) سورة ابراهيم مكية وهى اثنتان وخمسون آية ( " بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد . 1 -الله الذى له ما في السموات وما في الرض وويل للكافرين من عذاب شديد 2 -الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا اولئك في ضلل بعيد 3 -وما ارسلنا من رسول ال بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم 4 -ولقد ارسلنا موسى بآياتنا ان اخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بايام الله ان في ذلك ليات لكل صبار شكور / " 5 -صفحة ) / 6بيان ( السورة الكريمة تصف القرآن النازل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث انه آية رسالته يخرج به الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط الله سبحانه الذى هو عزيز حميد أي غالب غير مغلوب وغنى غير محتاج إلى الناس وجميل في فعله منعم عليهم وإذا كان المنعم غالبا غنيا حميد الفعال كان على المنعم عليهم ان يجيبوا دعوته ويلبوا نداءه حتى يسعدوا بما افاض عليهم من النعم وان يخافوا سخطه وشديد عذابه فانه قوى غير محتاج إلى احد له ان يستغنى عنهم فيذهب بهم ويأتى بآخرين كما فعل بالذين كفروا بنعمته من المم الماضين فان آيات السماوات والرض ناطقة بأن النعمة كلها له وهو رب العزة وولى الحمد ل رب سواه .وبهذا تختتم السورة إذ يقول عز من قائل " :هذا بلغ للناس ولينذروا به وليعلموا انما هو اله واحد وليذكر اولوا اللباب " . ولعل ما ذكرنا هو مراد من قال ان السورة مفتتحة ببيان الغرض من الرسالة والكتاب يشير إلى قوله تعالى " :لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم " .والسورة مكية على ما يدل عليه سياق آياتها ونسب إلى ابن عباس والحسن وقتادة انها مكية ال آيتين منها نزلتا في قتلى بدر من المشركين " :ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار " وسياتى ان اليتين غير صريحتين ول ظاهرتين في ذلك .قوله تعالى " :الر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم " أي هذا كتاب انزلناه اليك فهو خبر لمبتدأ محذوف على ما يعطيه السياق وقيل غير ذلك .وقوله " :لتخرج الناس من الظلمات إلى النور " ظاهر السياق عموم الناس ل /صفحة / 7 خصوص قومه صلى الله عليه وآله وسلم ول خصوص المؤمنين منهم إذ ل دليل على التقييد من جهة اللفظ وكلمه تعالى صريح في عموم الرسالة كقوله " :ليكون للعالمين نذيرا " الفرقان 1 : وقوله " :لنذركم به ومن بلغ " النعام 19 : وقوله " :قل يا ايها الناس انى رسول الله اليكم جميعا " العراف 158 :واليات الصريحة في دعوة اليهود وعامة اهل الكتاب وعمله صلى الله عليه وآله وسلم في دعوتهم وقبول ايمان من آمن منهم كعبد الله بن سلم وسلمان وبلل وصهيب وغيرهم تؤيد ذلك .على ان آخر السورة هذا بلغ " :للناس ولينذروا به " الية وقد قوبل به اولها يؤيد ان المراد بالناس اعم من المؤمنين الذين خرجوا من الظلمات إلى النور بالفعل .وقد نسب الخراج من الظلمات إلى النور إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونه احد السباب الظاهرية لذلك واليه ينتهى ايمان المؤمنين بدعوته بل واسطة أو بواسطة ول ينافيه قوله " : انك ل تهدى من احببت ولكن الله يهدى من يشاء " القصص 56 :فان الية انما تنفى اصالته صلى الله عليه وآله وسلم في الهداية واستقلله فيها من غير ان تنفى عنه مطلق الهداية حتى ما يكون على نحو الوساطة وباذن من الله تعالى والدليل عليه قوله تعالى " :وانك لتهدى إلى صراط مستقيم " الشورى 52 :ولذلك قيد سبحانه قوله لتخرج بقوله باذن ربهم .والمراد بالظلمات والنور :الضلل والهدى وقد تكرر في كلمه تعالى اعتبار الهدى نورا وعد الضلل ظلمة وجمع الظلمات دون النور لن الهدى من الحق والحق واحد ل تغاير بين اجزائه ومصاديقه ول كثرة بخلف الضلل فانه من اتباع الهوى والهواء مختلفة متغاير بعضها مع بعض ل وحدة بينها ول اتحاد لبعاضها ومصاديقها قال تعالى " :وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " النعام : . 153واللم في قوله لتخرج الناس الخ لم الغرض بناء على عموم الناس كما هو ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص :7 ظاهر الية وليس بلم العاقبة إذ لو كان كذلك لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلفه / . صفحة / 8واما ما اعترض عليه بعضهم ان التربية اللهية بإخراج الناس من الظلمات إلى النور وايصالهم إلى السعادة والكمال مشروطة بالتهيؤ والستعداد مع كون الفيض عاما فالمقدار الممكن من هذه العاقبة على تقدير عمومه هو هذا المقدار .ففيه انه اعتراف بأن كون اللم للعاقبة خلف ظاهر الية فان الذى ذكره ل يتم ال بتقييد الناس بالمستعدين لكن الذى يجب ان يعلم ان هذا الغرض غرض تشريعي معناه ان للحكم غاية مقصودة وهى المصلحة التى يستعقبها فان الله سبحانه يدعو الناس ليغفر لهم ويهديهم إلى اليمان والعمل الصالح ليسعدهم بذلك ويدخلهم الجنة ويرسل الرسل وينزل عليهم الكتاب ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم ويريد بما يوجهه إليهم من المر والنهى ان يطهرهم ويذهب عنهم رجز الشيطان واليات الدالة على ذلك كثيرة ل موجب ليرادها وكذا الروايات ولعلها تزهو اللوف .وقد قال سبحانه " :إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " الزخرف 3 :وقال " وما ارسلنا من رسول ال بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء " الية 4 - من السورة فبين ان ما نعقله من كتابه ويظهر لنا من بيان رسوله حجة ل مناص عنه ونحن ل نعقل من قوله مثل " :يدعوكم ليغفر لكم " ابراهيم : 10ال ان المغفرة غرض الدعوة كما ل نعقل من قول السيد لعبده أو أي متبوع لتابعه ائتنى بماء لشربه أو بغذاء لكله أو اكس فلنا ليستر به عورته ال ان الشرب والكل وستر العورة اغراض لوامرها فلله سبحانه فيما ينزله من الحكام والشرائع اغراض وغايات مقصودة .نعم بين سبحانه ان ساحته منزهة عن الفقر والحاجة مبرأة عن النقص والشين إذ قال " :ان الله لغنى عن العالمين " العنكبوت 6 :وقال وربك الغنى ذو الرحمة " النعام 133 :وقال " :يا ايها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى " فاطر 15 : فأفاد انه في غنى عن كل شئ ل ينتفع بشئ من هذه الغراض وليست افعاله تعالى بالعبث والجزاف حتى تخلو عن الغرض كيف ؟ وقد وصف نفسه بالحكمة والحكيم ل يعبث ول يجازف ونص على انتفاء العبث من فعله " :أفحسبتم انما خلقناكم عبثا " /صفحة / 9المؤمنون 115 : والمر والنهى اللذان يتم بهما الكمال في العالم النساني يعودان بالخرة إلى ما يتم به الخلقة . فلله سبحانه في خلقه وامره اغراض وان كان ل يستكمل باغراض افعاله كما نستكمل نحن باغراض افعالنا لكنه سبحانه ل يتأثر عن اغراضه وبعبارة اخرى الحكم والمصالح ل تؤثر فيه تعالى كما ان مصلحة الفعل تؤثر فينا فيبعثنا تعقلها نحو الفعل ونرجح الفعل على الترك فانه سبحانه هو القاهر غير المقهور والغالب غير المغلوب يملك كل شئ ول يملكه شئ ويحكم على كل شئ ول يحكم عليه شئ ولم يكن له شريك في الملك ول ولي من الذل فل يكون تعالى محكوما بعقل بل هو الذى يهدى العقل إلى ما يعقله ول تضطره مصلحة إلى فعل ول مفسدة إلى ترك بل هو الهادى لهما إلى ما توجبانه .فالغرض والمصلحة منتزعة من مقام فعله بمعنى ان فعله يتوقف على المصلحة لكنها ل تحكم في ذاته تعالى ول تضطره إلى الفعل فكما انه تعالى إذا خلق شيئا وقال له كن فكان كزيد مثل انتزع العقل من العين الخارجية نفسها انها ايجاد من الله تعالى ووجود لزيد وحكم بأن وجوده يتوقف على ايجاده كذلك ينتزع العقل من فعله تعالى بالنظر إلى ما اشرنا إليه من صفاته العليا انه فعله وانه ذو مصلحة مقصودة ثم يحكم بأن تحقق الفعل يتوقف على كونه ذا مصلحة .فهذا هو الذى يعطيه التدبر في كلمه تعالى في كون افعاله تعالى مشتملة على الحكم والمصالح متوقفة على الغراض والمتحصل من ذلك ان له تعالى في افعاله اغراضا لكنها راجعة إلى خلقه دونه .وملخصه ان غرضه في فعله يفارق اغراضنا في افعالنا من وجهين احدهما انه تعالى ل يستكمل بأغراض افعاله وغاياتها بخلفنا معاشر ذوى الشعور والرادة من النسان وسائر الحيوان وثانيهما ان المصلحة والمفسدة ل تحكمان فيه تعالى بخلف غيره . واما النزاع المعروف بين الشاعرة والمعتزلة في ان افعال الله معللة بالغراض أم /صفحة / 10 ل ؟ بمعنى انه تعالى هل هو محكوم بالمصلحة الواقعية في فعله بحيث ان المصلحة ترجح له الفعل على الترك ولولها لم يكن له ليفعل ؟ أو انه ل غاية له في فعله وانما يفعل بارادة جزافية من غير غرض ؟ فذلك مما ل يهدى إلى شئ من طرفيه النظر المستوفى والحق خلف القولين جميعا وهو امر بين المرين كما اشرنا إليه ولعلنا نوفق فيما سيأتي من الكتاب لعقد بحث مستقل في المسألة نستوفي فيه النظر العقلي والنقلى فيها ان شاء الله تعالى .وفي قوله باذن ربهم التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والنكتة فيه التخلص إلى ذكر صفة الربوبية وتسجيل انه تعالى هو رب هؤلء المشركين الذين ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 10 اتخذوا له اندادا فان وجه الكلم في الحقيقة إليهم وان كان المخاطب به هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم دونهم ولتكون هذه التسمية وهى في مفتتح الكلم مبدء لما سيذكر في السورة من الحجة على توحيد الربوبية .قوله تعالى " :إلى صراط العزيز الحميد الله الذى له ما في السماوات وما في الرض " العزة تقابل الذلة قال الراغب العزة حالة مانعة للنسان من ان يغلب من قولهم ارض عزاز أي صلبة قال تعالى " :أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه انتهى موضع الحاجة .فعزة العزيز هي كونه بحيث يصعب نيله والوصول إليه ومنه عزيز القوم وهو الذى يقهر ول يقهر لنه ذو مقام ل يصل إليه من قصده دون ان يمنع قبل الوصول إليه ويقهر ومنه العزيز لما قل وجوده لصعوبة نيله ومنه العزيز بمعنى الشاق لن الذى يشق على النسان يصعب حصوله قال تعالى " :عزيز عليه ما عنتم " التوبة 128 :ومنه قوله " :وعزنى في الخطاب " ص 23 :أي غلبنى على ما فسر به .والله سبحانه عزيز لنه الذات الذى ل يقهره شئ من جهة وهو يقهر كل شئ من كل جهة ولذلك انحصرت العزة فيه تعالى فل توجد عند غيره ال باكتساب منه / صفحة / 11وباذنه قال تعالى " :أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا " النساء 139 :وقال " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " فاطر : . 10والحميد فعيل بمعنى المفعول من الحمد وهو الثناء على الجميل الختياري واذ كان كل جمال ينتهى إليه سبحانه كان جميع الحمد له كما قال " :الحمدلله رب العالمين " سورة الحمد 2 : ومن غريب القول ما عن المام الرازي على ماسننقله ان الحميد معناه العالم الغنى .وقوله إلى صراط العزيز الحميد بدل من قوله إلى النور يبين به ما يوصل إليه الكتاب الذى انزله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بيانا بعد بيان فنبه اول بأنه نور يميز الحق من الباطل والخير من الشر والسعادة من الشقاوة وثانيا بأنه طريق واضح يجمع سالكيه في متنه وينتهى بهم جميعا إلى الله العزيز الحميد .والوجه في ذكر الصفتين الكريمتين العزيز الحميد انهما مبدءان لما سيورد في السورة من الكلم الموجه إليهم فإن عمدة الكلم في السورة هي تذكيرهم ان الله أنعم عليهم بربوبيته كل نعمة عظيمة ثم عزم عليهم من طريق رسله ان يشكروه ول يكفروه ووعد رسله انهم إن آمنوا ادخلهم الجنة وإن كفروا انتقم منهم وأوردهم مورد الشقاء والعذاب فليخافوا ربهم وليحذروا مخالفة امره وكفران نعمته لن له كل العزة ل يمنع عن حلول سخطه بهم ونزول عذابه عليهم شئ حميد ل يذم في اثابته المؤمنين ول في تعذيب الكافرين كما ل يذم فيما بسط عليهم من نعمه التى ل تحصى .فجل الكلم في هذه السورة فيما يقتضيه الصفات الثلث توحده تعالى بالربوبية وعزته وكونه حميدا في افعاله فليخف من عزته المطلقة وليشكر وليوثق بما وعد وليتذكر من آيات ربوبيته .وفي روح المعاني عن ابى حيان النكتة في ذلك انه لما ذكر قبل انزاله تعالى لهذا الكتاب واخراج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة ل نزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذى ل / صفحة / 12يقدر عليه سواه وصفة الحمد لنعامه بأعظم النعم لخراج الناس من الظلمات إلى النور قال ووجه التقديم والتأخير على هذا ظاهر انتهى وهو اجنبي عن سياق آيات السورة البتة ولعله مأخوذ من قوله تعالى في وصف القرآن " :وانه لكتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد " حم السجدة 42لكن المقام غير المقام .وعن المام في تفسيره انما قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد لن الصحيح ان اول العلم بالله تعالى العلم بكونه قادرا ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما ثم بعد ذلك العلم بكونه غنيا عن الحاجات والعزيز هو القادر والحميد هو العالم الغنى فلما كان العلم بكونه قادرا متقدما على العلم بكونه عالما بالكل غنيا عنه ل جرم قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد انتهى وهو مجازفة عجيبة .وقريب منه في المجازفة قول بعضهم قدم العزيز على الحميد اعتناء بأمر الصفات السلبية كما يؤذن به قولهم التخلية اولى من التحلية فان العزة كما تقدم من الصفات السلبية بخلف الحمد .وربما قيل في وجه تخصيص الوصفين بالذكر انه للترغيب في سلوك هذا الصراط لنه صراط العزيز الحميد فيعز سالكه ويحمد سابله انتهى وهو وجه الحرى به ان يجعل من الفوائد المتفرعة دون السبب الموجب والوجه ما قدمناه .واما قوله " الله الذى له ما في السماوات والرض " فبيان للعزيز الحميد والمراد بما في السماوات والرض كل ما في الكون فيشمل نفس السماوات والرض كما يشمل ما فيهما فهو تعالى يملك كل شئ من كل جهة بحقيقة معنى الملك .وفيه اشارة إلى الحجة في كونه تعالى عزيزا حميدا فانه تعالى وان كان هو ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 12 الذى يحق الحق بكلماته وهو الذى ينجح كل حجة في دللتها لكنه جارى عباده في كلمه على ما فطرهم عليه وذلك انه تعالى لما ملك كل خلق وامر بحقيقة معنى الملك فهو المالك لكل قهر وغلبة فل قهر ال منه ول غلبة ال له فهو تعالى عزيز وله أن /صفحة / 13يتصرف في ما يشاء بما يشاء ول يكون تصرفه ال محمودا غير مذموم لن التصرف انما يكون مذموما إذا كان المتصرف ل يملكه اما عقل أو شرعا أو عرفا واى تصرف نسبه إليه تعالى عقل أو شرع أو عرف فانه يملكه فهو تعالى حميد محمود الفعال .قوله تعالى " :وويل للكافرين من عذاب شديد " بيان لما تقتضيه صفة العزة من القهر لمن يرد دعوته ويكفر بنعمته . قوله تعالى " :الذين يستحبون الحياة الدنيا على الخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا " الخ قال الراغب في المفردات وقوله عز وجل ان استحبوا الكفر على اليمان أي ان آثروه عليه وحقيقة الستحباب ان يتحرى النسان في الشئ ان يحبه واقتضى تعديته بعلى معنى اليثار وعلى هذا قوله تعالى " :واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " انتهى .ومعنى استحباب الدنيا على الخرة اختيار الدنيا وترك الخرة رأسا ويقابله اختيار الخرة على الدنيا بمعنى اخذ الخرة غاية للسعى وجعل الدنيا مقدمة لها يتوسل بها إليها واما اختيار الخرة وترك الدنيا من اصلها فانه مضاف إلى عدم امكانه بحقيقة معنى الكلمة يوجب اختلل امر الخرة وينجر إلى تركها بالخرة فالحياة الدنيا حياة منقطعة والحياة الخرة حياة دائمة يتوسل إلى سعادتها من طريق الدنيا بالكتساب فمن اختار الخرة واثبتها لزمه اثبات الدنيا لمكان مقدميتها ومن اختار الدنيا وجعلها غاية لزمه نفى الخرة من اصلها لنها لو ثبتت ثبتت غاية واذ لم يجعل غاية انتفت فليس بين يدى النسان ال خصلتان اختبار الخرة على الدنيا بجعل الخرة غاية واثبات الدنيا معها للمقدمية واختيار الدنيا على الخرة بجعل الدنيا غاية ونفى الخرة من اصلها .وايضاح المقام ان النسان ل بغية له ال سعادة حياته وحبه لها فطرى وقد اوضحنا ذلك في مواضع متفرقة فيما تقدم والذى يثبته كتاب الله من امر الحياة انها دائمة غير منقطعة بالموت فل محالة تنقسم بالنظر إلى تخلل الموت إلى حياتين الحياة الدنيا المؤجلة بالموت و الحياة الخرة بعد الموت وهى تتفرع في سعادتها وشقائها على /صفحة / 14الحياة الدنيا وما يكتسبه النسان في الدنيا من ناحية العمال الحيوية من حسنة أو سيئة ول مفر للنسان من هذه العمال لما عنده من حب الحياة الفطري . وهذه العمال أعنى السنة التى يستن بها النسان في حياته الدنيا الكاسبة له التقوى أو الفجور والحسنة أو السيئة هي التى تسمى في كتاب الله دينا وسبيل فل مفر للنسان من سنة حسنة أو سيئة ودين حق أو باطل .ولما كان من سنة الله سبحانه الجارية ان يهدى كل نوع من النواع إلى سعادته وكماله ومن كمال النسان وسعادته ان يعيش عيشة اجتماعية ويستن بسنة حيوية شرع الله سبحانه له دينا مبنيا على فطرته التى فطر عليها وهو سبيل الله الذى يسلكه ودينه الذى يتدين به فان جرى على ما شرعته له الربوبية وهدته إليه الفطرة فقد سلك سبيل الله وابتغاه مستقيما وان اتبع الهوى وصد نفسه عن سبيل الله واشتغل بما يزينه له الشيطان فقد ابتغى سبيل الله عوجا منحرفا .اما انه يبتغى سبيل الله فان الله هو الذى فطره على طلب السبيل وابتغاء الصراط ول يهدى البتة ال إلى ما يرتضيه وهو سبيل نفسه وأما أنه منحرف ذو عوج فلنه ل يهدى إلى الحق وما ذا بعد الحق ال الضلل ؟ واليات القرآنية الدالة على هذا الذى قدمناه متكاثرة ل حاجة إلى ايرادها .إذا عرفت هذا لح لك ان قوله في تفسير الكافرين الذين يستحبون الحياة الدنيا على الخرة مفاده انهم يتعلقون تمام التعلق بالحياة الدنيا ويعرضون عن الخرة بنفيها وهو الكفر بالمعاد المستلزم للكفر بالتوحيد والنبوة .وقوله ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا مفاده انهم يكفون انفسهم عن الستنان بسنة الله والتدين بدينه أو يصدون ويصرفون الناس عن اليمان بالله واليوم الخر والتشرع بشريعته عنادا منهم للحق ويطلبون سنة الله عوجا ومنحرفة بالستنان بغيرها من سنة اجتماعية ايا ما كانت ثم سجل عليهم الضلل بقوله سبحانه :اولئك في ضلل بعيد / .صفحة / 15ويظهر بما تقدم فساد قول بعضهم ان المراد بقوله يبغونها عوجا يبغون لها عوجا أي يطلبون لها زيغا واعوجاجا حتى يعيبوها به ويصدوا الناس عنها بسببه .وقول بعضهم المعنى يطلبون ان يروا فيها عوجا يكون قادحا فيقدحوا فيها به . وقول بعضهم المعنى يطلبون لهلها ان يعوجوا وينحرفوا بالرد فهو المراد بطلبهم الدين منحرفا وانحرافه فساد ما عند المؤمنين من معارفه وفساد هذه القوال ظاهر .قوله تعالى وما ارسلنا من رسول ال بلسان قومه ليبين لهم إلى آخر الية . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 15 اللسان هو اللغة قال تعالى " :بلسان عربي مبين " الشعراء . 195 :والضمير في قومه عائد إلى رسول وفي لهم إلى قومه والمحصل ما ارسلنا من رسول ال بلسان قوم ذلك الرسول ليبين لقومه ومن الخطأ ارجاع ضمير قومه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليفيد ان الله سبحانه كان يوحى إلى جميع الرسل بالعربية لفساد المعنى بذلك لرجوع ضمير لهم إلى قومه فيفيد ان الله انزل التوراة لموسى مثل بالعربية ليبين للعرب كما في الكشاف .والمراد بإرسال الرسول بلسان قومه ارساله بلسان القوم الذين كان يعيش فيهم ويخالطهم ويعاشرهم وليس المراد به الرسال بلسان القوم الذين هو منهم نسبا لنه سبحانه يصرح بمهاجرة لوط عليه السلم من كلدة وهم سريانية اللسان إلى المؤتفكات وهم عبرانيون وسماهم قومه وارسله إليهم ثم أنجاه وأهله ال امرأته وهى منهم وأهلكهم قال تعالى : " فآمن له لوط وقالى انى مهاجر إلى ربى " العنكبوت 26 :وفي مواضع من كلمه تعالى قوم لوط .واما من ارسل إلى ازيد من امة وهم اولوا العزم من الرسل فمن الدليل على أنهم كانوا يدعون اقواما من غير اهل لسانهم ما حكاه الله من دعوة ابراهيم عليه السلم عرب الحجاز إلى الحج ودعوة موسى عليه السلم فرعون وقومه إلى اليمان وعموم دعوة /صفحة / 16النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد اشتمل القرآن على دعوة اليهود والنصارى وغيرهم وقبول ايمان من آمن منهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا ما يستفاد من عموم دعوة نوح عليه السلم وعلى هذا فالمراد بقوله " :وما أرسلنا من رسول ال بلسان قومه ليبين لهم " والله اعلم ان الله لم يبن ارسال الرسل والدعوة الدينية على اساس معجز خارق للعادة الجارية ول فوض إلى رسله من المر شيئا بل ارسلهم باللسان العادى الذى كانوا يكالمون قومهم ويحاورونهم به ليبينوا لهم مقاصد الوحى فليس لهم ال البيان واما ما وراء ذلك من الهداية والضلل فالى الله سبحانه ل يشاركه في ذلك رسول ول غيره .فتعود الية كالبيان واليضاح لقوله تعالى قبل " :كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم " وان معنى اخراجك الناس من الظلمات إلى النور ان تبين لهم ما انزل الله ل ازيد من ذلك فيكون في معنى قوله " :وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " النحل 44 : .واما قوله " :فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء " فإشارة إلى ما اومأنا إليه ان امر الهدى والضلل إلى الله ل يتحقق شئ منهما ال عن مشية منه تعالى غير انه سبحانه اخبرنا ان هذه المشية منه ليست جزافية غير منتظمة بل لها نظم ثابت فمن اتبع الحق ولم يعانده هداه الله ومن جاحده واتبع هواه اضله الله فهو اضلل مجازاة غير الضلل البتدائي المذموم .وقد قدم سبحانه الضلل على الهداية إذ قال " :فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء " لن ذلك احوج إلى البيان بالنظر إلى ان الكلم مبنى على عزته المطلقة فكان من الواجب ان يبين ان ضلل من يضل عن السبيل كهدى من اهتدى إليها انما هو بمشية منه تعالى ولم يغلب في ارادته ولم يزاحم في ملكه حتى ل يخيل إلى كل مغفل من الناس ان الله يصف نفسه بالعزة المطلقة وانه غالب غير مغلوب وقاهر غير مقهور ثم يدعو الناس فل يستجيبون دعوته ويأمرهم وينهاهم فيعصون ول يطيعون وهل هذا ال غلبة منهم وقهر وهو مغلوب مقهور ؟ فكأنه تعالى اجاب عن ذلك بأن معنى دعوته تعالى ان يرسل رسول بلسان /صفحة / 17 قومه فيبين لهم ما يسعدهم مما يشقيهم واما ضلل من ضل من الناس كهدى من اهتدى منهم فبمشية من الله واذنه وحاشاه ان يقهر في سلطانه أو يتصرف في ملكه احد بغير اذنه . فضلل من ضل منهم دليل عزته فضل ان يكون ناقضا لها كما ان هدى من اهتدى كذلك ولذلك ذيل الكلم بقوله وهو العزيز الحكيم فهو سبحانه عزيز ل يغلبه ول يضره ضلل من ضل منهم ول ينفعه هدى من اهتدى حكيم ل يشاء ما شاء جزافا وعبثا بل عن نظام متقن دائمي قوله تعالى " :ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن اخرج قومك من الظلمات إلى النور " إلى آخر الية إذ كان الكلم في السورة مبنيا على النذار والتذكير بعزة الله سبحانه ناسب ان يذكر ارسال موسى باليات لهداية قومه فان قصة رسالته من اوضح مصاديق ظهور العزة اللهية من بين الرسل وقد قال تعالى فيه " :ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين " المؤمن 23 :وقال حاكيا عنه عليه السلم " :وان ل تعلوا على الله انى آتيكم بسلطان مبين " الدخان . 19 :فوزان الية اعني قوله ولقد ارسلنا موسى بآياتنا ان اخرج قومك من الظلمات إلى النور من قوله كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم وزان التنظير بداعي التأييد وتطييب النفس كما في قوله " :إنا أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " النساء . 163 :واما ما ذكر بعضهم ان الية شروع في تفصيل ما اجمل في قوله وما ارسلنا ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 17 من رسول ال بلسان قومه ليبين لهم فبعيد كل البعد ونظيره في البعد قول بعضهم ان المراد باليات التى ارسل بها موسى آيات التوراة دون المعجزات التى ارسل عليه السلم بها كالثعبان واليد البيضاء وغيرهما .على ان الله سبحانه وتعالى لم يعد في كلمه التوراة من آيات رسالة موسى ول ذكر انه أرسله بها قط وانما ذكر انه انزلها عليه وآتاه اياها / .صفحة / 18ولم يقيد قوله ان اخرج قومك الخ بالذن كما قيد به قوله للنبى صلى الله عليه وآله وسلم لتخرج الناس الخ لن قوله ههنا اخرج قومك امر يتضمن معنى الذن بخلف قوله هناك لتخرج الناس .وقوله " : وذكرهم بأيام الله " ل شك ان المراد بها ايام خاصة ونسبة ايام خاصة إلى الله سبحانه مع كون جميع اليام وكل الشياء له تعالى ليست ال لظهور امره تعالى فيها ظهورا ل يبقى معه لغيره ظهور فهى الزمنة والظروف التى ظهرت أو سيظهر فيها امره تعالى وآيات وحدانيته وسلطنته كيوم الموت الذى يظهر فيه سلطان الخرة وتسقط فيه السباب الدنيوية عن التأثير ويوم القيامة الذى ل يملك فيه نفس لنفس شيئا والمر يومئذ لله وكاليام التى اهلك الله فيها قوم نوح وعاد وثمود فان هذه وامثالها ايام ظهر فيها الغلبة والقهر اللهيان وان العزة لله جميعا . ويمكن ان يكون منها ايام ظهرت فيها النعم اللهية ظهورا ليس فيه لغيره تعالى صنع كيوم خروج نوح عليه السلم وأصحابه من السفينة بسلم من الله وبركات ويوم انجاء ابراهيم من النار وغيرهما فانها ايضا كسوابقها ل نسبة لها في الحقيقة إلى غيره تعالى فهى ايام الله منسوبة إليه كما ينسب اليام إلى المم والقوام ومنه ايام العرب كيوم ذى قار ويوم فجار ويوم بغاث وغير ذلك .وتخصيص بعضهم اليام بنعماء الله سبحانه بالنظر إلى ما سيأتي من ذكر نعمه تعالى كتخصيص آخرين لها بنقماته تعالى خال عن الوجه بعد ما كان الكلم جاريا في السورة على ما تقتضيه عزته تعالى ومن مقتضى صفة عزته النعام على العباد والخذ الشديد ان كفروا بنعمته .ثم تمم الكلم بقوله " :ان في ذلك ليات لكل صبار شكور " أي كثير الصبر عند الضراء وكثير الشكر على النعماء / .صفحة ) / 19بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج احمد عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لم يبعث الله نبيا ال بلسان قومه وفيه اخرج النسائي وعبد الله بن احمد في زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب اليمان عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله " :وذكرهم بأيام الله " قال بنعم الله وآلئه اقول وهو بيان بعض المصاديق وروى ما في معناه الطبرسي والعياشي عن الصادق عليه السلم .وفي امالي الشيخ باسناده عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :ايام الله نعماؤه وبلؤه وهو مثلته سبحانه وفي تفسير القمى قال " :قال ايام الله ثلثة :يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة اقول المراد بيان ايامه تعالى العظيمة ل حصر مطلق ايامه .وفي المعاني باسناده عن مثنى الحناط عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلم قال :ايام الله ثلثة يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة .اقول وهى كسابقتها واختلف الروايات في تعداد المصاديق يؤيد ما قدمناه في بيان الية * * * .واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ انجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون ابناءكم /صفحة / 20ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلء من ربكم عظيم 6 -واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد 7 - وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الرض جميعا فان الله لغنى حميد 8 -ألم يأتكم نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم ال الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا ايديهم في افواههم وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب 9 -قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى قالوا ان انتم ال بشر مثلنا تريدون ان تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين - 10قالت لهم رسلهم ان نحن إل بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان ال بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون 11 -وما لنا ال نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون 12 -وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين 13 - ولنسكننكم الرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد / 14 -صفحة / 21واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد 15 -من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد 16 -يتجرعه ول يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ 17 -مثل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 21 الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ل يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلل البعيد ) . 18 -بيان ( اليات تشتمل على ذكر نبذة من نعم الله ونقمه في ايامه وظاهر سياق اليات انها من كلم موسى عليه السلم غير قوله تعالى " :واذ تأذن ربكم " الية فهى حكاية قول موسى يذكر فيها قومه ببعض ايام الله سبحانه على ما يقتضيه عزته المطلقة من انزال النعم والنقم ووضع كل في موضعه الذى يليق به حسب ما اقتضته حكمته البالغة .قوله تعالى " :واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم " إلى آخر الية السوم على ما ذكره الراغب بمعنى الذهاب في ابتغاء الشئ فهو لفظ لمعنى يتركب من الذهاب والبتغاء فكأنه في الية بمعنى اذاقة العذاب والستحياء استبقاء الحياة .والمعنى واذكر ايها الرسول لزيادة التثبت في ان الله عزيز حميد إذ قال موسى لقومه وهم بنو اسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم يوم انجاكم من آل فرعون وخاصة من القبط والحال انهم مستمرون على اذاقتكم سوء العذاب ويكثرون ذبح الذكور من اولدكم وعلى استبقاء حياة نسائكم للسترقاق وفي ذلكم بلء ومحنة من ربكم عظيم / .صفحة / 22قوله تعالى " :واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد " قال في المجمع التأذن العلم يقال آذن وتأذن ومثله أوعد وتوعد انتهى .وقوله واذ تأذن ربكم الخ معطوف على قوله واذ قال موسى لقومه وموقع الية التالية وقال موسى الخ من هذه الية كموقع قوله ولقد ارسلنا موسى الخ من قوله كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور الخ فافهم ذلك فهو النسب بسياق كلمه تعالى .وذكر بعضهم انه داخل في مقول موسى وليس بكلم مبتدء وعليه فهو معطوف على قوله نعمة الله عليكم والتقدير اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا إذ تأذن ربكم الخ وفيه انه لو كان كذلك لكان النسب ان يقال اذكروا إذ أنجاكم فأنعم عليكم واذ تأذن ربكم الخ لما فيه من رعاية حكم الترتيب .وقيل انه معطوف على قوله إذ انجاكم والمعنى اذكروا نعمة الله عليكم إذ تأذن ربكم فان هذا التأذن نفسه نعمة لما فيه من الترغيب والترهيب الباعثين إلى نيل خير الدنيا والخرة .وفيه ان هذا التأذن ليس ال نعمة للشاكرين منهم خاصة واما غيرهم فهو نقمة عليهم وخسارة فنظمه في سلك ما تقدمه من غير تقييد أو استثناء ليس على ما ينبغى .فالظاهر انه كلم مبتدأ وقد بين تعالى هذه الحقيقة اعني كون الشكر الذى حقيقته استعمال النعمة بنحو يذكر انعام المنعم ويظهر احسانه ويؤول في مورده تعالى إلى اليمان به والتقوى موجبا لمزيد النعمة والكفر لشديد العذاب في مواضع من كلمه وقد حكى عن نوح فيما ناجى ربه ودعا على قومه فقلت " :استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين " الخ نوح . 12 :ومن لطيف كرمه تعالى اللئح من الية كما ذكره بعضهم اشتمالها على التصريح بالوعد والتعريض في الوعيد حيث قال لزيدنكم وقال ان عذابي لشديد ولم يقل لعذبنكم وذلك من دأب الكرام في وعدهم ووعيدهم غالبا / .صفحة / 23والية مطلقة ل دليل على اختصاص ما فيها من الوعد والوعيد بالدنيا ول بالخرة وتأثير اليمان والكفر والتقوى والفسق في شؤون الحياة الدنيا والخرة معا معلوم من القرآن .وقد استدل بالية على وجوب شكر المنعم والحق ان الية ل تدل على ازيد من ان الكافر على خطر من كفره فان الله سبحانه لم يصرح بفعلية العذاب على كل كفر إذ قال ولئن كفرتم ان عذابي لشديد ولم يقل لعذبنكم .قوله تعالى " :وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الرض جميعا فان الله لغنى حميد " لما امر تعالى بشكر نعمه بذكر ما تأذن به من الزيادة على الشكر والعذاب على الكفر على ما تقتضيه العزة المطلقة ذكر في تأييده من كلم موسى عليه السلم ما يجرى مجرى التنظير فقال وقال موسى والكلم جار على هذا النمط إلى تمام عشر آيات .واما ان الله غنى وان كفر من في الرض جميعا فانه غنى بالذات عن كل شئ فل ينتفع بشكر ول يتضرر بكفر وانما يعود النفع والضرر إلى النسان فيما اتى به واما انه حميد فلن الحمد هو اظهار الحامد بلسانه ما لفعل المحمود من الجمال والحسن وفعله تعالى حسن جميل من كل جهة فهو جميل ظاهر الجمال يمتنع خفاؤه واخفاؤه فهو تعالى محمود سواء حمده حامد باللسان أو لم يحمد .على ان كل شئ يحمده بتمام وجوده حتى الكافر بنعمته كما قال تعالى " :وان من شئ ال يسبح بحمده " السراء : 44فهو تعالى محمود سواء حمده الناس بألسنتهم أو لم يحمدوه وله كل الحمد سواء قصد به هو أو قصد به غيره .قوله تعالى " :ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود " إلى آخر الية من كلم موسى عليه السلم يذكر قومه من ايام الله في المم الماضين ممن فنيت اشخاصهم وخمدت انفاسهم وعفت آثارهم وانقطعت اخبارهم فل يعلمهم بحقيقة حالهم تفصيل ال ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 23 الله كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم . ومن هنا يعلم اول ان المراد بالنبأ في قوله " : ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم /صفحة / 24خبر هلكهم وانقراضهم فان النبأ هو الخبر الذى يعتنى بأمره فل ينافى ما يتعقبه من قوله ل يعلمهم ال الله .وثانيا ان قوله قوم نوح وعاد وثمود من قبيل ذكر المثلة وان قوله ل يعلمهم ال الله بيان لقوله من قبلكم والمراد بعدم العلم بهم لغير الله الجهل بحقيقة حالهم وعدم الحاطة بتفاصيل تاريخ حياتهم .ومن الممكن ان يكون قوله ل يعلمهم ال الله اعتراضا وان كان ما ذكرناه انسب للسياق واما احتمال ان يكون خبرا لقوله والذين من بعدهم كما ذكره بعضهم فسخافته ظاهرة واسخف منه تجويز بعضهم ان يكون حال من ضمير من بعدهم وكون قوله جاءتهم رسلهم خبرا لقوله والذين من بعدهم .وقوله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا ايديهم في افواههم الظاهر ان المراد به ان رسلهم جاؤوهم بحجج بينة تبين الحق وتجليه من غير أي ابهام وريب فمنعوهم ان يتفوهوا بالحق وسدوا عليهم طريق التكلم . فالضميران في ايديهم وافواههم للرسل ورد ايديهم في افواههم كناية عن اجبارهم على ان يسكتوا ويكفوا عن التكلم بالحق كأنهم اخذوا بايدى رسلهم وردوها في افواههم ايذانا بأن من الواجب عليكم ان تكفوا عن الكلم ويؤيده قوله بعد وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب فان دعوى الشك والريب قبال الحجة البينة والحق الصريح الذى ل يبقى مجال للشك ل تتحقق ال من جاحد مكابر متحكم مجازف ل يستطيع ان يسمع كلمة الحق فيجبر قائلها على السكوت والصمت .وللقوم في معنى الية اقوال أخر منها قول بعضهم المعنى ان الكفار ردوا ايديهم في افواه الرسل تكذيبا لهم وردا لما جاؤوا به فالضمير الول للكفار والثانى للرسل وفيه انه مستلزم لختلف مرجع الضميرين من غير قرينة ظاهرة /صفحة / 25ومنها ان المراد ان الكفار وضعوا ايديهم على افواه انفسهم مومين به إلى الرسل ان اسكتوا كما يفعله الواحد من الناس مع غيره إذا اراد اسكاته فالضميران معا للكفار .ومنها ان المعنى عضوا اصابعهم من شدة الغيظ من استماع دعوة الرسل فالضميران للكفار كما في الوجه السابق وفيه انه كناية بعيدة غير مفهومة من اللفظ .ومنها ان المراد باليدي الحجج وهى اما جمع اليد بمعنى الجارحة لكون الحجة بمنزلة اليد التى بها البطش والدفع واما جمع اليد بمعنى النعمة لكون حجج الرسل نعما منهم على الناس والمعنى انهم ردوا حجج الرسل إلى افواههم التى خرجت منها . وقريب من هذا الوجه قول بعضهم ان المراد باليدي نعم الرسل وهى اوامرهم ونواهيهم والضميران ايضا للرسل والمعنى انهم كذبوا الرسل في اوامرهم ونواهيهم .وقريب منه ايضا قول آخرين ان المراد باليدي النعم وضمير ايديهم للرسل وفي في قوله في افواههم بمعنى الباء والضمير للكفار والمعنى كذب الكفار بافواههم نعم الرسل وهى حججهم .وانت خبير بأن هذه معان بعيدة عن الفهم يجل كلمه تعالى ان يحمل عليها وعلى امثالها .واما قوله " :وقالوا انا كفرنا بما أرسلتم به " وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب فهو نحو بيان لقوله فردوا ايديهم في افواههم والجملة الولى اعني قولهم انا كفرنا بما ارسلتم به انكار للشريعة اللهية التى هي متن الرسالة والجملة الثانية اعني قولهم وانا لفى شك الخ انكار لما جاؤوا به من الحجج والبينات واظهار ريب فيما كانوا يدعون إليه وهو توحيد الربوبية .قوله تعالى " :قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى " اصل الفطر على ما ذكره الراغب الشق طول يقال فطرت الشئ فطرا أي شققته طول وافطر الشئ فطورا وانفطر /صفحة / 26انفطارا أي قبل الفطر واستعمل في القرآن فيما انتسب إليه تعالى بمعنى اليجاد بنوع من العناية كأنه تعالى شق العدم شقا فأظهر من بطنه الشياء فهى ظاهرة ما امسك هو تعالى على شقى العدم موجوده ما كان ممسكا لها ولو ترك المساك لنعدمت وزالت كما قال تعالى " :ان الله يمسك السماوات والرض ان تزول ولئن زالتا ان امسكها من احد من بعده " فاطر . 41 :وعلى هذا فتفسير الفطر بالخلق الذى هو جمع الجزاء والبعاض كما وقع في بعض العبارات ليس على ما ينبغى ويؤيد ذلك ان الفطر لو كان بمعنى الخلق لكان البرهان الذى اشير إليه بقوله فاطر السماوات والرض مسوقا لثبات وجود الخالق فكان اجنبيا عن المقام لن الوثنية ل تنكر وجود خالق للعالم وانه هو الله عز اسمه ل غير وانما ينكرون توحيد الربوبية والعبادة وهو ان يكون الله سبحانه هو الرب المعبود ل غير والبرهان على كونه تعالى خالقا للسماوات و الرض ل ينفع فيه شيئا .وكيف كان فقوله قالت رسلهم أفي الله شك الخ كلم قوبل به قولهم وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب وقد عرفت ان ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 26 قولهم هذا يتضمن انكارين انكارهم للرسالة وتشككهم في توحيد الربوبية فكلم الرسل المورد جوابا منهم عن قولهم بالمقابلة متضمن لجزءين . فقولهم أفي الله شك فاطر السماوات والرض برهان على توحيد الربوبية إذ لو سيق لمجرد النكار على الكفار من غير اشارة إلى برهان لم يكن حاجة إلى ذكر الوصف فاطر السماوات والرض ففى ذكره دللة على انه مزيل كل شك وريب عنه تعالى .وذلك انا نرى في اول ما نعقل ان لهذا العالم المشهود الذى هو مؤلف من اشياء كثيرة كل واحد منها محدود في نفسه متميز من غيره وجودا وليس وجوده ول وجود شئ من اجزائه من نفسه وقائما بذاته وإل لم يتغير ولم ينعدم فوجوده ووجود اجزائه وكذا كل ما يرجع إلى الوجود من الصفات والثار من غيرها ولغيرها وهذا الغير هو الذى نسميه الله عز اسمه / . صفحة / 27فهو تعالى الذى يوجد العالم وكل جزء من اجزائه ويحده ويميزه من غيره فهو في نفسه موجود غير محدود وال لحتاج إلى آخر يحدده فهو تعالى واحد ل يقبل الكثرة لن ما ل يحد بحد ل يقبل الكثرة .وهو بوحدته يدبر كل امر كما انه يوجده لنه هو المالك لوجودها والكل امر يرجع إلى وجودها ول يشاركه غيره في شئ لن شيئا من الموجودات غيره ل يملك لنفسه ول لغيره فهو تعالى رب كل شئ ل رب غيره كما انه موجد كل شئ ل موجد غيره .وهذا برهان تام سهل التناول حتى للفهام البسيطة يناله النسان الذى يذعن بفطرته ان للعالم المشهود حقيقة وواقعية من غير ان يكون وهما مجردا كما يبديه السفسطة والشك ويثبت به توحد اللوهية والربوبية ولذلك تمسك به في هذا المقام الذى هو مقام خصام الوثنية .ومن هنا يظهر فساد زعم من زعم ان قوله أفي الله شك فاطر السماوات والرض حجة مسوقة لثبات خالق للعالم وكذا قول من قال انه دليل اتصال التدبير لتوحيد الربوبية بل هو برهان عليه تعالى من جهة قيام وجود كل شئ وآثار وجوده به من كل جهة فينتج توحده في الربوبية ويزول به ما ايدوه من الشك بقولهم وانا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب ) . ( 1ثم قولهم " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى " اشارة إلى برهان النبوة التى انكروها بقولهم انا كفرنا بما ارسلتم به يريدون به دين الرسل والشريعة السماوية بالوحى .وبيانه ان من سنته تعالى الجارية هداية كل شئ إلى كماله وسعادته النوعية والنسان احد هذه النواع المشمولة للهداية اللهية فمن الواجب في العناية اللهية * ) هامش ( * ) ( 1فهو قريب من مضمون قوله تعالى " :قل أفاتخذتم من دونه اولياء ل يملكون لنفسهم نفعا ول ضرا " الرعد :وقد تقدم / ( * ) .صفحة / 28ان يهتدى إلى سعادة حياته ولكن له حياة خالدة غير محدودة بالدنيا ول منقطعة بالموت وسعادته في الحياة ان يعيش في الدنيا عيشة مطمئنة على اساس تعديل قواه في التمتع من امتعة الحياة من مأكول ومشروب ولباس ونكاح وغير ذلك وهى العمال الصالحة وفي الخرة ان يعيش على ما اكتسبه من العتقاد الحق والعمل الصالح .وهو وان كان مجهزا بفطرة تذكره حق العتقاد وصالح العمل لكنه مجبول من جهة اخرى على العيشة الجتماعية التى تدعوه إلى اتباع الهواء والظلم والفسق فمجرد ذكرى الفطرة ل يكفى في حمله على سنة حقة عادلة تحصل له الستقامة في العتقاد والعمل وال لم يفسد المجتمع النساني ول واحد من اجزائه قط وهم مجهزون بالفطرة .فمن الواجب في العناية ان يمد النوع النساني مع ما له من الفطرة الداعية إلى الصلح والسعادة بأمر آخر تتلقى به الهداية اللهية وهو النبوة التى هي موقف انسانى طاهر ينكشف له عنده العتقاد الحق والعمل الصالح بوحى الهى وتكليم غيبي يضمن اتباعه سعادة الفرد والمجتمع في الدنيا والخرة .اما سعادة الدنيا فلما تقدم كرارا ان بين المعاصي والمظالم وبين النكال والعقوبة اللهية التى تنتهى إلى الهلك ملزمة فلو لم يفسد المجتمع وداموا على الصلح الفطري لم يختر منهم الهلك ولم يفاجئهم النكال وعاشوا ما قدر لهم من الجال الطبيعية والعيشة المغبوطة .واما سعادة الخرة فلن اتباع الدعوة اللهية وبعبارة اخرى اليمان والتقوى يحليان النفس بالهيئة الصالحة ويذهبان بدرن النفس الذى هو الذنوب بمقدار التباع .فربوبيته تعالى لكل شئ المستوجبة لتدبيرها احسن تدبير وهدايته كل نوع إلى غايته السعيدة تستدعى ان تعنى بالناس بارسال رسل منهم إليهم ودعوته الناس بلسان رسله إلى اليمان والعمل الصالح ليتم بذلك سعادتهم في الدنيا والخرة اما في /صفحة / 29الدنيا فبالتخلص عن النكال والعقوبة القاضية عليهم واما في الخرة فبالمغفرة اللهية بمقدار ما تلبسوا به من اليمان والعمل الصالح .إذا عرفت ما ذكرناه بان لك ان قوله تعالى حاكيا عن الرسل يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى اشارة منهم عليهم السلم إلى حجة النبوة العامة وان قوله ليغفر لكم الخ اشارة إلى غاية الدعوة الخروية ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 29 وقوله ويؤخركم الخ اشارة إلى غايتها الدنيوية وقدم ما للخرة على ما للدنيا لن الخرة هي المقصودة بالذات وهى دار القرار .وقد نسبوا الدعوة في كلمهم إلى الله سبحانه للتنبيه لما هو الحق تجاه قول الكفار تدعوننا إليه حيث نسبوها إلى الرسل وقوله من ذنوبكم ظاهر في التبعيض ولعله للدللة على إن المغفرة على قدر الطاعة والمجتمع النساني ل يخلو عن المعصية المستوجبة للمؤاخذة البتة فالمغفور على أي حال بعض ذنوب المجتمع ل جميعها فافهم ذلك .وربما ذكر بعضهم ان المراد به انه يغفر حقوق الله ل حقوق الناس ورد بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان السلم يجب ما قبله .وربما قيل ان من زائدة وايد بقوله تعالى في موضع آخر يغفر لكم ذنوبكم بدون من وفيه ان من انما يزاد في النفى دون الثبات كقولهم ما جاءني من رجل وتدخل على النكرة دون المعرفة كما قيل على ان مورد اليتين مختلف فان قوله يغفر لكم ذنوبكم الظاهر في مغفرة الجميع انما هو في مورد اليمان والجهاد وهو قوله تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وانفسكم إلى أن قال " يغفر لكم ذنوبكم " الصف 12 -والذى حكاه الله عن نوح عليه السلم في مثل المقام وهو اول هؤلء الرسل المذكورين في الية قوله : " ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى " نوح 4 :وهو يوافق الية التى نحن فيها فالتبعيض ل مفر منه ظاهرا .ومما قيل في توجيه الية ان المراد بالبعض الكل توسعا ومن ذلك ان المراد /صفحة / 30مغفرة ما قبل اليمان من الذنوب واما ما بعد ذلك فمسكوت عنه ومن ذلك ان المراد مغفرة الكبائر وهى بعض الذنوب إلى غير ذلك وهذه وجوه ضعيفة ل يعبؤ بها .وقال الزمخشري في الكشاف فان قلت ما معنى التبعيض في قوله " : من ذنوبكم ؟ قلت ما علمته جاء هكذا ال في خطاب الكافرين بقوله واتقوه واطيعون يغفر لكم من ذنوبكم يا قومنا اجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم وقال في خطاب المؤمنين هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم إلى ان قال يغفر لكم ذنوبكم وغير ذلك مما يقفك عليه الستقراء وكأن ذلك للتفرقة بين الخطابين ولئل يسوى بين الفريقين في الميعاد انتهى . وكأن مراده ان المغفور من الذنوب في الفريقين واحد وهو جميع الذنوب ال ان تشريف مقام اليمان اوجب ان يصرح في المؤمنين بمغفرة الجميع ويقتصر في وعد الكفار على مغفرة البعض والسكوت عن الباقي ومغفرة بعضها ل تنافى مغفرة البعض الخر فليكن هذا مراده وال فمجرد التفرقة بين الخطابين ل ينتج ارتكاب مخالفة الواقع بتاتا .وقوله ويؤخركم إلى اجل مسمى أي ل يعاجلكم بالعقوبة والهلك ويؤخركم إلى الجل الذى ل يؤخر وقد سماه لكم ول يبدل القول لديه وقد تقدم في تفسير اول سورة النعام ان الجل اجلن اجل موقوف معلق واجل مسمى ل يؤخر .ومن الدليل على هذا الذى ذكرناه قول نوح لقومه في هذا المقام على ما حكاه الله سبحانه " ويؤخركم إلى اجل مسمى ان اجل الله إذا جاء ل يؤخر " نوح 4 :قوله تعالى " : قالوا ان انتم ال بشر مثلنا تريدون ان تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين " قد تقدم في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب ان الية المعجزة حجة عامة على نبوة النبي ل حجة عامية وخاصة الوحى والنبوة التى هي نوع اتصال بالغيب امر خارق للعادة الجارية بين افراد النسان ل يجدونها من انفسهم فعلى من يدعيها الثبات ول طريق إلى اثباتها ال بالتيان بخارق عادة آخر / صفحة / 31يدل على صحة هذا التصال الغيبي لن حكم المثال واحد وإذا جاز ان تخترق العادة بشئ جاز ان تخترق بما يماثله .والرسل عليهم السلم لما احتجوا على كفار اممهم في النبوة العامة بقولهم " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى اجل مسمى " عادت الكفار إليهم بطلب الدليل منهم على ما يدعونه من النبوة لنفسهم معتذرين في ذلك بقولهم " :إن أنتم ال بشر مثلنا " ثم صرحوا بما يطلبونه من الدليل وهو الية المعجزة بقولهم فأتونا بسلطان مبين . فالمعنى سلمنا ان من مقتضى العناية اللهية ان يدعونا إلى المغفرة والرحمة لكنا ل نسلم لكم ان هذه الدعوة قائمة بكم كما تدعون فإنكم بشر مثلنا ل تزيدون علينا بشئ ولو كان مجرد البشرية يوجب ذلك لكنا وجدناه من انفسنا ونحن بشر فان كنتم صادقين في دعواكم هذه فأتونا بسلطان مبين أي ببرهان قاطع يتسلط على عقولنا ويضطرنا إلى الذعان بنبوتكم وهو آية معجزة غيبية تخرق العادة كما ان ما تدعونه خارق مثلها . وبهذا البيان يظهر اول ان كلمهم هذا من قبيل منع الدعوى وقولهم إن أنتم ال بشر مثلنا سند المنع وقولهم فأتونا بسلطان مبين تصريح بطلب الدليل .وثانيا ان قولهم تريدون ان تصدونا عما كان يعبد آباؤنا من قبيل العتراض الواقع بين المنع وسنده ومعناه انكم لما كنتم بشرا مثلنا ل فضل لكم علينا ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 31 بشئ فل وجه لن نقبل منكم ما ل نجده من انفسنا ول نعهده من امثالنا والذى نعهده من امثال هذه المور انها انما تظهر عن اغراض ومطامع دنيوية مادية فليس إل انكم تريدون ان تصرفونا عن سنتنا القومية وطريقتنا المثلى . قوله تعالى " :قالت لهم رسلهم إن نحن ال بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء " إلى آخر الية جواب الرسل عما اوردوه على رسالتهم بأنكم بشر مثلنا فلستم ذوى هوية ملكوتية حتى تتصلوا بالغيب فان كنتم صادقين في دعواكم هذه القدرة الغيبية فأتونا بسلطان مبين / .صفحة / 32ومحصل الجواب ان كوننا بشرا مثلكم مسلم لكنه يوجب خلف ما استوجبتموه اما قولكم ان كونكم بشرا مثلنا يوجب ان ل تختصوا بخصيصة ل نجدها من انفسنا وهى الوحى والرسالة فجوابه ان المماثلة في البشرية ل توجب المماثلة في جميع الكمالت الصورية والمعنوية النسانية كما ان اعتدال الخلقة وجمال الهيئة وكذا رزانة العقل واصابة الرأى والفهم والذكاء كمالت صورية ومعنوية توجد في بعض افراد النسان دون بعض فمن الجائز ان ينعم الله بالوحى والرسالة على بعض عباده دون بعض فإن الله يمن على من يشاء منهم .واما قولكم فأتونا بسلطان مبين فإنه مبنى على كون النبي ذا شخصية ملكوتية وقدرة غيبية فعالة لما تشاء وليس كذلك فما النبي ال بشر مثلكم يوحى إليه بالرسالة وليس له من المر شئ وما كان له ان يأتي بآية من عنده ال ان يشاء الله ذلك ويأذن فيه .فقوله ان نحن إل بشر مثلكم تسليم من الرسل لقولهم ان انتم ال بشر مثلنا لستنتاج خلف ما استنتجوه منه وقوله ولكن الله يمن على من يشاء اشارة إلى مقدمة بانضمامها يستنتج المطلوب وقوله وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان ال بإذن الله جواب منهم استنتجوه من كونهم بشرا مثلهم .وتذييل هذا الكلم بقولهم وعلى الله فليتوكل المؤمنون للشارة إلى ما يجرى مجرى حجة ثانية على ارجاع المر كله ومنه امر الية المعجزة إلى الله وهى حجة خاصة بالمؤمنين وملخصها ان اليمان بالله سبحانه يقتضى منهم أن يذعنوا بأن التيان بالية انما هو إلى الله لن الحول والقوة له خاصة ل يملك غيره من ذلك شيئا ال بإذنه .وذلك لنه هو الله عز شأنه فهو الذى يبدأ منه وينتهى إليه ويقوم به كل شئ فهو رب كل شئ المالك لتدبير أمره ل يملك شئ امرا ال باذنه فهو وكيل كل شئ القائم بما يرجع إليه من المر فعلى المؤمن ان يتخذ ربه وكيل في جميع ما يرجع إليه حتى في اعماله التى تنسب إليه لما ان القوة كلها له سبحانه وعلى الرسول ان يذعن بأن ليس له التيان بآية معجزة إل بإذن الله / .صفحة / 33والية ظاهرة في ان الرسل عليهم السلم لم يدعوا امتناع اتيانهم بالية المعجزة المسماة سلطانا مبينا وانما ادعوا امتناع ان يستقلوا بذلك من غير حاجة فيه إلى اذن الله سبحانه واحتجوا على ذلك اول وثانيا .قوله تعالى " :وما لنا ال نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون " ما استفهامية والستفهام للنكار وقوله وقد هدانا سبلنا حال من الضمير في لنا وسبل النبياء والرسل الشرائع التى كانوا يدعون إليها قال تعالى " :قل هذه سبيلى ادعوا إلى الله على بصيرة " يوسف 108 :والمعنى ما الذى نملكه من العذر في ان ل نتوكل على الله والحال انه تعالى هدانا سبلنا ولم يكن لنا صنع في هذه النعمة والسعادة التى من بها علينا فإذا كان سبحانه فعل بنا هذا الفعل الذى هو كل الخير فمن الواجب ان نتوكل عليه في سائر المور . وهذا في الحقيقة حجة ثانية على وجوب التوكل عليه والقاء الزمام إليه سلك فيها من طريق الثار الدالة على وجوب التوكل عليه كما ان الحجة السابقة سلك فيها من النظر في نفس المؤثر وتقرير الحجة ان هدايته تعالى ايانا إلى سبلنا دليل على وجوب التوكل عليه لنه ل يخون عباده ول يريد بهم ال الخير ومع وجود الدليل على التوكل ل معنى لوجود دليل على عدم التوكل يكون عذرا لنا فيه فل سبيل لنا إلى عدم التوكل عليه تعالى .فقوله تعالى " :وعلى الله فليتوكل المؤمنون " يجرى مجرى اللم وقوله وما لنا أل نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا مجرى الن فتدبر في هذا البيان العذب والحتجاج السهل الممتنع الذى قدمه القرآن الكريم إلى متدبريه في اوجز لفظ .وقوله ولنصبرن على ما آذيتمونا من تفريع الصبر على ما بين من وجوب التوكل عليه أي إذا كان من الواجب ان نتوكل عليه ونحن مؤمنون به وقد هدانا سبلنا فلنصبرن على ايذائكم لنا في سبيل الدعوة إليه المتوكلين عليه حتى يحكم بما يريد ويفعل ما يشاء من غير ان نأوى في ذلك إلى ما عندنا من ظاهر الحول والقوة / .صفحة / 34 وقوله " وعلى الله فليتوكل المتوكلون كلم مبنى على الترقي أي كل من تلبس بالتوكل فعليه ان يتوكل على الله سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن إذ ل دليل غيره غير إن ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 34 المتوكل بحقيقة التوكل ل يكون ال مؤمنا فإنه مذعن ان المر كله لله فل يسعه ال أن يطيعه فيما يامر وينتهى عما ينهى ويرضى بما رضى به ويسخط عما سخط عنه وهذا هو اليمان .قوله تعالى " :وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا أو لتعودن في ملتنا " هذا تهديد منهم بعد ما عجزوا في مناظرتهم وخسروا في محاجتهم والخطاب في قولهم لنخرجنكم الخ للرسل والذين آمنوا معهم فما كانوا ليرضوا ان يعود الرسل في ملتهم ويبقى اتباعهم على دين التوحيد على ان الله سبحانه صرح بذلك في قصص بعضهم كقوله في شعيب " :قال المل الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا " العراف . 88 :وقوله أو لتعودن في ملتنا عاد من الفعال الناقصة بمعنى الصيرورة وهى الحيلولة من حال إلى حال سواء كان عليها سابقا أو ل ومن الدليل عليه كما قيل قوله في ملتنا ولو كان بمعنى الرجوع إلى ما كان لتعين ان يقال إلى ملتنا .ومن هنا يظهر فساد ما قيل ان ظاهر الية ان الرسل كانوا قبل الرسالة في ملتهم فكلفهم الكفار ان يعودوا إلى ما كانوا عليه .على ان خطابهم لم يكن للرسل خاصة بل لهم ولمن آمن بهم ممن كان على ملة الكفار من قبل فالخطاب لهم ولرسلهم بالعود إلى ملتهم على تقدير كون العود بمعنى الرجوع انما هو من باب التغليب . ومن لطيف الصناعة في الية دخول لم القسم ونون التأكيد على طرفي الترديد لنخرجنكم أو لتعودن مع إن أو للستدراك وتفيد معنى الستثناء ول معنى لن يقال ال ان تعودوا والله في ملتنا ال ان عودهم لما كان باجبار من الكفار كان في معنى العادة وعاد قوله لتعودن طرف الترديد وصح دخول اللم والنون وآل المعنى إلى قولنا والله لنخرجنكم من ارضنا أو نعيدنكم في ملتنا / . صفحة / 35قوله تعالى " :فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الرض من بعدهم " إلى آخر الية ضمير الجميع الول والثانى للرسل والثالث للذين كفروا بدللة السياق والتعبير عنهم بالظالمين للشارة إلى سببية ظلمهم للهلك فان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية كما ان قوله : " ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " مشعر بعلية الخوف للسكان .وقوله مقامي مصدر ميمى اريد به قيامه تعالى على المر كله أو اسم مكان اريد به مرتبة قيمومته تعالى للمر كله والمراد من وعيده تعالما اوعد به المخالفين عن امره من العذاب .فالمراد بالخوف من مقامه تعالى تقواه بما انه الله القائم بامر عباده والمراد بالخوف من وعيده تقواه بما انه الله الذى حذر عباده من مخالفة امره بلسان انبيائه ورسله فيعود على أي حال إلى التقوى وينطبق على قول موسى لقومه " :استعينوا بالله واصبروا ان الرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " العراف 128 :كما اشار إليه في الكشاف . والمعنى فأوحى رب الرسل إليهم وقد اخذت صفة الربوبية الخاصة بهم لمكان توكلهم الجالب للرحمة والعناية واقسم لنهلكن هؤلء المهددين لكم بظلمهم ولنسكننكم هذه الرض التى هددوكم بالخراج منها ونورثكم اياها لصفة مخافتكم منى ومن وعيدي وكذلك نفعل فنورث الرض عبادنا المتقين .قوله تعالى " :واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " الستفتاح طلب الفتح والنصر والخيبة انقطاع الرجاء والخسران والهلك والعنيد هو اللجوج ومنه المعاند .والضمير في واستفتحوا للرسل أي طلبوا النصر من الله لما انقطعت بهم السباب من كل جانب وبلغ بهم ظلم الظالمين وتكذيب المعاندين كقول نوح فيما حكاه الله " : انى مغلوب فانتصر " القمر 10 :ويمكن رجوع الضمير إلى الرسل والكفار جميعا فان الكفار ايضا كانوا يصرون على أن يأتيهم الرسل بما يقضى بينهم كقولهم " متى هذا الفتح " ألم السجدة " 28 :متى هذا الوعد " يس 48 :وعلى هذا التقدير يكون المعنى واستفتح الرسل والكفار جميعا وكانت الخيبة للجبارين وهو /صفحة / 36 عذاب الستئصال قوله تعالى " :من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد " إلى آخر اليتين الصديد القيح السائل من الجرح وهو بيان للماء الذى يسقونه في جهنم والتجرع تناول المشروب جرعة جرعة على الستمرار والساغة اجراء الشراب في الحلق يقال ساغ الشراب وأسغته انا كذا في المجمع والباقى ظاهر .قوله تعالى " :مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " إلى آخر الية يوم عاصف شديد الريح تمثيل لعمال الكفار من حيث تترتب نتائجها عليها وبيان انها حبط باطلة ل اثر لها من جهة السعادة فهو كقوله تعالى " :وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " الفرقان 23 : فأعمالهم كذرات من الرماد اشتدت به الريح في يوم شديد الريح فنثرته ولم يبق منه شيئا هذا مثلهم من جهة اعمالهم .ومن هنا يظهر ان ل حاجة إلى تقدير شئ في الكلم وارجاعه إلى مثل قولنا مثل اعمال الذين كفروا الخ والظاهر ان الية ليست من تمام كلم موسى بل هي ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 36 كالنتيجة المحصلة من كلمه المنقول ) .بحث روائي ( في الكافي باسناده عن معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليه السلم قال :من اعطى الشكر اعطى الزيادة يقول الله عز وجل " :لئن شكرتم لزيدنكم " وفي الدر المنثور اخرج ابن ابى الدنيا والبيهقي في شعب اليمان عن ابى زهير يحيى بن عطارد بن مصعب عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :ما اعطى احد اربعة فمنع اربعة ما اعطى احد الشكر فمنع الزيادة لن الله يقول " :لئن شكرتم لزيدنكم " وما اعطى احد الدعاء فمنع الجابة لن الله يقول " :إدعونى استجب لكم " وما اعطى احد الستغفار فمنع المغفرة لن الله يقول " : استغفروا ربكم انه /صفحة / 37كان غفارا " وما اعطى احد التوبة فمنع التقبل لن الله يقول " : وهو الذى يقبل التوبة عن عباده " الشورى 25 : وفيه اخرج أبو نعيم في الحلية من طريق مالك بن انس عن جعفر بن محمد بن على ابن الحسين قال :لما قال له سفيان الثوري ل اقوم حتى تحدثني قال جعفر اما انى احدثك وما كثرة الحديث لك بخيريا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقائها ودوامها فاكثر من الحمد والشكر عليها فان الله تعالى قال في كتابه " :لئن شكرتم لزيدنكم وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الستغفار فان الله تعالى قال في كتابه " :استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين " يعنى في الدنيا والخرة ) ( 1 ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا " يا سفيان إذا حزنك امر من سلطان أو غيره فأكثر من ل حول ول قوة ال بالله فانها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة اقول وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق الفريقين .وفي الكافي باسناده عن عمر بن يزيد قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول :شكر كل نعمة وان عظمت ان تحمد الله وفيه باسناده عن حماد بن عثمان قال :خرج أبو عبد الله عليه السلم من المسجد وقد ضاعت دابته فقال لئن ردها الله على لشكرن الله حق شكره فما لبث ان أتى بها فقال الحمد لله فقال قائل له جعلت فداك ألست قلت لشكرن الله حق شكره ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلم ألم تسمعني قلت الحمد لله ؟ وفيه باسناده عن ابى بصير قال : قلت لبي عبد الله عليه السلم هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا ؟ قال نعم قلت وما هو ؟ قال الحمد لله على كل نعمة عليه في اهل ومال وإن كان فيما أنعم الله عليه في ماله حق أداه ومنه قوله عز وجل " :سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " ومنه قوله " انزلني * ) هامش ( * ) ( 1كذا في النسخة والظاهر أن يكون قوله :والخرة زائدا وأن يقع يعني في الخرة بعد قوله :أنهارا / ( * ) .صفحة / 38منزل مباركا وانت خير المنزلين " وقوله " :رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا " وفي تفسير العياشي عن ابى ولد قال :قلت لبي عبد الله عليه السلم أرايت هذه النعمة الظاهرة علينا من الله أليس ان شكرناه عليها وحمدناه زادنا كما قال الله في كتابه " :لئن شكرتم لزيدنكم " ؟ فقال نعم من حمدالله على نعمه وشكره وعلم إن ذلك منه ل من غيره زاد الله نعمه .اقول والروايتان الخيرتان تفسران الشكر احسن تفسير وينطبق عليهما ما قدمناه في البيان ان الشكر اظهار النعمة اعتقادا وقول وفعل ويؤيده اطلق قوله تعالى " :وأما بنعمة ربك فحدث " الضحى . 11 :وفي تفسير القمى قال حدثنى ابى رفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وهو قوله وقال الذين كفروا لرسلهم إلى قوله فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الرض من بعدهم وفي التفسيرين المجمع وروح المعاني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :من آذى جاره اورثه الله داره وفي الدر المنثور اخرج ابن الضريس عن ابى مجلز قال :قال رجل لعلى بن ابى طالب أنا انسب الناس قال إنك ل تنسب الناس قال بلى فقال له علي أرأيت قوله تعالى " :وعادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا " ؟ قال انا انسب ذلك الكثير قال أرايت قوله ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم ال الله " فسكت وفي المجمع عن ابى عبد الله عليه السلم :الصديد هو الدم والقيح من فروج الزوانى في النار وفي الدر المنثور اخرج احمد والترمذي والنسائي وابن ابى الدنيا في صفة النار وابو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني وابو نعيم في الحليه وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله /صفحة / 39ويسقى من ماء صديد يتجرعه قال يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع امعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله تعالى " :فسقوا ماء حميما فقطع امعاءهم " وقال " :وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه " ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 39 وفي تفسير القمى في الية قال قال " :يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شرب تقطعت امعاؤه ومزقت تحت قدميه وانه ليخرج من احدهم مثل الوادي صديد وقيح الحديث .وفيه في رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلم :العنيد المعرض عن الحق * * * ألم تر ان الله خلق السموات والرض بالحق ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد 19 -وما ذلك على الله بعزيز 20 -وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص 21 -وقال الشيطان لما قضى المر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان ال ان دعوتكم فاستجبتم لى فل تلوموني ولوموا أنفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي إنى كفرت بما اشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب اليم - 22وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها /صفحة / 40النهار خالدين فيها باذن ربهم تحيتهم فيها سلم 23 -ألم تر كيف ضرب الله مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء 24 -تؤتى أكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله المثال للناس لعلهم يتذكرون 25 -ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار 26 -يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء 27 -ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار 28 -جهنم يصلونها وبئس القرار 29 -وجعلوا لله اندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار 30 -قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلوة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية من قبل أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلل 31 -الله الذى خلق السموات والرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بامره وسخر لكم النهار 32 -وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار - 33وآتيكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمت الله ل تحصوها ان النسان لظلوم كفار / 34 - صفحة ) / 41بيان ( تشتمل اليات على تذكرة الناس في صورة خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة بعد مرة بقوله " :ألم تر كيف خلق الله السماوات والرض بالحق " " ألم تر كيف ضرب الله مثل " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا . " يذكر تعالى بها إن الخلقة مبنية على الحق فهم سيبرزون جميعا فالذين ساروا بالحق وآمنوا بالحق وعملوا الحق ينالون السعادة والجنة والذين اتبعوا الباطل وعبدوا الشيطان واطاعوا الطغاة المستكبرين منهم غرورا بظاهر عزتهم وقدرتهم لزمهم شقاء لزم وتبرأ منهم متبوعوهم من الجن والنس ولله العزة والحمد .ثم يذكر ان هذا التقسم إلى فريقين انما هو لنقسام سلوكهم إلى قسمين سلوك هدى وسلوك ضلل والذى يلزمه الهدى هو المؤمن والذى يلزمه الضلل هو الظالم والقاضى بذلك هو الله سبحانه يفعل ما يشاء وله العزة والحمد .ثم يذكر بالمم الماضية الهالكة وما وقعوا فيه من البوار بسبب كفرانهم بنعمة الله العزيز الحميد ويعاتب النسان بظلمه وكفره بالنعم اللهية التى ملت الوجود وإن تعدوها ل تحصوها .قوله تعالى " :ألم تر ان الله خلق السماوات والرض بالحق " المراد بالرؤية هو العلم القاطع فانه الصالح لن يتعلق بكيفية خلق السماوات والرض دون الرؤية البصرية .ثم الفعل الحق ويقابله الباطل هو الذى يكون لفاعله فيه غاية مطلوبة يسلك إليه بذاته فمن المشهود ان كل واحد من النواع من اول تكونه متوجه إلى غاية مؤجلة ل بغية له دون ان يصل إليها ثم البعض منها غاية للبعض ينتفع به في طريق كينونته ويصلح به في حدوثه وبقائه كالعناصر الرضية التى ينتفع بها النبات والنبات الذى ينتفع به الحيوان وهكذا قال تعالى " :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبين ما خلقناهما ال بالحق ولكن اكثرهم ل يعلمون " الدخان 39 :وقال " : وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا " ص / 27 :صفحة / 42بيان فل تزال الخلقة تقع مرحلة بعد مرحلة وتنال غاية بعد غاية حتى تتوقف في غاية ل غاية بعدها وذلك رجوعها إلى الله سبحانه قال تعالى " :وان إلى ربك المنتهى " النجم . 42 :وبالجملة الفعل انما يكون فعل حقا إذا كان له امر يقصده الفاعل بفعله وغاية يسلك بالفعل إليها واما إذا كان فعل ل يقصد به ال نفسه من غير ان يكون هناك غرض مطلوب فهو الفعل الباطل وإذا كان الفعل الباطل ذا نظام وترتيب فهو الذى يسمى لعبا كما يلعب الصبيان بإتيان حركات منظمة مرتبة ل غاية لهم وراءها ول إن لهم هما ال ايجاد ما تخيلوه من صورة الفعل لشوق نفساني منهم إلى ذلك . وفعله تعالى ملزم للحق مصاحب له فخلق السماوات والرض يخلف عالما باقيا ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 42 بعد زواله ولو لم يكن كذلك كان باطل ل اثر له ول خلف يخلفه وكان العالم المشهود بما فيه من النظام البديع لعبا منه سبحانه اتخذه لحاجة منه إليه كالتنفس من كرب وسأمة والتفرج من هم أو التخلص من وحشة وحدة ونحو ذلك وهو سبحانه العزيز الحميد ل تمسه حاجة ول يذله فقر وفاقة . وبما مر يظهر ان الباء في قوله بالحق للمصاحبة وان قول بعضهم أن الباء للسببية أو اللة وان المعنى كيف خلقها بقوله الحق أو للغرض الحق ليس على ما ينبغى .قوله تعالى " :إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز " أي بشاق صعب والخطاب لعامة البشر بجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثال لهم يمثلون به لن الخطاب متوجه إليه في قوله قبل وبعد ألم تر وما ذلك .قد تقدم ان كون الخلقة بالحق هو مقتضى كونه تعالى عزيزا غنيا بالذات إذ لو لم يقتض غناه ذلك وامكن صدور اللعب منه تعالى وكان هذا الخلق المشهود بما له من النظام البديع لعبا ل يقصد به ال حدوث وفناء كان ذلك لشوق خيالي منه إليه وحاجة داخلية كتنفيس كرب وتفريج هم أو أنس عن وحشة وسأمة ونحو ذلك وغناه تعالى بالذات يدفع ذلك / .صفحة / 43ولعل هذه النكتة هي التى اوجبت تعقيب قوله كيف خلق الله السماوات والرض بقوله ان يشأ يذهبكم الخ فقوله إن يشأ يذهبكم الخ في موضع البيان لما تقدمه والمعنى ألم تعلم ان الله خلق هذا الخلق المشهود عن عزة منه وغنى وانه ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك عليه تعالى بعزيز وهو الله عز اسمه له السماء الحسنى وكل العزة والكبرياء .وبهذا يظهر ان وضع الظاهر في موضع المضمر في قوله على الله للدللة على الحجة وان عدم عزة ذلك عليه تعالى من جهة كونه هو الله عز اسمه .فان قلت لو كان التيان بقوله إن يشأ الخ للدللة على غناه المطلق وعدم كونه لعبا بالخلق لكان النسب القتصار على قوله إن يشأ يذهبكم وترك قوله ويأت بخلق جديد فان إذهاب القديم والتيان بجديد ل ينفى اللعب لجواز ان يكون نفس اذهاب بعض واتيان بعض لعبا . قلت هذا كذلك لو قيل ان يشأ يذهب جميع الخلق ويأت بخلق جديد ولكن لما قيل إن يشأ يذهبكم الخ والخطاب لعامة البشر أو لمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط أو للموجودين في عصره كان من اللزم ان يعقبه بقوله ويأت بخلق جديد فان هذا الخلق المشهود بما بين اجزائه من الرتباط والتعلق ل يتم الغرض منه إل بهذه الصفة الموجودة والتركب والتألف الخاص ولو اذهب الناس على بقاء من السماوات والرض بحالها الحاضرة كان ذلك باطل ولعبا من جهة اخرى . وبعبارة اخرى اذهاب النسان فقط من غير اتيان بخلق جديد على ابقاء لسائر الخلق المشهود لعب باطل كما ان اذهاب الخلق من اصله من غير غاية مترتبة لعب باطل وانما الحق الذى يكشف عن غناه تعالى أن يذهب قوما ويأتى بآخرين وهو الذى تذكره الية الكريمة فافهم ذلك .قوله تعالى " :وبرزوا لله جميعا " إلى آخر الية البروز هو الخروج إلى البراز بفتح الباء وهو الفضاء يقال برز إليه إذا خرج إليه بحيث ل يحجبه عنه حاجب ومنه المبارزة والبراز كخروج المقاتل من الصف إلى كفؤه من العدو / .صفحة / 44والتبع بفتحتين جمع تابع كخدم وخادم وقيل اسم جمع وقيل مصدر جئ به للمبالغة والغناء الفادة وضمن معنى الدفع ولذا عدى بعن كما قيل والجزع والصبر متقابلن والمحيص اسم مكان من حاص يحيص حيصا وحيوصا إذا زال عن المكروه كما في المجمع فالمحيص هو المكان الذى يزول إليه النسان عن المكروه والشدة وقوله وبرزوا لله جميعا أي ظهروا له تعالى ظهورا ل يحجبهم عنه حاجب وهذا بالنسبة إلى انفسهم حيث كانوا يتوهمون في الدنيا إن ربهم في غيبة عنهم وهم غائبون عنه فإذا كان يوم القيامة زال كل ستر متوهم وشاهدوا ان ل حاجب هناك يحجبهم عنه واما هو تعالى فل ساتر يستر عنه في دنيا ول آخرة قال تعالى " :إن الله ل يخفى عليه شئ في الرض ول في السماء " آل عمران . 5 :ويمكن ان تكون الجملة كناية عن خلوصهم لحساب العمال وتعلق المشيئة اللهية بانقطاع العمال وانجاز الجزاء الموعود كما قال " :سنفرغ لكم ايها الثقلن " الرحمن 31 -وقوله فقال الضعفاء للذين استكبروا إلى قوله من شئ تخاصم بين الكفار يوم القيامة على ما يعطيه السياق فالضعفاء هم المقلدون المطيعون لوليائهم من الكفار والمستكبرون هم اولياؤهم المتبوعون اولوا الطول والقوة المستنكفون عن اليمان بالله وآياته .والمعنى فقال الضعفاء المقلدون للذين استكبروا منهم إنا كنا في الدنيا لكم تابعين مطيعين من غير ان نسألكم حجة على ما تأمروننا به فهل انتم مفيدون لنا اليوم تدفعون عنا شيئا من عذاب الله الذى قضى علينا .وعلى هذا فلفظة من في قوله من عذاب الله للبيان وفي قوله من شئ زائدة للتأكيد كما في قولنا ما جاءني من أحد والنفى والستفهام متقاربان حكما ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 44 ول دليل على امتناع تقدم البيان على المبين وخاصة مع اتصالهما وعدم الفصل بينهما .وقوله قالوا لو هدانا الله لهديناكم ظاهر السياق ان المراد بالهداية هنا الهداية إلى طريق التخلص من العذاب ويمكن ان يكون المراد بها الهداية إلى الدين الحق في الدنيا والمال واحد لما بين الدنيا والخرة من التطابق ول يبرز في الخرى إل ما كان كامنا في الولى قال تعالى حكاية عن اهل الجنة " :وقالوا الحمد لله الذى هدانا /صفحة / 45 لهذا وما كنا لنهتدي لو ل ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق " العراف 43 :مزجوا الهدايتين بعضا ببعض كما هو ظاهر .وقوله " :سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " سواء والستواء والتساوي واحد وسواء خبر لمبتدأ محذوف والجملة الستفهامية بيان لذلك وقوله ما لنا من محيص بيان آخر للتساوي والمعنى المران متساويان علينا وبالنسبة الينا وهما الجزع والصبر ل مهرب لنا عن العذاب اللزم .قوله تعالى " : وقال الشيطان لما قضى المر " إلى آخر الية في المجمع الصراخ الغاثة باجابة الصارخ ويقال استصرخنى فلن فأصرخته أي استغاث بى فأغثته انتهى .وهذا كلم جامع يلقيه الشيطان يوم القيامة إلى الظالمين يبين فيه موقعه منهم وينبئ اهل الجمع منهم بوجه الحق في الرابطة التى كانت بينه وبينهم في الدنيا وقد وعد الله سبحانه انه سينبؤهم يوم القيامة بما كانوا فيه يختلفون وان الحق سيظهر يوم القيامة عن قبل كل من كان له من قبله خفاء أو التباس فالملئكة يتبرؤون من شركهم والجن والقرناء من الشياطين يطردونهم والصنام واللهة التى اتخذوها اربابا من دون الله يكفرون بشركهم وكبراؤهم وائمة الضلل ل يستجيبون لهم والمجرمون انفسهم يعترفون بضللهم وجرمهم كل ذلك واقعة في آيات كثيرة غير خفية على المتتبع المتدبر فيها .والشيطان وان كان بمعنى الشرير وربما اطلق في كلمه تعالى على كل شرير من الجن والنس كقوله " :وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين النس والجن " النعام : 112لكن المراد به في الية الشيطان الذى هو مصدر كل غواية وضلل في بنى آدم وهو ابليس فان ظاهر السياق انه يخاطب بكلمه هذا عامة الظالمين من اهل الجمع ويعترف انه كان يدعوهم إلى الشرك وقد نص القرآن على ان الذى له هذا الشأن هو ابليس وقد ادعى هو ذلك ولم يرد الله ذلك عليه كما في قوله " :قال فبعزتك لغوينهم أجمعين ال عبادك منهم المخلصين " إلى ان قال : " لملن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين " ص / . 85 -صفحة / 46وأما ذريته وقبيله الذين يذكرهم القرآن بقوله " :انه يراكم هو وقبيله من حيث ل ترونهم انا جعلنا الشياطين اولياء للذين ل يؤمنون " العراف 27 :وقوله " أفتتخذونه وذريته اولياء " الكهف 50 :فولية الواحد منهم اما لبعض الناس دون بعض أو في بعض العمال دون بعض واما ولية على نحو العونية فهو العون والصل الذى ينتهى إليه امر الضلل والغواء هو ابليس . فهذا القائل ان الله وعدكم وعد الحق الخ هو ابليس يريد بكلمه رد اللوم على فعل المعاصي إليهم والتبرى من شركهم فقوله ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدكم الله وعدا حققه الوقوع وصدقته المشاهدة من البعث والجمع والحساب وفصل القضاء والجنة والنار ووعدتكم انا أن ل بعث ول حساب ول جنة ول نار ولم أف بما وعدت حيث ظهر خلف ما وعدت كذا ذكره المفسرون .وعلى هذا فالموعود جميع ما يرجع إلى المعاد اثباتا ونفيا اثبته الله سبحانه ونفاه ابليس واخلف الوعد كناية عن ظهور الكذب وعدم الوقوع من اطلق الملزوم وارادة اللزم . ومن الممكن بل هو الوجه أن يشمل الوعد ما يترتب على اليمان والشرك في الدنيا والخرة جميعا لنهما متطابقتان فقد وعد الله اهل اليمان حياة طيبة وعيشة سعيدة واهل الشرك المعرضين عن ذكره معيشة ضنكا وتحرجا في صدورهم وعذابا في قلوبهم في الدنيا ووعد الجميع بعثا وحسابا وجنة ونارا في الخرة .ووعد ابليس اولياءه بالهواء اللذيذة والمال الطويلة وأنساهم الموت وصرفهم عن البعث والحساب وخوفهم الفقر والذلة وملمة الناس وكان مفتاحه في جميع ذلك إغفالهم عن مقام ربهم وتزيين ما بين ايديهم من السباب مستقلة بالتأثير خالقة لثارها وتصوير نفوسهم لهم في صورة الستقلل مهيمنة على سائر السباب تدبرها كيف شاءت فتغريهم على العتماد بأنفسهم دون الله وتسخير السباب في سبيل المال والماني .وبالجملة وعدهم الله فيما يرجع إلى الدنيا والخرة بما وفى لهم فيه ودعاهم ابليس من طريق الغفال والتزيين إلى الوهام والماني وهى بين ما ل يناله النسان قطعا وما إذا ناله وجده غير ما كان يظنه فيتركه إلى ما يظنه كما يريد هذا في الدنيا / صفحة / 47واما الخرة فينسيه شؤنها كما تقدم وقوله وما كان لى عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لى السلطان كما ذكره الراغب هو السلطة وهو التمكن من القهر وتسمى الحجة ايضا سلطانا ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 47 لما فيها من التمكن من قهر العقول على ما لها من النتائج وكثيرا ما يطلق ويراد به ذو السلطان كالملك وغيره .والظاهر ان المراد ما هو اعم من السلطة الصورية والمعنوية فالمعنى وما كان في الدنيا لى عليكم من تسلط ل من جهة اشخاصكم واعيانكم فأجبركم على معصية الله بسلب اختياركم وتحميل ارادتي عليكم ول من جهة عقولكم فأقيم لكم الحجة على الشرك كيفما شئت فتضطر عقولكم لقبوله وتطيعها نفوسكم فيما تأمرها به .والظاهر ايضا ان يكون الستثناء في قوله إل أن دعوتكم منقطعا والمعنى لكن دعوتكم من غير أي سلطان فاستجبتم لى ودعوة الناس إلى الشرك والمعصية وان كانت باذن الله لكنها لم تكن تسليطا فان الدعوة إلى فعل ليست تسلطا من الداعي على فعل المدعو وان كان نوع تسلط على نفس الدعوة ومن الدليل عليه قوله تعالى " :فيما يأذن له واستفزز من استطعت منهم بصوتك إلى ان قال وعدهم وما يعدهم الشيطان ال غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيل " اسرى . 65 -ومن هنا يظهر سقوط ما وجه به الرازي في تفسيره كون الستثناء متصل إذ قال ان القدرة على حمل النسان على الشئ تارة تكون بالقهر من الحامل وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بالقاء الوسواس إليه وهذا نوع من انواع التسلط فكأنه قال ما كان لى تسلط عليكم ال بالوسوسة ل بالضرب ونحوه .وجه السقوط ان عدم كون مجرد الدعوة سلطانا وتمكنا من القهر على المدعو بديهى ل يقبل التشكيك فعدة من انواع التسلط مما ل يصغى إليه .نعم ربما انبعثت من المدعو ميل نفساني إلى المدعو إليه فانقاد للدعوة وسلط الداعي بدعوته على نفسه لكنه تسليط من المدعو ل تسلط من الداعي وبعبارة /صفحة / 48 اخرى هي سلطة يملكها المدعو من نفسه فيملكها الداعي وليس الداعي يملكها عليه من نفسه وابليس انما ينفى التسلط الذى يملكه من نفسه ل ما يسلطونه على انفسهم بالنقياد بقرينة قوله فل تلوموني ولوموا أنفسكم .وهذا هو التسلط الذى يثبته الله سبحانه له في قوله " : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " النحل 100 :أو قوله " :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ال من اتبعك من الغاوين " الحجر 42 :واليات كما ترى ظاهرة في إن سلطانه متفرع على التباع والتولى والشراك ل بالعكس .ولنتفاء سلطانه عليهم بالمرة استنتج قوله بعد فل تلوموني ولوموا أنفسكم والفاء للتفريع أي إذا لم يكن لى عليكم سلطان بوجه من الوجوه كما يدل عليه وقوع النكرة في سياق النفى والتأكيد بمن في قوله وما كان لى عليكم من سلطان فل يعود إلى شئ من اللوم العائد اليكم من جهة الشرك والمعصية فل يحق لكم أن تلوموني بل الواجب عليكم أن تلوموا انفسكم لن لكم السلطان على عملكم .وقوله ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي أي ما انا بمغيثكم ومنجيكم وما انتم بمغيثى ومنجى فل أنا شافع لكم ول انتم شافعون لى اليوم .وقوله انى كفرت بما اشركتمون من قبل أي انى تبرأت من اشراككم اياى في الدنيا والمراد بالشراك الشراك في الطاعة دون الشراك في العبادة كما يظهر من قوله تعالى خطابا لهل الجمع " :ألم اعهد اليكم يا بنى آدم ان ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وان اعبدوني " يس . 61 :وهذا الكلم منه تبر من شركهم كما حكى سبحانه تبرى كل متبوع باطل من تابعه يوم القيامة وهو اظهار إن اشراكهم اياه بالله في الدنيا لم يكن إل وهما سرابيا قال تعالى " :ويوم القيامة يكفرون بشرككم " فاطر 14 :وقال " :وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرء منهم كما تبرؤوا منا " البقرة 167 :وقال " :قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلء الذين اغوينا اغويناهم كما غوينا تبرأنا اليك ما كانوا ايانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم " القصص / . 64 : صفحة / 49وقوله " :ان الظالمين لهم عذاب اليم " من تمام كلم ابليس على ما يعطيه السياق يسجل عليهم العذاب الليم لنهم ظالمون ظلما ل يرجع ال إلى انفسهم .و ظاهر السياق ان قوله ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي كناية عن انتفاء الرابطة بينه وبين تابعيه كما يشير تعالى إليه في مواضع اخرى بمثل قوله " :لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " النعام 94 : وقوله " :فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم ايانا تعبدون " يونس . 28 :وذلك لظهور انه لو لم يكن كناية لكان قوله وما انتم بمصرخي مستدركا مستغنى عنه لعدم تعلق غرض به فل هم يتوهمون انهم قادرون على اغاثة ابليس والشفاعة له ول هو يتوهم ذلك ول المقام يوهم ذلك فهو يقول ل تلوموني ولوموا انفسكم لن الرابطة مقطوعة بينى وبينكم ل ينفعكم انى كنت متبوعكم ول ينفعني انكم كنتم اتباعى إنى تبرأت من شرككم فلست بشريك له تعالى وانما تبرأت لنكم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 49 ظالمون في أنفسكم والظالمون لهم عذاب اليم ل مسوغ يومئذ للحماية عنهم والتقرب منهم . وهذا السياق كما ترى يشهد ان تابعي ابليس يلومونه يوم القيامة على ما أصابهم من المصيبة على اتباعه متوقعين منه ان يشاركهم في مصابهم بنحو وهو يرد عليهم ذلك بأنه ل رابط بينه وبينهم فل يلحق لومهم إل بأنفسهم ول يسعه أن يماسهم ويقترب منهم لنه يخاف العذاب الليم الذى هئ للظالمين وهم ظالمون فهو قريب المعنى من قوله تعالى " :كمثل الشيطان إذ قال للنسان أكفر فلما كفر قال انى برئ منك انى اخاف الله رب العالمين " الحشر . 16 :ولعله من هنا قال بعضهم ان المراد بقوله انى كفرت الخ كفره في الدنيا على أن يكون من قبل متعلقا بقوله كفرت فقط أو به وبقوله اشركتمون على سبيل التنازع .وبالجملة المطلوب العمدة في الية إن النسان هو المسؤول عن عمله لن السلطان له ل لغيره فل يلومن ال نفسه واما رابطة التابعية والمتبوعية فهى وهمية ل حقيقة لها وسيظهر هذه الحقيقة يوم القيامة عندما يتبرء منه الشيطان ويعيد لئمته إلى نفسه كما / صفحة / 50بين في الية السابقة إن الرابطة بين الضعفاء والمستكبرين وهمية ل تغنى عنهم شيئا عندما تقع إليها الحاجة يوم القيامة حين انكشاف الحقائق .وللمفسرين في فقرات الية اقوال شتى مختلفة اغمضنا عن ايرادها ومن أراد الطلع عليها فليراجع مطولت التفاسير .وفي الية دللة واضحة على ان للنسان سلطانا على عمله هو الذى يوجب ارتباط الجزاء به ويسلبه عن غيره وهو الذى يعيد اللئمة إليه ل إلى غيره واما كونه مستقل بهذا السلطان فل دللة فيها على ذلك البتة وقد تكلمنا في ذلك في الجزء الول من الكتاب في ذيل قوله " :وما يضل به إل الفاسقين " البقرة . 26 :قوله تعالى " :وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات " الخ بيان ما ينتهى إليه حال السعداء من المؤمنين وفي قوله تحيتهم فيها سلم مقابلة حالهم من انعكاس السلم والتحية المباركة من بعضهم إلى بعض مع حال غيرهم المذكورين في اليتين السابقتين من الخصام وتجبيه بعضهم بعضا بالكفر والتبرى والياس .قوله تعالى " :ألم تر كيف ضرب الله مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى اكلها كل حين بإذن ربها " ذكروا ان كلمة بدل اشتمال من مثل وكشجرة صفة بعد صفة لقوله كلمة أو خبر مبتدأ محذوف والتقدير هي كشجرة وقيل ان كلمة مفعول اول متأخر لضرب ومثل مفعوله الثاني قدم لدفع محذور الفصل بين كلمة وصفتها وهى كشجرة والتقدير ضرب الله كلمة طيبة كشجرة طيبة الخ مثل وقيل ضرب متعد لواحد وكلمة منصوب بفعل مقدر كجعل واتخذ والتقدير ضرب الله مثل جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة الخ واظن ان هذا احسن الوجوه لو وجه بكون كلمة طيبة الخ عطف بيان لقوله ضرب الله مثل من بيان الجملة للجملة ويتعين حينئذ نصب كلمة بمقدر هو جعل أو اتخذ لن المدلول انه مثل الكلمة بالشجرة وشبهها بها وهو معنى قولنا اتخذ كلمة طيبة كشجرة الخ . وقوله اصلها ثابت أي مرتكز في الرض ضارب بعروقه فيها وقوله وفرعها في السماء أي ما يتفرع على ذلك الصل من اغصانها في جهة العلو فكل ما /صفحة / 51عل واظل سماء وقوله تؤتى اكلها كل حين باذن ربها أي تثمر ثمرها المأكول كل زمان باذن الله وهذا نهاية ما تفيده شجرة من البركات واختلفوا في الية اول في المراد من الكلمة الطيبة فقيل هي شهادة ان ل اله ال الله وقيل اليمان وقيل القرآن وقيل مطلق التسبيح والتنزيه وقيل الثناء على الله مطلقا وقيل كل كلمة حسنة وقيل جميع الطاعات وقيل المؤمن . وثانيا في المراد من الشجرة الطيبة فقيل النخلة وهو قول الكثرين وقيل شجرة جوز الهند وقيل كل شجرة تثمر ثمرة طيبة كالتين والعنب والرمان وقيل شجرة صفتها ما وصفه الله وان لم تكن موجودة بالفعل .ثم اختلفوا في المراد بالحين فقيل شهران وقيل ستة اشهر وقيل سنة كاملة وقيل كل غداة وعشى وقيل جميع الوقات . والشتغال بأمثال هذه المشاجرات مما يصرف النسان عما يهمه من البحث عن معارف كتاب الله والحصول على مقاصد اليات الكريمة واغراضها . والذى يعطيه التدبر في اليات ان المراد بالكلمة الطيبة التى شبهت بشجرة طيبة من صفتها كذا وكذا هو العتقاد الحق الثابت فانه تعالى يقول بعد وهو كالنتيجة المأخوذة من التمثيل يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة الية والقول هي الكلمة ول كل كلمة بما هي لفظ بل بما هي معتمدة على اعتقاد وعزم يستقيم عليه النسان ول يزيغ عنه عمل .وقد تعرض تعالى لما يقرب من هذا المعنى في مواضع من كلمه كقوله " :ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فل خوف عليهم ول هم يحزنون " الحقاف 13 :وقوله " :ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أن ل تخافوا ول تحزنوا " حم السجدة 30 :وقوله " :إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 51 يرفعه " فاطر . 10 :وهذا القول والكلمة الطيبة هو الذى يرتب تعالى عليه تثبيته في الدنيا والخرة اهله وهم الذين آمنوا ثم يقابله بإضلل الظالمين ويقابله بوجه آخر بشأن المشركين وبهذا يظهر ان المراد بالممثل هو كلمة التوحيد وشهادة ان ل اله ال الله حق شهادته / .صفحة / 52فالقول بالوحدانية والستقامة عليه هو حق القول الذى له اصل ثابت محفوظ عن كل تغير وزوال وبطلن وهو الله عز اسمه أو ارض الحقائق وله فروع نشأت ونمت من غير عائق يعوقه عن ذلك من عقائد حقة فرعية واخلق زاكية واعمال صالحة يحيى بها المؤمن حياته الطيبة ويعمر بها العالم النساني حق عمارته وهى التى تلئم سير النظام الكونى الذى ادى إلى ظهور النسان بوجوده المفطور على العتقاد الحق والعمل الصالح . والكمل من المؤمنين وهم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فتحققوا بهذا القول الثابت والكلمة الطيبة مثلهم كمثل قولهم الذى ثبتوا ل يزال الناس منتفعين بخيرات وجودهم ومنعمين ببركاتهم .وكذلك كل كلمة حقة وكل عمل صالح مثله هذا المثل له اصل ثابت وفروع رشيدة وثمرات طيبة مفيدة نافعة .فالمثل المذكور في الية يجرى في الجميع كما يؤيده التعبير بكلمة طيبة بلفظ النكرة غير ان المراد في الية على ما يعطيه السياق هو اصل التوحيد الذى يتفرع عليه سائر العتقادات الحقة وينمو عليه الخلق الزاكية وتنشأ منه العمال الصالحة .ثم ختم الله سبحانه الية بقوله ويضرب الله المثال للناس لعلهم يتذكرون ليتذكر به المتذكر أن ل محيص لمريد السعادة عن التحقق بكلمة التوحيد والستقامة عليها .قوله تعالى " :ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار الجتثاث القتلع يقال جثته واجتثته أي قلعته واقتلعته والجث بالضم ما ارتفع من الرض كالكمة وجثة الشئ شخصه الناتئ كذا في المفردات .والكلمة الخبيثة ما يقابل الكلمة الطيبة ولذا اختلفوا فيها فقال كل قوم فيها ما يقابل ما قاله في الكلمة الطيبة وكذا اختلفوا في المراد بالشجرة الخبيثة فقيل هي الحنظلة وقيل الكشوث وهو نبت يلتف على الشوك والشجر ل اصل له في الرض ول ورق عليه وقيل شجرة الثوم وقيل شجرة الشوك وقيل الطحلب وقيل الكمأة وقيل كل شجرة ل تطيب لها ثمرة .وقد عرفت حال هذه الختلفات في الية السابقة وعرفت ايضا ما يعطيه التدبر في معنى الكلمة الطيبة وما مثلت به ويجرى ما يقابله في الكلمة الخبيثة وما /صفحة / 53مثلت به حرفا بحرف فانما هي كلمة الشرك مثلت بشجرة خبيثة مفروضة اقتلعت من فوق الرض ليس لها اصل ثابت وما لها من قرار واذ كانت خبيثة فل اثر لها إل الضر والشر .قوله تعالى " :يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " إلى آخر الية الظاهر إن بالقول متعلق بقوله يثبت ل بقوله آمنوا والباء لللة أو السببية ل للتعدية وان قوله في الحياة الدنيا وفي الخرة متعلق ايضا بقوله يثبت ل بقوله الثابت .فيعود المعنى إلى ان الذين آمنوا إذا ثبتواعلى ايمانهم واستقاموا ثبتهم الله عليه في الدنيا والخرة ولول تثبيته تعالى لهم لم ينفعهم الثبات من انفسهم شيئا ولم يستفيدوا شيئا من فوائده فإليه تعالى يرجع المر كله فقوله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " في باب الهداية يوازن قوله " :فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " الصف 5 :في باب الضلل .غير ان بين البابين فرقا وهو ان الهدى يبتدئ من الله سبحانه ويترتب عليه اهتداء العبد والضلل يبتدئ من العبد بسوء اختياره فيجازيه الله بالضلل على الضلل كما قال " :وما يضل به ال الفاسقين " البقرة : 26وقد تكاثرت اليات القرآنية إن الهداية من الله سبحانه ليس لغيره فيها صنع .وتوضيح المقام إن الله سبحانه خلق النسان على فطرة سليمة ركز فيها معرفة ربوبيته وألهمها فجورها وتقواها وهذه هداية فطرية اولية ثم ايدها بالدعوة الدينية التى قام بها انبياؤه ورسله .ثم ان النسان لو جرى على سلمة فطرته واشتاق إلى المعرفة والعمل الصالح هداه الله فاهتدى العبد لليمان عن هدايته تعالى واما جريه على سلمة الفطرة فلو سمي اهتداء فانما هو اهتداء متفرع على السلمة الفطرية لو سميت هداية .ولو انحرف النسان عن صراط الفطرة بسوء اختياره وجهل مقام ربه واخلد إلى الرض واتبع الهوى وعاند الحق فهو ضلل منه غير مسبوق باضلل من الله وحاشاه سبحانه لكنه يستعقب اضلله عن الطريق مجازاة وتثبيته على ما هو /صفحة / 54عليه بقطع الرحمة منه وسلب التوفيق عنه وهذا اضلل مسبوق بضلله من نفسه بسوء اختياره وأزاغة له عن زيغ منه .ومن هنا وجه اختلف السياق في اليتين اما قوله فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم فقد فرض فيه زيغ منهم ثم ازاغه منه تعالى واما قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فقد فرض فيه ايمان ثابت على التثبيت وهو في نفسه يستلزم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 54 هداية منه واهتداء منهم ثم اضيف إلى ذلك القول الثابت وهو ثباتهم واستقامتهم بحسن اختيارهم على ما آمنوا به وهو فعلهم فيعقبه الله بتثبيتهم بسبب ذاك القول الثابت وحفظهم من الزيغ والزلل يدفع عنهم بذلك مخاطر الحياة في الدنيا والخرة وهذا هداية منه تعالى غير مسبوقة باهتداء من عند انفسهم يرتبط بها فافهم ذلك . وكيف كان فهذا التثبيت بالنظر إلى التمثيل بمنزلة احكام الشجرة الطيبة من جهة ثبوت اصلها في الرض وإذا ثبت اصل الشجرة نمت وتفرعت بالفروع وأتت بالثمار في كل حين والدنيا والخرة تحاذيان كل حين فان الدنيا والخرة تشملن جميع الحيان فهذا ما يعطيه السياق من معنى الية . وقيل ان المعنى يثبت الله الذين آمنوا ويقرهم في كرامته وثوابه بالقول الثابت الذى وجد منهم وهو كلمة اليمان لنه ثابت بالحجج والدلة فالمراد بتثبيتهم تقريبهم منه واسكانهم الجنة وبثبوت قولهم تأيده بالحجة والبرهان وفيه انه تقييد من غير مقيد .وقيل المعنى انه يثبتهم بالتمكين في الرض والنصرة والفتح والغلبة في الدنيا وإسكان الجنة في الخرة وهو بعيد من السياق .وقوله ويضل الله الظالمين ظاهر المقابلة بين الظالمين والذين آمنوا في الجملة السابقة ان المراد بهم اهل الكفر بالله وباياته على أنه تعالى فسر الظالمين بقول مطلق في بعض كلمه بما يقرب منه إذ قال " :ان لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالخرة كافرون " العراف . 45 :والجملة كالنتيجة المستخرجة من المثل الثاني المذكور " :ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار " والمعنى ان الله يضل اهل / صفحة / 55الكفر بحرمانهم من صراط الهداية فل يهتدون إلى عيشة سعيدة في الدنيا ول إلى نعمة باقهة ورضوان من الله في الخرة فل يوجد عندهم ان كشف عن قلوبهم ال الشك والتردد والقلق والضطراب والسى والسف والحسرة . وقوله ويفعل الله ما يشاء أي يجرى تثبيت هؤلء واضلل اولئك على ما تقتضيه مشيته ل مانع له ول دافع فل حائل بين مشيته وفعله .ويظهر من ذلك ان الله تعالى قد شاء تثبيت هؤلء واضلل اولئك وهو فاعلهما ل محاله فمن القضاء المحتوم سعادة المؤمن وشقاء الكافر وقد وردت به الرواية .ووقوع لفظ الجللة في قوله ويضل الله وقوله ويفعل الله من وقوع الظاهر موقع المضمر ويدل على فخامة المر ومهابة الموقف كما قيل .قوله تعالى " :ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " قال في المجمع الحلل وضع الشئ في محل اما بمجاورة ان كان من قبيل الجسام أو بمداخلة إن كان من قبيل العراض والبوار الهلك يقال بار الشئ يبور بورا إذا هلك ورجل بور أي هالك وقوم بور ايضا انتهى .وقال الراغب البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدى إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلك يقال بار الشئ يبور بورا وبؤرا قال عز وجل " :تجارة لن تبور " انتهى .والية تذكر حال ائمة الكفر ورؤساء الضلل في ظلمهم وكفرانهم نعمة الله سبحانه التى احاطت بهم من كل جهة بدل ان يشكروها ويؤمنوا بربهم وقد ذكر قبل كيفية خلقه تعالى السماوات والرض على غنى منه وهى نعمة ثم ذكر كلمة الحق التى يدعو إليها وما لها من الثار الثابتة الطيبة وهى نعمة .والية مطلقة ل دليل على تقييدها بكفار مكة أو كفار قريش وان كان الخطاب فيها للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وكان في ذيلها مثل قوله " :قل تمتعوا فان مصيركم إلى النار " لظهور ان ذلك ل يوجب تقييدا في الية مع اطلق مضمونها وشمولها للطواغيت من المم وما صنعوا بأقوامهم . فقوله " :ألم تر إلى الذين بدلوانعمة الله كفرا " يذكر حال ائمة الكفر ورؤساء /صفحة / 56 الضلل من المم السابقة ومن هذه المة والدليل على اختصاصه بهم قوله واحلوا قومهم دار البوار المشعر بكونهم نافذى الكلمة مطاعين في قومهم فهم الئمة والرؤساء .والمراد بتبديلهم نعمة الله كفرا تبديلهم شكر نعمته الواجب عليهم كفرا ففى الجملة مضاف محذوف والتقدير بدلوا شكر نعمة الله كفرا ويمكن ان يراد تبديل نفس النعمة كفرا بنوع من التجوز ونظير الية في هذه العناية قوله تعالى " :وتجعلون رزقكم انكم تكذبون " الواقعة 82 :وذكر إحللهم قومهم دار البوار يستلزم احلل انفسهم فيها لنهم ائمة الضلل ضلوا ثم اضلوا والتبعة تبعة الضلل ونظير الية في هذا المعنى قوله في فرعون " :يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار " هود . 98 :والمعنى ألم تنظر إلى الئمة و الرؤساء من المم السابقة ومن امتك الذين بدلوا شكر نعمة الله كفرا واتبعتهم قومهم فحلوا واحلوا قومهم دار الهلك وهو الشقاء والنار .قوله تعالى " :جهنم يصلونها وبئس القرار " بيان لدار البوار واحتمال بعضهم أن يكون جهنم منصوبا بالشتغال والتقدير يصلون جهنم يصلونها والجملة مستأنفة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 56 خال عن الوجه لن النصب مرجوح ول نكتة تستوجب الستئناف .ومن هنا يظهر فساد قول من قال ان اليات مدنية والمراد بالذين كفروا هم عظماء مكة وصناديد قريش الذين جمعوا الجموع على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحاربوه ببدر فقتلوا وأحلوا قومهم دار البوار .وذلك انك عرفت من معنى الية انها مطلقة ول موجب لتخصيصها بقتلى بدر من الكفار اصل بل الية تشمل كل امام ضلل احل قومه دار البوار ممن تقدم وتأخر والمراد باحلل دار البوار اقرارهم في شقاء النار وإن لم يقتلوا ول ماتوا ول دخلوا النار بعد .على ان ظاهر الية التالية وجعلوا لله اندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ان ضمير الجمع راجع إلى الذين كفروا المذكورين في هذه الية ولزمه كون خطاب قل تمتعوا خطابا للباقين منهم وهم الذين اسلموا يوم الفتح وهو ايعاد بشقاء قطعي منجز من غير استثناء / .صفحة / 57قوله تعالى " :وجعلوا لله اندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فان مصيركم إلى النار " النداد جمع ند وهو المثل وهم اللهة الذين اتخذوهم آلهة من دون الله من الملئكة والجن والنس .وانما جعلوها اندادا مع اعترافهم بأنهم مخلوقون لله سبحانه من جهة أنهم سموهم آلهة واربابا ونسبوا إليهم تدبير امر العالم ثم عبدوهم خوفا وطمعا مع ان المر والخلق كله لله وقد اعترفت بذلك فطرتهم وايد الله ذلك بما الهمه انبياءه ورسله من اليات والحجج الدالة على وحدانيته .فهم كانوا على بصيرة من امر التوحيد لم يتخذوا النداد عن غفلة أو خطأ بل عمدوا إلى ذلك ابتغاء عرض الحياة الدنيا وليستعبدوا الناس ويستدروهم باضللهم عن سبيل الله ولذلك علل اتخاذهم النداد بقوله ليضلوا عن سبيله ثم امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يوعدهم بالنار التى إليها مرجعهم ل مرجع لهم سواها فقال قل تمتعوا فان مصيركم إلى النار .وكان من طبع الكلم أن يقال لهم اتخذوا النداد أو اضلوا عن سبيل الله فإن مصيركم إلى النار لكن بدل من قوله تمتعوا ليصرح بغرضهم الفاسد الذى كانوا يخفونه ليكون ابلغ في فضاحتهم .قوله تعالى " : قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية من قبل ان يأتي يوم ل بيع فيه ول خلل " لما توعدهم على لسان رسوله بعذاب يوم القيامة لضللهم الناس عن سبيل الله امره ان يأمر عباده الذين آمنوا بالتزام سبيله من قبل ان ياتي يوم القيامة فل يسعهم تدارك ما فات منهم من السعادة بشئ من السباب الدائرة بينهم لذلك وهى ترجع إلى احد شيئين اما المعارضة باعطاء شئ واخذ ما يعادله وهو البيع بالمعنى العم وأما الخلة والمحبة ول اثر من هذه السباب في يوم محض للحساب والجزاء فان ذلك شأن يوم القيامة ل شأن له دون ذلك .ومن هنا يظهر ان قوله يقيموا الصلة وينفقوا بيان لسبيل الله وقد اكتفى بهذين الركنين اللذين بهما يلحق سائر الوظائف الشرعية مما يصلح حياة النسان الدنيوية فيما بينه وبين ربه وما بينه وبين سائر افراد نوعه / .صفحة / 58وقوله يقيموا الصلة وينفقوا الخ مجزومان لوقوعهما في جواب المر ومقول القول محذوف لدللة الفعلين عليه والتقدير قل اقيموا الصلة وانفقوا الخ يقيموا الصلة وينفقوا الخ .والشكال فيه بأن المجزوم في جواب المر يجب ان يكون مترتبا عليه ول يلزم من المر بالصلة والنفاق ان يطيعوا ذلك . ساقط فان اللزم فيه ان يكون الجواب مما يقتضيه المر بوجه وامر عباده المؤمنين وهم عباد مؤمنون مما يقتضى الطاعة بل اشكال .والنفاق المذكور في الية مطلق النفاق في سبيل الله فان السورة مكية ولم تنزل آية الزكاة بعد والمراد بالنفاق سرا وعلنية ان يجرى النفاق على ما يقتضيه الدب الدينى الحق فيسر به فيما يحسن السرار ويعلن فيما يحسن العلن والمطلوب بذلك على أي حال التيان بما يصلح ما في مظنة الفساد ويقيم اود المجتمع من امور المسلمين . ول ينافى ما في هذه الية من نفى المخالة قوله تعالى " :الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو ال المتقين " الزخرف 67 :فان النسبة بين اليتين نسبة العموم والخصوص المطلق فتخصص هذه الية بتلك الية ويتحصل المراد من اليتين ان كل خلة من غير جهة التقوى ترتفع يوم القيامة واما الخلة التى من جهتها وهى الخلة في ذات الله فانها تثبت وتنفع فنفى الخلل مطلقا ثم اثبات بعضه في اليتين نظير نفى الشفاعة مطلقا في قوله " :ول خلة ول شفاعة " البقرة 254 :ثم اثباتها فيما كان باذن الله كما في قوله " :ال من شهد بالحق وهم يعلمون " الزخرف . 86 :وما قيل في نفى التنافى ان المراد بالخلل في الية النافية المخالة التى هي من السباب الدنيوية لتدارك ما فات بخلف ما في الية المثبتة وكذا ما قيل ان المراد بالمخالة المنفية هي التى تكون بحسب ميل الطبع ورغبة النفس بخلف المخالة المثبتة فانها التى تكون في ذات الله مرجعهما بالحقيقة إلى ما ذكرناه . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 58 قوله تعالى " :الله الذى خلق السماوات والرض " الخ لما ذكر سبحانه جعلهم لله اندادا لضلل الناس عن سبيل الله وأوعد عليه اورد في هذه الية إلى تمام /صفحة / 59ثلث آيات الحجة على اختصاص الربوبية بنفسه تعالى وتقدس من طريق اختصاص التدبير العام به من نظم الخلقة وانزال الماء واخراج الرزق وتسخير البحار الفلك والنهار والشمس والقمر والليل والنهار .واشار في آخر اليات إلى انها وما ل تحصى من غيرها نعمة منه تعالى للنسان لن البيان في هذه السورة كما تقدمت الشارة إليه يجرى في ضوء السمين العزيز الحميد .فقوله الله الذى خلق الخ في معنى قولنا فهوالرب وحده دون الذين جعلتموهم اندادا له .وقوله وانزل من السماء ماء فاخرج به الخ المراد بالسماء جهة العلو وهو معناها اللغوى والماء النازل منها هو المطر النازل منها فإليه ينتهى الماء في الرض الذى تعيش به ذوات الحياة من النبات والحيوان .قوله تعالى " :وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم النهار " تسخير الفلك للناس هو جعلها بحيث تنفعهم في مقاصدهم وهى العبور بانفسهم واحمالهم وغير ذلك من غير ان ترسب في الماء أو تمتنع عن الحركة .واما قول بعضهم تسخيرها لهم هو اقدارهم على صنعتها واستعمالها بالهامهم طريق ذلك بعيد فان الظاهر من تسخير شئ للنسان هو التصرف فيه بجعله موافقا لما يقصده من منافع نفسه دون التصرف في النسان نفسه بالهام ونحوه .وكان من طبع الكلم ان يقال وسخر لكم البحر لتجرى فيه الفلك بأمره وسخر لكم النهار غير انه عكس وقيل وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره لكون الفلك من اوضح النعم البحرية وان لم تنحصر فيها نعمه ولعل ذلك هو السبب في العكس لن المقام مقام عد النعمة والنعمة في الفلك اوضح وان كانت في البحر اعظم . واسناد جريها في البحر إلى امره تعالى مع كونه مستندا إلى السباب الطبيعية العاملة كالريح والبخار وسائر السباب لكونه تعالى هو السبب المحيط الذى إليه ينتهى كل سبب / .صفحة / 60 وقوله وسخر لكم النهار وهى المياه الجارية في مختلف اقطار الرض وتسخيرها هو تذليلها بحيث ينتفع بها النسان بالشرب والغسل وازالة الوساخ وغير ذلك ويعيش بها الحيوان والنبات المسخران له .قوله تعالى " :وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار " قال الراغب الدأب ادامة السير دأب في السير دأبا قال تعالى " :وسخر لكم الشمس والقمر دائبين والدأب العادة المستمرة دائما على حالة قال تعالى " :كدأب آل فرعون أي كعادتهم التى يستمرون عليها انتهى ومعنى الية واضح .قوله تعالى " :وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمه الله ل تحصوها إن النسان لظلوم كفار " السؤال هو الطلب ويفارقه ان السؤال انما يكون ممن يعقل والطلب اعم وانما تنبه النسان للسؤال من جهة الحاجة الداعية إليه فاظهر له ان يرفع ما حلت به من حاجة وكانت الوسيلة العادية إليه هي اللفظ فتوسل به إليه وربما توسل إليه باشارة أو كتابة وسمى سؤال حقيقة من غير تجوز .واذ كان الله سبحانه هو الذى يرفع حاجة كل محتاج ممن سواه ل يتعلق شئ بذاته فيما يحتاج إليه في وجوده وبقائه ال بذيل جوده وكرمه سواء اقر به أو أنكره وهو تعالى اعلم بهم وبحاجاتهم ظاهرة وباطنة من انفسهم كان كل من سواه عاكفا على باب جوده سائل يسأله رفع ما حلت به من حاجة سواء اعطاه أو منعه وسواء أجابه في جميع ما سأل أو بعضه .هذا هو حق السؤال وحقيقته يختص به تعالى ل يتعداه إلى غيره ومن السؤال ما هو لفظي كما تقدم ربما يسأل به الله سبحانه وربما يسأل به غيره فهو تعالى مسئول يسأله كل شئ بحقيقة السؤال ويسأله بعض الناس من المؤمنين به بالسؤال اللفظى .هذا بالنسبة إلى السؤال واما بالنسبة إلى اليتاء وهو العطاء فقد اطلق من غير أن يقيد باستثناء ونحوه فيدل على انه ما من سؤال ال وعنده اعطاء وهذه قرينة إن الخطاب للنوع كما يؤيده ايضا قوله ذيل ان النسان لظلوم كفار . والمعنى ان النوع النساني لم يحتج بنوعيته إلى نعمة من النعم ال رفع الله حاجته /صفحة / 61 أما كل أو بعضا وان كان الفرد منه ربما احتاج وسأل ولم يقض حاجته وهذا المعنى هو الذى يؤيده قوله تعالى " :اجيب دعوة الداع إذا دعان " البقرة 186 :فقد مر في تفسير الية انه تعالى ل يرد دعاء من دعاه ال أن ل يكون دعاء حقيقة أو يكون دعاء إل انه ليس دعاءه بل دعاء غيره والفرد من النسان ربما لم يواطئ لسانه قلبه أو لغى في دعائه لكن النوع بنوعيته ل يعرف هذرا ول نفاقا ول يعرف ربا غيره سبحانه فكلما مسته حاجة فانه يسأله حقيقة ول يسأله ال من ربه فجميع ادعيته مستجابة وسؤالته مؤتاة وحاجاته مقضية .وقد ظهر مما تقدم إن من في قوله من كل ما سألتموه ابتدائية تفيد إن الذى يؤتيه الله مأخوذ مما سألوه سواء كان جميع ما سألوه كما في بعض الموارد أو ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 61 بعضه كما في بعضها الخر ولو كانت من تبعيضية لفادت انه تعالى يؤتى في كل سؤال بعض المسئول والواقع خلفه كما انه لو قيل وآتاكم كل ما سألتموه افاد ايتاء الجميع وليس كذلك ولو قيل مما سألتموه افاد ان من الجائز ان ل يستجاب بعض الدعية ويرد بعض السئلة من اصله والية وهى في مقام المتنان تأبى ذلك .فبالجملة معنى الية ان الله تعالى اعطى النوع النساني ما سأله فما من حاجة من حوائجه ال رفع كلها أو بعضها حسب ما تقتضيه حكمته البالغة .وربما قيل ان تقدير الكلم وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه وهو مبنى على كون المراد بالسؤال هو السؤال اللفظى وقد تقدم خلفه وسياق الية ل يساعد عليه .وقوله وان تعدوا نعمة الله ل تحصوها قال الراغب الحصاء التحصيل بالعدد يقال احصيت كذا وذلك من لفظ الحصا واستعمال ذلك فيه من حيث انهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الصابع انتهى . وفي الجملة اشارة إلى خروج النعم عن طوق الحصاء ولزمه كون حوائج النسان التى رفعها الله بنعمه غير مقدور للنسان احصاءها .وكيف يمكن احصاء نعمه تعالى وعالم الوجود بجميع اجزائه وما يلحق بها من الوصاف والحوال مرتبطة منتظمة نافع بعضها في بعض متوقف بعضها على بعض /صفحة / 62فالجميع نعمه بالنسبة إلى الجميع وهذا امر ل يحيط به احصاء . ولعل ذلك هو السر في افراد النعمة في قوله نعمة الله فان الحق ان ليس هناك ال النعمة فل حاجة إلى تفخيمها بالجمع ليدل على الكثرة والمراد بالنعمة جنس المنعم فيفيد ما يفيده الجمع .وقوله ان النسان لظلوم كفار أي كثير الكفران يظلم نفسه فل يشكر نعمة الله ويكفر بها فيؤديه ذلك إلى البوار والخسران أو كثير الظلم لنعم الله ل يشكرها ويكفر بها والجملة استئناف بيانى يؤكد بها ما يستفاد من البيان السابق فان الواقف على ما مر بيانه من حال نعمه تعالى وما آتى النسان من كل ما سأله منها ل يرتاب في ان النسان وهو غافل عنها طبعا ظالم لنفسه كافر بنعمة ربه ) .بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج الترمذي والنسائي والبزار وابو يعلى وابن جرير وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن انس قال :اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقناع من بسر فقال مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة حتى بلغ تؤتى اكلها كل حين باذن ربها قال هي النخلة ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة حتى بلغ ما لها من قرار قال هي الحنظلة .اقول وكون الشجرة الطيبة هي النخلة مروى في عدة روايات عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهى ل تدل على ازيد من انطباق المثل عليها وذيل الرواية ينافى الرواية التالية .وفيه اخرج ابن مردويه عن ابى هريرة قال :قعد ناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا هذه الية اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار فقالوا يا رسول الله نراه الكمأة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهى شفاء من السم اقول والكلم يجرى في الحنظلة فان لها خواص طبية هامة .وفيه اخرج البيهقى في سننه عن على قال :الحين ستة اشهر /صفحة / 63اقول والكلم فيه كالكلم في سابقه .وفي الكافي باسناده عن عمرو بن حريث قال :سالت ابا عبد الله عليه السلم عن قول الله كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصلها وامير المؤمنين فرعها والئمة من ذريتهما اغصانها وعلم الئمة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها هل في هذا فضل ؟ قال قلت ل والله قال والله ان المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها .اقول والرواية مبنية على كون المراد بالكلمة الطيبة هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد اطلقت الكلمة في كلمه على النسان كقوله " :بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم " آل عمران 45 :ومع ذلك فالرواية من باب التطبيق ومن الدليل عليه اختلف الروايات في كيفية التطبيق ففى بعضها ان الصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والفرع علي عليه السلم والغصان الئمة عليهم السلم والثمرة علمهم والورق الشيعة كما في هذه الرواية وفي بعضها إن الشجرة رسول الله وفرعها علي والغصن فاطمة وثمرها اولدها وورقها شيعتنا كما فيما رواه الصدوق عن جابر عن ابى جعفر عليه السلم وفي بعضها ان النبي والئمة هم الصل الثابت والفرع الولية لمن دخل فيها كما في الكافي باسناده عن محمد الحلبي عن ابى عبد الله عليه السلم .وفي المجمع روى أبو الجارود عن ابى جعفر عليه السلم إن هذا يعنى قوله كشجرة خبيثة الخ مثل بنى امية وفي تفسير العياشي عن عبد الرحمن بن سالم الشل عن ابيه عن ابى عبد الله عليه السلم ضرب الله مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اليتين قال هذا مثل ضربه الله لهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولمن عاداهم هو مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 63 الرض ما لها من قرار اقول قال اللوسى في تفسير روح المعاني ما لفظه وروى المامية وانت تعرف حالهم عن ابى جعفر رضى الله عنه تفسيرها يعنى الشجرة الخبيثة ببنى امية وتفسير الشجرة الطيبة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي كرم الله وجهه وفاطمة رضى الله عنها وما تولد منهما وفي بعض روايات اهل السنة ما يعكر على تفسير الشجرة /صفحة / 64الخبيثة ببنى امية فقد اخرج ابن مردويه عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله تعالى قلب العباد ظهرا وبطنا فكان خير عباده العرب وقلب العرب ظهرا وبطنا فكان خير العرب قريشا وهى الشجرة المباركة التى قال الله تعالى في كتابه " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " لن بنى امية من قريش انتهى موضع الحاجة .وهو عجيب فان كون امة أو طائفة مباركة بحسب طبعهم ل يوجب كون جميع الشعب المنشعبة منها كذلك فالرواية على تقدير تسليمها ل تدل ال على ان قريشا شجرة مباركة واما ان جميع الشعب المنشعبة منها مباركة طيبة كبنى عبد الدار مثل أو كون كل فرد منهم كذلك كابى جهل وابى لهب فل قطعا فاى ملزمة بين كون شجرة بحسب اصلها مباركة طيبة وبين كون بعض فروعها التى انفصلت منها ونمت نماء فاسدا مباركا طيبا .؟ وقد روى ابن مردويه هذا عن عائشة :انها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لبيك وجدك إنكم الشجرة الملعونة في القرآن وروي اصحاب التفاسير كالطبري وغيره عن سهل بن ساعد وعبد الله بن عمر ويعلى بن مرة والحسين بن على وسعيد بن المسيب :انهم الذين نزل فيهم قوله تعالى " :وما جعلنا الرؤيا التى اريناك ال فتنة للناس والشجرة الملعونة " في القرآن الية ولفظ سعد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنى فلن ينزون على منبرة نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات وانزل الله وما جعلنا الرؤيا الية وستاتى الرواية عن عمرو عن علي :في تفسير قوله " :الذين بدلوا نعمة الله كفرا " انهم الفجران من قريش بنو المغيرة وبنو امية وفي تفسير العياشي عن صفوان بن مهران عن ابى عبد الله عليه السلم قال :الشيطان ليأتي الرجل من اوليائنا فيأتيه عند موته ويأتيه عن يمينه وعن يساره ليصده عما هو عليه فيأبى الله ذلك وكذلك قال الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة وفيه عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر وابى عبد الله عليه السلم قال :إذا وضع الرجل في قبره اتاه ملكان ملك عن يمينه وملك عن شماله واقيم الشيطان بين /صفحة / 65يديه عيناه من نحاس فيقال له -ما تقول في هذا الرجل الذى خرج من بين ظهرانيكم يزعم انه رسول الله ؟ فيفزع لذلك فزعة فيقول ان كان مؤمنا محمد رسول الله فيقال عند ذلك نم نومة ل حلم فيها ويفسح له في قبره تسعة اذرع ويرى مقعده من الجنة وهو قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وان كان كافرا قالوا -من هذا الرجل الذى كان بين ظهرانيكم يقول انه رسول الله ؟ فيقول ما ادرى -فيخلى بينه وبين الشيطان وفي الدر المنثور اخرج الطيالسي والبخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :المسلم إذا سئل في القبر يشهد ان ل اله ال الله وان محمدا رسول الله فذلك قوله سبحانه يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة وفيه اخرج الطبراني في الوسط وابن مردويه عن ابى سعيد الخدرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في هذه الية يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة قال في الخرة القبر .اقول وهناك روايات كثيرة من طرق الشيعة واهل السنة وردت في تفصيل سؤال القبر واتيان الملكين منكر ونكير وثبات المؤمن وضلل الكافر عند ذلك وقد وقع في كثير منها التمسك بالية .وظاهرها ان المراد بالخرة هو القبر وعالم الموت ولعل ذلك مبنى على ظاهر معنى التثبيت فان الظاهر من اعطاء الثبات أن يكون في مقام يجوز فيه الزلل والخبط وهذا انما يتصور في غير يوم القيامة الذى ليس فيه ال المجازاة بالعمال واما بالنظر إلى ان كل ثابت في الوجود فانما ثباته بالله سبحانه سواء كان مما يجوز عليه الزوال ام ل فل فرق بين البرزخ والقيامة في إن المؤمن ثابت بتثبيت الله سبحانه والولى اخذ الروايات من قبيل التطبيق .وفي تفسير العياشي عن الصبغ بن نباتة قال قال امير المؤمنين عليه السلم في /صفحة / 66قوله " : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال نحن نعمة الله التى انعم الله بها على العباد .اقول وهو من الجرى والتطبيق .وفيه عن معصم المسرف عن على بن ابى طالب عليه السلم في قوله :واحلوا قومهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 66 دار البوار قال هما الفجران من قريش بنو امية وبنو المغيرة اقول ورواه ايضا في البرهان عن ابن شهر آشوب عن ابى الطفيل عنه عليه السلم وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني في الوسط وابن مردويه والحاكم وصححه من طرق عن على بن ابى طالب في قوله " :ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال -هما الفجران من قريش بنو امية وبنو المغيرة فأما بنو المغيره فقطع الله دابرهم يوم بدر واما بنو امية فمتعوا إلى حين . اقول وهو مروى عن عمر كما ياتي .وفيه اخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله :ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال هما الفجران من قريش بنو المغيرة وبنو امية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر واما بنو امية فمتعوا إلى حين وفيه اخرج ابن مردويه عن ابن عباس انه قال لعمر يا امير المؤمنين هذه الية " : الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال -هم الفجران من قريش اخوالي واعمامك فأما اخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر -واما اعمامك فأملى الله لهم إلى حين وفي تفسير العياشي عن ذريح عن ابى عبد الله عليه السلم قال سمعته يقول :جاء ابن الكواء إلى امير المؤمنين عليه السلم فسأله عن قول الله " :ألم تر إلى الذين بدلوا الية قال تلك قريش بدلوا نعمة الله كفرا وكذبوا نبيه يوم بدر . اقول واختلف التطبيق في كلمه عليه السلم من الشاهد على انه من باب بيان انطباق الية ل من قبيل سبب النزول .وفي الكافي عن على بن محمد عن بعض اصحابه رفعه قال :كان على بن الحسين عليه السلم إذا قرأ هذه الية وان تعدوا نعمة الله ل تحصوها يقول -سبحان الذى لم / صفحة / 67يجعل في احد من معرفة نعمه -ال المعرفة بالتقصير عن معرفتها -كما لم يجعل في احد ) من ظ ( معرفة ادراكه -اكثر من العلم انه ل يدركه -فشكر عز وجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا كما علم علم العالمين انهم ل ل يدركونه فجعله علما الحديث * * * واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنى أن نعبد الصنام 35 -رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فانك غفور رحيم 36 -ربنا انى اسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل افئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون - 37 -ربنا انك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الرض ول في السماء 38 -الحمد لله الذى وهب لى على الكبر اسمعيل واسحق ان ربى لسميع الدعاء . 39 -رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء 40 -ربنا اغفر لى ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) 41 -بيان ( تتضمن اليات تذكرة ثانية بجملة من نعمه عقيب التذكرة الولى التى يتضمنها قوله واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ انجاكم من آل فرعون الية /صفحة / 68فذكر سبحانه اول نعمته على جمع من عباده المؤمنين وهم بنو اسرائيل من ولد ابراهيم ثم ذكر ثانيا نعمته على جمع آخر منهم وهم بنو اسماعيل من ولد ابراهيم وهى التى يتضمنها دعاء ابراهيم عليه السلم رب اجعل هذا البلد آمنا إلى آخر دعائه وفيها نعمة توفيقه تعالى لهم ان يجتنبوا عبادة الصنام ونعمة المن بمكة وميل الفئدة إلى اهله ورزقهم من الثمرات وغير ذلك كل ذلك لن الله سبحانه هو العزيز الحميد .قوله تعالى " :واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا أي واذكر إذ قال ابراهيم والشارة إلى مكة شرفها الله تعالى .وقد حكى الله سبحانه نظير هذا الدعاء على اختصار فيه عن ابراهيم عليه السلم في موضع آخر بقوله " :واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الخر قال ومن كفر فأمتعه قليل ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " البقرة . 126 :ومن الممكن ان يستفاد من اختلف المحكيين في التعبير اعني قوله اجعل هذا بلدا آمنا وقوله اجعل هذا البلد آمنا انهما دعاءان دعا عليه السلم بهما في زمانين مختلفين وانه بعد ما اسكن اسماعيل وامه ارض مكة ورجع إلى ارض فلسطين ثم عاد اليهما وجد من اقبال جرهم إلى مجاورتهما مكانا ما سر بذلك فدعا عند ذلك مشيرا إلى مكانهم رب اجعل هذا بلدا آمنا فسأل ربه أن يجعل المكان بلدا ولم يكن به وأن يرزق اهله المؤمنين من الثمرات ثم لما عاد إليهم بعد ذلك بزمان وحد المكان بلدا فسأل ربه ان يجعل البلد آمنا .ومما يؤيد كونهما دعاءين ما فيهما من الختلف من غير هذه الجهة ففى آية البقرة الدعاء لهل البلد بالرزق من الثمرات وفي اليات المبحوث عنها الدعاء بذلك لذريته خاصة مع امور اخرى دعا بها لهم .وعلى هذا يكون هذا الدعاء المحكى عن ابراهيم عليه السلم في هذه اليات آخر ما ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 68 اورده الله تعالى في كتابه من كلم ابراهيم عليه السلم ودعائه وقد دعا به بعد ما اسكن اسماعيل وامه بها وجاورتهما قبيلة جرهم وبنى البيت الحرام وبنيت بلدة مكة بايدى القاطنين هناك كما تدل عليه فقرات اليات / .صفحة / 69وعلى تقدير ان يكون المحكيان دعاء واحدا يكون قوله رب اجعل الخ تقديره رب اجعل هذا البلد بلدا آمنا وقد حذف في احدى اليتين المشار إليه وفي الخرى الموصوف اختصارا .والمراد بالمن الذى سأله عليه السلم المن التشريعي دون التكويني كما تقدم في تفسير آية البقرة فهو يسأل ربه ان يشرع لرض مكة حكم الحرمة والمن وهو على خلف ما ربما يتوهم من اعظم النعم التى انعم الله بها على عباده فانا لو تأملنا هذا الحكم اللهى الذى شرعه ابراهيم عليه السلم باذن ربه اعني حكم الحرمة والمن وامعنا فيما يعتقده الناس من تقديس هذا البيت العتيق وما احاط به من حرم الله المن وقد ركز ذلك في نفوسهم منذ اربعة آلف سنة حتى اليوم وجدنا ما ل يحصى من الخيرات والبركات الدينية والدنيوية عائدة إلى اهلها وإلى سائر اهل الحق ممن يحن إليهم ويتعلق قلبه بهم وقد ضبط التاريخ من ذلك شيئا كثيرا وما لم يضبط اكثر فجعله تعالى مكة بلدا آمنا من النعم العظيمة التى انعم الله بها على عباده . قوله تعالى " :وأجنبنى وبني أن نعبد الصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس إلى قوله غفور رحيم " يقال جنبه واجنبه أي ابعده وسؤاله عليه السلم أن يجنبه الله ويبعده وبنيه من عبادة الصنام لواذ والتجاء إليه تعالى من الضلل الذى نسبه اليهن في قوله رب انهن اضللن الخ .ومن المعلوم ان هذا البعاد والجناب منه تعالى كيفما كان وأيا ما كان تصرف ما وتأثير منه تعالى في عبده بنحو غير انه ليس بنحو يؤدى إلى اللجاء والضطرار ول ينجر إلى القهر والجبار بسلب صفة الختيار منه إذ ل مزية لمثل هذا البتعاد حتى يسأل ذلك مثل ابراهيم خليل الله .فرجع بالحقيقة إلى ما تقدم في قوله تعالى " :يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " الية ان كل خير من فعل أو ترك فانه منسوب إليه تعالى اول ثم إلى العبد ثانيا بخلف الشر من فعل أو ترك فانه منسوب إلى العبد ابتداء ولو نسب إليه تعالى فانما ينسب إذا كان على سبيل المجازاة وقد اوضحنا ذلك .فالجتناب من عبادة الصنام انما يتحقق عن اجناب من الله رحمة منه لعبده وعناية وليس في الحقيقة ال امرا تلبس واتصف به العبد غير انه انما يملكه بتمليك / صفحة / 70الله سبحانه فهو المالك له بذاته والعبد يملكه بأمر منه واذن كما إن العبد انما يهتدى عن هداية من الله وليس هناك ال هدى واحد لكنه مملوك لله سبحانه لذاته والعبد انما يملكه بتمليك منه سبحانه وابسط كلمة في هذا المعنى ما وقع في اخبار آل العصمة ان الله يوفق عبده لفعل الخير وترك الشر هذا .فتلخص إن المراد بقوله عليه السلم واجنبني سؤال ما لله سبحانه من الصنع في ترك العبد عبادة الصنام وبعبارة اخرى هو يسأل ربه ان يحفظه وبنيه من عبادة الصنام ويهديهم إلى الحق ان هم عرضوا انفسهم لذلك وان يفيض عليهم إن استفاضوا ل ان يحفظهم منها سواء عرضوا لذلك انفسهم أو لم يعرضوا وان يفيض عليهم سواء استفاضوا أو امتنعوا فهذا معنى دعائه عليه السلم ومنه يعلم ان نتيجة الدعاء لبعض المدعوين لهم وان كان بلفظ يستوعب الجميع وهذا البعض هم المستعدون لذلك دون المعاندين والمستكبرين منهم وسنزيده بيانا .ثم هو عليه السلم يدعو بهذا الدعاء لنفسه وبنيه واجنبني وبنى ان نعبد الصنام وبنوه جميع من جاء من نسله بعده وهم بنو اسماعيل وبنو اسحاق فان البن كما يطلق على الولد من غير واسطة كذلك يطلق على غيره ويصدق ذلك القرآن الكريم قال تعالى " :ملة ابيكم ابراهيم " الحج 78 :وقد تكرر اطلق بنى اسرائيل على اليهود في نيف واربعين موضعا من كلمه تعالى .فهو عليه السلم يسأل البعد عن عبادة الصنام لنفسه ولجميع من بعده من بنيه بالمعنى الذى تقدم اللهم ال أن يقال ان قرائن الحال والمقال تدل على اختصاص الدعاة بآل اسماعيل القاطنين بالحجاز فل يعم بنى اسحاق . ثم عقب عليه السلم دعاءه واجنبني وبنى ان نعبد الصنام بقوله " :رب انهن اضللن كثيرا من الناس " وهو في مقام التعليل لدعائه وقداعاد النداء رب اثارة للرحمة اللهية أي انى انما اسألك ان تبعدني وبني عن عبادتهن لنهن اضللن كثيرا من الناس ونسبة الضلل إلى الصنام لمكان الربط الذى بين الضلل وبينهن وان لم يكن ارتباطا شعوريا وليس من اللزم في نسبة أي فعل أو اثر إلى شئ أن يقوم به قياما شعوريا وهو ظاهر / .صفحة / 71 ثم قوله عليه السلم فمن تبعني فانه منى ومن عصاني فانك غفور رحيم تفريع على ما تقدم من كلمه أي إذا كان كثير من الناس اضلتهم الصنام بعبادتهن واستعذت بك وعرضت نفسي وبنى عليك ان تجنبنا من عبادتهن افترقنا نحن والناس طائفتين ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 71 الضالون عن طريق توحيدك والعارضون لنفسهم على حفظك واجنابك فمن تبعني الخ وقد عبر عليه السلم في تفريعه بقوله فمن تبعني والتباع انما يكون في طريق وقد لوح إلى الطريق ايضا بقوله اضللن لن الضلل انما يكون عن الطريق فمراده باتباعه التدين بدينه والسير بسيرته ل مجرد العتقاد بوحدانيته تعالى بل سلوك طريقته المبنية على توحيد الله سبحانه ليكون في ذلك عرض النفس على رحمته تعالى واجنابه من عبادة الصنام .ومن الدليل على كون المراد بالتباع هو سلوك سبيله قوله في ما يعادله من كلمه ومن عصاني فانه نسب العصيان إلى نفسه ولم يقل ومن كفر بك أو عصاك أو فسق عن الحق ونحو ذلك كما لم يقل فمن آمن بك أو اطاعك أو اتقاك وما اشبهه .فمراده باتباعه سلوك طريقه والتدين بجميع ما اتى به من العتقاد والعمل وبعصيانه ترك سيرته وما اتى به من الشريعة اعتقادا وعمل كأنه عليه السلم يقول من تبعني وعمل بشريعتى وسار بسيرتي فانه ملحق بى ومن ابنائى تنزيل اسالك ان تجنبنى واياه ان نعبد الصنام ومن عصاني بترك طريقتي كلها أو بعضها سواء كان من بنى أو غيرهم فل الحقه بنفسى ول اسألك اجنابه وابعاده بل اخلي بينه وبين مغفرتك ورحمتك .ومن هنا يظهر اول ان قوله عليه السلم فمن تبعني فانه منى ومن عصاني فانك غفور رحيم تفسير لقوله واجنبني وبنى أن نعبد الصنام بالتصرف في البنين تعميما وتخصيصا فهو كتعميم البنين لكل من تبعه من جهة وتخصيصه بالعاصين له منهم من جهة اخرى فليسوا منه ول ملحقين به وبالجملة هو عليه السلم يلحق الذين اتبعوه من بعده بنفسه واما غير متبعيه فيخلى بينهم وبين ربهم الغفور الرحيم كما قال تعالى : " ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا " آل عمران . 68 -وهذه التوسعة والتضييق منه عليه السلم نظير مجموع ما وقع منه ومن ربه في الفقرة /صفحة / 72 الخرى من دعائه على ما يحكيه آية البقرة " : وارزق اهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الخر قال ومن كفرفامتعه قليل ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " حيث سأل الرزق اول لهل البلد ثم خصه لمن آمن منهم فعممه الله سبحانه بقوله ومن كفر ثانيا وثانيا ان من الممكن ان يستفاد من قوله عليه السلم فيمن تبعه انه منى وسكوته فيمن عصاه بعد ما كان دعاؤه في نفسه وبنيه ان ذلك تبن منه لكل من تبعه والحاق له بنفسه ونفى لكل من عصاه عن نفسه وان كان من بنيه بالولدة أو الحاق لتابعيه بنفسه مع السكوت عن غيرهم بناء على عدم صراحة السكوت في النفى .ول اشكال في ذلك بعد ظهور الدليل فان الولدة الطبيعية ل يجب ان تكون هي الملك في النسب اثباتا ونفيا ول تجد واحدة من المم يقتصرون في النسب اثباتا ونفيا على مجرد الولدة الطبيعية بل ل يزالون يتصرفون بالتوسعة والتضييق وللسلم ايضا تصرفات في ذلك كنفى الدعى والمولود من الزنا والكافر والمرتد والحاق الرضيع والمولود على الفراش إلى غير ذلك وفي كلمه تعالى في ابن نوح انه ليس من اهلك إنه عمل غير صالح " هود : . 46وثالثا انه عليه السلم وان لم يسأل المغفرة والرحمة صريحا لمن عصاه وانما عرضهم للمغفرة والرحمة بقوله ومن عصاني فانك غفور رحيم لكنه ل يخلو عن ايماء ما إلى الطلب لمن ترك طريقته وسيرته التى تعد النسان للرحمة اللهية بحفظه من عبادة الصنام وهذا المقدار من المعصية ل يمنع عن شمول الرحمة وان لم يكن مقتضيا ايضا لذلك وليس المراد به نفس الشرك بالله حتى ينافى سؤال المغفرة كما قال تعالى : " إن الله ل يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء . 116 -هذا محصل ما يعطيه التدبر في اليتين الكريمتين وهو في معزل عما استشكله المفسرون في اطراف اليتين ثم ذهبوا في التخلص عنه مذاهب شتى بعيدة عن الذوق السليم .فقد استشكلوا اول قوله عليه السلم وأجنبنى وبنى ان نعبد الصنام من حيث إن ظاهره سؤال الحفظ عن عبادة الصنام لنفسه ولبنيه جميعا فيكون دعاء غير مستجاب فان قريشا من بنيه وقد كانوا وثنيين يعبدون الصنام وكيف يمكن ان يدعو /صفحة / 73مثل الخليل عليه السلم ثم ل يستجاب له ؟ أم كيف يمكن ان يذكر تعالى دعاءه وهو لغو غير معنى به ثم ل يذكر رده على خلف مسلك القرآن في جميع المواضع المشابهة ؟ ثم كيف يمكن ان يسال لنفسه المصونية والعصمة عن عبادة الصنام وهو نبى والنبياء معصومون ؟ وقد قيل في الجواب عن اشكال عدم استجابة دعائه في بنيه ان المراد ببنيه ابناؤه بل واسطة كاسماعيل واسحاق وغيرهما وقد استجيب دعاؤه فيهم وقيل المراد الموجودون من بنيه وقت الدعاء وهم موحدون وقيل إن الله قد استجاب دعاءه في بعض بنيه دون بعض ول نقص فيه .وقيل إن المشركين من بنيه لم يكونوا يعبدون الصنام وانما كانوا يتخذونها شفعاء وقيل انهم كانوا يعبدون الوثان دون الصنام وبينهما فرق فان الصنام هي ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 73 التماثيل المصورة والوثان هي التماثيل غير المصورة وقيل انهم ما كانوا يعبدون الصنام بل كان الواحد منهم ينصب حجرا ويقول هذا حجر والبيت حجر فكان يدور حوله ويسمونه الدوار . وسقوط هذه الوجوه ظاهرة اما الول والثانى فلكونهما خلف ظاهر اللفظ واما الثالث فلن الشكال ليس في ورود نقص على النبي بعدم استجابة دعائه أو بعضه لحكمة بل من جهة منافاته لمسلك القرآن في حكاية لغو الكلم من غير رده واما باقى الوجوه فلن ملك الضلل في عبادة الصنام هو شرك العبادة وهو موجود في جميع ما افترضوه من الوجوه .وقيل في الجواب عن اشكال سؤال النبي البعاد والجناب عن الشرك وهو نبى معصوم إن المراد الثبات والدوام على ذلك وقيل انه عليه السلم ذكر ذلك هضما لنفسه واظهارا للحاجة إلى فضله تعالى وقيل المراد سؤال الحفظ عن الشرك الخفى وال فالنبياء مصونون عن الشرك الجلى هذا .وهذه وجوه ردية اما الول فلنه ل ينحسم به مادة الشكال إذ العصمة والمصونية كما انها لزمة للنبوة حدوثا لزمة لها بقاء فلو لم يصح للنبى ان يسال حدوثها لمكان اللزوم لم يصح له أن يسال بقائها لذلك بعينه والصل في جوابهم هذا انهم يزعمون انفصال الفيض عن المفيض واستقلل المستفيض فيما استفاضه بمعنى ان الله سبحانه /صفحة / 74إذا افاض بشئ على شئ خرج ما افاضه من ملكه ووقع في ملك المستفيض ول معنى للسؤال ممن ل يملك وإذا قضى سبحانه بشئ حدوثا أو بقاء قضاء حتم ل يتغير عما هو عليه فانه ل يتعلق على خلفه قدرة ول مشية وهو خطأ فان الحاجة من جانب المستفيض باقية على حالها قبل الفاضة ل تختلف اصل وملكه تعالى باق بعد الفاضة على ما كان عليه قبلها ول يزال سبحانه قادرا له أن يشاء ما يشاء وان كان ل يشاء فيما قضى بخلفه قضاء حتم والسؤال والطلب من آثار الحاجة ل من آثار الفقدان فافهم ذلك وقد اشبعنا القول في هذا المعنى في المباحث المتقدمة مرارا .واما الثاني فلن هضم النفس انما يستقيم في غير الضروريات واما المور الضرورية فل فل معنى لقول القائل لست انسانا وهو يريد نفى الماهية هضما لنفسه اللهم إل أن يريد نفى الكمال وكذا القول في اظهار الحاجة وهم ل يرون في المور الضرورية المحتومة كالعصمة في النبياء حاجة . واما الثالث فلن الشرك الخفى هو الركون والتوجه إلى غير الله على مراتبه وابراهيم عليه السلم يعلل قوله واجنبني الخ بقوله انهن اضللن الخ فهو انما يسأل البعاد من عبادة هذه الصنام وهى الشرك الجلى دون الحفظ عن الركون والتوجه إلى غير الله تعالى اللهم ال ان يدعى ان المراد بالصنم كل ما يتوجه إليه غير الله سبحانه وكذا المراد بالعبادة مطلق التوجه واللتفات وهو دعوى ل دليل عليها .ثم استشكلوا في قوله عليه السلم ومن عصاني فانك غفور رحيم من حيث اشتماله على طلب المغفرة للمشركين ول تتعلق المغفرة بالشرك بنص قوله تعالى إن الله ل يغفر ان يشرك به الية .وقد قيل في الجواب عن الشكال ان الشرك كان جائز المغفرة في الشرائع السابقة وانما رفع ذلك في هذه الشريعة بقوله ان الله ل يغفر ان يشرك به الية فابراهيم عليه السلم جرى في دعائه على ما كان عليه المر في شريعته .وقيل ان المراد ومن عصاني فانك غفور رحيم له بعد توبته ففى الكلم قيد محذوف وقيل المراد ومن عصاني واقام على الشرك فانك غفور رحيم بأن تنقله من الشرك إلى التوحيد فتغفر له وترحمه / .صفحة / 75 وقيل المراد بالمغفرة والرحمة الستر على الشرك في الدنيا والرحمة بعدم معاجلة العقاب فالمعنى ومن عصاني بالقامة على الشرك فاستر عليه ذلك وارحمه بتأخير العقاب عنه وقيل ان الكلم على ظاهره وكان ذلك منه عليه السلم قبل أن يعلم ان الله ل يغفر الشرك ول نقص بجهل ذلك لن مغفرة لشرك جائزة عقل وانما منع منها الدليل السمعى وليس من الواجب ان يعلم بجميع الدلة السمعية في يوم واحد وقيل المراد بالمعصية ما دون الشرك .وهذه اجوبة فاسدة اما الول فلن دعوى كون الشرك جائز المغفرة في الشرائع السابقة دعوى ل دليل عليها بل الدليل على خلفها فقد خاطب الله آدم عليه السلم بمثل قوله وهو اول الشرائع السابقة " :والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون " البقره 39 :وحكى عن المسيح عليه السلم وشريعته آخر الشرائع السابقة قوله " :انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار " المائدة 72 : والتدبر في آيات القيامة والجنة والنار وفي آيات الشفاعة وفي دعوات النبياء المحكية في القرآن ل يدع شكا في إن الشرك ل نجاة لصاحبه بشفاعة أو غيره ال بالتوبة قبل الموت .واما الثاني فلن تقييد المغفرة والرحمة بالتوبة تقييد من غير مقيد على ان تقييد المعصية بالتوبة يفسد المعادلة في قوله فمن تبعني فانه منى ومن عصاني الخ فان ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 75 العاصى التائب يعود ممن تبعه ويلحق به عليه السلم فل يبقى للمعادله ازيد من طرف واحد . واما الثالث والرابع فلما فيهما من ارتكاب خلف الظاهر فان ظاهر طلب المغفرة للعاصي أن يغفر الله له حينما هو عاص ل ان يغفر الله له بعد خروجه بالتوبة عن المعصية إلى الطاعة وكذا ظاهر مغفرة العصيان رفع تبعات معصيته مطلقا أو في الخرة واما رفع التبعة الدنيوية فقد فأمر بعيد عن الفهم .واما الخامس فهو ابعد الوجوه وكيف يجوز الجتراء على مثل الخليل عليه السلم وهو في اواخر عمره كما تقدم ان يجهل ما هو من واضحات المعارف الدينية ثم يجرى على جهله فيشفع عند ربه للمشركين ويسال لهم المغفرة من غير ان يستاذن الله في ذلك ولو استاذنه لنبأه ان ذلك مما ل يكون ثم يورد الله سبحانه في كلمه ما ارتكبه /صفحة / 76من لغو الكلم جهل ول يرده ببيان ما هو الحق في ذلك وقد اعتذر سبحانه عن استغفاره لبيه المشرك ورفع عن ساحته كل غميضة فيما قال وما كان استغفار ابراهيم لبيه إل عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه " التوبة . 114 -واما السادس فتقييد المعصية بما دون الشرك تقييد من غير مقيد اللهم إل أن يقرر بما يرجع إلى ما قدمناه .فهذه جملة ما ذكره المفسرون في ذيل اليتين اوردناها ملخصة وقد وقعوا فيما وقعوا لهمالهم تحقيق القول في معنى حفظه تعالى عن الشرك ومعنى تفرع قوله فمن تبعني فانه منى الخ على ما تقدمه .قوله تعالى " :ربنا انى اسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم إلى آخر الية من ذريتي في تأويل مفعول اسكنت أو ساد مسده ومن فيه للتبعيض ومراده عليه السلم ببعض ذريته ابنه اسماعيل ومن سيولد له من الولد دون اسماعيل وحده بدليل قوله بعد ربنا ليقيموا الصلة .والمراد بغير ذى زرع غير المزروع وهو آكد وابلغ لنه يدل كما قيل على عدم صلحيته لن يزرع لكونه ارضا حجرية رملية خالية عن المواد الصالحة للزرع وهذا كقوله قرآنا غير ذى عوج .و نسبة البيت إلى الله سبحانه لنه مبنى لغرض ل يصلح ال له تعالى وهو عبادته وكونه محرما هو ما جعل الله له من الحرمة تشريعا والظرف اعني قوله عند بيتك المحرم متعلق بقوله اسكنت .وهذه الجملة من دعائه عليه السلم اعني قوله ربنا انى اسكنت إلى قوله المحرم من الشاهد على ما قدمناه من انه عليه السلم انما دعا بهذالدعاء في اواخر عمره بعد ما بنى الكعبة وبنى الناس بلدة مكة وعمروها كما ان من الشاهد عليه ايضا قوله الحمد لله الذى وهب لى على الكبر اسماعيل واسحاق .وبذلك يندفع ما ربما يستشكل فيقال كيف سماه بيتا وقال اسكنت من ذريتي عنده ولم يبنه بعد ؟ كأن السائل يقدر انه انما دعا به يوم اتى باسماعيل وامه إلى ارض مكة وكانت ارضا قفراء ل انيس بها ول نبت /صفحة / 77ول حاجة إلى دفعه بانه كان يعلم بما علمه الله انه سيبني هناك بيتا لله أو بأن البيت كان قبل ذلك وانما خربه بعض الطوائف أو رفعه الله إلى السماء في الطوفان وليت شعرى إذا اندفع بهما هذا الشكال فكيف يندفع بهما ما يتوجه من الشكال على هذا التقدير إلى ظاهر قوله رب اجعل هذا البلد آمنا وظاهر قوله وهب لى على الكبر اسماعيل واسحاق .وقوله ربنا ليقيموا الصلة بيان لغرضه من اسكانهم هناك وهو بانضمام ما تقدم من قوله بواد غير ذى زرع وما يعقبه من قوله " :فاجعل افئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات " يفيد إنه عليه السلم انما اختار واديا غير ذى زرع اعزل من امتعة الحياة من ماء عذب ونبات ذى خضرة وشجر ذي بهجة وهواء معتدل خاليا من السكنة ليتمحضوا في عبادة الله من غير أن يشغلهم شواغل الدنيا . وقوله فاجعل افئدة من الناس تهوى إليهم الخ من الهوى بمعنى السقوط أي تحن وتميل إليهم بالمساكنة معهم أو بالحج إلى البيت فيأنسوا بهم وارزقهم من الثمرات بالنقل إليهم تجارة لعلهم يشكرون .قوله تعالى " :ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن " إلى آخر الية معناه ظاهر وقوله وما يخفى على الله شئ في الرض ول في السماء من تمام كلم ابراهيم عليه السلم أو من كلمه تعالى وعلى الول ففى قوله على الله التفات وجهه الشارة إلى علة الحكم كأنه قيل انك تعلم ما نخفى وما نعلن لنك الله الذى ما يخفى عليه شئ في الرض ول في السماء ول يبعد أن يستفاد من هذا التعليل ان المراد بالسماء ما هو خفى علينا غائب عن حسنا والرض بخلفه فافهم ذلك . قوله تعالى " :الحمد لله الذى وهب لى على الكبر اسماعيل واسحاق ان ربى لسميع الدعاء " كالجملة المعترضة بين فقرات دعائه دعاه إلى ايراده تذكرة في ضمن ما اورده من الدعية عظيم نعمة الله عليه إذ وهب له ولدين صالحين مثلهما بعد ما انقطع عنه السباب العادية المؤدية إلى ظهور النسل وانه انما وهبهما له باستجابة دعائه للولد فحمد الله على ما وهبهما واثنى عليه على استجابة دعائه في ذلك . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 77 قوله تعالى " :رب اجعلني مقيم الصلة ومن ذريتي ربناوتقبل دعاء " الكلم /صفحة / 78في استناد اقامته الصلة إلى الله سبحانه نظير الكلم في استناد اجنابه أن يعبد الصنام فان لقامة الصلة نسبة إليه تعالى بالذن والمشية كما ان لها نسبة إلى العبد بالتصدي والعمل وقد مر الكلم فيه .وهذه الفقرة ثانى دعاء يشترك فيه هو عليه السلم وذريته ويعقب في الحقيقة قوله اول وأجنبنى وبني أن نعبد الصنام كما يلحق به دعاؤه الثالث المشترك فيه ربنا اغفر لى ولوالدي وللمؤمنين .وقد أفرد نفسه في جميع الفقرات الثلث عن غيره إذ قال وأجنبنى واجعلني مقيم الصلة اغفر لى لن مطلوبه لحوق ذريته به كما قال في موضع آخر " :واجعل لى لسان صدق في الخرين " الشعراء 84 :وفي موضع آخر كما حكاه الله بقوله " :واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي " البقرة . 124 :واما قوله في الفقرة الولى وأجنبنى وبنى وههنا اجعلني مقيم الصلة ومن ذريتي فقد تقدم ان المراد ببنيه بعضهم ل جميعهم فتتطابق الفقرتان .ومن تطابق الفقرتين انه اكد دعاءه في هذه الفقرة بقوله ربنا وتقبل دعاء فان سؤال تقبل الدعاء الحاح واصرار وتأكيد كما إن التعليل في الفقرة الولى بقوله رب انهن اضللن كثيرا من الناس تأكيد في الحقيقة لما فيها من الدعاء بقوله وأجنبنى الخ . قوله تعالى " :ربنا اغفر لى ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ختم عليه السلم دعاءه وهو آخر ما ذكر من دعائه في القرآن الكريم كما تقدم بطلب المغفرة للمؤمنين يوم القيامة ويشبه آخر ما دعا به نوح عليه السلم مما ذكر في القرآن " : رب اغفر لى ولوالدي ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات " نوح . 28وفي الية دليل على انه عليه السلم لم يكن ولد آزر المشرك لصلبه فانه عليه السلم كما ترى يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده وقد تبرء من آزر في اوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعده اياه قال تعالى " :قال سلم عليك سأستغفر لك ربى " مريم 47 :وقال " :واغفر لبي انه كان من الضالين " الشعراء / 86 :صفحة / 79وقال وما كان استغفار ابراهيم لبيه إل عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له إنه عدو لله تبرء منه " التوبة 114 :وقد تقدم تفصيل القول في قصصه عليه السلم في سورة النعام في الجزء السابع من الكتاب .ومن لطيف ما في دعائه عليه السلم اختلف النداء المكرر الذى فيه بلفظ رب وربنا والعناية فيما اضيف إلى نفسه بما يختص بنفسه من السبقة والمامة وفيما اضيف إلى نفسه وغيره إلى المشتركات ) .بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج أبو نعيم في الدلئل عن عقيل بن ابى طالب :ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أتاه الستة النفر من النصار جلس إليهم عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض عليهم ما اوحى إليه فقرأ من سورة ابراهيم " :واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وأجنبنى وبني أن نعبد الصنام " إلى آخر السورة فرق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا واجابوه وفي تفسير العياشي عن ابى عبيدة عن ابى عبد الله عليه السلم قال :من احبنا فهو منا أهل البيت فقلت جعلت فداك منكم ؟ قال منا والله أما سمعت قول الله وهو قول ابراهيم عليه السلم فمن تبعني فانه منى وفيه عن محمد الحلبي عن ابى عبد الله عليه السلم قال :من اتقى الله منكم واصلح فهو منا اهل البيت ؟ قال منكم اهل البيت قال منا اهل البيت قال فيها ابراهيم فمن تبعني فانه منى قال عمر بن يزيد قلت له من آل محمد ؟ قال أي والله من آل محمد أي والله من انفسهم أما تسمع قول الله تعالى " :إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وقول ابراهيم فمن تبعني فانه منى ؟ اقول وقد ورد في بعض الروايات ان بنى اسماعيل لم يعبدوا صنما قط اثر دعاء ابراهيم واجنبني وبنى ان نعبد الصنام وانهم انما قالوا هؤلء شفعاؤنا عند الله والظاهر ان الرواية موضوعة وقد تقدمت الشارة إليه في البيان السابق /صفحة / 80وكذا ما ورد في بعض الروايات من طرق العامة والخاصة إن ارض الطائف كانت في الردن من ارض فلسطين فلما دعا ابراهيم عليه السلم لبنيه بقوله " :وارزقهم من الثمرات امر الله بها فسارت بترابها إلى مكة فطافت على البيت سبعة اشواط ثم استقرت حيث الطائف الن .وهذا وان كان ممكن الوقوع في نفسه من طريق العجاز لكن ل يكفى لثبوته امثال هذه الروايات الضعيفة والمرسلة على إن هذه اليات في مقام المتنان ولو قارن هذا الدعاء واستجابته تعالى له مثل هذه الية العظيمة العجيبة والمعجزة الباهرة لشير إليها مزيدا للمتنان والله اعلم .وفي مرسلة العياشي عن حريز عمن ذكره عن احدهما عليه السلم :انه كان يقرأ رب اغفر لى ولولدي يعنى اسماعيل واسحاق وفي مرسلته الخرى عن جابر ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 80 عن ابى جعفر عليه السلم :مثله وظاهر هذه الرواية إن القراءة مبنية على كفر والد ابراهيم والروايتان ضعيفتان ل يعبأ بهما * * * ول تحسبن الله غافل عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه البصار 42 -مهطعين مقنعي رؤوسهم ل يرتد إليهم طرفهم وافئدتهم هواء - 43وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال 44 -وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم المثال 45 -وقد مكروا مكرهم وعند الله /صفحة / 81مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال - 46فل تحسبن الله مخلف وعده رسله ان الله عزيز ذو انتقام 47 -يوم تبدل الرض غير الرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار 48 -وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الصفاد 49 - سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار 50 - ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب 51 -هذا بلغ للناس ولينذروا به وليعلموا انما هو اله واحد وليذكر اولوا اللباب ) 52 -بيان ( لما أنذر وبشر سبحانه في اليات السابقة ودعا إلى صراطه بما إنه العزيز الحميد ختم بيانه بدفع ما ربما يسبق إلى اوهام ضعفاء العقول من الناس من ان المر لو كان على ما ذكر وكانت هذه الدعوة دعوة نبوية من لدن رب عزيز حميد فما بال هؤلء الظالمين يتمتعون بما شاؤا ؟ وما باله ل يأخذ الظالمين بظلمهم ول يلجم المتخلفين عن دعوته المخالفين عن امره ؟ أهو في غفلة عما يعملونه أم هو مخلف وعده رسله يعدهم بالنصر ثم ل يفى بوعده ؟ فأجاب تعالى انه ليس بغافل عما يعمل الظالمون ول مخلف وعده رسله كيف ؟ وهو تعالى عليم بما يمكرون وعزيز ذو انتقام بل انما يؤخرهم ليوم شديد وهو يوم الجزاء على انه تعالى ربما اخذهم بذنوبهم في الدنيا كما اخذ المم الماضين .ثم ختم السورة بقوله هذا بلغ للناس ولينذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليذكر اولوا اللباب وهى آية جامعة لغرض السورة كما سيجئ بيانه ان شاء الله / .صفحة 82 /قوله تعالى " :ول تحسبن الله غافل عما يعمل الظالمون " إلى آخر اليتين يقال شخص بصره أي سكن بحيث ل يطرف جفنه ويقال بعير مهطع إذا صوب عنقه أي رفعه وهطع واهطع بمعنى ويقال اقنع رأسه إذا رفعه وقوله ل يرتد إليهم طرفهم أي ل يقدرون على ان يطرفوا من هول ما يشاهدونه وقوله وافئدتهم هواء أي قلوبهم خالية عن التعقل والتدبير لشدة الموقف أو انها زائلة . والمعنى ول تحسبن الله ول تظننه غافل عما يعمل هؤلء الظالمون بما تشاهد من تمتعهم وإترافهم في العيش وافسادهم في الرض انما يمهلهم الله ويؤخر عقابهم إلى يوم يسكن فيه ابصارهم فل تطرف والحال انهم ما دون لعناقهم رافعون لرؤوسهم ل يقدرون على رد طرفهم وقلوبهم مدهوشة خالية عن كل تحيل وتدبير من شدة هول يوم القيامة وفي الية انذار للظالمين وتعزية لغيرهم .قوله تعالى " :وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب " إلى آخر الية في الية انذار بعد انذار وبين النذارين فرق من جهتين احداهما ان النذار في اليتين السابقتين انذار بما أعد الله من اهوال يوم القيامة واليم العذاب فيه واما الذى في هذه الية وما يتلوها فهو انذار بعذاب الستئصال في الدنيا ومن الدليل عليه قوله " : فيقول الذين ظلموا ربنا اخرنا إلى اجل قريب " الخ .وبذلك يظهر ان ل وجه لما ذكره بعضهم ان المراد بهذا اليوم الذى يأتيهم فيه العذاب هو يوم القيامة وكذا ما ذكره آخرون ان المراد به يوم الموت .والثانية إن النذار الول انذار بعذاب قطعي ل صارف له عن أمة ظالمة ول فرد ظالم من أمة واما النذار الثاني فهو انذار بعذاب غير مصروف عن امة ظالمة واما الفرد فربما صرف عنه ولذلك ترى انه تعالى يقول اول وانذر الناس ثم يقول فيقول الذين ظلموا الخ ولم يقل فيقولون أي الناس لن عذاب الستئصال ل يصيب المؤمنين قال تعالى " :ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين " يونس 103 : وانما يصيب المة الظالمة بحلول أجلهم وهم طائفة من ظالمي المة ل جميع افرادها . وبالجملة فقوله وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب انذار للناس بعذاب الستئصال الذى يقطع دابر الظالمين منهم وقد تقدم في تفسير سورة يونس وغيره ان ذلك /صفحة / 83مكتوب على المم قضاء بينهم وبين رسولهم حتى هذه المة المحمدية وقد تكرر هذا الوعيد منه تعالى في عدة مواضع من كلمه .وهذا هو اليوم الذى يطهر الله الرض فيه من قذارة الشرك والظلم ول يعبد عليها يومئذ ال الله سبحانه فان الدعوة عامة والمة هم اهل الرض فإذا محى الله عنهم الشرك لم يبق منهم ال المؤمنون ويكون الدين كله لله قال تعالى " :ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الرض يرثها عبادي الصالحون " .ومما تقدم يظهر الجواب عما اورد على كون المراد بالعذاب في الية عذاب ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 83 الستئصال ان القصر في الية السابقة ينافيه فان قوله انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه البصار يقصر اخذهم وعقابهم في يوم القيامة .وذلك لما عرفت ان العذاب المنذر به في اليتين السابقتين هو العذاب الذى ل يصرفه عنهم صارف ول يتخلف عنه احد من الظالمين وهو مقصور في عذاب يوم القيامة ول ينافى انحصاره في يوم القيامة وجود نوع آخر من العذاب في الدنيا .على ان القصر لو تم على ما يريده المعترض لدفع ما يدل عليه اليات الكثيرة الدالة على نزول العذاب بهذه المة كما اشرنا إليه .على ان حمل العذاب في الية على عذاب يوم القيامة يوجب صرف اليات عن ظهورها ورفع اليد عما يعطيه السياق فيها ول مساغ له .وقوله " :فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل " المراد به الظالمون من الناس وهم الذين يأخذهم العذاب المستأصل ول يتخطاهم ومرادهم بقولهم اخرنا إلى اجل قريب الستمهال بمدة قصيرة تضاف إلى عمرهم في الدنيا حتى يتداركوا فيه ما فوتوه بظلمهم والدليل عليه قولهم نجب دعوتك ونتبع الرسل .والتعبير بالرسل بلفظ الجمع في قولهم ونتبع الرسل مع ان الية تصف حال ظالمي هذه المة ظاهرا وكان مقتضى ذلك ان يقان ونتبع الرسول انما هو للدللة على ان الملك في نزول هذا العذاب القضاء بين الرسالة وبين منكريها من غير اختصاص ذلك برسول دون رسول كما يفيده قوله " :ولكل امة رسول فإذا جاء رسولهم /صفحة / 84قضى بينهم بالقسط وهم ل يظلمون " يونس . 47 :وقوله " :أو لم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال " القسام تعليق الحكم في الكلم بامر شريف من جهة شرافته ليدل به على صدقه إذ لو كذب المتكلم وقد اقسم في كلمه لذهب بذلك شرف المقسم به كقولنا والله ان كذا لكذا ولعمري ان المر على كذا ويعد القسم اقوى اسباب التأكيد ول يبعد ان يكون القسام في الية كناية عن ايراد الكلم في صورة جازمة غير قابلة للترديد .والكلم على تقدير القول والمعنى يقال لهم توبيخا وتبكيتا ألم تكونوا أقسمتم من قبل نزول العذاب ما لكم من زوال وإنكم بما عندكم من القوة والسطوة ووسائل الدفاع أمة خالدة مسيطرة على الحوادث فما لكم تستمهلون إلى اجل قريب .قوله تعالى : " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم " إلى آخر الية معطوف على محل قوله اقسمتم في الية السابقة والمعنى أو لم تكونوا سكنتم في مساكن الذين ظلموا انفسهم من المم السابقة وظهر لكم ان هذه الدعوة حقة ويتعقبها لو ردت عذاب مستأصل من جهتين جهة المشاهدة حيث تبين لكم كيف فعلنا باولئك الظالمين الذين سكنتم في مساكنهم ؟ وجهة البيان حيث ضربنا لكم المثال وأنذرناكم عذابا مستأصل يتعقبه انكار الحق ورد الدعوة النبوية ويقطع دابر الظالمين . قوله تعالى " :وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال حال من الضمير في فعلنا في الية السابقة أو من الضمير في بهم فيها أو من الضميرين جميعا على ما قيل وضمائر الجمع راجعة إلى الذين ظلموا . والمراد بكون مكرهم عند الله احاطته تعالى به بعلمه وقدرته ومن المعلوم ان المكر إنما يكون مكرا إذا لم يحط به الممكور به وجهله واما إذا كان الممكور به عالما بما هيأه الماكر من المكر وقادرا على دفعه لغى المكر أو عاد مكرا على نفس الماكر كما قال تعالى " :وما يمكرون إل بأنفسهم وما يشعرون " النعام . 123 :وقوله " :وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال إن وصلية على ما قيل واللم في لتزول متعلق بمقدر يدل عليه لفظ المكر كقولنا يقتضى أو يوجب وما اشبه ذلك والتقدير الله محيط بمكرهم عالم به قادر على دفعه ان كان مكرهم /صفحة / 85دون هذه الشدة وان كان على هذه الشدة .والمعنى تبين لكم كيف فعلنا بهم والحال انهم مكروا ما في وسعهم من المكر والله محيط بمكرهم وان كان مكرهم عظيما موجبا لزوال الجبال .وربما قيل إن إن نافية واللم هي الداخلة على المنفى والمراد بالجبال اليات والمعجزات كناية والمعنى وما كان مكرهم لتبطل به آيات الله ومعجزاته التى هي كالجبال الراسيات التى ل تزول عن مكانها وايد هذا المعنى بقراءة ابن مسعود وما كان مكرهم وهو معنى بعيد .وقرئ ايضا لتزول بفتح اللم الولى وضم اللم الثانية وعلى هذا تكون ان مخففة من المشددة والمعنى والتحقيق ان مكرهم كان من العظمة بحيث تزول منه الجبال قوله تعالى " :فل تحسبن الله مخلف وعده رسله ان الله عزيز ذو انتقام " تفريع على ما تقدم ان ترك مؤاخذة الظالمين بعملهم انما هو لتاخيرهم إلى يوم القيامة أي إذا كان المر كذلك فل تحسبن الله مخلفا لما وعد رسله من نصرهم ومؤاخذة المتخلفين عن دعوتهم وكيف يخلف وعده وهو عزيز ذو انتقام شديد ولزم عزته المطلقة أن ل يخلف وعده فان اخلف الوعد اما لكون الواعد غير قادر على انجاز ما وعده أو ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 85 لتغير من الرأى بعروض حال ثانية تقهره على خلف ما بعثته إليه الحال الولى التى اوجبت عليه الوعد والله سبحانه عزيز على الطلق ل يتصف بعجز ول تقهره حال ول شئ آخر وهو الواحد القهار .ولزم اتصافه بالنتقام ان ينتقم للحق ممن استكبر عنه واستعلى عليه وينتصف للمظلوم من الظالم .وذو انتقام من اسمائه تعالى الحسنى التى سمى الله تعالى بها نفسه في مواضع من كلمه وقارنه في جميعها باسمه العزيز قال تعالى " :والله عزيز ذو انتقام " آل عمران : 4المائدة 95 :وقال " :أليس الله بعزيز ذو انتقام " الزمر 37 :وقال في الية المبحوث عنها ان الله عزيز ذو انتقام ومن ذلك يظهر ان ذا انتقام من فروع اسم العزيز / .صفحة ) / 86كلم في معنى النتقام ونسبته إليه تعالى ( النتقام هو العقوبة لكن ل كل عقوبة بل عقوبة خاصة وهى ان تذيق غيرك من الشر ما يعادل ما اذاقك منه أو تزيد عليه قال تعالى " :ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله " .وهو اصل حيوى معمول به عند النسان وربما يشاهد من بعض الحيوان ايضا اعمال يشبه ان تكون منه وايا ما كان يختلف الغرض الذى يبعث النسان إليه فالداعي إليه في النتقام الفردى هو التشفي غالبا فإذا سلب الواحد من النسان غيره شيئا من الخير أو اذاقه شيئا من الشر وجد الذى فعل به ذلك في نفسه من السى والسف ما ل تسكن فورته ول تخمد ناره ال بأن يذيقه من الشر ما يعادل ما ذاق منه أو يزيد عليه فالعامل الذى يدعو إليه هو الحساس الباطني واما العقل فربما اجازه وانفذه وربما استنكف .والنتقام الجتماعي ونعنى به القصاصات وانواع المؤاخذات التى نعثر عليها في السنن والقوانين الدائرة في المجتمعات اعم من الراقية والهمجية الغالب فيه أن يكون الغرض الداعي إليه غاية فكرية ومطلوبا عقليا وهو حفظ النظام عن الختلل وسد طريق الهرج والمرج فلو ل اصل النتقام ومؤاخذة المجرم الجاني بما اجرم وجنى اختل المن العام وارتحل السلم من بين الناس .ولذا كان هذا النوع من النتقام حقا من حقوق المجتمع وان كان ربما استصحب حقا فرديا كمن ظلم غيره بما فيه مؤاخذة قانونية فربما يؤاخذ الظالم استيفاء لحق المجتمع وان ابطل المظلوم حقه بالعفو . فقد تبين ان من النتقام ما يبتنى على الحساس وهو النتقام الفردى الذى غايته التشفي ومنه ما يبتنى على العقل وهو النتقام الجتماعي الذى غايته حفظ النظام وهو من حقوق المجتمع وان شئت قلت من حقوق السنة أو القانون الجارى في المجتمع فان استقامة الحكام المعدلة لحياة الناس وسلمتها في نفسها تقتضي مؤاخذة المجرم المتخلف عنها واذاقته جزاء سيئته المر فهو من حقوق السنة والقانون كما انه من حقوق المجتمع / .صفحة / 87إذا عرفت هذا علمت ان ما ينسب إليه تعالى في الكتاب والسنة من النتقام هو ما كان حقا من حقوق الدين اللهى والشريعة السماوية وان شئت فقل من حقوق المجتمع السلمي وان كان ربما استصحب الحق الفردى فيما إذا انتصف سبحانه للمظلوم من ظالمه فهو الولى الحميد .واما النتقام الفردى المبنى على الحساس لغايه التشفي فساحته المقدسة اعز من أن يتضرر بإجرام المجرمين ومعصية المسيئين أو ينتفع بطاعة المحسنين . ومن هنا يظهر سقوط ما ربما استشكله بعضهم ان النتقام انما يكون لتشفى القلب واذ كان تعالى ل ينتفع ول يتضرر بشئ من اعمال عباده خيرا أو شرا طاعة أو معصية فل وجه لنسبة النتقام إليه كما ان رحمته غير المتناهية تأبى ان يعذبهم بعذاب خالد غير متناه كيف ل ؟ والواحد من ارباب الرحمة يرحم المجرم المقدم على أي معصية إذا كان عن جهالة منه وهو تعالى يصف النسان وهو مخلوقه المعلوم له حاله بذلك إذ يقول " :إنه كان ظلوما جهول " الحزاب . 72 وجه السقوط ان فيه خلطا بين النتقام الفردى والجتماعي والذى يثبت فيه تعالى هو الجتماعي منه دون الفردى كما توهم كما ان فيه خلطا بين الرحمة النفسانية التى هي تأثر وانفعال قلبى من النسان وبين الرحمة العقلية التى هي تتميم نقص الناقص المستعد لذلك والتى تثبت فيه تعالى هي الرحمة العقلية دون الرحمة النفسانية ولم يثبت الخلود في العذاب ال فيما إذا بطل استعداد الرحمة وامكان الفاضة قال تعالى " : بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة . 81 : وههنا نكتة يجب ان تتنبه لها وهى إن الذى تقدم من معنى النتقام المنسوب إليه تعالى انما يتأتى على مسلك المجازاة والثواب والعقاب واما على مسلك نتائج العمال فترجع حقيقته إلى لحوق الصور السيئه المؤلمه بالنفس النسانية عن الملكات الرديئة التى اكتسبتها في الحياة الدنيا بعد الموت وقد تقدم البحث في الجزء الول من الكتاب في ذيل قوله تعالى " :ان الله ل يستحى ان يضرب مثل ما " الية البقرة 26في جزاء العمال . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 87 قوله تعالى " :يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات وبرزوالله الواحد /صفحة / 88القهار " الظرف متعلق بقوله ذو انتقام وتخصيص انتقامه تعالى بيوم القيامة مع عمومه لجميع الوقات والظروف انما هو لكون اليوم اعلى مظاهر النتقام اللهى كما ان تخصيص بروزهم لله بذلك اليوم كذلك وعلى هذا النسق جل الوصاف المذكورة في كلمه تعالى ليوم القيامة كقوله " :المر يومئذ لله " النفطار 19 :وقوله : " ما لكم من الله من عاصم " المؤمن 33 :إلى غير ذلك وقد تقدمت الشارة إليه كرارا .والظاهر ان اللم في الرض للعهد في الموضعين معا وكذا في السماوات والسماوات معطوفة على الرض الولى والمعنى تبدل هذه الرض غير هذه الرض وتبدل هذه السماوات غير هذه السماوات . وللمفسرين في معنى تبدل الرض والسماوات اقوال مختلفة فقيل تبدل الرض فضة والسماوات ذهبا وربما قيل ان الرض تبدل من ارض نقية كالفضة والسماوات كذلك .وقيل تبدل الرض نارا والسماوات جنانا .وقيل تبدل الرض خبزة نقية تأكل الناس منها طول يوم القيامة .وقيل تبدل الرض لكل فريق مما يقتضيه حاله فتبدل لبعض المؤمنين خبزة يأكل منها ما دام في العرصات ولبعض آخر فضة وتبدل للكافر نارا .وقيل التبديل هو انه يزاد في الرض وينقص منها وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الديم وتصير مستوية ل ترى فيها عوجا ول أمتا وتتغير السماوات بذهاب الشمس والقمر والنجوم وبالجملة يتغير كل من الرض والسماوات عما هو عليه في الدنيا من الصفات والشكال .ومنشأ اختلفهم في تفسير التبديل اختلف الروايات الواردة في تفسير الية مع إن الروايات لو صحت واتصلت كان اختلفها اقوى شاهد على ان ظاهرها غير مراد وان بياناتها واقعة موقع التمثيل للتقريب .والتدبر الكافي في اليات التى تحوم حول تبديل الرض والسماء يفيد إن امر التبديل أعظم مما نتصوره من بسط الجبل على السهل أو تبديل التراب فضة أو خبزا /صفحة / 89نقيا مثل كقوله تعالى " :واشرقت الرض بنور ربها " الزمر 69 :وقوله " :وسيرت الجبال فكانت سرابا " النبأ 20 :وقوله " :وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب " النمل 88 :ان كانت الية ناظرة إلى يوم القيامة إلى غير ذلك من اليات . فاليات تنبئ عن نظام غير هذا النظام الذى نعهده وشؤون دون مانتصوره فإشراق الرض يومئذ بنور ربها غير اشراق بسيطها بنور الشمس أو الكواكب أو غيرها وسير الجبال ينتهى عادة إلى زوالها عن مكانها وتلشيها مثل ل إلى كونها سرابا وهكذا نرجو ان يوفقنا الله سبحانه لبسط الكلم في هذا المعنى فيما سيأتي ان شاء الله تعالى .وقوله وبرزوا لله الواحد القهار معنى بروزهم وظهورهم لله يومئذ مع كون الشياء بارزة غير خفية عليه دائما سقوط جميع العلل والسباب التى كانت تحجبهم عنه تعالى ما داموا في الدنيا فل يبقى يومئذ على ما يشاهدون شئ من السباب يملكهم ويتولى امرهم ويستقل بالتأثير فيهم ال الله سبحانه كما يدل عليه آيات كثيرة فهم ل يلتفتون إلى جانب ول يتوجهون إلى جهة في ظاهرهم وباطنهم وحاضرهم والماضي الغائب من احوالهم واعمالهم ال وجدوه سبحانه شاهدا مهيمنا عليه محيطا به .والدليل على هذا الذى ذكرناه توصيفه تعالى بالواحد القهار المشعر بنوع من الغلبة فبروزهم لله يومئذ انما هو ناشئ عن كونه تعالى هو الواحد الذى يقوم به وجود كل شئ ويقهر كل من دونه من مؤثر فل يحول بينهم وبينه حائل فهم بارزون له بروزا مطلقا .قوله تعالى " : وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار " المقرنين من التقرين وهو جمع الشئ إلى نظيره والصفاد جمع الصفد وهو الغل الذى يجمع اليد إلى العنق أو هو مطلق السلسلة يقرن بين المقيدين والسرابيل جمع السربال وهو القميص والقطران شئ اسود منتن يطلى به البل فانهم يطلون به فيصير كالقميص عليهم والغشاوة بالفتح الستر والتغطية يقال غشى يغشى غشاوة أي ستره وغطاه ومعنى اليتين واضح .قوله تعالى " :ليجزى الله كل نفس ما كسبت ان الله سريع الحساب معنى /صفحة / 90الية واضح وهى بظاهرها تدل على ان الذى تجزى به كل نفس هو عين ما كسبته من حسنة أو سيئة وان تبدلت صورته فهى من اليات الدالة على ان الذى يلحق بهم يوم القيامة هو نتيجة اعمالهم .فالية تفسر اول معنى الجزاء في يوم الجزاء وثانيا معنى انتقامه تعالى يومئذ وانه ليس من قبيل عقوبة المجرم العاصى تشفيا منه بل الحاق ما يستدعيه عمل المجرم به وان شئت فقل ايصال ما اكتسبه المجرم بعينه إليه وفي تعليل هذا الجزاء وهو في يوم القيامة بقوله ان الله سريع الحساب ايماء إلى ان الجزاء واقع من غير فصل ومهل ال ان ظرف ظهوره هو ذلك اليوم ل غير أو ان الحكم بالجزاء وكتابته واقع عند العمل وتحققه يوم القيامة ومآل الوجهين واحد في الحقيقة . ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 90 قوله تعالى " :هذا بلغ للناس ولينذروا به وليعلموا انما هو اله واحد وليذكر اولوا اللباب " البلغ بمعنى التبليغ على ما ذكره الراغب أو بمعنى الكفاية على ما ذكره غيره .والية خاتمة السورة فالنسب ان تكون الشارة بهذا إلى ما اورد في السورة من البيان ل إلى مجموع القرآن كما ذكره بعضهم ول إلى ما ذكر من قوله تعالى : " ول تحسبن الله غافل عما يعمل الظالمون " إلى آخر السورة كما ذكره آخرون .وقوله ولينذروا به الخ اللم فيه للغاية وهو معطوف على محذوف انما حذف لفخامة امره وعظم شأنه ل يحيط به افهام الناس لشتماله من السرار اللهية على ما ل يطيقونه وانما تسع عقولهم ما ذكر من غاياته وهو النذار والعلم بوحدانيته تعالى والتذكر فهم ينذرون بما ذكر فيها من مؤاخذته تعالى الظالمين عاجل وآجل وتتم عليهم الحجة بما ذكر فيها من آيات التوحيد ويتذكر المؤمنون منهم خاصة بما فيها من المعارف اللهية .وبهذا يتطابق مختتم السورة ومفتتحها اعني قوله في اول السورة كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد فقد تقدم ان مدلول الية امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة والتبليغ إلى صراط الله بما انه /صفحة / 91تعالى ربهم العزيز الحميد ليخرج الناس من الظلمات إلى النور باذنه فانهم ان استجابوا الدعوة وآمنوا خرجوا بذلك من ظلمات الكفر إلى نور اليمان بالفعل وان لم يستجيبوا انذروا ووقفوا على التوحيد الحق وخرجوا من الجهل إلى العلم وهو نوع خروج من الظلمة إلى النور وان كان وبال عليهم وخساراففى الدعوة على أي حال انذار للناس واعلمهم انما هو اله واحد وتذكر لولى اللباب منهم خاصة وهم المؤمنون ) .بحث روائي ( في المعاني باسناده عن ثوبان :ان يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد فرفعه ثوبان برجله وقال قل يا رسول الله فقال ل ادعوه ال باسماء اهله قال أرأيت قول الله يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات اين الناس يومئذ قال في الظلمة دون المحشرقال فما اول ما يأكل اهل الجنة إذا دخلوها قال كبد الحوت قال فما شرابهم على اثر ذلك قال السلسبيل قال صدقت يا محمد اقول وروى الحديث في الدر المنثور عن مسلم وابن جرير والحاكم والبيهقي في الدلئل عن ثوبان :مثله إلى قوله في الظلمة وروى ايضا عن عده عن عائشة :إنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال على الصراط وفي تفسير العياشي عن ثوير بن ابى فاخته عن الحسين بن على عليه السلم قال :تبدل الرض غير الرض يعنى بأرض لم يكتسب عليها الذنوب بارزة ليست عليها جبال ول نبات كما دحاها اول مرة .اقول ورواه القمى ايضا في تفسيره وفيه دللة على حدوث الجبال وكذا النبات بعد تمام خلقه الرض .وفي الدر المنثور اخرج البزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله يوم تبدل الرض غير الرض قال ارض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم تعمل فيها خطيئة / صفحة / 92اقول ورواه ايضا عن ابن مردويه عن على عنه صلى الله عليه وآله وسلم :مثله وفيه اخرج ابن ابى الدنيا في صفة الجنة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن على بن ابى طالب في الية قال :تبدل الرض من فضة والسماء من ذهب .اقول وحمل بعضهم الكلم على التشبيه كما وقع في حديث ابن مسعود السابق .وفي الكافي باسناده عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلم قال :سأله ابرش الكلبى عن قول الله عز وجل يوم تبدل الرض غير الرض قال تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب فقال البرش فقلت إن الناس يومئذ لفى شغل من الكل فقال أبو جعفر عليه السلم فهم في النار ل يشتغلون عن اكل الضريع وشرب الحميم وهم في عذاب فكيف يشتغلون عنه في الحساب ؟ اقول وقوله تبدل خبزة نقية يحتمل التشبيه كما ربما يستفاد من الخبر التى .وفي ارشاد المفيد واحتجاج الطبرسي عن عبد الرحمان بن عبد الله الزهري قال :حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على ولد سالم موله ومحمد ابن على بن الحسين عليه السلم جالس في المسجد فقال له سالم موله يا امير المؤمنين هذا محمد بن على قال هشام المفتونون به أهل العراق ؟ قال نعم فقال اذهب إليه فقل له يقول لك امير المؤمنين ما الذى ياكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة قال أبو جعفر عليه السلم يحشر الناس على مثل قرص نقى فيها انهار متفجرة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب .قال فرأى هشام انه قد ظفر به فقال الله اكبر اذهب إليه فقل ما اشغلهم عن الكل والشرب يومئذ فقال أبو جعفر عليه السلم هم في النار أشغل ولم يشتغلوا عن ذلك قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله فسكت هشام ل يرجع كلما ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 92 وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن أفلح مولى ابى ايوب إن رجل من يهود سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم تبدل الرض غير الرض ما الذى تبدل به ؟ فقال خبزة /صفحة / 93فقال اليهودي درمكة بأبى انت قال فضحك ثم قال قاتل الله اليهود هل تدرون ما الدرمكة ؟ لباب الخبز وفيه اخرج احمد وابن جرير وابن ابى حاتم وابو نعيم في الدلئل عن ابى ايوب النصاري قال : اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبر من اليهود وقال أرأيت إذ يقول الله يوم تبدل الرض غير الرض فأين الخلق عند ذلك ؟ قال اضياف الله لن يعجزهم ما لديه .اقول واختلف الروايات في تفسير التبديل ل يخلو عن دللة على إنها امثال مضروبة للتقريب والمسلم من معنى التبدل ان حقيقة الرض والسماء وما فيهما يومئذ هي هي غير ان النظام الجارى فيهما يومئذ هو غير النظام الجارى فيهما في الدنيا .وفي المعاني باسناده عن محمد بن مسلم قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول :لقد خلق الله عز وجل في الرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس فيهم من ولد آدم خلقهم من أديم الرض فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه .ثم خلق الله عز وجل آدم ابا البشر وخلق ذريته منه ل والله ما خلت الجنة من ارواح المؤمنين منذ خلقها ول خلت النار من ارواح الكفار والعصاة منذ خلقها عز وجل لعلكم ترون إذا كان يوم القيامة وصير أبدان اهل الجنة مع ارواحهم في الجنة وصير ابدان اهل النار مع ارواحهم في النار إن الله تعالى ل يعبد في بلده ول يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه ؟ بلى والله ليخلقن الله خلقا من غير فحولة ول اناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ويخلق لهم ارضا تحملهم وسماء تظلهم أليس الله عز وجل يقول " :يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات " ؟ وقد قال عز وجل " :أفعيينا بالخلق الول بل هم في لبس من خلق جديد " اقول ورواه العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عنه عليه السلم :مثله وهو غير المعاني التى اوردناها سابقا .وفي تفسير القمى قوله " :يوم تبدل الرض غير الرض " قال تبدل خبزة بيضاء في الموقف يأكل منها المؤمنون وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الصفاد قال قال مقرنين بعضهم إلى بعض سرابيلهم من قطران قال قال السرابيل القميص /صفحة / 94قال :وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلم :في قوله سرابيلهم من قطران هو الصفر الحار المذاب انتهى حره يقول الله عز وجل " :وتغشى وجوههم النار " سربلوا ذلك الصفر وتغشى وجوههم النار .اقول يعنى ان المراد بالجملتين سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار جميعا بيان انهم مستورون مغشيون أما ابدانهم فبالقطران واما وجوههم فبالنار /صفحة ) / 95سورة الحجر مكية وهى تسع وتسعون آية ( بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين 1 -ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين 2 -ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون 3 -وما اهلكنا من قرية ال ولها كتاب معلوم 4 -ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون 5 -وقالوا يا أيها الذى نزل عليه الذكر انك لمجنون 6 -لو ما تأتينا بالملئكة إن كنت من الصادقين 7 -ما ننزل الملئكة ال بالحق وما كانوا إذا منظرين 8 -إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) 9 -بيان ( تشتمل السورة على الكلم حول استهزاء الكفار بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ورميه بالجنون ورمى القرآن الكريم بانه من اهذار المجانين ففيها تعزية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالصبر والثبات والصفح عنهم وتطييب لنفسه الشريفة وانذار وتبشير .وهى مكية على ما تشهد به آياتها ونقل في المجمع عن الحسن استثناء قوله " :ولقد آتيناك سبعا من المثانى " الية وقوله كما انزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين " وسياتى ما فيه / .صفحة / 96 وتشتمل السورة على قوله تعالى فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين الخ والية تقبل النطباق على ما ضبطه التاريخ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إكتتم في اول البعثة ثلث سنين أو اربعا أو خمسا ل يعلن دعوته لشتداد المر عليه فكان ل يدعو ال آحادا ممن يرجو منهم اليمان يدعوهم خفية ويسر إليهم الدعوة حتى اذن له ربه في ذلك وأمره ان يعلن دعوته .وتؤيده الروايات المأثورة من طرق الشيعة وأهل السنة إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يكتتم في اول بعثته سنين ل يظهر فيها دعوته لعامة الناس حتى انزل الله تعالى عليه " :فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين " فخرج إلى الناس واظهر الدعوة وعليه فالسورة مكية نازلة في اول الدعوة العلنية .ومن غرر اليات القرآنية المشتملة على حقائق جمة في السورة قوله تعالى " :وان من شئ ال عندنا خزائنه " الية وقوله " :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " . قوله تعالى " :الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " الشارة إلى اليات الكريمة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 96 القرآنية فالمراد بالكتاب القرآن وتنكير القرآن للدللة على عظم شأنه وفخامة أمره كما ان التعبير بتلك وهى للشارة إلى البعيد لذلك . والمعنى هذه اليات العالية منزلة الرفيعة درجة التى ننزلها اليك آيات الكتاب اللهى وآيات قرآن عظيم الشأن فاصل بين الحق والباطل على خلف ما يرميها به الكفار بما يرمونك بالجنة مستهزئين بكلم الله .ومن الممكن ان يراد بالكتاب اللوح المحفوظ فان القرآن منه وفيه قال تعالى " :انه لقرآن كريم في كتاب مكنون " الواقعة 78 :وقال " :بل هوقرآن مجيد في لوح محفوظ " البروج : 22فيكون قوله تلك آيات الكتاب وقرآن مبين كالملخص من قوله " :والكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم " الزخرف . 4قوله تعالى " :ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " توطئة لما سيتعرض له من قولهم للنبى " :يا ايها الذى نزل عليه الذكر انك لمجنون يشير به إلى انهم سيندمون /صفحة / 97على ما هم عليه من الكفر ويتمنون السلم لله واليمان بكتابه يوم ل سبيل لهم إلى تحصيل ذلك .فقوله ربما يود المراد به ودادة التمنى ل مطلق الودادة والحب والدليل على ذلك قوله في بيان هذه المودة لو كانوا مسلمين فان لفظي لو وكانوا تدلن على إن ودادتهم ودادة تمن وإنهم يتمنون السلم بالنسبة إلى ماضى حالهم مما فاتهم ولن يعود إليهم فليس ال السلم ما داموا في الدنيا .فالية تدل على إن الذين كفروا سيندمون على كفرهم ويتمنون أن لو كانوا مسلمين بعد انطواء بساط الحياة الدنيا .قوله تعالى ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون اللهاء الصرف والشغال يقال ألهاه كذا عن كذا أي شغله عنه وأنساه ذكره .وقوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل امر برفع اليد عنهم وتركهم وما هم فيه من الباطل وهو كناية عن النهى عن الجدال معهم والحتجاج عليهم لثبات هذه الحقيقة وهى انهم سوف يودون السلم ويتمنونه ول سبيل لهم إلى تحصيله وتدارك ما فات منه وقوله فسوف يعلمون في موضع التعليل للمر أي ذرهم ول تجادلهم ول تحاجهم فل حاجة إلى ذلك لنهم سوف يعلمون ذلك فان الحق ظاهر ل محالة . وفي الية تعريض لهم انهم ل غاية لهم في حياتهم ال الكل والتمتع بلذات المادة والتلهى بالمال والماني فل منطق لهم ال منطق النعام والحيوان العجم فمن الحرى أن يتركوا وما هم فيه ول يلقى إليهم الحجج الحقة المبنية على اساس العقل السليم والمنطق النساني .قوله تعالى " : وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب معلوم إلى آخر اليتين تثبيت وتوكيد لقوله في الية السابقة فسوف يعلمون على ما يعطيه السياق والمعنى دعهم فانهم ل يسلمون في هذه الحياة الدنيا وإنما يودون السلم بعد حلول اجهلم ونزول الهلك بهم والناس ليسوا بذوى خيرة في ذلك بل لكل امة كتاب معلوم عند الله مكتوب فيه اجلهم ل يقدرون ان يستقدموه ول يستأخروه ساعة / . صفحة / 98وفي اليتين دللة على إن المة من النسان لها كتاب كما ان للفرد منه كتابا قال تعالى " :وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " اسرى . 13 :قوله تعالى " :وقالوا يا أيها الذى نزل عليه الذكر انك لمجنون " كلم خارج مخرج الستهزاء ولذلك خاطبوه صلى الله عليه وآله وسلم ل باسمه بل بوصف نزول الذكر عليه كما كان يدعيه وجاؤا بالفعل المجهول للدللة على ان منزله غير معلوم عندهم ول اعتماد ول وثوق لهم بما يدعيه هو ان الله تعالى هو الذى انزله وتوصيفه بالذى نزل عليه الذكر وكذا تسمية النازل عليه ذكرا كل ذلك من الستهزاء كما ان قولهم انك لمجنون رمى وتكذيب .قوله تعالى لو ما تأتينا بالملئكة إن كنت من الصادقين لو ما مثل هل للتحضيض أي هل تأتينا بالملئكة ان كنت صادقا في دعوى النبوة ليشهدوا على صدق دعواك وينذر معك فهو قريب المعنى من قولهم على ما حكاه الله " :لو ل انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا " الفرقان . 7 :ووجه اقتراحهم على النبياء أن يأتوا بالملئكة ويظهروهم لهم اعتقادهم ان البشرية كينونة مادية مغمورة في قذارة الشهوة والغضب ل نسبة بينها وبين العالم السماوي الذى هو محض النورانية والطهارة فمن ادعى نوعا من التصال بذاك العالم الروحانى فعليه ان يأتي ببعض اهله من الملئكة الكرام ليصدقوه في دعواه ويعينوه في دعوته .على إن الملئكة عند الوثنيين آلهة دون الله سبحانه فدعوتهم إلى التوحيد معناها ان هؤلء اللهة في معزل من الشفاعة والعبادة بأمر من الله سبحانه وهو اله اللهة ول دليل على ذلك كاعترافهم به فلينزلوا وليعترفوا ويصدقوا النبوة .قوله تعالى : " ما ننزل الملئكة إل بالحق وما كانوا إذا منظرين " جواب عما اقترحوا على النبي صلى الله عليه ولله وسلم أن ياتيهم بالملئكة حتى يصدقوه ومحصل الجواب ان ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 98 السنة اللهية جارية على ستر ملئكته عنهم تحت استار الغيب فلو انزلهم واظهرهم لهم عن اقتراحهم ذلك كان ذلك آية سماوية خارقة للعادة نازلة عن اقتراحهم ومن شأن الية المعجزة النازلة عن اقتراح الناس ان يعقبها عذاب الستئصال والهلك القطعي /صفحة / 99ان لم يؤمنوا بها وهؤلء الكفار المعاندون ليسوا بمؤمنين فهو الهلك .وبالجملة لو انزل الله الملئكة والحال هذا الحال هم يقترحون آية فاصلة تظهر الحق وتميط الباطل لنزلهم بالحق الفاصل المميز وما كانوا إذا منظرين بل يهلكون ويقطع دابرهم هذا محصل ما ذكره بعضهم .وقيل المراد بالحق في الية الموت والمعنى ما نزل الملئكة على الناس ال مصاحبا للحق الذى هو الموت وما كانوا إذا منظرين وكأنه مأخوذ من قوله تعالى " : يوم يرون الملئكة ل بشرى يومئذ للمجرمين " الية .وقيل المراد بالحق الرسالة أي ما نزل الملئكة إل بالوحى والرسالة وكأنه مأخوذ من نحو قوله " :قد جاءكم الرسول بالحق " النساء 170 وقوله " :فقد كذبوا بالحق لما جاءهم " النعام . 5فهذه وجوه مذكورة في تفسير الية ودونها وجوه مذكورة في مختلف التفاسير وهى جميعا ل تخلو من شئ وهو ان شيئا منها ل ينطبق على الحصر الموجود في قوله ما ننزل الملئكة إل بالحق فنزول الملئكة ل يختص بعذاب الستئصال فقط ول بالموت فقط ول بالوحى والرسالة فقط وتوجيه الية بما يختص بأحد المعاني الثلث المذكورة للحق يحتاج إلى تقييدها بقيود كثيرة يدفعها اطلق الية كما هو ظاهر لمن راجع الوجوه المقررة آنفا .ويمكن ان يقرر معنى الية باستمداد من التدبر في آيات أخر إن ظرف الحياة المادية اعني هذه النشأة الدنيوية ظرف يختلط فيه الحق والباطل من غير أن يتمحض الحق في الظهور بجميع خواصه وآثاره كما يشير إليه قوله تعالى " :كذلك يضرب الله الحق والباطل " الرعد 17 :وقد تقدم تفصيل القول في ذلك فما يظهر فيه شئ من الحق ال وهو يحتمل شيئا من اللبس والشك كما يصدقه استقراء الموارد التى صادفناها مدى اعمارنا ومن الشاهد عليه قوله تعالى " :ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل وللبسنا عليهم ما يلبسون " النعام 9 :والظرف ظرف المتحان والختيار ول اختيار ال مع امكان التباس الحق بالباطل واختلط الخير والشر بنحو حتى يقف النسان على ملتقى الطريقين ومنشعب النجدين فيستدل على الخير والشر بآثارهما وإماراتهما ثم يختار /صفحة / 100ما يستحقه من السعادة والشقاوة .واما عالم الملئكة وظرف وجودهم فانما هو عالم الحق غير مشوب بشئ من الباطل كما يدل عليه قوله تعالى " :ل يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم 6 : وقوله بل عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " النبياء . 27 :فمقتضى اليات وما في معناها انهم في انفسهم مخلوقات شريفة ووجودات طاهرة نورانية منزهة عن النقص والشين ل تحتمل الشر والشقاء وليس عندها امكان الفساد والمعصية والتقصير فل يحكم فيها هذا النظام المادى المبنى على اساس المكان والختيار وجواز الصلح والفساد والطاعة والمعصية والسعادة والشقاء جميعا وسيوافيك البحث المستوفى فيه فيما يناسبه من المورد ان شاء الله وسيأتى ايضا ان النسان ل طريق له إلى هذا الظرف الحق ما دام متوغل في هذا العالم المادى متورطا في ورطات الشهوات والهواء كاهل الكفر والفسوق ال ببطلن عالمهم وخروجهم إلى العالم الحق وظهوره عليهم وانكشاف الغطاء عنهم كما يشير إليه قوله " :لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق 22 :وهذا هو العالم الذى يسمى بالنسبة إلى النسان آخرة .فتبين ان ظهور عالم الملئكة للناس المتوغلين في عالم المادة متوقف على تبدل الظرف والنتقال من الدنيا إلى الخرة وهو الموت اللهم إل في المصطفين من عباد الله واوليائه المطهرين من اقذار الذنوب الملزمين لساحة قربه لهم اهلية مشاهدة الغيب وهم في عالم الشهادة كالنبياء عليهم السلم .ولعل ما قدمناه هو المراد بقوله : " ما ننزل الملئكة إل بالحق وما كانوا إذا منظرين " فانهم انما اقترحوا نزول الملئكة ليشاهدوهم في صورهم الصلية حتى يصدقوا وهذا الحال ل تتمهد لهم ال بالموت كما قال تعالى " :وقال الذين ل يرجون لقاءنا لو ل انزل علينا الملئكة " إلى ان قال " يوم يرون الملئكة ل بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " الفرقان : / . 23صفحة / 101وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى " :وقالوا لو ل انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى المر ثم ل ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل وللبسنا عليهم ما يلبسون " النعام : 9يقول تعالى لو أنزلنا عليه الملئكة آية خارقة للعادة مصدقة للنبوة كان لزمه القضاء عليهم وهلكهم ولو قلدنا الملك النبوة والرسالة كان لزمه أن نصوره في ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 101 صورة رجل من النسان وأن نوقفه موقفا يحتمل اللبس فان الرسالة احدى وسائل المتحان والبتلء اللهى ول امتحان ال بما يحتمل السعادة والشقاء والفوز والخيبة ويجوز معه النجاة والهلك ولو توصل إلى الرسالة بما يضطر العقول إلى اليمان ويلجئ النفوس إلى القبول واليقين لبطل ذلك كله .قوله تعالى " :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " صدر الية مسوق سوق الحصر وظاهر السياق ان الحصر ناظر إلى ما ذكر من ردهم القرآن بأنه من اهذار الجنون وانه صلى الله عليه وآله وسلم مجنون ل عبرة بما صنع ول حجر ومن اقتراحهم أن يأتيهم بالملئكة ليصدقوه في دعوته وإن القرآن كتاب سماوي حق .والمعنى على هذا والله اعلم ان هذا الذكر لم تأت به انت من عندك حتى يعجزوك ويبطلوه بعنادهم وشدة بطشهم وتتكلف لحفظه ثم ل تقدر وليس نازل من عند الملئكة حتى يفتقر إلى نزولهم وتصديقهم إياه بل نحن أنزلنا هذا الذكر انزال تدريجيا وانا له لحافظون بما له من صفة الذكر بما لنا من العناية الكاملة به .فهو ذكر حى خالد مصون من أن يموت وينسى من اصله مصون من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكرا مصون من النقص كذلك مصون من التغيير في صورته وسياقه بحيث يتغير به صفة كونه ذكرا لله مبينا لحقائق معارفه .فالية تدل على كون كتاب الله محفوظا من التحريف بجميع اقسامه من جهة كونه ذكرا لله سبحانه فهو ذكر حى خالد .ونظير الية في الدللة على كون الكتاب العزيز محفوظا بحفظ الله مصونا من التحريف والتصرف بأى وجه كان من جهة كونه ذكرا له سبحانه قوله تعالى " : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من /صفحة / 102 خلفه تنزيل من حكيم حميد " حم السجدة . 42 وقد ظهر بما تقدم ان اللم في الذكر للعهد الذكرى وان المراد بالوصف لحافظون هو الستقبال كما هو الظاهر من اسم الفاعل فيندفع به ما ربما يورد على الية انها لو دلت على نفى التحريف من القرآن لنه ذكر لدلت على نفيه من التوراة والنجيل ايضا لن كل منهما ذكر مع ان كلمه تعالى صريح في وقوع التحريف فيهما . وذلك ان الية بقرينة السياق انما تدل على حفظ الذكر الذى هو القرآن بعد انزاله إلى البد ول دللة فيها على علية الذكر للحفظ اللهى ودوران الحكم مداره .وسنستوفي البحث عما يرجع إلى هذا الشأن ان شاء الله تعالى ) .بحث روائي ( في تفسير القمى باسناده عن ابيه عن ابن ابى عمير عن عمر بن اذينة عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه السلم قال :إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله ل يدخل الجنة ال مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ثم قال ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل أي شغلهم فسوف يعلمون اقول وروى العياشي عن عبد الله بن عطاء المكى عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلم في تفسير الية مثله وفي الدر المنثور اخرج الطبراني في الوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان ناسا من امتى يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا ثم يعيرهم اهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فل يبقى موحد ال اخرجه الله تعالى من النار ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربما يود الذين كفرا لو كانوا مسلمين .اقول وهذا المعنى مروى بطرق اخرى عن ابى موسى الشعري وابى سعيد الخدرى وانس بن مالك عنه صلى الله عليه وآله وسلم . وفيه اخرج ابن ابى حاتم وابن شاهين في السنة عن على بن ابى طالب قال /صفحة / 103قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن اصحاب الكبائر من موحدى المم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ول تائبين من دخل منهم جهنم ل تزرق اعينهم ول تسود وجوههم ول يقرنون بالشياطين ول يغلون بالسلسل ول يجرعون الحميم ول يلبسون القطران حرم الله اجسادهم على الخلود من اجل التوحيد وصورهم على النار من اجل السجود .فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه على قدر ذنوبهم واعمالهم ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها واطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى ان تفنى فإذا اراد الله ان يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من اهل الديان والوثان لمن في النار من اهل التوحيد آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وانتم اليوم في النار سواء فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشئ فيما مضى فيخرجهم إلى عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ثم يدخلون الجنة مكتوب في جباههم هؤلء الجهنميون عتقاء الرحمان فيمكثون في الجنة ما شاء الله ان يمكثوا .ثم يسألون الله تعالى ان يمحو ذلك السم عنهم فيبعث الله ملكا فيمحوه ثم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 103 يبعث الله ملئكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقى فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه ويشتغل عنهم اهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم وذلك قوله ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .اقول الطرثوث نبت وحميل السيل غثاؤه وقد روى من طرق الشيعة ما يقرب من الحديث مضمونا .وفيه اخرج احمد وابن مردويه عن ابى سعيد :ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس عودا بين يديه وآخر إلى جنبه وآخر بعده قال أتدرون ما هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال فان هذا النسان وهذا اجله وهذا امله فيتعاطى المل فيختلجه الجل دون ذلك /صفحة / 104اقول وروى ما يقرب من معناه بطرق عن انس عنه صلى الله عليه وآله وسلم وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلم إنه قال :ان اخوف ما اخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول المل فان اتباع الهوى يصد عن الحق وطول المل ينسى الخرة وفي تفسير القمى :في قوله تعالى " :ما ننزل الملئكة ال بالحق وما كانوا إذا منظرين قال قال عليه السلم لو انزلنا بالملئكة لم ينظروا وهلكوا كلم في ان القرآن مصون عن التحريف في فصول :الفصل - 1من ضروريات التاريخ إن النبي العربي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم جاء قبل اربعة عشر قرنا تقريبا وادعى النبوة وانتهض للدعوة وآمن به امة من العرب وغيرهم وانه جاء بكتاب يسميه القرآن وينسبه إلى ربه متضمن لجمل المعارف وكليات الشريعة التى كان يدعو إليها وكان يتحدى به ويعده آية لنبوته وان القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو القرآن الذى جاء به وقرأه على الناس المعاصرين له في الجملة بمعنى إنه لم يضع من اصله بأن يفقد كله ثم يوضع كتاب آخر يشابهه في نظمه أو ل يشابهه وينسب إليه ويشتهر بين الناس بأنه القرآن النازل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .فهذه امور ل يرتاب في شئ منها ال مصاب في فهمه ول احتمل بعض ذلك احد من الباحثين في مسألة التحريف من المخالفين والمؤالفين .وانما احتمل بعض من قال به من المخالف أو المؤالف زيادة شئ يسير كالجملة أو الية ) ( 1أو النقص أو التغيير في جملة أو آية في كلماتها أو اعرابها واما جل الكتاب اللهى فهو على ما هو في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يضع ولم يفقد ) * .هامش ( * ) ( 1كقول بعض من غير المنتحلين بالسلم إن قوله تعالى " :إنك ميت وإنهم ميتون " من وضع ابى بكر وضعه حين سمع عمر وهو شاهر سيفه يهدد بالقتل من قال :إن النبي مات فقرأها على عمر فصرفه / ( * ) .صفحة / 105ثم إنا نجد القرآن يتحدى باوصاف ترجع إلى عامة آياته ونجد ما بأيدينا من القرآن اعني ما بين الدفتين واجدا لما وصف به من اوصاف تحدى بها من غير أن يتغير في شئ منها أو يفوته ويفقد .فنجده يتحدى بالبلغة والفصاحة ونجد ما بأيدينا مشتمل على ذلك النظم العجيب البديع ل يعدله ول يشابهه شئ من كلم البلغاء والفصحاء المحفوظ منهم والمروى عنهم من شعر أو نثر أو خطبة أو رسالة أو محاورة أو غير ذلك وهذا النظم موجود في جميع اليات سواء كتابا متشابها مثانى تقشعر منه الجلود والقلوب .ونجده يتحدى بقوله " :أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا " النساء 82 :بعدم وجود اختلف فيه ونجد ما بايدينا من القرآن يفى بذلك احسن الوفاء وأوفاه فما من ابهام أو خلل يتراءى في آية ال ويرفعه آية اخرى وما من خلف أو مناقضة يتوهم بادئ الرأى من شطر ال وهناك ما يدفعه ويفسره .ونجده يتحدى بغير ذلك مما ل يختص فهمه بأهل اللغة العربية كما في قوله " :قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " اسرى 88 :وقوله " :إنه لقول فصل وما هو بالهزل " الطارق 14 :ثم نجد ما بأيدينا من القرآن يستوفى البيان في صريح الحق الذى ل مرية فيه ويهدى إلى آخر ما يهتدى إليه العقل من اصول المعارف الحقيقية وكليات الشرائع الفطرية وتفاصيل الفضائل الخلقية من غير أن نعثر فيها على شئ من النقيصة والخلل أو نحصل على شئ من التناقض والزلل بل نجد جميع المعارف على سعتها وكثرتها حية بحياة واحدة مدبرة بروح واحد هو مبدء جميع المعارف القرآنية والصل الذى إليه ينتهى الجميع ويرجع وهو التوحيد فإليه ينتهى الجميع بالتحليل وهو يعود إلى كل منها بالتركيب .ونجده يغوص في اخبار الماضين من النبياء واممهم ونجد ما عندنا من كلم الله يورد قصصهم ويفصل القول فيها على ما يليق بطهارة الدين ويناسب نزاهة ساحة النبوة وخلوصها للعبودية والطاعة وكلما طبقنا قصة من القصص القرآنية على ما يماثلها مما ورد في العهدين انجلى ذلك احسن النجلء .ونجده يورد آيات في الملحم ويخبر عن الحوادث التية في آيات كثيرة بالتصريح /صفحة / 106أو بالتلويح ثم نجدها فيما هو بايدينا من القرآن على تلك الشريطة صادقة مصدقة . ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 106 ونجده يصف نفسه باوصاف زاكية جميلة كما يصف نفسه بأنه نور وانه هاد يهدى إلى صراط مستقيم وإلى الملة التى هي اقوم ونجد ما بأيدينا من القرآن ل يفقد شيئا من ذلك ول يهمل من امر الهداية والدللة ول دقيقة .ومن اجمع الوصاف التى يذكرها القرآن لنفسه انه ذكر لله فانه يذكر به تعالى بما انه آية دالة عليه حية خالدة وبما انه يصفه باسمائه الحسنى وصفاته العليا ويصف سنته في الصنع واليجاد ويصف ملئكته وكتبه ورسله ويصف شرائعه واحكامه ويصف ما ينتهى إليه امر الخلقة وهو المعاد ورجوع الكل إليه سبحانه وتفاصيل ما يؤل إليه امر الناس من السعادة والشقاء والجنة والنار .ففى جميع ذلك ذكر الله وهو الذى يرومه القرآن باطلق القول بانه ذكر ونجد ما بايدينا من القرآن ل يفقد شيئا من معنى الذكر .ولكون الذكر من اجمع الصفات في الدللة على شؤون القرآن عبر عنه بالذكر في اليات التى اخبر فيها عن حفظه القرآن عن البطلن والتغيير والتحريف كقوله تعالى " :إن الذين يلحدون في آياتنا ل يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير ام من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز ل ياتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد " حم السجدة 42 :فذكر تعالى ان القرآن من حيث هو ذكر ل يغلبه باطل ول يدخل فيه حال ول في مستقبل الزمان ل بابطال ول بنسخ ول بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريته عنه .وكقوله تعالى " :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر 9 :فقد اطلق الذكر واطلق الحفظ فالقرآن محفوظ بحفظ الله عن كل زيادة ونقيصة وتغيير في اللفظ أو في الترتيب يزيله عن الذكرية ويبطل كونه ذكرا لله سبحانه بوجه .ومن سخيف القول ارجاع ضمير له إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانه مدفوع بالسياق وانما كان المشركون يستهزؤن بالنبي لجل القرآن الذى كان يدعى نزوله عليه كما يشير إليه بقوله سابقا وقالوا " :يا ايهاالذى نزل عليه الذكر انك لمجنون وقد /صفحة / 107مر تفسير الية .فقد تبين مما فصلناه ان القرآن الذى انزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه بانه ذكر محفوظ على ما انزل مصون بصيانة الهية عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيه فيه . وخلصة الحجة ان القرآن انزله الله على نبيه ووصفه في آيات كثيرة باوصاف خاصة لو كان تغير في شئ من هذه الوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثر فقد آثار تلك الصفة قطعا لكنا نجد القرآن الذى بايدينا واجدا لثار تلك الصفات المعدودة على أتم ما يمكن واحسن ما يكون فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئا من صفاته فالذي بايدينا منه هو القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعينه فلو فرض سقوط شئ منه أو تغير في اعراب أو حرف أو ترتيب وجب ان يكون في امر ل يؤثر في شئ من اوصافه كالعجاز وارتفاع الختلف والهداية والنورية والذكرية والهيمنة على سائر الكتب السماوية إلى غير ذلك وذلك كآية مكررة ساقطة أو اختلف في نقطة أو اعراب ونحوها .الفصل - 2ويدل على عدم وقوع التحريف الخبار الكثيرة المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق الفريقين المرة بالرجوع إلى القرآن عند الفتن وفي حل عقد المشكلت .وكذا حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين :انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتى ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى ابدا الحديث فل معنى للمر بالتمسك بكتاب محرف ونفى الضلل ابدا ممن تمسك به .وكذا الخبار الكثيرة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وائمه اهل البيت عليهم السلم المرة بعرض الخبار على الكتاب وما ذكره بعضهم ان ذلك في الخبار الفقهية ومن الجائز أن نلتزم بعدم وقوع التحريف في خصوص آيات الحكام ول ينفع ذلك سائر اليات مدفوع بان اخبار العرض مطلقة فتخصيصها بذلك تخصيص من غير مخصص .على إن لسان اخبار العرض كالصريح أو هو صريح في ان المر بالعرض انما هو /صفحة / 108لتمييز الصدق من الكذب والحق من الباطل ومن المعلوم ان الدس والوضع غير مقصورين في اخبار الفقه بل الدواعى إلى الدس والوضع في المعارف العتقادية وقصص النبياء والمم الماضين واوصاف المبدء والمعاد اكثر واوفر ويؤيد ذلك ما بايدينا من السرائيليات وما يحذو حذوها مما امر الجعل فيها اوضح وابين .وكذا الخبار التى تتضمن تمسك ائمة اهل البيت عليهم السلم بمختلف اليات القرآنية في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتى في الموارد التى فيها آحاد من الروايات بالتحريف وهذا احسن شاهد على ان المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلم كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل .وكذا الروايات الواردة عن امير المؤمنين وسائر الئمة من ذريته عليهم السلم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 108 في إن ما بايدى الناس قرآن نازل من عند الله سبحانه وان كان غير ما الفه على عليه السلم من المصحف ولم يشركوه عليه السلم في التاليف في زمن ابى بكر ول في زمن عثمان ومن هذا الباب قولهم عليهم السلم لشيعتهم :اقرؤوا كما قرء الناس ومقتضى هذه الروايات ان لو كان القرآن الدائر بين الناس مخالفا لما الفه على عليه السلم في شئ فانما يخالفه في ترتيب السور أو في ترتيب بعض اليات التى ل يؤثر اختلل ترتيبها في مدلولها شيئا ول في الوصاف التى وصف الله سبحانه بها القرآن النازل من عنده ما يختل به آثارها .فمجموع هذه الروايات على اختلف اصنافها يدل دللة قاطعة على ان الذى بايدينا من القرآن هو القرآن النازل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن يفقد شيئا من اوصافه الكريمة وآثارها وبركاتها . الفصل 3 -ذهب جماعة من محدثي الشيعة والحشوية وجماعة من محدثي اهل السنة إلى وقوع التحريف بمعنى النقص والتغيير في اللفظ أو الترتيب دون الزيادة فلم يذهب إليها احد من المسلمين كما قيل .واحتجوا على نفى الزيادة بالجماع وعلى وقوع النقص والتغيير بوجوه كثيرة / .صفحة / 109احدها الخبار الكثيرة المروية من طرق الشيعة واهل السنة الدالة على سقوط بعض السور واليات وكذا الجمل واجزاء الجمل والكلمات والحروف في الجمع الول الذى الف فيه القرآن في زمن ابى بكر وكذا في الجمع الثاني الذى كان في زمن عثمان وكذا التغيير وهذه روايات كثيرة روتها الشيعة في جوامعها المعتبرة وغيرها وقد ادعى بعضهم انها تبلغ الفى حديث وروتها اهل السنة في صحاحهم كصحيحي البخاري ومسلم وسنن ابى داود والسنائى واحمد وسائر الجوامع وكتب التفاسير وغيرها وقد ذكر اللوسي في تفسيره انها فوق حد الحصاء .وهذا غير ما يخالف فيه مصحف عبد الله بن مسعود المصحف المعروف مما ينيف على ستين موضعا وما يخالف فيه مصحف ابى بن كعب المصحف العثماني وهو في بضع وثلثين موضعا وما يختلف فيه المصاحف العثمانية التى اكتتبها وارسلها إلى الفاق وهى خمسة أو سبعة ارسلها إلى مكة وإلى الشام وإلى البصرة وإلى الكوفة وإلى اليمن وإلى البحرين وحبس واحدا بالمدينة والختلف الذى فيما بينها يبلغ خمسة واربعين حرفا وقيل بضع وخمسين حرفا ) . ( 1وغير الختلف في الترتيب بين المصاحف العثمانية والجمع الول في زمن ابى بكر فقد كانت سورة النفال في التاليف الول في المثانى وسورة براءة في المئين وهما في الجمع الثاني موضوعتان في الطوال على ما ستجئ روايته .وغير الختلف في ترتيب السور الموجود بين مصحفي عبد الله بن مسعود وابى ابن كعب على ما وردت به الرواية وبين المصاحف العثمانية وغير الختلفات القرائية الشاذة التى رويت عن الصحابة والتابعين فربما بلغ عدد المجموع اللف أو زاد عليه .الوجه الثاني إن العقل يحكم بأنه إذا كان القرآن متفرقا متشتتا منتشرا عند الناس وتصدى لجمعه غير المعصوم يمتنع عادة ان يكون جمعه كامل موافقا للواقع . الوجه الثالث ماروته العامة والخاصة :إن عليا عليه السلم اعتزل الناس بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرتد ال للصلة حتى جمع القرآن ثم حمله إلى الناس واعلمهم انه القرآن / صفحة / 110الذى انزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمعه فردوه واستغنوا عنه بما جمعه لهم زيد بن ثابت ولو لم يكن بعض ما فيه مخالفا لبعض ما في مصحف زيد لم يكن لحمله إليهم واعلمهم ودعوتهم إليه وجه وقد كان عليه السلم اعلم الناس بكتاب الله بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد ارجع الناس إليه في حديث الثقلين المتواتر وقال في الحديث المتفق عليه :على مع الحق والحق مع على .الوجه الرابع ما ورد من الروايات انه يقع في هذه المة ما وقع في بنى اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وقد حرفت بنو اسرائيل كتاب نبيهم على ما يصرح به القرآن الكريم والروايات المأثورة فل بد ان يقع نظيره في هذه المة فيحرفوا كتاب ربهم وهو القرآن الكريم .ففى صحيح البخاري عن ابى سعيد الخدرى إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموه قلنا يا رسول الله بآبائنا وامهاتنا اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ والرواية مستفيضة مروية في جوامع الحديث عن عدة من الصحابة كأبى سعيد الخدرى كما مر وابى هريرة وعبد الله بن عمر وابن عباس وحذيفة وعبد الله بن مسعود وسهل بن سعد وعمر بن عوف وعمرو بن العاص وشداد بن اوس والمستورد بن شداد في الفاظ متقاربة .وهى مروية مستفيضة من طرق الشيعة عن عدة من ائمة اهل البيت عليهم السلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في تفسير القمى عنه صلى الله عليه وآله وسلم :لتركبن سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ل تخطؤون طريقهم ول تخطئ شبر بشبر وذراع بذراع ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 110 وباع بباع حتى ان لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى تعنى يا رسول الله ؟ قال فمن اعني ؟ لتنقضن عرى السلم عروة عروة فيكون اول ما تنقضون من دينكم المانة وآخره الصلة .والجواب عن استدللهم باجماع المة على نفى تحريف القرآن بالزيادة بأنها حجة مدخولة لكونها دورية .بيان ذلك ان الجماع ليس في نفسه حجة عقلية يقينية بل هو عند القائلين /صفحة / 111باعتباره حجة شرعية لو افاد شيئا من العتقاد فانما يفيد الظن سواء في ذلك محصله ومنقوله على خلف ما يزعمه كثير منهم ان الجماع المحصل مفيد للقطع وذلك ان الذى يفيده الجماع من العتقاد ل يزيد على مجموع العتقادات التى تفيدها آحاد القوال والواحد من القوال المتوافقة ل يفيد ال الظن باصابة الواقع وانضمام القول الثاني الذى يوافقه إليه انما يفيد قوة الظن دون القطع لن القطع اعتقاد خاص بسيط مغاير للظن وليس بالمركب من عدة ظنون .وهكذا كلما انضم قول إلى قول وتراكمت القوال المتوافقة زاد الظن قوة وتراكمت الظنون واقتربت من القطع من غير ان تنقلب إليه كما تقدم هذا في المحصل من الجماع وهو الذى نحصله بتتبع جميع القوال والحصول على كل قول قول واما المنقول منه الذى ينقله الواحد والثنان من اهل العلم والبحث فالمر فيه اوضح فهو كآحاد الروايات ل يفيد ال الظن ان افاد شيئا من العتقاد .فالجماع حجة ظنية شرعية دليل اعتبارها عند اهل السنة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم ل تجتمع امتى على خطاء أو ضلل وعند الشيعة دخول قول المعصوم في اقوال المجمعين أو كشف اقوالهم عن قوله بوجه .فحجية الجماع بالجملة متوقفة على صحة النبوة وذلك ظاهر وصحة النبوة اليوم متوقفة على سلمة القرآن من التحريف المستوجب لزوال صفات القرآن الكريمة عنه كالهداية وفصل القول وخاصة العجاز فانه ل دليل حيا خالدا على خصوص نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير القرآن الكريم بكونه آية معجزة ومع احتمال التحريف بزيادة أو نقيصة أو أي تغيير آخر ل وثوق بشئ من آياته ومحتوياته انه كلم الله محضا وبذلك تسقط الحجة وتفسد الية ومع سقوط كتاب الله عن الحجية يسقط الجماع عن الحجية .ول ينفع في المقام ما قدمناه في اول الكلم ان وجود القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بايدينا من القرآن في الجملة من ضروريات التاريخ .وذلك لن مجرد اشتمال ما بأيدينا منه على القرآن الواقعي يدفع احتمال زيادة أو نقيصة أو أي تغيير آخر في كل آية أو جملة اريد التمسك بها لثبات مطلوب / . صفحة / 112والجواب عن الوجه الول الذى اقيم لوقوع التحريف بالنقص والتغيير وهو الذى تمسك فيه بالخبار اما اول فبأن التمسك بالخبار بما انها حجة شرعية يشتمل من الدور على ما يشتمل عليه التمسك بالجماع بنظير البيان الذى تقدم آنفا .فل يبقى للمستدل بها إل أن يتمسك بها بما انها اسناد ومصادر تاريخية وليس فيها حديث متواتر ول محفوف بقرائن قطعية تضطر العقل إلى قبوله بل هي آحاد متفرقة متشتتة مختلفة منها صحاح ومنها ضعاف في اسنادها ومنها قاصرة في دللتها فما اشذ منها ما هو صحيح في سنده تام في دللته .وهذا النوع على شذوذه وندرته غير مأمون فيه الوضع والدس فان انسراب السرائيليات وما يحلق بها من الموضوعات والمدسوسات بين رواياتنا ل سبيل إلى انكاره ول حجية في خبر ل يؤمن فيه الدس والوضع .ومع الغض عن ذلك فهى تذكر من اليات والسور ما ل يشبه النظم القرآني بوجه ومع الغض عن جميع ذلك فانها مخالفة للكتاب مردودة اما ما ذكرنا ان اكثرها ضعيفة السناد فيعلم ذلك بالرجوع إلى اسانيدها فهى مراسيل أو مقطوعة السناد أو ضعيفتها والسالم منها من هذه العلل اقل قليل . واما ما ذكرنا ان منها ما هو قاصر في دللتها فان كثيرا مما وقع فيها من اليات المحكية من قبيل التفسير وذكر معنى اليات ل من حكاية متن الية المحرفة وذلك كما في روضة الكافي عن ابى الحسن الول :في قول الله " :اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب وقل لهم في انفسهم قول بليغا وما في الكافي عن الصادق عليه السلم :في قوله تعالى " :وان تلووا أو تعرضوا قال ان تلووا المر وتعرضوا عما امرتم به فان الله كان بما تعملون خبيرا إلى غير ذلك من رويات التفسير المعدودة من اخبار التحريف .ويلحق بهذا الباب ما ل يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من اخبار التحريف كالروايات التى تذكر هذه الية هكذا يا ايها الرسول بلغ ما /صفحة / 113انزل اليك في على والية نازلة في حقه عليه السلم وما روى " :ان وفد بنى تميم كانوا إذا قدموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفوا على باب الحجرة ونادوه أن اخرج الينا فذكرت الية فيها هكذا إن الذين ينادونك من وراء الحجرات بنو تميم اكثرهم ل يعقلون فظن ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 113 إن في الية سقطا ويلحق بهذا الباب ايضا ما ل يحصى من الخبار الواردة في جرى القرآن وانطباقه كما ورد في قوله " :وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم وما ورد من قوله ومن يطع الله ورسوله " في ولية على والئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما وهى كثيرة جدا . ويلحق بها ايضا ما اتبع فيه القراءة بشئ من الذكر والدعاء فتوهم انه من سقط القرآن كما في الكافي عن عبد العزيز بن المهتدى قال :سألت الرضا عليه السلم عن التوحيد فقال كل من قرء قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحيد قال ) قلت ظ ( كيف نقرؤها ؟ قال كما يقرؤها الناس وزاد فيه كذلك الله ربى كذلك الله ربى ومن قبيل قصور الدللة ما نجد في كثير من اليات المعدودة من المحرفة اختلف الروايات في لفظ الية كالتى وردت في قوله تعالى " :ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة " ففى بعضها ان الية هكذا ولقد نصركم الله ببدر وانتم ضعفاء وفي بعضها ولقد نصركم الله ببدر وانتم قليل .وهذا الختلف ربما كان قرينة على ان المراد هو التفسير بالمعنى كما في الية المذكورة ويؤيده ما ورد في بعضها من قوله عليه السلم :ل يجوز وصفهم بأنهم اذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وربما لم يكن ال من التعارض والتنافى بين الروايات القاضى بسقوطها كآية الرجم على ما ورد في روايات الخاصة والعامة وهى في بعضها إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة وفي بعضها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة وفي بعضها بما قضيا من اللذة وفي بعضها آخرها نكال من الله والله عليم حكيم وفي بعضها نكال من الله والله عزيز حكيم .وكآية الكرسي على التنزيل التى وردت فيها روايات فهى في بعضها هكذا / صفحة / 114الله ل اله ال هو الحى القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما في السماوات وما في الرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة فل يظهر على غيبه احدا من ذا الذى يشفع عنده إلى قوله وهو العلى العظيم والحمد لله رب العالمين .وفي بعضها إلى قوله هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين وفي بعضها هكذا له ما في السماوات وما في الرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم الخ وفي بعضها عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم بديع السماوات والرض ذو الجلل والكرام رب العرش العظيم وفي بعضها عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم .وما ذكره بعض المحدثين ان اختلف هذه الروايات في اليات المنقولة غير ضائر لتفاقها في اصل التحريف مردود بان ذلك ل يصلح ضعف الدللة ودفع بعضها لبعض .واما ما ذكرنا من شيوع الدس والوضع في الروايات فل يرتاب فيه من راجع الروايات المنقولة في الصنع واليجاد وقصص النبياء والمم والخبار الواردة في تفاسير اليات والحوادث الواقعة في صدر السلم واعظم ما يهم امره لعداء الدين ول يألون جهدا في اطفاء نوره واخماد ناره واعفاء اثره هو القرآن الكريم الذى هو الكهف المنيع والركن الشديد الذى يأوى إليه ويتحصن به المعارف الدينية والسند الحى الخالد لمنشور النبوة ومواد الدعوة لعلمهم بأنه لو بطلت حجة القرآن لفسد بذلك امر النبوة واختل نظام الدين ولم يستقر من بنيته حجر على حجر . والعجب من هؤلء المحتجين بروايات منسوبة إلى الصحابة أو إلى ائمة اهل البيت عليهم السلم على تحريف كتاب الله سبحانه وابطال حجيته وببطلن حجة القرآن تذهب النبوة سدى والمعارف الدينية لغى ل اثر لها وما ذا يغنى قولنا ان رجل في تاريخ كذا ادعى النبوة وأتى بالقرآن معجزة اما هو فقد مات واما قرآنه فقد حرف ولم يبق بايدينا مما يؤيد امره إل ان المؤمنين به اجمعوا على صدقه في دعواه وان القرآن الذى جاء به كان معجزا دال على نبوته والجماع حجة لن النبي المذكور اعتبر حجيته أو لنه يكشف مثل عن قول ائمة اهل بيته ؟ وبالجملة احتمال الدس وهو قريب جدا مؤيد بالشواهد والقرائن يدفع / صفحة / 115حجية هذه الروايات ويفسد اعتبارها فل يبقى معه لها ل حجية شرعية ول حجية عقلئية حتى ما كان منها صحيح السناد فان صحة السند وعدالة رجال الطريق انما يدفع تعمدهم الكذب دون دس غيرهم في اصولهم وجوامعهم ما لم يرووه .واما ما ذكرناه ان روايات التحريف تذكر آيات وسورا ل يشبها نظمها النظم القرآني بوجه فهو ظاهر لمن راجعها فانه يعثر فيها بشئ كثير من ذلك كسورتي الخلع والحفد اللتين رويتا بعدة من طرق اهل السنة فسورة الخلع هي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ول نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك وسورة الحفد هي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق .وكذا ما اورده بعض الروايات من سورة الولية وغيرها اقاويل مختلقة رام ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 115 واضعها ان يقلد النظم القرآني فخرج الكلم عن السلوب العربي المألوف ولم يبلغ النظم اللهى المعجز فعاد يستبشعه الطبع وينكره الذوق ولك ان تراجعها حتى تشاهد صدق ما ادعيناه وتقضى ان اكثر المعتنين بهذه السور واليات المختلقة المجعولة انما دعاهم إلى ذلك التعبد الشديد بالروايات والهمال في عرضها على الكتاب ولو ل ذلك لكفتهم للحكم بانها ليست بكلم الهى نظرة . واما ما ذكرنا ان روايات التحريف على تقدير صحة اسنادها مخالفة للكتاب فليس المراد به مجرد مخالفتها لظاهر قوله تعالى " :انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " وقوله " :وانه لكتاب عزيز ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه " اليتان حتى تكون مخالفة ظنية لكون ظهور اللفاظ من الدلة الظنية بل المراد مخالفتها للدللة القطعية من مجموع القرآن الذى بايدينا حسب ما قررناه في الحجة الولى التى اقمناها لنفى التحريف .كيف ل ؟ والقرآن الذى بايدينا متشابه الجزاء في نظمه البديع المعجز كاف في رفع الختلفات المتراءاة بين آياته وابعاضه غير ناقص ول قاصر في اعطاء معارفه الحقيقية وعلومه اللهية الكلية والجزئية المرتبطة بعضها ببعض المترتبة فروعها على اصولها المنعطفة اطرافها على اوساطها إلى غير ذلك من خواص النظم القرآني الذى /صفحة / 116وصفه الله بها .والجواب عن الوجه الثاني ان دعوى المتناع العادى مجازفة بينة نعم يجوز العقل عدم موافقة التأليف في نفسه للواقع ال ان تقوم قرائن تدل على ذلك وهى قائمة كما قدمنا واما ان يحكم العقل بوجوب مخالفتها للواقع كما هو مقتضى المتناع العادى فل .والجواب عن الوجه الثالث ان جمعه عليه السلم القرآن وحمله إليهم وعرضه عليهم ل يدل على مخالفة ما جمعه لما جمعوه في شئ من الحقائق الدينية الصلية أو الفرعية إل أن يكون في شئ من ترتيب السور أو اليات من السور التى نزلت نجوما بحيث ل يرجع إلى مخالفة في بعض الحقائق الدينية .ولو كان كذلك لعارضهم بالحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه كما روى عنه عليه السلم في موارد شتى ولم ينقل عنه عليه السلم فيما روى من احتجاجاته انه قرأ في امر وليته ول غيرها آية أو سورة تدل على ذلك وجبههم على اسقاطها أو تحريفها .وهل كان ذلك حفظا لوحدة المسلمين وتحرزا عن شق العصا فانما كان يتصور ذلك بعد استقرار المر واجتماع الناس على ما جمع لهم ل حين الجمع وقبل ان يقع في اليدى ويسير في البلد .وليت شعرى هل يسعنا ان ندعى ان ذاك الجم الغفير من اليات التى يرون سقوطها وربما ادعوا انها تبلغ اللوف كانت جميعا في الولية أو كانت خفية مستورة عن عامة المسلمين ل يعرفها ال النزر القليل منهم مع توفر دواعيهم وكثرة رغباتهم على اخذ القرآن كلما نزل وتعلمه وبلوغ اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه وارساله إلى الفاق وتعليمه وبيانه وقد نص على ذلك القرآن قال تعالى " :ويعلمهم الكتاب والحكمة " الجمعة 2 :وقال " :لتبين للناس ما نزل إليهم " النحل 44 :فكيف ضاع ؟ واين ذهب ؟ ما يشير إليه بعض المراسيل انه سقط في آية من اول سورة النساء بين قوله " :وان خفتم أن ل تقسطوا في اليتامى وقوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء " اكثر من ثلث القرآن أي اكثر من الفى آية وما ورد من طرق اهل السنة ان سورة / صفحة / 117براءة كانت مبسملة تعدل سورة البقرة وان الحزاب كانت اعظم من البقرة وقد سقطت منه مائتا آية إلى غير ذلك .أو إن هذه اليات وقد دلت هذه الروايات على بلوغها في الكثره كانت منسوخة التلوة كما ذكره جمع من المفسرين من اهل السنة حفظا لما ورد في بعض رواياتهم إن من القرآن ما أنساه الله ونسخ تلوته .فما معنى انساء الية ونسخ تلوتها ؟ أكان ذلك لنسخ العمل بها فما هي هذه اليات المنسوخة الواقعة في القرآن كآية الصدقة وآية نكاح الزانية والزانى وآية العدة وغيرها ؟ وهم مع ذلك يقسمون منسوخ التلوة إلى منسوخ التلوة والعمل معا ومنسوخ التلوة دون العمل كآية الرجم .أم كان ذلك لكونها غير واجدة لبعض صفات كلم الله حتى ابطلها الله بامحاء ذكرها وإذهاب اثرها فلم يكن من الكتاب العزيز الذى ل ياتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ول منزها من الختلف ول قول فصل ول هاديا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ول معجزا يتحدى به ول ول فما معنى اليات الكثيرة التى تصف القرآن بانه في لوح محفوظ وانه كتاب عزيز ل ياتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه وانه قول فصل وانه هدى وانه نور وانه فرقان بين الحق والباطل وانه آية معجزة وانه وانه ؟ فهل يسعنا ان نقول ان هذه اليات على كثرتها واباء سياقها عن التقييد مقيدة بالبعض فبعض الكتاب فقط وهو غير المنسى ومنسوخ التلوة ل ياتيه الباطل وقول فصل وهدى ونور وفرقان ومعجزة خالدة ؟ وهل جعل الكلم منسوخ التلوة ونسيا منسيا غير ابطاله واماتته ؟ وهل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 117 صيرورة القول النافع بحيث ل ينفع للبد ول يصلح شأنا مما فسد غير الغائه وطرحه واهماله ؟ وكيف يجامع ذلك كون القرآن ذكرا ؟ فالحق ان روايات التحريف المروية من طرق الفريقين وكذا الروايات المروية في نسخ تلوة بعض اليات القرآنية مخالفة للكتاب مخالفة قطعية .والجواب عن الوجه الرابع ان اصل الخبار القاضية بمماثلة الحوادث الواقعة في /صفحة / 118هذه المة لما وقع في بنى اسرائيل مما ل ريب فيه وهى متظافرة أو متواترة لكن هذه الروايات ل تدل على المماثلة من جميع الجهات وهو ظاهر بل الضرورة تدفعه .فالمراد بالمماثلة هي المماثلة في الجملة من حيث النتائج والثار وحينئذ فمن الجائز أن تكون مماثلة هذه المة لبنى اسرائيل في مسألة تحريف الكتاب انما هي في حدوث الختلف والتفرق بين المة بانشعابها إلى مذاهب شتى يكفر بعضهم بعضا وافتراقها إلى ثلث وسبعين فرقة كما افترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين واليهود إلى واحدة وسبعين وقد ورد هذا المعنى في كثير من هذه الروايات حتى ادعى بعضهم كونها متواترة .ومن المعلوم ان الجميع مستندون فيما اختاروه إلى كتاب الله وليس ذلك ال من جهة تحريف الكلم عن مواضعه وتفسير القرآن الكريم بالرأى والعتماد على الخبار الواردة في تفسير اليات من غير العرض على الكتاب وتمييز الصحيح منها من السقيم وبالجملة اصل الروايات الدالة على المماثلة بين المتين ل يدل على شئ من التحريف الذى يدعونه نعم وقع في بعضها ذكر التحريف بالتغيير والسقاط وهذه الطائفة على ما بها من السقم مخالفة للكتاب كما تقدم الفصل 4 -في تاريخ اليعقوبي قال عمر بن الخطاب لبي بكر يا خليفة رسول الله إن حملة القرآن قد قتل اكثرهم يوم اليمامة فلو جمعت القرآن فانى اخاف عليه ان يذهب حملته فقال له أبو بكر افعل ما لم يفعله رسول الله ؟ فلم يزل به عمر حتى جمعه وكتبه في صحف وكان مفرقا في الجريد وغيرها .واجلس خمسة وعشرين رجل من قريش وخمسين رجل من النصار فقال اكتبوا القرآن واعرضوا على سعيد بن العاص فانه رجل فصيح .وروى بعضهم ان على بن ابى طالب عليه السلم كان جمعه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتى به يحمله على جمل فقال هذا القرآن قد جمعته قال وكان قد جزأه سبعة اجزاء ثم ذكر الجزاء .وفي تاريخ ابى الفداء وقتل في قتال مسيلمة جماعة من القراء من المهاجرين /صفحة / 119والنصار ولما رأى أبو بكر كثرة من قتل امربجمع القرآن من افواه الرجال وجريد النخل والجلود وترك ذلك المكتوب عند حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .والصل فيما ذكراه الروايات فقد اخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال ارسل إلى ابى بكر مقتل اهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر إن عمر اتانى فقال ان القتل قد استحر بقراء القرآن وانى اخشى ان يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وانى ارى ان تامر بجمع القرآن فقلت لعمر كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر هذا والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت الذى رأى عمر .قال زيد قال أبو بكر انك شاب عاقل ل نتهمك وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فأجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان اثقل على مما امرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلن شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال هو والله خير .فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذى شرح له صدر ابى بكر وعمر فتتبعت القرآن اجمعه من العسف واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة النصاري لم اجدها مع غيره لقد جاءكم رسول حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند ابى بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر .وعن ابن ابى داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال " :قدم عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن - فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف واللواح والعسب وكان ل يقبل من احد شيئا حتى يشهد شهيدا وعنه ايضا من طريق هشام بن عروة عن ابيه وفي الطريق انقطاع " :ان ابا بكر قال لعمر ولزيد -اقعدوا على باب المسجد -فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه وفي التقان عن ابن اشتة في المصاحف عن الليث بن سعد قال " :اول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد -وكان الناس يأتون زيد بن ثابت -فكان ل يكتب آية ال /صفحة / 120بشاهدي عدل وان آخر سورة براءة لم يوجد ال مع ابى خزيمة بن ثابت فقال اكتبوها فان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب وان عمر اتى بآية الرجم فلم يكتبها لنه كان وحده وعن ابن ابى داود في المصاحف من طريق محمد بن اسحاق عن يحيى بن عباد بن ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 120 عبد الله بن الزبير عن ابيه قال " :اتانى الحارث بن خزيمة بهاتين اليتين من آخر سورة براءة فقال -اشهد انى سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وانا اشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فالحقوها في آخرها وعنه ايضا من طريق ابى العالية عن ابى بن كعب " :انهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الية التى في سورة براءة ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم ل يفقهون ظنوا ان هذا آخر ما انزل فقال ابى -ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأني بعد هذا آيتين " لقد جاءكم رسول " إلى آخر السورة وفي التقان عن الدير عاقولي في فوائده حدثنا ابراهيم بن يسار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال قال " :قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شئ وفي مستدرك الحاكم باسناده عن زيد بن ثابت قال " :كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع الحديث .اقول ولعل المراد ضم بعض اليات النازلة نجوما إلى بعض السور أو الحاق بعض السور إلى بعضها مما يتماثل صنفا كالطوال والمئين والمفصلت فقد ورد لها ذكر في الحاديث النبوية وال فتأليف القرآن وجمعه مصحفا واحدا انما كان بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وسلم بل اشكال وعلى مثل هذا ينبغى ان يحمل ما ياتي .في صحيح النسائي عن ابن عمر قال :جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأه في شهر وفي التقان عن ابن ابى داود بسند حسن عن محمد بن كعب القرظى قال " :جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من النصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت /صفحة / 121وابى بن كعب وابو الدرداء وابو ايوب النصاري وفيه عن البيهقى في المدخل عن ابن سيرين قال " :جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعة ل يختلف فيهم معاذ بن جبل وابى بن كعب وابو زيد واختلفوا في رجلين من ثلثة ابى الدرداء وعثمان وقيل عثمان وتميم الدارى وفيه عنه وعن ابن ابى داود عن الشعبى قال " :جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستة ابى وزيد ومعاذ وابو الدرداء وسعيد بن عبيد وابو زيد ومجمع بن حارثة وقد اخذه ال سورتين أو ثلث وفيه ايضا عن ابن اشتة في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال " :اول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى ابى حذيفة اقسم ل يرتدى برداء حتى يجمعه فجمعه الحديث .اقول اقصى ما تدل عليه هذه الروايات مجرد جمعهم ما نزلت من السور واليات واما العناية بترتيب السور واليات كما هو اليوم أو بترتيب آخر فل هذا هو الجمع الول في عهد ابى بكر .الفصل 5 -وقد جمع القرآن ثانيا في عهد عثمان لما اختلفت المصاحف وكثرت القراءات .قال اليعقوبي في تاريخه وجمع عثمان القرآن وألفه وصير الطوال مع الطوال والقصار مع القصار من السور وكتب في جمع المصاحف من الفاق حتى جمعت ثم سلقها بالماء الحار والخل وقيل احرقها فلم يبق مصحف حتى فعل به ذلك خل مصحف ابن مسعود .وكان ابن مسعود بالكوفة فامتنع ان يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر وكتب ) إليه ظ ( عثمان ان اشخصه ان لم يكن هذا الدين خبال وهذه المة فسادا فدخل المسجد وعثمان يخطب فقال عثمان انه قد قدمت عليكم دابة سوء فكلم ابن مسعود بكلم غليظ فامر به عثمان فجر برجله حتى كسر له ضلعان فتكلمت عائشة وقالت قول كثيرا / . صفحة / 122وبعث بها إلى المصار وبعث بمصحف إلى الكوفة ومصحف إلى البصرة ومصحف إلى المدينة ومصحف إلى مكة ومصحف إلى مصر ومصحف إلى الشام ومصحف إلى البحرين ومصحف إلى اليمن ومصحف إلى الجزيرة .وامر الناس ان يقرؤا على نسخة واحدة وكان سبب ذلك انه بلغه ان الناس يقولون قرآن آل فلن فاراد ان يكون نسخته واحدة وقيل ان ابن مسعود كان كتب بذلك إليه فلما بلغه انه كان يحرق المصاحف قال لم ارد هذا وقيل كتب إليه بذلك حذيفة بن اليمان انتهى موضع الحاجة وفي التقان روى البخاري عن انس " :ان حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازى اهل الشام في فتح ارمينية وآذربيجان مع اهل العراق فافزع حذيفة اختلفهم في القراءة فقال لعثمان ادرك المة قبل ان يختلفوا اختلف اليهود والنصارى فارسل إلى حفصة ان ارسلي الينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها اليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فامر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف .وقال عثمان للرهط القرشيين الثلثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانه انما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وارسل إلى كل افق بمصحف مما نسخوا وامر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف ان يحرق . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 122 قال زيد آية من الحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت اسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت النصاري " :من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " فالحقناها في سورتها في المصحف وفيه اخرج ابن اشتة من طريق ايوب عن ابى قلبة قال حدثنى رجل من بنى عامر يقال له انس بن مالك قال " :اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عنى كان اشد تكذيبا واكثر لحنا يا اصحاب محمد اجتمعوا واكتبوا للناس اماما . فاجتمعوا فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤا في آية قالوا هذه اقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم /صفحة / 123فلنا فيرسل إليه وهو على رأس ثلث من المدينة فيقال له كيف اقراك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية كذا وكذا ؟ فيقول كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا وفيه عن ابن ابى داود من طريق ابن سيرين عن كثير بن افلح قال " :لما اراد عثمان ان يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجل من قريش والنصار فبعثوا إلى الربعة التى في بيت عمر فجئ بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤا في شئ اخروه .قال محمد فظننت انما كانوا يؤخرونه لينظروا احدثهم عهدا بالعرضة الخيرة فيكتبونه على قوله وفيه اخرج ابن ابى داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال قال على :ل تقولوا في عثمان ال خيرا -فو الله ما فعل الذى فعل في المصاحف ال عن ملء منا قال ما تقولون في هذه القراء ؟ فقد بلغني ان بعضهم يقول إن قراءتى خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفرا قلنا -فما ترى ؟ ) قال ارى ظ ( ان يجمع الناس على مصحف واحد فل يكون فرقة ول اختلف قلنا فنعم ما رأيت وفي الدر المنثور اخرج ابن الضريس عن علباء بن احمر إن عثمان بن عفان " :لما اراد ان يكتب المصاحب ارادوا ان يلقوا الواو التى في براءة والذين يكنزون الذهب والفضة قال ابى لتلحقنها أو لضعن سيفى على عاتقي فألحقوها وفي التقان عن احمد وابى داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال " :قلت لعثمان ما حملكم على ان عمدتم إلى النفال وهى من المثانى وإلى براءة وهى من المئين فقربتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا انزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلء اليات في السورة التى يذكر فيها كذا وكذا وكانت النفال من اوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزول وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت انها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا انها منها .فمن اجل ذلك قرنت بينهما ولم اكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم /صفحة / 124ووضعتها في السبع الطوال .اقول السبع الطوال على ما يظهر من هذه الرواية وروى ايضا عن ابن جبير هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والنعام والعراف ويونس وقد كانت موضوعة في الجمع الول على هذا الترتيب ثم غير عثمان هذا الترتيب فأخذ النفال وهى من المثانى وبراءة وهى من المئين قبل المثانى فوضعهما بين العراف ويونس مقدما النفال على براءة .الفصل 6 -الروايات الموضوعة في الفصلين السابقين هي اشهر الروايات الواردة في باب جمع القرآن وتاليفه بين صحيحة وسقيمة وهى تدل على ان الجمع الول كان جمعا لشتات السور المكتوبة في العسب واللخاف والكتاف والجلود والرقاع والحاق اليات النازلة متفرقة إلى سور تناسبها .وان الجمع الثاني وهو الجمع العثماني كان رد المصاحف المنتشرة عن الجمع الول بعد عروض تعارض النسخ واختلف القراءات عليها إلى مصحف واحد مجمع عليه عدا ما كان من قول زيد انه الحق قوله من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الية في سورة الحزاب في المصحف فقد كانت المصاحف تتلى خمس عشرة سنة وليست فيها الية .وقد روى البخاري عن ابن الزبير قال " :قلت لعثمان والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا قد نسختها الية الخرى فلم تكتبها أو تدعها ؟ قال يا بن اخى ل اغير شيئا منه من مكانه .والذى يعطيه النظر الحر في امر هذه الروايات ودللتها وهى عمدة ما في هذا الباب انها آحاد غير متواترة لكنها محفوفة بقرائن قطعية فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبلغ الناس ما نزل إليه من ربه من غير أن يكتم منه شيئا وكان يعلمهم ويبين لهم ما نزل إليهم من ربهم على ما نص عليه القرآن ولم يزل جماعة منهم يعلمون ويتعلمون القرآن تعلم تلوة وبيان وهم القراء الذين قتل جم غفير منهم في غزوة اليمامة / .صفحة / 125وكان الناس على رغبة شديدة في اخذ القرآن وتعاطيه ولم يترك هذا الشان ول ارتفع القرآن من بينهم ول يوما أو بعض يوم حتى جمع القرآن في مصحف واحد ثم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 125 اجمع عليه فلم يبتل القرآن بما ابتليت به التوراة والنجيل وكتب سائر النبياء .اضف إلى ذلك روايات ل تحصى كثرة وردت من طرق الشيعة واهل السنة في قراءاته صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا من السور القرآنية في الفرائض اليومية وغيرها بمسمع من مل الناس وقد سمى في هذه الروايات جم غفير من السور القرآنية مكيتها ومدنيتها .اضف إلى ذلك ما تقدم في رواية عثمان بن ابى العاص :في تفسير قوله تعالى " :ان الله يامر بالعدل والحسان " الية النحل 90 :من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إن جبريل اتانى بهذه الية وامرني أن اضعها في موضعها من السورة ونظير الرواية في الدللة ما دل على قراءته صلى الله عليه وآله وسلم لبعض السور النازلة نجوما كآل عمران والنساء وغيرها فيدل على انه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر كتاب الوحى بالحاق بعض اليات في موضعها واعظم الشواهد القاطعة ما تقدم في اول هذه البحاث ان القرآن الموجود بايدينا واجد لما وصفه الله تعالى من الوصاف الكريمة .وبالجملة الذى تدل عليه هذه الروايات هي اول ان الموجود فيما بين الدفتين من القرآن هو كلم الله تعالى فلم يزد فيه شئ ولم يتغير منه شئ واما النقص فانها ل تفى بنفيه نفيا قطعيا كما روى بعدة طرق ان عمر كان يذكر كثيرا آية الرجم ولم تكتب عنه واما حملهم الرواية وسائر ما ورد في التحريف وقد ذكر اللوسي في تفسيره انها فوق حد الحصاء على منسوخ التلوة فقد عرفت فساده وتحققت ان اثبات منسوخ التلوة اشنع من اثبات اصل التحريف .على إن من كان له مصحف غير ما جمعه زيد اول بامر من ابى بكر وثانيا بأمر من عثمان كعلى عليه السلم وابى بن كعب وعبد الله بن مسعود لم ينكر شيئا مما حواه المصحف الدائر غير ما نقل عن ابن مسعود انه لم يكتب في مصحفه المعوذتين وكان يقول انهما عوذتان نزل بهما جبريل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعوذ بهما الحسنين عليهما السلم وقد رده سائر الصحابة وتواترت النصوص من ائمة اهل البيت عليهم السلم على انهما سورتان من القرآن / .صفحة / 126وبالجملة الروايات السابقة كما ترى آحاد محفوفة بالقرائن القطعية نافية للتحريف بالزيادة والتغيير قطعا دون النقص ال ظنا ودعوى بعضهم التواتر من حيث الجهات الثلث ل مستند لها .والتعويل في ذلك على ما قدمناه من الحجة في اول هذه البحاث ان القرآن الذى بايدينا واجد للصفات الكريمة التى وصف الله سبحانه بها القرآن الواقعي الذى انزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ككونه قول فصل ورافعا للختلف وذكرا وهاديا ونورا ومبينا للمعارف الحقيقية والشرائع الفطرية وآية معجزة إلى غير ذلك من صفاته الكريمة .ومن الحرى أن نعول على هذا الوجه فان حجة القرآن على كونه كلم الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هي نفسه المتصفة بهاتيك الصفات الكريمة من غير ان يتوقف في ذلك على امر آخر وراء نفسه كائنا ما كان فحجته معه اينما تحقق وبيد من كان ومن أي طريق وصل .وبعبارة اخرى ل يتوقف القرآن النازل من عند الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كونه متصفا بصفاته الكريمة على ثبوت استناده إليه صلى الله عليه وآله وسلم بنقل متواتر أو متظافر وان كان واجدا لذلك بل المر بالعكس فاتصافه بصفاته الكريمة هو الحجة على الستناد فليس كالكتب والرسائل المنسوبة إلى المصنفين والكتاب والقاويل المأثورة عن العلماء واصحاب النظار المتوقفة صحة استنادها إلى نقل قطعي وبلوغ متواتر أو مستفيض مثل بل نفس ذاته هي الحجة على ثبوته .وثانيا إن ترتيب السور انما هو من الصحابة في الجمع الول والثانى ومن الدليل عليه ما تقدم في الروايات من وضع عثمان النفال وبراءة بين العراف ويونس وقد كانتا في الجمع الول متاخرتين .ومن الدليل عليه ما ورد من مغايرة ترتيب مصاحف سائر الصحابة للجمع الول والثانى كليهما كما روى ان مصحف على عليه السلم كان مرتبا على ترتيب النزول فكان اوله اقرء ثم المدثر ثم نون ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكى والمدنى نقله في التقان عن ابن فارس وفي تاريخ اليعقوبي ترتيب آخر لمصحفه عليه السلم / .صفحة / 127ونقل عن ابن اشتة في المصاحف باسناده عن ابى جعفر الكوفى ترتيب مصحف ابى وهو يغاير المصحف الدائر مغايرة شديدة وكذا عنه فيه باسناده عن جرير بن عبد الحميد ترتيب مصحف عبد الله بن مسعود آخذا من الطوال ثم المئين ثم المثانى ثم المفصل وهو ايضا مغاير للمصحف الدائر .وقد ذهب كثير منهم إلى إن ترتيب السور توقيفي وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذى امر بهذا الترتيب باشارة من جبريل بامر من الله سبحانه حتى افرط بعضهم فادعى ثبوت ذلك بالتواتر وليت شعرى اين هذا التواتر وقد تقدمت عمدة روايات الباب ول اثر فيها من هذا المعنى وسياتى استدلل بعضهم على ذلك بما ورد من نزول القرآن من اللوح ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 127 المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم منها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدريجا .وثالثا إن وقوع بعض اليات القرآنية التى نزلت متفرقة موقعها الذى هي فيه الن لم يخل عن مداخلة من الصحابة بالجتهاد كما هو ظاهر روايات الجمع الول وقد تقدمت .واما رواية عثمان بن ابى العاص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتانى جبريل فأمرني أن اضع هذه الية بهذا الموضع من السورة " :إن الله يأمر بالعدل والحسان " الية فل تدل على ازيد من فعله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض اليات في الجملة ل بالجملة وعلى تقدير التسليم ل دللة لما بأيدينا من الروايات المتقدمة على مطابقة ترتيب الصحابة ترتيبه صلى الله عليه وآله وسلم ومجرد حسن الظن بهم ل يسمح للروايات بدللة تدل بها على ذلك وانما يفيد انهم ما كانوا ليعمدوا إلى مخالفة ترتيبه صلى الله عليه وآله وسلم فيما علموه ل فيما جهلوه وفي روايات الجمع الول المتقدمة اوضح الشواهد على إنهم ما كانوا على علم بمواضع جميع اليات ول بنفسها .ويدل على ذلك الروايات المستفيضة التى وردت من طرق الشيعة واهل السنة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين إنما كانوا يعلمون تمام السورة بنزول البسملة كما رواه أبو داود والحاكم والبيهقي والبزار من طريق سعيد بن جبير على ما في التقان عن ابن عباس قال " :كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ل يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم زاد البزار فإذا نزلت عرف إن السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدأت سورة اخرى وايضا عن الحاكم من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس قال " :كان المسلمون ل يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نزلت علموا إن السورة / صفحة / 128قد انقضت اسناده على شرط الشيخين .وايضا عنه من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس " :ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم انها سورة اسناده صحيح .اقول وروى ما يقرب من ذلك في عدة روايات اخر وروى ذلك من طرق الشيعة عن الباقر عليه السلم .والروايات كما ترى صريحة في دللتها على ان اليات كانت مرتبة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسب ترتيب النزول فكانت المكيات في السورة المكية والمدنيات في سورة مدنية اللهم إل أن يفرض سورة نزل بعضها بمكة وبعضها بالمدينة ول يتحقق هذا الفرض ال في سورة واحدة .ولزم ذلك ان يكون ما نشاهده من اختلف مواضع اليات مستندا إلى اجتهاد من الصحابة .توضيح ذلك ان هناك ما ل يحصى من روايات اسباب النزول يدل على كون آيات كثيرة في السور المدنية نازلة بمكة وبالعكس وعلى كون آيات من القرآن نازلة مثل في اواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهى واقعة في سور نازلة في اوائل الهجرة وقد نزلت بين الوقتين سور اخرى كثيرة وذلك كسورة البقرة التى نزلت في السنة الولى من الهجرة وفيها آيات الربا وقد وردت الروايات على انها من آخر ما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ورد عن عمر انه قال مات رسول الله ولم يبين لنا آيات الربا وفيها قوله تعالى " :واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " الية البقرة 281 :وقد ورد انها آخر ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .فهذه اليات النازلة مفرقة الموضوعة في سور ل تجانسها في المكية والمدنية موضوعة في غير موضعها بحسب ترتيب النزول وليس ال عن اجتهاد من الصحابة .ويؤيد ذلك ما في التقان عن ابن حجر " :وقد ورد عن علي انه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخرجه ابن ابى داود وهو من مسلمات مداليل روايات الشيعة .هذا ما يدل عليه ظاهر روايات الباب المتقدمة لكن الجمهور اصروا على أن /صفحة / 129ترتيب اليات توقيفي فآيات المصحف الدائر اليوم وهو المصحف العثماني مرتبة على ما رتبها عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم باشارة من جبريل وأولوا ظاهر الروايات بأن جمع الصحابة لم يكن جمع ترتيب وانما كان جمعا لما كانوا يعلمونه ويحفظونه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السور وآياتها المرتبة بين دفتين وفي مكان واحد .وأنت خبير بأن كيفية الجمع الول الذى تدل عليها الروايات تدفع هذه الدعوى دفعا صريحا .وربما استدل عليه بما ادعاه بعضهم من الجماع على ذلك فقد نقل السيوطي في التقان عن الزركشي دعوى الجماع عليه وعن ابى جعفر بن الزبير نفى الخلف فيه بين المسلمين وهو اجماع منقول ل يعتمد عليه بعد وجود الخلف في اصل التحريف ودللة ما تقدم من الروايات على خلفه .وربما استدل عليه بالتواتر ويوجد ذلك في كلم كثير منهم ادعوا تواتر الترتيب الموجود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عجيب وقد نقل في التقان بعد نقله ما رواه البخاري ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 129 وغيره بعدة طرق عن انس انه قال " :مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير اربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد وفي رواية " :ابى بن كعب بدل ابى الدرداء عن المازرى انه قال " :وقد تمسك بقول انس هذا جماعة من الملحدة ول متمسك لهم فيه فأنا ل نسلم حمله على ظاهره سلمناولكن من اين لهم ان الواقع في نفس المر كذلك ؟ سلمناه لكن ل يلزم من كون كل من الجم الغفير لم يحفظه كله أن ل يكون حفظ مجموعة الجم الغفير وليس من شرط التواتر ان يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى انتهى .اما دعواه ان ظاهر كلم انس غير مراد فهو مما ل يصغى إليه في البحاث اللفظية المبنية على ظاهر اللفظ ال بقرينة من نفس كلم المتكلم أو ما ينوب منابه اما مجرد الدعوى والستناد إلى قول آخرين فل .على انه لو حمل كلم انس على خلف ظاهره كان من الواجب ان يحمل على ان هؤلء الربعة انما جمعوا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معظم القرآن واكثر سوره وآياته ل على /صفحة / 130انهم وغيرهم من الصحابة جمعوا جميع القرآن على ما في المصحف العثماني وحفظوا ترتيب سوره وآياته وضبطوا موضع كل واحدة واحدة منها عن آخرها فهذا زيد بن ثابت نفسه وهو احد الربعة المذكورين في حديث انس والمتصدي للجمع الول والثانى كليهما يصرح في رواياته انه لم يحفظ جميع اليات . ونظيره ما في التقان عن ابن اشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال " :مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن .واما قوله سلمناه ولكن من اين لهم ان الواقع في نفس المر كذلك ؟ فمقلوب على نفسه فمن اين لهذا القائل ان الواقع في نفس المر كما يدعيه وقد عرفت الشواهد على خلف ما يدعيه ؟ واما قوله انه يكفى في تحقق التواتر ان يحفظ الكل كل القرآن على سبيل التوزيع فمغالطة واضحة لنه انما يفيد كون مجموع القرآن من حيث المجموع منقول بالتواتر واما كون كل واحدة واحدة من اليات القرآنية محفوظة من حيث محلها وموضعها بالتواتر فل وهو ظاهر ونقل في التقان عن البغوي انه قال في شرح السنة الصحابة جمعوا بين الدفتين القرآن الذى انزله الله على رسوله من غير ان زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن قدموا شيئا أو أخروه أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلقن اصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذى هو الن في مصاحفنا بتوقيف جبريل اياه على ذلك واعلمه عند نزول كل آية ان هذه الية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا .فثبت إن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد ل في ترتيبه فان القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب انزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلوة انتهى ونقل عن ابن الحصار انه قال ترتيب السور ووضع اليات مواضعها انما كان بالوحى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين / صفحة / 131من النقل المتواتر بهذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانما اجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف انتهى : ونقل ايضا ما يقرب من ذلك عن جماعة غيرهم كالبيهقي والطيبى وابن حجر .اما قولهم إن الصحابة انما كتبوا المصحف على الترتيب الذى اخذوه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير ان يخالفوه في شئ فمما ل يدل عليه شئ من الروايات المتقدمة وانما المسلم من دللتها انهم انما اثبتوا ما قامت عليه البينة من متن اليات ول اشارة في ذلك إلى كيفية ترتيب اليات النازلة مفرقة وهو ظاهر نعم في رواية ابن عباس المتقدمة عن عثمان ما يشير إلى ذلك غير ان الذى فيه انه كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بعض كتاب الوحى بذلك وهو غير اعلمه جميع الصحابة ذلك على إن الرواية معارضة بروايات الجمع الول واخبار نزول بسم الله وغيرها .واما قولهم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقن الصحابة هذا الترتيب الموجود في مصاحفنا بتوقيف من جبريل ووحى سماوي فكأنه اشارة إلى حديث عثمان بن ابى العاص المتقدم في آية ان الله يأمر بالعدل والحسان وقد عرفت مما تقدم انه حديث واحد في خصوص موضع آية واحدة واين ذلك من مواضع جميع اليات المفرقة .واما قولهم ان القرآن مكتوب على هذا الترتيب في اللوح المحفوظ انزله الله إلى السماء الدنيا ثم انزله الله مفرقا عند الحاجة الخ فاشارة إلى ما روى مستفيضا من طرق الشيعة واهل السنة من نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزوله منها نجوما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الروايات ليس فيها ادنى دللة على كون ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 131 القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ منظما في السماء الدنيا على الترتيب الموجود في المصحف الذى عندنا وهو ظاهر .على انه سيأتي ان شاء الله الكلم في معنى كتابة القرآن في اللوح المحفوظ ونزوله إلى السماء الدنيا في ذيل ما يناسب ذلك من اليات كأول سورتي الزخرف والدخان وسورة القدر .واما قولهم انه قد حصل اليقين بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الترتيب الموجود في المصاحف فقد عرفت انه دعوى خالية عن الدليل وان هذا التواتر /صفحة / 132ل خبر عنه بالنسبة إلى كل آية آية كيف وقد تكاثرت الروايات ان ابن مسعود لم يكتب في مصحفه المعوذتين وكان يقول انهما ليستا من القرآن وإنما نزل بهما جبريل تعويذا للحسنين وكان يحكهما عن المصاحف ولم ينقل عنه انه رجع عن قوله فكيف خفى عليه هذا التواتر طول حياته بعد الجمع الول .الفصل 7 -يتعلق بالبحث السابق البحث في روايات النساء وقد مرت اشارة اجمالية إليها وهى عدة روايات وردت من طرق اهل السنة في نسخ القرآن وانسائه حملوا عليها ما ورد من روايات التحريف سقوطا وتغييرا .فمنها ما في الدر المنثورعن ابن ابى حاتم والحاكم في الكنى وابن عدى وابن عساكر عن ابن عباس قال " : كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحى بالليل وينسأه بالنهار فانزل الله " : ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها " وفيه عن ابى داود في ناسخه والبيهقي في الدلئل عن ابى امامة " :ان رهطا من النصار من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبروه إن رجل قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها فلم يقدر منها على شئ ال بسم الله الرحمن الرحيم ووقع ذلك لناس من اصحابه فاصبحوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السورة فسكت ساعة لم يرجع إليهم شيئا ثم قال نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شئ كانت فيه .اقول والقصة مروية بعدة طرق في الفاظ متقاربة مضمونا .وفيه عن عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابى داود في ناسخه وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن ابى وقاص " :انه قرأ ما ننسخ من آية أو ننسأها " فقيل له إن سعيد بن المسيب يقرأ ننسها فقال سعد ان القرآن لم ينزل على المسيب ول آل المسيب قال الله " :سنقرئك فل تنسى " واذكر ربك إذا نسيت " .اقول يريد بالتمسك باليتين ان الله رفع النسيان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيتعين ان يقرأ ننسأها من النسئ بمعنى الترك والتاخير فيكون المراد بقوله ما ننسخ من /صفحة / 133آية ازالة الية عن العمل دون التلوة كآية صدقة النجوى وبقوله أو ننسأها ترك الية ورفعها من عندهم بالمرة وازالتها عن العمل والتلوة كما روى تفسيرها بذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم . وفيه اخرج ابن النباري عن ابى ظبيان قال " : قال لنا ابن عباس أي القراءتين تعدون اول ؟ قلنا قراءة عبد الله وقراءتنا هي الخيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان وانه عرضه عليه في آخر سنة مرتين فشهد منه عبد الله ما نسخ ما بدل .اقول وهذا المعنى مروى بطرق اخرى عن ابن عباس وعبد الله بن مسعود نفسه وغيرهما من الصحابة والتابعين وهناك روايات أخر في النساء .ومحصل ما استفيد منها إن النسخ قد يكون في الحكم كاليات المنسوخة المثبتة في المصحف وقد يكون في التلوة مع نسخ حكمها أو من غير نسخ حكمها وقد تقدم في تفسير قوله : " ما ننسخ من آية " البقرة 106 :وسيأتى في قوله " :وإذا بدلنا آية مكان آية " النحل 101 :ان اليتين اجنبيتان عن النساء بمعنى نسخ التلوة وتقدم ايضا في الفصول السابقة ان هذه الروايات مخالفة لصريح الكتاب فالوجه عطفها على روايات التحريف وطرح القبيلين جميعا * * * ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الولين 10 -وما يأتيهم من رسول ال كانوا به يستهزؤن 11 -كذلك نسلكه في قلوب المجرمين 12 -ل يؤمنون به وقد خلت سنة الولين 13 -ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون 14 -لقالوا إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون / 15 - صفحة ) / 134بيان ( لما ذكر استهزاءهم بكتابه ونبيه وما اقترحوا عليه من التيان بالملئكة آية للرسالة عقبه بثلث طوائف من اليات وهى المصدرة بقوله " :ولقد ارسلنا من قبلك " الخ وقوله ولقد جعلنا في السماء بروجا الخ وقوله ولقد خلقنا النسان من صلصال الخ .فبين في اوليها ان هذا الستهزاء دأب وسنة جارية للمجرمين وليسوا بمؤمنين ولو جاءتهم آية آية وفي الثانية أن هناك آيات سماوية وأرضية كافية لمن وفق لليمان وفي الثالثة أن الختلف باليمان والكفر في نوع النسان وضلل أهل الضلل مما تعين لهم يوم أبدع الله خلق النسان فخلق آدم وجرى هنالك ما جرى من أمر الملئكة بالسجود وإباء ابليس عن ذلك . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 134 قوله تعالى " :ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الولين " إلى آخر اليتين الشيع جمع شيعة وهى الفرقة المتفقة على سنة أو مذهب يتبعونه قال تعالى " :من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون " لروم 32 :وقوله ولقد ارسلنا أي رسل وقد حذف للستغناء عنه فان العناية بأصل تحقق الرسال من قبل من غير نظر إلى من ارسل بل بيان ان البشر الولين كالخرين جرت عادتهم على ان ل يحترموا الرسالة اللهية ويستهزؤا بمن أتى بها ويمضوا على إجرامهم لتكون في ذلك تعزية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم فل يضيق صدره بما قابلوه به من النكار والستهزاء كما سيعود إليه في آخر السورة بقوله " :ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون " الخ الية 97 :من السورة .والمعنى طب نفسا فنحن نزلنا الذكر عليك ونحن نحفظه ول يضيقن صدرك بما يقولون فهو دأب المجرمين من المم النسانية أقسم لقد ارسلنا من قبلك في فرق الولين وشيعهم وحالهم هذه الحال ما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزؤن قوله تعالى " :كذلك نسلكه في قلوب المجرمين " إلى آخر اليتين السلوك النفاذ والنفاذ يقال سلك الطريق أي نفذ فيه وسلك الخيط في البرة أي أنفذه فيها / صفحة / 135وادخله وذكروا ان سلك واسلك بمعنى .والضميران في نسلكه وبه للذكر المتقدم ذكره وهو القرآن الكريم والمعنى ان حال رسالتك ودعوتك بالذكر المنزل اليك تشبه حال الرسالة من قبلك فكما ارسلنا من قبلك فقابلوها بالرد والستهزاء كذلك ندخل هذا الذكر وننفذه في قلوب هؤلء المجرمين ونبأ به انهم ل يؤمنون بالذكر وقد مضت طريقة الولين وسنتهم في انهم يستهزؤن بالحق ول يتبعونه فاليتان قريبتا المعنى من قوله فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل .وربما قيل ان الضميرين للشرك أو الستهزاء المفهوم من اليات السابقة والباء في به للسببية والمعنى كذلك ننفذ الشرك أو الستهزاء في قلوب المجرمين ل يؤمنون بسبب الشرك أو الستهزاء وهو معنى بعيد والمتبادر إلى الذهن من لفظة ل يؤمنون به إن الباء للتعدية دون السببية .وربما قيل ان الضمير الول للستهزاء المفهوم من سابق الكلم والثانى للذكر المذكور سابقا والمعنى مثل ما سلكنا الستهزاء في قلوب شيع الولين نسلك الستهزاء وننفذه في قلوب هؤلء المجرمين ل يؤمنون بالذكر الخ .ول بأس به وان كان يستلزم التفرقة بين الضميرين المتواليين لكن اباء قوله ل يؤمنون به أن يرجع ضميره إلى الستهزاء يكفى قرينة لذلك .وكذا ل يرد على الوجهين ما اورد ان رجوع ضمير نسلكه إلى الستهزاء يوجب كون المشركين ملجئين إلى الشرك مجبرين عليه .وجه عدم الورود انه تعالى علق السلوك على المجرمين فيكون مفاده انهم كانوا متلبسين بالجرام قبل فعل السلوك بهم ثم فعل بهم ذلك فينطبق على الضلل اللهى مجازاة ول مانع منه وانما الممنوع هو الضلل البتدائي ول دليل عليه في الية بل الدليل على خلفه والية من قبيل قوله تعالى " :يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به ال الفاسقين " البقرة 26 :وقد تقدم تفصيل القول فيه .وقد ظهر مما تقدم ان المراد بسنة الولين السنة التى سنها الولون ل السنة التى /صفحة / 136سنها الله في الولين فالسنة سنتهم دون سنة الله فيهم كما ذكره بعض المفسرين فهو النسب لمقام ذمهم وتعزيته صلى الله عليه وآله وسلم بذكر ردهم واستهزائهم لرسلهم .قوله تعالى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا انما سكرت ابصارنا الخ العروج في السماء الصعود إليها والتسكير الغشاوة .والمراد بفتح باب من السماء عليهم ايجاد طريق يتيسر لهم به الدخول في العالم العلوى الذى هو مأوى الملئكة وليس كما يظن سقفا جرمانيا له باب ذو مصراعين يفتح ويغلق وقد قال تعالى " :ففتحنا ابواب السماء بماء منهمر " القمر . 11 :وقد اختار سبحانه من بين الخوارق التى يظن انها ترفع عنهم الشبهة وتزيل عن نفوسهم الريب فتح باب من السماء وعروجهم فيه لنه كان يعظم في اعينهم اكثر من غيره ولذلك لما اقترحوا عليه امورا من الخوارق العظيمة ذكروا الرقى في السماء في آخر تلك الخوارق المذكورة على سبيل الترقي كما حكاه الله عنهم بقوله " :وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا " إلى ان قال " أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " اسرى 93 :فالرقي في السماء والتصرف في امورها كتنزيل كتاب مقرو منها أي نفوذ البشر في العالم العلوى وتمكنه فيه ومنه اعجب الخوارق عندهم .على ان السماء مأوى الملئكة الكرام ومحل صدور الحكام والوامر اللهية وفيها الواح التقادير ومنها مجارى المور ومنبع الوحى واليها صعود كتب العمال فعروج النسان فيها يوجب اطلعه على مجارى المور واسباب الخوارق وحقائق الوحى والنبوة والدعوة والسعادة والشقاوة وبالجملة يوجب اشرافه على كل حقيقة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 136 وخاصة إذا كان عروجا مستمرا ل مرة ودفعة كما يشير إليه قوله تعالى فظلوا فيه يعرجون حيث عبر بقوله ظلوا ولم يقل فعرجوا فيه .فالفتح والعروج بهذا النعت يطلعهم على اصول هذه الدعوة الحقة واعراقها لكنهم لما في قلوبهم من الفساد وفي نفوسهم من قذارة الريبة والشبهة المستحكمة يخطؤن ابصارهم فيما يشاهدون بل يتهمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه سحرهم فهم مسحورون من قبله .فالمعنى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء ويسرنا لهم الدخول في عالمها فداموا /صفحة / 137يعرجون فيه عروجا بعد عروج حتى يتكرر لهم مشاهدة ما فيه من اسرار الغيب وملكوت الشياء لقالوا انما غشيت ابصارنا فشاهدت امورا ل حقيقة لها بل نحن قوم مسحورون * * * ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين 16 -وحفظناها من كل شيطان رجيم 17 -إل من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين 18 -والرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون 19 - وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين - 20وان من شئ إل عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوم 21 -وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما انتم له بخازنين - 22وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون 23 - ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين 24 -وان ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم ) . 25 -بيان ( لما ذكر سبحانه اعراضهم عن آية القرآن المعجزة واقتراحهم آية اخرى وهى التيان بالملئكة وأجاب عنه إنه ممتنع وملزم لفنائهم عدل إلى عد عدة من آيات السماء والرض الدالة على التوحيد ليعتبروا بها إن كانوا يعقلون وتتم الحجة بها على المجرمين وقد ضمن سبحانه فيها طرفا عاليا من المعارف الحقيقية والسرار اللهية .قوله تعالى " :ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين " إلى آخر اليات /صفحة / 138الثلث البروج جمع برج وهو القصر سميت بها منازل الشمس والقمر من السماء بحسب الحس تشبيها لها بالقصور التى ينزلها الملوك . والضمير في قوله وزيناها للسماء كما في قوله وحفظناها وتزيينها للناظرين هو ما نشاهده في جوها من البهجة والجمال الذى يوله اللباب بنجومها الزاهرة وكواكبها اللمعة على اختلف اقدارها وتنوع لمعاتها وقد كرر سبحانه ذكر هذا التزيين الكاشف عن مزيد عنايته به كقوله " : وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا " حم السجدة 12 :وقوله " :إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد ل يسمعون إلى المل العلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إل من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " الصافات . 10 :واستراق السمع اخذ الخبر المسموع في خفية كمن يصغى خفية إلى حديث قوم يسرونه فيما بينهم واستراق السمع من الشياطين هو محاولتهم ان يطلعوا على بعض ما يحدث به الملئكة فيما بينهم كما يدل عليه ما تقدم آنفا من آيات سورة الصافات . والشهاب هو الشعلة الخارجة من النار ويطلق على ما يشاهد في الجو من اجرام مضيئة كأن الواحد منها كوكب ينقض دفعة من جانب إلى آخر فيسير سيرا سريعا ثم ل يلبث دون ان ينطفئ . فظاهر معنى اليات ولقد جعلنا في السماء وهى جهة العلو بروجا وقصورا هي منازل الشمس والقمر وزيناها أي السماء للناظرين بزينة النجوم والكواكب وحفظناها أي السماء من كل شيطان رجيم أن ينفذ فيها فيطلع على ما تحتويه من الملكوت ال من استرق السمع من الشياطين بالقتراب منه ليسمع ما يحدث به الملئكة من احاديث الغيب المتعلقة بمستقبل الحوادث وغيرها فانه يتبعه شهاب مبين .وسنتكلم ان شاء الله في الشهب ومعنى رمى الشياطين فيما سيأتي من تفسير سورة الصافات .قوله تعالى " :والرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون " مد الرض بسطها طول وعرضا وبذلك صلحت للزرع والسكنى ولو اغشيت جبال شاهقة مضرسة لفقدت كمال حياة الحيوان عليها / .صفحة / 139والرواسي صفة محذوفة الموصوف والتقدير والقينا فيها جبال رواسي وهو جمع راسية بمعنى الثابتة اشارة إلى ما وقع في غير هذا الموضع انها تمنع الرض من الميدان كما قال " :وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم " النحل . 15 :والموزون من الوزن وهو تقدير الجسام من جهة ثقلها ثم عمم لكل تقدير لكل ما يمكن ان يتقدر بوجه كتقدير الطول بالشبر والذراع ونحو ذلك وتقدير الحجم وتقدير الحرارة والنور والقدرة وغيرها وفي كلمه تعالى " : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " النبياء : 47وهو توزين العمال ول يتصف بثقل وخفة من نوع ما للجسام الرضية منهما .وربما يكنى به عن كون الشئ بحيث ل يزيد ول ينقص عما يقتضيه الطبع أو الحكمة كما يقال كلمه موزون وقامته موزونه وافعاله موزونة أي مستحسنة متناسبة الجزاء ل تزيد ول تنقص مما يقتضيه الطبع أو الحكمة .وبالنظر إلى اختلف اعتباراته المذكورة ذكر بعضهم ان المراد به اخراج كل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 139 ما يوزن من المعدنيات كالذهب والفضة وسائر الفلزات وقال بعضهم انه انبات النباتات على ما لكل نوع منها من النظام البديع الموزون وقيل انه خلق كل امر مقدر معلوم .والذى يجب التنبه له التعبير بقوله من كل شئ موزون دون أن يقال من كل نبات موزون فهو يشمل غير النبات مما يظهر وينمو في الرض كما انه يشمل النبات لمكان قوله وانبتنا دون أن يقال اخرجنا أو خلقنا وقد جئ بمن وظاهرها التبعيض فالمراد والله اعلم انبات كل امر موزون ذى ثقل مادى يمكن أن يزيد وينقص من الجسام النباتية والرضية ول مانع على هذا من اخذ الموزون بكل من معنييه الحقيقي والكنائي .والمعنى والرض بسطناها وطرحنا فيها جبال ثابتة لتسكنها من الميد وانبتنا فيها من كل شئ موزون ثقيل واقع تحت الجاذبة أو متناسب مقدارا تقتضيه الحكمة .قوله تعالى : " وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين المعايش جمع /صفحة / 140معيشة وهى ما به يعيش الحيوان ويديم حياته من المأكول والمشروب وغيرهما وياتى مصدرا كالعيش والمعاش .وقوله ومن لستم له برازقين معطوف على الضمير المجرور في لكم على ما ذهب إليه من النحاة الكوفيون ويونس والخفش من جواز العطف على الضمير المجرور من غير اعادة الجار واما على قول غيرهم فربما يعطف على معايش والتقدير وجعلنا لكم من لستم له برازقين كالعبيد والحيوان الهلى وربما جعل من مبتدأ محذوف الخبر والتقدير ومن لستم له برازقين جعلنا له فيها معايش وهذا كله تكلف ظاهر .وكيف كان المراد بمن العبيد والدواب على ما قيل اتى بلفظة من وهى لولى العقل تغليبا هذا وليس من البعيد ان يكون المراد به كل ما عدا النسان من الحيوان والنبات وغيرهما فانها تسأل الرزق كما يسأله العقلء ومن دأبة سبحانه في كلمه ان يطلق اللفاظ المختصة بالعقلء على غيرهم إذا اضيف إليها شئ من الثار المختصة بهم كقوله تعالى في الصنام " :فاسألوهم إن كانوا ينطقون " النبياء 63 :وقوله " :فانهم عدو لى " الشعراء 77 :إلى غير ذلك من اليات المتعرضة لحال الصنام التى كانوا يعبدونها ول يستقيم للمعبود ال أن يكون عاقل وكذا قوله " :فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " حم السجدة 11 :وغير ذلك .والمعنى وجعلنا لكم معشر البشر في الرض اشياء تعيشون بها مما تدام به الحياة ولغيركم من ارباب الحياة مثل ذلك قوله تعالى " :وإن من شئ ال عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوم " الخزائن جمع خزانة وهى مكان خزن المال وحفظه وادخاره والقدر بفتحتين أو فتح فسكون مبلغ الشئ وكميته المتعينة .ولما كانت الية واقعة في سياق الكلم في الرزق الذى يعيش به النسان والحيوان كان المراد بالشئ الموصوف في الية النبات وما يتبعه من الحبوب والثمرات فالمراد بخزانته التى عند الله وهو ينزل بقدر معلوم المطر النازل من السماء الذى ينبت به النبات فيأتى بالحبوب والثمار ويعيش بذلك النسان والحيوان هذا ملخص ما ذكره جمع / صفحة / 141من المفسرين .ول يخفى عليك ما فيه من التكلف فتخصيص ما في قوله وان من شئ من العموم وحصره في النبات من تخصيص الكثر من غير شك والمورد ل يخصص وأردى منه تسمية المطر خزائن النبات وليس ال سببا من اسبابه وجزء من اجزاء كثيرة يتكون النبات بتركبها الخاص على ان المطر انما تتكون حينما ينزل فكيف يسمى خزانة وليس بموجود ول ان الذى هو خزانته موجود فيه .وذكر بعض المفسرين ان المراد بكون خزائن كل شئ عند الله سبحانه شمول قدرته المطلقة له .فله تعالى من كل نوع من انواع الشياء كالنسان والفرس والنخلة وغير ذلك من العيان وصفاتها وآثارها وافعالها مقدورات في التقدير غير متناهية عددا ل يخرج منها دائما من التقدير والفرض إلى التحقق والفعلية إل قدر معلوم وعدد معين محدود .وعلى هذا فالمراد من كل شئ نوعه ل شخصه كالنسان مثل ل كزيد وعمرو والمراد من القدر المعلوم الكمية المعينة من الفراد والمراد من وجود خزائنه ووجوده في خزائنه وجوده بحسب التقدير ل بحسب التحقق فيرجع إلى نوع من التشبيه والمجاز .وانت خبير بأن فيه تخصيصا للشئ من غير مخصص وفيه قصر للقدر في العدد من غير دليل والقدر في اللغة قريب المعنى من الحد وهو المفهوم من سياق قوله تعالى " :قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلق 3 :وقوله " :وكل شئ عنده بمقدار " الرعد 8وقوله " :إنا كل شئ خلقناه بقدر " القمر 49 :وقوله " :وخلق كل شئ فقدره تقديرا " الفرقان 2 :إلى غير ذلك . وفيه ارجاع الكلم إلى معنى مجازى استعارى من غير موجب مع ما فيه من ورود الخزائن بصيغة الجمع من غير نكتة ظاهرة .وذكر بعض معاصري المفسرين وجها آخر وهو ان المراد بالخزائن العناصر المختلفة التى تتألف منها الرزاق وغيرها وقد اعد الله منها في عالمنا المشهود كمية عظيمة ل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 141 تنفد بعروض التركيب والسباب الكلية التى تعمل في تركب المركبات كالضوء والحرارة والرياح الدائمة المنظمة وغيرها التى تتكون منها الشياء مما يحتاج إليه النسان /صفحة / 142في ادامة حياته وغيره .فكل من هذه الشياء مدخرة باجزائها والقوى الفعالة فيها في تلك الخزائن غير القابلة للنفاد من جهة عظمة مقداره ومن جهة ما يعود إليه من الجزاء الجديدة بانحلل تركيب المركبات بموت أو فساد ورجوعها إلى عناصرها الولية كالنبات يفسد والحيوان يموت فيعود عناصرها بانحلل التركيب إلى مقارها ويتسع بذلك المكان لكينونة نبات وحيوان آخر يخلفان سلفهما .فالضوء وخاصة ضوء الشمس الذى يعمل الليل والنهار والفصول الربعة ويربى النبات والحيوان وسائر المركبات ويسوقها إلى غاياتها ومقاصدها من خزائن الله تعالى والرياح التى تلقح النبات وتسوق السحب وتنقل الهوية من مكان إلى مكان وتدفع فاسد الهواء وتجرى السفن خزانة اخرى والماء النازل من السماء الذى تحتاج إليه المركبات ذوات الحياة في كينونتها وبقائها خزانة اخرى وكذلك العناصر البسيطة التى تتركب منها المركبات كل منها خزانة تنزل من مجموعها أو من عدة منها الشياء المركبة ول ينزل قط ال عدد معلوم من كل نوع من غير ان تنفد به الخزائن .وعلى هذا فمراد الية بالشئ هو نوعه ل شخصه كما تقدم في الوجه الول والمراد بخزائنه مجموع ما في الكون من اصوله وعناصره واسبابه العامة المادية ومجموع الشئ موجود في مجموع خزائنه ل في كل واحد منها والمراد بنزوله بقدر معلوم كينونة عدد محدود منه في كل حين من غير ان يستوفى عدد جميع ما في خزائنه . وهذا وجه حسن في نفسه تؤيده البحاث العلمية عن كينونة هذه الحوادث وتصدقه آيات كثيرة متفرقة في الكتاب العزيز كقوله في الية التالية " :وأرسلنا الرياح لواقح وانزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه " وقوله " :وجعلنا من الماء كل شئ حى " النبياء 30 :وقوله " :وسخر لكم الشمس والقمر دائبين " ابراهيم 33 :وقوله " : والسحاب المسخر بين السماء والرض " البقرة : 164إلى غير ذلك من اليات .لكن الية وهى من آيات القدر كما يعطيه سياقها تأبى الحمل عليه كما تأبى عنه اخواتها وكيف يحمل عليه قوله " : ئفقدره تقديرا " ؟ الفرقان 2 : وخلق كل ش وقوله " :الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى " العلى 3 :وقوله " :وكل شئ /صفحة / 143 عنده بمقدار " الرعد 8 :وقوله " :ال امرأته قدرناها من الغابرين " النمل 57 :وقوله " :من أي شئ خلقه من نطفة خلقه فقدره " عبس 19 : وقوله " :إنا انزلناه في ليلة القدر " إلى آخر السورة إلى غير ذلك من اليات .على انه يرد عليه بعض ما اورد على الوجهين السابقين كتخصيص عموم شئ من غير مخصص وغير ذلك . والذى يعطيه التدبر في الية وما يناظرها من اليات الكريمة إنها من غرر كلمه تعالى تبين ما هو ادق مسلكا وابعد غورا مما فسروها به وهو ظهور الشياء بالقدر والصل الذى لها قبل احاطته بها واشتماله عليها .وذلك إن ظاهر قوله وان من شئ على ما به من العموم بسبب وقوعه في سياق النفى مع تأكيده بمن كل ما يصدق عليه انه شئ من دون ان يخرج منه ال ما يخرجه نفس السياق وهو ما تدل عليه لفظة نا وعند وخزائن وما عدا ذلك مما يرى ول يرى مشمول للعام . فشخص زيد مثل وهو فرد انسانى من الشئ ونوع من النسان ايضا الموجود في الخارج بأفراده من الشئ والية تثبت لذلك خزائن عند الله سبحانه فلننظر ما معنى كون زيد مثل له خزائن عند الله ؟ والذى يسهل المر فيه انه تعالى يعد هذا الشئ المذكور نازل من عنده والنزول يستدعى علوا وسفل ورفعة وخفضة وسماء وارضا مثل ولم ينزل زيد المخلوق مثل من مكان عال إلى آخر سافل بشهادة العيان فليس المراد بانزاله إل خلقه لكنه ذو صفة يصدق عليه النزول بسببها ونظير الية قوله تعالى " :وأنزل لكم من النعام ثمانية ازواج " الزمر 6 :وقوله " :وانزلنا الحديد " الحديد . 25 :ثم قوله " :وما ننزله إل بقدر معلوم " يقرن النزول وهو الخلقة بالقدر قرنا لزما غير جائز النفكاك لمكان الحصر والباء اما للسببية أو اللة أو المصاحبة والمال واحد فكينونة زيد وظهوره بالوجود انما هو بماله من القدر المعلوم فوجوده محدود ل محالة كيف ؟ وهو تعالى يقول : " انه بكل شئ محيط " حم السجدة 54 :ولو لم يكن محدودا لم يكن محاطا له تعالى فمن المحال ان يحاط بما ل حد له ول نهاية /صفحة / 144 وهذا القدر هو الذى بسببه يتعين الشئ ويتميز من غيره ففى زيد مثل شئ به يتميز من عمرو وغيره من افراد النسان ويتميز من الفرس والبقر والرض والسماء ويجوز لنا به ان نقول ليس هو بعمرو ول بالفرس والبقر والرض والسماء ولو ل هذا الحد لكان هو هي وارتفع التميز .وكذلك ما عنده من القوى والثار والعمال محدودة مقدرة فليس ابصاره ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 144 مثل ابصارا مطلقا في كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان ولكل شئ وبكل عضو مثل بل ابصار في حال وزمان ومكان خاص ولشئ خاص وبعضو خاص وعلى شرائط خاصة ولو كان ابصارا مطلقا لحاط بكل ابصار خاص وكان الجميع له ونظيره الكلم في سائر ما يعود إليه من خصائص وجوده وتوابعه فافهم ذلك .ومن هنا يظهر إن القدر خصوصية وجود الشئ وكيفية خلقته كما يستفاد ايضا من قوله تعالى " :الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى " العلى 3 :وقوله " :الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه 50 :فان الية الولى رتبت الهداية وهى الدللة على مقاصد الوجود على خلق الشئ وتسويته وتقديره والية الثانية رتبتها على اعطائه ما يختص به من الخلق ولزم ذلك على ما يعطيه سياق اليتين كون قدر الشئ خصوصية خلقه غير الخارجة عنه .ثم انه تعالى وصف قدر كل شئ بأنه معلوم إذ قال " : وما ننزله ال بقدر معلوم " ويفيد بحسب سياق الكلم ان هذا القدر معلوم له حينما يتنزل الشئ ولما يتم نزوله ويظهر وجوده فهو معلوم القدر معينه قبل ايجاده واليه يؤل معنى قوله " :وكل شئ عنده بمقدار " الرعد 8 :فان ظاهر الية إن كل شئ بما له من المقدار حاضر عنده معلوم له فقوله هناك عنده بمقدار في معنى قوله هاهنا بقدر معلوم ونظير ذلك قوله في موضع آخر " : قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلق 3 :أي قدرا ل يتجاوزه معينا غير مبهم معلوما غير مجهول وبالجملة للقدر تقدم على الشئ بحسب العلم والمشية وان كان مقارنا له غير منفك عنه في وجوده .ثم انه تعالى اثبت بقوله عندنا خزائنه وما ننزله الخ للشئ عنده قبل نزوله إلى هذه النشأة واستقراره فيها خزائن وجعل القدر متأخرا عنها ملزما /صفحة / 145لنزوله فالشئ وهو في هذه الخزائن غير مقدر بقدر ول محدود بحد وهو مع ذلك هو وقد جمع في تعريف هذه الخزائن بين كونها فوق القدر الذى يلحق الشئ وبين كونها خزائن فوق الواحدة والثنتين ومن المعلوم ان العدد ل يلحق ال الشئ المحدود وإن هذه الخزائن لو لم تكن محدودة متميزة بعضها من بعض كانت واحدة البتة .ومن هنا يتبين ان هذه الخزائن بعضها فوق بعض وكل ما هو عال منها غير محدود بحد ما هو دان غير مقدر بقدره ومجموعها غير محدود بالحد الذى يلحق الشئ وهو في هذه النشأة ول يبعد ان يكون التعبير بالتنزيل الدال على نوع من التدريج في قوله وما ننزله اشارة إلى كونه يطوى في نزوله مرحلة بعد مرحلة وكلما ورد مرحلة طرأه من القدر امر جديد لم يكن قبل حتى إذا وقع في الخيرة احاط به القدر من كل جانب قال تعالى " :هل أتى على النسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " الدهر 1 :فقد كان النسان ولكنه لم يكن شيئا مذكورا .وهذه الخزائن جميعا فوق عالمنا المشهود لنه تعالى وصفها بأنها عنده وقد اخبرنا بقوله ما عندكم ينفد وما عند الله باق إن ما عنده ثابت ل يزول ول يتغير عما هو عليه فهذه الخزائن كائنة ما كانت امور ثابتة غير زائلة ول متغيرة والشياء في هذه النشأة المادية المحسوسة متغيرة فانية ل ثابتة ول باقية فهذه الخزائن اللهية فوق عالمنا المشهود .هذا ما يعطيه التدبر في الية الكريمة وهو وان كان ل يخلو من دقة وغموض يعضل على بادئ الفهم لكنك لو امعنت في التدبر وبذلت في ذلك بعض جهدك استنار لك ووجدته من واضحات كلمه ان شاء الله تعالى وعلى من لم يتيسر له قبوله ان يعتمد الوجه الثالث المتقدم فهو احسن الوجوه الثلثة المتقدمة والله ولى الهداية وسنرجع إلى بحث القدر في كلم مستقل يختص به ان شاء الله في موضع يناسبه .قوله تعالى " : وأرسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما انتم له بخازنين " اللواقح جمع لقحة من اللقح بالفتح فالسكون يقال لقح النخل لقحا أي وضع اللقاح بفتح اللم وهو طلع الذكور من النخل على الناث لتحمل بالتمر /صفحة / 146وقد ثبت بالبحاث الحديثة في علم النبات ان حكم الزوجية جار في عامة النبات وان فيه ذكورية وانوثية وان الرياح في مهبها تحمل الذرات من نطفة الذكور فتلقح بها الناث وهو قوله تعالى وارسلنا الرياح لواقح .وقوله " :وأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه " اشارة إلى المطر النازل من السحاب وقد تسلم البحاث العلمية الحديثة ان الماء الموجود في الكرة الرضية من المطار النازلة عليها من السماء على خلف ما كانت تعتقده القدماء انه كرة ناقصة محيطة بكرة الرض احاطة ناقصة وهو عنصر من العناصر الربعة .وهذه الية التى تثبت بشطرها الول وارسلنا الرياح لواقح مسألة الزوجية واللقاح في النبات وبشطرها الثاني وأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه إن المياه الموجودة المدخرة في الرض تنتهى إلى المطار وقوله تعالى السابق وانبتنا فيها من كل شئ موزون الظاهر في ان للوزن دخل خاصا في النبات والنماء من نقود العلم التى سبق إليها القرآن الكريم البحاث العلمية وهى تتلو المعجزة أو هي هي . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 146 قوله تعالى " :وانا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون " الكلم مسوق للحصر يريد بيان رجوع كل التدبير إليه وقد كان ما عده من النعم كالسماء ببروجها والرض برواسيها وانبات كل شئ موزون وجعل المعايش وارسال اللواقح وانزال الماء من السماء انما يتم نظاما مبنيا على الحكمة والعلم إذا انضم إليه الحياة والموت والحشر وكان مما ربما يظن ان بعض الحياة والموت ليس إليه تعالى ولذا اكد الكلم وأتى بالحصر دفعا لذلك .ثم جاء بقوله ونحن الوارثون أي الباقون بعد إماتتكم المتصرفون فيما خولناكموه من امتعة الحياة كأنه تعالى يقول الينا تدبير امركم ونحن محيطون بكم نحييكم بعد ما لم تكونوا فنحن قبلكم ونميتكم ونرثكم فنحن بعدكم .قوله تعالى " :ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستاخرين " لما كانت اليات السابقة التى تعد النعم اللهية وتصف التدبير مسوقة لبيان وحدانيته تعالى في ربوبيته وكان ل ينفع الخلق والنظم من غير انضمام علمه تعالى وخاصة بمن يحييه ويميته /صفحة / 147 عقبها بهذه الية الدالة على علمه بمن استقدم منهم بالوجود ومن استأخر أي المتقدمين من الناس والمتاخرين على ما يفيده السياق .وقيل المراد بالمستقدمين المستقدمون في الخير وقيل المستقدمون في صفوف الحرب وقيل المستقدمون إلى الصف الول في صلة الجماعة والمستأخرون خلفهم وهى اقوال ردية .قوله تعالى " :وان ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم " الكلم مسوق للحصر أي هو يحشرهم ل غير فهو الرب .واورد عليه انه في مثل ذلك من الحصر يكون الفعل مسلم الثبوت والنزاع انما هو في الفاعل وههنا ليس كذلك فان الخصم ل يسلم الحشر من اصله هذا وقد ذهب على هذا المعترض ان الية حولت الخطاب السابق للناس عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفاتا فقيل وان ربك هو يحشرهم ولم يقل ان ربكم هو يحشركم والنبى صلى الله عليه وآله وسلم مسلم للحشر . وبذلك يظهر نكتة اللتفات في الية في مورده تعالى من التكلم مع الغير إلى الغيبة وفي مورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغيبة إلى الخطاب وفي مورد الناس بالعكس .وقد ختمت الية بقوله انه حكيم عليم لن الحشر يتوقف على الحكمة المقتضية لحساب العمال ومجازاة المحسن باحسانه والمسئ باساءته وعلى العلم حتى ل يغادر منهم احد ) .بحث روائي ( في تفسير القمى في قوله تعالى " :ولقد جعلنا في السماء بروجا " قال قال منازل الشمس والقمر وفيه في قوله تعالى " :إل من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " قال قال لم يزل الشياطين تصعد إلى السماء -وتجس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي المعاني عن البرقى عن ابيه عن جده عن البزنطى عن ابان عن ابى عبد الله /صفحة / 148عليه السلم قال :كان ابليس يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى عليه السلم حجب عن ثلث سماوات وكان يخترق اربع سماوات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم الحديث .وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال جرير بن عبد الله :حدثنى يا رسول الله عن السماء الدنيا والرض السفلى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اما السماء الدنيا فان الله خلقها من دخان ثم رفعها وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح النجوم وجعلها رجوما للشياطين وحفظها من كل شيطان رجيم .اقول وسياتى ان شاء الله ما يتبين به معنى هذه الحاديث .وفي تفسير القمى في قوله وجعلنا لكم فيها معايش قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدرا وفيه في رواية ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلم في قوله وانبتنا فيها من كل شئ موزون فان الله انبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ واشباه ذلك ل تباع ال وزنا .اقول ينبغى ان يحمل على بيان بعض المصاديق على ما في متنه وسنده من الوهن .وفي روضة الواعظين لبن الفارسى روى عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عليهم السلم انه قال :في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر والبحر قال وهذا تأويل قوله وان من شئ ال عندنا خزائنه الحديث . وفي المعاني باسناده عن مقاتل بن سليمان قال قال أبو عبد الله الصادق عليه السلم لما صعد موسى عليه السلم الطور فنادى ربه عز وجل قال رب ارنى خزائنك قال يا موسى انما خزائني إذا اردت شيئا ان اقول له كن فيكون وفي الدر المنثور اخرج البزار وابن مردويه في العظمة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خزائن الله الكلم فإذا اراد شيئا قال له كن فكان .اقول والروايات الثلث الخيرة تؤيد ما قدمناه في تقرير معنى الية والمراد بقول كن كلمة اليجاد الذى هو وجود الشياء وهو مما يؤيد عموم الشئ في الية وكذا كان يفهمه الصحابة واهل عصر النزول كما يؤيده ما رواه في الدر المنثورعن ابن ابى /صفحة / 149 ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 149 حاتم عن معاوية انه قال " :ألستم تعلمون ان كتاب الله حق ؟ قالوا بلى قال فاقرؤا هذه الية : " وان من شئ ال عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوم " ألستم تؤمنون بهذا وتعلمون انه حق ؟ قالوا بلى قال فكيف تلومونني بعد هذا ؟ فقام الحنف وقال يا معاوية والله ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن انما نلومك على ما انزله الله من خزائنه -فجعلته انت في خزائنك واغلقت عليه بابك فسكت معاوية وفيه اخرج ابن مردويه والحاكم عن مروان بن الحكم قال " :كان اناس يستأخرون في الصفوف من اجل النساء فأنزل الله " :ولقد علمنا المستقدمين منكم " الية اقول وروى فيه ايضا عن عدة عن ابى الجوزاء عن ابن عباس قال " :كانت امرأة تصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسناء من احسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الول لئل يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت ابطيه فانزل الله ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين .والية ل تنطبق على ما في هاتين الروايتين ل من جهة اللفظ ول من جهة السياق الذى وقعت هي فيه وهو ظاهر .وفيه اخرج ابن ابى حاتم من طريق معتمر بن سليمان عن شعيب بن عبد الملك عن مقاتل بن سليمان " :في قوله ولقد علمنا المستقدمين منكم الية قال بلغنا انه في القتال قال معتمر فحدثت ابى فقال لقد نزلت هذه الية قبل ان يفرض القتال . اقول يعنى انها مكية .وفي تفسير العياشي عن جابر عن ابى جعفر عليه السلم قال :ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال هم المؤمنون من هذه المة وفي تفسير البرهان عن الشيباني في نهج البيان عن الصادق جعفر بن محمد :أن المستقدمين اصحاب الحسنات والمستأخرين اصحاب السيئات * * * ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ مسنون / 26 -صفحة / 150والجان خلقناه من قبل من نار السموم - 27واذ قال ربك للملئكة انى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون 28 -فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 29 -فسجد الملئكة كلهم اجمعون 30 -إل ابليس أبى أن يكون مع الساجدين 31 -قال يا ابليس ما لك أن ل تكون مع الساجدين 32 -قال لم أكن لسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون 33 -قال فاخرج منها فانك رجيم 34 -وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين 35 -قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون 36 -قال فانك من المنظرين 37 -إلى يوم الوقت المعلوم 38 -قال رب بما أغويتني لزينن لهم في الرض ولغوينهم اجمعين 39 -إل عبادك منهم المخلصين 40 -قال هذا صراط علي مستقيم 41 -إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين 42 -وإن جهنم لموعدهم اجمعين 43 -لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم 44 -إن المتقين في جنات وعيون 45 -ادخلوها بسلم آمنين 46 -ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين - 47ل يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين - / 48صفحة ) / 151بيان ( هذه هي الطائفة الثالثة من اليات الموردة اثر ما ذكر في مفتتح السورة من استهزاء الكفار بالكتاب وبالنبى صلى الله عليه وآله وسلم واقتراحهم عليه آية اخرى غير القرآن وقد ذكر الله سبحانه في هذه الطائفة بدء خلقة النسان والجان وامره الملئكة وابليس أن يسجدوا له وسجودهم وإباء ابليس وهو من الجن ورجمه واغواءه بنى آدم وما قضى الله سبحانه عند ذلك من سعادة المتقين وشقاء الغاوين .قوله تعالى " :ولقد خلقنا النسان من صلصال من حماء مسنون قال الراغب في المفردات اصل الصلصال تردد الصوت من الشئ اليابس ومنه قيل صل المسمار وسمى الطين الجاف صلصال قال تعالى من صلصال كالفخار من صلصال من حماء مسنون والصلصلة بقية ماء سميت بذلك لحكاية صوت تحركه في المزادة وقيل الصلصال المنتن من الطين من قولهم صل اللحم .وقال والحمأة والحمأ طين اسود منتن وقال وقوله من حماء مسنون قيل متغير وقوله لم يتسنه معناه لم يتغير والهاء للستراحة انتهى . وقوله ولقد خلقنا النسان الخ المراد به بدء خلقة النسان بدليل قوله " :وبدأ خلق النسان من طين ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين " ألم السجدة 8 :فهو اخبار عن خلقة النوع وظهوره في الرض فان خلق اول من خلق منهم ومنه خلق الباقي خلق الجميع .قال في مجمع البيان وأصل آدم كان من تراب وذلك قوله خلقه من تراب ثم جعل التراب طينا وذلك قوله وخلقته من طين ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك قوله من حماء مسنون ثم ترك حتى جف وذلك قوله من صلصال فهذه القوال ل تناقض فيها إذ هي اخبار عن حالته المختلفة انتهى .قوله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم قال الراغب السموم الريح الحارة تؤثر تأثير السم انتهى وأصل الجن الستر وهو معنى سار في جميع ما اشتق منه كالجن والمجنة والجنة والجنين والجنان بالفتح وجن عليه الليل وغير ذلك / .صفحة / 152 ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 152 والجن طائفة من الموجودات مستورة بالطبع عن حواسنا ذات شعور وارادة تكرر في القرآن الكريم ذكرهم ونسب إليهم أعمال عجيبة وحركات سريعة كما في قصص سليمان عليه السلم وهم مكلفون ويعيشون ويموتون ويحشرون تدل على ذلك كله آيات كثيرة متفرقة في كلمه تعالى .واما الجان فهل هو الجن بعينه أو هو أبو الجن كما ان آدم عليه السلم أبو البشر كما عن ابن عباس أو هو ابليس نفسه كما عن الحسن أو الجان نسل ابليس من الجن أو هو نوع من الجن كما ذكره الراغب ؟ اقوال مختلفة ل دليل على اكثرها .والذى يهدى إليه التدبر في كلمه تعالى انه قابل في هاتين اليتين النسان بالجان فجعلهما نوعين اثنين ل يخلوان عن نوع من الرتباط في خلقتهما ونظير ذلك قوله " :خلق النسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار " الرحمان . 15 :ول يخلو سياق ما نحن فيه من اليات من دللة على إن ابليس كان جانا وإل لغى قوله والجان خلقناه من قبل الخ وقد قال تعالى في موضع آخر من كلمه في ابليس " :كان من الجن ففسق عن امر ربه " الكهف 50 :فأفاد إن هذا الجان المذكور هو الجن نفسه أو هو نوع من انواع الجن ثم ترك سبحانه في سائر كلمه ذكر الجان من اصله ولم يذكر ال الجن حتى في موارد يعم الكلم فيها ابليس وقبيله كقوله تعالى " :شياطين النس والجن " النعام 112 :وقوله وحق عليهم القول في امم قد خلت من قبلهم من الجن والنس " حم السجدة 25وقوله " :سنفرغ لكم ايها الثقلن " إلى أن قال " يا معشر الجن والنس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والرض فانفذوا " الرحمان . 33 :وظاهر هذه اليات من جهة المقابلة الواقعة فيها بين النسان والجان تارة وبين النس والجن اخرى ان الجن والجان واحد وان اختلف التعبير .وظاهر المقابلة بين قوله ولقد خلقنا النسان الخ وقوله :وخلقنا الجان من قبل الخ ان خلق الجان من نار السموم المراد به الخلق البتدائي وبدء ظهور النوع كخلق النسان من صلصال وهل كان استمرار الخلقة في افراد الجان المستتبع لبقاء النوع على سنة الخلق الول من نار السموم بخلف النسان حيث بدئ /صفحة / 153خلقه من تراب ثم استمر بالنطفة ؟ كلمه سبحانه خال عن بيانه ظاهرا غير ما في بعض كلمه من نسبة الذرية إلى ابليس كما قال " :أفتتخذونه وذريته اولياء من دوني " الكهف 50 :ونسبة الموت إليهم كما في قوله " : قد خلت من قبلهم من الجن والنس " حم السجدة 25 :والمألوف من نوع فيه ذرية وموت هو التناسل والكلم بعد في هذا التناسل هل هو بسفاد كسفاد نوع من الحيوان أو بغير ذلك ؟ وقوله خلقناه من قبل مقطوع الضافة أي من قبل خلق النسان والقرينة هي المقابلة بين الخلقين .وعد مبدأ خلق الجان في الية هو نار السموم ل ينافى ما في سورة الرحمان من عده مارجا من نار أي لهيبا مختلطا بدخان فان اليتين تلخصان ان مبدأ خلقه ريح سموم اشتعلت فكانت مارج نار .فمعنى اليتين اقسم لقد بدأنا خلق النوع النسان من طين قد جف بعد ان كان سائل متغيرا منتنا ونوع الجان بدأنا خلقه من ريح حارة حادة اشتعلت فصارت نارا قوله تعالى " :واذ قال ربك للملئكة إنى خالق بشرا " إلى آخر الية قال في المفردات البشرة ظاهر الجلد والدمة باطنه كذا قال عامة الدباء إلى أن قال وعبر عن النسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلف الحيوانات التى عليها الصوف أو الشعر أو الوبر واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثنى فقال تعالى " :أنؤمن لبشرين " وخص في القرآن في كل موضع اعتبر من النسان جثته وظاهره بلفظ البشر نحو وهو الذى خلق من الماء بشرا انتهى موضع الحاجة .وقوله واذ قال ربك للملئكة انى خالق بشرا باضمار فعل والتقدير واذكر إذ قال ربك وفي الكلم التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة وكأن العناية فيه مثل العناية التى مرت في قوله وان ربك هو يحشرهم فان هذه اليات ايضا تكشف عن نبأ ينتهى إلى الحشر والسعادة والشقاوة الخالدتين .على ان التكلم مع الغير في السابق ولقد خلقنا خلقناه من قبيل تكلم العظماء عنهم وعن خدمهم واعوانهم تعظيما أي باخذه تعالى ملئكته الكرام معه في /صفحة / 154المر وهذه العناية مما ل يستقيم في مثل المقام الذى يخاطب فيه الملئكة في اخبارهم بارادته خلق آدم عليه السلم وأمرهم بالسجود له إذا سواه ونفخ فيه من روحه فافهم ذلك ومعنى الية ظاهر .قوله تعالى " :فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " التسوية جعل الشئ مستويا قيما على امره بحيث يكون كل جزء منه على ما ينبغى أن يكون عليه فتسوية النسان ان يكون كل عضو من اعضائه في موضع الذى ينبغى ان يكون فيه وعلى الحال التى ينبغى ان يكون عليها .ول يبعد ان يستفاد من قوله انى خالق فإذا سويته ان خلق بدن النسان الول كان على سبيل التدريج الزمانى فكان اول الخلق وهو جمع الجزاء ثم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 154 التسوية وهو تنظيم الجزاء ووضع كل جزء في موضعه الذى يليق به وعلى الحال التى تليق به ثم النفخ ول ينافيه ما في قوله تعالى " :خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " آل عمران 59 :فان قوله ثم قال له الخ ناظر إلى كينونة الروح وهو النفس النسانية دون البدن كما عبر عنه في موضع آخر بعد بيان خلق البدن بالتدريج بقوله " : ثم انشأناه خلقا آخر " المؤمنون . 14 :وقوله " : ونفخت فيه من روحي " النفخ ادخال الهواء في داخل الجسام بفم أو غيره ويكنى به عن القاء اثر أو امر غير محسوس في شئ ويعنى به في الية ايجاده تعالى الروح النساني بما له من الرابطة والتعلق بالبدن وليس بداخل فيه دخول الهواء في الجسم المنفوخ فيه كما يشير إليه قوله سبحانه : " ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر " المؤمنون 14 :وقوله تعالى " :قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم " ألم السجدة . 11 :فالية الولى كما ترى تبين ان الروح النساني هو البدن منشأ خلقا آخر والبدن على حاله من غير ان يزاد فيه شئ والية الثانية تبين ان الروح عند الموت مأخوذ من البدن والبدن على حاله من غير ان ينقص منه شئ .فالروح امر موجود في نفسه له نوع اتحاد بالبدن بتعلقه به وله استقلل عن البدن إذا انقطع تعلقه به وفارقه وقد تقدم بعض ما يتعلق من الكلم بهذا المقام في /صفحة / 155 تفسير قوله تعالى " :ول تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات " البقرة 154 :في الجزء الول من الكتاب ونرجو ان نستوفي هذا البحث في ذيل قوله " :قل الروح من أمر ربي " الية 85من سورة اسرى ان شاء الله واضافة الروح إليه تعالى في قوله " :من روحي " للتكرمة والتشريف من الضافة اللمية المفيدة للملك وقوله " :فقعوا له ساجدين " أي اسجدوا ول يبعد ان يفهم منه ان خروا على الرض ساجدين له فيفيد التأكيد في الخضوع من الملئكة لهذا المخلوق الجديد كما قيل ومعنى الية فإذا عدلت تركيبه وأتممت صنع بدنه وأوجدت الروح الكريم المنسوب الي الذي اربط بينه وبين بدنه فقعوا وخروا على الرض ساجدين له قوله تعالى " :فسجد الملئكة كلهم أجمعون إل ابليس أبى أن يكون مع الساجدين " لفظة أجمعون تأكيد بعد تأكيد لتشديده والمراد أن الملئكة سجدوا له بحيث لم يبق منهم أحد وقد استثنى من ذلك ابليس ولم يكن منهم لقوله تعالى " :كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف 50 :واما قول من قال :ان طائفة من الملئكة كانوا يسمون الجن وكان ابليس منهم أو ان الجن بمعنى الستر فيعم الملئكة وغيرهم فمما ل يصغى إليه وقد تقدم في تفسير سورة العراف كلم في معنى شمول المر بالسجود لبليس مع عدم كونه من الملئكة ومعنى اليتين ظاهر قوله تعالى " :قال يا ابليس ما لم أن ل تكون مع الساجدين " ما لك مبتدأ وخبر اي ما الذي هو كائن لك ؟ وقوله " :ان ل تكون " من قبيل نزع الخافض والتقدير في ان ل تكون مع الساجدين وهم الملئكة ومحصل المعنى ما بالك لم تسجد ؟ قوله تعالى " :قال لم أكن لسجد لبشر خلقته من صلصال من حماء مسنون " في التعبير بقوله لم أكن لسجد دون ان يقول ل اسجد أو لست اسجد دللة على ان الباء على السجدة مقتضى ذاته وكان هو المترقب منه لو اطلع على جوهره فتفيد الية بالكناية ما يفيده قوله في موضع آخر " :أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته /صفحة / 156من طين :ص 76 : بالتصريح .وقد تقدم كلم في معنى السجود لدم وامر الملئكة وابليس بذلك وائتمارهم وتمرده عنه نافع في هذا الباب في تفسير سورتي البقرة والعراف من هذا الكتاب .قوله تعالى " :فاخرج منها فانك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " الرجيم فعيل بمعنى المفعول من الرجم وهو الطرد وشاع استعماله في الطرد بالحجارة والحصاة واللعن هو الطرد والبعاد من الرحمة . ومن هنا يظهر ان قوله وان عليك اللعنة الخ بمنزلة البيان لقوله فانك رجيم فان الرجم كان سببا لخروجه من بين الملئكة من السماء أو من المنزلة اللهية وبالجملة من مقام القرب وهو مستوى الرحمة الخاصة اللهية فينطبق على البعاد من الرحمة وهو اللعن وقد نسب سبحانه هذه اللعنة المجعولة على ابليس في موضع آخر إلى نفسه فقال " :وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " ص 58 :وقيدها في اليتين جميعا بقوله إلى يوم الدين .اما جعل مطلق اللعنة عليه في قوله عليك اللعنة فلن اللعن يلحق المعصية وما من معصية إل ولبليس فيه صنع بالغواء والوسوسة فهو الصل الذى يرجع إليه كل معصية وما يلحقها من لعن حتى في عين ما يعود إلى اشخاص العصاة من اللعن والوبال وتذكر في ذلك ما تقدم في ذيل قوله تعالى " :ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه فيجعله في جهنم " النفال 37 :في الجزء التاسع من الكتاب . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 156 على انه لعنه الله اول فاتح فتح باب معصية الله وعصاه في امره فإليه يعود وبال هذا الطريق بسالكيه ما سلكوا فيه .واما جعل لعنته خاصة عليه في قوله عليك لعنتي فلن البعاد من الرحمة بالحقيقة انما يؤثر اثره إذا كان منه تعالى إذ ل يملك احد من رحمته اعطاء ومنعا ال باذنه فإليه يعود حقيقة العطاء والمنع .على ان اللعن من غيره تعالى بالحقيقة دعاء عليه بالبعاد من الرحمة واما نفس /صفحة / 157البعاد الذى هو نتيجة ادعاء فهو من صنعه القائم به تعالى وحقيقته المبالغة في منع الرحمة .وقال في المجمع وقال بعض المحققين انما قال سبحانه هنا وان عليك اللعنة باللف واللم وقال في سورة ص لعنتي بالضافة لن هناك يقول لما خلقت بيدى مضافا فقال وان عليك لعنتي على المطابقة وقال هنا ما لك ال تكون مع الساجدين وساق الية على اللم في قوله ولقد خلقنا النسان وقوله والجان فاتى باللم ايضا في قوله وان عليك اللعنة انتهى وقال ايضا في الية بيان انه ل يؤمن قط .واما تقييد اللعنة بقوله إلى يوم الدين فلن اللعنة هي عنوان الثم والوبال العائد إلى النفس من المعصية والمعصية محدودة بيوم القيامة فاليوم عمل ول جزاء وغدا جزاء ول عمل وان شئت فقل هذه الدار دار كتابة العمال وحفظها ويوم القيامة دار الحساب والجزاء .واما قول القائل ان تحديد اللعن بيوم الدين دليل على كونه مغيا به مرفوعا فيه وفيما بعده فمما يدفعه ظاهر اليات المبينة للعذاب يوم القيامة .ويؤيد ذلك التعبير في الية عن يوم القيامة بيوم الدين المشعر بأنه ملعون قبل يوم القيامة ومجزى به فيه ولو انقطع العذاب بقيام الساعة لكان اليوم يوم انقطاع الدين ل يوم الدين .وربما قيل في دفع اشكال الغاية ان ذلك ابعد غاية يضربها الخلئق فهو كقوله خالدين فيها ما دامت السماوات والرض الية وهو كما ترى وقد عرفت معنى الية المقيس عليها في تفسير سورة هود . وربما قيل ان المراد باللعنة في الية لعن الخلئق وذلك منقطع بمجئ يوم الدين دون لعنه تعالى وابعاده له من رحمته فانه متصل إلى البد .وكأن هذا القائل ذهب عليه قوله تعالى في سورة ص : " وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين الية . 78 :قوله تعالى " :قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون " النظار هو المهال وقد صدر كلمه بقوله رب وهو يخاصمه وقد عصاه واستكبر عليه تعالى لنه في مقام /صفحة / 158الدعاء ل مفر له من دعوته تعالى بما يثير به الرحمة اللهية المطلقة وهو اللتجاء إليه بربوبيته له ليستجيب له وهو مغضوب عليه .وقد صدر مسألته بفاء التفريع في قوله فانظرني وذكر فيه بعثة عامة البشر من غير أن يخص بالذكر آدم اباهم الذى ابتلى بالرجم واللعن من اجل الباء عن السجود له وذلك كله مبنى على ما تقدم في تفسير آيات القصة في سورة العراف ان المأمور به كان هو السجود لعامة البشر وكان آدم عليه السلم كالقبلة المنصوبة للسجود يمثل به النوع النساني .وتوضيحه انه قد تقدم في قوله تعالى " :ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا ال ابليس " العراف 11إنهم انما أمروا بالسجدة لنوع النسان ل لشخص آدم عليه السلم ولم يكن هذه السجدة تشريفا اجتماعيا من غير غاية حقيقية بل كانت خضوعا بحسب الخلقة فهم بحسب ما اريد من خلقتهم خاضعون للنسان بحسب ما اريد من كمال خلقته أي إنهم مسخرون لجله عاملون في سبيل سعادة حياته أي ان للنسان منزلة من القرب ومرحلة من كمال السعادة تفوق ما للملئكة من ذلك .فسجودهم جميعا له دليل انهم جميعا مسخرون في سبيل كماله من السعادة عاملون لجل فوزه وفلحه كملئكة الحياة وملئكة الموت وملئكة الرزاق وملئكة الوحى والمعقبات والحفظة والكتبة وغيرهم ممن تذكرهم متفرقات اليات القرآنية فالملئكة اسباب الهية واعوان للنسان في سبيل سعادته وكما له ومن هنا يظهر للمتدبر الفطن إن إباء ابليس عن السجدة استنكاف منه عن الخضوع لنوع النسان والعمل في سبيل سعادته واعانته على كماله المطلوب على خلف ما ظهر من الملئكة فهو بإبائه عن السجدة خرج من جمع الملئكة كما يفيده قوله تعالى " :ما لك أن ل تكون مع الساجدين " واظهر الخصومة لنوع النسان والبراءة منهم ما حيوا وعاشوا أو خالدا مؤبدا .ويؤيده جعله تعالى اللعنة المطلقة عليه من يوم أبى إلى يوم الدين وهو مدة مكث النوع النساني في هذه الدنيا فجعلها عليه كذلك ولما يدع ابليس انه سيغويهم ولم يقل /صفحة / 159 بعد لغوينهم اجمعين مشعر بأن اباءه عن السجدة نوع خصومة وعداوة منه لهذا النوع آخذا من آدم إلى آخر من سيولد ويعيش من ذريته .فكأنه عليه اللعنة فهم من قوله تعالى " :وان عليك اللعنة إلى يوم الدين ان له شأنا مع النوع النساني إلى يوم القيامة وان لشقائهم وفساد اعمالهم ارتباطا به من حيث امتنع عن السجود ولذلك سأل النظرة إلى يوم يبعثون مفرعا ذلك على اللعنة ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 159 المجعولة عليه فقال رب فانظرني إلى يوم يبعثون ولم يقل رب انظرني إلى يوم يبعثون ولم يقل انظرني إلى يوم يموت آدم أو انظرني ما دام حيا يعيش بل ذكر آدم وبنيه جميعا وطلب النظرة إلى يوم يبعثون مفرعا ذلك على اللعنة إلى يوم الدين فلما اجيب إلى ما سأل ابدى ما في كمون ذاته وقال لغوينهم اجمعين .قوله تعالى " :قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم جواب منه سبحانه لبليس وفيه اجابة ورد اما الجابة فبالنسبة إلى اصل النظار الذى سأله واما الرد فبالنسبة إلى القيد وهو ان يكون النظار إلى يوم يبعثون فان من الواضح اللئح بالنظر إلى سياق اليتين ان يوم وقت المعلوم غير يوم يبعثون فلم يسمح له بانظاره إلى يوم يبعثون بل إلى يوم هو غيره ول محالة هو قبل يوم البعث .وبذلك يظهر فساد قول من قال انه لعنه الله اجيب إلى ما سال واليومان في اليتين واحد ومن الدليل عليه قوله في سورة العراف في القصة " :قال انك من المنظرين " الية 15 :من غير أن يقيد بشئ . اما فساد دعواه اتحاد اليومين في اليتين فقد ظهر مما تقدم واما فساد الستدلل باطلق آية العراف فلنها تتقيد بما في هذه السورة وسورة ص من التقييد بقوله إلى يوم الوقت المعلوم وهذا كثير شائع في كلمه تعالى والقرآن يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض .وظاهر يوم الوقت المعلوم انه وقت تعين في العلم اللهى نظير قوله " :وما ننزله إل بقدر معلوم " الحجر : 21وقوله " :اولئك لهم رزق معلوم " الصافات : 41فهو معلوم عند الله قطعا واما انه معلوم لبليس أو مجهول عنده فغير معلوم من اللفظ وقول بعضهم انه سبحانه ابهم اليوم ولم يبين فهو معلوم لله غير معلوم لبليس لن في / صفحة / 160بيانه اغراء بالمعصية كلم خال عن الدليل فابهام اللفظ بالنسبة الينا غير ابهام ما القى إلى ابليس من القول بالنسبة إليه على ان اغراء ابليس بالمعصية وهو الصل لكل معصية مفروضة ل يخلو عن اشكال فافهمه .على ان قول ابليس ثانيا لغوينهم اجمعين شاهد على انه سيبقى إلى آخر ما يعيش النسان في الدنيا ممن يمكنه اغواؤه فقد كان فهم من قوله تعالى إلى يوم الوقت المعلوم انه آخر عمر البشر العائشين في الرض الجائز له اغواؤهم .ونسب إلى ابن عباس ومال إليه الجمهور إن اليوم هو آخر ايام التكليف وهو النفخة الولى يوم يموت الخلئق وكأنه مبنى على إن ابليس باق ما بقى التكليف وامكنت المخالفة والمعصية وهو مدة عمر النسان في الدنيا وينتهى ذلك إلى النفخة الولى التى بها يموت الخلئق فهو يوم الوقت المعلوم الذى انظره الله إليه وبينه وبين النفخة الثانية التى فيها يبعثون اربعمائة سنة أو اربعون سنة على اختلف الروايات وهى ما به التفاوت بين ما سأله ابليس وبين ما اجاب إليه الله سبحانه .وهذاوجه حسن لو ل ما فيه من قولهم ان ابليس باق ما بقى التكليف وامكنت المخالفة والمعصية فانها مقدمة ل بينة ول مبينة وذلك ان تعويل القوم في ذلك على االمستفاد من اليات والخبار كون كل كفر وفسوق موجود في النوع النساني مستندا إلى اغواء ابليس ووسوسته كما يدل عليه امثال قوله تعالى " :ألم أعهد اليكم يا بنى آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " يس 60 : وقوله " :وقال الشيطان لما قضى المر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم " الخ إلى غير ذلك من اليات ومقتضاها أن يدوم وجود ابليس ما دام التكليف باقيا والتكليف باق ما بقى النسان وهو المطلوب .وفيه ان كون المعصية النسانية مستندة بالجملة إلى اغواء ابليس مستفادة من اليات والروايات ل غبار عليه لكنه انما يقتضى بقاء ابليس ما دامت المعصية والغواية باقية ل بقائه ما دام التكليف باقيا ول دليل على الملزمة بين المعصية والتكليف وجودا .بل الحجة قائمة من العقل والنقل على إن غاية النسان النوعية وهى السعادة ستعم النوع ويتخلص المجتمع النساني إلى الخير والصلح ول يعبد على الرض يومئذ ال /صفحة / 161الله سبحانه وينطوى وقتئذ بساط الكفر والفسوق ويصفو العيش ويرتفع امراض القلوب ووساوس الصدور وقد تقدم تفصيل ذلك في مباحث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب قال تعالى " :ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون " الروم 41 :وقال " :ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الرض يرثها عبادي الصالحون " النبياء . 105 :ومن ذلك يظهر ان الذى استندوا إليه من الحجة انما يدل على كون يوم الوقت المعلوم الذى جعله الله غاية انظار ابليس هو يوم يصلح الله سبحانه المجتمع النساني فينقطع دابر الفساد ول يعبد يومئذ ال الله ل يوم يموت الخلئق بالنفخة الولى .قوله تعالى " :قال رب بما اغويتني لزينن لهم في الرض ولغوينهم اجمعين ال عبادك منهم المخلصين " الباء في قوله بما اغويتني للسببية وما مصدرية أي ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 161 اتسبب باغوائك اياى إلى التزيين لهم والقى إليهم ما استقر في من الغواية كما قالوا يوم القيامة على ما حكى الله " :اغويناهم كما غوينا " القصص . 63 :وقول بعضهم ان الباء للقسم أي اقسم باغوائك لزينن من اردء القول فلم يعهد في كتاب ول سنة أن يقسم بمثل الغواء والضلل وليس فيه شئ مفهوم من التعظيم اللزم في القسم .وقد نسب لعنه الله في قوله بما اغويتني إلى الله سبحانه انه اغواه ولم يرده الله سبحانه إليه ول اجاب عنه وليس مراده به غوايته إذ عصى امر السجدة ولم يسجد لدم عليه السلم والدليل على ذلك ان ل رابطة بين معصيته في نفسه وبين معصية النسان لربه حتى يكون معصيته سبب معصيتهم ويتسبب هو بها إلى اغوائهم .وانما يريد به ما يفيده قوله تعالى " : وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين من استقرار اللعنة المطلقة فيه وهى البعاد من الرحمة والضلل عن طريق السعادة وهى اغواء له اثر الغواية التى ابداها من نفسه واتى بها من عنده فيكون من اضلله تعالى مجازاة ل اضلل ابتدائيا وهو جائز غير ممتنع عليه تعالى ولذلك لم يرده كما قال تعالى " :يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به ال الفاسقين " البقرة 26 :وقد بينا /صفحة / 162ذلك في ذيل الية ومواضع اخرى من هذا الكتاب .وعند هذا يستقيم معنى السببية اعني اغواؤه الناس بسبب الغواء الذى مسه واستقر فيه فان البعد من الرحمة والبون من السعادة لما كان لزما لنفسه بلزوم اللعنة اللهية له كان كلما اقترب من قلب انسان بالوسوسة والتسويل أو استولى على نفس من النفوس وهو بعيد من الرحمة والسعادة اوجب ذلك بعد من اقترب منه أو تسلط عليه وهو اغواؤه بالقاء اثر الغواية التى عنده إليه وهو ظاهر .هذا ما يعطيه التدبر في الية ومحصله إن المراد بالغواء ليس هو الضلل البتدائي بل الضلل على سبيل المجازاة الذى يدل عليه قوله وان عليك لعنتي الية .واما القوم فكالمسلم عندهم ان قوله بما اغويتني لو كان بمعناه الظاهر وهو الضلل لكان هو الضلل البتدائي وكان ناظرا إلى ابائه وامتناعه عن السجدة ولذا استشكلوا الية واختلفوا في تفسير الغواء على اختلف مذاهبهم في استناد الشر إليه تعالى وصدوره منه جوازا وامتناعا .فقال بعضهم وهم اهل الجبر إن اسناد الغواء إليه تعالى بل انكار منه لذلك يدل على ان الشر كالخير من الله تعالى والمعنى رب بما اضللتنى بالمتناع عن السجدة فهو منك اقسم لضلنهم اجمعين . وقال آخرون وهم غيرهم انه ل يجوز استناد الشر والمعصية وكل قبيح إليه تعالى ووجهوا الية بوجوه .احدها ان الغواء في الية بمعنى التخييب والمعنى رب بما خيبتنى من رحمتك لخيبنهم بالدعوة إلى معصيتك .الثاني ان المراد بالغواء الضلل عن طريق الجنة والمعنى بما اضللتنى عن طريق جنتك لما صدر منى من معصيتك لضلنهم بالدعوة .الثالث ان المراد بقوله بما اغويتني بما كلفتني امرا ضللت عنده بالمعصية وهو السجود فسمى ذلك اضلل منه له توسعا وانت بالتأمل فيما قدمناه تعرف ان الية في غنى عن هذا البحث وما ابدئ فيه من الوجوه / .صفحة / 163 ونظير هذا البحث بحثهم عن النظار الواقع في قوله انك من المنظرين من جهة انه مفض إلى الغواء القبيح وترجيح للمرجوح على الراجح . فقال المجوزون ان الية تدل على ان الحسن والقبح اللذين يعلل بهما العقل افعالنا ل تأثير لهما في افعاله تعالى فله ان يثيب من يشاء ويعذب من يشاء من غير جهة مرجحة حتى مع رجحان الخلف قالوا ومن زعم ان حكيما يحصر قوما في دار ويرسل فيها النار العظيمة والفاعي القاتلة الكثيرة ولم يرد اذى احد من اولئك القوم بالحراق واللسع فقد خرج عن الفطرة النسانية فاذن من حكم الفطرة إن الله تعالى اراد بانظار ابليس اضلل بعض الناس .والمانعون يوجهون النظار بانه تعالى كان يعلم من ابليس واتباعه انهم يموتون على الكفر والفسوق ويصيرون إلى النار انظر ابليس أو لم ينظر على انه تعالى تدارك تأييده ذلك بمزيد ثواب المؤمنين المتقين على انه يقول ولغوينهم ولو كان الغواء من الله ل نكره عليه إلى غير ذلك مما اوردوه من الوجوه وليت شعرى ما الذى اغفلهم عن آيات المتحان والبتلء على كثرتها كقوله تعالى " :ليميز الله الخبيث من الطيب " النفال 37 :وقوله " :وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم " آل عمران 154 :وغيرهما من اليات الدالة على إن نظام السعادة والشقاء والثواب والعقاب مبنى على اساس المتحان والبتلء والنسان واقع بين الخير والشر والسعادة والشقاء له ما يختاره من العمل بنتائجه .فلو ل ان يكون هناك داع إلى الخير وهم الملئكة الكرام وان شئت فقل هو الله وداع إلى الشر وهم ابليس وقبيله لم يكن للمتحان معنى قال تعالى " :الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضل " البقرة . 268 : ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 163 ولئن ايد الله ابليس على النسان بالنظار إلى يوم الوقت المعلوم فقد ايده عليه بالملئكة الباقين ببقاء الدنيا ولم يقل سبحانه له انك منظر بل قال انك من المنظرين فاثبت منظرين غيره وجعله بعضهم .ولئن ايده بالتمكين بتزيين الباطل من الكفر والفسوق للنسان ايد النسان بأن هداه إلى الحق وزين اليمان في قلبه وفطره على التوحيد وعرفه الفجور /صفحة / 164والتقوى وجعل له نورا يمشى به في الناس ان آمن بربه إلى غير ذلك من اليادي قال " :قل الله يهدى للحق " يونس 35 :وقال " :ولكن الله حبب اليكم اليمان وزينه في قلوبكم " الحجرات 7 :وقال " : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها " الروم 30 :وقال " :ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس 8 : وقال " :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " النعام 122 :وقال " :انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " المؤمن 51 :والتكلم بالغير مشعر بوساطة الملئكة .فالنسان خلق هو في نفسه اعزل ليس معه شئ من السعادة والشقاء بحسب بدء خلقته واقف في ملتقى سبيلين سبيل الخير والطاعة وهو سبيل الملئكة ليس لهم ال الطاعة وسبيل الشر والمعصية وهو سبيل ابليس وجنوده وليس معهم إل المخالفة والمعصية فإلى أي السبيلين مال في مسير حياته وقع فيه ورافقه اصحابه وزينوا له ما عندهم وهدوه إلى ما ينتهى إليه سبيلهم وهو الجنة أو النار والسعادة أو الشقاء .فقد بان مما تقدم ان انظار ابليس إلى يوم الوقت المعلوم ليس من تقديم المرجوح على الراجح ول ابطال لقانون العلية بل ليتيسر به وبما يقابله من بقاء الملئكة ما هو الواجب من امر المتحان والبتلء فل محل للستشكال .وقوله لزينن لهم في الرض أي لزينن لهم الباطل أو لزينن لهم المعاصي على ما قيل والمعنى الول اجمع والمفعول محذوف على أي حال والظاهر ان المفعول معرض عنه والفعل مستعمل استعمال اللزم والغرض بيان اصل التزيين كناية عن الغرور يقال زين له كذا وكذا أي حمله عليه غرورا وضمير هم لدم وذريته على ما يدل عليه السياق والمراد بالتزيين لهم في الرض غرورهم في هذه الحياة الرضية وهى الحياة الدنيا وهو السبب القريب للغواء فيكون عطف قوله ولغوينهم اجمعين عليه من عطف المسبب على السبب المترتب عليه .والية تشعر بل تدل على ما قدمناه في تفسير آيات جنة آدم في الجزء الول من الكتاب ان معصية آدم بالكل من الشجرة المنهية عن وسوسة ابليس لم تكن معصية لمر مولوى بل مخالفة لمر ارشادى ل يوجب نقضا في عصمته فانه يعرف الرض في /صفحة / 165الية ظرفا لتزيينه واغوائه فما كان غروره لدم وزوجته في الجنة إل ليخرجهما منها وينزلهما إلى الرض فيتناسل فيها فيغويهما وبنيهما عن الحق ويضلهم عن الصراط قال تعالى " :يا بنى آدم ل يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " العراف . 27 :وقوله إل عبادك منهم المخلصين استثنى من عموم الغواء طائفة خاصة من البشر وهم المخلصون بفتح اللم على القراءة المشهورة والسياق يشهد انهم الذين اخلصوا لله وما أخلصهم ال الله سبحانه وقد قدمنا في الكلم على الخلص في تفسير سورة يوسف إن المخلصين هم الذين اخلصهم الله لنفسه بعد ما اخلصوا انفسهم لله فليس لغيره سبحانه فيهم شركة ول في قلوبهم محل فل يشتغلون بغيره تعالى فما ألقاه إليهم الشيطان من حبائله وتزييناته عاد ذكرا لله مقربا إليه .ومن هنا يترجح ان الستثناء انما هو من الغواء فقط ل منه ومن التزيين بمعنى انه لعنه الله يزين للكل لكن ل يغوى إل غير المخلصين . ويستفاد من استثناء العباد اول ثم تفسيره بالمخلصين ان حق العبودية انما هو بأن يخلص الله العبد لنفسه أي ان ل يملكه إل هو ويرجع إلى ان ل يرى النسان لنفسه ملكا وانه ل يملك نفسه ول شيئا من صفات نفسه وآثارها واعمالها وان الملك بكسر الميم وضمها لله وحده .وقوله تعالى " : قال هذا صراط على مستقيم " ظاهر الكلم على ما يعطيه السياق انه كناية على ان المر إليه تعالى ل غنى فيه عنه بوجه كما ان كون طريق السفينة على البحر يقضى على راكبيها بأن ل مفر لهم مما يستدعيه العبور على الماء من العدة والوسيلة وكذا كون طريق القافلة على الجبل يحوجهم إلى ما يتهيأ به لعبور قلله الشاهقة ومسالكه الصعبة فكونه صراطا عليه تعالى بالستقامة هو انه امر متوقف من كل جهة إلى حكمه وقضائه تعالى فانه الله الذى منه يبدأ كل شئ واليه ينتهى فل يتحقق امر إل وهو ربه القيوم عليه .وظاهر السياق ايضا ان الشارة بقوله هذا صراط الخ إلى قول ابليس " لغوينهم اجمعين ال عبادك منهم المخلصين " لما اظهر بقوله هذا انه سينتقم منهم /صفحة / 166 ويبسط سلطته بالتزيين والغواء عليهم جميعا فل يخلص منهم ال القليل كأنه يشير إلى ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 166 انه سيستقل بما عزم عليه ويعلو بارادته على الله سبحانه فيما اراد من خلقهم واستخلفهم واستعبادهم كما حكاه الله تعالى من قوله في موضع آخر من قوله " :ول تجد اكثرهم شاكرين " العراف . 17 :فمعنى الية ان ما ذكرت من انك ستغويهم اجمعين واستثنيت منهم من استثنيت واظهرت نسبته إلى قوتك ومشيئتك زاعما فيه انك مستقل به امر ل يملكه ال انا ول يحكم فيه غيرى ول يصدر ال عن قضائه فان اغويت فباذنى اغويت وان منعت فبمشيئتى منعت فليس اليك من المر شئ ول من الملك ال ما ملكتك ول من القدرة إل ما اقدرتك والذى اقضيه لك من السلطان ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ال من اتبعك الخ .قوله تعالى " :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ال من اتبعك من الغاوين " هذا هو القضاء الذى اشار سبحانه إليه في الية السابقة في امر الغواء وذكر انه له وحده ليس لغيره فيه صنع ول نصيب .ومحصله ان آدم وبنيه كلهم عباده ل كما قاله ابليس حيث قصر عباده على المخلصين منهم إذ قال إل عبادك منهم المخلصين ولم يجعل سبحانه له عليهم أي على العباد سلطانا حتى يستقل بأمرهم فيغويهم وانما جعل له السلطان على طائفة منهم وهم الذين اتبعوه من الغاوين وولوه امرهم والقوا إليه زمام تدبيرهم فهؤلء هم الذين له عليهم سلطان .فإذا امعنت في الية وجدتها ترد على ابليس قوله لغوينهم اجمعين ال عبادك منهم المخلصين من ثلث جهات اصلية احداها انه حصر عباده في المخلصين منهم ونفى عنهم سلطان نفسه وعمم سلطانه على الباقين والله سبحانه عمم عباده على الجميع وقصر سلطان ابليس على طائفة منهم وهم الذين اتبعوه من الغاوين ونفى سلطانه على الباقين .والثانية انه لعنه الله ادعى لنفسه الستقلل في اغوائهم كما يظهر من قوله لغوينهم في سياق المخاصمة والتقريع بالنتقام والله سبحانه يرد عليه بانه منه مزعمة /صفحة / 167باطلة وانما هو عن قضاء من الله وسلطان بتسليطه وانما ملكه اغواء من اتبعه وكان غاويا في نفسه وبسوء اختياره فلم يأت ابليس بشئ من نفسه ولم يفسد امرا على ربه ل في اغوائه اهل الغواية فانه بقضاء من الله سبحانه ان يستقر لهل الغواية غيهم بسببه وقد اعترف لعنه الله بذلك بعض العتراف بقوله رب بما اغويتني ول في استثنائه المخلصين فانه ايضا بقضاء من الله نافذ فل حكم ال لله .وهذا الذى تفيده الية الكريمة اعني تسليط ابليس على اغواء الغاوين الذين هم في انفسهم غاوون وتخليص المخلصين وهم مخلصون في انفسهم من كيده كل ذلك بقضاء من الله مبنى على اصل عظيم يفيده التوحيد القرآني المفاد بامثال قوله تعالى " :إن الحكم ال لله " يوسف 67 :وقوله " :وهو الله ل اله ال هو له الحمد في الولى والخرة وله الحكم " القصص 70 :وقوله " :الحق من ربك " آل عمران 60 :وقوله " :ويحق الله الحق بكلماته " يونس 82 :وغير ذلك من اليات الدالة على إن كل حكم ايجابي أو سلبى فهو مملوك لله نافذ بقضائه .ومن هنا يظهر ما في تفسيرهم قوله ال من اتبعك من الغاوين من المسامحة فانهم قالوا انه إذا قبل من ابليس واتبعه صار له سلطان عليه بعدوله عن الهدى إلى ما يدعوه إليه من الغى وظاهره انه سلطان قهرى يحصل لبليس عن سوء اختيارهم ليس من عند نفسه ول بجعل من الله سبحانه .وجه الفساد ان فيه اخذ الستقلل والحول الذاتي من ابليس واعطاؤه ذوات الشياء ولو كان ابليس ل يملك شيئا من عند نفسه وبغير اذن ربه فالشياء والمور ايضا ل تملك لنفسها شيئا ول حكما حتى الضروريات ولوازم الذوات ال باذن من الله وتمليك فافهمه .والثالثة إن سلطانه على اغواء من يغويه وان كان بجعل وتسليط من الله سبحانه إل انه ليس بتسليط على الغواء والضلل البتدائي غير الجائز اسناده إلى ساحته سبحانه بل تسليط على الغواء بنحو المجازاة المسبوق بغوايتهم من عندهم وفي انفسهم .والدليل على ذلك قوله تعالى " :ال من اتبعك من الغاوين " فابليس انما يغوى /صفحة / 168من اتبعه بغوايته أي ان النسان يتبعه بغوايته اول فيغويه هو ثانيا فهناك غواية بعدها اغواء والغواية اجرام من النسان والغواء بسبب ابليس مجازاة من الله سبحانه .ولو كان هذا الغواء اغواء ابتدائيا من ابليس لمن ل يستحق ذلك لكان هو الليق باللوم دون النسان كما يذكره يوم القيامة على ما يحكيه سبحانه بقوله " :وما كان لى عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لى فل تلوموني ولوموا انفسكم " ابراهيم 22 :فاللوم على النسان المجرم وهو مسؤول عن معصيته دون ابليس .نعم ابليس ملوم على ما يتلبس به من الفعل بسوء اختياره وهو الغواء الذى سلطه الله عليه مجازاة لما امتنع من السجود لدم لما امر به فالغواء هو الذى استقرت وليته عليه كما يشير سبحانه إليه في موضع آخر من كلمه إذ يقول " :إنا جعلنا الشياطين اولياء للذين ل يؤمنون " العراف 27 : وقال تعالى وهو اوضح ما يؤيد ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 168 جميع ما قدمناه " :كتب عليه انه من توله فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " الحج . 4 :وقد تحصل مما تقدم ان المراد بقوله عبادي عامة النسان وان الستثناء في قوله من اتبعك متصل ل منقطع وان من في قوله من الغاوين بيانية وان الكلم مبنى على رد قول ابليس وان الية مشتملة على قضاءين من الله سبحانه في عقدى المستثنى والمستثنى منه وغير ذلك .ومن ذلك يظهر عدم استقامة قول بعضهم ان المراد بعبادي هم الذين استثناهم ابليس وعبر عنهم بقوله عبادك منهم فيكون الستثناء منقطعا والكلم مسوقا لتقرير قول ابليس ان له سلطانا على من يغويه وان المخلصين ل سبيل له إليهم والمعنى إن المخلصين ل سلطان لك عليهم لكنك مسلط على من اتبعك من الغاوين .وانت تعلم بالتأمل فيما تقدم ان هذا هدم لساس السياق وما يعطيه مقام المخاصمة وتحق نسبته إلى ساحة العزة والكبرياء وتنزيل خطابه تعالى منزلة ل يفيد معها اكثر من تغيير صورة كلم ابليس مع حفظ معناه تقريرا أو اعترافا فهو يقول سأغويهم إل المخلصين والله سبحانه يقول ل تغوى المخلصين لكن تغوى غيرهم .وربما فسر بعضهم قوله عبادي بجميع البشر واخذ مع ذلك الستثناء / صفحة / 169منقطعا ولعل ذلك بالبناء على عدم جواز استثناء اكثر الفراد فل يقال له علي مائة ال تسعة وتسعون مثل ومن المعلوم ان الغاوين من الناس اكثر من المخلصين بما ل يقاس .وفيه ان ذلك انما هو فيما كان النظر في الستثناء إلى صريح العدد واما إذا كان المنظور إليه هو النوع أو الصنف بعنوانه فل بأس بزيادة عدد الفراد وللنسان عدة اصناف المخلصون ومن دونهم من المؤمنين والمستضعفون والذين اتبعوا ابليس من الغاوين وقد استثنى الصنف الخير في الية بعنوانه وبقى الباقون وهم اصناف .ومنهم من جعل الستثناء منقطعا حذرا من ثبوت سلطان ابليس حتى على الغاوين زعما منه انه ينافى اطلق السلطنة اللهية أو عدله تعالى ومعنى الية على هذا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان لكن من اتبعك من الغاوين القى اليك زمام نفسه وجعل لك على نفسه سلطانا وليس ذلك من نفسك حتى تعجز الله في خلقه ول من الله حتى ينافى عدله تعالى وفيه ان له سلطانا على الغاوين ل من نفسه بل بجعل من الله ول ينافى ذلك عدله في خلقه فانه تسليط مجازاة ل تسليط ابتدائى ول منافاة بين كون السلطان بقضاء منه تعالى وكونه باتباع الغاوين له باختيارهم فكل ذلك مما قد تبين فيما قدمناه .على ان قوله تعالى فيه " :كتب عليه انه من توله فانه يضله " الحج : 4وقوله " :إنا جعلنا الشياطين اولياء للذين ل يؤمنون " العراف 27 :يدلن صريحا على ثبوت سلطانه وانه بجعل من الله سبحانه وقضاء .قوله تعالى " :وان جهنم لموعدهم اجمعين " الظاهر ان موعد اسم مكان والمراد بكون جهنم موعدهم كونه محل انجاز ما وعدهم الله من العذاب .وهذا منه سبحانه تأكيد لثبوت قدرته ورجوع المر كله إليه كأنه تعالى يقول له ما ذكرته من السلطان على الغاوين ليس لك من نفسك ولم تعجزنا بل نحن سلطناك عليهم لتباعهم لك على إنا سنجازيهم بعذاب جهنم .ولكون الكلم مسوقا لبيان حالهم اقتصر على ذكر جزائهم ولم يذكر معهم ابليس ول جزاءه بخلف قوله " :لملن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين " ص 85 : وقوله " :فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا " اسرى 63 :لن المقام غير المقام / .صفحة 170 /قوله تعالى " :لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم " لم يبين سبحانه في شئ من صريح كلمه ما هو المراد بهذه البواب أهى كأبواب الحيطان مداخل تهدى الجميع إلى عرصة واحدة أم هي طبقات ودركات تختلف في نوع العذاب وشدته ؟ وكثيرا ما يسمى في المور المختلفة النواع كل نوع بابا كما يقال ابواب الخير وابواب الشر وابواب الرحمة قال تعالى " :فتحنا عليهم ابواب كل شئ " النعام 44 :وربما سمى اسباب الشئ وطرق الوصول إليه ابوابا كأبواب الرزق لنواع المكاسب والمعاملت .وليس من البعيد ان يستفاد المعنى الثاني من متفرقات آيات النار كقوله تعالى " :وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤها فتحت ابوابها " إلى ان قال : " قيل ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها " الزمر : 72وقوله " :إن المنافقين في الدرك السفل من النار " النساء 145إلى غير ذلك من اليات . ويؤيده قوله لكل باب منهم جزء مقسوم فان ظاهره ان نفس الجزء مقسوم موزع على الباب وهذا انما يلئم الباب بمعنى الطبقة دون الباب بمعنى المدخل واما تفسير بعضهم الجزء المقسوم بالفريق المعين المفروز من غيره فوهنه ظاهر .وعلى هذا فكون جهنم لها سبعة ابواب هو كون العذاب المعد فيها متنوعا إلى سبعة انواع ثم انقسام كل نوع اقساما حسب انقسام الجزء الداخل الماكث فيه وذلك يستدعى انقسام المعاصي الموجبة للدخول فيها سبعة اقسام وكذا انقسام الطرق المؤدية والسباب الداعية إلى تلك المعاصي ذاك النقسام وبذلك يتأيد ما ورد من ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 170 الروايات في هذه المعاني كما سيوافيك ان شاء الله .قوله تعالى " :ان المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلم آمنين " أي انهم مستقرون في جنات وعيون يقال لهم ادخلوها بسلم ل يوصف ول يكتنه نعته في حال كونكم آمنين من كل شر وضر .لما ذكر سبحانه قضاءه فيمن اتبع ابليس من الغاوين ذكر ما قضى به في حق المتقين من الجنة وقد ورد تفسير التقوى في كلمه صلى الله عليه وآله وسلم بالورع عن محارم الله وقد تكرر في كلمه تعالى بشراهم بالجنة فيكون المتقون اعم من المخلصين / .صفحة / 171وما قيل انه ل شبهة في ان السياق يدل على ان المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم وان المطلق يحمل على الفرد الكامل .فيه ان ذلك مبنى على كون المراد بالعباد في قوله ان عبادي ليس لك عليهم سلطان هم المخلصين حتى يختص السياق بالكلم فيهم وقد تقدم ان المراد بالعباد عامة افراد النسان خرج منه الغاوون بالستثناء وبقى الباقون وقد ذكر سبحانه قضاءه في الغاوين بالنار وهو ذا يذكر قضاءه في غيرهم ممن اوجب له الجنة والمر في المستضعفين مرجأ وفي العصاة من اهل الكبائر الذين يموتون بغير توبة منوط بالشفاعة فيبقى اهل التقوى من المؤمنين وهم اعم من المخلصين فقضى فيهم بالجنة .واما حديث حمل المطلق على الفرد الكامل فهو خطأ وانما يحمل على الفرد المتعارف وتفصيل المسألة في فن الصول .وذكر المام الرازي في تفسيره ان المراد بالمتقين في الية الذين اتقوا الشرك ونقله عن جمهور الصحابة والتابعين واسنده إلى الخبر .قال وهذا هو الحق الصحيح والذى يدل عليه ان المتقى هو التى بالتقوى مرة واحدة كما ان الضارب هو التى بالضرب مرة فليس من شرط صدق الوصف بكونه متقيا كونه آتيا بجميع انواع التقوى والذى يقرر ذلك إن التى بفرد واحد من افراد التقوى يكون آتيا بالتقوى فان الفرد مشتمل على الماهية بالضرورة وكل آت بالتقوى يجب ان يكون متقيا فالتى بفرد يجب كونه متقيا ولهذا قالوا ظاهر المر ل يفيد التكرار فظاهر الية يقتضى حصول الجنات والعيون لكل من اتقى عن ذنب واحد ال ان المة مجمعة على ان التقوى عن الكفر شرط في حصول هذا الحكم .وايضا هذه الية وردت عقيب قول ابليس " :إل عبادك منهم المخلصين " عقيب قوله تعالى " :ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فلذا اعتبر اليمان في هذا الحكم فوجب ان ل يزاد فيه قيد آخر لن تخصيص العام لما كان خلف الظاهر فكلما كان التخصيص اقل كان اوفق بمقتضى الصل والظاهر .فثبت ان الحكم المذكور يتناول جميع القائلين ل اله ال الله محمد رسول الله ولو /صفحة / 172كانوا من اهل المعصية وهذا تقرير بين وكلم ظاهر انتهى . ومقتضى كلمه شمول الية لمن اتقى الشرك ولو اقترف جميع الكبائر الموبقة التى نص الكتاب العزيز باستحقاق النار باتيانها وترك جميع الواجبات التى نص على تركها بمثله والمستأنس بكلمه تعالى المتدبر في آياته ل يرتاب في ان القرآن ل يسمى مثل هذا متقيا ول يعده من المتقين وقد اكثر القرآن ذكر المتقين وبشرهم بالجنة بشارة صريحة فيما يقرب من عشرين موضعا وصفهم في كثير منها باجتناب المحارم وبذلك فسر التقوى في الحديث كما تقدم .ثم ان مجرد صحة اطلق الوصف امر والتسمية امر آخر فل يسمى بالمؤمنين والمحسنين والقانتين والمخلصين والصابرين وخاصة في الوصاف التى تحتمل البقاء والستمرار ال من استقر فيه الوصف ولو صح ما ذكره في المتقين لجرى مثل ذلك في الظالمين والفاسقين والمفسدين والمجرمين والغاوين والضالين وقد اوعدهم الله النار وادى ذلك إلى تدافع عجيب واختلل في كلمه تعالى ولو قيل ان هناك ما يصرف هذه اليات ان تشمل المرة والمرتين كايات التوبة والشفاعة ونظائرها فهناك ما يصرف هذه الية ان تشمل المتقى بالمرة والمرتين وهى نفس آيات الوعيد على الكبائر الموبقة كآيات الزنا والقتل ظلما والربا واكل مال اليتيم واشباهها .ثم الذى ذكره في تقريب الدللة وجوه واهية كقوله ان هذه الية وقعت عقيب قول ابليس الخ فانك قد عرفت فيما تقدم ان ذلك ل ينفعه شيئا وكقوله ان زيادة قيد آخر بعد اليمان خلف الصل الخ فان الصل انما يركن إليه عند عدم الدليل اللفظى وقد عرفت ان هناك آيات جمة صالحة للتقييد . وكقوله ان ذلك خلف الظاهر وكأنه يريد به ظهور المطلق في الطلق وقد ذهب عليه ان ظهور المطلق انما هو حجة فيما إذا لم يكن هناك ما يصلح للتقييد .فالحق ان الية انما تشمل الذين استقرت فيهم ملكة التقوى وهو الورع عن محارم الله فاولئك هم المقضى عليهم بالسعادة والجنة قضاء لزما نعم المستفاد من الكتاب والسنة إن اهل التوحيد وهم من حضر الموقف بشهادة ان ل اله ال الله ل يخلدون في النار ويدخلون الجنة ل محالة وهذا غير دللة آية المتقين على ذلك / . صفحة / 173قوله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين إلى ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 173 آخر اليتين الغل الحقد وقيل هو ما في الصدر من حقد وحسد مما يبعث النسان إلى اضرار الغير والسرر جمع سرير والنصب هو التعب والعى الوارد من خارج .يصف تعالى في اليتين حال المتقين في سعادتهم بدخول الجنة اختص بالذكر هذه المور من بين نعم الجنة على كثرتها فان العناية باقتضاء من المقام متعلقة ببيان انهم في سلم وامن مما ابتلى به الغاوون من بطلن السعادة وذهاب السيادة والكرامة فذكر انهم في امن من قبل انفسهم لن الله نزع ما في صدورهم من غل فل يهم الواحد منهم بصاحبه سوء بل هم اخوان على سرر متقابلين ولتقابلهم معنى سيأتي في البحث الروائي ان شاء الله تعالى وانهم في امن من ناحية السباب والعوامل الخارجة فل يمسهم نصب اصل وانهم في امن وسلم من ناحية ربهم فما هم من الجنة بمخرجين ابدا فلهم السعادة والكرامة من كل جهة ول يغشاهم ول يمسهم شقاء ووهن من جهة اصل ل من ناحية انفسهم ول من ناحية سائر ما خلق الله ول من ناحية ربهم ) .كلم ( القضية التى صدرت عن مصدر العزة في بدء خلقة النسان على ما وقع في كلمه سبحانه عشرة الول والثانى قوله لبليس " :فاخرج منها فانك رجيم وان عليك اللعنة إلى يوم الدين " الحجر 35 :ويمكن ارجاعهما إلى واحد .الثالث قوله سبحانه له " : فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " الحجر . 38 -الرابع والخامس والسادس قوله له : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ال من اتبعك من الغاوين وان جهنم لموعدهم اجمعين " الحجر : . 43السابع والثامن قوله سبحانه لدم ومن معه : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الرض مستقر ومتاع إلى حين " البقرة . 36 :التاسع والعاشر قوله لهم اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع /صفحة / 174هداى فل خوف عليهم ول هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة . 39 وهناك اقضية فرعية مترتبة على هذه القضية الصلية يعثر عليها المتدبر الباحث ) .بحث روائي ( في تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلم قال :سألته عن قول الله ونفخت فيه من روحي الية قال روح خلقها الله فنفخ في آدم منها وفيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلم :في قوله فإذا سويته ونفخت فيه من روحي قال خلق خلقا وخلق روحا ثم امر الملك فنفخ فيه وليست بالتى نقصت من الله شيئاهى من قدرته تبارك وتعالى وفيه وفي رواية سماعة عنه عليه السلم :خلق آدم ونفخ فيه وسألته عن الروح قال هي قدرته من الملكوت .اقول أي هي قدرته الفعلية منبعثة عن قدرته الذاتية صادرة منها كما يدل عليه الخبر السابق .وفي المعاني باسناده عن محمد بن مسلم قال :سألت ابا جعفر عليه السلم عن قول الله عز وجل ونفخت فيه من روحي قال روح اختاره واصطفاه وخلقه واضافه إلى نفسه وفضله على جميع الرواح فأمر فنفخ منه في آدم وفي الكافي باسناده عن محمد بن مسلم قال : سألت ابا جعفر عليه السلم عما يروون إن الله خلق آدم على صورته فقال هي على صورة مخلوقة محدثة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فاضافها إلى نفسه كما اضاف الكعبة إلى نفسه فقال بيتى ونفخت فيه من روحي .اقول وهذه الروايات من غرر الروايات في معنى الروح تتضمن معارف جمة وسنوضح معناها عند الكلم في حقيقة الروح ان شاء الله . وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن ابى عبد الله عليه السلم في قوله تعالى " :انك لمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت /صفحة / 175 ابليس ما بين النفخة الولى والثانية وفي تفسير العياشي عن وهب بن جميع وفي تفسير البرهان عن شرف الدين النجفي بحذف السناد عن وهب واللفظ للثاني عن ابى عبد الله عليه السلم قال : سألته عن ابليس وقوله رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم -أي يوم هو ؟ قال يا وهب أتحسب انه يوم يبعث الله فيه الناس ولكن الله عز وجل انظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا -فيأخذ بناصيته ويضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم وفي تفسير القمى باسناده عن محمد بن يونس عن رجل عن ابى عبد الله عليه السلم في قول الله تبارك وتعالى فانظرني إلى قوله إلى يوم الوقت المعلوم قال يوم الوقت المعلوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصخرة التى في بيت المقدس .اقول وهو من اخبار الرجعة وفي معناه ومعنى الرواية السابقة عليه اخبار اخرى من طرق اهل البيت عليهم السلم ومن الممكن ان تكون الرواية الولى من هذه الثلث الخيرة صادرة على وجه التقية ويمكن ان توجه الروايات الثلث من غير تناف بينها بما تقدم في الكلم على الرجعة في الجزء الول من الكتاب وغيره ان الروايات الواردة من طرق اهل البيت عليهم السلم في تفسير غالب آيات القيامة تفسرها بظهور المهدى عليه السلم تارة وبالرجعة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 175 تارة وبالقيامة اخرى لكون هذه اليام الثلثة مشتركة في ظهور الحقائق وان كانت مختلفة من حيث الشدة والضعف فحكم احدها جار في الخرين فافهم ذلك .وفي تفسير العياشي عن جابر عن ابى جعفر عليه السلم قال :قلت أرايت قول الله ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ؟ ما تفسير هذا ؟ قال قال الله انك ل تملك ان تدخلهم جنة ول نارا وفي تفسير القمى " :في قوله تعالى لها سبعة ابواب الية قال قال يدخل في كل باب اهل مذهب وللجنة ثمانية ابواب وفي الدر المنثور اخرج احمد في الزهد عن خطاب بن عبد الله قال قال على :أتدرون كيف ابواب جهنم ؟ قلنا كنحو هذه البواب قال ل -ولكنها هكذا / صفحة / 176ووضع يده فوق يده وبسط يده على يده وفيه اخرج ابن المبارك وهناد وابن ابى شيبة وعبد بن حميد واحمد في الزهد وابن ابى الدنيا في صفة النار وابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي في البعث من طرق عن على قال : ابواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض فيمل الول ثم الثاني ثم الثالث حتى يمل كلها وفيه اخرج ابن مردويه والخطيب في تاريخه عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى لكل باب منهم جزء مقسوم قال جزء اشركوا بالله وجزء شكوا في الله وجزء غفلوا عن الله .اقول هو تعداد اجزاء البواب دون نفسها والظاهر ان الكلم غير مسوق للحصر .وفيه اخرج ابن مردويه عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجهنم باب ل يدخل منه ال من اخفرنى في اهل بيتى وأراق دماءهم من بعدى .اقول يقال خفره أي غدر به ونقض عهده . وفيه اخرج احمد وابن حبان والطبري وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عتبة ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :للجنة ثمانية ابواب وللنار سبعة ابواب وبعضها افضل من بعض .اقول والروايات كما ترى تؤيد من قدمناه . وفي تفسير القمى " :في قوله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل الية قال قال العداوة وفي تفسير البرهان عن الحافظ ابى نعيم عن رجاله عن ابى هريرة قال قال على ابن ابى طالب :يا رسول الله ايما انا احب اليك ام فاطمة ؟ قال فاطمة احب إلي منك وانت اعز علي منها وكأني بك وانت على حوضى تذود عنه الناس وان عليه اباريق عدد نجوم السماء -وانت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنة اخوانا على سرر متقابلين وانت معى وشيعتك ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخوانا على سرر متقابلين ل ينظر احدكم في قفاء صاحبه /صفحة / 177وفيه عن ابن المغازلى في المناقب يرفعه إلى زيد بن ارقم قال :دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إنى مواخ بينكم كما آخى الله بين الملئكة ثم قال لعلى أنت اخى ثم تل هذه الية " :اخوانا على سرر متقابلين الخلء في الله ينظر بعضهم إلى بعض " اقول ورواه ايضا عن احمد في مسنده مرفوعا إلى زيد بن اوفى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرواية مبسوطة .وفي الروايتين تفسير قوله تعالى على سرر متقابلين بقوله ل ينظر احدهم في قفاء صاحبه وقوله الخلء في الله ينظر بعضهم إلى بعض وفيه اشارة إلى ان التقابل في الية كناية عن عدم تتبع احدهم عورات اخوانه وزلتهم كما يفعل ذلك من في صدره غل وهو معنى لطيف .وما قرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الية انما هو من باب الجرى والنطباق ل ان الية نازلة في اهل البيت عليهم السلم فسياق اليات ل يلئمه البتة .ونظيرها ما روى عن على عليه السلم :إن الية نزلت فينا اهل بدر وفي رواية اخرى عنه عليه السلم :انها نزلت في ابى بكر وعمر وفي رواية اخرى عن على بن الحسين عليه السلم :انها نزلت في ابى بكر وعمر وعلى وفي رواية اخرى " :انها نزلت في على والزبير وطلحة وفي رواية اخرى " :انها نزلت في على وعثمان وطلحة والزبير وفي رواية اخرى عن ابن عباس " :انها نزلت في عشرة ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود .والروايات على ما بها من الختلف تطبيقات من الرواة والية تأبى بسياقها عن أن تكون نازلة في بعض المذكورين كيف ؟ وهى في جملة آيات تقص ما قضاه الله وحكم به يوم خلق آدم وامر الملئكة وابليس بالسجود له فأبى ابليس فرجمه ثم قضى ما قضى ول تعلق لذلك باشخاص بخصوصيتهم هذا * * * نبئ عبادي إنى أنا الغفور الرحيم 49 -وإن عذابي هو العذاب /صفحة / 178 الليم 50 -ونبئهم عن ضيف ابراهيم 51 -إذ دخلوا عليه فقالوا سلما قال إنا منكم وجلون - 52قالوا ل توجل إنا نبشرك بغلم عليم 53 -قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فبم تبشرون - 54قالوا بشرناك بالحق فل تكن من القانطين - 55قال ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون 56 - قال فما خطبكم ايها المرسلون 57 -قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين 58 -إل آل لوط إنا لمنجوهم اجمعين 59 -ال امراته قدرنا انها لمن ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 178 الغابرين 60 -فلما جاء آل لوط المرسلون 61 - قال انكم قوم منكرون 62 -قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون 63 -واتيناك بالحق وانا لصادقون 64 -فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع ادبارهم ول يلتفت منكم احد وامضوا حيث تؤمرون 65 -وقضينا إليه ذلك المر ان دابر هؤلء مقطوع مصبحين 66 -وجاء اهل المدينة يستبشرون 67 - قال ان هؤلء ضيفي فل تفضحون 68 -واتقوا الله ول تخزون 69 -قالوا أو لم ننهك عن العالمين 70 -قال هؤلء بناتى إن كنتم فاعلين - 71لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون 72 - فاخذتهم الصيحة مشرقين 73 -فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل 74 - إن /صفحة / 179في ذلك ليات للمتوسمين 75 - وانها لبسبيل مقيم 76 -ان في ذلك لية للمؤمنين 77 -وان كان اصحاب اليكة لظالمين - 78فانتقمنا منهم وانهما لبإمام مبين 79 -ولقد كذب اصحاب الحجر المرسلين 80 -وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين 81 -وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين 82 -فأخذتهم الصيحة مصبحين 83 -فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) 84 -بيان ( بعد ما تكلم سبحانه حول استهزائهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وما انزل إليه من الكتاب واقتراحهم عليه ان ياتيهم بالملئكه وهم ليسوا بمؤمنين وان سمح لهم باوضح اليات اتى سبحانه في هذه اليات ببيان جامع في التبشير والنذار وهو ما في قوله نبئ عبادي إلى آخر اليتين ثم اوضحه وايده بقصة جامعة للجهتين متضمنة للمرين معا وهى قصة ضيف ابراهيم وفيها بشرى ابراهيم بما ل مطمع فيه عادة وعذاب قوم لوط بأشد انواع العذاب .ثم ايده تعالى باشارة اجمالية إلى تعذيب اصحاب اليكة وهم قوم شعيب واصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح عليه السلم .قوله تعالى " :نبئ عبادي انى انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الليم " المراد بقوله عبادي على ما يفيده سياق اليات مطلق العباد ول يعبؤ بما ذكره بعضهم ان المراد بهم المتقون السابق ذكرهم أو المخلصون . وتاكيد الجملتين بالسمية وان وضمير الفصل واللم في الخبر يدل على ان الصفات المذكورة فيها اعني المغفرة والرحمة والم العذاب بالغة في معناها النهاية بحيث ل تقدر بقدر ول يقاس بها غيرها فما من مغفرة أو رحمة ال ويمكن ان يفرض لها مانع يمنع /صفحة / 180من ارسالها أو مقدر يقدرها ويحدها لكنه سبحانه يحكم ل معقب لحكمه ول مانع يقاومه فل يمنع عن انجاز مغفرته ورحمته شئ ول يحدهما امر ال أن يشاء ذلك هو عز وجل فليس لحد ان ييأس من مغفرته أو يقنط من روحه ورحمته استنادا إلى مانع يمنع أو رادع يردع ال أن يخافه تعالى نفسه كما قال " : ل تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وانيبوا إلى ربكم " الزمر . 54 -وليس لحد ان يحقر عذابه أو يؤمل عجزه أو يأمن مكره والله غالب على امره ول يأمن مكر الله ال القوم الخاسرون قوله تعالى ونبئهم عن ضيف ابراهيم الضيف معروف ويطلق على المفرد والجمع وربما يجمع على اضياف وضيوف وضيفان لكن الفصح كما قيل ان ل يثنى ول يجمع لكونه مصدرا في الصل .والمراد بالضيف الملئكة المكرمون الذين ارسلوا لبشارة ابراهيم بالولد ولهلك قوم لوط سماهم ضيفا لنهم دخلوا عليه في صورة الضيف .قوله تعالى : " إذ دخلوا عليه فقالوا سلما قال انا منكم وجلون قالوا ل توجل انا نبشرك بغلم عليم ضمير الجمع في دخلوا وقالوا في الموضعين للملئكة فقولهم سلما تحية وتقديره نسلم عليك سلما وقول ابراهيم عليه السلم انا منكم وجلون أي خائفون والوجل الخوف .وانما قال لهم ابراهيم ذلك بعد ما استقر بهم المجلس وقدم إليهم عجل حنيذا فلم يأكلوا منه فلما رأى ايديهم ل تصل إليه نكرهم واوجس منهم خيفة كما في سورة هود فالقصة مذكورة على نحو التلخيص .وقولهم ل توجل تسكين لوجله وتأمين له وتطييب لنفسه بانهم رسل ربه وقد دخلوا عليه ليبشروه بغلم عليم أي بولد يكون غلما وعليما ولعل المراد كونه عليما بتعليم الله ووحيه فيقرب من قوله في موضع " آخر فبشرناه باسحاق نبيا " الصافات : . 112قوله تعالى " :قال أبشرتموني على ان مسنى الكبر فبم تبشرون " تلقى ابراهيم عليه السلم البشرى وهو شيخ كبير هرم ل عقب له من زوجه وقد ايأسته العادة الجارية /صفحة / 181 عن الولد وان كان يجل ان يقنط من رحمه الله ونفوذ قدرته ولذا تعجب من قولهم واستفهمهم كيف يبشرونه بالولد وحاله هذه الحال وزوجه عجوز عقيم كما وقع في موضع آخر من كلمه تعالى .فقوله ا بشرتموني على ان مسنى الكبر الكبر كنايه عن الشيخوخه ومسه هو نيله منه ما نال بافناء شبابه واذهاب قواه والمعنى انى ل تعجب من بشارتكم اياى والحال انى شيخ هرم فنى شبابى و فقدت قوى بدنى والعاده تستدعى ان ل يولد لمن هذا شانه ولد .وقوله فبم تبشرون تفريع على قوله مسنى الكبر وهو استفهام عما بشروه به كانه يشك في ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 181 كون بشارتهم بشرى بالولد مع تصريحهم بذلك ل استبعاد ذلك فيسأل ما هو الذى تبشرون به فان الذى يدل عليه ظاهر كلمكم امر عجيب وهذا شائع في الكلم يقول الرجل إذا اخبر بما يستبعده أو ل يصدقه ما تقول ؟ وما تريد ؟ وماذا تصنع ؟ قوله تعالى " :قالوا بشرناك بالحق إلى قوله ال الضالون " الباء في بالحق للمصاحبة أي ان بشارتنا ملزمة للحق غير منفكة منه فل تدفعها بالستبعاد فتكون من القانطين من رحمة الله وهذا جواب للملئكة وقد قابلهم ابراهيم عليه السلم على نحو التكنية فقال ومن يقنط من رحمة ربه ال الضالون والستفهام انكاري أي ان القنوط من رحمة الله مما يختص بالضالين ولست انا بضال فليس سؤالي سؤال قانط مستبعد . قوله تعالى " :قال فما خطبكم ايها المرسلون " الخطب المر الجليل والشأن العظيم وفي خطابهم بالمرسلين دللة على انهم ذكروا له ذلك قبل ومعنى الية ظاهر .قوله تعالى " :قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين " إلى قوله لمن الغابرين قال في المفردات الغابر الماكث بعد مضى من هو معه قال تعالى " :إل عجوزا في الغابرين " يعنى فيمن طال اعمارهم وقيل فيمن بقى ولم يسر مع لوط وقيل فيمن بقى بعد في العذاب وفي آخر إل امرأتك كانت من الغابرين وفي آخر قدرنا انها لمن الغابرين إلى ان قال والغبار ما يبقى من التراب المثار وجعل على بناء /صفحة / 182 الدخان والعثار ونحوهما من البقايا انتهى ولعله من هنا ما ربما يسمى الماضي والمستقبل معا غابرا اما الماضي فبعناية انه بقى فيما مضى ولم يتعد إلى الزمان الحاضر واما المستقبل فبعناية انه باق لم يفن بعد كالماضي .واليات جواب الملئكة لسؤال ابراهيم قالوا انا ارسلنا من عند الله سبحانه إلى قوم مجرمين نكروهم ولم يسموهم صونا للسان عن التصريح باسمهم تنفرا منه ومستقبل الكلم يعينهم ثم استثنوا وقالوا ال آل لوط وهم لوط وخاصته وظهر به ان القوم قومه انا لمنجوهم أي مخلصوهم من العذاب اجمعين وظاهر السياق كون الستثناء منقطعا ثم استثنوا امرأة لوط من آله للدللة على إن النجاة ل تشملها وإن العذاب سيأخذها ويهلكها فقالوا " : إل امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين " اي الباقين من القوم بعد خروج آل لوط من قريتهم وقد تقدم تفصيل القول في ضيف ابراهيم عليه السلم في سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب وعقدنا هناك بحثا مستقل فيه قوله تعالى " :فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون " إنما قال لهم لوط عليه السلم ذلك لكونهم ظاهرين بصور غلمان مرد حسان وكان يشقه ما يراه منهم وشأن قومه شأنهم من الفحشاء كما تقدم في سورة هود والمعنى ظاهر قوله تعالى " :قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون " المتراء من المرية وهو الشك والمراد بما كانوا فيه يمترون العذاب الذي كان ينذرهم به لوط وهو يشكون فيه والمراد باتيانهم بالحق اتيانهم بقضاء حق في أمر القوم ل معدل عنه كما وقع في موضع آخر من قولهم " :وانهم آتيهم عذاب غير مردود " هود : 76وقيل :المراد وأتيناك بالعذاب الذي ل شك فيه وما ذكرناه هو الوجه وفى آيات القصة تقديم وتأخير ل بمعنى اختلل ترتيبها بحسب النزول عند التأليف بوضع ما هو مؤخر في موضع المقدم وبالعكس بل بمعنى ذكره تعالى بعض اجزاء القصة في غير محله الذي يقتضيه الترتيب الطبعي وتعينه له سنة القتصاص لنكتة توجب ذلك /صفحة / 183وترتيب القصة بحسب اجزائها على ما ذكرها الله سبحانه في سورة هود وغيرها والعتبار يساعد ذلك مقتضاه أن يكون قوله " : فلما جاء آل لوط " إلى تمام آيتين قبل سائر اليات ثم قوله وجاء اهل المدينة إلى تمام ست آيات ثم قوله قالوا بل جئناك إلى تمام اربع آيات ثم قوله فأخذتهم الصيحة مشرقين إلى آخر اليات .وحقيقة هذا التقديم والتأخير ان للقصة فصول اربعة وقد اخذ الفصل الثالث منها فوضع بين الول والثانى اعني ان قوله وجاء اهل المدينة إلى آخره أخر في الذكر ليتصل آخره وهو قوله لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون بأول الفصل الخير فأخذتهم الصيحة مشرقين وذلك ليتمثل به الغرض في الستشهاد بالقصة وينجلى اوضح النجلء وهو نزول عذاب هائل كعذابهم في حال سكرة منهم وأمن منه ل يخطر ببالهم شئ من ذلك وذلك ابلغ في الدهشة وأوقع في الحسرة يزيد في العذاب الما على الم .ونظير هذا في التلويح بهذه النكتة ما في آخر قصة اصحاب الحجر التية من اتصال قوله وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين بقوله فأخذتهم الصيحة مصبحين كل ذلك ليجلى معنى قوله تعالى في صدر المقال وان عذابي هو العذاب الليم فافهم ذلك .قوله تعالى " :فأسر بأهلك بقطع من الليل " إلى آخر الية السراء هو السير بالليل فقوله بقطع من الليل يؤكده وقطع الليل شطر مقطوع منه والمراد باتباعه ادبارهم هو ان يسير وراءهم فل يترك احدا يتخلف عن السير ويحملهم على السير ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 183 الحثيث كما يشعر به قوله ول يلتفت منكم احد . والمعنى واذ جئناك بعذاب غير مردود وامر من الله ماض يجب عليك ان تسير بأهلك ليل وتأخذ انت وراءهم لئل يتخلفوا عن السير ول يساهلوا فيه ول يلتفت احد منكم إلى ورائه وامضوا حيث تؤمرون وفيه دللة على انه كانت امامهم هداية الهية تهديهم وقائد يقودهم .قوله تعالى وقضينا إليه ذلك المر إن دابر هؤلء مقطوع مصبحين القضاء /صفحة / 184مضمن معنى الوحى ولذا عدى بإلى كما قيل والمراد بالمر امر العذاب كما يفسره قوله إن دابر هؤلء مقطوع مصبحين والشارة إليه بلفظة ذلك للدللة على عظم خطره وهول امره .والمعنى وقضينا امرنا العظيم في عذابهم موحيا ذلك إلى لوط وهو إن دابر هؤلء واثرهم الذى من شأنه ان يبقى بعدهم من نسل وبناء وعمل مقطوع حال كونهم مصبحين أو التقدير اوحينا إليه قاضيا الخ .قوله تعالى " : وجاء اهل المدينة يستبشرون إلى قوله ان كنتم فاعلين " يدل نسبة المجئ إلى اهل المدينة على كونهم جماعة عظيمة يصح عدهم اهل المدينة لكثرتهم .فالمعنى وجاء إلى لوط اهل المدينة جمع كثير منهم يريدون اضيافه وهم يستبشرون لولعهم بالفحشاء وخاصة بالداخلين في بلدهم من خارج فاستقبلهم لوط مدافعا عن اضيافه قال ان هؤلء ضيفي فل تفضحون بالعمل الشنيع بهم واتقوا الله ول تخزون قالوا المهاجمون من اهل المدينة ألم نقطع عذرك في ايوائهم أو لم ننهك عن العالمين ان تؤويهم وتشفع فيهم وتدافع عنهم فلما يئس لوط عليه السلم منهم عرض عليهم بناته ان ينصرفوا عن اضيافه بنكاحهن كما تقدم بيانه في سورة هود قال ان هؤلء بناتى ان كنتم فاعلين .قوله تعالى " :لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون " إلى قوله من سجيل " قال في المفردات العمارة ضد الخراب قال والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه وإذا قيل بقاؤه فليس يقتضى ذلك فان البقاء ضد الفناء ولفضل البقاء على العمر وصف الله به وقلما وصف بالعمر قال والعمر بالضم والعمر بالفتح واحد لكن خص القسم بالعمر بالفتح دون العمر بالضم نحو لعمرك انهم لفى سكرتهم انتهى .والخطاب في لعمرك للنبى صلى الله عليه وآله وسلم فهو قسم ببقائه وقول بعضهم انه خطاب من الملئكة للوط عليه السلم وقسم بعمره ل دليل عليه من سياق اليات .والعمه هو التردد على حيرة والسجيل حجارة العذاب وقد تقدم تفصيل القول في معناه في تفسير سورة هود / . صفحة / 185والمعنى اقسم بحياتك وبقائك يا محمد انهم لفى سكرتهم وهى غفلتهم بانغمارهم في الفحشاء والمنكر يترددون متحيرين فاخذتهم الصيحة وهى الصوت الهائل مشرقين أي حال كونهم داخلين في اشراق الصبح فجعلنا عالى بلدهم سافلها وفوقها تحتها وامطرنا وانزلنا من السماء عليهم حجارة من سجيل .قوله تعالى " : إن في ذلك ليات للمتوسمين " إلى قوله للمؤمنين الية العلمة والمراد باليات اول العلمات الدالة على وقوع الحادثة من بقايا الثار وبالية ثانيا العلمة الدالة للمؤمنين على حقية النذار والدعوة اللهية والتوسم التفرس والنتقال من سيماء الشياء على حقيقة حالها . والمعنى ان في ذلك أي فيما جرى من المر على قوم لوط وفي بلدهم لعلمات من بقايا الثار للمتفرسين وان تلك العلمات لبسبيل للعابرين مقيم لم تعف ولم تنمح بالكلية بعد ان في ذلك لية للمؤمنين تدل على حقية النذار والدعوة وقد تبين بذلك وجه ايراد اليات جمعا ومفردا في الموضعين قوله تعالى " :وان كان اصحاب اليكة لظالمين -فانتقمنا منهم وانهما لبإمام مبين " اليكة واحدة اليك وهو الشجر الملتف بعضه ببعض فقد كانوا كما قيل في غيضة أي بقعة كثيفة الشجار .وهؤلء كما ذكروا هم قوم شعيب عليه السلم أو طائفة من قومه كانوا يسكنون الغيضة ويؤيده قوله تعالى ذيل وانهما لبامام مبين أي مكانا قوم لوط واصحاب اليكة لفى طريق واضح فان الذى على طريق المدينة إلى الشام هي بلد قوم لوط وقوم شعيب الخربة اهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم لدعوة شعيب عليه السلم وقد تقدمت قصتهم في سورة هود وقوله فانتقمنا منهم الضمير لصحاب اليكة وقيل لهم ولقوم لوط ومعنى اليتين ظاهر .قوله تعالى " :ولقد كذب اصحاب الحجر المرسلين إلى قوله ما كانوا يكسبون " اصحاب الحجر هم ثمود قوم صالح والحجر اسم بلدة كانوا يسكنونها وعدهم مكذبين لجميع المرسلين وهم انما كذبوا صالحا المرسل إليهم انما هو لكون دعوة الرسل دعوة واحدة والمكذب لواحد منهم مكذب للجميع / .صفحة 186 /وقوله وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين ان كان المراد باليات المعجزات والخوارق كما هو الظاهر فالمراد بها الناقة وشربها وما ظهر لهم بعد عقرها إلى ان أهلكوا وقد تقدمت القصة في سورة هود وان كان المراد بها المعارف اللهية التى بلغها صالح عليه السلم ونشرها فيهم أو المجموع من المعارف الحقة والية المعجزة فالمر واضح . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 186 وقوله وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين أي كانوا يسكنون الغيران والكهوف المنحوتة من الحجارة آمنين من الحوادث الرضية والسماوية بزعمهم .وقوله فاخذتهم الصيحة مصبحين أي صيحة العذاب التى كان فيها هلكهم وقد تقدمت الشارة إلى مناسبة اجتماع المن مع الصيحة في اليتين لقوله في صدر اليات وان عذابي هو العذاب الليم .وقوله فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون أي من العمال لتأمين سعادتهم في الحياة ) .بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن مصعب بن ثابت قال : مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ناس من اصحابه يضحكون قال اذكروا الجنة واذكروا النار فنزلت " نبئ عبادي انى أنا الغفور الرحيم " . اقول وفي معناه روايات اخر لكن في انطباق معنى الية على ما ذكر فيها من السبب خفاء . وفيه اخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد في قوله ان في ذلك ليات للمتوسمين قال هم المتفرسون .وفيه اخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن السنى وابو نعيم معا في الطب وابن مردويه والخطيب عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ثم قرأ ان في ذلك ليات للمتوسمين قال المتفرسين /صفحة / 187وفي اختصاص المفيد باسناده عن ابى بكر بن محمد الحضرمي عن ابى جعفر عليه السلم قال قال : ما من مخلوق ال وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس بمحجوب عن الئمة من آل محمد ثم ليس يدخل عليهم احد إل عرفوه مؤمنا أو كافرا ثم تل هذه الية إن في ذلك ليات للمتوسمين فهم المتوسمون .اقول والروايات في هذا المعنى متظافرة متكاثرة وليس معناها نزول الية فيهم عليهم السلم وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :إن مدين واصحاب اليكة أمتان بعث الله اليهما شعيبا .اقول وقد اوردنا ما يجب ايراده من الروايات في قصة بشرى ابراهيم وقصص لوط وشعيب وصالح عليهم السلم في تفسير سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب واكتفينا بذلك عن ايرادها ههنا فليرجع إلى هناك * * * وما خلقنا السموات والرض وما بينهما ال بالحق وان الساعة لتية فاصفح الصفح الجميل 85 -ان ربك هو الخلق العليم 86 -ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم 87 -ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم ول تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين 88 -وقل إنى أنا النذير المبين - 89كما انزلنا على المقتسمين 90 -الذين جعلوا القرآن عضين 91 -فو ربك لنسألنهم اجمعين - 92عما كانوا يعملون 93 -فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين 94 -إنا كفيناك المستهزئين / 95 -صفحة / 188الذين يجعلون مع الله الها آخرفسوف يعلمون 96 -ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون 97 -فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين 98 -واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) 99 -بيان ( في اليات تخلص إلى غرض البيان السابق وهو امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصدع بما يؤمر وياخذ بالصفح والعراض عن المشركين ول يحزن عليهم ول يضيق صدره بما يقولون فان من القضاء الحق ان يجازى الناس باعمالهم في الدنيا والخرة وخاصة يوم القيامة الذى ل ريب فيه وهو اليوم الذى ل يغادر احدا ول يدع مثقال ذرة من الخير والشر ال الحقه بعامله فل ينبغى أن يؤسف لكفر كافر فان الله عليم به سيجازيه ول يحزن عليه فان الشتغال بالله سبحانه اهم وأوجب .ولقد كرر سبحانه امره بالصفح والعراض عن اولئك المستهزئين به وهم الذين مر ذكرهم في مفتتح السورة والشتغال بتسبيحه وتحميده وعبادته واخبره انه كفاه شرهم فليشتغل بما امره الله به وبذلك تختتم السورة . قوله تعالى " :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما ال بالحق وان الساعة لتية الباء في قوله بالحق للمصاحبة أي ان خلقها جميعا ل ينفك عن الحق ويلزمه فللخلق غاية سيرجع إليها قال تعالى " :إن إلى ربك الرجعى " العلق 8 :ولو ل ذلك لكان لعبا باطل قال تعالى " :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما لعبين ما خلقناهما ال بالحق " الدخان 39 :وقال " :وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل " ص 27 :ومن الدليل على كون المراد بالحق ما يقابل اللعب الباطل تذييل الكلم بقوله وان الساعة لتية وهو ظاهر .وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم ان المراد بالحق العدل والنصاف والباء للسببية والمعنى ما خلقنا ذلك ال بسبب العدل والنصاف يوم الجزاء بالعمال / .صفحة / 189وذلك ان كون الحق في الية بمعنى العدل والنصاف ل شاهد عليه من اللفظ على ان الذى ذكره من المعنى انما يلئم كون الباء بمعنى لم الغرض أو للمصاحبة دون السببية .وكذا ما ذكره بعضهم ان الحق بمعنى الحكمة وان الجملة الولى وما خلقنا ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 189 الخ ناظرة إلى العذاب الدنيوي والثانية وان الساعة لتية إلى العذاب الخروي والمعنى وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل متلبسا بالحق والحكمة بحيث ل يلئم استمرار الفساد واستقرار الشرور وقد اقتضت الحكمة اهلك امثال هؤلء دفعا لفسادهم وارشادا لمن بقى إلى الصلح وان الساعة لتية فينتقم ايضا فيها من امثال هؤلء .وفي الية مشاجرة بين اصحاب الجبر والتفويض كل من الفريقين يجر نارها إلى قرصته فاستدل بها اصحاب الجبر على ان افعال العباد مخلوقة لله لن اعمالهم من جملة ما بينهما فهى مخلوقه له .واستدل بها اصحاب التفويض على ان افعال العباد ليست مخلوقة له بل لنفسهم فان المعاصي وقبائح العمال من الباطل فلو كانت مخلوقة له لكانت مخلوقة بالحق والباطل ل يكون مخلوقا بالحق والحق ان الحجتين جميعا من الباطل فان جهات القبح والمعصية في الفعال حيثيات عدمية إذ الطاعة والمعصية كالنكاح والزنا وأكل المال من حله وبالباطل وامثال ذلك مشتركة في اصل الفعل وانما تختلف طاعة ومعصية بموافقة المر ومخالفته والمخالفة جهة عدمية وإذا كان كذلك فاستناد الفعل إلى الخلقة من جهة الوجود ل يستلزم استناد القبيح أو المعصية إليها فان ذلك من جهاته العدمية فليس الفعل بجهته العدمية مما بين السماوات والرض حتى تشمله الية ول بجهته الوجودية من الباطل حتى يكون خلقه خلقا للباطل بالحق .على ان الضرورة قائمة على حكومة نظام العلل والمعلولت في الوجود وان قيام وجود شئ بشئ بحيث ل يستقل دونه هو ملك التصاف فالمتصف بالطاعة والمعصية وحسن الفعل وقبيحه هو النسان دون الذى خلقه ويسر له ان يفعل كذا وكذا كما /صفحة / 190ان المتصف بالسواد والبياض الجسم الذى يقوم به هذان اللونان دون الذى اوجده .وقد استوفينا الكلم في هذا البحث في تفسير قوله " :وما يضل به إل الفاسقين " البقرة 26 :الجزء الول من الكتاب .قوله تعالى فاصفح الصفح الجميل ان ربك هو الخلق العليم قال في المفردات صفح الشئ عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر والصفح ترك التثريب وهو ابلغ من العفو ولذلك قال فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره وقد يعفوا النسان ول يصفح قال تعالى " :فاصفح عنهم وقل سلم فاصفح الصفح الجميل أفنضرب عنكم الذكر صفحا .وصفحت عنه اوليته صفحة جميلة معرضا عن ذنبه أو لقيت صفحته متجافيا عنه أو تجاوزت الصفحة التى اثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب وقوله " :إن الساعة لتية فاصفح الصفح الجميل " فأمر له عليه السلم ان يخفف كفر من كفر كما قال ول تحزن عليهم ول تك في ضيق مما يمكرون والمصافحة الفضاء بصفحة اليد انتهى .وسيأتى ما في الرواية من تفسير على عليه السلم الصفح بالعفو من غير عتاب .وقوله فاصفح الصفح الجميل تفريع على سابقه أي إذا كانت الخلقة بالحق وهناك يوم فيه يحاسبون ويجازون ل ريب فيه فل تشغل نفسك بما ترى منهم من التكذيب والستهزاء واعف عنهم من غير ان تقع فيهم بعتاب أو مناقشة وجدال فان ربك الذى خلقك وخلقهم هو عليم بحالك وحالهم ووراءهم يوم ل يفوتونه .ومن هنا يظهر ان قوله ان ربك هو الخلق العليم تعليل لقوله فاصفح الصفح الجميل .وهذه اليات الحافة لقوله فاصدع بما تؤمر تسلية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه ليأخذ قوله فاصدع بما تؤمر موقعه فقد عرفت في اول السورة ان الغرض الصيل منها هو المر باعلن الدعوة وعرفت ايضا بالتدبر في اليات السابقة انها مسرودة ليتخلص بها إلى تسليته صلى الله عليه وآله وسلم عما لقى من قومه من اليذاء والهانة والستهزاء ويتخلص من ذلك إلى المر المطلوب / .صفحة / 191قوله تعالى " :ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم " السبع المثانى هي سورة الحمد على ما فسر في عدة من الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وائمة اهل البيت عليهم السلم فل يصغى إلى ما ذكره بعضهم انها السبع الطوال وما ذكره بعض آخر انها الحواميم السبع وما قيل انها سبع صحف من الصحف النازلة على النبياء فل دليل على شئ منها من لفظ الكتاب ول من جهة السنة .وقد كثر اختلفهم في قوله من المثانى من جهة كون من للتبعيض أو للتبيين وفي كيفية اشتقاق لفظة المثانى ووجه تسميتها بالمثاني .والذى ينبغى ان يقال والله اعلم ان من للتبعيض فانه سبحانه سمي جميع آيات كتابه مثانى إذ قال " :كتابا متشابها مثانى تقشعر منه قلوب الذين يخشون ربهم " الزمر 23 :وآيات سورة الحمد من جملتها فهى بعض المثانى ل كلها .والظاهر ان المثانى جمع مثنية اسم مفعول من الثنى بمعنى اللوى والعطف والعادة قال تعالى " :يثنون صدورهم " هود 5 -وسميت اليات القرآنية مثانى لن بعضها يوضح حال البعض ويلوى وينعطف عليه كما يشعر به قوله كتابا متشابها مثانى ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 191 حيث جمع بين كون الكتاب متشابها يشبه بعض آياته بعضا وبين كون آياته مثانى وفي كلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم :في صفة القرآن يصدق بعضه بعضا وعن على عليه السلم :فيه ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض أو هي جمع مثنى بمعنى التكرير والعادة كناية عن بيان بعض اليات ببعض .ولعل في ذلك كفاية وغنى عما ذكروه من مختلف المعاني كما في الكشاف وحواشيه والمجمع وروح المعاني وغيرها كقولهم انها من التثنية أو الثنى بمعنى التكرير والعادة سميت آيات القرآن مثانى لتكرر المعاني فيها وكقولهم سميت الفاتحة مثانى لوجوب قراءتها في كل صلة مرتين أو لنها تثنى في كل ركعة بما يقرؤ بعدها من القرآن أو لن كثيرا من كلماتها مكررة كالرحمان والرحيم واياك والصراط وعليهم أو لنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة أو لما فيها من الثناء على الله أو لن الله استثناها وادخرها لهذه المة ولم ينزلها على المم الماضين كما في الرواية إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في التفاسير / .صفحة / 192 وفي قوله سبعا من المثانى والقرآن العظيم من تعظيم امر الفاتحة والقرآن ما ل يخفى اما القرآن فلتوصيفه من ساحة العظمة والكبرياء بالعظيم واما الفاتحة فلمكان التعبير عنه بالنكرة غير الموصوفة سبعا وفيه من الدللة على عظمة قدرها وجللة شأنها ما ل يخفى وقد قوبل بها القرآن العظيم وهى بعضه .والية كما تبين في مقام المتنان وهى مع ذلك لوقوعها في سياق الدعوة إلى الصفح والعراض تفيد ان في هذه الموهبة العظمى المتضمنة لحقائق المعارف اللهية الهادية إلى كل كمال وسعادة باذن الله عدة ان تحملك على الصفح الجميل والشتغال بربك والتوغل في طاعته .قوله تعالى " :ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم " إلى قوله المبين اليتان في مقام بيان الصفح الجميل الذى تقدم المر به ولذلك جئ بالكلم في صورة الستئناف .والمذكور فيهما اربعة دساتير منفيان ومثبتان فقوله ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم مد العينين إلى ما متعوا به من زهرة الحياة الدنيا كناية عن التعدي عن قصر النظر على ما آتاه الله من نعمة والمراد بالزواج الزواج من الرجال والنساء أو الصناف من الناس كالوثنيين واليهود والنصارى والمجوس والمعنى ل تتجاوز عن النظر عما انعمناك به من النعم الظاهرة والباطنة إلى ما متعنا به ازواجا قليلة أو اصنافا من الكفار .وربما اخذ بعضهم قوله ل تمدن عينيك كناية عن اطالة النظر وادامته وانت تعلم ان الغرض على أي حال النهى عن الرغبة والميل والتعلق القلبى بما في ايديهم من امتعة الحياة كالمال والشوكة والصيت والذى يكنى به عن ذلك هو النهى عن اصل النظر إليه ل عن اطالته وادامته ويشهد به ما سننقله من آية الكهف . وقوله ول تحزن عليهم أي من جهة تماديهم في التكذيب والستهزاء واصرارهم على ان ل يؤمنوا بك .وقوله واخفض جناحك للمؤمنين قالوا هو كناية عن التواضع ولين الجانب والصل فيه ان الطائر إذا اراد ان يضم إليه افراخه بسط جناحه عليها ثم /صفحة / 193خفضه لها هذا والذى ذكروه وان امكن ان يتأيد بآيات اخر كقوله " : فبما رحمة من الله لنت لهم " آل عمران 159 : وقوله في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين رؤف رحيم " التوبة 128 :لكن الذى وقع في نظير الية مما يمكن ان يفسر به خفض الجناح هو صبر النفس مع المؤمنين وهو يناسب ان يكون كناية عن ضم المؤمنين إليه وقصر الهم على معاشرتهم وتربيتهم وتأديبهم بأدب الله أو كناية عن ملزمتهم والحتباس فيهم من غير مفارقة كما ان الطائر إذا خفض الجناح لم يطر ولم يفارق قال تعالى " :واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " الية الكهف . 28 :وقوله وقل انى انا النذير المبين أي ل دعوى لى ال انى نذير انذركم بعذاب الله سبحانه مبين ابين لكم ما تحتاجون إلى بيانه وليس لى وراء ذلك من المر شئ .فهذه المور الربعة اعني ترك الرغبة بما في ايديهم من متاع الحياة الدنيا وترك الحزن عليهم إذا كفروا واستهزؤا وخفض الجناح للمؤمنين واظهار انه نذير مبين هو الصفح الجميل الذى يليق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو اسقط منها واحد لختل المر .ومن ذلك يظهر ان قول بعضهم ان قوله فاصفح الصفح الجميل منسوخ بآية السيف غير وجيه فان هذا الصفح الذى تأمر به الية ويفسره قوله ل تمدن عينيك باق على احكامه واعتباره حتى بعد نزول آية السيف فل وجه لنسبة النسخ إليه .قوله تعالى " :كما انزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين " قال في المجمع عضين جمع عضة واصله عضوة فنقصت الواو لذلك جمعت عضين بالنون كما قيل عزوة وعزون والصل عزوة والتعضية التفريق مأخوذ من العضاء يقال عضيت الشئ أي فرقته وبعضته قال رؤبة وليس دين الله بالمعضى انتهى موضع الحاجة . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 193 وقوله كما انزلنا على المقتسمين ل يخلو السياق من دللة على انه متعلق بمقدر يلوح إليه قوله وقل إنى أنا النذير المبين أي بعذاب منزل ينزل عليكم كما انزلنا على المقتسمين والمراد بالمقتسمين هم الذين يصفهم قوله بعد الذين / صفحة / 194جعلوا القرآن عضين وهم على ما وردت به الرواية قوم من كفار قريش جزؤا القرآن اجزاء فقالوا سحر وقالوا اساطير الولين وقالوا مفترى وتفرقوا في مداخل طرق مكة ايام الموسم يصدون الناس الواردين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي في البحث الروائي ان شاء الله .وقيل قوله كما انزلنا متعلق بما تقدم من قوله ولقد آتيناك سبعا من المثانى أي انزلنا عليك القرآن كما انزلنا على المقتسمين والمراد بالمقتسمين اليهود والنصارى الذين فرقوا القرآن اجزاء وابعاضا وقالوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض .وفيه ان السورة مكية نازلة في اوائل البعثة ولم يبتل السلم يومئذ باليهود والنصارى ذاك البتلء وقولهم " :آمنوا بالذى انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " آل عمران 72 :مما قالته اليهود بعد الهجرة وكذا ما اشبه ذلك والدليل على ما ذكرنا سياق اليات . وربما قيل سموا مقتسمين لنهم اقتسموا انبياء الله وكتبه المنزلة إليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ويدفعه ان الية التالية تفسر المقتسمين بالذين جعلوا القرآن عضين ل بالذين فرقوا بين انبياء الله أو بين كتبه .فالظاهر أن اليتين تذكران قوما نهضوا في أوائل البعثة على اطفاء نور القرآن وبعضوه ابعاضا ليصدوا عن سبيل الله فأنزل الله عليهم العذاب وأهلكهم ،وهم الذين ذكروا في اليتين ثم يذكر الله مآل أمرهم بقوله : " فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " . قوله تعالى " :فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " قال في المجمع :الصدع والفرق والفصل نظائر ،وصدع بالحق إذا تكلم به جهارا ، انتهى .والية تفريع على ما تقدم ،ومن حقها ان تتفرع لنها الغرض في الحقيقة من السورة اي إذا كان المر على ما ذكر وأمرت بالصفح الجميل وكنت نذيرا بعذابنا كما أنزلنا على المقتسمين فأظهر كلمة الحق وأعلن الدعوة .وبذلك يظهر أن قوله " :إنا كفيناك المستهزئين " في مقام التعليل لقوله :فاصدع الخ ،كما يشعر الكلم أو يدل على أن هؤلء المستهزئين هم المقتسمون / صفحة / 195المذكورون قبل ،ومعنى الية إذا كان المر كما ذكرناه وكنت نذيرا بعذابنا كما انزلناه على المقتسمين " فاصدع بما تؤمر " وأعلن الدعوة وأظهر الحق " وأعرض عن المشركين إنا " اي لننا كفيناك المستهزئين بانزال العذاب عليهم وهم " الذين يجعلون مع الله الها آخر فسوف يعلمون " .قوله تعالى " :ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " رجع ثانيا إلى حزنه صلى الله عليه وآله وسلم وضيق صدره من استهزائهم لمزيد العناية بتسليته وتطييب نفسه وتقوية روحه ،وقد أكثر سبحانه في كلمه وخاصة في السور المكية من ذلك لشدة المر عليه صلى الله عليه وآاه وسلم .قوله تعالى " :فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وصاه سبحانه بالتسبيح والتحميد والسجدة والعبادة أو ادامة العبودية مفرعا ذلك على ضيق صدره بما يقولون ففى ذلك استعانة على الغم والمصيبة وقد امره في اليات السابقة بالصفح والصبر ويستفاد المر بالصبر ايضا من قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فان ظاهره المر بالصبر على العبودية حتى حين وبذلك يصير الكلم قريب المضمون من قوله تعالى لدفع الشدائد والمقاومة على مر الحوادث استعينوا بالصبر والصلة " البقرة . 153 :وبذلك يتأيد ان المراد بالساجدين المصلون وانه امر بالصلة وقد سميت سجودا تسمية لها باسم افضل اجزائها ويكون المراد بالتسبيح والتحميد اللفظى منهما كقول سبحان الله والحمد لله أو ما في معناهما نعم لو كان المراد بالصلة في آية البقرة التوجه إلى الله سبحانه امكن ان يكون المراد بالتسبيح والتحميد أو بهما وبالسجود المعنى اللغوى وهو تنزيهه تعالى عما يقولون والثناء عليه بما انعم به عليه من النعم والتذلل له تذلل العبودية .واما قوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فان كان المراد به المر بالعبادة كان كالمفسر للية السابقة وان كان المراد الخذ بالعبودية كما هو ظاهر السياق وخاصة سياق اليات السابقة المرة بالصفح والعراض ولزمهما الصبر كان بقرينة تقييده بقوله حتى يأتيك اليقين امرا بانتهاج منهج التسليم والطاعة والقيام بلوازم العبودية / . صفحة / 196وعلى هذا فالمراد باتيان اليقين حلول الجل ونزول الموت الذى يتبدل به الغيب من الشهادة ويعود به الخبر عيانا ويؤيد ذلك تفريع ما تقدم من قوله فاصفح الصفح الجميل على قوله وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما ال بالحق وان الساعة لتية فانه بالحقيقة امر بالعفو والصبر على ما يقولون لن لهم يوما ينتقم الله منهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 196 ويجازيهم باعمالهم فيكون معنى الية دم على العبودية واصبر على الطاعة وعن المعصية وعلى مر ما يقولون حتى يدركك الموت وينزل عليك عالم اليقين فتشاهد ما يفعل الله بهم ربك .وفي التعبير بمثل قوله حتى ياتيك اليقين اشعار ايضا بذلك فان العناية فيه بان اليقين طالب له وسيدركه فليعبد ربه حتى يدركه ويصل إليه وهذا هو عالم الخرة الذى هو عالم اليقين العام بما وراء الحجاب دون العتقاد اليقيني الذى ربما يحصل بالنظر أو بالعبادة .وبذلك يظهر فساد ما ربما قيل ان الية تدل على ارتفاع التكليف بحصول اليقين وذلك لن المخاطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد دلت آيات كثيرة من كتاب الله انه من الموقنين وانه على بصيرة وانه على بينة من ربه وانه معصوم وانه مهدى بهداية الله سبحانه إلى غير ذلك مضافا إلى ما قدمناه من دللة الية على كون المراد باليقين هو الموت .وسنفرد لدوام التكليف بحثا عقليا بعد الفراغ عن البحث الروائي ان شاء الله تعالى ) بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج ابن مردويه وابن النجار عن على بن ابى طالب :في قوله فاصفح الصفح الجميل قال الرضا بغير عتاب وفي المجمع حكى عن على بن ابى طالب عليه السلم :ان الصفح الجميل هو العفو من غير عتاب وفي العيون باسناده عن على بن الحسن بن فضال عن ابيه عن الرضا عليه السلم :في / صفحة / 197الية قال العفو من غير عتاب وفي التهذيب باسناده عن محمد بن مسلم قال :سألت ابا عبد الله عليه السلم عن السبع المثانى والقرآن العظيم هي فاتحة الكتاب ؟ قال نعم قلت بسم الله الرحمن الرحيم من السبع ؟ قال نعم هي افضلهن .اقول وهو مرومن طرق الشيعة عن امير المؤمنين عليه السلم وغير واحد من ائمة اهل البيت عليهم السلم ومن طرق اهل السنة عن على وعدة من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وابى بن كعب وابى هريرة وغيرهم .وفي الدر المنثور اخرج الطبراني في الوسط عن ابن عباس قال :سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أرايت قول الله كما انزلنا على المقتسمين ؟ قال اليهود والنصارى قال الذين جعلوا القرآن عضين قال آمنوا ببعض وكفروا ببعض .اقول وقد عرفت فيما مر ان مضمون الرواية ل يلئم كون السورة مكية .وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر وابى عبد الله عليه السلم :عن قوله الذين جعلوا القرآن عضين قال هم قريش وفي المعاني باسناده عن عبد الله بن على الحلبي قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول :مكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد ما جاء الوحى -عن الله تبارك وتعالى ثلث عشرة سنة مستخفيا منها ثلث سنين خائفا ل يظهر -حتى امر الله عز وجل أن يصدع بما امر فاظهر حينئذ الدعوة وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير عن ابى عبيدة ان عبد الله بن مسعود قال " :ما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستخفيا حتى نزل فاصدع بما تؤمر فخرج هو واصحابه وفي تفسير العياشي عن محمد بن على الحلبي عن ابى عبد الله عليه السلم قال اكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة سنين ليس يظهر وعلى معه وخديجة ثم امره الله ان يصدع بما يؤمر فظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب فإذا اتاهم قالوا كذاب امض عنا وفي تفسير العياشي عن ابان بن عثمان الحمر رفعه قال كان المستهزؤن خمسة /صفحة / 198 من قريش الوليد بن المغيرة المخزومى والعاص بن وائل السهمى والحارث بن حنظلة ) ( 1 والسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري والسود بن المطلب بن اسد فلما قال الله إنا كفيناك المستهزئين علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قد اخزاهم فأماتهم الله بشر ميتات اقول ورواه الصدوق في المعاني باسناده عن ابان وروى فيه ايضا والطبرسي في الحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائه عن على عليه السلم ما في هذا المعنى وهو حديث طويل فيه تفصيل هلك كل من هؤلء الخمسة لعنهم الله وروى كون المستهزئين خمسة من قريش عن على وعن ابن عباس مع سبب هلكهم والروايات مع ذلك مختلفة من طرق اهل السنة من جهة عددهم واسمائهم واسباب هلكهم والذى اتفق فيه حديث الفريقين هو ما قدمناه .وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه والديلمي عن ابى الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما اوحى إلى أن أكون تاجراول اجمع المال متكاثرا ولكن اوحى إلى أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين .اقول وروى ما في معناه ايضا عن ابن مردويه عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وآله وسلم وفيه اخرج البخاري وابن جرير عن ام العلء " :ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على عثمان ابن مظعون وقد مات فقلت رحمة الله عليك ابا السائب فشهادتي عليك لقد اكرمك الله فقال -وما يدريك ان الله اكرمه ؟ اما هو فقد جاءه اليقين انى لرجو له الخير ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 198 وفي الكافي باسناده عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله عليه السلم :ان من صبر صبر قليل ومن جزع جزع قليل .ثم قال عليك بالصبر في جميع امورك فان الله عز وجل بعث محمدا وامره بالصبر والرفق فقال واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميل وذرنى والمكذبين اولى النعمة وقال تبارك وتعالى " :ادفع بالتى هي احسن السيئة فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها ال الذين صبرواوما يلقاها ال ذو حظ عظيم " ) * .هامش ( * ) ( 1طلطلة ط / ( * ) .صفحة / 199فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نالوه بالعظائم ورموه بها وضاق صدره وقال الله " :ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين " ) بحث فلسفي في كيفية وجود التكليف ودوامه ( قد تقدم في خلل ابحاث النبوة وكيفية انتشاء الشرائع السماوية في هذا الكتاب ان كل نوع من انواع الموجودات له غاية كمالية هو متوجه إليها ساع نحوها طالب لها بحركة وجودية تناسب وجوده ل يسكن عنها دون ان ينالها ال ان يمنعه عن ذلك مانع مزاحم فيبطل دون الوصول إلى غايته كالشجرة تقف عن الرشد والنمو قبل ان تبلغ غايتها لفات تعرضها وتقدم ايضا ان الحرمان من بلوغ الغايات انما هو في افراد خاصة من النواع واما النوع بنوعيته فل يتصور فيه ذلك . وان النسان وهو نوع وجودي له غاية وجودية ل ينالها ال بالجتماع المدنى كما يشهد به تجهيز وجوده بما ل يستغنى به عن سائر امثاله كالذكورة والنوثة والعواطف والحساسات وكثرة الحوائج وتراكمها .وان تحقق هذا الجتماع وانعقاد المجتمع النساني يحوج افراد المجتمع إلى احكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات امورهم ويرتفع بها اختلفاتهم الضرورية ويقف بها كل منهم في موقفه الذى ينبغى له ويحوز بها سعادته وكماله الوجودى وهذه الحكام والقوانين العملية في الحقيقة منبعثة عن الحوائج التى تهتف بها خصوصية وجود النسان وخلقته الخاصة بما لها من التجهيزات البدنية والروحية كما ان خصوصية وجوده وخلقته مرتبطة بخصوصيات العلل والسباب التى تكون وجود النسان من الكون العام .وهذا معنى كون الدين فطريا أي انه مجموع احكام وقوانين يرشد إليها وجود النسان بحسب التكوين وان شئت فقل سنن يستدعيها الكون العام فلو اقيمت اصلحت المجتمع وبلغت بالفراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب ولو تركت وابطلت افسدت العالم النساني وزاحمت الكون العام في نظامه .وان هذه الحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع /صفحة / 200ويجمع بها شمله أو عبادية تبلغ بالنسان غاية كماله من المعرفة والصلح في مجتمع صالح فانها جميعا يجب ان يتلقاها النسان من طريق نبوة الهية ووحى سماوي ل غير .وبهذه الصول الماضية يتبين ان التكليف اللهى يلزم النسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية سواء كان في نفسه ناقصا لم يكمل وجودا بعد أو كامل علما وعمل اما لو كان ناقصا فظاهر واما لو كان كامل فلن معنى كماله أن يحصل له في جانبى العلم والعمل ملكات فاضلة يصدر عنها من العمال المعاملية ما يلئم المجتمع ويصلحه ويتمكن من كمال المعرفة وصدور العمال العبادية الملئمة للمعرفة كما تقتضيه العناية اللهية الهادية للنسان إلى سعادته .ومن المعلوم ان تجويز ارتفاع التكليف عن النسان الكامل ملزم لتجويز تخلفه عن الحكام والقوانين وهو فيما يرجع إلى المعاملت يوجب فساد المجتمع والعناية اللهية تأباه وفيما يرجع إلى العبادات يوجب تخلف الملكات عن آثارها فان الفعال مقدمات معدة لحصول الملكات ما لم تحصل وإذا حصلت عادت تلك الفعال آثارا لها تصدر عنها صدورا ل تخلف فيه .ومن هنا يظهر فساد ما ربما يتوهم ان الغرض من التكليف تكميل النسان وايصاله غاية وجوده فإذا كمل لم يكن لبقاء التكليف معنى .وجه الفساد إن تخلف النسان عن التكليف اللهى وان كان كامل في المعاملت يفسد المجتمع وفيه ابطال العناية اللهية بالنوع وفي العبادات يستلزم تخلف الملكات عن آثارها وهو غير جائز ولو جاز لكان فيه ابطال الملكة وفيه ايضا ابطال العناية نعم بين النسان الكامل وغيره فرق في صدور الفعال وهو ان الكامل مصون عن المخالفة لمكان الملكة الراسخة بخلف غير الكامل والله المستعان /صفحة ) / 201سورة النحل مكية وهى مائة وثمان وعشرون آية ( بسم الله الرحمن الرحيم أتى امر الله فل تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون 1 -ينزل الملئكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا انه ل اله ال انا فاتقون 2 -خلق السموات والرض بالحق تعالى عما يشركون 3 -خلق النسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين . 4 -والنعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون 5 -ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون 6 -وتحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إل بشق النفس ان ربكم لرؤف رحيم 7 - ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 201 والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما ل تعلمون 8 -وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين 9 -هو الذى انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون 10 -ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لية لقوم يتفكرون 11 -وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ان في ذلك ليات لقوم يعقلون 12 -وما ذرأ لكم في الرض مختلفا /صفحة / 202الوانه ان في ذلك لية لقوم يذكرون 13 -وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 14 -والقى في الرض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبل لعلكم تهتدون - 15وعلمات وبالنجم هم يهتدون 16 -أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون 17 -وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها ان الله لغفور رحيم 18 -والله يعلم ما تسرون وما تعلنون 19 -والذين يدعون من دون الله ل يخلقون شيئا وهم يخلقون 20 - اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون 21 - ) بيان ( الغالب على الظن إذا تدبرنا السورة ان صدر السورة مما نزلت في اواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبيل الهجرة وهى اربعون آية يذكر الله سبحانه في شطر منها انواع نعمه السماوية والرضية مما تقوم به حياة النسان وينتفع به في معاشه نظاما متقنا وتدبيرا متصل يدل على وحدانيته تعالى في ربوبيته . ويحتج في شطر آخر على بطلن مزاعم المشركين وخيبة مساعيهم وانه سيجازيهم كما جازى امثالهم من المم الماضية وسيفصل القضاء بينهم يوم القيامة .وقد افتتح سبحانه هذه اليات بقوله اتى امر الله فل تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون مفرعا آيات الحتجاج على ما فيه من التنزيه والتسبيح ومن ذلك يعلم ان عمدة الغرض في صدر السورة النباء باشراف المر اللهى ودنوه منهم وقرب /صفحة / 203نزوله عليهم وفيه ابعاد للمشركين فقد كانوا يستعجلون النبي صلى الله عليه وآله وسلم استهزاء به لما كانوا يسمعون كلم الله سبحانه يذكر كثيرا نزول امره تعالى وينذرهم به وفيه مثل قوله للمؤمنين فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بامره وليس ال امره تعالى بظهور الحق على الباطل والتوحيد على الشرك واليمان على الكفر هذا ما يعطيه التدبر في صدر السورة .واما ذيلها وهى ثمان وثمانون آية من قوله والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا إلى آخر السورة على ما بينها من التصال والرتباط فسياق اليات فيه يشبه ان تكون مما نزلت في اوائل عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعيد الهجرة فصدر السورة وذيلها متقاربا النزول وذلك لما فيها من آيات ل تنطبق مضامينها ال على بعض الحوادث الواقعة بعيد الهجرة كقوله تعالى " :والذين هاجروا في الله " الية وقوله ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر الية النازلة على قول في سلمان الفارسى وقد آمن بالمدينة وقوله من كفر بالله من بعد ايمانه ال من اكره الية النازلة في عمار كما سيأتي وكذا اليات النازلة في اليهود واليات النازلة في الحكام كل ذلك يفيد الظن بكون اليات مدنية .ومع ذلك فاختلف النزول لئح من بعضها كقوله " :والذين هاجروا الخ " الية : 41وقوله " :وإذا بدلنا آية مكان آية " الية 101 إلى تمام آيتين أو خمس آيات وقوله " :من كفر بالله من بعد ايمانه " الية 106 :وعدة آيات تتلوها .والنصاف بعد ذلك كله ان قوله تعالى " :والذين هاجروا " الية 41 :إلى تمام آيتين وقوله " :من كفر بالله من بعد ايمانه " الية 106 :وبضع آيات بعدها وقوله " :وان عاقبتم فعاقبوا " الية 126 : وآيتان بعدها مدنية لشهادة سياقها بذلك والباقى اشبه بالمكية منها بالمدنية وهذا وان لم يوافق شيئا من المأثور لكن السياق يشهد به وهو اولى بالتباع وقد مر في تفسير آية 118من سورة النعام احتمال ان تكون نازلة بعد سورة النحل وهى مكية والغرض الذى هو كالجامع ليات ذيل السورة ان فيها امرا بالصبر ووعدا حسنا على الصبر في ذات الله .وغرض السورة الخبار باشراف امر الله وهو ظهور الدين الحق عليهم ويوضح /صفحة / 204تعالى ذلك ببيان ان الله هو الله المعبود ل غير لقيام تدبير العالم به كما إن الخلقة قائمة به ولنتهاء جميع النعم إليه وانتفاء ذلك عن غيره فالواجب ان يعبد الله ول يعبد غيره وبيان ان الدين الحق لله فيجب ان يؤخذ به ول يشرع دونه دين ورد ما ابداه المشركون من الشبهة على النبوة والتشريع وبيان امور من الدين اللهى هذا هو الذى يرومه معظم آيات السورة وتنعطف إلى بيانه مرة بعد مرة وفي ضمنها آيات تتعرض لمر الهجرة وما يناسب ذلك مما يحوم حولها .قوله تعالى " :اتى امر الله فل تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون " ظاهر السياق ان الخطاب للمشركين لن اليات التالية مسوقة احتجاجا عليهم إلى قوله في ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 204 الية الثانية والعشرين " :الهكم اله واحد " ووجه الكلم فيها إلى المشركين وهى جميعا كالمتفرعة على قوله في ذيل هذه الية سبحانه وتعالى عما يشركون ومقتضاه ان يكون المر الذى اخبر باتيانه امرا يطهر ساحة الربوبية من شركهم بحسم مادته ولم تقع في كلمه حكاية استعجال من المؤمنين في امر بل المذكور استعجال المشركين بما كان يذكر في كلمه تعالى من امر الساعة وامر الفتح وامر نزول العذاب كما يشير إليه قوله " :قل أرايتم ان اتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون إلى قوله ويستنبئونك أحق هو قل أي وربى انه لحق وما انتم بمعجزين " يونس 53 : إلى غير ذلك من اليات .وعلى هذا فالمراد بالمر ما وعد الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين آمنوا واوعد المشركين مرة بعد مرة في كلمه انه سينصر المؤمنين ويخزى الكافرين ويعذبهم ويظهر دينه بأمر من عنده كما قال " : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره " البقرة : 109واليه يعود ايضا ضمير فل تستعجلوه على ما يفيده السياق أو يكون المراد باتيان المر اشرافه على التحقق وقربه من الظهور وهذا شائع في الكلم يقال لمن ينتظر ورود المير هذا المير جاء وقد دنا مجيئه ولم يجئ بعد .وعلى هذا أيضا يكون قوله سبحانه وتعالى عما يشركون من قبيل اللتفات من الخطاب إلى الغيبه اشارة إلى انهم ينبغى أن يعرض عن مخاطبتهم ومشافهتهم لنحطاط افهامهم لشركهم ولم يستعجلوا نزول المر ال لشركهم استهزاء وسخرية / .صفحة 205 /وبما مر يندفع ما ذكره بعضهم ان الخطاب في الية للمؤمنين أو للمؤمنين والمشركين جميعا فان السياق ل يلئمه .على انه تعالى يخص في كلمه الستعجال بغير المؤمنين وينفيه عنهم قال " :يستعجل بها الذين ل يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق " الشورى . 18 :وكذا ما ذكروه ان المراد بالمر هو يوم القيامة وذلك ان المشركين وان كانوا يستعجلونه ايضا كما يدل عليه قولهم على ما حكاه الله تعالى " :متى هذا الوعد ان كنتم صادقين " يس 48 : لكن سياق اليات ل يساعد عليه كما عرفت .ومن العجيب ما استدل به جمع منهم على ان المراد بالمر يوم القيامة انه تعالى لما قال في آخر سورة الحجر فو ربك لنسألنهم اجمعين وكان فيه تنبيه على حشر هؤلء وسؤالهم قال في مفتتح هذه السورة " :اتى امر الله " فاخبر بقرب يوم القيامة وكذا قوله في آخر الحجر واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وهو مفسر بالموت شديد المناسبة بأن يكون المراد بالمر في هذه السورة يوم القيامة ومما يؤكد المناسبة قوله هناك ياتيك وههنا اتى وامثال هذه القاويل الملفقة مما ل ينبغى ان يلتفت إليه .ونظيره قول بعضهم ان المراد بالمر واحدة الوامر ومعناه الحكم كأنه يشير به إلى ما في السورة من احكام العهد واليمين ومحرمات الكل وغيرها والخطاب على هذا للمؤمنين خاصة وهو كما ترى .قوله تعالى ينزل الملئكة بالروح من امره على من يشاء من عباده إلى آخر الية الناس على اختلفهم الشديد قديما وحديثا في حقيقة الروح ل يختلفون في انهم يفهمون منه معنى واحدا وهو ما به الحياة التى هي ملك الشعور والرادة فهذا المعنى هو المراد في الية الكريمة .واما حقيقته اجمال فالذي يفيده مثل قوله تعالى " :يوم يقوم الروح والملئكة صفا " النبأ 38 :وقوله " :تعرج الملئكة والروح إليه " المعارج 4 :وغيرهما انه موجود مستقل ذو حياة وعلم وقدرة وليس من قبيل الصفات والحوال القائمة بالشياء /صفحة / 206 كما ربما يتوهم وقد افاد بقوله قل الروح من امر ربى انه من سنخ امره وعرف ايضا امره بمثل قوله " :انما امره إذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ " يس : 83فدل على انه كلمة اليجاد التى يوجد سبحانه بها الشياء أي الوجود الذى يفيضه عليها لكن ل من كل جهة بل من جهة استناده إليه تعالى بل مادة ول زمان ول مكان كما يفيده قوله " :وما امرنا إل واحدة كلمح بالبصر " القمر 50 :فان هذا التعبير انما يورد فيما ل تدريج فيه أي ل مادة ول حركة له وليكن هذا الجمال عندك حتى يرد عليك تفصيله فيما سيأتي ان شاء الله في تفسير سورة السراء .فتحصل ان الروح كلمة الحياة التى يلقيها الله سبحانه إلى الشياء فيحييها بمشيئته ولذلك سماه وحيا وعد القاءه وانزاله على نبيه ايحاء في قوله " :وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا " الشورى 52 :فان الوحى هو الكلم الخفى والتفهيم بطريق الشارة واليماء فيكون القاء كلمته تعالى كلمة الحياة إلى قلب النبي عليه السلم وحيا للروح إليه فافهم ذلك .فقوله تعالى " :ينزل الملئكة بالروح من امره " الباء للمصاحبة أو للسببية ول كثير تفاوت بينهما في المآل كما هو ظاهر عند المتأمل فان تنزيل الملئكة بمصاحبة الروح انما هو للقائه في روح النبي عليه السلم ليفيض عليه المعارف اللهية وكذا تنزيلهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 206 بسبب الروح لن كلمته تعالى اعني كلمة الحياة تحكم في الملئكة وتحييهم كما تحكم في النسان وتحييه وضمير ينزل له تعالى والجملة استئناف تفيد تعليل قوله في الية السابقة سبحانه وتعالى عما يشركون .والمعنى ان الله منزه ومتعال عن شركهم أو عن الشريك الذى يدعونه له ولتنزهه وتعاليه عن الشريك ينزل سبحانه الملئكة بمصاحبة الروح الذى هو من سنخ امره وكلمته في اليجاد أو بسببه على من يشاء من عباده ان انذروا انه ل اله ال انا فاتقون .وذكر بعضهم ان المراد بالروح الوحى أو القرآن وسمى روحا لن به حياة القلوب كما ان الروح الحقيقي به حياة البدان قال وقوله من امره أي /صفحة / 207 بأمره ونظيره قوله يحفظونه من امر الله أي بامر الله لن احدا ل يحفظه عن امره انتهى .اما قوله ان من في قوله من امره بمعنى الباء استنادا إلى قوله يحفظونه من امر الله أي بامر الله الخ فقد مر في تفسير سورة الرعد ان من على ظاهر معناه وان بعض امره تعالى يحفظ الشياء من بعض امره فل وجه لخذ من امره بمعنى بامره بل قوله بالروح من امره معناه بالروح الكائن من امره على ان الظرف مستقر ل لغو كما في قوله قل الروح من امر ربى ومعناه ما تقدم .واما قوله ان الروح بمعنى الوحى أو القرآن وكذا قول بعضهم انه بمعنى النبوة فل يخلو عن وجه بحسب النتيجة بمعنى ان نتيجة نزول الملئكة بالروح من امره هو الوحى أو النبوة واما في نفسه وهو ان يسمى الوحى أو النبوة روحا باشتراك لفظي أو مجازا من حيث انه يحيى القلوب ويعمرها كما ان الروح به حياة البدان وعمارتها فهو فاسد لما بيناه مرارا ان الطريق إلى تشخيص مصاديق الكلمات في كلمه تعالى هو الرجوع إلى سائر ما يصلح من كلمه لتفسيره دون الرجوع إلى العرف وما يراه في مصاديق اللفاظ .والمتحصل من كلمه سبحانه ان الروح خلق من خلق الله وهو حقيقة واحدة ذات مراتب ودرجات مختلفة منها ما في الحيوان وغير المؤمنين من النسان ومنها ما في المؤمنين من النسان قال تعالى " :وايدهم بروح منه " المجادلة 22 :ومنها ما يتأيد به النبياء والرسل كما قال " :وايدناه بروح القدس " البقرة 87 :وقال " :وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا " الشورى 52 :على ما سيأتي تفصيله ان شاء الله .هذا ما تفيده اليات الكريمة واما ان اطلق اللفظ على هذا المعنى هل هي حقيقة أو مجاز وما امعنوا في البحث انه من الستعارة المصرحة أو استعارة بالكناية أو ان قوله بالروح من امره من قبيل التشبيه لذكر المشبه صريحا بناء على كون من في قوله من امره بيانية كما صرحوا في قوله " :حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر " البقرة 187 :انه من التشبيه للتصريح بالمشبه /صفحة / 208في متن الكلم فكل ذلك من البحاث الدبية الفنية التى ليس لها كثير تأثير في الحصول على الحقائق .وذكر بعضهم ان من امره بيان للروح ومن للتبيين والمراد بالروح الوحى كما تقدم .وفيه انه مدفوع بقوله تعالى قل الروح من امر ربى فان من الواضح ان اليتين تسلكان مسلكا واحدا وظاهر آية السراء ان من فيها للبتداء أو للنشوء والمراد بيان ان الروح من سنخ المر وشأن من شؤنه ويقرب منها قوله تعالى " :تنزل الملئكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر " القدر . 4 :وذكر بعضهم ان المراد بالروح هو جبريل وايده بقوله : " نزل به الروح المين على قلبك " الشعراء 194 : فان من المسلم ان المراد به في اليه هو جبريل والباء للمصاحبة والمراد بالملئكة ملئكة الوحى وهم اعوان جبريل والمراد بالمر واحد الوامر والمعنى ينزل تعالى ملئكة الوحى بمصاحبة جبريل بامره وارادته .وفيه ان هذه الية نظيرة قوله تعالى " :يلقى الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق " المؤمن 15 : وظاهره ل يلئم كون المراد بالروح هو جبريل . واردأ الوجوه ما ذكره بعضهم ان المراد بالروح ارواح الناس ل ينزل ملك ال ومعه واحد من الرواح وهو منقول عن مجاهد وفساده ظاهر . وقوله على من يشاء من عباده أي ان بعث الرسل وتنزيل الملئكة بالروح من امره عليهم متوقف على مجرد المشية اللهية من غير ان يقهره تعالى في ذلك قاهر غيره فيجبره على الفعل أو يمنعه من الفعل كما في سائر افعاله تعالى فانه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .فل ينافى ذلك كون فعله ملزما لحكم ومصالح ومختلفا باختلف الستعدادات ل يقع ال عن استعداد في المحل وصلحية للقبول فان استعداد المستعد ليس ال كسؤال السائل فكما ان سؤال السائل انما يقربه من جود المسؤل وعطائه من غير ان يجبره على العطاء ويقهره كذلك الستعداد في تقريبه المستعد لفاضته تعالى وحرمان غير المستعد من ذلك فهو تعالى يفعل ما يشاء من غير ان يوجبه عليه شئ أو يمنعه عنه شئ /صفحة / 209لكنه ل يفعل شيئا ول يفيض رحمة ال عن استعداد فيما يفيض عليه وصلحية منه ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 209 وقد افاد ذلك في خصوص الرسالة حيث قال " : وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتى رسل الله الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون " النعام 124 :فان الية ظاهرة في ان الموارد مختلفة في قبول كرامة الرسالة وان الله سبحانه اعلم بالمورد الذى يصلح لها ويستأهل لتلك الكرامة وهو غير هؤلء المجرمين الماكرين واما هم فليس لهم عند الله ال الصغار والعذاب لجرامهم ومكرهم هذا .ومن هنا يظهر فساد استدلل بعضهم بالية على نفى المرجح في مورد الرسالة ومحصل ما ذكره ان الية تعلق الرسالة على مجرد المشية اللهية من غير ان تقيدها بشئ فالرسول انما ينال الرسالة بمشية من الله ل لختصاصه بصفات تؤهله لذلك ويرجحه على غيره ووجه الفساد ظاهر مما تقدم .ونظيره في الفساد الستدلل بالية على كون الرسالة عطائية غير كسبية وذلك انه تعالى غير محكوم عليه في ما ينسب إليه من الفعل ل يفعل ال ما يشاء والمور العطائية والكسبية في ذلك سواء ول شئ يقع في الوجود ال باذنه .وقوله ان انذروا انه ل اله ال انا فاتقون بيان لقوله ينزل الملئكة بالروح لكونه في معنى الوحى أو بيان للروح بناء على كونه بمعنى الوحى والنذار هو اخبار فيه تخويف كما ان التبشير هو اخبار فيه سرور على ما ذكره الراغب أو اعلم بالمحذور كما ذكره غيره والتقدير على الول اخبروهم مخوفين بوحدانيتى في اللوهية ووجوب تقواى وعلى الثاني اعلموهم ذلك على ان يكون انه مفعول ثانيا ل منصوبا بنزع الخافض .وقد علم بذلك ان قوله فاتقون متفرع على قوله ل اله ال انا والجملتان جميعا مفعول ثان أو في موضعه لقوله انذروا ويوضح ذلك ان ل اله وهو الذى يبتدئ منه وينتهى إليه كل شئ أو المعبود بالحق من لوازم صفة الوهيته ان يتقيه النسان لتوقف كل خير وسعادة إليه فلو فرض انه واحد ل شريك له في /صفحة / 210الوهيته كان لزمه ان يتقى وحده لن التقوى وهو اصلح مقام العمل فرع لما في مقام العتقاد والنظر فعبادة اللهة الكثيرين والخضوع لهم ل يجامع العتقاد باله واحد ل شريك له الذى هو القيوم على كل شئ وبيده زمام كل امر ولذا لم يؤمر نبى ان يدعو إلى توحيد من غير عمل أو إلى عمل من غير توحيد قال تعالى " :وما ارسلنا من قبلك من رسول ال نوحي إليه انه ل اله ال انا فاعبدون " النبياء . 25 :فالذي امر الرسل بالنذار به في الية هو مجموع قوله انه ل اله ال انا فاتقون وهو تمام الدين لندراج العتقادات الحقة في التوحيد والحكام العملية جميعا في التقوى ول يعبؤ بما ذكره بعضهم ان قوله فاتقون للمستعجلين من الكفار المذكورين في الية الولى أو لخصوص كفار قريش من غير أن يكون داخل فيما امر به الرسل من النذار .قوله تعالى خلق السماوات والرض بالحق تعالى عما يشركون تقدم معنى خلق السماوات والرض بالحق ولزم خلقها بالحق ان ل يكون للباطل فيها اثر ولذلك عقبه بتنزيهه عن الشركاء الذين يدعونهم ليشفعوا لهم عند الله ويهدوهم إلى الخير ويقوهم الشر فانهم من الباطل الذى ل اثر له .وفي الية واليات التالية لها احتجاج على وحدانيته تعالى في اللوهية والربوبية من جهتى الخلق والتدبير جميعا فان الخلق واليجاد آية اللوهية وكون الخلق بعضها نعمة بالنسبة إلى بعض آية الربوبية لن الشئ ل يكون نعمه بالنسبة إلى آخر ال عن ارتباط بينهما واتصال من احدهما بالخر يؤدى إلى نظام جامع بينهما وتدبير واحد يجمعهما ووحدة التدبير آية وحدة المدبر فكون ما في السماوات والرض من مخلوق نعما للنسان يدل على ان الله سبحانه وحده ربه ورب كل شئ .قوله تعالى " :خلق النسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين " المراد به الخلق الجارى في النوع النساني وهو جعل نسله من النطفة فل يشمل آدم وعيسى عليهم السلم والخصيم صفة مشبهة من الخصومة وهى الجدال والية وان امكن ان تحمل على المتنان حيث ان من عظيم المن ان يبدل الله سبحانه بقدرته التامة قطرة من ماء مهين انسانا كامل الخلقة منطيقا متكلما ينبئ عن كل ما جل ودق ببيانه البليغ لكن كثرة /صفحة / 211اليات التى توبخ النسان وتقرعه على وقاحته في خصامه في ربه كقوله تعالى " :أو لم ير النسان انا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثل ونسى خلقه قال من يحى العظام وهى رميم " يس 78 : ترجح ان يكون المراد بذيل الية بيان وقاحة النسان .ويؤيد ذلك ايضا بعض التأييد ما في ذيل الية السابقة من تنزيهه تعالى من شركهم .قوله تعالى " :والنعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون " النعام جمع نعم وهى البل والبقر والغنم سميت بذلك لنعمة مسها بخلف الحافر الذى يصلب كذا في المجمع وفي المفردات الدف ء خلف البرد انتهى وكأن المراد بالدف ء ما يحصل من جلودها واصوافها واوبارها من الحرارة للتقاء من البرد أو المراد بالدف ء ما يدفؤ به . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 211 والمراد بالمنافع سائر ما يستفاد منها لغير الدف ء من اصوافها واوبارها وجلودها والبانها وشحومها وغير ذلك وقوله لكم يمكن ان يكون متعلقا بقوله خلقها ويكون قوله فيها دف ء ومنافع حال من ضمير خلقها ويمكن ان يكون لكم ظرفا مستقرا متعلقا بالجملة الثانية أي في النعام دف ء كائنا لكم .قوله تعالى " :ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " الجمال الزينة وحسن المنظر قال في المجمع الراحة رد الماشية بالعشى من مراعيها إلى منازلها والمكان الذى تراح فيه مراح والسروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة يقال سرحت الماشية سرحا وسروحا وسرحها اهلها انتهى .يقول تعالى " : ولكم في النعام منظر حسن حين تردونها بالعشى إلى منازلها وحين تخرجونها بالغداة إلى مراعيها .قوله تعالى وتحمل اثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إل بشق النفس ان ربكم لرؤف رحيم " الثقال جمع ثقل وهو المتاع الذى يثقل حمله والمراد بقوله بشق النفس مشقة تتحملها النفس في قطع المسافات البعيدة والمسالك الصعبة .والمراد ان النعام كالبل وبعض البقر تحمل امتعتكم الثقيلة إلى بلد ليس يتيسر /صفحة / 212لكم بلوغها ال بمشقة تتحملها انفسكم فرفع عنكم المشاق بخلقها وتسخيرها لكم ان ربكم رؤف رحيم .قوله تعالى " :والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما ل تعلمون " معطوف على النعام فيما مر أي والخيل والبغال والحمير خلقها لكم لتركبوها وزينة أي ان في خلقها ارتباطا بمنافعكم وذلك انكم تركبونها وتتخذونها زينة وجمال وقوله ويخلق ما ل تعلمون أي يخلق ما ل علم لكم به من الحيوان وغيره وسخرها لكم لتنتفعوا بها والدليل على ما قدرناه هو السياق .قوله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين القصد على ما ذكره الراغب وغيره استقامة الطريق وهو كونه قيما على سالكيه يوصلهم إلى الغاية والظاهر ان المصدر بمعنى الفاعل والضافة من اضافة الصفة إلى موصوفها والمراد السبيل القاصد بدليل مقابلته بقوله ومنها جائر أي ومن السبيل ما هو جائر أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها ويضلهم عنها والمراد بكون قصد السبيل على الله وجوب جعل سبيل قاصد عليه تعالى يسلكه عباده فيوردهم مورد السعادة والفلح واذ ل حاكم غيره يحكم عليه فهو الذى اوجب على نفسه ان يجعل لهم طريقا هذا نعته ثم يهديهم إليه اما الجعل فهو ما جهز الله كل موجود ومنها النسان من القوى والدوات بما لو استعملها كما نظمت ادته إلى سعادته وكماله المطلوب قال تعالى " :الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه 50 :وقال في النسان خاصة " :فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها ل تبديل لخلق الله " الروم . 30 :واما الهداية فهى التى فعلها من ناحية الفطرة وتناها بما من طريق بعث الرسل وانزال الكتب وتشريع الشرائع قال تعالى " :ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس 8 :وقال " :انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا " الدهر . 3 :وانما ادرج سبحانه هذه الية بين هذه اليات التى سياقها عد النعم العلوية والسفلية من السماء والرض والنعام والخيل والبغال والحمير والماء النازل من السماء والزرع ونظائرها لما ان الكلم انجر في آيتى النعام والخيل إلى معنى قطع الطرق / صفحة / 213وركوب المراكب فناسب ان يذكر ما انعم به من الطريق المعنوي الموصل للنسان إلى غايته الحقيقية يبتغيها في مسير الحياة كما انعم بمثله في عالم المادة ونشأة الصورة .فذكر سبحانه ان من نعمه التى من بها على عباده أن اوجب على نفسه لهم سبيل قاصدا يوصلهم إلى سعادة حياتهم فجعله لهم وهداهم إليه .وقد نسب سبحانه قصد السبيل إلى نفسه دون السبيل الجائر لن سبيل الضلل ليس سبيل مجعول له وفي عرض سبيل الهدى وانما هو الخروج عن السبيل وعدم التلبس بسلوكه فليس بسبيل حقيقة وانما هو عدم السبيل .وكيف كان فالية ظاهرة في نسبة قصد السبيل إليه تعالى وترك نسبة السبيل الجائر المؤدى بسبب المقابلة إلى نفى نسبته إليه تعالى .واذ كان من الممكن ان يتوهم ان لزم جعله قصد السبيل ان يكون مكفورا في نعمته مغلوبا في تدبيره وربوبيته حيث جعل السبيل ولم يسلكه الكثرون وهدى إليه ولم يهتد به المدعوون دفعه بقوله تعالى " :ولو شاء لهداكم اجمعين " أي ان عدم اهتداء الجميع ليس لعجز منه سبحانه عن ذلك أو غلبة من هؤلء المتخلفين وظهورهم عليه بل لنه تعالى لم يشأ ذلك ولو شاء لم يسعهم ال ان يهتدوا جميعا فهو القاهر الغالب على كل حال .وبعبارة اخرى السبيل القاصد الذى جعله الله تعالى هو السبيل المبنى على اختيار النسان يقطعه باتيان العمال الصالحة واجتناب المعاصي عن اختيار منه وما هذا شأنه لم يكن مما يجبر عليه ول عاما للجميع فان الطبائع متنوعة والتراكيب مختلفة ول محالة تتنوع آثارها ويختلف الفراد باليمان والكفر والتقوى والفجور ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 213 والطاعة والمعصية .والية مما تشاجرت فيها الشاعرة والمعتزلة من فرق المسلمين فاستدلت المعتزلة بأن تغيير السلوب يجعل قصد السبيل على الله دون السبيل الجائر للدللة على ما يجوز اضافته إليه تعالى وما ل يجوز كما ذكره في الكشاف .وتكلفت الشاعرة في الجواب عنه فمن مجيب بان السبيلين جميعا منه تعالى وانما لم ينسب السبيل الجائر إليه تأدبا ومن مجيب بان المراد بقوله وعلى الله قصد /صفحة / 214 السبيل ان عليه تعالى بيان السبيل الحق فضل وكرما منه دون بيان السبيل الجائر واما اصل الجعل فهما جميعا مجعولن له تعالى ومن منكر ان يكون تغيير السلوب في الية لمر مطلوب . والحق ان دللة الية على كون قصد السبيل مضافا إليه تعالى دون السبيل الجائر مما ل ريب فيه لكن ذلك ل يستلزم كون السبيل الجائر مخلوقا لغيره تعالى لما تقدم ان سبيل الضلل ليس بسبيل حقيقة بل حقيقته عدم سلوك سبيل الهدى كما ان الضلل عدم الهدى فليس بامر موجود حتى ينسب خلقه وايجاده إليه تعالى وانما ينسب الضلل إليه تعالى فيما ينسب بمعنى عدم هدايته للضال أي عدم ايجاده الهدى في نفسه . ومع ذلك فالذي ينسب إليه من الضلل كما في قوله " :يضل من يشاء ويهدى من يشاء " فاطر : 8وقوله " :يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا " البقرة 26 :هو الضلل بطريق المجازاة دون الضلل البتدائي كما يفسره قوله " :وما يضل به ال الفاسقين البقرة 26 :فإذا فسق النسان وخرج بسوء اختياره عن زى العبودية بأن عصى ولم يرجع وهو ضلله البتدائي من قبل نفسه جازاه الله بالضلل بأن اثبته على حاله ولم يقض عليه الهدى .واما الضلل البتدائي من النسان فانما هو انكفاف وقصور عن الطاعة وقد هداه الله من طريق الفطرة ودعوة النبوة .قوله تعالى " :هو الذى انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون " شروع في نوع آخر من النعم وهى النعم النباتية التى يقتات بها النسان وغيره وما سخر له لتدبير امرها كالليل والنهار والشمس والقمر وما يحذو حذوها ولذلك غير السياق فقال هو الذى الخ ولم يقل وانزل من السماء .وقوله تسيمون من السامة وهى رعى المواشى ومنه السائمة للماشية الراعية ومن الولى تبعيضية والثانية نشوئية والشجر من النبات ما له ساق وورق وربما توسع فاطلق على ذى الساق وغيره جميعا ومنه الشجر المذكور في الية لمكان قوله فيه تسيمون والباقى واضح / . صفحة / 215قوله تعالى " :ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات " الخ الزيتون شجر معروف ويطلق على ثمره ايضا يقال انه اسم جنس جمعى واحده زيتونة وكذا النخيل ويطلق على الواحد والجمع والعناب جمع عنبة وهى ثمرة شجرة الكرم ويطلق على نفس الشجرة كما في الية والسياق يفيد ان قوله ومن كل الثمرات تقديره ومن كل الثمرات انبت اشجارها ولعل التصريح باسماء هذه الثمرات الثلث بخصوصها وعطف الباقي عليها لكونها مما يقتات بها غالبا .ولما كان في هذا التدبير العام الوسيع الذى يجمع شمل النسان والحيوان في الرتزاق به حجة على وحدانيته تعالى في الربوبية ختم الية بقوله ان في ذلك لية لقوم يتفكرون . قوله تعالى " :وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر " إلى آخر الية قد تكرر الكلم في معنى تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ولكون كل من المذكورات وكذا مجموع الليل والنهار ومجموع الشمس والقمر والنجوم ذا خواص وآثار في نفسه من شأنه ان يستقل باثبات وحدانيته في ربوبيته تعالى ختم الية بقوله ان في ذلك ليات لقوم يعقلون فجمع اليات في هذه الية بخلف اليتين السابقة واللحقة .قوله تعالى " :وما ذرأ لكم في الرض مختلفا الوانه ان في ذلك لية لقوم يذكرون " الذرء الخلق واختلف الوان ما ذرأه في الرض غير ما مر كما يختلف الوان المعادن وسائر المركبات العنصرية التى ينتفع بها النسان في معاشه ول يبعد ان يكون اختلف اللوان كناية عن الختلف النوعى بينها فتقرب اليه مضمونا من قوله تعالى " :وفي الرض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الكل " الرعد 4 : وقد تقدم تقريب الستدلل به واختلف اللوان فيما ذرأ في الرض كانبات الشجر والثمر امر واحد يستدل به على وحدانيته في الربوبية ولذا قال ان في ذلك لية ولم يقل ليات .وهذه حجج ثلث نسب الولى إلى الذين يتفكرون والثانية إلى الذين /صفحة / 216يعقلون والثالثة إلى الذين يتذكرون وذلك ان الحجة الولى مؤلفة من مقدمات ساذجة يكفى في انتاجها مطلق التفكر والثانية مؤلفة من مقدمات علمية ل يتيسر فهمها ال لمن غار في اوضاع الجرام العلوية والسفلية وعقل آثار حركاتها وانتقالتها والثالثة مؤلفة من مقدمات كلية فلسفية انما ينالها النسان بتذكر ما للوجود من الحكام العامة الكلية كاحتياج هذه النشأة المتغيرة إلى المادة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 216 وكون المادة العامة واحدة متشابهة المر ووجوب انتهاء هذه الختلفات الحقيقية إلى امر آخر وراء المادة الواحدة المتشابهة .قوله تعالى " :وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " الخ وهذا فصل آخر من النعم اللهية وهو نعم البحر والجبال والنهار والسبل والعلمات وكأن ما تقدمه من الفصل مشتمل على نعم البر والسهل من الشجار والثمار ونحوها ولذلك قال وهو الذى سخر ولم يقل وسخر الخ .والطرى فعيل من الطراوة وهو الغض الجديد من الشئ على ما ذكره في المفردات والمخر شق الماء عن يمين وشمال يقال مخرت السفينة تمخر مخرا فهى ماخرة ومخر الرض ايضا شقها للزراعة على ما في المجمع والمراد بأكل اللحم الطرى من البحر هو اكل لحوم الحيتان المصطادة منه و باستخراج حلية تلبسونها ما يستخرج منه بالغوص من امثال اللؤلؤ والمرجان التى تتحلى وتتزين بها النساء .وقوله : " وترى الفلك مواخر فيه أي تشاهد السفائن تشق ماءه عن اليمين والشمال ولعل قوله وترى من الخطابات العامة التى ل يقصد بها مخاطب خاص وكثيرا ما يستعمل كذلك ومعناه يراه كل راء ويشاهده كل من له ان يشاهد فليس من قبيل اللتفات من خطاب الجمع السابق إلى خطاب الواحد .وقوله ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون أي ولتطلبوا بعض رزقه في ركوب البحر وارسال السفائن فيه والجملة معطوفة على محذوف والتقدير وترى الفلك مواخر فيه لتنالوا بذلك كذا وكذا ولتبتغوا من فضله وهو كثير النظير في كلمه تعالى .و قوله ولعلكم تشكرون أي ومن الغايات في تسخير البحر واجراء الفلك / صفحة / 217فيه شكركم له المرجو منكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد اغناكم بما انعم عليكم في البر عن ان تتصرفوا في البحر بالغوص واجراء السفن وغير ذلك لكنه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلكم تشكرونه على هذا الزائد فان النسان قليل ما يتنبه في الضروريات انها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه ولو شاء لقطعها واما الزوائد النافعة فهى اقرب من هذا التنبه والنتقال .قوله تعالى " :والقى في الرض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبل لعلكم تهتدون " قال في المجمع الميد الميل يمينا وشمال وهو الضطراب ماد يميد ميدا انتهى . وقوله ان تميد بكم أي كراهة ان تميد بكم أو ان ل تميد بكم والمراد انه طرح على الرض جبال ثوابت لئل تضطرب وتميل يمينا وشمال فيختل بذلك نظام معاشكم .وقوله وانهارا أي وجعل فيها انهارا تجرى بمائها وتسوقه إلى مزارعكم وبساتينكم وتسقيكم وما عندكم من الحيوان الهلى .وقوله وسبل لعلكم تهتدون معطوف على قوله وانهارا أي وجعل سبل لغاية الهتداء المرجو منكم والسبل منها ما هي طبيعية وهى المسافات الواقعة بين بقعتين من الرض الواصلة احداهما بالخرى من غير ان يقطع ما بينهما بحاجب أو مانع كالسهل بين الجبلين ومنها ما هي صناعية وهى التى تتكون بعبور المارة وآثار القدام أو يعملها النسان .والظاهر من السياق عموم السبل لكل القسمين ول ضير في نسبة ما جعله النسان إلى جعله تعالى كما نسب النهار والعلمات إلى جعله تعالى واكثرها من صنع النسان وكما نسب ما عمله النسان من الصنام وغيرها إلى خلقه تعالى في قوله " :والله خلقكم وما تعملون " الصافات . 96وذلك انها كائنة ما كانت من آثار مجعولته تعالى وجعل الشئ ذى الثر جعل لثره بوجه وان لم يكن جعل مستقيما من غير واسطة .قوله تعالى " :وعلمات وبالنجم هم يهتدون " العلمات جمع علمة وهى ما يعلم به الشئ وهو معطوف على قوله انهارا أي وجعل علمات تستدلون بها على /صفحة / 218الشياء الغائبة عن الحس وهى كل آية وامارة طبيعية أو وضعية تدل على مدلولها ومنها الشواخص والنصب واللغات والشارات والخطوط وغيرها . ثم ذكر سبحانه الهتداء بالنجوم فقال وبالنجم هم يهتدون ولعل اللتفات فيه من الخطاب إلى الغيبة للتحرز عن تكرار تهتدون بصيغة الخطاب في آخر اليتين .والية السابقة وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين المتضمنة لمسألة الهداية المعنوية التى هي كالمعترضة بين اليات العادة للنعم الصورية وان كان النسب ظاهرا ان يوضع بعد هذه الية اعني قوله وبالنجم هم يهتدون المتعرضة هي وما قبلها للهداية الصورية غير ان ذلك لم يكن خاليا من اللبس وايهام التناقض بخلف موقعها الذى هي واقعة فيه وان كانت كالمعترضة كما هو ظاهر .قوله تعالى " :أفمن يخلق كمن ل يخلق إلى قوله الهكم اله واحد " اليات تقرير اجمالي للحجة المذكورة تفصيل في ضمن اليات الست عشرة الماضية واستنتاج للتوحيد وهى حجة واحدة اقيمت لتوحيد الربوبية وملخصها ان الله سبحانه خالق كل شئ فهو الذى انعم بهذه النعم التى ل يحيط بها الحصاء التى ينتظم بها نظام الكون وهو تعالى عالم بسرها وعلنها فهو الذى يملك الكل ويدبر المر فهو ربها ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 218 وليس شئ مما يدعونه على شئ من هذه الصفات فليست اربابا فالله واحد ل غير وهو الله عز اسمه .ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم ان اليات تثبت التوحيد من طريقين طريق الخلقة وطريق النعمة بيان الفساد ان طريق الخلقة وحدها انما تثبت الصانع ووحدانيته في الخلق واليجاد والوثنيون واليهم وجه الكلم في اليات ل ينكرون وجود الصانع ول ان الله سبحانه خالق الكل حتى اوثانهم وان اوثانهم ليسوا بخالقين لشئ وانما يدعون لوثانهم تدبير امر العالم بتفويض من الله لذلك إليهم والشفاعة عند الله فل يفيد اثبات الصانع تجاه هؤلء شيئا .وانما سيقت آيات الخلقة لتثبيت امر النعمة إذ من البين انه إذا كان الله سبحانه خالقا لكل شئ موجودا له كانت آثار وجودات الشياء وهى النعم التى يتنعم بها /صفحة / 219له سبحانه كما ان وجوداتها له ملكا طلقا ل يقبل بطلنا ول نقل ول تبديل فهو سبحانه المنعم بها حقيقة ل غيره من شئ حتى الذى نفس النعمة من آثار وجوده فانه وما له من اثر هو لله وحده .ولذلك ضم إلى حديث الخلق والنعام قوله تعالى " :والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " لن مجرد استناد الخلق والنعام إلى شئ ل يستلزم ربوبيته ول يستوجب عبادته لو ل انضمام العلم اليهما ليتم بذلك انه مدبر يهدى كل شئ إلى كماله المطلوب له وسعادته المكتوبة في صحيفة عمله ومن المعلوم ان العبادة انما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوما بسمة العلم عالما بعبادة من يعبده شاهدا لخضوعه .فمجموع ما تتضمنه اليات من حديث الخلق والنعمة والعلم مقدمات لحجة واحدة اقيمت على توحيد الربوبية الذى ينكره الوثنية كما عرفت .فقوله " :أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون " قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه ونفى للمساواة والستفهام للنكار والمراد بمن ل يخلق آلهتهم الذين يدعونهم من دون الله .وبيانه كما ظهر مما تقدم ان الله سبحانه يخلق الشياء ويستمر في خلقها فل يستوى هو ومن ل يخلق شيئا فانه تعالى لخلقه الشياء يملك وجوداتها وآثار وجوداتها التى هي النظمة الخاصة بها والنظام العام الجارى عليها .وقوله وان تعدوا نعمة الله ل تحصوها الخ اشارة إلى كثرة النعم اللهية كثرة خارجة عن حيطة الحصاء وبالحقيقة ما من شئ ال وهو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلى وان كان ربما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر .وقد علل سبحانه ذلك بقوله ان الله لغفور رحيم وهو من الطف التعليل وادقه فافاد سبحانه ان خروج النعمة عن حد الحصاء انما هو من بركات اتصافه تعالى بصفتي المغفرة والرحمة فانه بمغفرته والمغفرة هي الستر يستر ما في الشياء من وبال النقص وشوهة القصور وبرحمته والرحمة اتمام النقص ورفع الحاجة يظهر فيها الخير والكمال ويحليها بالجمال فببسط المغفرة والرحمة على الشياء يكون كل شئ نافعا في غيره خيرا مطلوبا عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالشياء بعضها نعمة /صفحة / 220لبعض فللنعمة اللهية من السعة والعرض ما لمغفرته ورحمته من ذلك فان تعدوا نعمة الله ل تحصوها فافهم ذلك .والية من الموارد التى استعملت فيها المغفره في غير الذنب والمعصية للمر المولوي كما هو المعروف عند المتشرعة . وقوله والله يعلم ما تسرون وما تعلنون اشارة إلى الركن الثالث من اركان الربوبية وهو العلم فان الله لو كان غير متصف بالعلم استوت العبادة واللعبادة بالنسبة إليه فكانت عبادته لغوا ل اثر لها .فمن الواجب في الرب المعبود ان يكون له علم ول كل علم كيفما كان بل العلم بظاهر من يعبده وباطنه فان العبادة متقومة بالنية فهى انما تقع عبادة حقيقة إذا اتى بها عن نية صالحة وهو مما يرجع إلى الضمير فل يتم العلم بكون صورة العبادة واجدة لحقيقة معناها ال بعد احاطة المعبود بظاهر من يعبده وباطنه لكن الله سبحانه عليم بما يسره النسان وما يعلنه كما انه خالق منعم ويستحق بذلك ان يعبد .ومن هنا يظهر وجه اختيار ما في الية من التعبير لبيان علمه فلم يعبر بمثل قوله عالم الغيب والشهادة وقوله والله بكل شئ عليم بل قال والله يعلم ما تسرون وما تعلنون فذكر العلم بالسرار والعلن واضافه إلى النسان لن الكلم في عبادة النسان لربه والواجب في العلم بالعبادة المرتبطة بعمل الجوارح والقلب جميعا ان يكون عالما بما يسره النسان وما يعلنه من النية القلبية والحوال والحركات البدنية .وقوله والذين يدعون من دون الله ل يخلقون شيئا وهم يخلقون اشارة إلى فقدان الركن الول من اركان الربوبية في آلهتهم الذين يدعون من دون الله ويتفرع عليه الركن الثاني وهو ايتاء النعمة فليس الذين يدعونهم آلهة واربابا والله الرب .وقوله اموات غير احياء وما يشعرون ايان يبعثون اشارة إلى فقدان الركن الثالث من اركان الربوبية في اصنامهم وهو العلم بما يسرون وما يعلنون وقد ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 220 بالغ في نفى ذلك فنفى اصل الحياة المستلزم لنفى مطلق العلم فضل عن نوعه الكامل الذى هو العلم بما يسرون وما يعلنون فقال اموات غير احياء فاثبت الموت اول /صفحة / 221وهو ل يجامع الشعور ثم اكده بنفى الحياة ثانيا وخص من وجوه جهلهم عدم شعورهم متى يبعث عبادهم من الناس فقال وما يشعرون ايان يبعثون أي ما يدرى الصنام ايان يبعث عبادهم فان العبادة هي التى يجزى بها النسان يوم البعث فمن الواجب في الله المعبود ان يعلم متى يوم البعث حتى يجزى عباده فيه عن عبادتهم وهؤلء ل يدرون شيئا من ذلك .ومن هنا يظهر ان اول ضميري الجمع يشعرون للصنام والثانى يبعثون للمشركين واما ارجاعهما كليهما إلى الصنام فغير مرضى لن العلم بالبعث مختص به سبحانه محجوب عن غيره ول يختص الجهل به بالصنام واردأ منه قول بعضهم إن ضميري الجمع معا في الية عائدان إلى المشركين هذا .واليات وان كانت مسوقة بظاهرها لنفى ربوبية الصنام لكن البيان بعينه بأدنى دقة جار في ارباب الصنام كالملئكة المقربين والجن والكملين من البشر والكواكب من كل ما يعبده الوثنيون فان صفات الخلق والنعام والعلم ل تقوم بالصالة والستقلل ال بالله سبحانه ول ربوبية حقيقة ال بالصالة والستقلل فافهم .وفي اليتين اعني قوله والذين يدعون من دون الله إلى قوله يبعثون التفات من الخطاب إلى الغيبة ولعل النكتة فيه ذكر يوم البعث فيهما والمشركون ل يقولون به فحول الخطاب منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتوسل بذلك إليه من غير اعتراض . وقوله الهكم اله واحد بيان لنتيجة الحجة التى اقيمت في اليات السابقة أي إذا كان الله سبحانه هو الواجد لما تتوقف عليه اللوهية وهى المعبودية بالحق وغيره تعالى ممن يدعون من دونه غير واجد لشئ مما تتوقف عليه وهو الخلق والنعام والعلم فالهكم الذى يحق له ان يعبد واحد ولزم معناه انه الله عز اسمه ) .بحث روائي ( في المجمع اربعون آية من اولها مكية والباقى من قوله والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم إلى آخر السورة مدنية عن الحسن وقتادة وقيل مكية كلها غير ثلث آيات نزلت في انصراف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحد وان عاقبتم فعاقبوا /صفحة / 222إلى آخر السورة نزلت فيما بين مكة والمدينة عن ابن عباس وعطاء والشعبى وفي احدى الروايات عن ابن عباس بعضها مكى وبعضها مدنى فالمكي من اولها إلى قوله ولكم عذاب عظيم والمدنى قوله ول تشتروا بعهد الله ثمنا قليل إلى قوله بأحسن ما كانوا يعملون .اقول وقد قدمنا ان الذى يعطيه السياق خلف ذلك كله فراجع .وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلم قال سألته عن قول الله " :اتى امر الله فل تستعجلوه قال إذا اخبر الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشئ إلى وقت فهو قوله " :أتى أمر الله فل تستعجلوه " حتى يأتي ذلك الوقت وقال ان الله إذا أخبر ان شيئا كائن فكأنه قد كان اقول كأنه اشارة إلى إن التعبير في الية بلفظ الماضي لتحقق الوقوع وفى الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت أتى أمر الله ذعر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل فل تستعجلوه فسكنوا وفيه اخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريد قال لما نزلت هذه الية " :اتى امر الله فل تستعجلوه " قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض ان هذا يزعم إن امر الله قد أتى فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا إنه ل ينزل شئ قالوا ما نراه نزل فنزلت " :اقترب للناس حسابهم " الية فقالوا إن هذا يزعم مثلها ايضا فلما رأوا إنه ل ينزل شئ قالوا ما نراه نزل شئ فنزل " :ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة " الية اقول والرواية تدل على إن المسلمين كان بينهم قبل الهجرة منافقون كما يشهد به بعض آخر من الروايات وفيه اخرج ابن ابي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فل تزال ترتفع في السماء حتى تمل السماء ثم ينادي مناد يا ايها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول نعم ومنهم من /صفحة / 223يشك ثم ينادى الثانية يا ايها الناس فيقول الناس هل سمعتم ؟ فيقولون نعم ثم ينادى ايها الناس اتى امر الله فل تستعجلوه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :فو الذى نفسي بيده ان الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه وان الرجل ليملؤ حوضه فما يسقى فيه شيئا وان الرجل ليحلب ناقته فما يشربه ويشغل الناس .اقول وقد رام بعضهم ان يستفيد من هذه الروايات الثلث وفي معناها بعض روايات اخر ان المراد بالمر هو يوم القيامة ول دللة فيها على ذلك .اما الرواية الولى فل يدل ذعرهم انهم فهموا منها ذلك فان امر الله ايا ما كان ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 223 مما يهيب عباده على انه ل حجة في فهمهم وليس الشبهة مفهومية حتى يرجع إليهم بما هم اهل اللسان .على ان الرواية ل تخلو عن شئ فان الله سبحانه يعد الستعجال بالقيامة من صفات الكفار ويذمهم عليه ويبرئ المؤمنين منه قال " : والذين آمنوا مشفقون منها " الشورى 18 :وقد مرت الشارة إليه في البيان المتقدم هذا إذا كان الخطاب في قوله فل تستعجلوه للمؤمنين واما إذا كان المخاطب به المشركين وهم كانوا يستعجلونه فمعنى النهى عن استعجالهم هو حلول الجل وقرب الوقوع ل المهال والنظار ول معنى حينئذ لسكونهم لما سمعوا قوله فل تستعجلوه .واما الرواية الثانية فظاهرها انهم فهموا منها العذاب الدنيوي دون الساعة فهى تؤيد ما قدمناه في البيان ل ما ذكروه .واما الرواية الثالثة فاقصى ما تدل عليه ان قيام الساعة من مصاديق اتيان امر الله ول ريب في ذلك وهو غير كون المراد بالمر في الية هو الساعة .وفي كتاب الغيبة للنعماني باسناده عن عبد الرحمان بن كثير عن ابى عبد الله عليه السلم :في قوله عز وجل " :اتى امر الله فل تستعجلوه قال هو امرنا امر الله عز وجل فل يستعجل به يؤيده بثلثة اجناد الملئكة والمؤمنون والركب وخروجه كخروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قوله كما اخرجك ربك من بيتك بالحق .اقول ورواه المفيد في كتاب الغيبة عن عبد الرحمان عنه عليه السلم ومراده /صفحة / 224ظهور المهدى عليه السلم كما صرح به في روايات اخر وهو من جرى القرآن أو بطنه .وفي الكافي باسناده عن سعد السكاف قال :اتى رجل امير المؤمنين عليه السلم يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل ؟ فقال له امير المؤمنين عليه السلم جبرئيل من الملئكة والروح غير جبرئيل فكبر ذلك على الرجل فقال له لقد قلت عظيما من القول ما احد يزعم ان الروح غير جبرئيل فقال له امير المؤمنين عليه السلم انك ضال تروى عن اهل الضلل يقول الله لنبيه اتى امر الله فل تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ينزل الملئكة بالروح والروح غير الملئكة .اقول وهو يؤيد ما قدمناه وفي روايات اخر انه خلق اعظم من جبرئيل . وفي تفسير القمى :في قوله تعالى فإذا هو خصيم مبين قال عليه السلم خلقه من قطرة من ماء مهين فيكون خصيما متكلما بليغا وفيه :في قوله تعالى حين تريحون وحين تسرحون قال عليه السلم حين ترجع من المرعى وحين تخرج إلى المرعى وفي تفسير العياشي عن زرارة عن احدهما عليه السلم قال سألته عن ابوال الخيل والبغال والحمير قال نكرهها قلت أليس لحمها حلل ؟ قال فقال أليس قد بين الله لكم والنعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون وقال في الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة فجعل الكل من النعام التى قص الله في الكتاب وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير وليس لحومها بحرام ولكن الناس عافوها .اقول والروايات في الخيل والبغال والحمير مختلفة ومذهب اهل البيت عليهم السلم حلية اكل لحومها على كراهية . وفي تفسير القمى :في قوله تعالى ويخلق ما ل تعلمون قال قال عليه السلم العجائب التى خلقها الله في البر والبحر وفي الدر المنثور في قوله تعالى " :وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر " اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن النباري في المصاحف عن على انه كان يقرء هذه الية فمنكم جائر وفي تفسير العياشي عن اسماعيل بن ابى زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه /صفحة / 225عن على عليه السلم قال قال رسول الله صلى الله :وبالنجم هم يهتدون قال هو الجدى لنه نجم ل يدور عليه بناء القبلة وبه يهتدى اهل البر والبحر .اقول وهو مروى عن الصادق عليه السلم ايضا وفي الكافي بإسناده عن داود الجصاص قال سمعت أبا عبد الله عليه السلم يقول :وعلمات وبالنجم هم يهتدون قال -النجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعلمات الئمة عليهم السلم أقول ورواه ايضا بطريقين آخرين عنه وعن الرضا عليه السلم ورواه العياشي والقمى في تفسيريهما والشيخ في أماليه عن الصادق عليه السلم .وليس بتفسير وإنما هو من البطن ومن الدليل عليه ما رواه الطبرسي في المجمع قال قال أبو عبد الله عليه السلم :نحن العلمات والنجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد قال إن الله جعل النجوم أمانا لهل السماء -وجعل أهل بيتى امانا لهل الرض * * * الهكم اله واحد فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون - 22ل جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه ل يحب المستكبرين 23 -وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الولين 24 -ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ال ساء ما يزرون 25 -قد مكر الذين من قبلهم فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون / 26 -صفحة / 226ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 226 قال الذين اوتوا العلم ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين 27 -الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون 28 - فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين 29 -وقيل للذين اتقوا ما ذا انزل ربكم قالوا خيرا للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الخرة خير ولنعم دار المتقين 30 -جنات عدن يدخلونها تجرى من تحتها النهار لهم فيها ما يشاؤن كذلك يجزى الله المتقين 31 -الذين تتوفاهم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون 32 -هل ينظرون ال أن تأتيهم الملئكة أو ياتي امر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون 33 -فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن 34 -وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ول آباؤنا ول حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل ال البلغ المبين 35 -ولقد بعثنا في كل امة رسول ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم /صفحة / 227من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين 36 -إن تحرص على هداهم فان الله ل يهدى من يضل وما لهم من ناصرين 37 - وأقسموا بالله جهد ايمانهم ل يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس ل يعلمون - 38ليبين لهم الذى يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين 39 -انما قولنا لشئ إذا اردناه ان نقول له كن فيكون ) 40 -بيان ( هذا هو الشطر الثاني من آيات صدر السورة وقد كان الشطر الول يتضمن توحيد الربوبية واقامة الحجة على المشركين في ذلك بعد ما انذرهم باتيان المر ونزه الله سبحانه عن شركهم .وهذا الشطر الثاني يتضمن ما يناسب المقام ذكره من مساوى صفات المشركين المتفرعة على انكارهم التوحيد وأباطيل اقوالهم كاستكبارهم على الله واستهزائهم باياته وانكارهم الحشر وبيان بطلنها واظهار فسادها وتهديدهم باتيان المر وحلول العذاب الدنيوي واليعاد بعذاب يوم الموت ويوم القيامة وحقائق أخر ستنكشف بالبحث .قوله تعالى الهكم اله واحد فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون قد تقدم الكلم في قوله الهكم اله واحد وانه نتيجة الحجة التي اقيمت في اليات السابقة .وقوله فالذين ل يؤمنون بالخرة الخ تفريع عليه وافتتاح لفصل / صفحة / 228جديد من الكلم حول اعمال الكفار من اقوالهم واعمالهم الناشئة عن عدم ايمانهم بالله سبحانه وانما ذكر عدم ايمانهم بالخرة ولم يذكر عدم ايمانهم بالله وحده لن الذى اقيمت عليه الحجة هو التوحيد الكامل وهو وجوب العتقاد باله عليم قدير خلق كل شئ واتم النعمة ل لغوا باطل بل بالحق ليرجعوا إليه فيحاسبهم على ما عملوا ويجازيهم بما اكتسبوا مما عهده إليهم من المر والنهى بواسطة الرسل .فالتوحيد المندوب إليه في اليات الماضية هو القول بوحدانيته تعالى واليمان بما اتى به رسل الله واليمان بيوم الحساب والجزاء ولذلك وصف الكفار بعدم اليمان بالخرة لن اليمان بها يستلزم اليمان بالوحدانية والرسالة .ولك ان تراجع في استيضاح ما ذكرناه قوله في اول اليات ينزل الملئكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا انه ل اله ال انا فاتقون خلق السماوات والرض بالحق سبحانه عما يشركون فانه كلم جامع للصول الثلثة .وقوله قلوبهم منكرة أي للحق وقوله وهم مستكبرون أي عن الحق والستكبار على ما ذكروه طلب الترفع بترك الذعان للحق .والمعنى الهكم واحد على ما تدل عليه اليات الواضحة في دللتها وإذا كان المر على هذا الوضوح والجلء ل يستتر بستر ول يرتاب فيه فهم فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة للحق جاحدة له عنادا وهم مستكبرون عن النقياد للحق من غير حجة ول برهان .قوله تعالى ل جرم ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون انه ل يحب المستكبرين ل جرم كلمة مركبة باقية على حالة واحدة يفيد معنى التحقيق على ما ذكره الخليل وسيبويه واليه يرجع ما ذكره غيرهما وان اختلفوا في اصل تركبه قال الخليل وهو كلمة تحقيق ول يكون ال جوابا يقال فعلوا كذا فيقول السامع ل جرم يندمون . والمعنى من المحقق أو حق ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون وهو كناية وتهديد بالجزاء السئ أي انه يعلم ما يخفونه من اعمالهم وما يظهرونه فسيجزيهم بما عملوا ويؤاخذهم على ما انكروا واستكبروا انه ل يحب المستكبرين / . صفحة / 229قوله تعالى " :وإذا قيل لهم ما ذا انزل ربكم قالوا اساطير الولين " قال الراغب في المفردات السطر والسطر بفتح فسكون أو بفتحتين السطر من الكتابة ومن الشجر المغروس ومن القوم الوقوف إلى ان قال وجمع السطر اسطر وسطور واسطار .قال واما قوله اساطير الولين فقد قال المبرد هي جمع اسطورة نحو ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 229 ارجوحة واراجيح واثفية واثافى واحدوثة واحاديث وقوله تعالى " :وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا اساطير الولين " أي شئ كتبوه كذبا ومينا فيما زعموا نحو قوله تعالى " :اساطير الولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة واصيل " انتهى وقال غيره اساطير جمع اسطار واسطار جمع سطر فهو جمع الجمع وقوله وإذا قيل لهم ما ذا انزل ربكم يمكن ان يكون القائل بعض المؤمنين وانما قاله اختبارا لحالهم واستفهاما لما يرونه في الدعوة النبوية ويمكن ان يكون من المشركين وانما قاله لهم ليقلدهم فيما يرونه وعبر عن القرآن بمثل قوله ما ذا انزل ربكم لنوع من التهكم والستهزاء ويمكن ان يكون شاكا متحيرا باحثا والية التالية وكذا قوله فيما سيأتي وقيل للذين اتقوا ما ذا انزل ربكم يؤيد احد الوجهين الخيرين .وقوله قالوا اساطير الولين أي الذى يسأل عنه اكاذيب خرافية كتبها الولون واثبتوها وتركوها لمن خلفهم ولزم هذا القول دعوى انه ليس نازل من عند الله سبحانه .قوله تعالى " : ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة إلى آخر الية قال في المفردات الوزر بفتحتين الملجأ الذى يلتجأ إليه من الجبل قال تعالى " :كل ل وزر إلى ربك يومئذ المستقر " والوزر بالكسر فالسكون الثقل تشبيها بوزر الجبل ويعبر بذلك عن الثم كما يعبر عنه بالثقل قال تعالى " :ليحملوا اوزارهم كاملة " الية كقوله " :وليحملن اثقالهم واثقال مع اثقالهم " .قال وحمل وزر الغير بالحقيقة هو على نحو ما اشار إليه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله من سن سنة حسنة كان له اجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من اجره شئ ومن / صفحة / 230سن سنة سيئة كان له وزرها ووزر من عمل بها أي مثل وزر من عمل بها وقوله " : ول تزر وازرة وزر اخرى " أي ل تحمل وزره من حيث يتعرى المحمول عنه انتهى .والذى ذكره من الحديث النبوى مروى من طرق الخاصة والعامة جميعا ويصدقه من الكتاب العزيز مثل قوله تعالى " :والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شئ كل امرء بما كسب رهين " الطور 21 :وقوله " :ونكتب ما قدموا وآثارهم " يس 12 :واليات في هذا المعنى كثيرة .واما قوله في تفسير قوله صلى الله عليه وآله وسلم :كان له وزرها ووزر من عمل بها أي مثل وزر من عمل بها فكلم ظاهري ل بأس بأن يوجه به الية والرواية لرفع التناقض بينهما وبين مثل قوله تعالى " :ل تزر وازرة وزر اخرى " النعام 164 :وقوله " : ليوفينهم ربك اعمالهم " هود 111 :إذ لو حمل المر وزر السيئة وعذب بعذابها دون الفاعل ناقض ذلك الية الولى ولو قسم بينهما وحمل كل منهما بعض الوزر وعذب ببعض العذاب ناقض الية الثانية واما لو حمل السان والمر مثل ما للعامل الفاعل لم يناقض شيئا .واما بحسب الحقيقة فكما ان العمل عمل واحد حسنة أو سيئة كذلك وزره وعذابه مثلواحد ل تعدد فيه غير ان نفس العمل لما كان قائما باكثر من واحد قيامه بالمر والفاعل قياما طوليا ل عرضيا يوجب المحذور كانت تبعته من الوزر والعذاب قائمة باكثر من واحد فهناك وزر واحد يزرها اثنان وعذاب واحد يعذب به المر والفاعل جميعا .ويسهل تصور ذلك بالتأمل في مضمون اليات المبنية على تجسم العمال فان العمل كالسيئة مثل على تقدير التجسم واحد شخصي يتمثل لثنين ويعذب بتمثله انسانين المر والفاعل أو السان والمستن فهو بوجه بعيد كالشخص الواحد يتصوره اثنان فيلتذان أو يتألمان معا به وليس ال واحدا .وقد تقدم بعض الكلم في هذا المعنى في ذيل قوله تعالى " : ليميز الله الخبيث من الطيب " الية في الجزء التاسع من الكتاب وسياتى ان شاء الله تفصيل القول فيه فيما يناسبه من المورد / .صفحة / 231وكيف كان فقوله ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم اللم للغاية وهى متعلقة بقوله قالوا اساطير الولين وفي قوله يضلونهم دللة على ان حملهم لوزار غيرهم انما هو من جهة اضللهم فيعود الضلل غاية والحمل غاية الغاية والتقدير قالوا اساطير الولين ليضلوهم وهم انفسهم ضالون فيحملوا اوزار انفسهم كاملة ومن اوزار اولئك الذين يضلونهم بغير علم .وفي تقييد قوله ليحملوا اوزارهم بقوله كاملة دفع لتوهم التقسيم والتبعيض بان يحملوا بعضا من اوزار انفسهم وبعضا من اوزار الذين يضلونهم فيعود الجميع اوزارا كاملة بل يحملون اوزار انفسهم كاملة ثم من اوزار الذين يضلونهم .وقوله ومن اوزار الذين يضلونهم من تبعيضية لنهم ل يحملون جميع اوزارهم بل اوزارهم التى ترتبت على اضللهم خاصة بشهادة السياق فالتبعيض انما هو لتمييز الوزار المترتبة على الضلل من غيرها ل للدللة على تبعيض كل وزر من اوزار الضلل وحمل بعضه على هذا وبعضه على ذاك ول تقسيم مجموع اوزار الضلل وحمل قسم منه على هذا وقسم منه على ذاك مع تعريته عن القسم الخر فان امثال قوله ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 231 تعالى " :ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " الزلزال 8 :تنافى ذلك فافهم .ومما تقدم يظهر وهن ما استفاده بعضهم من قوله ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة إن مقتضاه انه لم ينقص منها شئ ولم تكفر بنحو بلية تصيبهم في الدنيا أو طاعة مقبولة فيها كما تكفر بذلك اوزار المؤمنين .وكذا ما استفاده بعض آخر ان في الية دللة على انه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصل للكل لم يكن لتخصيص هؤلء الكفار به فائدة .وجه الوهن ان ما ذكراه من خزى الكافرين واكرام المؤمنين وان كان حقا في نفسه كما تدل عليه اليات الدالة على خزى الكفار بما يصيبهم في الدنيا وحبط اعمالهم وشمول المغفرة والشفاعة لطائفة من المؤمنين لكن هذه الية ليست ناظرة إلى شئ من ذلك بل العناية فيها انما هي بالفرق بين اوزار انفسهم واوزار غيرهم الذين اضلوهم وان الطائفة الثانية يلحقهم بعضها وهى التى ترتبت من الوزار على الضلل بخلف /صفحة / 232 الطائفة الولى فهى لهم انفسهم .واوهن منهما ما ذكره بعضهم ان من في قوله ومن اوزار الذين الخ زائدة أو بيانية وهو كما ترى .وتقييده سبحانه قوله يضلونهم بقوله بغير علم للدللة على ان الذين اضلهم هؤلء المشركون الذين قالوا اساطير الولين انما ضلوا باتباعهم لهم تقليدا وبغير علم فالقائلون ائمة الضلل وهؤلء الضلل اتباعهم ومقلدوهم ثم ختم سبحانه الية بذمهم وتقبيح امرهم جميعا فقال " :أل ساء ما يزرون " قوله تعالى " :قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد " الخ اتيانه تعالى بنيانهم من القواعد هو حضور امره تعالى عنده بعد ما لم يكن حاضرا وهذا شائع في الكلم وخرور السقف سقوطه على الرض وانهدامه والظاهر كما يشعر به السياق ان قوله فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم كناية عن ابطال كيدهم وافساد مكرهم من حيث ل يتوقعون كمن يتقى امامه ويراقبه فيأتيه العدو من خلفه فالله سبحانه يأتي بنيان مكرهم من ناحية قواعده وهم مراقبون سقفه مما ياتيه من فوق فينهدم عليهم السقف ل بهادم يهدمه من فوقه بل بانهدام القواعد .وعلى هذا فقوله وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون عطف تفسيرى يفسر قوله فأتى الله بنيانهم الخ والمراد بالعذاب العذاب الدنيوي . وفي الية تهديد للمشركين الذين كانوا يمكرون بالله ورسوله بتذكيرهم ما فعل الله بالماكرين من قبلهم من مستكبرى المم الماضية حيث رد مكرهم إلى انفسهم فكانوا هم الممكورين .قوله تعالى " :ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم " الخزاء من الخزى وهو على ما ذكره الراغب الذل الذى يستحيى منه والمشاقة من الشق وهو قطع بعض الشئ وفصله منه فهى المخاصمة والمعاداة والختلف ممن من شأنه ان يأتلف ويتفق فمشاقة المشركين في شركائهم هو اختلفهم مع اهل التوحيد وهم امة واحدة فطرهم الله جميعا على التوحيد ودين الحق ومخاصمتهم /صفحة / 233لهم وانفصالهم عنهم .والمعنى ان الله سبحانه سيخزيهم يوم القيامة ويضرب عليهم الذلة والهوان بقوله اين شركائي الذين كنتم تشاقون اهل الحق فيهم وتخاصمونهم وتوجدون الختلف في دين الله .قوله تعالى " :قال الذين اوتوا العلم ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين " الخزى ذلة الموقف والسوء العذاب على ما يفيده السياق .وهؤلء الذين وصفهم الله بانهم اوتوا العلم واخبر أنهم يتكلمون بكذا هم الذين رزقوا العلم بالله وانكشفت لهم حقيقة التوحيد فان ذلك هو الذى يعطيه السياق من جهة المقابلة بينهم مع وصفهم بالعلم وبين المشركين الذين ينكشف لهم يومئذ انهم ما كانوا يعبدون ال اسماء سموها وسرابا توهموه .على ان الله سبحانه يخبر عنهم انهم يتكلمون يومئذ ويقولون كذا وقد قال في وصف اليوم " :ل يتكلمون إل من أذن له الرحمان وقال صوابا " النبأ 38 :والقول ل يكون صوابا بحق المعنى ال مع كون قائله مصونا من خطأه ولغوه وباطله ول يكون مصونا في قوله ال إذا كان مصونا في فعله وفي علمه فهؤلء قوم ل يرون ال الحق ول يفعلون ال الحق ول ينطقون ال بالحق .فان قلت فالذين اوتوا العلم بناء على ما فسرهم اهل العصمة لكن تدفعه كثرة ورود هذه اللفظة في كلمه تعالى وإرادة غيرهم كقوله " : وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير " القصص 80 :وقوله " :وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به " الحج 54 :إلى غير ذلك من الموارد الظاهر فيها عدم ارادة العصمة من ايتاء العلم .قلت ما ذكرناه انما هو استفادة بمؤنة المقام ل انه مدلول اللفظ كلما اطلق في كلمه تعالى .واما قولهم ان المراد بالذين اوتوا العلم هم النبياء فقط أو النبياء والمؤمنون الذين علموا في الدنيا بدلئل التوحيد أو المؤمنون فحسب أو الملئكة فل دليل في كلمه تعالى على واحد منها بخصوصه / .صفحة / 234 ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 234 قوله تعالى " :الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم فألقوا السلم " إلى آخر الية الظاهر انه تفسير للكافرين الواقع في آخر الية السابقة كما ان قوله التى الذين تتوفاهم الملئكة طيبين الخ تفسير للمتقين الواقع في آخر الية التى قبله ول يستلزم كونه بيانا للكافرين كونه من تمام قول الذين اوتوا العلم حتى يختل نظم الكلم بقولهم ان الخزى اليوم الخ ثم بيانهم بقولهم الذين تتوفاهم الملئكة الخ دون ان يقولوا الذين توفاهم الملئكة كما ل يخفى .وقوله فألقوا السلم أي الستسلم وهو الخضوع والنقياد وضمير الجمع للكافرين والمعنى الكافرون هم الذين تتوفاهم الملئكة ويقبضون ارواحهم والحال انهم ظالمون لنفسهم بكفرهم بالله فالقوا السلم وقدموا الخضوع والنقياد مظهرين بذلك انهم ما كانوا يعملون من سوء فيرد عليهم قولهم ويكذبون ويقال لهم بلى قد فعلتم وعملتم ان الله عليم بما كنتم تعملون قبل ورودكم هذا المورد وهو الموت .قوله تعالى " :فادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " الخطاب للمجموع كما كان قوله ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين وكذا قوله الذين تتوفاهم الملئكة الخ ناظرا إلى جماعة الكافرين دون كل واحد واحد منهم .وعلى هذا يعود معناه إلى مثل قولنا ليدخل كل واحد منكم بابا من جهنم يناسب عمله وموقفه من الكفر ل ان يدخل كل واحد منهم جميع البواب أو اكثر من واحد منها وقد تقدم الكلم في معنى ابواب جهنم في تفسير قوله تعالى " :لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم " الحجر . 44والمتكبرون هم المستكبرون بحسب المصداق وان كانت العناية اللفظية مختلفة فيهما كالمسلم والمستسلم فالمستكبر هو الذى يطلب الكبر لنفسه باخراجه من القوة إلى الفعل واظهاره لغيره والمتكبر هو الذى يقبله لنفسه ويأخذه صفة .قوله تعالى " : وقيل للذين اتقوا ما ذا انزل ربكم قالوا خيرا " إلى آخر الية .اخذ المسؤل عنهم هم الذين اتقوا أي الذين شأنهم في الدنيا انهم تلبسوا بالتقوى وهم المتصفون به المستمرون بدليل اعادة ذكرهم بعد بلفظ المتقين مرتين فيكون المسؤل / صفحة / 235عنهم من هذه الطائفة خيارهم الكاملين في اليمان كما كان المسؤل عنهم في الطائفة الخرى شرارهم الكاملين في الكفر وهم المستكبرون .فقول بعضهم ان المراد بالذين اتقوا مطلق المؤمنين الذين اتقوا الشرك أو الشرك والمعاصي في الجملة ليس في محله . وقوله قالوا خيرا أي انزل خيرا لنه انزل قرآنا يتضمن معارف وشرائع في اخذها والعمل بها خير الدنيا والخرة وفي قولهم خيرا اعتراف بكون القرآن نازل من عنده تعالى مضافا إلى وصفهم له بالخيرية وفي ذلك اظهار منهم المخالفة للمستكبرين حيث اجابوا بقولهم اساطير الولين أي هو اساطير ولو قال المتقون خير بالرفع لم يكن فيه اعتراف بالنزول كما انه لو قال المستكبرون اساطير الولين بالنصب كان فيه اعتراف بالنزول كذا قيل .وقوله للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الخرة خير ظاهر السياق انه بيان لقولهم خيرا وهل هو تتمة قولهم أو بيان منه تعالى ؟ ظاهر قوله ولنعم دار المتقين جنات عدن إلى آخر الية انه كلم منه تعالى يبين به وجه الخيرية فيما انزله إليهم فانه اشبه بكلم الرب تعالى منه بكلم المربوب وخاصة المتقين الذين ل يجترؤن على امثال هذه القتراحات . والمراد بالحسنة المثوبة الحسنة وذلك لنهم بالحسان الذى هو العمل بما يتضمنه الكتاب يرزقون مجتمعا صالحا يحكم فيه العدل والحسان وعيشة طيبة مبنية على الرشد والسعادة ينالون ذلك جزاء دنيويا لحسانهم لقوله لهم في الدنيا ولدار الحياة الخرة خير جزاء لن فيها بقاء بل فناء ونعمة من غير نقمة وسعادة ليس معها شقاء .ومعنى الية وقيل للمتقين من المؤمنين ماذا انزل ربكم من الكتاب وما شأنه ؟ قالوا انزل خيرا وكونه خيرا هو ان للذين احسنوا أي عملوا بما فيه فوضع الحسان موضع الخذ والعمل بما في الكتاب ايماء إلى ان الذى يامر به الكتاب اعمال حسنة في هذه الدنيا مثوبة حسنة ولدار الخرة خير لهم جزاء .ثم مدح دارهم ليكون تأكيدا للقول فقال ولنعم دار المتقين ثم بين دار المتقين بقوله جنات عدن يدخلونها تجرى من تحتها النهار لهم فيها ما يشاؤن /صفحة / 236كذلك يجزى الله المتقين والمعنى ظاهر قوله تعالى " :الذين تتوفاهم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون " بيان للمتقين كما كان قوله الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم الخ بيانا للمستكبرين .والطيب تعرى الشئ مما يختلط به فيكدره ويذهب بخلوصه ومحوضته يقال طاب لى العيش أي خلص وتعرى مما يكدره وينغصه والقول الطيب ما كان عاريا من اللغو والشتم والخشونة وسائر ما يوجب فيه غضاضة والفرق بين الطيب والطهارة ان الطهارة كون الشئ على طبعه الصلى بحيث يخلو عما يوجب التنفر عنه والطيب ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 236 كونه على اصله من غير ان يختلط به ما يكدره ويفسد امره سواء تنفر عنه ام ل ولذلك قوبل الطيب بالخبيث المشتمل على الخبث الزائد قال تعالى " :الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " النور : 26وقال " :والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذى خبث ل يخرج إل نكدا " العراف . 58 : وعلى هذا فالمراد بكون المتقين طيبين في حال توفيهم خلوصهم من خبث الظلم في مقابل المستكبرين الذين وصفهم بالظلم حال التوفى في قوله السابق الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم ويكون معنى الية ان المتقين هم الذين تتوفاهم الملئكة متعرين عن خبث الظلم الشرك والمعاصي يقولون لهم سلم عليكم وهو تأمين قولى لهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وهو هداية لهم إليها .فالية كما ترى تصف المتقين بالتخلص عن التلبس بالظلم وتعدهم المن والهتداء إلى الجنة فيعود مضمونها إلى معنى قوله " :الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " النعام . 82 : وذكر بعض المفسرين ان المراد بالطيب في الية الطهارة عن دنس الشرك وفسره بعضهم بكون اقوالهم وافعالهم زاكية والكثر على تفسيره بالطهارة عن قذارة الذنوب وانت بالتأمل فيما تقدم تعرف ان شيئا مما ذكروه ل يخلو عن تسامح .قوله تعالى " :هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي امر ربك كذلك فعل /صفحة / 237الذين من قبلهم " الخ رجوع إلى حديث المستكبرين من المشركين وذكر بعض احوالهم واقوالهم وقياسهم ممن سبقهم من طغاة المم الماضين وما آل إليه امرهم .وقوله " :هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو ياتي امر ربك " سياق الية وخاصة ما في الية التالية من حديث العذاب ظاهر في انها مسوقة للتهديد فالمراد باتيان الملئكة نزولهم لعذاب الستئصال وينطبق على مثل قوله " :ما ننزل الملئكة ال بالحق وما كانوا إذا منظرين " الحجر 8 :والمراد باتيان امر الرب تعالى قيام الساعة وفصل القضاء والنتقام اللهى منهم .واما كون المراد باتيان المر ما تقدم في اول السورة من قوله اتى امر الله وقد قربنا هناك ان المراد به مجئ النصر وظهور السلم على الشرك فل يلئم اللحن الشديد الذى في الية تلك الملئمة وايضا سيأتي في ذيل اليات ذكر انكارهم للبعث واصرارهم على نفيه والرد عليهم وهو يؤيد كون المراد باتيان المر قيام الساعة .وقد اضاف الرب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال امر ربك ولم يقل امر الله أو امر ربهم ليدل به على ان فيه انتصارا له صلى الله عليه وآله وسلم وقضاء له عليهم . وقوله كذلك فعل الذين من قبلهم تأكيد للتهديد وتأييد بالنظير أي فعل الذين من قبلهم مثل فعلهم من الجحود والستهزاء مما فيه بحسب الطبع انتظار عذاب الله فأصابهم سيئات ما عملوا الخ .وقوله وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون معترضة يبين بها ان الذى نزل بهم من العذاب لم يستوجبه ال الظلم غير ان هذا الظلم كان هو ظلمهم انفسهم ل ظلما منه تعالى وتقدس ولم يعذبهم الله سبحانه عن ظلم وقع منهم مرة أو مرتين بل امهلهم إذ ظلموا حتى استمروا في ظلمهم واصروا عليه كما يدل عليه قوله كانوا انفسهم يظلمون فعند ذلك انزل عليهم العذاب ففى قوله وما ظلمهم الله الخ اثبات الستمرار على الظلم عليهم ونفى اصل الظلم عن الله سبحانه .قوله تعالى فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن حاق بهم أي حل بهم وقيل معناه نزل بهم واصابهم والذى كانوا به يستهزؤن هو العذاب الذى كانت رسلهم ينذرونهم به ومعنى الية ظاهر / .صفحة / 238 قوله تعالى " :وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ول آباؤنا ول حرمنا من دونه من شئ " الخ الذى تورده الية شبهة على النبوة من الوثنيين المنكرين لها ولذلك عرفهم بنعتهم الصريح حيث قال وقال الذين اشركوا ولم يكتف بالضمير ولم يقل وقالوا كما في اليات السابقة ليعلم ان الشبهة لهم بعينهم . وقوله لو شاء الله ما عبدنا جملة شرطية حذف فيها مفعول شاء لدللة الجزاء عليه والتقدير لو شاء الله ان ل نعبد من دونه شيئا ما عبدنا الخ . وقول بعضهم ان الرادة والمشية ل تتعلق بالعدم وانما تتعلق بالوجود فل معنى لمشية عدم العبادة فالولى ان يقدر متعلق المشية امرا وجوديا ملزما لعدم العبادة كالتوحيد مثل ويكون التقديم لو شاء الله ان نوحده أو ان نعبده وحده ما عبدنا من دونه من شئ واستدل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم :ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن حيث علق عدم الكون على عدم المشية ل على مشية العدم وفيه ان ما ذكره حق بالنظر إلى حقيقة المر إل ان العنايات اللفظية والتوسعات الكلمية ل تدور دائما مدار الحقائق الكونية والنظار الفلسفية وان الفهام البسيطة ولم تكن افهام اولئك الوثنيين بأرقى منها كما تجيز ترتب الفعل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 238 الوجودى على المشية تجيز تعلق عدمه بها وفي كلمه صلى الله عليه وآله وسلم جريا على هذه العناية الظاهرية اللهم ان شئت ان ل تعبد لم تعبد .على انهم يشيرون بقولهم لو شاء الله ما عبدنا الخ إلى قول الرسل لهم ل تشركوا بالله ول تعبدوا غير الله ول تحرموا ما احل الله وهى نواه ومدلول النهى طلب الترك .على ان الوثنيين ل ينكرون توحيده تعالى في اللوهية بمعنى الصنع واليجاد وانما يشركون في العبادة بمعنى انهم يخصونه تعالى بالصنع واليجاد ويخصون آلهتهم بالعبادة فلهم آلهة كثيرون احدهم اله موجد غير معبود وهو الله سبحانه والباقون شفعاء معبودون غير موجدين فهم ل يعبدون الله اصل ل انهم يعبدونه تعالى وآلهتهم جميعا وحينئذ لو كان التقدير لو شاء الله أن نوحده في العبادة أو ان نعبده وحده /صفحة / 239لكان الهم ان يقع في الجزاء توحيدهم له في العبادة أو عبادتهم له وحده ل نفى عبادتهم لغيره أو كان نفى عبادة الغير كناية عن توحيد عبادته أو عبادته وحده فافهم ذلك .وان كان ول بد من تقدير متعلق المشية امرا وجوديا فليكن التقدير لو شاء الله ان نكف عن عبادة غيره ما عبدنا الخ حتى يتحد الشرط والجزاء بحسب الحقيقة في عين انهما يختلفان في النفى والثبات .وقوله ما عبدنا من دونه من شئ لفظة من الولى بيانية والثانية زائدة لتأكيد الستغراق في النفى والمعنى ما عبدنا شيئا دونه ونظير ذلك قوله ول حرمنا من دونه من شئ .وقوله نحن ول آباؤنا بيان لضمير التكلم في عبدنا للدللة على انهم يتكلمون عنهم وعن آبائهم جميعا لنهم كانوا يقتدون في عبادة الصنام بآبائهم وقد تكرر في القرآن حكاية مثل قولهم انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون " الزخرف . 23 :وقوله ول حرمنا من دونه من شئ " عطف على قوله عبدنا الخ أي ولو شاء الله ان ل نحرم من دونه من شئ اونحل ما حرمناه ما حرمنا الخ والمراد البحيرة والسائبة وغيرهما مما حرموه .ثم ان قولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ ظاهر من جهة تعليق نفى العبادة على نفس مشيته تعالى في انهم ارادوا بالمشية ارادته التكوينية التى ل تتخلف عن المراد البتة ولو ارادوا غيرها لقالوا لو شاء الله كذا لطعناه واستجبنا دعوته أو ما يفيد هذا المعنى .فكأنهم يقولون لو كانت الرسالة حقة وكان ما جاء به الرسل من النهى عن عبادة الصنام والوثان والنهى عن تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة وغيرها نواهى لله سبحانه كان الله سبحانه شاء ان ل نعبد شيئا غيره وان ل نحرم من دونه شيئا ولو شاء الله سبحانه ان ل نعبد غيره ول نحرم شيئا لم نعبد ولم نحرم لستحالة تخلف مراده عن ارادته لكنا نعبد غيره ونحرم اشياء فليس يشاء شيئا من ذلك فل نهى ول امر منه تعالى ول شريعة ول رسالة من قبله / .صفحة / 240هذا تقرير حجتهم على ما يعطيه السياق ومغزى مرادهم ان عبادتهم لغير الله وتحريمهم لما حرموه وبالجملة عامة اعمالهم لم تتعلق بها مشية من الله بنهي ولو تعلقت لم يعملوها ضرورة .وليسوا يعنون بها إن مشية الله تعلقت بعبادتهم وتحريمهم فصارت ضرورية الوجود وهم ملجؤن في فعلها مجبرون في التيان بها فل معنى لنهى الرسل عنها بعد اللجاء وذلك ان لو تفيد امتناع الجزاء لمتناع الشرط فيكون مفهوم الشرطية لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ انه لم يشأ ذلك فعبدنا غيره وان شئت قلت لكنا عبدنا غيره فانكشف انه لم يشأ ذلك واما مثل قولنا لكنه شاء أن نعبد غيره فعبدنا غيره أو قولنا لكنه شاء ان ل نوحده فعبدنا غيره فهو اجنبي عن مفهوم الشرطية ومنطوقها جميعا .على انهم لو عنوا ذلك وكان غرضهم رد النبوة باثبات اللجاء في افعالهم بما اقاموه من الحجة كانوا بذلك معترفين على الضلل مسلمين له غير انهم معتذرون عن اتباع الهدى الذى اتاهم به الرسل باللجاء والجبار وان الله شاء منهم ما هم عليه من الضلل والشقاء بعبادة غير الله وتحريم ما احل الله واجبرهم على ذلك فليسوا يقدرون على تركه ول يستطيعون التخلف عنه .لكنهم مدعون للهتداء مصرون على هذه المزعمة مصرحون بها كما حكى الله سبحانه ذلك عنهم بعد ذكر عبادتهم للملئكة إذ قال وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ان هم ال يخرصون إلى ان قال " :بل قالوا انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مهتدون " الزخرف 22 :وقد تكرر في كلمه حكاية تعليلهم عبادة الصنام بأنها سنة قومية قدسها سلفهم قبل خلفهم فمن الواجب ان يقدسها ويجرى عليها خلفهم بعد سلفهم واين هذا من العتراف بالضلل والشقاء ؟ وكذا ليسوا يعنون بهذه الحجة إن اعمالهم مخلوقة لنفسهم غير مرتبطة بالمشية اللهية ول انه خالقها إذ العمال والفعال على هذا التقدير بمعزل من ان تتعلق بها الرادة اللهية وانما يتسبب تعالى لعدم فعل من الفعال بايجاد المانع عنه فكان ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 240 النسب حينئذ ان يقولوا لو شاء الله لصرفنا عن عبادة غيره وتحريم ما حرمناه وهو /صفحة / 241 مدفوع بظاهر الكلم أو يقولوا لو شاء الله شيئا من اعمالنا لبطل وخرج عن كونه عمل لنا ونحن مستقلون به .على انه لو كان معنى قولهم لو شاء الله ما عبدنا هو انه لو شاء لصرفنا كان حقا فلم يكن معنى لقوله تعالى في آية الزخرف السابقة " :وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ان هم ال يخرصون " الزخرف : . 20فالحق انهم ارادوا بقولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ ان يستدلوا بعبادتهم لها على ان المشية اللهية لم تتعلق بتركها من غير تعرض لتعلق المشية بفعل العبادة أو لكون المشية مستحيلة التعلق بعبادتهم إل بالصرف .قوله تعالى " :كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل ال البلغ المبين " خطاب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم بأمره ان يبلغ رسالته بلغا مبينا ول يعتنى بما لفقوه من الحجة فانها داحضة والحجة تامة عليهم بالبلغ وفيه اشارة اجمالية إلى دحض حجتهم .فقوله كذلك فعل الذين من قبلهم أي على هذا الطريق الذى سلكه هؤلء سلك الذين من قبلهم فعبدوا غير الله وحرموا ما لم يحرمه الله ثم إذا جاءتهم رسلهم ينهونهم عن ذلك قالوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ول آباؤنا ول حرمنا من دونه من شئ فالجملة كقوله تعالى " :كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بايات الله فأخذهم الله بذنوبهم " النفال . 52 :وقوله فهل على الرسل إل البلغ المبين أي بلغهم الرسالة بلغا مبينا تتم به الحجة عليهم فانما وظيفة الرسل البلغ المبين وليس من وظيفتهم ان يلجؤا الناس إلى ما يدعونهم إليه وينهونهم عنه ول أن يحملوا معهم ارادة الله الموجبة التى ل تتخلف عن المراد ول امره الذى إذا اراد شيئا قال له كن فيكون حتى يحولوا بذلك الكفر إلى اليمان ويضطروا العاصى على الطاعة .فانما الرسول بشر مثلهم والرسالة التى بعث بها انذار وتبشير وهى مجموعة قوانين اجتماعية اوحاها إليه الله فيها صلح الناس في دنياهم وآخرتهم صورتها صورة الوامر والنواهي المولوية وحقيقتها النذار والتبشير قال تعالى " :قل ل اقول لكم عندي /صفحة / 242خزائن الله ول اعلم الغيب ول اقول لكم انى ملك " النعام 50 : فهذا ما امر به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يبلغهم وقد امر به نوحا ومن بعده من الرسل عليهم السلم ان يبلغوه اممهم كما في سورة هود وغيرها .وقال ايضا مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم " :قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلى انما الهكم اله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه احدا " الكهف . 110 :فهذا هو الذى يشير إليه على سبيل الجمال بقوله كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل ال البلغ المبين فان ظاهره كما اشرنا إليه سابقا ان هذه حجة دائرة بينهم قديما وحديثا وعلى هذا ليس من شأن الرسول اجبار الناس والجاؤهم على اليمان والطاعة بل البلغ المبين بالنذار والتبشير وحجتهم ل تدفع ذلك فبلغ ما ارسلت به بلغا مبينا ول تطمع في هداية من ضل منهم وستفصل اليتان التاليتان ما اجملته هذه الية وتوضحانها .قوله تعالى " :ولقد بعثنا في كل امة رسول ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة " الخ الطاغوت في الصل مصدر كالطغيان وهو تجاوز الحد بغير حق واسم المصدر منه الطغوى قال الراغب الطاغوت عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله ويستعمل في الواحد والجمع قال تعالى " :فمن يكفر بالطاغوت " والذين اجتنبوا الطاغوت " اولياؤهم الطاغوت " انتهى .وقوله ولقد بعثنا في كل امة رسول اشارة إلى ان بعث الرسول امر ل يختص به امة دون امة بل هو سنة الهية جارية في جميع الناس بما انهم في حاجة إليه وهو يدركهم اينما كانوا كما اشار إلى عمومه في الية السابقة اجمال بقوله كذلك فعل الذين من قبلهم .وقوله ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت بيان لبعث الرسول على ما يعطيه السياق أي ما كانت حقيقة بعث الرسول ال ان يدعوهم إلى عبادة الله واجتناب الطاغوت لن المر وكذا النهى من البشر وخاصة إذا كان رسول ليس إل دعوة عادية /صفحة / 243ل الجاء واضطرارا تكوينيا ول ان للرسول ان يدعى ذلك حتى يرد عليه انه لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ واذ لم يشأ فل معنى للرسالة .ومن هنا يظهر ان قول بعضهم ان التقدير ليقول لهم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ليس في محله .وقوله فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة أي كانت كل من هذه المم مثل هذه المة منقسمة إلى طائفتين فبعضهم هو من هداه الله إلى ما دعاهم إليه الرسول من عبادة الله واجتناب الطاغوت وذلك ان الهداية من الله سبحانه ل يشاركه فيها غيره ول تنسب إلى احد دونه إل بالتبع كما قال " :انك ل تهدى من احببت ولكن الله يهدى من يشاء " القصص ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 243 56 :وسنشير إليه في الية التالية ان تحرص على هداهم فان الله ل يهدى من يضل واليات في حصر الهداية فيه تعالى كثيرة ول يستلزم ذلك كونها امرا اضطراريا ل صنع فيه للعبد اصل فانها اختيارية بالمقدمة كما يشير إليه قوله " :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين " العنكبوت 69 :يفيد ان للهداية اللهية طريقا ميسرا للنسان وهو الحسان في العمل وان الله لمع المحسنين ل يدعهم يضلون . وبعض هذه المم الطائفة الثانية منهم هو من حقت عليه الضللة أي ثبتت ولزمت وهذه الضللة هي التى من قبل العبد بسوء اختياره وليس بالتى تتبعها مجازاة من الله فان الله يصفها بقوله حقت ثم يضيفها في الية التالية إلى نفسه إذ يقول فان الله ل يهدى من يضل فقد كانت هناك ضللة ثم حقت وثبتت باثبات الله مجازاة فصارت هي التى من قبل الله سبحانه مجازاة فتبصر .ولم ينسب الله سبحانه في كلمه إلى نفسه اضلل ال ما كان مسبوقا بظلم من العبد أو فسق أو كفر وتكذيب أو نظائرها كقوله " :والله ل يهدى القوم الظالمين " الجمعة 5 :وعدم الهداية هو الضلل وقوله " :ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " ابراهيم 27 :وقوله " :وما يضل به ال الفاسقين " البقرة 26 :وقوله " :ان الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ول ليهديهم طريقا إل طريق جهنم " النساء 168 :وقوله " : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " الصف 5 :إلى غير ذلك من اليات / .صفحة / 244ولم يقل سبحانه فمنهم من هدى الله ومنهم من اضله مع كون ضللهم ضلل مجازاة ل مانع من اضافته إليه تعالى دفعا ليهام نسبة اصل الضلل إليه بل ذكر اول من هداه ثم قابله بمن كان من حقه ان يضل وهو الذى اختار الضللة على الهدى أي اختار ان ل يهتدى فلم يهده الله وحق له ذلك .وتوضيحه ببيان آخر ان خلصة الفرق بين الضلل البتدائي ونسبته إلى العبد والضلل مجازاة ونسبته إليه تعالى ونسبة الهداية ابتداء ومجازاة إلى الله سبحانه هي ان الله اودع في النسان امكان الرشد واستعداد الهتداء فان جرى على سلمة الفطرة ولم يبطل الستعداد باتباع الهوى والمعصية أو اصلحه بالندامة والتوبة بعد المعصية هداه الله وهذه هداية مجازاة من الله سبحانه بعد الهداية الولى الفطرية .وان اتبع هواه وعصى ربه بطل استعداده للهتداء فلم يفض عليه الهدى وهو ضلله بسوء اختياره فان لم يندم ولم يراجع اثبته الله على حاله وحقت عليه الضللة وهو الضلل مجازاة .وربما توهم متوهم ان المكان والستعداد ل يكون ال ذا طرفين فالذي يمكنه الهدى يمكنه الضلل والنسان ل يزال مترددا بين آثار وجودية وافعال مثبتة والجميع منه تعالى حتى الستعداد والمكان الول .وهو من اوهن التوهم فان عد امكان الضلل وما يترتب عليه الضلل امرا وجوديا وعطاء ربانيا يفسد معنى الضلل ويبطله فان الضلل انما هو ضلل لكونه عدم الهداية فلو عاد امرا ثبوتيا لم يكن ضلل بل صار الهدى والضلل كلهما امرين وجوديين وعطاءين الهيين نظير ما يترتب على الجماد مثل من الثار الوجودية الخارجة عن الهدى والضلل .وبعبارة اخرى الضلل انما يكون ضلل إذا كان مقيسا إلى الهدى ومن الواجب حينئذ ان يكون عدم الهدى وإذا اخذ امرا وجوديا لم يكن ضلل فلم ينقسم الموضوع إلى مهتد وضال ول حاله إلى هدى وضلل فل مفر من اخذ الضلل امرا عدميا ونسبة الضلل الول إلى نفسه العبد فاحسن التأمل فيه فل تزل قدم بعد ثبوتها .وقوله فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ظاهر السياق /صفحة / 245ان الخطاب للذين اشركوا القائلين لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ واللتفات إلى خطابهم لكونه اشد تأثيرا في تثبيت القول واتمام الحجة .والكلم متفرع على ما بين جوابا لحجتهم اجمال وتفصيل ومحصل المعنى ان الرسالة والدعوة النبوية ليست من الرادة التكوينية الملجئة إلى ترك عبادة الصنام وتحريم ما لم يحرمه الله حتى يستدلوا بعدم وجود اللجاء على عدم وجود الرسالة وكذب مدعيها بل هي دعوة عادية بعث الله سبحانه بها رسل يدعونكم إلى عبادة الله واجتناب الطاغوت وحقيقته النذار والتبشير ومن الدليل على ذلك آثار المم الماضية الظالمة التى تحكى عن نزول العذاب عليهم فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين حتى يتبين لكم ان الدعوة النبوية التى هي انذار حق وان الرسالة ليست كما تزعمون . قوله تعالى " :إن تحرص على هداهم فان الله ل يهدى من يضل وما لهم من ناصرين لما بين ان المم الماضين انقسموا طائفتين وكانت احدى الطائفتين هم الذين حقت عليهم الضللة وكانت هؤلء الذين اشركوا وقالوا ما قالوا كالذين من قبلهم منهم بين في هذه الية ان ثبوت الضللة في حقهم انما هو ثبوت ل زوال معه وتحتم ل يقبل التغيير فانه ل هادى بالحقيقة ال الله فان جاز هداهم كان الله هو هاديهم لكنه ل يهديهم ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 245 فانه يضلهم ول يجتمع الهدى والضلل معا وليس هناك ناصر ينصرهم على الله فيقهره على هداهم فليؤيس منهم .ففى الية تعزية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وارشاد له ان ل يحرص في هداهم واعلم له ان القضاء قد مضى في حقهم وما يبدل القول لديه وما هو بظلم للعبيد .فقوله ان تحرص على هداهم الخ في تقدير ان تحرص على هداهم لم ينفعهم حرصك شيئا فليسوا ممن يمكن له الهتداء فان الله هو الذى يهدى من اهتدى وهو ل يهديهم فانه يضلهم ول يناقض تعالى فعل نفسه وليس لهم ناصرون ينصرونهم عليه .وفي هذه اليات الثلث مشاجرات طويلة بين المجبرة والمفوضة وكل يفسرها بما يقتضيه مذهبه حتى قال المام الرازي ان المشركين ارادوا بقولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ انه لما كان الكل من التوحيد والشرك والهدى والضلل /صفحة / 246من الله كانت بعثة النبياء عبثا فنقول هذا اعتراض على الله وجار مجرى طلب العلة في احكامه وافعاله تعالى وذلك باطل فل يقال له لم فعلت هذا ولم لم تفعل ذلك ؟ قال فثبت ان الله تعالى انما ذم هؤلء القائلين لنهم اعتقدوا ان كون المر كذلك يمنع عن جواز بعثة الرسل ل لنهم كذبوا في قولهم ذلك انتهى ملخصا .وقال الزمخشري ان المشركين فعلوا ما فعلوا من القبيح ثم نسبوه إلى ربهم وقالوا لو شاء الله إلى آخره وهذا مذهب المجبرة بعينه كذلك فعل اسلفهم فهل على الرسل ال ان يبلغوا الحق وان الله ل يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان ويطلعوا على بطلن الشرك وقبحه وبراءة الله من افعال العباد وانهم فاعلوها بقصدهم وارادتهم واختيارهم وان الله باعثهم على جميلها وموفقهم له وزاجرهم عن قبيحها وموعدهم عليه انتهى موضع الحاجة وقد اطالوا البحث عن ذلك من الجانبين .وقد عرفت ان اليات تروم غرضا وراء ذلك وان مرادهم بقولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ ابطال الرسالة بأن ما اتى به الرسل من النهى عن عبادة غير الله وتحريم ما لم يحرمه الله لو كان حقا لكان الله مريدا لتركهم عبادة غيره وتحريم ما لم يحرمه ولو كان مريدا ذلك لم يتحقق منهم وليس كذلك واما إن الرادة اللهية تعلقت بفعلهم فوجب أو انها لم تتعلق ومن المحال أن تتعلق وليست افعالهم إل مخلوقة لنفسهم من غير ان يكون لله سبحانه فيها صنع فانما ذلك امر خارج عن مدلول كلمهم اجنبي عن الحجة التى اقاموها على ما يستفاد من السياق كما تقدم . وفي قوله وما لهم من ناصرين دللة على ان لغيرهم ناصرين كثيرين وذلك ان السياق يدل على انه ليس لهم ناصر اصل ل واحد ول كثير فنفى الناصرين بصيغة الجمع يكشف عن عناية زائدة بذلك أي ان هناك ناصرين لكنهم ليسوا لهم بل لغيرهم وليس ال من يهتدى بهدى الله ونظير الية ما حكاه الله سبحانه عن المجرمين يوم القيامة " : فما لنا من شافعين " الشعراء . 100 :وهؤلء الناصرون هم الملئكة الكرام وسائر اسباب التوفيق والهداية والله سبحانه من ورائهم محيط قال تعالى " :إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد " المؤمن / . 51 : صفحة / 247قوله تعالى " :واقسموا بالله جهد ايمانهم ل يبعث الله من يموت بلى " إلى آخر الية قال في المفردات الجهد بفتح الجيم وضمها الطاقة والمشقة ابلغ من الجهد بالفتح قال وقال تعالى " :واقسموا بالله جهد ايمانهم " أي حلفوا واجتهدوا في الحلف ان يأتوا به على ابلغ ما في وسعهم انتهى .وقال في المجمع في معنى قوله واقسموا بالله جهد ايمانهم أي بلغوا في القسم كل مبلغ انتهى .وقولهم ل يبعث الله من يموت انكار للحشر والجملة كناية عن ان الموت فناء فل يتعلق به بعده خلق جديد وهذا ل ينافى قول كلهم أو جلهم بالتناسخ فانه قول بتعلق النفس بعد مفارقتها البدن ببدن آخر انسانى أو غير انسانى وعيشها في الدنيا وهو قولهم بالتولد بعد التولد . وقوله بلى وعدا عليه حقا أي ليس المر كما يقولون بل يبعث الله من يموت وعده وعدا ثابتا عليه حقا أي ان الله سبحانه اوجبه على نفسه بالوعد الذى وعد عباده واثبته اثباتا فل يتخلف ول يتغير .وقوله ولكن اكثر الناس ل يعلمون أي ل يعلمون انه من الوعد الذى ل يخلف والقضاء الذى ل يتغير لعراضهم عن اليات الدالة عليه الكاشفة عن وعده وهى خلق السماوات والرض واختلف الناس بالظلم والطغيان والعدل والحسان والتكليف النازل في الشرائع اللهية .قوله تعالى " :ليبين لهم الذى يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين " اللم للغاية والغرض أي يبعث الله من يموت ليبين لهم الخ والغايتان في الحقيقة غاية واحدة فان الثانية من متفرعات الولى ولوازمها فان الكافرين انما يعلمون انهم كانوا كاذبين في نفى المعاد من جهة تبين الختلف الذى ظهر بينهم وبين الرسل بسبب اثبات المعاد ونفيه وظهور المعاد لهم عيانا .وتبين ما اختلف فيه الناس من شؤن يوم القيامة وقد تكرر في كلمه هذا ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 247 التعبير وما في معناه تكرارا صح معه جعل تبيين الختلف معرفا لهذا اليوم الذى ثقل في السماوات والرض وعلى ذلك يتفرع ما قصه الله سبحانه في كلمه من تفاصيل /صفحة / 248ما يجرى فيه من المرور على الصراط وتطاير الكتب ووزن العمال والسؤال والحساب وفصل القضاء ومن المعلوم وخاصة من سياق آيات القيامة ان المراد بالختلف ليس ما يوجد بينهم بحسب الخلقة بنحو ذكورة وانوثة وطول وقصر وبياض وسواد بل ما يوجد في دين الحق من الختلف في اعتقاد أو عمل وقد بين الله ذلك لهم في هذه النشأة الدنيوية في كتبه المنزلة وبلسان انبيائه بكل طريق ممكن كما يقول بعد عدة آيات " :وما انزلنا عليك الكتاب ال لتبين لهم الذى اختلفوا فيه " الية 64 :من السورة .ومن هنا يظهر للمتدبر ان البيان الذى يخبر تعالى عنه ويخصه بيوم القيامة نوع آخر من الظهور والوضوح غير ما يتمشى من الكتاب والنبوة في هذه الدنيا من البيان بالحكمة والموعظة والجدال بالتى هي احسن وليس ال العيان الذى ل يتطرق إليه شك وارتياب ول يهجس معه خطور نفساني بالخلف كما يشير إليه قوله تعالى " :لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق 22 :وقوله " :يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون ان الله هو الحق المبين " النور . 25 : فيومئذ يشاهدون حقائق ما اختلفوا فيه من المعارف الدينية الحقة والعمال الصالحة وما اخلدوا إليه من الباطل ويفصل بينهم بظهور الحق وانجلئه .قوله تعالى " :انما قولنا لشئ إذا اردناه ان نقول له كن فيكون " هو نظير قوله في موضع آخر " :انما امره إذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون " يس 82 :ومنه يعلم انه تعالى يسمى امره قول كما يسمى امره وقوله من حيث قوته واحكامه وخروجه عن البهام وكونه مرادا حكما وقضاء قال تعالى " :وما اغنى عنكم من الله من شئ ان الحكم إل لله " يوسف 67 :وقال " : وقضينا إليه ذلك المر إن دابر هؤلء مقطوع مصبحين " الحجر 66 :وقال " :وإذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون " البقرة 117 :وكما يسمى قوله الخاص كلمة قال تعالى " :ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون " الصافات 172 :وقال " :ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " آل عمران /صفحة 59 / 249ثم قال في عيسى عليه السلم " :وكلمة القاها إلى مريم وروح منه " :النساء . 171 :فتحصل من ذلك كله ان ايجاده تعالى اعني ما يفيضه على الشياء من الوجود من عنده وهو بوجه نفس وجود الشئ الكائن هو امره وقوله حسب ما يسميه القرآن وكلمته لكن الظاهر ان الكلمة هي القول باعتبار خصوصيته وتعينه .ويتبين بذلك ان ارادته وقضاءه واحد وانه بحسب العتبار متقدم على القول والمرفهو سبحانه يريد شيئا ويقضيه ثم يامره ويقول له كن فيكون وقد علل عدم تخلف الشياء عن امره بالطف التعليل إذ قال " :وهو الذى خلق السماوات والرض بالحق يوم يقول كن فيكون قوله الحق " النعام 73 :فافاد ان قوله هو الحق الثابت بحقيقة معنى الثبوت أي نفس العين الخارجية التى هي فعله فل معنى لفرض التخلف فيه وعروض الكذب أو البطلن عليه فمن الضرورى ان الواقع ل يتغير عما هو عليه فل يخطئ ول يغلط في فعله ول يرد امره ول يكذب قوله ول يخلف في وعده .وقد تبين ايضا من هذه الية ومن قوله " :وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ " الخ ان لله سبحانه ارادتين ارادة تكوين ل يتخلف عنها المراد وارادة تشريع يمكن ان تعصى وتطاع وسنستوفي هذا البحث بعض الستيفاء ان شاء الله ) بحث روائي ( في تفسير القمى باسناده عن ابى جعفر عليه السلم في قوله " :قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون قال بيت مكرهم أي ماتوا وابقاهم الله في النار " وهو مثل لعداء آل محمد .اقول وظاهره ان قوله فأتى الله بنيانهم الخ كناية عن بطلن مكرهم . وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلم قال فأتى الله /صفحة / 250 بنيانهم من القواعد قال كان بيت غدر يجتمعون فيه إذا ارادوا الشر وفي تفسير القمى في قوله تعالى " :قال الذين اوتوا العلم " الية قال قال عليه السلم الذين اوتوا العلم الئمة يقولون لعدائهم اين شركاؤكم ومن اطعتموهم في الدنيا ؟ ثم قال قال فهم ايضا الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم فالقوا السلم سلموا لما اصابهم من البلء ثم يقولون ما كنا نعمل من سوء فرد الله عليهم فقال بلى الخ وفي امالي الشيخ باسناده عن ابى اسحاق الهمداني عن امير المؤمنين عليه السلم :فيما كتبه إلى اهل مصر قال يا عباد الله ان اقرب ما يكون العبد من المغفرة والرحمة حين يعمل بطاعته وينصح في توبته عليكم بتقوى الله فانها يجمع الخير ول خير غيرها ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 250 ويدرك بها من خير الدنيا وخير الخرة قال عز وجل " :وقيل للذين اتقوا ماذا انزل ربكم قالوا خيرا للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الخرة خير ولنعم دار المتقين وفي تفسير العياشي عن ابن مسكان عن ابى جعفر عليه السلم :في قوله ولنعم دار المتقين قال الدنيا وفي تفسير القمى :في قوله الذين تتوفاهم الملئكة طيبين قال قال عليه السلم هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا .اقول وهو بالنظر إلى ما يقابله من قوله الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي انفسهم الية ل يخلو عن خفاء والرواية ضعيفة .وفي الدر المنثور اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال " :اجتمعت قريش فقالوا ان محمدا رجل حلو اللسان -إذا كلمه الرجل ذهب بعقله فانظروا اناسا من اشرافكم المعدودين المعروفة انسابهم فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس كل ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه .فخرج ناس منهم في كل طريق فكان إذا اقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد ؟ فينزل بهم قالوا له انا فلن بن فلن فيعرفه بنسبه ويقول انا اخبرك بمحمد فل يريد ان يعنى إليه هو رجل كذاب لم يتبعه على امره إل السفهاء والعبيد ومن ل خير فيه واما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له فيرجع احدهم فذلك قوله /صفحة / 251وإذا قيل لهم ما ذا انزل ربكم قالوا اساطير الولين .فإذا كان الوافد ممن عزم الله له على الرشاد فقالوا له مثل ذلك في محمد قال بئس الوافد انا لقومي ان كنت جئت حتى بلغت إل مسيرة يوم رجعت قبل ان القى هذا الرجل وانظر ما يقول وآتى قومي ببيان امره فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد فيقولون خيرا للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة يقول مال ولدار الخرة خير وهى الجنة .اقول والعتبار يساعد على القصة وما في آخرها من تفسير الحسنة بالمال غير مرضي . وفي الكافي باسناده عن صفوان بن يحيى قال : قلت لبي الحسن عليه السلم اخبرني عن الرادة من الله ومن الخلق قال فقال الرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل واما من الله تعالى فارادته احداثه ل غير ذلك لنه ل يروى ول يهم ول يتفكر وهذه الصفات منفية عنه وهى صفات الخلق فاراده الله الفعل ل غير ذلك يقول له كن فيكون بل لفظ ول نطق بلسان ول همه ول تفكر ول كيف لذلك كما انه ل كيف له وفي الدر المنثور اخرج احمد والترمذي وحسنة وابن ابى حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب اليمان واللفظ له عن ابى ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :يقول الله يا بن آدم كلكم مذنب إل من عافيت فاستغفروني اغفر لكم وكلكم فقراء ال من اغنيت فسلوني اعطكم وكلكم ضال ال من هديت فسلوني الهدى اهدكم ومن استغفرني وهو يعلم انى ذو قدرة على ان اغفر له غفرت له ول ابالى .ولو ان اولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب اشقى واحد منكم ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة ولو ان اولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب اتقى واحد منكم ما زادوا في سلطاني مثل جناح بعوضة ولو ان اولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهى مسألة كل واحد منهم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كغرز ابرة لو غمسها احدكم في البحر / .صفحة / 252وذلك انى جواد ماجد واحد عطائي كلم وعذابي كلم انما امرى لشئ إذا اردته ان اقول له كن فيكون * * * والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولجر الخرة اكبر لو كانوا يعلمون 41 - الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون 42 -وما ارسلنا من قبلك ال رجال نوحي إليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون 43 -بالبينات والزبر وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون 44 -أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الرض أو يأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون 45 -أو ياخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين 46 -أو يأخذهم على تخوف فان ربكم لرؤف رحيم 47 -أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤا ظلله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون 48 -ولله يسجد ما في السموات وما في الرض من دابة والملئكة وهم ل يستكبرون 49 -يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون 50 -وقال الله ل تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد فإياى فارهبون 51 - وله ما في السموات والرض وله الدين واصبا / صفحة / 253أفغير الله تتقون 52 -وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون - 53ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون 54 -ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون 55 -ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون 56 - ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون 57 - وإذا بشر احدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم 58 -يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 253 هون أم يدسه في التراب أل ساء ما يحكمون 59 - للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ولله المثل العلى وهو العزيز الحكيم 60 -ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء اجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون 61 -ويجعلون لله ما يكرهون وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى ل جرم ان لهم النار وانهم مفرطون 62 - تالله لقد ارسلنا إلى امم من قبلك فزين لهم الشيطان اعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب اليم 63 -وما انزلنا عليك الكتاب ال لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون - / 64صفحة ) / 254بيان ( اليتان الوليان تذكران الهجرة وتعدان المهاجرين في الله وعدا حسنا في الدنيا والخرة وباقى اليات تعقب حديث شركهم بالله وتشريعهم بغير اذن الله وهى بحسب المعنى تفصيل القول في الجواب عن عد المشركين الدعوة النبوية إلى ترك عبادة اللهة وتحريم ما لم يحرمه الله امرا محال كما اشير إليه في قوله وقال الذين اشركوا الخ .قوله تعالى " :والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولجر الخرة خير لو كانوا يعلمون " وعد جميل للمهاجرين وقد كانت من المؤمنين هجرتان عن مكة احداهما إلى حبشة هاجرتها عدة من المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم باذن من الله ورسوله إليها ولبثوا فيها حينا في امن وراحة من اذى مشركي مكة وعذابهم وفتنتهم .والثانية هجرتهم من مكة إلى المدينة بعد مهاجره النبي صلى الله عليه وآله وسلم والظاهر ان المراد بالهجرة في الية هي الهجرة الثانية فسياق اليتين اكثر ملءمة لها من الولى وهو ظاهر .وقوله في الله متعلق بهاجروا والمراد بكون المهاجرة في الله ان يكون طلب مرضاته محيطا بهم في مهاجرتهم ل يخرجون منه إلى غرض آخر كما يقال سافر في طلب العلم وخرج في طلب المعيشة أي ل غاية له ال طلب العلم ول بغية له ال طلب المعيشة والسياق يعطى ان قوله من بعد ما ظلموا ايضا مقيد بذلك معنى والتقدير والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا فيه وانما حذف اختصارا وانما اكتفى به قيدا للمهاجرة لنها محل البتلء فتخصيصه بايضاح الحال اولى .وقوله لنبوئنهم في الدنيا حسنة قيل أي بلدة حسنة بدل مما تركوه من وطنهم كمكة وحواليها بدليل قوله لنبوئنهم فانه من بوأت له مكانا أي سويت واقررته فيه .وقيل أي حالة حسنة من الفتح والظفر ونحو ذلك فيكون قوله لنبوئنهم /صفحة / 255الخ من الستعارة بالكناية .والوجهان متحدان مآل فانهم انما كانوا يهاجرون ليعقدوا مجتمعا اسلميا طيبا ل يعبد فيه ال الله ول يحكم فيه ال العدل والحسان أو ليدخلوا في مجتمع هذا شأنه فلو رجعوا في مهاجرهم غاية حسنة أو وعدوا بغاية حسنة كان ذلك هذا المجتمع الصالح ولو حمدوا البلدة التى يهاجرون إليها لكان حمدهم للمجتمع السلمي المستقر فيها ل لمائها أو هوائها فالغاية الحسنة التى يعدهم الله في الدنيا هي هذا المجتمع سواء اريد بالحسنة البلدة أو الغاية .وقوله ولجر الخرة اكبر لو كانوا يعلمون تتميم للوعد واشارة إلى ان أجر الخرة افضل من هذا الجر الدنيوي لو كانوا يعلمون ما اعد الله لهم فيها من النعم فان فيها سعادة من غير شقاء وخلودا من غير فناء ولذة غير مشوبة بألم وجوار رب العالمين .قوله تعالى الذين " :صبروا وعلى ربهم يتوكلون ل يبعد ان يستفاد من سياق اليتين ان جملة العناية فيهما إلى وعد المهاجرين في الله وعدا حسنا في الدنيا والخرة من غير نظر إلى الخبار بتحقق المهاجرة قبل حال الخطاب فيكون الكلم في معنى الشتراط من يهاجر في الله فله كذا وكذا وتكون العناية في قوله الذين صبروا الخ بتوصيف المهاجرين بالصبر والتوكل من غير نظر إلى ما تحقق منهم من ذلك ايام توقفهم في اوطانهم بين المشركين قبال إذا هم وفتنتهم .والعناية بالتوصيف انما هي لكون كلتا الصفتين دخيلتين في الغاية الحسنة التى وعدوا بها إذ لو لم يصبروا على مر الجهاد واظهروا الجزع عند هجوم العظائم ولم يتأيدوا بالتوكل على الله واعتمدوا على انفسهم الضعيفة احيط بهم ولم يتهيأ لهم المستقر وفرقهم العدو المصر على عداوته بددا وتلشى المجتمع الصالح الذى اقاموه في مهاجرهم هذا في الدنيا واما امر الخرة ففساده بفساد المجتمع أو تلشيه اوضح .ولو كان المراد وعد المهاجرين الذين تحقق منهم الهجرة قبل نزول الية تطييبا لنفوسهم وتسلية لهم عما اخرجوا من ديارهم واموالهم وقاسوا الفتن والمحن كان قوله الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون مدحا لهم بما ظهر منهم ايام اقامتهم بمكة /صفحة / 256وغيرها من الصبر في الله على اذى المشركين والتوكل على الله فيما عزموا عليه من السلم لله قوله تعالى " :وما ارسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم فاسألوا اهل الذكر إن كنتم ل تعلمون رجوع ثان إلى بيان كيفية ارسال الرسل وانزال الكتب حتى ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 256 يتضح للمشركين انه لم تكن الدعوة الدينية إل دعوة عادية من رجال يوحى إليهم من البشر يندبون إلى ما فيه صلح الناس في دنياهم وعقباهم .وانه لم يدع احد من الرسل ول ادعى في كتاب من كتب الشرائع إن الدعوة الدينية ظهور للقدرة الغيبية القاهرة لكل شئ والرادة التكوينية لهدم النظام الجارى ونقض سنة الختيار وابطالها حتى يقول القائل منهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ .وعلى هذا فقوله سبحانه " :وما ارسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم " مسوق لحصر الرسالة على البشر العادى من رجال يوحى إليهم قبال ما ادعاه المشركون انها لو كانت لكانت نقضا لنظام الطبيعة وابطال للختيار والستطاعة .وبه يظهر عدم استقامة ما ذكره غير واحد منهم ان الية مسوقة لرد المشركين من قريش حيث كانوا يزعمون ان البشر ل يصلح للرسالة وانها لو كانت فهى من شأن الملئكة فالية تخبر ان السنة اللهية جرت حسب ما اقتضته الحكمة على ان ل يبعث للدعوة الدينية إل رجال من البشر يوحى إليهم المعارف والوامر والنواهي .وذلك ان سياق اليات ل يساعد على ذلك ولم يتقدم في الكلم ذكر لقولهم ذلك أو لقتراحهم بعثة الملئكة للرسالة حتى يوجه الكلم إلى ذلك .وانما الذى تقدم هو قول المشركين لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ وكان مسوقا لثبات استحالة النبوة ل لكونها من شأن الملئكة .واستدل بعضهم بالية على ان الله سبحانه لم يرسل صبيا ول امرأة واستشكل بنبوة عيسى عليه السلم في المهد واجيب بأن النبوة اعم من الرسالة والذى اثبته عيسى لنفسه بقوله " :إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلني نبيا " مريم 30 :هي النبوة دون الرسالة / .صفحة / 257وفيه ان الستدلل المذكور بالية انما هو بقوله وما ارسلنا وهذا الفعل كما يتعلق في القرآن بالرسول كذلك يتعلق بالنبي غير الرسول قال تعالى " :وما ارسلنا من قبلك من رسول ول نبى " الية فلو تم الستدلل المذكور لدل على حرمان الطفال والنساء عن الرسالة والنبوة جميعا وقد حكى الله عن عيسى عليه السلم قوله " :إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلني نبيا " مريم 30 :وقال في يحيى عليه السلم " :وآتيناه الحكم صبيا " مريم . 12 : والحق ان الية وما أرسلنا من قبلك إل رجال انما هي في مقام بيان ان الرسل كانوا رجال من البشر العادى من غير عناية بكونهم اول ما بعثوا للرسالة افرادا بالغين مبلغ الرجال فالغرض ان نوحا وابراهيم وموسى وعيسى ويحيى عليهم السلم وهم رسل كانوا رجال يوحى إليهم ولم يكونوا اشخاصا مجهزين بقدرة قاهرة غيبية وارادة الهية تكوينية .ويقرب من الية قوله تعالى في موضع آخر " :وما ارسلنا قبلك ال رجال نوحي إليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون وما جعلناهم جسدا ل يأكلون الطعام وما كانوا خالدين " النبياء . 8 :وقوله " :فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون الظاهر انه خطاب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم ولقومه وقد كان الخطاب في سابق الكلم للنبى صلى الله عليه وآله وسلم خاصة والمعنى موجه إلى الجميع فهو تعميم الخطاب للجميع ليتخذ كل من المخاطبين سبيله فمن كان ل يعلم ذلك كبعض المشركين راجع اهل الذكر واسألهم ومن كان يعلم ذلك كالنبى صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين به كان في غنى عن الرجوع والسؤال .وقيل ان الخطاب في الية للمشركين فانهم هم المنكرون فليرجعوا وليسألوا وفيه ان لزم ذلك كون الجملة التفاتا من خطاب الفرد إلى خطاب الجميع ول نكتة ظاهرة تصحح ذلك والله اعلم .والذكر حفظ معنى الشئ أو استحضاره ويقال لما به يحفظ أو يستحضر قال الراغب في المفردات الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للنسان ان يحفظ /صفحة / 258ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إل إن الحفظ يقال اعتبارا باحرازه والذكر يقال اعتبارا باستحضاره وتاره يقال لحضور الشئ في القلب أو القول ولذلك قيل الذكر ذكران ذكر بالقلب وذكر باللسان وكل واحد منهما ضربان ذكر عن نسيان وذكر ل عن نسيان بل عن ادامة الحفظ انتهى موضع الحاجة .والظاهر ان الصل فيه ما هو للقلب وانما يسمى اللفظ ذكرا اعتبارا بافادته المعنى والقائه اياه في الذهن وعلى هذا المعنى جرى استعماله في القرآن غير ان مورده فيه ذكر الله تعالى فالذكر إذا اطلق فيه ولم يتقيد بشئ هو ذكره .وبهذه العناية ايضا سمى القرآن وحى النبوة والكتب المنزلة على النبياء ذكرا واليات في ذلك كثيرة ل حاجة إلى ايرادها في هذا الموضع وقد سمى الله سبحانه في الية التالية القرآن ذكرا .فالقرآن الكريم ذكر كما ان كتاب نوح وصحف ابراهيم وتوراة موسى وزبور داود وانجيل عيسى عليهم السلم وهى الكتب السماوية المذكورة في القرآن كلها ذكر واهلها المتعاطون لها المؤمنين بها اهل الذكر .ولما كان اهل الشئ وخاصته اعرف بحاله وابصر باخباره كان على من يريد ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 258 التبصر في امره ان يرجع إلى اهله واهل الكتب السماوية القائمون على دراستها وتعلمها والعمل بشرائعها هم اهل الخبرة بها والعالمون باخبار النبياء الجائين بها فعلى من اراد الطلع على شئ من امرهم ان يراجعهم ويسألهم .لكن المشركين المخاطبين بمثل قوله فاسألوا اهل الذكر لما كانوا ل يسلمون للنبى صلى الله عليه وآله وسلم النبوة ول يصدقونه في دعواه ويستهزؤن بالقرآن ذى الذكر كما يذكره تعالى في قوله " :وقالوا يا ايها الذى نزل عليه الذكر انك لمجنون " الحجر 6 :لم ينطبق قوله فاسألوا اهل الذكر بحسب المورد ال على اهل التوراة وخاصة من حيث كونهم اعداء للنبى صلى الله عليه وآله وسلم رادين لنبوته وكانت نفوس المشركين طيبة بهم لذلك وقد قالوا في المشركين " :هؤلء اهدى من الذين آمنوا سبيل " النساء . 51 :وقال بعضهم المراد باهل الذكر اهل العلم باخبار من مضى من المم سواء أكانوا مؤمنين ام كفارا ؟ وسمى العلم ذكرا لن العلم بالمدلول يحصل غالبا من /صفحة / 259تذكر الدليل فهو من قبيل تسمية المسبب باسم السبب .وفيه انه من المجاز من غير قرينة موجبة للحمل عليه على ان المعهود من الموارد التى ورد فيها الذكر في القرآن الكريم غير هذا المعنى .وقال بعضهم المراد باهل الذكر اهل القرآن لن الله سماه ذكرا واهله النبي صلى الله عليه وآله وسلم واصحابه وخاصة المؤمنين وفيه ان كون القرآن ذكرا واهله اهله ل ريب فيه لكن اراده ذلك من الية خاصة ل تلئم تمام الحجة فان اولئك لم يكونوا مسلمين لنبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يقبلون من اتباعه من المؤمنين ؟ وكيف كان فالية ارشاد إلى اصل عام عقلئي وهو وجوب رجوع الجاهل إلى اهل الخبرة وليس ما تتضمنه من الحكم حكما تعبديا ول امر الجاهل بالسؤال عن العالم ول بالسؤال عن خصوص اهل الذكر امرا مولويا تشريعيا وهو ظاهر .قوله تعالى " : بالبينات والزبر متعلق بمقدر يدل عليه ما في الية السابقة من قوله وما ارسلنا أي ارسلناهم بالبينات والزبر وهى اليات الواضحة الدالة على رسالتهم والكتب المنزلة عليهم .وذلك ان العناية في الية السابقة انما هي ببيان كون الرسل بشرا على العادة فحسب فكأنه لما ذكر ذلك اختلج في ذهن السامع انهم بماذا ارسلوا ؟ فاجيب عنه فقيل بالبينات والزبر اما البينات فلثبات رسالتهم واما الزبر فلحفظ تعليماتهم .وقيل هو متعلق بقوله وما ارسلنا أي وما ارسلنا بالبينات والزبر ال رجال نوحي إليهم وفيه انه ل بأس به في نفسه لكنه مفوت لما تقدم من النكتة .قوله تعالى " : وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " لشك ان تنزيل الكتاب على الناس وانزال الذكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحد بمعنى ان تنزيله على الناس هو انزاله إليه لياخذوا به ويوردوه مورد العمل كما قال تعالى " :يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا " النساء 174 :وقال " :لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفل تعقلون " النبياء . 10 :فيكون محصل المعنى ان القصد بنزول هذا الذكر إلى عامة البشر وانك والناس في ذلك سواء وانما اخترناك لتوجيه الخطاب والقاء القول ل لنحملك قدرة غيبية /صفحة / 260وارادة تكوينية الهية فنجعلك مسيطرا عليهم وعلى كل شئ بل لمرين احدهما ان تبين للناس ما نزل تدريجا إليهم لن المعارف اللهية ل ينالها الناس بل واسطة فل بد من بعث واحد منهم للتبيين والتعليم وهذا هو غرض الرسالة ينزل إليه الوحى فيحمله ثم يؤمر بتبليغه وتعليمه تبيينه . والثانى رجاء أن يتفكروا فيك فيتبصروا ان ما جئت به حق من عند الله فان الوضاع المحيطة بك والحوادث والحوال الواردة عليك في مدى حياتك من اليتم وخمود الذكر والحرمان من التعلم والكتابة وفقدان مرب صالح والفقر والحتباس بين قوم جهلة اخساء صفر اليدى من مزايا المدنية وفضائل النسانية كانت جميعا اسبابا قاطعة ان ل تذوق من عين الكمال قطرة ول تقبض من عرى السعادة على مسكة لكن الله سبحانه انزل اليك ذكرا تتحدى به على الجن والنس مهيمنا على سائر الكتب السماوية تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبرهانا ونورا مبينا . فالتفكر فيك نعم الدليل الهادى إلى ان ليس لك فيما جئت به صنع ول لك من المر شئ وان الله انزله بعلمه وايدك لذلك بقدرته من غير ان يداخله من السباب العادية شئ .هذا ما تفيده الية الكريمة نظرا إلى سياقها وسياق ما قبلها ومحصله ان قوله لتبين الخ غاية للنزال ل لنفسه بل من حيث تعلقه بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان متعلق يتفكرون المحذوف هو نحو قولنا فيك ل قولنا في الذكر .لكن القوم ذكروا ان قوله لتبين غاية للنزال وان المراد بالتفكر التفكر في الذكر ليعلم بذلك انه حق ومعنى الية على هذا وانزلنا اليك الذكر أي ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 260 القرآن لتبين للناس كافة ما نزل إليهم في ذلك الذكر من اصول المعارف والحكام والشرائع واحوال المم الماضية وما جرى فيهم من سنة الله تعالى ولرجاء ان يتفكروا في الذكر فيهتدوا إلى انه حق من عند الله أو يتفكروا فيما تبينه لهم .وانت خبير بأن لزم ذلك اول شبه تحصيل الحاصل في انزاله إليه ليبين لهم ما نزل إليهم والنزال واحد ول مدفع له ال ان يغير النظم إلى مثل قولنا وانزلنا اليك الذكر لتبينه لهم / .صفحة / 261وثانيا كون قوله اليك مستدركا مستغنى عنه وخاصة بالنظر إلى قوله ولعلهم يتفكرون وذلك ان النزال غايته التبيين ول اثر في ذلك لكونه صلى الله عليه وآله وسلم هو المنزل إليه دون غيره وكذلك التفكر في الذكر غاية مرجوة للعلم بانه حق من عند الله من غير نظر إلى من انزل إليه ولزم ذلك كون قوله اليك زائدا في الكلم ل حاجة إليه وثالثا انقطاع الية بسياقها عن سياق الية السابقة عليها وما ارسلنا من قبلك ال رجال نوحي إليهم واليات المتقدمة عليها .وههنا وجه آخر يمكن ان يندفع به بعض الشكالت السابقة وهو كون المراد بالذكر المنزل لفظ القرآن الكريم وبما نزل إليهم معاني الحكام والشرائع وغيرها ويكون قوله لتبين غاية للنزال وقوله ولعلهم يتفكرون معطوفا على مقدر وغاية للتبيين ل للنزال وهو خلف ظاهر الية وعليك باجادة التدبر فيها .ومن لطيف التعبير في الية قوله وانزلنا اليك وما نزل إليهم بتفريق الفعلين بالفعال الدال على اعتبار الجملة والدفعة والتفعيل الدال على اعتبار التدريج ولعل الوجه في ذلك ان العناية في قوله وانزلنا اليك بتعلق النزال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط من غير نظر إلى خصوصية نفس النزال ولذلك اخذ الذكر جملة واحدة فعبر عن نزوله من عنده تعالى بالنزال .واما الناس فان الذى لهم من ذلك هو الخذ والتعلم والعمل وقد كان تدريجيا ولذلك عنى به وعبر عن نزوله إليهم بالتنزيل .وفي الية دللة على حجية قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان اليات القرآنية واما ما ذكره بعضهم ان ذلك في غير النص والظاهر من المتشابهات أو فيما يرجع إلى اسرار كلم الله وما فيه من التأويل فمما ل ينبغى ان يصغى إليه .هذا في نفس بيانه صلى الله عليه وآله وسلم ويلحق به بيان اهل بيته لحديث الثقلين المتواتر وغيره واما سائر المة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فل حجية لبيانهم لعدم شمول الية وعدم نص معتمد عليه يعطى حجية بيانهم على الطلق / . صفحة / 262واما قوله تعالى " :فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون " فقد تقدم انه ارشاد إلى حكم العقلء بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم من غير اختصاص الحكم بطائفة دون طائفة .هذا كله في نفس بيانهم المتلقى بالمشافهة واما الخبر الحاكى له فما كان منه بيانا متواترا أو محفوفا بقرينة قطعية وما يلحق به فهو حجة لكونه بيانهم واما ما كان مخالفا للكتاب أو غير مخالف لكنه ليس بمتواتر ول محفوفا بالقرينة فل حجية فيه لعدم كونه بيانا في الول وعدم احراز البيانية في الثاني وللتفصيل محل آخر .قوله تعالى " :أفأمن الذين مكروا السيئات ان يخسف الله بهم الرض أو يأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون " هذه الية واليتان بعدها انذار وتهديد للمشركين وهم الذين يعبدون غير الله سبحانه ويشرعون لنفسهم سننا يستنون بها في الحياة فما يعملون من العمال مستقلين فيها بأنفسهم معرضين عن شرائع الله النازلة من طريق النبوة استنادا إلى حجج داحضة اختلقوها لنفسهم كلها سيئات وما يتقلبون فيها مدى حياتهم من حركة أو سكون واخذ أو رد وفعل أو ترك وهم على ما هم عليه من استكبار وغرور كلها ذنوب يقترفونها مكرا بالله ربهم وبرسله الداعين إلى الخذ بدين الله ولزوم سبيله .فقوله السيئات مفعول مكروا بتضمينه بمعنى عملوا أي عملوا السيئات ماكرين وما احتمله بعضهم من كون السيئات وصفا سادا مسد المفعول المطلق والتقدير يمكرون المكرات السيئات بعيد من السياق .وبالجملة الكلم لتهديد المشركين وانذارهم بالعذاب اللهى ويدخل فيهم مشركوا مكة والكلم متفرع على ما تقدم كما يدل عليه قوله أفأمن بفاء التفريع .والمعنى والله اعلم فإذا دلت اليات البينات على ان الله هو ربهم ل شريك له في ربوبيته وان الرسالة ليست بأمر محال بل هي دعوة إلى ما فيه صلح معاشهم ومعادهم وخير دنياهم واخراهم من رجال هم امثالهم يبعثهم الله ويوحى إليهم بما تشتمل عليه الدعوة فهؤلء الذين يعرضون عن ذلك ويمكرون بالله ورسله بالتشبث بهذه الحجج الواهية لتسوية الطريق إلى ترك دين الله وتشريع ما يوافق اهواءهم ويعملون /صفحة / 263السيئات هل أمنوا ان يخسف الله بهم الرض أو يأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون أي يفاجئهم من غير أن يتنبهوا بتوجهه إليهم قبل نزوله .قوله تعالى أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين الفاعل هو الله سبحانه ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 263 وقد كثرت في القرآن نسبة الخذ إليه وقيل الضمير للعذاب والتقلب هو التحول من حال إلى حال والمراد به تحول المشركين في مقاصدهم واعمالهم السيئة وانتقالهم من نعمة إلى نعمة اخرى من نعم الحياة الدنيا قال تعالى " :ل يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " آل عمران 197 :فالمراد بأخذهم في تقلبهم ان ياخذهم في عين ما يتقلبون فيه من السيئات مكرا بالله ورسله بالعذاب أو المعنى يعذبهم بنفس ما يتقلبون فيه فيعود النعمة نقمة وهذا انسب بالنظر إلى قوله فما هم بمعجزين .وقوله فماهم بمعجزين في مقام التعليل لخذهم في تقلبهم ومكرهم السيئات أي لنهم ليسوا بمعجزين لله فيما اراد بالتغلب عليه أو بالفرار من حكمه والمعنى ظاهر . قوله تعالى " :أو يأخذهم على تخوف فان ربكم لرؤوف رحيم " التخوف تمكن الخوف من النفس واستقراره فيها فالخذ على تخوف هو العذاب مبنيا على المخافة بأن يشعروا بالعذاب فيتقوه ويحذروه بما استطاعوا من توبة وندامة ونحوهما فيكون الخذ على تخوف مقابل لتيان العذاب من حيث ل يشعرون .وربما قيل ان الخذ على تخوف هو العذاب بما يخاف منه من غير هلك كالزلزلة والطوفان وغيرهما .وربما قيل ان معنى التخوف التنقص بأن يأخذهم الله بنقص النعم واحدة بعد واحدة تدريجيا كأخذ المن ثم المطار ثم الرخص ثم الصحة وهكذا .وقوله ان ربكم لرؤف رحيم في مقام التعليل أي يأخذهم على تخوف ويتنزل في عذابهم إلى هذا النوع من العذاب الذى هو اهون النواع المعدودة لنه رؤف رحيم وفي التعبير بقوله ربكم اشارة إلى ذلك وكونه في مقام التعليل بالنسبة إلى الوجهين الولين ظاهر واما بالنسبه إلى الثالث فلن الخذ بالنقص ل يخلو من /صفحة / 264مهلة وفرصة يتنبه فيها من تنبه فيأخذ بالحذر بتوبة أو غيرها .والكلم في تعداد انواع العذاب المذكورة ليس مسوقا للحصر كما نبه به بعضهم بل احصاء لنواع منه .قوله تعالى " : أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " المراد بالرؤية الرؤية البصرية والنظر الحسى إلى الشياء الجسمانية لن المطلوب الفات النظر إلى الجسام ذوات الظلل .والتفيؤ من الفئ وهو الظل راجعا ولذا قيل ان الظل هو ما في اول النهار إلى زوال الشمس والفئ هو ما يكون بعد زوال الشمس إلى آخر النهار والظاهر ان الظل اعم من الفئ كما تقدم وتؤيده الية فالتفيؤ رجوع الظل بعد زواله .والشمائل جمع شمأل وهو خلف اليمين وجمعه باعتبار اخذ كل سمت مفروض خلف الشئ وعن يساره جهة شمال على حده فهى شمائل تقابل اليمين كما ان عد كل شئ ذا اظلل بهذه العناية اخذا للظل بالنسبة إلى كل جهة من اليمين والشمائل ظل غيره بالنسبة إلى جهة اخرى ل لن الشئ المذكور جمع بحسب المعنى وان كان مفردا بحسب اللفظ والدخور هو الخضوع والصغار .وكون المراد بالرؤية الرؤية البصرية قرينة على ان المراد بما خلق الله من شئ ومن شئ بيان لما خلق الله هو الشياء المرئية وما تعقبه من حديث تفيؤ الظلل يحصرها في الجسام الكثيفة التى لها ظلل كالجبال والشجار والبنية والجسام القائمة على الرض فل يرد ان ما خلق الله وخاصة بعد بيانه بالشئ ل يلزمه الظل كالجرام العلوية المضيئة والجسام الشفافة واعراض الجسام .ولدفع هذا الشكال جعل بعضهم قوله يتفيؤ ظلله الخ وصفا لشئ حتى يخص البيان بالشياء المخلوقة التى لها افياء واظلل ول يخلو من وجه .والية تهدى المشركين وهم منكرون للتوحيد والنبوة إلى النظر في حال الجسام التى لها اظلل تدور عن يمينها وعن شمائلها فانها تمثل سجودها لله وخضوعها له وصغارها قبال عظمته وكبريائه وكذا سجود ما في السماوات والرض من دابة والملئكة .فهى جميعا ساجدة لله وحده لنقيادها الذاتي لمره ممثلة للخضوع والصغار بهذا /صفحة / 265النسك الوجودى والعبادة التكوينية .وهذا من اوضح الدليل على ان في العالم الها معبودا واحدا هو الله سبحانه وان من حقه ان يسجد له ويخضع لمره وهذا هو التوحيد والنبوة اللذان ينكرونهما فهل التوحيد إل الذعان بكون سبحانه هو الله الذى يجب الخضوع له والتوجه بالذلة والصغار إليه ؟ وهل الدين الذى تتضمنه دعوة النبياء والرسل ال الخضوع لله سبحانه والنقياد لمره فيما اراد ؟ فما بالهم ينكرون ذلك ؟ وهم يرون ويعلمون ان ما على الرض من اظلل الجسام الكثيفة يسجد له وما في السماوات والرض من الملئكة و الذوات ساجدة له منقادة لمره حتى ارباب اصنامهم الذين يتخذونهم آلهة دون الله فانهم اما من الملئكة واما من الجن واما من كملى البشر وهم جميعا داخرون له منقادون لمره .فمعنى الية والله اعلم أو لم يروا هؤلء المشركون المنكرون لتوحيد الربوبية ولدعوة النبوة أو لم ينظروا إلى ما خلق الله من شئ من هذه الجسام القائمة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 265 على بسيط الرض من جبل أو بناء أو شجر أو أي جسم منتصب يتفيؤ ويرجع ويدور ظلله عن اليمين والشمائل سجدا لله واقعة على الرض تذلل وتعبدا له سبحانه وهم داخرون خاضعون صاغرون .وقد تقدم الكلم في معنى سجدة الظلل ذيل قوله تعالى " :وظللهم بالغدو والصال " الرعد 15 :في الجزء الحادى عشر من الكتاب .قوله تعالى " :ولله يسجد ما في السماوات وما في الرض من دابة والملئكة " إلى آخر اليتين ذكرت الية السابقة سجود الظلل وهو معنى مشهود فيها يمثل معنى السجود لله وتذكر هذه الية سجود ما في السماوات والرض من دابة و الدابة ما يدب ويتحرك بالنتقال من مكان إلى مكان بحقيقة السجود التى هي نهاية التذلل والتواضع قبال العظمة والكبرياء فان صورة السجدة التى هي خرور النسان ووقوعه على وجهه على الرض انما تعد عبادة إذا اريد بها تمثيل هذا المعنى فحقيقة السجدة هي التذلل المذكور ويدخل في عموم الدابة النسان وكذا الجن لنه سبحانه يصفهم في كلمه بما يفيد / صفحة / 266ان لهم دبيبا كما لسائر الدواب من النسان والحيوان ولم يدخل سبحانه الملئكة في عموم الدابة وافردهم بالذكر وفي ذلك من التلويح إلى ان ما نسب إليهم في كلمه تعالى من النزول والصعود والذهاب والمجئ مما ظاهره النقلة والحركة المكانية ليس من نوع ما للدواب من الدبيب والنتقال المكانى ما ل يخفى .فقوله ولله يسجد ما في السماوات وما في الرض من دابة أي له يخضع وينقاد خضوعا وانقيادا ذاتيا هي حقيقة السجود فمن حقه تعالى أن يعبد ويسجد له .وفي الية دللة على ان في غير الرض من السماوات شيئا من الدواب يسكنها ويعيش فيها . وقوله والملئكة وهم ل يستكبرون الستكبار والتكبر من النسان ان يعد نفسه كبيرا ويضعه موضع الكبر وليس به ولذلك يعد في الرذائل لكن التكبر ربما يطلق على ما لله سبحانه من الكبرياء بالحق وهو الكبير المتعال فهو تعالى كبير متكبر وليس يقال مستكبر ولعل ذلك كذلك اعتبارا باللفظ فان الستكبار بحسب اصل هيئته طلب الكبر ولزمه ان ل يكون ذلك حاصل للطالب من نفسه وانما يطلب الكبر والعلو على غيره دعوى فكان مذموما واما التكبر فهو الظهور بالكبرياء سواء كانت له في نفسه كما لله سبحانه وهو التكبر الحق أو لم يكن له ال دعوى وغرورا كما في غيره .فتبين بذلك ان الستكبار مذموم دائما اما استكبار المخلوق على مخلوق آخر فلن الفقر والحاجة قد استوعبهما جميعا وشئ منهما ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا ول لغيره فاستكبار احدهما على الخر خروج منه عن حده وتجاوز عن طوره وظلم وطغيان .واما استكبار المخلوق على الخالق فل يتم ال مع دعوى المخلوق الستقلل والغنى لنفسه وذهوله عن مقام ربه فان النسبة بين العبد وربه نسبة الذلة والعزة والفقر والغنى فما لم يغفل العبد عن هذه النسبة ولم يذهل عن مشاهدة مقام ربه لم يعقل استكباره على ربه فان الصغير الوضيع القائم امام الكبير المتعالى وهو يشاهد صغار نفسه وذلته وكبرياء من هو امامه وعزته ل يتيسر له ان يرى لنفسه كبرياء وعزة إل أن /صفحة / 267يأخذه غفلة وذهول . واذ كان الكبرياء والعلو لله جميعا فدعواه الكبرياء والعلو تغلب منه على ربه وغصب منه لمقامه واستكبار واستعلء عليه دعوى وهذا هو الستكبار بحسب الذات ويتبعه الستكبار بحسب الفعل وهو ان ل يأتمر بأمره ول ينتهى عن نهيه فانه ما لم ير لنفسه ارادة مستقلة قبال الرادة اللهية مغايرة لها لم ير لنفسه ان يخالفه في امره ونهيه . وعلى هذا فقوله وهم ل يستكبرون في تعريف الملئكة والكلم في سياق العبودية دليل على انهم ل يستكبرون على ربهم فل يغفلون عنه تعالى ول يذهلون عن الشعور بمقامه ومشاهدته . وقد اطلق نفى الستكبار من غير ان يقيده بما بحسب الذات أو بحسب الفعل فأفاد انهم ل يستكبرون عليه في ذات ول فعل أي ل يغفلون عنه سبحانه ول يستنكفون عن عبادته ول يخالفون عن امره ولبيان هذا الطلق والشمول عقبه بيانا له بقوله يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون واشار بذلك إلى نفى الستكبار عنهم ذاتا وفعل .توضيح ذلك ان قوله يخافون ربهم من فوقهم يثبت لهم الخوف من ربهم والله سبحانه ليس عنده ال الخير ول شر عنده ول سبب شر يخاف منه ال ان يكون الشر وسببه عند العبد وقد اخذ متعلق الخوف هو ربهم ل عذابه تعالى أو عصيان امره كما في قوله " :ويرجون رحمته ويخافون عذابه " اسرى . 57 :فهذه المخافة هي المخافة منه تعالى وهو وان لم يكن عنده ال الخير والخوف انما يكون من شر مترقب ال ان حقيقته التأثر والنكسار والصغار وتأثر الضعيف قبال القوى الظاهر بقوته وانكسار الصغير الوضيع امام الكبير المتعال القاهر بكبريائه وتعاليه ضروري فمخافتهم هي تأثرهم الذاتي عما يشاهدونه من مقام ربهم ول يغفلون عنه قط .ويؤيد ما ذكرناه تقييد قوله يخافون ربهم بقوله من فوقهم فان ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 267 فيه اشارة إلى ان كونه تعالى فوقهم قاهرا لهم متعاليا بالنسبة إليهم هو السبب في /صفحة 268 /مخافتهم وليس هذا إل الخوف من مقامه تعالى ل من عذابه فهو خوف ذاتي ويرجع إلى نفى الستكبار عن ذواتهم .واما قوله ويفعلون ما يؤمرون فاشارة إلى عدم استكبارهم في مقام الفعل وقد تقدم انه إذا لم يستكبر عليه تعالى في ذات لم يستكبر عليه في فعل فهم ل يعصون الله سبحانه في امر بل يفعلون ما يؤمرون وفي اتيان قوله يؤمرون مبنيا للمجهول من التعظيم والتفخيم لمقامه سبحانه ما ل يخفى .فتبين ان الملئكة نوع من خلق الله تعالى ل تأخذهم غفلة عن مقام ربهم ول يطرأ عليهم ذهول ول سهو ول نسيان عن ذلك ول يشغلهم عنه شاغل وهم ل يريدون ال ما يريده الله سبحانه .وانما خص سبحانه الملئكة من بين الساجدين المذكورين في الية بذكر شأنهم وتعريف اوصافهم وتفصيل عبوديتهم لن اكثر آلهة الوثنيين من الملئكة كإله السماء واله الرض واله الرزق واله الجمال وغيرهم وللدللة على انهم بالرغم من زعم الوثنيين امعن خلق الله تعالى في عبوديته وعبادته .ومن عجيب الستدلل ما استدل به بعضهم بالية على ان الملئكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء كمثلنا اما دللتها على التكليف فلمكان المر واما ادارتهم بين الخوف والرجاء فلن الية ذكرت خوفهم والخوف يستلزم الرجاء .وهو ظاهر الفساد اما المر فقد ورد في كلمه تعالى في موارد ل تكليف فيها قطعا كالسماء والرض وغيرهما قال تعالى " :فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " حم السجدة 11 :وقال ويوم يقول كن فيكون . واما استلزام الخوف للرجاء فانما الملزمة ما بين الخوف من نزول العذاب واصابة المكروه وبين الرجاء وقد تقدم ان الذى في الية انما هو خوف مهابة واجلل بمعنى تأثر الضعيف من القوى وانكسار الصغير الحقير قبال العظيم الكبير الظاهر عليه بعظمته وكبريائه ول مقابلة بين الخوف بهذا المعنى وبين الرجاء .وقد استدل بالية ايضا على ان الملئكة افضل من البشر وفيه ان من الممكن استظهار افضليتهم من عصاة البشر وكفارهم ممن يفقد الصفات المذكورة لكونها /صفحة / 269مسوقة في مقام المدح واما غيرهم فل تعرض للية لهم اثباتا ونفيا وسياتى تفصيل القول في الملئكة في موضع يليق به ان شاء الله .قوله تعالى وقال الله ل تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد فاياى فارهبون الرهبة الخوف وتقابل الرغبة كما ان الخوف يقابل به الرجاء .والكلم معطوف على قوله ولله يسجد وقيل معطوف على قوله وانزلنا اليك الذكر وقيل على قوله ما خلق الله على طريقه قوله ) علفتها تبنا وماء باردا ( أي وسقيتها ماء باردا والتقدير في الية أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ وألم يسمعوا إلى ما قال الله ل تتخذوا الخ ؟ والول هو الوجه .وقوله ل تتخذوا الهين اثنين اريد به والله اعلم النهى عن التعدي عن الله الواحد باتخاذ غيره معه فيشمل الثنين وما فوقه من العدد ويؤيده تأكيده بقوله انما هو اله واحد واثنين صفة الهين كما ان واحد صفة اله جئ بهما لليضاح والتبيين .وبعبارة اخرى العناية متعلقة بالنهي عن اتخاذ غيره معه سواء كان واحدا أو اكثر من واحد لكن لما كان كل عدد اختاروه في الله فوق الثنين يجب ان يسلكوا إليه من الثنين إذ ل يتحقق عدد هو فوق الثنين ال بعد تحقق الثنين نهى عن اتخاذ الثنين واكتفى به عن النهى عن كل عدد فوق الواحد . ويمكن ان يكون اعتبار الثنين نظرا إلى ما عليه دأبهم وسنتهم فانهم يعتقدون من الله باله الصنع واليجاد وهو الذى له الخلق فحسب وهو اله اللهة وموجد الكل وباله العبادة وهو الذى له الربوبية والتدبير وهذا المعنى انسب بما يتلوه من الجمل .وعلى هذا فالمعنى ل تتخذوا الهين اثنين اله الخلق واله التدبير الذى له العبادة انما هو أي الله اله واحد له الخلق والتدبير جميعا لن كل تدبير ينتهى إلى اليجاد واذ كنت انا الخالق الموجد فانا المدبر الذى تجب عبادته فاياى فارهبون واياى فاعبدون ومن هنا يظهر وجه تفرع قوله فاياى فارهبون على ما تقدمه وانه من لطيف الستدلل والجملة تفيد الحصر بتقديم المفعول على سبيل الشتغال و القصر /صفحة / 270قصر قلب ل قصر افراد كما يفيده كلمهم فان الوثنيين ل يعبدون الله وآلهتهم غير الله وانما يعبدون آلهتهم فحسب معتذرين بان الله سبحانه ل يحيط به علم ول يناله فهم فل يمكن التوجه إليه بالعبادة فمن الواجب ان يعبد الكرام أو القوياء من خلقه كالملئكة والكاملين من البشر والجن فهم المدبرون لمر العالم ينال بالعبادة خيرهم ويتقى بها شرهم وهذا معنى التقرب إلى الله بشفاعتهم .والظاهر ان المر بالرهبة كناية عن المر بالعبادة وانما اختصت الرهبة بالذكر ليوافق ما تقدم في حديث سجدة الكل التى هي الصل في تشريع العبادة من خوف ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 270 الملئكة وعلى هذا فالظاهر ان المراد بالرهبة ما هي رهبة اجلل ومهابة ل ما هي رهبة مؤاخذة وعذاب فافهم ذلك .قوله تعالى " :وله ما في السماوات والرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون " قال في المفردات الوصب السقم اللزم وقد وصب فلن فهو وصب واوصبه كذا فهو يتوصب نحو يتوجع قال تعالى ولهم عذاب واصب وله الدين واصبا فتوعد لمن اتخذ الهين وتنبيه ان جزاء من فعل ذلك عذاب لزم شديد .ويكون الدين ههنا الطاعة ومعنى الواصب الدائم أي حق النسان ان يطيعه دائما في جميع احواله كما وصف به الملئكة حيث قال ل يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ويقال وصب وصوبا دام ووصب الدين وجب ومفازة واصبة بعيدة ل غاية لها انتهى .والية وما بعدها تحتج على وحدانيته تعالى في اللوهية بمعنى المعبودية بالحق وان الدين له وحده ليس لحد ان يشرع من ذلك شيئا ول ان يطاع فيما شرع فالية وما بعدها في مقام التعليل لقوله وقال الله ل تتخذوا الهين اثنين إلى آخر الية واحتجاج على مضمونها وعود بعد عود إلى ما تقدم بيانه من التوحيد والنبوة اللذين ينكرهما المشركون .فقوله وله ما في السماوات والرض احتجاج على توحده تعالى في الربوبية فان ما في السماوات والرض من شئ فهو مملوك له بحقيقة معنى الملك إذ ما في العالم المشهود من شئ فهو بما له من الصفات والفعال قائم به تعالى موجود بايجاده /صفحة / 271وظاهر باظهاره ل يسعه ان ينقطع منه ول لحظة فالشياء قائمة به قيام الملك بمالكه مملوكة له ملكا حقيقيا ل يقبل تغييرا ول انتقال كما هو خاصة الملك الحقيقي كملك النسان لسمعه وبصره مثل .وإذا كان كذلك كان هو تعالى المدبر لمر العالم إذ ل معنى لكون العالم مملوكا له بهذا الملك ثم يستقل غيره بتدبير امره والتصرف فيه وينعزل هو تعالى عما خلقه وملكه وإذا كان هو المدبر لمره كان هو الرب له إذ الرب هو المالك المدبر وإذا كان هو الرب كان هو الذى يجب ان يتقى ويخضع له بالعبادة .وقوله وله الدين واصبا أي دائما لزما وذلك انه لما كان تعالى هو الرب الذى يملك الشياء ويدبر امرها ومن واجب التدبير ان يستن العالم النساني بسنة يبلغ به الجرى عليها غايته ويهديه إلى سعادته وهذه السنة والطريقة هي التى يسميها القرآن دينا كان من الواجب ان يكون تعالى هو القائم على وضع هذه السنة وتشريع هذه الطريقة فهو تعالى المالك للدين كما قال وله الدين واصبا وعليه أن يشرع ما يصلح به التدبير كما قال فيما مر وعلى الله قصد السبيل الية .وقيل المراد بالدين الطاعة وقيل الملك وقيل الجزاء ولكل منها وجه غير خفى على المتأمل والوجه هو ما قدمناه لنه اوفق وانسب بسياق ما يحفها من اليات السابقة واللحقة الباحثة عن توحيد الربوبية وتشريع الدين من طريق الوحى والرسالة .وقوله " :أفغير الله تتقون " استفهام انكاري متفرع على الجملتين جميعا على الظاهر والمعنى وإذا كان كذلك فهل غيره تعالى تتقون وتعبدون ؟ وليس يملك شيئا ول يدبر امرا حتى يعبد وليس من حقه ان يشرع دينا فيطاع فيما وضعه وشرعه .قوله تعالى " : وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " بيان آخر لوحدانيته تعالى في الربوبية يفرع سبحانه عليه ذمهم وتوبيخهم على شركهم بالله وعلى تشريعهم امورا من عند انفسهم من غير اذن منه ورضى ويجرى الكلم في هذا المجرى إلى تمام بضع آيات .والمراد بالضر سوء الحال من جهة فقدان النعمة التى تصلح بها الحال والجؤار /صفحة / 272بضم الجيم صوت الوحوش استعير لرفع الصوت بالدعاء والتضرع والستغاثة تشبيها له به .وقوله " :وما بكم من نعمة فمن الله " الكلم مسوق للعموم وليس مجرد دعوى غير مستدل فقد بين ذلك في اليات السابقة على ان السامعين يسلمون ذلك ويقولون به ويدل عليه جؤارهم واستغاثتهم إليه عند مسيس الضر بفقدان نعمة من النعم . فالمعنى ان جميع النعم التى عندكم من انعامه تعالى عليكم وانتم تعلمون ذلك ثم إذا حل بكم شئ من الضر وسوء حال يسير رفعتم اصواتكم بالتضرع وجأرتم إليه ل إلى غيره ولو كان لغيره صنيعة عندكم لتوجهتم إليه فهو سبحانه منعم النعمة وكاشف الضر فما بالكم ل تخصونه بالعبادة ول تطيعونه .والستغاثة به تعالى والتضرع إليه عند حلول المصائب وهجوم الشدائد التى ينقطع عندها الرجاء عن السباب الظاهرية ضرورية ل يرتاب فيها فان النسان ولو لم ينتحل إلى دين ولم يؤمن بالله سبحانه فانه ل ينقطع رجاؤه عند الشدائد إذا رجع إلى ما يجده من نفسه ول رجاء إل وهناك مرجو منه فمن الضرورى ان تحقق ما ل يخلو من معنى التعلق كالحب والبغض والرادة والكراهة والجذب ونظائرها في الخارج ل يمكن إل مع تحقق طرف تعلقها في الخارج فلو لم يكن في الخارج مراد لم تتحقق ارادة من مريد ولو لم يكن هناك مطلوب لم يكن طلب ولو لم يكن جاذب يجذب لم يتصور ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 272 مجذوب ينجذب وهذا حال جميع المعاني الموجودة التى ل تخلو كينونتها عن نسبة .فتعلق الرجاء من النسان بالتخلص من البلية عند انقطاع السباب دليل على انه يرى ان هناك سببا فوق هذه السباب المنقطع عنها ل تعجزه عظائم الحوادث وداهمات الرزايا ول ينقطع عنه النسان ول يزول ول يفنى ول يسهو ول ينسى قط .هذا شئ يجده النسان من نفسه وتقضى به فطرته وان الهاه عنه الشتغال بالسباب الظاهرة وجذبته إلى نفسها امتعة الحياة وزخارف المادة المحسوسة لكنه إذا احاطت به البلية واعيته الحيلة وسدت عليه طرق النجاة وانهزمت السباب الظاهرة عن آخرها وطارت الموانع عن نظره ولم يبق هناك مله يلهيه ول شاغل يشغله ظهر له ما اخفته السباب وعاين ما كان على غفلة منه فتعلقت نفسه به وهو السبب الذى فوق كل سبب وهو الله عز اسمه / .صفحة / 273قوله تعالى " :ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون شروع في ذمهم وتوبيخهم وينتهى إلى ايعادهم وحق لهم ذلك لن الذى يستدعيه كشف الضر عن استغاثتهم ورجوعهم الفطري إلى ربهم ان يوحدوه بالربوبية بعد ما انكشفت لهم الحقيقة باندفاع البلية ونزول الرحمة لكن فريقا منهم تفاجئهم الشقوة فيعودون إلى التغلق بالسباب فينتبه عندئذ الراقد من رذائل ملكاتهم فيثير لهم الهواء ويشركون بربهم غيره ومنه السباب التى يتعلقون بها ومعنى الية ظاهر .قوله تعالى " : ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون اللم للغاية أي انهم انما يشركون بربهم ليكفروا بما اعطيناهم من النعمة بكشف الضر عنهم ول يشكروه .وجعل الكفر بالنعمة غاية للشرك انما هو بدعوى انهم ل غاية لهم في مسير حياتهم ال الكفر بنعمة الله وعدم شكره على ما اولى فان اشتغالهم بالحس والمادة اورثهم في قلوبهم ملكة التعلق بالسباب الظاهرة واسناد النعم اللهية إليها وضربهم اياها حجابا ثخينا على عرفان الفطرة فأنساهم ذلك توحيد ربهم في ربوبيته فصاروا يذكرون عند كل نعمة اسبابها الظاهرة دون الله ويتعلقون بها ويخشون انقطاعها ويخضعون لها دون الله فكأنهم بل انهم ل غاية لهم ال كفر نعمة الله وعدم شكرها . فالكفر بالله سبحانه هو غايتهم العامة في كل شأن ابدوه وكل عمل اتوا به فإذا اشركوا بربهم بعد كشف الضر بالخضوع لسائر السباب فانما اشركوا ليكفروا بما آتاهم من النعمة .ولما كان كفرانهم هذا وهو كفر دائم يصرون عليه واستكبار على الله وقد قال تعالى " :لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد " ابراهيم 7 :أثار ذكر ذلك الغضب اللهى فعدل عن خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم على نعت الغيبة إلى خطابهم وايعادهم من غير توسيط فقال فتمتعوا فسوف تعلمون .ولم يذكر ما يتمتعون به ليفيد بالطلق ان كل ما تمتعوا به سيؤاخذون عليه ول ينفعهم شئ منه ولم يذكر ما يعلمونه وهو ل محالة امر يسوؤهم ليكونوا على جهل منه حتى يحل بهم مفاجأة ويبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وفيه /صفحة / 274تشديد لليعاد .وذكر بعضهم ان اللم في قوله ليكفروا بما آتيناهم لم المر والمراد به اليعاد على نحو التعجيز وهو تكلف .قوله تعالى " :ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون " ذكروا انه معطوف على سائر جناياتهم التى دلت عليها اليات السابقة والتقدير انهم يفعلون ما قصصناه من جناياتهم ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا والظاهر ان ما في لما ل يعلمون موصولة والمراد به آلهتهم وضمير الجمع يعود إلى المشركين ومفعول ل يعلمون محذوف والمعنى ويجعل المشركون للهتهم التى ل يعلمون من حالها انها تضر وتنفع نصيبا مما رزقناهم .والمراد من هذا الجعل ما ذكره سبحانه في سورة النعام " :بقوله وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فل يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " النعام 136 :هذا ما ذكروه ول يخلو عن تكلف ويمكن ان يكون معطوفا على ما مر من قوله يشركون والتقدير إذا فريق منكم بربهم يشركون ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم والمراد بما ل يعلمون السباب الظاهرة التى ينسبون إليها الثار على سبيل الستقلل وهم جاهلون بحقيقة حالها ول علم لهم جازما انها تضر وتنفع مع ما يرون من تخلفها عن التأثير احيانا . وانما نسب إليهم انهم يجعلون لها نصيبا من رزقهم مع انهم يسندون الرزق إليها بالستقلل من غير ان يذكروا الله معها ومقتضاه نفى التأثير عنه تعالى رأسا ل اشراكه معها لن لهم علما فطريا بأن الله سبحانه له تأثير في المر وقد ذكر عنهم آنفا انهم يجأرون إليه عند مس الضر وإذا اعتبر اعترافهم هذا مع اسنادهم التأثير إلى السباب انتج ذلك ان السباب عندهم شركاء لله في الرزق ولها نصيب فيه ثم اوعدهم بقوله " تالله لتسألن عما كنتم تفترون " . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 274 قوله تعالى ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون عتاب آخر لهم في حكم حكموا به جهل من غير علم فاحترموا لنفسهم واساؤا الدب مجترئين على الله /صفحة / 275سبحانه حيث اختاروا لنفسهم البنين وكرهوا البنات لكنهم نسبوها إلى الله سبحانه .فقوله ويجعلون لله البنات سبحانه هو اخذهم اللهة دون الله أو بعض اللهة اناثا وقولهم انهن بنات الله وقد قيل ان خزاعة وكنانة كانوا يقولون إن الملئكة بنات الله . وكانت الوثنية البرهمية والبوذية والصابئة يثبتون آلهة كثيرة من الملئكة والجن اناثا وهن بنات الله وفي القرآن الكريم " :وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمان اناثا " الزخرف 19 :وقال تعالى " : وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا " الصافات . 158 : وقال المام في تفسيره في وجه ذلك اظن انهم سموها بنات لستتارها عن العيون كالنساء كما انهم اخذوا الشمس مؤنثا لستتار قرصها بنورها الباهر وضوئها عن العيون كالمخدرات من النساء ول يلزم الطراد في التسمية حتى يلزم مثل ذلك في الجن لستتارهم عن العيون مع عدم التأنيث انتهى ملخصا .وذكر بعضهم ان الوجه في التأنيث كونها مستترة عن العيون مع كونها في محل ل يصل إليه الغيار فهى كالبنات التى يغار عليهن الرجل فيسكنهن في محل امين ومكان مكين والجن وان كانوا مستترين عن العيون لكنه على غير هذه الصورة انتهى .وهذان الوجهان ل يتعديان طور الستحسان وانت لو راجعت آراء الوثنية على اختلفهم وقد تقدم شطر منها في الجزء العاشر من هذا الكتاب عرفت ان العرب لم تكن مبتكرة في هذه العقيدة بل لها اصل قديم في آراء قدماء الوثنية في الهند ومصر وبابل واليونان والروم .والمعان في اصول آرائهم يعطى انهم كانوا يتخذون الملئكة الذين ينتهى إليهم وجوه الخير في العالم والجن الذين يرجع إليهم الشرور آلهة يعبدونهم رغبا ورهبا وهذه المبادئ العالية والقوى الكلية التى هم يحملونها وبعبارة اخرى هم مظاهر لها تنقسم إلى فاعله ومنفعلة وهم يعتبرون اجتماع الفاعل والمنفعل منها نكاحا وازدواجا والفاعل منها أبا والمنفعل منها أما والمتحصل من اجتماعهما ولدا وينقسم الولد إلى بنين وبنات فمن اللهة ما هن امهات وبنات ومنها ما هم آباء وبنون .فلئن كان بعض وثنية العرب قالت ان الملئكة جميعا بنات الله فقول ارادوا /صفحة / 276ان يقلدوا فيه من قبلهم جهل ومن غير تثبت .وقوله ولهم ما يشتهون ظاهر السياق انه معطوف على لله البنات والتقدير ويجعلون لهم ما يشتهون أي يثبتون لله سبحانه البنات باعتقاد ان الملئكة بناته ويثبتون لنفسهم ما يشتهون وهم البنون بقتل البنات ووأدها والمحصل انهم يرضون لله بما ل يرضون به لنفسهم .وقيل ان ما يشتهون مبتدأ مؤخر ولهم خبر مقدم والجملة معطوفة على يجعلون وعلى هذا فالجملة مسوقة للتقريع أو الستهزاء .وقد وجهوا ذلك بأن عطف الجملة على لله البنات غير جائز لمخالفته القاعدة وهى ان الفعل المتعدى إلى المفعول بنفسه أو بحرف جر إذا كان فاعله ضميرا متصل مرفوعا فانه ل يتعدى إلى نفس هذا الضمير بنفسه أو بحرف جر ال بفاصل مثل إذا ضرب زيد نفسه لم يقل زيد ضربه وانت ضربتك وإذا غضب على نفسه لم يقل زيد غضب عليه وانما يقال زيد ضرب نفسه أو ما ضرب ال اياه وزيد غضب على نفسه أو ما غضب ال عليه ال في باب ظن وما الحق به من فقد وعدم فيجوز ان يقال زيد ظنه قويا أي نفسه . وعلى هذا فلو كان قوله ولهم ما يشتهون معطوفا على قوله لله البنات كان من الواجب ان يقال ولنفسهم ما يشتهون انتهى محصل .والحق ان التزام هذه القاعدة انما هو لدفع اللبس وان تخلل حرف الجر بين الضميرين من الفصل وفي القرآن الكريم " :وهزى اليك بجذع النخلة " مريم " 25 :واضمم اليك جناحك " القصص 32 : ومنهم من رد القاعدة من رأس لنتقاضها باليتين وأجابوا ايضا بوجوه اخر ل حاجة بنا إلى ذكرها من ارادها فليراجع التفاسير .قوله تعالى " :وإذا بشر احدهم بالنثى ظل وجهه مسوداوهو كظيم " اسوداد الوجه كناية عن الغضب والكظيم هو الذى يتجرع الغيظ والجملة حالية أي ينسبون إلى ربهم البنات والحال انهم إذا بشر احدهم بالنثى فقيل ولدت لك بنت اسود وجهه من الغيظ وهو يتجرع غيظه .قوله تعالى " :يتوارى من القوم من سوء ما بشر به إلى آخر الية التوارى /صفحة / 277 الستخفاء والتخفى وهو مأخود من الوراء والهون الذلة والخزى والدس الخفاء .والمعنى يستخفى هذا المبشر بالبنت من القوم من سوء ما بشر به على عقيدته ويتفكر في امره أيمسك ما بشر به وهى البنت على ذلة من امساكه وحفظه أم يخفيه في التراب كما كان ذلك عادتهم في المواليد من البنات كما قيل ان احدهم كان يحفر حفيرة صغيرة فإذا كان المولود انثى جعلها في الحفيرة وحثا عليها التراب حتى تموت تحته وكانوا يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهن فيطمع غير الكفاء فيهن . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 277 واول ما بدا لهم ذلك ان بنى تميم غزوا كسرى فهزمهم وسبى نساءهم وذراريهم فادخلهن دار الملك واتخذ البنات جواري وسرايا ثم اصطلحوا بعد برهة واستردوا السبايا فخيرن في الرجوع إلى اهلهن فامتنعت عدة من البنات فاغضب ذلك رجال بنى تميم فعزموا ل تولد لهم انثى إل وأدوها ودفنوها حية ثم تبعهم في ذلك بعض من دونهم فشاع بينهم وأد البنات .وقوله أل ساء ما يحكمون هو حكمهم ان له البنات ولهم البنون ل لهوان البنات وكرامة البنين في نفس المر بل معنى هذا الحكم عندهم ان يكون لله ما يكرهون ولهم ما يحبون وقيل المراد بالحكم حكمهم بوجوب وأد البنات وكون امساكهن هونا واول الوجهين اوفق وانسب للية التالية .قوله تعالى : " للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ولله المثل العلى وهو العزيز الحكيم " المثل هو الصفة ومنه سمى المثل السائر مثل لنه صفة تسير في اللسن وتجرى في كل موضع تناسبه وتشابهه . والسوء بالفتح والسكون مصدر ساء يسوء كما ان السوء بالضم اسمه واضافة المثل إلى السوء تفيد التنويع فان الشياء انما توصف اما من جهة حسنها واما من جهة سوئها وقبحها فالمثل مثلن مثل الحسن ومثل السوء .والحسن والقبح ربما كانا من جهة الخلقة ل صنع للنسان ول مدخل لختياره فيهما كحسن الوجه ودمامة الخلقة وربما لحقا من جهة العمال الختيارية كحسن العدل وقبح الظلم وانما يحمد ويذم العقل ما كان من القسم الثاني دون القسم الول فيدور الحمد والذم بحسب الحقيقة مدار العمل بما تستحسنه وتأمر به الفطرة النسانية /صفحة / 278من العمال التى توصله إلى ما فيه سعادة حياته وترك العمل بها وهو الذى يتضمنه الدين الحق من احكام الفطرة .ومن المعلوم ان الطبع النساني ل رادع له عن اقتراف العمل السئ ال اليم المؤاخذة وشديد العقاب واذعانه بايقاعه وانجازه واما الذم فانه يتبدل مدحا إذا شاع الفعل وخرج بذلك عن كونه منكرا غير معروف .ومن هنا يظهر ان اليمان بالخرة والذعان بالحساب والجزاء هو الصل الوحيد الذى يضمن حفظ النسان عن اقتراف العمال السيئة ويجيره من لحوق أي ذم وخزى وهو المنشأ الذى يقوم اعمال النسان تقويما يحمله على ملزمة طريق السعادة ول يؤثر اثره أي شئ آخر من المعارف الصلية حتى التوحيد الذى إليه ينتهى كل اصل .وإلى ذلك يشير قوله تعالى " :ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " ص . 26 : فعدم اليمان بالخرة واستخفاف امر الحساب والجزاء هو مصدر كل عمل سئ ومورده وبالمقابلة اليمان بالخرة هو منشأ كل حسنة ومنبع كل خير وبركة .فكل مثل سوء وصفة قبح يلزم النسان ويلحقه فانما يأتيه من قبل نسيان الخرة كما ان كل مثل حسن وصفة حمد بالعكس من ذلك .وبما تقدم يظهر النكتة في قوله للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء فقد كان يصفهم في اليات السابقة بالشرك فلما اراد بيان ان لهم مثل السوء بدل ذلك من وصفهم بعدم ايمانهم بالخرة .فالذين ل يؤمنون بالخرة هم الصل في عروض كل مثل سوء وصفة قبح فان ملكه وهو انكار الخرة نعتهم اللزم لهم ولو لحق بعض المؤمنين بالخرة شئ من مثل السوء فانما يلحقه لنسيان ما ليوم الحساب والمنكرون هم الصل في ذلك .هذا في صفات السوء التى يستقبحها العقل ويذمها وهناك صفات سوء ل يستقبحها العقل وانما يكرهها الطبع كالنوثة عند قوم وايلد البنات عند آخرين والفقر المالى والمرض وكالموت والفناء والعجز والجهل تشترك بين المؤمن والكافر وصفات اخرى تحليلية كالفقر والحاجة والنقص والعدم والمكان ل تختص بالنسان بل هي مشتركة /صفحة / 279بين جميع الممكنات سارية في عامة الخلق والكافر يتصف بها كما يتصف بها غيره فالكافر في معرض التصاف بكل مثل سوء منها ما يختص به ومنها ما يشترك بينه وبين غيره كما بين تفصيل والله سبحانه منزه من ان يتصف بشئ من هذه الصفات التى هي امثال السوء أما امثال السوء التى تتحصل من ناحية سيئات العمال مما يستقبحه العقل ويذمه ويجمعها الظلم فلنه ل يظلم شيئا قال تعالى " :ول يظلم ربك احدا " الكهف 49 : وقال " :وهو الحكيم العليم " الزخرف 84 :فما قضاه من حكم أو فعله من شئ فهو المتعين في الحكمة ل يصلح بالنظر إلى النظام الجارى في الوجود ال ذاك .واما امثال السوء مما يستكرهه الطبع أو يحلله العقل فل سبيل لها إليه تعالى فانه عزيز مطلق يمتنع جانبه من ان تسرب إليه ذلة فان له كل القدرة ل يعرضه عجز وله العلم كله فل يطرأ عليه جهل وله محض الحياة ل يهدده موت ول فناء منزه عن كل نقص وعدم فل يتصف بصفات الجسام مما فيه نقص أو فقد أو قصور أو فتور واليات في هذه المعاني كثيرة ظاهرة ل حاجة إلى ايرادها .فهو سبحانه ذو علو ونزاهة من ان يتصف بشئ من امثال السوء التى يتصف بها غيره ول هذا المقدار من التنزه والتقدس فحسب بل منزه من ان يتصف بشئ من ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 279 المثال الحسنة والصفات الجميلة الكريمة بمعانيها التى يتصف بها غيره كالحياة والعلم والقدرة والعزة والعظمة والكبرياء وغيرها فان الذى يوجد من هذه الصفات الحسنة الكمالية في الممكنات محدودة متناه مشوب بالفقر والحاجة مخلوط بالفقدان والنقيصة لكن الذى له سبحانه من الصفات محض الكمال وحقيقته غير محدودة ول متناه ول مشوب بنقص وعدم فله حياة ل يهددها موت وقدرة ل يعتريها عى وعجز وعلم ل يقارنه جهل وعزة ليس معها ذلة .فله المثل العلى والصفة الحسنى قال تعالى " :وله المثل العلى في السماوات والرض " الروم 27 :وقال " :له السماء الحسنى " طه 8 :فالمثال منها دانية ومنها عالية والعالية منها اعلى ومنها غيره والعلى مثله تعالى والسماء سيئة وحسنة والحسنة منها احسن وغيره ولله منها ما هو احسن فافهم ذلك / .صفحة / 280فقد تبين بما تقدم معنى كون مثله اعلى وان قوله ولله المثل العلى مسوق للحصر أي لله المثل الذى هو اعلى دون المثل الذى هو سئ دان ودون المثل الذى هو حسن عال من صفات الكمال الذى تتصف به الممكنات وليس بأعلى .وتبين ايضا ان المثل العلى الذى يظهر له تعالى من البيان السابق هو انتفاء جميع الصفات السيئة عنه كما قال " :ليس كمثله شئ " الشورى 11 :ومن الصفات الثبوتية كل صفة حسنة منفيا عنه الحدود والنواقص . وقوله وهو العزيز الحكيم مسوق لفادة الحصر وتعليل ما تقدمه أي وهو الذى له كل العزة فل تعتريه ذلة اصل لن كل ذلة فهو فقد عزة ما وليس يفقد عزة ما وله كل الحكمة فل يعرضه جهالة لنها فقد حكمة ما وليس يفقد شيئا من الحكمة .واذ ل سبيل لذلة ول جهالة إليه فل يتصف بشئ من صفات النقص ول ينعت بشئ من نعوت الذم وامثال السوء لكن الكافر ذليل في ذاته جهول في نفسه فتلحقه وتلزمه صفات النقص ويتصف بصفات الذم وامثال السوء فللذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء .والمؤمن وان كان ذليل في ذاته جهول في نفسه كالكافر ال انه لدخوله في ولية الله اعزه ربه بعزته واظهره على الجهالة بتأييده بروح منه قال تعالى " :والله ولى المؤمنين " آل عمران 68 :وقال " :ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون 8 : وقال " :اولئك كتب في قلوبهم اليمان وايدهم بروح منه " المجادلة . 22 :قوله تعالى " :ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة " إلى آخر الية ضمير عليها عائد إلى الرض لدللة الناس عليها .ول يبعد ان يدعى ان السياق يدل على كون المراد بالدابة النسان فقط من جهة كونه يدب ويتحرك والمعنى ولو اخذ الله الناس بظلمهم مستمرا على المؤاخذة ما ترك على الرض من انسان يدب ويتحرك اما جل الناس فانهم يهلكون بظلمهم واما الشذ الندر وهم النبياء والئمة المعصومون من الظلم فهم ل يوجدون لهلك آبائهم وامهاتهم من قبل .والقوم اخذوا الدابة في الية باطلق معناها وهو كل ما يدب على الرض من /صفحة / 281انسان وحيوان فعاد معنى الية إلى انه لو يؤاخذهم بظلمهم لهلك البشر وكل حيوان على الرض فتوجه إليه ان هذا هو النسان يهلك بظلمه فما بال سائر الحيوان يهلك ول ظلم له أو يهلك بظلم من النسان ؟ واوجه ما اجيب به عنه قول بعضهم باصلح منا ان الله تعالى لو اخذهم بظلمهم بكفر أو معصية لهلك عامة الناس بظلمهم إل المعصومين منهم واما المعصومون على شذوذهم وقلة عددهم فانهم ل يوجدون لهلك آبائهم وامهاتهم من قبل وإذا هلك الناس وبطل النسل هلكت الدواب من سائر الحيوان لنها مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم كما يشعر به قوله تعالى " :خلق لكم ما في الرض جميعا " البقرة : 29ولهم وجوه أخر في الذب عن الية على تقدير عموم الدابة فيها ل جدوى في نقلها من ارادها فليراجع مطولت التفاسير .واحتج بعضهم بالية على عدم عصمة النبياء عليهم السلم وفيه ان الية ل تدل على ازيد من انه تعالى لو اخذ بالظلم لهلك جميع الناس وانقرض النوع واما إن كل من يهلك فانما هلك عن ظلمه فل دللة لها عليه فمن الجائز ان يهلك الكثرون بظلمهم ويفنى القلون بفناء آبائهم وامهاتهم كما تقدم فل دللة في الية على استغراق الظلم الفراد حتى النبياء والمعصومين وانما تدل على استغراق الفناء . وربما قيل في الجواب ان المراد بالناس الظالمون منهم بقرينة قوله على ظلمهم فل يشمل المعصومين من رأس .وربما اجيب ان المراد بالظلم اعم من المعصية التى هي مخالفة المر المولوي وترك الولى الذى هو مخالفة المر الرشادي وربما صدر عن النبياء عليهم السلم كما حكى عن آدم وزوجه " :قال ربنا ظلمنا انفسنا " العراف 23 :وغيره من النبياء فحسنات البرار سيئات المقربين وحينئذ فل يدل عموم الظلم في الية للنبياء على عدم عصمة النبياء عن المعصية بمعنى مخالفة المر المولوي .وربما اجيب بأن اهلك جميع الناس انما هو بان الله يمسك عن انزال المطر على ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 281 الرض لظلم الظالمين من الناس فيهلك به الظالمون والولياء والدواب فان العذاب إذا نزل لم يفرق بين الشقى والسعيد فيكون على العدو نقمة ونكال وعلى غيره محنة ومزيد أجر / .صفحة / 282والجوبة الثلثة غير تامة جميعا اما الول فان اختصاص الناس بالظالمين يوجب اختصاص الهلك بهم كما ادعى فل يعم الهلك المعصومين ول موجب حينئذ لهلك سائر الدواب المخلوقة للنسان فل يستقيم قوله ما ترك عليها من دابة كما ل يخفى .واما الثاني فلن اليات بما لها من السياق تبحث عن الظلم بمعنى الشرك وسائر المعاصي المولوية فتعميم الظلم في الية لترك الولى وخاصة بالنظر إلى ذيل الية ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى الظاهر في اليعاد ل يلئم السياق .واما الثالث فلعدم دليل من جهة اللفظ على ما ذكر فيه .وقوله ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء اجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون استدراك عن مقدر يدل عليه الجملة الشرطية في صدر الية والتقدير فل يعاجل في مؤاخذتهم ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى والجل المسمى بالنسبة إلى الفرد من النسان موته المحتوم وبالنسبة إلى المة يوم انقراضها وبالنسبة إلى عامة البشر نفخ الصور وقيام الساعة ولكل منها ذكر في كلمه تعالى قال " : ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا اجل مسمى " المؤمن 67 :وقال " :ولكل امة اجل فإذا جاء اجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون " العراف 34 :وقال " :ولو ل كلمة سبقت من ربك إلى اجل مسمى لقضى بينهم " الشورى 14 : .قوله تعالى " :ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب ان لهم الحسنى " إلى آخر الية عود إلى نسبة المشركين إليه تعالى البنات واختيارهم لنفسهم البنين وهم يكرهون البنات ويحبون البنين ويستحسنونهم .فقوله ويجعلون لله ما يكرهون يعنى البنات وقوله وتصف السنتهم الكذب أي تخبر السنتهم الخبر الكاذب وهو ان لهم الحسنى أي العاقبة الحسنى من الحياة وهى ان يخلفهم البنون وقيل المراد بالحسنى الجنة على تقدير صحة البعث وصدق النبياء فيما يخبرون به كما حكاه عنهم في قوله " :ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لى وما اظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربى ان لى عنده للحسنى " حم السجدة 50 :وهذا الوجه ل بأس به لو ل ذيل الية بما سيجئ /صفحة / 283من معناه .وقوله ل جرم ان لهم النار وانهم مفرطون أي المقدمون إلى عذاب النار يقال فرط وافرط أي تقدم والفراط السراف في التقدم كما ان التفريط التقصير فيه والفرط بفتحتين هو الذى يسبق السيارة لتهيئة المسكن والماء ويقال افرطه أي قدمه .ولما كان قولهم كذبا وافتراء ان لله ما يكرهون ولهم الحسنى في معنى دعوى انهم سبقوا ربهم إلى الحسنى وتركوا له ما يكرهون اوعدهم بحقيقة هذا الزعم جزاء لكذبهم وهو ان لهم النار وانهم مقدمون إليها حقا وذلك قوله ل جرم إن لهم النار الخ .قوله تعالى " : تالله لقد ارسلنا إلى امم من قبلك فزين لهم الشيطان اعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب اليم " ظاهر السياق ان المراد باليوم يوم نزول الية والمراد بكون الشيطان وليا لهم يومئذ اتفاقهم على الضلل في زمان الوحى والمراد بالعذاب الموعود عذاب يوم القيامة كما هو ظاهر غالب اليات التى توعد بالعذاب .والمعنى تالله لقد ارسلنا رسلنا إلى امم من قبلك كاليهود والنصارى والمجوس ممن لم ينقرضوا كعاد وثمود فزين لهم الشيطان اعمالهم فاتبعوه واعرضوا عن رسلنا فهو وليهم اليوم وهم متفقون على الضلل ولهم يوم القيامة عذاب اليم .وجوز الزمخشري على هذا الوجه ان يكون ضمير وليهم لقريش والمعنى إن الشيطان زين للمم الماضين اعمالهم وهو اليوم ولى قريش ويبعده لزوم اختلف الضمائر .ويمكن ان يكون المراد بالمم المم الماضين والهالكين فولية الشيطان لهم اليوم كونهم من اولياء الشيطان في البرزخ ولهم هناك عذاب اليم وقيل المراد باليوم مدة الدنيا فهى يوم الولية والعذاب يوم القيامة .وقيل المراد به يوم القيامة فهناك ولية الشيطان لهم ولهم هناك عذاب اليم .وقيل المراد يوم تزيين الشيطان اعمالهم وهو من قبيل حكاية الحال الماضية .واقرب الوجوه اولها ثم التالى فالتالي والله اعلم / .صفحة / 284قوله تعالى " :وما انزلنا عليك الكتاب ال لتبين لهم الذى اختلفوا فيه " الخ ضمير لهم للمشركين والمراد بالذى اختلفوا فيه هو الحق من اعتقاد وعمل فيكون المراد بالتبين اليضاح والكشف لتمام الحجة والدليل على هذا الذى ذكرنا تفريق امر المؤمنين منهم وافرادهم بالذكر في قوله " :وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " .والمعنى هذا حال الناس في الختلف في المعارف الحقة والحكام اللهية وما انزلنا عليك الكتاب ال لتكشف لهؤلء المختلفين الحق الذى اختلف فيه فيتم لهم الحجة وليكون هدى ورحمة لقوم يؤمنون يهديهم الله به إلى الحق ويرحمهم باليمان به والعمل ) .بحث روائي ( ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 284 في الكافي باسناده عن عبد الرحمان بن كثير قال :قلت لبي عبد الله عليه السلم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون قال الذكر محمد ونحن اهله المسؤولون الحديث .اقول يشير عليه السلم إلى قوله تعالى " :قد انزل الله عليكم ذكرا رسول " الطلق 11 :وفي معناه روايات كثيرة .وفي تفسير البرهان عن البرقى باسناده عن عبد الكريم بن ابى الديلم عن ابى عبد الله عليه السلم :قال جل ذكره فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون قال الكتاب الذكر واهله آل محمد عليهم السلم امر الله عز وجل بسؤالهم ولم يأمر بسؤال الجهال وسمى الله عز وجل القرآن ذكرا فقال تبارك وتعالى " :وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " وقال تعالى " :وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " .اقول وهذا احتجاج على كونهم اهل الذكر بأن الذكر هو القرآن وانهم اهله لكونهم قوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واليتان في آخر الكلم للستشهاد على ذلك كما صرح بذلك في غيره من الروايات وفي معنى الحديث احاديث أخر .وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلم قال : قلت له ان من عندنا يزعمون ان قول الله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون انهم اليهود والنصارى فقال إذا يدعونكم إلى دينهم قال ثم قال بيده إلى صدره نحن أهل الذكر /صفحة / 285الذكر ونحن المسؤولون قال قال أبو جعفر عليه السلم الذكر القرآن .اقول وروى نظير هذا البيان عن الرضا عليه السلم في مجلس المأمون .وقد مر ان الخطاب في الية على ما يفيده السياق للمشركين من الوثنيين المحيلين للرسالة امروا أن يسألوا اهل الذكر وهم اهل الكتب السماوية هل بعث الله للرسالة رجال من البشر يوحى إليهم ؟ ومن المعلوم ان المشركين لما كانوا ل يقبلون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن معنى لرجاعهم إلى غيره من اهل القرآن لنهم لم يكونوا يقرون للقرآن انه ذكر من الله فتعين ان يكون المسؤل عنه بالنظر إلى مورد الية هم اهل الكتاب وخاصة اليهود .واما إذا اخذ قوله فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون في نفسه مع قطع النظر عن المورد ومن شأن القرآن ذلك ومن المعلوم ان المورد ل يخصص بنفسه كان القول عاما من حيث السائل والمسئول والمسؤول عنه ظاهرا فالسائل كل من يمكن ان يجهل شيئا من المعارف حقيقية والمسائل من المكلفين والمسئول عنه جميع المعارف والمسائل التى يمكن ان يجهله جاهل واما المسئول فانه وان كان بحسب المفهوم عاما فهو بحسب المصداق خاص وهم اهل بيت النبي عليه وعليهم السلم .وذلك ان المراد بالذكر ان كان هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في آية الطلق فهم اهل الذكر وان كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبى صلى الله عليه وآله وسلم ولقومه وهم قومه أو المتيقن من قومه فهم اهله وخاصته وهم المسئولون وقد قارنهم صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن وأمر الناس بالتمسك بهما في حديث الثقلين المتواتر قائل :انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الحديث ومن الدليل على ان كلمهم عليهم السلم من الجهة التى ذكرناها عدم تعرضهم لشئ من خصوصيات مورد الية .ومما قدمناه يظهر فساد ما اورده بعضهم على الحاديث ان المشركين الذين امروا بالسؤال ما كانوا يقبلون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يقبلون من اهل بيته ؟ وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :ل ينبغى للعالم ان يسكت على علمه ول ينبغى للجاهل ان يسكت على جهله وقد قال الله / صفحة / 286فاسألوا اهل الذكر ان كنتم ل تعلمون فينبغي للمؤمن ان يعرف عمله على هدى أم على خلفه وفي تفسير القمى في قوله تعالى " :أفأمن الذين مكروا السيئات إلى قوله بمعجزين قال قال عليه السلم إذا جاؤا وذهبوا في التجارات فيأخذهم في تلك الحالة أو يأخذهم على تخوف قال قال على تيقظ وفي تفسير العياشي عن سماعة عن ابى عبد الله عليه السلم قال :سألت عن قول الله وله الدين واصبا قال واجبا وفي المعاني باسناده عن حنان بن سدير عن الصادق عليه السلم في حديث قال عليه السلم ولله المثل العلى الذى ل يشبهه شئ ول يوصف ول يتوهم وفي الدر المنثور :في قوله ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم الية اخرج ابن مردويه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو ان الله يؤاخذنى وعيسى بن مريم بذنوبنا وفي لفظ بما جنت هاتان البهام والتى تليها لعذبنا مايظلمنا شيئا .اقول والحديث مخالف لما يثبته الكتاب والسنة من عصمة النبياء عليهم السلم ول وجه لحمله على ارادة ترك الولى من الذنوب إذ ل عذاب عليه * * * والله انزل من السماء ماء فأحيا به الرض بعد موتها ان في ذلك لية لقوم يسمعون 65 -وان لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين 66 - ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 286 ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ان في ذلك لية لقوم يعقلون 67 - وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون 68 -ثم كلى /صفحة / 287من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذلك ذلل يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لية لقوم يتفكرون 69 -والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى ارذل العمر لكى ل يعلم بعد علم شيئا ان الله عليم قدير 70 - والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ما ملكت ايمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون 71 -والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون 72 - ويعبدون من دون الله ما ل يملك لهم رزقا من السموات والرض شيئا ول يستطيعون 73 -فل تضربوا لله المثال ان الله يعلم وانتم ل تعلمون - 74ضرب الله مثل عبدا مملوكا ل يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستون الحمد لله بل اكثرهم ل يعلمون 75 -وضرب الله مثل رجلين احدهما أبكم ل يقدر على شئ وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم 76 -ولله غيب السموات والرض وما امر الساعة إل كلمح البصر أو هو اقرب ان الله على كل شئ قدير / 77 -صفحة ) / 288بيان ( رجوع بعد رجوع إلى عد النعم واللء اللهية واستنتاج التوحيد والبعث منها والشارة إلى مسألة التشريع وهى النبوة .قوله تعالى " :والله انزل من السماء ماء فأحيا به الرض بعد موتها " الخ يريد انبات الرض بعدما انقطعت عنه بحلول الشتاء بماء السماء الذين هو المطر فتأخذ اصول النباتات وبذورها في النمو بعد سكونها وهى حياة من سنخ الحياة الحيوانية وإن كانت اضعف منها وقد اتضح بالبحاث الحديث ان للنبات من جراثيم الحياة ما للحيوان وان اختلفتا صورة وأثرا .وقوله ان في ذلك لية لقوم يسمعون المراد بالسمع قبول ما من شأنه أن يقبل من القول فان العاقل الطالب للحق إذا سمع ما يتوقع فيه الحق اصغي واستمع إليه ليعيه ويحفظه قال تعالى " :الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا اللباب " الزمر . 18 : فإذا ذكر من فيه قريحة قبول الحق حديث انزال الله المطر واحيائه الرض بعد موتها كان له في ذلك آية للبعث وان الذى احياها لمحيى الموتى . قوله تعالى " :وان لكم في النعام لعبرة الخ الفرث هو الثفل الذى ينزل إلى الكرش والمعاء فإذا دفع فهو سرجين وليس فرثا والسائغ اسم فاعل من السوغ يقال ساغ الطعام والشراب إذا جرى في الحلق بسهولة .وقوله وان لكم في النعام لعبرة أي لكم في البل والبقر والغنم لمرا أمكنكم أن تعتبروا به وتتعظوا ثم بين ذلك المر بقوله نسقيكم مما في بطونه الخ أي بطون ما ذكر من النعام اخذ الكثير شيئا واحدا .وقوله من بين فرث ودم الفرث في الكرش والبان النعام مكانها مؤخر البطن بين الرجلين والدم مجراه الشرايين والوردة وهى محيطة بهما جميعا فأخذ اللبن شيئا هو بين الفرث والدم كأنه باعتبار مجاورته لكل منهما واجتماع الجميع في داخل الحيوان وهذا كما يقال اخترت زيدا من بين القوم ودعوته واخرجته من بينهم إذا /صفحة / 289 اجتمع معهم في مكان واحد وجاورهم فيه وان كان جالسا في حاشية القوم ل وسطهم والمراد بذلك انى ميزته من بينهم وقد كان غير متميز . والمعنى نسقيكم مما في بطونه لبنا خارجا من بين فرث ودم خالصا غير مختلط ول مشوب بهما ول مستصحب لشئ من طعمهما ورائحتهما سائغا للشاربين فذلك عبرة لمن اعتبر وذريعة إلى العلم بكمال القدرة ونفوذ الرادة وان الذى خلص اللبن من بين فرث ودم لقادر على ان يبعث النسان ويحييه بعدما صار عظاما رميما وضلت في الرض اجزاؤه .قوله تعالى " :ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا " إلى آخر الية قال في المفردات السكر بضم السين حالة تعرض بين المرء وعقله إلى ان قال والسكر بفتحتين ما يكون منه السكر قال تعالى " : تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا انتهى .وقال في المجمع السكر في اللغة على اربعة اوجه الول ما اسكر من الشراب والثانى ما طعم من الطعام قال الشاعر جعلت عيب الكرمين سكرا أي جعلت ذمهم طعما لك والثالث السكون ومنه ليلة ساكرة أي ساكنة قال الشاعر وليست بطلق ول ساكرة ويقال سكرت الريح سكنت قال وجعلت عين الحرور تسكر والرابع المصدر من قولك سكر سكرا ومنه التسكير التحيير في قوله سكرت ابصارنا انتهى والظاهر ان الصل في معناه هو زوال العقل باستعمال ما يوجب ذلك وسائر ما ذكره من المعاني مأخوذة منه بنوع من الستعارة والتوسع .وقوله ومن ثمرات النخيل والعناب اما جملة اسمية معطوفة على قوله ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 289 والله انزل من السماء ماء كقوله في الية السابقة وان لكم في النعام لعبرة والتقدير ومن ثمرات النخيل والعناب ما أو ) ( 1شئ تتخذون منه الخ قالوا * ) هامش ( * ) ( 1الترديد مبنى على المذهبين في حذف الموصول كما سيأتي . ) * ( /صفحة / 290والعرب ربما يضمرما الموصولة كثيرا ومنه قوله تعالى " :وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " الدهر 20 :والتقدير رأيت ما ثم أو التقدير ومن ثمرات النخيل والعناب شئ تتخذون منه بناء على عدم جواز حذف الموصول وابقاء الصلة على ما ذهب إليه البصريون من النحاة .واما جملة فعلية معطوفة على قوله انزل من السماء كما في الية التالية واوحى ربك والتقدير خلق لكم أو آتاكم من ثمرات النخيل والعناب وقوله تتخذون منه الخ بدل منه أو استئناف كأن قائل يقول ما ذا نستفيد منه فقيل تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وافراد ضمير منه بتأويل المذكور كقوله مما في بطونه في الية السابقة .وقوله تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا أي تتخذون مما ذكر من ثمرات النخيل والعناب ما هو مسكر كالخمر بأنواعها ورزقا حسنا كالتمر والزبيب والدبس وغير ذلك مما يقتات به .ول دللة في الية على اباحة استعمال السكر ول على تحسين استعماله ان لم تدل على نوع من تقبيحه من جهة مقابلته بالرزق الحسن وانما الية تعد ما ينتفعون به من ثمرات النخيل والعناب وهى مكية تخاطب المشركين وتدعوهم إلى التوحيد .وعلى هذا فالية ل تتضمن حكما تكليفيا حتى تكون منسوخة أو غير منسوخة وبه يظهر فساد القول بكونها منسوخة بآية المائدة كما نسب إلى قتادة .وقد اغرب صاحب روح المعاني إذ قال وتفسير السكر بالخمر هو المروى عن ابن مسعود وابن عمر وابى رزين والحسن ومجاهد والشعبى والنخعي وابن ابى ليلى وابى ثور والكلبي وابن جبير مع خلق آخرين والية نزلت في مكة والخمر إذ ذاك كانت حلل يشربها البر و الفاجر وتحريمها انما كان بالمدينة اتفاقا واختلفوا في انه قبل احد أو بعدها والية المحرمة لها يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه على ما ذهب إليه جمع فما هنا منسوخ بها وروى ذلك غير واحد ممن تقدم كالنخعي وابى ثور وابن جبير .وقيل نزلت قبل ول نسخ بناء على ما روى عن ابن عباس ان السكر هو الخل / صفحة / 291بلغة الحبشة أو على ما نقل عن ابى عبيدة ان السكر المطعوم المتفكه به كالنقل وانشد جعلت اعراض الكرام سكرا إلى ان قال وإلى عدم النسخ ذهب الحنفيون وقالوا المراد بالسكر ما ل يسكر من النبذة واستدلوا عليه بأن الله تعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك ول يقع المتنان ال بمحلل فيكون ذلك دليل على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز انتهى موضع الحاجة .اما ما ذكره في الخمر فقد فصلنا القول في ذلك في ذيل آيات التحريم من سورة المائدة واقمنا الشواهد هناك على ان الخمر كانت محرمة قبل الهجرة وكان السلم معروفا بتحريمها وتحريم الزنا عند المشركين عامتهم وان تحريمها نزل في سورة العراف وقد نزلت قبل سورة النحل قطعا وفي سورتي البقرة والنساء وقد نزلتا قبل سورة المائدة وان التى نزلت في المائدة انما نزلت لتشديد الحرمة وزجر بعض المسلمين حيث كانوا يتخلفون عن حكم التحريم كما وقع في الروايات وهو الذى يشير إليه بقوله يشربها البر والفاجر وفي لفظ اليات دللة على ذلك إذ يقول فهل انتم منتهون .واما ما نقله عن ابن عباس ان السكر في لغة الحبشة بمعنى الخل فل معول عليه واستعمال اللفظ غير العربي وان كان غير عزيز في القرآن كما قيل في استبرق وجهنم وزقوم وغيرها لكنه انما يجوز فيما لم يكن هناك مانع من لبس أو ابهام واما في مثل السكر وهو في اللغة العربية الخمر وفي الحبشية الخل فل وكيف يجوز ان ينسب إلى ابلغ الكلم انه ترك الخل وهو عربي جيد واستعمل مكانه لفظة حبشية تفيد في العربية ضد معناها ؟ واما ما نسبه إلى ابى عبيدة فقد تقدم ما عليه في اول الكلم فراجع .واما ما نسبه إلى الحنفية من ان المراد بالسكر النبيذ وان الية تدل على جواز شرب القليل منه ما لم يصل إلى حد السكار لمكان المتنان ففيه ان الية ل تدل على اكثر من انهم يتخذون منه سكرا واما المتنان عليهم بذلك فبمعزل من دللة الية وانما عد من النعم ثمرات النخيل والعناب ل كل ما عملوا منها من حلل وحرام ولو كان في ذلك امتنان لم يقابله بالرزق الحسن الدال بمقابلته على نوع من العتاب على اتخاذهم منه سكرا كما اعترف به البيضاوى وغيره / .صفحة / 292على ان ما في الية من لفظ السكر غير مقيد بكونه نبيذا أو خمرا ول قليل ل يبلغ حد السكار ول غيره فلو كان اتخاذ السكر متعلقا للمتنان الدال على الجواز لكانت الية صريحة في حلية الجميع ثم لم يقبل النسخ اصل فان لسان المتنان ل يقبل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 292 امدا يرتفع بعده كيف يجوز ان يعد الله شيئا من نعمه ويمتن على الناس به ثم يعده بعد برهة رجسا ومن عمل الشيطان كما في آية المائدة ال بالبداء بمعناه المستحيل عليه تعالى .ثم ختم سبحانه الية بقوله ان في ذلك لية لقوم يعقلون حثا على التعقل والمعان في امر النبات وثمراته . قوله تعالى " :واوحى ربك إلى النحل ان اتخذى من الجبال بيوتا " إلى آخر اليتين الوحى كما قال الراغب الشارة السريعة وذلك يكون بالكلم على سبيل الرمز أو بصوت مجرد عن التركيب أو باشارة ونحوها والمحصل من موارد استعماله انه القاء المعنى بنحو يخفى على غير من قصد افهامه فاللهام بالقاء المعنى في فهم الحيوان من طريق الغريزة من الوحى وكذا ورود المعنى في النفس من طريق الرؤيا أو من طريق الوسوسة أو بالشارة كل ذلك من الوحى وقد استعمل في كلمه تعالى في كل من هذه المعاني كقوله واوحى ربك إلى النحل الية وقوله " : واوحينا إلى أم موسى " القصص 7 :وقوله " :إن الشياطين ليوحون إلى اوليائهم " النعام 121 : وقوله " :فأوحى إليهم ان سبحوا بكرة وعشيا " مريم 11 :ومن الوحى التكليم اللهى لنبيائه ورسله قال تعالى " :وما كان لبشر أن يكلمه الله ال وحيا " الشورى 51 :وقد قرر الدب الدينى في السلم ان ل يطلق الوحى على غير ما عند النبياء والرسل من التكليم اللهى .قال في المجمع والذلل جمع الذلول يقال دابة ذلول بين الذل ورجل ذلول بين الذل والذلة انتهى .وقوله واوحى ربك إلى النحل أي ألهمه من طريق غريزته التى اودعها في بنيته وامر النحل وهو زنبور العسل في حياته الجتماعية وسيرته وصنعته لعجيب ولعل بداعة امره هو الموجب لصرف الخطاب عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال واوحى ربك / .صفحة / 293 وقوله ان اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون هذا من مضمون الوحى الذى اوحى إليه والظاهر ان المراد بما يعرشون هو ما يبنون لبيوت العسل .وقوله ثم كلى من كل الثمرات المر بان تأكل من كل الثمرات مع انها تنزل غالبا على الزهار انما هو لنها انما تأكل من مواد الثمرات اول ما تتكون في بطون الزهار ولما تكبر وتنضج .وقوله فاسلكي سبل ربك ذلل تفريعه على المر بالكل يؤيد ان المراد به رجوعها إلى بيوتها لتودع فيها ما هيأته من العسل المأخوذ من الثمرات واضافة السبل إلى الرب للدللة على إن الجميع بالهام الهى .وقوله يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه الخ استئناف بعد ذكر جملة ما امرت به يبين فيه ما يترتب على مجاهدتها في امتثال امر الله سبحانه ذلل وهو انه يخرج من بطونها أي بطون النحل شراب وهو العسل مختلف الوانه بالبياض والصفرة والحمرة الناصعة وما يميل إلى السواد فيه شفاء للناس من غالب المراض .وتفصيل القول في حياة النحلة هذه الحشرة الفطنة التى بنت حياتها على مدنية عجيبة فاضلة ل تكاد تحصى غرائبها ول يحاط بدقائقها ثم الذى تهيؤه ببالغ مجاهدتها وما يشتمل عليه من الخواص خارج عن وسع هذا الكتاب فليراجع في ذلك مظان تحقيقه .ثم ختم الية بقوله ان في ذلك لية لقوم يتفكرون وقد اختلف التعبير بذلك في هذه اليات فخص الية في احياء الرض بعد موتها بقوم يسمعون وفي ثمرات النخيل والعناب بقوم يعقلون وفي امر النحل بقوم يتفكرون .ولعل الوجه في ذلك ان النظر في امر الموت والحياة بحسب طبعه من العبرة والموعظة وهى بالسمع انسب والنظر في الثمرات من حيث ما ينفع النسان في وجوده من السير البرهانى من مسلك اتصال التدبير وارتباط النظمة الجزئية ورجوعها إلى نظام عام واحد ل يقوم ال بمدبر واحد وهو للعقل انسب وامر النحل في حياتها يتضمن دقائق عجيبة ل تنكشف للنسان ال بالمعان في التفكر فهو آية للمتفكرين .وقد اشرنا سابقا إلى ما في آيات السورة من مختلف اللتفاتات وعمدتها في هذه اليات ترجع إلى خطاب المشركين رحمة لهم واشفاقا بحالهم وهم ل يعلمون والعراض / صفحة / 294عن مخاطبتهم لكفرهم وجحودهم إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ظاهر مشهود في آيات السورة فل يزال الخطاب فيها يتقلب بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين فيتحول منه إليهم ومنهم إليه . قوله تعالى " :والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى ارذل العمر لكى ل يعلم بعد علم شيئا " الخ الرذل اسم تفضيل من الرذالة وهى الرداءة والرذل الدون والردئ والمراد بأرذل العمر بقرينة قوله لكى ل يعلم الخ سن الشيخوخة والهرم التى فيها انحطاط قوى الشعور والدراك وهى تختلف باختلف المزجة وتبتدئ على الغلب من الخمس و السبعين .والمعنى والله خلقكم معشر الناس ثم يتوفاكم في عمر متوسط ومنكم من يرد إلى سن الهرم فينتهى إلى ان ل يعلم بعد علم شيئا لضعف القوى وهذا آية ان حياتكم وموتكم وكذا شعوركم وعلمكم ليست بأيديكم وإل اخترتم البقاء على الوفاة والعلم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 294 على عدمه بل ذلك على ما له من عجيب النظام منته إلى علمه وقدرته تعالى ولهذا علله بقوله ان الله عليم قدير .قوله تعالى " :والله فضل بعضكم على بعض في الرزق " إلى آخر الية فضل بعض الناس على بعض في الرزق وهو ما تبقى به الحياة ربما كان من جهة الكمية كالغنى المفضل بالمال الكثير على الفقير وربما كان من جهة الكيفية كأن يستقل بالتصرف فيه بعضهم ويتولى امر الخرين مثل ما يستقل المولى الحر بملك ما في يده والتصرف فيه بخلف عبده الذى ليس له ان يتصرف في شئ ال باذنه وكذا الولد الصغار بالنسبة إلى وليهم و النعام والمواشى بالنسبة إلى مالكها وقوله " :فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ما ملكت ايمانهم " قرينة على ان المراد هو القسم الثاني من التفضيل وهو ان بعضهم فضل بالحرية والستقلل بملك ما رزق وليس يختار ان يرد ما رزق باستقلله وحريته إلى من يملكه ويملك رزقه ول ان يبذل له ما اوتيه من نعمة حتى يتساويا ويتشاركا فيبطل ملكه ويذهب سودده .فهذه نعمة ليسوا بمغمضين عنها ول برادين لها على غيرهم وليست إل من الله سبحانه فان امر المولوية والرقية وان كان من الشئون الجتماعية التى ظهرت عن آراء /صفحة / 295 الناس والسنن الجتماعية الجارية في مجتمعاتهم لكن له اصول طبيعية تكوينية هي التى بعثت آرائهم على اعتباره كسائر المور الجتماعية العامة .ومن الشاهد على ذلك ان المم الراقية منذ عهد طويل اعلنوا بالغاء سنة السترقاق ثم اتبعتهم سائر المم من الشرقيين وغيرهم وهم ل يزالون يحترمون معناها إلى هذه الغاية وان ألغوا صورتها ويجرون مسماها وان هجروا اسمها ) ( 1 ولن يزالوا كذلك فليس في وسع النسان أن يسد باب المغالبة وقد قدمنا كلما في هذا المعنى في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب فليراجعه من شاء .وكون هذا المعنى نعمة من الله انما هو لن من صلح المجتمع النساني ان يتسلط بعضهم على بعض فيصلح القوى الضعيف بصالح التدبير ويكمله .وعلى هذا فقوله فهم فيه سواء متفرع على المنفى في قوله فما الذين فضلوا برادى رزقهم دون النفى والمعنى ليسوا برادى رزقهم على عبيدهم فيكونوا متساوين فيه متشاركين وفي ذلك ذهاب مولويتهم ويحتمل ان يكون جملة استفهامية حذفت منها اداة الستفهام وفيها انكار ان يكون المفضلون والمفضل عليهم في ذلك متساويين ولو كانوا سواء لم يمتنع المفضل من ان يرد رزقه على من فضل عليه فان في ذلك دللة على انها نعمة خصه الله بها .ولذلك عقبه ثانيا بقوله أفبنعمة الله يجحدون وهو استفهام توبيخي كالمتفرع لما تقدمه من الستفهام النكارى والمراد بنعمة الله هذا التفضيل المذكور بعينه .والمعنى والله اعلم والله فرق بينكم بأن فضل بعضكم على بعض في الرزق فبعضكم حر مستقل في التصرف فيه وبعضكم عبد تبع له ل يتصرف ال عن اذن فليس الذين فضلوا برادى رزقهم الذى رزقوه على سبيل الحرية والستقلل على ما ملكت ايمانهم حتى يكون هؤلء المفضلون والمفضل عليهم في الرزق سواء فليسوا سواء بل هي نعمة تختص بالمفضلين أفبنعمة الله يجحدون ؟ هذا ما يفيده ظاهر الية بما احتفت به من القرائن والسياق سياق تعداد النعم * ) هامش ( * ) ( 1وإنما نقلوا حكم السترقاق مما بين الفرد والفرد إلى ما بين المجتمع والمجتمع وسموه بغير اسمه / ( * ) .صفحة / 296وربما قرر معنى الية على وجه آخر فقيل المعنى أنهم ل يشركون عبيدهم في أموالهم وأزواجهم حتى يكونوا في ذلك سواء ويرون ذلك نقصا لنفسهم فكيف يشركون عبيدى في ملكى وسلطاني ويعبدونهم ويتقربون إليهم كما يعبدونني ويتقربون إلى كما فعلوا في عيسى بن مريم عليه السلم ؟ قالوا والية على شاكلة قوله تعالى " : ضرب لكم مثل من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء " الروم 28 :قالوا والية نزلت في نصارى نجران .وفيه أن سياق الية هو سياق تعداد النعم لستنتاج التوحيد ل المناقضة والتوبيخ فل أثر فيها منه .على أن الية مما نزلت بمكة واين ذاك من وفود نصارى نجران على المدينة سنة ست من الهجرة أو بعدها ؟ وقياس هذه الية من آية سورة الروم مع الفارق لختلف السياقين فسياق هذه الية سياق الحتجاج بذكر النعمة وسياق آية الروم هو سياق التوبيخ على الشرك .وقيل ان المعنى فهؤلء الذين فضلهم الله في الرزق من الحرار ل يرزقون مماليكهم وعبيدهم بل الله تعالى هو رازق الملك والمماليك فإن الذى ينفقه المولى على مملوكه إنما ينفقه مما رزقهم الله فالله رازقهم جميعا فهم فيه سواء .ومحصله ان قوله فهم فيه سواء حال محل اضراب مقدر والتقدير ان الموالى ليسوا برادى رزق انفسهم على عبيدهم فيما ينفقون عليهم بل الله يرزق العبيد بأيدى مواليهم وهم سواء في الرزق من الله . وفيه ان ما قرر من المعنى مقتضاه ان يبطل التسوية اخيرا حكم التفضيل أول ول يستقيم عليه مدلول قوله أفبنعمة الله يجحدون . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 296 وقيل المراد أن الموالى ليسوا برادى ما بأيديهم من الرزق على مواليهم حتى يستووا في التمتع منه .وفيه أنه يعود حينئذ إلى أن النسان يمنع غيره من أن يتسلط على ما ملكه من /صفحة / 297الرزق وحينئذ يكون تخصيصذلك بالعبيد مستدركا زائدا ولو وجه بأنه انما ل يرده عليه لمكان تسلطه على عبيده رجع إلى ما قدمناه من المعنى ولكانت النعمة المعدودة هي الفضل من جهة مالكية المولى لعبده ولما عنده من الرزق . قوله تعالى " :والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة " إلى آخر الية قال في المفردات قال الله تعالى 2 " : وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة " جمع حافد وهو المتحرك المسرع بالخدمة اقارب كانوا أو اجانب قال المفسرون هم السباط ونحوهم وذلك ان خدمتهم اصدق إلى ان قال قال الصمعي اصل الحفد مداركة الخطو انتهى .وفي المجمع واصل الحفد السراع في العمل إلى ان قال ومنه قيل للعوان حفدة لسراعهم في الطاعة انتهى والمراد بالحفدة في الية العوان الخدم من البنين لمكان قوله وجعل لكم من ازواجكم ولذا فسر بعضهم قوله بنين وحفدة بصغار الولد وكبارهم وبعضهم بالبنين والسباط وهم بنو البنين .والمعنى والله جعل لكم من انفسكم ازواجا تألفونها وتأنسون بها وجعل لكم من ازواجكم باليلد بنين وحفدة واعوانا تستعينون بخدمتهم على حوائجكم وتدفعون بهم عن انفسكم المكاره ورزقكم من الطيبات وهى ما تستطيبونه من امتعة الحياة وتنالونه بل علج وعمل كالماء والثمرات أو بعلج وعمل كالطعمة والملبس ونحوها ومن في من الطيبات للتبعيض وهو ظاهر .ثم وبخهم بقوله أفبالباطل وهى الصنام والوثان ومن ذلك القول بالبنات لله والحكام التى يشرعها لهم ائمتهم ائمة الضلل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون والنعمة هي جعل الزواج من انفسهم وجعل البنين والحفدة من ازواجهم فان ذلك من اعظم النعم واجلها لكونه اساسا تكوينيا يبتنى عليه المجتمع البشرى ويظهر به فيهم حكم التعاون والتعاضد بين الفراد وينتظم به لهم امر تشريك العمال والمساعي فيتيسر لهم الظفر بسعادتهم في الدنيا والخرة .ولو ان النسان قطع هذا الرابط التكويني الذى انعم الله به عليه وهجر هذا السبب الجميل وان توسل بأى وسيلة غيره لتلشي جمعه وتشتت شمله وفي ذلك /صفحة / 298هلك النسانية قوله تعالى " : ويعبدون من دون الله ما ل يملك لهم رزقا في السماوات والرض شيئا ول يستطيعون " عطف على موضع الجملة السابقة والمعنى يكفرون بنعمة الله ويعبدون من دون الله ما ل يملك الخ . وقد ذكروا ان رزقا مصدر وشيئا مفعوله والمعنى ل يملك لهم أن يرزق شيئا وقيل الرزق بمعنى المرزوق وشيئا بدل منه وقيل ان شيئا مفعول مطلق والتقدير ل يملك شيئا من الملك وخير الوجوه اوسطها .ويمكن ان يقال في السماوات والرض شيئا بدل من رزقا وهو من بدل الكل من البعض يفيد معنى الضراب والترقى والمعنى ويعبدون ما ل يملك لهم رزقا بل ل يملك لهم في السماوات والرض شيئا .وقوله ول يستطيعون أي ول يستطيعون ان يملكوا رزقا وشيئا ويمكن أن يكون منسى المتعلق جاريا مجرى اللزم أي ول استطاعة لهم اصل .وقد اجتمع في الية رعاية العتبارين في الصنام فانها من جهة انها معمولة من حجر أو خشب أو ذهب أو فضة غير عاقلة وبهذا العتبار قيل ما ل يملك الخ ومن جهة انهم يعدونها آلهة دون الله ويعبدونها والعبادة ل تكون ال لعاقل منسلكة على زعمهم في سلك العقلء وبهذا العتبار قيل ول يستطيعون .وفي الية رجوع إلى التخلص لبيان الغرض من تعداد النعم وهو التوحيد واثبات النبوة بمعنى التشريع والمعاد يجرى ذلك إلى تمام اربع آيات ينهى في اولها عن ضربهم المثال لله سبحانه ويضرب في الثانية مثل تبين به وحدانيته تعالى في ربوبيته وفي الثالثة مثل يتبين به امر النبوة والتشريع ويتعرض في الرابعة لمر المعاد .قوله تعالى " :فل تضربوا لله المثال ان الله يعلم وانتم ل تعلمون " الظاهر السابق إلى الذهن ان المراد بضرب المثال التوصيف المصطلح عليه بالستعارة التمثيلية وهى اجراء الوصاف عليه تعالى بضرب من التشبيه كقولهم ان له بنات كالنسان وان الملئكة بناته وان بينه وبين الجنة نسبا وصهرا وانه كيف يحيى العظام وهى /صفحة / 299رميم إلى غير ذلك وهذا هو المعنى المعهود من هذه الكلمة في كلمه تعالى وقد تقدم في خلل اليات السابقة قوله للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ولله المثل العلى .فالمعنى إذا كان المر على ما ذكر فل تصفوه سبحانه بما تشبهونه بغيره وتقيسونه إلى خلقه لن الله يعلم وانتم ل تعلمون حقائق المور وكنهه تعالى .وقيل المراد بالضرب الجعل وبالمثال ما هو جمع المثل بمعنى الند فقوله " :فل تضربوا لله المثال " في معنى قوله في موضع آخر فل تجعلوا لله اندادا " البقرة 22 : وهو معنى بعيد . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 299 قوله تعالى " :ضرب الله مثل عبدا مملوكا ل يقدر على شئ " إلى آخر الية ما في الية من المثل المضروب يفرض عبدا مملوكا ل يقدر على شئ وآخر رزق من الله رزقا حسنا ينفق منه سرا وجهرا ثم يسأل هل يستويان ؟ واعتبار التقابل بين المفروضين يعطى ان كل من الطرفين مقيد بخلف ما في الخر من الوصف مع تبيين الوصاف بعضها لبعض .فالعبد المفروض مملوك غير مالك ل لنفسه ول لشئ من متاع الحياة وهو غير قادر على التصرف في شئ من المال والذى فرض قباله حر يملك نفسه وقد رزقه الله رزقا حسنا وهو ينفق منه سرا وجهرا على قدرة منه على التصرف بجميع اقسامه .وقوله هل يستوون سؤال عن تساويهما ومن البديهى ان الجواب هو نفى التساوى ويثبت به ان الله سبحانه وهو المالك لكل شئ المنعم بجميع النعم ل يساوى شيئا من خلقه وهم ل يملكون ل انفسهم ول غيرهم ول يقدرون على شئ من التصرف فمن الباطل قولهم ان مع الله آلهة غيره وهم من خلقه .والتعبير بقوله يستوون دون أن يقال يستويان للدللة على ان المراد من ذلك الجنس من غير أن يختص بمولى وعبد معينين كما قيل . وقوله الحمد لله أي له عز اسمه جنس الحمد وحقيقته وهو الثناء على الجميل الختياري لن جميل النعمة من عنده ول يحمد ال الجميل فله تعالى كل الحمد كما ان له جنسه فافهم ذلك / . صفحة / 300والجملة من تمام الحجة ومحصلها انه ل يستوى المملوك الذى ل يقدر أن يتصرف في شئ وينعم بشئ والمالك الذى يملك الرزق ويقدر على التصرف فيه فيتصرف وينعم كيف شاء والله سبحانه هو المحمود بكل حمد إذ ما من نعمة إل وهى من خلقه فله كل صفة يحمد عليها كالخلق والرزق والرحمة والمغفرة والحسان والنعام وغيرها فله كل ثناء جميل وما يعبدون من دونه مملوك ل يقدر على شئ فهو سبحانه الرب وحده دون غيره .وقد قيل ان الحمد في الية شكر على نعمه تعالى وقيل حمد على تمام الحجة وقوتها وقيل تلقين للعباد ومعناه قولوا الحمد لله الذى دلنا على توحيده وهدانا إلى شكر نعمه وهى وجوه ل يعبأ بها .وقوله بل اكثرهم ل يعلمون أي اكثر المشركين ل يعلمون ان النعمة كلها لله ل يملك غيره شيئا ول يقدر على شئ بل يثبتون لوليائهم شيئا من الملك والقدرة على سبيل التفويض فيعبدونهم طمعا وخوفا هذا حال اكثرهم واما اقلهم من الخواص فانهم على علم من الحق لكنهم يحيدون عنه بغيا وعنادا .وقد تبين مما تقدم ان الية مثل مضروب في الله سبحانه وفيمن يزعمونه شريكا له في الربوبية وقيل انها مثل تمثل به حال الكافر المخذول والمؤمن الموفق فإن الكافر لحباط عمله وعدم العتداد باعماله كالعبد المملوك الذى ل يقدر على شئ فل يعد له احسان وان انفق وبالغ بخلف المؤمن الذى يوفقه الله لمرضاته ويشكر مساعيه فهو ينفق مما عنده من الخير سرا وجهرا .وفيه انه ل يلئم سياق الحتجاج الذى لليات وقد تقدم ان الية احدى اليات الثلث المتوالية التى تتعرض لغرض تعداد النعم اللهية وهى تذكر بالتوحيد بمثل يقيس حال من ينعم بجميع النعم من حال من ل يملك شيئا ول يقدر على شئ فيستنتج ان الرب هو المنعم ل غير .قوله تعالى " :وضرب الله مثل رجلين احدهما أبكم " إلى آخر الية قال في المجمع البكم الذى يولد اخرس ل يفهم ول يفهم وقيل البكم الذى ل يقدر أن يتكلم والكل الثقل يقال كل عن المر يكل كل إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه / .صفحة / 301وكلت السكين كلول إذا غلظت شفرتها وكل لسانه إذا لم ينبعث في القول لغلظه وذهاب حده فالصل فيه الغلظ المانع من النفوذ والتوجيه الرسال في وجه من الطريق يقال وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه انتهى .فقوله وضرب الله مثل رجلين مقايسة اخرى بين رجلين مفروضين متقابلين في اوصافهما المذكورة .وقوله احدهما ابكم ل يقدر على شئ أي محروم من ان يفهم الكلم ويفهم غيره بالكلم لكونه ابكم ل يسمع ول ينطق فهو فاقد لجميع الفعليات والمزايا التى يكتسبها النسان من طريق السمع الذى هو اوسع الحواس نطاقا به يتمكن النسان من العلم باخبار من مضى وما غاب عن البصر من الحوادث وما في ضمائر الناس ويعلم العلوم والصناعات وبه يتمكن من القاء ما يدركه من المعاني الجليلة والدقيقة إلى غيره ول يقوى البكم على درك شئ منها إل النزر اليسير مما يساعد عليه البصر بإعانة من الشارة .فقوله ل يقدر على شئ مخصص عمومه بالبكم أي ل يقدر على شئ مما يقدر عليه غير البكم وهو جملة ما يحرمه البكم من تلقى المعلومات والقائها .وقوله وهو كل على موله أي ثقل وعيال على من يلى ويدبر امره فهو ل يستطيع ان يدبر امر نفسه وقوله اينما يوجهه ل يأت بخير أي إلى أي جهة ارسله موله لحاجة من حوائج نفسه أو حوائج موله لم يقدر على رفعها فهو ل يستطيع ان ينفع غيره كما ل ينفع نفسه فهذا اعني قوله احدهما ابكم ل يقدر على شئ الخ مثل احد الرجلين ولم يذكر سبحانه مثل الخر لحصول العلم به من قوله هل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 301 يستوى هو ومن يامر بالعدل الخ وفيه ايجاز لطيف .وقوله هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم فيه اشارة إلى وصف الرجل المفروض وسؤال عن استوائهما إذا قويس بينهما وعدمه .اما الوصف فقد ذكر له منه آخر ما يمكن ان يتلبس به غير البكم من الخير والكمال الذى يحلى نفسه ويعدو إلى غيره وهو العدل الذى هو التزام الحد الوسط في العمال واجتناب الفراط والتفريط فان المر بالعدل إذا جرى على حقيقته كان لزمه /صفحة / 302أن يتمكن الصلح من نفس النسان ثم ينبسط على اعماله فيلتزم العتدال في المور ثم يحب انبساطه على اعمال غيره من الناس فيأمرهم بالعدل وهو كما عرفت مطلق التجنب عن الفراط والتفريط أي العمل الصالح اعم من العدل في الرعية .ثم وصفه بقوله وهو على صراط مستقيم وهو السبيل الواضح الذى يهدى سالكيه إلى غايتهم من غير عوج والنسان الذى هو في مسير حياته على صراط مستقيم يجرى في اعماله على الفطرة النسانية من غير ان يناقض بعض اعماله بعضا أو يتخلف عن شئ مما يراه حقا وبالجملة ل تخلف ول اختلف في اعماله .وتوصيف هذا الرجل المفروض الذى يامر بالعدل بكونه على صراط مستقيم يفيد اول ان امره بالعدل ليس من امر الناس بالبر ونسيان نفسه بل هو مستقيم في احواله واعماله يأتي بالعدل كما يأمر به .وثانيا ان امره بالعدل ليس ببدع منه من غير اصل فيه يبتنى عليه بل هو في نفسه على مستقيم الصراط ولزمه ان يحب لغيره ذلك فيأمرهم ان يلتزموا وسط الطريق ويجتنبوا حاشيتي الفراط والتفريط .واما السؤال اعني ما في قوله هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل الخ فهو سؤال ل جواب له ال النفى ل شك فيه وبه يثبت ان ما يعبدونه من دون الله من الصنام والوثان وهو مسلوب القدرة ل يستطيع أن يهتدى من نفسه ول ان يهدى غيره ل يساوى الله تعالى وهو على صراط مستقيم في نفسه هاد لغيره بارسال الرسل وتشريع الشرائع .ومنه يظهر ان هذا المثل المضروب في الية في معنى قوله تعالى : " أفمن يهدى إلى الحق أحق ان يتبع أم من ل يهدى إل أن يهدى فمالكم كيف تحكمون " يونس : 35فالله سبحانه على صراط مستقيم في صفاته وافعاله ومن استقامة صراطه ان يجعل لما خلقه من الشياء غايات تتوجه إليها فل يكون الخلق باطل كما قال وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما باطل وان يهدى كل إلى غايته التى تخصه كما خلقها وجعل لها غاية كما قال " :الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه 50 :فيهدى النسان إلى سبيل قاصد كما قال " :وعلى الله قصد السبيل " النحل 9 :وقال /صفحة " / 303إنا هديناه السبيل " الدهر 3 :وهذا اصل الحجة على النبوة والتشريع وقد مر تمامه في ابحاث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب .فقد تحصل ان الغرض من المثل المضروب في الية اقامة حجة على التوحيد مع اشارة إلى النبوة والتشريع .وقيل انه مثل مضروب فيمن يؤمل منه الخير ومن ل يؤمل منه واصل الخير كله من الله تعالى فكيف يستوى بينه وبين شئ سواه في العبادة ؟ وفيه ان المورد اخص من ذلك فهو مثل مضروب فيمن هو على خير في نفسه وهو يأمر بالعدل وهو شأنه تعالى دون غيره على انهم ل يساون بينه وبين غيره في العبادة بل يتركونه ويعبدون غيره .وقيل انه مثل مضروب في المؤمن والكافر فالبكم هو الكافر والذى يأمر بالعدل هو المؤمن وفيه ان صحة انطباق الية على المؤمن والكافر بل على كل من يأمر بالعدل ومن يسكت عنه وجريها فيهما امر ومدلولها من جهة وقوعها في سياق تعداد النعم والحتجاج على التوحيد وما يلحق به من الصول امر آخر والذى تفيده بالنظر إلى هذه الجهة ان مورد المثل هو الله سبحانه وما يعبدون من دونه ل غير .قوله تعالى " :ولله غيب السماوات والرض وما امر الساعة إل كلمح البصر أو هو اقرب ان الله على كل شئ قدير الغيب يقابل الشهادة في اطلقات القرآن الكريم وقد تكرر فيه عالم الغيب والشهادة وقد تقدم مرارا انهما امران اضافيان فالمر الواحد غيب وغائب بالنسبة إلى شئ وشهادة ومشهود بالنسبة إلى آخر .واذ كان من الشياء ما هو ذو وجوه يظهر ببعض منها لغيره ويخفى ببعض اعني انه متضمن غيبا وشهادة كانت اضافة الغيب والشهادة إلى الشئ تارة بمعنى اللم فيكون مثل غيب السماوات والرض ما هو غائب عنهما خارج من حدودهما ويلحق بهذا الباب الضافة لنوع من الختصاص كما في قوله " :فل يظهر على غيبه احدا " الجن 26 : .وتارة بمعنى من أو ما يقرب منه فيكون المراد بغيب السماوات والرض /صفحة / 304الغيب الذى يشتملن عليه نوعا من الشتمال قبال ما يشتملن عليه من الشهادة وبعبارة اخرى ما يغيب عن الفهام من امرهما قبال ما يظهر منهما . والساعة هي من غيب السماوات والرض بهذا المعنى الثاني اما اول فلنه سبحانه يعدها في كلمه من الغيب وليست بخارج من امر السماوات والرض فهو من الغيب بهذا المعنى . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 304 واما ثانيافلن ما يصفها به من الوصاف انما يلئم هذا المعنى الثاني ككونها يوما ينبئهم الله بما كانوا فيه يختلفون ويوم تبلى السرائر ويوما يخاطب فيه النسان بمثل قوله " :لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ويوما يخاطبون ربهم بقولهم ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا " وبالجملة هي يوم يظهر فيه ما استتر من الحقائق في هذه النشأة ظهور عيان ومن المعلوم ان هذه الحقائق غير خارجة من السماوات والرض بل هي معهما ثابتة .كيف ؟ وهو تعالى يقول " :ولله غيب السماوات والرض " فيثبته ملكا لنفسه وليس ملكه من الملك العتباري يتعلق بكل امر موهوم أو جزافي بل ملك حقيقي يتعلق بامر ثابت فلها نوع من الثبوت وان فرض جهلنا بحقيقة ثبوتها .والشواهد القرآنية على هذا الذى ذكرناه كثيرة وقد عد سبحانه حياة هذه النشأة متاع الغرور ولعبا ولهوا وكرر ان اكثر الناس ل يعلمون ما هو يوم القيامة وذكر ان الدار الخرة هي الحيوان وانهم سيعلمون ان الله هو الحق المبين وسيبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون إلى غير ذلك مما يشتمل عليه اليات على اختلف السنتها .وبالجملة الساعة من غيب السماوات والرض والية اعني قوله ولله غيب السماوات والرض تقرر ملكه تعالى لنفس هذا الغيب ل لعلمه فلم يقل ولله علم غيب السماوات والرض وسياق الية يعطى إن الجملة اعني قوله ولله غيب الخ توطئة وتمهيد لقوله ما امر الساعة إل كلمح البصر الخ فالجملة مسوقة للحتجاج .وعلى هذا يعود معنى الية إلى ان الله سبحانه يملك غيب السماوات والرض ملكا له ان يتصرف فيه كيف يشاء كما يملك شهادتهما وكيف ل ؟ وغيب الشئ ل يفارق /صفحة / 305شهادته وهو موجود ثابت معه وله الخلق والمر والساعة الموعودة ليست بأمر محال حتى ل يتعلق بها قدرة بل هي من غيب السماوات والرض وحقيقتها المستورة عن الفهام اليوم فهى مما استقر عليه ملكه تعالى وله ان يتصرف فيه بالخفاء يوما وبالظهار آخر .وليست بصعبة عليه تعالى فانما امرها كلمح البصر أو اقرب من ذلك لن الله على كل شئ قدير .ومن هنا يظهر ان قوله وما امر الساعة إل كلمح البصر أو هو اقرب إن الله على كل شئ قدير مسوق ل لثبات اصل الساعة أو امكانها بل لنفى صعوبتها والمشقة في اقامتها وهوان امرها عنده سبحانه .فقوله وما امر الساعة إل كلمح البصر أو هو اقرب أي بالنسبة إليه وإل فقد استعظم سبحانه امرها بما يهون عنده كل امر خطير ووصفها بأوصاف ل يعادلها فيها غيرها قال تعالى " :ثقلت في السماوات والرض " العراف . 187 :وتشبيه امرها بلمح البصر انما هو من جهة إن اللمحة وهى مد البصر وارساله للرؤية اخف العمال عند النسان واقصرها زمانا فهو تشبيه بحسب فهم السامع ولذلك عقبه بقوله أو هو اقرب فان مثل هذا السياق يفهم منه الضراب فكأنه تعالى يقول ان امرها في خفة المؤنة والهوان والسهولة بالنسبة الينا يشبه لمح احدكم ببصره وانما اشبهه به رعاية لحالكم وتقريبا إلى فهمكم وإل فالمر اقرب من ذلك كما قال فيها " :ويقول كن فيكون " النعام 73 :فأمر الساعة بالنسبة إلى قدرته ومشيته تعالى كامر ايسر الخلق واهونه .وعلل تعالى ذلك بقوله ان الله على كل شئ قدير فقدرته على كل شئ توجب أن تكون الشياء بالنسبة إليه سواء .واياك أن تتوهم ان عموم القدرة ل يستوجب ارتفاع الختلف من بين الشياء من حيث النسبة فقلة السباب المتوسطة بين الفاعل وفعله والشرائط والموانع وكثرتها لهما تأثير في ذلك ل محالة فالنسان مثل قادر على التنفس وحمل ما يطيقه من الثقال /صفحة / 306وليسا سواء بالنسبة إليه وعلى هذا القياس .فان في ذلك غفلة عن معنى عموم القدرة وتوضيحه ان القدرة التى فينا قدرة مقيدة فان قدرة النسان مثل على اكل الغذاء وهى إن له نسبة الفاعلية إليه وهى في تأثيرها مشروطة بتحقق غذاء في الخارج وكونه بين يديه وممكن التناول وعدم ما يمنع من ذلك من انسان أو غيره وكون ادوات الفعل كاليد والفم وغيرهما غير مصابة بآفة إلى غير ذلك والذى يملكه النسان هو الرادة والزائد على ذلك وسائط وشرائط وموانع خارجة عن قدرته بالحقيقة وقيد يقيدها وإذا اراد النسان أن يعمل قدرته فيأكل كان عليه ان يهئ تلك المور التى تتقيد بها قدرته في التأثير كتحصيل الغذاء ووضعه قريبا منه ورفع الموانع واعمال الدوات البدنية مثل .ومن المعلوم ان قلة هذه المور وكثرتها وقربها وبعدها وما اشبه ذلك من صفاتها توجب اختلف الفعل في السهولة وعدمها وضعف القدرة وقوتها فتقيد القدرة هو الموجب للختلف .اما قدرته تعالى فانها عين ذاته التى يجب وجودها ويمتنع عدمها وإذا كان كذلك فلو تقيدت بقيد من وجود سبب أو شرط أو عدم مانع لنعدمت بانعدام قيدها وهو محال فقدرته تعالى مطلقة غير محدودة بحد ول مقيدة بقيد عامة تتعلق بكل شئ على حد سواء من غير ان يكون شئ بالنسبة إليه اصعب من شئ أو اسهل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 306 واقرب إليه من شئ أو ابعد وانما الختلف بين الشياء انفسها بقياس بعضها إلى بعض . وبتقريب آخر ما من شئ ال وهو يفتقر إليه سبحانه في وجوده فإذا فرضنا كل امر موجود بحيث ل يشذ عنها شاذ في جانب ونسبناها إليه تعالى كان الجميع متعلقا لقدرته وليس هناك امر ثالث يكون قيدا لقدرته من سبب أو شرط أو عدم مانع وإل لكان شريكا في التأثير تعالى عن ذلك . واما الذى بين الشياء انفسها من السباب المتوسطة والشرائط والموانع فانها توجب تقيد بعضها ببعض ل تقيد القدرة العامة اللهية التى تتعلق بها ثم تتعلق القدرة بالمقيد منها دون المطلق بمعنى ان متعلق القدرة هو زيد الذى ابوه فلن وامه فلن وهو في زمان كذا ومكان كذا وهكذا فوجود زيد بجميع روابطه وجود جميع العالم /صفحة / 307والقدرة المتعلقة به متعلقة بالجميع بعينه وليست هناك إل قدرة واحدة متعلقة بالجميع يوجد بها كل شئ في موطنه الخاص به وهى مطلقة غير مقيدة ل اختلف للشياء بالنسبة إليها وانما الختلف بينها انفسها .فقد تبين مما تقدم ان عموم القدرة يوجب ارتفاع الختلف من بين الشياء بالنسبة إليها بالسهولة والصعوبة وغير ذلك والية الكريمة من غرر اليات القرآنية يتبين بها اول إن حقيقة المعاد ظهور حقيقة الشياء بعد خفائها .وثانيا إن القدرة اللهية تتعلق بجميع الشياء على نعت سواء من غير اختلف بالسهولة والصعوبة والقرب والبعد وغير ذلك . وثالثا إن الشياء بحسب الحقيقة مرتبطة وجودا بحيث ان ايجاد الواحد منها ايجاد الجميع والجميع متعلق قدرة واحدة ل مؤثر فيها غيرها .نعم هناك نظر آخر ابسط من ذلك وهو النظر فيها من جهة نظام السباب والمسببات وقد صدقه الله في كلمه كما تقدم بيانه في البحث عن العجاز في الجزء الول من الكتاب وبهذه النظرة ينفصل الشياء بعضها عن بعض ويتوقف وجود بعضها على وجود بعض أو عدمه فتتقدم وتتأخر وتسهل وتصعب وتكون السباب وسائط بينها وبينه تعالى ويكون تعالى فاعل بوساطة السباب وهو نظر بسيط .وقد ذكر كثير من المفسرين في قوله ولله غيب السماوات والرض انه بحذف مضاف والتقدير ولله علم غيب الخ وفيه إنه يستلزم ارتفاع التصال بين هذه الجملة وبين ما يليها إذ ل رابطة بين علم الغيب وبين هوان أمر الساعة فتعود الجملة مستدركة مستغنى عنها في الكلم . وقول بعضهم في رفع الستدراك ان صدر الية وذيلها يثبتان العلم والقدرة وبهما معا يتم خلق الساعة غير مفيد فانهم انما استشكلوا في الساعة من جهة القدرة لعدهم اياها ممتنعة فل حاجة إلى التشبث لثباتها بمسألة العلم ويشهد لذلك ما في سائر اليات المثبتة لمكان المعاد بعموم القدرة .وذكر بعضهم ان المراد به علم غيبهما ل بتقدير العلم في الكلم حتى يقال إن الصل عدمه بل لن اضافة الغيب وهو ما يغيب عن الحس والعقل إلى السماوات /صفحة / 308 والرض تفيد ان المراد المور المجهولة التى فيهما مما يقع فيهما حال أو بعد حين وملكه تعالى له ملكه للعلم به .وفيه ان المقدمة الخيرة ممنوعة وقد تقدم بيانه على إن اشكال ارتفاع التصال بين الجملتين في محله بعد .وايضا ذكر بعضهم في توجيه التعليل المستفاد من قوله ان الله على كل شئ قدير ان من جملة الشياء اقامة الساعة في اسرع ما يكون فهو قادر على ذلك . وفيه انه ل يفى بتعليل ما يستفاد من الحصر بالنفى والثبات وانما يفى بتعليل ما لو قيل ان الله سيجعل امر الساعة كلمح البصر مع امكان كونه ل كذلك فافهم ذلك ) بحث روائي ( في تفسير القمى في قوله تعالى " :من بطونه من بين فرث ودم " قال قال عليه السلم الفرث ما في الكرش وفي الكافي عن على بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني قال قال أبو عبد الله عليه السلم :ليس أحد يغص بشرب اللبن لن الله عز وجل يقول لبنا خالصا سائغا للشاربين وفي تفسير القمى باسناده عن رجل عن حريز عن ابى عبد الله عليه السلم في قوله واوحى ربك إلى النحل قال نحن النحل الذى اوحى الله إليه أن اتخذى من الجبال بيوتا أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة ومن الشجر يقول من العجم ومما يعرشون من الموالى والذى خرج من بطونها شراب مختلف الوانه العلم الذى يخرج منا اليكم . اقول وفي هذا المعنى روايات أخر وهى من باب الجرى ويشهد به ما في بعض هذه الروايات من تطبيق النحل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والجبال على قريش والشجر على العرب ومما يعرشون على الموالى وما يخرج من بطونها على العلم / .صفحة / 309وفي تفسير القمى باسناده عن على بن المغيرة عن ابى عبد الله عليه السلم قال إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك ارذل العمر وفي المجمع روى عن على عليه السلم :إن أرذل العمر خمس وسبعون سنة وروى عن النبي مثل ذلك .اقول روى ذلك في الدر المنثور عن الطبري عن على عليه السلم وروى عن ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 309 ابن مردويه عن انس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثا مفصل يدل على ان ارذل العمر مائة سنة وفي تفسير العياشي عن عبد الرحمان الشل عن الصادق عليه السلم :في قول الله وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة قال الحفدة بنو البنت ونحن حفدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه السلم في الحفدة قال وهم العون منهم يعنى البنين وفي المجمع في معنى الحفدة هي اختان الرجل على بناته قال وهو المروى عن ابى عبد الله عليه السلم .اقول ول تنافى بين الروايات كما تقدم في البيان .وفي التهذيب باسناده عن شعيب العقرقوفى عن ابى عبد الله عليه السلم في طلق العبد ونكاحه قال ليس له طلق ول نكاح أما تسمع الله تعالى يقول عبدا مملوكا ل يقدر على شئ قال ل يقدر على طلق ول على نكاح إل باذن موله .اقول وفي هذا المعنى عدة روايات من طرق الشيعة .وفي تفسير القمى في قوله تعالى هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل قال قال عليه السلم كيف يستوى هذا ؟ ومن يأمر بالعدل امير المؤمنين والئمة عليهم السلم وفي تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب عن حمزة بن عطاء عن ابى جعفر عليه السلم في قوله تعالى " :هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل " الية قال هو على بن ابى طالب عليه السلم وهو على صراط مستقيم . اقول والروايتان من الجرى وليستا من اسباب النزول في شئ لما تقدم في البيان السابق / . صفحة / 310وكذا ما روى من طرق اهل السنة إن قوله " :ضرب الله مثل عبدا مملوكا " الية نزل في هشام بن عمرو وهو الذى ينفق ماله سرا وجهرا في عبده ابى الجوزاء الذى كان ينهاه وكذا ما روى ان الية نزلت في عثمان بن عفان وعبد له .وكذا ما روى في قوله وضرب الله مثل رجلين الية إن البكم ابى بن خلف ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن مظعون وكذا ما روى ان البكم هاشم بن عمر بن الحارث القرشى وكان قليل الخير يعادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما روى ان البكم أبو جهل والمر بالعدل عمار وما روى ان المر بالعدل عثمان بن عفان والبكم مولى له كافر وهو اسيد بن ابى العيص إلى غير ذلك * * * والله اخرجكم من بطون امهاتكم ل تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والبصار والفئدة لعلكم تشكرون 78 -ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن ال الله ان في ذلك ليات لقوم يؤمنون 79 -والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود النعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا إلى حين 80 -والله جعل لكم مما خلق ظلل وجعل لكم من الجبال اكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون 81 -فان تولوا فانما عليك البلغ المبين 82 -يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون / 83 -صفحة / 311ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم ل يؤذن للذين كفروا ول هم يستعتبون 84 -وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فل يخفف عنهم ول هم ينظرون 85 -وإذا رأى الذين اشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول انكم لكاذبون 86 -وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون 87 -الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون 88 -ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) 89 -بيان ( اليات تذكر عدة اخرى من النعم اللهية ثم تعطف الكلم إلى ما تكشف عنه من حق القول في وحدانيته تعالى في الربوبية وفي البعث وفي النبوة والتشريع نظيره القبيل السابق الذى اوردناه من اليات .قوله تعالى " :والله اخرجكم من بطون امهاتكم ل تعلمون شيئا إلى آخر الية المهات جمع ام والهاء زائدة نظير اهراق واصله اراق وقد تأتى أمات وقيل المهات في النسان والمات في غيره من الحيوان والفئدة جمع قلة للفؤاد وهو القلب واللب ولم يبن له جمع كثرة / . صفحة / 312وقوله " :والله اخرجكم من بطون امهاتكم " اشارة إلى التولد ول تعلمون شيئا حال من ضمير الخطاب أي اخرجكم من ارحامهن بالتولد والحال ان نفوسكم خالية من هذه المعلومات التى احرزتموها من طريق الحس والخيال والعقل بعد ذلك .والية تؤيد ما ذهب إليه علماء النفس ان لوح النفس خالية عن المعلومات اول تكونها ثم تنتقش فيها شيئا فشيئا كما قيل وهذا في غير علم النفس بذاتها فل يطلق عليه عرفا يعلم شيئا والدليل عليه قوله تعالى في خلل اليات السابقة فيمن يرد إلى ارذل العمر لكى ل يعلم من بعد علم شيئا فان من الضرورى انه في تلك الحال عالم بنفسه .واحتج بعضهم بعموم الية على ان العلم الحضوري يعنى به علم النسان بنفسه كسائر العلوم الحصولية مفقود في بادئ الحال حادث بعد ذلك ثم ناقش في ادلة كون ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 312 علم النفس بذاتها حضوريا مناقشات عجيبة .وفيه ان العموم منصرف إلى العلم الحصولي ويشهد بذلك الية المتقدمة .وقوله " :وجعل لكم السمع والبصار والفئدة لعلكم تشكرون " اشارة إلى مبادى العلم الذى انعم بها على النسان فمبدأ التصور هو الحس والعمدة فيه السمع والبصر وان كان هناك غيرهما من اللمس والذوق والشم ومبدأ الفكر هو الفؤاد .قوله تعالى " :ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إل الله " الخ قال في المجمع الجو الهواء البعيد من الرض انتهى يقول ألم ينظروا إلى الطير حال كونها مسخرات لله سبحانه في جو السماء والهواء البعيد من الرض ثم استأنف فقال مشيرا إلى ما هو نتيجة هذا النظر ما يمسكهن ال الله . واثبات المساك لله سبحانه ونفيه عن غيره مع وجود اسباب طبيعية هناك مؤثرة في ذلك وكلمه تعالى يصدق ناموس العلية والمعلولية انما هو من جهة ان توقف الطير في الجو من دون ان تسقط كيفما كان وإلى أي سبب استند هو وسببه والرابطة التى بينهما جميعا مستندة إلى صنعه تعالى فهو الذى يفيض الوجود عليه وعلى سببه وعلى الرابطة التى بينهما فهو السبب المفيض لوجوده حقيقة وان كان سببه الطبيعي القريب معه يتوقف هو عليه .ومعنى توقفه في وجوده على سببه ليس إن سببه يفيد وجوده بعد ما استفاد /صفحة / 313وجود نفسه منه تعالى بل ان هذا المسبب يتوقف في اخذه الوجود منه تعالى إلى اخذ سببه الوجود منه تعالى قبل ذلك وقد تقدم بعض الكلم في توضيح ذلك من قريب . وهذا معنى توحيد القرآن والدليل عليه من جهة لفظه امثال قوله " :أل له الخلق والمر " العراف 54 :وقوله " :إن القوة لله جميعا " البقرة 165 :وقوله " :الله خالق كل شئ " الزمر 62 :وقوله " :إن الله على كل شئ قدير " النحل . 77 :والدليل على ما قدمناه في معنى النفى والثبات في الية قوله تعالى مسخرات فان التسخير انما يتحقق بقهراحد السببين الخر في فعله على ما يريده السبب القاهر ففى لفظه دللة على إن للمقهور نوعا من السببية .وليس طيران الطائر في جو السماء بالحقيقة بأعجب من سكون النسان في الرض فالجميع ينتهى إلى صنعه تعالى على حد سواء لكن ألفة النسان لبعض المور وكثرة عهده به توجب خمود قريحة البحث عنه فإذا صادف ما يخالف ما ألفه وكثر عهده به كالمستثنى من الكلية انتبه لذلك وانتزعت القريحة للبحث عنه والنسان يرى الجسام الرضية الثقيلة معتمدة على الرض مجذوبة إليها فإذا وجد الطير مثل تنقض كلية هذا الحكم بطيرانها تعجب منه وانبسط للبحث عنه والحصول على علته وللحق نصيب من هذا البحث وهذا هو احد السباب في اخذ هذا النوع من المور في القرآن مواد للحتجاج .وقوله ان في ذلك ليات لقوم يؤمنون أي في كونها مسخرات في جو السماء فان للطير وهو في الجو دفيفا وصفيفا وبسطا لجنحتها وقبضا وسكونا وانتقال وصعودا ونزول وهى جميعا آيات لقوم يؤمنون كما ذكره الله .قوله تعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا إلى آخر الية في المفردات البيت مأوى النسان بالليل لنه يقال بات اقام بالليل كما يقال ظل بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه وجمعه ابيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن اخص والبيات بالشعر قال ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر انتهى موضع الحاجة .والسكن ما يسكن إليه والظعن الرتحال وهو خلف القامة والصوف /صفحة 314 /للضأن والوبر للبل كالشعر للنسان ويسمى ما للمعز شعرا كالنسان والثاث متاع البيت الكثير ول يقال للواحد منه اثاث قال في المجمع ول واحد للثاث كما انه ل واحد للمتاع انتهى والمتاع اعم من الثاث فانه مطلق ما يتمتع به ول يختص بما في البيت .وقوله والله جعل لكم من بيوتكم سكنا أي جعل لكم بعض بيوتكم سكنا تسكنون إليه ومن البيوت ما ل يسكن إليه كالمتخذ لدخار الموال واختزان المتعة وغير ذلك وقوله وجعل لكم من جلود النعام بيوتا الخ أي من جلودها بعد الدبغ وهى النطاع والدم بيوتا وهى القباب والخيام تستخفونها أي تعدونها خفيفة من جهه الحمل يوم ظعنكم وارتحالكم ويوم اقامتكم من غير سفر وظعن وقوله ومن اصوافها واوبارها واشعارها الخ معطوف على موضع من جلود أي وجعل لكم من اصوافها وهى للضأن وأوبارها وهى للبل واشعارها وهى للمعز اثاثا تستعملونه في بيوتكم ومتاعا تتمتعون به إلى حين محدود قيل وفيه اشارة إلى انها فانية داثرة فل ينبغى للعاقل ان يختارها على نعيم الخرة .قوله تعالى " :والله جعل لكم مما خلق ظلل " إلى آخر الية الظرفان اعني قوله لكم ومما خلق متعلقان بجعل وتعليق الظلل بما خلق لكونها امرا عدميا محققا بتبع غيره وهى مع ذلك من النعم العظيمة التى أنعم الله بها على النسان وسائر الحيوان والنبات فما النتفاع بالظل للنسان وغيره بأقل من النتفاع بالنور ولو ل الظل وهو ظل الليل وظل البنية والشجار والكهوف وغيرها لما عاش على ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 314 وجه الرض عائش .وقوله وجعل لكم من الجبال اكنانا الكن ما يستتر به الشئ حتى ان القميص كن للبسه وأكنان الجبال هي الكهوف والثقب الموجودة فيها .وقوله وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر أي قميصا يحفظكم من الحر قال في المجمع ولم يقل وتقيكم البرد لن ما وقى الحر وقى البرد وانما خص الحر /صفحة / 315بذلك مع ان وقايتها للبرد اكثر لن الذين خوطبوا بذلك اهل حر في بلدهم فحاجتهم إلى ما يقى الحر اكثر عن عطاء .قال على ان العرب يكتفى بذكر احد الشيئين عن الخر للعلم به قال الشاعر وما ادرى إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يلينى .فكنى عن الشر ولم يذكره لند مدلول عليه ذكره الفراء انتهى .ولعل بعض الوجه في ذكره الحر والكتفاء به ان البشر الولى كانوا يسكنون المناطق الحارة من الرض فكان شدة الحر أمس بهم من شدة البرد وتنبههم لتخاذ السراويل انما هو للتقاء مما كان البتلء به اقرب إليهم وهو الحر والله اعلم . وقوله وسرابيل تقيكم بأسكم الظاهر ان المراد به درع الحديد ونحوه .وقوله كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون امتنان عليهم باتمام النعم التى ذكرها وكانت الغاية المرجوة من ذلك اسلمهم لله عن معرفتها فإن المترقب المتوقع ممن يعرف النعم واتمامها عليه ان يسلم لرادة منعمه ول يقابله بالستكبار لن منعما هذا شأنه ل يريد به سوء .قوله تعالى " :فان تولوا فانما عليك البلغ المبين " قال في المجمع البلغ السم والتبليغ المصدر مثل الكلم والتكليم انتهى .لما فرغ عن ذكر ما اريد ذكره من النعم والحتجاج بها ختمها بما مدلولها العتاب واللوم والوعيد على الكفر ويتضمن ذكر وحدانيته تعالى في الربوبية والمعاد والنبوة وبدأ ذلك ببيان وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رسالته وهو البلغ فقال فان تولوا أي يتفرع على هذا البيان الذى ليس فيه ال دعوتهم إلى ما فيه صلح معاشهم ومعادهم من غير أن يتبعه اجبار أو اكراه انهم ان تولوا واعرضوا عن الصغاء إليه والهتداء به فانما عليك البلغ المبين والتبليغ الواضح الذى ل ابهام فيه ول ستر عليه لنك رسول وما على الرسول ال ذلك . وفي الية تسلية للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وبيان وظيفة له .قوله تعالى " :يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون " المعرفة / صفحة / 316والنكار متقابلن كالعلم والجهل وهذا هو الدليل على ان المراد بالنكار وهو عدم المعرفة لزم معناه وهو النكار في مقام العمل وهو عدم اليمان بالله ورسوله واليوم الخر أو الجحود لسانا مع معرفتها قلبا لكن قوله واكثرهم الكافرون يخص الجحود باكثرهم كما يسجئ فيبقى للنكار المعنى الول .وقوله واكثرهم الكافرون دخول اللم على الكافرون يدل على الكمال أي انهم كافرون بالنعم اللهية أو بما تدل عليه من التوحيد وغيره جميعا لكن اكثرهم كاملون في كفرهم وذلك بالجحود عنادا والصرار عليه والصد عن سبيل الله .والمعنى يعرفون نعمة الله بعنوان انها نعمة منه ومقتضاه ان يؤمنوا به وبرسوله واليوم الخر ويسلموا في العمل ثم إذا وردوا مورد العمل عملوا بما هو من آثار النكار دون المعرفة واكثرهم ل يكتفون بمجرد النكار العملي بل يزيدون عليه بكمال الكفر والعناد مع الحق والجحود والصرار عليه .وفيما قدمناه كفاية لك عما اطال فيه المفسرون في معنى قوله واكثرهم الكافرون مع انهم جميعا كافرون بانكارهم من قول بعضهم انما قال اكثرهم لن منهم من لم تقم عليه الحجة كمن لم يبلغ حد التكليف أو كان مؤفا في عقله أو لم تصل إليه الدعوة فل يقع عليه اسم الكفر .وفيه ان هؤلء خارجون على اطلق الية رأسا فانها تذكر توبيخا وايعادا انهم ينكرون نعمة الله بعد ما عرفوها وهؤلء ان كانوا ينكرونها كانوا بذلك كافرين وان لم ينكروها لم يدخلوا في اطلق الية قطعا وكيف يصح ان يقال انهم لم تقم عليهم الحجة وليست الحجة إل النعمة التى يعدها الله سبحانه وهم يعرفونها ؟ وقول بعضهم انما قال واكثرهم الكافرون لنه كان يعلم ان فيهم من سيؤمن وفيه انه قول ل دليل عليه .وقول بعضهم ان المراد بالكثر الجميع وانما عدل عن البعض احتقارا له ان يذكره ونسب إلى الحسن البصري وهو قول عجيب .قيل وفي الية دليل على فساد قول المجبرة انه ليس لله على الكافر نعمة /صفحة / 317وان جميع ما فعله بهم انما هو خذلن ونقمة لنه سبحانه نص في هذه الية على خلف قولهم انتهى .والحق ان للنعمة اعتبارين احدهما كونها نعمه أي ناعمة ملئمة لحال المنعم عليه من حيث كونه في صراط التكوين أي من حيث سعادته الجسمية والخر من حيث وقوع المنعم عليه في صراط التشريع أي من حيث سعادته الروحية النسانية بأن تكون النعمة بحيث توجب معرفتها ايمانه بالله ورسوله واليوم الخر واستعمالها في طريق مرضاة الله والمؤمن منعم بالنعمتين كلتيهما والكافر منعم في الدنيا بالطائفة الولى ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 317 محروم من الثانية وفي كلمه سبحانه شواهد كثيرة تشهد على ذلك .قوله تعالى " :ويوم نبعث من كل امة شهيدا ثم ل يؤذن للذين كفروا ول هم يستعتبون " قال في المجمع قال الزجاج والعتب الموجودة يقال عتب عليه يعتب إذا وجد عليه فإذا فاوضه ما عتب عليه قالوا عاتبه وإذا رجع إلى مسرته قيل اعتب والسم العتبى وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب واستعتبه طلب منه ان يعتب انتهى .وقوله ويوم نبعث من كل امة شهيدا يفيد السياق ان المراد بهذا اليوم يوم القيامة وبهؤلء الشهداء الذين يبعث كل واحد منهم من امة شهداء العمال الذين تحملوا حقائق اعمال امتهم في الدنيا وهم يستشهد بهم ويشهدون عليهم يوم القيامة وقد تقدم بعض الكلم في معنى هذه الشهادة في تفسير قوله " : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة 143 :في الجزء الول من الكتاب .ول دللة في لفظ الية على ان المراد بشهيد المة نبيها ول ان المراد بالمة امة الرسول فمن الجائز ان يكون غير النبي من امته كالمام شهيدا كما يدل عليه آية البقرة السابقة وقوله تعالى " :وجئ بالنبيين والشهداء " الزمر 69 : وعلى هذا فالمراد بكل امة امة الشهيد المبعوث واهل زمانه .وقوله ثم ل يؤذن للذين كفروا ول هم يستعتبون ذكر بعث شهداء المم دليل على انهم يشهدون على اممهم بما عملوا في الدنيا وقرينة على ان المراد من نفى الذن للكافرين انهم ل يؤذن لهم في الكلم وهو العتذار ل محالة ونفى الذن في الكلم /صفحة / 318انما هو تمهيد لداء الشهود شهادتهم كما تلوح إليه آيات اخر كقوله " :اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم " يس 65 :وقوله " :هذا يوم ل ينطقون ول يؤذن لهم فيعتذرون " المرسلت . 36 :على ان سياق قوله ثم ل يؤذن الخ يفيد ان المراد بهذا الذى ذكر نفى ما يتقى به الشر يومئذ من الحيل وبيان انه ل سبيل إلى تدارك ما فات منهم واصلح ما فسد من اعمالهم في الدنيا يومئذ وهو احد امرين العتذار أو استئناف العمل اما الثاني فيتكفله قوله ول هم يستعتبون ول يبقى للول وهو العتذار بالكلم إل قوله ثم ل يؤذن للذين كفروا .ومن هنا يظهر ان قوله ول هم يستعتبون أي ل يطلب منهم ان يعتبوا الله ويرضوه بيان لعدم امكان تدارك ما فات منهم بتجديد العمل والرجوع إلى السمع والطاعة فان اليوم يوم جزاء ل يوم عمل ول سبيل إلى رجوعهم القهقرى إلى الدنيا حتى يعملوا صالحا فيجزوا به .وقد بين سبحانه ذلك في مواضع اخرى من كلمه بلسان آخر كقوله تعالى " :يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فل يستطيعون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " القلم : 43وقوله " :ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " الم السجدة . 12 :قوله تعالى " :وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فل يخفف عنهم ول هم ينظرون " كانت الية السابقة بالحقيقة مسوقة لبيان الفرق بين يوم الجزاء الذى هو يوم القيامة وبين سائر ظروف الجزاء في الدنيا بأن جزاء يوم القيامة ل يرتفع ول يتغير باعتذار ول باستعتاب وهذه الية بيان فرق عذاب اليوم مع العذابات الدنيوية التى تتعلق بالظالمين في الدنيا فانها تقبل بوجه التخفيف أو النظار بتأخير ما وعذاب يوم القيامة ل يقبل تخفيفا ول انظارا .فقوله " :واذارأى الذين ظلموا العذاب " ذكر الظلم في الصلة دون الكفر ونحوه للدللة على سبب الحكم وملكه والمراد برؤية العذاب اشرافه عليهم /صفحة / 319واشرافهم عليه بعد فصل القضاء كما يفيده السياق والمراد بالعذاب عذاب يوم القيامة وهو عذاب النار .والمعنى والله اعلم وإذا قضى المر بعذابهم وأشرفوا على العذاب بمشاهدة النار فل مخلص لهم عنه بتخفيف أو بانظار وامهال .قوله تعالى " :وإذا رأى الذين اشركوا شركاءهم " إلى آخر الية مضى في حديث يوم البعث وقوله وإذا رأى الذين اشركوا وهم في عرف القرآن عبدة الصنام والوثان قرينة على ان المراد بقوله شركاءهم الذين اشركوهم بالله زعما منهم انهم شركاء لله وافتراء ويدل ايضا عليه ذيل الية والية التالية .فتسميتهم شركاءهم وهم يسمونهم شركاء الله للدللة بها على ان ليس لهم من الشركة إل الشركة بجعلهم بحسب وهمهم فليس لشراكهم شركاءهم من الحقيقة إل انها ل حقيقة لها وبذلك يظهر ان تفسير شركائهم بالصنام أو بالمعبودات الباطلة وانهم انما عدوا شركائهم لنهم جعلوا لها نصيبا من اموالهم وانعامهم أو الشياطين لنهم شاركوهم في الموال والولد أو شركاؤهم في الكفر وهم الذين كفروا مثل كفرهم أو شاركوهم في وبال كفرهم كل ذلك في غير محله ول نطيل بالمناقشة في كل واحد منها .وقوله " :قالوا ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا ندعوا " من دونك معناه ظاهر وهو تعريف منهم اياهم لربهم ول حاجة إلى البحث عن غرض المشركين في تعريفهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 319 فان اليوم يوم احاط بهم الشقاء والعذاب من كل جانب والنسان في مثل ذلك يلوى إلى كل ما يخطر بباله من طرق السعي في خلص نفسه وتنفيس كربه .وقوله فألقوا إليهم القول انكم لكاذبون قال في المجمع تقول القيت الشئ إذا طرحته واللقى الشئ الملقى والقيت إليه مقالة إذا قلتها له وتلقاها إذا قبلها انتهى .والمعنى ان شركائهم ردوا إليهم وكذبوهم وقد عبر سبحانه في موضع آخر عن هذا التكذيب بالكفر كقوله " : ويوم القيامة يكفرون بشرككم " فاطر 14 : وقوله حكاية عن مخاطبة الشيطان لهم يوم القيامة " :انى كفرت بما اشركتمون من /صفحة / 320قبل " ابراهيم . 22 :قوله تعالى " :وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون " السلم السلم والستسلم وكان في التعبير بالقاء السلم اشارة إلى انضمام شئ من الخضوع والمقهورية بالقهر اللهى إلى سلمهم .وضمير ألقوا عائد إلى الذين اشركوا بقرينة قوله بعد وضل عنهم ما كانوا يفترون فالمراد إن المشركين يسلمون يوم القيامة لله وقد كانوا يدعون إلى السلم في الدنيا وهم يستكبرون . وليس المراد بالقاء السلم هذا يوم القيامة هو انكشاف الحقيقة وظهور الوحدانية وهو مدلول قوله في صفة يوم القيامة " :ويعلمون إن الله هو الحق المبين " النور 25 :لن العلم بثبوت شئ امر والتسليم واليمان بثبوته امر آخر كما يظهر من قوله تعالى " :وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم " النمل . 14 :ومجرد العلم بأن الله هو الحق ل يكفى في سعادة النسان بل تحتاج في تمامها إلى تسليمه واليمان به بترتيب آثاره عليه ثم من التسليم واليمان ما كان عن طوع واختيار ومنه ما كان عن كره واضطرار والذى ينفع في السعادة هو التسليم واليمان عن اختيار وموطن الختيار الدنيا التى هي دار العمل دون الخرة التى هي دار الجزاء .وهم لم يسلموا للحق ما داموا في الدنيا وان أيقنوا به حتى إذا وردوا الدار الخرة وأوقفوا موقف الحساب عاينوا ان الله هو الحق المبين وان عذاب الشقاء أحاط بهم من كل جانب اسلموا للحق وهم مضطرون وليس ينفعهم وإلى هذا العلم والتسليم الضطراري يشير قوله تعالى " :يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون إن الله هو الحق المبين " النور 25 :فصدر الية يخبر عن اسلمهم لنه الدين الحق قال تعالى " : إن الدين عند الله السلم " آل عمران 19 :وذيل الية عن انكشاف الحق لهم وظهور الحقيقة عليهم .والية المبحوث عنها اعني قوله وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون صدرها يشير إلى اسلمهم وذيلها إلى كون ذاك السلم اضطراريا ل ينفعهم لنهم كانوا يرون لله الوهية ولشركائهم الوهية فاختاروا تسليم شركائهم /صفحة / 321وعبادتهم على التسليم لله ثم لما ظهر لهم الحق يوم القيامة وكذبهم شركائهم بطل ما زعموه وضل عنهم ما افتروه فلم يبق للتسليم ال الله سبحانه فسلموا له مضطرين وانقادوا له كارهين .قوله تعالى " : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " استئناف متعرض لحال ائمة الكفر بالخصوص بعد ما اشار إلى حال عامة الظالمين والمشركين في اليات السابقة . والسامع إذا سمع ما شرحه الله من حالهم يوم القيامة في هذه اليات وانهم معذبون جميعا من غير ان يخفف عنهم أو ينظروا فيه وقد سمع منه ان منهم طائفة هم اشد كفرا واشقى من غيرهم إذ يقول واكثرهم الكافرون خطر بباله طبعا انهم هل يساوون غيرهم في العذاب الموعود وهم يزيدون عليهم في السبب وهو الكفر .فاستؤنف الكلم جوابا عن ذلك فقيل الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله بالعناد واللجاج فاكتملوا في الكفر واقتدى بهم غيرهم زدناهم عذابا وهو الذى للصد وهم يختصون به فوق العذاب وهو الذى بازاء مطلق الظلم والكفر ويشاركون فيه عامة اخوانهم وكان اللم في العذاب للعهد الذكرى يشار بها إلى ما ذكر في قوله وإذا رأى الذين ظلموا العذاب الخ بما كانوا يفسدون تعليل لزيادة العذاب .ومن هنا يظهر ان المراد بالفساد الواقع في التعليل هو الصد لنه الوصف الذى يزيدون به على غيرهم وهو افساد الغير بصرفه عن سبيل الله وبتقرير آخر افساد في الرض بالمنع عن انعقاد مجتمع صالح كان من المترقب حصوله باقبال اولئك المصروفين على دين الله وسلوك سبيله .قوله تعالى " :ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلء " الخ صدر الية تكرار ما تقدم قبل بضع آيات من قوله ويوم نبعث من كل امة شهيدا غير انه كان هناك توطئة وتمهيدا لحديث عدم الذن لهم في الكلم يومئذ وهو ههنا توطئة وتمهيد لذكر شهادته صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلء يومئذ وهو في الموضعين /صفحة / 322مقصود لغيره ل لنفسه وكيف كان فقوله ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم يدل على بعث واحد في كل امة للشهادة على اعمال غيره وهو غير البعث بمعنى الحياء للحساب بل ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 322 بعث بعد البعث وانما جعل من انفسهم ليكون اتم للحجة واقطع للمعذرة كما يفيده السياق وذكره المفسرون حتى انهم ذكروا شهادة لوط على قومه ولم يكن منهم نسبا ووجهوه بأنه كان تأهل فيهم وسكن معهم فهو معدود منهم .وقوله وجئنا بك شهيدا على هؤلء يفيد انه صلى الله عليه وآله وسلم شهيد على هؤلء واستظهروا ان المراد بهؤلء هم امته وايضا انهم قاطبة من بعث إليه من لدن عصره إلى يوم القيامة ممن حضره ومن غاب ومن عاصره ومن جاء بعده من الناس . وآيات الشهادة من معضلت آيات القيامة على ما في جميع آيات القيامة من العضال وصعوبة المنال وقد تقدم في ذيل قوله " :لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة 143 :في الجزء الول من الكتاب نبذة من الكلم في معنى هذه الشهادة .ومن الواجب قبل الورود في بحث الشهادة وسائر المور التى تصفها اليات ليوم القيامة كالجمع والوقوف والسؤال والميزان والحساب ان يعلم انه تعالى يعد في كلمه هذه المور في عداد الحجج التى تقام يوم القيامة على النسان لتثبيت ما عمله من خير أو شر والقضاء عليه بما ثبت بالحجة القاطعة للعذر والمنيرة للحق ثم المجازاة بما يستوجبه القضاء من سعادة أو شقاء وجنة أو نار وهذا من اوضح ما يستفاد من آيات القيامة الشارحة لشؤن هذا اليوم وما يواجه الناس منها .وهذا اصل مقتضاه ان يكون بين هذه الحجج واجزائها ونتائجها روابط حقيقية بينة يضطر العقل إلى الذعان بها ول يسع للنسان بما عنده من الشعور الفطري ردها ول الشك والرتياب فيها .وعلى هذا فمن الواجب ان تكون الشهادة القائمة هناك باقامة منه تعالى مشتملة من الحقيقة على ما ل سبيل للمناقشة فيها والله سبحانه لو امر اشقى الناس على أن يشهد على الولين والخرين بما عملوه باختيار من الشاهد أو يخلق الشهادة في لسانه بل / صفحة / 323ارادة منه أو أن يشهد بما عملوه من غير ان يكون قد تحملها في الدنيا وشهدها شهود عيان بل معتمدا على اعلم من الله أو ملئكته أو على حجة ثم امضى تعالى ذلك وأنفذه وجازى به محتجا في جميع ذلك بشهادته ثانيا عليها لم يكن ذلك مما ل تطيقه سعة قدرته ول يسعه نفوذ ارادته ول استطاع احد أن ينازعه في ملكه أو يعقب حكمه أو يغلبه على امره .لكنها حجة تحكمية غير تامة ل تقطع بالحقيقة عذرا ول تدفع ريبا نظير التحكمات التى نجدها من جبابرة النسان والطواغيت العابثين بالحق والحقيقة وكيف يتصور لمثل هذه الحجج المختلقة عين أو اثر يوم ل عين فيه ال للحق ول اثر فيه ال للحقيقة ؟ وعلى هذا فمن الواجب ان يكون هذا الشهيد ذا عصمة الهية يمتنع عليه الكذب والجزاف وان يكون عالما بحقائق العمال التى يشهد عليها ل بظاهر صورها وهيئاتها المحسوسة بل بحقيقة ما انعقدت عليه في القلوب وان يستوى عنده الحاضر والغائب من الناس كما تقدمت الشارة إليه في تفسير آية سورة البقرة .ومن الواجب أن تكون شهادته شهادة عن معاينة كما هو ظاهر لفظ الشهيد وظاهر تقييده بقوله من انفسهم في قوله شهيدا عليهم من انفسهم غير مستندة إلى حجة عقلية أو دليل سمعي ويشهد به قوله تعالى حكاية عن المسيح عليه السلم " :وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شئ شهيد " المائدة . 117 :وبهذا تتلءم اليتان مضمونا اعني قوله ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلء وقوله " : وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " البقرة : . 143فان ظاهر آية البقرة ان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الناس الذين هم عامة من بعث إليهم من زمانه إلى يوم القيامة شهداء يشهدون على اعمالهم وان الرسول انما هو شهيد على هؤلء الشهداء دون سائر الناس إل بواسطتهم ول ينبغى ان يتوهم ان المة هم المؤمنون وغيرهم الناس وهم خارجون من المة فان ظاهر الية السابقة في السورة " ويوم نبعث من كل امة شهيدا ثم ل يؤذن للذين كفروا " الية إن الكفار من المة /صفحة / 324المشهود عليهم .ولزم ذلك ان يكون المراد بالمة في الية المبحوث عنها ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم جماعة الناس من اهل عصر واحد يشهد اعمالهم شهيد واحد ويكون حينئذ المة التى بعث إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم منقسمة إلى امم كثيرة .ويكون المراد بالشهيد النسان المبعوث بالعصمة والمشاهدة كما تقدم ويؤيده قوله من انفسهم إذ لول المشاهدة لم يكن لكونه من انفسهم وقع ول لتعدد الشهداء بتعدد المم وجه فلكل قوم شهيد من انفسهم سواء كان نبيا لهم أو غير نبيهم فل ملزمة كما يؤيده قوله " :وجئ بالنبيين والشهداء " الزمر . 69 :ويكون المراد بهؤلء في قوله وجئنا بك شهيدا على هؤلء الشهداء دون عامة الناس فالشهداء شهداء على الناس والنبى صلى الله عليه وآله وسلم شهيد على الشهداء وظاهر الشهادة ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 324 على الشاهد تعديله دون الشهادة على عمله فهو صلى الله عليه وآله وسلم شهيد على مقامهم ل على اعمالهم ولذلك لم يكن من الواجب ان يعاصرهم ويتحد بهم زمانا فافهم ذلك .والنصاف انه لو ل هذا التقريب لم يرتفع ما يتراءى ما في آيات الشهادة من الختلف كدللة آية البقرة وقوله " :ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس " الحج 78 :على كون المة هم المؤمنين ودللة غيرهما على العم ودللتهما على ان النبي انما هو شهيد على الشهداء وان بينه وبين الناس شهداء ودللة غيرهما على خلفه وان على الناس شهيدا واحدا هو نبيهم لن المفروض حينئذ ان شهيد كل امة هو نبيهم وكون اخذ الشهيد من انفسهم لغو ل اثر له مع عدم لزوم الحضور والمعاصرة وان الشهادة انما تكون من حى كما في الكلم المحكى عن المسيح عليه السلم واشكالت اخرى تتوجه على نجاح الحجة ومضيها تقدمت الشارة إليها والله الهادى . وقوله " :ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " ذكروا انه استئناف يصف القرآن بكرائم صفاته فصفته العامة انه تبيان لكل شئ والتبيان والبيان واحد كما قيل واذ كان كتاب هداية لعامة الناس وذلك شأنه كان الظاهر ان المراد بكل شئ كل ما يرجع إلى امر الهداية مما يحتاج إليه الناس في /صفحة / 325اهتدائهم من المعارف الحقيقية المتعلقة بالمبدأ والمعاد والخلق الفاضلة والشرائع اللهية والقصص والمواعظ فهو تبيان لذلك كله .ومن صفته الخاصة أي المتعلقة بالمسلمين الذين يسلمون للحق انه هدى يهتدون به إلى مستقيم الصراط ورحمة لهم من الله سبحانه يحوزون بالعمل بما فيه خير الدنيا والخرة وينالون به ثواب الله ورضوانه وبشرى لهم يبشرهم بمغفرة من الله ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم .هذا ما ذكروه وهو مبنى على ما هو ظاهر التبيان من البيان المعهود من الكلم وهو اظهار المقاصد من طريق الدللة اللفظية فإنا ل نهتدي من دللة لفظ القرآن الكريم إل على كليات ما تقدم لكن في الروايات ما يدل على ان القرآن فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ولو صحت الروايات لكان من اللزم ان يكون المراد بالتبيان العم مما يكون من طريق الدللة اللفظية فلعل هناك اشارات من غير طريق الدللة اللفظية تكشف عن اسرار وخبايا ل سبيل للفهم المتعارف إليها .والظاهر على ما يستفاد من سياق هذه اليات المسوقة للحتجاج على الصول الثلثة التوحيد والنبوة والمعاد والكلم فيها ينعطف مرة بعد اخرى عليها إن قوله ونزلنا عليك الكتاب الخ ليس باستئناف بل حال عن ضمير الخطاب في جئنا بك بتقدير قد أو بدون تقديرها على الخلف بين النحاة في الجملة الحالية المصدرة بالفعل الماضي .والمعنى وجئنا بك شهيدا على هؤلء والحال إنا نزلنا عليك من قبل في الدنيا الكتاب وهو بيان لكل شئ من امر الهداية يعلم به الحق من الباطل فيتحمل شهادة اعمالهم فيشهد يوم القيامة على الظالمين بما ظلموا وعلى المسلمين بما اسلموا لن الكتاب كان هدى ورحمة وبشرى لهم وكنت انت بذلك هاديا ورحمة ومبشرا لهم . وعلى هذا فصدر الية كالتوطئة لذيلها كأنه قيل سيبعث شهداء يشهدون على الناس بأعمالهم وانت منهم ولذلك نزلنا عليك كتابا يبين الحق والباطل ويميز بينهما حتى تشهد به يوم القيامة على الظالمين بظلمهم وقد تبين الكتاب وعلى المسلمين باسلمهم وقد كان الكتاب هدى ورحمة وبشرى لهم وكنت هاديا ورحمة ومبشرا به / . صفحة / 326ومن لطيف ما يؤيد هذا المعنى مقارنة الكتاب بالشهادة في بعض آيات الشهادة كقوله " :واشرقت الرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء " الزمر 69 :وسيجئ ان شاء الله ان المراد به اللوح المحفوظ وقد تكرر في كلمه تعالى ان القرآن من اللوح المحفوظ كقوله " :انه لقرآن كريم في كتاب مكنون " الواقعة 78 :وقوله " :بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " البروج . 22 :وشهادة اللوح المحفوظ وان كانت غير شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنهما جميعا متوقفتان على قضاء الكتاب النازل ) .بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد :ان اعرابيا اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله جعل لكم من بيوتكم سكنا قال العرابي نعم قال وجعل لكم من جلود النعام بيوتا تستخفونها قال العرابي نعم ثم قرأ عليه كل ذلك يقول نعم حتى بلغ كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فولى العرابي فأنزل الله " :يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها واكثرهم الكافرون " في تفسير البرهان عن ابن شهرآشوب عن الباقر عليه السلم في قوله تعالى " :يعرفون نعمة الله " الية قال عرفهم ولية علي وأمرهم بوليته ثم انكروا بعد وفاته .اقول والرواية من الجرى .وفي تفسير العياشي عن جعفر بن احمد عن التركي النيشابوري عن على بن جعفر ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 326 ابن محمد عن اخيه موسى بن جعفر عليه السلم إنه سئل عن هذه الية يعرفون نعمة الله الية قال عرفوه ثم انكروه وفي تفسير القمى :قى قوله تعالى " :ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم قال الصادق عليه السلم لكل زمان وامة شهيد تبعث كل امة مع امامها اقول وذيل كلمه عليه السلم مضمون قوله تعالى " :يوم ندعو كل اناس بامامهم " وفي الدر المنثور اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن /صفحة / 327قتادة قال الله وجئنا بك شهيدا على هؤلء قال ذكر لنا ان نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ هذه الية فاضت عيناه اقول والروايات في باب الشهادة يوم القيامة كثيرة جدا وقد أوردنا بعضها في ذيل قوله وكذلك جعلناكم امة وسطا " البقرة 143 :وبعضها في ذيل قوله " :وجئنا بك على هؤلء شهيدا " النساء 41 :وقوله " :ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " النساء . 159 :وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه والخطيب في تالى التلخيص عن البراء ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن قول الله زدناهم عذابا فوق العذاب قال عقارب امثال النخل الطوال ينهشونه في جهنم وفي الكافي باسناده عن عبد العلى بن اعين قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول قد ولدنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانا اعلم كتاب الله وفيه بدؤ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء وخبر الرض وخبر الجنة وخبر النار وخبر ما كان وخبر ما هو كائن اعلم ذلك كما انظر إلى كفى إن الله عز وجل يقول فيه تبيان كل شئ .اقول والية منقولة في الرواية بالمعنى .وفي تفسير العياشي عن منصور عن حماد اللحام قال قال أبو عبد الله عليه السلم نحن نعلم ما في السماوات ونعلم ما في الرض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك قال فبهت انظر إليه فقال يا حماد ان ذلك في كتاب الله تعالى ثم تل هذه الية " :ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " انه من كتاب فيه تبيان كل شئ وفي الكافي عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن سنان عن يونس بن يعقوب عن الحارث بن المغيرة وعدة من اصحابنا منهم عبد العلى وابو عبيدة وعبد الله بن بشير الخثعمي سمعوا ابا عبد الله عليه السلم يقول انى لعلم ما في السماوات وما في الرض واعلم ما في الجنة واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون ثم مكث هنيئة فرأى /صفحة / 328إن ذلك كبر على من سمعه منه -فقال علمت ذلك من كتاب الله عز وجل إن الله يقول فيه تبيان كل شئ وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن الوليد قال قال أبو عبد الله عليه السلم قال الله لموسى وكتبنا له في اللواح من كل شئ فعلمنا انه لم يكتب لموسى الشئ كله وقال الله لعيسى لبين لكم بعض الذى تختلفون فيه وقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وجئنا بك شهيدا على هؤلء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ . اقول ورواه العياشي بالسناد عليه السلم * * * إن الله يأمر بالعدل والحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون 90 -وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيل إن الله يعلم ما تفعلون 91 -ول تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخل بينكم ان تكون أمة هي أربى من امة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون 92 -ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون 93 -ول تتخذوا ايمانكم دخل بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم 94 - ول تشتروا بعهد الله ثمنا قليل انما عند الله هو خير /صفحة / 329لكم ان كنتم تعلمون 95 -ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 96 -من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 97 -فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم 98 -إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون 99 -إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون 100 - وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم ل يعلمون 101 -قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين 102 -ولقد نعلم إنهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين 103 -إن الذين ل يؤمنون بآيات الله ل يهديهم الله ولهم عذاب اليم 104 -انما يفترى الكذب الذين ل يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون ) 105 -بيان ( تذكر اليات عدة من الحكام مما يلئم حال السلم قبل الهجرة مما يصلح به ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 329 حال المجتمع العام كالمر بالعدل والحسان والنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى وما /صفحة / 330يلحق بذلك كالمر بايتاء ذى القربى والنهى عن نقض العهد واليمين وتذكر امورا اخرى تناسب ذلك وتثبتها .قوله تعالى " :إن الله يأمر بالعدل والحسان وايتاء ذى القربى " ابتدأ سبحانه بهذه الحكام الثلثة التى هي بالترتيب أهم ما يقوم به صلب المجتمع النساني لما ان صلح المجتمع العام اهم ما يبتغيه السلم في تعاليمه المصلحة فان اهم الشياء عند النسان في نظر الطبيعة وان كان هو نفسه الفردية لكن سعادة الشخص مبنية على صلح الظرف الجتماعي الذى يعيش هو فيه وما اصعب ان يفلح فرد في مجتمع فاسد احاط به الشقاء من كل جانب .ولذلك اهتم في اصلح المجتمع اهتماما ل يعادله فيه غيره وبذل الجهد البالغ في جعل الدساتير والتعاليم الدينية حتى العبادات من الصلة والحج والصوم اجتماعية ما امكن فيها ذلك كل ذلك ليستصلح النسان في نفسه ومن جهة ظرف حياته .فقوله إن الله يأمر بالعدل امر بالعدل ويقابله الظلم قال في المفردات العدالة والمعادلة لفظ يقتضى معنى المساواة ويستعمل باعتبار المضايفة والعدل بفتح العين والعدل بكسرها يتقاربان لكن العدل بفتح العين يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالحكام وعلى ذلك قوله تعالى أو عدل ذلك صياما والعدل بكسر العين والعديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلت فالعدل هو التقسيط على سواء .قال والعدل ضربان مطلق يقتضى العقل حسنه ول يكون في شئ من الزمنة منسوخا ول يوصف بالعتداء بوجه نحو الحسان إلى من احسن اليك وكف الذى عمن كف أذاه عنك وعدل يعرف كونه عدل بالشرع ويمكن ان يكون منسوخا في بعض الزمنة كالقصاص واروش الجنايات واصل مال المرتد ولذلك قال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه وقال وجزاء سيئة سيئة مثلها فسمى اعتداء وسيئة . وهذا النحو هو المعنى بقوله ان الله يأمر بالعدل والحسان فان العدل هو المساواة في المكافاة ان خيرا فخير وان شرا فشر والحسان ان يقابل الخير بأكثر /صفحة / 331منه والشر بأقل منه انتهى موضع الحاجة .وما ذكره على ما فيه من التفصيل يرجع إلى قولهم ان العدل هو لزوم الوسط والجتناب عن جانبى الفراط والتفريط في المور وهو من قبيل التفسير بلزم المعنى فان حقيقة العدل هي اقامة المساواة والموازنة بين المور بأن يعطى كل من السهم ما ينبغى ان يعطاه فيتساوى في ان كل منها واقع موضعه الذى يستحقه فالعدل في العتقاد أن يؤمن بما هو الحق والعدل في فعل النسان في نفسه ان يفعل ما فيه سعادته ويتحرز مما فيه شقاؤه باتباع هوى النفس والعدل في الناس وبينهم أن يوضع كل موضعه الذى يستحقه في العقل أو في الشرع أو في العرف فيثاب المحسن باحسانه ويعاقب المسئ على اساءته وينتصف للمظلوم من الظالم ول يبعض في اقامة القانون ول يستثنى .ومن هنا يظهر ان العدل يساوق الحسن ويلزمه إذ ل نعنى بالحسن إل ما من طبعه ان تميل إليه النفس وتنجذب نحوه واقرار الشئ في موضعه الذى ينبغى ان يقر عليه من حيث هو كذلك مما يميل إليه النسان ويعترف بحسنه ويقدم العذر لو خالفه إلى من يقرعه باللوم ل يختلف في ذلك اثنان وان اختلف الناس في مصاديقه كثيرا باختلف مسالكهم في الحياة .ويظهر ايضا ان ما عد الراغب في كلمه من العتداء والسيئة عدل ل يخلو عن مسامحة فان العتداء والسيئة الذين يجازى بهما المعتدى والمسئ انما هما اعتداء وسيئة بالنسبة اليهما وأما بالنسبة إلى من يجازيهما بهما فهما من لزوم وسط العتدال وخصلة الحسن لكونهما من وضع الشئ موضعه الذى ينبغى ان يوضع فيه .وكيف كان فالعدل وان كان منقسما إلى عدل النسان في نفسه وإلى عدله بالنسبة إلى غيره وهما العدل الفردى والعدل الجتماعي واللفظ مطلق لكن ظاهر السياق إن المراد به في الية العدل الجتماعي وهو أن يعامل كل من افراد المجتمع بما يستحقه ويوضع في موضعه الذى ينبغى ان يوضع فيه وهذا امر بخصلة اجتماعية متوجه إلى افراد المكلفين بمعنى ان الله سبحانه يأمر كل واحد من افراد المجتمع أن يأتي بالعدل ولزمه أن يتعلق المر بالمجموع ايضا فيكلف المجتمع اقامة هذا الحكم وتتقلده الحكومة /صفحة / 332بما انها تتولى امر المجتمع وتدبره .وقوله والحسان الكلم فيه من حيث اقتضاء السياق كسابقه فالمراد به الحسان إلى الغير دون الحسان بمعنى اتيان الفعل حسنا وهو ايصال خير أو نفع إلى غير ل على سبيل المجازاة والمقابلة كأن يقابل الخير باكثر منه ويقابل الشر بأقل منه كما تقدم ويوصل الخير إلى غير متبرعا به ابتداء .والحسان على ما فيه من اصلح حال من اذلته المسكنة والفاقة أو اضطرته النوازل وما فيه من نشر الرحمة وايجاد المحبة يعود محمود اثره إلى نفس المحسن بدوران الثروة في المجتمع وجلب المن والسلمة بالتحبيب .وقوله وايتاء ذى القربى أي اعطاء المال لذوى القرابة وهو من افراد ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 332 الحسان خص بالذكر ليدل على مزيد العناية باصلح هذا المجتمع الصغير الذى هو السبب بالحقيقة لنعقاد المجتمع المدنى الكبير كما ان مجتمع الزدواج الذى هو اصغر بالنسبة إلى مجتمع القرابة سبب مقدم مكون له فالمجتمعات المدنية العظيمة انما ابتدأت من مجتمع بيتى عقده الزدواج ثم بسطه التوالد والتناسل ووسعه حتى صار قبيلة وعشيرة ولم يزل يتزايد ويتكاثر حتى عادت امة عظيمة فالمراد بذى القربى الجنس دون الفرد وهو عام لكل قرابة كما ذكروه .وفي التفسير المأثور عن ائمة اهل البيت عليهم السلم إن المراد بذى القربى المام من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمراد باليتاء اعطاء الخمس الذى فرضه الله سبحانه في قوله " : واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين " الية النفال 41 :وقد تقدم تفسيرها ولعل التعبير بالفراد حيث قيل ذى القربى ولم يقل ذوى القربى أو اولى القربى كما في قوله " : وإذا حضر القسمة اولوا القربى واليتامى والمساكين " النساء 8 :وقوله " :وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين " البقرة 177 :يؤيد ذلك .واحتمال ارادة الجنس من ذى القربى يبعده ما وقع في سياق آية الخمس من ذكر اليتامى والمساكين معه بصيغة الجمع مع عدم ظهور نكتة يختص بها ذوى القربى أو / صفحة / 333اليتامى والمساكين تقضى بالفرق . على ان الية ل قرينة واضحة فيها على كون المراد باليتاء هو الحسان ثم بالحسان مطلق الحسان والله اعلم .قوله تعالى " :وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون " قال في المفردات الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الفعال والقوال .انتهى ولعل الصل في معناه الخروج عن الحد فيما ل ينبغى يقال غبن فاحش أي خارج عن حد التحمل والصبر والسكوت .والمنكر ما ل يعرفه الناس في مجتمعهم من العمال التى تكون متروكة عندهم لقبحها أو اثمها كالمواقعة أو كشف العورة في مشهد من الناس في المجتمعات السلمية . والبغى الصل في معناه الطلب وكثر استعماله في طلب حق الغير بالتعدي عليه فيفيد معنى الستعلء والستكبار على الغير ظلما وعتوا وربما كان بمعنى الزنا والمراد به في الية هو التعدي على الغير ظلما .وهذه الثلثة اعني الفحشاء والمنكر والبغى وان كانت متحدة المصاديق غالبا فكل فحشاء منكر وغالب البغى فحشاء ومنكر لكن النهى انما تعلق بها بما لها من العناوين لما ان وقوع العمال بهذه العناوين في مجتمع من المجتمعات يوجب ظهور الفصل الفاحش بين العمال المجتمعة فيه الصادرة من اهله فينقطع بعضها من بعض ويبطل اللتيام بينها ويفسد بذلك النظم وينحل المجتمع في الحقيقة وان كان على ساقه صورة وفي ذلك هلك سعادة الفراد . فالنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى امر بحسب المعنى باتحاد مجتمع تتعارف اجزاؤه وتتلءم اعماله ل يستعلى بعضهم على بعض بغيا ول يشاهد بعضهم من بعض ال الجميل الذى يعرفونه ل فحشاء ول منكرا وعند ذلك تستقر عليهم الرحمة والمحبة واللفة وترتكز فيهم القوة والشدة وتهجرهم السخطة والعداوة والنفرة وكل خصلة سيئة تؤدى إلى التفرق والتهلكة .ثم ختم سبحانه الية بقوله يعظكم لعلكم تذكرون أي تتذكرون فتعلمون ان الذى يدعوكم إليه فيه حياتكم وسعادتكم / .صفحة / 334قوله تعالى " : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها " الخ قال في المفردات العهد حفظ الشئ ومراعاته حال بعد حال وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا قال وعهد فلن إلى فلن يعهد أي القى إليه العهد وأوصاه بحفظه انتهى . وظاهر اضافة العهد إلى الله تعالى في قوله وأوفوا بعهد الله ان المراد به هو العهد الذى يعاهد فيه الله على كذا دون مطلق العهد ويأتى نظير الكلم في نقض اليمين .وقوله ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها نقض اليمين نكثه ومخالفة مقتضاه والمراد باليمين هو اليمين بالحلف بالله سبحانه كأن ما عدا ذلك ليس بيمين والدليل عليه قوله بعد وقد جعلتم الله عليكم كفيل .والمراد بتوكيدها احكامها بالقصد والعزم وكونها لمر راجح بخلف قولهم ل والله وبلى والله وغيره من لغو اليمان فالتوكيد في هذه الية يفيد ما يفيده التعقيد في قوله تعالى " :ل يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان " المائدة . 89 :ونقض اليمين بحسب العتبار اشنع من نقض العهد وان كان منهيا عنهما جميعا على إن العناية بالحلف في الشرع السلمي اكثر كما في باب القضاء .وتوضيح شناعة نقضه إن حقيقة معنى اليمين ايجاد ربط خاص بين النسبة الكلمية من خبر أو انشاء وبين امر ذى بال شريف بحيث يستوجب بطلن النسبة من جهة ظهور كذبه ان كان خبرا ومخالفة مقتضاه ان كان عزما أو امرا أو نهيا كقولنا والله لفعلن كذا وبالله عليك افعل أو ل تفعل كذا أن يذهب بذلك ما يعتقده ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 334 المقسم من الكرامة والعزة للمقسم به فيؤول المر إلى إن المقسم به بما له من الكرامة والعزة هو المسئول عن صحة النسبة الكلمية والمقسم هو المسئول عند المقسم به بما علق صحة النسبة على كرامته وعزته كمن يعقد عقدا أو يتعهد عمل ثم يعطى لمن عاقده أو تعهد له موثقا يثق به من مال أو ولد أو غير ذلك أو يضمن له ذلك شريف بشرافته .وبهذا يظهر معنى قوله تعالى " :وقد جعلتم الله عليكم كفيل " فان الحالف إذا قال والله لفعلن كذا أو ل تركن كذا فقد علق ما حلف عليه نوعا من التعليق /صفحة / 335على الله سبحانه وجعله كفيل عنه في الوفاء بما عقد عليه اليمين فان نكث ولم يف كان لكفيله ان يؤديه إلى الجزاء والعقوبة ففى نكث اليمين اهانة وارزاء بساحة العزة والكرامة مضافا إلى ما في نقض اليمين والعهد معا من النقطاع والنفصال عنه سبحانه بعد توكيد التصال .فقوله " :وقد جعلتم الله " الخ حال من ضمير الجمع في قوله ول تنقضوا وقوله ان الله يعلم بما تفعلون في معنى تأكيد النهى بان العمل مبغوض وهو به عليم . قوله تعالى " :ول تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا " إلى آخر الية النقض ويقابله البرام افساد ما احكم من حبل أو غزل بالفتل فنقض الشئ المبرم كحل الشئ المعقود والنكث النقض قال في المجمع وكل شئ نقض بعد الفتل فهو انكاث حبل كان أو غزل والدخل بفتحتين في الصل كل ما دخل الشئ وليس منه ويكنى به عن الدغل والخدعة والخيانة كما قيل واربى افعل من الربا وهو الزيادة .وقوله " :ول تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا " في معنى التفسير لقوله في الية السابقة " :ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها " وهو تمثيل بمرأة تغزل الغزل بقوة ثم تعود فتنقض ما اتعبت نفسها فيه وغزلته من بعد قوة وتجعله انكاثا ل فتل فيه ول ابرام .ونقل عن الكلبى انها امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن ان ينقضن ما غزلن ول يزال ذلك دأبها واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مره وكانت تسمى خرقاء مكة .وقوله " : تتخذون ايمانكم دخل بينكم ان تكون امة هي اربى من امة " أي تتخذون ايمانكم وسيلة للغدر والخدعة والخيانة تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتخدعونهم بنقضها وانما يفعلون ذلك لتكون امة وهم الحالفون اربى وازيد سهما من زخارف الدنيا من امة وهم المحلوف لهم .فالمراد بالدخل وسيلته من تسمية السبب باسم المسبب وان تكون امة مفعول له بتقدير اللم والكلم نوع بيان لنقض اليمين أو لكونهم كالتى نقضت غزلها /صفحة / 336من بعد قوة انكاثا ومحصل المعنى انكم كمثلها إذ تتخذون ايمانكم دخل بينكم فتؤكدونها وتعقدونها ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثها والله ينهاكم عنه .وذكر بعضهم ان قوله تتخذون ايمانكم الخ جملة استفهامية محذوفة الداة والستفهام للنكار .وقوله انما يبلوكم الله به الخ أي ان ذلك امتحان الهي يمتحنكم به واقسم ليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك ما حقيقة ما انتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لماطة الحق ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هو المهتدى .قوله تعالى " :ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء " الخ لما انجر الكلم إلى ذكر اختلفهم عقب ذلك ببيان ان اختلفهم ليس بناقض للغرض اللهى في خلقهم ول انهم معجزون له سبحانه ولو شاء لجعلهم امة واحدة ل اختلف بينهم ولكن الله سبحانه جعلهم مختلفين بالهداية والضلل فهدى قوما واضل آخرين .وذلك انه تعالى وضع سعادة النسان وشقاءه على اساس الختيار وعرفهم الطاعة المفضية إلى غاية السعادة والمعصية المؤدية إلى غاية الشقاء فمن سلك مسلك المعصية واجتاز للضلل جازاه الله ذلك ومن ركب سبيل الطاعة واختار الهدى جازاه الله ذلك وسيسألهم جميعا عما عملوا واختاروا .وبما تقدم يظهر ان المراد بجعلهم امة واحدة رفع الختلف من بينهم وحملهم على الهدى والسعادة وبالضلل والهداية ما هو على سبيل المجازاة ل الضلل والهدى البتدائيان فان الجميع على هدى فطرى فالذي يشاء الله ضلله فيضله هو من اختار المعصية على الطاعة من غير رجوع ول ندم والذى شاء الله هداه فهداه هو من بقى على هداه الفطري وجرى على الطاعة أو تاب ورجع عن المعصية صراطا مستقيما وسنة الهية ولن تجد لسنة الله تبديل ولن تجد لسنة الله تحويل .وان قوله " :ولتسألن عما كنتم تعملون " لدفع ما يسبق إلى الوهم ان استناد الضلل والهدى إليه سبحانه يبطل تأثير اختيارهم في ذلك وتبطل بذلك الرسالة وتلغو / صفحة / 337الدعوة فاجيب بان السؤال باق على حاله لما ان اختياركم ل يبطل بذلك بل الله سبحانه يمد لكم من الضلل والهدى ما انتم تختارونه بالركون إلى معصيته أو بالقبال إلى طاعته . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 337 قوله تعالى " :ول تتخذوا أيمانكم دخل بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها " إلى آخر الية قال في المفردات الصدود والصد قد يكون انصرافا عن الشئ وامتناعا نحو يصدون عنك صدودا وقد يكون صرفا ومنعا نحو وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل انتهى .والية نهى عن اتخاذ اليمان دخل بعد النهى عن اصل نقص اليمان لن لخصوص اتخاذها دخل مفسدة مستقلة هي ملك النهى غير المفسدة التى لصل نقض اليمان وقد اشار إلى مفسدة اصل النقض بقوله وقد جعلتم الله عليكم كفيل الخ ويشير في هذه الية إلى مفسدة اتخاذها دخل بقوله " :فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم " .والملكان كما هو ظاهر متغايران نعم احدهما كالمقدمة للخر كما ان نقض اليمان كالمقدمة لتخاذها دخل فان النسان إذا نقض اليمين لسبب من السباب لول مرة هان عليه امر النقض ومهد ذلك السبيل إلى النقض ثانيا وثالثا وجعل الحلف ثم النقض وسيلة خدعة وخيانة فل يلبث دون ان تكون حليف دغل وخدعة وخيانة وغرور ومكر وكيد وكذب وزور ل يبالى ما قال وما فعل ويعود جرثومة فساد يفسد المجتمع النساني اينما توجه ويقع في سبيل غير سبيل الله الذى خطته الفطرة السليمة .وكيف كان فظاهر قوله ول تتخذوا ايمانكم دخل بينكم نهى استقللي عن الخدعة باليمين بعد النهى الضمنى عنه في الية السابقة وقوله " :فتزل قدم بعد ثبوتها " تفريع على المنهى عنه دون النهى أي يتفرع على اتخاذها دخل ان تزل قدم بعد ثبوتها الخ وزلة القدم بعد ثبوتها مثل لنقض اليمين بعد العقد والتوكيد والزوال عن الموقف الذى ارتكز فيه فان ثبات النسان واستقامته على ما عزم عليه واهتم به من كرائم النسانية واصول فضائلها وعليه بناء الدين اللهى وحفظ اليمين على توكيده /صفحة / 338قدم من القدام التى يتم بها هذا الصل الوسيع وكأنه لذلك جئ بالقدم نكرة في قوله فتزل قدم الخ .وقوله " :وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم " معطوف على قوله تزل قدم الخ وبيان نتيجته كما انه بيان نتيجة وعاقبة لقوله تتخذوا ايمانكم دخل وبذلك يظهر ان قوله بما صددتم عن سبيل الله بمنزلة التفسير لقوله فتزل قدم بعد ثبوتها .والمراد بالصدود عن سبيل الله العراض والمتناع عن السنة الفطرية التى فطر الله الناس عليها ودعت الدعوة النبوية إليها من التزام الصدق والستقامة ورعاية العهود والمواثيق واليمان والتجنب عن الدغل والخدعة والخيانة والكذب والزور والغرور .والمراد بذوق السوء العذاب وقوله ولكم عذاب عظيم حال عن فاعل تذوقوا ويمكن ان يكون المراد بذوق السوء ما ينالهم من آثار الضلل السيئة في الدنيا وقوله ولكم عذاب عظيم اخبارا عما يحل بهم في الخرة هذا ما يستفاد من ظاهر الية الكريمة .فالمعنى ول تتخذوا ايمانكم وسيلة دخل بينكم حتى يؤديكم ذلك إلى الزوال عما ثبتم عليه ونقض ما ابرمتموه وفيه اعراض عن سبيل الله الذي هو التزام الفطرة والتحرز عن الغدر والخدعة والخيانة والدغل وبالجملة الفساد في الرض بعد اصلحها ويؤديكم ذلك إلى أن تذوقوا السوء والشقاء في حياتكم الدنيا ولكم عذاب عظيم في الخرى . وذكر بعضهم أن الية مختصة بالنهي عن نقض بيعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما استقرت عليه السنة في صدر السلم وأن الية نزلت في الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على نصرة السلم وأهله فنهاه الله عن نقض تلك البيعة وعلى هذا فالمراد بالصد عن سبيل الله صرف الناس ومنعهم عن اتباع دين الله كما ان المراد بزلة قدم بعد ثبوتها الردة بعد السلم والضلل بعد الرشد .وفيه أن السياق ل يساعد على ذلك وعلى تقدير التسليم خصوص المورد ل ينافى عموم الية / .صفحة / 339قوله تعالى " :ول تشتروا بعهد الله ثمنا قليل إن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون " قال في المفردات كل ما يحصل عوضا عن شئ فهو ثمنه انتهى .والظاهر أن الية نهي عن نقض العهد بعدما تقدم المر بالوفاء به اعتناء بشأنه كما جرى مثل ذلك في نقض اليمان والية مطلقة والمراد بعهد الله العهد الذي عوهد به الله مطلقا والمراد بالشتراء به ثمنا قليل بقرينة ذيل الية أن يبدل العهد من شئ من حطام الدنيا فينقض لنيله فسمى المبدل منه ثمنا لنه عوض كما تقدم والباقي ظاهر .قوله " :ما عندكم ينفد وما عند الله باق " في مقام التعليل لقوله في الية السابقة " :ما عند الله هو خير لكم " وقد وجهه بأن الذي عندكم أي في الحياة الدنيا التي هي حياة مادية قائمة على أساس التبدل والتحول منعوتة بنعت الحركة والتغير زائل نافد وما عند الله سبحانه مما يعد المتقين منكم باق ل يزول ول يفنى والباقى خير من النافد بصريح حكم العقل . واعلم ان قوله " :ما عندكم ينفد وما عند الله باق " على ما في لفظه من الطلق ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 339 قاعدة كلية غير منقوضة باستثناء تحتها جزئيات كثيرة من المعارف الحقيقية .قوله تعالى " : ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون " لما كان الوفاء بالعهد مستلزما للصبر على مر مخالفة هوى النفس في نقضه والسترسال فيما تشتهيه صرف الكلم عن ذكر اجر خصوص الموفين بالعهد إلى ذكر اجر مطلق الصابرين في جنب الله .فقوله ولنجزين الذين صبروا اجرهم وعد مؤكد على مطلق الصبر سواء كان صبرا على الطاعة أو عن المعصية أو عند المصيبة غير انه يجب ان يكون صبرا في جنب الله ولوجه الله فان السياق ل يساعد على غيره . وقوله باحسن ما كانوا يعملون الباء للمقابلة كما في قولنا بعت هذا بهذا وليس المراد باحسن ما كانوا يعملون الحسن من اعمالهم في مقابل الحسن منها بان يميز الله سبحانه بين اعمالهم الحسنة فيقسمها إلى حسن واحسن ثم يجزيهم باحسنها ويلغى الحسن كما ذكره بعضهم فان المقام ل يؤيده وآيات الجزاء تنفيه والرحمة الواسعة اللهية تأباه / .صفحة / 340وليس المراد به الواجبات والمستحبات من اعمالهم قبال المباحات التى اتوا بها فانها ل تخلو من حسن كما ذكره آخرون .فان الكلم ظاهر في ان المراد بيان الجر على العمال الماتى بها في ظرف الصبر مما يرتبط به ارتباطا وواضح ان المباحات التى ياتي بها الصابر في الله ل ارتباط لها بصبره فل وجه لعتبارها بين العمال ثم اختيار الحسن من بينها .على انه ل مطمع لعبد في ان يثيبه الله على ما اتى به من المباحات حتى يبين له أن الثواب في مقابل ما اتى به من الواجبات والمستحبات التى هي احسن مما اتى به من المباحات فيكون ذكر الحسن مستدركا زائدا .ومن هنا يظهر ان ليس المراد به النوافل بناء على عدم اللزام فيها فتكون احسن ما عمل فان كون الواجب مشتمل من المصلحة الموجبة للحسن على ازيد من النقل معلوم من الخطابات التشريعية بحيث ل يرتاب فيه .بل المراد بذلك ان العمل الذى ياتون به وله في نوعه ما هو حسن وما هو احسن فالله سبحانه يجزيه من الجر على ما اتى به ما هو اجر الفرد الحسن من نوعه فالصلة التى يصليها الصابر في الله يجزيه الله سبحانه لها اجر الفرد الحسن من الصلة وان كانت ما صلها غير احسن وبالحقيقة يستدعى الصبر ان ل يناقش في العمل ول يحاسب ما هو عليه من الخصوصيات المقتضية لخسته ورداءته كما يفيده قوله تعالى " :انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب " .ويستفاد من الية ان الصبر في الله يوجب كمال العمل وفي قوله ولنجزينهم الخ التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير كما قيل والذى اظنه انه رجوع إلى السياق السابق في اليات وكان سياق التكلم مع الغير وانما اللتفات في قوله تعالى قبل بضع آيات ان الله يامر بالعدل والحسان والوجه فيه ان هذه الية وما بعدها من اليات المسرودة إلى هذه الغاية مشتملة على عدة من الوامر والنواهي اللهية والنسب بالمر والنهى ان يستندا إلى اعظم مقامات مصدرهما واقواها ليتأيدا بذلك وهذه صناعة معمولة في المحاورات فيقال ان الملك يأمر بكذا وان مولك يقول لك كذا ول يقال فلن ابن فلن يأمر أو يقول / .صفحة / 341فكان من النسب ان يسند هذه التكاليف إلى مقام الجللة ويقال باللتفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة ان الله يأمر بالعدل والحسان الخ ولذلك استمر السياق على هذا النسق في التكاليف التالية ايضا فقيل " :واوفوا بعهد الله " الخ انما يبلوكم الله الخ ولو شاء الله الخ ول تشتروا بعهد الله الخ وما عند الله باق .ثم رجع إلى السياق السابق وهو التكلم مع الغير فقال " :ولنجزين الذين صبروا " وجرى على ذلك حتى إذا بلغ قوله فإذا قرأت القرآن وهو حكم التفت ثانيا فقال فاستعذ بالله واحسن ما يجلى المعنى الذى ذكرناه قوله تعالى بعده وإذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل حيث جمع بين المرين فاسند تبديل آية مكان آية إلى ضمير التكلم والعلمية إلى الله عز اسمه .قوله تعالى : " من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة " إلى آخر الية .وعد جميل للمؤمنين ان عملوا عمل صالحا وبشرى للناث ان الله ل يفرق بينهن وبين الذكور في قبول ايمانهن ول اثر عملهن الصالح الذى هو الحياء بحياة طيبة والجر باحسن العمل على الرغم مما بنى عليه اكثر الوثنية واهل الكتاب من اليهود والنصارى من حرمان المرأة من كل مزية دينية أو جلها وحط مرتبتها من مرتبة الرجل ووضعها وضعا ل يقبل الرفع البتة .فقوله من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن حكم كلى من قبيل ضرب القاعدة لمن عمل صالحا أي من كان وقد قيده بكونه مؤمنا وهو في معنى الشتراط فان العمل ممن ليس مؤمنا حابط ل يترتب عليه اثر كما قال تعالى " :ومن يكفر باليمان فقد حبط عمله " المائدة : 5وقال " :وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " هود . 16 : ............................................................ ص -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21 : 341 وقوله فلنحيينه حياة طيبة الحياء القاء الحياة في الشئ وافاضتها عليه فالجملة بلفظها دالة على ان الله سبحانه يكرم المؤمن الذى يعمل صالحا بحياة جديدة غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامة وليس المراد به تغيير صفة الحياة فيه وتبديل الخبيثة من الطيبة مع بقاء اصل الحياة على ما كانت عليه ولو كان كذلك /صفحة / 342 لقيل فلنطيبن حياته .فالية نظيرة قوله " :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " النعام 122 :وتفيد ما يفيده من تكوين حياة ابتدائية جديدة .وليس من التسمية المجازية لن اليات المتعرضة لهذا الشأن ترتب عليه آثار الحياة الحقيقية كقوله تعالى " :اولئك كتب في قلوبهم اليمان وايدهم بروح منه " المجادلة 22 : وكقوله في آية النعام المنقولة آنفا " :وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " فان المراد بهذا النور العلم الذى يهتدى به النسان إلى الحق في العتقاد والعمل قطعا .وكما ان له من العلم والدراك ما ليس لغيره كذلك له من موهبة القدرة على احياء الحق واماطة الباطل ما ليس لغيره وقد قال سبحانه " :وكان حقا علينا نصر المؤمنين " الروم 47 :وقال " :من آمن بالله واليوم الخر وعمل صالحا فل خوف عليهم ول هم يحزنون " المائدة . 69 :وهذا العلم والقدرة الحديثان يمهدان له ان يرى الشياء على ما هي عليها فيقسمها قسمين حق باق وباطل فان فيعرض بقلبه عن الباطل الفاني الذى هو الحياة الدنيا بزخارفها الغارة الفتانة ويعتز بعزة الله فل يستذله الشيطان بوساوسه ول النفس بأهوائها وهوساتها ول الدنيا بزهرتها لما يشاهد من بطلن امتعتها وفناء نعمتها .ويتعلق قلبه بربه الحق الذى هو يحق كل حق بكلماته فل يريد ال وجهه ول يحب ال قربه ول يخاف ال سخطه وبعده يرى لنفسه حياة طاهرة دائمة مخلدة ل يدبر امرها ال ربه الغفور الودود ول يواجهها في طول مسيرها ال الحسن الجميل فقد احسن كل شئ خلقه ول قبيح ال ما قبحه الله من معصيته .فهذا النسان يجد في نفسه من البهاء والكمال والقوة والعزة واللذة والسرور ما ل يقدر بقدر وكيف ل ؟ وهو مستغرق في حياة دائمة ل زوال لها ونعمة باقية ل نفاد لها ول ألم فيها ول كدورة تكدرها وخير وسعادة ل شقاء معها هذا ما يؤيده العتبار وينطق به آيات كثيرة من القرآن ل حاجة إلى ايرادها على كثرتها .فهذه آثار حيوية ل تترتب ال على حياة حقيقية غير مجازية وقد رتبها الله /صفحة / 343 سبحانه على هذه الحياة التى يذكرها ويخصها بالذين آمنوا وعملوا الصالحات فهى حياة حقيقية جديدة يفيضها الله سبحانه عليهم .وليست هذه الحياة الجديدة المختصة بمنفصلة عن الحياة القديمة المشتركة وان كانت غيرها فانما الختلف بالمراتب ل بالعدد فل يتعدد بها النسان كما ان الروح القدسية التى يذكرها الله سبحانه للنبياء ل توجب لهم ال ارتفاع الدرجة دون تعدد الشخصية . هذا ما يعطيه التدبر في الية الكريمة وهو حقيقة قرآنية وبه يظهر وجه توصيفها بالطيب في قوله حياة طيبة كأنها كما اتضح حياة خالصة ل خبث فيها يفسدها في نفسها أو في اثرها . وللمفسرين في الية وجوه من التفسير منها ان الحياة الطيبة هي الحياة التى تكون في الجنة فل موت فيها ول فقر ول سقم ول أي شقاء آخر . ومنها انها الحياة التى تكون في البرزخ ولعل التخصيص من حمل ذيل الية على جنة الخرة . ومنها انها الحياة الدنيوية المقارنة للقناعة والرضا بما قسم الله سبحانه فانها اطيب الحياة .ومنها انها الرزق الحلل إذ ل عقاب عليه .ومنها انها رزق يوم بيوم .ووجوه المناقشة فيها ل تكاد تخفى على الباحث المتدبر فل نطيل بايرادها . وقوله " :ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون " تقدم الكلم فيه في الية السابقة وفي معنى الية قوله تعالى " :ومن عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " المؤمن . 40 :قوله تعالى " :فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " الستعاذة طلب المعاذ والمعنى إذا قرأت القرآن فاطلب منه تعالى ما دمت تقرؤه ان يعيذك من الشيطان الرجيم ان يغويك فالستعاذة المأمور بها حال نفس القارئ ما دام يقرأ وقد أمر ان يوجدها لنفسه ما دام يقرأ واما قول القارئ اعوذ بالله من الشيطان /صفحة 344 /الرجيم أو ما يشابهه من اللفظ فهو سبب ليجاد معنى الستعاذة في النفس وليس بنفسها ال بنوع من المجاز وقد قال سبحانه استعذ بالله ولم يقل قل اعوذ بالله .وبذلك يظهر ان قول بعضهم ان المراد بالقراءة ارادتها فهى مجاز مرسل من قبيل اطلق المسبب وارادة السبب ل يخلو عن تساهل .قوله تعالى " :انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " في مقام التعليل للمر الوارد في الية السابقة أي استعذ بالله حين القراءة ليعيذك منه لنه ليس له سلطان على من آمن بالله وتوكل عليه . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 344 ويظهر من الية اول ان الستعاذة بالله توكل عليه فانه سبحانه بدل الستعاذة في التعليل من التوكل ونفى سلطانه عن المتوكلين .وثانيا ان اليمان والتوكل ملك صدق العبودية كقوله تعالى لبليس " :ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ال من اتبعك من الغاوين " الحجر 42 :فنفى سلطانه عن عباده وقد بدل العباد في هذه الية من الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والعتبار يساعد عليه فان التوكل وهو القاء زمام التصرف في امور نفسه إلى غيره والتسليم لما يؤثره له منها اخص آثار العبودية .قوله تعالى " :انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " ضمائر الفراد الثلثة للشيطان أي ينحصر سلطان الشيطان في الذين يتخذونه وليا لهم يدبر امورهم كما يريد وهم يطيعونه وفي الذين يشركون به إذ يتخذونه وليا من دون الله وربا مطاعا غيره فان الطاعة عبادة كما يشير إليه قوله " :ألم اعهد اليكم يا بنى آدم ان ل تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني " يس . 61 :وبذلك يظهر اول ان ذيل الية يفسر صدرها وان تولى من لم يأذن الله في توليه شرك بالله وعبادة لغيره . وثانيا ان ل واسطة بين التوكل على الله وتولى الشيطان وعبادته فمن لم يتوكل على الله فهو من اولياء الشيطان .وربما قيل ان ضمير الفراد في قوله " :والذين هم به مشركون " راجع إليه / صفحة / 345تعالى وتفيد الية حينئذ ان سلطانه على طائفتين المشركين والذين يتولونه من الموحدين هذا ولزوم اختلف الضمائر يدفعه . قوله تعالى " :وإذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم ل يعلمون " اشارة إلى النسخ وحكمته وجواب عما اتهموه صلى الله عليه وآله وسلم به من الفتراء على الله والظاهر من سياق اليات ان القائلين هم المشركون وان كانت اليهود هم المتصلبين في نفى النسخ ومن المحتمل ان تكون الكلمة مما تلقفه المشركون من اليهود فكثيرا ما كانوا يراجعونهم في امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .وقوله " :وإذا بدلنا آية مكان آية " قال في المفردات البدال والتبديل والتبدل والستبدال جعل شئ مكان آخر وهو اعم من العوض فان العوض هو ان يصير لك الثاني باعطاء الول والتبديل قد يقال للتغيير مطلقا وان لم يأت ببدله قال تعالى " :فبدل الذين ظلموا قول غير الذى قيل لهم " إلى ان قال وقال تعالى " :فمن بدله بعد ما سمعه " وإذا بدلنا آية مكان آية و " بدلناهم بجنتيهم جنتين " " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة " انتهى موضع الحاجة .فالتبديل بمعنى التغيير يخالف التبديل بمعناه المعروف في ان مفعوله الول هو المأخوذ والمطلوب بخلفه بالمعنى المعروف فمعنى قوله وإذا بدلنا آية مكان آية معناه وضعنا الية الثانية مكان الولى بالتغيير فكانت الثانية المبدلة هي الباقية المطلوبة . وقوله " :والله اعلم بما ينزل " كناية عن ان الحق لم يتعد مورده وان الذين انزله هو الحقيق بان ينزل فان الله اعلم به منهم والجملة حالية . وقوله قالوا انما انت مفتر القول للمشركين يخاطبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتهمونه بانه يفترى على الله الكذب فان تبديل قول مكان قول والثبات على رأي ثم العدول عنه مما يتنزه عنه ساحة رب العزة .وقد بالغوا في قولهم إذ لم يقولوا افتريت في هذا التبديل والنسخ بل قالوا انما انت مفتر فقصروه صلى الله عليه وآله وسلم في الفتراء واتوا بالجملة السمية وسموه مفتريا وقد بنوا ذلك على ان ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنخ واحد وهو يسند الجميع إلى ربه ويقول انما انا نذير فإذا كان مفتريا في واحد كان مفتريا في الجميع فليس ال مفتريا / .صفحة / 346وقوله : " بل اكثرهم ل يعلمون " أي اكثر هؤلء المشركين الذين يتهمونك بقولهم انما انت مفتر ل يعلمون حقيقة هذا التبديل والحكمة المؤدية إليه على ما سينكشف في الجواب ان الحكام اللهية تابعة لمصالح العباد ومن المصالح ما يتغير بتغير الوضاع والحوال والزمنة فمن الواجب ان يتغير الحكم بتغير مصلحته فينسخ الحكم الذى ارتفعت مصلحته الموجبة له بحكم آخر حدثت مصلحته .فاكثر هؤلء غافلون عن هذا المر واما القل منهم فهم واقفون على حقيقة المر ولو اجمال غير انهم مستكبرون على الحق معاندون له وانما يلقون القول القاء من غير رعاية جانب الحق .قوله تعالى " :قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين " قد تقدمت في اول السورة اشارة إلى معنى الروح والقدس الطهارة والنزاهة والظاهر ان الضافة للختصاص أي روح طاهرة عن قذارات المادة نزيهة عن الخطأ والغلط والضلل وهو المسمى في موضع آخر من كلمه تعالى بالروح المين وفي موضع آخر بجبريل من الملئكة قال تعالى : " نزل به الروح المين على قلبك " الشعراء 194 : وقال " :من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك " البقرة . 97 : ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 346 فقوله قل نزله روح القدس من ربك امر بالجواب والسبق إلى الذهن ان يكون الضمير راجعا إلى القرآن من جهة كونه ناسخا أي الية الناسخة ويمكن ان يكون راجعا إلى مطلق القرآن وفي التعبير بالتنزيل دون النزال اشارة إلى التدريج . وكان من طبع الكلم ان يقال من ربى لكن عدل عنه إلى قوله من ربك للدللة على كمال العناية والرحمة في حقه صلى الله عليه وآله وسلم كأنه ل يرضى بانقطاع خطابه فيغتنم الفرصة لتكليمه اينما امكن وليدل على ان المراد بالقول المأمور به اخبارهم بذلك ل مجرد التلفظ بهذه اللفاظ فافهم .وقوله " :ليثبت الذين آمنوا " التثبيت تحكيم الثبات وتأكيده بالقاء الثبات بعد الثبات عليهم كأنهم بأصل ايمانهم بالله ورسوله واليوم الخر ثبتوا على الحق وبتجدد الحكم حسب تجدد المصلحة يؤتون ثباتا على ثبات من غير ان يضعف ثباتهم الول بالمضي /صفحة / 347على اعمال ل تطابق مصلحه الوقت فان من الواضح ان من امر بسلوك سبيل لمصلحة غاية فاخذ بسلوكه عن ايمان بالمر الهادى فقطع قطعة منه على حسب ما يأمره به رعاية لمصلحة الغاية بسرعة أو بطء أو في ليل أو نهار ثم تغير نحو المصلحة فلو لم يغير المر الهادى نحو السلوك واستمر على امره السابق لضعف ايمان السالك وانسلب اركانه لكن لو امر بنحو جديد من السلوك يوافق المصلحة ويضمن السعادة زاد ايمانه ثباتا على ثبات .ففى تنزيل القرآن بالنسخ وتجديد الحكم حسب تجدد المصلحة تثبيت للذين آمنوا واعطاء لهم ثباتا على ثبات .وقوله وهدى وبشرى للمسلمين وهم الذين يسلمون الحكم لله من غير اعتراض فالية الناسخة بالنسبة إليهم اراءة طريق وبشارة بالسعادة والجنة .وتفريق الثار بتخصيص التثبيت بالمؤمنين والهدى والبشرى بالمسلمين انما هو لما بين اليمان والسلم من الفرق فاليمان للقلب ونصيبه التثبت في العلم والذعان والسلم في ظاهر العمل ومرحلة الجوارح ونصيبها الهتداء إلى واجب العمل والبشرى بأن الغاية هي الجنة والسعادة .وقد مر بعض الكلم في النسخ في تفسير قوله تعالى " :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " البقرة 106 :في الجزء الول من الكتاب .قوله تعالى " :ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر " افتراء آخر منهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قولهم انما يعلمه بشر وهو كما يلوح إليه سياق اعتراضهم وما ورد في الجواب عنه انه كان هناك رجل اعجمي غير فصيح في منطقه عنده شئ من معارف الديان واحاديث النبوة ربما لقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاتهموه بانه ياخذ ما يدعيه وحيا منه والرجل هو الذى يعلمه وهو الذى حكاه الله تعالى من قولهم انما يعلمه بشر وفي القول ايجاز وتقديره انما يعلمه بشر وينسب من تعلمه منه إلى الله افتراء عليه وهو ظاهر .ومن المعلوم ان الجواب عنه بمجرد ان لسان الرجل اعجمي والقرآن عربي مبين ل يحسم مادة الشبهة من اصلها لجواز ان يلقى إليه المطالب بلسانه العجمي ثم يسبكها /صفحة / 348هو صلى الله عليه وآله وسلم ببلغة منطقه في قالب العربية الفصيحة بل هذا هو السبق إلى الذهن من قولهم انما يعلمه بشر حيث عبروا عن ذلك بالتعليم دون التلقين والملء والتعليم اقرب إلى المعاني منه إلى اللفاظ .وبذلك يظهر ان قوله لسان الذى يلحدون إليه إلى قوله مبين ليس وحده جوابا عن شبهتهم بل ما يتلوه من الكلم إلى تمام آيتين من تمام الجواب .وملخص الجواب مأخوذ من جميع اليات الثلث ان ما اتهمتموه به ان بشرا يعلمه ثم هو ينسبه إلى الله افتراء ان اردتم انه يعلمه القرآن بلفظه بالتلقين عليه وان القرآن كلمه ل كلم الله فجوابه ان هذا الرجل لسانه اعجمي وهذا القرآن عربي مبين .وان اردتم ان الرجل يعلمه معاني القرآن واللفظ ل محالة للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينسبه إلى الله افتراء عليه فالجواب عنه ان الذى يتضمنه القرآن معارف حقة ل يرتاب ذو لب فيها وتضطر العقول إلى قبولها قد هدى الله النبي إليها فهو مؤمن بايات الله إذ لو لم يكن مؤمنا لم يهده الله والله ل يهدى من ل يؤمن باياته واذ كان مؤمنا بايات الله فهو ل يفترى على الله الكذب فانه ل يفترى عليه ال من ل يؤمن باياته فليس هذا القرآن بمفترى ول مأخوذا من بشر ومنسوبا إلى الله سبحانه كذبا . فقوله " :لسان الذى يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين " جواب عن اول شقى الشبهة وهو ان يكون القرآن بلفظه مأخوذا من بشر على نحو التلقين والمعنى ان لسان الرجل الذى يلحدون أي يميلون إليه وينوونه بقولهم انما يعلمه بشر اعجمي أي غير فصيح بين وهذا القرآن المتلو عليكم لسان عربي مبين وكيف يتصور صدور بيان عربي بليغ من رجل اعجمي اللسان ؟ وقوله ان الذين ل يؤمنون إلى آخر اليتين جواب عن ثانى شقى الشبهة وهو ان يتعلم منه المعاني ثم ينسبها إلى الله افتراء . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 348 والمعنى ان الذين ل يؤمنون بايات الله ويكفرون بها ل يهديهم الله إليه وإلى معارفه الحقة الظاهرة ولهم عذاب أليم والنبى صلى الله عليه وآله وسلم مؤمن بايات الله لنه مهدى بهداية الله وانما يفترى الكذب وينسبه إلى الله الذين ل يؤمنون بايات الله واولئك هم الكاذبون المستمرون على الكذب واما مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمن بايات الله فانه ل /صفحة / 349يفترى الكذب ول يكذب فاليتان كنايتان عن ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهدى بهداية الله مؤمن باياته ومثله ل يفترى ول يكذب . والمفسرون قطعوا اليتين عن الية الولى وجعلوا الية الولى هي الجواب الكامل عن الشبهة وقد عرفت انها ل تفى بتمام الجواب .ثم حملوا قوله وهذا لسان عربي مبين على التحدي باعجاز القرآن في بلغته وانت تعلم ان ل خبر في لفظ الية عن ان القرآن معجز في بلغته ول اثر عن التحدي ونهاية ما فيه انه عربي مبين ل وجه لن يفصح عنه ويلفظه اعجمي .ثم حملوا اليتين التاليتين على تهديد اولئك الكفرة بايات الله الرامين لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالفتراء ووعيدهم بالعذاب الليم وقلب الفتراء والكذب إليهم بانهم اولى بالفتراء والكذب بما انهم ل يؤمنون بايات الله فان الله لم يهدهم .ثم تكلموا بالبناء عليه في مفردات اليتين بما يزيد في البتعاد عن حق المعنى .وقد عرفت ان ذلك يؤدى إلى عدم كفاية الجواب في حسم الشكال من اصله ) .بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج احمد عن عثمان بن ابى العاصى قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إذ شخص بصره فقال -اتانى جبريل فأمرني ان اضع هذه الية بهذا الموضع من السورة " :ان الله يأمر بالعدل والحسان إلى قوله تذكرون " .اقول ورواه ايضا عن ابن عباس عن عثمان بن مظعون رضى الله عنه .وفي المجمع وجاءت الرواية ان عثمان بن مظعون قال كنت اسلمت استحياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -لكثرة ما كان يعرض على السلم ولم يقر السلم في قلبى فكنت ذات يوم عنده حال تأمله -فشخص بصره نحو السماء كأنه يستفهم شيئا -فلما سرى عنه سألته عن حاله فقال :نعم بينا انا احدثك إذ رأيت جبرائيل في الهواء فأتاني بهذه الية " :ان الله يأمر بالعدل والحسان " فقرأها علي إلى آخرها فقر السلم في قلبى .واتيت عمه ابا طالب فاخبرته فقال :يا آل قريش اتبعوا محمدا ترشدوا فانه ل /صفحة / 350يأمركم ال بمكارم الخلق وأتيت الوليد بن المغيره وقرأت عليه هذه الية فقال :ان كان محمد قاله فنعم ما قال وان قاله ربه فنعم ما قال .قال فانزل الله " :أفرأيت الذى تولى واعطى قليل واكدى " الحديث .وفيه عن عكرمة قال ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الية على الوليد بن المغيرة فقال يا بن اخى اعد فأعاد فقال ان له لحلوة وان له لطلوة وان اعله لمثمر وان اسفله لمعذق وما هو قول البشر .وفي تفسير القمى باسناده عن اسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه السلم في الية ليس لله في عباده أمر ال العدل والحسان .وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه باسناده عن عمرو بن عثمان قال خرج علي عليه السلم على اصحابه وهم يتذاكرون المروءة فقال اين انتم من كتاب الله ؟ قالوا يا امير المؤمنين في أي موضع ؟ فقال في قوله عز وجل " :ان الله يأمر بالعدل والحسان " فالعدل النصاف والحسان التفضل . اقول ورواه العياشي عن عمرو بن عثمان العاصى عنه عليه السلم ورواه في الدر المنثور عن ابن النجار في تاريخه من طريق العكلى عن ابيه عنه عليه السلم ولفظه مر على بن ابى طالب بقوم يتحدثون فقال فيم انتم ؟ فقالوا نتذاكر المروءة فقال أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول الله إن الله يامر بالعدل والحسان فالعدل النصاف والحسان التفضل .اقول وقد ورد في عدة روايات تفسير العدل بالتوحيد أو بالشهادتين وتفسير الحسان بالولية وفي اخرى ارجاع تحريم نقض العهد بوجوب الثبات على الولية .وفي تفسير القمى في قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة الية قال قال عليه السلم :القنوع وفي المعاني باسناده عن ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابى عبد الله عليه السلم قال :قيل له ان ابا الخطاب يذكر عنك انك قلت -إذا عرفت الحق فاعمل بما شئت فقال لعن الله ابا الخطاب والله ما قلت هكذا -ولكني قلت له إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك -ان الله عز وجل يقول من عمل صالحا من /صفحة / 351ذكر أو انثى -وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ويقول من عمل صالحا من ذكر أو انثى -وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة . اقول وهو ما قدمناه في معنى الية .وفي الكافي باسناده عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلم قال :قلت له فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله -إلى قوله يتوكلون فقال يا محمد يسلط والله من ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 351 المؤمن على بدنه ول يسلط على دينه قد سلط على ايوب فشوه خلقه ولم يسلط على دينه وقد يسلط من المؤمنين على ابدانهم ول يسلط على دينهم .قلت له قوله عز وجل انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون قال الذين هم بالله مشركون يسلط على ابدانهم وعلى اديانهم .اقول ورواه العياشي عن ابى بصير عنه عليه السلم وارجاع ضمير به إلى الله احد المعنيين في الية .وفي الدر المنثور اخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب اليمان عن ابن عباس " :في قوله انما يعلمه بشر قال قالوا -انما يعلم محمدا عبدة بن الحضرمي وهو صاحب الكتب فقال الله لسان الذى يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين وفي تفسير العياشي عن محمد بن عزامة الصيرفى عمن اخبره عن ابى عبد الله عليه السلم قال :ان الله عز وجل خلق روح القدس -فلم يخلق خلقا اقرب إلى الله منها وليست بأكرم خلقه عليه فإذا اراد امرا القاه إليها فألقاه إلى النجوم فجرت به قوله تعالى ) ( 1 ولقد نعلم انهم يقولون -انما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه وهو لسان ابى فكيهة مولى بنى الحضرمي -كان اعجمي اللسان -وكان قد اتبع نبى الله وآمن به وكان من اهل الكتاب فقالت قريش -هذا والله يعلم محمدا علمه بلسانه يقول الله وهذا لسان عربي مبين ) * .هامش ( * ) ( 1 هذا الذيل مذكور في تفسير البرهان نقل عن العياشي لكنه غير موجود في النسخة المطبوعة اخيرا من التفسير / ( * ) .صفحة / 352اقول والروايات في هذا الرجل مختلفة ففى هذه الرواية انه أبو فكيهة مولى بنى الحضرمي وفي الرواية السابقة انه عبدة بن الحضرمي وعن قتادة انه عبدة بن الحضرمي وكان يسمى مقيص وعن السدى انه كان عبدا لبنى الحضرمي نصرانيا كان قد قرأ التوراة والنجيل يقال له أبو بشر وعن مجاهد انه ابن الحضرمي كان اعجميا يتكلم بالرومية وعن ابن عباس ايضا في رواية انه كان قينا بمكة اسمه بلعام وكان عجمى اللسان فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا انما يعلمه بلعام .والمتيقن من مضامينها انه كان رجل روميا مولى لبنى الحضرمي يسكن مكة نصرانيا له خبرة بكتب اهل الكتاب رموه بانه يعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم .وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن الضحاك في الية قال :كانوا يقولون انما يعلمه سلمان الفارسى فأنزل الله لسان الذى يلحدون إليه اعجمي اقول وهو ل يلئم كون الية مكية .وفيه اخرج ابن الخرائطي في مساوى الخلق وابن عساكر في تاريخه عن عبد الله ابن جراد انه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل يزنى المؤمن ؟ قال -قد يكون ذلك قال هل يسرق المؤمن ؟ قال قد يكون ذلك قال هل يكذب المؤمن ؟ قال ل ثم اتبعها نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم انما يفترى الكذب الذين ل يؤمنون وفي تفسير العياشي عن العباس بن الهلل عن ابى الحسن الرضا عليه السلم :انه ذكر رجل كذابا ثم قال قال الله انما يفترى الكذب الذين ل يؤمنون * * * من كفر بالله من بعد ايمانه إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم 106 - ذلك بانهم استحبوا الحياة الدنيا على /صفحة 353 /الخرة وان الله ل يهدى القوم الكافرين 107 - اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك هم الغافلون 108 -ل جرم انهم في الخرة هم الخاسرون 109 -ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم 110 -يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم ل يظلمون ) 111 -بيان ( في اليات وعيد على الكفر بعد اليمان وهو الرتداد ووعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا المجاهدين الصابرين في الله وفيها تعرض لحكم التقية .قوله تعالى : " من كفر بالله من بعد ايمانه إل من اكره " الطمئنان السكون والستقرار والشرح البسط قال في المفردات اصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر أي بسطه بنور الهى وسكينة من جهة الله وروح منه قال تعالى " :رب اشرح لى صدري ألم نشرح لك صدرك " أفمن شرح الله صدره وشرح المشكل من الكلم بسطه واظهار ما يخفى من معانيه انتهى .وقوله من كفر بالله من بعد ايمانه شرط جوابه قوله فعليهم غضب من الله وعطف عليه قوله ولهم عذاب عظيم وضمير الجمع في الجزاء عائد إلى اسم الشرط من لكونه بحسب المعنى كليا ذا افراد .وقوله إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان استثناء من عموم الشرط والمراد / صفحة / 354بالكراه الجبار على كلمة الكفر والتظاهر به فان القلب ل يقبل الكراه والمراد استثنى من اكره على الكفر بعد اليمان فكفر في الظاهر وقلبه مطمئن باليمان وقوله ولكن من شرح بالكفر صدرا أي بسط صدره للكفر فقبله قبول ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 354 رضى ووعاه والجملة استدراك من الستثناء فيعود إلى معنى المستثنى منه فان المعنى ما اريد بقولى من كفر بالله من بعد ايمانه من اكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن اريد به من شرح بالكفر صدرا وفي مجموع الستثناء والستدراك بيان كامل للشرط وهذه هي النكتة لعتراض الستثناء بين الشرط والجزاء وعدم تأخيره إلى ان تتم الشرطية .وقيل قوله من كفر بدل من الذين ل يؤمنون بآيات الله في الية السابقة وقوله واولئك هم الكاذبون جملة معترضة وقوله ال من اكره استثناء من ذلك وقوله ولكن من شرح مبتدأ خبره أو القائم مقام خبره قوله فعليهم غضب من الله . والمعنى على هذا انما يفترى الكذب الذين كفروا من بعد ايمانهم إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان وعند ذلك تم الكلم ثم بدأ فقال ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله . والذوق السليم يكفى مؤنة هذا الوجه على ما به من السخافة .قوله تعالى " :ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الخرة وان الله ل يهدى القوم الكافرين " بيان لسبب حلول غضب الله بهم وثبوت العذاب العظيم عليهم وهو انهم اختاروا الحياة الدنيا وهى الحياة المادية التى ل غاية لها ال التمتع الحيوانى والشتغال بمشتهيات النفس على الخرة التى هي حياة دائمة مؤبدة في جوار رب العالمين وهى غاية الحياة النسانية .وبعبارة اخرى هؤلء لم يريدوا ال الدنيا وانقطعوا عن الخرة وكفروا بها والله ل يهدى القوم الكافرين واذ لم يهدهم الله ضلوا عن طريق السعادة والجنة والرضوان فوقعوا في غضب من الله وعذاب عظيم .قوله تعالى " :اولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم واولئك /صفحة / 355هم الغافلون اشارة إلى ان اختيار الحياة الدنيا على الخرة والحرمان من هداية الله سبحانه هو الوصف الذى يوصف به الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم والذين يسمون غافلين .فانهم باختيارهم الحياة الدنيا غاية لنفسهم وحرمانهم من الهتداء إلى الخرى انقطعوا عن الخرة وتعلقوا بالدنيا وجعلوها غاية لنفسهم فوقف حسهم وعقلهم فيها دون ان يتعدياها إلى ما وراءها وهو الخرة فليسوا يبصرون ما يعتبرون به ول يسمعون عظة يتعظون بها ول يعقلون حجة يهتدون بها إلى الخرة .فهم مطبوع على قلوبهم وسمعهم وابصارهم فل تنال قلوبهم ول سمعهم وابصارهم ما يدلهم على الخرة وهم غافلون عنها ل يتنبهون لشئ من امرها .فظهر ان ما في الية السابقة من الوصف بمنزلة المعرف لما في هذه الية من الطبع ومن الغفلة فعدم هداية الله اياهم اثر ما تعلقوا بالدنيا هو معنى الطبع والغفلة والطبع صنع الهى منسوب إليه تعالى فعله بهم مجازاة والغفلة صفة منسوبة إليهم انفسهم .قوله تعالى " :ل جرم انهم في الخرة هم الخاسرون لنهم ضيعوا رأس مالهم في الدنيا فبقوا ل زاد لهم يعيشون به في اخراهم وقد وقع في نظير المقام من سورة هود " :ل جرم انهم في الخرة هم الخسرون " هود 22 :ولعل وجه التشديد هناك انه تعالى اضاف إلى صفاتهم هناك انهم صدوا عن سبيل الله فراجع .قوله تعالى " :ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم " الفتنة في الصل ادخال الذهب النار ليظهر جودته ثم استعمل في مطلق البلء والتعذيب وقد كانت قريش ومشركو مكة يفتنون المؤمنين ليردوهم عن دينهم ويعذبونهم بانواع العذاب حتى ربما كانوا يموتون تحت العذاب كما فتنوا عمارا وأباه وامه فقتل ابواه وارتد عمار ظاهرا فتفصى منهم بالتقية وفي ذلك نزلت اليات السابقة كما سيأتي ان شاء الله في البحث الروائي .ومن هنا يظهر ان للية اتصال بما قبلها من قوله ال من اكره وقلبه مطمئن باليمان وهى في معنى قولنا وبعد ذلك كله ان الله غفور رحيم للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا / .صفحة / 356فقوله ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا وعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا بالمغفرة والرحمة يوم القيامة قبال ما اوعد غيرهم بالخسران التام يومئذ وقد قيد ذلك بالجهاد والصبر بعد المهاجرة وقوله ان ربك من بعدها لغفور رحيم بمنزلة تلخيص صدر الكلم لطوله ليلحق به ذيله ويفيد فائدة التأكيد كقولنا زيد في الدار زيد في الدار كذا وكذا ويفيد ان لما ذكر من قيود الكلم دخل في الحكم فالله سبحانه ل يرضى عنهم ال أن يهاجروا ول عن هجرتهم ال ان يجاهدوا بعدها ويصبروا .قوله تعالى " :يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم ل يظلمون " اتيان النفس يوم القيامة كناية عن حضورها عند الملك الديان كما قال فانهم لمحضرون " الصافات 127 -والضمير في قوله عن نفسها للنفس ول ضير في اضافة النفس إلى ضمير النفس فان النفس ربما يراد بها الشخص النساني كقوله " من قتل نفسا بغير نفس " المائدة 22 :وربما يراد بها التأكيد ويتحدد معناها بما ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 356 تقدمها من المؤكد سواء كان انسانا أو غيره كما يقال النسان نفسه والفرس نفسه والحجر نفسه والسواد نفسه ويقال نفس النسان ونفس الفرس ونفس الحجر ونفس السواد وقوله عن نفسها المراد فيه بالمضاف المعنى الثاني وبالمضاف إليه المعنى الول وقد دفع التعبير بالضمير بشاعة تكرار اللفظ بالضافة وفي هذا المقدار كفاية عن البحاث الطويلة التى اوردها المفسرون .وقوله يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها الظرف متعلق بقوله في الية السابقة لغفور رحيم ومجادلة النفس عن نفسها دفاعها عن نفسها وقد نسيت كل شئ وراء نفسها على خلف ما كانت عليه في الدنيا من التعلق بكل شئ دون نفسها بنسيانها وليس ذلك ال لظهور حقيقة المر عليها وهى ان النسان ل سبيل له إلى ما وراء نفسه وليس له في الحقيقة ال ان يشتغل بنفسه .فاليوم تأتى النفس وتحضر للحساب وهى تجادل وتصر على الدفاع عن نفسها بما تقدر عليه من العذار .وقوله وتوفى كل نفس ما عملت وهم ل يظلمون التوفية اعطاء الحق تاما / صفحة / 357من غير تنقيص وقد علق التوفية على نفس العمل إذ قيل ما عملت فأفيد ان الذى اعطيته نفس العمل من غير ان يتصرف فيه بتغيير أو تعويض وفيه كمال العدل حيث لم يضف إلى ما استحقته شئ ول نقص منه ولذلك عقبه بقوله وهم ل يظلمون ففى الية اشارة اول إلى ان نفسا ل تدافع يوم القيامة ول تجادل عن غيرها بل انما تشتغل بنفسها ل فراغ لها لغيرها كما قال " :يوم ل يغنى مولى عن مولى شيئا " الدخان 41 -وقال " :يوم ل ينفع مال ول بنون " الشعراء 88 -وقال " :يوم ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة " البقرة . 254 :وثانيا إلى ان الجدال ل ينفعها في صرف ما استحقتها من الجزاء شيئا فان الذى تجزاه هو عين ما عملت ول سبيل إلى تغيير هذه النسبة وليس من الظلم في شئ . ) بحث روائي ( في الدر المنثور اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال " :لما اراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يهاجر إلى المدينة قال لصحابه -تفرقوا عنى فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل -ومن لم تكن به قوة فليذهب في اول الليل -فإذا سمعتم بى قد استقرت بى الرض فالحقوا بى . فأصبح بلل المؤذن وخباب وعمار -وجاريه من قريش كانت اسلمت فاصبحوا بمكة فاخذهم المشركون وابو جهل فعرضوا على بلل -ان يكفر فأبى فجعلوا يضعون درعا من حديد في الشمس - ثم يلبسونها اياه فإذا البسوها اياه قال أحد أحد واما خباب فجعلوا يجرونه في الشوك -واما عمار فقال لهم كلمه اعجبتهم تقية -واما الجارية فوتد لها أبو جهل اربعة اوتاد ثم مدها فادخل الحربة في قلبها حتى قتلها ثم خلوا عن بلل وخباب وعمار فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -فاخبروه بالذى ) كان ( من امرهم واشتد على عمار الذى كان تكلم به فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -كيف كان قلبك حين قلت الذى قلت ؟ أكان منشرحا بالذى قلت ام ل ؟ قال ل قال -وانزل الله ال من اكره وقلبه مطمئن باليمان / .صفحة / 358اقول والجارية المذكورة في الرواية هي سمية ام عمار وكان معهم ياسر أبو عمار وقيل وكان أبو عمار اول شهيدين في السلم وقد استفاضت الروايات على قتلهما بالفتنة واظهار عمار الكفر تقية ونزول الية فيه .وفيه اخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلئل من طريق ابى عبيدة بن محمد بن عمار عن ابيه قال " :اخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه .فلما اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما وراءك شئ ؟ قال شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير -قال كيف تجد قلبك ؟ قال مطمئن باليمان قال ان عادوا فعد فنزلت ال من اكره وقلبه مطمئن باليمان وفي المجمع عن ابن عباس وقتاده " :ان الية نزلت في جماعة اكرهوا -وهم عمار وياسر ابوه وامه سمية وصهيب وبلل وخباب عذبوا وقتل أبو عمار وامه وأعطاهم عمار بلسانه -ما ارادوا منه ثم اخبر سبحانه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قوم كفر عمار فقال صلى الله عليه وآله وسلم كل ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه إلى قدمه -واختلط اليمان بلحمه ودمه .وجاء عمار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكى -فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما وراءك ؟ فقال شر يا رسول الله -ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح عينيه ويقول ان عادوا لك فعد لهم بما قلت فنزلت الية وفي الدر المنثور اخرج ابن سعد عن عمر بن الحكم قال كان عمار بن ياسر يعذب حتى ل يدرى ما يقول - وكان صهيب يعذب حتى ل يدرى ما يقول -وكان أبو فكيهة يعذب حتى ل يدرى ما يقول -وبلل وعامر وابن فهيرة وقوم من المسلمين -وفيهم نزلت ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 358 هذه الية " ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا " .اقول وسمى منهم في بعض الروايات عباس بن ابى ربيعة وفي بعضها الخر هو والوليد بن ابى ربيعة والوليد بن الوليد بن المغيرة وابو جندل بن سهيل بن عمرو واجمع رواية في ذلك ما عن ابن عباس ان هذه الية نزلت فيمن كان يفتن من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم -ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا /صفحة / 359وفي الكافي باسناده عن ابى عمرو الزبيري عن ابى عبد الله عليه السلم في حديث قال :فاما ما فرض على القلب من اليمان - القرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن ل اله ال الله وحده ل شريك له الها واحدا -لم يتخذ صاحبة ول ولدا -وان محمدا عبده ورسوله - والقرار بما جاء به من عند الله من نبى أو كتاب - فذلك ما فرض الله على القلب من القرار والمعرفة -وهو عمله وهو قول الله عز وجل " ال من اكره وقلبه مطمئن باليمان -ولكن من شرح بالكفر صدرا " وفيه باسنادة عن مسعدة بن صدقة قال :قيل لبي عبد الله عليه السلم ان الناس يروون إن عليا عليه السلم قال على منبر الكوفة -يا ايها الناس انكم ستدعون إلى سبى فسبوني ثم تدعون إلى البراءة منى فل تبرؤوا منى -قال ما اكثر ما يكذبون الناس على علي عليه السلم ثم قال انما قال انكم ستدعون إلى سبى فسبوني -ثم تدعون إلى البراءة وانى لعلى دين محمد - ولم يقل ول تبرؤوا منى .فقال له السائل أرايت ان اختار القتل دون البراءة ؟ قال والله ما ذاك عليه وما له -ال ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه اهل مكة -وقلبه مطمئن باليمان فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها يا عمار ان عادوا فعد فقد انزل الله عذرك ال من اكره وقلبه مطمئن باليمان وأمرك ان تعود إن عادوا اقول وروى هذا المعنى العياشي في تفسيره عن معمر بن يحيى بن سالم عن ابى جعفر عليه السلم وقوله عليه السلم وامرك ان تعود ان عادوا يستفاد ذلك من الية حيث لم يرد الستثناء فيها من الشخص بل وردت على العنوان وهو اكراه من اطمأن قلبه باليمان واما كونه امرا منه تعالى كما امر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلعل الوجه ان صريح الستثناء هو الجواز ومع جواز ذلك ل مساغ للباء الذى هو عرض النفس للقتل والقاؤها في التهلكة فيجامع هذا الجواز الوجوب دون الباحة .وفي تفسير العياشي عن عمرو بن مروان قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :رفع عن امتى اربعة خصال -ما اخطأوا وما نسوا وما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وذلك في كتاب الله " ال من اكره وقلبه مطمئن باليمان " * * * / صفحة / 360وضرب الله مثل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون 112 -ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون 113 -فكلوا مما رزقكم الله حلل طيبا واشكروا نعمة الله ان كنتم اياه تعبدون 114 -انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ول عاد فان الله غفور رحيم 115 - ول تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب ل يفلحون 116 -متاع قليل ولهم عذاب أليم 117 -وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون 118 -ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك واصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم 119 -إن ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين 120 -شاكرا لنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم 121 -وآتيناه في الدنيا حسنة وانه في الخرة لمن الصالحين 122 -ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين / 123 -صفحة / 361انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 124 -ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين 125 -وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين 126 -واصبر وما صبرك ال بالله ول تحزن عليهم ول تك في ضيق مما يمكرون 127 - ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون 128 - ) بيان ( تتمة آيات الحكام السابقة تذكر فيها محرمات الكل ومحللته ونهى عن التحليل والتحريم ابتداعا بغير اذن الله وذكر بعض ما شرع لليهود من الحكام التى نسخت بعد وفي ذلك عطف على ما تقدم من حديث النسخ في قوله وإذا بدلنا آية مكان آية واشارة إلى ان ما انزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم انما هو دين ابراهيم عليه السلم المبنى على العتدال والتوحيد مرفوعا عنه ما في دين اليهود من التشديد عليهم قبال ظلمهم . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 361 وفي آخرها امر بالعدل في المعاقبة وندب إلى الصبر والحتساب ووعد جميل بالنصرة والكفاية ان اتقوا واحسنوا .قوله تعالى " :ضرب الله مثل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا " إلى آخر الية الرغد من العيش هو الواسع الطيب .هذا مثل ضربه الله تعالى فوصف فيه قرية آتاها ما تحتاج إليه من نعم الحياة وأتم ذلك كله بنبى بعثه إليهم يدعوهم إلى ما فيه صلح دنياهم واخراهم فكفروا بأنعمه وكذبوا رسوله فبدل الله نعمته نقمة وعذبهم بما ظلموا بتكذيب رسوله وفي المثل /صفحة / 362تحذير عن كفران نعمة الله بعد إذ بذلت والكفر باياته بعد إذ انزل وفيه توطئة وتمهيد لما سيذكره من محللت الكل ومحرماته وينهى عن تشريع الحلل والحرام بغير اذن الله كل ذلك بالستفادة من سياق اليات فان كل سابقة منها تسوق النظر إلى اللحقة .وقيل ان هذه القرية هي مكة عذبهم الله بالجوع سبع سنين لما كفروا بأنعم الله وقد وسعها عليهم وكذبوا رسوله وقد ارسله إليهم فابتلوا بالقحط وكان يغار عليهم قوافلهم بسخط من الله سبحانه لما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكره في المجمع ونسبه إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة .وفيه ان ل اشكال في انه في نفسه يقبل النطباق على ما ذكر لكن سياق اليات انما يلئم كونه مثل عاما مذكورا توطئة وتمهيدا لما بيناه .فقوله ضرب الله مثل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا وصف القرية بثلثة اوصاف متعاقبة غير ان الوسط منها وهى الطمئنان كالرابط بين الطرفين فان القرية إذا أمنت المخاطرات كمهاجمة الشرار وشن الغارات وقتل النفوس وسبى الذرارى ونهب الموال وكذا أمنت الحوادث الطبيعية كالزلزل وغيرها اطمأنت وسكنت فلم يضطر اهلها إلى الجلء والتفرق . ومن كمال اطمئنانها ان يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ول يلجأ اهلها إلى الغتراب وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمل المشاق البالغة في طلب الرزق وجلبه إليها .فاتصاف القرية بصفاتها الثلث المذكورة المن والطمئنان واتيان رزقها إليها من كل مكان يتم ويكمل لها جميع النعم المادية الصورية وسيضيف سبحانه إليها النعم المعنوية في الية التالية ولقد جاءهم رسول منهم فهى قرية أتم اللة نعمة عليها واكملها .وقوله فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف التعبير بأنعم الله وهو جمع قلة للشارة بها إلى الصناف المذكورة وهى ثلثة المن والطمئنان واتيان الرزق والذاقة استعارة لليصال اليسير فاذاقة الجوع والخوف مشعر بأن الذى يوصلهما قادر على تضعيف ذلك وتكثيره بما ل يقدر بقدر كيف ل ؟ وهو الله الذى له القدرة كلها / .صفحة / 363ثم اضافة اللباس إلى الجوع والخوف وفيها دللة على الشمول والحاطة كما يشمل اللباس البدن ويحيط به تشعر بأن هذا المقدار اليسير من الجوع والخوف الذى اذاقهم شملهم كما يشمل اللباس بدن النسان وهو سبحانه قادر على ان يزيد على ذلك فهو المتناهى في قهره وغلبته وهم المتناهون في ذلتهم وهوانهم .ثم ختم الية بقوله بما كانوا يصنعون للدللة على ان سنة المجازاة في الشكر والكفر قائمة على ساق .والمعنى ضرب الله مثل مثل قرية كان اهلها آمنين من كل شر وسوء يهددهم في نفوسهم واعراضهم واموالهم ساكنين غير مضطرين يأتيهم رزقهم طيبا واسعا من كل مكان من غير أن يضطروا إلى السفر والغتراب فكفر اهلها بهذه النعم اللهية ولم يشكروه سبحانه فأنالهم الله شيئا يسيرا من نقمته بسلب هذه النعم وهو الجوع والخوف اللذان عماهم وشملهم قبال ما استمروا عليه بكفران النعم جزاء لكفرانهم .قوله تعالى " :ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون " وهذا هو النعمة المعنوية التى اضافها إلى نعمه المادية المذكورة وكان فيها صلح معاشهم ومعادهم وتحذير لهم من الكفران بأنعم الله وشرح ما فيه من الشؤم والشقاء لكنهم كذبوا رسولهم الذى هو منهم يعرفونه ويدرون انه انما يدعوهم لمر الهى ويهديهم إلى سبيل الرشاد وسعادة الجد فظلموا ذلك فأخذهم العذاب بظلمهم .وبهذا التقرير يظهر ما في القيود المأخوذة في الية من النكات .قوله تعالى " : فكلوا مما رزقكم الله حلل طيبا " إلى آخر الية تفريع على ما تحصل من المثل نتيجة والتقدير إذا كان الحال هذا الحال وكان في كفران هذا الرزق الرغد عذاب وفي تكذيب الدعوة عذاب فكلوا مما رزقكم الله حال كونه حلل طيبا أي لستم بممنوعين منه وانتم تستطيبونه فكلوا منه واشكروا نعمة الله ان كنتم إياه تعبدون .وقد ظهر بذلك اول ان الية مسوقة لتحليل طيبات الرزق مطلقا فل سبيل إلى ما ذكره بعضهم إن المراد فكلوا مما رزقكم الله من الغنائم رزقا حلل طيبا بناء على ان الية /صفحة / 364نزلت بعد وقعة بدر والمثل السابق مثل مضروب لهل مكة والمراد بالرسول الذى كذبوه هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالعذاب الذى اخذهم هو القتل الذريع لصناديدهم يوم بدر . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 364 وهذا كله مما ل دليل عليه من طريق لفظ اليات على انه قد تأيد سابقا انها مكية .وثانيا ان المراد بالحل والطيب كون الرزق بحيث لم يحرم منه النسان طبعا وطبعه يستطيبه أي الحل والطيب بحسب الطبع وذلك ملك الحلية الشرعية التى تتبع الحلية بحسب الفطرة فان الدين فطرى لن الله سبحانه فطر النسان مجهزا بجهاز التغذية وجعل اشياء ارضية من الحيوان والنبات ملئمة لقوامه يميل إليها طبعه من غير نفرة فله ان يأكل منها وهو الحل .وثالثا ان قوله فكلوا امرمقدمى بالنسبة إلى قوله واشكروا نعمة الله وذكر النعمة تلويح إلى سبب الحكم فان كون الشئ نعمة هو السبب في وجوب الشكر عليه . ورابعا ان قوله ان كنتم اياه تعبدون خطاب للمؤمنين فانهم هم الذين يعبدون الله ول يعبدون غيره والقصر في الجملة الذى يدل عليه تقديم المفعول على الفعل قصر القلب وغيرهم وهم المشركون انما يعبدون الصنام واللهة من دون الله .وجعل الخطاب للمشركين ودعوى ان المراد بالعبادة في قوله ان كنتم إياه تعبدون الطاعة أو ان المعنى ان صح زعمكم انكم تقصدون بعبادتكم للهتكم عبادته تعالى ل يرجع إلى طائل فان جعل العبادة بمعنى الطاعة يحتاج إلى قرينة ول قرينة والمشركون ل يعبدون الله سبحانه ولو باشراكه في العبادة ول يقصدون بعبادة آلهتهم عبادته تعالى بل ينزهونه تعالى عن عبادتهم لكونه اجل من ان يناله ادراك أو ينتهى إليه توجه .وكون الخطاب في الية للمؤمنين يوجب كون المثل مضروبا لجلهم ورجوع سائر الخطابات التشريعية فيما قبل الية وما بعدها متوجهة إليهم وربما قيل ان الخطاب لعامة الناس أعم من المؤمن والكافر وتطبيقه على اليات ل يخلو من تكلف وان كان دون تخصيص الخطاب بالمشركين اشكال / . صفحة / 365قوله تعالى " :انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ول عاد فان الله غفور رحيم " تقدم الكلم في معنى الية في تفسير سورة البقرة الية 173وسورة المائدة الية 3وسورة النعام الية . 145والية بمعناها على اختلف ما في لفظها واقعة في اربعة مواضع من القرآن في سورتي النعام والنحل وهما مكيتان من اوائل ما نزلت بمكة وأواخرها وفي سورتي البقرة والمائدة وهما من اوائل ما نزلت بالمدينة واواخرها وهى تدل على حصر محرمات الكل في الربع المذكورة الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به كما نبه عليه بعضهم .لكن بالرجوع إلى السنة يظهر ان هذه هي المحرمات الصلية التى عنى بها في الكتاب وما سوى هذه الربع من المحرمات مما حرمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من ربه وقد قال تعالى " : ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر 7 :وقد تقدم بعض الروايات الدالة على هذا المعنى .قوله تعالى ول تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب الخ ما في قوله لما تصف مصدرية والكذب مفعول تصف أي ل تقولوا هذا حلل وهذا حرام بسبب وصف السنتكم لغاية افتراء الكذب على الله .وكون الخطاب في اليات للمؤمنين على ما يؤيده سياقها كما مر أو لعامة الناس يؤيد ان يكون المراد بقوله ول تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام النهى عن البتداع بادخال حلل أو حرام في الحكام الجارية في المجتمع المعمولة بينهم من دون ان ينزل به الوحى فان ذلك من ادخال ما ليس من الدين في الدين وافتراء على الله وان لم ينسبه واضعه إليه تعالى وذلك ان الدين في عرف القرآن هو سنة الحياة وقد تكرر منه سبحانه قوله يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أو ما يقرب منه فالدين لله ومن زاد فيه شيئا فقد نسبه إليه تعالى افتراء عليه وان سكت عن السناد أو نفي ذلك بلسانه . وذكر الجمهور ان المراد بالية النهى عما كان المشركون يحلونه كالميتة والدم وما /صفحة 366 /أهل لغير الله به أو يحرمونه كالبحيرة والسائبة وغيرهما والسياق كما مر ل يؤيده .ثم قال سبحانه في مقام تعليل النهى ان الذين يفترون على الله الكذب ل يفلحون ثم بين حرمانهم من الفلح بقوله متاع قليل ولهم عذاب اليم .قوله تعالى " :وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل " الخ المراد بقوله ما قصصنا عليك من قبل كما قيل ما قصه تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في سورة النعام وقد نزلت قبل سورة النحل بل اشكال بقوله " :وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر " إلى آخر الية النعام : . 146والية في مقام دفع الدخل وفيها عطف على مسألة النسخ المذكورة سابقا كأن قائل يقول فإذا كانت محرمات الكل منحصرة في الربع المذكورة الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به وكان ما وراءها حلل فما هذه الشياء المحرمة على بنى اسرائيل من قبل ؟ هل هذا إل ظلم بهم ؟ فأجاب عنه بأنا حرمنا عليهم ذلك وما ظلمناهم في تحريمه ولكنهم كانوا يظلمون ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 366 انفسهم فنحرم عليهم بعض الشياء أي انه كان محلل لهم مأذونا فيه لكنهم ظلموا انفسهم وعصوا ربهم فجزيناهم بتحريمه عقوبة كما قال سبحانه في موضع آخر فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم الية ولو انهم بعد ذلك كله رجعوا إلى ربهم وتابوا عن معاصيهم تاب الله عليهم ورفع الحظر عنهم وأذن لهم فيما منعهم عنه انه لغفور رحيم .فقد ظهر إن الية متصلة بما قبلها من حديث التحليل والتحريم وانها كالجواب عن سؤال مقدر وان ما بعدها من قوله ثم ان ربك للذين عملوا السوء الية متصل بها متمم لمضمونها .قوله تعالى " :ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك واصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم الجهالة والجهل واحد وهو في الصل ما يقابل العلم لكن الجهالة كثيرا ما تستعمل بمعنى عدم النكشاف التام للواقع وان لم يخل المحل عن علم ما مصحح للتكليف كحال من يقترف المحرمات وهو يعلم بحرمتها لكن الهواء النفسانية تغلبه وتحمله على المعصية ول تدعه يتفكر في حقيقة هذه المخالفة /صفحة / 367والمعصية فله علم بما ارتكب ولذلك يؤاخذ ويعاقب على ما فعل وهو مع ذلك جاهل بحقيقة المر ولو تبصر تمام التبصر لم يرتكب والمراد بالجهالة في الية هذا المعنى إذ لو كان المراد هو الول وكان ما ذكر من عمل السوء مجهول من حيث حكمه أو من حيث موضوعه لم يكن العمل معصية حتى يحتاج إلى التوبة فالمغفرة والرحمة .والية كما تقدمت الشارة إليه متصلة بما قبلها متممة لمضمونها ومعنى اليتين انا لم نظلم بنى اسرائيل في تحريم الطيبات التي حرمناها لهم بل هم الذين ظلموا انفسهم حيث ارتكبوا المعاصي واصروا عليها فأدى ذلك إلى تحريم الطيبات عليهم وبعد ذلك كله باب المغفرة والرحمة مفتوح وان ربك للذين عملوا السوء أي عملوا عمل سوء وهو السيئة بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك واصلحوا حتى يتبين التوبة وتستقر إن ربك من بعدها أي من بعد التوبة لغفور رحيم .وفي تقييد التوبة أول بالصلح ثم ارجاع الضمير اخيرا إليها وحدها في قوله إن ربك من بعدها لغفور دللة على إن شمول المغفرة والرحمة من تبعات التوبة واما الصلح فانما هو لتبيين التوبة وظهور كونها توبة حقيقية ورجوعا جديا ل مجرد صورة خالية عن المعنى .وقوله في ذيل الية ان ربك من بعدها تلخيص لتفصيل قوله في صدرها إن ربك للذين الخ وفائدته حفظ فهم السامع عن التشوش والضلل وابراز العناية ببعدية المغفرة والرحمة بالنسبة إلى التوبة نظير ما مر من قوله ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم .قوله تعالى " :إن ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " الية وما يتلوها على اتصالها بما تقدم من حصر محرمات الكل في الربع وتحليل ما وراءها وهذه الية إلى تمام اربع آيات بمنزلة التفصيل لما تقدمها كأنه قيل هذا حال ملة موسى التي حرمنا فيها على بنى اسرائيل بعض ما احل لهم من الطيبات واما هذه الملة التي انزلناها اليك فانما هي الملة التي تحقق بها ابراهيم فاجتباه الله وهداه إلى صراط مستقيم واصلح بها دنياه وآخرته وهي ملة معتدلة جارية على الفطرة تحلل الطيبات /صفحة / 368 وتحرم الخبائث يجلب العمل بها من الخير ما جلبه لبراهيم عليه السلم منه .فقوله إن ابراهيم كان امة قال في المفردات وقوله ان ابراهيم كان امة قانتا لله أي قائما مقام جماعة في عبادة الله نحو قولهم فلن في نفسه قبيلة انتهى وهو قريب مما نقل عن ابن عباس وقيل معناه المام المقتدى به وقيل انه كان أمة منحصرة في واحد مدة من الزمان لم يكن على الرض موحد يوحد الله غيره .وقوله قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين القنوت الطاعة والعبادة أو دوامها والحنف الميل من الطرفين إلى حاق الوسط وهو العتدال .قوله تعالى " :شاكرا لنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم " الجتباء من الجباية وهو الجمع واجتباء الله النسان هو اخلصه لنفسه وجمعه من التفرق في المذاهب المختلفة وفي تعقيب قوله شاكرا لنعمه بقوله اجتباه الخ مفصول اشعار بالعلية وذلك يؤيد ما تقدم في سورة العراف في تفسير قوله " :ول تجد اكثرهم شاكرين " العراف 17 :إن حقيقة الشكر هو الخلص في العبودية .قوله تعالى " :وآتيناه في الدنيا حسنة وانه في الخرة لمن الصالحين " الحسنة هي المعيشة الحسنة فقد كان عليه السلم ذا مال كثير ومروة عظيمة .وقد بسطنا الكلم في معنى الجتباء في تفسير سورة يوسف عند الية 6وفي معنى الهداية والصراط المستقيم في تفسير الفاتحة عند قوله " اهدنا الصراط المستقيم " الية 6 :وفي معنى قوله " : وانه في الخرة لمن الصالحين " البقرة 130 : فراجع .وفي توصيفه تعالى ابراهيم عليه السلم بما وصفه من الصفات اشارة إلى انها من مواهب هذا الدين الحنيف فان انتحل به النسان ساقه إلى ما ساق إليه ابراهيم عليه السلم . ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 368 قوله تعالى " :ثم اوحينا اليك أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين " تكرار اتصافه بالحنف ونفي الشرك لمزيد العناية به .قوله تعالى " :انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه " إلى آخر الية قال في المفردات اصل السبت القطع ومنه سبت السير قطعه وسبت شعره حلقه وأنفه اصطلمه وقيل سمى يوم السبت لن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والرض يوم / صفحة / 369الحد فخلقها في ستة ايام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت فسمى بذلك .وسبت فلن صار في السبت وقوله يوم سبتهم شرعا قيل يوم قطعهم للعمل ويوم ل يسبتون قيل معناه ل يقطعون العمل وقيل يوم ل يكونون في السبت وكلهما اشارة إلى حالة واحدة وقوله انما جعل السبت أي ترك العمل فيه وجعلنا نومكم سباتا أي قطعا للعمل وذلك اشارة إلى ما قال في صفة الليل لتسكنوا فيه انتهى .فالمراد بالسبت على ما ذكره نفس اليوم لكن معنى جعله جعل ترك العمل فيه وتشريعه ويمكن ان يكون المراد به المعنى المصدرى دون اليوم المجعول فيه ذلك كما هو ظاهر قوله " :تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل تأتيهم " العراف . 163 : وكيف كان فقد كان من طبع الكلم ان يقال انما جعل السبت للذين حتى يفيد نوعا من الختصاص والملك وان الله شرع لهم في كل اسبوع ان يقطعوا العمل يوما يفرغون فيه لعبادة ربهم وهو يوم السبت كما جعل للمسلمين في كل اسبوع يوما يجتمعون فيه للعبادة والصلة وهو يوم الجمعة .فقوله انما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه بتعدية جعل بعلى دون اللم من قبيل قولهم لى عليك دين وهذا عليك ل لك فتفيد معنى التكليف والتشديد والبتلء أي انما جعل للتشديد عليهم وابتلئهم وامتحانهم فقد كان هذا الجعل عليهم ل لهم كما انجر امرهم فيه إلى لعن طائفة منهم ومسخ آخرين وقد اشير إلى ذلك في سورة البقرة الية 65وسورة النساء الية . 47والنسب على هذا ان يكون المراد بقوله اختلفوا فيه أي في السبت اختلفهم فيه بعد التشريع فانهم تفرقوا فيه فرقا ممن قبله وممن رده وممن احتال للعمل فيه على ما اشير إلى قصصهم في سور البقرة والنساء والعراف ل اختلفهم فيه قبل التشريع بأن يعرض عليهم أن يسبتوا في كل اسبوع يوما للعبادة ثم يجعل ذلك اليوم هو الجمعة فيختلفوا فيه فيجعل عليهم يوم السبت كما وقع في بعض الروايات / .صفحة / 370والمعنى انما جعل يوم السبت أو قطع العمل للعبادة يوما في كل اسبوع تشديدا وابتلء وفتنة وكلفة على اليهود الذين اختلفوا فيه بعد تشريعه بين من قبله ومن رده ومن احتال فيه للعمل مع التظاهر بقبوله وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون .وبالبناء على هذا يكون وزان الية وزان قوله السابق وعلى الذين هادوا حرمنا الخ في انها في معنى الجواب عن سؤال مقدر عطفا على ما مر من حديث النسخ والتقدير واما جعل السبت لليهود فانما جعل ل لهم بل عليهم ليبتليهم الله ويفتنهم به ويشدد عليهم كما قد تكرر نظائره فيهم لكونهم عاتين معتدين مستكبرين وبالجملة الية ناظرة إلى العتراض بتشريع بعض الحكام غير الفطرية على اليهود ونسخه في هذه الشريعة .وانما لم يضم إلى قوله سابقا وعلى الذين هادوا حرمنا الخ لكون مسألة السبت مغايرة لسنخ مسألة تحليل الطيبات واستثناء محرمات الكل وقد عرفت ان الكلم على اتصاله من قوله وعلى الذين هادوا إلى قوله وما كان من المشركين سبع آيات تامة ثم اتصلت بها هذه الية وهي ثامنتها الملحقة بها .ومن هنا يظهر الجواب عما اعترض به ان توسيط جعل السبت بين حكاية امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ملة ابراهيم عليه السلم وبين امره صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إليها وبعبارة اخرى وقوع قوله انما جعل السبت الخ بين قوله ثم اوحينا اليك الخ وقوله ادع إلى سبيل ربك الخ كالفصل بين الشجر ولحائه . ومحصل الجواب ان قوله ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم الية من تمام السياق السابق وقوله انما جعل السبت الية متصل بما تقدمه كما عرفت واما قوله ادع إلى سبيل ربك الية فهو استئناف وامر بالدعوة إلى سبيل الله بفنون الخطاب ل إلى ملة ابراهيم حتى يتصل بالية السابقة نوع اتصال وان كان سبيل الله هو ملة ابراهيم بعينها لكن للفظ حكم وللمعنى بحسب المآل حكم آخر فافهم .وللقوم في تفسير الختلف اختلف عميق فمنهم من قال ان المراد انما جعل السبت على الذين اختلفوا على نبيهم فيه حيث امرهم بتعظيم الجمعة فعدلوا عنه واخذوا /صفحة / 371 السبت فجعله الله عليهم تشديدا فالختلف اختلف سابق على الجعل ل لحق به وربما جعل في للتعليل فان الختلف على هذا لم يقع في السبت بل من اجل السبت .وربما قيل الختلف بمعنى المخالفة فانهم خالفوا نبيهم في السبت ولم يختلفوا فيه .وربما قيل انهم امروا باتخاذ الجمعة من غير تعيين ووكل ذلك إلى اجتهادهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 371 فاختلفت احبارهم في تعيينه ولم يهدهم الله إليه ووقعوا في السبت .وربما قيل ان المراد انهم اختلفوا فيما بينهم في شأن السبت فطائفة منهم فضلته على الجمعة وطائفة منهم عكست المر وفضلت الجمعة عليه إلى غير ذلك مما قيل والصل في ذلك ما ورد في بعض الروايات من القصة .وانت خبير بأن شيئا من القوال ل ينطبق على لفظ الية ذاك النطباق فالمصير إلى ما قدمناه .قوله تعالى " :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي احسن " إلى آخر الية ل شك في انه يستفاد من الية إن هذه الثلثة الحكمة والموعظة والمجادلة من طرق التكليم والمفاوضة فقد امر بالدعوة بأحد هذه المور فهى من انحاء الدعوة وطرقها وإن كان الجدال ل يعد دعوة بمعناها الخص .وقد فسرت الحكمة كما في المفردات باصالة الحق بالعلم والعقل والموعظة كما عن الخليل بانه التذكير بالخير فيما يرق له القلب والجدال كما في المفردات بالمفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة .والتأمل في هذه المعاني يعطى ان المراد بالحكمة والله اعلم الحجة التي تنتج الحق الذى ل مرية فيه ول وهن ول ابهام والموعظة هو البيان الذى تلين به النفس ويرق له القلب لما فيه من صلح حال السامع من الغبر والعبر وجميل الثناء ومحمود الثر ونحو ذلك .والجدال هو الحجة التي تستعمل لفتل الخصم عما يصر عليه وينازع فيه من غير أن يريد به ظهور الحق بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلمه هو والناس أو يتسلمه هو وحده في قوله أو حجته / .صفحة / 372 فينطبق ما ذكره تعالى من الحكمة والموعظة والجدال بالترتيب على ما اصطلحوا عليه في فن الميزان بالبرهان والخطابة والجدل غير انه سبحانه قيد الموعظة بالحسنة والجدال بالتى هي احسن ففيه دللة على إن من الموعظة ما ليست بحسنة ومن الجدال ما هو احسن وما ليس بأحسن ول حسن والله تعالى يأمر من الموعظة بالموعظة الحسنة ومن الجدال بأحسنه .ولعل ما في ذيل الية من التعليل بقوله ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين يوضح وجه التقييد فمعناه انه سبحانه اعلم بحال اهل الضلل في دينه الحق وهو اعلم بحال المهتدين فيه فهو يعلم ان الذى ينفع في هذا السبيل هو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الحسن ل غير . والعتبار الصحيح يؤيد ذلك فان سبيله تعالى هو العتقاد الحق والعمل الحق ومن المعلوم ان الدعوة إليه بالموعظة مثل ممن ل يتعظ بما يعظ به دعوة عمل إلى خلف ما يدعو إليه القول والدعوة إليه بالمجادلة مثل بالمسلمات الكاذبة التي يتسلمها الخصم لظهار الحق احياء لحق باحياء باطل وان شئت فقل احياء حق باماتة حق إل أن يكون الجدال على سبيل المناقضة .ومن هنا يظهر ان حسن الموعظة انما هو من حيث حسن اثره في الحق الذى يراد به بأن يكون الواعظ نفسه متعظا بما يعظ ويستعمل فيها من الخلق الحسن ما يزيد في وقوعها من قلب السامع موقع القبول فيرق له القلب ويقشعر به الجلد ويعيه السمع ويخشع له البصر .ويتحرز المجادل مما يزيد في تهييج الخصم على الرد والعناد وسوقه إلى المكابرة واللجاج واستعمال المقدمات الكاذبة وان تسلمها الخصم إل في المناقضة ويحترز سوء التعبير والزراء بالخصم وبما يقدسه من العتقاد والسب والشتم وأي جهالة اخرى فان في ذلك احياء للحق باحياء الباطل أي اماتة الحق كما عرفت .والجدال احوج إلى كمال الحسن من الموعظة ولذلك اجاز سبحانه من الموعظة حسنتها ولم يجز من المجادلة إل التي هي احسن / .صفحة / 373ثم إن في قوله بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي احسن اخذا بالترتيب من حيث الفراد فالحكمة مأذون فيها بجميع افرادها والموعظة منقسمة إلى حسنة وغير حسنة والمأذون فيها منهما هي الموعظة الحسنة والمجادلة منقسمة إلى حسنة وغير حسنة ثم الحسنة إلى التي هي احسن وغيرها والمأذون فيها منها التي هي احسن والية ساكتة عن توزيع هذه الطرق بحسب المدعوين بالدعوة فالملك في استعمالها من حيث المورد حسن الثر وحصول المطلوب وهو ظهور الحق .فمن الجائز ان يستعمل في مورد جميع الطرق الثلث وفي آخر طريقان أو طريق واحد حسب ما تستدعيه الحال ويناسب المقام . ومنه يظهر ان قول بعضهم ان ظاهر الية ان يجمع صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته بين الطرق الثلث ليس في محله إذ ل دليل على لزوم الجمع بينها بالنسبة إلى كل مدعو واما بالنسبة إلى جميع المدعوين فهو حاصل .وكذا ما ذكره بعضهم ان الطرق الثلث المذكورة في الية مترتبة حسب ترتب افهام الناس في استعدادها لقبول الحق فمن الناس الخواص وهم اصحاب النفوس المشرقة القوية الستعداد لدراك الحقائق العقلية وشديدة النجذاب إلى المبادئ العالية وكثيرة اللفة بالعلم واليقين فهؤلء يدعون بالحكمة وهي البرهان .ومنهم عوام وهم اصحاب نفوس كدرة واستعداد ضعيف مع شدة ألفتهم ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 373 بالمحسوسات وقوة تعلقهم بالرسوم والعادات قاصرة عن تلقى البراهين من غير أن يكونوا معاندين للحق وهؤلء يدعون بالموعظة الحسنة . ومنهم اصحاب العناد واللجاج الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ويكابرون ليطفؤا نور الله بأفواههم رسخت في نفوسهم الراء الباطلة وغلب عليهم تقليد اسلفهم في مذاهبهم الخرافية ل ينفعهم المواعظ والعبر ول يهديهم سائق البراهين وهؤلء هم الذين امر بمجادلتهم بالتى هي احسن .وفيه انه ل يخلو من دقة لكن ل ينتج اختصاص كل طريق بما يناسبه من مرتبة الفهم فربما انتفع الخواص بالموعظة والمجادلة وربما انتفعت العوام وهم الفاء العادات والرسوم بالمجادلة بالتى هي احسن ول دللة في لفظ الية على ما ذكر من التخصيص / .صفحة / 374وكذا ما ذكره بعضهم إن المجادلة بالتى هي احسن ليست من الدعوة في شئ بل الغرض منها شئ آخر مغاير لها وهو اللزام والفحام قال ولذلك لم يعطف الجدال في الية على ما تقدمه بل غير السياق وقيل وجادلهم بالتى هي احسن .وفيه غفلة عن حقيقة القياس الجدلي فالفحام وان كان غاية للقياس الجدلي لكنه ليس غاية دائمية فكثيرا ما يتألف قياس من مقدمات مقبولة أو مسلمة وخاصة في المور العملية والعلوم غير اليقينية كالفقه والصول والخلق و الفنون الدبية ول يراد به اللزام والفحام .على ان في اللزام والفحام دعوة كما ان في الموعظة دعوة وان اختلفت صورتها باختلف الطرق نعم تغيير السياق لما في الجدال من معنى المنازعة والمغالبة .قوله تعالى " :وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " قال في المفردات العقوبة والعقاب والمعاقبة تختص بالعذاب انتهى .والصل في معناه العقب وهو مؤخر الرجل وعقيب الشئ وعاقبة المر ما يليه من ورائه أو آخره والتعقيب التيان بشئ عقيب شئ ومعاقبتك غيرك أن تأتى بما يسوؤه عقيب اتيانه بما يسوؤك فينطبق على المجازاة والمكافأة بالعذاب .فقوله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الخطاب فيه للمسلمين على ما يفيده السياق ولزمه ان يكون المراد بالمعاقبة مجازاة المشركين والكفار وبقوله عوقبتم به عقاب الكفار اياهم ومجازاتهم لهم بما آمنوا بالله ورفضوا آلهتهم .والمعنى وان اردتم مجازاة الكفار وعذابهم فجازوهم على ما فعلوا بكم بمثل ما عذبوكم به مجازاة لكم على ايمانكم وجهادكم في الله .وقوله ولئن صبرتم لهو خير للصابرين أي صبرتم على مر ما عوقبتم به ولم تعاقبوا ولم تكافؤا لهو خير لكم بما انكم صابرون لما فيه من ايثار رضى الله وثوابه فيما اصابكم من المحنة والمصيبة على رضى انفسكم بالتشفى بالنتقام فيكون العمل خالصا لوجهه الكريم ولما في الصفح والعفو من اعمال الفتوة ولها آثارها الجميلة .قوله تعالى " :واصبر وما صبرك إل بالله " إلى آخر الية أمر للنبى صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وبشرى له إن الله قواه على الصبر على مر ما يلقاه في سبيله فانه تعالى يذكر إن / صفحة / 375صبره انما هو بحول وقوة من ربه ثم يأمره بالصبر ولزم المر قدرة المأمور على المأمور به ففي قوله وما صبرك إل بالله اشارة إلى إن الله قواك على ما أمرك به .وقوله " :ول تحزن عليهم " أي على الكافرين لكفرهم وقد تقدم تفسير هذا المعنى سابقا في السورة وغيرها .وقوله ول تك في ضيق مما يمكرون الظاهر ان المراد النهى عن التحرج من مكرهم في الحال أو على سبيل الستمرار دون مجرد الستقبال .قوله تعالى " :إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " أي ان التقوى والحسان كل منهما سبب مستقل في موهبة النصرة اللهية وابطال مكر اعداء الدين ودفع كيدهم فالية تعليل لقوله ولتك في ضيق مما يمكرون ووعد بالنصر . وهذه اليات الثلث اشبه مضمونا باليات المدنية منها بالمكية وقد وردت روايات من طرق الفريقين انها نزلت في منصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أحد وسياتى في البحث الروائي وان كان من الممكن توجيه اتصالها بما قبلها بوجه كما تصدى له بعضهم .ومما يجب ان يتنبه له ان الية التي قبل الثلثة اجمع لغرض السورة من هذه الثلث وان ليات السورة مع الغماض عن قوله والذين هاجروا الية وقوله " من كفر بعد ايمانه " إلى تمام بضع آيات وقوله وان عاقبتم إلى آخر السورة سياقا واحدا متصل . ) بحث روائي ( في تفسير القمى في قوله تعالى " :وضرب الله مثل " الية قال قال عليه السلم نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له الثرثار وكانت بلدهم خصبة كثيرة الخير -وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين لنا فكفروا بأنعم الله واستخفوا فحبس الله عنهم الثرثار -فجدبوا حتى احوجهم الله إلى أكل ما يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه اقول ورواه في الكافي عنه باسناده عن عمرو بن شمر عن ابى عبد الله عليه السلم مفصل والعياشي عن حفص وزيد الشحام عنه /صفحة / 376 ............................................................ -تفسير الميزان -السيد الطباطبائي ج 21ص : 376 وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :ما من عبد يشهد له امة إل قبل الله شهادتهم والمة الرجل فما فوقه ان الله يقول ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين .اقول وقد تقدم في تفسير آيات الشهادة ما له تعلق بالحديث .وفي تفسير العياشي عن سماعة بن مهران قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول :لقد كانت الدنيا وما كان فيها إل واحد يعبد الله ولو كان معه غيره لضافه إليه حيث يقول ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فصبر بذلك ما شاء الله ثم ان الله تبارك وتعالى آنسه باسماعيل واسحاق فصاروا ثلثة اقول ورواه في الكافي باسناده عن سماعة عن عبد صالح وفي الدر المنثور اخرج الشافعي في الم والبخاري ومسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحن الخرون السابقون يوم القيامة بيد إنهم اوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد اقول وروى مثله عن احمد ومسلم عن ابى هريرة وحذيفة عنه صلى الله عليه وآله وسلم :ولم ترد الرواية في تفسير الية .وفيه اخرج ابن مردويه عن ابى ليلى الشعري إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :تمسكوا بطاعة ائمتكم ول تخالفوهم فان طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله فان الله انما بعثنى -ادعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة -فمن خالفني في ذلك فهو من الهالكين -وقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله ومن ولى من امركم شيئا فعمل بغير ذلك فعليه لعنة الله والملئكة والناس اجمعين وفي تفسير القمى في قوله تعالى " :وجادلهم بالتى هي احسن " قال قال عليه السلم بالقرآن وفي الكافي عنه باسناده عن ابى عمر والزبيرى عن ابى عبد الله عليه السلم في قوله تعالى " :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي احسن " قال بالقرآن /صفحة / 377اقول ظاهره انه تفسير بالتى هي احسن ومحصله الجدال على سنة القرآن الذى فيه ادب الله .وفي تفسير العياشي عن الحسن بن حمزة قال سمعت ابا عبد الله عليه السلم يقول :لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع بحمزه بن عبد المطلب قال اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان على ما ارى ثم قال : لئن ظفرت لمثلن ولمثلن ولمثلن قال فأنزل الله " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -اصبر اصبر وفي الدر المنثور اخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلئل عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم قتل حمزة ومثل به لئن ظفرت بقريش لمثلن بسبعين رجل منهم فأنزل الله وإن عاقبتم الية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل نصبر يا رب فصبر ونهى عن المثلة .اقول وروى ايضا ما في معناه عن ابى بن كعب وابى هريرة وغير هما عنه صلى الله عليه وآله وسلم - تم والحمد لله - ............................................................... ...............تم