You are on page 1of 214

‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬الجزء العاشر‬

‫تأبّد *‬
‫انظر ‪ :‬آبد ‪.‬‬

‫تأبيد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّأبيد ‪ :‬مصدر أبّد بتشديد الباء ‪ ،‬ومعناه لغةً ‪ :‬التّخليد ‪ .‬وأصله من أبد الحيوان يأبد ‪،‬‬
‫ويأبد أبودا ‪ ،‬أي ‪ :‬انفرد وتوحّش ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬تقييد التّصرّف بالبد ‪ ،‬وهو ‪ :‬الزّمان الدّائم بالشّرع أو العقد ‪ .‬ويقابله‬
‫ن كلّا منهما يكون إلى زمن ينتهي ‪.‬‬
‫التّوقيت والتّأجيل ‪ ،‬فإ ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫تخليد ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّخليد لغ ًة ‪ :‬إدامة البقاء ‪ .‬قال في الصّحاح ‪ :‬الخلد دوام البقاء ‪ ،‬تقول ‪ :‬خلد الرّجل يخلد‬
‫خلودا ‪ ،‬وأخلده اللّه وخلّده تخليدا ‪.‬‬
‫والفقهاء استعملوا التّخليد في المعنى الوارد في اللّغة ‪ ،‬كما في تخليد حبس المتمرّد ‪ .‬وكما في‬
‫دوام حبس الكفيل إلى حضور المكفول ‪ .‬والفرق بين التّأبيد والتّخليد ‪ ،‬أنّ التّأبيد لما ل ينتهي ‪،‬‬
‫والتّخليد قد يكون لما ل ينتهي ‪ ،‬وقد يكون لما ينتهي ‪ ،‬كما في تخليد عصاة المؤمنين في النّار‬
‫ل يقتضي دوامهم فيها ‪ ،‬بل يخرجون منها ‪ .‬فإذا قيّد التّخليد بالبد كان لما ل ينتهي ‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى في شأن الكفّار { خالدين فيها أبدا } ‪.‬‬
‫التّصرّفات من حيث التّأبيد أو عدمه ‪:‬‬
‫‪ -‬التّصرّفات من حيث التّأبيد أو عدمه على ثلثة أنواع ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫الوّل ‪ :‬ما هو مؤبّد ل يقبل التّأقيت ‪ :‬كالنّكاح والبيع والهبة والرّهن ‪ ،‬وكالوقف عند الجمهور‬
‫‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬ما هو مؤقّت ل يقبل التّأبيد كالجارة والمزارعة والمساقاة ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬ما هو قابل للتّوقيت والتّأبيد كالكفالة ‪.‬‬
‫وانظر للتّفصيل مصطلح ( تأقيت ) وانظر أيضا ( بيع ‪ .‬هبة ‪ .‬إجارة ‪ .‬إلخ ) ‪.‬‬

‫تأبين *‬
‫انظر ‪ :‬رثاء ‪.‬‬
‫تأجيل *‬
‫انظر ‪ :‬أجل ‪.‬‬

‫تأخّر *‬
‫انظر ‪ :‬تأخير ‪.‬‬

‫تأخير *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّأخير لغةً ‪ :‬ضدّ التّقديم ‪ ،‬ومؤخّر كلّ شيء ‪ :‬خلف مقدّمه ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬هو فعل الشّيء في آخر وقته المحدّد له شرعا ‪ ،‬كتأخير السّحور والصّلة ‪ ،‬أو‬
‫خارج الوقت ( سواء أكان الوقت محدّدا شرعا أو متّفقا عليه ) كتأخير الزّكاة والدّين ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّراخي ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّراخي في اللّغة ‪ :‬المتداد في الزّمان ‪ .‬يقال ‪ :‬تراخى المر تراخيا ‪ :‬امتدّ زمانه ‪ ،‬وفي‬
‫المر تراخ أي فسحة ‪.‬‬
‫ومعنى التّراخي عند الفقهاء ‪ :‬هو مشروعيّة فعل العبادة في وقتها الممتدّ ‪ ،‬وهو ضدّ الفور‬
‫كالصّلة والحجّ ‪ .‬وعلى هذا فيتّفق التّأخير مع التّراخي في فعل العبادة في آخر وقتها ‪،‬‬
‫ويختلفان في حال إيقاع العبادة خارج الوقت ‪ ،‬فيسمّى ذلك تأخيرا ل تراخيا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفور ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الفور في اللّغة ‪ :‬كون الشّيء على الوقت الحاضر الّذي ل تأخير فيه ‪ .‬يقال ‪ :‬فارت‬
‫ال ِقدْر فورا وفورانا ‪ :‬غلت ‪ ،‬ومنه قولهم ‪ :‬الشّفعة على الفور ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو مشروعيّة الداء في أوّل أوقات المكان بحيث يلحقه ال ّذمّ بالتّأخير عنه‬
‫ن بين الفور والتّأخير تباينا ‪.‬‬
‫‪ .‬ويتبيّن من هذا أ ّ‬
‫ج ‪ -‬التّأجيل ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّأجيل في اللّغة ‪ :‬أن تضرب للشّيء أجلً ‪ .‬يقال ‪ :‬أجّلته تأجيلً أي جعلت له أجلً ‪ .‬ول‬
‫يخرج استعمال الفقهاء له عن معناه اللّغويّ ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالتّأخير أع ّم من التّأجيل ‪ ،‬إذ يكون التّأخير بأجل وبغير أجل ‪.‬‬
‫هـ – التّعجيل ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّعجيل ‪ :‬السراع بالشّيء ‪ .‬يقال ‪ :‬عجّلت إليه المال ‪ :‬أسرعت إليه بحضوره فتعجّله‬
‫أي أخذه بسرعة ‪ .‬وهو عند الفقهاء ‪ :‬التيان بالفعل قبل الوقت المحدّد له كتعجيل الزّكاة ‪ ،‬أو‬
‫في أوّل الوقت كتعجيل الفطر ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬ل تزال أمّتي بخير ما عجّلوا‬
‫ن بين التّأخير والتّعجيل تباينا ‪.‬‬
‫الفطر ‪ ،‬وأخّروا السّحور » ‪ .‬فتبيّن من هذا أ ّ‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 6‬الصل في الشّرع عدم تأخير الفعل إلى آخر وقته أو خارج الوقت المحدّد له شرعا ‪،‬‬
‫كتأخير العبادة الواجبة مثل الصّلة ‪ ،‬أو عن الوقت المتّفق عليه بين المتعاقدين كأداء ما في‬
‫ص يجيز التّأخير ‪ ،‬أو قاعدة عامّة من قواعد الشّريعة أو عذر شرعيّ‬
‫ل إذا وجد ن ّ‬
‫ال ّذمّة ‪ ،‬إ ّ‬
‫خارج عن مقدور العبد ‪.‬‬
‫وقد يعرض ما يخرج التّأخير عن هذا الصل إلى الوجوب أو النّدب أو الكراهة أو الباحة ‪.‬‬
‫فيجب التّأخير في إقامة الحدّ على الحامل حتّى تلد ‪ ،‬ويستغني عنها وليدها ‪ .‬أمّا المريض ‪،‬‬
‫فإن كان يرجى برؤه يؤخّر عنه الحدّ حتّى يبرأ ‪ ،‬وإن كان ل يرجى برؤه يقام عليه الحدّ ول‬
‫يؤخّر ‪ .‬وذلك في غير القصاص بالنّفس ‪.‬‬
‫ويندب ‪ :‬كتأخير السّحور إلى آخر اللّيل ‪ ،‬وتأخير الوتر إلى وقت السّحر لمن وثق بصلته فيه‬
‫ن كان‬
‫‪ ،‬وكتأخير أداء الدّين عن وقته بالنّسبة للمعسر لوجود عذر العسار ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬وإ ْ‬
‫سنّة‬
‫عسْرة َف َنظِرَ ٌة إلى َم ْيسَرة } ويكره ‪ :‬كتأخير الفطار للصّائم بعد غروب الشّمس ‪ ،‬إذ ال ّ‬
‫ذو ُ‬
‫في الفطار التّعجيل ‪.‬‬
‫ويباح ‪ :‬كتأخير الصّلة عن أوّل الوقت ما لم يدخل في وقت الكراهة ‪.‬‬
‫تأخير الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة تأخير صلة المغرب لتصلّى جمعا مع العشاء ‪ ،‬وذلك للحاجّ‬
‫ليلة المزدلفة ‪ .‬وأمّا في غير ذلك فقد اختلفوا في جواز جمع صلتي الظّهر والعصر في وقت‬
‫إحداهما ‪ ،‬وكذا في جمع صلة المغرب والعشاء في وقت إحداهما ‪ :‬فذهب الجمهور إلى‬
‫جوازه في أعذار معيّنة ‪ ،‬و َم َن َعهُ الحنفيّة ‪ ،‬وينظر الخلف والتّفصيل في مصطلح ( جمع‬
‫الصّلة ) ‪.‬‬
‫تأخير الصّلة لفاقد الماء ‪:‬‬
‫‪ - 8‬اتّفق الفقهاء على س ّنيّة تأخير الصّلة إلى آخر الوقت المختار إذا تيقّن وجود الماء في‬
‫ل يدخل وقت الكراهة ‪.‬‬
‫آخره ‪ ،‬وقيّد الحنفيّة ذلك بأ ّ‬
‫ن تأخير الصّلة أفضل‬
‫أمّا إذا ظنّ وجود الماء ‪ ،‬أو رجاه في آخر الوقت ‪ ،‬فالجمهور على أ ّ‬
‫بشرطه عند الحنفيّة ‪ ،‬وذهب المالكيّة إلى أنّ المتردّد يتيمّم في وسط الوقت ندبا ‪،‬‬
‫ن التّعجيل في هذه الحالة أفضل ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫تأخير الصّلة بل عذر ‪:‬‬
‫‪ - 9‬اتّفق الفقهاء على تحريم تأخير الصّلة حتّى يخرج وقتها بل عذر شرعيّ ‪.‬‬
‫أمّا من ترك الصّلة كسلً وهو موقن بوجوبها ‪ ،‬وكان تركه لها بل عذر ول تأوّل ول جهل ‪،‬‬
‫فقال الحنفيّة ‪ :‬يحبس حتّى يصلّي ‪ .‬قال الحصكفيّ ‪ :‬لنّه يحبس لحقّ العبد ‪ ،‬فحقّ ( الحقّ )‬
‫أحقّ ‪ .‬وقيل ‪ :‬يضرب حتّى يسيل منه الدّم ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد ‪ :‬إلى أنّه إذا أخّر الصّلة عن‬
‫وقتها دعي إلى فعلها ‪ ،‬فإن تضيّق وقت الّتي تليها ‪ ،‬وأبى الصّلة ‪ ،‬يقتل حدّا ‪ .‬والرّواية‬
‫الثّانية عن أحمد أنّه يقتل لكفره ‪ .‬قال في النصاف ‪ :‬وهو المذهب ‪ ،‬وعليه جمهور الصحاب‬
‫‪ .‬أمّا تأخير الصّلة إلى آخر وقتها فهو خلف الولى لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أوّل‬
‫الوقت رضوان اللّه ‪ ،‬ووسطه رحمة اللّه ‪ ،‬وآخره عفو اللّه » ويكره التّأخير إلى أحد أوقات‬
‫الكراهة ‪ .‬وينظر التّفصيل في مصطلح ( أوقات الصّلة ) ‪.‬‬
‫تأخير دفع الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ - 10‬ذهب جمهور العلماء ‪ ،‬ومنهم الحنفيّة على المفتى به عندهم ‪ ،‬إلى أنّه ل يجوز تأخير‬
‫دفع الزّكاة عن وقت استحقاقها ‪ ،‬وأنّها يجب إخراجها على الفور ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وآتُوا حقّه‬
‫يومَ حصادِه } وهذا في زكاة الزّروع ‪ ،‬ويلحق بها غيرها ‪.‬‬
‫والّذي عليه عامّة مشايخ الحنفيّة ‪ ،‬وصحّحه الباقلّانيّ والجصّاص ‪ :‬أنّها تجب على التّراخي ‪،‬‬
‫ففي أيّ وقت أدّى يكون مؤدّيا للواجب ‪ ،‬وإذا لم يؤدّ إلى آخر عمره يتضيّق عليه الوجوب ‪،‬‬
‫حتّى لو لم يؤ ّد إلى أن مات يأثم ‪ .‬وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّه إن أخّر الزّكاة بعد الحول‬
‫مع التّمكّن من الخراج فتلف بعض المال أو كلّه فإنّه ضامن لها ‪ ،‬ول تسقط عنه ‪ .‬وعند‬
‫ل أن يقصّر في حفظها ‪.‬‬
‫المالكيّة إذا أخّرها يوما أو يومين فل ضمان عليه ‪ ،‬إ ّ‬
‫وذهب الحنفيّة إلى سقوط الزّكاة بهلك المال بعد الحول ‪ ،‬سواء تمكّن من الداء أم لم يتمكّن ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ( زكاة ) ‪.‬‬
‫تأخير قضاء الصّوم ‪:‬‬
‫‪ - 11‬الصل المبادرة إلى قضاء ما فات من صيام رمضان ‪ ،‬ويجوز تأخير القضاء ما لم‬
‫ل ما يسع أداء ما عليه ‪ .‬فيتعيّن ذلك‬
‫يتضيّق الوقت ‪ ،‬بألّ يبقى بينه وبين رمضان القادم إ ّ‬
‫الوقت للقضاء عند الجمهور ‪ .‬فإن لم يقض فيه فقد نصّ الشّافعيّة والحنابلة على تأثيمه‬
‫بالتّأخير إذا فات وقت القضاء من غير عذر ‪ ،‬لقول عائشة رضي ال عنها ‪ « :‬كان يكون‬
‫ل في شعبان لمكان النّبيّ صلى ال عليه‬
‫عليّ الصّوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إ ّ‬
‫ن الصّوم عبادة متكرّرة ‪ ،‬فلم يجز تأخير الولى عن‬
‫وسلم » قالوا ‪ :‬ولو أمكنها لخّرته ‪ ،‬ول ّ‬
‫الثّانية كالصّلوات المفروضة ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز تأخير القضاء مطلقا ول إثم عليه ‪ ،‬وإن هلّ عليه رمضان آخر ‪.‬‬
‫ن المستحبّ عندهم المتابعة مسارعةً إلى إسقاط الواجب ‪.‬‬
‫لك ّ‬
‫‪ - 12‬هذا ‪ ،‬وإذا أخّر القضاء حتّى دخل رمضان آخر ‪ ،‬فقد ذهب الجمهور إلى أنّه إن كان‬
‫مفرّطا فإنّ عليه القضاء مع الفدية ‪ ،‬وهي إطعام مسكين عن كلّ يوم ‪ ،‬لما روي « أنّه صلى‬
‫ال عليه وسلم قال في رجل مرض في رمضان فأفطر ‪ ،‬ثمّ صحّ فلم يصم حتّى أدركه‬
‫ل يوم مسكينا »‬
‫رمضان آخر ‪ :‬يصوم الّذي أدركه ثمّ يصوم الّذي أفطر فيه ‪ ،‬ويطعم عن ك ّ‬
‫ل يوم مسكينا ‪ ،‬ولم‬
‫ولما روي عن ابن عمر وابن عبّاس وأبي هريرة أنّهم قالوا ‪ :‬أطعم عن ك ّ‬
‫يرد خلف في ذلك عن غيرهم من الصّحابة ‪.‬‬
‫ن الحقوق الماليّة ل تتداخل ‪،‬‬
‫ثمّ الصحّ عند الشّافعيّة أنّ الفدية تتكرّر بتكرّر السّنين ‪ ،‬ل ّ‬
‫ح ‪ :‬ل تتكرّر كالحدود ‪ .‬ومحلّ الخلف إذا لم يكن أخرج الفدية ‪ ،‬فإن أخرجها ثمّ‬
‫ومقابل الص ّ‬
‫لم يقض حتّى دخل رمضان آخر وجبت ثانيا ‪.‬‬
‫ل عليه رمضان آخر ‪ ،‬فإنّ عليه القضاء‬
‫ن من أخّر قضاء رمضان حتّى ه ّ‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ول فدية ‪ ،‬واستدلّوا بإطلق قوله تعالى ‪ { :‬ف ِعدّةٌ من أيّامٍ ُأخَر } من غير قيد ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إنّ‬
‫إطلق الية يدلّ على وجوب القضاء على التّراخي ‪ ،‬فل يلزمه بالتّأخير شيء ‪ ،‬غير أنّه‬
‫تارك للولى من المسارعة ‪.‬‬
‫تأخير الحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 13‬ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الحجّ يجب على الفور ‪ ،‬أي التيان به في أوّل أوقات‬
‫ج البيت مَن استطاعَ إليه سبيلً } ولقوله تعالى‬
‫الستطاعة ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وَلِلّه على النّاسِ حِ ّ‬
‫‪ { :‬وأتمّوا الحجّ والعمرةَ للّه } والمر للفور ‪ ،‬ولخبر ابن عبّاس رضي ال عنهما مرفوعا قال‬
‫ن أحدكم ل يدري ما َي ْعرِض له » ‪.‬‬
‫‪ « :‬تعجّلوا إلى الحجّ فإ ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة ‪ ،‬وهو المشهور عند المالكيّة إلى أنّ الحجّ يجب‬
‫ن جواز التّأخير عندهم مشروط بأمرين ‪ :‬العزم على الفعل في المستقبل ‪،‬‬
‫على التّراخي ‪ ،‬لك ّ‬
‫ن السّلمة إلى وقت فعله ‪.‬‬
‫وأن يغلب على الظّ ّ‬
‫ج نزلت بعد الهجرة سنة ستّ ‪ ،‬وفتح رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫واحتجّوا بأنّ فريضة الح ّ‬
‫مكّة في رمضان سنة ثمان ‪ ،‬وانصرف عنها في شوّال من سنته ‪.‬‬
‫ج النّاس سنة ثمان ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم مقيم بالمدينة هو وأزواجه وعامّة‬
‫وح ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أبا بكر للحجّ ‪ ،‬والنّبيّ مع عامّة‬
‫أصحابه ‪ ،‬ثمّ في سنة تسع بعث النّب ّ‬
‫أصحابه في المدينة ‪ ،‬وهم قادرون على الحجّ غير مشتغلين بقتال ول غيره ‪.‬‬
‫ج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فدلّ على جواز التّأخير ‪.‬‬
‫ثمّ في السّنة العاشرة ح ّ‬
‫تأخير رمي الجمار ‪:‬‬
‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على أنّ من أخّر الرّمي حتّى غروب اليوم الثّالث من أيّام التّشريق ‪ ،‬عليه‬
‫دم ‪ .‬واختلفوا فيما لو أخّره حتّى غروب الشّمس في غير اليوم الثّالث منها ‪.‬‬
‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه لو أخّر الرّمي فيما قبل اليوم الثّالث يرمي في اللّيلة الّتي تلي ذلك اليوم‬
‫سنّة ‪ ،‬وإن أخّره إلى اليوم التّالي كان‬
‫الّذي أخّر رميه ويقع أدا ًء ‪ ،‬لنّها تابعة له وكره لتركه ال ّ‬
‫ل إلى الثّالث ما لم تغرب شمسه ‪.‬‬
‫قضاءً ‪ ،‬ولزمه الجزاء ‪ .‬وكذا لو أخّر الك ّ‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه لو أخّر الرّمي إلى اللّيل وقع قضاءً ول شيء عليه ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لو أخّر رمي يوم أو يومين من أيّام التّشريق تداركه في باقي‬
‫اليّام ول شيء عليه ‪ ،‬فإن رمى ليلً لم يجزئه الرّمي ويعيد ‪.‬‬
‫تأخير طواف الفاضة عن أيّام التّشريق ‪:‬‬
‫ح فيه طواف الفاضة ‪ ،‬خلفا‬
‫‪ - 15‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل آخر للوقت الّذي يص ّ‬
‫ن آخر وقت طواف الفاضة آخر ذي الحجّة ‪.‬‬
‫للمالكيّة الّذين نصّوا على أ ّ‬
‫ثمّ اختلف الفقهاء فيمن أخّر طواف الفاضة عن أيّام التّشريق ‪:‬‬
‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تحريما تأخيره عن أيّام النّحر ولياليها ( وهي يوم العيد ويومان‬
‫بعده ) ويلزمه دم لترك الواجب ‪ ،‬وهو إيقاع طواف الفاضة في وقته ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ من أخّر طواف الفاضة حتّى خرجت أيّام التّشريق ‪ -‬وهي اليّام‬
‫الثّلثة التّالية ليوم العيد ‪ -‬فإنّ عليه دما ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكره تأخيره عن يوم النّحر ‪ ،‬وتأخيره عن أيّام التّشريق أشدّ كراهةً ‪،‬‬
‫وعن خروجه من مكّة أشدّ ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّ من أخّر طواف الفاضة عن أيّام منًى ( أيّام التّشريق ) جاز ‪ ،‬ول‬
‫ن وقته غير محدود ‪.‬‬
‫شيء عليه ل ّ‬
‫ونصّوا على أنّ أوّل وقته بعد نصف ليلة النّحر ‪ ،‬والفضل فعله يوم النّحر ‪ ،‬لقول ابن عمر ‪:‬‬
‫« أفاض رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوم النّحر » ‪.‬‬
‫تأخير الحلق أو التّقصير ‪:‬‬
‫‪ - 16‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في رواية إلى أنّه يجوز تأخير الحلق أو التّقصير إلى‬
‫آخر أيّام النّحر ‪ ،‬لنّه إذا جاز تأخير النّحر ‪ -‬وهو في التّرتيب مقدّم على الحلق ‪ -‬فتأخير‬
‫الحلق أولى ‪ ،‬فإن أخّر الحلق حتّى خرجت أيّام النّحر لزمه دم بالتّأخير ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة في رواية إلى أنّه إن أخّر الحلق حتّى خرجت أيّام التّشريق فل شيء‬
‫ن اللّه تعالى بيّن أوّل وقته بقوله ‪ { :‬ول َتحْلِقوا رءوسَكم‬
‫ن الصل عدم التّأقيت ‪ ،‬ل ّ‬
‫عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫حتّى َيبْلُ َغ الهديُ َمحِلّه } ‪ .‬ولم يبيّن آخره ‪ ،‬فمتى أتى به أجزأه ‪ ،‬كطواف الزّيارة والسّعي ‪،‬‬
‫ص الشّافعيّة على كراهية تأخيره ‪ .‬وتفصيل ذلك كلّه في ( الحجّ ) ‪.‬‬
‫وقد ن ّ‬
‫تأخير دفن الميّت ‪:‬‬
‫‪ - 17‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى كراهة تأخير دفن الميّت ‪ ،‬ويستثنى من ذلك من‬
‫مات فجأةً أو بهدم أو غرق ‪ ،‬فيجب التّأخير حتّى يتحقّق الموت ‪.‬‬
‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يحرم تأخير الدّفن ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكره ‪ ،‬واستثنوا تأخير الدّفن إذا كان الميّت بقرب‬
‫مكّة أو المدينة أو بيت المقدس ‪ ،‬نصّ عليه الشّافعيّ ‪ ،‬فيجوز التّأخير هنا لدفنه في تلك المكنة‬
‫ي ‪ :‬والمعتبر في القرب مسافة ل يتغيّر فيها الميّت قبل وصوله ‪.‬‬
‫‪ .‬قال السنو ّ‬
‫تأخير الكفّارات ‪:‬‬
‫من تأخير الكفّارات ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تأخير كفّارة اليمين ‪:‬‬
‫‪ - 18‬ذهب جمهور العلماء إلى أنّه ل يجوز تأخير كفّارة اليمين ‪ ،‬وأنّها تجب بالحنث على‬
‫الفور ‪ ،‬لنّه الصل في المر المطلق ‪.‬‬
‫ن كفّارة اليمين تجب على التّراخي ‪ ( .‬وانظر ‪ :‬أيمان ف ‪. ) 138‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫ب ‪ -‬تأخير كفّارة الظّهار ‪:‬‬
‫ن كفّارة الظّهار واجبة على التّراخي ‪ ،‬فل يأثم بالتّأخير عن‬
‫‪ - 19‬ذهب جمهور العلماء إلى أ ّ‬
‫أوّل أوقات المكان ‪ .‬وزاد الحنفيّة أنّها تتضيّق عند آخر عمره ‪ ،‬فيأثم بموته قبل أدائها ‪ ،‬ول‬
‫تؤخذ من تركته بل وصيّة من الثّلث ‪ ،‬ولو تبرّع الورثة بها جاز ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يأثم بالتّأخير ‪،‬‬
‫ويجبر عن التّكفير للظّهار ‪ .‬وانظر مصطلح ‪ ( :‬ظهار ) ‪ .‬وينظر أحكام تأخير كفّارة القتل‬
‫في مصطلح ( جناية ) ‪ ،‬وأحكام تأخير كفّارة الوقاع في رمضان في مصطلح ( صوم ) ‪.‬‬
‫تأخير زكاة الفطر ‪:‬‬
‫ن زكاة الفطر تجب‬
‫‪ - 20‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو أحد قولين مشهورين للمالكيّة إلى ‪ :‬أ ّ‬
‫عند غروب شمس آخر أيّام رمضان ‪ .‬والقول الخر للمالكيّة ‪ :‬تجب بطلوع فجر يوم العيد ‪.‬‬
‫ل تتأخّر عن‬
‫ن عندهم أ ّ‬
‫ويجوز عند الجمهور إخراجها إلى غروب شمس يوم العيد ‪ ،‬ويس ّ‬
‫صلة العيد ‪ .‬ويحرم عندهم جميعا تأخيرها عن يوم العيد من غير عذر ‪ ،‬ول تسقط بهذا‬
‫التّأخير بل يجب قضاؤها ‪ ،‬وقد رجّح ابن الهمام من الحنفيّة ‪ ،‬وتبعه ابن نجيم هذا القول ‪،‬‬
‫لقوله عليه الصلة والسلم في الفقراء ‪ « :‬أغنوهم عن طواف هذا اليوم » ‪.‬‬
‫ي وقت أدّى‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّ وجوب زكاة الفطر هو وجوب موسّع في العمر كلّه ‪ ،‬ففي أ ّ‬
‫ن المستحبّ إخراجها قبل الخروج إلى المصلّى ‪ ،‬ولو مات فأدّاها‬
‫كان مؤدّيا ل قاضيا ‪ ،‬غير أ ّ‬
‫وارثه جاز ‪.‬‬
‫ن زكاة الفطر تسقط بتأخيرها عن يوم‬
‫لكن ذهب الحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة إلى أ ّ‬
‫ن هذا قول ثالث خارج عن المذهب ‪.‬‬
‫الفطر كالضحيّة ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬والظّاهر أ ّ‬
‫تأخير نيّة الصّوم ‪:‬‬
‫‪ - 21‬ذهب الحنفيّة إلى جواز تأخير نيّة الصّوم في صوم رمضان والنّذر المعيّن والنّفل إلى‬
‫الضّحوة الكبرى ‪ ،‬أمّا في غير هذه الثّلثة فمنعوا تأخير ال ّنيّة فيها ‪ .‬وقالوا بوجوب تبييتها أو‬
‫قرانها مع الفجر ‪ ،‬كقضاء رمضان ‪ ،‬والنّذر المطلق ‪ ،‬وقضاء النّذر المعيّن ‪ ،‬والنّفل بعد‬
‫إفساده ‪ ،‬والكفّارات وغيرها ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ الصّوم ل يجزئ إلّ إذا تقدّمت ال ّنيّة على سائر أجزائه فإن طلع الفجر‬
‫ولم ينوه لم يجزه في سائر أنواع الصّيام ‪ ،‬إلّ يوم عاشوراء ففيه قولن ‪ :‬المشهور من‬
‫المذهب أنّه كغيره ‪ .‬وفرّق الشّافعيّة والحنابلة بين الفرض والنّفل ‪ ،‬فاشترطوا للفرض‬
‫جمِع الصّيام قبل الفجر فل صيام له » وأمّا‬
‫التّبييت ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من لم ُي ْ‬
‫النّفل فاتّفقوا على صحّة صومه بنيّة قبل الزّوال ‪ ،‬لحديث عائشة « أنّه صلى ال عليه وسلم‬
‫قال لعائشة يوما ‪ :‬هل عندكم شيء ؟ قالت ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬فإنّي إذن أصوم » وزاد الحنابلة ‪،‬‬
‫وهو قول عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّ النّفل يصحّ بنيّة بعد الزّوال أيضا للحديث السّابق ‪ ،‬ولنّ ال ّنيّة‬
‫وجدت في جزء النّهار فأشبه وجودها قبل الزّوال بلحظة ‪.‬‬
‫تأخير قضاء الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 22‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على من نام عن صلة أو نسيها قضاء تلك الصّلة‬
‫على الفور ويحرم تأخيرها ‪ .‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من نسي صل ًة أو نام عنها‬
‫فليصلّها إذا ذكرها » فأمر بالصّلة عند الذّكر والمر للوجوب ‪ ،‬وقد ألحق الجمهور مطلق‬
‫التّرك بالنّوم والنّسيان في وجوب القضاء من باب أولى ‪ ،‬ويجوز عندهم تأخير الفائتة لغرض‬
‫صحيح كالكل والشّرب والنّوم الّذي ل بدّ منه ‪ ،‬وقضاء حاجة النسان وتحصيل ما يحتاج له‬
‫في معاشه ‪ .‬واستثنى الشّافعيّة من ترك الصّلة لعذر ‪ ،‬فإنّه يستحبّ له أن يقضيها على‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فاتته صلة الصّبح فلم‬
‫ن النّب ّ‬
‫الفور ‪ ،‬فإن أخّرها جاز ‪ ،‬كما روي « أ ّ‬
‫يصلّها حتّى خرج من الوادي » ‪ .‬قالوا ‪ :‬ولو كانت على الفور لما أخّرها ‪.‬‬
‫تأخير الوتر ‪:‬‬
‫‪ - 23‬اتّفق الفقهاء على استحباب تأخير الوتر إلى وقت السّحر ‪ ،‬وهذا الستحباب لمن وثق‬
‫بأنّه يصلّيه آخر اللّيل ‪ ،‬فإن لم يثق بذلك أوتر قبل أن يرقد ‪ ،‬لحديث جابر « أنّ النّبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ :‬أيّكم خاف ألّ يقوم من آخر اللّيل فليوتر ثمّ ليرقد ‪ ،‬ومن وثق بقيامه من‬
‫ن قراءة آخر اللّيل محضورة ‪ ،‬وذلك أفضل » ‪.‬‬
‫اللّيل فليوتر من آخره ‪ ،‬فإ ّ‬
‫تأخير السّحور ‪:‬‬
‫سنّة ‪ ،‬لحديث زيد بن ثابت قال ‪:‬‬
‫‪ - 24‬اتّفق الفقهاء على أنّ تأخير السّحور وتقديم الفطر من ال ّ‬
‫« تسحّرنا مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ قام إلى الصّلة ‪ .‬قلت ‪ :‬كم كان بين الذان‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫والسّحور ؟ قال ‪ :‬قدر خمسين آي ًة » ‪ .‬ولحديث أبي ذرّ أ ّ‬
‫قال ‪ « :‬ل تزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر وأخّروا السّحور » ‪.‬‬
‫شكّ في طلوع الفجر ‪ ،‬فإن شكّ‬
‫س ّنيّة فيما إذا تحقّق من غروب الشّمس ولم يقع منه ال ّ‬
‫وموطن ال ّ‬
‫في ذلك ‪ ،‬كأن تردّد في بقاء اللّيل لم يسنّ التّأخير بل الفضل تركه ‪.‬‬
‫تأخير أداء الدّين ‪:‬‬
‫‪ - 25‬إذا حلّ أجل الدّين ولم يؤدّه المدين ‪ ،‬فإن كان قادرا على الوفاء وأخّره بل عذر منعه‬
‫القاضي من السّفر وحبسه إلى أن يوفي دينه ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬ليّ الواجد يحلّ‬
‫عرضه وعقوبته » ‪ .‬فإن لم يؤدّ ‪ ،‬وكان له مال ظاهر ‪ ،‬باعه الحاكم عليه ‪ ،‬على خلف‬
‫وتفصيل في ذلك بين المذاهب ‪ ،‬وإذا كان تأخير سداد الدّين لعذر كالعسار أمهل إلى أن‬
‫يوسر ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وإن كان ذو عسرة َف َنظِرَة إلى ميسرة } ‪ .‬أمّا إذا كان للمدين مال ‪،‬‬
‫ولكنّه ل يفي بالدّيون ‪ ،‬وطلب الغرماء الحجر عليه لزم القاضي إجابتهم ‪ .‬على خلف‬
‫وتفصيل في المذاهب ينظر في مصطلح ( أداء ) وبابي ( الحجر والتّفليس ) ‪.‬‬
‫تأخير المهر ‪:‬‬
‫‪ - 26‬يجب المهر بنفس عقد الزّواج ‪ ،‬ويجوز تأخير الصّداق كلّه أو بعضه عن الدّخول ‪.‬‬
‫على خلف وتفصيل ينظر في ( النّكاح ) ‪.‬‬
‫تأخير نفقة الزّوجة ‪:‬‬
‫‪ - 27‬يجب على الزّوج النفاق على زوجته ومن يعول ‪ ،‬ويجوز له ولزوجته التّفاق على‬
‫تعجيل أو تأخير النّفقة ‪ ،‬ويعتبر كلّ زوج بحسب حال مورده ‪ ،‬فإن أخّر النّفقة عن زوجته‬
‫بعذر العسار جاز عند بعض الفقهاء طلب التّطليق من قبل الزّوجة أو النفاق عليها ‪.‬‬
‫ثمّ إن أخّر النّفقة وتراكمت عليه هل تسقط بالتّقادم أم تبقى دينا في ذمّته ؟ في كلّ ذلك خلف‬
‫وتفصيل ينظر في باب ( النّفقة ) ‪.‬‬
‫تأخير تسليم أحد البدلين في الرّبويّات ‪:‬‬
‫‪ - 28‬يشترط لبيع الرّبويّ بالرّبويّ الحلول ‪ -‬ل التّأخير ‪ -‬والتّقابض قبل التّفرّق ‪ ،‬سواء أكان‬
‫جنسا واحدا أم جنسين مختلفين ‪ ،‬ويزاد شرط التّماثل إذا كان جنسا واحدا ‪ ،‬لقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬الذّهب بالذّهب ‪ ،‬والفضّة بالفضّة ‪ ،‬والب ّر بالبرّ ‪ ،‬والشّعير بالشّعير ‪ ،‬والتّمر‬
‫بالتّمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثلً بمثل ‪ ،‬سواء بسواء ‪ ،‬يدا بيد ‪ ،‬فإذا اختلفت الجناس فبيعوا كيف‬
‫شئتم يدا بيد » فيحرم التّأخير في تسليم أحد البدلين في الرّبويّات ‪.‬‬
‫وللتّفصيل ر ‪ ( :‬الرّبا ‪ ،‬والبيع ) ‪.‬‬
‫التّأخير في إقامة الحدّ ‪:‬‬
‫‪ - 29‬الحدّ عقوبة مقدّرة شرعا تقام على مرتكب ما يوجب الحدّ زجرا له وتأديبا لغيره ‪،‬‬
‫والصل أنّ الجاني يحدّ فورا بعد ثبوت الحكم دون تأخير لكن قد يطرأ ما يوجب التّأخير أو‬
‫ب معه التّأخير ‪:‬‬
‫يستح ّ‬
‫أ ‪ -‬فيجب تأخير الحدّ بالجلد في الحرّ الشّديد والبرد الشّديد ‪ ،‬لما في إقامة الحدّ فيهما من‬
‫خوف الهلك خلفا للحنابلة ‪ .‬ول يقام على مريض يرجى برؤه حتّى يبرأ ‪ ،‬لنّه يجتمع عليه‬
‫وجع المرض وألم الضّرب فيخاف الهلك ‪ ،‬خلفا للحنابلة ‪ .‬ول يقام على النّفساء حتّى‬
‫ينقضي النّفاس ‪ ،‬لنّ النّفاس نوع مرض ‪ ،‬ويقام الحدّ على الحائض ‪ ،‬لنّ الحيض ليس‬
‫ن فيه هلك الولد والوالدة‬
‫بمرض ‪ .‬ول يقام على الحامل حتّى تضع وتطهر من النّفاس ‪ -‬ل ّ‬
‫‪ -‬وحتّى يستغني ولدها عنها بمن ترضعه ‪ ،‬حفاظا على حياة ولدها ‪.‬‬
‫وللتّفصيل انظر مصطلح ( حدّ ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أمّا في القصاص وح ّد الرّجم فل تأخير إلّ للحامل بالقيد السّابق ‪ .‬هذا إذا كان الولياء‬
‫في القصاص موجودين ‪ ،‬أمّا إذا كانوا صغارا أو غائبين فيؤخّر القصاص حتّى يكبر الصّغار‬
‫ويقدم الغائب ‪ .‬على خلف وتفصيل ينظر في ( قصاص ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وكذلك المرت ّد يؤخّر ثلثة أيّام وجوبا عند بعض الفقهاء ‪ ،‬وندبا عند بعضهم ‪ ،‬ويحبس‬
‫في هذه الفترة ول يخلّى سبيله بقصد استتابته وإزالة الشّبه الّتي علقت به ‪ ،‬فإن تاب خلّي‬
‫سبيله ‪ ،‬وإلّ قتل حدّا لكفره بعد السلم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬ويؤخّر حدّ السّكران باتّفاق الفقهاء حتّى يزول عنه السّكر تحصيلً للمقصود ‪ -‬وهو‬
‫ن الحدّ‬
‫النزجار ‪ -‬بوجدان اللم ‪ ،‬والسّكران زائل العقل كالمجنون ‪ .‬فلو حدّ قبل الفاقة فإ ّ‬
‫يعاد عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬ويسقط الحدّ على أحد قولين مصحّحين للشّافعيّة ‪ ،‬وهو الظّاهر عند‬
‫بعض الحنابلة ‪ ،‬نسبه المرداويّ إلى ابن نصر اللّه في حواشي الفروع ‪ ،‬وقال ‪ :‬الصّواب إن‬
‫حصل به ألم يوجب الزّجر سقط ‪ ،‬وإلّ فل ‪ ،‬ومثله في كشّاف القناع ‪.‬‬
‫تأخير إقامة الدّعوى ‪:‬‬
‫‪ - 30‬إذا تأخّر المدّعي في إقامة دعواه خمس عشرة سن ًة سقطت دعواه بالتّقادم ‪ ،‬ومن ثمّ فل‬
‫تسمع ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬لنهي السّلطان عن سماعها بعد هذه المدّة إلّ في الوقف والرث‬
‫وعند وجود عذر شرعيّ ‪ ،‬وسبب هذا النّهي قطع الحيل والتّزوير في الدّعاوى ‪ .‬ثمّ قال ‪:‬‬
‫ونقل في الحامديّة فتاوى من المذاهب الربعة بعدم سماع الدّعوى بعد نهي السّلطان ‪ .‬وأفتى‬
‫في الخيريّة بأنّه إذا مات السّلطان ل ب ّد من تجديد النّهي ول يستمرّ النّهي بعده ‪.‬‬
‫تأخير أداء الشّهادة ‪:‬‬
‫‪ - 31‬تأخير أداء الشّهادة بل عذر ‪ -‬كمرض أو بعد مسافة أو خوف ‪ -‬يؤدّي إلى عدم قبولها‬
‫ن التّقادم فيه ل يؤثّر على قبولها لما فيه من حقّ العبد ‪،‬‬
‫ل في حدّ القذف ‪ ،‬فإ ّ‬
‫لتهمة الشّاهد إ ّ‬
‫وكذلك يضمن السّارق المال المسروق ‪ ،‬لنّه حقّ العبد فل يسقط بالتّأخير ‪.‬‬
‫ويسقط حدّ الخمر لتأخير الشّهادة شهرا على الصحّ عند الحنفيّة ‪ ،‬وتأخير الشّهادة في‬
‫القصاص ل يمنع من قبول الشّهادة ‪ .‬والضّابط في قبول الشّهادة كما قال ابن عابدين ‪ :‬أنّ‬
‫التّقادم مانع في حقوق اللّه غير مانع في حقوق العباد ‪ ،‬على خلف وتفصيل بين الفقهاء ينظر‬
‫في باب ( الشّهادة ) ومصطلح ( تقادم ) ‪.‬‬
‫تأخير النّساء والصّبيان في صفوف الصّلة ‪:‬‬
‫سنّة أن يقف الرّجال خلف المام ‪ ،‬ويقف بعد الرّجال الصّبيان ‪ ،‬ويندب تأخّر‬
‫‪ - 32‬من ال ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى وأقام‬
‫ن النّب ّ‬
‫النّساء خلف الجميع ‪ .‬لقول أبي مالك الشعريّ ‪ « :‬إ ّ‬
‫الرّجال يلونه ‪ ،‬وأقام الصّبيان خلف ذلك ‪ ،‬وأقام النّساء خلف ذلك » ‪.‬‬

‫تأديب *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّأديب لغ ًة ‪ :‬مصدر أدّبه تأديبا ‪ ،‬أي علّمه الدب ‪ ،‬وعاقبه على إساءته ‪ ،‬وهو رياضة‬
‫النّفس ومحاسن الخلق ‪ .‬ول يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّعزير ‪:‬‬
‫ق تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّعزير لغةً ‪ :‬التّأديب والمنع والنّصرة ‪ .‬ومن هذا المعنى ‪ :‬قول الح ّ‬
‫عزّروه } ‪.‬‬
‫{ فالّذين آمنوا به َو َ‬
‫وشرعا ‪ :‬تأديب على معصية ل ح ّد فيها ول كفّارة ‪ .‬قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬وتسمية ضرب‬
‫الوليّ والزّوج والمعلّم تعزيرا هو أشهر الصطلحين ‪ ،‬كما ذكره الرّافعيّ ‪ .‬قال ‪ :‬ومنهم من‬
‫يخصّ لفظ التّعزير بالمام أو نائبه ‪ ،‬وضرب الباقي بتسميته تأديبا ل تعزيرا ‪.‬‬
‫ن التّعزير يصدق على العقوبة الصّادرة من الزّوج أو الب أو‬
‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فقد جروا على أ ّ‬
‫سيّد ‪ ،‬وكلّ‬
‫غيرهما ‪ -‬كما يصدق على فعل المام ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬التّعزير يفعله الزّوج وال ّ‬
‫من رأى أحدا يباشر المعصية ‪ .‬هذا ‪ ،‬وينظر تفصيل ما يتّصل بالعقوبة الصّادرة من المام‬
‫في غير الحدود في مصطلح ( تعزير ) ‪ .‬فالتّأديب أعمّ من التّعزير في أحد إطلقيه ‪.‬‬
‫حكمه التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 3‬قال ابن قدامة ‪ :‬ل نعلم خلفا بين الفقهاء في جواز تأديب الزّوج زوجته فيما يتعلّق‬
‫بحقوقه الزّوجيّة ‪ ،‬وفي أنّه غير واجب ‪ .‬واختلفوا في جواز تأديبه لحقّ اللّه تعالى كترك‬
‫الصّلة ‪ ،‬فذهب بعضهم إلى المنع ‪ ،‬وجوّزه آخرون ‪ ،‬كما سيأتي إن شاء اللّه ‪.‬‬
‫ي تأديب الصّبيّ لترك الصّلة والطّهارة ‪ ،‬ولتعليم الفرائض‬
‫كما اتّفقوا على أنّه يجب على الول ّ‬
‫ونحو ذلك ‪ ،‬وذلك بالقول إذا بلغ سبع سنين ‪ ،‬وبالضّرب إن لزم لصلحه إذا بلغ عشرا ‪،‬‬
‫ي الصّلة لسبع سنين ‪ ،‬واضربوه عليها ابن عشر سنين » ‪.‬‬
‫لحديث ‪ « :‬علّموا الصّب ّ‬
‫واختلفوا في حكم تأديب المام ونوّابه لمن رفع إليهم ‪:‬‬
‫فذهب الئمّة ‪ :‬أبو حنيفة ومالك وأحمد ‪ ،‬إلى وجوب إقامة التّأديب عليهم فيما شرع التّأديب‬
‫فيه ‪ ،‬إلّ إذا رأى المام أنّ في ترك التّأديب مصلحةً ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّه إن كان التّأديب منصوصا‬
‫عليه ‪ ،‬كوطء جارية امرأته وجارية مشتركة ‪ ،‬يجب امتثال المر فيه ‪ ،‬وإن لم يكن منصوصا‬
‫ن المذنب ل ينزجر إلّ بالضّرب‬
‫عليه ورأى المام مصلحةً في إقامة التّأديب ‪ ،‬أو علم أ ّ‬
‫وجب ‪ ،‬لنّه زاجر مشروع لوجه اللّه فوجب كالحدّ ‪.‬‬
‫ويرى الشّافعيّة أنّه ل يجب على المام إقامة التّأديب ‪ ،‬وله تركه ‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أعرض عن جماعة استحقّوه ‪ ،‬ولم يقم عليهم‬
‫ن النّب ّ‬
‫وحجّتهم ‪ « :‬أ ّ‬
‫التّأديب كالغالّ في الغنيمة » ‪ ،‬فلو كان واجبا لما أعرض عنهم ‪ ،‬ولقامه عليهم ‪.‬‬
‫هذا إذا كان التّأديب حقّا للّه ‪ .‬أمّا إذا كان حقّا لدميّ ‪ ،‬وطالب به مستحقّه ‪ ،‬وجب على المام‬
‫إقامته باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬ولكن إذا عفا عنه صاحب الحقّ فهل للمام إقامة التّأديب ؟‬
‫ذهب الشّافعيّة ‪ -‬في الصحّ من قولين عندهم ‪ -‬إلى ‪ :‬أنّه يجوز للمام ذلك ‪ ،‬وإن لم يكن له‬
‫قبل المطالبة إقامة التّأديب ‪ .‬لنّه ل يخلو عن حقّ اللّه ‪ ،‬ولنّه يتعلّق بنظر المام فلم يؤثّر فيه‬
‫إسقاط غيره ‪ .‬وينظر التّفصيل في مصطلح ( تعزير ) ‪.‬‬
‫ولية التّأديب ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تثبت ولية التّأديب ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬للمام ونوّابه كالقاضي بالولية العامّة ‪ ،‬فلهم الحقّ في تأديب من ارتكب محظورا ليس‬
‫فيه حدّ ‪ ،‬مع الختلف بين الفقهاء في الوجوب عليهم وعدمه كما مرّت الشارة إليه ‪ ( .‬ر ‪:‬‬
‫تعزير ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬للوليّ بالولية الخاصّة ‪ ،‬أبا كان أو جدّا أو وصيّا ‪ ،‬أو قيّما من قبل القاضي لحديث ‪:‬‬
‫« مروا أولدكم بالصّلة ‪ » ...‬إلخ‬
‫ج ‪ -‬للمعلّم على التّلميذ بإذن الوليّ ‪.‬‬
‫د ‪ -‬للزّوج على زوجته فيما يتّصل بالحقوق الزّوجيّة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬واللّاتي تخافون‬
‫ُنشُوزَهنّ َف ِعظُوهنّ واهْجروهنّ في المضاجِعِ واضربوهنّ } ‪ ،‬وهذا متّفق عليه بين الفقهاء ‪.‬‬
‫ولكنّهم اختلفوا في جواز تأديب الزّوج لزوجته في حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬كترك الصّلة ونحوها من‬
‫الفرائض ‪ .‬فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز تأديبها على ذلك ‪.‬‬
‫وقيّده المالكيّة بما قبل الرّفع للمام ‪ .‬وعند الحنفيّة والشّافعيّة ليس له التّأديب لحقّ اللّه ‪ ،‬لنّه‬
‫ل يتعلّق به ول ترجع المنفعة إليه ‪ .‬هذا ولم نقف على قول للفقهاء بوجوب التّأديب على‬
‫ن التّرك أولى ‪.‬‬
‫الزّوج ‪ ،‬بل يفهم من عباراتهم أ ّ‬
‫جاء في المّ للمام الشّافعيّ ‪ :‬في نهي النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن ضرب النّساء ‪ ،‬ثمّ إذنه‬
‫في ضربهنّ ‪ ،‬وقوله ‪ « :‬لن يضربَ خيارُكم » يشبه أن يكون عليه الصلة والسلم نهى عنه‬
‫ل يضربوا ‪،‬‬
‫على اختيار النّهي ‪ ،‬وأذن فيه بأن أباح لهم الضّرب في الحقّ ‪ ،‬واختار لهم أ ّ‬
‫لقوله ‪ « :‬لن يضرب خياركم » ‪ .‬وليس لغير هؤلء ولية التّأديب عند جمهور الفقهاء ‪ .‬غير‬
‫ن الحنفيّة قالوا ‪ :‬يقيم التّأديب ‪ -‬إذا كان حقّا للّه ‪ -‬كلّ مسلم في حال مباشرة المعصية ‪ ،‬لنّه‬
‫أّ‬
‫من باب إزالة المنكر ‪ ،‬والشّارع ولّى كلّ مسلم ذلك ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم « من رأى‬
‫ن النّهي عمّا مضى‬
‫منكم منكرا فليغيّره بيده ‪ » ...‬أمّا بعد الفراغ من المعصية فليس بنهي ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل يتصوّر ‪ ،‬فيتمحّض تعزيرا وذلك إلى المام ‪.‬‬
‫ما يجوز فيه التّأديب لغير الحاكم ‪.‬‬
‫‪ -5‬أ ‪ -‬نشوز الزّوجة وما يتّصل به من الحقوق ‪ ،‬كتركها الزّينة له مع القدرة عليها ‪ ،‬وترك‬
‫الغسل عند الجنابة ‪ ،‬والخروج من المنزل بغير إذنه ‪ ،‬وترك الجابة إلى الفراش ‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك ممّا له صلة بالعلقة الزّوجيّة ‪ ،‬وهذا متّفق عليه بين الفقهاء ‪.‬‬
‫واختلفوا في جواز تأديبه إيّاها لحقّ اللّه تعالى كترك الصّلة ونحوها ‪ ،‬فجوّزه البعض ‪ ،‬ومنعه‬
‫آخرون ‪ : .‬مصطلح ( نشوز ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وتثبت على الصّبيّ لوليّه ‪ ،‬أبا كان ‪ ،‬أو جدّا ‪ ،‬أو وصيّا ‪ ،‬أو قيّما من قبل القاضي لخبر‬
‫‪ « :‬مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ‪...‬‬
‫» ويؤدّب على ترك الطّهارة والصّلة وكذا الصّوم ‪ ،‬وينهى عن شرب الخمر ليألف الخير‬
‫شرّ ‪ ،‬ويؤمر بالغسل إذا جامع ‪ ،‬ويؤمر بجميع المأمورات ‪ ،‬وينهى عن جميع‬
‫ويترك ال ّ‬
‫المنهيّات ‪ .‬ويكون التّأديب بالضّرب والوعيد ‪ ،‬والتّعنيف بالقول ‪ .‬وهذا التّأديب واجب على‬
‫ق الصّبيّ لتمرينه على الصّلة ونحوها ليألفها‬
‫الوليّ باتّفاق الفقهاء للحديث المتقدّم ‪ .‬وهو في ح ّ‬
‫ويعتادها ول يتركها عند البلوغ ‪ .‬ول تجب عليه الصّلة عند جمهور الفقهاء لخبر « رُفع القلمُ‬
‫عن ثلثة ‪ » ...‬ذكر منهم الصّبيّ حتّى يبلغ ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬على التّلميذ ‪ :‬ويؤدّب المعلّم من يتعلّم منه بإذن الوليّ ‪ ،‬وليس له التّأديب بغير إذن الوليّ‬
‫عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫ونقل عن بعض الشّافعيّة قولهم ‪ :‬الجماع الفعليّ مطّرد بجواز ذلك بدون إذن الوليّ ‪.‬‬
‫نفقة التّأديب ‪:‬‬
‫‪ - 6‬تجب أجرة التّعليم في مال الطّفل إن كان له مال ‪ .‬فإن لم يكن له مال فعلى من تجب‬
‫عليه نفقته ‪ ،‬والنفاق من مال الصّبيّ لتعليمه الفرائض واجب بالتّفاق ‪ ،‬كما يجوز أن يصرف‬
‫من ماله أجرة تعليم ما سوى الفرائض من ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والصّلة ‪ ،‬والطّهارة ‪ ،‬كالدب ‪ ،‬والخطّ‬
‫‪ ،‬إن تأهّل لديه لنّه مستمرّ معه وينتفع به ‪ .‬ونقل الخطيب الشّربينيّ عن النّوويّ قوله في‬
‫الرّوضة ‪ :‬يجب على الباء والمّهات تعليم أولدهم الطّهارة والصّلة والشّرائع ‪ .‬وأجرة تعليم‬
‫الفرائض في مال الطّفل ‪ ،‬فإن لم يكن فعلى من تلزمه نفقته ‪.‬‬
‫طرق التّأديب ‪:‬‬
‫‪ - 7‬تختلف طرق التّأديب باختلف من له التّأديب ومن عليه التّأديب ‪:‬‬
‫فطرق تأديب المام لمن يستحقّ من الرّعيّة غير محصورة ول مقدّرة شرعا ‪ ،‬فيترك لجتهاده‬
‫في سلوك الصلح لتحصيل الغرض من التّأديب ‪ ،‬لختلف ذلك باختلف الجاني والجناية ‪،‬‬
‫وعليه أن يراعي التّدرّج اللّائق بالحال والقدر كما يراعي دفع الصّائل ‪ ،‬فل يرقى إلى مرتبة‬
‫وهو يرى ما دونها كافيا وموثّرا ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ( تعزير ) ‪.‬‬
‫طرق تأديب الزّوجة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬أ ‪ -‬الوعظ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الهجر في المضجع ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الضّرب غير المبرّح ‪.‬‬
‫وهذا التّرتيب واجب عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬فل ينتقل إلى الهجر إلّ إذا لم يجد الوعظ ‪ ،‬هذا‬
‫ن في المضاجِع واضربوهنّ } ‪.‬‬
‫لقوله تعالى ‪ { :‬واللّاتي تخافون نشوزَهنّ ف ِعظُوهنّ واهجروه ّ‬
‫ن فعظوهنّ ‪،‬‬
‫جاء في المغني لبن قدامة ‪ :‬في الية إضمار تقديره ‪ :‬واللّاتي تخافون نشوزه ّ‬
‫فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ‪ ،‬فإن أصررن فاضربوهنّ ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة ‪ -‬في الظهر من قولين عندهم ‪ -‬إلى أنّه يجوز للزّوج أن يؤدّبها بالضّرب‬
‫بعد ظهور النّشوز منها بقول أو فعل ‪ ،‬ول ترتيب على هذا القول بين الهجر والضّرب بعد‬
‫ظهور النّشوز ‪ ،‬والقول الخر يوافق رأي الجمهور ‪.‬‬
‫ويجب أن يكون الضّرب غير مبرّح ‪ ،‬وغير مدم ‪ ،‬وأن يتوقّى فيه الوجه والماكن المخوفة ‪،‬‬
‫ن ألّ يوطئن ُفرُشَكم أحدا‬
‫ن لكم عليه ّ‬
‫ن المقصود منه التّأديب ل التلف ‪ .‬لخبر ‪ « :‬إ ّ‬
‫لّ‬
‫ن ضربا غير مبرّح » ‪.‬‬
‫ن فاضربوه ّ‬
‫ن فعل َ‬
‫تكرهونه ‪ ،‬فإ ْ‬
‫ويشترط الحنابلة ألّ يجاوز به عشرة أسواط لحديث ‪ « :‬ل يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلّ‬
‫في ح ّد من حدود اللّه » ر ‪ :‬مصطلح ( نشوز ) ‪.‬‬
‫طرق تأديب الصّبيّ ‪:‬‬
‫‪ - 9‬يؤدّب الصّبيّ بالمر بأداء الفرائض والنّهي عن المنكرات بالقول ‪ ،‬ثمّ الوعيد ‪ ،‬ثمّ‬
‫التّعنيف ‪ ،‬ثمّ الضّرب ‪ ،‬إن لم تجد الطّرق المذكورة قبله ‪ ،‬ول يضرب الصّبيّ لترك الصّلة‬
‫إلّ إذا بلغ عشر سنين ‪ .‬لحديث ‪ « :‬مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ‪ ،‬واضربوهم‬
‫عليها وهم أبناء عشر سنين ‪ ،‬وفرّقوا بينهم في المضاجع » ‪.‬‬
‫ول يجاوز ثلثا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وهي أيضا على التّرتيب ‪ ،‬فل يرقى إلى مرتبة إذا كان ما قبلها يفي بالغرض وهو الصلح ‪.‬‬
‫تجاوز القدر المعتاد في التّأديب ‪:‬‬
‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على منع التّأديب بقصد التلف ‪ ،‬وعلى ترتّب المسئوليّة على ذلك ‪،‬‬
‫واختلفوا في البلوغ بالتّأديب أو التّعزير مبلغ الحدّ ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ( تعزير ) ‪.‬‬
‫الهلك من التّأديب المعتاد ‪:‬‬
‫‪ - 11‬اختلف الفقهاء أيضا في حكم الهلك من التّأديب المعتاد ‪:‬‬
‫ن المام ل يضمن الهلك من التّأديب‬
‫فاتّفق الئمّة الثّلثة ‪ :‬أبو حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬وأحمد على أ ّ‬
‫المعتاد ‪ ،‬لنّ المام مأمور بالحدّ والتّعزير ‪ ،‬وفعل المأمور ل يتقيّد بسلمة العاقبة ‪.‬‬
‫واختلفوا في تضمين الزّوج والوليّ ‪ ،‬إذا حصل التّلف من تأديبهما ولم يتجاوزا القدر المشروع‬
‫ي من التّلف الّذي ينشأ من التّأديب‬
‫‪ .‬فذهب مالك وأحمد إلى أنّه ل ضمان على الزّوج والول ّ‬
‫المعتاد ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة يضمن الزّوج إذا أفضى تأديبه المعتاد إلى الموت ‪ ،‬لنّ تأديب الزّوجة إذا تعيّن‬
‫ل لمنع نشوزها مشروط بأن يكون غير مبرّح ‪ ،‬فإذا ترتّب عليه الموت تبيّن أنّه قد جاوز‬
‫سبي ً‬
‫الفعل المأذون فيه ‪ ،‬فيجب عليه الضّمان ‪ .‬ولنّه غير واجب ‪ ،‬فشرط فيه سلمة العاقبة ‪.‬‬
‫واختلف أبو حنيفة وصاحباه في تضمين الب والجدّ والوصيّ ونحوهم ‪ :‬فذهب أبو حنيفة إلى‬
‫ي مأذون له بالتّأديب ل بالتلف ‪،‬‬
‫ن الول ّ‬
‫أنّه يضمن الجميع إذا ترتّب على تأديبهم التّلف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن التّأديب قد يحصل بغير الضّرب كالزّجر‬
‫فإذا أدّى إلى التّلف تبيّن أنّه جاوز الحدّ ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن الواجب ل يتقيّد بسلمة العاقبة ‪ ،‬والمباح يتقيّد‬
‫وفرك الذن ‪ .‬وخلصة رأي أبي حنيفة ‪ :‬أ ّ‬
‫بها ‪ ،‬ومن المباح ضرب الب أو المّ ولدهما تأديبا ومثلهما الوصيّ ‪ ،‬فإذا أفضى إلى الموت‬
‫وجب الضّمان ‪ ،‬وإن كان الضّرب للتّعليم فل ضمان ‪ ،‬لنّه واجب ‪ ،‬والواجب ل يتقيّد بسلمة‬
‫ن التّأديب منهم فعل مأذون فيه لصلح‬
‫العاقبة ‪ .‬وذهب الصّاحبان إلى أنّه ل ضمان عليهم ل ّ‬
‫الصّغير ‪ ،‬كضرب المعلّم ‪ ،‬بل أولى منه ‪ ،‬لنّ المعلّم يستمدّ ولية التّأديب من الوليّ ‪،‬‬
‫والموت نتج من فعل مأذون فيه ‪ ،‬والمتولّد من فعل مأذون ل يعدّ اعتداءً فل ضمان عليهم ‪.‬‬
‫ن المام رجع إلى قول الصّاحبين ‪.‬‬
‫ونقل عن بعض الحنفيّة أ ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى وجوب الضّمان في التّأديب وإن لم يتجاوز القدر المعتاد في مثله ‪ ،‬فإن‬
‫ل فدية شبه العمد على‬
‫كان ممّا يقتل غالبا ففيه القصاص على غير الصل ( الب والجدّ ) وإ ّ‬
‫العاقلة ‪ ،‬لنّه فعل مشروط بسلمة العاقبة ‪ ،‬إذ المقصود التّأديب ل الهلك ‪ ،‬فإذا حصل به‬
‫هلك تبيّن أنّه جاوز القدر المشروع فيه ‪ ،‬ول فرق عندهم بين المام وغيره ممّن أوتوا سلطة‬
‫التّأديب ‪ ،‬كالزّوج والوليّ ‪.‬‬
‫تأديب الدّابّة ‪:‬‬
‫‪ - 12‬للمستأجر ورائض الدّابّة تأديبها بالضّرب والكبح بقدر ما جرت به العادة ‪ ،‬ول يضمن‬
‫إن تلفت بذلك عند الئمّة الثّلثة ( مالك والشّافعيّ وأحمد بن حنبل ) وصاحبي أبي حنيفة ‪،‬‬
‫ح « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه نخس بعير جابر وضربه » ‪.‬‬
‫لنّه ص ّ‬
‫ن المعتاد مقيّد‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يضمن لنّه تلف حصل بجنايته فضمنه كغيره ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن السّوق يتحقّق بدون الضّرب ‪ ،‬وإنّما يضرب للمبالغة فيضمن ‪.‬‬
‫بشرط السّلمة ‪ ،‬ول ّ‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 13‬يذكر الفقهاء التّأديب أساسا في أبواب كثيرة مثل ‪ :‬الصّلة ‪ ،‬النّشوز ‪ ،‬التّعزير ‪ ،‬دفع‬
‫الصّائل ‪ ،‬ضمان الولة ‪ ،‬والحسبة ‪.‬‬
‫تأريخ *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّأريخ ‪ :‬مصدر أرّخ ‪ ،‬ومعناه في اللّغة ‪ :‬تعريف الوقت ‪ ،‬يقال ‪ :‬أرّخت الكتاب ليوم كذا‬
‫‪ :‬إذا و ّقتّه وجعلت له تاريخا ‪.‬‬
‫وأمّا معناه في الصطلح ‪ :‬فيؤخذ من كلم السّخاويّ ‪ :‬أنّه تحديد وقائع الزّمن من حيث‬
‫التّعيين والتّوقيت ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الجل ‪:‬‬
‫‪ - 2‬أجل الشّيء في اللّغة ‪ -‬كما جاء في المصباح ‪ -‬مدّته ووقته الّذي يحلّ فيه ‪ ،‬وهو مصدر‬
‫‪ ،‬ويجمع على آجال ‪ ،‬كسبب وأسباب ‪ ،‬والجل على فاعل خلف العاجل ‪.‬‬
‫وأمّا الجل في اصطلح الفقهاء ‪ :‬فهو المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من المور ‪،‬‬
‫سواء أكانت هذه الضافة أجلً للوفاء بالتزام ‪ ،‬أم أجلً لنهاء التزام ‪.‬‬
‫وسواء أكانت هذه المدّة مقرّرةً بالشّرع ‪ ،‬أم بالقضاء ‪ ،‬أم بإرادة الملتزم ‪ :‬فردا أو أكثر ‪.‬‬
‫والنّسبة بينهما هي أنّ التّاريخ أعمّ من الجل ‪ :‬لنّه يتناول المدّة الماضية والحاضرة ‪،‬‬
‫ل المستقبلة ‪.‬‬
‫والمستقبلة ‪ ،‬والجل ل يتناول إ ّ‬
‫ب ‪ -‬الميقات ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الميقات في اللّغة ‪ ،‬كما جاء في الصّحاح ‪ :‬الوقت المضروب للفعل والموضع ‪ ،‬وجاء في‬
‫المصباح أنّه الوقت ‪ ،‬والجمع مواقيت ‪ ،‬وقد استعير الوقت للمكان ‪ ،‬ومنه مواقيت الحجّ‬
‫لمواضع الحرام ‪ .‬واصطلحا ‪ :‬ما قدّر فيه عمل من العمال ‪ .‬سواء أكان زمنا أم مكانا ‪،‬‬
‫وهو أعمّ من التّاريخ ‪.‬‬
‫حكمه التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬قد يكون التّأريخ واجبا ‪ ،‬إذا تعيّن طريقا للوصول إلى معرفة حكم شرعيّ ‪ ،‬كتوريث ‪،‬‬
‫وقصاص ‪ ،‬وقبول رواية ‪ ،‬وتنفيذ عهد ‪ ،‬وقضاء دين ‪ ،‬وما إلى ذلك ‪.‬‬
‫التّأريخ قبل السلم ‪:‬‬
‫ل طائفة منهم تؤرّخ بالحادثة‬
‫‪ - 5‬لم يكن للعرب قبل السلم تأريخ يجمعهم ‪ ،‬وإنّما كانت ك ّ‬
‫المشهورة فيها ‪.‬‬
‫ن بني إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬كانوا يؤرّخون من نار إبراهيم إلى بنيان البيت ‪،‬‬
‫وبيان ذلك أ ّ‬
‫حين بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم ‪ ،‬ثمّ أرّخ بنو إسماعيل من بنيان البيت حتّى‬
‫تفرّقوا ‪ ،‬فكان كلّما خرج قوم من تهامة أرّخوا بمخرجهم ‪ ،‬ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل‬
‫يؤرّخون من خروج سعد ونهد وجهينة بني زيد ‪ ،‬من تهامة حتّى مات كعب بن لؤيّ ‪،‬‬
‫وأرّخوا من موته إلى الفيل ‪ ،‬ثمّ كان التّاريخ من الفيل حتّى أرّخ عمر بن الخطّاب رضي ال‬
‫عنه من الهجرة ‪ .‬وأمّا غيرهم من العرب فإنّهم كانوا يؤرّخون باليّام والحوادث المشهورة ‪،‬‬
‫كحرب البسوس وداحس والغبراء ‪ ،‬وبيوم ذي قار ‪ ،‬والفجّار ونحوه ‪.‬‬
‫أمّا قبل ذلك ‪ ،‬وفي البداية عندما كثر بنو آدم في الرض ‪ ،‬فإنّهم أرّخوا من هبوط آدم إلى‬
‫الطّوفان ‪ ،‬ثمّ إلى نار الخليل عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ثمّ إلى زمان يوسف عليه السلم ‪ ،‬ث ّم إلى‬
‫خروج موسى عليه السلم من مصر ببني إسرائيل ‪ ،‬ثمّ إلى زمان داود عليه السلم ‪ ،‬ثمّ إلى‬
‫زمان سليمان عليه السلم ‪ ،‬ثمّ إلى زمان عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫سدّ ‪ ،‬وأهل صنعاء بظهور الحبشة على اليمن ‪ ،‬ث ّم بغلبة‬
‫وأرّخت حِمير بالتّبابعة ‪ ،‬وغسّانُ بال ّ‬
‫الفرس ‪ .‬وأرّخت الفرس بأربع طبقات من ملوكها ‪ ،‬والرّوم بقتل دارا بن دارا إلى ظهور‬
‫الفرس عليهم ‪ .‬وأرّخ القبط ببخت نصّر إلى قلبطرة ( كليوبترا ) صاحبة مصر ‪.‬‬
‫واليهود أرّخوا بخراب بيت المقدس ‪ .‬والنّصارى برفع عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫سبب وضع التّاريخ الهجريّ ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يروى أنّ أبا موسى الشعريّ كتب إلى عمر ‪ :‬أن يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ ‪ ،‬فجمع‬
‫عمر النّاس ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬أرّخ بالمبعث ‪ ،‬وبعضهم ‪ :‬أرّخ بالهجرة ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬الهجرة‬
‫فرّقت بين الحقّ والباطل فأرّخوا بها ‪ ،‬وذلك سنة سبع عشرة ‪ ،‬فلمّا اتّفقوا قالوا ‪ :‬ابدءوا‬
‫برمضان ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬بل بالمحرّم ‪ ،‬فإنّه منصرف النّاس من حجّهم ‪ ،‬فاتّفقوا عليه ‪ .‬هذا ول‬
‫ج وعدّة المتوفّى‬
‫ن المسلمين احتاجوا إلى التّأريخ لضبط أمورهم الدّينيّة كالصّوم والح ّ‬
‫يخفى أ ّ‬
‫عنها زوجها ‪ ،‬والنّذور الّتي تتعلّق بالوقات ‪.‬‬
‫ولضبط أمورهم الدّنيويّة كالمداينات والجارات والمواعيد ومدّة الحمل والرّضاع ‪.‬‬
‫التّأريخ بالسّنة الشّمسيّة ‪ ،‬وهو التّأريخ غير الهجريّ ‪:‬‬
‫‪ - 7‬السّنة الشّمسيّة تتّفق مع السّنة القمريّة في عدد الشّهور ‪ ،‬وتختلف معها في عدد اليّام ‪ ،‬إذ‬
‫تزيد أيّامها على أيّام السّنة القمريّة بأحد عشر يوما تقريبا ‪.‬‬
‫وقد اعتمد عليها الرّوم والسّريان والفرس والقبط في تأريخهم ‪ .‬فهناك السّنة الرّوميّة ‪ ،‬والسّنة‬
‫السّريانيّة ‪ ،‬والسّنة الفارسيّة ‪ ،‬والسّنة القبطيّة ‪.‬‬
‫ل أنّها تختلف في أسماء تلك‬
‫ل سنة منها ‪ ،‬إ ّ‬
‫وهذه السّنون ‪ ،‬وإن كانت متّفق ًة في عدد شهور ك ّ‬
‫الشّهور وعدد أيّامها وأسماء اليّام ‪ ،‬وفي موعد بدء كلّ سنة منها ‪.‬‬
‫حكم استعمال التّأريخ غير الهجريّ في المعاملت ‪:‬‬
‫ن المتعاقدين إذا‬
‫‪ - 8‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو الصّحيح عند الحنابلة إلى أ ّ‬
‫ح العقد ‪ ،‬إذا كان ذلك التّأريخ‬
‫استعمل التّأريخ غير الهجريّ في المعاملت تنتفي الجهالة ويص ّ‬
‫ن تلك‬
‫معلوما عند المسلمين ‪ ،‬كأن يؤرّخ بشهر من أشهر الرّوم ‪ ،‬ككانون ‪ ،‬وشباط ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ذلك‬
‫الشّهور معلومة مضبوطة ‪ ،‬أو يؤرّخ بفطر النّصارى بعدما شرعوا في صومهم ‪ ،‬ل ّ‬
‫يكون معلوما ‪ .‬أمّا إذا أرّخ بتأريخ قد ل يعرفه المسلمون ‪ ،‬مثل أن يؤرّخ بعيد من أعياد‬
‫الكفّار ‪ ،‬كالنّيروز والمهرجان ‪ ،‬وفصح النّصارى ‪ ،‬وصومهم الميلد ‪ ،‬وفطر اليهود ‪،‬‬
‫ح إذا علم المتعاقدان ذلك ‪،‬‬
‫والشّعانين ‪ ،‬فقد ذكر الحنفيّة في البيع إلى تلك الوقات ‪ :‬أنّه يص ّ‬
‫ح مع جهلهما ومعرفة غيرهما به ‪ ،‬لنّه يفضي إلى المنازعة ‪ .‬وصحّح المالكيّة‬
‫ول يص ّ‬
‫ن تلك اليّام إن كانت معلوم ًة فإنّها تكون كالمنصوصة ‪.‬‬
‫ذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن التّأقيت بالنّيروز والمهرجان مجزئ على الصّحيح ‪،‬‬
‫وذكر الشّافعيّة كما جاء في الرّوضة أ ّ‬
‫وفي وجه ‪ :‬ل يصحّ لعدم انضباط وقتهما ‪.‬‬
‫ح ‪ ،‬وتمسّك بظاهره بعض‬
‫أمّا التّأريخ بفصح النّصارى فقد نصّ الشّافعيّ على أنّه ل يص ّ‬
‫الصحاب من الشّافعيّة اجتنابا لمواقيت الكفّار ‪ ،‬وقال جمهور الصحاب من الشّافعيّة ‪ :‬إن‬
‫اختصّ بمعرفته الكفّار لم يصحّ ‪ ،‬لنّه ل اعتماد على قولهم ‪ ،‬وإن عرفه المسلمون جاز‬
‫كالنّيروز ‪ .‬ثمّ اعتبر جماعة فيهما معرفة المتعاقدين ‪ ،‬وقال أكثر الصحاب ‪ :‬يكفي معرفة‬
‫النّاس ‪ ،‬وسواء اعتبرنا معرفتهما أم ل ‪ ،‬فلو عرفا كفى على الصّحيح ‪ ،‬وفي وجه يشترط‬
‫معرفة عدلين من المسلمين سواهما ‪ ،‬لنّهما قد يختلفان فل بدّ من مرجّح ‪ ،‬وفي معنى الفصح‬
‫سائر أعياد أهل الملل كفطر اليهود ونحوه ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة فإنّهم لم يفرّقوا بين التّأريخ بغير الشّهور الهلليّة ‪ ،‬كالشّهور الرّوميّة ‪ ،‬وأعياد‬
‫ح على الصّحيح من المذهب إذا عرف المسلمون ذلك ‪ ،‬وقد اختار‬
‫الكفّار ‪ ،‬فإنّ ذلك عندهم يص ّ‬
‫هذا القول جماعة منهم القاضي ‪ ،‬وقدّمه صاحب الكافي والرّعايتين والحاويين والفروع‬
‫وغيرهم ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل يصحّ كالشّعانين وعيد الفطير ونحوهما ممّا يجهله المسلمون غالبا ‪ ،‬وهو‬
‫ظاهر كلم الخرقيّ وابن أبي موسى وابن عبدوس في تذكرته ‪ ،‬حيث قالوا بالهلّة ‪.‬‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 9‬يبحث عن الحكام الخاصّة بمصطلح التّأريخ في مصطلح ( آجل ) ومصطلح ( تأقيت )‬
‫لنّ الفقهاء في الغالب ل يذكرون في كتبهم لفظ التّأريخ ‪ ،‬وإنّما يذكرون لفظ الجل ‪ ،‬ولفظ‬
‫التّأقيت ‪ ،‬فكلّ ما يتعلّق بالتّصرّفات من التّأقيت أو التّأجيل يرجع فيه إلى هذين المصطلحين‬
‫( الجل والتّأقيت ) ‪.‬‬
‫تأقيت *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّأقيت أو التّوقيت ‪ :‬مصدر أقّت أو وقّت بتشديد القاف ‪ ،‬فالهمزة في المصدر والفعل‬
‫مبدلة من الواو ‪ ،‬ومعناه في اللّغة ‪ :‬تحديد الوقات ‪ .‬وهو يتناول الشّيء الّذي قدّر له حينا أو‬
‫غايةً ‪ .‬وتقول ‪ :‬و ّقتّه ليوم كذا مثل أجّلته ‪ .‬وقال في القاموس في بيان معنى الوقت ‪ :‬وأنّه‬
‫يستعمل بمعنى تحديد الوقات كالتّوقيت ‪ ،‬والوقت المقدار من الدّهر ‪.‬‬
‫وقال في الصّحاح ‪ :‬و ّقتّه فهو موقوت ‪ ،‬إذا بيّن للفعل وقتا يفعل فيه ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬إنّ‬
‫الصّلةَ كانت على المؤمنين كتابا مَوْقوتا } ‪ .‬أي مفروضا في الوقات ‪ .‬وقد استعير الوقت‬
‫ج لمواضع الحرام ‪.‬‬
‫للمكان ‪ ،‬ومنه مواقيت الح ّ‬
‫والتّأقيت في الصطلح ‪ :‬تحديد وقت الفعل ابتدا ًء وانتهاءً ‪ .‬والتّأقيت قد يكون من الشّارع في‬
‫العبادات مثلً ‪ ،‬وقد يكون من غيره ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الجل ‪:‬‬
‫ل فيه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أجل الشّيء في اللّغة ‪ ،‬كما جاء في المصباح ‪ :‬مدّته ووقته الّذي يح ّ‬
‫وفي اصطلح الفقهاء هو ‪ :‬المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من المور ‪ ،‬سواء أكانت‬
‫هذه الضافة أجلً للوفاء بالتزام ‪ ،‬أو أجلً لنهاء التزام ‪ ،‬وسواء أكانت هذه المدّة مقرّرةً‬
‫بالشّرع ‪ ،‬أو بالقضاء ‪ ،‬أو بإرادة الملتزم فردا أو أكثر ‪ .‬والفرق بينه وبين التّأقيت واضح ‪،‬‬
‫فإنّ التّصرّفات في التّأقيت تثبت في الحال غالبا وتنتهي في وقت معيّن ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الضافة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الضافة في اللّغة تأتي لمعان منها ‪ :‬السناد ‪ ،‬والتّخصيص ‪.‬‬
‫ويستعملها الفقهاء بهذين المعنيين ‪ ،‬كما يستعملونها أيضا بمعنى إضافة الحكم إلى الزّمن‬
‫المستقبل ‪ ،‬أي إرجاء نفاذ حكم التّصرّف إلى الزّمن المستقبل الّذي حدّده المتصرّف بغير كلمة‬
‫ن التّصرّفات في التّأقيت تثبت في الحال ‪ ،‬وتنتهي في‬
‫شرط ‪ .‬والفرق بينهما وبين التّأقيت ‪ :‬أ ّ‬
‫وقت معيّن ‪ .‬بخلف الضافة ‪ ،‬فإنّها تؤخّر ترتّب الحكم على السّبب إلى الوقت الّذي أضيف‬
‫إليه السّبب ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّأبيد ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّأبيد في اللّغة معناه ‪ :‬التّخليد أو التّوحّش كما جاء في الصّحاح ‪.‬‬
‫وقال في المصباح ‪ :‬فإذا قلت ‪ :‬ل أكلّمه أبدا ‪ ،‬فالبد من لدن تكلّمت إلى آخر عمرك ‪.‬‬
‫وأمّا عند الفقهاء فيعرف من استعمالتهم ‪ :‬أنّه تقييد صيغة التّصرّفات بالبد وما في معناه ‪.‬‬
‫والفرق بين التّأبيد والتّأقيت واضح ‪ ،‬فإنّه وإن كان التّصرّف في كلّ منهما ثابتا في الحال ‪ ،‬إلّ‬
‫ن التّصرّفات في التّأقيت مقيّدة بوقت معيّن ينتهي أثرها عنده ‪ ،‬بخلف التّأبيد ‪ .‬وللتّوسّع ر ‪:‬‬
‫أّ‬
‫( تأبيد ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّأجيل ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّأجيل في اللّغة ‪ :‬مصدر أجّل ‪ -‬بتشديد الجيم ‪ -‬ومعناه ‪ :‬أن تجعل للشّيء أجلً ‪ ،‬وأجل‬
‫الشّيء ‪ :‬مدّته ووقته الّذي يحلّ فيه ‪.‬‬
‫وفي الصطلح معناه ‪ :‬تأخير الثّابت في الحال إلى زمن مستقبل ‪ ،‬كتأجيل المطالبة بالثّمن‬
‫ن التّأقيت يترتّب عليه ثبوت التّصرّف‬
‫ي شهر مثلً ‪ .‬والفرق بين التّأجيل والتّأقيت ‪ :‬أ ّ‬
‫إلى مض ّ‬
‫في الحال ‪ ،‬بخلف التّأجيل فإنّه على العكس من ذلك ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬التّعليق ‪:‬‬
‫‪ - 6‬التّعليق في اصطلح الفقهاء ‪ -‬كما قال ابن نجيم ‪ : -‬ربط حصول مضمون جملة‬
‫بحصول مضمون جملة أخرى ‪.‬‬
‫وفسّره الحمويّ بأنّه ترتيب أمر لم يوجد على أمر سيوجد ‪ ،‬بإن أو إحدى أدوات الشّرط‬
‫الخرى ‪ .‬والفرق بين التّعليق والتّأقيت ‪ :‬أنّ التّأقيت تثبت فيه التّصرّفات في الحال ‪ ،‬فل يمنع‬
‫ترتّب الحكم على السّبب ‪ ،‬بخلف التّعليق فإنّه يمنع المعلّق عن أن يكون سببا للحكم في الحال‬
‫‪ .‬ر ‪ ( :‬تعليق ) ‪.‬‬
‫أثر التّأقيت في التّصرّفات ‪:‬‬
‫‪ - 7‬التّصرّفات من حيث قبولها التّأقيت أو عدم قبولها له على ثلثة أقسام هي ‪ :‬تصرّفات ل‬
‫ح مؤقّتةً كالبيع‬
‫ل مؤقّت ًة كالجارة والمزارعة والمساقاة والمكاتبة ‪ ،‬وتصرّفات ل تص ّ‬
‫تقع إ ّ‬
‫والرّهن والهبة والنّكاح ‪ ،‬وتصرّفات تكون مؤقّتةً وغير مؤقّتة كالعاريّة والكفالة والمضاربة‬
‫والوقف وغيرها ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬التّصرّفات الّتي ل تقع إلّ مؤقّتةً ‪:‬‬
‫أ ّو ً‬
‫أ ‪ -‬الجارة ‪:‬‬
‫ل مؤقّتةً بمدّة معيّنة ‪ ،‬أو بوقوعها على عمل‬
‫‪ - 8‬اتّفق الفقهاء على أنّ الجارة ل تصحّ إ ّ‬
‫معلوم ‪ .‬فمن الوّل ‪ :‬إجارة الرض أو الدّور أو الدّوابّ والجير الخاصّ ‪.‬‬
‫ومن الثّاني ‪ :‬الستئجار على عمل كخياطة ثوب مثلً ‪ ،‬وهو الجير المشترك ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المزارعة والمساقاة ‪:‬‬
‫‪ - 9‬ذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز المزارعة ‪ ،‬خلفا لبي يوسف ومحمّد ‪ ،‬فقد قال بجوازها‬
‫‪ .‬وأنّ من شروط صحّتها بيان المدّة ‪ ،‬فهي من العقود المؤقّتة عندهما ‪.‬‬
‫وأمّا المساقاة فل يشترط توقيتها عندهما ‪ ،‬فإن ترك تأقيتها جازت استحسانا ‪ ،‬لنّ وقت إدراك‬
‫الثّمر معلوم ‪.‬‬
‫ح عندهم بل تقدير مدّة ‪.‬‬
‫وأمّا المالكيّة فلم يتعرّضوا لذكر التّأقيت في المزارعة فتص ّ‬
‫ن بعضهم يرى فسادها إن‬
‫وأمّا المساقاة عندهم فإنّها تؤقّت بالجذاذ ‪ ،‬أي ‪ :‬جني الثّمر ‪ ،‬حتّى أ ّ‬
‫أطلقت ولم تؤقّت ‪ ،‬أو أقّتت بوقت يزيد على الجذاذ ‪ .‬ويرى ابن الحاجب من المالكيّة أنّها إن‬
‫ن التّأقيت ليس شرطا في‬
‫أطلقت صحّت وحملت على الجذاذ ‪ ،‬وذكر صاحب الشّرح الكبير ‪ :‬أ ّ‬
‫صحّتها ‪ ،‬وغاية ما في المر أنّها إن أقّتت فإنّها تؤقّت بالجذاذ ‪.‬‬
‫وأمّا الشّافعيّة فإنّهم يرون أنّ المزارعة إذا أفردت بالعقد فل ب ّد فيها من تقرير المدّة ‪ ،‬وأمّا إذا‬
‫كانت تابعةً للمساقاة فإنّ ما يجري على المساقاة يجري عليها ‪.‬‬
‫ن من شروط صحّتها عندهم أن تكون مؤقّت ًة إذ يشترط فيها معرفة العمل‬
‫وأمّا المساقاة فإ ّ‬
‫بتقدير المدّة كسنة ‪ .‬وأمّا الحنابلة فل يشترطون لصحّة المزارعة والمساقاة التّأقيت ‪ ،‬بل تصحّ‬
‫مؤقّتةً وغير مؤقّتة ‪ ،‬فلو زارعه أو ساقاه دون أن يذكر مدّ ًة جاز ‪ « ،‬لنّه صلى ال عليه‬
‫ل من‬
‫وسلم لم يضرب لهل خيبر مدّ ًة » ‪ .‬وكذا خلفاؤه من بعده صلى ال عليه وسلم ‪ .‬ولك ّ‬
‫العاقدين فسخها متى شاء ‪ ،‬فإن كان الفسخ من ربّ المال قبل ظهور الثّمر وبعد شروع العامل‬
‫بالعمل فعليه للعامل أجرة مثل عمله ‪ .‬وإن فسخ العامل قبل ظهور الثّمر فل شيء له ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التّصرّفات غير المؤقّتة ‪:‬‬
‫ن التّأقيت يفسدها ‪ ،‬وهي البيع والرّهن‬
‫وهي تلك التّصرّفات الّتي ل تقبل التّأقيت ‪ ،‬أي ‪ :‬أ ّ‬
‫والهبة والنّكاح ‪ ،‬وبيان ذلك في ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البيع ‪:‬‬
‫‪ - 10‬البيع عند الفقهاء مقابلة مال بمال على وجه مخصوص ‪ ،‬وهو ل يقبل التّأقيت عند‬
‫ل يكون مؤقّتا ‪ .‬ر ‪ ( :‬بيع ) ‪.‬‬
‫ن من شرائط صحّة البيع العامّة أ ّ‬
‫الفقهاء ‪ ،‬فقد ذكروا أ ّ‬
‫ن البيع ل يقبل التّأقيت بحال ‪ ،‬ومتى أقّت بطل ‪.‬‬
‫وذكر السّيوطيّ في أشباهه أ ّ‬
‫ب ‪ -‬الرّهن ‪:‬‬
‫ن حكم الرّهن كما قال‬
‫ن الرّهن ل يقبل التّأقيت ‪ ،‬ومتى أقّت فسد ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫الحنفيّة ‪ :‬الحبس الدّائم إلى انتهاء الرّهن بالداء أو البراء ‪ .‬وقد ذكر المالكيّة أنّ من رهن‬
‫ن هذا ل يعرف من رهون النّاس ‪ ،‬ول‬
‫رهنا على أنّه إن مضت سنة خرج من الرّهن ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يكون رهنا ‪ .‬والرّهن عند الشّافعيّة إنّما شرع للستيثاق ‪ ،‬فتأقيته بمدّة ينافي ذلك ‪ .‬والرّهن‬
‫عند الحنابلة ل يقبل التّأقيت أيضا ‪ ،‬فقد جاء في كشّاف القناع ‪ :‬أنّه لو شرط المتعاقدان تأقيت‬
‫الرّهن ‪ ،‬بأن قال ‪ :‬هو رهن عشرة أيّام ‪ ،‬فالشّرط فاسد ‪ ،‬لمنافاته مقتضى العقد ‪ ،‬والرّهن‬
‫صحيح ‪ .‬ر ‪ ( :‬رهن ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الهبة ‪:‬‬
‫‪ - 12‬اتّفق الفقهاء على أنّ الهبة ل تقبل التّأقيت ‪ ،‬لنّها كما قال الحنفيّة ‪ :‬تمليك للعين في‬
‫الحال بل عوض ‪ ،‬فل تحتمل التّأقيت قياسا على البيع ‪.‬‬
‫ن تأقيتها أو تأجيلها يؤدّي إلى الغرر كما قال المالكيّة ‪.‬‬
‫ول ّ‬
‫ن الهبة ل تقبل التّعليق على الشّرط ‪ ،‬ول تقبل التّأقيت على المذهب ‪.‬‬
‫وذكر النّوويّ أ ّ‬
‫وذكر الحنابلة كما جاء في المغني أنّه لو وقّت لهبة بأن قال ‪ :‬وهبتك هذا سن ًة ثمّ يعود إليّ لم‬
‫يصحّ ‪ ،‬لنّه عقد تمليك لعين فلم يصحّ مؤقّتا كالبيع ‪.‬‬
‫العمرى والرّقبى ‪:‬‬
‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة العمرى ‪ ،‬إلّ أنّهم اختلفوا في قبولها التّأقيت ‪ ،‬فذهب الحنفيّة‬
‫‪ ،‬والشّافعيّة في الجديد ‪ ،‬وأحمد إلى جواز العمرى للمعمر له حال حياته ‪ ،‬ولورثته من بعده ‪.‬‬
‫وصورة العمرى ‪ :‬أن يجعل داره للغير مدّة عمره ‪ ،‬وإذا مات تردّ عليه ‪ ،‬فيصحّ التّمليك له‬
‫ولورثته ‪ ،‬ويبطل شرط العمر الّذي يفيد التّأقيت عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫أمّا عند مالك ‪ ،‬والشّافعيّ في القديم ‪ :‬فالعمرى تمليك المنافع ل تمليك العين ‪ ،‬ويكون للمعمر‬
‫له السّكنى ‪ ،‬فإذا مات عادت الدّار إلى المعمر ‪ ،‬فالعمرى من التّصرّفات المؤقّتة عندهم ‪ .‬أمّا‬
‫الرّقبى فصورتها أن يقول الرّجل لغيره ‪ :‬داري لك رقبى ‪ .‬وهي باطلة عند أبي حنيفة ومحمّد‬
‫ي وقت‬
‫‪ ،‬فل تفيد ملك الرّقبة ‪ ،‬وإنّما تكون عاريّةً ‪ ،‬يجوز للمعمر أن يرجع فيه ويبيعه في أ ّ‬
‫شاء ‪ ،‬لنّه تضمّن إطلق النتفاع ‪.‬‬
‫فالرّقبى عندهما من التّصرّفات المؤقّتة لنّها عاريّة ‪ .‬ويرى الشّافعيّ وأحمد وأبو يوسف جواز‬
‫الرّقبى ‪ ،‬لنّ قوله ‪ " :‬داري لك " تمليك ‪ ،‬وقوله " رقبى " شرط فاسد فيلغو ‪ .‬فكأنّه قال ‪:‬‬
‫رقبة داري لك ‪ .‬فصارت الرّقبى عندهم كالعمرى في الجواز ‪ .‬فهي من التّصرّفات الّتي ل‬
‫تقبل التّأقيت ‪ .‬والرّقبى لم يجزها المام مالك ‪ .‬وللتّفصيل ر ‪ ( :‬عمرى ‪ ،‬رقبى ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬النّكاح ‪:‬‬
‫‪ - 14‬النّكاح ل يقبل التّأقيت اتّفاقا ‪ .‬فالنّكاح المؤقّت غير جائز ‪ ،‬سواء أكان بلفظ المتعة أم‬
‫بلفظ التّزويج ‪ .‬كما صرّح المالكيّة بمنع ذكر الجل مهما طال ‪.‬‬
‫والنّكاح المؤقّت عند الشّافعيّة والحنابلة باطل ‪ ،‬سواء قيّد بمدّة مجهولة أو معلومة ‪.‬‬
‫لنّه نكاح المتعة ‪ ،‬وهو حرام كحرمة الميتة والدّم ولحم الخنزير ‪ .‬ر ‪ ( :‬نكاح ) ‪.‬‬
‫الفرق بين النّكاح المؤقّت ونكاح المتعة ‪:‬‬
‫‪ - 15‬يفرّق بينهما من جهة اللّفظ ‪ ،‬فنكاح المتعة هو الّذي يكون بلفظ التّمتّع ‪ ،‬كأن يقول لها ‪:‬‬
‫أعطيك كذا على أن أتمتّع بك يوما أو شهرا أو سنةً ونحو ذلك ‪ ،‬وهو غير صحيح عند عامّة‬
‫العلماء ‪ .‬وأمّا النّكاح المؤقّت فهو الّذي يكون بلفظ التّزويج والنّكاح ‪ ،‬وما يقوم مقامهما ويقيّد‬
‫بمدّة ‪ ،‬كأن يقول لها ‪ :‬أتزوّجك عشرة أيّام ونحو ذلك ‪ ،‬وهو غير صحيح عند عامّة العلماء ‪،‬‬
‫وقال زفر ‪ :‬يصحّ العقد ويبطل التّأقيت ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬ولتأقيت النّكاح صور ‪ ،‬كأن يتزوّجها إلى مدّة معلومة ‪ ،‬أو مجهولة ‪ ،‬أو إلى مدّة ل‬
‫يبلغها عمرهما ‪ ،‬أو عمر أحدهما ‪ .‬وسيأتي تفصيل ذلك كلّه في مصطلح ( نكاح ) ‪.‬‬
‫إضمار التّأقيت في النّكاح ‪:‬‬
‫ن إضمار التّأقيت في النّكاح ل يؤثّر في صحّته ول يجعله مؤقّتا ‪ ،‬فله‬
‫‪ - 16‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن التّأقيت إنّما يكون باللّفظ ‪.‬‬
‫تزوّجها وفي نيّته أن يمكث معها مدّةً نواها ‪ ،‬فالنّكاح صحيح ‪ ،‬ل ّ‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ التّأقيت إذا لم يقع في العقد ‪ ،‬ولم يعلمها الزّوج بذلك ‪ ،‬وإنّما قصده في‬
‫نفسه ‪ ،‬وفهمت المرأة أو وليّها المفارقة بعد مدّة فإنّه ل يضرّ ‪ .‬وهذا هو الرّاجح ‪ ،‬وإن كان‬
‫بهرام صدّر في شرحه وفي " شامله " بالفساد ‪ ،‬إذا فهمت منه ذلك المر الّذي قصده في نفسه‬
‫‪ ،‬فإن لم يصرّح للمرأة ول لوليّها بذلك ‪ ،‬ولم تفهم المرأة ما قصده في نفسه ‪ ،‬فليس نكاح متعة‬
‫‪.‬‬
‫ل ما لو صرّح به أبطل‬
‫وصرّح الشّافعيّة بكراهة هذا النّكاح الّذي أضمر فيه التّأقيت ‪ ،‬لنّ ك ّ‬
‫يكون إضماره مكروها عندهم ‪.‬‬
‫والصّحيح المنصوص عليه في مذهب الحنابلة ‪ ،‬وهو الّذي عليه الصحاب ‪ :‬أنّ إضمار‬
‫صحّة ‪.‬‬
‫التّأقيت في النّكاح كاشتراطه ‪ ،‬فيكون شبيها بنكاح المتعة في عدم ال ّ‬
‫وحكى صاحب الفروع عن الشّيخ ابن قدامة القطع بصحّته مع ال ّنيّة ‪.‬‬
‫وجاء في المغني أيضا أنّه إن تزوّجها بغير شرط ‪ ،‬إلّ أنّ في نيّته طلقها بعد شهر ‪ ،‬أو إذا‬
‫ي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫انقضت حاجته في هذا البلد ‪ ،‬فالنّكاح صحيح في قول عامّة أهل العلم إلّ الوزاع ّ‬
‫هو نكاح متعة ‪ .‬والصّحيح أنّه ل بأس به ‪ ،‬ول تضرّ نيّته ‪ ،‬وليس على الرّجل أن ينوي حبس‬
‫امرأته ‪ ،‬وحسبه إن وافقته وإلّ طلّقها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التّصرّفات الّتي تكون مؤقّتةً وغير مؤقّتة ‪:‬‬
‫المراد بها تلك التّصرّفات الّتي ل يفسدها التّأقيت ‪ ،‬كاليلء والظّهار والعاريّة وغيرها ‪ ،‬وبيان‬
‫ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اليلء ‪:‬‬
‫ن اليلء قد يقع مؤقّتا أو مطلقا ‪ .‬وتفصيل أحكامه ينظر في مصطلح‬
‫‪ - 17‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫‪ ( :‬إيلء ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الظّهار ‪:‬‬
‫‪ - 18‬الصل في الظّهار إن أطلقه أن يقع مؤبّدا ‪ ،‬فإن أقّته كأن يظاهر من زوجته يوما أو‬
‫شهرا أو سن ًة ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في حكمه ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في القول‬
‫الظهر إلى أنّه يقع مؤقّتا ‪ ،‬ول يكون المظاهر عائدا إلّ بالوطء في المدّة ‪ ،‬فإن لم يقربها حتّى‬
‫مضت المدّة سقطت عنه الكفّارة ‪ ،‬وبطل الظّهار عملً بالتّأقيت ‪ ،‬لنّ التّحريم صادف ذلك‬
‫ن الظّهار منكر من القول وزور ‪،‬‬
‫الزّمن دون غيره ‪ ،‬فوجب أن ينقضي بانقضائه ‪ ،‬ول ّ‬
‫فترتّب عليه حكمه كالظّهار المعلّق ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة في غير الظهر إلى أنّ الظّهار ل يقبل التّأقيت ‪ ،‬فإن قيّده بوقت تأبّد‬
‫كالطّلق ‪ ،‬فيلغى تقييده ‪ ،‬ويصير مظاهرا أبدا لوجود سبب الكفّارة ‪.‬‬
‫ن الظّهار المؤقّت لغو ‪ ،‬لنّه لم يؤبّد التّحريم فأشبه ما إذا‬
‫وذكر الشّافعيّة في قول ثالث عندهم أ ّ‬
‫شبّهها بامرأة ل تحرم على التّأبيد ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العاريّة ‪:‬‬
‫‪ - 19‬العاريّة الّتي هي تمليك للمنافع بغير عوض ‪ ،‬إمّا أن تكون مؤقّت ًة بمدّة معلومة ‪ ،‬وتسمّى‬
‫حينئذ العاريّة المقيّدة ‪ ،‬وإمّا أن تكون غير مؤقّتة ‪ ،‬وتسمّى العاريّة المطلقة ‪ ،‬وهي عند الحنفيّة‬
‫والشّافعيّة والحنابلة من العقود غير اللّازمة ‪ ،‬فلكلّ من المعير والمستعير الرّجوع فيها متى‬
‫شاء ‪ ،‬مطلق ًة كانت أو مقيّد ًة ‪ ،‬إلّ في بعض الصّور كالعارة للدّفن أو البناء أو الغراس ‪.‬‬
‫وللتّفصيل ر ‪ ( :‬إعارة ) ‪.‬‬
‫ويرى المالكيّة أنّ العاريّة إذا كانت مقيّد ًة بعمل كزراعة أرض بطنا ( زرعةً واحدةً ) أو بوقت‬
‫كسكنى دار شهرا مثلً ‪ ،‬فإنّها تكون لزم ًة إلى انقضاء ذلك العمل أو الوقت ‪ ،‬وإن لم تكن‬
‫ن العادة كالشّرط ‪.‬‬
‫مقيّدةً بعمل ول بوقت فإنّها تلزم إلى انقضاء مدّة ينتفع فيها بمثلها عادةً ‪ ،‬ل ّ‬
‫فإن انتفى المعتاد مع عدم التّقييد بالعمل أو الوقت فقد ذكر اللّخميّ أنّ للمعير الخيار في تسليم‬
‫ذلك أو إمساكه ‪ ،‬وإن سلّم فله استرداده ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الكفالة ‪:‬‬
‫‪ - 20‬اختلف الفقهاء في جواز تأقيت الكفالة ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة ‪-‬‬
‫في غير الصحّ عندهم ‪ -‬إلى جواز تأقيتها إلى أجل معلوم كشهر وسنة ‪ .‬ومنع ذلك الشّافعيّة‬
‫ح عندهم ‪ .‬ثمّ اختلف المجيزون لذلك في التّوقيت إلى أجل مجهول ‪.‬‬
‫في الص ّ‬
‫فذهب الحنفيّة إلى جواز التّوقيت بوقت مجهول جهال ًة غير فاحشة ‪ ،‬جرى العرف بين النّاس‬
‫على التّوقيت به ‪ ،‬كوقت الحصاد والدّياس ‪ ،‬فإن كان الوقت المجهول غير متعارف عليه بين‬
‫ح تأقيت الكفالة به ‪.‬‬
‫النّاس ‪ ،‬كمجيء المطر وهبوب الرّيح ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫وأجاز المالكيّة توقيت الكفالة إلى أجل مجهول ‪ ،‬كما نقل عن ابن يونس في كتاب الحمالة‬
‫ن الحمالة بالمال المجهول جائزة ‪ ،‬فكذا الحمالة به إلى أجل مجهول ‪.‬‬
‫( الكفالة ) أ ّ‬
‫والحنابلة يجيزون تأقيت الكفالة ولو إلى أجل مجهول ل يمنع حصول المقصود منها كوقت‬
‫ح كالنّذر ‪ .‬ر ‪ ( :‬كفالة ) ‪.‬‬
‫الحصاد والجذاذ ‪ ،‬لنّها تبرّع من غير عوض فتص ّ‬
‫هـ ‪ -‬المضاربة ‪:‬‬
‫‪ - 21‬يجوز تأقيت المضاربة عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬فقد ذكر الحنفيّة أنّه ليس للعامل فيها‬
‫تجاوز بلد أو سلعة أو وقت أو شخص عيّنه المالك ‪.‬‬
‫والحنابلة صحّحوا تأقيت المضاربة بأن يقول ربّ المال ‪ :‬ضاربتك على هذه الدّراهم أو‬
‫الدّنانير سنةً ‪ ،‬فإذا مضت السّنة فل تبع ول تشتر ‪ ،‬لنّه تصرّف يتعلّق بنوع من المتاع فجاز‬
‫توقيته بالزّمان كالوكالة ‪.‬‬
‫ن المضاربة ل تقبل التّأقيت ‪ ،‬لنّها كما قال المالكيّة ‪ :‬ليست‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫بعقد لزم ‪ ،‬فحكمها أن تكون إلى غير أجل ‪ ،‬فلكلّ واحد منهما تركها متى شاء ‪.‬‬
‫ن تأقيتها ‪ -‬كما قال الشّافعيّة ‪ -‬يؤدّي إلى التّضييق على العامل في عمله ‪ ،‬فقد ذكر‬
‫ول ّ‬
‫النّوويّ في الرّوضة ‪ :‬أنّه ل يعتبر في القراض ( المضاربة ) بيان المدّة ‪ ،‬فلو وقّت فقال ‪:‬‬
‫قارضتك سن ًة ‪ ،‬فإن منعه من التّصرّف بعدها مطلقا ‪ ،‬أو من البيع فسد ‪ ،‬لنّه يخلّ‬
‫ل تشتري بعد السّنة ‪ ،‬ولك البيع ‪ ،‬صحّ‬
‫ي أيضا أنّه إن قال ‪ :‬على أ ّ‬
‫بالمقصود ‪ ،‬وذكر النّوو ّ‬
‫على الصحّ ‪ ،‬لنّ المالك يتمكّن من منعه من الشّراء متى شاء ‪ ،‬بخلف البيع ‪ ،‬ولو اقتصر‬
‫على قوله ‪ :‬قارضتك سن ًة فسد على الصحّ ‪ ،‬وعلى الثّاني يجوز ‪ ،‬ويحمل على المنع من‬
‫الشّراء استدام ًة للعقد ‪ .‬ولو قال ‪ :‬قارضتك سن ًة على ألّ أملك الفسخ قبل انقضائها فسد ‪.‬‬
‫و ‪ -‬النّذر ‪:‬‬
‫‪ - 22‬اتّفق الفقهاء على أنّ النّذر يقبل التّأقيت ‪ ،‬كما لو نذر صوم يوم من شهر المحرّم لزمه‬
‫ذلك ‪ .‬أمّا إن لم يؤقّت ‪ ،‬بل قال ‪ :‬للّه عليّ أن أصوم يوما لزمه ‪ ،‬وتعيين وقت الداء إليه في‬
‫هذه الحال ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬الوقف ‪.‬‬
‫‪ - 23‬اختلف الفقهاء في تأقيت الوقف ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ‪ -‬في الصّحيح عندهم ‪-‬‬
‫ن الوقف ل يقبل التّأقيت ‪ ،‬ول يكون إلّ مؤبّدا ‪.‬‬
‫والحنابلة ‪ -‬في أحد الوجهين ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬في مقابل الصّحيح عندهم والحنابلة على الوجه الخر ‪ -‬إلى‬
‫جواز تأقيت الوقف ‪ ،‬ول يشترط في صحّة الوقف التّأبيد ‪ ،‬أي كونه مؤبّدا دائما بدوام الشّيء‬
‫ل ما يجوز‬
‫ح وقفه مدّ ًة معيّنةً ثمّ ترفع وقفيّته ‪ ،‬ويجوز التّصرّف فيه بك ّ‬
‫الموقوف ‪ ،‬فيص ّ‬
‫التّصرّف به في غير الموقوف ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك والخلف فيه في مصطلح ‪ ( :‬وقف ) ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬الوكالة ‪:‬‬
‫ح تأقيت الوكالة عند الفقهاء ‪ .‬ففي جامع الفصولين ‪ :‬أنّه لو وكّله بالبيع أو الشّراء‬
‫‪ - 24‬يص ّ‬
‫ن ذكر اليوم‬
‫اليوم ففعل ذلك في الغد ‪ ،‬ففي صحّته روايتان ‪ ،‬ورجّح عدم الصّحّة بناءً على أ ّ‬
‫للتّوقيت ‪.‬‬
‫وذكر صاحب البدائع أنّه لو وكّله بأن يبيع هذه الدّار غدا ‪ ،‬فإنّه ل يكون وكيلً قبل الغد ‪.‬‬
‫وذكر المالكيّة أنّ الوكيل إذا خالف ما أمره به الموكّل ‪ ،‬بأن باع أو اشترى قبل أو بعد الوقت‬
‫الّذي عيّنه له الموكّل ‪ ،‬فللموكّل الخيار في قبول ذلك أو عدم قبوله ‪.‬‬
‫وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يمتنع على الوكيل التّصرّف بعد انتهاء وقت الوكالة ر ‪:‬‬
‫( وكالة ) ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬اليمين ‪:‬‬
‫‪ - 25‬اتّفق الفقهاء على أنّ اليمين يقبل التّأقيت ‪ ،‬وتأقيتها تارةً يكون بألفاظ التّأقيت مثل ( ما‬
‫دام ) ( وما لم ) ( وحتّى ) ( وأنّى ) ونحوها ‪ ،‬وتار ًة يكون بالتّقييد بوقت كشهر ويوم ‪ .‬فمن‬
‫حلف ألّ يفعل شيئا ‪ ،‬وحدّد وقتا معيّنا لذلك ‪ ،‬اختصّت يمينه بما حدّده ‪.‬‬
‫ويرجع للتّفصيل إلى بحث ( اليمان ) ‪.‬‬

‫تأكيد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّأكيد لغةً ‪ :‬التّوثيق والحكام والتّقوية ‪ ،‬يقال ‪ :‬أكّد العهد إذا وثّقه وأحكمه ‪.‬‬
‫وفي الصطلح هو ‪ :‬جعل الشّيء مقرّرا ثابتا في ذهن المخاطب ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّأسيس ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّأسيس عبارة عن إفادة معنًى جديد لم يكن حاصلً قبله ‪ ،‬فالتّأسيس على هذا في عرف‬
‫ن حمل الكلم على الفادة خير من حمله على العادة ‪ .‬وإذا دار‬
‫الفقهاء خير من التّأكيد ‪ ،‬ل ّ‬
‫اللّفظ بينهما تعيّن حمله على التّأسيس ‪ ،‬ولذا لو قال شخص لزوجته ‪ :‬أنت طالق أنت طالق‬
‫ح الحمل على الستئناف ( أي التّأسيس ) ل التّأكيد ‪ .‬فإن قال ‪ :‬أردت‬
‫ولم ينو شيئا ‪ ،‬فالص ّ‬
‫التّأكيد بذلك صدّق ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة ‪ -‬كما نقله ابن نجيم عن الزّيلعيّ ‪ -‬صدّق ديانةً ل قضاءً ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّأكيد جائز في الحكام لتقويتها وترجيحها على غيرها ‪ ،‬حيث يرجّح المؤكّد على غيره‬
‫من الحكام غير المؤكّدة ‪ ،‬لحتمال تأويل غير المؤكّد بخلف المؤكّد ‪ ،‬فإنّه ل يحتمله ‪ ،‬كما‬
‫يمنع نقضها إلّ بشرطه ‪ .‬من ذلك قوله تعالى ‪ { :‬ول َتنْ ُقضُوا الَيمانَ بعد توكيدها } ‪.‬‬
‫تأكيد القوال ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تؤكّد القوال فترجّح على غيرها ‪ ،‬ومن ذلك تأكيد الشّهادات ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فشهادةُ‬
‫أحدهم أرب ُع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين } ‪.‬‬
‫وقد يأخذ التّأكيد أحكاما معيّن ًة ‪ ،‬كتأكيد الطّلق ‪ ،‬فإنّه يض ّم المتفرّق منه ليجعل حكمه واحدا ‪،‬‬
‫وينظر تفصيله في الطّلق ‪ ،‬وفي مصطلح ( أيمان ) ‪.‬‬
‫التّأكيد بالفعال ‪:‬‬
‫ن المبيع ربّما هلك في يد البائع قبل‬
‫‪ - 5‬من ذلك تأكيد الثّمن في عقد البيع بقبض المبيع ‪ ،‬ل ّ‬
‫التّسليم فيسقط الثّمن ‪ ،‬وتأكيد المهر بالدّخول ‪ ،‬وتأكيد الحكام بالتّنفيذ ‪.‬‬
‫وتفصيل ما أجمل في هذا البحث ينظر في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫تأميم *‬
‫انظر ‪ :‬مصادرة ‪.‬‬

‫تأمين *‬
‫انظر ‪ :‬أمين ‪ ،‬مستأمن ‪.‬‬

‫تأمين الدّعاء *‬
‫انظر ‪ :‬آمين ‪.‬‬

‫تأويل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّأويل ‪ :‬مصدر أوّل ‪ ،‬وأصل الفعل ‪ :‬آل الشّيء يئول أولً ‪ :‬إذا رجع ‪ ،‬تقول ‪ :‬آل‬
‫المر إلى كذا ‪ ،‬أي رجع إليه ‪ .‬ومعناه ‪ :‬تفسير ما يئول إليه الشّيء ‪ ،‬ومصيره ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الصوليّين ‪ ،‬التّأويل ‪ :‬صرف اللّفظ عن المعنى الظّاهر إلى معنًى مرجوح ‪،‬‬
‫ن من المعنى الظّاهر ‪.‬‬
‫لعتضاده بدليل يصير به أغلب على الظّ ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّفسير ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّفسير لغ ًة ‪ :‬البيان ‪ ،‬وكشف المراد من اللّفظ المشكل ‪.‬‬
‫وفي الشّرع ‪ :‬توضيح معنى الية ‪ ،‬وشأنها ‪ ،‬وقصّتها ‪ ،‬والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظ يدلّ‬
‫ن التّأويل ‪ :‬بيان أحد محتملت اللّفظ ‪ ،‬والتّفسير ‪ :‬بيان‬
‫عليه دلل ًة ظاهر ًة ‪ .‬وقريب من ذلك أ ّ‬
‫مراد المتكلّم ‪ .‬وقال ابن العرابيّ وأبو عبيدة وطائفة ‪ :‬التّفسير والتّأويل بمعنًى واحد ‪.‬‬
‫وقال الرّاغب ‪ :‬التّفسير أعمّ من التّأويل ‪ ،‬وأكثر استعماله في اللفاظ ومفرداتها ‪ ،‬وأكثر‬
‫استعمال التّأويل في المعاني والجمل ‪ .‬وكثيرا ما يستعمل في الكتب اللهيّة ‪ ،‬والتّفسير يستعمل‬
‫فيها وفي غيرها ‪ .‬وقال غيره ‪ :‬التّفسير ‪ :‬بيان لفظ ل يحتمل إلّ وجها واحدا ‪ .‬والتّأويل ‪:‬‬
‫توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الدلّة ‪.‬‬
‫وقال أبو طالب الثّعلبيّ التّفسير ‪ :‬بيان وضع اللّفظ إمّا حقيق ًة ‪ ،‬أو مجازا ‪ ،‬كتفسير‬
‫صيّب ) بالمطر ‪ .‬والتّأويل ‪ :‬تفسير باطن اللّفظ ‪ ،‬مأخوذ من الول‬
‫( الصّراط ) بالطّريق ( وال ّ‬
‫وهو الرّجوع لعاقبة المر ‪ .‬فالتّأويل ‪ :‬إخبار عن حقيقة المراد ‪ ،‬والتّفسير إخبار عن دليل‬
‫المراد ‪ ،‬لنّ اللّفظ يكشف عن المراد ‪ ،‬والكاشف دليل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البيان ‪:‬‬
‫‪ - 3‬البيان لغ ًة ‪ :‬الظهار واليضاح والنكشاف ‪ ،‬وما يتبيّن به الشّيء من الدّللة وغيرها ‪.‬‬
‫وأمّا في الصطلح ‪ :‬فهو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب ‪.‬‬
‫والفرق بين التّأويل والبيان ‪ :‬أنّ التّأويل ما يذكر في كلم ل يفهم منه معنًى محصّل في أوّل‬
‫وهلة ليفهم المعنى المراد ‪ .‬والبيان ما يذكر فيما يفهم ذلك بنوع خفاء بالنّسبة إلى البعض ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫يختلف الحكم الجماليّ باختلف ما يدخله التّأويل ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 4‬أ ّولً ‪ :‬بالنّسبة للنّصوص المتعلّقة بالعقائد ‪ ،‬وأصول الدّيانات ‪ ،‬وصفات الباري عزّ‬
‫ل ‪ ،‬فقد اختلف العلماء في هذا القسم على ثلثة مذاهب ‪:‬‬
‫وج ّ‬
‫الوّل ‪ :‬أنّه ل مدخل للتّأويل فيها ‪ ،‬بل تجري على ظاهرها ‪ ،‬ول يؤوّل شيء منها ‪.‬‬
‫وهذا قول المشبّهة ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أنّ لها تأويلً ‪ ،‬ولكنّا نمسك عنه ‪ ،‬مع تنزيه اعتقادنا عن التّشبيه والتّعطيل ‪ ،‬لقوله‬
‫ل اللّه } ‪ ،‬قال ابن برهان ‪ :‬وهذا قول السّلف ‪ .‬وقال الشّوكانيّ ‪:‬‬
‫تعالى ‪ { :‬وما يعلم تأويلَه إ ّ‬
‫وهذا هو الطّريق الواضح والمنهج المصحوب بالسّلمة عن الوقوع في مهاوي التّأويل ‪ ،‬وكفى‬
‫ب التّأسّي ‪ ،‬على تقدير عدم ورود‬
‫بالسّلف الصّالح قدوةً لمن أراد القتداء ‪ ،‬وأسو ًة لمن أح ّ‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫الدّليل القاضي بالمنع من ذلك ‪ ،‬فكيف وهو قائم موجود في الكتاب وال ّ‬
‫والمذهب الثّالث ‪ :‬أنّها مؤوّلة ‪ .‬قال ابن برهان ‪ :‬والوّل من هذه المذاهب باطل ‪ ،‬والخران‬
‫منقولن عن الصّحابة ‪ ،‬ونقل هذا المذهب الثّالث عن عليّ وابن مسعود وابن عبّاس وأمّ سلمة‬
‫‪ .‬وقال ابن دقيق العيد في اللفاظ المشكلة ‪ :‬إنّها حقّ وصدق ‪ ،‬وعلى الوجه الّذي أراده اللّه ‪،‬‬
‫ومن أوّل شيئا منها ‪ ،‬فإن كان تأويله قريبا على ما يقتضيه لسان العرب ويفهمونه في‬
‫مخاطباتهم لم ننكر عليه ولم نبدّعه ‪ ،‬وإن كان تأويله بعيدا توقّفنا عليه واستبعدناه ورجعنا إلى‬
‫القاعدة في اليمان بمعناه مع التّنزيه ‪.‬‬
‫وفي إعلم الموقّعين ‪ ،‬قال الجوينيّ ‪ :‬ذهب أئمّة السّلف إلى النكفاف عن التّأويل ‪ ،‬وإجراء‬
‫الظّواهر على مواردها ‪ ،‬وتفويض معانيها إلى الرّبّ تعالى ‪ ،‬والّذي نرتضيه رأيا وندين اللّه‬
‫ق على ذي الدّين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدّثين ‪،‬‬
‫به عقد اتّباع سلف المّة ‪ ،‬فح ّ‬
‫ول يخوض في تأويل المشكلت ‪ ،‬ويكل معناها إلى الرّبّ تعالى ‪.‬‬
‫‪ - 5‬ثانيا ‪ :‬النّصوص المتعلّقة بالفروع ‪ ،‬وهذه ل خلف في دخول التّأويل فيها ‪.‬‬
‫ل صحيحا ‪،‬‬
‫والتّأويل في النّصوص المتعلّقة بها باب من أبواب الستنباط ‪ ،‬وهو قد يكون تأوي ً‬
‫ل فاسدا ‪ .‬فيكون صحيحا إذا كان مستوفيا لشروطه ‪ ،‬من الموافقة لوضع‬
‫وقد يكون تأوي ً‬
‫ن المراد بذلك اللّفظ هو المعنى الّذي حمل‬
‫اللّغة ‪ ،‬أو عرف الستعمال ‪ ،‬ومن قيام الدّليل على أ ّ‬
‫ل لذلك ‪.‬‬
‫عليه ‪ ،‬ومن كون المتأوّل أه ً‬
‫ويتّفق العلماء على قبول العمل بالتّأويل الصّحيح مع اختلفهم في طرقه ومواضعه ‪ ،‬وما‬
‫يعتبر قريبا ‪ ،‬وما يعتبر بعيدا ‪ .‬يقول المديّ ‪ :‬التّأويل مقبول معمول به إذا تحقّق بشروطه ‪،‬‬
‫ل عصر من عهد الصّحابة إلى زمننا عاملين به من غير نكير‬
‫ولم يزل علماء المصار في ك ّ‬
‫‪ .‬وفي البرهان ‪ :‬تأويل الظّاهر على الجملة مسوّغ إذا استجمعت الشّرائط ‪ ،‬ولم ينكر أصل‬
‫التّأويل ذو مذهب ‪ ،‬وإنّما الخلف في التّفاصيل ‪.‬‬
‫ل مسألة ‪ ،‬وعليه اتّباع ما أوجبه ظنّه كما‬
‫وعلى أيّ حال فهذا يرجع إلى نظر المجتهد في ك ّ‬
‫يقول المديّ ‪ .‬ويقول الغزاليّ ‪ :‬مهما كان الحتمال قريبا ‪ ،‬وكان الدّليل أيضا قريبا ‪ ،‬وجب‬
‫ل بوسيلة كلّ‬
‫على المجتهد التّرجيح ‪ ،‬والمصير إلى ما يغلب على ظنّه ‪ ،‬فليس كلّ تأويل مقبو ً‬
‫دليل ‪ ،‬بل ذلك يختلف ول يدخل تحت ضبط ‪ .‬ويقول ابن قدامة ‪ :‬لكلّ مسألة ذوق يجب أن‬
‫ص‪.‬‬
‫تفرد بنظر خا ّ‬
‫هذا ‪ ،‬وقد ذكرت في كتب الصول أمثلة للمسائل الفرعيّة الّتي استنبطت أحكامها عن طريق‬
‫تأويل النّصوص ‪ ،‬مع بيان وجهة نظر الّذين نحوا هذا المنحى والّذين عارضوهم ‪.‬‬
‫أثر التّأويل ‪:‬‬
‫‪ - 6‬للتّأويل أثر ظاهر في المسائل الفرعيّة المستنبطة من النّصوص ‪ ،‬إذ هو سبب اختلف‬
‫الفقهاء في أحكام هذه المسائل ‪.‬‬
‫ن العمل بالمختلف فيه ل ينكر على صاحبه إلّ أن يكون الخلف‬
‫والمعروف عند الفقهاء ‪ ،‬أ ّ‬
‫شاذّا ‪ ،‬لكنّ الفضل مراعاة الخلف ‪ ،‬وذلك بترك ما هو جائز عند من يراه كذلك إذا كان‬
‫غيره يراه حراما ‪ ،‬وبفعل ما هو مباح إذا كان غيره يراه واجبا ‪ .‬وقد سبق تفصيل ذلك في‬
‫مصطلح ( اختلف ) ‪ .‬ونذكر هنا بعض الثار العمليّة للتّأويل من خلل بعض المسائل ‪:‬‬
‫‪ - 7‬أ ّولً ‪ :‬أمثلة للتّأويل المتّفق على فساده وما يترتّب عليه ‪:‬‬
‫ن كلّ من ثبتت إمامته وجبت طاعته ‪ ،‬وحرم الخروج عليه للنّصوص الدّالّة‬
‫أ ‪ -‬من المقرّر أ ّ‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫على ذلك من الكتاب وال ّ‬
‫ن خروج طائفة على المام بتأويل يبيح لهم في نظرهم يعتبر بغيا‬
‫وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫لفساد تأويلهم ‪ .‬ويجب دعوتهم إلى الطّاعة والدّخول في الجماعة وكشف شبههم ‪ ،‬فإن لم‬
‫ي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه مع الخوارج ‪.‬‬
‫يستجيبوا وجب قتالهم كما فعل عل ّ‬
‫وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( بغاة ) ‪.‬‬
‫سنّة والجماع ‪ ،‬والتّأويل في منع أدائها تأويل فاسد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وجوب الزّكاة أمر ثابت بالكتاب وال ّ‬
‫ويجب حمل المانعين على أدائها بالقوّة ‪ ،‬وقد فعل ذلك أبو بكر رضي ال تعالى عنه مع‬
‫مانعي الزّكاة الّذين تأوّلوا قول اللّه تعالى ‪ { :‬خذْ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها‬
‫ن ذلك ل يتأتّى لغير النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ن لهم } فقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫سكَ ٌ‬
‫ن صلتك َ‬
‫وصلّ عليهم إ ّ‬
‫ولم يقم دليل على قيام غيره في ذلك مقامه ‪ .‬والتّفصيل ينظر في الزّكاة ‪.‬‬
‫سنّة والجماع ‪ ،‬والتّأويل لستحلل شربها تأويل‬
‫ج ‪ -‬حرمة شرب الخمر ثابتة بالكتاب وال ّ‬
‫فاسد ‪ ،‬ويجب توقيع الحدّ على شاربها المتأوّل ‪.‬‬
‫وقد حدث أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر ‪ ،‬فقال له عمر رضي ال تعالى عنه ‪ :‬ما حملك‬
‫جنَاحٌ‬
‫ل يقول ‪ { :‬ليس على الّذين آمَنوا وعملوا الصّالحات ُ‬
‫على ذلك ؟ فقال ‪ :‬إنّ اللّه عزّ وج ّ‬
‫ط ِعمُوا إذا ما اتّ َقوْا وآمنوا وعملوا الصّالحات } وإنّي من المهاجرين من أهل بدر وأحد ‪،‬‬
‫فيما َ‬
‫فطلب عمر من الصّحابة أن يجيبوه ‪ ،‬فقال ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما ‪ " :‬إنّما أنزلها‬
‫اللّه تعالى عذرا للماضين لمن شربها قبل أن تحرم ‪ ،‬وأنزل ‪ { :‬إنّما الخمرُ والميسر‬
‫ن فاجتنبوه } حجّة على النّاس ‪ .‬وقال له عمر ‪" :‬‬
‫والنصابُ والزلمُ رجْسٌ من عمل الشّيطا ِ‬
‫إنّك أخطأت التّأويل يا قدامة ‪ ،‬إذا اتّقيت اجتنبت ما حرّم اللّه عليك "‪.‬‬
‫‪ - 8‬ثانيا ‪ :‬تأويل متّفق على قبوله ‪:‬‬
‫وذلك مثل التّأوّل في اليمين إذا كان الحالف مظلوما ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬من حلف فتأوّل في‬
‫يمينه فله تأويله إذا كان مظلوما ‪ ،‬وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله ‪ .‬ول يخلو حال الحالف‬
‫المتأوّل من ثلثة أحوال ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يكون مظلوما ‪ ،‬مثل من يستحلفه ظالم على شيء لو صدّقه لظلمه ‪ ،‬أو ظلم غيره‬
‫‪ ،‬أو نال مسلما منه ضرر ‪ ،‬فهذا له تأويله ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬أن يكون الحالف ظالما كالّذي يستحلفه الحاكم على حقّ عنده ‪ ،‬فهذا تنصرف يمينه‬
‫إلى ظاهر اللّفظ الّذي عناه المستحلف ول ينفع الحالف تأويله ‪ ،‬ول نعلم فيه مخالفا ‪ ،‬فإنّ أبا‬
‫هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬يمينك على ما يصدّقك‬
‫به صاحبك » ولنّه لو ساغ التّأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين ‪.‬‬
‫ن له تأويله ‪ .‬هذا ما ذكره ابن قدامة ‪.‬‬
‫ل يكون ظالما ول مظلوما فظاهر كلم أحمد أ ّ‬
‫ثالثها ‪ :‬أ ّ‬
‫والمذاهب متّفقة على أنّ المظلوم إذا تأوّل في يمينه فله تأويله ‪ ( .‬ر ‪ :‬أيمان ) ‪.‬‬
‫‪ - 9‬ثالثا ‪ :‬هناك من التّأويلت ما اعتبره بعض الفقهاء قريبا ‪ ،‬فأصبح دليلً في استنباط الحكم‬
‫‪ ،‬في حين اعتبره البعض الخر بعيدا ‪ ،‬فل يصلح دليلً ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ ،‬وجوب الكفّارة بالكل أو الجماع عمدا في نهار رمضان عند الحنفيّة‬
‫والمالكيّة ‪ ،‬وبالجماع فقط عند الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فمن رأى هلل رمضان وحده ‪ ،‬وردّت شهادته ‪ ،‬وجب عليه الصّوم ‪ ،‬فإن ظنّ‬
‫إباحة الفطر لردّ شهادته فأفطر بما يوجب الكفّارة ‪ ،‬فعند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وفي المشهور‬
‫عند المالكيّة ‪ :‬تجب عليه الكفّارة لنتهاك حرمة الشّهر ‪ ،‬أمّا ظنّ الباحة لردّ الشّهادة فهو‬
‫ش ِهدَ منكم الشّهرَ فَ ْليَصمْه } ‪ ،‬وقول النّبيّ صلى‬
‫تأويل بعيد لمخالفته قول اللّه تعالى ‪ { :‬فمن َ‬
‫ال عليه وسلم ‪ « :‬صوموا لرؤيته » ‪ -‬وعند الحنفيّة وبعض المالكيّة ‪ :‬ل كفّارة عليه لمكان‬
‫ن الباحة ‪.‬‬
‫الشّبهة ‪ ،‬إذ ردّ الشّهادة يعتبر تأويلً قريبا في ظ ّ‬
‫ومثل هذه الختلفات بين المذاهب ‪ ،‬بل بين فقهاء المذهب الواحد كثيرة في المسائل الفرعيّة ‪.‬‬
‫فالحنفيّة مثلً ل يوجبون الزّكاة في مال الصّبيّ والمجنون ‪ ،‬وينتقض عندهم الوضوء بالقهقهة‬
‫في الصّلة ‪ ،‬خلفا لبقيّة المذاهب في المسألتين ‪ .‬والمعروف كما سبق أنّه ل ينكر المختلف‬
‫فيه ‪ .‬وتفصيل ما أجمل هنا موطنه الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫تابع *‬
‫انظر ‪ :‬تبعيّة ‪.‬‬
‫تابوت *‬
‫انظر ‪ :‬جنائز ‪.‬‬

‫تاريخ *‬
‫انظر ‪ :‬تأريخ ‪.‬‬

‫تاسوعاء *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّاسوعاء ‪ :‬هو اليوم التّاسع من شهر المحرّم استدللً بالحديث الصّحيح « أنّه صلى ال‬
‫ن اليهود والنّصارى تعظّمه ‪ ،‬فقال ‪ :‬فإذا كان العام‬
‫عليه وسلم صام عاشوراء ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬إ ّ‬
‫المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع » ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬عاشوراء ‪ :‬وهو العاشر من شهر المحرّم ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما « أمر‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء ‪ :‬العاشر من المحرّم » ‪.‬‬
‫وأنّ صومه مستحبّ أو مسنون ‪ .‬فعن أبي قتادة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم « سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال ‪ :‬يكفّر السّنة الماضية والباقية » ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫ن « النّبيّ‬
‫‪ - 3‬صوم يوم تاسوعاء مسنون ‪ ،‬أو مستحبّ ‪ ،‬كصوم يوم عاشوراء ‪ ،‬فقد روي أ ّ‬
‫ن اليهود والنّصارى تصومه ‪ .‬فقال‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يصوم عاشوراء ‪ ،‬فذكروا أ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم إنّه في العام المقبل يصوم التّاسع » إلّ أنّ صوم يوم عاشوراء آكد في‬
‫الستحباب لنّه يكفّر السّنة الّتي قبله ‪ .‬ففي صحيح مسلم " أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫قال « صيام يوم عرفة أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده ‪ .‬وصيام‬
‫يوم عاشوراء أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله »‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬فإذا كان العام المقبل إن شاء‬
‫وفي رواية لمسلم أ ّ‬
‫اللّه صمنا اليوم التّاسع » ‪ .‬قال ابن عبّاس ‪ « :‬فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم » وتكفير سنة ‪ :‬أي ذنوب سنة من الصّغائر ‪ ،‬فإن لم يكن صغائر خفّف‬
‫من كبائر السّنة ‪ ،‬وذلك التّخفيف موكول لفضل اللّه ‪ ،‬فإن لم يكن كبائر رفع له درجات ‪.‬‬
‫وعن عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يقول في يوم عاشوراء ‪ « :‬خالفوا اليهود وصوموا التّاسع‬
‫والعاشر » ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم يوم تاسوعاء أوجها ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنّ المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر ‪ ،‬وهو مرويّ عن ابن‬
‫عبّاس ‪ ،‬وفي حديث رواه المام أحمد بن حنبل بسنده إلى ابن عبّاس قال ‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم « صوموا يوم عاشوراء ‪ ،‬وخالفوا اليهود ‪ ،‬وصوموا قبله يوما وبعده‬
‫يوما » ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أنّ المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬الحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلل ووقوع غلط ‪ ،‬فيكون التّاسع في العدد‬
‫هو العاشر في نفس المر وللمزيد من التّفصيل في ذلك ر ‪ ( :‬صوم التّطوّع ) ‪.‬‬

‫تبختر *‬
‫انظر ‪ :‬اختيال ‪.‬‬

‫تبديل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ل بمعنى غيّرته‬
‫‪ - 1‬تبديل الشّيء لغةً ‪ :‬تغييره وإن لم يأت ببدله ‪ .‬يقال ‪ :‬بدّلت الشّيء تبدي ً‬
‫تغييرا ‪ .‬والصل في التّبديل ‪ :‬تغيير الشّيء عن حاله ‪ ،‬وقوله عزّ وجلّ ‪ { :‬يوم ُت َبدّلُ الرضُ‬
‫غيرَ الرضِ والسّماواتُ } قال ال ّزجّاج ‪ :‬تبديلها واللّه أعلم ‪ :‬تسيير جبالها ‪ ،‬وتفجير بحارها ‪،‬‬
‫وجعلها مستوي ًة ل ترى فيها عوجا ول أمتا ‪ .‬وتبديل السّماوات ‪ :‬انتشار كواكبها وانفطارها‬
‫وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها ‪.‬‬
‫ومعناه في الصطلح ‪ ،‬كمعناه في اللّغة ‪ ،‬ومنه النّسخ ‪ :‬وهو رفع حكم شرعيّ بدليل شرعيّ‬
‫متأخّر ‪ .‬ويطلق التّبديل على الستبدال في الوقف بمعنى ‪ :‬بيع الموقوف عقارا كان أو‬
‫منقولً ‪ ،‬وشراء عين بمال البدل لتكون موقوف ًة مكان العين الّتي بيعت ‪ .‬أو مقايضة عين‬
‫ل كلم الحنفيّة على أنّ بيان التّغيير مثل تقييد المطلق وتخصيص‬
‫الوقف بعين أخرى ‪ .‬ويد ّ‬
‫ص متأخّر ‪.‬‬
‫العام ‪ ،‬وبيان التّبديل مثل النّسخ أي رفع الحكم الثّابت أ ّولً بن ّ‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫للتّبديل أحكام تعتريه ‪ ،‬وهي تختلف باختلف مواطنه ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّبديل في الوقف ‪ :‬أجاز الحنفيّة للواقف اشتراط الدخال والخراج في وقفه ‪ ،‬كما‬
‫أجاز له متأخّروهم ما عرف بالشّروط العشرة ‪ .‬وهي العطاء ‪ ،‬والحرمان ‪ ،‬والدخال ‪،‬‬
‫والخراج ‪ ،‬والزّيادة ‪ ،‬والنّقصان ‪ ،‬والتّغيير ‪ ،‬والبدال ‪ ،‬والستبدال ‪ ،‬والبدل أو التّبادل ‪.‬‬
‫وخالفهم الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في ذلك ‪.‬‬
‫فاعتبر الشّافعيّة اشتراط الواقف الرّجوع متى شاء ‪ ،‬أو الحرمان ‪ ،‬أو تحويل الحقّ إلى غير‬
‫الموقوف عليه متى شاء اشتراطا فاسدا ‪ ،‬وأجازوا له التّغيير إن كان قدر المصلحة ولم يجزه‬
‫الحنابلة والمالكيّة ‪ ،‬لنّه شرط ينافي مقتضى الوقف ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى مصطلح ( وقف ) شرط الواقف ‪.‬‬
‫التّبديل في البيع ‪:‬‬
‫ومن التّبديل البيع ‪ ،‬لنّه تبديل متقوّم بمتقوّم ‪ .‬ول بدّ فيه من مراعاة الشّروط الشّرعيّة ومن‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّبديل في الصّرف ‪:‬‬
‫‪ - 3‬وهو بيع جنس الثمان بعضه ببعض ‪ ،‬ويستوي في ذلك مضروبها ومصوغها وتبرها ‪.‬‬
‫فإن باع فضّةً بفضّة أو ذهبا بذهب ‪ ،‬جاز متى كان وزنا بوزن ويدا بيد ‪ ،‬والصل فيه ما‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬الذّهب بالذّهب‬
‫رواه عبادة بن الصّامت رضي ال عنه " أ ّ‬
‫والفضّة بالفضّة والتّمر بالتّمر والبرّ بالب ّر والشّعير بالشّعير والملح بالملح مثلً بمثل يدا بيد ‪،‬‬
‫فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد » ولنّهما جنسان فجاز التّفاضل‬
‫فيهما ‪ ،‬كما لو تباعدت منافعهما ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تبديل أحد العوضين بعد تعيّنه في العقد ‪:‬‬
‫‪ - 4‬إذا تعيّن أحد العوضين في العقد فل يجوز تبديله ‪ ،‬ومن ذلك المبيع ‪ ،‬فإنّه يتعيّن بالعقد ‪،‬‬
‫أمّا الثّمن فل يتعيّن بالتّعيين ‪ ،‬إلّ في مواطن منها ‪ :‬الصّرف والسّلم ‪.‬‬
‫كما تتعيّن الثمان في اليداع ‪ ،‬فل يجوز تبديلها ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تعيين ) وفي ( الصّرف ‪ ،‬والسّلم ) ‪.‬‬
‫تبديل الدّين ‪:‬‬
‫‪ - 5‬إن كان التّبديل من دين السلم إلى غيره ‪ ،‬وهو المعروف بال ّردّة ‪ ،‬فإنّه ل يقرّ عليه‬
‫اتّفاقا ‪ ،‬وتترتّب على ذلك أحكام كثيرة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( ردّة ) ‪.‬‬
‫أمّا إن كان تبديل الدّين من دين غير السلم إلى دين آخر غير السلم أيضا ‪ ،‬كما لو تهوّد‬
‫نصرانيّ ‪ ،‬أو تنصّر يهوديّ ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في إقراره على ذلك ‪ ،‬فذهب الحنفيّة‬
‫والمالكيّة ‪ ،‬وهو غير الظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬وروايةً عن أحمد إلى أنّه يق ّر على ما انتقل‬
‫إليه ‪ ،‬لنّ الكفر كلّه ملّة واحدة ‪.‬‬
‫والظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة ‪ :‬أنّه ل يقرّ على ذلك ‪ ،‬لنّه أحدث دينا باطلً‬
‫بعد اعترافه ببطلنه ‪ ،‬فل يقرّ عليه ‪ ،‬كما لو ارت ّد المسلم ‪ .‬فإن كانت امرأةً لم تحلّ لمسلم‬
‫تفريعا على أنّه ل يقرّ ‪ ،‬فإن كانت زوجةً لمسلم فتهوّدت بعد أن كانت نصرانيّ ًة فهي كالمرتدّة‬
‫‪ .‬فإن كان التّهوّد أو التّنصّر قبل الدّخول تنجّزت الفرقة ‪ ،‬أو بعده توقّفت على انقضاء العدّة ‪،‬‬
‫ل السلم ‪ ،‬لنّها أقرّت ببطلن ما انتقلت عنه وكانت مقرّ ًة ببطلن المنتقل إليه‬
‫ول يقبل منها إ ّ‬
‫‪ .‬ولو انتقل يهوديّ أو نصرانيّ إلى دين غير كتابيّ لم يقرّ ‪ ،‬وفيما يطلب منه الرّجوع إليه‬
‫عند الستتابة قولن ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬السلم فقط ‪ ،‬والثّاني هو أو دينه الوّل ‪ ،‬وفي قول ثالث هما‬
‫أو الدّين المساوي لدينه السّابق ‪ ،‬فإن كانت امرأةً تحت مسلم تنجّزت الفرقة قبل الدّخول ‪،‬‬
‫وتوقّفت بعده على انقضاء العدّة ‪.‬‬
‫ولو تهوّد وثنيّ أو تنصّر لم يقرّ لنتقاله عمّا ل يقرّ عليه إلى باطل ‪ ،‬والباطل ل يفيد فضيلة‬
‫القرار ‪ ،‬ويتعيّن السلم ‪ ،‬كمسلم ارتدّ ‪ ،‬فإن أبى قتل ‪.‬‬
‫تبديل الشّهادة في اللّعان ‪:‬‬
‫ن اللّعان‬
‫‪ - 6‬لو أبدل أحد المتلعنين لفظة أشهد بأقسم ‪ ،‬أو أحلف ‪ ،‬أو أولي ‪ ،‬لم يعتدّ به ‪ ،‬ل ّ‬
‫يقصد فيه التّغليظ ‪ ،‬ولفظ الشّهادة أبلغ فيه ‪ ،‬ولو أبدل لفظة اللّعنة بالبعاد ‪ ،‬أو أبدلها ( أي‬
‫لفظة اللّعنة ) بالغضب لم يعتدّ به ‪ ،‬أو أبدلت المرأة لفظة الغضب بالسّخط ‪ ،‬أو قدّمت الغضب‬
‫فيما قبل الخامسة لم يعتدّ به ‪ ،‬أو أبدلته أي الغضب باللّعنة أو قدّم الرّجل اللّعنة فيما قبل‬
‫الخامسة لم يعتدّ به لمخالفته المنصوص ‪.‬‬
‫ل أنفسُهم فشهادةُ‬
‫والصل فيه قوله تعالى ‪ { :‬والّذين َيرْمون أزواجَهم ولم يكن لهم شُهداء إ ّ‬
‫ن لعن َة اللّه عليه إنْ كان من الكاذبين‬
‫أحدِهم أرب ُع شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الصّادقين ‪ ،‬والخامسة أ ّ‬
‫ب أن تشهدَ أربعَ شهاداتٍ باللّه إنّه لمن الكاذبين ‪ ،‬والخامسة أنّ غضبَ اللّه‬
‫‪ ،‬و َي ْدرَأُ عنها العذا َ‬
‫عليها إنْ كان من الصّادقين } ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( لعان ) ‪.‬‬
‫تبديل الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬ذهب الجمهور إلى عدم جواز تبديل الزّكاة بدفع قيمتها بدلً من أعيانها ‪ ،‬وذهب الحنفيّة‬
‫ن العلّة في أفضليّة القيمة كونها‬
‫إلى جوازه ‪ ،‬إذ دفع القيمة عندهم أفضل من دفع العين ‪ ،‬ل ّ‬
‫أعون على دفع حاجة الفقير ‪ ،‬لحتمال أنّه يحتاج غير الحنطة مثلً من ثياب ونحوها ‪،‬‬
‫شدّة فدفع العين أفضل ‪.‬‬
‫بخلف دفع العروض ‪ ،‬وهذا في السّعة ‪ ،‬أمّا في ال ّ‬
‫وتفصيل ذلك يرجع إليه في ( زكاة الفطر ) ‪.‬‬

‫تبذّل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬للتّبذّل في اللّغة معان ‪ :‬منها ‪ :‬ترك التّزيّن ‪ ،‬والتّهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة‬
‫التّواضع ‪ .‬ومنه حديث سلمان ‪ « :‬فرأى أمّ الدّرداء متبذّلةً » وفي رواية « مبتذل ًة » ‪ .‬والمبذل‬
‫والمبذلة ‪ :‬الثّوب الخلق ‪ .‬والمتبذّل ‪ :‬لبسه ‪ .‬وفي حديث الستسقاء « فخرج متب ّذلً متخضّعا‬
‫» ‪ ،‬وفي مختار الصّحاح ‪ .‬البِذلة والمِبذلة بكسر أوّلهما ‪ :‬ما يمتهن من الثّياب ‪ .‬وابتذال الثّوب‬
‫وغيره ‪ :‬امتهانه ‪ .‬ومن معاني التّبذّل أيضا ‪ :‬ترك التّصاون ‪.‬‬
‫والتّبذّل في الصطلح ‪ :‬لبس ثياب البذلة ‪ .‬والبذلة ‪ :‬المهنة ‪ .‬وثياب البذلة هي الّتي تلبس في‬
‫حال الشّغل ‪ ،‬ومباشرة الخدمة ‪ ،‬وتصرّف النسان في بيته ‪.‬‬
‫وهو بهذا ل يخرج في معناه الصطلحيّ عمّا ذكر له من معان لغويّة ‪.‬‬
‫حكمه الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّبذّل بمعنى ترك التّزيّن ‪ .‬تارةً يكون واجبا ‪ ،‬وتار ًة يكون مسنونا ‪ .‬وتار ًة يكون مكروها‬
‫‪ .‬وتارةً يكون مباحا ‪ ،‬وهو الصل ‪.‬‬
‫‪ - 3‬فيكون واجبا ‪ :‬في الحداد ‪ .‬وهو ترك الزّينة ونحوها للمعتدّة من الموت أو الطّلق البائن‬
‫‪ .‬ول خلف بين عامّة الفقهاء في وجوبه على المتوفّى عنها زوجها ‪ ،‬والصل فيه قول اللّه‬
‫ن بأنفسهنّ أربعةَ أشهرٍ وعشرا‬
‫تبارك وتعالى ‪ { :‬والّذين يُتوفّون منكم و َيذَرون أزواجا َي َت َربّصْ َ‬
‫} وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل َيحِلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم الخر أن تح ّد على ميّت‬
‫ل على زوج أربع َة أشهر وعشرا » ‪.‬‬
‫فوق ثلث إ ّ‬
‫وإحدادها يكون بتجنّب الزّينة ‪ ،‬والطّيب ‪ ،‬ولبس الحليّ ‪ ،‬والملوّن والمطرّز من الثّياب‬
‫ل ما من شأنه أن تعتبر معه باستعماله متزيّن ًة ما لم تدع إلى‬
‫للتّزيّن ‪ ،‬والكحل والدّهان ‪ ،‬وك ّ‬
‫ذلك ضرورة ‪ ،‬فتقدّر حينئذ بقدرها ‪ ،‬كالكحل مثلً للرّمد ‪ ،‬فإنّه يرخّص لها باستعماله ليلً‬
‫وتمسحه نهارا ‪ ،‬لما روى أبو داود « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل على أمّ سلمة وهي‬
‫حادّة على أبي سلمة وقد جعلت في عينها صبرا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا يا أمّ سلمة ؟ فقالت ‪ :‬إنّما هو‬
‫صبر يا رسول اللّه ليس فيه طيب ‪ ،‬قال ‪ :‬إنّه يشبّ الوجه ‪ ،‬فل تجعليه إلّ باللّيل ‪ ،‬وتنزعينه‬
‫بالنّهار » ‪ .‬وحديث أ ّم عطيّة رضي ال عنها عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قالت ‪ « :‬كنّا‬
‫ل على زوج أربعة أشهر وعشرا ‪ ،‬ول تكتحل ول‬
‫ننهى أن نحدّ على ميّت فوق ثلث ‪ ،‬إ ّ‬
‫تتطيّب ول تلبس ثوبا مصبوغا إلّ ثوب عصب ‪ ،‬وقد رخّص لنا عند الطّهر إذا اغتسلت‬
‫إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار » ‪.‬‬
‫والمطلّقة طلقا بائنا كالمتوفّى عنها زوجها عند الحنفيّة ‪ ،‬فيجب عليها تجنّب ما تتجنّبه الحادّة‬
‫‪ ،‬إظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ( إحداد ) ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ويكون التّبذّل مسنونا في الستسقاء ‪ .‬وهو طلب العباد السّقيا من اللّه تعالى عند حاجتهم‬
‫إليها ‪ .‬فيخرجون إلى الصّحراء في ثياب بذلة خاشعين متضرّعين وجلين ناكسين رءوسَهم ‪،‬‬
‫إذ ذلك أقرب إلى الجابة ‪ .‬فيصلّون ركعتين ‪ ،‬ويكثرون من الدّعاء والستغفار ‪ .‬قال ابن‬
‫عبّاس ‪ « :‬خرج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم للستسقاء متب ّذلً متواضعا متخشّعا متضرّعا‬
‫حتّى أتى المصلّى » ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ( استسقاء ) ‪.‬‬
‫‪ -5‬ويكون التّبذّل مكروها ‪ :‬في الجمعة والعيدين ‪ ،‬لنّ التّزيّن مسنون لهما باتّفاق ‪ ،‬فيغتسل‬
‫ويلبس أحسن ثيابه ‪ ،‬والجديد منها أفضل ‪ ،‬وأولها البياض ‪ ،‬ويتطيّب ‪ .‬والحاديث الواردة‬
‫س من طيب‬
‫في ذلك كثيرة ‪ ،‬منها ‪ :‬حديث « من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه وم ّ‬
‫إن كان عنده ‪ ،‬ثمّ أتى الجمعة ‪ ،‬فلم يتخطّ أعناق النّاس ‪ ،‬ثمّ صلّى ما كتب له ‪ ،‬ثمّ أنصت إذا‬
‫خرج إمامه حتّى يفرغ من صلته ‪ ،‬كانت كفّارةً لما بينها وبين جمعته الّتي قبلها » وما روي‬
‫عن عبد اللّه بن سلم رضي ال عنه « أنّه سمع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في يوم‬
‫الجمعة يقول ‪ :‬ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته سوى ثوبي مهنته » ‪ .‬هذا بالنّسبة‬
‫ن إذا أردن حضور الجمعة والعيدين يتنظّفن بالماء ول يتطيّبن ‪ ،‬ول‬
‫للرّجال ‪ .‬أمّا النّساء فإنّه ّ‬
‫يلبسن الشّهرة من الثّياب ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه ‪،‬‬
‫وليخرجن تفلت » أي غير متعطّرات ‪ ،‬لنّهنّ إذا تطيّبن ولبسن الشّهرة من الثّياب دعا ذلك‬
‫ن ‪ .‬فهذه الحاديث قد دلّت على كراهة التّبذّل للرّجال في الجمعة‬
‫إلى الفساد والفتتان به ّ‬
‫والعيدين ‪ ،‬وعلى استحبابه بالنّسبة للنّساء فيهما ‪.‬‬
‫وانظر ‪ ( :‬جمعةً وعيدين ) ‪.‬‬
‫ويكره التّبذّل في مجامع النّاس ولقاء الوفود ‪ .‬وانظر لتفصيل ذلك مصطلح ‪ ( :‬تزيّن ) ‪.‬‬
‫ويكره تبذّل المرأة لزوجها والرّجل لزوجته ‪ ،‬ذلك لنّه يستحبّ لك ّل منهما أن يتزيّن للخر‬
‫ن مثلُ الّذي‬
‫ن بالمعروف } وقوله تعالى ‪ { :‬وله ّ‬
‫عند عامّة الفقهاء ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وعاشروه ّ‬
‫ن بالمعروف } فالمعاشرة بالمعروف حقّ لك ّل منهما على الخر ‪ ،‬ومن المعروف أن‬
‫عليه ّ‬
‫ب أن يتزيّن‬
‫يتزيّن كلّ منهما لصاحبه ‪ ،‬فكما يحبّ الزّوج أن تتزيّن له زوجته ‪ .‬فكذلك هي تح ّ‬
‫ن أن يتّقين اللّه فيكم "‪.‬‬
‫ن كما عليه ّ‬
‫لها ‪ .‬قال أبو زيد ‪ ":‬تتّقون اللّه فيه ّ‬
‫ب أن تتزيّن لي ‪ ،‬لنّ‬
‫وقال ابن عبّاس رضي ال عنهما ‪ " :‬إنّي لحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أح ّ‬
‫ن بالمعروف } ‪.‬‬
‫ن مثل الّذي عليه ّ‬
‫اللّه تعالى يقول ‪ { :‬وله ّ‬
‫ن لي نساءً وجواري ‪ ،‬فأزيّن نفسي كي‬
‫وكان محمّد بن الحسن يلبس الثّياب النّفيسة ويقول ‪ :‬إ ّ‬
‫ل ينظرن إلى غيري ‪ .‬وقال أبو يوسف ‪ :‬يعجبني أن تتزيّن لي امرأتي ‪ ،‬كما يعجبها أن أتزيّن‬
‫لها ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ( زينة ) ‪.‬‬
‫كما يكره التّبذّل في الصّلة عدا ما كان منه في صلة الستسقاء على نحو ما سبق بيانه ‪،‬‬
‫سواء أكان المصلّي فردا أم في جماعة ‪ ،‬إماما كان أم مأموما ‪ ،‬كأن يلبس المصلّي ثوبا‬
‫ب له أن يرتدي أكمل‬
‫يزري به ‪ .‬وذلك لنّ مريد الصّلة يعدّ نفسه لمناجاة ربّه ‪ ،‬ولذا يستح ّ‬
‫ثيابه وأحسنها لقوله تعالى ‪ { :‬يا بَني آد َم خذوا زينَتكم عندَ كلّ مسجد } وهذه الية وإن كان‬
‫نزولها فيمن كان يطوف بالبيت عريانا إلّ أنّ العبرة بعموم اللّفظ ل بخصوص السّبب ‪،‬‬
‫ل بالصّلة ‪ ،‬والرّجل والمرأة في‬
‫والمراد ما يستر العورة عند الصّلة بما ل يصف البشرة ويخ ّ‬
‫ذلك سواء ‪.‬‬
‫‪ -6‬ولكون التّبذّل مباحا في غير المواضع المذكورة ‪ ،‬كمن يلبس ثياب البذلة في عمله أو‬
‫شؤونه الخاصّة ‪.‬‬
‫‪ -7‬أمّا التّبذّل بمعنى عدم التّصاون ‪ ،‬فهو مذموم شرعا لخلله بالمروءة ‪ ،‬ولنّه يؤدّي إلى‬
‫عدم قبول الشّهادة ‪.‬‬
‫وهو حرام إن كان عدم التّصاون عن المعاصي وتفصيله في ( الشّهادة ) ‪.‬‬

‫تبذير *‬
‫انظر ‪ :‬إسراف ‪.‬‬

‫تبر *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبر لغ ًة ‪ :‬الذّهب كلّه ‪ .‬وقال ابن العرابيّ ‪ :‬التّبر ‪ :‬الفتات من الذّهب والفضّة قبل أن‬
‫يصاغا ‪ ،‬فإذا صيغا ‪ ،‬فهما ذهب وفضّة ‪ .‬وقال الجوهريّ ‪ :‬التّبر ‪ :‬ما كان من الذّهب غير‬
‫ل للذّهب ‪ ،‬وبعضهم يقوله للفضّة‬
‫مضروب ‪ .‬فإذا ضرب دنانير فهو عين ‪ ،‬ول يقال ‪ :‬تبر إ ّ‬
‫أيضا ‪ .‬وقيل ‪ :‬يطلق التّبر على غير الذّهب والفضّة ‪ .‬كالنّحاس والحديد والرّصاص ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬اسم للذّهب والفضّة قبل ضربهما ‪ ،‬أو للوّل فقط ‪ ،‬والمراد العمّ ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالتّبر ‪:‬‬
‫الرّبا في التّبر ‪:‬‬
‫ل بمثل يدا بيد‬
‫ن بيع الذّهب بالذّهب ‪ ،‬والفضّة بالفضّة ل يجوز إلّ مث ً‬
‫‪ - 2‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬
‫‪ ،‬لما رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدريّ أ ّ‬
‫ل مثلً بمثل ‪ ،‬ول تشفّوا بعضها على بعض ‪ ،‬ول تبيعوا الفضّة‬
‫ل تبيعوا الذّهب بالذّهب إ ّ‬
‫ل مثلً بمثل ‪ ،‬ول تشفّوا بعضها على بعض ‪ ،‬ول تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز »‬
‫بالفضّة إ ّ‬
‫وخبر ‪ « :‬الذّهب بالذّهب وزنا بوزن ‪ ،‬ومثلً بمثل ‪ ،‬يدا بيد ‪ ،‬والفضّة بالفضّة وزنا بوزن ‪،‬‬
‫مثلً بمثل ‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فهو ربا » ‪.‬‬
‫كما أجمعوا على أنّ مسكوكه ‪ ،‬وتبره ‪ ،‬ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضلً ‪،‬‬
‫لما رواه عبادة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « الذّهب بالذّهب تبرها وعينها ‪،‬‬
‫والفضّة بالفضّة تبرها وعينها ‪ ،‬والبرّ بالبرّ مدي بمدي ‪ ،‬والشّعير بالشّعير مدي بمدي ‪،‬‬
‫والتّمر بالتّمر مدي بمدي ‪ ،‬فمن زاد أو ازداد فقد أربى » ‪ .‬ول بأس ببيع الذّهب بالفضّة ‪،‬‬
‫والفضّة أكثرهما ‪ ،‬يدا بيد ‪ ،‬وأمّا نسيئ ًة فل ‪ ،‬ول بأس ببيع البرّ بالشّعير ‪ ،‬والشّعير أكثرهما ‪،‬‬
‫يدا بيد ‪ ،‬وأمّا نسيئ ًة فل ‪ .‬ولعموم الحاديث الواردة بهذا الخصوص ‪.‬‬
‫الزّكاة في تبر الذّهب والفضّة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الذّهب والفضّة إن كان كلّ منهما نقودا أو تبرا ففيه الزّكاة ‪ ،‬إذا بلغ نصابا وحال عليه‬
‫الحول ‪ .‬ر ‪ ( :‬زكاة ‪ :‬زكاة الذّهب والفضّة ) ‪.‬‬
‫جعل التّبر رأسمال في الشّركات ‪:‬‬
‫‪ - 4‬يجوز أن يكون التّبر رأس مال في شركة المفاوضة إن تعامل النّاس به ‪ -‬أي باستعماله‬
‫ثمنا ‪ -‬فينزّل التّعامل حينئذ منزلة الضّرب ‪ ،‬فيكون ثمنا ‪ ،‬ويصلح أن يكون رأس مال ‪ ،‬وهذا‬
‫عند بعض الفقهاء الحنفيّة ‪ .‬وفي الجامع الصّغير ‪ :‬ل تكون المفاوضة بمثاقيل ذهب أو فضّة ‪،‬‬
‫ومراده التّبر ‪ ،‬فعلى هذه الرّواية التّبر سلعة تتعيّن بالتّعيين ‪ ،‬فل تصلح رأس مال في‬
‫المضاربات والشّركات ‪ ،‬ونحوه عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫سكّة ‪ ،‬فإن‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل تجوز الشّركة بتبر ومسكوك ولو تساويا قدرا إن كثر فضل ال ّ‬
‫ساوتها جودة التّبر فقولن كما في الشّامل ‪.‬‬
‫التّبر المستخرج من الرض ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّبر المستخرج من الرض جعل فيه بعض العلماء الخمس لقول النّبيّ صلى ال عليه‬
‫ن فيه ربع العشر ( ر ‪ :‬ركاز ) ‪.‬‬
‫وسلم « في الرّكاز الخمس » وذهب آخرون إلى أ ّ‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 6‬فصّل الفقهاء أحكام التّبر في ( ربا ‪ ،‬وصرف ‪ ،‬وشركة ‪ ،‬وزكاة ‪ ،‬بيع ‪ ،‬ومضاربة ‪،‬‬
‫وركاز ) " كنز " ‪.‬‬

‫تبرّؤ *‬
‫انظر ‪ :‬براءة ‪.‬‬

‫تبرّج *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبرّج لغةً ‪ :‬مصدر تبرّج ‪ ،‬يقال تبرّجت المرأة ‪ :‬إذا أبرزت محاسنها للرّجال ‪.‬‬
‫وفي الحديث « كان يكره عشر خلل ‪ ،‬منها ‪ :‬التّبرّج بالزّينة لغير محلّها » والتّبرّج ‪ :‬إظهار‬
‫الزّينة للرّجال الجانب وهو المذموم ‪ .‬أمّا للزّوج فل ‪ ،‬وهو معنى قوله لغير محلّها ‪.‬‬
‫وهو في معناه الشّرعيّ ل يخرج عن هذا ‪ .‬قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬غيرَ‬
‫مُتبرّجات ِبزِينَةٍ } أي غير مظهرات ول متعرّضات بالزّينة لينظر إليهنّ ‪ ،‬فإنّ ذلك من أقبح‬
‫الشياء وأبعدها عن الحقّ ‪ .‬وأصل التّبرّج ‪ :‬التّكشّف والظّهور للعيون ‪ .‬وقال في تفسير قوله‬
‫ج الجاهليّةِ الُولى } حقيقة التّبرّج ‪ :‬إظهار ما ستره أحسن ‪.‬‬
‫ن َتبَرّ َ‬
‫تعالى { ول َتبَ ّرجْ َ‬
‫قيل ما بين نوح وإبراهيم عليهما السلم ‪ :‬كانت المرأة تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط‬
‫الجانبين ‪ ،‬وتلبس الثّياب الرّقاق ول تواري بدنها ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّزيّن ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّزيّن ‪ :‬اتّخاذ الزّينة ‪ ،‬وهي ما يستعمل استجلبا لحسن المنظر من الحليّ وغيره ‪ ،‬ومنه‬
‫ت الرضُ زُخرفَها وا ّز ّينَتْ } أي حسنت وبهجت بالنّبات ‪ .‬فأمّا‬
‫قوله تعالى { حتّى إذا أخذ ِ‬
‫ل له النّظر إليها ‪.‬‬
‫التّبرّج ‪ :‬فهو إظهار تلك الزّينة لمن ل يح ّ‬
‫ما يعتبر إظهاره تبرّجا ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّبرّج ‪ :‬إظهار الزّينة والمحاسن ‪ ،‬سواء أكانت فيما يعتبر عورةً من البدن ‪ :‬كعنق‬
‫المرأة وصدرها وشعرها ‪ ،‬وما على ذلك من الزّينة ‪ .‬أو كان فيما ل يعتبر عورةً ‪ :‬كالوجه‬
‫والكفّين ‪ ،‬إلّ ما ورد الذن به شرعا كالكحل ‪ ،‬والخاتم ‪ ،‬والسّوار ‪ ،‬على ما روي عن ابن‬
‫ل ما ظه َر منها } قال ‪ :‬ما ظهر منها ‪:‬‬
‫عبّاس في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬ول ُيبْدين زي َنتَهنّ إ ّ‬
‫الكحل ‪ ،‬والخاتم والسّوار ‪ .‬ولنّها تحتاج إلى كشف ذلك في المعاملت فكان فيه ضرورة ‪،‬‬
‫على أنّ في اعتبار الوجه والكفّين من العورة خلفا ينظر في مصطلح ( عورة ) ‪.‬‬

‫الحكم التّكليفيّ للتّبرّج ‪:‬‬


‫تبرّج المرأة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تبرّج المرأة على أشكاله المختلفة ‪ ،‬سواء ما كان منه بإظهار الزّينة والمحاسن لغير من‬
‫ل يحلّ له نظر ذلك ‪ ،‬أو ما كان بالتّبختر والختيال ‪ ،‬والتّثنّي في المشي ‪ ،‬ولبس الرّقيق من‬
‫الثّياب الّذي يصف بشرتها ‪ ،‬ويبيّن مقاطع جسمها ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪ -‬ممّا يبدو منها مثيرا‬
‫للغرائز ومحرّكا للشّهوة ‪ -‬حرام إجماعا لغير الزّوج ‪ ،‬لقول اللّه تبارك وتعالى { و َقرْنَ في‬
‫ن ِل ُيعْلمَ ما ُيخْفِين من‬
‫ن بأرجُلِه ّ‬
‫ضرِبْ َ‬
‫ج الجاهليّة الُولى } وقوله { ول َي ْ‬
‫ن تبرّ َ‬
‫بيوتِكنّ ول َت َب ّرجْ َ‬
‫ن يخرجن في أجود زينتهنّ ويمشين مشيةً من‬
‫ن النّساء في الجاهليّة الولى ك ّ‬
‫زينتهنّ } وذلك أ ّ‬
‫ن العجائز‬
‫ن ‪ .‬حتّى القواعد من النّساء ‪ ،‬وه ّ‬
‫الدّلّال والتّبختر ‪ ،‬فيكون ذلك فتن ًة لمن ينظر إليه ّ‬
‫ن قوله تعالى { والقواع ُد من النّساء اللّاتي ل‬
‫ونحوهنّ ممّن ل رغبة للرّجال فيهنّ ‪ ،‬نزل فيه ّ‬
‫ن غيرَ مت َبرّجات بزينةٍ } فأباح لهنّ وضع‬
‫ن ثيابَه ّ‬
‫ضعْ َ‬
‫َيرْجون نكاحا فليس عليهنّ جُناحٌ أن َي َ‬
‫الخمار ‪ ،‬وكشف الرّأس ونحوه ‪ ،‬ونهاهنّ مع ذلك عن التّبرّج ‪.‬‬
‫تبرّج الرّجل ‪:‬‬
‫تبرّج الرّجل إمّا بإظهار عورته أو تزيّنه ‪ ،‬والتّزيّن إمّا أن يكون موافقا للشّريعة ‪ ،‬أو مخالفا‬
‫لها ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬التّبرّج بإظهار العورة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يحرم على الرّجل كشف عورته أمام الرّجال والنّساء غير زوجته ‪ ،‬أو لحاجة التّداوي‬
‫والختان ‪ ،‬على خلف بين الفقهاء في تحديد العورة ‪ .‬ينظر إليه في مصطلح ( عورة ) ‪.‬‬
‫ويجوز للمرأة أن تنظر من الرّجل إلى ما ينظر الرّجل إليه من الرّجل إذا أمنت الشّهوة ‪،‬‬
‫لستواء الرّجل والمرأة في النّظر إلى ما ليس بعورة ‪ ،‬وذهب بعض الفقهاء إلى التّحريم ‪ .‬كما‬
‫يكره نظر الرّجل إلى فرجه عبثا من غير حاجة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّبرّج بإظهار الزّينة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬إظهار الزّينة من الرّجل قد يكون موافقا للشّريعة ‪ ،‬وقد يكون مخالفا لها ‪.‬‬
‫فالتّزيّن المخالف للشّريعة ‪ ،‬كالخذ من أطراف الحاجب تشبّها بالنّساء ‪ ،‬وكوضع المساحيق‬
‫على الوجه تشبّها بالنّساء ‪ ،‬وكالتّزيّن بلبس الحرير والذّهب والتّختّم به وما إلى ذلك ‪ ،‬وهناك‬
‫صور من التّزيّن اختلف في حكمها ‪ .‬تنظر في ( اختضاب ) وفي ( لحية وتزيّن ) ‪ .‬وأمّا‬
‫التّزيّن الّذي أباحته الشّريعة ‪ ،‬ومنه تزيّن حضّت عليه ‪ :‬كتزيّن الزّوج لزوجته كتزيّنها له ‪،‬‬
‫وتسريح الشّعر أو حلقه ‪ ،‬لكن يكره القزع ‪ ،‬ويسنّ تغيير الشّيب إلى الحمرة والصّفرة ‪.‬‬
‫ويجوز التّزيّن بالتّختّم بالفضّة ‪ « ،‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم اتّخذ خاتما من الفضّة » ‪،‬‬
‫إلّ أنّ الفقهاء اختلفوا في مقدار الخاتم وينظر في مصطلح ( تختّم ) ‪.‬‬
‫تبرّج ال ّذ ّميّة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬ال ّذ ّميّة الحرّة عورتها كعورة المسلمة الحرّة ‪ ،‬حيث لم يفرّق الفقهاء في إطلقهم للحرّة‬
‫بين المسلمة وغيرها ‪ ،‬كما أنّهم لم يفرّقوا بين عورة الرّجل المسلم والكافر ‪ ،‬وهذا يقتضي‬
‫تحريم النّظر إلى عورة ال ّذ ّميّ رجلً كان أو أنثى ‪ ،‬وعلى ذلك يجب على ال ّذ ّميّة ستر عورتها‬
‫والمتناع عن التّبرّج المثير للفتنة ‪ ،‬درءا للفساد ومحافظةً على الداب العامّة ‪.‬‬
‫من يطلب منه منع التّبرّج ؟‬
‫‪ - 8‬على الب أن يمنع بنته الصّغيرة عن التّبرّج إذا كانت تشتهى ‪ ،‬حيث ل يباح مسّها‬
‫والنّظر إليها والحالة هذه لخوف الفتنة ‪ ،‬وكذلك عليه ذلك بالنّسبة لبنته الّتي لم تتزوّج متى‬
‫كانت في وليته ‪ ،‬إذ ينبغي له أن يأمرها بجميع المأمورات ‪ ،‬وينهاها عن جميع المنهيّات ‪،‬‬
‫ومثل الب في ذلك وليّها عند عدمه ‪ .‬وعلى الزّوج منع زوجته عنه ‪ ،‬لنّه معصية ‪ ،‬فله‬
‫ل معصية ل حدّ فيه ‪ ،‬إذا لم تستجب لنصحه‬
‫تأديبها وضربها ضربا غير مبرّح في ك ّ‬
‫ووعظه ‪ ،‬متى كان متمشّيا مع المنهج الشّرعيّ ‪ .‬وعلى وليّ المر أن ينهى عن التّبرّج‬
‫المحرّم ‪ ،‬وله أن يعاقب عليه ‪ ،‬وعقوبته التّعزير ‪ ،‬والمراد به التّأديب ‪ ،‬ويكون بالضّرب أو‬
‫بالحبس أو بالكلم العنيف ‪ ،‬أو ليس فيه تقدير ‪ ،‬بل هو مفوّض إلى رأي من يقوم به وفق‬
‫مقتضيات الحوال الّتي يطلب فيها التّعزير ‪ .‬وانظر مصطلح ( تعزير ) ‪.‬‬

‫تبرّز *‬
‫انظر ‪ :‬قضاء الحاجة ‪.‬‬

‫تبرّع *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ضمّ أيضا براعةً ‪ ،‬أي ‪ :‬فاق أصحابه في‬
‫‪ - 1‬التّبرّع لغ ًة ‪ :‬مأخوذ من برع الرّجل وبرع بال ّ‬
‫العلم وغيره فهو بارع ‪ ،‬وفعلت كذا متبرّعا أي ‪ :‬متطوّعا ‪ ،‬وتبرّع بالمر ‪ :‬فعله غير طالب‬
‫عوضا ‪.‬‬
‫وأمّا في الصطلح ‪ ،‬فلم يضع الفقهاء تعريفا للتّبرّع ‪ ،‬وإنّما عرّفوا أنواعه كالوصيّة والوقف‬
‫ل تعريف لنوع من هذه النواع يحدّد ماهيّته فقط ‪ ،‬ومع هذا فإنّ معنى‬
‫والهبة وغيرها ‪ ،‬وك ّ‬
‫التّبرّع عند الفقهاء كما يؤخذ من تعريفهم لهذه النواع ‪ ،‬ل يخرج عن كون التّبرّع بذل المكلّف‬
‫مالً أو منفع ًة لغيره في الحال أو المآل بل عوض بقصد البرّ والمعروف غالبا ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّطوّع ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّطوّع ‪ :‬اسم لما شرع زيادةً على الفرض والواجب وهو فرد من أفراد التّبرّع ‪ ،‬فالتّبرّع‬
‫قد يكون واجبا ‪ ،‬وقد ل يكون واجبا ‪ ،‬ويكون التّطوّع أيضا في العبادات ‪ ،‬وهي النّوافل كلّها‬
‫الزّائدة عن الفروض والواجبات ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ للتّبرّع ‪:‬‬
‫سنّة والجماع ‪ ،‬والتّبرّع‬
‫ث السلم على فعل الخير وتقديم المعروف في الكتاب وال ّ‬
‫‪-3‬ح ّ‬
‫بأنواعه المختلفة من الخير ‪ ،‬فيكون مشروعا بهذه الدلّة ‪.‬‬
‫أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬وتعاوَنوا على ال ِبرّ والتّقوى ول َتعَاونوا على الِثم والعدوان } فقد‬
‫أمر اللّه بالتّعاون على البرّ ‪ ،‬وهو كلّ معروف يقدّم للغير سواء أكان بتقديم المال أم المنفعة ‪.‬‬
‫ن ترك خيرا الوصيّةُ للوال َديْن والقربين‬
‫وقوله سبحانه { ُكتِبَ عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إ ْ‬
‫بالمعروف حقّا على المتّقين } ‪.‬‬
‫سنّة ‪ ،‬فإنّ الحاديث الدّالّة على أعمال الخير كثيرة ‪ ،‬منها ‪ :‬ما روي عن ابن عمر قال‬
‫وأمّا ال ّ‬
‫‪ « :‬أصاب عمر أرضا بخيبر ‪ ،‬فأتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستأمره فيها ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول اللّه إنّي أصبت أرضا بخيبر ‪ ،‬لم أصب مالً قطّ هو أنفس عندي منه ‪ .‬فما تأمرني‬
‫ت أصلها وتصدّقتَ بها ‪ .‬قال ‪ :‬فتصدّق بها عمر ‪ :‬أنّه ل يباع أصلها‬
‫به ؟ قال ‪ :‬إن شئت حَبسْ َ‬
‫‪ ،‬ول يبتاع ‪ ،‬ول يورث ‪ ،‬ول يوهب ‪ .‬قال ‪ :‬فتصدّق عمر في الفقراء ‪ .‬وفي القربى ‪ ،‬وفي‬
‫الرّقاب ‪ ،‬وفي سبيل اللّه ‪ ،‬وابن السّبيل ‪ .‬والضّيف ‪ .‬ل جناح على من وليها أن يأكل منها‬
‫بالمعروف ‪ ،‬أو يطعم صديقا ‪ ،‬غير متموّل فيه ‪ .‬قال ‪ :‬فحدّثت بهذا الحديث محمّدا ‪ .‬فلمّا‬
‫ل»‪.‬‬
‫بلغت هذا المكان ‪ :‬غير متموّل فيه ‪ .‬قال محمّد ‪ :‬غير متأثّل ما ً‬
‫قال ابن عون ‪ :‬وأنبأني من قرأ هذا الكتاب ‪ ،‬أنّ فيه ‪ :‬غير متأثّل مالً ‪.‬‬
‫ن اللّه‬
‫ومنها قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬تهادوا تحابّوا » وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫تبارك وتعالى تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حياتكم ‪ ،‬ليجعلها لكم زيادةً في‬
‫أعمالكم » ‪.‬‬
‫وأمّا الجماع فقد اتّفقت المّة على مشروعيّة التّبرّع ‪ ،‬ولم ينكر ذلك أحد ‪.‬‬
‫‪ - 4‬والتّبرّعات أنواع متعدّدة منها ‪ :‬تبرّع بالعين ‪ ،‬ومنها تبرّع بالمنفعة ‪ ،‬وتكون التّبرّعات ‪،‬‬
‫حالّةً أو مؤجّل ًة ‪ ،‬أو مضاف ًة إلى ما بعد الموت ‪.‬‬
‫والتّبرّع بأنواعه يدور عليه الحكم التّكليفيّ بأقسامه ‪.‬‬
‫ن التّبرّع ليس له حكم تكليفيّ واحد ‪ ،‬وإنّما تعتريه الحكام الخمسة‬
‫‪ -5‬وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫‪ :‬فقد يكون واجبا ‪ ،‬وقد يكون مندوبا ‪ ،‬وقد يكون حراما ‪ ،‬وقد يكون مكروها تبعا ‪ ،‬لحالة‬
‫التّبرّع والمتبرّع له والمتبرّع به ‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬وتكون مندوبةً إذا‬
‫فإن كان التّبرّع وصّيةً ‪ ،‬فتكون واجبةً لتدارك قربة فاتته كزكاة أو ح ّ‬
‫كان ورثته أغنياء وهي في حدود الثّلث ‪ ،‬وتكون حراما إذا أوصى لمعصية أو بمحرّم ‪،‬‬
‫وتكون مكروهةً إذا أوصى لفقير أجنبيّ وله فقير قريب ‪ ،‬وتكون مباح ًة إذا أوصى بأقلّ من‬
‫الثّلث لغنيّ أجنبيّ وورثته أغنياء ‪ .‬والحكم كذلك في باقي التّبرّعات كالوقف والهبة ‪.‬‬
‫أركان التّبرّع ‪:‬‬
‫‪ - 6‬التّبرّع أساسه العقد ‪ ،‬ول ب ّد من توافر أركان العقد ‪ ،‬وقد اختلف الفقهاء في عدد هذه‬
‫الركان ‪ .‬فالجمهور يرون أنّ للتّبرّع أربعة أركان ‪ :‬متبرّع ‪ ،‬ومتبرّع له ‪ ،‬ومتبرّع به ‪،‬‬
‫وصيغة ‪ .‬فالمتبرّع هو الموصي أو الواهب أو الواقف أو المعير ‪.‬‬
‫والمتبرّع له قد يكون الموصى له أو الموهوب له أو الموقوف عليه أو المستعير ‪.‬‬
‫والمتبرّع به قد يكون موصًى به أو موهوبا أو موقوفا أو معارا إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫والصّيغة هي الّتي تنشئ التّبرّع وتبيّن إرادة المتبرّع ‪.‬‬
‫أمّا الحنفيّة فللتّبرّع عندهم ركن واحد ‪ ،‬وهو الصّيغة ‪ ،‬والخلف عندهم فيما تتحقّق به هذه‬
‫الصّيغة ‪ ،‬وهذا يختلف تبعا لنوع التّبرّع ‪.‬‬
‫شروط التّبرّع ‪:‬‬
‫ل نوع من التّبرّعات شروط إذا تحقّقت كان التّبرّع صحيحا ‪.‬‬
‫‪ - 7‬لك ّ‬
‫وإذا لم تتحقّق لم يكن صحيحا ‪ ،‬وهذه الشّروط كثيرة ومتنوّعة ‪ ،‬فبعضها يتعلّق بالمتبرّع ‪،‬‬
‫وبعضها يتعلّق بالمتبرّع له ‪ ،‬وبعضها يتعلّق بالمتبرّع به ‪ ،‬وبعضها يتعلّق بالصّيغة ‪ ،‬وتفصيل‬
‫شروط كلّ نوع من التّبرّعات في مصطلحه ‪.‬‬
‫آثار التّبرّع ‪:‬‬
‫‪ - 8‬التّبرّع إذا تمّ بشروطه الشّرعيّة يترتّب عليه أثر شرعيّ ‪ ،‬وهو انتقال المتبرّع به إلى‬
‫المتبرّع له ‪ ،‬ويختلف ذلك باختلف المتبرّع به ‪.‬‬
‫ففي الوصيّة مثلً ينتقل الملك من الموصي بعد وفاته إلى الموصى له بقبوله ‪ ،‬سواء أكان‬
‫الموصى به أعيانا أم منافع ‪ ،‬وفي الهبة ينتقل ملك الموهوب من الواهب إلى الموهوب له إذا‬
‫قبضه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬ويتوقّف انتقاله على القبض عند الحنفيّة ‪ .‬وفي العاريّة ينتقل حقّ‬
‫النتفاع إلى المستعير انتقالً مؤقّتا ‪ ،‬وأمّا الوقف فقد اختلفوا في انتقال الملك وعدمه ‪ ،‬فعند‬
‫الحنفيّة والشّافعيّة والمشهور من مذهب أحمد ‪ :‬أنّ الوقف يخرج عن ملك الواقف ويبقى على‬
‫ملك اللّه تعالى ‪ ،‬وعند المالكيّة وهو رواية عن أحمد أنّه يبقى على ملك صاحبه واستدلّوا بما‬
‫روي « عن عمر رضي ال عنه لمّا وقف أسهما له بخيبر قال له النّبيّ عليه الصلة والسلم‬
‫‪ :‬حبّس أصلها » فاستنبطوا من ذلك الّنصّ بقاء الموقوف على ملك واقفه ‪ ،‬وبالجملة فإنّ‬
‫التّبرّع ينتج أثرا شرعيّا ‪ ،‬وهو انتقال الملك في العين أو المنفعة من المتبرّع إلى المتبرّع له‬
‫إذا تمّ العقد بشروطه ‪.‬‬
‫وفي المسألة تفصيلت واختلف يرجع إليها في ( عاريّة ‪ .‬هبة ‪ .‬وقف ‪ .‬وصيّة ‪ .‬إلخ ) ‪.‬‬
‫ما ينتهي به التّبرّع ‪:‬‬
‫‪ - 9‬انتهاء التّبرّع قد يكون ببطلنه ‪ ،‬وقد يكون بغير فعل من أحد ‪ ،‬وقد يكون بفعل التّبرّع أو‬
‫غيره ‪ .‬والصل في التّبرّع عدم انتهائه لما فيه من البرّ والمعروف ‪ ،‬باستثناء العارة لنّها‬
‫ن النتهاء يتّسع في بعض أنواع‬
‫مؤقّتة ‪ .‬وباستعراض أقوال الفقهاء في انتهاء التّبرّع يتبيّن أ ّ‬
‫التّبرّع ‪ ،‬ويضيق في بعضها الخر ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فقد يكون إنهاء بعض التّبرّعات غير‬
‫ممكن كالوقف عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬وقد يكون أمرا حتميّا كالعارة ‪.‬‬
‫ل نوع من التّبرّعات ينظر في مصطلحه ‪.‬‬
‫وتفصيل ما يتعلّق بك ّ‬

‫تبرّك *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبرّك لغ ًة ‪ :‬طلب البركة ‪ ،‬والبركة هي ‪ :‬النّماء والزّيادة ‪ ،‬والتّبريك ‪ :‬الدّعاء للنسان‬
‫بالبركة ‪ .‬وبارك اللّه الشّيء وبارك فيه وعليه ‪ :‬وضع فيه البركة ‪ ،‬وفي التّنزيل ‪ { :‬وهذا‬
‫كتابٌ أَنزلْناه مبارَك } وتبرّكت به تيمّنت به ‪ .‬قال الرّاغب الصفهانيّ ‪ :‬البركة ثبوت الخير‬
‫ل القرى آمنوا واتّقَوْا لَ َف َتحْنا عليهم بركاتٍ من‬
‫اللهيّ في الشّيء ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬ولو أنّ أه َ‬
‫السّماء والرض } { وهذا ِذكْر مبارك أنزلناه } تنبيها على ما يفيض به من الخيرات اللهيّة ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمعنى الصطلحيّ للتّبرّك هو ‪ :‬طلب ثبوت الخير اللهيّ في الشّيء ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّوسّل ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّوسّل لغ ًة ‪ :‬التّقرّب ‪ .‬يقال ‪ :‬توسّل العبد إلى ربّه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل ‪.‬‬
‫وفي التّنزيل ‪ { :‬وا ْب َتغُوا إليه الوسيلةَ } ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الشّفاعة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الشّفاعة ‪ :‬لغةً من مادّة شفع ‪ ،‬ويقال ‪ :‬استشفعت به ‪ :‬طلبت منه الشّفاعة ‪ .‬وقال الرّاغب‬
‫الصفهانيّ ‪ :‬الشّفاعة النضمام إلى آخر ناصرا له وسائلً عنه ‪ ،‬وشفّع وتشفّع ‪ :‬طلب الشّفاعة‬
‫‪ ،‬والشّفاعة ‪ :‬كلم الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره ‪ ،‬والشّافع ‪ :‬الطّالب لغيره ‪ ،‬وشفع إليه‬
‫في معنى ‪ :‬طلب إليه قضاء حاجة المشفوع له ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬الضّراعة والسّؤال في التّجاوز عن ذنوب المشفوع له أو قضاء حاجته ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الستغاثة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الستغاثة لغةً ‪ :‬طلب الغوث ‪ ،‬وفي التّنزيل ‪ { :‬إ ْذ تستغيثون ربّكم } وأغاثه إغاثةً ‪ :‬إذا‬
‫أعانة ونصره ‪ ،‬فهو مغيث ‪ ،‬وأغاثهم اللّه برحمته ‪ :‬كشف شدّتهم ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫التّبرّك مشروع في الجملة على التّفصيل التّالي ‪:‬‬
‫حمْدَلَة ‪:‬‬
‫‪ - 1 -‬التّبرّك بالبسملة وال َ‬
‫‪ - 5‬ذهب بعض أهل العلم إلى س ّنيّة ابتداء كلّ أمر ذي بال يهت ّم به شرعا ‪ -‬بحيث ل يكون‬
‫محرّما لذاته ‪ ،‬ول مكروها لذاته ‪ ،‬ول من سفاسف المور ومحقّراتها ‪ -‬بالبسملة والحمدلة ‪،‬‬
‫كلّ في موضعه على سبيل التّبرّك ‪.‬‬
‫ل أعمالهم المهمّة بالبسملة عملً بما‬
‫وجرى العلماء في افتتاح كلماتهم وخطبهم ومؤلّفاتهم وك ّ‬
‫ل أمر ذي بال ل يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر أو‬
‫روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ك ّ‬
‫ل أمر ذي بال ل يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أبتر أو‬
‫أقطع أو أجذم » وفي رواية أخرى ‪ « :‬ك ّ‬
‫أقطع أو أجذم » ومن هذا الباب التيان بالبسملة عند الكل ‪ ،‬والشّرب ‪ ،‬والجماع ‪ ،‬والغتسال‬
‫‪ ،‬والوضوء ‪ ،‬والتّلوة ‪ ،‬والتّيمّم ‪ ،‬والرّكوب والنّزول وما إلى ذلك ‪.‬‬
‫‪ - 2 -‬التّبرّك بآثار النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم وأورد علماء السّيرة‬
‫‪ - 6‬اتّفق العلماء على مشروعيّة التّبرّك بآثار النّب ّ‬
‫والشّمائل والحديث أخبارا كثير ًة تمثّل تبرّك الصّحابة الكرام رضي ال عنهم بأنواع متعدّدة من‬
‫آثاره صلى ال عليه وسلم نجملها فيما يأتي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬في وضوئه ‪:‬‬
‫‪ « - 7‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه » ‪ ،‬لفرط‬
‫حرصهم على التّبرّك بما مسّه صلى ال عليه وسلم ببدنه الشّريف ‪ ،‬وكان من لم يصب من‬
‫وضوئه يأخذ من بلل يد صاحبه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬في ريقه ونخامته ‪:‬‬
‫ل تلقّوها ‪ ،‬وأخذوها‬
‫‪ « - 8‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل يبصق بصاقا ول يتنخّم نخامةً إ ّ‬
‫من الهواء ‪ ،‬ووقعت في كفّ رجل منهم ‪ ،‬فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ‪ ،‬ومسحوا بها‬
‫ج ريقه في اليادي ‪،‬‬
‫جلودهم وأعضاءهم تبرّكا بها » ‪ « .‬وكان يتفل في أفواه الطفال ‪ ،‬ويم ّ‬
‫وكان يمضغ الطّعام فيمجّه في فم الشّخص » ‪ « ،‬وكان الصّحابة يأتون بأطفالهم ليحنّكهم النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم رجاء البركة » ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬في دمه صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ن بعض الصّحابة شربوا دمه صلى ال عليه وسلم على سبيل التّبرّك ‪ ،‬فعن عبد‬
‫‪ - 9‬ثبت أ ّ‬
‫اللّه بن الزّبير رضي ال عنه « أنّه أتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يحتجم ‪ ،‬فلمّا فرغ قال‬
‫‪ :‬يا عبد اللّه اذهب بهذا الدّم فأهرقه حيث ل يراك أحد فشربه ‪ ،‬فلمّا رجع ‪ ،‬قال ‪ :‬يا عبد اللّه‬
‫ما صنعت ؟ قال ‪ :‬جعلته في أخفى مكان علمت أنّه مخفيّ عن النّاس ‪ ،‬قال ‪ :‬لعلّك شربته ؟‬
‫ن القوّة الّتي به من‬
‫قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬ويل للنّاس منك ‪ ،‬وويل لك من النّاس » فكانوا يرون أ ّ‬
‫ذلك الدّم ‪ .‬وفي رواية « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال له ‪ :‬من خالط دمه دمي لم تمسّه‬
‫النّار » ‪.‬‬
‫د ‪ -‬في شعره صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ « - 10‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يوزّع شعره بين الصّحابة عندما يحلق رأسه الشّريف‬
‫» ‪ ،‬وكان الصّحابة رضي ال عنهم يحرصون على أن يحصّلوا شيئا من شعره صلى ال عليه‬
‫وسلم ويحافظون على ما يصل إلى أيديهم منه للتّبرّك به ‪ .‬فعن أنس رضي ال عنه « أنّ‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أتى منًى فأتى الجمرة فرماها ثمّ أتى منزله بمنًى ونحر ‪ ،‬ثمّ‬
‫قال ‪ :‬للحلّاق ‪ :‬خذ وأشار إلى جانبه اليمن ثمّ اليسر ‪ ،‬ثمّ جعل يعطيه النّاس » ‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ « :‬لمّا رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلّاق شقّه اليمن ‪ ،‬فحلقه ‪ ،‬ثمّ دعا‬
‫أبا طلحة النصاريّ رضي ال عنه فأعطاه إيّاه ‪ ،‬ثمّ ناوله الشّقّ اليسر فقال ‪ :‬احلق ‪ ،‬فحلقه ‪،‬‬
‫شقّ اليمن فوزّعه‬
‫فأعطاه أبا طلحة ‪ ،‬فقال ‪ :‬اقسمه بين النّاس » ‪ .‬وفي رواية ‪ « :‬فبدأ بال ّ‬
‫الشّعرة والشّعرتين بين النّاس ‪ ،‬ثمّ قال باليسر فصنع به مثل ذلك » ‪.‬‬
‫ن خالد بن الوليد رضي ال عنه ‪ :‬فقد قلنسو ًة له يوم اليرموك ‪ ،‬فطلبها حتّى وجدها‬
‫وروي « أ ّ‬
‫‪ ،‬وقال ‪ :‬اعتمر رسول اللّه فحلق رأسه فابتدر النّاس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته‬
‫فجعلتها في هذه القلنسوة ‪ ،‬فلم أشهد قتالً وهي معي إلّ رزقت النّصر » ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه قال ‪ « :‬لقد رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والحلّاق يحلقه‬
‫وأطاف به أصحابه ‪ ،‬فما يريدون أن تقع شعرة إلّ في يد رجل » ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬في سؤره وطعامه صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ - 11‬ثبت أنّ الصّحابة رضي ال عنهم كانوا يتنافسون في سؤره صلى ال عليه وسلم ليحوز‬
‫كلّ واحد منهم البركة الّتي حلّت في الطّعام أو الشّراب من قبل الرّسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ن رسول اللّه أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلم‬
‫فعن سهل بن سعد رضي ال عنه ‪ « :‬أ ّ‬
‫‪ ،‬وعن يساره الشياخ فقال للغلم ‪ :‬أتأذن لي أن أعطي هؤلء ؟ فقال الغلم ‪ - :‬وهو ابن‬
‫عبّاس رضي ال عنهما ‪ : -‬واللّه يا رسول اللّه ل أوثر بنصيبي منك أحدا ‪ ،‬فتلّه رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم في يده » ‪.‬‬
‫وعن عميرة بنت مسعود رضي ال عنها ‪ « :‬أنّها دخلت على النّبيّ صلى ال عليه وسلم هي‬
‫ن قديد ًة ‪ ،‬ثمّ ناولني القديدة ‪،‬‬
‫وأخواتها يبايعنه ‪ ،‬وهنّ خمس ‪ ،‬فوجدته يأكل قديده ‪ ،‬فمضغ له ّ‬
‫ن خلوف » ‪ .‬وفي حديث خنس‬
‫فمضغتها كلّ واحدة قطعةً قطعةً ‪ ،‬فلقين اللّه وما وجد لفواهه ّ‬
‫بن عقيل ‪ « :‬سقاني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شرب ًة من سويق شرب أوّلها وشربت‬
‫آخرها ‪ ،‬فما برحت أجد شبعها إذا جعت ‪ ،‬وريّها إذا عطشت ‪ ،‬وبردها إذا ظمئت » ‪.‬‬
‫و ‪ -‬في أظافره صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ - 12‬ثبت أنّه صلى ال عليه وسلم قلّم أظافره ‪ ،‬وقسمها بين النّاس للتّبرّك بها ‪ ،‬فقد ذكر‬
‫المام أحمد رحمه ال ‪ ،‬من حديث محمّد بن زيد أنّ أباه حدّثه ‪ « :‬أنّه شهد النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم على المنحر ورجلً من قريش ‪ ،‬وهو يقسم أضاحيّ ‪ ،‬فلم يصبه منها شيء ول‬
‫صاحبه ‪ ،‬فحلق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأسه في ثوبه ‪ ،‬فأعطاه فقسم منه على رجال‬
‫‪ ،‬وقلّم أظافره فأعطاه صاحبه » ‪ .‬وفي رواية « ثمّ قلّم أظافره وقسمها بين النّاس » ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬في لباسه صلى ال عليه وسلم وأوانيه ‪:‬‬
‫ن الصّحابة رضي ال عنهم كانوا يحرصون على اقتناء ملبسه وأوانيه‬
‫‪ - 13‬ثبت كذلك أ ّ‬
‫للتّبرّك بها والستشفاء ‪ .‬فعن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما ‪ « :‬أنّها أخرجت جبّةً‬
‫طيالس ًة وقالت ‪ :‬إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يلبسها فنحن نغسلها للمرضى‬
‫يستشفى بها » ‪ .‬وفي رواية ‪ « :‬فنحن نغسلها نستشفي بها » ‪.‬‬
‫وروي عن أبي محمّد الباجيّ قال ‪ « :‬كانت عندنا قصعة من قصاع النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫فكنّا نجعل فيها الماء للمرضى ‪ ،‬يستشفون بها ‪ ،‬فيشفون بها » ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬في ما لمسه صلى ال عليه وسلم ومصلّاه ‪:‬‬
‫‪ - 14‬كان الصّحابة رضي ال عنهم يتبرّكون فيما تلمس يده الشّريفة صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن ذلك « بركة يده فيما لمسه وغرسه لسلمان رضي ال عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة‬
‫ودية وهو صغار النّخل يغرسها لهم كلّها ‪ ،‬تعلّق وتطعم ‪ ،‬وعلى أربعين أوقيّة من ذهب ‪ ،‬فقام‬
‫صلى ال عليه وسلم وغرسها له بيده ‪ ،‬إلّ واحد ًة غرسها غيره ‪ ،‬فأخذت كلّها إلّ تلك‬
‫ي صلى ال عليه وسلم وردّها فأخذت » وفي رواية ‪ « :‬فأطعم النّخل من‬
‫الواحدة ‪ ،‬فقلعها النّب ّ‬
‫عامه إلّ الواحدة ‪ ،‬فقلعها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها ‪،‬‬
‫وأعطاه مثل بيضة الدّجاجة من ذهب ‪ ،‬بعد أن أدارها على لسانه ‪ ،‬فوزن منها لمواليه أربعين‬
‫أوقيّة ‪ ،‬وبقي عنده مثل ما أعطاهم » ‪.‬‬
‫« ووضع يده الشّريفة صلى ال عليه وسلم على رأس حنظلة بن حذيم وبرّك عليه ‪ ،‬فكان‬
‫حنظلة يؤتى بالرّجل قد ورم وجهه ‪ ،‬والشّاة قد ورم ضرعها ‪ ،‬فيوضع على موضع كفّ النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فيذهب الورم » ‪.‬‬
‫« وكان يؤتى إليه صلى ال عليه وسلم بالمرضى وأصحاب العاهات والمجانين فيمسح عليهم‬
‫بيده الشّريفة صلى ال عليه وسلم فيزول ما بهم من مرض وجنون وعاهة » ‪.‬‬
‫وكذلك كانوا يحرصون على أن يصلّي النّبيّ صلى ال عليه وسلم في مكان من بيوتهم ‪،‬‬
‫ليتّخذوه مصلّى لهم بعد ذلك ‪ ،‬وتحصل لهم بركة النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فعن عتبان بن‬
‫مالك رضي ال عنه ‪ -‬وهو ممّن شهد بدرا ‪ -‬قال ‪ « :‬كنت أصلّي لقومي بني سالم ‪ ،‬وكان‬
‫ق عليّ اجتيازه قبل مسجدهم ‪ ،‬فجئت رسول‬
‫يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت المطار ‪ ،‬فيش ّ‬
‫ن الوادي الّذي بيني وبين قومي‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم فقلت له ‪ :‬إنّي أنكرت بصري ‪ ،‬وإ ّ‬
‫يسيل إذا جاءت المطار فيشقّ عليّ اجتيازه ‪ ،‬فوددت أنّك تأتي فتصلّي في بيتي مكانا أتّخذه‬
‫مصلّى ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬سأفعل إن شاء اللّه فغدا عليّ رسول اللّه وأبو‬
‫بكر رضي ال عنه بعدما اشتدّ النّهار ‪ ،‬واستأذن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأذنت له ‪،‬‬
‫ب أن أصلّي من بيتك ؟ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن‬
‫فلم يجلس حتّى قال ‪ :‬أين تح ّ‬
‫يصلّي فيه ‪ ،‬فقام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ث ّم سلّم ‪،‬‬
‫وسلّمنا حين سلّم » ‪.‬‬
‫‪ - 3 -‬التّبرّك بماء زمزم ‪:‬‬
‫‪ - 15‬ذهب العلماء إلى س ّنيّة شرب ماء زمزم لمطلوبه في الدّنيا والخرة ‪ ،‬لنّها مباركة ‪،‬‬
‫لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ماء زمزم لما شرب له » ‪.‬‬
‫‪ - 4 -‬التّبرّك ببعض الزمنة والماكن في النّكاح ‪:‬‬
‫‪ - 16‬ذهب جمهور العلماء إلى استحباب مباشرة عقد النّكاح في المسجد ‪ ،‬وفي يوم الجمعة‬
‫للتّبرّك بهما ‪ ،‬فقد قال الرّسول صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أعلنوا هذا النّكاح ‪ ،‬واجعلوه في‬
‫المساجد ‪ ،‬واضربوا عليه بالدّفوف » ‪.‬‬

‫تبسّط *‬
‫انظر ‪ :‬توسعة ‪.‬‬

‫تبع *‬
‫انظر ‪ :‬تابع ‪.‬‬

‫تبعّض *‬
‫انظر ‪ :‬تبعيض ‪.‬‬

‫تبعة *‬
‫انظر ‪ :‬اتّباع ‪ ،‬ضمان ‪.‬‬

‫تبعيض *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬التّبعيض في اللّغة ‪ :‬التّجزئة ‪ ،‬وهو مصدر بعّض الشّيء تبعيضا ‪ ،‬أي جعله أبعاضا أي‬ ‫‪1‬‬

‫أجزاءً متمايز ًة ‪ .‬وبعـض الشّيـء ‪ :‬جزؤه ‪ ،‬وهـو طائفـة منـه سـواء قلّت أو كثرت ‪ .‬ومنـه ‪:‬‬
‫أخذوا ماله فبعّضوه ‪ ،‬أي ‪ :‬فرّقوه أجزاءً ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة التّبعيض عن هذا المعنى ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّفريق ‪:‬‬
‫‪ -‬التّفريـق ‪ :‬مصـدر فرّق الشّيـء تفريقا ‪ ،‬أي فصـله أبعاضا ‪ ،‬فيكون بمعنـى التّبعيـض‬ ‫‪2‬‬

‫والتّجزّؤ ‪ ،‬و هو ضدّ الج مع ‪ .‬وفرّ قت ب ين الرّجل ين فتفرّ قا ‪ .‬قال ا بن العراب يّ ‪ :‬فرّ قت ب ين‬
‫الكلم ين فافتر قا ‪ ،‬مخفّف ‪ ،‬وفرّ قت ب ين العبد ين فتفرّ قا مثقّل ‪ ،‬فج عل المخفّف في المعا ني ‪،‬‬
‫والمثقّل في العيان ‪ .‬والّذي حكاه غيره أنّهما بمعنًى ‪ ،‬والتّثقيل للمبالغة ‪.‬‬
‫ويأتي التّفريق بين الشّيئين بمعنى التّمييز بينهما ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 3‬ليس للتّبعيض حكم عامّ جامع ‪ ،‬ول يمكن اطّراده على حكم واحد ‪ ،‬ويختلف حكمه‬
‫باختلف ما يتعلّق به من العبادات ‪ ،‬والمعاملت والدّعاوى ‪ ،‬والجنايات ‪ ،‬وغيرها على ما‬
‫سيأتي ‪.‬‬
‫أه ّم القواعد الّتي تبنى عليها مسائل التّبعيض وأحكامها ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تبنى أحكام التّبعيض من ناحية الجواز وعدمه على قواعد فقهيّة كثيرة في المذاهب‬
‫المختلفة ‪ ،‬نجمل أهمّها فيما يأتي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قاعدة " ذكر بعض ما ل يتجزّأ كذكر كلّه " ‪.‬‬
‫‪ -5‬فإذا طلّق المرأة نصف تطليقة وقعت واحدة ‪ .‬أو طلّق نصف المرأة طلقت ‪.‬‬
‫وللقاعدة فروع أخرى عند الحنفيّة ‪ .‬يأتي ذكر بعضها في مواضعها ‪ ،‬ونظيرها عند الشّافعيّة‬
‫قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه ‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " ‪.‬‬
‫ب ‪ " -‬ما جاز على البدل ل يدخله تبعيض في البدل والمبدل منه معا " ‪:‬‬
‫ي في باب العدد ‪ :‬الواجب الواحد ل يتأدّى ببعض الصل ‪ ،‬وبعض البدل‬
‫‪ -6‬ولهذا قال الرّافع ّ‬
‫كخصال الكفّارة ‪ ،‬وكالتّيمّم مع الوضوء ‪ ،‬أمّا في أحدهما فنعم ‪ ،‬كما لو وجد من الماء ما ل‬
‫يكفيه ‪ ،‬فإنّه يستعمله ويتيمّم عن الباقي ‪.‬‬
‫فهذا يجوز عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ول يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬كما سيأتي بيانه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قاعدة " الميسور ل يسقط بالمعسور " ‪.‬‬
‫‪ -7‬قال ابن ال سّبكيّ ‪ :‬هي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا‬
‫أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ومن أمثلتها ما إذا قدر المصلّي على بعض الفاتحة لزمه‬
‫قطعا ‪ .‬وكما لو وجد بعض ال صّاع من الفطرة لزمه إخراجه على الصحّ ‪ ،‬ويخرج عن هذه‬
‫القاعدة أمور من ها ‪ :‬أنّه لو و جد المحدث الفا قد للماء ثلجا أو بردا ‪ ،‬وتعذّرت إذاب ته فل ي جب‬
‫مسح الرّأس به على المذهب ‪ ،‬وكما إذا وجد في الكفّارة المرتّبة بعض الرّقبة ل يجب قطعا ‪،‬‬
‫ن الشّرع قصد تكميل العتق قطعا ‪ .‬وسيأتي تفصيل هذه الحكام ‪.‬‬
‫لّ‬
‫أحكام التّبعيض ‪:‬‬
‫التّبعيض في الطّهارة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض يتأتّى في الطّهارة ‪ :‬فإن قطعت يد الشّخص من المرفق‬
‫ل عضو سقط بعضه يتعلّق الحكم بباقيه غسلً‬
‫غسّل ما بقي من محلّ الفرض ‪ ،‬وكذلك ك ّ‬
‫ومسحا ‪ ،‬طبقا لقاعدة " الميسور ل يسقط بالمعسور " ‪.‬‬
‫وإذا وجد الجنب ماءً يكفي غسل بعض أعضائه ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وابن المنذر ‪،‬‬
‫ن هذا الماء ل يطهّره ‪ ،‬فلم يلزمه استعماله‬
‫وهو أحد قولي الشّافعيّ إلى أنّه يتيمّم ويتركه ‪ ،‬ل ّ‬
‫كالماء المستعمل ‪ ،‬ولما فيه من الجمع بين البدل والمبدل ‪ ،‬ولنّ ما جاز على البدل ل يدخله‬
‫تبعيض ‪ .‬وهو قول الحسن ‪ ،‬والزّهريّ ‪ ،‬وحمّاد ‪.‬‬
‫ي إلى أنّه يلزمه استعماله ‪ ،‬ويتيمّم للباقي ‪ .‬وبه قال‬
‫وذهب الحنابلة ‪ ،‬وهو قول آخر للشّافع ّ‬
‫عبدة بن أبي لبابة ومعمر ‪ ،‬ونحوه قال عطاء ‪ .‬وأمّا إن وجد المحدث حدثا أصغر بعض ما‬
‫يكفيه من ماء فالحكم ل يختلف عند من ل يجوّز الجمع بين البدل والمبدل منه ‪ .‬وعند الشّافعيّة‬
‫يجب استعماله على الصحّ ‪ ،‬وهو وجه للحنابلة أيضا ‪ ،‬لنّه قدر على بعض الطّهارة بالماء‬
‫فلزمه كالجنب ‪ ،‬وكما لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا ‪.‬‬
‫ومأخذ من ل يراه من الحنابلة ‪ :‬إمّا أنّ الحدث الصغر ل يتبعّض رفعه فل يحصل به‬
‫مقصوده ‪ ،‬أو أنّه يتبعّض لكنّه يبطل بالخلل بالموالة ‪ ،‬فل يبقى له فائدة ‪ ،‬أو أنّ غسل‬
‫بعض أعضاء المحدث غير مشروع ‪ ،‬بخلف غسل بعض أعضاء الجنب ‪.‬‬
‫وعلى هذا الخلف الجريح والمريض إذا أمكن غسل بعض جسده دون بعض ‪ ،‬فقد قال أبو‬
‫حنيفة ومالك ‪ :‬إن كان أكثر بدنه صحيحا غسّل ول تيمّم عليه ‪ ،‬وإن كان العكس تيمّم ول‬
‫ن الجمع بين البدل والمبدل ل يجب كالصّيام والطعام ‪ .‬ويلزمه غسل ما‬
‫غسل عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫أمكنه ‪ ،‬والتّيمّم للباقي عند الحنابلة ‪ ،‬وبه قال الشّافعيّ ‪.‬‬
‫‪ -9‬وإذا توضّأ ومسح على خفّيه ‪ ،‬ثمّ خلعهما قبل انقضاء المدّة ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪،‬‬
‫وهو قول للشّافعيّ ‪ ،‬ورواية عن أحمد ‪ :‬أنّه يجزئه غسل قدميه ‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة ‪ ،‬وهو قول آخر للشّافعيّ ‪ :‬أنّه إذا خلع خفّيه قبل انقضاء المدّة بطل‬
‫وضوءه ‪ ،‬وبه قال النّخعيّ والزّهريّ ومكحول والوزاعيّ وإسحاق ‪ .‬وهذا الختلف مبنيّ‬
‫على الختلف في وجوب الموالة في الوضوء ‪ ،‬فمن أجاز التّفريق جوّز غسل القدمين لنّ‬
‫سائر أعضائه مغسولة ‪ ،‬ومن منع التّفريق أبطل وضوءه لفوات الموالة ‪.‬‬
‫ونزع أحد الخفّين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم ‪ ،‬منهم ‪ :‬مالك والثّوريّ والوزاعيّ وابن‬
‫المبارك والشّافعيّ ‪ ،‬وأصحاب الرّأي ‪ ،‬والحنابلة ‪ .‬ويلزمه نزع الخر ‪ .‬وقال الزّهريّ يغسل‬
‫القدم الّتي نزع الخفّ منها ‪ ،‬ويمسح الخر ‪ ،‬لنّهما عضوان فأشبها الرّأس والقدم ‪.‬‬
‫كما أنّه ل يجوز غسل إحدى الرّجلين والمسح على الخرى ‪ ،‬لنّ الشّارع خيّر المتوضّئ بين‬
‫غسل الرّجلين والمسح على الخفّين ‪ ،‬لنّه ل يجمع بين البدل والمبدل منه ‪.‬‬
‫‪ - 10‬وأمّا التّبعيض في مسح الرّأس ‪ :‬فقد اتّفق الفقهاء على وجوب مسح الرّأس واختلفوا في‬
‫قدر الواجب ‪ :‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد إلى أنّ المتوضّئ يجزئه مسح‬
‫بعض الرّأس ‪ ،‬وإليه ذهب الحسن والثّوريّ والوزاعيّ ‪ ،‬وقد نقل عن سلمة بن الكوع أنّه‬
‫كان يمسح مقدّم رأسه ‪ ،‬وابن عمر مسح اليافوخ ‪.‬‬
‫ق كلّ أحد ‪ ،‬إلّ أنّ‬
‫وذهب المالكيّة ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد إلى وجوب مسح جميعه في ح ّ‬
‫ن المرأة يجزئها مسح مقدّم رأسها‬
‫الظّاهر عن أحمد في حقّ الرّجل ‪ :‬وجوب الستيعاب ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪.‬وفي موضع المسح وبيان القدر المجزئ تفصيل ذكر في موطنه ‪ .‬ر ‪ :‬مصطلح ( وضوء ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 11‬ذهب الئمّة الربعة إلى جواز التّبعيض في بعض أفعال الصّلة ‪ ،‬ومنها ما يلي ‪:‬‬
‫إذا قدر المصلّي على بعض الفاتحة ‪ :‬فذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة إلى أنّه يلزمه ‪،‬‬
‫والصل في هذا الباب عند الشّافعيّة قاعدة " الميسور ل يسقط بالمعسور " أي عدم القدرة على‬
‫الكلّ ل يسقط البعض المقدور عليه ‪ ،‬وعند الحنابلة قاعدة " من قدر على بعض العبادة ‪ ،‬فما‬
‫هو جزء من العبادة ‪ -‬وهو عبادة مشروعة في نفسه ‪ -‬فيجب فعله عند تعذّر فعل الجميع‬
‫بغير خلف " ‪.‬‬
‫وأمّا الحنفيّة فل يتأتّى هذا عندهم ‪ ،‬لنّ قراءة الفاتحة في الصّلة ل تتعيّن ‪ ،‬وتجزئ آية من‬
‫القرآن من أيّ موضع كان ‪.‬‬
‫وإذا وجد المصلّي بعض ما يستر به العورة ‪ ،‬فذهب الئمّة الربعة إلى أنّه يلزمه قطعا ‪.‬‬
‫وكذلك لو عجز عن الرّكوع والسّجود دون القيام " لزماه عند غير الحنفيّة ‪ ،‬وإذا لم يمكنه رفع‬
‫ل بالزّيادة أو النّقصان أتى بالممكن ‪ ،‬للقواعد المذكورة ‪ ،‬ولقول النّبيّ‬
‫اليدين في الصّلة إ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ‪.‬‬
‫التّبعيض في الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ - 12‬من أتلف جزءا من النّصاب قصدا للتّنقيص لتسقط عنه الزّكاة ‪ ،‬لم تسقط عند المام‬
‫مالك والحنابلة ‪ ،‬وتؤخذ الزّكاة منه في آخر الحول إذا كان إبداله أو إتلفه عند قرب‬
‫ن ذلك ليس بمظنّة للفرار ‪ .‬وبه قال‬
‫الوجوب ‪ ،‬ولو فعل ذلك في أوّل الحول لم تجب الزّكاة ل ّ‬
‫الوزاعيّ ‪ ،‬وابن الماجشون ‪ ،‬وإسحاق وأبو عبيد ‪ .‬وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة ‪ :‬تسقط عنه‬
‫الزّكاة ‪ ،‬لنّه نقص قبل تمام الحول ‪ ،‬فلم تجب فيه الزّكاة ‪ ،‬كما لو أتلفه لحاجته ‪.‬‬
‫التّبعيض في الصّوم ‪:‬‬
‫‪ - 13‬ل يصحّ صيام بعض اليوم ‪ ،‬فمن قدر على صوم بعض اليوم ل يلزمه إمساكه ‪ ،‬لنّه‬
‫ليس بصوم شرعيّ ‪ .‬وأمّا من قدر على صوم بعض أيّام رمضان دون جميعه فإنّه يلزمه‬
‫ش ِهدَ منكم الشّهرَ فَلْيصمه ومن كان مريضا أو على‬
‫صوم ما قدر عليه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فمنْ َ‬
‫سَفَر َفعِدّ ٌة من أيّام ُأخَر } ‪.‬‬
‫التّبعيض في الحجّ ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّبعيض في الحرام ‪:‬‬
‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض ل يؤثّر في انعقاد الحرام ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬أحرمت بنصف‬
‫نسك ‪ ،‬انعقد بنسك كامل ‪ ،‬طبقا لقاعدة ‪ " :‬المضاف للجزء كالمضاف للكلّ " وقاعدة ‪ " :‬ذكر‬
‫بعض ما ل يتجزّأ كذكر كلّه " وكذلك قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار‬
‫كلّه ‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " ‪.‬‬
‫كما أجمع أهل العلم على أنّه ل فرق بين تغطية جميع الرّأس وتغطية بعضه ‪ ،‬وكذلك تغطية‬
‫جميع الوجه بالنّسبة للمرأة ‪ ،‬وقلم جميع الظفار أو بعضها ‪ ،‬وحلق جميع الرّأس ‪ ،‬أو بعضه ‪،‬‬
‫فإنّ المحرم يمنع من تغطية بعض رأسه ‪ ،‬كما يمنع من تغطية جميعه ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬لنّ النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل تخمّروا رأسه » والمنهيّ عنه يحرم فعل بعضه ‪ .‬كذلك لما‬
‫قال تعالى ‪ { :‬ول َتحْلِقُوا رءوسَكم } حرم حلق بعضه ‪ .‬وإنّما الفرق فيما يترتّب على ذلك من‬
‫دم وفدية ‪ .‬وانظر مصطلح ( إحرام وحجّ ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّبعيض في الطّواف ‪:‬‬
‫ن ترك بعض البيت في‬
‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على أنّ الطّواف إنّما شرع بجميع البيت ‪ ،‬وأ ّ‬
‫الطّواف مبطل له ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إن طاف داخل الحجر فعليه قضاء ما ترك ‪ ،‬فإن لم يفعل‬
‫فعليه دم ‪ .‬أمّا التّبعيض في عدد أشواط الطّواف فل يجوز نقصه عن سبعة كاملة خلفا للحنفيّة‬
‫ن الشواط الربعة ركن ‪ ،‬وما زاد عليها واجب ‪.‬‬
‫القائلين ‪ :‬بأ ّ‬
‫وصرّح الشّافعيّة بأنّه ل بدّ في الطّواف أن يمرّ في البتداء بجميع البدن على جميع الحجر‬
‫السود ‪ ،‬فلو حاذاه ببعض بدنه ‪ ،‬وكان بعضه الخر مجاوزا إلى جانب الباب ففيه قولن‬
‫عندهم ‪ :‬الجديد ‪ :‬أنّه ل يعتدّ بذلك الشّوط ‪ .‬والقديم ‪ :‬يعتدّ به ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة احتمالن ‪ ،‬وأمّا لو حاذى بجميع البدن بعض الحجر دون بعضه أجزأه ‪ ،‬كما‬
‫يجزئه أن يستقبل في الصّلة بجميع بدنه بعض الكعبة ‪.‬‬
‫التّبعيض في النّذور ‪:‬‬
‫‪ - 16‬من نذر صلة نصف ركعة أو صيام بعض يوم ‪ :‬فذهب الحنفيّة ما عدا محمّدا وزفر ‪،‬‬
‫والمالكيّة ما عدا ابن الماجشون ‪ ،‬وهو وجه عند الشّافعيّة ‪ :‬إلى أنّه يجب تكميله ‪ ،‬والتّكميل في‬
‫الصّوم يكون بصيام يوم كامل ‪.‬‬
‫وفيه وجه ضعيف عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّه يكفيه إمساك بعض يوم ‪ ،‬بناءً على أنّ النّذر ينزّل على‬
‫أقلّ ما يصحّ من جنسه ‪ ،‬وأنّ إمساك بعض اليوم صوم ‪ .‬واختلفوا في الصّلة أيضا ‪.‬‬
‫فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ‪ ،‬وهو رواية عن الحنابلة ‪ ،‬وقول عند الشّافعيّة ‪ :‬إلى أنّه ل‬
‫ن هذا هو المعتمد والموافق‬
‫يجزئه إلّ ركعتان ‪ .‬ونقل الجرهديّ في شرح الفرائد البهيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫للقاعدة ‪ ،‬وهي ‪ :‬ما ل يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه ‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه‬
‫ن أقلّ الصّلة الواجبة بالشّرع ركعتان ‪ ،‬فوجب حمل النّذر عليه ‪.‬‬
‫‪ .‬ول ّ‬
‫ن أقلّ الصّلة ركعة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة ‪ ،‬وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه يجزئه ركعة واحدة ‪ ،‬ل ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة في الصحّ ‪ ،‬وابن الماجشون من المالكيّة ‪ ،‬ومحمّد وزفر من الحنفيّة إلى أنّه‬
‫في هذه الحالة ‪ :‬أي إذا نذر صلة نصف ركعة ‪ ،‬أو صيام بعض يوم ل ينعقد نذره ‪ ،‬فل‬
‫يلزمه شيء ول يجب الوفاء به ‪ .‬ولتفصيل ذلك كلّه يرجع إلى مصطلح ( نذر ‪ ،‬أيمان ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في الكفّارة ‪:‬‬
‫‪ - 17‬اختلف الفقهاء في جواز التّبعيض في الكفّارة ‪ :‬فذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو وجه‬
‫عند الحنابلة ‪ :‬إلى أنّه ل يجوز تبعيض الكفّارة ‪ ،‬فل يجوز أن يعتق نصف رقبة ويصوم‬
‫شهرا ‪ ،‬ويصوم شهرا أو يطعم ثلثين مسكينا ‪ ،‬أو يكفّر عن يمينه بإطعام خمسة مساكين‬
‫وكسوة خمسة ‪ ،‬لنّ ما جاز فيه التّخيير ل يجوز فيه التّبعيض ‪ ،‬إلّ أن يكون الحقّ لمعيّن‬
‫ورضي تبعيضه ‪ ،‬والحقّ هنا للّه تعالى ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة ‪ ،‬وهو المشهور عند الحنابلة إلى جواز التّبعيض في الكفّارة ‪.‬‬
‫قال الحنابلة ‪ :‬إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمس ًة مطلقا جاز ‪ ،‬لنّه أخرج من المنصوص‬
‫عليه بعدّة الواجب ‪ ،‬فأجزأه كما لو أخرجه من جنس واحد ‪.‬‬
‫وأمّا عند الحنفيّة فيجزئه ذلك عن الطعام إن كان الطعام أرخص من الكسوة ‪ ،‬وإن كان على‬
‫العكس فل يجوز ‪ .‬هذا في إطعام الباحة ( التّمكين من التّناول دون التّزوّد ) أمّا إذا ملّكه‬
‫الطّعام فيجوز ويقام مقام الكسوة ‪.‬‬
‫التّبعيض في البيع ‪:‬‬
‫‪ - 18‬يجوز التّبعيض في البيع إذا لم يكن فيه ضرر يرجع على أحد المتبايعين في القبض‬
‫والتّسليم ‪ ،‬أو ل يفضي إلى الجهالة والمنازعة ‪ ،‬ول خلف في هذا ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في الثار الّتي تترتّب على وقوع التّبعيض ‪ ،‬وفيما يلي بيان ذلك ‪:‬‬
‫يختلف حكم التّبعيض باختلف كون العقد وقع على مثليّ كالمكيل ‪ ،‬أو الموزون ‪ ،‬أو المذروع‬
‫‪ ،‬أو قيميّ ‪.‬‬
‫‪ - 19‬فإن كان العقد قد وقع على مثليّ ( مكيل أو موزون ) ولم يكن في تبعيضه ضرر ‪،‬‬
‫كمن باع صبرةً على أنّها مائة قفيز بمائة درهم ‪ ،‬وهي أقلّ أو أكثر ‪.‬‬
‫ن للمشتري أن يأخذ القلّ بحصّته أو يفسخ ‪ ،‬وهو مذهب المالكيّة‬
‫فذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫والشّافعيّة ‪ ،‬وأحد الوجهين عند الحنابلة ‪ ،‬لتفريق الصّفقة ‪ ،‬ولنّه وجد المبيع ناقصا فكان له‬
‫الفسخ كغير الصّبرة ‪ ،‬وكنقصان الصّفة ‪.‬‬
‫ن نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل‬
‫والوجه الثّاني للحنابلة ‪ :‬أنّه ل خيار له ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي عند الحنفيّة مقيّد بما إذا لم يقبض كلّ المبيع‬
‫بخلف غيره ‪ .‬ثمّ التّخيير عند النّقصان في المثل ّ‬
‫أو بعضه ‪ ،‬فإن قبض أي بعد العلم بالنّقص ل يخيّر ‪ ،‬بل يرجع بالنّقصان ‪ .‬وأيضا هو مقيّد‬
‫بعدم كونه مشاهدا للمبيع حيث ينتفي التّغرير ‪.‬‬
‫وأمّا الموزون الّذي في تبعيضه ضرر ‪ ،‬كما لو باع لؤلؤ ًة على أنّها تزن مثقالً فوجدها أكثر‬
‫ن الوزن فيما يضرّه التّبعيض وصف بمنزلة الذّرعان في الثّوب ‪.‬‬
‫سلّمت للمشتري ‪ ،‬ل ّ‬
‫وللتّفصيل ر ‪ ( :‬خيار ) ‪.‬‬
‫‪ - 20‬وإن كان العقد قد وقع على مذروع ‪ :‬كمن باع ثوبا على أنّه مائة ذراع مثلً فبان أنّه‬
‫ي أيضا ‪ :‬أخذ المشتري‬
‫أقلّ ‪ ،‬فعند الحنفيّة ‪ ،‬وفي قول للمالكيّة ‪ ،‬وهو قول أصحاب الشّافع ّ‬
‫ن الذّرع في‬
‫القلّ بكلّ الثّمن أو ترك ‪ ،‬وإن بان أكثر أخذ الكثر قضاءً بل خيار للبائع ‪ ،‬ل ّ‬
‫القيميّات وصف لتعيّبه بالتّبعيض ‪ .‬بخلف القدر في المثليّات من مكيل أو موزون ‪ ،‬والوصف‬
‫ل يقابله شيء من الثّمن إلّ إذا كان مقصودا بتناول المبيع له ‪ ،‬كأن يقول في بيع المذروع ‪:‬‬
‫كلّ ذراع بدرهم ‪.‬‬
‫والقول الثّاني عند المالكيّة ‪ :‬إن كان النّاقص يسيرا لزمه الباقي بما ينوبه من الثّمن ‪ ،‬وإن كان‬
‫كثيرا كان مخيّرا في الباقي بين أخذه بما ينوبه أو ردّه ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة في صورة الزّيادة روايتان ‪ :‬إحداهما ‪ :‬البيع باطل ‪ ،‬والثّانية ‪ :‬البيع صحيح ‪،‬‬
‫والزّيادة للبائع ‪ ،‬ويخيّر بين تسليم المبيع زائدا وبين تسليم المائة ‪ ،‬فإن رضي بتسليم الجميع‬
‫فل خيار للمشتري ‪ ،‬وإن أبى تسليمه زائدا ‪ ،‬فللمشتري الخيار بين الفسخ ‪ ،‬والخذ بجميع‬
‫الثّمن المسمّى وقسّط الزّائد ‪.‬‬
‫وكذلك في صورة النّقصان أيضا روايتان عند الحنابلة ‪ .‬إحداهما ‪ :‬البيع باطل ‪ ،‬والثّانية ‪:‬‬
‫البيع صحيح ‪ ،‬والمشتري بالخيار بين الفسخ والمساك بقسطه من الثّمن ‪.‬‬
‫ل الثّمن أو الفسخ ‪ ،‬بنا ًء على قولهم ‪ :‬إنّ‬
‫وقال أصحاب الشّافعيّ ‪ :‬ليس له إمساكه إلّ بك ّ‬
‫المعيب ليس لمشتريه إلّ الفسخ ‪ ،‬أو إمساكه بكلّ الثّمن ‪.‬‬
‫التّبعيض في القيميّات ‪:‬‬
‫‪ - 21‬أمّا التّبعيض في العيان الخرى فذكر صاحب روضة الطّالبين ‪ :‬أنّه لو باع جزءا‬
‫ح وصار مشتركا ‪ ،‬ولو عيّن بعضه وباعه لم يصحّ ‪ ،‬لنّ‬
‫شائعا من سيف أو إناء ونحوهما ص ّ‬
‫ل بقطعه ‪ ،‬وفيه نقص وتضييع للمال ‪.‬‬
‫تسليمه ل يحصل إ ّ‬
‫ح ‪ ،‬لنّه ل يمكن‬
‫وكذلك لو باع جزءا معيّنا من جدار أو أسطوانة ‪ ،‬فإن كان فوقه شيء لم يص ّ‬
‫تسليمه إلّ بهدم ما فوقه ‪ ،‬وإن لم يكن فوقه شيء ‪ ،‬فإن كان قطعةً واحد ًة تتلف كّليّ ًة بالتّبعيض‬
‫لم يجز ‪ ،‬وإن كانت ل تتلف جاز ‪.‬‬
‫وقواعد المذاهب الخرى تقضي بما ذهب إليه الشّافعيّة ‪.‬‬
‫التّبعيض في خيار العيب ‪:‬‬
‫‪ - 22‬إذا اشترى شيئين صفقةً واحدةً فوجد بأحدهما عيبا ‪ ،‬وكانا ممّا ينقصهما التّفريق ‪ ،‬ففيه‬
‫روايتان عند الحنابلة ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬ليس له إلّ ردّهما ‪ ،‬أو أخذ الرش مع إمساكهما ‪ ،‬وهو ظاهر قول الشّافعيّ ‪ ،‬وقول‬
‫أبي حنيفة فيما قبل القبض ‪ ،‬لما فيه من التّشقيص على البائع فلم يكن له ذلك ‪ .‬والثّانية ‪ :‬له‬
‫ردّ المعيب وإمساك الصّحيح ‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة فيما بعد القبض ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى جواز ردّ المعيب ‪ ،‬والرّجوع بحصّته من الثّمن ‪ ،‬إذا كان الثّمن عينا أو‬
‫مثليّا ‪ ،‬فإن كان سلعةً فإنّه يرجع بما ينوب السّلعة المعيبة من قيمة السّلعة الّتي هي الثّمن ‪،‬‬
‫لضرر الشّركة ‪ ،‬وهذا إذا لم تكن السّلعة المعيبة وجه الصّفقة ‪ .‬فإن كانت فليس للمشتري إلّ‬
‫ردّ الجميع أو الرّضى بالجميع ‪.‬‬
‫التّبعيض في الشّفعة ‪:‬‬
‫ن أحد الشّفيعين لو ترك‬
‫‪ - 23‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم على أ ّ‬
‫ل أخذ الجميع أو ترك الجميع ‪ ،‬وليس له أخذ البعض ‪ ،‬وهذا قول‬
‫شفعته ‪ ،‬لم يكن للخر إ ّ‬
‫مالك والشّافعيّ وأصحاب الرّأي ‪ ،‬لنّ في أخذ البعض إضرارا بالمشتري بتبعيض الصّفقة‬
‫عليه ‪ ،‬والضّرر ل يزال بالضّرر ‪.‬‬
‫وكذا لو كان الشّفيع واحدا لم يجز له أخذ بعض المبيع لذلك ‪ .‬فإن فعل سقطت شفعته ‪ ،‬لنّها‬
‫ل تتبعّض ‪ ،‬فإذا سقط بعضها سقط جميعها كالقصاص ‪ .‬والصل في هذا الباب عند الشّافعيّة‬
‫قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كلّه ‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " ‪.‬‬
‫وقاعدة " ما جاز فيه التّخيير ل يجوز فيه التّبعيض " قال القاضي حسين في فتاويه ‪ :‬والشّفيع‬
‫مخيّر بين الخذ بالشّفعة ‪ ،‬والتّرك ‪ ،‬فلو أراد أخذ بعض الشّفعة فليس له ذلك ‪ .‬وكذلك إذا وجد‬
‫ن بعض المقدور‬
‫الشّفيع بعض ثمن الشّقص ل يأخذ قسطه من المثمّن ( المبيع ) طبقا لقاعدة " إ ّ‬
‫عليه ل يجب قطعا " ‪.‬‬
‫ثمّ هذا كلّه إن كان المبيع بعضه غير متميّز عن البعض ‪ ،‬أمّا إن كان متميّزا عن البعض ‪،‬‬
‫بأن اشترى دارين صفقةً واحدةً ‪ ،‬فأراد الشّفيع أن يأخذ إحداهما دون الخرى ‪ ،‬وكان شفيعا‬
‫لهما أو لحداهما دون الخرى ‪ .‬فاختلف الئمّة على آراء وأقوال ‪.‬موطنها كتاب ( الشّفعة )‪.‬‬
‫التّبعيض في السّلم ‪:‬‬
‫‪ - 24‬أجمع الفقهاء على وجوب تسليم رأس مال السّلم في مجلس العقد ‪ ،‬فلو تفرّقا قبل قبضه‬
‫بطل العقد عندهم ‪ .‬وأمّا لو تفرّقا قبل قبض بعضه ‪ ،‬فعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬يبطل‬
‫فيما لم يقبض ‪ .‬وحكي ذلك عن ابن شبرمة ‪ ،‬والثّوريّ ‪.‬‬
‫ح بقسطه ‪ ،‬وعند الشّافعيّة‬
‫وأمّا الحكم في المقبوض ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يص ّ‬
‫ل يصحّ ‪ ،‬لقوله ‪ :‬ويقبض الثّمن كاملً وقت‬
‫طريقان ‪ ،‬وكلم الخرقيّ من الحنابلة يقتضي أ ّ‬
‫السّلم قبل التّفرّق ‪.‬‬
‫واشترط المالكيّة تسليم رأس المال في مجلس العقد ‪ ،‬فإن تأخّر بعضه انفسخ كلّه ‪.‬‬
‫وأمّا التّبعيض في المسلم فيه بالقالة في بعضه ‪ :‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عن‬
‫أحمد إلى أنّه ل بأس بها ‪ ،‬لنّ القالة مندوب إليها ‪ ،‬وكلّ معروف جاز في الجميع جاز في‬
‫البعض كالبراء ‪ .‬وروي ذلك عن ابن عبّاس وعطاء وطاوس وحميد بن عبد الرّحمن وعمرو‬
‫بن دينار والحكم والثّوريّ ‪ .‬وذهب أحمد في رواية أخرى إلى أنّها ل تجوز ‪.‬‬
‫ورويت كراهتها عن ابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن وابن سيرين والنّخعيّ ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وربيعة ‪ ،‬وابن أبي ليلى وإسحاق ‪ .‬وأمّا لو انقطع بعض المسلم فيه عند المحلّ ‪،‬‬
‫والباقي مقبوض أو غير مقبوض ‪ ،‬ففيه خلف وتفصيل ينظر في باب ( السّلم ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في القرض ‪:‬‬
‫‪ - 25‬اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في القراض ‪.‬‬
‫نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين قوله ‪ :‬يحتمل أن يكون القراض بعد إفرازه أو قبله ‪،‬‬
‫ن قرض المشاع جائز بالجماع ‪.‬‬
‫فإ ّ‬
‫وأمّا التّبعيض في إيفاء القرض كأن يشترط أن يوفيه أنقص ممّا أقرضه ‪.‬‬
‫فذهب الحنابلة إلى أنّه ل يجوز ‪ ،‬سواء أكان ممّا يجري فيه الرّبا أم ل ‪ ،‬وهو أحد الوجهين‬
‫لصحاب الشّافعيّ ‪ ،‬لنّ القرض يقتضي المثل ‪ ،‬فشرط النّقصان يخالف مقتضاه ‪ ،‬فلم يجز‬
‫كشرط الزّيادة ‪ .‬وفي الوجه الثّاني للشّافعيّة يجوز ‪ ،‬لنّ القرض جعل للرّفق بالمستقرض ‪،‬‬
‫وشرط النّقصان ل يخرجه عن موضوعه ‪.‬‬
‫‪ - 26‬وأمّا تعجيل بعض الدّين المؤجّل من قبل المدين في مقابل تنازل الغريم عن بعض الدّين‬
‫‪ ،‬فل يجوز عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬لكن إن تنازل المقروض بل شرط ملفوظ أو ملحوظ عن‬
‫بعض الحقّ فهو جائز ‪ .‬ر ‪ :‬مصطلح ( أجل ) ( ف ‪. ) 89:‬‬
‫التّبعيض في الرّهن ‪:‬‬
‫‪ - 27‬ذهب المالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة إلى جواز التّبعيض في الرّهن ‪ ،‬فيجوز رهن‬
‫بعض المشاع عندهم ‪ ،‬رهنه عند شريكه أو غيره ‪ ،‬قبل القسمة أم لم يقبلها ‪ ،‬وسواء أكان‬
‫الباقي من المشاع للرّاهن أم لغيره ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يصحّ رهن المشاع مطلقا ‪ ،‬سواء أكان مقارنا كنصف دار ‪ ،‬أم‬
‫ن الطّارئ ل‬
‫طارئا ‪ :‬كأن يرهن الجميع ثمّ يتفاسخا في البعض ‪ ،‬وفي رواية عن أبي يوسف أ ّ‬
‫يضرّ ‪ ،‬والصّحيح الوّل ‪ ،‬وسواء أكان من شريكه أم غيره ‪ ،‬وسواء أكان ممّا يقسم أم ل ‪.‬‬
‫فالصل عند الحنفيّة ‪ :‬أنّه ل يجوز رهن المشاع ‪ ،‬فل يجوز التّبعيض فيه ‪ ،‬ويستثنى من هذا‬
‫الصل الصّور التّالية ‪:‬‬
‫ل واحد منهما رهنا واحدا ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬إذا كانت عينا بينهما ‪ ،‬رهناها عند رجل بدين له على ك ّ‬
‫ب ‪ -‬إذا ثبت الشّيوع فيه ضرورةً ‪ ،‬كما لو جاء بثوبين ‪ ،‬وقال ‪ :‬خذ أحدهما رهنا والخر‬
‫ن أحدهما ليس بأولى من الخر ‪،‬‬
‫ل منهما يصير رهنا بالدّين ‪ ،‬ل ّ‬
‫بضاعةً عندك ‪ ،‬فإنّ نصف ك ّ‬
‫فيشيع الرّهن فيهما بالضّرورة ‪ ،‬فل يضرّ ‪.‬‬
‫ق الوثيقة في الرّهن وهو الحبس للتّوثّق ‪ ،‬فل يتبعّض بأداء بعض الدّين ‪ ،‬لنّ‬
‫‪ - 28‬أمّا ح ّ‬
‫ل جزء منه ‪ ،‬ل ينفكّ منه شيء‬
‫ل الحقّ ‪ ،‬وبك ّ‬
‫الدّين يتعلّق بالرّهن جميعه ‪ ،‬فيصير محبوسا بك ّ‬
‫حتّى يقضي جميع الدّين ‪ ،‬سواء أكان ممّا يمكن قسمته أم ل يمكن ‪.‬‬
‫ل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنّ من رهن شيئا بمال فأدّى‬
‫قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع ك ّ‬
‫بعض المال ‪ ،‬وأراد إخراج بعض الرّهن أنّ ذلك ليس له ‪ ،‬ول يخرج شيء حتّى يوفيه آخر‬
‫حقّه أو يبرئه من ذلك ‪ ،‬كذلك قال مالك ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬والشّافعيّ ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬وأبو ثور ‪،‬‬
‫ل بزوال جميعه كالضّمان والشّهادة ‪.‬‬
‫ن الرّهن وثيقة بحقّ فل يزول إ ّ‬
‫وأصحاب الرّأي ‪ .‬ل ّ‬
‫وكذلك إن تلف بعض الرّهن وبقي بعضه فباقيه رهن بجميع الحقّ ‪.‬‬
‫وفي الموضوع تفصيل ينظر في باب ( الرّهن ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في الصّلح ‪:‬‬
‫‪ - 29‬اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الصّلح ‪ ،‬فالصّلح مبناه على التّبعيض إذا وقع على‬
‫ل منه ‪ ،‬وفي ذلك خلف وتفصيل تبعا لكون المدّعى عينا أو دينا ينظر‬
‫جنس المدّعي وكان أق ّ‬
‫في مصطلح ‪ ( :‬صلح ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في الهبة ‪:‬‬
‫‪ - 30‬اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز التّبعيض في الهبة مطلقا ‪ ،‬وهو المذهب‬
‫عند الحنفيّة فيما ل يقبل القسمة ‪ ،‬فتصحّ هبة المشاع عند الئمّة الثّلثة مطلقا ‪ ،‬وعند الحنفيّة‬
‫تصحّ هبة المشاع الّذي ل يمكن قسمته إلّ بضرر ‪ ،‬بألّ يبقى منتفعا به بعد أن يقسم ‪ ،‬كبيت‬
‫وحمّام صغيرين ‪ .‬وأمّا هبة المشاع الّذي يمكن قسمته بل ضرر فل تصحّ هبته مشاعا ‪ ،‬ولو‬
‫كان لشريكه ‪ ،‬وذلك لعدم تصوّر القبض الكامل ‪ .‬وقيل ‪ :‬يجوز لشريكه ‪ ،‬وهو المختار عندهم‬
‫‪ .‬وإن وهب واحد لثنين شيئا ممّا ينقسم يجوز عند الحنابلة ‪ ،‬وأبي يوسف ومحمّد من‬
‫الحنفيّة ‪ ،‬وهو وجه للشّافعيّة أيضا ‪.‬‬
‫وذهب المام أبو حنيفة ‪ ،‬وهو وجه آخر للشّافعيّة إلى عدم جوازه ‪.‬‬
‫وفي الموضوع فروعات كثيرة تفصيلها في باب الهبة من كتب الفقه ‪.‬‬
‫التّبعيض في الوديعة ‪:‬‬
‫‪ - 31‬اتّفق الفقهاء على أنّ التّبعيض في الوديعة بإنفاق بعضها أو استهلكه موجب للضّمان ‪.‬‬
‫واختلفوا في أخذ بعض الوديعة ‪ ،‬ثمّ ردّها أو ردّ مثلها ‪.‬‬
‫ن من استودع شيئا فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذه ‪ ،‬فإن ردّه‬
‫فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫أو مثله لم يزل الضّمان عنه ‪ .‬وقال مالك ‪ :‬ل ضمان عليه إذا ردّه أو مثله ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن لم ينفق ما أخذه وردّه لم يضمن ‪،‬وإن أنفقه ثمّ ردّه أو مثله ضمن‪.‬‬
‫التّبعيض في الوقف ‪:‬‬
‫‪ - 32‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في ظاهر المذهب ‪ ،‬وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى جواز‬
‫التّبعيض في الوقف ‪ ،‬سواء فيما يقبل القسمة أو ل يقبلها ‪ ،‬فيجوز وقف المشاع كنصف دار ‪.‬‬
‫وذهب محمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى عدم جواز وقف المشاع إذا كان ممّا يقبل القسمة ‪،‬‬
‫ن القبض شرط ‪ ،‬وهو ل يصحّ في المشاع ‪.‬‬
‫وبناه على أصله في أ ّ‬
‫وأمّا ما ل يقبلها كالحمّام والرّحى ‪ ،‬فيجوز وقفه مشاعا عنده أيضا ‪ ،‬إلّ في المسجد والمقبرة ‪،‬‬
‫لنّ بقاء الشّركة يمنع الخلوص للّه تعالى ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في باب ( الوقف ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في الغصب ‪:‬‬
‫‪ - 33‬يرتّب الفقهاء على تبعيض المال المغصوب بتلف بعضه أو تعييبه أحكاما مختلفةً ‪:‬‬
‫ن الجزء الغائب مضمون بقسطه من أقصى القيم من يوم‬
‫فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫الغصب إلى يوم التّلف ‪ ،‬والنّقص الحاصل بتفاوت السّعر في الباقي المردود غير مضمون‬
‫عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة فيما ل ينقصه التّبعيض ‪ ،‬وأمّا فيما ينقصه ‪ -‬كأن‬
‫يكون ثوبا ينقصه القطع ‪ -‬فإنّه يلزمه أرش النّقص ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن تعيّب المال المغصوب باستهلك بعضه كقطع يد الشّاة خيّر المالك‬
‫بين ترك المغصوب للغاصب وأخذ قيمته ‪ ،‬وبين أن يأخذ المغصوب ويضمّنه النّقصان ‪.‬‬
‫بخلف قطع طرف دابّة غير مأكولة إذا اختار ربّها أخذها ‪ ،‬ل يضمّنه شيئا ‪ ،‬وإلّ غرّمه‬
‫كمال القيمة ‪ ،‬لنّه فوّت جميع منافعها فصار كما لو قتلها ‪.‬‬
‫وأمّا المالكيّة فقد فصّلوا الكلم في وجوب الضّمان في الجناية على بعض السّلعة المغصوبة ‪:‬‬
‫فالتّعدّي على بعض السّلعة المغصوبة إن فوّت المغصوب يضمن جميعه ‪ ،‬كقطع ذنب دابّة ذي‬
‫ن مثله ل يركب مثل ذلك ‪ ،‬ول فرق بين‬
‫ل من يعلم أ ّ‬
‫هيبة ‪ ،‬أو أذنها ‪ ،‬وكذا مركوب ك ّ‬
‫المركوب والملبوس ‪ ،‬كقلنسوة القاضي وطيلسانه ‪ ،‬وإن لم يفوّته فإن كان التّعدّي يسيرا ‪ ،‬ولم‬
‫يبطل الغرض منه لم يضمن بذلك ‪ ،‬وكذلك إذا كان التّعدّي كثيرا ‪ ،‬ولم يبطل الغرض‬
‫المقصود منه ‪ ،‬فإنّ حكمه حكم اليسير ‪.‬‬
‫وينظر تفصيل الكلم في هذا الموضوع في باب ( الغصب ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في القصاص ‪:‬‬
‫‪ - 34‬اتّفق الفقهاء على أنّ القصاص ممّا ل يتبعّض بالتّبعيض ‪ ،‬ثمّ اختلفوا في التّفاصيل ‪:‬‬
‫ن مستحقّ القصاص إذا عفا عن بعض القاتل كان عفوا‬
‫فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫عن كلّه ‪ ،‬وكذا إذا عفا بعض الولياء ‪ ،‬صحّ العفو ‪ ،‬وسقط القصاص كلّه ‪ ،‬ولم يبق لحد إليه‬
‫سبيل ‪ .‬وإليه ذهب عطاء والنّخعيّ ‪ ،‬والحكم ‪ ،‬وحمّاد ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬وروي معنى ذلك عن‬
‫عمر وطاوس والشّعبيّ ‪.‬‬
‫لما روى زيد بن وهب أنّ عمر أتي برجل قتل قتيلً ‪ ،‬فجاء ورثة المقتول ليقتلوه ‪ ،‬فقالت‬
‫امرأة المقتول ‪ ،‬وهي أخت القاتل ‪ :‬قد عفوت عن حقّي ‪ ،‬فقال عمر ‪ " :‬اللّه أكبر ‪ ،‬عتق القتيل‬
‫‪ .‬وفي رواية عن زيد قال ‪ :‬دخل رجل على امرأته ‪ ،‬فوجد عندها رجلً فقتلها ‪ ،‬فاستعدى‬
‫إخوتها عمر ‪ ،‬فقال بعض إخوتها ‪ :‬قد تصدّقت ‪ .‬فقضى لسائرهم بالدّية "‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ عفو بعض الورثة ل يسقط القود ‪ ،‬إلّ أن يكون العافي مساويا لمن بقي‬
‫في الدّرجة أو أعلى منه ‪ ،‬فإن كان أنزل درجةً لم يسقط القود بعفوه ‪ .‬فإن انضاف إلى الدّرجة‬
‫العليا النوثة كالبنات مع الب أو الجدّ ‪ ،‬فل عفو إلّ باجتماع الجميع ‪ ،‬فإن انفرد البوان فل‬
‫حقّ للمّ في عفو ول قتل ‪.‬‬
‫وذهب بعض أهل المدينة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو رواية عن مالك إلى أنّ القصاص ل يسقط بعفو بعض‬
‫الشّركاء ‪ ،‬لنّ النّفس قد تؤخذ ببعض النّفس بدليل قتل الجماعة بالواحد ‪.‬‬
‫التّبعيض في العفو عن القذف ‪:‬‬
‫‪ - 35‬اختلف الفقهاء في جوازه ‪ :‬فذهب الشّافعيّة في الصحّ ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة ‪،‬‬
‫والمتبادر من أقوال المالكيّة ( ما لم يبلغ المام ) إلى عدم جواز التّبعيض في حدّ القذف ‪ ،‬فإذا‬
‫عفا بعض الورثة ‪ ،‬أو بعض مستحقّي ح ّد القذف يكون لمن بقي استيفاء جميعه لنّ المعرّة‬
‫عنه لم تزل بعفو صاحبه ‪ ،‬وليس للعافي الطّلب به ‪ ،‬لنّه قد أسقط حقّه ‪ .‬وكذلك بالعفو عن‬
‫بعضه ل يسقط شيء منه ‪.‬‬
‫ن حدّ القذف جلدات معروفة العدد ‪،‬‬
‫ح عند الشّافعيّة جواز التّبعيض ‪ ،‬ووجهه أ ّ‬
‫ومقابل الص ّ‬
‫ن الشّخص لو عفا بعد جلد بعضها ‪ ،‬سقط ما بقي منها ‪ ،‬فكذلك إذا أسقط منها في‬
‫ول ريب أ ّ‬
‫البتداء قدرا معلوما ‪ ،‬وعلى هذا لو عفا بعض مستحقّي ح ّد القذف عن حقّه يسقط نصيب‬
‫العافي ‪ ،‬ويستوفى الباقي ‪ ،‬لنّه متوزّع ‪ .‬وهناك وجه ثالث للشّافعيّة ‪ :‬أن يسقط جميع الحدّ‬
‫كالقصاص ‪ .‬وأمّا الحنفيّة فل يتأتّى عندهم هذا ‪ ،‬لنّ الغالب في ح ّد القذف عندهم حقّ اللّه ‪،‬‬
‫فل يسقط كلّه ول بعضه بالعفو بعد ثبوته ‪ ،‬وكذا إذا عفا قبل الرّفع إلى القاضي ‪.‬‬
‫تبعيض الصّداق ‪:‬‬
‫‪ - 36‬اتّفق الفقهاء على جواز أن يكون بعض الصّداق معجّلً وبعضه مؤجّلً ‪ ،‬لنّه عوض‬
‫في عقد معاوضة ‪ ،‬فجاز ذلك فيه كالثّمن ‪ .‬وانظر مصطلح ( أجل ‪ ،‬مهر ) ‪.‬‬
‫وأمّا تنصيف الصّداق بالطّلق قبل الدّخول والخلوة ‪ ،‬وكيفيّة ذلك ففيه أوجه وتفصيل يذكر في‬
‫مواطنه ‪ ،‬وانظر مصطلح ( مهر ) ‪.‬‬
‫التّبعيض في الطّلق ‪:‬‬
‫‪ - 37‬اتّفق الفقهاء على أنّ الطّلق ل يتبعّض ‪ ،‬وإليه ذهب الشّعبيّ والحارث العكليّ ‪،‬‬
‫والزّهريّ ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو عبيد ‪ ،‬وأهل الحجاز ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬وأهل العراق ‪ ،‬وذلك لنّ ذكر‬
‫بعض ما ل يتبعّض ذكر لجميعه ‪ ،‬فذكر بعض الطّلق كذكر كلّه ‪ ،‬وجزء الطّلقة ولو من ألف‬
‫جزء تطليقة ‪ .‬وهذا الحكم ثابت سواء أبهم ‪ :‬بأن قال ‪ :‬أنت طالق بعض طلقة ‪ .‬أو بيّن فقال ‪:‬‬
‫ن ذكر ما ل يتبعّض ذكر لجميعه ‪.‬‬
‫أنت طالق نصف طلقة ‪ ،‬أو ربع طلقة ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬ل ّ‬
‫التّبعيض في المطلّقة ‪:‬‬
‫‪ - 38‬إذا أضاف الطّلق إلى جزء منها ‪ :‬سواء أضافه إلى بعضها شائعا وأبهم فقال ‪ :‬بعضك‬
‫ص على جزء معلوم كالنّصف والرّبع ‪ ،‬أو أضافه إلى عضو ‪ :‬باطنا‬
‫وجزؤك طالق ‪ .‬أو ن ّ‬
‫كان كالكبد والقلب ‪ ،‬أو ظاهرا كاليد والرّجل ‪ ،‬طلقت كلّها عند الئمّة الثّلثة وزفر من الحنفيّة‬
‫‪ .‬وأمّا الحنفيّة ‪ -‬ما عدا زفر ‪ -‬ففرّقوا بين إضافة الطّلق إلى جملتها ‪ ،‬أو إلى ما يعبّر به‬
‫عنها كالرّقبة ‪ ،‬أو العنق أو الرّوح ‪ ،‬أو البدن أو الجسد ‪ ،‬أو إلى جزء شائع كنصفها أو ثلثها ‪،‬‬
‫وبين إضافته إلى ما يعبّر به عن الجملة كاليد والرّجل حيث تطلق في الحالة الولى دون‬
‫الثّانية ‪ .‬والتّبعيض في الطّلق من فروع قاعدة " ما ل يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار‬
‫كلّه ‪ ،‬وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " ‪.‬‬
‫التّبعيض في الوصيّة ‪:‬‬
‫‪ - 39‬اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الوصيّة ‪ ،‬إذا كانت الوصيّة بجزء شائع ‪ .‬كمن‬
‫أوصى بجزء أو سهم من ماله ‪ ،‬فالبيان إلى الورثة يقال لهم ‪ :‬أعطوه شيئا ‪ ،‬لنّه مجهول‬
‫يتناول القليل والكثير ‪ ،‬والوصيّة ل تمتنع بالجهالة ومثله الحظّ ‪ ،‬والشّقص ‪ ،‬والنّصيب ‪،‬‬
‫والبعض ( لنّ الوصيّة حقيقتها تصرّف المالك في جزء من حقوقه ) ‪.‬‬
‫كذلك إن كانت الوصيّة بجزء معيّن ‪ :‬كمن أوصى بقطنه لرجل ‪ ،‬وبحبّه لخر ‪ ،‬أو أوصى‬
‫بلحم شاة معيّنة لرجل وبجلدها لخر ‪ ،‬أو أوصى بحنطة في سنبلها لرجل ‪ ،‬وبالتّبن لخر ‪.‬‬
‫ب ‪ ،‬أو يسلخا الشّاة ‪ ،‬أو يحلجا‬
‫جازت الوصيّة لهما ‪ ،‬وعلى الموصى لهما أن يدوسا الح ّ‬
‫ن التّذكية لجل اللّحم‬
‫القطن ‪ .‬ولو بانت الشّاة حيّ ًة فأجرة الذّبح على صاحب اللّحم خاصّةً ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل الجلد ‪.‬‬
‫وفي المغني ‪ :‬إذا أوصى لرجل بخاتم ولخر بفصّه صحّ ‪ ،‬وليس لواحد منهما النتفاع به إلّ‬
‫ص من الخاتم أجيب إليه ‪ ،‬وأجبر الخر عليه ‪.‬‬
‫بإذن صاحبه ‪ ،‬وأيّهما طلب قلع الف ّ‬
‫التّبعيض في العتق ‪:‬‬
‫‪ - 40‬من أعتق عبدا مملوكا ‪ ،‬فإمّا أن يكون باقيه له أو لغيره ‪:‬‬
‫ففي الحالة الولى ‪ :‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ‬
‫ن من خصائصه السّراية ‪ ،‬فمن أعتق بعض‬
‫العتاق ل يتجزّأ ول يتبعّض بالتّبعيض ‪ ،‬ل ّ‬
‫مملوك له ‪ ،‬فإنّه يسري العتق إلى باقيه ‪.‬‬
‫وكذلك من أعتق جزءا معيّنا كرأسه أو ظهره أو بطنه ‪ ،‬أو جزءا مشاعا كنصفه ‪ ،‬أو جزءا‬
‫من ألف جزء ‪ ،‬عتق الرّقيق كلّه ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّ العتاق يتجزّأ ‪ ،‬سواء كان باقيه‬
‫له ‪ ،‬أو كان مشتركا بينه وبين غيره ‪ ،‬وسواء كان المعتق معسرا أو موسرا ‪.‬‬
‫‪ - 41‬وفي الحالة الثّانية ‪ :‬وهي ما إذا كان العبد مشتركا ‪ ،‬وأعتق أحد الشّريكين حصّته أو‬
‫بعضها ‪ ،‬فاختلف الفقهاء تبعا لكون المعتق موسرا أو معسرا ‪:‬‬
‫فروي عن ابن مسعود وعليّ وابن عبّاس رضي ال عنهم ‪ :‬عتق ما عتق ويبقى الباقي رقيقا ‪.‬‬
‫وبه قال الب ّتيّ ‪ :‬واستدلّ بما روى ابن التّلب عن أبيه « أنّ رجلً أعتق نصيبا له في مملوك‬
‫فلم يضمنه النّبيّ صلى ال عليه وسلم » ‪.‬‬
‫ن المعتق إن كان موسرا‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أ ّ‬
‫عتق كلّه ‪ ،‬وعليه قيمة باقيه لشريكه ‪ ،‬وإن كان معسرا عتق نصيبه فقط ول يسري إلى باقيه‬
‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ن النّب ّ‬
‫ولو أيسر بعده ‪ .‬لما روي عن ابن عمر رضي ال عنهما أ ّ‬
‫« من أعتق شقصا له من عبد أو شركا ‪ ،‬أو قال ‪ :‬نصيبا ‪ ،‬وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل‬
‫فهو عتيق ‪ ،‬وإلّ فقد عتق منه ما عتق » ‪.‬‬
‫وهذا قول إسحاق ‪ ،‬وأبي عبيد وابن المنذر وابن جرير ‪.‬‬
‫ل الضّمان مع اليسار‬
‫وذهب أبو يوسف ومحمّد ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للشّريك إ ّ‬
‫والسّعاية مع العسار ‪ ،‬وهو قول ابن شبرمة ‪ ،‬وابن أبي ليلى ‪ ،‬والوزاعيّ ‪ .‬لما روى أبو‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من أعتق شقيصا له في عبد مملوك‬
‫ل استسعى العبد غير مشقوق عليه » ‪.‬‬
‫فعليه أن يعتقه كلّه إن كان له مال ‪ ،‬وإ ّ‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬إن كان المعتق موسرا فشريكه بالخيار ‪ ،‬إن شاء أعتق وإن شاء ضمّن‬
‫المعتق قيمة نصيبه ‪ ،‬إذا لم يكن بإذنه ‪ ،‬فإن كان بإذن الشّريك فل ضمان عليه له ‪ ،‬وإن شاء‬
‫استسعى العبد ‪.‬‬
‫ل الضّمان‪ ،‬وهو منقول عن زفر وبشر المريسيّ ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬يعتق كلّه ‪ ،‬وليس للشّريك إ ّ‬

‫تبعيّة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبعيّة ‪ :‬كون الشّيء مرتبطا بغيره بحيث ل ينفكّ عنه ‪.‬‬
‫والتّابع ‪ :‬هو التّالي الّذي يتبع غيره ‪ ،‬كالجزء من الكلّ ‪ ،‬والمشروط للشّرط ‪.‬‬
‫ول يخرج الستعمال الصطلحيّ عن الستعمال اللّغويّ ‪.‬‬
‫أقسام التّبعيّة ‪:‬‬
‫التّبعيّة قسمان ‪:‬‬
‫‪ - 2‬القسم الوّل ‪ :‬ما اتّصل بالمتبوع فيلحق به ‪ .‬لتعذّر انفراده عنه ‪ .‬ومن أمثلة هذا القسم ‪:‬‬
‫ذكاة الجنين فإنّها تحصل بذكاة أمّه تبعا لها ‪ ،‬عند الجمهور والصّاحبين من الحنفيّة ‪ ،‬خلفا‬
‫للمام أبي حنيفة ‪ .‬وذلك مشروط وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬ذبائح ) ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا القسم أيضا ‪ :‬الحمل ‪ ،‬فإنّه ل يفرد في البيع ‪ ،‬بل يتبع المّ بل خلف ‪.‬‬
‫‪ - 3‬القسم الثّاني ‪ :‬ما انفصل عن متبوعه والتحق به ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا القسم ‪ :‬الصّبيّ إذا أسر معه أحد أبويه ‪ ،‬وهذه المسألة على ثلثة أحوال ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يسبى الصّبيّ منفردا عن أبويه ‪ ،‬فيصير مسلما إجماعا ‪ ،‬لنّ الدّين إنّما يثبت له‬
‫تبعا ‪ ،‬وقد انقطعت بتبعيّته لبويه لنقطاعه عنهما ‪.‬‬
‫الثّانية ‪ :‬أن يسبى مع أبويه ‪ ،‬فإنّه يكون على دينهما ( تبعا ) وبهذا قال أبو حنيفة ‪ ،‬ومالك‬
‫والشّافعيّ ‪ ،‬وأحمد ‪.‬‬
‫الثّالثة ‪ :‬أن يسبى مع أحد أبويه ‪ ،‬فإنّه يتبعه عند أبي حنيفة والشّافعيّ ‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬إن سبي مع أبيه يتبعه ‪ ،‬وإن سبي مع أمّه فهو مسلم ‪ ،‬لنّه ل يتبعها في النّسب ‪،‬‬
‫فكذلك في الدّين ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬من سبي من أولد الكفّار مع أحد أبويه فإنّه يحكم بإسلمه ‪.‬‬
‫ومن أمثلته أيضا ‪ :‬ولد المسلم ‪ ،‬فإنّه يتبعه في السلم ‪ ،‬وإن كانت أمّه كافرةً اتّفاقا ‪.‬‬
‫أحكام التّبعيّة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّبعيّة يتعلّق بها جملة من الحكام ‪ ،‬ترجع كلّها إلى قاعدة فقهيّة واحدة ‪ ،‬وهي ( التّابع‬
‫تابع ) ومعنى كون التّابع تابعا ‪ :‬هو أنّ ما كان تبعا لغيره في الوجود ل ينفرد بالحكم ‪ ،‬بل‬
‫يدخل في الحكم مع متبوعه ‪ ،‬فإذا بيع حيوان في بطنه جنين دخل الجنين في البيع تبعا لمّه ‪،‬‬
‫ول يجوز إفراده بالبيع ‪ ،‬ومثل هذا الصّوف على الغنم ‪ ،‬واللّبن في الضّرع ‪ .‬ومن ذلك ما لو‬
‫كان التّابع شيئا ل يقبل النفكاك عن متبوعه ‪ ،‬بأن كان في حكم الجزء ‪ ،‬كالمفتاح من القفل ‪،‬‬
‫فإنّه يدخل في البيع تبعا له ‪ ،‬أو كان شيئا جرى في عرف البلد أنّه من مشتملته ‪ ،‬فإنّه يدخل‬
‫في البيع من غير ذكر ‪.‬‬
‫فمثلً بيع الدّار يدخل فيه المطبخ ‪ ،‬وفي بيع حديقة زيتون تدخل أشجار الزّيتون ‪.‬‬
‫ن التّابع تابع ) عددا من القواعد‬
‫هذا ‪ ،‬وقد فرّع الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على قاعدة ‪ ( :‬أ ّ‬
‫ذكرها الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما الشباه والنّظائر ‪ ،‬وقد أشار‬
‫إليها القرافيّ في الفروق في الفرق التّاسع والتّسعين بعد المائة ‪ ،‬الّذي فرّق فيه بين قاعدة ما‬
‫يتبع العقد عرفا وما ل يتبعه ‪ .‬وتلك القواعد الفرعيّة هي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّابع ل يفرد بالحكم ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المراد بالتّابع الّذي ل يفرد بالحكم عن متبوعه هو الّذي ل يوجد مستقلّا بنفسه ‪ ،‬بل يكون‬
‫وجوده تبعا لوجود متبوعه ‪ ،‬بأن يكون جزءا أو كالجزء منه ‪ ،‬فحينئذ ل يصلح أن يكون محلّا‬
‫ح بيعه منفردا عن‬
‫مستقلّا في العقد ليتعلّق به الحكم ‪ ،‬كالجنين في بطن الحيوان ‪ ،‬فإنّه ل يص ّ‬
‫ح بيعه منفردا عن الرض ‪.‬‬
‫أمّه ‪ ،‬وكحقّ الشّرب فإنّه ل يص ّ‬
‫وكمن باع دارا بحقوقها ‪ ،‬فإنّ البيع يتناول أرضها وبناءها وما هو متّصل بها ممّا هو من‬
‫مصلحتها ‪ ،‬كالبواب المنصوبة ‪ ،‬دون غيره ممّا ليس من مصالحها ‪ ،‬كالكنز والحجار‬
‫ن ذلك مودع فيها للنّقل عنها ‪ ،‬فأشبه الفرش والسّتور ‪.‬‬
‫المدفونة ‪ ،‬ل ّ‬
‫واستثنى الفقهاء من ذلك صورا يستقلّ التّابع فيها بالحكم عن متبوعه ‪ ،‬ومن تلك الصّور ‪:‬‬
‫إفراد الحمل بالوصيّة دون أمّه بشرط أن يولد حيّا ‪ .‬لقلّ من ستّة أشهر ‪ ،‬وهذا القدر مجمع‬
‫عليه ‪ ،‬وأمّا إن أتت به لكثر من ستّة أشهر ‪ ،‬ففيه تفصيل وخلف يرجع إليه في مصطلح‬
‫( وصيّة ‪ ،‬ثبوت النّسب ‪ ،‬والميراث ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته ‪:‬‬
‫‪ - 6‬تتناول هذه القاعدة الصول الّتي تدخل في البيع والشّراء من غير ذكر ‪ ،‬وتلك الصول‬
‫تدخل تحت أصلين ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬كلّ ما كان في الدّار من بناء وغيره يتناوله اسم البيع عرفا ‪ ،‬مثل ملحقات الدّار‬
‫كالمطبخ والحجارة المثبّتة في الرض والدّار ل المدفونة ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬ما كان متّصلً اتّصال قرار ‪ ،‬كالشّجر فإنّه يدخل في بيع الرض عند الحنفيّة‬
‫ص الشّافعيّ في البيع ‪،‬‬
‫والمالكيّة بل ذكر ‪ ،‬وعلى أحد الوجهين عند الحنابلة ‪ ،‬وهو أيضا ن ّ‬
‫ص في الرّهن على عدم الدّخول فيما لو رهن الرض وأطلق ‪.‬‬
‫ون ّ‬
‫وأمّا الصحاب فلهم فيما نصّ عليه المام الشّافعيّ في البيع والرّهن طرق ‪ ،‬أصحّها عند‬
‫جمهور أصحاب الشّافعيّ ‪ :‬تقرير الّنصّين ( أي دخول الشّجر والبناء في البيع عند الطلق ‪،‬‬
‫وعدم دخولها في الرّهن ) ‪ .‬والثّاني ‪ :‬فيهما قولن ‪ ،‬والثّالث ‪ :‬القطع بعدم الدّخول فيهما ‪،‬‬
‫قاله ابن سريج ‪ ،‬واختاره المام والغزاليّ ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّابع يسقط بسقوط المتبوع ‪:‬‬
‫‪ - 7‬هذه القاعدة ذكرها الزّركشيّ في المنثور والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما ‪.‬‬
‫ومرادهم بالتّابع الّذي يسقط بسقوط متبوعه ذلك التّابع الّذي يتبع غيره في الوجود ‪ ،‬ومن‬
‫ن من فاتته صلة في أيّام الجنون ‪ ،‬وقيل‬
‫الفروع الّتي تذكرها كتب القواعد لهذه القاعدة ‪ :‬أ ّ‬
‫بعدم وجوب القضاء ‪ ،‬فإنّه ل يستحبّ له قضاء سننها الرّاتبة ‪ ،‬لنّ الفرض سقط فكذا تابعه ‪.‬‬
‫ومن فاته الحجّ بعدم الوقوف فتحلّل بأفعال العمرة ‪ ،‬فل يأتي بالرّمي والمبيت ‪ ،‬لنّهما تابعان‬
‫للوقوف وقد سقط ‪.‬‬
‫وممّا خرج عن هذه القاعدة ‪ :‬الخرس العاجز عن التّلفّظ بالتّكبير ‪ ،‬فإنّه يلزمه تحريك لسانه ‪،‬‬
‫عند الحنفيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وعند القاضي من الحنابلة ‪ ،‬ول يلزمه ذلك عند المالكيّة وعند الحنابلة‬
‫على الصّحيح ‪ ،‬بل تكفيه ال ّنيّة ‪ ،‬ويكبّر بقلبه ‪ ،‬لنّ تحريك اللّسان للعاجز عن النّطق عبث كما‬
‫قال الحنابلة ‪ ،‬بل قال ابن تيميّة ‪ :‬ولو قيل ببطلن الصّلة بذلك لكان أقوى ‪.‬‬
‫وممّا خرج عنها أيضا ‪ :‬إمرار الموسى على رأس القرع للتّحلّل بالحلق ‪ ،‬فإنّه واجب على‬
‫ن الحلق عبادة تتعلّق بالشّعر فتنتقل إلى‬
‫المختار عند الحنفيّة ‪ ،‬وواجب أيضا عند المالكيّة ‪ ،‬ل ّ‬
‫البشرة عند عدمه ‪ ،‬وقال الشّافعيّة بالنّدب ‪ ،‬والحنابلة بالستحباب ‪.‬‬
‫وممّا خرج عنها في غير العبادات ‪ :‬ما لو أقرّ أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في‬
‫ن النّسب ل يتبعّض فل يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون‬
‫الميراث لم يثبت النّسب بالجماع ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن أحدهما منكر ‪ ،‬ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب ‪،‬‬
‫المنكر ‪ ،‬ول يمكن إثباته في حقّهما ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولكنّه يشارك المق ّر في الميراث في قول أكثر أهل العلم ‪ ،‬لنّه أقرّ بسبب مال لم يحكم ببطلنه‬
‫‪ ،‬فلزمه المال ‪ .‬هذا ‪ ،‬وذكر السّيوطيّ وابن نجيم قاعد ًة أخرى قريبةً من هذه القاعدة ‪ ،‬وهي‬
‫ن هذه القاعدة مطّردة في‬
‫قولهم ( الفرع يسقط إذا سقط الصل ) وجاء في شرح المجلّة ‪ :‬أ ّ‬
‫ل لوجود شيء آخر يتبعه في‬
‫المحسوسات والمعقولت ‪ .‬فالشّيء الّذي يكون وجوده أص ً‬
‫الوجود ‪ ،‬يكون ذلك فرعا مبتنيا عليه ‪ ،‬كالشّجرة إذا ذوت ذوى ثمرها ‪ ،‬وكاليمان باللّه تعالى‬
‫أصل وجميع العمال فروعه ‪ ،‬فإذا سقط اليمان ‪ -‬والعياذ باللّه تعالى ‪ -‬حبطت العمال ‪،‬‬
‫ن اعتبارها مبنيّ عليه ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ومن فروعها قولهم ‪ :‬إذا برئ الصيل برئ الضّامن ‪ ،‬أي الكفيل لنّه فرعه بخلف العكس ‪.‬‬
‫وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الصل ‪ ،‬كما لو ادّعى الزّوج الخلع ‪ ،‬وأنكرت الزّوجة ‪ ،‬ثبتت‬
‫البينونة بل خلف ‪ ،‬لنّه مقرّ بما يوجبها ‪ ،‬وإن لم يثبت المال الّذي هو الصل ‪.‬‬
‫د ‪ -‬يغتفر في التّوابع ما ل يغتفر في غيرها ‪:‬‬
‫‪ - 8‬هذه القاعدة ذكرها السّيوطيّ وابن نجيم ‪ ،‬وقريب منها قولهم ‪ :‬يغتفر في الشّيء ضمنا ما‬
‫ل يغتفر فيه قصدا ‪ ،‬وقولهم ‪ :‬يغتفر في الثّواني ما ل يغتفر في الوائل ‪ ،‬وقولهم ‪ :‬أوائل‬
‫العقود تؤكّد بما ل يؤكّد بها أواخرها ‪ ،‬وإنّما اغتفر في ذلك لنّه قد يكون للشّيء قصدا شروط‬
‫مانعة ‪ ،‬وإذا ثبت ضمنا أو تبعا لشيء آخر يكون ثبوته ضرورة ثبوته لمتبوعه أو ما هو في‬
‫ضمنه ‪.‬‬
‫ومن فروع هذه القاعدة ‪ :‬أنّ النّسب ل يثبت ابتداءً بشهادة النّساء ‪ ،‬أمّا لو شهدن بالولدة على‬
‫الفراش يثبت النّسب تبعا ‪ ،‬حتّى لو كانت الشّاهدة في الولدة القابلة وحدها ‪.‬‬
‫ن صدقه ‪،‬‬
‫وممّا خرج عن هذه القاعدة ممّا هو عكسها ‪ :‬أنّ الفاسق يجوز تقليده القضاء إذا ظ ّ‬
‫لكن إذا قلّد عدل ففسق في أثناء قضائه استحقّ العزل ‪ ،‬وهو ظاهر مذهب الحنفيّة ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫إنّه ينعزل بفسقه ‪ ،‬لنّ عدالته في معنى المشروطة ‪ ،‬فقد جاز تقليده ابتداءً ولم يجز انتها ًء في‬
‫وليته ‪ ،‬فلمّا زالت عدالته زالت وليته ‪.‬‬
‫ح قضاؤه ول ينفذ حكمه ‪ ،‬لكن قال مالك‬
‫وذكر المالكيّة في هذه المسألة ‪ :‬أنّ غير العدل ل يص ّ‬
‫‪ :‬ل أرى خصال القضاة تجتمع اليوم في أحد ‪ ،‬فإن اجتمع منها خصلتان في واحد وهي العلم‬
‫والورع ولّي ‪ .‬وقال القرافيّ ‪ :‬إن لم يوجد عدل ولّي أمثل الموجودين ‪.‬‬
‫وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فل يصحّ عندهم تولية الفاسق القضاء ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬إن تعذّر جمع الشّروط في رجل فولّى سلطان له شوكة فاسقا نفذ قضاؤه‬
‫للضّرورة ‪ ،‬لئلّ تتعطّل مصالح النّاس ‪.‬‬
‫وقال العزّ بن عبد السّلم ‪ :‬لمّا كان تصرّف القضاة أع ّم من تصرّف الوصياء ( الّذين يشترط‬
‫ص من تصرّف الئمّة ( وفي اشتراط العدالة فيهم اختلف ) اختلف في‬
‫فيهم العدالة ) وأخ ّ‬
‫إلحاقهم بالئمّة ‪ ،‬فمنهم من ألحقهم بالئمّة ‪ ،‬لنّ تصرّفهم أع ّم من تصرّف الوصياء ‪ ،‬ومنهم‬
‫ص من تصرّف الئمّة ‪.‬‬
‫من ألحقهم بالوصياء ‪ ،‬لنّ تصرّفهم أخ ّ‬
‫هـ – التّابع ل يتقدّم على المتبوع ‪:‬‬
‫ح تقدّم المأموم على إمامه في تكبيرة الفتتاح ‪ ،‬ول في‬
‫‪ - 9‬من فروع هذه القاعدة ‪ :‬أنّه ل يص ّ‬
‫غيرها من الركان ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬إنّما جعل المام ليؤتمّ به ‪ ،‬فإذا كبّر فكبّروا ‪ » ...‬إلخ‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫و ‪ -‬التّابع ل يكون له تابع ‪:‬‬
‫‪ - 10‬من فروع هذه القاعدة ‪ :‬لو قطع شخص الصابع وحدها في جناية وجبت الدّية ‪ ،‬فإن‬
‫قطع اليد من الكوع لم يلزمه أكثر من الدّية ‪ ،‬ويجعل الكفّ تبعا للصابع ‪ ،‬وإن قطع زيادةً‬
‫على ذلك لم يجعل تبعا ‪ ،‬بل يلزمه للزّيادة حكومة عدل على قدرها ‪ ،‬لنّ التّابع ل يكون له‬
‫تابع ‪ .‬وممّا خرج عنها توكيل الوكيل غيره دون الرّجوع إلى موكّله ‪ ،‬فقد ذكر الحنفيّة أنّ‬
‫للوكيل أن يوكّل في حقوق العقد فيما ترجع الحقوق فيه إليه ‪ ،‬لنّه أصيل فيها ‪ ،‬فله أن يوكّل‬
‫فيها بل إذن موكّله ‪.‬‬
‫وفرّق المالكيّة بين الوكيل المفوّض وغير المفوّض ‪ ،‬وذكروا أنّ الوكيل المفوّض له أن يوكّل‬
‫ل في حالتين ‪:‬‬
‫على الظهر ‪ ،‬وأمّا غير المفوّض فليس له أن يوكّل فيما وكّل فيه بل إذن ‪ ،‬إ ّ‬
‫ل يليق الفعل به ‪.‬‬
‫إحداهما ‪ :‬أ ّ‬
‫والثّانية ‪ :‬أن يكثر بحيث يتعذّر عليه القيام به وحده ‪.‬‬
‫وذكر الشّافعيّة ‪ :‬أنّ الوكيل لو وكّل فيما وكّل فيه ‪ ،‬وسكت عنه موكّله ‪ ،‬نظر ‪ :‬إن كان أمرا‬
‫يتأتّى له التيان به ‪ ،‬لم يجز أن يوكّل فيه ‪ ،‬وإن لم يتأتّ منه ‪ ،‬لكونه ل يحسنه ‪ ،‬أو ل يليق‬
‫بمنصبه ‪ ،‬فله التّوكيل على الصّحيح ‪ ،‬لنّ المقصود من مثله الستنابة ‪.‬‬
‫والمذهب الّذي عليه الصحاب عند الحنابلة أنّ الوكيل ل يجوز له أن يوكّل فيما يتولّى مثله‬
‫بنفسه ‪ ،‬ونقل عن المام أحمد الجواز ‪ .‬وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬وكالة ) ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬العبرة بنيّة المتبوع ل التّابع ‪:‬‬
‫‪ - 11‬فمن كان تابعا لغيره ‪ ،‬كالزّوجة التّابعة لزوجها ‪ ،‬والجنديّ التّابع لقائده ‪ ،‬فإنّ المعتبر في‬
‫ن نيّة المتبوع تنسحب على‬
‫السّفر الّذي يبيح لهما القصر والفطر نيّة المتبوع دون التّابع ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي قائده ‪ ،‬هذا عند الحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة‬
‫التّابع ‪ ،‬فيعطى حكمه ‪ ،‬فتتبع المرأة زوجها ‪ ،‬والجند ّ‬
‫وأمّا الشّافعيّة ‪ :‬فهم كالحنفيّة والحنابلة في جعلهم نيّة الزّوجة تابع ًة لنيّة الزّوج ‪ ،‬وخالفوهم في‬
‫نيّة الجنديّ فلم يجعلوها تابع ًة لنيّة المير ‪ ،‬لنّه ليس تحت يده وقهره ‪.‬‬
‫وأمّا المالكيّة فلم يعرضوا لهذه المسألة فيما ‪ .‬اطّلع عليه من مراجع ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬ما دخل في البيع تبعا ل حصّة له من الثّمن ‪:‬‬
‫‪ - 12‬وذلك كالوصاف الّتي تدخل في البيع بل ذكر ‪ ،‬كبناء وشجر في الرض ‪ ،‬وأطراف‬
‫ن هذه الوصاف ل يقابلها شيء من الثّمن قبل‬
‫في الحيوان ‪ ،‬وجودة في الكيليّ والوزنيّ ‪ ،‬فإ ّ‬
‫القبض ‪ ،‬كما في جامع الفصولين ‪ ،‬أو إلّ إذا ورد عليها القبض كما في شرح السبيجابيّ ‪.‬‬
‫وقد وضع محمّد رحمه ال أصلً لهذا ‪ ،‬وهو ‪ :‬كلّ شيء إذا بعته وحده ل يجوز بيعه ‪ ،‬وإذا‬
‫ق ذلك الشّيء قبل القبض ‪ ،‬كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ‬
‫بعته مع غيره جاز ‪ ،‬فإذا استح ّ‬
‫الباقي بجميع الثّمن ‪ ،‬وإن شاء ترك ‪.‬‬
‫وك ّل شيء إذا بعته وحده جاز بيعه ‪ ،‬فإذا بعته مع غيره فاستحقّ ‪ ،‬كان له حصّة من الثّمن ‪.‬‬
‫ن ما يدخل في البيع تبعا إذا استحقّ بعد القبض كان له حصّة من الثّمن ‪ ،‬فيرجع‬
‫والحاصل أ ّ‬
‫على البائع بحصّته ‪ ،‬وإن استحقّ قبل القبض ‪ ،‬فإن كان ل يجوز بيعه وحده كالشّرب ‪ .‬فل‬
‫ل الثّمن أو التّرك ‪ ،‬وإن جاز‬
‫حصّة له من الثّمن ‪ ،‬فل يرجع بشيء ‪ ،‬بل يخيّر بين الخذ بك ّ‬
‫بيعه وحده كالشّجر كان له حصّة من الثّمن ‪ ،‬فيرجع بها على البائع ‪.‬‬
‫ن محلّ دخول التّابع في البيع ما لم يذكر ‪ ،‬فإن ذكر كان مبيعا قصدا ‪ ،‬حتّى لو فات قبل‬
‫ثمّ إ ّ‬
‫القبض بآفة سماويّة تسقط حصّته من الثّمن ‪ .‬وللتّفصيل ينظر مصطلح ( بيع ) ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬التّابع مضمون بالعتداء ‪:‬‬
‫‪ - 13‬من فروع هذه القاعدة أنّ من جنى على امرأة حامل فأسقطت ففيه الغرّة ‪.‬‬
‫ومن ذلك منافع المغصوب وغلّته ‪ ،‬فإنّها مضمونة على الغاصب تبعا للمغصوب عند المالكيّة‬
‫والشّافعيّة والحنابلة خلفا للحنفيّة ‪.‬‬

‫َتبْغ *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبغ ( بتاء مفتوحة ) لفظ أجنبيّ دخل العربيّة دون تغيير ‪ ،‬وقد أقرّه مجمع اللّغة العربيّة‬
‫‪ .‬وهو نبات من الفصيلة الباذنجانيّة يستعمل تدخينا وسعوطا ومضغا ‪ ،‬ومنه نوع يزرع للزّينة‬
‫‪ ،‬وهو من أصل أمريكيّ ‪ ،‬ولم يعرفه العرب القدماء ‪.‬‬
‫ومن أسمائه ‪ :‬الدّخان ‪ ،‬وال ُتتُن ‪ ،‬والتّنباك ‪.‬‬
‫ص من التّبغ كثيف يدخّن بالنّارجيلة ل باللّفائف ‪.‬‬
‫ن الغالب إطلق هذا الخير على نوع خا ّ‬
‫لك ّ‬
‫طبّاق ‪ ،‬وهو نبات عشبيّ معمّر من فصيلة‬
‫‪ - 2‬وممّا يشبه التّبغ في التّدخين والحراق ‪ :‬ال ّ‬
‫طبّاق ‪ :‬لفظ معرّب ‪.‬‬
‫المركّبات النبوبيّة الزّهر ‪ ،‬وهو معروف عند العرب ‪ ،‬خلفا للتّبغ ‪ ،‬وال ّ‬
‫طبّاق ‪ :‬الدّخان ‪ ،‬يدخّن ورقه مفروما أو ملفوفا ‪.‬‬
‫وفي المعجم الوسيط ‪ :‬ال ّ‬
‫‪ - 3‬وقال الفقهاء عن ال ّدخّان ‪ :‬إنّه حدث في أواخر القرن العاشر الهجريّ وأوائل القرن‬
‫الحادي عشر ‪ ،‬وأوّل من جلبه لرض الرّوم ( أي التراك العثمانيّين ) النكليز ‪ ،‬ولرض‬
‫المغرب يهوديّ زعم أنّه حكيم ‪ ،‬ثمّ جلب إلى مصر ‪ ،‬والحجاز‪ ،‬والهند‪ ،‬وغالب بلد السلم ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالتّبغ ‪:‬‬
‫حكم استعماله ‪:‬‬
‫‪ - 4‬منذ ظهور ال ّدخّان ‪ -‬وهو السم المشهور للتّبغ ‪ -‬والفقهاء يختلفون في حكم استعماله ‪،‬‬
‫بسبب الختلف في تحقّق الضّرر من استعماله ‪ ،‬وفي الدلّة الّتي تنطبق عليه ‪ ،‬قياسا على‬
‫ص في شأنه ‪ .‬فقال بعضهم ‪ :‬إنّه حرام ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬إنّه مباح ‪ ،‬وقال‬
‫غيره ‪ ،‬إذ ل ن ّ‬
‫غيرهم ‪ :‬إنّه مكروه ‪.‬‬
‫ل مذهب ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫ل حكم من هذه الحكام أفتى فريق من ك ّ‬
‫وبك ّ‬
‫القائلون بتحريمه وأدلّتهم ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ذهب إلى القول بتحريم شرب ال ّدخّان من الحنفيّة ‪ :‬الشّيخ الشرنبللي ‪ ،‬والمسيريّ ‪،‬‬
‫وصاحب ال ّدرّ المنتقى ‪ ،‬واستظهر ابن عابدين أنّه مكروه تحريما عند الشّيخ عبد الرّحمن‬
‫العماديّ ‪ .‬وقال بتحريمه من المالكيّة ‪ :‬سالم السّنهوريّ ‪ ،‬وإبراهيم اللّقانيّ ‪ ،‬ومحمّد بن عبد‬
‫الكريم الفكّون ‪ ،‬وخالد بن أحمد ‪ ،‬وابن حمدون وغيرهم ‪.‬‬
‫ومن الشّافعيّة ‪ :‬نجم الدّين الغ ّزيّ ‪ ،‬والقليوبيّ ‪ ،‬وابن علّان ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫ومن الحنابلة الشّيخ أحمد البهوتيّ ‪ ،‬وبعض العلماء النّجديّين ‪.‬‬
‫ومن هؤلء جميعا من ألّف في تحريمه كاللّقانيّ والقليوبيّ ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون ‪،‬‬
‫وابن علّان ‪ .‬واستدلّ القائلون بالحرمة بما يأتي ‪:‬‬
‫ن ال ّدخّان يسكر في ابتداء تعاطيه إسكارا سريعا بغيبة تامّة ‪ ،‬ثمّ ل يزال في كلّ مرّة‬
‫‪-6‬أ‪-‬أّ‬
‫س به ‪ ،‬لكنّه يجد نشوةً وطربا أحسن‬
‫ينقص شيئا فشيئا حتّى يطول المد جدّا ‪ ،‬فيصير ل يح ّ‬
‫شدّة‬
‫عنده من السّكر ‪ .‬أو أنّ المراد بالسكار ‪ :‬مطلق المغطّي للعقل وإن لم يكن معه ال ّ‬
‫المطربة ‪ ،‬ول ريب أنّها حاصلة لمن يتعاطاه أوّل مرّة ‪ .‬وهو على هذا يكون نجسا ‪ ،‬ويحدّ‬
‫شاربه ‪ ،‬ويحرم منه القليل والكثير ‪.‬‬
‫‪ -7‬ب ‪ -‬إن قيل ‪ :‬إنّه ل يسكر ‪ ،‬فهو يحدث تفتيرا وخدرا لشاربه ‪ ،‬فيشارك أوّليّة الخمر في‬
‫نشوته ‪ ،‬وقد قالت أمّ سلمة رضي ال تعالى عنها ‪ « :‬نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫ل مسكر ومفتّر » قال العلماء ‪ :‬المفتّر ‪ :‬ما يحدث الفتور والخدر في الطراف‬
‫عن ك ّ‬
‫ل على تحريمه ‪.‬‬
‫جةً ‪ ،‬ودلي ً‬
‫وصيرورتها إلى وهن وانكسار ‪ ،‬ويكفي حديث أمّ سلمة ح ّ‬
‫ولكنّه على هذا ل يكون نجسا ول يحدّ شاربه ‪ ،‬ويحرم القليل منه كالكثير خشية الوقوع في‬
‫التّأثير ‪ ،‬إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها ‪ ،‬وحفظ العقول من الكّليّات الخمس المجمع عليها‬
‫عند أهل الملل ‪.‬‬
‫‪ -8‬ج ‪ -‬أنّه يترتّب على شربه الضّرر في البدن والعقل والمال ‪ ،‬فهو يفسد القلب ‪ ،‬ويضعف‬
‫القوى ‪ ،‬ويغيّر اللّون بالصّفرة ‪ ،‬ويتولّد من تكاثف دخّانه في الجوف المراض والعلل ‪،‬‬
‫كالسّعال المؤدّي لمرض السّلّ ‪ ،‬وتكراره يسوّد ما يتعلّق به ‪ ،‬وتتولّد منه الحرارة ‪ ،‬فتكون داءً‬
‫مزمنا مهلكا ‪ ،‬فيشمله قوله تعالى ‪ { :‬ول تَ ْقتُلُوا أنفسَكم } وهو يسدّ مجاري العروق ‪ ،‬فيتعطّل‬
‫وصول الغذاء منها إلى أعماق البدن ‪ ،‬فيموت مستعمله فجأ ًة ‪.‬‬
‫ثمّ قالوا ‪ :‬والطبّاء مجمعون على أنّه مضرّ ‪ ،‬قال الشّيخ عليش ‪ :‬أخبر بعض مخالطي‬
‫ل بعد إجماع أطبّائهم على منعهم من ملزمته ‪،‬‬
‫النكليز أنّهم ما جلبوا ال ّدخّان لبلد السلم إ ّ‬
‫وأمرهم بالقتصار على اليسير الّذي ل يضرّ ‪ ،‬لتشريحهم رجلً مات باحتراق كبده وهو‬
‫ملزمه ‪ ،‬فوجدوه ساريا في عروقه وعصبه ‪ ،‬ومسوّدا مخّ عظامه ‪ ،‬وقلبه مثل إسفنجة‬
‫يابسة ‪ ،‬فمنعوهم من مداومته ‪ ،‬وأمروهم ببيعه للمسلمين لضرارهم ‪ ...‬قال الشّيخ عليش ‪:‬‬
‫فلو لم يكن فيه إلّ هذا لكان باعثا للعقل على اجتنابه ‪ ،‬وقد قال رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬الحلل بيّن والحرام بيّن ‪ ،‬وبينهما مشتبهات ل يعلمهنّ كثير من النّاس ‪ ،‬فمن اتّقى‬
‫الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه ‪ ،‬ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ‪ ،‬كالرّاعي يرعى‬
‫حول الحمى يوشك أن يرتع فيه » ‪ .‬هذا وفي المراجع الحديثة ما يثبت ضرر التّدخين ‪.‬‬
‫‪ -9‬د ‪ -‬في التّدخين إسراف وتبذير وضياع للمال ‪ ،‬قال الشّيخ عليش ‪ :‬لو سئل الفقهاء ‪-‬‬
‫الّذين قالوا ‪ :‬السّفه الموجب للحجر تبذير المال في الّلذّات والشّهوات ‪ -‬عن ملزم استعمال‬
‫ال ّدخّان ‪ ،‬لمّا توقّفوا في وجوب الحجر عليه وسفهه ‪ ،‬وانظر إلى ما يترتّب على إضاعة‬
‫الموال فيه من التّضييق على الفقراء والمساكين ‪ ،‬وحرمانهم من الصّدقة عليهم بشيء ممّا‬
‫أفسده ال ّدخّان على المترفّهين به ‪ ،‬وسماحة أنفسهم بدفعها للكفّار المحاربين أعداء الدّين ‪،‬‬
‫ومنعها من العانة بها على مصالح المسلمين وسدّ خلّة المحتاجين ‪.‬‬
‫‪ - 10‬هـ ‪ -‬صدر أمر سلطانيّ من الخليفة العثمانيّ في وقته ‪ -‬بناءً على فتاوى علماء‬
‫عصره ‪ -‬بمنع استعمال ال ّدخّان ومعاقبة شاربيه ‪ ،‬وحرق ما وجد منه ‪ .‬فيعتبر من وجوه‬
‫ن امتثال أمره واجب في غير ما أجمع على‬
‫تحريمه ‪ :‬الخروج عن طاعة السّلطان ‪ ،‬فإ ّ‬
‫تحريمه ‪ ،‬ومخالفته محرّمة ‪.‬‬
‫‪ - 11‬و‪ -‬رائحة ال ّدخّان منتنة مؤذية ‪ ،‬وكلّ رائحة مؤذية فهي ممنوعة ‪ ،‬وال ّدخّان أشدّ من‬
‫البصل والثّوم في الرّائحة ‪ ،‬وقد ورد منع من تناولهما من دخول المسجد ‪ ،‬وفرّق بين الرّائحة‬
‫المنتنة والرّائحة الكريهة ‪ ،‬والبصل والثّوم ريحهما مكروه وليس منتنا ‪ ،‬وال ّدخّان ريحه منتن ‪.‬‬
‫‪ - 12‬ز ‪ -‬من زعم استعماله تداويا لم يستعمله استعمال الدوية ‪ ،‬وخرج به إلى حدّ التّفكّه‬
‫والتّلذّذ ‪ ،‬وادّعى التّداوي تلبيسا وتستّرا حتّى وصل به إلى أغراض باطنة من العبث واللّهو‬
‫والسطال ‪ ،‬ومذهب الحنفيّة حرمته ‪ ،‬وعرّفوا العبث ‪ :‬بأنّه فعل لغير غرض صحيح ‪ ،‬والسّفه‬
‫‪ :‬بأنّه فعل ل غرض فيه أصلً واللّعب ‪ :‬فعل فيه لذّة ‪ .‬وممّن صرّح بحرمة العبث في غير‬
‫س ْبتُم أنّما خلقناكم‬
‫الصّلة صاحب كتاب الحتساب متمسّكا بقول اللّه سبحانه وتعالى ‪ { :‬أ َفحَ ِ‬
‫ل شيء يلهو به‬
‫ع َبثَا } وصاحب الكافي متمسّكا بقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ك ّ‬
‫َ‬
‫ل رمية الرّجل بقوسه ‪ ،‬وتأديبه فرسه ‪ ،‬وملعبته امرأته ‪ ،‬فإنّهنّ من الحقّ » ‪.‬‬
‫الرّجل باطل إ ّ‬
‫القائلون بإباحته وأدلّتهم ‪:‬‬
‫‪ - 13‬ذهب إلى القول بإباحة شرب ال ّدخّان من الحنفيّة ‪ :‬الشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ ‪ ،‬وقد ألّف‬
‫في إباحته رسال ًة سمّاها ( الصّلح بين الخوان في إباحة شرب ال ّدخّان ) ومنهم صاحب ال ّدرّ‬
‫المختار ‪ ،‬وابن عابدين ‪ ،‬والشّيخ محمّد العبّاسيّ المهديّ صاحب الفتاوى المهديّة ‪ ،‬والحمويّ‬
‫شارح الشباه والنّظائر ‪.‬‬
‫ل شرب ما ل‬
‫ومن المالكيّة ‪ :‬عليّ الجهوريّ ‪ ،‬وله رسالة في إباحته سمّاها ( غاية البيان لح ّ‬
‫يغيّب العقل من ال ّدخّان ) ونقل فيها الفتاء بحلّه عمّن يعتمد عليه من أئمّة المذاهب الربعة ‪،‬‬
‫ل أكثر المتأخّرين من المالكيّة ‪ ،‬ومنهم ‪ :‬الدّسوقيّ ‪ ،‬والصّاويّ ‪ ،‬والمير ‪،‬‬
‫وتابعه على الح ّ‬
‫وصاحب تهذيب الفروق ‪ .‬ومن الشّافعيّة ‪ :‬الحفنيّ ‪ ،‬والحلبيّ ‪ ،‬والرّشيديّ ‪ ،‬والشبراملسي ‪،‬‬
‫والبابليّ ‪ ،‬وعبد القادر بن محمّد بن يحيى الحسينيّ الطّبريّ الم ّكيّ ‪ ،‬وله رسالة سمّاها ( رفع‬
‫الشتباك عن تناول التّنباك ) ‪ .‬ومن الحنابلة ‪ :‬الكرميّ صاحب دليل الطّالب ‪ ،‬وله رسالة في‬
‫ذلك سمّاها ( البرهان في شأن شرب ال ّدخّان ) ‪ .‬كذلك قال الشّوكانيّ بإباحته ‪.‬‬
‫وقد استدلّ القائلون بإباحته بما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 14‬أ ‪ -‬أنّه لم يثبت إسكاره ول تخديره ‪ ،‬ول إضراره ( عند أصحاب هذا الرّأي ) وقد‬
‫عرف ذلك بعد اشتهاره ‪ ،‬ومعرفة النّاس به ‪ ،‬فدعوى أنّه يسكر أو يخدّر غير صحيحة ‪ ،‬فإنّ‬
‫السكار غيبوبة العقل مع حركة العضاء ‪ ،‬والتّخدير غيبوبة العقل مع فتور العضاء ‪،‬‬
‫وكلهما ل يحصل لشاربه ‪ .‬نعم من لم يعتده يحصل له إذا شربه نوع غشيان ‪ .‬وهذا ل‬
‫شطّيّ وغيره ‪.‬‬
‫يوجب التّحريم ‪ .‬كذا قال الشّيخ حسن ال ّ‬
‫وقال الشّيخ عليّ الجهوريّ ‪ :‬الفتور الّذي يحصل لمبتدئ شربه ليس من تغييب العقل في‬
‫ن المسكر يكون معه نشوة‬
‫شيء ‪ ،‬وإن سلم أنّه ممّا يغيّب العقل فليس من المسكر قطعا ‪ ،‬ل ّ‬
‫وفرح ‪ ،‬وال ّدخّان ليس كذلك ‪ ،‬وحينئذ فيجوز استعماله لمن ل يغيّب عقله ‪ ،‬وهذا يختلف‬
‫باختلف المزجة ‪ ،‬والقلّة والكثرة ‪ ،‬فقد يغيّب عقل شخص ول يغيّب عقل آخر ‪ ،‬وقد يغيّب‬
‫من استعمال الكثير دون القليل ‪.‬‬
‫ص بالتّحريم ‪ ،‬فيكون في حدّ ذاته مباحا ‪،‬‬
‫‪ - 15‬ب ‪ -‬الصل في الشياء الباحة حتّى يرد ن ّ‬
‫جريا على قواعد الشّرع وعموماته ‪ ،‬الّتي يندرج تحتها حيث كان حادثا غير موجود زمن‬
‫سنّة ‪ ،‬فهو ممّا عفا‬
‫الشّارع ‪ ،‬ولم يوجد فيه نصّ بخصوصه ‪ ،‬ولم يرد فيه نصّ في القرآن أو ال ّ‬
‫اللّه عنه ‪ ،‬وليس الحتياط في الفتراء على اللّه تعالى بإثبات الحرمة أو الكراهة اللّذين ل بدّ‬
‫لهما من دليل ‪ ،‬بل في القول بالباحة الّتي هي الصل ‪ ،‬وقد توقّف النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ص القطعيّ ‪ ،‬فالّذي‬
‫‪ -‬مع أنّه هو المشرّع في تحريم الخمر أمّ الخبائث ‪ -‬حتّى نزل عليه النّ ّ‬
‫ن رائحته تستكرهها الطّباع ‪ ،‬فهو مكروه‬
‫ينبغي للنسان إذا سئل عنه أن يقول هو مباح ‪ ،‬لك ّ‬
‫طبعا ل شرعا ‪.‬‬
‫ن فرض إضراره لبعض النّاس فهو أمر عارض ل لذاته ‪ ،‬ويحرم على من‬
‫‪ - 16‬ج ‪ -‬إ ّ‬
‫ن العسل يضرّ بعض النّاس ‪ ،‬وربّما‬
‫ل أحد ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يضرّه دون غيره ‪ ،‬ول يلزم تحريمه على ك ّ‬
‫أمرضهم ‪ ،‬مع أنّه شفاء بالنّصّ القطعيّ ‪.‬‬
‫ن السراف هو‬
‫‪ - 17‬د ‪ -‬صرف المال في المباحات على هذا الوجه ليس بسرف ‪ ،‬ل ّ‬
‫التّبذير ‪ ،‬وفسّر ابن مسعود التّبذير بأنّه إنفاق المال في غير حقّه ‪ ،‬فإذا كان النفاق في حقّه‬
‫ولو مباحا فليس بسرف ‪ ،‬ودعوى أنّه إسراف فهذا غير خاصّ بال ّدخّان ‪.‬‬
‫ي باطل ‪ ،‬إذ ليس‬
‫‪ - 18‬هـ ‪ -‬اتّفق المحقّقون على أنّ تحكيم العقل والرّأي بل مستند شرع ّ‬
‫الصّلح بتحريمه ‪ ،‬وإنّما الصّلح والدّين المحافظة بالتّباع للحكام الواردة بل تغيير ول‬
‫تبديل ‪ ،‬وهل الطّعن في أكثر النّاس من أهل اليمان والدّين ‪ ،‬والحكم عليهم بالفسق والطّغيان‬
‫بسبب شربهم ال ّدخّان ‪ ،‬وفي العامّة من هذه المّة فضلً عن الخاصّة ‪ ،‬صلح أم فساد ؟‬
‫‪ - 19‬و ‪ -‬حرّر ابن عابدين أنّه ل يجب تقليد من أفتى بحرمة شرب ال ّدخّان ‪ ،‬لنّ فتواهم إن‬
‫كانت عن اجتهاد فاجتهادهم ليس بثابت ‪ ،‬لعدم توافر شروط الجتهاد ‪ ،‬وإن كانت عن تقليد‬
‫ل على ذلك ‪ ،‬فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف‬
‫لمجتهد آخر ‪ ،‬فليس بثابت كذلك لنّه لم ينقل ما يد ّ‬
‫يجب تقليدهم ؟ ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬والحقّ في إفتاء التّحليل والتّحريم في هذا الزّمان التّمسّك بالصلين‬
‫اللّذين ذكرهما البيضاويّ في الصول ‪ ،‬ووصفهما بأنّهما نافعان في الشّرع ‪.‬‬
‫ن الصل في المنافع ‪ :‬الباحة ‪ ،‬واليات الدّالّة على ذلك كثيرة ‪.‬‬
‫الوّل ‪ :‬أ ّ‬
‫الثّاني ‪ :‬أنّ الصل في المضارّ ‪ :‬التّحريم والمنع لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل‬
‫ضرر ول ضرار » ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬وبالجملة إن ثبت في هذا ال ّدخّان إضرار صرف عن المنافع‬
‫ن الفتاء بحلّه فيه دفع‬
‫ل ‪ .‬مع أ ّ‬
‫فيجوز الفتاء بتحريمه ‪ ،‬وإن لم يثبت إضراره فالصل الح ّ‬
‫ن أكثرهم يبتلون بتناوله ‪ ،‬فتحليله أيسر من تحريمه ‪ ،‬فإثبات حرمته‬
‫الحرج عن المسلمين ‪ ،‬فإ ّ‬
‫أمر عسير ل يكاد يوجد له نصير ‪ .‬نعم لو أض ّر ببعض الطّبائع فهو عليه حرام ‪ ،‬ولو نفع‬
‫ببعض وقصد التّداوي فهو مرغوب ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬كذا أجاب الشّيخ محيي الدّين أحمد بن محيي الدّين بن حيدر الكرديّ‬
‫الجزريّ رحمه ال تعالى ‪ .‬وفي تهذيب الفروق ‪ :‬من عافاه اللّه من شربه واستعماله بوجه من‬
‫الوجوه ‪ ،‬ل ينبغي أن يحمل النّاس على مختاره ‪ ،‬فيدخل عليهم شغبا في أنفسهم وحير ًة في‬
‫دينهم ‪ ،‬إذ من شرط التّغيير لمر ما أن يكون متّفقا على إنكاره ‪.‬‬
‫القائلون بالكراهة وأدلّتهم ‪:‬‬
‫‪ - 20‬ذهب إلى القول بكراهة شرب ال ّدخّان من الحنفيّة ‪ :‬ابن عابدين ‪ ،‬وأبو السّعود ‪،‬‬
‫ي ‪ .‬ومن المالكيّة ‪ :‬الشّيخ يوسف الصّفتيّ ‪ .‬ومن الشّافعيّة ‪ :‬الشّروانيّ ‪.‬‬
‫واللّكنو ّ‬
‫ومن الحنابلة ‪ :‬البهوتيّ ‪ ،‬والرّحيبانيّ ‪ ،‬وأحمد بن محمّد المنقور التّميميّ ‪.‬‬
‫واستدلّوا بما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 21‬أ ‪ -‬كراهة رائحته ‪ ،‬فيكره قياسا على البصل النّيء والثّوم والكرّات ونحوها ‪.‬‬
‫شكّ ‪،‬‬
‫شكّ ‪ ،‬ول يحرم شيء بمجرّد ال ّ‬
‫‪ - 22‬ب ‪ -‬عدم ثبوت أدلّة التّحريم ‪ ،‬فهي تورث ال ّ‬
‫فيقتصر على الكراهة لما أورده القائلون بالحرمة ‪.‬‬
‫حكم شرب الدّخّان في المساجد ومجالس القرآن والعلم والمحافل ‪:‬‬
‫‪ - 23‬ل يجوز شرب ال ّدخّان في المساجد باتّفاق ‪ ،‬سواء قيل بإباحته أو كراهته أو تحريمه ‪،‬‬
‫قياسا على منع أكل الثّوم والبصل في المساجد ‪ ،‬ومنع آكلهما من دخول المساجد حتّى تزول‬
‫رائحة فمه ‪ ،‬وذلك لكراهة رائحة الثّوم والبصل ‪ ،‬فيتأذّى الملئكة والمصلّون منها ‪ ،‬ويلحق‬
‫ال ّدخّان بهما لكراهة رائحته ‪ -‬والمساجد إنّما بنيت لعبادة اللّه ‪ ،‬فيجب تجنيبها المستقذرات‬
‫والرّوائح الكريهة ‪ -‬فعن جابر رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من أكل‬
‫ن الملئكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم » ‪ .‬قال‬
‫ن مسجدنا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫البصل والثّوم والكرّات فل يقرب ّ‬
‫ابن عابدين ‪ :‬يمنع في المسجد أكل نحو ثوم وبصل ونحوه ممّا له رائحة كريهة ‪ ،‬للحديث‬
‫الصّحيح في النّهي عن قربان آكل الثّوم والبصل المسجد قال المام العينيّ في شرحه على‬
‫صحيح البخاريّ ‪ :‬قلت ‪ :‬علّة النّهي أذى الملئكة وأذى المسلمين ‪.‬‬
‫ل ما له رائحة كريهة مأكولً أو غيره‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬ويلحق بما نصّ عليه في الحديث ‪ :‬ك ّ‬
‫‪ .‬ونقل ابن عابدين عن الطّحطاويّ ‪ :‬إنّ ال ّدخّان ملحق بالبصل والثّوم في هذا الحكم ‪.‬‬
‫وقال الشّيخ عليش المالكيّ ‪ :‬ل شكّ في تحريم شرب ال ّدخّان في المساجد والمحافل لنّ له‬
‫رائح ًة كريهةً ‪ ،‬ونقل عن مجموع المير في باب الجمعة ‪ :‬أنّه يحرم تعاطي ما له رائحة‬
‫كريهة في المسجد والمحافل ‪ .‬وفي الشّروانيّ على تحفة المحتاج ‪ :‬يمنع من دخول المسجد ذو‬
‫الرّائحة الكريهة ‪ ،‬كآكل البصل والثّوم ‪ ،‬ومنه ريح ال ّدخّان المشهور الن ‪.‬‬
‫‪ - 24‬كذلك ل يجوز لشارب ال ّدخّان دخول المسجد حتّى تزول الرّائحة من فمه ‪ ،‬قياسا على‬
‫منع آكل الثّوم والبصل من دخول المسجد حتّى تزول الرّائحة ‪.‬‬
‫واعتبر الفقهاء أنّ وجود الرّائحة الكريهة ‪ ،‬عذر في التّخلّف عن الجمعة والجماعة ‪ ،‬إذا لم‬
‫ص المنع بالمساجد ‪ ،‬بل إنّه يشمل مجامع الصّلة‬
‫يفعل ذلك قصدا لسقاط الجماعة ‪ .‬ول يخت ّ‬
‫غير المساجد ‪ ،‬كمصلّى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات ‪ ،‬وكذا مجامع العلم‬
‫والذّكر ومجالس قراءة القرآن ونحوها ‪.‬‬
‫‪ - 25‬هذا مع اختلف الفقهاء في منع من في فمه رائحة ال ّدخّان من دخول المسجد ‪ ،‬أو‬
‫مجامع العبادات ‪ ،‬ومجالس القرآن ‪ ،‬فحرّمه الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وكرهه الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫كذلك اختلف الفقهاء بالنّسبة للمجامع الّتي ليست للصّلة أو الذّكر أو قراءة القرآن ‪ .‬وذلك‬
‫كالولئم ومجالس القضاء ‪ .‬فأفتى بإباحته في مجالس القضاء الشّيخ محمّد مهديّ العبّاسيّ‬
‫الحنفيّ شيخ الزهر ومفتي الدّيار المصريّة ‪.‬‬
‫وقال الشّيخ عليش المالكيّ ‪ :‬يحرم تعاطيه في المحافل ‪ .‬وكرهه الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬يلحق بالثّوم والبصل والكرّات كلّ ما له‬
‫‪ - 26‬أمّا السواق ونحوها ‪ ،‬فقد قال المام النّوو ّ‬
‫رائحة كريهة من المأكولت وغيرها ‪ ،‬وقاس العلماء على المساجد مجامع العبادات ومجامع‬
‫العلم والذّكر والولئم ونحوها ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬ول يلتحق بها السواق ونحوها ‪. .‬‬
‫حكم بيع الدّخّان وزراعته ‪:‬‬
‫‪ - 27‬كان الختلف بين الفقهاء بالنّسبة لل ّدخّان هو في بيان حكم شربه ‪ ،‬هل هو حرام أو‬
‫مباح أو مكروه ‪ ،‬وكان التّعرّض لبيان حكم بيعه أو زراعته قليلً ‪.‬‬
‫ن الّذين حرّموه يستتبع ذلك عندهم حرمة بيعه‬
‫على أنّه يمكن أن يقال في الجملة ‪ :‬إ ّ‬
‫وزراعته ‪ ،‬والّذين أباحوه يباح عندهم بيعه وزراعته ‪ .‬يقول الشّيخ عليش من المالكيّة ‪:‬‬
‫ن ال ّدخّان في شربه خلف بالحلّ والحرمة ‪ ،‬فالورع عدم شربه ‪ ،‬وبيعه وسيلةً‬
‫الحاصل أ ّ‬
‫لشربه ‪ ،‬فيعطى حكمه ‪ .‬ونورد فيما يلي ما أمكن العثور عليه من أقوال في ذلك ‪:‬‬
‫‪ - 28‬من الحنفيّة نقل ابن عابدين عن الشرنبللي ‪ :‬أنّه يمنع من بيع ال ّدخّان ‪،‬‬
‫ومن المالكيّة ‪ ،‬ذكر الشّيخ عليش ‪ :‬ما يفيد جواز زراعته وبيعه ‪ ،‬فقد سئل في ال ّدخّان الّذي‬
‫يشرب في القصبة ‪ ،‬والّذي يستنشق به ‪ ،‬هل كلّ منهما متموّل ؟ فإذا أتلف شخص شيئا من‬
‫أحدهما مملوكا لغيره يكون عليه الضّمان ‪ ،‬أو كيف الحال ؟ ‪ .‬فأجاب ‪ :‬نعم ك ّل منهما‬
‫متموّل ‪ ،‬لنّه طاهر فيه منفعة شرعيّة لمن اختلّت طبيعته باستعماله وصار له كالدّواء ‪ ،‬فكلّ‬
‫منهما كسائر العقاقير الّتي يتداوى بها من العلل ‪ ،‬ول يرتاب عاقل متشرّع في أنّها متموّلة ‪،‬‬
‫فكذلك هذان ‪ ،‬كيف والنتفاع على الوجه المذكور والتّنافس حاصلن بالمشاهدة ‪.‬‬
‫فإذا أتلف شخص شيئا من أحدهما مملوكا لغيره كان عليه الضّمان ‪ ،‬وقد أفتى بعض‬
‫المتأخّرين بجواز بيع مغيّب العقل بل نشوة ‪ ،‬لمن يستعمل منه القدر اليسير الّذي ل يغيّب‬
‫عقله ‪ ،‬واستظهر فتواه سيّدي إبراهيم اللّقانيّ ‪.‬‬
‫كذلك سئل الشّيخ عليش ‪ :‬عن رجل تعدّى على بصل لخر أو جزر أو خسّ أو دخّان أو‬
‫مطلق زرع قبل بد ّو صلحه ‪ ،‬فماذا يلزمه ؟ وهل يعتبر وقت الحصاد ‪ ،‬أو ما يقوله أهل‬
‫المعرفة ؟ وإن كان بعد بد ّو الصّلح فما الحكم ؟ فأجاب ‪ :‬إن تعدّى على الزّرع قبل بدوّ‬
‫الصّلح أغرم قيمته يوم التّعدّي على الرّجاء والخوف ‪ ،‬وإن تأخّر الحكم عليه بالغرم حتّى‬
‫رجع الزّرع لحاله سقطت عنه القيمة ويؤدّب المفسد ‪ ،‬وإن تعدّى بعد بد ّو الصّلح أغرم قيمته‬
‫يوم التّعدّي على البتّ ‪ .‬ومن الشّافعيّة ‪ :‬جاء في حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج ‪:‬‬
‫يصحّ بيع ال ّدخّان المعروف في زماننا ‪ ،‬لنّه طاهر منتفع به أي عند بعض النّاس ‪ .‬وجاء في‬
‫حاشية الشّروانيّ على تحفة المحتاج ما ملخّصه جواز بيعه ‪ .‬للخلف في حرمته ولنتفاع‬
‫ح بيعه ‪ .‬ولم نعثر على نصّ‬
‫بعض النّاس به ‪ .‬كما إذا كان يعلم الضّرر بتركه ‪ ،‬وحينئذ فيص ّ‬
‫في مذهب الحنابلة ‪ ،‬لكن جاء في كشّاف القناع ما يمكن أن يستفاد منه جواز بيعه قياسا ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬السّ ّم من الحشائش والنّبات ‪ ،‬إن كان ل ينتفع به ‪ ،‬أو كان يقتل قليله ‪ ،‬لم يجز بيعه ‪ ،‬وإن‬
‫انتفع به وأمكن التّداوي بيسيره جاز بيعه ‪ ،‬لما فيه من النّفع المباح ‪.‬‬
‫حكم الدّخّان من حيث الطّهارة والنّجاسة ‪:‬‬
‫‪ - 29‬صرّح المالكيّة والشّافعيّة بطهارة ال ّدخّان ‪ .‬قال الدّردير ‪ :‬من الطّاهر الجماد ‪ ،‬ويشمل‬
‫النّبات بأنواعه ‪ ،‬قال الصّاويّ ‪ :‬ومن ذلك ال ّدخّان وفي نهاية المحتاج قال الشبراملسي في‬
‫الحاشية ‪ :‬يصحّ بيع ال ّدخّان المعروف في زماننا ‪ ،‬لنّه طاهر منتفع به ‪ .‬وورد مثل ذلك في‬
‫حاشية الجمل وحاشية الشّروانيّ وحاشية القليوبيّ ‪.‬‬
‫هذا وقد ذكر القرافيّ في الفرق الربعين ‪ " :‬قاعدة المسكرات والمرقّدات والمفسدات "‬
‫( تنبيه ) تنفرد المسكرات عن المرقّدات والمفسدات بثلثة أحكام ‪ :‬الحدّ ‪ ،‬والتّنجيس ‪ ،‬وتحريم‬
‫اليسير ‪ .‬والمرقّدات والمفسدات ل حدّ فيها ول نجاسة ‪ ،‬فمن صلّى بالبنج معه أو الفيون لم‬
‫تبطل صلته إجماعا ‪ .‬هذا وبعض من حرّم ال ّدخّان وعلّل حرمته بالسكار فهي عنده نجسة‬
‫قياسا على الخمر ‪ .‬ولم نعثر على نصّ في مذهب الحنفيّة ‪ ،‬إلّ أنّ قواعدهم تدلّ على أنّ‬
‫ال ّدخّان طاهر ‪ ،‬فقد قال ابن عابدين ‪ :‬الشربة الجامدة كالبنج والفيون لم نر أحدا قال‬
‫سمّ القاتل ‪ ،‬فإنّه حرام مع أنّه طاهر ‪ .‬كذلك لم‬
‫بنجاستها ‪ ،‬ول يلزم من الحرمة نجاسته ‪ ،‬كال ّ‬
‫ل أنّه جاء في نيل المآرب ‪ :‬المسكر غير المائع طاهر ‪.‬‬
‫ص في مذهب الحنابلة ‪ ،‬إ ّ‬
‫نعثر على ن ّ‬
‫تفطير الصّائم بشرب الدّخّان ‪:‬‬
‫‪ - 30‬اتّفق الفقهاء على أنّ شرب ال ّدخّان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام لنّه من‬
‫المفطرات ‪ ،‬كذلك يفسد الصّوم لو أدخل ال ّدخّان حلقه من غير شرب ‪ ،‬بل باستنشاق له عمدا ‪،‬‬
‫أمّا إذا وصل إلى حلقه بدون قصد ‪ ،‬كأن كان يخالط من يشربه فدخل الدّخان حلقه دون‬
‫قصد ‪ ،‬فل يفسد به الصّوم ‪ ،‬إذا ل يمكن الحتزاز من ذلك ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬إن تعمّد ذلك فعليه القضاء والكفّارة ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة والحنابلة عليه القضاء فقط ‪ ،‬إذ الكفّارة عندهم تكون بالجماع فقط في نهار‬
‫رمضان ‪ .‬وكذلك يفطر الصّائم بمضغ ال ّدخّان أو نشوقه ‪ ،‬لنّه نوع من أنواع التّكييف ‪،‬‬
‫ص بالعود ‪.‬‬
‫ويصل طعمه للحلق ‪ ،‬ويتكيّف به الدّماغ مثل تكيّفه بال ّدخّان الّذي يم ّ‬
‫وهذا ما صرّح به المالكيّة ‪ ،‬وقواعد المذاهب الخرى ل تأباه ‪.‬‬
‫حقّ الزّوج في منع زوجته من شرب الدّخّان ‪:‬‬
‫ن للزّوج‬
‫‪ - 31‬يرى جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة وأحد وجهين عند الشّافعيّة والحنابلة ) أ ّ‬
‫منع زوجته من كلّ ما له رائحة كريهة ‪ ،‬كالبصل والثّوم ‪ ،‬ومن ذلك شرب ال ّدخّان‬
‫المعروف ‪ ،‬لنّ رائحته تمنع كمال الستمتاع ‪ ،‬خصوصا إذا كان الزّوج ل يشربه ‪.‬‬
‫والوجه الثّاني عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬أنّه ليس له منعها من ذلك لنّه ل يمنع الوطء ‪.‬‬
‫التّبغ في نفقة الزّوجة ‪:‬‬
‫‪ - 32‬يرى بعض الشّافعيّة والحنابلة أنّ الزّوجة إن اعتادت شرب ال ّدخّان تفكّها وجب على‬
‫الزّوج توفيره لها ضمن حقّها في النّفقة ‪.‬‬
‫ن ذلك إن كان من‬
‫ويرى الحنفيّة أنّه ل يلزمه ذلك وإن تضرّرت بتركه ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬ل ّ‬
‫قبيل الدّواء أو من قبيل التّفكّه ‪ ،‬فكلّ من الدّواء والتّفكّه ل يلزمه ‪.‬‬
‫ن الدّواء والتّفكّه ل يلزم الزّوج ‪.‬‬
‫ن قواعدهم كالحنفيّة في أ ّ‬
‫ولم يصرّح المالكيّة بذلك ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫حكم التّداوي بالتّبغ ‪:‬‬
‫ن الشياء المحرّمة النّجسة المنصوص‬
‫‪ - 33‬من القواعد العامّة الّتي أجمع عليها الفقهاء أ ّ‬
‫عليها كالخمر ل يجوز التّداوي بها ‪ .‬أمّا ما ل نصّ فيه فإنّه يختلف باختلف اجتهاد الفقهاء ‪.‬‬
‫فمن قال بنجاسة ال ّدخّان وأنّه يسكر كالخمر ل يجوز عنده التّداوي به ‪.‬‬
‫لكنّه عند جمهور الفقهاء طاهر ويجوز التّداوي به ‪ ،‬كما يؤخذ ذلك من نصوصهم ‪ .‬وهذا إذا‬
‫كان يمكن التّداوي به ‪.‬‬
‫قال الشّيخ عليش المالكيّ ‪ :‬الدّخان متموّل ‪ ،‬لنّه طاهر فيه منفعة شرعيّة لمن اختلّت طبيعته‬
‫باستعماله وصار له كالدّواء ‪ ،‬فهو كسائر العقاقير الّتي يتداوى بها من العلل ‪.‬‬
‫إمامة شارب الدّخّان ‪:‬‬
‫‪ - 34‬نقل ابن عابدين عن الشّيخ العماديّ أنّه يكره القتداء بالمعروف بأكل الرّبا ‪ ،‬أو شيء‬
‫من المحرّمات ‪ ،‬أو يداوم الصرار على شيء من المكروهات ‪ ،‬كال ّدخّان المبتدع في هذا‬
‫الزّمان ‪.‬‬

‫تبكير *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبكير ‪ :‬مصدر بكّر بالتّشديد ‪ ،‬وأصله من الخروج ُبكْرة أوّل النّهار ‪ ،‬ويكون أيضا‬
‫بمعنى ‪ :‬التّعجيل والسراع أيّ وقت كان ‪ ،‬يقال ‪ :‬بكّر بالصّلة أي ‪ :‬صلّاها لوّل وقتها ‪،‬‬
‫ل من أسرع إلى شيء‬
‫ويقال ‪ :‬بكّروا بصلة المغرب أي ‪ :‬صلّوها عند سقوط القرص ‪ ،‬وك ّ‬
‫فقد بكّر إليه ‪ .‬ولم يخرج الفقهاء في استعمالهم عن هذين المعنيين ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّغليس ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّغليس في صلة الفجر ‪ :‬فعلها أوّل طلوع الفجر قبل انتشار الضّوء ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬السفار ‪:‬‬
‫‪ - 3‬السفار معناه ‪ :‬الوضوح والظّهور ‪ ،‬يقال ‪ :‬أسفر الصّبح ‪ :‬انكشف وأضاء ‪ ،‬والسفار‬
‫بصلة الصّبح في عرف الفقهاء هو ‪ :‬فعلها عند انتشار ضوء الفجر ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّبكير بأداء العبادات في أوّل أوقاتها مستحبّ لتحصيل الفضل والثّواب ‪ ،‬لما روي عن‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ -‬حين سئل عن أفضل العمال ‪ -‬قال ‪ « :‬الصّلة في أوّل وقتها‬
‫» وهذا على الجملة عند الفقهاء ‪.‬‬
‫‪ -5‬ويستثنى من هذا الحكم ما نصّ على تأخيره لسبب ‪ ،‬كالبراد بصلة الظّهر في وقت الحرّ‬
‫‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلة » ‪.‬‬
‫كذلك استثنى الحنابلة والحنفيّة صلة العشاء ‪ ،‬لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال‬
‫‪ « :‬لول أن أشقّ على المؤمنين لمرتهم بتأخير العشاء » وهو أيضا قول عند المالكيّة‬
‫والشّافعيّة ‪ ،‬وزاد الحنفيّة صلة العصر ‪.‬‬
‫‪ -6‬أمّا التّبكير بمعنى الخروج أوّل النّهار فهو وارد في صلة الجمعة والعيدين ‪ .‬فقد استحبّ‬
‫التّبكير لهما من أوّل النّهار الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫من غسّل يوم الجمعة واغتسل ‪ ،‬وبكّر وابتكر كان له بكلّ خطوة يخطوها أجر سنة ‪ ،‬صيامها‬
‫وقيامها » وقال المام مالك ‪ :‬ل يستحبّ التّبكير خشية الرّياء ‪.‬‬
‫التّبكير لطلب الرّزق ‪:‬‬
‫‪ - 7‬يستحبّ التّبكير بطلب الرّزق والتّجارة فقد روي عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت ‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬باكروا للغدوّ في طلب الرّزق ‪ ،‬فإنّ الغد ّو بركة‬
‫ن ما بعد صلة الصّبح وقت‬
‫ونجاح » ‪ .‬قال ابن العربيّ ‪ :‬يروى عن ابن عبّاس وغيره أ ّ‬
‫يقسم اللّه فيه الرّزق بين العباد ‪ ،‬وثبت أنّه وقت ينادي فيه الملك ‪ « :‬اللّهمّ أعط منفقا خلفا ‪،‬‬
‫وأعط ممسكا تلفا » ‪ .‬وهو وقت ابتداء الحرص ونشاط النّفس وراحة البدن وصفاء الخاطر ‪،‬‬
‫فيقسم لجل ذلك كلّه وأمثاله ‪.‬‬
‫التّبكير بالتّعليم ‪:‬‬
‫‪ - 8‬ينبغي التّبكير بتعليم الصّبيان ما فرض اللّه على العباد من قول وفعل ‪ ،‬لكي يأتي عليهم‬
‫البلوغ وقد تمكّن ذلك في قلوبهم ‪ ،‬وسكنت إليه أنفسهم ‪ ،‬وأنست بما يعلمون به من ذلك‬
‫جوارحهم ‪ .‬وقد قال النّوويّ ‪ :‬الصّحيح أنّه يجب على الباء والمّهات تعليم الولد الصّغار‬
‫ما سيتعيّن عليهم بعد البلوغ من ‪ :‬الطّهارة ‪ ،‬والصّلة ‪ ،‬والصّوم ‪ ،‬وتحريم الزّنى واللّواط‬
‫والسّرقة وشرب المسكر ‪ ،‬والكذب ‪ ،‬ونحوها ‪.‬‬
‫واستدلّ على ذلك بقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا قوا أنفسَكم وأهليكم نارا } قال عليّ بن‬
‫أبي طالب رضي ال عنه ومجاهد وقتادة ‪ :‬معناه علّموهم ما ينجون به من النّار ‪.‬‬
‫وتعليم الصّبيان يردّ العذاب الواقع بإرادة اللّه تعالى عن آبائهم ‪ ،‬أو عمّن تسبّب في تعليمهم ‪،‬‬
‫أو عن معلّمهم ‪ ،‬أو عنهم فيما يستقبل ‪ ،‬أو عن المجموع ‪ ،‬أو يردّ العذاب عموما ‪.‬‬

‫تبليغ *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبليغ ‪ :‬مصدر بلّغ ‪ ،‬أي ‪ :‬أوصل ‪ ،‬يقال بلّغه السّلم ‪ :‬إذا أوصله ‪ .‬وبلغ الكتاب بلوغا ‪:‬‬
‫وصل ‪.‬‬
‫والتّبليغ في الصطلح أخصّ من ذلك ‪ ،‬إذ يراد به ‪ :‬العلم والخبار ‪ ،‬لنّه إيصال الخبر ‪.‬‬
‫والتّبليغ يكون شفاها وبالرّسالة والكتابة ‪.‬‬
‫وأغلب تبليغ الرّسل كان مشافهةً ‪ .‬والتّبليغ بالرّسالة ‪ :‬أن يرسل شخص رسولً إلى رجل ‪،‬‬
‫ويقول للرّسول مثلً ‪ :‬إنّي بعت عبدي هذا من فلن الغائب بكذا ‪ ،‬فاذهب إليه ‪ ،‬وقل له ‪ :‬إنّ‬
‫فلنا أرسلني إليك ‪ ،‬وقال لي ‪ :‬قل له ‪ :‬إنّي قد بعت عبدي هذا من فلن بكذا ‪ ،‬فإن ذهب‬
‫ن الرّسول‬
‫الرّسول وبلّغ الرّسالة ‪ ،‬فقال المشتري في مجلسه ذلك ‪ :‬قبلت ‪ ،‬انعقد البيع ‪ ،‬ل ّ‬
‫سفير ومعبّر عن كلم المرسل ‪ ،‬ناقل كلمه إلى المرسل إليه ‪ ،‬فكأنّه حضر بنفسه فأوجب‬
‫البيع ‪ ،‬وقبل الخر في المجلس ‪ .‬فالرّسالة بعض وسائل التّبليغ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكتابة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الكتابة هي ‪ :‬أن يكتب الرّجل إلى رجل إنّي بعت منك فرسي ‪ -‬ويصفه ‪ -‬بمبلغ كذا ‪،‬‬
‫فبلغ الكتاب المرسل إليه ‪ ،‬فقال في مجلسه ‪ :‬اشتريت ‪ ،‬تمّ البيع ‪ .‬لنّ خطاب الغائب كتابه ‪،‬‬
‫ص من‬
‫فكأنّه حضر بنفسه وخاطب باليجاب وقبل الخر في المجلس ‪ ،‬فالكتابة أيضا أخ ّ‬
‫التّبليغ ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫تبليغ الرّسالت ‪:‬‬
‫‪ - 3‬أوجب اللّه على رسله تبليغ رسالته إلى من أرسلوا إليهم ‪ ،‬لئلّ يكون لهم على اللّه‬
‫حجّ ٌة بعد ال ّرسُل }‬
‫حجّة ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬رُسُلً مبشّرين ومنذِرين لئلّ يكون للنّاس على اللّه ُ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬يا أيّها الرّسول بلّغْ ما أُنزل إليك من ربّك ‪ ،‬وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته ‪،‬‬
‫صمُك من النّاس } ‪ .‬قال ابن عبّاس ‪ :‬المعنى بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك ‪ ،‬فإن‬
‫واللّه َي ْع ِ‬
‫كتمت شيئا منه فما بلّغت رسالته ‪ .‬وهذا تأديب للنّبيّ صلى ال عليه وسلم وتأديب لحملة العلم‬
‫ل يكتموا شيئا من أمر شريعته ‪.‬‬
‫من أمّته أ ّ‬
‫وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت ‪ « :‬من حدّثك أنّ محمّدا‬
‫صلى ال عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب ‪ ،‬واللّه تعالى يقول ‪ { :‬يا أيّها الرّسول بلّغ‬
‫ما أُنزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته } »‬
‫وعن أبي جحيفة قلت لعليّ رضي ال عنه ‪ « :‬هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في‬
‫ل فهما يعطيه اللّه رجلً في القرآن ‪،‬‬
‫القرآن ؟ فقال ‪ :‬ل ‪ .‬والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ‪ ،‬إ ّ‬
‫وما في هذه الصّحيفة ‪ ،‬قلت ‪ :‬وما في هذه الصّحيفة ؟ قال ‪ :‬العقل ‪ ،‬وفكاك السير ‪ ،‬وألّ‬
‫يقتل مسلم بكافر » ‪.‬‬
‫تبليغ الدّعوة السلميّة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تبليغ الدّعوة السلميّة لغير المسلمين واجب على الكفاية ‪ ،‬فقد أرسل الرّسول صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى الملوك غير المسلمين يدعوهم إلى السلم ‪ ،‬فكتب إلى المقوقس وغيره ‪،‬‬
‫وجرى على ذلك أصحابه ‪.‬‬
‫التّبليغ خلف المام ‪:‬‬
‫‪ - 5‬من سنن الصّلة جهر المام بالتّكبير والتّسميع والسّلم بقدر الحاجة ليسمّع المأمومين ‪،‬‬
‫فإن زاد على الحاجة زيادةً كبيرةً كره ‪.‬‬
‫والتّكبير للعلم بالدّخول في الصّلة والنتقال فيها يكون من المام ‪ ،‬فإن كان صوته ل يبلغ‬
‫من وراءه فينبغي التّبليغ عنه من أحد المأمومين ‪ ،‬والمراد من التّكبير ما يشمل تكبيرة الحرام‬
‫ب للمام أن يجهر بالتّكبير ‪ ،‬بحيث يسمع المأمومون ليكبّروا‬
‫وغيرها ‪ .‬وقال ابن قدامة ‪ :‬يستح ّ‬
‫ل بعد تكبيره ‪ ،‬فإن لم يمكنه إسماعهم جهر بعض المأمومين‬
‫‪ ،‬فإنّهم ل يجوز لهم التّكبير إ ّ‬
‫ليسمعهم ‪ ،‬أو ليسمع من ل يسمع المام ‪ .‬لما روى جابر رضي ال عنه قال ‪ « :‬صلّى بنا‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأبو بكر خلفه ‪ ،‬فإذا كبّر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫كبّر أبو بكر ليسمعنا » وفي كلّ مذهب تفصيل ‪:‬‬
‫فعند الحنفيّة والشّافعيّة ‪ :‬أنّ المام إذا كبّر للفتتاح فل بدّ لصحّة صلته من قصده بالتّكبير‬
‫الحرام بالصّلة ‪ ،‬وإلّ فل صلة له إذا قصد العلم فقط ‪ .‬فإن جمع بين المرين بأن قصد‬
‫الحرام والعلم فذلك هو المطلوب منه شرعا ‪ .‬وكذلك المبلّغ إذا قصد التّبليغ فقط خاليا عن‬
‫قصد الحرام فل صلة له ‪ ،‬ول لمن يصلّي بتبليغه في هذه الحالة ‪ ،‬لنّه اقتدى بمن لم يدخل‬
‫في الصّلة ‪ .‬فإن قصد بتكبيره الحرام مع التّبليغ للمصلّين ‪ ،‬فذلك هو المقصود منه شرعا ‪.‬‬
‫ووجهه ‪ :‬أنّ تكبيرة الحرام شرط أو ركن ‪ ،‬فل بدّ في تحقّقها من قصد الحرام أي الدّخول‬
‫في الصّلة ‪.‬‬
‫وأمّا التّسميع من المام ‪ ،‬والتّحميد من المبلّغ ‪ ،‬وتكبيرات النتقالت منهما ‪ ،‬إذا قصد بما ذكر‬
‫العلم فقط ‪ ،‬فل فساد للصّلة ‪ .‬والفرق أنّ قصد العلم غير مفسد ‪ ،‬كما لو سبّح ليعلم غيره‬
‫أنّه في الصّلة ‪ .‬ولمّا كان المطلوب هو التّكبير على قصد الذّكر والعلم ‪ ،‬فإذا محض قصد‬
‫العلم فكأنّه لم يذكر ‪ ،‬وعدم الذّكر في غير التّحريمة غير مفسد ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة أنّه يجوز اتّخاذ شخص معيّن ليسمع النّاس ‪ ،‬وتصحّ صلته ‪ ،‬ولو قصد بتكبيره‬
‫وتحميده مجرّد إسماع المأمومين ‪.‬‬
‫ح أن يكون المسمع ( المبلّغ ) صبيّا أو امرأ ًة أو محدثا ‪ ،‬وذلك مبنيّ على أنّ‬
‫وعندهم أنّه يص ّ‬
‫المسمع علمة على صلة المام ‪ ،‬وذلك هو اختيار المازريّ واللّقانيّ ‪ .‬وفي رأي ‪ :‬أنّ‬
‫المسمع نائب ووكيل عن المام ‪ ،‬فل يجوز له التّسميع حتّى يستوفي شرائط المام ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬أنّه يستحبّ الجهر من المام ليسمع المأمومين انتقالته في الصّلة ‪ ،‬كالجهر‬
‫بتكبيرة الحرام ‪ ،‬فإن لم يجهر المام بحيث يسمع الجميع استحبّ لبعض المأمومين رفع‬
‫صوته ليسمعهم ‪.‬‬
‫تبليغ السّلم ‪:‬‬
‫ن البتداء بالسّلم سنّة مرغّب فيها ‪ ،‬وردّه فريضة لقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ -‬أجمع العلماء على أ ّ‬ ‫‪6‬‬

‫حيّوا بأحسنَ منها أو ردّوها }‬


‫حيّيتم بتحيّ ٍة ف َ‬
‫{ وإذا ُ‬
‫فقد أمر اللّه بالتّحيّة بأحسن منها أو بال ّردّ ‪ .‬والمر للوجوب ما لم يصرفه صارف ‪ ،‬والظّاهر‬
‫ن الحكم كذلك في المكاتبة ‪ ،‬أو بالطّلب إلى رسول تبليغ السّلم ‪ ،‬كما ينبغي لمن تحمّل السّلم‬
‫أّ‬
‫أن يبلّغه ‪ « .‬قالت عائشة رضي ال عنها ‪ :‬وعليه السّلم ورحمة اللّه حين أخبرها النّبيّ صلى‬
‫ن جبريل عليه السلم يقرأ عليها السّلم » ‪.‬‬
‫ال عليه وسلم أ ّ‬
‫ن الرّجل إذا أرسل إلى رجل بسلمه ‪ ،‬فعليه أن‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬وفي حديث عائشة من الفقه أ ّ‬
‫ن أبي‬
‫يردّ كما يردّ عليه إذا شافهه ‪ « .‬وجاء رجل إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫يقرئك السّلم ‪ .‬فقال وعليك السّلم ‪ ،‬وعلى أبيك السّلم » ‪.‬‬
‫تبليغ الوالي عن الجناة المستترين ‪:‬‬
‫‪ - 7‬المنصوص عليه في المذاهب أنّ ما لم يظهر من المحظورات ‪ ،‬فليس لحد ‪ -‬محتسبا‬
‫كان أو غيره ‪ -‬أن يتجسّس عنها ‪ ،‬ول أن يهتك الستار ‪ ،‬فقد قال رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه تعالى ‪ ،‬فإنّه من ُي ْبدِ لنا‬
‫صفحته نقم عليه كتاب اللّه تعالى » ‪.‬‬
‫وأمّا عند الظّهور ففيه تفصيل ينظر في مصطلح ( تجسّس وشهادة ) ‪.‬‬

‫تبنّي *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبنّي ‪ :‬اتّخاذ الشّخص ولد غيره ابنا له ‪ ،‬وكان الرّجل في الجاهليّة يتبنّى الرّجل ‪،‬‬
‫فيجعله كالبن المولود له ‪ ،‬ويدعوه إليه النّاس ‪ ،‬ويرث ميراث الولد ‪.‬‬
‫وغلب في استعمال العرب لفظ ( ادّعاء ) على التّبنّي ‪ ،‬إذا جاء في مثل ( ادّعى فلن فلنا )‬
‫عيَاءَكم أبناءَكم } ‪.‬‬
‫ل َأدْ ِ‬
‫جعَ َ‬
‫ومنه ( الدّعيّ ) وهو المتبنّي ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وما َ‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ التّبنّي عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الستلحاق ‪:‬‬
‫‪ - 2‬ألحق القائف الولد بأبيه ‪ :‬أخبر أنّه ابنه لشبه بينهما يظهر له ‪ ،‬واستلحقت الشّيء ‪ :‬ادّعيته‬
‫‪ ،‬وفي القاموس ‪ :‬استلحق فلنا ‪ :‬ادّعاه ‪ ،‬والستلحاق يختصّ بالب وحده ‪ ،‬وهو القرار‬
‫بالنّسب عند الحنفيّة ‪ ،‬ول يقع الستلحاق إلّ على مجهول النّسب ‪.‬‬
‫ن التّبنّي يكون بالنّسبة لكلّ من‬
‫فالستلحاق ل يكون إلّ بالنّسبة لمجهول النّسب ‪ ،‬في حين أ ّ‬
‫مجهول النّسب ومعلوم النّسب ‪ ،‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬استلحاق ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البنوّة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬البن ‪ :‬الذّكر من الولد ‪ ،‬والسم ‪ :‬البنوّة ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬يطلق البن على البن الصّلبيّ من نسب حقيقيّ ‪ ،‬فتكون البنوّة من‬
‫نسب أصليّ ‪ ،‬ويطلق البن على ابن البن وإن نزل مجازا ‪.‬‬
‫فالفرق بين البنوّة والتّبنّي ‪ :‬أنّ البنوّة ترجع إلى النّسب الصليّ ‪ ،‬أمّا التّبنّي فهو ادّعاء الرّجل‬
‫أو المرأة من ليس ولدا لهما ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬بنوّة ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القرار بالنّسب ‪:‬‬
‫‪ - 4‬إقرار الب أو المّ بالبنوّة دون ذكر السّبب مع عدم إلحاق الضّرر أو العار بالولد ‪ ،‬هو‬
‫ل‪.‬‬
‫القرار بالنّسب المباشر ‪ .‬فالقرار تصحيح للنّسب بعد أن كان مجهو ً‬
‫أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب ومعلومه ‪ ،‬والتّبنّي قد أبطله السلم ‪ ،‬أمّا القرار بالنّسب‬
‫ح الرّجوع فيه ‪ ،‬ول يجوز نفيه بعد صدوره ‪ .‬انظر مصطلح ‪ ( :‬إقرار ) ‪.‬‬
‫فقائم ول يص ّ‬
‫د ‪ -‬اللّقيط ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ادّعاء اللّقيط شكل من أشكال القرار بالنّسب ‪ ،‬واللّقيط هو الصّغير الّذي وجد في مكان‬
‫يصعب فيه التّعرّف على أبويه ‪ .‬أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب كما يكون لمعلوم النّسب ‪،‬‬
‫وادّعاء اللّقيط في الحقيقة ردّ إلى نسب حقيقيّ في الظّاهر ‪ ،‬ول يحمل التّبنّي هذا المعنى ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 6‬حرّم السلم التّبنّي ‪ ،‬وأبطل كلّ آثاره ‪ ،‬وذلك بقوله تعالى ‪ { :‬وما جعل أدعياءَكم أبناءَكم‬
‫ذلكم قولُكم بأفواهِكم واللّ ُه يقولُ الحقّ وهو يهدي السّبيلَ } ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬ادْعوهم لبائِهم }‬
‫‪.‬‬
‫وقد كان التّبنّي معروفا عند العرب في الجاهليّة وبعد السلم ‪ ،‬فكان الرّجل في الجاهليّة إذا‬
‫أعجبه من الرّجل جلده وظرفه ضمّه إلى نفسه ‪ ،‬وجعل له نصيب ابن من أولده في‬
‫الميراث ‪ ،‬وكان ينسب إليه فيقال ‪ :‬فلن بن فلن ‪ .‬وقد « تبنّى الرّسول صلى ال عليه وسلم‬
‫زيد بن حارثة قبل أن يشرّفه اللّه بالرّسالة ‪ ،‬وكان يدعى زيد بن محمّد ‪ ،‬واستمرّ المر على‬
‫ذلك إلى أن نزل قول اللّه تعالى ‪ { :‬وما جعل أدعياءكم أبناءكم } إلى قوله ‪ { :‬وكان اللّه‬
‫ل ينسبه إلى نفسه ‪،‬‬
‫غفورا رحيما } وبذلك أبطل اللّه نظام التّبنّي » ‪ ،‬وأمر من تبنّى أحدا أ ّ‬
‫وإنّما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف ‪ ،‬فإن جهل أبوه دعي ( مولًى ) ( وأخا في‬
‫الدّين ) وبذلك منع النّاس من تغيير الحقائق ‪ ،‬وصينت حقوق الورثة من الضّياع أو النتقاص‬
‫‪.‬‬

‫َت ْبوِئة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبوئة في اللّغة ‪ :‬مصدر بوّأ ‪ ،‬بمعنى أسكن ‪ ،‬يقال ‪ :‬بوّأته دارا ‪ :‬أي أسكنته إيّاها ‪.‬‬
‫وال ُمبَوُّأ المنزل الملزوم ‪ ،‬ومنه ‪ :‬بوّأه اللّه منزلً ‪ :‬أي ألزمه إيّاه وأسكنه ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪:‬‬
‫صدْقٍ } ومنه أيضا حديث ‪ « :‬من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ‬
‫{ ولقد َبوّأنَا بني إسرائيلَ ُم َبوّأ ِ‬
‫مقعده من النّار ‪ . » ...‬وهي في الصطلح ‪ :‬أن يخلّي المولى بين المة وبين زوجها‬
‫ويدفعها إليه ول يستخدمها ‪ .‬أمّا إذا كانت تذهب وتجيء وتخدم مولها فل يكون ذلك تبوئةً ‪.‬‬
‫ولمعرفة أحكامها تنظر مباحث ( النّكاح ) من كتب الفقه وانظر أيضا مصطلح ( رقّ ) ‪.‬‬

‫تبيع *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّبيع في اللّغة ‪ :‬ولد البقر في السّنة الولى ‪ ،‬ويسمّى تبيعا لنّه يتبع أمّه ‪ ،‬والنثى‬
‫تبيعة ‪ ،‬وجمع المذكّر أتبعة ‪ ،‬وجمع النثى تباع ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬ل يخرج معنى تبيع ‪ ،‬وتبيعة عمّا ورد في اللّغة ‪ ،‬وهذا عند الحنفيّة‬
‫والحنابلة ‪ ،‬والمعتمد عند الشّافعيّة ‪ .‬وعند المالكيّة ‪ :‬ما أوفى سنتين ودخل في الثّالثة ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬أجمع الفقهاء على أنّ التّبيع يكون واجبا في نصاب البقر إذا بلغت ثلثين ‪ ،‬لحديث معاذ‬
‫رضي ال عنه قال ‪ « :‬بعثني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أصدق أهل اليمن ‪ ،‬فأمرني‬
‫أن آخذ من البقر من كلّ ثلثين تبيعا ‪ » ...‬إلخ ‪.‬‬
‫ووجوب التّبيع فيما زاد عن الثّلثين تفصيله في مصطلح ( زكاة ) ‪.‬‬

‫تبييت *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ل ‪ ،‬وبيّت ال ّنيّة على المر ‪ :‬إذا عزم عليه‬
‫‪ - 1‬التّبييت لغةً ‪ :‬مصدر بيّت المر إذا دبّره لي ً‬
‫ليلً فهي مبيّتة بالفتح ‪ .‬وبيّت العدوّ ‪ :‬أي داهمه ليلً ‪ .‬وفي التّنزيل العزيز { إ ْذ ُي َبيّتُون ما ل‬
‫ت بليل » ‪.‬‬
‫يرضى من القولِ } وفي السّيرة ‪ « :‬هذا أمر ُبيّ َ‬
‫والتّبييت في الصطلح بمعناه اللّغويّ ‪ ،‬والبيات اسم المصدر ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪َ { :‬أفَأمِنَ‬
‫أهلُ القرى أن يأتيَهم بَأسُنا َبيَاتَا وهم نائمون } ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الغارة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬يطلق العرب البيات أو التّبييت على الغارة على العدوّ ليلً ‪.‬‬
‫ش ِهدْنا َمهِْلكَ أهلِه وإنّا‬
‫سمُوا باللّه َل ُن َب ّي َتنّهُ وأهلَه ثمّ لنقوَلنّ لوليّه ما َ‬
‫وفي التّنزيل ‪ { :‬قالوا تقا َ‬
‫لصادقون } فالفرق بين تبييت العد ّو وبين الغارة عليه ‪ :‬أنّ الغارة مطلقة ‪ ،‬إذ تكون ليلً أو‬
‫نهارا ‪ ،‬أمّا التّبييت فهو في اللّيل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬البيتوتة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬البيتوتة ‪ :‬مصدر بات ‪ ،‬ومعناها الفعل باللّيل ‪ ،‬فهو بهذا المعنى أع ّم من البيات ‪ ،‬ويندر‬
‫استعمالها بمعنى النّوم ليلً ‪.‬‬
‫ويستعملها الفقهاء أحيانا في آثار القسم بين الزّوجات ‪ ،‬وبهذا المعنى يخالف البيات ‪.‬‬
‫حكم التّبييت ‪:‬‬
‫أ ّولً ‪ :‬تبييت العدوّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تبييت العد ّو جائز لمن يجوز قتالهم ‪ ،‬وهم الكفّار الّذين بلغتهم الدّعوة ورفضوها ‪ ،‬ولم‬
‫يقبلوا دفع الجزية ‪ ،‬ولم يكن بيننا وبينهم عقد ذمّة ول هدنة ‪.‬‬
‫ل البيات ؟ قال ‪ :‬ول نعلم أحدا كره‬
‫قال أحمد رحمه ال ‪ :‬ل بأس بالبيات ‪ ،‬وهل غزو الرّوم إ ّ‬
‫تبييت العدوّ ‪ .‬وعن الصّعب بن جثّامة قال ‪ « :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يسأل‬
‫عن أهل الدّيار من المشركين ‪ :‬نبيّتهم فنصيب من نسائهم وذراريّهم فقال ‪ :‬هم منهم » فإن‬
‫قيل ‪ :‬قد نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن قتل النّساء وال ّذ ّريّة ‪ .‬قلنا ‪ :‬هذا محمول على‬
‫التّعمّد لقتلهم ‪ .‬والجمع بينهما ممكن بحمل النّهي على التّعمّد ‪ ،‬والباحة على ما عداه ‪.‬‬
‫والمسألة فيها تفريعات فيما إذا كان مع الكفّار مسلم وقتل ‪ ،‬تنظر في ‪ ( :‬الجهاد والدّيات ) ‪.‬‬
‫فإن بيّت المام أو أمير الجيش قبل الدّعوة أثم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فا ْنبِ ْذ إليهم على سَوَاء } ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في ضمان من يقتل منهم بالتّبييت ‪ :‬فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل‬
‫يضمن ‪ ،‬لنّه ل إيمان له ‪ ،‬ول أمان ‪ ،‬فلم يضمن ‪.‬‬
‫وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّه يضمن بالدّية والكفّارة ‪ ،‬ونقل ذلك عن الشّافعيّ ‪.‬‬
‫ويرى بعض الفقهاء ‪ :‬أنّ أهل الكتاب والمجوس ل تجب دعوتهم قبل القتال ‪ ،‬لنّ الدّعوة قد‬
‫ن كتبهم قد بشّرت بالرّسالة المحمّديّة ‪ .‬ويدعى عبدة الوثان قبل أن يحاربوا ‪.‬‬
‫بلغتهم ‪ ،‬ول ّ‬
‫‪ -5‬أمّا من بلغتهم الدّعوة ‪ ،‬فتستحبّ الدّعوة قبل التّبييت مبالغ ًة في النذار ‪ ،‬وليعلموا أنّنا‬
‫نقاتلهم على الدّين ل على سلب الموال وسبي الذّراريّ ‪ ،‬وقد ثبت « أنّ النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أمر عليّا حين أعطاه الرّاية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم » ‪ ،‬وهم ممّن‬
‫بلغتهم الدّعوة ‪ .‬ويجوز بياتهم بغير دعاء ‪ ،‬لنّه صحّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّه‬
‫أغار على بني المصطلق ليلً وهم غافلون » ‪ « .‬وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا‬
‫» ‪ « .‬وسئل عن المشركين يبيّتون ‪ ،‬فيصاب من نسائهم وذراريّهم فقال ‪ :‬هم منهم » ‪ .‬وكانوا‬
‫جميعا ممّن بلغتهم الدّعوة وإلّ لم يبيّتوا للدلّة السّابقة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تبييت ال ّنيّة في صوم رمضان ‪:‬‬
‫‪ - 6‬ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب تبييت ال ّنيّة في صوم رمضان ما بين غروب الشّمس‬
‫إلى طلوع الفجر الثّاني ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يستحبّ التّبييت ‪ ،‬لكن تجزئ ال ّنيّة نهارا‬
‫إلى الزّوال ‪ ،‬وفي ذلك تفصيل ينظر في ‪ ( :‬الصّوم ‪ ،‬وال ّنيّة ) ‪.‬‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 7‬يذكر الفقهاء التّبييت في كتاب ‪ ( :‬السّيرة ‪ ،‬والجهاد ) ‪.‬‬

‫تتابع *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من معاني التّتابع في اللّغة ‪ :‬الموالة ‪ .‬يقال تابع فلن بين الصّلة وبين القراءة ‪ :‬إذا‬
‫والى بينهما ‪ ،‬ففعل هذا على أثر هذا بل مهلة بينهما ‪ .‬وتتابعت الشياء ‪ :‬تبع بعضها بعضا ‪.‬‬
‫وتابع بين المور متابعةً وتباعا ‪ :‬واتر ووالى ‪ .‬ول يخرج معناه الصطلحيّ عن ذلك ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّتابع يكون في صوم الكفّارات ‪ ،‬ويكون في العتكاف ‪ ،‬ويكون في الوضوء والغسل ‪،‬‬
‫ويسمّى غالبا ( الموالة ) وتنظر أحكامه في ( الوضوء والغسل ) ‪.‬‬
‫التّتابع في الصّوم في كفّارة اليمين ‪:‬‬
‫‪ - 3‬إذا لم يجد الحانث في يمينه ما يكفّر به عنها ‪ ،‬من إطعام عشرة مساكين ‪ ،‬أو كسوتهم ‪،‬‬
‫أو تحرير رقبة أو عجز عن ذلك ‪ ،‬كان عليه أن ينتقل إلى الصّوم ‪ ،‬فيصوم ثلثة أيّام ‪.‬‬
‫خذُكم‬
‫ن يؤا ِ‬
‫خذُكم اللّ ُه بالّلغْوِ في أيمانِكم ولك ْ‬
‫والصل في ذلك قول اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬ل يؤا ِ‬
‫ن من أوسطِ ما ُتطْعمون أهليكم أو ِكسْوتهم أو‬
‫شرَ ِة مساكي َ‬
‫عَ‬‫ن فكفّارتُه إطعامُ َ‬
‫بما عَ ّق ْدتُم اليما َ‬
‫تحريرُ رَقب ٍة فمن لم َيجِ ْد فصيامُ ثلثةِ أيّامٍ ذلك كفّار ُة أيمانِكم إذا حَلَ ْفتُم } ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في التّتابع ‪ ،‬فذهب الحنفيّة وهو الصحّ عند الحنابلة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّة ‪:‬‬
‫إلى وجوب التّتابع ‪ ،‬للقراءة الشّاذّة لبن مسعود فصيام ثلثة أيّام متتابعات ‪ .‬وذهب المالكيّة ‪-‬‬
‫وهو قول للشّافعيّة ‪ -‬إلى جواز صومها متتابع ًة أو متفرّق ًة ‪ .‬ر ‪ ( :‬كفّارة اليمين ) ‪.‬‬
‫التّتابع في الصّوم في كفّارة الظّهار ‪:‬‬
‫‪ - 4‬يأتي الصّوم في المرتبة الثّانية بعد العتق في كفّارة الظّهار ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫ن َيتَماسّا ذلكمْ‬
‫ن َقبْل أ ْ‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ مِ ْ‬
‫ن ِلمَا قالوا َف َت ْ‬
‫ن ُيظَاهِرُون من نسائِهم ثمّ َيعُودو َ‬
‫والّذي َ‬
‫جدْ فصيامُ شهرين ُم َتتَابعين من قبلِ أن َي َتمَاسّا‬
‫ن به واللّ ُه بما تعملونَ خبيرٌ ‪ .‬فمنْ لم َي ِ‬
‫تُوعظو َ‬
‫ن ِمسْكينا ذلك ِلتُؤمنوا باللّهِ ورسولِ ِه وتلك حدودُ اللّ ِه وللكافرينَ‬
‫فمنْ لم يستطعْ فإطعامُ ستّي َ‬
‫ب أليمٌ } ‪ .‬فإن لم يجد المظاهر ما يعتق كما في الية الولى انتقل إلى الصّيام ‪ ،‬فيصوم‬
‫عذا ٌ‬
‫شهرين متتابعين كما في صدر الية الثّانية ‪ ،‬ليس فيهما رمضان ‪ ،‬ويوما العيد ‪ ،‬وأيّام‬
‫التّشريق ‪ ،‬وذلك من قبل أن يتماسّا ‪ .‬فإن جامعها في الشّهرين ليلً أو نهارا عامدا أو ناسيا‬
‫ن َي َتمَاسّا } ‪.‬‬
‫ن قبلِ أ ْ‬
‫بعذر أو بغير عذر استقبل ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬مِ ْ‬
‫ن الشّافعيّة قالوا ‪:‬‬
‫وبهذا أخذ الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة والحنابلة في وجوب التّتابع ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫إذا جامعها ليلً قبل أن يكفّر يأثم ول يبطل التّتابع ‪ .‬ر ‪ ( :‬كفّارة الظّهار ) ‪.‬‬
‫التّتابع في الصّوم في كفّارة الفطر في نهار رمضان ‪:‬‬
‫‪ - 5‬تجب الكفّارة بالجماع في نهار رمضان باتّفاق ‪ .‬وتجب بالكل أو الشّرب عمدا عند‬
‫الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬والكفّارة تكون بالعتق أو الصّوم أو الطعام ‪.‬‬
‫وتأتي مرتبة الصّوم بعد العتق عند الحنفيّة والشّافعيّة وجمهور الحنابلة ‪ ،‬وفي رواية عن أحمد‬
‫أنّها على التّخيير بين العتق والصّيام والطعام وبأيّها كفّر أجزأه ‪ ،‬وهذا بناءً على أنّ أو‬
‫ل أفطر في رمضان ‪ ،‬فأمره رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫ن رج ً‬
‫للتّخيير لما روى أبو هريرة « أ ّ‬
‫وسلم أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا » ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة كفّارته على التّخيير أيضا ‪ ،‬ولكنّهم فضّلوا الطعام على العتق فجعلوه أ ّولً ‪،‬‬
‫لنّه أكثر نفعا لتعدّيه لفراد كثيرة ‪ ،‬وفضّلوا العتق على الصّوم ‪ ،‬لنّ نفعه متعدّ للغير دون‬
‫الصّوم ‪ ،‬فالصّوم عندهم في المرتبة الثّالثة ‪.‬‬
‫ن صوم كفّارة الفطر في رمضان شهران متتابعان عند الئمّة‬
‫وسواء كان هذا أو ذاك ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الربعة ‪ .‬لما روى أبو هريرة رضي ال عنه قال ‪ « :‬بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم إذ جاءه رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬هلكت ‪ ،‬قال ‪ :‬ما لك ؟ قال ‪ :‬وقعت على‬
‫امرأتي وأنا صائم ‪ .‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل تجد رقبةً تعتقها ؟ قال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬فهل تجد إطعام ستّين مسكينا ؟‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬فمكث النّبيّ صلى ال عليه وسلم فبينا نحن على ذلك ‪ُ ،‬أ ِتيَ النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم بعرق فيها تمر ‪ -‬والعرق ‪ :‬المكتل ‪ -‬قال ‪ :‬أين السّائل ؟ فقال ‪ :‬أنا ‪ .‬قال ‪ :‬خذ‬
‫هذا فتصدّق به ‪ .‬فقال الرّجل ‪ :‬على أفقر منّي يا رسول اللّه ؟ فواللّه ما بين ل َب َتيْها ‪ -‬يريد‬
‫الحرّتين ‪ -‬أهلُ بيت أفقر من أهل بيتي ‪ .‬فضحك النّبيّ صلى ال عليه وسلم حتّى بدت أنيابه ‪،‬‬
‫طعِمْه أهَلكَ » ‪.‬‬
‫ثمّ قال ‪َ :‬أ ْ‬
‫الصّوم في كفّارة القتل ‪:‬‬
‫ل مُؤْمنا‬
‫ن قت َ‬
‫‪ - 6‬يأتي في المرتبة الثّانية بعد العجز عن العتق ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬وم ْ‬
‫ن لمْ‬
‫ن َيصّ ّدقُوا } إلى قوله تعالى ‪ { :‬فم ْ‬
‫خطًَأ فتحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ َو ِديَ ٌة ُمسَلّمَ ٌة إلى أهِلهِ إلّ أ ْ‬
‫َ‬
‫ن اللّ ُه عليما حكيما } ‪.‬‬
‫ن متتابعينِ َت ْوبَ ًة من الّلهِ وكا َ‬
‫شهْري ِ‬
‫يجدْ فصيامُ َ‬
‫فالتّتابع في صيام هذين الشّهرين واجب اتّفاقا ‪ .‬ر ‪ ( :‬كفّارة القتل ) ‪.‬‬
‫التّتابع في صوم النّذر ‪:‬‬
‫‪ - 7‬إن نذر أن يصوم أيّاما ‪ ،‬أو شهرا ‪ ،‬أو سنةً ‪ ،‬ولم يعيّن ‪ ،‬وشرط التّتابع لزمه اتّفاقا ‪،‬‬
‫وكذا لو نذر أن يصوم شهرا معيّنا كرجب ‪ ،‬أو سنة معيّنة ‪ ،‬لزمه التّتابع في صيامها كذلك ‪.‬‬
‫أمّا لو نذر شهرا ‪ ،‬أو سن ًة غير معيّنين ‪ ،‬ولم يشترط التّتابع ‪ ،‬فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة‬
‫والشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة إلى ‪ :‬أنّه ل يلزمه التّتابع ‪ ،‬وفي رواية أخرى عند‬
‫الحنابلة يلزمه التّتابع ‪ ،‬وروي عن أحمد كذلك فيمن قال ‪ :‬للّه عليّ أن أصوم عشرة أيّام ‪:‬‬
‫يصومها متتابع ًة ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ‪ ( :‬نذر ) ‪.‬‬
‫التّتابع في العتكاف ‪:‬‬
‫‪ - 8‬مذهب الحنفيّة ‪ :‬أنّ من أوجب على نفسه اعتكاف أيّام ‪ ،‬بأن قال ‪ :‬عشرة أيّام مثلً ‪،‬‬
‫ن مبنى العتكاف على التّتابع ‪.‬‬
‫لزمه اعتكافها بلياليها متتابعةً ‪ ،‬وإن لم يشترط التّتابع ‪ ،‬ل ّ‬
‫وكذا لو قال ‪ :‬شهرا ‪ ،‬ولم ينوه بعينه ‪ ،‬لزمه متتابعا ليله ونهاره ‪ ،‬يفتتحه متى شاء بالعدد ‪ ،‬ل‬
‫هلليّا ‪ ،‬وإن عيّن شهرا يعتبر الشّهر بالهلل ‪ ،‬وإن فرّق العتكاف استأنفه متتابعا ‪ .‬وقال‬
‫زفر في نذر اعتكاف شهر ‪ :‬إن شاء فرّق العتكاف وإن شاء تابعه ‪ .‬وإن نوى اليّام خاصّةً‬
‫أي دون اللّيل صحّت نيّته ‪ ،‬لنّ حقيقة اليوم بياض النّهار ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة كذلك ‪ ،‬يلزم تتابع العتكاف المنذور فيما إذا كان مطلقا ‪ ،‬أي غير مقيّد بتتابع‬
‫ول عدمه ‪ .‬وأنّ من نذر اعتكاف شهر أو ثلثين يوما فل يفرّق ذلك ‪ .‬وهذا بخلف من نذر‬
‫أن يصوم شهرا أو أيّاما ‪ ،‬فإنّه ل يلزمه التّتابع في ذلك ‪.‬‬
‫والفرق ‪ :‬أنّ الصّوم إنّما يؤدّى في النّهار دون اللّيل فكيفما فعل أصاب ‪ ،‬متتابعا أو مفرّقا ‪.‬‬
‫والعتكاف يستغرق الزّمانين اللّيل والنّهار ‪ ،‬فكان حكمه يقتضي التّتابع ‪.‬‬
‫والمراد بالمطلق ‪ :‬الّذي لم يشترط في التّتابع لفظا ‪ ،‬ولم يحصل فيه نيّة التّتابع ‪ ،‬ول نيّة عدمه‬
‫‪ .‬فإن حصل فيه نيّة أحدهما عمل بها ‪ .‬ويلزم المعتكف ما نواه من تتابع أو تفريق وقت‬
‫ن ال ّنيّة بمجرّدها ل توجب شيئا ‪.‬‬
‫الشّروع ‪ ،‬وهو حين دخوله فيه ‪ ،‬ول يلزمه بنيّته فقط ‪ ،‬ل ّ‬
‫والشّافعيّة قالوا ‪ :‬إنّ من نذر أن يعتكف شهرا فإن عيّن شهرا لزمه اعتكافه متتابعا ليلً ونهارا‬
‫ن الشّهر عبارة عمّا بين الهللين ‪ ،‬تمّ أو نقص ‪ .‬وإن‬
‫‪ ،‬سواء كان الشّهر تامّا أو ناقصا ‪ ،‬ل ّ‬
‫نذر اعتكاف نهار الشّهر لزمه النّهار دون اللّيل ‪ ،‬لنّه خصّ النّهار فلم يلزمه العتكاف‬
‫باللّيل ‪ ،‬فإن فاته الشّهر ولم يعتكف فيه لزمه قضاؤه ‪ ،‬ويجوز أن يقضيه متتابعا ومتفرّقا ‪ ،‬لنّ‬
‫التّتابع في أدائه بحكم الوقت ‪ ،‬فإذا فات سقط التّتابع في صوم رمضان ‪ .‬وإن نذر أن يعتكف‬
‫متتابعا لزمه قضاؤه متتابعا ‪ ،‬لنّ التّتابع هنا بحكم النّذر ‪ ،‬فلم يسقط بفوات الوقت ‪.‬‬
‫وإن نذر اعتكاف شهر غير معيّن ‪ ،‬واعتكف شهرا بالهلّة أجزأه ‪ ،‬تمّ الشّهر أو نقص ‪ ،‬لنّ‬
‫اسم الشّهر يقع عليه ‪ ،‬وإن اعتكف شهرا بالعدد لزمه ثلثون يوما ‪ ،‬لنّ الشّهر بالعدد ثلثون‬
‫ن َن َذرَ وسمّى فعليه‬
‫ن شرط التّتابع لزمه متتابعا ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم « مَ ْ‬
‫يوما ‪ .‬فإ ّ‬
‫ن المتتابع‬
‫الوفاء بما سمّى » وإن شرط أن يكون متفرّقا جاز أن يكون متفرّقا ومتتابعا ‪ ،‬ل ّ‬
‫أفضل من المتفرّق ‪ ،‬وإن أطلق النّذر جاز متفرّقا ومتتابعا ‪ ،‬كما لو نذر صوم شهر ‪.‬‬
‫أمّا الحنابلة فقد ذهبوا إلى أنّ من نذر اعتكاف أيّام متتابعة يصومها فأفطر يوما أفسد تتابعه ‪،‬‬
‫ووجب عليه الستئناف ‪ ،‬لخلله بالتيان بما نذره على صفته ‪.‬‬
‫وإن نذر اعتكاف شهر لزمه شهر بالهلّة أو ثلثون يوما ‪ ،‬والتّتابع فيه على وجهين ‪ :‬أحدهما‬
‫ل واحدا ‪ ،‬لنّه معنًى يحصل في‬
‫ل يلزمه ‪ ،‬والثّاني يلزمه ‪ ،‬وقال القاضي ‪ :‬يلزمه التّتابع قو ً‬
‫اللّيل والنّهار ‪ ،‬فإذا أطلقه اقتضى التّتابع ‪ .‬ر ‪ ( :‬اعتكاف ) ‪.‬‬
‫ما يقطع التّتابع في صيام الكفّارات ‪:‬‬
‫ينقطع التّتابع في صوم الكفّارة بأمور ذكرها الفقهاء وهي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفطر بإكراه أو نسيان ونحوهما ‪:‬‬
‫ن الفطار بعذر أو بغير عذر يقطع التّتابع ‪ ،‬باستثناء عذر المرأة في‬
‫‪ - 9‬يرى الحنفيّة أ ّ‬
‫الحيض ‪ ،‬ولم يفرّقوا في ذلك بين عذر المرض أو غيره ‪ ،‬وهو يتناول الكراه ‪.‬‬
‫وأمّا لو أكل ناسيا في كفّارة الظّهار فقد ذكر صاحب الفتاوى الهنديّة ‪ :‬أنّه ل يضرّ ‪.‬‬
‫ول يجزئ عن الكفّارة صيام تسعة وخمسين يوما بغير اعتبار الهلّة ‪ ،‬أمّا إذا صام شهرين‬
‫ح حتّى ولو كان ثمانيةً وخمسين يوما ‪.‬‬
‫ن صومه يص ّ‬
‫باعتبار الهلّة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ويرى المالكيّة أنّ الفطر بالكراه بمؤلم من قتل أو ضرب ل يقطع التّتابع ‪ ،‬ول يقطعه أيضا‬
‫شكّ في غروب الشّمس فإنّه يقطعه ‪،‬‬
‫فطر من ظنّ بقاء اللّيل ‪ ،‬أو غروب الشّمس بخلف ال ّ‬
‫وكذا ل يقطع التّتابع عندهم فطر من صام تسعةً وخمسين يوما ‪ ،‬ث ّم أصبح مفطرا ظانّا الكمال‬
‫‪ .‬ول يقطع التّتابع عندهم الكل والشّرب ناسيا على المشهور ‪ ،‬ول يقطعه جماع غير‬
‫المظاهر منها نهارا نسيانا ‪ ،‬أو ليلً ولو عمدا ‪.‬‬
‫ن الكراه عليه يبطل الصّوم‬
‫ن الكراه على الكل يبطل التّتابع ‪ ،‬بناءً على أ ّ‬
‫وذكر الشّافعيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫على القول به ‪ ،‬لنّه سبب نادر ‪ .‬هذا هو المذهب في الصّورتين ‪ ،‬كما جاء في الرّوضة ‪،‬‬
‫ج كالمرض ‪ ،‬وكذا إذا استنشق فوصل الماء إلى دماغه ‪،‬‬
‫وبه قطع الجمهور ‪ ،‬وجعلهما ابن ك ّ‬
‫ففي انقطاع التّتابع الخلف ‪ ،‬بنا ًء على القول بأنّه يفطر ‪ ،‬وقال النّوويّ ‪ :‬لو أوجر الطّعام‬
‫ل الطّرق ‪.‬‬
‫مكرها لم يفطر ولم ينقطع تتابعه ‪ ،‬قطع به الصحاب في ك ّ‬
‫وذكر الحنابلة أنّ التّتابع ل يقطع بالفطر بسبب الكراه أو الخطأ أو النّسيان على الصّحيح من‬
‫المذهب ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » ل إن‬
‫أفطر لجهل فإنّه ل يعذر به ‪ ،‬وأمّا الّذي أفطر خطأً كمن ظنّ بقاء اللّيل أو الغروب فبان خلفه‬
‫ن تمام الشّهرين فبان خلفه فإنّه ينقطع تتابع‬
‫فل ينقطع تتابع صيامه ‪ ،‬وأمّا الّذي أفطر على ظ ّ‬
‫صيامه ‪ ،‬أو ظنّ أنّ الواجب شهر واحد فأفطر ‪ ،‬أو أفطر ناسيا لوجوب التّتابع ‪ ،‬أو أفطر لغير‬
‫عذر انقطع تتابع صيامه لقطعه إيّاه ‪ ،‬ول يعذر بالجهل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الحيض والنّفاس ‪:‬‬
‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على أنّ الحيض ل يقطع التّتابع في الكفّارة الّتي توجب صيام شهرين على‬
‫المرأة ‪ ،‬ككفّارة القتل ‪ ،‬لنّه ل ب ّد منه فيهما ‪ ،‬ولنّها ل يد لها فيه ‪ ،‬ولنّه ينافي الصّوم ‪ ،‬وفي‬
‫ن اليأس خطر ‪ ،‬إلّ أنّ المتولّي من الشّافعيّة قال ‪ :‬إنّ المرأة إذا كانت لها‬
‫تأخير التّكفير إلى س ّ‬
‫عادة في الطّهر تسع صوم الكفّارة فصامت في غيرها ‪ ،‬أي في وقت يحدث فيه الحيض ‪ ،‬فإنّه‬
‫يقطع التّتابع ‪.‬‬
‫ن الحيض يقطعه ‪ ،‬بناءً على وجوب التّتابع فيها كما‬
‫وأمّا تتابع صوم أيّام كفّارة اليمين ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ذكر الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة على أحد القولين في وجوب تتابعها ‪ ،‬لقلّة أيّامها ‪ ،‬بخلف الشّهرين ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وذكر النّوويّ في الرّوضة ‪ :‬أنّنا إذا أوجبنا التّتابع في كفّارة اليمين فحاضت في أثنائها ‪،‬‬
‫ففي انقطاع تتابعها القولن في الفطر بالمرض في الشّهرين ‪ ،‬ويشبه أن يكون فيه طريق‬
‫جازم بانقطاع التّتابع ‪.‬‬
‫‪ - 11‬أمّا النّفاس فإنّه يقطع التّتابع في صوم الكفّارة عند الحنفيّة ‪ ،‬وعلى مقابل الصّحيح الّذي‬
‫حكاه أبو الفرج السّرخسيّ من الشّافعيّة لندرته ‪ ،‬ولمكانها اختيار شهرين خاليين منه ‪ .‬وذهب‬
‫المالكيّة والشّافعيّة على الصّحيح ‪ ،‬والحنابلة إلى ‪ :‬أنّ النّفاس ل يقطع التّتابع ‪ ،‬قياسا على‬
‫الحيض ‪ ،‬ولنّها ل يد لها فيه ‪.‬‬
‫ت ‪ -‬دخول رمضان والعيدين وأيّام التّشريق ‪:‬‬
‫ن دخول شهر رمضان وعيد الفطر أو عيد الضحى وأيّام التّشريق‬
‫‪ - 12‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫يقطع صوم الكفّارة لوجوب صوم رمضان وحرمة صوم الباقي ‪ ،‬ولنّ في استطاعته أن يجد‬
‫شهرين ليس فيهما ما ذكر ‪ ،‬وهذا أيضا هو ما ذهب إليه الشّافعيّة في صوم غير السير ‪ .‬وأمّا‬
‫السير إذا صام باجتهاده ‪ ،‬فدخل عليه رمضان أو العيد قبل تمام الشّهرين ‪ ،‬ففي انقطاع تتابعه‬
‫الخلف في انقطاعه بإفطار المريض ‪.‬‬
‫ن تعمّد فطر يوم العيد يقطع تتابع صوم الكفّارة ‪ ،‬كما إذا تعمّد صوم‬
‫وأمّا المالكيّة فذكروا ‪ :‬أ ّ‬
‫ذي القعدة وذي الحجّة عن كفّارة ظهاره مع علمه بدخول العيد في أثنائه ‪ .‬بخلف ما إذا جهله‬
‫ن شهر ذي الحجّة هو المحرّم ‪ ،‬فصامه مع ما بعده ظانّا أنّه صفر‬
‫فإنّه ل يقطع ‪ ،‬كما إذا ظنّ أ ّ‬
‫‪ ،‬فبان خلفه ‪.‬‬
‫وجهل دخول رمضان عندهم كجهل العيد على الرجح عند ابن يونس ‪ ،‬والمراد بجهل العيد‬
‫كما في الخرشيّ ‪ :‬جهله في كونه يأتي في الكفّارة ‪ ،‬ل جهل حكمه ‪ ،‬خلفا لبي الحسن ‪،‬‬
‫ن المراد بالجهل جهل الحكم وهو أظهر ‪ .‬ومثل العيد عندهم اليومان بعده ‪ .‬وأمّا‬
‫حيث ذكر أ ّ‬
‫ثالث أيّام التّشريق فإنّ صومه يجزئ ‪ ،‬وفطره يقطع التّتابع اتّفاقا ‪ ،‬كما جاء في الخرشيّ ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة فذهبوا إلى أنّ صوم الكفّارة ل يقطع بذلك مطلقا ‪ ،‬لوجوب صوم رمضان‬
‫ن فطر العيدين وأيّام التّشريق واجب أيضا بإيجاب الشّرع ‪ ،‬أي إنّ ذلك‬
‫بإيجاب الشّرع ‪ ،‬ول ّ‬
‫الزّمن منعه الشّرع من صومه كاللّيل ‪.‬‬
‫ث ‪ -‬السّفر ‪:‬‬
‫‪ - 13‬السّفر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وقول عند الشّافعيّة ‪ :‬يقطع التّتابع إن أفطر فيه ‪ ،‬لنّ‬
‫الفطار عندهم بعذر أو بغير عذر يقطعه ‪ .‬والقول الخر للشّافعيّة ‪ :‬أنّه كالمرض ‪.‬‬
‫والسّفر الّذي يباح فيه الفطر ل يقطع التّتابع عند الحنابلة ‪.‬‬
‫ج – فطر الحامل والمرضع ‪:‬‬
‫‪ - 14‬فطر الحامل والمرضع عند الشّافعيّة ‪ ،‬كما جاء في الرّوضة خوفا على الولد ‪ .‬قيل ‪:‬‬
‫هو كالمرض ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يقطع قطعا ‪ ،‬لنّه فعل اختياريّ ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة فيرون أنّ فطر الحامل والمرضع خوفا على أنفسهما أو ولديهما ل يقطع التّتابع ‪،‬‬
‫لنّه فطر أبيح لعذر عن غير جهتهما ‪ ،‬فأشبه المرض ‪ .‬وما ذهب إليه الحنفيّة ‪ -‬من أنّ الفطر‬
‫ل فعل اختياريّ ‪ ،‬كالسّفر‬
‫بعذر أو بغير عذر يقطع التّتابع ‪ -‬والمالكيّة ‪ -‬من القول بقطعه بك ّ‬
‫مثلً ‪ -‬مقتضاه قطع التّتابع بفطرهما خوفا على أنفسهما أو ولديهما ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬المرض ‪:‬‬
‫‪ - 15‬المرض يقطع تتابع صوم الكفّارة عند الحنفيّة ‪ ،‬وعند الشّافعيّة في الظهر ‪ ،‬وهو الجديد‬
‫‪ ،‬لنّ الحنفيّة لم يفرّقوا بين الفطر بعذر مرض أو غيره في قطع التّتابع ‪ ،‬باستثناء المرأة في‬
‫الحيض ‪ ،‬ولنّ المرض كما ذكر الشّافعيّة ل ينافي الصّوم ‪ ،‬وإنّما قطعه باختياره ‪ .‬وذهب‬
‫ن المرض ل يقطع تتابع صوم الكفّارة ‪ ،‬لنّه ل يزيد على أصل‬
‫الشّافعيّة في القديم إلى أ ّ‬
‫وجوب صوم رمضان ‪ ،‬وهو يسقط بالمرض ‪ .‬وهذا أيضا هو ما ذهب إليه الحنابلة ‪ ،‬وإن‬
‫كان المرض غير مخوف ‪ ،‬لنّه ل يد له فيه كالحيض ‪ ،‬ومثله الجنون والغماء ‪.‬‬
‫خ ‪ -‬نسيان ال ّنيّة في بعض اللّيالي ‪:‬‬
‫ن نسيان ال ّنيّة في بعض اللّيالي يقطع التّتابع كتركها عمدا ‪ ،‬ول‬
‫‪ - 16‬ذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫يجعل النّسيان عذرا في ترك المأمور به ‪ ،‬وهذا بناءً على وجوب اشتراطها في كلّ ليلة ‪ ،‬على‬
‫مقابل الصحّ عندهم ‪ .‬أمّا لو صام أيّاما من الشّهرين ‪ ،‬ثمّ شكّ بعد فراغه من صوم يوم ‪،‬‬
‫شكّ بعد‬
‫هل نوى فيه أم ل ؟ لم يلزمه الستئناف على الصّحيح كما قال النّوويّ ‪ ،‬ول أثر لل ّ‬
‫الفراغ من اليوم ‪ ،‬ذكره الرّويانيّ في كتاب الحيض في مسائل المتحيّرة ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الوطء ‪:‬‬
‫ن فعله هذا‬
‫‪ - 17‬اتّفق الفقهاء على أنّ المظاهر إذا وطئ من ظاهر منها في النّهار عامدا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يقطع التّتابع ‪ ،‬وأمّا إذا وطئها في اللّيل عامدا أو ناسيا ‪ ،‬أو وطئها في النّهار ناسيا ‪ ،‬ففيه‬
‫ن المظاهر إذا جامع الّتي ظاهر منها باللّيل عامدا أو‬
‫الخلف ‪ .‬فذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أ ّ‬
‫ن الشّرط في الصّوم أن يكون خاليا من المسيس ‪،‬‬
‫ن ذلك يقطع التّتابع ‪ ،‬ل ّ‬
‫بالنّهار ناسيا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫وقال أبو يوسف ‪ :‬إنّ التّتابع ل يقطع بذلك إذ ل يفسد به الصّوم ‪ ،‬وهو وإن كان تقديمه على‬
‫المسيس شرطا ‪ ،‬فإنّ فيما ذهبنا إليه تقديم البعض ‪ ،‬وفيما قلتم تأخير الكلّ عنه ‪ .‬وذهب‬
‫المالكيّة والحنابلة إلى أنّ وطء المظاهر منها يقطع التّتابع مطلقا ‪ ،‬سواء أكان باللّيل أم‬
‫بالنّهار ‪ ،‬وسواء أكان عالما أو ناسيا أم جاهلً أم غالطا ‪ ،‬أو بعذر يبيح الفطر كسفر ‪ ،‬لقوله‬
‫ن َيتَماسّا } ‪.‬‬
‫ن قَبْلِ أ ْ‬
‫تعالى ‪ { :‬مِ ْ‬
‫ن وطأه باللّيل ل يقطع التّتابع ‪ ،‬ويعتبر عاصيا ‪ .‬هذا ‪ ،‬ووطء غير‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫المظاهر منها في النّهار عامدا يقطع التّتابع ‪ ،‬كما صرّح به صاحب العناية من الحنفيّة ‪،‬‬
‫بخلف ما لو وطئها باللّيل عامدا ‪ ،‬أو ناسيا ‪ ،‬أو بالنّهار ناسيا فإنّ ذلك ل يقطع التّتابع ‪ ،‬كما‬
‫ن ذلك غير محرّم عليه ‪.‬‬
‫صرّح به الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ومثل ذلك ما لو وطئها بسبب عذر يبيح الفطر كما صرّح به الحنابلة ‪.‬‬
‫ذ ‪ -‬قضاء ما لم ينقطع به التّتابع ‪:‬‬
‫ن تتابع صوم الكفّارة يقطعه تأخير قضاء اليّام الّتي أفطرها في‬
‫‪ - 18‬قال المالكيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫صيامه ‪ ،‬والّتي يجب عليه أن يقضيها متّصل ًة بصيامه ‪ ،‬فإن أخّر قضاءها انقطع تتابع الصّوم‬
‫‪ .‬وشبّهوا ذلك بمن نسي شيئا من فرائض الوضوء أو الغسل ‪ ،‬ثمّ تذكّره أثناءه فلم يغسله ‪ ،‬أي‬
‫لم يأت به حين تذكّره فإنّه يبتدئ الطّهارة ‪ ،‬نسي ذلك أم تعمّده ‪ .‬بخلف نسيان النّجاسة بعد‬
‫تذكّرها قبل الصّلة فإنّه ل يؤثّر لخفّتها ‪.‬‬
‫ولم نجد لغير المالكيّة تصريحا في هذه المسألة ‪.‬‬

‫تترّس *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّترّس في اللّغة ‪ :‬التّستّر بالتّرس ‪ ،‬والحتماء به والتّوقّي به ‪ .‬وكذلك التّتريس ‪ ،‬يقال ‪:‬‬
‫تترّس بالتّرس ‪ ،‬أي توقّى وتستّر به ‪ .‬كما في حديث أنس بن مالك قال ‪ « :‬كان أبو طلحة‬
‫يتترّس مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم بترس واحد » ويقال أيضا ‪ :‬تترّس بالشّيء جعله‬
‫كالتّرس وتستّر به ‪ ،‬ومنه ‪ :‬تترّس الكفّار بأسارى المسلمين وصبيانهم أثناء الحرب ‪.‬‬
‫ول يخرج الستعمال الفقهيّ عن هذا المعنى ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّحصّن ‪:‬‬
‫‪ -‬من معا ني التّح صّن ‪ :‬الحتماء بالح صن ‪ ،‬يقال ‪ :‬تح صّن العد ّو ‪ :‬إذا د خل الح صن‬ ‫‪2‬‬

‫واحتمى به ‪ ،‬فالتّحصّن نوع من التّستّر والتّوقّي أثناء الحرب ‪.‬‬


‫ي ومواطن البحث ‪:‬‬
‫الحكم الجمال ّ‬
‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز رمي الكفّار إذا تترّسوا بالمسلمين وأساراهم أثناء القتال أو‬
‫ف عن قتالهم‬
‫حصارهم من قبل المسلمين ‪ ،‬إذا دعت الضّرورة إلى ذلك ‪ ،‬بأن كان في الك ّ‬
‫انهزام للمسلمين ‪ ،‬والخوف على استئصال قاعدة السلم ‪ .‬ويقصد بالرّمي الكفّار ‪.‬‬
‫ولكن إذا لم تدع ضرورة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة ‪ ،‬أو لمكان القدرة عليهم‬
‫بدونه ‪ ،‬فل يجوز رميهم عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو قول الحسن بن زياد من الحنفيّة ‪.‬‬
‫ن في الرّمي دفع الضّرر العامّ بالدّفع عن‬
‫ويجوز عند الحنفيّة ‪ -‬ما عدا الحسن بن زياد ‪ -‬ل ّ‬
‫ل أنّه على الرّامي ألّ يقصد بالرّمي إلّ الكفّار ‪.‬‬
‫مجتمع السلم ‪ ،‬إ ّ‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّهم يقاتلون ‪ ،‬ول يقصدون المتترّس بهم ‪ ،‬إلّ إذا كان في عدم رمي‬
‫المتترّس بهم خوف على أكثر الجيش المقاتلين للكفّار ‪ ،‬فتسقط حرمة التّرس ‪ ،‬سواء أكان عدد‬
‫ل ‪ ،‬وكذلك لو تترّسوا بالصّفّ ‪ ،‬وكان في‬
‫المسلمين المتترّس بهم أكثر من المجاهدين أم أق ّ‬
‫ترك قتالهم انهزام للمسلمين ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن أصيب أحد من المسلمين نتيجة الرّمي وقتل ‪ ،‬وعلم القاتل ‪ ،‬فل دية ول كفّارة‬
‫ن الجهاد فرض ‪ ،‬والغرامات ل تقرن بالفرائض ‪ ،‬خلفا للحسن بن زياد ‪،‬‬
‫عند الحنفيّة ‪ ،‬ل ّ‬
‫فإنّه يقول بوجوب الدّية والكفّارة ‪.‬‬
‫ن فيه الكفّارة قولً واحدا ‪ .‬أمّا الدّية ففيها عنهم قولن ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫فعند الشّافعيّة ‪ :‬إن علمه الرّامي مسلما ‪ ،‬وكان يمكن توقّيه والرّمي إلى غيره لزمته الدّية ‪،‬‬
‫ل برمي المسلم فل ‪.‬‬
‫ت رمي الكفّار إ ّ‬
‫وإن لم يتأ ّ‬
‫وكذلك عند الحنابلة ‪ :‬تجب الدّية في رواية لنّه قتل مؤمنا خطأً ‪ ،‬وفي رواية أخرى ‪ :‬ل دية‬
‫لنّه قتل في دار الحرب برمي مباح ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وإن تترّس الكفّار بذراريّهم ونسائهم فيجوز رميهم مطلقا عند الحنفيّة ‪ ،‬وهو المذهب عند‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم رماهم بالمنجنيق ومعهم‬
‫الحنابلة ‪ ،‬ويقصد بالرّمي المقاتلين ‪ « ،‬ل ّ‬
‫النّساء والصّبيان » ‪ .‬ول فرق في جواز الرّمي بين ما إذا كانت الحرب ملتحمةً وما إذا كانت‬
‫غير ملتحمة ‪ ،‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يكن يتحيّن بالرّمي حال التحام الحرب ‪.‬‬
‫ل إذا دعت الضّرورة ويتركون عند‬
‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ :‬إلى أنّه ل يجوز رميهم ‪ ،‬إ ّ‬
‫عدم الضّرورة ‪ ،‬ويكون ترك القتال عند عدم الضّرورة واجبا في الظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬لكنّ‬
‫المعتمد ما جاء في الرّوضة وهو ‪ :‬جوازه مع الكراهة ‪.‬‬
‫وقد فصّل الفقهاء أحكام التّترّس في باب الجهاد ‪ :‬عند الحديث عن كيفيّة القتال ‪ ،‬وبيان‬
‫المكروهات والمحرّمات والمندوبات في الغزو ‪.‬‬

‫تتريب *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّتريب ‪ :‬مصدر ترّب ‪ ،‬يقال ‪ :‬ترّبت الشّيء تتريبا فتترّب ‪ ،‬أي لطّخته فتلطّخ بالتّراب ‪.‬‬
‫وأتربت الشّيء ‪ :‬جعلت عليه التّراب ‪ ،‬وترّبت الكتاب تتريبا ‪ ،‬وترّبت القرطاس فأنا أترّبه ‪،‬‬
‫أي أضع عليه التّراب ليمتصّ ما زاد من الحبر ‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪ ،‬فتتريب الشّيء لغ ًة واصطلحا ‪ :‬جعل التّراب عليه ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬استعمال التّراب في التّطهير من نجاسة الكلب ‪:‬‬
‫التّراب الطّاهر قد يستعمل في التّطهير ‪ ،‬كما إذا ولغ الكلب في إناء ‪ ،‬فإنّه كي يطهر هذا‬
‫ن بالتّراب ‪ ،‬هذا عند الحنابلة والشّافعيّة ‪ ،‬لما روى أبو هريرة‬
‫الناء يجب غسله سبعا إحداه ّ‬
‫ب في إناء أحدكم‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا وَلَ َغ الكل ُ‬
‫رضي ال عنه أ ّ‬
‫فَلْيغسله سبعا » متّفق عليه ‪ ،‬زاد مسلم « أولهنّ بالتّراب » ‪ .‬ولما روى عبد اللّه بن مغفّل أنّه‬
‫عليه الصلة والسلم قال ‪ « :‬إذا ولغ الكلب في الناء فاغسلوه سبع مرّات ‪ ،‬وعَفّروه الثّامنةَ‬
‫بالتّراب » ‪.‬‬
‫والمستحبّ أن يجعل التّراب في الغسلة الولى ‪ ،‬لموافقته لفظ الخبر ‪ ،‬أو ليأتي الماء عليه بعده‬
‫ن بالتّراب » وفي حديث ‪« :‬‬
‫فينظّفه ‪ .‬ومتى غسل به أجزأه ‪ ،‬لنّه روي في حديث ‪ « :‬إحداه ّ‬
‫ن محلّ التّراب من الغسلت غير مقصود‬
‫ن » وفي حديث ‪ « :‬في الثّامنة » فيدلّ على أ ّ‬
‫أوله ّ‬
‫‪ .‬فإن جعل مكان التّراب غيره من الشنان والصّابون ونحوهما ‪ ،‬أو غسله غسلةً ثامنةً ‪،‬‬
‫فالصحّ أنّه ل يجزئ ‪ ،‬لنّه طهارة أمر فيها بالتّراب تعبّدا ‪ ،‬ولذا لم يقم غيره مقامه ‪ .‬ولبعض‬
‫ل المغسول به‬
‫الحنابلة ‪ :‬يجوز العدول عن التّراب إلى غيره عند عدم التّراب ‪ ،‬أو إفساد المح ّ‬
‫‪ .‬فأمّا مع وجوده وعدم الضّرر فل ‪ .‬وهذا قول ابن حامد ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة ‪ :‬يندب غسل الناء سبعا بولوغ الكلب فيه ‪ ،‬بأن يدخل فمه في الماء ويحرّك‬
‫لسانه فيه ‪ ،‬ول تتريب مع الغسل بأن يجعل في الولى ‪ ،‬أو الخيرة ‪ ،‬أو إحداهنّ ‪ .‬لنّ‬
‫التّتريب لم يثبت في كلّ الرّوايات ‪ ،‬وإنّما ثبت في بعضها ‪ ،‬وذلك البعض الّذي ثبت فيه ‪ ،‬وقع‬
‫فيه اضطراب ‪ .‬وللحنفيّة قول بغسله ثلثا ‪ ،‬لحديث « يغسل الناء من ولوغ الكلب ثلثا » ‪.‬‬
‫ل بغسله ثلثا أو خمسا أو سبعا ‪ .‬لما روى الدّارقطنيّ عن العرج عن أبي هريرة « عن‬
‫وقو ٌ‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم في الكلب ‪ ،‬يلغ في الناء أنّه يغسله ثلثا أو خمسا أو سبعا » وورد‬
‫ن بالتّراب ‪.‬‬
‫في حاشية الطّحطاويّ على مراقي الفلح ‪ :‬يندب التّسبيع وكون إحداه ّ‬

‫تتن *‬
‫انظر ‪ :‬تبغ ‪.‬‬

‫تثاؤب *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّثاؤب ‪ ( :‬بالمدّ ) ‪ :‬فترة تعتري الشّخص فيفتح عندها فمه ‪.‬‬
‫والمعنى الصطلحيّ في هذا ل يخرج عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫حكمه التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬صرّح العلماء بكراهة التّثاؤب ‪ .‬فمن اعتراه ذلك ‪ ،‬فليكظمه ‪ ،‬وليردّه قدر الطّاقة ‪ .‬لقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬فليردّه ما استطاع » كأن يطبق شفتيه أو نحو ذلك ‪ .‬فإذا لم يستطع‬
‫وضع يده على فمه ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا تثاءب أحدكم ف ْل ُيمْسك بيده على فمه ‪،‬‬
‫ل ما يستر الفم كخرقة أو ثوب ممّا يحصل به المقصود‬
‫ن َي ْدخُلُ » ويقوم مقام اليد ك ّ‬
‫فإنّ الشّيطا َ‬
‫‪ .‬ثمّ يخفض صوته ول يعوي ‪ ،‬لما رواه ابن ماجه من طريق عبد اللّه بن سعيد المقبريّ عن‬
‫أبيه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ‪،‬‬
‫ول يعوي ‪ ،‬فإنّ الشّيطان يضحك منه » ثمّ يمسك عن التّمطّي والتّلوّي الّذي يصاحب بعض‬
‫النّاس ‪ ،‬لنّه من الشّيطان ‪ .‬وقد روي ‪ « :‬أنّه صلى ال عليه وسلم كان ل يتمطّى ‪ ،‬لنّه من‬
‫الشّيطان » ‪.‬‬
‫التّثاؤب في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّثاؤب في الصّلة مكروه ‪ ،‬لخبر مسلم ‪ « :‬إذا تثاءب أحدكم في الصّلة فليكظمه ما‬
‫استطاع ‪ ،‬فإنّ الشّيطان يدخل منه » ‪ ،‬وهذا إذا أمكن دفعه ‪ ،‬فإذا لم يمكن دفعه فل كراهة ‪،‬‬
‫ويغطّي فمه بيده اليسرى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بإحدى يديه ‪ .‬وهو رأي الحنفيّة والشّافعيّة ‪ .‬ول شيء فيه‬
‫عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬ويندب كظم التّثاؤب في الصّلة ما استطاع ‪ ،‬فإذا لم يستطع وضع يده‬
‫على فمه للحديث ‪.‬‬
‫التّثاؤب في قراءة القرآن ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ذكر الفقهاء من آداب قراءة القرآن ألّ يقرأ القرآن في حال شغل قلبه وعطشه ونعاسه ‪،‬‬
‫وأن يغتنم أوقات نشاطه ‪ ،‬وإذا تثاءب ينبغي أن يمسك عن القراءة حتّى ينقضي التّثاؤب ‪ ،‬ثمّ‬
‫يقرأ ‪ ،‬لئلّ يتغيّر نظم قراءته ‪ ،‬قال مجاهد ‪ :‬وهو حسن ويدلّ عليه ما ثبت عن أبي سعيد‬
‫الخدريّ رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا تثاءب أحدكم‬
‫ن الشّيطان يدخل » ‪.‬‬
‫فليمسك بيده على فمه ‪ ،‬فإ ّ‬

‫تثبّت *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّثبّت لغةً ‪ :‬هو التّأنّي في المر والرّأي ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال المراد ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّحرّي ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّحرّي لغ ًة ‪ :‬القصد والطّلب ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬طلب الشّيء بغالب الرّأي عند تعذّر الوقوف على الحقيقة ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫للتّثبّت أحكام كثيرة منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّثبّت من استقبال القبلة في الصّلة ‪:‬‬
‫ل وجهَك‬
‫‪ - 3‬ل خلف في أنّ من شروط صحّة الصّلة استقبال القبلة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فو ّ‬
‫شطرَ المسجد الحرام وحيثما كنتم فوَلّوا وجوهَكم شطرَه } ( أي جهته ) ويستثنى من ذلك‬
‫أحوال ل يشترط فيها الستقبال ‪ ،‬كصلة الخوف ‪ ،‬والمصلوب ‪ ،‬والغريق ‪ ،‬ونفل السّفر‬
‫المباح وغيرها ‪ ( .‬ر ‪ :‬استقبال القبلة ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّثبّت في شهادة الشّهود ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ينبغي للقاضي أن يتثبّت في شهادة الشّهود ‪ ،‬وذلك بالسّؤال عنهم سرّا أو علنيةً ‪ ،‬وهذا‬
‫إذا لم يعلم بعدالتهم ‪ ،‬لنّ القاضي مأمور بالتّفحّص عن العدالة ‪ ( .‬ر ‪ :‬تزكية ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّثبّت من رؤية هلل شهر رمضان ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يستحبّ التّثبّت من رؤية هلل شهر رمضان ليلة الثّلثين من شعبان لتحديد بدئه ‪،‬‬
‫ويكون ذلك بأحد أمرين ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬رؤية هلله ‪ ،‬إذا كانت السّماء خالي ًة ممّا يمنع الرّؤية من غيم أو غبار ونحوهما ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬إكمال شعبان ثلثين يوما ‪ ،‬إذا كانت السّماء غير خالية ممّا ذكر ‪ ،‬لقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ‪ ،‬فإن غبّي عليكم فأكملوا عدّ َة شعبان ثلثين‬
‫» وبهذا أخذ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهي رواية عن أحمد ‪.‬‬
‫وخالف الحنابلة في حال الغيم ‪ ،‬فأوجبوا اعتبار شعبان تسعةً وعشرين ‪ ،‬وأوجبوا صيام يوم‬
‫الثّلثين على أنّه من أوّل رمضان ‪ ،‬عملً بلفظ آخر ورد في حديث آخر وهو ‪ « :‬ل تصوموا‬
‫حتّى تروا الهلل ‪ ،‬ول تفطروا حتّى تروه ‪ ،‬فإن غ ّم عليكم فاقدروا له »‬
‫أي ‪ :‬احتاطوا له بالصّوم ‪ ( .‬ر ‪ :‬أهلّة ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّثبّت من كلم الفسّاق ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يجب التّثبّت ممّا يأتي به الفسّاق من أنباء ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم‬
‫{‬ ‫ن تصيبوا قوما ِبجَهالة َفتُصبحوا على ما فعلتم نادمين } وقد قرئ‬
‫فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أ ْ‬
‫ن هذه الية نزلت في الوليد بن‬
‫فتثبّتوا } بدلً من{ تبيّنوا } والمراد بالتّبيّن ‪ :‬التّثبّت ‪ ،‬قيل ‪ :‬إ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بعث الوليد بن‬
‫ن النّب ّ‬
‫عقبة ‪ ،‬وسبب ذلك ما رواه سعيد عن قتادة ‪ « :‬أ ّ‬
‫عقبة مصدّقا إلى بني المصطلق ‪ ،‬فلمّا أبصروه أقبلوا نحوه ‪ ،‬فهابهم ‪ ،‬فرجع إلى النّبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم فأخبره أنّهم قد ارتدّوا عن السلم ‪ ،‬فبعث نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم خالد‬
‫بن الوليد وأمره أن يتثبّت ول يعجل ‪ .‬فانطلق خالد حتّى أتاهم ليلً ‪ ،‬فبعث عيونه فلمّا جاءوا‬
‫أخبروا خالدا أنّهم متمسّكون بالسلم ‪ ،‬وسمعوا أذانهم وصلتهم ‪ ،‬فلمّا أصبحوا أتاهم خالد‬
‫ورأى صحّة ما ذكر عيونه ‪ ،‬فعاد إلى نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فنزلت الية » ‪،‬‬
‫وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬التّأنّي من اللّه ‪ ،‬والعجلة من الشّيطان » ‪.‬‬
‫تثليث *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّثليث ‪ :‬مصدر ثلّث ‪ ،‬ويختلف معناه في اللّغة باختلف مواضع استعماله ‪ ،‬يقال ‪ :‬ثلّث‬
‫الشّيء ‪ :‬جزّأه وقسّمه ثلثة أقسام ‪ ،‬وثلّث الزّرع ‪ :‬سقاه الثّالثة ‪ ،‬وثلّث الشّراب ‪ :‬طبخه حتّى‬
‫ذهب ثلثه أو ثلثاه ‪ ،‬وثلّث الثنين ‪ :‬صيّرهما ثلث ًة بنفسه ‪ .‬أمّا في اصطلح الفقهاء ‪ :‬فيطلقونه‬
‫على تكرار المر ثلث مرّات ‪ ،‬وعلى العصير الّذي ذهب بالطّبخ ثلثه أو ثلثاه ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫يختلف حكم التّثليث باختلف مواطنه على النّحو التّالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّثليث في الوضوء ‪:‬‬
‫ن التّثليث في الوضوء عند الئمّة الثّلثة ‪ ،‬وهو رواية عن المالكيّة ‪ ،‬وذلك بتكرار‬
‫‪ - 2‬يس ّ‬
‫ب في المشهور من‬
‫غسل الوجه واليدين والرّجلين إلى ثلث مرّات مستوعبات ‪ .‬وهو مستح ّ‬
‫مذهب المالكيّة ‪ .‬وقيل ‪ :‬الغسلة الثّانية سنّة ‪ ،‬والثّالثة فضيلة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬العكس ‪ .‬أمّا الرّجلن‬
‫ففي تثليث غسلهما في الوضوء عند المالكيّة قولن مشهوران ‪:‬‬
‫ل واحدة ثلثا وهو المعتمد ‪.‬‬
‫ن الرّجلين كالوجه واليدين ‪ ،‬فتغسل ك ّ‬
‫الوّل ‪ :‬أ ّ‬
‫والقول الثّاني ‪ :‬أنّ فرض الرّجلين في الوضوء النقاء من غير تحديد ‪.‬‬
‫ول يسنّ التّثليث في مسح الرّأس عند الحنفيّة ‪ ،‬وفي الصّحيح من مذهب الحنابلة ‪ ،‬وأمّا عند‬
‫المالكيّة فقيل ‪ :‬ردّ اليدين ثالثةً في مسح الرّأس ل فضيلة فيه ‪ ،‬وذهب أكثر علمائهم إلى أنّ ردّ‬
‫اليدين ثالث ًة فضيلة إذا كان في اليدين بلل ‪ ،‬ول يستأنف الماء للثّانية ول للثّالثة ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة في رواية إلى أنّ التّثليث يسنّ في مسح الرّأس ‪ ،‬بل يسنّ التّثليث‬
‫عند الشّافعيّة في المسح على الجبيرة ‪ ،‬والعمامة ‪ ،‬وفي السّواك ‪ ،‬والتّسمية ‪ ،‬وكذا في باقي‬
‫السّنن إلّ في المسح على الخفّ ‪ ،‬وكذا تثليث ال ّنيّة في قول لبعض الشّافعيّة ‪ .‬وذهب ابن‬
‫سيرين إلى مسح الرّأس مرّتين ‪.‬‬
‫والصل فيما ذكر ‪ ،‬ما رواه ابن عبّاس رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ « :‬توضّأ النّبيّ صلى ال‬
‫ي صلى ال‬
‫ن النّب ّ‬
‫عليه وسلم مرّ ًة مرّةً » أخرجه البخاريّ ‪ .‬وروى عثمان رضي ال عنهما أ ّ‬
‫عليه وسلم « توضّأ ثلثا ثلثا » ‪.‬‬
‫ثمّ الزّيادة على الثّلث المستوعبة مع اعتقاد س ّنيّة الثّلث ل بأس بها عند الحنفيّة في رواية ‪.‬‬
‫والصّحيح عند الئمّة الثّلثة ‪ ،‬وهو رواية عن الحنفيّة ‪ :‬أنّها تكره ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّثليث في الغسل ‪:‬‬
‫ن التّثليث في الغسل عند الئمّة الثّلثة كالوضوء ‪ ،‬فيغسل رأسه ثلثا ‪ ،‬ث ّم شقّه اليمن‬
‫‪ - 3‬يس ّ‬
‫ثلثا ‪ ،‬ثمّ شقّه اليسر ثلثا ‪.‬‬
‫ب في الغسل ‪ ،‬وإن لم تكف الثّلث زاد إلى الكفاية ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّ التّثليث مستح ّ‬
‫والصل في هذا الباب ‪ ،‬ما روته عائشة رضي ال تعالى عنها « كان النّبيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلثا ‪ ،‬وتوضّأ وضوءه للصّلة ‪ ،‬ث ّم يخلّل شعره بيده ‪،‬‬
‫ن أنّه قد روى بشرته أفاض الماء عليه ثلث مرّات ‪ ،‬ثمّ غسل سائر جسده » ‪.‬‬
‫حتّى إذا ظ ّ‬
‫ج ‪ -‬التّثليث في غسل الميّت ‪:‬‬
‫‪ - 4‬يستحبّ التّثليث في غسل الميّت عند الئمّة الثّلثة ‪ ،‬ويسنّ عند الحنفيّة ‪ ،‬واتّفقوا على‬
‫جواز الزّيادة عليه ‪ ،‬لنّ المقصود في غسل الميّت النّظافة والنقاء ‪ ،‬فإن لم يحصل التّنظيف‬
‫بالغسلت الثّلث زيد عليها حتّى يحصل ‪ ،‬مع جعل الغسلت وترا ‪.‬‬
‫والصل فيما ذكر ‪ ،‬خبر الشّيخين ‪ « :‬أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لغاسلت ابنته‬
‫زينب رضي ال تعالى عنها ‪ :‬ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ‪ ،‬واغسلنها ثلثا أو‬
‫خمسا أو سبعا ‪ ،‬أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك بماء وسدر ‪ ،‬واجعلن في الخرة كافورا ‪ ،‬أو‬
‫شيئا من كافور » ‪ .‬وكذا يستحبّ التّثليث ‪ ،‬وتجوز الزّيادة عليه عند جمهور الفقهاء في تجمير‬
‫الميّت وكفن الميّت ‪ ،‬والميّت عند موته ‪ ،‬وسريره الّذي يوضع فيه ‪.‬‬
‫والصل فيما ذكر ‪ ،‬ما روي عنه عليه الصلة والسلم « إذا أجمرتم الميّت فأجمروه ثلثا »‬
‫‪ .‬وفي لفظ « فأوتروا » ‪ .‬وفي لفظ البيهقيّ ‪ « :‬جمّروا كفن الميّت ثلثا » ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّثليث في الستجمار والستبراء ‪:‬‬
‫ن الواجب في الستجمار النقاء دون العدد ‪ .‬ومعنى النقاء‬
‫‪ - 5‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ‬
‫ل شيئا يسيرا ‪.‬‬
‫هنا هو إزالة عين النّجاسة وبلّتها ‪ ،‬بحيث يخرج الحجر نقيّا ‪ ،‬وليس عليه أثر إ ّ‬
‫وأمّا التّثليث فمستحبّ عندهم وإن حصل النقاء باثنين ‪ ،‬بينما يشترط الشّافعيّة والحنابلة في‬
‫الستجمار أمرين ‪ :‬النقاء وإكمال الثّلثة ‪ ،‬أيّهما وجد دون صاحبه لم يكف ‪ ،‬والحجر الكبير‬
‫الّذي له ثلث شعب يقوم مقام ثلثة أحجار ‪.‬‬
‫كذلك قال جمهور الفقهاء ‪ :‬بأنّه يستحبّ نتر الذّكر ثلثا بعد البول لما روي عن النّبيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلثا » ‪.‬‬
‫وتفصيل أحكام الستجمار والستبراء في مصطلحي ( استنجاء ) و( استبراء ) ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬ويستحبّ التّثليث عند جمهور الحنفيّة في غسل النّجاسات غير المرئيّة ‪ ،‬وكذلك إزالة‬
‫النّجاسات المرئيّة عند بعض الحنفيّة ‪ ،‬وهو رواية عن الحنابلة ‪.‬‬
‫وأمّا المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة في رواية فل يشترطون العدد فيما سوى نجاسة ولوغ‬
‫الكلب ‪ .‬ونجاسة الخنزير كنجاسة الكلب في ذلك عند الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫هـ – التّثليث في تسبيحات الرّكوع والسّجود ‪:‬‬
‫‪ – 6‬يسنّ التّثليث عند الئمّة الثّلثة في تسبيح الرّكوع ‪ ،‬وهو " سبحان ربّي العظيم " ‪ .‬وتسبيح‬
‫السّجود ‪ ،‬وهو " سبحان ربّي العلى " ‪ .‬وتستحبّ عندهم الزّيادة على الثّلث بعد أن يختم‬
‫على وتر ‪ ،‬خمس ‪ ،‬أو سبع ‪ ،‬أو تسع عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬أو إحدى عشرة عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫هذا إذا كان منفردا ‪ ،‬وأمّا المام فل ينبغي له أن يطوّل على وجه يملّ القوم ‪ ،‬وعند الشّافعيّة‬
‫تكره للمام الزّيادة على الثّلث ‪.‬‬
‫والصل في هذا ما رواه ابن مسعود رضي ال تعالى عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه ‪ :‬سبحان ربّي العظيم ثلثا فقد تمّ ركوعه ‪،‬‬
‫وذلك أدناه ‪ .‬ومن قال في سجوده ‪ :‬سبحان ربّي العلى ثلثا فقد تمّ سجوده ‪ ،‬وذلك أدناه » ‪.‬‬
‫وأمّا عند المالكيّة فيندب التّسبيح في الرّكوع والسّجود بأيّ لفظ كان ‪ ،‬ولم يحدّوا فيه حدّا ‪ ،‬ول‬
‫دعا ًء مخصوصا ‪.‬‬
‫و ‪ -‬التّثليث في الستئذان ‪:‬‬
‫ن أنّه لم يسمع ‪ ،‬فاتّفق الفقهاء على جواز التّثليث ‪،‬‬
‫‪ - 7‬إذا استأذن شخص على آخر وظ ّ‬
‫ن عدم الزّيادة على الثّلث عند الئمّة الثّلثة ‪.‬‬
‫ويس ّ‬
‫وقال المام مالك ‪ :‬له الزّيادة على الثّلث حتّى يتحقّق من سماعه ‪.‬‬
‫وأمّا إذا استأذن فتحقّق أنّه لم يسمع ‪ ،‬فاتّفقوا على جواز الزّيادة على الثّلث وتكرير الستئذان‬
‫حتّى يتحقّق إسماعه ‪.‬‬

‫تثنية *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّثنية في اللّغة مصدر ‪ :‬ثنّى ‪ ،‬يقال ‪ :‬ثنّيت الشّيء ‪ :‬إذا جعلته اثنين ‪ ،‬ويأتي أيضا‬
‫ضمّ ‪ ،‬فإذا فعل الرّجل أمرا ثمّ ض ّم إليه آخر قيل ‪ :‬ثنّى بالمر الثّاني ‪.‬‬
‫بمعنى ال ّ‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ للفظ تثنية عمّا ورد في اللّغة ‪.‬‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 2‬وردت التّثنية في الذان ‪ ،‬والقامة ‪ ،‬وفي صلة النّفل ‪ ،‬ومنها الرّواتب مع الفرائض ‪،‬‬
‫وفي صلة اللّيل ‪ ،‬لخبر ‪ « :‬صلة اللّيل مثنى مثنى » ‪ .‬وفي العقيقة للذّكر ‪ ،‬والشّهادة في‬
‫ل في موطنه ‪.‬‬
‫أغلب المور كالنّكاح ‪ ،‬والطّلق ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬والموت ‪ ،‬وتفصيل ك ّ‬

‫تثويب *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّثويب ‪ :‬مصدر ثوّب يثوب ‪ ،‬وثلثيّه ثاب يثوب ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬رجع ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫ت مَثابةً للنّاس وَأمْنا } أي مكانا يرجعون إليه ‪ .‬ومنه قولهم ‪ :‬ثاب إلى فلن عقله‬
‫وإ ْذ جعلْنا البي َ‬
‫ن منفعة عمل الشّخص تعود إليه ‪.‬‬
‫‪ :‬أي رجع ‪ .‬ومنه أيضا ‪ :‬الثّواب ‪ ،‬ل ّ‬
‫والتّثويب ‪ :‬بمعنى ترجيع الصّوت وترديده ‪ ،‬ومنه التّثويب في الذان ‪.‬‬
‫والتّثويب في الصطلح ‪ :‬العود إلى العلم بالصّلة بعد العلم الوّل بنحو ‪ " :‬الصّلة خير‬
‫من النّوم " أو " الصّلة الصّلة " أو " الصّلة حاضرة " أو نحو ذلك بأيّ لسان كان ‪ ،‬وقد‬
‫كانت تسمّى تثويبا في العهد النّبويّ وعهد الصّحابة ‪ .‬لنّ فيه تكريرا لمعنى الحيعلتين ‪ ،‬أو‬
‫لنّه لمّا حثّ على الصّلة بقوله ‪ :‬حيّ على الصّلة ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬حيّ على الفلح ‪ ،‬عاد إلى‬
‫الحثّ على الصّلة بقوله ‪ " :‬الصّلة خير من النّوم " ‪.‬‬
‫وللتّثويب عند الفقهاء ثلثة إطلقات ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّثويب القديم ‪ ،‬أو التّثويب الوّل ‪ ،‬وهو ‪ :‬زيادة " الصّلة خير من النّوم " في أذان الفجر‬
‫‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّثويب المحدث وهو ‪ :‬زيادة حيّ على الصّلة ‪ ،‬حيّ على الفلح ‪ ،‬أو عبارة أخرى ‪.‬‬
‫حسب ما تعارفه أهل كلّ بلدة بين الذان والقامة ‪.‬‬
‫ص به بعض من يقوم بأمور المسلمين ومصالحهم من تكليف شخص‬
‫ج ‪ -‬ما كان يخت ّ‬
‫بإعلمهم بوقت الصّلة ‪ ،‬فذلك العلم أو النّداء يطلق عليه أيضا ( تثويب ) ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النّداء ‪:‬‬
‫‪ - 2‬النّداء بمعنى ‪ :‬الدّعاء ورفع الصّوت بما له معنًى ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدّعاء ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الدّعاء بمعنى ‪ :‬الطّلب ‪ ،‬ويكون برفع الصّوت وخفضه ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬دعوته من بعيد ‪،‬‬
‫ودعوت اللّه في نفسي ‪ .‬فهو أعمّ من النّداء والتّثويب ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّرجيع ‪:‬‬
‫‪ - 4‬يقال ‪ :‬رجّع في أذانه إذا أتى بالشّهادتين مرّ ًة خفضا ومرّ ًة رفعا ‪ ،‬فالتّثويب والتّرجيع‬
‫ل التّثويب وهو قول المؤذّن ‪ " :‬الصّلة‬
‫يتّفقان في العود والتّكرير ‪ ،‬ولكنّهما يختلفان في أنّ مح ّ‬
‫خير من النّوم " في أذان الفجر عند أكثر الفقهاء ‪ ،‬أمّا التّرجيع بمعنى تكرار الشّهادتين فذلك‬
‫في الذان لجميع الصّلوات عند من يقول به ‪.‬‬
‫ي ومواطن البحث ‪:‬‬
‫الحكم الجمال ّ‬
‫‪ - 5‬يختلف الحكم الجماليّ للتّثويب باختلف إطلقاته وباختلف أوقات الصّلة ‪.‬‬
‫أمّا التّثويب في القديم ‪ ،‬أو التّثويب الوّل ‪ ،‬وهو زيادة عبارة ‪ " :‬الصّلة خير من النّوم "‬
‫مرّتين بعد الحيعلتين في أذان الفجر أو بعده ( على الصحّ عند بعض الحنفيّة ) فسنّة عند‬
‫جميع الفقهاء ‪ ،‬وجائزة في العشاء عند بعض الحنفيّة وبعض الشّافعيّة ‪.‬‬
‫وأجازه بعض الشّافعيّة في جميع الوقات ‪.‬‬
‫أمّا عند المالكيّة والحنابلة فمكروه في غير الفجر ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة ‪.‬‬
‫التّثويب في أذان الفجر ‪:‬‬
‫ن المشروع للفجر أذانان‬
‫‪ - 6‬من المقرّر عند الفقهاء ‪ -‬عدا أبي حنيفة ومحمّد بن الحسن ‪ -‬أ ّ‬
‫‪ :‬أحدهما قبل وقتها والثّاني عند وقتها ‪ .‬وقد قال النّوويّ ‪ :‬ظاهر إطلق الصحاب أنّه يشرع‬
‫ل أذان للصّبح سواء ما قبل الفجر وبعده ‪ .‬وقال البغويّ في التّهذيب ‪ :‬إن ثوّب في الذان‬
‫في ك ّ‬
‫الوّل لم يثوّب في الثّاني في أصحّ الوجهين ‪ .‬ومن مراجعة كتب بقيّة الفقهاء القائلين‬
‫بمشروعيّة أذانين للفجر تبيّن أنّهم لم يصرّحوا بأنّ التّثويب يشرع في الذان الوّل أو الثّاني أو‬
‫في كليهما ‪ ،‬فالظّاهر أنّه يكون في الذانين كما استظهر النّوويّ ‪.‬‬
‫‪ -7‬وأمّا التّثويب المحدث وهو الّذي استحدثه علماء الكوفة من الحنفيّة ‪ ،‬وهو زيادة عبارة "‬
‫حيّ على الصّلة ‪ ،‬حيّ على الفلح مرّتين " بين الذان والقامة في الفجر أو زيادة عبارة‬
‫ل بلدة بالتّنحنح أو " الصّلة الصّلة " أو " قامت ‪ ،‬قامت " أو غير‬
‫بحسب ما يتعارفه أهل ك ّ‬
‫ن المتأخّرين منهم استحسنوه في‬
‫ذلك فمستحسن عند متقدّمي الحنفيّة في الفجر فقط ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫الصّلوات كلّها ‪ .‬وأمّا تخصيص من يقوم بأمور المسلمين ومصالحهم كالمام ونحوه بتكليف‬
‫شخص ليقوم بإعلمه بوقت الصّلة فجائز عند أبي يوسف من الحنفيّة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّة‬
‫وبعض المالكيّة ‪ ،‬وكذلك عند الحنابلة إن لم يكن المام ونحوه قد سمع الذان وكرهه محمّد بن‬
‫الحسن وبعض المالكيّة ‪.‬‬

‫تجارة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّجارة في اللّغة والصطلح ‪ :‬هي تقليب المال ‪ ،‬أي بالبيع والشّراء لغرض الرّبح ‪.‬‬
‫ل على المهنة ‪ ،‬وفعله تجر يتجر تجرا وتجار ًة ‪.‬‬
‫وهي في الصل ‪ :‬مصدر دا ّ‬
‫دليل مشروعيّة التّجارة ‪:‬‬
‫ل إلّ‬
‫‪ - 2‬الصل في التّجارة ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل تأكلوا أموالَكم بينكم بالباط ِ‬
‫ض منكم } وقوله تعالى ‪ { :‬فإذا قُضيتِ الصّلةُ فانتشروا في الرضِ‬
‫ن تجار ًة عن ترا ٍ‬
‫أن تكو َ‬
‫وا ْب َتغُوا من فضلِ الّلهِ } ‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬التّاجرُ المينُ الصّدوقُ مع النّبيّين‬
‫صدّيقين والشّهداء » ‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫ن النّاس يحتاج‬
‫‪ - 3‬وأجمع المسلمون على جواز التّجارة في الجملة ‪ ،‬وتقتضيه الحكمة ‪ ،‬ل ّ‬
‫بعضهم إلى ما في أيدي بعض ‪ ،‬وهذه سنّة الحياة ‪ ،‬وتشريع التّجارة وتجويزها هو الطّريق‬
‫ل واحد منهم إلى غرضه ‪ ،‬ودفع حاجته ‪.‬‬
‫إلى وصول ك ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬البيع ‪:‬‬
‫‪ - 4‬البيع ‪ :‬مبادلة مال بمال تمليكا وتملّكا ‪ .‬أمّا التّجارة فهي ‪ :‬عبارة عن شراء الشّخص شيئا‬
‫ليبيعه بالرّبح ‪ .‬فالفرق بينهما قصد السترباح في التّجارة ‪ ،‬سواء تحقّق أم ل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬السّمسرة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬السّمسرة لغ ًة ‪ :‬هي التّجارة ‪ ،‬قال الخطّابيّ ‪ :‬السّمسار لفظ أعجميّ ‪ ،‬وكان كثير ممّن‬
‫يعالج البيع والشّراء فيهم عجما ‪ ،‬فتلقّوا هذا السم عنهم ‪ « ،‬فغيّره رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى التّجارة الّتي هي من السماء العربيّة » ‪.‬‬
‫وال سّمسرة ا صطلحا ‪ :‬هي التّو سّط ب ين البائع والمشتري ‪ ،‬وال سّمسار هو ‪ :‬الّذي يد خل ب ين‬
‫ل المشتري على‬
‫البائع والمشتري متوسـّطا لمضاء البيـع ‪ ،‬وهـو المسـمّى الدّلّال ‪ ،‬لنّـه يد ّ‬
‫ل البائع على الثمان ‪.‬‬
‫السّلع ‪ ،‬ويد ّ‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 6‬التّجارة من المهن المعيشيّة ‪ ،‬الّتي يمارسها النسان بغرض الكسب ‪ ،‬وهو كسب مشروع‬
‫لنّه يسدّ حاجات المجتمع فتدخل أصالةً في دائرة الباحة ‪ ،‬وقد تطرأ عليها سائر الحكام‬
‫التّكليفيّة ‪ :‬كالوجوب ‪ ،‬والحرمة ‪ ،‬والكراهة إلخ ‪ .‬حسب الظّروف والملبسات الّتي تصادفها ‪.‬‬
‫ويعني الفقهاء بالحكام المتّصلة بالتّجارة ( بالضافة إلى كتب الفقه الساسيّة ) بما يوردونه‬
‫في كتب الحسبة ‪ ،‬وكتب الداب الشّرعيّة وكتب الفتاوى ‪ ،‬وخصّها بعضهم بالتّأليف‬
‫كالسّرخسيّ في كتابه " الكتساب في الرّزق المستطاب " وأبو بكر الخلّال في " كتاب التّجارة "‬
‫‪ .‬وقد استحدثت أوضاع وتنظيمات تجاريّة يعرف حكمها ممّا وضعه الفقهاء من قواعد عامّة‬
‫وما تعرّضوا إليه من أحكام ‪.‬‬
‫كما يتناول الفقهاء بعض أحكام خاصّة بمال التّجارة في باب زكاة العروض ‪ ،‬كوجوب الزّكاة‬
‫فيما ل تجب فيه زكاة لو لم يكن للتّجارة ‪ ،‬كالبزّ والعقارات ‪ ،‬وتغيّر النّوع المخرج وقدره فيما‬
‫كان زكويّا من المال في الصل إذا صار للتّجارة ‪ ،‬كالنّعم والمعشّرات ‪ .‬وترد بعض أحكام‬
‫للتّجارة في المضاربة والشّركات الخرى ‪.‬‬
‫فضل التّجارة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬التّجارة من أفضل طرق الكسب ‪ ،‬وأشرفها إذا توقّى التّاجر طرق الكسب الحرام والتزم‬
‫بآدابها ‪ .‬جاء في الثر ‪ « :‬سئل النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أيّ الكسب أطيب ؟ فقال ‪ :‬عمل‬
‫ي في حاشيته ‪ :‬قوله ‪ « :‬وكلّ بيع مبرور » إشارةً‬
‫الرّجل بيده وكلّ بيع مبرور » قال الشّرقاو ّ‬
‫إلى التّجارة ‪.‬‬
‫المحظورات في التّجارة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬يحرم في التّجارة جميع أنواع الغشّ والخداع ‪ ،‬وترويج السّلعة باليمين الكاذبة ‪ .‬فعن‬
‫رفاعة بن رافع رضي ال عنه أنّه قال ‪ « :‬خرجت مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫المصلّى ‪ ،‬فرأى النّاس يتبايعون فقال ‪ :‬يا معشر ال ّتجّار فاستجابوا لرسول اللّه صلى ال عليه‬
‫ن ال ّتجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا ‪ ،‬إلّ من‬
‫وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫ق»‪.‬‬
‫صدَ َ‬
‫اتّقى اللّه وب ّر و َ‬
‫وعن أبي ذرّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬ثلثة ل يكلّمهم اللّه يوم القيامة ‪ ،‬ول‬
‫ينظر إليهم ‪ ،‬ول يزكّيهم ‪ ،‬ولهم عذاب أليم ‪ ،‬قلت ‪ :‬من هم يا رسول اللّه ؟ فقد خسروا وخابوا‬
‫‪ :‬قال ‪ :‬المنّان ‪ ،‬والمسبل إزاره ‪ ،‬والمنفق سلعته بالحلف الكاذب » ‪.‬‬
‫‪ -9‬ومن المحظورات تلقّي الجلب ‪ :‬وهو أن يستقبل الحضريّ البدويّ ‪ ،‬قبل وصوله إلى‬
‫السّوق ليشتري منه سلعته بأقلّ من الثّمن ‪ ،‬والتّفصيل في مصطلح ( تلقّي الرّكبان ) ‪.‬‬
‫‪ - 10‬ومنها الحتكار ‪ :‬لحديث ‪ « :‬الجالب مرزوق ‪ ،‬والمحتكر ملعون » ‪ .‬وحديث ‪ « :‬ل‬
‫ل خاطئ » وللتّفصيل ينظر مصطلح ( احتكار ) ‪.‬‬
‫يحتكر إ ّ‬
‫‪ - 11‬ومنها ‪ :‬سَوْم المرء على سوم أخيه ‪ :‬وهو أن يتفاوض المتبايعان في ثمن السّلعة ‪،‬‬
‫ويتقارب النعقاد ‪ ،‬فيجيء آخر يريد أن يشتري تلك السّلعة ويخرجها من يد الوّل بزيادة على‬
‫ذلك الثّمن ‪.‬‬
‫‪ - 12‬ومنها ‪ :‬المتاجرة مع العد ّو بما فيه تقويتهم على حربنا كالسّلح والحديد ‪ ،‬ولو بعد صلح‬
‫‪ ،‬لنّه صلى ال عليه وسلم نهى عن ذلك ‪ .‬ويجوز المتاجرة معهم بغير ذلك ‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫المسلمون في حاجة إليه ‪.‬‬
‫آداب التّجارة ‪:‬‬
‫‪ - 13‬من آداب التّجارة ‪ :‬السّماحة في المعاملة ‪ ،‬واستعمال معالي الخلق ‪ ،‬وترك المشاحة‬
‫والتّضييق على النّاس بالمطالبة ‪.‬‬
‫والثار الواردة في ذلك كثيرة ‪ ،‬منها حديث جابر بن عبد اللّه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال‬
‫سمْحا إذا باع ‪ ،‬وإذا اشترى ‪ ،‬وإذا اقتضى » وقال رسول اللّه‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬رحم اللّه رجلً َ‬
‫سهْلً‬
‫ل إذا اشترى ‪َ ،‬‬
‫سهْ ً‬
‫سهْلً إذا باع ‪َ ،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬غفر اللّه لرجل كان قبلكم َ‬
‫إذا اقتضى » ‪.‬‬
‫‪ - 14‬ومن آدابها ‪ :‬ترك الشّبهات كالتّجار في سوق يختلط الحرام فيه بالحلل ‪ ،‬وكالتّعامل‬
‫ن ذلك أمور مشتبهات ل‬
‫مع من أكثر ماله حرام ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬الحلل َبيّنٌ ‪ ،‬والحرام بيّن ‪ ،‬و َبيْ َ‬
‫يعلمها كثير من النّاس ‪ :‬أمن الحلل هي أم من الحرام ؟ ‪ ،‬فمن تركها فقد استبرأ لدينه‬
‫وعرضه » ‪.‬‬
‫‪ - 15‬ومنها ‪ :‬تحرّي الصّدق والمانة ‪ .‬جاء في الثر « التّاجر المين الصّدوق مع النّبيّين‬
‫صدّيقين والشّهداء » ‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫‪ - 16‬ومنها ‪ :‬التّصدّق من مال التّجارة لحديث ‪ « :‬إنّ الشّيطان والثم يحضران البيع ‪،‬‬
‫ب»‪.‬‬
‫فشوبوا بيعكم بالصّدقة ‪ ،‬فإنّها تطفئ غضب الرّ ّ‬
‫‪ - 17‬ومنها ‪ :‬التّبكير بالتّجارة ‪ .‬روى صخر الغامديّ قال ‪ « :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫ن صخرا كان رجلً تاجرا ‪ ،‬وكان إذا بعث‬
‫وسلم اللّهمّ بارك لمّتي في بكورها » وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫تجّاره بعثهم أوّل النّهار ‪ ،‬فأثرى وكثر ماله ‪.‬‬
‫وجوب الزّكاة في مال التّجارة ‪:‬‬
‫ل ما قصد التّجار به عند اكتساب‬
‫‪ - 18‬تجب الزّكاة في مال التّجارة ‪ .‬ومال التّجارة ‪ :‬ك ّ‬
‫الملك بمعاوضة إذا حال عليه الحول ‪ ،‬وبه قال فقهاء المدينة السّبعة ‪ ،‬والحسن وجابر بن‬
‫ميمون وطاوس والثّوريّ والنّخعيّ ‪ ،‬والوزاعيّ وأبو عبيد وإسحاق ‪ ،‬وأصحاب الرّأي ‪،‬‬
‫والشّافعيّ في القول الجديد ‪.‬‬
‫وفصّل المالكيّة بين التّاجر المدير ( وهو من يبيع بالسّعر الواقع ويخلف بغيره ‪ ،‬كأرباب‬
‫الحوانيت ) فإنّه يزكّي كلّ حول ‪ ،‬وبين التّاجر المحتكر وهو من يرصد بعرض التّجارة‬
‫ل بالتّنضيض ( تحوّل السّلعة إلى نقد ) ولو‬
‫السّوق لترتفع الثمان ‪ .‬فهذا ل زكاة على تجارته إ ّ‬
‫بقيت عنده سنين ‪.‬‬
‫واستدلّ الجمهور بحديث ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يأمرنا أن نخرج الصّدقة‬
‫ممّا نعدّه للبيع » ‪ .‬وخبر ‪ « :‬وفي البزّ صدقة » ‪ .‬ول خلف في أنّها ل تجب في عينه ‪،‬‬
‫فثبت أنّها تجب في قيمته ‪ ،‬ول خلف بين الفقهاء في أنّ الحول والنّصاب معتبران في وجوب‬
‫زكاة التّجارة ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ‪ ( :‬زكاة ) زكاة عروض التّجارة ‪.‬‬

‫تجديد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّجديد في اللّغة مصدر ‪ :‬جدّد ‪ ،‬والجديد ‪ :‬خلف القديم ‪ .‬ومنه ‪ :‬جدّد وضوءه ‪ ،‬أو عهده‬
‫أو ثوبه ‪ :‬أي صيّره جديدا ‪ .‬والصطلح الشّرعيّ ل يخرج عن هذا المعنى ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -2‬يختلف حكم التّجديد باختلف موضعه ‪ :‬فتجديد الوضوء سنّة عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬أو‬
‫ب على اختلف اصطلحاتهم ‪ .‬وعن أحمد روايتان ‪ :‬أصحّهما توافق الجمهور ‪،‬‬
‫مستح ّ‬
‫والخرى أنّه ل فضل فيه ‪.‬‬
‫ل به صلةً‬
‫واشترط الشّافعيّة للستحباب ‪ :‬أن يصلّي بالوّل صلةً ولو ركعتين ‪ ،‬فإن لم يص ّ‬
‫ح وضوءه ‪ ،‬لنّه غير مطلوب ‪.‬‬
‫فل يسنّ التّجديد ‪ ،‬فإن خالف وفعل لم يص ّ‬
‫ويشترط الحناف أن يفصل بين الوضوءين بمجلس أو صلة ‪ ،‬فإن لم يفصل بذلك كره ‪،‬‬
‫ونقل عن بعضهم مشروعيّة التّجديد ‪ ،‬وإن لم يفصل بصلة أو مجلس ‪.‬‬
‫واشترط المالكيّة لستحباب التّجديد أن يفعل بالوّل عبادةً ‪ :‬كالطّواف أو الصّلة ‪ ،‬ودليل‬
‫مشروعيّته حديث ‪ « :‬من توضّأ على طهر كتب له عشر حسنات » وقد كان الخلفاء‬
‫يتوضّئون لكلّ صلة ‪ ،‬وكان عليّ رضي ال عنه يفعله ويتلو قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين‬
‫غسِلُوا وجوهَكم ‪ } ...‬الية ولنّه كان يجب الوضوء في أوّل‬
‫آمنوا إذا قمتم إلى الصّلة فا ْ‬
‫ل صلة فنسخ وجوبه ‪ ،‬وبقي أصل الطّلب ر ‪ :‬مصطلح ( وضوء ) ‪.‬‬
‫السلم لك ّ‬
‫تجديد الماء لمسح الذنين ‪:‬‬
‫سنّة إلّ به ‪ ،‬وهو‬
‫‪ - 3‬ذهب الشّافعيّ إلى أنّ تجديد الماء لمسح الذنين سنّة ‪ ،‬ول تحصل ال ّ‬
‫ل من الحنابلة والمالكيّة ‪.‬‬
‫الصّحيح عند ك ّ‬
‫سنّة هي ‪ :‬مسحهما بماء الرّأس في المشهور من المذهب ‪.‬‬
‫ن ال ّ‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫تجديد العصابة والحشو للستحاضة ‪:‬‬
‫ح عندهم إلى أنّه يجب على المستحاضة تجديد العصابة والحشو‬
‫‪ - 4‬ذهب الشّافعيّة في الص ّ‬
‫ل صلة ‪ ،‬قياسا على الوضوء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل تجب عليها ‪ ،‬لنّه ل معنى لزالة النّجاسة‬
‫عند ك ّ‬
‫مع استمرارها ‪ ،‬وهذا إذا لم يظهر الدّم على جوانب العصابة ‪ ،‬ولم تزل العصابة عن محلّها ‪.‬‬
‫ل واحدا‬
‫أمّا إذا ظهر الدّم على جوانب العصابة أو زالت عن محلّها ‪ ،‬فإنّه يجب التّجديد قو ً‬
‫عندهم ‪.‬‬
‫ل صلة ‪ ،‬إذا لم تفرّط في الشّدّ ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬ل يلزمها إعادة شدّ العصابة وغسل الدّم لك ّ‬
‫وصرّح بعض فقهاء الحنفيّة باستحباب الحشو أو العصابة في المستحاضة وغيرها من‬
‫أصحاب العذار تقليلً للنّجاسة ‪ ،‬ولم ينصّوا على مسألة التّجديد ‪ ،‬ومقتضاه عدم وجوبه لعدم‬
‫وجوب أصل العصابة ‪ .‬ولم نجد للمالكيّة تصريحا بهذه المسألة ‪.‬‬
‫تجديد نكاح المرتدّة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ذهب الجمهور إلى أنّ المرأة إذا ارتدّت ‪ ،‬ولم ترجع إلى السلم بعد الستتابة تقتل ‪،‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل تقتل ‪ ،‬بل تحبس إلى أن تموت ‪.‬‬
‫وذهب بعض فقهاء الحنفيّة إلى أنّه إذا ارتدّت المرأة المتزوّجة ‪ ،‬تجبر على السلم وتجديد‬
‫النّكاح مع زوجها ‪ ،‬ولو بغير رضاها ‪ ،‬إذا رغب زوجها في ذلك ‪ .‬ول يجوز لها إذا رجعت‬
‫ل قاض أن يجدّد النّكاح بمهر يسير ‪ .‬والتّفصيل في‬
‫إلى السلم أن تتزوّج غيره ‪ ،‬ولك ّ‬
‫مصطلح ( ردّة ) ‪.‬‬
‫وإذا ارتدّ أحد الزّوجين عن السلم بعد الدّخول انفسخ النّكاح من حين الرّدّة عند الحنفيّة‬
‫والمالكيّة ‪ ،‬فإن عاد المرت ّد منهما إلى السلم ‪ ،‬وكانت العدّة قائمةً وجب تجديد العقد ‪ .‬وذهب‬
‫ن النّكاح موقوف إلى انقضاء العدّة ‪ ،‬فإن عاد المرت ّد منهما إلى السلم‬
‫الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫‪ ،‬وهي في العدّة فهما على النّكاح الوّل ‪ .‬وإن لم يعد انفسخ النّكاح من حين ال ّردّة ‪ ،‬وتبدأ‬
‫العدّة منذ ال ّردّة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( ردّة ) ‪.‬‬

‫تجرّد *‬
‫انظر ‪ :‬عورة ‪.‬‬

‫تجربة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّجربة ‪ :‬مصدر جرّبت ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬الختبار ‪ .‬يقال ‪ :‬جرّبت الشّيء تجريبا وتجرب ًة ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬اختبرته مرّةً بعد أخرى ‪ .‬ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬أثر المرض في إباحة الفطر عند خوف زيادته بالتّجربة ‪:‬‬
‫يجوز الفطر لمريض خاف زيادة مرضه بالتّجربة ‪ ،‬ولو كانت من غير المريض عند اتّحاد‬
‫المرض ‪ .‬أمّا حكم الصّحيح الّذي يخاف المرض لو صام ‪ ،‬وضابط المرض المبيح للفطر‪،‬‬
‫فينظر في مصطلح ‪ ( :‬صوم )‪.‬‬
‫تجربة المبيع في مدّة الخيار ‪:‬‬
‫‪ - 3‬يجوز تجربة المبيع في مدّة الخيار ‪ ،‬وهي تختلف باختلف السّلعة ‪ ،‬وإليك بعض أنواعها‬
‫‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تجربة الثّوب ‪:‬‬
‫‪ - 4‬يجوز تجربة الثّوب في مدّة الخيار لمعرفة طوله وعرضه ‪ ،‬ول يعتبر ذلك إجاز ًة عند‬
‫ن المشتري إذا لبس الثّوب مرّةً ‪ ،‬ثمّ لبسه ثانيا‬
‫جمهور الفقهاء ‪ ،‬إلّ أنّ الحنفيّة صرّحوا بأ ّ‬
‫لمعرفة الطّول والعرض يسقط خياره ‪ ،‬لنّه ل حاجة إلى تكرار اللّبس في الثّوب ‪ ،‬لحصول‬
‫المقصود باللّبس مرّةً واحد ًة ‪.‬‬
‫وأمّا عند المالكيّة ‪ :‬فتجري في لبس الثّوب في مدّة الخيار ستّ عشرة صورةً ‪ ،‬حاصلها جواز‬
‫لبس الثّوب بغية التّجربة والختيار في بعض تلك الصّور بشروط ذكروها ‪.‬‬
‫ولتفصيل الموضوع يرجع إلى مصطلح ( خيار الشّرط ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تجربة الدّار ‪:‬‬
‫‪ - 5‬إذا كان المبيع دارا فسكنها المشتري في مدّة الخيار ‪ ،‬أو أسكنها غيره ‪ ،‬بأجر أو بغير‬
‫أجر ‪ ،‬يسقط خياره ‪ ،‬لنّه دليل اختيار الملك أو تقريره ‪ ،‬فكان إجازة دللة عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز للمشتري في مدّة الخيار أن يسكن الدّار المشتراة تيسيرا لتجربتها‬
‫واختبارها ‪ ،‬حسب تفصيل يأتي في مصطلح ( خيار الشّرط ) ‪.‬‬
‫ويؤخذ ممّا أورده الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬أنّ للمشتري بالخيار التّصرّف بما تحصل به تجربة‬
‫المبيع ‪ ،‬فله تجربة الثّوب أو الدّار ول يعتبر بذلك إجازةً ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تجربة الدّابّة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يرى الفقهاء جواز تجربة الدّابّة في مدّة الخيار للنّظر في سيرها وقوّتها ‪ ،‬على خلف‬
‫وتفصيل في كيفيّة التّجربة والمدّة الّتي يمكن تجريب الدّابّة فيها يرجع إليه في موطنه ‪ ،‬وفي‬
‫مصطلح ( خيار الشّرط ) ‪.‬‬
‫تجربة الصّبيّ لمعرفة رشده ‪:‬‬
‫‪ - 7‬يجرّب الصّبيّ لمعرفة رشده ‪ ،‬ويكون ذلك بتفويضه في التّصرّفات الّتي يتصرّف فيها‬
‫أمثاله ‪ .‬فإن كان من أولد ال ّتجّار فوّض إليه البيع والشّراء ‪ ،‬فإذا تكرّر منه فلم يغبن ‪ ،‬ولم‬
‫يضيّع ما في يديه ‪ ،‬فهو رشيد ‪.‬‬
‫ويجرّب ولد الزّارع بالزّراعة والنّفقة على القائمين بمصالح الزّرع من حرث وحصد وحفظ ‪،‬‬
‫كما يجرّب ولد المحترف بما يتعلّق بحرفة أبيه وأقاربه ‪.‬‬
‫ويرى أبو حنيفة وزفر والنّخعيّ عدم تجربة الشّخص الّذي بلغ غير رشيد ‪ ،‬إذا أكمل الخامسة‬
‫ن منعه من ماله هو‬
‫والعشرين من عمره ‪ ،‬فيجب عندهم إعطاؤه ماله ولو لم يصر رشيدا ‪ ،‬ل ّ‬
‫للتّأديب ‪ ،‬فإذا لم يتأدّب ‪ -‬وقد بلغ سنّا يمكن أن يكون فيه جدّا ‪ -‬فل يبقى أمل في تأديبه ‪.‬‬
‫وللفقهاء في معنى الرّشد ووقت تجربة الصّبيّ لمعرفة رشده آراء وخلفات تنظر في‬
‫مصطلحات ‪ ( :‬حجر ‪ ،‬رشد ‪ ،‬وسفه ) ‪.‬‬
‫تجربة القائف لمعرفة كفاءته ‪:‬‬
‫‪ - 8‬يشترط في القائف ‪ -‬عند من يرى العمل بقوله في ثبوت النّسب ‪ -‬أن يكون مجرّبا في‬
‫ل ذو تجربة » ولنّ القيافة أمر علميّ ‪ ،‬فل بدّ من العلم بمعرفة‬
‫الصابة ‪ ،‬لخبر ‪ « :‬ل حكيم إ ّ‬
‫القائف له ‪ ،‬وذلك ل يعرف بغير التّجربة ‪.‬‬
‫ومن طرق تجربة القائف لمعرفة كفاءته ‪ :‬أن يعرض عليه ولد في نسوة ‪ ،‬ليس فيهنّ أمّه‬
‫ل فهو مجرّب ‪.‬‬
‫ن ‪ ،‬فإذا أصاب في الك ّ‬
‫ثلث مرّات ‪ ،‬ثمّ في نسوة هي فيه ّ‬
‫ن الحنفيّة ل يجيزون العمل بقول القائف مطلقا ‪ ،‬ومن ثمّ لم يشترطوا‬
‫وتجدر الشارة إلى أ ّ‬
‫شروطا لعتبار قول القافة دليلً يعتمد عليه في الحكم ‪.‬‬
‫وتنظر التّفاصيل المتعلّقة بالموضوع في مصطلح ‪ ( :‬قيافة ) ‪.‬‬
‫تجربة أهل الخبرة ‪:‬‬
‫‪ - 9‬يشترط في أهل الخبرة الّذين يعمل بقولهم في المنازعات ‪ :‬أن تثبت خبرتهم بتجارب‬
‫مناسبة كالطّبيب والمهندس ونحوهما ‪.‬‬

‫تجزّؤ *‬
‫انظر ‪ :‬تبعيض ‪.‬‬

‫تجسّس *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّجسّس لغةً ‪ :‬تتبّع الخبار ‪ ،‬يقال ‪ :‬جسّ الخبار وتجسّسها ‪ :‬إذا تتبّعها ‪ ،‬ومنه‬
‫الجاسوس ‪ ،‬لنّه يتتبّع الخبار ويفحص عن بواطن المور ‪ ،‬ثمّ استعير لنظر العين ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنيّ اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّحسّس ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّحسّس هو ‪ :‬طلب الخبر ‪ ،‬يقال ‪ :‬رجل حسّاس للخبار أي ‪ :‬كثير العلم بها ‪ ،‬وأصل‬
‫حدٍ } أي ‪ :‬هل ترى ‪ ،‬ثمّ‬
‫س منهم ِمنْ َأ َ‬
‫الحساس ‪ :‬البصار ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬هل ُتحِ ّ‬
‫سسُوا } بالحاء {‬
‫جّ‬‫استعمل في الوجدان والعلم بأيّ حاسّة كانت ‪ ،‬وقد قرئ قوله تعالى ‪ { :‬ول َت َ‬
‫ن التّجسّس غالبا يطلق على‬
‫ول تحسّسوا } قال الزّمخشريّ ‪ :‬والمعنيان متقاربان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫الشّرّ ‪ ،‬وأمّا التّحسّس فيكون غالبا في الخير ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّرصّد ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّرصّد ‪ :‬القعود على الطّريق ‪ ،‬ومنه الرّصديّ ‪ :‬الّذي يقعد على الطّريق ينظر النّاس‬
‫ن كلّا منهما تتبّع أخبار‬
‫ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما وعدوانا ‪ .‬فيجتمع التّجسّس والتّرصّد في أ ّ‬
‫النّاس ‪ ،‬غير أنّ التّجسّس يكون بالتّتبّع والسّعي لتحصيل الخبار ولو بالسّماع أو النتقال ‪ ،‬أمّا‬
‫التّرصّد فهو العقود والنتظار والتّرقّب ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّنصّت ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّنصّت هو ‪ :‬التّسمّع ‪ .‬يقال ‪ :‬أنصت إنصاتا أي ‪ :‬استمع ‪ ،‬ونصت له أي ‪ :‬سكت‬
‫ن التّنصّت يكون سرّا وعلنيةً ‪.‬‬
‫مستمعا ‪ ،‬فهو أعمّ من التّجسّس ‪ ،‬ل ّ‬
‫حكم التّجسّس التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ -‬التّجسّس تعتريه أحكام ثلثة ‪ :‬الحرمة والوجوب والباحة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ن فيه‬
‫فالتّجسّس على المسلمين في الصل حرام منهيّ عنه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ول تجسّسوا } ل ّ‬
‫تتبّع عورات المسلمين ومعايبهم والستكشاف عمّا ستروه ‪ .‬وقد قال صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ن من تتبّعَ‬
‫ن إلى قلبه ل تتبّعوا عوراتِ المسلمين ‪ .‬فإ ّ‬
‫يا معشر َمنْ آمن بلسانه ولم يدخل اليما ُ‬
‫ت المسلمين تتبّع الّلهُ عورتَه حتّى يفضحه ولو في جوف بيته » ‪.‬‬
‫عورا ِ‬
‫قال ابن وهب ‪ :‬والسّتر واجب إلّ عن المام والوالي وأحد الشّهود الربعة في الزّنى ‪.‬‬
‫وقد يكون التّجسّس واجبا ‪ ،‬فقد نقل عن ابن الماجشون أنّه قال ‪ :‬اللّصوص وقطّاع الطّريق‬
‫أرى أن يطلبوا في مظانّهم ويعان عليهم حتّى يقتلوا أو ينفوا من الرض بالهرب ‪.‬‬
‫ل بالتّجسّس عليهم وتتبّع أخبارهم ‪.‬‬
‫وطلبهم ل يكون إ ّ‬
‫ويباح في الحرب بين المسلمين وغيرهم بعث الجواسيس لتعرف أخبار جيش الكفّار من عدد‬
‫ن في بيت فلن‬
‫وعتاد وأين يقيمون وما إلى ذلك ‪ .‬وكذلك يباح التّجسّس إذا رفع إلى الحاكم أ ّ‬
‫خمرا ‪ ،‬فإن شهد على ذلك شهود كشف عن حال صاحب البيت ‪ ،‬فإن كان مشهورا بما شهد‬
‫عليه أخذ ‪ ،‬وإن كان مستورا فل يكشف عنه ‪ .‬وقد سئل المام مالك عن الشّرطيّ يأتيه رجل‬
‫يدعوه إلى ناس في بيت اجتمعوا فيه على شراب ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن كان في بيت ل يعلم ذلك منه‬
‫فل يتتبّعه ‪ ،‬وإن كان معلوما بذلك يتتبّعه ‪ .‬وللمحتسب أن يكشف على مرتكبي المعاصي ‪،‬‬
‫ن قاعدة ولية الحسبة ‪ :‬المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪.‬‬
‫لّ‬
‫التّجسّس على المسلمين في الحرب ‪:‬‬
‫‪ - 6‬الجاسوس على المسلمين إمّا أن يكون مسلما أو ذ ّميّا أو من أهل الحرب ‪ "،‬وقد أجاب أبو‬
‫ت يا أمير المؤمنين عن‬
‫يوسف عن سؤال هارون الرّشيد فيما يتعلّق بالحكم فيهم فقال ‪ :‬وسأل َ‬
‫الجواسيس يوجدون وهم من أهل ال ّذمّة أو أهل الحرب أو من المسلمين ‪ .‬فإن كانوا من أهل‬
‫الحرب أو من أهل ال ّذمّة ممّن يؤدّي الجزية من اليهود والنّصارى والمجوس فاضرب‬
‫أعناقهم ‪ ،‬وإن كانوا من أهل السلم معروفين فأوجعهم عقوبةً ‪ ،‬وأطل حبسهم حتّى يحدثوا‬
‫توب ًة "‪.‬‬
‫وقال المام محمّد بن الحسن ‪ :‬وإذا وجد المسلمون رجلً ‪ -‬ممّن يدّعي السلم ‪ -‬عينا‬
‫ن المام‬
‫للمشركين على المسلمين يكتب إليهم بعوراتهم فأقرّ بذلك طوعا فإنّه ل يقتل ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ن مثله ل يكون مسلما حقيقةً ‪ ،‬ولكن ل يقتل لنّه لم يترك ما به‬
‫يوجعه عقوب ًة ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬إ ّ‬
‫حكم بإسلمه فل يخرج عن السلم في الظّاهر ما لم يترك ما به دخل في السلم ‪ ،‬ولنّه‬
‫إنّما حمله على ما فعل الطّمع ‪ ،‬ل خبث العتقاد ‪ ،‬وهذا أحسن الوجهين ‪ ،‬وبه أمرنا ‪ .‬قال اللّه‬
‫حسَنَه } واستدلّ عليه بحديث « حاطب بن أبي‬
‫تعالى ‪ { :‬الّذين يستمعون القولَ فيتّبعون َأ ْ‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يغزوكم فخذوا حذركم ‪،‬‬
‫بلتعة ‪ ،‬فإنّه كتب إلى قريش ‪ :‬أ ّ‬
‫فأراد عمر رضي ال عنه قتله ‪ ،‬فقال الرّسول لعمر ‪ :‬مهلً يا عمر ‪ ،‬فلعلّ اللّه قد اطّلع على‬
‫ت لكم » فلو كان بهذا كافرا مستوجبا للقتل ما تركه‬
‫أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفر ُ‬
‫الرّسول صلى ال عليه وسلم بدريّا كان أو غير بدريّ ‪ ،‬وكذلك لو لزمه القتل بهذا حدّا ما‬
‫خذُوا‬
‫تركه الرّسول صلى ال عليه وسلم وفيه نزل قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل َت ّت ِ‬
‫عدوّي وعدوّكم أولياء } فقد سمّاه مؤمنا ‪ « ،‬وعليه دلّت قصّة أبي لبابة حين استشاره بنو‬
‫قريظة ‪ ،‬فَأمَ ّر أصبعه على حلقه يخبرهم أنّهم لو نزلوا على حكم رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم قتلهم » ‪ ،‬وفيه نزل قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل َتخُونوا اللّه والرّسولَ } ‪.‬‬
‫وكذلك لو فعل هذا ذمّيّ فإنّه يوجع عقوب ًة ويستودع السّجن ‪ ،‬ول يكون هذا نقضا منه للعهد ‪،‬‬
‫لنّه لو فعله مسلم لم يكن به ناقضا أمانه فإذا فعله ذ ّميّ ل يكون ناقضا أمانه أيضا ‪.‬‬
‫أل ترى أنّه لو قطع الطّريق فقتل وأخذ المال لم يكن به ناقضا للعهد ‪ ،‬وإن كان قطع الطّريق‬
‫محارب ًة للّه ورسوله بالنّصّ فهذا أولى ‪.‬‬
‫ل أنّه يوجع‬
‫وكذلك لو فعله مستأمن فإنّه ل يصير ناقضا لمانه بمنزلة ما لو قطع الطّريق ‪ ،‬إ ّ‬
‫ل له وقصد بفعله إلحاق الضّرر بالمسلمين ‪.‬‬
‫عقوب ًة في جميع ذلك لنّه ارتكب ما ل يح ّ‬
‫فإن كان حين طلب المان قال له المسلمون ‪ :‬آمنّاك إن لم تكن عينا للمشركين على‬
‫المسلمين ‪ ،‬أو آمنّاك على أنّك إن أخبرت أهل الحرب بعورة المسلمين فل أمان لك ‪-‬‬
‫والمسألة بحالها ‪ -‬فل بأس بقتله ‪ ،‬لنّ المعلّق بالشّرط يكون معدوما قبل وجود الشّرط ‪ ،‬فقد‬
‫علّق أمانه هاهنا بشرط ألّ يكون عينا ‪ ،‬فإن ظهر أنّه عين كان حربيّا ل أمان له فل بأس بقتله‬
‫‪ .‬وإن رأى المام أن يصلبه حتّى يعتبر به غيره فل بأس بذلك ‪ ،‬وإن رأى أن يجعله فيئا فل‬
‫ن الولى أن يقتله هاهنا ليعتبر غيره ‪.‬‬
‫بأس به أيضا كغيره من السراء ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫فإن كان مكان الرّجل امرأة فل بأس بقتلها أيضا ‪ ،‬لنّها قصدت إلحاق الضّرر بالمسلمين ‪،‬‬
‫ل أنّه يكره صلبها لنّها عورة وستر‬
‫ول بأس بقتل الحربيّة في هذه الحالة ‪ ،‬كما إذا قاتلت ‪ ،‬إ ّ‬
‫العورة أولى ‪.‬‬
‫وإن وجدوا غلما لم يبلغ ‪ ،‬بهذه الصّفة ‪ ،‬فإنّه يجعل فيئا ول يقتل ‪ ،‬لنّه غير مخاطب ‪ ،‬فل‬
‫يكون فعله خيان ًة يستوجب القتل بها ‪ ،‬بخلف المرأة ‪ .‬وهو نظير الصّبيّ إذا قاتل فأخذ أسيرا‬
‫لم يجز قتله بعد ذلك ‪ ،‬بخلف المرأة إذا قاتلت فأخذت أسير ًة فإنّه يجوز قتلها ‪.‬‬
‫والشّيخ الّذي ل قتال عنده ولكنّه صحيح العقل بمنزلة المرأة في ذلك لكونه مخاطبا ‪.‬‬
‫وإن جحد المستأمن أن يكون فعل ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬الكتاب الّذي وجدوه معه إنّما وجده في‬
‫الطّريق وأخذه ‪ ،‬فليس ينبغي للمسلمين أن يقتلوه من غير حجّة ‪ ،‬لنّه آمن باعتبار الظّاهر ‪،‬‬
‫فما لم يثبت عليه ما ينفي أمانه كان حرام القتل ‪ .‬فإن هدّدوه بضرب أو قيد أو حبس حتّى أقرّ‬
‫بأنّه عين فإقراره هذا ليس بشيء ‪ ،‬لنّه مكره ‪ ،‬وإقرار المكره باطل سواء أكان الكراه‬
‫ل بأن يقرّ به عن طوع ‪ ،‬أو شهد عليه شاهدان بذلك‬
‫بالحبس أم بالقتل ‪ ،‬ول يظهر كونه عينا إ ّ‬
‫ي فينا وإن كان مستأمنا ‪،‬‬
‫‪ ،‬ويقبل عليه بذلك شهادة أهل ال ّذمّة وأهل الحرب ‪ ،‬لنّه حرب ّ‬
‫وشهادة أهل الحرب حجّة على الحربيّ ‪.‬‬
‫وإن وجد المام مع مسلم أو ذ ّميّ أو مستأمن كتابا فيه خطّه وهو معروف ‪ ،‬إلى ملك أهل‬
‫ن الكتاب‬
‫ن المام يحبسه ‪ ،‬ول يضربه بهذا القدر ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحرب يخبر فيه بعورات المسلمين فإ ّ‬
‫محتمل فلعلّه مفتعل ‪ ،‬والخطّ يشبه الخطّ ‪ ،‬فل يكون له أن يضربه بمثل هذا المحتمل ‪ ،‬ولكن‬
‫يحبسه نظرا للمسلمين حتّى يتبيّن له أمره ‪ :‬فإن لم يتبيّن خلّى سبيله ‪ ،‬وردّ المستأمن إلى دار‬
‫الحرب ‪ ،‬ولم يدعه ليقيم بعد هذا في دار السلم يوما واحدا ‪ ،‬لنّ الرّيبة في أمره قد تمكّنت‬
‫وتطهير دار السلم من مثله من باب إماطة الذى فهو أولى ‪.‬‬
‫‪ -7‬مذهب المالكيّة ‪ :‬أنّ الجاسوس المستأمن يقتل ‪ ،‬وقال سحنون في المسلم يكتب لهل‬
‫الحرب بأخبار المسلمين ‪ :‬يقتل ول يستتاب ول دية لورثته كالمحارب ‪ .‬وقيل ‪ :‬يجلد نكالً‬
‫ويطال حبسه وينفى من الموضع الّذي كان فيه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يقتل إلّ أن يتوب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إلّ أن‬
‫يعذر بجهل ‪ .‬وقيل ‪ :‬يقتل إن كان معتادا لذلك ‪ ،‬وإن كانت فلت ًة ضرب ونكّل ‪.‬‬
‫وقد جاء في القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل تتّخذوا عدوّي وعدوّكم‬
‫أولياء } ما يأتي ‪ :‬من كثر تطلّعه على عورات المسلمين وينبّه عليهم ويعرف عددهم بأخبارهم‬
‫لم يكن كافرا بذلك ‪ ،‬إذا كان فعله لغرض دنيويّ واعتقاده على ذلك سليم ‪ ،‬كما فعل حاطب‬
‫حين قصد بذلك اتّخاذ اليد ولم ينو ال ّردّة عن الدّين ‪ .‬وإذا قلنا ‪ :‬ل يكون بذلك كافرا فهل يقتل‬
‫بذلك حدّا أم ل ؟ اختلف النّاس فيه ‪ ،‬فقال مالك وابن القاسم وأشهب ‪ :‬يجتهد في ذلك المام ‪.‬‬
‫وقال عبد الملك ‪ :‬إذا كانت عادته ذلك قتل لنّه جاسوس ‪ .‬وقد قال مالك ‪ :‬يقتل الجاسوس –‬
‫ل ابن الماجشون إنّما‬
‫وهو صحيح – لضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الرض ‪ ،‬ولع ّ‬
‫ن حاطبا أخذ في أوّل فعله ‪.‬‬
‫اتّخذ التّكرار في هذا ل ّ‬
‫فإن كان الجاسوس كافرا ‪ ،‬فقال الوزاعيّ ‪ :‬يكون نقضا لعهده ‪ ،‬وقال أصبغ ‪ :‬الجاسوس‬
‫ل إن تظاهرا على السلم فيقتلن ‪ ،‬وقد‬
‫الحربيّ يقتل ‪ ،‬والجاسوس المسلم وال ّذ ّميّ يعاقبان إ ّ‬
‫روي عن عليّ بن أبي طالب رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أتي بعين‬
‫للمشركين اسمه فرات بن حيّان فأمر به أن يقتل ‪ ،‬فصاح ‪ :‬يا معشر النصار أقتل وأنا أشهد‬
‫ل اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه فأمر به النّبيّ صلى ال عليه وسلم وخلّى سبيله ‪ .‬ثمّ‬
‫أن ل إله إ ّ‬
‫ن منكم من أكله إلى إيمانه ‪ ،‬منهم فرات بن حيّان » ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إ ّ‬
‫ن الجاسوس المسلم يعزّر ول يجوز قتله ‪.‬‬
‫‪ -8‬ومذهب الشّافعيّ وطائفة ‪ :‬أ ّ‬
‫وإن كان ذا هيئة ( أي ماض كريم في خدمة السلم ) عفي عنه لحديث حاطب ‪ ،‬وعندهم أنّه‬
‫ل ينتقض عهد ال ّذ ّميّ بالدّللة على عورات المسلمين ‪ ،‬ولو شرط عليهم في عهد المان ذلك‬
‫ح ‪ ،‬وفي غيره ينتقض بالشّرط ‪.‬‬
‫في الص ّ‬
‫‪ -9‬وعند الحنابلة ‪ :‬أنّه ينتقض عهد أهل ال ّذمّة بأشياء ومنها ‪ :‬تجسّس أو آوى جاسوسا ‪ ،‬لما‬
‫فيه من الضّرر على المسلمين ‪.‬‬
‫ن الجاسوس الحربيّ مباح الدّم يقتل على أيّ حال عند الجميع ‪ ،‬أمّا ال ّذمّيّ‬
‫وممّا تقدّم يتبيّن أ ّ‬
‫والمستأمن فقال أبو يوسف وبعض المالكيّة والحنابلة ‪ :‬إنّه يقتل ‪.‬‬
‫ي بالدّللة على عورات المسلمين ‪ ،‬لنّه ل‬
‫وللشّافعيّة أقوال أصحّها أنّه ل ينتقض عهد ال ّذمّ ّ‬
‫يخلّ بمقصود العقد ‪ .‬وأمّا الجاسوس المسلم فإنّه يعزّر ول يقتل عند أبي يوسف ومحمّد‬
‫وبعض المالكيّة والمشهور عند الشّافعيّة ‪ ،‬وعند الحنابلة أنّه يقتل ‪.‬‬
‫التّجسّس على الكفّار ‪:‬‬
‫‪ - 10‬التّجسّس على الكفّار في الحرب لمعرفة عددهم وعددهم وما معهم من سلح وغير ذلك‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في غزوة الخندق صلّى هويّا من‬
‫مشروع ‪ ،‬ودليل ذلك « أ ّ‬
‫اللّيل ‪ ،‬ثمّ التفت فقال ‪ :‬من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ‪ -‬يشترط له النّبيّ أن يرجع ‪-‬‬
‫أدخله اللّه الجنّة قال راوي الحديث حذيفة ‪ :‬فما قام رجل ‪ ،‬ثمّ صلّى إلى ‪ ..‬أن قال ذلك ثلث‬
‫مرّات فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة البرد وشدّة الجوع ‪ ،‬فلمّا لم يقم أحد دعاني أي دعا‬
‫الرّسول صلى ال عليه وسلم حذيفة فلم يكن لي ب ّد من القيام حين دعاني ‪ ،‬فقال الرّسول ‪ :‬يا‬
‫ن شيئا حتّى تأتينا قال فذهبت‬
‫ح ِدثَ ّ‬
‫حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون ‪ ،‬ول ُت ْ‬
‫ل تفعل بهم ما تفعل ‪ ،‬ل تقرّ لهم قدر ول نار‬
‫فدخلت في القوم ‪ ،‬والرّيح وجنود اللّه عزّ وج ّ‬
‫ل امرئ من جليسه ‪ ،‬قال حذيفة ‪:‬‬
‫ول بناء ‪ ،‬فقام أبو سفيان فقال ‪ :‬يا معشر قريش لينظر ك ّ‬
‫فأخذت بيد الرّجل الّذي إلى جنبي فقلت ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬أنا فلن بن فلن ‪ ،‬ثمّ قال أبو‬
‫سفيان ‪ :‬يا معشر قريش إنّكم واللّه ما أصبحتم بدار مقام ‪ ،‬لقد هلك الكراع والخفّ ‪ ،‬وأخلفتنا‬
‫بنو قريظة ‪ ،‬وبلغنا عنهم الّذي نكره ‪ » ...‬إلخ فهذا دليل جواز التّجسّس على الكفّار في‬
‫الحرب ‪.‬‬
‫تجسّس الحاكم على رعيّته ‪:‬‬
‫‪ - 11‬سبق أنّ الصل تحريم التّجسّس على المسلمين لقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا‬
‫اجتنبوا كثيرا من الظّنّ إنّ بعض الظّنّ إثم ول تجسّسوا }‬
‫ي المر لورود نصوص خاصّة تنهي أولياء المور عن تتبّع عورات‬
‫ويتأكّد ذلك في حقّ ول ّ‬
‫النّاس ‪ ،‬منها ما رواه معاوية « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال له ‪ :‬إنّك إن اتّبعت‬
‫عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم » فقال أبو الدّرداء ‪ :‬كلمة سمعها معاوية من‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نفعه اللّه بها ‪ .‬وعن أبي أمامة مرفوعا إلى النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم « إنّ المير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم » ‪.‬‬
‫ن للحاكم أن يتجسّس على رعيّته إذا كان في ترك التّجسّس انتهاك حرمة يفوت‬
‫ولك ّ‬
‫استدراكها ‪ ،‬مثل أن يخبره من يثق بصدقه أنّ رجلً خل برجل ليقتله ‪ ،‬أو امرأة ليزني بها ‪،‬‬
‫فيجوز له في هذه الحال أن يتجسّس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما ل يستدرك‬
‫من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات ‪ ،‬وهكذا لو عرف ذلك قوم من المتطوّعة جاز لهم‬
‫القدام على الكشف والنكار ‪.‬‬
‫أمّا ما كان دون ذلك في الرّيبة فل يجوز التّجسّس عليه ول كشف الستار عنه ‪ ".‬وقد حكي‬
‫ن عمر دخل على قوم يتعاقرون على شراب ويوقدون في أخصاص فقال ‪ :‬نهيتكم عن‬
‫أّ‬
‫المعاقرة فعاقرتم ‪ ،‬ونهيتكم عن اليقاد في الخصاص فأوقدتم ‪ .‬فقالوا ‪ :‬يا أمير المؤمنين قد‬
‫نهى اللّه عن التّجسّس فتجسّست ‪ ،‬وعن الدّخول بغير إذن فدخلت ‪ .‬فقال ‪ :‬هاتان بهاتين‬
‫وانصرف ولم يعرض لهم "‪.‬‬
‫وقد اختلفت الرّواية عن المام أحمد فيما ستر من المنكر مع العلم به هل ينكر ؟ فروى ابن‬
‫منصور وعبد اللّه في المنكر يكون مغطّى ‪ ،‬مثل طنبور ومسكر وأمثاله فقال ‪ :‬إذا كان مغطّى‬
‫ل يكسر ‪ .‬ونقل عنه أنّه يكسر ‪ .‬فإن سمع أصوات الملهي المنكرة من دار تظاهر أهلها‬
‫بأصواتهم أنكره خارج الدّار ‪ ،‬ولم يهجم بالدّخول عليهم ‪ ،‬وليس عليه أن يكشف عمّا سواه من‬
‫الباطن ‪ ،‬وقد نقل عن مهنّا النباريّ عن أحمد أنّه سمع صوت طبل في جواره ‪ ،‬فقام إليهم من‬
‫مجلسه ‪ ،‬فأرسل إليهم ونهاهم ‪.‬‬
‫وقال في رواية محمّد بن أبي حرب في الرّجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال ‪ :‬يأمره‬
‫‪ ،‬فإن لم يقبل جمع عليه الجيران ويهوّل عليه ‪ .‬وقال الجصّاص عند قوله تعالى ‪ { :‬ول‬
‫ن بالمسلم الّذي ظاهره العدالة والسّتر ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬نهى‬
‫تجسّسوا } نهى اللّه تعالى عن سوء الظّ ّ‬
‫اللّه تعالى عن التّجسّس ‪ ،‬بل أمر بالسّتر على أهل المعاصي ما لم يظهر منهم إصرار ‪ .‬ثمّ‬
‫ن ابن مسعود قيل له ‪ :‬هذا فلن تقطر لحيته خمرا ‪ ،‬فقال عبد اللّه ‪ :‬إنّا قد نهينا عن‬
‫روي أ ّ‬
‫التّجسّس ‪ ،‬ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به ‪.‬‬
‫تجسّس المحتسب ‪:‬‬
‫‪ - 12‬المحتسب هو من يأمر بالمعروف إذا ظهر تركه وينهى عن المنكر إذا ظهر فعله ‪ .‬قال‬
‫تعالى ‪ { :‬وَلْتكن منكم أمّ ٌة يدْعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و َينْهون عن المنكر } وهذا‬
‫ن غيره فرض عليه على‬
‫ن المحتسب متعيّن عليه بحكم وليته ‪ ،‬لك ّ‬
‫ح من كلّ مسلم لك ّ‬
‫وإن ص ّ‬
‫سبيل الكفاية ‪ .‬وما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسّس عنها ول أن يهتك‬
‫الستار حذرا من الستتار بها فقد قال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬اجتنبوا هذه القاذورة الّتي نهى‬
‫اللّه عنها ‪ ،‬فمن ألمّ فليستتر بستر اللّه » ‪.‬‬
‫فإن غلب على الظّنّ استتار قوم بها لمارات دلّت وآثار ظهرت فذلك ضربان ‪:‬‬
‫ن رجلً‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق به أ ّ‬
‫خل بامرأة ليزني بها أو رجل ليقتله ‪ ،‬فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسّس ويقدم على‬
‫الكشف والبحث حذرا من فوات ما ل يستدرك من ارتكاب المحارم وفعل المحظورات ‪.‬‬
‫والضّرب الثّاني ‪ :‬ما خرج عن هذا الحدّ وقصر عن حدّ هذه الرّتبة ‪ ،‬فل يجوز التّجسّس عليه‬
‫ول كشف الستار عنه كما تقدّم ‪.‬‬
‫عقاب التّجسّس على البيوت ‪:‬‬
‫‪ - 13‬روى مسلم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬من اطّلع في‬
‫ل لهم أن يفقئوا عينه »‬
‫بيت قوم من غير إذنهم ح ّ‬
‫ل لمن اطّلع عليه أن يفقأ‬
‫وقد اختلف العلماء في تأويله ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬هو على ظاهره ‪ ،‬فيح ّ‬
‫عين المطّلع حال الطّلع ‪ ،‬ول ضمان ‪ ،‬وهذا مذهب الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة والحنفيّة ‪ :‬ليس هذا على ظاهره ‪ ،‬فإن فقأ فعليه الضّمان ‪ ،‬والخبر منسوخ ‪،‬‬
‫ع ْو ِقبْ ُتمْ به } ويحتمل أن يكون‬
‫ل ما ُ‬
‫وكان قبل نزول قوله تعالى ‪ { :‬وإنْ عاقبتم فعا ِقبُوا بمث ِ‬
‫خرج على وجه الوعيد ل على وجه الحتم ‪ ،‬والخبر إذا كان مخالفا لكتاب اللّه تعالى ل يجوز‬
‫العمل به ‪ .‬وقد كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يتكلّم بالكلم في الظّاهر ‪ ،‬وهو يريد شيئا‬
‫ن عبّاس بن مرداس لمّا مدحه قال لبلل ‪ :‬قم فاقطع لسانه »‬
‫آخر ‪ ،‬كما جاء في الخبر « أ ّ‬
‫وإنّما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا ولم يرد به القطع في الحقيقة ‪.‬‬
‫ل حتّى ل ينظر بعد ذلك‬
‫وهذا أيضا يحتمل أن يكون ذكر فقء العين والمراد ‪ :‬أن يعمل به عم ً‬
‫في بيت غيره ‪ .‬وفي تبصرة الحكّام ‪ :‬ولو نظر من كوّة أو من باب ففقأ عينه صاحب الدّار‬
‫ضمن ‪ ،‬لنّه قادر على زجره ودفعه بالخفّ ‪ ،‬ولو قصد زجره بذلك فأصاب عينه ولم يقصد‬
‫فقأها ففي ضمانه خلف ‪.‬‬
‫وأمّا عند الحنفيّة ‪ :‬فإن لم يمكن دفع المطّلع إلّ بفقء عينه ففقأها ل ضمان ‪ ،‬وإن أمكن بدون‬
‫فقء عينه ففقأها فعليه الضّمان ‪ .‬أمّا إذا تجسّس وانصرف فليس للمطّلع عليه أن يفقأ عينه‬
‫اتّفاقا ‪ .‬وينظر للتّفصيل ‪ ( :‬دفع الصّائل ) ‪ .‬أمّا عقوبة المتجسّس فهي التّعزير ‪ ،‬إذ ليس في‬
‫ذلك حدّ معيّن ‪ ،‬والتّعزير يختلف والمرجع في تقديره إلى المام ( ر ‪ :‬تعزير ) ‪.‬‬

‫تجشّؤ *‬
‫انظر ‪ :‬طعام ‪.‬‬

‫تجمّل *‬
‫انظر ‪ :‬تزيّن ‪.‬‬

‫تجميل *‬
‫انظر ‪ :‬تغيير ‪.‬‬

‫تجهيز *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّجهيز لغ ًة ‪ :‬تهيئة ما يحتاج إليه ‪ .‬يقال ‪ :‬جهّزت المسافر ‪ :‬إذا هيّأت له جهاز سفره ‪.‬‬
‫ويطلق أيضا على تجهيز العروس والميّت والغزاة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬جهّزت على الجريح ‪ -‬بالتّثقيل‬
‫‪ -‬إذا أتممت عليه وأسرعت قتله ‪ ،‬وذلك للمبالغة ( ومثله أجهزت ) وفعله من باب نفع ‪،‬‬
‫ويأتي على وزن أفعل ‪ .‬ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العداد ‪:‬‬
‫ن التّجهيز يشمل العداد‬
‫‪ - 2‬العداد ‪ :‬التّهيئة والحضار ‪ .‬فالتّجهيز أعمّ من العداد ‪ ،‬ل ّ‬
‫وغيره ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّزويد ‪:‬‬
‫ن التّجهيز يكون‬
‫ص من التّجهيز ‪ .‬ل ّ‬
‫‪ - 3‬التّزويد ‪ :‬مصدر زوّدته أعطيته زادا ‪ ،‬فهو أخ ّ‬
‫بالطّعام وغيره ‪ ،‬أمّا التّزويد فهو بإعداد الزّاد أو إعطائه ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالتّجهيز ‪:‬‬
‫ويتكلّم الفقهاء في تجهيز العروس والمجاهدين والميّت ‪ ،‬على من يجب ‪ ،‬والحكم فيه ‪،‬‬
‫ومقداره ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يأتي ‪:‬‬
‫تجهيز العروس ‪:‬‬
‫‪ - 4‬مذهب الشّافعيّ ‪ :‬عدم إجبار المرأة على الجهاز ‪ ،‬وهو المفهوم من نصوص الحنابلة ‪،‬‬
‫فل تجبر هي ول غيرها على التّجهيز ‪ ،‬فقد جاء في منتهى الرادات ‪ :‬وتملك زوجة بعقد‬
‫جميع المسمّى ‪ ،‬ولها نماء معيّن كدار والتّصرّف فيه ‪.‬‬
‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فقد نقل الحصكفيّ عن الزّاهديّ في القنية ‪ :‬أنّه لو زفّت الزّوجة إلى الزّوج بل‬
‫جهاز يليق به فله مطالبة الب بالنّقد ‪ .‬وزاد في البحر عن المنتقى ‪ :‬إلّ إذا سكت طويلً فل‬
‫خصومة له ‪ .‬لكن في النّهر عن البزّازيّة ‪ :‬الصّحيح أنّه ل يرجع على الب بشيء ‪ ،‬لنّ‬
‫المال في النّكاح غير مقصود ‪ .‬ومفهوم هذا أنّ الب هو الّذي يجهّز ‪ ،‬لكنّ هذا إذا كان هو‬
‫الّذي قبض المهر ‪ ،‬فإن كانت الزّوجة هي الّتي قبضته فهي الّتي تطالب به على القول بوجوب‬
‫الجهاز ‪ ،‬وهو بحسب العرف والعادة ‪.‬‬
‫ل من صداقها قبل بناء الزّوج بها فإنّه يلزمها أن تتجهّز به‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إذا قبضت الحا ّ‬
‫على العادة من حضر أو بدو ‪ ،‬حتّى لو كان العرف شراء دار لزمها ذلك ‪ ،‬ول يلزمها أن‬
‫تتجهّز بأزيد منه ‪ .‬ومثل حالّ الصّداق ما إذا عجّل لها المؤجّل وكان نقدا ‪.‬‬
‫ل لشرط أو عرف ‪.‬‬
‫وإن تأخّر القبض عن البناء لم يلزمها التّجهيز سواء أكان حالّا أم حلّ ‪ ،‬إ ّ‬
‫( أي فإنّه يلزمها التّجهيز للشّرط أو العرف ) ‪.‬‬
‫تجهيز الغزاة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يجب على المسلمين أن ل يعطّلوا الجهاد في سبيل اللّه ‪ ،‬وأن يجهّزوا لذلك الغزاة بما‬
‫يلزمهم من عدّة وعتاد وزاد ‪ ،‬لقول اللّه تعالى ‪ { :‬وَأنْفِقُوا في سبيلِ اللّ ِه ول تُلقوا بأيديكم إلى‬
‫عدّوا لهم ما استطعتم من ق ّوةٍ ومن رِباطِ الخيلِ ُترْهبون به‬
‫ل ‪ { :‬وأَ ِ‬
‫ال ّتهُْلكَةِ } وقوله عزّ وج ّ‬
‫عد ّو اللّه وعدوّكم وآخَرين من دونهم ل َتعَْلمُونهم اللّ ُه َيعْلَمهم وما تُنفقوا من شيء في سبيلِ اللّه‬
‫يُ َوفّ إليكم وأنتم ل ُتظْلمون }‬
‫وتجهيز الغزاة واجب المسلمين جميعا ‪ ،‬حكّاما ومحكومين ‪ ،‬وهو من أعظم القرب لقول النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من جهّز غازيا في سبيل اللّه فقد غزا » ومن المصادر الّتي يمكن‬
‫تجهيز الغزاة منها ‪ :‬الزّكاة من صنف ( سبيل اللّه ) ‪.‬‬
‫وقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الغزاة يعطون من الزّكاة مطلقا ‪ ،‬ولو كانوا‬
‫أغنياء ‪ .‬لكنّ المالكيّة قيّدوه بأن يكون المعطون ممّن يجب عليهم الجهاد ‪.‬‬
‫وقيّده الشّافعيّة بألّ تكون أسماؤهم في ديوان الجند ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ الغازي يعطى من‬
‫الزّكاة إذا كان من منقطعي الغزاة ‪ ،‬وهم الّذين عجزوا عن اللتحاق بجيش السلم لفقرهم ‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في هذا هو اختلفهم في تفسير قوله تعالى في مصارف الصّدقات ‪ { :‬وفي‬
‫سبيل اللّه } وفي ذلك تفصيل يرجع إليه في مصطلح ( زكاة ) ‪.‬‬
‫تجهيز الميّت ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يجب تجهيز الميّت ‪ ،‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر به ‪ ،‬ولنّ سترته واجبة في‬
‫الحياة ‪ ،‬فهي واجبة كذلك بالكفن في الممات ‪.‬‬
‫واتّفق الفقهاء على أنّ تجهيز الميّت فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ‪ .‬ونفقات‬
‫التّجهيز تكون من تركة الميّت إن ترك مالً ‪ ،‬وتقدّم على ديونه ووصيّته وإرثه ‪ ،‬إلّ أعيان‬
‫التّركة الّتي تعلّق بها حقّ للغير ‪ ،‬كعين الرّهن والمبيع ونحوهما ‪ .‬فإن لم يكن له مال ‪ ،‬وجب‬
‫تجهيزه على من تجب عليه نفقته في حال حياته ‪ ،‬فإن لم يوجد أحد من هؤلء ‪ ،‬وجب تجهيزه‬
‫في بيت مال المسلمين إن وجد ‪ ،‬فإن لم يوجد أو كان موجودا ولم يمكن الخذ فتجهيزه على‬
‫المسلمين فرض كفاية ‪.‬‬
‫ول يجب على الزّوجة تجهيز زوجها المتوفّى عنها بل خلف ‪ .‬وفي وجوب تجهيز الزّوج‬
‫لزوجته المتوفّاة ‪ ،‬خلف يرجع إليه مع تفصيل البحث في مصطلح ‪ ( :‬جنائز ) ‪.‬‬

‫تجهيل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬من معاني التّجهيل في اللّغة ‪ :‬النّسبة إلى الجهل ‪ .‬يقال ‪ :‬جهّلت فلنا ‪ :‬إذا قلت ‪ :‬إنّه‬
‫جاهل ‪ .‬والجهل ‪ :‬نقيض العلم ‪ .‬ويكون الجهل أيضا نقيض الحلم ‪ ،‬يقال ‪ :‬جهل فلن على‬
‫فلن ‪ :‬إذا سفه عليه وأخطأ ‪.‬‬
‫ل بغير علم ‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬جهّل فلن جهلً وجهالةً ‪ ،‬والجهالة ‪ :‬أن تفعل فع ً‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬أن ل يبيّن المين قبل موته حال ما بيده للغير من وديعة ‪ ،‬أو لقطة ‪ ،‬أو‬
‫ن وارثه ل يعلمها ‪ ،‬مات وهو على ذلك ‪.‬‬
‫مال يتيم ونحوه ‪ ،‬وكان يعلم أ ّ‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّجهيل قد يرد على الوديعة ‪ ،‬وهي المال الّذي يوضع عند شخص ليحفظه ‪ .‬وهي أمانة‬
‫ت إلى أهلِها } قيل ‪:‬‬
‫نزل في شأنها قول اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬إنّ الّلهَ يأمرُكم أنْ ُت َؤدّوا المانا ِ‬
‫ي الدّاريّ قبل إسلمه ‪ ،‬كان سادن الكعبة يوم الفتح ‪ ،‬فلمّا‬
‫« نزلت في عثمان بن طلحة الحجب ّ‬
‫دخل النّبيّ صلى ال عليه وسلم مكّة أغلق عثمان باب الكعبة وامتنع من إعطاء مفتاحها ‪،‬‬
‫ي رضي ال عنه يده‬
‫زاعما أنّه لو علم أنّه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ما منعه ‪ ،‬فلوى عل ّ‬
‫‪ ،‬وأخذه منه ‪ ،‬وفتح الباب ودخل صلى ال عليه وسلم الكعبة ‪ .‬فلمّا خرج سأله العبّاس رضي‬
‫ال عنه أن يعطيه المفتاح لتجتمع له السّدانة مع السّقاية ‪ ،‬فأنزل اللّه تعالى الية ‪ .‬فأمر صلى‬
‫ال عليه وسلم عليّا أن يردّه إلى عثمان ويعتذر إليه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أكرهتَ وآذيتَ ثمّ جئتَ‬
‫ترفق ؟ فقال له ‪ :‬لقد أنزل اللّه في شأنك قرآنا وقرأ عليه الية فأسلم ‪ ،‬فجاء جبريل عليه‬
‫السلم فقال ‪ :‬ما دام هذا البيت فإنّ المفتاح والسّدانة في أولد عثمان » ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد جعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم السّدانة في أولده إلى يوم القيامة ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ل ظالم » والمراد من الية جميع المانات فيجب على‬


‫« خذوها خالد ًة تالدةً ل ينزعها منكم إ ّ‬
‫من كانت عنده أمانة ‪ -‬وديعةً كانت أو غيرها ‪ -‬أن يبيّن أمرها حتّى ل يفاجئه الموت ولم‬
‫يعيّن صاحبها ‪ ،‬فتضيع عليه ‪ ،‬ويكون مسئولً عن تجهيلها ‪.‬‬
‫قال ابن عبّاس ‪ :‬ولم يرخّص اللّه لمعسر ول لموسر أن يمسك المانة ‪ ،‬أي يحبسها عن‬
‫صاحبها عند طلبها ‪ .‬وروي عنه عليه الصلة والسلم « أنّه كانت عنده ودائع ‪ ،‬فلمّا أراد‬
‫الهجرة أودعها عند أمّ أيمن ‪ ،‬وأمر عليّا أن يردّها على أهلها » ‪.‬‬
‫وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬ليس على المستودع ضمان ما لم يتعدّ » ‪.‬‬
‫ل { إنّا‬
‫‪ - 4‬وقد عظّم اللّه تعالى أمر المانة تعظيما بليغا وأكّده تأكيدا شديدا فقال عزّ وج ّ‬
‫ن منها وحمَلَها‬
‫حمِ ْلنَها وَأشْ َفقْ َ‬
‫ضنَا المانةَ على السّمواتِ والرضِ والجبالِ َفَأ َبيْنَ أنْ َي ْ‬
‫ع َر ْ‬
‫َ‬
‫جهُولً } أي بمشقّتها الّتي ل تتناهى بها ‪ .‬وإذا كانت الوديعة أمانةً‬
‫ن إنّه كان ظَلُوما َ‬
‫النسا ُ‬
‫كانت غير مضمونة بالهلك مطلقا ‪ ،‬ما لم يكن المودع مفرّطا أو متعدّيا ‪ ،‬ومن التّعدّي‬
‫التّجهيل عن قصد ‪.‬‬
‫قال في البزّازيّة ‪ :‬والمودع إنّما يضمن بالتّجهيل إذا لم يعرف الوارث الوديعة ‪.‬‬
‫أمّا إذا علم الوارث الوديعة ‪ ،‬والمودع يعلم أنّ الوارث يعلم ‪ ،‬ومات ولم يبيّن لم يضمن ‪ .‬ولو‬
‫قال الوارث ‪ :‬أنا علمتها ‪ ،‬وأنكر الطّالب علم الوارث بها لتصير مضمون ًة بالتّجهيل ينظر ‪،‬‬
‫إن فسّرها الوارث وقال ‪ :‬هي كذا وكذا ‪ ،‬وهلكت صدّق ‪ .‬ومعنى ضمانها صيرورتها دينا في‬
‫تركته ‪.‬‬
‫‪ -5‬وفي حاشية ابن عابدين ‪ :‬قال في مجمع الفتاوى ‪ :‬المودع والمضارب والمستعير‬
‫والمستبضع وكلّ من كان المال بيده أمانةً إذا مات قبل البيان ‪ ،‬ولم تعرف المانة بعينها ‪ ،‬فإنّ‬
‫المال يكون دينا عليه في تركته ‪ ،‬لنّه صار مستهلكا للوديعة بالتّجهيل ‪ .‬ومعنى موته مجهّلً ‪:‬‬
‫أن ل يبيّن حال المانة كما في الشباه ‪.‬‬
‫وقد سئل الشّيخ عمر بن نجيم عمّا لو قال المريض ‪ :‬عندي ورقة في الحانوت لفلن ضمّنها‬
‫دراهم ل أعرف قدرها ‪ ،‬فمات ولم توجد ‪ .‬فأجاب ‪ :‬بأنّه من التّجهيل ‪ ،‬لقوله في البدائع ‪ :‬هو‬
‫أن يموت قبل البيان ولم تعرف المانة بعينها ‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن المانات الرّهن ‪ ،‬إذا مات المرتهن مجهّلً يضمن قيمة الرّهن في تركته ‪ ،‬وكذا‬
‫الوكيل إذا مات مجهّلً ما قبضه ‪.‬‬
‫وقد نصّت المادّة ‪ 801‬من المجلّة على أنّه ‪ ( :‬إذا مات المستودع ووجدت الوديعة عينا في‬
‫تركته يكون أمان ًة في يد وارثه ‪ ،‬فيردّها لصاحبها ‪ .‬وأمّا إذا لم توجد عينا في تركته ‪ :‬فإن‬
‫ن المستودع قد بيّن حال الوديعة في حياته ‪ ،‬كأن قال ‪ :‬رددت الوديعة لصاحبها‬
‫أثبت الوارث أ ّ‬
‫‪ ،‬أو قال ‪ :‬ضاعت بل تعدّ ‪ ،‬فل يلزم الضّمان ‪ .‬وكذا لو قال الوارث ‪ :‬نحن نعرف الوديعة ‪،‬‬
‫وفسّرها ببيان أوصافها ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬إنّها هلكت أو ضاعت بعد وفاة المستودع صدّق بيمينه ول‬
‫ضمان حينئذ ‪ ،‬وإذا مات المستودع بدون أن يبيّن حال الوديعة يكون مجهّلً ‪ ،‬فتؤخذ الوديعة‬
‫من تركته كسائر ديونه ‪ ،‬وكذا لو قال الوارث ‪ :‬نحن نعرف الوديعة بدون أن يفسّرها‬
‫ويصفها ‪ ،‬ل يعتبر قوله ‪ :‬إنّها ضاعت ‪ .‬وبهذه الصّورة إذا لم يثبت أنّها ضاعت يلزم الضّمان‬
‫من التّركة ) ‪.‬‬
‫‪ -7‬وقد ورد في الشباه والنّظائر لبن نجيم ‪ :‬المانات تنقلب مضمون ًة بالموت عن تجهيل إلّ‬
‫في ثلث ‪ :‬النّاظر إذا مات مجهّلً غلّات الوقف ‪ ،‬والقاضي إذا مات مجهّلً أموال اليتامى عند‬
‫من أودعها ‪ .‬والسّلطان إذا أودع بعض الغنيمة عند الغازي ثمّ مات ولم يبيّن عند من أودعها ‪.‬‬
‫هكذا في فتاوى قاضي خان في باب الوقف ‪ ،‬وفي الخلصة في باب الوديعة وذكرها‬
‫الولوالجيّ وذكر من الصّور الثّلث ‪ :‬أحد الشّريكين المتفاوضين إذا مات ولم يبيّن حال المال‬
‫الّذي في يده ‪ ،‬ولم يذكره للقاضي ‪ ،‬فصار المستثنى أربعةً ‪.‬‬
‫وزاد ( أي صاحب الشباه ) عليها مسائل ‪:‬‬
‫ي إذا مات مجهّلً فل ضمان عليه كما في جامع الفصولين ‪.‬‬
‫الولى الوص ّ‬
‫الثّانية ‪ :‬الب إذا مات مجهّلً مال ابنه ذكره فيها أيضا ‪.‬‬
‫الثّالثة ‪ :‬إذا مات الوارث مجهّلً ما أودع عند موته ‪.‬‬
‫الرّابعة ‪ :‬إذا مات مجهّلً لما ألقته الرّيح في بيته ‪.‬‬
‫الخامسة ‪ :‬إذا مات مجهّلً لما وضعه مالكه في بيته بغير علمه ‪.‬‬
‫السّادسة ‪ :‬إذا مات الصّبيّ مجهّلً لما أودع عنده محجورا ‪ .‬وهذه الثّلث في تلخيص الجامع‬
‫الكبير للخلّاطيّ فصار المستثنى عشر ًة ‪ .‬ومعنى موته مجهّلً ‪ :‬أن ل يبيّن حال المانة وكان‬
‫ن وارثه ل يعلمها ‪ ،‬فإن بيّنها وقال في حياته ‪ :‬رددتها فل تجهيل إن برهن الوارث على‬
‫يعلم أ ّ‬
‫مقالته ‪ ،‬وإلّ لم يقبل قوله ‪ ،‬وإن كان يعلم أنّ وارثه يعلمها فل تجهيل ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬إذا توفّي المودع ولديه وديعة ‪ ،‬ولم يردّها لصاحبها قبل موته ‪ ،‬ولم يوص بها‬
‫‪ ،‬أي لم يعلم بها من يقوم بردّها بعد موته من قاض أو أمين أو وارث ضمنها إن تمكّن من‬
‫ردّها أو اليصاء بها ولم يفعل ‪ ،‬بخلف ما إذا لم يتمكّن ‪ ،‬كأن مات فجأ ًة أو قتل غيلةً أو‬
‫ل ذلك في غير القاضي ‪ .‬أمّا القاضي إذا مات ولم يوجد مال‬
‫سافر بها ‪ ،‬لعجزه عن ذلك ومح ّ‬
‫اليتيم في تركته فل يضمنه وإن لم يوص به ‪ ،‬لنّه أمين الشّرع ‪ ،‬بخلف سائر المناء ولعموم‬
‫وليته ‪ .‬ول أثر لكتابة المودع على شيء ‪ :‬هذا وديعة فلن مثلً ‪ ،‬أو في أوراقه ‪ :‬عندي‬
‫لفلن كذا إلّ إذا أقرّ به أو قامت به بيّنة أو أقرّ به الوارث ‪.‬‬
‫والمالكيّة كذلك في الضّمان ‪ ،‬وزادوا طول الزّمن ‪ ،‬حيث قالوا ‪ :‬تضمن الوديعة بموت‬
‫المودع إذا لم يوص بها ولم توجد في تركته ‪ ،‬فتؤخذ من تركته ‪ ،‬لحتمال أنّه تسلّفها ‪ ،‬إلّ أن‬
‫يطول الزّمن من يوم اليداع لعشر سنين فل ضمان ‪ ،‬ويحمل على أنّه ردّها لربّها ‪ .‬ومحلّ‬
‫ل إذا لم تكن الوديعة ببيّنة مقصودة للتّوثّق ‪ ،‬وإلّ فل يسقط الضّمان ‪،‬‬
‫كون العشر السّنين طوا ً‬
‫ولو زاد على العشرة أخذها ربّها إن ثبت بكتابة عليها أنّها له بخطّ المودع أو المودع ‪ .‬ويرى‬
‫الحنابلة ‪ :‬أنّه إذا مات المودع وعنده وديعة ول تتميّز من ماله فصاحبها غريم بها ‪ ،‬فإن كان‬
‫عليه دين سواها فهي والدّين سواء ‪.‬‬
‫ل بإقرار سابق من الميّت أو ورثته أو ببيّنة تشهد بها ‪ ،‬وإن وجد‬
‫‪ -8‬هذا ول تثبت الوديعة إ ّ‬
‫جةً عليهم ‪ ،‬لجواز أن يكون الظّرف كانت فيه وديعة قبل هذا ‪،‬‬
‫عليها مكتوبا وديعةً لم يكن ح ّ‬
‫أو كانت وديع ًة لمورّثهم عند غيره ‪ ،‬أو كانت وديع ًة فابتاعها ‪ .‬وكذلك لو وجد في أوراق أبيه‬
‫ن لفلن عندي وديعةً لم يلزمه بذلك ‪ ،‬لجواز أن يكون قد ردّها ونسي الضّرب على ما كتب‬
‫أّ‬
‫أو غير ذلك ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك يرجع إليه في ( إبضاع ‪ ،‬رهن ‪ ،‬عاريّة ‪ ،‬مضاربة ‪ ،‬وديعة ووقف ) ‪.‬‬

‫تجويد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّجويد لغ ًة ‪ :‬تصيير الشّيء جيّدا ‪ .‬والجيّد ‪ :‬ضدّ الرّديء ‪ ،‬يقال ‪ :‬جوّد فلن كذا ‪ :‬أي‬
‫فعله جيّدا ‪ ،‬وجوّد القراءة ‪ :‬أي أتى بها بريئ ًة من الرّداءة في النّطق ‪.‬‬
‫ل حرف حقّه ومستحقّه ‪ .‬والمراد بحقّ الحرف ‪ :‬الصّفة الذّاتيّة الثّابتة له‬
‫واصطلحا ‪ :‬إعطاء ك ّ‬
‫كالشّدّة والستعلء ‪ ،‬والمراد بمستحقّ الحرف ‪ :‬ما ينشأ عن تلك الصّفات الذّاتيّة اللّازمة‬
‫كالتّفخيم ‪ ،‬فإنّه ناشئ عن كلّ من الستعلء والتّكرير ‪ ،‬لنّه يكون في الحرف حال سكونه‬
‫ضمّ فقط ‪ ،‬ول يكون في حال الكسر ‪ .‬وهذا كلّه بعد إخراج كلّ حرف من‬
‫وتحريكه بالفتح وال ّ‬
‫مخرجه ‪ .‬واعتبره بعضهم غير داخل في تعريف التّجويد ‪ ،‬لنّه مطلوب لحصول أصل‬
‫ن إخراج الحرف من مخرجه أيضا داخل‬
‫القراءة ‪ ،‬لكن قال الشّيخ عليّ القاريّ ‪ :‬ول يخفى أ ّ‬
‫ن المعرّف هو‬
‫في تعريف التّجويد ‪ ،‬كما صرّح به ابن الجزريّ في كتاب التّمهيد ‪ ،‬أي ل ّ‬
‫ل حرف من‬
‫القراءة المجوّدة ‪ ،‬وليس مطلق القراءة ‪ ،‬وتجويد القراءة ل يكون إلّ بإخراج ك ّ‬
‫مخرجه ‪ .‬قال ابن الجزريّ ‪ :‬التّجويد ‪ :‬إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها ‪ ،‬وردّ‬
‫الحرف إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره ‪ ،‬وتصحيح لفظه وتلطيف النّطق به على حال‬
‫صيغته وكمال هيئته ‪ ،‬من غير إسراف ول تعسّف ول إفراط ول تكلّف ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّلوة ‪ ،‬والداء ‪ ،‬والقراءة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّلوة اصطلحا ‪ :‬قراءة القرآن متتابعا كالجزاء والسداس ‪.‬‬
‫أمّا الداء فهو ‪ :‬الخذ عن الشّيوخ بالسّماع منهم أو القراءة بحضرتهم ‪.‬‬
‫وأمّا القراءة فهي أعمّ من التّلوة والداء ‪.‬‬
‫ن التّجويد أمر زائد على هذه اللفاظ الثّلثة ‪ ،‬فهو أخصّ منها جميعها ‪.‬‬
‫ول يخفى أ ّ‬
‫ب ‪ -‬التّرتيل ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّرتيل لغ ًة ‪ :‬مصدر رتّل ‪ ،‬يقال ‪ :‬رتّل فلن كلمه ‪ :‬إذا أتبع بعضه بعضا على مكث‬
‫وتفهّم من غير عجل ‪.‬‬
‫ي رضي ال‬
‫واصطلحا ‪ :‬هو رعاية مخارج الحروف وحفظ الوقوف ‪ .‬وروي نحوه عن عل ّ‬
‫عنه حيث قال ‪ :‬التّرتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ‪.‬‬
‫ن التّجويد يشمل ما‬
‫ن التّرتيل وسيلة من وسائل التّجويد ‪ ،‬وأ ّ‬
‫فالفرق بينه وبين التّجويد ‪ :‬أ ّ‬
‫يتّصل بالصّفات الذّاتيّة للحروف ‪ ،‬وما يلزم عن تلك الصّفات ‪ ،‬أمّا التّرتيل فيقتصر على‬
‫رعاية مخارج الحروف وضبط الوقوف لعدم الخلط بين الحروف في القراءة السّريعة ‪ ،‬ولذلك‬
‫أطلق العلماء ( التّرتيل ) على مرتبة من مراتب القراءة من حيث إتمام المخارج والمدود ‪،‬‬
‫وهو يأتي بعد مرتبة ( التّحقيق ) وأدنى منهما مرتبة وسطى تسمّى ( التّدوير ) ثمّ ( الحدر )‬
‫وهو المرتبة الخيرة ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ل خلف في أنّ الشتغال بعلم التّجويد فرض كفاية ‪.‬‬
‫أمّا العمل به ‪ ،‬فقد ذهب المتقدّمون من علماء القراءات والتّجويد إلى أنّ الخذ بجميع أصول‬
‫التّجويد واجب يأثم تاركه ‪ ،‬سواء أكان متعلّقا بحفظ الحروف ‪ -‬ممّا يغيّر مبناها أو يفسد‬
‫معناها ‪ -‬أم تعلّق بغير ذلك ممّا أورده العلماء في كتب التّجويد ‪ ،‬كالدغام ونحوه ‪.‬‬
‫قال محمّد بن الجزريّ في النّشر نقلً عن المام نصر الشّيرازيّ ‪ :‬حسن الداء فرض في‬
‫القراءة ‪ ،‬ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حقّ تلوته ‪.‬‬
‫وذهب المتأخّرون إلى التّفصيل بين ما هو واجب شرعيّ من مسائل التّجويد ‪ ،‬وهو ما يؤدّي‬
‫تركه إلى تغيير المبنى أو فساد المعنى ‪ ،‬وبين ما هو واجب صناعيّ أي أوجبه أهل ذلك العلم‬
‫لتمام إتقان القراءة ‪ ،‬وهو ما ذكره العلماء في كتب التّجويد من مسائل ليست كذلك ‪ ،‬كالدغام‬
‫والخفاء إلخ ‪ .‬فهذا النّوع ل يأثم تاركه عندهم ‪.‬‬
‫قال الشّيخ عليّ القاريّ بعد بيانه أنّ مخارج الحروف وصفاتها ‪ ،‬ومتعلّقاتها معتبرة في لغة‬
‫العرب ‪ :‬فينبغي أن تراعى جميع قواعدهم وجوبا فيما يتغيّر به المبنى ويفسد المعنى ‪،‬‬
‫واستحبابا فيما يحسن به اللّفظ ويستحسن به النّطق حال الداء ‪ .‬ثمّ قال عن اللّحن الخفيّ الّذي‬
‫ل يعرفه إلّ مهرة القرّاء ‪ :‬ل يتصوّر أن يكون فرض عين يترتّب العقاب على قارئه لما فيه‬
‫طيّبة أيضا ‪:‬‬
‫من حرج عظيم ‪ .‬ولما قال محمّد بن الجزريّ في منظومته في التّجويد ‪ ،‬وفي ال ّ‬
‫ن لم يجوّد القُرآن آ ِث ُم‬
‫مَ ْ‬ ‫والخذ بالتّجويد حتمٌ لزمُ‬
‫قال ابنه أحمد في شرحها ‪ :‬ذلك واجب على من يقدر عليه ‪ ،‬ث ّم قال ‪ :‬لنّ اللّه تعالى أنزل به‬
‫كتابه المجيد ‪ ،‬ووصل من نبيّه صلى ال عليه وسلم متواترا بالتّجويد ‪.‬‬
‫ي هذا التّقييد بالقدرة أكثر من مرّة ‪ .‬ويدلّ لذلك الحديث الّذي‬
‫وكرّر أحمد بن محمّد بن الجزر ّ‬
‫رواه الشّيخان عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ن و ُي َت ْعتِعُ فيه ‪ ،‬وهو عليه شاقّ له‬
‫الماهرُ بالقرآنِ مع السّ َفرَةِ الكِرامِ ال َبرَرَةِ ‪ ،‬والّذي يقرأُ القرآ َ‬
‫أجرانِ » وقد اعتبر ابن غازيّ في شرحه للجزريّة من الواجب الصّناعيّ ‪ :‬كلّ ما كان من‬
‫ل قارئ من القرّاء المشهورين ‪ ،‬حيث يرى بعضهم‬
‫مسائل الخلف من الوجوه المختارة لك ّ‬
‫التّفخيم ويرى غيره التّرقيق في موطن واحد ‪ ،‬فهذا ل يأثم تاركه ‪ ،‬ول يتّصف بالفسق ‪.‬‬
‫وكذلك ما كان من جهة الوقف ‪ ،‬فإنّه ل يجب على القارئ الوقف على مح ّل معيّن بحيث لو‬
‫ل إذا كانت موهم ًة وقصدها ‪ ،‬فإن اعتقد‬
‫تركه يأثم ‪ ،‬ول يحرم الوقف على كلمة بعينها إ ّ‬
‫المعنى الموهم للكفر كفر ‪ -‬والعياذ باللّه ‪ -‬كأن وقف على قوله تعالى ‪ { :‬إنّ اللّه ل يستحي }‬
‫دون قوله ‪ { :‬أن يضرب مثلً ما } ‪ .‬أو على قوله ‪ { :‬وما من إله } دون { إلّ اللّه } ‪ .‬أمّا‬
‫قول علماء القراءة ‪ :‬الوقف على هذا واجب ‪ ،‬أو لزم ‪ ،‬أو حرام ‪ ،‬أو ل يحلّ ‪ ،‬أو نحو ذلك‬
‫من اللفاظ الدّالّة على الوجوب أو التّحريم فل يراد منه ما هو مقرّر عند الفقهاء ‪ ،‬ممّا يثاب‬
‫على فعله ‪ ،‬ويعاقب على تركه ‪ ،‬أو عكسه ‪ ،‬بل المراد ‪ :‬أنّه ينبغي للقارئ أن يقف عليه‬
‫لمعنًى يستفاد من الوقف عليه ‪ ،‬أو لئلّ يتوهّم من الوصل تغيير المعنى المقصود ‪ ،‬أو ل ينبغي‬
‫الوقف عليه ول البتداء بما بعده ‪ ،‬لما يتوهّم من تغيير المعنى أو رداءة التّلفّظ ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وقولهم ‪ :‬ل يوقف على كذا ‪ ،‬معناه ‪ :‬أنّه ل يحسن الوقف عليه صناعةً ‪ ،‬وليس معناه أنّ‬
‫الوقف عليه حرام أو مكروه ‪ ،‬بل خلف الولى ‪ ،‬إلّ إن تعمّد قاصدا المعنى الموهم ‪ .‬ثمّ‬
‫تطرّق ابن غازيّ إلى حكم تعلّم التّجويد بالنّسبة لمريد القراءة ‪ ،‬فقرّر عدم وجوب ذلك على‬
‫من أخذ القراءة على شيخ متقن ‪ ،‬ولم يتطرّق اللّحن إليه ‪ ،‬من غير معرفة علميّة بمسائله ‪،‬‬
‫وكذلك عدم وجوب تعلّمه على العربيّ الفصيح الّذي ل يتطرّق اللّحن إليه ‪ ،‬بأن كان طبعه‬
‫ن تعلّم هذين للحكام أمر صناعيّ ‪ .‬أمّا من أخلّ بشيء من الحكام‬
‫على القراءة بالتّجويد ‪ ،‬فإ ّ‬
‫المجمع عليها ‪ ،‬أو لم يكن عربيّا فصيحا ‪ ،‬فل بدّ في حقّه من تعلّم الحكام والخذ بمقتضاها‬
‫من أفواه المشايخ ‪.‬‬
‫ن المّة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة‬
‫جزَريّ في النّشر ‪ :‬ول شكّ أ ّ‬
‫قال المام ال َ‬
‫حدوده ‪ ،‬كذلك هم متعبّدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصّفة المتلقّاة من أئمّة القراءة‬
‫والمتّصلة بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ما يتناوله التّجويد من أمور ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّجويد علم من علوم القرآن ‪ ،‬ولكنّه يتميّز عن غيره من تلك العلوم المتّصلة بالقرآن‬
‫بأنّه يحتاج إليه الخاصّة والعامّة ‪ ،‬لحاجتهم إلى تلوة كتاب اللّه تعالى كما أنزل ‪ ،‬حسبما نقل‬
‫عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وهو إمّا أن يحصل بالتّعلّم لمسائله ‪ ،‬أو يؤخذ بالتّلقّي‬
‫من أفواه العلماء ‪ ،‬ول بدّ في الحالين من التّمرين والتّكرار ‪.‬‬
‫قال أبو عمرو الدّانيّ ‪ :‬ليس بين التّجويد وتركه إلّ رياضة لمن تدبّره بفكه ‪ .‬وقال أحمد بن‬
‫الجزريّ ‪ :‬ل أعلم سببا لبلوغ نهاية التقان والتّجويد ووصول غاية التّصحيح والتّسديد مثل‬
‫رياضة اللسن والتّكرار على اللّفظ المتلقّى من فم المحسن ‪.‬‬
‫ويشتمل علم التّجويد على أبحاث كثيرة أهمّها ‪:‬‬
‫ل حرف من مخرجه الصّحيح ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬مخارج الحروف ‪ ،‬للتّوصّل إلى إخراج ك ّ‬
‫ب ‪ -‬صفات الحروف ‪ ،‬من جهر وهمس مع معرفة الحروف المشتركة في الصّفة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّفخيم والتّرقيق وما يتّصل بذلك من أحكام لبعض الحروف كالرّاء واللّام ‪.‬‬
‫د ‪ -‬أحوال النّون السّاكنة والتّنوين والميم السّاكنة ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬المدّ والقصر وأنواع المدّ ‪.‬‬
‫و ‪ -‬الوقف والبتداء والقطع وما يتّصل بذلك من أحكام ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬أحكام البتداء بالقراءة ‪ ،‬من تعوّذ وبسملة وأحكام ختم القرآن وآداب التّلوة ‪.‬‬
‫وموطن تفصيل ذلك هو كتب علم التّجويد ‪ ،‬وكذلك كتب القراءات في آخر أبحاثها كما في‬
‫طيّبة " لمحمّد بن الجزريّ ‪ ،‬وفي‬
‫منظومة حرز الماني للشّاطبيّ ‪ ،‬أو في أوائلها كما في " ال ّ‬
‫بعض المطوّلت من كتب علوم القرآن كالبرهان للزّركشيّ ‪ ،‬والتقان للسّيوطيّ ‪.‬‬
‫ما يخلّ بالتّجويد ‪ ،‬وحكمه ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يقع الخلل بالتّجويد إمّا في أداء الحروف ‪ ،‬وإمّا فيما يلبس القراءة من التّغييرات‬
‫الصّوتيّة المخالفة لكيفيّة النّطق المأثورة ‪.‬‬
‫فالنّوع الوّل يسمّى ( اللّحن ) أي الخطأ والميل عن الصّواب ‪ ،‬وهو نوعان ‪ :‬جليّ وخفيّ ‪.‬‬
‫واللّحن الجليّ ‪ :‬خطأ يطرأ على اللفاظ فيخلّ بعرف القراءة ‪ ،‬سواء أخلّ بالمعنى أم لم يخلّ ‪.‬‬
‫وسمّي جليّا لنّه يخلّ إخللً ظاهرا يشترك في معرفته علماء القرآن وغيرهم ‪ ،‬وهو يكون في‬
‫مبنى الكلمة كتبديل حرف بآخر ‪ ،‬أو في حركتها بتبديلها إلى حركة أخرى أو سكون ‪ ،‬سواء‬
‫أتغيّر المعنى بالخطأ فيها أم لم يتغيّر ‪ .‬وهذا النّوع يحرم على من هو قادر على تلفيه ‪ ،‬سواء‬
‫أوهم خلل المعنى أو اقتضى تغيير العراب ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬فهو خطأ يطرأ على اللّفظ ‪ ،‬فيخلّ بعرف القراءة ول يخلّ بالمعنى ‪.‬‬
‫وأمّا اللّحن الخف ّ‬
‫وسمّي خفيّا لنّه يختصّ بمعرفته علماء القرآن وأهل التّجويد ‪ .‬وهو يكون في صفات‬
‫ي قسمان ‪:‬‬
‫الحروف ‪ ،‬وهذا اللّحن الخف ّ‬
‫أحدهما ‪ :‬ل يعرفه إلّ علماء القراءة كترك الخفاء ‪ ،‬وهو ليس بفرض عين يترتّب عليه‬
‫عقاب كما سبق ‪ ،‬بل فيه خوف العتاب والتّهديد ‪.‬‬
‫ل مهرة القرّاء كتكرير الرّاءات وتغليظ اللّامات في غير محلّها ‪ ،‬ومراعاة‬
‫والثّاني ‪ :‬ل يعرفه إ ّ‬
‫مثل هذا مستحبّة تحسن في حال الداء ‪.‬‬
‫وأمّا النّوع الثّاني من الخلل فهو ما يحصل من الزّيادة والنّقص عن الحدّ المنقول من‬
‫أوضاع التّلوة ‪ ،‬سواء في أداء الحرف أو الحركة عند القراءة ‪ ،‬وسبب الخلل القراءة‬
‫باللحان المطربة المرجّعة كترجيع الغناء ‪ ،‬وهو ممنوع لما فيه من إخراج التّلوة عن‬
‫أوضاعها الصّحيحة ‪ ،‬وتشبيه القرآن بالغاني الّتي يقصد بها الطّرب ‪.‬‬
‫واستدلّوا لمنع ذلك بحديث عابس رضي ال عنه قال ‪ :‬إنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪ « :‬بادروا بالموت ستّا ‪ :‬إمرة السّفهاء ‪ ،‬وكثرة الشّرط ‪ ،‬وبيع الحكم ‪ ،‬واستخفافا‬
‫بالدّم ‪ ،‬وقطيعة الرّحم ‪ ،‬و َنشْوا يتّخذون القرآن مزامير يقدّمونه يغنّيهم ‪ ،‬وإن كان أقلّ منهم‬
‫فقها » ‪ .‬قال الشّيخ زكريّا النصاريّ ‪ :‬والمراد بلحون العرب ‪ :‬القراءة بالطّبع والسّليقة كما‬
‫جبلوا عليه من غير زيادة ول نقص ‪ ،‬والمراد بلحون أهل الفسق والكبائر ‪ :‬النغام المستفادة‬
‫من علم الموسيقى ‪ ،‬والمر في الخبر محمول على النّدب ‪ ،‬والنّهي على الكراهة إن حصلت‬
‫ل فعلى التّحريم ‪.‬‬
‫المحافظة على صحّة ألفاظ الحروف ‪ ،‬وإ ّ‬
‫قال الرّافعيّ ‪ :‬المكروه أن يفرّط في المدّ وفي إشباع الحركات ‪ ،‬حتّى يتولّد من الفتحة ألف‬
‫ن الفراط على الوجه المذكور حرام يفسق‬
‫ي ‪ :‬الصّحيح أ ّ‬
‫ضمّة واو ‪ ...‬إلخ قال النّوو ّ‬
‫ومن ال ّ‬
‫به القارئ ويأثم به المستمع ‪ ،‬لنّه عدل به عن منهجه القويم ‪ ،‬وهذا مراد الشّافعيّ بالكراهة ‪.‬‬
‫وقد أورد علماء التّجويد نماذج من ذلك ‪ ،‬فمنها ما يسمّى بالتّرقيص ‪ ،‬والتّحزين ‪ ،‬والتّرعيد ‪،‬‬
‫والتّحريف ‪ ،‬والقراءة باللّين والرّخاوة في الحروف ‪ ،‬والنّقر بالحروف وتقطيعها ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫وتفصيل المراد بذلك في مراجعه ‪ ،‬ومنها شروح الجزريّة ‪ ،‬ونهاية القول المفيد ‪ ،‬وقد أورد‬
‫ل حرف‬
‫أبياتا في ذلك من منظومة للمام علم الدّين السّخاويّ ‪ ،‬ثمّ نقل عن شرحها قوله ‪ :‬فك ّ‬
‫له ميزان يعرف به مقدار حقيقته ‪ ،‬وذلك الميزان هو مخرجه وصفته ‪ ،‬وإذا خرج عن مخرجه‬
‫معطًى ما له من الصّفات على وجه العدل في ذلك من غير إفراط ول تفريط فقد وزن بميزانه‬
‫‪ ،‬وهذا هو حقيقة التّجويد ‪ .‬وسبيل ذلك التّلقّي من أفواه القرّاء المتقنين ‪.‬‬

‫تحالف *‬
‫انظر ‪ :‬حلف ‪.‬‬

‫تحبيس *‬
‫انظر ‪ :‬وقف ‪.‬‬

‫تحجير *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحجير أو الحتجار لغةً واصطلحا ‪ :‬منع الغير من الحياء بوضع علمة كحجر أو‬
‫غيره على الجوانب الربعة ‪ ،‬وهو يفيد الختصاص ل التّمليك ‪.‬‬
‫ي ومواطن البحث ‪:‬‬
‫الحكم الجمال ّ‬
‫‪ - 2‬اتّفق الفقهاء على أنّ الرض المحجّرة ‪ -‬من الراضي الخربة ‪ -‬ل يجوز إحياؤها ‪ ،‬لنّ‬
‫من حجّرها أولى بالنتفاع بها من غيره ‪ ،‬فإن أهملها فللفقهاء تفصيلت ‪.‬‬
‫فالحنفيّة والمالكيّة وضعوا مدّةً قصوى للختصاص الحاصل بالتّحجير ‪ ،‬وهي ثلث سنوات ‪،‬‬
‫وهذا هو الحكم ديان ًة ‪ ،‬أمّا قضا ًء فإذا أحياها غيره قبل مضيّ هذه المدّة ملكها ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الحكم عند الحنفيّة ‪ ،‬فإن لم يقم بتعميرها أخذها المام ودفعها إلى غيره ‪ ،‬لقول عمر رضي‬
‫ال عنه ‪ ":‬ليس لمتحجّر بعد ثلث سنين حقّ "‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة ‪ ،‬وهو وجه عند الحنابلة إلى أنّه إذا أهمل المتحجّر إحياء الرض م ّدةً غير‬
‫طويلة عرفا ‪ ،‬وجاء من يحييها فإنّ الحقّ للمتحجّر ‪.‬‬
‫ن الحقّ لمن أحيا تلك الرض ‪.‬‬
‫ن التّحجير بل عمل ل يفيد ‪ ،‬وأ ّ‬
‫والوجه الخر للحنابلة ‪ :‬أ ّ‬
‫وسبق التّفصيل في مصطلح ( إحياء الموات ج ‪. ) 16/ 2‬‬

‫تحديد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحديد لغ ًة ‪ :‬مصدر حدّد ‪ ،‬وأصل الح ّد ‪ :‬المنع والفصل بين الشّيئين ‪ ،‬يقال ‪ :‬حدّدت‬
‫الدّار تحديدا ‪ :‬إذا ميّزتها من مجاوراتها بذكر نهاياتها ‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء ‪ :‬تحديد الشّيء عبارة عن ذكر حدوده ‪ ،‬ويستعمل غالبا في العقار ‪ ،‬كما‬
‫يقولون ‪ :‬إن ادّعى عقارا حدّده ‪ ،‬أي ذكر المدّعي حدوده ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّعيين ‪:‬‬
‫‪ - 2‬تعيين الشّيء ‪ :‬تخصيصه من الجملة ‪ ،‬يقال ‪ :‬عيّنت ال ّنيّة إذا نويت صوما معيّنا ‪ ،‬ومنه‬
‫خيار التّعيين ‪ ،‬وهو أن يشتري أحد الشّيئين أو الثّلثة على أن يعيّنه في خلل ثلثة أيّام ‪ .‬ب‬
‫‪ -‬التّقدير ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّقدير من القدر ‪ ،‬وقدر الشّيء ومقداره ‪ :‬مقياسه ‪ ،‬فالتّقدير ‪ :‬وضع قدر للشّيء أو قياسه‬
‫‪ ،‬أو التّروّي والتّفكير في تسوية أمر وتهيئته ‪ ،‬ومنه ‪ :‬تقدير القاضي العقوبة الرّادعة في‬
‫التّعزير بحيث تتناسب مع الجريمة والمجرم ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تحديد المعقود عليه في العقود الواردة على العقار بحيث تنتفي الجهالة شرط لصحّة العقد‬
‫‪ .‬وتحديد المدّعي شرط لصحّة الدّعوى إذا كان عقارا ‪ ،‬لنّ العقار ل يمكن إحضاره فتعذّر‬
‫تعريفه بالشارة ‪ ،‬فيعرف بالحدود ‪ ،‬فيذكر المدّعي الحدود الربعة ‪ ،‬ويذكر أسماء أصحاب‬
‫ح الدّعوى ‪.‬‬
‫الحدود وأنسابهم ‪ ،‬ويذكر المحلّة والبلد ‪ ،‬وإلّ ل تص ّ‬
‫وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬دعوى ) ‪.‬‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫يذكر الفقهاء تحديد المدّعي في كتاب الدّعوى ‪ ،‬وتحديد المعقود عليه في البيع والجارة‬
‫ونحوها ‪.‬‬
‫تحرّف *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من معاني التّحرّف في اللّغة ‪ :‬الميل ‪ ،‬والعدول عن الشّيء ‪ .‬يقال ‪ :‬حرّف عن الشّيء‬
‫يحرّف حرفا وتحرّف ‪ :‬عدل ‪ ،‬وإذا مال النسان عن شيء يقال ‪ :‬تحرّف ‪.‬‬
‫واصطلحا ‪ :‬يطلق على التّحرّف في القتال بمعنى ترك الموقف إلى موقف أصلح للقتال منه ‪،‬‬
‫حسب ما يقتضيه الحال ‪ ،‬أو للتّوجّه إلى قتال طائفة أخرى أه ّم من هؤلء ‪ ،‬أو مستطردا لقتال‬
‫عدوّه بطلب عورة له يمكنه إصابتها ‪ ،‬فيكرّ عليه ‪.‬‬
‫ي ومواطن البحث ‪:‬‬
‫الحكم الجمال ّ‬
‫ل يحرم الفرار‬
‫‪ - 2‬إذا التقى جيش المسلمين والكفّار وكان عدد الكفّار مثلي المسلمين أو أق ّ‬
‫ل متحرّفا لقتال ‪ ،‬فيجوز له النصراف بقصد التّحرّف ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها‬
‫والنصراف إ ّ‬
‫حرّفا‬
‫لدْبارَ ‪ ،‬ومن يُوَلّهم َي ْو َم ِئذٍ ُدبُرَه إلّ ُم َت َ‬
‫الّذين آمنوا إذا لَقِيتُم الّذين كفروا َزحْفا فل تُوَلّوهم ا َ‬
‫حيّزا إلى ِفئَ ٍة فقد باءَ ِب َغضَبٍ من اللّه و َمأْواه جهنّمُ وبئسَ المصي ُر } ‪ .‬والمتحرّف‬
‫لِقِتالٍ أو ُم َت َ‬
‫هو من ينصرف من جهة إلى أخرى حسبما يقتضيه الحال ‪ ،‬فله أن ينتقل من مكان ضيّق إلى‬
‫مكان أرحب منه ‪ ،‬ليتبعه العدوّ إلى متّسع سهل للقتال ‪ ،‬أو من موضع مكشوف إلى موضع‬
‫آخر غير مكشوف ليكمن فيه ويهجم ‪ ،‬أو عن محلّه لصون منه عن نحو ريح أو شمس أو‬
‫عطش ‪ ،‬أو يف ّر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم ويجد فيهم فرص ًة ‪ ،‬أو ليستند إلى جبل ونحو ذلك‬
‫ممّا جرت به عادة أهل الحرب ‪ ،‬وقد روي عن عمر رضي ال عنه أنّه كان يوما في خطبته‬
‫إذ قال ‪ " :‬يا سارية بن زنيم الجبل " ‪ ،‬وكان قد بعث سارية إلى ناحية العراق لغزوهم ‪ ،‬فلمّا‬
‫قدم ذلك الجيش أخبروا أنّهم لقوا عدوّهم يوم جمعة ‪ ،‬فظهر عليهم ‪ ،‬فسمعوا صوت عمر‬
‫فتحيّزوا إلى الجبل ‪ ،‬فنجوا من عدوّهم فانتصروا عليهم ‪ .‬والتّحرّف جائز بل خلف بين‬
‫جمهور الفقهاء ‪ ،‬ولكنّ المالكيّة أجازوه لغير أمير الجيش والمام ‪ .‬أمّا هما فليس لهما التّحرّف‬
‫‪ ،‬لما يحصل بسبب ذلك من الخلل والمفسدة ‪ .‬والتّفصيل موطنه مصطلح ‪ ( :‬جهاد ) ‪.‬‬

‫تحرّي *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحرّي في اللّغة ‪ :‬القصد والبتغاء ‪ ،‬كقول القائل ‪ :‬أتحرّى مسرّتك ‪ ،‬أي أطلب‬
‫حرّوا رَشَدا } أي قصدوا طريق الحقّ وتوخّوه ‪.‬‬
‫مرضاتك ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬فأولئك َت َ‬
‫ومنه حديث النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الواخر ‪...‬‬
‫» الحديث ‪ .‬أي اعتنوا بطلبها ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬بذل المجهود في طلب المقصود ‪ ،‬أو طلب‬
‫ن عند عدم الوقوف على حقيقته ‪.‬‬
‫الشّيء بغالب الظّ ّ‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الجتهاد ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الجتهاد والتّحرّي لفظان متقاربا المعنى ‪ ،‬ومعناهما ‪ :‬بذل المجهود في طلب المقصود ‪،‬‬
‫إلّ أنّ لفظ الجتهاد صار في عرف العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعه في طلب العلم‬
‫بأحكام الشّريعة ‪ ،‬وبذل المجهود في تعرّف حكم الحادثة من الدّليل ‪.‬‬
‫أمّا التّحرّي فقد يكون بدليل ‪ ،‬وقد يكون بمجرّد شهادة القلب من غير أمارة ‪ .‬فكلّ اجتهاد‬
‫تحرّ ‪ ،‬وليس ك ّل تحرّ اجتهاد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّوخّي ‪:‬‬
‫ن لفظ التّوخّي‬
‫‪ - 3‬التّوخّي مأخوذ من الوخى ‪ ،‬بمعنى القصد ‪ ،‬فالتّحرّي والتّوخّي سواء ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫يستعمل في المعاملت ‪ .‬كما قال صلى ال عليه وسلم للرّجلين اللّذين اختصما في المواريث ‪:‬‬
‫ل واحد منكما صاحبه » ‪.‬‬
‫« اذهبا وتوخّيا ‪ ،‬واستهما ‪ ،‬وليحلل ك ّ‬
‫وأمّا التّحرّي فيستعمل غالبا في العبادات ‪ .‬كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا شكّ‬
‫أحدكم في الصّلة فليتحرّ الصّواب » ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الظّنّ ‪:‬‬
‫ن يكون ترجيح أحد‬
‫ن ‪ :‬هو إدراك الطّرف الرّاجح مع احتمال النّقيض ‪ ،‬ففي الظّ ّ‬
‫‪ - 4‬الظّ ّ‬
‫المرين على الخر ‪ ،‬فإن كان بغير دليل فهو مذموم ‪ ،‬ويكون التّرجيح في التّحرّي بغالب‬
‫الرّأي ‪ ،‬وهو دليل يتوصّل به إلى طرف العلم وإن كان ل يتوصّل به إلى ما يوجب حقيقة‬
‫العلم ‪ ،‬وقد يستعمل الظّنّ بمعنى اليقين كقوله تعالى ‪ { :‬الّذين يظنّون أنّهم ملقو ربّهم } ‪.‬‬
‫شكّ ‪:‬‬
‫د ‪ -‬ال ّ‬
‫شكّ ‪ :‬تردّد بين احتمالين مستويين ‪ ،‬أي من غير رجحان لحدهما على الخر عند‬
‫‪ - 5‬ال ّ‬
‫شكّ ‪.‬‬
‫الشّاكّ ‪ .‬فالتّحرّي وسيلة لزالة ال ّ‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫سنّة والمعقول ‪ :‬أمّا‬
‫‪ - 6‬التّحرّي مشروع والعمل به جائز ‪ ،‬والدّليل على ذلك الكتاب وال ّ‬
‫ن اللّه‬
‫ت فامتحنوه ّ‬
‫الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمناتُ مهاجرا ٍ‬
‫ن مُؤْمنات فل تَرْجعوهنّ إلى الكفّار } ‪.‬‬
‫أعلمُ بإِيمانهنّ فإِن عَِل ْمتُموه ّ‬
‫وذلك يكون بالتّحرّي وغالب الرّأي ‪ ،‬وأطلق عليه العلم ‪.‬‬
‫سنّة ‪ :‬فالحديثان السّابقان عند الكلم عن التّوخّي ‪.‬‬
‫وأمّا ال ّ‬
‫ن الجتهاد في الحكام الشّرعيّة جائز للعمل به ‪ ،‬وذلك‬
‫وأمّا ما يدلّ عليه من المعقول ‪ :‬فهو أ ّ‬
‫عمل بغالب الرّأي ‪ ،‬ثمّ جعل مدركا من مدارك أحكام الشّرع ‪ ،‬وإن كانت الحكام ل تثبت به‬
‫ابتداءً ‪ ،‬فكذلك التّحرّي مدرك من مدارك التّوصّل إلى أداء العبادات وإن كانت العبادة ل تثبت‬
‫به ابتداءً ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬والتّحرّي في أحكام الشّرع ورد في مواضع كثيرة ‪ ،‬ويختلف حكمه باختلف مواطنه ‪:‬‬
‫أوّلً ‪ :‬التّحرّي لمعرفة الطّاهر من غيره حالة الختلط ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اختلط الواني ‪:‬‬
‫‪ - 7‬إذا اختلطت الواني الّتي فيها ماء طاهر بالواني الّتي فيها ماء نجس ‪ ،‬واشتبه المر ‪،‬‬
‫ولم يكن معه ماء طاهر سوى ذلك ‪ ،‬ول يعرف الطّاهر من النّجس ‪:‬‬
‫فإن كانت الغلبة للواني الطّاهرة ‪ ،‬يتحرّى عند الحنفيّة وبعض الحنابلة ‪ ،‬لنّ الحكم للغالب ‪،‬‬
‫وباعتبار الغالب لزمه استعمال الماء الطّاهر ‪ ،‬وإصابته بتحرّيه مأمولة ‪ ،‬ولنّ جهة الباحة قد‬
‫ل للشّرب‬
‫ترجّحت ‪ .‬وإن كانت الغلبة للواني النّجسة أو كانا متساويين ‪ ،‬فليس له أن يتحرّى إ ّ‬
‫ن له بديلً ‪.‬‬
‫حالة الضّرورة ‪ ،‬إذ ل بديل له ‪ ،‬بخلف الوضوء فإ ّ‬
‫وظاهر كلم أحمد وأكثر أصحابه عدم جواز التّحرّي ‪ ،‬وإن كثر عدد الواني الطّاهرة ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة يجوز التّحرّي في الحالين ‪ ،‬فيتوضّأ بالغلب ‪ ،‬لنّه شرط للصّلة ‪ ،‬فجاز‬
‫التّحرّي من أجله كالقبلة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا كان عنده ثلثة أوان نجسة أو متنجّسة واثنان طهوران ‪ ،‬واشتبهت‬
‫هذه بهذه ‪ ،‬فإنّه يتوضّأ ثلثة وضوآت من ثلثة أوان عدد الواني النّجسة ‪ ،‬ويتوضّأ وضوءا‬
‫رابعا من إناء رابع ‪ ،‬ويصلّي بكلّ وضوء صل ًة ‪.‬‬
‫وحكى ابن الماجشون من المالكيّة قولً آخر ‪ ،‬وهو أنّه يتوضّأ من كلّ واحد من الواني‬
‫وضوءا ويصلّي به ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ( اشتباه ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اختلط الثّياب ‪:‬‬
‫‪ - 8‬إذا اشتبهت على الشّخص ثياب طاهرة بنجسة ‪ ،‬وتعذّر التّمييز بينها ‪ ،‬وليس معه ثوب‬
‫طاهر بيقين غيرها ‪ ،‬ول ما يغسلها به ‪ ،‬ول يعرف الطّاهر من النّجس ‪ ،‬واحتاج إلى‬
‫الصّلة ‪ ،‬فإنّه يتحرّى عند الحنفيّة ‪ ،‬وهو المشهور عند المالكيّة والشّافعيّة ما عدا المزنيّ ‪،‬‬
‫ويصلّي في الّذي يقع تحرّيه على أنّه طاهر ‪ ،‬سواء أكانت الغلبة للثّياب النّجسة أم الطّاهرة ‪،‬‬
‫أو كانا متساويين ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ ،‬وابن الماجشون من المالكيّة ‪ :‬ل يجوز التّحرّي ‪ ،‬ويصلّي‬
‫في ثياب منها بعدد النّجس منها ‪ ،‬ويزيد صل ًة في ثوب آخر ‪.‬‬
‫ح الوجهين دفعا للمشقّة ‪.‬‬
‫وقال ابن عقيل من الحنابلة ‪ :‬يتحرّى في أص ّ‬
‫وقال أبو ثور والمزنيّ ‪ :‬ل يصلّي في شيء منها ‪ ،‬كقولهما في الواني ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اختلط المذكّاة بالميتة ‪:‬‬
‫‪ - 9‬إذا اختلطت المذكّاة بالميتة ‪ ،‬فذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز التّحرّي في حالة الضطرار‬
‫مطلقا ‪ ،‬أي سواء أكانت الغلبة للمذكّاة أم للميتة أو تساويا ‪.‬‬
‫ل إذا كانت الغلبة للحلل ‪.‬‬
‫وفي حالة الختيار ل يجوز التّحرّي إ ّ‬
‫وأمّا الئمّة الثّلثة فل يجوز عندهم التّحرّي مطلقا في هذا المجال ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّحرّي في الحيض ‪:‬‬
‫‪ - 10‬إذا نسيت امرأة عدد أيّام حيضها وموضعها ‪ ،‬واشتبه عليها حالها في الحيض والطّهر‬
‫ن عليها أن تتحرّى ‪ ،‬فإن وقع أكبر رأيها على أنّها حائض‬
‫فالمتبادر من أقوال جمهور الفقهاء أ ّ‬
‫أعطيت حكمه ‪ ،‬وإن وقع أكبر رأيها على أنّها طاهرة أعطيت حكم الطّاهرات ‪ ،‬لنّ غلبة‬
‫الظّنّ من الدلّة الشّرعيّة ‪.‬‬
‫وأمّا إذا تحيّرت ولم يغلب على ظنّها شيء ‪ ،‬فهي المتحيّرة أو المضلّة ‪ ،‬فعليها الخذ بالحوط‬
‫في الحكام ‪ .‬ولتفصيل أحكامها يرجع إلى مصطلح ( حيض ‪ ،‬استحاضة ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬معرفة القبلة بالستدلل والتّحرّي ‪:‬‬
‫ن المصلّي إذا كان قادرا على استقبال القبلة ‪ ،‬وكان بمكّة وفي حال مشاهدة الكعبة‬
‫‪ - 11‬إ ّ‬
‫ومعاينته لها ‪ ،‬فل خلف بين الفقهاء في أنّ عليه التّوجّه إلى عين الكعبة ‪ ،‬ومقابلة ذاتها ‪ .‬وإن‬
‫كان نائيا عن الكعبة غائبا عنها ‪ :‬فذهب الحنفيّة إلى أنّه يكفيه استقبال جهة الكعبة باجتهاد ‪،‬‬
‫وليس عليه إصابة العين ‪ ،‬وهو الظهر عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّ ‪.‬‬
‫والظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو قول للمالكيّة ‪ ،‬ورواية عن الحنابلة ‪ :‬أنّه تلزمه إصابة العين ‪.‬‬
‫ول يجوز الجتهاد عند جمهور الفقهاء مع وجود محاريب الصّحابة ‪ ،‬وكذلك محاريب‬
‫المسلمين الّتي تكرّرت الصّلوات إليها ‪.‬‬
‫كما أنّه ل يجوز الجتهاد إذا كان بحضرته من يسأله من أهل المكان العالم بها ‪ ،‬بشرط كونه‬
‫مقبول الشّهادة ‪ ،‬فال ّذ ّميّ والجاهل والفاسق والصّبيّ ل يعتدّ بإخباره في هذا المجال ‪.‬‬
‫فإذا عجز المصلّي عن إصابة عين الكعبة والتّوجّه إلى جهتها استدللً بالمحاريب المنصوبة‬
‫القديمة ‪ ،‬أو سؤال من هو عالم بالقبلة ‪ ،‬ممّن تقبل شهادته من أهل المكان ‪ :‬فإن كان من أهل‬
‫الجتهاد في أمر القبلة ‪ ،‬فعليه الجتهاد ‪ .‬والمجتهد في القبلة هو ‪ :‬العالم بأدلّتها وهي ‪ :‬النّجوم‬
‫‪ ،‬والشّمس ‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والرّياح ‪ ،‬والجبال ‪ ،‬والنهار وغير ذلك من الوسائل والمعالم ‪ ،‬وإن‬
‫ن كلّ من علم بأدلّة شيء كان من المجتهدين فيه ‪ ،‬وإن جهل‬
‫ل بأحكام الشّرع ‪ .‬فإ ّ‬
‫كان جاه ً‬
‫غيره ‪ .‬وإن كان غير عالم بأدلّتها ‪ ،‬أو كان أعمى فهو مقلّد وإن علم غيرها ‪ .‬فالمصلّي القادر‬
‫على الجتهاد إن صلّى بغير اجتهاد ‪ ،‬فالمتبادر من أقوال جمهور الفقهاء أنّه ل تجوز‬
‫صلته ‪ ،‬وإن وقعت إلى القبلة ‪ ،‬وكذلك إذا أدّاه الجتهاد إلى جهة فصلّى إلى غيرها ‪ ،‬ثمّ تبيّن‬
‫أنّه صلّى إلى الكعبة ‪ ،‬فصلته باطلة عند الئمّة الربعة ‪ ،‬لتركه الواجب ‪ ،‬كما لو صلّى ظانّا‬
‫أنّه محدث ثمّ تبيّن أنّه متطهّر ‪ .‬ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح ‪ ( :‬استقبال ) ‪.‬‬
‫‪ - 12‬من عجز عن معرفة القبلة بالستدلل ‪ ،‬بأن خفيت عليه الدلّة لحبس أو غيم ‪ ،‬أو‬
‫التبست عليه أو تعارضت ‪ ،‬ولم يكن هناك من يخبره اختلف الفقهاء في ذلك ‪ ،‬فذهب الحنفيّة‬
‫ن التّكليف‬
‫ح صلته ‪ ،‬ل ّ‬
‫والحنابلة ‪ ،‬وهو المعتمد عند المالكيّة ‪ :‬إلى أنّ عليه التّحرّي وتص ّ‬
‫بحسب الوسع والمكان ‪ ،‬وليس في وسعه إلّ التّحرّي ‪ .‬والمشهور عند الشّافعيّة أنّه يصلّي‬
‫كيف كان لحرمة الوقت ‪ ،‬سواء أكان في الوقت سعة أم ل ‪ ،‬ويقضي لندرة حصول ذلك ‪.‬‬
‫والصل في هذا الباب ما روي عن عامر بن ربيعة أنّه قال ‪ « :‬كنّا مع رسول اللّه صلى ال‬
‫ل رجل منّا على خياله ‪ ،‬فلمّا أصبحنا‬
‫عليه وسلم في ليلة مظلمة ‪ ،‬فلم ندر أين القبلة ‪ ،‬فصلّى ك ّ‬
‫ذكرنا ذلك لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم فنزل قول اللّه تعالى ‪ { :‬فأينما ُتوَلّوا َفثَمّ وج ُه اللّه‬
‫} » وقال عليّ رضي ال تعالى عنه ‪ ":‬قبلة المتحرّي جهة قصده "‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التّحرّي في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ -‬من شكّ في الصّلة فل يدري كم صلّى ‪ ،‬فعند الحنفيّة إن كان يعرض له الشّكّ كثيرا في‬ ‫‪13‬‬

‫الصّلة ‪ ،‬وكان له رأي تحرّى ‪ ،‬وبنى على أكبر رأيه ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫ك في الصّلة فليتحرّ الصّواب » ‪.‬‬
‫« من ش ّ‬
‫ل ‪ ،‬ويأتي بما شكّ فيه مطلقا ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة يبني على الق ّ‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا شكّ في أثناء الصّلة فعليه الخذ بالقلّ ‪ ،‬ويسجد للسّهو ‪ .‬ولو شكّ‬
‫بعد السّلم فقولن عندهم ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يقوم إلى التّدارك ‪ ،‬كأنّه لم يسلّم ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬أنّه ل يعتبر بعد الفراغ لما فيه من العسر ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة فيفرّقون بين المام والمنفرد في المشهور من مذهبهم ‪ .‬فمن كان إماما وشكّ فلم‬
‫يدر كم صلّى تحرّى وبنى على غالب ظنّه ‪ ،‬وأمّا المنفرد فيبني على اليقين ( القلّ ) ‪ ،‬وفي‬
‫رواية يبني على غالب ظنّه كالمام ‪ ،‬هذا إذا كان له رأي ‪ ،‬أمّا إذا استوى عنده المران بنى‬
‫على اليقين إماما كان أو منفردا ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬التّحرّي في الصّوم ‪:‬‬
‫‪ - 14‬من كان محبوسا أو كان في بعض النّواحي النّائية عن المصار ‪ ،‬أو بدار حرب بحيث‬
‫ل يمكنه التّعرّف على الشهر بالخبر واشتبه عليه شهر رمضان ‪ :‬فقد اتّفق الفقهاء على أنّه‬
‫يجب عليه التّحرّي والجتهاد في معرفة شهر رمضان ‪ ،‬لنّه أمكنه تأدية فرض بالتّحرّي‬
‫والجتهاد ‪ ،‬فلزمه كاستقبال القبلة ‪.‬‬
‫فإذا غلب على ظنّه عن أمارة تقوم في نفسه دخول شهر رمضان صامه ‪ ،‬ثمّ إن تبيّن أنّه‬
‫أصاب شهر رمضان ‪ ،‬أو لم ينكشف له الحال أجزأه في قول عامّة الفقهاء ‪ ،‬لنّه أدّى فرضه‬
‫بالجتهاد ‪ ،‬وأدرك ما هو المقصود بالتّحرّي ‪.‬‬
‫وإن تبيّن أنّه صام شهرا قبله ‪ ،‬فذهب الئمّة الثّلثة ‪ ،‬والشّافعيّة في الصّحيح من المذهب أنّه‬
‫ل يجزئه ‪ ،‬لنّه أدّى العبادة قبل وجود سبب وجوبها فلم تجزئه كمن صلّى قبل الوقت ‪ .‬وعند‬
‫الشّافعيّة قول في القديم في حالة تبيّن المر بعد رمضان أنّه يجزئ ‪ ،‬لنّه عبادة تفعل في‬
‫السّنة مرّ ًة ‪ ،‬فجاز أن يسقط فرضها بالفعل قبل الوقت عند الخطأ ‪.‬‬
‫أمّا إن تبيّن أنّه صام شهرا بعده ‪ ،‬جاز عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ‪،‬‬
‫وذلك بشرطين ‪ :‬إكمال العدّة ‪ ،‬وتبييت ال ّنيّة لشهر رمضان ‪ ،‬لنّه قضاء ‪ ،‬وفي القضاء يعتبر‬
‫ن العذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما‬
‫هذان الشّرطان ‪ ،‬وفي قول للشّافعيّة أنّه أداء للعذر ‪ ،‬ل ّ‬
‫في الجمع بين الصّلتين ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن كان الشّهر الّذي صامه ناقصا ‪ ،‬ورمضان الّذي صامه النّاس تامّا ‪ ،‬صام‬
‫ن صوم شهر آخر بعده يكون قضاءً ‪ ،‬والقضاء يكون على قدر الفائت ‪.‬‬
‫يوما ‪ ،‬ل ّ‬
‫وعلى القول الثّاني للشّافعيّة ‪ -‬بأنّه يقع أدا ًء ‪ -‬يجزئه ولو صامه ناقصا وصام النّاس رمضان‬
‫تامّا ‪ ،‬لنّ الشّهر يقع ما بين الهللين ‪ .‬وكذلك إن وافق بعض رمضان دون بعض ‪ ،‬فما وافق‬
‫رمضان أو بعده أجزأه ‪ ،‬وما وافق قبله لم يجزئه ‪.‬‬
‫ن الشّهر لم يدخل فصام لم يجزئه ‪ ،‬ولو أصاب ‪ ،‬وكذا لو شكّ في دخوله ولم‬
‫وأمّا إن ظنّ أ ّ‬
‫يغلب على ظنّه دخوله ‪ .‬وإن صام من اشتبهت عليه الشهر بل اجتهاد وهو قادر عليه ‪ ،‬وبل‬
‫تحرّ ‪ ،‬ل يجزئه كمن خفيت عليه القبلة ‪.‬‬
‫ل له الفطر ‪ ،‬لنّ الصل بقاء النّهار ‪.‬‬
‫ومن شكّ في الغروب في يوم غيم ولم يتحرّ ل يح ّ‬
‫خامسا ‪ :‬التّحرّي في معرفة مستحقّي الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ - 15‬من شكّ في حال من يدفع له الزّكاة لزمه التّحرّي ‪ :‬فإن وقع في أكبر رأيه أنّه فقير دفع‬
‫إليه ‪ ،‬فإذا ظهر أنّه فقير أو لم يظهر من حاله شيء جاز بالتّفاق ‪ ،‬وإن ظهر أنّه كان غنيّا‬
‫فكذلك في قول أبي حنيفة ومحمّد ‪ ،‬وهو قول أبي يوسف الوّل ‪ ،‬وفي قوله الخر تلزمه‬
‫العادة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّ ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة ‪ :‬إن دفع الزّكاة باجتهاد لغير مستحقّ في الواقع كغنيّ ‪ ،‬أو كافر مع ظنّه أنّه‬
‫مستحقّ ‪ ،‬لم تجزه ‪ .‬أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فروايتان ‪ :‬إحداهما يجزئه ‪ ،‬والخرى ل‬
‫يجزئه ‪ .‬ولمعرفة تفصيل أحكام ذلك يرجع إلى مصطلح ‪ ( :‬زكاة ) ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬التّحرّي بين القيسة المتعارضة ‪:‬‬
‫‪ - 16‬إذا وقع التّعارض بين القياسين ‪ ،‬ولم يكن هناك دليل لترجيح أحدهما على الخر ‪ ،‬ولم‬
‫يقع اختياره على أحدهما بالعمل به ‪ ،‬فيجب التّحرّي ‪ ،‬خلفا للمام الشّافعيّ ‪ ،‬فإنّه يقول ‪ :‬ل‬
‫يجب التّحرّي ‪ ،‬بل للمجتهد أن يعمل بأيّهما شاء ‪ ،‬وعلى هذا الخلف ‪ ،‬التّحرّي في قول‬
‫جيّة قول الصّحابيّ ‪ ،‬والتّفصيل في الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫صحابيّين عند من يقول بح ّ‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 17‬ورد ذكر التّحرّي في فصول كثيرة من كتب الفقه منها ‪ :‬كتاب الصّلة عند الكلم عن‬
‫استقبال القبلة ‪ ،‬وسجدة السّهو ‪ ،‬وأبواب الحيض والطّهارة ‪ ،‬والصّوم ‪ ،‬وخصّص صاحب‬
‫المبسوط للتّحرّي كتابا مستقلّا بعنوان ( كتاب التّحرّي ) ‪ ،‬كما أنّه يرجع لتفصيل أحكامه إلى‬
‫مصطلحات ( استقبال ‪ ،‬واستحاضة ‪ ،‬واشتباه ) ‪.‬‬

‫تحريش *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحريش في اللّغة ‪ :‬إغراء النسان أو الحيوان ليقع بقرنه ‪ ،‬أي نظيره ‪ .‬يقال ‪ :‬حرّش‬
‫بين القوم إذا أفسد بينهم ‪ ،‬وأغرى بعضهم ببعض ‪.‬‬
‫قال الجوهريّ ‪ :‬التّحريش ‪ :‬الغراء بين القوم ‪ ،‬أو البهائم ‪ ،‬كالكلب والثّيران وغيرهما ‪،‬‬
‫بتهييج بعضها على بعض ‪ ،‬ففي التّحريش تسليط للمحرّش على غيره ‪ .‬ويقال في تسليط‬
‫الكلب المعلّم نحوه على الصّيد ‪ :‬إشلء ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ للتّحريش عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّحريض ‪:‬‬
‫شرّ ‪ ،‬ويغلب استعماله‬
‫ث على القتال وغيره ‪ ،‬وهو يكون في الخير وال ّ‬
‫‪ - 2‬التّحريض ‪ :‬الح ّ‬
‫ث لطرفين ‪.‬‬
‫ث فيه لطرف ‪ ،‬أمّا التّحريش فيكون فيه الح ّ‬
‫فيما يكون الح ّ‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّحريش بين النّاس بقصد الفساد حرام ‪ ،‬لنّه وسيلة لفساد ذات البين ‪ ،‬واللّه ل يحبّ‬
‫الفساد ‪ .‬ومن صور التّحريش ‪ :‬النّميمة ‪ .‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أل أخبركم‬
‫بأفضلَ من درجةِ الصّيام والصّلة والصّدقة ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬صلح ذات ال َبيْن ‪ ،‬فإنّ‬
‫فساد ذات البين هي الحالقة » أمّا تحريش الحيوان ‪ -‬بمعنى الغراء والتّسليط والرسال بقصد‬
‫الصّيد ‪ -‬فمباح كإرسال الكلب المعلّم ‪ ،‬وما في معناه من الحيوانات ‪.‬‬
‫ول خلف بين الفقهاء في حرمة التّحريش بين البهائم ‪ ،‬بتحريض بعضها على بعض وتهييجه‬
‫عليـه ‪ ،‬لنّه سـفه ويؤدّي إلى حصـول الذى للحيوان ‪ ،‬وربّمـا أدّى إلى إتلفـه بدون غرض‬
‫مشروع ‪.‬‬
‫وجاء في الثر ‪ « :‬نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن التّحريش بين البهائم » ‪ .‬ويحرم‬
‫التّحريش بين المسلمين بقصد الفساد وإثارة الفتنة بينهم ‪ .‬وقال رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬إنّ الشّيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ‪ ،‬ولكن في التّحريش بينهم » ‪ .‬أمّا‬
‫الغراء على فعل مشروع فيسمّى تحريضا ‪ ،‬ومنه التّحريض على ركوب الخيل ‪ ،‬والتّدرّب‬
‫على الرّمي ‪ ،‬وفنون القتال وهو جائز ‪.‬‬
‫وقال بعض الفقهاء ‪ :‬إنّه مستحبّ ‪ .‬وتفصيله في ( تحريض ) ‪.‬‬

‫تحريض *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ث على القتال وغيره والحماء عليه ‪ .‬وجاء في‬
‫‪ - 1‬التّحريض في اللّغة ‪ :‬التّحضيض والح ّ‬
‫ل اللّه ل ُتكَّلفُ إلّ نفسَك وحرّض المؤمنين } ‪.‬‬
‫التّنزيل ‪ { :‬فقاتلْ في سبي ِ‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫وقريب من التّحريض الحثّ والتّحريش والغراء والتّهييج ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّثبيط ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّثبّط مصدر ثبّطه عن المر تثبيطا ‪ :‬شغله عنه وعوّقه ‪ .‬ونحوه التّخذيل ‪ ،‬وهو ‪ :‬حمل‬
‫أنصار الشّخص على ترك عونه وتثبيطه عن نصرته ‪ .‬فالتّثبيط ضدّ التّحريض ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الرجاف ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الرجاف مصدر ‪ :‬أرجف في الشّيء ‪ :‬خاض فيه ‪ ،‬وأرجف القوم ‪ :‬إذا خاضوا في‬
‫سيّئة وذكر الفتن ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬والمرْجِفون في المدينة } وهم الّذي يولّدون‬
‫الخبار ال ّ‬
‫الخبار الكاذبة الّتي يكون معها اضطراب في النّاس ‪.‬‬
‫فالرجاف وسيلة من وسائل التّثبيط الّذي هو ضدّ التّحريض ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّحريش ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّحريش ‪ :‬إغراء النسان أو الحيوان ليقع بقرنه أي نظيره ‪ .‬ول يكون استعماله إلّ في‬
‫ث فيه لطرف ‪.‬‬
‫الشّرّ ‪ ،‬وهو فيما يكون الحثّ فيه لطرفين ‪ .‬أمّا التّحريض فيكون الح ّ‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يختلف حكم التّحريض باختلف موضوعه ‪:‬‬
‫فالتّحريض على القتال في الجهاد مأمور به ‪ ،‬وكذلك التّحريض على البرّ والحسان ‪ ،‬كإطعام‬
‫المساكين واليتام ‪ .‬والتّحريض في الفساد ‪ ،‬وأنواع المنكر حرام ‪.‬‬
‫وتحريض السّبع الضّاري ‪ ،‬والكلب العقور على إنسان معصوم الدّم أو مال محترم حرام‬
‫وموجب للضّمان ‪ ،‬بتفصيل يأتي ‪.‬‬
‫تحريض المجاهدين على القتال ‪:‬‬
‫ن للمام والمير إذا جهّز جيشا أو سريّ ًة للخروج إلى الجهاد أن يحرّضهم على القتال‬
‫‪ - 6‬يس ّ‬
‫ل نفسَك وحرّض‬
‫وعلى الصّبر والثّبات ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬فقاتلْ في سبيلِ اللّه ل ُتكَلّفُ إ ّ‬
‫المؤمنين } وقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنينَ على القتالِ }‬
‫وتفصيله في باب الجهاد ‪.‬‬
‫التّحريض على المسابقة ‪:‬‬
‫ن تحريض الرّجال على المسابقة والمناضلة وركوب الخيل ‪ .‬ويجوز للمام أن يدفع‬
‫‪ - 7‬يس ّ‬
‫ص ‪ ،‬كما يجوز للفراد أيضا أن يدفعوه ‪ ،‬لنّه بذل في‬
‫العوض من بيت المال ‪ ،‬ومن ماله الخا ّ‬
‫عدّوا‬
‫طاعة ‪ ،‬ويثاب عليه ‪ .‬لنّ ذلك من العداد الّذي أمر اللّه به في قوله عزّ من قائل ‪ { :‬وأَ ِ‬
‫لهم ما استطعتم من قُوّةٍ ومن رِباطِ الخيلِ }‬
‫ي صلى ال عليه وسلم خرج يوما على قوم يتناضلون فقال ‪ :‬ارموا بني‬
‫ن النّب ّ‬
‫ولخبر ‪ « :‬أ ّ‬
‫ن القوّة الرّمي » ‪،‬‬
‫ن القوّة الرّمي ‪ ،‬أل إ ّ‬
‫إسماعيل فإنّ أباكم كان راميا » ولخبر ‪ « :‬أل إ ّ‬
‫ولخبر ‪ { :‬إنّ اللّه يدخل الجنّة بالسّهم الواحد ثلث ًة ‪ :‬صانعه يحتسب في صنعه الخير ‪،‬‬
‫والرّامي به ‪ ،‬ومنبّله » إلخ ‪ .‬والتّفصيل في ( السّباق ) ‪.‬‬
‫تحريض الحيوان ‪:‬‬
‫‪ - 8‬إذا حرّض حيوانا فجنى على إنسان فعليه الضّمان لتسبّبه ‪ ،‬هذا رأي المالكيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا كان في موضع واسع كالصّحراء فقتله فل ضمان ‪ ،‬لنّه لم يلجئه‬
‫إلى قتله ‪ ،‬والّذي وجد منه ليس بمهلك ‪ .‬أمّا إذا كان في موضع ضيّق ‪ ،‬أو كان الحيوان‬
‫ضاريا شديد العدو ل يتأتّى الهرب منه في الصّحراء ‪ ،‬وجب عليه الضّمان إذا قتل في الحال‬
‫‪ .‬وعند الحناف ‪ :‬ل يضمن ‪ .‬والتّفصيل في ( الجنايات ) ‪.‬‬
‫تحريض المحرم كلبا على صيد ‪:‬‬
‫‪ - 9‬إذا حرّض محرم كلبا على صيد ضمن ‪ ،‬كحلل في الحرم بجامع التّسبّب فيهما ‪.‬‬
‫والتّفصيل في ( الحرام ) ‪.‬‬
‫تحريف *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬التّحريف لغ ًة ‪ :‬مصدر حرّف الشّيء ‪ :‬إذا جعله على جانب ‪ ،‬أو أخذ من جانبه شيئا ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتحريف الكلم عن مواضعه تغييره والعدول به عن جهته ‪ ،‬ومنه قوله تعالى في اليهود ‪:‬‬
‫{ يُحرّفونَ الكَِلمَ عن مَوَاضِعه } أي يغيّرونه ‪.‬‬
‫والتّحريف في الصطلح ‪ :‬التّغيير في الكلمة بتبديل في حركاتها ‪ ،‬كالفلك والفلك ‪ ،‬والخلق‬
‫والخلق ‪ .‬أو تبديل حرف بحرف ‪ ،‬سواء اشتبها في الخطّ أم ل ‪ ،‬أو كلمة بكلمة نحو ( سرى‬
‫بالقوم ) ( وسرى في القوم ) أو بالزّيادة في الكلم أو النّقص منه ‪ ،‬أو حمله على غير المراد‬
‫منه ‪ .‬وخصّه بعضهم في علم أصول الحديث بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الخطّ‬
‫والنّقط ‪ ،‬وتخالفها في الحركات ‪ ،‬كتبديل الخلق بالخلق ‪ ،‬والقدم بالقدم ‪ ،‬وهذا اصطلح ابن‬
‫حجر على ظاهر ما في نخبة الفكر وشرحها ‪ ،‬جعله مقابلً للتّصحيف ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّصحيف ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّصحيف هو تغيير اللّفظ حتّى يتغيّر المعنى المراد ‪ ،‬وأصله الخطأ ‪ ،‬يقال ‪ :‬صحّفه‬
‫فتصحّف ‪ ،‬أي غيّره فتغيّر حتّى التبس ‪.‬‬
‫والتّصحيف في الصطلح اختلف فيه على قولين ‪ :‬قيل ‪ :‬هو ك ّل تغيير في الكلمة سواء بسبب‬
‫اختلف النّقط أو الشّكل أو بتبديل حرف بحرف أو كلمة بكلمة ‪ ،‬وهذا الّذي جرى عليه‬
‫اصطلح أغلب المحدّثين قبل ابن حجر ‪ ،‬منهم الخطيب في الكفاية ‪ ،‬والحاكم في معرفة علوم‬
‫الحديث ‪ ،‬والنّوويّ في التّقريب ‪ ،‬وابن الصّلح وغيرهم ‪ .‬وهو بهذا المعنى قريب من‬
‫التّحريف ‪ ،‬إلّ أنّ التّحريف أشمل ‪ ،‬إذ يدخل فيه تغيير المعنى مع بقاء اللّفظ على حاله ‪.‬‬
‫فيكون التّصحيف هو التّحريف في نقط الكلمة أو شكلها أو حروفها ‪ .‬وما سوى ذلك فهو‬
‫التّحريف في المعنى ‪.‬‬
‫ص بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها‬
‫أمّا ابن حجر ومن تابعه فقد ذهبوا إلى أنّ التّصحيف خا ّ‬
‫في الخطّ وتخالفها في النّقط ‪ ،‬وهو اصطلح العسكريّ في كتابه ( شرح التّصحيف والتّحريف‬
‫) وذلك كتبديل الغدر بالعذر ‪ ،‬والخطب بالحطب ‪.‬‬
‫ن الخذ عن الصّحيفة قد ل يمكنه التّفريق بين‬
‫وإنّما سمّي هذا النّوع من التّحريف تصحيفا ل ّ‬
‫الكلمة المرادة والكلمة الّتي تلتبس بها لمشابهتها في الصّورة ‪ ،‬بخلف الخذ من أفواه أهل‬
‫العلم ‪ .‬وكان هذا اللتباس كثيرا قبل اختراع النّقط في القرن الثّاني الهجريّ ‪ ،‬وقلّ بعده ‪ ،‬إلّ‬
‫ن النّقط قد تسقط ‪ ،‬وقد تنتقل عن مكانها ‪ ،‬فيحصل‬
‫أنّه لم ينعدم حتّى عند من يلتزم به ‪ ،‬ل ّ‬
‫اللتباس ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّزوير ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الزّور لغةً ‪ :‬الكذب ‪ ،‬والتّزوير ‪ :‬تزيين الكذب ‪.‬‬
‫ن أنّه حقّ ‪ ،‬سواء أكان ذلك في‬
‫ل قول أو عمل يراد به تزيين الباطل حتّى يظ ّ‬
‫واصطلحا ‪ :‬ك ّ‬
‫القول كشهادة الزّور ‪ ،‬أم الفعل كمحاكاة الخطوط أو النّقود بقصد إثبات الباطل ‪ .‬فالفرق بينه‬
‫وبين التّحريف أنّ التّزوير يحدث به تغيير مقصود ‪ ،‬أمّا التّحريف فقد يتغيّر به الواقع وقد ل‬
‫يتغيّر ‪ ،‬وقد يكون التّحريف مقصودا أو غير مقصود ‪ ،‬ففيهما عموم وخصوص ‪.‬‬
‫أنواع التّحريف والتّصحيف ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّحريف إمّا لفظيّ وإمّا معنويّ ‪ :‬فاللّفظيّ يكون في السّند ‪ ،‬كما صحّف الطّبريّ اسم‬
‫عتبة بن ال ّندّر فقال فيه ‪ :‬ابن البذر ‪ .‬ويكون في المتن كما صحّف ابن لهيعة حديث « احتجر‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم في المسجد » فقال فيه « احتجم في المسجد » ‪.‬‬
‫وينقسم اللّفظيّ قسمين ‪ :‬أوّلهما ‪ :‬ما يحسّ بالبصر ‪ ،‬كما سبق ‪.‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬ما يح سّ بال سّمع ‪ ،‬نحو حديث لعاصم الحول رواه بعضهم فقال " واصل الحدب "‬
‫فذكر الدّارقطنيّ أنّه من تصحيف السّمع ‪ ،‬ل من تصحيف البصر ‪ ،‬كأنّه ذهب ‪ -‬واللّه أعلم ‪-‬‬
‫ن ذلك ل يشتبه من حيث الكتابة وإنّما أخطأ فيه السّمع ممّن رواه كذلك ‪.‬‬
‫إلى أ ّ‬
‫وأمّا التّحريف المعنويّ ‪ :‬فهو ما يقع في المعنى بحمل اللّفظ على غير المراد منه بتأويل‬
‫فاسد ‪ ،‬قصدا أو بدون قصد ‪ .‬ومن أمثلته ‪ :‬ما رواه محمّد بن المثنّى العنزيّ ‪ ،‬حدّث بحديث «‬
‫عنَزة » ‪ .‬فقال ‪ :‬نحن قوم لنا شرف ‪ ،‬صلّى النّبيّ‬
‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم صلّى إلى َ‬
‫إّ‬
‫صلى ال عليه وسلم إلينا ‪ .‬وإنّما العنزة هنا ‪ :‬حربة نصبت بين يديه فصلّى إليها ‪ ،‬وليس‬
‫المراد قبيلة عنزة ‪ .‬قال ابن الصّلح ‪ :‬وأظرف من هذا أنّ أعرابيّا زعم أنّه صلى ال عليه‬
‫وسلم كان إذا صلّى نصبت بين يديه شاة ‪ .‬أي صحّفها إلى عنزة بإسكان النّون ‪.‬‬
‫حكم التّحريف والتّصحيف ‪:‬‬
‫التّحريف إمّا أن يقصد به كتاب اللّه تعالى ‪ ،‬أو الحاديث النّبويّة ‪ ،‬أو غيرهما من الكلم ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّحريف لكلم اللّه تعالى ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ضمن اللّه تعالى أن يحفظ كتابه من التّبديل والتّحريف في ألفاظه ومبانيه حتّى يبقى إلى‬
‫يوم القيامة كما أنزل ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬إنّا نحن َنزّلْنا ال ِذكْر وإنّا له لحافظون } فعزل الشّياطين‬
‫ف مكرّمة مرفوعةٍ‬
‫ح ٍ‬
‫صُ‬‫عن استماعه ‪ ،‬ورجمهم عند البعثة بالشّهب ‪ ،‬وجعل القرآن { في ُ‬
‫مطهّرة بَأيْدي سَفَر ٍة كرامٍ َب َررَةٍ } ولم يجعل اللّه تعالى لحد من خلقه أن يبدّل كلمه أو يغيّر‬
‫فيه ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وإذا ُتتْلى عليهم آياتُنا َبيّنات قال الّذين ل َيرْجون لِقاءَنا ائْتِ ب ُقرْآنٍ‬
‫ن ُأ َبدّلَه من تِلْقَاء نفسي إنْ َأ ّتبِ ُع إلّ ما يُوحى إليّ }‬
‫غيرِ هذا أو َبدّلْه قل ما يكون لي أَ ْ‬
‫ودعت الشّريعة المسلمين إلى حفظ القرآن وتلوته وضبطه ‪ ،‬فقامت المّة السلميّة بذلك‬
‫خير قيام ‪ ،‬بحيث أمن أن يتبدّل منه شيء ‪ ،‬ولو بدّل أحد حرفا واحدا منه لوجد العشرات بل‬
‫المئات من المسلمين كبارا وصغارا ممّن يبيّنون ذلك التّحريف ‪ ،‬وينفون ذلك التّبديل ‪.‬‬
‫وقد قصّ اللّه تعالى في كتابه ما فعله أهل الكتاب ‪ ،‬من تحريف لما لديهم من الكتب السّماويّة‬
‫حسَبوه من‬
‫ن منهم َلفَريقا يَلْوُون ألسنَتَهم بالكتابِ ِل َت ْ‬
‫بالزّيادة أو الحذف أو التّغيير ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وإ ّ‬
‫ن الكتابِ ويقولون ه َو مِنْ عندِ اللّ ِه وما هو من عندِ الّلهِ } وقال ‪{ :‬‬
‫الكتابِ َومَا هو م َ‬
‫عقَلوه‬
‫ن يُؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعونَ كلمَ الّل ِه ثمّ ُيحَرّفونه من بعد ما َ‬
‫ن أَ ْ‬
‫ط َمعُو َ‬
‫َأ َفتَ ْ‬
‫حرّفُون الكَِلمَ عن‬
‫وهم يعلمون } وقال ‪َ { :‬فبِما نَ ْقضِهم ميثاقَهم َل َعنّاهم وجعلنا قلوبَهم قاسي ًة ُي َ‬
‫سمّاعون لِ َقوْم آخرين لمْ َيأْتوك يحرّفون‬
‫سمّاعون لِ ْلكَذب َ‬
‫مواضِعه } وقال ‪ { :‬ومن الّذين هادُوا َ‬
‫ن بعد مواضعه } ‪.‬‬
‫الكَِلمَ مِ ْ‬
‫ولجل المن من أيّ تحريف أو تغيير في كلم اللّه تعالى التزم جمهور علماء المّة رسم خطّ‬
‫المصحف العثمانيّ دون تغيير فيه ‪ ،‬مهما تغيّر اصطلح الكتابة في العصور اللّاحقة ‪.‬‬
‫قال الزّركشيّ ‪ :‬ولم يكن ذلك منهم كيف اتّفق ‪ ،‬بل على أمر عندهم قد تحقّق ‪.‬‬
‫وقال أبو البقاء في كتاب اللّباب ‪ :‬ذهب جماعة من أهل اللّغة إلى كتابة الكلمة على لفظها ‪ ،‬إلّ‬
‫في خطّ المصحف ‪ ،‬فإنّهم اتّبعوا في ذلك ما وجدوه في المصحف المام ‪.‬‬
‫وقال أشهب ‪ :‬سئل مالك رحمه ال ‪ :‬هل تكتب المصحف على ما أخذه النّاس من الهجاء ؟‬
‫ل على الكتبة الولى ‪ .‬رواه الدّانيّ ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬ول مخالف له من علماء المّة ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ل ‪ ،‬إ ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬تحرم مخالفة خطّ مصحف عثمان " أي رسمه " في ياء أو واو أو ألف أو‬
‫سنّة القائمة الّتي ل يجوز لحد‬
‫غير ذلك ‪ ،‬وقال أبو عبيد ‪ :‬اتّباع حروف المصحف عندنا كال ّ‬
‫ي في ذلك رأيا مخالفا بيّنه في تفسيره عند قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫ن للمام الشّوكان ّ‬
‫أن يتعدّاها إلّ أ ّ‬
‫الّذين َيأْكلون ال ّربَوا } من سورة البقرة ‪ :‬قال ‪ :‬وقد كتبوه في المصحف بالواو ‪ ،‬وهذا مجرّد‬
‫ن هذه النّقوش الكتابيّة أمور اصطلحيّة ل يشاحّ في مثلها ‪،‬‬
‫اصطلح ل يلزم المشي عليه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل به على الحرف الّذي كان في أصل الكلمة ونحوه ‪ .‬قال ‪ :‬وعلى كلّ حال‬
‫إلّ فيما كان يد ّ‬
‫فرسم الكلمة وحمل نقشها الكتابيّ على ما يقتضيه اللّفظ بها هو الولى أمّا التّغيير في القراءة‬
‫بما يخرج عن رسم المصحف فل يجوز أيضا بوجه من الوجوه ‪ ،‬ول يجوز التّغيير عمّا‬
‫صحّت به الرّواية من الوجوه ولو احتملها رسم المصحف المام ‪.‬‬
‫ويحصل المن من تحريف ألفاظ القرآن بالتّلقّي من أفواه القرّاء العالمين بالقراءة ‪ ،‬ول ينبغي‬
‫الكتفاء بتعلّمها بمجرّد النّظر في المصحف ‪.‬‬
‫أمّا تغيير المعنى بتفسير القرآن على غير الوجه المراد به ‪ ،‬فهو نوع شديد من التّحريف ‪.‬‬
‫سنّة الصّحيحة ‪ ،‬وإمّا بمقتضى لسان‬
‫ن الواجب تفسير القرآن إمّا بالقرآن ‪ ،‬وإمّا بال ّ‬
‫وقد علم أ ّ‬
‫العرب للعالمين به ‪ .‬وأمّا تفسيره بمجرّد الرّأي فل يجوز ذلك شرعا ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم « من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ »‬
‫ن اليمان بكتاب‬
‫وإذا كان التّحريف لموافقة الهوى وتأييده كان فاعله أشدّ ضللً وإضللً ‪ ،‬فإ ّ‬
‫اللّه يقتضي أن يتّخذ الكتاب متبوعا ‪ ،‬يأتمر المؤمنون بأمره ويقفون عند نهيه ‪ ،‬ل أن يجعل‬
‫تابعا للهواء كما اتّخذته بعض الفرق الضّالّة ‪.‬‬
‫هذا فيما قد يصنعه المفسّر من التّغيير والتّحريف للمعنى عن عمد ‪ ،‬وأمّا التّفسير المغيّر ‪،‬‬
‫خطأ ‪ ،‬فإنّه ينبغي أن يحذر منه فل يتصدّى للتّفسير إلّ عالم بالقرآن عالم بالسّنن والعربيّة ‪ ،‬قد‬
‫تعلّم أصول التّفسير ‪ ،‬وعرف ناسخ القرآن من منسوخه ‪ ،‬وعرف العموم والخصوص ونحو‬
‫ذلك ممّا ل ب ّد منه للمفسّر ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّحريف والتّصحيف للحاديث النّبويّة ‪:‬‬
‫حكم التّصحيف ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يقول المحدّثون ‪ :‬إنّه ل يجوز على الصّحيح تعمّد تغيير صورة الحديث متنا أو إسنادا ‪،‬‬
‫إلّ لعالم بمدلولت اللفاظ ‪ ،‬عالم بما يحيل المعنى ‪ ،‬فله أن يغيّر على أن يتجنّب تحويل‬
‫المعنى ‪ .‬والتّصحيف المقصود نوع من الرّواية بالمعنى ‪.‬‬
‫أمّا ما يقع من التّصحيف والتّحريف على سبيل الخطأ ‪ ،‬فإنّ من وقع في روايته أشياء من ذلك‬
‫فاحشة ‪ ،‬فيقال فيه ‪ :‬إنّه سيّئ الضّبط ‪ ،‬ويترك حديثه فل يؤخذ به ‪ ،‬نقل أبو أحمد العسكريّ‬
‫ن الغفلة الّتي ير ّد بها حديث الرّجل الرّضا الّذي ل يعرف‬
‫عن عبد اللّه بن الزّبير الحميديّ أ ّ‬
‫الكذب هي أن يكون في كتابه غلط ‪ ،‬فيقال له في ذلك ‪ ،‬فيحدّث بما قالوه ويغيّر في كتابه‬
‫بقولهم ‪ ،‬ل يعرف فرق ما بين ذلك ‪ ،‬أو يصحّف تصحيفا فاحشا يقلب المعنى ل يعقل ذلك ‪.‬‬
‫ونقل عن يحيى بن معين أنّه قال ‪ :‬من حدّثك وهو ل يفرّق بين الخطأ والصّواب فليس بأهل‬
‫أن يؤخذ عنه ‪ .‬على أنّ ما يقع من ذلك على سبيل النّدرة أو القلّة ‪ -‬ول يكون فاحشا ‪ -‬فل‬
‫يقدح في الرّاوي ‪ ،‬قال المام أحمد ‪ :‬ومن يعرى عن الخطأ والتّصحيف ؟‬
‫أمّا الحديث الّذي يقع فيه التّصحيف ‪ ،‬فما كان منه في المتن فهو قريب من الوضع ‪ ،‬وما كان‬
‫في السّند فإنّه يصيّره ضعيفا بذلك السّند ‪.‬‬
‫إصلح التّصحيف ‪:‬‬
‫‪ - 7‬في مقدّمة ابن الصّلح ‪ ،‬والباعث الحثيث ‪ :‬إذا لحن الشّيخ فالصّواب أن يرويه عنه‬
‫السّامع على الصّواب ‪ ،‬وهو محكيّ عن الوزاعيّ وابن المبارك والجمهور ‪.‬‬
‫وحكي عن ابن سيرين أنّه يرويه كما سمعه ملحونا ‪ .‬قال ابن الصّلح ‪ :‬وهذا غلوّ في مذهب‬
‫اتّباع اللّفظ ‪ .‬وقال القاضي عياض ‪ :‬الّذي استمرّ عليه العمل أن ينقلوا الرّواية كما وصلت‬
‫ن أهل المعرفة ينبّهون على‬
‫إليهم ول يغيّروا في كتبهم ‪ ،‬كما وقع في الصّحيحين والموطّأ ‪ ،‬لك ّ‬
‫ذلك في الحواشي ‪ .‬ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلحها ‪.‬‬
‫والولى سدّ باب التّغيير والصلح ‪ ،‬لئلّ يجسر على ذلك من ل يحسنه ‪.‬‬
‫ن أباه كان يصلح الخطأ الفاحش ‪ ،‬ويسكت عن الخفيّ السّهل ‪.‬‬
‫وعن عبد اللّه بن المام أحمد أ ّ‬
‫وقال ابن كثير ‪ :‬ومن النّاس من إذا سمع الحديث ملحونا عن الشّيخ ترك روايته ‪ ،‬لنّه إن‬
‫ي صلى ال عليه وسلم لم يكن يلحن في كلمه ‪ ،‬وإن رواه عنه على الصّواب فلم‬
‫اتّبعه فالنّب ّ‬
‫يسمعه منه كذلك ‪.‬‬
‫التّصحيف والتّحريف لغير القرآن والحديث ‪:‬‬
‫‪ - 8‬التّصحيف والتّحريف المتعمّد في الوثائق والسّجلّات ونحو ذلك نوع من التّزوير ‪ ،‬وحكمه‬
‫التّحريم إن أسقط به حقّا لغيره ‪ ،‬أو أثبت لنفسه أو غيره من الحقّ ما ليس له ‪ ،‬أو ألحق بأحد‬
‫من النّاس ضررا بغير حقّ ‪ .‬ومن فعله يستحقّ التّعزير ‪ ( .‬ر ‪ :‬تزوير ) ‪.‬‬
‫توقّي التّحريف والتّصحيف ‪:‬‬
‫‪ - 9‬بيّن أهل الحديث الطّرق الّتي يتوقّى بها التّحريف والتّصحيف ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬أخذ العلم من أفواه العارفين به المتقنين له ‪ ،‬فإنّ التّصحيف كثيرا ما ينشأ عن تشابه‬
‫أ ّو ً‬
‫الحروف في الصّورة ‪ ،‬فتقرأ الكلمة على أكثر من وجه ‪ ،‬فإن أخذها الرّاوي عن فم الشّيخ‬
‫أخذها على الوجه الصّحيح ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كتابة العلم المرويّ وضبط المكتوب لئلّ يختلط بغيره ‪ .‬وذلك لنّ العتماد على الذّاكرة‬
‫وحدها ل يكفي ‪ ،‬وقد قال بعض السّلف ‪ :‬قيّدوا العلم بالكتاب ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬استكمال نقط العجام في الكتاب ‪ ،‬لتفرّق بين الحروف المتشابهة كالباء والتّاء والثّاء‬
‫والنّون والياء ‪ ،‬وكالفاء والقاف ‪ .‬واستعمال الضّبط بالشّكل حيث يخشى التّحريف ‪ ،‬وربّما‬
‫احتيج إلى الضّبط بالكلمات ‪ ،‬كقولهم " البرّ ‪ :‬بكسر الباء الموحّدة والرّاء المهملة » ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬إتقان علوم اللّغة ‪ ،‬فإنّها كثيرا ما تكشف التّحريف والتّصحيف ‪.‬‬
‫وقد أفرد العلماء لبيان ضبط ما يقبل أن يدخل التّحريف والتّصحيف في كتب العلم من الحديث‬
‫وأسماء رجال السانيد وغيرها كتبا خاصّةً ‪ ،‬إذا قرأها طالب العلم أمن الغلط والتّحريف ‪.‬‬
‫وأفردوا كتبا أخرى لبيان ما وقع فعلً من الوهام في كتب الحديث وغيره وحذّروا في تآليفهم‬
‫في علم أصول الحديث من التّصحيف ‪ ،‬وذكروا أمثلةً ممّا وقع منه كثير ًة يحصل بها التّنبّه‬
‫للمزالق في هذا الباب ‪ .‬كما حذّروا من أن يروي الشّيخ حديثه بقراءة الّلحّان والمصحّف ‪.‬‬
‫وبيّنوا الطّرق الّتي استقرّت عندهم باستقراء ما ورد عن أئمّة الشّأن لكيفيّة ضبط الرّواية‬
‫والسّماع والنّقل من الكتب ‪ ،‬وكتابة التّسميع ‪ ،‬والمقابلة بالصول ‪ ،‬وضوابط الرّواية بالمعنى‬
‫ل يتحرّف الحديث عن وضعه الّذي كان عليه ‪،‬‬
‫وغير ذلك ممّا يتحقّق به ضبط الرّواية لئ ّ‬
‫سواء في اللّفظ أو في المعنى ‪.‬‬
‫وممّن تكلّم في ضبط الكلم المكتوب لئلّ يدخله التّحريف المتكلّمون في أصول الفتيا ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫ل ينبغي إذا ضاق موضع الفتيا في رقعة الجواب أن يكتب الجواب في رقعة أخرى خوفا من‬
‫الحيلة عليه ‪ ،‬ولهذا ينبغي أن يكون كلمه متّصلً حتّى آخر سطر في الرّقعة ‪ ،‬فل يدع فرجةً‬
‫خوفا من أن يثبت السّائل فيها غرضا له ضارّا ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن رأى المفتي في ورقة السّؤال‬
‫بياضا في أثناء بعض السطر أو في آخرها خطّ عليه وشغله ‪ ،‬لنّه ربّما قصد المفتي أحد‬
‫بسوء ‪ ،‬فكتب في ذلك البياض بعد فتياه ما يفسدها ‪ .‬وينبغي أن يكتب الجواب بخطّ واضح‬
‫وسط ‪ ،‬ويقارب سطوره وأقلمه وخطّه لئلّ يزوّر أحد عليه ‪.‬‬
‫وهذا كما ل يخفى ينطبق على كتابة الوثائق والشّهادات وسائر ما تثبت به الحقوق ‪.‬‬

‫تحريق *‬
‫انظر ‪ :‬إحراق ‪.‬‬

‫تحريم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -1‬التّحريم في اللّغة ‪ :‬خلف التّحليل وضدّه ‪ .‬والحرام ‪ :‬نقيض الحلل ‪ .‬يقال ‪ :‬حرم عليه‬
‫الشّيء حرمةً وحراما ‪ .‬والحرام ‪ :‬ما حرّم اللّه ‪ .‬والمحرّم ‪ :‬الحرام ‪.‬‬
‫والمحارم ‪ :‬ما حرّم اللّه ‪ .‬وأحرم بالحجّ أو العمرة أو بهما ‪ :‬إذا دخل في الحرام بالهلل ‪،‬‬
‫فيحرم عليه به ما كان حللً من قبل كالصّيد والنّساء ‪ ،‬فيتجنّب الشياء الّتي منعه الشّرع منها‬
‫كالطّيب والنّكاح والصّيد وغير ذلك ‪.‬‬
‫ن المحرم ممتنع من هذه الشياء ‪ ،‬ومنه حديث الصّلة ‪ « :‬تحريمها‬
‫والصل فيه المنع ‪ ،‬فكأ ّ‬
‫التّكبير » فكأنّ المصلّي بالتّكبير والدّخول في الصّلة صار ممنوعا من الكلم والفعال‬
‫الخارجة عن كلم الصّلة وأفعالها ‪ ،‬فقيل للتّكبير ‪ :‬تحريم لمنعه المصلّي من ذلك ‪.‬‬
‫والحرام أيضا بمعنى التّحريم ‪ .‬يقال ‪ :‬أحرمه وحرّمه بمعنًى ‪ .‬وهو في اصطلح الصوليّين‬
‫‪ :‬خطاب اللّه المقتضي الكفّ عن الفعل اقتضاءً جازما ‪ ،‬بأن لم يجوّز فعله ‪.‬‬
‫هذا في اصطلح المتكلّمين من أهل الصول ‪ ،‬أمّا أصوليّون الحنفيّة فيعرّفونه ‪ :‬بأنّه طلب‬
‫سرُ‬
‫الكفّ عن الفعل بدليل قطعيّ ‪ .‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمرُ والم ْي ِ‬
‫ن فاجْتنبوه لعلّكم تفلحون } ‪ .‬فقد ثبت التّحريم‬
‫ل الشّيطا ِ‬
‫لزْلمُ ِرجْسٌ مِنْ عم ِ‬
‫والنصابُ وا َ‬
‫والمر بالكفّ بالنّصّ القرآنيّ القاطع ‪ .‬وكتحريم الرّبا في قوله تعالى ‪ { :‬وح ّرمَ الرّبا } ‪.‬‬
‫وأورد البركيّ في تعريفاته الفقهيّة تعريف التّحريم فقال ‪ :‬هو جعل الشّيء محرّما ‪.‬‬
‫وإنّما خصّت التّكبيرة الولى في الصّلة بالتّحريمة ‪ ،‬لنّها تحرّم المور المباحة قبل الشّروع‬
‫في الصّلة دون سائر التّكبيرات ‪.‬‬
‫هذا وللتّحريم إطلق آخر حين يصدر من غير الشّارع ‪ ،‬كتحريم الزّوج زوجته على نفسه ‪،‬‬
‫أو تحريم بعض المباحات بيمين أو بغيرها ‪ ،‬ومعناه هنا ‪ :‬المنع ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الكراهة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الكراهة ‪ ،‬والكراهية ‪ :‬خطاب الشّارع المقتضي الكفّ عن الفعل اقتضاءً غير جازم ‪.‬‬
‫كالنّهي في حديث الصّحيحين « إذا دخل أحدُكم المسجدَ فل يجلس حتّى يصلّي ركعتين » وفي‬
‫ت من الشّياطين » ‪.‬‬
‫حديث ابن ماجه وغيره « ل تصلّوا في َأعْطان الِبل فإنّها خُلِقَ ْ‬
‫والتّحريم وكراهة التّحريم ‪ :‬يتشاركان في استحقاق العقاب بترك الكفّ ‪ ،‬ويفترقان في أنّ‬
‫التّحريم ‪ :‬ما تيقّن الكفّ عنه بدليل قطعيّ ‪ .‬والمكروه ما ترجّح الكفّ عنه بدليل ظ ّنيّ ‪.‬‬
‫وفي مراقي الفلح ‪ :‬المكروه ‪ :‬ما كان النّهي فيه بظنّيّ ‪ .‬وهو قسمان ‪ :‬مكروه تنزيها وهو ما‬
‫كان إلى الحلّ أقرب ‪ ،‬ومكروه تحريما وهو ما كان إلى الحرام أقرب ‪ .‬فالفعل إن تضمّن ترك‬
‫شدّة‬
‫واجب فمكروه تحريما ‪ ،‬وإن تضمّن ترك سنّة فمكروه تنزيها ‪ ،‬لكن تتفاوت كراهته في ال ّ‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫والقرب من التّحريم بحسب تأكّد ال ّ‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫تحريم الشّارع يرجع في تفصيله إلى المصطلح الصوليّ ‪.‬‬
‫أمّا تحريم المكلّف ما هو حلل فيتعلّق به ما يلي من الحكام ‪:‬‬
‫أوّلً ‪ -‬تحريم الزّوجة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬من قال لزوجته ‪ :‬أنت عليّ حرام يسأل عن نيّته ‪ .‬فإن قال ‪ :‬أردت الكذب ‪ ،‬فهو كما قال‬
‫ن تحريم‬
‫‪ ،‬لنّه نوى حقيقة كلمه ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل يصدّق في القضاء ‪ ،‬لنّه يمين ظاهرا ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل اللّ ُه لك }‬
‫الحلل يمين بالنّصّ ‪ ،‬وهو قول اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬يا أيّها النّبيّ ِل َم ُتحَ ّرمُ ما أح ّ‬
‫إلى قوله ‪ { :‬قد فرضَ اللّ ُه لكم َتحِلّ َة أيمانِكم } فل يصدّق في القضاء في نيّته خلف الظّاهر‬
‫وهذا هو الصّواب على ما عليه العمل والفتوى ‪ .‬وإن قال ‪ :‬أردت الطّلق ‪ ،‬فهي تطليقة‬
‫بائنة ‪ ،‬إلّ أن ينوي الثّلث ‪ .‬وإن قال ‪ :‬أردت الظّهار فهو ظهار ‪ ،‬وهذا عند أبي حنيفة وأبي‬
‫يوسف ‪ .‬وقال محمّد ‪ :‬ليس بظهار ‪ ،‬لنعدام التّشبيه بالمحرّمة وهو الرّكن فيه ‪ .‬ولهما أنّه‬
‫أطلق الحرمة ‪ ،‬وفي الظّهار نوع حرمة ‪ ،‬والمطلق يحتمل المقيّد ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬أردت التّحريم أو لم أرد به شيئا ‪ ،‬فهو يمين يصير به موليا ‪ .‬وصرف بعض‬
‫ن العادة جرت فيما بين النّاس‬
‫الحنفيّة لفظة التّحريم إلى الطّلق من غير نيّة بحكم العرف ‪ ،‬ل ّ‬
‫في زماننا أنّهم يريدون بهذا اللّفظ الطّلق ‪ .‬قال بذلك أبو اللّيث ‪.‬‬
‫وإن قال لها ‪ :‬أنا عليك حرام وينوي الطّلق ‪ :‬فهي طالق ‪.‬‬
‫ي حرام كظهر أمّي ونوى به طلقا أو إيل ًء ‪ :‬لم يكن إلّ ظهارا عند‬
‫وإن قال لها ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫ل ذلك ‪ ،‬غير أنّ عند محمّد إذا‬
‫أبي حنيفة ‪ ،‬وقال ‪ :‬هو على ما نوى لنّ التّحريم يحتمل ك ّ‬
‫نوى الطّلق ل يكون ظهارا ‪ ،‬وعند أبي يوسف يكونان جميعا ‪ ،‬ولبي حنيفة أنّه صريح في‬
‫الظّهار فل يحتمل غيره ‪.‬‬
‫أمّا إذا كان بلفظ الظّهار صريحا كأن قال لها ‪ :‬أنت عليّ كظهر أمّي ‪ ،‬فل ينصرف لغير‬
‫الظّهار ‪ ،‬وبه حرمت عليه ‪ ،‬فل يحلّ له وطؤها ول مسّها ول تقبيلها ‪ ،‬حتّى يكفّر عن ظهاره‬
‫ن ِلمَا قالوا فتحريرُ ر َقبَةٍ من قبلِ أنْ‬
‫لقوله تعالى ‪ { :‬والّذين ُيظَاهِرونَ من نسائِهم ثمّ َيعُودو َ‬
‫ن لم يستطع‬
‫ن يتماسّا فم ْ‬
‫َيتَماسّا } إلى قوله ‪ { :‬فمنْ لم يجدْ فصيامُ شهرين متتابعين من قبل أ ْ‬
‫ن مسكينا } ‪ .‬فإن وطئها قبل أن يكفّر استغفر اللّه تعالى ول شيء عليه غير الكفّارة‬
‫فإطعا ُم ستّي َ‬
‫الولى ‪ ،‬ول يعود حتّى يكفّر ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم للّذي واقع في ظهاره قبل الكفّارة ‪:‬‬
‫« فاعتزلها حتّى تكفّر عنك » ولو كان شيء آخر واجبا لنبّه عليه ‪.‬‬
‫ولو قال ‪ :‬أنت عليّ حرام كأمّي يحتمل الطّلق والظّهار ‪ .‬فإن قال ‪ :‬أردت الظّهار أو الطّلق‬
‫فهو على ما نوى ‪ ،‬لنّه يحتمل الوجهين ‪ :‬الظّهار لمكان التّشبيه ‪ ،‬والطّلق لمكان التّحريم ‪.‬‬
‫وإن لم تكن له نيّة ‪ :‬فعلى قول أبي يوسف إيلء ‪ ،‬وعلى قول محمّد ظهار ‪ .‬هذا وتحريم‬
‫الزّوجة بأربعة طرق ‪ :‬الطّلق ‪ ،‬واليلء ‪ ،‬واللّعان ‪ ،‬والظّهار ‪ .‬وهذا ما قال به الحنفيّة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وعند المالكيّة ‪ :‬لو قال لزوجته ‪ :‬أنت عليّ حرام فهو البتات ( البينونة الكبرى ) ‪.‬‬
‫ي ككلّ شيء حرّمه الكتاب ‪ ،‬فإنّه حرّم الميتة والدّم ولحم الخنزير ‪ ،‬فهو‬
‫ولو قال لها ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫بمنزلة ما لو قال لها ‪ :‬أنت كالميتة والدّم ‪ ،‬فيلزمه البتات ‪ ،‬وهو مذهب ابن القاسم وابن نافع ‪.‬‬
‫وفي المدوّنة ‪ :‬قال ربيعة ‪ :‬من قال ‪ :‬أنت مثل كلّ شيء حرّمه الكتاب ‪ ،‬فهو مظاهر ‪ ،‬وهو‬
‫قول ابن الماجشون ‪.‬‬
‫‪ -5‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إذا قال لزوجته ‪ :‬أنت عليّ حرام أو حرمتك ‪ ،‬ونوى طلقا أو ظهارا‬
‫حصل المنويّ ‪ ،‬وهم كالحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة في المشهور عن أحمد فيما إذا نوى الطّلق يكون‬
‫ل أنّه يكون رجعيّا ‪ .‬فإن نوى عددا فإنّه يقع ما نواه وهم كرأي أبي حنيفة إذا نوى‬
‫طلقا إ ّ‬
‫الظّهار يكون ظهارا عندهم ‪ ،‬كما هو ظهار عنده ‪.‬‬
‫فإن نواهما ‪ :‬أي الطّلق والظّهار معا تخيّر وثبت ما اختاره منهما ‪ .‬وقيل ‪ :‬الواقع طلق لنّه‬
‫ن الصل بقاء النّكاح ‪ ،‬ول يثبتان جميعا لنّ الطّلق‬
‫أقوى بإزالته الملك ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ظهار ‪ ،‬ل ّ‬
‫يزيل النّكاح ‪ ،‬والظّهار يستدعي بقاءه ‪.‬‬
‫وإن نوى تحريم عينها أو فرجها أو وطئها لم تحرم عليه ‪ ،‬وعليه كفّارة يمين ‪.‬‬
‫ي حرام ولم ينو شيئا فقولن ‪:‬‬
‫إن أطلق قوله ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫ي حرام صريح في لزوم الكفّارة ‪.‬‬
‫أظهرهما ‪ :‬وجوب الكفّارة ‪ .‬وقوله ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫والثّاني ‪ :‬ل شيء عليه ‪ ،‬وهذا اللّفظ كناية في لزوم الكفّارة ‪.‬‬
‫ي حرام ‪ .‬أنت عليّ حرام ونوى التّحريم ‪ .‬فإن قال ذلك في مجلس أو‬
‫وإن قال لها ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫قاله في مجالس ونوى التّأكيد فعليه كفّارة واحدة ‪ .‬وإن قاله في مجالس ونوى الستئناف‬
‫تعدّدت الكفّارة على الصحّ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عليه كفّارة فقط ‪ .‬وإن أطلق فقولن ‪ .‬ولو قال ‪ :‬أنت‬
‫عليّ حرام كالميتة والدّم والخمر والخنزير ‪ ،‬وقال ‪ :‬أردت الطّلق أو الظّهار صدّق ‪ ،‬وإن‬
‫نوى التّحريم لزمته الكفّارة ‪ ،‬وإن أطلق فظاهر النّصّ أنّه كالحرام فيكون على الخلف ‪.‬‬
‫‪ -6‬وعند الحنابلة ‪ :‬إذا قال لزوجته ‪ :‬أنت عليّ حرام وأطلق ‪ ،‬فهو ظهار ‪ ،‬لنّه تحريم‬
‫ي حرام كظهر أمّي ‪.‬‬
‫للزّوجة بغير طلق ‪ ،‬فوجب به كفّارة الظّهار ‪ ،‬كما لو قال ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫وإن نوى غير الظّهار ‪ ،‬فعن أحمد في رواية جماعة ‪ :‬أنّه ظهار ‪ ،‬نوى الطّلق أو لم ينوه ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إذا نوى بقوله ‪ :‬أنت عليّ حرام اليمين كان يمينا ‪ ،‬وعليه كفّارة يمين ‪ .‬فعن ابن عبّاس‬
‫رضي ال عنهما ‪ :‬إذا حرّم الرّجل عليه امرأته فهي يمين يكفّرها ‪ .‬وقال ‪ { :‬لقد كان لك ْم في‬
‫ح ّرمُ ما أَحلّ الّل ُه لك تبتغي‬
‫ن اللّه تعالى قال ‪ { :‬يا أيّها النّبيّ ِلمَ ُت َ‬
‫رسولِ الّلهِ أسوةٌ حسنةٌ } ول ّ‬
‫مَرضا َة أزواجكَ والّلهُ غفو ٌر رحيمٌ قد فَرضَ الّلهُ لكم َتحِلّ َة أيمانِكم } فجعل الحرام يمينا ‪ .‬وإن‬
‫قال ‪ :‬أعني بأنت عليّ حرام الطّلق فهو طلق ‪ ،‬وهو المشهور عن أحمد ‪ .‬وإن نوى به ثلثا‬
‫فهي ثلث ‪ ،‬لنّه أتى في تفسيره للتّحريم باللف واللّام الّتي للستغراق ‪ ،‬فيدخل فيه الطّلق‬
‫كلّه ‪ .‬وإن قال ‪ :‬أعني به طلقا فهو واحدة ‪ ،‬لنّه ذكره منكّرا فيكون طلقا واحدا ‪ .‬وإن قال ‪:‬‬
‫أنت عليّ كظهر أمّي ونوى به الطّلق لم يكن طلقا ‪ ،‬لنّه صريح في الظّهار ‪ ،‬ول ينصرف‬
‫ح كنايةً في الطّلق ‪ ،‬كما ل يكون الطّلق كناية الظّهار ‪.‬‬
‫إلى غيره ‪ ،‬فلم يص ّ‬
‫وإن قال ‪ :‬أنت عليّ كالميتة والدّم ‪ ،‬ونوى به الطّلق كان طلقا ‪ ،‬ويقع به من عدد الطّلق ما‬
‫نواه ‪ ،‬وإن لم ينو شيئا وقعت واحدة ‪.‬‬
‫وإن نوى الظّهار ‪ :‬وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها ‪ ،‬احتمل أن يكون ظهارا ‪،‬‬
‫واحتمل أن ل يكون ظهارا ‪ .‬وإن نوى اليمين ‪ :‬وهو أن يريد بذلك ترك وطئها ل تحريمها‬
‫ول طلقها فهو يمين ‪ .‬وإن لم ينو شيئا لم يكن طلقا ‪ ،‬لنّه ليس بصريح في الطّلق ول نواه‬
‫به ‪ .‬وهل يكون ظهارا أو يمينا ؟ على وجهين ‪ .‬أحدهما يكون ظهارا ‪ ،‬والثّاني يكون يمينا ‪.‬‬
‫ي حرام الظّهار فهو ظهار على ما قاله به جمهور الفقهاء ( أبو‬
‫‪ -7‬وإن نوى بقوله ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ وأحمد ) وإن نوى به الطّلق فهو طلق ‪ ،‬وإن أطلق ففيه‬
‫روايتان ‪ :‬إحداهما هو ظهار ‪ ،‬والخرى يمين ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬أنت عليّ حرام ‪ ،‬ونوى الطّلق والظّهار معا كان ظهارا ولم يكن طلقا ‪ ،‬لنّ‬
‫اللّفظ الواحد ل يكون ظهارا وطلقا ‪ ،‬والظّهار أولى بهذا اللّفظ ‪ ،‬فينصرف إليه ‪ ،‬وعند بعض‬
‫أصحاب الشّافعيّ يتخيّر ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬اختر أيّهما شئت كما سبق القول ‪.‬‬
‫ول خلف بين عامّة الفقهاء في أنّه يحرم على المظاهر وطء امرأته قبل التّكفير عن ظهاره ‪،‬‬
‫على نحو ما سبق بيانه ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تحريم الحلل ‪:‬‬
‫‪ - 8‬الصل في الشياء الباحة حتّى يقوم الدّليل على تحريمها ‪ ،‬وبه قال الشّافعيّة وبعض‬
‫ل اللّه فهو حلل ‪ ،‬وما‬
‫الحنفيّة ومنهم الكرخيّ ويعضّد هذا قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما أح ّ‬
‫حرّم فهو حرام ‪ ،‬وما سكت عنه فهو عفو ‪ ،‬فاقبلوا من اللّه عافيته ‪ ،‬فإنّ اللّه لم يكن لينسى‬
‫ن اللّه فرض فرائض فل تضيّعوها ‪ ،‬ونهى‬
‫شيئا » وروى الطّبرانيّ من حديث أبي ثعلبة ‪ « :‬إ ّ‬
‫عن أشياء فل تنتهكوها ‪ ،‬وحدّ حدودا فل تعتدوها ‪ ،‬وسكت عن أشياء من غير نسيان فل‬
‫تبحثوا عنها » وفي لفظ « وسكت عن كثير من غير نسيان فل تتكلّفوها رحم ًة لكم فاقبلوها »‬
‫وروى التّرمذيّ وابن ماجه من حديث سلمان رضي ال عنه « أنّه صلى ال عليه وسلم سئل‬
‫عن الجبن والسّمن والغذاء فقال ‪ :‬الحلل ما أحلّ اللّه في كتابه ‪ ،‬والحرام ما حرّم اللّه في‬
‫كتابه ‪ ،‬وما سكت عنه فهو ممّا عفا عنه » ‪.‬‬
‫ح ّرمُ ما أحلّ الّل ُه لكَ }‬
‫وقد نزل في تحريم الحلل قول اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬يا أيّها النّبيّ ِلمَ ُت َ‬
‫إلى قوله سبحانه { قد فَرَضَ الّل ُه لكم َتحِلّةَ أَيمانِكم } ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي ال‬
‫عنها « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي ال عنه‬
‫فيشرب عندها عسلً ‪ .‬قال ‪ :‬فتواطأت أنا وحفصة أنّ أيّتنا ما دخل عليها رسول اللّه صلى ال‬
‫ت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له‬
‫عليه وسلم فلْتقل ‪ :‬إنّي أجد منك ريحَ مغافير ‪ .‬أكل َ‬
‫عسَلً عند زينبَ بنت جحش ‪ ،‬ولن أعود له فنزل قوله تعالى ‪ِ { :‬لمَ‬
‫ذلك ‪ .‬فقال ‪ :‬بلْ شربتُ َ‬
‫ل اللّ ُه لكَ } إلى قوله ‪ { :‬إن تتوبا } لعائشة وحفصة » ‪.‬‬
‫تح ّرمُ ما أح ّ‬
‫ن الّتي حرّمها هي مارية القبطيّة ‪ ،‬فقد روى الهيثم بن كليب عن عمر رضي ال‬
‫وفي قول ‪ :‬إ ّ‬
‫ن أمّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم لحفصة رضي ال عنها ‪ :‬ل تخبري أحدا وإ ّ‬
‫عنه قال ‪ « :‬قال النّب ّ‬
‫إبراهيم يعني مارية عليّ حرام ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أتحرّم ما أحلّ اللّه لك ؟ قال ‪ :‬فواللّه ل أقربها ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فلم يقربها حتّى أخبرت عائشة ‪ .‬قال ‪ :‬فأنزل اللّه تعالى ‪ { :‬قد فرضَ اللّ ُه لكم َتحِلّةَ‬
‫أيمانِكم } » ‪ .‬وقد روى ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم رضي ال عنه قال ‪ « :‬حرّم‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمّ إبراهيم فقال ‪ :‬أنت عليّ حرام ‪ ،‬واللّه ل آتينك فأنزل اللّه‬
‫عزّ وجلّ في ذلك { يا أيّها النّبيّ ِلمَ تُح ّرمُ ما أحلّ الّل ُه لكَ } » ‪ .‬فهذه روايات وردت في سبب‬
‫نزول هذه الية ‪ .‬والتّحريم الوارد فيها يمين تلزم به كفّارة يمين ‪ ،‬لقول اللّه تبارك وتعالى ‪{ :‬‬
‫قد فرضَ الّل ُه لكم َتحِلّةَ أيمانِكم } وليس تحريما لما أحلّ اللّه ‪ ،‬لنّ ما لم يحرّمه اللّه ليس لحد‬
‫أن يحرّمه ‪ ،‬ول أن يصير بتحريمه حراما ‪ ،‬ولم يثبت عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه‬
‫ي حرام ‪ .‬وإنّما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه ‪ ،‬وهو قوله «‬
‫قال لما أحلّه اللّه ‪ :‬هو عل ّ‬
‫واللّه ل أقربها » فقيل له ‪ِ { :‬لمَ تُحرّمُ ما أحلّ الّلهُ لكَ } أي لم تمتنع منه بسبب اليمين ‪ ،‬يعني‬
‫أقدمْ عليه وك ّفرْ ‪ .‬قال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس ‪ :‬إذا حرّم الرّجل عليه امرأته فإنّما هي‬
‫يمين يكفّرها ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك كلّه يرجع إليه في مصطلح ( أيمان ) وفي أبواب الطّلق والظّهار واليلء ‪.‬‬

‫تحريمة *‬
‫انظر ‪ :‬تكبيرة الحرام ‪.‬‬

‫تحسين *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحسين لغةً ‪ :‬التّزيين ‪ ،‬ومثله التّجميل ‪ .‬قال الجوهريّ ‪ :‬حسّنت الشّيء تحسينا ‪ :‬زيّنته‬
‫‪ .‬وقال الرّاغب الصفهانيّ ‪ :‬الحسن أكثر ما يقال في تعارف العامّة في المستحسن بالبصر ‪،‬‬
‫وأكثر ما جاء في القرآن الكريم في المستحسن من جهة البصيرة ‪.‬‬
‫فأهل اللّغة لم يفرّقوا بين " زيّنت الشّيء " و " حسّنته " ‪ ،‬وجعلوا الجميع معنًى واحدا ‪.‬‬
‫والتّحسين في الصطلح ل يخرج عن معناه اللّغويّ ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّجويد ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّجويد ‪ :‬مصدر جوّد الشّيء ‪ ،‬بمعنى جعله جيّدا ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ‪ ،‬ور ّد الحرف إلى مخرجه وأصله ‪،‬‬
‫وتلطيف النّطق به على كمال هيئته من غير إسراف ول تعسّف ول إفراط ول تكلّف ‪.‬‬
‫فالتّحسين أعمّ من التّجويد لختصاص التّجويد بالقراءة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّحلية ‪:‬‬
‫‪ - 3‬يقال ‪ :‬تحلّت المرأة ‪ :‬إذا لبست الحليّ أو اتّخذته ‪ ،‬وحلّيتها بالتّشديد تحليةً ‪ :‬ألبستها الحليّ‬
‫أو اتّخذته لها لتلبسه ‪ .‬وحلّيت السّويق ‪ :‬جعلت فيه شيئا حلوا حتّى حل ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ‪ .‬والتّحسين أعمّ من التّحلية ‪ ،‬فقد يحسن‬
‫الشّيء بغير تحليته ‪ ،‬كما يحسن الطّعام بتمليحه ل بتحليته ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التّقبيح ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّقبيح ‪ :‬جعل الشّيء قبيحا ‪ ،‬أو نسبته إلى القبح ‪ .‬وهو ضدّ التّحسين ‪.‬‬
‫مصدر التّحسين والتّقبيح ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّحسين والتّقبيح يطلقان بثلثة اعتبارات ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬باعتبار ملءمة الطّبع ومنافرته ‪ ،‬كقولنا ‪ :‬ريح الورد حسن ‪ ،‬وريح الجيفة قبيح ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬باعتباره صفة كمال أو صفة نقص ‪ ،‬كقولنا ‪ :‬العلم حسن ‪ ،‬والجهل قبيح ‪ .‬وهذان‬
‫النّوعان مصدرهما ‪ :‬العقل من غير توقّف على الشّرع ‪ ،‬ل يعلم في ذلك خلف ‪.‬‬
‫والثّالث ‪ :‬باعتبار الثّواب والعقاب الشّرعيّين ‪ ،‬وهذا قد اختلف فيه ‪ :‬فذهب الشاعرة إلى أنّ‬
‫مصدره الشّرع ‪ ،‬والعقل ل يحسّن ول يقبّح ‪ ،‬ول يوجب ول يحرّم ‪ .‬وقال الماتريديّة ‪ :‬إنّ‬
‫العقل يحسّن ويقبّح ‪ ،‬وردّوا الحسن والقبح الشّرعيّين إلى الملءمة والمنافرة ‪.‬‬
‫وذهب المعتزلة إلى أنّ العقل يحسّن ويقبّح ‪ ،‬ويوجب ويحرّم ‪ ،‬وفي ذلك تفصيل محلّه الملحق‬
‫الصوليّ ‪.‬‬
‫التّحسينيّات ‪:‬‬
‫‪ - 6‬بحث مقاصد الشّريعة من أبحاث أصول الفقه ‪ ،‬ويذكر علماء الصول أنّ مقاصد الشّريعة‬
‫ل تعدو ثلثة أقسام ‪ :‬الوّل ‪ :‬ضروريّة ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬حاجيّة ‪ ،‬والثّالث ‪ :‬تحسينيّة ‪ .‬فالضّروريّة‬
‫‪ :‬هي الّتي ل ب ّد منها لقيام مصالح الدّين والدّنيا ‪ ،‬بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على‬
‫استقامة ‪ ،‬بل على فساد وتهارج وفوت حياة ‪ ،‬وفي الخرة يكون فوات النّعيم ‪ ،‬والرّجوع‬
‫بالخسران المبين ‪.‬‬
‫أمّا الحاجيّة ‪ :‬فهي ما يفتقر إليها من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى‬
‫الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب ‪ ،‬فإذا لم تراع دخل على المكلّفين ‪ -‬على الجملة ‪-‬‬
‫الحرج والمشقّة دون اختلل شيء من الضّروريّات الخمسة ‪.‬‬
‫وأمّا التّحسينيّة ‪ :‬فهي الخذ بما يليق من محاسن العادات ‪ ،‬ويجمع ذلك مكارم الخلق ‪،‬‬
‫والداب الشّرعيّة ‪ .‬وتفصيل ذلك في الملحق الصوليّ ‪.‬‬
‫حكم التّحسين في الفقه السلميّ ‪:‬‬
‫‪ - 7‬التّحسين مطلوب في الجملة إذا خلصت فيه ال ّنيّة وأريد به الخير ‪ ،‬ومكروه أو محرّم إذا‬
‫لم تخلص فيه ال ّنيّة أو كان سببا للوقوع في الحرام ولم يرد به الخير ‪.‬‬
‫ويختلف حكمه باعتبار موضوعه ‪ .‬وإليك بعض المثلة ‪:‬‬
‫تحسين الهيئة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬يندب تحسين الهيئة العامّة من غير مبالغة ‪ ،‬وقد كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫يأمر بذلك ‪ .‬وممّا قال في هذا ‪ « :‬أصلحوا رحالكم ‪ ،‬وأصلحوا لباسكم حتّى تكونوا كأنّكم‬
‫شامة في النّاس ‪ ،‬فإنّ اللّه ل يحبّ الفحش ول التّفحّش » ‪ .‬ويندب تحسين اللّحية والشّاربين ‪،‬‬
‫لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يأخذ‬
‫من لحيته من عرضها وطولها » ‪ .‬وفي صحيح مسلم « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫جزّوا الشّواربَ وَأرْخوا اللّحى ‪ ،‬خالفوا المجوسَ » ‪.‬‬
‫قال ‪ُ :‬‬
‫ب لها إزالته‬
‫‪ -9‬وتحسين وجه المرأة يكون بتنقيته من الشّعر النّابت في غير أماكنه ‪ ،‬فيستح ّ‬
‫عند الحنفيّة ‪ .‬وإذا أمرها الزّوج بإزالته وجب عليها ذلك عند الشّافعيّة ‪ .‬فقد روت امرأة بن‬
‫أبي الصّقر ‪ « :‬أنّها كانت عند عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬فسألتها امرأة فقالت ‪ :‬يا أمّ المؤمنين‬
‫ن ‪ ،‬أتزيّن بذلك لزوجي ؟ فقالت عائشة ‪ :‬أميطي عنك الذى ‪،‬‬
‫ن في وجهي شعرات أفأنتفه ّ‬
‫إّ‬
‫وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزّيارة ‪ ،‬وإن أمرك فأطيعيه ‪ ،‬وإن أقسم عليك فأبرّيه ‪ ،‬ول‬
‫تأذني في بيته لمن يكره » ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬يجب على المرأة إزالة الشّعر الّذي في إزالته جمال لها ‪ ،‬كشعر اللّحية إن نبت‬
‫لها ‪ .‬ويجب عليها إبقاء ما في بقائه جمال لها ‪ ،‬فيحرم عليها حلق شعر رأسها ‪.‬‬
‫ومنع من ذلك الحنابلة ‪ ،‬ورخّصوا بإزالته بالموسى ‪.‬‬
‫ن الزّائدة ‪ ،‬والصبع الزّائدة ‪،‬‬
‫ومن وجوه التّحسّن للهيئة ‪ :‬قطع العضاء الزّائدة في البدن كالسّ ّ‬
‫والكفّ الزّائدة ‪ ،‬لما فيها من التّشويه ‪ .‬ويقاس على ذلك سائر التّشوّهات في البدن ‪ ،‬ويشترط‬
‫في ذلك أن تكون السّلمة هي الغالبة في إزالته ‪.‬‬
‫وتحسين السنان ‪ :‬يكون بالتّداوي والستياك والتّفليج ( ويراجع حكمه في مصطلح تفليج ) ‪،‬‬
‫ل حال ‪.‬‬
‫ب على ك ّ‬
‫والسّواك مستح ّ‬
‫‪ - 10‬ويتأكّد تحسين المرأة هيئتها للزّوج ‪ ،‬وتحسين الزّوج هيئته للزّوجة ‪.‬‬
‫كما يتأكّد تحسين الهيئة للخروج إلى الجمعة والعيدين وللذان ‪.‬‬
‫تحسين اللّباس ‪:‬‬
‫سنّة ‪ ،‬لما رواه أبو‬
‫ب تحسين اللّباس بما ل يخرج عن العرف ‪ ،‬ول يخرج عن ال ّ‬
‫‪ - 11‬يستح ّ‬
‫ن أباه أتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو أشعث سيّئ الهيئة ‪ ،‬فقال له رسول‬
‫الحوص « أ ّ‬
‫ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنّ اللّه‬
‫ن كلّ قد آتاني اللّه عزّ وج ّ‬
‫ل ؟ قال ‪ :‬مِ ْ‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أما لك ما ٌ‬
‫ب أن ترى عليه » ويكون تحسين اللّباس بما يلي ‪:‬‬
‫عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمةً أح ّ‬
‫أ ‪ -‬أن يكون نظيفا ‪ ،‬فقد « رأى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً شعثا فقال ‪ :‬أما كان‬
‫يجد هذا ما يسكّن به شعره ‪ ،‬ورأى آخر عليه ثياب وسخة فقال ‪ :‬أما كان هذا يجد ما يغسل‬
‫به ثوبه » ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن ل يكون واسعا سع ًة تخرج عن ح ّد الحتياج ‪ ،‬لما في ذلك من السراف ‪ ،‬فقد كره‬
‫المام مالك للرّجل سعة الثّوب وطوله ‪ ،‬قال ابن القاسم ‪ :‬بلغني أنّ عمر بن الخطّاب قطع كمّ‬
‫رجل إلى قدر أصابع كفّه ‪ ،‬ثمّ أعطاه فضل ذلك ‪ ،‬وقال له ‪ :‬خذ هذا واجعله في حاجتك ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يكون منسّقا مرتّبا على ما يقتضيه العرف ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أصلحوا‬
‫ن اللّه ل يحبّ الفحشَ ول‬
‫رحالَكم وأصلحوا لباسَكم ‪ ،‬حتّى تكونوا كأنّكم شَامَةٌ في النّاس ‪ ،‬فإِ ّ‬
‫التّفحّشَ » ‪ .‬ويتأكّد تحسين الثّوب للخروج للجمع والعياد والجماعات ‪.‬‬
‫كما يتأكّد تحسين الثّوب للعلماء خاصّةً ‪.‬‬
‫تحسين الفنية ‪:‬‬
‫ن تحسين الفنية والبيوت بتنظيفها وترتيبها ‪ ،‬عملً بما رواه عامر بن سعد عن أبيه‬
‫‪ - 12‬يس ّ‬
‫طيّب ‪ ،‬نظيف يحبّ النّظافة ‪ ،‬كريم‬
‫ن اللّه طيّب يحبّ ال ّ‬
‫عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫ب الجود ‪ ،‬فنظّفوا أفنيتكم ول َتشَبّهوا باليهود » ‪.‬‬
‫يحبّ الكرم ‪ ،‬جوّاد يح ّ‬
‫تحسين الخروج إلى المسجد ‪:‬‬
‫‪ - 13‬يكون تحسين الخروج إلى المسجد بما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إخلص ال ّنيّة للخروج إلى المسجد ‪ ،‬وعدم خلطها بنيّة أخرى كالتّمشّي ونحوه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يزيد على نيّة الخروج لداء الفريضة في المسجد نيّة العتكاف فيه ‪.‬‬
‫خذُوا زي َنتَكم عند كلّ‬
‫ج ‪ -‬الخروج إلى المسجد بغير ثياب المهنة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬يا بَني آد َم ُ‬
‫مسجِدٍ } ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الدّخول إلى المسجد برجله اليمنى ‪.‬‬
‫تحسين اللّقاء والسّلم وردّه ‪:‬‬
‫حيّيتُم‬
‫‪ - 14‬يندب تحسين لقاء المسلم ‪ ،‬وتحسين السّلم وال ّردّ عليه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وإذا ُ‬
‫ن منها أو رُدّوها } وتحسين ردّ السّلم يكون بقول ‪ " :‬وعليكم السّلم ورحمة‬
‫حيّوا بأحس َ‬
‫بتحيّةٍ َف َ‬
‫اللّه وبركاته " ‪.‬‬
‫تحسين الصّوت ‪:‬‬
‫‪ -15‬تحسين الصّوت هو ‪ :‬التّرنّم والتّغنّي الّذي ل يصاحبه ترديد الصّوت بالحروف ‪ ،‬ول‬
‫تغيير الكلمات عن وجهها ‪ ،‬مع التزام قواعد التّجويد ‪ .‬ويندب تحسين الصّوت في القرآن ‪،‬‬
‫وفي الذان ‪ ،‬لنّه يجذب النّاس إليهما ‪ ،‬ويحبّبهم بهما ‪ ،‬ويشرح صدورهم لهما ‪.‬‬
‫أمّا التّطريب والتّلحين والتّغنّي ‪ -‬بمعنى الغناء ‪ -‬والقصر والزّيادة بالتّمطيط فهو محرّم ‪ .‬وقد‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫اتّفق الفقهاء على استحباب أن يكون المؤذّن حسن الصّوت ‪ « ،‬ل ّ‬
‫وسلم اختار أبا محذورة مؤذّنا ‪ ،‬لحسن صوته » ‪.‬‬
‫تحسين المرأة صوتها بحضرة الجانب ‪:‬‬
‫ي ليس فيه تكلّف‬
‫‪ - 16‬على المرأة إذا تكلّمت بحضرة الرّجال الجانب أن تتكلّم بصوت طبيع ّ‬
‫ن فل‬
‫ن اتّ َق ْيتُ ّ‬
‫ستُنّ كأحدٍ من النّساءِ إ ْ‬
‫ي َل ْ‬
‫ول تقطيع ول تليين ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬يا نسا َء النّب ّ‬
‫ن قَولً معروفا } ‪.‬‬
‫ض وقُلْ َ‬
‫طمَعَ الّذي في قلبِه َمرَ ٌ‬
‫ل َفيَ ْ‬
‫ضعْنَ بالقو ِ‬
‫َتخْ َ‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬هذه آداب أمر اللّه تعالى بها نساء النّبيّ صلى ال عليه وسلم ونساء المّة تبع‬
‫ن في ذلك ‪.‬‬
‫له ّ‬
‫ن القول ‪ ،‬أمرهنّ أن يكون قولهنّ‬
‫ضعْنَ بالقولِ } أي ل تل ّ‬
‫قال القرطبيّ في تفسيره { فل َتخْ َ‬
‫جزلً ‪ ،‬وكلمهنّ فصلً ‪ ،‬ول يكون على وجه يظهر في القلب علق ًة بما يظهر عليه من‬
‫اللّين‪.‬‬
‫تحسين المشية ‪:‬‬
‫‪ - 17‬على النسان أن يمشي المشية المتعارفة المعتادة ‪ ،‬أمّا المشية المصطنعة الملفتة للنظار‬
‫ن أمر المرأة مبنيّ‬
‫فمنهيّ عنها ‪ ،‬ومنعها في حقّ النّساء آكد من منعها في حقّ الرّجال ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن زِينتهنّ } قال القرطبيّ ‪:‬‬
‫نمْ‬
‫ن ِل ُيعَْلمَ ما ُيخْفِي َ‬
‫ن بأرجلِه ّ‬
‫ضرِبْ َ‬
‫على السّتر قال تعالى ‪ { :‬ول َي ْ‬
‫ن تبرّجا وتعرّضا للرّجال فهو‬
‫ن فهو مكروه ‪ ،‬ومن فعل منه ّ‬
‫من فعل منهنّ ذلك فرحا بحليّه ّ‬
‫ن ال ُعجْب‬
‫ن فعل ذلك تعجّبا حرم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫حرام مذموم ‪ .‬وكذلك من ضرب بنعله من الرّجال ‪ ،‬مَ ْ‬
‫كبيرة ‪ ،‬وإن فعل ذلك تبرّجا لم يجز ‪.‬‬
‫وأحسن المشي مشي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقد ورد أنّه كان إذا مشى تكفّأ ‪ ،‬وكان‬
‫ن الّذين‬
‫أسرع النّاس مشي ًة ‪ ،‬وأحسنها وأسكنها وهي المرادة بقوله تعالى ‪ { :‬وعبا ُد الرّحم ِ‬
‫ن على الرض َهوْنا } ‪.‬‬
‫َي ْمشُو َ‬
‫قال غير واحد من السّلف ‪ :‬يعني بسكينة ووقار من غير تكبّر ول تماوت ‪.‬‬
‫تحسين الخلق ‪:‬‬
‫‪ - 18‬تحسين الخلق مطلوب شرعا ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬ول َتمْشِ في الرضِ َمرَحا إ ّنكَ لنْ‬
‫ن َتبْلُغَ الجبالَ طُولً } وقال جلّ شأنه ‪ { :‬يا أيّها الّذينَ آمنوا ل يَسخرْ قومٌ‬
‫تخرقَ الرضَ ول ْ‬
‫ن خيرا منهنّ ول تَ ْل ِمزُوا‬
‫ن نساءٍ عسى أنْ َيكُ ّ‬
‫ن قومٍ عسى أنْ يكونوا خيرا منهم ول نساءٌ م ْ‬
‫مْ‬
‫ب فأولئك هم الظّالمون يا‬
‫ن ومن لم َيتُ ْ‬
‫ب بئسَ السمُ الفُسوقُ بعدَ الِيما ِ‬
‫أَنفسَكم ول َتنَا َبزُوا باللقا ِ‬
‫جسّسُوا ول يغتبْ بعضُكم‬
‫ن إثمٌ ول َت َ‬
‫ن بعضَ الظّ ّ‬
‫ج َت ِنبُوا كثيرا منَ الظّنّ إ ّ‬
‫أيّها الّذين آمنوا ا ْ‬
‫حمَ أخيه َم ْيتَا َف َكرِ ْهتُمُوه واتّقوا الّلهَ إنّ الّلهَ توّابٌ رحيمٌ } إلى غير‬
‫ل َل ْ‬
‫ب أحدُكم أنْ يأك َ‬
‫بعضا َأ ُيحِ ّ‬
‫ذلك من اليات الموجبة لحسن الخلق ‪ ،‬وقد وصف اللّه رسوله بقوله ‪ { :‬وَإ ّنكَ َلعَلَى خُلُقٍ‬
‫عظيمٍ } ‪.‬‬
‫ويتناسب تحسين الخلق مع عظم الحقّ ‪ ،‬فمن كان حقّه عليك أكبر كان تحسين الخلق معه‬
‫أوجب ‪ ،‬ولذلك حرّم اللّه تعالى على النسان أن يتأفّف لحد والديه ‪ ،‬لعظيم حقّهما على الولد ‪،‬‬
‫ل لهما قولً كريما } ‪ .‬قال البهوتيّ ‪ :‬يستحبّ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬فل تَقُلْ لهما ُأفّ ول َت ْنهَرْهما وق ْ‬
‫لكلّ من الزّوجين تحسين الخلق لصاحبه والرّفق به واحتمال أذاه ‪ ،‬وفي حديث رسول اللّه‬
‫ت من ضِلعٍ »‪.‬‬
‫ن المرأةَ خُلِقَ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬اسْتوصُوا بالنّسا ِء خيرا ‪ ،‬فإِ ّ‬
‫تحسين الظّنّ ‪:‬‬
‫ن باللّه تعالى ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحسين الظّ ّ‬
‫‪ - 19‬يجب على المؤمن أن يحسن الظّنّ باللّه تعالى ‪ ،‬وأكثر ما يجب أن يكون إحسانا للظّنّ‬
‫ن باللّه‬
‫ب للمحتضَر تحسين الظّ ّ‬
‫باللّه عند نزول المصائب وعند الموت ‪ ،‬قال الحطّاب ‪ :‬نُد َ‬
‫ل أنّه ينبغي للمكلّف‬
‫ن باللّه وإن كان يتأكّد عند الموت وفي المرض ‪ ،‬إ ّ‬
‫تعالى ‪ ،‬وتحسين الظّ ّ‬
‫ن أحدكم إلّ وهو يحسن الظّنّ‬
‫ن باللّه ‪ ،‬ففي صحيح مسلم ‪ « :‬ل يموت ّ‬
‫أن يكون دائما حسن الظّ ّ‬
‫باللّه » ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تحسين الظّنّ بالمسلمين ‪:‬‬
‫ن بالمسلمين ‪ ،‬حتّى إذا ما أخطأ أحدهم عفا عنه وصفح‬
‫‪ - 20‬على المسلم أن يحسن الظّ ّ‬
‫ن بالمسلمين ما دام لهم وجه ‪ ،‬عليه أن يتّهم نفسه ول‬
‫وا ْل َتمَسَ له العذر ‪ .‬ومع إحسانه الظّ ّ‬
‫ن بها ‪ ،‬لنّ ذلك أبعد عن الغرور ‪ ،‬وأسلم للقلب عن أمراض القلوب ‪ ،‬قال ابن‬
‫يحسن الظّ ّ‬
‫الحاجّ في المدخل ‪ :‬إذا خرج المرء إلى الصّلة فليحذر أن يخطر له في نفسه أنّه خير من أحد‬
‫من إخوانه من المسلمين ‪ ،‬فيقع في البليّة العظمى ‪ ،‬بل يخرج محسن الظّنّ بإخوانه المسلمين ‪،‬‬
‫مسيء الظّنّ بنفسه ‪ ،‬فيتّهم نفسه في فعل الخير ‪.‬‬
‫تحسين الخطّ ‪:‬‬
‫‪ - 21‬حسن الخطّ عصمة للقارئ من الخطأ في قراءته ‪ ،‬وكلّما كان الكلم أكثر حرم ًة كان‬
‫ن الخطأ فيه أفحش ‪ ،‬وعلى هذا فتحسين الخطّ بكتابة القرآن الكريم‬
‫تحسين الخطّ فيه ألزم ‪ ،‬ل ّ‬
‫ألزم شيء ‪ ،‬ثمّ يتلوه تحسين الخطّ بكتابة سنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ بالثار‬
‫المرويّة عن الصّحابة والتّابعين ‪ ،‬ثمّ بالحكام الشّرعيّة وهكذا ‪..‬‬
‫والصل في ذلك « قول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لمعاوية بن أبي سفيان رضي ال‬
‫عنهما ‪ :‬يا معاوية ألق الدّواة ‪ ،‬وحرّف القلم ‪ ،‬وانصب الباء ‪ ،‬وفرّق السّين ‪ ،‬ول تعوّر الميم ‪،‬‬
‫وحسّن اللّه ‪ ،‬ومدّ الرّحمن ‪ ،‬وجوّد الرّحيم » ‪.‬‬
‫تحسين المخطوبة ‪:‬‬
‫‪ - 22‬ل تمنع المرأة المخطوبة من تحسين هيئتها ولبسها عند رؤية الخاطب لها من غير ستر‬
‫عيب ول تدليس ول سرف ‪.‬‬
‫تحسين المصحف ‪:‬‬
‫‪ - 23‬تحسين المصحف مندوب ‪ ،‬ويكون ذلك بتحسين خطّه ‪ ،‬وتعشيره ‪ ،‬وكتابة أسماء سوره‬
‫في أوّل كلّ سورة وعدد آياتها ‪ ،‬وتشكيله وتنقيطه ‪ ،‬وعلمات وقوفه ‪ ،‬وتجليده ‪ .‬وتفصيل ذلك‬
‫في الكلم عن المصحف ‪.‬‬
‫تحسين الذّبح ‪:‬‬
‫‪ - 24‬اتّفق الفقهاء على ندب تحسين ذبح الحيوان تحسينا يؤدّي إلى إراحة الحيوان المذبوح‬
‫بقدر المستطاع ‪ ،‬فاستحبّوا أن يحدّ الشّفرة قبل الذّبح ‪ .‬وكرهوا الذّبح بآلة كالّة ‪ ،‬لما في الذّبح‬
‫بها من تعذيب للحيوان ولحديث شدّاد بن أوس رضي ال عنه ‪ِ « :‬ثنْتانِ حفظتُهما عن رسول‬
‫سنُوا ال ِقتْلَةَ‬
‫ن اللّ َه كتبَ الِحسانَ على كلّ شيء ‪ ،‬فإِذا َقتَلتُم فَأح ِ‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬إ ّ‬
‫حدّ أحدُكم شفرتَه و ْل ُيرِحْ ذبيحتَه » ‪ .‬ويندب عدم شحذ‬
‫سنُوا ال ّذ ْبحَةَ ‪ ،‬و ْل ُي ِ‬
‫‪ ،‬وإذا ذبحتُم فأحْ ِ‬
‫سكّين أمام الذّبيحة ‪ ،‬ول ذبح واحدة أمام أخرى ‪ ،‬كما يندب عرض الماء عليها قبل ذبحها ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫وأن يكون الذّبح في العنق لما قصر عنقه ‪ ،‬وفي الّلبّة لما طال عنقه كالبل والنّعام والوزّ لنّه‬
‫أسهل لخروج الرّوح ‪.‬‬
‫سكّين على الذّبيحة برفق وتحامل يسير ذهابا إيابا ‪ .‬وأن ل يكون الذّبح من القفا ‪،‬‬
‫وإمرار ال ّ‬
‫وأن ل يقطع أعمق من الودجين والحلقوم ‪ ،‬ول يكسر العنق ‪ ،‬ول يقطع شيئا منها قبل أن‬
‫تزهق نفسها ‪ .‬وكذلك يندب تحسين القتل في القصاص أو الحدّ ‪ ،‬للحديث المتقدّم ‪.‬‬
‫تحسين المبيع ‪:‬‬
‫‪ - 25‬يعتبر تحسين المبيع مباحا ما لم يكن فيه ستر عيب ‪ ،‬أو تغرير للمشتري ‪ ،‬أو تحسين‬
‫مؤقّت ل يلبث أن يزول ‪ ،‬فإذا ظهر العيب الّذي أخفي بالتّحسين ثبت للمشتري خيار العيب ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في ( بيع ‪ ،‬غرر ‪ ،‬خيار العيب ) ‪.‬‬
‫تحسين المطالبة بالدّين ‪:‬‬
‫‪ - 26‬يندب تحسين المطالبة بالدّين ‪ ،‬ويكون تحسينها ‪:‬‬
‫بالسّماحة بالمطالبة ‪ :‬لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬رحم اللّه رجلً سمحا إذا‬
‫باع ‪ ،‬وإذا اشترى ‪ ،‬وإذا اقتضى » ‪ .‬وأن تكون المطالبة في وقت يظنّ فيه اليسر ‪ :‬فقد قدم‬
‫سعيد بن عامر بن حذيم على عمر بن الخطّاب فلمّا أتاه عله عمر بال ّدرّة ‪ ،‬فقال سعيد ‪ :‬يا‬
‫ن َتسْتعتب نعتب ‪،‬‬
‫ن تعفُ َنشْكر ‪ ،‬وإ ْ‬
‫أمير المؤمنين سبق سيلُك مطرَك ‪ ،‬إن تعاقبْ َنصْبر ‪ ،‬وإ ْ‬
‫فقال عمر ‪ :‬ما على المسلم إلّ هذا ‪ ،‬ما لكَ ُتبْطئ بالخراج ؟ قال سعيد ‪ :‬أمرتنا أن ل نزيد‬
‫الفلّاحين على أربعة دنانير ‪ ،‬فلسنا نزيدهم على ذلك ‪ ،‬ولكنّا نؤخّرهم إلى غلّاتهم ‪ ،‬فقال عمر ‪:‬‬
‫ل عزلتك ما حييتُ ‪.‬‬
‫تحسين الميّت والكفن والقبر ‪:‬‬
‫‪ - 27‬يندب تحسين هيئة الميّت ‪ ،‬ففي تبيين الحقائق ‪ :‬فإذا ماتَ شدّ لحياه ‪ ،‬وغمّضت عيناه ‪،‬‬
‫ن فيه تحسينه ‪ ،‬إذ لو ترك على حاله لبقي فظيع المنظر ‪ ،‬ثمّ يغسّل ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ب تحسين كفن الميّت ‪ ،‬لنّ الكفن للميّت بمثابة اللّباس للحيّ ‪ ،‬ولما رواه جابر‬
‫‪ - 28‬ويستح ّ‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه‬
‫» ‪ .‬ويكون تحسين الكفن بثلثة أمور ‪ :‬تحسين ذات الكفن ‪ ،‬وتحسين صفة الكفن ‪ ،‬وتحسين‬
‫وضعه على الميّت ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬أمّا تحسين ذات الكفن ‪ :‬فقد صرّح المالكيّة بأنّ الميّت يكفّن بمثل ما كان يلبسه في الجمع‬
‫والعياد في حياته ‪ -‬وهو يلبس لها أحسن ثيابه ‪ -‬ويقضى بذلك عند اختلف الورثة فيه ‪،‬‬
‫إن لم يكن عليه دين ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أمّا تحسين صفة الكفن ‪ :‬فإنّه يستحبّ البياض في الكفن لحديث ابن عبّاس رضي ال‬
‫عنهما مرفوعا ‪ « :‬البسوا من ثيابكم البياض ‪ ،‬فإنّها من خير ثيابكم ‪ ،‬وكفّنوا بها موتاكم »‬
‫والجديد أفضل من القديم ‪ ،‬على خلف في ذلك بين الفقهاء ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أمّا تحسين كيفيّة الكفن ‪ :‬فيتمثّل بأن تجعل أحسن اللّفائف بحيث تظهر للنّاس ‪ ،‬فيظهر‬
‫حسن الكفن ‪.‬‬
‫‪ - 29‬ويندب تحسين القبر ‪ ،‬ويكون تحسينه بما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حفره لحدا إن أمكن ‪ ،‬وبناء اللّحد ‪ ،‬وأفضل ما يبنى به اللّحد اللّبن ‪ ،‬ثمّ اللواح ‪ ،‬ثمّ‬
‫القرميد ‪ ،‬ث ّم القصب ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يكون عمقه بقدر قامة ‪ -‬وهي ما يقرب من ثلثة أذراع ‪ -‬وأن يكون واسعا بحيث ل‬
‫يضيق بالميّت ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬فرش أرضه بالرّمل إن كانت الرض صخريّةً أو كان هناك سبب آخر لذلك ‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يعلو عن الرض مقدار شبر ‪ ،‬ويكون مسطّحا أو مسنّما على خلف بين الفقهاء فيما‬
‫هو الفضل ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن يعلّم عند رأس الميّت بحجر ‪.‬‬
‫وليس من المستحسن ‪ -‬بل هو مكروه ‪ -‬تجصيص القبور وتطيينها والبناء عليها ‪.‬‬

‫تحسينيّات *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ضمّ ‪ :‬الجمال ‪.‬‬
‫‪ - 1‬التّحسينيّات في اللّغة ‪ :‬مأخوذة من مادّة الحسن ‪ ،‬والحسن في اللّغة بال ّ‬
‫وجاء في الصّحاح أنّه ضدّ القبح ‪ .‬والتّحسين ‪ :‬التّزيين ‪.‬‬
‫وأمّا التّحسينيّات في اصطلح الصوليّين ‪ :‬فهي ما ل تدعو إليها ضرورة ول حاجة ‪ ،‬ولكن‬
‫تقع موقع التّحسين والتّيسير ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملت ‪.‬‬
‫ومن أمثلتها ‪ :‬تحريم الخبائث من القاذورات والسّباع حثّا على مكارم الخلق ‪.‬‬
‫ومن أمثلتها أيضا ‪ :‬اعتبار الوليّ في النّكاح صيانةً للمرأة عن مباشرة العقد ‪ ،‬لكونه مشعرا‬
‫ل للخلق على‬
‫بتوقان نفسها إلى الرّجال ‪ ،‬فل يليق ذلك بالمروءة ‪ ،‬ففوّض ذلك إلى الوليّ حم ً‬
‫أحسن المناهج ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الضّروريّات ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الضّروريّات يعرف معناها في اللّغة من معنى مادّة ضرّ ‪ ،‬والضّ ّر في اللّغة ‪ :‬خلف‬
‫النّفع ‪ ،‬وضرّه وضارّه معناهما واحد ‪ ،‬والسم الضّرر ‪ .‬وقال الزهريّ ‪ :‬كلّ ما كان سوء‬
‫حال وفقرا وشدّةً في بدن فهو ض ّر بالضّمّ ‪ ،‬وما كان ضدّ النّفع فهو بفتحها ‪.‬‬
‫وأمّا عند الصوليّين ‪ :‬فهي المور الّتي ل بدّ منها في قيام مصالح الدّين والدّنيا ‪ ،‬وهي حفظ‬
‫الدّين ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والنّسل ‪ ،‬والمال ‪ ،‬والنّفس ‪.‬‬
‫وهي أقوى مراتب المصالح بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على استقامة ‪ ،‬بل على فساد‬
‫وتهارج وفوت حياة ‪ ،‬وفي الخرى فوت النّجاة والنّعيم والرّجوع بالخسران المبين ‪ .‬ومن هنا‬
‫يتبيّن الفرق بين الضّروريّات والتحسينيات ‪ ،‬إذ التّحسينيّات هي الخذ بما يليق من محاسن‬
‫العادات ‪ ،‬وتجنّب الحوال المدنّسات الّتي تأنفها العقول الرّاجحة ‪.‬‬
‫ب – الحاجيّات ‪:‬‬
‫‪ - 3‬يعرف معناها في اللّغة من معنى الحاجة ‪ ،‬وهي ‪ :‬الحتياج ‪ .‬وأمّا عند الصوليّين ‪ :‬فهي‬
‫الّتي يحتاج إليها ‪ ،‬ولكنّها ل تصل إلى حدّ الضّرورة ‪ ،‬فإذا لم تراع دخل على المكلّفين على‬
‫الجملة الحرج والمشقّة ‪ ،‬ولكنّه ل يبلغ مبلغ الفساد العاديّ المتوقّع في المصالح العامّة ‪ .‬وتأتي‬
‫في المرتبة الثّانية بعد الضّروريّات ‪ ،‬أمّا التّحسينيّات فتأتي في المرتبة الثّالثة ‪.‬‬
‫أقسام التّحسينيّات ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تنقسم التّحسينيّات إلى قسمين ‪:‬‬
‫ن نفرة الطّباع‬
‫الوّل ‪ :‬ما كان غير معارض للقواعد الشّرعيّة ‪ ،‬كتحريم تناول القاذورات ‪ ،‬فإ ّ‬
‫منها معنًى يناسب حرمة تناولها حثّا على مكارم الخلق ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬ما كان معارضا للقواعد كالكتابة ‪ ،‬فإنّها غير محتاج إليها ‪ ،‬إذ لو منعت ما ضرّ ‪،‬‬
‫ك الرّقبة من ال ّرقّ ‪ ،‬وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع‬
‫لكنّها مستحسنة في العادة للتّوسّل بها إلى ف ّ‬
‫سيّد له بأن يعجّز نفسه‬
‫الشّخص بعض ماله ببعض آخر ‪ ،‬إذ ما يحصّله المكاتب في قوّة ملك ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫الحكام الجماليّة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المحافظة عليها ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّحسينيّات من المور الّتي قصد الشّارع المحافظة عليها ‪ ،‬لنّها وإن كانت أدنى مراتب‬
‫المصالح إلّ أنّها مكمّلة للحاجيّات الّتي هي أعلى منها في المنزلة ‪ ،‬والحاجيّات بدورها مكمّلة‬
‫للضّروريّات الّتي هي أصل لهما ‪ ،‬وأيضا فإنّ ترك التّحسينيّات يؤدّي في النّهاية إلى ترك‬
‫ن المتجرّئ على ترك الخفّ بالخلل به معرّض للتّجرّؤ على ما سواه ‪،‬‬
‫الضّروريّات ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولذلك لو اقتصر المصلّي على ما هو فرض في الصّلة لم يكن في صلته ما يستحسن ‪.‬‬
‫وأيضا فإنّ التّحسينات بالنّسبة للحاجيّات ‪ -‬الّتي هي آكد منها ‪ -‬كالنّفل بالنّسبة إلى ما هو‬
‫فرض ‪ ،‬وكذا الحاجيّات مع الضّروريّات ‪ ،‬فستر العورة واستقبال القبلة بالنّسبة إلى أصل‬
‫ل ‪ ،‬فالخلل‬
‫الصّلة كالمندوب إليه ‪ ،‬والمندوب إليه بالجزء ينتهض أن يصير واجبا بالك ّ‬
‫بالمندوب مطلقا يشبه الخلل بركن من أركان الواجب ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تعارض التّحسينيّات مع غيرها ‪:‬‬
‫‪ - 6‬التّحسينيّات وإن كانت مكمّل ًة للحاجيّات الّتي هي أصل لها ‪ ،‬إلّ أنّه يشترط في المحافظة‬
‫ل تعود على أصلها بالبطال ‪ ،‬فإذا كانت المحافظة عليها تؤدّي إلى‬
‫عليها باعتبارها مكمّلةً ‪ :‬أ ّ‬
‫ل تكملة‬
‫ترك ما هو أعلى منها فإنّها تترك ‪ ،‬ومثل ذلك الحاجيّات مع الضّروريّات ‪ ،‬لنّ ك ّ‬
‫يفضي اعتبارها إلى إبطال أصلها ل يلتفت إليها لوجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنّ في إبطال الصل إبطال التّكملة ‪ ،‬لنّ التّكملة مع ما كمّلته كالصّفة مع‬
‫الموصوف ‪ ،‬فإذا كان اعتبار الصّفة يؤدّي إلى ارتفاع الموصوف لزم من ذلك ارتفاع الصّفة‬
‫أيضا ‪ ،‬فاعتبار هذه التّكملة على هذا الوجه مؤدّ إلى عدم اعتبارها ‪ ،‬وهذا محال ل يتصوّر ‪،‬‬
‫وإذا لم يتصوّر لم تعتبر التّكملة ‪ ،‬واعتبر الصل من غير مزيد ‪.‬‬
‫ن المصلحة التّكميليّة تحصل مع فوات المصلحة الصليّة ‪ ،‬لكان‬
‫الثّاني ‪ :‬أنّا لو قدّرنا تقديرا أ ّ‬
‫حصول الصليّة أولى لما بينهما من التّفاوت ‪ .‬وبيان ذلك أنّ حفظ النّفس مهمّ كّليّ ‪ ،‬وحفظ‬
‫المروآت مستحسن ‪ ،‬فحرمت النّجاسات حفظا للمروآت ‪ ،‬وإجراءً لهل المروآت على محاسن‬
‫العادات ‪ ،‬فإن دعت الضّرورة إلى إحياء النّفس بتناول النّجس كان تناوله أولى ‪.‬‬
‫ن المصالح إذا تعارضت حصّلت‬
‫هذا وقد ذكر الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلم في قواعده ‪ :‬أ ّ‬
‫العليا منها ‪ ،‬واجتنبت الدّنيا منها فإنّ الطبّاء يدفعون أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما ‪،‬‬
‫ن الطّبّ كالشّرع ‪ ،‬وضع‬
‫صحّتين ول يبالون بفوات أدناهما ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ويجلبون أعلى السّلمتين وال ّ‬
‫لجلب مصالح السّلمة والعافية ‪ ،‬ولدرء مفاسد المعاطب والسقام ‪ ،‬ولدرء ما أمكن درؤه من‬
‫ذلك ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك ‪ ،‬فإن تعذّر درء الجميع أو جلب الجميع ‪ ،‬فإن تساوت‬
‫الرّتب تخيّر ‪ ،‬وإن تفاوتت استعمل التّرجيح عند عرفانه والتّوقّف عند الجهل به ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحتجاج بها ‪:‬‬
‫‪ - 7‬ذكر الغزاليّ في المستصفى ‪ :‬أنّه ل يجوز الحكم بالتحسينيات بمجرّدها إن لم تعتضد‬
‫بشهادة أصل ‪ ،‬إلّ أنّها قد تجري مجرى وضع الضّرورات ‪ ،‬فل يبعد أن يؤدّي إليها اجتهاد‬
‫مجتهد ‪ ،‬فحينئذ إن لم يشهد الشّرع برأي فهو كالستحسان فإن اعتضد بأصل فذاك قياس‬
‫ومثل التّحسينيّات في هذا الحاجيّات ‪ .‬وتفصيله في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫تحصّن *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من معاني التّحصّن في اللّغة والصطلح ‪ :‬الدّخول في الحصن والحتماء به ‪ ،‬وفي‬
‫القاموس ‪ :‬الحصن ‪ ،‬كلّ موضع حصين ل يتوصّل إلى ما في جوفه ‪ ،‬وفي المصباح ‪ :‬هو‬
‫المكان الّذي ل يقدر عليه لرتفاعه ‪ ،‬والجمع حصون ‪ .‬وحصّن القرية تحصينا بنى حولها ما‬
‫يحصّنها من سور أو نحوه ‪.‬‬
‫ويستعمل التّحصّن أيضا بمعنى ‪ :‬التّعفّف عن الرّيب ‪ ،‬ومنه قيل للمتعفّفة ( حصان ) ‪.‬‬
‫حصّنا ‪} ...‬‬
‫ن أ َردْنَ َت َ‬
‫قال اللّه تعالى ‪ { :‬ول ُتكْرِهوا فتياتِكم على ال ِبغَاءِ إ ْ‬
‫الحكم الجماليّ ومواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّحصّن من الكفّار المحاربين ‪ -‬إن جاءوا لقتال المسلمين ‪ -‬جائز شرعا ‪ ،‬سواء أكان‬
‫المسلمون في الحصن أقلّ من نصف الكفّار أو أكثر ‪ ،‬وذلك ليلحقهم مدد وقوّة من بلد‬
‫المسلمين المجاورة ليشدّوا أزرهم ‪ ،‬فيكثر عددهم ويخشاهم عدوّهم ‪ ،‬ول يلحق المسلمين‬
‫ن الثم منوط بمن فرّ بعد لقاء المحاربين غير متحرّف‬
‫بتحصّنهم إثم الفرار من الزّحف ‪ ،‬ل ّ‬
‫لقتال ‪ ،‬ول متحيّزا إلى فئة ‪ ،‬وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التّحيّز إلى الحصن ‪ ،‬لنّه بمنزلة‬
‫التّحرّف للقتال أو التّحيّز إلى فئة ‪ ،‬وهذا بل خلف ‪.‬‬
‫وإن كان الكفّار المحاربون في بلدهم مستقرّين غير قاصدين الحرب ‪ ،‬فحينئذ ينبغي للمسلمين‬
‫أن يحتاطوا بإحكام الحصون والخنادق وشحنها بمكافئين لهم ‪ ،‬وتقليد ذلك للمؤتمنين من‬
‫المسلمين والمشهورين بالشّجاعة ‪ .‬والتّفصيل موطنه مصطلح ‪ ( :‬جهاد ) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ويجوز أيضا للمسلمين التّحصّن بالخنادق كما « فعل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في‬
‫غزوة الخندق حينما جاء الحزاب لقتاله حول المدينة » ‪ .‬وإليه يشير قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها‬
‫جنُودا لم َترَوْها ‪،‬‬
‫الّذين آ َمنُوا ا ْذكُروا نعم َة الّلهِ عليكم إ ْذ جا َءتْكم جنودٌ فَأرْسَلنا عليهم ريحا و ُ‬
‫ت البصارُ‬
‫ن أسفلَ منكم وإذْ زَاغَ ِ‬
‫ن فوقِكم ومِ ْ‬
‫وكان اللّ ُه بما تعملون بصيرا ‪ .‬إ ْذ جاءوكم مِ ْ‬
‫ظنُ ْونَا } وقد « شارك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫ن باللّ ِه ال ّ‬
‫ظنّو َ‬
‫جرَ و َت ُ‬
‫ت القلوبُ الحنا ِ‬
‫وبلغ ِ‬
‫في حفر الخندق بنفسه مع أصحابه » ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ومثل التّحصّن بالحصون والخنادق ‪ :‬التّحصّن بكلّ ما يحمي المسلمين من مفاجأة العدوّ‬
‫لهم من الوسائل الّتي تتنوّع بحسب أنواع الخطر ‪ .‬وهذا يختلف باختلف العصور والمكنة ‪.‬‬

‫تحصين *‬
‫انظر ‪ :‬إحصان ‪ ،‬جهاد ‪.‬‬

‫تحقّق *‬
‫انظر ‪ :‬تثبّت ‪.‬‬

‫تحقير *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من معاني التّحقير في اللّغة ‪ :‬الذلل والمتهان والتّصغير ‪ .‬وهو مصدر حقّر ‪،‬‬
‫والمحقّرات ‪ :‬الصّغائر ‪ .‬ويقال ‪ :‬هذا المر محقرة بك ‪ :‬أي حقارة ‪.‬‬
‫والحقير ‪ :‬الصّغير الذّليل ‪ .‬تقول ‪ :‬حقّر حقارةً ‪ ،‬وحقّره واحتقره واستحقره ‪ :‬إذا استصغره‬
‫ورآه حقيرا ‪ .‬وحقّره ‪ :‬صيّره حقيرا ‪ ،‬أو نسبه إلى الحقارة ‪ .‬وحَقُر الشّيء حقار ًة ‪ :‬هان قدره‬
‫فل يعبأ به ‪ ،‬فهو حقير ‪ .‬وهو في الصطلح ل يخرج عن هذا ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫للتّحقير أحكام تعتريه ‪:‬‬
‫‪ - 2‬فتارةً يكون حراما منهيّا عنه ‪ :‬كما في تحقير المسلم للمسلم استخفافا به وسخري ًة منه‬
‫وامتهانا لكرامته ‪ .‬وفي هذا قول اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل يسخرْ قومٌ مِنْ‬
‫ن خيرا منهنّ ‪ ،‬ول تَ ْل ِمزُوا‬
‫ن نساءٍ عسى أنْ َيكُ ّ‬
‫قومٍ عسى أنْ يكونُوا خيرا منهم ‪ ،‬ول نساءٌ مِ ْ‬
‫ب فأولئك هم الظّالمون }‬
‫ن لم يتُ ْ‬
‫ن ومَ ْ‬
‫ب بئسَ السمُ الفُسوقُ بعدَ الِيما ِ‬
‫أنفسَكم ول َتنَا َبزُوا باللقا ِ‬
‫ونحوها من اليات ‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل َتحَاسدوا ول َتنَاجشوا ول َتبَاغضوا ول تدابروا ‪ ،‬ول َيبِ ْع بعضُكم‬
‫على بي ِع بعض ‪ ،‬وكونوا عبادَ الّلهِ إخوانا المسلم أخو المسلم ‪ ،‬ل يظلمه ول يخذله ول يحقّره‬
‫ن يح ِقرَ أخاه المسلمَ ‪.‬‬
‫شرّ أ ْ‬
‫التّقوى هاهنا ‪ .‬ويشير إلى صدره ثلث مرّات بحسب امرئ من ال ّ‬
‫كلّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ دمُه ومالُه وعرضُه » ‪.‬‬
‫وفيه عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل يدخل الجنّة من‬
‫كان في قلبه مثقالُ ذرّةٍ من ِكبْر ‪ .‬فقال رجل ‪ :‬إنّ الرّجلَ يحبّ أن يكون ثوبُه حسنا ونعلُه‬
‫غ ْمطُ النّاس » وفي رواية «‬
‫ب الجمال ‪ .‬الكبر بَطَر الحقّ و َ‬
‫ن اللّ َه جميلٌ يح ّ‬
‫حسنةً ‪ .‬قال ‪ :‬إ ّ‬
‫وغمص النّاس » ‪ ،‬وبطر الحقّ ‪ :‬هو دفعه وإبطاله ‪ ،‬والغمط والغمص معناهما واحد ‪ ،‬وهو‬
‫‪ :‬الحتقار ‪.‬‬
‫قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬بئس السمُ الفسوقُ بعدَ الِيمان } قيل معناه ‪ :‬من لقّب‬
‫أخاه أو سخر به فهو فاسق ‪ .‬قال ابن حجر الهيتميّ ‪ :‬السّخرية ‪ :‬الستحقار والستهانة والتّنبيه‬
‫على العيوب والنّقائص يوم يضحك منه ‪ ،‬وقد يكون بالمحاكاة بالفعل أو القول أو الشارة أو‬
‫اليماء ‪ ،‬أو الضّحك على كلمه إذا تخبّط فيه أو غلط ‪ ،‬أو على صنعته ‪ ،‬أو قبيح صورته ‪.‬‬
‫فمن ارتكب شيئا من التّحقير ممّا هو ممنوع كان قد ارتكب محرّما يعزّر عليه شرعا تأديبا له‬
‫‪ .‬وهذا التّعزير مفوّض إلى رأي المام ‪ ،‬وفق ما يراه في حدود المصلحة وطبقا للشّرع ‪ ،‬كما‬
‫ن المقصود منه الزّجر ‪ ،‬وأحوال النّاس فيه مختلفة ‪،‬‬
‫هو مبيّن في مصطلح ( تعزير ) ‪ ،‬ل ّ‬
‫فلكلّ ما يناسبه منه ‪ .‬وهذا إن قصد بهذه المور التّحقير ‪ .‬أمّا إن قصد التّعليم أو التّنبيه على‬
‫الخطأ أو نحو ذلك ‪ -‬ولم يقصد تحقيرا ‪ -‬فل بأس به ‪ ،‬فيعرف قصده من قرائن الحوال ‪.‬‬
‫‪ - 3‬هذا وقد يصل التّحقير المحرّم إلى أن يكون ردّةً ‪ ،‬وذاك إذا حقّر شيئا من شعائر‬
‫السلم ‪ ،‬كتحقير الصّلة والذان والمسجد والمصحف ونحو ذلك ‪ ،‬قال اللّه تعالى في وصف‬
‫ب قل أباللّهِ وآياتِه ورسولِه كنتم تستهزئون‬
‫ن إنّما كنّا نخوضُ ونلع ُ‬
‫ن سألتَهم لَيقولُ ّ‬
‫المنافقين { ولئ ْ‬
‫‪ .‬ل تعتذروا قد كفرت ْم بع َد إيمانكم } ‪ ،‬وقال تعالى فيهم أيضا ‪ { :‬وإذا ناديتمْ إلى الصّلةِ‬
‫اتّخذوها ُهزُوا وََل ِعبَا } ‪ .‬ونقل في فتح العليّ لمالك ‪ :‬أنّ رجلً كان يزدري الصّلة ‪ ،‬وربّما‬
‫ازدرى المصلّين وشهد عليه مل كثير من النّاس ‪ ،‬منهم من زكّى ومنهم من لم يزكّ ‪ .‬فمن‬
‫حمله على الزدراء بالمصلّين لقلّة اعتقاده فيهم فهو من سباب المسلم ‪ ،‬فيلزمه الدب على‬
‫قدر اجتهاد الحاكم ‪ .‬ومن يحمله على ازدراء العبادة فالصوب أنّه ردّة ‪ ،‬لظهاره إيّاه‬
‫وشهرته به ‪ ،‬ل زندقة ‪ ،‬ويجري عليه أحكام المرتدّ ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقد يكون التّحقير واجبا ‪ :‬كما هو الحال فيمن فرضت عليه الجزية من أهل الكتاب ‪.‬‬
‫ح ّرمَ اللّهُ‬
‫ن ل يُؤْمنون بالّلهِ ول باليومِ الخرِ ول يُحرّمون ما َ‬
‫لقوله تعالى ‪ { :‬قاتِلوا الّذي َ‬
‫ن دينَ الحقّ من الّذين أُوتوا الكتابَ حتّى ُي ْعطُوا الجِزيةَ عن َي ٍد وهم‬
‫ورسولُه ول َيدِينو َ‬
‫صاغرون } أي ذليلون حقيرون مهانون ‪ .‬وقد اختلف الفقهاء فيما يحصل به الصّغار عند‬
‫إعطائهم الجزية ‪ .‬انظر مصطلح ( أهل ال ّذمّة ‪ ،‬وجزية ) ‪.‬‬
‫التّعزير بما فيه تحقير ‪:‬‬
‫‪ - 5‬من ضروب التّعزير ‪ :‬التّوبيخ ‪ ،‬وهو نوع من التّحقير ‪ .‬واستدلّ الفقهاء على مشروعيّة‬
‫ل فعيّره بأمّه ‪،‬‬
‫التّوبيخ في التّعزير بالسّنّة فقد ‪ « ،‬روى أبو ذرّ رضي ال عنه أنّه سابّ رج ً‬
‫عّي ْرتَه بأمّه ؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّ ٌة » ‪.‬‬
‫فقال الرّسول صلى ال عليه وسلم يا أبا ذرّ ‪ :‬أَ َ‬
‫ل عرضه وعقوبته » ‪.‬‬
‫ي الواجد يح ّ‬
‫« وقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل ّ‬
‫وقد فسّر النّيل من العرض بأن يقال له مثلً ‪ :‬يا ظالم ‪ .‬يا معتدي ‪ .‬وهذا نوع من التّعزير‬
‫بالقول ‪ ،‬وقد جاء في تبصرة الحكّام لبن فرحون ‪ :‬وأمّا التّعزير بالقول فدليله ما ثبت في سنن‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أتي برجل قد‬
‫أبي داود عن أبي هريرة رضي ال عنه « أ ّ‬
‫شرب فقال ‪ :‬اضربوه فقال أبو هريرة فمنّا الضّارب بيده ‪ ،‬ومنّا الضّارب بنعله ‪ ،‬والضّارب‬
‫بثوبه » ‪ .‬وفي رواية « بكّتوه فأقبلوا عليه يقولون ‪ :‬ما اتّقيت اللّه ؟ ما خشيت اللّه ؟ ما‬
‫استحييت من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » ؟‬
‫وهذا التّبكيت من التّعزير بالقول ‪ ( .‬ر ‪ :‬تعزير ) ‪.‬‬
‫‪ -6‬قد يكون التّحقير بالفعل ‪ :‬كما هو الحال في تجريس شاهد الزّور ‪ ،‬فإنّ تجريسه هو إسماع‬
‫النّاس به ‪ ،‬وهو تشهير ‪ ،‬وإذا كان تشهيرا كان تعزيرا ‪ .‬فقد ورد في التتارخانية في التّشهير‬
‫بشاهد الزّور ‪ :‬قال أبو حنيفة في المشهور ‪ :‬يطاف به ويشهر ول يضرب ‪ ،‬وفي السّراجيّة ‪:‬‬
‫وعليه الفتوى ‪ .‬وفي جامع العتّابيّ ‪ :‬التّشهير أن يطاف به في البلد وينادى عليه في كلّ محلّة‬
‫ن هذا شاهد الزّور فل تشهدوه ‪ .‬وذكر الخصّاف في كتابه أنّه يشهر على قولهما بغير‬
‫‪:‬إّ‬
‫الضّرب ‪ ،‬والّذي روي عن عمر أنّه كان يسخّم وجهه فتأويله عند السّرخسيّ أنّه بطريق‬
‫السّياسة إذا رأى المصلحة ‪ ،‬وعند الشّيخ المام أنّه التّفضيح والتّشهير ‪ ،‬فإنّه يسمّى سوادا ‪.‬‬
‫ونقل عن شريح رحمه ال أنّه كان يبعث بشاهد الزّور إلى سوقه إن كان سوقيّا ‪ ،‬وإلى قومه‬
‫ن شريحا يقرأ عليكم السّلم‬
‫إن كان غير سوقيّ بعد العصر أجمع ما كانوا ‪ ،‬ويقول آخذه ‪ :‬إ ّ‬
‫ويقول ‪ :‬إنّا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذّروا النّاس منه ‪.‬‬
‫تحقيق المناط *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حقّق المر ‪ :‬تيقّنه أو جعله ثابتا لزما ‪ .‬والمناط ‪ :‬موضع التّعليق ‪.‬‬
‫ومناط الحكم عند الصوليّين ‪ :‬علّته وسببه ‪ .‬وتحقيق المناط عند الصوليّين ‪ :‬هو النّظر‬
‫ص أو إجماع أو‬
‫والجتهاد في معرفة وجود العلّة في آحاد الصّور ‪ ،‬بعد معرفة تلك العلّة بن ّ‬
‫استنباط ‪ ،‬فإثبات وجود العلّة في مسألة معيّنة بالنّظر والجتهاد هو تحقيق المناط ‪.‬‬
‫فمثال ما إذا كانت العلّة معروفةً بالنّصّ ‪ :‬جهة القبلة ‪ ،‬فإنّها مناط وجوب استقبالها ‪ ،‬وهي‬
‫طرَهُ } وأمّا كون جهة ما‬
‫ش ْ‬
‫معروفة بالنّصّ ‪ ،‬وهو قوله تعالى ‪ { :‬وحيثما كُنتم فَوَلّوا وجوهَكم َ‬
‫هي جهة القبلة في حالة الشتباه فمظنون بالجتهاد والنّظر في المارات ‪.‬‬
‫ومثال ما إذا كانت العلّة معلومةً بالجماع ‪ :‬العدالة ‪ ،‬فإنّها مناط وجوب قبول الشّهادة ‪ ،‬وهي‬
‫معلومة بالجماع ‪ ،‬وأمّا كون هذا الشّخص عدلً فمظنون بالجتهاد ‪.‬‬
‫شدّة المطربة ‪ ،‬فإنّها مناط تحريم الشّرب في‬
‫ومثال ما إذا كانت العلّة مظنون ًة بالستنباط ‪ :‬ال ّ‬
‫ن المناط‬
‫الخمر ‪ ،‬فالنّظر في معرفتها في النّبيذ هو تحقيق المناط ‪ ،‬وسمّي تحقيق المناط ‪ ،‬ل ّ‬
‫وهو الوصف علم أنّه مناط ‪ ،‬وبقي النّظر في تحقيق وجوده في الصّورة المعيّنة ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬تحقيق المناط مسلك من مسالك العلّة ‪ ،‬والخذ به متّفق عليه ‪ .‬وقد يعتبر تحقيق المناط‬
‫من قياس العلّة ‪ .‬وقال الغزاليّ ‪ :‬هذا النّوع من الجتهاد ل خلف فيه بين المّة ‪ ،‬والقياس‬
‫مختلف فيه ‪ ،‬فكيف يكون هذا قياسا ؟ ‪ .‬وتحقيق المناط يحتاج إليه المجتهد والقاضي والمفتي‬
‫في تطبيق علّة الحكم على آحاد الوقائع ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في الملحق الصوليّ ‪.‬‬

‫تحكيم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحكيم في اللّغة ‪ :‬مصدر حكّمه في المر والشّيء ‪ ،‬أي ‪ :‬جعله حكما ‪ ،‬وفوّض الحكم‬
‫جرَ بينهم } ‪.‬‬
‫شَ‬‫ح ّكمُوك فيما َ‬
‫إليه ‪ .‬وفي التّنزيل العزيز ‪ { :‬فل وربّك ل يُؤْمنونَ حتّى ُي َ‬
‫وحكّمه بينهم ‪ :‬أمره أن يحكم بينهم ‪ .‬فهو حكم ‪ ،‬ومحكّم ‪.‬‬
‫ن الجنّة للمحكّمين » فالمراد به الّذين يقعون في يد العدوّ ‪،‬‬
‫وأمّا الحديث الشّريف ‪ « :‬إ ّ‬
‫فيخيّرون بين الشّرك والقتل ‪ ،‬فيختارون القتل ثباتا على السلم ‪.‬‬
‫وفي المجاز ‪ :‬حكّمت السّفيه تحكيما ‪ :‬إذا أخذت على يده ‪ ،‬أو بصّرته ما هو عليه ‪ .‬ومنه قول‬
‫النّخعيّ رحمه ال تعالى ‪ :‬حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ‪ .‬أي ‪ :‬امنعه من الفساد كما تمنع ولدك‬
‫وقيل ‪ :‬أراد حكمه في ماله إذا صلح كما تحكّم ولدك ‪.‬‬
‫ومن معاني التّحكيم في اللّغة ‪ :‬الحكم ‪ .‬يقال ‪ :‬قضى بين الخصمين ‪ ،‬وقضى له ‪ ،‬وقضى‬
‫عليه ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬التّحكيم ‪ :‬تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما ‪ .‬وفي مجلّة الحكام‬
‫العدليّة ‪ :‬التّحكيم عبارة عن اتّخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما ‪.‬‬
‫ويقال لذلك ‪ :‬حكم بفتحتين ‪ ،‬ومحكّم بضمّ الميم ‪ ،‬وفتح الحاء ‪ ،‬وتشديد الكاف المفتوحة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القضاء ‪:‬‬
‫‪ - 2‬من معانيه في اللّغة ‪ :‬الحكم ‪ ،‬وهو في اصطلح الفقهاء ‪ :‬تبيين الحكم الشّرعيّ واللزام‬
‫به ‪ ،‬وفصل الخصومة ‪.‬‬
‫ض النّزاع بين النّاس وتحديد صاحب الحقّ ‪،‬‬
‫وعلى هذا فكلّ من التّحكيم والقضاء وسيلة لف ّ‬
‫ولهذا اشترط الفقهاء في ك ّل منهما صفات متماثلةً ‪ .‬كما سنرى بعد قليل ‪.‬‬
‫ن التّحكيم‬
‫ن القضاء هو الصل في هذا المقام ‪ ،‬وأ ّ‬
‫إلّ أنّ بينهما فوارق جوهريّةً تتجلّى في أ ّ‬
‫ن القاضي هو صاحب ولية عامّة ‪ ،‬فل يخرج عن سلطة القضاء أحد ‪ ،‬ول يستثنى‬
‫فرع ‪ ،‬وأ ّ‬
‫من اختصاصه موضوع ‪ .‬أمّا تولية الحكم فتكون من القاضي أو من الخصمين وفق الشّروط‬
‫والقيود الّتي توضع له ‪ ،‬مع ملحظة أنّ هناك أمورا ليست محلّا للتّحكيم ‪ ،‬كما سنرى ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الصلح ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الصلح في اللّغة ‪ :‬نقيض الفساد ‪ .‬يقال ‪ :‬أصلح ‪ :‬إذا أتى بالخير والصّواب ‪ .‬وأصلح‬
‫في عمله ‪ ،‬أو أمره ‪ :‬أتى بما هو صالح نافع ‪ .‬وأصلح الشّيء ‪ :‬أزال فساده ‪.‬‬
‫وأصلح بينهما ‪ ،‬أو ذات بينهما ‪ ،‬أو ما بينهما ‪ :‬أزال ما بينهما من عداوة ونزاع برضا‬
‫ن اقْ َتتَلُوا َفأَصِْلحُوا بينَهما ‪ ،‬فإنْ‬
‫الطّرفين ‪ .‬وفي ‪ ،‬القرآن المجيد ‪ { :‬وإنْ طائفتانِ من المؤمني َ‬
‫ت فأصلِحوا‬
‫ن فاءَ ْ‬
‫َبغَتْ إحداهُما على الخرى فقاتِلوا الّتي تبغي حتّى تَفِيء إلى أمرِ الّلهِ ‪ ،‬فإ ْ‬
‫سطِين } ‪.‬‬
‫ن اللّ َه ُيحِبّ المق ِ‬
‫سطُوا إ ّ‬
‫بينهما بالعدلِ وَأقْ ِ‬
‫ض بهما النّزاع ‪ ،‬غير أنّ الحكم ل ب ّد فيه من تولية من القاضي أو‬
‫فالصلح والتّحكيم يف ّ‬
‫الخصمين ‪ ،‬والصلح يكون الختيار فيه من الطّرفين أو من متبرّع به ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫سنّة والجماع ‪.‬‬
‫التّحكيم مشروع ‪ .‬وقد دلّ على ذلك الكتاب وال ّ‬
‫ح َكمَا‬
‫ح َكمَا من أهلِه و َ‬
‫‪ - 4‬أمّا الكتاب الكريم فقوله تعالى ‪ { :‬وإنْ خِ ْفتُم شِقَاقَ بينهما فابْ َعثُوا َ‬
‫ن ُيرِيدا إصلحا يُ َو ّفقِ اللّ ُه بينهما } ‪.‬‬
‫من أهلِها ‪ ،‬إ ْ‬
‫قال القرطبيّ ‪ :‬إنّ هذه الية دليل إثبات التّحكيم ‪.‬‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رضي بتحكيم سعد بن معاذ‬
‫سنّة المطهّرة ‪ « ،‬فإ ّ‬
‫‪ -5‬وأمّا ال ّ‬
‫رضي ال عنه في أمر اليهود من بني قريظة ‪ ،‬حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنّزول على‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رضي بتحكيم العور بن بشامة في أمر‬
‫حكمه » ‪ « .‬وإ ّ‬
‫بني العنبر ‪ ،‬حين انتهبوا أموال الزّكاة » ‪.‬‬
‫وفي الحديث الشّريف « أنّ أبا شريح هانئ بن يزيد رضي ال عنه لمّا وفد إلى رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم مع قومه ‪ ،‬سمعهم يكنّونه بأبي الحكم ‪ .‬فقال له رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫ن قومي إذا اختلفوا في‬
‫ح ْكمُ ‪ ،‬فلم تكنّى أبا الحكم ؟ فقال ‪ :‬إ ّ‬
‫حكَم ‪ .‬وإليه ال ُ‬
‫ن اللّه هو ال َ‬
‫وسلم ‪ :‬إ ّ‬
‫شيء أتوني ‪ ،‬فحكمت بينهم ‪ ،‬فرضي كل الفريقين ‪ .‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ما أحسن هذا ‪ .‬فما لك من الولد ؟ قال ‪ :‬لي شريح ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وعبد اللّه ‪ .‬قال ‪ :‬فما أكبرهم ؟‬
‫قلت ‪ :‬شريح ‪ .‬قال ‪ :‬أنت أبو شريح ‪ .‬ودعا له ولولده » ‪.‬‬
‫‪ -6‬أمّا الجماع ‪ ،‬فقد كان بين عمر وأبيّ بن كعب رضي ال عنهما منازعة في نخل ‪ ،‬فحكّما‬
‫بينهما زيد بن ثابت رضي ال عنه ‪.‬‬
‫واختلف عمر مع رجل في أمر فرس اشتراها عمر بشرط السّوم ‪ ،‬فتحاكما إلى شريح ‪.‬‬
‫كما تحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم رضي ال عنهم ‪ ،‬ولم يكن زيد ول شريح ول‬
‫جبير من القضاة ‪ .‬وقد وقع مثل ذلك لجمع من كبار الصّحابة ‪ ،‬ولم ينكره أحد فكان إجماعا ‪.‬‬
‫ن من الحنفيّة من امتنع عن الفتوى‬
‫‪ -7‬وبنا ًء على ذلك ذهب الفقهاء إلى جواز التّحكيم ‪ .‬إلّ أ ّ‬
‫ن السّلف إنّما يختارون للحكم من كان عالما صالحا ديّنا ‪ ،‬فيحكم بما يعلمه‬
‫بذلك ‪ ،‬وحجّته ‪ :‬أ ّ‬
‫من أحكام الشّرع ‪ ،‬أو بما أدّى إليه اجتهاد المجتهدين ‪ .‬فلو قيل بصحّة التّحكيم اليوم لتجاسر‬
‫العوامّ ‪ ،‬ومن كان في حكمهم إلى تحكيم أمثالهم ‪ ،‬فيحكم الحكم بجهله بغير ما شرع اللّه تعالى‬
‫من الحكام ‪ ،‬وهذا مفسدة عظيمة ‪ ،‬ولذلك أفتوا بمنعه ‪.‬‬
‫وقال أصبغ من المالكيّة ‪ :‬ل أحبّ ذلك ‪ ،‬فإن وقع مضى ‪ .‬ومنهم من لم يجزه ابتدا ًء ‪.‬‬
‫ومن الشّافعيّة من قال بعدم الجواز ‪ ،‬ومنهم من قال بالجواز إذا لم يكن في البلد قاض ‪ .‬ومنهم‬
‫ن جواز التّحكيم هو ظاهر مذهب الحنفيّة‬
‫من قال بجوازه في المال فقط ‪ .‬ومهما يكن فإ ّ‬
‫ح عندهم ‪ ،‬والظهر عند جمهور الشّافعيّة ‪ .‬وهو مذهب الحنابلة ‪.‬‬
‫والص ّ‬
‫أمّا المالكيّة ‪ :‬فظاهر كلمهم نفاذه بعد الوقوع ‪.‬‬
‫ض النّزاع به فيما بينهما ‪ ،‬وكلّ منهما‬
‫‪ -8‬وطرفا التّحكيم هما الخصمان اللّذان اتّفقا على ف ّ‬
‫يسمّى المحكّم بتشديد الكاف المكسورة ‪.‬‬
‫وقد يكون الخصمان اثنين ‪ ،‬وقد يكونان أكثر من ذلك ‪.‬‬
‫‪ -9‬والشّرط في طرفي التّحكيم الهليّة الصّحيحة للتّعاقد الّتي قوامها العقل ‪ ،‬إذ بدونها ل يصحّ‬
‫العقد ‪ .‬ول يجوز لوكيلٍ التّحكيمُ من غير إذن موكّله ‪ ،‬وكذلك الصّغيرُ المأذون له في التّجارة‬
‫ل بإذن المالك ‪ ،‬ول من الوليّ‬
‫من غير إذن وليّه ‪ ،‬ول يجوز التّحكيم من عامل المضاربة إ ّ‬
‫والوصيّ والمحجور عليه بالفلس إذا كان ذلك يضرّ بالقاصر أو بالغرماء ‪.‬‬
‫شروط المحكّم ‪:‬‬
‫‪ - 10‬أ ‪ -‬أن يكون معلوما ‪ .‬فلو حكّم الخصمان أوّل من دخل المسجد مثلً لم يجز‬
‫بالجماع ‪ ،‬لما فيه من الجهالة ‪ ،‬إلّ إذا رضوا به بعد العلم ‪ ،‬فيكون حينئذ تحكيما لمعلوم ‪.‬‬
‫‪ - 11‬ب ‪ -‬أن يكون أهلً لولية القضاء ‪.‬‬
‫وعلى ذلك اتّفاق المذاهب الربعة ‪ ،‬على خلف فيما بينها في تحديد عناصر تلك الهليّة ‪.‬‬
‫والمراد بأهليّة القضاء هنا ‪ :‬الهليّة المطلقة للقضاء ‪ ،‬ل في خصوص الواقعة موضوع النّزاع‬
‫‪ .‬وفي قول للشّافعيّة ‪ :‬إنّ هذا الشّرط يمكن الستغناء عنه عندما ل يوجد الهل لذلك ‪ .‬ومنهم‬
‫من قال بعدم اشتراطه مطلقا ‪ ،‬ومنهم من قيّد جواز التّحكيم بعدم وجود قاض ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يتقيّد‬
‫بالمال دون القصاص والنّكاح ‪ ،‬أي إثبات عقد النّكاح ‪.‬‬
‫ن المحكّم ل تشترط فيه كلّ صفات القاضي ‪.‬‬
‫وفي قول للحنابلة ‪ :‬إ ّ‬
‫وثمّة أحكام تفصيليّة لهذا الشّرط يرجع إليها في مبحث ( دعوى ) ( وقضاء ) ‪.‬‬
‫ن أهليّة القضاء يجب أن تكون متحقّق ًة في المحكّم من وقت التّحكيم إلى‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫وقت الحكم ‪ .‬ومن ذلك ‪ :‬أنّه يشترط في المحكّم ‪ :‬السلم ‪ ،‬إن كان حكما بين مسلمين ‪ ،‬وكان‬
‫ن غير المسلم‬
‫أحدهما مسلما ‪ ،‬أمّا إذا كانا غير مسلمين يشترط إسلم المحكّم ‪ .‬وعلّة ذلك أ ّ‬
‫أهل للشّهادة بين غير المسلمين ‪ ،‬فيكون تراضي الخصمين عليه كتولية السّلطان إيّاه ‪.‬‬
‫ومعلوم أنّ ولية غير المسلم الحكم بين غير المسلمين صحيحة ‪ .‬وكذلك التّحكيم ‪.‬‬
‫ولو كانا غير مسلمين ‪ ،‬وحكّما غير مسلم جاز ‪ .‬فإن أسلم أحد الخصمين قبل الحكم لم ينفذ‬
‫حكم الحكم على المسلم ‪ ،‬وينفذ له ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل ينفذ له أيضا ‪.‬‬
‫‪ - 12‬أمّا المرتدّ فتحكيمه عند أبي حنيفة رضي ال عنه موقوف ‪ ،‬فإن عاد إلى السلم صحّ ‪،‬‬
‫ل بطل ‪ .‬وعند أبي يوسف ومحمّد جائز في كلّ حال ‪ .‬وعلى ذلك فلو حكّم مسلم ومرتدّ‬
‫وإ ّ‬
‫رجلً ‪ ،‬فحكم بينهما ‪ ،‬ث ّم قتل المرتدّ ‪ ،‬أو لحق بدار الحرب ‪ ،‬لم يجز حكمه عليهما ‪.‬‬
‫ن الخصمين لو‬
‫‪ - 13‬ورتّبوا على ذلك آثارا تظهر في بعض الصّور التّفريعيّة ‪ ...‬من ذلك أ ّ‬
‫حكّما صبيّا فبلغ ‪ ،‬أو غير مسلم فأسلم ‪ ،‬ث ّم حكم ‪ ،‬لم ينفذ حكمه ‪.‬‬
‫ولو حكّما مسلما ‪ ،‬ث ّم ارتدّ لم ينفذ حكمه أيضا ‪ ،‬وكان في ردّته عزله ‪ .‬فإذا عاد إلى السلم‬
‫فل بدّ من تحكيم جديد ‪ .‬ولو عمي المحكّم ‪ ،‬ثمّ ذهب العمى ‪ ،‬وحكم لم يجز حكمه ‪.‬‬
‫ن ذلك ل‬
‫أمّا إن سافر أو مرض أو أغمي عليه ‪ ،‬ثمّ قدم من سفره أو برئ وحكم جاز ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن حكما غير مسلم ‪ ،‬حكّمه غير المسلمين ‪ ،‬ثمّ أسلم قبل الحكم ‪،‬‬
‫يقدح بأهليّة القضاء ‪ .‬ولو أ ّ‬
‫ن أحد الخصمين وكّل‬
‫فهو على حكومته ‪ ،‬لنّ تحكيم غير المسلمين للمسلم جائز ونافذ ‪ .‬ولو أ ّ‬
‫الحكم بالخصومة فقبل ‪ ،‬خرج عن الحكومة على قول أبي يوسف ‪ ،‬ولم يخرج عنها على قول‬
‫المام ومحمّد ‪ .‬وقد قال بعض العلماء ‪ :‬إنّه يخرج عنها في قول الكلّ ‪.‬‬
‫‪ - 14‬ج ‪ -‬أن ل يكون بين المحكّم وأحد الخصمين قرابة تمنع من الشّهادة ‪ .‬وإذا اشترى‬
‫المحكّم الشّيء الّذي اختصما إليه فيه ‪ ،‬أو اشتراه ابنه أو أحد ممّن ل تجوز شهادته له ‪ ،‬فقد‬
‫خرج من الحكومة ‪ .‬وإن حكّم الخصم خصمه ‪ ،‬فحكم لنفسه ‪ ،‬أو عليها جاز تحكيمه ابتداءً ‪،‬‬
‫جوْرا بيّنا ‪ ،‬وهو مذهب الحنفيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫ومضى حكمه إن لم يكن َ‬
‫أمّا المالكيّة فلهم في ذلك ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫القول الوّل ‪ :‬أنّه يجوز مطلقا ‪ ،‬سواء أكان الخصم الحكم قاضيا أم غيره ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬أنّه ل يجوز مطلقا للتّهمة ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬التّفرقة بين أن يكون المحكّم قاضيا أو غيره ‪ ،‬فإن كان الخصم المحكّم قاضيا لم‬
‫يجز ‪ ،‬إن لم يكن قاضيا جاز ‪ .‬والقول الوّل هو المعتمد ‪ ،‬وبه أخذ الحنابلة ‪.‬‬
‫محلّ التّحكيم ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء فيما يصلح أن يكون محلّا للتّحكيم ‪.‬‬
‫‪ - 15‬فعند الحنفيّة ل يجوز التّحكيم في الحدود الواجبة حقّا للّه تعالى باتّفاق الرّوايات ‪.‬‬
‫حكْم المحكّم ليس بحجّة في حقّ‬
‫ن استيفاء عقوبتها ممّا يستقلّ به وليّ المر ‪ .‬وأنّ ُ‬
‫وحجّتهم ‪ :‬أ ّ‬
‫غير الخصوم ‪ ،‬فكان فيه شبهة ‪ .‬والحدود تدرأ بالشّبهات ‪.‬‬
‫وما اختاره السّرخسيّ من جواز التّحكيم في حدّ القذف فضعيف ‪.‬‬
‫ح في المذهب عدم جواز التّحكيم في الحدود كلّها ‪.‬‬
‫ن الغالب فيه حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬فالص ّ‬
‫لّ‬
‫‪ - 16‬أمّا القصاص ‪ ،‬فقد روي عن أبي حنيفة أنّه ل يجوز التّحكيم فيه ‪.‬‬
‫واختاره الخصّاف ‪ ،‬وهو الصّحيح من المذهب ‪ ،‬لنّ التّحكيم بمنزلة الصّلح ‪.‬‬
‫والنسان ل يملك دمه حتّى يجعله موضعا للصّلح ‪ .‬وما روي من جوازه في القصاص قياسا‬
‫على غيره من الحقوق فضعيف روايةً ودرايةً ‪ ،‬لنّ القصاص ليس حقّا محضا للنسان ‪-‬‬
‫وإن كان الغالب فيه حقّه ‪ -‬وله شبه بالحدود في بعض المسائل ‪.‬‬
‫ح التّحكيم في ما يجب من الدّية على العاقلة ‪ ،‬لنّه ل ولية للحكمين على العاقلة‬
‫‪ - 17‬ول يص ّ‬
‫‪ ،‬ول يمكنهما الحكم على القاتل وحده بالدّية ‪ ،‬لمخالفته حكم الشّرع الّذي لم يوجب دي ًة على‬
‫القاتل وحده دون العاقلة ‪ ،‬إلّ في مواضع محدّدة ‪ -‬كما لو أق ّر بالقتل خطأً ‪ -‬وللتّفصيل انظر‬
‫مصطلح ( دية ‪ ،‬عاقلة ) ‪.‬‬
‫ن التّحكيم جائز ونافذ ‪.‬‬
‫أمّا في تلك المواضع المحدّدة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫حكَم أن يحكم في اللّعان كما ذكر البرجنديّ ‪ ،‬وإن توقّف فيه ابن نجيم ‪.‬‬
‫‪ - 18‬وليس لل َ‬
‫وعلّة ذلك أنّ اللّعان يقوم مقام الحدّ ‪ .‬وأمّا فيما عدا ما ذكر آنفا ‪ ،‬فإنّ التّحكيم جائز ونافذ ‪.‬‬
‫وليس للمحكّم الحبس ‪ ،‬إلّ ما نقل عن صدر الشّريعة من جوازه ‪.‬‬
‫ل في ثلثة عشر موضعا هي ‪:‬‬
‫ن التّحكيم عندهم جائز إ ّ‬
‫‪ - 19‬وأمّا المالكيّة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الرّشد ‪ ،‬وضدّه ‪ ،‬والوصيّة ‪ ،‬والحبس ( الوقف ) ‪ ،‬وأمر الغائب ‪ ،‬والنّسب ‪ ،‬والولء ‪،‬‬
‫ن هذه ممّا يختصّ بها‬
‫والحدّ ‪ ،‬والقصاص ‪ ،‬ومال اليتيم ‪ ،‬والطّلق ‪ ،‬والعتق ‪ ،‬واللّعان ‪ .‬ل ّ‬
‫ن هذه المور إمّا حقوق يتعلّق بها حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬كالحدّ والقتل‬
‫القضاء ‪ .‬وسبب ذلك أ ّ‬
‫والطّلق ‪ ،‬أو حقوق لغير المتحاكمين ‪ ،‬كالنّسب ‪ ،‬واللّعان ‪ .‬وقد وضع ابن عرفة حدّا لما‬
‫ح لحدهما ترك حقّه فيه‬
‫يجوز فيه التّحكيم ‪ .‬فقال ‪ :‬ظاهر الرّوايات أنّه يجوز التّحكيم فيما يص ّ‬
‫‪.‬‬
‫ح في الموال ‪ ،‬وما في معناها ‪.‬‬
‫وقال اللّخميّ وغيره ‪ :‬إنّما يص ّ‬
‫‪ - 20‬وأمّا الشّافعيّة فإنّ التّحكيم عندهم ل يجوز في حدود اللّه تعالى ‪ .‬إذ ليس فيها طالب‬
‫معيّن ‪ ،‬وعلى هذا المذهب ‪ .‬ولو حكّم خصمان رجلً في غير ح ّد اللّه تعالى جاز مطلقا بشرط‬
‫أهليّة القضاء ‪ .‬وفي قول ‪ :‬ل يجوز ‪ .‬وقيل ‪ :‬بشرط عدم وجود قاض بالبلد ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬يختصّ التّحكيم بالموال دون القصاص والنّكاح ونحوهما ‪.‬‬
‫‪ - 21‬وأمّا الحنابلة ‪ :‬فقد اختلفوا فيما يجوز فيه التّحكيم ‪.‬‬
‫ففي ظاهر كلم أحمد أنّ التّحكيم يجوز في كلّ ما يمكن أن يعرض على القاضي من‬
‫خصومات ‪ ،‬كما قال أبو الخطّاب ‪ ،‬يستوي في ذلك المال والقصاص والحدّ والنّكاح واللّعان‬
‫وغيرها ‪ ،‬حتّى مع وجود قاض ‪ ،‬لنّه كالقاضي ول فرق ‪ .‬وقال القاضي أبو يعلى بجواز‬
‫التّحكيم في الموال خاصّةً ‪ .‬وأمّا النّكاح والقصاص والح ّد فل يجوز فيها التّحكيم ‪ ،‬لنّها‬
‫مبنيّة على الحتياط ‪ ،‬فل بدّ من عرضها على القضاء للحكم ‪.‬‬
‫شروط التّحكيم ‪:‬‬
‫يشترط في التّحكيم ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 22‬أ ‪ -‬قيام نزاع ‪ ،‬وخصومة حول حقّ من الحقوق ‪.‬‬
‫حكْما قيام طرفين متشاكسين ‪ ،‬كلّ يدّعي حقّا له قبل الخر ‪.‬‬
‫وهذا الشّرط يستدعي ُ‬
‫‪ - 23‬ب ‪ -‬تراضي طرفي الخصومة على قبول حكمه ‪ ،‬أمّا المعيّن من قبل القاضي فل‬
‫يشترط رضاهما به ‪ ،‬لنّه نائب عن القاضي ‪.‬‬
‫ول يشترط عند الحنفيّة تقدّم رضى الخصمين عن التّحكيم ‪ ،‬بل لو رضيا بحكمه بعد صدوره‬
‫جاز ‪ .‬وعند الشّافعيّة ‪ :‬ل بدّ من تقدّم التّراضي ‪.‬‬
‫‪ - 24‬ج ‪ -‬اتّفاق المتخاصمين والحكم على قبول مهمّة التّحكيم ‪ ...‬ومجمل هذين التّفاقين‬
‫يشكل ركن التّحكيم ‪ ،‬الّذي هو ‪ :‬لفظه الدّالّ عليه مع قبول الخر ‪.‬‬
‫وهذا الرّكن قد يظهر صراحةً ‪ .‬كما لو قال الخصمان ‪ :‬حكّمناك بيننا ‪ .‬أو قال لهما ‪ :‬أحكم‬
‫بينكما ‪ ،‬فقبل ‪ .‬وقد يظهر دللةً ‪ ...‬فلو اصطلح الخصمان على رجل بينهما ‪ ،‬ولم يعلماه بذلك‬
‫‪ ،‬ولكنّهما اختصما إليه ‪ ،‬فحكم بينهما ‪ ،‬جاز ‪.‬‬
‫وإن لم يقبل الحكم ‪ ،‬لم يجز حكمه إلّ بتجديد التّحكيم ‪.‬‬
‫وللخصمين أن يقيّدا التّحكيم بشرط ‪ ...‬فلو حكّماه على أن يحكم بينهما في يومه ‪ ،‬أو في‬
‫مجلسه وجب ذلك ‪ .‬ولو حكّماه على أن يستفتي فلنا ‪ ،‬ثمّ يقضي بينهما بما قال جاز ‪.‬‬
‫ولو حكّما رجلين ‪ ،‬فحكم أحدهما ‪ ،‬لم يجز ‪ ،‬ول ب ّد من اتّفاقهما على المحكوم به ‪.‬‬
‫فلو اختلفا لم يجز ‪ .‬وكذلك لو اتّفقا على تحكيم رجل معيّن ‪ .‬فليس له أن يفوّض غيره بالتّحكيم‬
‫‪ .‬لنّ الخصمين لم يرضيا بتحكيم غيره ‪.‬‬
‫ولو فوّض ‪ ،‬وحكم الثّاني بغير رضاهما ‪ ،‬فأجاز الوّل حكمه ‪ ،‬لم يجز لنّ الذن منه في‬
‫البتداء ل يصحّ ‪ ،‬فكذا في النتهاء ‪ ،‬ول بدّ من إجازة الخصمين بعد الحكم ‪ .‬وقيل ‪ :‬ينبغي‬
‫أن يجوز ‪ ،‬كالوكيل الوّل إذا أجاز بيع الوكيل الثّاني ‪.‬‬
‫إلّ أنّ تعليق التّحكيم على شرط ‪ ،‬كما لو قال لعبد ‪ :‬إذا أعتقت فاحكم بيننا ‪ ،‬وإضافته إلى‬
‫وقت ‪ ،‬كما لو قال لرجل ‪ :‬جعلناك حكما غدا ‪ ،‬أو قال ‪ :‬رأس الشّهر ‪ ...‬كلّ ذلك ل يجوز‬
‫في قول أبي يوسف خلفا لمحمّد ‪ .‬والفتوى على القول الوّل ‪.‬‬
‫‪ - 25‬وليس للخصمين أن يتّفقا على محكّم ليس أهلً للتّحكيم ‪.‬‬
‫ولو حكم غير المسلم بين مسلمين ‪ ،‬فأجازا حكمه ‪ ،‬لم يجز ‪ ،‬كما لو حكّماه في البتداء ‪.‬‬
‫حكَم ‪ .‬إلّ‬
‫‪ - 26‬ول يحتاج التّفاق على التّحكيم لشهود تشهد على الخصمين بأنّهما قد حكّما ال َ‬
‫أنّه ينبغي الشهاد خوف الجحود ‪.‬‬
‫ولهذا ثمرة عمليّة ‪ :‬إذ لو أنّ الخصمين حكّما الحكم ‪ ،‬فحكم بينهما ‪ ،‬فأنكر المحكوم عليه منهما‬
‫ن الجاحد حكّمه إلّ ببيّنة ‪.‬‬
‫أنّه حكّمه ‪ ،‬لم يقبل قول الحكم أ ّ‬
‫ن رجوع أحد الخصمين‬
‫‪ - 27‬ويجب أن يستم ّر التّفاق على التّحكيم حتّى صدور الحكم ‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫عن التّحكيم قبل صدور الحكم يلغي التّحكيم ‪ ،‬كما سنرى ‪.‬‬
‫فلو قال الحكم لحدهما ‪ :‬أقررت عندي ‪ ،‬أو قامت عندي بيّنة عليك بكذا ‪ ،‬وقد ألزمتك ‪،‬‬
‫وحكمت بهذا ‪ ،‬فأنكر المقضيّ عليه القرار أو البيّنة لم يلتفت لقوله ‪ ،‬ومضى القضاء ‪ .‬لنّ‬
‫ولية المحكّم قائمة ‪ .‬وهو في هذه الحالة كالقاضي ‪ .‬أمّا إن قال ذلك بعد أن عزله الخصم ‪،‬‬
‫فإنّ قوله وحكمه ل يعتدّ به ‪ ،‬كالحكم الّذي يصدره القاضي بعد عزله ‪.‬‬
‫‪ - 28‬د ‪ -‬الشهاد على الحكم ‪ ،‬وليس هذا شرطا لصحّة التّحكيم ‪ ،‬وإنّما هو شرط لقبول قول‬
‫الحكم عند النكار ‪ ،‬ول بدّ من الشهاد في مجلس الحكم ‪.‬‬
‫طريق الحكم ‪:‬‬
‫‪ -29‬طريق كل شيء ما يوصل إليه ‪ ،‬حكما كان أو غيره ‪ .‬وعليه فإن طريق الحكم ‪:‬مايثبت‬
‫به الحق موضوع النزاع والخصومة ‪ .‬وهذا ل يكون إل بالنية ‪ ،‬أو القرار ‪ ،‬أو النكول عن‬
‫حلف اليمين ‪ .‬يستوي في هذا حكم الحكم ‪ ،‬وحكم القاضي ‪.‬‬
‫فإن قام الحكم على ذلك كان حجة موافقة للشرع ‪ .‬وإل كان باطلً ‪.‬‬
‫ويبدو أن الحكَم ل يقضي بعلمه ‪ .‬وأما كتاب المحكّم إلى القاضي ‪ ،‬وكتاب القاضي إليه فغير‬
‫جائز ‪ ،‬إل برضى الخصمين ‪ ،‬خلفا للحنابلة الذين ذهبوا إلى جوازه ونفاذه ‪.‬‬
‫الرّجوع عن التّحكيم ‪:‬‬
‫‪ - 30‬حقّ الرّجوع عن التّحكيم فرع من صفة التّحكيم الجوازيّة ‪ ...‬ولكنّ هذا الحقّ ليس‬
‫مطلقا ‪.‬‬
‫ل خصم أن يرجع عن التّحكيم قبل‬
‫‪ - 31‬فقد ذهب الحنفيّة ‪ ،‬وسحنون من المالكيّة إلى أنّ لك ّ‬
‫صدور الحكم ‪ ،‬ول حاجة لتّفاق الخصمين على ذلك ‪ .‬فإن رجع كان في ذلك عزل للمحكّم ‪.‬‬
‫أمّا بعد صدور الحكم ‪ ،‬فليس لحد حقّ الرّجوع عن التّحكيم ‪ ،‬ول عزل المحكّم ‪ ،‬فإن رجع‬
‫بعد الحكم لم يبطل الحكم ‪ ،‬لنّه صدر عن ولية شرعيّة للمحكّم ‪ ،‬كالقاضي الّذي يصدر حكمه‬
‫‪ ،‬ثمّ يعزله السّلطان ‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪ :‬فإن اتّفق رجلن على حكم يحكم بينهما في عدد من الدّعاوى ‪ ،‬فقضى على‬
‫ن القضاء الوّل نافذ ‪،‬‬
‫أحدهما في بعضهما ‪ ،‬ث ّم رجع المحكوم عليه عن تحكيم هذا الحكم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ليس للحكم أن يحكم فيما بقي ‪ ،‬فإن حكم ل ينفذ ‪.‬‬
‫وإن قال الحكم لحد الخصمين ‪ :‬قامت عندي الحجّة بصحّة ما ادّعى عليك من الحقّ ‪ ،‬فعزله‬
‫هذا الخصم ‪ ،‬ثمّ حكم عليه الحكم بعد ذلك ل ينفذ حكمه عليه ‪.‬‬
‫‪ - 32‬وعند المالكيّة ‪ :‬ل يشترط دوام رضا الخصمين إلى حين صدور الحكم ‪ .‬بل لو أقاما‬
‫البيّنة عند الحكم ‪ ،‬ثمّ بدا لحدهما أن يرجع عن التّحكيم قبل الحكم ‪ .‬تعيّن على الحكم أن‬
‫يقضي ‪ ،‬وجاز حكمه ‪ .‬وقال أصبغ ‪ :‬لكلّ واحد منهما الرّجوع ما لم تبدأ الخصومة أمام الحكم‬
‫‪ ،‬فإن بدأت تعيّن عليهما المضيّ فيها حتّى النّهاية ‪.‬‬
‫وقال ابن الماجشون ‪ :‬ليس لحدهما الرّجوع ولو قبل بدء الخصومة ‪.‬‬
‫‪ - 33‬وعند الشّافعيّة ‪ :‬يجوز الرّجوع قبل صدور الحكم ‪ ،‬ولو بعد إقامة البيّنة ‪ .‬وعليه‬
‫المذهب ‪ .‬وقيل بعدم جواز ذلك ‪ .‬أمّا بعد الحكم فل يشترط رضا الخصم به كحكم القاضي ‪.‬‬
‫ن رضاهما معتبر في أصل التّحكيم ‪ ،‬فكذا في لزوم الحكم ‪ .‬والظهر‬
‫وقيل ‪ :‬يشترط ‪ ،‬ل ّ‬
‫الوّل‪ - 34 .‬وعند الحنابلة ‪ :‬لكلّ من الخصمين أن يرجع عن التّحكيم قبل الشّروع في الحكم‬
‫‪.‬‬
‫أمّا بعد الشّروع فيه ‪ ،‬وقيل تمامه ‪ ،‬ففي الرّجوع قولن ‪:‬‬
‫ن الحكم لم يتمّ ‪ ،‬أشبه قبل الشّروع ‪.‬‬
‫أحدهما ‪ :‬له الرّجوع ل ّ‬
‫ن كلّ واحد منهما إذا رأى من الحكم ما ل يوافقه‬
‫والثّاني ‪ :‬ليس له ذلك ‪ ،‬لنّه يؤدّي إلى أ ّ‬
‫رجع فبطل مقصوده ‪ .‬فإن صدر الحكم نفذ ‪.‬‬
‫أثر التّحكيم ‪:‬‬
‫‪ - 35‬يراد بأثر التّحكيم ‪ :‬ما يترتّب عليه من نتائج ‪.‬‬
‫وهذا الثر يتمثّل في لزوم الحكم ونفاذه ‪ ،‬كما يتمثّل في إمكان نقضه من قبل القضاء ‪.‬‬
‫أوّلً ‪ :‬لزوم الحكم ونفاذه ‪:‬‬
‫‪ - 36‬متى أصدر الحكم حكمه ‪ ،‬أصبح هذا الحكم ملزما للخصمين المتنازعين ‪ ،‬وتعيّن إنفاذه‬
‫دون أن يتوقّف ذلك على رضا الخصمين ‪ ،‬وعلى ذلك الفقهاء ‪ .‬وحكمه في ذلك كحكم‬
‫القاضي ‪ .‬وليس للحكم أن يرجع عن حكمه ‪ ،‬فلو رجع عن حكمه ‪ ،‬وقضى للخر لم يصحّ‬
‫ن الحكومة قد تمّت بالقضاء الوّل ‪ ،‬فكان القضاء الثّاني باطلً ‪.‬‬
‫قضاؤه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن هذا اللزام الّذي يتّصف به حكم الحكم ينحصر في الخصمين فقط ‪ ،‬ول يتعدّى‬
‫‪ - 37‬ولك ّ‬
‫حكَم‬
‫إلى غيرهما ‪ ،‬ذلك لنّه صدر بحقّهما عن ولية شرعيّة نشأت من اتّفاقهما على اختيار ال َ‬
‫ي منهما على غيره ‪ ،‬فل يسري أثر حكم‬
‫للحكم فيما بينهما من نزاع وخصومة ‪ .‬ول ولية ل ّ‬
‫الحكم على غيرهما ‪.‬‬
‫‪ - 38‬وتطبيقا لهذا المبدأ ‪ ،‬فلو حكّم الخصمان رجلً في عيب البيع فقضى الحكم بردّه ‪ ،‬لم‬
‫يكن للبائع حقّ بردّه على بائعه ‪ ،‬إلّ أن يرضى البائع الوّل والثّاني والمشتري بتحكيمه ‪،‬‬
‫فحينئذ يردّه على البائع الوّل ‪ .‬وكذلك لو أنّ رجلً ادّعى على آخر ألف درهم ‪ ،‬ونازعه في‬
‫ن فلنا الغائب قد ضمنها له عن هذا الرّجل ‪ ،‬فحكّما بينهما رجلً ‪ ،‬والكفيل‬
‫ذلك ‪ ،‬فادّعى أ ّ‬
‫غائب ‪ .‬فأقام المدّعي بيّنةً على المال ‪ ،‬وعلى الكفالة ‪ ،‬فحكم الحكم بالمال وبالكفالة ‪ ،‬صحّ‬
‫الحكم في حقّ الدّائن والمدين ولم يصحّ بالكفالة ‪ ،‬ول على الكفيل ‪.‬‬
‫وإن حضر الكفيل ‪ ،‬والمكفول غائب ‪ ،‬فتراضى الطّالب والكفيل ‪ ،‬فحكم المحكّم بذلك كان‬
‫الحكم جائزا ‪ ،‬ونافذا بحقّ الكفيل دون المكفول ‪.‬‬
‫ص عليها الحنفيّة ‪ ،‬هي ‪ :‬ما لو حكّم أحد الشّريكين‬
‫ولم يشذّ عن هذا المبدأ غير مسألة واحدة ن ّ‬
‫وغريمه رجلً فحكم بينهما ‪ ،‬وألزم الشّريك شيئا من المال المشترك نفذ هذا الحكم ‪ ،‬وتعدّى‬
‫إلى الشّريك الغائب ‪ ،‬لنّ حكمه بمنزلة الصّلح في حقّ الشّريك الغائب ‪ .‬والصّلح من صنيع‬
‫ل واحد من الشّريكين راضيا بالصّلح ‪ ،‬وما في معناه ‪...‬‬
‫ال ّتجّار ‪ .‬فكان ك ّ‬
‫وبعبارة أخرى فإنّ العرف بين ال ّتجّار قد جعل التّحكيم من أحد الشّركاء كأنّه تحكيم من سائر‬
‫الشّركاء ‪ .‬ولهذا لزم الحكم ‪ ،‬ونفذ في حقّهم جميعا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬نقض الحكم ‪:‬‬
‫‪ - 39‬قد يرضى الخصمان بالحكم ‪ ،‬فيعملن على تنفيذه ‪ ..‬وقد يرى أحدهما رفعه إلى‬
‫القضاء لمصلحة يراها ‪.‬‬
‫ن القاضي إذا رفع إليه حكم المحكّم لم ينقضه إلّ بما ينقض‬
‫أمّا الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬فعندهم أ ّ‬
‫به قضاء غيره من القضاة ‪.‬‬
‫أمّا عند الحنفيّة فإذا رفع حكم المحكّم إلى القاضي نظر فيه ‪ ،‬فإن وجده موافقا مذهبه أخذ به‬
‫وأمضاه ‪ ،‬لنّه ل جدوى من نقضه ‪ ،‬ثمّ إبرامه ‪.‬‬
‫وفائدة هذا المضاء ‪ :‬أن ل يكون لقاض آخر يرى خلفه نقضه إذا رفع إليه ‪ ،‬لنّ إمضاءه‬
‫بمنزلة قضائه ابتداءً ‪ .‬أمّا إن وجده خلف مذهبه أبطله ‪ ،‬وأوجب عدم العمل بمقتضاه ‪ ،‬وإن‬
‫كان ممّا يختلف فيه الفقهاء ‪ .‬وهذا البطال ليس على سبيل اللّزوم ‪ ،‬بل هو على سبيل الجواز‬
‫‪ ،‬إن شاء القاضي أبطله ‪ ،‬وإن شاء أمضاه وأنفذه ‪.‬‬
‫‪ - 40‬ويجب أن تكون هذه الجازة من القاضي بعد حكم المحكّم ‪ .‬وعليه فلو حكّما رجلً ‪،‬‬
‫ن القاضي‬
‫فأجاز القاضي حكومته قبل أن يحكم ‪ ،‬ثمّ حكم بخلف رأي القاضي لم يجز ‪ ،‬ل ّ‬
‫أجاز المعدوم ‪ .‬وإجازة الشّيء قبل وجوده باطلة ‪ ،‬فصار كأنّه لم يجز ‪.‬‬
‫ن السّرخسيّ قال ‪ :‬هذا الجواب صحيح فيما إذا لم يكن القاضي مأذونا في استخلف غيره‬
‫ولك ّ‬
‫‪ .‬وأمّا إذا كان مأذونا في الستخلف فيجب أن تجوز إجازته ‪ .‬وتجعل إجازة القاضي بمنزلة‬
‫استخلفه إيّاه في الحكم بينهما ‪ ،‬فل يكون له أن يبطل حكمه بعد ذلك ‪.‬‬
‫وإن حكّما رجلً ‪ ،‬فحكم بينهما ‪ ،‬ثمّ حكّما آخر ‪ ،‬فقضى بحكم آخر ‪ ،‬ثمّ رفع الحكمان إلى‬
‫ن القاضي‬
‫القاضي ‪ ،‬فإنّه ينفذ حكم الموافق لرأيه ‪ .‬هذا كلّه عند الحنفيّة ‪ .‬أمّا المالكيّة فعندهم أ ّ‬
‫ل ينقض حكم المحكّم إلّ إذا كان جورا بيّنا ‪ .‬سواء أكان موافقا لرأي القاضي ‪ ،‬أم مخالفا له ‪.‬‬
‫وقالوا بأنّ هذا لم يختلف فيه أهل العلم ‪ ،‬وبه قال ابن أبي ليلى ‪.‬‬
‫حكَم ‪:‬‬
‫انعزال ال َ‬
‫‪ - 41‬ينعزل الحكم بكلّ سبب من السباب التيّة ‪:‬‬
‫ل إذا كان المحكّم قد وافق عليه‬
‫ل من الطّرفين عزل المحكّم قبل الحكم ‪ ،‬إ ّ‬
‫أ ‪ -‬العزل ‪ :‬لك ّ‬
‫القاضي ‪ ،‬فليس لهما عزله ‪ ،‬لنّ القاضي استخلفه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬انتهاء الوقت المحدّد للتّحكيم قبل صدور الحكم ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬خروجه عن أهليّة التّحكيم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬صدور الحكم ‪.‬‬

‫تحلّل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحلّل ثلثيّة من حلّ ‪ .‬وأصل معنى ( حلّ ) في اللّغة ‪ :‬فتح الشّيء وفكّ العقدة ‪ ،‬ويكون‬
‫بفعل النسان ما يخرج به من الحرمة ‪ ،‬ويختلف باختلف موضعه ‪ ،‬فإن كان من إحرام فهو‬
‫الخروج منه بالطّريق الموضوع له شرعا ‪ ،‬وإن كان من يمين فيخرج منها بالبرّ أو الكفّارة‬
‫بشرطها ‪ ،‬وإن كان التّحلّل من الصّلة فيكون بالسّلم ‪ ،‬وتفصيله في باب الصّلة ‪.‬‬
‫ول يخرج استعماله شرعا عن ذلك ‪.‬‬
‫ي ومواطن البحث ‪:‬‬
‫الحكم الجمال ّ‬
‫التّحلّل من الحرام ‪:‬‬
‫ل ما كان محظورا على المحرم قسمان ‪:‬‬
‫والمراد به ‪ :‬الخروج من الحرام ‪ .‬وح ّ‬
‫أ ‪ -‬التّحلّل الصغر ‪ ،‬ويسمّى أيضا ‪ :‬التّحلّل الوّل ‪:‬‬
‫‪ - 2‬ويكون عند الشّافعيّة والحنابلة بفعل أمرين من ثلثة ‪ :‬رمي جمرة العقبة ‪ ،‬والنّحر ‪،‬‬
‫ل شيء ما عدا النّساء ( بالجماع )‬
‫والحلق أو التّقصير ‪ .‬ويباح بهذا التّحلّل لبس الثّياب وك ّ‬
‫والطّيب عند البعض ‪ ،‬والصّيد عند المالكيّة ‪.‬‬
‫أمّا الحنفيّة فيحصل التّحلّل الصغر عندهم برمي الجمرة والحلق والتّقصير ‪ ،‬فإذا فعل ذلك حلّ‬
‫ل النّساء ‪ .‬وما ورد في بعض كتب الحنفيّة من استثناء الطّيب والصّيد أيضا‬
‫له كلّ شيء إ ّ‬
‫ضعيف ‪ .‬هذا ‪ ،‬ويجب الذّبح بين الرّمي والحلق للمتمتّع والقارن لمن قدر على ذلك ‪ ،‬لنّ‬
‫التّرتيب واجب بين هذه النّسك عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫والصل في هذا الخلف ما ورد عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت ‪ « :‬كنت أطيّب النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قبل أن يحرم ‪ ،‬ويومَ النّحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك » ‪.‬‬
‫ل النّساء‬
‫وقد جاء في بعض الحاديث أنّه إذا رمى جمرة العقبة فقد حلّ له كلّ شيء إ ّ‬
‫والطّيب ‪ ،‬لما أخرجه مالك في الموطّأ عن عمر رضي ال عنه أنّه خطب النّاس بعرفة ‪،‬‬
‫وعلّمهم أمر الحجّ ‪ ،‬وقال لهم فيما قال ‪ « :‬إذا جئتم منًى فمن رمى الجمرة فقد حلّ له ما حرم‬
‫ج إلّ النّساء والطّيب » ‪.‬‬
‫على الحا ّ‬
‫وأمّا ما ذهب إليه مالك من تحريم الصّيد أيضا ‪ :‬فإنّه أخذ بعموم قوله تعالى ‪ { :‬ل تَ ْقتُلوا‬
‫ن الحاجّ يعتبر محرما ما لم يطف طواف الفاضة‬
‫حرُمٌ } ووجه الستدلل بالية أ ّ‬
‫الصّيدَ وأنتم ُ‬
‫‪ .‬وأمّا دليل إباحة لبس الثّياب وك ّل شيء بعد رمي جمرة العقبة ‪ ،‬فهو حديث ‪ « :‬إذا رميتم‬
‫ل النّساء » ‪ ،‬وحديث عائشة السّابق ‪.‬‬
‫ل كلّ شيء إ ّ‬
‫الجمرة فقد ح ّ‬
‫ب ‪ -‬التّحلّل الكبر ‪ -‬ويسمّى أيضا التّحلّل الثّاني ‪:‬‬
‫‪ - 3‬هذا التّحلّل هو الّذي يباح به جميع محظورات الحرام دون استثناء ‪ ،‬ويبدأ الوقت الّذي‬
‫تصحّ أفعال التّحلّل الكبر فيه عند الحنفيّة والمالكيّة من طلوع فجر يوم النّحر ‪ ،‬ويحصل‬
‫عندهما بطواف الفاضة ‪ -‬بشرط الحلق أو التّقصير ‪ -‬هنا باتّفاقهما ‪ ،‬فلو أفاض ولم يحلق لم‬
‫يتحلّل حتّى يحلق عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬
‫ن السّعي‬
‫ل به حتّى يسعى ‪ ،‬ل ّ‬
‫وزاد المالكيّة أن يكون الطّواف مسبوقا بالسّعي ‪ ،‬وإلّ ل يح ّ‬
‫ركن عند المالكيّة ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬ل مدخل للسّعي في التّحلّل ‪ ،‬لنّه واجب مستقلّ ‪ ،‬ونهاية‬
‫وقت التّحلّل الكبر بحسب ما يتحلّل به عندهما ‪ ،‬وهو الطّواف ‪ ،‬وهو ل يفوت ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة والحنابلة يبدأ وقت التّحلّل الكبر من منتصف ليلة النّحر ‪ ،‬ويحصل التّحلّل‬
‫الكبر عندهما باستكمال أفعال التّحلّل الّتي ذكرت ‪ ،‬وهي ‪ :‬ثلثة على القول بأنّ الحلق نسك ‪،‬‬
‫واثنان على القول الخر غير المشهور أنّه ليس بنسك ‪ ،‬ونهاية التّحلّل الكبر عند الشّافعيّة‬
‫والحنابلة بحسب ما يتحلّل به عندهما إن توقّف التّحلّل الكبر على الطّواف أو الحلق أو السّعي‬
‫‪ ،‬أمّا الرّمي فإنّه مؤقّت بغروب شمس آخر أيّام التّشريق ‪ ،‬فإذا توقّف عليه التّحلّل ولم يرم‬
‫حتّى آخر أيّام التّشريق فات وقت الرّمي بالكّليّة ‪ ،‬فيحلّ عند الحنابلة بمجرّد فوات الوقت ‪،‬‬
‫ن الصحّ عندهم أنّه بفوات وقت‬
‫وإن بقي عليه الفداء مقابل ذلك ‪ ،‬وهذا قول عند الشّافعيّة ‪ ،‬لك ّ‬
‫الرّمي ينتقل التّحلّل إلى كفّارته ‪ ،‬فل يحلّ حتّى يؤدّيها ‪.‬‬
‫وحصول التّحلّل الكبر باستكمال الفعال الثّلثة ‪ :‬رمي جمرة العقبة ‪ ،‬والحلق ‪ ،‬وطواف‬
‫الفاضة المسبوق بالسّعي محلّ اتّفاق الفقهاء ‪ ،‬وبه تباح جميع محظورات الحرام بالجماع‪.‬‬
‫التّحلّل من إحرام العمرة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ للعمرة بعد أدائها تحلّلً واحدا تباح به للمحرم جميع‬
‫محظورات الحرام ‪ ،‬ويحصل هذا التّحلّل بالحلق أو التّقصير باتّفاق المذاهب ‪ ،‬والتّفصيل في‬
‫مصطلح ( عمرة ) ‪.‬‬
‫التّحلّل من اليمين ‪:‬‬
‫ث أو المنع تنحلّ بفعل ما يوجب الحنث ‪،‬‬
‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أنّ اليمين المنعقدة المؤكّدة للح ّ‬
‫وهو المخالفة لما انعقدت عليه اليمين ‪ ،‬وذلك إمّا بفعل ما حلف على ألّ يفعله ‪ ،‬وإمّا بترك ما‬
‫حلف على فعله ‪ ،‬إذا علم أنّه قد تراخى عن فعل ما حلف على فعله إلى وقت ليس يمكنه فيه‬
‫فعله ‪ ،‬وذلك في اليمين بالتّرك المطلق ‪ ،‬مثل أن يحلف ‪ :‬لتأكلن هذا الرّغيف ‪ ،‬فيأكله غيره ‪.‬‬
‫أو إلى وقت هو غير الوقت الّذي اشترط وجود الفعل فيه ‪ ،‬وذلك في الفعل المشترط فعله في‬
‫زمان محدّد ‪ ،‬مثل أن يقول ‪ :‬واللّه لفعلن اليوم كذا ‪ ،‬فإنّه إذا انقضى النّهار ولم يفعل حنث‬
‫ضرورةً ‪ ،‬واتّفقوا على أنّ الكفّارة في اليمان هي الربعة النواع الواردة في قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫شرَةِ‬
‫عَ‬‫ل يؤاخذُكم الّلهُ باللّغ ِو في َأيْمانِكم ولكنْ يُؤاخِذكم بما عَ ّق ْدتُم اليمانَ فكفّارتُه إطعامُ َ‬
‫ن أهليكم أو ِكسْ َوتُهم أو تحريرُ َرقَبَ ٍة فمنْ لم َيجِ ْد فَصِيامُ ثلثةِ أيّامٍ‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫ن أَ ْو َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫مساكي َ‬
‫ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حَلَ ْفتُم } ‪.‬‬
‫ن الحالف إذا حنث مخيّر بين الثّلثة الول أي ‪ :‬الطعام أو الكسوة أو‬
‫وجمهور الفقهاء على أ ّ‬
‫جدْ فصيامُ‬
‫ن لمْ َي ِ‬
‫ل إذا عجز عن الثّلثة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فمَ ْ‬
‫العتق ‪ ،‬وأنّه ل يجوز له الصّيام إ ّ‬
‫ثلثةِ أيّامٍ } ‪ .‬والتّفصيل موطنه مصطلح ( أيمان ) ‪.‬‬
‫والتّحلّل في اليمين ‪ :‬الستثناء منها بقوله ‪ :‬إن شاء اللّه ‪ ،‬واختلف العلماء في الستثناء أيشترط‬
‫اتّصاله أو ل يشترط ؟ والتّفصيل موطنه مصطلح ( أيمان ‪ ،‬طلق ) ‪.‬‬

‫تحلّي *‬
‫انظر ‪ :‬حلية ‪.‬‬

‫تحليف *‬
‫انظر ‪ :‬حلف ‪.‬‬

‫تحليق *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من معاني التّحليق في اللّغة ‪ :‬الستدارة وجعل الشّيء كالحلقة ‪.‬‬
‫ومن معانيه أيضا ‪ :‬إزالة الشّعر ‪ ،‬يقال ‪ :‬حلق رأسه يحلقه حلقا ‪ ،‬وتحلقا ‪ :‬أزال شعره ‪،‬‬
‫كحلّقه واحتلقه ‪ .‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬محلّقينَ رءوسَكم } ‪ ،‬وفي الحديث ‪ « :‬اللّهمّ اغفر‬
‫للمحلّقين » والتّحليق خلف التّقصير ‪ ،‬وهو ‪ :‬الخذ من الشّعر بالمقصّ ‪ .‬وخلف النّتف ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬نزع الشّعر من أصوله ‪ .‬ويرد في اصطلح الفقهاء بالمعنيين المذكورين ‪.‬‬
‫ي ومواطن البحث ‪:‬‬
‫الحكم الجمال ّ‬
‫التّحليق بمعنى الستدارة في التّشهّد ‪:‬‬
‫‪ - 2‬يرد التّحليق بمعنى ‪ :‬الستدارة في التّشهّد في الصّلة ‪ ،‬سواء التّشهّد الوّل أو الخير ‪.‬‬
‫وصفته ‪ :‬أن يقبض المصلّي الخنصر والبنصر من يده اليمنى ‪ ،‬ويحلق بإبهامه مع الوسطى‬
‫ويشير بالسّبّابة ‪ -‬وهي الصبع الّتي تلي البهام ‪ -‬عند لفظ الجللة رافعا لها وهذا عند‬
‫الحنابلة ‪ ،‬وهو القول الثّاني عند الشّافعيّة ‪ ،‬وقول للحنفيّة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّه المفتى به ‪ .‬والتّحليق‬
‫على الوجه المذكور سنّة ‪.‬‬
‫ن من مندوبات الصّلة أن يعقد المصلّي في تشهّده من أصابع يده اليمنى‬
‫وذكر عند المالكيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫الخنصر والبنصر والوسطى وهي موضوعة على فخذها اليمن ‪ ،‬وأطرافها على اللّحمة الّتي‬
‫سبّابة والبهام ‪ ،‬والبهام بجانبها على الوسطى‬
‫تحت البهام على صفة تسعة ‪ ،‬وأن يمدّ ال ّ‬
‫ممدودة على صورة العشرين ‪ ،‬فتكون الهيئة صفة التّسعة والعشرين ‪ ،‬وهذا هو قول الكثر ‪،‬‬
‫سبّابة يمينا وشمالً تحرّكا وسطا في جميع التّشهّد ‪ .‬ولم يسمّوا ذلك تحليقا ‪.‬‬
‫وندب أن يحرّك ال ّ‬
‫والتّفصيل موطنه مصطلح ‪ ( :‬تشهّد ) ‪.‬‬
‫التّحليق بمعنى إزالة الشّعر ‪:‬‬
‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء على أنّ الحلق من المحظورات المتعلّقة ببدن الحرم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ول‬
‫ن كان منكم مريضا أو به َأذَى منْ رأسِه فَ ِفدْيَ ٌة مِنْ‬
‫َتحْلِقُوا رءوسَكم حتّى َيبْلُ َغ الهديُ َمحِلّه فَمَ ْ‬
‫سكٍ } فيحظر على المحرم حلق رأسه أو رأس محرم غيره ‪ ،‬وقليل الشّعر‬
‫صدَقَ ٍة أو ُن ُ‬
‫صِيامٍ أو َ‬
‫ص ‪ .‬والحلق‬
‫كذلك يحظر حلقه أو قطعه ‪ ،‬وإن حلق المحرم شعره أثناء إحرامه فعليه الفدية للنّ ّ‬
‫للتّحلّل من الحرام أفضل من التّقصير ‪.‬‬
‫روي عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫« اللّهمّ ارحم المحلّقين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والمقصّرين يا رسول اللّه ‪ ،‬قال ‪ :‬اللّه ّم ارحم المحلّقين ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬والمقصّرين يا رسول اللّه ‪ ،‬قال ‪ :‬والمقصّرين » ‪.‬‬
‫وفي دعاء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم للمحلّقين ثلثا ‪ ،‬وللمقصّرين مرّ ًة دليل على أنّ‬
‫الحلق في الحجّ والعمرة أفضل من التّقصير ‪ ،‬هذا إذا كان محرما بالعمرة وحدها من غير‬
‫إرادة تمتّع ‪ ،‬فإن كان متمتّعا ‪ ،‬وأراد التّحلّل من عمرته ‪ ،‬فالفضل له التّقصير ‪ ،‬ليتوفّر الحلق‬
‫ج‪.‬‬
‫للتّحلّل من الح ّ‬
‫ن النّساء سنّتهنّ التّقصير ‪ ،‬لما‬
‫ن التّقصير يجزئ عن الرّجال ‪ ،‬وأ ّ‬
‫وأجمع أهل العلم على أ ّ‬
‫روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬ليس على النّساء حَلْق ‪ ،‬إنّما عليهنّ التّقصير‬
‫ج نسك ‪ .‬والحلق ‪ -‬أو التّقصير ‪ -‬في ذاته واجب‬
‫» ‪ ،‬ول خلف في أنّ حلق الرّأس في الح ّ‬
‫إذا كان على الرّأس شعر ‪ ،‬أمّا إذا لم يكن على رأسه شعر ‪ -‬كالقرع ومن برأسه قروح ‪-‬‬
‫فإنّه يجب إمرار الموسى على رأسه عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬واستحبّ ذلك الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫وبعد فراغ الحلق يقول ‪ :‬اللّه أكبر ثلث مرّات ‪ ،‬اللّهمّ هذه ناصيتي بيدك ‪ ،‬فاجعل لي كلّ‬
‫شعرة نورا يوم القيامة ‪ ،‬واغفر لي ذنبي يا واسع المغفرة ‪.‬‬
‫والتّفصيل موطنه مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ( حلق ) ‪.‬‬
‫تحليل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحليل لغةً ضدّ التّحريم ‪ ،‬وأصل الفعل ( حلّ ) ويتعدّى بالهمزة والتّضعيف ‪ ،‬فيقال ‪:‬‬
‫ل اللّ ُه البيعَ } أي أباحه وخيّر في الفعل والتّرك ‪ ،‬واسم الفاعل ‪ :‬محلّ‬
‫أحللته ‪ .‬ومنه { أح ّ‬
‫ن فعلً ما هو حلل ‪ .‬قال ابن وهب ‪:‬‬
‫ومحلّل ‪ .‬والتّحليل في الشّرع هو ‪ :‬حكم اللّه تعالى بأ ّ‬
‫قال مالك ‪ :‬لم يكن من فتيا النّاس أن يقولوا ‪ :‬هذا حلل وهذا حرام ‪ ،‬ولكن يقولون ‪ :‬إيّاكم كذا‬
‫ن التّحليل والتّحريم إنّما هو للّه‬
‫وكذا ‪ ،‬ولم أكن لصنع هذا ‪ .‬قال القرطبيّ ‪ :‬ومعنى هذا ‪ :‬أ ّ‬
‫عزّ وجلّ ‪ ،‬وليس لحد أن يقول أو يصرّح بهذا في عين من العيان ‪ ،‬إلّ أن يكون البارئ‬
‫تعالى يخبر بذلك عنه ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬وقد يقوى الدّليل على التّحريم عند المجتهد ‪ ،‬فل بأس عند‬
‫ستّة ‪.‬‬
‫ذلك أن يقول ذلك ‪ ،‬كما يقول ‪ :‬إنّ الرّبا حرام في غير العيان ال ّ‬
‫وقد يطلق التّحليل ويراد منه العفو عن مظلمة ‪ ،‬ويطلق التّحليل ويراد منه ‪ :‬تحليل المطلّقة‬
‫ثلثا لمطلّقها ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الباحة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الباحة في اللّغة ‪ :‬الحلل ‪ ،‬وفي الصطلح الصوليّ ‪ :‬هي خطاب اللّه تعالى لمتعلّق‬
‫بأفعال المكلّفين تخييرا من غير بدل ‪ .‬وعند الفقهاء ‪ :‬الذن بإتيان الفعل حسب مشيئة الفاعل‬
‫في حدود الذن ‪ .‬وقد تطلق الباحة على ما قابل الحظر ‪ ،‬شمل الفرض واليجاب والنّدب ‪.‬‬
‫والباحة فيها تخيير ‪ ،‬أمّا الحلّ فإنّه أعمّ من ذلك شرعا ‪ .‬ر ‪ ( :‬إباحة ) ‪.‬‬
‫تحليل الحرام ‪:‬‬
‫‪ - 3‬المراد به ‪ :‬جعل الحرام حللً ‪ ،‬كتحليل الرّبا ‪ ،‬فذلك افتراء على اللّه وكذب توعّد اللّه‬
‫سنَتُكم ال َكذِبَ هذا حللٌ وهذا حرا ٌم ِلتَ ْف َترُوا على اللّهِ‬
‫ف أَ ْل ِ‬
‫عليه بقوله ‪ { :‬ول تَقُولوا ِلمَا َتصِ ُ‬
‫ب ل يُفْلِحون } ‪.‬‬
‫ن على الّلهِ ال َكذِ َ‬
‫ن الّذين يَ ْفتَرو َ‬
‫ال َكذِبَ ‪ ،‬إ ّ‬
‫التّحليل من الدّيون وغيرها ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّحليل من الدّين ‪ :‬إخراج الدّين منه ‪ .‬وأمّا التّحلّل فهو ‪ :‬طلب الخروج من المظالم ‪،‬‬
‫وفي الحديث عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ن ل يكونَ دينارٌ ول‬
‫ن كانتْ له َمظَْلمَةٌ لخيه من عرضه أو شيء فَ ْل َي َتحَلّلْه منه اليومَ قبلَ أ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫درهمٌ » ‪ .‬والتّحليل قد يكون بمقابل وبغيره ‪:‬‬
‫فالّذي بمقابل ‪ :‬كالزّوجة تريد أن تختلع من زوجها ‪ ،‬فتعطيه مالً ليخلعها ‪ .‬والصل في ذلك‬
‫ن َيخَافَا َألّ ُيقِيمَا حدودَ الّلهِ فإِنْ‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬ول َيحِلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتُموهنّ شيئا إلّ أ ْ‬
‫جنَاحَ عليهما فيما افتدتْ به } ‪.‬‬
‫خِفتم ألّ يقيما حدودَ اللّ ِه فل ُ‬
‫طبْنَ‬
‫صدُقاتِهنّ ِنحْلَ ًة فإِنْ ِ‬
‫وقد يكون التّحليل بل مقابل ‪ ،‬وأصل ذلك قوله تعالى ‪ { :‬وآتُوا النّساءَ َ‬
‫لكم عن شيء منه نَ ْفسَا َفكُلُوه هنيئا مَريئا } ‪.‬‬
‫فقد دلّت الية على جواز هبة المرأة للمهر ‪ ،‬وهو دين ‪.‬‬
‫ي والميّت ‪:‬‬
‫التّحليل من التّبعات والحقوق غير الماليّة للح ّ‬
‫‪ - 5‬من أخطأ في حقّ أخيه المسلم ‪ ،‬فإنّه يجب عليه أن يتوب إلى اللّه عن ذنبه ‪.‬‬
‫وقال العلماء ‪ :‬إنّ للتّوبة شروطا منها ‪ :‬أن َيبْرأ التّائبُ من حقّ المعتدى عليه ‪ ،‬فإن كان مالً‬
‫ردّه إليه ‪ ،‬إن كان حدّ قذف ونحوه مكّنه منه ‪ ،‬أو طلب عفوه ‪ ،‬وإن كان غيبةً استحلّه منها ‪( .‬‬
‫ر ‪ :‬توبة ) ‪.‬‬
‫نكاح المحلّل ‪:‬‬
‫ن من طلّق زوجته طلقةً رجعيّ ًة أو طلقتين رجعيّتين جاز له إرجاعها‬
‫‪ - 6‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫في العدّة ‪ .‬وإذا كان الطّلق بائنا بينون ًة صغرًى ‪ ،‬فحكم ما دون الثّلث من الواحدة البائنة‬
‫والثّنتين البائنتين هو نقصان عدد الطّلق وزوال ملك الستمتاع ‪ ،‬حتّى ل يجوز وطؤها إلّ‬
‫ن ما دون الثّلث ‪ -‬وإن كان‬
‫بنكاح جديد ‪ ،‬ويجوز نكاحها من غير أن تتزوّج بزوج آخر ‪ ،‬ل ّ‬
‫بائنا ‪ -‬فإنّه يوجب زوال ملك الستمتاع ‪ ،‬ل زوال حلّ المحّليّة ‪.‬‬
‫أمّا إذا طلّق زوجته ثلثا ‪ ،‬فإنّ الحكم الصليّ للطّلقات الثّلث هو زوال ملك الستمتاع وزوال‬
‫حلّ المحّليّة أيضا ‪ ،‬حتّى ل يجوز له نكاحها قبل التّزوّج بزوج آخر ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فإِنْ‬
‫ن َب ْعدُ حتّى َت ْنكِحَ زوجا غيرَه } ‪ .‬بعد قوله تعالى ‪ { :‬الطّلقُ مرّتان } ‪.‬‬
‫طَلّقَها فل َتحِلّ له مِ ْ‬
‫وإنّما تنتهي الحرمة وتحلّ للزّوج الوّل بشروط ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النّكاح ‪:‬‬
‫‪ - 7‬أوّل شروط التّحليل ‪ :‬النّكاح ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬حتّى َت ْنكِحَ زَ ْوجَا غيرَه } فقد نفى حلّ‬
‫المرأة لمطلّقها ثلثا ‪ ،‬وح ّد النّفي إلى غاية التّزوّج بزوج آخر ‪ .‬والحكم المحدود إلى غاية ل‬
‫ل للزّوج الوّل قبله ضرورةً‬
‫ينتهي قبل وجود الغاية ‪ ،‬فل تنتهي الحرمة قبل التّزوّج ‪ ،‬فل تح ّ‬
‫ل لزوجها لعدم النّكاح ‪.‬‬
‫‪ .‬وعلى هذا يخرج ما إذا وطئها إنسان بالزّنى أو بشبهة أنّها ل تح ّ‬
‫ب ‪ -‬صحّة النّكاح ‪:‬‬
‫ل المرأة للوّل ‪ :‬أن يكون صحيحا ‪ ،‬ول تحلّ للوّل إذا‬
‫‪ - 8‬يشترط في النّكاح الثّاني لكي تح ّ‬
‫ن النّكاح الفاسد ليس بنكاح حقيق ًة ‪ ،‬ومطلق النّكاح‬
‫كان النّكاح فاسدا ‪ ،‬حتّى لو دخل بها ‪ ،‬ل ّ‬
‫ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقةً ‪ .‬ولو كان النّكاح الثّاني مختلفا في فساده ‪ ،‬ودخل بها ‪ ،‬ل‬
‫تحلّ للوّل عند من يقول بفساده ل قلنا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الوطء في الفرج ‪:‬‬
‫‪ - 9‬ذهب الجمهور إلى أنّه يشترط مع صحّة الزّواج ‪ :‬أن يطأها الزّوج الثّاني في الفرج ‪ ،‬فلو‬
‫ي صلى ال عليه وسلم علّق الحلّ‬
‫ن النّب ّ‬
‫وطئها دون الفرج ‪ ،‬أو في الدّبر لم تحلّ للوّل ‪ ،‬ل ّ‬
‫على ذوق العسيلة منهما ‪ .‬فقال لمرأة رفاعة القرظيّ ‪ « :‬أتريدين أن تَرجعي إلى رفاعة ؟ ل‬
‫سيَْلتَك » ‪.‬‬
‫عَ‬‫سيَْلتَه َو َيذُوقَ ُ‬
‫عَ‬‫‪ ،‬حتّى َتذُوقي ُ‬
‫ول يحصل هذا إلّ بالوطء في الفرج ‪ .‬وقال سعيد بن المسيّب ‪ :‬تحلّ بنفس العقد ‪ ،‬لحمله‬
‫النّكاح في الية على العقد دون الجماع ‪ ،‬وعامّة العلماء حملوا الية على الجماع ‪.‬‬
‫ن أحكام الوطء تتعلّق به ‪ ،‬وذلك بشرط النتشار‬
‫وأدنى الوطء تغييب الحشفة في الفرج ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الحكم يتعلّق بذوق العسيلة ‪ ،‬ول تعقل من غير انتشار ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ل بوطء وإنزال ‪.‬‬
‫ل الحسن البصريّ ‪ ،‬فإنّه قال ‪ :‬ل تحلّ إ ّ‬
‫ولم يشترط النزال من الفقهاء إ ّ‬
‫ل المرأة أم ل ؟‬
‫واختلفوا فيما إذا وقع الوطء في وقت غير مباح كحيض أو نفاس ‪ ،‬هل يح ّ‬
‫ل المرأة ‪ ،‬وإن وقع في وقت‬
‫ذهب أبو حنيفة والشّافعيّ والثّوريّ والوزاعيّ إلى أنّ الوطء يح ّ‬
‫غير مباح كحيض أو نفاس ‪ ،‬سواء أكان الواطئ بالغا عاقلً أم صبيّا مراهقا أم مجنونا ‪ ،‬لنّ‬
‫وطء الصّبيّ والمجنون يتعلّق به أحكام النّكاح ‪ ،‬من المهر والتّحريم ‪ ،‬كوطء البالغ العاقل ‪.‬‬
‫والحنابلة كالجمهور في أنّ وطء المجنون يحلّ المرأة كالعاقل ‪ .‬وكذلك الصّغيرة الّتي يجامع‬
‫ن وطأها يتعلّق به‬
‫مثلها ‪ ،‬إذا طلّقها زوجها ثلثا ‪ ،‬ودخل بها الزّوج الثّاني ‪ ،‬حلّت للوّل ‪ ،‬ل ّ‬
‫أحكام الوطء من المهر والتّحريم ‪ ،‬كوطء البالغة ‪.‬‬
‫ن الوطء غير‬
‫وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط أن يكون الوطء حللً ( مباحا ) ‪ ،‬ل ّ‬
‫المباح حرام لحقّ اللّه تعالى ‪ ،‬فلم يحصل به الحلل كوطء المرتدّة ‪ .‬وبنا ًء على هذا ‪ :‬فل‬
‫تحلّ المرأة لزوجها الوّل إذا جامعها زوجها الثّاني في صوم أو حجّ أو حيض أو اعتكاف ‪.‬‬
‫كما اشترط المالكيّة أن يكون الواطئ بالغا ‪ ،‬واشترط الحنابلة أن يكون له اثنتا عشرة سنةً ‪،‬‬
‫ن من دون البلوغ أو من دون الثّانية عشرة ل يمكنه المجامعة ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ن وطء زوجها ال ّذ ّميّ يحلّها للوّل ‪ ،‬لنّ‬
‫وأمّا ال ّذ ّميّة ‪ ،‬فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫النّصرانيّ زوج ‪ .‬ول يحلّها عند مالك وربيعة وابن القاسم ‪.‬‬
‫الزّواج بشرط التّحليل ‪:‬‬
‫‪ - 10‬من تزوّج مطلّق ًة ثلثا بشرط صريح في العقد على أن يحلّها لزوجها الوّل فهو حرام‬
‫ل اللّه صلى ال‬
‫عند الجمهور ‪ ،‬مكروه تحريما عند الحنفيّة ‪ ،‬لحديث ابن مسعود ‪َ « :‬لعَنَ رسو ُ‬
‫عليه وسلم المحلّل والمحلّل له » ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أل أُخبركم بال ّتيْس‬
‫المستعار ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا رسول اللّه ‪ .‬قال ‪ :‬هو المحلّل ‪ .‬لعن الّلهُ والملّل المحلّل له » ‪.‬‬
‫والنّهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه ‪.‬‬
‫وقد صرّح الجمهور ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة ) بفساد هذا النّكاح‬
‫للحديثين السّابقين ‪ ،‬ولنّ النّكاح بشرط الحلل في معنى النّكاح المؤقّت ‪ ،‬وشرط التّأقيت في‬
‫النّكاح يفسده ‪ ،‬وما دام النّكاح فاسدا فل يقع به التّحليل ‪ ،‬ويؤيّد هذا قول عمر رضي ال عنه‬
‫‪ ":‬واللّه ل أوتى بمحلّل ومحلّل له إلّ رجمتهما "‪.‬‬
‫وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنّ النّكاح صحيح ‪ ،‬وتحلّ للوّل بعد أن يطلّقها الثّاني وتنتهي‬
‫ن عمومات النّكاح تقتضي الجواز من غير فصل بين ما إذا‬
‫عدّتها ‪ .‬ويكره للثّاني والوّل ‪ ،‬ل ّ‬
‫شرط فيه الحلل أو ل ‪ .‬فكان النّكاح بهذا الشّرط نكاحا صحيحا ‪ ،‬فيدخل تحت قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ حتّى تنكح زوجا غيرَه } فتنتهي الحرمة عند وجوده ‪ ،‬إلّ أنّه كره النّكاح لهذا الشّرط لغيره ‪،‬‬
‫ن ذلك يقف على‬
‫وهو أنّه شرط ينافي المقصود من النّكاح وهو السّكن والتّوالد والتّعفّف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن النّكاح‬
‫البقاء والدّوام على النّكاح ‪ .‬وقال محمّد ‪ :‬النّكاح الثّاني صحيح ‪ ،‬ول تحلّ للوّل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل ‪ ،‬فيبطل الشّرط‬
‫عقد مؤبّد ‪ ،‬فكان شرط الحلل استعجال ما أخّره اللّه تعالى لغرض الح ّ‬
‫ويبقى النّكاح صحيحا ‪ ،‬لكن ل يحصل به الغرض ‪.‬‬
‫الزّواج بقصد التّحليل ‪:‬‬
‫ن الزّواج بقصد التّحليل ‪ -‬من غير شرط في العقد ‪-‬‬
‫‪ - 11‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫ن ال ّنيّة‬
‫ل المرأة بوطء الزّوج الثّاني للوّل ‪ ،‬ل ّ‬
‫صحيح مع الكراهة عند الشّافعيّة ‪ ،‬وتح ّ‬
‫بمجرّدها في المعاملت غير معتبرة ‪ ،‬فوقع الزّواج صحيحا لتوافر شرائط الصّحّة في العقد ‪،‬‬
‫وتحلّ للوّل ‪ ،‬كما لو نويا التّأقيت وسائر المعاني الفاسدة ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ الزّواج بقصد التّحليل ‪ -‬ولو بدون شرط في العقد ‪ -‬باطل ‪،‬‬
‫وذلك بأن تواطأ العاقدان على شيء ممّا ذكر قبل العقد ‪ ،‬ثمّ عقد الزّواج بذلك القصد ‪ ،‬ول‬
‫تحلّ المرأة به لزوجها الوّل ‪ ،‬عملً بقاعدة سدّ الذّرائع ‪ .‬ولحديث ‪ « :‬لعن اللّه المحلّل‬
‫والمحلّل له » ‪.‬‬
‫هدم طلقات الوّل بالزّواج الثّاني ‪:‬‬
‫‪ - 12‬اتّفق الفقهاء على أنّ الزّوج الثّاني يهدم طلق الزّوج الوّل إذا كان ثلثا ‪ ،‬واختلفوا في‬
‫ن الزّوج الثّاني هل يهدم ما دون الثّلث ؟ وذلك كما إذا تزوّجت قبل الطّلقة الثّالثة ‪ ،‬ثمّ طلقت‬
‫أّ‬
‫ي وأحمد ومحمّد بن‬
‫منه ‪ ،‬ثمّ رجعت إلى زوجها الوّل ‪ .‬فذهب الجمهور ( مالك والشّافع ّ‬
‫الحسن ) إلى أنّه ل يهدم ‪ ،‬لنّ هذا شيء يخصّ الثّالثة بالشّرع ‪ ،‬فل يهدم ما دونها ‪ .‬وذهب‬
‫أبو حنيفة إلى أنّه يهدم ما دون الثّلث ‪ ،‬لنّه لمّا هدم الثّلث فهو أحرى أن يهدم ما دونها ‪،‬‬
‫وبه قال ابن عمر وابن عبّاس وعطاء والنّخعيّ ‪.‬‬

‫تحلية *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحلية لغ ًة ‪ :‬إلباس المرأة الحليّ ‪ ،‬أو اتّخاذه لها لتلبسه ‪ .‬ويقال ‪ :‬تحلّت المرأة ‪ :‬لبست‬
‫الحليّ أو اتّخذته ‪ .‬وحلّيتها بالتّشديد ‪ :‬ألبستها الحليّ ‪ ،‬أو اتّخذته لها لتلبسه ‪ .‬والتّحلية ل تخرج‬
‫في معناها الشّرعيّ عن هذا التّعريف ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫تزيين ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّزيين من الزّينة ‪ ،‬والزّينة اسم جامع لك ّل شيء يتزيّن به ‪ .‬فالتّزيّن أعمّ من التّحلية ‪،‬‬
‫لتناوله ما ليس حليةً كالكتحال وتسريح الشّعر والختضاب ‪.‬‬
‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 3‬يختلف حكم التّحلية بحسب الحوال ‪.‬‬
‫فقد تكون التّحلية واجب ًة كستر العورة ‪ ،‬وتزيّن الزّوجة لزوجها متى طلب منها ذلك ‪.‬‬
‫وقد تكون مستحبّةً كتحلّي الرّجل للجمعة والعيدين ومجامع النّاس ولقاء الوفود وخضاب الشّيب‬
‫للرّجل والمرأة بصفرة أو حمرة كما هو عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫وقد تكون مكروه ًة كلبس المعصفر والمزعفر للرّجال كما هو عند الحنفيّة ‪ ،‬وخضاب الرّجل‬
‫يديه ورجليه للتّشبّه بالنّساء عندهم أيضا ‪.‬‬
‫وقد تكون حراما كتحلّي الرّجال بحلية النّساء ‪ ،‬وتحلّي النّساء بحلية الرّجال ‪ ،‬وكتحلّي الرّجال‬
‫بالذّهب ‪.‬‬
‫السراف في التّحلية ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّحلية المباحة أو المستحبّة إذا أسرف فيها تصبح محظورةً ‪ ،‬وقد تصل إلى مرتبة‬
‫التّحريم ‪ .‬والسراف ‪ :‬هو مجاوزة ح ّد الستواء ‪ ،‬فتار ًة يكون بمجاوزة الحلل إلى الحرام ‪،‬‬
‫وتارةً يكون بمجاوزة الحدّ في النفاق ‪ ،‬فيكون ممّن قال اللّه تعالى فيهم { إنّ المب ّذرِين كانوا‬
‫ن الشّياطينِ } والسراف وضدّه من القتار مذمومان ‪ ،‬والستواء هو التّوسّط قال اللّه‬
‫ِإخْوا َ‬
‫تعالى ‪ { :‬والّذين إذا أَنفقوا لم ُيسْرفوا ولم يَ ْقتُروا وكان بين ذلك قَوَاما } ‪.‬‬
‫تحلية المحدّة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المحدّة من النّساء هي ‪ :‬المرأة الّتي تترك الزّينة والحليّ والطّيب بعد وفاة زوجها للعدّة ‪،‬‬
‫والحداد تركها ذلك ‪ .‬وإحدادها في اصطلح الفقهاء ‪ :‬امتناعها عن الزّينة وما في معناها مدّةً‬
‫مخصوص ًة في أحوال مخصوصة حزنا على فراق زوجها ‪ ،‬سواء أكان بالموت ‪ -‬وهو‬
‫بالجماع ‪ -‬أم بالطّلق البائن ‪ ،‬وهو مذهب الحنفيّة على خلف ‪.‬‬
‫‪ -6‬وقد أجمع الفقهاء على أنّه يحرم على المحدّة أن تستعمل الذّهب بكلّ صوره ‪ ،‬فيلزمها‬
‫نزعه حين تعلم بموت زوجها ‪ ،‬ل فرق في ذلك بين الساور والدّمالج والخواتم ‪ ،‬ومثله الحليّ‬
‫من الجواهر ‪ ،‬ويلحق به ما يتّخذ للحلية من غير الذّهب والفضّة كالعاج وغيره ‪ .‬وجوّز بعض‬
‫الفقهاء لبس الحليّ من الفضّة ‪ ،‬ولكنّه قول مردود ‪ ،‬لعموم النّهي عن لبس الحليّ على المحدّة‬
‫في قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ول الحليّ » ولنّ الزّينة تحصل بالفضّة ‪ ،‬فحرم عليها‬
‫لبسها والتّحلّي بها كالذّهب ‪ .‬وقصر الغزاليّ الباحة على لبس الخاتم من الفضّة ‪ ،‬لنّه ليس‬
‫ممّا تختصّ النّساء بحلّه ‪ ،‬ويحرم عليها أن تتحلّى لتتعرّض للخطاب بأيّ وسيلة من الوسائل‬
‫تلميحا أو تصريحا لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيما رواه النّسائيّ وأبو داود ‪ « :‬ول تلبس‬
‫المعصفر من الثّياب ول الحليّ » ‪.‬‬
‫التّحلّي في الحرام ‪:‬‬
‫ج أو عمرة أو ممّن أحرم بهما فعلً ‪.‬‬
‫‪ - 7‬وهو إمّا أن يكون ممّن يريده بح ّ‬
‫وتحلّي المرأة المحرمة بالذّهب وغيره من الحليّ مباح ‪ ،‬سواء أكان سوارا أم غيره ‪ ،‬لقول ابن‬
‫عمر رضي ال عنهما « نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم النّساء في إحرامهنّ عن‬
‫س الورس والزّعفران من الثّياب ‪ ،‬وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من‬
‫القفّازين والنّقاب ‪ ،‬وما م ّ‬
‫ألوان الثّياب ‪ ،‬من معصفر أو خزّ أو حليّ » ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬فأمّا الخلخال وما أشبهه من الحليّ مثل السّوار والدّملوج فظاهر كلم الخرقيّ‬
‫‪ :‬أنّه ل يجوز لبسه ‪ .‬وقد قال أحمد ‪ :‬المحرمة والمتوفّى عنها زوجها يتركان الطّيب‬
‫والزّينة ‪ ،‬ولهما ما سوى ذلك ‪ ،‬وروي عن عطاء ‪ :‬أنّه كان يكره للمحرمة الحرير والحليّ ‪.‬‬
‫وكرهه الثّوريّ وأبو ثور ‪ .‬وروي عن قتادة أنّه كان ل يرى بأسا أن تلبس المرأة الخاتم‬
‫والقرط وهي محرمة ‪ ،‬وكره السّوارين والدّملجين والخلخالين ‪.‬‬
‫وظاهر مذهب أحمد ‪ :‬الرّخصة فيه ‪ .‬وهو قول ابن عمر وعائشة رضي ال عنهما وأصحاب‬
‫الرّأي ‪ .‬قال أحمد في رواية حنبل ‪ :‬تلبس المحرمة الحليّ والمعصفر ‪ .‬وقال عن نافع ‪ :‬كان‬
‫ن محرمات ل ينكر ذلك عبد اللّه ‪ .‬وروى‬
‫نساء ابن عمر وبناته يلبسن الحليّ والمعصفر وه ّ‬
‫أحمد في المناسك عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت ‪ :‬تلبس المحرمة ما تلبس وهي حلل‬
‫من خزّها وقزّها وحليّها ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا حديث ابن عمر أنّه سمع النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ولْتلبس بعد ذلك ما‬
‫ب من معصفر أو خزّ أو حليّ » قال ابن المنذر ‪ :‬ل يجوز المنع منه‬
‫أَحبّت من ألوانِ الثّيا ِ‬
‫بغير حجّة ‪ ،‬ويحمل كلم أحمد والخرقيّ في المنع على الكراهة لما فيه من الزّينة ‪.‬‬
‫ولبس خاتم الفضّة للرّجال والنّساء جائز عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ول يجوز عند‬
‫المالكيّة للرّجل وفيه الفداء ‪ ،‬ويجوز للمرأة ‪.‬‬
‫‪ -8‬ومن التّحلّي في الحرام أن يتطيّب في بدنه ‪ .‬وهو وإن كان من محظورات الحرام ‪،‬‬
‫لكنّه سنّ استعدادا له عند الجمهور ‪ ،‬وكره المالكيّة الحرام بمطيّب ‪ ،‬وندبوه بغيره ‪ .‬والتّطيّب‬
‫في ثوب الحرام قبل الحرام منعه الجمهور ‪ ،‬وأجازه الشّافعيّة في القول المعتمد عندهم ‪.‬‬
‫وأمّا بعد الحرام فإنّ التّحلية بالطّيب وما في معناه هو من محظورات الحرام ‪ ،‬وأمّا لبس‬
‫المرأة حليّها في الحرام فل بأس به ما لم يكن فيه إغراء ر ‪ ( :‬إحرام ) ‪.‬‬

‫تحمّل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ -‬التّحمّل في اللّغة مصدر تحمّل الشّيء أي ‪ :‬حمله ‪ ،‬ول يطلق إلّ على ما في حمله كلفة‬ ‫‪1‬‬

‫ومشقّة ‪ ،‬يقال ‪ :‬رجل حمّال يحمل الكلّ عن النّاس ‪.‬‬


‫وفي الثر ‪ « :‬ل تحلّ المسألة إلّ لثلث منها ‪ :‬رجل تحمّل حمالةً عن قوم » ‪.‬‬
‫ن الشّهادة من أعلى‬
‫وفي تسمية ما قد يطلب من الشّخص الشّهادة فيه تحمّلً ‪ ،‬إشارةً إلى أ ّ‬
‫المانات الّتي يحتاج حملها إلى كلفة ومشقّة ‪ .‬وفي الصطلح الشّرعيّ ‪ :‬التّحمّل ‪ :‬التزام أمر‬
‫وجب على الغير ابتدا ًء باختياره ‪ ،‬أو قهرا من الشّرع ‪.‬‬
‫حكمه التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّحمّل يختلف حكمه باختلف مواضعه ‪ ،‬فهو في الشّهادة فرض كفاية ‪ ،‬وهو واجب‬
‫عينيّ على العاقلة في دية الخطأ وشبه العمد ‪.‬‬
‫أوّلً ‪ -‬تحمّل الشّهادة ‪:‬‬
‫ن تحمّل الشّهادة فرض كفاية في غير الحدود ‪،‬‬
‫‪ - 3‬اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أ ّ‬
‫كالنّكاح والقرار بأنواعه ‪ ،‬وذلك للحاجة إلى الشّهادة ‪ ،‬ولتوقّف انعقاد النّكاح عليها ‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى ‪ { :‬ول َيأْبَ الشّهداءُ إذا ما دُعُوا } وسمّوا شهداء باعتبار ما سيئول إليه أمرهم ‪ ،‬فإن‬
‫قام بالتّحمّل العدد المعتبر في الشّهادة سقط الحرج عن الباقين ‪ ،‬وإلّ أثموا جميعا ‪.‬‬
‫هذا إذا كانوا كثيرين ‪ ،‬فإن لم يكن إلّ العدد اللّازم للشّهادة تعيّن عليهم ‪.‬‬
‫المتناع عن تحمّل الشّهادة ‪:‬‬
‫‪ - 4‬إذا دعي المكلّف إلى تحمّل شهادة في نكاح أو دين أو غيره لزمته الجابة ‪ .‬وإن كانت‬
‫عنده شهادة فدعي إلى أدائها لزمه ذلك ‪ .‬فإن قام بالفرض في التّحمّل أو الداء اثنان سقط‬
‫الثم عن الجميع ‪ ،‬وإن امتنع الكلّ أثموا ‪ ،‬وإنّما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر ‪ ،‬وكانت‬
‫شهادته تنفع ‪ ،‬فإن كان عليه ضرر في التّحمّل أو الداء ‪ ،‬أو كان ممّن ل تقبل شهادته ‪ ،‬أو‬
‫يحتاج إلى التّبذّل في التّزكية ونحوها لم يلزمه ‪ ،‬لقول اللّه تعالى ‪ { :‬ول ُيضَارّ كاتِبٌ ول‬
‫شَهيدٌ } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل ضرر ول ضِرار » ولنّه ل يلزمه أن يضرّ‬
‫ن مقصود الشّهادة ل‬
‫بنفسه لنفع غيره ‪ ،‬وإذا كان ممّن ل تقبل شهادته لم يجب عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫يحصل منه ‪ ،‬وهل يأثم بالمتناع إذا وجد غيره ممّن يقوم مقامه ؟ فيه وجهان للحنابلة ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬يأثم ‪ ،‬لنّه قد تعيّن بدعائه ‪ ،‬ولنّه منهيّ عن المتناع بقوله ‪ { :‬ول َيأْبَ الشّهداءُ إذا‬
‫ما دُعُوا } ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬ل يأثم ‪ ،‬لنّ غيره يقوم مقامه ‪ ،‬فلم يتعيّن في حقّه ‪ ،‬كما لو لم يدع إليها ‪.‬‬
‫أخذ الجرة على التّحمّل ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى جواز أخذ الجرة على التّحمّل قولً واحدا في المذهبين ‪ ،‬إن‬
‫كان التّحمّل فرض كفاية وفيه كلفة ‪ ،‬فإن لم يكن فيه كلفة فليس له أخذ الجرة عليه ‪ .‬وإن‬
‫تعيّن عليه التّحمّل ‪ ،‬كأن لم يوجد غيره ‪ ،‬فله أخذ الجرة إن كان في التّحمّل كلفة على الصحّ‬
‫في المذهبين ‪.‬‬
‫وقد اختلفت القوال عند الحنابلة في أخذ الجرة على التّحمّل ‪ ،‬فل يجوز أخذ الجرة لمن‬
‫تعيّن عليه ‪ ،‬وهو المذهب مطلقا ‪ ،‬ول لمن لم يتعيّن عليه في أصحّ الوجهين عندهم ‪ ،‬والوجه‬
‫الثّاني ‪ :‬يجوز ‪ .‬وقيل ‪ :‬يجوز أخذ الجرة للحاجة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجوز مطلقا ‪.‬‬
‫ن ذلك‬
‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فتحمّل الشّهادة ‪ -‬وكذلك أداؤها ‪ -‬يجب على الشّاهد إن لم يوجد غيره ‪ ،‬ل ّ‬
‫يعتبر فرض عين ‪ ،‬ول أجرة للشّاهد ‪.‬‬
‫تحمّل الشّهادة على الشّهادة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬ل خلف بين الفقهاء في جواز الشّهادة على الشّهادة في الموال ‪ ،‬وما يقصد به المال ‪،‬‬
‫والنكحة ‪ ،‬والفسوخ ‪ ،‬والطّلق ‪ ،‬والرّضاع ‪ ،‬والولدة ‪ ،‬وعيوب النّساء ‪ ،‬وحقوق اللّه عدا‬
‫الحدود كالزّكاة ‪ ،‬ووقف المساجد والجهات العامّة ‪.‬‬
‫واختلفوا في القصاص وحدّ القذف ‪ .‬فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجوز التّحمّل في‬
‫القصاص وح ّد القذف ‪ ،‬لنّه حقّ آدميّ ‪ ،‬وهو مبنيّ على المنازعة ‪ ،‬ول يسقط بالرّجوع عن‬
‫القرار به ‪ ،‬ول يستحبّ السّتر ‪ ،‬فأشبه الموال ‪.‬‬
‫وعند الحنفيّة والحنابلة ل يجوز التّحمّل في القصاص وحدّ القذف ‪ ،‬لنّ كلّا منهما عقوبة بدنيّة‬
‫تدرأ بالشّبهات ‪ ،‬وتبنى على السقاط ‪ ،‬فأشبهت الحدود ‪.‬‬
‫وهناك شروط لتحمّل الشّهادة على الشّهادة تنظر في مصطلح ‪ ( :‬شهادة ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬تحمّل العاقلة عن الجاني دية الخطأ ‪ ،‬وشبه العمد ‪:‬‬
‫ل ‪ .‬فذهب‬
‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ العاقلة تتحمّل دية الخطأ ‪ .‬ثمّ اختلفوا على من تجب أ ّو ً‬
‫ح والمعتمد عند الشّافعيّة ‪ :‬إلى أنّ دية الخطأ تلزم الجاني ابتداءً ‪ ،‬ثمّ‬
‫الجمهور ‪ ،‬وهو الص ّ‬
‫تتحمّلها عنه العاقلة ‪ .‬والقول الخر للشّافعيّة ‪ :‬تجب ابتداءً على العاقلة ‪.‬‬
‫وكذلك دية شبه العمد عند الئمّة الثّلثة ‪ :‬أبي حنيفة والشّافعيّ وأحمد ‪ .‬أمّا مالك فل يثبت شبه‬
‫العمد في القتل أصلً ‪ .‬واستدلّوا لذلك بقضاء النّبيّ صلى ال عليه وسلم بالدّية على العاقلة ‪.‬‬
‫في الحديث المتّفق عليه ‪ ،‬وهو ‪ « :‬أنّ امرأتين اقتتلتا ‪ ،‬فحذفت إحداهما الخرى بحجر فقتلتها‬
‫ن دية جنينها غرّة عبد أو أمة ‪ ،‬وقضى‬
‫وما في بطنها ‪ ،‬فقضى النّبيّ صلى ال عليه وسلم أ ّ‬
‫بدية المرأة على عاقلتها » ‪ .‬وكان قتلها شبه عمد ‪ ،‬فثبوت ذلك في الخطأ أولى ‪ .‬أمّا جهات‬
‫العاقلة وترتيبهم في التّحمّل فيرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬عاقلة ) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬تحمّل المام عن المأموم ‪:‬‬
‫‪ - 8‬ل تجب القراءة على المأموم خلف المام ‪ ،‬ويتحمّلها عنه المام ‪ ،‬سواء أكان مسبوقا أم‬
‫غير مسبوق عند الئمّة ‪ :‬أبي حنيفة ومالك وأحمد ‪ ،‬على خلف بينهم في حكم قراءته خلف‬
‫المام ‪ ،‬من كراهة القراءة عند الحنفيّة سرّا وجهرا ‪ ،‬وعند المالكيّة جهرا ‪ ،‬واستحبابها عند‬
‫الحنابلة ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬يتحمّل المام عن المأموم قراءة الفاتحة إذا كان مسبوقا ‪ ،‬فأدرك المام في‬
‫الرّكوع ‪ ،‬أو في القيام بقدر ل يتّسع لقراءة الفاتحة ‪ ،‬كما يتحمّل عنه سهوه في حال اقتدائه‪.‬‬
‫أمّا غير المسبوق فل يتحمّل عنه المام القراءة ‪ ،‬وتجب عليه على تفصيل يعرف في مصطلح‬
‫‪ ( :‬قراءة ) ‪ .‬وممّا يتحمّله المام عن المأموم أيضا ‪ :‬سجود السّهو ‪ ،‬وسجود التّلوة ‪،‬‬
‫والسّترة ‪ ،‬لنّ سترة المام سترة لمن خلفه ‪.‬‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 9‬يذكر التّحمّل عند الفقهاء في الشّهادات والدّية ‪ ،‬وتحمّل المام خطأ المأمومين ‪ ،‬وتحمّل‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫تحميد *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحميد في اللّغة ‪ :‬كثرة الثّناء بالمحامد الحسنة ‪ ،‬وهو أبلغ من الحمد ‪ .‬والتّحميد في‬
‫الطلق الشّرعيّ يراد به كثرة الثّناء على اللّه تعالى ‪ ،‬لنّه هو مستحقّ الحمد على الحقيقة ‪.‬‬
‫والحسن التّحميد بسورة الفاتحة ‪ ،‬وبما يثنى عليه في الصّلة بقوله ‪ :‬سبحانك اللّهمّ وبحمدك ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الشّكر ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الشّكر في اللّغة ‪ :‬الثّناء على المحسن بما قدّم لغيره من معروف ‪.‬‬
‫ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك ‪ .‬والشّكر كما يكون باللّسان يكون باليد والقلب ‪.‬‬
‫والشّكر مجازاة للمحسن على إحسانه ‪ ،‬وقد يوضع الحمد مكان الشّكر ‪ ،‬تقول ‪ :‬حمدته على‬
‫شجاعته ‪ ،‬يعني أثنيت على شجاعته ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬شكرته على شجاعته ‪ ،‬وهما متقاربان ‪ ،‬إلّ‬
‫ن الحمد أعمّ ‪ ،‬لنّك تحمد على الصّفات ول تشكر ‪ ،‬وذلك يدلّ على الفرق ‪.‬‬
‫أّ‬
‫ب ‪ -‬المدح ‪:‬‬
‫‪ - 3‬المدح من معانيه في اللّغة ‪ :‬الثّناء الحسن تقول ‪ :‬مدحته مدحا من باب نفع ‪ :‬أثنيت عليه‬
‫بما فيه من الصّفات الجميلة ‪ ،‬خلقيّ ًة كانت أو اختياريّ ًة ‪ .‬والمدح في الصطلح ‪ :‬هو الثّناء‬
‫باللّسان على الجميل الختياريّ قصدا ‪ .‬ولهذا كان المدح أعمّ من الحمد ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 4‬مواطن التّحميد في حياة النسان متعدّدة ‪ .‬فهو مطالب به عرفانا منه بنعم اللّه تعالى‬
‫ن َت ُعدّوا ِن ْعمَةَ‬
‫وثنا ًء عليه بما هو أهله ‪ ،‬على ما أوله من نعم ل حصر لها ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬وإ ْ‬
‫حصُوها } فل طاقة على عدّها ‪ ،‬ول قدرة على حصرها لكثرتها ‪ ،‬كالسّمع والبصر‬
‫اللّ ِه ل ُت ْ‬
‫وغير ذلك من العافية والرّزق ‪ ،‬وهي نعم منه سبحانه ‪ ،‬ولذا هيّأ للنسان من السباب ما‬
‫يعينه على القيام بحمده والثّناء عليه بما هو أهله ‪.‬‬
‫والتّحميد تارةً يكون واجبا كما في خطبة الجمعة ‪ .‬وتارةً يكون سنّةً مؤكّدةً كما هو بعد‬
‫العطاس ‪ .‬وتارةً يكون مندوبا كما في خطبة النّكاح ‪ ،‬وفي ابتداء الدّعاء ‪ ،‬وفي ابتداء كلّ أمر‬
‫ل أكل وشرب ونحو ذلك ‪ .‬وتارةً يكون مكروها كما في الماكن المستقذرة ‪.‬‬
‫ذي بال ‪ ،‬وبعد ك ّ‬
‫وتار ًة يكون حراما كما في الفرح بالمعصية ‪ .‬وتفصيل ذلك كما يأتي ‪:‬‬
‫التّحميد في خطبتي الجمعة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّحميد في خطبتي الجمعة مطلوب شرعا ‪ ،‬على خلف بين الفقهاء في فرضيّته أو ندبه‬
‫‪ .‬والبداءة به فيهما مستحبّة ‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي ال عنه مرفوعا ‪ « :‬كلّ كلم ل‬
‫يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم » ‪ ،‬ولما روى جابر رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫كان يخطب النّاس يحمد اللّه ويثني عليه بما هو أهله » ‪.‬‬
‫والتّفصيل في ( صلة الجمعة ) ‪.‬‬
‫التّحميد في خطبة النّكاح ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يستحبّ التّحميد في خطبة النّكاح قبل إجراء العقد ‪ ،‬لما ورد فيها من لفظه عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ « :‬الحمد للّه نحمده ‪ ،‬ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا وسيّئات‬
‫ل اللّه وحده‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يهده اللّه فل مضلّ له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ .‬وأشهد أن ل إله إ ّ‬
‫ن نفسٍ‬
‫ن محمّدا عبده ورسوله { يا أيّها النّاسُ اتّقُوا ربّكم الّذي خَلَقَكم م ْ‬
‫ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أ ّ‬
‫ل كثيرا ونساءً واتّقُوا اللّ َه الّذي َتسَاءلُونَ به‬
‫ث منهما ِرجَا ً‬
‫واحدةٍ َوخََلقَ منها زوجَها وَب ّ‬
‫ن إلّ‬
‫ن اللّ َه كان عليكم رَقِيبا } { يا أيّها الّذين آ َمنُوا اتّقُوا اللّ َه حقّ تُقَاتِه ول َتمُوتُ ّ‬
‫والرحامَ إ ّ‬
‫ح لكم أعمالَكم و َيغْ ِف ْر لكم‬
‫ل سَديدا ُيصْلِ ْ‬
‫ن } { يا أيّها الّذين آمنوا اتّقُوا اللّ َه وقُولُوا قو ً‬
‫وَأ ْنتُم مسلمو َ‬
‫ذنوبَكم ومن ُيطِعِ الّلهَ ورسولَه فقد فازَ فوزا عظيما } » ‪.‬‬
‫التّحميد في افتتاح الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬التّحميد في افتتاح الصّلة ‪ -‬وهو المعبّر عنه بدعاء الستفتاح ‪ -‬سنّة ‪ :‬فقد « كان رسول‬
‫اللّه صلى ال عليه وسلم إذا افتتح الصّلة كبّر ‪ ،‬ثمّ رفع يديه حتّى يحاذي بإبهاميه أذنيه ‪ ،‬ثمّ‬
‫يقول ‪ :‬سبحانك اللّهمّ وبحمدك ‪ ،‬وتبارك اسمك ‪ ،‬وتعالى جدّك ‪ ،‬ول إله غيرك » وذلك متّفق‬
‫عليه بين الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫والتّحميد عند استواء الرّفع من الرّكوع في الصّلة واجب عند الحنابلة ‪ ،‬لما روى الدّارقطنيّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم قال لبريدة رضي ال عنه ‪ :‬يا بريدة إذا رفعت رأسك من‬
‫ن النّب ّ‬
‫«أّ‬
‫الرّكوع فقل ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬ربّنا ولك الحمد » وسنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة للمأموم‬
‫والمنفرد ‪ ،‬فإنّهما يجمعان بين التّسميع والتّحميد ‪ ،‬ويكتفي المأموم بالتّحميد اتّفاقا للمر به ‪ ،‬لما‬
‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬إذا قال المام‬
‫ن النّب ّ‬
‫روى أنس وأبو هريرة رضي ال عنهما « أ ّ‬
‫‪ :‬سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬ربّنا ولك الحمد » ولما في صحيح البخاريّ عن رفاعة بن‬
‫رافع الزّرقيّ رضي ال عنه قال ‪ « :‬كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلمّا‬
‫رفع رأسه من الرّكعة قال ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده فقال رجل وراءه ‪ :‬ربّنا ولك الحمد حمدا‬
‫كثيرا طيّبا مباركا فيه ‪ .‬فلمّا انصرف قال ‪ :‬من المتكلّم ؟ قال ‪ :‬أنا ‪ .‬قال ‪ :‬رأيت بضعةً‬
‫وثلثين ملكا يبتدرونها ‪ .‬أيّهم يكتبها أوّل » ‪.‬‬
‫وهذا التّحميد بعد قول المام أو قول الفرد ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬مندوب عند المالكيّة ‪.‬‬
‫التّحميد لمن فرغ من الصّلة عقيب التّسليم ‪:‬‬
‫‪ - 8‬هو مستحبّ عند الشّافعيّة ‪ .‬لما روى ابن الزّبير رضي ال عنهما « أنّ رسول اللّه صلى‬
‫ال عليه وسلم كان يهلّل في إثر كلّ صلة فيقول ‪ :‬ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك‬
‫ل باللّه ‪ ،‬ول نعبد إلّ إيّاه ‪ ،‬وله‬
‫‪ ،‬وله الحمد ‪ ،‬وهو على ك ّل شيء قدير ‪ ،‬ول حول ول قوّة إ ّ‬
‫النّعمة ‪ ،‬وله الفضل ‪ ،‬وله الثّناء الحسن ‪ ،‬ل إله إلّ اللّه ‪ ،‬مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون‬
‫»‪.‬‬
‫وسنّة عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من سبّح اللّه في دبر كلّ صلة‬
‫ثلثا وثلثين ‪ ،‬وحمد اللّه ثلثا وثلثين ‪ ،‬وكبّر اللّه ثلثا وثلثين ‪ ،‬فتلك تسعة وتسعون ‪،‬‬
‫وقال في تمام المائة ‪ :‬ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كلّ‬
‫شيء قدير ‪ ،‬غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر » ‪.‬‬
‫ن عبادتِك » ويختم‬
‫حسْ ِ‬
‫عنّي على ِذكْرك وشُكرك و ُ‬
‫ن عندهم أن يقول بعد ذلك ‪ « :‬اللّهمّ أ ِ‬
‫ويس ّ‬
‫ذلك بقوله ‪ « :‬سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ‪ ،‬وسلم على المرسلين ‪ ،‬والحمد للّه ربّ‬
‫العالمين » وزاد الحنابلة على ما استدلّوا به الحديث الّذي استدلّ به الشّافعيّة ‪ .‬والولى البدء‬
‫بالتّسبيح لنّه من باب التّخلية ‪ ،‬ثمّ التّحميد لنّه من باب التّحلية ‪ ،‬ثمّ التّكبير لنّه تعظيم ‪.‬‬
‫التّحميد في صلة العيدين بعد التّحريمة ‪:‬‬
‫‪ - 9‬هو سنّة عند الحنفيّة للمام والمؤتمّ ‪ ،‬فيثني ويحمد مستفتحا " سبحانك اللّهمّ وبحمدك ‪،‬‬
‫وتبارك اسمك ‪ ،‬وتعالى جدّك ‪ ،‬ول إله غيرك " وذلك مقدّم على تكبيرات الزّوائد ‪.‬‬
‫وهو سنّة بين التّكبيرات عند الحنابلة ‪ ،‬فيقول بينها ‪ :‬اللّه أكبر كبيرا ‪ ،‬والحمد للّه كثيرا ‪،‬‬
‫وسبحان اللّه بكر ًة وأصيلً ‪ ،‬وصلّى اللّه على محمّد النّبيّ وآله وسلّم تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫لما روى عقبة بن عامر رضي ال عنه قال ‪ « :‬سألت ابن مسعود رضي ال عنه عمّا يقوله‬
‫بين تكبيرات العيد ؟ قال ‪ :‬يحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ‬
‫يدعو ويكبّر » ‪.‬‬
‫التّحميد في صلة الستسقاء وصلة الجنازة ‪:‬‬
‫ب عند الحنفيّة‬
‫‪ - 10‬التّحميد في خطبة صلة الستسقاء سنّة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ومستح ّ‬
‫والمالكيّة ‪ .‬وهو صلة الجنازة بعد التّكبيرة الولى سنّة عند الحنفيّة ‪ .‬فيقول المصلّي ‪:‬‬
‫سبحانك اللّهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ول إله غيرك ‪.‬‬
‫التّحميد في تكبيرات التّشريق ‪:‬‬
‫‪ - 11‬التّحميد في تكبيرات التّشريق سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬فيقول كما قال النّبيّ‬
‫ل اللّه واللّه أكبر وللّه الحمد » ‪ .‬وقد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬اللّه أكبر اللّه أكبر ‪ ،‬ل إله إ ّ‬
‫روي أنّه صلى ال عليه وسلم « قال على الصّفا ‪ :‬اللّه أكبر ‪ .‬اللّه أكبر ‪ .‬اللّه أكبر ‪ .‬اللّه أكبر‬
‫ل اللّه ول نعبد إلّ إيّاه ‪،‬‬
‫كبيرا والحمد للّه كثيرا ‪ ،‬وسبحان اللّه بكر ًة وأصيلً ‪ ،‬ل إله إ ّ‬
‫ل اللّه وحده ‪ ،‬صدق وعده ‪ ،‬ونصر عبده ‪،‬‬
‫مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون ‪ ،‬ل إله إ ّ‬
‫وهزم الحزاب وحده ‪ .‬ل إله إلّ اللّه واللّه أكبر » ‪ .‬والجمع بين التّكبير والتّهليل والتّحميد في‬
‫أيّام التّشريق أفضل وأحسن عند المالكيّة ‪ ،‬فيقول إن أراد الجمع ‪ :‬اللّه أكبر ‪ ،‬اللّه أكبر ‪ ،‬ل‬
‫إله إلّ اللّه واللّه أكبر ‪ .‬اللّه أكبر ‪ ،‬وللّه الحمد ‪ .‬وقد روي عن مالك هذا ‪.‬‬
‫التّحميد للعاطس في غير صلة ‪:‬‬
‫ن للعاطس إذا عطس أن يحمد اللّه ‪ ،‬فيقول عقبه ‪ :‬الحمد للّه ‪.‬‬
‫‪ - 12‬اتّفق العلماء على أنّه يس ّ‬
‫ب العالمين ‪ ،‬أو الحمد للّه على كلّ حال كان أفضل ‪ ،‬فعن أبي هريرة‬
‫ولو قال ‪ :‬الحمد للّه ر ّ‬
‫رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا عطس أحدكم فليقل ‪ :‬الحمد للّه ‪.‬‬
‫وليقل له أخوه أو صاحبه ‪ :‬يرحمك اللّه » وعنه رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ل حال » وعن أنس رضي ال عنه قال ‪« :‬‬
‫قال ‪ « :‬إذا عطس أحدكم فليقل ‪ :‬الحمد للّه على ك ّ‬
‫ت أحدَهما ‪ ،‬ولم يشمّت الخر ‪ .‬فقال الّذي‬
‫عطس رجلن عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم فشَمّ َ‬
‫ت فلم ُتشَ ّمتْني ؟ فقال ‪ :‬هذا حمد اللّه تعالى ‪ ،‬وإنّك لم‬
‫لم يشمّته ‪ :‬عطس فلن فشمّتّه ‪ ،‬وعطس ُ‬
‫تحمد اللّه تعالى » ‪ .‬وعن أبي موسى الشعريّ رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول ‪ { :‬إذا عطس أحدكم فحمد اللّه تعالى فشمّتوه ‪ ،‬فإن لم يحمد اللّه فل‬
‫تشمّتوه } ‪.‬‬
‫التّحميد للخارج من الخلء بعد قضاء حاجته ‪:‬‬
‫‪ - 13‬وهو مندوب عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وسنّة عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬فيقول ‪ « :‬غفرانك‬
‫» « الحمد للّه الّذي أذهب عنّي الذى وعافاني » ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي ال عنهما ما قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا خرج من‬
‫الخلء يقول ‪ :‬الحمد للّه الّذي أذاقني لذّته ‪ ،‬وأبقى في قوّته ‪ ،‬وأذهب عنّي أذاه » ‪.‬‬
‫التّحميد لمن أكل أو شرب ‪:‬‬
‫ن اللّه ليرضى من العبد أن يأكل الكلة أو‬
‫‪ - 14‬هو مستحبّ لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫يشرب الشّربة فيحمده عليها » ‪.‬‬
‫ولما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي ال عنه قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا‬
‫أكل أو شرب قال ‪ :‬الحمد للّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين » وروى معاذ بن أنس‬
‫الجهنيّ رضي ال عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من أكل طعاما فقال ‪:‬‬
‫الحمد للّه الّذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منّي ول قوّة غفر له ما تقدّم من ذنبه » ‪.‬‬
‫ولما روى أبو أيّوب خالد بن زيد النصاريّ رضي ال عنه قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال ‪ :‬الحمد للّه الّذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجا » ‪.‬‬
‫ولما روى عبد الرّحمن بن جبير التّابعيّ « أنّه حدّثه رجل خدم النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ثماني سنوات أنّه كان يسمع النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا قرّب إليه طعاما يقول ‪ :‬بسم اللّه ‪.‬‬
‫ت وهديتَ وأحسنتَ ‪ ،‬فلك الحمد‬
‫فإذا فرغ من طعامه قال ‪ :‬اللّهمّ أطعمتَ وسقيتَ وأغنيتَ وأقني َ‬
‫على ما أعطيت » ‪.‬‬
‫التّحميد لمن سمع بشارةً تسرّه ‪ ،‬أو تجدّدت له نعمة ‪ ،‬أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 15‬يستحبّ للشّخص أن يحمده سبحانه ‪ ،‬ويثني عليه بما هو أهله ‪ ،‬وفي هذا قول اللّه تبارك‬
‫حزَن } وهو ما يقوله أهل الجنّة ‪.‬‬
‫وتعالى ‪ { :‬الحمد للّه الّذي أذهب عنّا ال َ‬
‫وفي قصّة داود وسليمان عليهما الصلة والسلم { وقال الحمد للّه الّذي َفضّلَنا على كثير من‬
‫عباده المؤمنين } ‪ .‬وقول إبراهيم عليه الصلة والسلم ‪ { :‬الحمد للّه الّذي وهب لي على الكبر‬
‫ن عمر رضي ال عنه أرسل ابنه عبد اللّه إلى‬
‫إسماعيل وإسحاق } ‪ .‬وفي صحيح البخاريّ أ ّ‬
‫عائشة رضي ال عنها يستأذنها أن يدفن مع صاحبيه ‪ .‬فلمّا أقبل عبد اللّه قال عمر ‪ :‬ما‬
‫ب يا أمير المؤمنين ‪ ،‬أذنت ‪ .‬قال ‪ :‬الحمد للّه ‪ ،‬ما كان شيء أهمّ إليّ‬
‫لديك ؟ قال ‪ :‬الّذي تح ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم أتي ليلة أسري به‬
‫ن النّب ّ‬
‫من ذلك ‪ .‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه « أ ّ‬
‫بقدحين من خمر ولبن ‪ ،‬فنظر إليهما ‪ ،‬فأخذ اللّبن ‪ ،‬فقال له جبريل عليه السلم ‪ :‬الحمد للّه‬
‫الّذي هداك للفطرة ‪ ،‬لو أخذت الخمر غَ َوتْ أمّتك » ‪.‬‬
‫التّحميد للقائم من المجلس ‪:‬‬
‫‪ - 16‬التّحميد للقائم من المجلس مستحبّ ‪ .‬فقد روى أبو هريرة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من جلس في مجلس َف َكثُر فيه َل َغطُه فقال قبل أن يقوم من مجلسه‬
‫ل غفر له ما كان‬
‫ل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك إ ّ‬
‫‪ :‬سبحانك اللّهمّ وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إ ّ‬
‫في مجلسه ذلك » ‪.‬‬
‫التّحميد في أعمال الحجّ ‪:‬‬
‫‪ - 17‬التّحميد في أعمال الحجّ مستحبّ ‪ ،‬وممّا أثر من صيغه عن رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫وسلم عند الملتَزَم قوله ‪ « :‬اللّهمّ لك الحمد حمدا يوافي نعمك ‪ ،‬ويكافئ مزيدك ‪ ،‬أحمدك بجميع‬
‫ل حال ‪ .‬اللّهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل‬
‫محامدك ‪ ،‬ما علمت منها وما لم أعلم وعلى ك ّ‬
‫محمّد ‪ .‬اللّه ّم أعذني من الشّيطان الرّجيم ‪ ،‬وأعذني من كلّ سوء ‪ ،‬وقنّعني بما رزقتني ‪،‬‬
‫وبارك لي فيه ‪ .‬اللّه ّم اجعلني من أكرم وفدك عليك ‪ ،‬وألزمني سبيل الستقامة حتّى ألقاك يا‬
‫ربّ العالمين » ‪.‬‬
‫التّحميد لمن لبس ثوبا جديدا ‪:‬‬
‫ن رسول اللّه صلى ال عليه‬
‫‪ - 18‬التّحميد لمن لبس ثوبا جديدا مستحبّ ‪ .‬فعن معاذ بن أنس أ ّ‬
‫وسلم قال ‪ « :‬من لبس ثوبا جديدا فقال ‪ :‬الحمد للّه الّذي كساني هذا ‪ ،‬ورزقنيه من غير حول‬
‫منّي ول قوّة غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه » ‪.‬‬
‫التّحميد لمن استيقظ من نومه ‪:‬‬
‫‪ - 19‬التّحميد لمن استيقظ من نومه مستحبّ ‪ .‬فقد « كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول إذا استيقظ ‪ :‬الحمد للّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا ‪ ،‬وإليه النّشور » ‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا استيقظ أحدكم‬
‫ي روحي ‪ ،‬وعافاني في جسدي ‪ ،‬وأذن لي بذكره » ‪.‬‬
‫فليقل ‪ :‬الحمد للّه الّذي ردّ عل ّ‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ما من عبد يقول عند ردّ‬
‫اللّه تعالى روحه ‪ :‬ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك ‪ ،‬وله الحمد ‪ ،‬وهو على كلّ‬
‫شيء قدير إلّ غفر اللّه تعالى له ذنوبه ‪ ،‬ولو كانت مثل زبد البحر » ‪.‬‬
‫التّحميد لمن يأوي إلى فراشه ‪:‬‬
‫ن رسول اللّه‬
‫ي رضي ال عنه أ ّ‬
‫‪ - 20‬التّحميد لمن يأوي إلى فراشه للنّوم مستحبّ ‪ « .‬فعن عل ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال له ولفاطمة رضي ال عنهما ‪ :‬إذا أويتما إلى فراشكما ‪ ،‬أو إذا أخذتما‬
‫مضاجعكما فكبّرا ثلثا وثلثين ‪ ،‬وسبّحا ثلثا وثلثين ‪ ،‬واحمدا ثلثا وثلثين » وفي رواية‬
‫التّسبيح « أربعا وثلثين » ‪ .‬وفي رواية التّكبير « أربعا وثلثين » ‪.‬‬
‫قال عليّ فما تركته منذ سمعته من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫التّحميد لمن يشرع في الوضوء ‪ ،‬ولمن فرغ منه ‪:‬‬
‫‪ - 21‬التّحميد في الوضوء مستحبّ ‪ .‬فيقول المتوضّئ بعد التّسمية ‪ :‬الحمد للّه الّذي جعل الماء‬
‫ي صلى ال عليه وسلم في لفظها ‪ « :‬باسم اللّه‬
‫طهورا ‪ .‬وروي عن السّلف ‪ ،‬وقيل عن النّب ّ‬
‫العظيم ‪ ،‬والحمد للّه على دين السلم » ‪.‬‬
‫ل اللّه‬
‫والتّحميد لمن فرغ من الوضوء مستحبّ ‪ .‬فيقول بعد الفراغ منه ‪ :‬أشهد أن ل إله إ ّ‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ‪ .‬اللّهمّ اجعلني من التّوّابين ‪ ،‬واجعلني من‬
‫المتطهّرين ‪ .‬سبحانك اللّهمّ وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إلّ أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك ‪ .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من توضّأ فأسبغ الوضوء ثمّ قال عند فراغه من وضوئه ‪ :‬سبحانك‬
‫ل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتم فوضعت‬
‫اللّهمّ وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إ ّ‬
‫تحت العرش ‪ ،‬فلم يكسر إلى يوم القيامة » ‪.‬‬
‫التّحميد للمسئول عن حاله ‪:‬‬
‫‪ - 22‬والتّحميد للمسئول عن حاله مستحبّ ‪ .‬ففي صحيح البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال‬
‫عنهما « أنّ عليّا رضي ال عنه خرج من عند رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في وجعه‬
‫الّذي توفّي فيه ‪ ،‬فقال النّاس ‪ :‬يا أبا حسن ‪ :‬كيف أصبح رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫فقال ‪ :‬أصبح بحمد اللّه تعالى بارئا » ‪.‬‬
‫‪ - 23‬كذلك التّحميد لمن رأى مبتلًى بمرض أو غيره مستحبّ ‪ .‬فعن أبي هريرة رضي ال‬
‫عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من رأى مبتلًى فقال ‪ :‬الحمد للّه الّذي عافاني ممّا‬
‫ابتلك به ‪ ،‬وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلً ‪ ،‬لم يصبه ذلك البلء » ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬قال العلماء ‪ :‬ينبغي أن يقول هذا الذّكر سرّا بحيث يسمع نفسه ‪ ،‬ول َيسْمعه‬
‫ل يتألّم قلبه بذلك ‪ ،‬إلّ أن تكون بليّته معصيةً فل بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من‬
‫المبتلى لئ ّ‬
‫ذلك مفسدةً ‪.‬‬
‫ب ‪ .‬فعن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أنّ‬
‫‪ -24‬كذلك التّحميد لمن دخل السّوق مستح ّ‬
‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من دخل السّوق فقال ‪ :‬ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك‬
‫له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬يحيي ويميت وهو حيّ ل يموت ‪ ،‬بيده الخير وهو على كلّ شيء‬
‫قدير ‪ ،‬كتب اللّه له ألف ألف حسنة ‪ ،‬ومحا عنه ألف ألف سيّئة ‪ ،‬ورفع له ألف ألف درجة » ‪.‬‬
‫التّحميد لمن عطس في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 25‬التّحميد لمن عطس في الصّلة مكروه إذا جهر به عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬ول بأس به‬
‫إن أس ّر به في نفسه من غير تلفّظ ‪ .‬وحرام عند الشّافعيّة ‪ ،‬لما روى معاوية بن الحكم رضي‬
‫ال عنه قال ‪ « :‬بينما أنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في الصّلة إذ عطس رجل من‬
‫القوم فقلت ‪ :‬يرحمك اللّه ‪ ،‬فحدّقني القوم بأبصارهم ‪ .‬فقلت ‪ :‬واثكل أمّاه ما لكم تنظرون‬
‫إليّ ؟ فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ‪ ،‬فلمّا انصرف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫دعاني ‪ ،‬بأبي وأمّي هو ‪ ،‬ما رأيت معلّما أحسن تعليما منه ‪ ،‬واللّه ما ضربني صلى ال عليه‬
‫وسلم ول كهرني ثمّ قال ‪ :‬إنّ صلتنا هذه ل يصلح فيها شيء من كلم الدميّين ‪ ،‬إنّما هي‬
‫التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن » ‪ .‬هذا ويكره التّحميد لمن يقضي حاجته في الخلء وعطس‬
‫‪ ،‬إلّ أن يكون ذلك في نفسه من غير تلفّظ به بلسانه ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ل على طهر » ‪.‬‬
‫كرهتُ أن أذكر اللّه تعالى إ ّ‬

‫تحنيك *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من معاني التّحنيك في اللّغة ‪ :‬أن يدلّك بالتّمر حنك الصّبيّ من داخل فيه ‪ ،‬بعد أن يلين ‪.‬‬
‫والتّعريف الصطلحيّ يشتمل على هذا المعنى وعلى غيره ‪ ،‬كتحنيك الميّت وغيره ‪.‬‬
‫‪ - 2‬فتحنيك الميّت هو ‪ :‬إدارة الخرقة تحت الحنك وتحت الذّقن ‪ .‬وتفصيله في ( الجنائز ) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬وتحنيك الوضوء هو ‪ :‬مسح ما تحت الحنك والذّقن في الوضوء ‪.‬‬
‫وتفصيله في ( الوضوء ) ‪.‬‬
‫‪ -4‬وتحنيك العمامة ( ويسمّى التّلحّي ) هو ‪ :‬إدارة العمامة من تحت الحنك كورا أو كورين ‪.‬‬
‫تحنيك المولود ‪:‬‬
‫حكمه التّكليفيّ ‪:‬‬
‫‪ - 5‬التّحنيك مستحبّ للمولود ‪ ،‬لما في الصّحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى‬
‫رضي ال عنهما قال ‪ « :‬ولد لي غلم فأتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فسمّاه إبراهيم وحنّكه‬
‫بتمرة » ‪.‬‬
‫‪ -6‬ويتولّى تحنيك الصّبيّ رجل أو امرأة ‪ ،‬لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أنّه كان‬
‫يؤتى بالصّبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم » ‪.‬‬
‫ن أحمد بن حنبل ولد له مولود فأمر امرأ ًة بتحنيكه ‪.‬‬
‫وأورد ابن القيّم أ ّ‬
‫‪ -7‬ويحنّك المولود بتمر ‪ ،‬لما ورد « عن أسماء رضي ال عنها أنّها حملت بعبد اللّه بن‬
‫الزّبير رضي ال عنهما قالت ‪ :‬خرجت وأنا ُم ِتمّ ‪ ،‬فأتيت المدينة ‪ ،‬فنزلت بقباء ‪ ،‬فولدته‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فوضعته في حجره ‪ ،‬ثمّ دعا بتمرة فمضغها ثمّ‬
‫بقباء ‪ ،‬ثمّ أتيت به النّب ّ‬
‫تفل في فيه ‪ ،‬فكان أوّل شيء دخل جوفه ريق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ حنّكه‬
‫بتمرة ‪ ،‬ثمّ دعا له وبرّك عليه » ‪ .‬فإن لم يتيسّر تمر فرطب ‪ ،‬وإلّ فشيء حلو ‪ ،‬وعسل نحل‬
‫أولى من غيره ‪ ،‬ثمّ ما لم تمسّه النّار كما في نظيره ممّا يفطر الصّائم ‪.‬‬
‫‪ -8‬ويحنّك الغلم غداة يولد ‪ ،‬قال ابن حجر ‪ :‬وقيّد بالغداة اتّباعا للفظ الخبر ‪ ،‬والغداة تطلق‬
‫ويراد بها الوقت هنا ‪ .‬وينبغي عند التّحنيك أن يفتح المحنّك فم الصّبيّ ‪ ،‬حتّى تنزل حلوة‬
‫التّمر أو نحوه إلى جوفه ‪.‬‬
‫التّحنيك في العمامة ‪:‬‬
‫ن تحنيكها عند المالكيّة‬
‫‪ - 9‬تحنيك العمامة أن يدار منها تحت الحنك كور أو كوران ‪ ،‬ويس ّ‬
‫ن العمامة بغير تحنيك ول عذبة بدعة‬
‫والحنابلة ‪ ،‬ومحصّل الكلم في ذلك عندهم ‪ :‬أ ّ‬
‫سنّة ‪ ،‬وإن وجد أحدهما فقد خرج من المكروه ‪،‬‬
‫مكروهة ‪ ،‬فإن وجدا فهو الكمل وهو ال ّ‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫واختلفوا في وجه الكراهة ‪ ،‬فقيل لمخالفة ال ّ‬
‫ن العذبة ل غير ‪.‬‬
‫ول يسنّ تحنيك العمامة عند الحنفيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وتس ّ‬
‫تحوّل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحوّل في اللّغة مصدر تحوّل ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬التّنقّل من موضع إلى آخر ‪ ،‬ومن معانيه أيضا‬
‫‪ :‬الزّوال ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬تحوّل عن الشّيء أي ‪ :‬زال عنه إلى غيره ‪.‬‬
‫وكذلك ‪ :‬التّغيّر والتّبدّل ‪ .‬والتّحويل مصدر حوّل ‪ ،‬وهو ‪ :‬النّقل ‪ ،‬فالتّحوّل مطاوع وأثر‬
‫للتّحويل ‪ .‬ويقصد الفقهاء بالتّحوّل ما يقصد به في اللّغة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫الستحالة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬من معاني الستحالة لغ ًة ‪ :‬تغيّر الشّيء عن طبعه ووصفه ‪ ،‬أو عدم المكان ‪ .‬فالستحالة‬
‫قد تكون بمعنى التّحوّل ‪ ،‬كاستحالة العيان النّجسة من العذرة والخمر والخنزير وتحوّلها عن‬
‫أعيانها وتغيّر أوصافها ‪ ،‬وذلك بالحتراق ‪ ،‬أو بالتّخليل ‪ ،‬أو بالوقوع في شيء ‪ ،‬كما سيأتي‬
‫تفصيله ‪.‬‬
‫أحكام التّحوّل ‪:‬‬
‫للتّحوّل أحكام تعتريه ‪ ،‬وهي تختلف باختلف مواطنها ‪ ،‬أهمّها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحوّل العين وأثره في الطّهارة والحلّ ‪:‬‬
‫ن نجس العين يطهر بالستحالة ‪،‬‬
‫‪ - 3‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد إلى ‪ :‬أ ّ‬
‫فرماد النّجس ل يكون نجسا ‪ ،‬ول يعتبر نجسا ملح كان حمارا أو خنزيرا أو غيرهما ‪ ،‬ول‬
‫نجس وقع في بئر فصار طينا ‪ ،‬وكذلك الخمر إذا صارت خلّا سواء بنفسها أو بفعل إنسان أو‬
‫ن الشّرع رتّب وصف النّجاسة على تلك الحقيقة ‪ ،‬فينتفي بانتقائها‬
‫غيره ‪ ،‬لنقلب العين ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن الملح غير العظم واللّحم ‪.‬‬
‫‪ .‬فإذا صار العظم واللّحم ملحا أخذا حكم الملح ‪ ،‬ل ّ‬
‫ونظائر ذلك في الشّرع كثيرة منها ‪ :‬العلقة فإنّها نجسة ‪ ،‬فإذا تحوّلت إلى المضغة تطهر ‪،‬‬
‫والعصير طاهر فإذا تحوّل خمرا ينجس ‪.‬‬
‫ن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها ‪.‬‬
‫فيتبيّن من هذا ‪ :‬أ ّ‬
‫ن نجس العين ل يطهر بالستحالة ‪،‬‬
‫والصل عند الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة في ظاهر المذهب ‪ :‬أ ّ‬
‫فالكلب أو غيره يلقى في الملّاحة فيصير ملحا ‪ ،‬والدّخان المتصاعد من وقود النّجاسة ‪ ،‬وكذلك‬
‫البخار المتصاعد منها إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ‪ ،‬ث ّم قطّر ‪ ،‬نجس ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ثمّ استثنوا من ذلك الخمر إذا انقلبت بنفسها خلّا فتطهر بالتّخلّل ‪ ،‬لنّ علّة النّجاسة‬
‫ن العصير ل يتخلّل إلّ بعد التّخمّر غالبا ‪ ،‬فلو لم يحكم بالطّهارة تعذّر‬
‫السكار وقد زالت ‪ ،‬ول ّ‬
‫الحصول على الخلّ ‪ ،‬وهو حلل بالجماع ‪.‬‬
‫وأمّا إن خلّلت بطرح شيء فيها بفعل إنسان فل تطهر عندهم ‪.‬‬
‫وصرّح الشّافعيّة بأنّها لو تخلّلت بإلقاء الرّيح فل تطهر عندهم أيضا ‪ ،‬سواء أكان له دخل في‬
‫التّخليل كبصل وخبز حارّ ‪ ،‬أم ل كحصاة ‪ .‬وكذلك ل فرق بين أن تكون العين الملقاة طاهرةً‬
‫أو نجسةً ‪ .‬وفي الموضوع تفصيل أكثر يرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬تخليل واستحالة ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تطهير الجلد بالدّباغ ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ل خلف بين الفقهاء في نجاسة جلد الميتة قبل الدّباغ ‪ ،‬وإنّما اختلفوا في طهارته بعده‬
‫على اتّجاهات كثيرة ‪ .‬وفي الموضوع فروع كثيرة وخلف بين المذاهب ‪ ،‬فصّله الفقهاء عند‬
‫الكلم عن النّجاسة وكيفيّة تطهيرها ‪ ،‬ويراجع فيه أيضا مصطلح ‪ ( :‬دباغة ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تحوّل الوصف أو الحالة ‪:‬‬
‫تحوّل الماء الرّاكد إلى الماء الجاري ‪:‬‬
‫‪ - 6‬المختار عند الحنفيّة أنّ الماء النّجس الرّاكد إذا تحوّل إلى جار يطهر بمجرّد جريانه ‪،‬‬
‫والجاري ما يعدّه النّاس جاريا بأن يدخل الماء من جانب ويخرج من جانب آخر حال دخوله ‪،‬‬
‫شكّ في بقاء النّجاسة ‪ ،‬فل‬
‫وإن قلّ الخارج ‪ ،‬لنّه صار جاريا حقيقةً ‪ ،‬وبخروج بعضه وقع ال ّ‬
‫شكّ ‪ .‬وفيه قولن ضعيفان عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫تبقى مع ال ّ‬
‫الوّل ‪ :‬ل يطهر بمجرّد التّحوّل ‪ ،‬بل ل بدّ من خروج قدر ما فيه ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬ل بدّ من خروج ثلثة أمثاله ‪.‬‬
‫ن الخارج من الحوض يكون طاهرا‬
‫ويظهر الفرق بين القول المختار والقولين الخرين في ‪ :‬أ ّ‬
‫بمجرّد خروجه ‪ ،‬بناءً على القول المختار ‪ .‬ول يكون طاهرا قبل الحكم بطهارة الماء الرّاكد‬
‫على القولين الخرين ‪ .‬وعلى هذا الخلف ‪ :‬البئر وحوض الحمّام والواني ‪.‬‬
‫وأمّا المالكيّة فعندهم يتحوّل الماء الكثير النّجس طهورا بزوال التّغيّر ‪ ،‬سواء أكان بصبّ ماء‬
‫مطلق عليه ‪ ،‬قليل أو كثير ‪ ،‬أو ماء مضاف مقيّد انتفت نجاسته ‪ ،‬أم بإلقاء شيء فيه كتراب أو‬
‫طين ‪ ،‬ولم يظهر فيه أحد أوصاف ما ألقي فيه ‪.‬‬
‫ن تنجّسه إنّما كان لجل التّغيّر وقد زال ‪ ،‬والحكم يدور مع علّته وجودا وعدما ‪ ،‬كالخمر إذا‬
‫لّ‬
‫صارت خلّا ‪ ،‬وفي تغيّره بنفسه ‪ ،‬أو بنزح بعضه قولن ‪.‬‬
‫ومذهب الشّافعيّة ‪ :‬أنّ الماء إذا بلغ قلّتين ل ينجس بملقاة نجس ‪ ،‬لحديث « إذا كان الماء‬
‫ث » أي ل يقبل النّجس ‪ .‬هذا ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه فينجس‬
‫خبَ َ‬
‫قُلّتين لم يحمل ال َ‬
‫ن الماء طَهورٌ ل ينجّسه شيء إلّ ما غيّر لونَه أو طعمَه أو ريحَه » ‪.‬‬
‫لحديث ‪ « :‬إ ّ‬
‫فإن تغيّر وصف من هذه الوصاف تنجّس ‪ ،‬فإن زال تغيّره بنفسه أو بماء انضمّ إليه طهر ‪.‬‬
‫وما دون القلّتين ينجس بالملقاة ‪ ،‬فإن بلغهما بماء ول تغيّر به فطهور ‪.‬‬
‫ولو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغ قلّتين لم يطهر ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو طاهر ل طهور ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬يختلف تطهير الماء المتنجّس بالمكاثرة باختلف أحوال ثلث للماء ‪ :‬أن‬
‫يكون دون القلّتين ‪ ،‬أو وفق القلّتين ‪ ،‬أو زائدا عنهما ‪.‬‬
‫‪ - 1 -‬فإن كان دون القلّتين فتطهيره بالمكاثرة بماء آخر ‪.‬‬
‫ن اجتماع النّجس إلى النّجس ل يتولّد‬
‫ل نجس وإن كثر ‪ ،‬ل ّ‬
‫فإن اجتمع نجس إلى نجس ‪ ،‬فالك ّ‬
‫بينهما طاهر ‪ ،‬كالمتولّد بين الكلب والخنزير ‪ ،‬ويتخرّج أن يطهر إذا زال التّغيّر وبلغ القلّتين ‪،‬‬
‫لحديث ‪ « :‬إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث » وحديث ‪ « :‬إنّ الماء طهور ل ينجّسه شيء‬
‫إلّ ماء غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » ‪ .‬وجميع النّجاسات في هذا سواء ‪ ،‬إلّ بول الدميّين‬
‫ن أكثر الرّوايات عن أحمد أنّها تنجّس الماء الكثير ‪ ،‬إلّ أن يبلغ حدّا ل‬
‫وعذرتهم المائعة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يمكن نزحه كالغدران ‪ ،‬فذلك الّذي ل ينجّسه شيء ‪.‬‬
‫‪ - 2 -‬فإن كان وفق القلّتين ‪ :‬وإن كان غير متغيّر فيطهر بالمكاثرة المذكورة ‪.‬‬
‫وإن كان متغيّرا يطهر بالمكاثرة إذا أزالت التّغيّر ‪ ،‬أو بتركه حتّى يزول تغيّره بطول المكث ‪.‬‬
‫‪ - 3 -‬وإن كان أكثر من القلّتين ‪ :‬فإن كان نجسا بغير التّغيّر فل طريق إلى تطهيره بغير‬
‫المكاثرة ‪ .‬وإن كان نجسا متغيّرا بالنّجاسة فتطهيره إمّا بالمكاثرة ‪ ،‬أو زوال تغيّره بمكثه ‪ ،‬أو‬
‫أن ينزح منه ما يزول به التّغيّر ‪ ،‬ويبقى بعد ذلك قلّتان فصاعدا ‪.‬‬
‫وفي الموضوع تفصيل يرجع إليه في مصطلح ‪ ( :‬طهارة ) ‪.‬‬
‫التّحوّل إلى القبلة أو عنها ‪:‬‬
‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ المصلّي إذا كان معاينا للكعبة ‪ ،‬ففرضه الصّلة إلى عينها بجميع‬
‫بدنه ‪ ،‬بأن ل يخرج شيء منه عن الكعبة ولو عضوا ‪ ،‬فلو تحوّل بغير عذر إلى جهة أخرى‬
‫بطلت صلته ‪ .‬وأمّا في تحويل الوجه ‪ :‬فذهب الحنفيّة إلى أنّه لو انحرف وجهه عن عين‬
‫الكعبة انحرافا ل تزول فيه المقابلة بالكّليّة ‪ ،‬جاز مع الكراهة ‪.‬‬
‫وأمّا تحويل الصّدر عن القبلة بغير عذر فمفسد للصّلة ‪ .‬وعند المالكيّة والحنابلة ‪ :‬من التفت‬
‫بجسده كلّه عن القبلة لم تفسد صلته ‪ ،‬إن بقيت قدماه إلى القبلة ‪.‬‬
‫ن التّحوّل إلى جهة أخرى عامدا مبطل للصّلة ‪ ،‬وإن فعله ناسيا لم تبطل ‪.‬‬
‫ويرى الشّافعيّة أ ّ‬
‫وفي الموضوع خلف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬استقبال ) ‪.‬‬
‫التّحوّل من القيام إلى القعود في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬التّحوّل من القيام إلى القعود ‪ ،‬ومنه إلى الستلقاء أو الضطجاع من فروع قاعدة ‪:‬‬
‫" المشقّة تجلب التّيسير " والصل فيها قوله تعالى ‪ { :‬يُريدُ اللّ ُه بكم ال ُيسْرَ ول يُريدُ بكم‬
‫حرَجٍ } ‪ ،‬ولذلك أجمع أهل العلم على‬
‫ل عليكم في الدّينِ من َ‬
‫جعَ َ‬
‫ال ُعسْر } وقوله تعالى ‪ { :‬وما َ‬
‫ن من ل يطيق القيام ‪ ،‬وتعذّر عليه قبل الصّلة أو أثناءها حقيق ًة أو حكما ‪ ،‬بأن خاف زيادة‬
‫أّ‬
‫مرض ‪ ،‬أو بطء برئه ‪ ،‬أو دوران رأسه ‪ ،‬أو وجد لقيامه ألما شديدا ونحوه ‪ ،‬له أن يصلّي‬
‫جالسا ‪ ،‬وإن لم يستطع أومأ مستلقيا ‪ « ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعمران بن حصين ‪:‬‬
‫جنْب » زاد النّسائيّ ‪ « :‬فإن لم‬
‫صلّ قائما ‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى َ‬
‫تستطع فمستلقيا » ‪ .‬ويزاد في النّافلة ‪ :‬أنّ له التّحوّل من القيام إلى القعود بل عذر ‪.‬‬
‫وفي الموضوع تفصيل يرجع فيه إلى كتاب الصّلة عند الكلم في صلة المريض ‪.‬‬
‫تحوّل المقيم إلى مسافر وعكسه ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحوّل المقيم إلى مسافر ‪:‬‬
‫‪ - 9‬يصير المقيم مسافرا بأحد أمرين ‪:‬‬
‫أوّلهما ‪ :‬إذا جاوز بيوت مقامه ‪ ،‬وجاوز ما اتّصل به من توابع البلد بنيّة السّفر ‪ ،‬قاصدا‬
‫المسافة الّتي يتحقّق بها السّفر الّذي تتغيّر به الحكام ‪ .‬والمعتبر في ال ّنيّة نيّة المتبوع ل‬
‫ل من لزمه طاعة‬
‫التّابع ‪ ،‬حتّى تصير الزّوجة مسافرةً بنيّة الزّوج ‪ ،‬والجنديّ بنيّة القائد ‪ ،‬وك ّ‬
‫غيره كالسّلطان وأمير الجيش ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬إذا أنشأ السّير بعد القامة ‪ .‬ولتفصيل الموضوع يرجع إلى ( صلة المسافر ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تحوّل المسافر إلى مقيم ‪:‬‬
‫‪ - 10‬يصير المسافر مقيما بأحد المور التّالية ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬العود إلى الوطن الصليّ ‪ ،‬ولو لم ينو القامة فيه ‪.‬‬
‫والضّبط فيه ‪ :‬أن يعود إلى الموضع الّذي شرط الفقهاء مفارقته في إنشاء السّفر منه ‪ .‬الثّاني ‪:‬‬
‫الوصول إلى الموضع الّذي يسافر إليه ‪ ،‬إذا عزم على القامة فيه القدر المانع من التّرخّص ‪،‬‬
‫وكان صالحا للقامة ‪ .‬والمدّة المانعة من التّرخّص خلفيّة يرجع فيها إلى ( صلة المسافر ) ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬إذا تزوّج المسافر ببلد ‪ ،‬وإن لم يتّخذه وطنا ‪ ،‬ولم ينو القامة ‪.‬‬
‫الرّابع ‪ :‬نيّة القامة في الطّريق ‪ :‬ول بدّ فيه من أربعة أشياء ‪ :‬نيّة القامة ‪ ،‬ونيّة مدّة‬
‫القامة ‪ ،‬واتّحاد المكان ‪ ،‬وصلحيّته للقامة ‪.‬‬
‫وأمّا المفازة ونحوها ففي انقطاع السّفر بنيّة القامة فيها خلف وتفصيل ينظر في ( صلة‬
‫المسافر ) ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬القامة بطريق التّبعيّة ‪ :‬وهو أن يصير الصل مقيما ‪ ،‬فيصير التّبع أيضا مقيما ‪،‬‬
‫بإقامة الصل ‪.‬‬
‫التّحوّل عن الواجب إلى البدل ‪:‬‬
‫الكلم على التّحوّل عن الواجب إلى البدل يكون في مواضع منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الزّكاة ‪:‬‬
‫‪ - 11‬ذهب الحنفيّة إلى جواز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في الزّكاة ‪ ،‬وإليه ذهب الوزاعيّ‬
‫والثّوريّ ‪ ،‬وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصريّ ‪.‬‬
‫فيجوز للمالك أن يدفع العين أو القيمة من النّقدين والعروض وغير ذلك ‪ ،‬ولو مع وجود‬
‫خذْ من أموالِهم صَ َدقَةً } ‪.‬‬
‫المنصوص عليه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ُ { :‬‬
‫ن المراد بالمأخوذ ( صدقةً ) وكلّ جنس يأخذه فهو صدقة ‪ .‬ولقول معاذ لهل‬
‫نصّ على أ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم إليهم ‪ « :‬ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في‬
‫اليمن حين بعثه النّب ّ‬
‫الصّدقة مكان الشّعير والذّرة ‪ ،‬أهون عليكم وخير لصحاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫بالمدينة ‪ ،‬وكان يأتي به رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ول ينكر عليه » ‪.‬‬
‫والفقه فيه ‪ :‬أنّ المقصود إيصال الرّزق الموعود إلى الفقير ‪ ،‬ودفع حاجة المسكين ‪ ،‬وهو‬
‫ن اللّه تعالى فرض على الغنياء قوت‬
‫يحصل بالقيمة أيضا ‪ .‬قال عليه الصلة والسلم ‪ « :‬إ ّ‬
‫الفقراء ‪ ،‬وسمّاه زكا ًة » ‪.‬‬
‫وفي اعتبار القيمة هل تدفع القيمة يوم الداء أم يوم الوجوب ؟ خلف يرجع فيه إلى موطنه‪.‬‬
‫وأمّا عند المالكيّة والحنابلة ‪ :‬فيجوز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في الدّنانير والدّراهم فقط ‪،‬‬
‫فيجوز للمزكّي أن يخرج في زكاة الدّنانير دراهم بقيمتها ‪ ،‬ويخرج عن الفضّة ذهبا بقيمته ‪،‬‬
‫ن ذلك معاوضة في حقّه ‪ ،‬فكانت بالقيمة كسائر المعاوضات ‪ ،‬وهما‬
‫قلّت القيمة أو كثرت ‪ ،‬ل ّ‬
‫كجنس واحد ‪ .‬ولم يجز ذلك الشّافعيّة ‪.‬‬
‫وأمّا في المواشي ‪ :‬فعند الحنفيّة جائز ‪ ،‬بنا ًء على قاعدتهم بجواز القيمة في كلّ شيء ‪.‬‬
‫وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ‪ .‬ويكره عند المالكيّة التّحوّل عن الواجب إلى البدل ‪ ،‬لما في ذلك‬
‫من معنى الرّجوع في الصّدقة ‪ ،‬ولئلّ تكون القيمة أقلّ ممّا عليه ‪ ،‬فيكون قد بخس الفقراء‬
‫حقّهم ‪ ،‬إلّ إذا أجبر السّاعي المزكّي على أن يأخذ منه دراهم فيما وجب عليه من صدقته ‪،‬‬
‫فيجزئ عنه ‪ ،‬إذا كان فيه وفاء بقيمة ما وجب عليه ‪ ،‬وكان عند محلّها ‪.‬‬
‫وفي وجه عند الشّافعيّة ‪ :‬ل يجزئ إن نقصت قيمته عن قيمة الشّاة ‪ .‬ووجه ثالث ‪ :‬أنّه إن‬
‫كانت البل مراضا ‪ ،‬أو قليلة القيمة لعيب أجزأ البعير النّاقص عن قيمة الشّاة ‪ ،‬وإن كانت‬
‫صحاحا سليم ًة لم يجزئ النّاقص ‪ .‬وفي الموضوع تفصيل يرجع إليه في ( الزّكاة ) ‪.‬‬
‫وأمّا الحنابلة فل يجوز عندهم التّحوّل في الماشية من جنس إلى آخر ول إلى القيمة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬زكاة الفطر ‪:‬‬
‫‪ - 12‬التّحوّل عن العين إلى القيمة في صدقة الفطر ل يجوز عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وكذلك‬
‫في ظاهر المذهب عند الحنابلة ‪ .‬ويجوز عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫وأمّا التّحوّل من جنس إلى آخر من أجناس القوات ‪ ،‬أو التّحوّل من الدنى إلى العلى‬
‫وعكسه ففيه خلف وتفصيل ينظر في ( زكاة الفطر ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العشور ‪:‬‬
‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة والحنابلة إلى عدم جواز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في العشور ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى جواز التّحوّل عن الواجب إلى البدل في العشور ‪ ،‬وذلك للدلّة الّتي سبق‬
‫ذكرها ‪ ،‬وكذلك يجوز التّحوّل من الواجب إلى العلى فقط عند الشّافعيّة إذا كانت الحبوب‬
‫والثّمار نوعا واحدا ‪.‬‬
‫ل نوع بالحصّة إن لم يتعسّر ‪ ،‬فإن عسر أخذ الواجب‬
‫وإن اختلفت النواع ‪ :‬أخذ الواجب من ك ّ‬
‫من كلّ نوع بأن كثرت ‪ ،‬وق ّل ثمرها ففيه أوجه ‪:‬‬
‫الوجه الوّل ‪ ،‬وهو الصّحيح ‪ :‬أنّه يخرج من الوسط رعاي ًة للجانبين ‪.‬‬
‫ل نوع بقسطه ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬يؤخذ من ك ّ‬
‫والثّالث ‪ :‬من الغالب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يؤخذ الوسط قطعا ‪.‬‬
‫وفي الموضوع تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬عشر ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الكفّارات ‪:‬‬
‫‪ - 14‬ذهب الجمهور إلى أنّه ل يجوز التّحوّل عن الواجب المنصوص عليه إلى غيره في‬
‫ص عليها الشّارع‪.‬‬
‫الكفّارات ‪ ،‬فإن كان معيّنا تعيّن ‪ ،‬وإن كان مخيّرا تخيّر في الخصال الّتي ن ّ‬
‫ويرى الحنفيّة جواز التّحوّل عن الواجب إن كان ماليّا إلى البدل في الكفّارات ‪.‬‬
‫وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر إليه في مصطلح ‪ ( :‬كفّارات ) ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬النّذور ‪:‬‬
‫‪ - 15‬المذهب عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو الوجه الصّحيح لدى الشّافعيّة ‪ :‬أنّ من نذر نذرا‬
‫معيّنا وغير مطلق فعليه إخراجه ممّا عيّنه ‪ ،‬ول يجوز العدول عن المعيّن إلى غيره بدلً أو‬
‫قيم ًة ‪ .‬وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في ( النّذر ) ‪.‬‬
‫ويرى الحنفيّة جواز ذلك مطلقا ‪ ،‬كما يجوز عندهم العدول عن الواجب إلى القيمة في النّذور ‪،‬‬
‫واستثنوا نذر العتق والهدي والضحيّة ‪.‬‬
‫تحوّل فريضة الصّوم إلى فدية ‪:‬‬
‫‪ - 16‬اتّفق عامّة الفقهاء على أنّ الشّيخ الهرم الّذي ل يطيق الصّوم ‪ ،‬أو تلحقه به مشقّة شديدة‬
‫ل صوم عليه ‪ ،‬واختلفوا في وجوب الفدية عليه ‪:‬‬
‫فذهب الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو الظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬وقول غير مشهور عند المالكيّة ‪ :‬إلى‬
‫أنّه تجب عليه الفدية ‪.‬‬
‫ويرى المالكيّة في المشهور من المذهب ‪ ،‬وهو غير الظهر عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّه ل فدية عليه ‪.‬‬
‫وفي وجوب الفدية على الحامل والمرضع خافت على نفسها أو ولدها ‪ ،‬والمريض الّذي ل‬
‫يرجى برؤه خلف وتفصيل ‪ ،‬يرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬صوم وفدية ) ‪.‬‬
‫تحوّل العقد الّذي لم تستكمل شرائطه إلى عقد آخر ‪:‬‬
‫‪ - 17‬ذهب الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو الظهر من المذهب عند الشّافعيّة ‪ :‬إلى أنّ الهبة إذا كانت‬
‫بشرط العوض يصحّ العقد ويتحوّل إلى بيع ‪ ،‬فيثبت فيه الخيار والشّفعة ‪ ،‬ويلزم قبل القبض ‪،‬‬
‫ويردّ بالعيب وخيار الرّؤية ‪.‬‬
‫وفي قول للشّافعيّة ‪ :‬يبطل العقد ‪ ،‬لنّه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى ‪ :‬أنّ هبة الثّواب بيع ابتدا ًء ‪ ،‬ولذا ل تبطل بموت الواهب قبل حيازة‬
‫الهبة ‪ ،‬ول يجوز أن يثاب عن الذّهب فضّ ًة أو العكس ‪ ،‬لما يلزم عليه من الصّرف المؤخّر ‪،‬‬
‫ما لم يحدث التّقابض في المجلس ‪ .‬وفي كون العوض معلوما أو مجهولً ‪ ،‬وكذلك في كونها‬
‫بيعا ابتداءً أو انتهاءً تفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬هبة ) ‪.‬‬
‫ولتحوّل العقد الّذي لم تستكمل شرائطه إلى عقد آخر أمثلة أخرى منها ‪ :‬تحوّل المضاربة‬
‫الصّحيحة إلى وكالة بالنّسبة لتصرّفات المضارب ‪ ،‬ولذلك يرى جمهور الفقهاء في الجملة ‪:‬‬
‫ن تصرّفات المضارب منوطة بالمصلحة كالوكيل ‪.‬‬
‫أّ‬
‫وإلى شركة إن ربح المضارب ‪ ،‬وإلى إجارة فاسدة إن فسدت ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تحوّل السّلم إلى بيع مطلقا ‪ ،‬إذا كان المسلم فيه عينا في قول عند الشّافعيّة ‪ .‬وإلى هبة‬
‫لو قال ‪ :‬بعت بل ثمن ‪ ،‬والظهر البطلن ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تحوّل الستصناع سلما إذا ضرب فيه الجل عند بعض الحنفيّة ‪ ،‬حتّى تعتبر فيه‬
‫ل من المثلة المتقدّمة خلف وتفصيل ينظر في مصطلحات ( عقد ‪،‬‬
‫شرائط السّلم ‪ .‬وفي ك ّ‬
‫وسلم ‪ ،‬ومضاربة ‪ ،‬وشركة ‪ ،‬واستصناع ) ‪.‬‬
‫تحوّل العقد الموقوف إلى نافذ ‪:‬‬
‫ن بيع‬
‫‪ - 18‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّة ‪ ،‬ورواية عند الحنابلة ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫الفضوليّ ينعقد موقوفا على إجازة المالك ‪ ،‬فإذا أجازه المالك أصبح نافذا ‪ ،‬وإلّ فل ‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب إسحاق بن راهويه ‪.‬‬
‫ن هذا البيع باطل‬
‫وذهب الشّافعيّة في القول الجديد ‪ ،‬وهو رواية أخرى عند الحنابلة إلى ‪ :‬أ ّ‬
‫ويجب ردّه ‪ ،‬وإليه ذهب أبو ثور وابن المنذر ‪ .‬وقد فصّل القائلون بانعقاد بيع الفضوليّ الكلم‬
‫حوله ‪ ،‬ويرجع فيه إلى مصطلحات ‪ ( :‬عقد ‪ ،‬وموقوف ‪ ،‬وفضوليّ ) ‪.‬‬
‫تحوّل الدّين الجل إلى حالّ ‪:‬‬
‫يتحوّل الدّين الجل إلى حالّ في مواطن منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الموت ‪:‬‬
‫‪ - 19‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة ‪ :‬إلى أنّ الدّين الجل يتحوّل‬
‫بالموت إلى حالّ ‪ ،‬لنعدام ذمّة الميّت وتعذّر المطالبة ‪ .‬وبه قال الشّعبيّ والنّخعيّ ‪ ،‬والثّوريّ ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة في رواية أخرى ‪ :‬إلى أنّه ل يحلّ إذا وثّقه الورثة ‪ ،‬وهو قول ابن سيرين‬
‫وعبد اللّه بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد أيضا ‪ .‬وفي لحاق المرت ّد بدار الحرب هل يتقرّر‬
‫موته ‪ ،‬وتثبت الحكام المتعلّقة به ؟ خلف بين الفقهاء ينظر في مواطنه من كتب الفقه ‪،‬‬
‫ومصطلح ‪ ( :‬ردّة ) ‪ .‬ومصطلح أجل ( ف ‪ 95:‬ج ‪. ) 2‬‬
‫ب ‪ -‬التّفليس ‪:‬‬
‫‪ - 20‬المتبادر من أقوال أبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة القائلين بجواز الحجر للفلس ‪ ،‬وهو‬
‫الظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬والمذهب عند الحنابلة ‪ :‬أنّ الدّين المؤجّل ل يحلّ بالتّفليس ‪ ،‬لنّ الجل‬
‫حقّ للمفلّس فل يسقط بفلسه ‪ ،‬كسائر حقوقه ‪ ،‬ولنّه ل يوجب حلول ماله ‪ ،‬فل يوجب حلول‬
‫ما عليه ‪.‬‬
‫وأمّا عند أبي حنيفة فل يتأتّى هذا ‪ ،‬لنّه ل يجوز عنده الحجر على الحرّ العاقل البالغ بسبب‬
‫الدّين ‪ .‬وذهب المالكيّة ‪ ،‬وكذلك الشّافعيّة في قول ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة ذكرها أبو‬
‫ن التّفليس يتعلّق به‬
‫ن من حجر عليه لفلسه يتحوّل دينه الجل إلى حالّ ‪ ،‬ل ّ‬
‫الخطّاب إلى ‪ :‬أ ّ‬
‫الدّين بالمال ‪ ،‬فيسقط الجل كالموت ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬حجر ) ‪.‬‬
‫تحوّل الوقف عند انقطاع الموقوف عليه ‪:‬‬
‫ن الوقف الّذي ل خلف في‬
‫‪ - 21‬ذهب عامّة الفقهاء إلى أنّ التّأبيد شرط في الوقف ‪ ،‬وأ ّ‬
‫صحّته ‪ :‬ما كان معلوم البتداء والنتهاء غير منقطع ‪ ،‬مثل أن يجعل نهايته إلى جهة ل‬
‫تنقطع ‪ ،‬كأن يجعل آخره على المساكين ‪ ،‬أو طائفة منهم ‪ ،‬فإنّه يمتنع بحكم العادة انقراضهم ‪.‬‬
‫واختلفوا فيما لو انقطع الموقوف عليهم ‪ :‬فذهب أبو يوسف والمالكيّة ‪ ،‬وهو قول عند‬
‫ل أن يقول ‪ :‬صدقة‬
‫الشّافعيّة ‪ ،‬ورأي للحنابلة ‪ :‬إلى أنّه يرجع إلى الواقف ‪ ،‬أو إلى ورثته ‪ ،‬إ ّ‬
‫موقوفة ينفق منها على فلن ‪ ،‬وعلى فلن فإذا انقرض المسمّى كانت للفقراء والمساكين ‪.‬‬
‫والظهر عند الشّافعيّة ‪ ،‬والمذهب عند الحنابلة ‪ :‬أنّه يبقى وقفا ‪ ،‬وينصرف إلى أقرب النّاس‬
‫إلى الواقف ‪ .‬وهناك أقوال أخرى عند الشّافعيّة في مصرف هذا النّوع من الوقف ‪.‬‬
‫ويرجع إلى تفصيل الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬وقف ) ‪.‬‬
‫تحوّل الملكيّة العامّة من الباحة إلى الملكيّة الخاصّة وعكسه ‪:‬‬
‫‪ - 22‬قد تتحوّل الملكيّة من العامّة إلى الخاصّة بأيّ سبب من أسباب التّملّك ‪ ،‬كالقطاع من‬
‫أراضي بيت المال ‪.‬‬
‫فللمام أن يعطي الرض من بيت المال على وجه التّمليك ‪ ،‬كما يعطي المال حيث رأى‬
‫المصلحة ‪ ،‬إذ ل فرق بين الرض والمال في الدّفع للمستحقّ ‪ .‬وراجع مصطلح ‪ ( :‬إقطاع ) ‪.‬‬
‫ص إلى العامّ إذا مات عنه أربابه ‪ ،‬ولم يستحقّه وارثه بفرض ول‬
‫ويتحوّل الملك الخا ّ‬
‫تعصيب ‪ ،‬فينتقل إلى بيت المال ميراثا لكافّة المسلمين ‪ .‬وذكر أبو يعلى أنّه ينتقل إلى بيت‬
‫المال مصروفا في مصالح المسلمين ‪ ،‬ل على طريق الميراث ‪.‬‬
‫ص إلى عامّ ‪ ،‬في نحو البيت المملوك إذا احتيج إليه للمسجد ‪ ،‬أو توسعة‬
‫ويتحوّل الملك الخا ّ‬
‫الطّريق ‪ ،‬أو للمقبرة ونحوها من مصالح المسلمين ‪ ،‬بشرط التّعويض ‪.‬‬
‫تحوّل الولية في عقد النّكاح ‪:‬‬
‫‪ - 23‬تتحوّل الولية من الوليّ القرب إلى الوليّ البعد في مواطن منها ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا فقد الوليّ القرب ‪ ،‬وكذلك إذا أسر أو حبس ‪.‬‬
‫فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الولية تتحوّل من الوليّ القرب إلى البعد ‪.‬‬
‫وأمّا الشّافعيّة فالولية عندهم تنتقل إلى الحاكم ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها غيبة الوليّ ‪ ،‬فإذا غاب الوليّ غيب ًة منقطع ًة تنتقل الولية من القرب إلى البعد عند‬
‫ي الغائب ‪ .‬وكذلك عند‬
‫ن الحاكم ول ّ‬
‫الحنفيّة والحنابلة ‪ .‬وعند المالكيّة تنتقل إلى الحاكم ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي القرب وقسّم ماله بين ورثته ‪ ،‬فتنتقل عندهم إلى‬
‫ل إذا حكم القاضي بموت الول ّ‬
‫الشّافعيّة ‪ ،‬إ ّ‬
‫البعد ‪ .‬ومنها ‪ :‬العضل ‪ ،‬وهو ‪ :‬منع الوليّ مولّيته من زواج الكفء ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة‬
‫ن الوليّ القرب إذا عضلها انتقلت الولية إلى‬
‫والشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫السّلطان ‪ ،‬وهو اختيار أبي بكر رضي ال عنه ‪ .‬وذكر ذلك عن عثمان بن عفّان رضي ال‬
‫تعالى عنه وشريح ‪ .‬وذهب الحنابلة في المنصوص من المذهب إلى أنّها تنتقل إلى البعد ‪.‬‬
‫وانظر لتفصيل ذلك والخلف فيه مصطلح ‪ ( :‬ولية النّكاح ) ‪.‬‬
‫تحوّل حقّ الحضانة ‪:‬‬
‫‪ - 24‬الصل في الحضانة أنّ المّ أولى النّاس بحضانة الطّفل إذا كملت الشّروط ‪ ،‬لما روى‬
‫عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما « أنّ امرأ ًة قالت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إنّ ابني‬
‫هذا كان بطني له وِعا ًء ‪ ،‬وثديي له سِقاءً ‪ ،‬وحجري له حِواءً ‪ ،‬وإنّ أباه طلّقني ‪ ،‬وأراد أن‬
‫ينزعه منّي ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنت أحقّ به ما لم َتنْكحي » ‪.‬‬
‫فإن لم تكن المّ من أهل الحضانة لفقدان جميع الشّروط فيها أو بعضها ‪ ،‬أو امتنعت من‬
‫الحضانة ‪ ،‬فهي كالمعدومة ‪ ،‬وتنتقل الحضانة إلى من يليها ‪ ،‬وهكذا تتحوّل من القرب إلى‬
‫البعد في الستحقاق ‪ .‬على تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬حضانة ) ‪.‬‬
‫تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلق إلى عدّة الوفاة ‪:‬‬
‫‪ - 25‬إذا مات الزّوج والمرأة في عدّة طلقه ‪ ،‬فإن كان الطّلق رجعيّا سقطت عنها عدّة‬
‫الطّلق ‪ ،‬وانتقلت إلى عدّة الوفاة ‪ ،‬أي أربعة أشهر وعشرة أيّام من حين الوفاة ‪ ،‬بل خلف‪.‬‬
‫ن المطلّقة رجعيّا‬
‫ل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع ك ّ‬
‫زوجة يلحقها طلقه ‪ ،‬وينالها ميراثه ‪ ،‬فعليها أن تعتدّ عدّة الوفاة ‪.‬‬
‫وإذا مات مطلّق البائن ‪ ،‬وهي في العدّة ‪ ،‬وكان الطّلق في حال صحّته ‪ ،‬أو طلّقها بطلبها ‪،‬‬
‫بنت على مدّة الطّلق ‪ ،‬وهذا بالتّفاق ‪ .‬أمّا إذا طلّقها في مرض موته بغير طلب منها ‪ ،‬فهذه‬
‫خلفيّة ‪ :‬فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعت ّد بأبعد الجلين‬
‫احتياطا لشبهة قيام الزّوجيّة ‪ ،‬باعتبار إرثها منه ‪ .‬وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو‬
‫يوسف وابن المنذر إلى أنّها تبني على عدّة الطّلق لنقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه ‪.‬‬
‫تحوّل العدّة من الشهر إلى القراء وعكسه ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحوّل العدّة من الشهر إلى القراء ‪:‬‬
‫ن الصّغيرة الّتي لم تحض ‪ ،‬وكذلك البالغة الّتي لم تحض ‪،‬‬
‫‪ - 26‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫إذا اعتدّت ببعض الشهر ‪ ،‬فحاضت قبل انقضاء عدّتها ‪ ،‬أنّ عدّتها تتحوّل من الشهر إلى‬
‫ن الشّهور بدل عن القراء ‪ ،‬وقد ثبتت القدرة على المبدل ‪ ،‬والقدرة على‬
‫القراء ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫المبدل ‪ ،‬قبل حصول المقصود بالبدل تبطل حكم البدل كالقدرة على الوضوء في حقّ المتيمّم ‪،‬‬
‫فيبطل حكم الشهر ‪ ،‬وتنتقل عدّتها إلى القراء ‪.‬‬
‫وكذا اليسة إذا اعتدّت ببعض الشهر ‪ ،‬ثمّ رأت الدّم ‪ ،‬فتتحوّل عدّتها إلى القراء عند بعض‬
‫الحنفيّة ‪ ،‬وذلك على الرّواية الّتي لم يقدّروا فيها للياس سنّا معيّن ًة ‪ .‬وكذلك عند الشّافعيّة ‪.‬‬
‫وأمّا عند المالكيّة ‪ :‬فإذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين ‪ -‬وكذلك عند الحنابلة بعد‬
‫ستّين ‪ -‬يكون دما مشكوكا فيه يرجع فيه إلى النّساء ‪.‬‬
‫الخمسين وقبل ال ّ‬
‫إلّ أنّ ابن قدامة من الحنابلة قال ‪ :‬إنّ المرأة إن رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت‬
‫تراه فيها ‪ ،‬فهو حيض على الصّحيح ‪ .‬وذهب الحنفيّة على الرّواية الّتي وقّتوا للياس فيها وقتا‬
‫ن ما رأته من الدّم بعدها ليس بحيض في ظاهر المذهب ‪ ،‬إلّ إذا كان دما خالصا‬
‫‪ :‬إلى أ ّ‬
‫فحيض ‪ ،‬حتّى يبطل به العتداد بالشهر ‪.‬‬
‫ولتفصيل الموضوع يرجع إلى مصطلحي ‪ ( :‬إياس ‪ ،‬وعدّة ) ‪.‬‬
‫‪ - 27‬وأمّا من انقطع حيضها بعد أن رأت الدّم ‪ ،‬وقبل أن تبلغ سنّ اليأس ‪ -‬وهي المرتابة ‪-‬‬
‫فذهب جميع الفقهاء إلى أنّه إذا كان انقطاع الدّم بسبب معروف كرضاع ونفاس أو مرض‬
‫ن اليأس ‪ ،‬فتعتدّ بالشهر‬
‫يرجى برؤه ‪ ،‬فإنّها تصبر حتّى تحيض ‪ ،‬فتعتدّ بالقراء ‪ ،‬أو تبلغ س ّ‬
‫بعد سنّ اليأس ‪ ،‬ول عبرة بطول مدّة النتظار ‪ ،‬لنّ العتداد بالشهر جُعل بعد اليأس‬
‫بالنّصّ ‪ ،‬فلم يجز العتداد بالشهر قبله ‪.‬‬
‫أمّا من انقطع حيضها ل لعلّة تعرف ‪ .‬فذهب المالكيّة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّ في القديم ‪ ،‬وهو‬
‫المذهب عند الحنابلة ‪ :‬إلى أنّها تتربّص تسعة أشهر ‪ ،‬ثمّ تعتدّ بثلثة أشهر ‪ ،‬فهذه سنة ‪.‬‬
‫ن الغلب في مدّة الحمل تسعة أشهر ‪ ،‬فإذا مضت تبيّنت براءة الرّحم ‪ ،‬فتعتدّ‬
‫وعلّلوه بأ ّ‬
‫بالشهر ‪ ،‬وهو مرويّ عن الحسن البصريّ أيضا ‪ ،‬وقضى به عمر بمحضر من الصّحابة‬
‫رضي ال عنهم أجمعين ‪ .‬وروي عن الشّافعيّ في القديم أيضا أنّها تتربّص ستّة أشهر ثمّ ثلثةً‬
‫‪ ،‬وروي عنه أيضا في القديم ‪ :‬أنّها تتربّص أربع سنين ثمّ تعت ّد بثلثة أشهر ‪.‬‬
‫تحوّل الرض العشريّة إلى خراجيّة والعكس ‪:‬‬
‫‪ - 28‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الرض الخراجيّة ل تصير عشريّ ًة أصلً ‪ ،‬وكذلك ل‬
‫ن الرض العشريّة تتحوّل‬
‫تتحوّل الرض العشريّة إلى خراجيّة ‪ .‬وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أ ّ‬
‫إلى خراجيّة إذا اشتراها ذ ّميّ ‪.‬‬
‫وفي كتاب الخراج لبي يوسف ‪ :‬للمام أن يصيّر الرض العشريّة خراجيّ ًة ‪ ،‬والخراجيّة‬
‫ن هنالك ل يقع خراج ‪ ،‬فل‬
‫ل ما كان من أرض الحجاز والمدينة ومكّة واليمن ‪ ،‬فإ ّ‬
‫عشريّةً ‪ ،‬إ ّ‬
‫يحلّ للمام أن يغيّر ذلك ‪ ،‬ول يحوّله عمّا جرى عليه أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬
‫وحكمه ‪ .‬ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلحات ‪ ( :‬أرض ‪ ،‬وعشر ‪ ،‬وخراج ) ‪.‬‬
‫تحوّل المستأمن إلى ذ ّميّ ‪:‬‬
‫ن غير المسلم ل يمكّن من‬
‫‪ - 29‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ‬
‫القامة سنةً في دار السلم ‪ ،‬فإذا أقام فيها سن ًة أو أكثر تفرض عليه الجزية ‪ ،‬ويصير بعدها‬
‫ن قول المام ‪ :‬إن أقمت سن ًة أو أقلّ من ذلك‬
‫ذ ّميّا ‪ .‬وظاهر المتون في المذهب الحنفيّ أ ّ‬
‫وضعنا عليك الجزية ‪ ،‬شرط لصيرورته ذ ّميّا ‪ ،‬فعلى هذا لو أقام سن ًة ‪ ،‬أو أكثر من غير أن‬
‫يقول المام له ذلك ل يصير ذ ّميّا ‪.‬‬
‫وكذلك يتحوّل المستأمن إلى ذ ّميّ بالتّبعيّة ‪ :‬كما لو دخل مع امرأته ‪ ،‬ومعهما أولد صغار‬
‫وكبار ‪ ،‬فصار ذ ّميّا ‪ ،‬فالصّغار تبع له بخلف الكبار ‪ .‬وتترتّب على صيرورة المستأمن ذ ّميّا‬
‫أحكام عدّة ‪ ،‬يرجع لتفصيلها إلى مصطلحي ‪ ( :‬أهل ال ّذمّة ‪ ،‬ومستأمن ) ‪.‬‬
‫تحوّل المستأمن إلى حربيّ ‪:‬‬
‫‪ - 30‬يرى جمهور الفقهاء أنّ المستأمن يصير حربيّا بأمور ‪:‬‬
‫ل أو متنزّها ‪،‬‬
‫‪ -‬إذا لحق بدار الحرب ‪ ،‬ولو بغير بلده بنيّة القامة ‪ ،‬فإن دخل تاجرا أو رسو ً‬
‫أو لحاجة يقضيها ‪ ،‬ثمّ يعود إلى دار السلم ‪ ،‬فهو على أمانه في نفسه وماله ‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا نقض المان ‪ :‬كأن يقاتل عامّة المسلمين أو يغلب على قرية أو حصن لجل حربنا ‪،‬‬
‫أو يقدم على عمل مخالف لمقتضى المان ‪ ،‬انتقض عهده وصار حربيّا ‪ .‬وفيما ينتقض به‬
‫المان والعهد خلف وتفصيل ينظر في مصطلحي ‪ ( :‬أهل الحرب ومستأمن ) ‪.‬‬
‫تحوّل ال ّذ ّميّ إلى حربيّ ‪:‬‬
‫ن ال ّذ ّميّ يتحوّل إلى حربيّ باللّحاق بدار الحرب مختارا طائعا‬
‫‪ - 31‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫والقامة فيها ‪ ،‬أو بنقض عهد ذمّته ‪ ،‬فيحلّ دمه وماله ‪ .‬وفي محاربته جوازا أو وجوبا ‪ -‬بعد‬
‫بلوغ مأمنه ‪ -‬خلف بينهم ‪ ،‬وكذلك فيما ينتقض به عقد ال ّذمّة تفصيل ينظر في مصطلحي ‪( :‬‬
‫أهل الحرب ‪ ،‬وأهل ال ّذمّة ) ‪.‬‬
‫تحوّل الحربيّ إلى مستأمن ‪:‬‬
‫‪ - 32‬يصير الحربيّ مستأمنا بالحصول على أمان ممّن له حقّ إعطاء المان ‪ ،‬على خلف‬
‫بين الفقهاء ذكر في مواطنه من كتب الفقه ‪ ،‬وانظر أيضا مصطلحي ‪ ( :‬أمان ‪ ،‬ومستأمن ) ‪.‬‬
‫تحوّل دار السلم إلى دار الحرب وعكسه ‪:‬‬
‫‪ - 33‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه متى ارتدّ أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صارت الدّار‬
‫صدّيق رضي ال عنه‬
‫ن أبا بكر ال ّ‬
‫دار حرب ‪ ،‬وعلى المام قتالهم بعد النذار والعذار ‪ ،‬ل ّ‬
‫قاتل أهل ال ّردّة بجماعة الصّحابة ‪.‬‬
‫‪ - 34‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّ دار السلم ل تصير دار حرب إلّ بأمور ثلثة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن تجري فيها أحكام أهل الشّرك على الشتهار ‪ ،‬وأن ل يحكم فيها بحكم أهل السلم ‪،‬‬
‫أمّا لو أجريت أحكام المسلمين ‪ ،‬وأحكام أهل الشّرك ‪ ،‬فل تكون دار حرب ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن تكون متاخم ًة ( أي مجاور ًة ) لدار الحرب ‪ ،‬بأن ل تتخلّل بينهما بلدة من بلد‬
‫السلم ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن ل يبقى فيها مسلم أو ذ ّميّ آمنا بالمان الوّل الّذي كان ثابتا قبل استيلء الكفّار ‪،‬‬
‫للمسلم بإسلمه ‪ ،‬ولل ّذ ّميّ بعقد ال ّذمّة ‪ .‬وأمّا أبو يوسف ومحمّد فيقولن بشرط واحد ل غير ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬إظهار حكم الكفر ‪ ،‬وهو القياس ‪ .‬وتترتّب على دار الرّدّة أحكام ‪ ،‬اختلف الفقهاء فيها ‪،‬‬
‫تنظر في مظانّها ‪ ،‬وفي مصطلح ‪ ( :‬ردّة ) ‪.‬‬
‫‪ - 35‬وتتحوّل دار الحرب إلى إسلم بإجراء أحكام أهل السلم فيها كجمعة وعيد ‪ ،‬وإن بقي‬
‫فيها كافر أصليّ ‪ ،‬وإن لم تتّصل بدار السلم ‪.‬‬
‫التّحوّل من دين إلى آخر ‪:‬‬
‫‪ - 36‬التّحوّل من دين إلى آخر ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫القسم الوّل ‪ :‬التّحوّل من دين باطل إلى دين باطل ‪ ،‬وهو على ثلثة أضرب ‪ :‬لنّه إمّا أن‬
‫ن دين يُ َق ّر أهله عليه إلى ما يقرّ أهله عليه ‪ ،‬كتهوّد نصرانيّ أو عكسه ‪.‬‬
‫يكون مِ ْ‬
‫وإمّا أن يكون ممّا يقرّ عليه إلى ما ل يقرّ عليه ‪ ،‬كانتقال يهوديّ أو نصرانيّ إلى الوثنيّة ‪.‬‬
‫وإمّا أن يكون ممّا ل يقرّ عليه إلى ما يقرّ عليه ‪ ،‬كتهوّد وثنيّ أو تنصّره ‪.‬‬
‫ففي هذه الحالت هل يقرّ على ما انتقل إليه بالجزية أم ل ؟ خلف وتفصيل ينظر في مواطنه‬
‫من كتب الفقه ‪ ،‬وانظر أيضا مصطلحي ‪ ( :‬تبديل ‪ ،‬وردّة ) ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬التّحوّل من دين السلم إلى باطل ‪ ،‬وهو ردّة المسلم ‪ -‬والعياذ باللّه ‪ -‬فل يقبل‬
‫ل السلم ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬ردّة ) ‪.‬‬
‫منه إ ّ‬
‫والقسم الثّالث ‪ :‬التّحوّل من دين باطل إلى السلم ‪ ،‬فتترتّب عليه أحكام مختلفة تنظر في‬
‫مظانّها من كتب الفقه ‪ ،‬وفي المصطلحات الخاصّة ‪ ،‬وينظر أيضا مصطلحي ‪ ( :‬تبديل ‪،‬‬
‫إسلم ) ‪.‬‬

‫تحويل *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحويل لغ ًة ‪ :‬مصدر حوّل الشّيء ‪ ،‬وتدور معانيه على النّقل والتّغيير والتّبديل ‪.‬‬
‫ل طرف إلى موضع‬
‫وحوّلته تحويلً ‪ :‬نقلته من موضع إلى موضع ‪ ،‬وحوّلت الرّداء ‪ :‬نقلت ك ّ‬
‫الخر ‪.‬‬
‫والحَوالة ‪ :‬بالفتح مأخوذة من النّقل ‪ ،‬فتقول ‪ :‬أحلته بدينه أي ‪ :‬نقلته إلى ذمّة أخرى ‪.‬‬
‫ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معانيه اللّغويّة ‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النّقل ‪:‬‬
‫‪ - 2‬النّقل ‪ :‬تحويل الشّيء من موضع إلى موضع ‪ ،‬والصل فيه النّقل من مكان إلى مكان ‪.‬‬
‫وقد يستعمل في المور المعنويّة ‪ ،‬كالنّقل من صفة إلى صفة ‪ ،‬وكنقل اللّفظ من الستعمال‬
‫الحقيقيّ إلى الستعمال المجازيّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّبديل والبدال والتّغيير ‪:‬‬
‫‪ - 3‬وهي أن يجعل مكان الشّيء شيء آخر ‪ ،‬أو تحوّل صفته إلى صفة أخرى ‪.‬‬
‫ن التّحويل ل يستعمل في تبديل ذات‬
‫ن هذه اللفاظ متقاربة في المعنى ‪ ،‬إلّ أ ّ‬
‫ومن هنا يتبيّن أ ّ‬
‫بذات أخرى ‪.‬‬
‫أحكام التّحويل ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحويل ال ّنيّة في الوضوء ‪:‬‬
‫ن ال ّنيّة من فروض الوضوء ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّها شرط في صحّته ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة ‪ ،‬وليست شرطا في صحّة الوضوء ‪ ،‬وإنّما هي شرط في‬
‫وقوعه عباد ًة ‪ .‬فمن حيث الجملة إذا حوّل ال ّنيّة في الوضوء من نيّة رفع الحدث إلى نيّة التّبرّد‬
‫أو التّنظّف ‪ ،‬فل أثر لذلك في إفساد الوضوء عند الحنفيّة ‪ ،‬لعدم اعتبارهم ال ّنيّة فرضا ‪ .‬وإنّما‬
‫يظهر أثر التّحويل في عدم اعتبار الوضوء عبادةً ‪ ،‬وفي هذا يقول ابن عابدين ‪ :‬الصّلة تصحّ‬
‫ن ال ّنيّة في الوضوء ليكون عباد ًة ‪ ،‬فإنّه بدونها‬
‫عندنا بالوضوء ‪ ،‬ولو لم يكن منويّا ‪ ،‬وإنّما تس ّ‬
‫ل يسمّى عباد ًة مأمورا بها ‪ ..‬وإن صحّت به الصّلة ‪.‬‬
‫فالوضوء مع ال ّنيّة أو بدونها أو مع تحويلها صحيح باعتباره شرطا لصحّة الصّلة ‪ ،‬وإن كان‬
‫ل يصحّ عبادة بدون ال ّنيّة أو مع تحويلها ‪.‬‬
‫أمّا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬فيظهر أثر تحويل ال ّنيّة عندهم في إفساد الوضوء وعدم‬
‫اعتباره شرعا من حيث الجملة ‪ .‬وفي ذلك تفصيل ‪ :‬فعند المالكيّة ‪ :‬رفض ال ّنيّة في أثناء‬
‫الوضوء ل يضرّ ‪ ،‬إذا رجع وكمّله بال ّنيّة الولى على الفور ‪ ،‬بأن ينوي رفع الحدث ‪ -‬على‬
‫الرّاجح عندهم ‪ -‬أمّا إذا لم يكمّله أو كمّله بنيّة أخرى كنيّة التّبرّد أو التّنظيف ‪ ،‬فإنّه يبطل بل‬
‫خلف ‪ ،‬وكذلك لو أكمله بال ّنيّة الولى ‪ ،‬ولكن بعد طول فصل ‪ ،‬فإنّه يبطل ‪.‬‬
‫ل ‪ -‬التّبرّد أو التّنظّف فله‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬من نوى نيّ ًة صحيح ًة ثمّ نوى بغسل الرّجل ‪ -‬مث ً‬
‫حالن ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن ل تحضره نيّة الوضوء في حال غسل الرّجل ‪ ،‬ففيه وجهان ‪:‬‬
‫الوجه الوّل ‪ ،‬وهو الصّحيح ‪ :‬أنّه ل يصحّ غسل الرّجلين ‪.‬‬
‫والوجه الثّاني ‪ :‬أنّه يصحّ لبقاء حكم ال ّنيّة الولى ‪.‬‬
‫الحالة الثّانية ‪ :‬أن تحضره نيّة الوضوء مع نيّة التّبرّد ‪ -‬كما لو نوى أوّل الطّهارة الوضوء مع‬
‫التّبرّد ‪ -‬ففيه وجهان ‪:‬‬
‫ن نيّة رفع الحدث حاصلة ‪.‬‬
‫الوجه الوّل ‪ ،‬وهو الصّحيح ‪ :‬أنّ الوضوء صحيح ‪ ،‬ل ّ‬
‫الوجه الثّاني ‪ :‬ل يصحّ غسل الرّجلين ‪ ،‬وذلك لتشريكه بين قربة وغيرها ‪.‬‬
‫وأمّا عند الحنابلة ‪ :‬فإنّ من غسل بعض أعضائه بنيّة الوضوء ‪ ،‬وغسل بعضها بنيّة التّبرّد ‪،‬‬
‫فل يصحّ إلّ إذا أعاد فعل ما نوى به التّبرّد بنيّة الوضوء ‪ ،‬بشرط أن ل يفصل فصلً طويلً‬
‫فيكون وضوءه صحيحا ‪ ،‬وذلك لوجود ال ّنيّة مع الموالة ‪.‬‬
‫فإن طال الفصل بحيث تفوت الموالة بطل الوضوء لفواتها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تحويل ال ّنيّة في الصّلة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬للفقهاء في أثر تحويل ال ّنيّة تفصيل ‪:‬‬
‫ذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّلة ل تبطل بنيّة النتقال إلى غيرها ول تتغيّر ‪ ،‬بل تبقى كما نواها‬
‫قبل التّغيير ‪ ،‬ما لم يكبّر بنيّة مغايرة ‪ ،‬بأن يكبّر ناويا النّفل بعد الشّروع في الفرض أو‬
‫عكسه ‪ ،‬أو القتداء بعد النفراد وعكسه ‪ ،‬أو الفائتة بعد الوقتيّة وعكسه ‪.‬‬
‫ل إن وقع تحويل ال ّنيّة قبل الجلوس الخير بمقدار التّشهّد ‪ ،‬فإن وقع بعده‬
‫ول تفسد حينئذ إ ّ‬
‫وقبيل السّلم ل تبطل ‪ .‬وعند المالكيّة ‪ :‬نقل ال ّنيّة سهوا من فرض إلى فرض آخر أو إلى نفل‬
‫سهوا ‪ ،‬دون طول قراءة ول ركوع ‪ ،‬مغتفر ‪.‬‬
‫قال ابن فرحون من المالكيّة ‪ :‬إنّ المصلّي إن حوّل نيّته من فرض إلى نفل ‪ ،‬فإن قصد‬
‫بتحويل نيّته رفع الفريضة ورفضها بطلت ‪ ،‬وإن لم يقصد رفضها لم تكن نيّته الثّانية منافيةً‬
‫للولى ‪ .‬لنّ النّفل مطلوب للشّارع ‪ ،‬ومطلق الطّلب موجود في الواجب ‪ ،‬فتصير نيّة النّفل‬
‫مؤكّد ًة ل مخصّص ًة ‪.‬‬
‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬لو قلب المصلّي صلته الّتي هو فيها صل ًة أخرى عالما عامدا بطلت ‪ ،‬فإن‬
‫ل‪.‬‬
‫كان له عذر صحّت صلته ‪ ،‬وانقلبت نف ً‬
‫وذلك كظنّه دخول الوقت ‪ ،‬فأحرم بالفرض ‪ ،‬ثمّ تبيّن له عدم دخول الوقت فقلب صلته نفلً ‪،‬‬
‫ل معيّنا كركعتي الضّحى لم تصحّ‬
‫أو قلب صلته المنفردة نفلً ليدرك جماع ًة ‪ .‬لكن لو قلبها نف ً‬
‫‪ .‬أمّا إذا حوّل نيّته بل سبب أو غرض صحيح فالظهر عندهم بطلن الصّلة ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ‪ :‬أنّ بطلن الصّلة مقيّد بما إذا حوّل نيّته من فرض إلى فرض ‪ ،‬وتنقلب في‬
‫هذه الحال نفلً ‪ .‬وإن انتقل من فرض إلى نفل فل تبطل ‪ ،‬لكن تكره ‪ ،‬إلّ إن كان النتفال‬
‫لغرض صحيح فل تكره ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬أنّها ل تصحّ ‪ ،‬كمن أدرك جماع ًة مشروعةً وهو‬
‫ن له أن يقلبها نفلً ‪ ،‬وأن يسلّم من ركعتين ‪ ،‬لنّ‬
‫منفرد ‪ ،‬فسلم من ركعتين ليدركها ‪ ،‬فإنّه يس ّ‬
‫نيّة الفرض تضمّنت نيّة النّفل ‪ ،‬فإذا قطع نيّة الفرض بقيت نيّة النّفل ‪.‬‬
‫ن تحويل نيّة الصّلة من نفل إلى فرض ل أثر له‬
‫ومن هذا التّفصيل يتبيّن اتّفاق الفقهاء على أ ّ‬
‫ل ‪ ،‬وذلك لنّ فيه بناء القويّ على الضّعيف ‪ ،‬وهو غير صحيح ‪.‬‬
‫في نقلها ‪ ،‬وتظلّ نف ً‬
‫ج ‪ -‬تحويل ال ّنيّة في الصّوم ‪:‬‬
‫ن صوم الفرض ل يبطل بنيّة النتقال إلى النّفل ‪ ،‬ول‬
‫‪ - 6‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫ل ‪ .‬وهذا عند الشّافعيّة على الصحّ من وجهين في المذهب ‪.‬‬
‫ينقلب نف ً‬
‫وعلى الوجه الخر ‪ ،‬ينقلب نفلً إذا كان في غير رمضان ‪ ،‬أمّا في رمضان فل يقبل النّفل ‪،‬‬
‫ن شهر رمضان يتعيّن لصوم فرض رمضان ول يصحّ فيه غيره ‪.‬‬
‫لّ‬
‫ن من كان صائما عن نذر ‪ ،‬فحوّل نيّته إلى كفّارة أو عكسه ‪ ،‬ل‬
‫ص الشّافعيّة على ى أ ّ‬
‫ون ّ‬
‫يحصل له الّذي انتقل إليه ‪ -‬بل خلف عندهم ‪ -‬لنّ من شرط الكفّارة التّبييت من اللّيل ‪.‬‬
‫ل فعلى وجهين ‪ :‬الوّل ‪ :‬يبقى على ما كان ول يبطل ‪.‬‬
‫أمّا الصّوم الّذي نواه أ ّو ً‬
‫ل إذا كان في غير‬
‫الثّاني ‪ :‬يبطل ‪ .‬ول ينقلب نفلً على الظهر ‪ .‬ويقابله ‪ :‬أنّه ينقلب نف ً‬
‫رمضان ‪ .‬ولكلّ من المالكيّة والحنابلة تفصيل ‪:‬‬
‫ن من تحوّلت نيّته إلى نافلة ‪ ،‬وهو في فريضة ‪ ،‬فإن فعل هذا عبثا‬
‫أمّا المالكيّة ‪ :‬فذهبوا إلى أ ّ‬
‫عمدا فل خلف ‪ -‬عندهم ‪ -‬أنّه يفسد صومه ‪ .‬أمّا إن فعله سهوا فخلف في المذهب ‪.‬‬
‫أمّا عند الحنابلة ‪ :‬فإن نوى خارج رمضان قضاءً ‪ ،‬ثمّ حوّل نيّة القضاء إلى النّفل بطل القضاء‬
‫ل لعدم صحّة نفل من عليه قضاء رمضان قبل القضاء ‪ ،‬كذا في‬
‫لقطعه نيّته ‪ ،‬ولم يصحّ نف ً‬
‫القناع ‪ ،‬وأمّا في الفروع والتّنقيح والمنتهى فيصحّ نفلً ‪ ،‬وإن كان في صوم نذر أو كفّارة‬
‫ح‪.‬‬
‫فقطع نيّته ثمّ نوى نفلً ص ّ‬
‫ن من قلب نيّة القضاء إلى النّفل بطل القضاء ‪ ،‬وذلك لتردّده في نيّته أو‬
‫ص الحنابلة على أ ّ‬
‫ون ّ‬
‫ح النّفل لعدم صحّة نفل من عليه قضاء رمضان قبل القضاء ‪.‬‬
‫قطعها ‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫د ‪ -‬تحويل المحتضر إلى القبلة ‪:‬‬
‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ تحويل المحتضر إلى القبلة مندوب ‪ ،‬وذلك بأن يوجّه إلى القبلة على‬
‫ي سبب آخر ‪ ،‬فيلقى على قفاه ‪،‬‬
‫ل إذا تعسّر ذلك لضيق الموضع ‪ ،‬أو ل ّ‬
‫شقّه اليمن ‪ ،‬إ ّ‬
‫ورجله إلى القبلة ‪ .‬ودليل تحويله إلى القبلة ‪ :‬حديث أبي قتادة رضي ال عنه « أنّ النّبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي ال عنه فقالوا ‪ :‬توفّي‬
‫‪ ،‬وأوصى بثلثه لك يا رسول اللّه ‪ ،‬وأوصى أن يوجّه إلى القبلة لمّا احتضر ‪ .‬فقال رسول اللّه‬
‫صلى ال عليه وسلم أصاب الفطرة ‪ ،‬وقد رددت ثلثه على ولده ‪ ،‬ثمّ ذهب فصلّى عليه ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬اللّهمّ اغفر له ‪ ،‬وارحمه ‪ ،‬وأدخله جنّتك ‪ .‬وقد فعلت » ‪.‬‬
‫هـ – تحويل الرّداء في الستسقاء ‪:‬‬
‫‪ - 8‬ذهب الجمهور ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ومحمّد من الحنفيّة وهو المفتى به عندهم‬
‫‪ -‬إلى استحباب تحويل الرّداء في الستسقاء ‪ ،‬وخالف أبو حنيفة ‪ ،‬فل يحوّل الرّداء عنده في‬
‫الستسقاء ‪ .‬لنّه دعاء ل صلة فيه عنده ‪ .‬وعن أبي يوسف روايتان ‪.‬‬
‫ومعنى تحويل الرّداء ‪ :‬أن يجعل ما على عاتقه اليمن على عاتقه اليسر ‪ ،‬وبالعكس ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة ‪ -‬على القول الجديد الصّحيح عندهم ‪ -‬إلى استحباب التّنكيس كذلك ‪ .‬وهو ‪:‬‬
‫أن يجعل أعلى الرّداء أسفله وبالعكس ‪ ،‬خلفا للمالكيّة والحنابلة فإنّهم ل يقولون بالتّنكيس‪.‬‬
‫ل تحويل الرّداء عند التّوجّه إلى القبلة للدّعاء ‪ ،‬وهو عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أثناء‬
‫ومح ّ‬
‫سنّة ‪ :‬حديث عبد‬
‫الخطبة ‪ .‬وعند المالكيّة بعد الفراغ من الخطبتين ‪ .‬ودليل تحويل الرّداء من ال ّ‬
‫اللّه بن زيد رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم خرج يستسقي ‪ ،‬فتوجّه إلى القبلة‬
‫يدعو وحوّل رداءه ‪ ،‬ثمّ صلّى ركعتين جهر فيهما بالقراءة » ‪.‬‬
‫ن الحكمة من تحويل الرّداء التّفاؤل بتغيير الحال إلى الخصب والسّعة ‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إ ّ‬
‫ويستحبّ تحويل الرّداء للمام والمأمومين عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬خلفا للحنفيّة فل‬
‫ل المام في القول المفتى به ‪.‬‬
‫يحوّل رداءه إ ّ‬
‫و ‪ -‬تحويل الدّين ‪:‬‬
‫‪ - 9‬عرّف الفقهاء الحوالة بالدّين تعريفات متقاربةً ‪ ،‬منها ‪ :‬تحوّل الحقّ من ذمّة إلى ذمّة‬
‫أخرى في المطالبة ‪ .‬ومنها ‪ :‬نقل الدّين وتحويله من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ‪.‬‬
‫ومشروعيّتها ثابتة بالجماع ‪ .‬ومستندها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬مطل الغنيّ ظلم ‪،‬‬
‫وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع » ‪.‬‬
‫ويظهر أثر الحوالة في نقل المال المحال به من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ‪.‬‬
‫فيبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحال ‪ ،‬ويبرأ المحال عليه عن دين المحيل ‪ ،‬ويتحوّل حقّ‬
‫المحال إلى ذمّة المحال عليه ‪ ،‬هذا في الحوالة المقيّدة ‪ ،‬وهي الغلب حيث يكون المحيل دائنا‬
‫للمحال عليه ‪ .‬أمّا في الحوالة المطلقة ‪ ،‬وهي ‪ :‬إذا لم يكن المحيل دائنا للمحال عليه ‪ ،‬فإنّ‬
‫البراءة تحصل للمحيل فقط ‪ .‬وللتّفصيل ينظر مصطلح ‪ ( :‬حوالة ) ‪.‬‬

‫تحيّز *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحيّز ‪ :‬من معانيه في اللّغة ‪ :‬الميل ‪ .‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمَنوا إذا َلقِيتُم‬
‫الّذين كَفَروا َزحْفا فل تُوَلّوهمُ الدبارَ ومن يُوَلّهم َي ْو َم ِئذٍ ُدبُرَ ُه إلّ ُمتَحرّفَا لقتال أو متحيّزا إلى‬
‫ِفئَةٍ } معناه أو مائلً إلى جماعة من المسلمين ‪ ،‬ويقال ‪ :‬انحاز الرّجل إلى القوم بمعنى تحيّز‬
‫إليهم ‪.‬‬
‫وفي لسان العرب ‪ :‬انحاز القوم ‪ :‬تركوا مركزهم ومعركة قتالهم ومالوا إلى موضع آخر ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬التّحيّز إلى فئة ‪ :‬أن يصير المقاتل إلى فئة من المسلمين ‪ ،‬ليكون معهم‬
‫فيتقوّى بهم على عدوّهم ‪ ،‬وسواء بعدت المسافة أم قربت ‪ .‬فقد روى ابن عمر رضي ال‬
‫عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬أنا فئة المسلمين »‬
‫ل مسلم " وكان بالمدينة‬
‫وكانوا بمكان بعيد عنه ‪ .‬وقال عمر رضي ال عنه ‪ ":‬أنا فئة ك ّ‬
‫وجيوشه بمصر والشّام والعراق وخراسان ‪ .‬رواهما سعيد بن منصور ‪.‬‬
‫وقال عمر ‪ ":‬رحم اللّه أبا عبيدة ‪ ،‬لو كان تحيّز إليّ لكنت له فئ ًة "‪.‬‬
‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬
‫التّحرّف ‪:‬‬
‫‪ - 2‬التّحرّف من معانيه في اللّغة ‪ :‬الميل والعدول ‪ .‬فإذا مال النسان عن شيء يقال ‪ :‬تحرّف‬
‫ل متحرّفا لقتال } أي مائلً لجل القتال ل مائلً‬
‫وانحرف واحرورف ‪ .‬وقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬
‫هزيم ًة ‪ ،‬فإنّ ذلك معدود من مكايد الحرب ‪ ،‬لنّه قد يكون لضيق المجال ‪ ،‬فل يتمكّن من‬
‫الجولن ‪ ،‬فينحرف للمكان المتّسع ‪ ،‬ليتمكّن من القتال ‪.‬‬
‫والتّحرّف في الصطلح ‪ :‬أن ينتقل المقاتل إلى موضع يكون القتال فيه أمكن ‪ ،‬مثل أن ينتقل‬
‫من مواجهة الشّمس أو الرّيح إلى استدبارهما ‪ ،‬أو من منخفض إلى علو أو عكسه ‪ ،‬أو من‬
‫معطشة إلى موضع ماء ‪ ،‬أو ليجد فيهم فرص ًة ‪ ،‬أو ليستند إلى جبل ‪ ،‬ونحو ذلك ممّا جرت به‬
‫عادة أهل الحرب ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تحرّف ) ‪.‬‬
‫فالتّحيّز والتّحرّف يكونان فيما إذا التقى المسلمون والكفّار في الحرب ‪ ،‬والتحم جيشاهما ‪،‬‬
‫فالمتحيّز إن وجد من نفسه أن ل قدرة له على مواجهة عدوّه والظّفر به لكثرة عدده وعدده ‪،‬‬
‫إلّ بأن يستنصر ويستنجد بغيره من فئات المسلمين ‪ ،‬فإنّه يباح له أن ينحاز إلى فئة منهم ‪،‬‬
‫ليتقوّى بهم ‪ ،‬ويستطيع بذلك قهر العدوّ والظّفر به والنّصر عليه ‪.‬‬
‫ن السّبيل إلى النّيل منه والظّفر به‬
‫والمتحرّف لقتال إذا رأى أن يكيد لخصمه ويتغلّب عليه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫والنّصر عليه ‪ ،‬إنّما في تغيير خططه ‪ ،‬سواء أكانت في تغيير المكان ‪ ،‬أم في التّراجع ليسحب‬
‫العدوّ وراءه ‪ ،‬ويعاوده بالهجوم عليه إلى غير ذلك ‪ ،‬ممّا يطلق عليه ( الخدع الحربيّة ) فإنّه‬
‫يباح له ذلك ‪ ،‬إذ الحرب خدعة ‪ .‬أمّا لغير ذلك فل يحلّ لك ّل منهما ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬
‫‪ - 3‬التّحيّز مباح ‪ ،‬إذا استشعر المتحيّز عجزا محوجا إلى الستنجاد بغيره من المسلمين ‪،‬‬
‫وكان بقصد النضمام إلى فئة ‪ ،‬أي جماعة من النّاس ‪ ،‬ليتقوّى بهم على محاربة عدوّهم‬
‫وإيقاع الهزيمة به والنّصر عليه ‪ .‬فإذا انتفى ذلك يكون فرارا ‪ ،‬وهو حرام ‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن يُوَلّهم يومئ ٍذ ُدبُرَه إلّ‬
‫{ يا أيّها الّذين آمنوا إذا َلقِيتُم الّذين كفروا َزحْفَا فل تُوَلّوهُم الدبارَ ومَ ْ‬
‫ج َهنّمُ َو ِبئْسَ المصيرُ } ‪ .‬فإذا‬
‫ُمتَح ّرفَا لِقِتالٍ أو ُمتَحيّزا إلى فئ ٍة فقد باءَ ِب َغضَبٍ من اللّ ِه ومَأواه َ‬
‫التقى المسلمون والكفّار في الحرب والتحم الجيشان ‪ ،‬وجب على المسلمين كأصل عامّ أن‬
‫يثبتوا في مواجهة عدوّهم ‪ ،‬وحرم عليهم أن يفرّوا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فل تولّوهم الدبار } ‪.‬‬
‫وقوله سبحانه ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتُم ِفئَةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرا لعلّكم تفلحون } ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وع ّد النّبيّ صلى ال عليه وسلم الفرار عند الزّحف من الكبائر في أحاديث كثيرة منها ‪:‬‬
‫ما أخرجه الشّيخان عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪« :‬‬
‫ن ؟ قال ‪ :‬الشّرك باللّه تعالى ‪ ،‬والسّحر ‪،‬‬
‫اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا ‪ :‬يا رسول اللّه وما ه ّ‬
‫ل بالحقّ ‪ ،‬وأكل الرّبا ‪ ،‬وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتّولّي يوم‬
‫وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه تعالى إ ّ‬
‫الزّحف ‪ ،‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات » ‪.‬‬
‫فثبات المسلمين في مواجهة أعدائهم الكفرة وحرمة فرارهم من لقائهم واجب ‪ ،‬إذا كانوا في‬
‫ن َيكُنْ منكم مائ ٌة صابرةٌ‬
‫مثل عددهم أو على النّصف منهم أو أقلّ من ذلك ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فإ ْ‬
‫ن اللّهِ والّلهُ مع الصّابرين } ‪.‬‬
‫ف يغلبوا ألفين بإِذ ِ‬
‫ن منكم أل ٌ‬
‫َيغِْلبُوا مائتين وإن يك ْ‬
‫إلّ إن كان ذلك بقصد تحيّزهم إلى فئة من المسلمين تناصرهم وتش ّد من أزرهم ويتقوّون بها‬
‫على أعدائهم ‪ ،‬وسواء أكانت هذه الفئة قريب ًة لهم أم بعيد ًة عنهم ‪ ،‬لعموم قوله تعالى ‪ { :‬أو‬
‫متحيّزا إلى فئة } قال القاضي أبو يعلى ‪ :‬لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز جاز التّحيّز‬
‫إليها ‪ ،‬لحديث ابن عمر أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إنّي فئة لكم » وكانوا بمكان‬
‫بعيد عنه ‪ .‬وقال عمر ‪ " :‬أنا فئة لكلّ مسلم " وكان بالمدينة وجيوشه بالشّام والعراق وخراسان‬
‫‪ .‬وقال عمر ‪ ":‬رحم اللّه أبا عبيدة لو كان تحيّز إليّ لكنت له فئ ًة "‪.‬‬
‫ن اللّه تعالى لمّا‬
‫‪ -5‬فإن زاد الكفّار على مثلي عدد المسلمين فيباح للمسلمين أن ينسحبوا ‪ ،‬ل ّ‬
‫أوجب على المائة مصابرة المائتين في قوله ‪ { :‬فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } دلّ‬
‫على أنّه ل يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين ‪.‬‬
‫وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال ‪ ":‬من فرّ من اثنين فقد فرّ ‪ ،‬ومن فرّ من ثلثة فلَ ْم يفرّ‬
‫وفي رواية أخرى ‪ " :‬فما فرّ " إلّ أنّه إن غلب على ظنّ المسلمين الظّفر بهم والنّصر عليهم ‪،‬‬
‫فيلزمهم الثّبات إعل ًء لكلمة اللّه ‪.‬‬
‫وإن غلب على ظنّهم الهلك في البقاء والنّجاة في النصراف فالولى لهم النصراف ‪ ،‬لقوله‬
‫ن لهم غرضا في الشّهادة ‪ ،‬وحتّى ل‬
‫تعالى ‪ { :‬ول تُلْقُوا بأيدِيْكم إلى ال ّتهُْلكَةِ } وإن ثبتوا جاز ل ّ‬
‫ينكسر المسلمون ‪ ،‬ولنّه يجوز أن يغلبوا الكفّار ‪ ،‬ففضل اللّه واسع ‪ ،‬وهذا ما عليه جمهور‬
‫الفقهاء ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إن بلغ المسلمون اثني عشر ألفا حرم عليهم الفرار ‪ ،‬ولو كثر الكفّار‬
‫جدّا ‪ ،‬ما لم تختلف كلمتهم ‪ ،‬وما لم يكن بقصد التّحيّز لقتال ‪.‬‬

‫تحيّة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التّحيّة مصدر حيّاه يحيّيه تحيّ ًة ‪ ،‬أصله في اللّغة ‪ :‬الدّعاء بالحياة ‪ ،‬ومنه " التّحيّات للّه "‬
‫أي البقاء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الملك ‪ ،‬ثمّ كثر حتّى استعمل في ما يحيّا به من سلم ونحوه ‪ ،‬وتحيّة اللّه‬
‫الّتي جعلها في الدّنيا والخرة لمؤمني عباده السّلم ‪ ،‬فقد شرع لهم إذا تلقوا ودعا بعضهم‬
‫لبعض بأجمع الدّعاء أن يقولوا ‪ :‬السّلم عليكم ورحمة اللّه وبركاته ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وإذا‬
‫حيّيتُم بِتحيّ ٍة فحيّوا بأحسنَ منها أو ُردّوها } ‪.‬‬
‫ُ‬
‫واستعمل الفقهاء عبارة ( التّحيّة ) في غير السّلم لتحيّة المسجد ‪.‬‬
‫الحكم الجماليّ ومواطن البحث ‪:‬‬
‫‪ - 2‬حكم التّحيّة النّدب بل خلف بين جمهور الفقهاء ‪ ،‬وهي تختلف في الداء كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التّحيّة بين الحياء ‪:‬‬
‫ن البتداء بالسّلم سنّة مرغّب فيها ‪ ،‬وردّه فريضة لقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ - 3‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫ن منها أو رُدّوها } ‪ .‬وللتّفصيل ر ‪ ( :‬سلم ) ‪.‬‬
‫حيّوا بأحس َ‬
‫حيّيتُم بتحيّةٍ َف َ‬
‫{ وإذا ُ‬
‫ب ‪ -‬تحيّة الموات ‪:‬‬
‫‪ - 4‬تحيّة من في القبور السّلم ‪ ،‬فإذا مرّ المسلم بالقبور أو زارها استحبّ أن يقول ما ورد‬
‫وهو ‪ « :‬السّلم عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ‪ ،‬وإنّا إن شاء اللّه بكم لَلحقون ‪،‬‬
‫نسأل اللّه لنا ولكم العافية » وفي حديث عائشة ‪ « :‬ويرحم اللّه المستقدمين منّا ‪ ،‬والمستأخرين‬
‫»‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تحيّة المسجد ‪:‬‬
‫ن لكلّ من يدخل مسجدا غير المسجد الحرام ‪ -‬يريد الجلوس‬
‫‪ - 5‬يرى جمهور الفقهاء أنّه يس ّ‬
‫به ل المرور فيه ‪ ،‬وكان متوضّئا ‪ -‬أن يصلّي ركعتين أو أكثر قبل الجلوس ‪ .‬والصل فيه‬
‫حديث رواه أبو قتادة رضي ال عنه ‪ « :‬أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬إذا دخل‬
‫أحدكم المسجد فل يجلس حتّى يركع ركعتين » ومن لم يتمكّن منهما لحدث أو غيره يقول ندبا‬
‫ل اللّه ‪ ،‬واللّه أكبر ‪ ،‬ول حول ول قوّة إلّ باللّه العليّ‬
‫‪ :‬سبحان اللّه ‪ ،‬والحمد للّه ‪ ،‬ول إله إ ّ‬
‫العظيم ‪ .‬فإنّها تعدل ركعتين كما في الذكار ‪ ،‬وهي الباقيات الصّالحات ‪ ،‬والقرض الحسن ‪.‬‬
‫ن لمن جلس قبل الصّلة أن يقوم فيصلّي ‪ ،‬لما روى جابر رضي ال عنه قال ‪ « :‬جاء‬
‫ويس ّ‬
‫سليك الغطفانيّ ‪ ،‬ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم يخطب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا سليك قم فاركع ركعتين‬
‫وتجوّز فيهما » فإنّها ل تسقط بالجلوس ‪.‬‬
‫كما أنّه ل خلف بينهم في أنّ تحيّة المسجد تتأدّى بفرض أو نفل ‪.‬‬
‫‪ -6‬وأمّا إذا تكرّر دخوله ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ -‬إن قرب رجوعه له عرفا ‪ -‬والشّافعيّة‬
‫ل يوم مرّ ًة ‪.‬‬
‫ح عندهم ‪ :‬إلى أنّه تكفيه لك ّ‬
‫في قول مقابل الص ّ‬
‫ح عند الشّافعيّة تكرّر التّحيّة بتكرّر الدّخول على قرب كالبعد ‪.‬‬
‫والص ّ‬
‫ل واحد منها ‪.‬‬
‫ن التّحيّة لك ّ‬
‫وإذا كانت المساجد متلصق ًة ‪ ،‬فتس ّ‬
‫‪ - 7‬وكذلك اختلف الفقهاء بالنّسبة لمن دخل المسجد والمام يخطب ‪ :‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة‬
‫صتُوا } ‪ ،‬والصّلة‬
‫إلى أنّه يجلس ويكره له أن يركع ركعتين ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فاست ِمعُوا له وَأ ْن ِ‬
‫سنّة ‪ ،‬وإليه ذهب شريح ‪ ،‬وابن‬
‫تفوّت الستماع والنصات ‪ ،‬فل يجوز ترك الفرض لقامة ال ّ‬
‫سيرين والنّخعيّ وقتادة والثّوريّ واللّيث ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يركع ركعتين يوجز فيهما ‪ ،‬لحديث سليك الغطفانيّ المتقدّم ‪.‬‬
‫وبهذا قال الحسن وابن عيينة ومكحول وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر ‪.‬‬
‫د ‪ -‬تحيّة الكعبة ‪:‬‬
‫‪ - 8‬إذا وصل المحرم مكّة ودخل المسجد ورأى البيت ‪ ،‬يرفع يديه ويقول ‪ « :‬اللّهمّ زد هذا‬
‫البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابةً ‪ ،‬وزد من شرّفه وعظّمه ممّن حجّه أو اعتمره تشريفا‬
‫وتكريما وتعظيما » ‪ .‬لحديث رواه الشّافعيّ والبيهقيّ ويقول ‪ « :‬اللّهمّ أنت السّلم ‪ ،‬ومنك‬
‫السّلم فحيّنا ربّنا بالسّلم » ‪ .‬وعند الحنفيّة يقول ذلك ‪ ،‬ولكن ل يرفع يديه ‪.‬‬
‫هـ – تحيّة المسجد الحرام ‪:‬‬
‫ن تحيّة المسجد الحرام الطّواف للقادم لمكّة ‪ ،‬سواء كان تاجرا‬
‫‪ – 9‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‬
‫ن النّب ّ‬
‫أو حاجّا أو غيرهما ‪ ،‬لقول عائشة رضي ال عنها عنها ‪ « :‬إ ّ‬
‫حين قدم مكّة توضّأ ‪ ،‬ثمّ طاف بالبيت » وركعتا تحيّة المسجد الحرام تجزئ عنهما الرّكعتان‬
‫بعد الطّواف ‪.‬‬
‫إلّ إذا كان للدّاخل فيه عذر مانع ‪ ،‬أو لم يرد الطّواف ‪ ،‬فيصلّي ركعتين إن لم يكن وقت‬
‫كراهة ‪ .‬وإذا خاف فوات المكتوبة أو جماعتها ‪ ،‬أو الوتر ‪ ،‬أو سنّ ًة راتب ًة قدّمها على‬
‫الطّواف ‪ ،‬إلّ أنّه ل تحصل بها تحيّة المسجد الحرام ‪ ،‬بخلف سائر المساجد ‪.‬‬
‫‪ - 10‬وأمّا الم ّكيّ الّذي لم يؤمر بطواف ‪ ،‬ولم يدخله لجل الطّواف ‪ ،‬بل للصّلة أو لقراءة‬
‫ص أحمد‬
‫القرآن أو للعلم ‪ ،‬فتحيّة المسجد الحرام في حقّه الصّلة ‪ ،‬كتحيّة سائر المساجد ‪ .‬ون ّ‬
‫على أنّ الطّواف لغريب أفضل من الصّلة في المسجد الحرام ‪.‬‬
‫ن الطّواف لهل العراق ‪ ،‬والصّلة لهل مكّة ‪ ،‬وإليه ذهب عطاء ‪.‬‬
‫وعن ابن عبّاس ‪ :‬أ ّ‬
‫وينظر للتّفصيل مصطلح ‪ ( :‬طواف ) ‪.‬‬
‫و ‪ -‬تحيّة المسجد النّبويّ ‪:‬‬
‫ن من دخل المسجد النّبويّ يستحبّ له أن يقصد الرّوضة إن تيسّر له‬
‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫‪ -‬وهي ما بين القبر والمنبر ‪ -‬ويصلّي ركعتين تحيّة المسجد بجنب المنبر ‪ ،‬لحديث جابر قال‬
‫ي صلى ال عليه وسلم ويقول ‪ :‬السّلم عليك يا رسول‬
‫‪ « :‬جاء سليك ‪ » ...‬ثمّ يأتي قبر النّب ّ‬
‫اللّه‪ ،‬ثمّ يسلّم على أبي بكر رضي ال عنه ‪ ،‬ثمّ على عمر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫حكم التّحيّة بغير السّلم للمسلم ‪:‬‬
‫ن التّحيّة بغير السّلم للمسلم ‪ ،‬كنحو ‪ :‬صبّحك اللّه بالخير ‪ ،‬أو‬
‫‪ - 12‬ذهب عامّة العلماء إلى أ ّ‬
‫السّعادة ‪ ،‬أو طاب حماك ‪ ،‬أو قوّاك اللّه ‪ ،‬من اللفاظ الّتي يستعملها النّاس في العادة ل أصل‬
‫لها ‪ ،‬ول يجب ال ّردّ على قائلها ‪ ،‬لكن لو دعا له مقابل ذلك كان حسنا ‪.‬‬
‫‪ - 13‬كما أنّ عامّة أهل العلم يرون أنّ ال ّردّ على من حيّا بغير السّلم غير واجب ‪ ،‬سواء‬
‫ل إشارة الخرس أو الصمّ ‪،‬‬
‫أكانت تحيّته بلفظ ‪ ،‬أم بإشارة بالصبع ‪ ،‬أو الكفّ أو الرّأس ‪ ،‬إ ّ‬
‫ن إشارته قائمة مقام العبارة ‪.‬‬
‫فيجب الرّ ّد بالشارة مع اللّفظ ‪ ،‬ليحصل به الفهام ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ - 14‬وأمّا ال ّردّ بغير السّلم على من ألقى السّلم ‪ ،‬فعامّة أهل العلم يرون أنّه ل يجزئ ‪ ،‬ول‬
‫حيّوا‬
‫حيّ ٍة فَ َ‬
‫حيّيتُم ِب َت ِ‬
‫يسقط الرّ ّد الواجب ‪ ،‬لنّه يجب أن يكون بالمثل ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وإذا ُ‬
‫ن منها أو ُردّوها } ‪.‬‬
‫بَأحْسَ َ‬
‫حكم التّحيّة بالسّلم لغير المسلم ‪:‬‬
‫‪ - 15‬حكم التّحيّة لغير المسلم بالسّلم عليكم ممنوع على سبيل الحرمة أو الكراهة ‪ ،‬لقول‬
‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تبدءوا اليهود ول النّصارى بالسّلم ‪ ،‬وإذا سلّموا هم على‬
‫مسلم قال في ال ّردّ ‪ :‬وعليكم ‪ .‬ول يزيد على هذا » ‪.‬‬
‫ك فيما قال ‪ ،‬فلو تحقّق‬
‫‪ - 16‬قال ابن القيّم ‪ :‬هذا كلّه إذا تحقّق أنّه قال ‪ :‬السّام عليكم ‪ ،‬أو ش ّ‬
‫ن ال ّذمّيّ قال له ‪ " :‬سلم عليكم " ل شكّ فيه ‪ ،‬فهل له أن يقول ‪ :‬وعليك السّلم ‪ ،‬أو‬
‫السّامع أ ّ‬
‫يقتصر على قوله ‪ :‬وعليك ؟ فالّذي تقتضيه الدلّة الشّرعيّة وقواعد الشّريعة أن يقال له ‪:‬‬
‫ن هذا من باب العدل ‪ ،‬واللّه يأمر بالعدل والحسان ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪{ :‬‬
‫وعليك السّلم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن منها أو ُردّوها } ‪.‬‬
‫حيّوا ِبأَحس َ‬
‫حيّيتُم ِبتَحيّ ٍة فَ َ‬
‫وإذا ُ‬
‫فندب إلى الفضل ‪ ،‬وأوجب العدل ‪ ،‬ول ينافي هذا شيئا من أحاديث الباب بوجه ما ‪ ،‬فإنّه‬
‫صلى ال عليه وسلم إنّما أمر بالقتصار على قول الرّادّ " وعليكم " ‪ ،‬بناءً على السّبب‬
‫المذكور الّذي كانوا يعتمدونه في تحيّتهم ‪ ،‬وأشار إليه في حديث عائشة رضي ال عنها فقال «‬
‫أل ترينني قلت ‪ :‬وعليكم ‪ ،‬لمّا قالوا ‪ :‬السّام عليكم ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا‬
‫‪ :‬وعليكم »‬
‫والعتبار وإن كان لعموم اللّفظ فإنّما يعتبر عمومه في نظير المذكور ل فيما يخالفه ‪ .‬قال‬
‫ن في َأ ْن ُفسِهم لول ُي َع ّذبُنا اللّ ُه بما نقولُ‬
‫ح ّيكَ به الّلهُ ‪ ،‬ويقولو َ‬
‫حيّ ْوكَ بما لمْ ُي َ‬
‫تعالى { وإذا جَاءوكَ َ‬
‫} فإذا زال هذا السّبب وقال الكتابيّ ‪ :‬سلم عليكم ورحمة اللّه ‪ ،‬فالعدل في التّحيّة يقتضي أن‬
‫يردّ عليه نظير سلمه ‪ .‬وباللّه التّوفيق ‪.‬‬
‫‪ - 17‬وأمّا حكم التّحيّة بغير السّلم للكافر ‪ ،‬فيرى الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وبعض الشّافعيّة‬
‫والحنابلة ‪ :‬أنّها مكروهة ما لم تكن لعذر ‪ ،‬أو غرض كحاجة أو جوار أو قرابة ‪ ،‬فإذا كانت‬
‫لعذر فل كراهة فيها ‪.‬‬
‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم ‪ ،‬إلى حرمة تحيّة الكفّار ولو بغير السّلم ‪.‬‬

‫تحيّات *‬
‫انظر ‪ :‬تشهّد ‪.‬‬

‫************************‬

You might also like