Professional Documents
Culture Documents
تأبّد *
انظر :آبد .
تأبيد *
التّعريف :
-1التّأبيد :مصدر أبّد بتشديد الباء ،ومعناه لغةً :التّخليد .وأصله من أبد الحيوان يأبد ،
ويأبد أبودا ،أي :انفرد وتوحّش .
وفي اصطلح الفقهاء :تقييد التّصرّف بالبد ،وهو :الزّمان الدّائم بالشّرع أو العقد .ويقابله
ن كلّا منهما يكون إلى زمن ينتهي .
التّوقيت والتّأجيل ،فإ ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
تخليد :
- 2التّخليد لغ ًة :إدامة البقاء .قال في الصّحاح :الخلد دوام البقاء ،تقول :خلد الرّجل يخلد
خلودا ،وأخلده اللّه وخلّده تخليدا .
والفقهاء استعملوا التّخليد في المعنى الوارد في اللّغة ،كما في تخليد حبس المتمرّد .وكما في
دوام حبس الكفيل إلى حضور المكفول .والفرق بين التّأبيد والتّخليد ،أنّ التّأبيد لما ل ينتهي ،
والتّخليد قد يكون لما ل ينتهي ،وقد يكون لما ينتهي ،كما في تخليد عصاة المؤمنين في النّار
ل يقتضي دوامهم فيها ،بل يخرجون منها .فإذا قيّد التّخليد بالبد كان لما ل ينتهي ،كقوله
تعالى في شأن الكفّار { خالدين فيها أبدا } .
التّصرّفات من حيث التّأبيد أو عدمه :
-التّصرّفات من حيث التّأبيد أو عدمه على ثلثة أنواع : 3
الوّل :ما هو مؤبّد ل يقبل التّأقيت :كالنّكاح والبيع والهبة والرّهن ،وكالوقف عند الجمهور
.
الثّاني :ما هو مؤقّت ل يقبل التّأبيد كالجارة والمزارعة والمساقاة .
والثّالث :ما هو قابل للتّوقيت والتّأبيد كالكفالة .
وانظر للتّفصيل مصطلح ( تأقيت ) وانظر أيضا ( بيع .هبة .إجارة .إلخ ) .
تأبين *
انظر :رثاء .
تأجيل *
انظر :أجل .
تأخّر *
انظر :تأخير .
تأخير *
التّعريف :
-1التّأخير لغةً :ضدّ التّقديم ،ومؤخّر كلّ شيء :خلف مقدّمه .
واصطلحا :هو فعل الشّيء في آخر وقته المحدّد له شرعا ،كتأخير السّحور والصّلة ،أو
خارج الوقت ( سواء أكان الوقت محدّدا شرعا أو متّفقا عليه ) كتأخير الزّكاة والدّين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّراخي :
- 2التّراخي في اللّغة :المتداد في الزّمان .يقال :تراخى المر تراخيا :امتدّ زمانه ،وفي
المر تراخ أي فسحة .
ومعنى التّراخي عند الفقهاء :هو مشروعيّة فعل العبادة في وقتها الممتدّ ،وهو ضدّ الفور
كالصّلة والحجّ .وعلى هذا فيتّفق التّأخير مع التّراخي في فعل العبادة في آخر وقتها ،
ويختلفان في حال إيقاع العبادة خارج الوقت ،فيسمّى ذلك تأخيرا ل تراخيا .
ب -الفور :
- 3الفور في اللّغة :كون الشّيء على الوقت الحاضر الّذي ل تأخير فيه .يقال :فارت
ال ِقدْر فورا وفورانا :غلت ،ومنه قولهم :الشّفعة على الفور .
وفي الصطلح :هو مشروعيّة الداء في أوّل أوقات المكان بحيث يلحقه ال ّذمّ بالتّأخير عنه
ن بين الفور والتّأخير تباينا .
.ويتبيّن من هذا أ ّ
ج -التّأجيل :
- 4التّأجيل في اللّغة :أن تضرب للشّيء أجلً .يقال :أجّلته تأجيلً أي جعلت له أجلً .ول
يخرج استعمال الفقهاء له عن معناه اللّغويّ .
وعلى هذا فالتّأخير أع ّم من التّأجيل ،إذ يكون التّأخير بأجل وبغير أجل .
هـ – التّعجيل :
- 5التّعجيل :السراع بالشّيء .يقال :عجّلت إليه المال :أسرعت إليه بحضوره فتعجّله
أي أخذه بسرعة .وهو عند الفقهاء :التيان بالفعل قبل الوقت المحدّد له كتعجيل الزّكاة ،أو
في أوّل الوقت كتعجيل الفطر ،قال عليه الصلة والسلم « :ل تزال أمّتي بخير ما عجّلوا
ن بين التّأخير والتّعجيل تباينا .
الفطر ،وأخّروا السّحور » .فتبيّن من هذا أ ّ
الحكم الجماليّ :
- 6الصل في الشّرع عدم تأخير الفعل إلى آخر وقته أو خارج الوقت المحدّد له شرعا ،
كتأخير العبادة الواجبة مثل الصّلة ،أو عن الوقت المتّفق عليه بين المتعاقدين كأداء ما في
ص يجيز التّأخير ،أو قاعدة عامّة من قواعد الشّريعة أو عذر شرعيّ
ل إذا وجد ن ّ
ال ّذمّة ،إ ّ
خارج عن مقدور العبد .
وقد يعرض ما يخرج التّأخير عن هذا الصل إلى الوجوب أو النّدب أو الكراهة أو الباحة .
فيجب التّأخير في إقامة الحدّ على الحامل حتّى تلد ،ويستغني عنها وليدها .أمّا المريض ،
فإن كان يرجى برؤه يؤخّر عنه الحدّ حتّى يبرأ ،وإن كان ل يرجى برؤه يقام عليه الحدّ ول
يؤخّر .وذلك في غير القصاص بالنّفس .
ويندب :كتأخير السّحور إلى آخر اللّيل ،وتأخير الوتر إلى وقت السّحر لمن وثق بصلته فيه
ن كان
،وكتأخير أداء الدّين عن وقته بالنّسبة للمعسر لوجود عذر العسار .قال تعالى { :وإ ْ
سنّة
عسْرة َف َنظِرَ ٌة إلى َم ْيسَرة } ويكره :كتأخير الفطار للصّائم بعد غروب الشّمس ،إذ ال ّ
ذو ُ
في الفطار التّعجيل .
ويباح :كتأخير الصّلة عن أوّل الوقت ما لم يدخل في وقت الكراهة .
تأخير الصّلة :
- 7اتّفق الفقهاء على مشروعيّة تأخير صلة المغرب لتصلّى جمعا مع العشاء ،وذلك للحاجّ
ليلة المزدلفة .وأمّا في غير ذلك فقد اختلفوا في جواز جمع صلتي الظّهر والعصر في وقت
إحداهما ،وكذا في جمع صلة المغرب والعشاء في وقت إحداهما :فذهب الجمهور إلى
جوازه في أعذار معيّنة ،و َم َن َعهُ الحنفيّة ،وينظر الخلف والتّفصيل في مصطلح ( جمع
الصّلة ) .
تأخير الصّلة لفاقد الماء :
- 8اتّفق الفقهاء على س ّنيّة تأخير الصّلة إلى آخر الوقت المختار إذا تيقّن وجود الماء في
ل يدخل وقت الكراهة .
آخره ،وقيّد الحنفيّة ذلك بأ ّ
ن تأخير الصّلة أفضل
أمّا إذا ظنّ وجود الماء ،أو رجاه في آخر الوقت ،فالجمهور على أ ّ
بشرطه عند الحنفيّة ،وذهب المالكيّة إلى أنّ المتردّد يتيمّم في وسط الوقت ندبا ،
ن التّعجيل في هذه الحالة أفضل .
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
تأخير الصّلة بل عذر :
- 9اتّفق الفقهاء على تحريم تأخير الصّلة حتّى يخرج وقتها بل عذر شرعيّ .
أمّا من ترك الصّلة كسلً وهو موقن بوجوبها ،وكان تركه لها بل عذر ول تأوّل ول جهل ،
فقال الحنفيّة :يحبس حتّى يصلّي .قال الحصكفيّ :لنّه يحبس لحقّ العبد ،فحقّ ( الحقّ )
أحقّ .وقيل :يضرب حتّى يسيل منه الدّم .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة ،وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد :إلى أنّه إذا أخّر الصّلة عن
وقتها دعي إلى فعلها ،فإن تضيّق وقت الّتي تليها ،وأبى الصّلة ،يقتل حدّا .والرّواية
الثّانية عن أحمد أنّه يقتل لكفره .قال في النصاف :وهو المذهب ،وعليه جمهور الصحاب
.أمّا تأخير الصّلة إلى آخر وقتها فهو خلف الولى لقوله صلى ال عليه وسلم « :أوّل
الوقت رضوان اللّه ،ووسطه رحمة اللّه ،وآخره عفو اللّه » ويكره التّأخير إلى أحد أوقات
الكراهة .وينظر التّفصيل في مصطلح ( أوقات الصّلة ) .
تأخير دفع الزّكاة :
- 10ذهب جمهور العلماء ،ومنهم الحنفيّة على المفتى به عندهم ،إلى أنّه ل يجوز تأخير
دفع الزّكاة عن وقت استحقاقها ،وأنّها يجب إخراجها على الفور ،لقوله تعالى { :وآتُوا حقّه
يومَ حصادِه } وهذا في زكاة الزّروع ،ويلحق بها غيرها .
والّذي عليه عامّة مشايخ الحنفيّة ،وصحّحه الباقلّانيّ والجصّاص :أنّها تجب على التّراخي ،
ففي أيّ وقت أدّى يكون مؤدّيا للواجب ،وإذا لم يؤدّ إلى آخر عمره يتضيّق عليه الوجوب ،
حتّى لو لم يؤ ّد إلى أن مات يأثم .وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّه إن أخّر الزّكاة بعد الحول
مع التّمكّن من الخراج فتلف بعض المال أو كلّه فإنّه ضامن لها ،ول تسقط عنه .وعند
ل أن يقصّر في حفظها .
المالكيّة إذا أخّرها يوما أو يومين فل ضمان عليه ،إ ّ
وذهب الحنفيّة إلى سقوط الزّكاة بهلك المال بعد الحول ،سواء تمكّن من الداء أم لم يتمكّن .
والتّفصيل في مصطلح ( زكاة ) .
تأخير قضاء الصّوم :
- 11الصل المبادرة إلى قضاء ما فات من صيام رمضان ،ويجوز تأخير القضاء ما لم
ل ما يسع أداء ما عليه .فيتعيّن ذلك
يتضيّق الوقت ،بألّ يبقى بينه وبين رمضان القادم إ ّ
الوقت للقضاء عند الجمهور .فإن لم يقض فيه فقد نصّ الشّافعيّة والحنابلة على تأثيمه
بالتّأخير إذا فات وقت القضاء من غير عذر ،لقول عائشة رضي ال عنها « :كان يكون
ل في شعبان لمكان النّبيّ صلى ال عليه
عليّ الصّوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إ ّ
ن الصّوم عبادة متكرّرة ،فلم يجز تأخير الولى عن
وسلم » قالوا :ولو أمكنها لخّرته ،ول ّ
الثّانية كالصّلوات المفروضة .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز تأخير القضاء مطلقا ول إثم عليه ،وإن هلّ عليه رمضان آخر .
ن المستحبّ عندهم المتابعة مسارعةً إلى إسقاط الواجب .
لك ّ
- 12هذا ،وإذا أخّر القضاء حتّى دخل رمضان آخر ،فقد ذهب الجمهور إلى أنّه إن كان
مفرّطا فإنّ عليه القضاء مع الفدية ،وهي إطعام مسكين عن كلّ يوم ،لما روي « أنّه صلى
ال عليه وسلم قال في رجل مرض في رمضان فأفطر ،ثمّ صحّ فلم يصم حتّى أدركه
ل يوم مسكينا »
رمضان آخر :يصوم الّذي أدركه ثمّ يصوم الّذي أفطر فيه ،ويطعم عن ك ّ
ل يوم مسكينا ،ولم
ولما روي عن ابن عمر وابن عبّاس وأبي هريرة أنّهم قالوا :أطعم عن ك ّ
يرد خلف في ذلك عن غيرهم من الصّحابة .
ن الحقوق الماليّة ل تتداخل ،
ثمّ الصحّ عند الشّافعيّة أنّ الفدية تتكرّر بتكرّر السّنين ،ل ّ
ح :ل تتكرّر كالحدود .ومحلّ الخلف إذا لم يكن أخرج الفدية ،فإن أخرجها ثمّ
ومقابل الص ّ
لم يقض حتّى دخل رمضان آخر وجبت ثانيا .
ل عليه رمضان آخر ،فإنّ عليه القضاء
ن من أخّر قضاء رمضان حتّى ه ّ
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ول فدية ،واستدلّوا بإطلق قوله تعالى { :ف ِعدّةٌ من أيّامٍ ُأخَر } من غير قيد .وقالوا :إنّ
إطلق الية يدلّ على وجوب القضاء على التّراخي ،فل يلزمه بالتّأخير شيء ،غير أنّه
تارك للولى من المسارعة .
تأخير الحجّ :
- 13ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الحجّ يجب على الفور ،أي التيان به في أوّل أوقات
ج البيت مَن استطاعَ إليه سبيلً } ولقوله تعالى
الستطاعة .لقوله تعالى { :وَلِلّه على النّاسِ حِ ّ
{ :وأتمّوا الحجّ والعمرةَ للّه } والمر للفور ،ولخبر ابن عبّاس رضي ال عنهما مرفوعا قال
ن أحدكم ل يدري ما َي ْعرِض له » .
« :تعجّلوا إلى الحجّ فإ ّ
وذهب الشّافعيّة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة ،وهو المشهور عند المالكيّة إلى أنّ الحجّ يجب
ن جواز التّأخير عندهم مشروط بأمرين :العزم على الفعل في المستقبل ،
على التّراخي ،لك ّ
ن السّلمة إلى وقت فعله .
وأن يغلب على الظّ ّ
ج نزلت بعد الهجرة سنة ستّ ،وفتح رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
واحتجّوا بأنّ فريضة الح ّ
مكّة في رمضان سنة ثمان ،وانصرف عنها في شوّال من سنته .
ج النّاس سنة ثمان ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم مقيم بالمدينة هو وأزواجه وعامّة
وح ّ
ي صلى ال عليه وسلم أبا بكر للحجّ ،والنّبيّ مع عامّة
أصحابه ،ثمّ في سنة تسع بعث النّب ّ
أصحابه في المدينة ،وهم قادرون على الحجّ غير مشتغلين بقتال ول غيره .
ج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .فدلّ على جواز التّأخير .
ثمّ في السّنة العاشرة ح ّ
تأخير رمي الجمار :
- 14اتّفق الفقهاء على أنّ من أخّر الرّمي حتّى غروب اليوم الثّالث من أيّام التّشريق ،عليه
دم .واختلفوا فيما لو أخّره حتّى غروب الشّمس في غير اليوم الثّالث منها .
فذهب الحنفيّة إلى أنّه لو أخّر الرّمي فيما قبل اليوم الثّالث يرمي في اللّيلة الّتي تلي ذلك اليوم
سنّة ،وإن أخّره إلى اليوم التّالي كان
الّذي أخّر رميه ويقع أدا ًء ،لنّها تابعة له وكره لتركه ال ّ
ل إلى الثّالث ما لم تغرب شمسه .
قضاءً ،ولزمه الجزاء .وكذا لو أخّر الك ّ
وذهب المالكيّة إلى أنّه لو أخّر الرّمي إلى اللّيل وقع قضاءً ول شيء عليه .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لو أخّر رمي يوم أو يومين من أيّام التّشريق تداركه في باقي
اليّام ول شيء عليه ،فإن رمى ليلً لم يجزئه الرّمي ويعيد .
تأخير طواف الفاضة عن أيّام التّشريق :
ح فيه طواف الفاضة ،خلفا
- 15ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل آخر للوقت الّذي يص ّ
ن آخر وقت طواف الفاضة آخر ذي الحجّة .
للمالكيّة الّذين نصّوا على أ ّ
ثمّ اختلف الفقهاء فيمن أخّر طواف الفاضة عن أيّام التّشريق :
فذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تحريما تأخيره عن أيّام النّحر ولياليها ( وهي يوم العيد ويومان
بعده ) ويلزمه دم لترك الواجب ،وهو إيقاع طواف الفاضة في وقته .
وذهب المالكيّة إلى أنّ من أخّر طواف الفاضة حتّى خرجت أيّام التّشريق -وهي اليّام
الثّلثة التّالية ليوم العيد -فإنّ عليه دما .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكره تأخيره عن يوم النّحر ،وتأخيره عن أيّام التّشريق أشدّ كراهةً ،
وعن خروجه من مكّة أشدّ .
وذهب الحنابلة إلى أنّ من أخّر طواف الفاضة عن أيّام منًى ( أيّام التّشريق ) جاز ،ول
ن وقته غير محدود .
شيء عليه ل ّ
ونصّوا على أنّ أوّل وقته بعد نصف ليلة النّحر ،والفضل فعله يوم النّحر ،لقول ابن عمر :
« أفاض رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوم النّحر » .
تأخير الحلق أو التّقصير :
- 16ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في رواية إلى أنّه يجوز تأخير الحلق أو التّقصير إلى
آخر أيّام النّحر ،لنّه إذا جاز تأخير النّحر -وهو في التّرتيب مقدّم على الحلق -فتأخير
الحلق أولى ،فإن أخّر الحلق حتّى خرجت أيّام النّحر لزمه دم بالتّأخير .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة في رواية إلى أنّه إن أخّر الحلق حتّى خرجت أيّام التّشريق فل شيء
ن اللّه تعالى بيّن أوّل وقته بقوله { :ول َتحْلِقوا رءوسَكم
ن الصل عدم التّأقيت ،ل ّ
عليه ،ل ّ
حتّى َيبْلُ َغ الهديُ َمحِلّه } .ولم يبيّن آخره ،فمتى أتى به أجزأه ،كطواف الزّيارة والسّعي ،
ص الشّافعيّة على كراهية تأخيره .وتفصيل ذلك كلّه في ( الحجّ ) .
وقد ن ّ
تأخير دفن الميّت :
- 17ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى كراهة تأخير دفن الميّت ،ويستثنى من ذلك من
مات فجأةً أو بهدم أو غرق ،فيجب التّأخير حتّى يتحقّق الموت .
وقال الشّافعيّة :يحرم تأخير الدّفن ،وقيل :يكره ،واستثنوا تأخير الدّفن إذا كان الميّت بقرب
مكّة أو المدينة أو بيت المقدس ،نصّ عليه الشّافعيّ ،فيجوز التّأخير هنا لدفنه في تلك المكنة
ي :والمعتبر في القرب مسافة ل يتغيّر فيها الميّت قبل وصوله .
.قال السنو ّ
تأخير الكفّارات :
من تأخير الكفّارات ما يلي :
أ -تأخير كفّارة اليمين :
- 18ذهب جمهور العلماء إلى أنّه ل يجوز تأخير كفّارة اليمين ،وأنّها تجب بالحنث على
الفور ،لنّه الصل في المر المطلق .
ن كفّارة اليمين تجب على التّراخي ( .وانظر :أيمان ف . ) 138
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
ب -تأخير كفّارة الظّهار :
ن كفّارة الظّهار واجبة على التّراخي ،فل يأثم بالتّأخير عن
- 19ذهب جمهور العلماء إلى أ ّ
أوّل أوقات المكان .وزاد الحنفيّة أنّها تتضيّق عند آخر عمره ،فيأثم بموته قبل أدائها ،ول
تؤخذ من تركته بل وصيّة من الثّلث ،ولو تبرّع الورثة بها جاز ،وقيل :يأثم بالتّأخير ،
ويجبر عن التّكفير للظّهار .وانظر مصطلح ( :ظهار ) .وينظر أحكام تأخير كفّارة القتل
في مصطلح ( جناية ) ،وأحكام تأخير كفّارة الوقاع في رمضان في مصطلح ( صوم ) .
تأخير زكاة الفطر :
ن زكاة الفطر تجب
- 20ذهب الشّافعيّة والحنابلة ،وهو أحد قولين مشهورين للمالكيّة إلى :أ ّ
عند غروب شمس آخر أيّام رمضان .والقول الخر للمالكيّة :تجب بطلوع فجر يوم العيد .
ل تتأخّر عن
ن عندهم أ ّ
ويجوز عند الجمهور إخراجها إلى غروب شمس يوم العيد ،ويس ّ
صلة العيد .ويحرم عندهم جميعا تأخيرها عن يوم العيد من غير عذر ،ول تسقط بهذا
التّأخير بل يجب قضاؤها ،وقد رجّح ابن الهمام من الحنفيّة ،وتبعه ابن نجيم هذا القول ،
لقوله عليه الصلة والسلم في الفقراء « :أغنوهم عن طواف هذا اليوم » .
ي وقت أدّى
وذهب الحنفيّة إلى أنّ وجوب زكاة الفطر هو وجوب موسّع في العمر كلّه ،ففي أ ّ
ن المستحبّ إخراجها قبل الخروج إلى المصلّى ،ولو مات فأدّاها
كان مؤدّيا ل قاضيا ،غير أ ّ
وارثه جاز .
ن زكاة الفطر تسقط بتأخيرها عن يوم
لكن ذهب الحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة إلى أ ّ
ن هذا قول ثالث خارج عن المذهب .
الفطر كالضحيّة .قال ابن عابدين :والظّاهر أ ّ
تأخير نيّة الصّوم :
- 21ذهب الحنفيّة إلى جواز تأخير نيّة الصّوم في صوم رمضان والنّذر المعيّن والنّفل إلى
الضّحوة الكبرى ،أمّا في غير هذه الثّلثة فمنعوا تأخير ال ّنيّة فيها .وقالوا بوجوب تبييتها أو
قرانها مع الفجر ،كقضاء رمضان ،والنّذر المطلق ،وقضاء النّذر المعيّن ،والنّفل بعد
إفساده ،والكفّارات وغيرها .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الصّوم ل يجزئ إلّ إذا تقدّمت ال ّنيّة على سائر أجزائه فإن طلع الفجر
ولم ينوه لم يجزه في سائر أنواع الصّيام ،إلّ يوم عاشوراء ففيه قولن :المشهور من
المذهب أنّه كغيره .وفرّق الشّافعيّة والحنابلة بين الفرض والنّفل ،فاشترطوا للفرض
جمِع الصّيام قبل الفجر فل صيام له » وأمّا
التّبييت ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :من لم ُي ْ
النّفل فاتّفقوا على صحّة صومه بنيّة قبل الزّوال ،لحديث عائشة « أنّه صلى ال عليه وسلم
قال لعائشة يوما :هل عندكم شيء ؟ قالت :ل .قال :فإنّي إذن أصوم » وزاد الحنابلة ،
وهو قول عند الشّافعيّة :أنّ النّفل يصحّ بنيّة بعد الزّوال أيضا للحديث السّابق ،ولنّ ال ّنيّة
وجدت في جزء النّهار فأشبه وجودها قبل الزّوال بلحظة .
تأخير قضاء الصّلة :
- 22ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على من نام عن صلة أو نسيها قضاء تلك الصّلة
على الفور ويحرم تأخيرها .لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من نسي صل ًة أو نام عنها
فليصلّها إذا ذكرها » فأمر بالصّلة عند الذّكر والمر للوجوب ،وقد ألحق الجمهور مطلق
التّرك بالنّوم والنّسيان في وجوب القضاء من باب أولى ،ويجوز عندهم تأخير الفائتة لغرض
صحيح كالكل والشّرب والنّوم الّذي ل بدّ منه ،وقضاء حاجة النسان وتحصيل ما يحتاج له
في معاشه .واستثنى الشّافعيّة من ترك الصّلة لعذر ،فإنّه يستحبّ له أن يقضيها على
ي صلى ال عليه وسلم فاتته صلة الصّبح فلم
ن النّب ّ
الفور ،فإن أخّرها جاز ،كما روي « أ ّ
يصلّها حتّى خرج من الوادي » .قالوا :ولو كانت على الفور لما أخّرها .
تأخير الوتر :
- 23اتّفق الفقهاء على استحباب تأخير الوتر إلى وقت السّحر ،وهذا الستحباب لمن وثق
بأنّه يصلّيه آخر اللّيل ،فإن لم يثق بذلك أوتر قبل أن يرقد ،لحديث جابر « أنّ النّبيّ صلى
ال عليه وسلم قال :أيّكم خاف ألّ يقوم من آخر اللّيل فليوتر ثمّ ليرقد ،ومن وثق بقيامه من
ن قراءة آخر اللّيل محضورة ،وذلك أفضل » .
اللّيل فليوتر من آخره ،فإ ّ
تأخير السّحور :
سنّة ،لحديث زيد بن ثابت قال :
- 24اتّفق الفقهاء على أنّ تأخير السّحور وتقديم الفطر من ال ّ
« تسحّرنا مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ قام إلى الصّلة .قلت :كم كان بين الذان
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
والسّحور ؟ قال :قدر خمسين آي ًة » .ولحديث أبي ذرّ أ ّ
قال « :ل تزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر وأخّروا السّحور » .
شكّ في طلوع الفجر ،فإن شكّ
س ّنيّة فيما إذا تحقّق من غروب الشّمس ولم يقع منه ال ّ
وموطن ال ّ
في ذلك ،كأن تردّد في بقاء اللّيل لم يسنّ التّأخير بل الفضل تركه .
تأخير أداء الدّين :
- 25إذا حلّ أجل الدّين ولم يؤدّه المدين ،فإن كان قادرا على الوفاء وأخّره بل عذر منعه
القاضي من السّفر وحبسه إلى أن يوفي دينه ،قال عليه الصلة والسلم « :ليّ الواجد يحلّ
عرضه وعقوبته » .فإن لم يؤدّ ،وكان له مال ظاهر ،باعه الحاكم عليه ،على خلف
وتفصيل في ذلك بين المذاهب ،وإذا كان تأخير سداد الدّين لعذر كالعسار أمهل إلى أن
يوسر ،لقوله تعالى { :وإن كان ذو عسرة َف َنظِرَة إلى ميسرة } .أمّا إذا كان للمدين مال ،
ولكنّه ل يفي بالدّيون ،وطلب الغرماء الحجر عليه لزم القاضي إجابتهم .على خلف
وتفصيل في المذاهب ينظر في مصطلح ( أداء ) وبابي ( الحجر والتّفليس ) .
تأخير المهر :
- 26يجب المهر بنفس عقد الزّواج ،ويجوز تأخير الصّداق كلّه أو بعضه عن الدّخول .
على خلف وتفصيل ينظر في ( النّكاح ) .
تأخير نفقة الزّوجة :
- 27يجب على الزّوج النفاق على زوجته ومن يعول ،ويجوز له ولزوجته التّفاق على
تعجيل أو تأخير النّفقة ،ويعتبر كلّ زوج بحسب حال مورده ،فإن أخّر النّفقة عن زوجته
بعذر العسار جاز عند بعض الفقهاء طلب التّطليق من قبل الزّوجة أو النفاق عليها .
ثمّ إن أخّر النّفقة وتراكمت عليه هل تسقط بالتّقادم أم تبقى دينا في ذمّته ؟ في كلّ ذلك خلف
وتفصيل ينظر في باب ( النّفقة ) .
تأخير تسليم أحد البدلين في الرّبويّات :
- 28يشترط لبيع الرّبويّ بالرّبويّ الحلول -ل التّأخير -والتّقابض قبل التّفرّق ،سواء أكان
جنسا واحدا أم جنسين مختلفين ،ويزاد شرط التّماثل إذا كان جنسا واحدا ،لقوله صلى ال
عليه وسلم « :الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ،والب ّر بالبرّ ،والشّعير بالشّعير ،والتّمر
بالتّمر ،والملح بالملح ،مثلً بمثل ،سواء بسواء ،يدا بيد ،فإذا اختلفت الجناس فبيعوا كيف
شئتم يدا بيد » فيحرم التّأخير في تسليم أحد البدلين في الرّبويّات .
وللتّفصيل ر ( :الرّبا ،والبيع ) .
التّأخير في إقامة الحدّ :
- 29الحدّ عقوبة مقدّرة شرعا تقام على مرتكب ما يوجب الحدّ زجرا له وتأديبا لغيره ،
والصل أنّ الجاني يحدّ فورا بعد ثبوت الحكم دون تأخير لكن قد يطرأ ما يوجب التّأخير أو
ب معه التّأخير :
يستح ّ
أ -فيجب تأخير الحدّ بالجلد في الحرّ الشّديد والبرد الشّديد ،لما في إقامة الحدّ فيهما من
خوف الهلك خلفا للحنابلة .ول يقام على مريض يرجى برؤه حتّى يبرأ ،لنّه يجتمع عليه
وجع المرض وألم الضّرب فيخاف الهلك ،خلفا للحنابلة .ول يقام على النّفساء حتّى
ينقضي النّفاس ،لنّ النّفاس نوع مرض ،ويقام الحدّ على الحائض ،لنّ الحيض ليس
ن فيه هلك الولد والوالدة
بمرض .ول يقام على الحامل حتّى تضع وتطهر من النّفاس -ل ّ
-وحتّى يستغني ولدها عنها بمن ترضعه ،حفاظا على حياة ولدها .
وللتّفصيل انظر مصطلح ( حدّ ) .
ب -أمّا في القصاص وح ّد الرّجم فل تأخير إلّ للحامل بالقيد السّابق .هذا إذا كان الولياء
في القصاص موجودين ،أمّا إذا كانوا صغارا أو غائبين فيؤخّر القصاص حتّى يكبر الصّغار
ويقدم الغائب .على خلف وتفصيل ينظر في ( قصاص ) .
ج -وكذلك المرت ّد يؤخّر ثلثة أيّام وجوبا عند بعض الفقهاء ،وندبا عند بعضهم ،ويحبس
في هذه الفترة ول يخلّى سبيله بقصد استتابته وإزالة الشّبه الّتي علقت به ،فإن تاب خلّي
سبيله ،وإلّ قتل حدّا لكفره بعد السلم .
د -ويؤخّر حدّ السّكران باتّفاق الفقهاء حتّى يزول عنه السّكر تحصيلً للمقصود -وهو
ن الحدّ
النزجار -بوجدان اللم ،والسّكران زائل العقل كالمجنون .فلو حدّ قبل الفاقة فإ ّ
يعاد عند جمهور الفقهاء ،ويسقط الحدّ على أحد قولين مصحّحين للشّافعيّة ،وهو الظّاهر عند
بعض الحنابلة ،نسبه المرداويّ إلى ابن نصر اللّه في حواشي الفروع ،وقال :الصّواب إن
حصل به ألم يوجب الزّجر سقط ،وإلّ فل ،ومثله في كشّاف القناع .
تأخير إقامة الدّعوى :
- 30إذا تأخّر المدّعي في إقامة دعواه خمس عشرة سن ًة سقطت دعواه بالتّقادم ،ومن ثمّ فل
تسمع ،قال ابن عابدين :لنهي السّلطان عن سماعها بعد هذه المدّة إلّ في الوقف والرث
وعند وجود عذر شرعيّ ،وسبب هذا النّهي قطع الحيل والتّزوير في الدّعاوى .ثمّ قال :
ونقل في الحامديّة فتاوى من المذاهب الربعة بعدم سماع الدّعوى بعد نهي السّلطان .وأفتى
في الخيريّة بأنّه إذا مات السّلطان ل ب ّد من تجديد النّهي ول يستمرّ النّهي بعده .
تأخير أداء الشّهادة :
- 31تأخير أداء الشّهادة بل عذر -كمرض أو بعد مسافة أو خوف -يؤدّي إلى عدم قبولها
ن التّقادم فيه ل يؤثّر على قبولها لما فيه من حقّ العبد ،
ل في حدّ القذف ،فإ ّ
لتهمة الشّاهد إ ّ
وكذلك يضمن السّارق المال المسروق ،لنّه حقّ العبد فل يسقط بالتّأخير .
ويسقط حدّ الخمر لتأخير الشّهادة شهرا على الصحّ عند الحنفيّة ،وتأخير الشّهادة في
القصاص ل يمنع من قبول الشّهادة .والضّابط في قبول الشّهادة كما قال ابن عابدين :أنّ
التّقادم مانع في حقوق اللّه غير مانع في حقوق العباد ،على خلف وتفصيل بين الفقهاء ينظر
في باب ( الشّهادة ) ومصطلح ( تقادم ) .
تأخير النّساء والصّبيان في صفوف الصّلة :
سنّة أن يقف الرّجال خلف المام ،ويقف بعد الرّجال الصّبيان ،ويندب تأخّر
- 32من ال ّ
ي صلى ال عليه وسلم صلّى وأقام
ن النّب ّ
النّساء خلف الجميع .لقول أبي مالك الشعريّ « :إ ّ
الرّجال يلونه ،وأقام الصّبيان خلف ذلك ،وأقام النّساء خلف ذلك » .
تأديب *
التّعريف :
-1التّأديب لغ ًة :مصدر أدّبه تأديبا ،أي علّمه الدب ،وعاقبه على إساءته ،وهو رياضة
النّفس ومحاسن الخلق .ول يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعزير :
ق تبارك وتعالى :
- 2التّعزير لغةً :التّأديب والمنع والنّصرة .ومن هذا المعنى :قول الح ّ
عزّروه } .
{ فالّذين آمنوا به َو َ
وشرعا :تأديب على معصية ل ح ّد فيها ول كفّارة .قال الخطيب الشّربينيّ :وتسمية ضرب
الوليّ والزّوج والمعلّم تعزيرا هو أشهر الصطلحين ،كما ذكره الرّافعيّ .قال :ومنهم من
يخصّ لفظ التّعزير بالمام أو نائبه ،وضرب الباقي بتسميته تأديبا ل تعزيرا .
ن التّعزير يصدق على العقوبة الصّادرة من الزّوج أو الب أو
أمّا الحنفيّة :فقد جروا على أ ّ
سيّد ،وكلّ
غيرهما -كما يصدق على فعل المام .قال ابن عابدين :التّعزير يفعله الزّوج وال ّ
من رأى أحدا يباشر المعصية .هذا ،وينظر تفصيل ما يتّصل بالعقوبة الصّادرة من المام
في غير الحدود في مصطلح ( تعزير ) .فالتّأديب أعمّ من التّعزير في أحد إطلقيه .
حكمه التّكليفيّ :
- 3قال ابن قدامة :ل نعلم خلفا بين الفقهاء في جواز تأديب الزّوج زوجته فيما يتعلّق
بحقوقه الزّوجيّة ،وفي أنّه غير واجب .واختلفوا في جواز تأديبه لحقّ اللّه تعالى كترك
الصّلة ،فذهب بعضهم إلى المنع ،وجوّزه آخرون ،كما سيأتي إن شاء اللّه .
ي تأديب الصّبيّ لترك الصّلة والطّهارة ،ولتعليم الفرائض
كما اتّفقوا على أنّه يجب على الول ّ
ونحو ذلك ،وذلك بالقول إذا بلغ سبع سنين ،وبالضّرب إن لزم لصلحه إذا بلغ عشرا ،
ي الصّلة لسبع سنين ،واضربوه عليها ابن عشر سنين » .
لحديث « :علّموا الصّب ّ
واختلفوا في حكم تأديب المام ونوّابه لمن رفع إليهم :
فذهب الئمّة :أبو حنيفة ومالك وأحمد ،إلى وجوب إقامة التّأديب عليهم فيما شرع التّأديب
فيه ،إلّ إذا رأى المام أنّ في ترك التّأديب مصلحةً ،وقالوا :إنّه إن كان التّأديب منصوصا
عليه ،كوطء جارية امرأته وجارية مشتركة ،يجب امتثال المر فيه ،وإن لم يكن منصوصا
ن المذنب ل ينزجر إلّ بالضّرب
عليه ورأى المام مصلحةً في إقامة التّأديب ،أو علم أ ّ
وجب ،لنّه زاجر مشروع لوجه اللّه فوجب كالحدّ .
ويرى الشّافعيّة أنّه ل يجب على المام إقامة التّأديب ،وله تركه .
ي صلى ال عليه وسلم أعرض عن جماعة استحقّوه ،ولم يقم عليهم
ن النّب ّ
وحجّتهم « :أ ّ
التّأديب كالغالّ في الغنيمة » ،فلو كان واجبا لما أعرض عنهم ،ولقامه عليهم .
هذا إذا كان التّأديب حقّا للّه .أمّا إذا كان حقّا لدميّ ،وطالب به مستحقّه ،وجب على المام
إقامته باتّفاق الفقهاء ،ولكن إذا عفا عنه صاحب الحقّ فهل للمام إقامة التّأديب ؟
ذهب الشّافعيّة -في الصحّ من قولين عندهم -إلى :أنّه يجوز للمام ذلك ،وإن لم يكن له
قبل المطالبة إقامة التّأديب .لنّه ل يخلو عن حقّ اللّه ،ولنّه يتعلّق بنظر المام فلم يؤثّر فيه
إسقاط غيره .وينظر التّفصيل في مصطلح ( تعزير ) .
ولية التّأديب :
- 4تثبت ولية التّأديب :
أ -للمام ونوّابه كالقاضي بالولية العامّة ،فلهم الحقّ في تأديب من ارتكب محظورا ليس
فيه حدّ ،مع الختلف بين الفقهاء في الوجوب عليهم وعدمه كما مرّت الشارة إليه ( .ر :
تعزير ) .
ب -للوليّ بالولية الخاصّة ،أبا كان أو جدّا أو وصيّا ،أو قيّما من قبل القاضي لحديث :
« مروا أولدكم بالصّلة » ...إلخ
ج -للمعلّم على التّلميذ بإذن الوليّ .
د -للزّوج على زوجته فيما يتّصل بالحقوق الزّوجيّة ،لقوله تعالى { :واللّاتي تخافون
ُنشُوزَهنّ َف ِعظُوهنّ واهْجروهنّ في المضاجِعِ واضربوهنّ } ،وهذا متّفق عليه بين الفقهاء .
ولكنّهم اختلفوا في جواز تأديب الزّوج لزوجته في حقّ اللّه تعالى ،كترك الصّلة ونحوها من
الفرائض .فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز تأديبها على ذلك .
وقيّده المالكيّة بما قبل الرّفع للمام .وعند الحنفيّة والشّافعيّة ليس له التّأديب لحقّ اللّه ،لنّه
ل يتعلّق به ول ترجع المنفعة إليه .هذا ولم نقف على قول للفقهاء بوجوب التّأديب على
ن التّرك أولى .
الزّوج ،بل يفهم من عباراتهم أ ّ
جاء في المّ للمام الشّافعيّ :في نهي النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن ضرب النّساء ،ثمّ إذنه
في ضربهنّ ،وقوله « :لن يضربَ خيارُكم » يشبه أن يكون عليه الصلة والسلم نهى عنه
ل يضربوا ،
على اختيار النّهي ،وأذن فيه بأن أباح لهم الضّرب في الحقّ ،واختار لهم أ ّ
لقوله « :لن يضرب خياركم » .وليس لغير هؤلء ولية التّأديب عند جمهور الفقهاء .غير
ن الحنفيّة قالوا :يقيم التّأديب -إذا كان حقّا للّه -كلّ مسلم في حال مباشرة المعصية ،لنّه
أّ
من باب إزالة المنكر ،والشّارع ولّى كلّ مسلم ذلك ،لقوله صلى ال عليه وسلم « من رأى
ن النّهي عمّا مضى
منكم منكرا فليغيّره بيده » ...أمّا بعد الفراغ من المعصية فليس بنهي ،ل ّ
ل يتصوّر ،فيتمحّض تعزيرا وذلك إلى المام .
ما يجوز فيه التّأديب لغير الحاكم .
-5أ -نشوز الزّوجة وما يتّصل به من الحقوق ،كتركها الزّينة له مع القدرة عليها ،وترك
الغسل عند الجنابة ،والخروج من المنزل بغير إذنه ،وترك الجابة إلى الفراش ،إلى غير
ذلك ممّا له صلة بالعلقة الزّوجيّة ،وهذا متّفق عليه بين الفقهاء .
واختلفوا في جواز تأديبه إيّاها لحقّ اللّه تعالى كترك الصّلة ونحوها ،فجوّزه البعض ،ومنعه
آخرون : .مصطلح ( نشوز ) .
ب -وتثبت على الصّبيّ لوليّه ،أبا كان ،أو جدّا ،أو وصيّا ،أو قيّما من قبل القاضي لخبر
« :مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ،واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ...
» ويؤدّب على ترك الطّهارة والصّلة وكذا الصّوم ،وينهى عن شرب الخمر ليألف الخير
شرّ ،ويؤمر بالغسل إذا جامع ،ويؤمر بجميع المأمورات ،وينهى عن جميع
ويترك ال ّ
المنهيّات .ويكون التّأديب بالضّرب والوعيد ،والتّعنيف بالقول .وهذا التّأديب واجب على
ق الصّبيّ لتمرينه على الصّلة ونحوها ليألفها
الوليّ باتّفاق الفقهاء للحديث المتقدّم .وهو في ح ّ
ويعتادها ول يتركها عند البلوغ .ول تجب عليه الصّلة عند جمهور الفقهاء لخبر « رُفع القلمُ
عن ثلثة » ...ذكر منهم الصّبيّ حتّى يبلغ .
ج -على التّلميذ :ويؤدّب المعلّم من يتعلّم منه بإذن الوليّ ،وليس له التّأديب بغير إذن الوليّ
عند جمهور الفقهاء .
ونقل عن بعض الشّافعيّة قولهم :الجماع الفعليّ مطّرد بجواز ذلك بدون إذن الوليّ .
نفقة التّأديب :
- 6تجب أجرة التّعليم في مال الطّفل إن كان له مال .فإن لم يكن له مال فعلى من تجب
عليه نفقته ،والنفاق من مال الصّبيّ لتعليمه الفرائض واجب بالتّفاق ،كما يجوز أن يصرف
من ماله أجرة تعليم ما سوى الفرائض من :القرآن ،والصّلة ،والطّهارة ،كالدب ،والخطّ
،إن تأهّل لديه لنّه مستمرّ معه وينتفع به .ونقل الخطيب الشّربينيّ عن النّوويّ قوله في
الرّوضة :يجب على الباء والمّهات تعليم أولدهم الطّهارة والصّلة والشّرائع .وأجرة تعليم
الفرائض في مال الطّفل ،فإن لم يكن فعلى من تلزمه نفقته .
طرق التّأديب :
- 7تختلف طرق التّأديب باختلف من له التّأديب ومن عليه التّأديب :
فطرق تأديب المام لمن يستحقّ من الرّعيّة غير محصورة ول مقدّرة شرعا ،فيترك لجتهاده
في سلوك الصلح لتحصيل الغرض من التّأديب ،لختلف ذلك باختلف الجاني والجناية ،
وعليه أن يراعي التّدرّج اللّائق بالحال والقدر كما يراعي دفع الصّائل ،فل يرقى إلى مرتبة
وهو يرى ما دونها كافيا وموثّرا .والتّفصيل في مصطلح ( تعزير ) .
طرق تأديب الزّوجة :
- 8أ -الوعظ .
ب -الهجر في المضجع .
ج -الضّرب غير المبرّح .
وهذا التّرتيب واجب عند جمهور الفقهاء ،فل ينتقل إلى الهجر إلّ إذا لم يجد الوعظ ،هذا
ن في المضاجِع واضربوهنّ } .
لقوله تعالى { :واللّاتي تخافون نشوزَهنّ ف ِعظُوهنّ واهجروه ّ
ن فعظوهنّ ،
جاء في المغني لبن قدامة :في الية إضمار تقديره :واللّاتي تخافون نشوزه ّ
فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ،فإن أصررن فاضربوهنّ .
وذهب الشّافعيّة -في الظهر من قولين عندهم -إلى أنّه يجوز للزّوج أن يؤدّبها بالضّرب
بعد ظهور النّشوز منها بقول أو فعل ،ول ترتيب على هذا القول بين الهجر والضّرب بعد
ظهور النّشوز ،والقول الخر يوافق رأي الجمهور .
ويجب أن يكون الضّرب غير مبرّح ،وغير مدم ،وأن يتوقّى فيه الوجه والماكن المخوفة ،
ن ألّ يوطئن ُفرُشَكم أحدا
ن لكم عليه ّ
ن المقصود منه التّأديب ل التلف .لخبر « :إ ّ
لّ
ن ضربا غير مبرّح » .
ن فاضربوه ّ
ن فعل َ
تكرهونه ،فإ ْ
ويشترط الحنابلة ألّ يجاوز به عشرة أسواط لحديث « :ل يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلّ
في ح ّد من حدود اللّه » ر :مصطلح ( نشوز ) .
طرق تأديب الصّبيّ :
- 9يؤدّب الصّبيّ بالمر بأداء الفرائض والنّهي عن المنكرات بالقول ،ثمّ الوعيد ،ثمّ
التّعنيف ،ثمّ الضّرب ،إن لم تجد الطّرق المذكورة قبله ،ول يضرب الصّبيّ لترك الصّلة
إلّ إذا بلغ عشر سنين .لحديث « :مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ،واضربوهم
عليها وهم أبناء عشر سنين ،وفرّقوا بينهم في المضاجع » .
ول يجاوز ثلثا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .
وهي أيضا على التّرتيب ،فل يرقى إلى مرتبة إذا كان ما قبلها يفي بالغرض وهو الصلح .
تجاوز القدر المعتاد في التّأديب :
- 10اتّفق الفقهاء على منع التّأديب بقصد التلف ،وعلى ترتّب المسئوليّة على ذلك ،
واختلفوا في البلوغ بالتّأديب أو التّعزير مبلغ الحدّ .وتفصيله في مصطلح ( تعزير ) .
الهلك من التّأديب المعتاد :
- 11اختلف الفقهاء أيضا في حكم الهلك من التّأديب المعتاد :
ن المام ل يضمن الهلك من التّأديب
فاتّفق الئمّة الثّلثة :أبو حنيفة ،ومالك ،وأحمد على أ ّ
المعتاد ،لنّ المام مأمور بالحدّ والتّعزير ،وفعل المأمور ل يتقيّد بسلمة العاقبة .
واختلفوا في تضمين الزّوج والوليّ ،إذا حصل التّلف من تأديبهما ولم يتجاوزا القدر المشروع
ي من التّلف الّذي ينشأ من التّأديب
.فذهب مالك وأحمد إلى أنّه ل ضمان على الزّوج والول ّ
المعتاد .
وعند الحنفيّة يضمن الزّوج إذا أفضى تأديبه المعتاد إلى الموت ،لنّ تأديب الزّوجة إذا تعيّن
ل لمنع نشوزها مشروط بأن يكون غير مبرّح ،فإذا ترتّب عليه الموت تبيّن أنّه قد جاوز
سبي ً
الفعل المأذون فيه ،فيجب عليه الضّمان .ولنّه غير واجب ،فشرط فيه سلمة العاقبة .
واختلف أبو حنيفة وصاحباه في تضمين الب والجدّ والوصيّ ونحوهم :فذهب أبو حنيفة إلى
ي مأذون له بالتّأديب ل بالتلف ،
ن الول ّ
أنّه يضمن الجميع إذا ترتّب على تأديبهم التّلف ،ل ّ
ن التّأديب قد يحصل بغير الضّرب كالزّجر
فإذا أدّى إلى التّلف تبيّن أنّه جاوز الحدّ ،ول ّ
ن الواجب ل يتقيّد بسلمة العاقبة ،والمباح يتقيّد
وفرك الذن .وخلصة رأي أبي حنيفة :أ ّ
بها ،ومن المباح ضرب الب أو المّ ولدهما تأديبا ومثلهما الوصيّ ،فإذا أفضى إلى الموت
وجب الضّمان ،وإن كان الضّرب للتّعليم فل ضمان ،لنّه واجب ،والواجب ل يتقيّد بسلمة
ن التّأديب منهم فعل مأذون فيه لصلح
العاقبة .وذهب الصّاحبان إلى أنّه ل ضمان عليهم ل ّ
الصّغير ،كضرب المعلّم ،بل أولى منه ،لنّ المعلّم يستمدّ ولية التّأديب من الوليّ ،
والموت نتج من فعل مأذون فيه ،والمتولّد من فعل مأذون ل يعدّ اعتداءً فل ضمان عليهم .
ن المام رجع إلى قول الصّاحبين .
ونقل عن بعض الحنفيّة أ ّ
وذهب الشّافعيّة إلى وجوب الضّمان في التّأديب وإن لم يتجاوز القدر المعتاد في مثله ،فإن
ل فدية شبه العمد على
كان ممّا يقتل غالبا ففيه القصاص على غير الصل ( الب والجدّ ) وإ ّ
العاقلة ،لنّه فعل مشروط بسلمة العاقبة ،إذ المقصود التّأديب ل الهلك ،فإذا حصل به
هلك تبيّن أنّه جاوز القدر المشروع فيه ،ول فرق عندهم بين المام وغيره ممّن أوتوا سلطة
التّأديب ،كالزّوج والوليّ .
تأديب الدّابّة :
- 12للمستأجر ورائض الدّابّة تأديبها بالضّرب والكبح بقدر ما جرت به العادة ،ول يضمن
إن تلفت بذلك عند الئمّة الثّلثة ( مالك والشّافعيّ وأحمد بن حنبل ) وصاحبي أبي حنيفة ،
ح « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه نخس بعير جابر وضربه » .
لنّه ص ّ
ن المعتاد مقيّد
وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يضمن لنّه تلف حصل بجنايته فضمنه كغيره ،ول ّ
ن السّوق يتحقّق بدون الضّرب ،وإنّما يضرب للمبالغة فيضمن .
بشرط السّلمة ،ول ّ
مواطن البحث :
- 13يذكر الفقهاء التّأديب أساسا في أبواب كثيرة مثل :الصّلة ،النّشوز ،التّعزير ،دفع
الصّائل ،ضمان الولة ،والحسبة .
تأريخ *
التّعريف :
- 1التّأريخ :مصدر أرّخ ،ومعناه في اللّغة :تعريف الوقت ،يقال :أرّخت الكتاب ليوم كذا
:إذا و ّقتّه وجعلت له تاريخا .
وأمّا معناه في الصطلح :فيؤخذ من كلم السّخاويّ :أنّه تحديد وقائع الزّمن من حيث
التّعيين والتّوقيت .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجل :
- 2أجل الشّيء في اللّغة -كما جاء في المصباح -مدّته ووقته الّذي يحلّ فيه ،وهو مصدر
،ويجمع على آجال ،كسبب وأسباب ،والجل على فاعل خلف العاجل .
وأمّا الجل في اصطلح الفقهاء :فهو المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من المور ،
سواء أكانت هذه الضافة أجلً للوفاء بالتزام ،أم أجلً لنهاء التزام .
وسواء أكانت هذه المدّة مقرّرةً بالشّرع ،أم بالقضاء ،أم بإرادة الملتزم :فردا أو أكثر .
والنّسبة بينهما هي أنّ التّاريخ أعمّ من الجل :لنّه يتناول المدّة الماضية والحاضرة ،
ل المستقبلة .
والمستقبلة ،والجل ل يتناول إ ّ
ب -الميقات :
- 3الميقات في اللّغة ،كما جاء في الصّحاح :الوقت المضروب للفعل والموضع ،وجاء في
المصباح أنّه الوقت ،والجمع مواقيت ،وقد استعير الوقت للمكان ،ومنه مواقيت الحجّ
لمواضع الحرام .واصطلحا :ما قدّر فيه عمل من العمال .سواء أكان زمنا أم مكانا ،
وهو أعمّ من التّاريخ .
حكمه التّكليفيّ :
- 4قد يكون التّأريخ واجبا ،إذا تعيّن طريقا للوصول إلى معرفة حكم شرعيّ ،كتوريث ،
وقصاص ،وقبول رواية ،وتنفيذ عهد ،وقضاء دين ،وما إلى ذلك .
التّأريخ قبل السلم :
ل طائفة منهم تؤرّخ بالحادثة
- 5لم يكن للعرب قبل السلم تأريخ يجمعهم ،وإنّما كانت ك ّ
المشهورة فيها .
ن بني إبراهيم عليه السلم ،كانوا يؤرّخون من نار إبراهيم إلى بنيان البيت ،
وبيان ذلك أ ّ
حين بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم ،ثمّ أرّخ بنو إسماعيل من بنيان البيت حتّى
تفرّقوا ،فكان كلّما خرج قوم من تهامة أرّخوا بمخرجهم ،ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل
يؤرّخون من خروج سعد ونهد وجهينة بني زيد ،من تهامة حتّى مات كعب بن لؤيّ ،
وأرّخوا من موته إلى الفيل ،ثمّ كان التّاريخ من الفيل حتّى أرّخ عمر بن الخطّاب رضي ال
عنه من الهجرة .وأمّا غيرهم من العرب فإنّهم كانوا يؤرّخون باليّام والحوادث المشهورة ،
كحرب البسوس وداحس والغبراء ،وبيوم ذي قار ،والفجّار ونحوه .
أمّا قبل ذلك ،وفي البداية عندما كثر بنو آدم في الرض ،فإنّهم أرّخوا من هبوط آدم إلى
الطّوفان ،ثمّ إلى نار الخليل عليه الصلة والسلم ،ثمّ إلى زمان يوسف عليه السلم ،ث ّم إلى
خروج موسى عليه السلم من مصر ببني إسرائيل ،ثمّ إلى زمان داود عليه السلم ،ثمّ إلى
زمان سليمان عليه السلم ،ثمّ إلى زمان عيسى عليه السلم .
سدّ ،وأهل صنعاء بظهور الحبشة على اليمن ،ث ّم بغلبة
وأرّخت حِمير بالتّبابعة ،وغسّانُ بال ّ
الفرس .وأرّخت الفرس بأربع طبقات من ملوكها ،والرّوم بقتل دارا بن دارا إلى ظهور
الفرس عليهم .وأرّخ القبط ببخت نصّر إلى قلبطرة ( كليوبترا ) صاحبة مصر .
واليهود أرّخوا بخراب بيت المقدس .والنّصارى برفع عيسى عليه السلم .
سبب وضع التّاريخ الهجريّ :
- 6يروى أنّ أبا موسى الشعريّ كتب إلى عمر :أن يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ ،فجمع
عمر النّاس ،فقال بعضهم :أرّخ بالمبعث ،وبعضهم :أرّخ بالهجرة ،فقال عمر :الهجرة
فرّقت بين الحقّ والباطل فأرّخوا بها ،وذلك سنة سبع عشرة ،فلمّا اتّفقوا قالوا :ابدءوا
برمضان ،فقال عمر :بل بالمحرّم ،فإنّه منصرف النّاس من حجّهم ،فاتّفقوا عليه .هذا ول
ج وعدّة المتوفّى
ن المسلمين احتاجوا إلى التّأريخ لضبط أمورهم الدّينيّة كالصّوم والح ّ
يخفى أ ّ
عنها زوجها ،والنّذور الّتي تتعلّق بالوقات .
ولضبط أمورهم الدّنيويّة كالمداينات والجارات والمواعيد ومدّة الحمل والرّضاع .
التّأريخ بالسّنة الشّمسيّة ،وهو التّأريخ غير الهجريّ :
- 7السّنة الشّمسيّة تتّفق مع السّنة القمريّة في عدد الشّهور ،وتختلف معها في عدد اليّام ،إذ
تزيد أيّامها على أيّام السّنة القمريّة بأحد عشر يوما تقريبا .
وقد اعتمد عليها الرّوم والسّريان والفرس والقبط في تأريخهم .فهناك السّنة الرّوميّة ،والسّنة
السّريانيّة ،والسّنة الفارسيّة ،والسّنة القبطيّة .
ل أنّها تختلف في أسماء تلك
ل سنة منها ،إ ّ
وهذه السّنون ،وإن كانت متّفق ًة في عدد شهور ك ّ
الشّهور وعدد أيّامها وأسماء اليّام ،وفي موعد بدء كلّ سنة منها .
حكم استعمال التّأريخ غير الهجريّ في المعاملت :
ن المتعاقدين إذا
- 8ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ،وهو الصّحيح عند الحنابلة إلى أ ّ
ح العقد ،إذا كان ذلك التّأريخ
استعمل التّأريخ غير الهجريّ في المعاملت تنتفي الجهالة ويص ّ
ن تلك
معلوما عند المسلمين ،كأن يؤرّخ بشهر من أشهر الرّوم ،ككانون ،وشباط ،ل ّ
ن ذلك
الشّهور معلومة مضبوطة ،أو يؤرّخ بفطر النّصارى بعدما شرعوا في صومهم ،ل ّ
يكون معلوما .أمّا إذا أرّخ بتأريخ قد ل يعرفه المسلمون ،مثل أن يؤرّخ بعيد من أعياد
الكفّار ،كالنّيروز والمهرجان ،وفصح النّصارى ،وصومهم الميلد ،وفطر اليهود ،
ح إذا علم المتعاقدان ذلك ،
والشّعانين ،فقد ذكر الحنفيّة في البيع إلى تلك الوقات :أنّه يص ّ
ح مع جهلهما ومعرفة غيرهما به ،لنّه يفضي إلى المنازعة .وصحّح المالكيّة
ول يص ّ
ن تلك اليّام إن كانت معلوم ًة فإنّها تكون كالمنصوصة .
ذلك ،ل ّ
ن التّأقيت بالنّيروز والمهرجان مجزئ على الصّحيح ،
وذكر الشّافعيّة كما جاء في الرّوضة أ ّ
وفي وجه :ل يصحّ لعدم انضباط وقتهما .
ح ،وتمسّك بظاهره بعض
أمّا التّأريخ بفصح النّصارى فقد نصّ الشّافعيّ على أنّه ل يص ّ
الصحاب من الشّافعيّة اجتنابا لمواقيت الكفّار ،وقال جمهور الصحاب من الشّافعيّة :إن
اختصّ بمعرفته الكفّار لم يصحّ ،لنّه ل اعتماد على قولهم ،وإن عرفه المسلمون جاز
كالنّيروز .ثمّ اعتبر جماعة فيهما معرفة المتعاقدين ،وقال أكثر الصحاب :يكفي معرفة
النّاس ،وسواء اعتبرنا معرفتهما أم ل ،فلو عرفا كفى على الصّحيح ،وفي وجه يشترط
معرفة عدلين من المسلمين سواهما ،لنّهما قد يختلفان فل بدّ من مرجّح ،وفي معنى الفصح
سائر أعياد أهل الملل كفطر اليهود ونحوه .
وأمّا الحنابلة فإنّهم لم يفرّقوا بين التّأريخ بغير الشّهور الهلليّة ،كالشّهور الرّوميّة ،وأعياد
ح على الصّحيح من المذهب إذا عرف المسلمون ذلك ،وقد اختار
الكفّار ،فإنّ ذلك عندهم يص ّ
هذا القول جماعة منهم القاضي ،وقدّمه صاحب الكافي والرّعايتين والحاويين والفروع
وغيرهم .وقيل :ل يصحّ كالشّعانين وعيد الفطير ونحوهما ممّا يجهله المسلمون غالبا ،وهو
ظاهر كلم الخرقيّ وابن أبي موسى وابن عبدوس في تذكرته ،حيث قالوا بالهلّة .
مواطن البحث :
- 9يبحث عن الحكام الخاصّة بمصطلح التّأريخ في مصطلح ( آجل ) ومصطلح ( تأقيت )
لنّ الفقهاء في الغالب ل يذكرون في كتبهم لفظ التّأريخ ،وإنّما يذكرون لفظ الجل ،ولفظ
التّأقيت ،فكلّ ما يتعلّق بالتّصرّفات من التّأقيت أو التّأجيل يرجع فيه إلى هذين المصطلحين
( الجل والتّأقيت ) .
تأقيت *
التّعريف :
- 1التّأقيت أو التّوقيت :مصدر أقّت أو وقّت بتشديد القاف ،فالهمزة في المصدر والفعل
مبدلة من الواو ،ومعناه في اللّغة :تحديد الوقات .وهو يتناول الشّيء الّذي قدّر له حينا أو
غايةً .وتقول :و ّقتّه ليوم كذا مثل أجّلته .وقال في القاموس في بيان معنى الوقت :وأنّه
يستعمل بمعنى تحديد الوقات كالتّوقيت ،والوقت المقدار من الدّهر .
وقال في الصّحاح :و ّقتّه فهو موقوت ،إذا بيّن للفعل وقتا يفعل فيه ،ومنه قوله تعالى { :إنّ
الصّلةَ كانت على المؤمنين كتابا مَوْقوتا } .أي مفروضا في الوقات .وقد استعير الوقت
ج لمواضع الحرام .
للمكان ،ومنه مواقيت الح ّ
والتّأقيت في الصطلح :تحديد وقت الفعل ابتدا ًء وانتهاءً .والتّأقيت قد يكون من الشّارع في
العبادات مثلً ،وقد يكون من غيره .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجل :
ل فيه .
- 2أجل الشّيء في اللّغة ،كما جاء في المصباح :مدّته ووقته الّذي يح ّ
وفي اصطلح الفقهاء هو :المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من المور ،سواء أكانت
هذه الضافة أجلً للوفاء بالتزام ،أو أجلً لنهاء التزام ،وسواء أكانت هذه المدّة مقرّرةً
بالشّرع ،أو بالقضاء ،أو بإرادة الملتزم فردا أو أكثر .والفرق بينه وبين التّأقيت واضح ،
فإنّ التّصرّفات في التّأقيت تثبت في الحال غالبا وتنتهي في وقت معيّن .
ب -الضافة :
- 3الضافة في اللّغة تأتي لمعان منها :السناد ،والتّخصيص .
ويستعملها الفقهاء بهذين المعنيين ،كما يستعملونها أيضا بمعنى إضافة الحكم إلى الزّمن
المستقبل ،أي إرجاء نفاذ حكم التّصرّف إلى الزّمن المستقبل الّذي حدّده المتصرّف بغير كلمة
ن التّصرّفات في التّأقيت تثبت في الحال ،وتنتهي في
شرط .والفرق بينهما وبين التّأقيت :أ ّ
وقت معيّن .بخلف الضافة ،فإنّها تؤخّر ترتّب الحكم على السّبب إلى الوقت الّذي أضيف
إليه السّبب .
ج -التّأبيد :
- 4التّأبيد في اللّغة معناه :التّخليد أو التّوحّش كما جاء في الصّحاح .
وقال في المصباح :فإذا قلت :ل أكلّمه أبدا ،فالبد من لدن تكلّمت إلى آخر عمرك .
وأمّا عند الفقهاء فيعرف من استعمالتهم :أنّه تقييد صيغة التّصرّفات بالبد وما في معناه .
والفرق بين التّأبيد والتّأقيت واضح ،فإنّه وإن كان التّصرّف في كلّ منهما ثابتا في الحال ،إلّ
ن التّصرّفات في التّأقيت مقيّدة بوقت معيّن ينتهي أثرها عنده ،بخلف التّأبيد .وللتّوسّع ر :
أّ
( تأبيد ) .
د -التّأجيل :
- 5التّأجيل في اللّغة :مصدر أجّل -بتشديد الجيم -ومعناه :أن تجعل للشّيء أجلً ،وأجل
الشّيء :مدّته ووقته الّذي يحلّ فيه .
وفي الصطلح معناه :تأخير الثّابت في الحال إلى زمن مستقبل ،كتأجيل المطالبة بالثّمن
ن التّأقيت يترتّب عليه ثبوت التّصرّف
ي شهر مثلً .والفرق بين التّأجيل والتّأقيت :أ ّ
إلى مض ّ
في الحال ،بخلف التّأجيل فإنّه على العكس من ذلك .
هـ -التّعليق :
- 6التّعليق في اصطلح الفقهاء -كما قال ابن نجيم : -ربط حصول مضمون جملة
بحصول مضمون جملة أخرى .
وفسّره الحمويّ بأنّه ترتيب أمر لم يوجد على أمر سيوجد ،بإن أو إحدى أدوات الشّرط
الخرى .والفرق بين التّعليق والتّأقيت :أنّ التّأقيت تثبت فيه التّصرّفات في الحال ،فل يمنع
ترتّب الحكم على السّبب ،بخلف التّعليق فإنّه يمنع المعلّق عن أن يكون سببا للحكم في الحال
.ر ( :تعليق ) .
أثر التّأقيت في التّصرّفات :
- 7التّصرّفات من حيث قبولها التّأقيت أو عدم قبولها له على ثلثة أقسام هي :تصرّفات ل
ح مؤقّتةً كالبيع
ل مؤقّت ًة كالجارة والمزارعة والمساقاة والمكاتبة ،وتصرّفات ل تص ّ
تقع إ ّ
والرّهن والهبة والنّكاح ،وتصرّفات تكون مؤقّتةً وغير مؤقّتة كالعاريّة والكفالة والمضاربة
والوقف وغيرها ،وبيان ذلك فيما يلي :
ل :التّصرّفات الّتي ل تقع إلّ مؤقّتةً :
أ ّو ً
أ -الجارة :
ل مؤقّتةً بمدّة معيّنة ،أو بوقوعها على عمل
- 8اتّفق الفقهاء على أنّ الجارة ل تصحّ إ ّ
معلوم .فمن الوّل :إجارة الرض أو الدّور أو الدّوابّ والجير الخاصّ .
ومن الثّاني :الستئجار على عمل كخياطة ثوب مثلً ،وهو الجير المشترك .
ب -المزارعة والمساقاة :
- 9ذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز المزارعة ،خلفا لبي يوسف ومحمّد ،فقد قال بجوازها
.وأنّ من شروط صحّتها بيان المدّة ،فهي من العقود المؤقّتة عندهما .
وأمّا المساقاة فل يشترط توقيتها عندهما ،فإن ترك تأقيتها جازت استحسانا ،لنّ وقت إدراك
الثّمر معلوم .
ح عندهم بل تقدير مدّة .
وأمّا المالكيّة فلم يتعرّضوا لذكر التّأقيت في المزارعة فتص ّ
ن بعضهم يرى فسادها إن
وأمّا المساقاة عندهم فإنّها تؤقّت بالجذاذ ،أي :جني الثّمر ،حتّى أ ّ
أطلقت ولم تؤقّت ،أو أقّتت بوقت يزيد على الجذاذ .ويرى ابن الحاجب من المالكيّة أنّها إن
ن التّأقيت ليس شرطا في
أطلقت صحّت وحملت على الجذاذ ،وذكر صاحب الشّرح الكبير :أ ّ
صحّتها ،وغاية ما في المر أنّها إن أقّتت فإنّها تؤقّت بالجذاذ .
وأمّا الشّافعيّة فإنّهم يرون أنّ المزارعة إذا أفردت بالعقد فل ب ّد فيها من تقرير المدّة ،وأمّا إذا
كانت تابعةً للمساقاة فإنّ ما يجري على المساقاة يجري عليها .
ن من شروط صحّتها عندهم أن تكون مؤقّت ًة إذ يشترط فيها معرفة العمل
وأمّا المساقاة فإ ّ
بتقدير المدّة كسنة .وأمّا الحنابلة فل يشترطون لصحّة المزارعة والمساقاة التّأقيت ،بل تصحّ
مؤقّتةً وغير مؤقّتة ،فلو زارعه أو ساقاه دون أن يذكر مدّ ًة جاز « ،لنّه صلى ال عليه
ل من
وسلم لم يضرب لهل خيبر مدّ ًة » .وكذا خلفاؤه من بعده صلى ال عليه وسلم .ولك ّ
العاقدين فسخها متى شاء ،فإن كان الفسخ من ربّ المال قبل ظهور الثّمر وبعد شروع العامل
بالعمل فعليه للعامل أجرة مثل عمله .وإن فسخ العامل قبل ظهور الثّمر فل شيء له .
ثانيا :التّصرّفات غير المؤقّتة :
ن التّأقيت يفسدها ،وهي البيع والرّهن
وهي تلك التّصرّفات الّتي ل تقبل التّأقيت ،أي :أ ّ
والهبة والنّكاح ،وبيان ذلك في ما يلي :
أ -البيع :
- 10البيع عند الفقهاء مقابلة مال بمال على وجه مخصوص ،وهو ل يقبل التّأقيت عند
ل يكون مؤقّتا .ر ( :بيع ) .
ن من شرائط صحّة البيع العامّة أ ّ
الفقهاء ،فقد ذكروا أ ّ
ن البيع ل يقبل التّأقيت بحال ،ومتى أقّت بطل .
وذكر السّيوطيّ في أشباهه أ ّ
ب -الرّهن :
ن حكم الرّهن كما قال
ن الرّهن ل يقبل التّأقيت ،ومتى أقّت فسد ،ل ّ
- 11اتّفق الفقهاء على أ ّ
الحنفيّة :الحبس الدّائم إلى انتهاء الرّهن بالداء أو البراء .وقد ذكر المالكيّة أنّ من رهن
ن هذا ل يعرف من رهون النّاس ،ول
رهنا على أنّه إن مضت سنة خرج من الرّهن ،فإ ّ
يكون رهنا .والرّهن عند الشّافعيّة إنّما شرع للستيثاق ،فتأقيته بمدّة ينافي ذلك .والرّهن
عند الحنابلة ل يقبل التّأقيت أيضا ،فقد جاء في كشّاف القناع :أنّه لو شرط المتعاقدان تأقيت
الرّهن ،بأن قال :هو رهن عشرة أيّام ،فالشّرط فاسد ،لمنافاته مقتضى العقد ،والرّهن
صحيح .ر ( :رهن ) .
ج -الهبة :
- 12اتّفق الفقهاء على أنّ الهبة ل تقبل التّأقيت ،لنّها كما قال الحنفيّة :تمليك للعين في
الحال بل عوض ،فل تحتمل التّأقيت قياسا على البيع .
ن تأقيتها أو تأجيلها يؤدّي إلى الغرر كما قال المالكيّة .
ول ّ
ن الهبة ل تقبل التّعليق على الشّرط ،ول تقبل التّأقيت على المذهب .
وذكر النّوويّ أ ّ
وذكر الحنابلة كما جاء في المغني أنّه لو وقّت لهبة بأن قال :وهبتك هذا سن ًة ثمّ يعود إليّ لم
يصحّ ،لنّه عقد تمليك لعين فلم يصحّ مؤقّتا كالبيع .
العمرى والرّقبى :
- 13اتّفق الفقهاء على مشروعيّة العمرى ،إلّ أنّهم اختلفوا في قبولها التّأقيت ،فذهب الحنفيّة
،والشّافعيّة في الجديد ،وأحمد إلى جواز العمرى للمعمر له حال حياته ،ولورثته من بعده .
وصورة العمرى :أن يجعل داره للغير مدّة عمره ،وإذا مات تردّ عليه ،فيصحّ التّمليك له
ولورثته ،ويبطل شرط العمر الّذي يفيد التّأقيت عند جمهور الفقهاء .
أمّا عند مالك ،والشّافعيّ في القديم :فالعمرى تمليك المنافع ل تمليك العين ،ويكون للمعمر
له السّكنى ،فإذا مات عادت الدّار إلى المعمر ،فالعمرى من التّصرّفات المؤقّتة عندهم .أمّا
الرّقبى فصورتها أن يقول الرّجل لغيره :داري لك رقبى .وهي باطلة عند أبي حنيفة ومحمّد
ي وقت
،فل تفيد ملك الرّقبة ،وإنّما تكون عاريّةً ،يجوز للمعمر أن يرجع فيه ويبيعه في أ ّ
شاء ،لنّه تضمّن إطلق النتفاع .
فالرّقبى عندهما من التّصرّفات المؤقّتة لنّها عاريّة .ويرى الشّافعيّ وأحمد وأبو يوسف جواز
الرّقبى ،لنّ قوله " :داري لك " تمليك ،وقوله " رقبى " شرط فاسد فيلغو .فكأنّه قال :
رقبة داري لك .فصارت الرّقبى عندهم كالعمرى في الجواز .فهي من التّصرّفات الّتي ل
تقبل التّأقيت .والرّقبى لم يجزها المام مالك .وللتّفصيل ر ( :عمرى ،رقبى ) .
د -النّكاح :
- 14النّكاح ل يقبل التّأقيت اتّفاقا .فالنّكاح المؤقّت غير جائز ،سواء أكان بلفظ المتعة أم
بلفظ التّزويج .كما صرّح المالكيّة بمنع ذكر الجل مهما طال .
والنّكاح المؤقّت عند الشّافعيّة والحنابلة باطل ،سواء قيّد بمدّة مجهولة أو معلومة .
لنّه نكاح المتعة ،وهو حرام كحرمة الميتة والدّم ولحم الخنزير .ر ( :نكاح ) .
الفرق بين النّكاح المؤقّت ونكاح المتعة :
- 15يفرّق بينهما من جهة اللّفظ ،فنكاح المتعة هو الّذي يكون بلفظ التّمتّع ،كأن يقول لها :
أعطيك كذا على أن أتمتّع بك يوما أو شهرا أو سنةً ونحو ذلك ،وهو غير صحيح عند عامّة
العلماء .وأمّا النّكاح المؤقّت فهو الّذي يكون بلفظ التّزويج والنّكاح ،وما يقوم مقامهما ويقيّد
بمدّة ،كأن يقول لها :أتزوّجك عشرة أيّام ونحو ذلك ،وهو غير صحيح عند عامّة العلماء ،
وقال زفر :يصحّ العقد ويبطل التّأقيت .
هذا ،ولتأقيت النّكاح صور ،كأن يتزوّجها إلى مدّة معلومة ،أو مجهولة ،أو إلى مدّة ل
يبلغها عمرهما ،أو عمر أحدهما .وسيأتي تفصيل ذلك كلّه في مصطلح ( نكاح ) .
إضمار التّأقيت في النّكاح :
ن إضمار التّأقيت في النّكاح ل يؤثّر في صحّته ول يجعله مؤقّتا ،فله
- 16ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ن التّأقيت إنّما يكون باللّفظ .
تزوّجها وفي نيّته أن يمكث معها مدّةً نواها ،فالنّكاح صحيح ،ل ّ
وذهب المالكيّة إلى أنّ التّأقيت إذا لم يقع في العقد ،ولم يعلمها الزّوج بذلك ،وإنّما قصده في
نفسه ،وفهمت المرأة أو وليّها المفارقة بعد مدّة فإنّه ل يضرّ .وهذا هو الرّاجح ،وإن كان
بهرام صدّر في شرحه وفي " شامله " بالفساد ،إذا فهمت منه ذلك المر الّذي قصده في نفسه
،فإن لم يصرّح للمرأة ول لوليّها بذلك ،ولم تفهم المرأة ما قصده في نفسه ،فليس نكاح متعة
.
ل ما لو صرّح به أبطل
وصرّح الشّافعيّة بكراهة هذا النّكاح الّذي أضمر فيه التّأقيت ،لنّ ك ّ
يكون إضماره مكروها عندهم .
والصّحيح المنصوص عليه في مذهب الحنابلة ،وهو الّذي عليه الصحاب :أنّ إضمار
صحّة .
التّأقيت في النّكاح كاشتراطه ،فيكون شبيها بنكاح المتعة في عدم ال ّ
وحكى صاحب الفروع عن الشّيخ ابن قدامة القطع بصحّته مع ال ّنيّة .
وجاء في المغني أيضا أنّه إن تزوّجها بغير شرط ،إلّ أنّ في نيّته طلقها بعد شهر ،أو إذا
ي ،قال :
انقضت حاجته في هذا البلد ،فالنّكاح صحيح في قول عامّة أهل العلم إلّ الوزاع ّ
هو نكاح متعة .والصّحيح أنّه ل بأس به ،ول تضرّ نيّته ،وليس على الرّجل أن ينوي حبس
امرأته ،وحسبه إن وافقته وإلّ طلّقها .
ثالثا :التّصرّفات الّتي تكون مؤقّتةً وغير مؤقّتة :
المراد بها تلك التّصرّفات الّتي ل يفسدها التّأقيت ،كاليلء والظّهار والعاريّة وغيرها ،وبيان
ذلك فيما يلي :
أ -اليلء :
ن اليلء قد يقع مؤقّتا أو مطلقا .وتفصيل أحكامه ينظر في مصطلح
- 17ذهب الفقهاء إلى أ ّ
( :إيلء ) .
ب -الظّهار :
- 18الصل في الظّهار إن أطلقه أن يقع مؤبّدا ،فإن أقّته كأن يظاهر من زوجته يوما أو
شهرا أو سن ًة ،فقد اختلف الفقهاء في حكمه ،فذهب الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في القول
الظهر إلى أنّه يقع مؤقّتا ،ول يكون المظاهر عائدا إلّ بالوطء في المدّة ،فإن لم يقربها حتّى
مضت المدّة سقطت عنه الكفّارة ،وبطل الظّهار عملً بالتّأقيت ،لنّ التّحريم صادف ذلك
ن الظّهار منكر من القول وزور ،
الزّمن دون غيره ،فوجب أن ينقضي بانقضائه ،ول ّ
فترتّب عليه حكمه كالظّهار المعلّق .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة في غير الظهر إلى أنّ الظّهار ل يقبل التّأقيت ،فإن قيّده بوقت تأبّد
كالطّلق ،فيلغى تقييده ،ويصير مظاهرا أبدا لوجود سبب الكفّارة .
ن الظّهار المؤقّت لغو ،لنّه لم يؤبّد التّحريم فأشبه ما إذا
وذكر الشّافعيّة في قول ثالث عندهم أ ّ
شبّهها بامرأة ل تحرم على التّأبيد .
ج -العاريّة :
- 19العاريّة الّتي هي تمليك للمنافع بغير عوض ،إمّا أن تكون مؤقّت ًة بمدّة معلومة ،وتسمّى
حينئذ العاريّة المقيّدة ،وإمّا أن تكون غير مؤقّتة ،وتسمّى العاريّة المطلقة ،وهي عند الحنفيّة
والشّافعيّة والحنابلة من العقود غير اللّازمة ،فلكلّ من المعير والمستعير الرّجوع فيها متى
شاء ،مطلق ًة كانت أو مقيّد ًة ،إلّ في بعض الصّور كالعارة للدّفن أو البناء أو الغراس .
وللتّفصيل ر ( :إعارة ) .
ويرى المالكيّة أنّ العاريّة إذا كانت مقيّد ًة بعمل كزراعة أرض بطنا ( زرعةً واحدةً ) أو بوقت
كسكنى دار شهرا مثلً ،فإنّها تكون لزم ًة إلى انقضاء ذلك العمل أو الوقت ،وإن لم تكن
ن العادة كالشّرط .
مقيّدةً بعمل ول بوقت فإنّها تلزم إلى انقضاء مدّة ينتفع فيها بمثلها عادةً ،ل ّ
فإن انتفى المعتاد مع عدم التّقييد بالعمل أو الوقت فقد ذكر اللّخميّ أنّ للمعير الخيار في تسليم
ذلك أو إمساكه ،وإن سلّم فله استرداده .
د -الكفالة :
- 20اختلف الفقهاء في جواز تأقيت الكفالة ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة -
في غير الصحّ عندهم -إلى جواز تأقيتها إلى أجل معلوم كشهر وسنة .ومنع ذلك الشّافعيّة
ح عندهم .ثمّ اختلف المجيزون لذلك في التّوقيت إلى أجل مجهول .
في الص ّ
فذهب الحنفيّة إلى جواز التّوقيت بوقت مجهول جهال ًة غير فاحشة ،جرى العرف بين النّاس
على التّوقيت به ،كوقت الحصاد والدّياس ،فإن كان الوقت المجهول غير متعارف عليه بين
ح تأقيت الكفالة به .
النّاس ،كمجيء المطر وهبوب الرّيح ،فل يص ّ
وأجاز المالكيّة توقيت الكفالة إلى أجل مجهول ،كما نقل عن ابن يونس في كتاب الحمالة
ن الحمالة بالمال المجهول جائزة ،فكذا الحمالة به إلى أجل مجهول .
( الكفالة ) أ ّ
والحنابلة يجيزون تأقيت الكفالة ولو إلى أجل مجهول ل يمنع حصول المقصود منها كوقت
ح كالنّذر .ر ( :كفالة ) .
الحصاد والجذاذ ،لنّها تبرّع من غير عوض فتص ّ
هـ -المضاربة :
- 21يجوز تأقيت المضاربة عند الحنفيّة والحنابلة ،فقد ذكر الحنفيّة أنّه ليس للعامل فيها
تجاوز بلد أو سلعة أو وقت أو شخص عيّنه المالك .
والحنابلة صحّحوا تأقيت المضاربة بأن يقول ربّ المال :ضاربتك على هذه الدّراهم أو
الدّنانير سنةً ،فإذا مضت السّنة فل تبع ول تشتر ،لنّه تصرّف يتعلّق بنوع من المتاع فجاز
توقيته بالزّمان كالوكالة .
ن المضاربة ل تقبل التّأقيت ،لنّها كما قال المالكيّة :ليست
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ
بعقد لزم ،فحكمها أن تكون إلى غير أجل ،فلكلّ واحد منهما تركها متى شاء .
ن تأقيتها -كما قال الشّافعيّة -يؤدّي إلى التّضييق على العامل في عمله ،فقد ذكر
ول ّ
النّوويّ في الرّوضة :أنّه ل يعتبر في القراض ( المضاربة ) بيان المدّة ،فلو وقّت فقال :
قارضتك سن ًة ،فإن منعه من التّصرّف بعدها مطلقا ،أو من البيع فسد ،لنّه يخلّ
ل تشتري بعد السّنة ،ولك البيع ،صحّ
ي أيضا أنّه إن قال :على أ ّ
بالمقصود ،وذكر النّوو ّ
على الصحّ ،لنّ المالك يتمكّن من منعه من الشّراء متى شاء ،بخلف البيع ،ولو اقتصر
على قوله :قارضتك سن ًة فسد على الصحّ ،وعلى الثّاني يجوز ،ويحمل على المنع من
الشّراء استدام ًة للعقد .ولو قال :قارضتك سن ًة على ألّ أملك الفسخ قبل انقضائها فسد .
و -النّذر :
- 22اتّفق الفقهاء على أنّ النّذر يقبل التّأقيت ،كما لو نذر صوم يوم من شهر المحرّم لزمه
ذلك .أمّا إن لم يؤقّت ،بل قال :للّه عليّ أن أصوم يوما لزمه ،وتعيين وقت الداء إليه في
هذه الحال .
ز -الوقف .
- 23اختلف الفقهاء في تأقيت الوقف ،فذهب الحنفيّة والشّافعيّة -في الصّحيح عندهم -
ن الوقف ل يقبل التّأقيت ،ول يكون إلّ مؤبّدا .
والحنابلة -في أحد الوجهين -إلى أ ّ
وذهب المالكيّة والشّافعيّة -في مقابل الصّحيح عندهم والحنابلة على الوجه الخر -إلى
جواز تأقيت الوقف ،ول يشترط في صحّة الوقف التّأبيد ،أي كونه مؤبّدا دائما بدوام الشّيء
ل ما يجوز
ح وقفه مدّ ًة معيّنةً ثمّ ترفع وقفيّته ،ويجوز التّصرّف فيه بك ّ
الموقوف ،فيص ّ
التّصرّف به في غير الموقوف .وينظر تفصيل ذلك والخلف فيه في مصطلح ( :وقف ) .
ح -الوكالة :
ح تأقيت الوكالة عند الفقهاء .ففي جامع الفصولين :أنّه لو وكّله بالبيع أو الشّراء
- 24يص ّ
ن ذكر اليوم
اليوم ففعل ذلك في الغد ،ففي صحّته روايتان ،ورجّح عدم الصّحّة بناءً على أ ّ
للتّوقيت .
وذكر صاحب البدائع أنّه لو وكّله بأن يبيع هذه الدّار غدا ،فإنّه ل يكون وكيلً قبل الغد .
وذكر المالكيّة أنّ الوكيل إذا خالف ما أمره به الموكّل ،بأن باع أو اشترى قبل أو بعد الوقت
الّذي عيّنه له الموكّل ،فللموكّل الخيار في قبول ذلك أو عدم قبوله .
وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يمتنع على الوكيل التّصرّف بعد انتهاء وقت الوكالة ر :
( وكالة ) .
ط -اليمين :
- 25اتّفق الفقهاء على أنّ اليمين يقبل التّأقيت ،وتأقيتها تارةً يكون بألفاظ التّأقيت مثل ( ما
دام ) ( وما لم ) ( وحتّى ) ( وأنّى ) ونحوها ،وتار ًة يكون بالتّقييد بوقت كشهر ويوم .فمن
حلف ألّ يفعل شيئا ،وحدّد وقتا معيّنا لذلك ،اختصّت يمينه بما حدّده .
ويرجع للتّفصيل إلى بحث ( اليمان ) .
تأكيد *
التّعريف :
-1التّأكيد لغةً :التّوثيق والحكام والتّقوية ،يقال :أكّد العهد إذا وثّقه وأحكمه .
وفي الصطلح هو :جعل الشّيء مقرّرا ثابتا في ذهن المخاطب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّأسيس :
- 2التّأسيس عبارة عن إفادة معنًى جديد لم يكن حاصلً قبله ،فالتّأسيس على هذا في عرف
ن حمل الكلم على الفادة خير من حمله على العادة .وإذا دار
الفقهاء خير من التّأكيد ،ل ّ
اللّفظ بينهما تعيّن حمله على التّأسيس ،ولذا لو قال شخص لزوجته :أنت طالق أنت طالق
ح الحمل على الستئناف ( أي التّأسيس ) ل التّأكيد .فإن قال :أردت
ولم ينو شيئا ،فالص ّ
التّأكيد بذلك صدّق .
وعند الحنفيّة -كما نقله ابن نجيم عن الزّيلعيّ -صدّق ديانةً ل قضاءً .
الحكم الجماليّ :
- 3التّأكيد جائز في الحكام لتقويتها وترجيحها على غيرها ،حيث يرجّح المؤكّد على غيره
من الحكام غير المؤكّدة ،لحتمال تأويل غير المؤكّد بخلف المؤكّد ،فإنّه ل يحتمله ،كما
يمنع نقضها إلّ بشرطه .من ذلك قوله تعالى { :ول َتنْ ُقضُوا الَيمانَ بعد توكيدها } .
تأكيد القوال :
- 4تؤكّد القوال فترجّح على غيرها ،ومن ذلك تأكيد الشّهادات ،لقوله تعالى { :فشهادةُ
أحدهم أرب ُع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين } .
وقد يأخذ التّأكيد أحكاما معيّن ًة ،كتأكيد الطّلق ،فإنّه يض ّم المتفرّق منه ليجعل حكمه واحدا ،
وينظر تفصيله في الطّلق ،وفي مصطلح ( أيمان ) .
التّأكيد بالفعال :
ن المبيع ربّما هلك في يد البائع قبل
- 5من ذلك تأكيد الثّمن في عقد البيع بقبض المبيع ،ل ّ
التّسليم فيسقط الثّمن ،وتأكيد المهر بالدّخول ،وتأكيد الحكام بالتّنفيذ .
وتفصيل ما أجمل في هذا البحث ينظر في الملحق الصوليّ .
تأميم *
انظر :مصادرة .
تأمين *
انظر :أمين ،مستأمن .
تأمين الدّعاء *
انظر :آمين .
تأويل *
التّعريف :
- 1التّأويل :مصدر أوّل ،وأصل الفعل :آل الشّيء يئول أولً :إذا رجع ،تقول :آل
المر إلى كذا ،أي رجع إليه .ومعناه :تفسير ما يئول إليه الشّيء ،ومصيره .
وفي اصطلح الصوليّين ،التّأويل :صرف اللّفظ عن المعنى الظّاهر إلى معنًى مرجوح ،
ن من المعنى الظّاهر .
لعتضاده بدليل يصير به أغلب على الظّ ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّفسير :
- 2التّفسير لغ ًة :البيان ،وكشف المراد من اللّفظ المشكل .
وفي الشّرع :توضيح معنى الية ،وشأنها ،وقصّتها ،والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظ يدلّ
ن التّأويل :بيان أحد محتملت اللّفظ ،والتّفسير :بيان
عليه دلل ًة ظاهر ًة .وقريب من ذلك أ ّ
مراد المتكلّم .وقال ابن العرابيّ وأبو عبيدة وطائفة :التّفسير والتّأويل بمعنًى واحد .
وقال الرّاغب :التّفسير أعمّ من التّأويل ،وأكثر استعماله في اللفاظ ومفرداتها ،وأكثر
استعمال التّأويل في المعاني والجمل .وكثيرا ما يستعمل في الكتب اللهيّة ،والتّفسير يستعمل
فيها وفي غيرها .وقال غيره :التّفسير :بيان لفظ ل يحتمل إلّ وجها واحدا .والتّأويل :
توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الدلّة .
وقال أبو طالب الثّعلبيّ التّفسير :بيان وضع اللّفظ إمّا حقيق ًة ،أو مجازا ،كتفسير
صيّب ) بالمطر .والتّأويل :تفسير باطن اللّفظ ،مأخوذ من الول
( الصّراط ) بالطّريق ( وال ّ
وهو الرّجوع لعاقبة المر .فالتّأويل :إخبار عن حقيقة المراد ،والتّفسير إخبار عن دليل
المراد ،لنّ اللّفظ يكشف عن المراد ،والكاشف دليل .
ب -البيان :
- 3البيان لغ ًة :الظهار واليضاح والنكشاف ،وما يتبيّن به الشّيء من الدّللة وغيرها .
وأمّا في الصطلح :فهو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب .
والفرق بين التّأويل والبيان :أنّ التّأويل ما يذكر في كلم ل يفهم منه معنًى محصّل في أوّل
وهلة ليفهم المعنى المراد .والبيان ما يذكر فيما يفهم ذلك بنوع خفاء بالنّسبة إلى البعض .
الحكم الجماليّ :
يختلف الحكم الجماليّ باختلف ما يدخله التّأويل ،وبيان ذلك فيما يلي :
- 4أ ّولً :بالنّسبة للنّصوص المتعلّقة بالعقائد ،وأصول الدّيانات ،وصفات الباري عزّ
ل ،فقد اختلف العلماء في هذا القسم على ثلثة مذاهب :
وج ّ
الوّل :أنّه ل مدخل للتّأويل فيها ،بل تجري على ظاهرها ،ول يؤوّل شيء منها .
وهذا قول المشبّهة .
الثّاني :أنّ لها تأويلً ،ولكنّا نمسك عنه ،مع تنزيه اعتقادنا عن التّشبيه والتّعطيل ،لقوله
ل اللّه } ،قال ابن برهان :وهذا قول السّلف .وقال الشّوكانيّ :
تعالى { :وما يعلم تأويلَه إ ّ
وهذا هو الطّريق الواضح والمنهج المصحوب بالسّلمة عن الوقوع في مهاوي التّأويل ،وكفى
ب التّأسّي ،على تقدير عدم ورود
بالسّلف الصّالح قدوةً لمن أراد القتداء ،وأسو ًة لمن أح ّ
سنّة .
الدّليل القاضي بالمنع من ذلك ،فكيف وهو قائم موجود في الكتاب وال ّ
والمذهب الثّالث :أنّها مؤوّلة .قال ابن برهان :والوّل من هذه المذاهب باطل ،والخران
منقولن عن الصّحابة ،ونقل هذا المذهب الثّالث عن عليّ وابن مسعود وابن عبّاس وأمّ سلمة
.وقال ابن دقيق العيد في اللفاظ المشكلة :إنّها حقّ وصدق ،وعلى الوجه الّذي أراده اللّه ،
ومن أوّل شيئا منها ،فإن كان تأويله قريبا على ما يقتضيه لسان العرب ويفهمونه في
مخاطباتهم لم ننكر عليه ولم نبدّعه ،وإن كان تأويله بعيدا توقّفنا عليه واستبعدناه ورجعنا إلى
القاعدة في اليمان بمعناه مع التّنزيه .
وفي إعلم الموقّعين ،قال الجوينيّ :ذهب أئمّة السّلف إلى النكفاف عن التّأويل ،وإجراء
الظّواهر على مواردها ،وتفويض معانيها إلى الرّبّ تعالى ،والّذي نرتضيه رأيا وندين اللّه
ق على ذي الدّين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدّثين ،
به عقد اتّباع سلف المّة ،فح ّ
ول يخوض في تأويل المشكلت ،ويكل معناها إلى الرّبّ تعالى .
- 5ثانيا :النّصوص المتعلّقة بالفروع ،وهذه ل خلف في دخول التّأويل فيها .
ل صحيحا ،
والتّأويل في النّصوص المتعلّقة بها باب من أبواب الستنباط ،وهو قد يكون تأوي ً
ل فاسدا .فيكون صحيحا إذا كان مستوفيا لشروطه ،من الموافقة لوضع
وقد يكون تأوي ً
ن المراد بذلك اللّفظ هو المعنى الّذي حمل
اللّغة ،أو عرف الستعمال ،ومن قيام الدّليل على أ ّ
ل لذلك .
عليه ،ومن كون المتأوّل أه ً
ويتّفق العلماء على قبول العمل بالتّأويل الصّحيح مع اختلفهم في طرقه ومواضعه ،وما
يعتبر قريبا ،وما يعتبر بعيدا .يقول المديّ :التّأويل مقبول معمول به إذا تحقّق بشروطه ،
ل عصر من عهد الصّحابة إلى زمننا عاملين به من غير نكير
ولم يزل علماء المصار في ك ّ
.وفي البرهان :تأويل الظّاهر على الجملة مسوّغ إذا استجمعت الشّرائط ،ولم ينكر أصل
التّأويل ذو مذهب ،وإنّما الخلف في التّفاصيل .
ل مسألة ،وعليه اتّباع ما أوجبه ظنّه كما
وعلى أيّ حال فهذا يرجع إلى نظر المجتهد في ك ّ
يقول المديّ .ويقول الغزاليّ :مهما كان الحتمال قريبا ،وكان الدّليل أيضا قريبا ،وجب
ل بوسيلة كلّ
على المجتهد التّرجيح ،والمصير إلى ما يغلب على ظنّه ،فليس كلّ تأويل مقبو ً
دليل ،بل ذلك يختلف ول يدخل تحت ضبط .ويقول ابن قدامة :لكلّ مسألة ذوق يجب أن
ص.
تفرد بنظر خا ّ
هذا ،وقد ذكرت في كتب الصول أمثلة للمسائل الفرعيّة الّتي استنبطت أحكامها عن طريق
تأويل النّصوص ،مع بيان وجهة نظر الّذين نحوا هذا المنحى والّذين عارضوهم .
أثر التّأويل :
- 6للتّأويل أثر ظاهر في المسائل الفرعيّة المستنبطة من النّصوص ،إذ هو سبب اختلف
الفقهاء في أحكام هذه المسائل .
ن العمل بالمختلف فيه ل ينكر على صاحبه إلّ أن يكون الخلف
والمعروف عند الفقهاء ،أ ّ
شاذّا ،لكنّ الفضل مراعاة الخلف ،وذلك بترك ما هو جائز عند من يراه كذلك إذا كان
غيره يراه حراما ،وبفعل ما هو مباح إذا كان غيره يراه واجبا .وقد سبق تفصيل ذلك في
مصطلح ( اختلف ) .ونذكر هنا بعض الثار العمليّة للتّأويل من خلل بعض المسائل :
- 7أ ّولً :أمثلة للتّأويل المتّفق على فساده وما يترتّب عليه :
ن كلّ من ثبتت إمامته وجبت طاعته ،وحرم الخروج عليه للنّصوص الدّالّة
أ -من المقرّر أ ّ
سنّة .
على ذلك من الكتاب وال ّ
ن خروج طائفة على المام بتأويل يبيح لهم في نظرهم يعتبر بغيا
وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ
لفساد تأويلهم .ويجب دعوتهم إلى الطّاعة والدّخول في الجماعة وكشف شبههم ،فإن لم
ي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه مع الخوارج .
يستجيبوا وجب قتالهم كما فعل عل ّ
وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( بغاة ) .
سنّة والجماع ،والتّأويل في منع أدائها تأويل فاسد .
ب -وجوب الزّكاة أمر ثابت بالكتاب وال ّ
ويجب حمل المانعين على أدائها بالقوّة ،وقد فعل ذلك أبو بكر رضي ال تعالى عنه مع
مانعي الزّكاة الّذين تأوّلوا قول اللّه تعالى { :خذْ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها
ن ذلك ل يتأتّى لغير النّبيّ صلى ال عليه وسلم
ن لهم } فقالوا :إ ّ
سكَ ٌ
ن صلتك َ
وصلّ عليهم إ ّ
ولم يقم دليل على قيام غيره في ذلك مقامه .والتّفصيل ينظر في الزّكاة .
سنّة والجماع ،والتّأويل لستحلل شربها تأويل
ج -حرمة شرب الخمر ثابتة بالكتاب وال ّ
فاسد ،ويجب توقيع الحدّ على شاربها المتأوّل .
وقد حدث أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر ،فقال له عمر رضي ال تعالى عنه :ما حملك
جنَاحٌ
ل يقول { :ليس على الّذين آمَنوا وعملوا الصّالحات ُ
على ذلك ؟ فقال :إنّ اللّه عزّ وج ّ
ط ِعمُوا إذا ما اتّ َقوْا وآمنوا وعملوا الصّالحات } وإنّي من المهاجرين من أهل بدر وأحد ،
فيما َ
فطلب عمر من الصّحابة أن يجيبوه ،فقال ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما " :إنّما أنزلها
اللّه تعالى عذرا للماضين لمن شربها قبل أن تحرم ،وأنزل { :إنّما الخمرُ والميسر
ن فاجتنبوه } حجّة على النّاس .وقال له عمر " :
والنصابُ والزلمُ رجْسٌ من عمل الشّيطا ِ
إنّك أخطأت التّأويل يا قدامة ،إذا اتّقيت اجتنبت ما حرّم اللّه عليك ".
- 8ثانيا :تأويل متّفق على قبوله :
وذلك مثل التّأوّل في اليمين إذا كان الحالف مظلوما ،قال ابن قدامة :من حلف فتأوّل في
يمينه فله تأويله إذا كان مظلوما ،وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله .ول يخلو حال الحالف
المتأوّل من ثلثة أحوال :
أحدها :أن يكون مظلوما ،مثل من يستحلفه ظالم على شيء لو صدّقه لظلمه ،أو ظلم غيره
،أو نال مسلما منه ضرر ،فهذا له تأويله .
ثانيها :أن يكون الحالف ظالما كالّذي يستحلفه الحاكم على حقّ عنده ،فهذا تنصرف يمينه
إلى ظاهر اللّفظ الّذي عناه المستحلف ول ينفع الحالف تأويله ،ول نعلم فيه مخالفا ،فإنّ أبا
هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :يمينك على ما يصدّقك
به صاحبك » ولنّه لو ساغ التّأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين .
ن له تأويله .هذا ما ذكره ابن قدامة .
ل يكون ظالما ول مظلوما فظاهر كلم أحمد أ ّ
ثالثها :أ ّ
والمذاهب متّفقة على أنّ المظلوم إذا تأوّل في يمينه فله تأويله ( .ر :أيمان ) .
- 9ثالثا :هناك من التّأويلت ما اعتبره بعض الفقهاء قريبا ،فأصبح دليلً في استنباط الحكم
،في حين اعتبره البعض الخر بعيدا ،فل يصلح دليلً .
ومن أمثلة ذلك ،وجوب الكفّارة بالكل أو الجماع عمدا في نهار رمضان عند الحنفيّة
والمالكيّة ،وبالجماع فقط عند الشّافعيّة والحنابلة .
وعلى ذلك فمن رأى هلل رمضان وحده ،وردّت شهادته ،وجب عليه الصّوم ،فإن ظنّ
إباحة الفطر لردّ شهادته فأفطر بما يوجب الكفّارة ،فعند الشّافعيّة والحنابلة ،وفي المشهور
عند المالكيّة :تجب عليه الكفّارة لنتهاك حرمة الشّهر ،أمّا ظنّ الباحة لردّ الشّهادة فهو
ش ِهدَ منكم الشّهرَ فَ ْليَصمْه } ،وقول النّبيّ صلى
تأويل بعيد لمخالفته قول اللّه تعالى { :فمن َ
ال عليه وسلم « :صوموا لرؤيته » -وعند الحنفيّة وبعض المالكيّة :ل كفّارة عليه لمكان
ن الباحة .
الشّبهة ،إذ ردّ الشّهادة يعتبر تأويلً قريبا في ظ ّ
ومثل هذه الختلفات بين المذاهب ،بل بين فقهاء المذهب الواحد كثيرة في المسائل الفرعيّة .
فالحنفيّة مثلً ل يوجبون الزّكاة في مال الصّبيّ والمجنون ،وينتقض عندهم الوضوء بالقهقهة
في الصّلة ،خلفا لبقيّة المذاهب في المسألتين .والمعروف كما سبق أنّه ل ينكر المختلف
فيه .وتفصيل ما أجمل هنا موطنه الملحق الصوليّ .
تابع *
انظر :تبعيّة .
تابوت *
انظر :جنائز .
تاريخ *
انظر :تأريخ .
تاسوعاء *
التّعريف :
- 1التّاسوعاء :هو اليوم التّاسع من شهر المحرّم استدللً بالحديث الصّحيح « أنّه صلى ال
ن اليهود والنّصارى تعظّمه ،فقال :فإذا كان العام
عليه وسلم صام عاشوراء ،فقيل له :إ ّ
المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع » .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2عاشوراء :وهو العاشر من شهر المحرّم ،لما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما « أمر
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء :العاشر من المحرّم » .
وأنّ صومه مستحبّ أو مسنون .فعن أبي قتادة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم « سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال :يكفّر السّنة الماضية والباقية » .
الحكم الجماليّ :
ن « النّبيّ
- 3صوم يوم تاسوعاء مسنون ،أو مستحبّ ،كصوم يوم عاشوراء ،فقد روي أ ّ
ن اليهود والنّصارى تصومه .فقال
صلى ال عليه وسلم كان يصوم عاشوراء ،فذكروا أ ّ
صلى ال عليه وسلم إنّه في العام المقبل يصوم التّاسع » إلّ أنّ صوم يوم عاشوراء آكد في
الستحباب لنّه يكفّر السّنة الّتي قبله .ففي صحيح مسلم " أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
قال « صيام يوم عرفة أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده .وصيام
يوم عاشوراء أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله »
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :فإذا كان العام المقبل إن شاء
وفي رواية لمسلم أ ّ
اللّه صمنا اليوم التّاسع » .قال ابن عبّاس « :فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم » وتكفير سنة :أي ذنوب سنة من الصّغائر ،فإن لم يكن صغائر خفّف
من كبائر السّنة ،وذلك التّخفيف موكول لفضل اللّه ،فإن لم يكن كبائر رفع له درجات .
وعن عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يقول في يوم عاشوراء « :خالفوا اليهود وصوموا التّاسع
والعاشر » .
- 4وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم يوم تاسوعاء أوجها :
أحدهما :أنّ المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر ،وهو مرويّ عن ابن
عبّاس ،وفي حديث رواه المام أحمد بن حنبل بسنده إلى ابن عبّاس قال :قال رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم « صوموا يوم عاشوراء ،وخالفوا اليهود ،وصوموا قبله يوما وبعده
يوما » .
الثّاني :أنّ المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم .
الثّالث :الحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلل ووقوع غلط ،فيكون التّاسع في العدد
هو العاشر في نفس المر وللمزيد من التّفصيل في ذلك ر ( :صوم التّطوّع ) .
تبختر *
انظر :اختيال .
تبديل *
التّعريف :
ل بمعنى غيّرته
- 1تبديل الشّيء لغةً :تغييره وإن لم يأت ببدله .يقال :بدّلت الشّيء تبدي ً
تغييرا .والصل في التّبديل :تغيير الشّيء عن حاله ،وقوله عزّ وجلّ { :يوم ُت َبدّلُ الرضُ
غيرَ الرضِ والسّماواتُ } قال ال ّزجّاج :تبديلها واللّه أعلم :تسيير جبالها ،وتفجير بحارها ،
وجعلها مستوي ًة ل ترى فيها عوجا ول أمتا .وتبديل السّماوات :انتشار كواكبها وانفطارها
وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها .
ومعناه في الصطلح ،كمعناه في اللّغة ،ومنه النّسخ :وهو رفع حكم شرعيّ بدليل شرعيّ
متأخّر .ويطلق التّبديل على الستبدال في الوقف بمعنى :بيع الموقوف عقارا كان أو
منقولً ،وشراء عين بمال البدل لتكون موقوف ًة مكان العين الّتي بيعت .أو مقايضة عين
ل كلم الحنفيّة على أنّ بيان التّغيير مثل تقييد المطلق وتخصيص
الوقف بعين أخرى .ويد ّ
ص متأخّر .
العام ،وبيان التّبديل مثل النّسخ أي رفع الحكم الثّابت أ ّولً بن ّ
الحكم الجماليّ :
للتّبديل أحكام تعتريه ،وهي تختلف باختلف مواطنه :
- 2التّبديل في الوقف :أجاز الحنفيّة للواقف اشتراط الدخال والخراج في وقفه ،كما
أجاز له متأخّروهم ما عرف بالشّروط العشرة .وهي العطاء ،والحرمان ،والدخال ،
والخراج ،والزّيادة ،والنّقصان ،والتّغيير ،والبدال ،والستبدال ،والبدل أو التّبادل .
وخالفهم الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في ذلك .
فاعتبر الشّافعيّة اشتراط الواقف الرّجوع متى شاء ،أو الحرمان ،أو تحويل الحقّ إلى غير
الموقوف عليه متى شاء اشتراطا فاسدا ،وأجازوا له التّغيير إن كان قدر المصلحة ولم يجزه
الحنابلة والمالكيّة ،لنّه شرط ينافي مقتضى الوقف .
وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى مصطلح ( وقف ) شرط الواقف .
التّبديل في البيع :
ومن التّبديل البيع ،لنّه تبديل متقوّم بمتقوّم .ول بدّ فيه من مراعاة الشّروط الشّرعيّة ومن
ذلك :
أ -التّبديل في الصّرف :
- 3وهو بيع جنس الثمان بعضه ببعض ،ويستوي في ذلك مضروبها ومصوغها وتبرها .
فإن باع فضّةً بفضّة أو ذهبا بذهب ،جاز متى كان وزنا بوزن ويدا بيد ،والصل فيه ما
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :الذّهب بالذّهب
رواه عبادة بن الصّامت رضي ال عنه " أ ّ
والفضّة بالفضّة والتّمر بالتّمر والبرّ بالب ّر والشّعير بالشّعير والملح بالملح مثلً بمثل يدا بيد ،
فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد » ولنّهما جنسان فجاز التّفاضل
فيهما ،كما لو تباعدت منافعهما .
ب -تبديل أحد العوضين بعد تعيّنه في العقد :
- 4إذا تعيّن أحد العوضين في العقد فل يجوز تبديله ،ومن ذلك المبيع ،فإنّه يتعيّن بالعقد ،
أمّا الثّمن فل يتعيّن بالتّعيين ،إلّ في مواطن منها :الصّرف والسّلم .
كما تتعيّن الثمان في اليداع ،فل يجوز تبديلها .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :تعيين ) وفي ( الصّرف ،والسّلم ) .
تبديل الدّين :
- 5إن كان التّبديل من دين السلم إلى غيره ،وهو المعروف بال ّردّة ،فإنّه ل يقرّ عليه
اتّفاقا ،وتترتّب على ذلك أحكام كثيرة .وتفصيل ذلك في مصطلح ( ردّة ) .
أمّا إن كان تبديل الدّين من دين غير السلم إلى دين آخر غير السلم أيضا ،كما لو تهوّد
نصرانيّ ،أو تنصّر يهوديّ ،فقد اختلف الفقهاء في إقراره على ذلك ،فذهب الحنفيّة
والمالكيّة ،وهو غير الظهر عند الشّافعيّة ،وروايةً عن أحمد إلى أنّه يق ّر على ما انتقل
إليه ،لنّ الكفر كلّه ملّة واحدة .
والظهر عند الشّافعيّة ،وهو مذهب الحنابلة :أنّه ل يقرّ على ذلك ،لنّه أحدث دينا باطلً
بعد اعترافه ببطلنه ،فل يقرّ عليه ،كما لو ارت ّد المسلم .فإن كانت امرأةً لم تحلّ لمسلم
تفريعا على أنّه ل يقرّ ،فإن كانت زوجةً لمسلم فتهوّدت بعد أن كانت نصرانيّ ًة فهي كالمرتدّة
.فإن كان التّهوّد أو التّنصّر قبل الدّخول تنجّزت الفرقة ،أو بعده توقّفت على انقضاء العدّة ،
ل السلم ،لنّها أقرّت ببطلن ما انتقلت عنه وكانت مقرّ ًة ببطلن المنتقل إليه
ول يقبل منها إ ّ
.ولو انتقل يهوديّ أو نصرانيّ إلى دين غير كتابيّ لم يقرّ ،وفيما يطلب منه الرّجوع إليه
عند الستتابة قولن ،أحدهما :السلم فقط ،والثّاني هو أو دينه الوّل ،وفي قول ثالث هما
أو الدّين المساوي لدينه السّابق ،فإن كانت امرأةً تحت مسلم تنجّزت الفرقة قبل الدّخول ،
وتوقّفت بعده على انقضاء العدّة .
ولو تهوّد وثنيّ أو تنصّر لم يقرّ لنتقاله عمّا ل يقرّ عليه إلى باطل ،والباطل ل يفيد فضيلة
القرار ،ويتعيّن السلم ،كمسلم ارتدّ ،فإن أبى قتل .
تبديل الشّهادة في اللّعان :
ن اللّعان
- 6لو أبدل أحد المتلعنين لفظة أشهد بأقسم ،أو أحلف ،أو أولي ،لم يعتدّ به ،ل ّ
يقصد فيه التّغليظ ،ولفظ الشّهادة أبلغ فيه ،ولو أبدل لفظة اللّعنة بالبعاد ،أو أبدلها ( أي
لفظة اللّعنة ) بالغضب لم يعتدّ به ،أو أبدلت المرأة لفظة الغضب بالسّخط ،أو قدّمت الغضب
فيما قبل الخامسة لم يعتدّ به ،أو أبدلته أي الغضب باللّعنة أو قدّم الرّجل اللّعنة فيما قبل
الخامسة لم يعتدّ به لمخالفته المنصوص .
ل أنفسُهم فشهادةُ
والصل فيه قوله تعالى { :والّذين َيرْمون أزواجَهم ولم يكن لهم شُهداء إ ّ
ن لعن َة اللّه عليه إنْ كان من الكاذبين
أحدِهم أرب ُع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين ،والخامسة أ ّ
ب أن تشهدَ أربعَ شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين ،والخامسة أنّ غضبَ اللّه
،و َي ْدرَأُ عنها العذا َ
عليها إنْ كان من الصّادقين } .وتفصيل ذلك في مصطلح ( لعان ) .
تبديل الزّكاة :
- 7ذهب الجمهور إلى عدم جواز تبديل الزّكاة بدفع قيمتها بدلً من أعيانها ،وذهب الحنفيّة
ن العلّة في أفضليّة القيمة كونها
إلى جوازه ،إذ دفع القيمة عندهم أفضل من دفع العين ،ل ّ
أعون على دفع حاجة الفقير ،لحتمال أنّه يحتاج غير الحنطة مثلً من ثياب ونحوها ،
شدّة فدفع العين أفضل .
بخلف دفع العروض ،وهذا في السّعة ،أمّا في ال ّ
وتفصيل ذلك يرجع إليه في ( زكاة الفطر ) .
تبذّل *
التّعريف :
- 1للتّبذّل في اللّغة معان :منها :ترك التّزيّن ،والتّهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة
التّواضع .ومنه حديث سلمان « :فرأى أمّ الدّرداء متبذّلةً » وفي رواية « مبتذل ًة » .والمبذل
والمبذلة :الثّوب الخلق .والمتبذّل :لبسه .وفي حديث الستسقاء « فخرج متب ّذلً متخضّعا
» ،وفي مختار الصّحاح .البِذلة والمِبذلة بكسر أوّلهما :ما يمتهن من الثّياب .وابتذال الثّوب
وغيره :امتهانه .ومن معاني التّبذّل أيضا :ترك التّصاون .
والتّبذّل في الصطلح :لبس ثياب البذلة .والبذلة :المهنة .وثياب البذلة هي الّتي تلبس في
حال الشّغل ،ومباشرة الخدمة ،وتصرّف النسان في بيته .
وهو بهذا ل يخرج في معناه الصطلحيّ عمّا ذكر له من معان لغويّة .
حكمه الجماليّ :
- 2التّبذّل بمعنى ترك التّزيّن .تارةً يكون واجبا ،وتار ًة يكون مسنونا .وتار ًة يكون مكروها
.وتارةً يكون مباحا ،وهو الصل .
- 3فيكون واجبا :في الحداد .وهو ترك الزّينة ونحوها للمعتدّة من الموت أو الطّلق البائن
.ول خلف بين عامّة الفقهاء في وجوبه على المتوفّى عنها زوجها ،والصل فيه قول اللّه
ن بأنفسهنّ أربعةَ أشهرٍ وعشرا
تبارك وتعالى { :والّذين يُتوفّون منكم و َيذَرون أزواجا َي َت َربّصْ َ
} وقوله صلى ال عليه وسلم « :ل َيحِلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم الخر أن تح ّد على ميّت
ل على زوج أربع َة أشهر وعشرا » .
فوق ثلث إ ّ
وإحدادها يكون بتجنّب الزّينة ،والطّيب ،ولبس الحليّ ،والملوّن والمطرّز من الثّياب
ل ما من شأنه أن تعتبر معه باستعماله متزيّن ًة ما لم تدع إلى
للتّزيّن ،والكحل والدّهان ،وك ّ
ذلك ضرورة ،فتقدّر حينئذ بقدرها ،كالكحل مثلً للرّمد ،فإنّه يرخّص لها باستعماله ليلً
وتمسحه نهارا ،لما روى أبو داود « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل على أمّ سلمة وهي
حادّة على أبي سلمة وقد جعلت في عينها صبرا ،فقال :ما هذا يا أمّ سلمة ؟ فقالت :إنّما هو
صبر يا رسول اللّه ليس فيه طيب ،قال :إنّه يشبّ الوجه ،فل تجعليه إلّ باللّيل ،وتنزعينه
بالنّهار » .وحديث أ ّم عطيّة رضي ال عنها عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قالت « :كنّا
ل على زوج أربعة أشهر وعشرا ،ول تكتحل ول
ننهى أن نحدّ على ميّت فوق ثلث ،إ ّ
تتطيّب ول تلبس ثوبا مصبوغا إلّ ثوب عصب ،وقد رخّص لنا عند الطّهر إذا اغتسلت
إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار » .
والمطلّقة طلقا بائنا كالمتوفّى عنها زوجها عند الحنفيّة ،فيجب عليها تجنّب ما تتجنّبه الحادّة
،إظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح .وانظر للتّفصيل مصطلح ( إحداد ) .
- 4ويكون التّبذّل مسنونا في الستسقاء .وهو طلب العباد السّقيا من اللّه تعالى عند حاجتهم
إليها .فيخرجون إلى الصّحراء في ثياب بذلة خاشعين متضرّعين وجلين ناكسين رءوسَهم ،
إذ ذلك أقرب إلى الجابة .فيصلّون ركعتين ،ويكثرون من الدّعاء والستغفار .قال ابن
عبّاس « :خرج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم للستسقاء متب ّذلً متواضعا متخشّعا متضرّعا
حتّى أتى المصلّى » .وانظر للتّفصيل مصطلح ( استسقاء ) .
-5ويكون التّبذّل مكروها :في الجمعة والعيدين ،لنّ التّزيّن مسنون لهما باتّفاق ،فيغتسل
ويلبس أحسن ثيابه ،والجديد منها أفضل ،وأولها البياض ،ويتطيّب .والحاديث الواردة
س من طيب
في ذلك كثيرة ،منها :حديث « من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه وم ّ
إن كان عنده ،ثمّ أتى الجمعة ،فلم يتخطّ أعناق النّاس ،ثمّ صلّى ما كتب له ،ثمّ أنصت إذا
خرج إمامه حتّى يفرغ من صلته ،كانت كفّارةً لما بينها وبين جمعته الّتي قبلها » وما روي
عن عبد اللّه بن سلم رضي ال عنه « أنّه سمع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في يوم
الجمعة يقول :ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته سوى ثوبي مهنته » .هذا بالنّسبة
ن إذا أردن حضور الجمعة والعيدين يتنظّفن بالماء ول يتطيّبن ،ول
للرّجال .أمّا النّساء فإنّه ّ
يلبسن الشّهرة من الثّياب ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه ،
وليخرجن تفلت » أي غير متعطّرات ،لنّهنّ إذا تطيّبن ولبسن الشّهرة من الثّياب دعا ذلك
ن .فهذه الحاديث قد دلّت على كراهة التّبذّل للرّجال في الجمعة
إلى الفساد والفتتان به ّ
والعيدين ،وعلى استحبابه بالنّسبة للنّساء فيهما .
وانظر ( :جمعةً وعيدين ) .
ويكره التّبذّل في مجامع النّاس ولقاء الوفود .وانظر لتفصيل ذلك مصطلح ( :تزيّن ) .
ويكره تبذّل المرأة لزوجها والرّجل لزوجته ،ذلك لنّه يستحبّ لك ّل منهما أن يتزيّن للخر
ن مثلُ الّذي
ن بالمعروف } وقوله تعالى { :وله ّ
عند عامّة الفقهاء ،لقوله تعالى { :وعاشروه ّ
ن بالمعروف } فالمعاشرة بالمعروف حقّ لك ّل منهما على الخر ،ومن المعروف أن
عليه ّ
ب أن يتزيّن
يتزيّن كلّ منهما لصاحبه ،فكما يحبّ الزّوج أن تتزيّن له زوجته .فكذلك هي تح ّ
ن أن يتّقين اللّه فيكم ".
ن كما عليه ّ
لها .قال أبو زيد ":تتّقون اللّه فيه ّ
ب أن تتزيّن لي ،لنّ
وقال ابن عبّاس رضي ال عنهما " :إنّي لحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أح ّ
ن بالمعروف } .
ن مثل الّذي عليه ّ
اللّه تعالى يقول { :وله ّ
ن لي نساءً وجواري ،فأزيّن نفسي كي
وكان محمّد بن الحسن يلبس الثّياب النّفيسة ويقول :إ ّ
ل ينظرن إلى غيري .وقال أبو يوسف :يعجبني أن تتزيّن لي امرأتي ،كما يعجبها أن أتزيّن
لها .وانظر للتّفصيل مصطلح ( زينة ) .
كما يكره التّبذّل في الصّلة عدا ما كان منه في صلة الستسقاء على نحو ما سبق بيانه ،
سواء أكان المصلّي فردا أم في جماعة ،إماما كان أم مأموما ،كأن يلبس المصلّي ثوبا
ب له أن يرتدي أكمل
يزري به .وذلك لنّ مريد الصّلة يعدّ نفسه لمناجاة ربّه ،ولذا يستح ّ
ثيابه وأحسنها لقوله تعالى { :يا بَني آد َم خذوا زينَتكم عندَ كلّ مسجد } وهذه الية وإن كان
نزولها فيمن كان يطوف بالبيت عريانا إلّ أنّ العبرة بعموم اللّفظ ل بخصوص السّبب ،
ل بالصّلة ،والرّجل والمرأة في
والمراد ما يستر العورة عند الصّلة بما ل يصف البشرة ويخ ّ
ذلك سواء .
-6ولكون التّبذّل مباحا في غير المواضع المذكورة ،كمن يلبس ثياب البذلة في عمله أو
شؤونه الخاصّة .
-7أمّا التّبذّل بمعنى عدم التّصاون ،فهو مذموم شرعا لخلله بالمروءة ،ولنّه يؤدّي إلى
عدم قبول الشّهادة .
وهو حرام إن كان عدم التّصاون عن المعاصي وتفصيله في ( الشّهادة ) .
تبذير *
انظر :إسراف .
تبر *
التّعريف :
- 1التّبر لغ ًة :الذّهب كلّه .وقال ابن العرابيّ :التّبر :الفتات من الذّهب والفضّة قبل أن
يصاغا ،فإذا صيغا ،فهما ذهب وفضّة .وقال الجوهريّ :التّبر :ما كان من الذّهب غير
ل للذّهب ،وبعضهم يقوله للفضّة
مضروب .فإذا ضرب دنانير فهو عين ،ول يقال :تبر إ ّ
أيضا .وقيل :يطلق التّبر على غير الذّهب والفضّة .كالنّحاس والحديد والرّصاص .
واصطلحا :اسم للذّهب والفضّة قبل ضربهما ،أو للوّل فقط ،والمراد العمّ .
الحكام المتعلّقة بالتّبر :
الرّبا في التّبر :
ل بمثل يدا بيد
ن بيع الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ل يجوز إلّ مث ً
- 2أجمع العلماء على أ ّ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :
،لما رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدريّ أ ّ
ل مثلً بمثل ،ول تشفّوا بعضها على بعض ،ول تبيعوا الفضّة
ل تبيعوا الذّهب بالذّهب إ ّ
ل مثلً بمثل ،ول تشفّوا بعضها على بعض ،ول تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز »
بالفضّة إ ّ
وخبر « :الذّهب بالذّهب وزنا بوزن ،ومثلً بمثل ،يدا بيد ،والفضّة بالفضّة وزنا بوزن ،
مثلً بمثل ،فمن زاد أو استزاد فهو ربا » .
كما أجمعوا على أنّ مسكوكه ،وتبره ،ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضلً ،
لما رواه عبادة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « الذّهب بالذّهب تبرها وعينها ،
والفضّة بالفضّة تبرها وعينها ،والبرّ بالبرّ مدي بمدي ،والشّعير بالشّعير مدي بمدي ،
والتّمر بالتّمر مدي بمدي ،فمن زاد أو ازداد فقد أربى » .ول بأس ببيع الذّهب بالفضّة ،
والفضّة أكثرهما ،يدا بيد ،وأمّا نسيئ ًة فل ،ول بأس ببيع البرّ بالشّعير ،والشّعير أكثرهما ،
يدا بيد ،وأمّا نسيئ ًة فل .ولعموم الحاديث الواردة بهذا الخصوص .
الزّكاة في تبر الذّهب والفضّة :
- 3الذّهب والفضّة إن كان كلّ منهما نقودا أو تبرا ففيه الزّكاة ،إذا بلغ نصابا وحال عليه
الحول .ر ( :زكاة :زكاة الذّهب والفضّة ) .
جعل التّبر رأسمال في الشّركات :
- 4يجوز أن يكون التّبر رأس مال في شركة المفاوضة إن تعامل النّاس به -أي باستعماله
ثمنا -فينزّل التّعامل حينئذ منزلة الضّرب ،فيكون ثمنا ،ويصلح أن يكون رأس مال ،وهذا
عند بعض الفقهاء الحنفيّة .وفي الجامع الصّغير :ل تكون المفاوضة بمثاقيل ذهب أو فضّة ،
ومراده التّبر ،فعلى هذه الرّواية التّبر سلعة تتعيّن بالتّعيين ،فل تصلح رأس مال في
المضاربات والشّركات ،ونحوه عند الشّافعيّة .
سكّة ،فإن
وقال المالكيّة :ل تجوز الشّركة بتبر ومسكوك ولو تساويا قدرا إن كثر فضل ال ّ
ساوتها جودة التّبر فقولن كما في الشّامل .
التّبر المستخرج من الرض :
- 5التّبر المستخرج من الرض جعل فيه بعض العلماء الخمس لقول النّبيّ صلى ال عليه
ن فيه ربع العشر ( ر :ركاز ) .
وسلم « في الرّكاز الخمس » وذهب آخرون إلى أ ّ
مواطن البحث :
- 6فصّل الفقهاء أحكام التّبر في ( ربا ،وصرف ،وشركة ،وزكاة ،بيع ،ومضاربة ،
وركاز ) " كنز " .
تبرّؤ *
انظر :براءة .
تبرّج *
التّعريف :
- 1التّبرّج لغةً :مصدر تبرّج ،يقال تبرّجت المرأة :إذا أبرزت محاسنها للرّجال .
وفي الحديث « كان يكره عشر خلل ،منها :التّبرّج بالزّينة لغير محلّها » والتّبرّج :إظهار
الزّينة للرّجال الجانب وهو المذموم .أمّا للزّوج فل ،وهو معنى قوله لغير محلّها .
وهو في معناه الشّرعيّ ل يخرج عن هذا .قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى { :غيرَ
مُتبرّجات ِبزِينَةٍ } أي غير مظهرات ول متعرّضات بالزّينة لينظر إليهنّ ،فإنّ ذلك من أقبح
الشياء وأبعدها عن الحقّ .وأصل التّبرّج :التّكشّف والظّهور للعيون .وقال في تفسير قوله
ج الجاهليّةِ الُولى } حقيقة التّبرّج :إظهار ما ستره أحسن .
ن َتبَرّ َ
تعالى { ول َتبَ ّرجْ َ
قيل ما بين نوح وإبراهيم عليهما السلم :كانت المرأة تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط
الجانبين ،وتلبس الثّياب الرّقاق ول تواري بدنها .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّزيّن :
- 2التّزيّن :اتّخاذ الزّينة ،وهي ما يستعمل استجلبا لحسن المنظر من الحليّ وغيره ،ومنه
ت الرضُ زُخرفَها وا ّز ّينَتْ } أي حسنت وبهجت بالنّبات .فأمّا
قوله تعالى { حتّى إذا أخذ ِ
ل له النّظر إليها .
التّبرّج :فهو إظهار تلك الزّينة لمن ل يح ّ
ما يعتبر إظهاره تبرّجا :
- 3التّبرّج :إظهار الزّينة والمحاسن ،سواء أكانت فيما يعتبر عورةً من البدن :كعنق
المرأة وصدرها وشعرها ،وما على ذلك من الزّينة .أو كان فيما ل يعتبر عورةً :كالوجه
والكفّين ،إلّ ما ورد الذن به شرعا كالكحل ،والخاتم ،والسّوار ،على ما روي عن ابن
ل ما ظه َر منها } قال :ما ظهر منها :
عبّاس في تفسير قوله تعالى { :ول ُيبْدين زي َنتَهنّ إ ّ
الكحل ،والخاتم والسّوار .ولنّها تحتاج إلى كشف ذلك في المعاملت فكان فيه ضرورة ،
على أنّ في اعتبار الوجه والكفّين من العورة خلفا ينظر في مصطلح ( عورة ) .
تبرّز *
انظر :قضاء الحاجة .
تبرّع *
التّعريف :
ضمّ أيضا براعةً ،أي :فاق أصحابه في
- 1التّبرّع لغ ًة :مأخوذ من برع الرّجل وبرع بال ّ
العلم وغيره فهو بارع ،وفعلت كذا متبرّعا أي :متطوّعا ،وتبرّع بالمر :فعله غير طالب
عوضا .
وأمّا في الصطلح ،فلم يضع الفقهاء تعريفا للتّبرّع ،وإنّما عرّفوا أنواعه كالوصيّة والوقف
ل تعريف لنوع من هذه النواع يحدّد ماهيّته فقط ،ومع هذا فإنّ معنى
والهبة وغيرها ،وك ّ
التّبرّع عند الفقهاء كما يؤخذ من تعريفهم لهذه النواع ،ل يخرج عن كون التّبرّع بذل المكلّف
مالً أو منفع ًة لغيره في الحال أو المآل بل عوض بقصد البرّ والمعروف غالبا .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّطوّع :
- 2التّطوّع :اسم لما شرع زيادةً على الفرض والواجب وهو فرد من أفراد التّبرّع ،فالتّبرّع
قد يكون واجبا ،وقد ل يكون واجبا ،ويكون التّطوّع أيضا في العبادات ،وهي النّوافل كلّها
الزّائدة عن الفروض والواجبات .
الحكم التّكليفيّ للتّبرّع :
سنّة والجماع ،والتّبرّع
ث السلم على فعل الخير وتقديم المعروف في الكتاب وال ّ
-3ح ّ
بأنواعه المختلفة من الخير ،فيكون مشروعا بهذه الدلّة .
أمّا الكتاب فقوله تعالى { :وتعاوَنوا على ال ِبرّ والتّقوى ول َتعَاونوا على الِثم والعدوان } فقد
أمر اللّه بالتّعاون على البرّ ،وهو كلّ معروف يقدّم للغير سواء أكان بتقديم المال أم المنفعة .
ن ترك خيرا الوصيّةُ للوال َديْن والقربين
وقوله سبحانه { ُكتِبَ عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إ ْ
بالمعروف حقّا على المتّقين } .
سنّة ،فإنّ الحاديث الدّالّة على أعمال الخير كثيرة ،منها :ما روي عن ابن عمر قال
وأمّا ال ّ
« :أصاب عمر أرضا بخيبر ،فأتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستأمره فيها ،فقال :يا
رسول اللّه إنّي أصبت أرضا بخيبر ،لم أصب مالً قطّ هو أنفس عندي منه .فما تأمرني
ت أصلها وتصدّقتَ بها .قال :فتصدّق بها عمر :أنّه ل يباع أصلها
به ؟ قال :إن شئت حَبسْ َ
،ول يبتاع ،ول يورث ،ول يوهب .قال :فتصدّق عمر في الفقراء .وفي القربى ،وفي
الرّقاب ،وفي سبيل اللّه ،وابن السّبيل .والضّيف .ل جناح على من وليها أن يأكل منها
بالمعروف ،أو يطعم صديقا ،غير متموّل فيه .قال :فحدّثت بهذا الحديث محمّدا .فلمّا
ل».
بلغت هذا المكان :غير متموّل فيه .قال محمّد :غير متأثّل ما ً
قال ابن عون :وأنبأني من قرأ هذا الكتاب ،أنّ فيه :غير متأثّل مالً .
ن اللّه
ومنها قوله صلى ال عليه وسلم « :تهادوا تحابّوا » وقوله صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
تبارك وتعالى تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حياتكم ،ليجعلها لكم زيادةً في
أعمالكم » .
وأمّا الجماع فقد اتّفقت المّة على مشروعيّة التّبرّع ،ولم ينكر ذلك أحد .
- 4والتّبرّعات أنواع متعدّدة منها :تبرّع بالعين ،ومنها تبرّع بالمنفعة ،وتكون التّبرّعات ،
حالّةً أو مؤجّل ًة ،أو مضاف ًة إلى ما بعد الموت .
والتّبرّع بأنواعه يدور عليه الحكم التّكليفيّ بأقسامه .
ن التّبرّع ليس له حكم تكليفيّ واحد ،وإنّما تعتريه الحكام الخمسة
-5وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ
:فقد يكون واجبا ،وقد يكون مندوبا ،وقد يكون حراما ،وقد يكون مكروها تبعا ،لحالة
التّبرّع والمتبرّع له والمتبرّع به .
ج ،وتكون مندوبةً إذا
فإن كان التّبرّع وصّيةً ،فتكون واجبةً لتدارك قربة فاتته كزكاة أو ح ّ
كان ورثته أغنياء وهي في حدود الثّلث ،وتكون حراما إذا أوصى لمعصية أو بمحرّم ،
وتكون مكروهةً إذا أوصى لفقير أجنبيّ وله فقير قريب ،وتكون مباح ًة إذا أوصى بأقلّ من
الثّلث لغنيّ أجنبيّ وورثته أغنياء .والحكم كذلك في باقي التّبرّعات كالوقف والهبة .
أركان التّبرّع :
- 6التّبرّع أساسه العقد ،ول ب ّد من توافر أركان العقد ،وقد اختلف الفقهاء في عدد هذه
الركان .فالجمهور يرون أنّ للتّبرّع أربعة أركان :متبرّع ،ومتبرّع له ،ومتبرّع به ،
وصيغة .فالمتبرّع هو الموصي أو الواهب أو الواقف أو المعير .
والمتبرّع له قد يكون الموصى له أو الموهوب له أو الموقوف عليه أو المستعير .
والمتبرّع به قد يكون موصًى به أو موهوبا أو موقوفا أو معارا إلى غير ذلك .
والصّيغة هي الّتي تنشئ التّبرّع وتبيّن إرادة المتبرّع .
أمّا الحنفيّة فللتّبرّع عندهم ركن واحد ،وهو الصّيغة ،والخلف عندهم فيما تتحقّق به هذه
الصّيغة ،وهذا يختلف تبعا لنوع التّبرّع .
شروط التّبرّع :
ل نوع من التّبرّعات شروط إذا تحقّقت كان التّبرّع صحيحا .
- 7لك ّ
وإذا لم تتحقّق لم يكن صحيحا ،وهذه الشّروط كثيرة ومتنوّعة ،فبعضها يتعلّق بالمتبرّع ،
وبعضها يتعلّق بالمتبرّع له ،وبعضها يتعلّق بالمتبرّع به ،وبعضها يتعلّق بالصّيغة ،وتفصيل
شروط كلّ نوع من التّبرّعات في مصطلحه .
آثار التّبرّع :
- 8التّبرّع إذا تمّ بشروطه الشّرعيّة يترتّب عليه أثر شرعيّ ،وهو انتقال المتبرّع به إلى
المتبرّع له ،ويختلف ذلك باختلف المتبرّع به .
ففي الوصيّة مثلً ينتقل الملك من الموصي بعد وفاته إلى الموصى له بقبوله ،سواء أكان
الموصى به أعيانا أم منافع ،وفي الهبة ينتقل ملك الموهوب من الواهب إلى الموهوب له إذا
قبضه عند جمهور الفقهاء ،ويتوقّف انتقاله على القبض عند الحنفيّة .وفي العاريّة ينتقل حقّ
النتفاع إلى المستعير انتقالً مؤقّتا ،وأمّا الوقف فقد اختلفوا في انتقال الملك وعدمه ،فعند
الحنفيّة والشّافعيّة والمشهور من مذهب أحمد :أنّ الوقف يخرج عن ملك الواقف ويبقى على
ملك اللّه تعالى ،وعند المالكيّة وهو رواية عن أحمد أنّه يبقى على ملك صاحبه واستدلّوا بما
روي « عن عمر رضي ال عنه لمّا وقف أسهما له بخيبر قال له النّبيّ عليه الصلة والسلم
:حبّس أصلها » فاستنبطوا من ذلك الّنصّ بقاء الموقوف على ملك واقفه ،وبالجملة فإنّ
التّبرّع ينتج أثرا شرعيّا ،وهو انتقال الملك في العين أو المنفعة من المتبرّع إلى المتبرّع له
إذا تمّ العقد بشروطه .
وفي المسألة تفصيلت واختلف يرجع إليها في ( عاريّة .هبة .وقف .وصيّة .إلخ ) .
ما ينتهي به التّبرّع :
- 9انتهاء التّبرّع قد يكون ببطلنه ،وقد يكون بغير فعل من أحد ،وقد يكون بفعل التّبرّع أو
غيره .والصل في التّبرّع عدم انتهائه لما فيه من البرّ والمعروف ،باستثناء العارة لنّها
ن النتهاء يتّسع في بعض أنواع
مؤقّتة .وباستعراض أقوال الفقهاء في انتهاء التّبرّع يتبيّن أ ّ
التّبرّع ،ويضيق في بعضها الخر ،ومن ناحية أخرى فقد يكون إنهاء بعض التّبرّعات غير
ممكن كالوقف عند جمهور الفقهاء ،وقد يكون أمرا حتميّا كالعارة .
ل نوع من التّبرّعات ينظر في مصطلحه .
وتفصيل ما يتعلّق بك ّ
تبرّك *
التّعريف :
- 1التّبرّك لغ ًة :طلب البركة ،والبركة هي :النّماء والزّيادة ،والتّبريك :الدّعاء للنسان
بالبركة .وبارك اللّه الشّيء وبارك فيه وعليه :وضع فيه البركة ،وفي التّنزيل { :وهذا
كتابٌ أَنزلْناه مبارَك } وتبرّكت به تيمّنت به .قال الرّاغب الصفهانيّ :البركة ثبوت الخير
ل القرى آمنوا واتّقَوْا لَ َف َتحْنا عليهم بركاتٍ من
اللهيّ في الشّيء .قال تعالى { :ولو أنّ أه َ
السّماء والرض } { وهذا ِذكْر مبارك أنزلناه } تنبيها على ما يفيض به من الخيرات اللهيّة .
وعلى هذا فالمعنى الصطلحيّ للتّبرّك هو :طلب ثبوت الخير اللهيّ في الشّيء .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّوسّل :
- 2التّوسّل لغ ًة :التّقرّب .يقال :توسّل العبد إلى ربّه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل .
وفي التّنزيل { :وا ْب َتغُوا إليه الوسيلةَ } .
ب -الشّفاعة :
- 3الشّفاعة :لغةً من مادّة شفع ،ويقال :استشفعت به :طلبت منه الشّفاعة .وقال الرّاغب
الصفهانيّ :الشّفاعة النضمام إلى آخر ناصرا له وسائلً عنه ،وشفّع وتشفّع :طلب الشّفاعة
،والشّفاعة :كلم الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره ،والشّافع :الطّالب لغيره ،وشفع إليه
في معنى :طلب إليه قضاء حاجة المشفوع له .
وفي الصطلح :الضّراعة والسّؤال في التّجاوز عن ذنوب المشفوع له أو قضاء حاجته .
ج -الستغاثة :
- 4الستغاثة لغةً :طلب الغوث ،وفي التّنزيل { :إ ْذ تستغيثون ربّكم } وأغاثه إغاثةً :إذا
أعانة ونصره ،فهو مغيث ،وأغاثهم اللّه برحمته :كشف شدّتهم .
الحكم التّكليفيّ :
التّبرّك مشروع في الجملة على التّفصيل التّالي :
حمْدَلَة :
- 1 -التّبرّك بالبسملة وال َ
- 5ذهب بعض أهل العلم إلى س ّنيّة ابتداء كلّ أمر ذي بال يهت ّم به شرعا -بحيث ل يكون
محرّما لذاته ،ول مكروها لذاته ،ول من سفاسف المور ومحقّراتها -بالبسملة والحمدلة ،
كلّ في موضعه على سبيل التّبرّك .
ل أعمالهم المهمّة بالبسملة عملً بما
وجرى العلماء في افتتاح كلماتهم وخطبهم ومؤلّفاتهم وك ّ
ل أمر ذي بال ل يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر أو
روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ك ّ
ل أمر ذي بال ل يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أبتر أو
أقطع أو أجذم » وفي رواية أخرى « :ك ّ
أقطع أو أجذم » ومن هذا الباب التيان بالبسملة عند الكل ،والشّرب ،والجماع ،والغتسال
،والوضوء ،والتّلوة ،والتّيمّم ،والرّكوب والنّزول وما إلى ذلك .
- 2 -التّبرّك بآثار النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
ي صلى ال عليه وسلم وأورد علماء السّيرة
- 6اتّفق العلماء على مشروعيّة التّبرّك بآثار النّب ّ
والشّمائل والحديث أخبارا كثير ًة تمثّل تبرّك الصّحابة الكرام رضي ال عنهم بأنواع متعدّدة من
آثاره صلى ال عليه وسلم نجملها فيما يأتي :
أ -في وضوئه :
« - 7كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه » ،لفرط
حرصهم على التّبرّك بما مسّه صلى ال عليه وسلم ببدنه الشّريف ،وكان من لم يصب من
وضوئه يأخذ من بلل يد صاحبه .
ب -في ريقه ونخامته :
ل تلقّوها ،وأخذوها
« - 8كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل يبصق بصاقا ول يتنخّم نخامةً إ ّ
من الهواء ،ووقعت في كفّ رجل منهم ،فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ،ومسحوا بها
ج ريقه في اليادي ،
جلودهم وأعضاءهم تبرّكا بها » « .وكان يتفل في أفواه الطفال ،ويم ّ
وكان يمضغ الطّعام فيمجّه في فم الشّخص » « ،وكان الصّحابة يأتون بأطفالهم ليحنّكهم النّبيّ
صلى ال عليه وسلم رجاء البركة » .
ج -في دمه صلى ال عليه وسلم :
ن بعض الصّحابة شربوا دمه صلى ال عليه وسلم على سبيل التّبرّك ،فعن عبد
- 9ثبت أ ّ
اللّه بن الزّبير رضي ال عنه « أنّه أتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يحتجم ،فلمّا فرغ قال
:يا عبد اللّه اذهب بهذا الدّم فأهرقه حيث ل يراك أحد فشربه ،فلمّا رجع ،قال :يا عبد اللّه
ما صنعت ؟ قال :جعلته في أخفى مكان علمت أنّه مخفيّ عن النّاس ،قال :لعلّك شربته ؟
ن القوّة الّتي به من
قلت :نعم .قال :ويل للنّاس منك ،وويل لك من النّاس » فكانوا يرون أ ّ
ذلك الدّم .وفي رواية « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال له :من خالط دمه دمي لم تمسّه
النّار » .
د -في شعره صلى ال عليه وسلم :
« - 10كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يوزّع شعره بين الصّحابة عندما يحلق رأسه الشّريف
» ،وكان الصّحابة رضي ال عنهم يحرصون على أن يحصّلوا شيئا من شعره صلى ال عليه
وسلم ويحافظون على ما يصل إلى أيديهم منه للتّبرّك به .فعن أنس رضي ال عنه « أنّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أتى منًى فأتى الجمرة فرماها ثمّ أتى منزله بمنًى ونحر ،ثمّ
قال :للحلّاق :خذ وأشار إلى جانبه اليمن ثمّ اليسر ،ثمّ جعل يعطيه النّاس » .
وفي رواية « :لمّا رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلّاق شقّه اليمن ،فحلقه ،ثمّ دعا
أبا طلحة النصاريّ رضي ال عنه فأعطاه إيّاه ،ثمّ ناوله الشّقّ اليسر فقال :احلق ،فحلقه ،
شقّ اليمن فوزّعه
فأعطاه أبا طلحة ،فقال :اقسمه بين النّاس » .وفي رواية « :فبدأ بال ّ
الشّعرة والشّعرتين بين النّاس ،ثمّ قال باليسر فصنع به مثل ذلك » .
ن خالد بن الوليد رضي ال عنه :فقد قلنسو ًة له يوم اليرموك ،فطلبها حتّى وجدها
وروي « أ ّ
،وقال :اعتمر رسول اللّه فحلق رأسه فابتدر النّاس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته
فجعلتها في هذه القلنسوة ،فلم أشهد قتالً وهي معي إلّ رزقت النّصر » .
وعن أنس رضي ال عنه قال « :لقد رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والحلّاق يحلقه
وأطاف به أصحابه ،فما يريدون أن تقع شعرة إلّ في يد رجل » .
هـ -في سؤره وطعامه صلى ال عليه وسلم :
- 11ثبت أنّ الصّحابة رضي ال عنهم كانوا يتنافسون في سؤره صلى ال عليه وسلم ليحوز
كلّ واحد منهم البركة الّتي حلّت في الطّعام أو الشّراب من قبل الرّسول صلى ال عليه وسلم .
ن رسول اللّه أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلم
فعن سهل بن سعد رضي ال عنه « :أ ّ
،وعن يساره الشياخ فقال للغلم :أتأذن لي أن أعطي هؤلء ؟ فقال الغلم - :وهو ابن
عبّاس رضي ال عنهما : -واللّه يا رسول اللّه ل أوثر بنصيبي منك أحدا ،فتلّه رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم في يده » .
وعن عميرة بنت مسعود رضي ال عنها « :أنّها دخلت على النّبيّ صلى ال عليه وسلم هي
ن قديد ًة ،ثمّ ناولني القديدة ،
وأخواتها يبايعنه ،وهنّ خمس ،فوجدته يأكل قديده ،فمضغ له ّ
ن خلوف » .وفي حديث خنس
فمضغتها كلّ واحدة قطعةً قطعةً ،فلقين اللّه وما وجد لفواهه ّ
بن عقيل « :سقاني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شرب ًة من سويق شرب أوّلها وشربت
آخرها ،فما برحت أجد شبعها إذا جعت ،وريّها إذا عطشت ،وبردها إذا ظمئت » .
و -في أظافره صلى ال عليه وسلم :
- 12ثبت أنّه صلى ال عليه وسلم قلّم أظافره ،وقسمها بين النّاس للتّبرّك بها ،فقد ذكر
المام أحمد رحمه ال ،من حديث محمّد بن زيد أنّ أباه حدّثه « :أنّه شهد النّبيّ صلى ال
عليه وسلم على المنحر ورجلً من قريش ،وهو يقسم أضاحيّ ،فلم يصبه منها شيء ول
صاحبه ،فحلق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأسه في ثوبه ،فأعطاه فقسم منه على رجال
،وقلّم أظافره فأعطاه صاحبه » .وفي رواية « ثمّ قلّم أظافره وقسمها بين النّاس » .
ز -في لباسه صلى ال عليه وسلم وأوانيه :
ن الصّحابة رضي ال عنهم كانوا يحرصون على اقتناء ملبسه وأوانيه
- 13ثبت كذلك أ ّ
للتّبرّك بها والستشفاء .فعن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما « :أنّها أخرجت جبّةً
طيالس ًة وقالت :إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يلبسها فنحن نغسلها للمرضى
يستشفى بها » .وفي رواية « :فنحن نغسلها نستشفي بها » .
وروي عن أبي محمّد الباجيّ قال « :كانت عندنا قصعة من قصاع النّبيّ صلى ال عليه وسلم
فكنّا نجعل فيها الماء للمرضى ،يستشفون بها ،فيشفون بها » .
ح -في ما لمسه صلى ال عليه وسلم ومصلّاه :
- 14كان الصّحابة رضي ال عنهم يتبرّكون فيما تلمس يده الشّريفة صلى ال عليه وسلم .
ومن ذلك « بركة يده فيما لمسه وغرسه لسلمان رضي ال عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة
ودية وهو صغار النّخل يغرسها لهم كلّها ،تعلّق وتطعم ،وعلى أربعين أوقيّة من ذهب ،فقام
صلى ال عليه وسلم وغرسها له بيده ،إلّ واحد ًة غرسها غيره ،فأخذت كلّها إلّ تلك
ي صلى ال عليه وسلم وردّها فأخذت » وفي رواية « :فأطعم النّخل من
الواحدة ،فقلعها النّب ّ
عامه إلّ الواحدة ،فقلعها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها ،
وأعطاه مثل بيضة الدّجاجة من ذهب ،بعد أن أدارها على لسانه ،فوزن منها لمواليه أربعين
أوقيّة ،وبقي عنده مثل ما أعطاهم » .
« ووضع يده الشّريفة صلى ال عليه وسلم على رأس حنظلة بن حذيم وبرّك عليه ،فكان
حنظلة يؤتى بالرّجل قد ورم وجهه ،والشّاة قد ورم ضرعها ،فيوضع على موضع كفّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم فيذهب الورم » .
« وكان يؤتى إليه صلى ال عليه وسلم بالمرضى وأصحاب العاهات والمجانين فيمسح عليهم
بيده الشّريفة صلى ال عليه وسلم فيزول ما بهم من مرض وجنون وعاهة » .
وكذلك كانوا يحرصون على أن يصلّي النّبيّ صلى ال عليه وسلم في مكان من بيوتهم ،
ليتّخذوه مصلّى لهم بعد ذلك ،وتحصل لهم بركة النّبيّ صلى ال عليه وسلم .فعن عتبان بن
مالك رضي ال عنه -وهو ممّن شهد بدرا -قال « :كنت أصلّي لقومي بني سالم ،وكان
ق عليّ اجتيازه قبل مسجدهم ،فجئت رسول
يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت المطار ،فيش ّ
ن الوادي الّذي بيني وبين قومي
اللّه صلى ال عليه وسلم فقلت له :إنّي أنكرت بصري ،وإ ّ
يسيل إذا جاءت المطار فيشقّ عليّ اجتيازه ،فوددت أنّك تأتي فتصلّي في بيتي مكانا أتّخذه
مصلّى ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :سأفعل إن شاء اللّه فغدا عليّ رسول اللّه وأبو
بكر رضي ال عنه بعدما اشتدّ النّهار ،واستأذن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأذنت له ،
ب أن أصلّي من بيتك ؟ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن
فلم يجلس حتّى قال :أين تح ّ
يصلّي فيه ،فقام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ث ّم سلّم ،
وسلّمنا حين سلّم » .
- 3 -التّبرّك بماء زمزم :
- 15ذهب العلماء إلى س ّنيّة شرب ماء زمزم لمطلوبه في الدّنيا والخرة ،لنّها مباركة ،
لقوله صلى ال عليه وسلم « :ماء زمزم لما شرب له » .
- 4 -التّبرّك ببعض الزمنة والماكن في النّكاح :
- 16ذهب جمهور العلماء إلى استحباب مباشرة عقد النّكاح في المسجد ،وفي يوم الجمعة
للتّبرّك بهما ،فقد قال الرّسول صلى ال عليه وسلم « :أعلنوا هذا النّكاح ،واجعلوه في
المساجد ،واضربوا عليه بالدّفوف » .
تبسّط *
انظر :توسعة .
تبع *
انظر :تابع .
تبعّض *
انظر :تبعيض .
تبعة *
انظر :اتّباع ،ضمان .
تبعيض *
التّعريف :
-التّبعيض في اللّغة :التّجزئة ،وهو مصدر بعّض الشّيء تبعيضا ،أي جعله أبعاضا أي 1
أجزاءً متمايز ًة .وبعـض الشّيـء :جزؤه ،وهـو طائفـة منـه سـواء قلّت أو كثرت .ومنـه :
أخذوا ماله فبعّضوه ،أي :فرّقوه أجزاءً .
ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة التّبعيض عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّفريق :
-التّفريـق :مصـدر فرّق الشّيـء تفريقا ،أي فصـله أبعاضا ،فيكون بمعنـى التّبعيـض 2
والتّجزّؤ ،و هو ضدّ الج مع .وفرّ قت ب ين الرّجل ين فتفرّ قا .قال ا بن العراب يّ :فرّ قت ب ين
الكلم ين فافتر قا ،مخفّف ،وفرّ قت ب ين العبد ين فتفرّ قا مثقّل ،فج عل المخفّف في المعا ني ،
والمثقّل في العيان .والّذي حكاه غيره أنّهما بمعنًى ،والتّثقيل للمبالغة .
ويأتي التّفريق بين الشّيئين بمعنى التّمييز بينهما .
الحكم التّكليفيّ :
- 3ليس للتّبعيض حكم عامّ جامع ،ول يمكن اطّراده على حكم واحد ،ويختلف حكمه
باختلف ما يتعلّق به من العبادات ،والمعاملت والدّعاوى ،والجنايات ،وغيرها على ما
سيأتي .
أه ّم القواعد الّتي تبنى عليها مسائل التّبعيض وأحكامها :
- 4تبنى أحكام التّبعيض من ناحية الجواز وعدمه على قواعد فقهيّة كثيرة في المذاهب
المختلفة ،نجمل أهمّها فيما يأتي :
أ -قاعدة " ذكر بعض ما ل يتجزّأ كذكر كلّه " .
-5فإذا طلّق المرأة نصف تطليقة وقعت واحدة .أو طلّق نصف المرأة طلقت .
وللقاعدة فروع أخرى عند الحنفيّة .يأتي ذكر بعضها في مواضعها ،ونظيرها عند الشّافعيّة
قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه ،وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " .
ب " -ما جاز على البدل ل يدخله تبعيض في البدل والمبدل منه معا " :
ي في باب العدد :الواجب الواحد ل يتأدّى ببعض الصل ،وبعض البدل
-6ولهذا قال الرّافع ّ
كخصال الكفّارة ،وكالتّيمّم مع الوضوء ،أمّا في أحدهما فنعم ،كما لو وجد من الماء ما ل
يكفيه ،فإنّه يستعمله ويتيمّم عن الباقي .
فهذا يجوز عند الشّافعيّة والحنابلة ،ول يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة .كما سيأتي بيانه .
ج -قاعدة " الميسور ل يسقط بالمعسور " .
-7قال ابن ال سّبكيّ :هي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى ال عليه وسلم « :إذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ومن أمثلتها ما إذا قدر المصلّي على بعض الفاتحة لزمه
قطعا .وكما لو وجد بعض ال صّاع من الفطرة لزمه إخراجه على الصحّ ،ويخرج عن هذه
القاعدة أمور من ها :أنّه لو و جد المحدث الفا قد للماء ثلجا أو بردا ،وتعذّرت إذاب ته فل ي جب
مسح الرّأس به على المذهب ،وكما إذا وجد في الكفّارة المرتّبة بعض الرّقبة ل يجب قطعا ،
ن الشّرع قصد تكميل العتق قطعا .وسيأتي تفصيل هذه الحكام .
لّ
أحكام التّبعيض :
التّبعيض في الطّهارة :
- 8اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض يتأتّى في الطّهارة :فإن قطعت يد الشّخص من المرفق
ل عضو سقط بعضه يتعلّق الحكم بباقيه غسلً
غسّل ما بقي من محلّ الفرض ،وكذلك ك ّ
ومسحا ،طبقا لقاعدة " الميسور ل يسقط بالمعسور " .
وإذا وجد الجنب ماءً يكفي غسل بعض أعضائه ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وابن المنذر ،
ن هذا الماء ل يطهّره ،فلم يلزمه استعماله
وهو أحد قولي الشّافعيّ إلى أنّه يتيمّم ويتركه ،ل ّ
كالماء المستعمل ،ولما فيه من الجمع بين البدل والمبدل ،ولنّ ما جاز على البدل ل يدخله
تبعيض .وهو قول الحسن ،والزّهريّ ،وحمّاد .
ي إلى أنّه يلزمه استعماله ،ويتيمّم للباقي .وبه قال
وذهب الحنابلة ،وهو قول آخر للشّافع ّ
عبدة بن أبي لبابة ومعمر ،ونحوه قال عطاء .وأمّا إن وجد المحدث حدثا أصغر بعض ما
يكفيه من ماء فالحكم ل يختلف عند من ل يجوّز الجمع بين البدل والمبدل منه .وعند الشّافعيّة
يجب استعماله على الصحّ ،وهو وجه للحنابلة أيضا ،لنّه قدر على بعض الطّهارة بالماء
فلزمه كالجنب ،وكما لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا .
ومأخذ من ل يراه من الحنابلة :إمّا أنّ الحدث الصغر ل يتبعّض رفعه فل يحصل به
مقصوده ،أو أنّه يتبعّض لكنّه يبطل بالخلل بالموالة ،فل يبقى له فائدة ،أو أنّ غسل
بعض أعضاء المحدث غير مشروع ،بخلف غسل بعض أعضاء الجنب .
وعلى هذا الخلف الجريح والمريض إذا أمكن غسل بعض جسده دون بعض ،فقد قال أبو
حنيفة ومالك :إن كان أكثر بدنه صحيحا غسّل ول تيمّم عليه ،وإن كان العكس تيمّم ول
ن الجمع بين البدل والمبدل ل يجب كالصّيام والطعام .ويلزمه غسل ما
غسل عليه ،ل ّ
أمكنه ،والتّيمّم للباقي عند الحنابلة ،وبه قال الشّافعيّ .
-9وإذا توضّأ ومسح على خفّيه ،ثمّ خلعهما قبل انقضاء المدّة ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة ،
وهو قول للشّافعيّ ،ورواية عن أحمد :أنّه يجزئه غسل قدميه .
ومذهب الحنابلة ،وهو قول آخر للشّافعيّ :أنّه إذا خلع خفّيه قبل انقضاء المدّة بطل
وضوءه ،وبه قال النّخعيّ والزّهريّ ومكحول والوزاعيّ وإسحاق .وهذا الختلف مبنيّ
على الختلف في وجوب الموالة في الوضوء ،فمن أجاز التّفريق جوّز غسل القدمين لنّ
سائر أعضائه مغسولة ،ومن منع التّفريق أبطل وضوءه لفوات الموالة .
ونزع أحد الخفّين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم ،منهم :مالك والثّوريّ والوزاعيّ وابن
المبارك والشّافعيّ ،وأصحاب الرّأي ،والحنابلة .ويلزمه نزع الخر .وقال الزّهريّ يغسل
القدم الّتي نزع الخفّ منها ،ويمسح الخر ،لنّهما عضوان فأشبها الرّأس والقدم .
كما أنّه ل يجوز غسل إحدى الرّجلين والمسح على الخرى ،لنّ الشّارع خيّر المتوضّئ بين
غسل الرّجلين والمسح على الخفّين ،لنّه ل يجمع بين البدل والمبدل منه .
- 10وأمّا التّبعيض في مسح الرّأس :فقد اتّفق الفقهاء على وجوب مسح الرّأس واختلفوا في
قدر الواجب :فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو رواية عن أحمد إلى أنّ المتوضّئ يجزئه مسح
بعض الرّأس ،وإليه ذهب الحسن والثّوريّ والوزاعيّ ،وقد نقل عن سلمة بن الكوع أنّه
كان يمسح مقدّم رأسه ،وابن عمر مسح اليافوخ .
ق كلّ أحد ،إلّ أنّ
وذهب المالكيّة ،وهو رواية عن أحمد إلى وجوب مسح جميعه في ح ّ
ن المرأة يجزئها مسح مقدّم رأسها
الظّاهر عن أحمد في حقّ الرّجل :وجوب الستيعاب ،وأ ّ
.وفي موضع المسح وبيان القدر المجزئ تفصيل ذكر في موطنه .ر :مصطلح ( وضوء ) .
التّبعيض في الصّلة :
- 11ذهب الئمّة الربعة إلى جواز التّبعيض في بعض أفعال الصّلة ،ومنها ما يلي :
إذا قدر المصلّي على بعض الفاتحة :فذهب المالكيّة والشّافعيّة ،والحنابلة إلى أنّه يلزمه ،
والصل في هذا الباب عند الشّافعيّة قاعدة " الميسور ل يسقط بالمعسور " أي عدم القدرة على
الكلّ ل يسقط البعض المقدور عليه ،وعند الحنابلة قاعدة " من قدر على بعض العبادة ،فما
هو جزء من العبادة -وهو عبادة مشروعة في نفسه -فيجب فعله عند تعذّر فعل الجميع
بغير خلف " .
وأمّا الحنفيّة فل يتأتّى هذا عندهم ،لنّ قراءة الفاتحة في الصّلة ل تتعيّن ،وتجزئ آية من
القرآن من أيّ موضع كان .
وإذا وجد المصلّي بعض ما يستر به العورة ،فذهب الئمّة الربعة إلى أنّه يلزمه قطعا .
وكذلك لو عجز عن الرّكوع والسّجود دون القيام " لزماه عند غير الحنفيّة ،وإذا لم يمكنه رفع
ل بالزّيادة أو النّقصان أتى بالممكن ،للقواعد المذكورة ،ولقول النّبيّ
اليدين في الصّلة إ ّ
صلى ال عليه وسلم « :إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » .
التّبعيض في الزّكاة :
- 12من أتلف جزءا من النّصاب قصدا للتّنقيص لتسقط عنه الزّكاة ،لم تسقط عند المام
مالك والحنابلة ،وتؤخذ الزّكاة منه في آخر الحول إذا كان إبداله أو إتلفه عند قرب
ن ذلك ليس بمظنّة للفرار .وبه قال
الوجوب ،ولو فعل ذلك في أوّل الحول لم تجب الزّكاة ل ّ
الوزاعيّ ،وابن الماجشون ،وإسحاق وأبو عبيد .وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة :تسقط عنه
الزّكاة ،لنّه نقص قبل تمام الحول ،فلم تجب فيه الزّكاة ،كما لو أتلفه لحاجته .
التّبعيض في الصّوم :
- 13ل يصحّ صيام بعض اليوم ،فمن قدر على صوم بعض اليوم ل يلزمه إمساكه ،لنّه
ليس بصوم شرعيّ .وأمّا من قدر على صوم بعض أيّام رمضان دون جميعه فإنّه يلزمه
ش ِهدَ منكم الشّهرَ فَلْيصمه ومن كان مريضا أو على
صوم ما قدر عليه ،لقوله تعالى { :فمنْ َ
سَفَر َفعِدّ ٌة من أيّام ُأخَر } .
التّبعيض في الحجّ :
أ -التّبعيض في الحرام :
- 14اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض ل يؤثّر في انعقاد الحرام ،فإذا قال :أحرمت بنصف
نسك ،انعقد بنسك كامل ،طبقا لقاعدة " :المضاف للجزء كالمضاف للكلّ " وقاعدة " :ذكر
بعض ما ل يتجزّأ كذكر كلّه " وكذلك قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار
كلّه ،وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " .
كما أجمع أهل العلم على أنّه ل فرق بين تغطية جميع الرّأس وتغطية بعضه ،وكذلك تغطية
جميع الوجه بالنّسبة للمرأة ،وقلم جميع الظفار أو بعضها ،وحلق جميع الرّأس ،أو بعضه ،
فإنّ المحرم يمنع من تغطية بعض رأسه ،كما يمنع من تغطية جميعه ،وهكذا ،لنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم قال « :ل تخمّروا رأسه » والمنهيّ عنه يحرم فعل بعضه .كذلك لما
قال تعالى { :ول َتحْلِقُوا رءوسَكم } حرم حلق بعضه .وإنّما الفرق فيما يترتّب على ذلك من
دم وفدية .وانظر مصطلح ( إحرام وحجّ ) .
ب -التّبعيض في الطّواف :
ن ترك بعض البيت في
- 15اتّفق الفقهاء على أنّ الطّواف إنّما شرع بجميع البيت ،وأ ّ
الطّواف مبطل له .وقال الحنفيّة :إن طاف داخل الحجر فعليه قضاء ما ترك ،فإن لم يفعل
فعليه دم .أمّا التّبعيض في عدد أشواط الطّواف فل يجوز نقصه عن سبعة كاملة خلفا للحنفيّة
ن الشواط الربعة ركن ،وما زاد عليها واجب .
القائلين :بأ ّ
وصرّح الشّافعيّة بأنّه ل بدّ في الطّواف أن يمرّ في البتداء بجميع البدن على جميع الحجر
السود ،فلو حاذاه ببعض بدنه ،وكان بعضه الخر مجاوزا إلى جانب الباب ففيه قولن
عندهم :الجديد :أنّه ل يعتدّ بذلك الشّوط .والقديم :يعتدّ به .
وعند الحنابلة احتمالن ،وأمّا لو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون بعضه أجزأه ،كما
يجزئه أن يستقبل في الصّلة بجميع بدنه بعض الكعبة .
التّبعيض في النّذور :
- 16من نذر صلة نصف ركعة أو صيام بعض يوم :فذهب الحنفيّة ما عدا محمّدا وزفر ،
والمالكيّة ما عدا ابن الماجشون ،وهو وجه عند الشّافعيّة :إلى أنّه يجب تكميله ،والتّكميل في
الصّوم يكون بصيام يوم كامل .
وفيه وجه ضعيف عند الشّافعيّة :أنّه يكفيه إمساك بعض يوم ،بناءً على أنّ النّذر ينزّل على
أقلّ ما يصحّ من جنسه ،وأنّ إمساك بعض اليوم صوم .واختلفوا في الصّلة أيضا .
فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ،وهو رواية عن الحنابلة ،وقول عند الشّافعيّة :إلى أنّه ل
ن هذا هو المعتمد والموافق
يجزئه إلّ ركعتان .ونقل الجرهديّ في شرح الفرائد البهيّة :أ ّ
للقاعدة ،وهي :ما ل يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه ،وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه
ن أقلّ الصّلة الواجبة بالشّرع ركعتان ،فوجب حمل النّذر عليه .
.ول ّ
ن أقلّ الصّلة ركعة .
وذهب المالكيّة ،وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه يجزئه ركعة واحدة ،ل ّ
وذهب الشّافعيّة في الصحّ ،وابن الماجشون من المالكيّة ،ومحمّد وزفر من الحنفيّة إلى أنّه
في هذه الحالة :أي إذا نذر صلة نصف ركعة ،أو صيام بعض يوم ل ينعقد نذره ،فل
يلزمه شيء ول يجب الوفاء به .ولتفصيل ذلك كلّه يرجع إلى مصطلح ( نذر ،أيمان ) .
التّبعيض في الكفّارة :
- 17اختلف الفقهاء في جواز التّبعيض في الكفّارة :فذهب المالكيّة والشّافعيّة ،وهو وجه
عند الحنابلة :إلى أنّه ل يجوز تبعيض الكفّارة ،فل يجوز أن يعتق نصف رقبة ويصوم
شهرا ،ويصوم شهرا أو يطعم ثلثين مسكينا ،أو يكفّر عن يمينه بإطعام خمسة مساكين
وكسوة خمسة ،لنّ ما جاز فيه التّخيير ل يجوز فيه التّبعيض ،إلّ أن يكون الحقّ لمعيّن
ورضي تبعيضه ،والحقّ هنا للّه تعالى .
وذهب الحنفيّة ،وهو المشهور عند الحنابلة إلى جواز التّبعيض في الكفّارة .
قال الحنابلة :إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمس ًة مطلقا جاز ،لنّه أخرج من المنصوص
عليه بعدّة الواجب ،فأجزأه كما لو أخرجه من جنس واحد .
وأمّا عند الحنفيّة فيجزئه ذلك عن الطعام إن كان الطعام أرخص من الكسوة ،وإن كان على
العكس فل يجوز .هذا في إطعام الباحة ( التّمكين من التّناول دون التّزوّد ) أمّا إذا ملّكه
الطّعام فيجوز ويقام مقام الكسوة .
التّبعيض في البيع :
- 18يجوز التّبعيض في البيع إذا لم يكن فيه ضرر يرجع على أحد المتبايعين في القبض
والتّسليم ،أو ل يفضي إلى الجهالة والمنازعة ،ول خلف في هذا .
واختلف الفقهاء في الثار الّتي تترتّب على وقوع التّبعيض ،وفيما يلي بيان ذلك :
يختلف حكم التّبعيض باختلف كون العقد وقع على مثليّ كالمكيل ،أو الموزون ،أو المذروع
،أو قيميّ .
- 19فإن كان العقد قد وقع على مثليّ ( مكيل أو موزون ) ولم يكن في تبعيضه ضرر ،
كمن باع صبرةً على أنّها مائة قفيز بمائة درهم ،وهي أقلّ أو أكثر .
ن للمشتري أن يأخذ القلّ بحصّته أو يفسخ ،وهو مذهب المالكيّة
فذهب الحنفيّة إلى أ ّ
والشّافعيّة ،وأحد الوجهين عند الحنابلة ،لتفريق الصّفقة ،ولنّه وجد المبيع ناقصا فكان له
الفسخ كغير الصّبرة ،وكنقصان الصّفة .
ن نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل
والوجه الثّاني للحنابلة :أنّه ل خيار له ،ل ّ
ي عند الحنفيّة مقيّد بما إذا لم يقبض كلّ المبيع
بخلف غيره .ثمّ التّخيير عند النّقصان في المثل ّ
أو بعضه ،فإن قبض أي بعد العلم بالنّقص ل يخيّر ،بل يرجع بالنّقصان .وأيضا هو مقيّد
بعدم كونه مشاهدا للمبيع حيث ينتفي التّغرير .
وأمّا الموزون الّذي في تبعيضه ضرر ،كما لو باع لؤلؤ ًة على أنّها تزن مثقالً فوجدها أكثر
ن الوزن فيما يضرّه التّبعيض وصف بمنزلة الذّرعان في الثّوب .
سلّمت للمشتري ،ل ّ
وللتّفصيل ر ( :خيار ) .
- 20وإن كان العقد قد وقع على مذروع :كمن باع ثوبا على أنّه مائة ذراع مثلً فبان أنّه
ي أيضا :أخذ المشتري
أقلّ ،فعند الحنفيّة ،وفي قول للمالكيّة ،وهو قول أصحاب الشّافع ّ
ن الذّرع في
القلّ بكلّ الثّمن أو ترك ،وإن بان أكثر أخذ الكثر قضاءً بل خيار للبائع ،ل ّ
القيميّات وصف لتعيّبه بالتّبعيض .بخلف القدر في المثليّات من مكيل أو موزون ،والوصف
ل يقابله شيء من الثّمن إلّ إذا كان مقصودا بتناول المبيع له ،كأن يقول في بيع المذروع :
كلّ ذراع بدرهم .
والقول الثّاني عند المالكيّة :إن كان النّاقص يسيرا لزمه الباقي بما ينوبه من الثّمن ،وإن كان
كثيرا كان مخيّرا في الباقي بين أخذه بما ينوبه أو ردّه .
وعند الحنابلة في صورة الزّيادة روايتان :إحداهما :البيع باطل ،والثّانية :البيع صحيح ،
والزّيادة للبائع ،ويخيّر بين تسليم المبيع زائدا وبين تسليم المائة ،فإن رضي بتسليم الجميع
فل خيار للمشتري ،وإن أبى تسليمه زائدا ،فللمشتري الخيار بين الفسخ ،والخذ بجميع
الثّمن المسمّى وقسّط الزّائد .
وكذلك في صورة النّقصان أيضا روايتان عند الحنابلة .إحداهما :البيع باطل ،والثّانية :
البيع صحيح ،والمشتري بالخيار بين الفسخ والمساك بقسطه من الثّمن .
ل الثّمن أو الفسخ ،بنا ًء على قولهم :إنّ
وقال أصحاب الشّافعيّ :ليس له إمساكه إلّ بك ّ
المعيب ليس لمشتريه إلّ الفسخ ،أو إمساكه بكلّ الثّمن .
التّبعيض في القيميّات :
- 21أمّا التّبعيض في العيان الخرى فذكر صاحب روضة الطّالبين :أنّه لو باع جزءا
ح وصار مشتركا ،ولو عيّن بعضه وباعه لم يصحّ ،لنّ
شائعا من سيف أو إناء ونحوهما ص ّ
ل بقطعه ،وفيه نقص وتضييع للمال .
تسليمه ل يحصل إ ّ
ح ،لنّه ل يمكن
وكذلك لو باع جزءا معيّنا من جدار أو أسطوانة ،فإن كان فوقه شيء لم يص ّ
تسليمه إلّ بهدم ما فوقه ،وإن لم يكن فوقه شيء ،فإن كان قطعةً واحد ًة تتلف كّليّ ًة بالتّبعيض
لم يجز ،وإن كانت ل تتلف جاز .
وقواعد المذاهب الخرى تقضي بما ذهب إليه الشّافعيّة .
التّبعيض في خيار العيب :
- 22إذا اشترى شيئين صفقةً واحدةً فوجد بأحدهما عيبا ،وكانا ممّا ينقصهما التّفريق ،ففيه
روايتان عند الحنابلة :
إحداهما :ليس له إلّ ردّهما ،أو أخذ الرش مع إمساكهما ،وهو ظاهر قول الشّافعيّ ،وقول
أبي حنيفة فيما قبل القبض ،لما فيه من التّشقيص على البائع فلم يكن له ذلك .والثّانية :له
ردّ المعيب وإمساك الصّحيح ،وهو قول أبي حنيفة فيما بعد القبض .
وذهب المالكيّة إلى جواز ردّ المعيب ،والرّجوع بحصّته من الثّمن ،إذا كان الثّمن عينا أو
مثليّا ،فإن كان سلعةً فإنّه يرجع بما ينوب السّلعة المعيبة من قيمة السّلعة الّتي هي الثّمن ،
لضرر الشّركة ،وهذا إذا لم تكن السّلعة المعيبة وجه الصّفقة .فإن كانت فليس للمشتري إلّ
ردّ الجميع أو الرّضى بالجميع .
التّبعيض في الشّفعة :
ن أحد الشّفيعين لو ترك
- 23قال ابن المنذر :أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم على أ ّ
ل أخذ الجميع أو ترك الجميع ،وليس له أخذ البعض ،وهذا قول
شفعته ،لم يكن للخر إ ّ
مالك والشّافعيّ وأصحاب الرّأي ،لنّ في أخذ البعض إضرارا بالمشتري بتبعيض الصّفقة
عليه ،والضّرر ل يزال بالضّرر .
وكذا لو كان الشّفيع واحدا لم يجز له أخذ بعض المبيع لذلك .فإن فعل سقطت شفعته ،لنّها
ل تتبعّض ،فإذا سقط بعضها سقط جميعها كالقصاص .والصل في هذا الباب عند الشّافعيّة
قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كلّه ،وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " .
وقاعدة " ما جاز فيه التّخيير ل يجوز فيه التّبعيض " قال القاضي حسين في فتاويه :والشّفيع
مخيّر بين الخذ بالشّفعة ،والتّرك ،فلو أراد أخذ بعض الشّفعة فليس له ذلك .وكذلك إذا وجد
ن بعض المقدور
الشّفيع بعض ثمن الشّقص ل يأخذ قسطه من المثمّن ( المبيع ) طبقا لقاعدة " إ ّ
عليه ل يجب قطعا " .
ثمّ هذا كلّه إن كان المبيع بعضه غير متميّز عن البعض ،أمّا إن كان متميّزا عن البعض ،
بأن اشترى دارين صفقةً واحدةً ،فأراد الشّفيع أن يأخذ إحداهما دون الخرى ،وكان شفيعا
لهما أو لحداهما دون الخرى .فاختلف الئمّة على آراء وأقوال .موطنها كتاب ( الشّفعة ).
التّبعيض في السّلم :
- 24أجمع الفقهاء على وجوب تسليم رأس مال السّلم في مجلس العقد ،فلو تفرّقا قبل قبضه
بطل العقد عندهم .وأمّا لو تفرّقا قبل قبض بعضه ،فعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :يبطل
فيما لم يقبض .وحكي ذلك عن ابن شبرمة ،والثّوريّ .
ح بقسطه ،وعند الشّافعيّة
وأمّا الحكم في المقبوض ،فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يص ّ
ل يصحّ ،لقوله :ويقبض الثّمن كاملً وقت
طريقان ،وكلم الخرقيّ من الحنابلة يقتضي أ ّ
السّلم قبل التّفرّق .
واشترط المالكيّة تسليم رأس المال في مجلس العقد ،فإن تأخّر بعضه انفسخ كلّه .
وأمّا التّبعيض في المسلم فيه بالقالة في بعضه :فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو رواية عن
أحمد إلى أنّه ل بأس بها ،لنّ القالة مندوب إليها ،وكلّ معروف جاز في الجميع جاز في
البعض كالبراء .وروي ذلك عن ابن عبّاس وعطاء وطاوس وحميد بن عبد الرّحمن وعمرو
بن دينار والحكم والثّوريّ .وذهب أحمد في رواية أخرى إلى أنّها ل تجوز .
ورويت كراهتها عن ابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن وابن سيرين والنّخعيّ ،وسعيد بن
جبير ،وربيعة ،وابن أبي ليلى وإسحاق .وأمّا لو انقطع بعض المسلم فيه عند المحلّ ،
والباقي مقبوض أو غير مقبوض ،ففيه خلف وتفصيل ينظر في باب ( السّلم ) .
التّبعيض في القرض :
- 25اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في القراض .
نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين قوله :يحتمل أن يكون القراض بعد إفرازه أو قبله ،
ن قرض المشاع جائز بالجماع .
فإ ّ
وأمّا التّبعيض في إيفاء القرض كأن يشترط أن يوفيه أنقص ممّا أقرضه .
فذهب الحنابلة إلى أنّه ل يجوز ،سواء أكان ممّا يجري فيه الرّبا أم ل ،وهو أحد الوجهين
لصحاب الشّافعيّ ،لنّ القرض يقتضي المثل ،فشرط النّقصان يخالف مقتضاه ،فلم يجز
كشرط الزّيادة .وفي الوجه الثّاني للشّافعيّة يجوز ،لنّ القرض جعل للرّفق بالمستقرض ،
وشرط النّقصان ل يخرجه عن موضوعه .
- 26وأمّا تعجيل بعض الدّين المؤجّل من قبل المدين في مقابل تنازل الغريم عن بعض الدّين
،فل يجوز عند جمهور الفقهاء ،لكن إن تنازل المقروض بل شرط ملفوظ أو ملحوظ عن
بعض الحقّ فهو جائز .ر :مصطلح ( أجل ) ( ف . ) 89:
التّبعيض في الرّهن :
- 27ذهب المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة إلى جواز التّبعيض في الرّهن ،فيجوز رهن
بعض المشاع عندهم ،رهنه عند شريكه أو غيره ،قبل القسمة أم لم يقبلها ،وسواء أكان
الباقي من المشاع للرّاهن أم لغيره .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يصحّ رهن المشاع مطلقا ،سواء أكان مقارنا كنصف دار ،أم
ن الطّارئ ل
طارئا :كأن يرهن الجميع ثمّ يتفاسخا في البعض ،وفي رواية عن أبي يوسف أ ّ
يضرّ ،والصّحيح الوّل ،وسواء أكان من شريكه أم غيره ،وسواء أكان ممّا يقسم أم ل .
فالصل عند الحنفيّة :أنّه ل يجوز رهن المشاع ،فل يجوز التّبعيض فيه ،ويستثنى من هذا
الصل الصّور التّالية :
ل واحد منهما رهنا واحدا .
أ -إذا كانت عينا بينهما ،رهناها عند رجل بدين له على ك ّ
ب -إذا ثبت الشّيوع فيه ضرورةً ،كما لو جاء بثوبين ،وقال :خذ أحدهما رهنا والخر
ن أحدهما ليس بأولى من الخر ،
ل منهما يصير رهنا بالدّين ،ل ّ
بضاعةً عندك ،فإنّ نصف ك ّ
فيشيع الرّهن فيهما بالضّرورة ،فل يضرّ .
ق الوثيقة في الرّهن وهو الحبس للتّوثّق ،فل يتبعّض بأداء بعض الدّين ،لنّ
- 28أمّا ح ّ
ل جزء منه ،ل ينفكّ منه شيء
ل الحقّ ،وبك ّ
الدّين يتعلّق بالرّهن جميعه ،فيصير محبوسا بك ّ
حتّى يقضي جميع الدّين ،سواء أكان ممّا يمكن قسمته أم ل يمكن .
ل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ من رهن شيئا بمال فأدّى
قال ابن المنذر :أجمع ك ّ
بعض المال ،وأراد إخراج بعض الرّهن أنّ ذلك ليس له ،ول يخرج شيء حتّى يوفيه آخر
حقّه أو يبرئه من ذلك ،كذلك قال مالك ،والثّوريّ ،والشّافعيّ ،وإسحاق ،وأبو ثور ،
ل بزوال جميعه كالضّمان والشّهادة .
ن الرّهن وثيقة بحقّ فل يزول إ ّ
وأصحاب الرّأي .ل ّ
وكذلك إن تلف بعض الرّهن وبقي بعضه فباقيه رهن بجميع الحقّ .
وفي الموضوع تفصيل ينظر في باب ( الرّهن ) .
التّبعيض في الصّلح :
- 29اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الصّلح ،فالصّلح مبناه على التّبعيض إذا وقع على
ل منه ،وفي ذلك خلف وتفصيل تبعا لكون المدّعى عينا أو دينا ينظر
جنس المدّعي وكان أق ّ
في مصطلح ( :صلح ) .
التّبعيض في الهبة :
- 30اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز التّبعيض في الهبة مطلقا ،وهو المذهب
عند الحنفيّة فيما ل يقبل القسمة ،فتصحّ هبة المشاع عند الئمّة الثّلثة مطلقا ،وعند الحنفيّة
تصحّ هبة المشاع الّذي ل يمكن قسمته إلّ بضرر ،بألّ يبقى منتفعا به بعد أن يقسم ،كبيت
وحمّام صغيرين .وأمّا هبة المشاع الّذي يمكن قسمته بل ضرر فل تصحّ هبته مشاعا ،ولو
كان لشريكه ،وذلك لعدم تصوّر القبض الكامل .وقيل :يجوز لشريكه ،وهو المختار عندهم
.وإن وهب واحد لثنين شيئا ممّا ينقسم يجوز عند الحنابلة ،وأبي يوسف ومحمّد من
الحنفيّة ،وهو وجه للشّافعيّة أيضا .
وذهب المام أبو حنيفة ،وهو وجه آخر للشّافعيّة إلى عدم جوازه .
وفي الموضوع فروعات كثيرة تفصيلها في باب الهبة من كتب الفقه .
التّبعيض في الوديعة :
- 31اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض في الوديعة بإنفاق بعضها أو استهلكه موجب للضّمان .
واختلفوا في أخذ بعض الوديعة ،ثمّ ردّها أو ردّ مثلها .
ن من استودع شيئا فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذه ،فإن ردّه
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
أو مثله لم يزل الضّمان عنه .وقال مالك :ل ضمان عليه إذا ردّه أو مثله .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن لم ينفق ما أخذه وردّه لم يضمن ،وإن أنفقه ثمّ ردّه أو مثله ضمن.
التّبعيض في الوقف :
- 32ذهب الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في ظاهر المذهب ،وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز
التّبعيض في الوقف ،سواء فيما يقبل القسمة أو ل يقبلها ،فيجوز وقف المشاع كنصف دار .
وذهب محمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى عدم جواز وقف المشاع إذا كان ممّا يقبل القسمة ،
ن القبض شرط ،وهو ل يصحّ في المشاع .
وبناه على أصله في أ ّ
وأمّا ما ل يقبلها كالحمّام والرّحى ،فيجوز وقفه مشاعا عنده أيضا ،إلّ في المسجد والمقبرة ،
لنّ بقاء الشّركة يمنع الخلوص للّه تعالى .وينظر تفصيل ذلك في باب ( الوقف ) .
التّبعيض في الغصب :
- 33يرتّب الفقهاء على تبعيض المال المغصوب بتلف بعضه أو تعييبه أحكاما مختلفةً :
ن الجزء الغائب مضمون بقسطه من أقصى القيم من يوم
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
الغصب إلى يوم التّلف ،والنّقص الحاصل بتفاوت السّعر في الباقي المردود غير مضمون
عند الشّافعيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة فيما ل ينقصه التّبعيض ،وأمّا فيما ينقصه -كأن
يكون ثوبا ينقصه القطع -فإنّه يلزمه أرش النّقص .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن تعيّب المال المغصوب باستهلك بعضه كقطع يد الشّاة خيّر المالك
بين ترك المغصوب للغاصب وأخذ قيمته ،وبين أن يأخذ المغصوب ويضمّنه النّقصان .
بخلف قطع طرف دابّة غير مأكولة إذا اختار ربّها أخذها ،ل يضمّنه شيئا ،وإلّ غرّمه
كمال القيمة ،لنّه فوّت جميع منافعها فصار كما لو قتلها .
وأمّا المالكيّة فقد فصّلوا الكلم في وجوب الضّمان في الجناية على بعض السّلعة المغصوبة :
فالتّعدّي على بعض السّلعة المغصوبة إن فوّت المغصوب يضمن جميعه ،كقطع ذنب دابّة ذي
ن مثله ل يركب مثل ذلك ،ول فرق بين
ل من يعلم أ ّ
هيبة ،أو أذنها ،وكذا مركوب ك ّ
المركوب والملبوس ،كقلنسوة القاضي وطيلسانه ،وإن لم يفوّته فإن كان التّعدّي يسيرا ،ولم
يبطل الغرض منه لم يضمن بذلك ،وكذلك إذا كان التّعدّي كثيرا ،ولم يبطل الغرض
المقصود منه ،فإنّ حكمه حكم اليسير .
وينظر تفصيل الكلم في هذا الموضوع في باب ( الغصب ) .
التّبعيض في القصاص :
- 34اتّفق الفقهاء على أنّ القصاص ممّا ل يتبعّض بالتّبعيض ،ثمّ اختلفوا في التّفاصيل :
ن مستحقّ القصاص إذا عفا عن بعض القاتل كان عفوا
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
عن كلّه ،وكذا إذا عفا بعض الولياء ،صحّ العفو ،وسقط القصاص كلّه ،ولم يبق لحد إليه
سبيل .وإليه ذهب عطاء والنّخعيّ ،والحكم ،وحمّاد ،والثّوريّ ،وروي معنى ذلك عن
عمر وطاوس والشّعبيّ .
لما روى زيد بن وهب أنّ عمر أتي برجل قتل قتيلً ،فجاء ورثة المقتول ليقتلوه ،فقالت
امرأة المقتول ،وهي أخت القاتل :قد عفوت عن حقّي ،فقال عمر " :اللّه أكبر ،عتق القتيل
.وفي رواية عن زيد قال :دخل رجل على امرأته ،فوجد عندها رجلً فقتلها ،فاستعدى
إخوتها عمر ،فقال بعض إخوتها :قد تصدّقت .فقضى لسائرهم بالدّية ".
وذهب المالكيّة إلى أنّ عفو بعض الورثة ل يسقط القود ،إلّ أن يكون العافي مساويا لمن بقي
في الدّرجة أو أعلى منه ،فإن كان أنزل درجةً لم يسقط القود بعفوه .فإن انضاف إلى الدّرجة
العليا النوثة كالبنات مع الب أو الجدّ ،فل عفو إلّ باجتماع الجميع ،فإن انفرد البوان فل
حقّ للمّ في عفو ول قتل .
وذهب بعض أهل المدينة ،وقيل :هو رواية عن مالك إلى أنّ القصاص ل يسقط بعفو بعض
الشّركاء ،لنّ النّفس قد تؤخذ ببعض النّفس بدليل قتل الجماعة بالواحد .
التّبعيض في العفو عن القذف :
- 35اختلف الفقهاء في جوازه :فذهب الشّافعيّة في الصحّ ،وهو المذهب عند الحنابلة ،
والمتبادر من أقوال المالكيّة ( ما لم يبلغ المام ) إلى عدم جواز التّبعيض في حدّ القذف ،فإذا
عفا بعض الورثة ،أو بعض مستحقّي ح ّد القذف يكون لمن بقي استيفاء جميعه لنّ المعرّة
عنه لم تزل بعفو صاحبه ،وليس للعافي الطّلب به ،لنّه قد أسقط حقّه .وكذلك بالعفو عن
بعضه ل يسقط شيء منه .
ن حدّ القذف جلدات معروفة العدد ،
ح عند الشّافعيّة جواز التّبعيض ،ووجهه أ ّ
ومقابل الص ّ
ن الشّخص لو عفا بعد جلد بعضها ،سقط ما بقي منها ،فكذلك إذا أسقط منها في
ول ريب أ ّ
البتداء قدرا معلوما ،وعلى هذا لو عفا بعض مستحقّي ح ّد القذف عن حقّه يسقط نصيب
العافي ،ويستوفى الباقي ،لنّه متوزّع .وهناك وجه ثالث للشّافعيّة :أن يسقط جميع الحدّ
كالقصاص .وأمّا الحنفيّة فل يتأتّى عندهم هذا ،لنّ الغالب في ح ّد القذف عندهم حقّ اللّه ،
فل يسقط كلّه ول بعضه بالعفو بعد ثبوته ،وكذا إذا عفا قبل الرّفع إلى القاضي .
تبعيض الصّداق :
- 36اتّفق الفقهاء على جواز أن يكون بعض الصّداق معجّلً وبعضه مؤجّلً ،لنّه عوض
في عقد معاوضة ،فجاز ذلك فيه كالثّمن .وانظر مصطلح ( أجل ،مهر ) .
وأمّا تنصيف الصّداق بالطّلق قبل الدّخول والخلوة ،وكيفيّة ذلك ففيه أوجه وتفصيل يذكر في
مواطنه ،وانظر مصطلح ( مهر ) .
التّبعيض في الطّلق :
- 37اتّفق الفقهاء على أنّ الطّلق ل يتبعّض ،وإليه ذهب الشّعبيّ والحارث العكليّ ،
والزّهريّ ،وقتادة ،وأبو عبيد ،وأهل الحجاز ،والثّوريّ ،وأهل العراق ،وذلك لنّ ذكر
بعض ما ل يتبعّض ذكر لجميعه ،فذكر بعض الطّلق كذكر كلّه ،وجزء الطّلقة ولو من ألف
جزء تطليقة .وهذا الحكم ثابت سواء أبهم :بأن قال :أنت طالق بعض طلقة .أو بيّن فقال :
ن ذكر ما ل يتبعّض ذكر لجميعه .
أنت طالق نصف طلقة ،أو ربع طلقة ،وهكذا ،ل ّ
التّبعيض في المطلّقة :
- 38إذا أضاف الطّلق إلى جزء منها :سواء أضافه إلى بعضها شائعا وأبهم فقال :بعضك
ص على جزء معلوم كالنّصف والرّبع ،أو أضافه إلى عضو :باطنا
وجزؤك طالق .أو ن ّ
كان كالكبد والقلب ،أو ظاهرا كاليد والرّجل ،طلقت كلّها عند الئمّة الثّلثة وزفر من الحنفيّة
.وأمّا الحنفيّة -ما عدا زفر -ففرّقوا بين إضافة الطّلق إلى جملتها ،أو إلى ما يعبّر به
عنها كالرّقبة ،أو العنق أو الرّوح ،أو البدن أو الجسد ،أو إلى جزء شائع كنصفها أو ثلثها ،
وبين إضافته إلى ما يعبّر به عن الجملة كاليد والرّجل حيث تطلق في الحالة الولى دون
الثّانية .والتّبعيض في الطّلق من فروع قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار
كلّه ،وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " .
التّبعيض في الوصيّة :
- 39اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الوصيّة ،إذا كانت الوصيّة بجزء شائع .كمن
أوصى بجزء أو سهم من ماله ،فالبيان إلى الورثة يقال لهم :أعطوه شيئا ،لنّه مجهول
يتناول القليل والكثير ،والوصيّة ل تمتنع بالجهالة ومثله الحظّ ،والشّقص ،والنّصيب ،
والبعض ( لنّ الوصيّة حقيقتها تصرّف المالك في جزء من حقوقه ) .
كذلك إن كانت الوصيّة بجزء معيّن :كمن أوصى بقطنه لرجل ،وبحبّه لخر ،أو أوصى
بلحم شاة معيّنة لرجل وبجلدها لخر ،أو أوصى بحنطة في سنبلها لرجل ،وبالتّبن لخر .
ب ،أو يسلخا الشّاة ،أو يحلجا
جازت الوصيّة لهما ،وعلى الموصى لهما أن يدوسا الح ّ
ن التّذكية لجل اللّحم
القطن .ولو بانت الشّاة حيّ ًة فأجرة الذّبح على صاحب اللّحم خاصّةً ،ل ّ
ل الجلد .
وفي المغني :إذا أوصى لرجل بخاتم ولخر بفصّه صحّ ،وليس لواحد منهما النتفاع به إلّ
ص من الخاتم أجيب إليه ،وأجبر الخر عليه .
بإذن صاحبه ،وأيّهما طلب قلع الف ّ
التّبعيض في العتق :
- 40من أعتق عبدا مملوكا ،فإمّا أن يكون باقيه له أو لغيره :
ففي الحالة الولى :ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ
ن من خصائصه السّراية ،فمن أعتق بعض
العتاق ل يتجزّأ ول يتبعّض بالتّبعيض ،ل ّ
مملوك له ،فإنّه يسري العتق إلى باقيه .
وكذلك من أعتق جزءا معيّنا كرأسه أو ظهره أو بطنه ،أو جزءا مشاعا كنصفه ،أو جزءا
من ألف جزء ،عتق الرّقيق كلّه .وذهب أبو حنيفة إلى أنّ العتاق يتجزّأ ،سواء كان باقيه
له ،أو كان مشتركا بينه وبين غيره ،وسواء كان المعتق معسرا أو موسرا .
- 41وفي الحالة الثّانية :وهي ما إذا كان العبد مشتركا ،وأعتق أحد الشّريكين حصّته أو
بعضها ،فاختلف الفقهاء تبعا لكون المعتق موسرا أو معسرا :
فروي عن ابن مسعود وعليّ وابن عبّاس رضي ال عنهم :عتق ما عتق ويبقى الباقي رقيقا .
وبه قال الب ّتيّ :واستدلّ بما روى ابن التّلب عن أبيه « أنّ رجلً أعتق نصيبا له في مملوك
فلم يضمنه النّبيّ صلى ال عليه وسلم » .
ن المعتق إن كان موسرا
وذهب المالكيّة والشّافعيّة ،وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أ ّ
عتق كلّه ،وعليه قيمة باقيه لشريكه ،وإن كان معسرا عتق نصيبه فقط ول يسري إلى باقيه
ي صلى ال عليه وسلم قال :
ن النّب ّ
ولو أيسر بعده .لما روي عن ابن عمر رضي ال عنهما أ ّ
« من أعتق شقصا له من عبد أو شركا ،أو قال :نصيبا ،وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل
فهو عتيق ،وإلّ فقد عتق منه ما عتق » .
وهذا قول إسحاق ،وأبي عبيد وابن المنذر وابن جرير .
ل الضّمان مع اليسار
وذهب أبو يوسف ومحمّد ،وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للشّريك إ ّ
والسّعاية مع العسار ،وهو قول ابن شبرمة ،وابن أبي ليلى ،والوزاعيّ .لما روى أبو
هريرة قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من أعتق شقيصا له في عبد مملوك
ل استسعى العبد غير مشقوق عليه » .
فعليه أن يعتقه كلّه إن كان له مال ،وإ ّ
وقال أبو حنيفة :إن كان المعتق موسرا فشريكه بالخيار ،إن شاء أعتق وإن شاء ضمّن
المعتق قيمة نصيبه ،إذا لم يكن بإذنه ،فإن كان بإذن الشّريك فل ضمان عليه له ،وإن شاء
استسعى العبد .
ل الضّمان ،وهو منقول عن زفر وبشر المريسيّ .
وقال بعضهم :يعتق كلّه ،وليس للشّريك إ ّ
تبعيّة *
التّعريف :
- 1التّبعيّة :كون الشّيء مرتبطا بغيره بحيث ل ينفكّ عنه .
والتّابع :هو التّالي الّذي يتبع غيره ،كالجزء من الكلّ ،والمشروط للشّرط .
ول يخرج الستعمال الصطلحيّ عن الستعمال اللّغويّ .
أقسام التّبعيّة :
التّبعيّة قسمان :
- 2القسم الوّل :ما اتّصل بالمتبوع فيلحق به .لتعذّر انفراده عنه .ومن أمثلة هذا القسم :
ذكاة الجنين فإنّها تحصل بذكاة أمّه تبعا لها ،عند الجمهور والصّاحبين من الحنفيّة ،خلفا
للمام أبي حنيفة .وذلك مشروط وتفصيل ينظر في مصطلح ( :ذبائح ) .
ومن أمثلة هذا القسم أيضا :الحمل ،فإنّه ل يفرد في البيع ،بل يتبع المّ بل خلف .
- 3القسم الثّاني :ما انفصل عن متبوعه والتحق به .
ومن أمثلة هذا القسم :الصّبيّ إذا أسر معه أحد أبويه ،وهذه المسألة على ثلثة أحوال :
الولى :أن يسبى الصّبيّ منفردا عن أبويه ،فيصير مسلما إجماعا ،لنّ الدّين إنّما يثبت له
تبعا ،وقد انقطعت بتبعيّته لبويه لنقطاعه عنهما .
الثّانية :أن يسبى مع أبويه ،فإنّه يكون على دينهما ( تبعا ) وبهذا قال أبو حنيفة ،ومالك
والشّافعيّ ،وأحمد .
الثّالثة :أن يسبى مع أحد أبويه ،فإنّه يتبعه عند أبي حنيفة والشّافعيّ .
وقال مالك :إن سبي مع أبيه يتبعه ،وإن سبي مع أمّه فهو مسلم ،لنّه ل يتبعها في النّسب ،
فكذلك في الدّين .
وقال الحنابلة :من سبي من أولد الكفّار مع أحد أبويه فإنّه يحكم بإسلمه .
ومن أمثلته أيضا :ولد المسلم ،فإنّه يتبعه في السلم ،وإن كانت أمّه كافرةً اتّفاقا .
أحكام التّبعيّة :
- 4التّبعيّة يتعلّق بها جملة من الحكام ،ترجع كلّها إلى قاعدة فقهيّة واحدة ،وهي ( التّابع
تابع ) ومعنى كون التّابع تابعا :هو أنّ ما كان تبعا لغيره في الوجود ل ينفرد بالحكم ،بل
يدخل في الحكم مع متبوعه ،فإذا بيع حيوان في بطنه جنين دخل الجنين في البيع تبعا لمّه ،
ول يجوز إفراده بالبيع ،ومثل هذا الصّوف على الغنم ،واللّبن في الضّرع .ومن ذلك ما لو
كان التّابع شيئا ل يقبل النفكاك عن متبوعه ،بأن كان في حكم الجزء ،كالمفتاح من القفل ،
فإنّه يدخل في البيع تبعا له ،أو كان شيئا جرى في عرف البلد أنّه من مشتملته ،فإنّه يدخل
في البيع من غير ذكر .
فمثلً بيع الدّار يدخل فيه المطبخ ،وفي بيع حديقة زيتون تدخل أشجار الزّيتون .
ن التّابع تابع ) عددا من القواعد
هذا ،وقد فرّع الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على قاعدة ( :أ ّ
ذكرها الزّركشيّ في المنثور ،والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما الشباه والنّظائر ،وقد أشار
إليها القرافيّ في الفروق في الفرق التّاسع والتّسعين بعد المائة ،الّذي فرّق فيه بين قاعدة ما
يتبع العقد عرفا وما ل يتبعه .وتلك القواعد الفرعيّة هي :
أ -التّابع ل يفرد بالحكم :
- 5المراد بالتّابع الّذي ل يفرد بالحكم عن متبوعه هو الّذي ل يوجد مستقلّا بنفسه ،بل يكون
وجوده تبعا لوجود متبوعه ،بأن يكون جزءا أو كالجزء منه ،فحينئذ ل يصلح أن يكون محلّا
ح بيعه منفردا عن
مستقلّا في العقد ليتعلّق به الحكم ،كالجنين في بطن الحيوان ،فإنّه ل يص ّ
ح بيعه منفردا عن الرض .
أمّه ،وكحقّ الشّرب فإنّه ل يص ّ
وكمن باع دارا بحقوقها ،فإنّ البيع يتناول أرضها وبناءها وما هو متّصل بها ممّا هو من
مصلحتها ،كالبواب المنصوبة ،دون غيره ممّا ليس من مصالحها ،كالكنز والحجار
ن ذلك مودع فيها للنّقل عنها ،فأشبه الفرش والسّتور .
المدفونة ،ل ّ
واستثنى الفقهاء من ذلك صورا يستقلّ التّابع فيها بالحكم عن متبوعه ،ومن تلك الصّور :
إفراد الحمل بالوصيّة دون أمّه بشرط أن يولد حيّا .لقلّ من ستّة أشهر ،وهذا القدر مجمع
عليه ،وأمّا إن أتت به لكثر من ستّة أشهر ،ففيه تفصيل وخلف يرجع إليه في مصطلح
( وصيّة ،ثبوت النّسب ،والميراث ) .
ب -من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته :
- 6تتناول هذه القاعدة الصول الّتي تدخل في البيع والشّراء من غير ذكر ،وتلك الصول
تدخل تحت أصلين :
الوّل :كلّ ما كان في الدّار من بناء وغيره يتناوله اسم البيع عرفا ،مثل ملحقات الدّار
كالمطبخ والحجارة المثبّتة في الرض والدّار ل المدفونة .
الثّاني :ما كان متّصلً اتّصال قرار ،كالشّجر فإنّه يدخل في بيع الرض عند الحنفيّة
ص الشّافعيّ في البيع ،
والمالكيّة بل ذكر ،وعلى أحد الوجهين عند الحنابلة ،وهو أيضا ن ّ
ص في الرّهن على عدم الدّخول فيما لو رهن الرض وأطلق .
ون ّ
وأمّا الصحاب فلهم فيما نصّ عليه المام الشّافعيّ في البيع والرّهن طرق ،أصحّها عند
جمهور أصحاب الشّافعيّ :تقرير الّنصّين ( أي دخول الشّجر والبناء في البيع عند الطلق ،
وعدم دخولها في الرّهن ) .والثّاني :فيهما قولن ،والثّالث :القطع بعدم الدّخول فيهما ،
قاله ابن سريج ،واختاره المام والغزاليّ .
ج -التّابع يسقط بسقوط المتبوع :
- 7هذه القاعدة ذكرها الزّركشيّ في المنثور والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما .
ومرادهم بالتّابع الّذي يسقط بسقوط متبوعه ذلك التّابع الّذي يتبع غيره في الوجود ،ومن
ن من فاتته صلة في أيّام الجنون ،وقيل
الفروع الّتي تذكرها كتب القواعد لهذه القاعدة :أ ّ
بعدم وجوب القضاء ،فإنّه ل يستحبّ له قضاء سننها الرّاتبة ،لنّ الفرض سقط فكذا تابعه .
ومن فاته الحجّ بعدم الوقوف فتحلّل بأفعال العمرة ،فل يأتي بالرّمي والمبيت ،لنّهما تابعان
للوقوف وقد سقط .
وممّا خرج عن هذه القاعدة :الخرس العاجز عن التّلفّظ بالتّكبير ،فإنّه يلزمه تحريك لسانه ،
عند الحنفيّة والشّافعيّة ،وعند القاضي من الحنابلة ،ول يلزمه ذلك عند المالكيّة وعند الحنابلة
على الصّحيح ،بل تكفيه ال ّنيّة ،ويكبّر بقلبه ،لنّ تحريك اللّسان للعاجز عن النّطق عبث كما
قال الحنابلة ،بل قال ابن تيميّة :ولو قيل ببطلن الصّلة بذلك لكان أقوى .
وممّا خرج عنها أيضا :إمرار الموسى على رأس القرع للتّحلّل بالحلق ،فإنّه واجب على
ن الحلق عبادة تتعلّق بالشّعر فتنتقل إلى
المختار عند الحنفيّة ،وواجب أيضا عند المالكيّة ،ل ّ
البشرة عند عدمه ،وقال الشّافعيّة بالنّدب ،والحنابلة بالستحباب .
وممّا خرج عنها في غير العبادات :ما لو أقرّ أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في
ن النّسب ل يتبعّض فل يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون
الميراث لم يثبت النّسب بالجماع ،ل ّ
ن أحدهما منكر ،ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب ،
المنكر ،ول يمكن إثباته في حقّهما ،ل ّ
ولكنّه يشارك المق ّر في الميراث في قول أكثر أهل العلم ،لنّه أقرّ بسبب مال لم يحكم ببطلنه
،فلزمه المال .هذا ،وذكر السّيوطيّ وابن نجيم قاعد ًة أخرى قريبةً من هذه القاعدة ،وهي
ن هذه القاعدة مطّردة في
قولهم ( الفرع يسقط إذا سقط الصل ) وجاء في شرح المجلّة :أ ّ
ل لوجود شيء آخر يتبعه في
المحسوسات والمعقولت .فالشّيء الّذي يكون وجوده أص ً
الوجود ،يكون ذلك فرعا مبتنيا عليه ،كالشّجرة إذا ذوت ذوى ثمرها ،وكاليمان باللّه تعالى
أصل وجميع العمال فروعه ،فإذا سقط اليمان -والعياذ باللّه تعالى -حبطت العمال ،
ن اعتبارها مبنيّ عليه .
لّ
ومن فروعها قولهم :إذا برئ الصيل برئ الضّامن ،أي الكفيل لنّه فرعه بخلف العكس .
وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الصل ،كما لو ادّعى الزّوج الخلع ،وأنكرت الزّوجة ،ثبتت
البينونة بل خلف ،لنّه مقرّ بما يوجبها ،وإن لم يثبت المال الّذي هو الصل .
د -يغتفر في التّوابع ما ل يغتفر في غيرها :
- 8هذه القاعدة ذكرها السّيوطيّ وابن نجيم ،وقريب منها قولهم :يغتفر في الشّيء ضمنا ما
ل يغتفر فيه قصدا ،وقولهم :يغتفر في الثّواني ما ل يغتفر في الوائل ،وقولهم :أوائل
العقود تؤكّد بما ل يؤكّد بها أواخرها ،وإنّما اغتفر في ذلك لنّه قد يكون للشّيء قصدا شروط
مانعة ،وإذا ثبت ضمنا أو تبعا لشيء آخر يكون ثبوته ضرورة ثبوته لمتبوعه أو ما هو في
ضمنه .
ومن فروع هذه القاعدة :أنّ النّسب ل يثبت ابتداءً بشهادة النّساء ،أمّا لو شهدن بالولدة على
الفراش يثبت النّسب تبعا ،حتّى لو كانت الشّاهدة في الولدة القابلة وحدها .
ن صدقه ،
وممّا خرج عن هذه القاعدة ممّا هو عكسها :أنّ الفاسق يجوز تقليده القضاء إذا ظ ّ
لكن إذا قلّد عدل ففسق في أثناء قضائه استحقّ العزل ،وهو ظاهر مذهب الحنفيّة ،وقيل :
إنّه ينعزل بفسقه ،لنّ عدالته في معنى المشروطة ،فقد جاز تقليده ابتداءً ولم يجز انتها ًء في
وليته ،فلمّا زالت عدالته زالت وليته .
ح قضاؤه ول ينفذ حكمه ،لكن قال مالك
وذكر المالكيّة في هذه المسألة :أنّ غير العدل ل يص ّ
:ل أرى خصال القضاة تجتمع اليوم في أحد ،فإن اجتمع منها خصلتان في واحد وهي العلم
والورع ولّي .وقال القرافيّ :إن لم يوجد عدل ولّي أمثل الموجودين .
وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فل يصحّ عندهم تولية الفاسق القضاء .
وعند الشّافعيّة :إن تعذّر جمع الشّروط في رجل فولّى سلطان له شوكة فاسقا نفذ قضاؤه
للضّرورة ،لئلّ تتعطّل مصالح النّاس .
وقال العزّ بن عبد السّلم :لمّا كان تصرّف القضاة أع ّم من تصرّف الوصياء ( الّذين يشترط
ص من تصرّف الئمّة ( وفي اشتراط العدالة فيهم اختلف ) اختلف في
فيهم العدالة ) وأخ ّ
إلحاقهم بالئمّة ،فمنهم من ألحقهم بالئمّة ،لنّ تصرّفهم أع ّم من تصرّف الوصياء ،ومنهم
ص من تصرّف الئمّة .
من ألحقهم بالوصياء ،لنّ تصرّفهم أخ ّ
هـ – التّابع ل يتقدّم على المتبوع :
ح تقدّم المأموم على إمامه في تكبيرة الفتتاح ،ول في
- 9من فروع هذه القاعدة :أنّه ل يص ّ
غيرها من الركان ،لحديث « :إنّما جعل المام ليؤتمّ به ،فإذا كبّر فكبّروا » ...إلخ
الحديث .
و -التّابع ل يكون له تابع :
- 10من فروع هذه القاعدة :لو قطع شخص الصابع وحدها في جناية وجبت الدّية ،فإن
قطع اليد من الكوع لم يلزمه أكثر من الدّية ،ويجعل الكفّ تبعا للصابع ،وإن قطع زيادةً
على ذلك لم يجعل تبعا ،بل يلزمه للزّيادة حكومة عدل على قدرها ،لنّ التّابع ل يكون له
تابع .وممّا خرج عنها توكيل الوكيل غيره دون الرّجوع إلى موكّله ،فقد ذكر الحنفيّة أنّ
للوكيل أن يوكّل في حقوق العقد فيما ترجع الحقوق فيه إليه ،لنّه أصيل فيها ،فله أن يوكّل
فيها بل إذن موكّله .
وفرّق المالكيّة بين الوكيل المفوّض وغير المفوّض ،وذكروا أنّ الوكيل المفوّض له أن يوكّل
ل في حالتين :
على الظهر ،وأمّا غير المفوّض فليس له أن يوكّل فيما وكّل فيه بل إذن ،إ ّ
ل يليق الفعل به .
إحداهما :أ ّ
والثّانية :أن يكثر بحيث يتعذّر عليه القيام به وحده .
وذكر الشّافعيّة :أنّ الوكيل لو وكّل فيما وكّل فيه ،وسكت عنه موكّله ،نظر :إن كان أمرا
يتأتّى له التيان به ،لم يجز أن يوكّل فيه ،وإن لم يتأتّ منه ،لكونه ل يحسنه ،أو ل يليق
بمنصبه ،فله التّوكيل على الصّحيح ،لنّ المقصود من مثله الستنابة .
والمذهب الّذي عليه الصحاب عند الحنابلة أنّ الوكيل ل يجوز له أن يوكّل فيما يتولّى مثله
بنفسه ،ونقل عن المام أحمد الجواز .وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح ( :وكالة ) .
ز -العبرة بنيّة المتبوع ل التّابع :
- 11فمن كان تابعا لغيره ،كالزّوجة التّابعة لزوجها ،والجنديّ التّابع لقائده ،فإنّ المعتبر في
ن نيّة المتبوع تنسحب على
السّفر الّذي يبيح لهما القصر والفطر نيّة المتبوع دون التّابع ،ل ّ
ي قائده ،هذا عند الحنفيّة ،والحنابلة
التّابع ،فيعطى حكمه ،فتتبع المرأة زوجها ،والجند ّ
وأمّا الشّافعيّة :فهم كالحنفيّة والحنابلة في جعلهم نيّة الزّوجة تابع ًة لنيّة الزّوج ،وخالفوهم في
نيّة الجنديّ فلم يجعلوها تابع ًة لنيّة المير ،لنّه ليس تحت يده وقهره .
وأمّا المالكيّة فلم يعرضوا لهذه المسألة فيما .اطّلع عليه من مراجع .
ح -ما دخل في البيع تبعا ل حصّة له من الثّمن :
- 12وذلك كالوصاف الّتي تدخل في البيع بل ذكر ،كبناء وشجر في الرض ،وأطراف
ن هذه الوصاف ل يقابلها شيء من الثّمن قبل
في الحيوان ،وجودة في الكيليّ والوزنيّ ،فإ ّ
القبض ،كما في جامع الفصولين ،أو إلّ إذا ورد عليها القبض كما في شرح السبيجابيّ .
وقد وضع محمّد رحمه ال أصلً لهذا ،وهو :كلّ شيء إذا بعته وحده ل يجوز بيعه ،وإذا
ق ذلك الشّيء قبل القبض ،كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ
بعته مع غيره جاز ،فإذا استح ّ
الباقي بجميع الثّمن ،وإن شاء ترك .
وك ّل شيء إذا بعته وحده جاز بيعه ،فإذا بعته مع غيره فاستحقّ ،كان له حصّة من الثّمن .
ن ما يدخل في البيع تبعا إذا استحقّ بعد القبض كان له حصّة من الثّمن ،فيرجع
والحاصل أ ّ
على البائع بحصّته ،وإن استحقّ قبل القبض ،فإن كان ل يجوز بيعه وحده كالشّرب .فل
ل الثّمن أو التّرك ،وإن جاز
حصّة له من الثّمن ،فل يرجع بشيء ،بل يخيّر بين الخذ بك ّ
بيعه وحده كالشّجر كان له حصّة من الثّمن ،فيرجع بها على البائع .
ن محلّ دخول التّابع في البيع ما لم يذكر ،فإن ذكر كان مبيعا قصدا ،حتّى لو فات قبل
ثمّ إ ّ
القبض بآفة سماويّة تسقط حصّته من الثّمن .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( بيع ) .
ط -التّابع مضمون بالعتداء :
- 13من فروع هذه القاعدة أنّ من جنى على امرأة حامل فأسقطت ففيه الغرّة .
ومن ذلك منافع المغصوب وغلّته ،فإنّها مضمونة على الغاصب تبعا للمغصوب عند المالكيّة
والشّافعيّة والحنابلة خلفا للحنفيّة .
َتبْغ *
التّعريف :
- 1التّبغ ( بتاء مفتوحة ) لفظ أجنبيّ دخل العربيّة دون تغيير ،وقد أقرّه مجمع اللّغة العربيّة
.وهو نبات من الفصيلة الباذنجانيّة يستعمل تدخينا وسعوطا ومضغا ،ومنه نوع يزرع للزّينة
،وهو من أصل أمريكيّ ،ولم يعرفه العرب القدماء .
ومن أسمائه :الدّخان ،وال ُتتُن ،والتّنباك .
ص من التّبغ كثيف يدخّن بالنّارجيلة ل باللّفائف .
ن الغالب إطلق هذا الخير على نوع خا ّ
لك ّ
طبّاق ،وهو نبات عشبيّ معمّر من فصيلة
- 2وممّا يشبه التّبغ في التّدخين والحراق :ال ّ
طبّاق :لفظ معرّب .
المركّبات النبوبيّة الزّهر ،وهو معروف عند العرب ،خلفا للتّبغ ،وال ّ
طبّاق :الدّخان ،يدخّن ورقه مفروما أو ملفوفا .
وفي المعجم الوسيط :ال ّ
- 3وقال الفقهاء عن ال ّدخّان :إنّه حدث في أواخر القرن العاشر الهجريّ وأوائل القرن
الحادي عشر ،وأوّل من جلبه لرض الرّوم ( أي التراك العثمانيّين ) النكليز ،ولرض
المغرب يهوديّ زعم أنّه حكيم ،ثمّ جلب إلى مصر ،والحجاز ،والهند ،وغالب بلد السلم .
الحكام المتعلّقة بالتّبغ :
حكم استعماله :
- 4منذ ظهور ال ّدخّان -وهو السم المشهور للتّبغ -والفقهاء يختلفون في حكم استعماله ،
بسبب الختلف في تحقّق الضّرر من استعماله ،وفي الدلّة الّتي تنطبق عليه ،قياسا على
ص في شأنه .فقال بعضهم :إنّه حرام ،وقال آخرون :إنّه مباح ،وقال
غيره ،إذ ل ن ّ
غيرهم :إنّه مكروه .
ل مذهب ،وبيان ذلك فيما يلي :
ل حكم من هذه الحكام أفتى فريق من ك ّ
وبك ّ
القائلون بتحريمه وأدلّتهم :
- 5ذهب إلى القول بتحريم شرب ال ّدخّان من الحنفيّة :الشّيخ الشرنبللي ،والمسيريّ ،
وصاحب ال ّدرّ المنتقى ،واستظهر ابن عابدين أنّه مكروه تحريما عند الشّيخ عبد الرّحمن
العماديّ .وقال بتحريمه من المالكيّة :سالم السّنهوريّ ،وإبراهيم اللّقانيّ ،ومحمّد بن عبد
الكريم الفكّون ،وخالد بن أحمد ،وابن حمدون وغيرهم .
ومن الشّافعيّة :نجم الدّين الغ ّزيّ ،والقليوبيّ ،وابن علّان ،وغيرهم .
ومن الحنابلة الشّيخ أحمد البهوتيّ ،وبعض العلماء النّجديّين .
ومن هؤلء جميعا من ألّف في تحريمه كاللّقانيّ والقليوبيّ ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون ،
وابن علّان .واستدلّ القائلون بالحرمة بما يأتي :
ن ال ّدخّان يسكر في ابتداء تعاطيه إسكارا سريعا بغيبة تامّة ،ثمّ ل يزال في كلّ مرّة
-6أ-أّ
س به ،لكنّه يجد نشوةً وطربا أحسن
ينقص شيئا فشيئا حتّى يطول المد جدّا ،فيصير ل يح ّ
شدّة
عنده من السّكر .أو أنّ المراد بالسكار :مطلق المغطّي للعقل وإن لم يكن معه ال ّ
المطربة ،ول ريب أنّها حاصلة لمن يتعاطاه أوّل مرّة .وهو على هذا يكون نجسا ،ويحدّ
شاربه ،ويحرم منه القليل والكثير .
-7ب -إن قيل :إنّه ل يسكر ،فهو يحدث تفتيرا وخدرا لشاربه ،فيشارك أوّليّة الخمر في
نشوته ،وقد قالت أمّ سلمة رضي ال تعالى عنها « :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
ل مسكر ومفتّر » قال العلماء :المفتّر :ما يحدث الفتور والخدر في الطراف
عن ك ّ
ل على تحريمه .
جةً ،ودلي ً
وصيرورتها إلى وهن وانكسار ،ويكفي حديث أمّ سلمة ح ّ
ولكنّه على هذا ل يكون نجسا ول يحدّ شاربه ،ويحرم القليل منه كالكثير خشية الوقوع في
التّأثير ،إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها ،وحفظ العقول من الكّليّات الخمس المجمع عليها
عند أهل الملل .
-8ج -أنّه يترتّب على شربه الضّرر في البدن والعقل والمال ،فهو يفسد القلب ،ويضعف
القوى ،ويغيّر اللّون بالصّفرة ،ويتولّد من تكاثف دخّانه في الجوف المراض والعلل ،
كالسّعال المؤدّي لمرض السّلّ ،وتكراره يسوّد ما يتعلّق به ،وتتولّد منه الحرارة ،فتكون داءً
مزمنا مهلكا ،فيشمله قوله تعالى { :ول تَ ْقتُلُوا أنفسَكم } وهو يسدّ مجاري العروق ،فيتعطّل
وصول الغذاء منها إلى أعماق البدن ،فيموت مستعمله فجأ ًة .
ثمّ قالوا :والطبّاء مجمعون على أنّه مضرّ ،قال الشّيخ عليش :أخبر بعض مخالطي
ل بعد إجماع أطبّائهم على منعهم من ملزمته ،
النكليز أنّهم ما جلبوا ال ّدخّان لبلد السلم إ ّ
وأمرهم بالقتصار على اليسير الّذي ل يضرّ ،لتشريحهم رجلً مات باحتراق كبده وهو
ملزمه ،فوجدوه ساريا في عروقه وعصبه ،ومسوّدا مخّ عظامه ،وقلبه مثل إسفنجة
يابسة ،فمنعوهم من مداومته ،وأمروهم ببيعه للمسلمين لضرارهم ...قال الشّيخ عليش :
فلو لم يكن فيه إلّ هذا لكان باعثا للعقل على اجتنابه ،وقد قال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم « :الحلل بيّن والحرام بيّن ،وبينهما مشتبهات ل يعلمهنّ كثير من النّاس ،فمن اتّقى
الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ،كالرّاعي يرعى
حول الحمى يوشك أن يرتع فيه » .هذا وفي المراجع الحديثة ما يثبت ضرر التّدخين .
-9د -في التّدخين إسراف وتبذير وضياع للمال ،قال الشّيخ عليش :لو سئل الفقهاء -
الّذين قالوا :السّفه الموجب للحجر تبذير المال في الّلذّات والشّهوات -عن ملزم استعمال
ال ّدخّان ،لمّا توقّفوا في وجوب الحجر عليه وسفهه ،وانظر إلى ما يترتّب على إضاعة
الموال فيه من التّضييق على الفقراء والمساكين ،وحرمانهم من الصّدقة عليهم بشيء ممّا
أفسده ال ّدخّان على المترفّهين به ،وسماحة أنفسهم بدفعها للكفّار المحاربين أعداء الدّين ،
ومنعها من العانة بها على مصالح المسلمين وسدّ خلّة المحتاجين .
- 10هـ -صدر أمر سلطانيّ من الخليفة العثمانيّ في وقته -بناءً على فتاوى علماء
عصره -بمنع استعمال ال ّدخّان ومعاقبة شاربيه ،وحرق ما وجد منه .فيعتبر من وجوه
ن امتثال أمره واجب في غير ما أجمع على
تحريمه :الخروج عن طاعة السّلطان ،فإ ّ
تحريمه ،ومخالفته محرّمة .
- 11و -رائحة ال ّدخّان منتنة مؤذية ،وكلّ رائحة مؤذية فهي ممنوعة ،وال ّدخّان أشدّ من
البصل والثّوم في الرّائحة ،وقد ورد منع من تناولهما من دخول المسجد ،وفرّق بين الرّائحة
المنتنة والرّائحة الكريهة ،والبصل والثّوم ريحهما مكروه وليس منتنا ،وال ّدخّان ريحه منتن .
- 12ز -من زعم استعماله تداويا لم يستعمله استعمال الدوية ،وخرج به إلى حدّ التّفكّه
والتّلذّذ ،وادّعى التّداوي تلبيسا وتستّرا حتّى وصل به إلى أغراض باطنة من العبث واللّهو
والسطال ،ومذهب الحنفيّة حرمته ،وعرّفوا العبث :بأنّه فعل لغير غرض صحيح ،والسّفه
:بأنّه فعل ل غرض فيه أصلً واللّعب :فعل فيه لذّة .وممّن صرّح بحرمة العبث في غير
س ْبتُم أنّما خلقناكم
الصّلة صاحب كتاب الحتساب متمسّكا بقول اللّه سبحانه وتعالى { :أ َفحَ ِ
ل شيء يلهو به
ع َبثَا } وصاحب الكافي متمسّكا بقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ك ّ
َ
ل رمية الرّجل بقوسه ،وتأديبه فرسه ،وملعبته امرأته ،فإنّهنّ من الحقّ » .
الرّجل باطل إ ّ
القائلون بإباحته وأدلّتهم :
- 13ذهب إلى القول بإباحة شرب ال ّدخّان من الحنفيّة :الشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ ،وقد ألّف
في إباحته رسال ًة سمّاها ( الصّلح بين الخوان في إباحة شرب ال ّدخّان ) ومنهم صاحب ال ّدرّ
المختار ،وابن عابدين ،والشّيخ محمّد العبّاسيّ المهديّ صاحب الفتاوى المهديّة ،والحمويّ
شارح الشباه والنّظائر .
ل شرب ما ل
ومن المالكيّة :عليّ الجهوريّ ،وله رسالة في إباحته سمّاها ( غاية البيان لح ّ
يغيّب العقل من ال ّدخّان ) ونقل فيها الفتاء بحلّه عمّن يعتمد عليه من أئمّة المذاهب الربعة ،
ل أكثر المتأخّرين من المالكيّة ،ومنهم :الدّسوقيّ ،والصّاويّ ،والمير ،
وتابعه على الح ّ
وصاحب تهذيب الفروق .ومن الشّافعيّة :الحفنيّ ،والحلبيّ ،والرّشيديّ ،والشبراملسي ،
والبابليّ ،وعبد القادر بن محمّد بن يحيى الحسينيّ الطّبريّ الم ّكيّ ،وله رسالة سمّاها ( رفع
الشتباك عن تناول التّنباك ) .ومن الحنابلة :الكرميّ صاحب دليل الطّالب ،وله رسالة في
ذلك سمّاها ( البرهان في شأن شرب ال ّدخّان ) .كذلك قال الشّوكانيّ بإباحته .
وقد استدلّ القائلون بإباحته بما يأتي :
- 14أ -أنّه لم يثبت إسكاره ول تخديره ،ول إضراره ( عند أصحاب هذا الرّأي ) وقد
عرف ذلك بعد اشتهاره ،ومعرفة النّاس به ،فدعوى أنّه يسكر أو يخدّر غير صحيحة ،فإنّ
السكار غيبوبة العقل مع حركة العضاء ،والتّخدير غيبوبة العقل مع فتور العضاء ،
وكلهما ل يحصل لشاربه .نعم من لم يعتده يحصل له إذا شربه نوع غشيان .وهذا ل
شطّيّ وغيره .
يوجب التّحريم .كذا قال الشّيخ حسن ال ّ
وقال الشّيخ عليّ الجهوريّ :الفتور الّذي يحصل لمبتدئ شربه ليس من تغييب العقل في
ن المسكر يكون معه نشوة
شيء ،وإن سلم أنّه ممّا يغيّب العقل فليس من المسكر قطعا ،ل ّ
وفرح ،وال ّدخّان ليس كذلك ،وحينئذ فيجوز استعماله لمن ل يغيّب عقله ،وهذا يختلف
باختلف المزجة ،والقلّة والكثرة ،فقد يغيّب عقل شخص ول يغيّب عقل آخر ،وقد يغيّب
من استعمال الكثير دون القليل .
ص بالتّحريم ،فيكون في حدّ ذاته مباحا ،
- 15ب -الصل في الشياء الباحة حتّى يرد ن ّ
جريا على قواعد الشّرع وعموماته ،الّتي يندرج تحتها حيث كان حادثا غير موجود زمن
سنّة ،فهو ممّا عفا
الشّارع ،ولم يوجد فيه نصّ بخصوصه ،ولم يرد فيه نصّ في القرآن أو ال ّ
اللّه عنه ،وليس الحتياط في الفتراء على اللّه تعالى بإثبات الحرمة أو الكراهة اللّذين ل بدّ
لهما من دليل ،بل في القول بالباحة الّتي هي الصل ،وقد توقّف النّبيّ صلى ال عليه وسلم
ص القطعيّ ،فالّذي
-مع أنّه هو المشرّع في تحريم الخمر أمّ الخبائث -حتّى نزل عليه النّ ّ
ن رائحته تستكرهها الطّباع ،فهو مكروه
ينبغي للنسان إذا سئل عنه أن يقول هو مباح ،لك ّ
طبعا ل شرعا .
ن فرض إضراره لبعض النّاس فهو أمر عارض ل لذاته ،ويحرم على من
- 16ج -إ ّ
ن العسل يضرّ بعض النّاس ،وربّما
ل أحد ،فإ ّ
يضرّه دون غيره ،ول يلزم تحريمه على ك ّ
أمرضهم ،مع أنّه شفاء بالنّصّ القطعيّ .
ن السراف هو
- 17د -صرف المال في المباحات على هذا الوجه ليس بسرف ،ل ّ
التّبذير ،وفسّر ابن مسعود التّبذير بأنّه إنفاق المال في غير حقّه ،فإذا كان النفاق في حقّه
ولو مباحا فليس بسرف ،ودعوى أنّه إسراف فهذا غير خاصّ بال ّدخّان .
ي باطل ،إذ ليس
- 18هـ -اتّفق المحقّقون على أنّ تحكيم العقل والرّأي بل مستند شرع ّ
الصّلح بتحريمه ،وإنّما الصّلح والدّين المحافظة بالتّباع للحكام الواردة بل تغيير ول
تبديل ،وهل الطّعن في أكثر النّاس من أهل اليمان والدّين ،والحكم عليهم بالفسق والطّغيان
بسبب شربهم ال ّدخّان ،وفي العامّة من هذه المّة فضلً عن الخاصّة ،صلح أم فساد ؟
- 19و -حرّر ابن عابدين أنّه ل يجب تقليد من أفتى بحرمة شرب ال ّدخّان ،لنّ فتواهم إن
كانت عن اجتهاد فاجتهادهم ليس بثابت ،لعدم توافر شروط الجتهاد ،وإن كانت عن تقليد
ل على ذلك ،فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف
لمجتهد آخر ،فليس بثابت كذلك لنّه لم ينقل ما يد ّ
يجب تقليدهم ؟ .ثمّ قال :والحقّ في إفتاء التّحليل والتّحريم في هذا الزّمان التّمسّك بالصلين
اللّذين ذكرهما البيضاويّ في الصول ،ووصفهما بأنّهما نافعان في الشّرع .
ن الصل في المنافع :الباحة ،واليات الدّالّة على ذلك كثيرة .
الوّل :أ ّ
الثّاني :أنّ الصل في المضارّ :التّحريم والمنع لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل
ضرر ول ضرار » .ثمّ قال :وبالجملة إن ثبت في هذا ال ّدخّان إضرار صرف عن المنافع
ن الفتاء بحلّه فيه دفع
ل .مع أ ّ
فيجوز الفتاء بتحريمه ،وإن لم يثبت إضراره فالصل الح ّ
ن أكثرهم يبتلون بتناوله ،فتحليله أيسر من تحريمه ،فإثبات حرمته
الحرج عن المسلمين ،فإ ّ
أمر عسير ل يكاد يوجد له نصير .نعم لو أض ّر ببعض الطّبائع فهو عليه حرام ،ولو نفع
ببعض وقصد التّداوي فهو مرغوب .
قال ابن عابدين :كذا أجاب الشّيخ محيي الدّين أحمد بن محيي الدّين بن حيدر الكرديّ
الجزريّ رحمه ال تعالى .وفي تهذيب الفروق :من عافاه اللّه من شربه واستعماله بوجه من
الوجوه ،ل ينبغي أن يحمل النّاس على مختاره ،فيدخل عليهم شغبا في أنفسهم وحير ًة في
دينهم ،إذ من شرط التّغيير لمر ما أن يكون متّفقا على إنكاره .
القائلون بالكراهة وأدلّتهم :
- 20ذهب إلى القول بكراهة شرب ال ّدخّان من الحنفيّة :ابن عابدين ،وأبو السّعود ،
ي .ومن المالكيّة :الشّيخ يوسف الصّفتيّ .ومن الشّافعيّة :الشّروانيّ .
واللّكنو ّ
ومن الحنابلة :البهوتيّ ،والرّحيبانيّ ،وأحمد بن محمّد المنقور التّميميّ .
واستدلّوا بما يأتي :
- 21أ -كراهة رائحته ،فيكره قياسا على البصل النّيء والثّوم والكرّات ونحوها .
شكّ ،
شكّ ،ول يحرم شيء بمجرّد ال ّ
- 22ب -عدم ثبوت أدلّة التّحريم ،فهي تورث ال ّ
فيقتصر على الكراهة لما أورده القائلون بالحرمة .
حكم شرب الدّخّان في المساجد ومجالس القرآن والعلم والمحافل :
- 23ل يجوز شرب ال ّدخّان في المساجد باتّفاق ،سواء قيل بإباحته أو كراهته أو تحريمه ،
قياسا على منع أكل الثّوم والبصل في المساجد ،ومنع آكلهما من دخول المساجد حتّى تزول
رائحة فمه ،وذلك لكراهة رائحة الثّوم والبصل ،فيتأذّى الملئكة والمصلّون منها ،ويلحق
ال ّدخّان بهما لكراهة رائحته -والمساجد إنّما بنيت لعبادة اللّه ،فيجب تجنيبها المستقذرات
والرّوائح الكريهة -فعن جابر رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من أكل
ن الملئكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم » .قال
ن مسجدنا ،فإ ّ
البصل والثّوم والكرّات فل يقرب ّ
ابن عابدين :يمنع في المسجد أكل نحو ثوم وبصل ونحوه ممّا له رائحة كريهة ،للحديث
الصّحيح في النّهي عن قربان آكل الثّوم والبصل المسجد قال المام العينيّ في شرحه على
صحيح البخاريّ :قلت :علّة النّهي أذى الملئكة وأذى المسلمين .
ل ما له رائحة كريهة مأكولً أو غيره
قال ابن عابدين :ويلحق بما نصّ عليه في الحديث :ك ّ
.ونقل ابن عابدين عن الطّحطاويّ :إنّ ال ّدخّان ملحق بالبصل والثّوم في هذا الحكم .
وقال الشّيخ عليش المالكيّ :ل شكّ في تحريم شرب ال ّدخّان في المساجد والمحافل لنّ له
رائح ًة كريهةً ،ونقل عن مجموع المير في باب الجمعة :أنّه يحرم تعاطي ما له رائحة
كريهة في المسجد والمحافل .وفي الشّروانيّ على تحفة المحتاج :يمنع من دخول المسجد ذو
الرّائحة الكريهة ،كآكل البصل والثّوم ،ومنه ريح ال ّدخّان المشهور الن .
- 24كذلك ل يجوز لشارب ال ّدخّان دخول المسجد حتّى تزول الرّائحة من فمه ،قياسا على
منع آكل الثّوم والبصل من دخول المسجد حتّى تزول الرّائحة .
واعتبر الفقهاء أنّ وجود الرّائحة الكريهة ،عذر في التّخلّف عن الجمعة والجماعة ،إذا لم
ص المنع بالمساجد ،بل إنّه يشمل مجامع الصّلة
يفعل ذلك قصدا لسقاط الجماعة .ول يخت ّ
غير المساجد ،كمصلّى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات ،وكذا مجامع العلم
والذّكر ومجالس قراءة القرآن ونحوها .
- 25هذا مع اختلف الفقهاء في منع من في فمه رائحة ال ّدخّان من دخول المسجد ،أو
مجامع العبادات ،ومجالس القرآن ،فحرّمه الحنفيّة والمالكيّة ،وكرهه الشّافعيّة والحنابلة .
كذلك اختلف الفقهاء بالنّسبة للمجامع الّتي ليست للصّلة أو الذّكر أو قراءة القرآن .وذلك
كالولئم ومجالس القضاء .فأفتى بإباحته في مجالس القضاء الشّيخ محمّد مهديّ العبّاسيّ
الحنفيّ شيخ الزهر ومفتي الدّيار المصريّة .
وقال الشّيخ عليش المالكيّ :يحرم تعاطيه في المحافل .وكرهه الشّافعيّة والحنابلة .
ي :يلحق بالثّوم والبصل والكرّات كلّ ما له
- 26أمّا السواق ونحوها ،فقد قال المام النّوو ّ
رائحة كريهة من المأكولت وغيرها ،وقاس العلماء على المساجد مجامع العبادات ومجامع
العلم والذّكر والولئم ونحوها .ثمّ قال :ول يلتحق بها السواق ونحوها . .
حكم بيع الدّخّان وزراعته :
- 27كان الختلف بين الفقهاء بالنّسبة لل ّدخّان هو في بيان حكم شربه ،هل هو حرام أو
مباح أو مكروه ،وكان التّعرّض لبيان حكم بيعه أو زراعته قليلً .
ن الّذين حرّموه يستتبع ذلك عندهم حرمة بيعه
على أنّه يمكن أن يقال في الجملة :إ ّ
وزراعته ،والّذين أباحوه يباح عندهم بيعه وزراعته .يقول الشّيخ عليش من المالكيّة :
ن ال ّدخّان في شربه خلف بالحلّ والحرمة ،فالورع عدم شربه ،وبيعه وسيلةً
الحاصل أ ّ
لشربه ،فيعطى حكمه .ونورد فيما يلي ما أمكن العثور عليه من أقوال في ذلك :
- 28من الحنفيّة نقل ابن عابدين عن الشرنبللي :أنّه يمنع من بيع ال ّدخّان ،
ومن المالكيّة ،ذكر الشّيخ عليش :ما يفيد جواز زراعته وبيعه ،فقد سئل في ال ّدخّان الّذي
يشرب في القصبة ،والّذي يستنشق به ،هل كلّ منهما متموّل ؟ فإذا أتلف شخص شيئا من
أحدهما مملوكا لغيره يكون عليه الضّمان ،أو كيف الحال ؟ .فأجاب :نعم ك ّل منهما
متموّل ،لنّه طاهر فيه منفعة شرعيّة لمن اختلّت طبيعته باستعماله وصار له كالدّواء ،فكلّ
منهما كسائر العقاقير الّتي يتداوى بها من العلل ،ول يرتاب عاقل متشرّع في أنّها متموّلة ،
فكذلك هذان ،كيف والنتفاع على الوجه المذكور والتّنافس حاصلن بالمشاهدة .
فإذا أتلف شخص شيئا من أحدهما مملوكا لغيره كان عليه الضّمان ،وقد أفتى بعض
المتأخّرين بجواز بيع مغيّب العقل بل نشوة ،لمن يستعمل منه القدر اليسير الّذي ل يغيّب
عقله ،واستظهر فتواه سيّدي إبراهيم اللّقانيّ .
كذلك سئل الشّيخ عليش :عن رجل تعدّى على بصل لخر أو جزر أو خسّ أو دخّان أو
مطلق زرع قبل بد ّو صلحه ،فماذا يلزمه ؟ وهل يعتبر وقت الحصاد ،أو ما يقوله أهل
المعرفة ؟ وإن كان بعد بد ّو الصّلح فما الحكم ؟ فأجاب :إن تعدّى على الزّرع قبل بدوّ
الصّلح أغرم قيمته يوم التّعدّي على الرّجاء والخوف ،وإن تأخّر الحكم عليه بالغرم حتّى
رجع الزّرع لحاله سقطت عنه القيمة ويؤدّب المفسد ،وإن تعدّى بعد بد ّو الصّلح أغرم قيمته
يوم التّعدّي على البتّ .ومن الشّافعيّة :جاء في حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج :
يصحّ بيع ال ّدخّان المعروف في زماننا ،لنّه طاهر منتفع به أي عند بعض النّاس .وجاء في
حاشية الشّروانيّ على تحفة المحتاج ما ملخّصه جواز بيعه .للخلف في حرمته ولنتفاع
ح بيعه .ولم نعثر على نصّ
بعض النّاس به .كما إذا كان يعلم الضّرر بتركه ،وحينئذ فيص ّ
في مذهب الحنابلة ،لكن جاء في كشّاف القناع ما يمكن أن يستفاد منه جواز بيعه قياسا .قال
:السّ ّم من الحشائش والنّبات ،إن كان ل ينتفع به ،أو كان يقتل قليله ،لم يجز بيعه ،وإن
انتفع به وأمكن التّداوي بيسيره جاز بيعه ،لما فيه من النّفع المباح .
حكم الدّخّان من حيث الطّهارة والنّجاسة :
- 29صرّح المالكيّة والشّافعيّة بطهارة ال ّدخّان .قال الدّردير :من الطّاهر الجماد ،ويشمل
النّبات بأنواعه ،قال الصّاويّ :ومن ذلك ال ّدخّان وفي نهاية المحتاج قال الشبراملسي في
الحاشية :يصحّ بيع ال ّدخّان المعروف في زماننا ،لنّه طاهر منتفع به .وورد مثل ذلك في
حاشية الجمل وحاشية الشّروانيّ وحاشية القليوبيّ .
هذا وقد ذكر القرافيّ في الفرق الربعين " :قاعدة المسكرات والمرقّدات والمفسدات "
( تنبيه ) تنفرد المسكرات عن المرقّدات والمفسدات بثلثة أحكام :الحدّ ،والتّنجيس ،وتحريم
اليسير .والمرقّدات والمفسدات ل حدّ فيها ول نجاسة ،فمن صلّى بالبنج معه أو الفيون لم
تبطل صلته إجماعا .هذا وبعض من حرّم ال ّدخّان وعلّل حرمته بالسكار فهي عنده نجسة
قياسا على الخمر .ولم نعثر على نصّ في مذهب الحنفيّة ،إلّ أنّ قواعدهم تدلّ على أنّ
ال ّدخّان طاهر ،فقد قال ابن عابدين :الشربة الجامدة كالبنج والفيون لم نر أحدا قال
سمّ القاتل ،فإنّه حرام مع أنّه طاهر .كذلك لم
بنجاستها ،ول يلزم من الحرمة نجاسته ،كال ّ
ل أنّه جاء في نيل المآرب :المسكر غير المائع طاهر .
ص في مذهب الحنابلة ،إ ّ
نعثر على ن ّ
تفطير الصّائم بشرب الدّخّان :
- 30اتّفق الفقهاء على أنّ شرب ال ّدخّان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام لنّه من
المفطرات ،كذلك يفسد الصّوم لو أدخل ال ّدخّان حلقه من غير شرب ،بل باستنشاق له عمدا ،
أمّا إذا وصل إلى حلقه بدون قصد ،كأن كان يخالط من يشربه فدخل الدّخان حلقه دون
قصد ،فل يفسد به الصّوم ،إذا ل يمكن الحتزاز من ذلك .
وعند الحنفيّة والمالكيّة :إن تعمّد ذلك فعليه القضاء والكفّارة .
وعند الشّافعيّة والحنابلة عليه القضاء فقط ،إذ الكفّارة عندهم تكون بالجماع فقط في نهار
رمضان .وكذلك يفطر الصّائم بمضغ ال ّدخّان أو نشوقه ،لنّه نوع من أنواع التّكييف ،
ص بالعود .
ويصل طعمه للحلق ،ويتكيّف به الدّماغ مثل تكيّفه بال ّدخّان الّذي يم ّ
وهذا ما صرّح به المالكيّة ،وقواعد المذاهب الخرى ل تأباه .
حقّ الزّوج في منع زوجته من شرب الدّخّان :
ن للزّوج
- 31يرى جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة وأحد وجهين عند الشّافعيّة والحنابلة ) أ ّ
منع زوجته من كلّ ما له رائحة كريهة ،كالبصل والثّوم ،ومن ذلك شرب ال ّدخّان
المعروف ،لنّ رائحته تمنع كمال الستمتاع ،خصوصا إذا كان الزّوج ل يشربه .
والوجه الثّاني عند الشّافعيّة والحنابلة :أنّه ليس له منعها من ذلك لنّه ل يمنع الوطء .
التّبغ في نفقة الزّوجة :
- 32يرى بعض الشّافعيّة والحنابلة أنّ الزّوجة إن اعتادت شرب ال ّدخّان تفكّها وجب على
الزّوج توفيره لها ضمن حقّها في النّفقة .
ن ذلك إن كان من
ويرى الحنفيّة أنّه ل يلزمه ذلك وإن تضرّرت بتركه ،قال ابن عابدين :ل ّ
قبيل الدّواء أو من قبيل التّفكّه ،فكلّ من الدّواء والتّفكّه ل يلزمه .
ن الدّواء والتّفكّه ل يلزم الزّوج .
ن قواعدهم كالحنفيّة في أ ّ
ولم يصرّح المالكيّة بذلك ،إلّ أ ّ
حكم التّداوي بالتّبغ :
ن الشياء المحرّمة النّجسة المنصوص
- 33من القواعد العامّة الّتي أجمع عليها الفقهاء أ ّ
عليها كالخمر ل يجوز التّداوي بها .أمّا ما ل نصّ فيه فإنّه يختلف باختلف اجتهاد الفقهاء .
فمن قال بنجاسة ال ّدخّان وأنّه يسكر كالخمر ل يجوز عنده التّداوي به .
لكنّه عند جمهور الفقهاء طاهر ويجوز التّداوي به ،كما يؤخذ ذلك من نصوصهم .وهذا إذا
كان يمكن التّداوي به .
قال الشّيخ عليش المالكيّ :الدّخان متموّل ،لنّه طاهر فيه منفعة شرعيّة لمن اختلّت طبيعته
باستعماله وصار له كالدّواء ،فهو كسائر العقاقير الّتي يتداوى بها من العلل .
إمامة شارب الدّخّان :
- 34نقل ابن عابدين عن الشّيخ العماديّ أنّه يكره القتداء بالمعروف بأكل الرّبا ،أو شيء
من المحرّمات ،أو يداوم الصرار على شيء من المكروهات ،كال ّدخّان المبتدع في هذا
الزّمان .
تبكير *
التّعريف :
- 1التّبكير :مصدر بكّر بالتّشديد ،وأصله من الخروج ُبكْرة أوّل النّهار ،ويكون أيضا
بمعنى :التّعجيل والسراع أيّ وقت كان ،يقال :بكّر بالصّلة أي :صلّاها لوّل وقتها ،
ل من أسرع إلى شيء
ويقال :بكّروا بصلة المغرب أي :صلّوها عند سقوط القرص ،وك ّ
فقد بكّر إليه .ولم يخرج الفقهاء في استعمالهم عن هذين المعنيين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّغليس :
- 2التّغليس في صلة الفجر :فعلها أوّل طلوع الفجر قبل انتشار الضّوء .
ب -السفار :
- 3السفار معناه :الوضوح والظّهور ،يقال :أسفر الصّبح :انكشف وأضاء ،والسفار
بصلة الصّبح في عرف الفقهاء هو :فعلها عند انتشار ضوء الفجر .
الحكم التّكليفيّ :
- 4التّبكير بأداء العبادات في أوّل أوقاتها مستحبّ لتحصيل الفضل والثّواب ،لما روي عن
النّبيّ صلى ال عليه وسلم -حين سئل عن أفضل العمال -قال « :الصّلة في أوّل وقتها
» وهذا على الجملة عند الفقهاء .
-5ويستثنى من هذا الحكم ما نصّ على تأخيره لسبب ،كالبراد بصلة الظّهر في وقت الحرّ
،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلة » .
كذلك استثنى الحنابلة والحنفيّة صلة العشاء ،لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال
« :لول أن أشقّ على المؤمنين لمرتهم بتأخير العشاء » وهو أيضا قول عند المالكيّة
والشّافعيّة ،وزاد الحنفيّة صلة العصر .
-6أمّا التّبكير بمعنى الخروج أوّل النّهار فهو وارد في صلة الجمعة والعيدين .فقد استحبّ
التّبكير لهما من أوّل النّهار الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :
من غسّل يوم الجمعة واغتسل ،وبكّر وابتكر كان له بكلّ خطوة يخطوها أجر سنة ،صيامها
وقيامها » وقال المام مالك :ل يستحبّ التّبكير خشية الرّياء .
التّبكير لطلب الرّزق :
- 7يستحبّ التّبكير بطلب الرّزق والتّجارة فقد روي عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت :
قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :باكروا للغدوّ في طلب الرّزق ،فإنّ الغد ّو بركة
ن ما بعد صلة الصّبح وقت
ونجاح » .قال ابن العربيّ :يروى عن ابن عبّاس وغيره أ ّ
يقسم اللّه فيه الرّزق بين العباد ،وثبت أنّه وقت ينادي فيه الملك « :اللّهمّ أعط منفقا خلفا ،
وأعط ممسكا تلفا » .وهو وقت ابتداء الحرص ونشاط النّفس وراحة البدن وصفاء الخاطر ،
فيقسم لجل ذلك كلّه وأمثاله .
التّبكير بالتّعليم :
- 8ينبغي التّبكير بتعليم الصّبيان ما فرض اللّه على العباد من قول وفعل ،لكي يأتي عليهم
البلوغ وقد تمكّن ذلك في قلوبهم ،وسكنت إليه أنفسهم ،وأنست بما يعلمون به من ذلك
جوارحهم .وقد قال النّوويّ :الصّحيح أنّه يجب على الباء والمّهات تعليم الولد الصّغار
ما سيتعيّن عليهم بعد البلوغ من :الطّهارة ،والصّلة ،والصّوم ،وتحريم الزّنى واللّواط
والسّرقة وشرب المسكر ،والكذب ،ونحوها .
واستدلّ على ذلك بقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا قوا أنفسَكم وأهليكم نارا } قال عليّ بن
أبي طالب رضي ال عنه ومجاهد وقتادة :معناه علّموهم ما ينجون به من النّار .
وتعليم الصّبيان يردّ العذاب الواقع بإرادة اللّه تعالى عن آبائهم ،أو عمّن تسبّب في تعليمهم ،
أو عن معلّمهم ،أو عنهم فيما يستقبل ،أو عن المجموع ،أو يردّ العذاب عموما .
تبليغ *
التّعريف :
- 1التّبليغ :مصدر بلّغ ،أي :أوصل ،يقال بلّغه السّلم :إذا أوصله .وبلغ الكتاب بلوغا :
وصل .
والتّبليغ في الصطلح أخصّ من ذلك ،إذ يراد به :العلم والخبار ،لنّه إيصال الخبر .
والتّبليغ يكون شفاها وبالرّسالة والكتابة .
وأغلب تبليغ الرّسل كان مشافهةً .والتّبليغ بالرّسالة :أن يرسل شخص رسولً إلى رجل ،
ويقول للرّسول مثلً :إنّي بعت عبدي هذا من فلن الغائب بكذا ،فاذهب إليه ،وقل له :إنّ
فلنا أرسلني إليك ،وقال لي :قل له :إنّي قد بعت عبدي هذا من فلن بكذا ،فإن ذهب
ن الرّسول
الرّسول وبلّغ الرّسالة ،فقال المشتري في مجلسه ذلك :قبلت ،انعقد البيع ،ل ّ
سفير ومعبّر عن كلم المرسل ،ناقل كلمه إلى المرسل إليه ،فكأنّه حضر بنفسه فأوجب
البيع ،وقبل الخر في المجلس .فالرّسالة بعض وسائل التّبليغ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكتابة :
- 2الكتابة هي :أن يكتب الرّجل إلى رجل إنّي بعت منك فرسي -ويصفه -بمبلغ كذا ،
فبلغ الكتاب المرسل إليه ،فقال في مجلسه :اشتريت ،تمّ البيع .لنّ خطاب الغائب كتابه ،
ص من
فكأنّه حضر بنفسه وخاطب باليجاب وقبل الخر في المجلس ،فالكتابة أيضا أخ ّ
التّبليغ .
الحكم التّكليفيّ :
تبليغ الرّسالت :
- 3أوجب اللّه على رسله تبليغ رسالته إلى من أرسلوا إليهم ،لئلّ يكون لهم على اللّه
حجّ ٌة بعد ال ّرسُل }
حجّة ،قال تعالى { :رُسُلً مبشّرين ومنذِرين لئلّ يكون للنّاس على اللّه ُ
وقال تعالى { :يا أيّها الرّسول بلّغْ ما أُنزل إليك من ربّك ،وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته ،
صمُك من النّاس } .قال ابن عبّاس :المعنى بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك ،فإن
واللّه َي ْع ِ
كتمت شيئا منه فما بلّغت رسالته .وهذا تأديب للنّبيّ صلى ال عليه وسلم وتأديب لحملة العلم
ل يكتموا شيئا من أمر شريعته .
من أمّته أ ّ
وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت « :من حدّثك أنّ محمّدا
صلى ال عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب ،واللّه تعالى يقول { :يا أيّها الرّسول بلّغ
ما أُنزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته } »
وعن أبي جحيفة قلت لعليّ رضي ال عنه « :هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في
ل فهما يعطيه اللّه رجلً في القرآن ،
القرآن ؟ فقال :ل .والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ،إ ّ
وما في هذه الصّحيفة ،قلت :وما في هذه الصّحيفة ؟ قال :العقل ،وفكاك السير ،وألّ
يقتل مسلم بكافر » .
تبليغ الدّعوة السلميّة :
- 4تبليغ الدّعوة السلميّة لغير المسلمين واجب على الكفاية ،فقد أرسل الرّسول صلى ال
عليه وسلم إلى الملوك غير المسلمين يدعوهم إلى السلم ،فكتب إلى المقوقس وغيره ،
وجرى على ذلك أصحابه .
التّبليغ خلف المام :
- 5من سنن الصّلة جهر المام بالتّكبير والتّسميع والسّلم بقدر الحاجة ليسمّع المأمومين ،
فإن زاد على الحاجة زيادةً كبيرةً كره .
والتّكبير للعلم بالدّخول في الصّلة والنتقال فيها يكون من المام ،فإن كان صوته ل يبلغ
من وراءه فينبغي التّبليغ عنه من أحد المأمومين ،والمراد من التّكبير ما يشمل تكبيرة الحرام
ب للمام أن يجهر بالتّكبير ،بحيث يسمع المأمومون ليكبّروا
وغيرها .وقال ابن قدامة :يستح ّ
ل بعد تكبيره ،فإن لم يمكنه إسماعهم جهر بعض المأمومين
،فإنّهم ل يجوز لهم التّكبير إ ّ
ليسمعهم ،أو ليسمع من ل يسمع المام .لما روى جابر رضي ال عنه قال « :صلّى بنا
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأبو بكر خلفه ،فإذا كبّر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
كبّر أبو بكر ليسمعنا » وفي كلّ مذهب تفصيل :
فعند الحنفيّة والشّافعيّة :أنّ المام إذا كبّر للفتتاح فل بدّ لصحّة صلته من قصده بالتّكبير
الحرام بالصّلة ،وإلّ فل صلة له إذا قصد العلم فقط .فإن جمع بين المرين بأن قصد
الحرام والعلم فذلك هو المطلوب منه شرعا .وكذلك المبلّغ إذا قصد التّبليغ فقط خاليا عن
قصد الحرام فل صلة له ،ول لمن يصلّي بتبليغه في هذه الحالة ،لنّه اقتدى بمن لم يدخل
في الصّلة .فإن قصد بتكبيره الحرام مع التّبليغ للمصلّين ،فذلك هو المقصود منه شرعا .
ووجهه :أنّ تكبيرة الحرام شرط أو ركن ،فل بدّ في تحقّقها من قصد الحرام أي الدّخول
في الصّلة .
وأمّا التّسميع من المام ،والتّحميد من المبلّغ ،وتكبيرات النتقالت منهما ،إذا قصد بما ذكر
العلم فقط ،فل فساد للصّلة .والفرق أنّ قصد العلم غير مفسد ،كما لو سبّح ليعلم غيره
أنّه في الصّلة .ولمّا كان المطلوب هو التّكبير على قصد الذّكر والعلم ،فإذا محض قصد
العلم فكأنّه لم يذكر ،وعدم الذّكر في غير التّحريمة غير مفسد .
وعند المالكيّة أنّه يجوز اتّخاذ شخص معيّن ليسمع النّاس ،وتصحّ صلته ،ولو قصد بتكبيره
وتحميده مجرّد إسماع المأمومين .
ح أن يكون المسمع ( المبلّغ ) صبيّا أو امرأ ًة أو محدثا ،وذلك مبنيّ على أنّ
وعندهم أنّه يص ّ
المسمع علمة على صلة المام ،وذلك هو اختيار المازريّ واللّقانيّ .وفي رأي :أنّ
المسمع نائب ووكيل عن المام ،فل يجوز له التّسميع حتّى يستوفي شرائط المام .
وعند الحنابلة :أنّه يستحبّ الجهر من المام ليسمع المأمومين انتقالته في الصّلة ،كالجهر
بتكبيرة الحرام ،فإن لم يجهر المام بحيث يسمع الجميع استحبّ لبعض المأمومين رفع
صوته ليسمعهم .
تبليغ السّلم :
ن البتداء بالسّلم سنّة مرغّب فيها ،وردّه فريضة لقوله تعالى :
-أجمع العلماء على أ ّ 6
تبنّي *
التّعريف :
- 1التّبنّي :اتّخاذ الشّخص ولد غيره ابنا له ،وكان الرّجل في الجاهليّة يتبنّى الرّجل ،
فيجعله كالبن المولود له ،ويدعوه إليه النّاس ،ويرث ميراث الولد .
وغلب في استعمال العرب لفظ ( ادّعاء ) على التّبنّي ،إذا جاء في مثل ( ادّعى فلن فلنا )
عيَاءَكم أبناءَكم } .
ل َأدْ ِ
جعَ َ
ومنه ( الدّعيّ ) وهو المتبنّي ،قال اللّه تعالى { :وما َ
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ التّبنّي عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستلحاق :
- 2ألحق القائف الولد بأبيه :أخبر أنّه ابنه لشبه بينهما يظهر له ،واستلحقت الشّيء :ادّعيته
،وفي القاموس :استلحق فلنا :ادّعاه ،والستلحاق يختصّ بالب وحده ،وهو القرار
بالنّسب عند الحنفيّة ،ول يقع الستلحاق إلّ على مجهول النّسب .
ن التّبنّي يكون بالنّسبة لكلّ من
فالستلحاق ل يكون إلّ بالنّسبة لمجهول النّسب ،في حين أ ّ
مجهول النّسب ومعلوم النّسب ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( :استلحاق ) .
ب -البنوّة :
- 3البن :الذّكر من الولد ،والسم :البنوّة .
وفي اصطلح الفقهاء :يطلق البن على البن الصّلبيّ من نسب حقيقيّ ،فتكون البنوّة من
نسب أصليّ ،ويطلق البن على ابن البن وإن نزل مجازا .
فالفرق بين البنوّة والتّبنّي :أنّ البنوّة ترجع إلى النّسب الصليّ ،أمّا التّبنّي فهو ادّعاء الرّجل
أو المرأة من ليس ولدا لهما .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :بنوّة ) .
ج -القرار بالنّسب :
- 4إقرار الب أو المّ بالبنوّة دون ذكر السّبب مع عدم إلحاق الضّرر أو العار بالولد ،هو
ل.
القرار بالنّسب المباشر .فالقرار تصحيح للنّسب بعد أن كان مجهو ً
أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب ومعلومه ،والتّبنّي قد أبطله السلم ،أمّا القرار بالنّسب
ح الرّجوع فيه ،ول يجوز نفيه بعد صدوره .انظر مصطلح ( :إقرار ) .
فقائم ول يص ّ
د -اللّقيط :
- 5ادّعاء اللّقيط شكل من أشكال القرار بالنّسب ،واللّقيط هو الصّغير الّذي وجد في مكان
يصعب فيه التّعرّف على أبويه .أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب كما يكون لمعلوم النّسب ،
وادّعاء اللّقيط في الحقيقة ردّ إلى نسب حقيقيّ في الظّاهر ،ول يحمل التّبنّي هذا المعنى .
الحكم التّكليفيّ :
- 6حرّم السلم التّبنّي ،وأبطل كلّ آثاره ،وذلك بقوله تعالى { :وما جعل أدعياءَكم أبناءَكم
ذلكم قولُكم بأفواهِكم واللّ ُه يقولُ الحقّ وهو يهدي السّبيلَ } ،وقوله تعالى { :ادْعوهم لبائِهم }
.
وقد كان التّبنّي معروفا عند العرب في الجاهليّة وبعد السلم ،فكان الرّجل في الجاهليّة إذا
أعجبه من الرّجل جلده وظرفه ضمّه إلى نفسه ،وجعل له نصيب ابن من أولده في
الميراث ،وكان ينسب إليه فيقال :فلن بن فلن .وقد « تبنّى الرّسول صلى ال عليه وسلم
زيد بن حارثة قبل أن يشرّفه اللّه بالرّسالة ،وكان يدعى زيد بن محمّد ،واستمرّ المر على
ذلك إلى أن نزل قول اللّه تعالى { :وما جعل أدعياءكم أبناءكم } إلى قوله { :وكان اللّه
ل ينسبه إلى نفسه ،
غفورا رحيما } وبذلك أبطل اللّه نظام التّبنّي » ،وأمر من تبنّى أحدا أ ّ
وإنّما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف ،فإن جهل أبوه دعي ( مولًى ) ( وأخا في
الدّين ) وبذلك منع النّاس من تغيير الحقائق ،وصينت حقوق الورثة من الضّياع أو النتقاص
.
َت ْبوِئة *
التّعريف :
- 1التّبوئة في اللّغة :مصدر بوّأ ،بمعنى أسكن ،يقال :بوّأته دارا :أي أسكنته إيّاها .
وال ُمبَوُّأ المنزل الملزوم ،ومنه :بوّأه اللّه منزلً :أي ألزمه إيّاه وأسكنه ،ومنه قوله تعالى :
صدْقٍ } ومنه أيضا حديث « :من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ
{ ولقد َبوّأنَا بني إسرائيلَ ُم َبوّأ ِ
مقعده من النّار . » ...وهي في الصطلح :أن يخلّي المولى بين المة وبين زوجها
ويدفعها إليه ول يستخدمها .أمّا إذا كانت تذهب وتجيء وتخدم مولها فل يكون ذلك تبوئةً .
ولمعرفة أحكامها تنظر مباحث ( النّكاح ) من كتب الفقه وانظر أيضا مصطلح ( رقّ ) .
تبيع *
التّعريف :
- 1التّبيع في اللّغة :ولد البقر في السّنة الولى ،ويسمّى تبيعا لنّه يتبع أمّه ،والنثى
تبيعة ،وجمع المذكّر أتبعة ،وجمع النثى تباع .
وفي الصطلح :ل يخرج معنى تبيع ،وتبيعة عمّا ورد في اللّغة ،وهذا عند الحنفيّة
والحنابلة ،والمعتمد عند الشّافعيّة .وعند المالكيّة :ما أوفى سنتين ودخل في الثّالثة .
الحكم الجماليّ :
- 2أجمع الفقهاء على أنّ التّبيع يكون واجبا في نصاب البقر إذا بلغت ثلثين ،لحديث معاذ
رضي ال عنه قال « :بعثني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أصدق أهل اليمن ،فأمرني
أن آخذ من البقر من كلّ ثلثين تبيعا » ...إلخ .
ووجوب التّبيع فيما زاد عن الثّلثين تفصيله في مصطلح ( زكاة ) .
تبييت *
التّعريف :
ل ،وبيّت ال ّنيّة على المر :إذا عزم عليه
- 1التّبييت لغةً :مصدر بيّت المر إذا دبّره لي ً
ليلً فهي مبيّتة بالفتح .وبيّت العدوّ :أي داهمه ليلً .وفي التّنزيل العزيز { إ ْذ ُي َبيّتُون ما ل
ت بليل » .
يرضى من القولِ } وفي السّيرة « :هذا أمر ُبيّ َ
والتّبييت في الصطلح بمعناه اللّغويّ ،والبيات اسم المصدر ،ومنه قوله تعالى َ { :أفَأمِنَ
أهلُ القرى أن يأتيَهم بَأسُنا َبيَاتَا وهم نائمون } .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الغارة :
- 2يطلق العرب البيات أو التّبييت على الغارة على العدوّ ليلً .
ش ِهدْنا َمهِْلكَ أهلِه وإنّا
سمُوا باللّه َل ُن َب ّي َتنّهُ وأهلَه ثمّ لنقوَلنّ لوليّه ما َ
وفي التّنزيل { :قالوا تقا َ
لصادقون } فالفرق بين تبييت العد ّو وبين الغارة عليه :أنّ الغارة مطلقة ،إذ تكون ليلً أو
نهارا ،أمّا التّبييت فهو في اللّيل .
ب -البيتوتة :
- 3البيتوتة :مصدر بات ،ومعناها الفعل باللّيل ،فهو بهذا المعنى أع ّم من البيات ،ويندر
استعمالها بمعنى النّوم ليلً .
ويستعملها الفقهاء أحيانا في آثار القسم بين الزّوجات ،وبهذا المعنى يخالف البيات .
حكم التّبييت :
أ ّولً :تبييت العدوّ :
- 4تبييت العد ّو جائز لمن يجوز قتالهم ،وهم الكفّار الّذين بلغتهم الدّعوة ورفضوها ،ولم
يقبلوا دفع الجزية ،ولم يكن بيننا وبينهم عقد ذمّة ول هدنة .
ل البيات ؟ قال :ول نعلم أحدا كره
قال أحمد رحمه ال :ل بأس بالبيات ،وهل غزو الرّوم إ ّ
تبييت العدوّ .وعن الصّعب بن جثّامة قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يسأل
عن أهل الدّيار من المشركين :نبيّتهم فنصيب من نسائهم وذراريّهم فقال :هم منهم » فإن
قيل :قد نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن قتل النّساء وال ّذ ّريّة .قلنا :هذا محمول على
التّعمّد لقتلهم .والجمع بينهما ممكن بحمل النّهي على التّعمّد ،والباحة على ما عداه .
والمسألة فيها تفريعات فيما إذا كان مع الكفّار مسلم وقتل ،تنظر في ( :الجهاد والدّيات ) .
فإن بيّت المام أو أمير الجيش قبل الدّعوة أثم ،لقوله تعالى { :فا ْنبِ ْذ إليهم على سَوَاء } .
واختلف الفقهاء في ضمان من يقتل منهم بالتّبييت :فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل
يضمن ،لنّه ل إيمان له ،ول أمان ،فلم يضمن .
وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّه يضمن بالدّية والكفّارة ،ونقل ذلك عن الشّافعيّ .
ويرى بعض الفقهاء :أنّ أهل الكتاب والمجوس ل تجب دعوتهم قبل القتال ،لنّ الدّعوة قد
ن كتبهم قد بشّرت بالرّسالة المحمّديّة .ويدعى عبدة الوثان قبل أن يحاربوا .
بلغتهم ،ول ّ
-5أمّا من بلغتهم الدّعوة ،فتستحبّ الدّعوة قبل التّبييت مبالغ ًة في النذار ،وليعلموا أنّنا
نقاتلهم على الدّين ل على سلب الموال وسبي الذّراريّ ،وقد ثبت « أنّ النّبيّ صلى ال عليه
وسلم :أمر عليّا حين أعطاه الرّاية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم » ،وهم ممّن
بلغتهم الدّعوة .ويجوز بياتهم بغير دعاء ،لنّه صحّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّه
أغار على بني المصطلق ليلً وهم غافلون » « .وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا
» « .وسئل عن المشركين يبيّتون ،فيصاب من نسائهم وذراريّهم فقال :هم منهم » .وكانوا
جميعا ممّن بلغتهم الدّعوة وإلّ لم يبيّتوا للدلّة السّابقة .
ثانيا :تبييت ال ّنيّة في صوم رمضان :
- 6ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب تبييت ال ّنيّة في صوم رمضان ما بين غروب الشّمس
إلى طلوع الفجر الثّاني .وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يستحبّ التّبييت ،لكن تجزئ ال ّنيّة نهارا
إلى الزّوال ،وفي ذلك تفصيل ينظر في ( :الصّوم ،وال ّنيّة ) .
مواطن البحث :
- 7يذكر الفقهاء التّبييت في كتاب ( :السّيرة ،والجهاد ) .
تتابع *
التّعريف :
- 1من معاني التّتابع في اللّغة :الموالة .يقال تابع فلن بين الصّلة وبين القراءة :إذا
والى بينهما ،ففعل هذا على أثر هذا بل مهلة بينهما .وتتابعت الشياء :تبع بعضها بعضا .
وتابع بين المور متابعةً وتباعا :واتر ووالى .ول يخرج معناه الصطلحيّ عن ذلك .
الحكم الجماليّ :
- 2التّتابع يكون في صوم الكفّارات ،ويكون في العتكاف ،ويكون في الوضوء والغسل ،
ويسمّى غالبا ( الموالة ) وتنظر أحكامه في ( الوضوء والغسل ) .
التّتابع في الصّوم في كفّارة اليمين :
- 3إذا لم يجد الحانث في يمينه ما يكفّر به عنها ،من إطعام عشرة مساكين ،أو كسوتهم ،
أو تحرير رقبة أو عجز عن ذلك ،كان عليه أن ينتقل إلى الصّوم ،فيصوم ثلثة أيّام .
خذُكم
ن يؤا ِ
خذُكم اللّ ُه بالّلغْوِ في أيمانِكم ولك ْ
والصل في ذلك قول اللّه تبارك وتعالى { :ل يؤا ِ
ن من أوسطِ ما ُتطْعمون أهليكم أو ِكسْوتهم أو
شرَ ِة مساكي َ
عَن فكفّارتُه إطعامُ َ
بما عَ ّق ْدتُم اليما َ
تحريرُ رَقب ٍة فمن لم َيجِ ْد فصيامُ ثلثةِ أيّامٍ ذلك كفّار ُة أيمانِكم إذا حَلَ ْفتُم } .
واختلف الفقهاء في التّتابع ،فذهب الحنفيّة وهو الصحّ عند الحنابلة ،وهو قول للشّافعيّة :
إلى وجوب التّتابع ،للقراءة الشّاذّة لبن مسعود فصيام ثلثة أيّام متتابعات .وذهب المالكيّة -
وهو قول للشّافعيّة -إلى جواز صومها متتابع ًة أو متفرّق ًة .ر ( :كفّارة اليمين ) .
التّتابع في الصّوم في كفّارة الظّهار :
- 4يأتي الصّوم في المرتبة الثّانية بعد العتق في كفّارة الظّهار ،كما في قوله تعالى { :
ن َيتَماسّا ذلكمْ
ن َقبْل أ ْ
حرِيرُ َر َقبَةٍ مِ ْ
ن ِلمَا قالوا َف َت ْ
ن ُيظَاهِرُون من نسائِهم ثمّ َيعُودو َ
والّذي َ
جدْ فصيامُ شهرين ُم َتتَابعين من قبلِ أن َي َتمَاسّا
ن به واللّ ُه بما تعملونَ خبيرٌ .فمنْ لم َي ِ
تُوعظو َ
ن ِمسْكينا ذلك ِلتُؤمنوا باللّهِ ورسولِ ِه وتلك حدودُ اللّ ِه وللكافرينَ
فمنْ لم يستطعْ فإطعامُ ستّي َ
ب أليمٌ } .فإن لم يجد المظاهر ما يعتق كما في الية الولى انتقل إلى الصّيام ،فيصوم
عذا ٌ
شهرين متتابعين كما في صدر الية الثّانية ،ليس فيهما رمضان ،ويوما العيد ،وأيّام
التّشريق ،وذلك من قبل أن يتماسّا .فإن جامعها في الشّهرين ليلً أو نهارا عامدا أو ناسيا
ن َي َتمَاسّا } .
ن قبلِ أ ْ
بعذر أو بغير عذر استقبل ،لقوله تعالى { :مِ ْ
ن الشّافعيّة قالوا :
وبهذا أخذ الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة والحنابلة في وجوب التّتابع ،إلّ أ ّ
إذا جامعها ليلً قبل أن يكفّر يأثم ول يبطل التّتابع .ر ( :كفّارة الظّهار ) .
التّتابع في الصّوم في كفّارة الفطر في نهار رمضان :
- 5تجب الكفّارة بالجماع في نهار رمضان باتّفاق .وتجب بالكل أو الشّرب عمدا عند
الحنفيّة والمالكيّة ،والكفّارة تكون بالعتق أو الصّوم أو الطعام .
وتأتي مرتبة الصّوم بعد العتق عند الحنفيّة والشّافعيّة وجمهور الحنابلة ،وفي رواية عن أحمد
أنّها على التّخيير بين العتق والصّيام والطعام وبأيّها كفّر أجزأه ،وهذا بناءً على أنّ أو
ل أفطر في رمضان ،فأمره رسول اللّه صلى ال عليه
ن رج ً
للتّخيير لما روى أبو هريرة « أ ّ
وسلم أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا » .
وعند المالكيّة كفّارته على التّخيير أيضا ،ولكنّهم فضّلوا الطعام على العتق فجعلوه أ ّولً ،
لنّه أكثر نفعا لتعدّيه لفراد كثيرة ،وفضّلوا العتق على الصّوم ،لنّ نفعه متعدّ للغير دون
الصّوم ،فالصّوم عندهم في المرتبة الثّالثة .
ن صوم كفّارة الفطر في رمضان شهران متتابعان عند الئمّة
وسواء كان هذا أو ذاك ،فإ ّ
الربعة .لما روى أبو هريرة رضي ال عنه قال « :بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى ال
عليه وسلم إذ جاءه رجل ،فقال :يا رسول اللّه :هلكت ،قال :ما لك ؟ قال :وقعت على
امرأتي وأنا صائم .فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :هل تجد رقبةً تعتقها ؟ قال :ل .
قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال :ل .قال :فهل تجد إطعام ستّين مسكينا ؟
قال :ل .قال :فمكث النّبيّ صلى ال عليه وسلم فبينا نحن على ذلك ُ ،أ ِتيَ النّبيّ صلى ال
عليه وسلم بعرق فيها تمر -والعرق :المكتل -قال :أين السّائل ؟ فقال :أنا .قال :خذ
هذا فتصدّق به .فقال الرّجل :على أفقر منّي يا رسول اللّه ؟ فواللّه ما بين ل َب َتيْها -يريد
الحرّتين -أهلُ بيت أفقر من أهل بيتي .فضحك النّبيّ صلى ال عليه وسلم حتّى بدت أنيابه ،
طعِمْه أهَلكَ » .
ثمّ قال َ :أ ْ
الصّوم في كفّارة القتل :
ل مُؤْمنا
ن قت َ
- 6يأتي في المرتبة الثّانية بعد العجز عن العتق ،كما في قوله تعالى { :وم ْ
ن لمْ
ن َيصّ ّدقُوا } إلى قوله تعالى { :فم ْ
خطًَأ فتحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ َو ِديَ ٌة ُمسَلّمَ ٌة إلى أهِلهِ إلّ أ ْ
َ
ن اللّ ُه عليما حكيما } .
ن متتابعينِ َت ْوبَ ًة من الّلهِ وكا َ
شهْري ِ
يجدْ فصيامُ َ
فالتّتابع في صيام هذين الشّهرين واجب اتّفاقا .ر ( :كفّارة القتل ) .
التّتابع في صوم النّذر :
- 7إن نذر أن يصوم أيّاما ،أو شهرا ،أو سنةً ،ولم يعيّن ،وشرط التّتابع لزمه اتّفاقا ،
وكذا لو نذر أن يصوم شهرا معيّنا كرجب ،أو سنة معيّنة ،لزمه التّتابع في صيامها كذلك .
أمّا لو نذر شهرا ،أو سن ًة غير معيّنين ،ولم يشترط التّتابع ،فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة
والشّافعيّة ،وهو رواية عند الحنابلة إلى :أنّه ل يلزمه التّتابع ،وفي رواية أخرى عند
الحنابلة يلزمه التّتابع ،وروي عن أحمد كذلك فيمن قال :للّه عليّ أن أصوم عشرة أيّام :
يصومها متتابع ًة .وانظر للتّفصيل مصطلح ( :نذر ) .
التّتابع في العتكاف :
- 8مذهب الحنفيّة :أنّ من أوجب على نفسه اعتكاف أيّام ،بأن قال :عشرة أيّام مثلً ،
ن مبنى العتكاف على التّتابع .
لزمه اعتكافها بلياليها متتابعةً ،وإن لم يشترط التّتابع ،ل ّ
وكذا لو قال :شهرا ،ولم ينوه بعينه ،لزمه متتابعا ليله ونهاره ،يفتتحه متى شاء بالعدد ،ل
هلليّا ،وإن عيّن شهرا يعتبر الشّهر بالهلل ،وإن فرّق العتكاف استأنفه متتابعا .وقال
زفر في نذر اعتكاف شهر :إن شاء فرّق العتكاف وإن شاء تابعه .وإن نوى اليّام خاصّةً
أي دون اللّيل صحّت نيّته ،لنّ حقيقة اليوم بياض النّهار .
وعند المالكيّة كذلك ،يلزم تتابع العتكاف المنذور فيما إذا كان مطلقا ،أي غير مقيّد بتتابع
ول عدمه .وأنّ من نذر اعتكاف شهر أو ثلثين يوما فل يفرّق ذلك .وهذا بخلف من نذر
أن يصوم شهرا أو أيّاما ،فإنّه ل يلزمه التّتابع في ذلك .
والفرق :أنّ الصّوم إنّما يؤدّى في النّهار دون اللّيل فكيفما فعل أصاب ،متتابعا أو مفرّقا .
والعتكاف يستغرق الزّمانين اللّيل والنّهار ،فكان حكمه يقتضي التّتابع .
والمراد بالمطلق :الّذي لم يشترط في التّتابع لفظا ،ولم يحصل فيه نيّة التّتابع ،ول نيّة عدمه
.فإن حصل فيه نيّة أحدهما عمل بها .ويلزم المعتكف ما نواه من تتابع أو تفريق وقت
ن ال ّنيّة بمجرّدها ل توجب شيئا .
الشّروع ،وهو حين دخوله فيه ،ول يلزمه بنيّته فقط ،ل ّ
والشّافعيّة قالوا :إنّ من نذر أن يعتكف شهرا فإن عيّن شهرا لزمه اعتكافه متتابعا ليلً ونهارا
ن الشّهر عبارة عمّا بين الهللين ،تمّ أو نقص .وإن
،سواء كان الشّهر تامّا أو ناقصا ،ل ّ
نذر اعتكاف نهار الشّهر لزمه النّهار دون اللّيل ،لنّه خصّ النّهار فلم يلزمه العتكاف
باللّيل ،فإن فاته الشّهر ولم يعتكف فيه لزمه قضاؤه ،ويجوز أن يقضيه متتابعا ومتفرّقا ،لنّ
التّتابع في أدائه بحكم الوقت ،فإذا فات سقط التّتابع في صوم رمضان .وإن نذر أن يعتكف
متتابعا لزمه قضاؤه متتابعا ،لنّ التّتابع هنا بحكم النّذر ،فلم يسقط بفوات الوقت .
وإن نذر اعتكاف شهر غير معيّن ،واعتكف شهرا بالهلّة أجزأه ،تمّ الشّهر أو نقص ،لنّ
اسم الشّهر يقع عليه ،وإن اعتكف شهرا بالعدد لزمه ثلثون يوما ،لنّ الشّهر بالعدد ثلثون
ن َن َذرَ وسمّى فعليه
ن شرط التّتابع لزمه متتابعا ،لقوله صلى ال عليه وسلم « مَ ْ
يوما .فإ ّ
ن المتتابع
الوفاء بما سمّى » وإن شرط أن يكون متفرّقا جاز أن يكون متفرّقا ومتتابعا ،ل ّ
أفضل من المتفرّق ،وإن أطلق النّذر جاز متفرّقا ومتتابعا ،كما لو نذر صوم شهر .
أمّا الحنابلة فقد ذهبوا إلى أنّ من نذر اعتكاف أيّام متتابعة يصومها فأفطر يوما أفسد تتابعه ،
ووجب عليه الستئناف ،لخلله بالتيان بما نذره على صفته .
وإن نذر اعتكاف شهر لزمه شهر بالهلّة أو ثلثون يوما ،والتّتابع فيه على وجهين :أحدهما
ل واحدا ،لنّه معنًى يحصل في
ل يلزمه ،والثّاني يلزمه ،وقال القاضي :يلزمه التّتابع قو ً
اللّيل والنّهار ،فإذا أطلقه اقتضى التّتابع .ر ( :اعتكاف ) .
ما يقطع التّتابع في صيام الكفّارات :
ينقطع التّتابع في صوم الكفّارة بأمور ذكرها الفقهاء وهي :
أ -الفطر بإكراه أو نسيان ونحوهما :
ن الفطار بعذر أو بغير عذر يقطع التّتابع ،باستثناء عذر المرأة في
- 9يرى الحنفيّة أ ّ
الحيض ،ولم يفرّقوا في ذلك بين عذر المرض أو غيره ،وهو يتناول الكراه .
وأمّا لو أكل ناسيا في كفّارة الظّهار فقد ذكر صاحب الفتاوى الهنديّة :أنّه ل يضرّ .
ول يجزئ عن الكفّارة صيام تسعة وخمسين يوما بغير اعتبار الهلّة ،أمّا إذا صام شهرين
ح حتّى ولو كان ثمانيةً وخمسين يوما .
ن صومه يص ّ
باعتبار الهلّة ،فإ ّ
ويرى المالكيّة أنّ الفطر بالكراه بمؤلم من قتل أو ضرب ل يقطع التّتابع ،ول يقطعه أيضا
شكّ في غروب الشّمس فإنّه يقطعه ،
فطر من ظنّ بقاء اللّيل ،أو غروب الشّمس بخلف ال ّ
وكذا ل يقطع التّتابع عندهم فطر من صام تسعةً وخمسين يوما ،ث ّم أصبح مفطرا ظانّا الكمال
.ول يقطع التّتابع عندهم الكل والشّرب ناسيا على المشهور ،ول يقطعه جماع غير
المظاهر منها نهارا نسيانا ،أو ليلً ولو عمدا .
ن الكراه عليه يبطل الصّوم
ن الكراه على الكل يبطل التّتابع ،بناءً على أ ّ
وذكر الشّافعيّة :أ ّ
على القول به ،لنّه سبب نادر .هذا هو المذهب في الصّورتين ،كما جاء في الرّوضة ،
ج كالمرض ،وكذا إذا استنشق فوصل الماء إلى دماغه ،
وبه قطع الجمهور ،وجعلهما ابن ك ّ
ففي انقطاع التّتابع الخلف ،بنا ًء على القول بأنّه يفطر ،وقال النّوويّ :لو أوجر الطّعام
ل الطّرق .
مكرها لم يفطر ولم ينقطع تتابعه ،قطع به الصحاب في ك ّ
وذكر الحنابلة أنّ التّتابع ل يقطع بالفطر بسبب الكراه أو الخطأ أو النّسيان على الصّحيح من
المذهب ،لحديث « :إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » ل إن
أفطر لجهل فإنّه ل يعذر به ،وأمّا الّذي أفطر خطأً كمن ظنّ بقاء اللّيل أو الغروب فبان خلفه
ن تمام الشّهرين فبان خلفه فإنّه ينقطع تتابع
فل ينقطع تتابع صيامه ،وأمّا الّذي أفطر على ظ ّ
صيامه ،أو ظنّ أنّ الواجب شهر واحد فأفطر ،أو أفطر ناسيا لوجوب التّتابع ،أو أفطر لغير
عذر انقطع تتابع صيامه لقطعه إيّاه ،ول يعذر بالجهل .
ب -الحيض والنّفاس :
- 10اتّفق الفقهاء على أنّ الحيض ل يقطع التّتابع في الكفّارة الّتي توجب صيام شهرين على
المرأة ،ككفّارة القتل ،لنّه ل ب ّد منه فيهما ،ولنّها ل يد لها فيه ،ولنّه ينافي الصّوم ،وفي
ن اليأس خطر ،إلّ أنّ المتولّي من الشّافعيّة قال :إنّ المرأة إذا كانت لها
تأخير التّكفير إلى س ّ
عادة في الطّهر تسع صوم الكفّارة فصامت في غيرها ،أي في وقت يحدث فيه الحيض ،فإنّه
يقطع التّتابع .
ن الحيض يقطعه ،بناءً على وجوب التّتابع فيها كما
وأمّا تتابع صوم أيّام كفّارة اليمين ،فإ ّ
ذكر الحنفيّة ،والشّافعيّة على أحد القولين في وجوب تتابعها ،لقلّة أيّامها ،بخلف الشّهرين .
هذا ،وذكر النّوويّ في الرّوضة :أنّنا إذا أوجبنا التّتابع في كفّارة اليمين فحاضت في أثنائها ،
ففي انقطاع تتابعها القولن في الفطر بالمرض في الشّهرين ،ويشبه أن يكون فيه طريق
جازم بانقطاع التّتابع .
- 11أمّا النّفاس فإنّه يقطع التّتابع في صوم الكفّارة عند الحنفيّة ،وعلى مقابل الصّحيح الّذي
حكاه أبو الفرج السّرخسيّ من الشّافعيّة لندرته ،ولمكانها اختيار شهرين خاليين منه .وذهب
المالكيّة والشّافعيّة على الصّحيح ،والحنابلة إلى :أنّ النّفاس ل يقطع التّتابع ،قياسا على
الحيض ،ولنّها ل يد لها فيه .
ت -دخول رمضان والعيدين وأيّام التّشريق :
ن دخول شهر رمضان وعيد الفطر أو عيد الضحى وأيّام التّشريق
- 12ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
يقطع صوم الكفّارة لوجوب صوم رمضان وحرمة صوم الباقي ،ولنّ في استطاعته أن يجد
شهرين ليس فيهما ما ذكر ،وهذا أيضا هو ما ذهب إليه الشّافعيّة في صوم غير السير .وأمّا
السير إذا صام باجتهاده ،فدخل عليه رمضان أو العيد قبل تمام الشّهرين ،ففي انقطاع تتابعه
الخلف في انقطاعه بإفطار المريض .
ن تعمّد فطر يوم العيد يقطع تتابع صوم الكفّارة ،كما إذا تعمّد صوم
وأمّا المالكيّة فذكروا :أ ّ
ذي القعدة وذي الحجّة عن كفّارة ظهاره مع علمه بدخول العيد في أثنائه .بخلف ما إذا جهله
ن شهر ذي الحجّة هو المحرّم ،فصامه مع ما بعده ظانّا أنّه صفر
فإنّه ل يقطع ،كما إذا ظنّ أ ّ
،فبان خلفه .
وجهل دخول رمضان عندهم كجهل العيد على الرجح عند ابن يونس ،والمراد بجهل العيد
كما في الخرشيّ :جهله في كونه يأتي في الكفّارة ،ل جهل حكمه ،خلفا لبي الحسن ،
ن المراد بالجهل جهل الحكم وهو أظهر .ومثل العيد عندهم اليومان بعده .وأمّا
حيث ذكر أ ّ
ثالث أيّام التّشريق فإنّ صومه يجزئ ،وفطره يقطع التّتابع اتّفاقا ،كما جاء في الخرشيّ .
وأمّا الحنابلة فذهبوا إلى أنّ صوم الكفّارة ل يقطع بذلك مطلقا ،لوجوب صوم رمضان
ن فطر العيدين وأيّام التّشريق واجب أيضا بإيجاب الشّرع ،أي إنّ ذلك
بإيجاب الشّرع ،ول ّ
الزّمن منعه الشّرع من صومه كاللّيل .
ث -السّفر :
- 13السّفر عند الحنفيّة والمالكيّة ،وقول عند الشّافعيّة :يقطع التّتابع إن أفطر فيه ،لنّ
الفطار عندهم بعذر أو بغير عذر يقطعه .والقول الخر للشّافعيّة :أنّه كالمرض .
والسّفر الّذي يباح فيه الفطر ل يقطع التّتابع عند الحنابلة .
ج – فطر الحامل والمرضع :
- 14فطر الحامل والمرضع عند الشّافعيّة ،كما جاء في الرّوضة خوفا على الولد .قيل :
هو كالمرض ،وقيل :يقطع قطعا ،لنّه فعل اختياريّ .
وأمّا الحنابلة فيرون أنّ فطر الحامل والمرضع خوفا على أنفسهما أو ولديهما ل يقطع التّتابع ،
لنّه فطر أبيح لعذر عن غير جهتهما ،فأشبه المرض .وما ذهب إليه الحنفيّة -من أنّ الفطر
ل فعل اختياريّ ،كالسّفر
بعذر أو بغير عذر يقطع التّتابع -والمالكيّة -من القول بقطعه بك ّ
مثلً -مقتضاه قطع التّتابع بفطرهما خوفا على أنفسهما أو ولديهما .
ح -المرض :
- 15المرض يقطع تتابع صوم الكفّارة عند الحنفيّة ،وعند الشّافعيّة في الظهر ،وهو الجديد
،لنّ الحنفيّة لم يفرّقوا بين الفطر بعذر مرض أو غيره في قطع التّتابع ،باستثناء المرأة في
الحيض ،ولنّ المرض كما ذكر الشّافعيّة ل ينافي الصّوم ،وإنّما قطعه باختياره .وذهب
ن المرض ل يقطع تتابع صوم الكفّارة ،لنّه ل يزيد على أصل
الشّافعيّة في القديم إلى أ ّ
وجوب صوم رمضان ،وهو يسقط بالمرض .وهذا أيضا هو ما ذهب إليه الحنابلة ،وإن
كان المرض غير مخوف ،لنّه ل يد له فيه كالحيض ،ومثله الجنون والغماء .
خ -نسيان ال ّنيّة في بعض اللّيالي :
ن نسيان ال ّنيّة في بعض اللّيالي يقطع التّتابع كتركها عمدا ،ول
- 16ذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
يجعل النّسيان عذرا في ترك المأمور به ،وهذا بناءً على وجوب اشتراطها في كلّ ليلة ،على
مقابل الصحّ عندهم .أمّا لو صام أيّاما من الشّهرين ،ثمّ شكّ بعد فراغه من صوم يوم ،
شكّ بعد
هل نوى فيه أم ل ؟ لم يلزمه الستئناف على الصّحيح كما قال النّوويّ ،ول أثر لل ّ
الفراغ من اليوم ،ذكره الرّويانيّ في كتاب الحيض في مسائل المتحيّرة .
د -الوطء :
ن فعله هذا
- 17اتّفق الفقهاء على أنّ المظاهر إذا وطئ من ظاهر منها في النّهار عامدا ،فإ ّ
يقطع التّتابع ،وأمّا إذا وطئها في اللّيل عامدا أو ناسيا ،أو وطئها في النّهار ناسيا ،ففيه
ن المظاهر إذا جامع الّتي ظاهر منها باللّيل عامدا أو
الخلف .فذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أ ّ
ن الشّرط في الصّوم أن يكون خاليا من المسيس ،
ن ذلك يقطع التّتابع ،ل ّ
بالنّهار ناسيا ،فإ ّ
وقال أبو يوسف :إنّ التّتابع ل يقطع بذلك إذ ل يفسد به الصّوم ،وهو وإن كان تقديمه على
المسيس شرطا ،فإنّ فيما ذهبنا إليه تقديم البعض ،وفيما قلتم تأخير الكلّ عنه .وذهب
المالكيّة والحنابلة إلى أنّ وطء المظاهر منها يقطع التّتابع مطلقا ،سواء أكان باللّيل أم
بالنّهار ،وسواء أكان عالما أو ناسيا أم جاهلً أم غالطا ،أو بعذر يبيح الفطر كسفر ،لقوله
ن َيتَماسّا } .
ن قَبْلِ أ ْ
تعالى { :مِ ْ
ن وطأه باللّيل ل يقطع التّتابع ،ويعتبر عاصيا .هذا ،ووطء غير
وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
المظاهر منها في النّهار عامدا يقطع التّتابع ،كما صرّح به صاحب العناية من الحنفيّة ،
بخلف ما لو وطئها باللّيل عامدا ،أو ناسيا ،أو بالنّهار ناسيا فإنّ ذلك ل يقطع التّتابع ،كما
ن ذلك غير محرّم عليه .
صرّح به الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،ل ّ
ومثل ذلك ما لو وطئها بسبب عذر يبيح الفطر كما صرّح به الحنابلة .
ذ -قضاء ما لم ينقطع به التّتابع :
ن تتابع صوم الكفّارة يقطعه تأخير قضاء اليّام الّتي أفطرها في
- 18قال المالكيّة :إ ّ
صيامه ،والّتي يجب عليه أن يقضيها متّصل ًة بصيامه ،فإن أخّر قضاءها انقطع تتابع الصّوم
.وشبّهوا ذلك بمن نسي شيئا من فرائض الوضوء أو الغسل ،ثمّ تذكّره أثناءه فلم يغسله ،أي
لم يأت به حين تذكّره فإنّه يبتدئ الطّهارة ،نسي ذلك أم تعمّده .بخلف نسيان النّجاسة بعد
تذكّرها قبل الصّلة فإنّه ل يؤثّر لخفّتها .
ولم نجد لغير المالكيّة تصريحا في هذه المسألة .
تترّس *
التّعريف :
- 1التّترّس في اللّغة :التّستّر بالتّرس ،والحتماء به والتّوقّي به .وكذلك التّتريس ،يقال :
تترّس بالتّرس ،أي توقّى وتستّر به .كما في حديث أنس بن مالك قال « :كان أبو طلحة
يتترّس مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم بترس واحد » ويقال أيضا :تترّس بالشّيء جعله
كالتّرس وتستّر به ،ومنه :تترّس الكفّار بأسارى المسلمين وصبيانهم أثناء الحرب .
ول يخرج الستعمال الفقهيّ عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّحصّن :
-من معا ني التّح صّن :الحتماء بالح صن ،يقال :تح صّن العد ّو :إذا د خل الح صن 2
تتريب *
التّعريف :
- 1التّتريب :مصدر ترّب ،يقال :ترّبت الشّيء تتريبا فتترّب ،أي لطّخته فتلطّخ بالتّراب .
وأتربت الشّيء :جعلت عليه التّراب ،وترّبت الكتاب تتريبا ،وترّبت القرطاس فأنا أترّبه ،
أي أضع عليه التّراب ليمتصّ ما زاد من الحبر .
وعلى هذا ،فتتريب الشّيء لغ ًة واصطلحا :جعل التّراب عليه .
الحكم الجماليّ :
- 2استعمال التّراب في التّطهير من نجاسة الكلب :
التّراب الطّاهر قد يستعمل في التّطهير ،كما إذا ولغ الكلب في إناء ،فإنّه كي يطهر هذا
ن بالتّراب ،هذا عند الحنابلة والشّافعيّة ،لما روى أبو هريرة
الناء يجب غسله سبعا إحداه ّ
ب في إناء أحدكم
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :إذا وَلَ َغ الكل ُ
رضي ال عنه أ ّ
فَلْيغسله سبعا » متّفق عليه ،زاد مسلم « أولهنّ بالتّراب » .ولما روى عبد اللّه بن مغفّل أنّه
عليه الصلة والسلم قال « :إذا ولغ الكلب في الناء فاغسلوه سبع مرّات ،وعَفّروه الثّامنةَ
بالتّراب » .
والمستحبّ أن يجعل التّراب في الغسلة الولى ،لموافقته لفظ الخبر ،أو ليأتي الماء عليه بعده
ن بالتّراب » وفي حديث « :
فينظّفه .ومتى غسل به أجزأه ،لنّه روي في حديث « :إحداه ّ
ن محلّ التّراب من الغسلت غير مقصود
ن » وفي حديث « :في الثّامنة » فيدلّ على أ ّ
أوله ّ
.فإن جعل مكان التّراب غيره من الشنان والصّابون ونحوهما ،أو غسله غسلةً ثامنةً ،
فالصحّ أنّه ل يجزئ ،لنّه طهارة أمر فيها بالتّراب تعبّدا ،ولذا لم يقم غيره مقامه .ولبعض
ل المغسول به
الحنابلة :يجوز العدول عن التّراب إلى غيره عند عدم التّراب ،أو إفساد المح ّ
.فأمّا مع وجوده وعدم الضّرر فل .وهذا قول ابن حامد .
وعند المالكيّة :يندب غسل الناء سبعا بولوغ الكلب فيه ،بأن يدخل فمه في الماء ويحرّك
لسانه فيه ،ول تتريب مع الغسل بأن يجعل في الولى ،أو الخيرة ،أو إحداهنّ .لنّ
التّتريب لم يثبت في كلّ الرّوايات ،وإنّما ثبت في بعضها ،وذلك البعض الّذي ثبت فيه ،وقع
فيه اضطراب .وللحنفيّة قول بغسله ثلثا ،لحديث « يغسل الناء من ولوغ الكلب ثلثا » .
ل بغسله ثلثا أو خمسا أو سبعا .لما روى الدّارقطنيّ عن العرج عن أبي هريرة « عن
وقو ٌ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم في الكلب ،يلغ في الناء أنّه يغسله ثلثا أو خمسا أو سبعا » وورد
ن بالتّراب .
في حاشية الطّحطاويّ على مراقي الفلح :يندب التّسبيع وكون إحداه ّ
تتن *
انظر :تبغ .
تثاؤب *
التّعريف :
- 1التّثاؤب ( :بالمدّ ) :فترة تعتري الشّخص فيفتح عندها فمه .
والمعنى الصطلحيّ في هذا ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
حكمه التّكليفيّ :
- 2صرّح العلماء بكراهة التّثاؤب .فمن اعتراه ذلك ،فليكظمه ،وليردّه قدر الطّاقة .لقوله
صلى ال عليه وسلم « :فليردّه ما استطاع » كأن يطبق شفتيه أو نحو ذلك .فإذا لم يستطع
وضع يده على فمه ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا تثاءب أحدكم ف ْل ُيمْسك بيده على فمه ،
ل ما يستر الفم كخرقة أو ثوب ممّا يحصل به المقصود
ن َي ْدخُلُ » ويقوم مقام اليد ك ّ
فإنّ الشّيطا َ
.ثمّ يخفض صوته ول يعوي ،لما رواه ابن ماجه من طريق عبد اللّه بن سعيد المقبريّ عن
أبيه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ،
ول يعوي ،فإنّ الشّيطان يضحك منه » ثمّ يمسك عن التّمطّي والتّلوّي الّذي يصاحب بعض
النّاس ،لنّه من الشّيطان .وقد روي « :أنّه صلى ال عليه وسلم كان ل يتمطّى ،لنّه من
الشّيطان » .
التّثاؤب في الصّلة :
- 3التّثاؤب في الصّلة مكروه ،لخبر مسلم « :إذا تثاءب أحدكم في الصّلة فليكظمه ما
استطاع ،فإنّ الشّيطان يدخل منه » ،وهذا إذا أمكن دفعه ،فإذا لم يمكن دفعه فل كراهة ،
ويغطّي فمه بيده اليسرى ،وقيل :بإحدى يديه .وهو رأي الحنفيّة والشّافعيّة .ول شيء فيه
عند المالكيّة والحنابلة ،ويندب كظم التّثاؤب في الصّلة ما استطاع ،فإذا لم يستطع وضع يده
على فمه للحديث .
التّثاؤب في قراءة القرآن :
- 4ذكر الفقهاء من آداب قراءة القرآن ألّ يقرأ القرآن في حال شغل قلبه وعطشه ونعاسه ،
وأن يغتنم أوقات نشاطه ،وإذا تثاءب ينبغي أن يمسك عن القراءة حتّى ينقضي التّثاؤب ،ثمّ
يقرأ ،لئلّ يتغيّر نظم قراءته ،قال مجاهد :وهو حسن ويدلّ عليه ما ثبت عن أبي سعيد
الخدريّ رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إذا تثاءب أحدكم
ن الشّيطان يدخل » .
فليمسك بيده على فمه ،فإ ّ
تثبّت *
التّعريف :
- 1التّثبّت لغةً :هو التّأنّي في المر والرّأي .
واصطلحا :تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال المراد .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّحرّي :
- 2التّحرّي لغ ًة :القصد والطّلب .
واصطلحا :طلب الشّيء بغالب الرّأي عند تعذّر الوقوف على الحقيقة .
الحكم الجماليّ :
للتّثبّت أحكام كثيرة منها :
أ -التّثبّت من استقبال القبلة في الصّلة :
ل وجهَك
- 3ل خلف في أنّ من شروط صحّة الصّلة استقبال القبلة ،لقوله تعالى { :فو ّ
شطرَ المسجد الحرام وحيثما كنتم فوَلّوا وجوهَكم شطرَه } ( أي جهته ) ويستثنى من ذلك
أحوال ل يشترط فيها الستقبال ،كصلة الخوف ،والمصلوب ،والغريق ،ونفل السّفر
المباح وغيرها ( .ر :استقبال القبلة ) .
ب -التّثبّت في شهادة الشّهود :
- 4ينبغي للقاضي أن يتثبّت في شهادة الشّهود ،وذلك بالسّؤال عنهم سرّا أو علنيةً ،وهذا
إذا لم يعلم بعدالتهم ،لنّ القاضي مأمور بالتّفحّص عن العدالة ( .ر :تزكية ) .
ج -التّثبّت من رؤية هلل شهر رمضان :
- 5يستحبّ التّثبّت من رؤية هلل شهر رمضان ليلة الثّلثين من شعبان لتحديد بدئه ،
ويكون ذلك بأحد أمرين :
الوّل :رؤية هلله ،إذا كانت السّماء خالي ًة ممّا يمنع الرّؤية من غيم أو غبار ونحوهما .
الثّاني :إكمال شعبان ثلثين يوما ،إذا كانت السّماء غير خالية ممّا ذكر ،لقوله صلى ال
عليه وسلم « :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غبّي عليكم فأكملوا عدّ َة شعبان ثلثين
» وبهذا أخذ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ،وهي رواية عن أحمد .
وخالف الحنابلة في حال الغيم ،فأوجبوا اعتبار شعبان تسعةً وعشرين ،وأوجبوا صيام يوم
الثّلثين على أنّه من أوّل رمضان ،عملً بلفظ آخر ورد في حديث آخر وهو « :ل تصوموا
حتّى تروا الهلل ،ول تفطروا حتّى تروه ،فإن غ ّم عليكم فاقدروا له »
أي :احتاطوا له بالصّوم ( .ر :أهلّة ) .
د -التّثبّت من كلم الفسّاق :
- 6يجب التّثبّت ممّا يأتي به الفسّاق من أنباء ،لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم
{ ن تصيبوا قوما ِبجَهالة َفتُصبحوا على ما فعلتم نادمين } وقد قرئ
فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أ ْ
ن هذه الية نزلت في الوليد بن
فتثبّتوا } بدلً من{ تبيّنوا } والمراد بالتّبيّن :التّثبّت ،قيل :إ ّ
ي صلى ال عليه وسلم بعث الوليد بن
ن النّب ّ
عقبة ،وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة « :أ ّ
عقبة مصدّقا إلى بني المصطلق ،فلمّا أبصروه أقبلوا نحوه ،فهابهم ،فرجع إلى النّبيّ صلى
ال عليه وسلم فأخبره أنّهم قد ارتدّوا عن السلم ،فبعث نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم خالد
بن الوليد وأمره أن يتثبّت ول يعجل .فانطلق خالد حتّى أتاهم ليلً ،فبعث عيونه فلمّا جاءوا
أخبروا خالدا أنّهم متمسّكون بالسلم ،وسمعوا أذانهم وصلتهم ،فلمّا أصبحوا أتاهم خالد
ورأى صحّة ما ذكر عيونه ،فعاد إلى نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم فأخبره ،فنزلت الية » ،
وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :التّأنّي من اللّه ،والعجلة من الشّيطان » .
تثليث *
التّعريف :
- 1التّثليث :مصدر ثلّث ،ويختلف معناه في اللّغة باختلف مواضع استعماله ،يقال :ثلّث
الشّيء :جزّأه وقسّمه ثلثة أقسام ،وثلّث الزّرع :سقاه الثّالثة ،وثلّث الشّراب :طبخه حتّى
ذهب ثلثه أو ثلثاه ،وثلّث الثنين :صيّرهما ثلث ًة بنفسه .أمّا في اصطلح الفقهاء :فيطلقونه
على تكرار المر ثلث مرّات ،وعلى العصير الّذي ذهب بالطّبخ ثلثه أو ثلثاه .
الحكم الجماليّ :
يختلف حكم التّثليث باختلف مواطنه على النّحو التّالي :
أ -التّثليث في الوضوء :
ن التّثليث في الوضوء عند الئمّة الثّلثة ،وهو رواية عن المالكيّة ،وذلك بتكرار
- 2يس ّ
ب في المشهور من
غسل الوجه واليدين والرّجلين إلى ثلث مرّات مستوعبات .وهو مستح ّ
مذهب المالكيّة .وقيل :الغسلة الثّانية سنّة ،والثّالثة فضيلة ،وقيل :العكس .أمّا الرّجلن
ففي تثليث غسلهما في الوضوء عند المالكيّة قولن مشهوران :
ل واحدة ثلثا وهو المعتمد .
ن الرّجلين كالوجه واليدين ،فتغسل ك ّ
الوّل :أ ّ
والقول الثّاني :أنّ فرض الرّجلين في الوضوء النقاء من غير تحديد .
ول يسنّ التّثليث في مسح الرّأس عند الحنفيّة ،وفي الصّحيح من مذهب الحنابلة ،وأمّا عند
المالكيّة فقيل :ردّ اليدين ثالثةً في مسح الرّأس ل فضيلة فيه ،وذهب أكثر علمائهم إلى أنّ ردّ
اليدين ثالث ًة فضيلة إذا كان في اليدين بلل ،ول يستأنف الماء للثّانية ول للثّالثة .
وذهب الشّافعيّة ،والحنابلة في رواية إلى أنّ التّثليث يسنّ في مسح الرّأس ،بل يسنّ التّثليث
عند الشّافعيّة في المسح على الجبيرة ،والعمامة ،وفي السّواك ،والتّسمية ،وكذا في باقي
السّنن إلّ في المسح على الخفّ ،وكذا تثليث ال ّنيّة في قول لبعض الشّافعيّة .وذهب ابن
سيرين إلى مسح الرّأس مرّتين .
والصل فيما ذكر ،ما رواه ابن عبّاس رضي ال عنهما ،قال « :توضّأ النّبيّ صلى ال
ي صلى ال
ن النّب ّ
عليه وسلم مرّ ًة مرّةً » أخرجه البخاريّ .وروى عثمان رضي ال عنهما أ ّ
عليه وسلم « توضّأ ثلثا ثلثا » .
ثمّ الزّيادة على الثّلث المستوعبة مع اعتقاد س ّنيّة الثّلث ل بأس بها عند الحنفيّة في رواية .
والصّحيح عند الئمّة الثّلثة ،وهو رواية عن الحنفيّة :أنّها تكره .
ب -التّثليث في الغسل :
ن التّثليث في الغسل عند الئمّة الثّلثة كالوضوء ،فيغسل رأسه ثلثا ،ث ّم شقّه اليمن
- 3يس ّ
ثلثا ،ثمّ شقّه اليسر ثلثا .
ب في الغسل ،وإن لم تكف الثّلث زاد إلى الكفاية .
وذهب المالكيّة إلى أنّ التّثليث مستح ّ
والصل في هذا الباب ،ما روته عائشة رضي ال تعالى عنها « كان النّبيّ صلى ال عليه
وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلثا ،وتوضّأ وضوءه للصّلة ،ث ّم يخلّل شعره بيده ،
ن أنّه قد روى بشرته أفاض الماء عليه ثلث مرّات ،ثمّ غسل سائر جسده » .
حتّى إذا ظ ّ
ج -التّثليث في غسل الميّت :
- 4يستحبّ التّثليث في غسل الميّت عند الئمّة الثّلثة ،ويسنّ عند الحنفيّة ،واتّفقوا على
جواز الزّيادة عليه ،لنّ المقصود في غسل الميّت النّظافة والنقاء ،فإن لم يحصل التّنظيف
بالغسلت الثّلث زيد عليها حتّى يحصل ،مع جعل الغسلت وترا .
والصل فيما ذكر ،خبر الشّيخين « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لغاسلت ابنته
زينب رضي ال تعالى عنها :ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ،واغسلنها ثلثا أو
خمسا أو سبعا ،أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك بماء وسدر ،واجعلن في الخرة كافورا ،أو
شيئا من كافور » .وكذا يستحبّ التّثليث ،وتجوز الزّيادة عليه عند جمهور الفقهاء في تجمير
الميّت وكفن الميّت ،والميّت عند موته ،وسريره الّذي يوضع فيه .
والصل فيما ذكر ،ما روي عنه عليه الصلة والسلم « إذا أجمرتم الميّت فأجمروه ثلثا »
.وفي لفظ « فأوتروا » .وفي لفظ البيهقيّ « :جمّروا كفن الميّت ثلثا » .
د -التّثليث في الستجمار والستبراء :
ن الواجب في الستجمار النقاء دون العدد .ومعنى النقاء
- 5ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ
ل شيئا يسيرا .
هنا هو إزالة عين النّجاسة وبلّتها ،بحيث يخرج الحجر نقيّا ،وليس عليه أثر إ ّ
وأمّا التّثليث فمستحبّ عندهم وإن حصل النقاء باثنين ،بينما يشترط الشّافعيّة والحنابلة في
الستجمار أمرين :النقاء وإكمال الثّلثة ،أيّهما وجد دون صاحبه لم يكف ،والحجر الكبير
الّذي له ثلث شعب يقوم مقام ثلثة أحجار .
كذلك قال جمهور الفقهاء :بأنّه يستحبّ نتر الذّكر ثلثا بعد البول لما روي عن النّبيّ صلى
ال عليه وسلم أنّه قال « :إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلثا » .
وتفصيل أحكام الستجمار والستبراء في مصطلحي ( استنجاء ) و( استبراء ) .
هذا ،ويستحبّ التّثليث عند جمهور الحنفيّة في غسل النّجاسات غير المرئيّة ،وكذلك إزالة
النّجاسات المرئيّة عند بعض الحنفيّة ،وهو رواية عن الحنابلة .
وأمّا المالكيّة والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية فل يشترطون العدد فيما سوى نجاسة ولوغ
الكلب .ونجاسة الخنزير كنجاسة الكلب في ذلك عند الشّافعيّة والحنابلة .
هـ – التّثليث في تسبيحات الرّكوع والسّجود :
– 6يسنّ التّثليث عند الئمّة الثّلثة في تسبيح الرّكوع ،وهو " سبحان ربّي العظيم " .وتسبيح
السّجود ،وهو " سبحان ربّي العلى " .وتستحبّ عندهم الزّيادة على الثّلث بعد أن يختم
على وتر ،خمس ،أو سبع ،أو تسع عند الحنفيّة والحنابلة ،أو إحدى عشرة عند الشّافعيّة .
هذا إذا كان منفردا ،وأمّا المام فل ينبغي له أن يطوّل على وجه يملّ القوم ،وعند الشّافعيّة
تكره للمام الزّيادة على الثّلث .
والصل في هذا ما رواه ابن مسعود رضي ال تعالى عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم أنّه قال « :إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه :سبحان ربّي العظيم ثلثا فقد تمّ ركوعه ،
وذلك أدناه .ومن قال في سجوده :سبحان ربّي العلى ثلثا فقد تمّ سجوده ،وذلك أدناه » .
وأمّا عند المالكيّة فيندب التّسبيح في الرّكوع والسّجود بأيّ لفظ كان ،ولم يحدّوا فيه حدّا ،ول
دعا ًء مخصوصا .
و -التّثليث في الستئذان :
ن أنّه لم يسمع ،فاتّفق الفقهاء على جواز التّثليث ،
- 7إذا استأذن شخص على آخر وظ ّ
ن عدم الزّيادة على الثّلث عند الئمّة الثّلثة .
ويس ّ
وقال المام مالك :له الزّيادة على الثّلث حتّى يتحقّق من سماعه .
وأمّا إذا استأذن فتحقّق أنّه لم يسمع ،فاتّفقوا على جواز الزّيادة على الثّلث وتكرير الستئذان
حتّى يتحقّق إسماعه .
تثنية *
التّعريف :
- 1التّثنية في اللّغة مصدر :ثنّى ،يقال :ثنّيت الشّيء :إذا جعلته اثنين ،ويأتي أيضا
ضمّ ،فإذا فعل الرّجل أمرا ثمّ ض ّم إليه آخر قيل :ثنّى بالمر الثّاني .
بمعنى ال ّ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للفظ تثنية عمّا ورد في اللّغة .
مواطن البحث :
- 2وردت التّثنية في الذان ،والقامة ،وفي صلة النّفل ،ومنها الرّواتب مع الفرائض ،
وفي صلة اللّيل ،لخبر « :صلة اللّيل مثنى مثنى » .وفي العقيقة للذّكر ،والشّهادة في
ل في موطنه .
أغلب المور كالنّكاح ،والطّلق ،والسلم ،والموت ،وتفصيل ك ّ
تثويب *
التّعريف :
- 1التّثويب :مصدر ثوّب يثوب ،وثلثيّه ثاب يثوب ،بمعنى :رجع ،ومنه قوله تعالى { :
ت مَثابةً للنّاس وَأمْنا } أي مكانا يرجعون إليه .ومنه قولهم :ثاب إلى فلن عقله
وإ ْذ جعلْنا البي َ
ن منفعة عمل الشّخص تعود إليه .
:أي رجع .ومنه أيضا :الثّواب ،ل ّ
والتّثويب :بمعنى ترجيع الصّوت وترديده ،ومنه التّثويب في الذان .
والتّثويب في الصطلح :العود إلى العلم بالصّلة بعد العلم الوّل بنحو " :الصّلة خير
من النّوم " أو " الصّلة الصّلة " أو " الصّلة حاضرة " أو نحو ذلك بأيّ لسان كان ،وقد
كانت تسمّى تثويبا في العهد النّبويّ وعهد الصّحابة .لنّ فيه تكريرا لمعنى الحيعلتين ،أو
لنّه لمّا حثّ على الصّلة بقوله :حيّ على الصّلة ،ثمّ قال :حيّ على الفلح ،عاد إلى
الحثّ على الصّلة بقوله " :الصّلة خير من النّوم " .
وللتّثويب عند الفقهاء ثلثة إطلقات :
أ -التّثويب القديم ،أو التّثويب الوّل ،وهو :زيادة " الصّلة خير من النّوم " في أذان الفجر
.
ب -التّثويب المحدث وهو :زيادة حيّ على الصّلة ،حيّ على الفلح ،أو عبارة أخرى .
حسب ما تعارفه أهل كلّ بلدة بين الذان والقامة .
ص به بعض من يقوم بأمور المسلمين ومصالحهم من تكليف شخص
ج -ما كان يخت ّ
بإعلمهم بوقت الصّلة ،فذلك العلم أو النّداء يطلق عليه أيضا ( تثويب ) .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النّداء :
- 2النّداء بمعنى :الدّعاء ورفع الصّوت بما له معنًى .
ب -الدّعاء :
- 3الدّعاء بمعنى :الطّلب ،ويكون برفع الصّوت وخفضه ،كما يقال :دعوته من بعيد ،
ودعوت اللّه في نفسي .فهو أعمّ من النّداء والتّثويب .
ج -التّرجيع :
- 4يقال :رجّع في أذانه إذا أتى بالشّهادتين مرّ ًة خفضا ومرّ ًة رفعا ،فالتّثويب والتّرجيع
ل التّثويب وهو قول المؤذّن " :الصّلة
يتّفقان في العود والتّكرير ،ولكنّهما يختلفان في أنّ مح ّ
خير من النّوم " في أذان الفجر عند أكثر الفقهاء ،أمّا التّرجيع بمعنى تكرار الشّهادتين فذلك
في الذان لجميع الصّلوات عند من يقول به .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
- 5يختلف الحكم الجماليّ للتّثويب باختلف إطلقاته وباختلف أوقات الصّلة .
أمّا التّثويب في القديم ،أو التّثويب الوّل ،وهو زيادة عبارة " :الصّلة خير من النّوم "
مرّتين بعد الحيعلتين في أذان الفجر أو بعده ( على الصحّ عند بعض الحنفيّة ) فسنّة عند
جميع الفقهاء ،وجائزة في العشاء عند بعض الحنفيّة وبعض الشّافعيّة .
وأجازه بعض الشّافعيّة في جميع الوقات .
أمّا عند المالكيّة والحنابلة فمكروه في غير الفجر ،وهو المذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة .
التّثويب في أذان الفجر :
ن المشروع للفجر أذانان
- 6من المقرّر عند الفقهاء -عدا أبي حنيفة ومحمّد بن الحسن -أ ّ
:أحدهما قبل وقتها والثّاني عند وقتها .وقد قال النّوويّ :ظاهر إطلق الصحاب أنّه يشرع
ل أذان للصّبح سواء ما قبل الفجر وبعده .وقال البغويّ في التّهذيب :إن ثوّب في الذان
في ك ّ
الوّل لم يثوّب في الثّاني في أصحّ الوجهين .ومن مراجعة كتب بقيّة الفقهاء القائلين
بمشروعيّة أذانين للفجر تبيّن أنّهم لم يصرّحوا بأنّ التّثويب يشرع في الذان الوّل أو الثّاني أو
في كليهما ،فالظّاهر أنّه يكون في الذانين كما استظهر النّوويّ .
-7وأمّا التّثويب المحدث وهو الّذي استحدثه علماء الكوفة من الحنفيّة ،وهو زيادة عبارة "
حيّ على الصّلة ،حيّ على الفلح مرّتين " بين الذان والقامة في الفجر أو زيادة عبارة
ل بلدة بالتّنحنح أو " الصّلة الصّلة " أو " قامت ،قامت " أو غير
بحسب ما يتعارفه أهل ك ّ
ن المتأخّرين منهم استحسنوه في
ذلك فمستحسن عند متقدّمي الحنفيّة في الفجر فقط ،إلّ أ ّ
الصّلوات كلّها .وأمّا تخصيص من يقوم بأمور المسلمين ومصالحهم كالمام ونحوه بتكليف
شخص ليقوم بإعلمه بوقت الصّلة فجائز عند أبي يوسف من الحنفيّة ،وهو قول للشّافعيّة
وبعض المالكيّة ،وكذلك عند الحنابلة إن لم يكن المام ونحوه قد سمع الذان وكرهه محمّد بن
الحسن وبعض المالكيّة .
تجارة *
التّعريف :
- 1التّجارة في اللّغة والصطلح :هي تقليب المال ،أي بالبيع والشّراء لغرض الرّبح .
ل على المهنة ،وفعله تجر يتجر تجرا وتجار ًة .
وهي في الصل :مصدر دا ّ
دليل مشروعيّة التّجارة :
ل إلّ
- 2الصل في التّجارة :قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تأكلوا أموالَكم بينكم بالباط ِ
ض منكم } وقوله تعالى { :فإذا قُضيتِ الصّلةُ فانتشروا في الرضِ
ن تجار ًة عن ترا ٍ
أن تكو َ
وا ْب َتغُوا من فضلِ الّلهِ } .وقوله صلى ال عليه وسلم « :التّاجرُ المينُ الصّدوقُ مع النّبيّين
صدّيقين والشّهداء » .
وال ّ
ن النّاس يحتاج
- 3وأجمع المسلمون على جواز التّجارة في الجملة ،وتقتضيه الحكمة ،ل ّ
بعضهم إلى ما في أيدي بعض ،وهذه سنّة الحياة ،وتشريع التّجارة وتجويزها هو الطّريق
ل واحد منهم إلى غرضه ،ودفع حاجته .
إلى وصول ك ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البيع :
- 4البيع :مبادلة مال بمال تمليكا وتملّكا .أمّا التّجارة فهي :عبارة عن شراء الشّخص شيئا
ليبيعه بالرّبح .فالفرق بينهما قصد السترباح في التّجارة ،سواء تحقّق أم ل .
ب -السّمسرة :
- 5السّمسرة لغ ًة :هي التّجارة ،قال الخطّابيّ :السّمسار لفظ أعجميّ ،وكان كثير ممّن
يعالج البيع والشّراء فيهم عجما ،فتلقّوا هذا السم عنهم « ،فغيّره رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم إلى التّجارة الّتي هي من السماء العربيّة » .
وال سّمسرة ا صطلحا :هي التّو سّط ب ين البائع والمشتري ،وال سّمسار هو :الّذي يد خل ب ين
ل المشتري على
البائع والمشتري متوسـّطا لمضاء البيـع ،وهـو المسـمّى الدّلّال ،لنّـه يد ّ
ل البائع على الثمان .
السّلع ،ويد ّ
الحكم التّكليفيّ :
- 6التّجارة من المهن المعيشيّة ،الّتي يمارسها النسان بغرض الكسب ،وهو كسب مشروع
لنّه يسدّ حاجات المجتمع فتدخل أصالةً في دائرة الباحة ،وقد تطرأ عليها سائر الحكام
التّكليفيّة :كالوجوب ،والحرمة ،والكراهة إلخ .حسب الظّروف والملبسات الّتي تصادفها .
ويعني الفقهاء بالحكام المتّصلة بالتّجارة ( بالضافة إلى كتب الفقه الساسيّة ) بما يوردونه
في كتب الحسبة ،وكتب الداب الشّرعيّة وكتب الفتاوى ،وخصّها بعضهم بالتّأليف
كالسّرخسيّ في كتابه " الكتساب في الرّزق المستطاب " وأبو بكر الخلّال في " كتاب التّجارة "
.وقد استحدثت أوضاع وتنظيمات تجاريّة يعرف حكمها ممّا وضعه الفقهاء من قواعد عامّة
وما تعرّضوا إليه من أحكام .
كما يتناول الفقهاء بعض أحكام خاصّة بمال التّجارة في باب زكاة العروض ،كوجوب الزّكاة
فيما ل تجب فيه زكاة لو لم يكن للتّجارة ،كالبزّ والعقارات ،وتغيّر النّوع المخرج وقدره فيما
كان زكويّا من المال في الصل إذا صار للتّجارة ،كالنّعم والمعشّرات .وترد بعض أحكام
للتّجارة في المضاربة والشّركات الخرى .
فضل التّجارة :
- 7التّجارة من أفضل طرق الكسب ،وأشرفها إذا توقّى التّاجر طرق الكسب الحرام والتزم
بآدابها .جاء في الثر « :سئل النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أيّ الكسب أطيب ؟ فقال :عمل
ي في حاشيته :قوله « :وكلّ بيع مبرور » إشارةً
الرّجل بيده وكلّ بيع مبرور » قال الشّرقاو ّ
إلى التّجارة .
المحظورات في التّجارة :
- 8يحرم في التّجارة جميع أنواع الغشّ والخداع ،وترويج السّلعة باليمين الكاذبة .فعن
رفاعة بن رافع رضي ال عنه أنّه قال « :خرجت مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى
المصلّى ،فرأى النّاس يتبايعون فقال :يا معشر ال ّتجّار فاستجابوا لرسول اللّه صلى ال عليه
ن ال ّتجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا ،إلّ من
وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ،فقال :إ ّ
ق».
صدَ َ
اتّقى اللّه وب ّر و َ
وعن أبي ذرّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ثلثة ل يكلّمهم اللّه يوم القيامة ،ول
ينظر إليهم ،ول يزكّيهم ،ولهم عذاب أليم ،قلت :من هم يا رسول اللّه ؟ فقد خسروا وخابوا
:قال :المنّان ،والمسبل إزاره ،والمنفق سلعته بالحلف الكاذب » .
-9ومن المحظورات تلقّي الجلب :وهو أن يستقبل الحضريّ البدويّ ،قبل وصوله إلى
السّوق ليشتري منه سلعته بأقلّ من الثّمن ،والتّفصيل في مصطلح ( تلقّي الرّكبان ) .
- 10ومنها الحتكار :لحديث « :الجالب مرزوق ،والمحتكر ملعون » .وحديث « :ل
ل خاطئ » وللتّفصيل ينظر مصطلح ( احتكار ) .
يحتكر إ ّ
- 11ومنها :سَوْم المرء على سوم أخيه :وهو أن يتفاوض المتبايعان في ثمن السّلعة ،
ويتقارب النعقاد ،فيجيء آخر يريد أن يشتري تلك السّلعة ويخرجها من يد الوّل بزيادة على
ذلك الثّمن .
- 12ومنها :المتاجرة مع العد ّو بما فيه تقويتهم على حربنا كالسّلح والحديد ،ولو بعد صلح
،لنّه صلى ال عليه وسلم نهى عن ذلك .ويجوز المتاجرة معهم بغير ذلك ،إذا لم يكن
المسلمون في حاجة إليه .
آداب التّجارة :
- 13من آداب التّجارة :السّماحة في المعاملة ،واستعمال معالي الخلق ،وترك المشاحة
والتّضييق على النّاس بالمطالبة .
والثار الواردة في ذلك كثيرة ،منها حديث جابر بن عبد اللّه قال :قال رسول اللّه صلى ال
سمْحا إذا باع ،وإذا اشترى ،وإذا اقتضى » وقال رسول اللّه
عليه وسلم « :رحم اللّه رجلً َ
سهْلً
ل إذا اشترى َ ،
سهْ ً
سهْلً إذا باع َ ،
صلى ال عليه وسلم « :غفر اللّه لرجل كان قبلكم َ
إذا اقتضى » .
- 14ومن آدابها :ترك الشّبهات كالتّجار في سوق يختلط الحرام فيه بالحلل ،وكالتّعامل
ن ذلك أمور مشتبهات ل
مع من أكثر ماله حرام ،لحديث « :الحلل َبيّنٌ ،والحرام بيّن ،و َبيْ َ
يعلمها كثير من النّاس :أمن الحلل هي أم من الحرام ؟ ،فمن تركها فقد استبرأ لدينه
وعرضه » .
- 15ومنها :تحرّي الصّدق والمانة .جاء في الثر « التّاجر المين الصّدوق مع النّبيّين
صدّيقين والشّهداء » .
وال ّ
- 16ومنها :التّصدّق من مال التّجارة لحديث « :إنّ الشّيطان والثم يحضران البيع ،
ب».
فشوبوا بيعكم بالصّدقة ،فإنّها تطفئ غضب الرّ ّ
- 17ومنها :التّبكير بالتّجارة .روى صخر الغامديّ قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه
ن صخرا كان رجلً تاجرا ،وكان إذا بعث
وسلم اللّهمّ بارك لمّتي في بكورها » وقيل :إ ّ
تجّاره بعثهم أوّل النّهار ،فأثرى وكثر ماله .
وجوب الزّكاة في مال التّجارة :
ل ما قصد التّجار به عند اكتساب
- 18تجب الزّكاة في مال التّجارة .ومال التّجارة :ك ّ
الملك بمعاوضة إذا حال عليه الحول ،وبه قال فقهاء المدينة السّبعة ،والحسن وجابر بن
ميمون وطاوس والثّوريّ والنّخعيّ ،والوزاعيّ وأبو عبيد وإسحاق ،وأصحاب الرّأي ،
والشّافعيّ في القول الجديد .
وفصّل المالكيّة بين التّاجر المدير ( وهو من يبيع بالسّعر الواقع ويخلف بغيره ،كأرباب
الحوانيت ) فإنّه يزكّي كلّ حول ،وبين التّاجر المحتكر وهو من يرصد بعرض التّجارة
ل بالتّنضيض ( تحوّل السّلعة إلى نقد ) ولو
السّوق لترتفع الثمان .فهذا ل زكاة على تجارته إ ّ
بقيت عنده سنين .
واستدلّ الجمهور بحديث « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :يأمرنا أن نخرج الصّدقة
ممّا نعدّه للبيع » .وخبر « :وفي البزّ صدقة » .ول خلف في أنّها ل تجب في عينه ،
فثبت أنّها تجب في قيمته ،ول خلف بين الفقهاء في أنّ الحول والنّصاب معتبران في وجوب
زكاة التّجارة .وانظر للتّفصيل مصطلح ( :زكاة ) زكاة عروض التّجارة .
تجديد *
التّعريف :
-1التّجديد في اللّغة مصدر :جدّد ،والجديد :خلف القديم .ومنه :جدّد وضوءه ،أو عهده
أو ثوبه :أي صيّره جديدا .والصطلح الشّرعيّ ل يخرج عن هذا المعنى .
الحكم التّكليفيّ :
-2يختلف حكم التّجديد باختلف موضعه :فتجديد الوضوء سنّة عند جمهور الفقهاء ،أو
ب على اختلف اصطلحاتهم .وعن أحمد روايتان :أصحّهما توافق الجمهور ،
مستح ّ
والخرى أنّه ل فضل فيه .
ل به صلةً
واشترط الشّافعيّة للستحباب :أن يصلّي بالوّل صلةً ولو ركعتين ،فإن لم يص ّ
ح وضوءه ،لنّه غير مطلوب .
فل يسنّ التّجديد ،فإن خالف وفعل لم يص ّ
ويشترط الحناف أن يفصل بين الوضوءين بمجلس أو صلة ،فإن لم يفصل بذلك كره ،
ونقل عن بعضهم مشروعيّة التّجديد ،وإن لم يفصل بصلة أو مجلس .
واشترط المالكيّة لستحباب التّجديد أن يفعل بالوّل عبادةً :كالطّواف أو الصّلة ،ودليل
مشروعيّته حديث « :من توضّأ على طهر كتب له عشر حسنات » وقد كان الخلفاء
يتوضّئون لكلّ صلة ،وكان عليّ رضي ال عنه يفعله ويتلو قوله تعالى { :يا أيّها الّذين
غسِلُوا وجوهَكم } ...الية ولنّه كان يجب الوضوء في أوّل
آمنوا إذا قمتم إلى الصّلة فا ْ
ل صلة فنسخ وجوبه ،وبقي أصل الطّلب ر :مصطلح ( وضوء ) .
السلم لك ّ
تجديد الماء لمسح الذنين :
سنّة إلّ به ،وهو
- 3ذهب الشّافعيّ إلى أنّ تجديد الماء لمسح الذنين سنّة ،ول تحصل ال ّ
ل من الحنابلة والمالكيّة .
الصّحيح عند ك ّ
سنّة هي :مسحهما بماء الرّأس في المشهور من المذهب .
ن ال ّ
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
تجديد العصابة والحشو للستحاضة :
ح عندهم إلى أنّه يجب على المستحاضة تجديد العصابة والحشو
- 4ذهب الشّافعيّة في الص ّ
ل صلة ،قياسا على الوضوء ،وقيل :ل تجب عليها ،لنّه ل معنى لزالة النّجاسة
عند ك ّ
مع استمرارها ،وهذا إذا لم يظهر الدّم على جوانب العصابة ،ولم تزل العصابة عن محلّها .
ل واحدا
أمّا إذا ظهر الدّم على جوانب العصابة أو زالت عن محلّها ،فإنّه يجب التّجديد قو ً
عندهم .
ل صلة ،إذا لم تفرّط في الشّدّ .
وعند الحنابلة :ل يلزمها إعادة شدّ العصابة وغسل الدّم لك ّ
وصرّح بعض فقهاء الحنفيّة باستحباب الحشو أو العصابة في المستحاضة وغيرها من
أصحاب العذار تقليلً للنّجاسة ،ولم ينصّوا على مسألة التّجديد ،ومقتضاه عدم وجوبه لعدم
وجوب أصل العصابة .ولم نجد للمالكيّة تصريحا بهذه المسألة .
تجديد نكاح المرتدّة :
- 5ذهب الجمهور إلى أنّ المرأة إذا ارتدّت ،ولم ترجع إلى السلم بعد الستتابة تقتل ،
وقال الحنفيّة :ل تقتل ،بل تحبس إلى أن تموت .
وذهب بعض فقهاء الحنفيّة إلى أنّه إذا ارتدّت المرأة المتزوّجة ،تجبر على السلم وتجديد
النّكاح مع زوجها ،ولو بغير رضاها ،إذا رغب زوجها في ذلك .ول يجوز لها إذا رجعت
ل قاض أن يجدّد النّكاح بمهر يسير .والتّفصيل في
إلى السلم أن تتزوّج غيره ،ولك ّ
مصطلح ( ردّة ) .
وإذا ارتدّ أحد الزّوجين عن السلم بعد الدّخول انفسخ النّكاح من حين الرّدّة عند الحنفيّة
والمالكيّة ،فإن عاد المرت ّد منهما إلى السلم ،وكانت العدّة قائمةً وجب تجديد العقد .وذهب
ن النّكاح موقوف إلى انقضاء العدّة ،فإن عاد المرت ّد منهما إلى السلم
الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
،وهي في العدّة فهما على النّكاح الوّل .وإن لم يعد انفسخ النّكاح من حين ال ّردّة ،وتبدأ
العدّة منذ ال ّردّة .وتفصيل ذلك في مصطلح ( ردّة ) .
تجرّد *
انظر :عورة .
تجربة *
التّعريف :
-1التّجربة :مصدر جرّبت ،ومعناه :الختبار .يقال :جرّبت الشّيء تجريبا وتجرب ًة ،أي
:اختبرته مرّةً بعد أخرى .ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الجماليّ :
- 2أثر المرض في إباحة الفطر عند خوف زيادته بالتّجربة :
يجوز الفطر لمريض خاف زيادة مرضه بالتّجربة ،ولو كانت من غير المريض عند اتّحاد
المرض .أمّا حكم الصّحيح الّذي يخاف المرض لو صام ،وضابط المرض المبيح للفطر،
فينظر في مصطلح ( :صوم ).
تجربة المبيع في مدّة الخيار :
- 3يجوز تجربة المبيع في مدّة الخيار ،وهي تختلف باختلف السّلعة ،وإليك بعض أنواعها
:
أ -تجربة الثّوب :
- 4يجوز تجربة الثّوب في مدّة الخيار لمعرفة طوله وعرضه ،ول يعتبر ذلك إجاز ًة عند
ن المشتري إذا لبس الثّوب مرّةً ،ثمّ لبسه ثانيا
جمهور الفقهاء ،إلّ أنّ الحنفيّة صرّحوا بأ ّ
لمعرفة الطّول والعرض يسقط خياره ،لنّه ل حاجة إلى تكرار اللّبس في الثّوب ،لحصول
المقصود باللّبس مرّةً واحد ًة .
وأمّا عند المالكيّة :فتجري في لبس الثّوب في مدّة الخيار ستّ عشرة صورةً ،حاصلها جواز
لبس الثّوب بغية التّجربة والختيار في بعض تلك الصّور بشروط ذكروها .
ولتفصيل الموضوع يرجع إلى مصطلح ( خيار الشّرط ) .
ب -تجربة الدّار :
- 5إذا كان المبيع دارا فسكنها المشتري في مدّة الخيار ،أو أسكنها غيره ،بأجر أو بغير
أجر ،يسقط خياره ،لنّه دليل اختيار الملك أو تقريره ،فكان إجازة دللة عند الحنفيّة .
وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز للمشتري في مدّة الخيار أن يسكن الدّار المشتراة تيسيرا لتجربتها
واختبارها ،حسب تفصيل يأتي في مصطلح ( خيار الشّرط ) .
ويؤخذ ممّا أورده الشّافعيّة والحنابلة :أنّ للمشتري بالخيار التّصرّف بما تحصل به تجربة
المبيع ،فله تجربة الثّوب أو الدّار ول يعتبر بذلك إجازةً .
ج -تجربة الدّابّة :
- 6يرى الفقهاء جواز تجربة الدّابّة في مدّة الخيار للنّظر في سيرها وقوّتها ،على خلف
وتفصيل في كيفيّة التّجربة والمدّة الّتي يمكن تجريب الدّابّة فيها يرجع إليه في موطنه ،وفي
مصطلح ( خيار الشّرط ) .
تجربة الصّبيّ لمعرفة رشده :
- 7يجرّب الصّبيّ لمعرفة رشده ،ويكون ذلك بتفويضه في التّصرّفات الّتي يتصرّف فيها
أمثاله .فإن كان من أولد ال ّتجّار فوّض إليه البيع والشّراء ،فإذا تكرّر منه فلم يغبن ،ولم
يضيّع ما في يديه ،فهو رشيد .
ويجرّب ولد الزّارع بالزّراعة والنّفقة على القائمين بمصالح الزّرع من حرث وحصد وحفظ ،
كما يجرّب ولد المحترف بما يتعلّق بحرفة أبيه وأقاربه .
ويرى أبو حنيفة وزفر والنّخعيّ عدم تجربة الشّخص الّذي بلغ غير رشيد ،إذا أكمل الخامسة
ن منعه من ماله هو
والعشرين من عمره ،فيجب عندهم إعطاؤه ماله ولو لم يصر رشيدا ،ل ّ
للتّأديب ،فإذا لم يتأدّب -وقد بلغ سنّا يمكن أن يكون فيه جدّا -فل يبقى أمل في تأديبه .
وللفقهاء في معنى الرّشد ووقت تجربة الصّبيّ لمعرفة رشده آراء وخلفات تنظر في
مصطلحات ( :حجر ،رشد ،وسفه ) .
تجربة القائف لمعرفة كفاءته :
- 8يشترط في القائف -عند من يرى العمل بقوله في ثبوت النّسب -أن يكون مجرّبا في
ل ذو تجربة » ولنّ القيافة أمر علميّ ،فل بدّ من العلم بمعرفة
الصابة ،لخبر « :ل حكيم إ ّ
القائف له ،وذلك ل يعرف بغير التّجربة .
ومن طرق تجربة القائف لمعرفة كفاءته :أن يعرض عليه ولد في نسوة ،ليس فيهنّ أمّه
ل فهو مجرّب .
ن ،فإذا أصاب في الك ّ
ثلث مرّات ،ثمّ في نسوة هي فيه ّ
ن الحنفيّة ل يجيزون العمل بقول القائف مطلقا ،ومن ثمّ لم يشترطوا
وتجدر الشارة إلى أ ّ
شروطا لعتبار قول القافة دليلً يعتمد عليه في الحكم .
وتنظر التّفاصيل المتعلّقة بالموضوع في مصطلح ( :قيافة ) .
تجربة أهل الخبرة :
- 9يشترط في أهل الخبرة الّذين يعمل بقولهم في المنازعات :أن تثبت خبرتهم بتجارب
مناسبة كالطّبيب والمهندس ونحوهما .
تجزّؤ *
انظر :تبعيض .
تجسّس *
التّعريف :
- 1التّجسّس لغةً :تتبّع الخبار ،يقال :جسّ الخبار وتجسّسها :إذا تتبّعها ،ومنه
الجاسوس ،لنّه يتتبّع الخبار ويفحص عن بواطن المور ،ثمّ استعير لنظر العين .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنيّ اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّحسّس :
- 2التّحسّس هو :طلب الخبر ،يقال :رجل حسّاس للخبار أي :كثير العلم بها ،وأصل
حدٍ } أي :هل ترى ،ثمّ
س منهم ِمنْ َأ َ
الحساس :البصار ،ومنه قوله تعالى { :هل ُتحِ ّ
سسُوا } بالحاء {
جّاستعمل في الوجدان والعلم بأيّ حاسّة كانت ،وقد قرئ قوله تعالى { :ول َت َ
ن التّجسّس غالبا يطلق على
ول تحسّسوا } قال الزّمخشريّ :والمعنيان متقاربان ،وقيل :إ ّ
الشّرّ ،وأمّا التّحسّس فيكون غالبا في الخير .
ب -التّرصّد :
- 3التّرصّد :القعود على الطّريق ،ومنه الرّصديّ :الّذي يقعد على الطّريق ينظر النّاس
ن كلّا منهما تتبّع أخبار
ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما وعدوانا .فيجتمع التّجسّس والتّرصّد في أ ّ
النّاس ،غير أنّ التّجسّس يكون بالتّتبّع والسّعي لتحصيل الخبار ولو بالسّماع أو النتقال ،أمّا
التّرصّد فهو العقود والنتظار والتّرقّب .
ج -التّنصّت :
- 4التّنصّت هو :التّسمّع .يقال :أنصت إنصاتا أي :استمع ،ونصت له أي :سكت
ن التّنصّت يكون سرّا وعلنيةً .
مستمعا ،فهو أعمّ من التّجسّس ،ل ّ
حكم التّجسّس التّكليفيّ :
-التّجسّس تعتريه أحكام ثلثة :الحرمة والوجوب والباحة . 5
ن فيه
فالتّجسّس على المسلمين في الصل حرام منهيّ عنه ،لقوله تعالى { :ول تجسّسوا } ل ّ
تتبّع عورات المسلمين ومعايبهم والستكشاف عمّا ستروه .وقد قال صلى ال عليه وسلم « :
ن من تتبّعَ
ن إلى قلبه ل تتبّعوا عوراتِ المسلمين .فإ ّ
يا معشر َمنْ آمن بلسانه ولم يدخل اليما ُ
ت المسلمين تتبّع الّلهُ عورتَه حتّى يفضحه ولو في جوف بيته » .
عورا ِ
قال ابن وهب :والسّتر واجب إلّ عن المام والوالي وأحد الشّهود الربعة في الزّنى .
وقد يكون التّجسّس واجبا ،فقد نقل عن ابن الماجشون أنّه قال :اللّصوص وقطّاع الطّريق
أرى أن يطلبوا في مظانّهم ويعان عليهم حتّى يقتلوا أو ينفوا من الرض بالهرب .
ل بالتّجسّس عليهم وتتبّع أخبارهم .
وطلبهم ل يكون إ ّ
ويباح في الحرب بين المسلمين وغيرهم بعث الجواسيس لتعرف أخبار جيش الكفّار من عدد
ن في بيت فلن
وعتاد وأين يقيمون وما إلى ذلك .وكذلك يباح التّجسّس إذا رفع إلى الحاكم أ ّ
خمرا ،فإن شهد على ذلك شهود كشف عن حال صاحب البيت ،فإن كان مشهورا بما شهد
عليه أخذ ،وإن كان مستورا فل يكشف عنه .وقد سئل المام مالك عن الشّرطيّ يأتيه رجل
يدعوه إلى ناس في بيت اجتمعوا فيه على شراب ،فقال :إن كان في بيت ل يعلم ذلك منه
فل يتتبّعه ،وإن كان معلوما بذلك يتتبّعه .وللمحتسب أن يكشف على مرتكبي المعاصي ،
ن قاعدة ولية الحسبة :المر بالمعروف والنّهي عن المنكر .
لّ
التّجسّس على المسلمين في الحرب :
- 6الجاسوس على المسلمين إمّا أن يكون مسلما أو ذ ّميّا أو من أهل الحرب "،وقد أجاب أبو
ت يا أمير المؤمنين عن
يوسف عن سؤال هارون الرّشيد فيما يتعلّق بالحكم فيهم فقال :وسأل َ
الجواسيس يوجدون وهم من أهل ال ّذمّة أو أهل الحرب أو من المسلمين .فإن كانوا من أهل
الحرب أو من أهل ال ّذمّة ممّن يؤدّي الجزية من اليهود والنّصارى والمجوس فاضرب
أعناقهم ،وإن كانوا من أهل السلم معروفين فأوجعهم عقوبةً ،وأطل حبسهم حتّى يحدثوا
توب ًة ".
وقال المام محمّد بن الحسن :وإذا وجد المسلمون رجلً -ممّن يدّعي السلم -عينا
ن المام
للمشركين على المسلمين يكتب إليهم بعوراتهم فأقرّ بذلك طوعا فإنّه ل يقتل ،ولك ّ
ن مثله ل يكون مسلما حقيقةً ،ولكن ل يقتل لنّه لم يترك ما به
يوجعه عقوب ًة .ثمّ قال :إ ّ
حكم بإسلمه فل يخرج عن السلم في الظّاهر ما لم يترك ما به دخل في السلم ،ولنّه
إنّما حمله على ما فعل الطّمع ،ل خبث العتقاد ،وهذا أحسن الوجهين ،وبه أمرنا .قال اللّه
حسَنَه } واستدلّ عليه بحديث « حاطب بن أبي
تعالى { :الّذين يستمعون القولَ فيتّبعون َأ ْ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يغزوكم فخذوا حذركم ،
بلتعة ،فإنّه كتب إلى قريش :أ ّ
فأراد عمر رضي ال عنه قتله ،فقال الرّسول لعمر :مهلً يا عمر ،فلعلّ اللّه قد اطّلع على
ت لكم » فلو كان بهذا كافرا مستوجبا للقتل ما تركه
أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فقد غفر ُ
الرّسول صلى ال عليه وسلم بدريّا كان أو غير بدريّ ،وكذلك لو لزمه القتل بهذا حدّا ما
خذُوا
تركه الرّسول صلى ال عليه وسلم وفيه نزل قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل َت ّت ِ
عدوّي وعدوّكم أولياء } فقد سمّاه مؤمنا « ،وعليه دلّت قصّة أبي لبابة حين استشاره بنو
قريظة ،فَأمَ ّر أصبعه على حلقه يخبرهم أنّهم لو نزلوا على حكم رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم قتلهم » ،وفيه نزل قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل َتخُونوا اللّه والرّسولَ } .
وكذلك لو فعل هذا ذمّيّ فإنّه يوجع عقوب ًة ويستودع السّجن ،ول يكون هذا نقضا منه للعهد ،
لنّه لو فعله مسلم لم يكن به ناقضا أمانه فإذا فعله ذ ّميّ ل يكون ناقضا أمانه أيضا .
أل ترى أنّه لو قطع الطّريق فقتل وأخذ المال لم يكن به ناقضا للعهد ،وإن كان قطع الطّريق
محارب ًة للّه ورسوله بالنّصّ فهذا أولى .
ل أنّه يوجع
وكذلك لو فعله مستأمن فإنّه ل يصير ناقضا لمانه بمنزلة ما لو قطع الطّريق ،إ ّ
ل له وقصد بفعله إلحاق الضّرر بالمسلمين .
عقوب ًة في جميع ذلك لنّه ارتكب ما ل يح ّ
فإن كان حين طلب المان قال له المسلمون :آمنّاك إن لم تكن عينا للمشركين على
المسلمين ،أو آمنّاك على أنّك إن أخبرت أهل الحرب بعورة المسلمين فل أمان لك -
والمسألة بحالها -فل بأس بقتله ،لنّ المعلّق بالشّرط يكون معدوما قبل وجود الشّرط ،فقد
علّق أمانه هاهنا بشرط ألّ يكون عينا ،فإن ظهر أنّه عين كان حربيّا ل أمان له فل بأس بقتله
.وإن رأى المام أن يصلبه حتّى يعتبر به غيره فل بأس بذلك ،وإن رأى أن يجعله فيئا فل
ن الولى أن يقتله هاهنا ليعتبر غيره .
بأس به أيضا كغيره من السراء ،إلّ أ ّ
فإن كان مكان الرّجل امرأة فل بأس بقتلها أيضا ،لنّها قصدت إلحاق الضّرر بالمسلمين ،
ل أنّه يكره صلبها لنّها عورة وستر
ول بأس بقتل الحربيّة في هذه الحالة ،كما إذا قاتلت ،إ ّ
العورة أولى .
وإن وجدوا غلما لم يبلغ ،بهذه الصّفة ،فإنّه يجعل فيئا ول يقتل ،لنّه غير مخاطب ،فل
يكون فعله خيان ًة يستوجب القتل بها ،بخلف المرأة .وهو نظير الصّبيّ إذا قاتل فأخذ أسيرا
لم يجز قتله بعد ذلك ،بخلف المرأة إذا قاتلت فأخذت أسير ًة فإنّه يجوز قتلها .
والشّيخ الّذي ل قتال عنده ولكنّه صحيح العقل بمنزلة المرأة في ذلك لكونه مخاطبا .
وإن جحد المستأمن أن يكون فعل ذلك ،وقال :الكتاب الّذي وجدوه معه إنّما وجده في
الطّريق وأخذه ،فليس ينبغي للمسلمين أن يقتلوه من غير حجّة ،لنّه آمن باعتبار الظّاهر ،
فما لم يثبت عليه ما ينفي أمانه كان حرام القتل .فإن هدّدوه بضرب أو قيد أو حبس حتّى أقرّ
بأنّه عين فإقراره هذا ليس بشيء ،لنّه مكره ،وإقرار المكره باطل سواء أكان الكراه
ل بأن يقرّ به عن طوع ،أو شهد عليه شاهدان بذلك
بالحبس أم بالقتل ،ول يظهر كونه عينا إ ّ
ي فينا وإن كان مستأمنا ،
،ويقبل عليه بذلك شهادة أهل ال ّذمّة وأهل الحرب ،لنّه حرب ّ
وشهادة أهل الحرب حجّة على الحربيّ .
وإن وجد المام مع مسلم أو ذ ّميّ أو مستأمن كتابا فيه خطّه وهو معروف ،إلى ملك أهل
ن الكتاب
ن المام يحبسه ،ول يضربه بهذا القدر ،ل ّ
الحرب يخبر فيه بعورات المسلمين فإ ّ
محتمل فلعلّه مفتعل ،والخطّ يشبه الخطّ ،فل يكون له أن يضربه بمثل هذا المحتمل ،ولكن
يحبسه نظرا للمسلمين حتّى يتبيّن له أمره :فإن لم يتبيّن خلّى سبيله ،وردّ المستأمن إلى دار
الحرب ،ولم يدعه ليقيم بعد هذا في دار السلم يوما واحدا ،لنّ الرّيبة في أمره قد تمكّنت
وتطهير دار السلم من مثله من باب إماطة الذى فهو أولى .
-7مذهب المالكيّة :أنّ الجاسوس المستأمن يقتل ،وقال سحنون في المسلم يكتب لهل
الحرب بأخبار المسلمين :يقتل ول يستتاب ول دية لورثته كالمحارب .وقيل :يجلد نكالً
ويطال حبسه وينفى من الموضع الّذي كان فيه ،وقيل :يقتل إلّ أن يتوب ،وقيل :إلّ أن
يعذر بجهل .وقيل :يقتل إن كان معتادا لذلك ،وإن كانت فلت ًة ضرب ونكّل .
وقد جاء في القرطبيّ في تفسير قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تتّخذوا عدوّي وعدوّكم
أولياء } ما يأتي :من كثر تطلّعه على عورات المسلمين وينبّه عليهم ويعرف عددهم بأخبارهم
لم يكن كافرا بذلك ،إذا كان فعله لغرض دنيويّ واعتقاده على ذلك سليم ،كما فعل حاطب
حين قصد بذلك اتّخاذ اليد ولم ينو ال ّردّة عن الدّين .وإذا قلنا :ل يكون بذلك كافرا فهل يقتل
بذلك حدّا أم ل ؟ اختلف النّاس فيه ،فقال مالك وابن القاسم وأشهب :يجتهد في ذلك المام .
وقال عبد الملك :إذا كانت عادته ذلك قتل لنّه جاسوس .وقد قال مالك :يقتل الجاسوس –
ل ابن الماجشون إنّما
وهو صحيح – لضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الرض ،ولع ّ
ن حاطبا أخذ في أوّل فعله .
اتّخذ التّكرار في هذا ل ّ
فإن كان الجاسوس كافرا ،فقال الوزاعيّ :يكون نقضا لعهده ،وقال أصبغ :الجاسوس
ل إن تظاهرا على السلم فيقتلن ،وقد
الحربيّ يقتل ،والجاسوس المسلم وال ّذ ّميّ يعاقبان إ ّ
روي عن عليّ بن أبي طالب رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أتي بعين
للمشركين اسمه فرات بن حيّان فأمر به أن يقتل ،فصاح :يا معشر النصار أقتل وأنا أشهد
ل اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه فأمر به النّبيّ صلى ال عليه وسلم وخلّى سبيله .ثمّ
أن ل إله إ ّ
ن منكم من أكله إلى إيمانه ،منهم فرات بن حيّان » .
قال :إ ّ
ن الجاسوس المسلم يعزّر ول يجوز قتله .
-8ومذهب الشّافعيّ وطائفة :أ ّ
وإن كان ذا هيئة ( أي ماض كريم في خدمة السلم ) عفي عنه لحديث حاطب ،وعندهم أنّه
ل ينتقض عهد ال ّذ ّميّ بالدّللة على عورات المسلمين ،ولو شرط عليهم في عهد المان ذلك
ح ،وفي غيره ينتقض بالشّرط .
في الص ّ
-9وعند الحنابلة :أنّه ينتقض عهد أهل ال ّذمّة بأشياء ومنها :تجسّس أو آوى جاسوسا ،لما
فيه من الضّرر على المسلمين .
ن الجاسوس الحربيّ مباح الدّم يقتل على أيّ حال عند الجميع ،أمّا ال ّذمّيّ
وممّا تقدّم يتبيّن أ ّ
والمستأمن فقال أبو يوسف وبعض المالكيّة والحنابلة :إنّه يقتل .
ي بالدّللة على عورات المسلمين ،لنّه ل
وللشّافعيّة أقوال أصحّها أنّه ل ينتقض عهد ال ّذمّ ّ
يخلّ بمقصود العقد .وأمّا الجاسوس المسلم فإنّه يعزّر ول يقتل عند أبي يوسف ومحمّد
وبعض المالكيّة والمشهور عند الشّافعيّة ،وعند الحنابلة أنّه يقتل .
التّجسّس على الكفّار :
- 10التّجسّس على الكفّار في الحرب لمعرفة عددهم وعددهم وما معهم من سلح وغير ذلك
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في غزوة الخندق صلّى هويّا من
مشروع ،ودليل ذلك « أ ّ
اللّيل ،ثمّ التفت فقال :من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم -يشترط له النّبيّ أن يرجع -
أدخله اللّه الجنّة قال راوي الحديث حذيفة :فما قام رجل ،ثمّ صلّى إلى ..أن قال ذلك ثلث
مرّات فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة البرد وشدّة الجوع ،فلمّا لم يقم أحد دعاني أي دعا
الرّسول صلى ال عليه وسلم حذيفة فلم يكن لي ب ّد من القيام حين دعاني ،فقال الرّسول :يا
ن شيئا حتّى تأتينا قال فذهبت
ح ِدثَ ّ
حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون ،ول ُت ْ
ل تفعل بهم ما تفعل ،ل تقرّ لهم قدر ول نار
فدخلت في القوم ،والرّيح وجنود اللّه عزّ وج ّ
ل امرئ من جليسه ،قال حذيفة :
ول بناء ،فقام أبو سفيان فقال :يا معشر قريش لينظر ك ّ
فأخذت بيد الرّجل الّذي إلى جنبي فقلت :من أنت ؟ قال :أنا فلن بن فلن ،ثمّ قال أبو
سفيان :يا معشر قريش إنّكم واللّه ما أصبحتم بدار مقام ،لقد هلك الكراع والخفّ ،وأخلفتنا
بنو قريظة ،وبلغنا عنهم الّذي نكره » ...إلخ فهذا دليل جواز التّجسّس على الكفّار في
الحرب .
تجسّس الحاكم على رعيّته :
- 11سبق أنّ الصل تحريم التّجسّس على المسلمين لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا
اجتنبوا كثيرا من الظّنّ إنّ بعض الظّنّ إثم ول تجسّسوا }
ي المر لورود نصوص خاصّة تنهي أولياء المور عن تتبّع عورات
ويتأكّد ذلك في حقّ ول ّ
النّاس ،منها ما رواه معاوية « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال له :إنّك إن اتّبعت
عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم » فقال أبو الدّرداء :كلمة سمعها معاوية من
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نفعه اللّه بها .وعن أبي أمامة مرفوعا إلى النّبيّ صلى ال
عليه وسلم « إنّ المير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم » .
ن للحاكم أن يتجسّس على رعيّته إذا كان في ترك التّجسّس انتهاك حرمة يفوت
ولك ّ
استدراكها ،مثل أن يخبره من يثق بصدقه أنّ رجلً خل برجل ليقتله ،أو امرأة ليزني بها ،
فيجوز له في هذه الحال أن يتجسّس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما ل يستدرك
من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات ،وهكذا لو عرف ذلك قوم من المتطوّعة جاز لهم
القدام على الكشف والنكار .
أمّا ما كان دون ذلك في الرّيبة فل يجوز التّجسّس عليه ول كشف الستار عنه ".وقد حكي
ن عمر دخل على قوم يتعاقرون على شراب ويوقدون في أخصاص فقال :نهيتكم عن
أّ
المعاقرة فعاقرتم ،ونهيتكم عن اليقاد في الخصاص فأوقدتم .فقالوا :يا أمير المؤمنين قد
نهى اللّه عن التّجسّس فتجسّست ،وعن الدّخول بغير إذن فدخلت .فقال :هاتان بهاتين
وانصرف ولم يعرض لهم ".
وقد اختلفت الرّواية عن المام أحمد فيما ستر من المنكر مع العلم به هل ينكر ؟ فروى ابن
منصور وعبد اللّه في المنكر يكون مغطّى ،مثل طنبور ومسكر وأمثاله فقال :إذا كان مغطّى
ل يكسر .ونقل عنه أنّه يكسر .فإن سمع أصوات الملهي المنكرة من دار تظاهر أهلها
بأصواتهم أنكره خارج الدّار ،ولم يهجم بالدّخول عليهم ،وليس عليه أن يكشف عمّا سواه من
الباطن ،وقد نقل عن مهنّا النباريّ عن أحمد أنّه سمع صوت طبل في جواره ،فقام إليهم من
مجلسه ،فأرسل إليهم ونهاهم .
وقال في رواية محمّد بن أبي حرب في الرّجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال :يأمره
،فإن لم يقبل جمع عليه الجيران ويهوّل عليه .وقال الجصّاص عند قوله تعالى { :ول
ن بالمسلم الّذي ظاهره العدالة والسّتر ،ثمّ قال :نهى
تجسّسوا } نهى اللّه تعالى عن سوء الظّ ّ
اللّه تعالى عن التّجسّس ،بل أمر بالسّتر على أهل المعاصي ما لم يظهر منهم إصرار .ثمّ
ن ابن مسعود قيل له :هذا فلن تقطر لحيته خمرا ،فقال عبد اللّه :إنّا قد نهينا عن
روي أ ّ
التّجسّس ،ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به .
تجسّس المحتسب :
- 12المحتسب هو من يأمر بالمعروف إذا ظهر تركه وينهى عن المنكر إذا ظهر فعله .قال
تعالى { :وَلْتكن منكم أمّ ٌة يدْعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و َينْهون عن المنكر } وهذا
ن غيره فرض عليه على
ن المحتسب متعيّن عليه بحكم وليته ،لك ّ
ح من كلّ مسلم لك ّ
وإن ص ّ
سبيل الكفاية .وما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسّس عنها ول أن يهتك
الستار حذرا من الستتار بها فقد قال صلى ال عليه وسلم « :اجتنبوا هذه القاذورة الّتي نهى
اللّه عنها ،فمن ألمّ فليستتر بستر اللّه » .
فإن غلب على الظّنّ استتار قوم بها لمارات دلّت وآثار ظهرت فذلك ضربان :
ن رجلً
أحدهما :أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق به أ ّ
خل بامرأة ليزني بها أو رجل ليقتله ،فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسّس ويقدم على
الكشف والبحث حذرا من فوات ما ل يستدرك من ارتكاب المحارم وفعل المحظورات .
والضّرب الثّاني :ما خرج عن هذا الحدّ وقصر عن حدّ هذه الرّتبة ،فل يجوز التّجسّس عليه
ول كشف الستار عنه كما تقدّم .
عقاب التّجسّس على البيوت :
- 13روى مسلم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :من اطّلع في
ل لهم أن يفقئوا عينه »
بيت قوم من غير إذنهم ح ّ
ل لمن اطّلع عليه أن يفقأ
وقد اختلف العلماء في تأويله ،فقال بعضهم :هو على ظاهره ،فيح ّ
عين المطّلع حال الطّلع ،ول ضمان ،وهذا مذهب الشّافعيّة والحنابلة .
وقال المالكيّة والحنفيّة :ليس هذا على ظاهره ،فإن فقأ فعليه الضّمان ،والخبر منسوخ ،
ع ْو ِقبْ ُتمْ به } ويحتمل أن يكون
ل ما ُ
وكان قبل نزول قوله تعالى { :وإنْ عاقبتم فعا ِقبُوا بمث ِ
خرج على وجه الوعيد ل على وجه الحتم ،والخبر إذا كان مخالفا لكتاب اللّه تعالى ل يجوز
العمل به .وقد كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يتكلّم بالكلم في الظّاهر ،وهو يريد شيئا
ن عبّاس بن مرداس لمّا مدحه قال لبلل :قم فاقطع لسانه »
آخر ،كما جاء في الخبر « أ ّ
وإنّما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا ولم يرد به القطع في الحقيقة .
ل حتّى ل ينظر بعد ذلك
وهذا أيضا يحتمل أن يكون ذكر فقء العين والمراد :أن يعمل به عم ً
في بيت غيره .وفي تبصرة الحكّام :ولو نظر من كوّة أو من باب ففقأ عينه صاحب الدّار
ضمن ،لنّه قادر على زجره ودفعه بالخفّ ،ولو قصد زجره بذلك فأصاب عينه ولم يقصد
فقأها ففي ضمانه خلف .
وأمّا عند الحنفيّة :فإن لم يمكن دفع المطّلع إلّ بفقء عينه ففقأها ل ضمان ،وإن أمكن بدون
فقء عينه ففقأها فعليه الضّمان .أمّا إذا تجسّس وانصرف فليس للمطّلع عليه أن يفقأ عينه
اتّفاقا .وينظر للتّفصيل ( :دفع الصّائل ) .أمّا عقوبة المتجسّس فهي التّعزير ،إذ ليس في
ذلك حدّ معيّن ،والتّعزير يختلف والمرجع في تقديره إلى المام ( ر :تعزير ) .
تجشّؤ *
انظر :طعام .
تجمّل *
انظر :تزيّن .
تجميل *
انظر :تغيير .
تجهيز *
التّعريف :
- 1التّجهيز لغ ًة :تهيئة ما يحتاج إليه .يقال :جهّزت المسافر :إذا هيّأت له جهاز سفره .
ويطلق أيضا على تجهيز العروس والميّت والغزاة ،ويقال :جهّزت على الجريح -بالتّثقيل
-إذا أتممت عليه وأسرعت قتله ،وذلك للمبالغة ( ومثله أجهزت ) وفعله من باب نفع ،
ويأتي على وزن أفعل .ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العداد :
ن التّجهيز يشمل العداد
- 2العداد :التّهيئة والحضار .فالتّجهيز أعمّ من العداد ،ل ّ
وغيره .
ب -التّزويد :
ن التّجهيز يكون
ص من التّجهيز .ل ّ
- 3التّزويد :مصدر زوّدته أعطيته زادا ،فهو أخ ّ
بالطّعام وغيره ،أمّا التّزويد فهو بإعداد الزّاد أو إعطائه .
الحكام المتعلّقة بالتّجهيز :
ويتكلّم الفقهاء في تجهيز العروس والمجاهدين والميّت ،على من يجب ،والحكم فيه ،
ومقداره ،وبيان ذلك فيما يأتي :
تجهيز العروس :
- 4مذهب الشّافعيّ :عدم إجبار المرأة على الجهاز ،وهو المفهوم من نصوص الحنابلة ،
فل تجبر هي ول غيرها على التّجهيز ،فقد جاء في منتهى الرادات :وتملك زوجة بعقد
جميع المسمّى ،ولها نماء معيّن كدار والتّصرّف فيه .
أمّا الحنفيّة :فقد نقل الحصكفيّ عن الزّاهديّ في القنية :أنّه لو زفّت الزّوجة إلى الزّوج بل
جهاز يليق به فله مطالبة الب بالنّقد .وزاد في البحر عن المنتقى :إلّ إذا سكت طويلً فل
خصومة له .لكن في النّهر عن البزّازيّة :الصّحيح أنّه ل يرجع على الب بشيء ،لنّ
المال في النّكاح غير مقصود .ومفهوم هذا أنّ الب هو الّذي يجهّز ،لكنّ هذا إذا كان هو
الّذي قبض المهر ،فإن كانت الزّوجة هي الّتي قبضته فهي الّتي تطالب به على القول بوجوب
الجهاز ،وهو بحسب العرف والعادة .
ل من صداقها قبل بناء الزّوج بها فإنّه يلزمها أن تتجهّز به
وقال المالكيّة :إذا قبضت الحا ّ
على العادة من حضر أو بدو ،حتّى لو كان العرف شراء دار لزمها ذلك ،ول يلزمها أن
تتجهّز بأزيد منه .ومثل حالّ الصّداق ما إذا عجّل لها المؤجّل وكان نقدا .
ل لشرط أو عرف .
وإن تأخّر القبض عن البناء لم يلزمها التّجهيز سواء أكان حالّا أم حلّ ،إ ّ
( أي فإنّه يلزمها التّجهيز للشّرط أو العرف ) .
تجهيز الغزاة :
- 5يجب على المسلمين أن ل يعطّلوا الجهاد في سبيل اللّه ،وأن يجهّزوا لذلك الغزاة بما
يلزمهم من عدّة وعتاد وزاد ،لقول اللّه تعالى { :وَأنْفِقُوا في سبيلِ اللّ ِه ول تُلقوا بأيديكم إلى
عدّوا لهم ما استطعتم من ق ّوةٍ ومن رِباطِ الخيلِ ُترْهبون به
ل { :وأَ ِ
ال ّتهُْلكَةِ } وقوله عزّ وج ّ
عد ّو اللّه وعدوّكم وآخَرين من دونهم ل َتعَْلمُونهم اللّ ُه َيعْلَمهم وما تُنفقوا من شيء في سبيلِ اللّه
يُ َوفّ إليكم وأنتم ل ُتظْلمون }
وتجهيز الغزاة واجب المسلمين جميعا ،حكّاما ومحكومين ،وهو من أعظم القرب لقول النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « :من جهّز غازيا في سبيل اللّه فقد غزا » ومن المصادر الّتي يمكن
تجهيز الغزاة منها :الزّكاة من صنف ( سبيل اللّه ) .
وقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الغزاة يعطون من الزّكاة مطلقا ،ولو كانوا
أغنياء .لكنّ المالكيّة قيّدوه بأن يكون المعطون ممّن يجب عليهم الجهاد .
وقيّده الشّافعيّة بألّ تكون أسماؤهم في ديوان الجند .وذهب الحنفيّة إلى أنّ الغازي يعطى من
الزّكاة إذا كان من منقطعي الغزاة ،وهم الّذين عجزوا عن اللتحاق بجيش السلم لفقرهم .
وسبب اختلفهم في هذا هو اختلفهم في تفسير قوله تعالى في مصارف الصّدقات { :وفي
سبيل اللّه } وفي ذلك تفصيل يرجع إليه في مصطلح ( زكاة ) .
تجهيز الميّت :
- 6يجب تجهيز الميّت ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر به ،ولنّ سترته واجبة في
الحياة ،فهي واجبة كذلك بالكفن في الممات .
واتّفق الفقهاء على أنّ تجهيز الميّت فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين .ونفقات
التّجهيز تكون من تركة الميّت إن ترك مالً ،وتقدّم على ديونه ووصيّته وإرثه ،إلّ أعيان
التّركة الّتي تعلّق بها حقّ للغير ،كعين الرّهن والمبيع ونحوهما .فإن لم يكن له مال ،وجب
تجهيزه على من تجب عليه نفقته في حال حياته ،فإن لم يوجد أحد من هؤلء ،وجب تجهيزه
في بيت مال المسلمين إن وجد ،فإن لم يوجد أو كان موجودا ولم يمكن الخذ فتجهيزه على
المسلمين فرض كفاية .
ول يجب على الزّوجة تجهيز زوجها المتوفّى عنها بل خلف .وفي وجوب تجهيز الزّوج
لزوجته المتوفّاة ،خلف يرجع إليه مع تفصيل البحث في مصطلح ( :جنائز ) .
تجهيل *
التّعريف :
-1من معاني التّجهيل في اللّغة :النّسبة إلى الجهل .يقال :جهّلت فلنا :إذا قلت :إنّه
جاهل .والجهل :نقيض العلم .ويكون الجهل أيضا نقيض الحلم ،يقال :جهل فلن على
فلن :إذا سفه عليه وأخطأ .
ل بغير علم .
يقال :جهّل فلن جهلً وجهالةً ،والجهالة :أن تفعل فع ً
وفي الصطلح :أن ل يبيّن المين قبل موته حال ما بيده للغير من وديعة ،أو لقطة ،أو
ن وارثه ل يعلمها ،مات وهو على ذلك .
مال يتيم ونحوه ،وكان يعلم أ ّ
الحكم الجماليّ :
- 2التّجهيل قد يرد على الوديعة ،وهي المال الّذي يوضع عند شخص ليحفظه .وهي أمانة
ت إلى أهلِها } قيل :
نزل في شأنها قول اللّه تبارك وتعالى { :إنّ الّلهَ يأمرُكم أنْ ُت َؤدّوا المانا ِ
ي الدّاريّ قبل إسلمه ،كان سادن الكعبة يوم الفتح ،فلمّا
« نزلت في عثمان بن طلحة الحجب ّ
دخل النّبيّ صلى ال عليه وسلم مكّة أغلق عثمان باب الكعبة وامتنع من إعطاء مفتاحها ،
ي رضي ال عنه يده
زاعما أنّه لو علم أنّه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ما منعه ،فلوى عل ّ
،وأخذه منه ،وفتح الباب ودخل صلى ال عليه وسلم الكعبة .فلمّا خرج سأله العبّاس رضي
ال عنه أن يعطيه المفتاح لتجتمع له السّدانة مع السّقاية ،فأنزل اللّه تعالى الية .فأمر صلى
ال عليه وسلم عليّا أن يردّه إلى عثمان ويعتذر إليه ،فقال له :أكرهتَ وآذيتَ ثمّ جئتَ
ترفق ؟ فقال له :لقد أنزل اللّه في شأنك قرآنا وقرأ عليه الية فأسلم ،فجاء جبريل عليه
السلم فقال :ما دام هذا البيت فإنّ المفتاح والسّدانة في أولد عثمان » .
-وقد جعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم السّدانة في أولده إلى يوم القيامة ،حيث قال : 3
تجويد *
التّعريف :
-1التّجويد لغ ًة :تصيير الشّيء جيّدا .والجيّد :ضدّ الرّديء ،يقال :جوّد فلن كذا :أي
فعله جيّدا ،وجوّد القراءة :أي أتى بها بريئ ًة من الرّداءة في النّطق .
ل حرف حقّه ومستحقّه .والمراد بحقّ الحرف :الصّفة الذّاتيّة الثّابتة له
واصطلحا :إعطاء ك ّ
كالشّدّة والستعلء ،والمراد بمستحقّ الحرف :ما ينشأ عن تلك الصّفات الذّاتيّة اللّازمة
كالتّفخيم ،فإنّه ناشئ عن كلّ من الستعلء والتّكرير ،لنّه يكون في الحرف حال سكونه
ضمّ فقط ،ول يكون في حال الكسر .وهذا كلّه بعد إخراج كلّ حرف من
وتحريكه بالفتح وال ّ
مخرجه .واعتبره بعضهم غير داخل في تعريف التّجويد ،لنّه مطلوب لحصول أصل
ن إخراج الحرف من مخرجه أيضا داخل
القراءة ،لكن قال الشّيخ عليّ القاريّ :ول يخفى أ ّ
ن المعرّف هو
في تعريف التّجويد ،كما صرّح به ابن الجزريّ في كتاب التّمهيد ،أي ل ّ
ل حرف من
القراءة المجوّدة ،وليس مطلق القراءة ،وتجويد القراءة ل يكون إلّ بإخراج ك ّ
مخرجه .قال ابن الجزريّ :التّجويد :إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها ،وردّ
الحرف إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره ،وتصحيح لفظه وتلطيف النّطق به على حال
صيغته وكمال هيئته ،من غير إسراف ول تعسّف ول إفراط ول تكلّف .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّلوة ،والداء ،والقراءة :
- 2التّلوة اصطلحا :قراءة القرآن متتابعا كالجزاء والسداس .
أمّا الداء فهو :الخذ عن الشّيوخ بالسّماع منهم أو القراءة بحضرتهم .
وأمّا القراءة فهي أعمّ من التّلوة والداء .
ن التّجويد أمر زائد على هذه اللفاظ الثّلثة ،فهو أخصّ منها جميعها .
ول يخفى أ ّ
ب -التّرتيل :
- 3التّرتيل لغ ًة :مصدر رتّل ،يقال :رتّل فلن كلمه :إذا أتبع بعضه بعضا على مكث
وتفهّم من غير عجل .
ي رضي ال
واصطلحا :هو رعاية مخارج الحروف وحفظ الوقوف .وروي نحوه عن عل ّ
عنه حيث قال :التّرتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف .
ن التّجويد يشمل ما
ن التّرتيل وسيلة من وسائل التّجويد ،وأ ّ
فالفرق بينه وبين التّجويد :أ ّ
يتّصل بالصّفات الذّاتيّة للحروف ،وما يلزم عن تلك الصّفات ،أمّا التّرتيل فيقتصر على
رعاية مخارج الحروف وضبط الوقوف لعدم الخلط بين الحروف في القراءة السّريعة ،ولذلك
أطلق العلماء ( التّرتيل ) على مرتبة من مراتب القراءة من حيث إتمام المخارج والمدود ،
وهو يأتي بعد مرتبة ( التّحقيق ) وأدنى منهما مرتبة وسطى تسمّى ( التّدوير ) ثمّ ( الحدر )
وهو المرتبة الخيرة .
الحكم الجماليّ :
- 4ل خلف في أنّ الشتغال بعلم التّجويد فرض كفاية .
أمّا العمل به ،فقد ذهب المتقدّمون من علماء القراءات والتّجويد إلى أنّ الخذ بجميع أصول
التّجويد واجب يأثم تاركه ،سواء أكان متعلّقا بحفظ الحروف -ممّا يغيّر مبناها أو يفسد
معناها -أم تعلّق بغير ذلك ممّا أورده العلماء في كتب التّجويد ،كالدغام ونحوه .
قال محمّد بن الجزريّ في النّشر نقلً عن المام نصر الشّيرازيّ :حسن الداء فرض في
القراءة ،ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حقّ تلوته .
وذهب المتأخّرون إلى التّفصيل بين ما هو واجب شرعيّ من مسائل التّجويد ،وهو ما يؤدّي
تركه إلى تغيير المبنى أو فساد المعنى ،وبين ما هو واجب صناعيّ أي أوجبه أهل ذلك العلم
لتمام إتقان القراءة ،وهو ما ذكره العلماء في كتب التّجويد من مسائل ليست كذلك ،كالدغام
والخفاء إلخ .فهذا النّوع ل يأثم تاركه عندهم .
قال الشّيخ عليّ القاريّ بعد بيانه أنّ مخارج الحروف وصفاتها ،ومتعلّقاتها معتبرة في لغة
العرب :فينبغي أن تراعى جميع قواعدهم وجوبا فيما يتغيّر به المبنى ويفسد المعنى ،
واستحبابا فيما يحسن به اللّفظ ويستحسن به النّطق حال الداء .ثمّ قال عن اللّحن الخفيّ الّذي
ل يعرفه إلّ مهرة القرّاء :ل يتصوّر أن يكون فرض عين يترتّب العقاب على قارئه لما فيه
طيّبة أيضا :
من حرج عظيم .ولما قال محمّد بن الجزريّ في منظومته في التّجويد ،وفي ال ّ
ن لم يجوّد القُرآن آ ِث ُم
مَ ْ والخذ بالتّجويد حتمٌ لزمُ
قال ابنه أحمد في شرحها :ذلك واجب على من يقدر عليه ،ث ّم قال :لنّ اللّه تعالى أنزل به
كتابه المجيد ،ووصل من نبيّه صلى ال عليه وسلم متواترا بالتّجويد .
ي هذا التّقييد بالقدرة أكثر من مرّة .ويدلّ لذلك الحديث الّذي
وكرّر أحمد بن محمّد بن الجزر ّ
رواه الشّيخان عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :
ن و ُي َت ْعتِعُ فيه ،وهو عليه شاقّ له
الماهرُ بالقرآنِ مع السّ َفرَةِ الكِرامِ ال َبرَرَةِ ،والّذي يقرأُ القرآ َ
أجرانِ » وقد اعتبر ابن غازيّ في شرحه للجزريّة من الواجب الصّناعيّ :كلّ ما كان من
ل قارئ من القرّاء المشهورين ،حيث يرى بعضهم
مسائل الخلف من الوجوه المختارة لك ّ
التّفخيم ويرى غيره التّرقيق في موطن واحد ،فهذا ل يأثم تاركه ،ول يتّصف بالفسق .
وكذلك ما كان من جهة الوقف ،فإنّه ل يجب على القارئ الوقف على مح ّل معيّن بحيث لو
ل إذا كانت موهم ًة وقصدها ،فإن اعتقد
تركه يأثم ،ول يحرم الوقف على كلمة بعينها إ ّ
المعنى الموهم للكفر كفر -والعياذ باللّه -كأن وقف على قوله تعالى { :إنّ اللّه ل يستحي }
دون قوله { :أن يضرب مثلً ما } .أو على قوله { :وما من إله } دون { إلّ اللّه } .أمّا
قول علماء القراءة :الوقف على هذا واجب ،أو لزم ،أو حرام ،أو ل يحلّ ،أو نحو ذلك
من اللفاظ الدّالّة على الوجوب أو التّحريم فل يراد منه ما هو مقرّر عند الفقهاء ،ممّا يثاب
على فعله ،ويعاقب على تركه ،أو عكسه ،بل المراد :أنّه ينبغي للقارئ أن يقف عليه
لمعنًى يستفاد من الوقف عليه ،أو لئلّ يتوهّم من الوصل تغيير المعنى المقصود ،أو ل ينبغي
الوقف عليه ول البتداء بما بعده ،لما يتوهّم من تغيير المعنى أو رداءة التّلفّظ ونحو ذلك .
وقولهم :ل يوقف على كذا ،معناه :أنّه ل يحسن الوقف عليه صناعةً ،وليس معناه أنّ
الوقف عليه حرام أو مكروه ،بل خلف الولى ،إلّ إن تعمّد قاصدا المعنى الموهم .ثمّ
تطرّق ابن غازيّ إلى حكم تعلّم التّجويد بالنّسبة لمريد القراءة ،فقرّر عدم وجوب ذلك على
من أخذ القراءة على شيخ متقن ،ولم يتطرّق اللّحن إليه ،من غير معرفة علميّة بمسائله ،
وكذلك عدم وجوب تعلّمه على العربيّ الفصيح الّذي ل يتطرّق اللّحن إليه ،بأن كان طبعه
ن تعلّم هذين للحكام أمر صناعيّ .أمّا من أخلّ بشيء من الحكام
على القراءة بالتّجويد ،فإ ّ
المجمع عليها ،أو لم يكن عربيّا فصيحا ،فل بدّ في حقّه من تعلّم الحكام والخذ بمقتضاها
من أفواه المشايخ .
ن المّة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة
جزَريّ في النّشر :ول شكّ أ ّ
قال المام ال َ
حدوده ،كذلك هم متعبّدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصّفة المتلقّاة من أئمّة القراءة
والمتّصلة بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم .
ما يتناوله التّجويد من أمور :
- 5التّجويد علم من علوم القرآن ،ولكنّه يتميّز عن غيره من تلك العلوم المتّصلة بالقرآن
بأنّه يحتاج إليه الخاصّة والعامّة ،لحاجتهم إلى تلوة كتاب اللّه تعالى كما أنزل ،حسبما نقل
عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .وهو إمّا أن يحصل بالتّعلّم لمسائله ،أو يؤخذ بالتّلقّي
من أفواه العلماء ،ول بدّ في الحالين من التّمرين والتّكرار .
قال أبو عمرو الدّانيّ :ليس بين التّجويد وتركه إلّ رياضة لمن تدبّره بفكه .وقال أحمد بن
الجزريّ :ل أعلم سببا لبلوغ نهاية التقان والتّجويد ووصول غاية التّصحيح والتّسديد مثل
رياضة اللسن والتّكرار على اللّفظ المتلقّى من فم المحسن .
ويشتمل علم التّجويد على أبحاث كثيرة أهمّها :
ل حرف من مخرجه الصّحيح .
أ -مخارج الحروف ،للتّوصّل إلى إخراج ك ّ
ب -صفات الحروف ،من جهر وهمس مع معرفة الحروف المشتركة في الصّفة .
ج -التّفخيم والتّرقيق وما يتّصل بذلك من أحكام لبعض الحروف كالرّاء واللّام .
د -أحوال النّون السّاكنة والتّنوين والميم السّاكنة .
هـ -المدّ والقصر وأنواع المدّ .
و -الوقف والبتداء والقطع وما يتّصل بذلك من أحكام .
ز -أحكام البتداء بالقراءة ،من تعوّذ وبسملة وأحكام ختم القرآن وآداب التّلوة .
وموطن تفصيل ذلك هو كتب علم التّجويد ،وكذلك كتب القراءات في آخر أبحاثها كما في
طيّبة " لمحمّد بن الجزريّ ،وفي
منظومة حرز الماني للشّاطبيّ ،أو في أوائلها كما في " ال ّ
بعض المطوّلت من كتب علوم القرآن كالبرهان للزّركشيّ ،والتقان للسّيوطيّ .
ما يخلّ بالتّجويد ،وحكمه :
- 6يقع الخلل بالتّجويد إمّا في أداء الحروف ،وإمّا فيما يلبس القراءة من التّغييرات
الصّوتيّة المخالفة لكيفيّة النّطق المأثورة .
فالنّوع الوّل يسمّى ( اللّحن ) أي الخطأ والميل عن الصّواب ،وهو نوعان :جليّ وخفيّ .
واللّحن الجليّ :خطأ يطرأ على اللفاظ فيخلّ بعرف القراءة ،سواء أخلّ بالمعنى أم لم يخلّ .
وسمّي جليّا لنّه يخلّ إخللً ظاهرا يشترك في معرفته علماء القرآن وغيرهم ،وهو يكون في
مبنى الكلمة كتبديل حرف بآخر ،أو في حركتها بتبديلها إلى حركة أخرى أو سكون ،سواء
أتغيّر المعنى بالخطأ فيها أم لم يتغيّر .وهذا النّوع يحرم على من هو قادر على تلفيه ،سواء
أوهم خلل المعنى أو اقتضى تغيير العراب .
ي :فهو خطأ يطرأ على اللّفظ ،فيخلّ بعرف القراءة ول يخلّ بالمعنى .
وأمّا اللّحن الخف ّ
وسمّي خفيّا لنّه يختصّ بمعرفته علماء القرآن وأهل التّجويد .وهو يكون في صفات
ي قسمان :
الحروف ،وهذا اللّحن الخف ّ
أحدهما :ل يعرفه إلّ علماء القراءة كترك الخفاء ،وهو ليس بفرض عين يترتّب عليه
عقاب كما سبق ،بل فيه خوف العتاب والتّهديد .
ل مهرة القرّاء كتكرير الرّاءات وتغليظ اللّامات في غير محلّها ،ومراعاة
والثّاني :ل يعرفه إ ّ
مثل هذا مستحبّة تحسن في حال الداء .
وأمّا النّوع الثّاني من الخلل فهو ما يحصل من الزّيادة والنّقص عن الحدّ المنقول من
أوضاع التّلوة ،سواء في أداء الحرف أو الحركة عند القراءة ،وسبب الخلل القراءة
باللحان المطربة المرجّعة كترجيع الغناء ،وهو ممنوع لما فيه من إخراج التّلوة عن
أوضاعها الصّحيحة ،وتشبيه القرآن بالغاني الّتي يقصد بها الطّرب .
واستدلّوا لمنع ذلك بحديث عابس رضي ال عنه قال :إنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم يقول « :بادروا بالموت ستّا :إمرة السّفهاء ،وكثرة الشّرط ،وبيع الحكم ،واستخفافا
بالدّم ،وقطيعة الرّحم ،و َنشْوا يتّخذون القرآن مزامير يقدّمونه يغنّيهم ،وإن كان أقلّ منهم
فقها » .قال الشّيخ زكريّا النصاريّ :والمراد بلحون العرب :القراءة بالطّبع والسّليقة كما
جبلوا عليه من غير زيادة ول نقص ،والمراد بلحون أهل الفسق والكبائر :النغام المستفادة
من علم الموسيقى ،والمر في الخبر محمول على النّدب ،والنّهي على الكراهة إن حصلت
ل فعلى التّحريم .
المحافظة على صحّة ألفاظ الحروف ،وإ ّ
قال الرّافعيّ :المكروه أن يفرّط في المدّ وفي إشباع الحركات ،حتّى يتولّد من الفتحة ألف
ن الفراط على الوجه المذكور حرام يفسق
ي :الصّحيح أ ّ
ضمّة واو ...إلخ قال النّوو ّ
ومن ال ّ
به القارئ ويأثم به المستمع ،لنّه عدل به عن منهجه القويم ،وهذا مراد الشّافعيّ بالكراهة .
وقد أورد علماء التّجويد نماذج من ذلك ،فمنها ما يسمّى بالتّرقيص ،والتّحزين ،والتّرعيد ،
والتّحريف ،والقراءة باللّين والرّخاوة في الحروف ،والنّقر بالحروف وتقطيعها ...إلخ .
وتفصيل المراد بذلك في مراجعه ،ومنها شروح الجزريّة ،ونهاية القول المفيد ،وقد أورد
ل حرف
أبياتا في ذلك من منظومة للمام علم الدّين السّخاويّ ،ثمّ نقل عن شرحها قوله :فك ّ
له ميزان يعرف به مقدار حقيقته ،وذلك الميزان هو مخرجه وصفته ،وإذا خرج عن مخرجه
معطًى ما له من الصّفات على وجه العدل في ذلك من غير إفراط ول تفريط فقد وزن بميزانه
،وهذا هو حقيقة التّجويد .وسبيل ذلك التّلقّي من أفواه القرّاء المتقنين .
تحالف *
انظر :حلف .
تحبيس *
انظر :وقف .
تحجير *
التّعريف :
- 1التّحجير أو الحتجار لغةً واصطلحا :منع الغير من الحياء بوضع علمة كحجر أو
غيره على الجوانب الربعة ،وهو يفيد الختصاص ل التّمليك .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
- 2اتّفق الفقهاء على أنّ الرض المحجّرة -من الراضي الخربة -ل يجوز إحياؤها ،لنّ
من حجّرها أولى بالنتفاع بها من غيره ،فإن أهملها فللفقهاء تفصيلت .
فالحنفيّة والمالكيّة وضعوا مدّةً قصوى للختصاص الحاصل بالتّحجير ،وهي ثلث سنوات ،
وهذا هو الحكم ديان ًة ،أمّا قضا ًء فإذا أحياها غيره قبل مضيّ هذه المدّة ملكها ،وهذا هو
الحكم عند الحنفيّة ،فإن لم يقم بتعميرها أخذها المام ودفعها إلى غيره ،لقول عمر رضي
ال عنه ":ليس لمتحجّر بعد ثلث سنين حقّ ".
وذهب الشّافعيّة ،وهو وجه عند الحنابلة إلى أنّه إذا أهمل المتحجّر إحياء الرض م ّدةً غير
طويلة عرفا ،وجاء من يحييها فإنّ الحقّ للمتحجّر .
ن الحقّ لمن أحيا تلك الرض .
ن التّحجير بل عمل ل يفيد ،وأ ّ
والوجه الخر للحنابلة :أ ّ
وسبق التّفصيل في مصطلح ( إحياء الموات ج . ) 16/ 2
تحديد *
التّعريف :
- 1التّحديد لغ ًة :مصدر حدّد ،وأصل الح ّد :المنع والفصل بين الشّيئين ،يقال :حدّدت
الدّار تحديدا :إذا ميّزتها من مجاوراتها بذكر نهاياتها .
وفي اصطلح الفقهاء :تحديد الشّيء عبارة عن ذكر حدوده ،ويستعمل غالبا في العقار ،كما
يقولون :إن ادّعى عقارا حدّده ،أي ذكر المدّعي حدوده .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعيين :
- 2تعيين الشّيء :تخصيصه من الجملة ،يقال :عيّنت ال ّنيّة إذا نويت صوما معيّنا ،ومنه
خيار التّعيين ،وهو أن يشتري أحد الشّيئين أو الثّلثة على أن يعيّنه في خلل ثلثة أيّام .ب
-التّقدير :
- 3التّقدير من القدر ،وقدر الشّيء ومقداره :مقياسه ،فالتّقدير :وضع قدر للشّيء أو قياسه
،أو التّروّي والتّفكير في تسوية أمر وتهيئته ،ومنه :تقدير القاضي العقوبة الرّادعة في
التّعزير بحيث تتناسب مع الجريمة والمجرم .
الحكم الجماليّ :
- 4تحديد المعقود عليه في العقود الواردة على العقار بحيث تنتفي الجهالة شرط لصحّة العقد
.وتحديد المدّعي شرط لصحّة الدّعوى إذا كان عقارا ،لنّ العقار ل يمكن إحضاره فتعذّر
تعريفه بالشارة ،فيعرف بالحدود ،فيذكر المدّعي الحدود الربعة ،ويذكر أسماء أصحاب
ح الدّعوى .
الحدود وأنسابهم ،ويذكر المحلّة والبلد ،وإلّ ل تص ّ
وتفصيله في مصطلح ( :دعوى ) .
مواطن البحث :
يذكر الفقهاء تحديد المدّعي في كتاب الدّعوى ،وتحديد المعقود عليه في البيع والجارة
ونحوها .
تحرّف *
التّعريف :
- 1من معاني التّحرّف في اللّغة :الميل ،والعدول عن الشّيء .يقال :حرّف عن الشّيء
يحرّف حرفا وتحرّف :عدل ،وإذا مال النسان عن شيء يقال :تحرّف .
واصطلحا :يطلق على التّحرّف في القتال بمعنى ترك الموقف إلى موقف أصلح للقتال منه ،
حسب ما يقتضيه الحال ،أو للتّوجّه إلى قتال طائفة أخرى أه ّم من هؤلء ،أو مستطردا لقتال
عدوّه بطلب عورة له يمكنه إصابتها ،فيكرّ عليه .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
ل يحرم الفرار
- 2إذا التقى جيش المسلمين والكفّار وكان عدد الكفّار مثلي المسلمين أو أق ّ
ل متحرّفا لقتال ،فيجوز له النصراف بقصد التّحرّف ،لقوله تعالى { :يا أيّها
والنصراف إ ّ
حرّفا
لدْبارَ ،ومن يُوَلّهم َي ْو َم ِئذٍ ُدبُرَه إلّ ُم َت َ
الّذين آمنوا إذا لَقِيتُم الّذين كفروا َزحْفا فل تُوَلّوهم ا َ
حيّزا إلى ِفئَ ٍة فقد باءَ ِب َغضَبٍ من اللّه و َمأْواه جهنّمُ وبئسَ المصي ُر } .والمتحرّف
لِقِتالٍ أو ُم َت َ
هو من ينصرف من جهة إلى أخرى حسبما يقتضيه الحال ،فله أن ينتقل من مكان ضيّق إلى
مكان أرحب منه ،ليتبعه العدوّ إلى متّسع سهل للقتال ،أو من موضع مكشوف إلى موضع
آخر غير مكشوف ليكمن فيه ويهجم ،أو عن محلّه لصون منه عن نحو ريح أو شمس أو
عطش ،أو يف ّر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم ويجد فيهم فرص ًة ،أو ليستند إلى جبل ونحو ذلك
ممّا جرت به عادة أهل الحرب ،وقد روي عن عمر رضي ال عنه أنّه كان يوما في خطبته
إذ قال " :يا سارية بن زنيم الجبل " ،وكان قد بعث سارية إلى ناحية العراق لغزوهم ،فلمّا
قدم ذلك الجيش أخبروا أنّهم لقوا عدوّهم يوم جمعة ،فظهر عليهم ،فسمعوا صوت عمر
فتحيّزوا إلى الجبل ،فنجوا من عدوّهم فانتصروا عليهم .والتّحرّف جائز بل خلف بين
جمهور الفقهاء ،ولكنّ المالكيّة أجازوه لغير أمير الجيش والمام .أمّا هما فليس لهما التّحرّف
،لما يحصل بسبب ذلك من الخلل والمفسدة .والتّفصيل موطنه مصطلح ( :جهاد ) .
تحرّي *
التّعريف :
- 1التّحرّي في اللّغة :القصد والبتغاء ،كقول القائل :أتحرّى مسرّتك ،أي أطلب
حرّوا رَشَدا } أي قصدوا طريق الحقّ وتوخّوه .
مرضاتك ،ومنه قوله تعالى { :فأولئك َت َ
ومنه حديث النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الواخر ...
» الحديث .أي اعتنوا بطلبها .وفي الصطلح :بذل المجهود في طلب المقصود ،أو طلب
ن عند عدم الوقوف على حقيقته .
الشّيء بغالب الظّ ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجتهاد :
- 2الجتهاد والتّحرّي لفظان متقاربا المعنى ،ومعناهما :بذل المجهود في طلب المقصود ،
إلّ أنّ لفظ الجتهاد صار في عرف العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعه في طلب العلم
بأحكام الشّريعة ،وبذل المجهود في تعرّف حكم الحادثة من الدّليل .
أمّا التّحرّي فقد يكون بدليل ،وقد يكون بمجرّد شهادة القلب من غير أمارة .فكلّ اجتهاد
تحرّ ،وليس ك ّل تحرّ اجتهاد .
ب -التّوخّي :
ن لفظ التّوخّي
- 3التّوخّي مأخوذ من الوخى ،بمعنى القصد ،فالتّحرّي والتّوخّي سواء ،إلّ أ ّ
يستعمل في المعاملت .كما قال صلى ال عليه وسلم للرّجلين اللّذين اختصما في المواريث :
ل واحد منكما صاحبه » .
« اذهبا وتوخّيا ،واستهما ،وليحلل ك ّ
وأمّا التّحرّي فيستعمل غالبا في العبادات .كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا شكّ
أحدكم في الصّلة فليتحرّ الصّواب » .
ج -الظّنّ :
ن يكون ترجيح أحد
ن :هو إدراك الطّرف الرّاجح مع احتمال النّقيض ،ففي الظّ ّ
- 4الظّ ّ
المرين على الخر ،فإن كان بغير دليل فهو مذموم ،ويكون التّرجيح في التّحرّي بغالب
الرّأي ،وهو دليل يتوصّل به إلى طرف العلم وإن كان ل يتوصّل به إلى ما يوجب حقيقة
العلم ،وقد يستعمل الظّنّ بمعنى اليقين كقوله تعالى { :الّذين يظنّون أنّهم ملقو ربّهم } .
شكّ :
د -ال ّ
شكّ :تردّد بين احتمالين مستويين ،أي من غير رجحان لحدهما على الخر عند
- 5ال ّ
شكّ .
الشّاكّ .فالتّحرّي وسيلة لزالة ال ّ
الحكم التّكليفيّ :
سنّة والمعقول :أمّا
- 6التّحرّي مشروع والعمل به جائز ،والدّليل على ذلك الكتاب وال ّ
ن اللّه
ت فامتحنوه ّ
الكتاب :فقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمناتُ مهاجرا ٍ
ن مُؤْمنات فل تَرْجعوهنّ إلى الكفّار } .
أعلمُ بإِيمانهنّ فإِن عَِل ْمتُموه ّ
وذلك يكون بالتّحرّي وغالب الرّأي ،وأطلق عليه العلم .
سنّة :فالحديثان السّابقان عند الكلم عن التّوخّي .
وأمّا ال ّ
ن الجتهاد في الحكام الشّرعيّة جائز للعمل به ،وذلك
وأمّا ما يدلّ عليه من المعقول :فهو أ ّ
عمل بغالب الرّأي ،ثمّ جعل مدركا من مدارك أحكام الشّرع ،وإن كانت الحكام ل تثبت به
ابتداءً ،فكذلك التّحرّي مدرك من مدارك التّوصّل إلى أداء العبادات وإن كانت العبادة ل تثبت
به ابتداءً .
هذا ،والتّحرّي في أحكام الشّرع ورد في مواضع كثيرة ،ويختلف حكمه باختلف مواطنه :
أوّلً :التّحرّي لمعرفة الطّاهر من غيره حالة الختلط :
أ -اختلط الواني :
- 7إذا اختلطت الواني الّتي فيها ماء طاهر بالواني الّتي فيها ماء نجس ،واشتبه المر ،
ولم يكن معه ماء طاهر سوى ذلك ،ول يعرف الطّاهر من النّجس :
فإن كانت الغلبة للواني الطّاهرة ،يتحرّى عند الحنفيّة وبعض الحنابلة ،لنّ الحكم للغالب ،
وباعتبار الغالب لزمه استعمال الماء الطّاهر ،وإصابته بتحرّيه مأمولة ،ولنّ جهة الباحة قد
ل للشّرب
ترجّحت .وإن كانت الغلبة للواني النّجسة أو كانا متساويين ،فليس له أن يتحرّى إ ّ
ن له بديلً .
حالة الضّرورة ،إذ ل بديل له ،بخلف الوضوء فإ ّ
وظاهر كلم أحمد وأكثر أصحابه عدم جواز التّحرّي ،وإن كثر عدد الواني الطّاهرة .
وعند الشّافعيّة يجوز التّحرّي في الحالين ،فيتوضّأ بالغلب ،لنّه شرط للصّلة ،فجاز
التّحرّي من أجله كالقبلة .
وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا كان عنده ثلثة أوان نجسة أو متنجّسة واثنان طهوران ،واشتبهت
هذه بهذه ،فإنّه يتوضّأ ثلثة وضوآت من ثلثة أوان عدد الواني النّجسة ،ويتوضّأ وضوءا
رابعا من إناء رابع ،ويصلّي بكلّ وضوء صل ًة .
وحكى ابن الماجشون من المالكيّة قولً آخر ،وهو أنّه يتوضّأ من كلّ واحد من الواني
وضوءا ويصلّي به .والتّفصيل في مصطلح ( اشتباه ) .
ب -اختلط الثّياب :
- 8إذا اشتبهت على الشّخص ثياب طاهرة بنجسة ،وتعذّر التّمييز بينها ،وليس معه ثوب
طاهر بيقين غيرها ،ول ما يغسلها به ،ول يعرف الطّاهر من النّجس ،واحتاج إلى
الصّلة ،فإنّه يتحرّى عند الحنفيّة ،وهو المشهور عند المالكيّة والشّافعيّة ما عدا المزنيّ ،
ويصلّي في الّذي يقع تحرّيه على أنّه طاهر ،سواء أكانت الغلبة للثّياب النّجسة أم الطّاهرة ،
أو كانا متساويين .وقال الحنابلة ،وابن الماجشون من المالكيّة :ل يجوز التّحرّي ،ويصلّي
في ثياب منها بعدد النّجس منها ،ويزيد صل ًة في ثوب آخر .
ح الوجهين دفعا للمشقّة .
وقال ابن عقيل من الحنابلة :يتحرّى في أص ّ
وقال أبو ثور والمزنيّ :ل يصلّي في شيء منها ،كقولهما في الواني .
ج -اختلط المذكّاة بالميتة :
- 9إذا اختلطت المذكّاة بالميتة ،فذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز التّحرّي في حالة الضطرار
مطلقا ،أي سواء أكانت الغلبة للمذكّاة أم للميتة أو تساويا .
ل إذا كانت الغلبة للحلل .
وفي حالة الختيار ل يجوز التّحرّي إ ّ
وأمّا الئمّة الثّلثة فل يجوز عندهم التّحرّي مطلقا في هذا المجال .
د -التّحرّي في الحيض :
- 10إذا نسيت امرأة عدد أيّام حيضها وموضعها ،واشتبه عليها حالها في الحيض والطّهر
ن عليها أن تتحرّى ،فإن وقع أكبر رأيها على أنّها حائض
فالمتبادر من أقوال جمهور الفقهاء أ ّ
أعطيت حكمه ،وإن وقع أكبر رأيها على أنّها طاهرة أعطيت حكم الطّاهرات ،لنّ غلبة
الظّنّ من الدلّة الشّرعيّة .
وأمّا إذا تحيّرت ولم يغلب على ظنّها شيء ،فهي المتحيّرة أو المضلّة ،فعليها الخذ بالحوط
في الحكام .ولتفصيل أحكامها يرجع إلى مصطلح ( حيض ،استحاضة ) .
ثانيا :معرفة القبلة بالستدلل والتّحرّي :
ن المصلّي إذا كان قادرا على استقبال القبلة ،وكان بمكّة وفي حال مشاهدة الكعبة
- 11إ ّ
ومعاينته لها ،فل خلف بين الفقهاء في أنّ عليه التّوجّه إلى عين الكعبة ،ومقابلة ذاتها .وإن
كان نائيا عن الكعبة غائبا عنها :فذهب الحنفيّة إلى أنّه يكفيه استقبال جهة الكعبة باجتهاد ،
وليس عليه إصابة العين ،وهو الظهر عند المالكيّة والحنابلة ،وهو قول للشّافعيّ .
والظهر عند الشّافعيّة ،وهو قول للمالكيّة ،ورواية عن الحنابلة :أنّه تلزمه إصابة العين .
ول يجوز الجتهاد عند جمهور الفقهاء مع وجود محاريب الصّحابة ،وكذلك محاريب
المسلمين الّتي تكرّرت الصّلوات إليها .
كما أنّه ل يجوز الجتهاد إذا كان بحضرته من يسأله من أهل المكان العالم بها ،بشرط كونه
مقبول الشّهادة ،فال ّذ ّميّ والجاهل والفاسق والصّبيّ ل يعتدّ بإخباره في هذا المجال .
فإذا عجز المصلّي عن إصابة عين الكعبة والتّوجّه إلى جهتها استدللً بالمحاريب المنصوبة
القديمة ،أو سؤال من هو عالم بالقبلة ،ممّن تقبل شهادته من أهل المكان :فإن كان من أهل
الجتهاد في أمر القبلة ،فعليه الجتهاد .والمجتهد في القبلة هو :العالم بأدلّتها وهي :النّجوم
،والشّمس ،والقمر ،والرّياح ،والجبال ،والنهار وغير ذلك من الوسائل والمعالم ،وإن
ن كلّ من علم بأدلّة شيء كان من المجتهدين فيه ،وإن جهل
ل بأحكام الشّرع .فإ ّ
كان جاه ً
غيره .وإن كان غير عالم بأدلّتها ،أو كان أعمى فهو مقلّد وإن علم غيرها .فالمصلّي القادر
على الجتهاد إن صلّى بغير اجتهاد ،فالمتبادر من أقوال جمهور الفقهاء أنّه ل تجوز
صلته ،وإن وقعت إلى القبلة ،وكذلك إذا أدّاه الجتهاد إلى جهة فصلّى إلى غيرها ،ثمّ تبيّن
أنّه صلّى إلى الكعبة ،فصلته باطلة عند الئمّة الربعة ،لتركه الواجب ،كما لو صلّى ظانّا
أنّه محدث ثمّ تبيّن أنّه متطهّر .ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح ( :استقبال ) .
- 12من عجز عن معرفة القبلة بالستدلل ،بأن خفيت عليه الدلّة لحبس أو غيم ،أو
التبست عليه أو تعارضت ،ولم يكن هناك من يخبره اختلف الفقهاء في ذلك ،فذهب الحنفيّة
ن التّكليف
ح صلته ،ل ّ
والحنابلة ،وهو المعتمد عند المالكيّة :إلى أنّ عليه التّحرّي وتص ّ
بحسب الوسع والمكان ،وليس في وسعه إلّ التّحرّي .والمشهور عند الشّافعيّة أنّه يصلّي
كيف كان لحرمة الوقت ،سواء أكان في الوقت سعة أم ل ،ويقضي لندرة حصول ذلك .
والصل في هذا الباب ما روي عن عامر بن ربيعة أنّه قال « :كنّا مع رسول اللّه صلى ال
ل رجل منّا على خياله ،فلمّا أصبحنا
عليه وسلم في ليلة مظلمة ،فلم ندر أين القبلة ،فصلّى ك ّ
ذكرنا ذلك لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم فنزل قول اللّه تعالى { :فأينما ُتوَلّوا َفثَمّ وج ُه اللّه
} » وقال عليّ رضي ال تعالى عنه ":قبلة المتحرّي جهة قصده ".
ثالثا :التّحرّي في الصّلة :
-من شكّ في الصّلة فل يدري كم صلّى ،فعند الحنفيّة إن كان يعرض له الشّكّ كثيرا في 13
الصّلة ،وكان له رأي تحرّى ،وبنى على أكبر رأيه ،لقوله عليه الصلة والسلم :
ك في الصّلة فليتحرّ الصّواب » .
« من ش ّ
ل ،ويأتي بما شكّ فيه مطلقا .
وعند المالكيّة يبني على الق ّ
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا شكّ في أثناء الصّلة فعليه الخذ بالقلّ ،ويسجد للسّهو .ولو شكّ
بعد السّلم فقولن عندهم :
أحدهما :أن يقوم إلى التّدارك ،كأنّه لم يسلّم .
والثّاني :أنّه ل يعتبر بعد الفراغ لما فيه من العسر .
وأمّا الحنابلة فيفرّقون بين المام والمنفرد في المشهور من مذهبهم .فمن كان إماما وشكّ فلم
يدر كم صلّى تحرّى وبنى على غالب ظنّه ،وأمّا المنفرد فيبني على اليقين ( القلّ ) ،وفي
رواية يبني على غالب ظنّه كالمام ،هذا إذا كان له رأي ،أمّا إذا استوى عنده المران بنى
على اليقين إماما كان أو منفردا .
رابعا :التّحرّي في الصّوم :
- 14من كان محبوسا أو كان في بعض النّواحي النّائية عن المصار ،أو بدار حرب بحيث
ل يمكنه التّعرّف على الشهر بالخبر واشتبه عليه شهر رمضان :فقد اتّفق الفقهاء على أنّه
يجب عليه التّحرّي والجتهاد في معرفة شهر رمضان ،لنّه أمكنه تأدية فرض بالتّحرّي
والجتهاد ،فلزمه كاستقبال القبلة .
فإذا غلب على ظنّه عن أمارة تقوم في نفسه دخول شهر رمضان صامه ،ثمّ إن تبيّن أنّه
أصاب شهر رمضان ،أو لم ينكشف له الحال أجزأه في قول عامّة الفقهاء ،لنّه أدّى فرضه
بالجتهاد ،وأدرك ما هو المقصود بالتّحرّي .
وإن تبيّن أنّه صام شهرا قبله ،فذهب الئمّة الثّلثة ،والشّافعيّة في الصّحيح من المذهب أنّه
ل يجزئه ،لنّه أدّى العبادة قبل وجود سبب وجوبها فلم تجزئه كمن صلّى قبل الوقت .وعند
الشّافعيّة قول في القديم في حالة تبيّن المر بعد رمضان أنّه يجزئ ،لنّه عبادة تفعل في
السّنة مرّ ًة ،فجاز أن يسقط فرضها بالفعل قبل الوقت عند الخطأ .
أمّا إن تبيّن أنّه صام شهرا بعده ،جاز عند جمهور الفقهاء ،وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ،
وذلك بشرطين :إكمال العدّة ،وتبييت ال ّنيّة لشهر رمضان ،لنّه قضاء ،وفي القضاء يعتبر
ن العذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما
هذان الشّرطان ،وفي قول للشّافعيّة أنّه أداء للعذر ،ل ّ
في الجمع بين الصّلتين .
وعلى هذا فإن كان الشّهر الّذي صامه ناقصا ،ورمضان الّذي صامه النّاس تامّا ،صام
ن صوم شهر آخر بعده يكون قضاءً ،والقضاء يكون على قدر الفائت .
يوما ،ل ّ
وعلى القول الثّاني للشّافعيّة -بأنّه يقع أدا ًء -يجزئه ولو صامه ناقصا وصام النّاس رمضان
تامّا ،لنّ الشّهر يقع ما بين الهللين .وكذلك إن وافق بعض رمضان دون بعض ،فما وافق
رمضان أو بعده أجزأه ،وما وافق قبله لم يجزئه .
ن الشّهر لم يدخل فصام لم يجزئه ،ولو أصاب ،وكذا لو شكّ في دخوله ولم
وأمّا إن ظنّ أ ّ
يغلب على ظنّه دخوله .وإن صام من اشتبهت عليه الشهر بل اجتهاد وهو قادر عليه ،وبل
تحرّ ،ل يجزئه كمن خفيت عليه القبلة .
ل له الفطر ،لنّ الصل بقاء النّهار .
ومن شكّ في الغروب في يوم غيم ولم يتحرّ ل يح ّ
خامسا :التّحرّي في معرفة مستحقّي الزّكاة :
- 15من شكّ في حال من يدفع له الزّكاة لزمه التّحرّي :فإن وقع في أكبر رأيه أنّه فقير دفع
إليه ،فإذا ظهر أنّه فقير أو لم يظهر من حاله شيء جاز بالتّفاق ،وإن ظهر أنّه كان غنيّا
فكذلك في قول أبي حنيفة ومحمّد ،وهو قول أبي يوسف الوّل ،وفي قوله الخر تلزمه
العادة ،وهو قول للشّافعيّ .
وعند المالكيّة :إن دفع الزّكاة باجتهاد لغير مستحقّ في الواقع كغنيّ ،أو كافر مع ظنّه أنّه
مستحقّ ،لم تجزه .أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فروايتان :إحداهما يجزئه ،والخرى ل
يجزئه .ولمعرفة تفصيل أحكام ذلك يرجع إلى مصطلح ( :زكاة ) .
سادسا :التّحرّي بين القيسة المتعارضة :
- 16إذا وقع التّعارض بين القياسين ،ولم يكن هناك دليل لترجيح أحدهما على الخر ،ولم
يقع اختياره على أحدهما بالعمل به ،فيجب التّحرّي ،خلفا للمام الشّافعيّ ،فإنّه يقول :ل
يجب التّحرّي ،بل للمجتهد أن يعمل بأيّهما شاء ،وعلى هذا الخلف ،التّحرّي في قول
جيّة قول الصّحابيّ ،والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
صحابيّين عند من يقول بح ّ
مواطن البحث :
- 17ورد ذكر التّحرّي في فصول كثيرة من كتب الفقه منها :كتاب الصّلة عند الكلم عن
استقبال القبلة ،وسجدة السّهو ،وأبواب الحيض والطّهارة ،والصّوم ،وخصّص صاحب
المبسوط للتّحرّي كتابا مستقلّا بعنوان ( كتاب التّحرّي ) ،كما أنّه يرجع لتفصيل أحكامه إلى
مصطلحات ( استقبال ،واستحاضة ،واشتباه ) .
تحريش *
التّعريف :
- 1التّحريش في اللّغة :إغراء النسان أو الحيوان ليقع بقرنه ،أي نظيره .يقال :حرّش
بين القوم إذا أفسد بينهم ،وأغرى بعضهم ببعض .
قال الجوهريّ :التّحريش :الغراء بين القوم ،أو البهائم ،كالكلب والثّيران وغيرهما ،
بتهييج بعضها على بعض ،ففي التّحريش تسليط للمحرّش على غيره .ويقال في تسليط
الكلب المعلّم نحوه على الصّيد :إشلء .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للتّحريش عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّحريض :
شرّ ،ويغلب استعماله
ث على القتال وغيره ،وهو يكون في الخير وال ّ
- 2التّحريض :الح ّ
ث لطرفين .
ث فيه لطرف ،أمّا التّحريش فيكون فيه الح ّ
فيما يكون الح ّ
الحكم التّكليفيّ :
- 3التّحريش بين النّاس بقصد الفساد حرام ،لنّه وسيلة لفساد ذات البين ،واللّه ل يحبّ
الفساد .ومن صور التّحريش :النّميمة .قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :أل أخبركم
بأفضلَ من درجةِ الصّيام والصّلة والصّدقة ؟ قالوا :بلى .قال :صلح ذات ال َبيْن ،فإنّ
فساد ذات البين هي الحالقة » أمّا تحريش الحيوان -بمعنى الغراء والتّسليط والرسال بقصد
الصّيد -فمباح كإرسال الكلب المعلّم ،وما في معناه من الحيوانات .
ول خلف بين الفقهاء في حرمة التّحريش بين البهائم ،بتحريض بعضها على بعض وتهييجه
عليـه ،لنّه سـفه ويؤدّي إلى حصـول الذى للحيوان ،وربّمـا أدّى إلى إتلفـه بدون غرض
مشروع .
وجاء في الثر « :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن التّحريش بين البهائم » .ويحرم
التّحريش بين المسلمين بقصد الفساد وإثارة الفتنة بينهم .وقال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم « :إنّ الشّيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ،ولكن في التّحريش بينهم » .أمّا
الغراء على فعل مشروع فيسمّى تحريضا ،ومنه التّحريض على ركوب الخيل ،والتّدرّب
على الرّمي ،وفنون القتال وهو جائز .
وقال بعض الفقهاء :إنّه مستحبّ .وتفصيله في ( تحريض ) .
تحريض *
التّعريف :
ث على القتال وغيره والحماء عليه .وجاء في
- 1التّحريض في اللّغة :التّحضيض والح ّ
ل اللّه ل ُتكَّلفُ إلّ نفسَك وحرّض المؤمنين } .
التّنزيل { :فقاتلْ في سبي ِ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
وقريب من التّحريض الحثّ والتّحريش والغراء والتّهييج .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّثبيط :
- 2التّثبّط مصدر ثبّطه عن المر تثبيطا :شغله عنه وعوّقه .ونحوه التّخذيل ،وهو :حمل
أنصار الشّخص على ترك عونه وتثبيطه عن نصرته .فالتّثبيط ضدّ التّحريض .
ب -الرجاف :
- 3الرجاف مصدر :أرجف في الشّيء :خاض فيه ،وأرجف القوم :إذا خاضوا في
سيّئة وذكر الفتن .قال اللّه تعالى { :والمرْجِفون في المدينة } وهم الّذي يولّدون
الخبار ال ّ
الخبار الكاذبة الّتي يكون معها اضطراب في النّاس .
فالرجاف وسيلة من وسائل التّثبيط الّذي هو ضدّ التّحريض .
ج -التّحريش :
- 4التّحريش :إغراء النسان أو الحيوان ليقع بقرنه أي نظيره .ول يكون استعماله إلّ في
ث فيه لطرف .
الشّرّ ،وهو فيما يكون الحثّ فيه لطرفين .أمّا التّحريض فيكون الح ّ
الحكم التّكليفيّ :
- 5يختلف حكم التّحريض باختلف موضوعه :
فالتّحريض على القتال في الجهاد مأمور به ،وكذلك التّحريض على البرّ والحسان ،كإطعام
المساكين واليتام .والتّحريض في الفساد ،وأنواع المنكر حرام .
وتحريض السّبع الضّاري ،والكلب العقور على إنسان معصوم الدّم أو مال محترم حرام
وموجب للضّمان ،بتفصيل يأتي .
تحريض المجاهدين على القتال :
ن للمام والمير إذا جهّز جيشا أو سريّ ًة للخروج إلى الجهاد أن يحرّضهم على القتال
- 6يس ّ
ل نفسَك وحرّض
وعلى الصّبر والثّبات .لقوله تعالى { :فقاتلْ في سبيلِ اللّه ل ُتكَلّفُ إ ّ
المؤمنين } وقوله تعالى { :يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنينَ على القتالِ }
وتفصيله في باب الجهاد .
التّحريض على المسابقة :
ن تحريض الرّجال على المسابقة والمناضلة وركوب الخيل .ويجوز للمام أن يدفع
- 7يس ّ
ص ،كما يجوز للفراد أيضا أن يدفعوه ،لنّه بذل في
العوض من بيت المال ،ومن ماله الخا ّ
عدّوا
طاعة ،ويثاب عليه .لنّ ذلك من العداد الّذي أمر اللّه به في قوله عزّ من قائل { :وأَ ِ
لهم ما استطعتم من قُوّةٍ ومن رِباطِ الخيلِ }
ي صلى ال عليه وسلم خرج يوما على قوم يتناضلون فقال :ارموا بني
ن النّب ّ
ولخبر « :أ ّ
ن القوّة الرّمي » ،
ن القوّة الرّمي ،أل إ ّ
إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا » ولخبر « :أل إ ّ
ولخبر { :إنّ اللّه يدخل الجنّة بالسّهم الواحد ثلث ًة :صانعه يحتسب في صنعه الخير ،
والرّامي به ،ومنبّله » إلخ .والتّفصيل في ( السّباق ) .
تحريض الحيوان :
- 8إذا حرّض حيوانا فجنى على إنسان فعليه الضّمان لتسبّبه ،هذا رأي المالكيّة والحنابلة .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا كان في موضع واسع كالصّحراء فقتله فل ضمان ،لنّه لم يلجئه
إلى قتله ،والّذي وجد منه ليس بمهلك .أمّا إذا كان في موضع ضيّق ،أو كان الحيوان
ضاريا شديد العدو ل يتأتّى الهرب منه في الصّحراء ،وجب عليه الضّمان إذا قتل في الحال
.وعند الحناف :ل يضمن .والتّفصيل في ( الجنايات ) .
تحريض المحرم كلبا على صيد :
- 9إذا حرّض محرم كلبا على صيد ضمن ،كحلل في الحرم بجامع التّسبّب فيهما .
والتّفصيل في ( الحرام ) .
تحريف *
التّعريف :
-التّحريف لغ ًة :مصدر حرّف الشّيء :إذا جعله على جانب ،أو أخذ من جانبه شيئا ، 1
وتحريف الكلم عن مواضعه تغييره والعدول به عن جهته ،ومنه قوله تعالى في اليهود :
{ يُحرّفونَ الكَِلمَ عن مَوَاضِعه } أي يغيّرونه .
والتّحريف في الصطلح :التّغيير في الكلمة بتبديل في حركاتها ،كالفلك والفلك ،والخلق
والخلق .أو تبديل حرف بحرف ،سواء اشتبها في الخطّ أم ل ،أو كلمة بكلمة نحو ( سرى
بالقوم ) ( وسرى في القوم ) أو بالزّيادة في الكلم أو النّقص منه ،أو حمله على غير المراد
منه .وخصّه بعضهم في علم أصول الحديث بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الخطّ
والنّقط ،وتخالفها في الحركات ،كتبديل الخلق بالخلق ،والقدم بالقدم ،وهذا اصطلح ابن
حجر على ظاهر ما في نخبة الفكر وشرحها ،جعله مقابلً للتّصحيف .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّصحيف :
- 2التّصحيف هو تغيير اللّفظ حتّى يتغيّر المعنى المراد ،وأصله الخطأ ،يقال :صحّفه
فتصحّف ،أي غيّره فتغيّر حتّى التبس .
والتّصحيف في الصطلح اختلف فيه على قولين :قيل :هو ك ّل تغيير في الكلمة سواء بسبب
اختلف النّقط أو الشّكل أو بتبديل حرف بحرف أو كلمة بكلمة ،وهذا الّذي جرى عليه
اصطلح أغلب المحدّثين قبل ابن حجر ،منهم الخطيب في الكفاية ،والحاكم في معرفة علوم
الحديث ،والنّوويّ في التّقريب ،وابن الصّلح وغيرهم .وهو بهذا المعنى قريب من
التّحريف ،إلّ أنّ التّحريف أشمل ،إذ يدخل فيه تغيير المعنى مع بقاء اللّفظ على حاله .
فيكون التّصحيف هو التّحريف في نقط الكلمة أو شكلها أو حروفها .وما سوى ذلك فهو
التّحريف في المعنى .
ص بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها
أمّا ابن حجر ومن تابعه فقد ذهبوا إلى أنّ التّصحيف خا ّ
في الخطّ وتخالفها في النّقط ،وهو اصطلح العسكريّ في كتابه ( شرح التّصحيف والتّحريف
) وذلك كتبديل الغدر بالعذر ،والخطب بالحطب .
ن الخذ عن الصّحيفة قد ل يمكنه التّفريق بين
وإنّما سمّي هذا النّوع من التّحريف تصحيفا ل ّ
الكلمة المرادة والكلمة الّتي تلتبس بها لمشابهتها في الصّورة ،بخلف الخذ من أفواه أهل
العلم .وكان هذا اللتباس كثيرا قبل اختراع النّقط في القرن الثّاني الهجريّ ،وقلّ بعده ،إلّ
ن النّقط قد تسقط ،وقد تنتقل عن مكانها ،فيحصل
أنّه لم ينعدم حتّى عند من يلتزم به ،ل ّ
اللتباس .
ب -التّزوير :
- 3الزّور لغةً :الكذب ،والتّزوير :تزيين الكذب .
ن أنّه حقّ ،سواء أكان ذلك في
ل قول أو عمل يراد به تزيين الباطل حتّى يظ ّ
واصطلحا :ك ّ
القول كشهادة الزّور ،أم الفعل كمحاكاة الخطوط أو النّقود بقصد إثبات الباطل .فالفرق بينه
وبين التّحريف أنّ التّزوير يحدث به تغيير مقصود ،أمّا التّحريف فقد يتغيّر به الواقع وقد ل
يتغيّر ،وقد يكون التّحريف مقصودا أو غير مقصود ،ففيهما عموم وخصوص .
أنواع التّحريف والتّصحيف :
- 4التّحريف إمّا لفظيّ وإمّا معنويّ :فاللّفظيّ يكون في السّند ،كما صحّف الطّبريّ اسم
عتبة بن ال ّندّر فقال فيه :ابن البذر .ويكون في المتن كما صحّف ابن لهيعة حديث « احتجر
النّبيّ صلى ال عليه وسلم في المسجد » فقال فيه « احتجم في المسجد » .
وينقسم اللّفظيّ قسمين :أوّلهما :ما يحسّ بالبصر ،كما سبق .
وثانيهما :ما يح سّ بال سّمع ،نحو حديث لعاصم الحول رواه بعضهم فقال " واصل الحدب "
فذكر الدّارقطنيّ أنّه من تصحيف السّمع ،ل من تصحيف البصر ،كأنّه ذهب -واللّه أعلم -
ن ذلك ل يشتبه من حيث الكتابة وإنّما أخطأ فيه السّمع ممّن رواه كذلك .
إلى أ ّ
وأمّا التّحريف المعنويّ :فهو ما يقع في المعنى بحمل اللّفظ على غير المراد منه بتأويل
فاسد ،قصدا أو بدون قصد .ومن أمثلته :ما رواه محمّد بن المثنّى العنزيّ ،حدّث بحديث «
عنَزة » .فقال :نحن قوم لنا شرف ،صلّى النّبيّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم صلّى إلى َ
إّ
صلى ال عليه وسلم إلينا .وإنّما العنزة هنا :حربة نصبت بين يديه فصلّى إليها ،وليس
المراد قبيلة عنزة .قال ابن الصّلح :وأظرف من هذا أنّ أعرابيّا زعم أنّه صلى ال عليه
وسلم كان إذا صلّى نصبت بين يديه شاة .أي صحّفها إلى عنزة بإسكان النّون .
حكم التّحريف والتّصحيف :
التّحريف إمّا أن يقصد به كتاب اللّه تعالى ،أو الحاديث النّبويّة ،أو غيرهما من الكلم :
أ -التّحريف لكلم اللّه تعالى :
- 5ضمن اللّه تعالى أن يحفظ كتابه من التّبديل والتّحريف في ألفاظه ومبانيه حتّى يبقى إلى
يوم القيامة كما أنزل ،قال تعالى { :إنّا نحن َنزّلْنا ال ِذكْر وإنّا له لحافظون } فعزل الشّياطين
ف مكرّمة مرفوعةٍ
ح ٍ
صُعن استماعه ،ورجمهم عند البعثة بالشّهب ،وجعل القرآن { في ُ
مطهّرة بَأيْدي سَفَر ٍة كرامٍ َب َررَةٍ } ولم يجعل اللّه تعالى لحد من خلقه أن يبدّل كلمه أو يغيّر
فيه ،قال اللّه تعالى { :وإذا ُتتْلى عليهم آياتُنا َبيّنات قال الّذين ل َيرْجون لِقاءَنا ائْتِ ب ُقرْآنٍ
ن ُأ َبدّلَه من تِلْقَاء نفسي إنْ َأ ّتبِ ُع إلّ ما يُوحى إليّ }
غيرِ هذا أو َبدّلْه قل ما يكون لي أَ ْ
ودعت الشّريعة المسلمين إلى حفظ القرآن وتلوته وضبطه ،فقامت المّة السلميّة بذلك
خير قيام ،بحيث أمن أن يتبدّل منه شيء ،ولو بدّل أحد حرفا واحدا منه لوجد العشرات بل
المئات من المسلمين كبارا وصغارا ممّن يبيّنون ذلك التّحريف ،وينفون ذلك التّبديل .
وقد قصّ اللّه تعالى في كتابه ما فعله أهل الكتاب ،من تحريف لما لديهم من الكتب السّماويّة
حسَبوه من
ن منهم َلفَريقا يَلْوُون ألسنَتَهم بالكتابِ ِل َت ْ
بالزّيادة أو الحذف أو التّغيير ،فقال { :وإ ّ
ن الكتابِ ويقولون ه َو مِنْ عندِ اللّ ِه وما هو من عندِ الّلهِ } وقال { :
الكتابِ َومَا هو م َ
عقَلوه
ن يُؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعونَ كلمَ الّل ِه ثمّ ُيحَرّفونه من بعد ما َ
ن أَ ْ
ط َمعُو َ
َأ َفتَ ْ
حرّفُون الكَِلمَ عن
وهم يعلمون } وقال َ { :فبِما نَ ْقضِهم ميثاقَهم َل َعنّاهم وجعلنا قلوبَهم قاسي ًة ُي َ
سمّاعون لِ َقوْم آخرين لمْ َيأْتوك يحرّفون
سمّاعون لِ ْلكَذب َ
مواضِعه } وقال { :ومن الّذين هادُوا َ
ن بعد مواضعه } .
الكَِلمَ مِ ْ
ولجل المن من أيّ تحريف أو تغيير في كلم اللّه تعالى التزم جمهور علماء المّة رسم خطّ
المصحف العثمانيّ دون تغيير فيه ،مهما تغيّر اصطلح الكتابة في العصور اللّاحقة .
قال الزّركشيّ :ولم يكن ذلك منهم كيف اتّفق ،بل على أمر عندهم قد تحقّق .
وقال أبو البقاء في كتاب اللّباب :ذهب جماعة من أهل اللّغة إلى كتابة الكلمة على لفظها ،إلّ
في خطّ المصحف ،فإنّهم اتّبعوا في ذلك ما وجدوه في المصحف المام .
وقال أشهب :سئل مالك رحمه ال :هل تكتب المصحف على ما أخذه النّاس من الهجاء ؟
ل على الكتبة الولى .رواه الدّانيّ ،ثمّ قال :ول مخالف له من علماء المّة ،
فقال :ل ،إ ّ
وقال المام أحمد :تحرم مخالفة خطّ مصحف عثمان " أي رسمه " في ياء أو واو أو ألف أو
سنّة القائمة الّتي ل يجوز لحد
غير ذلك ،وقال أبو عبيد :اتّباع حروف المصحف عندنا كال ّ
ي في ذلك رأيا مخالفا بيّنه في تفسيره عند قوله تعالى { :
ن للمام الشّوكان ّ
أن يتعدّاها إلّ أ ّ
الّذين َيأْكلون ال ّربَوا } من سورة البقرة :قال :وقد كتبوه في المصحف بالواو ،وهذا مجرّد
ن هذه النّقوش الكتابيّة أمور اصطلحيّة ل يشاحّ في مثلها ،
اصطلح ل يلزم المشي عليه ،فإ ّ
ل به على الحرف الّذي كان في أصل الكلمة ونحوه .قال :وعلى كلّ حال
إلّ فيما كان يد ّ
فرسم الكلمة وحمل نقشها الكتابيّ على ما يقتضيه اللّفظ بها هو الولى أمّا التّغيير في القراءة
بما يخرج عن رسم المصحف فل يجوز أيضا بوجه من الوجوه ،ول يجوز التّغيير عمّا
صحّت به الرّواية من الوجوه ولو احتملها رسم المصحف المام .
ويحصل المن من تحريف ألفاظ القرآن بالتّلقّي من أفواه القرّاء العالمين بالقراءة ،ول ينبغي
الكتفاء بتعلّمها بمجرّد النّظر في المصحف .
أمّا تغيير المعنى بتفسير القرآن على غير الوجه المراد به ،فهو نوع شديد من التّحريف .
سنّة الصّحيحة ،وإمّا بمقتضى لسان
ن الواجب تفسير القرآن إمّا بالقرآن ،وإمّا بال ّ
وقد علم أ ّ
العرب للعالمين به .وأمّا تفسيره بمجرّد الرّأي فل يجوز ذلك شرعا ،لقول النّبيّ صلى ال
عليه وسلم « من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ »
ن اليمان بكتاب
وإذا كان التّحريف لموافقة الهوى وتأييده كان فاعله أشدّ ضللً وإضللً ،فإ ّ
اللّه يقتضي أن يتّخذ الكتاب متبوعا ،يأتمر المؤمنون بأمره ويقفون عند نهيه ،ل أن يجعل
تابعا للهواء كما اتّخذته بعض الفرق الضّالّة .
هذا فيما قد يصنعه المفسّر من التّغيير والتّحريف للمعنى عن عمد ،وأمّا التّفسير المغيّر ،
خطأ ،فإنّه ينبغي أن يحذر منه فل يتصدّى للتّفسير إلّ عالم بالقرآن عالم بالسّنن والعربيّة ،قد
تعلّم أصول التّفسير ،وعرف ناسخ القرآن من منسوخه ،وعرف العموم والخصوص ونحو
ذلك ممّا ل ب ّد منه للمفسّر .
ب -التّحريف والتّصحيف للحاديث النّبويّة :
حكم التّصحيف :
- 6يقول المحدّثون :إنّه ل يجوز على الصّحيح تعمّد تغيير صورة الحديث متنا أو إسنادا ،
إلّ لعالم بمدلولت اللفاظ ،عالم بما يحيل المعنى ،فله أن يغيّر على أن يتجنّب تحويل
المعنى .والتّصحيف المقصود نوع من الرّواية بالمعنى .
أمّا ما يقع من التّصحيف والتّحريف على سبيل الخطأ ،فإنّ من وقع في روايته أشياء من ذلك
فاحشة ،فيقال فيه :إنّه سيّئ الضّبط ،ويترك حديثه فل يؤخذ به ،نقل أبو أحمد العسكريّ
ن الغفلة الّتي ير ّد بها حديث الرّجل الرّضا الّذي ل يعرف
عن عبد اللّه بن الزّبير الحميديّ أ ّ
الكذب هي أن يكون في كتابه غلط ،فيقال له في ذلك ،فيحدّث بما قالوه ويغيّر في كتابه
بقولهم ،ل يعرف فرق ما بين ذلك ،أو يصحّف تصحيفا فاحشا يقلب المعنى ل يعقل ذلك .
ونقل عن يحيى بن معين أنّه قال :من حدّثك وهو ل يفرّق بين الخطأ والصّواب فليس بأهل
أن يؤخذ عنه .على أنّ ما يقع من ذلك على سبيل النّدرة أو القلّة -ول يكون فاحشا -فل
يقدح في الرّاوي ،قال المام أحمد :ومن يعرى عن الخطأ والتّصحيف ؟
أمّا الحديث الّذي يقع فيه التّصحيف ،فما كان منه في المتن فهو قريب من الوضع ،وما كان
في السّند فإنّه يصيّره ضعيفا بذلك السّند .
إصلح التّصحيف :
- 7في مقدّمة ابن الصّلح ،والباعث الحثيث :إذا لحن الشّيخ فالصّواب أن يرويه عنه
السّامع على الصّواب ،وهو محكيّ عن الوزاعيّ وابن المبارك والجمهور .
وحكي عن ابن سيرين أنّه يرويه كما سمعه ملحونا .قال ابن الصّلح :وهذا غلوّ في مذهب
اتّباع اللّفظ .وقال القاضي عياض :الّذي استمرّ عليه العمل أن ينقلوا الرّواية كما وصلت
ن أهل المعرفة ينبّهون على
إليهم ول يغيّروا في كتبهم ،كما وقع في الصّحيحين والموطّأ ،لك ّ
ذلك في الحواشي .ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلحها .
والولى سدّ باب التّغيير والصلح ،لئلّ يجسر على ذلك من ل يحسنه .
ن أباه كان يصلح الخطأ الفاحش ،ويسكت عن الخفيّ السّهل .
وعن عبد اللّه بن المام أحمد أ ّ
وقال ابن كثير :ومن النّاس من إذا سمع الحديث ملحونا عن الشّيخ ترك روايته ،لنّه إن
ي صلى ال عليه وسلم لم يكن يلحن في كلمه ،وإن رواه عنه على الصّواب فلم
اتّبعه فالنّب ّ
يسمعه منه كذلك .
التّصحيف والتّحريف لغير القرآن والحديث :
- 8التّصحيف والتّحريف المتعمّد في الوثائق والسّجلّات ونحو ذلك نوع من التّزوير ،وحكمه
التّحريم إن أسقط به حقّا لغيره ،أو أثبت لنفسه أو غيره من الحقّ ما ليس له ،أو ألحق بأحد
من النّاس ضررا بغير حقّ .ومن فعله يستحقّ التّعزير ( .ر :تزوير ) .
توقّي التّحريف والتّصحيف :
- 9بيّن أهل الحديث الطّرق الّتي يتوقّى بها التّحريف والتّصحيف ،ومن ذلك :
ل :أخذ العلم من أفواه العارفين به المتقنين له ،فإنّ التّصحيف كثيرا ما ينشأ عن تشابه
أ ّو ً
الحروف في الصّورة ،فتقرأ الكلمة على أكثر من وجه ،فإن أخذها الرّاوي عن فم الشّيخ
أخذها على الوجه الصّحيح .
ثانيا :كتابة العلم المرويّ وضبط المكتوب لئلّ يختلط بغيره .وذلك لنّ العتماد على الذّاكرة
وحدها ل يكفي ،وقد قال بعض السّلف :قيّدوا العلم بالكتاب .
ثالثا :استكمال نقط العجام في الكتاب ،لتفرّق بين الحروف المتشابهة كالباء والتّاء والثّاء
والنّون والياء ،وكالفاء والقاف .واستعمال الضّبط بالشّكل حيث يخشى التّحريف ،وربّما
احتيج إلى الضّبط بالكلمات ،كقولهم " البرّ :بكسر الباء الموحّدة والرّاء المهملة » .
رابعا :إتقان علوم اللّغة ،فإنّها كثيرا ما تكشف التّحريف والتّصحيف .
وقد أفرد العلماء لبيان ضبط ما يقبل أن يدخل التّحريف والتّصحيف في كتب العلم من الحديث
وأسماء رجال السانيد وغيرها كتبا خاصّةً ،إذا قرأها طالب العلم أمن الغلط والتّحريف .
وأفردوا كتبا أخرى لبيان ما وقع فعلً من الوهام في كتب الحديث وغيره وحذّروا في تآليفهم
في علم أصول الحديث من التّصحيف ،وذكروا أمثلةً ممّا وقع منه كثير ًة يحصل بها التّنبّه
للمزالق في هذا الباب .كما حذّروا من أن يروي الشّيخ حديثه بقراءة الّلحّان والمصحّف .
وبيّنوا الطّرق الّتي استقرّت عندهم باستقراء ما ورد عن أئمّة الشّأن لكيفيّة ضبط الرّواية
والسّماع والنّقل من الكتب ،وكتابة التّسميع ،والمقابلة بالصول ،وضوابط الرّواية بالمعنى
ل يتحرّف الحديث عن وضعه الّذي كان عليه ،
وغير ذلك ممّا يتحقّق به ضبط الرّواية لئ ّ
سواء في اللّفظ أو في المعنى .
وممّن تكلّم في ضبط الكلم المكتوب لئلّ يدخله التّحريف المتكلّمون في أصول الفتيا ،فقالوا :
ل ينبغي إذا ضاق موضع الفتيا في رقعة الجواب أن يكتب الجواب في رقعة أخرى خوفا من
الحيلة عليه ،ولهذا ينبغي أن يكون كلمه متّصلً حتّى آخر سطر في الرّقعة ،فل يدع فرجةً
خوفا من أن يثبت السّائل فيها غرضا له ضارّا .وقالوا :إن رأى المفتي في ورقة السّؤال
بياضا في أثناء بعض السطر أو في آخرها خطّ عليه وشغله ،لنّه ربّما قصد المفتي أحد
بسوء ،فكتب في ذلك البياض بعد فتياه ما يفسدها .وينبغي أن يكتب الجواب بخطّ واضح
وسط ،ويقارب سطوره وأقلمه وخطّه لئلّ يزوّر أحد عليه .
وهذا كما ل يخفى ينطبق على كتابة الوثائق والشّهادات وسائر ما تثبت به الحقوق .
تحريق *
انظر :إحراق .
تحريم *
التّعريف :
-1التّحريم في اللّغة :خلف التّحليل وضدّه .والحرام :نقيض الحلل .يقال :حرم عليه
الشّيء حرمةً وحراما .والحرام :ما حرّم اللّه .والمحرّم :الحرام .
والمحارم :ما حرّم اللّه .وأحرم بالحجّ أو العمرة أو بهما :إذا دخل في الحرام بالهلل ،
فيحرم عليه به ما كان حللً من قبل كالصّيد والنّساء ،فيتجنّب الشياء الّتي منعه الشّرع منها
كالطّيب والنّكاح والصّيد وغير ذلك .
ن المحرم ممتنع من هذه الشياء ،ومنه حديث الصّلة « :تحريمها
والصل فيه المنع ،فكأ ّ
التّكبير » فكأنّ المصلّي بالتّكبير والدّخول في الصّلة صار ممنوعا من الكلم والفعال
الخارجة عن كلم الصّلة وأفعالها ،فقيل للتّكبير :تحريم لمنعه المصلّي من ذلك .
والحرام أيضا بمعنى التّحريم .يقال :أحرمه وحرّمه بمعنًى .وهو في اصطلح الصوليّين
:خطاب اللّه المقتضي الكفّ عن الفعل اقتضاءً جازما ،بأن لم يجوّز فعله .
هذا في اصطلح المتكلّمين من أهل الصول ،أمّا أصوليّون الحنفيّة فيعرّفونه :بأنّه طلب
سرُ
الكفّ عن الفعل بدليل قطعيّ .كما في قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمرُ والم ْي ِ
ن فاجْتنبوه لعلّكم تفلحون } .فقد ثبت التّحريم
ل الشّيطا ِ
لزْلمُ ِرجْسٌ مِنْ عم ِ
والنصابُ وا َ
والمر بالكفّ بالنّصّ القرآنيّ القاطع .وكتحريم الرّبا في قوله تعالى { :وح ّرمَ الرّبا } .
وأورد البركيّ في تعريفاته الفقهيّة تعريف التّحريم فقال :هو جعل الشّيء محرّما .
وإنّما خصّت التّكبيرة الولى في الصّلة بالتّحريمة ،لنّها تحرّم المور المباحة قبل الشّروع
في الصّلة دون سائر التّكبيرات .
هذا وللتّحريم إطلق آخر حين يصدر من غير الشّارع ،كتحريم الزّوج زوجته على نفسه ،
أو تحريم بعض المباحات بيمين أو بغيرها ،ومعناه هنا :المنع .
اللفاظ ذات الصّلة :
الكراهة :
- 2الكراهة ،والكراهية :خطاب الشّارع المقتضي الكفّ عن الفعل اقتضاءً غير جازم .
كالنّهي في حديث الصّحيحين « إذا دخل أحدُكم المسجدَ فل يجلس حتّى يصلّي ركعتين » وفي
ت من الشّياطين » .
حديث ابن ماجه وغيره « ل تصلّوا في َأعْطان الِبل فإنّها خُلِقَ ْ
والتّحريم وكراهة التّحريم :يتشاركان في استحقاق العقاب بترك الكفّ ،ويفترقان في أنّ
التّحريم :ما تيقّن الكفّ عنه بدليل قطعيّ .والمكروه ما ترجّح الكفّ عنه بدليل ظ ّنيّ .
وفي مراقي الفلح :المكروه :ما كان النّهي فيه بظنّيّ .وهو قسمان :مكروه تنزيها وهو ما
كان إلى الحلّ أقرب ،ومكروه تحريما وهو ما كان إلى الحرام أقرب .فالفعل إن تضمّن ترك
شدّة
واجب فمكروه تحريما ،وإن تضمّن ترك سنّة فمكروه تنزيها ،لكن تتفاوت كراهته في ال ّ
سنّة .
والقرب من التّحريم بحسب تأكّد ال ّ
الحكم الجماليّ :
تحريم الشّارع يرجع في تفصيله إلى المصطلح الصوليّ .
أمّا تحريم المكلّف ما هو حلل فيتعلّق به ما يلي من الحكام :
أوّلً -تحريم الزّوجة :
- 3من قال لزوجته :أنت عليّ حرام يسأل عن نيّته .فإن قال :أردت الكذب ،فهو كما قال
ن تحريم
،لنّه نوى حقيقة كلمه .وقيل :ل يصدّق في القضاء ،لنّه يمين ظاهرا ،ل ّ
ل اللّ ُه لك }
الحلل يمين بالنّصّ ،وهو قول اللّه تبارك وتعالى { :يا أيّها النّبيّ ِل َم ُتحَ ّرمُ ما أح ّ
إلى قوله { :قد فرضَ اللّ ُه لكم َتحِلّ َة أيمانِكم } فل يصدّق في القضاء في نيّته خلف الظّاهر
وهذا هو الصّواب على ما عليه العمل والفتوى .وإن قال :أردت الطّلق ،فهي تطليقة
بائنة ،إلّ أن ينوي الثّلث .وإن قال :أردت الظّهار فهو ظهار ،وهذا عند أبي حنيفة وأبي
يوسف .وقال محمّد :ليس بظهار ،لنعدام التّشبيه بالمحرّمة وهو الرّكن فيه .ولهما أنّه
أطلق الحرمة ،وفي الظّهار نوع حرمة ،والمطلق يحتمل المقيّد .
وإن قال :أردت التّحريم أو لم أرد به شيئا ،فهو يمين يصير به موليا .وصرف بعض
ن العادة جرت فيما بين النّاس
الحنفيّة لفظة التّحريم إلى الطّلق من غير نيّة بحكم العرف ،ل ّ
في زماننا أنّهم يريدون بهذا اللّفظ الطّلق .قال بذلك أبو اللّيث .
وإن قال لها :أنا عليك حرام وينوي الطّلق :فهي طالق .
ي حرام كظهر أمّي ونوى به طلقا أو إيل ًء :لم يكن إلّ ظهارا عند
وإن قال لها :أنت عل ّ
ل ذلك ،غير أنّ عند محمّد إذا
أبي حنيفة ،وقال :هو على ما نوى لنّ التّحريم يحتمل ك ّ
نوى الطّلق ل يكون ظهارا ،وعند أبي يوسف يكونان جميعا ،ولبي حنيفة أنّه صريح في
الظّهار فل يحتمل غيره .
أمّا إذا كان بلفظ الظّهار صريحا كأن قال لها :أنت عليّ كظهر أمّي ،فل ينصرف لغير
الظّهار ،وبه حرمت عليه ،فل يحلّ له وطؤها ول مسّها ول تقبيلها ،حتّى يكفّر عن ظهاره
ن ِلمَا قالوا فتحريرُ ر َقبَةٍ من قبلِ أنْ
لقوله تعالى { :والّذين ُيظَاهِرونَ من نسائِهم ثمّ َيعُودو َ
ن لم يستطع
ن يتماسّا فم ْ
َيتَماسّا } إلى قوله { :فمنْ لم يجدْ فصيامُ شهرين متتابعين من قبل أ ْ
ن مسكينا } .فإن وطئها قبل أن يكفّر استغفر اللّه تعالى ول شيء عليه غير الكفّارة
فإطعا ُم ستّي َ
الولى ،ول يعود حتّى يكفّر ،لقوله عليه الصلة والسلم للّذي واقع في ظهاره قبل الكفّارة :
« فاعتزلها حتّى تكفّر عنك » ولو كان شيء آخر واجبا لنبّه عليه .
ولو قال :أنت عليّ حرام كأمّي يحتمل الطّلق والظّهار .فإن قال :أردت الظّهار أو الطّلق
فهو على ما نوى ،لنّه يحتمل الوجهين :الظّهار لمكان التّشبيه ،والطّلق لمكان التّحريم .
وإن لم تكن له نيّة :فعلى قول أبي يوسف إيلء ،وعلى قول محمّد ظهار .هذا وتحريم
الزّوجة بأربعة طرق :الطّلق ،واليلء ،واللّعان ،والظّهار .وهذا ما قال به الحنفيّة .
- 4وعند المالكيّة :لو قال لزوجته :أنت عليّ حرام فهو البتات ( البينونة الكبرى ) .
ي ككلّ شيء حرّمه الكتاب ،فإنّه حرّم الميتة والدّم ولحم الخنزير ،فهو
ولو قال لها :أنت عل ّ
بمنزلة ما لو قال لها :أنت كالميتة والدّم ،فيلزمه البتات ،وهو مذهب ابن القاسم وابن نافع .
وفي المدوّنة :قال ربيعة :من قال :أنت مثل كلّ شيء حرّمه الكتاب ،فهو مظاهر ،وهو
قول ابن الماجشون .
-5وقال الشّافعيّة :إذا قال لزوجته :أنت عليّ حرام أو حرمتك ،ونوى طلقا أو ظهارا
حصل المنويّ ،وهم كالحنفيّة ،والحنابلة في المشهور عن أحمد فيما إذا نوى الطّلق يكون
ل أنّه يكون رجعيّا .فإن نوى عددا فإنّه يقع ما نواه وهم كرأي أبي حنيفة إذا نوى
طلقا إ ّ
الظّهار يكون ظهارا عندهم ،كما هو ظهار عنده .
فإن نواهما :أي الطّلق والظّهار معا تخيّر وثبت ما اختاره منهما .وقيل :الواقع طلق لنّه
ن الصل بقاء النّكاح ،ول يثبتان جميعا لنّ الطّلق
أقوى بإزالته الملك ،وقيل :ظهار ،ل ّ
يزيل النّكاح ،والظّهار يستدعي بقاءه .
وإن نوى تحريم عينها أو فرجها أو وطئها لم تحرم عليه ،وعليه كفّارة يمين .
ي حرام ولم ينو شيئا فقولن :
إن أطلق قوله :أنت عل ّ
ي حرام صريح في لزوم الكفّارة .
أظهرهما :وجوب الكفّارة .وقوله :أنت عل ّ
والثّاني :ل شيء عليه ،وهذا اللّفظ كناية في لزوم الكفّارة .
ي حرام .أنت عليّ حرام ونوى التّحريم .فإن قال ذلك في مجلس أو
وإن قال لها :أنت عل ّ
قاله في مجالس ونوى التّأكيد فعليه كفّارة واحدة .وإن قاله في مجالس ونوى الستئناف
تعدّدت الكفّارة على الصحّ ،وقيل :عليه كفّارة فقط .وإن أطلق فقولن .ولو قال :أنت
عليّ حرام كالميتة والدّم والخمر والخنزير ،وقال :أردت الطّلق أو الظّهار صدّق ،وإن
نوى التّحريم لزمته الكفّارة ،وإن أطلق فظاهر النّصّ أنّه كالحرام فيكون على الخلف .
-6وعند الحنابلة :إذا قال لزوجته :أنت عليّ حرام وأطلق ،فهو ظهار ،لنّه تحريم
ي حرام كظهر أمّي .
للزّوجة بغير طلق ،فوجب به كفّارة الظّهار ،كما لو قال :أنت عل ّ
وإن نوى غير الظّهار ،فعن أحمد في رواية جماعة :أنّه ظهار ،نوى الطّلق أو لم ينوه .
وقيل :إذا نوى بقوله :أنت عليّ حرام اليمين كان يمينا ،وعليه كفّارة يمين .فعن ابن عبّاس
رضي ال عنهما :إذا حرّم الرّجل عليه امرأته فهي يمين يكفّرها .وقال { :لقد كان لك ْم في
ح ّرمُ ما أَحلّ الّل ُه لك تبتغي
ن اللّه تعالى قال { :يا أيّها النّبيّ ِلمَ ُت َ
رسولِ الّلهِ أسوةٌ حسنةٌ } ول ّ
مَرضا َة أزواجكَ والّلهُ غفو ٌر رحيمٌ قد فَرضَ الّلهُ لكم َتحِلّ َة أيمانِكم } فجعل الحرام يمينا .وإن
قال :أعني بأنت عليّ حرام الطّلق فهو طلق ،وهو المشهور عن أحمد .وإن نوى به ثلثا
فهي ثلث ،لنّه أتى في تفسيره للتّحريم باللف واللّام الّتي للستغراق ،فيدخل فيه الطّلق
كلّه .وإن قال :أعني به طلقا فهو واحدة ،لنّه ذكره منكّرا فيكون طلقا واحدا .وإن قال :
أنت عليّ كظهر أمّي ونوى به الطّلق لم يكن طلقا ،لنّه صريح في الظّهار ،ول ينصرف
ح كنايةً في الطّلق ،كما ل يكون الطّلق كناية الظّهار .
إلى غيره ،فلم يص ّ
وإن قال :أنت عليّ كالميتة والدّم ،ونوى به الطّلق كان طلقا ،ويقع به من عدد الطّلق ما
نواه ،وإن لم ينو شيئا وقعت واحدة .
وإن نوى الظّهار :وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها ،احتمل أن يكون ظهارا ،
واحتمل أن ل يكون ظهارا .وإن نوى اليمين :وهو أن يريد بذلك ترك وطئها ل تحريمها
ول طلقها فهو يمين .وإن لم ينو شيئا لم يكن طلقا ،لنّه ليس بصريح في الطّلق ول نواه
به .وهل يكون ظهارا أو يمينا ؟ على وجهين .أحدهما يكون ظهارا ،والثّاني يكون يمينا .
ي حرام الظّهار فهو ظهار على ما قاله به جمهور الفقهاء ( أبو
-7وإن نوى بقوله :أنت عل ّ
حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ وأحمد ) وإن نوى به الطّلق فهو طلق ،وإن أطلق ففيه
روايتان :إحداهما هو ظهار ،والخرى يمين .
وإن قال :أنت عليّ حرام ،ونوى الطّلق والظّهار معا كان ظهارا ولم يكن طلقا ،لنّ
اللّفظ الواحد ل يكون ظهارا وطلقا ،والظّهار أولى بهذا اللّفظ ،فينصرف إليه ،وعند بعض
أصحاب الشّافعيّ يتخيّر ،فيقال له :اختر أيّهما شئت كما سبق القول .
ول خلف بين عامّة الفقهاء في أنّه يحرم على المظاهر وطء امرأته قبل التّكفير عن ظهاره ،
على نحو ما سبق بيانه .
ثانيا :تحريم الحلل :
- 8الصل في الشياء الباحة حتّى يقوم الدّليل على تحريمها ،وبه قال الشّافعيّة وبعض
ل اللّه فهو حلل ،وما
الحنفيّة ومنهم الكرخيّ ويعضّد هذا قوله صلى ال عليه وسلم « :ما أح ّ
حرّم فهو حرام ،وما سكت عنه فهو عفو ،فاقبلوا من اللّه عافيته ،فإنّ اللّه لم يكن لينسى
ن اللّه فرض فرائض فل تضيّعوها ،ونهى
شيئا » وروى الطّبرانيّ من حديث أبي ثعلبة « :إ ّ
عن أشياء فل تنتهكوها ،وحدّ حدودا فل تعتدوها ،وسكت عن أشياء من غير نسيان فل
تبحثوا عنها » وفي لفظ « وسكت عن كثير من غير نسيان فل تتكلّفوها رحم ًة لكم فاقبلوها »
وروى التّرمذيّ وابن ماجه من حديث سلمان رضي ال عنه « أنّه صلى ال عليه وسلم سئل
عن الجبن والسّمن والغذاء فقال :الحلل ما أحلّ اللّه في كتابه ،والحرام ما حرّم اللّه في
كتابه ،وما سكت عنه فهو ممّا عفا عنه » .
ح ّرمُ ما أحلّ الّل ُه لكَ }
وقد نزل في تحريم الحلل قول اللّه تبارك وتعالى { :يا أيّها النّبيّ ِلمَ ُت َ
إلى قوله سبحانه { قد فَرَضَ الّل ُه لكم َتحِلّةَ أَيمانِكم } ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي ال
عنها « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي ال عنه
فيشرب عندها عسلً .قال :فتواطأت أنا وحفصة أنّ أيّتنا ما دخل عليها رسول اللّه صلى ال
ت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له
عليه وسلم فلْتقل :إنّي أجد منك ريحَ مغافير .أكل َ
عسَلً عند زينبَ بنت جحش ،ولن أعود له فنزل قوله تعالى ِ { :لمَ
ذلك .فقال :بلْ شربتُ َ
ل اللّ ُه لكَ } إلى قوله { :إن تتوبا } لعائشة وحفصة » .
تح ّرمُ ما أح ّ
ن الّتي حرّمها هي مارية القبطيّة ،فقد روى الهيثم بن كليب عن عمر رضي ال
وفي قول :إ ّ
ن أمّ
ي صلى ال عليه وسلم لحفصة رضي ال عنها :ل تخبري أحدا وإ ّ
عنه قال « :قال النّب ّ
إبراهيم يعني مارية عليّ حرام ،فقالت :أتحرّم ما أحلّ اللّه لك ؟ قال :فواللّه ل أقربها ،
قال :فلم يقربها حتّى أخبرت عائشة .قال :فأنزل اللّه تعالى { :قد فرضَ اللّ ُه لكم َتحِلّةَ
أيمانِكم } » .وقد روى ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم رضي ال عنه قال « :حرّم
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمّ إبراهيم فقال :أنت عليّ حرام ،واللّه ل آتينك فأنزل اللّه
عزّ وجلّ في ذلك { يا أيّها النّبيّ ِلمَ تُح ّرمُ ما أحلّ الّل ُه لكَ } » .فهذه روايات وردت في سبب
نزول هذه الية .والتّحريم الوارد فيها يمين تلزم به كفّارة يمين ،لقول اللّه تبارك وتعالى { :
قد فرضَ الّل ُه لكم َتحِلّةَ أيمانِكم } وليس تحريما لما أحلّ اللّه ،لنّ ما لم يحرّمه اللّه ليس لحد
أن يحرّمه ،ول أن يصير بتحريمه حراما ،ولم يثبت عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه
ي حرام .وإنّما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه ،وهو قوله «
قال لما أحلّه اللّه :هو عل ّ
واللّه ل أقربها » فقيل له ِ { :لمَ تُحرّمُ ما أحلّ الّلهُ لكَ } أي لم تمتنع منه بسبب اليمين ،يعني
أقدمْ عليه وك ّفرْ .قال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس :إذا حرّم الرّجل عليه امرأته فإنّما هي
يمين يكفّرها .
وتفصيل ذلك كلّه يرجع إليه في مصطلح ( أيمان ) وفي أبواب الطّلق والظّهار واليلء .
تحريمة *
انظر :تكبيرة الحرام .
تحسين *
التّعريف :
- 1التّحسين لغةً :التّزيين ،ومثله التّجميل .قال الجوهريّ :حسّنت الشّيء تحسينا :زيّنته
.وقال الرّاغب الصفهانيّ :الحسن أكثر ما يقال في تعارف العامّة في المستحسن بالبصر ،
وأكثر ما جاء في القرآن الكريم في المستحسن من جهة البصيرة .
فأهل اللّغة لم يفرّقوا بين " زيّنت الشّيء " و " حسّنته " ،وجعلوا الجميع معنًى واحدا .
والتّحسين في الصطلح ل يخرج عن معناه اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّجويد :
- 2التّجويد :مصدر جوّد الشّيء ،بمعنى جعله جيّدا .
وفي الصطلح :إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ،ور ّد الحرف إلى مخرجه وأصله ،
وتلطيف النّطق به على كمال هيئته من غير إسراف ول تعسّف ول إفراط ول تكلّف .
فالتّحسين أعمّ من التّجويد لختصاص التّجويد بالقراءة .
ب -التّحلية :
- 3يقال :تحلّت المرأة :إذا لبست الحليّ أو اتّخذته ،وحلّيتها بالتّشديد تحليةً :ألبستها الحليّ
أو اتّخذته لها لتلبسه .وحلّيت السّويق :جعلت فيه شيئا حلوا حتّى حل .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .والتّحسين أعمّ من التّحلية ،فقد يحسن
الشّيء بغير تحليته ،كما يحسن الطّعام بتمليحه ل بتحليته .
ج -التّقبيح :
- 4التّقبيح :جعل الشّيء قبيحا ،أو نسبته إلى القبح .وهو ضدّ التّحسين .
مصدر التّحسين والتّقبيح :
- 5التّحسين والتّقبيح يطلقان بثلثة اعتبارات :
الوّل :باعتبار ملءمة الطّبع ومنافرته ،كقولنا :ريح الورد حسن ،وريح الجيفة قبيح .
الثّاني :باعتباره صفة كمال أو صفة نقص ،كقولنا :العلم حسن ،والجهل قبيح .وهذان
النّوعان مصدرهما :العقل من غير توقّف على الشّرع ،ل يعلم في ذلك خلف .
والثّالث :باعتبار الثّواب والعقاب الشّرعيّين ،وهذا قد اختلف فيه :فذهب الشاعرة إلى أنّ
مصدره الشّرع ،والعقل ل يحسّن ول يقبّح ،ول يوجب ول يحرّم .وقال الماتريديّة :إنّ
العقل يحسّن ويقبّح ،وردّوا الحسن والقبح الشّرعيّين إلى الملءمة والمنافرة .
وذهب المعتزلة إلى أنّ العقل يحسّن ويقبّح ،ويوجب ويحرّم ،وفي ذلك تفصيل محلّه الملحق
الصوليّ .
التّحسينيّات :
- 6بحث مقاصد الشّريعة من أبحاث أصول الفقه ،ويذكر علماء الصول أنّ مقاصد الشّريعة
ل تعدو ثلثة أقسام :الوّل :ضروريّة ،والثّاني :حاجيّة ،والثّالث :تحسينيّة .فالضّروريّة
:هي الّتي ل ب ّد منها لقيام مصالح الدّين والدّنيا ،بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على
استقامة ،بل على فساد وتهارج وفوت حياة ،وفي الخرة يكون فوات النّعيم ،والرّجوع
بالخسران المبين .
أمّا الحاجيّة :فهي ما يفتقر إليها من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى
الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب ،فإذا لم تراع دخل على المكلّفين -على الجملة -
الحرج والمشقّة دون اختلل شيء من الضّروريّات الخمسة .
وأمّا التّحسينيّة :فهي الخذ بما يليق من محاسن العادات ،ويجمع ذلك مكارم الخلق ،
والداب الشّرعيّة .وتفصيل ذلك في الملحق الصوليّ .
حكم التّحسين في الفقه السلميّ :
- 7التّحسين مطلوب في الجملة إذا خلصت فيه ال ّنيّة وأريد به الخير ،ومكروه أو محرّم إذا
لم تخلص فيه ال ّنيّة أو كان سببا للوقوع في الحرام ولم يرد به الخير .
ويختلف حكمه باعتبار موضوعه .وإليك بعض المثلة :
تحسين الهيئة :
- 8يندب تحسين الهيئة العامّة من غير مبالغة ،وقد كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
يأمر بذلك .وممّا قال في هذا « :أصلحوا رحالكم ،وأصلحوا لباسكم حتّى تكونوا كأنّكم
شامة في النّاس ،فإنّ اللّه ل يحبّ الفحش ول التّفحّش » .ويندب تحسين اللّحية والشّاربين ،
لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يأخذ
من لحيته من عرضها وطولها » .وفي صحيح مسلم « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
جزّوا الشّواربَ وَأرْخوا اللّحى ،خالفوا المجوسَ » .
قال ُ :
ب لها إزالته
-9وتحسين وجه المرأة يكون بتنقيته من الشّعر النّابت في غير أماكنه ،فيستح ّ
عند الحنفيّة .وإذا أمرها الزّوج بإزالته وجب عليها ذلك عند الشّافعيّة .فقد روت امرأة بن
أبي الصّقر « :أنّها كانت عند عائشة رضي ال عنها ،فسألتها امرأة فقالت :يا أمّ المؤمنين
ن ،أتزيّن بذلك لزوجي ؟ فقالت عائشة :أميطي عنك الذى ،
ن في وجهي شعرات أفأنتفه ّ
إّ
وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزّيارة ،وإن أمرك فأطيعيه ،وإن أقسم عليك فأبرّيه ،ول
تأذني في بيته لمن يكره » .
وقال المالكيّة :يجب على المرأة إزالة الشّعر الّذي في إزالته جمال لها ،كشعر اللّحية إن نبت
لها .ويجب عليها إبقاء ما في بقائه جمال لها ،فيحرم عليها حلق شعر رأسها .
ومنع من ذلك الحنابلة ،ورخّصوا بإزالته بالموسى .
ن الزّائدة ،والصبع الزّائدة ،
ومن وجوه التّحسّن للهيئة :قطع العضاء الزّائدة في البدن كالسّ ّ
والكفّ الزّائدة ،لما فيها من التّشويه .ويقاس على ذلك سائر التّشوّهات في البدن ،ويشترط
في ذلك أن تكون السّلمة هي الغالبة في إزالته .
وتحسين السنان :يكون بالتّداوي والستياك والتّفليج ( ويراجع حكمه في مصطلح تفليج ) ،
ل حال .
ب على ك ّ
والسّواك مستح ّ
- 10ويتأكّد تحسين المرأة هيئتها للزّوج ،وتحسين الزّوج هيئته للزّوجة .
كما يتأكّد تحسين الهيئة للخروج إلى الجمعة والعيدين وللذان .
تحسين اللّباس :
سنّة ،لما رواه أبو
ب تحسين اللّباس بما ل يخرج عن العرف ،ول يخرج عن ال ّ
- 11يستح ّ
ن أباه أتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو أشعث سيّئ الهيئة ،فقال له رسول
الحوص « أ ّ
ل ،قال :فإنّ اللّه
ن كلّ قد آتاني اللّه عزّ وج ّ
ل ؟ قال :مِ ْ
اللّه صلى ال عليه وسلم :أما لك ما ٌ
ب أن ترى عليه » ويكون تحسين اللّباس بما يلي :
عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمةً أح ّ
أ -أن يكون نظيفا ،فقد « رأى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً شعثا فقال :أما كان
يجد هذا ما يسكّن به شعره ،ورأى آخر عليه ثياب وسخة فقال :أما كان هذا يجد ما يغسل
به ثوبه » .
ب -أن ل يكون واسعا سع ًة تخرج عن ح ّد الحتياج ،لما في ذلك من السراف ،فقد كره
المام مالك للرّجل سعة الثّوب وطوله ،قال ابن القاسم :بلغني أنّ عمر بن الخطّاب قطع كمّ
رجل إلى قدر أصابع كفّه ،ثمّ أعطاه فضل ذلك ،وقال له :خذ هذا واجعله في حاجتك .
ج -أن يكون منسّقا مرتّبا على ما يقتضيه العرف ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أصلحوا
ن اللّه ل يحبّ الفحشَ ول
رحالَكم وأصلحوا لباسَكم ،حتّى تكونوا كأنّكم شَامَةٌ في النّاس ،فإِ ّ
التّفحّشَ » .ويتأكّد تحسين الثّوب للخروج للجمع والعياد والجماعات .
كما يتأكّد تحسين الثّوب للعلماء خاصّةً .
تحسين الفنية :
ن تحسين الفنية والبيوت بتنظيفها وترتيبها ،عملً بما رواه عامر بن سعد عن أبيه
- 12يس ّ
طيّب ،نظيف يحبّ النّظافة ،كريم
ن اللّه طيّب يحبّ ال ّ
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
ب الجود ،فنظّفوا أفنيتكم ول َتشَبّهوا باليهود » .
يحبّ الكرم ،جوّاد يح ّ
تحسين الخروج إلى المسجد :
- 13يكون تحسين الخروج إلى المسجد بما يلي :
أ -إخلص ال ّنيّة للخروج إلى المسجد ،وعدم خلطها بنيّة أخرى كالتّمشّي ونحوه .
ب -أن يزيد على نيّة الخروج لداء الفريضة في المسجد نيّة العتكاف فيه .
خذُوا زي َنتَكم عند كلّ
ج -الخروج إلى المسجد بغير ثياب المهنة ،لقوله تعالى { :يا بَني آد َم ُ
مسجِدٍ } .
د -الدّخول إلى المسجد برجله اليمنى .
تحسين اللّقاء والسّلم وردّه :
حيّيتُم
- 14يندب تحسين لقاء المسلم ،وتحسين السّلم وال ّردّ عليه ،لقوله تعالى { :وإذا ُ
ن منها أو رُدّوها } وتحسين ردّ السّلم يكون بقول " :وعليكم السّلم ورحمة
حيّوا بأحس َ
بتحيّةٍ َف َ
اللّه وبركاته " .
تحسين الصّوت :
-15تحسين الصّوت هو :التّرنّم والتّغنّي الّذي ل يصاحبه ترديد الصّوت بالحروف ،ول
تغيير الكلمات عن وجهها ،مع التزام قواعد التّجويد .ويندب تحسين الصّوت في القرآن ،
وفي الذان ،لنّه يجذب النّاس إليهما ،ويحبّبهم بهما ،ويشرح صدورهم لهما .
أمّا التّطريب والتّلحين والتّغنّي -بمعنى الغناء -والقصر والزّيادة بالتّمطيط فهو محرّم .وقد
ن رسول اللّه صلى ال عليه
اتّفق الفقهاء على استحباب أن يكون المؤذّن حسن الصّوت « ،ل ّ
وسلم اختار أبا محذورة مؤذّنا ،لحسن صوته » .
تحسين المرأة صوتها بحضرة الجانب :
ي ليس فيه تكلّف
- 16على المرأة إذا تكلّمت بحضرة الرّجال الجانب أن تتكلّم بصوت طبيع ّ
ن فل
ن اتّ َق ْيتُ ّ
ستُنّ كأحدٍ من النّساءِ إ ْ
ي َل ْ
ول تقطيع ول تليين ،لقوله تعالى { :يا نسا َء النّب ّ
ن قَولً معروفا } .
ض وقُلْ َ
طمَعَ الّذي في قلبِه َمرَ ٌ
ل َفيَ ْ
ضعْنَ بالقو ِ
َتخْ َ
قال ابن كثير :هذه آداب أمر اللّه تعالى بها نساء النّبيّ صلى ال عليه وسلم ونساء المّة تبع
ن في ذلك .
له ّ
ن القول ،أمرهنّ أن يكون قولهنّ
ضعْنَ بالقولِ } أي ل تل ّ
قال القرطبيّ في تفسيره { فل َتخْ َ
جزلً ،وكلمهنّ فصلً ،ول يكون على وجه يظهر في القلب علق ًة بما يظهر عليه من
اللّين.
تحسين المشية :
- 17على النسان أن يمشي المشية المتعارفة المعتادة ،أمّا المشية المصطنعة الملفتة للنظار
ن أمر المرأة مبنيّ
فمنهيّ عنها ،ومنعها في حقّ النّساء آكد من منعها في حقّ الرّجال ،ل ّ
ن زِينتهنّ } قال القرطبيّ :
نمْ
ن ِل ُيعَْلمَ ما ُيخْفِي َ
ن بأرجلِه ّ
ضرِبْ َ
على السّتر قال تعالى { :ول َي ْ
ن تبرّجا وتعرّضا للرّجال فهو
ن فهو مكروه ،ومن فعل منه ّ
من فعل منهنّ ذلك فرحا بحليّه ّ
ن ال ُعجْب
ن فعل ذلك تعجّبا حرم ،فإ ّ
حرام مذموم .وكذلك من ضرب بنعله من الرّجال ،مَ ْ
كبيرة ،وإن فعل ذلك تبرّجا لم يجز .
وأحسن المشي مشي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقد ورد أنّه كان إذا مشى تكفّأ ،وكان
ن الّذين
أسرع النّاس مشي ًة ،وأحسنها وأسكنها وهي المرادة بقوله تعالى { :وعبا ُد الرّحم ِ
ن على الرض َهوْنا } .
َي ْمشُو َ
قال غير واحد من السّلف :يعني بسكينة ووقار من غير تكبّر ول تماوت .
تحسين الخلق :
- 18تحسين الخلق مطلوب شرعا .قال اللّه تعالى { :ول َتمْشِ في الرضِ َمرَحا إ ّنكَ لنْ
ن َتبْلُغَ الجبالَ طُولً } وقال جلّ شأنه { :يا أيّها الّذينَ آمنوا ل يَسخرْ قومٌ
تخرقَ الرضَ ول ْ
ن خيرا منهنّ ول تَ ْل ِمزُوا
ن نساءٍ عسى أنْ َيكُ ّ
ن قومٍ عسى أنْ يكونوا خيرا منهم ول نساءٌ م ْ
مْ
ب فأولئك هم الظّالمون يا
ن ومن لم َيتُ ْ
ب بئسَ السمُ الفُسوقُ بعدَ الِيما ِ
أَنفسَكم ول َتنَا َبزُوا باللقا ِ
جسّسُوا ول يغتبْ بعضُكم
ن إثمٌ ول َت َ
ن بعضَ الظّ ّ
ج َت ِنبُوا كثيرا منَ الظّنّ إ ّ
أيّها الّذين آمنوا ا ْ
حمَ أخيه َم ْيتَا َف َكرِ ْهتُمُوه واتّقوا الّلهَ إنّ الّلهَ توّابٌ رحيمٌ } إلى غير
ل َل ْ
ب أحدُكم أنْ يأك َ
بعضا َأ ُيحِ ّ
ذلك من اليات الموجبة لحسن الخلق ،وقد وصف اللّه رسوله بقوله { :وَإ ّنكَ َلعَلَى خُلُقٍ
عظيمٍ } .
ويتناسب تحسين الخلق مع عظم الحقّ ،فمن كان حقّه عليك أكبر كان تحسين الخلق معه
أوجب ،ولذلك حرّم اللّه تعالى على النسان أن يتأفّف لحد والديه ،لعظيم حقّهما على الولد ،
ل لهما قولً كريما } .قال البهوتيّ :يستحبّ
قال تعالى { :فل تَقُلْ لهما ُأفّ ول َت ْنهَرْهما وق ْ
لكلّ من الزّوجين تحسين الخلق لصاحبه والرّفق به واحتمال أذاه ،وفي حديث رسول اللّه
ت من ضِلعٍ ».
ن المرأةَ خُلِقَ ْ
صلى ال عليه وسلم « :اسْتوصُوا بالنّسا ِء خيرا ،فإِ ّ
تحسين الظّنّ :
ن باللّه تعالى :
أ -تحسين الظّ ّ
- 19يجب على المؤمن أن يحسن الظّنّ باللّه تعالى ،وأكثر ما يجب أن يكون إحسانا للظّنّ
ن باللّه
ب للمحتضَر تحسين الظّ ّ
باللّه عند نزول المصائب وعند الموت ،قال الحطّاب :نُد َ
ل أنّه ينبغي للمكلّف
ن باللّه وإن كان يتأكّد عند الموت وفي المرض ،إ ّ
تعالى ،وتحسين الظّ ّ
ن أحدكم إلّ وهو يحسن الظّنّ
ن باللّه ،ففي صحيح مسلم « :ل يموت ّ
أن يكون دائما حسن الظّ ّ
باللّه » .
ب -تحسين الظّنّ بالمسلمين :
ن بالمسلمين ،حتّى إذا ما أخطأ أحدهم عفا عنه وصفح
- 20على المسلم أن يحسن الظّ ّ
ن بالمسلمين ما دام لهم وجه ،عليه أن يتّهم نفسه ول
وا ْل َتمَسَ له العذر .ومع إحسانه الظّ ّ
ن بها ،لنّ ذلك أبعد عن الغرور ،وأسلم للقلب عن أمراض القلوب ،قال ابن
يحسن الظّ ّ
الحاجّ في المدخل :إذا خرج المرء إلى الصّلة فليحذر أن يخطر له في نفسه أنّه خير من أحد
من إخوانه من المسلمين ،فيقع في البليّة العظمى ،بل يخرج محسن الظّنّ بإخوانه المسلمين ،
مسيء الظّنّ بنفسه ،فيتّهم نفسه في فعل الخير .
تحسين الخطّ :
- 21حسن الخطّ عصمة للقارئ من الخطأ في قراءته ،وكلّما كان الكلم أكثر حرم ًة كان
ن الخطأ فيه أفحش ،وعلى هذا فتحسين الخطّ بكتابة القرآن الكريم
تحسين الخطّ فيه ألزم ،ل ّ
ألزم شيء ،ثمّ يتلوه تحسين الخطّ بكتابة سنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ بالثار
المرويّة عن الصّحابة والتّابعين ،ثمّ بالحكام الشّرعيّة وهكذا ..
والصل في ذلك « قول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لمعاوية بن أبي سفيان رضي ال
عنهما :يا معاوية ألق الدّواة ،وحرّف القلم ،وانصب الباء ،وفرّق السّين ،ول تعوّر الميم ،
وحسّن اللّه ،ومدّ الرّحمن ،وجوّد الرّحيم » .
تحسين المخطوبة :
- 22ل تمنع المرأة المخطوبة من تحسين هيئتها ولبسها عند رؤية الخاطب لها من غير ستر
عيب ول تدليس ول سرف .
تحسين المصحف :
- 23تحسين المصحف مندوب ،ويكون ذلك بتحسين خطّه ،وتعشيره ،وكتابة أسماء سوره
في أوّل كلّ سورة وعدد آياتها ،وتشكيله وتنقيطه ،وعلمات وقوفه ،وتجليده .وتفصيل ذلك
في الكلم عن المصحف .
تحسين الذّبح :
- 24اتّفق الفقهاء على ندب تحسين ذبح الحيوان تحسينا يؤدّي إلى إراحة الحيوان المذبوح
بقدر المستطاع ،فاستحبّوا أن يحدّ الشّفرة قبل الذّبح .وكرهوا الذّبح بآلة كالّة ،لما في الذّبح
بها من تعذيب للحيوان ولحديث شدّاد بن أوس رضي ال عنه ِ « :ثنْتانِ حفظتُهما عن رسول
سنُوا ال ِقتْلَةَ
ن اللّ َه كتبَ الِحسانَ على كلّ شيء ،فإِذا َقتَلتُم فَأح ِ
اللّه صلى ال عليه وسلم قال :إ ّ
حدّ أحدُكم شفرتَه و ْل ُيرِحْ ذبيحتَه » .ويندب عدم شحذ
سنُوا ال ّذ ْبحَةَ ،و ْل ُي ِ
،وإذا ذبحتُم فأحْ ِ
سكّين أمام الذّبيحة ،ول ذبح واحدة أمام أخرى ،كما يندب عرض الماء عليها قبل ذبحها .
ال ّ
وأن يكون الذّبح في العنق لما قصر عنقه ،وفي الّلبّة لما طال عنقه كالبل والنّعام والوزّ لنّه
أسهل لخروج الرّوح .
سكّين على الذّبيحة برفق وتحامل يسير ذهابا إيابا .وأن ل يكون الذّبح من القفا ،
وإمرار ال ّ
وأن ل يقطع أعمق من الودجين والحلقوم ،ول يكسر العنق ،ول يقطع شيئا منها قبل أن
تزهق نفسها .وكذلك يندب تحسين القتل في القصاص أو الحدّ ،للحديث المتقدّم .
تحسين المبيع :
- 25يعتبر تحسين المبيع مباحا ما لم يكن فيه ستر عيب ،أو تغرير للمشتري ،أو تحسين
مؤقّت ل يلبث أن يزول ،فإذا ظهر العيب الّذي أخفي بالتّحسين ثبت للمشتري خيار العيب .
وتفصيل ذلك في ( بيع ،غرر ،خيار العيب ) .
تحسين المطالبة بالدّين :
- 26يندب تحسين المطالبة بالدّين ،ويكون تحسينها :
بالسّماحة بالمطالبة :لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :رحم اللّه رجلً سمحا إذا
باع ،وإذا اشترى ،وإذا اقتضى » .وأن تكون المطالبة في وقت يظنّ فيه اليسر :فقد قدم
سعيد بن عامر بن حذيم على عمر بن الخطّاب فلمّا أتاه عله عمر بال ّدرّة ،فقال سعيد :يا
ن َتسْتعتب نعتب ،
ن تعفُ َنشْكر ،وإ ْ
أمير المؤمنين سبق سيلُك مطرَك ،إن تعاقبْ َنصْبر ،وإ ْ
فقال عمر :ما على المسلم إلّ هذا ،ما لكَ ُتبْطئ بالخراج ؟ قال سعيد :أمرتنا أن ل نزيد
الفلّاحين على أربعة دنانير ،فلسنا نزيدهم على ذلك ،ولكنّا نؤخّرهم إلى غلّاتهم ،فقال عمر :
ل عزلتك ما حييتُ .
تحسين الميّت والكفن والقبر :
- 27يندب تحسين هيئة الميّت ،ففي تبيين الحقائق :فإذا ماتَ شدّ لحياه ،وغمّضت عيناه ،
ن فيه تحسينه ،إذ لو ترك على حاله لبقي فظيع المنظر ،ثمّ يغسّل .
لّ
ب تحسين كفن الميّت ،لنّ الكفن للميّت بمثابة اللّباس للحيّ ،ولما رواه جابر
- 28ويستح ّ
رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه
» .ويكون تحسين الكفن بثلثة أمور :تحسين ذات الكفن ،وتحسين صفة الكفن ،وتحسين
وضعه على الميّت .
أ -أمّا تحسين ذات الكفن :فقد صرّح المالكيّة بأنّ الميّت يكفّن بمثل ما كان يلبسه في الجمع
والعياد في حياته -وهو يلبس لها أحسن ثيابه -ويقضى بذلك عند اختلف الورثة فيه ،
إن لم يكن عليه دين .
ب -أمّا تحسين صفة الكفن :فإنّه يستحبّ البياض في الكفن لحديث ابن عبّاس رضي ال
عنهما مرفوعا « :البسوا من ثيابكم البياض ،فإنّها من خير ثيابكم ،وكفّنوا بها موتاكم »
والجديد أفضل من القديم ،على خلف في ذلك بين الفقهاء .
ج -أمّا تحسين كيفيّة الكفن :فيتمثّل بأن تجعل أحسن اللّفائف بحيث تظهر للنّاس ،فيظهر
حسن الكفن .
- 29ويندب تحسين القبر ،ويكون تحسينه بما يلي :
أ -حفره لحدا إن أمكن ،وبناء اللّحد ،وأفضل ما يبنى به اللّحد اللّبن ،ثمّ اللواح ،ثمّ
القرميد ،ث ّم القصب .
ب -أن يكون عمقه بقدر قامة -وهي ما يقرب من ثلثة أذراع -وأن يكون واسعا بحيث ل
يضيق بالميّت .
ج -فرش أرضه بالرّمل إن كانت الرض صخريّةً أو كان هناك سبب آخر لذلك .
د -أن يعلو عن الرض مقدار شبر ،ويكون مسطّحا أو مسنّما على خلف بين الفقهاء فيما
هو الفضل .
هـ -أن يعلّم عند رأس الميّت بحجر .
وليس من المستحسن -بل هو مكروه -تجصيص القبور وتطيينها والبناء عليها .
تحسينيّات *
التّعريف :
ضمّ :الجمال .
- 1التّحسينيّات في اللّغة :مأخوذة من مادّة الحسن ،والحسن في اللّغة بال ّ
وجاء في الصّحاح أنّه ضدّ القبح .والتّحسين :التّزيين .
وأمّا التّحسينيّات في اصطلح الصوليّين :فهي ما ل تدعو إليها ضرورة ول حاجة ،ولكن
تقع موقع التّحسين والتّيسير ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملت .
ومن أمثلتها :تحريم الخبائث من القاذورات والسّباع حثّا على مكارم الخلق .
ومن أمثلتها أيضا :اعتبار الوليّ في النّكاح صيانةً للمرأة عن مباشرة العقد ،لكونه مشعرا
ل للخلق على
بتوقان نفسها إلى الرّجال ،فل يليق ذلك بالمروءة ،ففوّض ذلك إلى الوليّ حم ً
أحسن المناهج .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضّروريّات :
- 2الضّروريّات يعرف معناها في اللّغة من معنى مادّة ضرّ ،والضّ ّر في اللّغة :خلف
النّفع ،وضرّه وضارّه معناهما واحد ،والسم الضّرر .وقال الزهريّ :كلّ ما كان سوء
حال وفقرا وشدّةً في بدن فهو ض ّر بالضّمّ ،وما كان ضدّ النّفع فهو بفتحها .
وأمّا عند الصوليّين :فهي المور الّتي ل بدّ منها في قيام مصالح الدّين والدّنيا ،وهي حفظ
الدّين ،والعقل ،والنّسل ،والمال ،والنّفس .
وهي أقوى مراتب المصالح بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على استقامة ،بل على فساد
وتهارج وفوت حياة ،وفي الخرى فوت النّجاة والنّعيم والرّجوع بالخسران المبين .ومن هنا
يتبيّن الفرق بين الضّروريّات والتحسينيات ،إذ التّحسينيّات هي الخذ بما يليق من محاسن
العادات ،وتجنّب الحوال المدنّسات الّتي تأنفها العقول الرّاجحة .
ب – الحاجيّات :
- 3يعرف معناها في اللّغة من معنى الحاجة ،وهي :الحتياج .وأمّا عند الصوليّين :فهي
الّتي يحتاج إليها ،ولكنّها ل تصل إلى حدّ الضّرورة ،فإذا لم تراع دخل على المكلّفين على
الجملة الحرج والمشقّة ،ولكنّه ل يبلغ مبلغ الفساد العاديّ المتوقّع في المصالح العامّة .وتأتي
في المرتبة الثّانية بعد الضّروريّات ،أمّا التّحسينيّات فتأتي في المرتبة الثّالثة .
أقسام التّحسينيّات :
- 4تنقسم التّحسينيّات إلى قسمين :
ن نفرة الطّباع
الوّل :ما كان غير معارض للقواعد الشّرعيّة ،كتحريم تناول القاذورات ،فإ ّ
منها معنًى يناسب حرمة تناولها حثّا على مكارم الخلق .
الثّاني :ما كان معارضا للقواعد كالكتابة ،فإنّها غير محتاج إليها ،إذ لو منعت ما ضرّ ،
ك الرّقبة من ال ّرقّ ،وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع
لكنّها مستحسنة في العادة للتّوسّل بها إلى ف ّ
سيّد له بأن يعجّز نفسه
الشّخص بعض ماله ببعض آخر ،إذ ما يحصّله المكاتب في قوّة ملك ال ّ
.
الحكام الجماليّة :
أ -المحافظة عليها :
- 5التّحسينيّات من المور الّتي قصد الشّارع المحافظة عليها ،لنّها وإن كانت أدنى مراتب
المصالح إلّ أنّها مكمّلة للحاجيّات الّتي هي أعلى منها في المنزلة ،والحاجيّات بدورها مكمّلة
للضّروريّات الّتي هي أصل لهما ،وأيضا فإنّ ترك التّحسينيّات يؤدّي في النّهاية إلى ترك
ن المتجرّئ على ترك الخفّ بالخلل به معرّض للتّجرّؤ على ما سواه ،
الضّروريّات ،ل ّ
ولذلك لو اقتصر المصلّي على ما هو فرض في الصّلة لم يكن في صلته ما يستحسن .
وأيضا فإنّ التّحسينات بالنّسبة للحاجيّات -الّتي هي آكد منها -كالنّفل بالنّسبة إلى ما هو
فرض ،وكذا الحاجيّات مع الضّروريّات ،فستر العورة واستقبال القبلة بالنّسبة إلى أصل
ل ،فالخلل
الصّلة كالمندوب إليه ،والمندوب إليه بالجزء ينتهض أن يصير واجبا بالك ّ
بالمندوب مطلقا يشبه الخلل بركن من أركان الواجب .
ب -تعارض التّحسينيّات مع غيرها :
- 6التّحسينيّات وإن كانت مكمّل ًة للحاجيّات الّتي هي أصل لها ،إلّ أنّه يشترط في المحافظة
ل تعود على أصلها بالبطال ،فإذا كانت المحافظة عليها تؤدّي إلى
عليها باعتبارها مكمّلةً :أ ّ
ل تكملة
ترك ما هو أعلى منها فإنّها تترك ،ومثل ذلك الحاجيّات مع الضّروريّات ،لنّ ك ّ
يفضي اعتبارها إلى إبطال أصلها ل يلتفت إليها لوجهين :
أحدهما :أنّ في إبطال الصل إبطال التّكملة ،لنّ التّكملة مع ما كمّلته كالصّفة مع
الموصوف ،فإذا كان اعتبار الصّفة يؤدّي إلى ارتفاع الموصوف لزم من ذلك ارتفاع الصّفة
أيضا ،فاعتبار هذه التّكملة على هذا الوجه مؤدّ إلى عدم اعتبارها ،وهذا محال ل يتصوّر ،
وإذا لم يتصوّر لم تعتبر التّكملة ،واعتبر الصل من غير مزيد .
ن المصلحة التّكميليّة تحصل مع فوات المصلحة الصليّة ،لكان
الثّاني :أنّا لو قدّرنا تقديرا أ ّ
حصول الصليّة أولى لما بينهما من التّفاوت .وبيان ذلك أنّ حفظ النّفس مهمّ كّليّ ،وحفظ
المروآت مستحسن ،فحرمت النّجاسات حفظا للمروآت ،وإجراءً لهل المروآت على محاسن
العادات ،فإن دعت الضّرورة إلى إحياء النّفس بتناول النّجس كان تناوله أولى .
ن المصالح إذا تعارضت حصّلت
هذا وقد ذكر الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلم في قواعده :أ ّ
العليا منها ،واجتنبت الدّنيا منها فإنّ الطبّاء يدفعون أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما ،
ن الطّبّ كالشّرع ،وضع
صحّتين ول يبالون بفوات أدناهما ،فإ ّ
ويجلبون أعلى السّلمتين وال ّ
لجلب مصالح السّلمة والعافية ،ولدرء مفاسد المعاطب والسقام ،ولدرء ما أمكن درؤه من
ذلك ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك ،فإن تعذّر درء الجميع أو جلب الجميع ،فإن تساوت
الرّتب تخيّر ،وإن تفاوتت استعمل التّرجيح عند عرفانه والتّوقّف عند الجهل به .
ج -الحتجاج بها :
- 7ذكر الغزاليّ في المستصفى :أنّه ل يجوز الحكم بالتحسينيات بمجرّدها إن لم تعتضد
بشهادة أصل ،إلّ أنّها قد تجري مجرى وضع الضّرورات ،فل يبعد أن يؤدّي إليها اجتهاد
مجتهد ،فحينئذ إن لم يشهد الشّرع برأي فهو كالستحسان فإن اعتضد بأصل فذاك قياس
ومثل التّحسينيّات في هذا الحاجيّات .وتفصيله في الملحق الصوليّ .
تحصّن *
التّعريف :
- 1من معاني التّحصّن في اللّغة والصطلح :الدّخول في الحصن والحتماء به ،وفي
القاموس :الحصن ،كلّ موضع حصين ل يتوصّل إلى ما في جوفه ،وفي المصباح :هو
المكان الّذي ل يقدر عليه لرتفاعه ،والجمع حصون .وحصّن القرية تحصينا بنى حولها ما
يحصّنها من سور أو نحوه .
ويستعمل التّحصّن أيضا بمعنى :التّعفّف عن الرّيب ،ومنه قيل للمتعفّفة ( حصان ) .
حصّنا } ...
ن أ َردْنَ َت َ
قال اللّه تعالى { :ول ُتكْرِهوا فتياتِكم على ال ِبغَاءِ إ ْ
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
- 2التّحصّن من الكفّار المحاربين -إن جاءوا لقتال المسلمين -جائز شرعا ،سواء أكان
المسلمون في الحصن أقلّ من نصف الكفّار أو أكثر ،وذلك ليلحقهم مدد وقوّة من بلد
المسلمين المجاورة ليشدّوا أزرهم ،فيكثر عددهم ويخشاهم عدوّهم ،ول يلحق المسلمين
ن الثم منوط بمن فرّ بعد لقاء المحاربين غير متحرّف
بتحصّنهم إثم الفرار من الزّحف ،ل ّ
لقتال ،ول متحيّزا إلى فئة ،وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التّحيّز إلى الحصن ،لنّه بمنزلة
التّحرّف للقتال أو التّحيّز إلى فئة ،وهذا بل خلف .
وإن كان الكفّار المحاربون في بلدهم مستقرّين غير قاصدين الحرب ،فحينئذ ينبغي للمسلمين
أن يحتاطوا بإحكام الحصون والخنادق وشحنها بمكافئين لهم ،وتقليد ذلك للمؤتمنين من
المسلمين والمشهورين بالشّجاعة .والتّفصيل موطنه مصطلح ( :جهاد ) .
- 3ويجوز أيضا للمسلمين التّحصّن بالخنادق كما « فعل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في
غزوة الخندق حينما جاء الحزاب لقتاله حول المدينة » .وإليه يشير قوله تعالى { :يا أيّها
جنُودا لم َترَوْها ،
الّذين آ َمنُوا ا ْذكُروا نعم َة الّلهِ عليكم إ ْذ جا َءتْكم جنودٌ فَأرْسَلنا عليهم ريحا و ُ
ت البصارُ
ن أسفلَ منكم وإذْ زَاغَ ِ
ن فوقِكم ومِ ْ
وكان اللّ ُه بما تعملون بصيرا .إ ْذ جاءوكم مِ ْ
ظنُ ْونَا } وقد « شارك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
ن باللّ ِه ال ّ
ظنّو َ
جرَ و َت ُ
ت القلوبُ الحنا ِ
وبلغ ِ
في حفر الخندق بنفسه مع أصحابه » .
- 4ومثل التّحصّن بالحصون والخنادق :التّحصّن بكلّ ما يحمي المسلمين من مفاجأة العدوّ
لهم من الوسائل الّتي تتنوّع بحسب أنواع الخطر .وهذا يختلف باختلف العصور والمكنة .
تحصين *
انظر :إحصان ،جهاد .
تحقّق *
انظر :تثبّت .
تحقير *
التّعريف :
- 1من معاني التّحقير في اللّغة :الذلل والمتهان والتّصغير .وهو مصدر حقّر ،
والمحقّرات :الصّغائر .ويقال :هذا المر محقرة بك :أي حقارة .
والحقير :الصّغير الذّليل .تقول :حقّر حقارةً ،وحقّره واحتقره واستحقره :إذا استصغره
ورآه حقيرا .وحقّره :صيّره حقيرا ،أو نسبه إلى الحقارة .وحَقُر الشّيء حقار ًة :هان قدره
فل يعبأ به ،فهو حقير .وهو في الصطلح ل يخرج عن هذا .
الحكم الجماليّ :
للتّحقير أحكام تعتريه :
- 2فتارةً يكون حراما منهيّا عنه :كما في تحقير المسلم للمسلم استخفافا به وسخري ًة منه
وامتهانا لكرامته .وفي هذا قول اللّه تبارك وتعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل يسخرْ قومٌ مِنْ
ن خيرا منهنّ ،ول تَ ْل ِمزُوا
ن نساءٍ عسى أنْ َيكُ ّ
قومٍ عسى أنْ يكونُوا خيرا منهم ،ول نساءٌ مِ ْ
ب فأولئك هم الظّالمون }
ن لم يتُ ْ
ن ومَ ْ
ب بئسَ السمُ الفُسوقُ بعدَ الِيما ِ
أنفسَكم ول َتنَا َبزُوا باللقا ِ
ونحوها من اليات .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم « :ل َتحَاسدوا ول َتنَاجشوا ول َتبَاغضوا ول تدابروا ،ول َيبِ ْع بعضُكم
على بي ِع بعض ،وكونوا عبادَ الّلهِ إخوانا المسلم أخو المسلم ،ل يظلمه ول يخذله ول يحقّره
ن يح ِقرَ أخاه المسلمَ .
شرّ أ ْ
التّقوى هاهنا .ويشير إلى صدره ثلث مرّات بحسب امرئ من ال ّ
كلّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ دمُه ومالُه وعرضُه » .
وفيه عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ل يدخل الجنّة من
كان في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من ِكبْر .فقال رجل :إنّ الرّجلَ يحبّ أن يكون ثوبُه حسنا ونعلُه
غ ْمطُ النّاس » وفي رواية «
ب الجمال .الكبر بَطَر الحقّ و َ
ن اللّ َه جميلٌ يح ّ
حسنةً .قال :إ ّ
وغمص النّاس » ،وبطر الحقّ :هو دفعه وإبطاله ،والغمط والغمص معناهما واحد ،وهو
:الحتقار .
قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى { :بئس السمُ الفسوقُ بعدَ الِيمان } قيل معناه :من لقّب
أخاه أو سخر به فهو فاسق .قال ابن حجر الهيتميّ :السّخرية :الستحقار والستهانة والتّنبيه
على العيوب والنّقائص يوم يضحك منه ،وقد يكون بالمحاكاة بالفعل أو القول أو الشارة أو
اليماء ،أو الضّحك على كلمه إذا تخبّط فيه أو غلط ،أو على صنعته ،أو قبيح صورته .
فمن ارتكب شيئا من التّحقير ممّا هو ممنوع كان قد ارتكب محرّما يعزّر عليه شرعا تأديبا له
.وهذا التّعزير مفوّض إلى رأي المام ،وفق ما يراه في حدود المصلحة وطبقا للشّرع ،كما
ن المقصود منه الزّجر ،وأحوال النّاس فيه مختلفة ،
هو مبيّن في مصطلح ( تعزير ) ،ل ّ
فلكلّ ما يناسبه منه .وهذا إن قصد بهذه المور التّحقير .أمّا إن قصد التّعليم أو التّنبيه على
الخطأ أو نحو ذلك -ولم يقصد تحقيرا -فل بأس به ،فيعرف قصده من قرائن الحوال .
- 3هذا وقد يصل التّحقير المحرّم إلى أن يكون ردّةً ،وذاك إذا حقّر شيئا من شعائر
السلم ،كتحقير الصّلة والذان والمسجد والمصحف ونحو ذلك ،قال اللّه تعالى في وصف
ب قل أباللّهِ وآياتِه ورسولِه كنتم تستهزئون
ن إنّما كنّا نخوضُ ونلع ُ
ن سألتَهم لَيقولُ ّ
المنافقين { ولئ ْ
.ل تعتذروا قد كفرت ْم بع َد إيمانكم } ،وقال تعالى فيهم أيضا { :وإذا ناديتمْ إلى الصّلةِ
اتّخذوها ُهزُوا وََل ِعبَا } .ونقل في فتح العليّ لمالك :أنّ رجلً كان يزدري الصّلة ،وربّما
ازدرى المصلّين وشهد عليه مل كثير من النّاس ،منهم من زكّى ومنهم من لم يزكّ .فمن
حمله على الزدراء بالمصلّين لقلّة اعتقاده فيهم فهو من سباب المسلم ،فيلزمه الدب على
قدر اجتهاد الحاكم .ومن يحمله على ازدراء العبادة فالصوب أنّه ردّة ،لظهاره إيّاه
وشهرته به ،ل زندقة ،ويجري عليه أحكام المرتدّ .
- 4وقد يكون التّحقير واجبا :كما هو الحال فيمن فرضت عليه الجزية من أهل الكتاب .
ح ّرمَ اللّهُ
ن ل يُؤْمنون بالّلهِ ول باليومِ الخرِ ول يُحرّمون ما َ
لقوله تعالى { :قاتِلوا الّذي َ
ن دينَ الحقّ من الّذين أُوتوا الكتابَ حتّى ُي ْعطُوا الجِزيةَ عن َي ٍد وهم
ورسولُه ول َيدِينو َ
صاغرون } أي ذليلون حقيرون مهانون .وقد اختلف الفقهاء فيما يحصل به الصّغار عند
إعطائهم الجزية .انظر مصطلح ( أهل ال ّذمّة ،وجزية ) .
التّعزير بما فيه تحقير :
- 5من ضروب التّعزير :التّوبيخ ،وهو نوع من التّحقير .واستدلّ الفقهاء على مشروعيّة
ل فعيّره بأمّه ،
التّوبيخ في التّعزير بالسّنّة فقد « ،روى أبو ذرّ رضي ال عنه أنّه سابّ رج ً
عّي ْرتَه بأمّه ؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّ ٌة » .
فقال الرّسول صلى ال عليه وسلم يا أبا ذرّ :أَ َ
ل عرضه وعقوبته » .
ي الواجد يح ّ
« وقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ل ّ
وقد فسّر النّيل من العرض بأن يقال له مثلً :يا ظالم .يا معتدي .وهذا نوع من التّعزير
بالقول ،وقد جاء في تبصرة الحكّام لبن فرحون :وأمّا التّعزير بالقول فدليله ما ثبت في سنن
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أتي برجل قد
أبي داود عن أبي هريرة رضي ال عنه « أ ّ
شرب فقال :اضربوه فقال أبو هريرة فمنّا الضّارب بيده ،ومنّا الضّارب بنعله ،والضّارب
بثوبه » .وفي رواية « بكّتوه فأقبلوا عليه يقولون :ما اتّقيت اللّه ؟ ما خشيت اللّه ؟ ما
استحييت من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » ؟
وهذا التّبكيت من التّعزير بالقول ( .ر :تعزير ) .
-6قد يكون التّحقير بالفعل :كما هو الحال في تجريس شاهد الزّور ،فإنّ تجريسه هو إسماع
النّاس به ،وهو تشهير ،وإذا كان تشهيرا كان تعزيرا .فقد ورد في التتارخانية في التّشهير
بشاهد الزّور :قال أبو حنيفة في المشهور :يطاف به ويشهر ول يضرب ،وفي السّراجيّة :
وعليه الفتوى .وفي جامع العتّابيّ :التّشهير أن يطاف به في البلد وينادى عليه في كلّ محلّة
ن هذا شاهد الزّور فل تشهدوه .وذكر الخصّاف في كتابه أنّه يشهر على قولهما بغير
:إّ
الضّرب ،والّذي روي عن عمر أنّه كان يسخّم وجهه فتأويله عند السّرخسيّ أنّه بطريق
السّياسة إذا رأى المصلحة ،وعند الشّيخ المام أنّه التّفضيح والتّشهير ،فإنّه يسمّى سوادا .
ونقل عن شريح رحمه ال أنّه كان يبعث بشاهد الزّور إلى سوقه إن كان سوقيّا ،وإلى قومه
ن شريحا يقرأ عليكم السّلم
إن كان غير سوقيّ بعد العصر أجمع ما كانوا ،ويقول آخذه :إ ّ
ويقول :إنّا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذّروا النّاس منه .
تحقيق المناط *
التّعريف :
- 1حقّق المر :تيقّنه أو جعله ثابتا لزما .والمناط :موضع التّعليق .
ومناط الحكم عند الصوليّين :علّته وسببه .وتحقيق المناط عند الصوليّين :هو النّظر
ص أو إجماع أو
والجتهاد في معرفة وجود العلّة في آحاد الصّور ،بعد معرفة تلك العلّة بن ّ
استنباط ،فإثبات وجود العلّة في مسألة معيّنة بالنّظر والجتهاد هو تحقيق المناط .
فمثال ما إذا كانت العلّة معروفةً بالنّصّ :جهة القبلة ،فإنّها مناط وجوب استقبالها ،وهي
طرَهُ } وأمّا كون جهة ما
ش ْ
معروفة بالنّصّ ،وهو قوله تعالى { :وحيثما كُنتم فَوَلّوا وجوهَكم َ
هي جهة القبلة في حالة الشتباه فمظنون بالجتهاد والنّظر في المارات .
ومثال ما إذا كانت العلّة معلومةً بالجماع :العدالة ،فإنّها مناط وجوب قبول الشّهادة ،وهي
معلومة بالجماع ،وأمّا كون هذا الشّخص عدلً فمظنون بالجتهاد .
شدّة المطربة ،فإنّها مناط تحريم الشّرب في
ومثال ما إذا كانت العلّة مظنون ًة بالستنباط :ال ّ
ن المناط
الخمر ،فالنّظر في معرفتها في النّبيذ هو تحقيق المناط ،وسمّي تحقيق المناط ،ل ّ
وهو الوصف علم أنّه مناط ،وبقي النّظر في تحقيق وجوده في الصّورة المعيّنة .
الحكم الجماليّ :
- 2تحقيق المناط مسلك من مسالك العلّة ،والخذ به متّفق عليه .وقد يعتبر تحقيق المناط
من قياس العلّة .وقال الغزاليّ :هذا النّوع من الجتهاد ل خلف فيه بين المّة ،والقياس
مختلف فيه ،فكيف يكون هذا قياسا ؟ .وتحقيق المناط يحتاج إليه المجتهد والقاضي والمفتي
في تطبيق علّة الحكم على آحاد الوقائع .وينظر تفصيل ذلك في الملحق الصوليّ .
تحكيم *
التّعريف :
- 1التّحكيم في اللّغة :مصدر حكّمه في المر والشّيء ،أي :جعله حكما ،وفوّض الحكم
جرَ بينهم } .
شَح ّكمُوك فيما َ
إليه .وفي التّنزيل العزيز { :فل وربّك ل يُؤْمنونَ حتّى ُي َ
وحكّمه بينهم :أمره أن يحكم بينهم .فهو حكم ،ومحكّم .
ن الجنّة للمحكّمين » فالمراد به الّذين يقعون في يد العدوّ ،
وأمّا الحديث الشّريف « :إ ّ
فيخيّرون بين الشّرك والقتل ،فيختارون القتل ثباتا على السلم .
وفي المجاز :حكّمت السّفيه تحكيما :إذا أخذت على يده ،أو بصّرته ما هو عليه .ومنه قول
النّخعيّ رحمه ال تعالى :حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك .أي :امنعه من الفساد كما تمنع ولدك
وقيل :أراد حكمه في ماله إذا صلح كما تحكّم ولدك .
ومن معاني التّحكيم في اللّغة :الحكم .يقال :قضى بين الخصمين ،وقضى له ،وقضى
عليه .وفي الصطلح :التّحكيم :تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما .وفي مجلّة الحكام
العدليّة :التّحكيم عبارة عن اتّخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما .
ويقال لذلك :حكم بفتحتين ،ومحكّم بضمّ الميم ،وفتح الحاء ،وتشديد الكاف المفتوحة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القضاء :
- 2من معانيه في اللّغة :الحكم ،وهو في اصطلح الفقهاء :تبيين الحكم الشّرعيّ واللزام
به ،وفصل الخصومة .
ض النّزاع بين النّاس وتحديد صاحب الحقّ ،
وعلى هذا فكلّ من التّحكيم والقضاء وسيلة لف ّ
ولهذا اشترط الفقهاء في ك ّل منهما صفات متماثلةً .كما سنرى بعد قليل .
ن التّحكيم
ن القضاء هو الصل في هذا المقام ،وأ ّ
إلّ أنّ بينهما فوارق جوهريّةً تتجلّى في أ ّ
ن القاضي هو صاحب ولية عامّة ،فل يخرج عن سلطة القضاء أحد ،ول يستثنى
فرع ،وأ ّ
من اختصاصه موضوع .أمّا تولية الحكم فتكون من القاضي أو من الخصمين وفق الشّروط
والقيود الّتي توضع له ،مع ملحظة أنّ هناك أمورا ليست محلّا للتّحكيم ،كما سنرى .
ب -الصلح :
- 3الصلح في اللّغة :نقيض الفساد .يقال :أصلح :إذا أتى بالخير والصّواب .وأصلح
في عمله ،أو أمره :أتى بما هو صالح نافع .وأصلح الشّيء :أزال فساده .
وأصلح بينهما ،أو ذات بينهما ،أو ما بينهما :أزال ما بينهما من عداوة ونزاع برضا
ن اقْ َتتَلُوا َفأَصِْلحُوا بينَهما ،فإنْ
الطّرفين .وفي ،القرآن المجيد { :وإنْ طائفتانِ من المؤمني َ
ت فأصلِحوا
ن فاءَ ْ
َبغَتْ إحداهُما على الخرى فقاتِلوا الّتي تبغي حتّى تَفِيء إلى أمرِ الّلهِ ،فإ ْ
سطِين } .
ن اللّ َه ُيحِبّ المق ِ
سطُوا إ ّ
بينهما بالعدلِ وَأقْ ِ
ض بهما النّزاع ،غير أنّ الحكم ل ب ّد فيه من تولية من القاضي أو
فالصلح والتّحكيم يف ّ
الخصمين ،والصلح يكون الختيار فيه من الطّرفين أو من متبرّع به .
الحكم التّكليفيّ :
سنّة والجماع .
التّحكيم مشروع .وقد دلّ على ذلك الكتاب وال ّ
ح َكمَا
ح َكمَا من أهلِه و َ
- 4أمّا الكتاب الكريم فقوله تعالى { :وإنْ خِ ْفتُم شِقَاقَ بينهما فابْ َعثُوا َ
ن ُيرِيدا إصلحا يُ َو ّفقِ اللّ ُه بينهما } .
من أهلِها ،إ ْ
قال القرطبيّ :إنّ هذه الية دليل إثبات التّحكيم .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رضي بتحكيم سعد بن معاذ
سنّة المطهّرة « ،فإ ّ
-5وأمّا ال ّ
رضي ال عنه في أمر اليهود من بني قريظة ،حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنّزول على
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رضي بتحكيم العور بن بشامة في أمر
حكمه » « .وإ ّ
بني العنبر ،حين انتهبوا أموال الزّكاة » .
وفي الحديث الشّريف « أنّ أبا شريح هانئ بن يزيد رضي ال عنه لمّا وفد إلى رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم مع قومه ،سمعهم يكنّونه بأبي الحكم .فقال له رسول اللّه صلى ال عليه
ن قومي إذا اختلفوا في
ح ْكمُ ،فلم تكنّى أبا الحكم ؟ فقال :إ ّ
حكَم .وإليه ال ُ
ن اللّه هو ال َ
وسلم :إ ّ
شيء أتوني ،فحكمت بينهم ،فرضي كل الفريقين .فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :
ما أحسن هذا .فما لك من الولد ؟ قال :لي شريح ،ومسلم ،وعبد اللّه .قال :فما أكبرهم ؟
قلت :شريح .قال :أنت أبو شريح .ودعا له ولولده » .
-6أمّا الجماع ،فقد كان بين عمر وأبيّ بن كعب رضي ال عنهما منازعة في نخل ،فحكّما
بينهما زيد بن ثابت رضي ال عنه .
واختلف عمر مع رجل في أمر فرس اشتراها عمر بشرط السّوم ،فتحاكما إلى شريح .
كما تحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم رضي ال عنهم ،ولم يكن زيد ول شريح ول
جبير من القضاة .وقد وقع مثل ذلك لجمع من كبار الصّحابة ،ولم ينكره أحد فكان إجماعا .
ن من الحنفيّة من امتنع عن الفتوى
-7وبنا ًء على ذلك ذهب الفقهاء إلى جواز التّحكيم .إلّ أ ّ
ن السّلف إنّما يختارون للحكم من كان عالما صالحا ديّنا ،فيحكم بما يعلمه
بذلك ،وحجّته :أ ّ
من أحكام الشّرع ،أو بما أدّى إليه اجتهاد المجتهدين .فلو قيل بصحّة التّحكيم اليوم لتجاسر
العوامّ ،ومن كان في حكمهم إلى تحكيم أمثالهم ،فيحكم الحكم بجهله بغير ما شرع اللّه تعالى
من الحكام ،وهذا مفسدة عظيمة ،ولذلك أفتوا بمنعه .
وقال أصبغ من المالكيّة :ل أحبّ ذلك ،فإن وقع مضى .ومنهم من لم يجزه ابتدا ًء .
ومن الشّافعيّة من قال بعدم الجواز ،ومنهم من قال بالجواز إذا لم يكن في البلد قاض .ومنهم
ن جواز التّحكيم هو ظاهر مذهب الحنفيّة
من قال بجوازه في المال فقط .ومهما يكن فإ ّ
ح عندهم ،والظهر عند جمهور الشّافعيّة .وهو مذهب الحنابلة .
والص ّ
أمّا المالكيّة :فظاهر كلمهم نفاذه بعد الوقوع .
ض النّزاع به فيما بينهما ،وكلّ منهما
-8وطرفا التّحكيم هما الخصمان اللّذان اتّفقا على ف ّ
يسمّى المحكّم بتشديد الكاف المكسورة .
وقد يكون الخصمان اثنين ،وقد يكونان أكثر من ذلك .
-9والشّرط في طرفي التّحكيم الهليّة الصّحيحة للتّعاقد الّتي قوامها العقل ،إذ بدونها ل يصحّ
العقد .ول يجوز لوكيلٍ التّحكيمُ من غير إذن موكّله ،وكذلك الصّغيرُ المأذون له في التّجارة
ل بإذن المالك ،ول من الوليّ
من غير إذن وليّه ،ول يجوز التّحكيم من عامل المضاربة إ ّ
والوصيّ والمحجور عليه بالفلس إذا كان ذلك يضرّ بالقاصر أو بالغرماء .
شروط المحكّم :
- 10أ -أن يكون معلوما .فلو حكّم الخصمان أوّل من دخل المسجد مثلً لم يجز
بالجماع ،لما فيه من الجهالة ،إلّ إذا رضوا به بعد العلم ،فيكون حينئذ تحكيما لمعلوم .
- 11ب -أن يكون أهلً لولية القضاء .
وعلى ذلك اتّفاق المذاهب الربعة ،على خلف فيما بينها في تحديد عناصر تلك الهليّة .
والمراد بأهليّة القضاء هنا :الهليّة المطلقة للقضاء ،ل في خصوص الواقعة موضوع النّزاع
.وفي قول للشّافعيّة :إنّ هذا الشّرط يمكن الستغناء عنه عندما ل يوجد الهل لذلك .ومنهم
من قال بعدم اشتراطه مطلقا ،ومنهم من قيّد جواز التّحكيم بعدم وجود قاض ،وقيل :يتقيّد
بالمال دون القصاص والنّكاح ،أي إثبات عقد النّكاح .
ن المحكّم ل تشترط فيه كلّ صفات القاضي .
وفي قول للحنابلة :إ ّ
وثمّة أحكام تفصيليّة لهذا الشّرط يرجع إليها في مبحث ( دعوى ) ( وقضاء ) .
ن أهليّة القضاء يجب أن تكون متحقّق ًة في المحكّم من وقت التّحكيم إلى
وذهب الحنفيّة إلى أ ّ
وقت الحكم .ومن ذلك :أنّه يشترط في المحكّم :السلم ،إن كان حكما بين مسلمين ،وكان
ن غير المسلم
أحدهما مسلما ،أمّا إذا كانا غير مسلمين يشترط إسلم المحكّم .وعلّة ذلك أ ّ
أهل للشّهادة بين غير المسلمين ،فيكون تراضي الخصمين عليه كتولية السّلطان إيّاه .
ومعلوم أنّ ولية غير المسلم الحكم بين غير المسلمين صحيحة .وكذلك التّحكيم .
ولو كانا غير مسلمين ،وحكّما غير مسلم جاز .فإن أسلم أحد الخصمين قبل الحكم لم ينفذ
حكم الحكم على المسلم ،وينفذ له .وقيل :ل ينفذ له أيضا .
- 12أمّا المرتدّ فتحكيمه عند أبي حنيفة رضي ال عنه موقوف ،فإن عاد إلى السلم صحّ ،
ل بطل .وعند أبي يوسف ومحمّد جائز في كلّ حال .وعلى ذلك فلو حكّم مسلم ومرتدّ
وإ ّ
رجلً ،فحكم بينهما ،ث ّم قتل المرتدّ ،أو لحق بدار الحرب ،لم يجز حكمه عليهما .
ن الخصمين لو
- 13ورتّبوا على ذلك آثارا تظهر في بعض الصّور التّفريعيّة ...من ذلك أ ّ
حكّما صبيّا فبلغ ،أو غير مسلم فأسلم ،ث ّم حكم ،لم ينفذ حكمه .
ولو حكّما مسلما ،ث ّم ارتدّ لم ينفذ حكمه أيضا ،وكان في ردّته عزله .فإذا عاد إلى السلم
فل بدّ من تحكيم جديد .ولو عمي المحكّم ،ثمّ ذهب العمى ،وحكم لم يجز حكمه .
ن ذلك ل
أمّا إن سافر أو مرض أو أغمي عليه ،ثمّ قدم من سفره أو برئ وحكم جاز ،ل ّ
ن حكما غير مسلم ،حكّمه غير المسلمين ،ثمّ أسلم قبل الحكم ،
يقدح بأهليّة القضاء .ولو أ ّ
ن أحد الخصمين وكّل
فهو على حكومته ،لنّ تحكيم غير المسلمين للمسلم جائز ونافذ .ولو أ ّ
الحكم بالخصومة فقبل ،خرج عن الحكومة على قول أبي يوسف ،ولم يخرج عنها على قول
المام ومحمّد .وقد قال بعض العلماء :إنّه يخرج عنها في قول الكلّ .
- 14ج -أن ل يكون بين المحكّم وأحد الخصمين قرابة تمنع من الشّهادة .وإذا اشترى
المحكّم الشّيء الّذي اختصما إليه فيه ،أو اشتراه ابنه أو أحد ممّن ل تجوز شهادته له ،فقد
خرج من الحكومة .وإن حكّم الخصم خصمه ،فحكم لنفسه ،أو عليها جاز تحكيمه ابتداءً ،
جوْرا بيّنا ،وهو مذهب الحنفيّة والحنابلة .
ومضى حكمه إن لم يكن َ
أمّا المالكيّة فلهم في ذلك ثلثة أقوال :
القول الوّل :أنّه يجوز مطلقا ،سواء أكان الخصم الحكم قاضيا أم غيره .
الثّاني :أنّه ل يجوز مطلقا للتّهمة .
الثّالث :التّفرقة بين أن يكون المحكّم قاضيا أو غيره ،فإن كان الخصم المحكّم قاضيا لم
يجز ،إن لم يكن قاضيا جاز .والقول الوّل هو المعتمد ،وبه أخذ الحنابلة .
محلّ التّحكيم :
اختلف الفقهاء فيما يصلح أن يكون محلّا للتّحكيم .
- 15فعند الحنفيّة ل يجوز التّحكيم في الحدود الواجبة حقّا للّه تعالى باتّفاق الرّوايات .
حكْم المحكّم ليس بحجّة في حقّ
ن استيفاء عقوبتها ممّا يستقلّ به وليّ المر .وأنّ ُ
وحجّتهم :أ ّ
غير الخصوم ،فكان فيه شبهة .والحدود تدرأ بالشّبهات .
وما اختاره السّرخسيّ من جواز التّحكيم في حدّ القذف فضعيف .
ح في المذهب عدم جواز التّحكيم في الحدود كلّها .
ن الغالب فيه حقّ اللّه تعالى ،فالص ّ
لّ
- 16أمّا القصاص ،فقد روي عن أبي حنيفة أنّه ل يجوز التّحكيم فيه .
واختاره الخصّاف ،وهو الصّحيح من المذهب ،لنّ التّحكيم بمنزلة الصّلح .
والنسان ل يملك دمه حتّى يجعله موضعا للصّلح .وما روي من جوازه في القصاص قياسا
على غيره من الحقوق فضعيف روايةً ودرايةً ،لنّ القصاص ليس حقّا محضا للنسان -
وإن كان الغالب فيه حقّه -وله شبه بالحدود في بعض المسائل .
ح التّحكيم في ما يجب من الدّية على العاقلة ،لنّه ل ولية للحكمين على العاقلة
- 17ول يص ّ
،ول يمكنهما الحكم على القاتل وحده بالدّية ،لمخالفته حكم الشّرع الّذي لم يوجب دي ًة على
القاتل وحده دون العاقلة ،إلّ في مواضع محدّدة -كما لو أق ّر بالقتل خطأً -وللتّفصيل انظر
مصطلح ( دية ،عاقلة ) .
ن التّحكيم جائز ونافذ .
أمّا في تلك المواضع المحدّدة ،فإ ّ
حكَم أن يحكم في اللّعان كما ذكر البرجنديّ ،وإن توقّف فيه ابن نجيم .
- 18وليس لل َ
وعلّة ذلك أنّ اللّعان يقوم مقام الحدّ .وأمّا فيما عدا ما ذكر آنفا ،فإنّ التّحكيم جائز ونافذ .
وليس للمحكّم الحبس ،إلّ ما نقل عن صدر الشّريعة من جوازه .
ل في ثلثة عشر موضعا هي :
ن التّحكيم عندهم جائز إ ّ
- 19وأمّا المالكيّة ،فإ ّ
الرّشد ،وضدّه ،والوصيّة ،والحبس ( الوقف ) ،وأمر الغائب ،والنّسب ،والولء ،
ن هذه ممّا يختصّ بها
والحدّ ،والقصاص ،ومال اليتيم ،والطّلق ،والعتق ،واللّعان .ل ّ
ن هذه المور إمّا حقوق يتعلّق بها حقّ اللّه تعالى ،كالحدّ والقتل
القضاء .وسبب ذلك أ ّ
والطّلق ،أو حقوق لغير المتحاكمين ،كالنّسب ،واللّعان .وقد وضع ابن عرفة حدّا لما
ح لحدهما ترك حقّه فيه
يجوز فيه التّحكيم .فقال :ظاهر الرّوايات أنّه يجوز التّحكيم فيما يص ّ
.
ح في الموال ،وما في معناها .
وقال اللّخميّ وغيره :إنّما يص ّ
- 20وأمّا الشّافعيّة فإنّ التّحكيم عندهم ل يجوز في حدود اللّه تعالى .إذ ليس فيها طالب
معيّن ،وعلى هذا المذهب .ولو حكّم خصمان رجلً في غير ح ّد اللّه تعالى جاز مطلقا بشرط
أهليّة القضاء .وفي قول :ل يجوز .وقيل :بشرط عدم وجود قاض بالبلد .
وقيل :يختصّ التّحكيم بالموال دون القصاص والنّكاح ونحوهما .
- 21وأمّا الحنابلة :فقد اختلفوا فيما يجوز فيه التّحكيم .
ففي ظاهر كلم أحمد أنّ التّحكيم يجوز في كلّ ما يمكن أن يعرض على القاضي من
خصومات ،كما قال أبو الخطّاب ،يستوي في ذلك المال والقصاص والحدّ والنّكاح واللّعان
وغيرها ،حتّى مع وجود قاض ،لنّه كالقاضي ول فرق .وقال القاضي أبو يعلى بجواز
التّحكيم في الموال خاصّةً .وأمّا النّكاح والقصاص والح ّد فل يجوز فيها التّحكيم ،لنّها
مبنيّة على الحتياط ،فل بدّ من عرضها على القضاء للحكم .
شروط التّحكيم :
يشترط في التّحكيم ما يأتي :
- 22أ -قيام نزاع ،وخصومة حول حقّ من الحقوق .
حكْما قيام طرفين متشاكسين ،كلّ يدّعي حقّا له قبل الخر .
وهذا الشّرط يستدعي ُ
- 23ب -تراضي طرفي الخصومة على قبول حكمه ،أمّا المعيّن من قبل القاضي فل
يشترط رضاهما به ،لنّه نائب عن القاضي .
ول يشترط عند الحنفيّة تقدّم رضى الخصمين عن التّحكيم ،بل لو رضيا بحكمه بعد صدوره
جاز .وعند الشّافعيّة :ل بدّ من تقدّم التّراضي .
- 24ج -اتّفاق المتخاصمين والحكم على قبول مهمّة التّحكيم ...ومجمل هذين التّفاقين
يشكل ركن التّحكيم ،الّذي هو :لفظه الدّالّ عليه مع قبول الخر .
وهذا الرّكن قد يظهر صراحةً .كما لو قال الخصمان :حكّمناك بيننا .أو قال لهما :أحكم
بينكما ،فقبل .وقد يظهر دللةً ...فلو اصطلح الخصمان على رجل بينهما ،ولم يعلماه بذلك
،ولكنّهما اختصما إليه ،فحكم بينهما ،جاز .
وإن لم يقبل الحكم ،لم يجز حكمه إلّ بتجديد التّحكيم .
وللخصمين أن يقيّدا التّحكيم بشرط ...فلو حكّماه على أن يحكم بينهما في يومه ،أو في
مجلسه وجب ذلك .ولو حكّماه على أن يستفتي فلنا ،ثمّ يقضي بينهما بما قال جاز .
ولو حكّما رجلين ،فحكم أحدهما ،لم يجز ،ول ب ّد من اتّفاقهما على المحكوم به .
فلو اختلفا لم يجز .وكذلك لو اتّفقا على تحكيم رجل معيّن .فليس له أن يفوّض غيره بالتّحكيم
.لنّ الخصمين لم يرضيا بتحكيم غيره .
ولو فوّض ،وحكم الثّاني بغير رضاهما ،فأجاز الوّل حكمه ،لم يجز لنّ الذن منه في
البتداء ل يصحّ ،فكذا في النتهاء ،ول بدّ من إجازة الخصمين بعد الحكم .وقيل :ينبغي
أن يجوز ،كالوكيل الوّل إذا أجاز بيع الوكيل الثّاني .
إلّ أنّ تعليق التّحكيم على شرط ،كما لو قال لعبد :إذا أعتقت فاحكم بيننا ،وإضافته إلى
وقت ،كما لو قال لرجل :جعلناك حكما غدا ،أو قال :رأس الشّهر ...كلّ ذلك ل يجوز
في قول أبي يوسف خلفا لمحمّد .والفتوى على القول الوّل .
- 25وليس للخصمين أن يتّفقا على محكّم ليس أهلً للتّحكيم .
ولو حكم غير المسلم بين مسلمين ،فأجازا حكمه ،لم يجز ،كما لو حكّماه في البتداء .
حكَم .إلّ
- 26ول يحتاج التّفاق على التّحكيم لشهود تشهد على الخصمين بأنّهما قد حكّما ال َ
أنّه ينبغي الشهاد خوف الجحود .
ولهذا ثمرة عمليّة :إذ لو أنّ الخصمين حكّما الحكم ،فحكم بينهما ،فأنكر المحكوم عليه منهما
ن الجاحد حكّمه إلّ ببيّنة .
أنّه حكّمه ،لم يقبل قول الحكم أ ّ
ن رجوع أحد الخصمين
- 27ويجب أن يستم ّر التّفاق على التّحكيم حتّى صدور الحكم ،إذ أ ّ
عن التّحكيم قبل صدور الحكم يلغي التّحكيم ،كما سنرى .
فلو قال الحكم لحدهما :أقررت عندي ،أو قامت عندي بيّنة عليك بكذا ،وقد ألزمتك ،
وحكمت بهذا ،فأنكر المقضيّ عليه القرار أو البيّنة لم يلتفت لقوله ،ومضى القضاء .لنّ
ولية المحكّم قائمة .وهو في هذه الحالة كالقاضي .أمّا إن قال ذلك بعد أن عزله الخصم ،
فإنّ قوله وحكمه ل يعتدّ به ،كالحكم الّذي يصدره القاضي بعد عزله .
- 28د -الشهاد على الحكم ،وليس هذا شرطا لصحّة التّحكيم ،وإنّما هو شرط لقبول قول
الحكم عند النكار ،ول بدّ من الشهاد في مجلس الحكم .
طريق الحكم :
-29طريق كل شيء ما يوصل إليه ،حكما كان أو غيره .وعليه فإن طريق الحكم :مايثبت
به الحق موضوع النزاع والخصومة .وهذا ل يكون إل بالنية ،أو القرار ،أو النكول عن
حلف اليمين .يستوي في هذا حكم الحكم ،وحكم القاضي .
فإن قام الحكم على ذلك كان حجة موافقة للشرع .وإل كان باطلً .
ويبدو أن الحكَم ل يقضي بعلمه .وأما كتاب المحكّم إلى القاضي ،وكتاب القاضي إليه فغير
جائز ،إل برضى الخصمين ،خلفا للحنابلة الذين ذهبوا إلى جوازه ونفاذه .
الرّجوع عن التّحكيم :
- 30حقّ الرّجوع عن التّحكيم فرع من صفة التّحكيم الجوازيّة ...ولكنّ هذا الحقّ ليس
مطلقا .
ل خصم أن يرجع عن التّحكيم قبل
- 31فقد ذهب الحنفيّة ،وسحنون من المالكيّة إلى أنّ لك ّ
صدور الحكم ،ول حاجة لتّفاق الخصمين على ذلك .فإن رجع كان في ذلك عزل للمحكّم .
أمّا بعد صدور الحكم ،فليس لحد حقّ الرّجوع عن التّحكيم ،ول عزل المحكّم ،فإن رجع
بعد الحكم لم يبطل الحكم ،لنّه صدر عن ولية شرعيّة للمحكّم ،كالقاضي الّذي يصدر حكمه
،ثمّ يعزله السّلطان .
وعلى هذا :فإن اتّفق رجلن على حكم يحكم بينهما في عدد من الدّعاوى ،فقضى على
ن القضاء الوّل نافذ ،
أحدهما في بعضهما ،ث ّم رجع المحكوم عليه عن تحكيم هذا الحكم ،فإ ّ
ليس للحكم أن يحكم فيما بقي ،فإن حكم ل ينفذ .
وإن قال الحكم لحد الخصمين :قامت عندي الحجّة بصحّة ما ادّعى عليك من الحقّ ،فعزله
هذا الخصم ،ثمّ حكم عليه الحكم بعد ذلك ل ينفذ حكمه عليه .
- 32وعند المالكيّة :ل يشترط دوام رضا الخصمين إلى حين صدور الحكم .بل لو أقاما
البيّنة عند الحكم ،ثمّ بدا لحدهما أن يرجع عن التّحكيم قبل الحكم .تعيّن على الحكم أن
يقضي ،وجاز حكمه .وقال أصبغ :لكلّ واحد منهما الرّجوع ما لم تبدأ الخصومة أمام الحكم
،فإن بدأت تعيّن عليهما المضيّ فيها حتّى النّهاية .
وقال ابن الماجشون :ليس لحدهما الرّجوع ولو قبل بدء الخصومة .
- 33وعند الشّافعيّة :يجوز الرّجوع قبل صدور الحكم ،ولو بعد إقامة البيّنة .وعليه
المذهب .وقيل بعدم جواز ذلك .أمّا بعد الحكم فل يشترط رضا الخصم به كحكم القاضي .
ن رضاهما معتبر في أصل التّحكيم ،فكذا في لزوم الحكم .والظهر
وقيل :يشترط ،ل ّ
الوّل - 34 .وعند الحنابلة :لكلّ من الخصمين أن يرجع عن التّحكيم قبل الشّروع في الحكم
.
أمّا بعد الشّروع فيه ،وقيل تمامه ،ففي الرّجوع قولن :
ن الحكم لم يتمّ ،أشبه قبل الشّروع .
أحدهما :له الرّجوع ل ّ
ن كلّ واحد منهما إذا رأى من الحكم ما ل يوافقه
والثّاني :ليس له ذلك ،لنّه يؤدّي إلى أ ّ
رجع فبطل مقصوده .فإن صدر الحكم نفذ .
أثر التّحكيم :
- 35يراد بأثر التّحكيم :ما يترتّب عليه من نتائج .
وهذا الثر يتمثّل في لزوم الحكم ونفاذه ،كما يتمثّل في إمكان نقضه من قبل القضاء .
أوّلً :لزوم الحكم ونفاذه :
- 36متى أصدر الحكم حكمه ،أصبح هذا الحكم ملزما للخصمين المتنازعين ،وتعيّن إنفاذه
دون أن يتوقّف ذلك على رضا الخصمين ،وعلى ذلك الفقهاء .وحكمه في ذلك كحكم
القاضي .وليس للحكم أن يرجع عن حكمه ،فلو رجع عن حكمه ،وقضى للخر لم يصحّ
ن الحكومة قد تمّت بالقضاء الوّل ،فكان القضاء الثّاني باطلً .
قضاؤه ،ل ّ
ن هذا اللزام الّذي يتّصف به حكم الحكم ينحصر في الخصمين فقط ،ول يتعدّى
- 37ولك ّ
حكَم
إلى غيرهما ،ذلك لنّه صدر بحقّهما عن ولية شرعيّة نشأت من اتّفاقهما على اختيار ال َ
ي منهما على غيره ،فل يسري أثر حكم
للحكم فيما بينهما من نزاع وخصومة .ول ولية ل ّ
الحكم على غيرهما .
- 38وتطبيقا لهذا المبدأ ،فلو حكّم الخصمان رجلً في عيب البيع فقضى الحكم بردّه ،لم
يكن للبائع حقّ بردّه على بائعه ،إلّ أن يرضى البائع الوّل والثّاني والمشتري بتحكيمه ،
فحينئذ يردّه على البائع الوّل .وكذلك لو أنّ رجلً ادّعى على آخر ألف درهم ،ونازعه في
ن فلنا الغائب قد ضمنها له عن هذا الرّجل ،فحكّما بينهما رجلً ،والكفيل
ذلك ،فادّعى أ ّ
غائب .فأقام المدّعي بيّنةً على المال ،وعلى الكفالة ،فحكم الحكم بالمال وبالكفالة ،صحّ
الحكم في حقّ الدّائن والمدين ولم يصحّ بالكفالة ،ول على الكفيل .
وإن حضر الكفيل ،والمكفول غائب ،فتراضى الطّالب والكفيل ،فحكم المحكّم بذلك كان
الحكم جائزا ،ونافذا بحقّ الكفيل دون المكفول .
ص عليها الحنفيّة ،هي :ما لو حكّم أحد الشّريكين
ولم يشذّ عن هذا المبدأ غير مسألة واحدة ن ّ
وغريمه رجلً فحكم بينهما ،وألزم الشّريك شيئا من المال المشترك نفذ هذا الحكم ،وتعدّى
إلى الشّريك الغائب ،لنّ حكمه بمنزلة الصّلح في حقّ الشّريك الغائب .والصّلح من صنيع
ل واحد من الشّريكين راضيا بالصّلح ،وما في معناه ...
ال ّتجّار .فكان ك ّ
وبعبارة أخرى فإنّ العرف بين ال ّتجّار قد جعل التّحكيم من أحد الشّركاء كأنّه تحكيم من سائر
الشّركاء .ولهذا لزم الحكم ،ونفذ في حقّهم جميعا .
ثانيا :نقض الحكم :
- 39قد يرضى الخصمان بالحكم ،فيعملن على تنفيذه ..وقد يرى أحدهما رفعه إلى
القضاء لمصلحة يراها .
ن القاضي إذا رفع إليه حكم المحكّم لم ينقضه إلّ بما ينقض
أمّا الشّافعيّة ،والحنابلة ،فعندهم أ ّ
به قضاء غيره من القضاة .
أمّا عند الحنفيّة فإذا رفع حكم المحكّم إلى القاضي نظر فيه ،فإن وجده موافقا مذهبه أخذ به
وأمضاه ،لنّه ل جدوى من نقضه ،ثمّ إبرامه .
وفائدة هذا المضاء :أن ل يكون لقاض آخر يرى خلفه نقضه إذا رفع إليه ،لنّ إمضاءه
بمنزلة قضائه ابتداءً .أمّا إن وجده خلف مذهبه أبطله ،وأوجب عدم العمل بمقتضاه ،وإن
كان ممّا يختلف فيه الفقهاء .وهذا البطال ليس على سبيل اللّزوم ،بل هو على سبيل الجواز
،إن شاء القاضي أبطله ،وإن شاء أمضاه وأنفذه .
- 40ويجب أن تكون هذه الجازة من القاضي بعد حكم المحكّم .وعليه فلو حكّما رجلً ،
ن القاضي
فأجاز القاضي حكومته قبل أن يحكم ،ثمّ حكم بخلف رأي القاضي لم يجز ،ل ّ
أجاز المعدوم .وإجازة الشّيء قبل وجوده باطلة ،فصار كأنّه لم يجز .
ن السّرخسيّ قال :هذا الجواب صحيح فيما إذا لم يكن القاضي مأذونا في استخلف غيره
ولك ّ
.وأمّا إذا كان مأذونا في الستخلف فيجب أن تجوز إجازته .وتجعل إجازة القاضي بمنزلة
استخلفه إيّاه في الحكم بينهما ،فل يكون له أن يبطل حكمه بعد ذلك .
وإن حكّما رجلً ،فحكم بينهما ،ثمّ حكّما آخر ،فقضى بحكم آخر ،ثمّ رفع الحكمان إلى
ن القاضي
القاضي ،فإنّه ينفذ حكم الموافق لرأيه .هذا كلّه عند الحنفيّة .أمّا المالكيّة فعندهم أ ّ
ل ينقض حكم المحكّم إلّ إذا كان جورا بيّنا .سواء أكان موافقا لرأي القاضي ،أم مخالفا له .
وقالوا بأنّ هذا لم يختلف فيه أهل العلم ،وبه قال ابن أبي ليلى .
حكَم :
انعزال ال َ
- 41ينعزل الحكم بكلّ سبب من السباب التيّة :
ل إذا كان المحكّم قد وافق عليه
ل من الطّرفين عزل المحكّم قبل الحكم ،إ ّ
أ -العزل :لك ّ
القاضي ،فليس لهما عزله ،لنّ القاضي استخلفه .
ب -انتهاء الوقت المحدّد للتّحكيم قبل صدور الحكم .
ج -خروجه عن أهليّة التّحكيم .
د -صدور الحكم .
تحلّل *
التّعريف :
- 1التّحلّل ثلثيّة من حلّ .وأصل معنى ( حلّ ) في اللّغة :فتح الشّيء وفكّ العقدة ،ويكون
بفعل النسان ما يخرج به من الحرمة ،ويختلف باختلف موضعه ،فإن كان من إحرام فهو
الخروج منه بالطّريق الموضوع له شرعا ،وإن كان من يمين فيخرج منها بالبرّ أو الكفّارة
بشرطها ،وإن كان التّحلّل من الصّلة فيكون بالسّلم ،وتفصيله في باب الصّلة .
ول يخرج استعماله شرعا عن ذلك .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
التّحلّل من الحرام :
ل ما كان محظورا على المحرم قسمان :
والمراد به :الخروج من الحرام .وح ّ
أ -التّحلّل الصغر ،ويسمّى أيضا :التّحلّل الوّل :
- 2ويكون عند الشّافعيّة والحنابلة بفعل أمرين من ثلثة :رمي جمرة العقبة ،والنّحر ،
ل شيء ما عدا النّساء ( بالجماع )
والحلق أو التّقصير .ويباح بهذا التّحلّل لبس الثّياب وك ّ
والطّيب عند البعض ،والصّيد عند المالكيّة .
أمّا الحنفيّة فيحصل التّحلّل الصغر عندهم برمي الجمرة والحلق والتّقصير ،فإذا فعل ذلك حلّ
ل النّساء .وما ورد في بعض كتب الحنفيّة من استثناء الطّيب والصّيد أيضا
له كلّ شيء إ ّ
ضعيف .هذا ،ويجب الذّبح بين الرّمي والحلق للمتمتّع والقارن لمن قدر على ذلك ،لنّ
التّرتيب واجب بين هذه النّسك عند الحنفيّة .
والصل في هذا الخلف ما ورد عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت « :كنت أطيّب النّبيّ
صلى ال عليه وسلم قبل أن يحرم ،ويومَ النّحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك » .
ل النّساء
وقد جاء في بعض الحاديث أنّه إذا رمى جمرة العقبة فقد حلّ له كلّ شيء إ ّ
والطّيب ،لما أخرجه مالك في الموطّأ عن عمر رضي ال عنه أنّه خطب النّاس بعرفة ،
وعلّمهم أمر الحجّ ،وقال لهم فيما قال « :إذا جئتم منًى فمن رمى الجمرة فقد حلّ له ما حرم
ج إلّ النّساء والطّيب » .
على الحا ّ
وأمّا ما ذهب إليه مالك من تحريم الصّيد أيضا :فإنّه أخذ بعموم قوله تعالى { :ل تَ ْقتُلوا
ن الحاجّ يعتبر محرما ما لم يطف طواف الفاضة
حرُمٌ } ووجه الستدلل بالية أ ّ
الصّيدَ وأنتم ُ
.وأمّا دليل إباحة لبس الثّياب وك ّل شيء بعد رمي جمرة العقبة ،فهو حديث « :إذا رميتم
ل النّساء » ،وحديث عائشة السّابق .
ل كلّ شيء إ ّ
الجمرة فقد ح ّ
ب -التّحلّل الكبر -ويسمّى أيضا التّحلّل الثّاني :
- 3هذا التّحلّل هو الّذي يباح به جميع محظورات الحرام دون استثناء ،ويبدأ الوقت الّذي
تصحّ أفعال التّحلّل الكبر فيه عند الحنفيّة والمالكيّة من طلوع فجر يوم النّحر ،ويحصل
عندهما بطواف الفاضة -بشرط الحلق أو التّقصير -هنا باتّفاقهما ،فلو أفاض ولم يحلق لم
يتحلّل حتّى يحلق عند الحنفيّة والمالكيّة .
ن السّعي
ل به حتّى يسعى ،ل ّ
وزاد المالكيّة أن يكون الطّواف مسبوقا بالسّعي ،وإلّ ل يح ّ
ركن عند المالكيّة ،وقال الحنفيّة :ل مدخل للسّعي في التّحلّل ،لنّه واجب مستقلّ ،ونهاية
وقت التّحلّل الكبر بحسب ما يتحلّل به عندهما ،وهو الطّواف ،وهو ل يفوت .
وعند الشّافعيّة والحنابلة يبدأ وقت التّحلّل الكبر من منتصف ليلة النّحر ،ويحصل التّحلّل
الكبر عندهما باستكمال أفعال التّحلّل الّتي ذكرت ،وهي :ثلثة على القول بأنّ الحلق نسك ،
واثنان على القول الخر غير المشهور أنّه ليس بنسك ،ونهاية التّحلّل الكبر عند الشّافعيّة
والحنابلة بحسب ما يتحلّل به عندهما إن توقّف التّحلّل الكبر على الطّواف أو الحلق أو السّعي
،أمّا الرّمي فإنّه مؤقّت بغروب شمس آخر أيّام التّشريق ،فإذا توقّف عليه التّحلّل ولم يرم
حتّى آخر أيّام التّشريق فات وقت الرّمي بالكّليّة ،فيحلّ عند الحنابلة بمجرّد فوات الوقت ،
ن الصحّ عندهم أنّه بفوات وقت
وإن بقي عليه الفداء مقابل ذلك ،وهذا قول عند الشّافعيّة ،لك ّ
الرّمي ينتقل التّحلّل إلى كفّارته ،فل يحلّ حتّى يؤدّيها .
وحصول التّحلّل الكبر باستكمال الفعال الثّلثة :رمي جمرة العقبة ،والحلق ،وطواف
الفاضة المسبوق بالسّعي محلّ اتّفاق الفقهاء ،وبه تباح جميع محظورات الحرام بالجماع.
التّحلّل من إحرام العمرة :
- 4اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ للعمرة بعد أدائها تحلّلً واحدا تباح به للمحرم جميع
محظورات الحرام ،ويحصل هذا التّحلّل بالحلق أو التّقصير باتّفاق المذاهب ،والتّفصيل في
مصطلح ( عمرة ) .
التّحلّل من اليمين :
ث أو المنع تنحلّ بفعل ما يوجب الحنث ،
- 5اتّفق الفقهاء على أنّ اليمين المنعقدة المؤكّدة للح ّ
وهو المخالفة لما انعقدت عليه اليمين ،وذلك إمّا بفعل ما حلف على ألّ يفعله ،وإمّا بترك ما
حلف على فعله ،إذا علم أنّه قد تراخى عن فعل ما حلف على فعله إلى وقت ليس يمكنه فيه
فعله ،وذلك في اليمين بالتّرك المطلق ،مثل أن يحلف :لتأكلن هذا الرّغيف ،فيأكله غيره .
أو إلى وقت هو غير الوقت الّذي اشترط وجود الفعل فيه ،وذلك في الفعل المشترط فعله في
زمان محدّد ،مثل أن يقول :واللّه لفعلن اليوم كذا ،فإنّه إذا انقضى النّهار ولم يفعل حنث
ضرورةً ،واتّفقوا على أنّ الكفّارة في اليمان هي الربعة النواع الواردة في قوله تعالى { :
شرَةِ
عَل يؤاخذُكم الّلهُ باللّغ ِو في َأيْمانِكم ولكنْ يُؤاخِذكم بما عَ ّق ْدتُم اليمانَ فكفّارتُه إطعامُ َ
ن أهليكم أو ِكسْ َوتُهم أو تحريرُ َرقَبَ ٍة فمنْ لم َيجِ ْد فَصِيامُ ثلثةِ أيّامٍ
ط ِعمُو َ
سطِ ما ُت ْ
ن أَ ْو َ
ن مِ ْ
مساكي َ
ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حَلَ ْفتُم } .
ن الحالف إذا حنث مخيّر بين الثّلثة الول أي :الطعام أو الكسوة أو
وجمهور الفقهاء على أ ّ
جدْ فصيامُ
ن لمْ َي ِ
ل إذا عجز عن الثّلثة ،لقوله تعالى { :فمَ ْ
العتق ،وأنّه ل يجوز له الصّيام إ ّ
ثلثةِ أيّامٍ } .والتّفصيل موطنه مصطلح ( أيمان ) .
والتّحلّل في اليمين :الستثناء منها بقوله :إن شاء اللّه ،واختلف العلماء في الستثناء أيشترط
اتّصاله أو ل يشترط ؟ والتّفصيل موطنه مصطلح ( أيمان ،طلق ) .
تحلّي *
انظر :حلية .
تحليف *
انظر :حلف .
تحليق *
التّعريف :
- 1من معاني التّحليق في اللّغة :الستدارة وجعل الشّيء كالحلقة .
ومن معانيه أيضا :إزالة الشّعر ،يقال :حلق رأسه يحلقه حلقا ،وتحلقا :أزال شعره ،
كحلّقه واحتلقه .ومنه قوله تعالى { :محلّقينَ رءوسَكم } ،وفي الحديث « :اللّهمّ اغفر
للمحلّقين » والتّحليق خلف التّقصير ،وهو :الخذ من الشّعر بالمقصّ .وخلف النّتف ،
وهو :نزع الشّعر من أصوله .ويرد في اصطلح الفقهاء بالمعنيين المذكورين .
ي ومواطن البحث :
الحكم الجمال ّ
التّحليق بمعنى الستدارة في التّشهّد :
- 2يرد التّحليق بمعنى :الستدارة في التّشهّد في الصّلة ،سواء التّشهّد الوّل أو الخير .
وصفته :أن يقبض المصلّي الخنصر والبنصر من يده اليمنى ،ويحلق بإبهامه مع الوسطى
ويشير بالسّبّابة -وهي الصبع الّتي تلي البهام -عند لفظ الجللة رافعا لها وهذا عند
الحنابلة ،وهو القول الثّاني عند الشّافعيّة ،وقول للحنفيّة ،وقالوا :إنّه المفتى به .والتّحليق
على الوجه المذكور سنّة .
ن من مندوبات الصّلة أن يعقد المصلّي في تشهّده من أصابع يده اليمنى
وذكر عند المالكيّة :أ ّ
الخنصر والبنصر والوسطى وهي موضوعة على فخذها اليمن ،وأطرافها على اللّحمة الّتي
سبّابة والبهام ،والبهام بجانبها على الوسطى
تحت البهام على صفة تسعة ،وأن يمدّ ال ّ
ممدودة على صورة العشرين ،فتكون الهيئة صفة التّسعة والعشرين ،وهذا هو قول الكثر ،
سبّابة يمينا وشمالً تحرّكا وسطا في جميع التّشهّد .ولم يسمّوا ذلك تحليقا .
وندب أن يحرّك ال ّ
والتّفصيل موطنه مصطلح ( :تشهّد ) .
التّحليق بمعنى إزالة الشّعر :
- 3اتّفق الفقهاء على أنّ الحلق من المحظورات المتعلّقة ببدن الحرم ،لقوله تعالى { :ول
ن كان منكم مريضا أو به َأذَى منْ رأسِه فَ ِفدْيَ ٌة مِنْ
َتحْلِقُوا رءوسَكم حتّى َيبْلُ َغ الهديُ َمحِلّه فَمَ ْ
سكٍ } فيحظر على المحرم حلق رأسه أو رأس محرم غيره ،وقليل الشّعر
صدَقَ ٍة أو ُن ُ
صِيامٍ أو َ
ص .والحلق
كذلك يحظر حلقه أو قطعه ،وإن حلق المحرم شعره أثناء إحرامه فعليه الفدية للنّ ّ
للتّحلّل من الحرام أفضل من التّقصير .
روي عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :
« اللّهمّ ارحم المحلّقين ،قالوا :والمقصّرين يا رسول اللّه ،قال :اللّه ّم ارحم المحلّقين ،قالوا
:والمقصّرين يا رسول اللّه ،قال :والمقصّرين » .
وفي دعاء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم للمحلّقين ثلثا ،وللمقصّرين مرّ ًة دليل على أنّ
الحلق في الحجّ والعمرة أفضل من التّقصير ،هذا إذا كان محرما بالعمرة وحدها من غير
إرادة تمتّع ،فإن كان متمتّعا ،وأراد التّحلّل من عمرته ،فالفضل له التّقصير ،ليتوفّر الحلق
ج.
للتّحلّل من الح ّ
ن النّساء سنّتهنّ التّقصير ،لما
ن التّقصير يجزئ عن الرّجال ،وأ ّ
وأجمع أهل العلم على أ ّ
روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ليس على النّساء حَلْق ،إنّما عليهنّ التّقصير
ج نسك .والحلق -أو التّقصير -في ذاته واجب
» ،ول خلف في أنّ حلق الرّأس في الح ّ
إذا كان على الرّأس شعر ،أمّا إذا لم يكن على رأسه شعر -كالقرع ومن برأسه قروح -
فإنّه يجب إمرار الموسى على رأسه عند الحنفيّة والمالكيّة ،واستحبّ ذلك الشّافعيّة والحنابلة .
وبعد فراغ الحلق يقول :اللّه أكبر ثلث مرّات ،اللّهمّ هذه ناصيتي بيدك ،فاجعل لي كلّ
شعرة نورا يوم القيامة ،واغفر لي ذنبي يا واسع المغفرة .
والتّفصيل موطنه مصطلح ( :إحرام ) ( حلق ) .
تحليل *
التّعريف :
- 1التّحليل لغةً ضدّ التّحريم ،وأصل الفعل ( حلّ ) ويتعدّى بالهمزة والتّضعيف ،فيقال :
ل اللّ ُه البيعَ } أي أباحه وخيّر في الفعل والتّرك ،واسم الفاعل :محلّ
أحللته .ومنه { أح ّ
ن فعلً ما هو حلل .قال ابن وهب :
ومحلّل .والتّحليل في الشّرع هو :حكم اللّه تعالى بأ ّ
قال مالك :لم يكن من فتيا النّاس أن يقولوا :هذا حلل وهذا حرام ،ولكن يقولون :إيّاكم كذا
ن التّحليل والتّحريم إنّما هو للّه
وكذا ،ولم أكن لصنع هذا .قال القرطبيّ :ومعنى هذا :أ ّ
عزّ وجلّ ،وليس لحد أن يقول أو يصرّح بهذا في عين من العيان ،إلّ أن يكون البارئ
تعالى يخبر بذلك عنه .ثمّ قال :وقد يقوى الدّليل على التّحريم عند المجتهد ،فل بأس عند
ستّة .
ذلك أن يقول ذلك ،كما يقول :إنّ الرّبا حرام في غير العيان ال ّ
وقد يطلق التّحليل ويراد منه العفو عن مظلمة ،ويطلق التّحليل ويراد منه :تحليل المطلّقة
ثلثا لمطلّقها .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الباحة :
- 2الباحة في اللّغة :الحلل ،وفي الصطلح الصوليّ :هي خطاب اللّه تعالى لمتعلّق
بأفعال المكلّفين تخييرا من غير بدل .وعند الفقهاء :الذن بإتيان الفعل حسب مشيئة الفاعل
في حدود الذن .وقد تطلق الباحة على ما قابل الحظر ،شمل الفرض واليجاب والنّدب .
والباحة فيها تخيير ،أمّا الحلّ فإنّه أعمّ من ذلك شرعا .ر ( :إباحة ) .
تحليل الحرام :
- 3المراد به :جعل الحرام حللً ،كتحليل الرّبا ،فذلك افتراء على اللّه وكذب توعّد اللّه
سنَتُكم ال َكذِبَ هذا حللٌ وهذا حرا ٌم ِلتَ ْف َترُوا على اللّهِ
ف أَ ْل ِ
عليه بقوله { :ول تَقُولوا ِلمَا َتصِ ُ
ب ل يُفْلِحون } .
ن على الّلهِ ال َكذِ َ
ن الّذين يَ ْفتَرو َ
ال َكذِبَ ،إ ّ
التّحليل من الدّيون وغيرها :
- 4التّحليل من الدّين :إخراج الدّين منه .وأمّا التّحلّل فهو :طلب الخروج من المظالم ،
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :
ن ل يكونَ دينارٌ ول
ن كانتْ له َمظَْلمَةٌ لخيه من عرضه أو شيء فَ ْل َي َتحَلّلْه منه اليومَ قبلَ أ ْ
مَ ْ
درهمٌ » .والتّحليل قد يكون بمقابل وبغيره :
فالّذي بمقابل :كالزّوجة تريد أن تختلع من زوجها ،فتعطيه مالً ليخلعها .والصل في ذلك
ن َيخَافَا َألّ ُيقِيمَا حدودَ الّلهِ فإِنْ
قوله تعالى { :ول َيحِلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتُموهنّ شيئا إلّ أ ْ
جنَاحَ عليهما فيما افتدتْ به } .
خِفتم ألّ يقيما حدودَ اللّ ِه فل ُ
طبْنَ
صدُقاتِهنّ ِنحْلَ ًة فإِنْ ِ
وقد يكون التّحليل بل مقابل ،وأصل ذلك قوله تعالى { :وآتُوا النّساءَ َ
لكم عن شيء منه نَ ْفسَا َفكُلُوه هنيئا مَريئا } .
فقد دلّت الية على جواز هبة المرأة للمهر ،وهو دين .
ي والميّت :
التّحليل من التّبعات والحقوق غير الماليّة للح ّ
- 5من أخطأ في حقّ أخيه المسلم ،فإنّه يجب عليه أن يتوب إلى اللّه عن ذنبه .
وقال العلماء :إنّ للتّوبة شروطا منها :أن َيبْرأ التّائبُ من حقّ المعتدى عليه ،فإن كان مالً
ردّه إليه ،إن كان حدّ قذف ونحوه مكّنه منه ،أو طلب عفوه ،وإن كان غيبةً استحلّه منها ( .
ر :توبة ) .
نكاح المحلّل :
ن من طلّق زوجته طلقةً رجعيّ ًة أو طلقتين رجعيّتين جاز له إرجاعها
- 6ذهب الفقهاء إلى أ ّ
في العدّة .وإذا كان الطّلق بائنا بينون ًة صغرًى ،فحكم ما دون الثّلث من الواحدة البائنة
والثّنتين البائنتين هو نقصان عدد الطّلق وزوال ملك الستمتاع ،حتّى ل يجوز وطؤها إلّ
ن ما دون الثّلث -وإن كان
بنكاح جديد ،ويجوز نكاحها من غير أن تتزوّج بزوج آخر ،ل ّ
بائنا -فإنّه يوجب زوال ملك الستمتاع ،ل زوال حلّ المحّليّة .
أمّا إذا طلّق زوجته ثلثا ،فإنّ الحكم الصليّ للطّلقات الثّلث هو زوال ملك الستمتاع وزوال
حلّ المحّليّة أيضا ،حتّى ل يجوز له نكاحها قبل التّزوّج بزوج آخر ،لقوله تعالى { :فإِنْ
ن َب ْعدُ حتّى َت ْنكِحَ زوجا غيرَه } .بعد قوله تعالى { :الطّلقُ مرّتان } .
طَلّقَها فل َتحِلّ له مِ ْ
وإنّما تنتهي الحرمة وتحلّ للزّوج الوّل بشروط :
أ -النّكاح :
- 7أوّل شروط التّحليل :النّكاح ،لقوله تعالى { :حتّى َت ْنكِحَ زَ ْوجَا غيرَه } فقد نفى حلّ
المرأة لمطلّقها ثلثا ،وح ّد النّفي إلى غاية التّزوّج بزوج آخر .والحكم المحدود إلى غاية ل
ل للزّوج الوّل قبله ضرورةً
ينتهي قبل وجود الغاية ،فل تنتهي الحرمة قبل التّزوّج ،فل تح ّ
ل لزوجها لعدم النّكاح .
.وعلى هذا يخرج ما إذا وطئها إنسان بالزّنى أو بشبهة أنّها ل تح ّ
ب -صحّة النّكاح :
ل المرأة للوّل :أن يكون صحيحا ،ول تحلّ للوّل إذا
- 8يشترط في النّكاح الثّاني لكي تح ّ
ن النّكاح الفاسد ليس بنكاح حقيق ًة ،ومطلق النّكاح
كان النّكاح فاسدا ،حتّى لو دخل بها ،ل ّ
ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقةً .ولو كان النّكاح الثّاني مختلفا في فساده ،ودخل بها ،ل
تحلّ للوّل عند من يقول بفساده ل قلنا .
ج -الوطء في الفرج :
- 9ذهب الجمهور إلى أنّه يشترط مع صحّة الزّواج :أن يطأها الزّوج الثّاني في الفرج ،فلو
ي صلى ال عليه وسلم علّق الحلّ
ن النّب ّ
وطئها دون الفرج ،أو في الدّبر لم تحلّ للوّل ،ل ّ
على ذوق العسيلة منهما .فقال لمرأة رفاعة القرظيّ « :أتريدين أن تَرجعي إلى رفاعة ؟ ل
سيَْلتَك » .
عَسيَْلتَه َو َيذُوقَ ُ
عَ ،حتّى َتذُوقي ُ
ول يحصل هذا إلّ بالوطء في الفرج .وقال سعيد بن المسيّب :تحلّ بنفس العقد ،لحمله
النّكاح في الية على العقد دون الجماع ،وعامّة العلماء حملوا الية على الجماع .
ن أحكام الوطء تتعلّق به ،وذلك بشرط النتشار
وأدنى الوطء تغييب الحشفة في الفرج ،ل ّ
ن الحكم يتعلّق بذوق العسيلة ،ول تعقل من غير انتشار .
لّ
ل بوطء وإنزال .
ل الحسن البصريّ ،فإنّه قال :ل تحلّ إ ّ
ولم يشترط النزال من الفقهاء إ ّ
ل المرأة أم ل ؟
واختلفوا فيما إذا وقع الوطء في وقت غير مباح كحيض أو نفاس ،هل يح ّ
ل المرأة ،وإن وقع في وقت
ذهب أبو حنيفة والشّافعيّ والثّوريّ والوزاعيّ إلى أنّ الوطء يح ّ
غير مباح كحيض أو نفاس ،سواء أكان الواطئ بالغا عاقلً أم صبيّا مراهقا أم مجنونا ،لنّ
وطء الصّبيّ والمجنون يتعلّق به أحكام النّكاح ،من المهر والتّحريم ،كوطء البالغ العاقل .
والحنابلة كالجمهور في أنّ وطء المجنون يحلّ المرأة كالعاقل .وكذلك الصّغيرة الّتي يجامع
ن وطأها يتعلّق به
مثلها ،إذا طلّقها زوجها ثلثا ،ودخل بها الزّوج الثّاني ،حلّت للوّل ،ل ّ
أحكام الوطء من المهر والتّحريم ،كوطء البالغة .
ن الوطء غير
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط أن يكون الوطء حللً ( مباحا ) ،ل ّ
المباح حرام لحقّ اللّه تعالى ،فلم يحصل به الحلل كوطء المرتدّة .وبنا ًء على هذا :فل
تحلّ المرأة لزوجها الوّل إذا جامعها زوجها الثّاني في صوم أو حجّ أو حيض أو اعتكاف .
كما اشترط المالكيّة أن يكون الواطئ بالغا ،واشترط الحنابلة أن يكون له اثنتا عشرة سنةً ،
ن من دون البلوغ أو من دون الثّانية عشرة ل يمكنه المجامعة .
لّ
ن وطء زوجها ال ّذ ّميّ يحلّها للوّل ،لنّ
وأمّا ال ّذ ّميّة ،فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ
النّصرانيّ زوج .ول يحلّها عند مالك وربيعة وابن القاسم .
الزّواج بشرط التّحليل :
- 10من تزوّج مطلّق ًة ثلثا بشرط صريح في العقد على أن يحلّها لزوجها الوّل فهو حرام
ل اللّه صلى ال
عند الجمهور ،مكروه تحريما عند الحنفيّة ،لحديث ابن مسعود َ « :لعَنَ رسو ُ
عليه وسلم المحلّل والمحلّل له » .ولقوله صلى ال عليه وسلم « :أل أُخبركم بال ّتيْس
المستعار ؟ قالوا :بلى يا رسول اللّه .قال :هو المحلّل .لعن الّلهُ والملّل المحلّل له » .
والنّهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه .
وقد صرّح الجمهور ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة ) بفساد هذا النّكاح
للحديثين السّابقين ،ولنّ النّكاح بشرط الحلل في معنى النّكاح المؤقّت ،وشرط التّأقيت في
النّكاح يفسده ،وما دام النّكاح فاسدا فل يقع به التّحليل ،ويؤيّد هذا قول عمر رضي ال عنه
":واللّه ل أوتى بمحلّل ومحلّل له إلّ رجمتهما ".
وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنّ النّكاح صحيح ،وتحلّ للوّل بعد أن يطلّقها الثّاني وتنتهي
ن عمومات النّكاح تقتضي الجواز من غير فصل بين ما إذا
عدّتها .ويكره للثّاني والوّل ،ل ّ
شرط فيه الحلل أو ل .فكان النّكاح بهذا الشّرط نكاحا صحيحا ،فيدخل تحت قوله تعالى :
{ حتّى تنكح زوجا غيرَه } فتنتهي الحرمة عند وجوده ،إلّ أنّه كره النّكاح لهذا الشّرط لغيره ،
ن ذلك يقف على
وهو أنّه شرط ينافي المقصود من النّكاح وهو السّكن والتّوالد والتّعفّف ،ل ّ
ن النّكاح
البقاء والدّوام على النّكاح .وقال محمّد :النّكاح الثّاني صحيح ،ول تحلّ للوّل ،ل ّ
ل ،فيبطل الشّرط
عقد مؤبّد ،فكان شرط الحلل استعجال ما أخّره اللّه تعالى لغرض الح ّ
ويبقى النّكاح صحيحا ،لكن ل يحصل به الغرض .
الزّواج بقصد التّحليل :
ن الزّواج بقصد التّحليل -من غير شرط في العقد -
- 11ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أ ّ
ن ال ّنيّة
ل المرأة بوطء الزّوج الثّاني للوّل ،ل ّ
صحيح مع الكراهة عند الشّافعيّة ،وتح ّ
بمجرّدها في المعاملت غير معتبرة ،فوقع الزّواج صحيحا لتوافر شرائط الصّحّة في العقد ،
وتحلّ للوّل ،كما لو نويا التّأقيت وسائر المعاني الفاسدة .
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ الزّواج بقصد التّحليل -ولو بدون شرط في العقد -باطل ،
وذلك بأن تواطأ العاقدان على شيء ممّا ذكر قبل العقد ،ثمّ عقد الزّواج بذلك القصد ،ول
تحلّ المرأة به لزوجها الوّل ،عملً بقاعدة سدّ الذّرائع .ولحديث « :لعن اللّه المحلّل
والمحلّل له » .
هدم طلقات الوّل بالزّواج الثّاني :
- 12اتّفق الفقهاء على أنّ الزّوج الثّاني يهدم طلق الزّوج الوّل إذا كان ثلثا ،واختلفوا في
ن الزّوج الثّاني هل يهدم ما دون الثّلث ؟ وذلك كما إذا تزوّجت قبل الطّلقة الثّالثة ،ثمّ طلقت
أّ
ي وأحمد ومحمّد بن
منه ،ثمّ رجعت إلى زوجها الوّل .فذهب الجمهور ( مالك والشّافع ّ
الحسن ) إلى أنّه ل يهدم ،لنّ هذا شيء يخصّ الثّالثة بالشّرع ،فل يهدم ما دونها .وذهب
أبو حنيفة إلى أنّه يهدم ما دون الثّلث ،لنّه لمّا هدم الثّلث فهو أحرى أن يهدم ما دونها ،
وبه قال ابن عمر وابن عبّاس وعطاء والنّخعيّ .
تحلية *
التّعريف :
- 1التّحلية لغ ًة :إلباس المرأة الحليّ ،أو اتّخاذه لها لتلبسه .ويقال :تحلّت المرأة :لبست
الحليّ أو اتّخذته .وحلّيتها بالتّشديد :ألبستها الحليّ ،أو اتّخذته لها لتلبسه .والتّحلية ل تخرج
في معناها الشّرعيّ عن هذا التّعريف .
اللفاظ ذات الصّلة :
تزيين :
- 2التّزيين من الزّينة ،والزّينة اسم جامع لك ّل شيء يتزيّن به .فالتّزيّن أعمّ من التّحلية ،
لتناوله ما ليس حليةً كالكتحال وتسريح الشّعر والختضاب .
الحكم التّكليفيّ :
- 3يختلف حكم التّحلية بحسب الحوال .
فقد تكون التّحلية واجب ًة كستر العورة ،وتزيّن الزّوجة لزوجها متى طلب منها ذلك .
وقد تكون مستحبّةً كتحلّي الرّجل للجمعة والعيدين ومجامع النّاس ولقاء الوفود وخضاب الشّيب
للرّجل والمرأة بصفرة أو حمرة كما هو عند الحنفيّة .
وقد تكون مكروه ًة كلبس المعصفر والمزعفر للرّجال كما هو عند الحنفيّة ،وخضاب الرّجل
يديه ورجليه للتّشبّه بالنّساء عندهم أيضا .
وقد تكون حراما كتحلّي الرّجال بحلية النّساء ،وتحلّي النّساء بحلية الرّجال ،وكتحلّي الرّجال
بالذّهب .
السراف في التّحلية :
- 4التّحلية المباحة أو المستحبّة إذا أسرف فيها تصبح محظورةً ،وقد تصل إلى مرتبة
التّحريم .والسراف :هو مجاوزة ح ّد الستواء ،فتار ًة يكون بمجاوزة الحلل إلى الحرام ،
وتارةً يكون بمجاوزة الحدّ في النفاق ،فيكون ممّن قال اللّه تعالى فيهم { إنّ المب ّذرِين كانوا
ن الشّياطينِ } والسراف وضدّه من القتار مذمومان ،والستواء هو التّوسّط قال اللّه
ِإخْوا َ
تعالى { :والّذين إذا أَنفقوا لم ُيسْرفوا ولم يَ ْقتُروا وكان بين ذلك قَوَاما } .
تحلية المحدّة :
- 5المحدّة من النّساء هي :المرأة الّتي تترك الزّينة والحليّ والطّيب بعد وفاة زوجها للعدّة ،
والحداد تركها ذلك .وإحدادها في اصطلح الفقهاء :امتناعها عن الزّينة وما في معناها مدّةً
مخصوص ًة في أحوال مخصوصة حزنا على فراق زوجها ،سواء أكان بالموت -وهو
بالجماع -أم بالطّلق البائن ،وهو مذهب الحنفيّة على خلف .
-6وقد أجمع الفقهاء على أنّه يحرم على المحدّة أن تستعمل الذّهب بكلّ صوره ،فيلزمها
نزعه حين تعلم بموت زوجها ،ل فرق في ذلك بين الساور والدّمالج والخواتم ،ومثله الحليّ
من الجواهر ،ويلحق به ما يتّخذ للحلية من غير الذّهب والفضّة كالعاج وغيره .وجوّز بعض
الفقهاء لبس الحليّ من الفضّة ،ولكنّه قول مردود ،لعموم النّهي عن لبس الحليّ على المحدّة
في قوله صلى ال عليه وسلم « :ول الحليّ » ولنّ الزّينة تحصل بالفضّة ،فحرم عليها
لبسها والتّحلّي بها كالذّهب .وقصر الغزاليّ الباحة على لبس الخاتم من الفضّة ،لنّه ليس
ممّا تختصّ النّساء بحلّه ،ويحرم عليها أن تتحلّى لتتعرّض للخطاب بأيّ وسيلة من الوسائل
تلميحا أو تصريحا لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيما رواه النّسائيّ وأبو داود « :ول تلبس
المعصفر من الثّياب ول الحليّ » .
التّحلّي في الحرام :
ج أو عمرة أو ممّن أحرم بهما فعلً .
- 7وهو إمّا أن يكون ممّن يريده بح ّ
وتحلّي المرأة المحرمة بالذّهب وغيره من الحليّ مباح ،سواء أكان سوارا أم غيره ،لقول ابن
عمر رضي ال عنهما « نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم النّساء في إحرامهنّ عن
س الورس والزّعفران من الثّياب ،وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من
القفّازين والنّقاب ،وما م ّ
ألوان الثّياب ،من معصفر أو خزّ أو حليّ » .
قال ابن قدامة :فأمّا الخلخال وما أشبهه من الحليّ مثل السّوار والدّملوج فظاهر كلم الخرقيّ
:أنّه ل يجوز لبسه .وقد قال أحمد :المحرمة والمتوفّى عنها زوجها يتركان الطّيب
والزّينة ،ولهما ما سوى ذلك ،وروي عن عطاء :أنّه كان يكره للمحرمة الحرير والحليّ .
وكرهه الثّوريّ وأبو ثور .وروي عن قتادة أنّه كان ل يرى بأسا أن تلبس المرأة الخاتم
والقرط وهي محرمة ،وكره السّوارين والدّملجين والخلخالين .
وظاهر مذهب أحمد :الرّخصة فيه .وهو قول ابن عمر وعائشة رضي ال عنهما وأصحاب
الرّأي .قال أحمد في رواية حنبل :تلبس المحرمة الحليّ والمعصفر .وقال عن نافع :كان
ن محرمات ل ينكر ذلك عبد اللّه .وروى
نساء ابن عمر وبناته يلبسن الحليّ والمعصفر وه ّ
أحمد في المناسك عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت :تلبس المحرمة ما تلبس وهي حلل
من خزّها وقزّها وحليّها .
وقد ذكرنا حديث ابن عمر أنّه سمع النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ولْتلبس بعد ذلك ما
ب من معصفر أو خزّ أو حليّ » قال ابن المنذر :ل يجوز المنع منه
أَحبّت من ألوانِ الثّيا ِ
بغير حجّة ،ويحمل كلم أحمد والخرقيّ في المنع على الكراهة لما فيه من الزّينة .
ولبس خاتم الفضّة للرّجال والنّساء جائز عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،ول يجوز عند
المالكيّة للرّجل وفيه الفداء ،ويجوز للمرأة .
-8ومن التّحلّي في الحرام أن يتطيّب في بدنه .وهو وإن كان من محظورات الحرام ،
لكنّه سنّ استعدادا له عند الجمهور ،وكره المالكيّة الحرام بمطيّب ،وندبوه بغيره .والتّطيّب
في ثوب الحرام قبل الحرام منعه الجمهور ،وأجازه الشّافعيّة في القول المعتمد عندهم .
وأمّا بعد الحرام فإنّ التّحلية بالطّيب وما في معناه هو من محظورات الحرام ،وأمّا لبس
المرأة حليّها في الحرام فل بأس به ما لم يكن فيه إغراء ر ( :إحرام ) .
تحمّل *
التّعريف :
-التّحمّل في اللّغة مصدر تحمّل الشّيء أي :حمله ،ول يطلق إلّ على ما في حمله كلفة 1
تحميد *
التّعريف :
- 1التّحميد في اللّغة :كثرة الثّناء بالمحامد الحسنة ،وهو أبلغ من الحمد .والتّحميد في
الطلق الشّرعيّ يراد به كثرة الثّناء على اللّه تعالى ،لنّه هو مستحقّ الحمد على الحقيقة .
والحسن التّحميد بسورة الفاتحة ،وبما يثنى عليه في الصّلة بقوله :سبحانك اللّهمّ وبحمدك .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الشّكر :
- 2الشّكر في اللّغة :الثّناء على المحسن بما قدّم لغيره من معروف .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .والشّكر كما يكون باللّسان يكون باليد والقلب .
والشّكر مجازاة للمحسن على إحسانه ،وقد يوضع الحمد مكان الشّكر ،تقول :حمدته على
شجاعته ،يعني أثنيت على شجاعته ،كما تقول :شكرته على شجاعته ،وهما متقاربان ،إلّ
ن الحمد أعمّ ،لنّك تحمد على الصّفات ول تشكر ،وذلك يدلّ على الفرق .
أّ
ب -المدح :
- 3المدح من معانيه في اللّغة :الثّناء الحسن تقول :مدحته مدحا من باب نفع :أثنيت عليه
بما فيه من الصّفات الجميلة ،خلقيّ ًة كانت أو اختياريّ ًة .والمدح في الصطلح :هو الثّناء
باللّسان على الجميل الختياريّ قصدا .ولهذا كان المدح أعمّ من الحمد .
الحكم الجماليّ :
- 4مواطن التّحميد في حياة النسان متعدّدة .فهو مطالب به عرفانا منه بنعم اللّه تعالى
ن َت ُعدّوا ِن ْعمَةَ
وثنا ًء عليه بما هو أهله ،على ما أوله من نعم ل حصر لها ،قال تعالى { :وإ ْ
حصُوها } فل طاقة على عدّها ،ول قدرة على حصرها لكثرتها ،كالسّمع والبصر
اللّ ِه ل ُت ْ
وغير ذلك من العافية والرّزق ،وهي نعم منه سبحانه ،ولذا هيّأ للنسان من السباب ما
يعينه على القيام بحمده والثّناء عليه بما هو أهله .
والتّحميد تارةً يكون واجبا كما في خطبة الجمعة .وتارةً يكون سنّةً مؤكّدةً كما هو بعد
العطاس .وتارةً يكون مندوبا كما في خطبة النّكاح ،وفي ابتداء الدّعاء ،وفي ابتداء كلّ أمر
ل أكل وشرب ونحو ذلك .وتارةً يكون مكروها كما في الماكن المستقذرة .
ذي بال ،وبعد ك ّ
وتار ًة يكون حراما كما في الفرح بالمعصية .وتفصيل ذلك كما يأتي :
التّحميد في خطبتي الجمعة :
- 5التّحميد في خطبتي الجمعة مطلوب شرعا ،على خلف بين الفقهاء في فرضيّته أو ندبه
.والبداءة به فيهما مستحبّة ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه مرفوعا « :كلّ كلم ل
يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم » ،ولما روى جابر رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم
كان يخطب النّاس يحمد اللّه ويثني عليه بما هو أهله » .
والتّفصيل في ( صلة الجمعة ) .
التّحميد في خطبة النّكاح :
- 6يستحبّ التّحميد في خطبة النّكاح قبل إجراء العقد ،لما ورد فيها من لفظه عليه الصلة
والسلم « :الحمد للّه نحمده ،ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا وسيّئات
ل اللّه وحده
أعمالنا ،من يهده اللّه فل مضلّ له ،ومن يضلل فل هادي له .وأشهد أن ل إله إ ّ
ن نفسٍ
ن محمّدا عبده ورسوله { يا أيّها النّاسُ اتّقُوا ربّكم الّذي خَلَقَكم م ْ
ل شريك له ،وأشهد أ ّ
ل كثيرا ونساءً واتّقُوا اللّ َه الّذي َتسَاءلُونَ به
ث منهما ِرجَا ً
واحدةٍ َوخََلقَ منها زوجَها وَب ّ
ن إلّ
ن اللّ َه كان عليكم رَقِيبا } { يا أيّها الّذين آ َمنُوا اتّقُوا اللّ َه حقّ تُقَاتِه ول َتمُوتُ ّ
والرحامَ إ ّ
ح لكم أعمالَكم و َيغْ ِف ْر لكم
ل سَديدا ُيصْلِ ْ
ن } { يا أيّها الّذين آمنوا اتّقُوا اللّ َه وقُولُوا قو ً
وَأ ْنتُم مسلمو َ
ذنوبَكم ومن ُيطِعِ الّلهَ ورسولَه فقد فازَ فوزا عظيما } » .
التّحميد في افتتاح الصّلة :
- 7التّحميد في افتتاح الصّلة -وهو المعبّر عنه بدعاء الستفتاح -سنّة :فقد « كان رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم إذا افتتح الصّلة كبّر ،ثمّ رفع يديه حتّى يحاذي بإبهاميه أذنيه ،ثمّ
يقول :سبحانك اللّهمّ وبحمدك ،وتبارك اسمك ،وتعالى جدّك ،ول إله غيرك » وذلك متّفق
عليه بين الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
والتّحميد عند استواء الرّفع من الرّكوع في الصّلة واجب عند الحنابلة ،لما روى الدّارقطنيّ
ي صلى ال عليه وسلم قال لبريدة رضي ال عنه :يا بريدة إذا رفعت رأسك من
ن النّب ّ
«أّ
الرّكوع فقل :سمع اللّه لمن حمده ،ربّنا ولك الحمد » وسنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة للمأموم
والمنفرد ،فإنّهما يجمعان بين التّسميع والتّحميد ،ويكتفي المأموم بالتّحميد اتّفاقا للمر به ،لما
ي صلى ال عليه وسلم قال :إذا قال المام
ن النّب ّ
روى أنس وأبو هريرة رضي ال عنهما « أ ّ
:سمع اللّه لمن حمده ،فقولوا :ربّنا ولك الحمد » ولما في صحيح البخاريّ عن رفاعة بن
رافع الزّرقيّ رضي ال عنه قال « :كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلمّا
رفع رأسه من الرّكعة قال :سمع اللّه لمن حمده فقال رجل وراءه :ربّنا ولك الحمد حمدا
كثيرا طيّبا مباركا فيه .فلمّا انصرف قال :من المتكلّم ؟ قال :أنا .قال :رأيت بضعةً
وثلثين ملكا يبتدرونها .أيّهم يكتبها أوّل » .
وهذا التّحميد بعد قول المام أو قول الفرد :سمع اللّه لمن حمده ،مندوب عند المالكيّة .
التّحميد لمن فرغ من الصّلة عقيب التّسليم :
- 8هو مستحبّ عند الشّافعيّة .لما روى ابن الزّبير رضي ال عنهما « أنّ رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم كان يهلّل في إثر كلّ صلة فيقول :ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ،له الملك
ل باللّه ،ول نعبد إلّ إيّاه ،وله
،وله الحمد ،وهو على ك ّل شيء قدير ،ول حول ول قوّة إ ّ
النّعمة ،وله الفضل ،وله الثّناء الحسن ،ل إله إلّ اللّه ،مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون
».
وسنّة عند الحنفيّة والحنابلة ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :من سبّح اللّه في دبر كلّ صلة
ثلثا وثلثين ،وحمد اللّه ثلثا وثلثين ،وكبّر اللّه ثلثا وثلثين ،فتلك تسعة وتسعون ،
وقال في تمام المائة :ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كلّ
شيء قدير ،غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر » .
ن عبادتِك » ويختم
حسْ ِ
عنّي على ِذكْرك وشُكرك و ُ
ن عندهم أن يقول بعد ذلك « :اللّهمّ أ ِ
ويس ّ
ذلك بقوله « :سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ،وسلم على المرسلين ،والحمد للّه ربّ
العالمين » وزاد الحنابلة على ما استدلّوا به الحديث الّذي استدلّ به الشّافعيّة .والولى البدء
بالتّسبيح لنّه من باب التّخلية ،ثمّ التّحميد لنّه من باب التّحلية ،ثمّ التّكبير لنّه تعظيم .
التّحميد في صلة العيدين بعد التّحريمة :
- 9هو سنّة عند الحنفيّة للمام والمؤتمّ ،فيثني ويحمد مستفتحا " سبحانك اللّهمّ وبحمدك ،
وتبارك اسمك ،وتعالى جدّك ،ول إله غيرك " وذلك مقدّم على تكبيرات الزّوائد .
وهو سنّة بين التّكبيرات عند الحنابلة ،فيقول بينها :اللّه أكبر كبيرا ،والحمد للّه كثيرا ،
وسبحان اللّه بكر ًة وأصيلً ،وصلّى اللّه على محمّد النّبيّ وآله وسلّم تسليما كثيرا .
لما روى عقبة بن عامر رضي ال عنه قال « :سألت ابن مسعود رضي ال عنه عمّا يقوله
بين تكبيرات العيد ؟ قال :يحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ
يدعو ويكبّر » .
التّحميد في صلة الستسقاء وصلة الجنازة :
ب عند الحنفيّة
- 10التّحميد في خطبة صلة الستسقاء سنّة عند الشّافعيّة والحنابلة ،ومستح ّ
والمالكيّة .وهو صلة الجنازة بعد التّكبيرة الولى سنّة عند الحنفيّة .فيقول المصلّي :
سبحانك اللّهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ول إله غيرك .
التّحميد في تكبيرات التّشريق :
- 11التّحميد في تكبيرات التّشريق سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،فيقول كما قال النّبيّ
ل اللّه واللّه أكبر وللّه الحمد » .وقد
صلى ال عليه وسلم « :اللّه أكبر اللّه أكبر ،ل إله إ ّ
روي أنّه صلى ال عليه وسلم « قال على الصّفا :اللّه أكبر .اللّه أكبر .اللّه أكبر .اللّه أكبر
ل اللّه ول نعبد إلّ إيّاه ،
كبيرا والحمد للّه كثيرا ،وسبحان اللّه بكر ًة وأصيلً ،ل إله إ ّ
ل اللّه وحده ،صدق وعده ،ونصر عبده ،
مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون ،ل إله إ ّ
وهزم الحزاب وحده .ل إله إلّ اللّه واللّه أكبر » .والجمع بين التّكبير والتّهليل والتّحميد في
أيّام التّشريق أفضل وأحسن عند المالكيّة ،فيقول إن أراد الجمع :اللّه أكبر ،اللّه أكبر ،ل
إله إلّ اللّه واللّه أكبر .اللّه أكبر ،وللّه الحمد .وقد روي عن مالك هذا .
التّحميد للعاطس في غير صلة :
ن للعاطس إذا عطس أن يحمد اللّه ،فيقول عقبه :الحمد للّه .
- 12اتّفق العلماء على أنّه يس ّ
ب العالمين ،أو الحمد للّه على كلّ حال كان أفضل ،فعن أبي هريرة
ولو قال :الحمد للّه ر ّ
رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا عطس أحدكم فليقل :الحمد للّه .
وليقل له أخوه أو صاحبه :يرحمك اللّه » وعنه رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم
ل حال » وعن أنس رضي ال عنه قال « :
قال « :إذا عطس أحدكم فليقل :الحمد للّه على ك ّ
ت أحدَهما ،ولم يشمّت الخر .فقال الّذي
عطس رجلن عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم فشَمّ َ
ت فلم ُتشَ ّمتْني ؟ فقال :هذا حمد اللّه تعالى ،وإنّك لم
لم يشمّته :عطس فلن فشمّتّه ،وعطس ُ
تحمد اللّه تعالى » .وعن أبي موسى الشعريّ رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم يقول { :إذا عطس أحدكم فحمد اللّه تعالى فشمّتوه ،فإن لم يحمد اللّه فل
تشمّتوه } .
التّحميد للخارج من الخلء بعد قضاء حاجته :
- 13وهو مندوب عند المالكيّة والشّافعيّة ،وسنّة عند الحنفيّة والحنابلة ،فيقول « :غفرانك
» « الحمد للّه الّذي أذهب عنّي الذى وعافاني » .
وعن ابن عمر رضي ال عنهما ما قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا خرج من
الخلء يقول :الحمد للّه الّذي أذاقني لذّته ،وأبقى في قوّته ،وأذهب عنّي أذاه » .
التّحميد لمن أكل أو شرب :
ن اللّه ليرضى من العبد أن يأكل الكلة أو
- 14هو مستحبّ لقوله صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
يشرب الشّربة فيحمده عليها » .
ولما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا
أكل أو شرب قال :الحمد للّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين » وروى معاذ بن أنس
الجهنيّ رضي ال عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :من أكل طعاما فقال :
الحمد للّه الّذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منّي ول قوّة غفر له ما تقدّم من ذنبه » .
ولما روى أبو أيّوب خالد بن زيد النصاريّ رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال :الحمد للّه الّذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجا » .
ولما روى عبد الرّحمن بن جبير التّابعيّ « أنّه حدّثه رجل خدم النّبيّ صلى ال عليه وسلم
ثماني سنوات أنّه كان يسمع النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا قرّب إليه طعاما يقول :بسم اللّه .
ت وهديتَ وأحسنتَ ،فلك الحمد
فإذا فرغ من طعامه قال :اللّهمّ أطعمتَ وسقيتَ وأغنيتَ وأقني َ
على ما أعطيت » .
التّحميد لمن سمع بشارةً تسرّه ،أو تجدّدت له نعمة ،أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة
:
- 15يستحبّ للشّخص أن يحمده سبحانه ،ويثني عليه بما هو أهله ،وفي هذا قول اللّه تبارك
حزَن } وهو ما يقوله أهل الجنّة .
وتعالى { :الحمد للّه الّذي أذهب عنّا ال َ
وفي قصّة داود وسليمان عليهما الصلة والسلم { وقال الحمد للّه الّذي َفضّلَنا على كثير من
عباده المؤمنين } .وقول إبراهيم عليه الصلة والسلم { :الحمد للّه الّذي وهب لي على الكبر
ن عمر رضي ال عنه أرسل ابنه عبد اللّه إلى
إسماعيل وإسحاق } .وفي صحيح البخاريّ أ ّ
عائشة رضي ال عنها يستأذنها أن يدفن مع صاحبيه .فلمّا أقبل عبد اللّه قال عمر :ما
ب يا أمير المؤمنين ،أذنت .قال :الحمد للّه ،ما كان شيء أهمّ إليّ
لديك ؟ قال :الّذي تح ّ
ي صلى ال عليه وسلم أتي ليلة أسري به
ن النّب ّ
من ذلك .وعن أبي هريرة رضي ال عنه « أ ّ
بقدحين من خمر ولبن ،فنظر إليهما ،فأخذ اللّبن ،فقال له جبريل عليه السلم :الحمد للّه
الّذي هداك للفطرة ،لو أخذت الخمر غَ َوتْ أمّتك » .
التّحميد للقائم من المجلس :
- 16التّحميد للقائم من المجلس مستحبّ .فقد روى أبو هريرة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم قال « :من جلس في مجلس َف َكثُر فيه َل َغطُه فقال قبل أن يقوم من مجلسه
ل غفر له ما كان
ل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك إ ّ
:سبحانك اللّهمّ وبحمدك ،أشهد أن ل إله إ ّ
في مجلسه ذلك » .
التّحميد في أعمال الحجّ :
- 17التّحميد في أعمال الحجّ مستحبّ ،وممّا أثر من صيغه عن رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم عند الملتَزَم قوله « :اللّهمّ لك الحمد حمدا يوافي نعمك ،ويكافئ مزيدك ،أحمدك بجميع
ل حال .اللّهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل
محامدك ،ما علمت منها وما لم أعلم وعلى ك ّ
محمّد .اللّه ّم أعذني من الشّيطان الرّجيم ،وأعذني من كلّ سوء ،وقنّعني بما رزقتني ،
وبارك لي فيه .اللّه ّم اجعلني من أكرم وفدك عليك ،وألزمني سبيل الستقامة حتّى ألقاك يا
ربّ العالمين » .
التّحميد لمن لبس ثوبا جديدا :
ن رسول اللّه صلى ال عليه
- 18التّحميد لمن لبس ثوبا جديدا مستحبّ .فعن معاذ بن أنس أ ّ
وسلم قال « :من لبس ثوبا جديدا فقال :الحمد للّه الّذي كساني هذا ،ورزقنيه من غير حول
منّي ول قوّة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه » .
التّحميد لمن استيقظ من نومه :
- 19التّحميد لمن استيقظ من نومه مستحبّ .فقد « كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
يقول إذا استيقظ :الحمد للّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا ،وإليه النّشور » .
وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا استيقظ أحدكم
ي روحي ،وعافاني في جسدي ،وأذن لي بذكره » .
فليقل :الحمد للّه الّذي ردّ عل ّ
وعن عائشة رضي ال عنها عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ما من عبد يقول عند ردّ
اللّه تعالى روحه :ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ،له الملك ،وله الحمد ،وهو على كلّ
شيء قدير إلّ غفر اللّه تعالى له ذنوبه ،ولو كانت مثل زبد البحر » .
التّحميد لمن يأوي إلى فراشه :
ن رسول اللّه
ي رضي ال عنه أ ّ
- 20التّحميد لمن يأوي إلى فراشه للنّوم مستحبّ « .فعن عل ّ
صلى ال عليه وسلم قال له ولفاطمة رضي ال عنهما :إذا أويتما إلى فراشكما ،أو إذا أخذتما
مضاجعكما فكبّرا ثلثا وثلثين ،وسبّحا ثلثا وثلثين ،واحمدا ثلثا وثلثين » وفي رواية
التّسبيح « أربعا وثلثين » .وفي رواية التّكبير « أربعا وثلثين » .
قال عليّ فما تركته منذ سمعته من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
التّحميد لمن يشرع في الوضوء ،ولمن فرغ منه :
- 21التّحميد في الوضوء مستحبّ .فيقول المتوضّئ بعد التّسمية :الحمد للّه الّذي جعل الماء
ي صلى ال عليه وسلم في لفظها « :باسم اللّه
طهورا .وروي عن السّلف ،وقيل عن النّب ّ
العظيم ،والحمد للّه على دين السلم » .
ل اللّه
والتّحميد لمن فرغ من الوضوء مستحبّ .فيقول بعد الفراغ منه :أشهد أن ل إله إ ّ
وحده ل شريك له ،وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله .اللّهمّ اجعلني من التّوّابين ،واجعلني من
المتطهّرين .سبحانك اللّهمّ وبحمدك ،أشهد أن ل إله إلّ أنت ،أستغفرك وأتوب إليك .وقال
صلى ال عليه وسلم « :من توضّأ فأسبغ الوضوء ثمّ قال عند فراغه من وضوئه :سبحانك
ل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتم فوضعت
اللّهمّ وبحمدك ،أشهد أن ل إله إ ّ
تحت العرش ،فلم يكسر إلى يوم القيامة » .
التّحميد للمسئول عن حاله :
- 22والتّحميد للمسئول عن حاله مستحبّ .ففي صحيح البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال
عنهما « أنّ عليّا رضي ال عنه خرج من عند رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في وجعه
الّذي توفّي فيه ،فقال النّاس :يا أبا حسن :كيف أصبح رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟
فقال :أصبح بحمد اللّه تعالى بارئا » .
- 23كذلك التّحميد لمن رأى مبتلًى بمرض أو غيره مستحبّ .فعن أبي هريرة رضي ال
عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من رأى مبتلًى فقال :الحمد للّه الّذي عافاني ممّا
ابتلك به ،وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلً ،لم يصبه ذلك البلء » .
قال النّوويّ :قال العلماء :ينبغي أن يقول هذا الذّكر سرّا بحيث يسمع نفسه ،ول َيسْمعه
ل يتألّم قلبه بذلك ،إلّ أن تكون بليّته معصيةً فل بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من
المبتلى لئ ّ
ذلك مفسدةً .
ب .فعن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أنّ
-24كذلك التّحميد لمن دخل السّوق مستح ّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :من دخل السّوق فقال :ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك
له ،له الملك وله الحمد ،يحيي ويميت وهو حيّ ل يموت ،بيده الخير وهو على كلّ شيء
قدير ،كتب اللّه له ألف ألف حسنة ،ومحا عنه ألف ألف سيّئة ،ورفع له ألف ألف درجة » .
التّحميد لمن عطس في الصّلة :
- 25التّحميد لمن عطس في الصّلة مكروه إذا جهر به عند الحنفيّة والحنابلة ،ول بأس به
إن أس ّر به في نفسه من غير تلفّظ .وحرام عند الشّافعيّة ،لما روى معاوية بن الحكم رضي
ال عنه قال « :بينما أنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في الصّلة إذ عطس رجل من
القوم فقلت :يرحمك اللّه ،فحدّقني القوم بأبصارهم .فقلت :واثكل أمّاه ما لكم تنظرون
إليّ ؟ فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ،فلمّا انصرف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
دعاني ،بأبي وأمّي هو ،ما رأيت معلّما أحسن تعليما منه ،واللّه ما ضربني صلى ال عليه
وسلم ول كهرني ثمّ قال :إنّ صلتنا هذه ل يصلح فيها شيء من كلم الدميّين ،إنّما هي
التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن » .هذا ويكره التّحميد لمن يقضي حاجته في الخلء وعطس
،إلّ أن يكون ذلك في نفسه من غير تلفّظ به بلسانه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :
ل على طهر » .
كرهتُ أن أذكر اللّه تعالى إ ّ
تحنيك *
التّعريف :
- 1من معاني التّحنيك في اللّغة :أن يدلّك بالتّمر حنك الصّبيّ من داخل فيه ،بعد أن يلين .
والتّعريف الصطلحيّ يشتمل على هذا المعنى وعلى غيره ،كتحنيك الميّت وغيره .
- 2فتحنيك الميّت هو :إدارة الخرقة تحت الحنك وتحت الذّقن .وتفصيله في ( الجنائز ) .
- 3وتحنيك الوضوء هو :مسح ما تحت الحنك والذّقن في الوضوء .
وتفصيله في ( الوضوء ) .
-4وتحنيك العمامة ( ويسمّى التّلحّي ) هو :إدارة العمامة من تحت الحنك كورا أو كورين .
تحنيك المولود :
حكمه التّكليفيّ :
- 5التّحنيك مستحبّ للمولود ،لما في الصّحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى
رضي ال عنهما قال « :ولد لي غلم فأتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فسمّاه إبراهيم وحنّكه
بتمرة » .
-6ويتولّى تحنيك الصّبيّ رجل أو امرأة ،لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّه كان
يؤتى بالصّبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم » .
ن أحمد بن حنبل ولد له مولود فأمر امرأ ًة بتحنيكه .
وأورد ابن القيّم أ ّ
-7ويحنّك المولود بتمر ،لما ورد « عن أسماء رضي ال عنها أنّها حملت بعبد اللّه بن
الزّبير رضي ال عنهما قالت :خرجت وأنا ُم ِتمّ ،فأتيت المدينة ،فنزلت بقباء ،فولدته
ي صلى ال عليه وسلم فوضعته في حجره ،ثمّ دعا بتمرة فمضغها ثمّ
بقباء ،ثمّ أتيت به النّب ّ
تفل في فيه ،فكان أوّل شيء دخل جوفه ريق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ حنّكه
بتمرة ،ثمّ دعا له وبرّك عليه » .فإن لم يتيسّر تمر فرطب ،وإلّ فشيء حلو ،وعسل نحل
أولى من غيره ،ثمّ ما لم تمسّه النّار كما في نظيره ممّا يفطر الصّائم .
-8ويحنّك الغلم غداة يولد ،قال ابن حجر :وقيّد بالغداة اتّباعا للفظ الخبر ،والغداة تطلق
ويراد بها الوقت هنا .وينبغي عند التّحنيك أن يفتح المحنّك فم الصّبيّ ،حتّى تنزل حلوة
التّمر أو نحوه إلى جوفه .
التّحنيك في العمامة :
ن تحنيكها عند المالكيّة
- 9تحنيك العمامة أن يدار منها تحت الحنك كور أو كوران ،ويس ّ
ن العمامة بغير تحنيك ول عذبة بدعة
والحنابلة ،ومحصّل الكلم في ذلك عندهم :أ ّ
سنّة ،وإن وجد أحدهما فقد خرج من المكروه ،
مكروهة ،فإن وجدا فهو الكمل وهو ال ّ
سنّة .
واختلفوا في وجه الكراهة ،فقيل لمخالفة ال ّ
ن العذبة ل غير .
ول يسنّ تحنيك العمامة عند الحنفيّة والشّافعيّة ،وتس ّ
تحوّل *
التّعريف :
- 1التّحوّل في اللّغة مصدر تحوّل ،ومعناه :التّنقّل من موضع إلى آخر ،ومن معانيه أيضا
:الزّوال ،كما يقال :تحوّل عن الشّيء أي :زال عنه إلى غيره .
وكذلك :التّغيّر والتّبدّل .والتّحويل مصدر حوّل ،وهو :النّقل ،فالتّحوّل مطاوع وأثر
للتّحويل .ويقصد الفقهاء بالتّحوّل ما يقصد به في اللّغة .
اللفاظ ذات الصّلة :
الستحالة :
- 2من معاني الستحالة لغ ًة :تغيّر الشّيء عن طبعه ووصفه ،أو عدم المكان .فالستحالة
قد تكون بمعنى التّحوّل ،كاستحالة العيان النّجسة من العذرة والخمر والخنزير وتحوّلها عن
أعيانها وتغيّر أوصافها ،وذلك بالحتراق ،أو بالتّخليل ،أو بالوقوع في شيء ،كما سيأتي
تفصيله .
أحكام التّحوّل :
للتّحوّل أحكام تعتريه ،وهي تختلف باختلف مواطنها ،أهمّها ما يلي :
أ -تحوّل العين وأثره في الطّهارة والحلّ :
ن نجس العين يطهر بالستحالة ،
- 3ذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وهو رواية عن أحمد إلى :أ ّ
فرماد النّجس ل يكون نجسا ،ول يعتبر نجسا ملح كان حمارا أو خنزيرا أو غيرهما ،ول
نجس وقع في بئر فصار طينا ،وكذلك الخمر إذا صارت خلّا سواء بنفسها أو بفعل إنسان أو
ن الشّرع رتّب وصف النّجاسة على تلك الحقيقة ،فينتفي بانتقائها
غيره ،لنقلب العين ،ول ّ
ن الملح غير العظم واللّحم .
.فإذا صار العظم واللّحم ملحا أخذا حكم الملح ،ل ّ
ونظائر ذلك في الشّرع كثيرة منها :العلقة فإنّها نجسة ،فإذا تحوّلت إلى المضغة تطهر ،
والعصير طاهر فإذا تحوّل خمرا ينجس .
ن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها .
فيتبيّن من هذا :أ ّ
ن نجس العين ل يطهر بالستحالة ،
والصل عند الشّافعيّة ،والحنابلة في ظاهر المذهب :أ ّ
فالكلب أو غيره يلقى في الملّاحة فيصير ملحا ،والدّخان المتصاعد من وقود النّجاسة ،وكذلك
البخار المتصاعد منها إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ،ث ّم قطّر ،نجس .
- 4ثمّ استثنوا من ذلك الخمر إذا انقلبت بنفسها خلّا فتطهر بالتّخلّل ،لنّ علّة النّجاسة
ن العصير ل يتخلّل إلّ بعد التّخمّر غالبا ،فلو لم يحكم بالطّهارة تعذّر
السكار وقد زالت ،ول ّ
الحصول على الخلّ ،وهو حلل بالجماع .
وأمّا إن خلّلت بطرح شيء فيها بفعل إنسان فل تطهر عندهم .
وصرّح الشّافعيّة بأنّها لو تخلّلت بإلقاء الرّيح فل تطهر عندهم أيضا ،سواء أكان له دخل في
التّخليل كبصل وخبز حارّ ،أم ل كحصاة .وكذلك ل فرق بين أن تكون العين الملقاة طاهرةً
أو نجسةً .وفي الموضوع تفصيل أكثر يرجع فيه إلى مصطلح ( :تخليل واستحالة ) .
ب -تطهير الجلد بالدّباغ :
- 5ل خلف بين الفقهاء في نجاسة جلد الميتة قبل الدّباغ ،وإنّما اختلفوا في طهارته بعده
على اتّجاهات كثيرة .وفي الموضوع فروع كثيرة وخلف بين المذاهب ،فصّله الفقهاء عند
الكلم عن النّجاسة وكيفيّة تطهيرها ،ويراجع فيه أيضا مصطلح ( :دباغة ) .
ج -تحوّل الوصف أو الحالة :
تحوّل الماء الرّاكد إلى الماء الجاري :
- 6المختار عند الحنفيّة أنّ الماء النّجس الرّاكد إذا تحوّل إلى جار يطهر بمجرّد جريانه ،
والجاري ما يعدّه النّاس جاريا بأن يدخل الماء من جانب ويخرج من جانب آخر حال دخوله ،
شكّ في بقاء النّجاسة ،فل
وإن قلّ الخارج ،لنّه صار جاريا حقيقةً ،وبخروج بعضه وقع ال ّ
شكّ .وفيه قولن ضعيفان عند الحنفيّة .
تبقى مع ال ّ
الوّل :ل يطهر بمجرّد التّحوّل ،بل ل بدّ من خروج قدر ما فيه .
والثّاني :ل بدّ من خروج ثلثة أمثاله .
ن الخارج من الحوض يكون طاهرا
ويظهر الفرق بين القول المختار والقولين الخرين في :أ ّ
بمجرّد خروجه ،بناءً على القول المختار .ول يكون طاهرا قبل الحكم بطهارة الماء الرّاكد
على القولين الخرين .وعلى هذا الخلف :البئر وحوض الحمّام والواني .
وأمّا المالكيّة فعندهم يتحوّل الماء الكثير النّجس طهورا بزوال التّغيّر ،سواء أكان بصبّ ماء
مطلق عليه ،قليل أو كثير ،أو ماء مضاف مقيّد انتفت نجاسته ،أم بإلقاء شيء فيه كتراب أو
طين ،ولم يظهر فيه أحد أوصاف ما ألقي فيه .
ن تنجّسه إنّما كان لجل التّغيّر وقد زال ،والحكم يدور مع علّته وجودا وعدما ،كالخمر إذا
لّ
صارت خلّا ،وفي تغيّره بنفسه ،أو بنزح بعضه قولن .
ومذهب الشّافعيّة :أنّ الماء إذا بلغ قلّتين ل ينجس بملقاة نجس ،لحديث « إذا كان الماء
ث » أي ل يقبل النّجس .هذا ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه فينجس
خبَ َ
قُلّتين لم يحمل ال َ
ن الماء طَهورٌ ل ينجّسه شيء إلّ ما غيّر لونَه أو طعمَه أو ريحَه » .
لحديث « :إ ّ
فإن تغيّر وصف من هذه الوصاف تنجّس ،فإن زال تغيّره بنفسه أو بماء انضمّ إليه طهر .
وما دون القلّتين ينجس بالملقاة ،فإن بلغهما بماء ول تغيّر به فطهور .
ولو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغ قلّتين لم يطهر .وقيل :هو طاهر ل طهور .
وعند الحنابلة :يختلف تطهير الماء المتنجّس بالمكاثرة باختلف أحوال ثلث للماء :أن
يكون دون القلّتين ،أو وفق القلّتين ،أو زائدا عنهما .
- 1 -فإن كان دون القلّتين فتطهيره بالمكاثرة بماء آخر .
ن اجتماع النّجس إلى النّجس ل يتولّد
ل نجس وإن كثر ،ل ّ
فإن اجتمع نجس إلى نجس ،فالك ّ
بينهما طاهر ،كالمتولّد بين الكلب والخنزير ،ويتخرّج أن يطهر إذا زال التّغيّر وبلغ القلّتين ،
لحديث « :إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث » وحديث « :إنّ الماء طهور ل ينجّسه شيء
إلّ ماء غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » .وجميع النّجاسات في هذا سواء ،إلّ بول الدميّين
ن أكثر الرّوايات عن أحمد أنّها تنجّس الماء الكثير ،إلّ أن يبلغ حدّا ل
وعذرتهم المائعة ،فإ ّ
يمكن نزحه كالغدران ،فذلك الّذي ل ينجّسه شيء .
- 2 -فإن كان وفق القلّتين :وإن كان غير متغيّر فيطهر بالمكاثرة المذكورة .
وإن كان متغيّرا يطهر بالمكاثرة إذا أزالت التّغيّر ،أو بتركه حتّى يزول تغيّره بطول المكث .
- 3 -وإن كان أكثر من القلّتين :فإن كان نجسا بغير التّغيّر فل طريق إلى تطهيره بغير
المكاثرة .وإن كان نجسا متغيّرا بالنّجاسة فتطهيره إمّا بالمكاثرة ،أو زوال تغيّره بمكثه ،أو
أن ينزح منه ما يزول به التّغيّر ،ويبقى بعد ذلك قلّتان فصاعدا .
وفي الموضوع تفصيل يرجع إليه في مصطلح ( :طهارة ) .
التّحوّل إلى القبلة أو عنها :
- 7اتّفق الفقهاء على أنّ المصلّي إذا كان معاينا للكعبة ،ففرضه الصّلة إلى عينها بجميع
بدنه ،بأن ل يخرج شيء منه عن الكعبة ولو عضوا ،فلو تحوّل بغير عذر إلى جهة أخرى
بطلت صلته .وأمّا في تحويل الوجه :فذهب الحنفيّة إلى أنّه لو انحرف وجهه عن عين
الكعبة انحرافا ل تزول فيه المقابلة بالكّليّة ،جاز مع الكراهة .
وأمّا تحويل الصّدر عن القبلة بغير عذر فمفسد للصّلة .وعند المالكيّة والحنابلة :من التفت
بجسده كلّه عن القبلة لم تفسد صلته ،إن بقيت قدماه إلى القبلة .
ن التّحوّل إلى جهة أخرى عامدا مبطل للصّلة ،وإن فعله ناسيا لم تبطل .
ويرى الشّافعيّة أ ّ
وفي الموضوع خلف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ( :استقبال ) .
التّحوّل من القيام إلى القعود في الصّلة :
- 8التّحوّل من القيام إلى القعود ،ومنه إلى الستلقاء أو الضطجاع من فروع قاعدة :
" المشقّة تجلب التّيسير " والصل فيها قوله تعالى { :يُريدُ اللّ ُه بكم ال ُيسْرَ ول يُريدُ بكم
حرَجٍ } ،ولذلك أجمع أهل العلم على
ل عليكم في الدّينِ من َ
جعَ َ
ال ُعسْر } وقوله تعالى { :وما َ
ن من ل يطيق القيام ،وتعذّر عليه قبل الصّلة أو أثناءها حقيق ًة أو حكما ،بأن خاف زيادة
أّ
مرض ،أو بطء برئه ،أو دوران رأسه ،أو وجد لقيامه ألما شديدا ونحوه ،له أن يصلّي
جالسا ،وإن لم يستطع أومأ مستلقيا « ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعمران بن حصين :
جنْب » زاد النّسائيّ « :فإن لم
صلّ قائما ،فإن لم تستطع فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى َ
تستطع فمستلقيا » .ويزاد في النّافلة :أنّ له التّحوّل من القيام إلى القعود بل عذر .
وفي الموضوع تفصيل يرجع فيه إلى كتاب الصّلة عند الكلم في صلة المريض .
تحوّل المقيم إلى مسافر وعكسه :
أ -تحوّل المقيم إلى مسافر :
- 9يصير المقيم مسافرا بأحد أمرين :
أوّلهما :إذا جاوز بيوت مقامه ،وجاوز ما اتّصل به من توابع البلد بنيّة السّفر ،قاصدا
المسافة الّتي يتحقّق بها السّفر الّذي تتغيّر به الحكام .والمعتبر في ال ّنيّة نيّة المتبوع ل
ل من لزمه طاعة
التّابع ،حتّى تصير الزّوجة مسافرةً بنيّة الزّوج ،والجنديّ بنيّة القائد ،وك ّ
غيره كالسّلطان وأمير الجيش .
ثانيهما :إذا أنشأ السّير بعد القامة .ولتفصيل الموضوع يرجع إلى ( صلة المسافر ) .
ب -تحوّل المسافر إلى مقيم :
- 10يصير المسافر مقيما بأحد المور التّالية :
الوّل :العود إلى الوطن الصليّ ،ولو لم ينو القامة فيه .
والضّبط فيه :أن يعود إلى الموضع الّذي شرط الفقهاء مفارقته في إنشاء السّفر منه .الثّاني :
الوصول إلى الموضع الّذي يسافر إليه ،إذا عزم على القامة فيه القدر المانع من التّرخّص ،
وكان صالحا للقامة .والمدّة المانعة من التّرخّص خلفيّة يرجع فيها إلى ( صلة المسافر ) .
الثّالث :إذا تزوّج المسافر ببلد ،وإن لم يتّخذه وطنا ،ولم ينو القامة .
الرّابع :نيّة القامة في الطّريق :ول بدّ فيه من أربعة أشياء :نيّة القامة ،ونيّة مدّة
القامة ،واتّحاد المكان ،وصلحيّته للقامة .
وأمّا المفازة ونحوها ففي انقطاع السّفر بنيّة القامة فيها خلف وتفصيل ينظر في ( صلة
المسافر ) .
الخامس :القامة بطريق التّبعيّة :وهو أن يصير الصل مقيما ،فيصير التّبع أيضا مقيما ،
بإقامة الصل .
التّحوّل عن الواجب إلى البدل :
الكلم على التّحوّل عن الواجب إلى البدل يكون في مواضع منها :
أ -الزّكاة :
- 11ذهب الحنفيّة إلى جواز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في الزّكاة ،وإليه ذهب الوزاعيّ
والثّوريّ ،وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصريّ .
فيجوز للمالك أن يدفع العين أو القيمة من النّقدين والعروض وغير ذلك ،ولو مع وجود
خذْ من أموالِهم صَ َدقَةً } .
المنصوص عليه ،لقوله تعالى ُ { :
ن المراد بالمأخوذ ( صدقةً ) وكلّ جنس يأخذه فهو صدقة .ولقول معاذ لهل
نصّ على أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم إليهم « :ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في
اليمن حين بعثه النّب ّ
الصّدقة مكان الشّعير والذّرة ،أهون عليكم وخير لصحاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم
بالمدينة ،وكان يأتي به رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ول ينكر عليه » .
والفقه فيه :أنّ المقصود إيصال الرّزق الموعود إلى الفقير ،ودفع حاجة المسكين ،وهو
ن اللّه تعالى فرض على الغنياء قوت
يحصل بالقيمة أيضا .قال عليه الصلة والسلم « :إ ّ
الفقراء ،وسمّاه زكا ًة » .
وفي اعتبار القيمة هل تدفع القيمة يوم الداء أم يوم الوجوب ؟ خلف يرجع فيه إلى موطنه.
وأمّا عند المالكيّة والحنابلة :فيجوز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في الدّنانير والدّراهم فقط ،
فيجوز للمزكّي أن يخرج في زكاة الدّنانير دراهم بقيمتها ،ويخرج عن الفضّة ذهبا بقيمته ،
ن ذلك معاوضة في حقّه ،فكانت بالقيمة كسائر المعاوضات ،وهما
قلّت القيمة أو كثرت ،ل ّ
كجنس واحد .ولم يجز ذلك الشّافعيّة .
وأمّا في المواشي :فعند الحنفيّة جائز ،بنا ًء على قاعدتهم بجواز القيمة في كلّ شيء .
وهو الصّحيح عند الشّافعيّة .ويكره عند المالكيّة التّحوّل عن الواجب إلى البدل ،لما في ذلك
من معنى الرّجوع في الصّدقة ،ولئلّ تكون القيمة أقلّ ممّا عليه ،فيكون قد بخس الفقراء
حقّهم ،إلّ إذا أجبر السّاعي المزكّي على أن يأخذ منه دراهم فيما وجب عليه من صدقته ،
فيجزئ عنه ،إذا كان فيه وفاء بقيمة ما وجب عليه ،وكان عند محلّها .
وفي وجه عند الشّافعيّة :ل يجزئ إن نقصت قيمته عن قيمة الشّاة .ووجه ثالث :أنّه إن
كانت البل مراضا ،أو قليلة القيمة لعيب أجزأ البعير النّاقص عن قيمة الشّاة ،وإن كانت
صحاحا سليم ًة لم يجزئ النّاقص .وفي الموضوع تفصيل يرجع إليه في ( الزّكاة ) .
وأمّا الحنابلة فل يجوز عندهم التّحوّل في الماشية من جنس إلى آخر ول إلى القيمة .
ب -زكاة الفطر :
- 12التّحوّل عن العين إلى القيمة في صدقة الفطر ل يجوز عند المالكيّة والشّافعيّة ،وكذلك
في ظاهر المذهب عند الحنابلة .ويجوز عند الحنفيّة .
وأمّا التّحوّل من جنس إلى آخر من أجناس القوات ،أو التّحوّل من الدنى إلى العلى
وعكسه ففيه خلف وتفصيل ينظر في ( زكاة الفطر ) .
ج -العشور :
- 13ذهب المالكيّة والحنابلة إلى عدم جواز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في العشور .
وذهب الحنفيّة إلى جواز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في العشور ،وذلك للدلّة الّتي سبق
ذكرها ،وكذلك يجوز التّحوّل من الواجب إلى العلى فقط عند الشّافعيّة إذا كانت الحبوب
والثّمار نوعا واحدا .
ل نوع بالحصّة إن لم يتعسّر ،فإن عسر أخذ الواجب
وإن اختلفت النواع :أخذ الواجب من ك ّ
من كلّ نوع بأن كثرت ،وق ّل ثمرها ففيه أوجه :
الوجه الوّل ،وهو الصّحيح :أنّه يخرج من الوسط رعاي ًة للجانبين .
ل نوع بقسطه .
والثّاني :يؤخذ من ك ّ
والثّالث :من الغالب ،وقيل :يؤخذ الوسط قطعا .
وفي الموضوع تفصيل ينظر في مصطلح ( :عشر ) .
د -الكفّارات :
- 14ذهب الجمهور إلى أنّه ل يجوز التّحوّل عن الواجب المنصوص عليه إلى غيره في
ص عليها الشّارع.
الكفّارات ،فإن كان معيّنا تعيّن ،وإن كان مخيّرا تخيّر في الخصال الّتي ن ّ
ويرى الحنفيّة جواز التّحوّل عن الواجب إن كان ماليّا إلى البدل في الكفّارات .
وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر إليه في مصطلح ( :كفّارات ) .
هـ -النّذور :
- 15المذهب عند المالكيّة والحنابلة ،وهو الوجه الصّحيح لدى الشّافعيّة :أنّ من نذر نذرا
معيّنا وغير مطلق فعليه إخراجه ممّا عيّنه ،ول يجوز العدول عن المعيّن إلى غيره بدلً أو
قيم ًة .وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في ( النّذر ) .
ويرى الحنفيّة جواز ذلك مطلقا ،كما يجوز عندهم العدول عن الواجب إلى القيمة في النّذور ،
واستثنوا نذر العتق والهدي والضحيّة .
تحوّل فريضة الصّوم إلى فدية :
- 16اتّفق عامّة الفقهاء على أنّ الشّيخ الهرم الّذي ل يطيق الصّوم ،أو تلحقه به مشقّة شديدة
ل صوم عليه ،واختلفوا في وجوب الفدية عليه :
فذهب الحنفيّة والحنابلة ،وهو الظهر عند الشّافعيّة ،وقول غير مشهور عند المالكيّة :إلى
أنّه تجب عليه الفدية .
ويرى المالكيّة في المشهور من المذهب ،وهو غير الظهر عند الشّافعيّة :أنّه ل فدية عليه .
وفي وجوب الفدية على الحامل والمرضع خافت على نفسها أو ولدها ،والمريض الّذي ل
يرجى برؤه خلف وتفصيل ،يرجع فيه إلى مصطلح ( :صوم وفدية ) .
تحوّل العقد الّذي لم تستكمل شرائطه إلى عقد آخر :
- 17ذهب الحنفيّة والحنابلة ،وهو الظهر من المذهب عند الشّافعيّة :إلى أنّ الهبة إذا كانت
بشرط العوض يصحّ العقد ويتحوّل إلى بيع ،فيثبت فيه الخيار والشّفعة ،ويلزم قبل القبض ،
ويردّ بالعيب وخيار الرّؤية .
وفي قول للشّافعيّة :يبطل العقد ،لنّه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها .
وذهب المالكيّة إلى :أنّ هبة الثّواب بيع ابتدا ًء ،ولذا ل تبطل بموت الواهب قبل حيازة
الهبة ،ول يجوز أن يثاب عن الذّهب فضّ ًة أو العكس ،لما يلزم عليه من الصّرف المؤخّر ،
ما لم يحدث التّقابض في المجلس .وفي كون العوض معلوما أو مجهولً ،وكذلك في كونها
بيعا ابتداءً أو انتهاءً تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ( :هبة ) .
ولتحوّل العقد الّذي لم تستكمل شرائطه إلى عقد آخر أمثلة أخرى منها :تحوّل المضاربة
الصّحيحة إلى وكالة بالنّسبة لتصرّفات المضارب ،ولذلك يرى جمهور الفقهاء في الجملة :
ن تصرّفات المضارب منوطة بالمصلحة كالوكيل .
أّ
وإلى شركة إن ربح المضارب ،وإلى إجارة فاسدة إن فسدت .
ومنها :تحوّل السّلم إلى بيع مطلقا ،إذا كان المسلم فيه عينا في قول عند الشّافعيّة .وإلى هبة
لو قال :بعت بل ثمن ،والظهر البطلن .
ومنها :تحوّل الستصناع سلما إذا ضرب فيه الجل عند بعض الحنفيّة ،حتّى تعتبر فيه
ل من المثلة المتقدّمة خلف وتفصيل ينظر في مصطلحات ( عقد ،
شرائط السّلم .وفي ك ّ
وسلم ،ومضاربة ،وشركة ،واستصناع ) .
تحوّل العقد الموقوف إلى نافذ :
ن بيع
- 18ذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وهو قول للشّافعيّة ،ورواية عند الحنابلة :إلى أ ّ
الفضوليّ ينعقد موقوفا على إجازة المالك ،فإذا أجازه المالك أصبح نافذا ،وإلّ فل ،وإليه
ذهب إسحاق بن راهويه .
ن هذا البيع باطل
وذهب الشّافعيّة في القول الجديد ،وهو رواية أخرى عند الحنابلة إلى :أ ّ
ويجب ردّه ،وإليه ذهب أبو ثور وابن المنذر .وقد فصّل القائلون بانعقاد بيع الفضوليّ الكلم
حوله ،ويرجع فيه إلى مصطلحات ( :عقد ،وموقوف ،وفضوليّ ) .
تحوّل الدّين الجل إلى حالّ :
يتحوّل الدّين الجل إلى حالّ في مواطن منها :
أ -الموت :
- 19ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ،وهو رواية عند الحنابلة :إلى أنّ الدّين الجل يتحوّل
بالموت إلى حالّ ،لنعدام ذمّة الميّت وتعذّر المطالبة .وبه قال الشّعبيّ والنّخعيّ ،والثّوريّ .
وذهب الحنابلة في رواية أخرى :إلى أنّه ل يحلّ إذا وثّقه الورثة ،وهو قول ابن سيرين
وعبد اللّه بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد أيضا .وفي لحاق المرت ّد بدار الحرب هل يتقرّر
موته ،وتثبت الحكام المتعلّقة به ؟ خلف بين الفقهاء ينظر في مواطنه من كتب الفقه ،
ومصطلح ( :ردّة ) .ومصطلح أجل ( ف 95:ج . ) 2
ب -التّفليس :
- 20المتبادر من أقوال أبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة القائلين بجواز الحجر للفلس ،وهو
الظهر عند الشّافعيّة ،والمذهب عند الحنابلة :أنّ الدّين المؤجّل ل يحلّ بالتّفليس ،لنّ الجل
حقّ للمفلّس فل يسقط بفلسه ،كسائر حقوقه ،ولنّه ل يوجب حلول ماله ،فل يوجب حلول
ما عليه .
وأمّا عند أبي حنيفة فل يتأتّى هذا ،لنّه ل يجوز عنده الحجر على الحرّ العاقل البالغ بسبب
الدّين .وذهب المالكيّة ،وكذلك الشّافعيّة في قول ،وهو رواية عند الحنابلة ذكرها أبو
ن التّفليس يتعلّق به
ن من حجر عليه لفلسه يتحوّل دينه الجل إلى حالّ ،ل ّ
الخطّاب إلى :أ ّ
الدّين بالمال ،فيسقط الجل كالموت .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :حجر ) .
تحوّل الوقف عند انقطاع الموقوف عليه :
ن الوقف الّذي ل خلف في
- 21ذهب عامّة الفقهاء إلى أنّ التّأبيد شرط في الوقف ،وأ ّ
صحّته :ما كان معلوم البتداء والنتهاء غير منقطع ،مثل أن يجعل نهايته إلى جهة ل
تنقطع ،كأن يجعل آخره على المساكين ،أو طائفة منهم ،فإنّه يمتنع بحكم العادة انقراضهم .
واختلفوا فيما لو انقطع الموقوف عليهم :فذهب أبو يوسف والمالكيّة ،وهو قول عند
ل أن يقول :صدقة
الشّافعيّة ،ورأي للحنابلة :إلى أنّه يرجع إلى الواقف ،أو إلى ورثته ،إ ّ
موقوفة ينفق منها على فلن ،وعلى فلن فإذا انقرض المسمّى كانت للفقراء والمساكين .
والظهر عند الشّافعيّة ،والمذهب عند الحنابلة :أنّه يبقى وقفا ،وينصرف إلى أقرب النّاس
إلى الواقف .وهناك أقوال أخرى عند الشّافعيّة في مصرف هذا النّوع من الوقف .
ويرجع إلى تفصيل الموضوع في مصطلح ( :وقف ) .
تحوّل الملكيّة العامّة من الباحة إلى الملكيّة الخاصّة وعكسه :
- 22قد تتحوّل الملكيّة من العامّة إلى الخاصّة بأيّ سبب من أسباب التّملّك ،كالقطاع من
أراضي بيت المال .
فللمام أن يعطي الرض من بيت المال على وجه التّمليك ،كما يعطي المال حيث رأى
المصلحة ،إذ ل فرق بين الرض والمال في الدّفع للمستحقّ .وراجع مصطلح ( :إقطاع ) .
ص إلى العامّ إذا مات عنه أربابه ،ولم يستحقّه وارثه بفرض ول
ويتحوّل الملك الخا ّ
تعصيب ،فينتقل إلى بيت المال ميراثا لكافّة المسلمين .وذكر أبو يعلى أنّه ينتقل إلى بيت
المال مصروفا في مصالح المسلمين ،ل على طريق الميراث .
ص إلى عامّ ،في نحو البيت المملوك إذا احتيج إليه للمسجد ،أو توسعة
ويتحوّل الملك الخا ّ
الطّريق ،أو للمقبرة ونحوها من مصالح المسلمين ،بشرط التّعويض .
تحوّل الولية في عقد النّكاح :
- 23تتحوّل الولية من الوليّ القرب إلى الوليّ البعد في مواطن منها :
-إذا فقد الوليّ القرب ،وكذلك إذا أسر أو حبس .
فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الولية تتحوّل من الوليّ القرب إلى البعد .
وأمّا الشّافعيّة فالولية عندهم تنتقل إلى الحاكم .
-ومنها غيبة الوليّ ،فإذا غاب الوليّ غيب ًة منقطع ًة تنتقل الولية من القرب إلى البعد عند
ي الغائب .وكذلك عند
ن الحاكم ول ّ
الحنفيّة والحنابلة .وعند المالكيّة تنتقل إلى الحاكم ،ل ّ
ي القرب وقسّم ماله بين ورثته ،فتنتقل عندهم إلى
ل إذا حكم القاضي بموت الول ّ
الشّافعيّة ،إ ّ
البعد .ومنها :العضل ،وهو :منع الوليّ مولّيته من زواج الكفء .فذهب الحنفيّة والمالكيّة
ن الوليّ القرب إذا عضلها انتقلت الولية إلى
والشّافعيّة ،وهو رواية عن أحمد :إلى أ ّ
السّلطان ،وهو اختيار أبي بكر رضي ال عنه .وذكر ذلك عن عثمان بن عفّان رضي ال
تعالى عنه وشريح .وذهب الحنابلة في المنصوص من المذهب إلى أنّها تنتقل إلى البعد .
وانظر لتفصيل ذلك والخلف فيه مصطلح ( :ولية النّكاح ) .
تحوّل حقّ الحضانة :
- 24الصل في الحضانة أنّ المّ أولى النّاس بحضانة الطّفل إذا كملت الشّروط ،لما روى
عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما « أنّ امرأ ًة قالت :يا رسول اللّه ،إنّ ابني
هذا كان بطني له وِعا ًء ،وثديي له سِقاءً ،وحجري له حِواءً ،وإنّ أباه طلّقني ،وأراد أن
ينزعه منّي ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أنت أحقّ به ما لم َتنْكحي » .
فإن لم تكن المّ من أهل الحضانة لفقدان جميع الشّروط فيها أو بعضها ،أو امتنعت من
الحضانة ،فهي كالمعدومة ،وتنتقل الحضانة إلى من يليها ،وهكذا تتحوّل من القرب إلى
البعد في الستحقاق .على تفصيل ينظر في مصطلح ( :حضانة ) .
تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلق إلى عدّة الوفاة :
- 25إذا مات الزّوج والمرأة في عدّة طلقه ،فإن كان الطّلق رجعيّا سقطت عنها عدّة
الطّلق ،وانتقلت إلى عدّة الوفاة ،أي أربعة أشهر وعشرة أيّام من حين الوفاة ،بل خلف.
ن المطلّقة رجعيّا
ل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ،وذلك ل ّ
قال ابن المنذر :أجمع ك ّ
زوجة يلحقها طلقه ،وينالها ميراثه ،فعليها أن تعتدّ عدّة الوفاة .
وإذا مات مطلّق البائن ،وهي في العدّة ،وكان الطّلق في حال صحّته ،أو طلّقها بطلبها ،
بنت على مدّة الطّلق ،وهذا بالتّفاق .أمّا إذا طلّقها في مرض موته بغير طلب منها ،فهذه
خلفيّة :فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعت ّد بأبعد الجلين
احتياطا لشبهة قيام الزّوجيّة ،باعتبار إرثها منه .وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو
يوسف وابن المنذر إلى أنّها تبني على عدّة الطّلق لنقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه .
تحوّل العدّة من الشهر إلى القراء وعكسه :
أ -تحوّل العدّة من الشهر إلى القراء :
ن الصّغيرة الّتي لم تحض ،وكذلك البالغة الّتي لم تحض ،
- 26ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
إذا اعتدّت ببعض الشهر ،فحاضت قبل انقضاء عدّتها ،أنّ عدّتها تتحوّل من الشهر إلى
ن الشّهور بدل عن القراء ،وقد ثبتت القدرة على المبدل ،والقدرة على
القراء ،وذلك ل ّ
المبدل ،قبل حصول المقصود بالبدل تبطل حكم البدل كالقدرة على الوضوء في حقّ المتيمّم ،
فيبطل حكم الشهر ،وتنتقل عدّتها إلى القراء .
وكذا اليسة إذا اعتدّت ببعض الشهر ،ثمّ رأت الدّم ،فتتحوّل عدّتها إلى القراء عند بعض
الحنفيّة ،وذلك على الرّواية الّتي لم يقدّروا فيها للياس سنّا معيّن ًة .وكذلك عند الشّافعيّة .
وأمّا عند المالكيّة :فإذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين -وكذلك عند الحنابلة بعد
ستّين -يكون دما مشكوكا فيه يرجع فيه إلى النّساء .
الخمسين وقبل ال ّ
إلّ أنّ ابن قدامة من الحنابلة قال :إنّ المرأة إن رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت
تراه فيها ،فهو حيض على الصّحيح .وذهب الحنفيّة على الرّواية الّتي وقّتوا للياس فيها وقتا
ن ما رأته من الدّم بعدها ليس بحيض في ظاهر المذهب ،إلّ إذا كان دما خالصا
:إلى أ ّ
فحيض ،حتّى يبطل به العتداد بالشهر .
ولتفصيل الموضوع يرجع إلى مصطلحي ( :إياس ،وعدّة ) .
- 27وأمّا من انقطع حيضها بعد أن رأت الدّم ،وقبل أن تبلغ سنّ اليأس -وهي المرتابة -
فذهب جميع الفقهاء إلى أنّه إذا كان انقطاع الدّم بسبب معروف كرضاع ونفاس أو مرض
ن اليأس ،فتعتدّ بالشهر
يرجى برؤه ،فإنّها تصبر حتّى تحيض ،فتعتدّ بالقراء ،أو تبلغ س ّ
بعد سنّ اليأس ،ول عبرة بطول مدّة النتظار ،لنّ العتداد بالشهر جُعل بعد اليأس
بالنّصّ ،فلم يجز العتداد بالشهر قبله .
أمّا من انقطع حيضها ل لعلّة تعرف .فذهب المالكيّة ،وهو قول للشّافعيّ في القديم ،وهو
المذهب عند الحنابلة :إلى أنّها تتربّص تسعة أشهر ،ثمّ تعتدّ بثلثة أشهر ،فهذه سنة .
ن الغلب في مدّة الحمل تسعة أشهر ،فإذا مضت تبيّنت براءة الرّحم ،فتعتدّ
وعلّلوه بأ ّ
بالشهر ،وهو مرويّ عن الحسن البصريّ أيضا ،وقضى به عمر بمحضر من الصّحابة
رضي ال عنهم أجمعين .وروي عن الشّافعيّ في القديم أيضا أنّها تتربّص ستّة أشهر ثمّ ثلثةً
،وروي عنه أيضا في القديم :أنّها تتربّص أربع سنين ثمّ تعت ّد بثلثة أشهر .
تحوّل الرض العشريّة إلى خراجيّة والعكس :
- 28ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الرض الخراجيّة ل تصير عشريّ ًة أصلً ،وكذلك ل
ن الرض العشريّة تتحوّل
تتحوّل الرض العشريّة إلى خراجيّة .وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أ ّ
إلى خراجيّة إذا اشتراها ذ ّميّ .
وفي كتاب الخراج لبي يوسف :للمام أن يصيّر الرض العشريّة خراجيّ ًة ،والخراجيّة
ن هنالك ل يقع خراج ،فل
ل ما كان من أرض الحجاز والمدينة ومكّة واليمن ،فإ ّ
عشريّةً ،إ ّ
يحلّ للمام أن يغيّر ذلك ،ول يحوّله عمّا جرى عليه أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
وحكمه .ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلحات ( :أرض ،وعشر ،وخراج ) .
تحوّل المستأمن إلى ذ ّميّ :
ن غير المسلم ل يمكّن من
- 29ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ
القامة سنةً في دار السلم ،فإذا أقام فيها سن ًة أو أكثر تفرض عليه الجزية ،ويصير بعدها
ن قول المام :إن أقمت سن ًة أو أقلّ من ذلك
ذ ّميّا .وظاهر المتون في المذهب الحنفيّ أ ّ
وضعنا عليك الجزية ،شرط لصيرورته ذ ّميّا ،فعلى هذا لو أقام سن ًة ،أو أكثر من غير أن
يقول المام له ذلك ل يصير ذ ّميّا .
وكذلك يتحوّل المستأمن إلى ذ ّميّ بالتّبعيّة :كما لو دخل مع امرأته ،ومعهما أولد صغار
وكبار ،فصار ذ ّميّا ،فالصّغار تبع له بخلف الكبار .وتترتّب على صيرورة المستأمن ذ ّميّا
أحكام عدّة ،يرجع لتفصيلها إلى مصطلحي ( :أهل ال ّذمّة ،ومستأمن ) .
تحوّل المستأمن إلى حربيّ :
- 30يرى جمهور الفقهاء أنّ المستأمن يصير حربيّا بأمور :
ل أو متنزّها ،
-إذا لحق بدار الحرب ،ولو بغير بلده بنيّة القامة ،فإن دخل تاجرا أو رسو ً
أو لحاجة يقضيها ،ثمّ يعود إلى دار السلم ،فهو على أمانه في نفسه وماله .
-وإذا نقض المان :كأن يقاتل عامّة المسلمين أو يغلب على قرية أو حصن لجل حربنا ،
أو يقدم على عمل مخالف لمقتضى المان ،انتقض عهده وصار حربيّا .وفيما ينتقض به
المان والعهد خلف وتفصيل ينظر في مصطلحي ( :أهل الحرب ومستأمن ) .
تحوّل ال ّذ ّميّ إلى حربيّ :
ن ال ّذ ّميّ يتحوّل إلى حربيّ باللّحاق بدار الحرب مختارا طائعا
- 31ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
والقامة فيها ،أو بنقض عهد ذمّته ،فيحلّ دمه وماله .وفي محاربته جوازا أو وجوبا -بعد
بلوغ مأمنه -خلف بينهم ،وكذلك فيما ينتقض به عقد ال ّذمّة تفصيل ينظر في مصطلحي ( :
أهل الحرب ،وأهل ال ّذمّة ) .
تحوّل الحربيّ إلى مستأمن :
- 32يصير الحربيّ مستأمنا بالحصول على أمان ممّن له حقّ إعطاء المان ،على خلف
بين الفقهاء ذكر في مواطنه من كتب الفقه ،وانظر أيضا مصطلحي ( :أمان ،ومستأمن ) .
تحوّل دار السلم إلى دار الحرب وعكسه :
- 33ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه متى ارتدّ أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صارت الدّار
صدّيق رضي ال عنه
ن أبا بكر ال ّ
دار حرب ،وعلى المام قتالهم بعد النذار والعذار ،ل ّ
قاتل أهل ال ّردّة بجماعة الصّحابة .
- 34وذهب أبو حنيفة إلى أنّ دار السلم ل تصير دار حرب إلّ بأمور ثلثة :
أ -أن تجري فيها أحكام أهل الشّرك على الشتهار ،وأن ل يحكم فيها بحكم أهل السلم ،
أمّا لو أجريت أحكام المسلمين ،وأحكام أهل الشّرك ،فل تكون دار حرب .
ب -أن تكون متاخم ًة ( أي مجاور ًة ) لدار الحرب ،بأن ل تتخلّل بينهما بلدة من بلد
السلم .
ج -أن ل يبقى فيها مسلم أو ذ ّميّ آمنا بالمان الوّل الّذي كان ثابتا قبل استيلء الكفّار ،
للمسلم بإسلمه ،ولل ّذ ّميّ بعقد ال ّذمّة .وأمّا أبو يوسف ومحمّد فيقولن بشرط واحد ل غير ،
وهو :إظهار حكم الكفر ،وهو القياس .وتترتّب على دار الرّدّة أحكام ،اختلف الفقهاء فيها ،
تنظر في مظانّها ،وفي مصطلح ( :ردّة ) .
- 35وتتحوّل دار الحرب إلى إسلم بإجراء أحكام أهل السلم فيها كجمعة وعيد ،وإن بقي
فيها كافر أصليّ ،وإن لم تتّصل بدار السلم .
التّحوّل من دين إلى آخر :
- 36التّحوّل من دين إلى آخر ثلثة أقسام :
القسم الوّل :التّحوّل من دين باطل إلى دين باطل ،وهو على ثلثة أضرب :لنّه إمّا أن
ن دين يُ َق ّر أهله عليه إلى ما يقرّ أهله عليه ،كتهوّد نصرانيّ أو عكسه .
يكون مِ ْ
وإمّا أن يكون ممّا يقرّ عليه إلى ما ل يقرّ عليه ،كانتقال يهوديّ أو نصرانيّ إلى الوثنيّة .
وإمّا أن يكون ممّا ل يقرّ عليه إلى ما يقرّ عليه ،كتهوّد وثنيّ أو تنصّره .
ففي هذه الحالت هل يقرّ على ما انتقل إليه بالجزية أم ل ؟ خلف وتفصيل ينظر في مواطنه
من كتب الفقه ،وانظر أيضا مصطلحي ( :تبديل ،وردّة ) .
القسم الثّاني :التّحوّل من دين السلم إلى باطل ،وهو ردّة المسلم -والعياذ باللّه -فل يقبل
ل السلم .وتفصيله في مصطلح ( :ردّة ) .
منه إ ّ
والقسم الثّالث :التّحوّل من دين باطل إلى السلم ،فتترتّب عليه أحكام مختلفة تنظر في
مظانّها من كتب الفقه ،وفي المصطلحات الخاصّة ،وينظر أيضا مصطلحي ( :تبديل ،
إسلم ) .
تحويل *
التّعريف :
- 1التّحويل لغ ًة :مصدر حوّل الشّيء ،وتدور معانيه على النّقل والتّغيير والتّبديل .
ل طرف إلى موضع
وحوّلته تحويلً :نقلته من موضع إلى موضع ،وحوّلت الرّداء :نقلت ك ّ
الخر .
والحَوالة :بالفتح مأخوذة من النّقل ،فتقول :أحلته بدينه أي :نقلته إلى ذمّة أخرى .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معانيه اللّغويّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النّقل :
- 2النّقل :تحويل الشّيء من موضع إلى موضع ،والصل فيه النّقل من مكان إلى مكان .
وقد يستعمل في المور المعنويّة ،كالنّقل من صفة إلى صفة ،وكنقل اللّفظ من الستعمال
الحقيقيّ إلى الستعمال المجازيّ .
ب -التّبديل والبدال والتّغيير :
- 3وهي أن يجعل مكان الشّيء شيء آخر ،أو تحوّل صفته إلى صفة أخرى .
ن التّحويل ل يستعمل في تبديل ذات
ن هذه اللفاظ متقاربة في المعنى ،إلّ أ ّ
ومن هنا يتبيّن أ ّ
بذات أخرى .
أحكام التّحويل :
أ -تحويل ال ّنيّة في الوضوء :
ن ال ّنيّة من فروض الوضوء .
- 4ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ
وذهب الحنابلة إلى أنّها شرط في صحّته .
وذهب الحنفيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة ،وليست شرطا في صحّة الوضوء ،وإنّما هي شرط في
وقوعه عباد ًة .فمن حيث الجملة إذا حوّل ال ّنيّة في الوضوء من نيّة رفع الحدث إلى نيّة التّبرّد
أو التّنظّف ،فل أثر لذلك في إفساد الوضوء عند الحنفيّة ،لعدم اعتبارهم ال ّنيّة فرضا .وإنّما
يظهر أثر التّحويل في عدم اعتبار الوضوء عبادةً ،وفي هذا يقول ابن عابدين :الصّلة تصحّ
ن ال ّنيّة في الوضوء ليكون عباد ًة ،فإنّه بدونها
عندنا بالوضوء ،ولو لم يكن منويّا ،وإنّما تس ّ
ل يسمّى عباد ًة مأمورا بها ..وإن صحّت به الصّلة .
فالوضوء مع ال ّنيّة أو بدونها أو مع تحويلها صحيح باعتباره شرطا لصحّة الصّلة ،وإن كان
ل يصحّ عبادة بدون ال ّنيّة أو مع تحويلها .
أمّا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :فيظهر أثر تحويل ال ّنيّة عندهم في إفساد الوضوء وعدم
اعتباره شرعا من حيث الجملة .وفي ذلك تفصيل :فعند المالكيّة :رفض ال ّنيّة في أثناء
الوضوء ل يضرّ ،إذا رجع وكمّله بال ّنيّة الولى على الفور ،بأن ينوي رفع الحدث -على
الرّاجح عندهم -أمّا إذا لم يكمّله أو كمّله بنيّة أخرى كنيّة التّبرّد أو التّنظيف ،فإنّه يبطل بل
خلف ،وكذلك لو أكمله بال ّنيّة الولى ،ولكن بعد طول فصل ،فإنّه يبطل .
ل -التّبرّد أو التّنظّف فله
وعند الشّافعيّة :من نوى نيّ ًة صحيح ًة ثمّ نوى بغسل الرّجل -مث ً
حالن :
الحالة الولى :أن ل تحضره نيّة الوضوء في حال غسل الرّجل ،ففيه وجهان :
الوجه الوّل ،وهو الصّحيح :أنّه ل يصحّ غسل الرّجلين .
والوجه الثّاني :أنّه يصحّ لبقاء حكم ال ّنيّة الولى .
الحالة الثّانية :أن تحضره نيّة الوضوء مع نيّة التّبرّد -كما لو نوى أوّل الطّهارة الوضوء مع
التّبرّد -ففيه وجهان :
ن نيّة رفع الحدث حاصلة .
الوجه الوّل ،وهو الصّحيح :أنّ الوضوء صحيح ،ل ّ
الوجه الثّاني :ل يصحّ غسل الرّجلين ،وذلك لتشريكه بين قربة وغيرها .
وأمّا عند الحنابلة :فإنّ من غسل بعض أعضائه بنيّة الوضوء ،وغسل بعضها بنيّة التّبرّد ،
فل يصحّ إلّ إذا أعاد فعل ما نوى به التّبرّد بنيّة الوضوء ،بشرط أن ل يفصل فصلً طويلً
فيكون وضوءه صحيحا ،وذلك لوجود ال ّنيّة مع الموالة .
فإن طال الفصل بحيث تفوت الموالة بطل الوضوء لفواتها .
ب -تحويل ال ّنيّة في الصّلة :
- 5للفقهاء في أثر تحويل ال ّنيّة تفصيل :
ذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّلة ل تبطل بنيّة النتقال إلى غيرها ول تتغيّر ،بل تبقى كما نواها
قبل التّغيير ،ما لم يكبّر بنيّة مغايرة ،بأن يكبّر ناويا النّفل بعد الشّروع في الفرض أو
عكسه ،أو القتداء بعد النفراد وعكسه ،أو الفائتة بعد الوقتيّة وعكسه .
ل إن وقع تحويل ال ّنيّة قبل الجلوس الخير بمقدار التّشهّد ،فإن وقع بعده
ول تفسد حينئذ إ ّ
وقبيل السّلم ل تبطل .وعند المالكيّة :نقل ال ّنيّة سهوا من فرض إلى فرض آخر أو إلى نفل
سهوا ،دون طول قراءة ول ركوع ،مغتفر .
قال ابن فرحون من المالكيّة :إنّ المصلّي إن حوّل نيّته من فرض إلى نفل ،فإن قصد
بتحويل نيّته رفع الفريضة ورفضها بطلت ،وإن لم يقصد رفضها لم تكن نيّته الثّانية منافيةً
للولى .لنّ النّفل مطلوب للشّارع ،ومطلق الطّلب موجود في الواجب ،فتصير نيّة النّفل
مؤكّد ًة ل مخصّص ًة .
وعند الشّافعيّة :لو قلب المصلّي صلته الّتي هو فيها صل ًة أخرى عالما عامدا بطلت ،فإن
ل.
كان له عذر صحّت صلته ،وانقلبت نف ً
وذلك كظنّه دخول الوقت ،فأحرم بالفرض ،ثمّ تبيّن له عدم دخول الوقت فقلب صلته نفلً ،
ل معيّنا كركعتي الضّحى لم تصحّ
أو قلب صلته المنفردة نفلً ليدرك جماع ًة .لكن لو قلبها نف ً
.أمّا إذا حوّل نيّته بل سبب أو غرض صحيح فالظهر عندهم بطلن الصّلة .
وعند الحنابلة :أنّ بطلن الصّلة مقيّد بما إذا حوّل نيّته من فرض إلى فرض ،وتنقلب في
هذه الحال نفلً .وإن انتقل من فرض إلى نفل فل تبطل ،لكن تكره ،إلّ إن كان النتفال
لغرض صحيح فل تكره ،وفي رواية :أنّها ل تصحّ ،كمن أدرك جماع ًة مشروعةً وهو
ن له أن يقلبها نفلً ،وأن يسلّم من ركعتين ،لنّ
منفرد ،فسلم من ركعتين ليدركها ،فإنّه يس ّ
نيّة الفرض تضمّنت نيّة النّفل ،فإذا قطع نيّة الفرض بقيت نيّة النّفل .
ن تحويل نيّة الصّلة من نفل إلى فرض ل أثر له
ومن هذا التّفصيل يتبيّن اتّفاق الفقهاء على أ ّ
ل ،وذلك لنّ فيه بناء القويّ على الضّعيف ،وهو غير صحيح .
في نقلها ،وتظلّ نف ً
ج -تحويل ال ّنيّة في الصّوم :
ن صوم الفرض ل يبطل بنيّة النتقال إلى النّفل ،ول
- 6ذهب الحنفيّة والشّافعيّة :إلى أ ّ
ل .وهذا عند الشّافعيّة على الصحّ من وجهين في المذهب .
ينقلب نف ً
وعلى الوجه الخر ،ينقلب نفلً إذا كان في غير رمضان ،أمّا في رمضان فل يقبل النّفل ،
ن شهر رمضان يتعيّن لصوم فرض رمضان ول يصحّ فيه غيره .
لّ
ن من كان صائما عن نذر ،فحوّل نيّته إلى كفّارة أو عكسه ،ل
ص الشّافعيّة على ى أ ّ
ون ّ
يحصل له الّذي انتقل إليه -بل خلف عندهم -لنّ من شرط الكفّارة التّبييت من اللّيل .
ل فعلى وجهين :الوّل :يبقى على ما كان ول يبطل .
أمّا الصّوم الّذي نواه أ ّو ً
ل إذا كان في غير
الثّاني :يبطل .ول ينقلب نفلً على الظهر .ويقابله :أنّه ينقلب نف ً
رمضان .ولكلّ من المالكيّة والحنابلة تفصيل :
ن من تحوّلت نيّته إلى نافلة ،وهو في فريضة ،فإن فعل هذا عبثا
أمّا المالكيّة :فذهبوا إلى أ ّ
عمدا فل خلف -عندهم -أنّه يفسد صومه .أمّا إن فعله سهوا فخلف في المذهب .
أمّا عند الحنابلة :فإن نوى خارج رمضان قضاءً ،ثمّ حوّل نيّة القضاء إلى النّفل بطل القضاء
ل لعدم صحّة نفل من عليه قضاء رمضان قبل القضاء ،كذا في
لقطعه نيّته ،ولم يصحّ نف ً
القناع ،وأمّا في الفروع والتّنقيح والمنتهى فيصحّ نفلً ،وإن كان في صوم نذر أو كفّارة
ح.
فقطع نيّته ثمّ نوى نفلً ص ّ
ن من قلب نيّة القضاء إلى النّفل بطل القضاء ،وذلك لتردّده في نيّته أو
ص الحنابلة على أ ّ
ون ّ
ح النّفل لعدم صحّة نفل من عليه قضاء رمضان قبل القضاء .
قطعها ،ولم يص ّ
د -تحويل المحتضر إلى القبلة :
- 7اتّفق الفقهاء على أنّ تحويل المحتضر إلى القبلة مندوب ،وذلك بأن يوجّه إلى القبلة على
ي سبب آخر ،فيلقى على قفاه ،
ل إذا تعسّر ذلك لضيق الموضع ،أو ل ّ
شقّه اليمن ،إ ّ
ورجله إلى القبلة .ودليل تحويله إلى القبلة :حديث أبي قتادة رضي ال عنه « أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي ال عنه فقالوا :توفّي
،وأوصى بثلثه لك يا رسول اللّه ،وأوصى أن يوجّه إلى القبلة لمّا احتضر .فقال رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم أصاب الفطرة ،وقد رددت ثلثه على ولده ،ثمّ ذهب فصلّى عليه ،وقال
:اللّهمّ اغفر له ،وارحمه ،وأدخله جنّتك .وقد فعلت » .
هـ – تحويل الرّداء في الستسقاء :
- 8ذهب الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،ومحمّد من الحنفيّة وهو المفتى به عندهم
-إلى استحباب تحويل الرّداء في الستسقاء ،وخالف أبو حنيفة ،فل يحوّل الرّداء عنده في
الستسقاء .لنّه دعاء ل صلة فيه عنده .وعن أبي يوسف روايتان .
ومعنى تحويل الرّداء :أن يجعل ما على عاتقه اليمن على عاتقه اليسر ،وبالعكس .
وذهب الشّافعيّة -على القول الجديد الصّحيح عندهم -إلى استحباب التّنكيس كذلك .وهو :
أن يجعل أعلى الرّداء أسفله وبالعكس ،خلفا للمالكيّة والحنابلة فإنّهم ل يقولون بالتّنكيس.
ل تحويل الرّداء عند التّوجّه إلى القبلة للدّعاء ،وهو عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أثناء
ومح ّ
سنّة :حديث عبد
الخطبة .وعند المالكيّة بعد الفراغ من الخطبتين .ودليل تحويل الرّداء من ال ّ
اللّه بن زيد رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم خرج يستسقي ،فتوجّه إلى القبلة
يدعو وحوّل رداءه ،ثمّ صلّى ركعتين جهر فيهما بالقراءة » .
ن الحكمة من تحويل الرّداء التّفاؤل بتغيير الحال إلى الخصب والسّعة .
وقد قيل :إ ّ
ويستحبّ تحويل الرّداء للمام والمأمومين عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،خلفا للحنفيّة فل
ل المام في القول المفتى به .
يحوّل رداءه إ ّ
و -تحويل الدّين :
- 9عرّف الفقهاء الحوالة بالدّين تعريفات متقاربةً ،منها :تحوّل الحقّ من ذمّة إلى ذمّة
أخرى في المطالبة .ومنها :نقل الدّين وتحويله من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه .
ومشروعيّتها ثابتة بالجماع .ومستندها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلم ،
وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع » .
ويظهر أثر الحوالة في نقل المال المحال به من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه .
فيبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحال ،ويبرأ المحال عليه عن دين المحيل ،ويتحوّل حقّ
المحال إلى ذمّة المحال عليه ،هذا في الحوالة المقيّدة ،وهي الغلب حيث يكون المحيل دائنا
للمحال عليه .أمّا في الحوالة المطلقة ،وهي :إذا لم يكن المحيل دائنا للمحال عليه ،فإنّ
البراءة تحصل للمحيل فقط .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :حوالة ) .
تحيّز *
التّعريف :
- 1التّحيّز :من معانيه في اللّغة :الميل .ومنه قوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمَنوا إذا َلقِيتُم
الّذين كَفَروا َزحْفا فل تُوَلّوهمُ الدبارَ ومن يُوَلّهم َي ْو َم ِئذٍ ُدبُرَ ُه إلّ ُمتَحرّفَا لقتال أو متحيّزا إلى
ِفئَةٍ } معناه أو مائلً إلى جماعة من المسلمين ،ويقال :انحاز الرّجل إلى القوم بمعنى تحيّز
إليهم .
وفي لسان العرب :انحاز القوم :تركوا مركزهم ومعركة قتالهم ومالوا إلى موضع آخر .
وفي الصطلح :التّحيّز إلى فئة :أن يصير المقاتل إلى فئة من المسلمين ،ليكون معهم
فيتقوّى بهم على عدوّهم ،وسواء بعدت المسافة أم قربت .فقد روى ابن عمر رضي ال
عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :أنا فئة المسلمين »
ل مسلم " وكان بالمدينة
وكانوا بمكان بعيد عنه .وقال عمر رضي ال عنه ":أنا فئة ك ّ
وجيوشه بمصر والشّام والعراق وخراسان .رواهما سعيد بن منصور .
وقال عمر ":رحم اللّه أبا عبيدة ،لو كان تحيّز إليّ لكنت له فئ ًة ".
اللفاظ ذات الصّلة :
التّحرّف :
- 2التّحرّف من معانيه في اللّغة :الميل والعدول .فإذا مال النسان عن شيء يقال :تحرّف
ل متحرّفا لقتال } أي مائلً لجل القتال ل مائلً
وانحرف واحرورف .وقوله تعالى { :إ ّ
هزيم ًة ،فإنّ ذلك معدود من مكايد الحرب ،لنّه قد يكون لضيق المجال ،فل يتمكّن من
الجولن ،فينحرف للمكان المتّسع ،ليتمكّن من القتال .
والتّحرّف في الصطلح :أن ينتقل المقاتل إلى موضع يكون القتال فيه أمكن ،مثل أن ينتقل
من مواجهة الشّمس أو الرّيح إلى استدبارهما ،أو من منخفض إلى علو أو عكسه ،أو من
معطشة إلى موضع ماء ،أو ليجد فيهم فرص ًة ،أو ليستند إلى جبل ،ونحو ذلك ممّا جرت به
عادة أهل الحرب .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :تحرّف ) .
فالتّحيّز والتّحرّف يكونان فيما إذا التقى المسلمون والكفّار في الحرب ،والتحم جيشاهما ،
فالمتحيّز إن وجد من نفسه أن ل قدرة له على مواجهة عدوّه والظّفر به لكثرة عدده وعدده ،
إلّ بأن يستنصر ويستنجد بغيره من فئات المسلمين ،فإنّه يباح له أن ينحاز إلى فئة منهم ،
ليتقوّى بهم ،ويستطيع بذلك قهر العدوّ والظّفر به والنّصر عليه .
ن السّبيل إلى النّيل منه والظّفر به
والمتحرّف لقتال إذا رأى أن يكيد لخصمه ويتغلّب عليه ،وأ ّ
والنّصر عليه ،إنّما في تغيير خططه ،سواء أكانت في تغيير المكان ،أم في التّراجع ليسحب
العدوّ وراءه ،ويعاوده بالهجوم عليه إلى غير ذلك ،ممّا يطلق عليه ( الخدع الحربيّة ) فإنّه
يباح له ذلك ،إذ الحرب خدعة .أمّا لغير ذلك فل يحلّ لك ّل منهما .
الحكم الجماليّ :
- 3التّحيّز مباح ،إذا استشعر المتحيّز عجزا محوجا إلى الستنجاد بغيره من المسلمين ،
وكان بقصد النضمام إلى فئة ،أي جماعة من النّاس ،ليتقوّى بهم على محاربة عدوّهم
وإيقاع الهزيمة به والنّصر عليه .فإذا انتفى ذلك يكون فرارا ،وهو حرام ،لقوله تعالى :
ن يُوَلّهم يومئ ٍذ ُدبُرَه إلّ
{ يا أيّها الّذين آمنوا إذا َلقِيتُم الّذين كفروا َزحْفَا فل تُوَلّوهُم الدبارَ ومَ ْ
ج َهنّمُ َو ِبئْسَ المصيرُ } .فإذا
ُمتَح ّرفَا لِقِتالٍ أو ُمتَحيّزا إلى فئ ٍة فقد باءَ ِب َغضَبٍ من اللّ ِه ومَأواه َ
التقى المسلمون والكفّار في الحرب والتحم الجيشان ،وجب على المسلمين كأصل عامّ أن
يثبتوا في مواجهة عدوّهم ،وحرم عليهم أن يفرّوا ،لقوله تعالى { :فل تولّوهم الدبار } .
وقوله سبحانه { :يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتُم ِفئَةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرا لعلّكم تفلحون } .
- 4وع ّد النّبيّ صلى ال عليه وسلم الفرار عند الزّحف من الكبائر في أحاديث كثيرة منها :
ما أخرجه الشّيخان عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :
ن ؟ قال :الشّرك باللّه تعالى ،والسّحر ،
اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا :يا رسول اللّه وما ه ّ
ل بالحقّ ،وأكل الرّبا ،وأكل مال اليتيم ،والتّولّي يوم
وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه تعالى إ ّ
الزّحف ،وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات » .
فثبات المسلمين في مواجهة أعدائهم الكفرة وحرمة فرارهم من لقائهم واجب ،إذا كانوا في
ن َيكُنْ منكم مائ ٌة صابرةٌ
مثل عددهم أو على النّصف منهم أو أقلّ من ذلك ،لقوله تعالى { :فإ ْ
ن اللّهِ والّلهُ مع الصّابرين } .
ف يغلبوا ألفين بإِذ ِ
ن منكم أل ٌ
َيغِْلبُوا مائتين وإن يك ْ
إلّ إن كان ذلك بقصد تحيّزهم إلى فئة من المسلمين تناصرهم وتش ّد من أزرهم ويتقوّون بها
على أعدائهم ،وسواء أكانت هذه الفئة قريب ًة لهم أم بعيد ًة عنهم ،لعموم قوله تعالى { :أو
متحيّزا إلى فئة } قال القاضي أبو يعلى :لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز جاز التّحيّز
إليها ،لحديث ابن عمر أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إنّي فئة لكم » وكانوا بمكان
بعيد عنه .وقال عمر " :أنا فئة لكلّ مسلم " وكان بالمدينة وجيوشه بالشّام والعراق وخراسان
.وقال عمر ":رحم اللّه أبا عبيدة لو كان تحيّز إليّ لكنت له فئ ًة ".
ن اللّه تعالى لمّا
-5فإن زاد الكفّار على مثلي عدد المسلمين فيباح للمسلمين أن ينسحبوا ،ل ّ
أوجب على المائة مصابرة المائتين في قوله { :فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } دلّ
على أنّه ل يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين .
وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال ":من فرّ من اثنين فقد فرّ ،ومن فرّ من ثلثة فلَ ْم يفرّ
وفي رواية أخرى " :فما فرّ " إلّ أنّه إن غلب على ظنّ المسلمين الظّفر بهم والنّصر عليهم ،
فيلزمهم الثّبات إعل ًء لكلمة اللّه .
وإن غلب على ظنّهم الهلك في البقاء والنّجاة في النصراف فالولى لهم النصراف ،لقوله
ن لهم غرضا في الشّهادة ،وحتّى ل
تعالى { :ول تُلْقُوا بأيدِيْكم إلى ال ّتهُْلكَةِ } وإن ثبتوا جاز ل ّ
ينكسر المسلمون ،ولنّه يجوز أن يغلبوا الكفّار ،ففضل اللّه واسع ،وهذا ما عليه جمهور
الفقهاء .وقال المالكيّة :إن بلغ المسلمون اثني عشر ألفا حرم عليهم الفرار ،ولو كثر الكفّار
جدّا ،ما لم تختلف كلمتهم ،وما لم يكن بقصد التّحيّز لقتال .
تحيّة *
التّعريف :
- 1التّحيّة مصدر حيّاه يحيّيه تحيّ ًة ،أصله في اللّغة :الدّعاء بالحياة ،ومنه " التّحيّات للّه "
أي البقاء ،وقيل :الملك ،ثمّ كثر حتّى استعمل في ما يحيّا به من سلم ونحوه ،وتحيّة اللّه
الّتي جعلها في الدّنيا والخرة لمؤمني عباده السّلم ،فقد شرع لهم إذا تلقوا ودعا بعضهم
لبعض بأجمع الدّعاء أن يقولوا :السّلم عليكم ورحمة اللّه وبركاته .قال اللّه تعالى { :وإذا
حيّيتُم بِتحيّ ٍة فحيّوا بأحسنَ منها أو ُردّوها } .
ُ
واستعمل الفقهاء عبارة ( التّحيّة ) في غير السّلم لتحيّة المسجد .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
- 2حكم التّحيّة النّدب بل خلف بين جمهور الفقهاء ،وهي تختلف في الداء كما يلي :
أ -التّحيّة بين الحياء :
ن البتداء بالسّلم سنّة مرغّب فيها ،وردّه فريضة لقوله تعالى :
- 3أجمع العلماء على أ ّ
ن منها أو رُدّوها } .وللتّفصيل ر ( :سلم ) .
حيّوا بأحس َ
حيّيتُم بتحيّةٍ َف َ
{ وإذا ُ
ب -تحيّة الموات :
- 4تحيّة من في القبور السّلم ،فإذا مرّ المسلم بالقبور أو زارها استحبّ أن يقول ما ورد
وهو « :السّلم عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ،وإنّا إن شاء اللّه بكم لَلحقون ،
نسأل اللّه لنا ولكم العافية » وفي حديث عائشة « :ويرحم اللّه المستقدمين منّا ،والمستأخرين
».
ج -تحيّة المسجد :
ن لكلّ من يدخل مسجدا غير المسجد الحرام -يريد الجلوس
- 5يرى جمهور الفقهاء أنّه يس ّ
به ل المرور فيه ،وكان متوضّئا -أن يصلّي ركعتين أو أكثر قبل الجلوس .والصل فيه
حديث رواه أبو قتادة رضي ال عنه « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :إذا دخل
أحدكم المسجد فل يجلس حتّى يركع ركعتين » ومن لم يتمكّن منهما لحدث أو غيره يقول ندبا
ل اللّه ،واللّه أكبر ،ول حول ول قوّة إلّ باللّه العليّ
:سبحان اللّه ،والحمد للّه ،ول إله إ ّ
العظيم .فإنّها تعدل ركعتين كما في الذكار ،وهي الباقيات الصّالحات ،والقرض الحسن .
ن لمن جلس قبل الصّلة أن يقوم فيصلّي ،لما روى جابر رضي ال عنه قال « :جاء
ويس ّ
سليك الغطفانيّ ،ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم يخطب ،فقال :يا سليك قم فاركع ركعتين
وتجوّز فيهما » فإنّها ل تسقط بالجلوس .
كما أنّه ل خلف بينهم في أنّ تحيّة المسجد تتأدّى بفرض أو نفل .
-6وأمّا إذا تكرّر دخوله ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة -إن قرب رجوعه له عرفا -والشّافعيّة
ل يوم مرّ ًة .
ح عندهم :إلى أنّه تكفيه لك ّ
في قول مقابل الص ّ
ح عند الشّافعيّة تكرّر التّحيّة بتكرّر الدّخول على قرب كالبعد .
والص ّ
ل واحد منها .
ن التّحيّة لك ّ
وإذا كانت المساجد متلصق ًة ،فتس ّ
- 7وكذلك اختلف الفقهاء بالنّسبة لمن دخل المسجد والمام يخطب :فذهب الحنفيّة والمالكيّة
صتُوا } ،والصّلة
إلى أنّه يجلس ويكره له أن يركع ركعتين ،لقوله تعالى { :فاست ِمعُوا له وَأ ْن ِ
سنّة ،وإليه ذهب شريح ،وابن
تفوّت الستماع والنصات ،فل يجوز ترك الفرض لقامة ال ّ
سيرين والنّخعيّ وقتادة والثّوريّ واللّيث .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يركع ركعتين يوجز فيهما ،لحديث سليك الغطفانيّ المتقدّم .
وبهذا قال الحسن وابن عيينة ومكحول وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر .
د -تحيّة الكعبة :
- 8إذا وصل المحرم مكّة ودخل المسجد ورأى البيت ،يرفع يديه ويقول « :اللّهمّ زد هذا
البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابةً ،وزد من شرّفه وعظّمه ممّن حجّه أو اعتمره تشريفا
وتكريما وتعظيما » .لحديث رواه الشّافعيّ والبيهقيّ ويقول « :اللّهمّ أنت السّلم ،ومنك
السّلم فحيّنا ربّنا بالسّلم » .وعند الحنفيّة يقول ذلك ،ولكن ل يرفع يديه .
هـ – تحيّة المسجد الحرام :
ن تحيّة المسجد الحرام الطّواف للقادم لمكّة ،سواء كان تاجرا
– 9ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم
ن النّب ّ
أو حاجّا أو غيرهما ،لقول عائشة رضي ال عنها عنها « :إ ّ
حين قدم مكّة توضّأ ،ثمّ طاف بالبيت » وركعتا تحيّة المسجد الحرام تجزئ عنهما الرّكعتان
بعد الطّواف .
إلّ إذا كان للدّاخل فيه عذر مانع ،أو لم يرد الطّواف ،فيصلّي ركعتين إن لم يكن وقت
كراهة .وإذا خاف فوات المكتوبة أو جماعتها ،أو الوتر ،أو سنّ ًة راتب ًة قدّمها على
الطّواف ،إلّ أنّه ل تحصل بها تحيّة المسجد الحرام ،بخلف سائر المساجد .
- 10وأمّا الم ّكيّ الّذي لم يؤمر بطواف ،ولم يدخله لجل الطّواف ،بل للصّلة أو لقراءة
ص أحمد
القرآن أو للعلم ،فتحيّة المسجد الحرام في حقّه الصّلة ،كتحيّة سائر المساجد .ون ّ
على أنّ الطّواف لغريب أفضل من الصّلة في المسجد الحرام .
ن الطّواف لهل العراق ،والصّلة لهل مكّة ،وإليه ذهب عطاء .
وعن ابن عبّاس :أ ّ
وينظر للتّفصيل مصطلح ( :طواف ) .
و -تحيّة المسجد النّبويّ :
ن من دخل المسجد النّبويّ يستحبّ له أن يقصد الرّوضة إن تيسّر له
- 11اتّفق الفقهاء على أ ّ
-وهي ما بين القبر والمنبر -ويصلّي ركعتين تحيّة المسجد بجنب المنبر ،لحديث جابر قال
ي صلى ال عليه وسلم ويقول :السّلم عليك يا رسول
« :جاء سليك » ...ثمّ يأتي قبر النّب ّ
اللّه ،ثمّ يسلّم على أبي بكر رضي ال عنه ،ثمّ على عمر رضي ال عنه .
حكم التّحيّة بغير السّلم للمسلم :
ن التّحيّة بغير السّلم للمسلم ،كنحو :صبّحك اللّه بالخير ،أو
- 12ذهب عامّة العلماء إلى أ ّ
السّعادة ،أو طاب حماك ،أو قوّاك اللّه ،من اللفاظ الّتي يستعملها النّاس في العادة ل أصل
لها ،ول يجب ال ّردّ على قائلها ،لكن لو دعا له مقابل ذلك كان حسنا .
- 13كما أنّ عامّة أهل العلم يرون أنّ ال ّردّ على من حيّا بغير السّلم غير واجب ،سواء
ل إشارة الخرس أو الصمّ ،
أكانت تحيّته بلفظ ،أم بإشارة بالصبع ،أو الكفّ أو الرّأس ،إ ّ
ن إشارته قائمة مقام العبارة .
فيجب الرّ ّد بالشارة مع اللّفظ ،ليحصل به الفهام ،ل ّ
- 14وأمّا ال ّردّ بغير السّلم على من ألقى السّلم ،فعامّة أهل العلم يرون أنّه ل يجزئ ،ول
حيّوا
حيّ ٍة فَ َ
حيّيتُم ِب َت ِ
يسقط الرّ ّد الواجب ،لنّه يجب أن يكون بالمثل .لقوله تعالى { :وإذا ُ
ن منها أو ُردّوها } .
بَأحْسَ َ
حكم التّحيّة بالسّلم لغير المسلم :
- 15حكم التّحيّة لغير المسلم بالسّلم عليكم ممنوع على سبيل الحرمة أو الكراهة ،لقول
النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تبدءوا اليهود ول النّصارى بالسّلم ،وإذا سلّموا هم على
مسلم قال في ال ّردّ :وعليكم .ول يزيد على هذا » .
ك فيما قال ،فلو تحقّق
- 16قال ابن القيّم :هذا كلّه إذا تحقّق أنّه قال :السّام عليكم ،أو ش ّ
ن ال ّذمّيّ قال له " :سلم عليكم " ل شكّ فيه ،فهل له أن يقول :وعليك السّلم ،أو
السّامع أ ّ
يقتصر على قوله :وعليك ؟ فالّذي تقتضيه الدلّة الشّرعيّة وقواعد الشّريعة أن يقال له :
ن هذا من باب العدل ،واللّه يأمر بالعدل والحسان ،وقد قال تعالى { :
وعليك السّلم ،فإ ّ
ن منها أو ُردّوها } .
حيّوا ِبأَحس َ
حيّيتُم ِبتَحيّ ٍة فَ َ
وإذا ُ
فندب إلى الفضل ،وأوجب العدل ،ول ينافي هذا شيئا من أحاديث الباب بوجه ما ،فإنّه
صلى ال عليه وسلم إنّما أمر بالقتصار على قول الرّادّ " وعليكم " ،بناءً على السّبب
المذكور الّذي كانوا يعتمدونه في تحيّتهم ،وأشار إليه في حديث عائشة رضي ال عنها فقال «
أل ترينني قلت :وعليكم ،لمّا قالوا :السّام عليكم .ثمّ قال :إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا
:وعليكم »
والعتبار وإن كان لعموم اللّفظ فإنّما يعتبر عمومه في نظير المذكور ل فيما يخالفه .قال
ن في َأ ْن ُفسِهم لول ُي َع ّذبُنا اللّ ُه بما نقولُ
ح ّيكَ به الّلهُ ،ويقولو َ
حيّ ْوكَ بما لمْ ُي َ
تعالى { وإذا جَاءوكَ َ
} فإذا زال هذا السّبب وقال الكتابيّ :سلم عليكم ورحمة اللّه ،فالعدل في التّحيّة يقتضي أن
يردّ عليه نظير سلمه .وباللّه التّوفيق .
- 17وأمّا حكم التّحيّة بغير السّلم للكافر ،فيرى الحنفيّة والمالكيّة ،وبعض الشّافعيّة
والحنابلة :أنّها مكروهة ما لم تكن لعذر ،أو غرض كحاجة أو جوار أو قرابة ،فإذا كانت
لعذر فل كراهة فيها .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم ،إلى حرمة تحيّة الكفّار ولو بغير السّلم .
تحيّات *
انظر :تشهّد .
************************