Professional Documents
Culture Documents
اعداد واخراج
اسرة موقع الحكمة للثقافة السلمية
http://www.alhikmeh.com
----------------------------
السيرة المحّمدية
لستاذ المحّقق
ا َُ
الشيخ جعفر السبحاني
اعداد واقتباس:تعريب
الدكتور يوسف جعفر سعادةالشيخ جعفر الهادي
===============
)(5
مقدمة المَوّلف
ي التوفيق
ل ول ّ
وا ّ
جعفر السبحاني
لمام الصادق )عليه السلم(
سسة ا ِ
قم المقّدسة ـ مَو ّ
لربعاء 27محرم 1420هـ 1999|5|12م اَ
===============
)(8
===============
)(9
خصمقدمة المل ّ
لمة الشيخ جعفر السبحاني في مكتبه بقم لستاذ المحّقق و الع ّ كان لي الشرف العظيم والفتخار أن أتقابل مع ا َُ
ل ظّله وأطال في عمره الشريف، صدفالحسنة الطيبة والمباركة ،أدام ا ّ ف وال ّالمقدسة ،حينما جمعتني به الظرو ُ
لنساني" اّلذي كان ت في قم المقّدسة بهدف تقييم كتابي":أهل البيت "عليهم السلم" وآثارهم في المجتمع ا ِ فقد كن ُ
لرض ـ ليقّدموا ل في أعمارهم وجعلهم أنوارًا في ا َ لفاضل ـ أطال ا ّ يستدعي أن أعرضه على عدد من علمائنا ا َ
ما لديهم من مقترحات حول ما جاء فيه من أفكار وآراء قد ل تتناسب مع جزئيات الدين أو المذهب أو
المعتقدات الخاصة بالمسلمين عامة و الشيعة خاصة.
خ الفاضل ممن ُأوصيت بالّتصال به للمساعدة في هذا الجانب ،فتشّرفت بلقائه وتقّبل ما عرضت وكان الشي ُ
ض مماثل ،وهو أن أقوم ل أّنه في نفس الوقت تقّدم هو الخر بعر ٍ عليه ،فله الشكُر و التقديُر والحترام ،إ ّ
بتلخيص كتابه الكبير " :سيد المرسلين" الذي يتناول فيه سيرة الرسول الكريم محّمد "صلى ال عليه وآله وسلم"
طلع عليه شبابنا المثّقف في هذا الزمن الذي امتنع فيه عن قراءة الكتب ليدي ،في ّ ،وذلك ليسهل تداوله في ا َ
ل الكتب صفحات وموضوعات وأفكار .وكان عرضه في لجزاء المتعّددة ،بل بالكاد يطلع على أق ّ المطّولة ذات ا َ
الحقيقة شرفًا كبيرًا لي ،وتقديرًا منه لي أيضًا ،في الوقت الذي اندهشت لعرضه ،إذ اّنني في كتابي" أهل البيت"
لئّمة الثني عشر "عليهم السلم" وأولدهم وأحفادهم ،دون التعّرض تناولت ما يتعّلق من أحداث عن ا َ
ل نادرًا ،فأصبح هذا الكتاب وكأّنه يكمل للنبي)صلى ال عليه وآله وسلم( والسيدة فاطمة الزهراء)عليها السلم( إ ّ
===============
) ( 10
ك ما جاء من وقائع وأحداث في كتابي أهل البيت "عليهم السلم" . ول ش ّ
لسلم والمسلمين لّول منهما أحداث ا ِ وقد نهج الكاتب العظيم في تأليفه ،بأن قسّم كتابه إلى جزءين :تناول في ا َ
لحداث المدينة المنورة سنًة بعد ل َفي مكة إلى زمن الهجرة إلى يثرب .وفي الجزء الثاني ،قدم شرحًا مفص ً
لرقام.لعداد وا َلبواب والفصول ،بل نهج في تنظيمه با َ لاَ ل أّنه لم يتخذ منهج التنظيم ،شك َ سنًة ،إ ّ
لبواب والفصول ،فإّني قمت بتقسيمه أّول إلى لقسام وا َولما كنت أميل نحو تنظيم الكتب في مَولفاتي إلى ا َ
لّول بأحداث مّكة المكّرمة. قسمين :اختص ا َ
لمور في المدينة المنورة. والثاني :ارتبط بوقائع ومجريات ا َُ
لحداث و الوقائع وأهميتها .كما أّني أضفت عّدة فقرات كانت بحاجة ل قسم اّتخذ عدة فصول بحسب ا َ نكّ ثّم إ ّ
لحداث أو المواقع أو الشخصيات .ثّم أعددت قائمة منظمة للمراجع والمصادر التي استفاد إلى تفسير بعض ا َ
لمة الشيخ تثري ل خاصًا تناولت فيه ما جاء من قصص وروايات في كتاب الع ّ منها المَوّلف كما أعددت فص ً
المعلومات المقدمة.
ل العلي القدير أن يكون قد وّفقني في عملي المتواضع هذا ،وأن يتقّبله الرسول الكريم )صلى ال وأرجو من ا ّ
ي به ُأستاذنا وشيخنا
ضَ
لهلي يوم القيامة ،وأن ُير ِ
عليه وآله وسلم( ،وأهل بيته الكرام ،فيكون شفيعًا لي و َ
لسلمحة الموفورة ،ووّفقه لما فيه الخير والمصلحة ل ِل عمره بالص ّلمة جعفر السبحاني ،أطال ا ّ المحّقق الع ّ
والمسلمين.
===============
) ( 11
لّول
القسم ا َ
مّكة المكرمة
و فيه فصول:
===============
) ( 12
===============
) ( 13
لّول
الفصل ا َ
لسلم
العرب قبل ا ِ
===============
) ( 15
لم تكن القبائل العربية الجاهلية المتناحرة ،تعيش أّية حضارة ،ولم تكن تمتلك أّية تعاليم وقوانين وأنظمة وآداب
لسلم ،فقد كانت محرومًة من جميع المقّومات الجتماعية التي توجب التقّدم والرقي ،ولذا فلم يكن قبل مجيء ا ِ
من المتوقع أن تصل إلى تلك الذرى الرفيعة من المجد والعظمة ،ول أن تنتقل من نمط الحياة القبلية الضيقة إلى
لنسانية الواسع و ُأفق الحضارة الرحيب ،بمثل هذه السرعة التي وصلت إليه ،والزمن القصير الذي عالم ا ِ
انتقلت فيه.
لسلم ،من خلل مصدرين إسلميين أساسّيين ،وهما: ويمكننا أن نقف على وصف دقيق لحالة العرب قبل ا ِ
.1القرآن الكريم ،وهو خير مرآة تعكس أحوال العرب وأوضاعهم بالدّقة والشمولية.
لسلم.لمام علي )عليه السلم( في نهج البلغة في وصف الحالة قبل ا ِ .2ما صدر عن ا ِ
ص صريحة تكشف عّما كان عليه العرب في الجاهلية من سوء أحوال، ت ونصو ٌ فقد ورد فيهما تصريحا ٌ
لصعدة. لبعاد وا َ وأوضاع ،وأخلق في جميع ا َ
===============
) ( 16
ن العرب من ولد عدنان قد اّتصفوا بصفات حسنة ،إذ كانوا يكرمون الضيف ،وقّلما يخونون وبالرغم من أ ّ
حون في سبيل المعتقد ،ويتحّلون بالصراحة الكاملة ،إضافة إلى براعتهم في فن الشعر والخطابة، لمانة ،ويض ّ اَ
ل أّنهم إلى جانب كّلذلك ،كانوا يعانون من مفاسد أخلقية ب بهم المثل في الشجاعة والجرأة ،إ ّ وكونهم يضر ُ
تطغى على ما لديهم من كمال وفضيلة.
فالمجتمع العربي وخاصة منطقة الحجاز لم تقم فيها حضارة،أو أّنه لم يبق أي أثر من هذه الحضارات فيها إلى
لسلم ،وقد شاعت فيه أخلق وعادات كان أبرزها: ما قبل بزوغ ا ِ
لوثان والنجوم. لصنام وا َ ـ الشرك في العبادة ،حيث عبدوا ا َ
لنسان إلى الحياة في العالم الخر. ـ إنكار المعاد ،أي عودة ا ِ
ـ هيمنة الخرافات ،التي كانت تكّبل عقول الناس في المجتمع ،حيث تركزت فيها ،فكانت سببًا قويًا في تخّلفهم،
لسلمية ،فيما بعد ،مّما جعل النبي)صلى ال عليه وآله وسلم( يعمل بك ّ
ل وسدًا منيعًا في طريق تقّدم الدعوة ا ِ
لفكار والمعتقدات الخرافية.طاقاته وجهده في محو وإزالة تلك الثار الجاهلية ،وا َ
لخلقي ،مثل انتشار القمار ـ الميسر ـ والخمر و الزنا واللواط والبغاء. ـ الفساد ا َ
ـ وأد البنات ،وهي العادة القبيحة التي اعتبرها القرآن الكريم جريمة نكراء ل تمر في الخرة بدون حساب شديد.
لرث ،كما عّدها المثقفون من الحيوانات قاِن المرأة كانت محرومة من جميع الحقوق الجتماعية حتى ح ّ ولذا فإ ّ
تباع وتشترى ،وجزء من أثاث البيت.
===============
) ( 17
لبناء على امرأة أبيهم واحد بعد واحد، وكان الرجل يتزوج بزوجة أبيه متى طلقها أو بعد وفاته ،و ربما تناوب ا َ
كما كان الرجل يرث امرأة من قرابته إذا مات عنها ،مثلما يرث أمتعة المنزل ،إضافة إلى أّنهم كانوا يورثون
البنين دون البنات.
ـ تناول الدم والميتة والخنزير ،وأكل الحيوانات التي يقتلونها بقسوة.
لشهر الحرم ،كان يقوم به سدنة الكعبة أو رَوساء العرب ،عندما كانوا يقررون استمرار ـ النسيء ،وهو تأخير ا َ
حرم. لشهر ال ُ الحرب و الغارات في ا َ
ـ الربا ،الذي شّكل العمود الفقرى في اقتصادهم.
لغارة والقتال ،من العادات المستحكمة عندهم ،حتى إ ّ
ن ـ النهب والسلب ،فقد كان انتهاب ما في أيدي الناس ،وا ِ
لجيال تتوارث تلك الحروب ،وقد بلغ ولعهم بعض حروبهم كانت تمتّد إلى مائة سنة أو أكثر ،حيث كانت ا َ
بالقتال وسفك الدماء أن جعلوها من مفاخر الرجال.
لّميين ،فلم يتجاوز عدُد اّلذين عرفوا القراءة صفوا با َُن أهل الحجاز ُو ِ ـ أّما عن الجانب العلمي والثقافي ،فإ ّ
لسلم عن) (17شخصًا في مكة ،و ) (11نفرًا في المدينة المنورة. والكتابة في قريش ما قبل ا ِ
لّول جاهلي ووثني لسلم وبعده،تاريخان على طَرفي نقيض :ا َ ن تاريخ العرب قبل ا ِ ومن ذلك يمكن القول أ ّ
ي ،والثاني تاريخ علم ووحدانية وإنسانية وإيمان. وإجرام ّ
لسلمية في جميع لسلم وعظمة التعاليم ا ِ لّول ،يمكن معرفة مدى تأثير ا ِ ومن التخّلف والنحطاط في ا َ
المجالت والحقول المعيشية .فكيف تحقق
===============
) ( 18
ب اليمن الذين امتلكوا ذلك التطور العظيم لهَولء العرب الجاهلّيين في الجزيرة العربية ،في حين لم يستطع عر ُ
الشيء الكثير من الثقافة والحضارة ،وعاشوا حياة حضارية متطورة ،أن يصلوا إلى هذه النهضة الشاملة ،أو
ضرة ،والذين عاشوا تحت تقيم مثل هذه الحضارة العريضة ،أو عرب الغساسنة الذين جاوروا بلد الشام المتح ّ
ل حضارة الروم ،أن يصلوا إلى تلك الدرجة من الثقافة ،أو عرب الحيرة الذين عاشوا تحت ظل إمبراطورية ظّ
ي والتقّدم ،في الوقت الذي تمّكن فيه عرب الحجاز من تحقيق تلك النهضة الفرس أن ينالوا مثل ذلك الرق ّ
ي مشرق ،بل كانوا ي تاريخ حضار ّ لسلمية العظمى ،في حين لم يكن لهم عهٌد بأ ّ الجبارة ،وورثوا الحضارة ا ِ
لساطير والعادات السّيئة. لوهام والخرافات وا َ يرزحون تحت أغلل ا َ
لمام علي )عليه السلم( في الخطبة الثانية من "نهج البلغة": لحوال ،هو ا ِ لوضاع وا َ ضح تلك ا َ
وخيُرمن يو ّ
لمُر،ل الدين ،وتزعزعت سواري)(2اليقين ،واختلف النجُر ) (3و تشّتت ا َ س في ِفَتن انجذم)(1فيها حب ُ " والنا ُ
ليما ُ
ن لاِ خِذ َ
ج،وعمي المصدُر ،فالهدى خامل ،والعمى شامل ،عصي الرحمن وُنصر الشيطان ،و ُ وضاق المخر ُ
فانهارت دعائمُه ،وتنّكرت معالُمه،ودرست )(4سبُله،وعفت شركه) ... (5فهم فيها تائهون حائرون جاهلون
جم وجاهلها ُمكَرم". سهود ،وُكحلهم دموع ،بأرض عالمها ُمل َ ن ،نوُمهم ُ
مفتونون في خير داٍر وشّر جيرا ٍ
____________
. 1إنقطع.
. 2الدعائم.
لصل. .3اَ
ِ. 4نطمست.
. 5الطرق.
===============
) ( 19
وفي الخطبة 26قال )عليه السلم( :
ل بعث محّمدا)صلى ال عليه وآله وسلم( نذيرًا للعالمين وأمينًا على التنزيل ،وأنتم معشر العرب على شّر "إّنا ّ
شب)(4 صّم) (3تشربون الَكدر ،وتأكلون الج ِ خشن)(2هث ،وحّيات ُ دين وفي شّر دار منيخون) (1بين حجارة ُ
لصنام فيكم منصوبٌة ،والثام بكم معصوبة ).(5 وتسفكون دماءكم ،وتقطعون أرحامكم ،ا َ
و قال )عليه السلم( في الخطبة :95
لهواُء،واستزّلتهم
لل في حيرة ،وحاطبون في فتنٍة،قد استهوتهم ا َ ضّ"بعثه )صلى ال عليه وآله وسلم( ،والناس ُ
جهل ،فباَلَغ )صلى ال عليهلمر ،وبلٍء من ال َ ل من ا َ
حيارى في زلزا ٍ
الكبرياُء ،واستخّفتهم)(6الجاهلية الجهلُءَ ،
سنة".حَ
وآله وسلم( في النصيحة ،ومضى على الطريقة ،ودعا إلى الحكمة والموعظة ال َ
وأيضًا في الخطبة :151قال )عليه السلم( :
"أضاءت به )صلى ال عليه وآله وسلم( البلد بعد الضللة المظلمة ،والجهالة الغالبة ،والجفوة الجافية ،والناس
يستحلون الحريَم،ويستذلون الحكيَم ،يحيون على فترة) (7ويموتون على كفرة".
لحوال والحياة ،أيضًا ،جعفُربن أبي طالب ،عندما خطب أمام وقد أكد تلك ا َ
____________
. 1مقيمون
. 2جمع خشناء من الخشونة.
لصوات. . 3التي ل تسمع لعدم إنزجارها با َ
. 4لطعام الغليظ.
. 5مشدودة
. 6طّيشتهم.
. 7على خلّو من الشرائع.
===============
) ( 20
النجاشي في الحبشة ،يشرح أحوال المسلمين والمشركين ،فقال:
لرحام،ونسيء الجوار، ل الميتة،ونأتي الفواحش،ونقطُع ا َ لصنام ،ونأك ُ
"أّيها الملكُ ،كّنا قومًا أهل جاهلية نعبُد ا َ
سَبه وصدَقه وأمانته وعفافه، ل مّنا نعرف َن َ
ل إلينا رسو ً
ل القوّيمّنا الضعيف ،فكّنا على ذلك ،حّتى بعث ا ّ ويأك ُ
لوثان،وأمَرنا بصدق حده ونعبده،ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباَونا من دونه من الحجارة وا َ ل لنو ّفدعانا إلى ا ّ
لمانة ،وصلة الرحم ،وحسن الجوار،والكف عن المحارم والدماء ،ونهانا عن الفواحش وقول الحديث،وأداء ا َ
ل وحده ل نشرك به شيئًا ،وأمرنا بالصلة والزكاة صنات .وأمرنا أن نعبد ا ّل مال اليتيم ،وقذف المح َ الزور ،وأك ِ
والصيام"(1).
لحوال السياسية في المنطقة .2ا َ
لسلم أعظم امبراطوريتين في ذلك الوقت هما :إمبراطوريةالروم والفرس، لقد جاروت البيئة اّلتي ظهر فيها ا ِ
لسلم.وهذا مّما يجعلنا ندرس أحوالهما لنقف على قيمة الحضارة التي قّدمها ا ِ
صة في صراعها مع دولة فارس، لحوال فيها بالحروب الداخلية والخارجية ،وخا ّ فامبراطورية الروم تمّيزت ا َ
كما كان للمنازعات الطائفية والمذهبية نصيبها في توسيع رقعة الختلف فيها ،كالحرب بين المسيحيين
لمر الذي ساعد على ق الخرين ،ا َ والوثنيين ،حينما مارس رجال الكنيسة أشّد أنواع الضغط والضطهاد بح ّ
لسلمية فيما بعد .هذا إيجاد أقلية ناقمة ،كما ساعد على ظهور حالة مهدت لتقّبل الشعب الروماني للدعوة ا ِ
ن اختلف رجال الدين فيما مضافًا إلى أ ّ
____________
. 1السيرة النبوية 335 |1والحديث عن ُأّمسلمة.
===============
) ( 21
لمبراطورية واتجاهها نحو الضعف و النحلل. بينهم ،وتعّدد المذاهب من جهة ،عمل على التقليل من هيبة ا ِ
لمبراطورية الرومانية إلى قسمين :شرقي و غربي .وقد استغل اليهود ذلك ل ذلك إلى انقسام ا ِ وقد أّدى ك ّ
لسقاط النظام ،مّما جّر إلى ازدياد جرائم المذابح النتقامية بين الطرفين، ططوا ِالضعف و النهيار الداخلي فخ ّ
لسلم وانتشاره في تلك الجهات. ل بعد ظهور ا ِ لحوال إ ّ ولم تهدأ ا َ
أّما إمبراطورية فارس ،فقد سيطرت على معظم مناطق العالم بالشتراك مع إمبراطورية الروم ،وتمّيزت الفترة
بالنزاع الدائم بين إيران الساسانية والروم للسيطرة على مناطق نفوذ جديدة ،فقد بدأت الحروب بينهما منذ عهد
"أنوشيروان" )531ـ 589م( حتى زمن "خسرو برويز" لمدة 24عامًا ،مّماأضعف الدولتين.
وقد اشتهر "برويز" بالميل نحو الترف وحياة البذخ ،حتى بلغت أعداد نسائه وجواريه اللف منهن ،كما كان
لواني.
لموال والجواهر وا َ أرغب الناس في جمع ا َ
وفي الجانب الجتماعي ،ظهر التمييز بين الطبقات ،فالنبلء والكهنة كانوا على رأسها تملكوا المناصب
الجتماعية العليا ،بينما حرم الكسبة والمزارعون وبقية أبناء الشعب من كافة الحقوق الجتماعية ،سوى دفعهم
ل شيءللضرائب الثقيلة والمشاركة في الحروب .وقد أّدى هذا الوضع المترّدي إلى أن تمتلك أقلية صغيرة ك ّ
لغنياءناَ
ق الحياة تمامًا .كما أ ّ
وهي نسبة ) (%11|5من مجموع الشعب ،بينما حرم أكثر من ) (%89من ح ّ
حِرَم الباقون منه ،واتخذ الحّكام الساسانيون سياسةالخشونة القاسية مع الناس، فقط هم الذين تلّقوا التعليم ،بينما ُ
ض على حكمهم وسيرتهم، وأخضعوهم بالسيف والعنف ،وفرضوا الضرائب الثقيلة ،مّما جعل الشعب غير را ٍ
لعيان لمراء وا َ لمر الذي جعل الصراع والتنافس يدب بين ا َ اَ
===============
) ( 22
لخرى ،مّما أصبح ل فريق أميرًا من أبناء العائلة المالكة ،وتفرغ لتصفية الطوائف ا َُ وقادة الجيش ،فاختار ك ّ
لسلمي.كّلذلك أسبابًا قوّية لضعف الدولة وانقسامها وانحللها أّيام الفتح ا ِ
لساطير إلى المعتقدات ن الفساد الذي ظهر في أوساط رجال الدين الزرادشت،وتطّرق الخرافات وا َ على أ ّ
ليراني وعقيدته ،مّما أفقده الثقة الزرادشتية ،تسبب في حدوث مزيد من التشّتت والختلف في آراء الشعب ا ِ
ليمان بتلك المعتقدات. وا ِ
لوضاع الجتماعية ،والصراع الطويل بين فارس والروم في خلل عشرين عامًا ،إلى عقد وقد أّدى ترّدي ا َ
ن الروم عادوا إلى الحرب لأّ الصلح بينهما على أساس أن يدفع الروم إلى فارس ما يعادل ) 20ألف دينار( ،إ ّ
والمعارك الطاحنة مّرة ُأخرى لفترة سبع سنوات ،تمكن فيها الملك الفارسي خسرو برويز في 614م من
الستيلء على بلد الشام وفلسطين وأفريقية ،ونهب أورشليم ،وحرق كنيسة القيامة ومزار السيد المسيح )عليه
السلم( ،وقتل 90ألف نصراني .وقد حدث ذلك في زمن بعثة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( و قد حزن
المسلمون على هزيمة الّروم اّلذين كانوا أصحاب كتاب ،و لم يتخذ الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" موقفًا
شرا بانتصار الروم في المستقبل القريب ،وقد تحّققت هذه لحداث حتى نزل الوحي عليه مب ّ صا اّتجاه هذه ا َ
خا ّ
لوضاع المضطربة، لسلمي بحملته الناجحة ،حدًا لتلك ا َ البشارة في سنة 627م (1).وقد وضع الجيش ا ِ
ب الفارسي دينه لن يختار الشع ُ ونهايًة لذلك الصراع السياسي الدامي الذي استمر خمسين عامًا ،وفسح المجال َ
ومعتقداته بحرية في منأى عن القهر والقسر.
____________
. 1راجع سورة الروم 1:ـ .6
) ( 23
.3التعريف بأسلف الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم(
كان من الواجب التحّدث عن أحوال أجداد النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" لما كان لهم من نصيب هام في
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( ينتهي إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم تاريخ العرب والمسلمين .ولما كان نسب النب ُ
"عليهما السلم" فإّنه من المستحب أن نتناول أسلف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بالعرض والدراسة بدءًا
منه )عليه السلم( .
.1النبي إبراهيم )عليه السلم( هو بطل التوحيد ،جاهد في سبيل إرساء قواعد التوحيد ،واقتلع جذور الوثنية.
ولد في بابل ـ التي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع ـ التي حكمها "نمرود بن كنعان" الذي أمر الناس بعبادته
ن عرشه سينهار على يد رجل يولد في بيئته ،أمر بعزل الرجال عن لصنام ،ولّما ذكر له أ ّ إضافة إلى عبادة ا َ
النساء ،في نفس الليلة التي انعقدت فيها نطفة النبي إبراهيم "عليه السلم" ،وهي الليلة التي تكّهن بها المنجمون
ل وليد ذكر .وقد حملت به ُأّمه ـ ُأّم إبراهيم ـ مثلما حملت والكهنة من أنصار نمرود ،مّما دفع جلوزته إلى قتل ك ّ
ُأّم موسى )عليه السلم( به ،فأمضت فترة حملها في خفاء وتستر ،ثّم وضعته في غار بجبل قريب من المدينة
للحفاظ عليه ،وقضى في هذا الغار فترة ثلث عشرة سنة ،ثّم انخرط في المجتمع الذي استغرب وجوده فأنكروه.
لنسان ،مّما دعاه إلى أن يحارب ل ،من نجوم وكواكب وأصنام وعبادة ا ِ ورأى في مجتمعه ظواهر التعبد لغير ا ّ
في هذه الجبهات ،التي أوضحها القرآن الكريم في سوره وآياته الشريفة .وقد بدأ عَمَله بمكافحة ما كان عليه
لوثان ،ثّم اّتجه إلى جبهة ُأخرى أكثر ثقافة وعلم ،وهي لصنام وا َ أقرباَوه ،وعلى رأسهم عمه آزر ،وهو عبادة ا َ
لجرام السماوية. التي عبدت الكواكب والنجوم وا َ
وقد أعطى النبي إبراهيم )عليه السلم( سلسلة من الحقائق الفلسفية والعلمية ،لم يصل إليها الفكر البشري
يومذاك ،في حواره العقائدي مع عّباد
===============
) ( 24
لجرام السماوية ،مدعمة بأدّلة ل تزال إلى اليوم،موضع إعجاب كبار العلماء ورّواد الفلسفةوالكلم .وقد نقل اَ
ص وعناية بالغة (1).فقد اّتخذ إبراهيم القرآن الكريم في هذا المجال أدّلة النبي إبراهيم )عليه السلم( باهتمام خا ّ
)عليه السلم( هيئة الباحث عن الحقيقة بدون أن يصدم تلك الفرق المشركة ويجرح مشاعرها .ورّكز في عمله
ل سبحانه و لا ّ لرضية إ ّ على التوحيد في الربوبية ،والتدبير وإدارة الكون ،وأّنه ل مدّبر ول مرّبي للموجودات ا َ
حنيفًا َوما َأَنا ِم َ
ن لرض َ ت َوا َ
سموا ِطَر ال ّ
جِهي لّلذي َف َ
ت َو ْ
جْه ُ
لجرام السماوية بقولهَ) :و ّ تعالى ،فأبطل ربوبية ا َ
شِركين( )(2 اْلُم ْ
أّما بالنسبة إلى عّمه آزر الذي كان ذا مكانة اجتماعية عالية بين قومه ،وصانعًا ماهرًا ومنجمًا ،له رأيه وأفكاره
لنبياءن آباء ا َ ن علماء الشيعة قد اّتفقوا على أ ّ لمور الفلكية في بلط نمرود ،فإّنه ليس أبوه بل عّمه ،وذلك أ ّ في ا َُ
ن كثيرًا من علماء حدين به ،وأّكد الشيخ المفيد ذلك في كتابه" :أوائل المقالت") (3بل إ ّ ل مو ّكانوا مَومنين با ّ
لبراهيم )عليه السلم( ردحًا من الزمن، لب ،نظرًا لكونه الكافل ِ ل مناداته با َ
السّنة قد وافقهم في ذلك أيضًا،ولع ّ
لب.فنظر إليه بمنزلة ا َ
وأّما بخصوص عقابه ،وإلقائه في النار ،وعدم تأّثره بها وخروجه سالمًا منها ،فإّنالسلطات الحاكمة قررت نفيه
من البلد فغادرها إلى الشام ،ثّم إلى الحجاز مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل ،حينما أسكنهما في مّكة ،وظهرت
بفضلهما عين زمزم ،ووفدت جماعات من القبائل لتسكن في تلك البقعة ،وأشهرها قبيلة "جرهم" التي تزّوج
منها إسماعيل وصاهرهم ،ومنذ ذلك الوقت أصبحت مكة من
____________
لجرام
لنعام بحواره مع الوثنّيين ،بينما ترتبط اليات اللحقة لها بعبادة ا َ . 1ترتبط آية 74من سورة ا َ
السماوية.
لنعام.79: .2اَ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( . . 3اوائل المقالت ،12:باب القول في آباء رسول ا ّ
===============
) ( 25
المدن العامرة ،بعد أن كانت صحراء قاحلة وواد غير ذي زرع.
ي بن كلب :هو الجّد الرابع للرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وُأّمه فاطمة التي تزّوجت برجل من .2قص ّ
ن خلفًا وقع بين لأّ ج ُأّمه ربيعة ،إ ّ
ي .و قد توّفي أبوه فرّباه زو ُ
بني كلب ورزقت منه بولدين :زهرة وقص ّ
ي وقوم ربيعة ،أدى إلى طرده من قبيلتهم،ولكن ُأّمه تمكنت من إرجاعه إلى مكة ،فعاش فيها متفوقًا في قص ّ
أعماله ومراكزه ،فشغل المناصب الرفيعة ،مثل حكومة مكة ،وزعامة قريش ،وسدانة الكعبة المعظمة ،فأصبح
رئيس تلك الديار دون منازع .ومن أهّم أعماله:
أ :تشجيع الناس على البناء حول الكعبة.
ل مشكلتهم ،وهو دار الندوة. ب :تأسيس مجلس شورى يجتمع فيه رَوساء القبائل في ح ّ
لولد فقد ترك :عبد الدار وعبد مناف. وأّما من ا َ
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( واسمه" :المغيرة" ،ولقبه قمر البطحاء .و .3عبد مناف :هوالجّدالثالث للنبي ا َ
ل أّنه حظي بمكانة خاصة عند الناس ،فقد اتخذ التقوى شعارًا ،ودعا إلى حسن مع أّنه كان أصغر من أخيه ،إ ّ
ن الوضع تبّدل بعد لأّ لخيه عبد الدار ،حسب وصية أبيهما .إ ّ السيرة وصلة الرحم ،ولكن الزعامة والقيادة كانت َ
لمر إلى اقتسامها بينهم ،حيث تقّرر أن وفاتهما ،فقد وقع الخصام والتنازع بين أبنائهما على المناصب ،فانتهى ا َ
يتوّلى أبناء عبد الدار سدانة الكعبة وزعامة دار الندوة ،ويتوّلى أبناء عبد مناف سقاية الحجيج وضيافتهم
ووفادتهم.
لعظم )صلى ال عليه وآله وسلم( واسمه :عمرو و لقبه الُعلء ،ولد مع عبد .4هاشم :وهوالجّد الثاني للرسول ا َ
شمس توأمًا له ،وله أخوان آخران هما :المطلب ونوفل.
لبناء عبد مناف ،إّنهم ُتوّفوا في مناطق مختلفة ،فهاشم ُتوّفي في غّزة ،وعبد شمس في لمور المميزة َ ومن ا َُ
مّكة ،وَنوَفل في العراق،والمطلب في اليمن.
===============
) ( 26
ل شهر ذي ل وزّواره وتكريمهم بالمال والحلل في غّرة ك ّ كان يدعو الناس إلى الترحيب بضيوف ا ّ
لطيبا لم يَوخذ
ل وتقويتهم إ ّل منكم من ماله لكرامة زّوار بيت ا ّ ليخرج رج ٌ الحجة":وأسأُلُكم بحرمة هذا البيت أ ّ
ظلمًا ،ولم يقطع فيه رحم ،ولم يَوخذ غصبًا"(1).
ن زعامته لمّكة كانت لمنفعة أهلها وتحسين أوضاعهم ،فقد ساهم كرُمه في عدم انتشار القحط ومن أهّم آثاره :أ ّ
سن من الحالة القتصادية في البلد عندما عقد معاهدة مع أمير الغساسنة ،مّما دفع أخاه عبد والجدب ،كما أّنه ح ّ
شمس إلى أن يعاهد أمير الحبشة ،وأخويه نوفل والمطلب أيضًا أن يعقدا معاهدات مع أمير اليمن وملك فارس،
ف عنه أّنه المَوسس لِرحلتي الشتاء لخطار وتأمين الطرق و سير القوافل التجارية .وقد عُِر َ وذلك لتجنب ا َ
والصيف إلى الشام واليمن.
لسهامات من جانب هاشم ،كانت دافعًا إلى أن يحسده ُأمّية بن عبد شمس ابن أخيه ،وذلك لما ن كّلتلك ا ِ
لأّ
إّ
لمر الذي أجبرهم على الحضور عند كاهن من كهنة حظي به من مكانة وعظمة وتقّرب إلى قلوب الناس ،ا َ
لبل وأخرج ُأمية إلى الشام نافيًا لمّدة عشرة سنين ،حسب الشروط التي العرب ،فقضى لهاشم بالغلبة ،فأخذ منه ا ِ
لمويين بالشامتمت بينهما.وتبّين هذه القصة جذوَر العداء بين بني هاشم وبني ُأمّية من ناحية ،وعلقات ا َ
وارتباطهم بها حين اتخذوها عاصمة لدولتهم بعد ذلك من ناحية ُأخرى.
ع في حجر عّمه المطلب ،حيث كان
لّنه تربى وترعَر َ
ف بـ"عبد المطلب" َ
عِر َ
ومن أشهر أولده :شيبة ،الذي ُ
ع في حجر أحد ،وينشأ العرب يسّمون من َترعَر َ
____________
. 1السيرة الحلبية .6|1:
===============
) ( 27
تحت رعايته ،عبدًا لذلك الشخص.
لّول للنبي العظيمص ورئيس قريش وزعيمها .وأودعت يُدالمشيئة الربانية بين .5عبد المطلب :وهو الجّد ا َ
ي الجيب ،منّزها لكرم "صلى ال عليه وآله وسلم" ولذا كان إنسانًا طاهر السلوك ،نق ّ حنايا شخصيته نوَرالنبي ا َ
ل واليوم الخر. ي نوع من أنواع النحطاط والفساد ،وأحد المعدودين الذين كانوا يَومنون با ّ عن أ ّ
ليماني في عام الفيل ،حينما أمر جماعته بالخروج من مكة إلى الجبال والشعاب ،ونزل إلى وقد اشتهر موقفه ا ِ
س المستوحشين ،ول وحشة معك ،فالبيت ل ويستنصره على أبرهة وجنوده مناجيًا" :الّلهّم أنت أني ُ الكعبة يدعو ا ّ
ب الدار أولى بالدار".
بيُتك والحرُم حرُمك والدار داُرك ،ونحن جيراُنك ،تمنع عنه ما تشاء ،ور ّ
ب من الطيور من جهة البحر يحمل كل واحد منها ثلثة أحجار ،حجر في وفي الصباح خرجت أسرا ٌ
ل محطمة رَووسهم لحجار بأمر من ا ّ ل من رجليه وحّلقت فوق رَووس الجند ،ورجمتهم با َ منقاره،وحجر في ك ّ
وممزقة لحومهم ،وقد أصاب حجر منها رأس أبرهة القائد ،فأمر جنوده بالتراجع والعودة إلى اليمن ،إلّ أّنهم
ُأهلكوا في الطريق ،حتى أبرهة نفسه مات قبل وصوله صنعاء(1).
طم جيش أبرهة ،وانهزم أعداء قريش ،وعظم شأن المكّيين،وشأن الكعبة المشرفة وقد نتج من هذه العملية ،أن تح ّ
لغارة على قريش ،أو التطاول على في نظر العرب وغيرهم ،فلم يجرأ أحد بعد ذلك على غزو مكة ،أو ا ِ
الكعبة .كما أّنها من جانب آخر ،أحدثت في نفوس القرشيين حالت جديدة خاصة ،فقد زادت من غرورهم
وعنجهيتهم واعتزازهم بعنصرهم ،فقرروا تحديد شَوون الخرين والتقليل من وزنهم ،على أساس أّنهم فقط
الطبقة الممتازة من العرب .كما دفعتهم
____________
لنوار.130|5: . 1السيرة الحلبية43|1 :؛ الكامل في التاريخ260|1:؛ بحار ا َ
===============
) ( 28
لصنام وتحميهم وتدافع لصنام )الـ ( 360إذ أّنهم فقط الذين تحبهم تلك ا َ إلى التصور بأّنهم موضع عناية ا َ
عنهم!!
ل ذلك إلى التمادي في لهوهم ولعبهم ،والتوسع في ممارسة الترف والّلذات ،وإظهار الولع بشرب وقد دفعهم ك ّ
لصنام ،متصورين الخمر ،حتى أّنهم مّدوا موائد الخمر في فناء الكعبة ،وأقاموا مجالس أنسهم إلى جانب تلك ا َ
لوثان!!لصنام وا َن حياتهم الجميلة هذه هي من بركة تلك ا َ أّ
ن جميع العرب محتاجون إلى معبدنا، ي احترام وتقدير للغير فقالوا :إ ّكما أّنهذه الحالة جعلت قريش تقوم بإلغاء أ ّ
لعداء.حَمتنا من ا َفقد رأى العرب عامًة كيف اعتنى بنا آلهة الكعبة خاصًة ،وكيف َ
ج ،وتعاملهم بخشونة وأسلوب ديكتاتوري، ل من يدخل مكة للعمرة أو الح ّ ومن ذلك بدأت قريش تضّيق على ك ّ
وفرضت عليهم أل يصطحب أحد منهم طعامًا معه من خارج الحرم ول يأكل منه ،بل عليه أن يقتني من طعام
أهل الحرم ويأكل منه ،وأن يلبس عند الطواف بالبيت من ثياب أهل مّكة التقليدية القومية ،أو يطوف عريانًا
لمر من رَوساء القبائل وزعمائها ،كان عليه أن بالكعبة إذا لم يكن في مقدوره شراَوها .و من رفض الخضوع ل َ
سها حتى صاحبها(1). ق في م ّلحد الح ّ ينزع ثيابه بعد النتهاء من الطواف ويلقيها جانبًا ،دون أن يكون َ
أّما النساء فكان عليهن إذا أردن الطواف أن يطُفن عراة ،ويضعن خرقة على رَووسهن .كما أّنه لم يكن يحق
ل يتحدث في شيء من أمر دينه وكتابه. ي ،وعليه أ ّل أن يكون أجيرًا لمك ّ ي أن يدخل مكة ،إ ّي أو مسيح ّ لي يهود َّ
____________
. 1كانت تسّمى عندهم "اللقى".
===============
) ( 29
لضافة إلى ذلك ،فإّنهم أنفوا منذ ذلك اليوم أن يأتوا بمناسك عرفة ،كما يفعل بقية الناس ،حيث تركوا الوقوفبا ِ
لفاضة منها ،بالرغم من أّنآباءهم ـ من ولد إسماعيل ـ كانوا يقّرون أّنها من المشاعر والحج(1).بها وا ِ
ي.
لرضية وأعدها لظهور مصلح عالم ّ لخلقي والترف والنحراف ،قد هّيأ ا َ ن كّلذلك النفلت ا َ إّ
ل ،فقد سعى إلى أن يزّوجه ،فاختار له" :آمنة بنت وهب بن عبد مناف" أّما بالنسبة لبن عبد المطلب ،عبد ا ّ
عِرفت بالعّفة والطهر والنجابة والكمال .كما اختار لنفسه "دللة" ابنة عم آمنة ،فرزق منها حمزة ،عّم التي ُ
الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" الذي كان في نفس عمر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ) (2و قد تّم حفل
ل" مع زوجته ردحًا من الزفاف في منزل السيدة آمنة طبقًا لما كان عليه المتعارف في قريش ،ثّم بقي "عبدا ّ
الزمن حتى سافر في تجارة إلى الشام ،وتوّفي في أثناء الطريق.
ويرتبط بموضوع أسلف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ،طهارته "صلى ال عليه وآله وسلم" من َدَنس الباء
لّمهات ،إذ لم يكن في أجداده وجّداته ،سفاح وزنا ،وهو ما اّتفق عليه المسلمون ،وصّرح به الرسول وعهر ا َُ
"صلى ال عليه وآله وسلم" في أحاديث رواها السنة والشيعة .فقد جاء عنه "صلى ال عليه وآله وسلم" إّنه قال:
سفاحًا"(3).لرحام الطاهرة نكاحًا ل ِ لصلب الطاهرة إلى ا َ "ُنقلُتمن ا َ
ل الخلق ِفرقتين ،جعلهن محّمدا عبده ورسوله وسيد عباده كّلما نسخ ا ّ لمام علي )عليه السلم( ":وأشهد أ ّ وقال ا ِ
في خيرهما ،لم يسِهم فيه عاهٌر ول
____________
. 1الكامل في التاريخ.266|1:
. 2تاريخ الطبري 7|2:وهو يذكر أّنه "هاله".
. 3كنز الفوائد.164|1:
===============
) ( 30
ب فيه فاجر"(1).
ضر َ
لمام الصادق )عليه السلم( ذلك مفسرًا الية) :وتقّلبك في الساجدين( " :أي في أصلب النبّيين ،نبي
كما ذكر ا ِ
ح غير سفاح من لدن آدم"(2). ب أبيه عن نكا ٍ
بعد نبي ،حتى أخرجه من صل ِ
____________
. 1نهج البلغة ،الخطبة ،215شرح محمد عبده.
. 2تفسير مجمع البيان.
===============
) ( 31
الفصل الثاني
لكرم
الرسول ا َ
ـ مولده
ـ فترة طفولته
ـ فترة شبابه
ـ فترة عمله
ـ زواجه
ـ أولده
===============
) ( 32
===============
) ( 33
ولد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في عام الفيل )570م( بإّتفاق كّتاب السيرة ،ورحل عن الدنيا في )632م(
لّول ،يوم الجمعة السابع عشر منه ،عند الشيعة، عن 62أو 63عامًا ،كما اّتفقوا على أّنه ولد في شهر ربيع ا َ
لثنين الثاني عشر من الشهر نفسه(1). أّما السّنة فقد عّينوا يوم ا ِ
لقرار بأنّ ما ينقله هَولء ويكتبونه من تفاصيل تتعّلق ولّما كان الشيعة ينقلون أخبار أهل البيت عنهم ،فلبّد من ا ِ
لّنها مأخوذة عن أقربائه وأبنائه.
بحياة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( هي أقرب من غيرها إلى الحقيقةَ ،
وقد حملت به ُأّمه "السيدة آمنة بنت وهب" في أّيام التشريق من شهر رجب ،فإذا اعتبرنا يوم ولدته 17 ،من
لّول ،فتكون مّدة حملها به ثمانية أشهر وأّياما. ربيع ا َ
وقد وقعت يوم ولدته أحداث عجيبة ،فقد ُوِلد مختونًا مقطوع السرة ،وهو
____________
لقوال التي وردت في ميلد النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" . لسماع :ص ،3وقد ذكر جميع ا َ . 1إمتاع ا َ
===============
) ( 34
لصنام في الكعبة على وجوهها،
ل" ) (1كما تساقطت ا َ
ل بكرًة وأصي ً
ل كثيرًا ،سبحان ا ّ
ل أكبر والحمد ّ
يقول" :ا ّ
وخرج نوٌر معه أضاء مساحة واسعة من الجزيرة العربية ،وانكسر إيوان كسرى ،وسقطت أربعة عشر شرفة
منه ،وانخمدت نار فارس التي كانت تعبد،وجفت بحيرة ساوة.
____________
لنوار248|15:؛ السيرة الحلبية.67|1:
. 1تاريخ اليعقوبي5|2 :؛ بحار ا َ
. 2السيرة الحلبية.78|1 :
. 3السيرة الحلبية.82|1:
===============
) ( 35
أّما عن رضاعته )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد ارتضع من ُأّمه ثلثة أّيام ثّم أرضعته امرأتان هما:
ـ ثويبة :مولة أبي لهب ،إذ أرضعته لمّدة أربعة أشهر فقط ،وقد قّدر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وزوجته
خديجة)عليها السلم( هذا العمل لها حتى آخر حياتها ،فأكرمها وأراد أن يعتقها فأبى أبو لهب ،وكان يبعث إليها
بالصلة حّتى وفاتها.
ل المخزومي ،فكانوا إخوة في الرضاعة. كما أّنها أرضعت من قبل حمزة ،وأبا سلمة بن عبد ا ّ
ل ،أنيسة ،شيماء .وقامت "شيماء" بحضانة النبي لولد :عبد ا ّ ـ حليمة السعدية ،بنت أبي ذَويب .وكان لها من ا َ
)صلى ال عليه وآله وسلم( أيضًا.
وقد استلمت حليمة السعديُة النبّيص في عمر لم يتجاوز أربعة أشهر ،في عام قحط وجدب،فأصابها الرخاء
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يقبل في ذلك الزمان أي ثدي وازدهرت حياتها بعد ذلك .ومن المعروف أ ّ
ل ثدي حليمة(1). من المرضعات إ ّ
وفي هذه المناسبة ،أوّد القول والتذكير ،أّنه ينبغي أن يحتفل المسلمون جميعًا بمولد النبي )صلى ال عليه وآله
وسلم( بإقامة المهرجانات الكبرى والحتفالت ،تكريمًا له )صلى ال عليه وآله وسلم( ،فهو أمر مطلوب
ل َمَعُه
صُروُه َواّتبُعوا الّنوَر اّلذي ُأْنِز َ
عّزُروُه َوَن َن آَمُنوا ِبِه َو َ
ومحّبب في الشريعة المقدسة لقوله تعالىَ) :فاّلذي َ
جل. حون() (2وعّزر بمعنى كّرم وب ّ ك ُهُم اْلُمْفِل ُ
ُأولِئ َ
لشادة بشرفه فالحتفال بمولده )صلى ال عليه وآله وسلم( يعني ذكر أخلقه العظيمة ،وسجاياه النبيلة ،وا ِ
ك( (4). ك ِذْكَر َ
عظيم( )َ )(3وَرَفْعنا َل َ ق َ خُل ٍ
ك َلَعلى ُ وفضله ،وهي ُأمور مدحه بها القرآن الكريمَ) :وِإّن َ
____________
. 1البحار.342|15:
لعراف.157: .2اَ
. 3القلم.4:
لنشراح.4: .4اِ
===============
) ( 36
ب الكامن في النفوسل على مّنه ،وإظهار للح ّ
ل بالقيم السامية ،وشكٌر ّ
فالحتفال بمولده الكريم هو احتفا ٌ
ل تعالى وأمر بتكريمه واحترامه وحّبه وموّدته.وهو رّدعلى من يزعم بأّنذلك محرم لكونه له،وتكريم لمن كرمه ا ّ
لولى علىلسلمية ا َُبدعة ،ل يخلو من منكرات ومحرمات كالرقص والغناء .فالمسلمون دِرجوا في العصور ا ِ
الحتفال بذكرى مولدهبإنشاد القصائد الرائعة في مدحه ،وذكر خصاله ومكارم أخلقه وإظهار السرور
ضله به ص على البشرية(1). ل تعالى بلطفه وتف ّ والفرح،والشكر ّ
ل وقت وزمان،في حياته وبعد مماتهص. ولذا كان لبّد من أداء هذا الحتفال في ك ّ
استقر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في قبيلة"بني سعد" خمسة أعوام زارته ُأّمه خللها ثلث مّرات ،وقامت
حليمة برعاية شَوونه خير قيام،وبالغت في كفالته والعناية به ،كما حافظ فيها )صلى ال عليه وآله وسلم( على
ل ،ورافقتهم "ُأّمفصاحته و بلغته ،وعندما رجع إلى ُأّمه)عليها السلم( فّكرت بزيارة المدينة وقبر زوجها عبدا ّ
ي "صلى ال عليه وآله وسلم" بيت أبيه الذي توّفي فيه ودفن .إ ّ
ل أيمن" حيث أمضوا هناك شهرًا ،رأى فيه النب ّ
لبواء) (2مّما دفع الجميع إلى إظهار المحبة له
ن ُأّمه العزيزة توّفيت أيضًا في الطريق إلى مكة بمنطقة ا َ
أّ
والعناية به ،خاصًةجّده "عبد المطلب" الذي أحبه أكثر من أولده.
____________
. 1للتوسع في هذا الموضوع ،يرجع إلى :معالم التوحيد في القرآن الكريم.
. 2السيرة الحلبية.105|1 :
===============
) ( 37
ل تعالى منه أن يهّيئه لمواجهة المستقبل
وربما كان ُيتم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في صالحه ،فقد أراد ا ّ
ل قيد ،يصنع نفسه بنفسه، لحد ،فنشأ حرًا من ك ّ بشدائده و مصاعبه ومتاعبه،أو أراد أل يكون في عنقه طاعة َ
ي دخل فيه وفي مصيره ،فتكون بالتالين نبوغه ليس نبوغًا بشريًا عاديًا ومألوفًا ،وأّنه لم يكن لوالديه أ ّ
وليتضح أ ّ
عظمته الباهرة نابعة من مصدر الوحي وليس من العوامل العادية المتعارفة.
وقد فاجأت الحياُة نفس النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( الحزينة بوفاة جّده العظيم"عبد المطلب" وهو في
الثامنةمن عمره ،فبكى عليه "صلى ال عليه وآله وسلم" كثيرًا وظّلت دموعه تجري حتى ُوري في لحده(1).
كان أبو طالب أخًا لوالد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من ُأّمواحدة ،وقد تقّبل كفالة النبيص وتحّمل المسَوولية
بفخر واعتزاز.
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( عّمه في إحدى الحروب التي وقعت في وفي العاشرة من عمره ،شارك النب ّ
ن "اليعقوبي" ينفي في تاريخه اشتراك النبي )صلى ال عليه وآله لأّ لشهر الحرم فسّميت بحرب الفجار ،إ ّ اَ
وسلم( وأبي طالب فيها(2).
ورافق عّمه في سفره إلى الشام وهو في ربيعه الثاني عشر ،شاهد فيها "مدين ،ووادي القرى ،وديار ثمود"،
طلع على مشاهد الشام وطبيعتها الجميلة.وا ّ
____________
لسلم قد أخذ الكثير من
ناِ . 1تاريخ اليعقوبي 10|2:حول سيرة عبد المطلب ،أّنه كان موحدًا ل وثنيًا ،وإ ّ
سننه.
. 2تاريخ اليعقوبي.15|2:
===============
) ( 38
لحداث المرتبطة ن أحداث "بصرى" غّيرت برنامج رحلة أبي طالب ،ودفعته إلى العودة إلى مّكة ،وهي ا َ لأّ إّ
بمقابلة الراهب"بحيرا" بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وما تنّبأ عنه بقوله" :إّنه كائن لبن أخيك هذا شأن
ب العالمين يبعثه رحمًة للعالمين. عظيم ،نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا ،هذا سّيد العالمين ،هذا رسول ر ّ
ن قتله"(1).احذر عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا ما أعرف ليقصُد ّ
أّما ما قيل عن تلك المقابلة من آراء متطرفة ،وبأّنالراهب بحيرا عّلم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ُأمور دينه
ن النبي )صلى ال عليه لسلم ،إذ أ ّ لنجيل والتوراة ،فهو فرية المستشرقين والكارهين ل ِ التي درسها من كتب ا ِ
وآله وسلم( لم يمكث هناك أكثرمن أربعة أشهر هي فترة رحلة الشام عند العرب ،ثّم إذا كان هذا الراهب يمتلك
هذه الكمية من المعلومات الدينية والعلمية التي عرضها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فلماذا لم يقم هو
بنشرها ،فيأخذ شهرته منها؟ ثّم لماذا اختار محّمدا )صلى ال عليه وآله وسلم( دون غيره ليعرض عليه تلك
المعلومات بالرغم من توافد القبائل عليه دومًا؟
علٍم
لخبار الغيبية وصلت إلى النبي ص عن طريق الوحي فقط ،فلم يكن على ِ ناَ ن اليات القرآنية تصرح بأ ّ إّ
ن القرآن الكريم يجّلهم لنبياء ،في حين أ ّ لنجيل ل تذكر ُأمورًا طّيبة عن ا َ ن ُكتب التوراة وا ِ بها مطلقًا .كما أ ّ
ويعظمهم ويكرمهم،على عكس ما جاء عنهم في كتب هَولء.
ن النبي )صلى ال عليه وآله ولذا لم يعقل أن يقتبس القرآن الكريم من تلك الكتب وبينهما ُبعد المشرقين .كما أ ّ
عَلْيُكْم ول َأدراُكْم
ل ما َتلوُتُه َل َلْو شاَء ا ّ
وسلم( لم يشرح تلك القصص والقضايا للناس قبل الوحي والرسالةُ) :ق ْ
ن َقْبلِه َأَفل َتْعِقُلون( (2).
عُمرًا ِم ْ
ت ِفيُكْم ُ
بِه َفَقْد َلِبث ُ
____________
. 1تاريخ الطبري32|2:؛ السيرة الحلبية.180|1 :
. 2يونس.16:
===============
) ( 39
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( لبث في قومه فترة طويلة لم يتلو فيها سورة من القرآن ول ن النب ّ
فالية تَوكد على أ ّ
ل تعالى إليه بعد أن بعثه بالرسالة(1).
ل ما أخبر به هو مّما أوحى به ا ّ آية من آياته ،فك ّ
.3فترة شبابه
كانت آثار الشجاعة والقوة باديًة على جبينه )صلى ال عليه وآله وسلم( منذ طفولته وصباه ،ففي الخامسة عشرة
جار الرابعة التي استمّرت أربع
جار بين قريش و هوازن ،وهي حرب الف ّ من عمره قيل اّنه شارك في حرب الف ّ
سنوات ،كان يناول فيها أعمامه النبال .وتكشف مشاركته في تلك العمليات العسكرية وهو في تلك السن ،عن
شجاعته وقدرته الروحية الكبرى ،ولهذا كان المسلمون ـ فيما بعد ـ يحتمون بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
عند اشتداد المعركة.
وفي مقابل هذا روى المَورخ اليعقوبي )المتوّفى 290هـ( في تاريخه:
ن أبا طالب منع أن يكون فيها أحٌد من بني هاشم .وقال هذا ظلم وعدوان وقطيعة واستحلل للشهر وقد روي أ ّ
ل بن جدعان التيمي
الحرام ول أحضره ول أحٌد من أهلي .فأخرج الزبير بن عبد المطلب متكرهًا وقال عبد ا ّ
وحرب ابن ُأمّية :ل نحضر أمرًا تغيب عنه بنوهاشم فخرج الزبير(2).
____________
. 1للتوسع في الموضوع ،راجع مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني.321|3:
. 2تاريخ اليعقوبي ،12|2:طبع النجف.
===============
) ( 40
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان أحد المشاركين في حلف الفضول ،الذي اعتبر ميثاقًا بين كما أ ّ
سسه جماعة اشُتّقت أسماَوهم جميعًا من الجرهميين يهدف إلى الدفاع عن حقوق الضعفاء والمظلومين .وقد أ ّ
لفظة "الفضل" ،مثل :فضل بن فضالة ،وفضل بن الحارث ،وفضل بن وداعة .وقد ُنقلت عبارات كثيرة عن
ل بن جدعان حلف،واعتز بمشاركته فيه" :لقد شهدُتفي دار عبد ا ّ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أشاد فيها بال ِ
لجبت". لسلم َ حلفًا لو دعيت به في ا ِ ِ
لمام الحسين )عليه السلم( أيضًا ،فضرب به المثل في أخذ الحّقورّده لصاحبه ،مثلما طلب هو حّقه كما أشاد به ا ِ
من "الوليد بن عتبة"أمير المدينة.
.4فترة عمله
أمضى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( شطرًا من حياته قبل البعثة ،في رعي الغنم في الصحارى ،لعّله
ل صعب في هذا المجال .إذ ليصبح بذلك صبورًا في تربية الناس الذين سُيكلف بقيادتهم وهدايتهم ،ويستسهل ك ّ
كان لبّد أن يتسّلح بسلح الصبر ،ويتجّهز بأداة التحّمل ،ويتزّود بقدرة الستقامة على طريق الهدف ،وذلك حتى
لبتعويد النفس على هذه الصفات وحملها على مشاق ن ذلك ل يكون إ ّيمكنه إدارة البشر في المستقبل .إذ أ ّ
ن عمله في الصحراء والجبال ،ساعده في التخّلص بعض الشيء من آلمه الروحية الناشئة من لعمال .كما أ ّ اِ
لحوال المشينة التي كان عليها أهل مكة وما كانوا فيه من عادات سيئة وظلم لوضاع المزرية وا َ رَوية ا َ
وانحراف وطغيان .كما أّنعمله في تلك البقاع ،أعطاه فرصة طيبةللنظر في خلق السموات والتطلع في النجوم
والكواكب وأحوالها ،ثّمالمعان
===============
) ( 41
ل سبحانه و تعالى ،وقدرته و حكمته وعلمه وإرادته. في اليات الدالة على وجود ا ّ
لأّنهم ل يرون ليمان والتوحيد ،إ ّ
لنبياء تكون منورة بمصابيح المعرفة ،ومضاءة بأنوار ا ِ ن قلوب ا َفبالرغم من أ ّ
للهية ،إذ أّنه من خلل هذا الطريق يصلون إلى أنفسهم في غنى عن النظر في عالم الخلق والتفّكر في اليات ا ِ
ليمان،ويبلغون أسمى درجات اليقين،وبالتالي يتمّكنون من الوقوف على ملكوت السماوات أعلى مراتب ا ِ
لرضين. وا َ
ي الجبلي ،تعاطى )صلى ال عليه وآله وسلم( العمل التجاري ،باقتراح من عّمه أبي وبعد هذا العمل الصحراو ّ
طالب ،الذي أرشده بالتوجه للعمل في تجارة السيدة "خديجة بنت خويلد" التي كانت تعمل بالتجارة الواسعة،
فأصبحت غنيًة ذات مال كثير وذات شرف عظيم ،استخدمت الرجال في إدارة أعمالها الكثيرة .فقال أبو طالب
للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( " :يابن أخي ،هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس ،وهي تبحث
ضلتك على غيرك ،لما يبلغها عنك من ت إليك،وف ّلسرع ْ ت نفسك عليها َ عن رجل أمين،فلو جئتها فعرض َ
طهارتك".
لقدام بنفسه على ذلك فرّد عليه ":فلعّلها ن إباء الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وعلّو طبعه منعاه من ا ِ لأّ إّ
لمين بين الناس .وقد حدث ماأراده النبي )صلى ال عليه وآله لّنها تعرف أّنه المعروف با َ أن ترسل إلّيفي ذلك" َ
وسلم( فقد بعثت إليه قائلًة":إّني دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم
ل من قومك ،وأبعث معك غلمين يأتمران بأمرك في السفر"(1). أخلقك،وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رج ً
ل إليك".
ن هذا رزق ساقه ا ّ
ولّما علم عّمه أبو طالب بذلك قال له" :إ ّ
____________
. 1البحار22|16:؛السيرة الحلبية132|1 :؛ الكامل في التاريخ.24|2:
===============
) ( 42
وهكذا تّم التفاق على أن يقوم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بالعمل في أموالها وتجارتها على نحو
لحد قط(1). ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ما كان أجيرًا َ لجارة ،فقد ذكر "اليعقوبي" :إ ّالمضاربة ل ا ِ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( حصل على أرباح وفيَرة من أّول تجارته إلى الشام .ولما مّر في ولذا فإ ّ
لّول مع عّمه إلى تلك المناطق .وعند وصولهم إلى مّكة ،قال الطريق على ديار عاد وثمود ،تذكر سفره ا َ
"ميسرة" غلم السيدة خديجة :يا محّمد لقد ربحنا في هذه السفرة ببركتك ما لم نربح في أربعين سنة ،فاستقب ْ
ل
بخديجة وأبشرها بربحنا .فأسرع النبي ص وسبق القافلة متوجهًا نحو بيت خديجة ،التي استقبلته بحفاوة كبيرة،
ن "ميسرة" أخبرها بكّلما حدث وحصل لهم في السفر، وسّرت بحديثه وأخباره عن رحلته ومكاسبه التجارية .ثّم إ ّ
جار الذي منذ خروجهم ودخولهم إلى البلد ،وخاصًة ما جرى ،بين النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وأحد الت ّ
جادله في البيع طالبًا منه أن يحلف باللت والعّزى ،فرد عليه )صلى ال عليه وآله وسلم( :ماحلفت بهما قط،
ل شجرة لمّر فأعرض عنهما .كما أخبرها عن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( حينما استراح في ظ ّ وإّني َ
ل نبي.ولما سأل عن اسمه من عندما كانوا في بصرى ،فشاهده راهب فقال :ما نزل تحت هذه الشجرة قط إ ّ
ت عنُه بشائر كثيرة(2).لنجيل،وقد قرأ ُ
لاِ لنبياء ،إّنه هو هو ومنّز ُ
ي وهو آخر ا َميسرة فقال :هو نب ّ
سع به على ل ما ربحه واستلمه من مال إلى عّمه أبي طالب ،ليو ّ وقد سّلم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ك ّ
أهله ،مّما جعله فِرحًا مسرورًا بما قام به ابن أخيه تجاهه.
____________
. 1تاريخ اليعقوبي.21|2:
. 2البحار18|16 :؛ طبقات ابن سعد.130|1:
) ( 43
.5زواجه )صلى ال عليه وآله وسلم(
في هذا الوقت ،فّكر )صلى ال عليه وآله وسلم( جديًا في أن يّتخذ شريكة لحياته ويكّون ُأسرة ،فكيف وقع
ل َمن تقّدم إليها من كبار الشخصيات القرشية ،أمثال :عقبة بن أبي اختياره على السيدة خديجة التي رفضت ك ّ
للفة والمحبة ،إلى درجة أّنهامعيط ،وأبي جهل ،وأبي سفيان؟ وكيف أّدى الرتباط بينهما والعلقة العميقة و ا َُ
لسلم؟ ل ثروتها للنبيحتى ينفقها في نشر ا ِ
وهبت ك ّ
ل وأكثرهن فهمًا ،وقد قيل لها :سيدة قريش، كانت السيدة خديجة من خيرة نساء قريش شرفًا وأقواهن عق ً
وسّميت الطاهرة لشدة عفافها ،وذلك في أّيام الجاهلية.
لخلق ،وشرف النفس، وحين رفضت الزواج من سادة القوم َقِبلت بسيد البشر لما عرفت عنه من كرم ا َ
والسجايا الكريمة ،والصفات العالية .وهي المرأة الثرية التي وإن عاشت في الترف وأفضل العيش ،إلّ أّنها
أصبحت في بيت زوجها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( الزوجة المطيعة الخاضعة الوفية المخلصة ،و
سارعت إلى قبول دعوته واعتناق دينه بوعي وبصيرٍة ،مع علمها بما ينطوي ذلك على مخاطر ومتاعب .ثّم
ل ثروتها ومالها في خدمة العقيدة والمبدأ ،مشاطرة زوجها بذلك آلَمه ومتاعَبه ،وراضية بمرارة جعلت ك ّ
الحصار في شعب أبي طالب ثلث سنوات ،وهي في سن الرابعة والستين(1).
وقد بلغ من خضوعها للرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وحبها له ،أّنها بعد أن تم الزواج بينهما قالت له :إلى
بيتك ،فبيتي بيتك وأنا جاريتك(2).
____________
. 1شرح نهج البلغة.59|14 :
لنوار.4|16 : . 2بحارا َ
===============
) ( 44
ن "نفيسة بنت علّية"ويَوكد المَوّرخون أّنها هي التي اقترحت على النبيالزواج ،وكما يعتقد أكثر المَوّرخين ،أ ّ
بّلغت رسالتها إلى النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" الذي تقّبل عرضها ،فأخبرت السيدة خديجة بذلك ،فأرسلت
لقارب(1). بوكيلها "عمرو بن أسد" لتحديد ساعة مراسم الخطبة في محضر ا َ
فشاور النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أعمامه وعلى رأسهم "أبو طالب"الذي خطب في القوم يمدح النبي
ل" :وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، )صلى ال عليه وآله وسلم( ويطلب الزواج له من السيدة خديجة قائ ً
والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي ،ومحّمد من قد عرفتم قرابَته".
ثّم أجرى عقد النكاح ،ومهرها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( 400دينار ،وقيل أصدقها عشرين بكرة(2).
وكان عمرها في هذا الوقت أربعين عامًا ،إذ أّنها ُولدت قبل عام الفيل بخمسة عشر عامًا ،كما جاء عنها أّنها
تزوجت قبل النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" برجلين ،أّولهما" :عتيق ابن عائذ" ،ثّم بعده" :أبو هالةالتميمي".
ل منهما بعد زواجه منها(3).وقد توفي ك ّ
وقد تمّيزت السيدة خديجة من نساء النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأّنه لم يتزّوج عليها مّدة حياتها ،وبلغت
ن أهل البيت "عليهم السلم" طمن زوجاته (4).ومّما يدل على سمّو مقامها وعلّومنزلتها ،أ ّ لديه مالم تبلغه امرأة ق ّ
طالمًا افتخروا بأّنخديجة منهم ،وإّنهم من خديجة ،فكانوا يعتزون بها ويشيدون بمكانتها .فالسيدة خديجة )عليها
ب العميق للرسولالسلم( هي مثال الشرف والعقل ،والح ّ
____________
. 1تاريخ الخميس.264|1:
. 2السيرة الحلبية.139|1:
. 3الستغاثة.70|1:
. 4السيرة الحلبّية.169|1 :
===============
) ( 45
لسلم الحنيف ،فهي أّول لخلص ،والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل ا ِ )صلى ال عليه وآله وسلم( والوفاء وا ِ
ل ورسوله،وصدقت محّمدا "صلى ال عليه وآله وسلم" وآزرته ،فكان )صلى ال عليه وآله وسلم( ل من آمنت با ّ
ل عنه بخديجة التي خّففت عنه ،بلطفها وعطفها لوفّرج ا ّ يسمع من المشركين شيئًا يكرهه ،من إيذاء وتكذيب ،إ ّ
وعنايتها به في غاية الخلص والود(1).
لسلم ،وحرصها لقد اكتسبت السيدة خديجة بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحّمدية ،وتفانيها في سبيل ا ِ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( َذَكَرها لسلم ،حتى أ ّ العجيب على حياة صاحب الرسالة ،مكانًة ساميًة في ا ِ
للفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة التي ينبغي أن في أحاديثه الكثيرة ،وأشاد بفضلها ومكانتها وشرفها ،وذلك ِ
لضافة إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة ـ و هي تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالت والحالت ،با ِ
ى للرسالة ،ماديًا كان أم معنويًا.نصف المجتمع ـ من دعم جّد ّ
لحاديث التي ُنقلت عن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أّنه قال عنها":أتاني جبرائيل )عليه ومن أشهر ا َ
شرها ببيت في الجّنة من قصب ل ،إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلم من ربها ومّني ،وب ّ السلم( فقال يا رسول ا ّ
ل صخب فيه ول نصب"(2).
ل خيرًا منها ،آمَنت بي إذ كفر الناس ،وصّدقتني إذ ل ما أبدلني ا ّوقال عنها )صلى ال عليه وآله وسلم( " :ل وا ّ
ل منها أولدًا إذ حَرَمني أولد النساء"(3).حرمني الناس ،ورزقني ا ّ سْتني في مالها إذ َ
كذبني الناس ،ووا َ
كما روى أنس بن مالك ،أّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إذا أتى بهدية
____________
. 1أعلم النساء.328|1:
. 2صحيح مسلم133|7:؛ مستدرك الحاكم.184|3:
ُ . 3أسد الغابة438|5:؛ صحيح مسلم134|7:؛ صحيح البخاري.39|5 :
===============
) ( 46
ب خديجة"(1).
قال ":اذهبوا بها إلى بيت فلنة فإّنها كانت صديقة لخديجة ،إّنها كانت تح ّ
لرض خلق جج وما على ا َ حَ
ت أّول من أسلم ،فمكثنا بذلك ثلث ِ لمام علي )عليه السلم( " :كن ُ
كما قال عنها ا ِ
ل").ل ،وقد َفَع َ
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" بما أتاه ،غيري ،وغير ابنة خويلد رحمها ا ّ يصّلي ويشهد لرسول ا ّ
(2
لسلمية المتقدمة والمتأخرة ،فقد ذكر عنها "محمد بن إسحاق": وقد تحّدث عنها أيضًا الكثير من الشخصيات ا ِ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( هلك ن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ،ماتا في عام واحد ،فتتابع على رسول ا ّ "إ ّ
ل يسُكن إليها"(3).
لسلم ،وكان رسول ا ّ خديجة وأبي طالب ،وكانت خديجة وزيرة صدق على ا ِ
ن وفاتها كانت من أعظم المصائب التي أحزنت الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( مّما دفعه أن ل ذلك ،فإ ّ
ولك ّ
يسّمي العام الذي توّفي فيه ناصراه وحامياه ورفيقا آلمه ـ :زوجته خديجة ،وعّمه المَومن الصامد أبو طالب ـ
بعام الحداد أو عام الحزن .فينزل عند دفنها في حفرتها ،وُيدخُلها القبر بيده في الحجون ،فيلزم بيته و يقل
الخروج(4).
لولد ،اثنين من الذكور ،أكبرهما القاسم ل )صلى ال عليه وآله وسلم( ستة من ا َ لقد أنجبت خديجة لرسول ا ّ
ن أكبر بناته :رقية ثّمزينب ثّم ُأم كلثوم ،ثّمفاطمة ،وكّلهن
لناث .وذكر ابن هاشم ،ا ّ ل ،وأربعة من ا ِ
وعبدا ّ
لسلم ،أّما الذكور فقد ماتوا قبل البعثة.
ناِأدرك َ
____________
. 1سفينة البحار.380|1:
. 2شرح نهج البلغة.59|14:
لنوار.10|16:
. 3بحارا َ
. 4تاريخ اليعقوبي35|2:؛ تاريخ الخميس301|1 :؛السيرة الحلبية.346|1 :
===============
) ( 47
____________
لصابة في تمييز الصحابة545|1:؛ الكامل في التاريخ.225|2:
.1اِ
===============
) ( 48
===============
) ( 49
الفصل الثالث
البعثة النبوية
===============
) ( 50
===============
) ( 51
.1الحالة الدينية في الجزيرة العربية
لوثان ،ظهرت جماعة من العرب ،أنكروا عقائدها الباطلة ،واستاءوا من دينها ،كما لصنام وا َإلى جانب عبادة ا َ
لحبار من ناَ سرن أصنامكم .وجاء أيضًا أ ّ
لصنام بالنبي قائلين :ليخرجن نبي فليك ّعدون أهل ا َ كان اليهود يتو ّ
اليهود والرهبان من النصارى والكّهان من العرب ،قد تحّدثوا بأمر رسول الّلهقبل مبعثه .وظهر كذلك من انتقد
عبادتهم من فئة العقلء وأصحاب الفكر الثاقب ،فكان ذلك بمثابة جرس إنذار باقتراب سقوط دولة الوثنّيين
وانقراضها واشتهر من هَولء بين العرب أربعة:
.1ورقةبن نوفل ،الذي اختار النصرانية.
لسلم. ل بن جحش ،الذي أسلم عند ظهور ا ِ .2عبيد ا ّ
صر عند ملك الروم. .3عثمان بن الحويرث ،الذي تن ّ
.4زيد بن عمرو بن نفيل ،الذي قال :أعبد رب إبراهيم(1).
____________
. 1السيرة النبوية.225|1:
) ( 52
.2مكانةالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عند قريش
حينما كان )صلى ال عليه وآله وسلم( في عمر 35عامًا واجه اختلفًا كبيرًا بين قريش ،تمكن بحكمته من إزالة
ذلك التخاصم،مّما كشف عن مدى الحترام الذي حظا به عند قريش .فعندما ُهدمت الكعبة بسبب سيل عظيم ،قام
لسود في مكانه ،فتنازع زعماء قريش فيمن يتولى ل أّنهم اختلفوا في وضع الحجر ا َ القوم بإعادة بنائها ،إ ّ
خر عملية البناء مدة خمسة أّيام ،وكادت أن تنشب فيما بينهم بسببه حرب دامية ،وربما طويلة،حتى وضعه،مّما أ ّ
خل من باب هذا المسجد يقضي قام فيهم شيخ منهم وقال:يامعشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أّول من يد ُ
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" فقالوا :هذا محّمد بينكم فيه .فَقِبُلوا رأيه فكان أّول داخل عليهم محّمد رسول ا ّ
ل قبيلة بناحية من
ي ثوبًا فأخذ الحجر ووضعه فيه و قال :لتأخذ ك ّ لمين ،رضينا ،هذا محّمد .فقال ص :هلّم إل ّ اَ
الثوب ثّم ارفعوه جميعًا .ثّم وضعه )صلى ال عليه وآله وسلم( بيده في مكانه(1).
لسلم
.3إيمان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( و آبائه وكفلئه قبل ا ِ
ل منُذ
لكرم "صلى ال عليه وآله وسلم" لم يعبد غيَر ا ّ ن النبي ا َ
ل الدلئل التاريخية والعقلية والمنطقية ،على أ ّ
تد ّ
ولد حتى رحل إلى رّبه ،وكذلك ما كان عليه آباَوه وكفلَوه.
حد الذي لل وهو في الكعبة أن يرد هجوم أبرهة ويهزم جيشه ،فقد كان المو ّ فجّده عبد المطلب ،طلب من ا ّ
ل تعالى .وقد اعترف سل إلى ا ّ
ل .كما أّنه كان يستسقي بالتو ّ ى في المصائب والمكاره إلى غير كهف ا ّ يلتج َ
ل ،ووفى ل عّزوج ّحد ا ّ
لصنام ،وو ّ لوثان وا َالمَوّرخون بذلك ،فقد ذكر اليعقوبي" :ورفض عبد المطلب عبادة ا َ
ن سننًا نزل القرآن بأكثرها ،وجاءت السّنة الشريفة بالنذر ،وس ّ
____________
. 1السيرة النبوية192|1:؛ فروع الكافي.217|4:
===============
) ( 53
ت محرم ،ول تَوتى البيوت من لبل في الدية ،وأل تنكح ذا ُ من رسول الّلهبها،وهي الوفاء بالنذر ،ومائة من ا ِ
ظهورها ،وقطع يد السارق،والنهي عن قتل المَوودة ،وتحريم الخمر ،وتحريم الزنا والحّدعليه ،والقرعة ،وأ ّ
ل
لشهر الحرم، ل من طيب أموالهم،وتعظيم ا َ جوا إ ّ
يطوف أحد بالبيت عريانًا،وتكريم الضيف،وأل ينفقوا إذا ح ّ
ونفي ذات الرايات"(1).
ل واعترافه برسالة النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" . كل ذلك يَوكد تمامًا توحيده وإيمانه با ّ
وكذلك كان عّمه أبو طالب ،فله مواقف كثيرة بارزة قبل البعثة ،تكشف عن عمق إيمانه وتوحيده ،فقد اعتبر
لنساني،حامي الدين والمدافع عن المسلمين ،آمن بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( واعتبره في قمة الكمال ا ِ
لخ ،فكان يصحبه معه إلى المصّلى ،ويستسقي به ،حيث كانت ل البن وا َ
لضافة إلى أّنه أحّله من قلبه مح َ با ِ
ن دفاعه عن النبي )صلى ال عليه دعوته ُتستجاب دون تأخير ،كما اصطحبه معه في سفره إلى الشام ،كما أ ّ
وآله وسلم( لم يكن ماديًا ،فلم يقصد من وراء ذلك كسبًا ماديًا من مال وثروة ،كما لم يهدف للحصول على جاه
لّنه كان يمتلك في المجتمع أعلى المناصب ،فقد كان رئيسًا لمّكة ومقام وإحراز مكانة اجتماعية مرموقةَ ،
المكّرمة ،بل إّنه فقد منصبه ومكانته بسبب موقفه الموالي للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وعدم الستجابة
لقومه في تسليمه "صلى ال عليه وآله وسلم" لهم ،مّما استوجب سخط الزعماء عليه واستياءهم منه ،وإظهار
العداء له ولبني هاشم عامة.
____________
. 1تاريخ اليعقوبي.9|2:
===============
) ( 54
ن تضحية أبي طالب في سبيل النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بالنفس والنفيس كان بدافع علقة فالقول بأ ّ
ل )صلى ال عليه وآله القربى والعصبية القبلية ،تصّور باطل ،إذ أّنذلك كان بدافع اعتقاده الراسخ برسول ا ّ
ن دينه أفضل برنامج للسعادة .ولما كان يحب الحقيقة لنسانية ،وأ ّ ل للفضيلة وا ِوسلم( الذي اعتبره مظهرًا كام ً
ل جهوده وقواه(1).ق ،فقد كان من الطبيعي أن يدافع عن تلك الفضائل وينصرها بك ّ والكمال والح ّ
ن هناك مواقف محددة تَوكد المعنى السابق: كما أ ّ
فقد أصدر تهديدًا بمحاربة رجال قريش بالسلح ،إذا أقدموا على أي سوء نحو النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
فقد حافظ على حياته "صلى ال عليه وآله وسلم" لفترة 42عامًا ،ودافع عنه ،وخاصًة في سنوات البعثة
العشرة ،فهو قد تولى مهمة كفالته والدفاع عنه والمحافظة على حياته بصدق وإخلص ،بالنفس والمال ،وإيثاره
صَغره "صلى ال عليه وآله وسلم" وحتى الخمسين من عمره. لنفاق عليه من ماله ،منذ ِ على نفسه وأولده وا ِ
لسلمية. لثر على سير الدعوة ا ِ ولذا كان لفقده أكبُر ا َ
وهو ما دفع ابن أبي الحديد المعتزلي أن ينشد بيتين يوضح تضحيته هو وابنه علي )عليه السلم( :
ل الّدين شخصًا وقاما و لـول أبـو طـالب وابنـُـه لما مث ُ
حمامـا)(2 س ال ِ
فـذاك بمكـة آوى وحامـى وهذا بيثرب ج ّ
ويمكن التعّرف على إيمانه و إخلصه عن طريق أشعاره وخدماته القّيمة في
____________
ل ذلك في قصائده وأشعاره .ونقل ابن هشام في سيرته 15 ، 352|1:بيتًا من قصيدته. . 1وقد أشار إلى ك ّ
. 2شرح نهج البلغة.84|14:
===============
) ( 55
لخيرة من عمره ،فمن قصائده المطولة نختار البيتين التاليين: السنوات العشر ا َ
ح بن مريمي كموسى والمسي ِ ن محمّـدا نب ّ ليعلم خياُر النـاس أ ّ
ل يهدي ويعصم)(1 ل بأمر ا ّ أتـى بهـدى مثلمـا أتيــا بــه فك ّ
لقد كان إيمانه قويًا لدرجة أّنه رضى بأن يتعرض كل أبنائه لخطر القتل والغتيال ليبقى محمد )صلى ال عليه
لُ :أوصيكم بمحّمد خيرًا فإّنهي سوء .كما أّنه أوصى أولده عند وفاته قائ ً سه أعداَوه بأ ّ وآله وسلم( دون أن يم ّ
ل ل يسلك أحد منكم سبيله لمين في قريش ،وهو الجامع لكّلما أوصيكم به .كونوا له ولًة ،ولحزبه حماًة ،وا ّ اَ
لسعد(2). شد ،ول يأخذ أحد بهديه إ ّ لر َإّ
ن منهم من حكموا بإسلمه وبإيمانه ،مثل" :زيني دحلن" مفتي مكة لأّ وبينما كّفره البعض من علماء السنة ،إ ّ
)المتوّفى 1304هـ( ،وقد تمادى بعض منهم في توسيع دائرة الكفر فشملت آباء النبي )صلى ال عليه وآله
لعلمل جهدها لتأكيد كفر أبي طالب وا ِ لموية والعباسية التي عملت بك ّ وسلم( ،و كان ذلك من آثار الحكومات ا َ
لعلمية لتلك الحكومات في الحط لجهزة ا ِ لمام علي )عليه السلم( الذي اجتهدت ا َ لّنه كان والد ا ِ ضّد إيمانهَ ،
ن إسلمه مع أبيه كان يعد فضيلة بارزة من فضائله. من شأنه دومًا ،وخاصًة إ ّ
ل )صلى ال عليه وآله لمامية والزيدية فقد اّتفقوا على أّنه كان من أبرز المَومنين برسول ا ّ أّما علماء الشيعة ا ِ
ل تعالى وحبًا للمسلمين(3). لسلم وإخلصًا ّ لبقلب يفيض إيمانًا با ِ وسلم( ولم يخرج من الدنيا إ ّ
____________
. 1مجمع البيان37|7:؛ الحجة57:؛مستدرك الحاكم.623|3:
. 2السيرة الحلبية.35|1 :
لميني.لمة ا َ
. 3يوضح هذا الجانب جيدًا صاحب موسوعة الغدير ،الع ّ
===============
) ( 56
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( دفنه بنفسه. ليجابي ،فإ ّ
وأّما أقاربه وما قّدموه من أفعال وأقوال تَوكد موقفه ا ِ
ل تعالى نهى رسوله أن نا ّلمام الحسين )عليه السلم( أجاب عندما سئل عن إيمانه قال" :واعجبًا ،إ ّ ناِ كما أ ّ
لسلم لم تزل تحت أبي طالب حتى يقّر مسلمة على نكاح كافٍر ،وقد كانت "فاطمة بنت أسد" من السابقات إلى ا ِ
مات".
ل وأبيه". ج عن عبد ا ّن أمير المَومنين علي )عليه السلم( كان يأمر أن يح ّ وقال )عليه السلم( " :ألم تعلموا أ ّ
ليمان وأظهروا الشرك، لمام الصادق )عليه السلم( " :إّنمَثل أبي طالب َمَثل أصحاب الكهف أسّروا ا ِ وقال ا ِ
ل أجرهم مّرتين،وكذلك أبو طالب"(1). فآتاهم ا ّ
ومن المعروف ،أّنه للتعرف على عقيدة فرٍد ونمط تفكيره،ينبغي العتماد على:
لدبية وما تركه من أقوال وكلمات. ـ دراسة آثاره العلمية وا َ
ـ و أسلوب عمله وتصرفاته في المجتمع.
ـ و آراء أقربائه ومعارفه حوله.
وكّلتلك الجوانب أكدت إسلم أبي طالب ،حامي الرسول العظيم "صلى ال عليه وآله وسلم" ،فتسقط ك ّ
ل
لحاديث التي بّثها أعداَوه للحط من شأنه وإلصاق الكفر به. لقاويل وا َ اَ
ل ،فقد ذكر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إّنه انتقل وكذلك كان أبو النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عبد ا ّ
لرحام المطّهرة مّما يَوّكد طهارة آبائه وُأّمهاته من كّلدنس وشرك. في ا َ
ل "صلى ن آباء رسول ا ّوقد أشار الشيخ المفيد إلى أّنالمامّية تتفق على أ ّ
____________
ُ . 1أصول الكافي.448|1:
===============
) ( 57
جوا في ذلك
حدين إّياه ،واحت ّ
ل ومو ّ
ل بن عبد المطلب كانوا مَومنين با ّ
ال عليه وآله وسلم" من لدن آدم إلى عبد ا ّ
لخبار.
بالقرآن و ا َ
===============
) ( 58
ل ساجداً قائمًا بالفرائض العقلية والشرعية ،مجتنبًا حدا عابدًا ّوالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان مَومنًا مو ّ
لنقاذ البشرية عن الجهل ل ِ
ل،وراجيًا لنزوله إليه ،إلى أن بعثه ا ّ عن المحرمات ،عالمًا بالكتاب ومَومنًا به إجما ً
وسوقها إلى الكمال.
ل ،وأّنه كان يعمل حسب ما ُيلَهم سواء خلقًا وعق ً
فكان )صلى ال عليه وآله وسلم( أفضل الخلق وأكملهم خلقًا و ُ
ن هاديه وقائده ،منذ صباه إلى أن ُبِعث هو نفس هاديه بعد البعثة(1). كان مطابقًا لشرع ماقبله أم مخالفًا ،وأ ّ
ويقع جبل حراء في شمال مّكة ،ويستغرق الصعود إليه مّدة نصف ساعة ،ويتكّون من قطع صخرية ل أثر
لّيام
للحياة فيها .أّما الغار فيقع في شمال الجبل ،وهو يحكي ذكريات رجل طالما ترّدد عليه وقضى الساعات وا َ
ن النبي ص كان يفّكر فيل وعظمته .إذ أ ّل ويتأّمل في الكون وفي آثار قدرة ا ّ لشهر في رحابه ،يتعبد ا ّ وا َ
أمرين ،قبل أن يبلغ مقام النبوة:
ل من الكائنات نور الخالق العظيم وقدرته وعظمته ،فتفتح لرض ،فيرى في ملمح ك ّ .1ملكوت السماوات وا َ
للهي المقّدس. عليه نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور ا ِ
.2المسَوولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله ،فكان يفكر في فساد حياة المجتمع المكي ،وكيفية رفع كّلذلك
وإصلحه.
ل تعالىللهية إليه )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد أمر ا ّ وأّما الرسالة ا ِ
____________
. 1للتوسع في ذلك يراجع مفاهيم القرآن للمَولف.135|5:
===============
) ( 59
جبرائيل )عليه السلم( بأن ينزل على أمين قريش في الغار ويتلو على مسامعه بضع آيات كبداية لكتاب الهداية
والسعادة ،معلنًا بذلك تتويجه بالنبوة ونصبه لمقام الرسالة ،وطلب منه أن يقرأ ،أو قال :يا محّمد اقرأ ،قال :وما
عّلَم
عّلَم ِبالَقَلم* َ
لْكَرم* اّلِذي َ
كاَ
عَلق*اْقَرْأ َوَرّب َ
ن َ
ن ِم ْ
لْنسا َ
قاِ خَل َ
خَلق* َ
ك اّلذي َ
سِم َرّب َ
أقرأ؟ قال يا محّمد)اْقرْأ ِبا ْ
ل ما أمره به ثّمصعد إلى العلّوونزل محّمد )صلى ال عليه ن ما َلْم َيْعَلم( ) (1ثّم أوحى إليه رّبه عّز وج ّ لْنسا َ
اِ
ل وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمى والنافض. وآله وسلم( من الجبل ،وقد غشيه من تعظيم جلل ا ّ
ن أساس الدين يقوم وقد أوضحت هذه اليات برنامج النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وبّينت بشكل واضح أ ّ
ل ،وأنا جبرائيل". على القراءة والكتابة والعلم والمعرفة باستخدام القلم .ثّم خاطبه الملك" :يا محّمد ،أنت رسول ا ّ
و قد اضطرب الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( لهذين الحدثين ،لعظمة المسَوولية التي ُألقيت على كاهله،
جها إلى بيت السيدة خديجة)عليها السلم( ،التي لحظت الضطراب و التعب على فترك غار حراء متو ّ
ل ما سمع وجرى ،فعظمت خديجة)عليها السلم( أمره ودعت له وقالت: ملمحه فسألت عنه ،فأجابها وحّدثها بك ّ
ل أبدًا" .ثّمدثرته فنام بعض الشيء .ثّم انطلقت إلى بيت ورقة تخبره بما سمعته من ل ل يخزيك ا ّ "أبشر ،فوا ّ
لكبر ـ أي الرسالة والنبوة
ن هذا لبدء النبوة ،وإّنه ليأتيه الناموس ا َ
زوجها الكريم ،فأجابها :إّنابن عّمك لصادق وإ ّ
ـ (2).
وقد اختلقت قصص كثيرة عن تخّوف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
____________
. 1العلق1:ـ .5
. 2طبقات ابن سعد.195|1:
===============
) ( 60
ست تلك الروايات في التاريخ والتفسير عن قصد وهدف أو دخلت فيها واضطرابه مّما حدث له في الغار ،ود ّ
عن غير ذلك .فالنبي الكريم "صلى ال عليه وآله وسلم" كانت روحه مهّيأة من جميع الجهات وبصورة كاملة
ل تعالى لم يكن ليمن عليه بمنصب النبوة ويختاره نا ّللهي ـ النبوة ـ وما لم تكن نفسيته كذلك ،فإ ّ لتلّقي السّر ا ِ
لنبياء هو هداية الناس وإرشادهم .وتدل تلك القصص ن الهدف الجوهري من انبعاث الرسل و ا َ لّ
لمقام الرسالةَ ،
لساطير بكّلقّوة وأبطلوهان أئّمة الشيعة حاربوا هذه ا َ ن ثمة يدًا إسرائيلية وراءها فصاغتها ،ولهذا فإ ّ على أ ّ
ل ،أنزل عليه السكينة والوقار ،فكان ل إذااّتخذ عبداً رسو ًنا ّ لمام الصادق )عليه السلم( " :إ ّ برّمتها .فقد قال ا ِ
ل مثل الذي يراه بعينه"(1). ل عّزوج ّيأتيه من ِقَبل ا ّ
لبالبراهين النّيرة واليات البّينة الدالة على
ل ل يوحي إلى رسوله إ ّ نا ّ
لمة الكبير الطبرسي ذلك ،بأ ّ وفسر الع ّ
ل تعالى فل يحتاج إلى شيء سواها ول يفزع ول يفرق(2). ن ما يوحى إليه إّنما هو من ا ّ أّ
ن هناك اختلفًا فيه مثلما اختلف في يوم ولدته ،فاّتفق علماء الشيعة على أّنه ُبعث أّما بالنسبة إلى يوم مبعثه ،فإ ّ
بالرسالة يوم 27من شهر رجب ،وأّننزول الوحي بدأ من هذا اليوم ،بينما اشتهر عند السّنة أّنه حدث في شهر
لولى رمضان .فهناك فرق في نزول القرآن جميعه على الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" ونزول اليات ا َُ
عليه يوم المبعث .فاليات التي تصرح بنزول القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر المباركة ،ل تدل على أ ّ
ن
ن اليات المذكورة الداّلة علىلّيوم المبعث ـ الذي نزلت فيه بضع آيات ـ ،كان ذلك في الشهر نفسهَ ،
____________
لنوار262|18:؛ الكافي.271|1: . 1بحار ا َ
. 2مجمع البيان.384|10:
===============
) ( 61
ن مجموع القرآن ل بعضه قد نزل في ذلك الشهر ،في حين أّنه لم أّنالقرآن نزل في شهر رمضان تدل على أ ّ
ينزل في يوم المبعث سوى آيات معدودة .كما أّنتفسيرا آخر يَوّكد أنّ للقرآن الكريم وجودًا جمعيًا علميًا واقعيا
ً،وهو الذي نزل على الرسول الكريم )صلى ال عليه وآله وسلم( مرةً واحدةً في شهر رمضان ،وآخر وجودًا
تدريجيًا كان بدء نزوله على النبي ص في يوم المبعث،واستمر نزوله إلى آخر حياته الشريفة على نحو التدريج.
ن ابتعاث الرسولبالرسالة في ل آخر ذهب إلى أ ّ ن ثمة قو ًلمة الطباطبائي من تفسير) .(1كما أ ّ وهو ما قّدمه الع ّ
شهر رجب ،ل يلزم نزول القرآن في ذلك الشهر حتمًا(2).
لنبياء المتقّدمين زمنيًا على خاتم شر بها جميع ا َن الرسالة المحّمدية المباركة ،ب ّ وأبرز ما في هذا الموضوع ،أ ّ
لنبياء والمرسلين محّمد "صلى ال عليه وآله وسلم" وأشار القرآن إلى ذلك في آيات كثيرة. اَ
لنبياء والمرسلين ،فل نبي بعده و ل رسالة ،حيث قال )صلى ال عليه وآله لمر الهاّم الخر ،إّنه كان خاتم ا َوا َ
خِتم النبّيون"(3).وسلم( " :أرسلت إلى الناس كافًة،وبي ُ
لسلمي
.5أوائل المَومنين بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( والدين ا ِ
===============
) ( 62
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أّكد بنفسه ذلك في قوله" :آمنت بي إذ كفر صة أ ّ
يختلف في هذا أحد (1).وخا ّ
الناس ،وصّدقتني إذ كّذبني الناس" (2).فهي أّول من التقته بعد نزول الوحي عليه في الغار ،فآمنت به وصدقته.
كما أّنعلي بن أبي طالب )عليه السلم( كان أّول من آمن به من الرجال ،حيث اّتفق العلماء كّلهم على ذلك ،إذ أ ّ
ن
ل تعالى نبيًا فاّتبعهلمام )عليه السلم( كان قد عاش في كنف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( حتى بعثه ا ّ اِ
لمام )عليه السلم( أّنه كان في حجر النبي )صلى ال عليه ل به على ا ِ وآمن به وصّدقه (3).فكان مّما أنعم ا ّ
لسلم وهو دون الثامنة .فحينما أجدبت مكة وضواحيها وأصاب الناس أزمة شديدة ،وكان أبو وآله وسلم( قبل ا ِ
طالب كثير العيال ،رأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يخّفف عنه ،فطلب من عّمه العباس أن يأخذ منه
س طالبًا ،وأبو طالب بعض عياله ،فكفل العباس جعفرًا ،وكفل رسول الّلهعليا ،وقيل أّنحمزة أخذ جعفرًا ،والعبا ُ
ل لي عليكم ،عليًا"(4).ل "صلى ال عليه وآله وسلم" ":إخترت من اختار ا ّ ل ،وقال رسول ا ّ عقي ً
ن الهدف من ذلك كان هو أن يترّبى علي )عليه السلم( في حجر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ويظهر أ ّ
ويتغّذى من مكارم أخلقه ويتبعه في كريم أفعاله.
ل رسول ا ّ
ل لمام )عليه السلم( موقفه بقوله" :الّلهّم إّني أّول من أناب وسمع وأجاب ،ولم يسبقني إ ّ ويَوكد ا ِ
بالصلة"(5).
____________
. 1السيرة النبوية.240|1:
. 2صحيح مسلم134|7:؛صحيح البخاري39|5 :؛ ُأسد الغابة428|5:؛ البحار.8|16:
. 3السيرة النبوية246|1 :؛ البداية والنهاية.25|2 :
. 4مقاتل الطالبيين26 :؛ الكامل37|1:؛ السيرة النبوية .245|1:
. 5نهج البلغة.182|2:
===============
) ( 63
كماجاء عن "عفيف الكندي" إّنه شاهد النبي صو زوجته و علّيا "عليه السلم" يَوّدون الصلة أمام الكعبة(1).
ل قبل الناس سبع سنين ،وأنا لكبر ،لقد صليت مع رسول ا ّ وجاء في خطبة له )عليه السلم( قوله" :أنا الصديق ا َ
أّول من صّلى معه"(2).
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أّكد ذلك أيضًا في أحاديثه المتكررة" :أّولكم إسلمًا علي بن أبي كما أ ّ
طالب"(3).
لمام علي )عليه السلم( في ذلك ،يذكر حكيم مولى زاذان،إّنه قال ،سمعت عليًا يقول" :صّليت قبل ومن أقوال ا ِ
الناس سبع سنين ،وكّنا نسجد ول نركع،وأّول صلة ركعنا فيها صلة العصر"(4) .
لثنين وأسلمت يوم الثلثاء"(5). ل )صلى ال عليه وآله وسلم( يوم ا ِ و قال أيضًاُ" :بعث رسول ا ّ
لمام عليًا )عليه السلم( كانناِو قد أّكد هذا الموقف أكثر من ستين صحابيًا وتابعيًا أّيدوا القول الذي يذكر أ ّ
أّول القوم إسلمًا.
و أشهر هَولء:
ي يوم الثلثاء.
لثنين وأسلم عل ّـ أنس بن مالك ُ :بعث النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يوم ا ِ
لسلمي :ذكر نفس القول. ـ بريدة ا َ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( علي ـ زيد بن أرقم :أّول من أسلم مع رسول ا ّ
____________
لصابة.480|2: .1اِ
. 2خصائص النسائي3 :؛ سنن ابن ماجة57|1:؛ مستدرك الحاكم.112|1:
. 3الغدير.220|3:
. 4شرح نهج البلغة .258|3:
. 5مجمع الزوائد.102|9 :
===============
) ( 64
ل بعد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(ي ،وأّول من آمن با ّبن أبي طالب ،وأّول من صّلى مع الرسول صعل ّ
ي )عليه السلم( . عل ّ
ي.
ل بن عباس :أّول من صّلى عل ّ ـ عبد ا ّ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( ،كان ي صّلى مع رسول ا ّ ي وأعجم ّ لحد هو أّول عرب ّ ي أربع خصال ليست َ لعل ّ
ي أّول من آمن من الناس بعد خديجة "عليه السلم" . عل ّ
لّمة ورودًا على نبّيها الحوض أّولها إسلمًا ،علي بن أبي طالب )عليه السلم( . ـ سلمان الفارسي :أّول هذه ا َُ
ي يصّلي متخفيًا سبع سنين وأشهرًا قبل أن يصّلي أحد. ـ أبو رافع :مكث عل ّ
لمام )عليه السلم( كّلمن: لعمال التي قام بها ا ِ لقوال وا َ
ـ كما نقل نفس ا َ
لنصاري ،أبو سعيد الخدري، لاَلرت ،المقداد بن عمرو الكندي ،جابر بن عبد ا ّ أبو ذر الغفاري ،خباب بن ا َ
لنصاري ،هاشم بن عتبة المرقال ،مالك بن ل بن مسعود ،أبو أّيوب ا َ حذيفة بن اليمان ،عمر بن الخطاب ،عبد ا ّ
ل بن أبي سفيان ،الحسن البصري، لشتر ،عدي بن حاتم ،محمد بن الحنفية ،محّمد بن أبي بكر ،عبد ا ّ الحارث ا َ
لمام محّمد الباقر )عليه السلم( (1). اِ
لقربين
.6دعوة ا َ
استمر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يدعو إلى دينه سّرا مّدة ثلثة أعوام ،عمد فيها إلى بناء الكوادر
وإعدادها من أفراد محّددين ،كانوا السبب في أن ينجذب إلى الدين الجديد جماعة آخرون تقّبلت دعوته.
____________
. 1الصواعق المحرقة72 :؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي .112 :
===============
) ( 65
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" (1) : ليمان برسول ا ّ واشتهر من بين السابقين إلى ا ِ
ـ السيدة خديجة بنت خويلد )عليها السلم(ـ علي بن أبي طالب )عليه السلم(
ـ زيد بن حارثة ـ الزبير بن العوام
ـ عبد الرحمن بن عوف ـ سعد بن أبي وقاص
ل ـ أبو عبيدة الجراح ـ طلحةبن عبيد ا ّ
لرقملرقم بن أبي ا َ ـ أبو سلمة ـ ا َ
ـ عثمان بن مظعون ـ قدامة بن مظعون
ل بن مظعون ـ عبيدة بن الحارث ـ عبد ا ّ
لرت ـ سعيد بن زيد ـ خباب بن ا َ
ـ أبو بكر بن أبي قحافة ـ عثمان بن عفان
وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يخرج مع بعض أتباعه إلى شعاب مّكة للصلة فيها بعيدًا عن أنظار
ع قصيٌر بين الطرفين،حين استنكروا فعلهم ،وهو ما ن البعض منهم رأوهم يصّلون ،فحدث نزا ٌ لأّ قريش ،إ ّ
لرقم" مكانًا للعبادة) (2حيث آمن في هذالرقم بن أبي ا َ
للنبي "صلى ال عليه وآله وسلم" يقرر اّتخاذ بيت "ا َ جع َ
البيت عدٌد آخر من المشركين ،كان أبرزهم :عمار بن ياسر ،وصهيب بن سنان الرومي.
وقد رّكز الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( جهده في الدعوة السرّية ،دون عجلة أو تسّرع ،يعرض فيها دينه
ى السامية،
ل لتقبل المباد َ
على كّلمن وجده أه ً
____________
. 1السيرة النبوية.245|1:
. 2وكان البيت عند جبل الصفا عرف إلى فترة بدار الخيزرانُ .أسد الغابة44|4:؛ السيرة الحلبية.283|1:
===============
) ( 66
ل وصالحًا للدعوة
جَده مَوه ً
من الناحية الفكرية ،ففي خلل ثلثة أعوام اكتفى بالّتصال الشخصيّ بمن َو َ
لتباع الذين اهتدوا إلى دينه بقبول دعوته.
ومستعدًا لقبول الدين الجديد ،مّما ساعده في أن يكسب فريقًا من ا َ
أّما زعماء قريش فإّنهم لم يعتنوا بالدعوة الجديدة ،كما لم يتعرضوا بأي عمل عدائي للرسول )صلى ال عليه
وآله وسلم( بل ظلوا ينظرون إليه باحترام ،مراعين قواعد الداب والسلوك ،في الوقت الذي لم يتعرض فيه
لصنامهم وآلهتهم بسوء ،ول تناولها بالنقد والعتراض بصورة علنية، النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" أيضًا َ
ى بعدها شعلة ن دعوته ستنتهي في العاجل بقولهم :إّنها أّيام وتنطف َ ن زعماء قريش كانوا متأكدين من أ ّ وذلك أ ّ
الدعوة هذه فورًا ،كما انطفأت من قبل دعوة "ورقة وُأمّية" الّلذين دعيا إلى نبذ الوثنية واعتناق المسيحية،ثّمنسي
لمر. اَ
لنلولى ،أربعين شخصًا ،لم يكن فيهم كفاية َ وقد جمع النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في السنوات الثلث ا َُ
يصبحوا قوة دفاعية لحماية النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" ورسالته ،مّما جعله يسعى إلى دعوة أقربائه،
لقربين ثّم الناس أجمعين،فالنبي "صلى ال عليه وآله وسلم" كان فكسر بذلك جدار الصمت،بالشروع في دعوة ا َ
ل تعالى بأن يدعو ن أي إصلح وتغيير لبّد أن يبدأ من إصلح الداخل وتغييره،ومن هنا أمره ا ّ يَومن ويعتقد أ ّ
لخطار المحَتملةَ) :وَأْنِذْر لقربين ،الذين تمّنى أن يكّون منهم سياجًا قويًا يحفظه ويحفظ رسالته من ا َ عشيرته ا َ
ن*
شِركي َ ن اْلُم ْ
ضَع ِ
عِر ْع ِبما ُتَْوَمُر َوَأ ْ
صَد ْ
لْقَربين( ) (1كما خاطبه بصدد دعوة الناس عامة َ54321فا ْ كاَ شيَرَت َ عَِ
سَتْهزِئين( (2).
ك الُم ْ
ِإّنا َكَفْينا َ
____________
. 1الشعراء.214:
. 2الحجر94:ـ .95
===============
) ( 67
وقد اّتخذ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ُأسلوبًا مميزًا في دعوة أقربائه ،إذ أّنه أعّد لهم مائدًة كبرى ،لـ 45
ل أّنالجو لم يناسب الحدث، فردًا من سراة بني هاشم ووجهائهم،ليكشف لهم أمر رسالته خلل تلك الضيافة ،إ ّ
ض المجلس دون تحقيق الغرض ،مّما اضطّره إلى إعادتها في اليوم التالي .فقام النبي "صلى ال عليه وآله فانف ّ
ل هو ،إّني رسول ا ّ
ل ل الذي ل إله إ ّن الرائد ل يكذب أهله ،وا ّ وسلم" بعد تناول الطعام ،خطيبًا فيهم وقال" :إ ّ
ن بما تعملون ،وإّنها ن كما تستيقظون،ولتحاسب ّ ن كما تنامون ،ولتبَعُث ّ ل لتموت ّ
إليكم خاصًة وإلى الناس عامًة ،وا ّ
ل ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل مّما جئتكم به ،إّني الجنة أبدًا والنار أبدًا .يا بني عبدالمطلب ،إّني وا ّ
ل أن أدعوكم إليه ،فأّيكم يَومن بي ويَوازرني على هذا ل عّزوج ّ قد جئتكم بخير الدنيا والخرة ،وقد أمرني ا ّ
لمر على أن يكون أخي ووصّيي وخليفتي فيكم؟" فقام علي )عليه السلم( وهو في الثالثة عشرة أو اَ
ل" .وبعدما تكّرر هذا الموقف ن وزيُرك على ما بعثك ا ّ ل أكو ُ
ل" :أنا يا رسول ا ّ الخامسةعشرة من عمره قائ ً
ن هذا أخي ل" :إ ّ
ي "عليه السلم" والتفت إلى القوم قائ ً ثلث مّرات ،أخذ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بيد عل ّ
ووصّيي وخليفتي فيكم ،فاسمعوا له وأطيعوا".
لبي طالب :قد أمرك أن تسمع لبنك وتطيعه وجعله عليك أميرًا(1). فضحك الجميع مستهزئين،وقالوا َ
لمام علي )عليه السلم( وخلفته في مطلع عهد الرسالة وبداية أمر النبوة ،يفيد أ ّ
ن لعلن عن وصاية ا ِ ن هذا ا ِ
إّ
هذين المنصبين ليسا منفصلين ،فقد
____________
ل ابن تيمية الذي خص لتفصيل ما رواه أكثر المفسرين والمَوّرخين دون أن يشّكك في صحته أحد ،إ ّ . 1هذا مل ّ
اتخذ موقفًا فريدًا من أهل البيت "عليهم السلم" راجع تاريخ الطبري62|2:؛ الكامل40|2:؛ مسند أحمد11|1:؛
شرح نهج البلغة.210|13:
===============
) ( 68
لمامة يشّكلن ن النبوة وا ِ
أعلنهما الرسول)صلى ال عليه وآله وسلم( في يوم إعلنه للدعوة والنبوة ،مّما يَوكد أ ّ
لمام علي )عليه السلم( يكشف ن موقف ا ِ قاعدة واحدة ،وإّنهما حلقتان متصلتان ل يفصل بينهما شيء ،كما أ ّ
ل جرأة وشجاعة ،مَوازرة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في عن مدى شجاعته الروحية ،حينما أعلن بك ّ
حضور قوم ضّم شيوخهم وسادتهم،معِلنًا استعداده للتضحية في سبيل دينه،وهو غلم لم يتعد الخامسة عشرة.
لسكافي" هذا الموقف موضحًا إذ كتب يقول: وقد تناول "أبوجعفر ا ِ
هل يكّلف عمل الطعام،ودعاء القوم ،صغيٌر غير ممّيز وغيُر عاقل؟! و هل يَوَتمن على سّر النبوة طفل؟! و هل
ل ص يده في يده ،ويعطيه صفقة يمينه ب وهل يضع رسول ا ّ ل عاقل لبي ٌ
ُيدعى في جملة الشيوخ والكهول إ ّ
ل ،وعداوة أعدائه ،ما باُلهذا الطفل ل لذلك ،بالُغ التكليف ،محتمل لولية ا ّ ل وهو أه ٌلخوة والوصية والخلفة ،إ ّ با َ
لم يأنس بأقرانه ولم يلصق بأشكاله ،ولم ُير مع الصبيان في ملعبهم بعد إسلمه،ولم ينَزع إليهم في ساعة من
ل "صلى ال
لماضيا على إسلمه ،مصّمما في أمره ،محّققا لقوله بفعله ،ولصق برسول ا ّ
ساعاته ،بل ما رأيناه إ ّ
عليه وآله وسلم" من بين جميع من حضره ،فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته(1).
) ( 69
.7الدعوة العامة وتطّور ردود أفعال قريش تجاهها
بعد تلك السنوات الثلث ،عمد الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى إعلن الدعوة جهرًا ،حين وقف ذات يوم
ل" :أرأيتكم إن أخبرتكم إّنالعدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم على صخرة عند جبل الصفا مناديًا بصوت عا ٍ
تصّدقونني؟" قالوا :بلى .قال" :فإّني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" (1).فرد عليه أحدهم :تّبا لك ألهذا دعوتنا؟
ل أّنه بعد فترة من الدعوة العامة ،تشكلت جماعة قوية متعاطفة متحاّبة ،من فتفّرق الناس على أثر ذلك .إ ّ
لوساط الكفر والشرك والوثنية ،وهم المخالفون،وقد السابقين واللحقين ،أو القدامى والجدد ،كانت بمثابة إنذار َ
تأّلفت تلك الجماعة من قبائل مختلفة منعوا الكّفار من التعرض لهم ،إذ لم يكن اّتخاذ أي قرار حاسم بحّقهم ،أمرًا
ل ومريحًا .ولذا قرر سادة قريش مواجهة قائد تلك الجماعة ومحركهم ،بوسائل الترغيب والترهيب، سه ً
لساليب طيلة عشر ليذاء والتهديد ،واستمرت برامج قريش و موقفها من الدعوة بهذه ا َ لغراء والتطميع ،وا ِ با ِ
سنوات هي عمر الدعوة العامة في مكة ،حتى اّتخذوا قرارهم النهائي بالتخّلص منه بقتله،في الوقت الذي تمكن
)صلى ال عليه وآله وسلم( من إبطال مَوامرتهم وإفشالها بالهجرة إلى المدينة.
وقد بدأوا التحرك في مطالبة كفيله )صلى ال عليه وآله وسلم( أبي طالب بأن يبعد النبي )صلى ال عليه وآله
ب آلهتنا ،وعاب ديننا ،وسّفه أحلمنا ،وضّلل آباءنا ،فإّما ن ابن أخيك قد س ّ وسلم( عنهم قائلين له :يا أبا طالب إ ّ
ل حكيٍم(2). ل أّنأبا طالب َرّدهم بقوٍلجمي ٍ أن تكّفه عّنا ،وإّما أن ُتخّلي بينا و بينه .إ ّ
لشهر الحرم ،فأدرك طغاة قريش أ ّ
ن ولكن الدين الجديد انتشر بقّوة بين العرب ،والقادمين إلى مّكة خلل ا َ
لمر الذي دفعهم إلى مقابلة أبي طالب مرًة محّمدابدأ يفتح له مكانًا في قلوب جميع القبائل ،فكّثر أنصاره منها ،ا َ
لل لسلم وقّوته :إّنا وا ّ لخطار التي أحدقت بهم وبعقائدهم نتيجة نفوذ ا ِ ُأخرى ،ليذّكروه إشارة وتصريحًا ،با َ
عيب آلهتنا حتى تكّفه نصبُر على هذا من شتم آبائنا و َ
____________
. 1السيرة الدحلنية بهامش السيرة الحلبية.194|1:
. 2السيرة النبوية.264|1 :
===============
) ( 70
عّنا أو ننازله وإّياك في ذلك ،حتى يهلك أحد الفريقين .فسّكن غضبهم وأطفأ ثائَرتهم وهّدأ خواطرهم ،ليتم
معالجة هذه المشكلة بطريقٍة أفضل.
فأتى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وأخبره بأمرهم ،فرّد عليه بالجواب التاريخي الخالد ،والذي يعتبر من
لكبر محّمد )صلى ال عليه وآله وسلم( : لسلم ا َ أسطع وألمع السطور في حياة قائد ا ِ
ل ،أو أهلك لمر حتى يظِهَره ا ّ ل لو وضعوا الشمس في يميني والقمَر في يساري على أن أترك هذا ا َ "يا عّم ،وا ّ
ل :إذهب يا فيه ،ماتركته" .مّما أثر في عّمه بتلك الكلمات العظيمة ،فأظهر استعداده الكامل للوقوف إلى جانبه قائ ً
ك لشيٍء َأبدًا". سِلَم َ
ل ل ُأ ْت ،فوا ّابن أخي فقل ما أحبب َ
ل أّنهش مساومة أبي طالب مرًة ُأخرى ،للتخّلص من النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" ودعوته ،إ ّ وحاولت قري ٌ
رفض أي نوع من المساومة في هذه القضية ،محافظًا على محّمدودينه.
لثناء النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عن المضي في دعوته،وهي تطميعه فسلكوا طريقًا آخر ،ووسيلة أجدى ِ
ل جمعنا لك من ب به ما ًت بهذا الحديث تطل ُ ت إّنما جئ َ
لموال والَفَتيات الجميلت:فإن كن َ بالمناصب والهدايا وا َ
ك ونشّرفك علينا،وإن كان هذا الذي ف فينا فنحن نسّوُد َ ت إّنما تطلب الشر َ ل ،وإن كن َ أموالنا حتى تكون أكثر ما ً
طّبك.ن قد غلب عليك،بذلنا أموالنا في ِ يأتيك تابعًا من الج ّ
ن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( قال لعّمه" :يا عّم أريدهم على كلمٍة واحدة يقوُلونها،تدين لهم العرب، لأّإّ
وتَوّدي إليهم بها العجم الجزية".
===============
) ( 71
ب( (1).
ل" .فقاموا فزعين قائلين) :أجعل اللهة إلهًا واحدًا ِإْنهذا لشيء عجا ٌ
لا ّ
قالوا :ما هي؟ قال" :لإله إ ّ
===============
) ( 72
عرض لي دونه ما ل رأيت مثله في حياتي ،فتركته(1).
ل تعالىن قوًة غيبيًة أدركت الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في تلك اللحظة وحفظته ،كما وعده ا ّ كأّ ول ش ّ
سَتْهِزئين( ) (2فالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان يواجُه في كّليوم نوعًا خاصًا من ك اْلُم ْ
لِ) :إّنا َكَفْينا َ
قائ ً
لشرار ،وأشهرهم :عقبة بن أبي معيط الذي شتمه وضربه ،فكان أشّد خصومه لذى والمضايقة من هَولء ا َ اَ
لذاه معبغضًا له )صلى ال عليه وآله وسلم( .وعّمه أبو لهب الذي تعرض النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( َ
زوجته ُأّم جميل ،فقد كان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يجاورهم فقاموا بإيذائه وإزعاجه ،بإلقاء الرماد
لسود بن عبد يغوث ،أحد والتراب على رأسه الشريف ،ونشر الشوك على طريقه أو عند باب بيته .وا َ
ي ،ابنا خلف ،وأبو جهل)أبو لك فيها ،وُأمية وُأب ّ
المستهزئين ،والوليد بن المغيرة ،شيخ قريش وحكيمها وأكبر الم ّ
الحكم بن هشام( ،و العاص بن وائل ،والد عمرو بن العاص الذي وصف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
لبتر.
با َ
وعندما فشلت أساليب قريش وأسلحتها الصديئة في القضاء على الدين الجديد وأهله ،عمدوا إلى استخدام سلح
لسلم واتساع رقعته ،وقطع علقته بالمجتمع العربي، جديد لعّله يكون أقوى من سوابقه ،للحيلولة دون انتشار ا ِ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( .و من أساليبه: وهو سلح الدعاية ضّد رسول ا ّ
الّتهامات الباطلة ،وقد أقّروا استخدامها في دار الندوة ،حين طرحوا فكرتها على "الوليد بن المغيرة") (3الذي
ن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، كان ذا مكانة مميزة عندهم ،فقال :يا معشر قريش ،إّنه قد حضر هذا الموسم وإ ّ
وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا ول تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا ويرد
____________
. 1السيرة النبوية.298|1:
. 2الحجر.95:
. 3أبو خالد بن الوليد.
===============
) ( 73
ل يقولوا عنه كاهن أو مجنون أو ساحر .و هكذا تحّيروا في ما ينسبون إلى رسول قولكم بعضه بعضًا ،ورأى أ ّ
الّلهص حّتى اّتفقوا على أن يقولوا :إّنه ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه وأخيه وزوجته
لتفاق).
وعشيرته ،والدليل على ذلك ما أوجده من خلف وانشقاق وتفّرق بين أهل مّكة اّلذين عرفوا بالوحدة وا ِ
(1
ل من نسج الخيال ومن أثر الجنون الذي ل يتنافى مع الزهد كما أشاعوا عنه الجنون ،وأّنما يقوله ويقرأه ما هو إ ّ
لمانة.
وا َ
وقد رّدالقرآن الكريم على جميع تلك التهامات في آيات كثيرة وفّندها.
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( والرسالة وقد استمر ُأسلوبهم في التهام والتشويش على شخصية النبي ا َ
للصور والمظاهر ،فوصفوه بالكاهن ،والساحر ،والمجنون ،وأّنه معّلم من قبل نصراني ،وكّذاب و المحمدية بك ّ
مفتر و شاعر ،وما يقوله أضغاث أحلم.
ليقاع به ،لمعرفة الناس بالنبي )صلى ال عليه ولما لم تأت كّلتلك التهامات بالنتيجة المرجّوة ،ولم تنفع في ا ِ
وآله وسلم( وصفاته وأخلقه منذ سنين بعيدة ،اتجهوا إلى ُأسلوب آخر ،وهو معارضة القرآن الكريم عن طريق
"النضر بن الحارث" أحد أعداء الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( الذي تعلم في العراق شيئًا من أساطير
ن ذلك لم
لأ ّ
ص منها على الناس فيلهيهم عن السماع لرسول الّلهوالصغاء للقرآن الكريم .إ ّ الفرس وحكاياتهم ،ليق ّ
ل ،فقد سأمت قريش أحاديثه فتفرقت عنه. يدم طوي ً
فاتجهوا إلى ُأسلوب المجادلت الجاهلية والمآخذ السخيفة على الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ورسالته،
وهي تبرز تكّبرهم وعنادهم وجهلهم التي
____________
. 1السيرة النبوية.270|1:
===============
) ( 74
لمور التالية : ي "صلى ال عليه وآله وسلم" ل َُ طبعوا عليها .ومن أمثال هذه الوسيلة العتراض على النب ّ
.1عدم نزول القرآن على أحد أثريائهم.
.2عدم إرسال الملئكة إليهم.
.3تبديل اللهة بإله واحد.
.4جّدد الحياة يوم القيامة.
.5عدم تمّلكه لمعجزات متعّددة كما كان لموسى )عليه السلم( .
لصلح الوضع بينهم وبين النبي الكريم )صلى ال عليه وآله وسلم( مثل: وفي الوقت نفسه قدموا مقترحات ِ
ـ أن يقوم بعبادة أصنامهم سنة ،على أن يعبدوا إلهه سنة ُأخرى.
لوثان.ل يحتوي على شجب عبادة ا َ ـ تبديل القرآن على أ ّ
ل سبحانه وتعالى. ـ مطالب مادية عجيبة مستحيلة ومتناقضة ،كأن يفجر لهم ينابيع ،أو يأتي با ّ
صي الحقائق في مكة والتعّرف على ل من قبل أساقفة الحبشة لتق ّ ي تكّون من عشرين رج ً وعندما قدم وفٌد مسيح ٌ
لكرم "صلى ال عليه وآله وسلم" في مّكة ،فجالسوه في المسجد وكّلموه وسألوه بعض لسلم ،وزيارة النبي ا َ اِ
المسائل ،حتى عرض عليهم دينه وقرأ عليهم آيات من القرآن الكريم ،فتأثرت نفوسهم وآمنوا به وصّدقوه.
ل أّنهموكان أبو جهل قد شاهد ما حدث فوّبخهم على موقفهم وبما عملوا دون أن يَوّدوا عملهم كوفد من بلدهم ،إ ّ
ل بخير .فكان لهذا الموقف أثره السيء في قريش دفعهم إلى تكوين وفد من "النضر بن الحارث لم يردوا عليه إ ّ
وعقبة ابن أبي معيط" للسير إلى أحبار يهود المدينة وسَوالهم عن دين الرسول "صلى ال
===============
) ( 75
عليه وآله وسلم" فأخبرهم اليهود أن يسألوه عن ثلث ،إذا عرفها فهو نبي مرسل ،وإن لم يفعل فهو متقّول.
لّول.
.1عن فتيه ذهبوا في الدهر ا َ
.2عن رجل طّواف.
.3عن الروح ،ماهي؟
لسراء، فأجابهم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( باليات القرآنية ،عن الروح في الية 85من سورة ا ِ
وأصحاب الكهف وذي القرنين في سورة الكهف.
فالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قابل تلك الراء الشاذة والمقترحات المَوذية بصبر عظيم وثبات هائل ،حرصًا
منه على إبلغ رسالته.
لسلم وقدم إلى مّكة للتعرف على ل من رغب في ا ِ وبعد هذه الخطة الفاشلة ،نفذوا خطة ُأخرى وهي :منع ك ّ
النبيوالّتصال به ،وذلك بنشر الجواسيس في الطرقات للتعرض لهَولء ومنعهم من الوصول إلى النبي "صلى
لعشى ،الذي قدم إلى مّكة ليهدي للرسول أبياتًا ال عليه وآله وسلم" ،ومّمن تعرضوا له في الطريق :الشاعر ا َ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( شعرية ويعلن إسلمه على يديه ،فأقنعوه بالعودة إلى بلده بعد أن أخبروه أ ّ
ل "صلى ال لعشى يحب الخمر والنساء .وقد مات في نفس العام فلم يفد على رسول ا ّ يحرم الخمر ،وكان ا َ
عليه وآله وسلم" (1).كما تعّرضوا للطفيل بن عمرو الدوسي الذي خشيت قريش أن يقوم بالتصال بالنبي
)صلى ال عليه وآله وسلم( وهو شاعر حكيم ،صاحب نفوذ وكلمة مسموعة في قبيلته ،فخّوفوه من كلم النبي
ل أّنه عندما سمع شيئًا من أقوال الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( دون)صلى ال عليه وآله وسلم( وسحره .إ ّ
ق ،ورجع إلى بلده داعيًا قومه إلى
ل فأسلم وشهد شهادة الح ّوعي منه ،أحسن القو َ
____________
. 1السيرة النبوية.386|1:
===============
) ( 76
لسلم ،إلى أن تّم اتصاله بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بخيبر فبقي معه حتى قبض )صلى ال عليه وآله اِ
وسلم( ثّم شارك المسلمين بعد ذلك في معارك اليمامة زمن الخلفاء الراشدين ،وقتل فيها(1).
وتطورت وسائل وأساليب قريش في التخّلص من دعوة النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وإيقاف زحف تلك
ي على النبي )صلى ال عليه لسلمية واّتساعها في مّدة غير طويلة ،إلى فرض حصار اقتصادي قو ّ الدعوة ا ِ
للشرايين الحيوية لهم ،فتحّد بذلك من سرعة انتشار الدين،وتخنق مَوسسه وآله وسلم( والمسلمينُ ،تقطع به ك ّ
وأنصاره .ولهذا وّقع زعماء قريش في دار الندوة ميثاقًا كتبه":منصور بن عكرمة" و عّلقوه في جوف الكعبة،
وتحالفوا على اللتزام ببنوده حتى الموت ،وذلك في السنة السابعة من البعثة .وقد ضم الميثاق البنود التالية:
.1عدم التعامل التجاري مع النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وأنصاره.
.2عدم التزاوج منهم.
.3عدم التحّدث معهم أو تناول الطعام معهم.
.4وأن يكونوا يدًا واحدًا على محّمد )صلى ال عليه وآله وسلم( وأنصاره.
ل )صلى ال ل أن طلب من بني هاشم وبني المطلب ،الستعداد للدفاع عن رسول ا ّ فما كان من "أبي طالب"إ ّ
عِر َ
ف عليه وآله وسلم( والحفاظ على حياته وسلمته ،على أن يستقّروا خارج مّكة في شعب بين جبال مّكة ُ
بشعب أبي طالب ،والذي شمل بعض البيوت البسيطة ،كما عّين بعض الرجال في جوانب مختلفة ومتفرقة،
ى(2).
لي طار َ لمراقبة الطرق وحراسة المكان تحسبًا َ
____________
. 1السيرة النبوية.382|1:
. 2السيرة النبوية350|1:؛ تاريخ الطبري.78|2:
===============
) ( 77
ليمان و العتقاد ،وهذا ما لكثرية هو :قوة ا ِ ن أقوى العوامل في ثبات أقلية وصمودها في وجه ا َ ويشهد التاريخ أ ّ
تجّلى في أبي طالب و بني هاشم في هذه المأساة.
ش الفرُد منهم علىلطفال والكبار متحّملين قسوة الحال ،فكان يعي ُ فقد استمر الحصار ثلثة أعوام ،جاع فيها ا َ
تمرة واحدة طوال اليوم ،وربما تقاسمها اثنان.
لمن في أنحاء الجزيرة العربية، لشهر الحرم حيث يسود ا َ ل في ا َ ولّما كان لُيسمح لهم بالخروج من الشعب إ ّ
فيخرج بنو هاشم للشراء والبيع ثّم العودة إلى الملجأ ،فإّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان يستغل هذا الموسم
جار قريش كانوا يزيدون في سعر السلعة إذا أرادها مسلٌم ،على أن يقوم أبو لهب نتّ لأّفي نشر دينه ودعوته .إ ّ
والوليد بن المغيرة بتعويض خسارة هَولء التجار .كما أّنهم عينوا الجواسيس على الطرق المَودية للشعب حتى
ن بعضًا من أنصار النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان يوصل الطعام إليهم لأّ يمنعوا الّتصال بالمسلمين .إ ّ
ن قريشًا كانوا يصادرون مال كّلمن أراد التعامل مع أصحاب الشعب ،في الوقت الذي اشتّد سرًا خلل الليل كما أ ّ
إيذاَوهم لمن أعلن إسلمه.
ن حصارهم هذا لم يأت بنتيجة مرجوة ،ولم يتحّقق هدفهم منه و من غيره ولكّنهم تأكدوا بعد فترة ليست قليلة بأ ّ
ي شكل .فقد صّرح "زهير بن أبي ُأمّية" في مجلس قريش لساليب ،ففكروا في نقض الميثاق بأ ّ من الوسائل وا َ
في المسجد الحرام بعدما اّتفق مع عدد آخر من المعارضين لمقاطعة بني هاشم:
شّ
ق ل ل أقعد حتى ُت َيا أهل مّكة ،أنأكل الطعام ونلبس الثياب ،وبنو هاشم هلكى ل ُيباع لهم ول ُيبتاع منهم؟ وا ّ
هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
لرضة قد أكلتها إ ّ
ل ناِ وقام "المطعم بن عدي" إلى الصحيفة ليشّقها ،فوجد أ ّ
===============
) ( 78
شعب يخبر الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بما جرى، عبارة ":باسمك الّلهم" فأسرع " أبو طالب" إلى ال ّ
عِلم بأمروانفك الحصار وعاد المحاصرون إلى منازلهم مّرة ُأخرى .وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قد َ
ل ،فأخبر أبا طالب بذلك ،الذي قام بإخبار زعماء قريش بذلك، ل اسم ا ّلرضةالتي أكلتها إ ّ تقطيع الصحيفة وا ِ
ل وارجعوا عما أنتم عليه من واّتفق معهم على :إن كان حّقا ما ذكر الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" فاّتقوا ا ّ
ل دفعته إليكم ،فإن شئتم قتلُتموه وإن شئتم استحييتموه.وفقالوا: الظلم والجور وقطيعة الرحم ،وإن كان باط ً
ل أّنهم نقضوا اّتفاقهم و نكثوا عهدهم لما شاهدوا وتأكدوا ما قاله النبي )صلى ال َرضينا ،وتعاقدوا على ذلك .إ ّ
صرين فيه فترة ُأخرى، شعب محا َ عليه وآله وسلم( بل ازدادوا شرًا وعنادًا ،ورجع بنو هاشم مّرة ُأخرى إلى ال ّ
حتى نقضها "هشام بن عمرو" فانتهى الحصار القتصادي لبني هاشم في منتصف شهر رجب من السنة
العاشرة للبعثة النبوية الشريفة.
ليذاء قريش وتحّملوا أشّد أنواع العذاب ،واشتهر منهم: ن أفرادًا من المسلمين تعّرضوا ِ وإلى جانب ذلك ،فإ ّ
.1بلل الحبشي ،الذي كان غلمًا لـ"ُأمّية بن خلف" و هو أشّد أعداء النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فعمد إلى
تعذيب هذا الغلم انتقامًا و تشفيًا من الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( إذ أّنه تردد ـ أي ُأمّية ـ من إلحاق
لذى به )صلى ال عليه وآله وسلم( خوفًا من عشيرة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( الحامية له(1). اَ
لسلم ،فعمد المشركون إلى إيذائهم وتعذيبهم بعد ما .2وعمار بن ياسر ،الذي كان والده من السابقين إلى ا ِ
ل تحت أشعة انضموا إلى المسلمين ،فكانوا ُيخِرجون "عمارًا وياسر وسمية" في وقت الظهيرة ويبقونهم طوي ً
سمّية في قلبها فماتت ،فاعُتبرا أّولالشمس ،حتى مات ياسر ،كما طعن أبو جهل بالرمح ُ
____________
لضافة إلى ابنه بعد أن ُأسر في معركة بدر. . 1قتله بلل با ِ
===============
) ( 79
لسلم(1). شهيدين في ا ِ
لسلمي حسب طلبهم ،فانصرفوا عنه لبقاء على نفسه ،حيث تظاهر بترك الدين ا ِ أّما عّمار فقد استخدم التقية ل ِ
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقال له" :كيف تجد قلبك؟" قال :مطمئن طمأَنه النب ّ
وتركوه .ولما ندم على فعلهَ ،
ليمان .فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :إن عادوا َفُعْد". با ِ
ل بن مسعود" الذي أبدى استعدادًا للقيام بتلوة القرآن جهرًا على مسامع قريش في المسجد الحرام، " .3عبد ا ّ
عّلم الُقرآن( فقام إليه الجميع يضربونه في وجهه وهو يقرأ حتى ُأدمي حمن* َ حمن الّرحيم* الّر ْ ل الّر ْ
سِم ا ّ
فقرأ )ِب ْ
ل تعالى وآياته
جسمه ووجهه فتركوه ،وهو مسرور بما عمله في تمكين قريش من الستماع إلى كتاب ا ّ
المباركة(2).
لا ّ
ل .4وأبو ذر ،أيضًا جاهر بالدين حين كان المسلمون يدعون سرًا ،فقد نادى في المسجد :أشهد أن ل إله إ ّ
ن نداءه هذا كان أّول نداء تحّدى جبروت قريش وظلمها ،أطلقه ن محّمدا عبده ورسوله (3).ويَوكد التاريخ أ ّ وأ ّ
رجل غريب عن مّكة وأهلها .فهجم عليه جماعة من قريش وضربوه بشّدة حتى أنقذه"العباس بن عبد المطلب"
جة أّنه من غفار ،وتمر تجارة قريش على بلده ،فخافوا على تجارتهم فأمسكوا عنه. من الموت .بح ّ
ن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ت بعد للدخول في مواجهات ساخنة مع المشركين ،فإ ّ ولما لم يحن الوق ُ
لسلم":إلحق أمره بأن يلحق بقومه يدعوهم ل ِ
____________
لنوار241|18:؛ السيرة الحلبية.300|1: . 1بحار ا َ
. 2السيرة النبوية.314|1:
لولياء ،158|1 :طبقات ابن سعد225|4:؛ الستيعاب.63|4: . 3حلية ا َ
===============
) ( 80
بقومك فإذا بلغك ظهوري فأتني".
وقد تمكن من التأثير في قومه ،فأسلم أبواه ،ونصف رجال قبيلته ـ غفار ـ ثّم أسلم ا لباقي بعد هجرة النبي )صلى
ال عليه وآله وسلم( إلى المدينة ،ثّم تبعتها قبيلة "أسلم" التي وفدت على الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم(
لسلم. واعتنقوا ا ِ
وقد التحق "أبو ذر" بالرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في المدينة وأقام بها ) (1و هو أّول المجاهرين
لسلم ،ورابع أو خامس من أسلم ،فكان من با ِ
ل تعالى ومقامًا ل يضاهى. لّولين ،الذين لهم مكانة عظيمة عند ا ّ
السابقين وا َ
____________
. 1الدرجات الرفيعة225:ـ .230
) ( 81
الفصل الرابع
===============
) ( 82
===============
) ( 83
مواجهة المسلمين
ل بارزًا على إيمانهم وإخلصهم العميق لدينهم ورّبهم ،فقد قّرر تعتبر هجرة فريق من المسلمين إلى الحبشة دلي ً
لقامة في مكان آمن فريق من الرجال والنساء ،بهدف الحفاظ على عقيدتهم ،والتخّلص من أذى قريش ،وا ِ
ل الواحد ،أن يغادروا مكة إلى جهة تحّقق أهدافهم ،فنصحهم النبي )صلى يقيمون فيه شعائرهم بحرية ويعبدون ا ّ
ن بها ملكًا ل ُيظلم عنده أحد،
ل" :لو خرجتم إلى أرض الحبشة ،فإ ّ لتجاه إلى الحبشة قائ ًال عليه وآله وسلم( با ِ
ل لكم َفَرجًا مّما أنتم فيه".
ق حّتى يجعل ا ّصد ٍ
وهي أرض ِ
سر إذا درسنا أوضاع الجزيرة العربية لرض؟ ويتضح ال ّ لماذا اختار الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( تلك ا َ
والمناطق المجاورة لها .فالهجرة إلى المناطق العربية التي سكنها المشركون والوثنيون كانت تنطوي على خطر
لفراد من المسلمين ،إذ أّنهم سيمتنعون عن قبولهم في أرضهم إرضاًء لقريش أو وفاًء كبير على هَولء ا َ
صبا لدين الباء .وكذلك لم تصلح المناطق التي عاش بها اليهود وتع ّ
===============
) ( 84
لوضاع لتسمح بدخول طرف ن الصراع المذهبي والطائفي كان شائعًا بينهما ،فلم تكن ا َ والنصارى لذلك إذ أ ّ
ن هَولء الفريقين ـ اليهود والنصارى ـ كانوا يحتقرون العنصر العربي أساسًا ،مّما ثالث في حلبة الصراع ،كما أ ّ
يمنع التعايش معهم.
ن اليمن كانت تحت حكم الفرس ،الذين لم يقبلوا بدعوة النبي )صلى ال عليه وآله أّما المناطق الخارجية ،فإ ّ
ن إمبراطور فارس طلب من عامله على اليمن ،القيام بالقبض على الرسول )صلى ال وسلم( فيما بعد ،حتى إ ّ
ليراني وسيطرته .أّما الشام فكانت بعيدًة عليه وآله وسلم( وإرساله إليه .وكذلك الحيرة فقد كانت تحت النفوذ ا ِ
عن مّكة المكّرمة ،لم تصلح للجوء المسلمين إليها ،كما أّنها كانت سوقًا لقريش تربط سكانها بهم روابط
وعلقات وثيقة ،وهي علقات اقتصادية قوية.
ل في غفلة من المشركين نحو ميناء جّدة للسفر عبر مينائها إلى أرض ن الفريق المَومن غادر مكة لي ً ولذا فإ ّ
لقلع ،فبادرالمسلمون إلى ركبوها الحبشة ،حيث وصلوا في الوقت الذي كانت فيه سفينتان تجاريتان على ُأهبة ا ِ
ل راكب .وكان الفريق مكونًا من عشرة أو خمسة عشر شخصًا ،بينهم أربع من النسوة لقاء نصف دينار عن ك ّ
ل واحد منهم إلى قبيلة معينة .وقد حدث ذلك في شهر رجب المسلمات ،ولم يكونوا من قبيلة واحدة ،بل انتمى ك ّ
في السنة الخامسة من مبعث النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( (1).
ن السفينة كانت قد لأّلعادتهم إلى مّكة ،إ ّ و قد حاول المشركون في مّكة اللحاق بهم ،فبعثوا جماعة من رجالهم ِ
غادرت الميناء .وكان رَوساء "دار الندوة" بمكة وأقطابها ،يعلمون جيدا أضرار هذه الهجرة وآثارها على
أوضاعهم،
____________
لنوار.412|18 : . 1بحار ا َ
===============
) ( 85
ولذا اهتموا في إعادتهم فورًا إلى ديارهم.
وقد تبعت هذه الهجرة ،خروج جماعة ُأخرى بلغ عددها 83فردًا على رأسهم" :جعفر بن أبي طالب " ابن عّم
الرسولحيث تّمت بحرّية ،وقد اصطحبوا فيها نساءهم وأولدهم،إلى أرض الحبشة أيضًا .وقد وجد المسلمون
ل تعالى بحّرية وأمان .وبّينت "السيدة ُأّم أرضها كما وصفها النبي ص :عامرًة ،وبيئة آمنة حرة ،تصلح لعبادة ا ّ
سلمة" الوضع بقولها" :لما نزلنا أرض الحبشة ،جاورنا بها خير جار ،النجاشي ،أمننا على ديننا ،وعبدنا ا ّ
ل
تعالى ،ل ُنَوذى ،ول نسمع شيئًا نكرهه".
وقد حدثت هذه الهجرة في رجب من السنة الخامسة من النبوة ،وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة ،فأقاموا
ن ذلك لأّ ن قريشًا أسلمت فعاد منهم قوم وتخلف آخرون (1).إ ّ شعبان ورمضان ،وقدموا في شوال ،لما بلغهم أ ّ
لكثرية إلى الحبشة ثانية .وكان مّمن دخل مّكة منهم" :عثمان لالقليل ،وعادت ا َ كان كذبًا ،فلم يدخل منهم مّكة إ ّ
ل ليواسي المسلمين بن مظعون" الذي دخل بجوار الوليد بن المغيرة ،ولكّنه رّد عليه جواره فاختار جوار ا ّ
ويشاركهم آلمهم ومتاعبهم ،مّما جعله يتلّقى فيما بعد شيئًا من تعذيب الكّفار وأذيتهم فأصابوا عينه.
جسوا خيفة من وحينما علمت قريش ما أصبح فيه المسلمون المهاجرون من أمن وحّرية ،ثار فيهم الحسد ،وتو ّ
نفوذهم هناك في الحبشة ،التي اعتبرت أرضها الن قاعدة قوية لهم ،كما أّنهم تخوفوا من اعتناق نجاشي الحبشة
لدينهم ،فيكسبوا تأييده ،مّما يدفعه إلى محاربة مّكة فيما بعد للقضاء على حكومة
____________
. 1الكامل في التاريخ.52|2:
===============
) ( 86
لمر
لقطاب في "دار الندوة" للتشاور في هذا ا َ المشركين الوثنيين في شبه الجزيرة العربية .ولذا فقد اجتمع ا َ
الخطير ،فاستقر رأيهم على إرسال وفد منهم إلى البلط الحبشي لستمالة القواد والوزراء بالهدايا القيمة،
ل بن أبيلخراج المسلمين من أرضهم ،فقد تحّددت تعليماتهم إلى رئيس الوفد :عمرو بن العاص ،وعبد ا ّ ِ
ل بطريٍقهديته قبل أن تكّلما النجاشي فيهم ،ثّمقّدما إلى النجاشي هداياه ،واسأله أن يسلمهم ربيعة :ادفعا إلى ك ّ
إليكما قبل أن يكّلمهم.
ل ـ إلى بلدك مّنا غلمانجها إلى الملك الذي تقّبل الهدايا ،قال له :أّيها الملك إّنه قد ضوى ـ أي لجأ لي ً
وحينما تو ّ
ن ابتدعوه ل نعرفه نحن ول أنت ،وقد بعثنا إليك فيهم سفهاء ،فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك،وجاءوا بدي ٍ
ف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لترّدهم إليهم ،فهم أبصر بهم وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم أشرا ُ
فيه.
ن النجاشي الحكيم العادل رفض لأّ وقد شجعهم على قولهم هذا بطارقُته الذين حصلوا على الهدايا من قبل ،إ ّ
إجابة مطالبهم دون أن يرجع إلى المسلمين فيرى رأيهم .وعندما حضروا أمامه بقيادة "جعفر بن أبي طالب "
الناطق باسمهم ،سأله الملك :ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قوَمكم ولم تدخلوا في ديني ول في دين أحد من هذه
الملل؟
ل هداهم بالنبي )صلى ال عليه وآله نا ّ لسلم وكيف أ ّ فقال جعفر بن أبي طالب بعد أن وصف حالهم قبل ا ِ
ل وحده ل نشرك به شيئًا ،وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام ،فصّدقناه وآمنا به واّتبعناه وسلم( :وأمرنا أن نعبد ا ّ
ل لنا، ل وحده فلم نشرك به شيئًا ،وحّرمنا ما حّرم علينا وأحللنا ما أح ّ ل ،فعبدنا ا ّ
على ما جاء به من ا ّ
===============
) ( 87
ل من الخبائث ،فلّما ل ما كّنا نستح ّ
لوثان ،وأن نستح ّ فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليرّدونا إلى عبادة ا َ
قهرونا وظلمونا وضّيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ،واخترناك على من سواك ،ورغبنا في
جوارك ،ورجونا أل ُنظَلم عندك أّيها الملك(1).
وقد أّثرت كلمات "جعفر" البليغة وحديثه العذب تأثيرًا عجيبًا في نفس النجاشي حتى أغرورقت عيناه
بالدموع،وخاصة عندما قرأ عليه بعض اليات القرآنية التي تخص عيسى و مريم "عليهما السلم" فبكى
ن القرآن ن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة" ،ويقصد أ ّ النجاشي وبكى أساقفُته معه ،وقال" :إ ّ
ل ل أسلَمهم إليكما. ل :انطلقا فل وا ّ ل و أّنهما شيء واحد .ثّم التفت نحو موفدي قريش قائ ً لنجيل كلم ا ّوا ِ
سيء والمخزي ،وهي :أن يخبر الملك بما ن "عمرو بن العاص" فّكر في حيلة جديدة تخّلصهم من موقفهم ال ّ لأّ إّ
ل عظيمًا .ولك ّ
ن يسيء إلى المسيح )عليه السلم( فقال في اليوم التالي للملك :إّنهم يقولون في عيسى بن مريم قو ً
ل ورسوله جعفرًا أجاب الملك في ذلك :نقول فيه الذي جاءنا به نبّينا )صلى ال عليه وآله وسلم( ،هو عبد ا ّ
ق .وقال ل هو الح ّ وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .مّما سّرالنجاشي و رضي به وقال :هذا وا ّ
ل منكم. ن لي دبرًا من ذهب ،وإّني آذيت رج ً بأّ غِرم ،ما أح ّ
سّبكم ُ
للمسلمين :اذهبوا فأنتم آمنون في أرضي ،من َ
ي ملكي فآخذ ل مّني الرشوة حين رّد عل ّ ل ما أخذ ا ّل :فل حاجة لي بها ،فوا ّ ثّم رّدعلى وفد قريش هداياهم قائ ً
ي فأطيعهم فيه (2).ل فخرجوا من عنده خائبين مقبوحين. الرشوة فيه ،وما أطاع الناس ف ّ
____________
. 1أّول الخطاب في ص 20من الكتاب.
لنوار.414|18 :
لسماع 21 :؛ بحار ا َ
. 2السيرة النبوية338|1 :؛ إمتاع ا َ
===============
) ( 88
لسراء والمعراج .2ا ِ
لمام علي )عليه السلم( )(1 ى" ُأخت ا ِ بدأ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( رحلته الفضائية من بيت "ُأّم هان َ
لقصى ،وتفّقد بيت لحم مسقط رأس السّيد المسيح )عليه إلى بيت المقدس في فلسطين ،واّلذي يسّمى المسجد ا َ
ل محراب ركعتين .ثّم بدأ في القسم الثاني من رحلته ،المعراج لنبياء وآثارهم ،وصّلى عند ك ّ
السلم( ومنازل ا َ
لنبياء
طلع على نظام العالم العلوي ،وتحّدث مع أرواح ا َ إلى السماوات العلى ،فشاهد النجوم والكواكب ،وا ّ
والملئكة ،واطلع على مراكز الرحمة والعذاب ـ الجّنة والنار ـ ورأى درجات أهل الجّنة ،و تعّرف على أسرار
للهية المطلقة ،ثّم واصل رحلته حتى بلغ سدرة الوجود و رموز الطبيعة ،ووقف على سعة الكون وآثار القدرة ا ِ
المنتهى ،فوجدها مسربلة بالعظمة المتناهية والجلل العظيم .وهنا كان قد انتهى برنامج الرحلة ،فُأمر بالعودة
صةمن حيث أتى ،فمّر في طريق عودته ،على بيت المقدس ثانية ،ثّم توجه نحو مّكة ،ماّرا على قافلٍة تجاريٍة خا ّ
جل عن مركبته الفضائية ـ البراق ـ ل في البيداء يبحثون عنه ،وشرب من مائهم ،ثّم تر ّ بقريش ،وبعيٌر لهم قد ض ّ
ى ،قبل طلوع الفجر .فأخبرها بما حدث ،كما كشف عنه في أندية قريش صباح نفس تلك الليلة. في بيت ُأّم هان َ
ن قريشًا كعادتها كّذبته وأنكرته ،على أساس عدم استطاعة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( القيام بذلك في لأّإّ
ل ،مع ما ليلة واحدة ،وطلبوا منه أن يصف بيت المقدس ،فوصفه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وصفًا شام ً
شاهده في الطريق ،وخاصة
____________
. 1مجمع البيان395|6:؛السيرة النبوية.396|1:
===============
) ( 89
عير قريش ،التي أكد لهم بأّنها الن في موقع التنعيم ،فلم تمض لحظات حتى طلعت عليهم العير ،فحّدثهم أبو
سفيان بكّلما أخبرهم به الرسول من ضياع بعيرهم في الطريق والبحث عنه(1).
لسراء والمعراج ،فاّدعى "ابن هشام و ابن إسحاق" اّنه وقع في السنة لقوال عن وقت حدوث ا ِ وقد اختلفت ا َ
العاشرة من البعثة الشريفة ،وذهب المَوّرخ "البيهقي" اّنه حدث في السنة الثانية عشرة منها ،بينما قال آخرون
لقوال ن فريقًا رابعًا أكد وقوعه في أواسطها.وربما يقال في الجمع بين هذه ا َإّنه وقع في أوائل البعثة ،في حين أ ّ
اّنه كان لرسول الّلهمعارج متعّددة.
ن المعراج الذي فرضت فيه الصلة وقع بعد وفاة أبي طالب )عليه السلم( في السنة 10من وهناك اعتقاد أ ّ
لنّ النبي ص كان محصورًا في شعب أبي البعثة .والذين تصّوروا أّنالمعراج وقع قبل هذه السنة مخطئونَ ،
طالب منذ عام 8وحتى ،10فلم يكن المسلمون مستعّدين لوضع التكاليف عليهم .و أّما سنوات ما قبل الحصار،
ن المسلمين كانوا قّلة،فعلوة على ضغوط قريش على المسلمين ،والتي كانت مانعًا من فرض الصلة عليهم ،فإ ّ
لسلم قد ترسخت بعد في قلوب ذلك العدد القليل ،ولذا يستبعد أن يكونوا قد كّلفوا ليمان وُأصول ا ِ ولم يكن نور ا ِ
بأمٍر زائٍد مثل الصلة في مثل تلك الظروف.
لمام علّيا )عليه السلم( صّلى مع الرسول )صلى ال عليه وآله ناِ
لخبار والروايات ،بأ ّ أّما ما ورد في بعض ا َ
وسلم( قبل البعثة بثلث سنوات ،فليس المراد منها الصلة المكتوبة ،بل كانت عبارة عن عبادٍة خاصٍة غير
محّددة ،أو كان المراد
____________
لنوار283|18 :و .410 . 1بحار ا َ
===============
) ( 90
منها الصلوات المندوبة والعبادات غير الواجبة(1).
وأّما بالنسبة لما قيل وذكر عن معراج النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( جسمانيًا أو روحانيًا ،فقد قيل فيه الكثير،
ن بعض الراء ترى أّنذلك وقع لأّن ذلك حدث جسمانيًا ،إ ّ لحاديث النبوية تَوّكد أ ّ ن القرآن الكريم وا َ بالرغم من أ ّ
ن روح النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( طافت في تلك العوالم ثّم عادت إلى جسده )صلى ال روحانيًا ،أي أ ّ
لنبياء صادقة(2). ل ذلك حدث في عالم الرَويا ،ورَويا ا َ نكّ عليه وآله وسلم( مّرة ُأخرى ،وذهب آخرون إلى أ ّ
ل تكذيب قريش وانزعاجها واستنكارها لحديث الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( على أّنذلك حدث وربما د ّ
ق وسعة الخلق والتدبير في مخلوقات جسمانيًا .وإذا كان المراد من المعراج الروحاني هو التفكير في عظمة الح ّ
لكرم )صلى ال عليه ن ذلك ليس من خصائص رسولنا ا َ كأّ ل ومصنوعاته ومشاهدة جماله وجلله ،فل ش ّ ا ّ
لولياء امتلكوا هذه المرتبة ،بينما أعتبره القرآن الكريُم من خصائصه لنبياء وا َ
ن كثيرًا من ا َ وآله وسلم( بل إ ّ
ص بهص .كما أّنحالة التفكير في عظمة الخالق والستغراق )صلى ال عليه وآله وسلم( ونوع من المتياز الخا ّ
ل لليلة ،وليس ليلة بعينها كما جرى في التوجه إليه ،كانت تتكرر للرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" في ك ّ
وحدث في المعراج.
ن القوانين الطبيعية والعلمية الحالية ل تتلءم مع معراج النبي )صلى ال عليه وآله أّما في العلم الحديث ،فإ ّ
لسباب التالية: وسلم( وذلك ل َ
لرض يتطلب التخّلص من جاذبيتها ،أي إبطال مفعولها ،والنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ن البتعاد عن ا َ .1إ ّ
كان قد خرج عن محيط الجاذبية وأصبح في حالة انعدام الوزن ،فكيف تمكن أن يطوى هذه المسافات بدون
الوسائل
____________
. 1يراجع في ذلك الكافي.482|3:
لمة الطبرسي في تفسير مجمع البيان إجماع علماء الشيعة على جسمانية المعراج.395|6: . 2نقل الع ّ
===============
) ( 91
لدوات اللزمة ،وعدم توافر الغطاء الواقي ،الذي يصون الجسم من التبعثر والذوبان بفعل السرعة الهائلة؟ وا َ
.2و كيف تمكن من العيش و الحياة في أعالي الجو بدون وجود أوكسجين؟
لحجار السماوية؟لشعة الفضائية وا َ
.3و كيف تمكن أن يصون نفسه من ا َ
لنسان يعيش تحت ضغط معين من الهواء ل يوجد في الطبقات العليا من الجو ،فكيف حافظ على .4و إذا كان ا ِ
حياته هناك؟
ي جسم أن يتحّرك بسرعة تفوق سرعة النور ،التي هي 30ألف كم في الثانية ،فكيف استطاع .5ل يستطيع أ ّ
لرض سالَمالجسم؟! النبيالسير بتلك السرعة الهائلة ويرجع إلى ا َ
ن البشر استطاع بأدواته وآلته العلمية والتكنولوجية أن يعالج مشكلت و الجواب على ذلك سهل ويسير ،فإ ّ
ن العلماء
لشعة الفضائية وانعدام الغاز اللزم للتنفس ،كما أ ّ عديدة في مجال ارتياد الفضاء ،مثل مشكلة ا َ
ن العلم يَوّكد سهولة ارتياد الفضاء وعدم
ططون للعيش على سطح الكواكب كالقمر والمريخ ،وبذا فإ ّ يخ ّ
لنبياء يمكنهم فعَلهاناَلدوات واللت العلمية ،فإ ّ استحالته ،فإذا كان البشر في إمكانه أن يقوم بذلك عن طريق ا َ
ل الذي خلق ل سبحانه و تعالى وفعله .فالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عرج بعناية وقدرة ا ّ بواسطة قدرة ا ّ
ل تعالى وخاضعة خرة ّ الوجود كّله ،وأقام هذا النظام البديع .فجميع العلل الطبيعية والموانع الخارجية مس ّ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يخبر البشرية وحتى اّلذين يعيشون في هذا لمره .وكأ ّ
لرادته ،ومطيعة َ ِ
لرض ،وأطلعني ن علّيوعّرفني على نظام السماوات وا َ ن رّبي قد م ّالقرن :إّنني فعلت هذا بدون أّية وسيلة ،وإ ّ
بقدرته وعنايته على أسرار الوجود و رموز الكون.
===============
) ( 92
صف بمكان ول يجري عليه زمان ،ولكّنه عّز وج ّ
ل ل يو َنا ّلمام موسى الكاظم )عليه السلم( في ذلك" :إ ّ
وقال ا ِ
أراَد أن يشرف به ملئكته وسكان سماواته ،ويكرمهم بمشاهدته ،ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد
ل تعالى عّما يصفون"(1).
هبوطه ،وليس ذلك على ما يقوله المشّبهون ،سبحان ا ّ
توفيت السيدة خديجة)عليها السلم( بعد وفاة أبي طالب ،بشهر وخمسة أّيام ،في السنة العاشرة من البعثة(2).
وهي التي سّماها الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" عام الحداد أو الحزن .ومنذ هذا الوقت واجه )صلى ال
عليه وآله وسلم( ظروفًا صعبة قاسية قّلما واجهها من قبل .فقد اصطدم منذ بداية السنة الحادية عشرة بأحوال
لخطار التي هّددت حياته الشريفة ،بل افتقاد إمكانية نشر الدعوة.فلّما هلك أبو قاسية مفَعمة بالعداء والحقد وا َ
لذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، ل )صلى ال عليه وآله وسلم( من ا َ طالب ،نالت قريش من رسول ا ّ
حتى اعترضه سفيٌه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا .وفي البيت عندما بكت ابنته على وضعه هذا قال:
"ما نالت مّني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب"(3).
لمر المترّدي ،أن يبحث الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( عن بيئة ُأخرى أفضل من بيئته لنشر وقد دفع هذا ا َ
الدعوة فيها ،فاختار الطائف التي كانت تعتبر مركزًا هامًا آنذاك،فقرر السفر إليها وحيدًا لمقابلة زعماء ثقيف،
لعّله يكسب نجاحًا في مهمته أو أنصارًا جددًا.
____________
. 1علل الشرائع55:؛ البحار347|18:؛ تفسير البرهان.400|2:
. 2تاريخ الخميس.301|1:
لنوار.5|19 : . 3السيرة النبوية ،415|1:بحار ا َ
===============
) ( 93
ن عرضه لم يَوثر فيهم ،بل إّنهم رّدوا عليه بصبيانية أوضحت تمّلصهم من قبول الدعوة أو اعتناق الدين، لأّإّ
بل أّنهم تمادوا في سلوكهم العدواني فأحاط به جمٌع كبير منهم يسّبونه ويصيحون به ،فالتجأ إلى بستان "عتبة
لذىوشيبة ابني ربيعة" للتخّلص من هَولء السفهاء ،وعمد إلى ظل جلس فيه وهو يتصبب عرقًا ،فقد ألحقوا ا َ
ل سبحانه وتعالى أن يعينه على ن رجليه سالت منهما الدماء ،ولما دعا ا ّ
بمواضع عديدة من بدنه الشريف ،كما أ ّ
لشرار ،فقد تقّدم إليه ابنا ربيعة ـ الّلذان كانا ينظران إليه و يريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ـ بطبق
هَولء ا َ
من عنب قدمه إليه )صلى ال عليه وآله وسلم( غلم لهما اسمه "عداس النصراني" من أهل نينوى ،فلّما رأى ما
يعلمه الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( من علوم عن المسيح )عليه السلم( أسلم على يديه.
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يتمكن من الرجوع إلى مّكة بسهولة ،حيث خاف أذى المشركين ،مّما لأّإّ
ل من بني خزاعة طلب منه أن يخبر جعله يترك "نخلة" وهي واد بين الطائف ومكة ،إلى حراء ،فالتقى رج ً
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( حتى يدخل مكة في أمان. "المطعم بن عدي" بحالته ،ويسأله أن يجير رسول ا ّ
ل أّنه قبل أن يجيره "صلى ال عليه وآله وسلم" فدخل الرسول )صلى ال عليه ن "المطعم" كان وثنيًا ،إ ّ ورغم أ ّ
ل ،ونزل في بيت "مطعم" و بات فيه ،ثّم دخل في الصباح مع أهل بيته إلى المسجد الحرام ثّم وآله وسلم( مكة لي ً
إلى منزله(1).
ولم ينس الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( عمله الطيب هذا ،بل تذّكره حتى بعد وفاة المطعم ،إذ أّنه أعلن في
لفراج عن جميع معركة بدر عن استعداده ل ِ
____________
لنوار.7|19 : . 1السيرة النبوية381|1:؛ بحار ا َ
===============
) ( 94
لسرى لو كان حّيا ،تقديرًا لما قام به من إجارة وخدمة كبيرة له. اَ
وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يستخدم كّلوسيلة وطريقة لنشر دعوته ،فكان يقوم بالدعوة في كّلوقت
لسواق العرب الشهيرة :عكاظ والمجنة وذي المجاز، ل مكان ،منتهزًا الفرص المناسبة لذلك ،مثل استغلله َ وك ّ
حيث كان الخطباء والشعراء يقفون فيها ليلقوا ما عندهم من شعر وخطب ،وفكان النبي )صلى ال عليه وآله
ل لكم العجم ،وإذا آمنتم
ل تفلحوا ،وتملكوا بها العرب ،وتذ ّ
لا ّ
وسلم( يقف على مكان مرتفع خاطبًا" :قولوا ل إله إ ّ
كنتم ملوكًا في الجنة"(1).
ل سبحانه،
كما أّنه كان يلتقي في مواسم الحج برَوساء القبائل وأشرافها يعرض عليهم دينه ،ويدعوهم إلى ا ّ
ويخبرهم بأّنه نبي مرسل ،ويقول ابن هشام في ذلك :كان )صلى ال عليه وآله وسلم( ل يسمع بقادم من العرب
ل وعرض عليه ما عنده. لتصّدى له فدعاه إلى ا ّإلى مكة له اسم وشرف إ ّ
____________
. 1طبقات ابن سعد.216|1 :
) ( 95
المرحلة الجديدة في الدعوة و نتائجها المَوثرة
.4بيعة العقبة
لوس والخزرج في القرن الرابع الميلدي يعد هجرتهم من اليمن ،وهم من القحطانيين .كما سكنت يثرب قبيلتا ا َ
سكن بجانبهم اليهود القادمين من شمال الجزيرة العربية .وكثيرًا ما كان يحضر منهم جماعة إلى مّكة ،فكان
النبييلتقي بهم ويتصل معهم عارضًا عليهم دينه ،وقد كان لهذه اللقاءات والّتصالت أثرها فيما بعد ودافعًا لهجرة
الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى يثرب ،فقد كان حجاجهم ينقلون أخباره )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى
أهاليهم ،مّما مكنهم التعرف عليه وعلى أهدافه .وقد تّمت تلك الّتصالت فيما بين سنوات 13 ،12 ،11من
البعثة.
ومن أشهر من تشّرف بمقابلة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :سويد بن الصامت" الذي أسلم ونشر
ن الخزرج قتلته قبل يوم بعاث (1).و "إياس بن معاذ" الذي رأى في إسلم أهله تخّلصا لأّلسلم بين قومه ،إ ّ اِ
من النزاع والتناحر بينهم ،ليصبحوا بفضل الدين الجديد إخوة تزول بينهم أسباب العداء والقتال.
لسلم:إّنا قد
ليمان به وبا ِ
وكذلك تّمت مبايعة ستة أفراد من الخزرج وا ِ
____________
لوس والخزرج. . 1بعاث ،موضع جرت فيه حرب بين ا َ
===============
) ( 96
ل بك ،فسنقدم عليهم فندعوهم إلى تركنا قومنا ول قوم بينهم من العداوة والشّر مثل ما بينهم ،فعسى أن يجمعهم ا ّ
ل عليه ،فل رجل أعّزمنك(1). أمرك،ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ،فإن يجمعهم ا ّ
ليجابي في أهل يثرب ،حيث أسلم عدٌد منهم ،وقدم في السنة التالية 12من البعثة ،اثنا وكان لهَولء تأثيرهم ا ِ
لسلم ،وكان ل منهم ،عقدوا مع النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" بيعة العقبة ،وهي أّول بيعة في ا ِ عشر رج ً
أبرزهم :أسعد بن زرارة ،وعبادة الصامت.
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( ل وبرسوله" :بايعنا رسول ا ّليمان با ّلسلم وا ِص البيعة ،بعد العتراف با ِ وكان ن ّ
ل شيئًا ،ول نسرق ول نزني،ول نقتل أولدنا ،ول نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ل نشرك با ّ على أ ّ
ول نعصيه في معروف" ويرد عليهم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :إن وفيتم فلكم الجنة ،وإن غشيتم
ل ،إن شاء عّذب وإن شاء غفر". ل عّزوج ّمن ذلك شيئًا فأمركم إلى ا ّ
وطلبوا من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يرسل إليهم من يعّلمهم القرآن والدين ،إذ أّنهم نشطوا في نشر
لسلم بعد عودتهم إلى يثرب ،فبعث إليهم" :مصعب بن عمير" الداعية النشط الذي تمكن من أن يجمع اِ
المسلمين في غياب الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ويَومهم ويصّلي بهم(2).
لسلم في يثرب ،هيجانًا كبيرًا ،وشوقًا عجيبًا في نفوس المسلمين من أهلها ،فانتظروا وهكذا فقد أحدث تقّدم ا ِ
للتقاء بالرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" ،فخرجت قافلة كبيرة منهم ضمت 500نفر، جل ِ حلول موسم الح ّ
فيهم 73مسلمًا
____________
لنوار.25|19 : . 1تاريخ الطبري86|2:؛ السيرة النبوية427|1 :؛ بحار ا َ
لنوار.25|19 : . 2السيرة النبوية434|1:؛ بحار ا َ
===============
) ( 97
بينهم امرأتان ،فالتقوا بالرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( الذي واعدهم بالعقبة":موعدكم العقبة في الليلة
جة ،فاجتمع بهم مع عّمه "العباس بن عبد الوسطى من ليالي التشريق" ،وهي الليلة 13من شهر ذي الح ّ
المطلب" بعد أن مضى ثلث الليل ونام الناس ،حتى ل يشعروا بخروجهم.
ل :إّنمحّمدا مّنا حيث قد علمتم ،وقد منعناه من قومنا ،فهو في عّزمن قومه ومنعة في بلده، فتكّلم فيهم العباس قائ ً
ل النحياز إليكم واللحوق بكم ،فإن كنتم ترون أّنكم وافون له بما دعوتموه إليه ،ومانعوه مّمنوإّنه قد أبى إ ّ
خالفه ،فأنتم وما تحملتم من ذلك ،وإن كنتم ترون أّنكم مسّلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم ،فمن الن فدعوه ،فإّنه
في عّزومنعة من قومه وبلده.
لسلم ثّم قال" :أبايعكم على أن غب في ا ِل ور ّ
ثّمتكّلم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فتل القرآن ودعا إلى ا ّ
تمنعوني مّما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم" .فبايعوه على ذلك و هم في حماس وسرور عظيم.
كما أّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عاهدهم على أن يبقى معهم ،ويكون بجانبهم في سلمهم وحربهم:
"أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم" ثّم قال لهم" :أخرجوا إلّيمنكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما
فيهم" .فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا ،فقالص" :أنتم على قومكم بما فيهم كفلء ككفالة الحواريين لعيسي بن
مريم ،وأنا كفيل على قومي ـ أي المسلمين ـ فُأبايعكم على أن تمنعوني مّما تمنعون نساءكم وأولدكم" .فقالوا:
نعم .فبايعوه على ذلك".
ض الجمع بعد ذلك ،بعد أن وعدهم الرسول )صلى ال لوس ،وقد انف ّ وكان النقباء 9 ،من الخزرج و 3من ا َ
عليه وآله وسلم( أن يهاجر إليهم في الوقت المناسب(1).
____________
لنوار25|19 :؛السيرة النبوية441|1:؛طبقات ابن سعد.221|1:
. 1بحار ا َ
===============
) ( 98
ع من أهل مّكة الذين رفضوه خلل ثلثة عشر عامًا ،فإ ّ
ن لسلمي أسر َ أّما بخصوص قبول أهل يثرب الدين ا ِ
ي في ذلك:هناك عاملين هامين كان لهما التأثير المباشر القو ّ
لخبار عن ظهور نبي جديد ودين جديد ،مّما هّيأ أهلها لقبول هذا الدين .1وجود اليهود بالمدينة ،وقيامهم بنشر ا َ
لولى ،حين قال بعضهم لبعض: لمر الذي جعلهم أسرع في تقبلهم للدعوة خلل البيعة ا َُ الذي كانوا ينتظرونه ،ا َ
عدكم به اليهود فل يسبقنكم إليه. ي الذي تو ّ
ل إّنه للنب ّ
وا ّ
.2كما أّنالحروب الطويلة التي جرت بين أطراف أهل يثرب ،والتي استمرت مائة وعشرين عامًا ،قد أنهكتهم
لوضاع ،فبحثوا عن لحوال وا َ لمل في تحسن ا َ وكادت أن تذهب بما تبّقى من رمقهم ،فمّلوا الحياة ،وفقدوا ك ّ
لوضاعهم المتردية مخّلص لما هم فيه من حالة سيئة ومشكلت مزمنة .ولهذا تمّنوا أن يضع النبي ص حدًا َ
ل بك فل رجل أعّز منك". ل بك ،فإن جمعهم ا ّ فقالوا" :عسى أن يجمعهم ا ّ
ن ذلك يعني
وقد أحدث كّلذلك خوفًا عجيبًا في قلوب قادة قريش وسادة مكة المشركين المتغطرسين ،إذ أ ّ
ل طاقات المسلمين المبعثرة ،و تعمل معًا في أّنالمسلمين وجدوا قاعدة قوية في قلب الجزيرة العربية ،تجمع ك ّ
ش في الّتصال بالخزرجّيين ت قري ٌ نشر دينهم وعقيدتهم ،مّما سيشكل خطرًاجديدًا يهّددهم في الصميم،ولهذا باَدر ْ
للستفسار عّما حدث في العقبة .فحلف لهم المشركون من أهل يثرب أّنه لم يحدث ما يَوذيهم أو يهدد
مصالحهم،ولم يعلموا عنه ،وهم في قولهم صادقون ،إذ أّنهم لم يعلموا بما حدث في العقبة.
ل أّنهم كانوا قد
وحاولوا إلقاء القبض عليهم قبل خروجهم من مّكة ،إ ّ
===============
) ( 99
توجهوا قبل ذلك نحو المدينة ،فظفروا بـ "سعد بن عبادة" الذي توّلوا ضربه بعد ربط يديه إلى عنقه ،حتى
خّلصه منهم" :المطعُم بن عدي"(1).
لشهل" قبل أن يروا النبي )صلى ال عليه وآله ل قبيلة "بني عبد ا َ وفي المدينة المنورة ،كان قد أسلم فيها ك ّ
لسلم والمداِفعين عن عقيدة التوحيد ،بفضل نشاط الدعاة :مصعب بن عمير، وسلم( فأصبحوا من الدعاة إلى ا ِ
وأسعد بن زرارة ،الّلذين أّثرا في إسلم قادة القبيلةُ :أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ،ثّم إسلم الباقي(2).
ضهم النجاة بنفسه والهجرة إلى وعندما اشتّدإيذاء قريش للمسلمين بعد إسلم جماعة من أهل يثرب ،طلب بع ُ
أّيمكان ،فاستمهلهم الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" وقال" :لقد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب ،فمن أراد
الخروج فليخرج إليها"(3).
ن زعماءها فطنوا لأّ وبذا فقد ترك المسلمون مّكة وهاجروا إلى المدينة تدريجيًا ،حّتى ل تعلم بهم قريش ،إ ّ
ل مسلم أرادل من وجدوه أثناء الطريق ،وحبس زوجة ك ّ ي مسلم ،وإعادة ك ّ ل ّلسرهم ،فمنعوا السفر والتنقل َ
ن معظم المسلمين تمّكنوا من الفرار والهجرة إلى يثرب ،ما عدا ل ذلك ،فإ ّ
الهجرة .ولكن لحسن الحظ ،لم يثمر ك ّ
لمام علي )عليه السلم( و أبو بكر ،وعدد قليل من المسجونين والمرضى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وا ِ
من المسلمين .حتى حان الوقت الذي أقّر فيه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( الهجرة من مكة في شهر ربيع
لّول من السنة 13من البعثة النبوية المباركة.اَ
.5الهجرة الكبرى
اجتمع رَوساء قريش في دار الندوة ،للتشاور فيما حدث أخيرًا ،من تجمع
____________
. 1السيرة النبوية.449|1:
لنوار.10|19: . 2إعلم الورى 59:؛ بحار ا َ
. 3طبقات ابن سعد.226|1:
===============
) ( 100
لسلمية وتمركزها في المدينة ،فاّتخذوا قرارًا قاطعًا وحاسمًا وخطيرًا ،وهو القضاء على القوى والعناصر ا ِ
لجرامي النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( والتخلص منه بقتله ،بواسطة اشتراك جميع القبائل في هذا العمل ا ِ
طعوه إربًا
ل قويًا ثّمتسلحوه حسامًا عضبًا،وليهجموا عليه بالليل ويق ّ ل قبيلة رج ً حيث قال المقترح :فتختاروا من ك ّ
إربًا ،فيتفّرق دمه في قبائل قريش جميعها ،فل يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة قبائل قريش كّلها في
صاحبهم ،فيرضون حينئٍذ بالدية منهم .فاستحسن الجميع هذا الرأي واّتفقوا عليه ،ثّم اختاروا الَقَتَلة ،على أن
يَوّدوا مهمتهم بالليل أثناء الظلم(1).
ل أن جبرائيل )عليه السلم( نزل على الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وأبلغه بمَوامرة المشركين فقرأ عليه إّ
ل خْيرل وا ّن َوَيْمكُر ا ّك َويمكرو َ
جو َ
ك َأْو يخر ُ
ك َأْو َيْقُتُلو َ
ن َكَفُروا ِليثِبُتو َك اّلِذي َ
ل تعالىَ) :وِإْذ َيْمُكُر ِب َ
قول ا ّ
الماِكرين( (2).
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قرر أن ينام شخص في فراشه ليتصّور المشركون أّنه )صلى ال عليه ثّم إ ّ
وآله وسلم( موجود في منزله لم يبرحه ،فيرتكز عملهم على محاصرة البيت دون الهتمام بمراقبة الطرقات في
لمام علي )عليه السلم( في فراش النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وحاصر المنزل أربعون نواحي مكة .فنام ا ِ
فردًا من قريش ،وخرج النبي ص من الباب دون أن يشعر به أفراد قريش المكّلفون بقتله ،حينما قرأ )صلى ال
صُرون( .وخروج النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بهذه عليه وآله وسلم( سورة "يس" إلى قولهَ) :فُهْم ل ُيْب ِ
ن آخرين يرون إّنه خرج لأّ ن القوم المحاصرين كانوا نيامًا لحظة خروجه ،إ ّ سره البعض بأ ّ الصورة والكيفية ،ف ّ
سوا به.لعجاز والكرامة دون أن يروه ويح ّ من البيت عن طريق ا ِ
وقبيل طلوع الفجر عند ساعة الصفر ،هجم المتآمرون على فراش النبي
____________
. 1طبقات ابن سعد227|1 :؛ السيرة النبوية.480|1:
لنفال .30:ليثبتوك :ليسجنوك.
.2اَ
===============
) ( 101
لمام علي )عليه السلم( يكشف عن نفسه ،فغضبوا وندموا على )صلى ال عليه وآله وسلم( ففوجئوا بوجود ا ِ
انتظارهم الطويل حّتى الفجر ،ولموا أبا جهل الذي منعهم من دخول البيت فحّملوه مسَوولية فشل الخطة،
ولكّنهم أسرعوا في وضع خطه جديدة لترتيب أمر ملحقته والقبض عليه.
وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وأبو بكر قد أمضيا ليلة الهجرة وليلتين ُأخريين في غار ثور الواقع في
ن الطريق إلى المدينة يقع في شمال مّكة.جنوب مكة ،وذلك ليعّمي على قريش فل يتبعوا أثره ،إذ أ ّ
وبالنسبة إلى مصاحبة أبي بكر للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فهي مسألة تاريخية غامضة ،فيعتقد البعض
ن النبي أّنها كانت بالصدفة ،أي أّنه تقابل معه في الطريق فاصطحبه معه إلى غار ثور ،بينما يرى آخرون أ ّ
)صلى ال عليه وآله وسلم( ذهب في نفس الليلة إلى منزل أبي بكر فخرجا في منتصف الليل إلى الغار (1).في
لمام علي )عليه ن أبا بكر جاء إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فأرشده ا ِ حين أّنفريقا ثالثًا يذهب إلى أ ّ
السلم( إلى مخبأ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( .
ث العيون والجواسيس في طرقات مّكة ،ومراقبة مداخلها ومخارجها ،وبعثت القافلة أّما قريش فقد بادرت إلى ب ّ
لبل جائزة لمن يقبض عليه تقتص أثره ص في كّلمكان وخاصة طريق مكة ـ المدينة ،كما عّينت مائة من ا ِ
"صلى ال عليه وآله وسلم" ويرّده إليهم ،أو لمن يأتي عنه بخبر صحيح.
لثر قدم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( من الوصول إليه عند باب الغار ،إلّ أّنهم وقد تمّكن المتتبعون َ
استبعدوا وجودهما فيه ،نظرًا لنسج العنكبوت وبيض الحمام .فاستمّرت محاولت البحث ثلثة أّيام بلياليها دون
جدوى.
____________
. 1تاريخ الطبري.100|2:
===============
) ( 102
وقد ترّدد على النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خلل تواجده في الغار :علي )عليه السلم( وهند بن أبي هالة
ل بن أبي بكر وعامر ابن فهيرة راعي أغنام أبي )ابن خديجة( حسب رواية الشيخ الطوسي في أماليه ،وعبد ا ّ
بكر ،حسب رواية كثير من المَوّرخين.
ي بنفسه .وتعريض حياته لخطر الموت لمام علي )عليه السلم( النب ّ والنقطة الهامة في هذه القضية هي مفاداة ا ِ
ق،ب الحقيقي للح ّ لسلم وحياة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ،فهو نموذج رائع من الح ّ في سبيل الدين وا ِ
ف ِباْلِعباد(
ل رُءو ٌل َوا ّ
تا ّ
سُه اْبِتغاء َمْرضا ِ
شِري َنْف َ
ن َي ْ
ن الّناس َم ْلَ) :وِم َل تعالى في كتابه العظيم قائ ًوقد مدحه ا ّ
(1).
لماملسلم إلى اعتبارها واحدة من أبرز وأكبر فضائل ا ِ وقد دفعت هذه العملية التضحوية الكبرى كبار علماء ا ِ
ليثار ،واعتبار الية المذكورة في شأنه من المسلمات قّلما بلغ )عليه السلم( وإلى وصفه بالفداء والبذل وا ِ
الحديث في التفسير والتاريخ إليها(2).
لمام علي )عليه السلم( أن يبتاع بعيرين له ولصاحبه ،فقال وقد طلب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من ا ِ
ل راحلتين نرتحلهما إلى يثرب ،فدفع إليه الرسول )صلى ال عليه ت لي ولك يا نبي ا ّ أبو بكر :قد كنت أعدد ُ
وآله وسلم( ثمنهما(3).
كما أوصى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عليًا )عليه السلم( بأن يَوّدي أمانته على أعين الناس ،وأمره
لمام علي )عليه السلم( وفاطمة بترتيب رحلة الفواطم :فاطمة الزهراء)عليها السلم( ،وفاطمة بنت أسد ُأّم ا ِ
بنت الزبير ،ومن يريد الهجرة معه من بني هاشم إلى يثرب ،وما يحتاجون له من زاد وراحلة.
____________
. 1البقرة.207:
. 2مسند أحمد87|1:؛ كنز العمال407|6:؛ الغدير.47|2:
. 3الكامل73|2:؛ السيرة الحلبية.53|2:
===============
) ( 103
ل أمينًا يدعى "أريقط" للترحال إلى المدينة ،فخرج النبي لمام )عليه السلم( أّول ثلث رواحل ودلي ً وقد هّيأ ا ِ
)صلى ال عليه وآله وسلم( مع صاحبه متوجَهين إلى يثرب سالَكين الخط الساحلي.
ل ما يقع من الحوادث بذلك العام فيحددون تاريخه ومن هذه الليلة يبدأ تاريخ المسلمين ،حيث بدأوا يقيسون ك ّ
وزمان حدوثه.
سست لهم فيه حكومة مستقلة ،وتخّلصوا لّول للهجرة ،حقق المسلمون انتصارًا عظيمًا وباهرًا ،وتأ ّ ففي العام ا َ
من التشرذم والتبعثر ،وتمركزت قواهم وعناصرهم في نقطة واحدة وبيئة حرة ،ل أثر فيها للكبت والضطهاد،
ل ذلك يتخذون هذا العام مبدأ لتاريخهم. مّما جعلهم لك ّ
فالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بنفسه جعل التاريخ الهجري ،وإنّ أي إعراض وتجاهل له واختيار تاريخ آخر
لسلم الكريم )صلى ال عليه وآله وسلم( ومخالفة لما رسمه للمسلمين .وأّما ما مكانه ،إعراض عن سنة رسول ا ِ
ن الخليفة "عمر بن الخطاب" هو الذي جعل هجرة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( اشتهر بين المَوّرخين من أ ّ
صر فيلمعان والتب ّن شيئًا من ا ِلّلمام علي )عليه السلم( فهو غير صحيحَ ، مبدأ للتاريخ باقتراح وتأييد ا ِ
مراسلت النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" ومكاتباته المدرجة في كتب التاريخ والسيرة والحديث ،تثبت أ ّ
ن
النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( هو الذي اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ ،فقد أّرخ رسائله وكتبه إلى
ُأمراء العرب وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة ،بذلك التاريخ الهجري ،فهناك كثير من الكتب
ُأّرخت قبل السنة 16أو 17من الهجرة ،وقد يكون في السنة الخامسة الهجرية.
لسلمية بهجرته ،فقالوا :وقع كذا ن أصحابه )صلى ال عليه وآله وسلم( أّرخوا في أّيام حياته ،الحوادث ا ِ كما أ ّ
ل قيل :حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في شهر شعبان ،ستة عشر شهرًا في شهر كذا من الهجرة ،فمث ً
أو 17شهرًا أو 18شهرًا.
===============
) ( 104
وفي السنة الخامسة من الهجرة ،أمر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بإحلل السنة الهجرية مكان الشهر
الهجري.
تمّكن "سراقة بن مالك" من اللحاق بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وأبي بكر وهما في الطريق إلى المدينة،
ن ذلك من دعاء النبي سه وطرحه أرضًا ،فعرف أ ّ فدعا عليه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فجمح به فر ُ
ل يخبر أحدًا بمكانهما"صلى ال عليه وآله وسلم" عليه ،فاعتذر له وطلب منه السماح له بالعودة على أ ّ
ل من بحث عنهما في الطريق. وموقعهما .ففعل ،ورّد ك ّ
لّول ،يوم الثنين،ونزل على أّما الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد وصل إلى قباء في 12من شهر ربيع ا َ
" :كلثوم بن الهرم" شيخ بني عمرو بن عوف ،ولبث في قباء إلى آخر السبوع ،وبنى فيها مسجدًا(1).
لمام علي )عليه السلم( والسيدة فاطمة )عليها السلم( حيث كان قد لحق به الكّفار وحاولوا وانتظر لحين قدوم ا ِ
ل أّنه )عليه السلم( تمكن من التخلص منهم ،فتركه القوم خائفين من غضبه وقوته ،فواصل سيره محاربته ،إ ّ
لّول.باّتجاه المدينة ،حيث وصلها في منتصف شهر ربيع ا َ
ط قدمه على ولّما انحدر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من ثنية الوداع ـ وهي منطقة قريبة من المدينة ـ و ح ّ
حبوا به أعظم ترحيب ،مرّددين ل عظيمًا ،ور ّ
ل ونساء ،كبارًا و صغارًا ،استقبا ً تراب يثرب ،استقبله الناس رجا ً
أناشيد فرحين به :طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.
____________
. 1تاريخ الخميس.338|1 :
===============
) ( 105
ن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" كان يقول عن ناقته" :خّلوا سبيلها لأّوأصّر القوم على النزول عند أحدهم ،إ ّ
فإّنها مأمورة" .فانتهت الناقة إلى أرض واسعة كانت ليتيمين من الخزرج يقال لهما" :سهل و سهيل" كانا في
لنصاري" ،فاغتنمت ُأّم أّيوب الفرصة حجر أسعد بن زرارة ،فبركت على باب "أبي أّيوب خالد بن يزيد ا َ
وبادرت إلى رحل الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فحّلته وأدخلته منزلها ،وعندما تنازع القوم في أخذه ،قال
الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" " :أين الرحل؟" فقالوا :أدخلته ُأّم أّيوب في بيتها ،فقال "صلى ال عليه وآله
وسلم" " :المرء مع رحله".
ن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( دخل المدينة يوم الجمعة ،حيث صّلى الجمعة وقد اّتفق ُكّتاب السيرة على أ ّ
لسلم ،وخطب أّول خطبة في في بني سالم بن عوف ،وهي أّول جمعة جمعها )صلى ال عليه وآله وسلم( في ا ِ
لثر العميق في قلوب أهلها ونفوسهم. المدينة كان لها ا َ
===============
) ( 106
===============
) ( 107
القسم الثاني
و فيه فصول
لحداث في المدينة المنّورة .5ا َ
.6أحداث السنة الثالثة والرابعة من الهجرة
.7أحداث السنة الخامسة والسادسة من الهجرة
.8أحداث السنة السابعة والثامنة من الهجرة
.9أحداث السنة التاسعة و العاشرة والحادية عشرة
===============
) ( 108
===============
) ( 109
الفصل الخامس
===============
) ( 110
===============
) ( 111
لولىمن الهجرة
حوادث السنة ا َُ
ل للمسلمينكان أّول عمل رأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يقوم به قبل أي عمل آخر ،هو أن يبني مح ً
ل فيه ويذكروه في أوقات الصلوات ،مضافًا إلى أّنه كان هناك حاجة أكيدة لمركز يجتمع ليتسّنى لهم أن يعبدوا ا ّ
ل ُأسبوع في يوم معّين ،ويتشاوروا في مصالحهم وشَوونهم ،بجانب لـكّ لسلم ـ حزب ا ّ فيه أعضاء حزب ا ِ
أدائهم صلة العيد فيه مّرتين كّلعام .ولم يكن المسجد في عهد الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( للعبادة
لمور القضائية والفصل بين لسلمية والتربوية ،إضافة إلى ا َُ فحسب ،بل لُتلقى فيه العلوم والمعارف ا ِ
الخصومات وإصدار الحكم على المجرمين ،فكان بمنزلة المحكمة في هذا اليوم .كما استخدمه الشعراء في إلقاء
للقاء خطبه الحماسية والجهادية في تعبئة قصائدهم أمام الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( الذي اّتخذه قاعة ِ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أراد بذلك أن يعلن للجميع أ ّ
ن المسلمين ضّد الكّفار والمشركين .مّما يبين أ ّ
لمور الدنيوية ،بل هو دين شامل كامل يهتم بالتقوى وشَوون المعيشة دينه ليس مجّرد أمر معنوي ل يتصل با َُ
لوضاع الجتماعية. وا َ
===============
) ( 112
وقد استمرت أغلبية المساجد على هذا المنوال حتى مطلع القرن 4هـ حيث كانت تتحول في غير أوقات الصلة
إلى مراكز لتدريس العلوم المتنوعة ،بل إّنها حتى بعدما فصلت المراكز العلمية عن المساجد فيما بعد ،بقيت
لقوى بين العلم والدين.سد الصلة الوثيقة والرتباط ا َلمر الذي ج ّ المدارس تبنى بجانب المساجد ،ا َ
وفي بناء المسجد اشترك النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بنفسه في عملية البناء ،ينقل الحجارة واللبن،ويرّدد
لنصار والمهاجرة" .وكان "عمار بن ياسر" مّمن عمل بشّدة لعيش الخرة ،الّلهم ارحم ا َ وهو يعمل" :ل عيش إ ّ
لحجار بدل النبي )صلى ال عليه و قّوة مع الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في البناء ،إذ كان يحمل اللبن وا َ
ل قتلوني يحملون وآله وسلم( وبدل الخرين ،حتى شكا إليه "صلى ال عليه وآله وسلم" فعلهم وقال :يا رسول ا ّ
ي ما ل يحملون .فقال له النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( " :ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك ،إّنما تقتلك عل ّ
الفئة الباغية"(1).
صّفة يسكن فيها الفقراء والمهاجرون المحرومون ،وكلف "عبادة بن الصامت" بأن وبنى كذلك بجانب المسجد ُ
يعّلمهم الكتابة وقراءة القرآن.
ثّم بعد ذلك بنيت منازله ومنازل أصحابه حول المسجد.
وفي هذه البيئة الجديدة ،واجه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ثلث مشكلت أو قضايا أساسية:
.1قريش و الوثنيين في شبه الجزيرة العربية.
لموال لديهم. .2اليهود في المدينة أو خارجها ،مع توافر ا َ
لوسلنصار أنفسهم ـ ا َلنصار ،و بين ا َ .3الختلف بين المهاجرين وا َ
____________
. 1السيرة الحلبية71 | 2 :؛ تاريخ الخميس.345|1:
===============
) ( 113
والخزرج ـ ،أي الجبهة الداخلية.
وقد تمّكن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( من التغّلب على تلك المشكلت والقضايا بأساليب حكيمة وسياسية
لنصار ،حينما محّنكة .فبالنسبة إلى التناقضات بين فئات المجتمع ،فقد عالجها بالمَواخاة بين المهاجرين وا َ
ل أخوين أخوين" .فأصبح هذا التآخي جمعهم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وقال لهم" :تآخوا في ا ّ
لخرى .كما اختار علّيا )عليه السلم( أخًا لنفسه وقال: ل المشكلت ا َُ لطراف المتنازعة ،طريقًا لح ّ والوحدة بين ا َ
ي أنت أخي في الّدنيا والخرة". "يا عل ّ
لوضاع الداخلية في ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أدرك أّنه ما لم تصلح ا َ أّما مشكلة يهود يثرب ،فإ ّ
لسلم لن تتمكن من النمو، ن شجرة ا ِ المدينة ،ومالم يضم اليهود إلى جانبه ،أي أن يقيم وحدة سياسية متوسعة ،فإ ّ
لخرى وهي خطر قريش .ومن هنا رأى النبي )صلى ال عليه لضافة إلى أّنه لن يتمكن من معالجة القضية ا َُ با ِ
لنصار والمهاجرين ،يوّقع وآله وسلم( أن يتقّدم بالتفاهم معهم بعقد معاهدة تعايش سلمي ودفاع مشترك بين ا َ
عليها اليهود أيضًا.
لعمال،ومسندًا تاريخيًا قوي الدللة ،تكشف عن مدى التزام الرسول )صلى ال وتعتبر هذه المعاهدة من أهّم ا َ
ى الحرية و العدالة ،كما تكشف عن حنكته السياسية حيث استفاد من هذه الوسيلة من أجل عليه وآله وسلم( بمباد َ
إيجاد جبهة متحدة قوية في وجه الحملت الخارجية ،فهي في الواقع واحدة من أكبر النتصارات السياسية التي
لطلق .وهي نموذج لسلمية الناشئة في ذلك الوقت ،بل هي أعظم معاهدة تاريخية على ا ِ أحرزتها الحكومة ا ِ
لسلم وحرصه على مبدأ حرية الفكر والعتقاد ،وضرورة التعاون ،وتوضيح كامل لرعاية ا ِ
===============
) ( 114
حدود صلحيات واختيارات القائد ومسَوولية الموقعين عليها.وقد احترم فيها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
دين اليهود وثرواتهم في إطار شرائط معينة.
لخرى: ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عقد مع طوائف اليهود ا َُ لضافة إلى التعاهد مع يهود يثرب ،فإ ّ وبا ِ
بني قريظة ،بني النضير ،وبني قينقاع ،معاهدات مماثلة فيما بعد ،كان من أهّم بنودها:
ن الرسول )صلى ال عليه وآله ـ عدم العتداء على الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( و أصحابه ،فإن فعلوا فإ ّ
ل من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم والستيلء على أموالهم. وسلم( في ح ّ
لسئلة العويصة عليه بغية إحراجه ن اليهود تمّيزوا بمجادلة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وطرح ا َ لأّ إّ
وزعزعة إيمان المسلمين به "صلى ال عليه وآله وسلم" ،و لكن جميع تلك المخططات باءت بالفشل ،و ق ّ
ل
ل بن
لسلم ،كما حدث لعبد ا ّ تأثيرها في صفوف المسلمين ،بل إّنها ساعدت في الواقع على إقبال بعضهم على ا ِ
سلم الذي كان من علماء اليهود و أحبارهم ،أعلن إسلمه بعد سلسلة مناظرات و مجادلت مطّولة ،كما التحق
بعده عالم آخر منهم هو "المخيريق".
لضعاف المسلمين ،وذلك ولم يكتف اليهود بذلك أّنهم استخدموا ُأسلوب المَوامرات والدسائس مثلَ" :فّرق تسد" ِ
لوس والخزرج ،وإثارة العداء بينهم ،وإقامة العلقات السرية مع مشركي باستغلل رواسب الماضي بين ا َ
لوس والخزرج والمنافقين ،واشتراكهم صراحة في اعتداءات قريش على المسلمين في الحروب التي دارت اَ
لمربين الطرفين ،فقدموا كّلدعم ومساندة للوثنيين والعمل لصالحهم ،كما اشتهروا بنقض العهود والمواثيق ،ا َ
الذي أّدى إلى وقوع مصادمات وحروب مستمرة بينهم و بين المسلمين ،نتج عنه إنهاء الوجود
===============
) ( 115
اليهودي في المدينة.
ن الفصل القادم يتناولها بالتفصيل. لخيرة والمرتبطة بإعتداءات قريش ،فإ ّ أّما المشكلة ا َ
لولى للهجرة إلى شهر صفر لّول من السنة ا َُ
وقد أقام النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في المدينة ،منذ ربيع ا َ
ل أسلم
لنصار إ ّ
لوس و الخزرج ،و لم يبق دار من دور ا َ من السنة الثانية .وأسلم في هذه الفترة من تبّقى من ا َ
ل أّنهم أسلموا بعد معركة بدر(1). أهُلها ،ماعدا بعض الفروع و العوائل مّمن بقوا على شركهم ،إ ّ
____________
. 1السيرة النبوية.50|1:
) ( 116
أحداث السنة الثانيةمن الهجرة
تمّيزت هذه الفترة بالستعراضات العسكرية ،و المناورات الحربية ،واستعراض القّوة ،التي أمر بها الرسول
)صلى ال عليه وآله وسلم( منذ الشهر الثامن من الهجرة حتى رمضان من السنة الثانية ،وهي أّول مناورات
عسكرية في تاريخ المسلمين.
لثر الكبير في حياة المسلمين وهما :واقعة بدر الكبرى ،وتغيير كما تميزت الفترة بحدثين عظيمين كان لهما ا َ
جهة القبلة.
وقد راج في كتابات المَوّرخين وكتاب السيرة ،مصطلح الغزوة،والسرّية .فالغزوة هي تلك العمليات العسكرية
التي كان يقودها النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" بنفسه .أّما السرّية فهي مجموعات عسكرية صغيرة يقودها
أحد قّواده ،دون أن يشترك فيها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( .
وقد أعد أّول لواء عسكري بقيادة "حمزة بن عبد المطلب" حيث سّيره النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( مع
ي قتال بينهم.
لحمر حيث تمر في طرقاته قوافل قريش التجارية .ولم يحدث أ ّ ثلثين فردًا إلى سواحل البحر ا َ
وبعث النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بسرية ُأخرى بقيادة "عبيدة بن
===============
) ( 117
ل لم يجر بين
ن قتا ً
لأّالحارث بن عبد المطلب" في ستين فردًا بهدف التعرض لقافلة قريش التجارية .إ ّ
لطراف. اَ
كما بعث سرية قادها "سعد بن أبي وقاص" لرصد تحركات قريش .أّما في شهر صفر من السنة 2هـ فقد أناب
لنصار لملحقة ركب قريش التجاري على المدينة "سعد بن عبادة" وقاد بنفسه مجموعة من المهاجرين وا َ
لبواء" ،ولكّنه رجع دون أن يلقى أحدًا منهم(1). واعتراضه ،حتى بلغ "ا َ
لّول من السنة نفسها مع 200فرد حتى وصل إلى "بواط" قرب ينبع ،ـ على بعد وخرج أيضًا في شهر ربيع ا َ
90كم من المدينة ـ ولكّنه لم يظفر بقافلة قريش بقيادة "ُأمّية بن خلف".
لولى لعتراض أكبر قافلة تجارية لقريش خارجة من مكة نحو الشام،بقيادة كما أّنه خرج في شهر جمادى ا َُ
ل أّنه لم يلتق بهم في "ذات العشيرة". "أبي سفيان" إ ّ
ل بن جحش" فقد بعثه الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في شهر رجب على رأس أفراد ،لملحقة أّما "عبد ا ّ
قافلة قريش التجارية ،فنزل نخلة ـ بين مكة والطائف ـ و تقابل مع قافلة قرشية بقيادة ـ "عمرو بن الحضرمي"
لضافة إلى القبض على أسيرين. فباغتهم المسلمون و قاتلوهم واستولوا على أموالهم با ِ
ن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( انزعج لحدوث القتال في شهر رجب الحرام ،وخاصة عندما استغلت لأّإّ
أطراف عّدة كاليهود وقريش هذه القضية للتشهير بالرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وإّنه استخدم الشهر
لموال. الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ ا َ
____________
. 1تاريخ الخميس.363|1:
===============
) ( 118
ل أنّ آية قرآنية نزلت فأبعدت تلك المخاوف ل بن جحش فعَلَته هذه .إ ّ
وكذلك المسلمون فقد عابوا على عبد ا ّ
والحيرة التي أصبح فيها المسلمون.
لسيران فلم يقبل النبي )صلى ال عليه وقد غنم المسلمون منها ،فكانت أّول غنيمة حصل عليها المسلمون ،وأّما ا َ
لسرى بين الطرفين).
ل بعد أن تطلق قريش سراح أسيرين مسلمين ،فتم تبادل ا َ وآله وسلم( إطلق سراحهما إ ّ
(1
وبذا فإن الهدف من تلك العمليات العسكرية الصغرى ،وإرسال القوات الصغيرة ،كان هو تحصيل وجمع
المعلومات عن العدو ورصد تحركاته وخططه ،وليس كما اّدعى المستشرقون ،إّنها لمصادرة أموال قريش
ل ،بينما كان يحرس ن السرايا لم يتعد عدد أفرادها عن الستين أو الثمانين رج ً والسيطرة عليها لتقوية نفسه .إذ أ ّ
لعداد لم ناَ
لّقوافل قريش أعداد أكبر من ذلك ،كما أّنالهدف منها لم يكن لمجّرد القتال وسفك الدماء أو النتقامَ ،
لجراء قتال أو حرب مع العدو.ويَوكد ذلك انزعاج النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من حدوث تكن كافية ِ
ل )صلى ال عليه وآله لّنه" :ما أمرهم رسول ا ّالقتال الذي جرى بين "ابن جحش" و بين أفراد من قريشَ ،
سسوا أخبار قريش"(2). وسلم( بالقتال في الشهر الحرام ول غير الشهر الحرام ،وإّنما أمرهم أن يتح ّ
لنصار ،وذلك أّنهم ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يستخدم في تلك الغزوات الصغرى أحدًا من ا َ كما أ ّ
بايعوه في "العقبة" على الدفاع عن المسلمين ،فالمعاهدة بينهم كانت دفاعية ،وقد تعهدوا بموجبها بالدفاع عن
النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إذا قصده عدو ،وبالرغم من ذلك ،فإّنه إذا خرج بنفسه قائدًا للعمليات ،فإّنه كان
لنصار.لخوة والوحدة بين المهاجرين وا َ لنصار ،تقوية لروابط ا ِ يأخذ معه جماعة من ا َ
____________
. 1المغازي13|1:؛ السيرة النبوية.603|1:
. 2المغازي.16|1:
===============
) ( 119
لما حدث بعد ذلك في ويَوكد ذلك إّنه )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يشركهم في عمليات قتالية هجومية ابتداء ،إ ّ
معركة بدر.
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( استهدف من تلك السرايا والعمليات العسكرية التفتيشية ،وعقد و هكذا فإ ّ
التفاقات و المعاهدات العسكرية مع القبائل المتواجدة على خطوط التجارة المكية ،هو إعلم قريش بقّوة
ن جميع طرق التجارة المكية أصبحت في متناول يده ،بحيث غدا في إمكانه أن يشل المسلمين عسكريًا ،وإ ّ
لقتصاد المكي وأمرًا حيويًا لهم،ولذا كان على ن التجارة كانت عمود ا ِإقتصاد مكة و يهدد خطوطهم ،خاصة أ ّ
لحوال الجديدة ،فتترك للمسلمين قريش في هذه الحالة أن تعيد النظر في مواقفها العدائية ،وحساباتها في ضوء ا َ
ل الحرام ،ونشر التوحيد في أنحاء الجزيرة العربية حرية الدعوة والعقيدة ،وتفتح لهم الطريق لزيارة بيت ا ّ
وخاصة الحجاز.
أّما الحدث الخر الهام في هذه الفترة فكان تحويل القبلة إلى الكعبة ،فقد تّم في الشهر 17من الهجرة ،أي في
شهر رجب ،حين أصبحت قبلة للمسلمين بمعنى اّنهم غدوا يتوجهون إلى المسجد الحرام أثناء الصلوات بدل بيت
المقدس ،فقد صّلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( 13عامًا في مّكة نحو بيت المقدس .ولّما زاد إيذاء
لسلم ،وقولهم" :أنت تابع لنا اليهود للرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بعد تنامي قّوة المسلمين وانتشار ا ِ
تصّلي إلى قبلتنا") (1فاغتّم
____________
. 1أو قولهم :مادرى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم .مجمع البيان.255|1:
===============
) ( 120
ل ،حتى نزلت الية:الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( لذلك وشق عليه ،فانتظر فرجًا و وحيًا من جانب ا ّ
ك ِقبَلًة َترضاها( (1).فكان تغيير القبلة واحدًا من مظاهر البتعاد عن
سماِء َفَلُنَوّليّن َ
ك ِفي ال ّ
جه َ
ب َو ْ
)َقْدَنْرى َتَقّل َ
اليهود و اجتنابهم ،كما أّناّتخاذ الكعبة قبلة ،كان من شأنه كسب رضا العرب واستمالة قلوبهم ،وترغيبهم في
لصنام ،وخاصة أّنالكعبة كانت موضع احترام العرب وتقديسهم منذ لسلم ،تمهيدًا لعتناق دين التوحيد ،ونبذ ا َ اِ
أن رفع النبي إبراهيم )عليه السلم( قواعدها.
وقد تّم التحويل خلل الركعة الثانية من صلة الظهر ،حين أخذ جبرائيل )عليه السلم( يد النبيص وأداره نحو
المسجد الحرام،فتبعه الرجال والنساء في المسجد ،فتوجه الرجال مكان النساء واتخذت النساء مكان الرجال(2).
.2معركة بدر
كان من أساليب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في الحروب ،جمع المعلومات حول استعدادات العدو ،ومدى
لهمية في المجال العسكري حتى تهّيئه و مكان تواجده و تمركزه ،ومعنويات أفراده ،وهي مسائل تحظى با َ
ن قافلة كبرى لقريشن المعلومات التي تجمعت لدى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( تَوكد أ ّ اليوم .وحيث إ ّ
ل أهل مّكة بأموالهم ،ويحمل بضائعها ألف بعير،وتقّيم بخمسين ألف دينار ،ويقودها أبو سفيان بن شارك فيها ك ّ
ن الوقت
ن أموال المسلمين كانت قد صودرت في مكة على أيدي قريش ،فإ ّ ل ،وحيث إ ّحرب ،في أربعين رج ً
كان مناسبًا للمسلمين لستعادة أموالهم ،بالحتفاظ بأموال قريش إلى أن يعيدوا إليهم أموالهم المصادرة ،وإ ّ
ل
فإّنهم يتصرفون في هذا المال كغنائم
____________
. 1البقرة.144:
لنوار.201|19 : . 2بحار ا َ
===============
) ( 121
حرب يقسمونها فيما بينهم.
ل ،كان منهم 82من المهاجرين ،و 170من ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خرج في 313رج ً ولذا فإ ّ
لوس ،في يوم الثنين الثامن من شهر رمضان ،قاصدًا تحقيق ذلك الهدف ،وعقد رايتين الخزرج،و 61من ا َ
لمام علي )عليه السلم( ،فوصل إلى "وادي لخرى وهي العقاب إلى ا ِ سلم إحداهما إلى مصعب بن عمير و ا َُ
ذفران"(1).
ونظرًا لتخوف أبي سفيان من التعرض لهجوم من جانب المسلمين ،فقد أرسل أحد رجاله إلى مّكة يستغيث بهم
لنصرته ،مّما دعا أهلها إلى الستعداد والتجّهز للخروج بقيادة رَوسائهم وعظمائهم .وكان ذلك مفاجأة للنبي
لموال
"صلى ال عليه وآله وسلم" الذي لم يعّد رجاله للحرب والمواجهة العسكرية ،بل لهجوم يحصل منه على ا َ
المصادرة .فعقد مجلسًا للشورى استطلع فيه آراء رجاله في النسحاب من الموقع إلى المدينة ،أو مجابهة العدو
القائم عسكريًا؟ فاّتفق الجميع على المواجهة بالسير لملقاة العدو رغم عددهم القليل ،فتحركوا نحو بدر(2).
لسلوب العسكري السليم عرف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( مكان العدو ،وعددهم وزعماءهم كما عرف وبا َُ
لصحابه" :هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلذ كبدها"(3). موعد وصولهم إلى ماء بدر .فقال َ
ن أبا سفيان علم بملحقة المسلمين له ومطاردتهم لقافلته،فابتعد عن بدر عند رجوعه من الشام واّتخذ جهة لأّ إّ
لفلت من يد محّمد )صلى ال عليه وآله وسلم( لحمر،وبعث أحدهم يخبر قريشًا بإمكانية ا ِ ساحل البحر ا َ
وأصحابه،ولك ّ
ن
____________
. 1كانت تمر به قافلة قريش التجارية ،ويقع على مرحلتين من بدر.
. 2المغازي للواقدي48|1:؛ السيرة النبوية.615|1:
. 3السيرة النبوية.617|1:
===============
) ( 122
ل ل نرجع حتى نرد بدرًا، ل :وا ّ
"أبا جهل" أصّر على مواصلة التقدم نحو يثرب وعدم الرجوع إلى مكة قائ ً
لباعر ـ و نطعم الطعام ونسقي الخمر ،وتعزف لنا القيان والمغنيات،وتسمع بنا جُزر ـ ا َ
فنقيم عليه ثلثًا ،فننحر ال ُ
العرب وبمسيرنا وجمعنا،فل يزالون يهابوننا أبدًا بعدها .وكان لكلماته أثرها في تشجيعهم على السير نحو
المدينة ،فنزلوا في بدر.
لسلمي فقد تقّدم الحباب بن المنذر باقتراح،على السير إلى أدنى ماء من القوم ،ودفن العين أّما في الجانب ا ِ
ل بالماء يستخدمونه للشرب ،كما اقترح سعد بن معاذ بناء برج عسكري يقود منه والبار ،وبناء حوض ُيم َ
لعداء.النبيالعمليات العسكرية ،ويشرف على سيرها،فيكون مأمنًا له من كيد ا َ
أّما قريش فقد تحركت باتجاه بدر صباح يوم 17من شهر رمضان ،فاستطلعوا أخبار المسلمين ،فعرفوا عددهم
ل أّنه حدث انقسام في الرأي بينهم ،حول الموقع ،حين دعا بعض زعمائهم إلى ترك الموقع والعودة وعدتهم .إ ّ
إلى مكة دون إجراء أي قتال أو إبداء أي عمل عدائي ضّد المسلمين ،كان من بينهم :عتبة بن ربيعة ،الذي طلب
ن أبا جهل تمّكن من تغيير الموقف لصالح الحرب فحّمسهم للقتال. لأّمنهم العودة إلى مّكة دون حرب ،إ ّ
وكان التقليد المّتبع عند العرب في الحروب ،أن ُيبدأ القتال بالمبارزات الفردية ،ثّمتقع بعدها الحملت الجماعية،
فدعا ثلثة من صناديد قريش ،المسلمين إلى المبارزة وهم :عتبة ،و شيبة ،وهما ابنا ربيعة بن عبد شمس،
لنصار هم :عوف و معاذ ابنا الحارث ،و عبد والوليد بن عتبة بن ربيعة ،فخرج إليهم من المسلمين ثلثة من ا َ
ن قريشًا رفضت منازلتهم وطلبت أفرادًا من مكة ،فأمر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لأّل بن رواحة .إ ّا ّ
عبيدة بن الحارث وحمزة و عليًا
===============
) ( 123
ي بارز الوليد ،ثّم اّتجه حمزة وعلي بعد الفراغ من قتل بالمبارزة .فبارز حمزة شيبة ،وبارز عبيدة عتبة ،وعل ّ
خصميهما إلى عتبة وقتله .وبعد هذه المبارزة بدأ الهجوُم العام وتزاحفوا،فعّدل النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
الصفوف ورجع إلى العريش ـ برج القيادة ـ فكان ينزل بين الحين والخر ويحرضهم على القتال والمقاومة ،فقد
كان لكلماته أثرها العميق في النفس ،والشوق إلى الجّنة بالشهادة.
ل ،بينما ُقتل من المشركين سبعون، ن المسلمين فقدوا 14رج ً لموال ،فإ ّ
لرواح وا َ أّما خسائر الحرب ،في ا َ
وُأسر منهم سبعون ،كان من أبرزهم :النضر بن الحارث ،عقبة بن أبي معيط ،وسهيل بن عمرو ،و العباس بن
عبد المطلب ،وأبو العاص بن الربيع ـ صهر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( .
وقد دفن شهداء بدر في جانب من أرض المعركة،ول تزال قبورهم موجودة ،أّما قتلى المشركين فأمر
ل" :يا أهل القليب ،بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، الرسولبإلقائهم في البئر ،ووقفص عليها فخاطب القتلى قائ ً
كذبتموني وصدقني الناس ،وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس ،ثّمقال :هل وجدتم ما
وعدكم رّبكم حّقا ،فإّني قد وجدت ما وعدني رّبي حّقا"(1).
سم الغنائم بينهم أثناء
ثّم صّلى العصر بالناس وغادر أرض المعركة ـ أرض بدر ـ قبل غروب الشمس،وق ّ
الطريق على قدم المساواة ومنح ذوي الشهداء أسهمًا منها ،كما وزع خمسها على المشاركين في المعركة ،فربما
لم تكن آية
____________
ن مسألة محادثة الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" مع . 1السيرة النبّوية639|1:؛ السيرة الحلبية .180|2:إ ّ
رَووس الشرك في البئر من مسّلمات التاريخ والحديث ،وقد أشار إليه كثير من المَوّرخين والمحّدثين،
أبرزهم:صحيح البخاري ج 5في معركة بدر ؛ صحيح مسلم ،8:كتاب الجنة؛ سنن النسائي ،4:باب أرواح
لنوار.346|19: لمام أحمد131|2:؛ المغازي112|1:؛ بحار ا َ المَومنين؛ مسند ا ِ
===============
) ( 124
الخمس قد نزلت بعد آنذاك ،أو فعل ذلك لمصلحة خاصة.
لسباب خاصة بهم منعتهم من الشتراك فيها ،أو لمهمات لشخاص لم يحضروا المعركةَ ، كما قرر أسهمًا َ
ل ابن رواحة ،وزيد بن حارثة ،إلى المدينة يبشرون أهلها خاصة ُأنيطوا بها في المدينة والطرقات .وبعث عبد ا ّ
ل أّنهما علما هناك بوفاة ابنة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( زوجة عثمان بن عفان ،فامتزجت بالنتصار ،إ ّ
لحزان ،في الوقت الذي تخوف فيه المشركون واليهود والمنافقون من النتصار الكبير من جانب لفراح با َاَ
آخر.
لّنه كان قد أسلم وكتم
ن ذلك كان أمرًا خاصًاَ ، أّما بالنسبة لشتراك العباس بن عبدالمطلب في المعركة ،فإ ّ
إسلمه مخافة قومه وكره خلفهم مثل أخيه أبي طالب ،فكان يساعد النبي ص ويخبره بمخططات العدو ونوايا
وتحركاته واستعدادته ،مثلما عمل في معركة ُأحد.
ل أّنأبا سفيان منعهم من النوح والبكاء علىوفي مكة ،تحولت بيوتها إلى مأتم كبير وناحت قريش على قتلها ،إ ّ
ي حرام حتى أغزو القتلى ،وحّثهم على الستعداد للثأر والنتقام من محمدوأصحابه ،فقال :الدهن والنساء عل ّ
محّمدا.
وقد ساعدت عوامل كثيرة في انتصارالمسلمين ببدر ،كان أهّمها:
لمر الواقع وتعاملوا من دون .1عدم معرفة المسلمين بما لدى المشركين من إمكانّيات بشرية و قتالية ،فواجهوا ا َ
أن يثبطهم شيء.
.2تقليل عد المسلمين في أعين المشركين ،وعدد المشركين في أعين المسلمين في أّول القتال ،و تكثير عدد
المسلمين في أعين الكّفار أثناء الحرب.
===============
) ( 125
لمور الغيبية ،مثل مساعدة المطر ونزوله في هذه الفترة ،ومساعدة الملئكة ،وتثبيت قلوب المَومنين .3ا َُ
لنفال وآلبواسطة هَولء الملئكة ،وإلقاء الرعب في قلوب الكّفار ،حيث تشير اليات القرآنية في سورة ا َ
ل ذلك.
عمران إلى ك ّ
نتائج وآثار معركة بدر
لسرى ،وذلك أعلن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قرارًا تاريخيًا بعد المعركة خاصًا بُأسلوب المعاملة مع ا َ
ن من عّلم منهم عشرة من الصبيان ،الكتابة والقراءة ،كان ذلك فداَوه ويخلى سبيله دون أن يَوخذ منه مال(1). بأ ّ
ن من دفع فدية قدرها 4000درهم إلى ألف ،خّلى سبيله ،و من كان فقيرًا ل مال له ،أفرج عنه دون فداء. وإ ّ
لسلم لينعموا في كنفه مع المسلمين. وإن الباب مفتوح أمامهم للدخول في ا ِ
لطلق سراحهم. ولقد أحدث هذا القرار رّد فعل كبير لدى عائلت مكة ،دفعهم إلى تقديم الفداء إلى المسلمين ِ
لسرى ،وهو زوج زينب ابنة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وكان "أبو العاص بن الربيع" من ضمن ا َ
التي تزّوجها في الجاهلية ،وثبت على دينه بعد إيمان بنات النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كّلهم ،فبعثت زينب
في فدائه بمال فيه قلدة كانت هدية ُأّمها السيدة خديجة"عليها السلم" لها ليلة زفافها ،فلّما رأى الرسول )صلى
ال عليه وآله وسلم( القلدة ،تذّكر زوجته الوفية وبكى بشدة ،مّما أثر في المسلمين فأطلقوا سراحه دون أخذ
الفدية .وأخذ )صلى ال عليه وآله وسلم( على أبي العاص الميثاق بأن يخّلي سبيل زينب ويبعثها إلى المدينة
لسلم فيما بعد. ففعل ،مع إعلنه ا ِ
لّمية ،وهي أعظم خطوة حضارية لسارى المتعلمين ،أّول عملية تعليمية لمكافحة ا َُ لولد من قبل ا َُ ويعتبر تعليم ا َ
وثقافية.
____________
. 1السيرة الحلبية.193|2:
===============
) ( 126
كما أّنه كان لنتصار المسلمين أثر كبير على المراكز السياسية المتناثرة في شبه الجزيرة العربية ،فكما كان له
أثره القوي على قريش وأهلها ،فإّنه هدد مراكز ُأخرى في المدينة وخارجها ،كاليهود الذين أبدوا تخوفهم من
لعمال العدوانية ضّد صة يهود بني قينقاع ،الذين بدأوا بتدبير المَوامرات،وممارسة ا َتطور قّوة المسلمين ،وخا ّ
لكاذيب وبث المعلومات المزيفة ،وإطلق الشعارات القبيحة لتحقيرهم المسلمين ،وإعلن الحرب الباردة بنشر ا َ
ل أّنهم بذلك ،كانوا قد أعلنوا نقضهم لمعاهدة التعايش السلمي التي وتخريب سمعتهم وإضعاف معنوياتهم .إ ّ
ن النبي
عقدها معهم الرسول الكريم )صلى ال عليه وآله وسلم( إبان قدومه إلى المدينة .وبالرغم من ذلك فإ ّ
لّ
ن ي عمل تخريبي أو سّيى ،وذلك َ )صلى ال عليه وآله وسلم( حاول النصيحة بأن يتعايشوا معهم دون إظهار أ ّ
لمن والستقرار في النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يكن يريد أن يرفع السلح ويحاربهم حتى يحافظ على ا َ
ل أّنهم أصروا على موقفهم العدائي، يثرب ،إذ لم يكن من المصلحة تفجير الموقف في هذه الفترة الحرجة ،إ ّ
دون أن يقتنعوا بالتغيير أو التخّلي عن مَوامراتهم ،مّما اضطر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى استخدام
ي على امرأة عربية في السلح والقوة في الفرصة المناسبة ،وقد حدثت تلك المناسبة ،عندما اعتدى يهود ٌ
ل مسلٌم ،فاجتمع عليه عدٌد من اليهود فقتلوه ،مّما اعتبر
السوق ،بإظهار عورتها والضحك عليها ،فقتله رج ٌ
لولى في إعلن الحرب عليهم .فسارعوا إلى حصونهم وقلعهم خوفًا من هجوم المسلمين،فحاصرهم الشرارة ا َُ
ل في قلوبهم الرعب ففقدوا القدرة على المقاومة، النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خمسة عشرة ليلة،قذف ا ّ
ونزلوا عند حكم النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وهو الجلء عن المدينة ،على أن يتركوا أسلحتهم وأموالهم
ودروعهم ،فخرجوا من المدينة إلى منطقة "أذرعات" في أطراف الشام(1).
____________
. 1المغازي177|1:؛ طبقات ابن سعد.28|2:
===============
) ( 127
واضطرت قريش في هذه السنة إلى أن تغّير طريقها التجاري إلى الشام ،خوفًا من تعرض المسلمين لهم ،فاتفقت
ل أّنالمسلمين علموا بذلك ،فأرسل الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( زيد بن على أن تتخذ طريق العراق ،إ ّ
لموال على المسلمين ،بعد فرار القوم.
حارثة في مائة نفر ،تمّكنوا من الستيلء على القافلة ،وتقسيم ا َ
لسلم ،اكتسب المشاركون فيها منزلة خاصة بين المسلمين، لهمية معركة بدر التي هي من المعارك الكبرى ل ِ وَ
فقد دعوا بالبدريين.
.3العملّيات العسكرّية الصغيرة
===============
) ( 128
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( تمّكن من السيطرة عليه بفعل معجزة إلهية،
لأّ
شجرة في وادي ذي أّمر ،إ ّ
فأسلم الرجل.
ن كونهم ذوي ثروة ومكانة تقّدم أشراف العرب للزواج من السّيدة فاطمة سّيدة النساء)عليها السلم( إذ تصّوروا أ ّ
اجتماعية مرموقة تَوهلهم لذلك ول ُيرد لهم طلب ،ولكّنهم أخطأوا في تصّورهم ،فلم يعلموا أّنزوج فاطمة)عليها
لخلص ،وليس المال والثروة والجاه .و لّما كان ليمان وا ِ
السلم( ل يكون إل كفَوها في التقوى والفضل وا ِ
لمام علي ناِلأّ ل و بسيطًا .إ ّ ن زواجها ليس سه ً
ل" فقد أدركوا أ ّطاب بقوله" :أمرها بيد ا ّالرسول ص يرد الخ ّ
ي إّنه قد
)عليه السلم( حينما تقّدم إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يخطبها وافق على طلبه وقال" :يا عل ّ
ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها ،فرأيت الكراهة في وجهها ،ولكن على رسلك حتى أخرج إليك".
ن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته ،وفضله وإسلمه، ل " :إ ّفدخل على السّيدة الزهراء)عليها السلم( قائ ً
وإّني قد سألت رّبي أن يزّوجك خير خلقه وأحّبهم إليه ،وقد ذكر من أمرك شيئًا ،فما ترين؟".
فسكتت السيدة فاطمة)عليها السلم( ولم ير الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" في وجهها كراهة ،فقال" :ا ّ
ل
أكبر ،سكوتها إقرارها"(1).
ل ،أمره النبي ص ببيع درعه لصرفه على نفقات الزواج ،وكان ي )عليه السلم( يملك ما ً لمام عل ّولما لم يكن ا ِ
ل ،وأطعم لمر في منزل أحد الصحابة بصورة مَوقتة ،وعمل فرحًا وزفافًا جمي ً مهرها 500درهم ،وسكن أّول ا َ
للمسلمين. فيه ك ّ
____________
لنوار.93|43:
. 1بحار ا َ
===============
) ( 129
لنصار أن ونقل ابن بابويه ،أّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين وا َ
ل.
يمضين في صحبة فاطمة )عليها السلم( وأن يفرحن ويرجزن ويكّبرن ويحمدن ول يقولن ما ل يرضي ا ّ
ثّمدعا لهما النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( " :الّلهّم إجمع شملهما ،وأّلف بين قلوبهما ،واجعلهما وذّريتهما من
ورثة جّنة النعيم ،وارزقهما ذّرية طاهرًة طّيبة مباركًة ،واجعل في ذّريتهما البركة ،واجعلهم أئّمة يهدون بأمرك
ي فأحّبهما ،واجعل عليهما منك حافظًا ،وإّني ُأعيذهما
إلى طاعتك ،ويأمرون بما يرضيك .الّلهّم إّنهما أحّبخلقك إل ّ
بك وذّريتهما من الشيطان الّرجيم"(1).
لولد والبنات وأطهرهم :الحسن والحسين لسلم وأكثرها خير وبركة ،إذ أنجبا أفضل ا َ فكانت أفضل زيجة في ا ِ
السبطان ،وزينب "عليهم السلم" التي اشتهرت في نصرة أخيها بكربلء.
لقلم المأجورة و ذوو النفوس الضعيفة والقلوب الحاقدة من أباطيل و تّرهات حول وجود سه أصحاب ا َ أّما ما د ّ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( لحاديث الكثيرة عن رسول ا ّ
خلف و تنازع بين الزوجين الطاهرين ،فتكّذبه ا َ
علّو شأنهما ،نقتطف منها ما يلي:
حول مكانتهما و ُ
ي".
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( من النساء فاطمة ومن الرجال عل ّ ب الناس إلى رسول ا ّـ "أح ّ
ـ "خير رجالكم علي بن أبي طالب ،وخير نسائكم فاطمة بنت محّمد"(2).
____________
لنوار96|43:ـ .114 . 1بحار ا َ
طلع ،راجع سيدالمرسلين 110|2:ـ .120
لّ . 2للمزيد من ا ِ
) ( 130
===============
) ( 131
الفصل السادس
===============
) ( 132
===============
) ( 133
أحداث السنة الثالثة من الهجرة
.1معركة ُأحد
لسلم.
وهي سنةالدفاع عن الحرية والكرامة ،وقد وقعت فيها معركة ُأحد التي تعّدمن أعظم المعارك في ا ِ
فقد قرر كّفار قريش إعلن الحرب على النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( على أن تتكّفل قريش نفقاتها ،فأعّدت
4آلف مقاتل ،إضافة إلى النساء اللئي هدفوا من اشتراكهن :تحريض الرجال على القتال ،والصمود وعدم
ن فرار الرجال يعني أسرهن ،فتصبح الغيرة والحمية سببًا للمقاومة الفرار ،وإشعال الحماس في النفوس ،وإ ّ
والصمود .كما اشترك في الجيش عدد من العبيد والرقيق طمعًا في العتق الذي وعدوا به متى ما نصروا
أسيادهم ،مثل وحشي الحبشي(1).
ل عن تلك الستعدادات ن العباس بن عبد المطلب الذي عاش بين قريش كاتمًا إيمانه ،كتب تقريرًا مفص ً لأّإّ
وأرسله مع رجل غفاري إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
____________
لنوار.96|20: . 1بحار ا َ
===============
) ( 134
لمر .ثّم عقد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في يوم الجمعة اجتماعًا عسكريًا للتشاور الذي أخبر أصحابه با َ
ل بن ُأبي بن سلول" ـ من منافقي المدينة ـ بالقتال مع القادة وأهل الخبرة في وسائل مواجهة العدو ،فأشار "عبد ا ّ
ن فتيان المسلمين شجبوا هذا الرأي لأّ داخل المدينة ،أي ل يخرج المسلمون منها بل يقاتلونهم حرب الشوارع .إ ّ
وأقروا الخروج من المدينة لملقاة العدو ،بعد أن أّيد الرأي السابق أكابر أصحاب الرسول )صلى ال عليه وآله
لنصار .وكان حمزة و سعد بن عبادة على رأس القائلين بلقاء العدو خارج المدينة ،فأّيد وسلم( من المهاجرين وا َ
ن محاصرة العدّو للمدينة وسيطرته على مداخلها وطرقاتها وسكوت لكثرية بالخروج للحرب ،إذ أ ّ النبيرأي ا َ
لسلم المجاهدين. لسلم على ذلك،من شأنه أن يقتل الروح القتالية والفروسية في أبناء ا ِ جنود ا ِ
وكان جيش الكّفار قد وصل أطراف المدينة ،حتى استقر قرب جبل ُأحد ،يوم الخميس ،الخامس من شهر شوال،
فاستعد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأن لبس لمته والدرع وتقّلد السيف واعتّم ،فخرج من بيته ،مّما آثار
المسلمين وهّزهم بشّدة حّتى تصّور بعضهم أّنهم قد أجبروه )صلى ال عليه وآله وسلم( على الخروج ،فطلبوا
ي فعل يقصده ،فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :ما ينبغي لنبي إذا لبس لمته أن منه المعذرة وإجراء أ ّ
يضعها حتى يقاتل" (1).ثّم صّلى الناس الجمعة ،وخرج على رأس ألف مقاتل قاصدًا ُأحد.
ي بنل بن ُأب ّ
وكان )صلى ال عليه وآله وسلم( قد رفض اشتراك جماعة من اليهود الذين تحالفوا مع "عبد ا ّ
جة أ ّ
ن لوس المتحالفين معه ،إلى المدينة ،بح ّ سلول" معهم ،فانعزل عن الجيش وعاد بثلث الناس كّلهم من ا َ
الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" أخذ برأي الفتية والشباب .ولذا لم يشترك اليهوُد والمنافقون في هذه الحرب.
____________
. 1السيرة النبوية23|2:؛ المغازي214|1:؛ طبقات ابن سعد.38|2:
===============
) ( 135
لسلمي أمام قوى الشرك المعتدية ،فجعل ظهره إلى جبل وفي يوم السبت 7من شهر شوال ،اصطف الجيش ا ِ
ل بن جبير" وطلب ُأحد كمانع طبيعي يحفظ الخلف ،ووضع جماعة من الرماة عند ثغرة في الجبل ،عليهم "عبد ا ّ
منهم اللتزام بالموقع" :إلزموا مكانكم ل تبرحوا منه إن كانت لنا أو علينا فل تفارقوا مكانكم".
لوامر النبي )صلى ال ن المسلمين انهزموا بعد انتصارهم في بداية المعركة نتيجة تجاهل هَولء الرماة َ لأّإّ
عليه وآله وسلم( حين أخلوا هذا الموقع الستراتيجي.
لمام علي )عليه السلم( جميعًا، وكانت قريش قد أعّدت تسعة رجال شجعان من بني الدار لحمل الراية ،قتلهم ا ِ
لّولية كانت هزيمة الكّفار مخّلفين وراءهم غنائم وأموا ً
ل ن النتيجة ا َ
كما قتل غلمهم حين برز أيضًا (1).وبذا فإ ّ
لسباب منها:كثيرة ،فانتصر المسلمون على عدّوهم القوي عددًا وعّدةَ ،
ل ،ونشر عقيدة التوحيد ،دون أن يهدفوا إلى مصلحة مادية. ـ أّنهم قاتلوا في مرضاة ا ّ
لسباب كان أهمها: ولكّنهم انهزموا بعد انتصارهم الساحق َ
ـ تغّير أهدافهم ،فقد اتجهت أنظارهم إلى الغنائم في أرض المعركة ،ونسوا أوامر النبي )صلى ال عليه وآله
سك بها مهما حدث .وخاصة ُأولئك الرماة الحامين ظهر المسلمين على جبل ُأحد ،حين وسلم( وتعاليمه بالتم ّ
ل العدو،
تركوا مواقعهم ونزلوا إلى الساحة يريدون جمع الغنائم قائلين" :وِلَم نقيم هنا من غير شيء وقد هزم ا ّ
لمر الذي استغله "خالد بن الوليد" الذي كان آنذاك مع المشركين و كان فلنذهب ونغنم مع إخواننا" .وهو ا َ
صد خلّو الثغرة من الرماة ،فقتل يتر ّ
____________
لنوار.81|20: . 1بحار ا َ
===============
) ( 136
سيى والذين انشغلوا بجمع باقي الرماة وكانوا عشرة من خمسين ،ثّم هاجم المسلمين الغافلين عن الوضع ال ّ
ل منهم سبعون ل ضاريًا ،حتى ُقِت َ الغنائم ،فتفرقت جموعهم ،و اجتمع جنود قريش الهاربون فقاتلوا المسلمين قتا ً
ن أّنه الرسول
لسلم " :مصعب بن عمير" ظ ّ ل .وعندما قتل أحد أبطال المشركين من قريش ،حامل لواء ا ِ رج ً
)صلى ال عليه وآله وسلم( فصاح :قتلت محمدًا .فانتشر الخبر بين المسلمين وقريش الذين سّروا بذلك فصاحوا:
أل قد قتل محمد .فاضطر المسلمون ـ بعد انفراط القيادة ،وإشاعة الفوضى والهرج والمرج في الجيش ـ إلى أن
ل منهم.لعددا قلي ً
يهرب معظمهم إلى الجبل تاركين أرض المعركة ،إ ّ
وكان خمسة من صناديد قريش قد تعاهدوا على أن يضعوا نهاية لحياة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( مهما
لمر ،وهم:كّلفهم ا َ
ل بن شهاب ،الذي جرح جبهة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( . .1عبد ا ّ
.2عتبة بن أبي وقاص ،الذي رمى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأحجار فكسر رباعيته.
.3ابن قميئة الليثي ،الذي رمى وجنتي الرسول وجرحهما.
لسلم. ل بن حميد ،الذي حمل على النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقتله أبو دجانة بطل ا ِ .4عبد ا ّ
ُ.5أبي بن خلف ،الذي قتله الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بيده عندما حمل عليه.
وقد دّلت مواقف الرسول الكريم )صلى ال عليه وآله وسلم( في هذه المعركة وغيرها على شجاعته وقّوته ،وقد
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( فلم ل" :كّنا إذا احمّر البأس ،اّتقينا برسول ا ّ
لمام علي )عليه السلم( قائ ًأكدها ا ِ
يكن أحد أقرب مّنا إلى العدو منه"(1).
____________
. 1شرح نهج البلغة ،فصل في غريب كلمه ،رقم .9
===============
) ( 137
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( في هذه الحرب بل وفي عامة الحروب تعود في ن سلمة النبي ا َ ومن هنا فإ ّ
أكثر أسبابها إلى:
ـ حسن دفاعه عن دينه وعن نفسه ،وإلى شجاعته وبأسه في المعارك ،إضافة إلى تضحية تلك القلة من أصحابه
لوفياء الذين بذلوا غاية جهدهم للحفاظ على حياته وسلمتهواشتهر من هَولء: اَ
لمام علي )عليه السلم( الذي بلغ 26عامًا من عمره ،حيث قتل 12من رجال قريش ،والباقي وهم عشرة .1ا ِ
ل ذو الفقار.
ي ول سيف إ ّ ل عل ّ لرض يقول :ل فتى إ ّ قتلهم باقي المسلمين .وهنا سمع هتاف بين السماء وا َ
.2أبو دجانة ،الذي جعل من نفسه ترسًا يقي النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" من سيوف الكّفار.
.3حمزة بن عبد المطلب ،الذي دأب على حماية الرسول ص من أذى المشركين دائمًا في الظروف القاسية ،إ ّ
ل
ن وحشي العبد قتله في هذه المعركة. أّ
ُ .4أّم عمارة ،نسيبة المازنية ،وقد باشرت القتال وذبت عن الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بالسيف ،ورمت
جِرحت .وقد ُأعجب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بشجاعتها فأشاد بموقفها يوم ُأحد" :لمقام بالقوس حتى ُ
نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلن و فلن" فطلبت منه )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يدعو لها بالجنة فقال
ل ،الّلهّم اجعلهم رفقائي في الجنة". ل عليكم من أهل بيت رحمكم ا ّ )صلى ال عليه وآله وسلم( " :بارك ا ّ
ن آلهتهم أعظم من إله المسلمين، لعلم المزيف في ذلك ،بأ ّ وقد استغل أبو سفيان وقريش انتصارهم فاعتمدوا ا ِ
ن الحملة النفسية والحرب الباردة يمكنها أن تحطم إيمان المسلمين. قاصدًا من ذلك التأثير النفسي ،فقد رأى أ ّ
أّما هند زوجة أبي سفيان ،فقد مثلت مع بعض النساء بجثث المسلمين ،من
===============
) ( 138
لرجل والمذاكير ،نكاية بالمسلمين وإطفاًء للحقد لصابع وا َ لنوف وجدع الذان وسمل العيون وقطع ا َ قطع ا َ
الدفين .وقد بقرت هند صدر حمزة وأخرجت كبده ولكته بين أسنانها ،دون أن تستطيع أكله فُعرفت بآكلة
لكباد.لكباد ،كما عرف أبناَوها فيما بعد ببني آكلة ا َ اَ
ي من هذا". ت موقفًا قط أغيظ إل ّ وقال الرسولص عندما شاهد عّمه حمزة" :ما َوقف ُ
وهكذا غادر كّفار قريش أرض المعركة إلى مكة ،أّما المسلمون ،فبعد أن صّلى بهم النبي )صلى ال عليه وآله
وسلم( الظهر والعصر ،دفنوا الشهداء واحدًا واحدًا أو اثنين اثنين ،عند جبل ُأحد(1).
أّما الشهداء فكانوا ما بين 70أو 81مسلمًا على روايات مختلفة ،ولم يتجاوز عدد قتلى قريش 22فردًا ،وأّما
لمام علي ص حينما رجع إلى المدينة. النبي ص فقد عالجته السيدة فاطمة "عليها السلم" وا ِ
لسد
غزوة حمراء ا َ
لسد" (2).ذلك أنّلحداث استمرت إلى يوم الجمعة حيث غزوة "حمراء ا َ ناَن الوضع لم يستقر ،بل أ ّ لأّإّ
ل بن ُأبي" استغلوا الوضع الخطير الذي أصبح فيه المسلمون ،وكانوا قد سّروا لما اليهود والمنافقين أتباع "عبد ا ّ
أصابهم ،ووجدوا البيوت حزينة يسمع منها أنين الجرحى والبكاء على الموتى والشهداء .ولما كان
____________
لنوار.131|20: . 1السيرة النبوية98|2:؛ بحار ا َ
. 2تبعد عن المدينة ثمانية أميال.
===============
) ( 139
ن انهيار الوحدة والنسحاب في هذه الجبهة أخطر هناك خوف أن يَوّدي ذلك إلى ضعف الجبهة الداخلية ،إذ أ ّ
بكثير من تعرض البلد لهجوم خارجي .ولذا فقد أمر )صلى ال عليه وآله وسلم( بملحقة العدو في نفس هذه
ن ما أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم (1).فخرج الليلة حتى يرهب العدو ويبلغه قوة المسلمين واتحادهم وأ ّ
لسد" مخلفًا على المدينة:ابن ُأّم مكتوم.
الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بأصحابه إلى "حمراء ا َ
وقد استطاع "معبد بن أبي معبد الخزاعي" رئيس بني خزاعة ،الذي ارتبط بعلقات ودية طيبة مع
الرسولوالمسلمين بالرغم من كفره وشركه ،من أن يخّوف أبا سفيان ويرعبه بما ذكره له عن قّوة المسلمين،
وأعدادهم وملحقتهم لقريش ،مّما دعاه إلى النصراف عن مهاجمة المدينة مّرة ُأخرى.
وفي هذه السنة )3هـ( ،أيضًا بعث الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أيضًا السرايا ،واشتهرت منها :سرية
لشرف لنتصار المسلمين في بدر ،وحاول إثارة قريش عليهم ،فبدأ محمد بن مسلمة ،عندما انزعج كعب بن ا َ
بإيذاء نساء المسلمين ،مّما جعل الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( يقرر التخّلص منه ،فأرسل إليه محّمد بن
مسلمة ،الذي أعّد خطة محكمة للقضاء عليه ،فقتلوه بمساعدة أخيه بالرضاعة "أبونائلة" .كما تخّلصوا من مفسد
لشرف في إيذاء الرسول آخر هو":أبو رافع سلم بن أبي الحقيق اليهودي" الذي قام بنفس دور كعب بن ا َ
والمسلمين.
لمام الحسن )عليه السلم( في 15من شهر رمضان. وفي هذه السنة ،ولد السبط ا ِ
____________
. 1مجمع البيان.235|2:
===============
) ( 140
أحداث السنة الرابعة من الهجرة
ن المنافقين واليهود
بالرغم من إظهار المسلمين قوتهم ،ومطاردتهم للعدو ومنعهم من مهاجمة المدينة ،فإ ّ
لسلم والمسلمين ،وجهزوا العّدة لمحاربتهم،مثل قبيلة "بني أسد" التي والمشركين أعّدوا المَوامرات ضّد ا ِ
أرادت الهجوم على المدينة لنهبها ،فأرسل الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( 150فردًا بقيادة أبي مسلمة الذي
تمكن من القضاء عليهم والتخّلص منهم.
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان يرسل الدعاة و المبلغين من قّراء القرآن الكريم، ومن المعروف أ ّ
لحكام إلى الناس في المناطق البعيدة لسلمية والتعاليم النبوية ،لينقلوا تلك التعاليم وا َ
لحكام ا ِوالمسلمين با َ
لماكن النائية ،كما كان يبعث من جانب آخر ،السرايا والمجموعات العسكرية للقضاء على محاولت التمرد وا َ
لسلم وإرساء لمان ،الدعوة إلى ا ِ لمن والحرية وا َ والمَوامرات ،ليتسّنى لهَولء المبلغين والدعاة في ضوء ا َ
ن بعض القبائل ل أّنه كان يحدث أ ّ لفكار وإيقاظ العقول .إ ّ لسلمية في القلوب ،وتنوير ا َ دعائم الحكومة ا ِ
المتوحشة والمتخلفة فكريًا وأخلقيًا كانت تعتدي على هَولء المبلغين وتقتلهم
===============
) ( 141
بصورة مفجعة مأساوية (1).مثلما قامت به جماعة من قبيلة "عضل والقارة" الذين طلبوا القّراء من الرسول
)صلى ال عليه وآله وسلم( وغدروا بهم أثناء الطريق إلى مكان سكنهم .ومن قبلهم طلب أبو براء العامري في
لسلم مع ل إلى نجد يدعوهم ل ِ شهر صفر من هذه السنة ،من الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يبعث رجا ً
أّنه لم يسلم ،فقال الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :إّني أخشى عليهم أهل نجد" .ولكن أبا براء أعلن عن
ل من
لجارتهم وضمان أمنهم فقال :أنا لهم جار .فبعث النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أربعين رج ً استعداده ِ
لسلم بقيادة "المنذر بن عمرو" و معه كتاب إلى "عامر بن الطفيل" أصحابه الخيار من حفظة القرآن و أحكام ا ِ
ل أّنهم رفضوا أحد زعماء نجد ،الذي قرر الغدر بهم ،فقتل رسول المنذر ،وطلب من بني عامر قتل المبّلغين ،إ ّ
ن لهم عقدًا وجوارًا مع أبي براء .فاستصرخ عليهم قبائل"بني سليم" الذين أجابوه ،فأحاطوا بالدعاة على أساس أ ّ
وقاتلوهم حتى قتلوهم عن آخرهم بعد أن قاوموا بقّوة وبسالة عظيمة .وتسّمى هذه الحادثة بجريمة بئر معونة،
ن تلك
التي لم ينسها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فكان يذكر شهداءها فترة من الزمان) (2كما أ ّ
لسى في نفوس المسلمين. الحادثتان :الرجيع وبئر معونة ،تركتا آثارًا سيئة،وخلفتا موجة من الحزن وا َ
لقد طلب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من يهود بني النضير المساهمة في دفع دية اثنين قتل خطأ ،بموجب
التفاقية المعقودة بين الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" واليهود ،والتي تقضي بالتعاون فيما بينهم في تسديد
الدية ،إ ّ
ل
____________
. 1السيرة النبوية169|2:؛ طبقات ابن سعد.55|2:
لسماع.170|1: . 2السيرة النبوية183|2:؛ إمتاع ا َ
===============
) ( 142
أّنهم أضمروا له الشر ،حينما سار إليهم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في عدد قليل من أصحابه ،وقصدوا
قتله غدرًا ،وذلك بإلقاء صخرة عليه من فوق البيت الذي أستند الرسول ص إلى جداره ،ولكّنه )صلى ال عليه
وآله وسلم( علم بمَوامراتهم سواء من تحركاتهم المشبوهة ،أو بخبر جاء من السماء ،فترك المكان مسرعًا
ل دون جدوى .وقد أخبرهم عند عودتهم بالعودة إلى المدينة ،دون أن يخبر أصحابه الذين انتظروه طوي ً
ل بذلك فقمت"(1). بالسبب":همت اليهود بالغدر بي فأخبرني ا ّ
لعداد لحربهم ،وبعث رسالة إليهم مع "محّمد بن وردًا على الموقف الغادر لليهود ،فقد أمر الرسوللمسلمين با ِ
مسلمة" يبلغ فيها سادتهم" :قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي .أخرجوا من بلدي ،فقد
جلتكم عشرًا ،فمن ُرئي بعد ذلك ضربت عنقه". أّ
وكان حكم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( هذا مطابقًا لما جاء في الميثاق الذي عقد بينهم عند دخوله
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" ول على أحد أصحابه بلسان ول يد ول بسلح ل يعينوا على رسول ا ّ المدينة" :أ ّ
ل من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ل في ح ّل بذلك عليهم شهيد .فإن فعلوا فرسول ا ّ في السر والعلنية ،وا ّ
ي" اّتصلوا ببني النضير يعرضون عليهم المساعدة ل بن ُأب ّ
ل أّنالمنافقين برئاسة "عبد ا ّ
ونسائهم وأخذ أموالهم" .إ ّ
والتعاون ،بعدم تنفيذ أوامر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بالخروج من المدينة ،مّما دفعهم إلى اللجوء إلى
لعداد للحرب ومقاومة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( حتى ل يسيطر المسلمون على ديارهم حصونهم ،وا ِ
وبساتينهم وممتلكاتهم ،وأرسل "حيي بن أخطب" إلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( :إّنا ل نبرح من دارنا
لأن خرج إليهم ،بعد أن استخلف وأموالنا فاصنع ما أنت صانع؛ فما كان من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إ ّ
على المدينة "ابن ُأّم مكتوم" وسار لمحاصرة بني النضير،
____________
لسماع.178|1: . 1طبقات ابن سعد57|2:؛ إمتاع ا َ
===============
) ( 143
لخرى .وأمر الرسول )صلى فاستمر الحصار ست ليال على رواية ابن هشام ،أو 15يومًا حسب الروايات ا َُ
ال عليه وآله وسلم( بقطع النخيل المحيطة بحصونهم ،وإلقاء النار عليهم ،حتى يكرهوا البقاء في تلك الديار بعد
إعدام بساتينهم.
فدفعهم ذلك فعليًا إلى الرضوخ لمطالب الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بالجلء عن موطنهم ،على أن
تحمل إبلهم ما لهم من مال دون أن يأخذوا السلح والدروع ،فرضى النبي ص بذلك ،فخرج جماعة منهم إلى
ن المسلمين غنموها دون قتال ـ و هو الفيء ـ فاّنه يعود أمره
خيبر وُأخرى إلى الشام .أّما تقسيم أموالهم فحيث إ ّ
لسلم ،وقد إلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( خاصة يضعه حيث يشاء ويصرفه فيما يرى من مصالح ا ِ
لنصار ،وذلك لما حرموا من ممتلكاتهم فعل النبي ذلك وقسم المزارع والبساتين على المهاجرين فقط دون ا َ
وثرواتهم في مكة ،وقد أيده في ذلك :سعد بن عبادة و سعد بن معاذ(1).
لّول 4هـ وأوردتها سورة الحشر في القرآن الكريم.وقد جرت هذه الحادثة في ربيع ا َ
===============
) ( 144
ل أّنهم تخوفوا من مواجهة المسلمين ،وذلك من أظهر الصور لحكمة النبي )صلى ال عليه وآله في هذه السنة ،إ ّ
لعداء.
ي في نفوس ا َ
وسلم( في إجراءاته العسكرية ،فقد أظهر قوته وعزيمته أمامهم ،مّما كان له أثره القو ّ
.4تحريم الخمر
و قد حّرمت في أربع مراحل تدريجية ضمن آيات أربع أظهرت الستياء من الخمر ،فبدأت من مرحلة مخففة
لربع منعت من الخمر ،بعد أن وصفتها بالرجس لعلن عن التحريم القطعي .فاليات ا َ حتى انتهت إلى مرحلة ا ِ
وإّنها نظير الميسر واّنها عمل شيطاني ،مناقض للفلح ومسبب للعداوة والبغضاء ،وبذا فقد استطاع النبي
)صلى ال عليه وآله وسلم( بهذه اليات أن يطهر مجتمعه من أدرانهذه العادة الشريرة التي انتشرت في البيئة
ن معالجتها كانت تحتاج إلى وقت طويل وُأسلوب بقوة ،وكانت آفة متفشية ومتجذرة في المجتمع ،بحيث إ ّ
مدروس ،وقد تحتم أن يعاَلج هذا الوباء الجتماعي من خلل إعداد الناس لمرحلة التحريم النهائي والقطعي
تمامًا ،كما يفعل الطبيب للمرضى الذين يطول بهم المرض ولذا فإّنها حرمت في أربع مراحل.
لمام الحسين )عليه السلم( في 3 لصغر للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أي ا ِ و في هذه السنة ولد السبط ا َ
شعبان.
لمام علي )عليه السلم( .
كما توفيت السيدة فاطمة بنت أسد ُأّم ا ِ
وأمر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( زيد بن حارثة أن يتعلم السريانية من اليهود(1).
____________
. 1إمتاع السماع187|1 :؛ تاريخ الخميس.464|1:
) ( 145
الفصل السابع
.1أحداث السنة الخامسة من الهجرة
لحزاب
ـ غزوة دومة الجندل ـ غزوة ا َ
ـ غزوة بني قريظة ـ زواج الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بزينب بنت جحش
===============
) ( 146
===============
) ( 147
لحزاب
.2غزوة ا َ
بعد أن أجلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( يهود بني النضير عن المدينة ،قرر زعماَوهم إجراء أعمال
عدائية ضّد المسلمين وذلك بالتآمر عليهم ،فقدموا مّكة ليحرضوا قريشًا على حرب المسلمين بقولهم :إّنا سنكون
ن محّمدا قد وتركم ووترنا وأجلنا عنمعكم عليه حتى نستأصله ،فلقد جئنا لنحالفكم على عداوة محّمد وقتاله ،إ ّ
المدينة من ديارنا وأموالنا .كما أّنهم استخدموا اسلوبهم
____________
. 1منطقة بين دمشق و المدينة؛ طبقات ابن سعد.44|2 :
===============
) ( 148
ن ما عليه المشركون خيٌر من دين محّمد، الملتوي حتى يَوثروا في قريش ويجذبونهم لجانبهم ،فأقّروا لهم بأ ّ
لصنام ،فكانت هذه وصمة عار ُأضيفت إلى سجّلهم وتاريخهم بالرغم من أّنهم موحدون وقريش كّفار يعبدون ا َ
المشَووم.
وبذا فإّنهم شّكلوا اتحادًا ـ العرب واليهود ـ كما شاركتهم أحزاب ُأخرى ،من بعض القبائل العربية في شبه
لحزاب ،أو معركة الجزيرة العربية ،وهي غطفان في نجد ،وبنو سليم وبنو أسد وغيرها،ولذا سميت بمعركة ا َ
الخندق ،لما قام به المسلمون من حفر خندق حول المدينة للدفاع عنها.
وحينما جاء أحد رجال استخبارات النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأخبار خروج تلك القوة الكبيرة ،شاور
)صلى ال عليه وآله وسلم( المسلمين في أساليب الحرب والدفاع ،فافترح سلمان الفارسي حفر خندق حول
المدينة ،حتى يمكن تحديد الموقع الذي سيحاربون فيه العدو ،فشرعوا في حفره واشترك النبي )صلى ال عليه
وآله وسلم( بنفسه في أعمال الحفر مشاركًا للمسلمين همومهم وآلمهم ،كما كان له دوره المَوثر في تنشيط
الخرين ودفعهم للعمل السريع والجتهاد فيه والتدقيق .ووصل طول الخندق نحو خمسة كيلومترات ونصف
الكيلومتر) 5و 5كم( ،والعرض بمقدار خمسة أمتار ،والعمق أيضًا خمسة أمتار ،بحيث ل يتمكن الفارس الماهر
من عبوره بالقفز عليه .وانتهي من العمل فيه في ستة أّيام .وفي هذه الفترة قال الرسول )صلى ال عليه وآله
وسلم( في شأن سلمان" :سلمان مّنا أهل البيت"(1).
وقام العدو بحصار المدينة شهرًا ،وبلغ عدد جيش المشركين ،عشرة آلف فرد ،كان منهم أربعة آلف من
قريش ،و 700من بني سليم ،و 1000من قبيلة
____________
. 1المغازي446|2:؛ الكامل في التاريخ.122|2:
===============
) ( 149
فزارة ،و 3500مقاتل من بقية القبائل .أّما عدد المسلمين فلم يتجاوز 3آلف نزلوا في سفح جبل سلع في
موضع مرتفع ومشرف على الخندق ،يمكن منه مراقبة تحركات العدو ونشاطاته.
ن ذلك دفع المشركين إلى الّتصال ل ،وطالت فترة الحصار ـ شهر ـ فإ ّ ولما كان الموسم موسم شتاء ،والطعام قلي ً
بيهود بني قريظة الذين كانوا يعيشون داخل المدينة لمساندتهم ،بالرغم من أّنهم احترموا الميثاق الذي عقدوه مع
لحزاب في حرب المسلمين. ن "حيي بن أخطب" تمكن من إقناعهم بنقض ذلك العقد للوقوف مع ا َ لأّ
الرسول ّ
لوس والخزرج من وقد تأكد رسول النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( :سعد بن عبادة و سعد بن معاذ رئيسا ا َ
مَوامرة بني قريظة ونقضهم للعهد ،عندما توجها إلى حصونهم ،فأخبرا النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بذلك.
لغارة على أهل المدينة في الداخل ،ويرعبوا أهلها ليخفف وكانت خطتهم التآمرية تقضى بأن يقوم بنو قريظة با ِ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أرسل لأّ
ذلك من الضغط على الكّفار في موقع المعركة عند الخندق .إ ّ
لعداء. 500من رجاله بقيادة "زيد بن حارثة و مسلمة بن أسلم" لحراسة المدينة من ا َ
وأّما في ميدان المعركة ،فقد تمكن خمسة من شجعان المشركين من عبور الخندق وعلى رأسهم "عمرو بن عبد
ود العامري" فطلبوا المبارزة مع أبطال المسلمين .فقال الرسول ص" :أّيكم يبرز إلى عمرو أضمن له الجنة؟".
ن على رَووسهم الطير، ل" ،والقوم ناكسوا رَووسهم ،وكأ ّ ل" :أنا له يا رسول ا ّلمام علي )عليه السلم( قائ ً
فقام ا ِ
وذلك لمكان عمرو وشجاعته المعروفة(1).
____________
. 1المغازي.470|2:
===============
) ( 150
ليما ُ
ن لمام علي )عليه السلم( وقال النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" هنا كلمته الخالدةَ" :بَرَز ا ِ وبذا فقد برز ا ِ
لمام علي )عليه السلم( من التخلص من عمرو والقضاء عليه حين ضربه ضربة ُكّله إلى الشرك كّله" .وتمّكن ا ِ
لمام علي )عليه السلم( يعلن انتصاره ومقتل عمرو ،مّما كان له أثره في قوية على ساقيه فقطعهما ،فكّبر ا ِ
العدو ،فألقى الرعب في نفوسهم ،فهربوا إلى معسكرهم تاركين الخندق ،وسقط أحدهم بفرسه في الخندق وهو:
لمام علي "عليه ل" فرماه الحرس بالحجارة ،مّما جعله يطلب مقاتلة أحد المسلمين ،فنزل إليه ا ِ "نوفل بن عبد ا ّ
السلم" فقاتله وقضى عليه في الخندق(1).
لمام علي )عليه السلم( المَوثرة ذات النتيجة والفعالية ،فقد قال عنها النبي )صلى ال عليه وآله ونظرًا لضربة ا ِ
لودخله ذل بقتل وسلم( " :ضربة علّييوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين" إذ لم يبق بيت من بيوت المشركين إ ّ
عمرو بن عبد ود ،على عكس ما حدث لبيوت المسلمين ،فقد دخله بذلك العّز والفتخار ،فالضربة كانت في
لضافة إلى الظروف السائدة ،من قّلة الطعام والعلف لحزاب ونهاية لقوتهم ،با ِ الواقع هزيمة للمشركين وا َ
والبرد.
لحزاب
عوامل تفّرق ا َ
.1اختلف قبائل غطفان و فزارة مع قريش و تخاذلهم في الهجوم ،وخاصة عندما اتصل بهم النبي )صلى ال
عليه وآله وسلم( للّتفاق على عودتهم وتراجعهم في مقابل مساعدتهم ماديًا.
لكبر عمرو بن عبدود الذي عّلقوا عليه المال في النتصار. .2مصرع فارسهم ا َ
____________
لنوار256|20 :؛ تاريخ الطبري.240|2 :
. 1بحار ا َ
===============
) ( 151
لسلم و إيقاع الخلف بينهم ،وكان قد أسلم حديثًا ،فقد تمكن بدهائه .3دور "نعيم بن مسعود" في تفرقة أعداء ا ِ
لحزاب ،حيث أقنع اليهود بأن يأخذوا رهائن من العرب ليكونوا من التفرقة بين يهود بني قريظة وجيش ا َ
ضمانًا في مقابل تعاون اليهود مع المشركين قائلين" :حتى نناجز محمدًا ،فإّننا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد
عليكم القتال أن تسرعوا إلى بلدكم وتتركونا ،والرجل في بلدنا ول طاقة لنا بذلك منه" وفي نفس الوقت طلب
من قريش عدم إعطاء اليهود أحدًا من رجالهم إذا طلبوا منهم ذلك ،فإّنهم سيرسلونهم إلى النبيليقتلهم.
لطراف المتحالفة تأكدت من النوايا السيئة فانسحبت بنو ناَ لمر كما رسمه "ابن مسعود"إذ أ ّ وهكذا فقد جرى ا َ
قريظة ،وتفرق الشمل ورجع الكّفار خائبين.
ل عليهم فجأة ،العاصفة والريح واشتد البرد ،فقلعت خيامهم وأطفأت أضواءهم، .4عامل إلهي ،حين بعث ا ّ
فصاح بهم أبو سفيان :ارتحلوا فإّني مرتحل.
لحزاب 9ـ وقد سجل القرآن الكريم وقائع هذه المعركة وأشار إلى أبرز النقاط فيها ضمن 17آية من سورة ا َ
.25
وقسمت اليات الموضوع إلى ثلثة أقسام:
.1آيات ترسم الوضع العام للمسلمين.
.2آيات تتعرض لموقف المنافقين.
.3آيات تبين موقف المَومنين الصادقين.
ل بالمَومنين وحمايتهم من أعدائهم الكافرين ،كما فهي تَوكد دور عناية ا ّ
===============
) ( 152
لعداء لهم من كّلجهة ،مّما ألقى الرعب في قلوب اليهود من أّنها تشرح الحالة العسكرية للمسلمين ،من حصار ا َ
لفراد. للقاء روح الهزيمة بين ا َ أهل المدينة ،وما أظهره المنافقون من إشاعات وتشكيكات بالوضعِ ،
وبالتالي فهذه الواقعة التي انتهت في 24من شهر ذي القعدة ،كانت امتحانًا اختبارًا دقيقًا للنفوس والقلوب،
ل صادقة ومحّققة ن وعود ا ّ مّيزت الصادق عن المنافق ،والموفون بالعهد و عن الناقضين له ،كما كشفت عن أ ّ
متى توفرت شرائطها ومقدماتها ،كما أّنهاأشارت إلى دور الطابور الخامس في إضعاف الجبهات ،وأساليب
مواجهتها.
قرر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( معالجة قضية بني قريظة بعد المعركة دون انتظار ،وذلك بأمر من ا ّ
ل
لبواب .ولما كان اليوم ـ السبت ـ فإّنهم
تعالى .فسار مع المسلمين ليحاصر حصونهم التي تحصنوا بها وأغلقوا ا َ
ن وفدًا منهم طلب من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يتركهم يخرجوا لم يبتغوا القتال فيه أو الحرب .ثّم إ ّ
من المدينة بأموالهم مثلما فعل مع بني النضير ،أو يتركوا سلحهم وأموالهم ،فرفض النبي )صلى ال عليه وآله
وسلم( مقترحاتهم ومطالبهم حتى ل يفعلوا فعَلبني النضير في تحريك العرب المشركين ضد المسلمين،ولذا فقد
سّلموا أنفسهم للمسلمين دون أّية شروط ،فدخل المسلمون الحصن وجردوهم من سلحهم وحبسوهم حتى يتقرر
لوسي حليفهم .وفي المجلس الذي أعّد لذلك ،حكم سعد عليهم بقتل مصيُرهم ،أو يحكم فيهم سعد بن معاذ ا َ
للحاح عليه بحسن الحكم في الرجال ،وتقسيم أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم ،رغم ا ِ
===============
) ( 153
حلفائه بني قريظة(1).
وقد استند في حكمه إلى:
ن يهود بني قريظة كانوا قد تعهدوا للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأّنهم لو تآمروا ضّد المسلمين أ :أ ّ
ق في قتلهم ومصادرة أموالهم وسبي نسائهم. ن للمسلمين الح ّ وناصروا أعداءهم أو أثاروا الفتن والقلقل ،فإ ّ
ن حكمه جاء بمثل ما في شريعتهم. ب :وأ ّ
ج :ما قد رآه بعينه مّما صدر قبل ذلك من قبائل اليهود حين عفا عنهم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ولكّنهم
لمر لجانب عليهم واشتركوا مع المشركين ضّدهم ،ا َ نقضوا عهودهم معه "صلى ال عليه وآله وسلم" وأثاروا ا َ
لسلم للخطر من خلل مَوامراتهم .وخاصة أّنهم كانوا قد الذي جعله يتخوف من أن يعّرض هَولء مركز ا ِ
لمن فترة من الزمن في المدينة ،ولول الحراسة المكثفة التي عينها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أخّلوا با َ
لعمال. لمور وا َ
لفعلوا أفظع ا َُ
وقد قسمت الغنائم بين المسلمين بعد إخراج الخمس منها ،وُأعطي للفارس سهمان،وللراجل سهم واحد ،وسلم
الرسول ص أموال الخمس لزيد بن حارثة ،ليشتري بها السلح والعتاد والخيل من نجد(2).
وقد استشهد سعد بن معاذ الذي كان قد جرح في معركة الخندق ،بعد أحداث بني قريظة .وانتهت هذه المشكلة
جة.
في 19من شهر ذي الح ّ
____________
. 1السيرة النبوية240|2:؛ المغازي510|2:؛ زاد المعاد.73|2:
. 2السيرة النبوية241|2:؛ تاريخ الطبري250|2 :؛ زاد المعاد.74|2:
===============
) ( 154
.4زواج الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بزينب بنت جحش
كان "زيد بن حارثة " قد سرقه قطاع الطرق وباعوه في سوق عكاظ ،فاشتراه حكيم بن حزام وأهداه لعمته
السيدة خديجة بنت خويلد)عليها السلم( التي أهدته بدورها إلى النبيبعد زواجهما .وقد دفعت أخلق النبي "صلى
ال عليه وآله وسلم" وسيرته الحسنة إلى أن يحبه زيد حبًا شديدًا إلى آخر عمره ،حتى أّنه فضل العيش معه
)صلى ال عليه وآله وسلم( على الرجوع إلى أهله.
طم التقاليد الجاهلية في المجتمع العربي، ل تعالى أن يح ّ ولما قرر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأمر من ا ّ
لنسانية والتقوى إخوة متحابين ،فقد زّوج زيدًا من ابنة عمته زينب بنت جحش، ليعيشوا جميعًا تحت لواء ا ِ
ن زواجهما لأّ حفيدة عبد المطلب ،مع ما بينهما من الختلف في مستوى النتماء القبلي والمكانة الجتماعية إ ّ
ل فافترقا بعد الطلق .ثّم تزوجها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وذلك للتخّلص من تقليد جاهلي لم يدم طوي ً
آخر مترسب في المجتمع ،حيث كان يعتبر البن المتبّنى كالبن الحقيقي،يعامله مثله تمامًا في الحقوق
ل تعالى نبيه )صلى ال عليه وآله وسلم( بأن يقضي على هذا التقليد الجاهلي والسّنة والواجبات .ولذا فقد كلف ا ّ
طرًاالخاطئة بإجراء عملي ظاهر للعيان ،و هو التزّوج من زينب مطّلقة متبّناه زيدَ ):فَلّما َقضى َزيٌد ِمْنها َو َ
ل().
ل َمْفُعو ً
ن َأْمُر ا ّطرًا َوكا َ
ن َو َ
ضْوا ِمْنُه ّ
ج َأْدعياِئِهْم ِإذا َق َ
ج في َأزوا ِ
حَر ٌ
ن َ
على اْلُمَْوِمني َن َجناَكها ِلَكي ل َيُكو َ
َزّو ْ
(1
____________
لحزاب.37: .1اَ
) ( 155
أحداث السنة السادسة من الهجرة
.1اليهود
لمن ،حتى ل تتكرر قضية كان لبّد من القضاء على خطر اليهود ،إذا أراد المسلمون حياة الستقرار وا َ
لحزاب مّرة ُأخرى ،فأرسل النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" مجموعة من شجعان الخزرج لتصفية هذا اَ
العنصر الحاقد ،وكان على رأسهم :سلم بن أبي الحقيق ،الذي عاش في خيبر ،فخرجوا حتى وصلوا خيبر
ل ،فدخلوا على المفسد وقتلوه ،إذ طالما أزعج المسلمين بفتنه ومَوامراته ،وعادوا إلى المدينة سالمين.
فدخلوها لي ً
.3بنو غطفان
وهم من قبائل خزاعة المتحالفة مع قريش .قرر زعيمها "الحارث بن أبي ضرار" أن يغزو المدينة ،فأعد
الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( عّدته للقضاء عليهم ،فخرج عندما علم من رجال مخابراته بنواياهم ،فلقيهم
عند ماء "المرُيسيع" وقاتلهم فتفرقوا ،وغنم المسلمون منهم كثيرًا كما سبوا عددًا كبيرًا من نسائهم.
لنصار على الماء ،حتى كادت أن تقع حرب بين وبعد المعركة ،حدث أن تقاتل اثنان من المهاجرين وا َ
الطرفين ،لول حكمة الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" الذي تمكن من إخماد الفتنة في مهدها ،وتجنيب
لنصار ضّد ي رئيس المنافقين استغل الموقف فأثار ا َ ل بن ُأب ّ
ن عبد ا ّ
لأ ّ
المسلمين أخطارها .إ ّ
____________
لسماع.259|1: . 1تاريخ الطبري254|2:؛ المغازي 535|2؛ إمتاع ا َ
===============
) ( 157
ل مكانة منهم ،مّما تركت كلماته أثرها في نفوسهم ،إذ أّنهم ما زالوا يعانون من المهاجرين ،على أساس أّنهم أق ّ
ليمانية، لخوة ا ِلسلمية وا ِ بقايا العصبية الجاهلية .وكادت الحركة أن توجه ضربة قاضية إلى صرح الوحدة ا ِ
ل الذليل القليل المبغض لرقم ظهر من بين فتيان المسلمين ليرد عليه بالكلمات القوية" :أنت وا ّ ولكن زيد بن ا َ
ل ل أحبك بعد هذا أبدًا" .ثّم سار إلى النبي في قومك ،ومحّمد في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ،وا ّ
لوضاع ،فأمر بالرحيل في )صلى ال عليه وآله وسلم( يخبره بما حدث من المنافق ،فأراد الرسول أن يهّدى ا َ
لللصلة ،وذلك حتى يشغلهم ل ونهارًا دون إستراحة إ ّساعة من النهار لم يكن يرتحل فيها عادة ،كما أّنه سار لي ً
ي المنافق.
ل بن ُأب ّ
عن الذي حدث من عبد ا ّ
ل من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يسمح له بقتل أبيه ،حيث كان مسلمًا حقيقيًا وقد طلب ابنه عبد ا ّ
أفضل من أبيه ،ولكن الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" قال" :بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا".
ي ،فلحقه من ذلك ذّلشديد بين الناس ،فلم يعبأ به أحد ،ولم جهوا باللوم على ابن ُأب ّل أن تو ّ فما كان من المسلمين إ ّ
يعد له أّيدور ،وعاش بقية حياته محتقرًا بين الناس.
وقد تزّوج الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( "الجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار" التي كانت من بين
سباياهم ،فأسلمت وأسلم أهلها ،ثّم أطلق الباقون وهم مائة عائلة من بني المصطلق ،إذ اعتبروا من أصهار النبي
ل ونساء بفضل هذا الزواج المبارك، "صلى ال عليه وآله وسلم" ،وأطلق جميع أسرى بني المصطلق رجا ً
وبفضل سياسة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( الحكيمة.
وفي هذه السنة خرج جماعة من قريش تنشد اللجوء إلى الحبشة خوفًا من قوة المسلمين ،وكان فيهم عمرو بن
العاص ،الذي قدم الهدايا الكثيرة إلى الملك،
===============
) ( 158
لسلم في بلده ،فاضطر إلى أن يسلم على يديه ،وكتم
الذي نصحه بأن يعلن إسلمه ،إذ ل مفر من انتشار ا ِ
أمره عن أصحابه(1).
لفك
.5قصة ا ِ
يرى أكثر المحّدثين المفسرين أّنالقصة ترتبط بالسيدة عائشة زوجة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ،
لعظم )صلى ال عليه وآله وسلم( ولذا ل يمكن القبول ويذكرون أحداثًا ل يتلءم بعضها مع عصمة الرسول ا َ
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" وُأّم بها ) (2بينما يذهب آخرون إلى المعني فيها هو مارية القبطية زوجة رسول ا ّ
إبراهيم.
ففي رواية البخاري التي نقلها عن السيدة عائشة ،ما يتنافى بقوة مع عصمة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
لّنها تكشف عن أّنه وقع "صلى ال عليه وآله وسلم" فريسة بأيدي الشائعات الكاذبة إلى درجة أّنه غّير سلوكه َ،
ك في عفافها وشاور أصحابه في أمرها (3).إّنمثل هذا الموقف مع شخص بريء تجاه السّيدة عائشة ،بعد أن ش ّ
ل يوجد أي دليل على تهمته ،ل يتنافى فقط مع مقام العصمة النبوية ،بل حتى مع مقام المَومن العادي .كما أ ّ
ن
الية 12و 14من سورة النور توبخ ُأولئك الذين وقعوا فريسة الشائعات و ظنوا السوء ،مّما يعني أّنهذا العتاب
والتوبيخ كان يعم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أيضًا لو صحت رواية البخاري هذه .ولذا فإّنه ُيرفض
للرواية المذكورة في شأن النزول الذي يتناقض مع عصمة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( . كّ
____________
لسلم بمكة.
لختلف في الموقف هنا و في أّول عهد ا ِ . 1لحظ ا ِ
. 2الدر المنثور.24|5:
. 3صحيح البخاري،102|6:تفسير سورة النور.
===============
) ( 159
لخرى بشأن النزول ،والتي ينقلها عن عائشة ومفادها :أّنه حدث شجار وصدام وأّما بالنسبة لرواية البخاري ا َُ
لوس والخزرج أمام الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" حينما كان يخطب على المنبر ،فاّتهموا بعضهم بين ا َ
لفك ،حتى أشار عليهم )صلى ال عليه وآله وسلم( بالسكوت فهّدأهم حتى انصرفوا ،فهي بعضًا بسبب قضية ا ِ
لفك،لوس كان قد توّفي قبل حادثة ا ِ ن "سعد بن معاذ" رئيس ا َ كذلك ل تتناسب مع أحداث التاريخ الصحيح ،إذ أ ّ
التي جرت وقائعها بعد أحداث معركة بني قريظة ،وقد صرح بذلك البخاري نفسه في صحيحه) (1في باب
لحزاب وبني قريظة ،فكيف يمكن أن يحضر مجلس النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" ويجادل سعد بن معركة ا َ
لفك التي وقعت بعد أحداث بني قريظة بعّدة شهور؟ عبادة في قضية ا ِ
ن حزب النفاق حاول أن يزلزل النفوس بإلقاء التهمة والبهتان إلى إمرأة صالحة ذات ولذا فمن المهم أن نعرف أ ّ
لكبر من ن الذي تحمل القسط ا َ لسلمي .وقد فسر قوله تعالى) :الذي توّلى كبره( بأ ّ مكانة وأهمية في المجتمع ا ِ
ل بن ُأبي" فهو الذي قاد هذه العملية الرخيصة الخطرة ،كما صرحت بذلك السيدة هذه العملية الخبيثة هو" :عبد ا ّ
ل بن ُأبي" يعمل بتجارة الجواري ويضعهن تحت تصرف الرجال للزنا بهن، عائشة نفسها (2).فقد كان "عبد ا ّ
لسلم في المدينة .ولما كان يكرههن على فيجني أرباحًا طائلة من وراء هذه التجارة البغيضة ،حتى بعد انتشار ا ِ
على البغاء ،واشتكت إحدى نسائه من ذلك ،فقد نزلت الية الكريمة تشجب عمله الدنيءَ) :ول ُتكِرُهوا َفَتياِتُكْم َ
حياِة
ض ال َ
عَر َصنًا ِلَتْبَتُغوا َ
ح ّ ن َت َ
ن َأَرْد َالِبغاِء ِإ ْ
____________
. 1صحيح البخاري.113|5:
. 2السيرة النبوية ،297|2:وقد فطن ابن هشام لهذه الناحية فترك ذكر سعد بن معاذ بينما غفل عنها البخاري
في صحيحه.
===============
) ( 160
ل ما يشفي غليله
الّدنيا( ) (1وعندما حدث العداء بينه وبين ابنه بعد واقعة بني المصطلق ،عمد إلى فعل ك ّ
لسلمي ،ليعمل على بلبلة الرأي العام ويشغله ويذهب غيظه ،كترويج الشائعات الكاذبة انتقامًا من المجتمع ا ِ
لسلحة
بالتوافه من القضايا ،ويصرفه عن القضايا المهمة والمصيرية ،إذ أنّ سلح الشائعات يعتبر من ا َ
لفراد الصالحين والمجتمع أيضًا. المدمرة،وتستخدم في تشويه سمعة ا َ
ن المقصود من الية مارية القبطية ،حيث اتهم فرٌد يدعى جريح بعد وفاة ابنها لخرى ،فترى أ ّأّما الرواية ا َُ
لمام عليًا ليقتله ،فصعد جريح
إبراهيم بأّنه هو والد إبراهيم وليس النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" فأرسل ص ا ِ
ي ،فرمى بنفسه من فوقها فبدت عورته ،فإذا ليس له إلى نخلة خوفًا من علي )عليه السلم( وفتكه به ،فتعّقبه عل ّ
ما للرجال ول له ما للنساء ،فرجع علي )عليه السلم( إلى النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" فأخبره بما رأى،
ل الذي صرف عّنا السوء أهل البيت (2).وجميع هذه الروايات فقال النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( :الحمد ّ
لفك. ضعيفة فل يمكن القبول بها في شأن نزول آيات ا ِ
كانت السنة 6هـ تقترب من نهايتها حينما رأى الرسولفي المنام أّنه دخل الكعبة وحلق رأسه وأخذ مفتاح البيت.
فقص ص رَوياه على أصحابه ،وتفاءل بها خيرًا(3).
____________
. 1النور.33:
ل وجهه.
لمام علي )عليه السلم( أّنه لم ينظر إلى عورة قط ،ولذا قيل عنه كرم ا ّ
. 2بالرغم ما ذكر عن ا ِ
. 2مجمع البيان.126|9:
===============
) ( 161
ن هذه الرحلة الروحانية انتجت مصالح اجتماعية وسياسية ،عّززت مكانة المسلمين في الجزيرة العربية إّ
ن:
لّلسلمي فيها ،وذلك َ وساعدت على نشر الدين ا ِ
ل عقائد العرب وتقاليدهم ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خالف ك ّ ـ القبائل العربية المشركة تصورت أ ّ
الموروثة بما فيها الحج والعمرة ،فأكد بذلك الصلح وتجّنب القتال في الشهر الحرام أّنه ل يعارض تلك الطقوس
لكبر "إسماعيل بن إبراهيم" ويعمل على المحافظة على الدينية ،بل يعتبرها فريضة مقدسة مثل والد العرب ا َ
هذه التقاليد الدينية ،مّما قلل من مخاوفهم تجاه الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" ودعوته.
ن ذلك غّير من نظرة هَولء تجاه دعوة لشهر الحرم ،فإ ّـ و لما لم يكن يحمل أسلحة معه على أساس حرمة ا َ
لسلم حين شاهدوا الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" وهو يحّرم القتال في الشهر الحرام،ويدعو إلى رعاية اِ
هذه السّنة الدينية القديمة.
ـ وستكون مناسبة يتمكن المهاجرون فيها من زيارة وطنهم وأهاليهم وأقربائهم .أّما إذا منعتهم قريش من الدخول
سيى تجاه ن سمعتها هي تتعرض للخطر ،ويتضح عدواُنها ،وينكشف للجميع بطلن مواقفها ،نظرًا لموقفها ال ّ فإ ّ
جماعة مسالمة أرادت أداء مراسم العمرة فقط.
ـ و إذا نجح المسلمون في سعيهم بأداء مناسك العمرة ،فإّنه سيكون أفضل إعلم لجميع مناطق العرب ،إذ أّننداء
لسلم سينتشر في تلك البقاع والمناطق التي لم يصلها دعاة النبي ص ومبلغوه حتى هذا الوقت. اِ
ن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أمر أصحابه بالتهّيو للعمرة داعيًا القبائل المجاورة التي لم تزل ـ و لذا فإ ّ
على كفرها وشركها إلى مرافقة المسلمين في هذه الرحلة وبلغت أعدادهم ألف وأربعمائة أو 1600أو ،1800
ن المسلمين متجهون صوب مكة للعمرة في شهر ذي القعدة. أحرموا في ذي الحليفة فشاع في الجزيرة العربية أ ّ
===============
) ( 162
عسفان ،أخبروا الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بأّنقريشا ترفض السماح لهم بالدخول إلى مّكة ،كما وعند ُ
لوامر المعلنة ،فغّير الرسول )صلى ال عليه وآلهأرسلت كتيبة من أفرادهم بقيادة :خالد بن الوليد ،لتنفيذ ا َ
وسلم( طريقه حتى ل يلتقي بخالد،سالكًا طرقًا وعرة حتى وصل الحديبية ،التي بركت فيها ناقة الرسول )صلى
ن خالد بن الوليد تمكن من الوصول بكتيبته وحاط بهم وحاصر لأ ّ
ال عليه وآله وسلم( فنزلوا في ذلك المكان ،إ ّ
موكبهم .ولكن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" لم يكن قد جاء ليحارب في سبيل دخول مكة ،ولم يكن هذا
ن التفاوض كان من أفضل الحلول لهذه المشكلة ،فقال "صلى ال عليه وآله وسلم" " :ل تدعوني هدفه ،ولذا فإ ّ
لأعطيتهم إّياها" .فبلغ ذلك مسامع الجميع ،فقرروا إرسال عدد خطة يسألونني فيها صلة الرحم إ ّ قريش اليوم إلى ُ
لصلي من رحلته ومجيئه إلى مكة، من أفرادهم إلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( للتعرف على هدفه ا َ
فبعثوا إليه بأربعةأشخاص لتفّهم موقف الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" فقال لهم )صلى ال عليه وآله وسلم(
ى لقتال أحد ولكّنا جئنا معتمرين".
" :إّنا لم نج َ
ل ل تدخلها عليهم عنوة أبدًا". ن قريشًا لن تقبل بدخولهم مكة" :يعاهدون ا ّ ن المندوبين أكدوا للمسلمين أ ّ
لأ ّ
إّ
فذهبت كّلتلك المفاوضات سدى دون جدوى ،مّما جعل الرسول ص يرسل مندوبًا عنه إلى قريش يوضح
للعراف الدولية لأّنقريشا ـ خلفًا لك ّ
ل وأداء مناسك العمرة ،إ ّ
الصورة الصحيحة لهدفهم،وهو زيارة بيت ا ّ
والجتماعية ـ والتي تقضي بحماية السفراء واحترامهم ،عمدت إلى عقر الجمل الذي قدم عليه السفير والمندوب
النبوي ،بل كادوا أن يقتلوه أيضًا ،لول تدخل جماعة من قادة العرب ،فخّلت سبيله ليعود إلى النبي )صلى ال
لأّ
ن لرهاب الرسولوجماعته وإرعابهم ونهب شيء من أموالهم ،إ ّ عليه وآله وسلم( .كما أّنقريشا أرسلت كتيبة ِ
الوضع لم يكن في صالحهم فقد أسرهم المسلمون وكانوا خمسين فردًا ،فتدخل النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
ن هَولء ينشدون الحرب والقتال. وعفا عنهم و خّلى سبيلهم ،ليَوكد لهم أّنه جاء يريد السلم ،وأ ّ
===============
) ( 163
لّنه لم يكن قد واختار الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( "عمر بن الخطاب" لمهمة سفارة ُأخرى لقريشَ ،
ل" :يا أراق دم أّيمن المشركين حتى ذلك الوقت ،ولكّنه اعتذر عن تحّمل هذه المسَوولية المحفوفة بالمخاطر قائ ً
ل ،إّني أخاف قريشًا على نفسي ،وليس بمكة من بني عدي من يمنعني،ولكّني أدّلك على رجل أعّز بها رسول ا ّ
ل فيطلقوه ليبلغ ن قريشًا ألقت القبض على عثمان وحبسوه،لعّلهم يتوصلون إلى ح ّ لأّ مّني عثمان بن عفان" (1).إ ّ
ن عثمان الرسولرأيهم .فلّما أبطأ عثمان عنهم ،وأوجد ذلك قلقًا شديدًا في نفوس المسلمين ،وخاصة إّنه ُأشيع أ ّ
قتل ،فإّنالمسلمين ثاروا وقرروا النتقام والقتال ،مّما دعا النبيإلى أن يجّدد بيعته مع المسلمين ،فبايعوه تحت
لسلم حتى النفس ل يتخّلوا عنه أبدًا ،وأن يدافعوا عن حياض ا ِ الشجرة على الستقامة والثبات والوفاء ،وحلفوا أ ّ
ن ِإْذ
ن اْلُمَوِمني َ
عِل َيا ّضَلخير ،وسميت هذه البيعة :بيعة الرضوان ،التي ذكرها القرآن الكريم بقولهَ) :لَقْد َر ِ اَ
ن موقف عَلْيِهْم َوَأثاَبُهْم َفْتحًا َقريبًا( (2).وبذا فإ ّ
سِكيَنة َ
ل ال ّ
جرة َفَعِلَم ما ِفي ُقُلوِبِهْم َفَأْنَز َ
شَ
ت ال ّ
ح َ
ك َت ْ
ُيباِيُعوَن َ
ل ،وإّما القتال فيما لو تصلب موقف قريش الرافض لذلك. المسلمين تحّدد في :إّما دخول مكة وزيارة بيت ا ّ
ولكن "عثمان بن عفان" رجع إليهم وأخبرهم أّناليمين التي التزمت بها قريش بمنعهم من دخول مكة هذا العام،
هي التي تجعلهم في موقف متصلب رافض ،وأّنهم سيرسلون إلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( من
يتفاوض معه في هذا الشأن .وُكّلف سهيل بن عمرو بإنهاء هذه المشكلة .ونتج عن التفاوض بين الطرفين عقد
صلح شامل و
____________
ن بينه وبين أبي سفيان قرابة ،فهو أموي. . 1السيرة النبوية ،315|2:كما أ ّ
. 2الفتح.18:
===============
) ( 164
واسع بينهما.
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وفي الوقت الذي كان المندوب القرشي يتصلب في بعض البنود و المواد ،فإ ّ
كان يتساهل معه ويتنازل عنها ،مّما كان له أثر بعيد ،فالتسامح الذي أبداه الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم(
ل "صلى ال عليه وآله ن رسول ا ّ لّنه أظهر بجلء أ ّ في تنظيم وثيقة الصلح ،ل يعرف له نظير في تاريخ العالمَ ،
ن الحقائق للحاسيس العابرة ،فكان يعلم أ ّ لغراض الشخصية والعواطف وا َ لهواء وا َ
وسلم" لم يقع فريسة بيد ا َ
تتبدل ول تتغير بالكتابة والمحو،وهو ما جعله يتسامح مع مفاوض قريش الذي تصلب في مطالبه غير الشرعية،
ن طلب المندوب القرشي بأن يمسح وذلك حفاظًا على أصل الصلح وحرصًا على السلم .وقد حدث خلل ذلك ،أ ّ
ل منه :باسمك الّلهّم .كما طلبل الّرحمن الّرحيم" ويكتب بد ً الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ما كتبه" :بسم ا ّ
ل .فأجابه الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" إلى ذلك. ل" وإبدالها بمحمد بن عبد ا ّمسح كلمة "رسول ا ّ
أّما صلح الحديبية ،فكان من أبرز بنوده:
.1وقف القتال عشر سنين بين الطرفين.
.2من قدم إلى النبي من قريش دون إذن ولّيه ،يرّده عليهم ،ومن جاء قريشًا من محّمد ل يرّدوه إليه.
ي طرف في التحالف مع أّية أطراف. .3السماح بدخول أ ّ
.4يرجع المسلمون هذا العام على أن يقدموا العام القادم للعمرة.
ل بمكة بحرية وأمان. .5ل ُيستكره أحٌد على ترك دينه ،ويعبد المسلمون ا ّ
لموالهم ،فل خيانة ول سرقة. .6احترام الطرفين َ
ش على محّمد وأصحابه أحدًا ،سواء بسلح أو أفراد(1). .7ل تعين قري ٌ
____________
لنوار352|20 :؛ السيرة الحلبية21|3:؛ مجمع البيان.117|9: . 1بحار ا َ
===============
) ( 165
ثّم كتبت الوثيقة بنسختين،ووقع عليها نفر من شخصيات قريش والمسلمين شهودًا عليها ،وتسلم سهيل بن عمرو
لخرى. نسخة قريش ،واحتفظ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بالنسخة ا َُ
ل مسلم سار إلى الرسول )صلى ال وكثيرًا ما اعترض المسلمون على بعض البنود ،كالبند القاضي بتسليم ك ّ
عليه وآله وسلم( من قريش ،والعكس ،فأوضحه الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( .
لسلم من قلبه جعل له مخرجًا" .فل قيمة لاِ ل ،ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ،فلو علم ا ّ "من جاءهم مّنا فأبعده ا ّ
لسلم، لسلم وإيمان من يترك المسلمين ويهرب لجئًا عند المشركين ،إذ أّنه يَوكد بفعله أّنه لم يَومن حّقا با ِ ِ
ولذا لم يكن هناك حاجة لقبوله في جماعتهم.
لجانب لسلم وروحه وحقيقة تعاليمه،وأّنه لم ُيطَلب نشره بقوة وإجبار ،كما يذكره ا َ وهذا الميثاق يَوكد نزاهة ا ِ
وغيرهم دومًا.
وبعد النتهاء من تلك المراسيم وعودة جماعة قريش ،قام الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بنحر ما كان معه
من الهدي في نفس ذلك المكان وحلق ،وأّدى الخرون نفس العملية ،ثّم عادوا إلى المدينة بعد 19يومًا من البقاء
في أرض الحديبية.
وكان لهذه المعاهدة نتائج وآثار بعيدة المدى ،كان من أبرزها وأهمها:
لمن والسلم بين المسلمين وقريش ،فقد لسلم في المناطق المختلفة ،بعد استقرار ا َ لرضية لنشر ا ِ .1تهّيأت ا َ
كان يقضي )صلى ال عليه وآله وسلم( أكثر وقته في العمل على إفشال المَوامرات والدفاع عن المدينة والدخول
في حروب.
لسلمي رسميًا ،دوره في منح القبائل حريتها في النضمام إلى المسلمين إذا . 2كان لعتراف قريش بالكيان ا ِ
شاءوا.
===============
) ( 166
.3زال الستار الحديدي الذي ضربه المشركون حول المسلمين في المدينة ،فتمكن الناس من الرتحال إلى
لسلم كما تمكن المسلمون لسلم العليا ،مّما فسح المجال لهم في اعتناق ا ِ المدينة والتعرف عليها وعلى تعاليم ا ِ
لسلم في تلك الجهات. من السفر إلى مكة وأجزاء ُأخرى ،مّما ساعد في نشر ا ِ
.4التحق عدٌد كبير من رَووس الشرك والكفر كـ"خالد بن الوليد و عمرو ابن العاص" بالمسلمين واعتنقوا
لسلم قبل فتح مكة. اِ
.5زال الحاجُز النفسي بين قريش و المسلمين ،حين أثبت الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" لهم بأّنه معدن
لنساني الكريم ،بعد صبره وتجلده وتحّمله تصّلب قادة المشركين وتعّنتهم .فقد شاهدوا عظيم من معادن الخلق ا ِ
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( في مخالفته لراء المعرضين من جماعته لبعض البنود عند موقف النبي ا َ
لشاعات للدعايات وا ِلقرار السلم بين الجانبين،فأبطل بذلك ك ّ توقيع العقد ،وذلك في رغبة صادقة منه ِ
المغرضة التي ُرّوجت ضّده و ضّد دعوته المباركة ،وأثبت أّنه حّقا رجل سلم وداعية خير للبشرية ،حتى لو
سيطر على مقاليد الجزيرة العربية ،فإّنه سيعامل أعداءه باللطف والحسنى والتسامح.
لمام الصادق )عليه السلم( بعد ذلك":وما كان قضية أعظم بركة منها" .إذ لم يكد النبي )صلى ويَوكد ذلك قول ا ِ
شرتهم بالنتصار ،مّما ال عليه وآله وسلم( أن يصل إلى المدينة حتى نزلت سورة الفتح التي وعدت المسلمين وب ّ
ك َفْتحًا ُمبينًا( (1).
حنا َل َ
اعتبر مقدمة لفتح مكة )اّنا َفَت ْ
وكانت المادة الثانية من المعاهدة ،والتي اختلف حولها المسلمون ،هي التي
____________
لنوار263|20:؛زاد المعاد.126|2: . 1بحار ا َ
===============
) ( 167
ن قريشًا طلبت من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بعد فترة قصيرة من توقيع لّتسّببت في الفتح بعد ذلكَ ،
لسلمية أن تعيد كّلمسلم هارب من مكة إلى قريش ،وليس المعاهدة بإلغاء تلك المادة التي تنص :على الحكومة ا ِ
عليها أن تعيد كّلهارب من المسلمين.
نا ّ
ل لحدهم" :إ ّ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( طمأَنهم حينما ذكر َولما أثارت هذه المادة المسلمين ،فإ ّ
ل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا". جاع ٌ
ن بعض هَولء المسلمين الهاربين تمّكنوا من تأسيس عصابة خاصة في مراكز بعيدة عن مكة والمدينة، ذلك أ ّ
لمر الذي أقلق بال قريش ،فراسلوا للنيل من قوافل قريش التجارية والتعرض لها وقتل من يقع في أيديهم ،ا َ
النبي صطالبين منه إلغاء هذه المادة للتخلص مّما هم فيه من قلق وتوتر ،فوافق الرسول الكريم "صلى ال عليه
ن النبي
لأّ وآله وسلم" على ذلك ،ولذلك انضم هَولء المسلمون المتفّرقون إلى جماعة المسلمين بالمدينة ،إ ّ
لمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط" التي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يقبل بإعادة المسلمات ،كما حدث " َُ
ل نقض العهد في النساء"(1). نا ّهاجرت إلى المدينة فطلبوها ،ولكن النبي ص قال" :إ ّ
وقد جاء كّلذلك كما حكى القرآن الكريم في سورة الممتحنة:
ت َفل
ن ُمَْوِمنا ٍ
عِلْمُتُموُه ّ
ن َ
ن َفِإ ْ
عَلُم ِبِإيماِنه ّ
ل َأ ْ
نا ّ
حُنوُه ّ
ت فاْمَت ِ
جرا ٍ ت ُمها ِ
)يا َأّيَها اّلذين آَمُنوا ِإذا جاَءُكُم الُمَْومنا ُ
ن َوآُتوُهْم ما َأْنَفُقوا( (2). ن لُه ّحّلو َ
ل َلُهْم َول ُهْم َي ِ
حّ
ن ِ ن ِإَلى الُكّفار ل ُه ّ
َتْرجُعوُه َّ
____________
. 1المغازي631|2:؛ السيرة النبوية.323|2:
. 2الممتحنة.10:
) ( 168
===============
) ( 169
الفصل الثامن
ـ إعلن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عن عالمية رسالته ـ أحداث خيبر
ـ قصة فدك ـ عمرة القضاء
===============
) ( 170
===============
) ( 171
أحداث السنة السابعة من الهجرة
===============
) ( 172
لسلم، لسلمية كانت عالمية منذ ظهور الدعوة المحمدية ،ويمكن الرد على المستشرقين المعادين ل ِ فالدعوة ا ِ
والذين يَوكدون على عدم عالمية الدعوة المحّمدية ،وينظرون إليها بعين الشّكوالريبة ،في محاولة للتعتيم على
ن النبي ص دعا البشر عامة إلى التوحيد وإلى ن القرآن الكريم يظهر بوضوح في آياته التي تشهد بأ ّ الحقيقة ،فإ ّ
ى رسالته ،ولم يقتصر في ذلك على العرب: مباد َ
ل كاّفة للّناس َبشيرًا َوَنِذيرًا( (1). ك ِإ ّ
سْلنا َـ )َوما َأْر َ
ل ِذْكٌر ِلْلعاَلمين((2). ـ )َوما ُهَو ِإ ّ
حّيا( (3). ن َ ن كا َ ـ )ِلُيْنِذَرَم ْ
شِرُكون((4).ن ُكّلِه َوَلْو َكِرهَ اْلُم ْ
على الّدي ِ
ظِهَرُه َ
ق ِلُي ْ
حّ
ن ال َسوَلُه ِبالُهدى َوِدي ِ
سَلَر ُ
ـ )ُهَو اّلذي َأْر َ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( اختار ستة أفراد من خيرة أصحابه حملوا كتبه إلى الملوك ،تضمنت ولذا فإ ّ
لرض،فتوجه سفراء الهداية ورسل الدعوة المحّمدية في وقت واحد إلى: دعوته العالمية ،إلى مختلف جهات ا َ
إيران والروم والحبشة ومصر واليمامة والبحرين والحيرة ،واّتخذ من هذا اليوم الذي كتب فيه الرسائل خاتمًا
لعلى لفظة الجللة ،وتليه كلمة رسول ثّميليه اسمه الشريف، ل ،في ا َ من فضة نقشه ثلثة أسطر :محّمد رسول ا ّ
فختم به الكتب .كما أّنه ختم تلك الرسائل بالشمع أو الطين إمعانًا في السرية وحفاظًا عليها من التزوير.
____________
. 1سبأ.28 :
. 2القلم.52:
. 3يس.70:
. 4التوبة.33:
===============
) ( 173
ومن أبرز مبعوثيه ورسله إلى العالم:
____________
. 1طبقات ابن سعد.259|1:
. 2آل عمران.64:
===============
) ( 174
ل بن حذافة السهمي :إلى البلط الفارسي.
.2عبد ا ّ
حكم فارس خسرو برويز ثاني ملك بعد أنو شيروان ،فجلس على العرش مّدة 32عامًا قبل الهجرة النبوية،
ليراني قد امتّد حتى شمل آسيا الصغرى حتى ن النفوذ ا ِ
وتميز عهده بالضطراب وعدم الستقرار ،بالرغم من أ ّ
مشارف القسطنطينية ،كما استولى على صليب عيسى المقدس عند النصارى وأحضره إلى المدائن ،إلّ أ ّ
ن
لحوال السّيئة وأساليب الحكم غير الصحيحة أّدت إلى ضعف هذه الدولة وخروج المستعمرات من تحت اَ
لراضي إيران،وهروب المبراطور خسرو برويز ،الذي أثار بذلك نفوذها ،مّما ساعد على اجتياح الروم َ
السخط عليه ،فقتله ابنه شيرويه .و برويز هذا هو المبراطور الذي اشتهر بأّنه مّزق رسالة النبي )صلى ال
عليه وآله وسلم( وعامل رسوله بجفاء وسوء أدب ،وفيما يلي نص الرسالة إليه:
ل إلى كسرى عظيم فارس .سلم على من اتبع الهدى وآمن با ّ
ل ل الّرحمن الّرحيم .من محّمد رسول ا ّ"بسم ا ّ
ل ،فإّني أنا رسول ل وحده ل شريك له وأّنمحّمدا عبده ورسوله ،أدعوك بدعاية ا ّ لا ّ
ورسوله ،وأشهد أن ل إله إ ّ
لنذر من كان حيًا ،ويحق القول على الكافرين .أسلم تسلم .فإن أبيت فعليك إثم المجوس". ل كافة َ ا ّ
لمبراطور الكتاب عند قراءة أّول جملة منها ودون أن يعلم ما كان فيها ،ثّم أمر بإخراج الرسول من وقد مزق ا ِ
قصره .وعندما ُأخبر النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" بذلك قال" :الّلهّم مّزق ملكه"(1).
ن اليعقوبي ،ينفرد برأي آخر ،بأّنالمبراطور الفارسي أرسل هدية من حرير ومسك إلى النبي )صلى ال لأ ّ
إّ
ل )صلى ال عليه عليه وآله وسلم( .ويوافقه على رأيه أحمد بن حنبل فقط الذي قال :أهدى كسرى لرسول ا ّ
وآله وسلم( فقبل
____________
. 1طبقات ابن سعد.260|1:
===============
) ( 175
منه(1).
أّماالمبراطور المغرور فإّنه طلب من واليه على اليمن باذان ـ التي كانت تتبع فارس ـ بأن يقبض على هذا
النبي ويبعثه إليه .فأرسل هذا إليه فارسين طلبا من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يسّلم نفسه للمبراطور
لسلم ،على أن يعودا إليه في الفارسي أو يقتله ،فرّد عليهما بأن عرض )صلى ال عليه وآله وسلم( عليهما ا ِ
ل تعالى نبيه بذلك ،فذكره
اليوم التالي .وفي هذه الفترة ،تخلص ابن المبراطور الفارسي منه بقتله ،فأخبر ا ّ
ن رّبي قد قتل رّبكما ليلة كذا من شهر كذا بعد ما مضى من الليل كذا ،وسلط عليه شيرويه ل :إ ّ
للفارسين قائ ً
لولى 7هـ .فطلبا السماح لهما بإخبار ملكهم باذان في اليمن فقتله .وكانت الليلة الثلثاء من العاشر من جمادى ا َُ
ن ديني و سلطاني سيبلغ ما بما جرى ،فسمح لهما الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :نعم أخبراه ذلك عني ،إ ّ
بلغ ملك كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ،وقول له :إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك ،وملكتك على
قومك".
ولما تأكد الوالي باذان في اليمن من صحة أقوال النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وما حدث بفارس ،فإّنه أعلن
إسلمه مع جميع أعضاء حكومته ـ وهم من الفرس ـ وكتب بذلك إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( (2).
____________
. 1مسند أحمد بن حنبل.96|1:
لنوار.391|20: . 2بحار ا َ
===============
) ( 176
لسكندرية حيث كان يعيش هناك في قصر شامخ ،وكان متسامحًا ،مّما جعل حاطبًا وقد توجه الرسول إلى ا ِ
لكمل لسلم هو الصورة ا َ ناِلنجيل ،وأ ّ
لسلم وقّوة النبّيص كما ذكر التوراة وا ِ يتناول في خطابه إّياه صورة ا ِ
ن المقوقس طلب منه أن يصف الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ويبين مضمون دعوته، لدين المسيح ،ثّم إ ّ
ن نبيًا بقي ،وكنت أظن أّنمخرجه بالشام فأراه قد خرج من أرض العرب. فقال ،بعد أن سمع وصفه" :كنت أعلم أ ّ
والقبط ل تطاوعني في اّتباعه ،وسيظهر على البلد ،وينزل أصحابه من بعد بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما
هاهنا".
ثّمكتب كتابًا إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( " :أّما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو
ت إليك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط ،وبثياب ،وأهديت إليك بغلة لتركبها، ت رسولك وبعث ُ إليه ،وقد أكرم ُ
والسلم عليك"(1).
وحينما تسلم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كتابه وهداياه قال" :ضّنبملكه ول بقاء لملكه"(2).
اختير عمرو لتسليم كتاب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى نجاشي الحبشة الملك العادل ،وكان النبي )صلى
ال عليه وآله وسلم( قد أرسل إليه من قبل رسائل بشأن المهاجرين المسلمين للعتناء بهم ورعايتهم.
لهو الملك القّدوس
ل الذي لإله إ ّ
وشمل كتابه )صلى ال عليه وآله وسلم( هذه المرة دعوته إلى الدين" :أحمد ا ّ
ل وحده ل شريك له، ل وكلمته ،وإّني أدعوك إلى ا ّ
ن عيسى بن مريم روح ا ّ سلم المَومن المهيمن ،وأشهد أ ّ
ال ّ
والموالة على
____________
. 1طبقات ابن سعد.260|1:
. 2طبقات ابن سعد.260|1:
===============
) ( 177
ل وإّني أدعوك وجنودك .وقد بّلغت ونصحت فاقبلوا طاعته وأن تتبعني وتوقن بالذي جاءني ،فإّني رسول ا ّ
نصيحتي ،والسلم على من اّتبع الهدى"(1).
ن الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بدأ كتابه بالسلم عليه ومرس ً
ل ونظرًا للعلقات الطيبة بين الطرفين ،فإ ّ
لخرى التي ُأرسلت إلى كسرى و قيصر والمقوقس ،فقد تحياته الشخصية ،في حين أّنه لم يفعل هذا في الكتب ا َُ
صه بالسلم عليه دون غيره من الزعماء. خ ّ
ل أّنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب،
أّما النجاشي فقد اعترف بنبوة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( " :أشهد با ّ
وإّنبشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل ،وأّنه ليس الخبر كالعيان ،ولكن أعواني من
لتيته"(2).
لعوان ،وُألّين القلوب ،ولو استطيع أن آتيه َ الحبشة قليل ،فانظرني حتى ُأكّثر ا َ
ل من النجاشي .سلم عليك وكتب بذلك كتابًا إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ذكر فيه":إلى محّمد رسول ا ّ
ل وقد بايعتك
لسلم .أشهد أّنك رسول ا ّ ل هو الذي هداني إلى ا ِ ل وبركاته ،الذي لإله إ ّ ل ورحمة ا ّ يا نبي ا ّ
ق .والسلم عليك ورحمة ا ّ
ل ن ما تقول ح ّ ل رّبالعالمين .فإّني أشهد أ ّوبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه ّ
وبركاته"(3).
كما بعث إليه بهدايا خاصة.
===============
) ( 178
ل وحده ل شريك له يبقى ملكك" فقال :من ينتزع مّني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن أدعوك أن تَومن با ّ
جئته .وأعّد الجيوش واستعرض قوته العسكرية أمام سفير النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إرعابًا وتخويفًا ،ثّم
لسلم ،مّما ل أّنقيصر هّدأ من ثائرته وكتب إليه يمنعه من السير إلى رسول ا ِأرسل إلى قيصر يخبره بنواياه ،إ ّ
لثر في تغيير موقفه ،فأكرم السفير ومنحه هدايا ثمينة ،ووجهه نحو المدينة معززًا مكرمًا ،وأبلغ السلم كان له ا َ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يقبل بُأسلوبه
لأّ
لكرم "صلى ال عليه وآله وسلم" .إ ّ إلى النبي ا َ
ن ملكه سيزول عّما قريب .فمات الحارث في السنة 8هـ أي بعد الدبلوماسي غير الصادق ،فقال :باد ملكه .أي أ ّ
عام واحد(1).
ونص خطابه )صلى ال عليه وآله وسلم( إليه "إعلم إّنديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر )أي يعم الشرق
والغرب( فأسلم تسلم واجعل لك ما تحت يديك".
لسفار ،أن يقنع ملك اليمامة بقبول وقد استطاع السفير بما ُأوتي من قّوة في المنطق وشجاعة أدبية وخبرة با َ
لنجيل .فكتب كتابًا إلى شر به ا ِلساقفة بتقبل الدين الجديد ،وأّنه هو النبي الذي ب ّمبادئه وأهدافه .كما نصحه أحد ا َ
النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قال فيه" :ماأحسن ما تدعو إليه وأجمله ،وأنا شاعر قومي وخطيبهم ،والعرب
لمر اّتبعك" أي أّنه طلب أن يجعله النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خليفة من تهاب مكاني ،فاجعل إلّيبعض ا َ
لرض ما فعلت .الّلهّم بعده .فقال الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( :ل ول كرامة،لو سألني سيابة من ا َ
أكفنيه(2).
____________
. 1السيرة الحلبية255|3:؛ طبقات ابن سعد.261|1:
لرض. لرض :أي قطعة من ا َ . 2نفس المرجع السابق .سيابة من ا َ
) ( 179
آثار تلك الرسائل ونتائجها
ن شعوبًا كبرى تعرفت على النبي لسلمية ،إذ أ ّ
ل قاطعًا على عالمية الرسالة ا ِأصبح هَولء السفراء والرسل دلي ً
لوساط والمحافل
العربي محّمد ص الذي تأثر به معظم هَولء القادة والملوك ،فأصبح ظهوره ص حديث ا َ
لضافة إلى المراكز السياسية .فقد تمكنت هذه الرسائل من إثارة مشاعر تلك الشعوب المتحضرة الدينية با ِ
ق عدة من رجال الدين ج وفر ٌ
لنجيل ،وتسابقت أفوا ٌ شر به التوراة وا ِ
ودفعتهم إلى البحث والتحقيق حول من ب ّ
وغيرهم بالقدوم إلى المدينة لدراسة أوضاع الدين الجديد والتعرف على مبادئه.
تقع خيبر على بعد 32فرسخًا من المدينة ،وهي منطقة واسعة خصبة ،سكنها اليهود وبنوا فيها الحصون
والقلع المتينة ،وبلغ عدد سكانها 20ألف فرد.
لحزاب وساعدوا المشركين في حربهم ضّد النبي )صلى ال عليه وآله ولما كانوا مّمن اشتركوا في جيش ا َ
لسلموسلم( والمسلمين،فإّنالنبي "صلى ال عليه وآله وسلم" أسرع للقضاء عليهم وعلى خطرهم نحو ا ِ
والمسلمين،إذ هم أشّد تعصبًا لدينهم،من تعصب قريش للوثنية،فقد كان يعلن ألف مشرك وثني إسلمهم في مقابل
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( تخّوف من استغلل جهات ُأخرى معادية كالقيصر أو يهودي واحد .كما أ ّ
لسلمية ،إذ ل يستبعد منهم ذلك،وخاصة أّنهم كانوا المحّرضين
كسرى ،لهَولء اليهود في القضاء على الدولة ا ِ
لقريش في محاربة المسلمين.
ولذا فقد أعّد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لغزو آخر مركز من مراكز اليهود في الجزيرة العربية وقال :ل
ل راغبين في الجهاد أّما الغنيمة فل ،فخرج معه ألف و 600مقاتل.تخرجوا معي إ ّ
===============
) ( 180
وعندما وصل إلى المنطقة ،قطع الطريق عن أّية إمدادات عسكرية تأتي من الشمال وذلك بقطع خط الرتباط
ي شيء طوال شهر هو بين قبائل غطفان وفزارة ويهود خيبر ،فلم تستطع هذه القبائل أن تمد حلفاءها اليهود بأ ّ
مّدة الحصار(1).
ولّما كانت حصونهم وقلعهم متينة وقوية وممتنعة بمتاريس قوية شديدة ،فإّنه كان لبّد لفتحها من استخدام
ل ،بالسرعةتكتيك عسكري مناسب ،فكان أّول عمل قام به الرسولهو احتلل كلّ النقاط والطرق الحساسة لي ً
والسرية.
لطفال و النساء في حصن،والذخيرة من الطعام في أّما اليهود فقد قرروا في اجتماعهم العسكري أن يضعوا ا َ
لبراج يدافعون عن القلع والحصون ،في الوقت الذي يخرج أبطالهم حصن آخر ،بينما يستقر المقاتلون على ا َ
لسلمي لمّدة شهر، ليقاتلوا المسلمين ويبارزونهم خارج الحصون ،و لذلك فإّنهم تمكنوا من مقاومة الجيش ا ِ
بحيث كانت محاولة فتح كّلحصن تستغرق عشرة أّيام دون نتيجة.
لنصاري ،وهو أحد فرسان وقد فتح أّول حصن وهو ناعم بعد أن استشهد في معاركه :محمود بن مسلمة ا َ
ل نقلوا إلى منطقة مخصصة للتمريض والعلج ،حيث سمح لبعض نساء بني المسلمين،وجرح خمسون مقات ً
غفار بالحضور إلى خيبر للمساعدة في التمريض والتضميد وتقديم خدمات ُأخرى في المعسكر .ثّم جرى فتح
حصن القموص وُأسرت فيه "صفية بنت حيي بن أخطب" التي
____________
ن خروج النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" لمالي للطوسي .164 :ويرى ابن هشام في سيرته 328|2:أ ّ .1اَ
إلى خيبر كان في شهر محرم ،بينما ذهب ابن سعد في الطبقات 77|2 :أّنه كان في جمادى الثانية 7هـ.ولما كان
لقرب إلىن الرأي الثاني هوا َ
إرسال الرسل و المندوبين عنه )صلى ال عليه وآله وسلم( في شهر محرم ،فإ ّ
الصحة.
===============
) ( 181
أصبحت زوجة للرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فيما بعد.
لنعام ،وكادوا أن يهلكوا ،فأمر ولكن الجوع استولى على المسلمين فاضطروا بسببه إلى تناول ما كره أكله من ا َ
لغنام ـ لتدخل الحصن بأمان .وقد الرسول ص أن تَوخذ شاتان من غنم اليهود إضطرارًا،وأطلق البقية ـ من ا َ
سمح النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" بذلك للضطرار الذي يباح معه المحذور بقدره ،فدعا رّبه" :الّلهّم إّنك
قدعرفت حالهم ،وأن ليست بهم قّوة،وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إّياه ،فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء
وأكثرها طعامًا"(1).
ن شيئًا جديدًا لم يتم ،فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( : لأّ ل معروفين من صحابته لفتح الحصون ،إ ّ ثّم بعث رجا ً
ل على يديه ،ليس بفرار ـ أو كّرار غير ل ورسوُله،يفتح ا ّ ل ورسوَله ويحُبه ا ّ با ّل يح ّ
ن الراية غدًا رج ً
لعطي ّ
"َ
لمام علّيا )عليه فّرار ـ" ) (2فبات كّلواحد يتمنى أن يكون هو صاحب هذا النوط الخالد العظيم .وعندما بلغ ا ِ
السلم( مقالة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( و هو في خيمته قال" :الّلهم ل معطي لما منعت ول مانع لما
ن به رمد ،فُأتي به إلى النبي )صلى أعطيت" .وفي الصباح طلب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عليًا فقيل أ ّ
ال عليه وآله وسلم( فمرر يده الشريفة على عينيه ودعا له بخير فعوفي من ساعته،فدفع إليه اللواء ودعا له
لسلم ،فإن أبوا و رفضوا، بالنصر ،وأمره أن يبعث إلى اليهود قبل قتالهم ،من يدعو رَوساء الحصون إلى ا ِ
لسلمية ليعيشوا تحت ظّلها بحرّية وأمان شريطة أن يدفعوا ) (3لجزية. أمرهم بتسليم أسلحتهم إلى الحكومة ا ِ
لمام علي )عليه السلم(: وإذا رفضوا قاتلهم .ثّم قال ص ل ِ
____________
. 1السيرة النبوية.322|2:
لسماع.314|1: . 2مجمع البيان 120|9:؛ السيرة الحلبية37|2:؛ السيرة النبوية334|2:؛ إمتاع ا َ
. 3صحيح مسلم195|5:؛ صحيح البخاري.18|5 :
===============
) ( 182
ل واحدًا خير من أن يكون لك حمر النعم"(1). ل بك رج ً "لئن يهدي ا ّ
لمام علي )عليه السلم( إلى القلعتين المحصنتين سللم والوطيح ،والتي عجز المسلمون وقواّدهم ومن ثّم توجه ا ِ
لرض جثة هامدة لمام )عليه السلم( و سقط على ا َعن فتحهما،فخرج إليه الحارث ،أخو مرحب ،فقاتله ا ِ
لمام )عليه السلم( المشهورة ،مّما أغضب مرحب أخيه فخرج غارقًا في الدروع بضربة من ضربات ا ِ
ق رأسه نصفين ،فكانت ضربة قوية بحيث أفزعت من كان والسلح ليقاتل عليًا )عليه السلم( الذي تمكن من ش ّ
مع مرحب من أبطال اليهود ،ففروا لجئين إلى الحصن .وبقي آخرون منهم قاتلوا عليًا منازلة ،فقضى عليهم
لمام )عليهناِ لأّ
لمام )عليه السلم( ثّم لحق بالفارين إلى الحصن ،فضربه أحدهم فطاح ترسه من يده ،إ ّ اِ
السلم( تناول بابًا كان على الحصن فانتزعه من مكانه واستخدمه ترسًا يحمى نفسه حتى فرغ من القتال .وبعد
ذلك حاول ثمانية من أبطال المسلمين ،كان منهم أبو رافع مولى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يقلبوا ذلك
الباب أويحّركوه فلم يقدروا(2).
ونقل الشيخ المفيد في إرشاده بسند خاص عن أمير المَومنين علي "عليه السلم" بخصوص الباب ،قوله" :لما
ت به في ل وضعتُ الباب على حصنهم طريقًا ثّم رمي ُ ت باب خيبر جعلته مجنًا لي فقاتلتهم به،فلّما أخزاهم ا ّ عالج ُ
خندقهم"(3).
لمام )عليه السلم( في فتح وأّما المَورخون فقد نقلوا قضايا عجيبة حول قلع باب خيبر و عن بطولت ا ِ
ن جميعها ل تتمشى و ل تتيسر مع القدرة البشرية المتعارفة ،ول يمكن أن تصدر منها ،حتى أ ّ
ن لأّالحصن ،إ ّ
لمام )عليه السلم(اِ
____________
. 1السيرة الحلبية.37|2:
. 2تاريخ الطبري94|2:؛السيرة النبوية349|2:؛ تاريخ الخميس.47|2:
. 3إرشاد المفيد.62 :
===============
) ( 183
ل شك في هذا بقوله" :ما قلعتها بقّوة بشرّية ،ولكن قلعتها بقّوة إلهية ،ونفسي بلقاء رّبها مطمئنة نفسه يرفع ك ّ
رضية"(1).
وهكذا انتهت الحرب بانتصار المسلمين ،الذي كان وراءه ثلثة عوامل أساسية:
.1التخطيط العسكري والحربي الدقيق.
.2حصولهم على معلومات وافرة عن العدو وأسراره.
لمام علي )عليه السلم( . .3بطولة ا ِ
فقد تمّكن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من تحييد قبيلة غطفان ومنعها من إمداد المساعدات لليهود ،كما
لضافةلفراد .با ِ
تعرف على أحوالهم وأوضاعهم في حصون خيبر ،سواء العسكرية منها أو النفسية للمقاتلين وا َ
لقتلته ،ول يثبت لي فارس إ ّ
ل ي أحد منهم إ ّلمام علي )عليه السلم( الذي قال" :فلم يبرز إل ّ إلى بطولة ا ِ
طحنته،ثّم شددت عليهم شّدة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددًا عليهم ،فاقتلعت باب حصنهم
بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها وأسبي من أجد من نسائها ،حتى افتتحتها
ل وحده"(2). لا ّ
وحدي ولم يكن لي فيها معاون إ ّ
ثّم أمر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بأن تجمع الغنائم كّلها في مكان واحد ،وأن ينادى:
لمانة ،حتى لسلم يشّدد على أهمية ا َ أّدوا الخيط والمخيط ،فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة (3).فا ِ
ليمان،
لمانة مهما صغرت من علئم ا ِ اعتبر رّد ا َ
____________
لنوار.40|21: . 1بحار ا َ
. 2الخصال 369:باب السبعة.
. 3وسائل الشيعة :باب جهاد النفس؛ المغازي.681|2:
===============
) ( 184
والخيانة من علئم النفاق.
وفي لحظات الفرح بالنتصار على اليهود ،رجعت مجموعة من مسلمي الحبشة المهاجرين إليها بقيادة جعفر بن
أبي طالب ،فاستقبله النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وقّبل ما بين عينيه وقال :ما أدري بأّيهما ُأسّر ،بفتح خيبر
أم بقدوم جعفر .ثّم إّنه )صلى ال عليه وآله وسلم( عّلمه الصلة المعروفة بصلة جعفر الطّيار(1).
ل هم قتلى جل التاريخ أسماء 93رج ً وبالنسبة لقتلى الجانبين ،فقد بلغ عدد شهداء المسلمين 20فردًا ،بينما س ّ
اليهود(2).
وبعد ذلك تّم الّتفاق بين الطرفين على:
.1قبول النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لطلب اليهود بأن يسّكنهم في خيبر كما كان الوضع.
.2ترك أراضيهم وبساتينهم لهم.
.3حصول المسلمين على نصف محاصيلها سنويًا.
فالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يجبرهم على شيء بل تركهم أحرارًا في ممارسة شعائرهم والبقاء على ما
لعندما تحولت إلى بَورة خطرة للمَوامرات والكيد كانوا يعتقدونه من ُأصول دينهم ،إذ أّنه لم يحارب أهل خيبر إ ّ
لسلمية الناشئة ،مّما لسلم والمسلمين،فقد أمّدوا الكفار والمشركين بكّلما يحتاجون للقضاء على الحكومة ا ِ لِ
اضطر معه النبي ص إلى إعلن الحرب عليهم وقتالهم وتجريدهم من السلح ليعيشوا تحت ظل الدولة
لعداء ،وهو ما يعني حماية لسلمية عنهم وحمايتهم من ا َ لسلمية ،ويدفعوا الجزية لقاء دفاع الحكومة ا ِ اِ
أنفسهم وأّنأموالهم مَومنة لهم من قبل المسلمين.
____________
. 1فروع الكافي129|1 :؛ الخصال82|2:؛ إمتاع السماع.325|1:
لنوار.32|21:
. 2بحار ا َ
===============
) ( 185
وعند جمع الغنائم حصل المسلمون على قطعة من التوراة طلب اليهود إعادتها ،فأمر النبي )صلى ال عليه وآله
لخرى. لديان ا َُ
وسلم( بإعادتها إليهم ،مّما يكشف عن احترام النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( للشرائع وا َ
وقد توجه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بعد خيبر إلى وادي القرى التي شكلت مركزًا آخر لليهود،ففتحها
ن الحجاز طُهرت من فتنة اليهود،وجّردوا من وعقد صلحًا مع أهلها على غرار معاهدة خيبر .وبذا فإ ّ
أسلحتهم،ووضعوا تحت حماية المسلمين ومراقبتهم(1).
طط بعد فترة من الهدوء والستقرار ،للتخلص من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقّدمت ن بعضهم خ ّ لأّ
إّ
ت الحارث شاة مشوية سّممت كتفها التي يحبها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فأّثربه السم بعد ذلك زينب بن ُ
وتوفي ص من أثره .ولم ينتقم منها النبيص بل عفا عنها ،فالنبي ص لم يكن كبعض القادة والزعماء الذين
لشد أنواع العذاب لون السجون بهم ،أو يخضعونهم َ ن أّنهم قصدوا قتله،أو يم َ
لرض بدماء من ظ ّ يصبغون ا َ
والتعذيب الجسدي والنفسي.
.3قصة فدك
وتبعد فدك عن المدينة بما يقرب من 140كم ،و هي منطقة زراعية خصبة ،اعتبرت نقطة ارتكاز هامة لليهود
لمان ،حيث تعهد بأنلسلمية بالسلم وا َ
بعد خيبر .وقد تمّيزت العلقات بين رئيسها يوشع بن نون و القيادة ا ِ
يسلم نصف
____________
. 1الكامل في التاريخ.150|2:
===============
) ( 186
لسلمية ،على أل محاصيلها سنويًا إلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ليعيشوا تحت راية الحكومة ا ِ
لمنلسلمية في مقابل ذلك بتوفير ا َ لمن بين الطرفين ،وتتعهد الحكومة ا ِ
يقوموا بأي أمر يعكر صفو السلم و ا َ
في المنطقة كلها(1).
لراضي التي يسيطر عليها المسلمون بالحرب والقتال ،تعود ملكيتها إلى عاّمة المسلمين ناَ ومن الجدير بالذكر أ ّ
لراضي التي ل يستخدمون القّوة في احتللها ،فتصبح ملكًا للرسول "صلى ال لّمة ،أّما ا َ
لعلى ل َُ بإدارة القائد ا َ
لساس وهب رسول ا ّ
ل لمام من بعده يتصرف فيها كما يشاء ،فيهبها أو يَوجرها،وعلى هذا ا َ عليه وآله وسلم" وا ِ
)صلى ال عليه وآله وسلم( فدكًا لبنته الطاهرة فاطمة الزهراء)عليها السلم( ،حيث ابتغى من وراء ذلك
تحقيق أمرين:
لمام في أداء واجباته ومتطلبات الناس عندما يدير الحكم من بعده ،إذ أّنه سيكون في حاجة .1أن يستفيد منها ا ِ
إلى ميزانية كبيرة.
.2وأن تعيش ُأسرة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بعده بصورة تليق بمقامه )صلى ال عليه وآله وسلم(
وشرفه ومكانته السامية.
وفي ذلك يذهب معظم العلماء والمفسرين والمحّدثين الشيعة وبعض علماء السّنة ،أّنه عند نزول قوله تعالى:
سِبيل( ) (2أوصى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فدكًا إلى ابنته ن ال ّ
ن واب َ
سكي َ
حّقُه َوالِم ْ
ت َذا الُقربى َ
)َوآ ِ
الزهراء"عليها السلم" .ولذلك فقد أعاد المأمون العباسي بعد فترة من هذا الوقت ،فدكًا إلى أبناء الزهراء
لمام عليًا )عليه السلم( قد صّرح بملكيته لفدك في ناِ)عليها السلم( بعد توضيح شأن نزول هذه الية له ،كما أ ّ
ل ما أظلته السماء إحدى رسائله إلى واليه على البصرة" :عثمان بن حنيف"":بلى كانت في أيدينا َفَدك من ك ّ
ل"(3). س قوم آخرين ونعم الحكم ا ّ س قوم ،و سخت عنها نفو ُ حت عليها نفو ُ فش ّ
____________
. 1السيرة النبوية353|2:؛ إمتاع السماع331|1:؛ فتوح البلدان.42:
لسراء.26: .2اِ
. 3نهج البلغة :الكتاب .45
===============
) ( 187
فدك بعد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( من ملكها الخاص بعد وفاة أبيها )صلى ال عليه وآله حرمت ابنة رسول ا ّ عندما ُ
وسلم( عمدت إلى إثبات حّقها و استرداد ملكها من جهاز الدولة ،عن طريق القانون،فأحضرت الدلئل بالرغم
ل على ملكيته ذلك الشيء .وكان من أّنه ل ُيطلب من فرد له يد على شيء ـ أي يكون تحت تصرفه ـ أن يقيم دلي ً
لمام علي )عليه السلم( و ُأّم أيمن التي شهد لها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأّنها من نساء شاهدها :ا ِ
الجنة ) (1إضافة إلى رباح الذي كان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قد أعتقه حسب رواية البلذري) (2إ ّ
ل
لرض إلى صاحبتها. ل ذلك لم ينفع في إرجاع ا َ نكّ أّ
لموي وزع معاوية بن ابي سفيان فدكًا بين ثلثة :مروان بن الحكم ،عمرو بن عثمان ،و يزيد. وفي العصر ا َ
وعندما حكم مروان استولى عليها تمامًا ووهبها لبنه عبد العزيز الذي سّلمها لولده عمر ،الذي أزال أّول بدعة
وهي إعادة فدك إلى بني فاطمة)عليها السلم( فقد كان الخليفة المعتدل ،ولكن حّكام بني ُأمّية تداولوها ثانية حتى
نهاية دولتهم.
ل بن الحسن ابن الحسن ،ثّم قبضها أبو جعفر أّما في العصر العباسي فقد رّدها السفاح أبو العباس إلى عبد ا ّ
المنصور من بني الحسن ،ثّم رّدها المهدي ابنه إليهم ،حتى جاء المأمون فرّدها على أصحابها الشرعيين بصورة
رسمية.
ل سياسيًا بجانب الستفادة القتصادية و اضطرب أمرها بين السلب لمويون والعباسيون فدكًا استغل ً وقد استغل ا َ
والرّد.
____________
لصابة.432|4: .1اِ
. 2فتوح البلدان.44 :
) ( 188
.4عمرة القضاء)(1
بعد مضي عام و احد على توقيع معاهدة صلح الحديبية ،وعلى ضوء المادة التي تسمح للمسلمين بأداء العمرة
صة أّنهم كانوا قد تركوها سبعة أعوام بعدوا فيها عن وطنهم.في العام التالي ،فقد قرروا التوجه إلى مّكة ،وخا ّ
فاستعد ألفان للنضمام إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في أداء العمرة ،كان من ضمنهم شخصيات بارزة
لثنين 6من شهر ذي ملزمة له )صلى ال عليه وآله وسلم( طوال فترة وجوده في المدينة .وكان ذلك يوم ا ِ
لفراد مسّلحين وضعهم ى أعّد مائتين من ا َلي طار َ ن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" تحسبًا َ القعدة .كما أ ّ
خارج مكة على مقربة من الحرم للتدخل في أية مشكلة تصدر حيالهم.
لهالي منها إلى رَووس الجبال وقالوا :ل ننظر إلى محمد ول إلى أصحابه ،فكانوا يراقبون وفي مكة خرج ا َ
المشهد من بعيد.
ل سكان مكة وسحرت قلوبهم وجلبت عطفهم على المسلمين،مثلما أرعب وقد بهرت أصوات المسلمين مكّبرين ك ّ
اّتحادهم ونظامهم والتفافهم حول النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أفئدة المشركين.
ل بن رواحة أن يرّدد هذا الدعاءوطاف الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بالبيت على راحلته،وأمر عبد ا ّ
لحزاب وحده" ل وحده وحده ،صدق وعده ،ونصر عبده،وأعّز جنده ،وهزم ا َ لا ّ
بلحن ونغم خاص" :لإله إ ّ
ل أن يَوذن على ظهر الكعبة لصلة الظهر، فرّددها المسلمون وراءه .ثّم أمر )صلى ال عليه وآله وسلم( بل ً
لذان ،وأحرجتهم مضامينه التي كانت ضّد ما يحملونه من معتقدات باطلة موروثة. فانزعجوا بسبب ا َ
____________
ل عن العمرة التي منع النبي والمسلمون عنها في العام السابق لها.
لّنها كانت بد ً
. 1سميت عمرة القضاء َ
===============
) ( 189
وبعد أداء المناسك ،ذهب المهاجرون إلى منازلهم التي تركوها منذ سبعة أعوام فجّددوا اللقاء بأقربائهم.
ن هذه الرحلةي فيهم ،إذ أ ّ ن تأثير أوضاع المسلمين في نفوس أهل مكة ،وتخّوفهم من إحداث إنقلب روح ّ لأ ّ
إّ
لسلم ،مّما دعا إلى أن يطلب الدينية ،اعتبرت دعائية وإعلمية ،أّثرت في نفوس عدد من أهل مّكة فدخلوا ا ِ
زعماء قريش من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( مغادرة مكة بعد انقضاء المّدة المحددة و المقررة بينهم" :إّنه
قد انقضى أجلك فاخرج عّنا".
وممن تأثر بالوضع ،ميمونة ُأخت زوجة العباس ـ ُأّم الفضل ـ لما شهدت من مشاعر المسلمين ،فطلبت الزواج
ل أّنهم لم يسمحوا للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من النبي ص الذي وافقها ،فقوى بذلك علقاته مع قريش ،إ ّ
ضر زوجته بعد ذلك. بالحتفال بمناسبة الزواج في مّكة ،فطلب )صلى ال عليه وآله وسلم( من أبي رافع أن ُيح ِ
وبذا فقد تحّققت رَويا النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قبل عام من هذا ،في أّنه دخل البيت وحلق رأسه ،ونزلت
آية الفتح التي تناولت تحقيق هذا الوعد:
نل صري َ
ن رُءوسُكْم َوُمَق ّحّلقي َ
ل آِمنيَنُم َ
ن شاَء ا ّ
حراَم ِإ ْ
جَد ال َ
سِ
ن الَم ْخُل ّ
ق َلتد ُ
حّ سوَلُه الُرَويا ِبال َ ل َر ُ قا ّصَد َ)َلَقْد َ
ك َفْتحًا َقِريبًا( (1).
ن ذِل َن ُدو ِل ِم ْ
جَع ََتخاُفون َفَعلَم ما َلْم َتْعَلُموا َف َ
____________
. 1الفتح.27:
===============
) ( 190
أحداث السنة الثامنة من الهجرة
.1معركة مَوتة
لخرى، لطراف المعادية ا َُ لمن في الحجاز بين المسلمين وقريش وا َ لحداث السابقة ،واستقرار ا َ بعد وقوع ا َ
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( في أن يركز في دعوته على وضعف نفوذ اليهود وسطوتهم ،فّكر النبي ا َ
لزدي" يحمل كتابًا إلى أمير الغساسنة: سكان مناطق الحدود عند الشام ،فوجه لهذا الغرض "حارث بن عمير ا َ
الحارث بن أبي شمر الغساني ،الذي حكم بصرى ،فقبض على سفير النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في مَوتة
لعراف الدولية التي تقضي باحترام السفراء وحصانتهم ،مّما أغضب لاَ وقتله مخالفًا بذلك ك ّ
الرسولوالمسلمين،فقرر القتصاص من قاتل سفيره.
لّول من هذه السنة 15 ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان قد بعث في شهر ربيع ا َ لضافة إلى ذلك ،فإ ّ وبا ِ
لهالي
ناَ لأّلسلم ،إ ّ ل إلى منطقة ذات أطلح من أرض الشام خلف وادي القرى ،لدعوة الناس إلى ا ِ رج ً
لجريحا منهم تمكن من الوصول إلى النبي )صلى ال لسر ،إ ّقتلوهم عن آخرهم مَوثرين عز الشهادة على ذل ا َ
عليه وآله وسلم( ليخبره بالحادث.
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( بالخروج إلى وقد أثر هذان الحادثان على الوضع السياسي بين الجانبين ،فأمر النب ّ
الجهاد في شهر جمادى ،ووجه جيشًا قوامه 3آلف مقاتل لتأديب هَولء المخربين والغدرة ،وعين القائد عليهم
ل بن رواحة ،فإن اصيب فليرتضي "جعفر بن أبي طالب" فإن قتل فزيد ابن حارثة ،فإن أصيب ،فعبد ا ّ
ل عليهم.المسلمون بينهم رج ً
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( بنفسه مع جماعة من أصحابه وقد خرج النب ّ
===============
) ( 191
ل عنكم وردكم سالمين غانمين صالحين". ل" :دفع ا ّمشّيعا لهم ووّدعهم قائ ً
ل ،فل مجال لتغيير الوضع الذي ذهب إليه لّول لهذا الجيش كان جعفرًا ثّمزيدا فعبد ا ّ ن القائد ا َ
ومن المَوكد أ ّ
بعض الرواة والمحّدثين ،الذين اختلقوا ترتيبًا آخر ،بوضع زيد كقائد ثّم جعفر كمعاون له ثّم ابن رواحة ،إذ أ ّ
ن
وضع هذا الترتيب بهذا الشكل ُأقّر لدوافع سياسية وأغراض ُأخرى ل مجال لذكرها هنا،وتبعهم في ذلك كتاب
السيرة دون تمحيص وتحقيق(1).
ليقاف تقّدم المسلمين ،كما أعّد القيصر 100ألف آخرين في وفي الشام أعّد الحاكم الحارث 100ألف فارس ِ
البلقاء كقّوة احتياطّية تتدخل عند اللزوم(2).
لسلمي والروماني ،سواء في نوعية المعدات الحربية ومن الواضح أّنه لم يكن هناك أّيتكافو بين الجيشين ا ِ
لرض وساحة المعركة الغريبة عن المسلمين ،وقيامهم بدور لجهزة القتالية أو وسائل النقل أو عدد الجنود ،وا َ وا َ
الهجوم ل الدفاع الذي اّتخذه الروم ونفذوه في أرضهم وبلدهم.
وقد تواجه الجيشان في منطقة مشارف ،ولكن المسلمين تراجعوا نحو مَوتة ،فبدأت المبارزات الفردية أّول ،فُقتل
جعفر بعد مبارزة شجاعة ،ثّم ُقتل زيد بن حارثة ،وأيضًا ابن رواحة ،فاختار الجنود خالد بن الوليد قائدًا ،فعمد
إلى استخدام تكتيك عسكري لم يعرف من قبل ،إذ أمر بالعسكر أن يحدث بعض التغييرات في صفوفه بالليل
دون صوت ،ويذهب عدد منهم إلى مكان بعيد ثّم يلتحقوا بالمسلمين عند الصباح مكبرين ،فيظن العدو بوصول
إمدادات عسكرية بشرية جديدة إلى جانب المسلمين .ولذا تمكن المسلمون من مواجهتهم
____________
. 1السيرة النبوية.380|2:
. 2المغازي760|2:؛السيرة النبوية.375|2:
===============
) ( 192
جوا
لسلمي مستفيدًا من هذا التكتيك وَن َ لحوال ،فرجع الجيش ا ِ وقتالهم ،وقتل أعداد كبيرة منهم ،فهدأت ا َ
بأنفسهم من خطر فناء ساحق وأكيد(1).
ن المسلمين في المدينة رفضوا منطق النسحاب من المعركة وفضلوا الستشهاد في ساحة المعارك على لأّ إّ
ل أفضل من النسحاب. النسحاب ،فهم كانوا يعدون الموت والشهادة في سبيل ا ّ
وقد تأثر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لشهادة جعفر وبكى بشدة ،فكان كّلما تذكر جعفرًا وزيدًا بكى(2).
طلع المبكر على أسرار العدو العسكرية ،ومعرفة حجم طاقاته ومبلغ استعداداته واكتشاف خططه ،يعد ن ال ّ
إّ
من العوامل الجوهرية المَوثرة في النتصار عليه .والنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( هو أّول من ابتكر في
لسلم جهازًا خاصًا بهذا العمل في صورة منظمة ،وتبعه الخلفاء من بعده ،حين استعانوا بجواسيس تاريخ ا ِ
لدارية.
وعيون للعمل في المجالت العسكرية وا ِ
ى نار فتنة باستخدام معلوماتواستطاع الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في غزوة ذات السلسل أن يطف َ
دقيقة علمها عن العدو ،قبل أن يخسر الكثير بغير ذلك .فقد علم من عناصر المخابرات الخاصة به )صلى ال
جه نحو المدينة للقضاء
ن أعدادًا كبيرة متحالفة تجمعوا في منطقة وادي اليابس هدفوا إلى التو ّ
عليه وآله وسلم( أ ّ
لمام علي )عليه السلم( خاصة .فأمر لسلم والمسلمين ،وقتل النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وا ِ على قّوة ا ِ
الرسول بنداء "الصلة جامعة" أي دعوة الناس إلى الجتماع به )صلى ال عليه وآله وسلم( فقال "صلى ال
عليه وآله
____________
. 1السيرة النبوية.381|2:
لنوار54|21:؛ المغازي.766|2: . 2بحار ا َ
===============
) ( 193
ل وعدوكم قد عمل على أن يبّيتكم فمن لهم؟". وسلم" " :يا أّيها الناس ،إّنهذا هو عدو ا ّ
لسلمية ،فقرر أبو فخرجت جماعة بقيادة أبي بكر ساروا مسافة حتى واجهوا قبيلة بني سليم الذين قاوموا القّوة ا ِ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يقبل بهذا الوضع ،فانزعج لأّبكر النسحاب والرجوع من حيث أتى .إ ّ
لعودة الجيش بهذه الصورة المهينة ،فأمر عمر بن الخطاب بتوّلي القيادة ،ولكّنه لم يحارب أيضًا لقوة العدو
فانسحب أيضًا إلى المدينة .وطلب عمرو بن العاص من النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" أن يبعثه إلى هَولء
ن بني سليم قاتلوه فهزموه وقتلوا عددًا من جماعته ،فلم ييأس النبي لأّلعداء على أساس أّنه من دهاة العرب ،إ ّ اَ
لمام )عليهلمام عليًا )عليه السلم( قائدها ،فاستعد ا ِ "صلى ال عليه وآله وسلم" ونظم جماعة جديدة واختار ا ِ
السلم( وتعصب بعصابة كان يشدها على جبينه في اللحظات الصعبة ،ولبس بردين يمانيين ،وحمل رمحًا
هنديًا ،ثّم توجه نحو الهدف سالكًا طريقًا غير معروفة ول مطروقة حتى يعّمي بذلك على العدو ،فتمكن من
لسباب التالية:
النتصار عليهم وذلك ل َ
ل وكمن .1لم يشعر العدو بتحركاته ،وذلك لتغييره مسيره ،واستخدامه ُأسلوب الكتمان في ذلك ،إذ سار لي ً
نهارًا واستراح خلله.
.2كما أّنه فاجأ العدو حين صعد بجنوده إلى قمة الجبال ثّم انحدر بهم بسرعة فائقة إلى الوادي مركز إقامة بني
سليم ،فأحاطوا بهم وهم نيام ،وحاصروهم وأسروا منهم ،وفّر آخرون.
لمام علي )عليه السلم( وبسالته النادرة أرعبت العدو ،وأفقدته القدرة على المواجهة ن شجاعة ا ِ .3ثّم أ ّ
والمقاومة ،حيث فّروا من أمامه تاركين الغنائم وراءهم.
ل ورسوله نا ّن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( استقبله بحفاوة وقال له عندما نزل من فرسه":إركب فإ ّ وبذا فإ ّ
راضيان عنك".
===============
) ( 194
لهمية بحيث نزلت فيها سورة العاديات كاملةَ):والعاِديا ِ
ت لمام )عليه السلم( وشجاعته من ا َ وكانت تضحية ا ِ
جْمعًا( (1).
ن بِه َ
طَس ْ
ن ِبِه َنْقعًا* َفو َ
صْبحًا* َفَأَثْر َ
ت ُ
ت َقدحًا* َفالُمِغيرا ِ
ضْبحًا* َفالُموريا ِ
َ
وهناك عدد من المَوّرخين كالطبري ،نقلوا هذه الواقعة بنحو آخر مختلف عّما ذكرناه ،فل يبعد أن تكون ذات
لسباب لخرى َ ل من الفريقين ـ السّنة والشيعة ـ واحدة منها وأعرض عن ا َُ السلسل اسمًا لغزوتين ،وقد نقل ك ّ
صة(2). خا ّ
.3فتح مّكة
لسلحة ،وهي من كنانة المتحالفة معها، أخّلت قريش باتفاقية الحديبية ونقضتها ،حينما زودت قبيلة بني بكر با َ
ل ،يقتلون فريقًا ويأسرون آخرين. وحرضتهم على أن يبيتوا لخزاعة المتحالفين مع المسلمين فيغيروا عليهم لي ً
و ُأبلغ النبيبما حدث لخزاعة على أيدي بني بكر ،فوعدهم النصرة .ولكن قريشًا ندمت على فعلتها من تأليب بني
بكر على خزاعة ،واشتراكهم معها في العدوان ،فأرسلوا زعيمهم أبا سفيان إلى المدينة لتطييب خاطر النبي
ل أّنه عندما وصل إلى بيت "صلى ال عليه وآله وسلم" وتسكين غضبه وتأكيد احترام قريش لمعاهدة الصلح ،إ ّ
ابنته ُأّم حبيبة زوجة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ،لم يجد التقدير والحترام المطلوب لديها على أساس
أّنه مشرك نجس ،فتوجه إلى الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وكّلمه حول إمكانية تجديد العهد ،فلم يرد عليه
وهو ما يعني عدم اعتنائه به ،فسار إلى بعض أصحابه يطلب منهم أن يشفعوا له عند الرسول )صلى ال عليه
وآله وسلم( وإقناعه بتجديد ميثاق الصلح ،ولكن دون
____________
. 1العاديات 1:ـ .5
. 2تاريخ الطبري315|2:؛ السيرة الحلبية190|3:؛ المغازي.769|2:
===============
) ( 195
لمام )عليهلمام علي )عليه السلم( والسيدة فاطمة الزهراء"عليها السلم" فرد عليه ا ِ
جدوى .فذهب إلى منزل ا ِ
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" على أمر ما نستطيع أن نكّلمه" .فالتفت إلى ل لقد عزم رسول ا ّ
السلم( " :وا ّ
السيدة الزهراء "عليها السلم" وهو يطلب شفاعتها أو شفاعة الحسنين لدى النبي ص :يا ابنة محمد ،هل لك أن
تأمري و ُبَنّيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ فقالت)عليها السلم( وهي تعلم بنواياه
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" وإّنهما صبيان وليس مثلهما يجير" (1).فطلب الشريرة ":ذلك إلى رسول ا ّ
لمام )عليه السلم( فقال له" :ما أجد لك شيئًا أمثل من أن تقوم فتجير بين الناس ـ أي تعطيالنصيحة من ا ِ
لمان للمسلمين ـ ثّم إلحق بأرضك" .فأّدى ما طلبه منه ،ورجع إلى مّكة وأخبر سادة قريش بما صنع ،فاجتمعوا اَ
ى غضب المسلمين ويثني الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( عن عزمه(2). للتشاور فيما يطف َ
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد أعلن التعبئة العامة بهدف فتح مكة ،وتحطيم أقوى قلعة من ياَ أّما النب ّ
لسلميةقلع الوثنية ،وإزالة حكومة قريش الظالمة ،التي كانت أقوى الموانع والعقبات في طريق تقدم الدعوة ا ِ
لسلم. وانتشار ا ِ
ل سبحانه و تعالى في دعائه أن يعمي عيون قريش وجواسيسهم كيل يعلموا بحركة المسلمين وطلب من ا ّ
ل فجأة"(3).
لبغتة ول يسمعون بي إ ّ
خذ على قريش أبصارهم فل يروني إ ّ وهدفهم" :الّلهم ُ
واجتمع في مطلع شهر رمضان الكثيرون ،فقد شاركت قبائل وطوائف مختلفة في هذا الفتح العظيم ،اشتهر
منهم:
ـ المهاجرون 3+700 :ألوية إضافة إلى 300من الخيل.
____________
لسماع.359|1: . 1إمتاع ا َ
لنوار.102|21 :
. 2المغازي780|2:؛ السيرة النبوية389|2:؛ بحار ا َ
. 3المغازي.796|2:
===============
) ( 196
لنصار+4000 :ألوية كثيرة إضافة إلى 700من الخيل. ـاَ
ـ قبيلة مزينة :ألف مع مائة فرس ،ولواءان.
ـ قبيلة جهينة 800 :مع خمسين فرسًا و 4ألوية.
ـ قبيلة بني كعب 500 :مع ثلثة ألوية.
لضافة إلى اشتراك عدد آخر من قبائل غفار وأشجع وبني سليم(1). هذا با ِ
ن جميع من شهد فتح مّكة من المسلمين بلغوا عشرة آلف ،من بني سليم ،700ويقول ويذكر ابن هشام ،أ ّ
بعضهم ألف ،ومن بني غفار ،400ومن أسلم ،400ومن مزينة ألف و 300نفر ،وسائرهم من قريش
لنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد(2). وا َ
ن أخبار هذه الحملة الكبيرة وصلت إلى قريش ،فقد أخبر جبرائيل )عليه السلم( النبي )صلى ال عليه وآله لأّ إّ
ن امرأة تدعى "سارة" وهي ن أحد المسلمين أرسل كتابًا إلى قريش يخبرهم فيه بتوجههم إلى مكة ،وأ ّ وسلم( أ ّ
مغنية ،تريد توصيل الكتاب لهم لقاء حصولها على مال .وقد ساعد النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" و
المسلمون هذه المغنية من قبل ،عندما تركت عملها في مكة واتجهت إلى المدينة ،ورغم ذلك فإّنها خانتهم بعملها
لمام علي )عليه السلم( جاسوسة تعمل لصالح قريش .مّما جعل النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يطلب من ا ِ
والمقداد و الزبير أن يلحقوا بها ويدركوها ويصادروا منها الكتاب .وتمّكنوا من اللحاق بها عند روضة الخاخ ـ
ن لنا هذا الكتاب أو
لمام )عليه السلم( :لتخرج ّل أّنها أنكرت وجود كتاب لديها في رحلها ،فهددها ا ِ الخليقة ـ إ ّ
لنكشفّنك .فاستخرجت الكتاب(3).
____________
لسماع.364|1: . 1المغازي800|2:؛ إمتاع ا ِ
. 2السيرة النبوية.63|4:
. 3بّين القرآن الكريم ذلك في عّدة آيات من سورة الممتحنة.
===============
) ( 197
وهكذا أعد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( للحركة الكبرى ،دون أن يعلم أحد وجهته على وجه التحديد ،وكان
ذلك في يوم 10رمضان .وفي الطريق أفطر على الماء وأمر جنده بالقتداء به" :إّنكم مصبحوا عدوكم،والفطر
ن الجهاد أفضل في حالة الصوم ،فغضب النبي لفطار ظنًا منهم أ ّن البعض منهم أمسك عن ا ِ لأّ
أقوى لكم" .إ ّ
)صلى ال عليه وآله وسلم( لذلك و قال عنهمُ" :أولئك العصاة"(1).
وفي هذا الوقت ،خرج العباس بن عبد المطلب من مكة متوجهًا إلى المدينة ليلتحق بالرسول )صلى ال عليه
وآله وسلم( خلل الطريق ،فهو سيَودي دورًا بارزًا هامًا في عملية الفتح العظيم .كما التحق به عدّوان له أحجما
ل بن أبي ُأمية
ل والستجابة لدعوته و هما :أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد ا ّ ليمان برسول ا ّعن ا ِ
ن أبا
بن المغيرة ،فقد كانا من أشّد المعارضين للرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" والمَوذين له ،بالرغم من أ ّ
ل هو أخو ُأّم سلمة ابنةعاتكة عّمة الرسول سفيان هذا كان ابن عّم الرسول ص وأخاه من الرضاعة ،وعبد ا ّ
ل أّنه لم يأذن لهما ،ولم تنفع
"صلى ال عليه وآله وسلم" .وحاول مقابلة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إ ّ
لمام علي )عليه السلم( ،بأن يقول للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( : لما ذكره لهما ا ِ الوسائط في ذلك ،إ ّ
طئين() (2فسوف يعفو عنهما كما فعل يوسف )عليه السلم( مع ن ُكّنا لخا ِ
عَلْينا َوإ ْ
ل َكا ّل َلَقْد آَثَر َ
) قاُلوا تا ّ
لمام )عليه السلم( فقبل إسلمهما. إخوته.وقد حدث ما اقترحه ا ِ
لسلمي إلى مشارف مّكة ،عمد النبي ص إلى إرعاب أهلها وتخويفهم بإشعال النيران وحينما وصل الجيش ا ِ
فوق الجبال والتلل ،وزيادة في التخويف وإظهار القوة ،أمر بأن يشعل كّلفرد منهم نارًا في شريط طويل على
لرض. اَ
وهنا اّتجه "العباس بن عبد المطلب" ليَوّدي دوره العملي لصالح الطرفين،
____________
. 1وسائل الشيعة124|7 :؛ السيرة الحلبية90|3:؛ المغازي.802|2:
. 2يوسف.91:
===============
) ( 198
فيقنع قريشًا بالتسليم وعدم المقاومة ،إذ أخبرهم بقّوة المسلمين وعددهم ومحاصرتهم لمّكة المكرمة ،واصطحب
لمان و لهم كذلك من الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( ،فأجاره عند الوصول معه أبا سفيان حتى يطلب له ا َ
إلى معسكر المسلمين ،خاصة عندما حاول "عمر بن الخطاب" أن يقضى عليه ـ أي يقتل أبا سفيان ـ كما أّنه
ل فلبّدأن يقتل.حاول إعادة قتله أمام النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( على أساس أّنه عدو ّ
ل؟" لا ّ
ل" :ألم يأن لك أن تعلم أّنه لإله إ ّ وتحدث النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في خيمته مع أبي سفيان قائ ً
ل إله غيره ،لقد ل لقد ظننت أن لو كان مع ا ّ فقال أبو سفيان :بأبي أنت و ُأّمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ،وا ّ
ل؟ "فقال :أما أغنى عني شيئًا بعد .فقال الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :ألم يأن لك أن تعلم أّني رسول ا ّ
ن محّمدا ل وأ ّ
لا ّل إله إ ّ
ن في النفس منها حتى الن شيئًا .فغضب العباس من عناده و قال :أسلم واشهد أ ّ ل فإ ّ
وا ّ
ق وأسلم ودخل في عداد المسلمين .فارتفع بذلك أكبر سد، ل قبل أن ُيضرب عنقك .فشهد شهادة الح ّ رسول ا ّ
لسلمية .ومع ذلك فقد أمر النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" العباس وانزاح أكبر مانع من طريق الدعوة ا ِ
لّنه لم يأمن جانبه بعد ،قبل أن يتم فتح مّكة" :يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ـ أي أنفه ـ بحبسه َ
ن أبا سفيان رجل يحب ل فيراها" .فطلب العباس من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( :إ ّ حتى تمر به جنود ا ّ
الفخر فاجعل له شيئًا .فاستجاب له النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وقال:
"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ،ومن أغلق عليه بابه فهو آمن،ومن دخل المسجد فهو آمن ،ومن طرح
السلح فهو آمن" .وذلك بالرغم من أخلق أبي سفيان المنحدرة وأعماله السيئة تجاه النبي )صلى ال عليه وآله
وسلم( والمسلمين ،طيلة السنوات الماضية".
وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قد عزم على أن يفتح مكة دون إراقة
===============
) ( 199
دماء وإزهاق أرواح وتسليم العدو دون شروط .وقد تم ذلك نتيجة التخطيط السليم،وتحييد موقف أبي سفيان
لسلمية تمر من أمام أبي سفيان ،كان العباس يوضح له العدائي وهوقائد قريش،ولما كانت القطع العسكرية ا ِ
لحد بهَولء قبل ول طاقة اسمها وخصوصياتها ،فمرت كتيبة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقال للعباس :ما َ
ل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا .فرد عليه العباس موبخًا :ويحك يا أبا سفيان ،ليس يا أبا الفضل ،وا ّ
بملك ،إّنها النبوة.
وحينئٍذ أطلق النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أبا سفيان ليرجع إلى مّكة فيخبرهم بما رأى من قّوة الجيش
لمر الواقع بإلقاء السلح والستسلم دون قيد أو لسلمي ،ويحذرهم من مغبة المواجهة والمقاومة ،والتسليم ل َ اِ
شرط .فصاح في أهل مّكة :يا معشر قريش ،هذا محّمد قد جاءكم فيما ل قبل لكم به ،أو قال :هذا محّمد في
عشرة آلف ،فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ،و من ألقى السلح فهو آمن ،ومن دخل المسجد فهو آمن،ومن
أغلق بابه فهو آمن.
وأضاف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى ذلك :و من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن .وهو موقع
خامس عينه الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( للتأمين من القتل.
لعداء ،ركنوا إلى المطالبة بالتسليم دون مقاومة. ل ذلك إلى إضعاف نفوس أهل مّكة ،حتى القياديين ا َ وأّدى ك ّ
ل أّنه
لمن قاتلهم ،إ ّ وبالرغم من أّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قد أمر جنوده بعدم بدء القتال ،فل يقاتلوا إ ّ
لفراد وإن وجدوا تحت أستار الكعبة وهم: أمر بقتل عشرة من ا َ
.1عكرمة بن أبي جهل
لسود .2هبار بن ا َ
ل بن أبي السرح
.3عبد ا ّ
===============
) ( 200
.4قيس بن حبابة الكندي
.5الحويرث بن نقيند
.6صفوان بن أمية
.7وحشي بن حرب ،قاتل حمزة
ل بن الزبعرى .8عبد ا ّ
.9حارث بن طللة
ل بن خطل .10عبد ا ّ
وأربعة نساء(1).
لسلم والمسلمين. وكان كّلواحد من هَولء إّما قتل أحدًا ،أو ارتكب جناية أو شارك في مَوامرة أوحرب ضّد ا ِ
وفي دخول مّكة أخذ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( الحيطة والحذر ،ففّرق الجنود ،على أن يدخلوها من
أسفلها ،وآخرون يتخذون طريقًا من أعلها ،وأعدادًا ُأخرى تدخل من جميع المداخل والطرق المَودية إلى داخل
ل ما حدث مع جبهة خالد بن الوليد ،الذي قابلته مقاومة صغيرة تمكن مّكة ،فدخلت الفرق كّلها مّكة دون قتال ،إ ّ
من السيطرة على الوضع بعد هروب المعتدين.
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد دخل مكة من ناحية أذاخر وهي أعلى نقطة في مّكة ،فضربت أّما النبي ا َ
له قبة من أدم بالحجون ـ عند قبر عّمه العظيم أبي طالب ـ ليستريح فيها ،فقد أبى أن ينزل في بيت من بيوتها.
ل المعظم والطواف به واغتسل بعد الستراحة ،فركب راحلته القصواء متوجهًا إلى المسجد الحرام لزيارة بيت ا ّ
على راحلته ،حيث لم يترجل،وكّبـر فكّبـر المسلمون ،حتى
____________
. 1السيرة النبوية410|2:؛ تاريخ الخميس.90|2:
===============
) ( 201
ارتجت مكة لدوّيصوتهم ،فسمعه المشركون الذين تفّرقوا في الجبال ينظرون المشهد المثير .وحينما كان يمر
طَ
ل ن البا ِ
لإّطُق البا ِ
ق وَزَه َ
على أي صنم من أصنام المشركين ،يقول و هو يشير بقضيب في يده ) :جاَء الح ّ
لصنام على مرأى من المشركين. ن َزُهوقًا() (1فيقع الصنم لوجهه ،ثّمأمر بتحطيم أكبر ا َكا َ
وبعد أخذ استراحة ،طلب من عثمان بن طلحة أن يأتيه بمفتاح الكعبة ،فقد كان هو سادن الكعبة ،حيث كانت
ل بعد جيل .وفتح النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( باب الكعبة و دخل البيت ،و دخل بعده، السدانة تتوارث جي ً
ُأسامة بن زيد ،و بلل وعثمان .ثّمأمر )صلى ال عليه وآله وسلم( بإغلق الباب ،الذي قام خالد بن الوليد
بحراسته ومنع الناس عنه.
ن النبيص أمر بمحوها جميعًا لنبياء والملئكة وغيرهم ،فإ ّ ولّما كانت جدران الكعبة من الداخل مغطاة بصور ا َ
وغسلها بماء زمزم.
لصنام الموضوعة في الكعبة ،وحاول النبي )صلى ال لمام علي )عليه السلم( في كسر بعض ا َ وقد اشترك ا ِ
لمام )عليه السلم( لم يساعده في ذلك ،فطلب منه النبي ن ضعف ا ِ لأ ّ
عليه وآله وسلم( أن يصعد على كتفيه ،إ ّ
ل" :يا علّياصعد على منكبي" ،فصعد على منكبه، ي ـ على كتفه قائ ً"صلى ال عليه وآله وسلم" أن يصعد ـ عل ٌ
لرض (2).ثمّ وقف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لكبر وأصنام ُأخرى محطمة إلى ا َ فألقى صنم قريش ا َ
لحزاب وحده" .ثّم اتجه إلى الناس ل الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم ا َ على باب الكعبة وقال" :الحمد ّ
ل ،فسألهم: لصنام ويحمد ا ّ الذين يشاهدون الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وهو يكسر ا َ
"ماذا تقولون وماذا تظنون؟" فقالوا :نقول خيرًا ونظن خيرًا .أخ كريم وابن
____________
لسراء.81 :.1اِ
. 2مسند أحمد بن حنبل84|1:؛ السيرة الحلبية86|3:؛ تاريخ الخميس.86|2:
===============
) ( 202
ل ل َتْثري َ
ب أخ كريم ،وقد قدرت .فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :فإّني أقول لكم كما قال أخي يوسف) :قا َ
حُم الّراحمين().(1
ل َلُكْم َوُهَو َأْر َ
عَلْيُكُم الَيوَم َيْغِفُر ا ّ
َ
وبهذا أعلن )صلى ال عليه وآله وسلم( العفو العام والشامل عن أهل مكة بقوله" :أل لبئس جيران النبي كنتم،لقد
كّذبتم،وطردتم وأخرجتم وآذيتم ثّم ما رضيتم حتى جئتموني في بلدي تقاتلونني ،اذهبوا فأنتم الطلقاء"(2).
لذان ـ وبعدها وكان الوقت ظهرًا فحان وقت الصلة ،فصعد بلل سطح الكعبة ورفع نداء التوحيد و الرسالة ـ ا َ
رّدمفتاح الكعبة على عثمان بن طلحةو قال له:
"هاك مفتاحك يا عثمان ،اليوم يوم بّر ووفاء" .فالنبي "صلى ال عليه وآله وسلم" هو أّول من يلتزم بالتعليم
لمانة الكبرى إلى صاحبها .ثّم ألغى جميع مناصب الكعبة لمانة إلى أهلها ،فيعيد مثل تلك ا َ للهي في أداء ا َ اِ
ل ما كان نافعًا للناس ،كالسدانة ،والحجابة ـ و هي القيام بشَوون أستار الكعبة ـ و سقاية السائدة في الجاهلية ،إ ّ
الحجيج(3).
وفي حديث له )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى أقاربه ،في اجتماع ضم بني هاشم و بني عبد المطلب ،أوضح لهم
لحد منهم أن يتجاهل قوانين الحكومة ن صلة القربى التي تربطهم به "صلى ال عليه وآله وسلم" ل تبرر َ أّ
لسلمية ،فيتخذ من انتسابه إلى زعيمها ذريعةوغطاء لرتكاب ما ل يحل للخرين. اِ
ل تمييز وتفضيل غير صحيح وسليم ،داعيًا إلى لزوم العدل وهو )صلى ال عليه وآله وسلم( بهذا قد شجب ك ّ
ومراعاة المساواة بين جميع الطبقات" :يا بني
____________
. 1يوسف.92:
لنوار106|21 :؛ السيرة الحلبية.412|2: . 2بحار ا َ
لنوار.132|21 : . 3بحار ا َ
===============
) ( 203
ل ما أوليائي منكم ل إليكم وإّني شفيق عليكم ،ل تقولوا أّنمحّمدا مّنا ،فوا ّ هاشم ،يا بني عبد المطلب ،إّني رسول ا ّ
ل المّتقون ،فل أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم ،ويأتي الناس يحملون ول من غيركم إ ّ
ن لي عملي ولكم عملكم"(1). ل عّزوجلّ وبينكم ،وإ ّ الخرة .أل وإّني قد أعذرت فيما بيني و بينكم وفيما بين ا ّ
ل الحرام ،حضره حشد كبير من أهالي مكة ،وألقى فيهم خطابًا ثّم دعا إلى اجتماع تاريخي كبير عند بيت ا ّ
لمراض الجتماعية الخاصة بالمجتمع العربي في ذلك العصر وحتى عصرنا الحالي ،ومن تاريخيًا عالج ا َ
أهّمما ورد وتناوله )صلى ال عليه وآله وسلم( في هذا الخطاب:
لمراض المستحكمة في البيئة العربية الجاهلية ،إذ كان من أكبر أمجاد المرء .1التفاخر بالنسب :فقد كان من ا َ
ل .فأبطل الرسول )صلى ال عليه أن ينتسب إلى قبيلة معروفة ،أو يتفرع نسبه عن عشيرة بارزة كقريش مث ً
ل قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها نا ّوآله وسلم( في خطابه هذه العادة السيئة بقوله" :أّيها الناس إ ّ
بآبائها ،أل إّنكم من آدم و آدم من طين".
ل عبد اتقاه"
ن خير عباد ا ّ وبذا فإّنه )صلى ال عليه وآله وسلم( صّنف الشخصية بالتقوى و الورع" :أل إ ّ
لهل التقوى والورع خاصة. فأعطى الفضيلة والمنزلة َ
.2التفاضل بالقومية العربية :فقد اعتبروا النتساب إلى العرق العربي مفخرة ،فقال )صلى ال عليه وآله
ن العربية ليست بأب والد ،ولكّنه لسان ناطق ،فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه". وسلم( " :إ ّ
ن الناس من آدم إلى يومنا لفراد والجماعات" :إ ّ .3المساواة بين أفراد البشر :فقد دعا إلى دعم المساواة بين ا َ
هذا مثل أسنان المشط ،ل فضل للعربي
____________
لنوار.111|21 : . 1بحار ا َ
===============
) ( 204
ل بالتقوى" .وبذلك ألغى التمييز العنصري مَوسسًا بذلك ميثاق حقوق لسود ،إ ّ
لحمر على ا َ على العجمي ،ول ل َ
ي جهة عالمية. لنسان قبل أ ّ اِ
لحقاد والحروب الطويلة :إذ أّنالحروب المتلحقة بين القبائل العربية أدت إلى نشأة الحقد و الضغينة ،فلم .4ا َ
لبالطلب من الناس أن يتنازلوا عّما لهم من دماء في أعناق الخرين ،سفكت في عهد يجد طريقًا للقضاء عليها إ ّ
ن كّلمال ومأثرة ودم في الجاهلية تحت قدميالجاهلية ،فتعتبر ملفات العهد القديم باطلة .وقال في ذلك"أل إ ّ
هاتين".
لسلمية :حيث دعا إلى اّتحاد المسلمين ووحدة كلمتهم وحّقالمسلم على أخيه المسلم ،فهو من أهّم لخوة ا ِ .5ا َُ
لسلم إذا سمع ورأى مثل هذه الحقوق غب غير المسلم في اعتناق ا ِ لسلمي ،وهو بهذا ير ّ مميزات الدين ا ِ
والعلقات المتبادلة بين المسلمين":المسلم أخو المسلم ،و المسلمون إخوة ،وهم يد واحدة على من سواهم ،تتكافَو
دماَوهم ليسعى بذّمتهم أدناهم"(1).
وبعد ذلك تفّرغ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( للحكم على بعض المجرمين والمَوذين،حيث كان هناك عدد
من المجرمين المكّيين ،كان لبّد من عقابهم على ما فعلوا من أعمال سيئة ،وذلك بالرغم من إصدار العفو العام،
لمام )عليه السلم( التي
ى ُأخت ا ِ
لمام علي )عليه السلم( اثنين منهم لجآ إلى بيت ُأّم هان َ وقد طارد ا ِ
لمام )عليه السلم( طلب منها أن يعلم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بأمانها ليعطي رأيه في أجارتهما،ولكن ا ِ
جوارها وأمانها كمرأة ،فقبل )صلى ال عليه وآله وسلم( ذلك و قال" :قد أجرنا من آجرت ،وأّمنا من أّمنت ،فل
يقتلهما"(2).
____________
لنوار.105|21: . 1روضة الكافي246:؛ السيرة النبوية412|2:؛ مغازي الواقدي836|2:؛ بحار ا َ
لرشاد.72: .2اِ
===============
) ( 205
لسلم وأمر النبي ل بن أبي السرح الذي ارتّدعن ا ِ وهو بهذا وضع قاعدة تقبل جوار المرأة وأمانها .كما أّنعبد ا ّ
)صلى ال عليه وآله وسلم( بقتله،نجا من القتل بشفاعة عثمان بن عفان له .وكذلك عكرمة بن أبي جهل الذي فّر
إلى اليمن ،وتشّفعت فيه زوجته ،فنجا من القتل .كما أّمن أيضًا كبير المجرمين صفوان بن ُأمية حينما طلب
"عمير بن وهب"من النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يعفو عنه ،فأمهله أربعة أشهر ليعلن إسلمه بعد
التفكير.
وكذلك وضع )صلى ال عليه وآله وسلم( قاعدة مبايعة النساء له )صلى ال عليه وآله وسلم( ،فقد بايعته المرأة
لولى في بيعة العقبة بهذه الكيفية] :حيث أمر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بإحضار قدح ماء، للمّرة ا َُ
لمور المذكورة ،ثّم نهض ثّمألقى في الماء شيئًا من الطيب والعطر فأدخل يده فيه،وتل الية التي وردت فيها ا َُ
من مكانه و قال لهن :من أرادت أن تبايع فلتدخل يدها في القدح ،فإّني ل أصافح النساء[ (1).وقد أجرى البيعة
لسلوب ،لوجود عدد كبير من النساء الفاسدات بينهن ،فكان لبّدمن ذلك حتى ل تستأنف إحداهن عملهن بهذا ا َ
القبيح بعد ذلك في السّر.
لصنام
هدم بيوت ا َ
وللقيام بهذه المهمة الضرورية ،أرسل النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فرقًا عسكرية إلى ضواحي مكة وداخلها
لصنام المتواجدة فيها ،كما أعلن )صلى ال عليه وآله وسلم( " :من كان في بيته صنم وفي بيوتها لهدم ا َ
فليكسره" .و أرسل خالد بن الوليد إلى تهامة لدعوة قبيلة جذيمة بن عامر وهدم أصنامهم ،ونهاه النبيعن القتل أو
لأّنه لما كانت هذه القبيلة قد قتلت أّيام الجاهلية عّم خالد إراقة الدماء .إ ّ
____________
ن ول يأتين ببهتا ٍ
ن ل شيئًا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولده ّ ل يشركن با ّ . 1في سورة الممتحنة ) :12أ ّ
ن ول يعصينك في معروف( . ن وأرجله ّ يفترينه بين أيديه ّ
===============
) ( 206
لمر الذي أغضب النبيعندما علم بذلك، ووالد عبد الرحمن بن عوف ،فإّنه حقد عليهم ،وأمر بقتل عدد منهم ،ا َ
لمام علي )عليه السلم( ليدفع دية هَولء المقتولين وقال" :اللهّمإّني أبرأ مّما صنع خالد ل كثيرًا مع ا ِ
فأرسل ما ً
لهالي المنكوبين و لمام علي )عليه السلم( من معاملة طيبة َ بن الوليد" (1).وارتاح بعد ذلك لما أقدم عليه ا ِ
ل عنك ،أنت هادي ُأّمتي"(2). ن لي بما صنعت حمر النعم ،أرضيتني رضي ا ّ ل ما يسرني يا علّيأ ّ قال" :وا ّ
.4معركة حنين
وبعد أن استقر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في مكة مّدة خمسة عشر يومًا ،غادرها إلى أرض قبيلة هوازن
لمور والصلة لدارة ا َُ لسلم ،وعتاب بن أسيد ِ و ثقيف ،بعد أن عّين معاذ بن جبل لُيعّلم الناس القرآن وأحكام ا ِ
بالناس جماعة في مكة المكرمة.
وقد بلغ الجيش الذي سار به إلى هوازن 12 :ألف مسلحًا ،إذ شاركه هذه المرة ألفان من شباب قريش الذين
ل ذلك العدد الكبير لم يساعد في النجاح والنتصار كما ذكر نكّ لأّأسلموا بعد الفتح بقيادة أبي سفيان (3).إ ّ
شيئًا َوضاَق ْ
ت عْنُكْم َن َ
جَبْتُكْم َكْثَرُتُكْم َفَلْم ُتْغ ِ
عَن ِإْذَأ ْ
حَني ٍ
ن َكثيَرٍة َوَيْوَم ُ
طَ
ل ِفي َموا ِ
صَرُكُم ا ّ
القرآن الكريمَ) :لَقْد َن َ
ت ُثّم َوّلْيُتْم ُمْدِبرين( ) (4وقد برز من طرف العدو :مالك بن عوف النصري الذي عرف حَب ْ
ض ِبما َر ُلْر ُعَلْيُكُم ا َ
َ
لخراج خدعة عسكرية توجه منها بالفروسية والشجاعة ،كما أّنه أدار الّتصالت المكثفة بين هوازن وثقيفِ ،
ضربة إلى جيش
____________
لسماع.400|1: . 1السيرة النبوية420|2 :؛ الكامل173|1 :؛ إمتاع ا َ
. 2مجالس ابن الشيخ.318 :
. 3طبقات ابن سعد139|2:؛مغازي الواقدي.889|3:
. 4التوبة.25:
===============
) ( 207
لموال وراء ظهور الرجال حتى يضطروا إلى أن يقاتلوا عنهم، لطفال والنساء وا َ
لسلم ،فقد اقترح بوضع ا َ اِ
لعداء.كما أرسلوا الجواسيس ورجال مخابراتهم للتجسس على المسلمين ،مثلما بعث النبيرجاله إلى ديار ا َ
وحسب الوضع والموقع ،قّرر مالك بن عوف أن يخفى الجنود خلف الصخور وفوق الجبال ليباغتوا المسلمين
في الوادي ،الذي دخلته أّول كتيبة ،من بني سليم بقيادة خالد بن الوليد فبادرهم العدو و أخذ يرشقهم بالحجار
ل ،مّما أّدى إلى إصابة المسلمين بالفوضى وبلبلة الموقف والنبال ويضربونهم بالسيوف ،فوقعوا فيهم ضربًا وقت ً
لمر الذي جعل النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" يأمر العباس بن عبد المطلب بأن وخلخلة الصفوف فالفرار ،ا َ
ينادي على هَولء الفاّرين والهاربين ويرجعهم ،فبلغت صرخاته مسامعهم فثارت حميتهم ونادوا :لبيك لبيك .وبذا
ل واحٍد على فقد تمكن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من تنظيم صفوف جيشه من جديد ،وحمل حملة رج ٍ
العدو لغسل ما لحق بهم من عار الفرار ،وتمّكنوا من النيل منهم وإجبارهم على النسحاب من الموقع والفرار
من أمامهم وذلك بتشجيع وحماس من الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :أنا النبي ل كذب ،أنا ابن عبد
لثر الفعال في إلقاء الهزيمة المنكرة بقبيلة هوازن ،تاركين وراءهم أموالهم ونساءهم المطلب" .مّما كان ا َ
وصبيانهم الذين كانوا قد وضعوهم خلف ظهورهم حسب أوامر وخطة قائدهم.
أّما النتيجة النهائية للمعركة ،فكانت شهادة ثمانية أفراد من المسلمين ،وأسر ستة آلف من العدو ،وغنائم كثيرة
من الحيوان وأربعة آلف أوقية فضة(1).
لسرى إلى الجعرانة ـ بين مكة والطائف ـ و وأعطى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أوامره بإرسال الغنائم وا َ
بلغ من حنق المسلمين على المشركين في
____________
4 . 1آلف أوقية تساوي 852كيلو غرام.
===============
) ( 208
هذه المعركة ،أن قتلوا الرجال وذّريتهم ،فلّما بلغ ذلك النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" قال" :أل ل ُتقَتل
الذرية" .وعندما قيل له :إّنما هم أولد مشركين .قال "صلى ال عليه وآله وسلم" " :أو ليس خياركم أولد
صرانها"(1).
ل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها ،وأبواها يهّودانها أو ين ّالمشركين؟ ك ّ
.5غزوة الطائف
سكنت قبيلة ثقيف ،واشتركوا مع هوازن في قتال المسلمين ،وهربوا بعد المعركة السابقة إلى الطائف متحصنين
لعداد لمطاردتهم وملحقتهم حتى ديارهم. في قلعها وحصونها ،فأمر النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" با ِ
لشعري لملحقتهم في أوطاس ،فأحرز انتصارًا كبيرًا على العدو .وأّما فأرسل فريقًا عسكريًا بقيادة أبي موسى ا َ
النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد توجه بجيشه إلى الطائف ،حيث هدم حصن مالك بن عوف في طريقه،
لرض ،حتى ل يستغله العدو فيما بعد. وسواه با َ
واشتهرت حصون الطائف وقلعها بالمنعة وارتفاع الجدران ،فتمكنوا من رّد المسلمين عن طريق حذفهم
ورميهم ،الذي أّدى إلى تراجعهم .فاقترح سلمان الفارسي أن يرمى الحصن بالمنجنيق ـ اّلذي يأخذ دور الدبابة
في الحروب الحديثة ـ فبدأوا برمي الحصون وأبراجها بالحجارة طوال عشرين يومًا ،مّما أصاب عددًا من
لعمال(2).
المسلمين في هذه ا َ
ن سلمان الفارسي هو الذي صنع جهاز المنجنيق ،وعّلم المسلمين كيفية استخدامه ،بينما يرى ومّما يذكر أ ّ
ن المسلمين حصلوا على هذا آخرون أ ّ
____________
. 1إمتاع السماع.409|1:
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( هو أّول من استخدم المنجنيق . 2السيرة النبوية 126|4:ويرى ابن هشام أ ّ
في الجزيرة العربية.
===============
) ( 209
ن سلمان ربما أدخل عليه تحسينات إضافة أّنه علم المسلمين أسلوب استعماله. السلح من يهود خيبر ،وأ ّ
ن الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( كان قد حصل على بعض الليات الحربية من خلل ما ترك في كما أ ّ
حروبه لقبيلة دوس التي استخدمتها في معاركها ضّدالمسلمين ،فاستفاد منها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في
غزو الطائف.
ن نتائج تلك العمليات والليات لم تأت بنتيجة حاسمة ،فاتجه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى جانب لأّ إّ
ن أرض الطائف آخر قد يكون أكبر قّوة وأثرًا من الجانب العسكري ،وهو الناحية النفسية والقتصادية .إذ أ ّ
لّنه
كانت زراعية ،ذات نخل وأعناب ،مّما فكر به الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( لتهديدهم وتخويفهم َ
لعناب وإفناء المزارع ،إذ استمر المعتصمون بالحصون في المقاومة .وعندما لم يرضخوا سيعمد إلى قطع ا َ
لهالي وطلبوا من النبي لتلف ،مّما أزعج ا َللتهديد ،نفذ المسلمون عمليًا أوامر النبي ص بالقطع والحرق وا ِ
"صلى ال عليه وآله وسلم" أن يأمر رجاله بالكف عن ذلك ،فتركوا العمل بهذا التكتيك .وقام بمحاولة أخيرة
للتخلص منهم ،فنادى :أي عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر .فنزل عدد منهم ملتحقًا بالمسلمين ،وعرف
لخبار المرتبطة بالحصن ،وأّنه ل نية لهم للستسلم ،و لديهم منهم الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بعض ا َ
الستعداد للمقاومة حتى لو طال الحصار عامًا واحدًا ،فلن يقعوا في أزمة أو ضيق بسبب طول الحصار .ولذا
لسباب التالية:
لصلح الرجوع عن ساحة القتال ،وذلك ل َ لسلمي رأى أّنه من ا َ ن الجيش ا ِفإ ّ
ن شهر شوال كان قد انتهى وبدأ شهر ذي القعدة وهو من لنصار ،كما أ ّ
.1مقتل عدد من المسلمين ،من قريش وا َ
سّنة ،فقد رأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن ينهي الحصار في أقرب لشهر الحرم ،وللحفاظ على هذه ال ّ اَ
وقت.
===============
) ( 210
ن إدارة الموسم ومناسكه أصبحت في يد المسلمين الن ،وليس ج كان قد اقترب ،وخاصة أ ّ ن موسم الح ّ
.2كما أ ّ
بيد المشركين كما في السابق.
لسرى، ل ذلك ترك النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( الطائف متوجهًا إلى الجعرانة حيث حفظت الغنائم وا َ ولك ّ
لسرى ،وخطط فاستقر فيها 13يومًا وزع فيها الغنائم بأسلوب جدير بالدراسة والتأمل :فقد أخلى سبيل بعض ا َ
لخضاع وإسلم مالك بن عوف قائد المعارك ضّد المسلمين ،وكان من بين المشركين مع هوازن ،قبيلة بني ِ
سعد التي أرضعت إحدى نسائها ـ حليمة السعدية ـ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وكبر بينهم وعاش معهم
لسرى ن جماعة مسلمة منهم قدمت إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يطلبون سراح ا َ خمس سنوات ،ولذا فإ ّ
ل حياته بينهم في تلك السنوات .فرّد عليهم النبيص محسنًا إليهم بأكثر مّما قدموا،
من هذه القبيلة ،وذّكروه بك ّ
ن النبي
لنصار و الخرون ،فارجعوهم إلى ذويهم .كما أ ّ لسرى ،فتبعه المهاجرون وا َ وتنازل عن نصيبه في ا َ
"صلى ال عليه وآله وسلم" دعا ُأخته شيماء وبسط لها رداءه ورحب بها ،ودمعت عيناه ،وسألها عن ُأّمه وأبيه
من الرضاعة ،فأخبرته بموتهما ،فقال :إن أحببت فأقيمي عندنا محببة مكرمة ،وإن أحببت أن ُأمتعك وترجعي
إلى قومك فعلت .فاختارت الرجوع إلى أهلها بعد أن أسلمت طوعًا ورغبة ،ومنحها ثلثة عبيد وجارية(1).
لسلم، لسرى إلى رغبة هوازن في ا ِ وقد أّدت معاملت النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( هذه ،وإطلق ا َ
فأسلموا من قلوبهم ،ففقدت الطائف آخر حليف لها.
أّما بالنسبة لمالك بن عوف فقد رأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فرصة طيبة للسيطرة عليه ،وهو رئيس
المتمردين ،فقال لوفد بني سعد :أخبروا
____________
لمتاع.413|1:
. 1البداية والنهاية363|2:؛ ا ِ
===============
) ( 211
لسلم لبل .وعندما بلغه ذلك ،وعلم بقّوة ا ِ مالكًا إّنه إن أتاني مسلمًا رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من ا ِ
وأخلق النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وعظمته ،قرر اللتحاق بالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فخرج من
لبل،
لدراك النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في مكة أو الجعرانة ،حين رّد عليه ماله وأهله وأعطاه ا ِ الطائف ِ
فأسلم وحسن إسلمه ،وجعله قائدًا على من أسلم من قومه حارب بهم ثقيف.
وأّما الغنائم ،فقد قسمها بين المسلمين ،ووزع الخمس اّلذي هو حّقه الخاص ،بين أشراف قريش حديثي العهد
لسلم ليتأّلفهم ،مثل :أبي سفيان ومعاوية ابنه ،وحكيم بن حزام ،والحارث بن هشام و سهيل بن عمرو، با ِ
لمس القريب، وحويطب ابن عبد العزى ،والعلء بن جارية ،وصفوان بن أمية ،وغيرهم مّمن كانوا أعداءه با َ
لسلمي :المَوّلفة قلوبهم .وهم يشّكلون إحدى ل واحد منهم مائة بعير (1).وهذا الفريق يصطلح عليه في الفقه ا ِ لك ّ
مصارف الزكاة بنص القرآن الكريم.
ن بعضهم لم يستحسن أسلوب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في التوزيع ،ورأى أّنه لم يعدل حين وزع لأّ إّ
خمس الغنيمة على أبناء قبيلته ،ومن أشهرهم:
ـ ذو الخويصرة التميمي ،الذي رفض ُأسلوب النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" مّما دعا عمر بن الخطاب أن
يستأذن النبي ص لقتله .ولكن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" قال :دعه فإّنه سيكون له شيعة )أي َتبع(
ل زعيمًا لفرقة الخوارج في يتعّمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية (2).وقد أصبح فع ً
لمام علي )صلى ال عليه وآله وسلم( . عهد ا ِ
لنصار ،حول كيفية توزيع الخمس ،فخطب كما اشتكى عدد من جانب ا َ
____________
. 1المحّبر473 :؛مغازي الواقدي944|3 :؛ السيرة النبوية.493|3:
. 2وجاء في السيرة الحلبية أّنه أصل الخوارج.
===============
) ( 212
فيهم النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( موضحًا موقفه من هذا التوزيع في تأليف القلوب":أفل ترضون يا معشر
ل إلى رحالكم .والذي نفس محّمد بيده ،لول الهجرة لنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ،وترجعوا برسول ا ّ اَ
لنصار"(1). لنصار شعبًا ،لسلكت شعب ا َ لنصار ،ولو سلك الناس شعبًا وسلكت ا َ ى من ا َلكنت إمر ًَ
لنصار".
لنصار وأبناء أبناء ا َ لنصار وأبناء ا َ ل" :الّلهّم ارحم ا َثّم ترحم عليهم قائ ً
ل حظًا وقسمًا .ويكشف ذلك عن عمق حكمة فأثار بهذه الكلمات مشاعرهم فبكوا بشّدة وقالوا :رضينا يا رسول ا ّ
النبي ص وحنكته السياسية ،وُأسلوب معالجته للمشكلت بروح الصدق واللطف.
وبعد ذلك خرج النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( معتمرًا من الجعرانة ،ثّم انصرف راجعًا إلى المدينة فوصلها
جة ،مستخلفًا على مّكة :عتاب بن أسيد ،الذي بلغ من العمر عشرين في أواخر ذي القعدة أو أوائل شهر ذي الح ّ
ج بعضهم على هذا التعيين ،قال" :ل يحتج منكم في مخالفته ي ،درهم واحد ،ولما احت ّ ب يوم ّعامًا ،و ُقّدر له رات ٌ
لكبر في موالتنا وموالة أوليائنا ،ومعاداة لكبر ،وهو ا َ لفضل هو ا َ لفضل ،بل ا َ لكبر هو ا َ بصغر سنه ،فليس ا َ
ل غيره"(2). لمير عليكم والرئيس عليكم ،فمن أطاعه فمرحبًا به ،ومن خالفه فل يبعُد ا ّ أعدائنا ،فلذلك جعلناه ا َ
لهلية والجدارة والكفاءة في حيازة المناصب الجتماعية وأكد بذلك النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( معيار ا َ
لخرى. لمور الجتماعية ا َُ وا َُ
ومن أحداث هذه السنة أيضًا:
____________
. 1السيرة النبوية498|2:؛ مغازي الواقدي.957|3 :
لسماع.432|1:لنوار122|21 :؛ إمتاع ا َ
. 2بحار ا َ
===============
) ( 213
وفاة زينب بنت الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وهي التي كان زوجها ابن خالتها أبي العاص الذي بقي
لخيرة وأعاد النبي ص إليه زوجته. على شركه بعد أن آمنت هي بأبيها ،ولكّنه آمن في الفترةا َ
كما أّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( رزق في أواخر هذا العام ولدًا سّماه إبراهيم من زوجته مارية القبطية،
ل(1).فأهدى المولدة هدية ثمينة ،وعق له في اليوم السابع وحلق شعره وتصدق بوزنه فضة في سبيل ا ّ
____________
. 1تاريخ الخميس.131|2:
) ( 214
===============
) ( 215
الفصل التاسع
===============
) ( 216
===============
) ( 217
.1عام الوفود
انتهت السنة الثامنة بسقوط أكبر قاعدة من قواعد الوثنية والشرك ،في أيدي المسلمين ،الذين انتصروا على
أعدائهم تمامًا ،فأخذت القبائل المتمردة تتقرب إليهم تدريجيًا ،وتوالت وفوُدها على النبي )صلى ال عليه وآله
لعداد الوافدة على النبيوسلم( تقدم ولءها وتعلن إسلمها وتتقبل الرسالة المحّمدية ،مّما دعت تلك الكثرة من ا َ
)صلى ال عليه وآله وسلم( أن يسمى بعام الوفود(1).
لسلم انتشر في ناِ ن دراسة الوفود وما دار بينهم و بين الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( تفيد بوضوح بأ ّ إّ
الجزيرة العربية عن طريق الدعوة والتبليغ .وتحدث القرآن الكريم في سورة خاصة عن حضور تلك الوفود
صُر الّلهَواْلَفْتح * َوَرَأْي َ
ت لسلم من فتح وانتصارِ):إذا جاَء َن ْ على النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وما حّققه ا ِ
ن َتّوابا( (2).
سَتْغِفْرُه ِإّنُه كا َ
ك َوا ْحْمِد َرّب َ
ح ِب َ
سّب ْ
ل َأْفواجًا* َف َ
نا ّن في ِدي ِ
خُلو َ
الّناس َيْد ُ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أعّد في هذا ل أّنه بالرغم من ذلك فإ ّ إّ
____________
. 1سجل المَورخ محمد ابن سعد في الطبقات ، 291|1:أسماء 73وفدًا قدموا على الرسول )صلى ال عليه
وآله وسلم( طوال السنة 9هـ.
. 2سورة النصر.
===============
) ( 218
لمام علي "عليه السلم" إلى أرض طيء ،وقد العام عّدة سرايا بعثها إلى جهات معينة ،من جملتها سرية ا ِ
اختصت لهدم مظاهرالوثنّية.
ل أّنها
كما وقعت غزوة واحدة مثل غزوة تبوك ،وإن لم يقاتل فيها النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" أحدًا ،إ ّ
كانت تمهيدًا لفتح المناطق الحدودية.
لصنام
.2هدم ا َ
ن الوثنية كجرثومة الكوليرا ،تهدم فضائل أدرك النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في ضوء تعاليم الوحي أ ّ
لنسان الرفيعة ،وتجعله كائنًا حقيرًا أمام الطينلخلق ،وتحط من مكانة ا ِ لنسان وشرفه ،وتقضي على مكارم ا َ اِ
ل تعالى أن يجتث جذور الشرك من كيان ذلك المجتمع الموبوء ،بإزالة لساس أمره ا ّ والحجر .وعلى هذا ا َ
كّلمظاهر الوثنية وأنواعها وأشكالها ،مستخدمًا القوة تجاه الجماعات المعارضة .وعلم )صلى ال عليه وآله
لمام عليًا )عليه السلم( مع 150فارسًا ن في قبيلة طيء صنمًا كبيرًا يقّدس حتى ذلك الوقت ،فأرسل ا ِ وسلم( أ ّ
ليحطم هذا الصنم ويهدم بيته.
لسرى إلى المدينة ،وهرب رئيسها "عدي بن حاتم لمام )عليه السلم( في مهمته ،وعاد بالغنائم وا َ ونجح ا ِ
ن النبي
لأّلّنه كان نصرانيًا حسب ما ذكر بنفسه ،وترك ُأخته في قومه .إ ّ الطائي" إلى الشام ملتحقًا بأهل دينهَ ،
"صلى ال عليه وآله وسلم" أرجعها إلى أخيها بالشام ،فأخذت توبخه مّما صنع من هروبه مع أهله ،وتركها
وحيدة ،ثّم طلبت منه أن يذهب إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ويعلن إسلمه ،فاحترمه النبي )صلى ال
عليه وآله وسلم( عندما قدم إليه في المدينة ،وقدم له ما يليق به كأمير وسيد على قومه.
ل ،أسلم على ولما شاهد من سيرته وأفعاله ما يدل ويَوكد على أّنه نبي ا ّ
===============
) ( 219
يديه )صلى ال عليه وآله وسلم((1).
أعّد إمبراطور الروم قّوة عسكرية لمهاجمة المسلمين الذين ازدادت قّوتهم وأعدادهم وخطرهم على الدولة
لسلحة و المعدات ،وتقدمت إلى منطقة الرومانية .وتألفت هذه القّوة من 40ألف فارس و كانت مجهزة بأحدث ا َ
البلقاء ،فأمر النبي ص عندها أصحابه بالتهّيو والستعداد لغزو الروم ،في موسٍم شديد الحرارة ،وجدب وعسرة،
لمور الدنيوية ،فشارك 30ألف من المسلمين في ب على كّلتلك ا َُ غَل َ
ل َ ن الدوافع المقّدسة والجهاد في سبيل ا ّ لأّ إّ
ك لمعرفة حّهذه الغزوة تحددت نفقاتها من الزكاة من أهل الغنى والثروة .وقد اعتبرت هذه الغزوة خيَر َم َ
جة الخوف من أن يفتتن بالنساء ن بعضهم تخّلف بح ّ المجاهدين الصادقين من المنافقين والمبدعين ،إذ أ ّ
طوا َوِإ ّ
ن سَق ُ
ن ِلي َول َتْفتّني َأل ِفي الِفْتَنِة َ
ل اْئَذ ْ ن َيُقو ُ
الروميات ،وهو عذر صبياني أقبح من الذنبَ) :وِمْنُهْم َم ْ
طٌة ِبالكاِفرين( (2).
جَهّنَم لُمحي َ
َ
لسلم ،فثّبطوا الناس عن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وكان منهم أيضًا المنافقون الذين تظاهروا با ِ
شّدحّرا َلْو كاُنواجَهّنَم َأ َ
ل ناُر َحّر ُق ْ
وخوفوهم من قّوة الرومان ،و اعتذروا بالحر الشديدَ) :وقاُلوا ل َتْنِفُروا ِفي ال َ
َيْفَقُهون( (3).
ن مجموعة من الخونة أّلفت شبكة جاسوسية في المدينة ،تمكن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من كما أ ّ
القضاء عليها بهدم المكان الذي اجتمعت به وحرقة ،وهو بيت سويلم اليهودي.
____________
لمامية.352:
. 1مغازي الواقدي988|2:؛ السيرة النبوية578|3:؛ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ا ِ
. 2التوبة.49:
. 3التوبة.81:
===============
) ( 220
وكذلك تخّلف عنهم المخّلفون الثلثة ،الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم ،حينما قالوا بأّنهم سيلحقون بركبه
ل تعالى وعاقبهم ،ليكونوا عبرةً لغيرهم .كما )صلى ال عليه وآله وسلم( بعد ما يفرغون من الحصاد ،فوّبخهم ا ّ
تخلف عن الغزوة ولكن بنية صادقة البكاَوون ،وذلك لعدم تمّكنهم من المشاركة في الجهاد ،لفقرهم و عدم
حصولهم على دواب تحملهم ،ولم يستطع النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يجهز ذلك لهم فقال :ل أجد ما
ي )عليه السلم( فقد أبقاه النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" في لمام عل ّ
أحملكم عليه .كما لم يشارك فيها ا ِ
لسلم .وبالرغم من أّنالنبي المدينة ،خوفًا من إثارة فتنة أو قيام انقلب خلل غيابه ،بمساعدة القوى المضادة ل ِ
لمام علي )عليه السلم( " :أنت )صلى ال عليه وآله وسلم( قد استخلف على المدينة"محمد بن مسلمة" فإّنه قال ل ِ
لمن والستقرار فيها. خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي و قومي" فكأّنه تعّين كقائد عسكري في المدينة يحفظ ا َ
لقاويل في عدم اصطحاب النبي )صلى ال عليه وآله ن المنافقين استغلوا ذلك فرصة لنشر الشائعات وا َ ولذا فإ ّ
لمام )عليه السلم( يسير إلى الرسول )صلى ال لمام علي )عليه السلم( معه في الجيش ،مّما جعل ا ِ وسلم( ل ِ
ل ،زعم المنافقون ل" :يا نبي ا ّ
لمر قائ ًعليه وآله وسلم( وهو على بعد ثلثة أميال من المدينة ليسأله عن هذا ا َ
أّنك إّنما خّلفتني أّنك استثقلتني وتخففت عني" فقال الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( حينئٍذ كلمته التاريخية
لدلة القاطعة على إمامته وخلفته بعده "صلى ال عليه وآله وسلم" َ" :كِذبوا ولكّني الخالدة التي اعتبرت من ا َ
ي أن تكون مّني بمنزلة هارون من ت ورائي ،فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ،أفل ترضى يا عل ّ خّلفتك لما ترك َ
ي بعدي"(1). ل أّنه ل نب ّ
موسى إ ّ
وهكذا فقد استعرض النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( المعسكر قبل تحّرك الجيش ،وألقى فيهم خطابًا هامًا
لتقوية معنويات المجاهدين ،وشرح فيه هدفه من هذه التعبئة العامة الشاملة.
____________
لسماع.450|1:
. 1إمتاع ا َ
===============
) ( 221
ن إيمانهم العميق ،وحّبهم لأ ّ
ب ومشاق كثيرة ،ولذا سمى هذا الجيش بجيش "العسرة" ،إ ّ وفي الطريق واجه متاع َ
لمر .وعندما مروا بأرض ثمود ،غطى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وجَهه للهدف المقدس ،سّهل عليهم ا َ
لوأنتم باكون خوفًا أن يصيبكم مثلما بثوبه وأمر أصحابه بسرعة السير" :ل تدخلوا بيوت الذين ظلموا إ ّ
أصابهم" .كما نهاهم أن يشربوا من مائها ول يتوضأوا به للصلة ول يطبخ به طعام (1).ولكّنهم شربوا عندما
وصلوا إلى البئر التي كانت تشرب منها ناقة صالح )عليه السلم( فنزلوا عليها بأمر الرسول )صلى ال عليه
وآله وسلم( .
ك بعضهم في لمور الغيبية حتى ل يَوّثر ش ّ ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أظهر في الطريق بعض ا َُ كما أ ّ
إيمان الخرين ،مثلما جرى لناقته التي ضلت الطريق ،وبدأ المنافقون في التقليل من قّوة النبي )صلى ال عليه
ل تعالى .وتنبأ عن أبي ذر و ما سيجري ل سبحانه و تعالى ،فأخبرهم بموقعها ،بعلم من ا ّ وآله وسلم( واّتصاله با ّ
ل أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده(2). خر عنهم فقال :رحم ا ّ له عندما تأ ّ
ل حال ،وصل الجيش في مطلع شهر شعبان إلى أرض تبوك ،دون أن يجدوا أثرًا لجيش الروم الذي كان على ك ّ
ل عدم مواجهة المسلمين ،ومَوكدين حيادهم تجاه الحوادث والوقائع التي تجري قد انسحب إلى داخل بلده مفض ً
في الجزيرة العربية .فجمع النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( القادة و شاَوَرهم في أمر التقّدم في أرض العدو ،أو
طه بعد المشاق والتعب ،إضافة إلى أّنهم حّققوا هدفهم العودة إلى العاصمة .فقرروا العودة ليستعيد الجميُع نشا َ
سْر،بتخويف العدو وإلقاء الرعب في قلوبهم ،فقالوا للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( :إن كنت ُأمرت بالسير َف ِ
فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :لو ُأمرت به ما استشرُتكم فيه" (3).فاحترم
____________
. 1السيرة النبوية521|2:؛ السيرة الحلبية.134|3:
. 2السيرة النبوية521|2:؛ السيرة الحلبية.134|3:
. 3مغازي الواقدي.1019|3 :
===============
) ( 222
الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( آراء هَولء وقرر العودة إلى المدينة.
ن الوقت مناسب للّتصال ببعض حّكام ورَوساء المناطق الحدودية، ورأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أ ّ
ليعقد معهم معاهدات أمن وعدم إعتداء ،ليأمن جانبهم .فاتصل شخصيًا بزعماء أيلة وأذرح والجرباء .وعندما
قدم يوحنا بن رَوبة زعيم أيلة ،إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قدم له فرسًا أبيض وأعلن عن طاعته له
)صلى ال عليه وآله وسلم( ،فاحترمه )صلى ال عليه وآله وسلم( وصالحه وكساه بردًا يمانيًا ،وقبل أن يدفع
جزية قدرها 300دينار سنويًا على أن يبقى على دينه المسيحي ،ووقع الطرفان على كتاب أمان ،فضمن بذلك
ل.
لسلمية شما ً أمن المنطقة ا ِ
وفي طريق تبوك تقع منطقة دومة الجندل ذات الخضرة والماء ،وتبعد عن الشام 50فرسخًا ،وعن المدينة
ل مسيحي هو :أكيدر بن عبد الملك .فأرسل النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قّوة بقيادة عشرة أميال ،حكمها رج ٌ
لخضاعه ،فتمكن من السيطرة عليهم وإحضار أكيدر إلى الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" ، خالد بن الوليد ِ
فأعلن خضوعه وقبل دفع الجزية والبقاء على دينه ،وكتب عهدًا وصالحه ،وأهداه ،ثّم أوصله إلى بلده بحراسة
لعمال العسكرية في تبوك. خاصة (1).فانتهت بذلك ا َ
ويمكن تقييم نتائج تلك العمليات العسكرية كما يأتي:
لسلمي في المناطق الخارجية ،مّما أثر في القبائل هناك فتسارعوا بالقدوم .1إبراز مكانة وسمعة الجيش ا ِ
والوفود على الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بعد عودته من تبوك ،لتعلن خضوعها وطاعتها ،حتى سّمي
ذلك العام بعام الوفود.
.2ضمان أمن الحدود بعد توقيع المعاهدات والتفاقيات مع حّكام تلك
____________
لنوار246|21 :؛ طبقات ابن سعد.166|2 : . 1بحار ا َ
===============
) ( 223
المناطق.
.3تمهيد الطريق للمسلمين لفتح الشام بعد ذلك ،عندما تعلموا منه "صلى ال عليه وآله وسلم" أساليب تكوين
وإعداد الجيوش الكبرى لمحاربة القوى العظمى.
.4تمييز المَومن عن المنافق.
ن اثني عشر منافقًا لأّ وبعد أن مكث )صلى ال عليه وآله وسلم( عشرين يومًا في تبوك ،توجه إلى المدينة ،إ ّ
تآمروا لغتيال النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" قبل أن يصل إلى عاصمته ،كان ثمانية منهم من قريش
والخرون من أهل المدينة ،وذلك بتنفير ناقته في العقبة ـ بين المدينة والشام ـ ليطرحوه في الوادي ،غير أّنه
)صلى ال عليه وآله وسلم( علم بمَوامرتهم فأرعبهم بصياحه فيهم ،فتركوا العقبة هاربين ،ورفض )صلى ال
عليه وآله وسلم( أن يرسل من يقضي عليهم أو اللحاق بهم .ثّم وصل الجيش إلى المدينة فرحين مسرورين
لعداء ،وإلقاء الرعب في قلب دولة كبيرة ،ولما أرادوا التفاخر والتباهي معتزين بما حّققوه من انتصار على ا َ
لّ
ن ن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" منعهم من ذلكَ ، لسلم ،فإ ّعلى الذين تخّلفوا بعذر وقلوبهم مع جنود ا ِ
النّية الصالحة والفكر الطّيب يقوم مقام العمل الصالح الطّيب.
ثّم أقدم )صلى ال عليه وآله وسلم( على معاقبة الثلثة الذين تخّلفوا عن الجيش بأعذار واهية وهم :هلل بن
ُأمية ،كعب بن مالك ،ومرارة بن الربيع ،فقد أعرض بوجهه الكريم عنهم ،ولم يكترث بهم حينما قّدموا التهنئة
بعودتهم مظفرين ،وقال فيهم :ل تكّلموا أحدًا من هَولء الثلثة ،مّما أثر في التعامل معهم تجاريًا ،فكسدت
حَب ْ
ت ض ِبما َر ُ
لر ُعَلْيِهُم ا َ
ت َ
حّتى ِإذا ضاَق ْ
بضائعهم ،وانقطعت روابطهم مع أقربائهم ،فأثر ذلك في نفسياتهمَ ) :
سُهْم( (1).
عَلْيِهْم َأْنف ُ
ت ََوضاَق ْ
____________
. 1التوبة.118:
===============
) ( 224
ل ،فأعلن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عفوه عنهم،ورفع المقاطعة عنهم(1). فقاموا بالتوبة إلى ا ّ
وكانت هذه آخر معركة اشترك فيها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( إذ لم يشارك بعدها في أّيقتال.
.4مسجد ضرار
أصبح أبو عامر والد حنظلة غسيل الملئكة ،الذي استشهد في ُأحد ،من المتعاونين مع المنافقين ،الذين خططوا
لسلم،ولذا قرر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( اعتقاله فهرب إلى مّكة و منها دائمًا للتخريب و إفساد أعمال ا ِ
إلى الطائف ثّم إلى الشام ،فقاد منها شبكة تجسسية لصالح المنافقين .وكتب في إحدى رسائله إلى جماعته ،يطلب
منهم أن يبنوا مسجدًا في قباء في مقابل مسجد المسلمين ليتخذوه مركزًا لتخطيط وتنفيذ مَوامراتهم .وكان النبي
"صلى ال عليه وآله وسلم" قد رفض من قبل طلبهم هذا قبل مسيره إلى تبوك ،فاستغلوا غيابه فأقاموه .و لّما
لأّ
ن عاد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( طلبوا منه أن يَودي ركعتين فيه ليسبغوا عليه الصفة الشرعية ،إ ّ
لمر والنية ،وسّماه مسجد ضرار ووصفه جبرائيل )عليه السلم( أوحى إليه "صلى ال عليه وآله وسلم" بحقيقة ا َ
ن اْلُمَْوِمِني َ
ن ضرارًا َوُكْفرًا َوَتْفِريقًا َبْي َ جدًا ِ سِ خُذوا َم ْن اّت َ
ليجاد الفرقة والتآمر بين المسلمينَ):واّلِذي َ بأّنه مركز ِ
ن* ل َتُقْم ِفيِه َأَبدًا شَهُد ِإّنُهْم َلكاِذُبو َل َي ْسنى َوا ّ لالح ْن َأرْدنا ِإ ّحلُفن ِإ ْل َوَلَي ْن َقْب ُ
سوَلُه ِم ْ
ل َوَر ُ
با َّوِإْرصادًا ِلَمْنحاَر َ
ن().طّهري َ ب اْلُم ّح ّ ل ُي ِن َيَتطّهُروا َوا ّ ن َأ ْل ُيحِّبو َ
ن َتُقوَم فيِه ِفيِه ِرجا ٌ ق َأ ْ
حّ ن َأّول َيوٍم َأ َعلى الّتْقوى ِم ْ
س َس َ جٌد ُأ ّ
سَِلَم ْ
(2
____________
. 1السيرة الحلبية.165|3 :
. 2التوبة.107:
===============
) ( 225
لرض ،فتحول مكانه إلى مزبلة فيما بعد(1). مّما دعا الرسولص أن يأمر فورًا بتدميره وإحراقه وتسويته با َ
ل بن ُأبي بعد شهرين منوكان ذلك ضربة قوّية للمنافقين ،إذ انتهى حزبهم الخبيث وهلك حاميهما الوحيد عبد ا ّ
غزوة تبوك.
.5وفد ثقيف
لسلمي ،فلم وهي من القبائل العنيدة التي تصلبت في موقفها أمام المسلمين،وخاصة عندما حاصرهم الجيش ا ِ
ن موقفهم تغّير بعد غزوة تبوك التي أشهرت قّوة المسلمين،وخوفت عّدة جهات ،مّما دفع لأّ يتنازلوا أو يسلموا ،إ ّ
عروة بن مسعود الثقفي أحد سادتهم إلى أن يقدم إلى المدينة ويعلن إسلمه على يدي الرسول )صلى ال عليه
لسلم ،فرشقوه بالنبال والسهام حتى استشهد.
وآله وسلم( ثّم يرجع إلى قومه داعيًا لهم إلى ا ِ
ن موقفهم المتصلب تغّير بعد فترة حينما علموا أّنمصالحهم التجارية وغيرها معرضة للخطر إذا لم يحسنوا لأّإّ
علقاتهم بالمسلمين ،فقرروا التوجه إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وإعلن إسلمهم ،فأوفدوا عنهم عبد
ياليل مع خمسة رجال للتفاوض مع النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ،وهناك أمر النبيبإكرامهم،وعين "خالد بن
سعيد" قائمًا بشَوون صيافتهم.
وفي المفاوضات التي جرت بين الطرفين ،اشترط عليهم الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" أن يهدموا
لمر ،ولكّنهم أطاعوه بالتالي على أن يقوم أشخاص غرباء ـ ليسوا من قبيلتهم ـ بهدمها. لصنام فرفضوا أّول ا َ اَ
كما طلبوا إعفاءهم من الصلة ،فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :ل خير في دين ل صلة فيه" .ثّم وّقع
____________
لنوار.253|20 : . 1السيرة النبوية530|2:؛ بحار ا َ
===============
) ( 226
الطرفان على شروط المعاهدة التي تّمت بينهما ،واختار "صلى ال عليه وآله وسلم" منهم عثمان بن أبي
العاص) (1الذي حرص على التفّقه في الدين وتعّلم القرآن ،فأّمره عليهم وجعله نائبًا دينيًا وسياسيًا عنه في قبيلة
ثقيف ،وأن يصلي بالناس جماعة ،مراعيًا أضعفهم" :يا عثمان تجاوز في الصلة ـ أي خفف الصلة وأسرع فيها
ن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة" .ثّم كّلف )صلى ال عليه وآله وسلم( ـ وأقدر الناس بأضعفهم،فإ ّ
لصنام هناك(2). أبا سفيان و المغيرة بن شعبة ،للتوجه معهم لهدم ا َ
.6إعلن البراءة من المشركين في منى
في أواخر هذا العام ـ 9هـ ـ نزل جبرائيل )عليه السلم( على النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" مع عّدة آيات من
سورة البراءة ،يطلب أن يتلوها رجل يختاره الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في موسم الحج .وقد تضمنت
لما التزم بها أصحابها ولم ينقضوها ـ فيبلغ ذلك إلى لمان عن المشركين ،وإلغاء جميع العهود ـ إ ّ اليات رفع ا َ
لسلمية خلل أربعة أشهر ،فإذا لم يتركوا ما هم عليه من رَووس المشركين ليوضحوا موقفهم تجاه الدولة ا ِ
لمان .أّما الدوافع التي كانت وراءلربعة أشهر ،نزعت عنهم الحصانة ورفع عنهم ا َ شرك ووثنية خلل ا َ
صدور هذا العهد :البراءة:
.1كان التقليد السائد عند العرب جاهليًا أن يعطي زائر الكعبة ثوبه الذي يدخل به مكة إلى فقير ،ويطوف بثوب
آخر ،وإذا لم يكن له ثوب آخر ،فإّنه يستعيره ليطوف به حول البيت ،وإن لم يجد طاف عريانًا بادي السوأة،
لمر الذي حتى لو كانت إمرأة ،فإّنها تطوف عارية بالبيت على مرأى من الناس ،وهو ا َ
____________
. 1كان أحدثهم سنًا.
. 2السيرة النبوّية537|2:؛ السيرة الحلبية216|3:؛ ُأسد الغابة.216|1:
===============
) ( 227
انطوى على نتائج سيئة.
لسلم وإظهار قّوته في خلل عشرين عامًا ،رأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أن .2كما أّنه بعد انتشار ا ِ
لنسانية ،فكان لبّد من
للهية وا ِ يستخدم القّوة لضرب كّلمظاهر الوثنية ،على أّنها نوع من العدوان على الحقوق ا ِ
استئصال جذور الفساد باستخدام القّوة العسكرية كآخر وسيلة.
لسلمية ،فكان على الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أن يقوم ج كان أكبر العبادات والشعائر ا ِ ن الح ّ .3ثّم إ ّ
ج على الوجه الصحيح بعيدًا عن تأثير أيّ نوع من الشوائب والزوائد ،فكان لبّد من بتعليم المسلمين مناسك الح ّ
اشتراك النبي ص بنفسه في تعليمهم هذه العبادة بصورة عملية ،ولكن بشرط أن تخلو منطقة الحرم ونواحيها من
للهي خالصًا للموحدين والعباد الواقعيين. لصنام ،ليصبح الحرم ا ِ المشركين العابدين ل َ
ي قهر أو فرض ،بل ل ّلّنالعقائد ل تخضع َ .4والنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لم يحارب لفرض العقيدة َ
لصنام. لوثان ،بواسطة هدم بيوت ا َ انحصر نضاله في القضاء على مظاهر العتقاد با َ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( اختار أبا بكر بعد أن علمه تلك اليات من سورة البراءة ،ووجه ل ذلك فإ ّ ولك ّ
ن جبرائيل )عليه السلم( لأ ّ
لضحى ،إ ّ ل ،ليتلوها على مسامع الناس يوم عيد ا َ صوب مكة يرافقه أربعون رج ً
ل أنت أو رجل منك" مّما جعل النبي )صلى ال عليه أخبره "صلى ال عليه وآله وسلم" " :إّنه ل يَوّدي عنك إ ّ
لمام علي )عليه السلم( القيام بهذه المهمة" :إلحق أبا بكر فخذ براءة من يده و إمض وآله وسلم( أن يطلب من ا ِ
بها إلى مّكة و انبذ بها عهد المشركين إليهم ،أي إقرأ على الناس الوافدين إلى منى من شتى أنحاء الجزيرة
لربع التالية:
العربية براءة ،بما فيها النقاط ا َ
===============
) ( 228
.1ل يدخل المسجد مشرك.
.2ل يطوف بالبيت عريان.
.3ل يحج بعد هذا العام مشرك.
.4من كان له عهد عند الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فهو له إلى مّدته ،أي يحترم ميثاقه وماله و نفسه
إلى يوم انقضاء العهد ،ومن لم يكن له عهد ومّدة من المشركين فإلى أربعة أشهر ،فإن أخذناه بعد أربعة أشهر
جة .ويعني هذا أّنهذا الفريق من المشركين ،عليه أن يحدد قتلناه ،ويسري هذا ابتداء من اليوم العاشر من ذي الح ّ
لسلمية ،فإّما النضمام إليها وترك مظاهر الشرك ،و إّما القتال(1). موقفه من الدولة ا ِ
جحفة وأبلغه أوامر النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" فأعطاه لمام )عليه السلم( أبا بكر في ال ُ وقد أدرك ا ِ
اليات ،ورجع أبو بكر إلى المدينةمستفسرًا عن سبب موقف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فأخبره بما أمره
جبرائيل )عليه السلم( .
لسلم ،فتم بذلك استئصال جذور الوثنية ولم يمض على قراءتها المّدة المعلومة ،حتى اعتنق أكثر المشركين ا ِ
لمام علي )عليه السلم(في أواسط السنة 10هـ ،ويَوكد هذا الموقف على نّية النبيبالكشف عمليًا عن أهلية ا ِ
وصلحيته للقيام بُأمور الدولة في المستقبل.
____________
. 1فروع الكافي.326|1 :
) ( 229
أحداث السنة العاشرة من الهجرة
تقع نجران على الحدود بين الحجاز و اليمن ،واعتنق أهلها المسيحية ،وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
لسلم أو دفع الجزية ،أو الحرب بين الطرفين ،فتشاور مع قدكتب إلى ُأسقف نجران أبو حارثة يدعوه إلى ا ِ
رجاله وشخصيات دينية كان من ضمنهم شرحبيل الذي عرف بالعقل والحكمة والتدبير فقال :قد علمُتما وعد ا ّ
ل
إبراهيم في ذّرية إسماعيل من النبّوة .ثّم اّتفقوا على إرسال وفد منهم إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ضّم
ستين شخصًا من أهل العلم بقيادة ثلثة من أساقفتهم:
لعظم والممثل الرسمي للكنائس الرومية في الحجاز. ـ أبو حارثة بن علقمة :أسقف نجران ا َ
ـ عبد المسيح :رئيس الوفد.
ليهم :من الشخصيات المقّدرة عندهم(1). ـاَ
وحينما وصلوا المدينة ودخلوا المسجد لمقابلة النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" في ملبسهم الخاصة من ديباج
لمام علي )عليهوحرير وذهب ،والصلبان في أعناقهم ،انزعج النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لذلك فأخبرهم ا ِ
السلم(
____________
. 1السيرة الحلبية.211|3:
===============
) ( 230
لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( الذي بأن يضعوا حللهم وخواتيمهم ثّم يعودوا إليه ،فدخلوا من ثّم على النبي ا َ
لذن بالصلة ـ أي صلتهم ـ فأذن لهممدّلل بذلك على التسامح الديني الذي احترمهم وتقّبل هداياهم ،ثّم طلبوا ا ِ
لسلم. لكرم )صلى ال عليه وآله وسلم( وا ِ تميز به الرسول ا َ
ثّم جرت المفاوضات و المناقشات الدينية بينهم و بين النبي ص وخاصة فيما يرتبط بالسيد المسيح ،فأوضح لهم
ل في القرآن الكريم ،و أّنه بشر وليس إلهًا ولكّنهم لم يرضخوا لمنطق النبي ودلئله النبي ص ما جاء حوله مفص ً
ع َأْبناَءنا
ل َتعاَلْوا َنْد ُ
ك ِمَنالِعْلِم َفُق ْ
ن َبْعِدماجاَء َ
ك فيِه ِم ْجَ ن حا ّ فدعاهم إلى المباهلة بعدما نزلت عليه الياتَ) :فَم ْ
على الكاِذبين( (1). ل َ تا ّ جَعل َلْعَن َل َفَن ْ
سُكْم ُثّم َنْبَتِه ْ
سنا َوَأْنُف َ
َوَأْبناَءُكْم َوِنساَءنا َوِنساَءُكْم َوَأْنُف َ
واّتفق الطرفان على إجراء المباهلة في الصحراء خارج المدينة ،فاختار الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( من
لمامان الحسن لمام علي )عليه السلم( والسيدة فاطمة الزهراء )عليها السلم( وا ِ أهله أربعة أشخاص فقط هم :ا ِ
و الحسين "عليهما السلم" فلم يكن غيرهم أطهر نفسًا وأقوى وأعمق إيمانًا .وفي الموعد المحدد سار النبي
لمام
لمام الحسين )عليه السلم( وأخذ بيد ا ِ )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى الموقع بأسلوب مميز ،فقد احتضن ا ِ
لمام علي )عليه السلم( خلفها ،وهو الحسن )عليه السلم( وسارت السيدة الزهراء)عليها السلم( خلفه ،وا ِ
ت فأّمُنوايقول :إذا دعو ُ
ن ذلك يدل على صدقه وثقته وكان زعماء الوفد النجراني قد قرروا أّنه إذا خرج النبيبأهله فقط ،لم يباهلوه فإ ّ
بحاله ،فلما شاهدوا ذلك بأنفسهم اندهشوا له ،فكيف خرج النبيبابنته الوحيدة وأفلذ كبده المعصومين
للمباهلة،فأدركوا أّنهواثق من نفسه ومن دعوته ،إذ لو لم يكن كذلك لما خاطر بأحبائه ولما عرضهم للبلء
السماوي ،ولهذا قال ُأسقف نجران :يا معشر
____________
. 1آل عمران.61:
===============
) ( 231
لزاله بها ،فل تباهلوا فتهلكوا ول يبقى على ل من مكانه َل أن يزيل جب ً النصارى ،إّني أرى وجوهًا لو شاء ا ّ
لرض نصراني إلى يوم القيامة .فاّتفقوا بذلك على عدم أداء المباهلة ،واستعدادهم لدفع الجزية سنويًا للنبي وجه ا َ
لسلمية بالدفاع عنهم. "صلى ال عليه وآله وسلم" في مقابل قيام الدولة ا ِ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( خرج يوم المباهلة وعليه مرط ـ كساء ـ ن رسول ا ّ وجاء عن السيدة عائشة :أ ّ
جل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثّم جاء الحسين فأدخله ،ثّم فاطمة ثّم علي ،ثّم قالِ) :إّنما ُيِريُد ا ّ
ل مر ّ
طِهيرًا((1).
طّهرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
ل البْي ِس َأْه َج َ
ِلُيْذِهَبَعْنُكُم الّر ْ
حة نبّوة النبي )صلى ال ي على فضل أصحاب الكساء ،وبرهان على ص ّ ن ذلك دليل قو ّ ويَوكد الزمخشري ،أ ّ
عليه وآله وسلم( .
ن كتاب الصلح كتب عام 10هـ وفي يوم وأّما عن وقت حدوث المباهلة ،فقد جاء أّنه ل خلف بين المَورخين بأ ّ
لصح ،بينما رأى فريق آخر أّنه كان جة.ويذكر السيد ابن طاووس أّنه كان يوم 24وهو ا َ 25من شهر ذي الح ّ
في يوم 21أو 27من الشهر نفسه(2).
ي كتاب آخر ،مشيرًا صلة لم ترد في أ ّ لقبال بصورة مف ّ وقد جاء عن السيد ابن طاووس قصة المباهلة في كتاب ا ِ
ن محتوياته اقتبست من كتابين: بأ ّ
لبي الفضل محّمد بن عبد المطلب الشيباني(3). .1كتاب المباهلة َ
جة تصنيف الحسن بن إسماعيل بن إشناس(4). .2كتاب عمل ذي الح ّ
____________
لحزاب.33: .1اَ
لقبال.743: .2اِ
لخرى لم يكن موثوقًا به. ن له فترتين من الحياة ،كان في إحداها موثوقًا به ،وفي ا َُ . 3يرى النجاشي أ ّ
لمامية ،توفي 460هـ ونقل أحاديث المباهلة. . 4من مشايخ الطائفة ا ِ
===============
) ( 232
جة عام 10هـ ،أ ّ
ن ن الواقعة لم تحدث في شهر ذي الح ّ ن الدراسة العلمية تثبت أ ّ
أما رأينا حول توقيت المباهلة ،فإ ّ
ج في هذه السنة ،وفي اليوم 18من هذا الشهر ـ و هو يوم الرسول ص كان قد توجه إلى مّكة لتعليم مناسك الح ّ
لمرالغدير ،نصب عليًا )عليه السلم( في غدير خم) (1خليفة على المسلمين من بعده ،ولم تكن حادثة الغدير با َ
لمام علي )عليه السلم( الهّين حتى يتابع النبي ص سفره فورًا إلى المدينة ،إذ أّنه نصب خيمة جلس فيها ا ِ
جة ،حيث بدأت ُأّمهات المَومنين في التهنئة عند ليدخل عليه المهّنئون،واستمر ذلك حتى ليلة 19من ذي الح ّ
نهاية المراسيم ،فل يمكن لذلك أن يغادر الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" غدير خم في يوم ،19نظرًا
جاج الذين كانوا يودعون النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في هذه البقعة. لوجود الكثير من الح ّ
ن النظرية المذكورة في توقيت المباهلة ل تحظى بالعتبار الكافي ،فلبّد لمعرفة زمن والشواهد التاريخية تَوكد أ ّ
صي .وأّما الحادثة التي هي من مسلمات القرآن والتفسير والحديث ،تحّري المزيد من التحقيق والدراسة والتق ّ
ن الشيخ الطوسي اختاره استنادًا إلى روايات َنَقلها في كتابه ،مع لّسبب اختيار العلماء للوقت والزمن ،فذلك َ
وجود رجال غير ثقات ضمن سنده.
لسلمي الجميلة و وتعتبر قصة مباهلة الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( مع وفد نجران من أحداث التاريخ ا ِ
ن عددًا من العلماءلأّ صر بعض المفسرين والمَورخين في رواية تفاصيلها وتحليلها ،إ ّ المثيرة ،وإن ق ّ
لثير في الكامل ،تناولوها بدقائقها(2). لمام الفخر الرازي في تفسيره ،وابن ا َ كالزمخشري في الكشاف ،وا ِ
____________
لحمر،وتقرب من رابغ الن ،و 4أميال من . 1تبعد عن الجحفة ميلين ،والجحفة على 6أميال من البحر ا َ
مكة .أّما بحساب المقاييس الحديثة فهي تبعد عن مّكة 220كم .والميل عبارة عن 3آلف ذراع ،والفرسخ
ن الميل 4آلف ذراع،والفرسخ 12ألف ذراع .و الميل ثلث الفرسخ،والفرسخ يساوي 9آلف ذراع ،و قيل إ ّ
يعادل 3أميال.
. 2الكشاف382|1 :؛ مفاتيح الغيب للرازي471|2:؛ الكامل.112|2 :
===============
) ( 233
كما أّنها وما نزل فيها من القرآن الكريم تعتبر أكبر فضيلة تدعم موقف الشيعة ،في الكشف عن مقام ومكانة من
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" والذين يتخذهم الشيعة أئّمة وقادة لهم ،فالية الكريمة اعتبرت
باهل بهم رسول ا ّ
لمام الحسن والحسين "عليهما السلم" أبناء للرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( والسّيدة فاطمة الزهراء )عليهااِ
السلم( هي المرأة الوحيدة التي ترتبط بالرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( وعّبر عن علي )عليه السلم(
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( ،أي من حيث الصفات النفسيةبأنفسنا ،فكان بحكم هذه الية بمنزلة نفس رسول ا ّ
والمَوهلت الروحية.
بعد إعلن البراءة من المشركين والوثنيين في موسم حج 9هـ ارتبكت القبائل فعمدت إلى إيفاد مندوبين عنها إلى
لسلمية .وهو ما يكشف عن أّنه في عام لسلم للحوار والتعرف على الدين الجديد والخضوع للدولة ا ِ عاصمة ا ِ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( ،إذ لم تنته الفترةُ المقررة ل حصن يمنعهم عن رسول ا ّ 10هـ َفَقد هَولء ك َ
خَلت كّلمناطق الحجاز تحت راية التوحيد، لوقد د َلعلن موقفهم ـ سواء بالرفض أو القبول ـ بعد أربعة أشهر ،إ ّ ِ
لضافة إلى سكان اليمن والبحرين واليمامة. با ِ
وقد بعث )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى اليمن :معاذ بن جبل لينشر دين التوحيد ويشرح لهم التعاليم فأوصاه
لمام علّيا
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( رأى أن يرسل ا ِ لأّ شر ول تنّفر" إ ّ سر ،وب ّ
سر ول تع ّل" :ي ّقائ ً
لمام )عليه لسلم في تلك الديار .ولكن ا ِ )عليه السلم( إلى تلك الجهات ليزيل المشكلت التي تعرقل تقّدم ا ِ
ب أقضي بينهم ول أدري ما القضاء ـ أي ما فعلته ل تبعُثني وأنا شا ّ
ضَع في ذلك وقال :يا رسول ا ّ السلم( توا َ
ب الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" بيده على صدره و قال" :الّلهم اهد قلبه و ثّبت لسانه" ثّم قبل هذا ـ فضر َ
ن معه المزيد، لجابة ،وبالشكر فإ ّ ن معه ا ِ ل" :يا علي ُأوصيك :بالدعاء فإ ّ أوصاه بوصايا أربع هامة قائ ً
===============
) ( 234
لبأهله ،وأنهاك عن البغي، يء إ ّ
وإّياك أن تخفر عهدًا أو تعين عليه ،وأنهاك عن المكر فإّنه ل يحيق المكر الس ّ
ل".فإّنه من ُبغي عليه لينصرّنه ا ّ
ل )صلى ال عليه لسلم في يوٍم واحد ،حينما قرأ عليهم كتاب رسول ا ّ وفي اليمن دخلت قبيلة همدان كّلها في ا ِ
ل وقال" :السلم على خّر ساجدًا شكرًا ّجو َلمام )عليه السلم( بذلك إلى النبيفاستبشر وابته َ وآله وسلم( فكتب ا ِ
لسلم(1). أهل َهْمدان" .وعلى أثر إسلم همدان تتابع أهل اليمن على ا ِ
وقد حاولت جماعٌة من القبائل اغتيال النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقد اّتفق ثلثة من أفراد قبيلة بني عامر
المعروفة بالشر و الطغيان أن يدخلوا المدينة على رأس وفد بني عامر متظاهرين بالتفاوض مع الرسول "صلى
ال عليه وآله وسلم" واغتياله غدرًا .والثلثة هم :عامر ،أربد ،و جبار .وشملت خطتهم أن يتحدث عامر إلى
ن الوضع لم يجِر كما لأّ الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( في الوقت الذي يعد فيه أربد لضربه بالسيف ،إ ّ
ط له ،فقد هاب أربد النبيوانصرف عن نّيته ،فغضب عامر و هّدد بمحاربة النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" طَخُّ
ل دعاءه سريعًا وغادر المجلس بعد أن دعا عليه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وعلى صاحبه ،فاستجاب ا ّ
حيث مات في الطريق بمرض الطاعون ،واحترق أربد بصاعقة وهو في الصحراء.
جة الوداع
.3ح ّ
===============
) ( 235
لفاضة منها .ولذلك فقد تهّيأ عدٌد كبير من المسلمين لمرافقة النبي الماضية ،ويعّين حدود عرفات ومنى و يوم ا ِ
)صلى ال عليه وآله وسلم( في هذه الرحلة المباركة ،فخرج الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( من المدينة يوم
حرم ملّبيا" :لبيك الّلهّم لبيك ،لبيك
حليفة ـ قرب مسجد الشجرة ـ فأحرم ودخل ال َ 26من ذي القعدة حتى بلغ ذي ال ُ
حمَد والنعمة لك والملك لبيك ،ل شريك لك لبيك" وهو نداء إبراهيم )عليه السلم( . ن ال َ
ل شريك لك لبيك ،إ ّ
لرض أو هبط واديًا ،وعندما شارف مكة قطع التلبية. وكان يكّرر التلبية كّلما شاهد راكبًا أو عل مرتَفعًا من ا َ
جها نحو المسجد الحرام رأسًا ،ودخله من باب بني شيبة وهو جة متو ّ فدخل مّكة في اليوم الرابع من شهر ذي الح ّ
ل) (1ثّم طاف لسود فاستلمه أّو ً جر ا َ
حَل ويثني عليه ويصّلي على إبراهيم )عليه السلم( ،فبدأ من ال َ يحمد ا ّ
سبعة أشواط حول الكعبة المعظمة ،ثّمصّلى ركعتين خلف مقام إبراهيم )عليه السلم( ثّمتوجه نحو الصفا
ل الحرام وقال" :من لم يسق منكم هديًا فليحّلوليجعلها عمرة جاج بيت ا ّ حّوالمروة للسعي بينهما ،ثّم التفت إلى ُ
لحرام( ومن ساق منكم هديًا فليقم على إحرامه". صر فيحل له ما حرم عليه ا ِ )أي فليق ّ
ن البعض منهم كره أن يحل إحرامه والنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ُمحرم ،فأمرهم بتنفيذ ما قال" :لو لأّإّ
ت كما أمرتكم" .أي أّنني لو كنت أعلم بالمستقبل وعرفت موقف الناس ت لفعل ُ كنت استقبلت من أمري ما استدبر ُ
ي فل يمكنني ت الهد َ سق ُ
ت ما فعلتموه ،ولكن ما العمل وقد ُ المتردد وخلفهم هذا من قبل ،لما سقت الهدي ،وفعل ُ
ي محّله .فمن لحرام حتى يبلغ الهد ُ لحلل من ا ِ اِ
____________
لسود باليدين قبل الشروع بالطواف ،واستلمه نوع من تجديد الميثاق مع الخليل . 1استلمه يعني مسح الحجر ا َ
إبراهيم )عليه السلم( والعمل على نصرة عقيدة التوحيد على نحو ما فعل إبراهيم )عليه السلم( .وقد اعتمر
لخرى عام 8هـ بعد فتح النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في الفترة المدنية مّرتين ،واحدة في عام 7هـ و ا َُ
ج.
مكة ،فهذه كانت ثالث عمرة له مع الح ّ
===============
) ( 236
ل سبحانه و تعالى ،وأما أنتم فمن لم يسق الهدي الواجب علّيأن أبقى في إحرامي ،أي أنحر هديي بمنى كما أمر ا ّ
جمّرة ُأخرى.لحرامه ،واحسبوها عمرًة ثّم احرموا للح ّ ن عليه أن يح ّ منكم فإ ّ
ج أن يمكث في دار أحد ،ولذا فإّنه كان يأمر بضرب ـ وقد كره النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خلل فترة الح ّ
جة
أي بإعداد ـ خيمة له خارج مّكة .وقصد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عرفات في اليوم الثامن من ذي الح ّ
عن طريق منى التي توّقف فيها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع ،فركب بعيره نحو عرفات ،ونزل في خيمة
ُأعّدت له في نمرة ،وألقى هناك خطابًا تاريخيًا هامًا وهو على ناقته ،في جموع بلغت 100ألف.
ل" :أّيها الّناس اسمعوا قولي واعقلوه ،فإّني ل أدري لعلي ل ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف وبدأ خطابه قائ ً
ضكم ـ عليكم حرام إلى أن تلقوا رّبكم كحرمة شهركم هذا ن دماَءكم وأموالكم ـ وأعرا َأبدًا ،أيّـها الّناس ،إ ّ
وكحرمة بلدكم هذا ،وكحرمة يومكم هذا".
لمانة،وقد ألغى في هذا الخطاب عادات الثأر الجاهلية المشَوومة بادئًا بأقربائه ،مثل النتقام ،والخيانة ،أي أداء ا َ
والربا ،كما استوصى بالنساء خيرًا.
ل وسّنة نبّيه .والمسلُم أخو المسلم،
ت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا ،أمرًا بينًا كتاب ا ّ "وقد ترك ُ
ع تحت قدمي". والمسلمون إخوة ،ول نبي بعدي ول ُأّمة بعدكم .أل كّلشيء من أمر الجاهلية موضو ٌ
ثّم سار بعد الغروب إلى المزَدَلفة ،ووقف فيها من الفجر إلى طلوع الشمس ،وتوجه في اليوم العاشر إلى منى
لداء بقية المناسك.وأّدى مناسكها ،ثّمتوجه نحو مّكة َ
جه النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" إلى مّكة ،فخرج لمام علي )عليه السلم( يومذاك في اليمن ،فعلم بتو ّ وكان ا ِ
مع جنوده للمشاركة في الموسم واصطحب
===============
) ( 237
لمام )عليه معه شيئًا من بز اليمن وحريرها أخذها جزية من أهل نجران .وبعد أن أّدى مناسك العمرة ،رجع ا ِ
ن نائبه الذي عينه أثناء غيابه قدالسلم( إلى جنوده حسب ما أمره الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" فوجد أ ّ
ل فرد منهم حّلة من البز ،كان يريد تسليمها إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ،فطلب منهم وّزع على ك ّ
لخرى من جزية أهل نجران. لشياء ا َُرّدها مع ا َ
===============
) ( 239
ي الحوض ،فل تقدموهما فتهلكوا ،ول تقصروا عنهما اللطيف الخبير نّبأني أّنهما لن يفترقا حتى يردا عل ّ
ل" :يا أّيها الناس من أولى الناس بالمَومنين من أنفسهم؟" قالوا: لمام علي )عليه السلم( قائ ً فتهلكوا" .ثّم رفع َيَد ا ِ
ل مولي و أنا مولى المَومنين ،وأنا أولى بهم من نا ّل ورسوله أعلم .فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :إ ّ ا ّ
ي موله (1).الّلهّم وال من واله وعاد من عاداه ،وانصر من نصره ،واخذل من أنفسهم ،فمن كنت موله فعل ّ
ق معه حيث دار". خذله ،وأحب من أحّبه ،و ابغض من أبغضه ،وأدر الح ّ
ظَيت
حِ لسلمية بمثل ما َ لّمة ا ِ
لسلمي وا َُ وفي الحقيقة إّننا قّلما نجد حادثًة تاريخية حظيت في العالم في التاريخ ا ِ
ت مختلفة من المحدثين والمفسرين والفلسفة والكتاب والشعراء به واقعة الغدير .فقد استقطبت اهتمام فئا ٍ
لدباء والخطباء وأرباب السير والتراجم ،واعتنوا بها أشّد العتناء .و من أسباب خلودها واستمراريتها ،نزول وا َُ
ن المسلمين سابقًا والشيعة بصورة خاصة ،اّتخذوا هذا اليوم عيدًا آيتين حولها في القرآن الكريم (2).كما أ ّ
جة معروفًا بيوم عيد الغدير عندهم، ومناسبًة مفرحًة ،جعله خالدًا حّتى الن .فقد كان يوم 18من شهر ذي الح ّ
لعياد ن أبا ريحان البيروني والثعالبي ،اعتبراه من ا َ لحداث ،كما أ ّ ن بعض المَورخين أّرخوا به بعض ا َ حتى أ ّ
لسلمية(3). اِ
لمام علي )عليه لنصار ،ونساءه بالدخول على ا ِ ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أمر المهاجرين وا َ كما أ ّ
ن أّول من صافق النبي )صلى ال السلم( لتقديم التهنئة له بهذه الفضيلة الكبرى ،مثلما ذكر زيد بن أرقم ،وأ ّ
لنصار عليه وآله وسلم( وعليًا :أبو بكر وعمر و عثمان وطلحة والزبير ،وباقي المهاجرين وا َ
____________
ي التباس.ل ّ
. 1كرر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( هذه العبارة ثلث مرات دفعًا َ
. 2المائدة67:و .3
لعيان60|1:؛ الثار الباقية395 :؛ ثمار القلوب.511 : . 3وفيات ا َ
===============
) ( 240
والناس.
ن 110صحابيًا تناولوا هذه الواقعة التاريخية الهامة بالرواية والحديث ،كما رواه أيضًا 89تابعيًا ،و كما أ ّ
ححه جمع كبير من الخرين .فقد رواه في القرن 3هـ92 : 360شخصًا من علماء أهل الشيعة وفضلئهم ،وص ّ
عالمًا ،وفي القرن 4هـ 44 :عالمًا ،إلى القرن 14هـ حيث رواه عشرون عالمًا .وأّلف الطبري في ذلك كتابًا
أسماه:الولية في طرق حديث الغدير روى فيه الحديث عن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" بـ 57سندًا .كما
رواه عدد من علماء الحديث أمثال :ابن حجر العسقلني ،وأبو سعيد السجستاني ،والنسائي ،وأبو العلء
ل حول الواقعة و تفاصيلها 26شخصًا .أّما علماء الهمداني .وبلغ عدد من أّلف رسالة خاصة أو كتابًا مستق ً
لميني(1). ل الشيخ ا َ لمة القدير آية ا ّ الشيعة فقد تناولوا فيها كتبًا و مَولفات قّيمة ،أشمُلها الغدير الذي كتبه الع ّ
ت َلُكْم ديَنُكْم َوَأْتَمم ُ
ت لجراءات التي أقدم عليها النبي ص نزلت الية) :الَيوَم َأْكَمْل ُ وبعد نزول الية السابقة ،وا ِ
سلَم ِدينًا((2).
لْت َلُكُم ا ِ
عَلْيُكْم ِنْعَمتي َوَرضي ُ
َ
ل على إكمال الّدين ،وإتمام النعمة ،ورضى فكّبر النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بصوت عال وقال" :الحمد ّ
لنصاري واستأذن النبي "صلى ال سان ابن ثابت ا َب برسالتي ،وولية علي بن أبي طالب بعدي" .ثّم قام ح ّ الر ّ
عليه وآله وسلم" في أن ينشد أشعارًا بهذه المناسبة.
____________
. 1يشتمل على 11مجلد في 6آلف صفحة.
. 2المائدة.3 :
===============
) ( 241
.5المرتّدون من المتنّبئين
سه
في نهاية عام 10هـ قدم نفران من اليمامة وسّلما النبيكتابًا من مسيلمة )الكّذاب( يّدعي فيه النبوة وُيشِرك نف َ
لسلم في أمر الرسالة ،يريد بذلك أن يعّرف الرسول الكريم )صلى ال عليه وآله وسلم( بنبوته هذه: مع رسول ا ِ
لرض ،ولكن قريشًا قوٌم يعتدون(1). فاَ لرض ،ولقريش نص ُ ن لنا نصف ا َ لمر معك ،وإ ّ ت في ا َ فإّني قد ُأشرك ُ
لّنكما أسلمتما من قبل و ل لول أّنالرسل ل ُتقتل لضربت أعناقكما َ ى و قال" :أما وا ّ فالتفت النبّيإلى رسولي المتنب َ
لحمق وتركتما دينكما ؟". قبلتما برسالتي َفِلم اتبعتما هذا ا َ
ل إلى
ل الّرحمن الّرحيم ،من محّمد رسول ا ّ ثّم كتب )صلى ال عليه وآله وسلم( إليه كتابًا مقتضبًا" :بسم ا ّ
ل يورُثها من يشاء من عباده ،والعاقبة لرض ّ ناَسلم على من اّتبع الهدى ،أّما بعد فإ ّ مسيلمة الكّذاب ال ّ
للمّتقين"(2).
ن الخلفاء من بعد الرسول )صلى ال لأّ لسود بن كعب العنسي ،في اليمن ،إ ّ كما اّدعى النبوة في نفس الوقت ،ا َ
عليه وآله وسلم( تمّكنوا من القضاء على تلك الحركات المرتدة ،إذ أّنها كانت أّول أعمال الخلفاء الراشدين.
لخطار الخارجية
.6ا َ
لخطار الخارجية ،فاعتبره النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" أمرًا جّديا ل يمكن التقليل وكان خطُر الروم أشّد ا َ
من شأنه ،ولذا فإّنه أعّد جيشًا كبيرًا في)سنة
____________
ل أو مثل ما كان يفعله المشركون في العهد الجاهلي. . 1لم يبدأ كتابه باسم ا ّ
. 2السيرة النبوية.600|2:
===============
) ( 242
جة الوداع أن
لظهار قّوة المسلمين أمامهم .ثّم رأى بعد ح ّ
8هـ( لمحاربتهم ،كما سار إلى تبوك في )سنة 9هـ ( ِ
ص بارزون في الدولة أمثال :أبي بكر وعمر وأبي عبيدة لنصار ،واشترك فيه أشخا ٌ ُيعّد جيشًا من المهاجرين وا َ
سر إلىصة ،وأمر بقيادتهُ :أسامَة بن زيد ،وقال لهِ " :
ل من هاجر إلى المدينة خا ّ و سعد بن أبي وقاص ،وك ّ
ن الغارة على أهل ُأنبى"(1).ل ،فقد وليتك هذا الجيش ،فاغز صباحًا وش ّ موضع قتل أبيك فأوطئهم الخي َ
ن على هذا الجيش الكبير ،أن يَوّكد أساس وقد أراَد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بتعيين قائد صغير الس ّ
الكفاءة الشخصية في توّلي المناصب والمسَووليات ،فهي ل ترتبط بالسن والعمر ،بل بالكفاءة والمَوهلت
المطلوبة.
ن وعمر الشباب(2). ولذا فإّنه لم يكن هناك مبرٌر لعتراض البعض على توّلي قيادته من حيث الس ّ
لجراء،
خاها الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" من هذا ا ِ لهداف التي تو ّ
ن هَولء غفلوا عن المصالح و ا َ ذلك أ ّ
ل عمل بعقولهم المحدودة ،و قايسوها بمقاييسهم الشخصية ،مّما أثر ذلك في تأخير تحرك الجيش من فقّدروا ك ّ
معسكر الجرف)،(3
ر الذي استقر به ُأسامة منتظرًا من سيلحق به من المسلمين.
____________
. 1أنبى ،من مناطق البلقاء في سوريا قرب مَوتة بين عسقلن و الرملة.
. 2ذهب بعض إلى أّنه كان في عمر 17سنة ،و آخرون بأّنه كان في 18سنة ،على أّنهم اّتفقوا على أّنه لم
يتجاوز العشرين.
. 3الجرف :على بعد 3أميال من المدينة نحو الشام.
===============
) ( 243
.7مرض النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
ح الفراش، وبعد يوم من إعداد الجيش السابقَ ،مِرض النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بصداع شديد تركه طري َ
وهو المرض الذي قضى فيه "صلى ال عليه وآله وسلم" .وقد علم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( أّنهناك
من تخّلف عن الجيش ،ومن يعرقل التوجه إلى موقعه ،ومن يطعن في قيادة ُأسامة ،فغضب لذلك بشّدة وخرج
صبا جبهته إلى مسجده ،يحذرهم من عواقب أعمالهم غير السليمة وخاطبهم بقوله: مع ّ
ن ابنه من لمارة خليقًا ،وأ ّل كان ل ِلسامة ،فقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله ،وأيُم ا ّ طعنتم في إمارتي َُ "لئن َ
صوا به خيرًا فإّنه من خياركم". ي ،واستو ُ
ب الناس إل ّلمارة ،وإّنه كان لمن أح ّ بعده لخليق ل ِ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كان يقول و هو في الفراش" :جّهزوا جيش لهمية هذا الجيش ،فإ ّ ونظرًا َ
ل من تخّلف عنه"(1). نا ّ ُأسامةَ ،لَع َ
لنصار للسير نحو الجرف ،انتشر بينهم خبُر وفي الوقت الذي استعّد فيه ُأسامة وآخرون من المهاجرين وا َ
ل أّنه "صلى لثنين ،إ ّحة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( مّماجعلهم يعدلون عن قصدهم حتى يوم ا ِ تدهوِر ص ّ
لأّ
ن ش للتحّرك والمغادرة ،إ ّ ل" (2).فتهّيأ الجي ُ ل" :اغُد على بركة ا ّال عليه وآله وسلم" حّثه على الخروج قائ ً
خبر احتضارالرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( جعلهم يعودون إلى المدينة متجاهلين أوامَر النبي )صلى ال
عليه وآله وسلم( .
لمامن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( خرج في الليلة التي توّفي في صبيحتها ،مع ا ِ وقد ذكر المَورخون أ ّ
علي )عليه السلم( إلى البقيع مع عدد آخر ،فقال
____________
. 1الملل و النحل23|1:؛ طبقات ابن سعد.190|2:
. 2طبقات ابن سعد.190|2:
===============
) ( 244
ل:
لهل البقيع" ،و عندما وصل إلى المكان سّلم على أهل القبور قائ ً لهم" :إّني أمرت أن استغفر َ
طع الّليل المظلم يتبعسلم عليكم أهل القبور ،ليهنئكم ما أصبحتم فيه مّما أصبح الناس فيه ،أقَبَلت الفتن كِق َ "ال ّ
لمام علي )عليه السلم( و قال: بعضها بعضًا ،يتبع آخرها أّولها" .ثّم التفت إلى ا ِ
ن جبرائيل كان "يا علي ،إّني خيّـرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة ،فاخترت لقاء رّبي والجّنة .إ ّ
للحضور أجلي"(1). ي العام مّرتين،ول أراه إ ّ
ي القرآن كّلسنة مّرة ،وقد عرضه عل ّ يعرض عل ّ
===============
) ( 245
أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة
لصلي، قرر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( بهدف الحيلولة دون انحراف مسألة الخلفة عن محورها ا َ
والحيلولة دون ظهور الختلف و الفتراق ،أن يعزز مكانة علي )عليه السلم( ويدعم إمارته وخلفته ،و أهل
بيته ،بإثبات ذلك في وثيقة خالدة تضمن بقاء الخلفة في خطها الصحيح.
ففي خلل زيارة بعض الصحابة له أثناء مرضه قال" :إئتوني بدواة وصحيفة ،أكتب لكم كتابًا ل تضّلون بعده".
ل (1).فكثر اللَغط والنقاش حول إحضار ما طلبه ل قد غلبه الوجع ،حسبنا كتاب ا ّ
ن رسول ا ّ ل :إ ّ
فبادر عمر قائ ً
النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" أو عدمه ،مّما أغضب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقال" :قوموا عّني ل
ل(2).
للرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول ا ّينبغي عندي التنازع" ،وقال ابن عباس :الرزية ك ّ
ق كبيٌر من محّدثي الشيعة والسنة ومَورخيهم ،وُتعَتبر من الروايات الصحيحة .وإذا سأل وقد َنقل هذه الواقعة فري ٌ
لّنه )صلى ال عليه وآله أحد عن عدم إصرار النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" على كتابة ذلك الكتاب ،فذلك َ
وسلم( إذا
____________
.1الملل والنحل.22|1:
. 2صحيح البخاري22|1 :؛ صحيح مسلم14|2 :؛ مسند أحمد.325|1:
===============
) ( 246
لساءة إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وخاصة أّنهم قالوا عنه ،أّنه لصّر هَولء في ا ِ أصّر على موقفهَ ،
لمر بين الناس. جع أو هجر ،ثّم قيامهم بعد ذلك بإشاعة ا َ غلبه الَو َ
لت بهم الحجرة وهو لصحابه وقد امت َ ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قال َ وقد روى ابن حجر العسقلني ،أ ّ
ل أّني مخل ٌ
ف ل معذرًة إليكم ،إ ّ ض سريعًا فينطلق بي ،وقد قدمت إليكم القو َ في مرضه" :أّيها الناس يوشك أن ُأقب َ
ل وعترتي أهل بيتي". ل رّبي عّزوج ّ فيكم كتاَبا ّ
ي ،خليفتان نصيران ل يفترقان حتى ي مع القرآن والقرآن مع عل ّ ثّم أخذ بيد علي )عليه السلم( وقال ":هذا عل ّ
ي الحوض فاسألهما ماذا خلفت فيهما"(1). يردا عل ّ
لنظار إلى حديث الثقلين مّرة ُأخرى ،برغم ما ذكره في ومن الواضح أّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لفت ا َ
مواضع متعّددة ،حّتى يَوكد أهمية الّثقلين ،وتدارك ما فات من كتابة الكتاب الذي لم يوّفق لكتابته.
وفي هذه اللحظات ،طلب بعضًا من الدنانير كان قد وضعها عند إحدى زوجاته ،وأمر عليًا )عليه السلم(
ليتصّدق بها.
ضه
ن مر َ سقي دواًء خطًأ في علجه،فقد تخيلت "أسماء بنت عميس" أ ّ وكان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قد ُ
ي )صلى ال عليه وآله ن النب ّ
لأّـ ذات الجنب ـ تعلمت علجه من عقار مركب من نبات وأعشاب من الحبشة ،إ ّ
ن مرضه ليس ذات الجنب. عِلَم بالدواء ،ذكر بأ ّ
وسلم( لما َ
لخيرة
.2اللحظات ا َ
في هذه الفترة الحرجة ،كانت السيدة الزهراء)عليها السلم( تلزم فراش
____________
.1الصواعق المحرقة ،57 : ،باب 9؛ كشف الغّمة.43 :
===============
) ( 247
والدها )صلى ال عليه وآله وسلم( ل تفارقه لحظة ،وفجأة طلب منها أن تقرب رأسها إلى فمه ليحّدثها ،فراح
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( لأّف لم ُيعَرف،ولكن الزهراء)عليها السلم( بكت بشّدة ،إ ّ يكّلمها بصوت خفي ٍ
ل بعد وفاة النبي أشار إليها مّرة ُأخرى فحّدثها بشيء آخر ،فرحت به وتبسمت مستبشرة .ولم تكشف عن ذلك إ ّ
ل ص أّنه قد حضر أجُله وأّنه ُيقَبض في )صلى ال عليه وآله وسلم( بناء على إصرار عائشة" :أخبرني رسول ا ّ
وجعه ،فبكيت ،ثّم أخبرني أّني أّول أهله لحوقًا به فضحكت"(1).
لُ" :أدعوا لي أخي" .فعرف الجميع بأّنه لمام علّيا )عليه السلم( قائ ً باِوفي آخر لحظة من حياته الشريفة طل َ
عوا له علّيا ،فقال لهُ" :أدن مّني فدنا منه ،فاستند إليه فلم يزل مستندًا إليه يكّلمه".يريد علّيا )عليه السلم( فد َ
حجر أحد؟ قال :توّفي وهو مستند ل )صلى ال عليه وآله وسلم( في ِ وسأل رجل ابن عباس :هل توّفي رسول ا ّ
ل بن عباس. سله وأخي الفض ُ ى،وهو الذي غ ّ إلى صدر عل ّ
ن ملك الموت لعلى" .فكأ ّ ن آخر جملة نطق بها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( هي":ل ،إلى الرفيق ا َ وقيل إ ّ
خّيره عند قبض روحه الشريفة في أن يصح من مرضه أو يلّبي دعوة رّبه ،فاختار اللحاق برّبه.
لمام علي )عليه السلم( :أّنه لحبار عن آخر كلمة قالها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( فقال ا ِ وسأل كعب ا َ
قال :الصلة الصلة.
جي ببرد يماني ،وُوضع في حجرته بعض سّلثنين 28صفرَ ،ف ُ وقد ترك الدنيا )صلى ال عليه وآله وسلم( يوم ا ِ
لنحاء المدينة التي تحولت إلى لقارب ،وانتشر نبأ وفاته في ك ّ الوقت ،وارتفعت صرخات العيال ،وعل بكاء ا َ
مأتم كبير.
لمام علي )عليه السلم( بغسل جسده الشريف وكّفنه ،إذ أّنه كان قد وقام ا ِ
____________
.1طبقات ابن سعد263|2:؛ الكامل في التاريخ.219|2 :
===============
) ( 248
ي" .وصّلى عليه مع المسلمين ،وتقرر دفُنه في حجرته المباركة .وحفر قبره أبو ب الناس إل ّ سلني أقر ُذكر" :يغ ّ
لمام علي )عليه السلم( يساعده الفضل بن العباس. عبيدة بن الجراح وزيد بن سهل ،ودفنه ا ِ
لزار عن وجهه )صلى ال عليه لمام )عليه السلم( من غسله )صلى ال عليه وآله وسلم( كشف ا ِ و لّما فرغ ا ِ
وآله وسلم( وقال والدموع تنهمر من عينيه :بأبي أنت و ُأّمي ،طبَتحّيا وطبَتمّيتا ،انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت
لنفدنا عليك ماَء الشَوون، لنباء .ولول أّنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزعَ ، أحد مّمن سواك من النبوة وا َ
ل لك ،ولكّنه ما ل ُيمَلك رّده ول يستطاع دفعه! بأبي أنت و ُأّمي ُأذكرنا ل ،والكَمُد محاِلفًا وق ّولكان الداُء مماط ً
عند رّبك واجعلنا من بالك"(1).
وهكذا غربت شمس أعظم شخصية غّيرت مسار التاريخ البشري بتضحياته الكبرى وجهوده المضنية ،وأعظم
لنسانية صفحات جديدة ومشرقة من الحضارة والمدنية. ي فتح أمام ا ِلله ٍ
رسو ٍ
ل رّبالعالمين(2).
ل تعالى على هذه النعمة الكبرى ،والحمد ّ ومن هنا فإّننا نختم حديثنا هذا بالشكر ّ
جعفر السبحاني
قم المقّدسةالحوزة العلمية
شعبان المعظم 1390هـ
____________
.1نهج البلغة :خطبة رقم .235
. 2تّم تدوين هذه المحاضرات وتوثيقهاوتحقيقها في شهر شعبان المعظم عام 1409هـ في مدينة قم .جعفر
الهادي.
) ( 249
الفصل العاشر
===============
) ( 250
===============
) ( 251
لسلم
العادات و التقاليد في جزيرة العرب قبل ا ِ
وأد البنات
ن بني تميم هي أّول قبيلة أقدمت على هذه الجريمة النكراء ،حينما امتنعوا متى بدأت عادة وأد البنات؟ وقد تأّكد أ ّ
ك الحيرة النعمان بن المنذر ،فحاربهم واستولى على أموالهم ونسائهم ،فكّلموه في إرجاع عن دفع الضرائب لَمِل ِ
نسائهم،فقرر أن تختار المرأُة نفسها العودة أو البقاء ،فاختار بعضهن البقاء وعدم العودة إلى أهاليهن،وخاصة
ل بنت ُتولد له منذ ذلك الوقت .فسّنبذلك لقومه وأد البنات ،وأخذتها بقية
سكّ بنت قيس بن عاصم الذي نذر أن يد ّ
القبائل.
ي )صلى ال عليه وآله وسلم( قيسًا عن عدد البنات اللئي وأدهن في الجاهلية فقال :اثنتا عشرة بنتًا وقد سأل النب ّ
له ،بل قيل أكثر من ذلك!!
ن الحامل إذا قربت ولدتها حفرت حفرًة فمخضت رأسها فإذا ولدت بنتًا رمت بها في وروى عن ابن عباس ،أ ّ
الحفرة ،وإذا كان ولدًا حبسته!!
موقف النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( من الخرافات التي سادت الجزيرة العربية
____________
لنوار.155|91 :
.1بحار ا َ
===============
) ( 253
ويستمر الفردوسي في شرحه لهذا الوضع عن لسان أنوشروان :إذا أصبح ابن الحّذاء عالمًا وكاتبًا ،فإّنه عندما
يجلس ولُدنا في الحكم واحتاج إلى كاتب فإّنه سيضطر إلى تعيين ذلك الولد ،وهو من عامة الشعب ومن أبناء
لشراف والنبلء .وإذا حصل هذا الحّذاء على العلم الطبقة الدنيا ،في حين جرت العادة أن نستعين بأبناء ا َ
ل يسمعه ،فتحدث ل يراه،ويسمع ما يجب أ ّ والمعرفة حصل على عيون بصيرة ،وآذان سميعة ،فيرى ما يجب أ ّ
لبناء الملوك بعدئذ!! لسف َ الحسرة وا َ
ض طلبه وأعاد ماله إليه .وهذا الملك هو ما يصفه البعض بالعدل "أنوشروان العادل"مع أّنه لم ن الملك رَف َ
وبذا فإ ّ
يحل المشكلة الثقافية في مجتمعه ،كما ذكر عنه ،أّنه دفن في القبور أحياء ما يقرب من 80ألفًا ومائة ألف فرد،
خلل فتنة مزدك ،التي اندلعت بسبب الظلم الجتماعي والتمايز الطبقي واحتكار الثروات والمناصب ،وحرمان
لّولية.
أكثرية الشعب من حقوقها ا َ
ت في زمن الملك العادل أنو ومن هنا يظهر بطلن الحديث المروي عن النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" ُ":ولد ُ
شروان".
لشياء الثمينة والرسوم، وقد ُذكر الكثير عن البذخ والترف في البلط الساساني ،من كثرة المجوهرات وا َ
للباب .ومّما اشتهر منها ،سجادة بيضاء كبيرة فرشت في إحدى الصالت ،واسمها: سحرت العيون وخلبت ا َ َ
بهارستان كسرى ،إذاجلسوا عليها وقت الشراب وتعاطي الخمر ،فكأّنهم كانوا جالسين في حدائق ورياض.
صنعت أرضيتها من الذهب و وشيها بفصوص وجواهر وحرير ،وكانت 60*60ذراعًا ،وقيل 70*150
ذراعًا ،ومنسوجة من خيوط الذهب والمجوهرات الغالية!!
لموال مالم يجمع مثله من ومّما قيل عن كسرى خسرو برويز ،أّنه جمع ا َ
===============
) ( 254
لواني.
ىواَ الملوك ،إذ كان أرغب الناس في اقتناء الجواهر واللل َ
حفر زمزم
===============
) ( 255
ن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلة لهو
ل ل نخاصمك في زمزم أبدًا ،إ ّ ل قضى لك علينا يا عبد المطلب ،وا ّ "وا ّ
الذي سقاك زمزم ،فارجع إلى سقايتك راشدًا".
صعة ،مّما سّبب نزاعًا آخر بينه و بين قريش ،التي اعتبرت وخلل الحفر عثر على الغزالين والسيوف المر ّ
للمشكلة ،فخرجت القرعُة باسم عبد المطلب، نفسها شريكًة في هذا الكنز .فتقرر اللجوُء إلى القرعة لح ّ
لشياء إليه ،فصنع من السيوف بابًا للكعبة ،وعّلق الغزالين فيها. فأصَبحت ا َ
===============
) ( 256
لبل ،فانحروها ت القرعة على صاحبكم فزيدوا عشرًا حتى يرضى ربكم ،وإن خرجت على ا ِ القداح ،فإن خرج ِ
فقد رضى رّبكم ونجا صاحبكم وكانت عنه فداًء.
لبل مائة خرجت الِقداح فأجروا القرعَة في مّكة في جماعة من الناس،وزادوا عشرًا عشرًاحتى إذا َبَلَغ عدد ا ِ
لبل(1). ل من الذبح ،ففرحوا ونحرت ا ِ لبل ونجا عبد ا ّ على ا ِ
قضايا عجيبة في فترة طفولة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
أرادت حليمة السعدية أن ترضع النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في حضور ُأّمه ،ففتحت جيبها وأخرجت
ليسر ،ووضعت الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" في حجرها لترضعه ،فترك النبي )صلى ال عليه ثديها ا َ
ليمن الذي كان جهامًا ـ أي خاليًا من اللبن و لم يكن يدّر به ـ فغّيرت ليسر ومال إلى الثدي ا َ وآله وسلم( ثديها ا َ
ليسر ،ولكن النبي الثدي إلى فمه ،خوفًا من أل يجد فيه النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" شيئًا فل يأخذ بعده ا َ
ل وانفتح ،فأدهش الجميع. ليمن ،ولما استلمه امت َ ص الثدي ا َ)صلى ال عليه وآله وسلم( أصّر على م ّ
ن البواديوتذكر حليمة أيضًا تلك البركة التي لحقتها وقومها بسبب النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" قائلة :إ ّ
ل )صلى ال عليه وآله ت رسول ا ّ ت مّكة مع نساء بني سعد ،فأخذ ُ أجدبت وحملنا الجهد على دخول البلد ،فدخل ُ
وسلم( فعرفنا به البركة والزيادة في معاشنا حتى أثرينا وكثرت مواشينا وأموالنا.
وقد احترمها النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وأجّلها بعد سنوات عندما كبر ،وحينما قدمت إليه في سنوات
الجدب والقحط تزوره ،احترمها وأكرمها
____________
لّول :إسماعيل بن إبراهيم "عليهما .1نقل عن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( قوله ":أنا ابن الذبيحين" .ا َ
لنوار.123|12 : السلم" ،والثاني :أبوه .بحار ا َ
===============
) ( 257
وَفَرش رداءه تحت قدميها ،واصغى لها.
ولما شكت حالها وهلك مواشيها ،طلب )صلى ال عليه وآله وسلم( من السيدة خديجة)عليها السلم( أن تعطيها
بعيرًا و 40شاة ،فانصرفت مسرورًة.
وقيل ،أّنها جاءته مّرة فلما دخلت عليه قال )صلى ال عليه وآله وسلم( ُ ":أّمي ُأّمي"(1).
كان القرآن من أكبر وأقوى أسلحة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( في إخضاع أساتذة الفصاحة والبلغة أمام
لنساني نظيرًا. ن حديثه لم يعرفه البشُر من قبل ولم يعهد له التاريخ ا ِ حلوة كلماته وعباراته القوية ،فاعترفوا بأ ّ
لعداء.ومن تلك النماذج: وربما أدت جاذبيته وتأثير حديثه إلى انهيار قّوة ا َ
ل مشكلة قّوة انتشار الوليد بن المغيرة ،الذي كانت العرب ترجع إليه في حّلمشكلتهم ،فطلبوا رأيه في ح ّ
لسلم ،والقرآن ،هل هو سحٌر أم كهانٌة أم حديث إنسان؟ فجاء إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وقال: اِ
ل الذي بعث أنبياءه ورسله" .وقرأ أنشدني شعرك .فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :ما هو بشعٍر ولكّنه كلم ا ّ
عليه سورة "الرحمن" فاستهزأ وقال :تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمان .قال )صلى ال عليه وآله وسلم( :
ن أعرضوا ل وحده الرحمن الرحيم" .ثّم افتتح سورة حم السجدة وبلغ إلى قوله تعالىَ) :فِإ ْ "ل ولكّني أدعوا إلى ا ّ
فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود( فاقشعر جلُده ،وقامت كّلشعرة في رأسه ولحيته ،فمضى إلى بيته
ولم يرجع إلى قريش.
فقالت قريش :يا أبا الحكم صبا أبو عبد شمس إلى دين محّمد ،أما تراه لم
____________
.1وتنسب حليمة إلى سعد بن بكر بن هوازن .وهي ابنة أبي ذَويب،وزوجها الحارث بن عبد العزى.
===============
) ( 258
سنا
ست رَو َ ل :يا عّم نك ّ يرجع إلينا و قبل قوله ومضى إلى منزله .فاغتمت قريش وسارإليه أبوجهل قائ ً
ت وإّني على دين قومي وآبائي ،ولكّني سمعت كلمًا صعبًا ت إلى دين محّمد؟ فقال :ما صبو ُ وفضحتنا ،صبو َ
تقشعّرمنه الجلود .فقال أبو جهل :أشعٌر هو؟
ـ ما هو بشعر.
ـ فخطب هي؟
طب كلم متصل .وهذا الكلم منثوٌر ل يشبه بعضه بعضًا ...له حلوة. خَـ ل و إن ال ُ
ـ فما هو؟ قال :قولوا ،هوسحر فإّنه آخذ بقلوب الناس.
خلقت َوحيدًا(1). (... ن َ ل سبحانه و تعالى فيهَ) :ذْرني َوَم ْ فأنزل ا ّ
كما حاول عتبة بن ربيعة وهو من كبراء قريش وأشرافها أن يثني النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عن الجهر
صلت:ت من سورة ف ّ بدينه ،فكّلمه وطّمعه في المال و الجاه والشرف ،فأسمعه )صلى ال عليه وآله وسلم( آيا ٍ
ن* َبشيرًاعربّيا ِلَقوٍم َيْعَلُمو َ
صَلت آياُتُه ُقرآنًا َب ُف ّ ن الّرحيِم* ِكتا ٌ حم ِن الّر ْ ل ِم َ
ل الّرحمن الّرحيم :حم* َتْنِزي ٌ )ِبسِم ا ّ
عونا إليه( )(2 سَمُعون* َوقاُلوا ُقُلوُبنا في َأِكّنٍة ِمّما َتْد ُ ض َأْكَثرُهْم َفُهْم ل َي ْ
َوَنِذيرًا َفَأعَر َ
فسمع وبقي صامتًاحتى انتهى النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" ،فقام إلى أصحابه وقد تغّيرت ملمحه ،فقال
ل لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. بعضهم :نحلف با ّ
ل ما هو بالشعر ول بالسحر ول ت مثله قط .وا ّ ل ما سمع ُ ل وا ّ ت قو ً فقالوا :ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال :سمع ُ
بالكهانة .يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها
____________
.1المدثر11:ـ .30
صلت1:ـ .5 .2ف ّ
===============
) ( 259
ن لقوله هذا الذي سمعت نبأ عظيم .فإن تصبه ل ليكون ّ
بي وخلّوا بين هذا الرجل و بين ما هو فيه فاعتزلوه ،فوا ّ
العرب فقد كفيتموه بغيركم .وإن َيظهر على العرب فملكه ملككم وعّزه عّزكم وكنتم أسعد الناس به.
ل بلسانه .فقال :هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.حَرك وا ّ
سَ
فانزعجوا وقالواَ :
لماذا عارضت قريش النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( وعاندته؟
.1حسدهم للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ،فقد تمّنوا أن يكونوا هم أصحاب هذا المنصب والمنزلة ،إذ جاء
عظِيم( ) (1أّنه :الوليد بن المغيرة،
ن َ
ن الَْقْرَيتْي ِ
ل ِم َ
جٍن على َر ُ
ل هذا الُقرآ ُ في تفسير قوله تعالى) :وقاُلوا َلول ُنّز َ
الذي قال :أينزُلعلى محّمد وأترك وأنا كبير قريش و سيدها ،ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد
ثقيف ،ونحن عظيما القريتين.
وكذلك ُأّمية بن أبي الصلت قال نفس الشيء وتمّنى أن ينال هذا المقام ،فلم يتبع النبّيص إلى آخر حياته.
ي أمر،
.2انغماسهم وحّبهم للشهوات ،حيث كانوا أصحاب َلْعب ولهٍو وفسق وُمجون ،دون أن يقّيدهم في ذلك أ ّ
مّما جعل دعوة النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" مخالفة لعاداتهم القديمة.
سلهوهم وأنسهم، .3الخوف من عقوبات اليوم الخر ،إذ كانت تحدث ضجٌة كبرى في أوساطهم ،فيهدم مجال َ
فحاربوه حتى ل يسمعوا تهديده ووعيده ،كاليات:
حَبِتِه َوَبنيه*
خيِه* َوُأّمه َوَأبيه* وصا ِ
ن َأ ِ
خُة* يوم َيِفّر الَمرُء ِم ْ
صا ّ
ت ال ّ
)َفِإذا جاَء ِ
____________
.1الزخرف.31:
===============
) ( 260
ن ُيغِنيه( (1).
شْأ ٌ
ى ِمْنُهْم َيوَمِئٍذ َ
ل اْمِر ٍَ
ِلُك ّ
.4الخوف من القبائل المشركة ،فقد ذكر "الحارث بن نوفل بن عبد مناف" للرسول )صلى ال عليه وآله
ن قولك حق ،ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى ونَومن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ،إن وسلم( :إّنا لنعلم أ ّ
لوثانها ،ول طاقة لنا بها.
تركنا الوثنية التي تدين بها ،ويعتبروننا سدنة َ
عبس و توّلى
ن إسلم أحد الزعماء وكبار القوم يحل الكثير من المشاكل ،مّما جعله رأى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( أ ّ
لسلم ،إذ كان أكبر سنًا في قريش ،وأكثرهم نفوذًا يصّر على أن يجر الوليد بن المغيرة والد خالد ،إلى ا ِ
وشخصية ،حيث ُدعي حكيم العرب .فكّلمه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ذات يوم طامعًا في إسلمه ،وفي
ن ُأّم مكتوم وهو رجل من المسلمين وكان أعمى يكّلم الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( لثناء جاء اب ُ اَ
لّنه شغله عّما كان ل )صلى ال عليه وآله وسلم( حتى أضجرهَ ، ق ذلك منه على رسول ا ّ ويستقرئه القرآن ،فش ّ
فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلمه ،فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسًا وتركه ،فنزل قوله تعالى:
عمى. (...لْن جاَءُه ا َ
سَوَتَوّلى* َأ ْ
عَب َ
)َ
ن علماء الشيعة فّندوا هذه الرواية التاريخية واستبعدوا صدور مثل هذا السلوك عن الرسول )صلى ال عليه لأّ إّ
ن الذي عبس و توّلى هو ل سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ،وأّنه ليس فيه ما يدل أ ّ وآله وسلم( الذي امتدحه ا ّ
ن المراد به رجل من بني ُأمّية لمام الصادق )عليه السلم( أ ّ الرسول "صلى ال عليه وآله وسلم" .وقد روى ا ِ
لعمى ،عند النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عبس و توّلى ،عندما حضر ابن ُأّم مكتوم ا َ
____________
.1عبس33 :ـ .37
===============
) ( 261
فنزلت اليات توبيخًا له.
ُأسطورة الغرانيق
لسود بن المطلب ،والوليد بن المغيرة ،وُأمّية بن خلف ،والعاص ابن وائل ،قالوا للرسول )صلى ال ناَ قيل إ ّ
ل تعالى) :ل
لمر .فأنزل ا ّ
عليه وآله وسلم( :يا محّمد هلّم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن و أنت في ا َ
عُبد( (1).
ن ما َأ ْ
عُبُد ما َتْعُبُدون* َول َأْنُتْم عاِبُدو َ
َأ ْ
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( رغب في أن يساوم قريشًا ويجاريهم ،فقال في نفسه :ليت نزل ومع ذلك فإ ّ
في ذلك أمٌر يقّربنا من قريش .وبينما كان )صلى ال عليه وآله وسلم( يتلوا القرآن في الكعبة ،فبلغ قوله تعالى
لخرى( ) (2أجرى الشيطان على لسانه الجملتين لت َوالُعّزى* َوَمناَة الّثالثَة ا َُ من سورة النجمَ) :أَفَرَأْيُتُم ال ّ
التيتين" :تلك الغرانيق الُعلى منها الشفاعة ُترَتجى" .فقرأهما من دون اختيار ،ثّمقرأ بعدها من اليات .ولما بلغ
ل الوليد الذي عاقه ِكبَـُر سّنه عن لصنام ،إ ّ جد هو و من حضر من المسلمين و المشركين أمام ا َ سَآية السجدةَ ،
السجود ،ففرح المشركون وارتفعت صيحاتهم :لقد َذَكر محّمد آلهتنا بخير .فانتشر الخبر بالتقارب والمصالحة
بين الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( والمشركين ،ولكّنهم عرفوا بأّنالمر تغّير ثانية ،حيث نزل َمَلكُ الوحي
ن الشيطان هو الذي أجرى لصنام ومجاهدة الكّفار ،وأ ّ على النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وأمره بمخالفة ا َ
ج52ـ :54 تلك الكلمات على لسانه ،فهي ليس من الوحي في شيء أبدًا .فنزلت اليات في ذلك من سورة الح ّ
ن ُثّم
شْيطا ُ
خ الّلهما ُيْلِقي ال ّ
سُن في ُأْمِنّيِتِه َفَيْن َ
شْيطا ُ
ل ِإذا َتمّنى َأْلَقى ال ّى ِإ ّ
ل َول َنِب ّ
سو ٍن َر ُك ِم ْ ن َقْبِل َ
سْلنا ِم ْ
)َوما َأْر َ
حكيٌم. (... عليٌم َ ل َ ل آياِتِه َوا ّحِكُم ا ّ
ُي ْ
____________
.1الكافرون 2:ـ .3
. 2النجم 19 :ـ .20
===============
) ( 262
ن المرشدين لسطورة نقلها الطبري في تاريخه ،ورّددها المستشرقون ،وهي باطلة تمامًا ،فالعقل يحكم بأ ّ هذه ا َُ
ل تعالى إلى البشرية ،مصونون من أي خطأ وزلل ،حتى ل تزول ثقة الناس بهم وبأفكارهم. الذين يبعثهم ا ّ
ل؟
ي ص وسّرب إلى القرآن شيئاً باط ً ن من النتصار على النب ّ والقرآن شهد ببطلنها أيضًا فكيف تمّكن الشيطا ُ
عَلْيِهْم
ك َ
س َل َ
عباِدي َلْي َ
ن ِ
فيصبح القرآن الذي يعادي الوثنيةويحاربها ،داعيًا إلى عبادتها .والقرآن يَوّكد ) :إ ّ
ن((2). على َرّبِهْم َيَتَوّكُلو َ
ن آَمُنوا َو َ
عَلى اّلذي َ
ن َ
سْلطا ٌ
س َلُه ُ
سْلطان()ِ) (1إّنه َلْي َ ُ
ن الحديث باطل لم ينطق به النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( . ولذا فإ ّ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( الذي كان اجتمع أسياُد قريش وأشرافها في بيت أبي طالب للتحّدث عن رسول ا ّ
متواجدًا معهم ،وعن دينه والمشكلت السائدة في مكة ،ومحاولة إبعاد النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عن
دعوته ،ولكّنهم يئسوا في الحصول على أّية نتيجة مرضية ،فتركوا بيت أبي طالب غاضبين مهددين ،وقال عقبة
بن أبي معيط :ل نعود إليه أبدًا ،وما خير من أن نغتال محّمدا.
ن النبي )صلى ال عليه وآله وسلم(لّنهم كانوا في بيته .وحدث أ ّ
ب أبو طالب دون أن يرد عليهم بشيء َ ض َ
َفَغ ِ
خرج من بيته في نفس اليوم ولم يعد ،فجمع أبو طالب الفتيان من بني هاشم و بني المطلب ،وطلب منهم أن
ل واحد منهم إلى عظيم من عظمائهم .فجاء زيد بن حارثة وسأله أبو يتبعوه إلى المسجد ،ويجلس ك ّ
____________
.1الحجر.42:
. 2النحل.99:
===============
) ( 263
ت ابن أخي؟ قال :نعم كنت معه آنفًا .فقال أبو طالب :ل أدخُلبيتي أبدًا حتى أراه .فخرج زيد طالب :يا زيد أحسس َ
سريعًا إلى بيت عند الصفا فيه النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" مع أصحابه وأخبره ،فجاء النبي )صلى ال
عليه وآله وسلم( إلى أبي طالب ،فقال له :أين كنت؟ أكنَتفي خير؟ قال" :نعم" .قال :أدخل بيتك.
وفي الغد خرج أبو طالب ومعه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى أندية قريش و قال :يا معشر قريش هل
تدرون ما هممت به؟ قالوا :ل .فقال للفتيان من بني هاشم و بني المطلب :إكشفوا عّما في أيديكم .فكشفوا فإذا ك ّ
ل
ل لو قتلتموه ما بّقيت منكم أحدًا حتى نتفانى نحن و أنتم .فانكسر القوم،
رجل منهم معه حديدة صارمة .فقال :وا ّ
و كان أبو جهل أشّدهم انكسارًا وخيبة.
===============
) ( 265
من أحداث معركة ُأحد
.1نفقات الحرب
تحّمل أسياد قريش نفقات المعركة ،من اقتراح قدمه"صفوان بن ُأمّية" و "عكرمة بن أبي جهل" إلى أبي سفيان
ل واحد منهم مبلغًا من المال قائلين :يا معشر قريش ،إّنمحّمدا قد َوَتَركم ،وقتل خياركم ،فأعينونا بهذا بأن يدفع ك ّ
المال على حربه ،فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب مّنا.
سُيْنِفقوَنها ُثّم
ل َف َ
لا ّ
سِبي ِ
ن َ
عْ
صّدوا َ
ن َكَفُروا ُيْنِفُقونَ َأْمواَلُهْم ِلَي ُوقد أوضح القرآن الكريم موقفهم هذا بقولهِ) :إن اّلذي َ
شُرون( (1). حَ جَهّنَم ُي ْ
ن َكَفُروا ِإلى َ
سَرًة ُثّم ُيْغَلُبون َواّلذي َ
حْ
عَلْيِهْم َ
َتُكون َ
.2مشاركة النساء في الحرب
فقد شاركت نساء مّكة الوثنيات مع الرجال في هذه المعركة على خلف عادة العرب ،وذلك حتى يحّرضن
لّنالفرار يعنى أسرهن ،ويشعلن الحماس الرجال على القتال و الصمود ،ويمنعن المقاتلين من الفرار و الهروبَ ،
لشعار المثيرة الداعية إلى الثار. في النفوس بدق الدفوف ،وإنشاد ا َ
.3إثارتهم للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم(
ل :فإ ّ
ن حاول عدد من أفراد قريش ،القيام بنبش قبر ُأّم محّمد "صلى ال عليه وآله وسلم" :آمنة بنت وهب ،قائ ً
النساء عورة ،فإن يصب من نسائكم أحد قلتم هذه رّمة ُأّمك ،فإن كان برًا بُأّمه كما يزعم فلعمري ليفادينكم بّرمة
ُأّمه ،وإن لم يظفر
____________
لنفال.36:
.1ا َ
===============
) ( 266
بأحد من نسائكم فلعمري فليفدين رمة ُأّمه بمال كثير إن كان بها برًا.
ن أهل الرأي منهم رفض القتراح وقالوا :لو َفَعلنا ذلك ،نبشت بنو بكر وخزاعة ـ و هم أعداء قريش ـ لأّ إّ
موتانا.
.4إطلق الشعارات
لنسان عند الهزائم وإصابة تصبح مسألة بث الدعاية السيئة وزرعها في النفوس واستثمارها ،سهلة ومَوثرة في ا ِ
ل وأيسر تأثيرًا.
النكبات ،فتصبح أكثر تقب ً
ل هبلُ ،أعل هبل .فأدرك لصوات ،بعد معركة ُأحدُ :أع ُ لصنام والمناداة بأعلى ا َ ن أبا سفيان أمر برفع ا َ
ولذا فإ ّ
لجابة
لسلوب المَوثر في النفوس ،فأمر المسلمين با ِ النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عمق الخطورة من هذا ا َ
ل أعلى وأجل" .فاستمر أبو سفيان في إطلق ل أعلى وأجل ،ا ّ على ذلك بشعار مضاد قوي ،فقال " :قولوا :ا ّ
ل مولنا ول عزى لكم .فرّد النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" عليهم" :ا ّ شعاراته المزيفة :نحن لنا العزى ول ُ
مولى لكم" .فنادى المشركون :يوٌم بيوم بدر .فأجاب المسلمون :ل سواء ،قتلنا في الجنة ،وقتلكم في النار.
ل على رسوله )صلى ل عّزوج ّنا ّلمام الصادق )عليه السلم( أّنه قال :كان مّما م ّلمة المجلسي عن ا ِ روى الع ّ
ل اّنه عندما توجه أبو سفيان إلى ُأحد ،كتب العباس بن عبد ال عليه وآله وسلم( أّنه كان ل يقرأ ول يكتب ،إ ّ
المطلب إلى النبي
===============
) ( 267
)صلى ال عليه وآله وسلم( يخبره بذلك ،فوصله الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة ،فقرأه ولم يخبر
أصحابه ،وأمرهم أن يدخلوا المدينة فأخبرهم عندئذ(1).
===============
) ( 269
ل ما يحتاج إليه الرجال في حياتهم ليجاهدوا ببال فارغ ،فلم ل نحن نقوم بك ّاشتراكهن في الجهاد :يا رسول ا ّ
ن التبّعل يعدل ذلك كّله.مشيرًا إلى
سَحِرمنا نحن من هذه الفضيلة؟ فأجاب "صلى ال عليه وآله وسلم" :إّنح ْ ُ
لسلم ،في السقي وغسل ن بعضهن خرجن من المدينة لمساعدة جنود ا ِ لأّلسباب الطبيعية والعضوية للمرأة .إ ّاَ
ثيابهم وتضميد الجرحى .واشتهرت منهن في ُأحدُ :أّم عمارة نسيبة المازنية :التي قاتلت دفاعًا عن الرسول
)صلى ال عليه وآله وسلم( فجرحت ،وقالت تشرح موقفها :أقبل ابن قميئة وقد وّلى الناس عن الرسول "صلى
ال عليه وآله وسلم" يصيح :دّلوني على محّمد لنجوت إن نجا .فاعترض له مصعب بن عمير وآخرون ،وكنت
فيهم فضربني هذه الضربة .ولقد ضربته على ذلك عّدة ضربات ،ولكّنه احتمى بدرعين كانا عليه .و كان النبي
ي ،فرأى جرحًا على عاتقي ،فصاح بأحد أولديُ" :أّمك ُأّمك إعصب )صلى ال عليه وآله وسلم( ينظر إل ّ
جرحها" ،فعاونني عليه.
وعندما رأت ابنها وقد جرح أقبلت إليه ومعها عصائب أعّدتها للجراح فربطت جرحه،والنبي )صلى ال عليه
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( وآله وسلم( ينظر ،فقالت لولدها :انهض يا بني فضارب القوم .مّما أعجب رسول ا ّ
باستقامتها وثباتها وإيمانها فقال" :ومن يطيق ما تطيقين يا ُأّم عمارة".
لسد وضربت لثناء أقبل الرجل الذي ضرب ولدها فقال النبي ص هذا ضارب ابنك .فحملت عليه كا َ وفي هذه ا َ
ساقه فبرك .مّما ازداد من إعجاب النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( بشجاعتها وبسالتها فتبسم وقال" :استقدت يا
ل الذي ظّفرك وأقّر عينك من عدوك". ُأّم عمارة ،الحمد ّ
لسد ،ولكن جراحها منعتها من تأدية وبعد المعركة طلبت النضمام إلى جيش المسلمين الذي سار إلى حمراء ا َ
الغرض ،وبعد رجوع النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" سأل عنها فسّر لسلمتها.
) ( 270
من أحداث غزوة تبوك
===============
) ( 271
وأصبح الناس دون ماء فعطشوا حتى كاد أن يقطع رقابهم ،لدرجة أّنهم شربوا الماء من كروش إبلهم بعد
ل سبحانه وتعالى سحابة أمطرت فارتوى الناس. نحرها .فأرسل ا ّ
وحدث أن ضّلت ناقة النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ببعض الطريق ،فخرج أصحابه في طلبها ،فقال أحد
المنافقين :أليس محّمد يزعم أّنه نبّيويخبركم عن خبر السماء وهو ل يدري أين ناقته؟ فقال الرسول )صلى ال
ل قال :هذا محّمد يخبركم أّنه نبي ويزعم أّنه يخبركم بأمر السماء وهو ل يدري أين ن رج ً عليه وآله وسلم( " :إ ّ
ل عليها،وهي في هذا الوادي في شعب كذا ،وقد حَبسْتها ل ،وقد دّلني ا ّ
لما علمني ا ّ
ل ما أعلم إ ّ ناقته؟ وإّني وا ّ
شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها" .فذهب بعض الصحابةوأحضروها.
ل أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده كما تنّبأ )صلى ال عليه وآله وسلم( بحياة أبي ذر و كيفية موته فقال" :رحم ا ّ
ويبعث وحده" .وقد تحّققت نبوءته "صلى ال عليه وآله وسلم" بعد 23عامًا حينما نفي إلى الربذة في الشام،
ل من أهله.وتوفي هناك وحيدًا إ ّ
كان النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( يبعث بمجموعات من المبلغين والدعاة إلى القبائل داعيًا لهم إلى التوحيد
لسلمية والتعاليم النبوية، لحكام ا ِ
لسلمي ،وقد تأّلف هَولء من قّراء القرآن الكريم والعارفين با َ وإلى الدين ا ِ
لداء مهامهم الصعبة حتى لو كّلفت حياتهم. أبدوا استعدادًا تامًا َ
ومن القبائل التي تقدمت إلى النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( تطلب إرسال
===============
) ( 272
ن فينا إسلمًا فاشيًا ،فابعث معنا نفرًا من أصحابنا ُيْقِرئوننا عدد من هَولء الدعاة :قبيلتا عضل والقارة" :إ ّ
لسلم" ،فتكونت جماعة منهم بقيادة :مرثد بن أبي مرثد الَغنوي ،ساروا حتى وصلوا ماء القرآن ويفقهوننا في ا ِ
ن المبلغين استعدوا لأّ
الرجيع التي تقطن عنده قبيلة هذيل ،فكشفوا عن نواياهم الشريرة بقتلهم والغدر بهم ،إ ّ
ل وميثاقه ل ل أن نصيب منكم من أهل مكة ثمنًا ،ولكم عهد ا ّ للقتال ،فقال العدو :ما نريد قتالكم وما نريد إ ّ
ل ل نقبل من مشرك عهدًا ول عقدًا نقتلكم .فرّدعليه أحدهم :إّني نذرت أن ل أقبل جوار مشرك .أو قالوا :وا ّ
ل بن ل ثلثة منهم :زيد بن دثّنة ،خبيب بن عدي ،و عبد ا ّ لبطال فاستشهدوا إ ّ أبدًا .ولذا فقد قاتلوا القوم قتال ا َ
ل ندم على فعله فقاتلهم ثانية حتى قتل فدفن بمر الظهران. طارق البلوي ،إذ أّنهم استسلموا فأوثقوهم،ولكن عبد ا ّ
لبيه .فقام أّول شيء أّما الخران فباعوهما في مّكة ،حيث اشترى صفوان بن ُأمّية ،زيد بن دثّنة وقتله ثأرًا َ
بحبسه في الحديد ،وكان يتهجد بالليل و يصوم النهار ،ثّم أخرجه إلى التنعيم ليصلبه على مرأى من الناس،
فطلب أن يصلي ركعتين ،ثّمحملوه على الخشبة وقالوا له :يا زيد إرجع عن دينك المحدث واّتبع ديننا ونرسلك،
ل ل أفارق ديني أبدًا. فيقول :وا ّ
ل يا زيد أيسّرك أّنمحّمدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ فقال زيد بشجاعة :ما فقال له أبو سفيان :أنشدك با ّ
ن محّمدا ُأشيك بشوكة وإّني في بيتي وجالس في أهلي .فأّثرت كلماته في نفس"أبي سفيان" فقال :ما يسرني أ ّ
ط أشّد حّبا في أصحاب محّمد بمحمد .فصلبوه شهيدًا دفاعًا عن العقيدة وحياض الدين. رأينا أصحاب رجل ق ّ
أّما خبيب فقد حبسوه فترة من الوقت ثّم قرروا قتله صلبًا أيضًا .فخرجوا به إلى التنعيم ،وخرجت جماعة من
النساء والصبيان و العبيد ومن أهل مّكة ،فقال
===============
) ( 273
ل لول أن تظّنوا أّني إّنمالهم :إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا .فسمحوا له ،ثّم قال لهم :أما وا ّ
لسلم نخّلسبيلك .فقال :ل طولت جزعًا من القتل لستكثرت من الصلة .فرفعوه على خشبة و قالوا :إرجع عن ا ِ
لرض جميعًا .فقالوا له :أما واللت والعزى لئن لم تفعل ن لي ما في ا َ لسلم وأ ّ ب إّني رجعت عن ا ِ ل ما أح ّ وا ّ
ل لقليل .ثّم صرفوا وجهه عن القبلة ووجهوه نحو المدينة فقال :أّما صرفكم وجهي ن قتلي في ا ّ لنقتلنك .فقال :إ ّ
لوجه عدو ،الّلهم إّنه ليس هاهنا أحد ل( ) (1الّلهم إّني ل أرى إ ّجُه ا ّ
ل يقولَ) :فأْينما ُتَوّلوا َفَثّم َو ْ
نا ّ عن القبلة فإ ّ
يبلغ رسولك السلم عّني فبلغه أنت عّني السلم .ثّم دعا على القوم :الّلهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ول تغادر
منهم أحدًا .ثّم دعوا أبناء من قتل ببدر فكانوا أربعين غلمًا ،أعطوا كّلواحد منهم رمحًا ،وقالوا لهم :هذا الذي
ل الذي جعل وجهي قتل آباءكم .فطعنوه برماحهم،فتحرك على الخشبة وصار وجهه نحو الكعبة فقال :الحمد ّ
لسلم نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبّيه وللمَومنين .فغضب أحد المشركين :عقبة بن الحارث لتمسكه با ِ
ل .وبقي جثمانه فترة على الخشبة ل ويشهد أّنمحّمدا رسول ا ّ حد ا ّ وإخلصه له ،فطعنه طعنة قاتلة وهو يو ّ
لشّداء ودفناه كماأمر الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( . بحراسة الكّفار حتى أنزله اثنان من المسلمين ا َ
سان بن ل )صلى ال عليه وآله وسلم( وجميع المسلمين ،وأنشد فيهم ح ّ لليم رسول ا ّ وقد أحزن هذا الحادث ا َ
ثابت أبياتًا ذكرها "ابن هشام"في سيرته.
===============
) ( 274
وصاحب إحدى المعّلقات السبع التي نصبت في الكعبة وتفتخر بها العرب .وتوفي قبل عصر الرسالة .وكان له
لسلم ولزم النبي ص وأحبه ،بينما عادى كعب النبي )صلى ال عليه ولدين :بجير و كعب .أّما بجير فقد آمن با ِ
لسلم .أّما النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" وآله وسلم( فكان يهجوه في قصائده وأشعاره ويَوّلب الناس على ا ِ
فكان قد هدد بالقتل بعض الشعراء الذين كانوا يهجونه "صلى ال عليه وآله وسلم" وأهدر دماءهم .فكتب بجير
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( فإّنه ل يقتل طر إلى رسول ا ّ إلى كعب ينصحه :إن كانت لك في نفسك حاجة َف ِ
ن لكلم أخيه وتوجه إلى المدينة وقابل النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" في المسجد وقت أحدًا جاءه تائبًا .فاطمأ ّ
لّول مّرة و جلس إليه و وضع يده في يده والنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( ل صلة الصبح ،فصّلى معه َ
ن كعب بن زهير جاء ليستأمن منك تائبًا مسلمًا فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ لاّ يعرفه ،فقال :يا رسول ا ّ
ل كعب ابن زهير .ثّم أخرج قصيدته اللمية التي فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :نعم" .فقال :أنا يا رسول ا ّ
ل )صلى ال عليه وآله وسلم( وأنشدها بين يديه في المسجد ليتلفى بها ما سبق أن بدر منه مدح فيها رسول ا ّ
من هجاء و طعن في سيد المرسلينص
ل أن أضرب عنقه .فقال )صلى ال عليه وآله ل دعني وعدو ا ّ لنصار وثب عليه :يا رسول ا ّ ن أحد ا َ وقيل أ ّ
وسلم( " :دعه عنك فإّنه قد جاء تائبًا نازعًا ـ عمّا كان عليه ـ" .
وهذه القصيدة هي من أفضل قصائد كعب ،اعتنى المسلمون بحفظها ونشرها منذ ذلك الوقت ،كما شرحها علماء
لسلم كثيرًا ،وهي تضم 58بيتًا تنتهي قوافيها باللم المضمومة ،ويبدأ مطلعها: اِ
ل متّيم إثرهـا لـم ُيفـَد َمْكُبـو ُ
ل ت سعاُد فَقْلبي اليوَم متبو ُباَن ْ
و سعاد هي زوجته وابنة عّمه ،بدأ بها كعادة شعراء العهد الجاهلي ،إلى أن قال:
ل مسلـول ن الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف ا ّ ّإ ّ
===============
) ( 275
فأبدله النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( :إّنالنبي لنور يستضاء به....
وقيل إّنالنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( كساه بردة كانت عليه ،طلبها معاوية في زمنه ،فقال كعب :ما كنت
ل أحدًا .فلّما مات كعب اشتراها معاوية من أولده بعشرين ألف درهم .ثّم تداولها حّكام بني
لوثر بثوب رسول ا ّ َُ
ُأمّية والعباس بعد ذلك.
لمام علي )عليه السلم( إلى أرض طيء بعث النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( 150فارسًا على رأسهم ا ِ
ليحطم صنم طيء و يهدم بيته ،فنجح في مهمته ،وفّر عدي بن حاتم الطائي رئيس القبيلة إلى الشام ،ويقول هو
لّنه سيدهم ـفي ذلك" :فكنت إمرءًا شريفًا ،وكنت نصرانيًا ،وأسير في قومي بالمرباع ـ أخذ الربع من الغنائم َ
ل "صلى ال عليه وآله وسلم" كرهته فقلت لغلم وكنت ملكًا في قومي لما كان ُيصنع بي .فلّما سمعت برسول ا ّ
ى هذه البلد فآذّني .ففعل و قال :فإّني قد رأيت رايات فسألت عنها لبلي :إذا سمعت بجيش محمد قد وط َ راعيًا ِ
فقالوا :هذه جيوش محّمد .فاحتملت بأهلي وولدي وقلت :ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام،وتركت ُأختي في
قومي".
وقد ظفر المسلمون بُأخته في سبايا طيء إلى النبي "صلى ال عليه وآله وسلم" الذي أبلغوه عن هروبه إلى
الشام .فوضعوها في مكان بباب المسجد ،فكانت تقول للنبي )صلى ال عليه وآله وسلم( عندما تراه :يا رسول
ل عليك .قال )صلى ال عليه وآله وسلم( ":ومن وافدك؟" قالت: نا ّ يمّل هلك الوالد وغاب الوافد ،فامُنن عل ّ ا ّ
ل ورسوله" .وكررت عليه )صلى ال عليه وآله عدي بن حاتم .فقال )صلى ال عليه وآله وسلم( ":الفار من ا ّ
وسلم( قولها ثلث مّرات ،فقال لها الرسول )صلى ال عليه وآله وسلم( " :قد فعلت فل تعجلي بخروج حتى
تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلدك ثّم آذنيني" .ولّما قررت السفر مع جماعة من قومها
ل "صلى ال عليه وآله قالت :فكساني رسول ا ّ
===============
) ( 276
وسلم" وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام .ولما وصلت عند أخيها ،أخذت تلومه :القاطع
ل مالي من عذر .ثّم لخيرا فوا ّ
الظالم ،احتملت أهلك وولدك ،وتركت بقية والدك ،عورتك .فقال لها :ل تقولي إ ّ
ل أن تلحق بهسألها :ماذا ترين عن أمر هذا الرجل ـ أي النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( فقالت :أرى وا ّ
لإّ
ن ل في عّز اليمن وأنت أنت .فقال :وا ّ سريعًا ،فإن يكن الرجل نبيًا فللسابق إليه فضله ،وإن يكن ملكًا فلن تذ ّ
هذا هو الرأي.
وعندما قدم إلى المدينة ،اصطحبه النبي )صلى ال عليه وآله وسلم( إلى بيته ،وأجلسه على وسادة طّيبة ،وجلس
ل ما هذا بأمر ملك .ثّم قال )صلى ال عليه وآله وسلم( " :إيه يا عدي بن لرض .فقلت في نفسي :وا ّ هو على ا َ
حاتم ،ألم تكن ركوسيًا ـ وهو دين بين النصارى و الصابئين ـ؟" قلت :بلى .فقال ":أو لم تكن تسير في قومك
بالمرباع؟" قلت :بلى .فعرفت أّنه نبّيمرسل يعلم ما ُيجهل.
لرض التي يحصلون عليها ،وسيطرتهم فقد تنبأ أمامه بالرخاء وسعة المال للمسلمين،وازدياد عددهم ،ومساحة ا َ
على الملك ،و العيش بالقصور البيض من أرض بابل .فأسلم عدي بن حاتم .ورأى بعينيه بعد فترة ،القصور
جالبيت الحرام دون خوف. البيض في بابل و قد فتحت ،والمرأة تخرج من القادسية على بعيرها لتح ّ
ن المال حتى ل يوجد من ل لتكونن الثالثة ،ليفيض ّ و كان عدي يقول :قد مضت اثنتان و بقيت الثالثة ...وأيم ا ّ
يأخذه.
===============
) ( 277
المصادر و المراجع
===============
) ( 278
لصحاب. لستيعاب في معرفة ا َ لندلسي :ا ِ .16ابن عبد البّر ،الحافظ المالكي ا َ
.17ابن كثير ،الحافظ عماد الدين :البداية و النهاية.
.18ابن هشام ،محمد بن عبد الملك :السيرة النبوية.
لمة شمس الدين الجوزية :زاد المعاد في هدى خير العباد. .19ابن القيم ،الع ّ
جة الذاهب إلى إيمان أبي طالب. .20ابن معد ،السيد شمس الدين فخار :ح ّ
.21ابن واضح ،أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب :تاريخ اليعقوبي.
لولياء. .22أبو نعيم ،الصفهاني :حلية ا َ
.23البحراني ،السيدهاشم :تفسير البرهان.
ل محمد بن إسماعيل :الصحيح. .24البخاري ،أبو عبد ا ّ
.25البرهان فوري ،علء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي :كنز العمال.
.26البلذري ،أحمد بن يحيى بن جابر :فتوح البلدان.
.27البيروني ،أبو الريحان محمد أحمد الخوارزمي :الثار الباقية عن القرون الخالية.
.28الثعالبي ،أبو منصور عبد الملك :ثمار القلوب.
ل :المستدرك. ل بن محمد بن عبد ا ّ .29الحاكم النيسابوري ،الحافظ أبي عبد ا ّ
لمامية. .30الحسيني ،السيد علي خان المدني :الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ا ِ
.31الحّرالعاملي ،محمد بن الحسن :وسائل الشيعة.
.32الحلبي ،الشيخ علي بن برهان الدين الشافعي :السيرة الحلبية.
ل :مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفة الراشدة. .33الحيدر آبادي ،محمد حميد ا ّ
.34الديار بكري ،القاضي حسين بن محمد بن الحسن المالكي :تاريخ الخميس.
.35الرازي ،فخر الدين :مفاتيح الغيب.
===============
) ( 279
.36الزمخشري ،محمود بن عمر :الكشاف عن حقائق التنزيل.
.37السبحاني ،الشيخ جعفر :مفاهيم القرآن.
.38السبحاني ،الشيخ جعفر :معالم التوحيد في القرآن الكريم.
.39السيوطي ،الحافظ عبد الرحمن بن أبي بكر جلل الدين :الدّرالمنثور.
.40الشهرستاني ،أبو الفتح محمد بن عبد الكريم :الملل و النحل.
.41الصدوق ،محمد بن علي القمي :الخصال.
.42الصدوق ،محمد بن علي القمي :علل الشرائع.
.43الطباطبائي ،السيد محّمد حسين :تفسير الميزان.
.44الطبرسي ،أحمد بن علي :مجمع البيان في تفسير القرآن.
.45الطبرسي ،فضل بن الحسن :إعلم الورى بأعلم الهدى.
لمم والملوك. .46الطبري ،أبو جعفر محمد بن جرير :تاريخ ا َُ
لمالي.
.47الطوسي ،محمد بن الحسن :ا َ
.48القمي ،الشيخ عباس :سفينة البحار.
.49كحالة ،عمر رضا :أعلم النساء.
.50الكراجكي ،أبو الفتح محمد بن علي :كنز الفوائد.
.51الكليني ،محمد بن يعقوب :فروع الكافي.
.52الكليني ،محمد بن يعقوب :روضة الكافي.
.53الكوفي ،أبو القاسم :الستغاثة.
لنوار.
.54المجلسي ،محمد باقر :بحار ا َ
.55الشريف الرضي :نهج البلغة ،شرح محمد عبده.
.56مسلم ،أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابوري :الصحيح.
===============
) ( 280
لرشاد. .57المفيد ،الشيخ محمد بن محمد بن النعمان :ا ِ
لحوال والحفدة والمتاع.
لبناء وا َ
لسماع بما للرسول من ا َ .58المقريزي ،تقي الدين أبو محّمد :إمتاع ا َ
.59النسائي ،القاضي أحمد بن شعيب بن علي :سنن النسائي.
.60الواقدي ،محمد بن عمرو :المغازي.