Professional Documents
Culture Documents
إظهار الحق
بوجوب الدفاع عن
سيد الخلق
بقلم
خادم العلم الشريف أبي الفضل
أحمد بن منصور بن اسماعيل قرطام
الفلسطيني المالكي األشعري
كان اهلل له ولوالديه ولعامة= المسلمين
بمنه وكرمه
آمين
( )1/1
ــــــــــــــــــــــــــ
( )1/2
ــــــــــــــــــــــــــ
والمتأمل في هذين الحديثين يستطيع أن يتبين علتهما وذلك لمعارضتهما لصريح القران كقوله تعالى":
كك أَن لَّم يَ ُكن َّربُّ َ ث َر ُسوالً " سورة االسراء آية ( )15ولقوله تعالىَ ":ذلِ َ ِ
َو َما ُكنَا ُم َع ِّذب َ
ين َحتَّى نَ َبع َ
لم َوأَهلُ َها غَافِلُو َن " سورة األنعام آية ( )131والقوم الذين بعث فيهم سيدنا رسول ك ال ُق َرى بِظُ ٍ ُمهلِ َ
َرسلنَا إِلَي ِهم
اهلل صلى اهلل عليه وسلم والذين منهم أبويه لم يأتهم نذير قبله لصريح قوله تعالىَ ":و َما أ َ
ك ل ََعلَّ ُهم ك ِمن نَّ ِذي ٍر " سورة سبأ آية ( )44ولقوله تعالى ":لِتُ ِ
نذ َر قَوماً َّما أََت ُهم ِّمن نَّ ِذي ٍر ِّمن قَبلِ َ قَبلَ َ
يَهتَ ُدو َن " سورة السجدة آية ( )3فمعارضة هذين الحديثين المخالفين لفظاً ومعناً لصريح القرآن الذي
هو قطعي الثبوت مع عدم إمكانية الجمع بينهما سقط االحتجاج بهما وتمسكنا بالقرآن كما هو مقرر
وحسب قواعد الشريعة قال اإلمام النووي في شرح المهذب ومتى خالف خبر اآلحاد نص القرآن أو
إجماعا وجب ترك ظاهره والقاعدة عند علماء أهل السنة والجماعة من األشاعرة والماتُريدية بل
وجميع العقالء= أن خبر اآلحاد متى عارض الكتاب والسنة المتواترة أو اإلجماع المعتبر لفظا ومعنى
مع عدم امكانية الجمع بحال سقط االستدالل به ،وكذلك اتفقوا على العمل به في العمليات دون
االعتقاديات ،بمعنى أن مسائل العقائد مبنية على القطعيات التي تفيد العلم اليقيني والتي يكفر منكرها.
بخالف اآلحاد الذي ال يفيد إال الظن وبالتالي ما ينبني عليه من االحكام ألن غالبه محل خالف بين
العلماء إال ما أجمعوا عليه فيرتفع فيه الخالف ألجل اإلجماع وليس لذات الدليل وهذه قاعدة قل من
يعلمها ممن ينتسبون للعلم اليوم فمن باب األولى عامة الناس ،وهذا ال يخالف ما قلناه سابقا من أن
مسألة نجاة أبوي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعينها ليست من المسائل العقائدية .ولكن من
العقيدة التي يجب على كل مؤمن أن يعتقدها وال يجوز له جهلها
( )1/3
ــــــــــــــــــــــــــ
فضالً عن إنكارها هي أن أهل الفترة ناجون وإن بدلوا وغيروا بدليل النصوص القرآنية القطعية السابقة=
الذكر وأبوي النبي صلى اهلل عليه وسلم من أهل الفترة بال خالف.
فصل
قال موالنا المنعم الفقيه األصولي المحدث المفسر النحرير واللغوي الكبير عالمة المغرب بل الدنيا
سيدي عبد اهلل بن الصديق الغماري عليه من اهلل رحمة الباري وطيب اهلل ثراه وجعلنا على خطاه في
كتابه الموسم " بالخواطر الدينية " أهل الفترة هم الذين عاشوا في زمن لم يكن فيه نبي وال رسول
بعث اليهم ،كالعرب الذين عاشوا في الفترة والتي بين سيدنا اسماعيل ونبينا عليهما السالم وكذلك
أهل الكتاب الذين عاشوا في الفترة التي بين سيدنا عيسى ونبينا عليهما السالم والحكم فيهم عند
ِ
ث َر ُسوالً " سورة الجمهور أنهم ناجون ولو غيروا وبدلوا لقوله تعالىَ ":و َما ُكنَا ُم َع ِّذب َ
ين َحتَّى نَ َبع َ
بعض منها ،وأجابوا عن تعذيب بعض أهل الفترة بأنها
االسراء آية ( )15وغيرها من األيات والتي مر ٌ
آحاد ال تقوى على معارضة= القرأن زيادة على أنها تحتمل التأويل أما من أشرك من أهل الفترة وغير
بابتداع أمور شركية مثل عمرو بن لحي وهو أول من أدخل األصنام إلى مكة فيعذب لورود نص فيه
بعينه ،وال يُعترض علينا بالقاعدة التي تقول العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب ألن ذلك يتعارض
عمت
مع صريح القرأن فتعين أن يكون حكما خارج على غير قياس .أما بعد البعثة المحمدية التي َّ
غالب أهل األرض جميعا فال يوجد أهل فترة ولكن قد يعترض علينا بوجود من لم تبلغه الدعوة وهو
اعتراض قد يكون صحيح فلو افترضنا وجود شخص ما في بعض مجاهل= القارة االفريقية أو غابات
أمريكا مثال لم يسمع باإلسالم وال عرف شيئا عن توحيد اهلل تعالى ولم يسمع بأن هناك نبي اسمه
محمد صلى اهلل عليه وسلم وعاش بين الغابات فإنه ناج بال شك حتى ولو اعتنق بعض الديانات
كالنصرانية مثال ذلك ألن بلوغ الدعوة شرط في توجه الخطاب التكليفى للشخص= فحيث لم تبلغه
( )1/4
ــــــــــــــــــــــــــ
الدعوة بدون تقصير منه ال يكون مكلفا .وأما الذين ولدوا بين أبوين يهوديين أو نصرانيين وبلغتهم
دعوة النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم بأي وجه من الوجوه فهم كفار بال نزاع بحيث لو خير أحدهم
بين اإلسالم والموت الختار الموت على اإلسالم .انتهى بتصرف.
فصل
ين ولَو َكانُواْ أ ُْولِي قُربَىِ
لمش ِرك َ
ِ ِ
ين َء َامنُواْ أَن يَستَغف ُرواْ ل ُ
ِ ِ َّ ِ
أما ما جاء في قوله تعالى " َما َكا َن للنَّب ِّي والذ َ
الجح ِيم" سورة التوبة آيه (.)113 اب ِ ِ ِ
من بَعد َما َتَبيَّ َن ل َُهم أ ََّن ُهم أ َ
َصح ُ=
فال يحتج به على أهل الفترة وذلك ألن هذه األية نزلت في أبي طالب عم الرسول صلى اهلل عليه
وسلم وال تتعلق بوالديه ال من قريب وال من بعيد وال تصريحا وال تلويحا لما هو مقرر ومعلوم
ومشهور وذلك ألن أبا طالب أدرك بعثة النبي صلى اهلل عليه وسلم وأبى أن يسلم ،أما أبواه فلم
يدركا البعثة فأين هذا من هذا....؟ ويقوي ذلك ما رواه أبو داود والبيهقي من أن سيدنا على كرم اهلل
وجهه جاء إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال ":إن عمك الشيخ الضال قد مات فقال :إذهب فواره
وفي رواية ":إن عمك الشيخ الكافر.
فصل
يجب أن يعلم بأن القاعدة العامة= المتفق عليها في كيفية إقرار الحكم الشرعي أنه ال يؤخذ من دليل
واحد غالبا بل هو نتيجة لمجموعة من الضوابط المشتركة بين االيات واألحاديث التي تبنى على بعض
القواعد األصولية والحديثية والعقائدية واللغوية التي ال غنى عنها لفهم معاني النصوص التي أُستُقرئت
وضبِطَت الشريعة الغراء من خاللها قبل النظر واصدار الحكم الشرعي ونحن بحمد اهلل وتوفيقه نبين ُ
بعض هذه القواعد التى ال بد منها لفهم هذين الحديثين على وفق ما اتفق عليه كبار أهل الحل والعقد
من نقاد علماء أهل السنة والجماعة= من حفاظ وأصوليين وغيرهم أن من أسباب رد الحديث:
مخالفته لصريح القرآن لفظاُ ومعنى مع عدم امكانية تأويله ليوافق القرآن بال تكلف.
( )1/5
ــــــــــــــــــــــــــ
مخالفته لصريح العقل السليم ألن أفعال اهلل تعالى ال تخلو عن حكمة وإن كنا ال ندركها غالبا وألن
العقل شاهد من شواهد الشرع فالشرع ال يأتي إال بمجوزات العقول.
أنه ال يستدل في العقائد إال بالمتواتر أو المشهور خالفا ألبي حنيفة رضى اهلل عنه الذى يرى أنه يجوز
االستدالل بخبر األحاد في العقائد بشرط أن ال يكون له معارض من القرآن أو من السنة المتواترة أو
المشهورة.
وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ال عنده رضى اهلل عنه وال عند غيره من باب األولى ألن القاعدة
وما
عنده أن الظني ال يقوى على معارضة القطعي والقرآن عنده قطعي الثبوت ويمثل له بهذه األيةَ ":
ِ
ث َر ُسوالً " سورة االسراء أية ( )15ويؤيد ذلك ما قاله األصوليون من أن " عدم ُكنَا ُم َع ِّذب َ
ين َحتَّى نَ َبع َ
االستفصال يؤدى إلى تعلق الحكم في عموم المقال " وهذه األية تدخل تحت هذه القاعدة " وكذلك
قولهم أيضا " األعراض في موضع البيان يفيد الحصر " وهو يتطابق مع هذه األية ،أن كل من لم يأته
رسول ال يعذب إال ما خرج على غير قياس هذا في كيفية العمل إذا ما عارض الحديث القرأن أما إذا
ما عارض الحديث الحديث فكالمهم في هذا الباب كثير ينحصر في ثالثه قواعد عند األصوليين
والمحدثين:
إذا ما ثبت حديثان صحيحان سنداً ومتناً متعارضان في اللفظ متفقان في المعنى يجب الجمع بينهما
عمال بقاعدة " ما أمكن الجمع جمع "
إذا كان الحديث األول صحيح والثاني ضعيف يقدم الصحيح على الضعيف باجماع أهل هذا الفن.
( )1/6
ــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان الحديثان صحيحان ومختلفان لفظا ومعنى بمعنى ال يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه
الصحيحة= فينظر الى ما هو قديم وما هو جديد فيكون القديم منسوخ والجديد ناسخ الستحالة الجمع
بينهما مع الجزم بثبوتهما والمعلوم أن السنة ال تتعارض فتعين النسخ وكان لزاما معرفة التاريخ فإن لم
يعلم القديم من الجديد وجب إسقاط العمل بكال الحديثين وتعين البحث عن دليل أخر الجتناب
الترجيح بغير مرجح وهو حرام ...حرام ....حرام ....بإتفاق الجميع.
فصل
في كيفية نقد هذين الحديثين كل على حده
حديث " إستأذنت ربي أن أستغفر ألمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي "و في
الحديث أنه صلى اهلل عليه وسلم بكى وأبكى من حوله فإن هذا الحديث ال يصح االستدالل به على
أن والدته صلى اهلل عليه وسلم في النار لعدة أمور-:
ِ
ث َر ُسوالً " سورة أن هذا الحديث يعارض معارضة صريحة قول اهلل تعالىَ ":و َما ُكنَا ُم َع ِّذب َ
ين َحتَّى نَ َبع َ
ك ِمن نَّ ِذي ٍر " سورة سبأ آية (.)44 َرسلنَا إِلَي ِهم قَبلَ َ
االسراء أية ( )15وقوله تعالىَ ":و َما أ َ
أن بكائه صلى اهلل عليه وسلم على أمه ال يدل على أنها من أهل النار بأي وجه من الوجوه بدليل أنه
بكى على إبنه إبراهيم كما في الصحيحين إذ قال ":تدمع العين ويحزن القلب وال نقول إال ما يرضي
ربنا واهلل يا إبراهيم إنا بك لمحزونون".
إن اهلل تعالى أذن له بزيارة قبرها يدل على أنها مؤمنة وليست كافرة من أهل النار وإال لتعارض صدر
الحديث مع عجزه ناهيك أيضا أن اهلل تعالى قد نهاه أن يقوم على قبور الكفار والمنافقين بقوله عز
ِِ ِ ِ ِ من قائل ":وال تُص ِّل َعلَى أ ٍ
وهم
وماتُواْ ُ ات أَبَداً وال َت ُقم َعلَى قَب ِره إَِّن ُهم َك َف ُرواْ باهلل َ
ور ُسوله َ نهم َّم َ
َحد ِّم ُ
َ َ
اس ُقو َن " آية ( )84من سورة التوبة وحاشى مقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يخالف أمر اهلل فَ ِ
تعالى ومن يظن ذلك فليس له نصيب من اإليمان في شيء.
( )1/7
ــــــــــــــــــــــــــ
حديث أن رجال قال :يا رسول اهلل أين أبي ؟ قال :في النار " فلما قفى دعاه فقال ":إن أبي وأباك في
النار " الحديث فمما يجب أن يعلم أن لهذا الحديث ثالثة طرق-:
السند األول عن طريق حماد بن سلمة عن ثابت وهي التي جاء فيها :إن أبي وأباك في النار.
السند الثاني عن طريق معمر عن ثابت وهي خالية من ذكر " إن أبي وأباك في النار".
السند الثالث عن طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص
وهي خالية أيضا من ذكر إن أبي وأباك في النار غير أنها تنتهي بقوله صلى اهلل عليه وسلم ":حيث ما
مررت بقبر كافر فبشره بالنار" فالطريقه األولى في سندها ثابت وحماد بن سلمة .أما ثابت فهو عند
بعضهم ثقة ولكن ذكره ابن عدي في الضعفاء وعلل الحديث فقال ":إنه وقع في أحاديثه ما ينكر،
وأما حماد فقال عنه الحافظ ابن حجر العسقالني في مقدمة= " فتح الباري" :حماد
وهذا الحديث منها َّ
بن سلمة بن دينار البصري أحد األئمة األثبات إال أنه ساء حفظه في اآلخر .وقال السيوطي عن حماد
بن سلمة في كتابه " مسالك الحنفا في نجاة والدي المصطفى " إن حماد تكلم في حفظه ووقع في
أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد في آخر حياته ال يحفظ فحدث بها فوهم
خرج له مسلم في اصول الدين إال من روايته عن ثابت.
فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئا وال َّ
قال الحاكم في المدخل " ما خرج مسلم لحماد إال من حديثه عن ثابت .انتهى.
( )1/8
ــــــــــــــــــــــــــ
أما السندان الثاني والثالث ففي سند الرواية الثانية معمر عن ثابت عن أنس عوضاً عن حماد عن ثابت
والرواية الثالثة جاءت بالسند األتي فقد أخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد
عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص أن أعرابياً قال لرسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ":أين أبي ؟ قال ":في النار" قال ":فأين أبوك" قال ":حيث ما مررت بقبر كافر فبشره بالنار "
ويُالحظ أن السند األول ذكر فيه حماد عن ثابت والسند الثاني ذكر فيه معمر عن ثابت ومن
المعروف أن معمرا أثبت من حماد بدليل أن حماداً تُكلِّم في حفظه كما سلف ولم يتكلم أحد في
استُنكر شيءٌ من
معمر .قال السيوطي في نفس المرجع المذكور وأما معمر فلم يتكلم في حفظه وال ْ
حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت أي فتكون روايته أوثق وأثبت وأقرب الى
الصحة .وأما سند الرواية الثالثه فقد قال السيوطي في نفس المرجع " وهذا إسناد على شرط
الشيخين فتعين المصير اليه واالعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره " قلت وذلك لصحة سنده
وقوة ودقة متنه وخلوه من الشذوذ والعلة ال سيما عدم معارضته= لصريح القرآن.
فصل
( )1/9
ــــــــــــــــــــــــــ
لو فرضنا أن الحديث بالطريقة األولى ثبت وصح فيجب علينا أن نأوله بما يقبل التأويل ،وذلك
لوجوب التأدب مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلزم تخريج الحديث عن ظاهره ولما ذكرناه
سابقاً أنه خبر أحاد يقبل األحتمال والتأويل والقاعدة تقولَّ ":
أن ما دخله اإلحتمال سقط به
االستدالل" ،زيادة على مخالفته= لصريح القرآن وكما أشرنا اليه سابقا إال أن بعض علمائنا لم يذهبوا
إلى إسقاطه وأولوه بما يفيد أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حينما قال ":إن أبي وأباك في النار "
قصد بذلك عمه أبو طالب ألنه هو الذي حضر البعثة وألن في اللغة يطلق األب ويراد به العم ودليل
ال لِبنِ ِيه ما تَعب ُدو َن ِمن ب ِ
عدى َ وت إِذ قَ َ َ َ ُ الم ُ
وب َض َر يَع ُق َاء إِذ َح َ
ذلك من القرأن قوله تعالى ":أَم ُكنتُم ُش َه َد َ
حن لَهُ ُمسلِ ُمو َن " سورة البقرة ِ ك إِبر ِاه ِيم وإِ ِ ِ
سح َق إِلَهاً َواحداً ونَ ُ
يل وإِ َ
سماع َ َ قالوا نَعبُ ُد إِل ََه َ ِ
ك وإلَه َءابَائ َ َ
أية ( )133فإسماعيل ليس أبا ليعقوب فهو عمه وسماه اهلل أبا له.
قال ابن الجوزي في كتابه ":نزهة األعين النواظر" وذكر أهل التفسير أن األب في القران على أربعة
أوجه:
وو ِرثَهُ أ ََب َواهُ " ِِ ِ ِ
أحدهما :األب األدنى ومنه قوله تعالىَ " :وأُمه َوأَبيه " سورة عبس آية ( )35وقولهَ ":
سورة النساء آيه (.)11
ثانيهما :الجد ومنه قوله تعالىِ ":ملَّةَ أَبِي ُكم إِ َبر ِاهيم " سورة الحج آية (.)78
يل " سورة البقرة آية (.)133 ك إِبر ِاه ِيم وإِ ِِ والثالث :العم ومنه قوله تعالى ":نَعبُ ُد إِل ََه َ ِ
سماع َ
َ ك وإلَه َءابَائ َ َ
رش "سورة يوسف آية (.)100 الع ِ ِ
و الرابع :الخالة ومنه قوله تعالىَ ":و َرفَ َع أ ََب َويه َعلَى َ
( )1/10
ــــــــــــــــــــــــــ
و من الوجه الثالث ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من قوله صلى اهلل عليه وسلم ":إحفظوني في
العباس فإنه بقية أبائي "مع أنه عمه وهذا الحديث " إن أبي وأباك في النار " مردود إن قلنا أن قوله فيه
أبي " هو أبوه عبد اهلل بن عبد المطلب وذلك ألن أباه عبد اهلل من أهل الفترة ألنه لم يدرك بعثته صلى
اهلل عليه وسلم قطعا وألنه من قوم لم يأتهم رسول بدليل األيات السابقه وألن لفظة األب في اللغة
وحملُها على واحد بعينه تحتاج الى قرينة والقرينة الظاهرة في
تحتمل الجد والعم واألب األدنى َ
الحديث تدل على العم وحملها على أب النبي صلى اهلل عليه وسلم فيه تهكم وهو في شرعنا ممنوع
وهذا مما فهمه اإلمام النووي رحمه اهلل في شرحه على صحيح مسلم عندما بوب له " أن من مات
على الكفر فهو في النار وال تناله شفاعة وال تنفعه قرابة المقربين" والمراد بذلك أبو طالب الذي
أدرك بعثته صلى اهلل عليه وسلم وأبى أن ينطق بالشهادة ومات على الكفر كما ذكرنا سابقاً من
كرم اهلل وجهه واإلجماع منعقد على وجوب تكفير األبي الممتنع وأنه خالد مخلد في نار
حديث علي َّ
جهنم قال سيدي أبو عبد اهلل الفاسى المالكي في كتابه مراصد المعتمد في مقاصد المعتقد:
و من يكن ذا النطق منه ما اتفق فإن يكن عجزا يكن كمن نطق
و إن يكن ذلك عن إباء فحكمه الكفر بال امتراء
و إن يكن لغفلة فكاإلبا وذا ِ
لسنة عياض نسبا
كالنطق وللجمهو ِر َ
نسب والشيخ أبي منصور ِ قيل
و َ
و هذا ينطبق على أبي طالب فقد عرض عليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يقول ال اله اال اهلل
فأبى رواه البخاري.
فصل
مما يستدل به على نجاة أبوي المصطفي صلى اهلل عليه وسلم من الكتاب والسنة
( )1/11
ــــــــــــــــــــــــــ
ِ
ث َر ُسوالً " سورة اإلسراء أية ( )15فاآلية عامة وصريحة وما ُكنَّا ُم َع ِّذب َ
ين َحتَّى نَ َبع َ أوالً :قوله تعالىَ ":
يعذب أحداً حتى يرسل الرسل قال األلوسي صاحب روح المعاني في تفسيره عند في أن اهلل تعالى ال ِّ
شرح هذه اآلية ":وما صح وما استقام بل استحال في السنة اإللهية المبنية على الحكم البالغة أو في
قضائنا السابق أن نعذب أحداً بنوع من أنواع التعذيب دنيويا أو أُخروياً على فعل شيء أو ترك شيء
أصلياً كان أو فرعياً حتى نبعث إليه رسوالً يهدي إلى الحق ويبين الشريعة " أ هـ ،مع وجوب العلم انه
يجوز عقالً على اهلل تعالى أن يعذب من يشاء من عبيده بذنب أو بغير ذنب مصداقاً لقوله تعالى ":ال
سئلُو َن " سورة األنبياء آية ( )23إال أنه سبحانه وتعالى ببالغ حكمته وكمال
وهم يُ َ
فع ُل ُ
يُسئَ ُل َع َّما يَ َ
ٍ
بحكم شرعي " ويسمى بالمستحيل من علينا بإبطال هذا الحكم العقلي
عدله وبمحض فضله قد َّ
الع َرضي " أى ال يعذب أحد إال بعد إرسال الرسل. َ
ِ ِ ِ
لت إِلَينَا َر ُسوالً ثانياً :قوله تعالى ":ولَوال أَن تُص َيب ُهم ُّمصيبَةُ بِ َما قَد َ
َّمت أَيدي ِهم َفَي ُقولُواْ َر َّبنَا لَوال أ َ
َرس َ
ين " سورة القصص آية ( )47أي أن الحامل على إرسال الرسل ك ونَ ُكو َن ِمن ِ ِ َفنَتَّبِ َع َءايَاتِ َ
المؤمن ََ ُ
تعللهم بهذا القول واحتجاجهم به.
ث فِي أ ُِّم َها َر ُسوالً يَتلُواْ َعلَي ِهم َءايَاتِنَا " سورة القصص آية ك ُمهلِ َ
ك ال ُق َرى َحتَّى يَ َبع َ وما َكا َن َربُ ُّ ثالثاًَ ":
( )59قال ابن ُج َز ْي في تفسيره " التسهيل لعلوم التنزيل " أ ُُّم القرى مكة ألنها َّأول ما خلق اهلل من
وألن فيها بيت اهلل ،والمعنى أن اهلل أقام الحجة= على أهل القرى بأن بعث سيدنا محمد صلى األرض َّ
اهلل عليه وسلم في ِّأم القرى فإن كفروا أهلكهم بظلمهم بعد البيان لهم وإقامة الحجة= عليهم .أ هـ
( )1/12
ــــــــــــــــــــــــــ
( )1/13
ــــــــــــــــــــــــــ
أوالً :ما أخرجه مسلم في كتاب المناقب ما نصه :حدَّثنا محمد بن مهران الرازي ومحمد بن عبد
الرحمن بن سهم جميعاً عن الوليد قال ابن مهران حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا األوزاعي عن أبي
عز عمار شدَّاد أنه سمع واثلة بن األسقع يقول :سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقولَّ ":
إن اهلل َّ
وجل اصطفى كِنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشاً من كِنانة واصطفى من ٍ
قريش بني هاشم َّ
واصطفاني من بني هاشم " ووجه الدليل من الحديث أن اإلصطفاء يشعر بالنجاة والقرأن يشهد لذلك
اإلصطفاء ٍ
بآيات كثيرة إذ َّ
أن اهلل ال يصطفي المشركين األنجاس ،إنما يصطفي الموحدين الطاهرين
فعبد اهلل أبي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إصطفاه اهلل.
ثانياً :روى أبو نعيم في دالئل النبوة ":أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ":لم يزل اهلل ينقلني من
مهذبا ال تنشعب شعبتان إال كنت في خيرهما " فوصف مصفى َّاألصالب الطيبة إلى األرحام الطاهرة َّ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أصوله بالطاهرة والطيبة وهما صفتان منافيتان للكفر والشرك قال
س " سورة التوبة آية(.)28 تعالى يصف المشركين ":إِنَّ َما ُ
المش ِر ُكو َن نَ َج ُ
ثالثاً :أخرج البخاري في باب صفة النبي صلى اهلل عليه وسلم من كتاب المناقب حدثنا قتيبة بن سعد
حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضى اهلل عنه أن رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ":بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي
كنت فيه " ووجه الدليل من الحديث َّ
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وصف القرون التي سبقته
وقرنه الذي بعث فيه بالخيرية والمراد بالقرون أهله الذين عاشوا قبله ومعه وهم أصوله وذلك بصريح
الحديث.
قال الحافظ زين الدين العراقي في مورده الهني ومولده السني:
ِ
السمه األمجاد صوناً
ُ ٍ
لمحمد ءاباءهُ حفظ اإلله كرامةً
أبيه ِ
وأمه ءادم وإلى ِ
تركوا السفاح فلم يصيبهم عارهُ من ٍ
( )1/14
ــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً :ما ذكره القسطالني في كتابه المواهب اللدنية قال" :روى الزهري عن أسماء بنت رهم عن
أمها قالت ":شهدت آمنة َّأم النَّبي صلى اهلل عليه وسلم في علتها التي ماتت بها ومحمد صلى اهلل عليه
حي ميِّت
وسلم يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه وقالت أبيات شعر ثم قالت كل ٍّ
وكل جديد بال وكل كثير يفنى وأنا ميِّتة وذكري ٍ
باق وقد تركت خيراًَ وولدت طهراً ثم ماتت فكنَّا
الجن عليها ،أخرج اإلمام أحمد وصححة= الحاكم من حديث العرباض ابن سارية السلمى
نسمع نوح ِّ
قال " ورؤيا أمى التى رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين "
بمعنى أى يلهمن.
أفمن كان آخر كالمه هذه الحكم الدالة على سالمة فطرته ومن يبشر بقدوم رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ومن كانت الجن تنوح عليه أسفاً على فراقه يُقال فيه أنَّه من أصحاب= النَّار.
فصل
ٍ
معجزة كانت روى البيهقي في كتابه دالئل النبوة بسنده المتصل إلى اإلمام الشافعي أنه قال :ما من
لنب ٍي من األنبياء إال وكان لنبينا مثلها.
( )1/15
ــــــــــــــــــــــــــ
( )1/16
ــــــــــــــــــــــــــ
قلت :وروى مسلم في كتابه الفضائل عن جابر بن سمرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم":
إني ألعرف حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث إني ألعرفه اآلن " وكذلك كالم الشجر رواه
الدارمي وحديث الذئب رواه أحمد وحديث العذق رواه أحمد أيضا والترمذي وكالم الجمل رواه أبو
نعيم في الدالئل وحنين الجزع رواه البخاري وشهادة الضب رواه أبو نعيم أيضا في الدالئل وشهادة
زيد بن خارجة األنصاري بعد ما مات لنبينا صلى اهلل عليه وسلم بالرسالة رواه البيهقى وإخبار الذراع
إياه بأنها مسمومة= أخرجه أبو داود في ِّ
الديِّات وغير ذلك كثير مما يصعب تتبعه في هذه العجالة= مع
التنبيه أن كالم الموتى معهود ومعروف أما كالم الشجر والحجر والجمل وغير ذلك فإنه لعمري غير
ٍ
معهود ومألوف وهلل در البوصيري حيث يقول:
إن كان موسى سقى األسباط من حجر
معنى ليس في الحجر
فإن في الكف ً
إن كان عيسى برا األعمى بدعوته
فكم براحته قد َّ
رد من بصر
فصل
في إحياء أبويه صلى اهلل عليه وسلم وإيمانهما به
أوال :ومما ال شك فيه بأن حديث إحيائهما ضعيف عند الحفاظ وعدم حاجتنا له بذاته لإلحتجاج به
على نجاتهما بعد كل ما َّبينَّاه آنفاً ولكن ال بأس أن نورده زيادةً للفائدة وطمأنةً للقلوب ولمعرفة
ممدوح عند أهل
ٍ ألن كل ذلك غير طريقة العمل مع مثل هذه األحاديث قبل اإلسراع إلى االعتراض َّ
النظر فقد روى الطبراني بسنده عن عائشة رضى اهلل عنها أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نزل الحجون
حزيناً أقام به ما شاء اهلل ثم رجع مسروراً قال ":سألت ربي عز وجل فأحيى لي أمي فآمنت بي ثم
ردَّها " وروي من حديث عائشة أيضا إحياء أبويه صلى اهلل عليه وسلم حتى آمنا به .أورده السهيلي و
مر معنا في الفصل السابق قول القرطبي إن إحياءهما ليس ممتنعا ال شرعا وال
الخطيب البغدادي وقد َّ
عقال.
( )1/17
ــــــــــــــــــــــــــ
قلت :بل الشواهد التي تواترت في إحياء األموات وكالم الجمادات معجزة وكرامة له صلى اهلل عليه
وسلم مع خلو الجمادات من مقومات الحياة وما كان من إحياء قتيل بني إسرائيل ونفخ الروح في
الطير لسيدنا عيسى عليه السالم وهي من الطين فتصبح طائراً حقيقياً أفبعد هذا يمتنع إحياء أبويه
لإليمان به صلى اهلل عليه وسلم فيكون ذلك زيادةً في إكرامه وتفضيله ومعجزةً من معجزاته التي أيَّده
اهلل بها وأظهرها على يديه صلى اهلل عليه وسلم.
قال اإلمام فخر الدين الرازي :إن جميع آباء محمد صلى اهلل عليه وسلم كانوا مسلمين ومما يدل
على ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم ":لم أزل أنقل من أصالب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه
أبو نعيم في الدالئل وقد قال تعالى ":إِنَّ َما ُ
المش ِر ُكو َن نَ َج ٌ
س" سورة التوبة أية ( )28فوجب أن ال
يكون أحد من أجداده مشركاً فكيف بأبائه انتهى كالم الرازي ،وقد أحسن الحافظ شمس الدين بن
ناصر الدين الدمشقي حيث قال:
فضل وكان به رؤوفافضل على ٍحبا اهلل النبي مزيد ٍ
ٍ
إليمان به فضالً لطيفا فأحيى َّأمه وكذا أباه
قدير وإن كان الحديث به ضعيفا
فسلم فالقديم بذا ٌ
( )1/18
ــــــــــــــــــــــــــ
( )1/19
ــــــــــــــــــــــــــ
وروح ٍ
عالية ،فواهلل ما ٍ ٍ
وإنصاف أيها القارئ المنصف الكريم نرجوا أن تقرأ رسالتنا هذه بتمع ٍن وتبص ٍر
كتبناها إال محبة للخير وعمالً بحديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :من لم يهتم بشؤون
المسلمين فليس منهم" رواه الحاكم عن ابن مسعود.
وهل يوجد شيء أهم من الدفاع عن رسولنا الكريم وقد قال صلى اهلل عليه وسلم" :ال يؤمن أحدكم
حتى أكون أحب اليه من والده وولده" رواه البخاري.
وقال صلى اهلل عليه وسلم" :الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين
وعامتهم" رواه مسلم في كتاب اإليمان ،ولقد أوصانا علماؤنا وال يزالون يوصوننا بالتثبت في النقل،
غدر وخيانة ،وقد روى اإلمام مسلم في مقدمة صحيحه بسنده َّ
ألن العلم أمانة وعدم التثبت فيه ٌ
المتصل البن سيرين أنه قال" :إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" فال تغتر أخي المؤمن
يروجون خبر كفر أبوي الرسول صلى اهلل عليه وسلم ويحرمون زيارة قبره الشريف ويعتبرون
بمن َّ
ذلك شرك ،والمنصف منهم يعتبره سفر معصية وعلى قولهم هذا ال يسلم من الشرك أو المعاصي
جميع علماء المسلمين زياده على عامتهم ،ألن نجاة والدي المصطفى وزيارة قبره الشريف هو ما
ٍ
وتطرف ،وذلك بما عليه علماء المسلمين من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة بعيداً عن أي تعصب
تناقلوه عن الصحابة رضوان اهلل عليهم والسلف الصالح وغيرهم من شموس هذه األمة وأعالمها
الذين قال فيهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ":ال تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق ال
يضرهم من خذلهم شيئا " رواه احمد والشيخان عن معاوية قال االمام أحمد رضى اهلل عنه إذا لم
يكونوا أهل العلم فال أدرى من هم فال تغتر واتبع ما كان من األثر وما عليه أهل الفهم من أصحاب=
الحل والعقد وأتقياء البشر وتمسك بأصحاب هذه المدارس واهجر كل من قوله دارس وتثبت
بالرواس:
باألساس كما قال اإلمام المشهور َّ
إتبع أهل الهدى على علم فأهل الهدى مثل النجوم الزواهر
( )1/20
ــــــــــــــــــــــــــ
( )1/21
ــــــــــــــــــــــــــ