You are on page 1of 3

‫بعد مرور ‪ 60‬عاما‬

‫من الذى ضيَّع الحق الفلسطينى ‪ ..‬؟‬


‫التضحية بالحق القانونى على مذبح الحق الخلقى‬
‫المحيط العربى‬
‫النتماء السلمى و القومى‬
‫سيكولوجية الفتتان بالكارثة‬
‫يظل السؤال الحائر معلقا ً بل إجابة فى عنق القضية الفلسطينية المزمنة لتتردد‬
‫فى جنبات منطقة الشرق الوسط و العالم ‪ :‬من الذى ضيع الحق‬ ‫أصداؤه‬
‫الفلسطينى ؟‬
‫ستون عاما ً و مازال الحق الفلسطينى يحتل مكانه داخل أقسام العناية المركزة‬
‫بكل مستشفيات العالم ‪ ,‬و كلما لح فى الفق إمكانية لنزع جهاز التنفس الصناعى ‪ ,‬و‬
‫الخروج من العناية المركزة إلى غرفة عادية ‪ ,‬تمهيدا ً للتماثل للشفاء و الخروج من‬
‫المستشفى ‪ ,‬تنتكس الحالة و يتم وضعها على جهاز التنفس الصناعى مرة أخرى ‪.....‬‬
‫فتُرى من الذى ضيع الحق الفلسطينى ؟‬
‫أول ً ‪ :‬طالما نعيش فى العالم ‪ ,‬فيجب أن تكون الشرعية الدولية هى المرجعية‬
‫التى تحكم توجهاتنا جميعا ً ‪ ,‬لن الجماعة البشرية ل يمكن أن تعيش إل فى ظل نظام‬
‫سواء على مستوى الدولة الواحدة أو المجتمع الدولى ( العالم ) ‪ .‬و للسف قد تقودنا‬
‫الكثير من الحداث و الوقائع إلى الرتياب فى جدوى تلك الشرعية الدولية التى يتم‬
‫انتهاكها كثيرا ‪ ,‬بحيث يصبح الحتكام إليها كمرجعية هو أمر مشكوك فيه ‪ .‬و لكن‬
‫و‬ ‫يحضرنى هنا قول الدكتور جمال حمدان فى كتابه ‪ :‬إستراتيجية الستعمار‬
‫التحرير ‪ ..‬الذى يقول فيه ‪ :‬الحق هو السم الرومانسى للقوة بينما القوة هى السم‬
‫العلمى للحق ‪ .‬و فى العالم الحقيقى الذى نعيش فيه يجب أن نقبل بحقيقة أن‬
‫القوة كثيرا ما تلتبس بالحق ‪ ,‬والحق وحده ل يؤسس لتغيير الواقع ‪ ,‬بل لبد من قوة‬
‫رشيدة تقف خلف هذا الحق ‪ ,‬و لو غابت هذه القوة فإن المرونة السياسية هى‬
‫السبيل لستخلص أقصى ما هو متاح من ذلك الحق ‪ .‬و للسف هذا هو حال الدنيا ‪ ,‬قد‬
‫تكون الحقوق فيها مؤجلة إلى حين ‪ ,‬أو ل تستوفى إل فى الحياة الخرة ‪ .‬و من ل‬
‫يقبل بهذا يناطح الواقع و يناقض بديهيات اليمان ‪ .‬كانت هذه مقدمة ل بد منها للدخول‬
‫للبعاد التاريخية و اليمانية للصراع العربى السرائيلى ‪ ,‬الذى لو تم استبعاد البعد‬
‫التاريخى منه ‪ ,‬فإنه يصل بنا إلى نتائج منقطعة تماما ً عن المقدمات ‪ .‬و لو تم استبعاد‬
‫البعد اليمانى( اليمانى و ليس السلمى ) ‪ ,‬فإنه يبدأ من مقدمات ل تقود إلى نهايات‬
‫‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أليست الدول فى سبيل إنشاء الطرق و الترع و السدود ‪ ..‬إلخ ‪ ,‬تقوم‬‫ً‬
‫بنزع ملكية الممتلكات الخاصة من أجل المنفعة العامة ‪ ,‬مع اللتزام بالتعويض‬
‫المناسب عما تم نزع ملكيته ‪ .‬هكذا أيضا ً المر على المستوى العالمى ‪ ,‬اتفقت الدول‬
‫من خلل المم المتحدة ‪ -‬رمز الشرعية الدولية ‪ -‬على تقسيم فلسطين إلى دولتين ‪,‬‬
‫دولة إسرائيل لتضم اليهود و من يريد البقاء أو العودة من الفلسطينيين ‪ ,‬و دولة‬
‫فلسطين لتضم الفلسطينيين و من رفض منهم البقاء فى إسرائيل ‪ ,‬مع اللتزام‬
‫بتعويضهم بالتعويض المناسب ‪ .‬وتمثل هذا فى قرار التقسيم الذى صدر عام ‪1947‬‬
‫ليقسم دولة فلسطين إلى دولتين ‪ ,‬مع وضع ترتيبات خاصة للمنطقة المسماة بالبلدة‬
‫المقدسة التى تضم الثار الدينية المقدسة للديان السماوية الثلثة اليهودية و‬
‫المسيحية و السلم ‪ .‬و نصت هذه الترتيبات أن تكون البلدة القديمة تحت الدارة‬
‫الدولية للمم المتحدة ( أى ل تخضع لدارة إسرائيل أو فلسطين ) ‪ .‬كانت هذه إذن‬
‫توجهات الشرعية الدولية التى صاغتها المم المتحدة فى صورة قرار كان الهدف منه‬
‫حل المشكلة المزمنة لليهود على مستوى العالم ‪ ,‬خصوصا ً بعد الحرب العالمية الولى‬
‫و الثانية ‪ ,‬و ما ظهر من مشكلة تواجد اليهود فى المجتمعات الوربية ‪ ,‬و نمو مشاعر‬
‫الكراهية ضدهم انطلقا ً من النظرة المسيحية التى تراهم قتلة المسيح ‪ ,‬و انطلقاً‬
‫من الطبيعة المنغلقة للديانة اليهودية التى تجعل اليهود ل يذوبوا فى المجتمعات التى‬
‫يقيمون فيها ‪ ,‬مع شعور دينى بالتفوق باعتبارهم أصحاب الديانة الولى ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أصدرت الشرعية الدولية القرار من منطلق القوة لحل مشكلة رآها‬
‫العالم الغربى مشكلة مزمنة تحتاج لحل غير تقليدى ‪ .‬و رغم أن اليهودية كانت قد‬
‫انتشرت فى العالم كديانة عالمية ل موطن جغرافى لها ‪ ,‬باعتبار أن موطن الديانات‬
‫هو العقول و القلوب ‪ ,‬إل أن بقاء اليهود فى أوربا كان قد أصبح كارثيا ً بعد محارق‬
‫النازية ‪ .‬و كان المكان الملئم تاريخيا ً من وجهة النظر الدولية هو فلسطين التى‬
‫تواجد فيها تاريخيا ً شعب بنى إسرائيل بأنبيائه و ملوكه ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬رفض العرب قرارات الشرعية الدولية من وجهة النظر الخلقية ‪ ,‬بينما‬
‫ارتضتها دول أخرى فى العالم من وجهة النظر القانونية ‪ .‬و هنا يعود إلى المشهد قول‬
‫( جمال حمدان ) عن الحق و القوة ‪ .‬رأى العرب أن معهم الحق الخلقى فتحدوا‬
‫قرار الشرعية الدولية بالقوة ‪ ,‬و لكنها كانت قوة عاجزة انهزمت هزيمة مفجعة إمام‬
‫دولة صغيرة ناشئة ‪ .‬كما رفض العرب رغم الهزيمة تنفيذ قرار التقسيم ‪ ,‬و بالتالى تم‬
‫إنشاء دولة إسرائيل و لم يتم إنشاء دولة فلسطين ‪ ,‬لن العرب رأوا أن إنشاءها بمثابة‬
‫اعتراف ضمنى بدولة إسرائيل ‪ ,‬و هكذا أضاع العرب الحق القانونى فى إنشاء الدولة‬
‫الفلسطينية تحت وطأة اليمان بالحق الخلقى ‪ ..‬و كانت سياسة التضحية بالحق‬
‫القانونى على مذبح الحق الخلقى هى الخطوة الولى فى طريق ضياع الحق‬
‫الفلسطينى ‪.‬‬
‫ُ‬
‫خامسا ً ‪ :‬نتيجة الصبغة الدينية التى أنشئت بها دولة إسرائيل باعتبارها وطن‬
‫قومى لصحاب ديانة معينة ‪ ,‬فٌتح الباب للبعاد الدينية لكى تتدخل فى الصراع ‪ ,‬و‬
‫تلقفت حركة الخوان المسلمين اللجام لكى تدير الصراع إدارة دينية تدعو للجهاد ضد‬
‫و تحول المر إلى حرب دينية مقدسة‬ ‫اليهود قتلة النبياء و مغتصبى الوطان ‪.‬‬
‫هدفها طرد اليهود من الرض التى تضم أولى القبلتين و ثالث الحرمين ‪ .‬و أدت إثارة‬
‫المشاعر الدينية المتأججة إلى خروج الصراع من دائرة العقلنية السياسية إلى‬
‫متاهات التعصب الدينى و القومى ‪ ,‬وتلقف اليسار و القوميون العرب بالضافة‬
‫للسلميين دفة الصراع ‪ .‬و هكذا كان النتماء السلمى و القومى الخطوة الثانية فى‬
‫طريق ضياع الحق الفلسطينى ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬انغلقت حلقة محكمة من العداء حول دولة إسرائيل من كافة الجيران‬
‫العرب المحيطين بها ‪ ,‬و بدل ً من عودة الفلسطينيين اللجئين إلى إسرائيل أو‬
‫فلسطين ‪ ,‬أرغمهم التوجه العربى على البقاء فى مخيماتهم بالدول العربية باعتبارهم‬
‫لجئين حتى يظلوا صداع إنسانى مؤرق فى رأس العالم ‪ .‬وأخطأ ( جمال عبد الناصر )‬
‫الخطأ التاريخى الذى أعطى إسرائيل المبرر لكى تحتل عام ‪1967‬م الراضى‬
‫الفلسطينية و الردنية و المصرية و السورية المجاورة ‪ ,‬لكى تستخدمها كأراضى‬
‫محروقة لمحاربة المحيط المعادى الذي يرفض وجودها و يريد إلقاءها فى البحر ‪ ,‬و‬
‫ذلك بدل ً من أن تحاربهم داخل أرضها ‪ ,‬ثم لكى تستخدمها فيما بعد كورقة للتفاوض‬
‫مع هذه الدول المحيطة ‪ ,‬فتستبدل الرض بالسلم كما نص القرار ‪ 242‬الصادر من‬
‫المم المتحدة ‪ .‬و هكذا كان المحيط العربى المعادى هو الخطوة الثالثة فى طريق‬
‫ضياع الحق الفلسطينى ‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬إذن ضاع الحق الفلسطينى نتيجة التضحية بالحق القانونى على مذبح‬
‫الحق الخلقى ‪ ,‬و نتيجة تحدى الحق القانونى بقوة عاجزة لم تحقق من شئ على‬
‫أرض الواقع ‪ ,‬إل تثبيت الوضاع القائمة عام ‪ 48‬م ‪ ,‬أو خلق أوضاع جديدة فى صالح‬
‫إسرائيل عام ‪ 67‬م ‪ .‬و نتيجة المحيط العربى الذى ناصب إسرائيل العداء فأظهرها‬
‫كدولة محاطة بالعداوات و تكافح من أجل البقاء ‪ ,‬و نتيجة النتماء السلمى الذى‬
‫كشف عن أن الرض المقدسة هى محل للهيمنة السلمية فقط و لمكان لى هيمنة‬
‫دينية أخرى مسيحية أو يهودية عليها ‪ ,‬مما أدى إلى انصراف التعاطف الدينى‬
‫المسيحى الغربى بعيدا ً عن تلك البارانويا السلمية التى ل تمتلك قوة تؤسس لتلك‬
‫الهيمنة ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬و لكن يبدو أن ثلثية ضياع الحق الفلسطينى كانت تحتاج إلى ضلع رابع‬ ‫ً‬
‫لكى يكتمل مربع الضياع حول هذا الصراع المزمن ‪ .‬و تمثل هذا الضلع فى‬
‫سيكولوجية الفتتان بالكارثة ‪ .‬و قد يبدو هذا التعبير السيكوسياسى مرادفا ً لحالة‬
‫الشخصية الماسوشية التى تستعذب اللم ‪ ,‬و لعله فى الواقع كذلك ‪ ,‬لسيما وأن‬
‫الماسوشية سيكولوجيا ً بمثابة اضطراب على المستوى الفردى ‪ ,‬بينما الفتتان بالكارثة‬
‫اضطراب على المستوى الجماعى ‪ ,‬و تتجلى سيكولوجية الفتتان بالكارثة عندما‬
‫يتحول النضال فى مخيلة أية جماعة من مجرد وسيلة إلى هدف فى حد ذاته ‪ .‬فأية‬
‫جماعة مناضلة تعتبر النضال بمثابة وسيلة لتحقيق التحرير أو الستقلل أو التحول‬
‫الديمقراطى ‪ ..‬إلخ ‪ ,‬ولكن عندما يتحول النضال إلى هدف فى حد ذاته ‪ ,‬و تغيب الغاية‬
‫منه ليصبح هو فى حد ذاته الغاية ‪ ,‬فإن المر يبدو كمباراة صفرية تحقيق النتائج فيها‬
‫مستحيل و الستمرار فيها ل يعنى إل المزيد من اللم و الهزيمة ‪ ,‬حينئذ تبدو‬
‫سيكولوجية الفتتان بالكارثة واضحة بل مواربة ‪ .‬و لكن كيف يتم إدراك أن النضال‬
‫تحول إلى هدف بدل ً من كونه وسيلة ؟ ‪ ,‬يترسخ ذلك الدراك عندما تصبح كل الوسائل‬
‫المستخدمة فى هذا النضال عاجزة عن تحقيق أية نتيجة ‪ ,‬وعندما تناقض الهداف‬
‫المأمولة كافة الحقائق المطروحة على أرض الواقع ‪ .‬أليس الصراع الفلسطينى‬
‫السرائيلى نموذج توضح كافة تداعياته بأنه وصل إلى مرحلة الفتتان بالكارثة ‪ ,‬و أن‬
‫هذه السيكولوجية هى التى سيطرت على كافة توجهات الجماعات الفلسطينية‬
‫المسلحة ‪ .‬و بالتالى ضاع الهدف و بقيت الوسيلة تناطح المستحيل ‪.‬‬
‫أخيرا ً ‪ :‬بعد ‪ 60‬عاما ً من الصراع ‪ ,‬ماذا ينبغى أن نقول للفلسطينيين ‪ -‬بدون‬
‫شعارات ‪ -‬لكى يخرجوا من مربع ضياع الحق الفلسطينى ‪ ..‬فليسمحوا لى أن أقول‬
‫لهم ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬انتهجوا سبيل الحق القانونى بعيدا عن الحق الخلقى ‪ ,‬فالقوانين تعترف‬
‫بالتقادم الذى يُسقط بعض الحقوق ‪ ,‬وتعترف باستحالة التنفيذ لعتبارات عملية ‪ ,‬و‬
‫تعترف بالتعويض عن الضرار المادية و المعنوية ‪ .‬و القوانين قد تخالف المنطق و‬
‫لكنها تؤسس لشرعية واقعية ‪ .‬و لعل الكثير من القضايا العالقة فى مفاوضات الحل‬
‫النهائى قد تجد لها حل ً لو تم انتهاج هذا السبيل ‪.‬‬
‫‪ -‬اتخذوا قراراتكم بمفردكم بعيدا ً عن المحيط العربى ‪ ,‬و خوضوا مفاوضات‬
‫منفردة مع إسرائيل بعيدا ً عن الضجيج العربى الذى ل ينتج عنه أى طحين ‪ ,‬و لعل ‪60‬‬
‫عاما ً من المساندة العربية لم تحقق من شئ إل الضياع ‪.‬‬
‫‪ -‬اخلعوا عن القضية ثوبها السلمى ‪ ,‬فالغرب لن يحترم البارانويا السلمية‬
‫التى تريد الهيمنة على الرض المقدسة التى ضمت الديان السماوية الثلثة ‪ .‬البلدة‬
‫المقدسة ينبغى أن تكون السيادة عليها للمم المتحدة ‪ ,‬مع كفالة الحق لصحاب كل‬
‫ديانة لممارسة شعائر ديانتهم داخل الثار الدينية الخاصة بدينهم ‪ ,‬و إذا أراد اليهود أن‬
‫يبنوا لهم هيكل ً جديدا ً فليتم ذلك بالتوافق ‪ ,‬فكلها بيوت الله ‪.‬‬
‫‪ -‬اعلموا أن الهداف المستحيلة ل تصنع إل الكارثة ‪ ,‬و من السهل إشعال‬
‫الكوارث ‪ ,‬و لكن كم من النفُس و الموال و الممتلكات قد تضيع حتى ‪ ..‬حتى يتم‬
‫إطفائها ‪.‬‬
‫فتُرى هل عرفتم ‪ ..‬من الذى ضيع الحق الفلسطينى ‪!!!!!!!! .....‬‬

‫دكتور ‪ :‬محمد محفوظ‬

You might also like