Professional Documents
Culture Documents
القرآن
للمام النووي
مقدمة
سَتِعين.
حيمَ ،وِبِه َن ْ ن الّر ِحم ِ ل الّر َ
سِم ا ِِب ْ
ي الطول ،والفضل ،والحسان ،الذي هدانا لليمان ،وفضل ديننا على سائر ل الكريم المان ذ ِ الحمد ِ
خلقِهُ ،محّمد صلى ال عليه وسلم ،فمحا به عبادة الوثان ،وأكرمه علينا بإرسالِه إلينا خيَر َ ن َ الديان ،وم ّ
ن،
لزَمان التي يتحد بها الج ّ باَ على َتعاق ُجزة الُمسَتمرة َ ن الُمع ِصلى ال عليه وسلم ،وأبانا بالُقرآ ِ
ل البصائر والِعرفان، ب أه ِ
جعلُه َربيعًا ِلُقلو ِ
طغيانَ ،و َ ل الزيغ وال ُ حَم ِبها جميَع أه ِ س ،بَأجَمعهم ،وأْق َ والن ُ
صغائُر الولدان ،وضّعف الجَر في سرُه حتى استظهره َ لحيانَ ،وي َ ول يخلق عن َكْثرَة الرّد ،وتَغاير ا َ
تلوتِه ،وأعظَم بِه في المتنان.
ي، ن وأوان ،وأسألُه الِمّنة عل ّ سَبَغها علينا في ُكل حي ٍ َأحمدُه َأْبلَغ الحمد على ذلك ،وغيره من ِنعمِه التي َأ ْ
جميع أحّبائي بالّرضوان. َوعلى َ
سكنىن الّنيرانُ ،موصلًة َله إلى ُ صلة للُغْفرانُ ،منِقذة صاحبها ِم َ شهادة ُمح ّ ل الَ ، ن ل إله إ ّ وَأشهد أ ْ
جنان. ال ِ
ن الذي ارتضاه لنفسِه دين ن على هذه الّمة ،وزادها شرفًا بالدي ِ سبحانه َوتعالى م ّ ن ال ُ أّما بعد ..فإ ّ
سلم السلم ،وإرساله إليها خيرته ِمن خلقِهُ ،محّمدًا سيد النام عليه منه أفضل الصلوات ،والبركات ،وال ّ
ل الكلم ،وجمع فيه جميع ما يحتاج إليه من أخبار الولين ،والخرين، وأكرمهما بكتابِه الُقرآن أفض َ
ظاهرات في الدللت على حجج القطعيات ،ال ّ والمواعظ ،والمثال ،والداب ،وأصناف الحكام وال ُ
ضلل وحدانيته ،وغيرها مما جاءت به رسله ،صلوات ال وسلمه عليهم ،الدامغات لهل اللحاد ال ّ
ث على تلوته ،والعتناء به ،ولعظام وملزمة الداب ،وبذل الوسع في الحترام ،ورأيت طغام ،وح ّ ال ُ
بتلوة الُقرآن العزيز تعّلمًا وتعليمًا ،ودراسة في جماعات ،وُفرادى مجتهدين في ذلك بالليالي ،واليام،
ل ،ذي الجلل والكرام ،فدعاني ذلك طاعات ُمريدين به وجه ا ِ وزادهم ال حرصًا عليه ،وعلى سائر ال ّ
ت ذلك وأوضحتُه ،وبّينتُه وأتقنته، حفاظه وطلبته فجمع ُ إلى جمع مختصر في آداب حملته ،وأوصاني ُ
ب الِتبيان في آداب حملة الُقرآن" وذكرت فيه نفائس يحتاج حافظه إلى معرفتها ،ويقُبح بِه وسميته "كتا ُ
ت في ذلك شرع ُ ل لحفظه وانتشاره َف َ جهلها ،وتفويت خبرتهاُ ،ثّم رأيت المصلحة في اختصاره تسهي ً
صل الفهمح العبارة ،والّرمز للدلة ،وبعض الحكام التي َيح ُ قاصداً المبالغة في الختصار ،مَع إيضا ِ
ن
منها بالشارة ،فمن ُأشكل عليه شيء ِمّما أذكره ُهنا ،وَأراد ِزيادة في بسطه فليطلبه من"التبيان" يجده ِإ ْ
ض والستناد ،وحسبي طِه ،وعلى ال الكريم العتماد ،وإليه التفوي ُ حْكِمِه وضب ِ ضحًا في ُ شاء ال تعالى وا ِ
ت أبوابه : ل ونعم الوكيل ،وهذه فهرس ُ ا ُ
الباب الول :في فضيلة تلوة الُقرآن وحملته.
الثاني :في ترجيح القراءة والقاري.
الثالث :في إكرام أهل الُقرآن.
الرابع :في أداب ُمعّلمه وُمَتَعلمه.
ب حامله. الخامس :في آدا ِ
السادس :في آداب الِقراءة وهو معظم الكتاب ،ومقصوده.
السابع :في آداب جميع الّناس مع الُقرآن.
الثامن :في اليات والسور المستحبة في أوقات مخصوصة.
التاسع :في كتابة الُقرآن ،وإكرام المصحف.
حَملتِه...
الباب الول :في أطراف من فضيلة تلوة الُقرآن و َ
لِنية عَ سّرًا َو َ لة َواْنَفقوا ِمّما َرَزْقَناُهْم ِ صَ ل َوأقاموا ال ّ با ِ ن ِكَتا َن َيْتُلو َ ن اّلِذي َ
ل ِ )) :إ ّ عز وج ّ ل ال َ َقا َ
ن َفضِْلِه (( ]غافر .[30 ،29 جــوَرهْم َوَيِزيَدُهْم ِم ْ ن َتُبور ِلُيَوِفّيهــْم ُأ ُ جارًة َل ْ ن ِت َجو َ َيْر ُ
ل صلى سولِ ا ِ ي وُمسلم رحمهم ال عن عثمان رضي ال عنه عن َر ُ ت في صحيحي الُبخار ّ َوثب َ
عّلَمه(. ن َو َ ن َتَعّلَم الُقْرآ َخْيُرُكْم َم ْ ال عليه وسلم قال َ ) :
ل صلى ال عليه وسلم) :اّلِذي لا ِ سو ُوفي الصحيحين ،عن عائشة ـ رضي ال عنها قالت :قال َر ُ
ن (. جَرا ِ قَ ،لُه َأ ْشا ٌعَلْيِه َ ن َوَيَتَتْعَتُع ِفيِهَ ،وُهَو َ َيْقَرُأ الُقْرآ َ
خْيٌر
حدًا َ ل َوا ِ جً ك َر ُ ل ِب َيا ُ ن َيْهِد َ
لْسول ال صلى ال عليه وسلم قالَ ) : وفي الصحيحين ،أن ر ُ
حْمِر الّنَعم(. ن ُ ك ِم َْل َ
سَدحَ ل َ لَ ): ي صلى ال عليه وسلم َقا َ عن الّنِب ِ ل عْنُهَماَ ، عمر رضي ا ُ ن ُ ن ْب ِنعِ وفي الصحيحي ِ
ل َفُهَو ل َما ٌ ل َآَتاُه ا ُجٌ لَ ،وَأَناَء الّنَهارَ ،وَر ُ ل الُقْرآن ؛ َفُهَو َيُقوُم ِبِه َآَناَء الَلْي ِ ل آَتاُه ا ُ جٌ نَ ،ر ُ ل في اْثَنَتْي ِ ِإ ّ
ل َوَأَناَء الّنَهار(. ُيْنفقُه َأَناَء الَلْي ِ
جٌ
ل نَ ،ر ُ ل في اْثَنَتْي ِ سَد ِإ ّحَل َ سُعوٍد رضي ال عنهَ ) : ن َم ْ عبِد ال ْب ِ ن من ِرَواية َ حيحي ِ صِ َوَرَوياُه في ال ّ
ضي ِبَهَا َوُيَعّلمَهَا (.حْكَمُة َفُهَو َيْق ِل َآَتاُه ِ جً قَ ،وَر ُ حّ عَلى َهَلَكتِه في ال َ طُه َ سّل َ
ل َف َ ل َما ً آَتاُه ا ُ
ل: ل صلى ال عليه وسلم َقا َ لا ِ سو ُ ن َر ُ عْ ن َأبي ُأَماَمة رضي ال عنهَ ، عْ ح مسلٍم َ حي ِ وفي صَ ِ
حاَبِه(.صَ ل ْ شِفيَعًا َ ي َيْوَم الِقَياَمِة َ )اْقَرءوا الُقْرآن ؛ َفإّنُه َيْأِت َ
ل َيْرَفُع ِبَهَذَا الِكَتابِ نا َ ن الّنبي صلى ال عليه وسلم َقال ) :إ ّ عَمر رضي ال عنهَ ،أ ّ ن ُ ن اْب ِ وفيِه ع ِ
خِرين (. ضُع ِبِه آ َ َأْقَواَمًاَ ،وَي َ
سول ال صلى ال عليه وسلم ل َر ُلَ :قا َس َرضي ال عنهما َقا َ عّبا ٍ ن َ ن اْب ِ
ي ،ع ِ وفي ِكتاب الّترمذ ّ
ن صحيح. سٌحَ ث َ حِدي ٌ يَ : خِرب( قال الترمذ ّ ت ال َ ن َكالَبْي ِن الُقْرآ ِ شيٌء ِم َ جْوِفِه َ س في َ )اّلذي َلْي َ
ل(.
با ِ ل ال صلى ال عليه وسلم قال َ) :يُؤّم الَقْوَم َأْقَرَأُهْم ِلِكَتا ِ سو َن َر ُت في صحيح مسلٍم َأ ّ ثب َ
جِلس عَُمر رضي ال حاب َم ْ صَ عّباس رضي ال عنه َ :كَانَ الُقراء َأ ْ ن ابن َ عْي َ خار ّ ح الُب َ
وفي صحي ِ
شبانا
ل َكانوا أو ُ عنه ،وُمشاوريه ُكُهو ً
عَلم
ن ُيقَّدم إلى الِقْبَلة َأْقَرَاُهْمَ ،وَأ ْ
ن َيَأمُر في َقتل ُأحد َأ ْ
وفيه أّنه صلى ال عليه وسلمَ ،كَا َ
ل ِمن
ضَ
ن َأْف َ
ن ِقَراءة الُقْرآ ِ سنن الُعلماءَ ،أ ّ صى ُ يَ ،ومن ل ُيح َ شافع ّ عَلْيِه ال ّ
خَتار اّلذي َ ب الُم ْ
ن الَمْذه َ
إّ
عَلى َذِلك
لِدّلة َ ظاَهرت ا َ لْذَكارَ ،وَقد َت َ
ساِئِر ا َ
َ
الباب الثالث :في إكرام أهل القرآن ،والنهي عن إيذاَءُهْم...
ن َتْقَوى الُقُلوب (( ]الحج [32:وقال تعالى : شَعاِئَر ال َفِإّنَهَأ ِم ْ ظم َ ن ُيَع ّقال ال تعالى َ )) :وَم ْ
عْنَد َرّبه (( ]الحج .[30:وقال ال سبحانه وتعالى : خْيٌر َلُه ِل َفُهَو َتا ِ حُرَما ِ ظم ُ ن ُيَع ّ)) َوَم ْ
سبوا َفَقْد احَتَملوا ُبْهَتاَنًا َوإْثَمًا ُمِبْينًا ((]الحزاب: ت ِبَغْيِر َمَا اْكَت َ ن والُمْؤِمَنا ِن الُمؤِمِني َ )) َواّلِذين ُيْؤُذو َ
.[58
وفي الباب الحاديث السابقة في الباب قبله.
ل ال صلى ال عليه وسلم ِ) :م ْ
ن سو َ
ل َر ُي ـ رضي ال عنه َقال َ :قا َ شَعِر ّ لْ ن َأبي ُموسى ا َ وع ْ
عْنُه ،وِإْكَراِم ِذي جاِفي َغْيِر الَغالي ِفيِه ،وال َ ل الُقْرآنَ ، حاِم ِ سِلْمَ ،و َشْيَبة الُم ْ
ل الّرْفقة ِإْكَراِم ِذي ال َ لِ جَ ِإ ْ
ث حسن. طان( رواُه أبو داود وهو حدي ٌ سْل َ
ال ّ
عاَدى ِلي َوِلّيًا َفَقْد آَذَنِني
ن َ ن ال عزوجل قالَ) :م ْ عنُه صلى ال عليه وسلم َأ ّ ي َ صحيح الُبخار ّ وفي َ
ب(حْر ِ ِبال َ
س لِ ن َلْم َيُكن الُعَلَماء َأْوِلياُء ال َفَلْي َ
حَمُهَمَا الِ :إ ْيرِ شافع ّ حِنيفةَ ،وال ّ ن َ :أبو َ لِجِلي َ
َوقال الَماَمان ال َ
ي.َوِل ّ
ل ِلَيْعبدو ا َ
ل ينبغي لكل واحٍد منهما أن يقصد به رضا ال تعالى لقوله تعالى َ )) :وَمَا ُأِمروا إ ّ
حَنَفاء ..الية (( ]البينة.[5: ن ُ ن َلُه الّدي َصي َ
خِل ِ ُم ْ
ل ال صلى ال عليه وسلم قال : سو َ ن َر ُ طاب رضي ال عنه َأ ّ خّ ن ال َ عَمر ْب ِ عن ُ ن َ حي ِحي َصِ وفي ال ّ
ل اْمِريٍء َمَا َنَوى( .. تَ ،وِإّنَمَا ِلُك ّل ِبالّنــَيا ِعَمــا ُ
لْ ) ِإّنمَـَا ا َ
ظ الّرجل على َقدر ِنّيِته س ِ :إّنَمَا يحف ُ عّبا ٍ ن َ ن اْب ِعِ َوَرَويَنَا َ
حظِة المخلوقات ،وقِيل ُهو استواء أفَعال العبد لَ قال العاِرفون :الخلص :تصفية الِفعل عن ُم َ
ظاهرًا ،وباطنه
فصل
صل إلى غرض من أغراض الدنيا ،من مال ،أو رياسة ،أو ول يقصد بتعلمه ،ول تعليمه تو ّ
س إَليه ،أو نحو ذلك قال عند الناس ،أو صرف وجوه الّنا ِ وجاهة ،أو ارتفاع على أقرانه ،أو ثناء ِ
صيب (( ]الشورى: ن َن ِ
خرة ِم ْ ث الُدنيَا ُنْؤِتِه ِمْنَهَا َوَمَا لُه في ال ِ حر َ ن ُيِريُد َ ن َكا َال تعالى )) :وَم ْ
جَهّنَم
جَعْلَنَا َلُه َ
ن ُنِريد ُثّم َشاُء ِلَم ْ
جْلَنَا َلُه ِفيَهَا َمَا َن َ
عّجَلَة َ
ن ُيِريُد الَعا ِن َكا َ ،[20وقال تعالى َ )) :م ْ
حوَرًا (( ]السراء.[18: لَهَا َمْذُموَمًا َمْد ُ صَ َي ْ
فصل
صل له من بعض َمن َيقرأ عليه سواء كان الرفق ما ً
ل ول ُيشين المقريء إقراؤه بطمع في رفق يح ُ
ل قرائته عليه لما أهداها إليه ،وليحذر كل صورة الهدية التي لو َ ل ،وإن كان على ُ أو خدمة ،وإن ق ّ
الحذر ِمن قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه ،والمترددين إليه ،وليحذر ِمن كراهته قراءة
أصحابه على غيره ،ممن ينتفعو بقرائتهم عليه ،وهذه معصية ُيبتلى بها بعض المعلمين،
الجاهلين ،وهي دللة بينة من فاعلها على سوء نيته ،وفساد طويته وعدم إرادته بتعليمه وجه ال
الكريم.
حمَلة الِعلِم اعملوا بهَ ،فإّنما العالم ي رضي ال عنه قال ) :يَا َ ن عل ّ عْ ي َ وقد روينا في مسند الدارم ّ
حِملون العلم ل ُيجاوُز َتراِقيهم يخالف عملهم ن أقوام َي ْ عِمل بعلِمِه ،ووافق علمه عمله ،وسيكو ُ من َ
لِنيهم يجلسون حلقًا ُيباهي بعضهم بعضًا ،حتى أن الّرجل لَيُغضّ علمهم ،وُيخالف سِريرتهم ع َ
ك إلى ال تعالى( صّعد َأعمالُهم في َمجالسهم تل َ
على جليسِه أن يجلس إلى غيره ،ويدعه أولئك ل يَت َ
]إسناده ضعبف جدًا[
فصل
ب الشرع من الخلل الحميدة ،والشيم المرضية ،والزهادة في الدنيا، وينبغي للُمعلم أن يتخلق بآدا ِ
ل منها ،وعدِم اللتفات إليها ،وإلى أهلها ،والسخاء والجود ،ومكارم الخلق ،وطلقة والتقل ِ
الوجه ،والحلم والصبر ،والتَنّزه عن دنيء الكتساب وُملزمة الورع ،والخشوع ،والسكينة،
ظف بإزالة والوقار ،والتواضع ،والخضوع ،واجتناب الضحك والكثاِر من المْزح ،وليْعتني بالتَن ّ
الوساخ ،والشعور التي ورد الشرع بإزالتها ،كقص الشارب ،وتقليم الظفار ،وتسريح اللحية،
وإزالة الروائح الكريهة ،والملبس المكروهة ،ويراقب ال تعالى في جميع تقلباته في سره
وعلنيِتِه.
فصل
وليحذر كل الحذر من أمراض القلوب كالحسد ،والعجب ،والرياء ،واحتقار الناس والرتفاع
عليهم ،وإن كانوا دونه ،وعليه أن ل يرى نفسُه خيرًا من أحد
فصل
وينبغي أن ُيرفق بالذين يقرؤن عليه ،ويرحب بهم ،وُيحسن إليهم بحسب حاله وحالهم ويبذل لهم
ظم عليهم ،وأن يكون سمحًا الّنصيحة ما استطاع ،فإن نصيحة غيرهم واجبة فهم أولى ول يتع ّ
ن العلماء ورثة النبياء بتعليمهم برفق وتطلف ،ويحرضهم على التعلم ،ويتألفهم عليه وُيعّرفهم أ ّ
صلوات ال وسلمه عليهم ويحنق عليهم ،ويعتني بمصالحهم كاعتنائه بمصالح نفسه وولده
ويجري المتعلم منه مجرى ولده في الشفقة عليه والهتمام بمصالحه ،والصبر على جنابه
ف لئل يعود إلى مثله، وسؤاديه ،ويعذره في قلة أدبه في بعض الحيان ويعرفه قبح ذلك ؛ بتلط ٍ
وينبغي أن يحب له من الخير ما يحب لنفسه ،ويكره له من النقص ما يكره لنفسه
فصل
وينبغي أن يذكر للمتعلم فضيلة التعلم ليكون سببًا لنشاطه وزيادة رغبته ويزهده في الدنيا ويرغبه
في التأهب للخرة ،ويكون حريصًا على تعليهم ،مْؤثرًا لهم على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست
بضرورية ويكون حريصًا على تفهيمهم ،وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به فل يكثر على
شيء ل يحتمل الكثار ،ول يغتفر لمن يحمل الزيادة ويفرغ قلبه في حال جلوسه عن السباب
الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة.
فصل
ضية ،ورياضة الّنفس شيم المر ِ
سنية ،وال ّ
وينبغي أن يكون ُمؤّدبًا لهم على التدريج بالداب ال ّ
صيانة في جميع أمورهم الباطنية والجلية ،ويحرضهم بأقواله ،وأفعاله بالّدقائق الخفّية ،ويعودهم ال ّ
ن الّنيات وُمراقبة ال تعالى في جميع اللحظات، حس ِ
صدق ،و ُ
المتكررات على الخلص ،وال ّ
ح عليهم أنوار المعارف ،وتنشرح صدورهم ،وتتفجر من قلوبهم ينابيع وُيعّرفهم أن بذلك تتفت ُ
الحكم واللطائف ،وُيبارك لهم في علمهم ،وأحوالهم وُيوفقون في أفعالهم وأقوالهم.
فصل
ويأخذهم في إعادة محفوظاتهم ،وُيثني على من ظهرت نجابته ما لم يخشى عليه فتنًة بإعجا ٍ
ب
صر تعنيفًا لطيفًا ما لم يخشى تنفيره ،وُيقدم في تعليمهم إذا ازدحموا ،الول
ونحوه ،وُيعّنف من َق ّ
سابق من إيثاره بتوبته إل لمصلحة شرعية ،فإن اليثار في القرب فالول ،ول ُيَمّكن ال ّ
مكروه.وينبغي أن يتفقد أحوالهم ،ويسأل عمن غاب منهم ،ول يمتنع من تعليم أحد لكونه غير
سفيان وغيره :طلبهم للعلم نّية.
صحيح الّنية ،فقد قال ُ
فصل
ويصون يديه حال اقراء عن العبث ،وعينيه عن تفريق الّنظر من غير حاجة شرعية ،وُأذنيه عن
ل القبلة بوقار في ثياب بيض نظيفة ،وإذا وصل الستماع لغير القارئ ،ويقعد على طهارة مستقب ً
إلى موضع جلوسه صلى ركعتين قيل الجلوس ،سواء كان الوضع مسجدًا أو غيره ،فإن كان
مسجدًا كان آكد فإنه يكره الجلوس فيه قبل الصلة ،ويجلس متربعًا إن شاء أو غيره متربع ولو
جلس جاثيًا على ركبته كما روى عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه ،كان حسنًا ويكون
مجلسه واسعًا يمكن جلساؤه فيه.
ومّما يتأكد العتناء به أن ل يذل العلم فيذهب إلى موضع ُينسب إلى من يتعلم لُيعّلمه فيه ،وإن
كان المتعلم خليفة فمن دونه ،بل يصونه عن ذلك كما صانه السلف رضي ال عنهم.
فصل
تعليم المتعلمين فرض كفاية ،فإن لم يكن من يصلح له إل واحد تعّين عليه ،وإن كان هناك جماعة
يحصل التعليم ببعضهم ،فقام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين وإن امتنعوا كلهم أثموا إن لم يكن
عذر شرعي. لهم ُ
فصل
في آداب المتعلم جميع ما ذكرناه من آداب المعلم في نفسه آداب للمتعلم ،ومن آدابه أن يجتنب
السباب الشاغلة عن تحصيل كمال إل سببًا لبد منه للحاجة ،وينبغي أن ُيطهر قبله من الدناس
ليصلح لقبول القرآن ،واستثماره ،ويتواضع للعلم ،فبتواضعه يدركه وقد قالوا :العلم حرب
ن السيل حرب للمكان العالي ،ويتواضع لعلمه ويتواضع معه وإن كان أصغر سنًا للمتعالي كما َأ ّ
شهرًة َونسبًا وصلحًا وغير ذلك وينقاد له ،ويشاوره في أموره ويقل قول كالمريض ل ُ
منه ،وأق ّ
العاقل يقبل قول الطبيب الّناصح الحاذق ،وهذا أولى.
فصل
ول يتعلم إل ممن كملت أهليته وظهرت ديانته ،وتحققت معرفته ،واشتهرت صيانته ،فقد قال
السلف ) :هذا العم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم (.
وعليه أن ينظر معلمه بعين الحترام ،ويعتقد كمال أهليته ،ورجحانه على طبقته ،ويدخل عليه
ل للسواك ،فارغ القلب من المور كامل الحال متنظفًا بما ذكرناه في المعلم متطهرًا مستعم ً
ل إذا كان المعلم في موضع ل يحتاج فيه إلى استئذان ،ويسلم الشاغلة ،ول يدخل بغير استئذان إ ّ
على الحاضرين إذا دخل ،ويخصه بزيادة وتودد ،ويسلم عليه وعليهم إذا انصرف ول يتخطى
رقاب الّناس ؛ بل يجلس حتى ينتهي به المجلس ،إل أن يأذن له المعلم في التقدم ،ويعلم من حالهم
إيثار ذلك ،ول ُيقيم أحدًا من موضعه ،ول يجلس بين صاحبين بغير إذنهما ،فإن فسحا له قعد
وضّم نفسه.
وروينا عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال ) :من حق العالم عليك أن ُتسلم على الّناس
ن بعينيك ،ول صه دونهم بالتحية ،ون تجلس أمامه ،ول ُتشيرن عنده بيدك ،ول تغمز ّ عامة ،وتخ ّ
ن عنده أحد ،ول تساّر في مجلسه ،ول تأخذن بثوبه ،ول ن :قال فلن خلف لقوله ،ول تغتاب ّ تقول ّ
صحبته و عليه أن يرد غيبة شيخه إن قدر ُتلح عليه إذا كسل ،ول ُتعرض ول تشبع أي من طول ُ
فإن تعّذر عليه ردها فارق ذلك المجلس(.
فصل
وينبغي أن يتأدب مع رفقته ،وحاضري مجلس شيخه ،فإن ذلك أدب مع شيخه ،وصيانة لمجلسه،
ي الشيخ قعدة المتعلمين ،ول يرفع صوته رفعًا بليغًا من غير حاجة ول يضحك ول ويقعد بين يد ّ
ل من غير حاجة ؛ يكثر الكلم من غير حاجة ،ول يعبث بيده ول غيرها ،ول يلتفت يمينًا وشما ً
شغل طلب الشيخ وملله جها إلى الشيخ مصغيًا إلى كلمه ،ول يقرأ عليه في حال ُ بل يكون متو ّ
واستنفاره ،وغّمه ،وفرحه ،وجوعه ،وعطشه ،وُنعاسه ،وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه أو يمنعه
خلقه ،ولمن كمال حضور القلب ،والنشاط ويغتنم أوقات نشاطه ،ويتحمل جفوة الشيخ ،وسوء ُ
يصده ذلك عن ملزمته ،واعتقاد كماله ،ويتأول لقواله ،وأفعاله المنكرة في الظاهر تأويلت
صحيحة ،وإذا جفاه الشيخ ابتدأه هو بالعتذار ،وإظهار الذنب له ،والعتب عليه.
فصل
ومن آدابه المتأكدة أن يكون حريصًا على التعلم مواظبًا عليه في جميع الوقات التي يتمكن منه
فيها ،ول يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير ،ول ُيحّمل نفسه ما ل يطيق مخافة من الملل ،وضياع
صل ،وهذا يختلف باختلف الّناس ،والحوال ،وإذا جاء إلى مجلس الشيخ ولم يجده انتظره ما ح ّ
ولزم بابه ،ول يفوت وظيفته إل أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله القراء في وقت
ل انتظره ،ول يزعجه بالستئذان بعينه ،وأنه ل يقرأ في غيره ،وإذا وجد الشيخ نائمًا أو مشغو ً
وينبغي أن يأخذ نفسه بالجتهاد في التحصيل وقت الفراغ ،والنشاط ،وقوة البدن ونباهة الخاطر،
وقلة الشاغلت قبل عوارض البطالة وارتفاع السن والمنزلة وينبغي أن ُيبكر بأخذ وظيفتة أول
لّمتي في ُبُكوِرَها(.
النهار لحديث النبي صلى ال عليه وسلم ) :الّلُهّم َباِرك ُ
ى شرعي فأشار ن رأى الشيخ اليثار في بعض الوقات لمعن ً وقد قّدمنا أّنُه ُيكره اليثار بنوبتِه ؛ فإ ْ
عليه به امتثل أمره.
فصل
ومّما يجب ويتأكد العتناء به أن ل يسد أحدًا من رفقته أو غيرهم ،ول يعجب بما حصله ،ول
صل ما معه بحوله وقوته ؛ وإنما هو
ُيرائي به ،وطريقه في نفي الُعجب أن يذكر نفسه أنه لم ُيح ّ
فضل من ال تعالى أودعه فيه فل ينبغي أن يفتخر بما لم يصنعه ،وطريقه في نفي الحسد أن يعلم
أن حكمة ال تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في هذا فل ُيعترض عليها ،ول يكره ما أراده ال
تعالى ولم يكرهه ،وطريقه في نفي الرياء أن يعلم أن بالرياء ُيذهب ما معه في الخرة ،وتذهب
بركته في الدنيا ،ويستحق الذم ،فل يبقى معه في التحقيق شيء ُيرائي به عافانا ال من سخطاته،
ووفقنا لمرضاته.
ل منُه في الباب الرابع ،من آدابه أن يكون على أكمل الحوال ،وأكرم الشمائل ،وأن جم ٌ
قد تقدم ُ
يرفع نفسه عن كل ما نهى الُقرآن عنه ،وأن يكون متصّوَنًا عن دنيء الكتساب ،شريف الّنفس،
جفاة من أهل الدنيا متواضعًا للصالحين ،وأهل الخير والمساكين ،وأن ُمَتَرّفعًا عن الجَباِبرة ،وال ُ
شَعًا ذا سكينٍة ووقار. يكون ُمتخ ّ
فقد جاء عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال " :ينبغي لحامل الُقرآن أن ُيعرف بليلِه إذا
الّناس نائمون ،وبنهاره إذا الّناس مفطرون ،وبحزنه إذا الّناس يفرحون ،وببكائِه إذا الّناس
يضحكون ،وبصمتِه إذا الّناس يخوضون ،وبخشوعه إذا الّناس يختالون ".
ي رحمه ال قال :إن من َكان قبلكم رأوا الُقرآن رسائل من ربهم فكانوا وعن الحسن البصر ّ
يتدبرونها بالليل ،وينفذونها بالنهار.
وعن الفضيل بن عياض رحمه ال قال " :حامل الُقرآن حامل راية السلم ل ينبغي أن يلهوا مع
من يلهوا ،ول يسهو مع من يسهوا ،ول يلغوا مع من يلغوا تعظيمًا لحق القرآن".
فصل
ومن أهم ما ُيؤمُر به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن عيشة يكتسب بها ،فقد جاء في النهي
عن ذلك أشياء كثيرة مشهورة من أحاديث النبي صلى ال عليه وسلم ،وأقاويل الصحابة،
سلف ،وأما أخذ الجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء في جوازه ،فجوزه عطاء ،ومالك وال ّ
ي ،وأبو حنيفة ،وآخرون.
والشافعي ،وآخرون إذا استأجره إجارة صحيحة .ومنعه الّزهر ّ
والحاديث الصحيحة تقتضي الجواز.
أّما الحديث الوارد بالمنع ،فعنه جوابان أوضحتهما مع غيرهما.
فصل
سلف رضي ال عنهم عادات في قدر ما وينبغي أن ُيحافظ على تلوته ،وُيكثر منها ،وقد كانت لل ّ
يختمون فيه ،فمنهم من كان يختم في كل شهرين ختمة ،ومنهم من كان يختم في كل شهرين
ل ،وبعضهم في ثمان ختمة ،ومنهم من كان يختم في كل شهر ،وكان بعضهم يختم في عشر ليا ٍ
ت ،وبعضهم في خمس ،وبعضهم في أربع ،وبعضهم كل ل ،وبعضهم في سبٍع ،وبعضهم في س ٍ ليا ٍ
ليلة ،وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمتين ،وبعضهم في كل يوم وليلة ثلث ختمات ،وأربع في
النهار ،وكان أكثرهم يختم في كل سبع ليال ،وكثيرون في كل ثلث ،وقد بينت من كل فرقة من
هؤلء جماعة في "التبيان" وذكرت دلئلهم ،والمختار أن ذلك يختلف باختلف الشخاص ،فمن
كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما ُيحصل له معه كمال فهم ما
حكم بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الّدين ل بنشر العلم ،وال ُ يقرأه ،وكذا من كان مشغو ً
والمصالح العامة ؛ فليقتصر على قدر ل يحصل بسببه إخلل بما هو مرصدًا له ،أو ل تفويت
وإن لم يكن من هؤلء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد يحصل به الملل
والهذرمة في القرآن.
فصل
وأّما وقت الختم فالفضل أن يكون أول الّنهار أو الليل وقيل الفضل أن يختتم ختمة أول الّنهار
وأخرى أول الليل ،وإّنُه إن كان أول الّنهار ختم في ركعتين الفجر أو بعدهما ،وإن كان أول الليل
ففي ركعتي سنة المغرب على من ختم أول الّنهار حتى ُيمسي ،وعلى من ختم أول الليل حتى
يصبح
فصل
في المحافظة على قراءة الُقرآن بالليل
ينبغي أن يحافظ على قراءة الُقرآن في الليل ،ويكون إعتناؤه بها فيه أكثر وفي صلة الليل أكثر ؛
لن الليل أجمع للقلب ،وأبعد من الشاغلت والملهيات والتصرف في الحاجات وأصون من تطرق
الرياء ،وغيره من المحبطات مع ما جاء في الشرع من إيجاد الخيرات في الليل كل إسراء،
وحديث الّنزول ،وحديث :في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء كل ليلة
سّنة وإجماع الّمة على فضيلة القراءة والقيام بالليل ،والحث وقد تظاهرة نصوص الُقرآن وال ّ
عليه ،وذلك يحصل بالكثير ،والقليل ،وما كثر أفضل إل أن يستوعب الليل كله ؛فإنه ُيكره الّدوام
عليه ،وكذا ُيكره إن أضّر بنفسه ما دون الجميع
ت َلْم
شِر آيا ٍ ن َقاَم ِبَع ْ سول ال صلى ال عليه وسلم قالَ) :م ْ نرُ وقد روى أبو داود في "سننه" أ ّ
طِرين( ن الُمَقْن َب ِم َ ف آية ُكِت َ ن َقاَم َبَأْل ِن الَقاِنِتينَ ،ومَ ْ ب ِم َ
ن َقاَم ِبماَئِة آَية ُكِت َ ن الَغافِلينَ ،وَم ْ ُيْكَتب ِم َ
فإن فاتتُه وظيفته بالليل فليحرص على ِقراءتها في أول الّنهار.
طاب رضي ال عنُه َقــال :قال رسول ال صلى ال عليه عمر بن الخ ّ ففي صحيح مسلم عن ُ
ظهر، لِة ال ّصَ جرَ ،و َ لِة الَف ْصَ
ن َ شيٍء ِمنُه َفَقَرَأُه َبْي َ ن َ عْلَ ،أْو َ ن الّلْي ِ
حزِبِه ِم َ ن ِ عْن َناَم َ وسلم َ) :م ْ
ل( ن الّلْي ِ
ب َكَأّنَمَا َقَرَأ ِم َ
ُكِت َ
فصل
وليحذر كل الحذر من نسيانه ،أو نسيان بعضه ،ومن تعريضه للنسيان
ب ُأّمتي َفَلمْ ي ُذنو ُ عل ّت َ ض ْعِر َ فقد روى أبو داود وغيره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ُ ) :
سيَهَا(. لُ ،ثّم َن ِ جٌ سورِة الُقْرآنَ ،أْو آية ُأوِتيَهَا َر ُ ن ُ ظَم ِم ْعََأرى َذنَبًا َأ ْ
جَذم(] .إسنادُه ي ال َتَعاَلى َيْوَم الِقيَاَم َأ ْ سَيُه َلِق َن ُثّم َن ِ
ن َقَرَأ الُقْرآ َ
وأّنُه صلى ال عليه وسلم قال َ) :م ْ
ضعيف[
الباب السادس :في آداب قراءة القرآن
أول ذلك أّنُه يجب على القارئ الخلص كما قدمناه ،ومراعاة الدب مع القرآن ،وينبغي أن
يستحضر في ذهنه أنه يناجي ال عز وجل ويقرأ على حال من يرى ال تعالى.
فصل
سواك الراك ،ويجوز بكل ما سواك وغيره ،ويختار في ال ّظف فمه بال ّ
ينبغي إذا أراد القراءة أن ُين ّ
ظف كالخرقة الخشنة والشنـان ،ول يحصل بالصابع الخشنة على الصح ،وقيل يحصل إن لم ُين ّ
سنة ،ويمر بالسواك
يجد غيرها ،ويستاك عرضًا مبتديًا بالجانب اليمن من فمه ،وينوي التيان بال ّ
على ظاهر السنان ،وباطنها ،ويمر على سقف حلقه إمرارًا لطيفًا ،ويستاك بعود متوسط بين
طب ،ول بأس باستعمال سواك غيره بإذنه ! ،فإن كان فمه نجسًا فينبغي أن يغسله، اليابس والر ّ
فإن قرأ الُقرآن قبل غسله فهو مكروه وفي تحريمه وجهان.
فصل
ُيستحب أن يقرأ ُمتطهرًا ،فإن قرأ ُمحِدثًا جاز بإجماع المسلمين ول له مكروه ،ويقال تارك
الفضل ،فإن لم يجد الماء تيمم ،والمستحاضة في الزمن المحكوم بأّنه طهر حكمها حكم المحدث،
وأما الجنب والحائض فيحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها ،ويجوز لهما إجراء
القرآن على قلوبهما من غير لفظ ،ويجوز لهما النظر في المصحف ،وإمراره على القلب ،وأجمع
المسملون على جواز التسبيح ،والتهليل ،والتحميد والتكبير والصلة على رسول ال صلى ال
عليه وسلم وغير ذلك من الذكار للجنب والحائض
ب ِبٌقوة (( .وكذا ما أشبهه إذا لم يقصد القرآن ،وكذا خِذ الِكتا َ قال أصحابنا يجوز أن يقول لغيره )) ُ
خر َلَنَا َهَذَا َوَمَا ُكّنَا َلُه ُمْقِرِنين(( ،وعند الّدعاء )) َرّبَناَ
سّ سْبحان اّلِذي َ يقول عند ركوب الّدابة ُ )) :
ب الّنار ((. عَذا َسَنًة َوِقَنَا َ
حَخرِة َ
سَنًة َوفي ال ِ
حَآِتَنَا في الّدنيَا َ
ويجوز أن يقول "بسم ال ،والحمُد ل " إذا لم يقصد القراءة ،فإن قصدها في شيء من هذا أثم،
ض قراءة ما ُنسخت تلوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما جنب والحائ ِ ويجوز لل ُ
فصل
حرمت عليه إذا لم يجد الجنب أو الحائض ماًء تيمم وُتباح له القراءة والصلة وغيرها ،فإن أحدث ُ
سفر ،وقيل إن تيمم في الحضر لم تحل الصلة ولم ُتحرم القراءة ،سواء تيمم في الحضر أو في ال ّ
له القراءة خارج الصلة ،والصواب من القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل.
أما إذا لم يجد ماء ول تراب فُيصلي وُتحرم عليه القراءة خارج الصلة ،ويحرم أن يقرأ في
الصلة ما زاد على الفاتحة ،ويجب قراءة الفاتحة على المذهب الصحيح المختار ،وقيل يحرم ؛
بل يأتي بدلها بالذكار ،والصواب الول.
فصل
ُيستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف ،واستحب العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعًا
س في المسجد ل لفضيلة أخرى وهو العتكاف فإنه ينبغي لكل جال ٍ للنظافة وشرف البقعة ومحص ً
ل ،وينبغي أن ينويه أول دخوله.وأما القراءة في الحمام ل لبثه أو ق ّ
أن ينوي العتكاف سواء ق ّ
فليست مكروهة عند أصحابنا ،وبه قال عطاء والنخعي ومالك ،وذهب أبو حنيفة وطائفة من
العلماء إلى كراهتها.
شعبي ُتكره قراءة الُقرآن في ثلث مواضع :الحمام ،وبيت الحش ،وبيت الرحا وهي وقال ال ّ
تدور.
وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها ليست مكروهة إذا لم يلته صاحبها ،وروى نحو هذا عن
أبي الدرداء ،وعمر بن عبد العزيز وكرهها مالك.
فصل
ُيستحب للقارئ في غير الصلة أن يستقبل القبلة ،ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار ُمطرقًا رأسه،
جلوسُه وحده في تحسين أدبه كجلوسه بين يدي معلمه ،فهذا هو الكمل ولو قرأ قائمًا أو ويكون ُ
مضطجعًا أو في فراشه أو على غير ذلك من الحوال جاز ،وله أجر ذلك دون الول ،ودلئل هذا
سنة مشهورة.
كله في الكتاب وال ّ
فصل
إذا أراد القراءة استعاذ فقال :أعوذ بال من الشيطان الرجيم ،فإن قال أعوذ بال السميع العليم من
الشيطان الرجيم فل بأس به ،ولكن المختار الذي عليه الجمهور هو الول.
والتعوذ ليس بواجب ؛ بل هو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلة أو خارجها ،وُيستحب في
الصلة في كل ركعة على الصح ،وقيل إّنما ُيستحب في الول ،فعلى هذا لمن تركه في الولى
أتى به في الثانية ،وُيستحب التعوذ عقب التكبيرة الولى من صلة الجنازة على الصح ،وُيجهر
صلة التي ُيجهر بها في القراءة فيه وجهان.بالتعوذ إذا قرأ خارج الصلة ! ،وهل يجهر به في ال ّ
فصل
وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم ال الرحمن الرحيم في أولى كل سورة ،سوى براءة فإن أكثر
العلماء قالوا أنها آية حيث كتبت ،وقد ُكتبت في المصحف في أوائل السور سواء براءة ،فإن
قرأها كان متقنًا قراءة الختمة أو السورة التي قرأها ،وإذا تركها كان تاركًا بعض القرآن عند
الكثرين ،وإن كانت القراءة في وظيفة عليها جعل كالسباع والجزاء التي عليها أوقاف كان
العتناء بالبسملة أشد ليستحق ما يأخذه يقينًا ؛ فإنه إذا أخلّ بها لم يستحق شيئًا من الوقف عند
القائلين بأّنها آية ،وهم الكثرون ،وهذه دقيقة يتساهل فيها الناس فينبغي العتناء بها وإشاعتها.
فصل
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهو المقصود والمطلوب ،وبه
ك ِليّدبروا آياته.((..
ك ُمبار ٌ
ب أنزلنَاُه إلَي َتنشرح الصدور ،وتستنير القلوب قال تعالى )) :كتا ٌ
وقال تعالى )) :أفل َيَتَدّبرون الُقرآن ((.
سلف خلئق ل ُيحصون يبيت أحدهم يردد الية والحاديث والثار في هذه كثيرة ،وقد كان من ال ّ
سلف عند قراءة القرآن ،ومات جماعات صعق جماعات من ال ّ جميع الليل أو معظمه للتدبر ،وقد ُ
جملة من أخبار هؤلء رضي ال عنهم. منهم بسبب القراءة ،وقد ذكرت في التبيان ُ
وقد قال إبراهيم الخواص :دواء خمسة أشياء :قراءة القرآن بالتدبر ،وخلء البطن ،وقيام الليل،
سحر ،ومجالسة الصالحين. والتضرع عند ال ّ
فصل
اعلم أن البكاء عند قراءة القرآن مستحب وهو صفة العارفين ،وشعار عباد ال الصالحين ،قال ال
خشوعًا(( ن َيْبُكون ويزيدهم ُ
تعالى )) :ويخرون للذقا ِ
والحاديث والثار فيه كثيرة أشرت إلى بعضها في "التبيان" وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل
ما يقرأه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود ،ثم ُيفكر في تقصيره فيها ،فإن لم يحضره حزن
وبكاء ،فليبك على فقد ذلك ؛ فإّنُه من المصائب.
فصل
ينبغي أن يرتل قراءته ،وقد اتفق العلماء على استحباب الترتيل ،قال ال تعالى )) :وَرّتل الُقرآ َ
ن
َتْرِتيلً ((.
وثبت في الحاديث الصحيحة أن قراءة الّنبي صلى ال عليه وسلمكانت ُمرتلة مفسرة ،وكذا قراءة
سلف ،وقد نهى عن الفراط في السراع ويسمى الهّذ. ال ّ
قالوا وقراءة جزء بترتيل أفضل من جزأين في ذلك الزمن بغير ترتيل.
قال العلماء :والترتيل مستحب للتدبر ؛ ولكنه أقرب إلى الجلل والتوقير ،وأشد تأثيرًا في القلب.
ولهذا ُيستحب الترتيل للعجمي الذي ل يفهم معناه.
فصل
وُيستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل ال تعالى من فضله ،وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ من
العذاب أو من الشر أو يقول :اللهم إني أسألك العافية ،أو نحو ذلك ،وإذا مر بآية تنزيه ل تعالى
نزهه فقال :سبحانه وتعالى ،أو تبارك وتعالى ،أو جّلت عظمة ربنا ،وهذا مستحب لكل قارئ
سواء كان في الصلة أو خارجًا ،وسواء فيه المام والمأموم والمنفرد ،وقد ثبت ذلك في صحيح
مسلم من فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فصل
ل تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أم لم ُيحسنها ،وسواء كان في الصلة أو
خارجًا عنها ،فإن قرأ بها في الصلة لم تصح صلته ،هذا مذهب مالك ،والشافعي ،وأحمد،
وداود ،وجوزها أبو حنيفة وجوزها صاحباه أبو يوسف ،ومحمد لمن لم يحسن العربية.
وتجوز القراءة بالقراءات السبع المشهورة المجمع عليها ،ول يجوز القراءة بغير السبع ،ول
بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة ،فإن قرأ بالشاذ في الصلة بطلت إن كان عالمًا ،فإن
ل لم تبطل ،ولم تحسب قراءته ،وإذا ابتدأ القارئ الُقرآن على قراءة أحد السبعة ؛ فينبغي كان جاه ً
أن يدوم عليه ما دام الكلم مرتبطًا ،فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة،
والولى ،دوامه على القراءة الولى في هذا المجلس.
فصل
قال العلماء رحمهم ال الختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف ،فيقرأ الفاتحة ،ثم البقرة ثم آل
ب الّناس (( سواء قرأ في الصلة أم خارجًا ل َأعوذ بر ِ عمران ،ثم النساء إلى أن يختم بـ )) ُق ْ
عنها ،ويستحب أيضًا إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها السورة التي تليها ،ولو قرأ في الركعة الولى :
ب الّناس (( يقرأ في الثانية من البقرة ،ودليل هذا الفصل أن ترتيب المصحف )) ُقلْ َأعوذ بر ِ
لحكمة ،فينبغي أن يحافظ عليها إل فيما ورد الشرع باستثناء كصلة الصبح يوم الجمعة يقرأ في
ل آَتى (( وصلة العيدين قاف واقتربت وغير هذا الركعة الولى )) ألم َتنزيل (( وفي الثانية )) َه ْ
مما سيأتي في الباب الثامن إن شاء ال تعالى.
ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها أو خالف المولة فقرأ قبلها ما ل يليها جاز وكان
ق على منعه وذّمه ؛ فإنه ُيذهب بعض تاركًا للفضل ،وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتف ٌ
حكمة الترتيب. أنواع العجاز ،ويزيل ِ
س من هذا الباب لتفاصلها في أيام. ن لي َ
صبيان من آخر المصحف إلى أوله فحس ٌ وأّما تعلم ال ّ
فصل
القراءة من المصحف أفضل من القراءة على ظهر القلب ؛ لنها تجمع القراءة والنظر في
سلف ،ولم أر فيه خلفًا ؛ ولعلهم أرادوا بذلك في حق من المصحف ،وهو عبادة قاله أصحابنا ،وال ّ
يستوي خشوعه ،وحضوره في حالتي القراءة في المصحف ،وعن ظهر القلب ،أما من يزيد
خشوعه وتدبره ،وينجمع فكره بالقراءة عن ظهر القلب فهي أفضل في حقه.
فصل
في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين ،وفضل جامعهم لذلك ،وحاضري مجلس القراءة من
القارئين والسامعين
اعلم أن قراءة المجتمعين مستحبة ،وكذلك حضور حلقهم،
وأما المتسبب في جمعهم لذلك فأجره عظيم ،وفضله جسيم ،وهو من الساعين في نصحة كتاب ال
تعالى والقيام بحق من حقوقه ،وكل هذا ثابت بالدلئل.
با ِ
ل ن ِكَتا َ
ت ال َيْتُلو َن ُبيو ِ ت ِم ْ
جَتَمَع َقوٌم في َبْي ٍ
ل َ ) :مَا ا ْ ن الّنبي صلى ال عليه وسلم أّنه َقا َ عَِ
لِئَكةَ ،وَذَكَرُهُم
حّفتهُم الَم َ
شيُتهُم الّرحمةَ ،و َ غِ سِكيَنة َو َ عَلْيِهُم ال ّ
ل َنَزَلت َ
سوَنُه َبْيَنُهم إ ّ
َتَعالى َوَيَتَداَر ُ
عْنَده(. ن ِ
ِفيَم ْ
وقد ذكرت في "التبيان" جملة من الحاديث والثار في هذا الفصل ثم لهم في القراءة مجتمعين
طريقان حسنان :
إحداهما :أن يقرءوا كلهم دفعة واحدة.
الثانية :أن يقرأ بعضهم جزء ،أو غيره ،ويسكت بعضهم مستمعين ،ثم يقرأ الساكتون جزءًا
ويستمع الولون ويسمى هذا الدارة.
فصل
في آداب الُقراء مجتمعين
الداب التي يحتاجون إليها كثيرة ل يمكن حصرها في هذا الموضع ،ولكن نشير إلى بعضها تبيينًا
على الباقي ،فجميع آداب القارئ وحده آداب المجتمعين ،ونزيد في آدابهم أشياء مما يتساهل فيه
بعض الجاهلين ،فمن ذلك أن يتغّنى لهم أن يتجنبوا الضحك ،واللغط ،والحديث في حالة القراءة،
إل كلمًا يضطر إليه ،ومن ذلك العبث باليد وغيرها ،والنظر إلى ما ُيلهي ،أو ُيبدد الّذهن ،وأقبح
من هذا ُكله الّنظر ما ل يجوز الّنظر إليه ،كالمرد وغيره ،فإن الّنظر إلى المرد الحسن حرام
سواء كان بشهوة أو بغيرها ،وسواء أمن الفتنة أم لم يأمنها ،هذا هو المذهب الصحيح المختار عند
ي ،ومن ل ُيحصى من العلماء ،قال شافع ّص على تحريمه المام ال ّالمحققين من العلماء ،وقد ن ّ
جُهم (( ؛ لنه في معنى المرأة ؛ بل
ضوا من أْبصارِهم ويحفظوا ُفرو َ تعـالى ُ )) :قل للمؤمنين َيغ ّ
شر في حقهم ما لُيتسهل في النساء فهم طرق ال ّ كثير منهم أحسن من كثير من النساء ،وَيسهل من ُ
بالتحريم أولى ،وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن ُتحصى.
واعلم أنه يجب على كل حاضر مجلس القراءة أن ينكر ما يراه من هذه المنكرات وغيرها فينكر
بيده ؛ فإن لم يستطع فبلسانه ؛ فإن لم يستطع فلينكره بقلبه.
فصل
في رفع الصوت بالقراءة
صحيحين وغيرهما دالة ل مهم ينبغي العتناء به .اعلم أّنُه جاءت أحاديث كثيرة في ال ّهذا فص ٌ
على استحباب الصوت بالقراءة ،وجاءت أحاديث دالٌة على الثار دالة على استحباب الخفاء
وخفض الصوت وكان في السلف رضي ال عنهم من يختار الخفاء وفيهم من يختار الجهر.
قال العلماء وطريق الجمع بين الثار المختلفة في هذا الفصل أن السرار أبعد من الرياء ،فهو
أفضل في حق من يخاف الريـاء ،فإن لم يخفه فالجهر ،ورفع الصوت أفضل ؛ لن العمل فيه
أكثر ولن فائدته تتعدى إلى غيره ،والنفع المتعدي أفضل من اللزم ولنه يوقظ قلب القارئ،
ويجمع هّمه إلى الفكر فيه ويصون سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط ،ويوقظ غيره من
ل وينشطه قالوا فمهما حضره شيء من هذه الّنيات فالجهر أفضل ،فإن جُمعت كلها نائٍم ،أو غاف ٍ
تضاعف الجر ،هذا إذا لم يخف رياًء ول إعجابًا ،ول غيرهما من القبائح ،ولم يؤذ جماعة يلبس
صلتهم ،وتخليطها عليهم ؛ فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر وقد
جملة من الحاديث والثار الواردة في هذا الباب. ذكرت في "التبيان" ُ
فصل
في تحسين الصوت بالقراءة
أجمع العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وأقوالهم،
وأفعالهم في هذا مشهورة ،والحاديث الصحيحة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم مستفيضة
عند الخاصة والعامة.
قال العلماء ُ :يستحب تحسين القراءة وتزينها بما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط ؛ فإن أفرط
حتى زاد حرفًا ،أو إخفائه أو مد ما ل يجوز مده فحرام على فاعله ،وسامعه إن تمّكن من إنكاره،
ولم ينكره لنه عدل به ،نهجه القويم إلى العوجاج وال تعالى يقولُ )) :قرآنًا عربياً غير ذي
عوج ((. ِ
من هذا النوع ما يقرأه بعض الجهلة على الجنائز وفي مجال الوعاظ وغيرها ،وهي بدعة محرمة
ظاهرة ،نسأل ال الكريم تعجيل زوالها بخير للمسلمين.
شافعي وغيره :أفضل القراءة ما كان حدرًا وتحزينًا ،فالحدر درج القراءة والتحزين القراءة قال ال ّ
بالترقيق.
وقرأ أبو هريرة رضي ال عنه تحزينًا شبه لرثاء.
وإذا لم يكن القارئ حسن الصوت حسنه ما استطاع.
فصل
في استحباب القراءة من حسن الصوت
اعلم أن جماعات من السلف رضي ال عنهم كانوا يطلبون من القارئ الحسن الصوت أن يقرأ
عليهم وهم يستمعون ،وهذا متفق على استحبابه ،وهو عادة الخيار والمتعبدين ،وعباد ال
سّنة ثابتة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم. الصالحين ،وهو ُ
ي الُقْرآنَ ،فِإّني ُأح ّ
ب عل ّحيحين أّنُه صلى ال عليه وسلم قال لعبد ال بن مسعود ) :اْقرأ َ صِففي ال ّ
ل ُأّمٍة
ن ُك ّ
جئَنَا ِم ْ
ف ِإذَا ِ
سورة الّنساء حّتى بلغ قولهَ )) :فَكي َ غْيِري( فقرأ علْيِه من ُ
ن َ ن َأسَْمَعُه ِم َْأ ْ
عْيَناُه َتْذِرَفان.رواه
ت إليه َفِإَذَا َ
ك الن( .فالتف ُ
سُب َ
حْشِهيدا(( ،قال َ ) :
على َهؤلء َك َ جْئَنَا ِب َ
شِهيٍد َو ِ
ِب َ
ي ومسلم. البخار ّ
صالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة، والثار في هذا كثيرة ومشهورة .وقد مات جماعة من ال ّ
واستحب العلماء افتتاح مجلس حديث النبي وختمه بقراءة قارئ حسن الصوت ،ما تيسر من
الُقرآن ،وينبغي أن يكون القارئ في هذه المواطن ما يتعلق بالمجلس ،ويناسب الحال ،وأن يكون
قراءته في آيات المواعظ والُزهد ،والترغيب والترهيب وقصر المل ومكارم الخلق.
فصل
ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من الكلم المرتبط
بعضه ببعض ،وأن يقف على انتهاء المرتبط ،ول يتقيد بالعشار ،والجزاء فإنها قد تكون في
ن الّنساء (( وفي قوله تعالى : ت ِم َوسط الكلم المرتبط الجزء في قوله تعالى )) :والُمحصَنا ُ
ساعة (( وفي قوله تعالى َ )) :فَمَا علُم ال ّ
ئ َنفسي (( وفي قوله تعالى ِ)) :إَلْيِه ُيَرّد ِ )) َوَمَا ُأَبِر ُ
سُلون ((.
طُبُكم َأّيَهَا الُمْر َ
خ َْ
علين له ،ولهذا قال العلماء : ل ُيوقف عليه ول ُيبتدأ به ،ول ُيغتَر بكثرِة الفا ِ وما أشبهه ينبغي أ ّ
قراءة سورة قصيرة أفضل من قراءة بعض سورة بقدر القصيرة فإنه قد يخفى الرتباط ،وكان
سلف رضي ال عنهم يكرهون قراءة بعض الية وال أعلم. ال ّ
فصل
في أحوال ُتكره فيها القراءة
اعلم أن القراءة محبوبة على الطلق إل في أحوال مخصوصة جاء الشرع ببيانها وأنا ُأشير إلى
ما حضرني الن منها فتكره في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلة،
سواء القيام ،وُتكره في حال القعود في الخلء ،وفي حالة النعاس وإذا استعجم عليه القرآن ،وفي
حالة الخطبة لمن سمعها ول ُيكره لمن لم يسمعها بل تستحب له على المذهب الصحيح المختار،
ب له
وُيكره للمأموم قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلة الجهرية إذا سمع قراءة المام ،ويستح ُ
إذا لم يمسمعها ،ول ُيكره في حال الطواف.
وقد تقدم بيان القراءة في الحمام ،والطريق ،وقراءة من فمه نجس.
فصل
ومن البدع المنكرة ما يفعله جهلة المصلين بالّناس بالتراويح من قراءة سورة النعام بكمالها في
الركعة الخيرة في الليلة الرابعة معتقدين استحبابها ،فيجمعون بهذا أنواع منكرة بينتها في
"التبيان" ومن البدع المشابهة لهذه قراءة يعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة سجدة غير سجدة
سنة قراءة سجدة )) ألم َتْنِزيل (( بكمالها في الركعة الولى ،و)) هل )) ألم (( قاصدًا ذلك ،وإّنما ال ّ
أتى (( في الثانية.
فصل
في آداب تدعوا الحاجة إليها
منها أّنه إذا كان يقرأ فعرضت له ريح فينبغي أن ُيمسك عند القراءة حتى يتكامل خروجها ،ثم
يعود إلى القراءة.
ومنها أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ.
ح اْب ُ
ن سي ُ
ن ال .وقاَلت الّنصاَرى الَم ِ عَزيٌر اْب ُ ومنها أّنه إذا قرأ قوله تعالى )) :وقالت اليهود ُ
ن َوَلدًا (( ونحو هذا من اليات ل َمْغُلولة((َ )) ،وَقالوا اتخَذ الرحم ُ ال ((َ )) ،وقالت الَيُهوُد َيُد ا ِ
يستحب له أن يخفض بها صوته كذا كان إبراهيم النخعي يفعل.
على الّنبي (( صلى ال عليه وسلم ـ الية، ن َ لِئَكِتِه ُيصلو َ
ن ال وَم َ
ومنها إذا قرأ قوله تعالى )) :إ ّ
يستحب له أن يقول :صلى ال عليه وسلم تسليمًا.
ن ُيحيي المْوَتى (( ُيستحب أن على أ ْ ك بَقادٍر َ س َذِل َ
حاِكمين (( ))َألي َس ال َبأحكِم ال َ ومنها إذا قرأ ألي َ
ث َبْعَدُه ُيْؤِمُنون (( قال :آمنت بال. حِدي ٍ
ي َيقول :بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ،وإذا قرأَ )) :فِبَأ ّ
خذ َوَلَدًا (( وهذا كلهي َلْم َيّت ِ
حمُد ل اّلذ ِل ال َك العلى (( وإذا قرأ َ )) :وُق ِ ح اسم َرّب َ سّب ِ
وإذا قرأ )) َ
مستحب أن يقوله القاري في الصلة وغيرها.
فصل
اختلفوا في كراهة قراءة القرآن يراد بها الكلم ،وأما إذا استأذن المصلي على إنسان فقال المصلي
لم آمنين(( فقال أصحابنا إن أراد التلوة الذن لم تبطل صلته وإن أراد الذن أو سَخلوها َ
)) ُأْد ُ
لم تحضره نية بطلت صلته.
فصل
إذا كان يقرأ ماشيًا على قوم سلم عليهم ثم رجع إلى القراءة ،ولو أعاد التعوذ كان حسنًا ،ولو قرأ
جالسًا فمر عليه غيره فالظهر أنه يستحب له أن يسلم عليه ،ويجب على القارئ الرد باللفظ .وقال
المام الواحدي من أصحابنا :الولى ترك السلم ،وقال :فإن سلم عليه رد بالشارة ،أما إذا
عطس حال القراءة يستحب أن يقول الحمد ل ،وكذا لو كان في الصلة قال :الحمدل.
يستحب للقارئ أن يقول :يرحمك ال ،ولو سمع المؤذن أو المقيم قطع القراءة وتابعه ،ولو طلبت
ب أن نجيبهمنه حاجة وأمكن الجواب بالشارة لفهمه وعلم أنه ل يشق ذلك على السائل اسُتح ّ
بالشارة ،ول يقطع القراءة فإن قطعها جاز ،وإذا ورد عليه من له فضيلة بعلم أو صلح أو
شرف أو سن أو ولدة ،أو ولية فل بأس بالقيام له للحترام والعظام.
فصل
ل بأس بالجمع بين سور في ركعة واحدة ويستحب للمام في الصلة الجهرية أن يسكت في القيام
أربع سكتات :
أحدها :بعد تكبيرة الحرام بقراءة وعام التوجه ،وليحرم المأمومون.
والثانية :سكتة لطيفة جدًا بين آخر الفاتحة وآمين لئل ُيتوهم أن آمين من الُقرآن.
والثالثة :بعد آمين سكته طويلة بحيث يقرأ المأمومون الفاتحة.
والرابعة :بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الركوع.
فصل
لكل قارئ في الصلة أو غيرها أن يقول عقب الفاتحة آمين وفيها لغات أربع :
المد والقصر مع التخفيف فيهما.
والثالثة :المد مع المالة حكاها الواحدي عن حمزة والكسائي.
والرابعة :المد مع تشديد الميم حكاها الواحدي عن الحسن البصري ،والحسين بن الفضل ،وأنكر
الجمهور التشديد ثم أن النون في آخرها ساكنة فإن وصلت بمن بعدها فتحت .مثل أين وكيف وفي
ل ،أشهرها وأظهرها معناه. معناها قريبًا من خمسة عشر قو ً
الّلُهّم استجب ويستحب التأمين في الصلة للمام والمأموم ،والمنفرد ،ويجهر المأموم ،ويستحب
أن يكون تأمين المأموم مع تأمين المام ل قبله ول بعده.
فصل
في سجود التلوة
وهو مما يتأكد العتناء به .فقد أجمع العلماء على المر به وإنما اختلفوا في أّنه إيجاب أم
استحباب.
فقال أبو حنيفة هو واجب.
وقال عمر الخطاب وابن عّباس ،وسلمان الفارسي ،وعمران بن الحصين ،والوزاعي ،ومالك،
والشافعي وأحمد ،وإسحق ،وأبو ثور ،وداود وغيرهم .وهو سنة ليس بواجب.
فصل
وسجدات التلوة أربعة عشر في "العراف""،والرعد""،والنحل"" ،وسبحان"" ،ومربم"" ،والحج
سجدتان"" ،والنجم" ،و))إذا السماء انشقت((" ،واقرأ".
فهذه عزائم السجود ،وأما سجدة "ص" فسجدة شكر ليست من عزائم السجود أي متأكداته.
ومحل هذه السجاد معروف ،ول خلف في شيء منها إل في التي في }حم{ فإن مذهب أبي حنيفة
والشافعي ،وأحمد ،وجماعات من السلف أنها عقيب قوله )) وهم ل يسأمون ((.
ومذهب مالك وجماعات من السلف منهم عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنها عقيب قوله تعالى :
)) إن ُكنتم إياه تعبدون ((.
ي والصحيح الول ،وهو أحوط. شافع ّ
وهو وجه لبعض أصحاب ال ّ
وأما سجدة "النمل" فالصواب المشهور المعروف أنها عقيب قوله )) رب العرش العظيم ((.
وقال العبدرى من أصحابنا هي عقيب قوله تعالى )) ويعلم ما يخفون وما يعلنون (( وأدعى أن
هذا يعلم مذهبنا ،ومذهب أكثر الفقهاء ،وليس كما قال والصواب ما قدمناه.
فصل
إذا قرأ سجدة ))ص(( خارج الصلة استحب له السجود ،وإن قرأها في صلة ام يسجد فإن خالف
فسجد وهو جاهل أو ناس لم تبطل صلته ،ولكنه يسجد للسهو ،وإن كان عالمًا بطلت صلته على
الصحيح من الوجهين ول اتبطل فى الوجه الثاني .ولو سجد أمامه فى ))ص(( لكونه "يعتقدها"
من العزايم والمأموم ل يعتقدها فل يتابعه بل يفارقه أو ينتظره قائما.
فصل
حكم سجود التلوة وحكم صلة النفل فيشترط فيها الطهارة عن الحدث والنجس واستقبال القبلة
وستر العورة.
فصل
مسائل مختلفة من سجود التلوة
أحدها :ل يقوم الركوع مقام سجود التلوة في حال الختيار عند الشافعي والجماهير .وقال أبو
حنيفة يقوم.
الثانية :إذا قرأ السجدة على دابته في السفر سجد باليماء لو كان في الحضر لم يجز اليماء.
الثالثة :لو قرأ السجدة بالفارسية لم يسجد ،وقال أبو حنيفة يسجد.
الرابعة :ل ُيكره سجود التلوة في الوقات التي نهى عن صلة النافلة فيها.
الخامسة :إذا سجد المستمع مع القارئ ل يرتبط به ول ينوي القتداء به ،بل له الرفع قبله.
السادسة :ل ُتكره عندنا السجدة للمام في الصلة الجهرية ،ول في السرية.
وقال مالك ُ :يكره .وقال أبو حنيفة ُتكره في السرية.
السابعة :إذا قرأ آية السجدة في الصلة قبل الفاتحة سجد بخلف ما لو قرأها بالركوع أو السجود،
فإنه ل يجوز أن يسجد لن القيام محل القراءة ،ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد ثم شك هل قرأ
الفاتحة فإنه يسجد للتلوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة.
الثامنة :اختلفوا في اختصار السجود وهو أن يقرأ آية أو آيتين ثم يسجد.
حكى ابن المنذر عن الشعبي والحسن البصري ،ومحمد بن سيرين ،والنخعي ،وأحمد بن حنبل،
وإسحق أنهم كرهوا ذلك ،وعن أبي حنيفة ،ومحمد ،وأبي ثور أنه ل بأس به وهو مقتضى مذهبنا.
فصل
ن له سجود التلوة فيمن ُيس ّ
ن للقارئ المتطهر بالماء أو التراب حيث يجوز سواء كان في الصلة أو خارجها، اعلم أنه ُيس ّ
ويسن للمستمع ،وُيسن أيضًا للسامع غير المستمع ،وسواء كان القارئ في الصلة أو خارجًا،
ل.
وسواء سجد أم لم يسجد يسن لمستمعه وسامعه السجود .وقيل ل يسجد السامع أص ً
وقيل ل يسجد السامع ول المستمع إل أن يسجد القارئ وقيل ل يسجدان لقراءة من في الصلة.
ل أو كافرًا أو صبيًا أو محدثًا أو
والصواب ما قدمناه ،سواء كان الرجل مسلمًا بالغًا متطهرًا رج ً
امرأة ،وقيل ل يسجد لقراءة هؤلء ،وبهذا قال بعض أصحابنا في غير المرأة ،والصواب الول.
في وقت سجود التلوة.
فصل
في وقت سجود التلوة
قال العلماء ينبغي أن يقع عقيب قراءة السجدة التي قرأها أو سمعها ،فإن آخر ولم يطل الفصل
سجد وإن طال فات السجود ،والمشهور أنه ل يقضي كما ل يقضى صلة الكسوف.
وقيل يقضي كما يقضي سنن الصلوات على الصح.
ولو كان حال القراءة محدثًا ثم تطهر على القرب سجد وإن طال الفصل لم يسجد على الصحيح
المشهور ،وقيل يسجد ،ول اعتبار في طول الفصل بالمعروف على المختار.
فصل
وإذا قرأ سجدات سجد لكل واحدة بل خلف فإن كرر آية السجدة الواحدة في مجلس سجد لكل
مرة بل خلف ،وإن كررها في مجلس واحد مرارًا نظر إن لم يسجد عن المرة الخيرة كفاه عن
الجميع سجدة ،وإن سجد للولى فهل يسجد للثانية وما بعدها فيه ثلثة أوجه :الصح أن يسجد
لكل مرة.
الثاني :ل يسجد لما عدا الولى.
والثالث :إن طال الفصل وإل فل ،لو كرر السجدة الواحدة في الصلة إن كان في ركعات فهي
كالمجالس يسجد لكل مرة بل خلف ،وإن كان في ركعة كالمجلس الواحد ففيه الوجه الثلثة.
فصل
إذا كان مصليًا منفردًا سجد لقراءة نفسه فلو ترك سجود التلوة وركع ثم أراد أن يسجد للتلوة لم
يجز ،فإن فعل مع العلم بالتحريم بطلت صلته ،وإن كان قد هوى إلى الركوع ولم يصل إلى حد
الراكعين جاز أن يسجد للتلوة ،ولو هوى لسجود التلوة ثم بدا له ،ورجع إلى القيام جاز ،ولو
أصغى المنفرد لقراءة غيره لم يجز أن يسجد ،فإن فعل مع العلم بطلت صلته.
أما المصلي في جماعة فإن كان إمامًا فهو منفرد ،وإذا سجد المام لقراءة نفسه وجب على
المأموم أن يسجد معه ،فإن تخلف بطلت صلته ،لكن يستحب إذا فرغ من الصلة ول يتأكد ،ولو
سجد المام ولم يعلم المأموم رأسه من السجود فهو معذور في تخلفه ،ول يجوز أن يسجد ولو علم
المام بعد السجود ،فلو هوى يسجد فرفع المام وهو في الهوي رفعه معه ،ولم يجز أن يسجد
وكذا الضعيف الذي هو مع المام فرفع المام قبل بلوغ الضعيف السجود يرجع مع المام ،ول
يجوز له السجود ،وأما المأموم فل يجوز أن يسجد لقراءة نفسه ،ول غير إمامه ،فإن سجد بطلت
صلته ،ويكره له قراءة السجدة والصغاء إلى غير إمامه.
فصل
في صفة سجود التلوة
هذا الفصل أحكامه كثيرة جدًا ولكني أرمز إلى أصولها وُأبالغ في اختصارها مع إيضاحها.
اعلم أن الساجد للتلوة له حالن :
أحدهما :أن يكون خارج الصلة.
الثاني :أن يكون فيها.
أما الول :فإذا أراد السجود نوى سجود التلوة وكبر للحرام ،ورفع يديه حذو منكبيه كما يفعل
في تكبيرة الحرام في الصلة ثم يكبر أخرى للهوي إلى السجود ول يرفع فيها اليد وهذه التكبيرة
الثانية مستحبة ليست بشرط.
أما الولى ففيها ثلثة أوجه :
الصحيح وقول جمهور أصحابنا أنها ركن ل يصح السجود إل بها.
الثاني :أنها مستحبة ويصح السجود بدونها.
الثالث :ليست مستحبة ثم إن المريد للسجود قائمًا كبر للحرام في قيامه ،ثم كبر للسجود في
انحطاطه إلى السجود ،وإن كان قاعدًا فهل يستحب له القيام ،يسجد من قيام فيه وجهان :
جَويني ،والقاضي أحدهما :يستحب وبه قطع جماعات من أئمة أصحابنا منهم الشيخ أبو محمد ال ُ
ي.
حسين وصاحباه ،صاحب التهذيب ،والتتمة ،والمام المحقق أبو القاسم الّرافع ّ
والوجه الثاني :ل يستحب وهذا اختيار إمام الحرمين وهو ظاهر إطلق الكثرين ،ولم يثبت في
القيام هنا شيء عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ول عمن ُيقتدى به ،وال أعلم.
ثم إذا سجد ينبغي أن يراعي أدب السجود في الهيئة والتسبيح.
أما الهيئة فيضع يديه حذو منكبيه على الرض ويضم أصابعها وينشرها جهة القبلة ويخرجها من
كميه ويباشر بها وبجبهته موضع السجود ،ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه إن
ل ،وإن كانت امرأة أو خشي لم يجاف ،ويرفع الساجد أسافله على رأسه ويمكن جبهته كان رج ً
وأنفه من موضع السجود ،ويطمئن.
وأما التسبيح فأي شيء يسبح به حصل أصل التسبيح ،ولو ترك التسبيح صح السجود ولكن يفوته
الكمال.
قال العلماء :ويسبح تسبيحات السجود في الصلة وبغيرها فيقول ثلث مرات :سبحان ربي
العلى ،ثم يقول :اللهم لك سجدت ولك أسلمت وبك آمنت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق
سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك ال أحسن الخالقين.
ب الملئكة والروح. سر ّ ح قدو ٌ سّبو ٌ
ويقول ُ :
ويقول :اللهم اكتب لي بها عند أجرًا واجعلها لي عندك ُزخرًا ،وضع عني بها وزرًا واقبلها مني
كما قبلتها من عبدك داود صلى ال عليه وسلم.
ل (( فُيستحب أن ُيجمع بين هذه الذكار كلها عُد َرّبَنَا َلمفُعو ً
ن َو ْ
ن َكا َن َرّبَنَا إ ْسْبحا َ
ويقول ُ )) :
ويدعوا معها بما شاء من أمور الخرة والدنيا ،ثم إذا فرغ من التسبيح رفع رأسه مكبرًا ،وهل
ي :أصحهما عند جماهير أصحابه أن يفتقر. يفتقر إلى السلم ؟ فيه قولن للشافع ّ
والثاني :ل يفتقر فعلى الول هل يفتقر إلى التشهد فيه وجهان :
ــ الصحيح أنه ل يفتقر هذا كله في السجود خارج الصلة.
ــ الحال الثاني :السجود في الصلة فل يكبر للحرام ،ويستحب أن يكبر للسجود ،ول يرفع يديه،
ويكبر للرفع من السجود ،هذا هو الصحيح المشهور ،وقيل ل يكبر للسجود ،ول للرفع.
وأما آداب السجود من الهيئة والتسبيح فكما تقدم إى أنه إذا كان إمامًا فل يطول إل برضى
المأمومين ،ثم إذا رفع من السجود قام ول يجلس للستراحة بل خلف ،ثم رفع رأسه من سجود
التلوة فل بد من النتصاب قائمًا ،والمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئًا ثم يركع فإن انتصب فركع
من غير قراءة جاز.
فصل
في الوقات المختارة للقراءة
ي وغيره .أن تطويل القيام في الصلة من تطويل أفضلها ما كان في الصلة ،ومذهب الشافع ّ
السجود ،وأفضل الوقات الليل والنصف الخير ،وأفضل القراءة بين المغرب والعشاء محبوبة،
وأما قراءة النهار فأفضلها بعد الصبح ،ول كراهة في شيء منها.
سلف كراهة القراءة بعد العصر وليس هذا بشيء ول أصل له. ونقل عن بعض ال ّ
ويختار من اليام الجمعة والثنين والخميس ويوم عرفة ،ومن العشار العشر الخير من
رمضان ،والول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان.
فصل
وإذا وقف القارئ فلم يدري ما بعد الموضع الذي انتهى إليه وأراد أن يسأل عنه غيره فيستحب أن
يتأدب بما قاله عبد ال بن مسعود وغيره من السلف وهو يقول :طيف يقرأ كذا وكذا بل يقرأ قبل
مقصوده ثم يقول :أي شيء بعد هذا ،وإذا أراد أن يستدل بآية فله أن يقول :قال ال تعالى ،وله
أن يقول :ال تعالى يقول كذا ول كراهة في شيء من هذا.
هذا هو الصواب الذي عليه عمل السلف والخلف ،وجاءت به الثار ،وروى عن مطرف كراهة
الثاني وليس بشيء.
فصل
في آداب الختم
قد تقدم أنه يستحب أن يكون الختم أول النهار أو أول الليل وأنه يستحب أن يكون ختمه أول
النهار ،وأخرى آخره وأنه إذا كان يقرأ وحده يستحب أن يختم في الصلة ،واستحب السلف صيام
الختم ،فقد كان السلف من الصحابة وغيرهم يوصون عليه ويقولون يستجاب الدعاء عند الختم
ويقولون تنزل الرحمة عند الختم ،وكان أنس رضي ال عنه إذا أراد الختم استحبابًا متأكدًا ،فقد
جاءت فيه أثار ،وينبغي أن ُيلح في الدعاء ،وأن يدعوا بالمور المهمة ،وأن يكثر من ذلك في
صلح المسلمين وصلح سلطانهم وسائر ولتهم ويختار الدعوات الجامعة ويكون فيها من
دعوات الرسول صلى ال عليه وسلم.
وقد جمعت دعوات مختصرة جامعة في "التبيان" ،ويستحب إذا ختم أن يشرع في ختمة أخرى
عقيب الختم ،فقد استحبه السلف لحديث ورد فيه وال أعلم] .الحديث المذكور ضعيف جدًا[
-23ثبـت في صحيـح مسلم عن تميم الداري رضي ال عنه أن النبي قال صلى ال عليه وسلم :
عاّمِتهْم(.
ن َو َ
سلِمي َ
سوله ،ولئّمِة الُم ْ
صيحةُ ،قلنا :لمن؟ قال ل َوِلِكَتابِه َولر ُ
ن الّن ِ
)الّدي ُ
قال العلماء :الّنصيحة لكتاب ال تعالى هي اليمان بأنه كلم ال تعالى وتنزيهه ل يشبهه شيء
من كلم الخلق ،ول يقدر الخلق على مثله ،وتعظيمه وتلوته حق تلوته وتحسينها والخشوع
عندها ،وإقامة حروفه بالتلوة والذب عنه لتأويل المحّرفين وتعّرض الملحدين والتصديق بما فيه
والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه ،وأمثاله ،واعتبار بمواعظه ،والتفكر في عجائبه والعمل
بمحكمه ،والتسليم لمتشابهه ،والبحث عن عمومه وخصوصه ،وناسخه ومنسوخه ،ونشر علومه
والدعاء إليه ،وإلى جميع ما ذكرنا من نصيحة.
فصل
أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن على الطلق ،وتنزيهه وصيانته ،وأجمعوا على أن
من جحد حرفًا مجمعًا عليه أو زاد حرفًا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر ،واجمعوا على
أن من استخف بالقرآن أو شيء منه أو بالمصحف ،أو ألقاه في القاذورة أو كذب بشيء مما جاء
به من حكم أو خبر ،أو نفى ما أثبته أو أثبت ما نفاه وهو عالم أو شك في شيء من ذلك فهو
كافر ،وكذلك إن جحد شيئًا من كتب ال تعالى كالتوراة والنجيل وأنكر أصله فهو كافر.
فصل
ويحرم تفسيره بغير علم والكلم في معناه لمن ليس من أهله ،وهذا مجمع عليه ،وإما تفسيره بغير
علم ،وللعلماء جائز حسن بالجماع ،ويحرم المراء فيه والجدال بغير حق ،ومن ذلك أن يظهر له
دللة هي للية على شيء يخالف مذهبه فيصير إلى خلف ظاهرها إتباعا لهواه ومذهبه ،ويناظر
عليه وأما من ل يظهر له ذلك فمعذور.
فصل
ُيكره أن يقول نسيت آية كذا ؛ بل يقول ُأنسيتها أو أسقطتها ،ويجوز أن يقول :هذه سورة البقرة،
وسورة آل عمران ،وسورة الّنساء ،وكذا الباقي ،ول كراهة في شيء من هذا ،والحاديث
الصحيحة في هذا كثيرة جدًا ،وكان بعض السلف يكره هذا ويقولون إنما ُيقال السورة التي فيها
البقرة ،وكذا ما أشبهها ،والصواب أنه ل ُيكره ،ول ُيكره أن ُيقال قراءة حمزة.
وأبي عمرو وقرأه حمزة وغيرهما وكره ذلك بعض السلف والصواب الول ،وعليه عمل السلف
والخلف.
فصل
ل ُيكره النفث مع القراءة للرقية وهو نفخ لطيف بل ريق.
وقال جماعة من السلف ُيكره وهو مذهب أبي جحيفة الصحابي ،والحسن البصري ،والنخعي
رضي ال عنهم.
والمختار الول فقد ثبت في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يفعل ذلك.
وُيكره نقش الحيطان والثياب بكتب القرآن في قبلة المسجد ،ولو كتب القرآن على حلواء أو طعام
فل بأس بأكلها ،ولو كان على خشبة كره إحراقها ،ولو كتبه في إناء ثم غسله وسقاه المريض.
فقال الحسن ومجاهد وأبو قلبة والوزاعي :ل بأس به وكرهه النخعي.
أما الحروز المكتوبة من القرآن وغيره إذا جعلت في قصبة حديد أو جلد أو نحو ذلك فل يحرم
كتابتها وفي كراهتها خلف.
فصل
ل يمنع الكافر من سماع القرآن ،ويمنع من مس المصحف.
وهل يمنع من تعلم القرآن فيه وجهان :
ل يجوز تعليمه القرآن إن كان ل يرجى إسلمه وإن رجى فوجهان :أصحهما جوازه.
اعلم أن هذا الباب واسع جدًا ل يمكن حصره لكثرة ما جاء فيه ،ولكني أشير إلى كثير منه
سنة كثيرة العتناء بتلوة القرآن في شهر رمضان ،وفي العشر بعبارات وجيزة فمن ذلك ال ّ
الخير آكد وفي أوتاره ،وفي عشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم الجمعة وفي الليل ،وبعد الصبح،
حْد (( ،و المعوذتين ،وآية الكرسي، لأَل ُهَو ا ُ
ويحافظ على يس ،والواقعة ،وتبارك .الملك ،و )) ُق ْ
ويقرأ الكهف يوم الجمعة وليلتها ،وقيل يقرأ يوم الجمعة أيضًا سورة آل عمران ،و هود ويقرأ بعد
سّبح ،وفي الثانية ُ )) :قل َياأّيها الكافرون ((، الفاتحة في ركعتي الفجر سنة الصبح في الولى بـ َ
حْد (( ،و والمعوذتين ،ويقرأ في صلة الجمعة سورة } الجمعة { وفي لأَل ُهَو ا ُ
وفي الثالثة ُ )) :ق ْ
الثانية } المنافقين{ وفي العيد )ق( و اقتربت وإن شاء قرأ في الجمعة والعيد بـ سّبح ،و )) َه ْ
ل
شية (( فجلهما صحيح عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم. حِديث الَغا ِ
ك َأَتا َ
فصل
وُيستحب الكثار من آية الكرسي في كل موطن ،ويقرأها كل ليلة إذا أوى إلى فراشه ،ويقرأ
ل (( إلى
ن الرسو ُ
المعوذتين عقيب كل صلة ،ويقرأ عند النوم آية الكرسي مع آخر البقرة )) أم َ
ل أحد (( ،و المعوذتين وإن أمكنه قراءة بني إسرائيل و الزمر فليفعل .فقد ل ُهَو ا ُ
آخرها و)) ق ْ
ن الّنِبي صلى ال عليه وسلم كان ل ينام حتى يقرأها. حأّصّ
ت (( ..إلى آخر آلسَموا ِ
ق ال ّ
خْل ِ
ن في َ
سّنة إذا استيقظ من النوم أن يقرأ آخر آل عمران )) ِإ ّ وال ّ
حد(( ،و المعوذتين مع الّنفث في اليدين ل ُهَو ال أ َ
عمران ،ويقرأ عند المريض الفاتحة ،و))ُق ْ
ومسحهما.
فقد ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ويقرأ عند المبيت يس.
وجاء عن الشعبي أن النصار كانوا يقرأون عند المبيت سورة البقرة.
هذا الباب منتشر جدًا وقد ذكرت في التبيان مقاصده ،وأنا أختصرها هاهنا بأوجز العبارات
الواضحات.
أجمع العلماء على صيانة المصحف واحترامه ،وأنه لو ألقاه في القاذروة والعياذ بال كفر ويحرم
توسده ،بل توسد جميع كثيرة كتب العلم ،ويستحب أن يقوم للمصحف إذا ُقّدم به عليه.
واتفق العلماء على استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبينها وإيضاحها ،وتحقيق الخط
دون مشقة وتعليقه ،ويستحب نقط المصحف وشكله فإنها صيانة من الّلحن والتحريف ،ول يجوز
كتابته بشيء بخس ،ويحرم المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو ،أو خيف وقوعه في أيديهم،
ويحرم بيع المصحف من الذمي فإن باعه ففي صحته قولن :
أصحهما :ل يصح.
ح وُيؤمر في الحال بإزالة الملك عنه ويمنع المجنون والسكران والصبي الذي ل يميز الثاني :يص ّ
من حمل المصحف مخافة انتهاك حرمته.
فصل
يحرم على الُمحدث مس المصحف وحمله سواء حمله بعلقة أو بغيرها سواء مس نفس المكتوب
أو الورق أو الجلد أو الصندوق أو الغلف أو لخريطة إذا كان فيهن المصحف.
وقيل ل تحرم هذه الثلثة .والصحيح الول.
ولو ُكتب القرآن في اللوح فحكمه حكم المصحف سواء قل المكتوب أو كثر حتى لو كتب بعض
حّرم مس اللوح ،ولو تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود آيو للدراسة ُ
ونحوه ففيه وجهان :
أصحها يجوز.
والثاني :ل يجوز .ولو لف كمه على يده وتصفح بها قال الجمهور حرم بل خلف وقيل ل يحرم
وهو غلط ،ولو كتب الُمحدث أو الجنب مصحفًا إن كان يحمل الورقة أو يمسها حال الكتابة فهو
حرام ،وإن لم يحملها وبم يمسها ففيه ثلثة أوجه :
أصحها يجوز .والثاني :ل يجوز .والثالث :يجوز للمحدث دون الجنب.
فصل
إذا مس الُمحدث أو الجنب أو الحائض أو حامل كتابًا من كتب الفقه أو غيره من العلوم وفيه آيات
من القرآن أو ثوبًا مطرزًا بالقرآن أو دراهم أو دنانير منقوشة أو حمل متاعًا في جملته مصحف
أو لمس الجدار أو الحلوى أو الخبز المنقوش بالقرآن فالمذهب الصحيح جواز هذا أكله لنه ليس
بمصحف وفيه وجه أنه حرام ،وقيل إن كانت عمامة أو ثوبًا حرم لبسهما .والصواب الجواز.
أما كتب التفسير فإن كان القرآن أكثر حرم مسها وحملها وإن كان التفسير أكثر ففيه ثلثة أوجه :
ــ أصحها ل يحرم.
ــ الثاني :يحرم.
الثالث :إن كان القرآن متميز بخط غليظ أو حمرة أو نحوها حرم وإل فل.
وكتب الحديث إن كان فيها قرآن فهي ككتب الفقه ،وإن لم يكن جاز مسها.
والولى أن يتطهر لها ول يحرم مس ما نسخت تلوته ،كـ}الشيخ والشيخة{ والتوراة والنجيل.
فصل
إذا كان على موضع من بدنه نجاسة غير معفو عنها حرم مس المصحف لموضع النجاسة بل
خلف ول يحرم بغيره على الصحيح المشهور.
وقيل يحرم وليس بشيء.
فصل
ومن لم يجد الماء فتيمم يجوز له مس المصحف سواء تيمم للصلة أو لغيرها ،ومن لم يجد ماًء
ول ترابًا ُيصلي على حاله ول يمس المصحف ولو كان معه مصحف ولم يجد من يودعه إياه
وعجز عن الوضوء جاز له حمله للضرورة.
قال القاضي أبو الطيب رحمه ال ل يلزمه التيمم .وفيما قاله نظر وينبغي أن يلزمه ،ولو خاف
على المصحف من حرق أو غرق أو نجاسة أو كافرًا مع أخذه مع الحدث للضرورة.
فصل
هل يجوز على المعلم والولي تكليف الصبي المميز الطهارة للمصحف واللوح الّذين يقرأ فيهما
فيه وجهان :أصحهما ل يلزمه.
فصل
ل يحرم عندنا بيع المصحف ول شراؤه.
وقال بعض السلف يكرهان.
وقال بعضهم ُيكره البيع دون الشراء ونص الشافعي على كراهة البيع ووافقه بعض أصحابنا.
وقال بعض :ل ُيكره.
فهذا آخر ما قصدناه في هذا المختصر ،وال الكريم أسأله
أن يجعل النفع به من العام الدائم المنتشر ،وحسبي ال
ونعم الوكيل ،والحمد ل رب العالمين وصلته
وسلمه الكملن على سيدنا محمد
وعلى آله وأصحابه
إلى يوم الدين