزول.
أيها الشعب المصري ..إن المؤمنين بال ل يخالجهم الشك في صدق وعد ال بنصرة الحق ،فإذا ابتلهم ال بغلبة الباطل حينًا من الدهر
عرفوا أنها الفتنة وأدركوا أنه البتلء ،وأحسوا أن ربهم يربيهم لن فيهم ضعفًا أو نقصًا ،وهو يريد أن يعدهم لستقبال الحق المنتصر،
وأن يجعلهم ستار القدرة ،فيدعهم يجتازون فترة البلء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف .وكلما سارعوا إلى العلج قصر
ال عليهم فترة البتلء وحقق على أيديهم ما يشاء ،أما العاقبة فهي مقررة﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾.
إننا ل ننكر أن المبادئ والنظم الرضية ليست خالية من بعض الجوانب النافعة ،ولكنها يسيرة ول يكاد يظهر أثرها النافع بجانب ما تثمره
هذه المبادئ الرضية من آثار مدمرة ،سبق أن أشرنا غليها بل قاسيناها ول زلنا نقاسيها.
إن التيار السلمي يتوجه إلى الشعب يدعوه إلى اللتفاف حول شعار(السلم هو الحل) والمطالبة بتطبيق الشريعة.
ننادي بكل الصدق والخلص أن انفضوا أيديكم من هذه المبادئ والشرائع الرضية العاجزة القاصرة ،وأن ارجعوا إلى دينكم الحق وإلى
شريعته السمحة العادلة المنقذة فهي الدواء الوحيد الناجح ،إننا نطلب من شعب مصر أن يؤمن بهذه القضية ،وأن يقتنع تمام القتناع
بصدق هذا الصوت وإخلص أصحابه وأنهم أحرص الناس لتحقيق الخير لهذا الوطن وإسعاد أبنائه وأجياله التالية.
التيار السلمي يريد من أفراد شعب مصر أن يضعوا أيديَهم في أيدي أفراد التيار السلمي ،وكلهم ثقةُ واطمئنانُ أن هذا المنهاج الرباني
هو وحده الدواء لكل الدواء والمنقذ من كل المتاعب واللم.
إنه المنهاج الحق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،لنه من عند ال الحق الذي سيقذف به الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
تعالى أيها الشعب الكريم نؤمن معًا أن المستقبل لهذا الدين الحق ،وأن شريعته هي التي ستهيمن على حياة الناس لنهم لن يجدوا النجاة
والنقاذ إل بها.
نحن نعلم أن شعوبنا السلمية وقعت تحت تأثير دعايات خادعة لتلك المبادئ الرضية الزائفة ،والمر يحتاج إلى بعض الوقت وبعض
الجهد من قبل الشعب ومن قبل الداعين إلى ال حتى تزول كل آثار هذه الدعاية الكاذبة لتلك المبادئ من عقول الناس ،وتصفو القلوب
من كل شائبة لتستقل وتتقبل الحق المتمثل في هذا الشرع الحكيم .ولن يطول بنا الوقت كثيرًا فقد بدت البشائر واضحة من أبناء الشعب
عندما رُفع شعار(السلم هو الحل) فلمسنا تجاوبًا كبيرًا وقويًا ومطمئنًا ،والمل كبير في أن يزداد هذا التجاوب ليعم جميع أبناء شعب
مصر.
أيها الشعب المصري الكريم(،اعلم أن القوة أجمل ما تكون مع الحق والضعف أقبح ما يكون أمام الباطل) ،وشعب مصر شعب أبي كريم ل
نريد له أن يضعف أمام الباطل وزحفه وانتفاشه ،والمطلوب أن نتخلص من أي شعور بالهزيمة ،فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام
الساعة ،فمهما طال ليل الظلم والظلم فسوف يبزغ فجر ،وإشراق يبدد الظلم والظلم ،وحينئذ ستتبدل الصور ويتوارى المنافقون ول
يبقى حول الحاكم غير الصادقين المخلصين ،وتعلو مصلحة الوطن على مصالح الفراد المنتفعين .ويتبدد اليأس ويبعث المل في المستقبل
ويستعيد أفراد الشعب الشعور بالعزة بعد الذل ،والكرامة بعد الهوان ،واليجابية بدل السلبية ،وتنطلق المواهب في بناء الوطن بعد
الشعور باللمبالة ،وينحسر الظلم وتلفيق القضايا وتأخذ العدالة مجراها وتحترم أحكام القضاء ،ويشعر المواطنون بالمن والطمأنينة.
نريد من الشعب المصري أن ينتصر كل فرد من أفراده على أي لون من ألوان الهزيمة النفسية فهي أخطر أنواع الهزائم .لذلك نرى كيف
ع َلوْنَ
أن ال تعالى يتوجه إلى المسلمين بعد هزيمة غزوة أحد ليزيل آثار الهزيمة النفسية فيقول سبحانه﴿:وَل َتهِنُوا وَل تَحْ َزنُوا وََأنْ ُت ُم الَ ْ
ش َهدَاءَ
خذَ مِ ْن ُكمْ ُ
س َولِ َي ْعلَ َم اللّ ُه اّلذِينَ آ َمنُوا َويَتّ ِ
ك الَيّامُ ُندَا ِولُهَا بَ ْينَ النّا ِ
س الْ َق ْومَ قَ ْرحٌ ِم ْثلُهُ َو ِتلْ َ
س ُكمْ قَ ْرحٌ فَ َقدْ مَ ّ
ن كُنْ ُتمْ ُمؤْ ِمنِينَ * إِنْ يَمْسَ ْ
إِ ْ
ق ا ْلكَافِرِينَ﴾(آل عمران)141-139:
ح َ
ن آمَنُوا وَيَمْ َ
ص اللّ ُه اّلذِي َ
ن * َولِيُمَحّ َ
حبّ الظّالِمِي َ
وَاللّهُ ل يُ ِ
وحول تهيئة النفوس وإعدادها للنهوض وتحقيق المال يرشدنا المام البنا ،فيقول تحت عنوان من أين نبدأ؟":إن تكوين المم وتربية
الشعوب وتحقيق المال ومناصرة المبادئ تحتاج من المة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على القل إلى قوة نفسية عظيمة
تتمثل في عدة أمور :إرادة قوية ل يتطرق إليها ضعف ،ووفاء ثابت ل يعدو عليه تلون ول غدر ،وتضحية عزيز ل يحول دونها طمع ول
بخل ،ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له ،يعصم من الخطأ فيه والنحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره ..على هذه الركان
الولية التي هي من خصوص النفوس وحدها ،وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبني المبادئ وتتربى المم الناهضة وتتكون الشعوب
الفتية وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنًا طويلً.
وكل شعب فقد هذه الصفات الربعة أو على القل فقدها قواده ودعاة الصلح فيه ،فهو شعب عابث مسكين ،ل يصل إلى خير ول يحقق
حقّ شَيْئًا﴾(يونس :من الية ،)36هذا هو قانون
ن الْ َ
أملً ...وحسبه أن يعيش في جو من الحلم والظنون والوهام﴿إِنّ الظّنّ ل ُيغْنِي مِ َ
س ِهمْ﴾ (الرعد :من الية .)11
حتّى ُيغَيّرُوا مَا ِبَأنْفُ ِ
ن اللّهَ ل ُيغَيّرُ مَا ِب َق ْومٍ َ
ال تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة ال تبديلً﴿إِ ّ
يعود التيار السلمي فيدعو شعب مصر إلى اليمان الكامل والثقة التامة بأن "السلم هو الحل" ،وأن المستقبل لهذا الدين الحق الذي
سيكتسح أمامه كل بقايا النظم الرضية وآثارها السلبية في مجتمعاتنا.
نقول لشعب مصر إنه ليس في الدنيا نظام يمد المة الناهضة بما تحتاج إليه من نظم وقواعد وعواطف ومشاعر كما يمد السلم بذلك
علَى
ن نَمُنّ َ
كله أممه الناهضة ..ولقد امتل القرآن الكريم بتصوير هذه الناحية خاصةً .فنراه يبعث المل للمستضعفين فيقول﴿:وَنُرِيدُ أَ ْ
ن َوهَامَانَ وَجُنُو َدهُمَا مِ ْن ُهمْ مَا كَانُوا
عوْ َ
ض َونُ ِريَ فِرْ َ
ن َل ُهمْ فِي الَرْ ِ
ن * وَنُ َمكّ َ
ج َع َل ُهمُ ا ْلوَارِثِي َ
ج َع َل ُهمْ أَ ِئمّ ًة وَنَ ْ
ضعِفُوا فِي ا ْلأَ ْرضِ َونَ ْ
اّلذِينَ اسْ ُت ْ
حذَرُونَ﴾(القصص.)6-5:
يَ ْ
ت لِلنّاسِ﴾(آل عمران :من الية َ ﴿ .)110و ِللّ ِه ا ْلعِ ّزةُ َولِرَسُولِهِ
خرِجَ ْ
ونراه يدعو إلى العزة القومية لمة السلم﴿كُ ْن ُتمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُ ْ
َو ِللْ ُمؤْمِنِينَ﴾(المنافقون :من الية .)8
ع ُد ّو اللّهِ
ط الْخَ ْي ِل تُ ْرهِبُونَ بِهِ َ
طعْ ُتمْ مِنْ ُق ّو ٍة وَمِنْ رِبَا ِ
عدّوا َل ُهمْ مَا اسْ َت َ
ونراه يستنهض الهمم للجهاد ورد عدوان المعتدين﴿وَأَ ِ
ن الْحَيَا َة الدّنْيَا بِالْآخِ َرةِ﴾(النساء :من الية .)74
ع ُد ّوكُمْ﴾(النفال :من الية َ ﴿)60فلْيُقَا ِتلْ فِي سَبِي ِل اللّهِ اّلذِينَ يَشْرُو َ
وَ َ
سمِ﴾.
علَ ْي ُك ْم وَزَا َدهُ بَسْطَةً فِي ا ْل ِع ْلمِ وَالْجِ ْ
ن الَ اصْطَفَاهُ َ
نراه يهتم بالصحة العامة وقوة البدان﴿إِ ّ
وحديث الرسول -صلى ال عليه وسلم" -المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف" ،وقوله":إن لدينك عليك حقًا" ونراه يهتم بالعلم
وبالخلق وبالقتصاد وبكل النظم العامة ولنا عود حول هذه القضايا وغيرها بإذن ال تعالى.