Professional Documents
Culture Documents
المقصود القول بسنية الدلك ل بوجوبه ،لن الحاديث التي وصفت غسل النبي صلّى ال عليه وسلم ل
تدل حقا على الدلك ،وليس في كتب اللغة ما يشعر بأن الدلك داخل في مسمى الغسل ،فالواجب ما
صدق عليه اسم الغسل المأمور به لغة.
حكم ناسي أحد الفروض :قال ابن جزي المالكي ( : )1من نسي شيئا من فرائض الوضوء ،فإن ذكر
بعد أن جف وضوءه ،فعل ما ترك خاصة ،وإن ذكر قبل أن يجف وضوءه ابتدأ الوضوء ،قال
الطّليطلي :إنه يعيد الذي نسي وما بعده وليبتدئ الوضوء ،وهو الصحيح.
المطلب الثالث ـ شروط الوضوء:
سبب وجوب الوضوء :هو الحدث ،ودخول وقت الصلة ،والقيام إليها ونحوها ،والصح عند
الشافعية :الثنان معا أي الحدث والقيام إلى الصلة ونحوها.
وأما شروط الوضوء فنوعان :شروط وجوب ،وشروط صحة (. )2
وشرائط الوجوب :هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص .وشرائط الصحة :ما ل تصح
الطهارة إل بها.
أولً ـ شروط الوجوب:
يشترط لوجوب الوضوء على الشخص ،أي التكليف به وافتراضه عليه شروط ثمانية هي ما يأتي:
ً - 1العقل :فل يجب ول يصح من مجنون حال جنونه ،ول من مصروع حال صرعه ،ول يجب
على النائم والغافل ول يصح منهما لعدم النية عند الجمهور غير الحنفية؛ إذ ل نية لنائم أو غافل حال
النوم أو الغفلة.
ً - 2البلوغ :فل يجب على صبي ،لكن ل يصح الوضوء إل من مميز ،فالتمييز شرط لصحة
الوضوء .
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .23
( )2البدائع ،15/ 1 :الدر المختار ورد المحتار ،80/ 1 :مراقي الفلح :ص ،10الشرح الصغير:
،134- 131 /1الشرح الكبير 84/ 1 :وما بعدها ،مغني المحتاج ،47/ 1 :كشاف القناع.95/ 1 :
( )1/339
ً - 3السلم :شرط وجوب عند الحنفية بناء على المشهور عندهم من أن الكفار غير مخاطبين
بالعبادات وغيرها من فروع الشريعة ،فل يجب على كافر إذ ليخاطب كافر بفروع الشريعة .وهو
شرط صحة عند الجمهور بناء على أن المقرر لديهم مخاطبة الكفار بفروع الشريعة،فل يصح من
كافر ،إذ يشترط لصحة أدائه منه وجود السلم ( . )1وهذا شرط في جميع العبادات من طهارة
وصلة وزكاة وصوم وحج.
ً - 4القدرة على استعمال الماء الطهور الكافي،فل يجب على عاجز عن استعمال المطهر ،ول على
فاقد الماء ،والتراب أيضا ،ول على واجد ماء ل يكفي لجميع العضاء مرة مرة .ول على عاجز
يضره الماء ،فالمراد بالقادر :هو الواجد الماء الذي ل يضره استعماله .هذا عند الحنفية والمالكية،
والظهر عند الشافعية والحنابلة أنه يجب استعمال الماء الذي ل يكفيه ثم يتيمم.
ً - 5وجود الحدث :فل يلزم المتوضئ إعادة الوضوء أي الوضوء على الوضوء.
ً - 7ً ،6عدم الحيض والنفاس بانقطاعهما شرعا ،فل يجب على الحائض والنفساء.
ً - 8ضيق الوقت :لن الخطاب الشرعي يتوجه للمكلف حينئذ توجها مضيقا ،وموسعا في ابتداء
الوقت ،فل يجب الوضوء حال سعة الوقت ،ويجب إذا ضاق الوقت.
ويمكن اختصار هذه الشروط في أمر واحد :هو قدرة المكلف بالطهارة عليها بالماء.
ثانيا ـ شروط الصحة:
يشترط لصحة الوضوء شروط ثلثة عند الحنفية ،وأربعة عند الجمهور:
ً - 1عموم البشرة بالماء الطهور :أي أن يعم الماء جميع أجزاء العضو المغسول ،بحيث ل يبقى منه
شيء ،إل وقد غسل ،لكي يغمر الماء جميع أجزاء البشرة ،حتى لو بقي مقدار مغرز إبرة لم يصبه
الماء من المفروض غسله ،لم يصح الوضوء.
-------------------------------
( )1انظر كتابي أصول الفقه السلمي ،146/1ط دار الفكر ،ط ثانية.
( )1/340
وبناء عليه يجب تحريك الخاتم الضيق عند الجمهور غير المالكية :أما المالكية فقالوا :ل يجب تحريك
الخاتم المأذون فيه لرجل أو امرأة ولو ضيقا ل يدخل الماء تحته ،ول يعد حائلً بخلف غير المأذون
فيه ،كالذهب للرجل أو المتعدد أكثر من واحد ،فل بد من نزعه ما لم يكن واسعا يدخل الماء تحته،
فيكفي تحريكه؛ لنه بمنزلة الدلك بالخرقة.
ول يصح الوضوء باتفاق الفقهاء بغير الماء من المائعات كالخل والعصير واللبن ونحو ذلك ،كما ل
يصح التوضؤ بالماء النجس ،إذ ل صلة إل بطهور أو ل صلة إل بطهارة.
ً - 2إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو :أي أل يكون على العضو الواجب غسله حائل يمنع
وصول الماء إلى البشرة ،كشمع وشحم ودهن ودهان ،ومنه عماص العين ،والحبر الصيني المتجسم،
وطلء الظافر للنساء .أما الزيت ونحوه فل يمنع نفوذ الماء للبشرة.
ً - 3عدم المنافي للوضوء أو انقطاع الناقض من خارج أو غيره :أي انقطاع كل ما ينقض الوضوء
قبل البدء به ،لغير المعذور ،من دم حيض ونفاس وبول ونحوهما ،وانقطاع حدث حال التوضؤ؛ لنه
بظهور بول وسيلن ناقض ،ل يصح الوضوء.
والخلصة:أنه ل يصح الوضوء لغير المعذور حال خروج الحدث أو وجود ناقض للوضوء.
ً - 4دخول الوقت للتيمم عند الجمهور غير الحنفية ،ولمن حدثه دائم كسلس البول عند الشافعية
والحنابلة ،لن طهارته طهارة عذر وضرورة ،فتقيدت بالوقت.
والسلم كما عرفنا شرط لصحة أداء العبادات عند غير الحنفية ،وعندهم :شرط وجوب .وأما التمييز
فهو شرط لصحة الوضوء وغيره من العبادات بالتفاق.
( )1/341
وقال الشافعية :شروط الوضوء والغسل ثلثة عشر :السلم ،والتمييز ،والنقاء من الحيض والنفاس،
وعما يمنع وصول الماء إلى البشرة ،والعلم بفرضيته ،وأل يعتقد فرضا معينا من فروضه سنة،
والماء الطهور ،وإزالة النجاسة العينية ،وأل يكون على العضو ما يغير الماء ،وأل يعلق نيته ،وأن
يجري الماء على العضو ،ودخول الوقت لدائم الحدث ،والموالة (أي فقد الصارف).
المطلب الرابع ـ سنن الوضوء:
ميز الحنفية بين السنة والمندوب ،فقالوا :السنة :هي المؤكدة وهي الطريقة المسلوكة في الدين من
غير لزوم ،على سبيل المواظبة ،أي أنها التي واظب عليها النبي ـ صلّى ال عليه وسلم وتركها
أحيانا بل عذر .وحكمها الثواب على الفعل والعتاب على الترك.
وأما المندوب أو المستحب :فهو مالم يواظب عليه النبي صلّى ال عليه وسلم .ويعرف هنا بآداب
الوضوء .وحكمه الثواب على فعله وعدم اللوم على تركه.
وأهم سنن الوضوء عند الحنفية :ثمانية عشر شيئا ،وعند المالكية ثمان ،وعند الشافعية حوالي ثلثين،
إذ لم يفرقوا بين السنة والمندوب ،وعند الحنابلة :حوالي عشرين مطلوبا (. )1
ً - 1النية سنة عند الحنفية ،ووقتها قبل الستنجاء ،وكيفيتها :أن ينوي رفع الحدث أو إقامة الصلة أو
ينوي الوضوء أو امتثال المر .ومحلها القلب ،واستحب المشايخ النطق بها .وهي فرض عند
الجمهور غير الحنفية ،كما بينت في بحث فرائض الوضوء.
ً - 2غسل اليدين إلى الرسغين ثلثا قبل إدخالهما الناء ،سواء قام من النوم أم لم يقم؛ لنهما آلة
التطهير،ولقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :إذا استيقظ أحدكم من نومه،
-------------------------------
( )1البدائع ،23-18:فتح القدير ،23-13:الدر المختار ،114- 101 / 1 :مراقي الفلح :ص -10
،13الشرح الصغير ،121 - 117/ 1 :الشرح الكبير ،104-96/1:بداية المجتهد،12- 8 /1 :
القوانين الفقهية :ص ،22المهذب ،19-15/1:كشاف القناع ،122 - 118 / 1 :المغني-96/1:
.143
( )1/342
فليغسل يده ،قبل أن يدخلها في الناء ،فإن أحدكم ل يدري أين باتت يده » ( )1وفي لفظ« :حتى
يغسلها ثلثا» والرجح الكتفاء بمرة كبقية أفعال الوضوء ،والتثليث مستحب .وقال الحنابلة :يكون
الغسل ثلثا ،سنة لغير المستيقظ من النوم ليلً ،وواجبا على المستيقظ من نومه ليلً.
ً - 3التسمية في بدء الوضوء :بأن يقول عند غسل يديه إلى كوعيه :بسم ال ،والوارد عنه عليه
السلم ـ فيما رواه الطبراني عن أبي هريرة بإسناد حسن ـ باسم ال العظيم ،والحمد ل على دين
السلم .وقيل :الفضل ( :باسم ال الرحمن الرحيم ) عملً بحديث «كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه ببسم
ال الرحمن الرحيم :أقطع» (. )2
وقد اعتبر المالكية التسمية من فضائل (آداب) الوضوء .وأوجب الحنابلة التسمية عند الوضوء.
ودليلهم :قوله صلّى ال عليه وسلم « :ل صلة لمن ل وضوء له ،ول وضوء لمن لم يذكر اسم ال
عليه» ( )3وقوله عليه السلم من حديث سعيد بن زيد مثله ( ، )4وحديث أبي سعيد« :ل وضوء لمن
لم يذكر اسم ال عليه» (. )5
-------------------------------
( )1أخرجه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية )2 / 1 :والرسغ :المفصل الذي بين
الساعد والكف ،وبين الساق والقدم ،أو أنه مفصل الكف بين الكوع (ما يلي البهام) والكرسوع ( ما
يلي الخنصر) وأما البوع فهو العظم الذي يلي إبهام الرجل.
( )2ذكره عبد القادر الرهاوي في الربعين عن أبي هريرة ،وهو حديث ضعيف.
( )3رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وقال :حديث صحيح السناد ،عن أبي هريرة (نصب الراية:
.)3/1
( )4رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والحاكم ،قال المام أحمد :حديث أبي سعيد أحسن حديث في هذا
الباب ،وقال الترمذي والبخاري :حديث سعيد بن زيد أحسن .والجميع في أسانيدها مقال قريب (نصب
الراية ،4 / 1 :نيل الوطار.)134/ 1 :
( )5رواه الحاكم في المستدرك وصححه ،وضعفه غيره (نصب الراية.)4 / 1 :
( )1/343
استدل الحنابلة على وجوب التسمية بهذه الحاديث .وتأول الجمهور هذه الحاديث بأنها واردة لنفي
الكمال ،ل نفي الصحة ،كحديث «ل صلة لجار المسجد إل في المسجد» ( )1وحديث «ذكر ال على
قلب المؤمن ،سمى أو لم يسمّ» ( )2بقرينة حديث مرفوع عن ابن عمر (« : )3من توضأ وذكر اسم
ال عليه كان طهورا لجميع بدنه ،ومن توضأ ولم يذكر اسم ال عليه ،كان طهورا لعضاء وضوئه»
( )4ولخبر النسائي وابن خزيمة بإسناد جيد عن أنس« :توضؤوا بسم ال» أي قائلين ذلك ،وأكملها
كمالها ،ثم الحمد ل على السلم ونعمته ،الحمد ل الذي جعل الماء طهورا .وإنما تجب التسمية لية
الوضوء المبينة لواجباتها.
ً - 4المضمضة والستنشاق :والمضمضة :هي إدخال الماء في الفم وخضخضته وطرحه ،أو
استيعاب جميع الفم بالماء .والستنشاق :إدخال الماء في النف وجذبه بنفسه إلى داخل أنفه.
ويلحق بهما سنة الستنثار :وهو دفع الماء بنفسه مع وضع أصبعيه (السبابة والبهام من يده اليسرى)
على أنفه ،كما يفعل في امتخاطه .وهي كلها سنة مؤكدة عند الجمهور غير الحنابلة لحديث مسلم« :ما
منكم من أحد يقرب وضوءه ،ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ،إل خرّت خطايا فيه وخياشيمه مع
الماء» ( . )5وأما خبر (تمضمضوا واستنشقوا) فضعيف .وإنما لم يجبا فلية الوضوء المبينة
لواجباته.
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني عن جابر وعن أبي هريرة ،وهو ضعيف (الجامع الصغير :نيل الوطار:
.)1/136
( )2أخرجه الدارقطني ،وفيه ضعيف ( نصب الراية ،183/ 4 :نيل الوطار :المكان السابق).
( )3وصرح ابن سيد الناس في شرح الترمذي بأنه قد روي في بعض الروايات« :ل وضوء كاملً»
وقد استدل به الرافعي ،قال ابن حجر :لم أره هكذا (نيل الوطار ،المكان السابق).
( )4أخرجه الدارقطني والبيهقي ،وفيه متروك ومنسوب إلى الوضع ،ورواه الدارقطني والبيهقي عن
أبي هريرة وفيه ضعيفان ،ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا ،وفيه متروك (نيل الوطار.)135/ 1 :
( )5معنى :خرت :سقطت وذهبت و( فيه ) فمه.
( )1/344
( )1/345
والمبالغة في المضمضة :أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي السنان واللثات .ويسن إمرار
أصبع يده اليسرى على ذلك ،وفي الستنشاق :أن يصعد الماء بال ّنفَس إلى الخيشوم .ويسن إدارة الماء
في الفم ومجه.
ويسن الستنثار للمر به في خبر ابن عباس عن النبي صلّى ال عليه وسلم « :استنثروا مرتين
بالغتين ،أو ثلثا» (. )1
وعبارة الحنفية في المضمضة والستنشاق :وهما سنتان مؤكدتان مشتملتان على سنن خمس:
الترتيب ،والتثليث ،وتجديد الماء ،وفعلهما باليمنى ،والمبالغة فيهما بالغرغرة ومجاوزة المارن (أرنبة
النف ) لغير الصائم ،لحتمال الفساد أي الفطار (. )2
وقال المالكية :يندب فعل المضمضة والستنشاق ،بثلث غرفات لكل منهما ،ومبالغة مفطر.
ويرى الشافعية في الصح أن الترتيب فيهما مستحق ل مستحب ،بعكس تقديم اليمنى على اليسرى.
والظهر كما قال النووي في المنهاج :تفضيل الجمع على الفصل بين المضمضة والستنشاق ،بثلث
غرف ،يتمضمض من كلٍ،ثم يستنشق ،أي أن الجمع بغرفة لكليهما أفضل من فصلهما للخبار
الصحيحة في ذلك (. )3
والمشهور في مذهب الحنابلة :أن المضمضة والستنشاق واجبان في الطهارتين جميعا :الوضوء
والغسل ،لن غسل الوجه واجب فيهما ،والفم والنف من الوجه ،ولحديث عائشة« :المضمضة
والستنشاق من الوضوء الذي لبد منه» ( ، )4ولمداومته صلّى ال عليه وسلم عليهما في كل حديث
ذكر فيه صفة وضوء رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،مثل
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وابن الجارود وصححه ابن القطان ،وذكره الحافظ ابن
حجر في التلخيص ولم يذكره بضعف ،وكذلك المنذري (نيل الوطار.)146/ 1 :
( )2الدر المختار.108/ 1 :
( )3مغني المحتاج.58 / 1 :
( )4رواه أبو بكر في الشافي بإسناده ،والدارقطني في سننه.
( )1/346
حديث عثمان السابق ،وحديث علي« :أنه دعا ب َوضُوء ( أي ماء ) ،فتمضمض واستنشق ونثر بيده
طهُور نبي ال صلّى ال عليه وسلم » ( )1وحديثي أبي هريرة:
اليسرى ،ففعل هذا ثلثا ،ثم قال :هذا َ
«أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال :إذا توضأ أحدكم ،فليجعل في أنفه ماء ،ثم لينثر» «أمر رسول ال
صلّى ال عليه وسلم بالمضمضة والستنشاق» (. )2
والحق :أن هذه الحاديث ظاهرة في إيجاب المضمضة والستنشاق .وقد اعترف جماعة من الشافعية
وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والستنشاق والستنثار ،قال الحافظ ابن حجر
في الفتح :وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الستنشاق ،مع صحة المر به ،إل
بكونه ل يعلم خلفا في أن تاركه ل يعيد .وهذا دليل فقهي ،فإنه ل يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة
والتابعين إل عن عطاء (. )3
ً - 5السواك سنة باتفاق الفقهاء ما عدا المالكية الذين عدوه من الفضائل،وسأخصص له مبحثا
مستقلً.
ً - 6تخليل اللحية الكثة والصابع :يسن تخليل اللحية الكثة بكف ماء من أسفلها ( ، )4وتخليل أصابع
اليدين والرجلين باتفاق الفقهاء ،لما روى ابن ماجه والترمذي وصححه :أنه صلّى ال عليه وسلم كان
يخلل لحيته ،ولما روى أبو داود« :أنه صلّى ال عليه وسلم كان إذا توضأ ،أخذ كفا من ماء ،فأدخله
تحت حنكه ،فخلل به لحيته ،وقال :هكذا
-------------------------------
( )1رواه أحمد والنسائي عن علي رضي ال عنه (نيل الوطار.)143/ 1 :
( )2الحديث الول متفق عليه ،والثاني رواه الدارقطني ( نيل الوطار ،المكان السابق).
( )3نيل الوطار.141 / 1 :
( )4أما اللحية الخفيفة ،والكثيفة في حد الوجه من لحية غير الرجل وعارضيه ،فيجب إيصال الماء
إلى ظاهره وباطنه ومنابته بتخليل أو غيره (مغني المحتاج.)60/ 1 :
( )1/347
( )1/348
واحدة» ( ، )1ولما روي عن علي رضي ال عنه «أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة» ،ثم قال:
«هذا وضوء النبي صلّى ال عليه وسلم ،من أحب أن ينظر إلى طهور رسول ال صلّى ال عليه
وسلم فلينظر إلى هذا» قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح.
وكذلك وصف عبد ال بن أبي أوفى ،وابن عباس ،وسلمة بن الكوع والرّبَيّع ،كلهم قالوا ( :ومسح
برأسه مرة واحدة ) وحكايتهم لوضوء النبي صلّى ال عليه وسلم إخبار عن الدوام ،ول يداوم إل على
الفضل الكمل.
ولنه مسح في طهارة ،فل يسن تكراره ،كالمسح في التيمم والمسح على الجبيرة ،وسائر المسح.
وقال الشافعية :ويسن أيضا تثليث المسح ،لما روي عن أنس« :الثلث أفضل» ولحديث شقيق بن
سلمة عند أبي داود قال« :رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلثا ومسح برأسه ثلثا ،ثم قال:
رأيت رسول ال صلّى ال عليه وسلم فعل مثل هذا ،وروي مثل ذلك عن غير واحد من أصحاب
رسول ال صلّى ال عليه وسلم .
وروى عثمان وعلي وابن عمر وأبو هريرة وعبد ال بن أبي أوفى ،وأبو مالك والرّبيع ،وأبي بن
كعب« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم توضأ ثلثا ثلثا» .
لكن رد الجمهور على الشافعية بأنه لم يصح من أحاديثهم شيء صريح ،ويظهر أن رأي الجمهور
أقوى دليلً من السنة الصحيحة.
ً - 8استيعاب كل الرأس بالمسح :يسن الستيعاب بالمسح عند الحنفية والشافعية اتباعا للسنة فيما
رواه الشيخان ،مرة واحدة عند الحنفية ،وثلثا عند الشافعية ،وخروجا من خلف من أوجبه؛ لن
مسح الرأس كله واجب عند المالكية والحنابلة كما بينا.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )1/349
والسنة في كيفيته :أن يضع يديه على مقدمة رأسه ويلصق سبابته بالخرى وإبهاميه على صدغيه ،ثم
يذهب بهما إلى قفاه ،ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إذا كان له شعر ينقلب ( ، )1فإن لم يقلب
شعره لقصره أو عدمه لم يردّ لعدم الفائدة .
وقال المالكية :يسن رد مسح الرأس وإن لم يكن له شعر بأن يعمه بالمسح ثانيا إن بقي بيده بلل من
المسح الواجب ،وإل سقطت سنة الرد.
ودليل الحنفية :حديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان السابقان وفيهما« :ثم مسح برأسه» ولم يذكرا
عددا .ومثله حديث أبي حَبّة في صفة وضوء علي وفيه« :ومسح برأسه مرة» ( )2ودليل الشافعية:
حديث عثمان السابق فيما رواه أبو داود بإسناد حسن :أنه توضأ ،فمسح رأسه ثلثا ،وقال :رأيت
رسول ال صلّى ال عليه وسلم توضأ هكذا .وحديث علي عند البيهقي« :توضأ ،فمسح رأسه ثلثا ،ثم
قال :هكذا رأيت رسول ال صلّى ال عليه وسلم فعل» .
وأجاز الشافعية والحنابلة مسح بعض الرأس والكمال على العمامة إن عسر رفعها ،لنه صلّى ال
عليه وسلم «مسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» (. )3
ً - 9مسح الذنين ظاهرا وباطنا بماء جديد :يسن مسح الذنين ظاهرا وباطنا بماء جديد عند
الجمهور؛ لنه صلّى ال عليه وسلم مسح في وضوئه برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ،وأدخل
أصبعيه في صماخي أذنيه ،يأخذ لصماخيه أيضا ماء جديدا.
روي عن عبد ال بن زيد« :أنه رأى رسول ال صلّى ال عليه وسلم يتوضأ ،فأخذ لذنيه ماءً
-------------------------------
( )1هكذا رواه الجماعة عن عبد ال بن زيد (نيل الوطار.)154/ 1 :
( )2رواه الترمذي وصححه (المرجع السابق :ص .)158
( )3رواه مسلم والترمذي وصححه عن المغيرة بن شعبة (المرجع السابق :ص .)164
( )1/350
خلف الماء الذي أخذه لرأسه» ( ، )1وكان ابن عمر إذا توضأ يأخذ الماء بإصبعيه لذنيه(. )2
وقال الحنابلة :يجب مسح الذنين؛ لن الذنين من الرأس لحديث «الذنان من الرأس» (، )3ولن
النبي صلّى ال عليه وسلم مسحهما مع رأسه ،كما هو الثابت في أحاديث متعددة (. )4
والراجح لدي القول بسنية مسح الذنين فقط ،لن حديث «الذنان من الرأس» لم يثبت ،وإنما هو
ضعيف ،حتى قال ابن الصلح :إن ضعفه كثيرل ينجبر بكثرة الطرق .وقال الشوكاني :الحق عدم
انتهاض الحاديث الواردة لذلك ،والمتيقن الستحباب ،فل يصار إلى الوجوب إل بدليل ناهض ،وإل
كان من التقول على ال بما لم يقل (. )5
ومسح الذنين :ثلث مرات عند الشافعية ومرة عند الجمهور.
ً - 10البداءة بالميامن في غسل اليدين والرجلين :واعتبره المالكية من الفضائل .ودليل السنية :حديث
عائشة قالت « :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يحب التيامُن في تنعله وترجّله وطَهوره ،وفي
شأنه كله» ( )6وهو دليل على مشروعية البتداء باليمين في لبس النعال ،وفي ترجيل الشعر (أي
تسريحه) وفي الطهور ،فيبدأ بيده اليمنى قبل اليسرى ،وبالجانب اليمن من سائر البدن في الغسل قبل
اليسر ،والتيامن سنة في جميع الشياء.
-------------------------------
( )1رواه الحاكم والبيهقي وقال :إسناده صحيح (نصب الراية.)22 / 1 :
( )2رواه مالك في الموطأ (المرجع السابق).
( )3رواه ابن ماجه من غير وجه ،لكن فيه راو تكلم فيه (نيل الوطار.)160/ 1 :
( )4منها حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود ،وحديث ابن عباس عند الترمذي والنسائي ،وحديث
الرّبَيّع بنت ُمعَوّذ عند أبي داود والترمذي ،وقال :حديث حسن (انظر نيل الوطار.)162-160/ 1 :
( )5نيل الوطار.161 / 1 :
( )6متفق عليه ،وصححه ابن حبان وابن منده (نيل الوطار.)170/ 1 :
( )1/351
ويؤيده حديث أبي هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :إذا لبستم ،وإذا توضأتم فابدءوا
بأيامنكم» (. )1
وأضاف الحنفية والشافعية لهذه السنة :البداءة برؤوس الصابع ومقدم الرأس ،كما أن الشافعية
أضافوا :البدء بأعلى الوجه .وقال المالكية :يندب البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو ،أي في
الوجه واليدين والرأس والرجلين.
ً -11الترتيب والموالة والدلك عند من ل يرى فرضيتها ،كما قدمنا في بحث فرائض الوضوء.
المطلب الخامس ـ آداب الوضوء أو فضائله:
عبر الحنفية عن ذلك بالدا ب جمع أدب :وهو ما فعله النبي صلّى ال عليه وسلم مرة أو مرتين ولم
يواظب عليه.
وحكمه :الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه .وآداب الوضوء عندهم أربعة عشر شيئا.
وعبر عنها المالكية بالفضائل أي الخصال والفعال المستحبة ،وهي عندهم عشر ،والفرق بينها وبين
السنة :أن السنة :ما أكد الشارع أمرها ،وعظم قدرها ،وأما المندوب أو المستحب :فهو ما طلبه
الشارع طلبا غير جازم ،وخفف أمره ،وكل منهما يثاب على فعله ،ول يعاقب على تركه.
وأهم هذه الداب ما يأتي:
ً -1استقبال القبلة؛ لنها أشرف الجهات ولنها حالة أرجى لقبول الدعاء ،واعتبره الحنابلة والشافعية
سنة ،إذ لم يفرقوا بين السنة والدب.
ً - 2الجلوس في مكان مرتفع؛ تحرزا عن الغسالة.
وقال المالكية :يستحب إيقاع الوضوء في محل طاهر بالفعل ،وشأنه الطهارة ،فيكره الوضوء في
بيت الخلء أو الكنيف (دورة المياه) قبل استعماله ( ، )2كما يكره الوضوءفي غيره من المواضع
المتنجسة بالفعل.
ً - 3عدم التكلم بكلم الناس ،بل ضرورة؛ لنه يشغله عن الدعاء المأثور.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي ،قال ابن دقيق العيد :هو حقيق
بأن يصح (نيل الوطار.)170/ 1 :
( )2لنه يصير مأوى الشياطين بمجرد إعداده،ففيه تعرض للوسواس ،وإن لم يكن تنجس برشاش.
والخلصة :أنه يكره الوضوء في مكان نجس :لنه طهارة ،أو فيما شأنه النجاسة ،لئل يتطاير عليه
شيء مما يتقاطر من أعضائه ويتعلق به النجاسة.
( )1/352
ً - 4عدم الستعانة بغيره إل لعذر؛ كالصب ونحوه ( ، )1لنه الكثر من فعله صلّى ال عليه وسلم (
، )2ولنها نوع من الترفه والتكبر ،وذلك ل يليق بالمتعبد ،والجر على قدر ال ّنصَب ،وهي خلف
الولى ،وقيل :تكره .فإن كان ذلك لعذر كمرض فل بأس ،وقد أجازها النبي ،بدليل حديث المغيرة بن
شعبة« :أنه كان مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم في سفر ،وأنه ذهب لحاجة له ،وأن مُغيرة جعل
يصب الماء عليه وهو يتوضأ ،فغسل وجهه ويديه ،ومسح برأسه ،ومسح الخفين» (، )3وقال صفوان
عسّال « :صببت الماء على النبي صلّى ال عليه وسلم في السفر والحضر في الوضوء» ( )4وقد
بن َ
دل هذان الحديثان على جواز الستعانة بالغير ،وبهما أخذ الحنابلة فقالوا بالباحة.
ً - 5تحريك الخاتم الواسع؛ مبالغة في الغسل ،وروي عن أبي رافع« :أن رسول ال صلّى ال عليه
وسلم كان إذا توضأ حرّك خاتمه» ( . )5ويندب أيضا تحريك الخاتم الضيق إن علم وصول الماء،
وإل فيفرض تحريكه .وقد بينت أنه عند المالكية :ل يجب تحريك الخاتم الضيق المأذون فيه.
ً - 6كون المضمضة والستنشاق باليد اليمنى لشرفها ،والمتخاط باليسرى لمتهانها.
ً - 7التوضؤ قبل دخول الوقت مبادرة للطاعة ،لغير المعذور.
-------------------------------
( )1أما الستعانة بإحضار الماء فل بأس بها وتركها أفضل ،والستعانة بغسل العضاء مكروهة
(مغني المحتاج.)61/ 1 :
( )2روى ابن ماجه من حديث ابن عباس «كان النبي صلّى ال عليه وسلم ليكل طهوره إلى أحد،
ولصدقته التي يتصدق بها إلى أحد ،ويكون هو الذي يتولها بنفسه » وهو حديث ضعيف.
( )3متفق عليه بين الشيخين (نيل الوطار.)175/ 1 :
( )4رواه ابن ماجه ،وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير ،قال ابن حجر :وفيه ضعف (نيل الوطار:
175/ 1مكرر).
( )5رواه ابن ماجه والدارقطني ،وهو ضعيف ( نيل الوطار.)153/ 1 :
( )1/353
أما المعذور أو المتيمم فل يندب له تعجيل الطهارة عند الحنفية ،ويجب تأخيرها لما بعد دخول الوقت
عند الجمهور.
ً - 8إدخال الخنصر المبلولة في صماخ الذنين؛ مبالغة في التنظيف.
ً - 9مسح الرقبة بظهر يديه ،ل الحلقوم عند الحنفية ( )1؛ لما روي عن ليث عن طلحة بن مُصرّف
عن أبيه عن جده أنه رأى رسول ال صلّى ال عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القَذَال ،وما يليه من
ُمقَدّم العنق» (. )2
وقال جمهور الفقهاء :ل يندب مسح الرقبة ،بل يكره؛ لنه من الغلو في الدين.
ً -10إطالة الغرة والتحجيل:
إطالة الغرة :بغسل زائد على الواجب من الوجه من جميع جوانبه ،وغايتها :غسل صفحة العنق مع
مقدمات الرأس.
والتحجيل :بغسل زائد على الواجب من اليدين والرجلين من جميع الجوانب ،وغايته استيعاب
العضدين والساقين.
وهذا مندوب عند الجمهور ،لخبر الصحيحين« :إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار
الوضوء ،فمن استطاع منكم أن يطيل غُرّته فليفعل» وخبر مسلم« :أنتم الغُرّ المحجّلُون يوم القيامة من
إسباغ الوضوء ،فمن استطاع منكم فليطل غُرّته وتحجيله» (. )3
-------------------------------
( )1هذا هو الراجح الصحيح ،وعده صاحب مراقي الفلح تبعا للبحر الرائق من سنن الوضوء
( انظر الدر المختار.)115/ 1 :
( )2رواه أحمد ،وهو ضعيف (نيل الوطار )163/ 1 :والقذال :ما بين الذنين من مؤخر الرأس.
( )3نيل الوطار.152/ 1 :
( )1/354
وقال المالكية :ل تندب إطالة الغرة :وهي الزيادة في غسل أعضاء الوضوء على محل الفرض ،بل
يكره ،لنه من الغلو في الدين ،وإنما يندب دوام الطهارة والتجديد ،ويسمى ذلك أيضا إطالة الغرة،
كما حمل عليه الحديث السابق« :من استطاع منكم أن يطيل غرته» فقد حملوا الطالة على الدوام،
والغرة على الوضوء .فيتلخص أن إطالة الغرة له معنيان :الزيادة على المغسول ،وإدامة الوضوء،
الول مكروه ،والثاني مطلوب عندهم.
ً - 11ترك التنشيف بالمنديل عند الحنفية والحنابلة وفي الصح عند
الشافعية :إبقاء لثر العبادة ،ولنه صلّى ال عليه وسلم «بعد غسله من الجنابة أتته ميمونة بمنديل،
فرده ،وجعل يقول بالماء :هكذا ،ينفضه» (. )1
وقال المالكية :المسح بالمنديل جائز ،لحديث قيس بن سعد ،قال« :زارنا رسول ال صلّى ال عليه
وسلم في منزلنا ،فأمر له سعد بغُسْل ،فوُضع له فاغتسل ،ثم ناوله مِلْحفة مصبوغة بزعفران ،أو
وَرَس ،فاشتمل بها» (. )2
وعبارة الحنابلة :يباح للمتطهر تنشيف أعضائه ( ، )3وتركه أفضل .وهذا هو الراجح.
ً - 12ترك النفض للماء في الصح عند الشافعية والحنابلة؛ ويكره النفض عند بعض الحنابلة،
وخلف الولى عند الشافعية ،لحديث أبي هريرة« :إذا توضأتم فل تنفضوا أيديكم ،فإنها مراوح
الشيطان» ( ، )4والظهر عند الحنابلة أنه ل يكره وفاقا للئمة الثلثة.
ً - 13تقليل الماء الذي يرفعه للعضاء حال الوضوء ،لن السراف في الماء مكروه.
ً - 14جعل الناء المفتوح كال َقصْعة والطّست عن يمين المتطهر ،لنه أعون في التناول.
-------------------------------
( )1رواه الشيخان ،قال الشافعية :ول دليل في ذلك لباحة النفض ،فقد يكون فعله صلّى ال عليه
وسلم لبيان الجواز (مغني المحتاج.)61/ 1 :
( )2رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائى .والغسل بضم الغين :اسم للماء الذي يغتسل به (نيل
الوطار 175/ 1 :مكرر) اختلف في وصله وإرساله وذكره النووي في فصل الضعيف .
( )3لما رواه ابن ماجه والطبراني في الصغير عن سلمان :أن النبي صلّى ال عليه وسلم «توضأ ،ثم
قلب جبة كانت عليه ،فمسح بها وجهه»
( )4رواه المعمري وغيره من رواية البحتري بن عبيد ،وهو متروك.
( )1/355
( )1/356
( )1/357
( )1/358
- ً 2مذهب المالكية (: )1
أ -سنن الوضوء ثمان:
غسل اليدين مرة إلى الكوعين أولً قبل إدخالهما في الناء ،والمضمضة ،والستنشاق بثلث غرفات
لكل منهما ومبالغة فيهما للمفطر ،ول بد لهذه السنن الثلث من نية بأن ينوي بها سنن الوضوء ،أو
ينوي عند غسل يديه أداء الوضوء ،والستنثار (دفع الماء من النف) ،ومسح الذنين ظاهرهما
وباطنهما مرة واحدة ،وتجديد الماء لهما ،ورد مسح الرأس إن بقي بيده بلل من أثر المسح الواجب
لرأسه ،وترتيب فرائضه الربعة بتقديم غسل الوجه على اليدين ،ثم مسح الرأس ،ثم غسل الرجلين،
فإن قدم فرضا على موضعه المشروع له ،أعاده وحده مرة ول يعيد ما بعده .والمعتمد في ترك سنة
ندب العادة دون ما بعدها ،سواء طال الترك أو ل ،لكن من ترك فرضا من فرائض الوضوء أو
الغسل غير النية ،أو ترك لمعة (بقعة) أتى به وبما بعده من العضاء إن لم يطل الترك ،فإن طال
بطل كل الفرض لعدم الموالة الواجبة.
ب ـ فضائل الوضوء عشر:
أي خصاله وأفعاله التي يثاب عليها ول يعاقب على تركها :إيقاع الوضوء موضع طاهر بالفعل وشأنه
الطهارة ،واستقبال القبلة ،والتسمية بأن يقول عند غسل يديه إلى كوعيه :بسم ال ،وتقليل الماء الذي
يرفعه للعضاء حال الوضوء ( ، )2وتقديم اليد أو الرجل اليمنى على اليسرى ،وجعل الناء المفتوح
كالقصعة والطست لجهة اليد اليمنى ،والبدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو ،والغسلة الثانية والثالثة
في السنن والفرائض حتى في الرّجْل ،وترتيب السنن مع بعضها أو مع الفرائض ،واستياك ولو
بأصْبُع.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،124-117/ 1 :الشرح الكبير.106-96/ 1 :
( )2ول تحديد في التقليل لختلف العضاء والناس ،بل بقدر ما يجري على العضو ،وإن لم يتقاطر
منه.
( )1/359
( )1/360
وأل يتكلم في جميع وضوئه إل لمصلحة ،ول يلطم وجهه بالماء،ول يمسح الرقبة ،وأن يقول بعده:
أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،اللهم اجعلني من التوابين،
واجعلني من المتطهرين ،سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن ل إله إل أنت ،أستغفرك وأتوب إليك،
ويسن أن يقول بعده :وصلى ال وسلم على محمد وآل محمد ،ويقرأ سورة القدر ،ويصلي ركعتين.
- ً 4مذهب الحنابلة (: )1
جملة سنن الوضوء حوالي عشرين :استقبال القبلة ،والسواك عند المضمضة ،وغسل الكفين ثلثا لغير
قائم من نوم ليل ،ويجب ذلك للمستيقظ ليلً ،والبداءة قبل الوجه بالمضمضة ،ثم الستنشاق ،والمبالغة
فيهما لغير صائم ،والمبالغة في سائرالعضاء لصائم وغيره ،والستنثار باليسار ،وتخليل أصابع
اليدين والرجلين ،وتخليل شعر اللحية الكثيفة في الوجه ،والتيامن حتى بين الكفين للقائم من نوم الليل،
وبين الذنين ،ومسح الذنين بعد الرأس بماء جديد ،ومجاوزة موضع الفرض ،والغسلة الثانية والثالثة،
وتقديم النية على مسنونات الوضوء ،واستصحاب ذكرها إلى آخر الوضوء ،وغسل باطن الشعور
الكثيفة في الوجه غير اللحية ،وأن يزيد في ماء الوجه؛ لن فيه غضونا وشعورا ،ودواخل وخوارج
ليصل الماء إلى جميعه ،وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة ،ويباح للمتطهر تنشيف أعضائه
وتركه أفضل ،ووضع الناء الواسع عن يمينه ليغترف منه ،وترك نفض الماء ،ول يكره فعله في
الظهر وفاقا للئمة الثلثة ،والدعاء (السابق عند الشافعية) عقب فراغه من الوضوء بعد رفع بصره
إلى السماء ( ، )2وكذا يدعو به بعد الغسل.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،122- 118/ 1 :المغني .142-118،139/ 1
( )2روى حديث الدعاء أحمد وأبو داود ،كما تقدم ،وفي بعض رواياته« :فأحسن الوضوء ،ثم رفع
نظره إلى السماء» .
( )1/361
( )1/362
والكراهة تنزيهية حتى عند الحنفية إل إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلت الثلث من أعمال الوضوء،
فتكون الكراهة حينئذ تحريمية عندهم .وذكر ابن عابدين :أن الكراهة مطلقا تنزيهية ،فإن زاد للنظافة
أو للطمأنينة ونحوها فل كراهة.
وكذا يكره تنزيها التقتير بجعل الغسل مثل المسح( :وهو أن يكون تقاطر الماء عن العضو المغسول
غير ظاهر) لن السنة إسباغ الوضوء ،والتقتير ينافيه.
- ً 2لطم الوجه أو غيره بالماء :والكراهة تنزيهية؛ لنه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه،
وتركه أولى ،وهو أيضا خلف التؤدة والوقار ،فالنهي عنه من الداب.
- ً 3التكلم بكلم الناس :والكراهة تنزيهية؛ لنه يشغله عن الدعية .وعند الشافعية :خلف الولى.
- ً 4الستعانة بالغير بل عذر :لحديث ابن عباس السابق « :كان النبي صلّى ال عليه وسلم ل يكل
طهوره إلى أحد . )1( »...وقد عرفنا أن الثابت في السنة جواز المعاونة في الوضوء ،لكن قد حمل
ذلك على حالة العذر ،ولن الضرورات تبيح المحظورات.
- ً 5التوضؤ في موضع نجس :لئل يتنجس منه ،وزاد الحنفية :التوضؤ بفضل ماء المرأة ،أو في
المسجد إلّ في إناء أوفي موضع أعد لذلك خشية تلويث المسجد بآثار الماء .وقال الحنابلة ( : )2تكره
إراقة ماء الوضوء وماء الغسل في المسجد ،أوفي مكان يداس فيه كالطريق تنزيها لماء الوضوء ؛
لن له حرمة وأنه أثر عبادة .ويباح الوضوءوالغسل في المسجد اذا لم يؤذ به أحدا ولم يؤذ المسجد؛
لن المنفصل منه طاهر.
- ً 6مسح الرقبة بالماء :عند الجمهور غير الحنفية؛ لنه غلو في الدين وتشديد .قال الشافعية :ول
يسن مسح الرقبة إذ لم يثبت فيه شيء ،قال النووي :بل هو بدعة .وكذلك قال المالكية :إنه بدعة
مكروهة (. )3
-ً 7مبالغة الصائم في المضمضة والستنشاق مخافة أن يفسد صومه.
-------------------------------
( )1أخرجه ابن ماجه والدارقطني ،وهو ضعيف ( نيل الوطار )176/ 1 :ومثله قوله صلّى ال عليه
وسلم لعمر وقد بادر ليصب الماء على يديه« :أنا ل أستعين في وضوئي بأحد» قال النووي في شرح
المهذب :هذا حديث باطل ل أصل له.
( )2كشاف القناع ،120/ 1 :المغني.143/ 1 :
( )3مغني المحتاج ،60/ 1 :الشرح الصغير.128/ 1 :
( )1/363
- ً 8ترك سنة من سنن الوضوء ،السابق بيانها في المذاهب .قال الحنابلة مثلً :يكره لكل أحد أن
ينتثر وينقي أنفه ووسخه ودرنه ويخلع نعله ويتناول الشيء من يد غيره ،ونحو ذلك بيمينه ،مع القدرة
على ذلك بيساره ،مطلقا (. )1
- ً 9الوضوء بفضل طهور المرأة إذا استقلت به :قال الحنابلة في المشهور عن أحمد ( : )2يكره
ول يجوز وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خَلَت به (استقلت) ،فإن اشترك الرجل معها
فلبأس .بدليل «أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» ( )3لن
جماعة من الصحابة كرهوا ذلك ،فقالوا :إذا خلت بالماء فل يتوضأ منه.
وقال أكثر العلماء :يجوز الوضوء به للرجال و النساء ،لما روى مسلم في صحيحه و أحمد عن ابن
عباس ،قال« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم يغتسل بفضل وضوء ميمونة» ( )4وقالت ميمونة :
«اغتسلت من جفنة ( ، )5ففضلت فيها فضلة ،فجاء النبي صلّى ال عليه وسلم يغتسل ،فقلت :إني قد
اغتسلت منه ،فقال :الماء ليس عليه جنابة» ( )6ولنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به ،فجاز
للرجل كفضل الرجل .وهذا هو الصح ،ويحمل النهي على الكراهة التنزيهية بقرينة أحاديث الجواز.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.118/ 1 :
( )2المغني )214/ 1( :وما بعدها ،المهذب.)31/ 1( :
حكَم بن عمرو الغفاري ،إل أن ابن ماجه والنسائي قال« :وضوء المرأة»
( )3رواه الخمسة عن ال َ
وقال الترمذي :هذا حديث حسن .وقال النووي :اتفق الحفاظ على تضعيفه ،قال ابن حجر :وقد أغرب
النووي بذلك ،وله شاهد عند أبي داود والنسائي (نيل الوطار.)25/1:
( )4لكن مع كونه في صحيح مسلم أعله قوم (نيل الوطار.)26/ 1 :
( )5الجفنة وعاء كالقَصْعة.
( )6رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح ،بلفظ« :يا رسول ال ،إني
كنت جُنُبا ،فقال :إن الماء ل يُجنَب» أي من أجنب ،وفي نسخة ليَجْنب من جَنُب( .نيل الوطار:
)1/26وروى أحمد وابن ماجه عن ميمونة« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم توضأ بفضل غسلها
من الجنابة» .
( )1/364
- ً 10الماء الساخن والماء المشمس :قال الشافعية :يكره تنزيها التطهير بماء شديد السخونة وشديد
البرودة ،والمشمس في جهة حارة في إناء منطبع (أي ممتد تحت المطرقة من حديد ونحاس) في بدن
دون ثوب ،لناحية طبية لنه يورث البرص ظنا ،ولم يحرم لندرة ترتبه عليه .وتزول الكراهة
بالتبريد.
المطلب السابع ـ نواقض الوضوء:
النواقض جمع ناقضة وناقض ،والنقض :إذا أضيف إلى الجسام كنقض الحائط :يراد به إبطال
تأليفها .وإذا أضيف إلى المعاني كالوضوء :يراد به إخراجها عن إقامة المطلوب بها ،والمعنى الثاني
هو المراد هنا ،فمعنى ناقض الوضوء :إخراجه عن إفادة المقصود منه ،كاستباحة الصلة بالوضوء.
والنواقض أو المعاني الناقضة للوضوء المبطلة حكمه متفق على الكثير منها ،مختلف في بعضها.
( )1/365
وهي عند الحنفية اثنا عشر ناقضا ،والمالكية :ثلثة أنواع ،والشافعية :خمسة أشياء ،والحنابلة :ثمانية
أنواع ،وهي ما يأتي (: )1
- ً 1كل خارج من أحد السبيلين :معتاد كبول أو غائط أو ريح أو مذي أو ودي ( )2أو مني ،أو
غير معتاد :كدودة وحصاة ودم قليلً كان الخارج أو كثيرا ،لقوله تعالى{ :أو جاء أحد منكم من
الغائط} [المائدة ،]6/5:كناية عن الحدث من بول أو غائط ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل يقبل ال
صلة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ،فقال رجل من أهل حضرموت :ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال:
فُسَاء أو ضراط» ( )3وقوله عليه السلم« :ل وضوء إل من صوت أو ريح» ( ، )4ولن الخارج
غير المعتاد خارج من السبيل ،فأشبه المذي ،ولنه ل يخلو من بَلّة تتعلق به ،فينتقض الوضوء بها،
وقد أمر النبي صلّى ال عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلة ،ودمها خارج غير معتاد (. )5
-------------------------------
( )1فتح القدير ،37- 24/ 1 :تبيين الحقائق ،12- 7 / 1 :البدائع ،33 - 24/ 1 :الدر المختار:
،138-124/1اللباب ،20-17/ 1 :مراقي الفلح :ص 14وما بعدها ،الشرح الصغير- 135/1:
،148الشرح الكبير ،116-114/ 1 :القوانين الفقهية :ص 24وما بعدها ،المهذب،25- 22 / 1 :
حاشية الباجوري ،74-69/ 1 :المجموع ،68- 3 / 2 :كشاف القناع ،148-138/1:بداية المجتهد:
،39- 33 / 1المغني.196-168/1:
( )2الودي :ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول .والمذي :هو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللتذاذ.
( )3متفق عليه من حديث أبي هريرة (نيل الوطار.)185/ 1 :
( )4رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة ،قال عنه النووي :حديث صحيح ،ولكن رمز له
السيوطي بالضعف ورواه مسلم بلفظ آخر« :إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه ،أخرج منه
شيء أم ل ،فل يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (نيل الوطار.)188/ 1 :
( )5روى أبو داود والدارقطني بإسناد موثوق عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش« :أنها كانت
تستحاض ،فسألت النبي صلّى ال عليه وسلم فقال :إذا كان دم الحيض ،فإنه أسود يعرف ،فإذا كان
كذلك ،فأمسكي عن الصلة ،وإذا كان الخر فتوضئي وصلي ،فإنما هو دم عرق» فأمرها بالوضوء،
ودمها غير معتاد ،فيقاس عليه ما سواه ،طاهرا كان الخارج كولد بل دم ،أو نجسا كالبول ونحوه.
( )1/366
واستثنى الحنفيةفي الصح :ريح القبل فهو غير ناقض؛ لنه اختلج ل ريح ،وإن كان ريحا فهو ل
نجاسة فيه .وغير الحنفية لم يستثنوا ذلك ،للحديث السابق «أو ريح» فهو شامل للريح من القبل.
والحق أنه كما قال ابن قدامة في المغني « :ل نعلم لهذا الريح وجودا ول نعلم وجوده في حق أحد »
.
واستثنى المالكية الخارج غير المعتاد من المخرج في حالة الصحة ،كالدم والقيح والحصى والدود،
والريح أو الغائط من القبل ،والبول من الدبر ،والمني بغير لذة معتادة كمن حك لجرب أو هزته دابة
فأمنى ،فل ينقض حتى ولو كان مع الحصى والدود أذى (أي بول أو غائط) بخلف غيرهما ،فلو
خرج مع الدم والقيح أذى انتقض الوضوء ( . )1وكذا ل ينتقض الوضوء إن خرج شيء من ثقب إل
إذا كان تحت المعدة وانسد المخرجان المعتادان ،فل ينقض الوضوء بول أو غائط أو ريح من ثقبة
فوق المعدة ،سواء انسد المخرجان أو أحدهما أو ل ،أما الخارج من ثقبة تحت المعدة ،فإنه ينقض
بشرط انسداد المخرجين لنه صار بمنزلة الخارج من المخرجين نفسهما.
-------------------------------
( )1والمشهور عند ابن رشد :أنه ل نقض بهما مطلقا كالحصى والدود.
( )1/367
ول ينتقض الوضوء عندهم بخروج شيء من السّلَس الذي يلزم صاحبه نصف الزمن فأكثر ،وإل
نقض .والسلس :هو ما يسيل بنفسه لنحراف الطبيعة بولً أو ريحا أو غائطا أو مذيا .ودم
الستحاضة من السلس .وهذا في غير المستحاضة إذا لم ينضبط ولم يقدر على التداوي ،فإن انضبط
بأن جرت عادته أن ينقطع آخر الوقت أو أوله ،وجب عليه الصلة حينئذ ،وإن قدر على التداوي
وجب عليه التداوي.
واستثنى الشافعية :مني الشخص نفسه ،فإنه ل ينقض؛ لنه أوجب أعظم المرين وهو الغسل.
لكن ينتقض الوضوء عندهم بالخارج من مخرج انفتح دون المعدة ،وانسد المخرج المعتاد لنه صار
هو المخرج المعتاد ،أي كما قال المالكية .فإن لم ينسد المخرج المعتاد فالصح أنه ل ينقض ،سواء
أكان المخرج تحت المعدة أم فوقها.
واستثنى الحنابلة :صاحب الحدث الدائم ،ل يبطل وضوءه بالحدث الدائم قليلً كان الخارج أو كثيرا،
نادرا كان أو معتادا للحرج والمشقة .أما غير صاحب الحدث الدائم فينقض ما خرج منه من بول أو
غائط ،قليلً كان أو كثيرا ،من تحت المعدة أو فوقها ،سواء أكان السبيلن مفتوحين أم مسدودين
لعموم الية والحديث السابق .وأضاف الحنابلة :أنه لو احتمل المتوضئ في قُبُل أو دُبُر قطنا أو ميلً،
ثم خرج ولو بل بلل ،نقض ،وكذا لو قطر في إحليله دهنا أو غيره من المائعات ثم خرج نقض ،أو
ظهر طرف مصران أو رأس دودة نقض.
( )1/368
- ً 2الولدة من غير رؤية دم ،والصحيح عند الحنفية قول الصاحبين أن المرأة ل تكون حينئذ نفساء
لتعلق النفاس بالدم ولم يوجد ،وإنما عليها الوضوء للرطوبة .وقال أبو حنيفة :عليها الغسل احتياطا
لعدم خلوه عن قليل دم غالبا.
- ً 3الخارج من غير السبيلين كالدم والقيح والصديد ( : )1ناقض بشرط سيلنه عند الحنفية إلى
موضع يلحقه حكم التطهير وهو ظاهر الجسد :أي يجب تطهيره في الجملة ،ولو ندبا كسيلن الدم
داخل النف .والسيلن :أن يتجاوز موضع خروجه بأن يعلو على رأس الجرح ثم ينحدر إلى أسفل،
فليس في النقطة والنقطتين وضوء ،وليس في أثر الدم بسبب عض شيء أو استياك وضوء .كما ل
وضوء من دم يخرج من موضع ل يلحقه حكم التطهير كالخارج من جرح في العين أو في الذن أو
الثدي أوالسرة ،ثم يسيل إلى الجانب الخر منها.
وبشرط كونه كثيرا عند الحنابلة ،والكثير :ما كان فاحشا بحسب كل إنسان ،أي أنه يراعى حالة
الجسم نحافة وضخامة ،فلو خرج دم من نحيف مثلً وكان كثيرا بالنسبة إلى جسده ،نقض ،وإل فل،
لقول ابن عباس« :الفاحش :ما فحش في قلبك» .
ودليل الحنفية :قوله صلّى ال عليه وسلم « :الوضوء من كل دم سائل» ( )2وقوله عليه السلم« :من
قاء أو رعف في صلته ،فلينصرف ،وليتوضأ ،وليبن ـ يكمل ـ على صلته ما لم يتكلم» ()3
وقوله أيضا« :ليس في القطرة ول في القطرتين من الدم وضوء إل أن يكون دما سائلً» (. )4
-------------------------------
( )1القيح :دم َنضِج حتى ابيضّ وخثر .والصديد :هو قيح ازداد نضجا حتى رَقّ ،أو هو ماء الجرح
الرقيق المختلط بالدم.
( )2روي من حديث تميم الداري عند الدارقطني ،وفيه مجهولن ،ومن حديث زيد بن ثابت عند ابن
عدي في الكامل ،وفيه من ل يحتج بحديثه (نصب الراية.)37/ 1 :
( )3روي من حديث عائشة عند ابن ماجه ،وهو حديث صحيح ،ومن حديث أبي سعيد الخدري عند
الدارقطني ،وهو معلول براو فيه (نصب الراية ،38/ 1 :نيل الوطار.)187/1:
( )4أخرجه الدارقطني ،من حديث أبي هريرة مرفوعا ،قال الحافظ ابن حجر :وإسناده ضعيف جدا.
وفيه متروك (نيل الوطار ،189/ 1 :نصب الراية.)44 / 1 :
( )1/369
ودليل الحنابلة حديث فاطمة بنت أبي حبيش السابق عند الترمذي« :إنه دم عرق ،فتوضئي لكل
صلة» ولن الدم ونحوه نجاسة خارجة من البدن ،فأشبه الخارج من السبيل.
وأما كون القليل من ذلك ل ينقض ،فلمفهوم قول ابن عباس :في الدم« :إذا كان فاحشا فعليه العادة»
وعصر ابن عمر بثرة ،فخرج الدم ،فصلى ولم يتوضأ،وابن أبي أوفى عصر دملً ،وغيرهما (. )1
وقرر المالكية والشافعية :عدم نقض الوضوء بالدم ونحوه ،بدليل حديث أنس ،قال« :واحتجم رسول
ال صلّى ال عليه وسلم ،فصلى ولم يتوضأ ،ولم يزد على غسل محاجمه» (. )2
وحديث عباد بن بشر« :أنه أصيب بسهام ،وهو يصلي ،فاستمر في صلته» ( )3ويبعد أل يطلع النبي
صلّى ال عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ،ولم ينقل أنه أخبره بأن صلته قد بطلت.
- ً 4القيء :الخلف فيه كالخلف في الدم ونحوه من الخارج من غير السبيلين ،على اتجاهين:
الول ـ للحنفية والحنابلة :أنه ينقض الوضوء ،إذا كان بملء الفم عند الحنفية :وهو ما ل ينطبق
عليه الفم إل بتكلف ،على الصح .وإذا كان كثيرا فاحشا عند الحنابلة :وهو ما فحش في نفس كل أحد
بحسبه.
-------------------------------
( )1نيل الوطار.189/ 1 :
( )2رواه الدارقطني والبيهقي ،وهو ضعيف (نيل الوطار.)189/ 1 :
( )3ذكره البخاري تعليقا ،وأبو داود وابن خزيمة.
( )1/370
والقيء سواء أكان طعاما أم ماء أم عََلقًا (المراد به هنا الدم المتجمد الخارج من المعدة) أم مِرّة
(الصفراء) .ول ينقض البلغم من معدة أو صدر أو رأس ،كالبصاق والنخامة ،لنها طاهرة تخلق من
البدن .ول ينقض الجشاء وهو الريح الذي يخرج من فم الرجل.
ودليلهم :حديث عائشة المتقدم« :من أصابه قيء أو رعاف أو قَلس ،أو مذي ،فلينصرف ،فليتوضأ ،ثم
ليَبْن على صلته ،وهو في ذلك ل يتكلم» ( . )1والقلس :هو ما خرج من العلق ملء الفم أو دونه،
وليس بقيء ،وإن عاد فهو القيء.
وحديث أبي الدرداء« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قاء ،فتوضأ ،فلقيت ثوبانَ في مسجد دمشق،
فذكرت له ذلك ،فقال :صدق ،أنا صببت له وَضُوءه» (. )2
والخلصة :أن القيء ناقض للوضوء عند هؤلء بقيود ثلثة :كونه من المعدة ،وكونه ملء الفم أو
كثيرا ،وكونه دفعة واحدة.
التجاه الثاني ـ للمالكية والشافعية :أنه ل ينقض الوضوء بالقيء؛ لنه عليه الصلة والسلم قاء فلم
يتوضأ (، )3وفي حديث ثوبان قال« :قلت :يا رسول ال ،هل يجب الوضوء من القيء؟ قال :لو كان
واجبا ،لوجدته في كتاب ال » ولنه خارج من غير المخرج ،مع بقاء المخرج ،فلم ينقض الطهارة
كالبصاق .وأجابوا عن حديث أبي الدرداء بأن المراد بالوضوء :غسل اليدين.
والظاهر لي :أن الخارج من غير السبيلين كالدم والقيء ينقض الوضوء إذا كان كثيرا فاحشا أي كما
قال الحنابلة ،قياسا على الخارج النجس من السبيلين ،إذ في الحاديث كلها كلم ،ول تخلو من
ضعف.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه والدارقطني ،قال البيهقي :والصواب إرساله (نيل الوطار.)187/ 1 :
( )2رواه أحمد والترمذي ،وقال :هو أصح شيء في الباب (نيل الوطار.)186/ 1 :
( )3رواه الدارقطني.
( )1/371
- ً 5غيبة العقل أو زواله بالمخدرات أو المسكرات ،أو بالغماء أو الجنون ،أو الصرع ،أو بالنوم:
هذا السبب وما بعده من لمس المرأة المشتهاة ،ومس الذكر أو القبل أو الدبر ،قد يترتب عليه غالبا
خروج شيء من أحد السبيلين ،فيكون ناقضا للوضوء ،لن زائل العقل ل يشعر بحال ،والنوم يذهب
معه الحس ،والجنون والغماء ونحوهما أشد تأثيرا من النوم.
والدليل على أن النوم الثقيل أو غير اليسير ناقض للوضوء :قوله صلّى ال عليه وسلم من حديث
علي« :العين وِكاء السّهِ ،فمن نام فليتوضأ» ( )1وحديث معاوية «العين وكاء السه ،فإذا نامت
العينان ،استطلق الوكاء» ( )2والحديثان يدلن على أن النوم مظِنّة للنقض ،ل أنه بنفسه ناقض.
وقد اختلف الفقهاء على آراء في كون النوم ناقضا للوضوء ،ذكرها النووي في شرح مسلم ()73/1
أختار منها رأيين متقاربين ل يختلفان إل في بيان مدى عمق النوم الذي يعد دليلً على خروج الريح،
وهما ما يأتي:
الرأي الول ـ للحنفية والشافعية :أن النوم الناقض للوضوء هو الذي لم تتمكن فيه المقعدة من
الرض ،أو النوم مضطجعا أو متكئا أو منكبا على شيء؛ لن الضطجاع ونحوه سبب لسترخاء
المفاصل .فإن نام قاعدا ممكنا مقعدته من الرض كأرض وظهر دابة سائرة ،لم ينتقض وضوءه.
فإن كان مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط ،ولم يكن ممكنا مقعده من الرض ،انتقض وضوءه عند
الحنفية؛ لن السترخاء يبلغ نهايته بهذا النوع من الستناد ،ولم ينتقض عند الشافعية إذا كان ممكنا
مقعده من الرض ،للمن حينئذ من خروج شيء ،فالحكم في المذهبين إذن واحد.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .والوكاء :الخيط الذي يربط به الشيء ،والسه :الدبر ،والمعنى:
اليقظة وكاء الدبر ،أي حافظة ما فيه من الخروج لنه ما دام مستيقظا ،أحس بما يخرج منه (نيل
الوطار.)192/ 1 :
( )2رواه أحمد والدارقطني (المرجع السابق).
( )1/372
ول ينتقض الوضوء عند الحنفية بالنوم حالة القيام والركوع والسجود في الصلة وغيرها؛ لن بعض
الستمساك باق ،إذ لو زال لسقط ،فلم يتم السترخاء.
ودليلهم :أحاديث ،منها حديث ابن عباس« :ليس على من نام ساجدا وضوء ،حتى يضطجع ،فإنه إذا
اضطجع ،استرخت مفاصله» ( )1وفي لفظ «لوضوء على من نام قاعدا ،إنما الوضوء على من نام
مضطجعا فإن من نام مضطجعا استرخت مفاصله» ( )2وفي رواية للبيهقي« :ل يجب الوضوء على
من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه» .
ومنها حديث أنس« :كان أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم ينتظرون العشاء ،فينامون قعودا،
ثم يصلون ،ول يتوضؤون» ( )3وهويدل على أن يسير النوم ل ينقض الوضوء.
ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :من نام جالسا
فل وضوء عليه ،ومن وضع جنبه فعليه الوضوء» ( . )4وروى مالك عن ابن عمر أنه كان ينام
جالسا ،ثم يصلي ول يتوضأ.
وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أنه رأى النبي صلّى ال عليه وسلم نام وهو ساجد ،حتى
ط أو نفخ ،ثم قام يصلي ،فقلت :يا رسول ال ،إنك قد نمت؟ قال« :إن الوضوء ل يجب إل على من
غَّ
نام مضطجعا ،فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» (. )5
قال الكمال بن الهمام :وأنت إذا تأملت فيما أوردناه لم ينزل عندك الحديث عن درجة الحسن (. )6
الرأي الثاني ـ للمالكية والحنابلة :أن النوم اليسير أو الخفيف ل ينقض ،والنوم الثقيل ينقض.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وهو ضعيف (نيل الوطار.)193/ 1 :
( )2رواه أبو داود والترمذي والدارقطني ،وهو ضعيف (المرجع السابق).
( )3رواه الشافعي وأبو داود ومسلم والترمذي وهو صحيح (المرجع السابق).
( )4أخرجه ابن عدي (نصب الراية )45/ 1 :وأخرج أيضا البيهقي حديثا مماثلً عن حذيفة بن
اليمان.
( )5نصب الراية.44 / 1 :
( )6فتح القدير.33 / 1 :
( )1/373
وعبارة المالكية :النوم الثقيل ولو َقصُر زمنه ناقض للوضوء ،أما النوم الخفيف ولو طال زمنه فل
ينقض .والثقيل :ما ل يشعر صاحبه بالصوات ،أو بسقوط شيء بيده ،أو سيلن ريقه ونحو ذلك ،فإن
شعر بذلك فنوم خفيف .ودليلهم حديث أنس المتقدم« :كان أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم
ينتظرون العشاء الخرة ،حتى تخفُق رؤوسهم ،ثم يصلون ول يتوضؤون» .
وحديث ابن عباس ،قال« :بتّ عند خالتي ميمونة ،فقام رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقمت إلى
جنبه اليسر ،فأخذ بيدي ،فجعلني عن شقه اليمن ،فجعلت إذا أغفَيت ،يأخذ بشحمة أذُني ،قال :فصلى
إحدى عشرة ركعة» ( )1في هذين الحديثين دللة واضحة على أن النوم اليسير ل ينقض الوضوء.
وعبارة الحنابلة :النوم في جميع أحواله ناقض للوضوء إل النوم اليسير عرفا من جالس أو قائم،
لحديثي أنس وابن عباس السابقين .والصحيح أنه ل حد للنوم القليل ،وإنما مرجعه إلى ما جرت به
العادة ،فسقوط المتمكن وغيره ينقض الوضوء.
فإن نام وشك ،هل نومه كثير أو يسير؟ اعتبر طاهرا لتيقنه الطهارة ،وشكه في نقضها ،وإن رأى
رؤيا فهو نوم كثير .وينقض النوم اليسير من راكع وساجد ومستند ومتكئ ومُحْتَب ( )2كمضطجع.
ومن لم ُيغْلب على عقله ،لم ينقض وضوءه؛ لن النوم :الغلبة على العقل ،ولن الناقض زوال العقل،
ومتى كان العقل ثابتا ،وحسه غير زائل ،مثل من يسمع ما يقال عنده ،ويفهمه ،لم ينتقض وضوءه.
والخلصة :أن النوم مضطجعا في الصلة أو في غيرها غير ممكن مقعدته ناقض للوضوء بل خلف
بين الفقهاء ،وأن زوال العقل بأي سبب من إغماء أو جنون أو سكر ناقض للوضوء قياسا على النوم،
وهو الحق.
-------------------------------
( )1رواه مسلم (نيل الوطار )192/ 1 :والغفاء :النوم أو النعاس.
( )2جلسة الحتباء :أن يجلس على مقعده ويرفع ركبتيه ويمسكهما بيديه.
( )1/374
- ً 6لمس المرأة :ينتقض الوضوء عند الحنفية بلمس المرأة في حالة المباشرة الفاحشة ،وعند
المالكية والحنابلة بالتقاء بشرتي الرجل والمرأة في حال اللذة أو الشهوة .وعند الشافعية :بمجرد التقاء
بشرتي الرجل والمرأة ،اللمس والملموس ،ولو بدون شهوة.
وتفصيل آراء المذاهب فيما يأتي:
قال الحنفية :ينتقض الوضوء بالمباشرة الفاحشة :وهي التقاء الفرجين مع انتشار العضو بل حائل
يمنع حرارة الجسد ،أو هي أن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها ،وليس بينهما ثوب ،ولم ير
بللً.
وقال المالكية :ينتقض الوضوء بلمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ به عادة ـ من ذكر أو أنثى ـ ولو
كان الملموس غير بالغ ،سواء كان اللمس لزوجته أو أجنبية أو محرما ،أو كان اللمس لظفر أو شعر،
أو من فوق حائل كثوب ،وسواء كان الحائل خفيفا يحس اللمس معه بطراوة البدن ،أو كان كثيفا،
وسواء كان اللمس بين الرجال أو بين النساء.
فاللمس بلذة ناقض ،وكذا القبلة بالفم تنقض الوضوء مطلقا ،ولو بدون لذة؛ لنها مظنة اللذة ،أما القبلة
في غير الفم فتنقض وضوء المقبّل والمقبّل إن كانا بالغين ،أو البالغ منهما إن قبل من يشتهي ،إن
وجدت اللذة ،ولو وقعت بإكراه أو استغفال .فالنقض باللمس مشروط بشروط ثلثة :أن يكون اللمس
بالغا ،وأن يكون الملموس ممن يشتهى عادة ،وأن يقصد اللمس اللذة أو يجدها.
ول ينقض الوضوء بلذة من نظر أو فكر ولو حدث انتصاب (إنعاظ) ما لم يلتذ بالفعل ،ول بلمس
صغيرة ل تشتهى ،أو بهيمة أو رجل ملتحي ،إذ الشأن عدم التلذذ به عادة إذا كملت لحيته.
( )1/375
وقال الحنابلة في المشهور :ينقض الوضوء بلمس بشرة النساء بشهوة من غير حائل ،وكان الملموس
مشتهى عادة غير طفلة وطفل ،ولو كان الملموس ميتا ،أو عجوزا ،أو َمحْرما ،أو صغيرة تشتهى:
وهي بنت سبع سنين فأكثر ،فل فرق بين الجنبية وذات المحرم والكبيرة والصغيرة .ول ينقض لمس
شعر وظفر وسن ،ول مس عضو مقطوع لزوال حرمته ،ول مس أمرد ولو بشهوة ،ول مس خنثى
مشكل ،ول ينقض مس الرجل الرجل ول المرأة المرأة ولو بشهوة .وإذا لم ينقض الوضوء بمس
أنثى ،فإنه يستحب.
والخلصة :أن هذه المذاهب الثلثة (الجمهور) :ل ينتقض الوضوء لديها بمجرد التلمس العادي بين
الرجل والمرأة.
الدلة:
واستدلوا بما يأتي:
- 1قوله تعالى{ :أو ل مستم النساء} [المائدة ،]6/5:وحقيقة اللمس :ملقاة البشرتين ،أما الحنفية
فأخذوا بما نقل عن ابن عباس ترجمان القرآن رضي ال عنهما :أن المراد من اللمس الجماع ،وبما
قال ابن السكيت :أن اللمس إذا قرن بالنساء يراد به الوطء ،تقول العرب :لمست المرأة أي جامعتها،
فيجب المصير في الية إلى إرادة المجاز :وهو أن اللمس يراد به الجماع ،لوجود القرينة وهي حديث
عائشة الذي سيأتي.
وأما المالكية والحنبلية الذين قيدوا اللمس الناقض بما إذا كان لشهوة :فجمعوا بين الية والخبار التية
عن عائشة وغيرها.
- 2حديث عائشة« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يُقبّل بعض أزواجه ،ثم يصلّي ول يتوضأ» (
. )1
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والنسائي وأحمد والترمذي ،وهو مرسل ،وضعفه البخاري ،وكل طرقه معلولة،
قال ابن حزم :ل يصح في الباب شيء ،وإن صح فهو محمول على ما كان عليه المر قبل نزول
الوضوء من المس (نيل الوطار.)195/ 1 :
( )1/376
- 3حديث عائشة أيضا ،قالت« :إن كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم ليُصلّي ،وإني لمعترضة
بين يديه اعتراض الجنازة ،حتى إذا أراد أن يوتر مسّني برجْله» ( )1فيه دليل على أن لمس المرأة ل
ينقض الوضوء ،والظاهر أن مسها برجله كانَ من غير حائل.
- 4حديث عائشة أيضا ،قالتَ « :فقَ ْدتُ رسول ال صلّى ال عليه وسلم ليلةً من الفراش،فالتمسته،
فوضعت يدي على باطن قدميه ،وهو في المسجد ،وهما منصوبتان ،وهو يقول :اللهم إني أعوذ
سخَطك ،وبمعافاتك من عقوبتك ،وأعوذ بك منك ،ل أحصي ثناء عليك ،كما أثنيت على
برضاك من َ
نفسك» ( )2وهو يدل على أن اللمس غير موجب للنقض.
وقال الشافعية :ينقض الوضوء بلمس الرجل المرأة الجنبية غير المحرم ،ولو ميتة ،من غير حائل
بينهما ،ينقض اللمس والملموس ،ولو عجوزا شوهاء أو شيخا هرما ،ولو بغير قصد ،ول ينقض
شعر وسن وظفر ،أو لمس مع حائل.
والمراد بالرجل والمرأة :ذكر وأنثى بلغا حد الشهوة عرفا ،أي عند أرباب الطباع السليمة ،والمراد
بال َمحْرم :من حرم نكاحها لجل نسب أو رضاع أو مصاهرة ،فل ينقض صغير أو صغيرة ل يشتهى
أحدهما عرفا غالبا لذوي الطباع السليمة ،فل يتقيد بابن سبع سنين أو أكثر ،لختلفه باختلف
الصغار والصغيرات ،لنتفاء مظنة الشهوة .ول ينقض مَحْرم بنسب ،أو رضاع ،أو مصاهرة كأم
الزوجة لنتفاء مظنة الشهوة.
وسبب النقض :أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي ل تليق بحال المتطهر.
-------------------------------
( )1رواه النسائي ،قال ابن حجر :إسناده صحيح (نيل الوطار.)196/ 1 :
( )2رواه مسلم والترمذي وصححه والبيهقي (المرجع السابق ،وانظرهذه الحاديث في نصب الراية:
.)75-70/ 1
( )1/377
ودليلهم :العمل بحقيقة معنى الملمسة في اللغة في الية{ :أو لمستم النساء} [المائدة ،]6/5:وهو
الجس باليد ،أو ملقاة البشرتين ،أو لمس اليد ،بدليل قراءة{ :أو لمستم} [المائدة ،]6/5:فإنها ظاهرة في
مجرد اللمس من دون جماع.
وأما حديث عائشة في التقبيل فهو ضعيف ،ومرسل .وأما حديث عائشة في لمسها لقدمه صلّى ال
عليه وسلم فمؤول بأن اللمس يحتمل أنه كان بحائل ،أو أنه خاص بالنبي .لكن في هذا التأويل تكلف
ومخالفة للظاهر.
ويبدو لي أن اللمس العارض أو الطارئ ،أو الذي ل لذة أو ل شهوة فيه غير ناقض للوضوء ،وأما
اللمس الذي يصحبه الشهوة فهو ناقض ،وهذا في تقديري أرجح الراء.
- ً 7مس الفرج ـ القُبُل أو الدبر :ل ينتقض الوضوء عند الحنفية بمس الفرج ،وينتقض به عند
الجمهور ،على تفصيل آتٍ ،قال الحنفية :ل ينتقض الوضوء بمس الفرج أو الذكر ،لحديث طَلْق بن
علي« :الرجل يمس ذكره ،أعليه وضوء؟ فقال صلّى ال عليه وسلم :إنما هو َبضْعة منك ،أو مضغة
منك» (. )1
ولما روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وعمران بن حصين ،وحذيفة بن
اليمان ،وأبي الدرداء ،وأبي هريرة رضي ال عنهم :أنهم لم يجعلوا مس الذكر حدثا ،حتى قال علي
رضي ال عنه :ل أبالي مسسته ،أو أرنبة أنفي.
-------------------------------
( )1رواه أصحاب السنن الربعة (أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) وأحمد والدارقطني
مرفوعا ،ورواه ابن حبان في صحيحه ،قال الترمذي :هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب
(نصب الراية 60/ 1 :وما بعدها ،نيل الوطار.)198/ 1 :
( )1/378
وقال المالكية :ينقض الوضوء بمس الذكر ،ل بمس الدبر ،فيعد مس الذكر المتصل ناقضا ،ل
المقطوع ،سواء مسّه من أي جزء منه ،التذ أم ل ،إذا مسه عمدا أو سهوا من غير حائل ببطن الكف
أو جنبه ،أو ببطن أصبع وبجنبه ،ل بظهره ،ولو كان الصبع زائدا على الخمسة إن كان له إحساس
ويتصرف به كغيره من الصابع ،وذلك إذا كان بالغا ،أما مس الصبي ذكره فل ينقض ،أي أن المراد
مس البالغ ذكره بباطن الكف والصابع.
ول ينقض مس حلقة الدبر ،أو النثيين (الخِصيتين) ،ول مس امرأة فرجها ،ولو ألطفت :أي أدخلت
أصبعا أو أكثر من أصابعها في فرجها .ول ينقض مس ذكر صبي أو كبير غيره.
ودليلهم :القتصار على حديث« :من مس ذكره فل يصلي حتى يتوضأ» ( )1وحديث «من أفضى
بيده إلى ذكره ليس دونه سِتْر ،فقد وجب عليه الوضوء» (. )2
وقال الشافعية والحنابلة :ينتقض الوضوء بمس فرج الدمي (الذكر والدبر وقبُل المرأة) من نفسه أو
غيره ،صغيرا أو كبيرا ،حيا أو ميتا ،وقياس الدبر على الذكر هو مذهب الشافعي الجديد ،بشرط كونه
بباطن الكف (أي الراحة مع بطون الصابع) فل ينقض بظاهر الكف وحرفه ورؤوس الصابع وما
بينها بعد التحامل اليسير ،أي أن الناقض هو ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الخرى مع
تحامل يسير ،وفي البهامين يضع باطن أحدهما على باطن الخر.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة ( أحمد وأصحاب السنن ) وصححه الترمذي ،وأخرجه أيضا مالك والشافعي وابن
خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود ،وقال البخاري« :هو أصح شيء في هذا الباب» (نيل
الطار ،197/ 1 :نصب الراية 54/1:وما بعدها).
( )2رواه أحمد وابن حبان في صحيحه ،وقال :حديث صحيح سنده عدول نقلته (نيل الوطار/ 1 :
)199ورواه الشافعي في مسنده بلفظ « إذا أفضى أحدكم إلى ذكره،فقد وجب عليه الوضوء» ( انظر
نصب الراية 54 / 1 :وما بعدها ).
( )1/379
فلو كان التحامل كثيرا كثر غير الناقض ،وقل الناقض .وفي هذا يتفق الشافعية مع مذهب المالكية؛
لن ظاهر الكف ليس بآلة اللمس ،فأشبه ما لو مسه بفخذه.
ول فرق عند الحنابلة بين بطن الكف وظهره ،بدليل حديث الفضاء المتقدم« :إذا أفضى أحدكم بيده
إلى فرجه ،ليس بينهما سترة ،فليتوضأ» وظاهر كفه من يده ،والفضاء :اللمس من غير حائل.
ودليل الشافعية والحنابلة مجموع الحديثين السابقين :حديث بُسْرة بنت صفوان وأم حبيبة« :من مس
ذكره فليتوضأ» وفي لفظـ «من مس فرجه فليتوضأ» وحديث أبي هريرة« :إذا أفضى أحدكم بيده إلى
ذكره ،فقد وجب عليه الوضوء» وفي لفظ «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه »..والفرج :يشمل القبُل
والدبُر ،ولن الدبر أحد الفرجين ،فأشبه الذكر.
والنقض بمس المرأة قبلها لعموم حديث بسرة وأم حبيبة« :من مس فرجه فليتوضأ» ولما روى عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده« :أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ،وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» ()1
.
والراجح عندي مذهب الجمهور غير الحنفية؛ لن حديث طلق بن علي ضعيف أو منسوخ ،ضعفه
الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي ،وادعى فيه النسخ ابن حبان
والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون.
- ً 8القهقهة في الصلة :تنقض الوضوء عند الحنفية دون غيرهم ،إذا كان المصلي بالغا ،عمدا أو
سهوا ،زجرا وعقوبة للمصلي ،لمنافاتها مناجاة ال تعالى ،فل تبطل صلة الصبي ،لنه ليس من أهل
الزجر.
-------------------------------
( )1رواه أحمد والبيهقي (نصب الراية.)58 / 1 :
( )1/380
والقهقهة :ما يكون مسموعا لجيرانه .أما الضحك :فهو ما يسمعه هو دون جيرانه ،والول يبطل
الصلة والوضوء ،والثاني يبطل الصلة فقط .أما التبسم :وهو ما ل صوت فيه ،ولو بدت به السنان،
فل يبطل شيئا.
ودليلهم:حديث« :أل من ضحك منكم قهقهة فليعد الصلة والوضوء جميعا» (. )1
ول ينتقض الوضوء عند الجمهور (غير الحنفية) بالقهقهة؛ لنها ل توجب الوضوء خارج الصلة،
فل توجبه داخلها كالعطاس والسعال .وردوا الحديث السابق لكونه مرسلً ،ولمخالفته للصول:وهو
أن يكون شيء ينقض الطهارة في الصلة ،ول ينقضها في غير الصلة (. )2
وأرجح رأي الجمهور لعدم ثبوت حديث الحنفية.
- ً 9أكل لحم البل :ينتقض الوضوء عند الحنابلة دون غيرهم بأكل لحم البل ،على كل حال ،نيئا
ومطبوخا ،عالما كان أو جاهلً .بدليل ما روي البراء بن عازب قال« :سئل رسول ال صلّى ال عليه
وسلم عن لحوم البل؟ فقال :توضؤوا منها ،وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال :ل يتوضأ منها» ( )3وروى
أسيد بن حضير حديث « :توضؤوا من لحوم البل ،ول تتوضؤوا من لحوم الغنم» ( . )4وعلق
الحنابلة على ذلك بقولهم :إن وجوب الوضوء من أكل لحم الجزور تعبّد ل يعقل معناه ،فل يتعدى إلى
غيره ،فل يجب الوضوء بشرب لبنها ومرق لحمها وأكل كبدها وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها
ونحوه.
-------------------------------
( )1فيه أحاديث مسندة ،وأحاديث مرسلة ،أما المسندة فمنها حديث أبي موسى الشعري عند
الطبراني ،وأبي هريرة عند الدارقطني ،وابن عمر عند ابن عدي ،وأنس وجابر ،وعمران بن
الحصين ،وأبي المليح عند الدارقطني .ولكن كلها ضعيفة ،وأما المراسيل فهي أربعة :مرسل أبي
العالية ،ومرسل معبد الجهني ،ومرسل إبراهيم النخعي ،ومرسل الحسن (نصب الراية.)54-74/1 :
( )2بداية المجتهد.39/1 :
( )3رواه مسلم وأبو داود .وروى مسلم وأحمد عن جابر بن سمرة مثله ،وهما حديثان صحيحان.
( )4رواه أحمد وصححه هو وإسحق ،وروى ابن ماجه عن عبد ال بن عمرو عن النبي صلّى ال
عليه وسلم مثل ذلك (راجع نيل الوطار.)200/1 :
( )1/381
وقال الجمهور غير الحنابلة؛ ل ينقض الوضوء بأكل لحم الجزور ،لما رواه جابر قال« :كان آخر
المرين من رسول ال صلّى ال عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار» ( )2ولنه مأكول كسائر
المأكولت.
والراجح لدي رأي الجمهور؛ لن جمهور فقهاء المصار بعد الصدر الول اتفقوا على سقوط المر
بإيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار ،إذ صح عندهم أنه عمل الخلفاء الربعة ،بل إن الحنابلة
أنفسهم أخذوا بحديث الجمهور وقالوا :لنقض بأكل ما مسته النار.
- ً 10غسل الميت :ينتقض الوضوء عند أكثر الحنابلة بغسل الميت ( )3أو بعضه ،سواء أكان
المغسول صغيرا أم كبيرا ،ذكرا أم أنثى ،مسلما أم كافرا ،لما روي عن ابن عمر وابن عباس ،وأبي
هريرة ،فقد روي عن ابن عمر وابن عباس «أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء» وقال أبو
هريرة« :أقل ما فيه الوضوء» ،ولن الغالب فيه أنه ل يسلم أن تقع يده على فرج الميت.
وقال أكثر الفقهاء وهو الصحيح :لوضوء من غسل الميت ،إذ لم يرد فيه نص شرعي ،ول هو في
معنى المنصوص عليه ،ولنه غسل آدمي ،فأشبه غسل الحي.
وما أحسن ما ذكره ابن رشد عن النواقض الثلثة الخيرة ،فقال :شذ أبو حنيفة فأوجب الوضوء من
الضحك في الصلة لمرسل أبي العالية ...الخ وشذ قوم فأوجبوا الوضوء من حمل الميت ،وفيه أثر
ضعيف ( :من غسل ميتا فليغتسل ،ومن حمله فليتوضأ ) وذهب قوم من أهل الحديث :أحمد وإسحاق
وطائفة غيرهم :أن الوضوء يجب فقط من أكل لحم الجزور ،لثبوت الحديث الوارد بذلك عنه عليه
الصلة والسلم (. )3
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
( )2لكن ل ينتقض الوضوء بحمل الميت عندهم ،خلفا لما هو شائع في بعض الكتب.
( )3بداية المجتهد.39/1 :
( )1/382
- ً 11الشك في الوضوء :قال المالكية في المشهور من المذهب :من تيقن الطهارة أو ظنها ،ثم شك
في الحدث ،فعليه الوضوء ،وإن تيقن الحدث وشك في الطهارة فعليه الوضوء؛ لن الذمة عامرة فل
تبرأ إل بيقين.
وقال الجمهور غير المالكية وهو الولى :ل ينتقض الوضوء بالشك ،فمن تيقن الطهارة وشك في
الحدث ،أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين ،وهو الطهارة الولى ،والحدث في الثانية،
لحديث عبد ال بن زيد قال« :شُكي إلى النبي صلّى ال عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء
في الصلة؟ فقال :ل ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» ( ، )2ولنه إذا شك تعارض عنده
المران ،فيجب سقوطهما ،كالبينتين إذا تعارضتا ،تساقطتا ،ويرجع إلى اليقين .وبناء عليه قرر الفقهاء
قاعدة عامة وهي ( :اليقين ل يزول بالشك ).
- ً 12ما يوجب الغسل :قال الحنابلة :ينتقض الوضوء بكل ما يوجب الغسل غير الموت ،فإنه يوجب
الغسل ول يوجب الوضوء .ومن موجبات الغسل :التقاء الختانين ،وانتقال المني ،وإسلم الكافر أصليا
كان أو مرتدا ،فإذا عاد المرتد إلى السلم ،وجب عليه الغسل ،وإذا وجب الغسل وجب الوضوء.
وينتقض الوضوء بالردة ،لنهامحبطة للعمل ومنه الوضوء والغسل .وهذا يوافق رأي المالكية ،ول
ينتقض الوضوء بالردة عند الحنفية والشافعية.
تعليق على النواقض:
هذه النواقض مشتركة بين الماسح على الخفين وغيره.وهناك نواقض خاصة ،كبطلن طهارة المسح
على الخفين ونحوهما من الجوارب بانتهاء مُدّته وبخلع حائله ،وكانتقاض طهارة المستحاضة ونحوها
كسلس البول بخروج الوقت ،وطهارة المتيمم بوجود الماء ونحوها ،تبحث في مباحثها الخاصة بها.
-------------------------------
( )1متفق عليه ،بل رواه الجماعة إل الترمذي .ولمسلم بمعناه مرفوعا من حديث أبي هريرة ،ولم
يذكر فيه ( :وهو في الصلة ).
( )1/383
ول نقض بكلم محرّم ،كالكذب والغيبة والقذف والسب ونحوها ،بل يستحب الوضوء منه ،ول نقض
بإزالة شعر وأخذ ظفر ونحوهما.
خلصة نواقض الوضوء في المذاهب:
- 1مذهب الحنفية:
ينقض الوضوء اثنا عشر شيئا :ما خرج من السبيلين إل ريح القبل في الصح ،وولدة من غيررؤية
دم ،ونجاسة سائلة من غير السبيلين كدم وقيح وقيء طعام أو ماء أو عَلَق (دم متجمد من المعدة) ،أو
مِرّة (صفراء) إذا مل الفم :وهو مال ينطبق عليه الفم إل بتكلف على الصح ،ويجمع متفرق القيء
إذا اتحد سببه ( ، )1وينقضه دم غلب على البزاق أو ساواه ،ونوم مضطجعا ،أو متكئا أو مستندا إلى
شيء لوأزيل لسقط (أي نوم لم تتمكن فيه المقعدة من الرض) ،وارتفاع مقعدة نائم على الرض قبل
انتباهه ،وإن لم يسقط على الرض ،وإغماء ،وجنون ،وسكر ،وقهقهة بالغ يقظان في صلة ذات
ركوع وسجود ،ولو تعمد الخروج بها من الصلة ،ومس فرج بذكر منتصب بل حائل.
ول ينقض الوضوء عشرة أشياء :دم لم يسل عن محله ،وسقوط لحم من غير سيلن دم ،وخروج
دودة من جرح وأذن وأنف ،ومس ذكر ،ومس امرأة ،وقيء ل يمل الفم ،وقيء بلغم ولو كثيرا،
ل ولو
صّوتمايل نائم احتمل زوال مقعدته ،ونوم متمكن ولو مستندا إلى شيء ،لو أزيل سقط ،ونوم ُم َ
راكعا أو ساجدا.
- 2مذهب المالكية:
النواقض ثلثة :الحداث ،والسباب ،والرتداد والشك.
-------------------------------
( )1هذا هو رأي محمد وهو الصح .واتحاد السبب هو الغَثَيان :وهو أمر حادث في مزاج النسان
منشؤه تغير طبعه من إحساس النتن المكروه.
( )1/384
والحداث :هي الخارج المعتاد من السبيلين وهي ثمانية أشياء :البول ،والغائط ،والريح بصوت وبغير
صوت ،والودي (وهو ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول) ،والمذي (وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند
اللتذاذ) ،والهادي (وهو الماء الذي يخرج من فرج المرأة عند ولدتها) ،ودم الستحاضة ونحوه:
وهو سلس البول إن خرج أحيانا :بأن لم يلزم الخروج نصف زمن أوقات الصلة أو أكثر ،فإن لزم
نصف زمن أوقات الصلة أو أكثر فل ينقض ،ومني الرجل الخارج من فرج المرأة بعد أن اغتسلت (
. )1
ول ينقض الخارج غير المعتاد كالدم والقيح والحصى والدود ،ول الخارج من
غير المعتاد كخروج ريح أو غائط من القبل ،أو خروج بول من الدبر ،ول المني بغير لذة معتادة:
بأن كان بغير لذة أصلً ،أو لذة غير معتادة كمن حك لجرب أو هزته دابة فأمنى .أما ما خرج بلذة
معتادة من جماع أو لمس أو فكر فموجب للغسل.
ول ينقض البول أو الغائط أو الريح الخارج من ثقبة فوق المعدة ،سواء انسد المخرجان أو أحدهما أو
ل ،وينقض الخارج من تحت المعدة إن انسد المخرجان ،كما ينقض الوضوء إن انقطع الخروج من
المخرج ،وصار يبول أو يتغوط من فمه مثلً.
والسباب :ثلثة أنواع :زوال العقل ،ولمس البالغ بلذة من تشتهى ،ومس البالغ ذكره المتصل به ببطن
كفه أو جنبه أو أصبع بل حائل ولو كان خفيفا ،إل أن يكون خفيفا جدا كالعدم .وزوال العقل يكون
بجنون أو إغماء أو سكر أو بنوم ثقيل ولو قصر زمنه .والقبلة بالفم تنقض ولو بغير لذة.
والردة والشك في الناقض بعد طُهر معلوم وعكسه :أي الشك في الطهارة بعد تيقن الحدث أو ظنه،
كل منهما ناقض للوضوء ،ليس بحدث ول سبب.
- 3مذهب الشافعية:
-------------------------------
( )1الحداث الثمانية :اثنان من الدبر :وهما الغائط والريح ،وستة من القبل :وهي البول والمذي
والودي والمني في بعض أحواله ،والهادي ،ودم الستحاضة ونحوه كالسلس إن خرج أقل من نصف
زمن الصلة.
( )1/385
( )1/386
الثالث ـ زوال العقل بجنون ونحوه ،أو تغطيته بإغماء أو سكر قليل أو كثير ،أو بنوم إل النوم اليسير
عرفا من جالس وقائم.وينقض النوم اليسير من راكع وساجد ومستند ومتكئ ومُحْتب كمضطجع.
الرابع ـ مس ذكر أو قبُل أو دبُر آدمي من نفسه أو غيره ،ولو من غير شهوة بيده ،ببطن كفه أو
بظهره أو بحرفه ،غير ظفر ،من غير حائل ،ولو بأصبع زائدة ،ول ينتقض وضوء ملموس ،ول
ينقض مس ذكر بائن (أي مقطوع) ول مس محله ،ول قُلَفة (وهي الجلدة التي تقطع في الختان) بعد
قطعها ،ول مس ذكر زائد؛ لنه ليس فرجا ،ول ينقض مس امرأة شفريها ،لن الفرج هو مخرج
الحدث ،وهو ما بينهما دونهما.
الخامس ـ مس بشرة الرجل بشرة النثى بشهوة ،من غير حائل.
ول ينقض مس طفلة وطفل من دون سَبْع إذا لم يكن بشهوة ،وينتقض الوضوء باللمس بشهوة ولو
كان الملموس ميتا أو عجوزا ،أو محرما ،أو صغيرة تشتهى وهي بنت سبع فأكثر لقوله تعالى{ :أو ل
مستم النساء} [المائدة.]6/5:ول ينتقض وضوء الملموس ،ولو وجد منه شهوة ،ول ينتقض وضوء
بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر،ول ينقض لمس شعر وظفر وسن؛ لنه في حكم المنفصل ،ول
ينقض مس عضو مقطوع لزوال حرمته ،ول مس أمرد ولو بشهوة ،لعدم تناول الية له ،ولنه ليس
محلً للشهوة شرعا .ول ينقض مس خنثى مشكل من رجل أو امرأة ولو بشهوة ،ول ينقض مس
الرجل الرجل ،ول المرأة المرأة ،ولو بشهوة فيهن.
السادس ـ غسل الميت أو بعضه ،ولو في قميص ،ول ينقض تيمم الميت لتعذر غسل .وغاسل
الميت :من يقلبه ويباشره ولو مرة ،ل من يصب الماء ونحوه.
السابع ـ أكل لحم الجزور نيئا وغير نيء.
الثامن ـ موجبات الغسل كالتقاء الختانين وانتقال المني وإسلم الكافر الصلي أو المرتدc .
( )1/387
وحكمه :أنه يتوضأ لوقت كل فرض ،ل لكل فرض ونفل ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :المستحاضة
تتوضأ لوقت كل صلة» ( )1ويقاس عليها سائر ذوي العذار .ويصلي بهذا الوضوء ما شاء من
الفرائض والنوافل ،ويبقى وضوءه ما دام باقيا بشرطين :أن يتوضأ لعذره ،ولم يطرأ عليه حدث آخر
كخروج ريح أو سيلن دم من موضع آخر.
ويبطل وضوء المعذور بخروج وقت الصلة المفروضة فقط ،فإن توضأ بعد طلوع الشمس لصلة
العيد ،ودخل وقت الظهر ،فإن وضوءه ل ينتقض ،لن دخول وقت الظهر ليس ناقضا ،وكذا خروج
وقت العيد ليس ناقضا ،لنه ليس وقت صلة مفروضة ،بل هو وقت مهمل ،وصلة العيد بمننرلة
صلة الضحى ،وهذا يعني أنه يصح في هذه الحالة فقط وضوء المعذور قبل دخول الوقت (وقت
الظهر) ليتمكن من الداء عند دخول الوقت ،وأنه يبطل وضوء المعذور بخروج الوقت ل بدخوله ()2
.فإذا خرج الوقت بطل وضوء المعذور واستأنف الوضوء لصلة أخرى عند أئمة الحنفية الثلثة،
وقال زفر :استأنف إذا دخل الوقت.
أما إن توضأ قبل طلوع الشمس ،فإنه ينتقض بطلوعها لخروج وقت الفريضة .وكذلك ينتقض وضوءه
إن توضأ بعد صلة الظهر ثم دخل وقت العصر ،لخروج وقت الظهر.
-------------------------------
( )1رواه سبط ابن الجوزي عن أبي حنيفة رحمه ال تعالى،لكن قال عنه الزيلعي :غريب جدا (نصب
الراية.)204/1 :
( )2قال أبو حنيفة ومحمد :يبطل وضوء المعذور بخروج الوقت فقط ،لن الوقت مخصص للداء
شرعا ،فل بد من تقديم الطهارة عليه ليتمكن من الداء عند دخول الوقت ،كما لبد من تقديم الطهارة
على الداء حقيقة ،ولن دخول الوقت دليل ثبوت الحاجة إلى الطهارة ،وخروجه دليل زوال الحاجة،
فينتقض الوضوء عند زوال الحاجة وهو خروج الوقت ،ل عند دخول الوقت .وقال أبو يوسف :يبطل
الوضوء بكل واحد منهما أي عند دخول الوقت وعند خروجه،لن الحاجة إلى الطهارة مقصورة على
الوقت فل تعتبر قبله ول بعده .وقال زفر بعكس الطرفين :يبطل الوضوء بدخول الوقت فقط ل
بخروجه ،لنه ل حاجة للطهارة قبل الوقت ،فل تعتبر .وتظهر فائدة الختلف في أمرين فقط :فيمن
توضأ قبل الزوال ،أو قبل طلوع الشمس ،فل ينتقض الوضوء في الحالة الولى عند أبي حنيفة
ومحمد حتى يذهب وقت الظهر .وينتقض في الحالة الثانية بخروج الوقت (طلوع الشمس) .وعند أبي
يوسف :ينتقض الوضوء في الحالتين .وعند زفر :ل ينتقض في الحالة الثانية لعدم دخول وقت صلة
الظهر .وينتقض في الحالة الولى .فأبو يوسف وزفر :يوجبان الطهارة بدخول الوقت ،لنه وقت
الحاجة ،وهذا موافق لقول الشافعية والحنابلة التي بيانه .واتفق أئمة الحنفية الربعة على أن طهارة
المستحاضة ونحوها تنتقض بخروج الوقت.
( )1/389
( )1/390
ول ينتقض الوضوء عند المالكية إن خرج البول والمذي على وجه السلس الملزم :وهو أن يلزمه
نصف زمن أوقات الصلة أو أكثر ،أو كل الزمن .لكن يندب الوضوء إذا لم يعم الزمن.
وينتقض وضوء السلس :إذا بال البول المعتاد ،أو أمذى بلذة معتادة بأن حدث كلما نظر أو تفكر.
ويعرف ذلك :بأن البول المعتاد يكثر ويمكن إمساكه ،وأن المذي يكون بشهوة.
كما ينتقض وضوء السلس :إن لزمه أقل الزمان.
وإذا لم ينتقض وضوء السلس ،فله أن يصلي به ما شاء إلى أن يوجد ناقض غيره ،لكن يستحب
للسلس والمستحاضة :أن يتوضأ لكل صلة ،ول يجب عليهما.
- 3مذهب الحنابلة (: )1
ل ينتقض وضوء المبتلى صاحب الحدث الدائم بسلس بول وكثرة مذي ونزف الدم وانفلت ريح
ونحوها كالمستحاضة .وذلك إذا دام حدثه ،ولم ينقطع زمنا من وقت الصلة بحيث يسعها مع
الطهارة .فإن انقطع حدثه زمنا يسع الصلة والطهارة ،وجب عليه أداء الصلة فيه.
-------------------------------
( )1كشاف القناع 138/1،247 :وما بعدها ،المغني.342-340/1 :
( )1/391
لكن عليه الوضوء إن خرج منه شيء من حدثه الدائم لكل صلة ،بعد غسل محل الحدث ،وشدّه،
والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه ،ول يصح وضوءه إل بعد دخول وقت الصلة ؛ لقول النبي
صلّى ال عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش« :توضئي لكل صلة ،حتى يجيء ذلك الوقت» ( )1وفي
لفظ« :توضئي لوقت كل صلة» ( )2ولنها طهارة عذر وضرورة ،فتقيدت بالوقت كالتيمم ،فإن
توضأ قبل دخول الوقت وخرج منه شيء بطلت طهارته.
ويجوز للمستحاضة وغيرها الجمع بين فرضي الصلتين بوضوء واحد؛ لن النبي صلّى ال عليه
حمْنة بنت جحش بالجمع بين الصلتين بغسل واحد» ( )3وأمر به سهلة بنت سهيل،
وسلم «أمر َ
ولبقاء وضوئها إلى آخر الوقت ،وكالمتيمم وأولى .ولو زال العذر كأن انقطع دم المستحاضة وقتا
يسع الوضوء والصلة ،بطلت الطهارة ويلزم استئنافها؛ لنه صار بهذا النقطاع في حكم من حدثه
غير دائم.
وكيفية إعداد المعذور للوضوء :هي أن تغسل المستحاضة المحل ثم تحشوه بقطن أو نحوه ليرد الدم.
ومن به سلس البول أو كثرة المذي :يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسبما يمكنه.
وكذلك يفعل من به ريح أو نزف دم يعصب المحل .فإن كان مما ل يمكن عصبه مثل من به جرح ل
يمكن شده ،أو باسور ،أو ناسور ليتمكن من عصبه ،صلى على حسب حاله ،كما روي عن عمر
رضي ال عنه «أنه حين طعن ،صلى وجرحه ي ْثعَب دما» أي يتفجر.
وينوي المعذور استباحة الصلة ،ول يكفيه نية رفع الحدث لنه دائم الحدث.
- 4مذهب الشافعية (: )1
صاحب السلَس الدائم من بول أو مذي أو غائط أو ريح ،والمستحاضة ،يغسل الفرج ثم يحشوه إل إذا
كان صائما ،أو تأذت المستحاضة به ،فأحرقها الدم فل يلزم الحشو حينئذ ،ثم يعصِب .وكيفية العصب
للمستحاضة مثلً :أن تشد فرجها بعد غسله بخرقة مشقوقة الطرفين ،تخرج أحدهما من أمامها،
والخر من خلفها ،وتربطهما بخرقة تشدها على وسطها كالتكة.
ثم يتوضأ أو يتيمم عقب ذلك فورا ،أي أنه تجب الموالة بين الفعال من عصب ووضوء ،يفعل كل
ذلك فورا ،أي أنه تجب الموالة بين الفعال من عصب ووضوء ،يفعل كل ذلك بعد دخول وقت
الصلة ،لنه طهارة ضرورة ،فل تصح قبل الوقت كالتيمم.
ثم يبادر وجوبا إلى الصلة تقليلً للحدث ،فلو أخر لمصلحة الصلة كستر العورة ،وأذان وإقامة،
وانتظار جماعة ،واجتهاد في قبلةوذهاب إلى مسجد ،وتحصيل سترة ،لم يضر ،لنه ل يعد بذلك
مقصرا ،وإل كأن أخر ل لمصلحة الصلة كأكل وشرب وغزل وحديث ،فيضر التأخير على
الصحيح ،فيبطل الوضوء ،وتجب إعادته وإعادة الحتياط لتكرر الحدث والنجس مع إمكان الستغناء
عنه.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه (نيل الوطار.)275/1 :
( )2قال الترمذي :حديث حسن صحيح.
( )3صححه الترمذي.
( )4مغني المحتاج 1/111 :وما بعدها ،الحضرمية :ص .28
( )1/392
وتجب الطهارة وتجديد العصابة في الصح ،والوضوء لكل فرض ولو منذورا ،كالمتيمم لبقاء الحدث،
ويصلي به ما شاء من النوافل فقط ،وصلة الجنازة لها حكم النافلة،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم
لفاطمة بنت أبي حبيش« :توضئي لكل صلة» ولو زال العذر وقتا يسع الوضوء والصلة ،كانقطاع
الدم مثلً ،وجب الوضوء ،وإزالة ما على الفرج من الدم ونحوه.
وسلس المني :يلزمه الغسل لكل فرض.
ولو استمسك الحدث بالجلوس في الصلة ،وجب بل إعادة.
ول يجوز للسلس :أن يعلق قارورة يقطر فيها بوله.
وينوي المعذور استباحة الصلة ،ل رفع الحدث لنه دائم الحدث ،ل يرفعه وضوءه ،وإنما يبيح له
العبادة ،كما قال الحنابلة.
وبه يتبين أن مذهبي الشافعية والحنابلة متفقان في أحكام وضوء المعذور ،إل أن الحنابلة ومثلهم
الحنفية قالوا :يجوز بالوضوء الواحد صلة أكثر من فرض في الوقت؛ لن الواجب عندهم الوضوء
لوقت كل صلة .ولم يجز الشافعية الصلة به إل فرضا واحدا؛ لن الواجب عندهم تجديد الوضوء
لكل فرض.
واتفق الجمهور (غير المالكية) على وجوب تجديد وضوء المعذور ،وقال المالكية باستحباب الوضوء
فقط .والوضوء يكون بعد دخول الوقت عند الشافعية والحنابلة ،وفي غير صلة الظهر عند الحنفية،
أما صلة الظهر فيجوز تقديم الوضوء لها على دخول الوقت ،لسبقها بوقت ُمهْمل.
المطلب التاسع ـ ما يحرم بالحدث الصغر أو ما يمنع منه غير المتوضئ:
يحرم بالحدث الصغر ثلثة أمور :الصلة ونحوها ،والطواف ،ومس المصحف وتوابعه ،على
تفصيل بين المذاهب (. )1
- 1الصلة ونحوها :يحرم على المحدث غير المتوضئ الصلة فرضا أو
-------------------------------
( )1البدائع 33/1 :وما بعدها ،الدر المختار ،165-160/1 :الشرح الصغير 149/1 :وما بعدها،
المجموع ،79-71/2:المهذب ،25/1 :الحضرمية :ص ،16حاشية الباجوري 121/1 :وما بعدها،
المغني ،147 ،142/1 :كشاف القناع.157-152/1 :
( )1/393
نفلً ،ونحوها ،كسجود التلوة ،وسجود الشكر ،وخطبة الجمعة ،وصلة الجنازة .لقوله صلّى ال عليه
وسلم « :ل يقبل ال صلة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (« )1ل صلة لمن ل وضوء له. )2( »...
- 2الطواف بالبيت الحرام فرضا أو نفلً؛ لنه صلة ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :الطواف بالبيت
صلة ،ولكن ال أحل فيه المنطق ،فمن نطق فل ينطق إل بخير» (. )3
إل أن الحنفية جعلوا الطهارة للطواف واجبا ل شرطا في صحته ،فيصح مع الكراهة التحريمية
الطواف محدثا؛ لن الطواف بالبيت شبيه بالصلة بنص الحديث السابق ،ومعلوم أنه ليس بصلة
حقيقة ،فلكونه طوافا حقيقة يحكم بالجواز ،ولكونه شبيها بالصلة يحكم بالكراهة.
- 3مس المصحف كله أو بعضه ولو آية :والمحرم هو لمس الية ولو بغير أعضاء الطهارة لقوله
تعالى{ :ل يمسه إل المطهرون} [الواقعة ،]79/56:أي المتطهرون ،وهو خبر بمعنى النهي ،ولقوله
صلّى ال عليه وسلم « :ل يمس القرآن إل طاهر» ( ، )4ولن تعظيم القرآن واجب ،وليس من
التعظيم مس المصحف بيد حلّها الحدث.
-------------------------------
( )1رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة.
( )2رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الوطار.)134/1 :
( )3رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية والحاكم والبيهقي في السنن عن ابن عباس ،وهو حديث
حسن .ورواه أحمد والنسائي والترمذي والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس ،وصححه ابن
السكن وابن خزيمة وابن حبان مرفوعا وموقوفا بلفظ« :إنما الطواف بالبيت صلة ،فإذا طُفتم فأقلوا
الكلم» (نيل الوطار.)207/1 :
( )4روي من حديث عمرو بن حزم عند الثرم وأبي داود والنسائي ،وعن ابن عمر عند الدارقطني
والطبراني والبيهقي ،وعن عثمان بن أبي العاص عند الطبراني ،وعن ثوبان إل أن الخير في غاية
الضعف عنه ،والحاديث الخرى ضعيفة ،ورواه مالك مرسلً عن عمرو ابن حزم (نيل الوطار:
،205/1نصب الراية.)196/1 :
( )1/394
واتفق الفقهاء على أن غير المتوضئ يجوز له تلوة القرآن أو النظر إليه دون لمسه ،كما أجازوا
للصبي لمس القرآن للتعلم؛ لنه غير مكلف ،والفضل التوضؤ.
وقد حرم المالكية والشافعية مس القرآن بالحدث الصغر ولو بحائل أو عود ،وأجاز الحنفية والحنابلة
مسّه بحائل أو عود طاهرين.
وهذه عبارات الفقهاء:
قال الحنفية :يحرم مس المصحف كله أو بعضه أي مس المكتوب منه ،ولو آية على نقود (درهم
ونحوه) أو جدار ،كما يحرم مس غلف المصحف المتصل به ،لنه تبع له ،فكان مسه مسا للقرآن،
ول يحرم مس الغلف المنفصل عن القرآن كالكيس والصندوق ،ويجوز مسه بنحو عود أو قلم أو
غلف منفصل عنه ،ويكره لمسه بالكم تحريما لتبعيته للبس ،والحائل كالخريطة في الصحيح،
والمقصود بالخريطة :هو الوعاء من جلد أو غيره تُشرَج على ما فيها.
ول يجوز لغير المسلم مس المصحف ويجوز له تعلمه وتعلم الفقه ونحوه ،ويجوز للصبي مس القرآن
أو لوح منه للضرورة من أجل التعلم والحفظ .ول تحرم كتابة آية على ورقة ،لن المحرم هو مس
المكتوب باليد ،أما القلم فهو واسطة منفصلة ،كالثوب المنفصل الذي يمس به القرآن؛ لن المفتى به
جواز مس المصحف بغلف منفصل أو بصُرة.
ول يكره مس كتب التفسير إن كان التفسير أكثر ،ويكره المس إن كان القرآن أكثر من التفسير أو
مساويا له.
ول مانع من مس بقية الكتب الشرعية من فقه وحديث وتوحيد بغير وضوء ،والمستحب له أل يفعل.
كما ل مانع من لمس الكتب السماوية الخرى المبدلة ،لكن يكره قراءة توراة وإنجيل وزبور؛ لن
الكل كلم ال ،وما بدل منها غير معين.
( )1/395
ويجوز قربان المرأة في بيت فيه مصحف مستور ،ويكره وضع المصحف تحت رأسه إل للحفظ.
ويكره لف شيء في ورق فيه فقه ونحوه من علوم الشرع .ويدفن المصحف كالمسلم إذا صار بحال ل
يقرأ فيه ،ول بأس أن تدفن كتب الشرع ،أوتلقى في ماء جارٍ ،أو تحرق ،والول أحسن .ويجوز محو
بعض الكتابة ولو قرآنا بالريق ،ويجوز حمل الحجب المشتملة على آيات قرآنية ودخول الخلء بها
ومسها ولو للجنب إذا كانت محفوظة بغلف منفصل عنها كالمشمع ونحوه.
وقال المالكية :يمنع المحدث حدثا أصغر من مس مصحف أو جزئه ،أو كَتْبِه ،أو حمله ولو بعلقة أو
ثوب أو وسادة ،أو كرسي تحته ،ولو كان المس بحائل أو عود ،أو كان الحمل مع أمتعة أخرى غير
مقصودة بالحمل .أما إن قصد حمل المتعة وفيها قرآن تابع لها كصندوق ونحوه ،فيجوز الحمل ،أي
إن قصد المصحف فقط أو قصده مع المتعة حرم الحمل ،وإن قصد المتعة بالحمل جاز.
ويجوز المس والحمل لمعلم ومتعلم بالغ ،وإن كان حائضا أو نفساء ،لعدم قدرتهما على إزالة المانع،
وليجوز ذلك للجنب لقدرته على إزالة المانع بالغسل أو التيمم.
كما يجوز للمسلم ل للكافر المس والحمل بحِرْز ساتر واقٍ ،ولو لجنب أو حائض ،ولو مصحفا كاملً.
ويباح مس التفسير وحمله والمطالعة فيه للمحدث ولو كان جنبا ،لن المقصود من التفسيرمعاني
القرآن ،ل تلوته.
وقال الشافعية :يحرم حمل المصحف ومس ورقه وحواشيه ،وجلده ،المتصل به (ل المنفصل عنه)،
ووعائه (خريطته) ( )1وعلقته ،وصندوقه ،وما كتب من اللواح لدارس قرآن ،ولو بخرقة ،أو
بحائل.ويحل حمل القرآن في أمتعة ل بقصده ،وحمل التفسير الكثر منه ،أما إذا كانا متساويين أو
كان القرآن أكثر فل يجوز ،ويجوز حمل كتب العلم الخرى غير التفسير المشتملة على آيات قرآنية.
-------------------------------
( )1يعبر الفقهاء عادة عن كيس المصحف المعدّ له عرفا اللئق به بالخريطة.
( )1/396
ويباح قلب ورقه بعود.ول يمنع الصبي المميز من حمله ومسه للدراسة.
ويجوز حمل التمائم ،وما على النقد ،وما على الثياب المطرزة باليات القرآنية ككسوة الكعبة لنه لم
يقصد به القرآن.
ويجوز للمحدث كتابة القرآن بدون مس.
ويحرم وضع شيء على المصحف كخبز وملح؛ لن فيه إزراء وامتهانا له .ويحرم تصغير المصحف
والسورة لما فيه من ايهام النقص ،وإن قصد به التعظيم.
وقال الحنابلة :يحرم مس المصحف ولو آية منه ،بشيء من جسده ،ويجوز مسه بحائل أو عود
طاهرين ،وحمله بعلقة أو وعاء ،ولو كان المصحف مقصودا بالحمل ،وكتابته ولو لذمي من غير
مس ،وحمله بحرز ساتر طاهر.
ول يجوز لولي الصبي تمكينه من مس المصحف أو لوح الدرس القرآني ولو للحفظ أو التعلم ،ما دام
الصبي محدثا،أي أن حرمة مس القرآن إل بطهارة تشمل عندهم الصبي.
ويجوز مس كتب التفسير والفقه وغيرها وإن كان فيها آيات من القرآن ،بدليل «أن النبي صلّى ال
عليه وسلم كتب إلى قيصر كتابا فيه آية» ( . )1يجوز في أرجح الوجهين :مس الدراهم المكتوب
عليها القرآن ،والثوب المرقوم بالقرآن ،لنها ل تسمى قرآنا ،ولن في الحتراز منها مشقة ،فأشبهت
ألواح الصبيان على أحد الوجهين.
وإن احتاج المحدث إلى مس المصحف عند عدم الماء ،تيمم وجاز مسه.
ويمنع الكافر (الذمي أو غيره) من مس القرآن ومن قراءته ومن تملكه ويمنع المسلم من تمليكه له،
ويحرم بيع المصحف ولو لمسلم ،ويحرم توسد المصحف والوزن به والتكاء عليه أو على كتب العلم
التي فيها القرآن .فإن لم يكن فيها القرآن ،كره توسدها والوزن بها والتكاء عليها ،إل إن خاف عليها
سرقة ،فل بأس أن يتوسدها للحاجة.
-------------------------------
( )1متفق عليه من حديث ابن عباس.
( )1/397
ول يجوز المسافرة بالمصحف إلى دار الحرب ،لما روى ابن عمر قال :قال رسول ال صلّى ال
عليه وسلم « :ل تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ،مخافة أن تناله أيديهم» (. )1
والخلصة :أنه وقع الجماع ما عدا داود أنه ل يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمس المصحف .وأما
المحدث حدثا أصغر فلم تدل الدلة قطعا على منعه من مس القرآن ،لكن أكثر الفقهاء على أنه ل
يجوز له .وأجاز ابن عباس والزيدية له مس المصحف (. )2والظاهر أن المراد من آية {ل يمسه إل
المطهرون} [الواقعة ]79/56:هو اللوح المحفوظ ،والمطهرون :الملئكة ،فإن لم يكن ظاهرا فهو
احتمال ،كاحتمال أن المراد من كلمة ( طاهر ) في الحديث «ل يمس القرآن إل طاهر» :هو
المؤمن ،والطاهر من الحدث الكبر والصغر ،ومن ليس على بدنه نجاسة.
ويجوز للمحدث عند الجمهور غير المالكية كتابة المصحف أو بعض آيات منه ،وإن لم يكن بقصد
التعليم والتعلم ،بشرط أل يحمله الكاتب المحدث أو يمسه أثناء كتابته ،وإل حرم.
وحرّم المالكية على المعتمد كتابةالقرآن أو بعض منه للمحدث كحمله ومسّه.
ويجوز عند الجمهور غير الحنابلة للصبيان كتابة القرآن ومسّه بقصد التعليم والتعلم للضرورة أو
الحاجة ودفعا للمشقة.
وأجاز المالكية للحائض والنفساء قراءة القرآن وحمله ومسّه أثناء التعليم والتعلم للضرورة ،كما
أجازوا لهما القراءة في غير حال التعلم إذا كان يسيرا كآية الكرسي والخلص والمعوذتين وآيات
الرّقية للتداوي بقصد الستشفاء بالقرآن.
-------------------------------
( )1رواه مسلم بلفظ« :ل تسافروا بالقرآن ،فإني ل آمن أن يناله العدو» ولعل هذا في بادئ المر،
واليوم يتداول العالم القرآن بسبب انتشار الطباعة.
( )2راجع نيل الوطار.207-205/1 :
( )1/398
( )1/399
وللصائم قبل الظهر ( . )1وأضاف الشافعية :ويسن التخلل قبل السواك وبعده ومن آثار الطعام.
وأدلة ذلك :ما روى الجماعة إل البخاري والترمذي عن عائشة« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم إذا
دخل بيته بدأ بالسواك» وروى ابن ماجه عن أبي أمامة« :إني لستاك ،حتى لقد خشيت أن أُحفي
مقادم فمي» ( )2وعن عائشة« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم ل يرقد من ليل أو نهار،
فيستيقظ ،إل تسوك ،قبل أن يتوضأ» ( ، )3ولن النوم والكل ونحوهما يغير رائحة الفم ،والسواك
مشروع لزالة رائحته وتطييبه.
ويكره عند الشافعية والحنابلة السواك للصائم بعد الزوال أي من وقت صلة الظهر إلى أن تغرب
الشمس ،لخبر الصحيحين« :لخُلوف ( )4فم الصائم أطيب عند ال من ريح المسك» وأطيبية الخلوف
تدل على طلب إبقائه ،فكرهت إزالته ،وتزول الكراهة بالغروب؛ لنه ليس بصائم الن ،واختصاصه
بما بعد الزوال لن تغير الفم بالصوم إنما يظهر حينئذ.
ول يكره عند المالكية والحنفية السواك للصائم مطلقا لعموم الحاديث السابقة الدالة على استحباب
السواك ،وقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :من خير خصال الصائم السواك» ( )5وقال ربيعة بن
عامر« :رأيت رسول ال صلّى ال عليه وسلم ما ل أحصي يتسوك،
-------------------------------
( )1فتح القدير 15/1 :ومابعدها ،اللباب ،14/1 :الشرح الصغير ،126-124/1 :المجموع-329/1 :
،342الشرح الكبير 102/1 :وما بعدها ،مغني المحتاج 55/1 :وما بعدها ،المهذب ،13/1 :المغني:
،97-95/1كشاف القناع.81-78/1 :
( )2أي خشيت أن ترق ثناياي.
( )3رواه أحمد وأبو داود.
( )4الخلوف :تغير رائحة الفم ،والخلوف بعد الزوال لخبر« :أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا،
ثم قال :وأما الثانية فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند ال من ريح المسك» والمساء :بعد
الزوال.
( )5رواه ابن ماجه عن عائشة.
( )1/400
وهو صائم» ( )1قال الشوكاني :الحق أنه يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره ،وهو مذهب
جمهور الئمة.
ثالثا ـ كيفيته وأداته:
يستاك الشخص بيده اليمنى مبتدئا بالجانب اليمن ،عرضا في السنان (أي ظاهرا وباطنا) من ثناياه
إلى أضراسه ،ويذهب إلى الوسط ثم اليسر ،وطولً في اللسان ،لحديث عائشة أن النبي صلّى ال
عليه وسلم «كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطُهوره ،وفي شأنه كله» ( )2ولخبر «إذا استكتم
فاستاكوا عرضا» (، )3ويجزئ الستياك في السنان طولً ،لكن مع الكراهة؛ لنه قد يدمي اللثة،
ويفسد لحم السنان.
أما اللسان فيسن أن يستاك فيه طولً ،كما ذكره ابن دقيق العيد مستدلً بخبر في سنن أبي داود (. )4
وقال الحنابلة :يبدأ من أضراس الجانب اليمن بيساره.ويحصل الستياك بعود ليّن من نخل أو غيره،
ينقي الفم ،ول يجرحه ول يضره ول يتفتت فيه كالراك والفرشاة ،والفضل أن يكون من أراك ،ثم
من النخل ،ثم ذو الريح الطيب ثم اليابس المندى بالماء ،ثم العود .وليكره بسواك الغير إذ ا أذن وإل
حرم ،روى أبو داود عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يستنّ ،وعنده رجلن،
-------------------------------
( )1رواه أحمد والترمذي وقال :هذا حديث حسن ،ورواه أصحاب السنن وابن خزيمة وعلقه البخاري
(نيل الوطار.)107/1 :
( )2متفق عليه.
( )3رواه أبو داود في مراسيله.
( )4عن أبي بردة عن أبيه ،قال« :أتينا رسول ال صلّى ال عليه وسلم نستحمله ،فرأيته يستاك على
لسانه» (سنن أبي داود ،12/1 :اللمام لبن دقيق العبد :ص .)16
( )1/401
أحدهما أكبر من الخر ،فأُوحي إليه في فضل السواك (أن كبّر) أعط السواك أكبرهما» .
ويحصل أيضا بالصبع عند عدم السواك في رأي الحنفية والمالكية ،قال علي رضي ال عنه:
التشويص بالمُسبّحة والبهام سواك ،وروى البيهقي وغيره من حديث أنس يرفعه« :يجزي من
السواك الصابع» ( )1وروى الطبراني عن عائشة رضي ال عنها ،قلت :يا رسول ال ،الرجل
يذهب فوه ،يستاك؟ قال :نعم ،قلت :كيف يصنع؟ قال :يدخل أصبعه في فيه ،فيدلكه» (. )2
ول يحصل السواك بالصبع في الصح عند الشافعية ،والحنابلة ،كما ليحصل بخرقة عند الحنابلة،
ويصح بكل خشن عند الشافعية؛ لن استعمال الصبع ل يسمى استياكا ،ولم يرد الشرع به ،ول
يتحقق به النقاء الحاصل بالعود.
ويغسل السواك بالماء بعد استعماله ليزيل ما عليه ،قالت عائشة« :كان نبي ال صلّى ال عليه وسلم
يستاك ،فيعطيني السواك لغسله ،فأبدأ به فأستاك ،ثم أغسله وأدفعه إليه» (. )3
ول يستاك بعود الرمان ول الس ول الريحان ول العواد الذكية الرائحة؛ لنها تضر بلحم الفم،
وليحصل النقاء بها ،ولم يرد بها الشرع ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :
-------------------------------
( )1تكلم فيه المحدثون ،ورواه أيضا ابن عدي والدارقطني (نيل الوطار ،106/1:نصب الراية:
.)10/1
( )2فيه راو ضعيف (مجمع الزوائد )100/2:وروى أحمد عن علي أنه دعا بكوز من ماء ،فغسل
وجهه وكفيه ثلثا ،وتمضمض ثلثا ،فأدخل بعض أصابعه في فيه »..وفيه دللة على أنه يجزئ
التسوك بالصبع (نيل الوطار.)106/1:
( )3رواه أبو داود (سنن أبي داود (سنن أبي داود .)13/1:ل تخللوا بعود الريحان ،ول الرمان،
فإنهما يحركان عرق الجذام» (. )1
( )1/402
ول يستاك أيضا بقصب الشعير ول بعود الحلفاء ونحوهما من كل ما يضر أو يجرح؛ ولنهما يورثان
الكلة أو البرص.
ول يتسوك ول يتخلل بما يجهله ،لئل يتضرر منه.
ويقول إذا استاك ( :اللهم طهر قلبي ،ومحّص ذنوبي ) (. )2
وقال بعض الشافعية :وينوي به التيان بالسنة.
ول يكره السواك في المسجد ،لعدم الدليل الخاص بالكراهة.
ويكره أن يزيد طول السواك على شبر ،في البيهقي عن جابر قال« :كان موضع سواك رسول ال
صلّى ال عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب» .
رابعا ـ فوائد السواك:
ذكر العلماء من فوائد السواك :أنه يطهر الفم ،ويرضي الرب ،ويبيض السنان ،ويطيب النكهة،
ويسوّي الظهر ،ويشد اللثة ،ويبطئ الشيب ،ويصفي الخلقة ،ويذكي الفطنة ،ويضاعف الجر ،ويسهل
النزع ،ويذكّر الشهادة عند الموت ( . )3ونحو ذلك ،مما يصل إلى بضع وثلثين فضيلة ،نظمها
الحافظ ابن حجر (. )4
ويوصي الطباء المعاصرون باستعمال السواك لمنع نخر السنان ،والقَلَح (الطبقة الصفراء على
السنان) ،والتهابات اللثة والفم ،ومنع الختلطات العصبية والعينية والتنفسية والهضمية ،بل ومنع
ضعف الذاكرة وبلدة الذهن ،وشراسة الخلق.
ما يلحق بالسواك من سنن العادات الحسنة (سنن الفطرة):
ورد في السنة النبوية أحاديث تبين مجموعة حسنة من الداب أو السنن الدينية المرتبطة بنظافة أجزاء
النسان من أشعار وأظفار ونحوها ،يحسن ذكرها كما وردت ،ثم تشرح وتوضح على طريقة الفقهاء.
-------------------------------
( )1رواه محمد بن الحسين الزدي الحافظ بإسناده عن قبيصة بن ذؤيب.
( )2استحب بعضهم أن يقول في أول السواك :اللهم بيض به أسناني ،وشدّ به لثاتي ،وثبّت به لهاتي،
وبارك لي يا أرحم الراحمين .قال النووي :وهذا ل بأس به ،وإن لم يكن له أصل ،فإنه دعاء حسن
(مغني المحتاج.)56/1:
( )3راجع مغني المحتاج.57/1:
( )4انظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير للدردير.125/1:
( )1/403
ومن أهم هذه الحاديث اثنان :الول ذكر فيه خمس خصال من الفطرة ،والثاني ذكر فيه عشر
خصال:
سنن الفطرة الخمس:
عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :خمس من الفطرة:
الستحداد ،والختان ،وقص الشارب ،ونتف البط ،وتقليم الظفار» (. )1
والستحداد :هو حلق العانة ،وهو سنة بالتفاق ،ويكون بالحلق ،والقص ،والنتف ،والنورة (الكلس).
قال النووي :والفضل الحلق .والمراد بالعانة :الشعر النابت حول فرج الرجل ،أو فرج المرأة.
والخِتَان :قطع جميع الجلدة التي تغطي حشفة ذكر الرجل ،حتي ينكشف جميع الحشفة .وفي المرأة
قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج .ويسمى ختان الرجل إعذارا ،وختان المرأة :خفضا،
فالخفض للنساء كالختان للرجال.
-------------------------------
( )1رواه الجماعة (نيل الوطار108/1:وما بعدها).
( )1/404
ويستحب أن يكون في اليوم السابع من الولدة ،والظهر أنه يحسب يوم الولدة .وهو سنة للرجل،
مكرمة للمرأة عند الحنفية والمالكية ،لحديث« :الختان سنة في الرجال ،مكرمة في النساء» (. )1
وواجب عند الشافعية والحنابلة للذكر والنثى ،لقوله صلّى ال عليه وسلم لرجل أسلم« :ألق عنك شعر
الكفر ،واختتن» ( )2ولخبر أبي هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :من أسلم فليختتن» ()3
وفي حديث آخر لبي هريرة« :اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة ،واختتن
بالقَدّوم» ( )4أي آلة النجارة ،ولنه من شعار المسلمين ،فكان واجبا كسائر شعاراتهم.
والدليل على أنه مكرمة ل واجب للنساء عند الحنابلة :حديث« :الختان سنة للرجال ،ومكرمة للنساء»
شمّي» .
خ َفضْتِ فأ ِ
وحديث «أشمّي ول تنهكي» ( )5وفي حديث أم عطية« :إذا َ
وقص الشارب :هو سنة بالتفاق .والقاص مخير بين أن يتولى ذلك بنفسه ،أو يوليه غيره ،لحصول
المقصود ،بخلف البط والعانة.
والمراد به عند الشافعية والمالكية :التقصير بأن يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة ،وهو
حفُوا الشوارب وأرْخوا اللحى ،خالفوا المجوس» ( )6أو «جزوا الشوارب» .
معنى الحديث «ا ْ
ويراد به عند الحنفية :الستئصال ،لظاهر الحديث السابق« :احفوا وان َهكُوا» .
ويخير عند الحنابلة بين القص والحفاء ،والحف أولى نصا.
أما إرخاء أو إعفاء اللحية :فهو تركها وعدم التعرض لها بتغيير ،وقد حرم المالكية والحنابلة حلقها،
ول يكره أخذ ما زاد على القبضة ،ول أخذ ما تحت حلقه ،لفعل ابن عمر (. )7
ويكره حلقها تحريما عند الحنفية ،ويكره تنزيها عند الشافعية ،فقد ذكر النووي في شرح مسلم عشر
خصال مكروهة في اللحية ،منها حلقها ،إل إذا نبت للمرأة لحية ،فيستحب لها حلقها.
ونتف البط :هو سنة بالتفاق أيضا.
وتقليم الظافر :هو سنة بالتفاق أيضا.
ويستحب في كل ما سبق البدء بالجانب اليمن ،لحديث التيامن المتقدم ،وفيه« :كان يعجبه التيمن في
تنعله وترجله وطهوره ،وفي شأنه كله» .
-------------------------------
( )1رواه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة ،وهو مدلس ،وفيه اضطراب ،وقال عنه
البيهقي :هو ضعيف منقطع (نيل الوطار )113/1:ورواه الخلل بإسناده عن شداد بن أوس.
( )2رواه أبو داود من حديث عثيم ،وفيه مقال.
( )3ذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص الجبير ،ولم يضعفه ،وتعقب بقول ابن المنذر :ليس في
الختان خبر يرجع إليه ،ول سنة تتبع.
( )4متفق عليه (نيل الوطار.)1/111 :
شمّي
( )5روي عن جابر بن زيد موقوفا عليه أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال للخافضة :الخاتنة «أ ِ
ول تَنْهكي» أي اقطعي بعض النواة ول تستأصِليها.
( )6رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة ،وفي معناه روى أحمد والشيخان عن ابن عمر« :خالفوا
المشركين ،وفّروا اللّحى ،وأحفوا الشوارب» وروى أحمد والنسائي والترمذي وقال :حديث صحيح
عن زيد بن أرقم« :من لم يأخذ من شاربه فليس منا» ( نيل الوطار 14/1 :وما بعدها).
( )7كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته ،فما فضل أخذه (المرجع السابق).
( )1/405
( )1/406
وثلثة في اليسرى،وتقليم الظافر بادئا ـ كما يرى الشافعية ـ بسبابة يده اليمنى إلى الخنصر ،ثم
البهام ،ثم خنصر اليسرى إلى البهام .ويستحب سل رؤوس الصابع بعد قص الظافر تكميلً
للنظافة ،وينبغي دفن الشعر والظافر وإن رمى به فل بأس .وقطع الظفر بالسنان مكروه يورث
البرص.
والدليل لما سبق بالترتيب :أنه عليه السلم «نهى عن الترجل إل غِبّا» ( . )1وروى ابن عباس عن
النبي صلّى ال عليه وسلم أنه «كان يكتحل بال ْثمِد (حجر للكحل معروف) ،كل ليلة ،قبل أن ينام،
وكان يكتحل في كل عين ثلثة أميال» (. )2
وتقليم الظفار من سنن الفطرة ،في الحديثين السابقين .والمرأة تتطيب في بيتها ،وتمنع من الطيب في
غير بيتها لنه يؤدي إلى الفتنة والفساد .قال الحنفية :قلم الظفار سنة إل في دار الحرب فإن تركها
مندوب إليه.
- ً 2النتعال وإطالة الثياب :يكره بل عذر المشي في نعل واحد للنهي الصحيح عنه ،ولئل يختل
توازنه ومشيه ،كما يكره النتعال قائما للنهي الصحيح عنه ،ولنه يخشى منه السقوط.
ويكره إطالة العَذَبة (طرف العمامة) والثوب والزار عن الكعبين ،ل للخيلء ،وإل حرم .ول يكره
إرسال العَذَبة ول عدمه ،كما ل يكره للمرأة إرسال ثوبها على الرض ذراعا.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة إل ابن ماجه ،وصححه الترمذي عن عبد ال بن المغفّل (نيل الوطار،)123/1 :
والترجل :تسريح الشعر ودهنه ،وروى أحمد عن أبي أيوب مرفوعا« :أربع من سنن المرسلين:
الحِنّاء ،والتعطر ،والسواك ،والنكاح» وعن أنس :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :حبب إلي
من الدنيا :النساء ،والطيب ،وجعلت قرة عيني في الصلة» رواه النسائي وأحمد وابن أبي شيبة،
والمرسل أشبه بالصواب (نيل الوطار.)127/1 :
( )2رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
( )1/407
- ً 3الختان :سنة عند الحنفية والمالكية :واجب عند الشافعية والحنابلة للذكر والنثى ،كما بينا في
شرح الحديث السابق .ويجب للذكر والنثى في رأي الحنابلة عند البلوغ ما لم يخف على نفسه ،لقول
ابن عباس« :وكانوا ل يختنون الرجل حتى يدرك» (. )1
والختان في الصغر أفضل منه عند التمييز ،لنه أسرع برءا.
ويكره الختان قبل اليوم السابع من الولدة.
ويجوز أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه ،لنه قد روي أن إبراهيم عليه السلم ختن نفسه.
- ً 4الشعر :يسن المتشاط غِبّا كالدهان ،ويفعله كل يوم لحاجة لخبر أبي قتادة عند النسائي.
واللحية كالرأس في ذلك.
ويسن قص الشارب وإعفاء اللحية ونتف البط ،لنها من خصال الفطرة في الحديث السابق .ويكون
ذلك مع تقليم الظفار وحلق العانة يوم الجمعة ،وقيل :يوم الخميس ،وقيل :يخير .ويدفن الشعر
والظفر والدم ،لما ثبت عن النبي صلّى ال عليه وسلم (. )2
ويفعل ما ذكر كل أسبوع ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم «كان يأخذ أظفاره وشاربه كل
-------------------------------
( )1رواه البخاري.
( )2روى الخلل بإسناده عن مثلة بنت مشرح الشعرية ،قالت « :رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها،
ويقول :رأيت النبي صلّى ال عليه وسلم يفعل ذلك» وعن ابن جريح عن النبي صلّى ال عليه وسلم
يقول« :كان يعجبه دفن الدم» وكان ابن عمر يدفن شعره وأظفاره (كشاف القناع 84/1 :وما بعدها،
المغني )88/1 :وروى الديلمي في مسند الفردوس عن علي في حديث ضعيف« :قص الظفر ونتف
البط وحلق العانة يوم الخميس ،والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة» .
( )1/408
جمعة» ( )1فالفضل أن يقلم أظفاره ويحفي شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه بالغتسال في كل
أسبوع مرة.
ويكره ترك التقليم ،والحلق لشعر الرأس والعانة ،والنتف فوق أربعين يوما ،ويستحب حلق الرأس في
كل جمعة ،ويكره القزَع وهو أن يحلق البعض ويترك البعض قطعا مقدار ثلثة أصابع ،وعن أبي
حنيفة :يكره أن يحلق قفاه إل عند الحجامة .وحلق الشعر وقص الظفار حال الجنابة مكروه.
وكان هديه صلّى ال عليه وسلم في حلق رأسه :تركه كله أو حلقه كله ،ولم يكن يحلق بعضه ويدع
بعضه .ويسن أن يغسله ويسرحه متيامنا لحديث «من كان له شعر فليكرمه» ( )2قال ابن عبد البر:
أجمع العلماء في جميع المصار على إباحة الحلق ،أي حلق الذكر رأسه ولو لغير نسك وحاجة.
ويكره نتف الشيب ،لحديث «نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن نتف الشيب ،وقال :إنه نور
السلم» ( . )3ويكره أيضا نتف اللحية إيثارا للمردودة،ويكره القَزَع :وهو حلق بعض الرأس -كما
تقدم -للنهي عنه ،ويكره حلق القفا منفردا عن الرأس إذا لم يحتج إليه لحجامة أو غيرها -كما تقدم
،-لنه من فعل المجوس .ويخضب الشيب بحمرة أو صفرة ،اتباعا للسنة ( ، )4ويكره أو يحرم
بسواد إل في حالة الحرب لرهاب الكفار.
وللمرأة المزوجة أن تخضب يديها ورجليها بالحنّاء إن أحب ذلك زوجها.
-------------------------------
( )1رواه البغوي بسنده عن عبد ال بن عمرو بن العاص (كشاف القناع ،المكان السابق).
( )2رواه أبو داود ،وإسناده حسن (نيل الوطار.)123/1 :
( )3رواه الخلل من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،وروى أيضا من حديث طارق بن
حبيب« :من شابه شيبة في السلم ،كانت له نورا يوم القيامة» (المغني.)91/1 :
( )4رواه أحمد وغيره (المغني 91/1 :وما بعدها).
( )1/409
ويكره للمرأة حلق رأسها وقصه تماما من غير عذر ،قال عكرمة« :نهى النبي صلّى ال عليه وسلم
أن تحلق المرأة رأسها» ( ، )1فإن كان َثمّ عذر كقروح لم يكره .ويحرم حلقها رأسها لمصيبة كلطم
خد وشق ثوب ويجوز للمرأة قص شعرها لما دون الذن ،حتى لتتشبه بالرجال ،ولها التجمل لزوجها
أو للنساء بمختلف أنواع التسريحات ،مالم تقصد التشبه بالكافرة أو الساقطة.
خلُقي ،وحرّمْ
- ً 5التزين :ل بأس بالنظر في المرآة ،ويقول حينئذ ( :اللهم كما حسّنت خَلْقي ،فحسّن ُ
وجهي على النار ) (. )2
ويكره ثقب أذن صبي ،ل بنت نصا ،لحاجتها للتزين بخلفه.
ويحرم نمص (وهو نتف الشعر من الوجه) ،ووَشْر (أي برد السنان لتحدد وتفلج وتحسن) ،ووشْم
(وهو غرز الجلد بإبرة حتى يخرج الدم ثم حشوه كحلً أو نيلة ليخضر أو يزرق بسبب الدم الحاصل
بغرز البرة) ،ووصل شعر بشعر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :لعن ال الواشمات والمستوشمات،
والنامصات والمتنمصات ،والمتفلجات للحسن ،المغيرات خلق ال» ( )3أي الفاعلة ،والمفعول بها ذلك
بأمرها ،واللعنة
-------------------------------
( )1رواه الخلل بإسناده عن قتادة عن عكرمة.
( )2لخبر أبي هريرة ،رواه أبو بكر بن مردويه ،والخلق الول :الصورة الظاهرة ،والثاني :الصورة
الباطنة.
( )3رواه الجماعة عن ابن مسعود ،ورواه الجماعة أيضا عن ابن عمر« :لعن ال الواصلة
والمستوصلة،والواشمة والمستوشمة» وهم صحيحان (نيل الوطار )190/6 :والواصلة :هي التي
تصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى ،لتكثر به شعر المرأة .والمستوصلة :هي التي تطلب أن يفعل
بها ذلك ،ويقال لها :موصولة .والوشم حرام على الفاعل والمفعول به .والمتنمصات :جمع متنمصة:
وهي التي تطلب نتف الشعر من وجهها ،والنامصة :المزيلة شعرها من نفسها أو من غيرها،
والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تبرد ما بين أسنانها والثنايا والرباعيات .قال الطبري :ل يجوز
للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها ال عليها بزيادة أو نقص ،التماس حسن ،ل للزوج ول
لغيره. ،كمن تكون مقرونة الحاجبين ،فتزيل ما بينهما توهم البلج وعكسه (تحفة الحوذي بشرح
الترمذي.)67/1 :
( )1/410
على الشيء تدل على تحريمه؛ لن فاعل المباح ل تجوز لعنته .وعلى هذا فل يجوز وصل شعر
المرأة بشعر آخر لهذا الحديث ،وأما وصله بغير الشعر :فإن كان بقدر ما تشد به رأسها فل بأس به،
لن الحاجة داعية إليه ،ول يمكن التحرز منه ،كذلك ل يحرم في الصح ما يزيد عن الحاجة إن كان
فيه مصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة .وقال مالك :الوصل ممنوع بكل شيء ،سواء
وصلته بشعر أو صوف أو خرق ،لحديث جابر« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم زجر أن تصل المرأة
برأسها شيئا» (. )1
وقد فصل الشافعية والحنابلة في موضوع وصل الشعر ،فقالوا :إن وصلت المرأة شعرها بشعر آدمي،
فهو حرام بل خلف ،سواء أكان شعر رجل أم امرأة ،وسواء أكان شعر قريب محرم أم زوج أم
غيرهما لعموم الدلة ،ولنه يحرم النتفاع بشعر الدمي وسائر أجزائه لكرامته ،بل يدفن شعره
وظفره وسائر أجزائه.
-------------------------------
( )1نيل الوطار.191/6 :
( )1/411
وإن وصلته بشعر غير آدمي :فإن كان شعرا نجسا ،وهو عندهم :شعر الميتة وشعر ما ل يؤكل لحمه
إذا انفصل في حياته ،فهو حرام أيضا للحديث ،ولنه حمل نجاسة في صلتها وغيرها عمدا .وهاتان
الحالتان يستوي فيهما المرأة المزوجة وغيرها من النساء ،والرجال .لكن الوجه عند الشافعية أنه
يجوز التنميص بإذن الزوج؛ لن له غرضا في تزيينها له ،وقد أذن لها فيه (. )1
وأما الشعر الطاهر من غير الدمي :فإن لم يكن لها زوج فالوصل حرام أيضا ،وإن كان لها زوج
يجوز لها في الصح بإذن الزوج ،وإلفهو حرام.
وأما نتف الشعر (ال ّنمْص) فهو حرام مطلقا ،إل إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب ،فل يحرم إزالتها ،بل
يستحب ،كما قال النووي وغيره.
والتحريم المذكور في الحديث إذا كان لقصد التحسين ،ل لداء وعلة ،فإنه ليس بمحرم .والمحرم فقط
هو نتف الشعر من الوجه ،وللمرأة حلق الوجه وحفه نصا ،ولها تحسين شعرها وتحميره ونحوه من
كل ما فيه تزيين للزوج ،ولها التحذيف ،أي إرسال الشعر الذي بين العذار والنزعة ،ويكره ذلك ،كما
يكره حف الوجه للرجل.
وينبني على ذلك أنه يحرم قلع سن أو إصبع زائدة أو عضو زائد؛ لنه من تغيير خلق ال ،قال
القاضي عياض :إل أن تكون هذه الزوائد مؤلمة ويتضرر بها ،فل بأس بنزعها ،واستثنى الطبري ما
يحصل به الضرر والذية ،كالسن الزائدة أو الطويلة التي تعوق في الكل أو الصبع الزائدة التي
تؤذي أو تؤلم ،سواء للمرأة أو للرجل (. )2
ويكره كسب الماشطة ككسب الحمامي ،ويحرم على النساء التشبه بالمردان ،كما يحرم على المردان
التشبه بالنساء.
ويكره كما تقدم نتف الشيب من المحل الذي ل يطلب منه إزالة شعره،لخبر الترمذي وحسنه « :ل
تنتفوا الشيب ،فإنه نور المسلم يوم القيامة » .
-------------------------------
( )1مغني المحتاج191/1 :والظاهر أن هذا إذا أعقبه ستر الوجه عن الجانب.
( )2تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي.68/1 :
( )1/412
- ً 6تغطية الناء :يسن تخمير الناء أي تغطيته ،ولو بعود ،لحديث« :أوك سِقاك ،واذكر اسم ال،
وخمّر إناءك ،واذكر اسم ال،ولو أن تعرض عليه عودا» ( )1وحكمة وضع العود :أن يعتاد تخميره
ول ينساه ،وربما كان سببا لرد دبيب بحباله ،أو بمروره عليه .ويسن مع ذكر اسم ال إيكاء السقاء
(ربط فم وعاء الماء) إذا أمسى ،للخبر السابق.
- ً 7النوم :يسن إغلق الباب وإطفاء المصباح عند الرقاد ،وإطفاء الجمر عند الرقاد مع ذكر اسم
ال ،للحديث السابق .وينفض الفراش عند إرادة النوم ،ويسن وضع يده اليمنى تحت خده
اليمن،ويجعل وجهه نحو القبلة على جنبه اليمن ،ويتوب إلى ال تعالى ،ويقول ما ورد ( :باسمك
ربي وضعت جنبي ،وبك أرفعه ،إن أمسكت نفسي فاغفر لي ،وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به
عبادك الصالحين ).
ويستحب قراءة سورة السجدة (آلم) ،وسورة الملك (تبارك) ،وروى المام أحمد والترمذي والخل ل
عن جابر أنه صلّى ال عليه وسلم كان يفعل ذلك أي الدعاء والقراءة .ويستحب أيضا قراءة آخر
سورة البقرة { :آمن الرسول } [البقرة ]285/2:وآية الكرسي والمعوذتين وسورة الخلص ،وإذا
استيقظ من النوم نظر في السماء وقرأ آخر آل عمران{ :إن في خلق السموات والرض} [آل عمران:
.]190/3
ويكره النوم على سطح ليس عليه حاجز ،لنهيه عليه السلم ( ، )2وخشية أن يتدحرج ،فيسقط عنه.
ويكره نومه على بطنه وعلى قفاه ( ، )3إن خاف انكشاف عورته.
ويكره النوم بعد العصر لحديث« :من نام بعد العصر ،فاختل عقله ،فل يلومن إل نفسه» ( ، )4والنوم
بعد الفجر ،لنه وقت قسْم الرزاق ،كما ثبت في السنة ،والنوم تحت السماء متجردا من ثيابه مع ستر
العورة فقط ،والنوم بين قوم
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2رواه الترمذي من حديث جابر.
( )3قال بعضهم في الداب الكبرى :النوم على القفا رديء يضر الكثار منه بالبصر ،وبالمني ،وإن
استلقى للراحة بل نوم لم يضر .وأردأ من ذلك النوم منبطحا على وجهه.
( )4رواه أبو يعلى الموصلي عن عائشة ،لكنه حديث ضعيف.
( )1/413
مستيقظين؛ لنه خلف المروءة ،والنوم وحده لحديث «نهى عن الوحدة ،وأن يبيت الرجل وحده» ()1
،كما يكره السفر وحده ،لخبر «الواحد شيطان» (. )2
والنوم والجلوس بين الظل والشمس ،لنهيه عليه السلم عنه (، )3وفي الخبر :أنه مجلس الشيطان.
ويكره ركوب البحر عند هيجانه؛ لنه مخاطرة.
وتستحب القائلة ( )4أو القيلولة :أي الستراحةوسط النهار ،وإن لم يكن مع ذلك نوم ،شتاء أو صيفا.
ويقرأ عند الميت ( يس) لحديث عند أبي داود وغيره ،ويقرأ عند المريض الفاتحة والخلص
والمعوذتين مع النفخ في اليدين ويمسحه بهما ،كما ثبت في الصحيحين ،ويقرأ الكهف يوم الجمعة
وليلتها.
وسيأتي في بحث الحظر والباحة مزيد بيان لحوال النسان وعاداته في اللبس واستعمال الواني
والنظر واللمس واللهو والطعام والشراب.
-------------------------------
( )1رواه أحمد عن ابن عمر مرفوعا ،وهو حديث حسن.
( )2رواه الحاكم عن أبي هريرة « :الواحد شيطان ،والثنان شيطانان ،والثلثة ركب» وهو صحيح.
( )3رواه أحمد.
( )4القائلة لغة :النوم في الظهيرة.
( )1/414
المبحث الثالث ـ المسح على الخفين
معناه ومشروعيته ،كيفيته ومحله ،وشروطه ،مدته ،مبطلته ،المسح على العمامة ،المسح على
الجوارب ،المسح على الجبائر.
ل ـ معنى المسح على الخفين ومشروعيته:
أو ً
المسح على الخفين بدل عن غسل الرجلين في الوضوء ،ومعناه لغة :إمرار اليد على الشيء .وشرعا:
إصابة اليد المبتلة بالماء (البِلّة) لخف مخصوص في موضع مخصوص ،وفي زمن مخصوص،
والخف شرعا :الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه .والموضع المخصوص :ظاهر الخفين ل
باطنهما ،والزمن المخصوص :هو يوم وليلة للمقيم ،وثلثة أيام بلياليها للمسافر ( . )1ولم يحدد
المالكية مدة للمسح كما سيأتي بيانه ،كما أن المامية حال تجويزه للضرورة لم يقدروا مدة المسح بيوم
ول ثلثة أيام.
وصفة المسح :أنه شرع رخصة ،وهو جائز في المذاهب الربعة في السفر والحضر ،للرجال والنساء
( ، )2تيسيرا على المسلمين ،وبخاصة في وقت الشتاء والبرد ،وفي السفر ،ولصحاب العمال
الدائمة كالجنود والشرطة والطلب المواظبين على العمل في الجامعات ونحوهم.
وقد ثبتت مشروعيته بالسنة النبوية في طائفة من الحاديث منها:
- 1حديث علي رضي ال عنه قال« :لو كان الدين بالرأي ،لكان أسفل الخف أولى بالمسح من
أعله ،لقد رأيت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه» وقال علي أيضا« :جعل
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ثلثة أيام ولياليهن للمسافر ،ويوما وليلة للمقيم»(. )3
- 2حديث المغيرة بن شعبة ،قال :كنت مع النبي صلّى ال عليه وسلم ( ، )4فتوضأ ،فأهويت
لنزع خفيه ،فقال :دعهما،
-------------------------------
( )1الدر المختار 240/1 :وما بعدها.
( )2بداية المجتهد ،17/1 :القوانين الفقهية :ص ،8338مراقي الفلح :ص .21
( )3الحديث الول :أخرجه أبو داود والدارقطني بإسناد حسن ،وقال ابن حجر :إنه حديث صحيح.
والثاني أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه (سبل السلم ،60-58/1 :نيل الوطار:
.)184/1
( )4أي في سفر ،كما صرح به البخاري ،وعند مالك وأبي داود :السفر في غزوة تبوك.
( )1/415
فإني أدخلتهما طاهرتين ،فمسح عليهما» (. )1
- 3حديث صفوان بن عَسّال،قال :أمرنا ،يعني النبي صلّى ال عليه وسلم أن نمسح على الخفين ،إذا
طهْر ،ثلثا إذا سافرنا ،ويوما وليلة إذا أقمنا ،ول نخلعهما من غائط ول بول ،ول
نحن أدخلناهما على ُ
نخلعهما إل من جنابة» (. )2
- 4حديث جرير ،أنه بال ثم توضأ ،ومسح على خفيه ،فقيل له :تفعل هكذا؟ قال« :نعم رأيت رسول
ال صلّى ال عليه وسلم بال ،ثم توضأ ومسح على خفيه» ( . )3ومن المعروف أن إسلم جرير كان
بعد نزول سورة المائدة التي فيها آية الوضوء.
قال النووي في شرح مسلم :وقد روى المسح على الخفين خلئق ل يحصون من الصحابة .وصرح
جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر ،وجمع بعضهم رواته ،فجاوزوا الثمانين ،منهم
العشرة المبشرون بالجنة .وقال المام أحمد :فيه أربعون حديثا عن الصحابة مرفوعة .وقال الحسن:
حدثني سبعون من أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم كان
يمسح على الخفين ( )4والقول بالمسح قول أمير المؤمنين علي رضي ال عنه وسعد بن أبي وقاص
وبلل وحذيفة وبريدة وخزيمة بن ثابت وسلمان وجرير البجلي وغيرهم.
وقد أنكر الشيعة المامية والزيدية والباضية والخوارج مشروعية المسح على الخفين ( ، )5والدق
أن يقال :إن المامية ل يجيزون المسح مع الختيار ،ويجيزونه للضرورة عند الخوف والتّقية ،أما
الخوارج فل يجوز عندهم ولو لضرورة.
-------------------------------
( )1متفق عليه (سبل السلم ،57/1 :نيل الوطار.)180/1 :
( )2رواه أحمد وابن خزيمة ،والنسائي والترمذي ،وصححه الترمذي وابن خزيمة ،ورواه الشافعي
وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي ،وقال البخاري :إنه حديث حسن (نيل الوطار،181/1 :
سبل السلم.)59/1 :
( )3متفق عليه ،ورواه أبو داود ( نيل الوطار.) 176/1 :
( )4أخرجه عنه ابن أبي شيبة.
( )5نيل الوطار ،178-176/1 :كتاب الخلف في الفقه للطوسي عند المامية ،61-60/1 :شامل
طفَيّش ،211/1 :سبل السلم 57/1 :وما بعدها.
الصل والفرع عند الباضية للشيخ محمد بن يوسف أ ّ
( )1/416
والواجب في المسح عند الحنفية ( : )1هو قدر ثلث أصابع من أصغر أصابع اليد ،على ظاهر مقدم
كل رجل ،مرة واحدة ،اعتبارا للة المسح ،فل يصح على باطن القدم ،ولعقبه ،ول جوانبه وساقه.
ول يسن تكراره ول مسح أسفله لنه يراعى فيه جميع ما ورد به الشرع.
واستدلوا على رأيهم بأدلة ل تخلو من مناقشة ،بل هي واهية ،منها:
- 1إنه منسوخ بآية الوضوء في سورة المائدة التي لم يذكر فيها المسح على الخفين ،وإنما قال
تعالى{ :وأرجلَكم إلى الكعبين} [المائدة ]6/5:فعينت الية مباشرة الرجلين بالماء.
روي عن علي كرم ال وجهه أنه قال :سبق الكتاب الخفين ،وقال ابن عباس :ما مسح رسول ال
صلّى ال عليه وسلم بعد المائدة .ورد :بأن الوضوء ثابت قبل نزول المائدة بالتفاق ،فإن كان المسح
على الخفين ثابتا قبل نزولها ،فورودها بغسل الرجلين ،أو مسحهما على رأي المامية دون التعرض
للمسح ،ل يوجب نسخ المسح على الخفين .وإن كان المسح غير ثابت قبل نزولها فل نسخ قطعا .ثم
إن إسلم جرير راوي الحديث السابق كان بعد نزول المائدة كما بينا ،وقد رأى الرسول عليه السلم
يمسح على خفيه ،ومن شرط النسخ تأخر الناسخ.
والخلصة :أن آية الوضوء نزلت في غزوة المُرَيسيع ،ومسحهصلّى ال عليه وسلم في غزوة تبوك (
، )1فكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟!
وأما قول علي فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة ،فهو منقطع ،كذا ما روي عن ابن عباس ،مع أنه
مخالف ما ثبت عنهما من القول بالمسح ،وعارض حديثهماما هو أصح منهما ،وهو حديث جرير
البجلي.
- 2الخبار الواردة بمسح الخفين نسخت بآية المائدة التي ذكر فيها الوضوء.
-------------------------------
( )1غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق وقعت في شعبان في السنة السادسة من الهجرة ،وحدث
اللقاء على ماء يقال له ( المريسيع ) من ناحية قديد إلى الساحل .وغزوة تبوك أو غزوة العسرة
حدثت في رجب من التاسعة للهجرة.
( )1/417
والجواب :أن الية عامة مطلقا باعتبار حالتي لبس الخف وعدمه ،فتكون أحاديث الخفين مخصّصة أو
مقيدة ،فل نسخ ،وتلك الحاديث متواترة كما بينت ،فتصلح مخصصة بالتفاق ،أي أن قوله تعالى
{وأرجلكم} [المائدة ]6/5:مطلق قيدته أحاديث المسح على الخف ،أو عام خصصته تلك الحاديث.
- 3لم يذكر المسح على الخفين في أحاديث الوضوء ،وإنما فيها كلها المر بغسل الرجلين ،دون ذكر
المسح ،وفيها بعد غسل الرجلين ( :ل يقبل ال الصلة من دونه ) وقوله عليه السلم لمن لم يغسل
عقبه« :ويل للعقاب من النار» .
والجواب :أن غاية ما اشتملت عليه الحاديث المر بالغسل ،دون حصر ول قصر ينفي مشروعية
غيره ،ولو كان فيها ما يدل على الغسل فقط ،لكانت مخصصة بأحاديث المسح المتواترة .وأما لفظ
( ل يقبل ال الصلة بدونه ) فلم يثبت من وجه يعتد به .وأما حديث «ويل للعقاب من النار» فهو
وعيد لمن مسح رجليه ،ولم يغسلهما ،ولم يرد في المسح على الخفين.
وهو ل يشمل المسح على الخفين ،لنه يدع رجله كلها ،ول يدع العقب فقط .ثم إن أحاديث المسح
مخصصة للماسح من ذلك الوعيد.
ويمكن أن يقال :قد ثبت في آية المائدة قراءة بالجر لرجلكم عطفا على الممسوح وهو الرأس ،فيحمل
على مسح الخفين كما بينت السنة ،ويتم ثبوت المسح بالسنة والكتاب ،وهو أحسن الوجوه التي توجه
به قراءة الجر.
( )1/418
( )1/419
أحدهما ـ حديث المغيرة بن شعبة ،وفيه أنه صلّى ال عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله ( ، )1وبه
أخذ المالكية والشافعية.
والثاني ـ حديث علي السابق« :لو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعله،
وقد رأيت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه» وبه أخذ الحنفية والحنابلة.
والفريق الول :جمع بين الحديثين ،فحمل حديث المغيرة على الستحباب ،وحديث علي على
الوجوب.
والفريق الثاني :ذهب مذهب الترجيح ،فرجح حديث علي على حديث المغيرة ،لنه أرجح سندا ،ولن
المسح على الخف شرع مخالفا للقياس ،فيقتصر فيه على النحو الذي ورد به الشرع.
والثاني هو الرجح في تقديري ،وإن قال ابن رشد :والسد في هذه المسألة هو مالك.
والخلصة :أن محل المسح على الخف هو ظاهره وأعله ول يمسح باطنه وأسفله عند الحنفية
والحنابلة ،ومحله المفروض عند المالكية والشافعية :هو أعلى الخف ويسن مسح أسفله معه.
سنة المسح :تبين مما ذكر أن للفقهاء رأيين في سنة المسح :قال الحنفية والحنابلة :يمسح خطوطا
بالصابع بادئا من ناحية الصابع إلى الساق ،لحديث المغيرة رضي ال عنه « :أن النبي صلّى ال
عليه وسلم مسح على خفيه ،ووضع يده اليمنى على خفه اليمن ،ويده اليسرى على خفه اليسر ،ثم
مسح إلى أعله مسحة واحدة» (. )2
فإن بدأ في المسح من ساقه إلى أصابعه ،أجزأه.
ويسن مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى والرجل اليسرى باليد اليسرى ،لحديث المغيرة السابق.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة إل النسائي ،وأخرجه الدارقطني والبيهقي وابن الجارود ،لكنه معلول ضعيف (نيل
الوطار.)185/1 :
( )2رواه البيهقي في سننه ،وابن أبي شيبة (نصب الراية.)180/1 :
( )1/420
وقال المالكية والشافعية :صفة المسح المندوبة :أن يضع باطن كف يده على أطراف أصابع رجله
اليمنى ،ويضع باطن كف يده اليسرى تحت أصابع رجليه (عند المالكية) وتحت العقب (عند
الشافعية) ،ثم يمر يديه إلى آخر قدمه ،أي أنه يندب عندهم مسح أعلى الخف مع أسفله معا ،ول يسن
استيعابه بالمسح ،ويكره تكراره وغسله؛ لن ذلك مفسد للخف ،ولو فعل ذلك أجزأه.
ثالثا ـ شروط المسح على الخفين:
هناك شروط ثلثة متفق عليها فقها ،وشروط مختلف فيها بين الفقهاء ( ، )1ومن المعلوم أنها جميعا
شروط في المسح لجل الوضوء ،أما من أجل الجنابة فل يجوز المسح ،أ فل يجوز المسح على
الخفين لمن وجب عليه الغسل ،لحديث صفوان بن عسّال المتقدم« :أمرنا النبي صلّى ال عليه وسلم
أن نمسح على الخفين ،إذا نحن أدخلناهما على طهر ،ثلثا إذا سافرنا ،ويوما وليلة إذا أقمنا ،ول
نخلعهما من غائط ول بول ول نوم ،ول نخلعهما إل من جنابة» .
الشروط المتفق عليها :اتفق الفقهاء على اشتراط شروط ثلثة في المسح على الخفين لجل الوضوء
وهي ما يأتي:
- ً 1لبسهما على طهارة كاملة :لحديث المغيرة السابق ،قال« :كنت مع النبي صلّى ال عليه وسلم
في سفر ،فأهويت لنزع خفيه ،فقال :دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ،فمسح عليهما» ( ، )2واشترط
الجمهور أن تكون تلك الطهارة بالماء ،وأجاز الشافعية :أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل،
أو بالتيمم ل لفقد الماء.
وقد جعل المالكية هذا الشرط مشتمل على شروط خمسة في الماسح هي:
الول -أن يلبس الخف على طهارة ،فإن لبسه محدثا ،لم يصح المسح عليه .وأجاز الشيعة المامية
أن يلبس الخف على طهارة أو غير طهارة.
-------------------------------
( )1راجع الدر المختار ،245-241/1 :البدائع 9/1:وما بعدها ،مراقي الفلح :ص ،22الشرح
الصغير ،156-154:القوانين الفقهية :ص ،38مغني المحتاج65/1:وما بعدها ،المهذب،21/1:
المغني ، 296، 294، 293، 282/1:كشاف القناع ،133-124/1:بداية المجتهد.21-19/1:
( )2متفق عليه.
( )1/421
الثاني ـ أن تكون الطهارة مائية ،ل ترابية ،وهذا شرط عند الجمهور غير الشافعية ،فإن تيمم ثم لبس
الخف ،لم يكن له المسح عند الجمهور؛ لنه لبسه على طهارة غير كاملة ،ولنها طهارة ضرورة
بطلت من أصلها ،ولن التيمم ل يرفع الحدث ،فقد لبسه وهو محدث.وقال الشافعية :إن كان التيمم
لفقد الماء فل يجوز المسح بعد وجود الماء ،وإنما يلزمه إذا وجد الماء نزع الخف ،والوضوء الكامل.
أما إن كان التيمم لمرض ونحوه ،فأحدث فله أن يمسح على الخف.
الثالث ـ أن تكون تلك الطهارة كاملة ،بأن يلبسه بعد تمام الوضوء أو الغسل ،الذي لم ينتقض فيه
وضوءه .فإن أحدث قبل غسل الرجل ،لم يجز له المسح؛ لن ال ِرجْل حدثت في مقرها ،وهو محدث،
فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث.
والشرط عند الشافعية والحنابلة :أن تكون الطهارة كاملة عند اللبس ،أي ل بد من كمال الطهارة
جميعها ،وأما عند الحنفية :فالطهارة عند الحدث بعد اللبس ،أي ل يشترط كمال الطهارة ،وإنما
المطلوب إكمال الطهارة .ويظهر أثر الخلف فيما لو غسل المحدث رجليه أولً ،ولبس خفيه ،ثم أتم
الوضوء قبل أن يحدث ،ثم أحدث ،جاز له أن يمسح على الخفين عند الحنفية ،لوجود الشرط :وهو
(لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس) .وعند الشافعية والحنابلة :ل يجوز لعدم
الطهارة الكاملة وقت اللبس؛ لن الترتيب شرط عندهم ،فكان غسل الرجلين مقدما على العضاء
الُُخر ،كأن لم يكن.
( )1/422
الرابع ـ أل يكون الماسح مترفها بلبسه ،كمن لبسه لخوف على حناء برجليه ،أو لمجرد النوم به ،أو
لكونه حاكما ،أو لقصد مجرد المسح ،أو لخوف برغوث مثلً ،فل يجوز له المسح .لكن لو لبسه لحر
أو برد أو وعر ،أو خوف عقرب ،ونحو ذلك ،فيجوز له المسح.
الخامس ـ أل يكون عاصيا بلبسه ،كمُحرم بحج أو عمرة ،لم يضطر للبسه ،فل يجوز له المسح .أما
المضطر للبسه ،والمرأة ،فيجوز له المسح .والمعتمد عند المالكية والحنابلة والشافعية :أنه يجوز
المسح للعاصي بالسفر كالعاق والديه وقاطع الطريق .والضابط عند المالكية :أن كل رخصة جازت
في الحضر ،كمسح خف وتيمم وأكل ميتة ،تفعل في السفر ،وكل رخصة تختص بالسفر كقصر
الصلة وفطر رمضان تجوز في السفر لغير العاصي بسفره ،أما هو فل يجوز له ذلك (. )1
- ً 2أن يكون الخف طاهرا ،ساترا المحل المفروض غسله في الوضوء :وهو القدم بكعبيه من سائر
الجوانب،ل من العلى ،فل يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم ،كما ل يجوز المسح
على خف نجس ،كجلد الميتة قبل الدباغ عند الحنفية والشافعية ،وكذلك بعد الدباغ عند المالكية
والحنابلة؛ لن الدباغ عندهم غير مطهر ،والنجس منهي عنه.
- ً 3إمكان متابعة المشي فيه بحسب المعتاد :وتقدير ذلك محل خلف ،فقال الحنفية :أن يكون الخف
مما يمكن متابعة المشي المعتاد فيه فرسخا ( )2فأكثر ،فل يجوز المسح على خف متخذ من زجاج أو
خشب أو حديد ،أو خف رقيق يتخرق بالمشي .واشترطوا في الخفين :استمساكهما على الرجلين من
غير شد.
والمعتبر عند المالكية :أن يمكن تتابع المشي فيه عادة ،فل يجوز المسح على خف واسع ل تستقر
القدم أو أكثرها فيه ،وإنما ينسلت من الرجل عند المشي فيه.
والمقرر عند الكثرين من الشافعية :أن يمكن التردد فيه لقضاء الحاجات ،للمقيم سفر يوم وليلة،
وللمسافر :سفر ثلثة أيام ولياليهن ،وهو سفر القصر؛ لنه بعد انقضاء المدة يجب نزعه.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير للدردير ،143/1:كشاف القناع ،128/1:مغني المحتاج.66/1:
( )2الفرسخ :ثلثة أميال ،اثنا عشر ألف خطوة ،والميل1848:م ،فيكون الفرسخ مساويا5544م.
( )1/423
وانفرد الحنابلة برأي خاص هنا ،فقالوا :إمكان المشي فيه عرفا ،ولو لم يكن معتادا ،فجاز المسح على
الخف من جلد ولبود وخشب ،وزجاج وحديد ونحوها؛ لنه خف ساتر يمكن المشي فيه ،فأشبه الجلود،
وذلك بشرط أل يكون واسعا يرى منه محل الفرض ،أي كما قال الحنفية والمالكية.
الشروط المختلف فيها بين الفقهاء :
هناك شروط أخرى مقررة في المذاهب مختلف فيها وهي:
- ً 1أن يكون الخف صحيحا سليما من الخروق :هذا شرط مفرع على الشرط الثالث السابق،
مشروط عند الفقهاء ،لكنهم اختلفوا في مقدار الخرق اليسير المتسامح فيه.
فالشافعية في الجديد والحنابلة :لم يجيزوا المسح على خف فيه خرق ،ولو كان يسيرا؛ لنه غير ساتر
للقدم ،ولو كان الخرق من موضع الخرز؛ لن ما انكشف حكمه حكم الغسل ،وما استتر حكمه المسح،
والجمع بينهما ل يجوز ،فغلب حكم الغسل ،أي أن حكم ما ظهر الغسل ،وما استتر :المسح ،فإذا
اجتمعا غلب حكم الغسل ،كما لو انكشفت إحدى قدميه.
والمالكية والحنفية :أجازوا استحسانا ورفعا للحرج المسح على خف فيه خرق يسير؛ لن الخفاف ل
تخلو عن خرق في العادة ،فيمسح عليه دفعا للحرج .أما الخرق الكبير فيمنع صحة المسح ،وهو عند
المالكية :مال يمكن به متابعة المشي ،وهو الخرق الذي يكون بمقدار ثلث القدم ،سواء أكان منفتحا أم
ملتصقا بعضه ببعض ،كالشق وفتق خياطته ،مع التصاق الجلد بعضه ببعض .وإن كان الخرق دون
الثلث ضر أيضا إن انفتح ،بأن ظهرت الرجل منه ،ل إن التصق .ويغتفر الخرق اليسير جدا بحيث ل
يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل .والخرق الكبير عند الحنفية :هو بمقدار ثلث أصابع
من أصغر أصابع القدم.
( )1/424
- ً 2أن يكون الخف من الجلد :هذا شرط عند المالكية،فل يصح المسح عندهم على خف متخذ من
القماش ،كما ل يصح عندهم المسح على الجورب :وهو ما صنع من قطن أو كتان أو صوف ،إل إذا
كسي بالجلد ،فإن لم يجلّد ،فل يصح المسح عليه .وكذلك قال الشافعية :ل يجزئ المسح على منسوج
ل يمنع نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الخرز ،لو صب عليه لعدم صفاقته.
واشترط المالكية أيضا أن يكون الخف مخروزا ،ل إن لزق بنحو رسراس قصرا للرخصة على
الوارد.
وأجاز الجمهور غير المالكية :المسح على الخف المصنوع من الجلود ،أو الخِرَق ،أو غيرها ،فلم
يشترطوا هذا الشرط .واشترط الحنفية والشافعية :أن يكون الخف مانعا من وصول الماء إلى الجسد؛
لن الغالب في الخفاف أنها تمنع نفوذ الماء ،فتنصرف إليها النصوص الدالة على مشروعية المسح.
المسح على الجوارب :أجاز الحنفية على الراجح لديهم ( )1المسح على الجوربين الثخينين بحيث
يمشي به اللبس فرسخا فأكثر ،ويثبت الجورب على الساق بنفسه ،ول يرى ما تحته ،ول يشف (يرق
حتى يرى ما وراءه).
وأجاز الحنابلة أيضا المسح على الجورب الصفيق الذي ل يسقط إذا مشى فيه ،أي بشرطين:
أحدهما ـ أن يكون صفيقا ل يبدو منه شيء من القدم (. )2
الثاني ـ أن يمكن متابعة المشي فيه.
ويجب أن يمسح على الجوربين وعلى سيور النعلين قدر الواجب .وسيأتي تفصيل آراء الفقهاء.
وأجاز الشافعية والحنابلة المسح على الخف المشقوق القدم كالزربول الذ ي له ساق إذا شد في الصح
بواسطة العرا ،بحيث ل يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى عليه.
-------------------------------
( )1البدائع ،10/1:الدر المختار وحاشية ابن عابدين ،348/1:وسيأتي بحث مفصل للمسح على
الجوارب.
( )2وأجاز الشيخ جمال الدين القاسمي المسح على الجورب ولو لم يكن ثخينا ،كالجوارب الحديثة.
( )1/425
- ً 3أن يكون الخف مفردا (:المسح على الجرموق ) :وهذا أيضا شرط عند المالكية ( ، )1فلو لبس
خفا فوق خف (الجُرْموق) ( )2ففي جواز المسح عليه قولن عندهم،الراجح أنه يجوز في هذه الحالة
المسح على العلى ،فلو نزعه ،وكان على طهر ،وجب عليه مسح السفل فورا.
وقال الحنفية والحنابلة ( : )3يجزئ المسح على الجرموق فوق الخف ،أي كما قال المالكية .لقول
بلل« :رأيت النبي صلّى ال عليه وسلم يمسح على الموق» ( )4ولقول النبي صلّى ال عليه وسلم :
«امسحوا على النصيف والموق» (. )5
ولكن اشترط الحنفية لصحة المسح على الجرموق شروطا ثلثة:
الول ـ أن يكون العلى جلدا ،فإن كان غير جلد يصح المسح على العلى إن وصل الماء إلى
السفل.
الثاني ـ أن يكون العلى صالحا للمشي عليه منفردا ،فإن لم يكن صالحا لم يصح المسح عليه إل
بوصول الماء إلى السفل.
الثالث ـ أن يلبس العلى على الطهارة التي لبس عليها السفل.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،39الشرح الكبير ،145/1:الشرح الصغير 157/1:وما بعدها.
( )2الجرموق :هو الجلد الذي يلبس على الخف ليحفظه من الطين ونحوه ،على المشهور .ويقال له:
الموق ،وليس غيره.
( )3الدر المختار247/1:فتح القدير ،108/1:كشاف القناع 131 ،124/1:وما بعدها ،المغني.284/1:
( )4رواه أحمد وأبو داود.
( )5رواه سعيد بن منصور في سننه عن بلل.
وأجاز الحنابلة المسح على الخف العلى قبل أن يحدث ،ولو كان أحدهما مخروقا ،ل إن كانا
مخروقين ،كما يجوز المسح على الخف السفل بأن يدخل يده من تحت الفوقاني فيمسح عليه؛ لن كل
واحد منهما محل للمسح ،فجاز المسح عليه إذا كان صحيحا.
( )1/426
ول يجزئ عند الشافعية ( )1في الظهر القتصار في المسح على الخف العلى من الجرموقين
(وهما خف فوق خف ،كل منهما صالح للمسح عليه)؛ لن الرخصة وردت في الخف لعموم الحاجة
إليه ،والجرموق ل تعم الحاجة إليه ،أي أنه ل بد من مسح العلى والسفل.
- ً 4أن يكون لبس الخف مباحا :هذا شرط عند المالكية والحنابلة ،فل يصح المسح على خف
مغصوب ،ول على محرم الستعمال كالحرير ،وأضاف الحنابلة :ولو في ضرورة ،كمن هو في بلد
ثلج ،وخاف سقوط أصابعه بخلع الخف المغصوب أو الحرير،فل يستبيح المسح عليه؛ لنه منهي عنه
في الصل ،وهذه ضرورة نادرة ،فل حكم لها .ول يجوز عند الحنابلة للمحرم المسح على الخفين ولو
لحاجة .والصح عند الشافعية :أنه ل يشترط هذا الشرط ،فيكفي المسح على المغصوب ،والديباج
الصفيق ،والمتخذ من فضة أو ذهب ،للرجل وغيره ،كالتيمم بتراب مغصوب .ويستثنى من ذلك
المُحرِم بنسك اللبس للخف؛ لن المحرم منهي عن اللبس من حيث هو لبس ،أما النهي عن لبس
المغصوب ونحوه فلنه متعدٍ في استعمال مال الغير.
- ً 5أل يصف الخف القدم لصفائه أو لخفته :هذا شرط عند الحنابلة ،فل يصح المسح على الزجاج
الرقيق؛ لنه غير ساتر لمحل الفرض ،ول على ما يصف البشرة لخفته.
والمطلوب عند المالكية أن يكون الخف من جلد كما بينت ،وعند الحنفية والشافعية :أن يكون مانعا
من نفوذ الماء إلى الرِجْل من غير محل الخرز ،لو صب عليه ،لعدم صفاقته ،وبناء عليه يصح المسح
على خف مصنوع من «نايلون» سميك ،ونحوه من كل شفاف ،لن القصد هو منع نفوذ الماء.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.6/1:
( )1/427
- ً 6أن يبقى من مقدم القدم قدر ثلث أصابع من أصغر أصابع اليد :اشترط الحنفية هذا الشرط في
حالة قطع شيء من الرجل ،ليوجد المقدار المفروض من محل المسح .فإذا قطعت رجل من فوق
الكعب سقط غسلها ول حاجة للمسح على خفها ،ويمسح خف القدم الخرى الباقية .وإن بقي من دون
الكعب أقل من ثلث أصابع ،ل يمسح لفتراض غسل الجزء الباقي .وعليه فمن كان فاقدا مقدم قدمه
ل يمسح على خفه ولو كان عقب القدم موجودا ،لنه ليس محلً لفرض المسح ،ويفترض غسله.
ويصح عند الفقهاء الخرين المسح على خف أي جزء باق من القدم مفروض غسله ،فإذا لم يبق من
محل الغسل شيء من الرجل ،وصار برجل واحدة ،مسح على خف الرجل الخرى .ول يجوز بحال
أن يمسح على رجل أو ما بقي منها ،ويغسل الخرى ،لئل يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد.
خلصة الشروط في المذاهب:
- ً 1الحنفية :يشترط لجواز المسح على الخفين سبعة شرائط:
الول ـ لبسهما بعد غسل الرجلين ،ولو قبل تمام الوضوء ،إذا أتمه قبل حصول ناقض للوضوء.
الثاني ـ سترهما للكعبين.
الثالث ـ إمكان متابعة المشي فيهما.
الرابع ـ خلو كل منهما عن خرق قدر ثلث أصابع من أصغر أصابع القدم.
الخامس ـ استمساكهما على الرجلين من غير شد.
السادس ـ أن يبقى ـ في حالة قطع شيء من القدم ـ من مقدم القدم قدر ثلث أصابع من أصغر
أصابع اليد.
- ً 2المالكية :لجواز المسح على الخف أحد عشر شرطا :ستة في الممسوح وخمسة في الماسح .أما
شروط الماسح فقد ذكرتها في بحث أول شرط متفق عليه .وأما شروط الممسوح فهي ما يأتي:
الول ـ كون الممسوح جلدا ،فل يصح المسح على غيره.
الثاني ـ أن يكون طاهرا ،احترازا من جلد الميتة ولو مدبوغا.
الثالث ـ أن يكون مخروزا ،ل إن لزق بنحو رسراس.
( )1/428
الرابع ـ أن يكون له ساق ساتر لمحل الفرض في الغسل ،بأن يستر الكعبين ،فل يصح المسح على
غير الساتر لهما .الخامس ـ أن يمكن المشي فيه عادة ،احترازا من الواسع الذي ينسلت من الرجل
عند المشي فيه.
- ً 3الشافعية :يشترط لجواز مسح الخف أمران:
أحدهما ـ أن يلبسه بعد طهارة كاملة من الحدثين الصغر والكبر.
الثاني ـ أن يكون الخف طاهرا قويا ،يمكن تتابع المشي عليه في الحاجة ( ، )1ساترا لمحل فرض
الغسل (وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب ل من العلى) ( ، )2مانعا لنفوذ الماء من غير الخرز
والشق .ويجوز في الصح مشقوق قدم شد بالعرا بحيث ل يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى،
أي يكفي المسح عليه.
- ً 4الحنابلة :يشترط لجواز المسح على الخف سبعة شروط:
الول ـ أن يلبس الخفان بعد كمال الطهارة بالماء.
الثاني ـ أن يثبت بنفسه أو بنعلين ،ول يصح المسح على خف يثبت بشده فقط ،لكن يصح المسح
على خف يثبت بنفسه ،لكن يبدو بعضه ،ويشد بالعرا كالزربول الذي له ساق ،فيدخل بعضها في
بعض ،فيستتر بذلك محل الفرض.
الثالث ـ إباحته ،فل يصح المسح على خف مغصوب ول حرير ،ولو في ضرورة.
الرابع ـ إمكان المشي فيه عرفا ،ولو لم يكن معتادا ،فيصح المسح على خف من جلود ولبود وخشب
وزجاج وحديد ونحوها؛ لنه خف ساتر يمكن المشي فيه.
الخامس ـ طهارة عينه ،فل يصح المسح على نجس ،ولو في ضرورة ،وفي حال الضرورة :يتيمم
للرجلين ،إذ ل بد من غسلهما.
-------------------------------
( )1أي الحاجة التي تقع في مدة لبسه :وهي ثلثة أيام ولياليها للمسافر ،ويوم وليلة للمقيم ،فل يجزئ
نحو رقيق يتخرق بالمشي عن قرب.
( )2فلو رئي القدم من أعله ،كأن كان واسع الرأس لم يضر.
( )1/429
السادس ـ أل يصف القدم لصفائه كالزجاج الرقيق؛ لنه غير ساتر لمحل الفرض ،فل يصح المسح
على خف فيه خرق أو غيره ،يبدو منه بعض القدم ،ولو من موضع الخرز ،لعدم ستره محل الفرض.
فإن انضم الخرق ونحوه بلبسه ،جاز المسح عليه ،لحصول الشرط ،وهو ستر محل الفرض.
السابع ـ أل يكون واسعا يرى منه محل الفرض.
رابعا ـ مدة المسح على الخفين:
للفقهاء رأيان في توقيت مدة المسح ،المالكية لم يؤقتوا ،والجمهور أقتوا مدة .أما المالكية ( )1فقالوا:
يجوز المسح على الخف من غير توقيت بزمان ،مالم يخلعه ،أو تصيبه جنابة ،فيجب حينئذ خلعه
للغتسال ،وإن خلعه انتقض المسح ،ووجب غسل الرجل ،وإن وجب الغتسال لم يمسح ،لن المسح
إنما هو في الوضوء .وبالرغم من عدم وجوب نزع الخف في مدة معينة ،فإنهم قالوا :يندب نزع
الخف كل أسبوع مرة في مثل اليوم الذي لبسه فيه.
واستدلوا بما يأتي:
ً - 1حديث أُبيّ بن عمارة ،قال :قلت :يا رسول ال ،أمسح على الخفين؟ قال :نعم ،قلت :يوما؟ قال:
يوما ،قلت :يومين؟ قال :ويومين،قلت :وثلثة؟ قال:وما شئت» (. )2
ً - 2روي عن جماعة من الصحابة ذكرالمسح بدون توقيت ،منهم عمر ،ومنهم أنس بن مالك عند
الدارقطني.
ً - 3إنه مسح في طهارة ،فلم يتوقت كمسح الرأس والجبيرة؛ لن التوقيت غير مؤثر في نقض
الطهارة ،لن النواقض هي الحداث من بول أو غائط ونحوهما ،وهذا القياس يعارض الخبار الدالة
على توقيت المسح بمدة معينة ،فيعمل به ،بسبب معارضة حديث ابن عمارة لها.
وأما الجمهور فقالوا :مدة المسح للمقيم يوم وليلة ،وللمسافر ثلثة أيام بلياليها ( ، )3ويرى الحنفية أن
المسافر العاصي بسفره كغيره من المسافرين ،وأما الشافعية والحنابلة فيجعلون مدة المسح له كالمقيم.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،154/1،158:الشرح الكبير ،142/1:بداية المجتهد ،20/1:القوانين الفقهية :ص
39
( )2رواه أبو داود ،وقال :وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي ،وقال البخاري نحوه ،وقال المام
أحمد :رجاله ل يعرفون ،وأخرجه الدارقطني ،وقال :هذا إسناده ل يثبت ،وفي إسناده ثلثة مجاهيل،
وأخرجه ابن ماجه ،وقال ابن عبد البر :وليس له إسناد قائم ،وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات
(نيل الوطار )182:قال الشوكاني :وما كان بهذه المرتبة ل يصح الحتجاج به على فرض عدم
المعارض ،فالحق توقيت المسح بالثلث للمسافر ،واليوم والليلة للمقيم.
( )3فتح القدير ،102/1،107 :تبيين الحقائق ،48/1:البدائع ،8/1:مغني المحتاج ،64/1:المهذب:
،20/1كشاف القناع128/1:وما بعدها ،المغني 287،291-282/1:وما بعدها.
( )1/430
وأدلتهم هي الحاديث الثابتة الواردة بمشروعية المسح ،منها :حديث علي المتقدم« :للمسافر ثلثة أيام
وليالِيهن ،وللمقيم يوم وليلة» ()1
ومنها :حديث خزيمة بن ثابت« :للمسافر ثلثة أيام ولياليهن ،وللمقيم يوم وليلة» (. )2
ومنها حديث صفوان بن عَسّال ،قالَ :أمَرنا يعني النبي صلّى ال عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا
نحن أدخلناهما على طُهر ،ثلثا إذا سافرنا ،ويوما وليلة إذا أقمنا ،ول نخلعهما من غائط ول بول ول
نوم ،ول نخلعهما إل من جنابة» (. )3
ومنها حديث عوف بن مالك الشجعي «أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين
في غزوة تبوك ثلثة أيام ولياليهن للمسافر ،ويوما وليلة للمقيم» ( )4وثبت القول بالتوقيت عن عمر
وعلي وابن مسعود وابن عباس ،وأبي زيد ،وشريح ،وعطاء ،والثوري ،وإسحاق.
-------------------------------
( )1رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.
( )2رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
( )3رواه أحمد وابن خزيمة ،وقال الخطابي :هو صحيح السناد (نيل الوطار.)183-181/1:
( )4رواه المام أحمد ،وقال :هو أجود حديث في المسح على الخفين؛ لنه في غزوة تبوك ،وهي
آخر غزوة غزاها النبي صلّى ال عليه وسلم ،وهو آخر فعله.
( )1/431
والحق القول بتوقيت المسح ،لن حديث ابن عمارة لم يثبت ،ويحتمل أنه منسوخ بهذه الحاديث
الصحيحة؛ لنها متأخرة ،لكون حديث عوف في غزوة تبوك ،وليس بينها وبين رسول ال صلّى ال
عليه وسلم إل شيء يسير .وقياس المالكية ينتقض بالتيمم.
بدء المدة :وتبدأ عند الجمهور مدة المسح المقررة من تمام الحدث بعد لبس الخف إلى مثله من اليوم
الثاني للمقيم ،ومن اليوم الرابع للمسافر؛ لن وقت جواز المسح (أي الرافع للحدث) يدخل بذلك،
فاعتبرت مدة المسح بدءا منه كالصلة يبدأ وقتها من حين جواز فعلها ،ولن حديث صفوان بن عسال
المتقدم« :أمرنا أل ننزع خفافنا ثلثة أيام ولياليهن ،إل من جنابة ،ولكن من غائط ونوم وبول» يدل
بمفهومه :أنها تنزع لثلث مضين من الغائط ،ولن الخف مانع سراية الحدث ( أي وصوله إلى
الرجل) فتعتبر المدة من وقت المنع ،أي من وقت منع الحدث عن الرجل.
وعلى هذا :من توضأ عند طلوع الفجر ،ولبس الخف ،ثم أحدث بعد طلوع الشمس ،ثم توضأ ومسح
بعد الزوال ،فيمسح المقيم إلى وقت الحدث من اليوم الثاني :وهو ما بعد طلوع الشمس من اليوم
الثاني ،ويمسح المسافر إلى ما بعد طلوع شمس اليوم الرابع.
( )1/432
وإذا مسح خفيه مقيما حالة الحضر ،ثم سافر ،أو عكس بأن مسح مسافرا ثم أقام ،أتم عند الشافعية
والحنابلة مسح مقيم؛ تغليبا للحضر؛ لنه الصل .فيقتصر في الحالتين على يوم وليلة .وعند الحنفية:
من ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة ،مسح ثلثة أيام ولياليها؛ لنه صار مسافرا،
والمسافر يمسح مدة ثلثة أيام ،ولو أقام مسافر إن استكمل مدة القامة ،نزع الخف؛ لن رخصة
السفر ل تبقى بدونه ،وإن لم يستكمل أتمها لن هذه مدة القامة ،وهو مقيم.
وإن شك ،هل ابتدأ المسح في السفر أو الحضر ،بنى عند الحنابلة ( )1على المتيقن وهو مسح حاضر
(مقيم)؛ لنه ل يجوز المسح مع الشك في إباحته.
وقال الشافعية ( : )2ول مسح لشاكّ في بقاء المدة ،انقضت أو ل ،أو شك المسافر ،هل ابتدأ في
السفر أو في الحضر؛ لن المسح رخصة بشروط ،منها المدة ،فإذا شك فيها رجع إلى الصل وهو
الغسل.
خامسا ـ مبطلت (أو نواقض) المسح على الخفين:
يبطل المسح على الخف بالحالت التية (: )3
- ً 1نواقض الوضوء :ينتقض المسح على الخف بكل ناقض للوضوء؛ لنه بعض الوضوء ،ولنه
بدل فينقضه ناقض الصل .وحينئذ يتوضأ ،ويمسح ،إذا كانت مدة المسح باقية .فإن انتهت المدة يعاد
الوضوء وغسل الرجلين.
-------------------------------
( )1المغني.292/1:
( )2معني المحتاج.67/1:
( )3فتح القدير105/1:وما بعدها ،البدائع12/1:وما بعدها ،الدر المختار ،256-254/1:مراقي
الفلح :ص ،22الشرح الصغير ،158-156/1:الشرح الكبير ،147-145/1:مغني المحتاج،68/1:
المهذب ،22/1:المغني ،287/1 :كشاف القناع136/1:وما بعدها.
( )1/433
- ً 2الجنابة ونحوها :إن أجنب لبس الخف ،أو حدث منه موجب غسل كحيض في أثناء المدة ،بطل
المسح ،ووجب غسل الرجلين .فإن أراد المسح على الخف بعد الغسل ،جدد لبسه ،لحديث صفوان بن
سفْرا (أي مسافرين)
عسال السابق« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو َ
أل ننزع خفافنا ثلثة أيام بلياليهن ،إل من جنابة» وقيس بالجنابة غيرها ،مما هو في معناها،
كالحيض والنفاس والولدة.
- ً 3نزع أحد الخفين أو كليهما ،ولو كان النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف ،ينتقض بذلك،
لمفارقة محل المسح مكانه ،وللكثر حكم الكل.
وفي هذه الحالة :يغسل عند الجمهور غير الحنابلة قدميه ،لبطلن طهرهما؛ لن الصل غسلهما،
والمسح بدل ،فإذا زال حكم البدل ،رجع إلى الصل ،كالتيمم بعد وجود الماء.
ول يكتفى بغسل الرجل المنزوع خفها ،وإنما ل بد من غسل الرجلين؛ إذ ل يجوز الجمع بين غسل
ومسح.
وفي حالة نزع الخف العلى (الجرموق) قال المالكية :تجب المبادرة لمسح السفل ،كما هو المقرر
في الموالة ،وكما بينت سابقا.
- ً 4ظهور بعض الرجل بتخرق أو غيره كانحلل العرا ونحو ذلك :ينتقض الوضوء بذلك عند
الشافعية والحنابلة،وبظهور قدر ثلث أصابع من أصابع الرجل عند الحنفية ،أو بقدر ثلث القدم عند
المالكية ،سواء أكان منفتحا أم ملتصقا بعضه ببعض ،كالشق وفتق الخياطة مع التصاق الجلد بعضه
ببعض ،أم أقل من الثلث أيضا إن انفتح بأن ظهرت الرجل منه ،ل إن التصق .فإن كان المنفتح يسيرا
جدا ،بحيث ل يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل ،فل يضر.
- ً 5إصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف ،على الصحيح :هذا ناقض للمسح على الصحيح عند
الحنفية ،كما لو ابتل جميع القدم ،فيجب قلع الخف وغسل الرجلين ،تحرزا عن الجمع بين الغسل
والمسح ،فل يغسل قدما ويمسح على الخرى؛ إذ هو ل يجوز.
( )1/434
- ً 6مضي المدة :وهي اليوم والليلة للمقيم ،والثلثة اليام بلياليها للمسافر؛ لن أحاديث المسح عن
علي وخزيمة وصفوان حددت للمسح هذه المدة.
والواجب في هذه الحالة والحوال الثلثة السابقة (نزع الخف ،وظهور بعض الرجل أو أكثرها بحسب
الخلف المتقدم) عند الحنفية ،والمالكية ،والراجح عند الشافعية ،وهو بطهر المسح في جميع ذلك:
غسل الرجلين فقط ،دون تجديد الوضوء كله ،إذا ظل متوضئا ،لن أثر الحدث اقتصر على الخف ،أو
لبطلن طهر القدمين فقط ،وبما أن الصل غسلهما ،والمسح بدل ،فإذا زال حكم البدل رجع إلى
الصل ،كالتيمم بعد وجود الماء.
واستثنى الحنفية هنا حالة الضرورة :وهي الخوف من ذهاب رجله من البرد ،فل يقلع الخفين ،وإنما
يجوز له المسح حتى يأمن ،أي بدون توقيت ،ويلزمه استيعاب المسح جميع الخف ،كمسح الجبائر.
والواجب بعد مضي المدة أو خلع الخف عند الحنابلة :هو استئناف الطهارة (تجديد الوضوء كله)؛ لن
الوضوء عبادة يبطلها الحدث ،فتبطل كلها ببطلن بعضها ،كالصلة ،أي أن الحدث ل يتبعض ول
يتجزأ ،فإذا خلع أو مضت المدة ،عاد الحدث إلى العضو الذي مسح الخف عنه ،فيسري إلى بقية
العضاء ،فيستأنف الوضوء ،ولو قرب الزمن.
والخلصة :أن نواقض المسح عند الحنفية أربعة أشياء:
كل ناقض للوضوء ،ونزع الخف ولو بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف ،وإصابة الماء أكثر إحدى
القدمين في الخف على الصحيح ،ومضي المدة إن لم يخف ذهاب رجله من البرد ،فيجوز له المسح
حينئذ حتى يأمن الضرر.
( )1/435
( )1/436
أو تكون ذات ذؤابة :وهي طرف العمامة المرخي؛ لن إرخاء الذؤابة من السنة ،قال ابن عمر« :عمّ
النبي صلّى ال عليه وسلم عبد الرحمن بعمامة سوداء ،وأرخاها من خلفه ،قدر أربع أصابع» .فل
يجوز المسح على العمامة الصماء ،لنها لم تكن عمامة المسلمين ،ول يشق نزعها ،فهي كالطاقية.
ً - 3أن تكون لذكر ،ل أنثى؛ لنها منهية عن التشبه بالرجال ،فل تمسح أنثى على عمامة ،ولو
لبستها لضرورة برد وغيره.
ً - 4أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه ،كمقدم الرأس والذنين وجوانب الرأس.
وقال المالكية ( : )1يجوز المسح على عمامة خيف بنزعها ضرر ،ولم يقدر على مسح ماتحتها مما
هي ملفوفة عليه كالقلنسوة .فإن قدر على مسح بعض الرأس ،أتى به وكمل على العمامة.
وقال الشافعية :ليجوز القتصار على مسح العمامة ،لحديث أنس السابق« :رأيت رسول ال صلّى ال
عليه وسلم يتوضأ ،وعليه عمامة ِقطْرية ( من صنع قَطَر ) ،فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدّم
رأسه ،ولم ينقض العمامة» ( )2؛ ولن ال فرض المسح على الرأس ،والحديث في العمامة محتمل
التأويل ،فل يترك المتيقن للمحتمل ،والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس.
قال الشوكاني ( : )3والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط ،وعلى العمامة فقط ،وعلى الرأس
والعمامة ،والكل صحيح ثابت ،فقصر الجزاء على بعض ماورد لغير موجب ،ليس من دأب
المنصفين.
سابعا -المسح على الجوارب:
اتفق الفقهاء على جواز المسح على الجوربين ( )4إذا كانا مجلّدين أو منعلين ( ، )5واختلفوا في
الجوربين العاديين على اتجاهين:
-------------------------------
( )1الشرح الكبير ،163/1:الشرح الصغير 203/1:وما بعدها.
( )2رواه أبو داود ،قال الحافظ ابن حجر :في إسناده نظر (نيل الوطار.)157/1:
( )3نيل الوطار.166/1:
( )4الجورب :لفافة الرجل ،قال الزركشي :هو غشاء من صوف يتخذ للدفء .وقال في شرح المنتهى
عند الحنابلة :ولعله اسم لكل ما يلبس في الرجل ،على هيئة الخف من غير الجلد ،أي سواء أكان
مصنوعا من صوف أو قطن أو شعر أو جوخ أو كتان.
( )5يقال أنعلت خفي ودابتي ،ونعّلت بالتشديد ،والخفان منعلن بسكون النون ،أو منعلن بتشديد العين
وفتح النون.
( )1/437
اتجاه يمثله جماعة :وهم أبو حنيفة والمالكية والشافعية :ليجوز ،واتجاه آخر يمثله الحنابلة،
والصاحبان من الحنفية وعلى رأيهما الفتوى :يجوز.
وهذه آراء المذاهب (: )1
قال أبو حنيفة :ليجوز المسح على الجوربين ،إل أن يكونا مجلّدين أو منعلين ،لن الجورب ليس في
معنى الخف؛ لنه ليمكن مواظبة المشي فيه ،إل إذا كان منعلً ،وهو محمل الحديث المجيز للمسح
على الجورب.
والمجلد :هو الذي وضع الجلد أعله وأسفله.
إل أنه رجع إلى قول الصاحبين في آخر عمره ،ومسح على جوربيه في مرضه،وقال لعواده :فعلت
ماكنت أمنع الناس عنه ،فاستدلوا به على رجوعه .وقال الصاحبان ،وعلى رأيهما الفتوى في المذهب
الحنفي :يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين ،ل يشفان ( ل يرى ما وراءهما )؛ لن النبي
صلّى ال عليه وسلم مسح على جوربيه ( ، )2ولنه يمكن المشي في الجورب إذا كان ثخينا،
كجوارب الصوف اليوم .وبه تبين أن المفتى به عند الحنفية :جواز المسح على الجوربين الثخينين،
بحيث يمشي عليهما فرسخا فأكثر ،ويثبت على الساق بنفسه ،ول يرى ما تحته ول يشف .واشترط
المالكية كأبي حنيفة :أن يكون الجوربان مجلّدين ظاهرهما وباطنهما ،حتى يمكن المشي فيهما عادة،
فيصيران مثل الخف .وهو محمل أحاديث المسح على الجوربين.
-------------------------------
( )1الدر المختار 248/1:وما بعدها ،فتح القدير 108/1:وما بعدها ،البدائع ،10/1:مراقي الفلح:
ص ،21بداية المجتهد ،19/1 :الشرح الصغير ،153/1:الشرح الكبير ،141/1:مغني المحتاج:
،66/1المجموع 539/1:وما بعدها ،المهذب ،21/1:المغني ،295/1:كشاف القناع.130 ،124/1:
( )2روي من حديث المغيرة بن شعبة عند أصحاب السنن الربعة ،قال الترمذي :حديث حسن
صحيح ،ومن حديث أبي موسى عند ابن ماجه والطبراني ،ومن حديث بلل عند الطبراني ،وفي
الخيرين ضعف (نصب الراية 184/1:وما بعدها).
( )1/438
( )1/439
والراجح رأي الحنابلة لستناده لفعل الصحابة والتابعين ،ولما ثبت عن النبي صلّى ال عليه وسلم في
حديث المغيرة .وهو الرأي المفتى به عند الحنفية.
ويمسح على الجوربين إلى خلعهما مدة يوم وليلة للمقيم ،وثلثة أيام للمسافر ،ويجب عند الحنابلة أن
يمسح على الجوربين ،وعلى سيور النعلين ،بقدر الواجب في المسح على الخفين.
ثامنا ـ المسح على الجبائر:
معنى الجبيرة ،مشروعية المسح عليها ،حكمه ،شرائط جواز المسح على الجبيرة ،القدر المطلوب
مسحه ،هل يجمع بين المسح والتيمم؟ هل تجب إعادة الصلة بعده؟ نواقض المسح على الجبيرة،
الفوارق بينه وبين المسح على الخفين.
معنى الجبيرة :الجبيرة والجِبارة :خشب أو قصب يسوّى ويشد على موضع الكسر أو الخلع لينجبر (
. )1وفي معناها :جبر الكسور بالجِبْس ،وفي حكمها :عصابة الجراحة ولو بالرأس ،وموضع الفصد
( )2والكي ،وخرقة القرحة ،ونحو ذلك من مواضع العمليات الجراحية .قال ابن جزي المالكي:
الجبائر :هي التي تشد على الجراح والقروح والفصادة (. )3
مشروعية المسح على الجبيرة :المسح على الجبائر جائز شرعا بالسنة والمعقول.
أما السنة :فأحاديث منها :حديث علي بن أبي طالب ،قال« :انكسرت إحدى زندي ،فسألت النبي صلّى
ال عليه وسلم ،فأمرني أن أمسح على الجبائر» (. )4
ومنها حديث جابر في الرجل الذي شُجّ (كسر) فاغتسل ،فمات ،فقال النبي
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،94/1:وعرفها ابن قدامة في المغني :277/1:ما يعد لوضعه على الكسر لينجبر.
( )2يقال :فصد المريضَ :أخرج مقدارا من دم وريده بقصد العلج.
( )3القوانين الفقهية :ص . 39
( )4رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي بسند واه جدا (نصب الراية 186/1:وما بعدها ،سبل السلم:
.)99/1
( )1/440
صلّى ال عليه وسلم « :إنما كان يكفيه أن يتيمم ،و َي ْعصِب على جُرْحه خِرْقة ،ثم يمسح عليها ،ويغسل
سائر جسده» (. )1
وأما المعقول :فهو أن الحاجة تدعو إلى المسح على الجبائر؛ لن في نزعها حرجا وضررا .قال
المرغيناني في الهداية :إن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف ،فكان أولى بشرع المسح (. )2
حكمه ـ هل المسح على الجبيرة واجب أو سنة؟
قال أبو حنيفة وصاحباه ( )3في الصح وعليه الفتوى :المسح على الجبائر واجب؛ وليس بفرض،
لكن قال أبو حنيفة :وإذا كان المسح على الجبيرة يضره سقط عنه المسح؛ لن الغسل يسقط بالعذر،
فالمسح أولى .ودليل الوجوب :أن الفرضية لتثبته إل بدليل مقطوع به .وحديث علي ـ المتقدم ـ
من أخبار الحاد ،فل تثبت الفرضية به .وبه يظهر أن المام وصاحبيه اتفقوا على الوجوب بمعنى
عدم جواز الترك ،لكن عنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلة بدونه ،ووجوب إعادتها ،فهو يريد
الوجوب الدنى ،وعندهما :ل تصح الصلة بدونه فهما أرادا الوجوب العلى.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) ( : )4المسح على الجبائر بماء
-------------------------------
( )1رواه أبو داود بسند ضعيف .وقال البيهقي :هذا الحديث أصح ما روي في هذا الباب ،مع اختلف
في إسناده (نصب الراية ،187/1:سبل السلم )99/1:قال الشوكاني( :نيل الوطار :)258/1:وقد
تعاضدت طرق حديث جابر ،فصلح للحتجاج به على المطلوب ،وقوي بحديث علي ،ولكن حديث
جابر قد دل على الجمع بين الغسل والمسح والتيمم.
( )2فتح القدير.109/1:
( )3البدائع 13/1:وما بعدها ،رد المحتار لبن عابدين .257/1 :وهذا هو التحقيق خلفا لما ذكر في
البدائع :أن المسح عند أبي حنيفة مستحب ل واجب ،وعند الصاحبين :واجب.
( )4الشرح الصغير ،202/1:الشرح الكبير ،163/1 :مغني المحتاج 94/1:وما بعدها ،بجيرمي
الخطيب ،265-262/1:المغني ،286/1 :كشاف القناع 127/1:وما بعدها 135،وما بعدها ،القوانين
الفقهية :ص ،39المهذب.37/1:
( )1/441
واجب أي فرض ،استعمالً للماء ما أمكن ،وقياسا على الخفين بجامع الضرورة وبطريق الولى،
وللمر به في حديث علي ـ مع ضعفه ـ « :امسح على الجبائر» والمر للوجوب.
ول يجوز اتفاقا المسح على جبيرة رِجْل مع مسح خف الخرى الصحيحة ،وإنما يجمع بين المسح
والغسل.
شرائط المسح على الجبيرة :يشترط لجوازه ما يأتي (: )1
ً - 1أل يمكن نزع الجبيرة ،أو يخاف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض ،أو زيادته ،أو تأخر
البرء كما في التيمم .قال المالكية :يجب المسح إن خيف هلك أو شدة ضرر أو أذى ،كتعطيل منفعة
من ذهاب سمع أو بصر مثلً ،ويجوز إن خيف شدة اللم أو تأخره بل شين ،أو رمد أو دمل أو
نحوها.
وذلك إذا كان الجرح ونحوه في أعضاء الوضوء في حالة الحدث الصغر ،أو في الجسد في حالة
الحدث الكبر.
ً - 2أل يمكن غسل أو مسح الموضع نفسه بسبب الضرر ،فإن قدر عليه فل مسح على الجبيرة،
وإنما يمسح على عين الجراحة إن لم يضر المسح بها ،ول يجزئه المسح على الجبيرة ،وإن لم يستطع
مسح على الجبيرة .قال المالكية :والرمد الذي ل يستطيع المسح على عينيه أو جبهته إن خاف
الضرر ،يضع خرقة على العين أو الجبهة ويمسح عليها .وقال الحنفية :يترك المسح كالغسل إن ضر،
وإل ل يترك.
وقال الشافعية :ل يمسح على محل المرض بالماء ،وإنما يغسل الجزء الصحيح ويتيمم عن الجزء
العليل ،ويمسح على الجبيرة إن وجدت.
-------------------------------
( )1البدائع ،13/1:الدر المختار ،58/1:المراجع السابقة.
( )1/442
ً - 3أل تتجاوز الجبيرة محل الحاجة ،فإن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة ،وهو مال بد منه
للستمساك ،وجب نزعها ،ليغسل الجزء الصحيح من غير ضرر لنها
طهارة ضرورة ،فتقدر بقدرها ،فإن خاف من نزعها تلفا أو ضررا ،تيمم لزائد على قدر الحاجة،
ومسح ما حاذى محل الحاجة ،وغسل ما سوى ذلك ،فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم ،ول يجب
مسح موضع العلة بالماء ،وإن لم يخف منه ،لن الواجب إنما هو الغسل ،لكن يستحب المسح ،ول
يجب عليه وضع ساتر على العليل ليمسح على الساتر؛ لن المسح رخصة؛ فل يليق بها وجوب
المسح.
وهذا شرط ذكره الشافعية والحنابلة .وأوجب الشافعية أيضا التيمم مطلقا كما سيأتي.
وقال الحنفية عملً بما ذكر الحسن بن زياد :إن كان حل الخرقة ،وغسل ما تحتها من حوالي
الجراحة ،مما يضر بالجرح ،يجوز المسح على الخرقة الزائدة ويقوم المسح عليها مقام غسل ماتحتها،
كالمسح على الخرقة التي تلصق الجراحة .وإن كان ذلك ل يضر بها ،ل يجوز المسح إل على
الجراحة نفسها ،ول يجوز على الجبيرة؛ لن الجواز على الجبيرةللعذر ،ول عذر .وهذا هو المقرر
أيضا عند المالكية ،وبه يتبين أن الحنفية والمالكية لم يفرقوا بين ما إذا كانت الجبيرة قدر المحل
المألوم أو زادت عنه للضرورة.
( )1/443
ً - 4أن توضع الجبيرة على طهارة مائية ،وإل وجبت إعادة الصلة :هذا شرط عند الشافعية
والحنابلة؛ لن المسح على الجبيرة أولى من المسح على الخف ،للضرورة فيها ،ويشترط لبس الخف
على طهارة (وضوء أو غسل) .ول تعاد الصلة إن كانت الجبيرة بقدر الستمساك ،ووضعت على
طهر ،وغسل الصحيح ،وتيمم عن الجريح ،ومسح على الجبيرة .ولو شد الجبيرة على غير طهارة،
نزعها إن لم يتضرر ،ليغسل ما تحتها ،فإن خاف من نزعها تلفا أو ضررا ،تيمم لغسل ما تحتها ،ولو
عمت الجبيرة فرض التيمم (الوجه واليدين) كفى مسحها بالماء عند الحنابلة ،وسقط التيمم ،ويعيد
الصلة عند الشافعية لنه كفاقد الطهورين .ولم يشترط الحنفية والمالكية :وضع الجبيرة على طهارة،
فسواء وضعها وهو متطهر أو بل طهر ،جاز المسح عليها ول يعيد الصلة إذا صح ،دفعا للحرج.
وهذا هو المعقول؛ لنه يغلب في وضعها عنصر المفاجأة ،فاشتراط الطهارة وقتئذ فيه حرج وعسر.
ً - 5أل يكون الجبر بمغصوب ،ول بحرير محرم على الذكر ،ول بنجس كجلد الميتة والخرقة
النجسة ،فيكون المسح حينئذ باطلً ،وتبطل الصلة أيضا .وهذا شرط عند الحنابلة.
القدر المطلوب مسحه على الجبيرة:
المفتى به عند الحنفية ( : )1أنه يكفي مسح أكثر الجبيرة مرة ،فل يشترط استيعاب وتكرار ،ونية
اتفاقا ،كما ل تطلب النية في مسح الخف والرأس أو العمامة ،والفرق بينه وبين مسح الرأس والمسح
على الخفين ،حيث ليشترط فيهما مسح الكثر ،وإنما يكفي مقدار ثلث أصابع :أن مسح الرأس شرع
بالقرآن بواسطة حرف الباء الذي اقتضى تبعيضه ،والمسح على الخفين :إن ثبت بالقرآن بقراءة
الجر { :وأرجلكم } [المائدة ،]6/5:فحكمه حكم المعطوف عليه ،وإن ثبت بالسنة ،فهي أوجبت مسح
البعض .أما المسح على الجبائر :فإنما ثبت بحديث علي رضي ال عنه ،وليس فيه ما ينبئ عن
البعض ،إل أن القليل سقط اعتباره دفعا للحرج ،وأقيم الكثر مقامه.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،260/1:فتح القدير ،109/1:البدائع.12/1:
( )1/444
والواجب عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) ( : )1مسح الجبيرة كلها بالماء ،استعمالً للماء
ما أمكن ،ولن مسحها بدل عن غسل ما تحتها ،وما تحت الجبيرة كان يجب استيعابه بالغسل ،فكذا
المسح ،ول ضرر في تعميمها بالمسح ،بخلف الخف يشق تعميم جميعه ،ويتلفه المسح.
وأوضح المالكية والحنفية أن الواجب الصلي هو غسل أو مسح المحل المجروح مباشرة إن أمكن بل
ضرر؛ فإن لم يستطع المسح عليه ،مسح جبيرة الجرح :وهي اللزقة التي فيها الدواء الذي يوضع
على الجرح ونحوه ،أو على العين الرمداء؛ فإن لم يقدر على مسح الجبيرة أو تعذر حلها ،مسحت
عصابته التي تربط فوق الجبيرة .ولو تعددت العصائب ،فإنه يمسح عليها .ول يجزيه المسح على ما
فوق العصائب إن أمكنه المسح على ما تحتها أو مسح أسفلها.
ول يقدر المسح بمدة ،بل له الستدامة إلى الشفاء (الندمال)؛ لنه لم يرد فيه تأقيت ،ولن الساتر ل
ينزع للجنابة ،بخلف الخف ،ولن مسحها للضرورة ،فيقدر بقدرها ،والضرورة قائمة إلى حلّها أو
برء الجرح عند الجمهور ،وإلى البرء عند الحنفية.
ويمسح الجنب ونحوه متى شاء .ويمسح المحدث عند الشافعية والحنابلة وقت غسل الجزء العليل،
عملً بمبدأ الترتيب المطلوب عندهم ،وله تقديم التيمم على المسح والغسل وهو أولى.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير ،163/1:الشرح الصغير ،203/1:القوانين الفقهية :ص ،39المهذب ،37/1:مغني
المحتاج 94/1:وما بعدها ،بجيرمي الخطيب ،262/1:كشاف القناع 128/1:وما بعدها.135،
( )1/445
ويجب مسح الساتر ،ولو كان به دم؛ لنه يعفى عن ماء الطهارة ( ، )1ومسحه بدل عما أخذه من
الجزء الصحيح .فلو لم يأخذ الساتر شيئا ،أو أخذ شيئا وغسله ،لم يجب مسحه على المعتمد عند
الشافعية.
وذكر الشافعية :أنه لو برأ وهو على طهارة ،بطل تيممه لزوال علته ،ووجب غسل موضع العذر،
جنبا كان أو محدثا ،ول يجدد (يستأنف) الطهارة كلها ،لن بطلن بعضها ل يقتضي بطلن كلها،
ويجب على المحدث عندهم أن
يغسل ما بعد موضع العذر ،رعاية للترتيب كما لو أغفل لمعة ،بخلف الجنب ل يغسل ما بعد موضع
العذر ،لعدم اشتراط الترتيب في الغسل ،باتفاق الفقهاء.
هل يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم؟
يرى الحنفية والمالكية ( : )2الكتفاء بالمسح على الجبيرة ،فهو بدل لغسل ما تحتها ،ول يضم إليه
التيمم؛ إذ ل يجمع بين طهارتين.
ويرى الشافعية في الظهر ( : )3أنه يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم ،فيغسل الجزء الصحيح،
ويمسح على الجبيرة ،ويتيمم وجوبا ،لما روى أبو داود والدارقطني بإسناد كل رجاله ثقات عن جابر
في المشجوج الذي احتلم واغتسل ،فدخل الماء شجته ،فمات :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :إنما
كان يكفيه أن يتيمم ،ويعصب على رأسه خرقة ،ثم يمسح عليها ،ويغسل سائر جسده» والتيمم بدل عن
غسل العضو العليل ،ومسح الساتر بدل عن غسل ما تحت أطرافه من الجزء الصحيح؛ لن الغالب أن
الساتر يأخذ زيادة على محل العلة .فلو كان الساتر بقدر العلة فقط ،أو بأزيد وغسل الزائد كله ،ل
يجب المسح.
-------------------------------
( )1وعن الدم الذي عليه ،وإن اختلط بماء المسح قصدا؛ لنه ضروري ،وتتوقف صحة المسح عليه
(بجيرمي الخطيب ،المكان السابق).
( )2الدر المختار ،258/1:الشرح الكبير ،163/1 :الشرح الصغير.202/1:
( )3مغني المحتاج ،94/1:بجيرمي الخطيب262/1 :وما بعدها ،حاشية الباجوري ،101/1:المهذب:
.37/1
( )1/446
ولو كان في بدنه جبائر كثيرة وأجنب وأراد الغسل ،كفاه تيمم واحد عن الجميع؛ لن بدنه كعضو
واحد .وفي حالة الحدث الصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد العضاء المريضة على الصح ،كما
يتعدد مسح الجبيرة بتعددها .وعليه :إن كانت الجراحة في أعضاء الوضوء الربعة ولم تعممها فل بد
من ثلثة تيممات :الول للوجه ،والثاني لليدين ،والثالث للرجلين ،أما الرأس فيكفي فيه مسح ما قل
منه ،فإن عمت الجراحة الرأس فأربعة تيممات .وإن عمت العضاء كلها فتيمم واحد عن الجميع
لسقوط الترتيب بسقوط الغسل.
وتوسط الحنابلة ( )1فرأوا أنه يجزئ المسح على الجبيرة ،من غير تيمم ،إذا لم تجاوز الجبيرة قدر
الحاجة؛ لنه مسح على حائل ،فأجزأ من غير تيمم ،كمسح الخف ،بل أولى؛ إذ صاحب الضرورة
أحق بالتخفيف (. )2
ويمسح ويتيمم إن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة ،أو خيف الضرر من نزعها ،ويكون التيمم للزائد
على قدر الحاجة ،والمسح لما يحاذي محل الحاجة ،والغسل لما سوى ذلك ،فيجمع إذن بين الغسل
والمسح والتيمم .وإذا لم يكن على الجرح عصاب ،يغسل الصحيح ويتيمم للجرح .وهو في تقديري
أولى الراء .ويتعدد التيمم عندهم كما قرر الشافعية.
هل تجب إعادة الصلة بعد البرء؟
الذين لم يشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم المالكية والحنفية ( ، )3ورأيهم هو الحق ،لم
يوجبوا إعادة الصلة بعد الصحة من الجرح ،لجماع العلماء على جواز الصلة ،وإذا جازت الصلة،
لم تجب إعادتها.
أما الذين اشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم الشافعية والحنابلة ( ، )4فقد أوجب الشافعية إعادة
الصلة ،لفوات شرط الوضع على طهارة ،ولو يوجبها الحنابلة إذا تيمم.
-------------------------------
( )1كشاف القناع135/1:وما بعدها ،المغني279/1:وما بعدها.
( )2وفند الحنابلة حديث الشجة ،فقالوا :الستدلل بقصه صاحب الشجة ضعيف بأنه يحتمل أن الواو
فيه بمعنى ( أو ) ،ويحتمل أن التيمم فيه لشد العصابة فيه على غير طهارة (المرجع السابق).
( )3القوانين الفقهية :ص ،39الدر المختار.258/1:
( )4بجيرمي الخطيب ،265/1:كشاف القناع.131/1 :
( )1/447
( )1/448
وإذا رمد ،وأمَره طبيب مسلم حاذق أل يغسل عينه ،أو انكسر ظفره ،أو حصل به داء ،وجعل عليه
دواء ،جاز له المسح للضرورة ،وإن ضره المسح تركه؛ لن الضرورة تقدر بقدرها.
وقال المالكية :يبطل المسح بنزع الجبيرة أو سقوطها للمداواة أو غيرها ،فإذا صح غسل الموضع
على الفور ،وإن لم يصح وبدّلها للمداواة ،أعاد المسح ،وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلة .بطلت
الصلة ،وأعاد الجبيرة في محلها ،وأعاد المسح عليها ،إن لم يطل الفاصل ،ثم ابتدأ صلته ،لن
طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره.
ويمسح المتوضئ رأسه إن سقط الساتر ،الذي كان قد مسح عليه من الجبيرة أو العصابة أو العمامة،
ثم صلى إن طال فاصل سقوط الساتر نسيانا ،وإل ابتدأ طهارة جديدة أي أعاد الوضوء.
وقال الشافعية :لو سقطت جبيرته في الصلة ،بطلت صلته ،سواء أكان قد برئ ،أم ل ،كانقلع
الخف .وفي حالة البرء تبطل الطهارة أيضا ،فإن لم يبرأ رد الجبيرة إلى موضعها ومسح عليها فقط.
وقال الحنابلة :زوال الجبيرة كالبرء ،ولو قبل برء الكسر أو الجرح ،وبرؤها كخلع الخف ،يبطل
المسح؛ والطهارة والصلة كلها ،وتستأنف من جديد ،لن مسحها بدل عن غسل ما تحتها ،إل أنه في
الطهارة الكبرى من الجنابة يكفي بزوال الجبيرة غسل ما تحتها فقط .وفي الطهارة الصغرى
(الوضوء) إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط ،وإن كان سقوطها عن غير برء ،أعاد الوضوء
والتيمم.
وهكذا يتبين أن الجمهور غير الحنفية يقررون بطلن المسح على الجبيرة بنزعها أو سقوطها.
ً - 2الحدث :يبطل المسح على الجبيرة بالتفاق بالحدث .لكن إذا أحدث صاحب الجبيرة يعيد عند
الشافعية ( )1ثلثة أمور :يغسل الصحيح ،ويمسح على الجبيرة ،ويتيمم .فإن لم يحدث وأراد صلة
فرض آخر ،تيمم فقط ،ولم يعد غسلً ول مسحا؛ لن الواجب عندهم إعادة التيمم لكل فريضة (. )2
-------------------------------
( )1حاشية الباجوري.101/1:
( )2هناك ملحظة ذكرها الشافعية عن حكم حمصة الكي :إن قام غيرها مقامها في مداواة الجرح ،لم
يعف عنها ،ول تصح الصلة مع حملها .وإن لم يقم غيرها مقامها ،صحت الصلة معها ،ول يضر
انتفاخها في المحل ،ما دامت الحاجة داعية إليها ،وبعد انتهاء الحاجة ،يجب نزعها ،فإن تركه بل
عذر ،ضر ،ول تصح صلته (بجيرمي الخطيب )265/1:وقال الحنفية :ينقض الوضوء بالدم الخارج
من محل كي الحمصة إن سال عن محله وذلك بمجرد ابتلل الرباط (رد المحتار.)129/1:
( )1/449
أهم الفروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة :
ذكر الحنفية فروقا بين هذين النوعين من المسح ،وهي سبعة وعشرون وجها ،وأضاف ابن عابدين
لها عشرة أخرى ،أهمها ما يأتي (: )1
ً - 1المسح على الجبائر غير مؤقت باليام ،بل هو موقت بالبرء ،أما المسح على الخفين فهو
بالشرع مؤقت باليام ،للمقيم يوم وليلة ،وللمسافر ثلثة أيام بلياليها.
ً - 2ل تشترط الطهارة لوضع الجبائر ،فيجوز المسح عليها للمحدث .وتشترط الطهارة للبس الخفين،
فل يجوز المسح عليهما للمحدث.
ً - 3إذا سقطت الجبائر ل عن برء ل ينتقض المسح ،وسقوط الخفين أو أحدهما يوجب انتقاض
المسح.
ً - 4المسح على الجبائر جائز إذا كان يضره المسح على الجراحة ،فإن لم يضره فل يمسح على
الجبائر .أما المسح على الخفين فهو جائز ولو لم يعجز عن غسل الرجلين.
ً - 5المسح على الجبائر جائز ولو كانت في غير الرجلين .أما المسح على الخفين فمحصور في
الرجلين.
وتعرف بقية الفروق من طبيعة كل النوعين وشروطهما.
-------------------------------
( )1البدائع 14/1:وما بعدها ،فتح القدير وحاشية العناية 109/1:وما بعدها ،الدر المختار وحاشية ابن
عابدين.260-259/1:
( )1/450
وذكر الحنابلة خمسة فروق بين نوعي المسح المذكورين ،وافقوا الحنفية في الفرق الول والثاني
والرابع ،أما الفرقان الخران فهما :أنه يمسح على الجبيرة في الطهارة الكبرى؛ لن الضرر يلحق
بنزعها فيها ،بخلف الخف ،ويجب عندهم استيعابها بالمسح لنه لضرر في تعميمها ،بخلف الخف
فإنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح (. )1
-------------------------------
( )1المغني.278/1:
( )1/451
( )1/452
والخلصة :أن خروج المني ولو بحمل ثقيل أو سقوط من مكان مرتفع أو وجوده في الثوب مطلقا:
موجب للغسل عند الشافعية ،سواء بشهوة أو غيرها ،خرج من طريقه المعتاد أو من غيره ،كأن
انكسر صلبه فخرج منيه ،إل أنه إذا خرج من غير طريقه المعتاد لمرض فليجب الغسل به.
وقال الحنابلة :إذا خرج المني بغير اللذة أو الشهوة كمرض ،أو برد أو كسر ظهر ،من غير نائم أو
مجنو ن أو مغمى عليه أو سكران ،لم يوجب غسلً .وعلى هذا يكون نجسا يجب غسل المحل الذي
أصابه ،كما أن سلس المني ل غسل عليه ،وإنما يجب الوضوء فقط .ومن رأى في ثوبه منيا فعليه
الغسل .ومن رأى أنه قد احتلم ولم يجد منيا فل غسل عليه باتفاق العلماء.
وقال الحنفية :من موجبات الغسل احتياطا :وجود بلل ظنه منيا بعد إفاقته من سكر أو إغماء .كما
يجب الغسل عندهم بخروج مني الشخص منه بعد الغسل .ويشترط عند الحنفية في المني الموجب
للغسل :إنزاله على وجه الدفق والشهوة من الرجل والمرأة حالة النوم واليقظة ،فلو خرج بسبب حمل
ثقيل أو بسقوط من مكان ل يجب الغسل؛ لن الجنب في آية {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة:]6/5:
من خرج منه المني على وجه الشهوة.
( )1/453
واتفق أئمة الحنفية على أنه ل يجب الغسل إذا انفصل المني عن مقره من الصلب بشهوة إل إذا خرج
على رأس الذكر .وهناك خلف بينهم في أنه هل تشترط مقارنة الشهوة للخروج؟ فعند أبي حنيفة
ومحمد :ل تشترط .وعند أبي يوسف :تشترط .وثمرة الخلف تظهر :فيما لو احتلم فوجد اللذة ،ولم
ينزل حتى توضأ وصلى ثم أنزل ،اغتسل ،ول يعيد الصلة في رأيهما ،وليغتسل في رأيه .ولو
اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول أو المشي ،ثم خرج منه المني بل شهوة ،يجب إعادة الغسل
عندهما ،ل عنده .وقولهما أحوط لن الجنابة قضاء الشهوة ،فإذا وجدت مع النفصال تحقق اسمها.
وقال المالكية كالحنفية والحنابلة :المني الموجب للغسل :هو الخارج بلذة معتادة ،فإن لم يخرج بلذة
معتادة ،كأن خرج بنفسه لمرض أو ضربة أو سلس أو لدغة عقرب ،فلغسل ،وعليه الوضوء فقط.
كما أنه إذا خرج بلذة غير معتادة كمن حك لجرب بذكره ،أو هزته دابة له ،أو نزل بماء حار ،فل
غسل وعليه الوضوء فقط ،لكن في مسألة الماء الحار والجرب بغير الذكر ،ل غسل ولو أحس بمبادئ
اللذة واستدام حتى أمنى .لبعد الماء الحار عن شهوة الجماع .أما في مسألة هز الدابة أو الجرب
بالذكر ،فإن أحس بمبادئ اللذة واستدام حتى أنزل ،وجب الغسل ،لنه أقرب لشهوة الجماع .ومن انتبه
من نومه ،فوجد بللً في ثوبه أو بدنه ،فشك هل هو مني أو مذي؟ وجب عليه الغسل؛ لن الشك مؤثر
في إيجاب الطهارة .وليجب بالتفاق الغسل على امرأة بمني وصل للفرج ما لم تحبل منه ،واتفقوا
على أن رطوبة الفرج طاهرة ،وغسله سنة.
والدليل لوجوب الغسل بخروج المني :حديث علي قال« :كنت رجلً مذّاء ،فسألت النبي صلّى ال
عليه وسلم ،فقال :في المَذْي الوضوء ،وفي المَ ِنيّ الغسل» ( )1ولحمد« :إذا حَ َذفْت الماء فاغتسل
من الجنابة ،فإذا لم تكن حاذفا فل تغتسل» .
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه ،وأخرجه أيضا أبو داود والنسائى ،وأخرجه البخاري
ومسلم من حديث علي مختصرا .ومعنى « حذ ْفتَ » أي رميت بشهوة ،فالخارج لمرض أو برد ل
يوجب الغسل (نيل الوطار.)218/1:
( )1/454
وحديث أم سَلَمة« :أن أم سُلَيم قالت :يا رسول ال ،إن ال ل يسْتَحِي من الحق ،فهل على المرأة
الغسل إذا احتلمت؟ قال :نعم ،إذا رأت الماء ،فقالت أم سلمة :وتحتلم المرأة؟ فقال :تربت يداك ،فيمَ
ُيشْبهها ولدها!!» (. )1
وقوله« :إذا رأت الماء» أي المني بعد الستيقاظ .وتربت يداك أي افتقرت ،ول يراد ذلك وإنما للزجر
(المرجع السابق :ص .)219وليس في المذي والودي غسل ،وفيهما الوضوء ،وغسل الذكر ،لقوله
عليه الصلة والسلم« :كل فحل يمذي ،وفيه الوضوء» (. )2
- 2التقاء الختانين ( )3ولو من غير إنزال:
حشَفة (رأس الذكر) أو قدرها من مقطوعها في فرج مطيق للجماع ،قبلً أو دبرا،
أو الجنابة بمغيب َ
من ذكر أو أنثى ،طائع أو مكره ،نائم أو يقظان.
ولو من غير بالغ عند الشافعية والحنابلة ،فل يشترط التكليف ،فيجنب الصبي والمجنون باليلج،
ويجب عليهما الغسل عند الشافعية بعد الكمال ،ويصح الغسل من مميز ويؤمر به كالوضوء .وأوجب
الحنابلة على صغير ابن عشر وطئ ،وبنت تسع وطئت الغسل والوضوء إذا أرادا ما يتوقف عليه
الغسل كقراءة القرآن ،أو الوضوء كالصلة والطواف.
واشترط المالكية والحنفية :أن يكون الوطء من مكلف (بالغ عاقل) فل يجب الغسل على غير مكلف.
ويندب عند المالكية في المعتمد الغسل للمراهق والصغيرة التي وطئها بالغ ،وقال الحنفية :يمنع
المراهق من الصلة حتى يغتسل ،ويؤمر به ابن عشر تأديبا.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2أخرجه أبو داود وأحمد من حديث عبد ال بن سعد النصاري ،وأخرج إسحاق والطحاوي من
حديث علي نحوه (نصب الراية.)93/1:
( )3الختانان :موضع القطع من الذكر والفرج .والتقاء الختانين :كناية عن الجماع.
( )1/455
ول يشترط النزال بالتفاق لن حديث «إنما الماء من الماء» منسوخ بالجماع ،إل أن الحنفية استثنوا
وطء الميتة والبهيمة والصغيرة غير المشتهاة إذا لم تزل بكارتها ،فل يجب الغسل إل بالنزال ،فإن لم
يوجد إنزال ولم تزل بكارة الصغيرة فل يجب الغسل ول الوضوء ،وإنما يجب فقط غسل الذكر؛ لن
هذا الوطء غير مقصود في الطبع السليم (. )1
وقال الجمهور :يجب الغسل بوطء الميتة والبهيمة ،لنه إيلج في فرج كوطء الدمية في حياتها،
ووطء الدمية الميتة داخل في عموم الحاديث التية الموجبة للغسل.
وسواء أكان الوطء عند المالكية والشافعية بحائل أم بغير حائل ،يوجب الغسل ،إل أن المالكية قالوا:
الموجب للغسل فيما إذا لف الذكر بخرقة خفيفة ل كثيفة .وقال الشافعية :يجب الغسل ولو كان على
الذكر خرقة خفيفة أو غليظة.
وقال الحنيفة والحنابلة :ل يجب الغسل في حالة عدم النزال بإيلج بحائل كأن يلف على ذكره خرقة
أو يدخله في كيس .واشترط الحنابلة والشافعية :أن يكون اليلج في فرج أصلي ،فل غسل بل إنزال
بإيلج في غير أصلي كإيلج رجل في قبل الخنثى ،لعدم الفرج الصلي بيقين ،أو إيلج الخنثى ذكره
في قبل أو دبر بل إنزال ،لعدم تغييب الحشفة الصلية بيقين.
واشترط المالكية وغيرهم :أن يكون اليلج في فرج مطيق ،فل غسل في حالة عدم النزال :بإيلج
بعض الحشفة أو بإيلج في فرج غير مطيق أو ما دون الفرج كالتفخيذ والتبطين ،والتغييب بين
الشفرين ،أو في هوى الفرج ،والتصاق الختانين بدون إيلج ،والسحاق (إتيان المرأة المرأة) ،كل ذلك
ل غسل فيه بل إنزال.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين.154/1:
( )1/456
والدلة على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين :قوله تعالى{ :وإن كنتم جنبا فاطّهروا} [المائدة،]6/5:
وأحاديث كثيرة :منها حديث «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ،وإن لم ينزل» ( )1وحديث « إذا
جهَدها ،فقد وجب عليه الغسل » ( ، )2ولمسلم وأحمد« :وإن لم ينزل» .
شعَبها الربع ،ثم َ
جلس بين ُ
وحديث «إذا قعد بين شعبها الربع ،ثم مس الخِتانُ الختانَ ،فقد وجب الغسل» ( ، )3ولفظ الترمذي:
«إذا جاوز الختان الختان ،وجب الغسل» وحديث أبي بن كعب قال« :إن الفُتْيا التي كانوا يقولون:
الماء من الماءُ ،رخْصة ،كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم رخص بها في أول السلم ،ثم أمرنا
بالغتسال بعدها» ( ، )4وفي لفظ للترمذي وصححه« :إنما كان الماء من الماء ،رخصة في أول
السلم ،ثم نهي عنها» .
فدل على أن حديث رافع بن خديج عند أحمد« :الماء من الماء» منسوخ .وبه يرد على النصار الذين
كانوا يقولون :ل يجب الغسل بالكسال (أي من غير إنزال) ،إذ إن هذه الحاديث صريحة في إيجاب
الغسل من التقاء الختانين ،أنزل أو لم ينزل ،وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك .وليس المراد من
التقاء الختانين ،تجاورهما أو انضمامهما فقط ،وإنما مجاوزة الختان الختان ،فهو مجاز أريد به
اليلج أو إدخال الحشفة في الفرج (القبل أو الدبر) إذ الختانان محل القطع في الختان ،وختان المرأة
فوق مخرج البول ،ومخرج البول فوق مدخل الذكر.
وصرح الحنابلة وغيرهم بأنه يعاد غسل الميتة الموطوءة.
- 4 ، 3الحيض والنفاس:
هذان يوجبان الغسل بالتفاق ،أما الحيض فلقوله تعالى { :فاعتزلوا النساء في المحيض } [البقرة:
،]222/2ولخبر البخاري ومسلم أنه صلّى ال عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش« :إذا أقبلت
الحيضة ،فدعي الصلة ،وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي» .
-------------------------------
( )1رواه مسلم وابن ماجه عن عا ئشة وعبد ال بن عمرو ،وهو حديث صحيح.
( )2متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار )219/1:وشعبها الربع :قيل :يداها ورجلها ،وقيل:
رجلها وفخذاها ،وقيل :غير ذلك.
( )3رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه ،عن عائشة (المرجع السابق.)221/1:
( )4رواه أحمد وأبو داود (المرجع السابق) وأما حديث رافع بن خديج« :الماء من الماء» عند أحمد،
ففيه راو مجهول ،والظاهر ضعف الحديث (المرجع السابق.)222/1 :
( )1/457
وأما النفاس :فلنه دم حيض مجتمع.
وانقطاع دم الحيض والنفاس شرط وجوب الغسل وصحته ،بدليل قوله تعالى{ :فإذا تطهرن فأتوهن}
[البقرة ،]222/2:يعني :إذا اغتسلن ،قيل :منع الزوج وطأها قبل الغسل ،فدل على وجوبه عليها.
أما الولدة بل بلل :فتوجب الغسل في المعتمد عند المالكية وفي المختار عند الحنفية ،وفي الصح
عند الشافعية ،لن المولود ولو كان عند الشافعية علقة أو مضغة :مني منعقد؛ ولنه ليخلو عن بلل
ل أو
غالبا ،فأقيم مقامه ،كالنوم مع الشيء الخارج ،وتفطر به المرأة .بخلف ما لو ألقت يدا أو رج ً
نحو ذلك ،فإنه ل يجب عليها الغسل ،ول تفطر به ،بل تتخير بين الغسل والوضوء.
وقال الحنابلة على الراجح :ل يجب الغسل بولدة عريت عن دم؛ لنه لنص فيه ،ول هو في معنى
المنصوص ،فل يبطل الصوم ،ول يحرم الوطء بها قبل الغسل ،ول يجب الغسل بإلقاء علقة أو مضغة
لن ذلك ليس بولدة ،والولد طاهر ،ومع الدم يجب غسله ،كسائر الشياء المتنجسة.
ول يجب الغسل بدم الستحاضة ،لكن يندب إذا انقطع.
- 5موت المسلم غير الشهيد:
يجب تعبدا باتفاق المذاهب الربعة على المسلمين وجوب كفاية غسل الميت المسلم غير الشهيد ،الذي
ل جنابة منه ،لقوله صلّى ال عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته فمات« :اغسلوه بماء وسِدْر،
وكفّنوه في ثوبين» ( )1فهو دليل على وجوب غسل الميت ،وقد غسل النبي صلّى ال عليه وسلم ،
وأبو بكر بعده ،وتوارثه المسلمون.
-------------------------------
( )1متفق عليه عن ابن عباس (سبل السلم )92/1:والسدر :شجر النّبق.
( )1/458
( )1/459
ثم قال الحنفية :عشرة أشياء ل يغتسل منها :مذي ،وودي ،واحتلم بل بلل ،وولدة من غير رؤية دم
بعدها ،في قول أبي حنيفة ،والصح كما أبان ابن عابدين وجوب الغسل لها احتياطا ،وإيلج بخرقة ما
نعة من وجود اللذة على الصح ،وحقنة ،وإدخال أصبع ونحوه في أحد السبيلين ،ووطء بهيمة أو ميتة
من غير إنزال ،وإصابة بكر لم تُزل الصابة بكارتها من غير إنزال.
ويلحظ أنه إذا اجتمع شيئان يوجبان الغسل ،كالحيض والجنابة ،أو التقاء الختانين والنزال ،أجزأه
غسل واحد ،كما تنوب عند الجمهور نية الغسل عن الوضوء لدخوله تحته ،بخلف العكس ،وقال
الحنابلة :لبد من نية الوضوء أيضا.
المطلب الثالث ـ فرائض الغسل:
ثبتت فرضية الغسل بالقرآن في قوله تعالى{ :وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة ،]6/5:وقوله سبحانه:
{ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ،ول جنبا إل عابري سبيل حتى تغتسلوا}
[النساء.]43/4:
صفة غسل النبي صلّى ال عليه وسلم :إن كيفية الغسل الكامل عرفت بالسنة :عن عائشة رضي ال
عنها قالت« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة ،يبدأ فيغسل يديه ،ثم يُفرغ
بيمينه على شماله ،فيغسل فرجه ،ثم يتوضأ ( ، )1ثم يأخذ الماء ،فيدخل أصابعه في أصول الشعر ،ثم
حفَنات ( ، )2ثم أفاض الماء على سائر جسده ،ثم غسل رجليه» (. )3
حفَن على رأسه ثلث َ
َ
-------------------------------
( )1أجمع العلماء على استحباب الوضوء قبل الغسل تأسيا برسول ال صلّى ال عليه وسلم ،ولنه
أعون على الغسل ،وأهذب فيه (المغني.)219/1 :
( )2الحفنة :ملء الكف.
( )3متفق عليه ،واللفظ لمسلم (سبل السلم )89/1:وروي مثله عن عائشة ،وعن ميمونة.
( )1/460
( )1/461
وكذلك قال المالكية :ل يجب على المغتسل نقض مضفور شعره ،ما لم يشتد الضفر ،حتى يمنع
وصول الماء إلى البشرة ،أو يضفر بخيوط كثيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة ،أو إلى باطن الشعر.
ودليل الحنفية والمالكية :حديث أم سلمة ،قالت :يا رسول ال ،إني امرأة أشد شعر رأسي ،أفأنقضه
لغسل الجنابة أو الحيضة؟ فقال :ل إنما يكفيك أن تَحْثي على رأسك ثلث حَثَيات» (. )1
وقال الشافعية :يجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إل بالنقض ،لكن يعفى عن باطن
الشعر المعقود ،ول يجب غسل الشعر النابت في العين والنف ،وإن كان يجب غسله من النجاسة.
ويجب غسل الظفار ،وما يظهر من صماخي الذنين ،وما تحت القُلْفة من القلف (غير المختون)،
بدليل حديث أبي هريرة المتقدم الدال على وجوب إيصال الماء إلى الشعر والبشرة .وقيدوا حديث أم
سلمة بحالة وصول الماء إلى الضفائر من غير نقض.
أما المام أحمد ففرق بين الحيض والجنابة ،وقال :تنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض والنفاس،
وليس عليها نقضه من الجنابة إذا أروت أصوله ،عملً في الجنابة بحديث أم سلمة .ودليل نقضه من
الحيض :ماروت عائشة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لها إذ كانت حائضا« :خذي ماءك
وسدرك وامتشطي» ( )2ول يكون المشط إل في شعر غير مضفور ،وللبخاري« :انقضي رأسك
وامتشطي» ولبن ماجه « انقضي رأسك وامتشطي» لكن قال ابن قدامة :النقض من الحيض
مستحب ،وهو الصحيح إن شاء ال ،وهو قول أكثر الفقهاء؛ لن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة:
«أفأنقضه للحيض؟ قال :ل» .
والخلصة :أن المذاهب الربعة متفقة على أن نقض الشعر للمرأة غير واجب إن وصل الماء
لصول الشعر لحديث أم سلمة المتقدم.
-------------------------------
ضفْر رأسي ) بدل ( شعر رأسي ) (سبل السلم.)91/1 :
( )1رواه مسلم ،لكن لفظه ( :أشد َ
( )2رواه البخاري.
( )1/462
وإذا بقيت ُلمْعة من الجسد لم يصبها الماء ،يجزئه غسلها ،والصحيح عند الحنابلة أنه يجزئه مايصيبها
من بلل شعره في الغسلة الثانية أو الثالثة وجرى ماؤه على تلك اللمعة ،لن غسلها بذلك البلل كغسلها
بماء جديد ،مع ما فيه من الحاديث .روى أحمد عن النبي صلّى ال عليه وسلم «أنه رأى على رجل
موضعا لم يصبه الماء ،فأمره أن يعصر شعره عليه» .
أما غسل بشرة الرأس :فواجب ،سواء أكان الشعر كثيفا أم خفيفا ،وكذلك ما تحت الشعر كجلد اللحية
وغيرها ،لما روت أسماء« :أنها سألت النبي صلّى ال عليه وسلم عن غسل الجنابة ،فقال :تأخذ
إحداكن ماء ،فتطهر ،فتحسن الطهور ـ أو تبلغ الطهور ـ ثم تصب على رأسها ،فتدلكه ،حتى تبلغ
شؤون رأسها ،ثم تفيض عليها الماء» (. )1
وعن علي رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال« :من ترك موضع شعرة من جنابة
لم يصبها الماء ،فعل ال به كذا وكذا من النار ،قال علي :فمن ثم عاديت شعري ،زاد أبو داود :وكان
يجزّ شعره رضي ال عنه» ( ، )2ولن ما تحت الشعر بشرة أمكن إيصال الماء إليها من غير
ضرر ،فلزمه كسائر بشرته.
وأما غسل المسترسل من الشعر :فواجب عند الشافعية ،لحديث أبي هريرة السابق «إن تحت كل
شعرة جنابة» ،ولنه نابت في محل الغسل ،فوجب غسله كشعر الحاجبين وأهداب العينين.
ول يجب عند الحنفية والمالكية ،لحديث أم سلمة السابق في عدم نقض الشعر ،مع إخبارها إياه بشد
ضفر رأسها ،ولنه لو وجب بلّه ،لوجب نقضه ليعمه الغسل.
-------------------------------
( )1رواه مسلم.
( )2رواه أبو داود وأحمد (نيل الوطار.)247/1:
( )1/463
وعند الحنابلة وجهان :كالرأيين المذكورين ،أرجحهما الوجوب كالشافعية .ويعركه عند صب الماء
حتى يصل إلى البشرة فل يجب إدخال أصابعه تحته،ويعرك بها البشرة .وكذا يجب عندهم تخليل
أصابع الرجلين واليدين ،أما في الوضوء فيندب تخليل أصابع رجليه ويجب تخليل أصابع اليدين ،ومن
الفرائض عند المالكية :تخليل شعره ولو كثيفا ،سواء أكان شعر رأس أم غيره ،ومعنى تخليله :أن
يضمه.
ل بقوله تعالى:
- 2المضمضة والستنشاق :أوجب الحنفية والحنابلة المضمضة والستنشاق ،عم ً
{وإنْ كنتُمْ جُنُبا فاطّهروا} [المائدة ،]6/5:وبحديث «ثم تفيضين عليك الماء» ففيهما طلب تطهير جميع
البدن وتعميمه بالماء (. )1
وقال المالكية والشافعية :إنهما سنة في الغسل كالوضوء لحديث« :عشر من الفطرة» وذكر منها
المضمضة والستنشاق (. )2
- 3النية عند غسل أول جزء من البدن :أي نية فرض الغسل ،أو رفع الجنابة أو الحدث الكبر ،أو
استباحة ممنوع مفتقر إليه ،كأن ينوي استباحة الصلة أو الطواف مما يتوقف على غسل ،فإن نوى ما
ل يفتقر إليه كالغسل ليوم العيد ،لم يصح .ومحل النية في القلب ،وتكون مقرونة بأول فرض :وهو
أول ما يغسل من البدن ،سواء أكان من أعله أم من أسفله ،إذ ل ترتيب فيه.
وأوجب الجمهور (غير الحنفية) النية للغسل كالوضوء ،للحديث« :إنما العمال بالنيات» .
والبتداء بالنية عند الحنفية سنة ،ليكون فعله تقربا يثاب عليه ،كالوضوء.
أما التسمية فهي سنة عند الجمهور ،فرض عند الحنابلة كالوضوء ،لكنهم ذكروا أن حكمها في الجنابة
أخف؛ لن حديث التسمية إنما تناول بصريحه الوضوء ل غير.
-------------------------------
( )1وأما استدلل الحنفية بحديث في المضمضة والستنشاق« :إنهما فرضان في الجنابة ،سنّتان في
الوضوء » فهو غريب (نصب الراية.)78/1:
( )2رواه الجماعة إل البخاري (نصب الراية.)76/1:
( )1/464
- 4الدلك والموالة والترتيب :اتفق الفقهاء على عدم إيجاب الترتيب في الغسل ،فيصح البدء بأعلى
الجسد أو بأسفله.
وأوجب المالكية دون غيرهم الدلك ولو بخرقة ،والموالة إن ذكر وقَدَر كالوضوء ،والدلك هنا :إمرار
العضو على ظاهر الجسد ،يدا أو رجلً ،فيكفي دلك الرِجْل بالخرى ،ويكفي الدلك بظاهر الكف
وبالساعد والعضد ،بل يكفي بالخرقة عند القدرة ،باليد على الراجح :بأن يمسك طرفيها بيديه ،ويدلك
بوسطها ،أو بحبل كذلك ،ويكفي ولو بعد صب الماء وانفصاله عن الجسد ما لم يجف ،فإن تعذر
الدلك ،سقط .ويكفي تعميم الجسد بالماء كما في سائر الفرائض ،إذ ل يكلف ال نفسا إل وسعها.
والموالة فريضة كما في الوضوء ،فإن فرق عامدا بطل إن طال ،وإل بنى (كمل) على ما فعل بنية.
ولم يوجب غير المالكية الدلك والموالة؛ لن الية{ :فاطهروا} [المائدة ،]6/5:والحاد يث ليس فيها
تعرض لوجوبهما.
خلصة فرائض الغسل في المذاهب:
- ً 1مذهب الحنفية :يفترض في الغسل أحد عشر شيئا :غسل الفم ،والنف ،والبدن مرة ،وداخل قُلْفة
ل عسر بل مشقة في فسخها ،وسرة ،وثقب غير منضم ،وداخل المضفور من شعر المرأة إن سرى
الماء في أصوله ،وبشرة اللحية ،وبشرة الشارب ،والحاجب ،والفرج الخارج (الظاهر) ،لكن الصح
أنه يندب غسل داخل القلفة (الجلدة التي يقطعها الخاتن) ول يجب.
- ً 2مذهب المالكية :فرائض الغسل خمسة:
نية فرض الغسل ،أو رفع الحدث ،أو استباحة ممنوع ،بأول مفعول ،بأن ينوي بقلبه أداء فرض
الغسل ،أو ينوي رفع الحدث الكبر ،أو رفع الجنابة ،أو ينوي استباحة ما منعه الحدث الكبر ،أو
استباحة الصلة مثلً .وموالة إن ذكر وقدر كالوضوء ،وتعميم ظاهر الجسد بالماء ،ودلك ولو بعد
صبه وإن بخرقة ،وتخليل شعر وأصابع رجليه ويديه.
- ً 3مذهب الشافعية :الواجب في الغسل ثلثة أشياء:
( )1/465
النية ،وإزالة النجاسة إن كانت ،وإفاضة الماء على البشرة الظاهرة وما عليها من الشعر حتى يصل
الماء إلى ما تحته .وما زاد على ذلك سنة.
- ً 4مذهب الحنابلة :واجبات الغسل أحد عشر شيئا:
إزالة مابه من نجاسة أو غيرها تمنع وصول الماء إلى البشرة إن وجد ،والنية ،والتسمية ،وتعميم بدنه
بالغسل حتى فمه وأنفه ،فتجب المضمضة،والستنشاق في الغسل كالوضوء ،ويجب غسل ظاهر شعره
وباطنه ،من ذكر أو أنثى ،مسترسلً كان أو غيره ،مع نقض الشعر لغسل حيض ونفاس ،ل غسل
جنابة إذا روّت أصوله .ويجب غسل حشفة أقلف (غير مختون) إن أمكن تشميرها ،وغسل ما تحت
خاتم ونحوه ،فيحركه ليتحقق وصول الماء إلى ما تحته ،وغسل ما يظهر من فرج المرأة عند قعودها
لقضاء حاجتها؛ لنه في حكم الظاهر ،ول يجب غسل داخله ،ول غسل داخل عين ،بل ول يستحب
ولو أمن الضرر .ول يجب الترتيب ول الموالة في أعضاء الوضوء؛ لن الغسل يجزئ عنهما،
لنهما عبادتان دخلت إحداهما في الخرى ،فسقط حكم الصغرى ،كالعمرة مع الحج .ول يجب الدلك
إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده.
المطلب الرابع ـ سنن الغسل :
أوضحت كيفية غسل النبي صلّى ال عليه وسلم وهو دليل لصفة الغسل الكامل الشامل للواجب
والسنة :وهو ما اجتمع فيه عشرة أشياء كما فهم الحنابلة (: )1
النية ،والتسمية ،وغسل يديه ثلثا ،وغسل ما به من أذى ،والوضوء ،ويحثي على رأسه ثلثا يروي
بها أصول الشعر ،ويفيض الماء على سائر جسده ،ويبدأ بشقه اليمن ،ويدلك بدنه بيده ،وينتقل من
موضع غسله ،فيغسل قدميه .ويستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه.
-------------------------------
( )1المغني .217/1:انظر صفة الغسل الكامل عند المالكية في الشرح الكبير ،137/1:القوانين
الفقهية :ص .26
( )1/466
وترتيب سنن الغسل التي يتحقق بها كماله على اختلف المذاهب ما يأتي (: )1
ً - 1البدء بغسل اليدين والفرج ،وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه ،وينوي كما أبان الشافعية عن
غسل القبل والدبر ،فيقول :نويت رفع الجنابة عن هذين المكانين وما بينهما.
ً - 2ثم يتوضأ وضوءه للصلة .والولى عند الحنفية تأخير غسل رجليه إن كان المغتسل واقفا في
ل واقفا
مكان يجتمع فيه الماء كالطّست ،ثم يتنحى عن ذلك المكان ويغسلهما ،وإل قدمه إذا كان مث ً
على لوح أو قبقاب أو حجر .وبالوضوء تتحقق المضمضة والستنشاق الواجبان عند الحنفية
والحنابلة.
ويمسح عند المالكية صماخ أذنيه أي ثقبيهما ،ول يبالغ فإنه يضر السمع ،وأما ظاهرهما وباطنهما
فمن ظاهر الجسد ،يجب غسله عندهم.
ً - 3ثم يتعهد عند الشافعية معاطف جسده ،كأن يأخذ الماء بكفه ،فيجعله على المواضع التي فيها
انعطاف والتواء ،كالذنين ،وطبقات البطن ،وداخل السرة؛ لنه أقرب إلى الثقة بوصول الماء ،ويتأكد
ذلك في الذن ،فيأخذ كفا من ماء ،ويضع الذن عليه برفق ،ليصل الماء إلى معاطفه وزواياه ويتفقد
تحت حلقه ،وإبطيه ،وحالبيه (وهما العرقان اللذان يكتنفان السرة).
ً - 4ثم يفيض الماء على رأسه ويخلله ،وعلى سائر جسده ،ثلثا ،بادئا بشقه اليمن ثم اليسر ،لما
تقدم أنه صلّى ال عليه وسلم « :كان يعجبه التيمن في طهوره» ،وتخليل شعره وتفقد أصوله لحديث
«تحت كل شعرة جنابة» ويسن أن يدلُك بدنه بيديه؛ لنه أنقى ،وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه
وجميع بدنه ،وبه يخرج من خلف من أوجبه وهم المالكية.
ويكفي الظن في السباغ أي في وصول الماء إلى البشرة؛ لن اعتبار اليقين حرج ومشقة.
-------------------------------
( )1فتح القدير 39/1:وما بعدها ،الدر المختار 140/1:وما بعدها ،مراقي الفلح :ص ،17اللباب:
،21/1الشرح الكبير ،137-135/1:الشرح الصغير ،170/1:القوانين الفقهية :ص ،26المهذب،73:
مغني المحتاج 73/1:وما بعدها ،المغني ،217/1:كشاف القناع.176-173/1:
( )1/467
قال الحنفية :ولو انغمس في الماء الجاري أو ما في حكمه ومكث ،فقد أكمل السنة.
وقال المالكية :يجزئ غسل الجنابة عن غسل الوضوء بنية رفع الحدث الكبر ولو لم ينو الصغر إذا
لم يحصل له ناقض من مس ذكر أو غيره ،وكذلك قال الشافعية على المذهب :يكفي الغسل ،سواء
أنوى الوضوء معه أم ل.
وقال الحنابلة :يجزئ الغسل عن الوضوء بعد أن يتمضمض ويستنشق وينوي به الغسل والوضوء،
وكان تاركا للفضل والولى.
وتسن عند غير المالكية الموالة في الغسل عند غسل جميع أجزاء البدن ،لفعله صلّى ال عليه وسلم .
وعند المالكية :هي فرض.
كما يسن الترتيب بالبداءة بالرأس ،ثم بالمنكب اليمن ،ثم اليسر .ول يجب الترتيب بالتفاق؛ لن
البدن شيء واحد ،بخلف أعضاء الوضوء ،وبناء عليه لو ترك لمعة في الجسد أو محل جبيرة أعاد
غسلها فقط دون ما بعدها.
أما نقض الضفائر فل يجب عند المالكية ما لم يشتد ،ول يجب في الجنابة ويجب في الحيض في رأي
الحنابلة ،ول يجب للمرأة إن سرى الماء في أصوله ،ويجب للرجل مطلقا عند الحنفية .ويجب النقض
لدى الشافعية إن لم يصل الماء إلى باطن الشعر ،كما أبنت قريبا .وفي الجملة يسن نقض الضفائر
لحديث عائشة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لها وكانت حائضا« :انقضي شعرك واغتسلي» ()1
.
ويسن عند الحنابلة سدر ،أي صابون في غسل كافر أسلم ،لحديث قيس بن عاصم السابق« :أنه أسلم،
فأمره النبي صلّى ال عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر» ( ، )2ويسن له إزالة شعره ،فيحلق رأسه،
إن كان رجلً ،ويأخذ عانته وإبطيه مطلقا ،لقوله صلّى ال عليه وسلم لرجل أسلم« :ألق عنك شعر
الكفر ،واختتن» ( )3ويختتن الكافر إذا أسلم وجوبا بشرط كونه مكلفا ،وأل يخاف على نفسه منه.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه بإسناد صحيح (نيل الوطار.)249/1:
( )2رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسّنه.
( )3رواه أبو داود.
( )1/468
ويسن عند الحنابلة أيضا سدر في غسل حيض ونفاس ،لحديث عائشة المتقدم :أن النبي صلّى ال عليه
وسلم قال لها« :وإذا كنت حائضا ،خذي ماءك وسدرك وامتشطي» ( )1وروت أسماء أنها «سألت
النبي صلّى ال عليه وسلم عن غسل الحيض ،فقال :تأخذ إحداكن ماءها وسدرها ،فتطهر» (. )2
ويسن عند الشافعية والحنابلة :أن تتبع المرأة غير المحرمة بنسك ،أو المحدّة (المعتدة) ( )3أثر دم
الحيض والنفاس ِمسْكا أو طيبا ،أو ماء ،فتجعله في قطنة أو غيرها كخرقة ،وتدخله فرجها بعد
غسلها ،ليقطع رائحة الحيض أو النفاس ،لما روى الشيخان عن عائشة رضي ال عنها « :أن امرأة
جاءت إلى النبي صلّى ال عليه وسلم تسأله عن الغسل عن الحيض ،فقال :خذي فِرْصة ( )4من
مسك ،فتطهري بها ،فقالت :كيف أتطهر بها؟ فقال صلّى ال عليه وسلم :سبحان ال ،واستتر بثوبه،
تطهري بها ،فاجتذبتها عائشة ،فعرفتها أنها تتبع بها أثر الدم» ويكره تركه بل عذر.
ول يسن تجديد الغسل؛ لنه لم ينقل فيه شيء ،ولما فيه من المشقة ،بخلف الوضوء فيسن تجديده إذا
صلى بالول صلة ما.
مقدار ماء الغسل والوضوء :ويسن عند الشافعية والحنابلة :أل ينقص ماء الوضوء عن مُدّ تقريبا:
وهو رطل وثلث بغدادي ،ويساوي ( )675غم ،وأل ينقص ماء الغسل عن صاع تقريبا ،وهو أربعة
سفَينة« :أنه صلّى ال عليه وسلم كان يغسله الصاع،
أمداد ،ويساوي( )2175غم ،لحديث مسلم عن ُ
ويوضئه المد» (. )5
-------------------------------
( )1رواه البخاري.
( )2رواه مسلم.
( )3أما المحرمة فيحرم عليها الطيب بأنواعه ،وأما المحدّة :فل تتطيب في فترة العدة.
( )4الفرصة :بكسر الفاء :قطعة من صوف أو قطن أو خرقة .والرواية «خذي فرصة ممسّكة
فتطهري بها» أي مطيبة بالمسك.
( )5ورواه أيضا أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه .وروي في معناه أحاديث كثيرة (نيل الوطار:
250/1وما بعدها).
( )1/469
ولحدّ لقل ماء الوضوء والغسل ،فلو نقص عن ذلك وأسبغ كفى ،روى أبو داود والنسائي« :أنه
صلّى ال عليه وسلم توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مدّ» ولن ال تعالى أمر بالغسل ،وقد فعله ،ولم يكره،
والسباغ في الوضوء والغسل :تعميم العضو بالماء ،بحيث يجري عليه ،ول يكون مسحا ،لقوله
تعالى{ :فاغسلوا وجوهكم[ }..المائدة ،]6/5:والمسح ليس غسلً .فإن مسح العضو بالماء ،أو أمرّ الثلج
عليه ،لم تحصل الطهارة به؛ لن ذلك مسح ل غسل ،إل أن يكون الثلج خفيفا فيذوب ،ويجري على
العضو ،فيجزئ ،لحصول الغسل المطلوب .وإن زاد على المد في الوضوء والصاع في الغسل جاز،
بدليل قول عائشة« :كنت أغتسل أنا والنبي صلّى ال عليه وسلم من إناء واحد من قدح يقال :الفَرَق»
( )1والفرق ستة عشر رطلً عراقيا.
وقال الحنفية والمالكية :ل تقدير للماء الذي يتطهر به في الغسل والوضوء لختلف أحوال الناس،
ويراعي المغتسل حالً وسطا من غير إسراف ول تقتير.
آداب الغسل :فرق المالكية والحنفية بين سنن الغسل وآدابه أو فضائله.
فقال المالكية ( : )2سننه خمس :وهي غسل اليدين قبل إدخالهما في الناء ،والمضمضة والستنشاق،
ومسح داخل الذنين ،وتخليل أصول شعر الرأس بإدخال الصابع تحته .أما تخليل الشعر بدون إدخال
الصابع تحته فهو أحد فرائض الغسل عندهم كما أبنت.
وقد أوجب الحنفية والحنابلة المضمضة والستنشاق .وأوجب الشافعية تخليل شعر الرأس.
وفضائله خمس :التسمية ،والغرف على الرأس ثلثا ،وتقديم الوضوء ،والبداءة بإزالة الذى قبل
الوضوء ،والبدء بالعالي والميامن.
-------------------------------
( )1متفق عليه (نيل الوطار.)251/1:
( )2القوانين الفقهية :ص ،26الشرح الصغير 170/1:وما بعدها.
( )1/470
وقال الحنفية ( : )1يسن في الغتسال اثنا عشر شيئا ،البتداء بالتسمية ،والنية ،وغسل اليدين إلى
الرسغين ،وغسل نجاسة لو كانت بانفرادها ،وغسل فرجه ،ثم يتوضأ كوضوئه للصلة ،فيثلث الغسل
ويمسح الرأس ،ولكنه يؤخر غسل الرجلين إن كان يقف في محل يجتمع فيه الماء ،ثم يفيض الماء
على بدنه
ثلثا ،ويبتدئ في صب الماء برأسه ،ويغسل بعدها منكبه اليمن ،ثم اليسر ،ويدلك جسده.
وآداب الغتسال :هي آداب الوضوء ،إل أنه ل يستقبل القبلة؛ لنه يكون غالبا مع كشف العورة.
المطلب الخامس ـ مكروهات الغسل:
قال الحنفية ( : )2كره في الغسل ما كره في الوضوء وهي ستة أشياء :السراف في الماء ،والتقتير
فيه ،وضرب الوجه به ،والتكلم بكلم الناس ،والستعانة بغيره من غير عذر .ويزاد فيه كراهة
الدعاء .أما في الوضوء ،فيندب الدعاء بالمأثور والتسمية عند كل عضو ،كما بينت.
وقال المالكية ( : )3مكروهات الغسل خمسة :هي الكثار من صب الماء ،والتنكيس في عمله،
وتكرار غسل الجسد إذا أوعب ،والغتسال في الخلء ،والكلم بغير ذكر ال .
وقال الشافعية ( : )4يكره السراف في الصب والغسل ،والوضوء والغتسال في الماء الراكد،
والزيادة على الثلث ،وترك المضمضة والستنشاق ،ويكره للجنب ومنقطعة الحيض والنفاس :الكل
والشرب والنوم والجماع قبل غسل الفرج والوضوء.
وقال الحنابلة ( : )5يكره السراف في الماء ولو على نهرٍ جارٍ ،لحديث ابن
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص .17
( )2المرجع السابق :ص .18
( )3القوانين الفقهية :ص .26
( )4الحضرمية :ص 21وما بعدها.
( )5كشاف القناع 179/1:وما بعدها ،المغني.229/1 :
( )1/471
عمر« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم مرّ على سعد ،وهو يتوضأ ،فقال :ما هذا السراف؟ فقال :أفي
الوضوء إسراف؟ قال :نعم ،وإن كنت على نهرٍ جار» (. )1
ويكره لمن توضأ قبل غسله إعادة الوضوء بعد الغسل ،لحديث عائشة ،قالت« :كان صلّى ال عليه
وسلم ليتوضأ بعد الغسل» إل أن ينتقض وضوءه بمس فرجه أو غيره ،كمس امرأة لشهوة ،أو
بخروج خارج ،فيجب عليه إعادته للصلة ونحوها.
ويكره للجنب ومنقطعة دم الحيض والنفاس ترك الوضوء لنوم فقط ،ول يكره تركه لكل وشرب
ومعاودة وطء ،وإنما يستحب لهما الوضوء .بدليل ما روى ابن عمر أن عمر قال« :يا رسول ال ،
أيرقد أحدنا ،وهو جنب؟ قال :نعم ،إذا توضأ فليرقد» وعن عائشة قالت« :كان النبي صلّى ال عليه
وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب ،غسل فرجه ،وتوضأ وضوءه للصلة» ( . )2وأما استحباب
الوضوء للكل والشرب ،فلما روت عائشة قالت« :رخص النبي صلّى ال عليه وسلم للجنب إذا أراد
أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلة» (. )3
وأما كون الوضوء يستحب لمعاودة الوطء ،فلحديث أبي سعيد ،قال :قال النبي صلّى ال عليه وسلم :
«إذا أتى أحدكم أهله ،ثم أراد أن يعاود ،فليتوضأ بينهما وضوءا» ( )4وزاد الحاكم« :فإنه أنشط
للعود» لكن الغسل لمعاودة الوطء أفضل من الوضوء؛ لنه أنشط.
ول يكره عند الحنابلة للجنب أو الحائض والنفساء أن يأخذ شيئا من شعره وأظفاره ،ول أن يختضب
قبل الغسل ،نصا.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه.
( )2متفق عليهما.
( )3رواه أحمد بإسناد صحيح.
( )4رواه مسلم وابن خزيمة والحاكم (سبل السلم.)89/1:
( )1/472
وقال الغزالي في الحياء :ل ينبغي أن يقلم أو يحلق أو يستحد (يحلق العانة) أو يخرج دما أو يبين من
نفسه جزءا وهو جنب ،إذ يرد إليه سائر أجزائه في الخرة ،فيعود جنبا ،ويقال :إن كل شعرة تطالب
بجنابتها (. )1
المطلب السادس :ما يحرم على الجنب ونحوه:
يحرم على الجنب والحائض والنفساء ما يحرم على المحدث حدثا أصغر :من صلة وطواف ومس
مصحف أو جزئه ،كما يحرم على الجنب قراءة القرآن ودخول المسجد ،وتعرف الحكام من التفصيل
التالي (: )2
- ً 1الصلة ومثلها سجود التلوة :تحرم على الجنب ونحوه إجماعا ،لقوله تعالى{ :وإن كنتم جنبا
فاطهروا} [المائدة.]6/5:
- ً 2الطواف حول الكعبة :ولو نفلً؛ لنه صلة كما في الحديث المتقدم« :إنما الطواف بالبيت
صلة ،فإذا طفتم فأقلوا الكلم» (. )3
- ً 3مس القرآن ،لقوله تعالى{ :ليمسه إل المطهرون} [الواقعة ]79/56:أي (المتطهرون) ولقوله
صلّى ال عليه وسلم « :ليمس القرآن إل طاهر» (. )4
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.75/1:
( )2الدر المختار ،161-158/1:الشرح الكبير 138/1:وما بعدها ،174-172،الشرح الصغير:
،176/1،215القوانين الفقهية :ص 59وما بعدها ،بداية المجتهد46/1:وما بعدها ،المهذب،30/1:
مغني المحتاج 71/1:وما بعدها ،كشاف القناع ،170-168/1:فتح القدير.116-114/1:
( )3رواه أحمد والنسائي والترمذي والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس ،وهو صحيح (نيل
الوطار.)207/1:
( )4رواه النسائي وأبو داود في المراسيل عن عمرو بن حزم ،وفيه متروك ،ورواه الطبراني
والبيهقي عن ابن عمر ،وفيه مختلف فيه ،ورواه الحاكم وقال حديث صحيح السناد عن حكيم بن
حزام ،ورواه الطبراني عن عثمان بن أبي العاص ،ورواه علي بن عبد العزيز عن ثوبان ،وإسناده
في غاية الضعف (نصب الراية.)199-196/1:
( )1/473
وهذه المور الثلثة تحرم على المحدث حدثا أكبر أو أصغر ،ويزاد عليها للجنب ونحوه أيضا- 4ً:
تلوة القرآن للمسلم بلسانه ،ولو لحرف ،أو ولو دون آية على المختار عند الحنفية ،والشافعية ،بقصد
القراءة :فلو قصد الدعاء أو الثناء أو افتتاح أمر ،أو التعليم ،أو الستعاذة ،أو الذكار ،فل يحرم،
كقوله عند الركو ب{ :سبحان الذي سخر لنا هذا ،وما كنا له مقرنين} [الزخرف ]13/43:أي مطيقين،
وعند النزول{ :وقل :ربّ أنزلني منزلً مباركا} [المؤمنون .]29/23:وعند المصيبة{ :إنا ل وإنا إليه
راجعون} [البقرة.]156/2:
كما ل يحرم إذا جرى القرآن على لسانه بل قصد ،فإن قصد القرآن وحده أو مع الذكر ،حرم.
ول تحرم البسملة والحمد ل والفاتحة وآية الكرسي وسورة الخلص بقصد الذكر :أي ذكر ال
تعالى ،لما روى مسلم عن عائشة قالت« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم يذكر ال تعالى على كل
أحيانه» .
والمحرّم بالجنابة :التلوة لفظا من الناطق ،وإشارةٍ من الخرس؛ لنها بمنزلة النطق ،ولو كان المتلو
بعض آية ،كحرف ،للخلل بالتعظيم.
ودليل التحريم :حديث ابن عمر عند الترمذي وأبي داود« :ل يقرأ الجنب ول الحائض شيئا من
القرآن» ( ، )1وحديث علي« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ،ما لم
يكن جنبا» (. )2
وأجاز الحنابلة للجنب :قراءة بعض آية ،ولو كرره ،لنه ل إعجاز فيه ،ما لم تكن طويلة .كما أجازوا
له مع الحنفية تهجية القرآن؛ لنه ليس بقراءة له ،وله قراءة ل تجزئ في الصلة لسرارها ،وله أن
ينظر في المصحف من غير تلوة ،وأن يقرأ عليه وهو ساكت؛ لنه في هذه الحالة ل ينسب إلى
القراءة.
-------------------------------
( )1ذكره النووي في المجموع وضعفه ،لكن له متابعات تجبر ضعفه.
( )2رواه الترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح ،ورواه أيضا باقي أصحاب السنن الربعة (سبل
السلم.)88/1:
( )1/474
وضبط المالكية ما يجوز للجنب من القراءة اليسيرة :بأنها ما الشأن أن يتعوذ به كآية الكرسي،
والخلص والمعوذتين ،أو لجل رقيا للنفس أو للغير من ألم أو عين ،أو لجل استدلل على حكم
نحو { :وأحل ال البيع وحرم الربا } [البقرة.]275/2:
والمعتمد عند المالكية :أنه ل يحرم قراءة القرآن القليلة على الحائض والنفساء حال استرسال الدم
عليها ،سواء أكانت جنبا أم ل ،إل بعد انقطاعه وقبل غسلها ،فل تقرأ بعد انقطاعه مطلقا حتى تغتسل.
ودليلهم الستحسان لطول مقامها حائضا.
واتفق الفقهاء على أنه ل يحرم النظر في القرآن لجنب وحائض ونفساء؛ لن الجنابة ل تحل العين
الناظرة.
- ً 5العتكاف في المسجد إجماعا ،ودخول المسجد مطلقا ولو عبورا أو مجتازا ،عند الحنفية
والمالكية ،لما أخرجه أبو داود وغيره عن عائشة ،قالت« :جاء رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،
وبيوت الصحابة شارعة في المسجد ،فقال :وجهوا هذه البيوت عن المسجد ،فإني ل أحل المسجد
لحائض ول جنب» ( )1ولحديث أم سلمة قالت :دخل رسول ال صلّى ال عليه وسلم صرحة المسجد،
فنادى بأعلى صوته :إن المسجد ل يحل لحائض ول لجنب» (. )2
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه أيضا ،وفي إسناده مختلف فيه ،وذكره البخاري في تاريخه الكبير ،وقال :ضعفوا
هذا الحديث.
( )2رواه البيهقي وابن ماجه ،وقال البيهقي :صحيح.
( )1/475
والمراد بعابري سبيل في الية :المسافرون ،فالمسافر مستثنى من النهي عن الصلة بل اغتسال،
وبينت الية أن حكمه التيمم ،واكتفى الشافعية والحنابلة بالنسبة للجنب ونحوه ( )1بتحريم المكث في
المسجد أو التردد فيه لغير عذر ،وأباحوا له عبور المسجد ،ولو لغير حاجة ،لقوله تعالى{ :ل تقربوا
الصلة وأنتم سكارى ،حتى تعلموا ماتقولون ،ول جنبا إل عابري سبيل} [النساء ]43/4:وهو الطريق.
وروي سعيد بن منصور عن جابر ،قال« :كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا» وروى أيضا عن
زيد بن أسلم قال« :كان أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب» .
لكن إباحة عبور المسجد للحائض والنفساء مقيد بما إذا أمنت تلويثه ،فإن خافت تلويثه منعت وحرم
عليها الدخول فيه ،كالمكث فيه.
المطلب السابع ـ الغسال المسنونة:
الغسل قد يكون واجبا :كالغسل من الجنابة والحيض والنفاس ،واعتناق السلم عند المالكية والحنابلة.
وقد يكون سنة ،وقد يكون مندوبا أو مستحبا عند الحنفية والمالكية.
-------------------------------
( )1قال الشافعية :التحريم للجنب المسلم غير النبي صلّى ال عليه وسلم ،فإنه ل يحرم عليه .أما
الكافر فإنه يمكن من المكث في المسجد على الصح؛ لنه ل يعتقد حرمة ذلك ،لكن ل يمكّن الكافر
ولو غير جنب دخول المسجد ،إل لحاجة كإسلم وسماع قرآن ،ل كأكل وشرب ،وبشرط أن يأذن له
مسلم في الدخول ،إل أن تكون له خصومة ،وكان القاضي في المسجد (مغني المحتاج.)71/1:
( )1/476
( )1/477
- ً 2الغسل لصلة العيدين :لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يغتسل لذلك ( ، )1لكن قال
الشوكاني :الحديث استدل به على أن غسل العيد مسنون ،وليس في الباب ما ينتهض لثبات حكم
شرعي.
ولنها صلة شرعت لها الجماعة ،فأشبهت الجمعة.
ويكون في يوم العيد لحاضره إن صلى العيد ،ولو صلى وحده إن صحت صلة المنفرد ،بأن صلى
بعد صلة العدد المعتبر ،فل يجزئ قبل طلوع الفجر.
- ً 3للحرام بالحج أو بالعمرة ،ولوقوف عرفة بعد الزوال ولدخول مكة ومبيت مزدلفة وطواف
زيارة وطواف وداع :أما الحرام فلما روى زيد بن ثابت أن النبي صلّى ال عليه وسلم «تجرد
لهلله واغتسل» ( )2وظاهره ولو مع حيض ونفاس ،بدليل أمر النبي صلّى ال عليه وسلم أسماء
بنت عميس به حينما ولدت محمد بن أبي بكر (. )3
وأما لدخول مكة ولو مع حيض :فلفعله صلّى ال عليه وسلم ( ، )4وظاهره ولو كان في منطقة
الحرم ،كالذي بمنى ،إذا أراد دخول مكة .ويندب الغسل أيضا لدخول المدينة تعظيما لحرمتها ،وقدومه
على حضرة النبي صلّى ال عليه وسلم .
-------------------------------
( )1عن الفاكه بن سعد ،وكان له صحبة أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ،ويوم
عرفة ،ويوم الفطر ،ويوم النحر» رواه عبد ال بن أحمد في المسند ،وابن ماجه ولم يذكر الجمعة،
وهو ضعيف (نيل الوطار.)236/1:
( )2رواه الترمذي وحسنه (نيل الوطار.)239/1:
( )3رواه مسلم من حديث عائشة ،ورواه أيضا ابن ماجه وأبو داود (نيل الوطار.)240/1:
( )4متفق عليه (نيل الوطار. .)240/1:
( )1/478
وأما لوقوف عرفة ،فلثبوته في السنة (. )1
وأما الغسل لمبيت مزدلفة ورمي الجمار في منى وطواف الزيارة والوداع ،فلنها أنساك يجتمع لها
الناس ،فيعرقون ،فيؤذي بعضهم بعضا ،فاستحب الغسل لها كالجمعة دفعا للروائح وللتنظيف
وقال المالكية :الغسل للطواف والسعي وللوقوف بعرفة والمزدلفة مستحب ،أما للحرام ولدخول مكة
فهو سنة .وقال الحنفية :الغسل للحرام ولدخول عرفة سنة ،أما للوقوف بالمزدلفة وعند دخول مكة
فهو مندوب.
- ً 4لصلة الكسوف (للشمس) والخسوف (للقمر) والستسقاء :لنها عبادة يجتمع لها الناس ،فأشبهت
الجمعة والعيدين.
وقال الحنفية :إنه مندوب فقط.
- ً 5لغسل الميت ،المسلم أو الكافر :وهو مستحب عند المالكية والشافعية والحنابلة ،لقولهصلّى ال
عليه وسلم « :من غسل مىّتا فليغتسل ،ومن حمله فليتوضأ» ( )2وهو محمول على الندب لحديث
«إن ميّتكم يموت طاهرا؛ فحسبكم أن تغسلوا أيديكم» ( ، )3ولحديث« :كنا نغسل الميت ،فمنا من
يغتسل ،ومنا من ل يغتسل» (. )4
وقال الحنفية :ل يجب ،لحديث «ل غسل عليكم من غسل الميت» ( )5وقال ابن عطاء« :ل تنجسوا
موتاكم ،فإن المؤمن ليس بنجس حيا ول ميتاَ» ( )6لكن قالوا :يندب الغسل خروجا من خلف من
ألزم به.
لكن قال الشوكاني :القول بالستحباب هو الحق ،لما فيه من الجمع بين الدلة بوجه مستحسن .وبه
يتبين أن طلب الغسل غير لزم لغسل الميت ،مندوب إليه في المذاهب الربعة.
- ً 6للمستحاضة :يسن الغسل عند الشافعية والحنابلة للمستحاضة لكل صلة ،وقال المالكية :إنه
مستحب ،وقال الحنفية :يندب لها إذا انقطع دمها.
ودليل ندب الغسل « :أن أم حبيبة استحيضت ،فسألت النبي صلّى ال عليه وسلم ،فأمرها أن تغتسل،
فكانت تغتسل عند كل صلة» ( )7وفي غير الصحيح« :أنه أمرها به لكل صلة» .
-------------------------------
( )1رواه مالك عن نافع عن ابن عمر ،ورواه الشافعي عن علي ،ورواه ابن ماجه مرفوعا.
( )2رواه الخمسة ،وقال أبو داود :هذا منسوخ .ورجح البخاري والبيهقي أنه موقوف (نيل الوطار:
.)237/1
( )3أخرجه البيهقي وحسنه ابن حجر.
( )4أخرجه الخطيب من حديث عمر ،وصحح ابن حجر إسناده.
( )5رواه الدارقطني والحاكم مرفوعا من حديث ابن عباس ،وصحح البيهقي وقفه ،وقال :ل يصح
رفعه.
( )6إسناده صحيح ،وقد روي مرفوعا ،أخرجه الدارقطني والحاكم ،وورد أيضا مرفوعا من حديث
ابن عباس« :ل تنجسوا موتاكم» أي ل تقولوا هم نجس (نيل الوطار.)238/1:
( )7متفق عليه.
( )1/479
وعن عائشة :أن زينب بنت جحش استحيضت ،فقال لها النبي صلّى ال عليه وسلم « :اغتسلي لكل
صلة» (. )1
ويجوز القتصار على غسل واحد لما يجوز جمعه بين الصلتين :الظهر والعصر ،والمغرب
والعشاء ،لحديث عائشة :أن سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت فأتت رسول ال صلّى ال عليه
جهَدَها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر
وسلم ،فسألته عن ذلك ،فأمرها بالغسل عند كل صلة ،فلما َ
والعصر ،والمغرب والعشاء بغسل ،والصبح بغسل» (. )2
- ً 7للفاقة من جنون أو إغماء أو سكر :يندب الغسل لمن أفاق من جنون ونحوه ،قال ابن المنذر:
«ثبت أن النبي صلّى ال عليه وسلم اغتسل من الغماء» (. )3
- ً 8عند حجامة ،وفي ليلة براءة ،وليلة قدر إذا رآها :يندب عند الحنفية الغسل من الحجامة خروجا
من خلف من ألزمه.
وفي ليلة براءة :وهي ليلة النصف من شعبان ،لحيائها وعظم شأنها؛ إذ فيها تقسم الرزاق والجال.
وفي ليلة القدر إذا رآها ،لحيائها.
وفي حال فزع من مخوف ،التجاء إلى ال ،وكرمه ،لكشف الكرب عنه.
وفزع من ظلمة وريح شديدة؛ لن ال تعالى أهلك به من طغى ،كقوم عاد.
ويندب الغسل للتائب من ذنب ،وللقادم من سفر ،ولمن أصابته نجاسة وخفي مكانها ،فيغسل جميع بدنه
وجميع ثوبه احتياطاَ.
ملحقان بالغسل :
الملحق الول ـ في أحكام المساجد:
المساجد أفضل بقاع الرض ،وأفضل المساجد ثلثة :المسجد الحرام،ومسجد المدينة ،والمسجد
القصى ،وأفضل الثلثة عند الجمهور مسجد
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه ،وحسن المنذري بعض طرقه (نيل الوطار.)241/1:
( )2رواه أحمد وأبو داود ،قال ابن حجر :قد قيل :إن ابن إسحاق وهم فيه (نيل الوطار.)242/1:
( )3متفق عليه من حديث عائشة (نيل الوطار.)343/1:
( )1/480
مكة ،وعند مالك مسجد المدينة ,كما أن مالكا فضل المدينة على مكة خلفا للجمهور .وقال الحنفية :
مسجد استاذ للعلوم أفضل اتفاقا ,ومسجد الحي أفضل من الجامع .
وقد ذكر المام النووي ( المتوفى سنة 676للهجرة ) ثلثة وثلثين حكما للمساجد وهي ما يأتي (:)1
ً- 1يحرم على الجنب والحائض والنفساء دخول المساجد ,وأباح الشافعية المرور من غير مكث ,
ول كراهة فيه ,سواء أكان لحاجة أو لغيرها ,لكن الولى أل يعبر إل لحاجة ,ليخرج من خلف
الحنفية والمالكية .كما أبنت فيما يحرم على الجنب ونحوه .ويكره تحريما عند الحنفية اتخاذ المسجد
طريقا بغير عذر ،وقال المالكية :يكره كثرة المرور في المسجد إن كان بناء المسجد سابقا على
الطريق ،وإل فل كراهة.
ً - 2لو احتلم في المسجد ،وجب عليه الخروج منه ،إل أن يعجز عن الخروج لغلق المسجد
ونحوه ،أو خاف على نفسه أو ماله ،فإن عجز أو خاف ،جاز أن يقيم للضرورة.
ول يتيمم بتراب المسجد فيحرم ذلك ،فإن خالف وتيمم صح .ولو أجنب وهو خارج المسجد ،والماء
في المسجد ،لم يجز أن يدخل ويغتسل في المسجد؛ لنه يلبث لحظة مع الجنابة.
ولو دخل للستسقاء ،ل يجوز أن يقف إل قدر حاجة الستسقاء.
ً - 3يجوز للمحدث الجلوس في المسجد بإجماع المسلمين ،سواء لغرض شرعي كاعتكاف أو سماع
قرآن أو علم آخر ،أم لغير غرض ،ول كراهة في ذلك.
-------------------------------
( )1المجموع ،196،33/4-187/2:وانظر إعلم الساجد بأحكام المساجد للزركشي المتوفى (سنة
794هـ) وبخاصة :ص 407-301حيث ذكر 137حكما للمساجد ،طبع أبي ظبي ،القوانين الفقهية:
ص ،49المغني ،243/2 :الدر المختار ورد المحتار ،619-614/1:كشاف القناع.436-424/2 :
( )1/481
ً - 4يجوز النوم في المسجد ،ول كراهة فيه عند الشافعية ،لفعل ابن عمر في الصحيحين ،وكان
أصحاب الصُفّة ( )1ينامون في المسجد ،ونام العرنيون في المسجد ،ونام علي وصفوان بن أمية فيه،
ونام غيرهم.
وقال مالك :لبأس بذلك للغرباء ،ول أرى ذلك للحاضر.
وقال الحنفية :يكره النوم في المسجد إل للغريب والمعتكف.
وقال أحمد وإسحاق :إن كان مسافرا أو شبهه ،فل بأس ،وإن اتخذه مبيتا أو مقيلً ،فل.
وقال المالكية ( : )2يمنع دخول الكافر المسجد وإن أذن له مسلم إل لضرورة عمل ،ومنها قلة أجرته
عن المسلم في عمل ما ،وإتقانه العمل على الظاهر.
وأجاز أبو حنيفة لكافر دخول كل مسجد.
ويجوز عند الشافعية للكافر دخول المسجد غير المسجد الحرام وحرم مكة ،وله أن يبيت فيه ،ولو كان
جنبا في الصح ،ولكن بإذن المسلمين.
ً - 5يجوز الوضوء في المسجد إذا لم يؤذ بمائه ،والولى أن يكون في إناء .قال ابن المنذر :أباح كل
من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد ،إل أن يَبُلّه ،ويتأذى به الناس ،فإنه يكره.
وقال مالك وأبو حنيفة :يكره الوضوء ،تنزيها للمسجد ،واستثنى الحنفية :ماأعد للوضوء فل يكره فيه.
ً - 6ل بأس بالكل والشرب ووضع المائدة في المسجد ،وغسل اليد فيه .وقال الحنفية :يكره تنزيها
أكل ما ليست له رائحة كريهة ،وقال المالكية :يجوز للغرباء الكل في المساجد ما لم يقذر ،وكذلك
قال الحنابلة :يباح الكل بشرط أل يلوثه.
-------------------------------
( )1أهل الصفة :جماعة من فقراء المهاجرين كانوا يقيمون في مسجد رسول ال صلّى ال عليه وسلم
تحت صُفّته ،أي ظلته.
( )2حاشية الصاوي على الشرح الصغير.178/1:
( )1/482
ً - 7يكره لمن أكل ثوما ،أو بصلً ،أو كُرّاثا ،أو غيرها مما له رائحة كريهة ،وبقيت رائحته ،أن
يدخل المسجد من غير ضرورة ،لحديث ابن عمر أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :من أكل من
هذه الشجرة ـ يعني الثوم ـ فل يقربن مسجدنا» أو «مساجدنا» ( ، )1وحديث أنس« :من أكل من
هذه الشجرة ،فل يقربنا ،ول يصلين معنا» ( ، )2وحديث جابر« :من أكل ثوما ،أو بصلً ،فليعتزلنا،
أو فليعتزل مساجدنا» (. )3
وقال الحنفية :يكره ذلك تحريما ،وقال المالكية :يحرم ذلك.
ً - 8يكره البصاق في المسجد ،لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي ال عنه ،أن النبي صلّى ال
عليه وسلم قال« :البصاق في المسجد خطيئة ،وكفارتها دفنها» .
ً - 9يحرم البول والفصد والحجامة في المسجد في غير إناء .ويكره الفصد والحجامة فيه في إناء.
ول يحرم .وقال الحنفية :يكره تحريما البول والتغوط والوطء في المسجد؛ لنه مسجد إلى عنان
السماء ،ويكره إدخال نجاسة إلى المسجد ،فل يجوز الستصباح فيه بدهن نجس ،ول تطيينه بنجس
ول الفصدفيه.
وقال الشافعية :يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد .أما من على بدنه نجاسة أو به جرح :فإن خاف
تلويث المسجد ،حرم عليه دخوله ،وإن أمن لم يحرم .ول يجوز البناء ول التجصص بالنجس ،ويكره
ذلك تحريما عند الحنفية .ويحرم الستصباح فيه بالزيت والدهن المتنجس.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم ،ورواية مسلم« :مساجدنا» .
( )2رواه البخاري ومسلم.
( )3رواه البخاري ومسلم ،وروى مسلم حديثا عن عمر بن الخطاب في معنى المذكورات .هذا ول
يحرم إخراج الريح من الدبر في المسجد ،لكن الولى اجتنابه ،لرواية مسلم من حديث جابر السابق:
«من أكل البصل والثوم والكراث ،فل يقربن مسجدنا ،فإن الملئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»
والكراث :بقل (نيل الوطار.)154/2 :
( )1/483
ودليل حرمة هذه المسائل حديث أنس عند مسلم« :إن هذه المساجد ل تصلح لشيء من هذا البول ول
القذر ،إنما هي لذكر ال ،وقراءة القرآن» .
ً - 10يكره غرس الشجر في المسجد ،ويكره حفر البئر؛ لنه بناء في مال غيره ،وللمام قلع ما
غرس فيه ،وقال الحنفية :يكره غرس الشجار في المسجد إل لنفع ،كتقليل نَزّ (ما يتحلب من الرض
من الماء).
ً - 11تكره الخصومة في المسجد ،ورفع الصوت فيه ،ونشد الضالة ،والبيع والشراء والجارة
ونحوها من العقود ،لحديث أبي هريرة عند مسلم وأحمد وابن ماجه« :من سمع رجلً ينشد ضالة في
المسجد ،فليقل :ل ردها ال عليك ،فإن المساجد لم تبن لهذا» وفي رواية الترمذي« :إذا رأيتم من يبيع
أو يبتاع في المسجد ،فقولوا :ل أربح ال تجارتك ،وإذا رأيتم من ينشد ضالة ،فقولوا :ل ردها ال
عليك» (. )1
كذلك يكره البيع والشراء عند الحنفية والمالكية ،ويحرم عند الحنابلة ،وإن وقع فهو باطل .ويكره رفع
الصوت بالذكر إن شوش على المصلين عند الحنفية والحنابلة إل للمتفقهة ،كما يكره عندهم الكلم
غير المباح ،فإن كان مما يباح فل يكره إن لم يشوش على المصلين .وقال المالكية :يكره رفع
الصوت في المسجد مطلقا ولو بالذكر والعلم.
-------------------------------
( )1قال الترمذي :حديث حسن .وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد ،وأن ينشد فيه
ضالة ،وأن ينشد فيه شعر» قال الترمذي :حديث حسن.
( )1رواه أبو داود بإسناد جيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي ال عنهما.
( )1/484
لكن ل بأس عند الشافعية أن يعطى السائل في المسجد شيئا ،لحديث« :هل منكم أحد أطعم اليوم
مسكينا؟ فقال أبو بكر :دخلت المسجد ،فإذا أنا بسائل يسأل ،فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن،
فأخذتها فدفعتها إليه» ( )1وكره الشافعي السؤال في المسجد ،وكذلك كرهه المالكية والحنابلة ،ولكن
يجوز العطاء ،وقال الحنفية :يحرم السؤال في المسجد ،ويكره إعطاء السائل فيه شيئا.
ً - 12يكره إدخال البهائم والمجانين ،والصبيان الذين ليميزون المسجد؛ لنه ل يؤمن من تلويثهم
إياه ،ول يحرم ذلك؛ لنه ثبت في الصحيحين أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم صلى حاملً أمامة
بنت زينب رضي ال عنهما ،وطاف على بعيره .ول ينفي هذا الكراهة؛ لنه صلّى ال عليه وسلم
فعله لبيان الجواز ،فيكون حينئذ أفضل في حقه ،فإن البيان واجب .وهذا الحكم هو المقرر أيضا عند
الحنابلة إل أنهم أجازوا إدخال المجانين في المساجد لحاجة كتعليم الكتابة .ومنع المالكية والحنفية من
إدخال الصبيان والمجانين المساجد ،وهو مكروه ،ويرخص للنساء الصلة في المساجد إذا أمن الفساد،
ويكره للشابة الخروج إليه.
ً - 13يكره أن يجعل المسجد مقعدا لحرفة ،كالخياطة ونحوها ،لحديث أنس السابق في حكم المسألة
التاسعة .أما من ينسخ فيه شيئا من العلم ،أو اتفق قعوده فيه ،فخاط ثوبا ،ولم يجعله مقعدا للخياطة،
فل بأس به.
ً - 14يجوز الستلقاء في المسجد على القفا ،ووضع إحدى الرجلين على الخرى ،وتشبيك الصابع
ونحو ذلك ،ثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن النبي صلّى ال عليه وسلم فعل ذلك كله.
ً - 15يستحب عقد حلق العلم في المساجد ،وذكر المواعظ والرقائق ونحوها ،والحاديث الصحيحة
في ذلك كثيرة مشهورة.
-------------------------------
( )1رواه ابو داود باسناد جيد عن عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق رضي ال عنهما.
( )1/485
ويجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد ،وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات ،وإن حصل فيه
ضحك ونحوه ما دام مباحا ،لحديث جابر بن سمرة رضي ال عنه قال« :كان رسول ال صلّى ال
عليه وسلم ل يقوم من مصله الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام ،وقال :وكانوا
يتحدثون ،فيأخذون في أمر الجاهلية ،فيضحكون ويبتسم (» . )1
ً - 16ل بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحا للنبوة أو السلم ،أو كان حكمة ،أو في مكارم
الخلق ،أو الزهد ،أو نحو ذلك من أنواع الخير ،بدليل حديث سعيد بن المسيب قال :مر عمر بن
الخطاب ،وحسان ينشد الشعر ،فلحظ إليه ،فقال :أنشد فيه ،وفيه من هو خير منك ،ثم التفت إلى أبي
هريرة فقال :أنشدك بال ،أسمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول« :أجب عني ،اللهم أيده
بروح القدس» ؟ قال :نعم (. )2
أما ما فيه شيء مذموم كهجو مسلم أو صفة الخمر ،أو ذكر النساء أو المُرْد ،أو مدح ظالم ،أو افتخار
منهي عنه ،أو غير ذلك ،فحرام لحديث أنس السابق في المسألة التاسعة ،ولحديث آخر« :أن النبي
صلّى ال عليه وسلم نهى عن تناشد الشعار في المسجد» ( )3وهذا التفصيل هو الحكم المقرر لدى
المذاهب الخرى.
ً - 17يسن كنس المسجد وتنظيفه وإزالة ما يرى فيه من نخامة أو بصاق ،أو نحو ذلك ،ثبت في
الصحيحين عن أنس رضي ال عنه :أن النبي صلّى ال عليه وسلم رأى بصاقا في المسجد ،فحكه
بيده .وروى أبو داود عن أنس قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم« :عرضت علي أجور أمتي،
حتى القَذاةُ يخرجها الرجل من المسجد» والقذاة :الواحدة من التبن والتراب وغير ذلك.
ً - 18من البدع المنكرة إيقاد القناديل الكثيرة في ليال معينة كليلة نصف شعبان ،مضاهاة للمجوس
في العتناء بالنار ،وإضاعة للمال.
-------------------------------
( )1رواه مسلم.
( )2رواه البخاري ومسلم.
( )3حديث حسن رواه النسائي بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
( )1/486
ً - 19السنة لمن دخل المسجد ومعه سلح :أن يمسك على حَدّه ،كنصل السهم وسنان الرمح ونحوه،
لحديث جابر رضي ال عنه :أن رجلً مر بسهام في المسجد ،فقال له رسول ال صلّى ال عليه وسلم
« :أمسك بنصالها» (. )1
ً - 20السنة للقادم من سفر :أن يبدأ بالمسجد ،فيصلي فيه ركعتين ،لحديث كعب بن مالك رضي ال
عنه ،قال« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم إذا قدم من سفر ،بدأ بالمسجد ،فصلى ركعتين» ()2
.
ً - 21ينبغي للجالس في المسجد لنتظار صلة ،أو اشتغال بعلم ،أو لشغل آخر من طاعة أو مباح:
أن ينوي العتكاف ،فإنه يصح ،وإن قل زمانه.
ً - 22ل بأس بإغلق المسجد في غير وقت الصلة ،لصيانته أو لحفظ آلته .فإذا لم يخف من فتحها
مفسدة ول انتهاك حرمتها ،وكان في فتحها رفق بالناس ،فالسنة فتحها ،كما لم يغلق مسجد رسول ال
صلّى ال عليه وسلم في زمنه ول بعده.
ً - 23يكره لداخل المسجد :أن يجلس فيه ،حتى يصلي ركعتين.
ً -24ينبغي للقاضي أل يتخذ المسجد مجلسا للقضاء ،إل ما يقع فيه صدفة ،فيقضى فيه.
ً -25يكره أن يتخذ على القبر مسجد ،لحديث صحيح« :قاتل ال اليهود ،اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد» (. )3
وأما حفر القبر في المسجد ،فحرام شديد التحريم.
وتكره الكتابة عند الشافعية والحنفية والحنابلة على جدران المسجد وسقوفه .وقال المالكية والحنابلة:
تكره الكتابة في القبلة لئل تشغل المصلي ،ول تكره فيما عدا ذلك؛ لن الكتابة تشغل قلب المصلي،
وربما اشتغل بقراءته عن صلته .كما يكره تزويقه وكل ما يشغل المصلي عن صلته.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم ،كما رويا في معناه حديثا عن أبي موسى رضي ال عنه.
( )2رواه البخاري ومسلم.
( )3رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي ال عنه.
( )1/487
ً ً -26حائط المسجد من داخله وخارجه :له حكم في وجوب صيانته وتعظيم حرماته ،وكذا سطحه،
والبئر التي فيه ،وكذا رحبته ،وقد نص الشافعي وأصحابه على صحة العتكاف في رحبته وسطحه،
وصحة صلة المأموم فيهما مقتديا بمن في المسجد ،وكذلك يعتبر سطح المسجد كالمسجد في بقية
المذاهب.
ً - 27السنة لمن أراد دخول المسجد :أن يتفقد نعليه ،ويمسح ما فيهما من أذى قبل دخوله ،لحديث:
«إذا جاء أحدكم إلى المسجد ،فلينظر ،فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى ،فليمسحه ،وليصل فيهما» ()1
.
شعْثاء قال« :كنا
ً - 28يكره الخروج من المسجد بعد الذان حتى يصلي إل لعذر ،لحديث أبي ال ّ
قعودا مع أبي هريرة رضي ال عنه في المسجد ،فأذن المؤذن ،فقام رجل من المسجد يمشي ،فأتبعه
أبو هريرة بصره ،حتى خرج من المسجد ،فقال أبو هريرة :أما هذا ،فقد عصى أبا القاسم صلّى ال
عليه وسلم » (. )2
ً - 29يستحب أن يقول عند دخوله المسجد ( :أعوذ بال العظيم ووجهه الكريم وسلطانه القديم من
الشيطان الرجيم ،باسم ال والحمد ل ،اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم ،اللهم اغفر
لي ذنوبي ،وافتح لي أبواب رحمتك ).
وإذا خرج من المسجد قال مثله ،إل أنه يقول ( :وافتح لي أبواب فضلك) (. )3
ويقدم رجله اليمنى في الدخول ،واليسرى في الخروج.
ً -30ل يجوز أخذ شيء من أجزاء المسجد ،كحجر وحصاة وتراب وغيره ،لحديث مرفوع« :إن
الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد» (. )4
ً -31يسن بناء المساجد وعمارتها وتعهدها ،وإصلح ما تشعث منها ،لحديث« :من بنى ل تعالى
مسجدا ،بنى ال له مثله في الجنة» (. )5
وقال الحنابلة :يجب بناء المساجد في المصار والقرى والمحالّ (جمع مَحلّة)
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه أبو داود بإسناد صحيح.
( )2رواه مسلم.
( )3هذه الذكار بعضها في صحيح مسلم ،ومعظمها في سنن أبي داود والنسائي ،فإن طال عليه هذا
كله ،فليقتصر على ما في مسلم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :إذا دخل أحدكم المسجد
فليقل :اللهم افتح لي أبواب رحمتك ،وإذا خرج فليقل :اللهم إني أسألك من فضلك» .
( )4رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة.
( )5رواه البخاري ومسلم وأحمد عن عثمان بن عفان رضي ال عنه (نيل الوطار.)147/1:
( )1/488
ونحوها بحسب الحاجة فهو فرض كفاية ،وعمارة المساجد ومراعاة أبنيتها مستحبة ،ويسن أن يصان
المسجد عن الوساخ والمخاط وتقليم الظافر وقص الشعر ونتفه ،وعن الروائح الكريهة من بصل
وثوم وكراث ونحوها.
ويجوز بناء المسجد في موضع كان كنيسة وبِيعة أو مقبرة درست إذا أصلح ترابها ،لحديث عثمان بن
أبي العاص رضي ال عنه« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد أهل الطائف
حيث كانت طواغيتهم» ( ، )1ولحديث أنس« :أن مسجد رسول ال صلّى ال عليه وسلم كان فيه قبور
مشركين ،فنبشت» (. )2
ويكره زخرفة المسجد باللونين الحمر والصفر ونقشه وتزيينه ،لئل تشغل قلب المصلي ،ولقوله
صلّى ال عليه وسلم « :ل تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» ( )3وقوله أيضا« :ما أمرت
بتشييد المساجد ،قال ابن عباس( :لَتُزَخ ِرفُنّها) كما زخرفت اليهود والنصارى» ( )4فهو يدل على أن
تشييد المساجد بدعة ،وهذا الحكم بالكراهة هو المقرر عند المالكية والحنابلة ،لكن أجاز الحنفية نقش
المسجد بالمال الحلل ،خل محرابه فإنه يكره ،لنه يلهي المصلي.
وروي عن أبي حنيفة الترخيص في ذلك .وروي عن أبي طالب المكي :أنه ل كراهة في تزيين
المحراب.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود بإسناد جيد ،وابن ماجه (نيل الوطار.)145/2:
( )2رواه البخاري ومسلم.
( )3رواه الخمسة إل الترمذي عن أنس (نيل الوطار.)151/2:
( )4أخرجه أبو داود عن ابن عباس ،والتشييد :رفع البناء وتطويله .وفي قول ابن عباس نوع تأنيب
وتوبيخ ،والمراد من الزخرفة :الزينة .وفتح اللم في قوله :لتزخرفنها لنه جواب القسم .وكلم ابن
عباس مفصول عن كلم النبي صلّى ال عليه وسلم في الكتب المشهورة وغيرها (نيل الوطار:
.)150/2
( )1/489
ً - 32ورد في فضل المساجد أحاديث كثيرة منها« :أحب البلد إلى ال تعالى مساجدها ،وأبغض
البلد إلى ال أسواقها» (. )1
ً - 33مصلى العيد وغيره الذي ليس بمسجد :ليحرم المكث فيه على الجنب والحائض ،على المذهب
عند الشافعية.
الملحق الثاني ــ أحكام الحمامات العامة:
ذكر الشافعية والحنابلة أحكام الحمام وآداب دخوله فقالوا (: )2
أ ـ أجود الحمامات :ماكان شاهقا ،عذب الماء ،معتدل الحرارة ،معتدل البيوت ،قديم البناء.
ب ـ بناء الحمام :وبيعه وشراؤه وإجارته مكروه عند المام أحمد ،لما فيه من كشف العورة والنظر
إليها ،ودخول النساء إليه ،قال أحمد :في الذي يبني حماما للنساء :ليس بعدل .وحمله بعضهم على
غير البلد الباردة.
وكسب الحمام والحلق عند الحنابلة مكروه.
جـ ــ الدخول إلى الحمام :يباح للرجال دخول الحمام ،ويجب عليهم غض البصر عما ليحل لهم،
وصون عورتهم عن الكشف بحضرة من ليحل له النظر إليها ،أو في غير وقت الغتسال ،فإنه
جحْفة» ،ويروى ذلك عن النبي صلّى ال عليه وسلم ،كما
يروى « :أن ابن عباس دخل حماما بال ُ
يروى عن خالد بن الوليد «أنه دخل الحمام » .
-------------------------------
( )1رواه مسلم عن أبي هريرة ،ورواه أحمد والحاكم عن جبير بن مطعم.
( )2مغني المحتاج ،76/1:المغني ،233-230/1 :كشاف القناع ،183-181/1:الفتاوى الهندية:
373/5وما بعدها.
( )1/490
فإن خشي أل يسلم من النظر إلى العورات ،ونظر الناس إلى عورته كره له ذلك؛ لنه ليأمن وقوعه
في المحظور ،فإن كشف العورة ومشاهدتها حرام ،بدليل حديث بهز بن حكيم المتقدم في أول مبحث
الغسل « :احفظ عورتك إل من زوجتك أو ماملكت يمينك ، )1( » ...وقال النبي صلّى ال عليه
وسلم « :لينظر الرجل إلى عورة الرجل ،ولتنظر المرأة إلى عورة المرأة » « لتمشوا عراة » (
« )2الفخذ عورة » (. )3
ويحرم دخول الحمامات العامة بغير مئزر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من كان يؤمن بال واليوم
الخر من ذكور أمتي ،فل يدخل الحمام إل بمئزر ،ومن كانت تؤمن بال واليوم الخر ،فل تدخل
الحمام » (« )4حرام على الرجال دخول الحمام إل بمئزر» ( ، )5وروي« :أن الرجل إذا دخل
الحمام عاريا لعنه ملكاه » (. )6
وأما النساء :فيكره لهن دخول الحمام بل عذر من حيض أو نفاس أو مرض أو حاجة إلى الغسل ،ول
يمكن المرأة أن تغتسل في بيتها ،لخبر« :ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إل هتكت مابينها
وبين ال تعالى » ( )7وقال صلّى ال عليه وسلم « :ستفتح عليكم أرض العجم ،وستجدون فيها بيوتا،
يقال لها الحمامات ،فل يدخلنها الرجال إل بالزار ،وامنعوها النساء ،إل مريضة أو نفساء » (، )8
ولن أمرهن
-------------------------------
( )1رواه الخمسة (نيل الوطار.)62/2:
( )2رواهما مسلم ،وروى أبو داود وابن ماجه عن علي« :ل تبرِز فخذاك ،ول تنظر إلى فخذ حي أو
ميت» (نيل الوطار.)62/2:
( )3رواه الترمذي وأحمد عن ابن عباس (نيل الوطار.)62/2:
( )4رواه أحمد عن أبي هريرة.
( )5رواه النسائي والحاكم عن جابر.
( )6رواه القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى{ :كراما كاتبين ،يعلمون ما تفعلون} [النفطار-11/82:
.]12
( )7رواه الترمذي وحسنه عن عائشة رضي ال عنها.
( )8رواه أبو داود وغيره عن ابن عمر رضي ال عنه.
( )1/491
مبني على المبالغة في الستر ،ولما في خروجهن واجتماعهن من الفتنة والشر (. )1
وليحرم على المرأة الغتسال في حمام دارها حيث لم ير من عورتها مايحرم النظر إليه.
د -يحرم الغتسال عريانا بين الناس ،فمن اغتسل عريانا بين الناس :لم يجز له ذلك؛ لن كشف
العورة للناس محرم ،لما تقدم ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن ال عز وجل حيي ستّير ،يحب
الحياء والستر ،فإذا اغتسل أحدكم فليستتر » ( . )2أما إن كان خاليا فيجوز؛ لن موسى عليه السلم
اغتسل عريانا ( ، )3كما اغتسل أيوب عليه السلم عريانا (. )4
وإن ستره إنسان بثوب ،فلبأس ،فقد كان النبي صلّى ال عليه وسلم يستتر بثوب ويغتسل.
ويستحب التستر وإن كان خاليا للحديث السابق « :فال أحق أن يستحيا منه من الناس » .
وليسبح في ماء إل مستترا؛ لن الماء ليستر ،فتبدو عورة من دخله عريانا.
هـ ـ يجزئ الغسل والوضوء بماء الحمام ،لنه طاهر ،ويجعل بمنزلة الماء الجاري إذا كان يفيض
من الحوض ويخرج ،أي أن عليه مصبّا ،فإن الذي يأتي أخيرا يدفع مافي الحوض ،ويثبت في مكانه.
و ـ لبأس للمستتر بذكر ال في الحمام ،فإن ذكر ال حسن في كل مكان ،مالم يرد المنع منه ،روي
« أن أبا هريرة دخل الحمام ،فقال :ل إله إل ال » وروي عن النبي صلّى ال عليه وسلم « أنه كان
يذكر ال على كل أحيانه » .
أما قراءة القرآن في الحمام :فل تكره عند مالك والنخعي ،كذكر ال فيه ،وكره أحمد ذلك ،ولو خفض
صوته؛ لنه محل التكشف ،ويفعل فيه ماليحسن في غيره ،فيصان القرآن عنه .كما يكره السلم فيه.
وأباحه بعض الحنابلة؛ لن الشياء على الباحة.
-------------------------------
( )1قال بعض الشافعية :والخناثى كالنساء فيما يظهر.
( )2رواه أبو داود عن يعلى بن أمية.
( )3رواه البخاري.
( )4كما ذكر صاحب المغني ابن قدامة المقدسي.
( )1/492
ز ـ آداب الحمام :يجب أليزيد المستحم في الماء على قدر الحاجة والعادة ،وليطيل المقام إل بقدر
الحاجة.
وآداب الحمام :أن يقصد التطهير والتنظيف ،ل الترفه والتنعم ،وأن يسلم الجرة قبل دخوله ،وأن
يسمي للدخول ،ثم يتعوذ ،كما في دخول الخلء ،ويقدم رجله اليسرى عند الدخول ،ورجله اليمنى عند
الخروج.
ويتذكر بحرارة الحمام حرارة نار جهنم ،وليدخله إذا رأى فيه عريانا ،وليعجل بدخول البيت الحار
حتى يعرق في البيت الول؛ لنه أجود طبا ،وليكثر الكلم ،ويتحين بدخوله وقت الفراغ أو الخلوة إن
قدر على ذلك ،ويقلل اللتفات؛ لنه محل الشياطين ،ويستغفر ال تعالى ويصلي ركعتين بعد خروجه
منه ،فقد كانوا يقولون :يوم الحمام يوم إثم.
وكره الشافعية دخول الحمام قبيل الغروب ،وبين العشاءين؛ لنه وقت انتشار الشياطين ،وقال
الحنابلة :ليكره ذلك لعدم النهي الخاص عنه .ولبأس بدلك غيره إل عورة أو مظنة شهوة.
ويكره الحمام للصائم؛ لن الغسل يضعف الجسم ،وهو ترفه ليلئم الصوم ،وقد يسبق الماء إلى
جوفه ،فيفطر.
ويغسل قدميه عند خروجه بماء بارد ،ولبأس بشرب ماء بارد عند خروجه منه ،لنه أنفع طبا ،كما
لبأس بقوله لغيره :عافاك ال ،ول مانع من المصافحة.
صلُ السّادس :التّ َيمّم
ال َف ْ
تعريفه ،ومشروعيته وصفته ،أسبابه ،فرائضه ،كيفيته،شروطه ،سننه ،ومكروهاته ،نواقضه ،حكم
فاقد الطهورين.
المطلب الول ــ تعريف التيمم ومشروعيته وصفته:
التيمم لغة :القصد ومنه قوله تعالى { :ولتيمموا الخبيث منه تنفقون } [البقرة ،]2/267:وشرعا عرفه
الفقهاء بعبارات متقاربة ،فقال الحنفية ( : )1مسح الوجه واليدين عن صعيد مطهر .والقصد شرط له؛
لنه النية ،فهو قصد صعيد مطهر واستعماله بصفة مخصوصة لقامة القربة.
وقال المالكية ( : )2طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية.
وقال الشافعية ( : )3إيصال التراب إلى الوجه واليدين بدلً عن الوضوء أو الغسل أو عضو منهما
بشرائط مخصوصة.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،19فتح القدير ،84/1:اللباب ،35/1:البدائع ،45/1:حاشية ابن عابدين:
.211/1
( )2حاشية الصاوي على الشرح الصغير.179/1:
( )3مغني المحتاج .87/1:وقال الحنابلة ( : )1مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه
مخصوص.
( )1/493
مشروعيته :التيمم من خصائص المة السلمية ،شرع في غزوة بني المصطلق ( غزوة المريسيع )
عقْدها ،فبعث صلّى ال عليه وسلم في طلبه،
في السنة السادسة من الهجرة حينما أضاعت عائشة ِ
وحانت الصلة ،وليس معهم ماء ،فنزلت آية التيمم ،كما نزلت آيات براءة عائشة من الفك في سورة
النور ،فقال ُأسَيدُ بن حضير« :يرحمك ال يا عائشة ،مانزل بك أمر تكرهينه إل جعل ال للمسلمين
فيه فرجا» .
وهو رخصة ،وقال الحنابلة :إنه عزيمة ،وأدلة مشروعيته :الكتاب والسنة والجماع :أما القرآن:
فقوله تعالى { :وإن كنتم مرضى أو على سفر ،أو جاء أحد منكم من الغائط ،أو لمستم النساء ،فلم
تجدوا ماء ،فتيمموا صعيدا طيبا ( ، )2فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } [المائدة ،]6/ 5وهذا يدل
على أن التيمم فريضة بدل الغسل بالماء.
وأما السنة :فأحاديث كثيرة ،منها خبر مسلم « :جعلت لنا الرض كلها مسجدا وتربتها طهورا » (
، )3ومنها « التراب طهور المسلم ،ولو إلى عشر حجج ،مالم يجد الماء أو يحدث » (. )4
وأجمعت المة على جواز التيمم في الجملة.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.183/1 :
( )2أي ترابا طهورا.
( )3وروى أحمد في معناه حديثين عن أبي أمامة وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(نيل
الوطار.)258/1:
( )4روي من حديث أبي ذر عند أبي داود والنسائي والترمذي ،ومن حديث أبي هريرة عند البزار
والطبراني ،قال الترمذي عن الول :حديث حسن صحيح (نصب الراية.)148/1 :
( )1/494
صفته أو الطهارة التي هو بدل عنها :قال عامة الفقهاء ( : )1التيمم ينوب عن الوضوء وعن الغسل
من الجنابة والحيض والنفاس ،إل أنه ليجوز عند غير الحنفية لزوج الحائض أن يطأها حتى تغتسل
بالماء ،فالمحدث والجنب والحائض والنفساء ومن ولدت ولدا جافا يتيمم للصلة وغيرها من
الطاعات؛ لن الضمير في قوله تعالى { :فلم تجدوا ماء فتيمموا } [المائدة ،]5/6يعود على المحدث
حدثا أصغر وعلى المحدث حدثا أكبر عند القائلين بأن الملمسة هي الجماع .أما من كانت الملمسة
عنده هي اللمس باليد في قوله تعالى { :أو لمستم النساء } [المائدة ،]5/6:فالضمير يعود على المحدث
حدثا أصغر فقط ،وتكون مشروعية التيمم للجنب ثابتة بالسنة:
مثل حديث عمران بن حصين ،قال :كنا مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم في سفر ،فصلى بالناس،
فإذا هو برجل معتزل ،فقال :مامنعك أن تصلي؟ قال :أصابني جنابة ول ماء؟ قال :عليك بالصعيد
فإنه يكفيك » ( )2وهو يدل على مشروعية التيمم للصلة عند عدم الماء من غير فرق بين الجنب
وغيره .والصعيد :ماصعد على وجه الرض من التراب.
ومثل حديث جابر قال :خرجنا في سفر ،فأصاب رجلً منا حَجَر ،فشجّه في رأسه ،ثم احتلم ،فسأل
أصحابَه ،هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا :مانجد لك رخصة ،وأنت تقدر على الماء ،فاغتسل
فمات ،فلما قدمنا على رسول
-------------------------------
( )1بداية المجتهد 61/1:وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،38البدائع ،55/1:مغني المحتاج،87/1:
المغني ،237/1،257،273:كشاف القناع ،194/1:المهذب ،32/1:فتح القدير ،87/1:غاية المنتهى:
.53/1
( )2متقق عليه (نيل الوطار. )256/1:
( )1/495
ال صلّى ال عليه وسلم أُُخبر بذلك ،فقال :قتلوه ،قتلهم ال ،أل سألوا إذ لم يعلموا ،فإنما شفاء ال ِعيّ (
)1السؤال ،إنما كان يكفيه أن يتيمم و ِي ْعصِر ،أو َي ْعصِب على جُرْحه ،ثم يمسح عليه ،ويغسل سائر
جسده ( )2وهو يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر.
ومثل حديث عمرو بن العاص :أنه لما بُعث في غزوة ذات السلسل ( ، )3قال :احتلمت في ليلة
باردة شديدة البرد ،فأشفقت أن أهْلِك ،فتيممت ثم صليت بأصحابي صلة الصبح ،فلما قدمنا على
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ذكروا ذلك له ،فقال :ياعمرو ،صليت بأصحابك وأنت جنُب؟ فقلت:
ذكرت قول ال تعالى :ول تقتلوا أنفسكم ،إن ال كان بكم رحيما ،فتيممت ،ثم صليت ،فضحك رسول
ال صلّى ال عليه وسلم ،ولم يقل شيئا » ( )4وهو يدل على جواز التيمم لشدة البرد ،ول إعادة
عليه ،وهو رأي مالك وأبي حنيفة.
الطاعات التي يتيمم لها :يجوز التيمم لكل مايتطهر له من صلة مفروضة أو نافلة ،أو مس مصحف،
أو قراءة قرآن ،أو سجود تلوة أو شكر ،أو لُبث في مسجد ،للحاديث السابقة ،ولنه يستباح بالتيمم
مايستباح بطهارة الماء.
مايتيمم له من الحداث :ويجوز التيمم للحدث الصغر ،والجنابة ،والحيض والنفاس على حد سواء،
لما روي أن قوما جاءوا إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،وقالوا :إنا قوم نسكن هذه الرمال،
ولنجد الماء شهرا أو شهرين ،وفينا الجنب
-------------------------------
( )1العي :التحير في الكلم ،وقيل :ضد البيان .
( )2رواه أبو داود والدارقطني وابن ماجه ،وصححه ابن السكن (نيل الوطار. )257/1:
( )3هي موضع وراء وادي القرى ،وكانت هذه الغزوة في جمادى الولى سنة ثمان من الهجرة.
( )4رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وابن حبان والحاكم ،وأخرجه البخاري تعليقا (نيل الوطار:
. )258/1
( )1/496
والحائض والنفساء ،فقال عليه السلم « :عليكم بالرض » ( . )1وقال ال تعالى { :وإن كنتم جنبا
فاطّهروا ،وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء ،فلم تجدوا
ماء فتيمموا } [المائدة.]5/6:
نوع البدل:
قال الحنفية ( : )2إن التيمم بدل مطلق ،وليس ببدل ضروري ،فالحدث يرتفع بالتيمم إلى وقت وجود
الماء في حق الصلة المؤداة ،بدليل الحديث المتقدم« :التيمم وضوء المسلم ،ولو إلى عشر حِجج ،مالم
يجد الماء ،أو يحدث» فقد سمى التيمم وضوءا ،والوضوء مزيل للحدث .وقال صلّى ال عليه وسلم :
« جعلت لي الرض مسجدا وطهورا » ( ، )3والطهور اسم للمطهر ،فدل على أن الحدث يزول
بالتيمم ،إل أن زواله مؤقت إلى غاية وجود الماء ،فإذا وجد الماء يعود الحدث.
ويترتب عليه :أنه يجوز التيمم قبل دخول الوقت ،ويجوز له أن يصلي بالتيمم ما شاء من الفرائض
والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث ،وإذا تيمم للنفل جاز له أن يؤدي به النفل والفرض.
وقال الجمهور غير الحنفية ( : )4التيمم بدل ضروري ،فيباح له الصلة مع قيام الحدث حقيقة
للضرورة ،كطهارة المستحاضة ،لحديث أبي ذر عند الترمذي« :
-------------------------------
( )1رواه أحمد والبيهقي وإسحاق بن راهويه عن أبي هريرة لكنه ضعيف (نصب الراية)156/1:
.والحديث الصحيح المتفق عليه المتقدم عن عمران بن حصين يدل على الكتفاء بالتيمم بدل الغسل
حال الجنابة وفقد الماء .
( )2البدائع 54/1:وما بعدها ،الدر المختار.223/1 :
( )3رواه الشيخان والنسائي عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه .
( )4الشرح الكبير ،154/1:مغني المحتاج ،97/1:بجيرمي الخطيب ،253/1:كشاف القناع.199/1 :
( )1/497
فإذا وجدت الماء فأمسّه جلدك ،فإنه خير لك» ولو رفع الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده ،ولو رأى
الماء يعود الحدث ،مما يدل على أن الحدث لم يرتفع ،لكن أبيح له أداء الصلة مع قيام الحدث
للضرورة ،كمافي المستحاضة.
ويترتب عليه عكس الحكام السابقة ،إل أن الحنابلة خلفا للمالكية والشافعية أجازوا بالتيمم الواحد
صلة ما عليه من فرائض فوائت إن كانت عليه.
آراء المذاهب فيما يترتب على الختلف في نوع بدلية التيمم :
- ً 1وقت التيمم:
قال الحنفية ( )1القائلون بأن التيمم طهارة مطلقة :يجوز التيمم قبل الوقت ،ولكثر من فرض ،ولغير
الفرض من النوافل؛ لن التيمم بدل مطلق عند عدم الماء ،ويرتفع به الحدث إلى وقت وجود الماء،
وليس ببدل ضروري مبيح مع قيام الحدث حقيقة ،الذي هو قول الجمهور ،فل يجوز عندهم قبل
الوقت ،ول يصلى به أكثر من فرض .ودليل الحنفية :أن التوقيت في العبادات ل يكون إل بدليل
سمعي ،ول دليل فيه ،فيقاس على الوضوء ،والوضوء يصح قبل الوقت.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) ( : )2ل يصح التيمم إل بعد دخول وقت ما يتيمم له من
فرض أو نفل ،فل يتيمم لفرض قبل دخول وقت فعله ،ول لنفل معين أو مؤقت كسنن الفرائض
الرواتب قبل وقتها.
أما الفريضة :فلقوله تعالى{ :إذا قمتم إلى الصلة} [المائدة ،]5/6:والقيام إليها بعد دخول الوقت ،ولما
رواه البخاري من حديث «فأيما رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل» وما رواه أحمد« :أينما
أدركتني الصلة تمسحت وصليت» أي تيممت وصليت ،وهذا دليل على أن التيمم يكون عند إدراك
الصلة ،أي بعد دخول وقتها.
-------------------------------
( )1البدائع ،54/1:الدر المختار وحاشية ابن عابدين223/1:
( )2بدا ية المجتهد ،65/1:القوانين الفقهية :ص ،37مغني المحتاج ،105/1:المهذب ،34/1:كشاف
القناع.184/1:
( )1/498
وأما النفل :فلحديث أبي أمامة مرفوعا قال« :جعلت الرض كلها لي ولمتي مسجدا وطهورا ،فأينما
أدركت رجلً من أمتي الصلة ،فعنده مسجده ،وعنده طهوره» (. )1
وأما الوضوء :فإنما جاز قبل الوقت ،فلكونه رافعا للحدث ،بخلف التيمم ،فإنه طهارة ضرورة ،فلم
يجز قبل الوقت ،كطهارة المستحاضة.
ويصح التيمم لركعتي الطواف كل وقت لباحته ،ويصح التيمم لفائتة تذكرها وأراد فعلها لصحة فعلها
في كل وقت ،ويصح التيمم لكسوف عند وجوده إن لم يكن وقت نهي عن الصلة فيه ( ، )2ويصح
التيمم لستسقاء إذا اجتمعوا لصلته ،ولصلة جنازة إذا غسل الميت ،أو يمم لعذر ،ولصلة عيد إذا
دخل وقته ،ولمنذورة كل وقت .ويصح التيمم لنفل عند جواز فعله كتحية المسجد؛ لن ذلك وقته.
واحترز بعبارة النفل المعين أو المؤقت عن النوافل المطلقة ،فإنه يتيمم لها متى شاء ،إل في وقت
الكراهة المنهي عنه؛ لنه ليس وقتا له.
هل يؤخر التيمم لخر الوقت؟
اتفق أئمة المذاهب الربعة ( )3على أن الفضل تأخير التيمم لخر الوقت إن رجا وجود الماء حينئذ.
فإن يئس من وجوده استحب تقديمه أول الوقت عند الجمهور (غير الحنابلة) والمنصوص عن أحمد:
أن تأخير التيمم أولى بكل حال.
-------------------------------
( )1رواه أحمد ،ورواه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر بلفظ« :أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من
النبياء قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهر ،وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا ،فأيما رجل من
أمتي أدركته الصلة فليصل ،وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي ،وأعطيت الشفاعة ،وكان النبي
يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» .
( )2تكره الصلة النافلة في خمسة أوقات :بعد صلة الفجر ،وعند طلوع الشمس ،وعند الزوال
ظهرا ،وبعد صلة العصر ،وعند الغروب.
( )3الدر المختار ورد المحتار ،229/1 :البدائع ،54/1:الشرح الصغير 189/1:وما بعدها ،مغني
المحتاج ،89/1:المغني.243/1:
( )1/499
والصح عند الحنفية :أن ندب التأخير هو لخر الوقت المستحب بحيث ليقع في كراهة؛ إذ ل فائدة
في التأخير سوى الداء بأكمل الطهارتين .ويجب التأخير بالوعد بالماء ،ولو خاف القضاء ،كما يجب
التأخير عند أبي حنيفة بالوعد بالثوب للعاري ،أو بالدلو لنزح الماء ،ما لم يخف القضاء.
وقيد الشافعية أفضلية النتظار بحالة تيقن وجود الماء آخر الوقت ،فإن شك في وجوده أو ظن بأن
ترجح عنده وجود الماء آخر الوقت ،فتعجيل التيمم أفضل في الظهر؛ لن فضيلة التقديم محققة
بخلف فضيلة الوضوء.
وفصل المالكية في المر فقالوا :اليائس من وجود الماء يندب له التعجيل أول الوقت .والمتردد في
ذلك وهو الشاك أو الظان ظنا قريبا من الشك :يندب له التيمم وسط الوقت .والراجي :وهو الغالب
على ظنه وجود الماء :يتيمم ندبا آخر الوقت.
- ً 2مايفعل بالتيمم الواحد:
قال الحنفية ( : )1يصلي بتيممه ماشاء من الفرائض والنوافل؛ لنه طهور حال عدم الماء،فيعمل عمله
ما بقي شرطه ،فله أن يصلي بتيمم واحد فرضين فأكثر ،وما شاء من نافلة.
وقال الحنابلة ( : )2التيمم مقيد بالوقت ،لقول علي رضي ال عنه« :التيمم لكل صلة» وقول ابن
عمر رضي ال عنهما« :تيمم لكل صلة» ولن التيمم طهارة ضرورة ،فتقيدت بالوقت ،كطهارة
المستحاضة ،والطواف المفروض كالصلة الفريضة.
وبناء عليه :إذا تيمم صلى الصلة التي حضر وقتها ،وصلى به فوائت إن كانت عليه ،فيصلي
الحاضرة ،ويجمع بين الصلتين ،ويقضي فوائت ،وله التطوع بما شاء من النوافل إلى أن يدخل وقت
صلة أخرى.
-------------------------------
( )1فتح القدير95/1 :
( )2المغني.246-262/1:
( )1/500
وقال المالكية والشافعية ( : )1ل يصلى بتيمم واحد فرضان ،فل يجوز للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد
أكثر من فريضة .ويجمع بين نوافل ،وبين فريضة ونافلة إن قدم الفريضة عند المالكية ،ويتنفل ما
شاء قبل المكتوبة وبعدها عند الشافعية ،لنها غير محصورة.
ودليلهم :ما روى البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر ،قال« :يتيمم لكل صلة ،وإن لم يحدث» ،
ولنه طهارة ضرورة ،فل بد من تكرار التيمم لكل فرض ،وإن كانت الفريضتان مجموعتين في وقت
واحد ،كالظهر مع العصر ،ولو كان التيمم من مريض يشق عليه إعادته.
ويجوز أن يصلي بتيمم واحد فرض صلة ،وفرض جنازة عند المالكية ،والشافعية في الصح؛ لن
الجنازة فرض كفاية ،فهي كالنفل في جواز الترك في الجملة.
وجاز بالتيمم للصلة :مس المصحف ،وقراءة القرآن إن كان جنبا.
والنذر عند الشافعية كفرض في الظهر ،فيجدد له التيمم ،ول يجمعه مع فرض آخر أداء أو قضاء
بتيمم واحد.وفرض الطواف وخطبة الجمعة عند الشافعية كفرض الصلة ،فل يجمع بتيمم واحد بين
طوافين مفروضين ،ول بين طواف مفروض وصلة مفروضة ،ول بين صلة جمعة وخطبتها؛ لن
الخطبة وإن كانت فرض كفاية ،ألحقت بفرض العين ،إذا قيل :إنها قائمة مقام ركعتين.
وأجاز المالكية الجمع بتيمم بين صلة مفروضة وطواف غير واجب وركعتيه ،فهم إذن كالشافعية.
- ً 3هل التيمم للنفل يجيز صلة الفرض؟
قال الحنفية الواصفون التيمم بأنه بدل مطلق ( : )2إذا تيمم للنفل ،يجوز له أن يؤدي به النفل
والفرض .ويجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف :أن يؤم المتيمم المتوضئين إذا لم يكن معهم ماء؛ لن
التيمم في حال عدم الماء طهارة مطلقة ،فيجوز اقتداؤهم به ،وإن كان معهم ماء ل تجوز صلتهم؛
لن التيمم بدل عن الماء عند عدمه.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،187-186/1 :الشرح الكبير ،151/1:المهذب ،36/1 :مغني المحتاج،103/1:
القوانين الفقهية :ص .38
( )2البدائع 55/1:وما بعدها.
( )1/501
وقال المالكية ( : )1ل يصلى فرض بتيمم نواه لغيره ،فإن نوى فرض الصلة صلى به ما عليه من
فرض واحد ،وما شاء من النوافل على أن يقدم صلة الفرض على النفل ،ول يصلى به الفريضة
الفائتة معه ،وإن نوى مطلق الصلة صلى به النفل دون الفرض ،لن الفرض يحتاج لنية تخصه،
ومن نوى نفلً لم يصل به فرضا .ويلزم حال نية استباحة الصلة أو ما منعه الحدث نية الحدث
الكبر من جنابة أو غيرها إن كان عليه .فإن لم يلحظه بأن نسيه أو لم يعتقد أنه عليه ،لم يجزه
وأعاد أبدا.
ويندب نية الحدث الصغر إذا نوى استباحة الصلة أو نوى استباحة ما منعه الحدث .أما لو نوى
فرض التيمم ،فل تندب نية الصغر ،ول الكبر؛ لن نية الفرض تجزئ عن نية كل من الصغر
والكبر .وإذا تيمم لقراءة قرآن أو للدخول على سلطان ونحو ذلك ل يجوز أن يصلي به.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )2إن نوى فرضا ونفلً صلى به الفرض والنفل ،وإن نوى فرضا استباح
مثله ،وما دونه من النوافل ،لن النفل أخف ،ونية الفرض تتضمنه ،وبما أن الفرض أعلى استباح ما
دونه تبعا .وإن نوى نفلً أو أطلق النية للصلة بأن نوى استباحة الصلة ،ولم ينو فرضا ول نفلً ،لم
يصل إل نفلً ،ولم يصل به إل فرضا؛ لن الفرض أصل والنفل تابع ،فل يجعل المتبوع تابعا ،وقياسا
على ما لو أحرم بالصلة ،فإن صلته تنعقد نفلً.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،98/1 :كشاف القناع 201/1:وما بعدها ،بجيرمي الخطيب.253/1:
( )2حاشية الصاوي على الشرح الصغير ،193/1 :الشرح الكبير.154/1 :
( )1/502
( )1/503
الشراء :ويجب شراؤه بثمن المثل ،إن لم يحتج إليه لدين مستغرق (محيط بماله) أو مؤنة سفره ،أو
نفقة حيوان محترم ،سواء أكان آدميا أم غيره.
الهبة :ولو وهب له ماء أوعير دلوا ،وجب القبول عند العلماء وفي الصح عند الشافعية ،أما لو وهب
ثمنه فل يجب قبوله بالجماع ،لعظم المنة ،ولو من الوالد لولده.
نسيان الماء :ولو نسي الماء في رحله ،فتيمم وصلى ،ثم تذكر الماء في الوقت بعد أن فرغ من
الصلة ،قضى في الظهر عند الشافعية وأبي يوسف والمالكية ،لنه واجد للماء ،ولكنه قصر في
الوقوف عليه ،فيقضي كما لو نسي ستر العورة ،بأن كان في رحله ثوب فنسيه (. )1
ولم يقض عند أبي حنيفة ومحمد؛ لنه ل قدرة بدون العلم ،فهو غير واجد للماء؛ لن المراد بوجود
الماءالقدرة على استعماله ،ول قدرة إل بالعلم (. )2
فإن تذكر الماء وهو في الصلة يقطع ويعيد إجماعا ،كما أنه يعيد اتفاقا إذا ظن فناء الماء .ول يكره
الوطء لعادم الماء ،ولو لم يخف العنت (المشقة)؛ إذ الصل في الشياء الباحة إل لدليل.
- ً 2فقد القدرة على استعمال الماء:
قال المالكية والحنابلة وغيرهم :يتيمم العاجز الذي ل قدرة له على الماء كالمكره والمحبوس،
والمربوط بقرب الماء ،والخائف على نفسه من سبع أو لص ،سواء في الحضر أو السفر ،ولو سفر
معصية؛ لن التيمم مشروع مطلقا ،سواء في الحضر أو السفر ،في الطاعة أو المعصية ،ولنه عادم
للماء ،ولعموم قوله صلّى ال عليه وسلم « :إن الصعيد الطيب طهور المسلم ،وإن لم يجد الماء عشر
سنين ،فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ،فإن ذلك خير» (. )3
لكن عند الشافعية يقضي المقيم المتيمم لفقد الماء ،ل المسافر ،إل العاصي بسفره في الصح ،فإنه
يقضي؛ لنه ليس من أهل الرخصة (. )4
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.91/1:
( )2فتح القدير وحاشية العناية ،97/1:الدر المختار.330/1:
( )3رواه الترمذي عن أبي ذر ،وقال :هذا حديث حسن صحيح.
( )4مغني المحتاج.106/1:
( )1/504
ول يعيد عند بقية المذاهب في الرجح عند الحنابلة؛ لنه أتى بما أمر به ،فخرج من عهدته ،ولنه
صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع ،فأشبه المريض والمسافر ( ، )1واستثنى الحنفية المكره
على ترك الوضوء فإنه يتيمم ويعيد صلته.
- ً 3المرض أو بطء البرء:
يتيمم إذا خاف باستعمال الماء على نفس أو منفعة عضو حدوث مرض من نزلة أو حمى أو نحو
ذلك ،أ وخاف من استعماله زيادة المرض أو طوله ،أو تأخر برئه ،ويعرف ذلك بالعادة ،أو بإخبار
طبيب عارف ،ولو غير مسلم عند المالكية والشافعية ،مسلم عند الحنفية والحنابلة .وأضاف الشافعية
في الظهر والحنابلة حدوث شين فاحش في عضو ظاهر ،لنه يشوه الخلقة ويدوم ضرره .والمراد
بالظاهر ما يبدو عند المهنة غالبا كالوجه واليدين .وقال الحنابلة :من كان مريضا ل يقدر على
الحركة ،ول يجد من يناوله الماء للوضوء فهو كعادم للماء ،له التيمم إن خاف فوت الوقت.
- ً 4الحاجة إلى الماء في الحال أو في المستقبل:
للمرء التيمم إذا اعتقد أو ظن ولو في المستقبل أنه يحتاج للماء احتياجا مؤديا إلى الهلك أو شدة
الذى ،بسبب عطش حيوان محترم شرعا ،من آدمي وغيره ،ولو كلب صيد أو حراسة ،بخلف
الحربي والمرتد والكلب غير المأذون فيه (ومنه عند الحنابلة :الكلب السود) ،وذلك صونا للروح عن
التلف.
ومن أصناف الحاجة :الحتياج للماء لعجن أو طبخ له ضرورة ،أو لزالة نجاسة غير معفو عنها،
بشرط أن تكون عند الشافعية على البدن ،فإن كانت على الثوب توضأ بالماء .وصلى عريانا إن لم
يجد ساترا ،ول إعادة عليه.
-------------------------------
( )1المغني ،235/1:كشاف القناع ،195/1:الشرح الصغير ،190/1:الشرح الكبير ،148/1:مراقي
الفلح :ص .19
( )1/505
وقال الشافعية والحنابلة ( : )1إن كانت على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء أو خوف
الضرر باستعماله ،تيمم لها وصلى ،وعليه القضاء عند الشافعية ،ول قضاء عليه عند الحنابلة .ول
إعادة للصلة بالتفاق على مسافر تيمم خوف العطش.
- ً 5الخوف من تلف المال لو طلب الماء:
قال المالكية :يتيمم القادر على استعمال الماء من حاضر أو مسافر إذا خاف تلف مال ذي بال ،سواء
أكان له أم لغيره ،لو طلب الماء الذي تحقق وجوده أو ظنه .أما إن شكه أو توهمه ،فيتيمم ولو قل
المال.
والمراد بالمال ذي البال :ما زاد على ما يلزمه بذله في شراء الماء .وقال غير المالكية :خوف عدو
آدمي أو غيره أو حريق أو لص يجيز التيمم وعدم طلب الماء ،سواء خاف على نفسه أو ماله أو
أمانته ،أو خافت امرأة فاسقا عند الماء ،أو خاف المديون المفلس الحبس ،أو خاف فوات مطلوبه
كتحصيل شارد ،فحال كل واحد من هؤلء كعادم الماء؛ لن في ذلك ضررا ،وهو منفي شرعا.
- ً 6شدة البرد أي شدة برودة الماء:
يجوز التيمم لشدة البرد إذا خاف ضررا من استعمال الماء ،ولم يجد ما يسخن به الماء.
لكن قيد الحنفية إباحة التيمم للبَرْد بما إذا خاف الموت أو التلف لبعض العضاء أو المرض ،وبالجنب
فقط ولو في الحضر ،إذا لم تكن له أجرة حمام ول ما يدفئه ،لنه هو الذي يتصور فيه ذلك .أما
المحدث حدثا أصغر فل يجوز له التيمم للبرد في الصحيح.
وقيد المالكية جواز التيمم للبرد بحالة الخوف من الموت.
أما الشافعية والحنابلة :فأباحوا التيمم للبرد إذا تعذر تسخين الماء في الوقت ،أو لم تنفع تدفئة أعضائه،
وخاف على منفعة عضو أو حدوث شين فاحش ،في عضو ظاهر عند الشافعية ،أو في بدنه بسبب
استعمال الماء عند الحنابلة.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،106/1:المغني 273/1:وما بعدها.
( )1/506
ويقضي الصلة عند الشافعية من تيمم لمرض ،أو لبرد في الظهر ،ول قضاء عليه عند المالكية
والحنفية ،وعند الحنابلة :روايتان :إحداهما ـ ل يلزمه القضاء ،والثانية يلزمه العادة.
- ً 7فقدان آلة الماء من دلو وحبل:
يتيمم من له قدرة على استعمال الماء ،ولكن لم يجد من يناوله إياه ،أ و لم يجد آلة من حبل أو دلو،
إذا خاف خروج الوقت ،لنه بمنزلة عادم الماء.
وأضاف الحنابلة :أنه يلزم طلب اللة بالستعارة ليحصل بها الماء ،لن ما ل يتم الواجب إل به فهو
واجب ،ويلزمه قبول عارية؛ لن المنة في ذلك يسيرة .وإن قدر على استخراج ماء بئر بثوب يبله ،ثم
يعصره ،لزمه ذلك لقدرته على تحصيل الماء ،كما لو وجد حبلً ودلوا ،إذا لم تنقص قيمة الثوب أو
أكثر من ثمن الماء الذي يستخرجه في مكانه ،فإن نقصت أكثر من ثمنه لم يلزمه كشرائه .ويلزمه
قبول الماء قرضا ،وقبول ثمنه قرضا ،إذا كان له ما يوفيه منه؛ لن المنة في ذلك يسيرة ،ول يلزمه
اقتراض ثمن الماء للمنة ،ويلزمه قبول الماء إذا بذل له هبة لسهولة المنة فيه ،لعدم تموله عادة ،ول
يلزمه قبول ثمن الماء هبة للمنة ،ول يلزمه شراء الماء بدين في ذمته ،ولو قدر على أدائه في بلده؛
لن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته ،وربما تلف ماله قبل أدائه.
- ً 8الخوف من خروج وقت الصلة:
لم يجز الشافعية ( )1التيمم خوفا من خروج الوقت؛ لنه يكون متيمما مع وجود الماء ،واستثنوا حالة
المسافر فإنه ل يلزم بطلب الماء ويتيمم إذا خاف خروج الوقت وخاف على نفسه أو ماله أو انقطاعه
عن الرفقة.
وكذلك الحنابلة لم يجيزوا التيمم لخوف فوت الوقت سواء لجنازة أو عيد أو فريضة ،إل لمسافر علم
وجود الماء في مكان قريب ،لكن إذا قصده خاف خروج الوقت ،فيتيمم حينئذ ،ويصلي ول إعادة
عليه ،لنه غير قادر على استعماله في الوقت ،فأشبه عادم الماء (. )2
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،88/1:الحضرمية:ص .24
( )2كشاف القناع.206/1:
( )1/507
ولم يجز الحنفية التيمم خوف خروج الوقت إل فيما يأتي (: )1
أولً ـ يتيمم لفقد الماء خوف فوت صلة جنازة ولو جنبا ،أو فوت صلة عيد بسبب الخوف من
فراغ إمام أو زوال شمس لو اشتغل بالوضوء ،سواء أكان إماما أم غيره في الصح ،لفواتهما بل
بدل ،ولما روي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :إذا فاجأتك صلة جنازة ،فخشيت فوتها ،فصل
عليها بالتيمم .وعن ابن عمر رضي ال عنهما أنه أتي بجنازة ،وهو على غير وضوء ،فتيمم ،ثم
صلى عليها .وإذا تيمم لصلة جنازة أو لسجدة تلوة يجوز له عند فقد الماء أداء سائر الصلوات ()2
.
ثانيا ـ له التيمم أيضا لفقد الماء خوف فوت صلة كسوف وسنن المفروضات ،ولو سنة فجر ،إذا
أخرها بحيث لو توضأ ،فات وقتها.
ول يصح التيمم لصلة الجمعة وسائر الصلوات المكتوبة والوتر إذا خاف فوت الوقت؛ لن للجمعة
بدلً وهو الظهر ،ولن بقية الصلوات تقضى.
وقال المالكية على المعتمد ( : )3يجوز التيمم لعادم الماء خوف خروج الوقت محافظة على أداء
الصلة في وقتها ،فإن ظن أنه يدرك منها ركعة في وقتها إن توضأ أو اغتسل ،فل يتيمم.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،227-223/1:مراقي الفلح :ص 19وما بعدها ،البدائع ،51/1:فتح القدير.96/1:
( )2ويجوز عند الحنفية التيمم لذاته عند فقد الماء وإن لم تجز الصلة به لمور ،ضابطها :كل مال
تشترط الطهارة له ،وهي :قراءة القرآن لغير الجنب عن ظهر قلب أو من المصحف ،وتعليم القرآن،
ودخول المسجد ،أو خروجه ،ودفن الميت وزيارة القبر ،والذان والقامة ،وعيادة المريض ،والسلم
ورده .والمختار :جواز التيمم للمسافر دون المقيم لداء سجدة التلوة ،مع وجود الماء.
( )3الشرح الصغير ،184-182/1الشرح الكبير 150/1:وما بعدها.
( )1/508
والظهر خلف المشهور :أنه يجوز التيمم لعادم الماء وقت الداء لحاضر (مقيم) صحيح لداء
جمعة ،وصلة جنازة ،متعينة أم ل ،خاف فواتها ،ويصلي ول يعيد.
كما يجوز التيمم لعادم الماء لداء السنة والمندوب ومس المصحف ،والطواف غير الواجب.
والخلصة أن أسباب التيمم ترجع إلى أمرين:
الول :فقد الماء ،ويشمل حالة الحاجة إلى الماء ولو في المستقبل ،وحالة الخوف من تلف المال،
وخوف خروج الوقت بالطلب أو الستعمال.
والثاني ـ العجز عن استعمال الماء .ويشمل بقية الحالت .والمر الثاني مقيس على المر الول:
وهو فاقد الماء المنصوص عليه في آية التيمم.
واتفق الفقهاء على أنه يجوز التيمم لثنين :للمريض وللمسافر إذا عدم الماء.
هل تعاد الصلة المؤداة بالتيمم؟
اتفق الفقهاء على أن من تيمم لفقد الماء ،وصلى ،ثم وجد الماء بعد خروج الوقت (وقت الصلة) ،ل
إعادة عليه .أما إن وجد الماء في الوقت ،أو تيمم لسباب أخرى ففيه اختلف(:)1
قال الحنفية والمالكية والحنابلة :ل إعادة على من تيمم ثم وجد الماء في الوقت ،ول قضاء عليه
بالتيمم للسباب الخرى ،إل أن المالكية قالوا :كل من أمر بالتيمم يعيد الصلة في الوقت إذا كان
مقصرا أي عنده نوع من التقصير في البحث عن الماء ،أو طلبه.
واستثنى الحنفية :المحبوس الذي صلى بالتيمم فإنه يعيد الصلة إن كان مقيما في الحضر ،ول يعيدها
في السفر .واليسر الخذ بهذا الرأي.
-------------------------------
( )1المغني 243/1:وما بعدها ،265،268،كشاف القناع ،195،206-193/1:الشرح الصغير:
،190/1مراقي الفلح :ص ،19الوجيز للغزالي ،23/1:مغني المحتاج 101/1،106:وما بعدها،
المهذب ،36/1:المجموع.352-342/2:
( )1/509
ودليلهم :ما روى أبو داود عن أبي سعيد« :أن رجلين خرجا في سفر ،فحضرت الصلة ،وليس
معهما ماء ،فتيمما صعيدا طيبا ،فصليا ،ثم وجدا الماء في الوقت ،فأعاد أحدهما الوضوء والصلة،
ولم يعد الخر ،ثم أتيا رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فذكر له ذلك ،فقال للذي لم يعد :أصبت
السنة ،وأجزأتك صلتك ،وقال للذي أعاد :لك الجر مرتين» .
وتيمم ابن عمر وهو يرى بيوت المدينة ،وصلى العصر ،ثم دخل المدينة ،والشمس مرتفعة ،فلم يعد.
ولن المتيمم فعل ما أمر به ،وأدى فرضه كما أمر ،فلم يلزمه العادة ،ولن عدم الماء عذر معتاد،
فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلة ،كالمرض ،وماسقط ليعود إلى الذمة.
وذهب الحنابلة على المشهور في المذهب إلى أن المتيمم واجد الماء في الصلة ،ينتقض تيممه،
وتبطل طهارته ،ويعيد الطهارة ويستأنف الصلة من جديد ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :الصعيد
الطيب :وضوء المسلم ،إن لم يجد الماء عشر سنين ،فإذا وجدت الماء ،فأمِسّه جلدك» ( )1دل
بمفهومه :على أنه ل يكون طهورا عند وجود الماء ،وبمنطوقه على وجوب إمساسه جلده عند
وجوده ،ولنه قدر على استعمال الماء ،فبطل تيممه كالخارج من الصلة ،ولن التيمم طهارة
ضرورة ،فبطلت بزوال الضرورة ،كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها.
وإن عدم الماء تيمم وصلى ولم يعد الصلة؛ لنها صلة تيمم صحيح ،وإن خاف العطش أبقى ماءه
ول إعادة عليه.
وقال الشافعية :إن تيمم لعدم الماء ،ثم رأى الماء:
أ ـ فإن كان قبل الدخول في الصلة ،بطل تيممه ،لنه لم يشرع في المقصود ،وللحديث السابق عن
أبي ذر« :فإذا وجدت الماء ،فأمسه جلدك» .
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والحاكم والنسائي عن أبي ذر ،وصححه الترمذي ،وقال :حسن صحيح.
( )1/510
ب ـ وإن رأى الماء في أثناء الصلة :فإن كان في الحضر بطل تيممه وصلته؛ لنه تلزمه العادة
لوجود الماء ،وقد وجد الماء ،فوجب أن يشتغل بالعادة .والصح أن خروجه من الصلة وقطعها
ليتوضأ أفضل .وإن كان في السفر لم يبطل تيممه على المذهب؛ لنه وجد الصل بعد الشروع في
المقصود ،فل يلزمه النتقال إليه.
وإن رأى الماء في الصلة في السفر ،ثم نوى القامة ،بطل تيممه وصلته؛ لنه اجتمع حكم السفر
والحضر في الصلة ،فوجب أن يغلّب حكم الحضر ،ويصير كأنه تيمم وصلى ،وهو حاضر ،ثم رأى
الماء.
جـ ـ وإن رأى الماء بعد الفراغ من الصلة :إن كان في الحضر ،أعاد الصلة؛ لن عدم الماء في
الحضر عذر نادر غير متصل ،فلم يسقط معه فرض العادة ،كما لو صلى بنجاسة نسيها .وإن كان
في السفر ل تلزمه العادة ،سواء أكان السفر طويلً أم قصيرا في أشهر القولين عن الشافعي .وإن
كان سفر معصية فالصح أنه تجب عليه العادة كالمقيم؛ لن سقوط الفرض بالتيمم رخصة تتعلق
بالسفر ،والسفر معصية ،فل تتعلق به رخصة.
وإن تيمم للمرض وصلى ،ثم برئ ،لم تلزمه العادة أي في الوقت؛ لن المرض من العذار العامة،
فهو كعدم الماء في السفر.
وإن تيمم لشدة البرد ،وصلى،ثم زال البرد :فإن كان في الحضر ،لزمه العادة؛ لن ذلك من العذار
النادرة .وإن كان في السفر ففيه قولن أرجحهما أنه تجب العادة ،لن البرد الذي يخاف منه الهلك،
ول يجد ما يدفع ضرره عذر نادر غير متصل ،فهو كعدم الماء في الحضر.
أما قضاء الصلة المؤداة بالتيمم عند الشافعية :فقالوا فيه :يقضي المقيم المتيمم لفقد الماء ،ل المسافر،
إل العاصي بسفره كالبق والناشزة ،فإنه يقضي في الصح ،لنه ليس من أهل الرخصة.
( )1/511
ويقضي في الظهر من تيمم في السفر للبرد ،أو لمرض يمنع الماء مطلقا (أي في جميع أعضاء
الطهارة) ،أو يمنع الماء في عضو من أعضاء الطهارة ول ساتر عليه ،أو بسبب وجود ساتر كجبيرة
في محل التيمم (الوجه واليدين) ،أو حالة وجود ساتر وضع على حدث في غير أعضاء التيمم.
والخلصة :أن ما كان من الصلة بعذر دائم كصلة المستحاضة والمريض قاعدا ،والمسافر :ل
يقضي .وما كان منها بعذر ل يدوم وليس له بدل كفاقد الطهورين (الماء والتراب) ،والمصلوب إذا
صلى باليماء :يقضي ،وما كان منها بعذر ل يدوم وله بدل كتيمم المقيم وتيمم المسافر لشدة البرد،
ففي القضاء قولن أرجحهما أنه يقضي .ول يخفى ما في رأي الشافعية من تشدد ،يقتضي الجنوح إلى
الخذ برأي الحنفية وموافقيهم.
المطلب الثالث ـ أركان التيمم أو فرائضه:
للتيمم أركان أو فرائض ،علما بأن المراد بالركن أو الفرض ما يتوقف عليه ،أساسا وجود الشيء أو
هو جانبه القوى ،وهو اصطلح الجمهور (غير الحنفية) ،أما الحنفية فيحصرون الركن فيما يتوقف
الشيء على وجوده ،وكان جزءا من حقيقته .وبناء عليه قالوا :للتيمم ركنان فقط :هما الضربتان،
والستيعاب بالمسح وجهه ويديه إلى المرفقين.
أما الجمهور فقالوا :أركان التيمم أربعة أو خمسة على الختلف التي (: )1
- ً 1النية عند مسح الوجه:
هي فرض باتفاق المذاهب الربعة ،منهم القدوري وصاحب الهداية من الحنفية ،وجعلها جماعة من
الحنفية وبعض الحنابلة شرطا ،وهو المعتمد في مذهبي الحنابلة والحنفية.
والنية عند المالكية :أن ينوي استباحة الصلة أو استباحة ما منعه الحدث ،أو فرض التيمم عند مسح
الوجه ،ولو نوى رفع الحدث فقط كان تيممه باطلً؛ لن التيمم ل يرفع الحدث على المشهور عندهم.
-------------------------------
( )1البدائع 45/1:وما بعدها ،52،فتح القدير ،86/1،89:الدر المختار ،212/1:اللباب ،37/1:تبيين
الحقائق 38/1:وما بعدها ،مراقي الفلح ،20-19الشرح الكبير 154/1:وما بعدها ،الشرح الصغير:
،198-192/1القوانين الفقهية :ص 37وما بعدها ،بداية المجتهد 64/1،66:وما بعدها ،مغني
المحتاج ،99-97/1 :المهذب 32/1:وما بعدها ،المغني ،251/1،254:كشاف القناع.202-199/1:
( )1/512
ولو نوى فرض التيمم أجزأه ،ول يلزم بتعيين الحدث الكبر إن كان عليه ،أو الصغر.
أما لو نوى استباحة الصلة أو ما منعه الحدث فيلزم بتعيين الحدث الكبر إن كان عليه ،ويندب نية
الصغر ،كما تقدم سابقا.
ويندب فقط تعيين الصلة المتيمم لها من فرض أو نفل ،أو هما معا .فإن لم يعين الصلة ل يصلي
الفرض بنية النفل ،ول بنية مطلق الصلة لن الفرض يحتاج لنية تخصه.
وقال الشافعية :ل بد أن ينوي استباحة الصلة ونحوها ،فل يكفي في الصح نية فرض التيمم أو
فرض الطهارة ،أو الطهارة عن الحدث أو الجنابة أو رفع الحدث ،لن التيمم ل يرفع الحدث عندهم،
ولن التيمم ليس مقصودا في نفسه ،وإنما يؤتى به عن ضرورة ،فل يجعل مقصودا.
والصح عندهم أنه ل يشترط التعيين في النية ،فإذا أطلق ،صلى أي فرض شاء ،وإن عين فرضا،
ل في الوقت أو غيره ،لكن ل يصلي الفرض بنية النفل ،أو بنية
جاز أن يصلي غيره فرضا أو نف ً
استباحة مطلق الصلة ،أي كما قال المالكية.
ويجب عندهم قرن النية بالنقل الحاصل للتراب بالضرب إلى الوجه ،لنه أول الركان ،ويجب على
الصحيح استدامة النية إلى مسح شيء من الوجه.
وينوي عند الحنابلة استباحة ما ل يباح إل بالتيمم كالصلة ونحوها ،من طواف ومس مصحف ،أي
كما قال الشافعية ،ول يصح بنية رفع الحدث؛ لن التيمم ل يرفع الحدث عندهم كالمالكية والشافعية،
لحديث أبي ذر« :فإذا وجدت الماء فأمسّه جلدك ،فإنه خير لك» (. )1
-------------------------------
( )1صححه الترمذي.
( )1/513
ويجب عندهم تعيين النية لما تيمم له كصلة وطواف ومس مصحف ،من حدث أصغر أو أكبر ،أو
نجاسة على بدنه؛ لن التيمم ل يرفع الحدث ،وإنما يبيح الصلة ،فلم يكن بد من تعيين النية تقوية
لضعفه.
وصفة التعيين :أن ينوي استباحة صلة الظهر مثلً من الجنابة إن كان جنبا ،أو من الحدث إن كان
محدثا ،أو منهما إن كان جنبا محدثا ،وما أشبه ذلك.
وإن تيمم لجنابة لم يجزه عن الحدث الصغر؛ لنهما طهارتان ،فلم تتأد إحداهما بنية الخرى.
وقال الحنفية :يشترط لصحة نية التيمم الذي تصح به الصلة أن ينوي أحد أمور ثلثة:
إما نية الطهارة من الحدث ،أو استباحة الصلة ،أو نية عبادة مقصودة ل تصح بدون طهارة كالصلة
أو سجدة التلوة أو صلة الجنازة .فإن نوى التيمم فقط من غير أن يلحظ استباحة الصلة ،أو رفع
الحدث القائم به ،لم تصح الصلة به .كما ل تصح الصلة إذا نوى ما ليس بعبادة أصلً كدخول
المسجدومس المصحف ( ، )1أو نوى عبادة غير مقصودة لذاتها كالذان والقامة ( ، )2أو نوى
عبادة مقصودة تصح بدون طهارة كالتيمم من المحدث حدثا أصغر لقراءة القرآن ،أو للسلم أو رده.
فإن تيمم الجنب لقراءة القرآن ،صح له أن يصلي به سائر الصلوات.
ول يشترط عندهم تعيين الحدث أو الجنابة ،وإنما يصح التيمم بإطلق النية ،ويصح أيضا بنية رفع
الحدث؛ لن التيمم رافع له كالوضوء.
ويشترط لصحة النية عندهم :السلم ،والتمييز ،والعلم بما ينويه ليعرف حقيقة المنوي.
ومذهب الحنفية هنا أولى الراء لسماحته ويسره وسعته.
-------------------------------
( )1لن العبادة في العتكاف في المسجد ،وفي التلوة.
( )2لن الغرض منهما العلن.
( )1/514
والدليل على اشتراط النية الحديث المتقدم« :إنما العمال بالنيات ،وإنما لكل امرئ ما نوى» واستدل
الحنفية :بأن التراب ملوث ،فل يكون مطهرا إل بالنية ،أي أن التراب ليس بطهارة حقيقية ،وإنما
جعل طهارة عند الحاجة ،والحاجة إنما تعرف بالنية ،بخلف الوضوء؛ لنه طهارة حقيقية ،فل
يشترط له الحاجة ليصير طهارة ،فل يشترط له النية.
- ً 2مسح الوجه واليدين مع الستيعاب (: )1
لقوله تعالى{ :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة.]5/6:
والمطلوب في اليدين عند الحنفية والشافعية :مسحهما إلى المرفقين كالوضوء ،على وجه الستيعاب،
للية المذكورة ،لقيام التيمم مقام الوضوء ،ولن اليد أطلقت في التيمم ،وقيدت في الوضوء بقوله
تعالى { :إلى المرافق } [المائدة ،]5/6:فيحمل التيمم على الوضوء ،ويقاس عليه ،ولحديث عمار :أن
النبي صلّى ال عليه وسلم قال في التيمم « :ضربة للوجه واليدين » (. )2
-------------------------------
( )1يلحظ أن المالكية جعلوا هذا فريضتين :إحداهما ـ الضربة الولى أي وضع الكفين على
الصعيد ،والثانية ـ تعميم الوجه واليدين إلى الكوعين .وعند الشافعية والحنابلة :مسح جميع الوجه
فرضا ،ومسح اليدين فرضا آخر.
( )2رواه أحمد وأبو داود .أما حديث ابن عمر « :التيمم ضربتان :ضربة للوجه ،وضربة لليدين إلى
المرفقين ،فهو ضعيف.
( )1/515
واكتفى المالكية والحنابلة بمسح اليدين إلى الكوعين ،أما من الكوعين إلى المرفقين فسنة ،مستدلين
بقوله تعالى{ :وأيديكم} [المائدة ،]6/5:وإذا علق حكم بمطلق اليدين ،لم يدخل فيه الذراع ،كقطع
السارق ،ولحديث عمار بن ياسر :أن النبي صلّى ال عليه وسلم أمره بالتيمم للوجه والكفين (، )1
ولقول عمار :أجنبت فلم أصب الماء ،فتمعكت (تمرغت أو تقلبت) في الصعيد ،وصليت ،فذكرت ذلك
للنبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال :إنما كان يكفيك هذا ،وضرب النبي صلّى ال عليه وسلم بكفّيه
الرض ،ونفخ فيهما ،ثم مسح بهما وجهه وكفيه (. )2
والمفروض عند الحنفية والشافعية :ضربتان :ضربة للوجه ،وضربة لليدين .وقال المالكية والحنابلة:
الفريضة :الضربة الولى :أي وضع الكفين على الصعيد ،وأما الضربة الثانية فهي سنة ،كما سيأتي.
وسبب الخلف :أن الية مجملة في ذلك ،والحاديث متعارضة ،وقياس التيمم على الوضوء في جميع
أحواله غير متفق عليه .والذي في حديث عمار الثابت من ذلك :إنما هو ضربة واحدة للوجه والكفين
معا ،وهناك أحاديث فيها ضربتان ،فرجح الجمهور هذه الحاديث قياسا للتيمم على الوضوء،ومن هذه
الحاديث حديث ابن عمر« :التيمم ضربتان :ضربة للوجه وضربة لليدين» ( )3وروى أبو داود:
«أنه صلّى ال عليه وسلم تيمم بضربتين مسح بإحداهما وجهه ،وبأخرى ذراعيه» (. )4
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وصححه (نيل الوطار.)263/1:
( )2متفق عليه ،وفي لفظ« :إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ،ثم تنفخ فيهما ،ثم تمسح
بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين» رواه الدارقطني (نيل الوطار.)264/1:
( )3أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي ،لكن في إسناده ضعيف ،وهو موقوف على ابن عمر.
( )4فيه راوٍ ليس بالقوي عند المحدثين ،فسنده ضعيف (انظر نصب الراية.)154-150/1:
( )1/516
واتفق الفقهاء على وجوب نزع الخاتم في التيمم ،بخلف الوضوء؛ لن التراب كثيف ل يسري إلى ما
تحت الخاتم بخلف الماء .ومحل الوجوب عند الشافعية في الضربة الثانية ،ويستحب في الولى،
وإيجاب النزع إنما عند المسح ل عند نقل التراب.
وأوجب المالكية والحنفية أيضا تخليل الصابع بباطن الكف أو الصابع ليتم المسح.
واكتفى الشافعية والحنابلة بالقول بأنه يندب تخليل الصابع بعد مسح اليدين احتياطا.
ل ولو
ول يجب إيصال التراب منبت الشعر الخفيف ،فل يوصل التراب إلى ما تحت شعر اللحية مث ً
خفيفا ،لما فيه من العسر ،بخلف الوضوء ،وليس فيه مضمضة واستنشاق ،لئل يدخل التراب فمه
وأنفه ،بل يكرهان لما فيهما من التقذير.
- ً 3الترتيب فرض عند الشافعية ،وعند الحنابلة في غير حدث أكبر:
أي بين عضوي التيمم؛ لن التيمم مبني على الطهارة بالماء ،والترتيب فرض في الوضوء ،فكذا في
التيمم القائم مقامه ،أما التيمم لحدث أكبر ونجاسة ببدن ،فل يعتبر فيه ترتيب.
وقال الحنفية والمالكية :الترتيب في التيمم بين العضوين (الوجه واليدين) مستحب ل واجب؛ لن
الفرض الصلي المسح ،وإيصال التراب وسيلة إليه.
- ً 4الموالة فرض عند الحنابلة والمالكية ،وقيدها الحنابلة بغير الحدث الكبر كالترتيب :بأن يوالي
بين أجزاء التيمم ،بأل يؤخر مسح عضو عما قبله زمنا بقدرها في الوضوء ،أي بحيث لو قدر
مغسولً لجف بزمن معتدل.
وأضاف المالكية :أن يوالي بين التيمم وبين ما فعل له من صلة ونحوها.
وقال الشافعية والحنفية :موالة التيمم كالوضوء سنة ،كما تسن الموالة أيضا بين التيمم والصلة،
خروجا من خلف من أوجبها ،وهم المالكية كما قدمنا.
- ً 5الصعيد الطاهر فرض عند المالكية ،شرط عند غيرهم:
( )1/517
والصعيد عند المالكية ( : )1كل ما صعد على الرض من أجزائها ،كتراب وهو الفضل من غيره
عند وجوده ،ورمل وحجارة وحصى ،وجص ( )2لم يحرق بالنار ،فإن أحرق أو طبخ لم يجز التيمم
به ،ولو نقل ذلك من محله :بأن يجعل بينه وبين الرض حائل.
ويجوز التيمم على المعادن ما دامت في مواضعها ولم تنقل من محلها ،إذا لم تكن من أحد النقدين
(الذهب أو الفضة) أو من الجواهر كاللؤلؤ .فل يتيمم على المعادن من شبّ ومِلْح وحديد ورصاص
وقصدير وكحل إن نقلت من محلتها ،وصارت أموالً في أيدي الناس ،ول يتيمم على الذهب والفضة
ولو في مكانهما الصلي ،ول على الجواهر كالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ولو بمحلها ،ول يجوز التيمم
في قول على الخشب والحشيش ،ولو لم يوجد غيرهما ،إذ ليس كلهما بصعيد ول ما يشبه الصعيد،
والمعتمد جواز التيمم عليها عند عدم غيرهما.
ويجوز التيمم على الجليد :وهو الثلج المجمد من الماء على وجه الرض أو البحر؛ لنه أشبه بجموده
الحجر ،فالتحق بأجزاء الرض.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 195/1:وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،38الشرح الكبير155/1:وما بعدها.
( )2الجص :نوع من الحجر يحرق بالنار ويسحق ويبنى به القناطر والمساجد والبيوت العظيمة.
( )1/518
ومذهب الحنفية كالمالكية ،فقال أبو حنيفة ومحمد ( : )1يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الرض،
جصّ (الكلس) والنّورة (حجر الكلس)،
كالتراب (وهو مجمع عليه) والغبار ،والرمل ،والحجر ،وال ِ
والكُحْل والزّرْنيخ ،وإن لم يكن عليها غبار؛ لن الصعيد اسم لوجه الرض ،وهذا ل يوجب
الختصاص بالتراب ،بل يعم جميع أجزاء الرض ،ولحديث أبي هريرة :أن ناسا من أهل البادية أتوا
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقالوا :إنا نكون بالرمال ،الشهر الثلثة والربعة ،ويكون فينا
الجنب والنفساء والحائض ،ولسنا نجد الماء ،فقال عليه السلم« :عليكم بالرض ،ثم ضرب بيده على
الرض لوجهه ضربة واحدة ،ثم ضرب أخرى ،فمسح بها على يديه إلى المرفقين» ( )2وقال المام
البخاري« :ل بأس بالصلة على السبخة والتيمم منها» وهي الرض ذات الملح والنزز.
ويجوز عند المالكية والحنفية التيمم بحجر أو صخرة ل غبار عليهما ،وبتراب ندي ل يعلق باليد منه
غبار ،كما يجوز التيمم بالغبار ،بأن ضرب يده على ثوب أو لبد أو سرج ،فارتفع غبارا.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )3ل يجوز التيمم إل بتراب طاهر ذي غبار يعلق باليد غير محترق ،فإن
كان جرشا أو نديا ل يرتفع له غبار لم يكف.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،88/1:البدائع 53/1:وما بعدها ،اللباب .37/1:وقال أبو يوسف :ليجوز إل بالتراب
والرمل خاصة؛ لن ابن عباس فسّر الصعيد الطيب بالتراب المنبت ،وزاد عليه أبو يوسف :الرمل،
بالحديث الذي ذكر في دليل الطرفين.
( )2رواه أحمد والبيهقي وإسحاق بن راهوية وأبو يعلى الموصلي والطبراني ،لكنه حديث ضعيف
(نصب الراية.)156/1:
( )3المهذب ،32/1:مغني المحتاج 96/1:وما بعدها ،المغني ،249-247/1:كشاف القناع197/1:
ومابعدها ،بجيرمي الخطيب ،252/1:غاية المنتهى.61/1:
( )1/519
وأضاف الشافعية :يجوز برمل فيه غبار ،ول يجوز عند الحنابلة التيمم برمل ،ونحت حجارة ونحوه،
وعن أحمد :رواية أخرى :أنه يجوز التيمم بالرمل.
ول يجوز عند الفريقين التيمم بمعدن كنفط وكبريت ونورة ،ول بسُحاقة خزف ،إذ ل يسمى ذلك
ترابا ،ول بتراب مختلط بدقيق ونحوه كزعفران وجص ،لمنعه وصول التراب إلى العضو ،ول
بجص مطبوخ لنه ليس بتراب ،ول بسبخة ونحوها مما ليس له غبار ،ول بطين رطب لنه ليس
بتراب ،ول بتراب نجس ،كالوضوء باتفاق العلماء لقوله تعالى{ :فتيمموا صعيدا طيبا} [المائدة،]6/5:
ول بما استعمل في العضو عند الشافعية ،ول بمغصوب ونحوه كتراب مسجد عند الحنابلة.
وإن ضرب على لبد أو ثوب أو جوالق أو بساط ،فعلق بيديه غبار ،فتيمم به ،جاز ،وأعجب المام
أحمد حمل التراب لجل التيمم احتياطا للعبادة.
ودليلهم قوله عز وجل{ :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة ]6/5:وهذا يقتضي أنه يمسح بجزء
من الصعيد ،فما ل غبار له كالصخر ل يمسح بشيء منه ،ولنه طهارة ،فوجب إيصال الطهور فيها
إلى محل الطهارة ،كمسح الرأس ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :جعل لي التراب طهورا» (. )1
وذكر الحنابلة :أنه لو وجد ثلجا وتعذر تذويبه ،لزمه مسح أعضائه ،الواجب غسلها به ،لقوله صلّى
ال عليه وسلم « :إذا أمرتكم بأمر ،فائتوا منه ما استطعتم» ،ويعيد الصلة ،إن لم يجر على
العضاء بالمس؛ لنه صلى مع وجود الماء في الجملة ،بل طهارة كاملة ،كما لو صلى بل تيمم ،مع
وجود طين يابس عنده ،لعدم ما يدقه به ،ليصير له غبار.
-------------------------------
( )1رواه الشافعي وأحمد من حديث علي ،وهو حديث حسن.
( )1/520
وقال ابن عباس« :الصعيد :تراب الحرث ،والطيب الطاهر» .وإن كان الثلج يسيل على العضاء ،لم
يعد الصلة ،لوجود الغسل المأمور به ،وإن كان خفيفا.
هذا وقد اعتبر الشافعية :نقل التراب إلى العضو الممسوح أول أركان التيمم الخمسة عندهم ( ، )1فلو
نقل التراب من عضو حدث عليه تراب جديد إلى عضو التيمم ،كفى في الصح ،لوجود مسمى النقل،
،ولو كان على العضو تراب ،فردده عليه من جانب إلى جانب ،لم يكف ولم يجز ،ويظهر لي أن رأي
الشافعية والحنابلة أقوى ،لقوله تعالى{ :فتيمموا صعيدا طيبا} [المائدة.]6/5:
المطلب الرابع ـ كيفية التيمم:
للفقهاء رأيان في كيفية التيمم:
- ً 1رأي الحنفية والشافعية ( : )2التيمم ضربتان :ضربة للوجه ،وضربة لليدين إلي المرفقين،
بدليل الحديث المتقدم ،وهوما روى أبو أمامة وابن عمر رضي ال عنهما :أن النبي صلّى ال عليه
وسلم قال :التيمم ضربتان :ضربة للوجه ،وضربة لليدين إلى المرفقين» ( )3ولن اليد عضو في
التيمم ،فوجب استيعابه كالوجه .وأما حديث عمار رضي ال عنه الدال على الكتفاء بالكفين ،فيتأول
على أنه مسح كفيه إلى المرفقين ،بدليل حديث أبي أمامة وابن عمر.
وهذا الرأي هو الولى بالتباع؛ لن التيمم بدل عن الوضوء ،فيكون محله أعضاء الوضوء
المنصوص على وجوب التيمم فيها.
-------------------------------
( )1وبقية الركان هي :نية استباحة الصلة ،ومسح الوجه ،ومسح اليدين إلى المرفقين ،والترتيب بين
الوجه واليدين.
( )2البدائع ،46/1:تبيين الحقائق ،38/1:المهذب.32/1:
( )3روي أيضا من حديث جابر عند الحاكم والدارقطني ،ومن حديث عائشة عند البزار ،لكن في هذه
الروايات طعن وضعف (نصب الراية 150/1:ومابعدها).
( )1/521
- ً 2رأي المالكية والحنابلة ( : )1التيمم الواجب:ضربة واحدة يمسح بها وجهه بباطن أصابعه ،ثم
كفيه براحتيه ،لحديث عمار :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في التيمم« :ضربة واحدة للوجه
واليدين» ( ، )2لن اليد إذا أطلقت ل يدخل فيها الذراع بدليل السرقة.
والكمل عندهم خروجا من خلف من أوجبه :ضربتان يمسح بالثانية يديه إلى المرفقين ،وكيفية
المسح :أن يمر اليد اليسرى على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق ،ثم باطن المرفق إلى الكوع
(الرسغ) ،ثم يمر اليمنى على اليسرى كذلك ،وكيفما فعل أجزأه إذا أوعب.
واتفق الفقهاء على أنه إن تيمم بأكثر من ضربتين ،جاز أيضا؛ لن المقصود إيصال التراب إلى محل
الفرض ،فكيفما حل جاز ،كالوضوء.
المطلب الخامس ـ شروط التيمم:
اشترط الحنفية لصحة التيمم ثمانية شروط ،والشافعية شرطوا عشرة ،والمالكية والحنابلة شرطوا
شرطين .وهذه الشروط قد تختلط بالفرائض المتقدمة ،وقد تكون السباب السابقة نفسها.
أما المالكية ففسروا الشروط بالسباب وقالوا ( : )3يشترط لجواز التيمم في الجملة شرطان :عدم
الماء ،أو تعذر استعماله.
وأما تفصيلً فهي ما يلي:
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،194/1،198:القوانين الفقهية :ص ،38المغني ،244/1،254:كشاف القناع:
.200/1،205
( )2رواه أحمد والئمة الستة بإسناد صحيح (نصب الراية.)154/1:
( )3القوانين الفقهية :ص .37
( )1/522
عدم الماء في السفر ،والمرض ،وفي الحضر :أن يجد من الماء ما ل يكفيه ،وعدم اللة الموصلة إلى
الماء كالدلو أو الرشاء (الحبل) ،وأن يخاف العطش على نفسه أو غيره من آدمي أو بهيمة ،وأن
يخاف إن خرج إلى الماء لصوصا أو سباعا ،وأن يجد الماء غاليا يجحف به شراؤه ،وأن يخاف فوات
الوقت إن ذهب إلى الماء أو انتظره ،أو استعمله ،وأن يخاف الموت من البرد ،أو حدوث مرض أو
زيادته أو تأخر برء ،أو يكون مريضا ل يجد من يناوله الماء ،أو يكون قد استوعبت الجراح أو
القروح أكثر جسد الجنب ،أو أعضاء الوضوء من المحدث.
ويلحظ أن هذه الحالت هي أسباب للتيمم ،والذي يمكن جعله شرطا عند المالكية :اثنان :فعله بعد
دخول الوقت ،وطلب الماء .أما عند الحنابلة فشرطا التيمم هما :دخول وقت ما يتيمم له ،والعجز عن
استعمال الماء.
يتبين مما ذكر أن شروط التيمم هي ما يأتي:
الشرط الول ـ الصعيد الطاهر :فل يصح التيمم بغير صعيد الرض (التراب عند الشافعية
والحنابلة ،وكل ما كان من جنس الرض عند الحنفية والمالكية) ،ول بالصعيد المتنجس ،لقوله تعالى:
{فتيمموا صعيدا طيبا} [المائدة.]6/5:
وهذا شرط لصحة التيمم عند الجمهور ،فرض عند المالكية ،كما تقدم في فروض التيمم .وأضاف
الحنابلة :أن يكون التراب مباحا ،فلو تيمم بمغصوب أو بتراب مقبرة تكرر نبشها أو بتراب مسجد لم
يجز.
الشرط الثاني ـ كون التيمم بعد دخول الوقت :أي وقت ما يتيمم له .وهذا شرط عند الجمهور ،وليس
بشرط عند الحنفية ،كما اتضح في بحث صفة التيمم.
الشرط الثالث ـ طلب الماء :يشترط لجواز التيمم باتفاق المذاهب الربعة طلب الماء ما لم يتيقن عدم
وجوده؛ لنه ل يسمى فاقد الماء (أو غير واجده أوعادمه) إل إذا طلب الماء ،فلم يجده .لكن الفقهاء
اختلفوا في تقدير المسافة التي يلزم طلب الماء فيها ،وقد أشرت إليها سابقا في بحث أسباب التيمم،
وأذكرها هنا تفصيلً:
( )1/523
- 1مذهب الحنفية ( : )1على المقيم في البلد طلب الماء قبل التيمم مطلقا ،سواء ظن قربه أو لم
يظن ،أما المسافر أو خارج المصر الذي يريد التيمم ،فليس عليه طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن
بقربه ماء؛ لن الغالب عدم الماء في الفلوات.
وإن غلب على ظنه وجود الماء ،لم يجز له التيمم حتى يطلبه بنفسه أو برسوله ،بمقدار غَلْوة سهم من
كل جانب ،ول يبلغ ميلً ( ، )2وظاهره أنه ل يلزمه المشي ،بل يكفيه النظر في الجهات الربع ،لئل
ينقطع عن رفقته ،ودفعا للحرج عن نفسه ،لقوله تعالى إثر آية التيمم{ :ما يريد ال ليجعل عليكم من
حرج ،ولكن يريد ليطهركم} [المائدة ،]6/5:ول حرج فيما دون الميل ،قال الكاساني :أقرب القاويل
اعتبار الميل؛ لن الجواز لدفع الحرج ،ثم قال :والصح أنه يطلب قدر ما ل يضر بنفسه ورفقته
بالنتظار.
فإن قصر في طلب الماء ،وصلى ولم يطلبه ،وجبت عليه العادة عند أبي حنيفة ومحمد.
وإن كان مع رفيقه ماء طلب منه قبل أن يتيمم ،لعدم المنع غالبا ،فإن منعه منه تيمم لتحقق العجز.
لكن لو تيمم قبل الطلب من رفيقه أجزأه عند أبي حنيفة رحمه ال؛ لنه ل يلزمه الطلب من ملك
الغير .وقال الصاحبان :ل يجزيه؛ لن الماء مبذول عادة .ولو أبى أن يعطيه إل بثمن المثل ،وعنده
ثمنه ،ل يجزئه التيمم ،لتحقق القدرة ،ول يلزمه تحمل الغبن الفاحش (. )3
وإن لم يغلب على ظنه قرب الماء ل يجب طلبه ،بل يندب إن رجا وجود الماء.
وإن كان بينه وبين الماء ميل فأكثر ،تيمم.
- 2مذهب المالكية ( : )4إن تحقق عدم الماء فل يلزمه طلبه.
-------------------------------
( )1البدائع 46/1ومابعدها ،فتح القدير ، 84/1،98الدر المختار 227/1ومابعدها ،اللباب .36/1
( )2الغلوة مقدار رمية سهم ،وهي أربع مئة ذراع (184 ، 8م )والميل في اللغة :منتهى مد البصر،
والمراد به ههنا :أربعة آلف خطوة :أو ثلث فرسخ ،أو 1848م.
( )3قال أبو حنيفة :إن كان ليبيع إل بضعف القيمة فهو غالٍ ،وقيل :هو ماليدخل تحت تقويم
المقومين.
( )4الشرح الكبير 153/1
( )1/524
وإن علم وجود الماء أو ظنه أو شك فيه في مكان أو توهم وجوده ،لزمه طلبه لكل صلة طلبا ل يشق
عليه بالفعل ،وهو على أقل من ميلين .كما يلزمه طلبه من ُرفْقته إن اعتقد أو ظن أو شك أو توهم
إعطاءهم ،فإن لم يطلب منهم وتيمم ،ثم تبين وجود الماء أو لم يتبين شيئا ،أعاد الصلة أبدا إن اعتقد
أو ظن العطاء ،وأعاد في الوقت فقط إن شك أو توهم.
ويلزمه شراء الماء بثمن معتاد لم يحتج له ،نقدا أو دينا في الذمة ،فإن زاد على الثمن المعتاد ،ولو
درهما على الراجح ،في ذلك المحل وما قاربه ،فل يلزمه الشراء.
- 3مذهب الشافعية ( : )1إن تيقن المسافر أو المقيم فقد الماء حوله ،تيمم بل طلب .وإن توهم الماء
(وقع في وهمه -تصور ذهنه -أي جوز ذلك) ،طلبه من رحله ورُفقته ،ونظر حواليه إن كان
بمستو من الرض ،فإن احتاج إلى تردد ،تردد في الجهات الربعة قدر نظره في المستوي ,إن أمن
على نفسه وماله وانقطاعه عن الرفقة ,بمقدار حد الغوث ,وهو غلوة سهم ,فإن لم يجد ماء تيمم.
ولو مكث في موضعه فالصح وجوب الطلب لما يطرأ.
وإن تيقن الماء في محل ,طلبه في حد القرب :وهو ستة آلف خطوة .
ويجب شراؤه بثمن مثله إن كان قادرا عليه بنقد أو غيره ,ولم يحتج إليه ،وثمن المثل :هو على
الصح ما تنتهي إليه الرغبات في ذلك الموضع في تلك الحالة .ول يجب عليه شراؤه بزيادة على
ذلك ،وإن قلّت .لكن إن بيع لجل بزيادة لئقة بذلك الجل وكان موسرا ,والجل ممتد إلى موضع
ماله ،وجب الشراء؛ لن ذلك ل يخرجه عن ثمن المثل .ويندب له أن يشتريه إذا زاد على ثمن مثله،
وهو قادر على شرائه.
ول يجب طلب الماء في حد البعد :وهو مازاد عن ستة آلف خطوة ،وله أن يتيمم.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 90- 87/1
( )1/525
- 4مذهب الحنابلة ( : )1يلزم طلب الماء لوقت كل صلة ،بعد دخول الوقت في رحله ( أي ما
يسكنه وما يستصحبه من الثاث) وفيما قرب منه عرفا وعادة ،ويسع في جهاته الربع إلى ما قرب
منه مما عادة القوافل السعي إليه ،ويسأل رفقته ذوي الخبرة بالمكان عن موارد الماد ،كما يسألهم
خضْرة أو شيئا يدل على الماء لزمه قصده ،وإن كان بقربه
عمن يبيع له الماء أو يبذله له .وإن رأى ُ
ربوة أو شيء قائم ،أتاه وفتش عنده قطعا للشك .وإن كان سائرا طلبه أمامه فقط؛ لن في طلبه فيما
عدا ذلك ضررا به .وإن دله أو أرشده عليه ثقة (عدل ضابط) لزمه قصده إن كان قريبا عرفا.
فإن تيمم وصلى بعد طلب الماء وفقده ،صح تيممه وصلته ،ولم يعد الصلة؛ لنها صلة تيمم
صحيح.
هذا وقد ذكر الحنابلة شرطا آخر لصحة التيمم :وهو العجز عن استعمال الماء؛ لن غير العاجز يجد
الماء على وجه ل يضره ،فلم يتناوله النص{ :وإن كنتم مرضى أو على سفر ،فلم تجدوا ماء فتيمموا}
[المائدة ،]6/5:لكن يلحظ أن هذا سبب من أسباب التيمم التي ذكرتها.
وعد بعض الحنابلة ثمانية شروط للتيمم وهي :نية وإسلم وعقل وتمييز واستنجاء أو استجمار ،وإزالة
ما على بدن من نجاسة ذات جرم ،ودخول وقت لصلة ولو منذورة بزمن معين ،وتعذر ماء ولو
بحبس أو غيره.
شروط التيمم عند الحنفية:
ذكر الحنفية شروطا ثمانية لصحة التيمم ،بعضها من أسباب التيمم ،وبعضها من فرائض التيمم عند
غيرهم وبعضها داخل في كيفية التيمم ،وهذه الشروط هي باختصار ما يأتي (: )2
ً - 1النية :وهي عقد القلب على الفعل ،ووقتها :عند ضرب يده على ما يتيمم به .ويشترط لصحة
النية عندهم ثلثة شروط :السلم ،والتمييز ،والعلم بما ينويه .كما يشترط لصحة نية التيمم للصلة
به :أحد ثلثة أشياء :إما نية
-------------------------------
( )1كشاف القناع 192/1:ومابعدها ،غاية المنتهى.54/1:
( )2البدائع 52/1:وما بعدها ،الدر المختار ،213/1،228:مراقي الفلح :ص 19ومابعدها.
( )1/526
الطهارة ،أو استباحة الصلة ،أو نية عبادة مقصودة ( )1ل تصح بدون طهارة ،فله الصلة بالتيمم
بنية الصلة أو صلة الجنازة ،أو سجدة التلوة ،وليس له الصلة بالتيمم بنية دخول المسجد ومس
المصحف ولو كان جنبا؛ لنه عبادة غير مقصودة ،ول بنية قراءة القرآن للمحدث حدثا أصغر ،ولكن
له الصلة بتيمم بنية الجنب قراءة القرآن ،لجواز قراءة المحدث ،ل الجنب ،وليس له الصلة بتيمم
لزيارة القبور والذان والقامة والسلم ورده أو للسلم؛ لنها تصح بدون طهارة.
ً - 2العذر المبيح للتيمم :كبعده ميلً عن الماء ولو في المصر ،وحصول مرض ،وبرد يخاف منه
التلف أو المرض ،وخوف عدو وعطش ،واحتياج لعجن ،ل لطبخ مرق ل ضرورة إليه ،ولفقد آلة،
وخوف فوت صلة جنازة أو عيد لو اشتغل بالوضوء ( ، )2وليس من العذر خوف فوت الجمعة،
وفوات الوقت ،لو اشتغل بالوضوء.
ً - 3أن يكون التيمم بطاهر من جنس الرض كالتراب والحجر والرمل ،والفيروزج والعقيق ،ل
الحطب والفضة والذهب والنحاس والحديد ،وضابطه :أن كل شيء يصير رمادا ،أو ينطبع (يلين)
بالحراق ،ل يجوز التيمم به ،وإل جاز لقوله تعالى{ :فتيمموا صعيدا طيبا} [المائدة ،]6/5:والصعيد:
اسم لوجه الرض ترابا كان أو غيره.
ً - 4استيعاب المحل بالمسح.
ً - 5أن يمسح بجميع اليد أو بأكثرها (أي بثلث أصابع) فلو مسح بأصبعين مثلً ل يجوز حتى ولو
كرر واستوعب المحل الممسوح ،بخلف مسح الرأس في الوضوء.
-------------------------------
( )1المقصودة :هي ما ل تجب في ضمن شيء آخر بطريق التبعية.
( )2ولو من أجل البناء على صلته السابقة ،كأن سبقه الحدث في صلة الجنازة أو العيد ،فله أن
يتيمم ويتم صلته ،لعجزه عنه بالماء.
( )1/527
ً - 6أن يكون بضربتين بباطن الكفين ،ولو في مكان واحد على الرض.ويقوم مقام الضربتين:
إصابة التراب بجسده إذا مسحه بنية التيمم.
ً - 7انقطاع ما ينافيه من حيض أو نفاس أو حدث ،كما هو مشروط في الوضوء.
ً - 8زوال ما يمنع المسح على البشرة ،كشمع وشحم ،حتى يتحقق مسح الجسد ،وهذا مانع من تحقق
المسح عليه.
شروط التيمم عند الشافعية:
ذكر الشافعية عشرة شروط للتيمم هي ما يأتي (: )1
ً - 1أن يكون بتراب على أي لون كان كالمدر والسبخ ( )2الذي عليه غبار وغيرهما ،حتى ما
يداوى به كالطين الرمني إذا سحق ،وحتى غبار رمل خشن أو ناعم ،ل مشوي بقي اسمه وزال
غباره.
ً - 2وأن يكون طاهرا ،لقوله تعالى{ :صعيدا طيبا} [المائدة ،]6/5:قال ابن عباس :ترابا طاهرا.
ً - 3أل يكون مستعملً كالماء :وهوما بقي بمحل التيمم أو تناثر بعد مسه العضو حالة التيمم ،في
الصح.
ً - 4أل يخالطه دقيق ونحوه كزعفران وجص ،لمنعه وصول التراب إلى العضو.
سفَتْه (ألقته) ريح عليه ،فردده على أعضاء التيمم ،ونوى ،لم يجزئ ،لنه لم
ً - 5أن يقصده ،فلو َ
يقصد التراب بنقله إليه ،وإنما التراب أتاه .لكن لو يُمم بغيره بإذنه ،جاز.
ً - 6أن يمسح وجهه ويديه بضربتين ،وإن أمكن بضربة بخرقة ونحوها.
ً - 7أن يزيل النجاسة أولً ،فلو تيمم قبل إزالتها ،لم يجز على المعتمد ،لن التيمم للباحة ،ول إباحة
مع المانع ،فأشبه التيمم قبل الوقت.
ً - 8أن يجتهد في القبلة قبل التيمم ،فلو تيمم قبل الجتهاد فيها ،لم يصح على الوجه.
-------------------------------
( )1المهذب ،34-32/1:مغني المحتاج ،99-96/1:الحضرمية :ص .26
( )2السبخ بكسر الباء :هو ما ل ينبت ،إذا لم يعله الملح ،فإن عله لم يصح التيمم به.
( )1/528
ً - 9أن يقع التيمم بعد دخول الوقت ،لنه طهارة ضرورة ،ول ضرورة قبله ،فيتيمم للنافلة المطلقة
فيما عدا وقت الكراهة ،وللصلة على الميت بعد طهره ،وللستسقاء بعد تجمع الناس ،وللفائتة بعد
تذكرها.
ً - 10أن يتيمم لكل فرض عيني؛ لن التيمم طهارة ضرورة ،فيقدر بقدرها.
المطلب السادس ـ سنن التيمم ومكروهاته:
يسن في التيمم المور التالية ( )1علما بأنها سبع عند الحنفية ،وتسع عند المالكية ،وخمس عشرة عند
الشافعية ،واثنتان عند الحنابلة.
أما سننه عند الحنفية فهي ما يأتي:
ً - 1التسمية في أوله ،كالوضوء ،بأن يقول :بسم ال ،وقيل :الفضل :بسم ال الرحمن الرحيم.
ً - 4ً - 2الضرب بباطن الكفين وإقبال اليدين بعد وضعهما في التراب ،وإدبارهما مبالغة في
الستيعاب ،ثم نفضهما ،اتقاء عن تلويث الوجه ،نقل ذلك عن أبي حنيفة.
ً - 5تفريج الصابع ،ليصل التراب إلى ما بينهما.
ً - 7ً ،6الترتيب والموالة (الوِلء) أي مسح المتأخر عقب المتقدم ،بحيث لو كان الستعمال بالماء
ل يجف المتقدم ،كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم .
وسنن التيمم عند المالكية أربع:
ً - 1الترتيب :بأن يمسح الوجه أولً ،ثم اليدين ،فإن نكس أعاد المنكس وحده وهو اليدان ،إن قرب
ولم يصلّ به وإل بطل التيمم .أما الموالة فهي فرض عندهم.
ً - 3ً ،2الضربة الثانية ليديه ،والمسح إلى المرفقين.
ً - 4نقل أثر الضرب من الغبار إلى الممسوح ،بأن ل يمسح على شيء قبل مسح الوجه واليدين ،فإن
مسحهما بشيء قبل ما ذكر ،كره وأجزأ ،وهذا ل يمنع من نفضهما نفضا خفيفا.
وأضاف المالكية فضائل أو مندوبات أخرى للتيمم وهي:
-------------------------------
( )1الدر المختار ،213/1:مراقي الفلح :ص ،20الشرح الصغير ،198/1:الشرح الكبير157/1:
ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،38بجيرمي الخطيب ،256/1:المهذب ،33/1:مغني المحتاج،99/1:
كشاف القناع.204/1:
( )1/529
ً - 1التسمية :بأن يقول :بسم ال الرحمن الرحيم على الظهر ،أو بسم ال في قول آخر- 3ً ،2ً .
الصمت ،واستقبال القبلة.
ً - 5ً ،4البدء باليد اليمنى ،وجعل ظاهرها من طرف الصابع بباطن يسراه ،ثم يُمرّها من فوق
الكف إلى المرفق ،ثم باطن المرفق إلى الكوع (الرسغ) ثم يمر اليمنى على اليسرى كذلك ،كما فعل
في اليمنى ،ثم يخلل أصابعه وجوبا ،كما أوضحت في الفرائض.
وسنن التيمم عند الشافعية نحو خمس عشرة:
التسمية الكاملة أوله كالوضوء والغسل ،والبداءة بأعلى الوجه.
وتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين ،وتفريق الصابع في الضربة الولى ،وتخليل الصابع بعد
مسح اليدين احتياطا ،وتخفيف الغبار بحيث يبقى بقدر الحاجة ،لئل تتشوه به خلقته ،وعملً بحديث
عمار السابق وغيره.
والموالة ،كالوضوء لن كلً منهما طهارة عن حدث ،والموالة بين التيمم والصلة ،خروجا من
خلف من أوجبها ،وهم المالكية.
ويسن أيضا إمرار اليد على العضو كالدلك في الوضوء ،وأل يرفع اليد عن العضو قبل تمام مسحه،
خروجا من خلف من أوجبه.
ومن سننه أيضا مسح بعض العضد كالتحجيل في الوضوء ،وعدم تكرار المسح؛ لن المطلوب منه
تخفيف الغبار ،واستقبال القبلة ،والشهادتان بعده ،كالوضوء فيهما.
ويسن نزع الخاتم في الضربة الولى ،ويجب نزعه في الضربة الثانية عند المسح.
ويسن صلة ركعتين عقبه قياسا على الوضوء ،والسواك قبله بين التسمية ونقل التراب إلى أعضاء
التيمم ،كما أنه في الوضوء بين غسل اليدين والمضمضة.
( )1/530
أما الحنابلة :فاعتبروا التسمية والترتيب والموالة واجبة في التيمم كالوضوء ،ولم يعدوا من سنن
التيمم سوى أن تأخيره أولى بكل حال إلى آخر الوقت المختار ،إن رجا وجود الماء ،لقول علي
رضي ال عنه في الجن« :يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت ،فإن وجد الماء ،وإل تيمم» ولنه يستحب
التأخير للصلة إلى ما بعد ال َعشَاء،وقضاء الحاجة ،كيل ذهب خشوعها وحضور القلب فيها ،ويستحب
تأخيرها لدراك الجماعة ،فتأخيرها لدراك الطهارة المشترطة أولى .كما أنهم اعتبروا تخليل
الصابع مستحبا ،وليس بفرض (. )1
وصفة التيمم عندهم ( : )2أن ينوي استباحة ما يتيمم له ،كفرض الصلة من الحدث الصغر ،أو
الكبر ونحوه ،ثم يسمي ،فيقول :بسم ال ،وتسقط سهوا ،ويضرب يديه مفرجتي الصابع ليصل
التراب إلى ما بينها ،على التراب أو على غيره مما له غبار طهور ،كلبد أو ثوب أو بساط أو حصير
أو برذعة حمار ونحوها ،ضربة واحدة ،بعد نزع خاتم ونحوه ،ليصل التراب إلى ما تحته ،وإن كان
التراب خفيفا كره نفخه لئل يذهب فيحتاج إلى إعادة الضرب .ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه ،ثم كفيه
براحتيه ،لحديث عمار السابق أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في التيمم« :ضربة واحدة للوجه
واليدين» (. )3
ويجوز أن يمسح بضربتين ،بإحداهما وجهه ،وبالخرى يديه إلى المرفقين ،وهو حسن.
مكروهات التيمم :
يتبين من بحث سنن التيمم أنه عند الحنفية يكره ترك سنة من السنن المتقدمة ،وتكرار المسح.
وقال المالكية :تكره الزيادة على مرة في المسح ،وكثرة الكلم في غير ذكر ال ،وإطالة المسح إلى ما
فوق المرفقين وهو المسمى بالغرة والتحجيل.
وقال الشافعية :يكره تكثير التراب ،وتكرار المسح ،وتجديد التيمم ولو بعد فعل صلة ،ونفض اليدين
بعد تمام التيمم.
-------------------------------
( )1المغني243/1،254:
( )2كشاف القناع 204/1:ومابعدها ،المغني.254/1:
( )3رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
( )1/531
وقال الحنابلة :يكره تكرار المسح ،وإدخال التراب في الفم والنف ،والضرب أكثر من مرتين ،ونفخ
التراب إن كان خفيفا.
المطلب السابع :نواقض التيمم أو مبطلته:
ينقض التيمم ما يأتي ()1
ً - 1كل ما ينقض الوضوء والغسل ينقض التيمم؛ لنه بدل عنهما ،وناقض الصل ناقض لخلفه ،فلو
تيمم للجنابة ،ثم أحدث صار محدثا ل جنبا ،فيتيمم وينزع خفيه إن كان لبسهما ،ثم بعده يمسح
عليهما ،ما لم يجد الماء.
ً - 2زوال العذر المبيح له كذهاب العدو والمرض والبرد ووجود آلة نزح الماء ،وإطلق سراحه من
السجن الذي ل ماء فيه؛ لن ما جاز بعذر بطل بزواله.
ً - 3رؤية الماء أو القدرة على استعمال الماء الكافي ولو مرة عند الحنفية والمالكية ،ولو لم يكف
عند الشافعية والحنابلة ،وذلك قبل الصلة ،ل فيها عند جماعة كما سيأتي ،وأن يكون فاضلً عن
حاجته كعطش وعجن وغسل نجاسة؛ لنه مشغول بالحاجة ،وغير الكافي في رأي الحنفية والمالكية
كالمعدوم.
وقال الحنفية :إن مرور نائم أو ناعس متيمم على ماء كاف يجعله كالمستيقظ ،يبطل تيممه.
فإن رأى الماء أثناء الصلة:
ينتقض تيممه عند الحنفية والحنابلة ،لبطلن الطهارة بزوال سببها ،ولن الصل إيقاع الصلة
بالوضوء ،وقد قدر على الصل قبل حصول المقصود ببدله ،وللدلة النصية المتقدمة في بحث إعادة
الصلة.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،236-234/1:مراقي الفلح :ص ،21اللباب 37/1:ومابعدها ،فتح القدير91/1:
ومابعدها ،البدائع ،56/1:الشرح الصغير ،199/1:الشرح الكبير ،158/1:القوانين الفقهية :ص ،38
بجيرمي الخطيب 261-257/1:مغني المحتاج ،101/1:المهذب ،36/1:المغني ،268/1،272:كشاف
القناع ،190/1،202:غاية المنتهى 63/1:ومابعدها.
( )1/532
ول ينتقض تيممه عند المالكية ،ول ينتقض بالنسبة للمسافر عند الشافعية؛ لنه مأذون له بالدخول في
الصلة بالتيمم ،والصل بقاء ذلك الذن ،ولقوله تعالى{ :ول تبطلوا أعمالكم} [محمد ،]33/47:وكان
عمله سليما قبل رؤية الماء ،والصل بقاؤه ،وقياسا على رؤية الماء بعد الفراغ من الصلة؛ لن رؤية
الماء ليست بحدث ،فل تبطل الصلة ،حفاظا على حرمة الصلة.
وتبطل صلة المقيم عند الشافعية إن رأى الماء في أثناء الصلة؛ لنه كما أبنت سابقا تلزمه إعادة
الصلة لوجود الماء ،وقد وجد الماء ،فوجب أن يشتغل بالعادة.
واستثنى المالكية حالة نسيان الماء :فمن كان ناسيا للماء الذي معه ،فتيمم وأحرم بصلة ثم تذكر فيها،
تبطل إن اتسع الوقت.
أما إن رأى الماء بعد انتهاء الصلة :فإن كان بعد خروج وقت الصلة ،ل يعيدها إجماعا ،دفعا
للحرج .وإن كان في أثناء الوقت ،لم يعد الصلة عند الجمهور (غير الشافعية) ،ويعيدها المقيم ل
المسافر غير العاصي بسفره عند الشافعية ،كما أوضحت سابقا.
ً - 4خروج الوقت :يبطل التيمم عند الحنابلة بخروج وقت الصلة ،وأضاف الحنابلة :إن خرج وقت
الصلة وهو فيها ،بطل تيممه ،وبطلت صلته ،لن طهارته انتهت بانتهاء وقتها ،فبطلت صلته ،كما
لو انقضت مدة المسح وهو في الصلة.
ً - 5الردة :تبطل التيمم عند الشافعية ،بخلف الوضوء ،لقوته ،وضعف بدله ،لكن تبطل نية الوضوء
فيجب تجديدها ،ولن التيمم لستباحة الصلة ،وهي منتفية مع الردة ،هذا والردة تبطل التيمم ولو
صورة كالواقعة من الصبي.
ول يبطل التيمم بالردة عند الحنفية وغيرهم ،فيصلي به إذا أسلم؛ لن الحاصل بالتيمم صفة الطهارة،
والكفر ل ينافيها كالوضوء ،ولن الردة تبطل ثواب العمل ،ل زوال الحدث.
ً - 6الفصل الطويل بين التيمم والصلة :يُبطل التيمم عند المالكية دون غيرهم لشتراطهم الموالة
بينه وبين الصلة كما تقدم.
( )1/533
( )1/534
- ً 3الشافعية :يصلي فاقد الطهورين الفرض وحده في المذهب الجديد على حسب حاله بنية وقراءة،
لجل حرمة الوقت ،ول يصلي النافلة ويعيد الصلة ،إذا وجد الماء أو التراب في مكان ل ماء فيه؛
لن هذا العذر نادر ول دوام له ،ولن العجز عن الطهارة التي هي شرط من شروط الصلة ل يبيح
ترك الصلة ،كستر العورة وإزالة النجاسة ،واستقبال القبلة ،والقيام والقراءة .ومن على بدنه نجاسة
يخاف من غسلها ،ومن حبس عن الصلة كفاقد الطهورين يصلون الفريضة فقط ،إل أن الجنب
يقتصر على قراءة الفاتحة فقط.
والراجح لدي هذا الرأي ،أي أن الصلة تكون بحسب المعتاد ،وتعاد لعدم النص الصريح في حكم
حال هذا المصلي.
- ً 4الحنابلة :يصلي فاقد الطهورين الفرض فقط ،على حسب حاله وجوبا ،لقوله صلّى ال عليه
وسلم -فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة « :-إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم» ولن
العجز عن الشرط ل يوجب ترك المشروط ،كما لو عجز عن السترة والستقبال ،أي كما قال
الشافعية.
ول إعادة عليه ،لما روي عن عائشة« :أنها استعارت من أسماء قلدة ،فضلّتها ،فبعث رسول ال
صلّى ال عليه وسلم رجالً في طلبها ،فوجدوها ،فأدركتهم الصلة ،وليس معهم ماء ،فصلوا بغير
وضوء ،فشكوا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ،فأنزل ال آية التيمم» ( )1ولم يأمرهم بالعادة ،ولن
الوضوء أحد شروط الصلة ،فسقط عند العجز ،كسائر شروطها.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )1/535
ول يزيد المصلي الفاقد الطهورين على ما يجزئ في الصلة من قراءة وغيرها ،فيقرأ الفاتحة فقط،
ويسبح مرة فقط ،ويقتصر على ما يجزئ في طمأنينة ركوع أو سجود ،أو جلوس بين السجدتين ،كما
يقتصر على ما يجزئ في التشهد الول والخير ،ثم يسلم في الحال.
ول يتنفل ،ول يؤم متطهرا بماء أو تراب ،لعدم صحة اقتداء المتطهر بالمحدث العالم بحدثه ،لكن يؤم
مثله.
ول يقرأ في غير صلة إن كان جنبا ونحوه كحائض ونفساء.
وتبطل صلته بالحدث فيها ،وبطروء نجاسة ل يعفى عنها؛ لن ذلك ينافي الصلة.
ول تبطل صلته بخروج وقتها بخلف صلة المتيمم؛ لن التيمم يبطل فتبطل الصلة.
وتبطل الصلة على الميت إذا لم يغسل ولم يتيمم ،لعدم الماء والتراب ،ويجوز نبشه قبل تفسخه للغسل
أو التيمم ،لنه مصلحة بل مفسدة ،فإن خيف تفسخه لم ينبش.
صلُ السّابع :الحَيض ،النّفاس ،السْتِحاضة
ال َف ْ
الدماء التي تخرج من فروج النساء ثلثة :دم حيض :وهو الخارج في حالة الصحة ،ودم استحاضة:
وهو الخارج في حالة المرض ،وهو غير دم الحيض لقوله عليه الصلة والسلم «إنما ذلك عِرْق
وليس بالحيضة» (، )1ودم نفاس :وهو الخارج مع الولد .ولكل أحكام ،ففي هذا الفصل مباحث أربعة:
المبحث الول ـ تعريف الحيض ووقته
وفيه مطلبان:
المطلب الول ـ تعريف الحيض:
الحيض :لغة :هو السيلن ،يقال :حاض الوادي :إذا سال ،وحاضت الشجرة :إذا سال صمغها.
وشرعا :هو الدم الخارج في حال الصحة من أقصى رحم المرأة من غير ولدة ول مرض ،في أمد
معين .ولونه عادة :السواد ،وهو محتدم (أي شديد الحرارة) ،لذاع محرق (أي موجع مؤلم) ،كريه
الرائحة.
والصل فيه آية{ :ويسألونك عن المحيض} [البقرة ،]222/2:أي الحيض ،وخبر الصحيحين عن
عائشة رضي ال عنها قالت :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن الحيض« :هذا شيء كتبه ال
على بنات آدم» .
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن عائشة ،وسيأتي نصه الكامل ،والمراد بقوله :عرق أي ينزف.
( )1/536
ووقته :من بلوغ النثى تقريبا تسع سنين قمرية ( ، )1إلى سن اليأس .فإن رأت الدم قبل هذه السن أو
بعد سن اليأس ،فهو دم فساد أو نزيف.
وتصبح النثى برؤية الحيض بالغة مكلفة مطالبة بجميع التكاليف الشرعية من صلة وصوم وحج
ونحوها ،كما أن الولد يبلغ بالحتلم بخروج المني ،ويحصل البلوغ باستكمال سن الخامسة عشرة ،إذا
لم يحصل الحتلم أو الحيض.
واختلف الفقهاء في تحديد سن اليأس لعدم النص فيه ،ولعتمادهم على الستقراء والتتبع لحوال
النساء (. )2
فقال الحنفية على المفتى به أو المختار :سن الياس خمس وخمسون سنة ،فإن رأت بعده دما قويا
أسود أو أحمر قانيا ،اعتبر حيضا ،وعليه :ما تراه آيسة على ظاهر المذهب يعد استحاضة ما لم يكن
دما خالصا كالسود والحمر القاني.
وقال المالكية :سن اليأس سبعون سنة ،وتسأل النساء في بنت الخمسين إلى السبعين ،فإن قلن :حيض،
أو شككن ،فحيض ،كما يسألن في المراهقة :وهي بنت تسع إلى ثلث عشرة.
وقال الشافعية :ل آخر لسن اليأس ،فما دامت حية فالحيض ممكن في حقها ،لكن غالبه اثنان وستون
سنة.
وقدر الحنابلة سن اليأس بخمسين سنة ،لقول عائشة« :إذا بلغت امرأة خمسين سنة خرجت من حد
الحيض» ( )3وقالت أيضا« :لن ترى في بطنها ولدا بعد الخمسين» (. )4
-------------------------------
( )1السنة القمرية 6/1،5/1( :و )354ثلث مئة وأربعة وخمسون يوما ،وخمس يوم وسدسه.
( )2مراقي الفلح :ص ،23حاشية الصاوي على الشرح الصغير ،208/1:تحفة الطلب :ص ،33
الحضرمية :ص ،27المغني ،363/1 :كشاف القناع ،232/1 :الدر المختار 279/1 :وما بعدها.
( )3ذكره أحمد.
( )4رواه أبو إسحاق الشالنجي.
( )1/537
( )1/538
ألوان الدم :دم الحيض في أيام العادة الشهرية باتفاق الفقهاء ( : )1إما أسود أو أحمر أو أصفر أو
أكدر (متوسط بين السواد والبياض) وليست الصفرة والكدرة بعد العادة حيضا ،ول يعرف انقطاعه إل
برؤية بياض خالص ،بأن تدخل المرأة خرقة نظيفة أو قطنة في فرجها لتنظر هل بقي شيء من أثر
الدم أو ل.
ورأى الحنفية :أن ألوان دم الحيض ستة :السواد ،والحمرة ،والصفرة ،والكدرة ،والخضرة ،والتٌربية(
أي على لون التراب ) على الصح .فكل ما يرى في أيام الحيض من الدماء فهو حيض ،حتى ترى
البياض الخالص :وهو شيئ يشبه المخاط يخرج عند انتهاء الحيض .أو هو القطن الذي تختبر به
المرأة نفسها ،إذا خرج أبيض ،فقد طهرت .
والخضرة نوع من الكدرة ،وتظهر في المرأة ذات العادة الشهرية بسبب غذاء فاسد أفسد صورة دمها
،كما أن اليسة الكبيرة لترى غير الخضرة.
ورتب الشافعية ألوان الحيض بحسب قوتها فقالوا :اللوان خمسة :أقواها السواد ،ثم الحمرة ،ثم
الشقرة ( وهي التربية عند الحنفية ) ثم الصفرة ،ثم الكدرة .
وصفات دم الحيض أربعة أقواها :الثخين المنتن ،ثم المنتن ،ثم الثخين ،ثم غير الثخين وغير المنتن.
والدليل على أن هذه اللوان في أيام العادة حيض :هو دخولها في عموم النص القرآني{ :ويسألونك
عن المحيض} [البقرة ]222/2:وأخبار في السنة ،منها قول عائشة« :وكان النساء يبعثن إليها بالدّرجة
فيها الكُرْسف ( ، )2فيه الصفرة والكدرة من دم الحيض ،فتقول :ل تعْجَلْن حتى ترين ال َقصّة
البيضاء» ( )3تريد بذلك الطهر من الحيض.
وأما الدليل على أن ما بعد الحيضة من الصفرة والكدرة ليس حيضا :فهو قول أم عطية« :كنا ل نعد
الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا» (. )4
-------------------------------
( )1فتح القدير مع حاشية العناية ،112/1:اللباب ،47/1:الشرح الصغير 207/1:مغني المحتاج:
،113/1حاشية الباجوري ،112/1:كشاف القناع ،246/1:البدائع.39/1:
( )2الدرجة :بضم الدال وإسكان الراء والجيم :هي نحو خرقة كقطنة تدخلها المرأة فرجها ثم تخرجها
لتنظر هل بقي شيء من أثر الدم أو ل .والكرسف :القطن.
( )3رواه مالك .والقصة :بفتح القاف الجص ،شبهت الرطوبة النقية بالجص في الصفاء ،قال مالك
وأحمد :هي ماء أبيض يتبع الحيضة.
( )4رواه أبو داود والبخاري ،ولم يذكر ( بعد الطهر ) والحاكم.
( )1/539
( )1/540
وأما الحامل فيما بعد شهرين من بدء الحمل :فيقدر أكثر الحيض بعشرين يوما.
وما بعد ستة أشهر فأكثر :فيقدر له ثلثون يوما.
وأما المختلطة :وهي التي ترى الدم يوما أو أياما ،والطهر يوما أو أياما ،حتى ل يحصل لها طهر
كامل ،فإنها تلفق أيام الدم ،فتعدها حتى يكمل لها مقدار أكثر أيام الحيض ( 15يوما) ،وتلغي أيام
الطهر التي بينها ،فل تعدها .فما زاد عن مدة أكثر الحيض يكون استحاضة.
وتغتسل في كل يوم ل ترى فيه الدم ،رجاء أن يكون طهرا كاملً.
وتكون حائضا في كل يوم ترى فيه الدم ،وتجتنب ما تجتنبه الحائض.
ويرى الشافعية والحنابلة :أن أقل زمن الحيض يوم وليلة :وهو أربع وعشرون ساعة ،على التصال
المعتاد في الحيض ،بحيث لو وضعت قطنة لتلوثت ،فل يشترط نزوله بشدة دائما حتى يوجد
التصال .وعلى هذا فقد يتصل في الظاهر أو ينقطع في الظاهر ،ولكنه موجود في الواقع ،ويعرف
بتلوث قطنة أو نحوها ،فإن رأت الدم أقل من يوم وليلة ،فهو دم استحاضة ،ل دم حيض.
حمْنة بنت جحش لما سألته « :تَحَيّضي في علم ال
وغالبه :ست أو سبع ،لقوله صلّى ال عليه وسلم لِ َ
ستة أيام أو سبعة ،ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها ،أو ثلثا وعشرين ليلة ،فإن ذلك
يجزيك » ( . )1وأكثره :خمسة عشر يوما بلياليها ،فإن زاد عليها فهو استحاضة.
ويتميز دم الحيض عن دم الستحاضة بلونه وشدته ورائحته الكريهة.
-------------------------------
طهُرن لميقات حيضتهن
( )1تتمة الحديث « :وكذلك فافعلي في كل شهر ،كما تحيض النساء ،ويَ ْ
وطهرهن» رواه أبو داود والنسائي وأحمد والترمذي وصححاه ،وحسنه البخاري (نيل الوطار:
.)271/1
( )1/541
ودليلهم :الستقراء (السؤال والتتبع لحوال بعض النساء في زمان ما) الذي قام به في زمانه المام
الشافعي رضي ال عنه وغيره؛ إذ ل ضابط له لغة ول شرعا ،فرجع إلى المتعارف بالستقراء،
ويكون المعتمد فيه هو العرف والعادة ،كما هو المقرر في القبض والحراز والتفرق بين المتبايعين
في العقود.
ويؤيدهم قول علي« :أقل الحيض يوم وليلة ،وما زاد على خمسة عشر استحاضة» .وقول عطاء:
«رأيت من النساء من تحيض يوما ،وتحيض خمسة عشر» والقاعدة عند الشافعية كما قال النووي في
المنهاج :رأت المرأة الدم لسنّ الحيض أقلّه ،ولم يعبر أكثره ،فكله حيض ،سواء أكانت مبتدأة أم
معتادة ،تغيرت عادتها أم ل .فإذا رأت المرأة الدم أقل من يوم وليلة أو بعد أكثر من مدة الحيض (أي
بعد 51يوما) كان دم استحاضة ،ل دم حيض.
أقل الطهر :
قال الجمهور غير الحنابلة ( : )1إن أقل الطهر الفاصل بين الحيضتين :خمسة عشر يوما؛ لن الشهر
غالبا ليخلو عن حيض وطهر ،وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر ،لزم أن يكون أقل الطهر كذلك
خمسة عشر يوما .ول حد لكثره؛ لنه قد يمتد سنة أو سنتين ،وقد ل تحيض المرأة أصلً ،وقد
تحيض في السنة مرة واحدة.
وقال الحنابلة ( : )2أقل الطهر بين الحيضتين ثلثة عشر يوما ،لما روى أحمد عن علي« :أن امرأة
جاءته ـ قد طلقها زوجها ـ فزعمت أنها حاضت في شهر ثلث حِيَض ،فقال علي لشريح :قل فيها،
فقال شريح :إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرجى دينه وأمانته ،فشهدت بذلك ،وإل فهي كاذبة.
فقال علي« :قالون» أي جيد بالرومية.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،121/1:مراقي الفلح :ص ،24الشرح الصغير ،209/1:بداية المجتهد ،48/1:مغني
المحتاج ،109/1:حاشية الباجوري ،116/1:المهذب.39/1:
( )2كشاف القناع.234/1:
( )1/542
وهذا ل يقوله إل توقيفا ،وهو قول صحابي اشتهر ،ولم يعلم خلفه ،ووجود ثلث حيض في شهر،
دليل على أن الثلثة عشر طهر صحيح يقينا (. )1
ول حد لكثر الطهر باتفاق الفقهاء.
والمراد بالطهر:
هو زمان نقاء المرأة من دم الحيض والنفاس ،وللطهر علمتان :جفاف الدم أو جفوفه ،والقصة
البيضاء :وهي ماء أبيض رقيق يأتي في آخر الحيض (. )2
النقاء من الدم في أيام الحيض:
النقاء :أي عدم الدم ،ويحدث ذلك بأن تبدأ العادة الشهرية ،ثم ينقطع الحيض مدة زمنية ،ثم يعود ،فهل
تعد تلك المدة من أيام الحيض أو ل؟
هناك رأيان فقهيان ،الول للحنفية والشافعية ،والثاني للمالكية والحنابلة ( . )3وأصحاب الرأي الول
يرون :أن النقاء من الدم في أيام الحيض يعتبر حيضا ،فلو رأت يوما دما ،ويوما نقاء ،بحيث لو
وضعت قطنة لم تتلوث ،ويوما بعد ذلك دما وهكذا في مدة الحيض (أثناء العادة) ،تعتبر حائضا في
كل تلك المدة.
وأصحاب الرأي الثاني يأخذون بمبدأ التلفيق :وهو ضم الدم إلى الدم
-------------------------------
( )1وهذا مبني على أن أقل الحيض يوم وليلة .وكانت حيضات هذه المرأة بأقل مدة الحيض.
( )2بداية المجتهد ،52/1:القوانين الفقهية :ص .41
( )3فتح القدير ،112/1:الدر المختار وحاشية ابن عابدين ،267/1:اللباب ،49/1:بداية المجتهد:
،50/1الشرح الصغير ،212/1:مغني المحتاج ،119/1:حاشية الباجوري ،114/1:المهذب،39/1:
المغني 359/1:ومابعدها ،كشاف القناع 246/1:ومابعدها.
( )1/543
واعتبار أيام النقاء طهرا صحيحا ،فلو رأت الحائض الدم يوما أو يومين ،ثم طهرت يوما أو يومين،
جمعت أيام الدم بعضها إلى بعض ،واعتبر الباقي طهرا ،واتفق الكل على أن الطهر (المتخلل) بين
الدمين إذا كان خمسة عشر يوما فأكثر يكون فاصلً بين الدمين في الحيض ،وما قبله وما بعده يعد
حيضا إذا بلغ أقل مدة الحيض.
وها هو تفصيل الراء في كل مذهب:
- ً 1مذهب الحنفية :أفتى كثير من المتأخرين بقول أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة الخر ،وهو أن
الطهر المتخلل بين الدمين ،ل يعد فاصلً ،بل يكون كالدم المتوالي بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر
المتخلل ،فيجوز بداية الحيض بالطهر ،وختمه به أيضا ،فلو رأت مبتدأة يوما دما ،وأربعة عشر
طهرا ،ويوما دما ،فالعشرة الولى حيض .ولو رأت المعتادة قبل عادتها يوما دما وعشرة طهرا
ويوما دما ،فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض إن كانت عادتها ،وإل ردت إلى أيام عادتها.
وأما الطهر المتخلل بين الربعين يوما في حالة النفاس فل يفْصل عند أبي حنيفة وعليه الفتوى ،سواء
أكان خمسة عشر أم أقل أم أكثر ،ويجعل إحاطة الدم بطرفيه كالدم المتوالي.
- ً 2مذهب الشافعية :الظهر المعتمد أن النقاء بين دماء أقل الحيض فأكثر حيض تبعا لها ،بشروط:
وهي أل يجاوز ذلك خمسة عشر يوما ،ولم تنقص الدماء المرئية عند المرأة عن أقل الحيض ،وأن
يكون النقاء محتوشا (محوطا) بين دمي حيض.
( )1/544
وهذا يسمى قول السّحْب؛ لننا سحبنا الحكم بالحيض على النقاء أيضا ،وجعلنا الكل حيضا .وهناك
قول آخر ضعيف يسمى قول الّلقْط :وهو أن النقاء طهر؛ لن الدم إذا كان حيضا ،كان النقاء طهرا،
وسمي بذلك لنا لقطنا أوقات النقاء وجعلناها طهرا.
أما زمن النقاء في حالة النفاس فهو على المعتمد طهر ،لكنه يحسب من مدة النفاس الستين يوما ،أي
أنه من النفاس عددا ل حكما على المعتمد.
والخلصة :أن النقاء في الحيض يأخذ حكم الحيض ،وفي النفاس :ليأخذ حكمه ،وإنما يحسب أي
النقاء من أيام الستين التي هي أكثر مدة النفاس.
- ً 3مذهب المالكية المعتمد ،والحنابلة :هو الخذ بالتلفيق أي ضم الدم إلى الدم ،والطهر في أثناء
الحيضة طهر صحيح ،فإذا أتاها الدم في يوم مثلً ،وانقطع يوما أو أكثر ،ولم يبلغ النقطاع نصف
الشهر وهو أكثر مدة الحيض ،فإنها تلفق أيام الدم فقط ،أي يضم الدم إلى الدم ،فيكون حيضا ،وما
بينهما من النقاء طهر .وحكم الملفقة :أنها تغتسل وجوبا ،كلما انقطع دمها ،وتصلي وتصوم وتوطأ،
لنه طهر حقيقة ،لكن قال الحنابلة :يكره وطؤها زمن الطهر.
وتظل على هذا النحو عند الحنابلة إلى أن يجاوز زمن الدم وزمن النقاء أكثر الحيض ،كأن ترى يوما
دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر يوما مثلً ،فتكون مستحاضة.
وقال المالكية :تلفق المبتدأة ،والمعتادة نصف الشهر :خمسة عشر يوما .أما المعتادة أقل من نصف
شهر :فتلفق عادتها ،مع إضافة ثلثة أيام على أكثر عادتها ،وهي التي تسمى أيام الستظهار .وما
نزل عليها من الدم بعد ذلك فاستحاضة لحيض.
أولً ـ تعريف النفاس:
( )1/545
-------------------------------
( )1فتح القدير ،129/1:البدائع ،43-41/1:الدر المختار 275/1:ومابعدها ،اللباب ،352/1:مراقي
الفلح :ص ،23مغني المحتاج ،119/1:حاشية الباجوري ،113/1:المهذب ،45/1:المجموع529/1:
ومابعدها.
( )2كشاف القناع.226/1:
( )3السِقط :الجنين يسقط من بطن أمه قبل تمامه ،ذكرا كان أو أنثى.
( )4التوأمان :الولدان في بطن إذا كان بينهما أقل من ستة أشهر.
( )5الشرح الصغير 216/1:وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص .40
( )1/546
( )1/547
ً - 2البلوغ :تبلغ النثى وتصبح أهلً للتكاليف الشرعية بالحيض ،لقوله صلّى ال عليه وسلم« :ل
يقبل ال صلة حائض إل بخمار» ( )1فأوجب عليها أن تستتر لجل الحيض ،فدل على أن التكليف
حصل به.
ً - 3الحكم ببراءة الرحم في العتداد بالحيض ،ومن المعلوم أن الصل في مشروعية العدة العلم
ببراءة الرحم.
ً - 4العتداد بالحيض في رأي الحنفية والحنابلة؛ لن القراء الثلثة المنصوص عليها في القرآن
الكريم هي الحيضات ،ول تنتهي عدة المطلقة غير الحامل إل بانتهاء الحيضة الثالثة ول تحتسب
الحيضة التي وقع الطلق في أثنائها .وقال المالكية والشافعية :القرء :الطهر ،فتحسب العدة بزمن
الطهار ،وتنتهي العدة بابتداء الحيضة الثالثة ،ويحتسب الطهر الذي وقع الطلق فيه من الطهار
الثلثة ولو كان لحظة.
ً - 5الكفارة بالوطء في أثناء الحيض عند الحنابلة ،وسيأتي الكلم في ذلك في بحث ما يحرم
بالحيض.
ما يحرم بالحيض والنفاس :يحرم بالحيض والنفاس ما يحرم بالجنابة وهي سبعة أمور :الصلوات
كلها ،وسجود التلوة ،ومس المصحف ،ودخول المسجد ،والطواف ،والعتكاف ،وقراءة القرآن ،لكن
أجاز المالكية على المعتمد للحائض والنفساء قراءة القرآن عن ظهر قلب إل بعد انقطاع الدم وقبل
غسلها ،سواء أكانت جنبا حال حيضها أو نفاسها أم ل.
ويزاد على ذلك أمور أخرى ،وقد عد الحنفية ثمانية أمور تحرم على الحائض والنفساء ،والمالكية
عدوا اثني عشر ،وهي السبعة السابقة وخمسة أخرى وهي الصيام ،والطلق ،والجماع في الفرج قبل
انقطاع الدم ،والجماع بما دون الفرج قبل انقطاع الدم ،والجماع بعد انقطاع الدم وقبل الغتسال.
وعد الشافعية ثمانية أمور ،والحنابلة خمسة عشر أمرا.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وغيره.
( )1/548
وتفصيل هذه الممنوعات في حالة الحيض ومثله النفاس وأدلتها بتبين فيما يأتي (: )1
ل أو وضوءا :في رأي الشافعية والحنابلة ،فإذا حاضت المرأة ،حرم عليها
- ً 1الطهارة :غس ً
الطهارة للحيض؛ لن الحيض ومثله النفاس يوجب الطهارة ،وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج
البول ،أي أن انقطاعه شرط لصحة الطهارة له .لكن يجوز الغسل لجنابة أو إحرام ودخول مكة
ونحوه ( )2بل يستحب لذلك.
- ً 2الصلة :يحرم على الحائض والنفساء الصلة ،لحديث فاطمة بنت أبي حُبَيش المتقدم« :إذا
أقبلت الحيضة فدعي الصلة» لكن يسقط فرض الصلة ول يقضى ،بإجماع العلماء ،لما روت عائشة
رضي ال عنها« :كنا نحيض على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فنؤمر بقضاء الصوم ،ول
نؤمر بقضاء الصلة» ( ، )3ولنه يشق قضاء الصلة لتكرر الحيض وطول مدته ،بخلف الصوم.
ويحرم على الحائض قضاء الصلة ،والمعتمد عند الشافعية أنه يكره وتنعقد نفلً مطلقا ل ثواب فيه.
-------------------------------
( )1البدائع ،44/1:الدر المختار ورد المحتار ،274-162،268-158/1:فتح القدير،119-114/1:
تبيين الحقائق 56/1:ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،24الشرح الصغير 215/1:ومابعدها ،القوانين
الفقهية :ص ،40بداية المجتهد ،57،61-54/1:المهذب ،38/1،45:مغني المحتاج،109/1،120:
تحفة الطلب 33 :ومابعدها ،بجيرمي الخطيب ،323-312/1:حاشية الباجوري،119-117/1:
المغني 306/1 :ومابعدها ،338-333 ،كشاف القناع.233-226/1:
( )2هذا وقد ذكر الحنابلة الوضوء أمرا ثانيا ،كما ذكروا في المر الثاني :وهو فعل الصلة ووجوبها
أمرين.
( )3رواه الجماعة عن ُمعَاذة (نيل الوطار.)280/1:
( )1/549
- ً 3الصوم :يحرم على الحائض والنفساء الصوم ويمنع صحته ،لحديث عائشة السابق ،فإنه يدل
على أنهن كن يفطرن .ول يسقط قضاؤه عنهما فتقضي الحائض والنفساء الصوم دون الصلة للحديث
نفسه ،ولن الصوم في السنة مرة ،فل يشق قضاؤه ،فلم يسقط .وهناك حديث آخر عن أبي سعيد
الخدري :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال للنساء :أليس شهاد ُة المرأة مثلَ نصف شهادة الرجل؟ قلن:
بلى ،قال :فذلكن من نقصان عقلها .أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن :بلى؟ قال :فذلكن من
نقصان دينها» (. )1
- ً 4الطواف :لقوله صلّى ال عليه وسلم لعائشة رضي ال عنهما« :إذا حضت ،افعلي ما يفعل
الحاج ،غير أل تطوفي بالبيت حتى تطهري» ( )2ولنه يفتقر إلى الطهارة ول يصح من الحائض.
- ً 5قراءة القرآن ومس المصحف وحمله ،كما سبق في الجنابة ،لقوله تعالى {ل يمسه إل
المطهرون} [الواقعة ،]79/56:ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل تقرأ الحائض ول الجنب شيئا من
القرآن» ( )3واستثنى الشافعية حالة الخوف على القرآن من غرق أو حرق أو نجاسة أو وقوعه في
يد كافر ،فيجب حمله حينئذ ،كما يجوز حمله باتفاق العلماء في تفسير أكثر منه يقينا ،ول يجوز حمله
عند الشافعية إذا قصده مع المتاع على المعتمد.
-------------------------------
( )1رواه البخاري (نيل الوطار 279/1:ومابعدها) ورواه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ« :تمكث
الليالي ما تصلي ،وتفطر في شهر رمضان ،فهذا نقصان دينها» (سبل السلم.)105/1:
( )2متفق عليه عن عائشة.
( )3روي من حديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه والبيهقي ،ومن حديث جابر عند الدارقطني،
وهو ضعيف (نصب الراية.)195/1:
( )1/550
واستثنى الحنفية حالة مس القرآن بغلف متجاف عن القرآن ،ويكره مسه بالكم تحريما لتبعيته للبس،
ويرخص لهل كتب الشريعة من حديث وفقه وتفسير أخذ الورقة بالكم وباليد للضرورة ،ويكره مسها؛
لنها ل تخلو عن آيات القرآن ،والمستحب أل تقلب ورقة القرآن إل بوضوء .وأجازوا تقليب أوراق
المصحف بنحو قلم للقراءة ،كما أجازوا للصبي حمل القرآن ورفعه لضرورة التعلم ،ول يكره النظر
للقرآن لجنب وحائض ونفساء؛ لن الجنابة ل تحل العين .وتكره كتابة القرآن وأسماء ال تعالى على
الدراهم والمحاريب والجدران وما يفرش ،وتكره القراءة في المخرج والمغتسل والحمام .ول تكره
كتابة آية الكرسي على صحيفة منفصلة عن الكاتب ،إل أن يمسها بيده.
- ً 6دخول المسجد ،واللبث والعتكاف فيه ،ولو بوضوء ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل أحل
المسجد لحائض ول جنب» (. )1
وأجاز الشافعية والحنابلة للحائض والنفساء العبور في المسجد إن أمنت تلويثه ،لنه يحرم تلويث
المسجد بالنجاسة وغيرها من القذار بسبب المكث فيه ،ولما روت عائشة رضي ال عنها قالت :قال
خمْرة من المسجد» فقلت« :إني حائض» فقال« :إن
لي رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :ناوليني ال ُ
خمْرة إلى المسجد،
حيضتك ليست في يدك» ( )2وعن ميمونة رضي ال عنها قالت« :تقوم إحدانا بال ُ
سطُها وهي حائض» ( )3هذا ..وأباح الحنابلة أيضا للحائض المكث في المسجد بوضوء بعد
فتب ُ
انقطاع الدم ،لنتفاء المحذور وهو خشية تلويث المسجد.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود.
( )2رواه مسلم ،والخمرة :هي السجادة أو الحصير الذي يضعه المصلي ليصلي عليه أو يسجد.
( )3رواه النسائي.
( )1/551
- ً 7الوطء في الفرج (الجماع) ولو بحائل باتفاق العلماء ،والستمتاع بما بين السرة والركبة عند
الجمهور (غير الحنابلة) ،لقوله تعالى{ :فاعتزلوا النساء في المحيض ،ول تقربوهن حتى يطهرن}
[البقرة ]222/2:والمراد بالعتزال :ترك الوطء ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم لعبد ال بن سعد حينما
سأله :ما يحل لي من امرأتي،و هي حائض؟ قال« :لك ما فوق الزار» ( )1ولن الستمتاع بما تحت
الزار يدعو إلى الجماع ،فحرم لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير« :من حام حول الحمى يوشك
أن يقع فيه» والزار :الثوب الذي يستر وسط الجسم وما دونه ،وهو ما بين السرة والركبة غالبا ،فما
عدا ذلك جائز بالذكر أو القبلة أوالمعانقة أو اللمس أو غير ذلك.
وأباح الحنابلة الستمتاع بالحائض ونحوها بما دون السرة وفوق الركبة ما عدا الوطء في الفرج،
لقوله صلّى ال عليه وسلم « :اصنعوا كل شيء إل النكاح» ( ، )2كما أنهم أباحوا الجماع لمن به
شَبَق بشرط أل تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج ،ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ ،ول يجد غير
الحائض بأن ل يقدر على مهر حرة ،ول ثمن أمَة...
-------------------------------
( )1رواه أبو داود عن حِزام بن حكيم عن عمه :عبد ال بن سعد (نيل الوطار )277/1:وروي مثله
عن عكرمة عند أبي داود ،وعن عائشة عند البخاري ومسلم ونصه« :كانت إحدانا إذا كانت حائضا،
فأراد رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يباشرها ،أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها ،ثم
يباشرها» والمراد بالمباشرة هنا :التقاء البشرتين ،ل الجماع ،والمراد بالتزار ،أن تشد إزارا تستر
سرتها ،وما تحتها إلى الركبة (نيل الوطار 277/1:ومابعدها).
( )2رواه الجماعة إل البخاري ،وروى البخاري في تاريخه عن مسروق بن أجدع قال« :سألت
عائشة رضي ال عنها :ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت :كل شيء إل الفرج» (نيل
الوطار 276/1:ومابعدها).
( )1/552
وتستمر حرمة الوطء والستمتاع بما بين السرة والركبة عند المالكية والشافعية حتى تغتسل ،أي
تطهر بالماء ل بالتيمم ،إل في حال فقد الماء أوالعجز عن استعماله ،فيباح الوطء بالتيمم .واستدلوا
بقوله تعالى{ :فاعتزلوا النساء في المحيض ،ول تقربوهن حتى يطهرن ،فإذا تطهرن فأتوهن من حيث
أمركم ال} [البقرة ]222/2:فال تعالى شرط لحل الوطء شرطين :انقطاع الدم ،والغسل ،الول من
قوله تعالى{ :حتى يطهرن} [البقرة ]222/2:أي ينقطع دمهن ،والثاني :من قوله عز وجل{ :فإذا
تطهرْن} أي اغتسلن بالماء {فأتوهن} [البقرة ]222/2:فتصير إباحة وطئها موقوفة على الغسل .وهذا
هو رأي الحنابلة أيضا في حرمة الوطء (الجماع).
وكذلك قال الحنفية :إذا انقطع دم الحيض لقل من عشرة أيام ،لم يحل وطؤها أو الستمتاع بها حتى
تغتسل أو تتيمم بشرطه ،وإن لم تصل به في الصح؛ لن الدم تارة يدر ،وتارة ينقطع ،فل بد من
الغتسال ليترجح جانب النقطاع.
فإن لم تغتسل ومضى عليها وقت صلة كامل ،بأن تجد من الوقت زمنا يسع الغسل ولبس الثياب
صلّ ،حل وطؤها؛ لن الصلة صارت دينا في ذمتها ،فطهرت
وتحريمة الصلة ،وخرج الوقت ،ولم ُت َ
حكما.
ولو انقطع دم الحائض لدون عادتها ،فوق اليام الثلثة ،لم يقربها حتى تمضي عادتها ،وإن اغتسلت؛
لن النقاء عندهم حيض كما عرفنا ،ولن ال َعوْد في العادة غالب ،فكان الحتياط في الجتناب.
( )1/553
وإن انقطع دم الحائض لعشرة أيام ،وهو أكثر الحيض عندهم ،جاز وطؤها قبل الغسل؛ لن الحيض
ل مزيد له على العشرة؛ إل أنه ل يستحب قبل الغسل ،للنهي عنه في قراءة {ول تقربوهن حتى
طهّرن} [البقرة ]2/222:بالتشديد ،والتشديد يدل على المبالغة في الطهارة ،وذلك إنما يكون بالغتسال
يّ
فعلً ،ل بانقطاع الدم.
والخلصة :أن الحنفية أجازوا الوطء في حالة الحيض ومثله النفاس قبل الغسل في حالتين ،لقوله
تعالى{ :ول تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة ]2/222:بتخفيف الطاء ،فإنه جعل الطهر غاية للحرمة.
ويستحب أل يطأها حتى تغتسل لقراءة التشديد ،خروجا من الخلف.
والحالتان هما :أن يمضي على من اع دمها دون العشرة أيام وقت صلة كامل ويخرج الوقت ولم
تصل ،وأن ينقطع دمها لعشرة أيام أي بعد أكثر الحيض.
أما الحالة الغالبة بين النساء :وهي انقطاع الدم بعد ستة أو سبعة أيام فل يجوز نقطة أج وطؤها حتى
تغتسل ،ما لم تصر الصلة دينا في ذمتها ،وهي الحالة الولى السابقة ،فمن انقطع دمها لكثر الحيض
حلت حينئذ ،وإن انقطع دمها لقل الحيض ،لم تحل حتى يمضي وقت صلة كامل.
كفارة وطء الحائض ونحوها :يري المالكية والحنفية والشافعية في المذهب الجديد :أنه ل كفارة على
من وطئ حائضا ونحوها ،بل الواجب عليه الستغفار والتوبة؛ لن الصل البراءة ،فل ينتقل عنها إل
بحجة ،وحديث الكفارة مضطرب ،ولنه وطء محرم للذى ،فلم تتعلق به الكفارة كالوطء في الدبر.
( )1/554
ويرى الحنابلة في أرجح الروايتين عن أحمد :أنه تجب الكفارة على من وطئ امرأة في أثناء الحيض
أو النفاس ،وتجب على المرأة إن طاوعت الرجل في وطئها في الحيض،ككفارة الوطء في الحرام،
فإن كانت مكرهة فل شيء عليها ،لعدم تكليفها .والكفارة واجبة ولو كان الوطء من ناس ومكره
وجاهل الحيض أو اللتحريم ،أو كلهما ،ول تجب الكفارة بوطئها بعد انقطاع الدم .والكفارة دينار
أو نصف دينار على سبيل التخيير ،أيهما أخرج أجزأه ،لما روي عن ابن عباس ،عن النبي صلّى
ال عليه وسلم :في الذي يأتي امرأته ،وهي حائض :يتصدق بدينار أو نصف دينار ( )1وتسقط
كفارة الوطء في الحيض بعجز عنها ،ككفارة الوطء في رمضان.
وقال الشافعية :يسن لمن وطئ في إقبال الدم التصدق بدينار ،ولمن وطئ في إدباره التصدق بنصف
دينار ،لخبر ابن عباس السابق عن الترمذي « :إذا كان دما أحمر ،فدينار ،وإن كان دما أصفر
فنصف دينار» .
ووطء الحائض ليس بمعصية كبيرة ،لعدم انطباق تعريفها عليه.
- ً 8الطلق :يحرم الطلق في الحيض ،ويكون الطلق بدعيا واقعا ،لما فيه من تطويل العدة على
المرأة ،ولمخالفته قوله تعالى{ :إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلق ]1/65:أي في الوقت الذي
يشرعن فيه العدة ،لن بقية الحيض ل تحسب من العدة فتتضرر بطول مدة التربص والنتظار ،ولما
روي عن ابن عمر« :أنه طلق امرأته ،فذكر عمر ذلك للنبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال :مره
فليراجعها ،ثم ليطلقها طاهرا أو حاملً» (. )2
أما بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فيحل الطلق .وهكذا يبين أنه إذا انقطع الدم لم يحل قبل الغسل غيرُ
الصوم ،والطلق ،والطهر ،والصلة المكتوبة إذا فقدت المرأة الطهورين.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة ،قال الحافظ ابن حجر :والضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا (نيل
الوطار.)278/1:
( )2رواه الجماعة إل البخاري عن ابن عمر (نيل الوطار.)221/6:
( )1/555
أما الصوم :فلن تحريمه بالحيض ،ل بالحدث ،بدليل صحته من الجنب ،وقد زال الحيض.
وأما الطلق :فلزوال المعنى المقتضي للتحريم ،وهو تطويل العدة.
وأما الطهر فإنها مأمورة به .وأما الصلة المكتوبه فهي مأمورة بها أيضا.
ول تبدأ العدة إذا طلق الرجل زوجته في أثناء الحيض ،لقوله تعالى{ :والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلثة قروء} [البقرة ]228/2:وبعض القرء ليس بقرء.
الفرق بين الحيض والجنابة :عرفنا أن ما يحرم على الحائض ونحوها أكثر مما يحرم على الجنب.
وهناك فروق أخرى هي (: )1
فالجنب يجوز له أداء الصوم مع الجنابة ،ول يجوز للحائض والنفساء؛ لن الحيض والنفاس أغلظ من
الحدث ،وهو معنى قوله صلّى ال عليه وسلم في تفسير نقصان الدين عند المرأة« :تقعد إحداهن شطر
عمرها ،ل تصوم ول تصلي» (. )2
ويقضي الجنب الصلة والصوم ،والحائض ونحوها ل تقضي الصلة وإنما تقضي الصوم فقط؛ لن
الحيض يتكرر في كل شهر ،فتحرج في قضاء أيام العادة ،ول حرج في قضاء الصوم؛ لنه مفروض
في السنة مرة.
ويحرم قربان المرأة في حالتي الحيض والنفاس ،ول يحرم قربان المرأة التي أجنبت لقوله تعالى:
{فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة ]222/2:ومثل هذا لم يرد في الجنابة ،بل وردت الباحة بقوله
تعالى{ :فالن باشروهن وابتغوا ما كتب ال لكم} [البقرة ]187/2:أي الولد ،فقد أباح ال المباشرة
وطلب الولد بالجماع مطلقا على الحوال.
الفرق بين الحيض والنفاس :يفترق الحيض عن النفاس في ثلثة أمور هي (: )3
- 1العتداد بالحيض عند الحنفية والحنابلة؛ لن انقضاء العدة بالقروء والنفاس ليس بقرء.
- 2النفاس ل يوجب البلوغ ،لحصوله قبله بالحمل؛ لن الولد ينعقد من الرجل والمرأة ،لقوله تعالى:
{خلق من ماء دافق ،يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق.]7-6/86:
-------------------------------
( )1البدائع.44/1:
( )2رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه عن ابن عمر مرفوعا بلفظ« :النساء ناقصات عقل
ودين ،قيل :وما نقصان دينهن؟ قال :تمكث إحداهن شطر عمرها ل تصلي ،قال البيهقي :لم أجده في
شيء من كتب الحديث ،وقال ابن منده :ل يثبت هذا بوجه عن النبي صلّى ال عليه وسلم (كشاف
القناع.)233/1:
( )3كشاف القناع.233/1:
( )1/556
- 3ل تحتسب مدة النفاس على المولي في مدة اليلء ( )1في قوله تعالى{ :للذين يؤلون من نسائهم
تربّص أربعة أشهر} [البقرة ]226/2:لنه ليس بمعتاد ،بخلف الحيض.
وبدن الحائض وعَرَقها وسؤرها طاهر ،ول يكره طبخها وعجنها وغير ذلك ،ول وضع يديها في
شيء من المائعات ،وأجمع العلماء على جواز مؤاكلة الحائض كالمعتاد دون عزلها ،لن المراد من
اعتزالها هو وطؤها ،روت عائشة فقالت« :كنت أشرب وأنا حائض ،فأناوله النبي صلّى ال عليه
وسلم ،فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب ،وأتعرق العَرْق ،وأنا حائض ،فأناوله النبي صلّى ال عليه
وسلم فيضع فاه على موضع فيّ» (. )2
المبحث الرابع ـ الستحاضة وأحكامها:
تعريف الستحاضة :هي سيلن الدم في غير أوقاته المعتادة (غير الحيض والنفاس) من مرض
وفساد ،من عِرْق أدنى الرحم ،يقال له العاذل ،فكل نزيف من النثى قبل مدة الحيض (وهي تسع
سنين) ،أو نقص عن أقل الحيض ،أو زاد على أكثره أو أكثر النفاس ،أو زاد عن أيام العادة الشهرية
وجاوز أكثر مدة الحيض ،أو ما تراه الحامل (الحبلى) في رأي الحنفية والحنابلة ،هو استحاضة (. )3
أحكام المستحاضة :هناك أمور ثلثة تحتاج إلى بحث وهي ما يأتي:
-------------------------------
( )1اليلء :هو أن يحلف الزوج بال تعالى أو بصفة من صفاته :أل يقرب زوجته أربعة أشهر أو
أكثر ،أو يعلق على قربانها أمرا فيه مشقة على نفسه ،كالصيام أو الحج أو الطعام.
( )2رواه الجماعة إل البخاري والترمذي ،ومعنى «أتعرق العَرْق» أي آكل ما عليه من اللحم .وروى
أحمد والترمذي عن عبد ال بن سعد قال :سألت النبي صلّى ال عليه وسلم عن مواكلة الحائض،
قال :واكلها» (نيل الوطار.)281/1:
( )3الدر المختار ورد المحتار 262/1:ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،25الشرح الصغير207/1:
ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،41مغني المحتاج ،108/1:كشاف القناع.226/1،236:
( )1/557
( )1/558
وهذا المذكور في إباحة وطء المستحاضة هو ما قرره الفقهاء ،منهم المام أحمد في رواية عنه ،وفي
رواية أخرى يظهر أنها الراجحة عند الحنابلة :ل توطأ المستحاضة إل أن يخاف على نفسه الوقو ع
في محظور ،لما روى الخلل بإسناده عن عائشة :أنها قالت« :المستحاضة ل يغشاها زوجها» ولن
بها أذى ،فيحرم وطؤها كالحائض ،قال تعالى في الحائض معللً منع وطئها بالذى {قل :هو أذى،
فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة.]222/2:
لكن إذا انقطع دم المستحاضة أبيح وطؤها عند الحنابلة من غير غسل ،لن الغسل ليس بواجب عليها
كسلس البول.
ثانيا ـ طهارة المستحاضة الوضوء والغسل:
قال المالكية ( : )1يستحب للمستحاضة أن تتوضأ لكل صلة ،كما يستحب لها بعد انقطاع الدم الغسل
من دم الستحاضة.
وقال الحنفية والشافعية والحنابلة (الجمهور) ( : )2يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلة،
بعد أن تغسل فرجها ،وتعصِبه ،وتحشوه بقطن وما أشبهه إل إذا أحرقها الدم أو كانت صائمة،
سفَ،
والحشو ليرد الدم ،لقوله صلّى ال عليه وسلم لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم« :أ ْنعَت لك الكُرْ ُ
فإنه يُذهب الدمَ» ()3
فإذا استوثقت (بأن تشد خرقة مشقوقة الطرفين تخرج أحدهما من أمامها والخر من خلفها ،وتربطهما
بخرقة تشدها على وسطها كالتكة) ثم خرج الدم من غير تفريط في الشد ،لم تبطل صلتها ،لما روت
عائشة رضي ال عنها :أن فاطمة
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،26،41بداية المجتهد 57/1:وما بعدها.
( )2اللباب ،51/1:مراقي الفلح :ص ،25مغني المحتاج 111/1:وما بعدها ،المهذب 45/1:وما
بعدها ،المغني.342-340/1:
( )3رواه أبو داود وأحمد وصححاه (نيل الوطار.)271/1:
( )1/559
بنت أبي حبيش استحيضت ،فقال لها النبي صلّى ال عليه وسلم « :اجتنبي الصلة أيام محيضك ،ثم
اغتسلي ،وتوضئي لكل صلة ،ثم صَلّي ،وإن قطر الدم على الحصير» (. )1
والدليل على أن المستحاضة تتوضأ لوقت كل فريضة :وهو أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في
المستحاضة :تدع الصلة أيام أقرائها (حيضاتها) ،ثم تغتسل ،وتتوضأ عند كل صلة ،وتصوم
وتصلي» ( )2ولنهاطهارة عذر وضرورة ،فتقيدت بالوقت كالتيمم.
ول يجب على المستحاضة إل غسل واحد باتفاق المذاهب الربعة بدليل الحديث السابق وغيره
كحديث حمنة ،ويسن لها عند الشافعية والحنابلة ،ويندب عند الحنفية كالمالكية أن تغتسل لكل صلة،
بدليل الحديث المتقدم في الغسال المسنونة« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل،
فكانت تغتسل عند كل صلة» (. )3
وتصلي المستحاضة ونحوها عند الحنفية بوضوئها ما شاءت من الفرائض والنوافل .ويبطل وضوءها
بخروج الوقت كما بينا في بحث وضوء المعذور.
ولها عند الحنابلة أيضا الجمع بين الصلتين بوضوء واحد؛ «لن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر
حمنة بنت جحش بالجمع بين الصلتين بغسل واحد» وأمر به سهلة بنت سهيل .وخروج الوقت مبطل
لهذه الطهارة ،أي أن مذهبي الحنفية والحنابلة متفقان.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة (أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) وابن حبان ،ورواه مسلم في
الصحيح بدون قوله« :وتوضئي لكل صلة» (نصب الراية 199/1:وما بعدها ،نيل الوطار.)275/1:
( )2رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال :حسن (نيل الوطار ،274/1:نصب الراية 202/1:وما
بعدها) وأما حديث «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلة» الذي رواه سبط ابن الجوزي عن أبي
حنيفة ،كما سبق تخريجه ،فقال عنه الزيلعي :غريب جدا (نصب الراية.)204/1:
( )3متفق عليه.
( )1/560
أما الشافعية فقالوا :يجب الوضوء لكل فرض ولو منذورا ،كالتيمم لبقاء الحدث ،وتصلي به الجنازة
وما شاءت من النوافل ،وكذا يجب لكل فرض تجديد ال ِعصَابة في الصح ،قياسا على تجديد الوضوء.
ويجب أن تبادر إلى الصلة عقب الوضوء ،إل لمصلحة كستر عورة وأذان وإقامة ،وانتظار جماعة
واجتهاد في قبلة وذهاب إلى مسجد وتحصيل سترة .وقد سبق بيان ذلك وغيره في بحث وضوء
المعذور.
ثالثا ـ تقدير مدة حيض المستحاضة:
نظرا لستمرار نزول الدم على المستحاضة بسبب حالة مرضية ،فإنها تحتاج لبيان مدة الحيض
الشهرية ،لتطبق عليها أحكام الحيض ،ويكون الباقي استحاضة ،وقد ورد في السنة النبوية مبادئ
أساسية في هذا الموضوع ،منها ما يأتي:
أولً ـ العمل بالتمييز بصفة الدم ،فإذا كان متصفا بصفة السواد فهو حيض ،وإل فهو استحاضة،أي
أن المرأة إذا ميزت دم الحيض عن دم الستحاضة ،عملت بتمييزها ،وذلك في حديث عروة عن
فاطمة بنت أبي حُبَيش ،أنها كانت تستحاض ،فقال لها النبي صلّى ال عليه وسلم :إذا كان دم
الحيضة ،فإنه أسود يعرف ،فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلة ،فإذا كان الخر فتوضئي وصلّي،
فإنما هو عِرْق» ( )1ينزف.
ثانيا ـ بناء المعتادة على عادتها السابقة ،في حديث عائشة عن فاطمة بنت أبي حبيش ،وفي رواية
البخاري« :ولكن دعي الصلة قدر اليام التي كنت تحيضين فيها ،ثم اغتسلي ،وصلّي» (. )2
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والنسائي ،وابن حبان والحاكم وصححاه ،والدارقطني والبيهقي (نيل الوطار:
.)270/1
( )2انظر نيل الوطار ،268/1:سبل السلم.100/1:
( )1/561
ثالثا ـ رجوع المستحاضة إلى الغالب من عادة النساء :وهي ست أو سبع لفقد العادة والتمييز ،في
حديث حمنة بنت جحش...« :إنما هذه َركْضة من َركَضات الشيطان ( )1فتحيّضي ( )2ستة أيام أو
سبعة في علم ال ،ثم اغتسلي ،حتى إذا رأيت أنك قد طهُرت ،واستَ ْنقَيت ،فصلّي أربعا وعشرين ليلة،
أو ثلثا وعشرين وأيامها ،فصومي ،فإن ذلك ُمجْزيك ،وكذلك فافعلي في كل شهر ،كما تحيض
ضهِن وطهرهن. )3( »..
طهُرن لميقات حي ِ
النساء ،وكما يَ ْ
وقد اختلفت المذاهب في تقدير مدة حيض المستحاضة على النحو التالي:
مذهب الحنفية (: )4
المستحاضة إما مبتدأة :وهي التي ابتدأها الدم مع البلوغ أو في أول نفاس ثم استمر ،أو معتادة :وهي
التي سبق لها دم وطهر صحيحان ،أو متحيرة وهي المعتادة التي نسيت عادتها.
أما المبتدأة :فيقدر حيضها بعشرة أيام لنه ل مزيد للحيض على العشرة ،وطهرها بعشرين يوما من
كل شهر (عشرة حيض وعشرون استحاضة) عمل ً بالحديث السابق « :المستحاضة تدع الصلة أيام
أقرائها » أي أيام حيضها ،كما يقدر نفاسها بأربعين يوما وطهرها منه بعشرين يوما ،ثم يقدر حيضها
بعد ذلك بعشرة أيام ،وهكذا حتى تطهر أو تموت.
-------------------------------
( )1أي أن الشيطان وجد بذلك سبيلً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلتها ،حتى أنساها
بذلك عادتها ،فصار في التقدير كأنه ركض بآلة ،كأنه أراد الضرار بالمرأة والذى.
( )2أي اجعلي نفسك حائضا.
( )3رواه أبو داود والترمذي وصححاه (نيل الوطار ،271/1:سبل السلم.)102/1:
( )4تبيين الحقائق ،62/1 :الدر المختار ،277/1:فتح القدير ،124-122/1:اللباب ،50/1:البدائع:
41/1وما بعدها.
( )1/562
وأما المعتادة :التي لم تنس عادتها الممتدة الدم :فترد إلى عادتها المعروفة في الحيض والطهر ،وما
زاد على ذلك فهو استحاضة ،فتقضي ما تركت من الصلة بعد العادة ،إل إذا كانت عادتها في الطهر
ستة أشهر فأكثر ،فترد إلى ستة أشهر إل ساعة بالنسبة لنقضاء العدة ،وأما بالنسبة لغير العدة فترد
إلى عادتها السابقة كما كانت ترى .والمفتى به أن العادة تثبت بمرة.
وأما المحيّرة أو المتحيرة وهي التي نسيت عادتها ،فل يحكم لها بشيء من الطهر أو الحيض على
التعيين ،بل تأخذ بالحوط في حق الحكام الشرعية ( ، )1وأما بالنسبة لنقضاء العدة فيقدر في
الصح بستة أشهر إل ساعة ،لن الطهر بين الدمين أقل من أدنى مدة الحمل ( )2عادة ،فنقصناه من
ذلك ساعة،فإن طُلّقت تنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إل ثلث ساعات ،لجواز أن يكون طلقها في
أول الطهر ،فتحتاج إلى ثلث حيضات مجموعها شهر (لن كل حيضة عشرة أيام) ،وإلى ثلثة
أطهار مجموعها ثمانية عشر شهرا إل ثلث ساعات.
مذهب المالكية (: )3
المستحاضة وهي التي استمر بها الدم بعد تمام حيضها :إذا ميزت الدم بتغير رائحة أو لون أو ثخن
أو تألم ونحو ذلك ل بكثرة الدم وقلّته ،فهو حيض ( ، )4بشرط أن يتقدمه أقل الطهر ،وهو خمسة
عشر يوما ،علما بأن دم الحيض أسود
-------------------------------
( )1وهو أن تجتنب دائما وأبدا ما تجتنبه الحائض من قراءة القرآن ومسه ودخول المسجد ونحو ذلك،
ول يأتيها زوجها ،وتغتسل لكل صلة ،فتصلي به الفرض والوتر ،وتقرأ فيهما قدر ما تجوز به
الصلة ولتزيد.
( )2أقل مدة الحمل ستة أشهر.
( )3الشرح الصغير ،213/1:الشرح الكبير ،171/1:القوانين الفقهية :ص .41
( )4اتفاقا في العبادة ،وعلى المشهور في العدة.
( )1/563
غليظ ،ودم الستحاضة أحمر رقيق ،والصفرة أو الكدرة حيض ،كما أبنت في ألوان الدم.
ول تزيد المميزة ثلثة أيام على عادتها استظهارا ،على الصح ،بل تقتصر على عادتها ،ما لم يستمر
ما ميزته بصفة الحيض المميز ،فإن استمر بصفته استظهرت على المعتمد ،والعادة تثبت بمرة.
فإن لم تميز ،فهي مستحاضة (أي باقية على أنها طاهر) ،ولو مكثت طول عمرها ،وتعتد عدة المرتابة
بسنة بيضاء .وكذلك تكون مستحاضة لو ميزت قبل تمام أقل الطهر ،إذ ل عبرة بذلك التمييز ول
فائدة له.
والخلصة :أن المستحاضة ل تعد بحكم الحائض إل بثلثة شروط:
الول ـ أن تكون المرأة مميزة.
والثاني ـ أن يتغير الدم عن صفة الستحاضة إلى الحيض.
والثالث ـ أن تمضي لها من اليام في الستحاضة مقدار أقل الطهر ( 51يوما).
مذهب الشافعية (: )1
تسمى المرأة التي زاد دمها على خمسة عشر يوما مستحاضة ،وصورها سبع:
ً - 1المُبتَدَأة المميزة :المبتدأة :أول ما ابتدأها الدم ،والمميزة :هي التي تميز الدم ،فترى قويا
وضعيفا ،كالسود والحمر (. )2
وحكمها :الضعيف استحاضة ،والقوي حيض ،بشرط أل ينقص القوي عن أقل الحيض (يوم وليلة)،
وأل يعبر أو يجاوز أكثره (وهو خمسة عشر يوما) لن الحيض ل يزيد عن ذلك ،وبشرط أل ينقص
الضعيف إن استمر عن أقل الطهر (وهو خمسة عشر يوما) أي بأن يكون ولء متتابعا خمسة عشر
يوما فأكثر متصلة.
فإن نقص القوي عن أقل الحيض ،أو عبر أكثره ،أو نقص الضعيف عن أقل الطهر أو لم يكن ولء
متتابعا ،كما لو رأت يوما أسود ،ويوما أحمر ،فهي فاقدة شرطا من شروط التمييز ،يعرف حكمها من
الصورة الثانية.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،118-113/1:حاشية الباجوري 114/1:ومابعدها.
( )2سبق بيان ترتيب الدماء بحسب قوتها ،فأقواها السواد ،ثم الحمرة ،ثم الشقرة ثم الصفرة ،ثم
الكُدرة.
( )1/564
ً - 2المبتدأة غير المميزة :وهي أول ما ابتدأها الدم ،ولكنها ترى الدم بصفة واحدة .ومثلها المميزة
التي فقدت شرطا من شروط التمييز.
وحكمها :أن حيضها يوم وليلة ،وطهرها تسع وعشرون إن عرفت وقت ابتداء الدم ،وإل فهي متحيرة
سيأتي حكمها.
ً - 3المعتادة المميزة :المعتادة :هي التي سبق لها حيض وطهر ،والمميزة :هي التي ترى قويا
وضعيفا ،كما تقدم .والصح أن العادة تثبت بمرة.
وحكمها :العمل بالتمييز ،ل بعادة مخالفة للتمييز في الصح ،إن لم يتخلل بين القوي والضعيف أقل
الطهر .فلو كانت عادتها خمسة من أول الشهر ،وبقيته طهر ،ثم لما استحيضت ونزل عليها الدم
واستمر ،فرأت عشرة أيام أسود من أول الشهر ،وبقيته أحمر ،كان حيضها العشرة ،ل الخمسة فقط،
للحديث المتقدم «دم الحيض أسود يعرف» ولن التمييز أقوى من العادة؛ لن التمييز علمة في الدم،
والعادة علمة في صاحبته.
فإن كانت العادة متفقة مع التمييز ،كما لو كانت عادتها خمسة أيام من أول الشهر ،فجاء التمييز كذلك،
حكم لها بهما معا .وإن تخلل بين نوعي الدم أقل الطهر :كأن رأت بعد خمستها العادية عشرين يوما
ضعيفا ،ثم خمسة قويا ،ثم ضعيفا ،فقدر العادة حيض للعادة ،وقدر التمييز حيض آخر للتمييز.
ً - 4المعتادة غير المميزة الذاكرة لعادتها قدرا ووقتا :وهي التي سبق لها حيض وطهر ،ولكنها ترى
الدم بصفة واحدة ،وتذكر مقدار عادتها ووقته.
وحكمها :أن ترد إلى العادة قدرا ووقتا ،فلو حاضت في شهر خمسة أيام من أوله مثلً ،ثم
استحيضت ،فحيضها هو الخمسة من أول الشهر ،وطهرها بقية الشهر ،عملً بعادتها ،وإن لم تتكرر؛
لن العادة تثبت بمرة إن لم تختلف ،فإن اختلفت فل تثبت بمرة.
ً - 5المعتادة غير المميزة الناسية لعادتها قدرا ووقتا :بأن سبق لها حيض وطهر ،ولم تعلم عادتها
قدرا ووقتا.
( )1/565
حكمها :كحائض في أحكام كحرمة الستمتاع بها وقراءة القرآن في غير الصلة ،ومس المصحف،
احتياطا؛ لن كل زمن يمر عليها يحتمل الحيض .وهي أيضا كطاهر في أحكام كالصلة فرضا أو
نفلً في الصح والصوم ،احتياطا؛ لن كل زمن يمر عليها يحتمل الطهر .وتغتسل لكل فرض في
وقته ،لحتمال انقطاع الدم حينئذ إن جهلت وقت النقطاع.
فإن علمته كأن عرفت أنه كان ينقطع عند الغروب ،فل يلزمها الغسل ،إل عند الغروب ،وتتوضأ
لباقي الفرائض لحتمال النقطاع عند الغروب ،دون ما عداه ،وتصوم رمضان ،ثم شهرا كاملً،
ويبقى عليها يومان ،لحتمال أن يطرأ عليها الحيض في أثناء اليوم الول ،واحتمال كونها تحيض
أكثر الحيض ( 51يوما) فيفسد صومها في اليوم السادس عشر؛ لنه يطرأ الدم في أثناء يوم ،وينقطع
في أثناء يوم ،ويحسب لها أربعة عشر من كل من الشهرين ،بثمانية وعشرين يوما ،فيبقى لها يومان،
تصوم لهما من ثمانية عشر ثلثة أولها ،وثلثة آخرها ،فيحصلن ،علما بأن أقل الطهر 51يوما.
ً - 6المعتادة غير المميزة الذاكرة لعادتها قدرا ل وقتا :كأن تقول :كان حيضي خمسة في العشر
الول من الشهر ،ل أعلم ابتداءها ،وأعلم أني في اليوم الول طاهر بيقين ،فالسادس حيض بيقين،
والول طهر بيقين ،كالعَشْرين الخيرين ،والثاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر ،دون
النقطاع ،والسابع إلى آخر العاشر محتمل للحيض والطهر والنقطاع.
فلليقين من حيض وطهر حكمه ،وهي في المحتمل كناسية لهما (الحيض والطهر) كما في الصورة
الخامسة.
ومعلوم أنه ل يلزمها الغسل إل عند احتمال النقطاع.
ويسمى ما يحتمل النقطاع طهرا مشكوكا فيه ،وما ل يحتمله حيضا مشكوكا فيه.
ً - 7المعتادة غير المميزة ،الذاكرة لعادتها وقتا ل قدرا ،كأن تقول :كان حيضي يبتدئني أول الشهر،
ول أعلم قدره.
حكمها :يوم وليلة منه حيض بيقين ،ونصفه الثاني طهر بيقين ،وما بين ذلك محتمل للحيض والطهر
والنقطاع.
( )1/566
فلليقين من حيض وطهر حكمه ،وهي في المحتمل كناسية لهما ،كما مر في التي قبلها .والخلصة:
يطلق على الصور الثلث الخيرة اسم المتحيرة :وهي التي نسيت عادتها قدرا ووقتا ،أو نسيت القدر
دون الوقت ،أو بالعكس .والمشهور في حكمها :وجوب الحتياط ،فيحرم الوطء ومس المصحف،
والقراءة في غير الصلة ،وتصلي الفرائض كلها ،وكذا النفل في الصح .وتغتسل لكل فرض،
وتصوم رمضان ،ثم شهرا كاملً ،فيحصل من كل منهما أربعة عشر يوما ،ثم تصوم ثمانية عشر:
ثلثة أولها ،وثلثة آخرها ،فيحصل اليومان الباقيان.
وما عدا المتحيرة :تعمل أولً بالتمييز إن كانت مميزة ،سواء أكانت مبتدأة أم معتادة .وإن لم تكن
مميزة وتعلم عادتها قدرا ووقتا ،ترد إلى عادتها في ذلك ،وإن كانت مبتدأة ل مميّزة ،أو فقدت شرط
تمييز ،فالظهر أن حيضها يوم وليلة ،وطهرها تسع وعشرون.
مذهب الحنابلة (: )1
المستحاضة إما مبتدأة أو معتادة ،وكل منهما إما مميزة أول ،فإن كانت المبتدأة مميزة عملت
بتمييزها ،وإن كانت غير مميزة قدر حيضها بيوم وليلة ،وتغتسل بعد ذلك ،وبقية الشهر طاهرة ،وذلك
في الشهور الثلثة الولى ،ثم تنتقل في الشهر الرابع إلى غالب الحيض وهو ست أو سبع باجتهادها.
وتفصيل كلمهم فيما يأتي:
ً - 1المبتدأة غير المميزة :يقدر حيضها بيوم وليلة؛ لنه المتيقن ،وما زاد مشكوك فيه كغير
المستحاضة ،ثم تغتسل وتصلي احتياطا لبراءة ذمتها ،ولكن يحرم وطؤها في مدة خمسة عشر يوما
إن استمر بها الدم هذه المدة .فإن انقطع الدم قبل هذه المدة اغتسلت عند انقطاعه غسلً ثانيا ،ويباح
وطؤها حينئذ.
تفعل هكذا في ثلثة أشهر ،في كل شهر مرة؛ لن العادة ل تثبت بدون التكرار ثلث مرات في ظاهر
المذهب أو أكثر الروايات عن أحمد.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،246-234/1:المغني 332،351-310/1:ومابعدها.
( )1/567
وفي الشهر الرابع تنتقل إلى غالب الحيض وهو ستة أيام أو سبعة باجتهادها وتحريها ،ورأيها ،فتعمل
بما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها ،أو عادة نسائها ،أو ما يكون أشبه بكونه حيضا .وإن جاوز
دمها أكثر الحيض ( 51يوما) فهي مستحاضة ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :إنما ذلك عرق،
وليس بحيضة» ولن الدم كله ل يصلح أن يكون حيضا.
ً - 2المبتدأة المميزة :بأن ميزت الدم السود أو الثخين أو المنتن عن الرقيق الحمر غير المنتن،
فتعمل بالتمييز ،ويكون حيضها زمن السود أو زمن الثخين ،أو زمن المنتن إن لم ينقص عن أقل
الحيض (يوم وليلة) ولم يجاوز أكثره ( خمسة عشر يوما) لحديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي
حبيش بلفظ النسائي« :إذا كان الحيض ،فإنه أسود يعرف ،فأمسكي عن الصلة ،وإذا كان الخر
فتوضئي وصلي ،فإنما هو دم عرق» ،فإن نقص عن يوم وليلة فهو استحاضة ،وإن جاوز الخمسة
عشر ،بأن كان السود عشرا ،والحمر ثلثين مثلً ،فحيضها زمن الدم السود،وما عداه استحاضة؛
لنه ل يصلح حيضا.
ً - 3المعتادة غير المميزة :ترجع إلى عادتها ،لتعمل بها ،لما يأتي في الصورة التالية.
ً - 4المعتادة المميزة :بأن ترى بعض دمها أسود أو ثخينا أو منتنا ،فتقدم العادة على التمييز ،سواء
اتفق تمييزها وعادتها ،بأن تكون عادتها أربعة مثلً من أول الشهر ،وكان دم هذه الربعة الن أسود،
ودم باقي الشهر أحمر ،أو اختلفا أي العادة والتمييز ،بأن تكون عادتها ستة أيام ،وترى الن أربعة
أسود ،وباقي الشهر أحمر؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم « :دعي الصلة قدر اليام التي كنت تحيضين
فيها ،ثم اغتسلي وصلي» ولن العادة أقوى؛ لنها لتبطل دللتها ،بخلف اللون إذا زاد على أكثر
الحيض بطلت دللته.
( )1/568
ً - 5المعتادة المميزة الناسية لعادتها :تعمل كالمبتدأة بالتمييز الصالح؛ لنه يكون حيضا .والتمييز
الصالح :هو أل يكون الدم ناقصا عن يوم وليلة ،وأل يجاوز خمسة عشر يوما .وذلك عملً بحديث
فاطمة بنت أبي حبيش« :إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ،فأمسكي عن الصلة ،فإذا كان الخر
فتوضئي ،فإنما هو عرق» .
ً - 6المتحيرة :وهي التي تحيرت في حيضها بجهل العادة ،وعدم التمييز ،ولها أحوال ثلثة:
أ ـ الناسية لوقت عادتها وعددها :يكون حيضها في كل شهر ستة أيام أو سبعة بحسب اجتهادها
ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها ،أو ما يكون أشبه بكونه حيضا ،ثم
تغتسل ،وتعتبر فيما بعد ذلك مستحاضة ،تصوم وتصلي وتطوف ،عملً بحديث حمنة بن جحش:
«فتحيّضي ستة أو سبعة أيام في علم ال ،ثم اغتسلي. »...
ب ـ الناسية عدد عادتها ،وتذكر وقتها :كالتي تعلم أن حيضها في العشر الول من الشهر ،ول تعلم
عدده ،حكمها كالحالة الولى ،ترد إلى غالب الحيض :ست أو سبع ،في أصح الروايتين.
جـ ـ الناسية لوقتها دون عددها :أي أنها عالمة بالعدد ناسية للموضع ،كأن تعلم عدد أيام حيضتها،
وتنسى موضعها بأن لم تدر أكانت تحيض في أول الشهر أو أوسطه أو آخره؟ حكمها :أن تجعل أيام
حيضتها من أول كل شهر هللي؛ لنه صلّى ال عليه وسلم ( جعل حيضة حمنة من أول الشهر،
والصلة في بقيته ) ولن دم الحيض هو الصل ،والستحاضة عارضة ،فيقدم دم الحيض.
( )1/569
( )1/570
أنا أعلمكم بصلة رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،قالوا :فِلمَ؟ فوال ما كنتَ بأكثرنا له تَبَعا ،ول
أقدمنا له صحبةً ،قال :بلى ،قالوا :فاعرض ،قال :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم إذا قام إلى
ي بهما مَ ْنكِبيه ،ثم ُيكَبّر حتى َيقِرّ كل عظم في موضعه معتدلً ،ثم يقرأ،
الصلة ،يرفع يديه حتى يُحا ِذ َ
ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلً ،ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ،ثم يعتدل
صبُ رأسه ول ُيقْنِعُ ( ، )1ثم يرفع رأسه فيقول :سمع ال لمن حمده ،ثم يرفع يديه حتى يحاذي
ول يَ ْن ِ
بهما منكبيه معتدلً ،ثم يقول :ال أكبر ،ثم َيهْوي ( )2إلى الرض ،فيجافي يديه عن جنبيه ،ثم يرفع
أسه ،ويُثْني رجله اليسرى فيقعد عليها ( ، )3ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ،ويسجد ،ثم يقول :ال
أكبر ،ويرفع ،ويُثْني رجله اليسرى فيقعد عليها ،حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ،ثم يصنع في
الخر مثل ذلك.
ثم إذا قام من الركعتين ،كبّر ورفع يديه حتى يحاذيَ بهما منكبيه ،كما كبر عند افتتاح الصلة ،ثم
يصنع ذلك في بقية صلته.
شقّه اليسر،قالوا :صدقت،
حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرّ رجله ،وقعد مُتَورّكا ( )4على ِ
هكذا كان يصلي صلّى ال عليه وسلم .
وفي رواية قال« :كنت في مجلس من أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،قال :اذكروا
صلته ،فقال أبو حميد ـ فذكر بعض هذا الحديث ـ فتذكر :فإذا ركع أ ْمكَن كفّيه من ركبتيه ،وفرّج
بين أصابعه ،و َهصَر ( )5ظهره ،غير ُمقْنِع رأسه ،ول صافِحٍ بخدّه ( ، )6وقال :فإذا قعد في
الركعتين ،قعد على بطن قدمه اليسرى ،ونصب اليمنى ،فإذا كان في الرابعة أفضى بوَرِكه اليسرى
إلى الرض ،وأخرج قدميه من ناحية واحدة» .
-------------------------------
( )1يقنع :أي ل يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره.
( )2الهويّ :السقوط من علو إلى أسفل.
( )3هذه تسمى قعدة الستراحة.
( )4التورك في الصلة :القعود على الورك اليسرى ،والوركان فوق الفخذين كالمنكبين فوق
العضدين.
( )5هصر ظهره :أماله.
شقّين.
( )6أي غير مُبْرز خده ول مائل في أحد ال ّ
( )1/571
وفي رواية أخرى :قال« :إذا سجد وضع يديه غير ُمفْترش ( )1ول قابِضهما ،واستقبل بأطراف
أصابعه القبلة» .
وفي رواية قال« :ثم رفع رأسه ـ يعني من الركوع ـ فقال :سمع ال لمن حمده ،اللهم ربنا لك
الحمد ،ورفع يديه» .
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن رفاعة بن رافع رضي ال عنه حديثا علّم فيه النبي صلّى ال
خفّ صلته ،فقال النبي صلّى ال عليه وسلم :
عليه وسلم رجلً بدويا كيفية الصلة ،حينما صلى فأ َ
«إنه ل تتم صلةُ أحد من الناس حتى يتوضأ ،فيضع الوضوء ـ يعني مواضعه ـ ثم يكبر ،ويحمد
ال عز وجل ،ويُثْني عليه ،ثم يقرأ بما شاء من القرآن ،ثم يقول :ال أكبر ،ثم يركع حتى تطمئن
مفاصلُه ،ثم يرفع ،ثم يقول :سمع ال لمن حمده ،حتى يستوي قائما ،ويقول :ال أكبر ،ثم يسجد ،حتى
تطمئن مفاصله ،ثم يقول :ال أكبر ،ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ،ثم يقول :ال أكبر ،ثم يسجد
حتى تطمئن مفاصلُه ،ويرفع ثانية ليكبّر ،فإذا فعل ذلك تمت صلته» .
صلُ الوّل :تعريف الصّلة ،ومشروعيّتها وحكمة تشريعها
ال َف ْ
فرضيّتها وفرائضها ،حكم تارك الصّلة
سكَن لهم}
حقيقة الصلة :الصلة لغة :الدعاء أو الدعاء بخير ،قال تعالى{ :وصل عليهم إن صلتك َ
[التوبة ]9/301:أي ادع لهم .وشرعا :هي أقوال وأفعال مخصوصة ،مفتتحة بالتكبير ،مختتمة
بالتسليم.
مشروعيتها :الصلة واجبة بالكتاب والسنة والجماع:
-------------------------------
( )1الفتراش المنهي عنه :هو أن يبسط ذراعيه في السجود ول يرفعهما عن الرض.
( )1/572
أما الكتاب :فقوله تعالى{ :وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء،ويقيموا الصلة ويؤتوا
الزكاة ،وذلك دين القيّمة} [البينة ]5/89:وقوله سبحانه{ :فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ،واعتصموا بال
هو مولكم ،فنعم المولى ونعم النصير} [الحج ،]22/87:مع آي كثيرة مثل{ :إن الصلة كانت على
المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء.]4/301:
وأما السنة :فأحاديث متعددة ،منها :حديث ابن عمر عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال« :بني
السلم على خمس ،شهادة أن ل إله إل ال ،وأن محمدا رسول ال ،وإقامِ الصلة ،وإيتاء الزكاة،
وصوم رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيلً» ( ، )1وفي معناه حديث عمر بن الخطاب
رضي ال عنه« :السلم :أن تشهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدا رسول ال ،وتقيم الصلة ،وتؤتي
الزكاة ،وتصوم رمضان ،وتحج البيت إن استطعت إليه سبيل» (. )2
وأما الجماع :فقد أجمعت المة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة.
تاريخها ونوع فرضيتها وفرائضها :فرضت الصلة ليلة السراء قبل الهجرة بنحو خمس سنين على
المشهور بين أهل السير ،لحديث أنس ،قال« :فرضت على النبي صلّى ال عليه وسلم الصلوات ليلة
أسري به خمسين ،ثم نقصت حتى جعلت خمسا ،ثم نودي :يا محمد ،إنه ل يبدل القول لدي ،وإن لك
بهذه الخمسة خمسين» ( . )3وقال بعض الحنفية :فرضت ليلة السراء قبل السبت سابع عشر من
رمضان قبل الهجرة بسنة ونصف .وجزم الحافظ ابن حجر بأنه ليلة السابع والعشرين من رجب،
وعليه عمل أهل المصار.
وهي فرض عين على كل مكلف (بالغ عاقل) ،ولكن تؤمر بها الولد لسبع سنين ،وتضرب عليها
لعشر ،بيدٍ ،ل بخشبة ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :مُروا صبيانكم بالصلة لسبع سنين ،
واضربوهم عليها لعشر سنين ،وفرّقوا بينهم في المضاجع» (. )4
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2متفق عليه.
( )3رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي .وفي الصحيحين« :فرض ال على أمتي ليلة السراء
خمسين صلة ،فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة» .
( )4رواه أحمد وأبو داود والحاكم والترمذي والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (نيل
الوطار.)298/1:
( )1/573
والصلوات المكتوبات خمس في اليوم والليلة ،ول خلف بين المسلمين في وجوبها ،ول يجب غيرها
إل بنذر ،للحاديث السابقة ،ولحديث العرابي « :خمس صلوات في اليوم والليلة» قال العرابي:
«هل علي غيرها؟ قال« :ل ،إل تطّوع» ( )1ولقوله صلّى ال عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن:
«أخبرهم أن ال تعالى فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» (. )2
وقال أبو حنيفة رحمه ال :الوتر واجب ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن ال قد زادكم صلة ،وهي
الوتر» ( )3وهذا يقتضي وجوبه ،وقال عليه السلم« :الوتر واجب على كل مسلم» (. )4
حكمة تشريع الصلة :الصلة أعظم فروض السلم بعد الشهادتين ،لحديث جابر« :بين الرجل وبين
الكفر ترك الصلة» (. )5
وقد شرعت شكرا لنعم ال تعالى الكثيرة ،ولها فوائد دينية وتربوية على الصعيدين الفردي
والجتماعي.
فمن فوائدها الدينية :عقد الصلة بين العبد وربه ،بما فيها من لذة المناجاة للخالق ،وإظهار العبودية ل،
وتفويض المر له ،والتماس المن والسكينة والنجاة في رحابه ،وهي طريق الفوز والفلح ،وتكفير
السيئات والخطايا ،قال تعالى{ :قد أفلح المؤمنون ،الذين هم في صلتهم خاشعون} [المؤمنون -23/1
]2
-------------------------------
( )1متفق عليه ،تتمة الحديث« :فقال الرجل :والذي بعثك بالحق ل أزيد عليها ول أنقص منها ،فقال
الرسول :أفلح إن صدق» (نيل الوطار.)286/1:
( )2متفق عليه عن ابن عباس :وكانت تلك البعثة سنة عشر قبل حج النبي صلّى ال عليه وسلم (سبل
السلم.)120/2:
( )3ورواه ثمانية من الصحابة :خارجة بن حذافة ،وعمرو بن العاص ،وعقبة بن عامر،وابن عباس،
وأبو بصرة الغفاري ،وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،وأبو سعيد الخدري ،وكلها معلولة (نصب
الراية.)109/1:
( )4رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم عن أبي أيوب (نصب الراية:
.)112/1
( )5رواه مسلم.
( )1/574
{إن النسان خلق هلوعا ،إذا مسه الشر جزوعا ،وإذا مسه الخير منوعا إل المصلين} [المعارج:
.]20-70/19
وقال صلّى ال عليه وسلم « :أرأيتم لو أن َنهَرا بباب أحدكم ،يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ،هل
يَبْقى من دَرَنه شيء؟ قالوا :ل يبقى من درنه شيء .قال :فكذلك مَثَل الصلوات الخمس ،يمحو ال بهن
الخطايا» (. )1
وفي حديث آخر عن أبي هريرة أيضا أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :الصلوات الخمس،
والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ،ما لم ُتغْشَ الكبائر» ( . )2وعن عبد ال بن عمرو مرفوعا:
«إن العبد إذا قام يصلي ،أُتي بذنوبه فوضعت على رأسه أو على عاتقه ،فكلما ركع أو سجد ،تساقطت
عنه» ( )3أي حتى ل يبقى منها شيء إن شاء ال تعالى.
ومن فوائدها الشخصية :التقرب بها إلى ال تعالى ومعراج النفس إلى ربها ،قال ال تعالى{ :وما
خلقت الجن والنس إل ليعبدون} [الذاريات ]51/56:و فيها تقوية النفس والرادة ،والعتزاز بال
تعالى دون غيره ،والسمو عن الدنيا ومظاهرها ،والترفع عن مغرياتها وأهوائها ،وعما يحلو في
النفس مما لدى الخرين من جاه ومال وسلطان ،قال ال تعالى{ :واستعينوا بالصبر والصلة ،وإنها
لكبيرة إل على الخاشعين} [البقرة.]2/45:
كما أن في الصلة راحة نفسية كبيرة ،وطمأنينة روحية ،وبعدا عن الغفلة
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة ،ورواه ابن ماجه من حديث
عثمان (الترغيب والترهيب.)233/1:
( )2رواه مسلم والترمذي وغيرهما ( المصدر السابق ).
( )3رواه ابن حبان في صحيحه.
( )1/575
التي تصرف النسان عن رسالته السامية الخالدة في هذه الحياة ،قال صلّى ال عليه وسلم « :حُبّب
إلي من دنياكم :النساء والطيب ،وجعلت قُرّة عيني في الصلة» ( ، )1وكان عليه السلم ـ فيما رواه
أحمد ـ إذا حَز به أمر (أي نزل به هم أو غم) قال« :أرحنا بها يا بلل» (. )2
وفي الصلة :تدرب على حب النظام والتزام التنظيم في العمال وشؤون الحياة ،واحترا م الوقت
وتقديره لدائها في أوقات منظمة ،وبها يتعلم المرء خصال الحلم والناة والسكينة والوقار ،ويتعود
على حصر الذهن في المفيد النافع ،لتركيز النتباه في معاني آي القرآن وعظمة ال تعالى ومعاني
الصلة.
كما أن الصلة مدرسة خلقية عملية انضباطية تربي فضيلة الصدق والمانة ،وتنهى عن الفحشاء
والمنكر ،قال ال سبحانه{ :وأقم الصلة ،إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت.]92/54:
ومن فوائدها الجتماعية :إقرار العقيدة الجامعة لفراد المجتمع ،وتقويتها في نفسهم ،وفي تنظيم
الجماعة في تماسكها حول هذه العقيدة ،وفيها تقوية الشعور بالجماعة ،وتنمية روابط النتماء للمة،
وتحقيق التضامن الجتماعي ،ووحدة الفكر والجماعة التي هي بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وفي صلة الجماعة :فوائد عميقة وكثيرة ،من أهمها إعلن مظهر المساواة ،وقوة الصف الواحد،
ووحدة الكلمة ،والتدرب على الطاعة في القضايا العامة أو المشتركة باتباع المام فيما يرضي ال
تعالى ،والتجاه نحو هدف واحد وغاية نبيلة سامية هي الفوز برضوان ال تعالى.
-------------------------------
( )1رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك ،وهو حديث حسن.
( )2رواه أبو داود.
( )1/576
كما أن بها تعارف المسلمين وتآلفهم ،وتعاونهم على البر والتقوى ،وتغذية الهتمام بأوضاع وأحوال
المسلمين العامة ،ومساندة الضعيف والسجين والملحَق بتهمة والغائب عن أسرته وأولده .ويعد
المسجد والصلة فيه مقرا لقاعدة شعبية منظمة متعاونة متآزرة ،تخرّج القيادة ،وتدعم السلطة
الشرعية ،وتصحح انحرافاتها وأخطاءها بالكلمة الناصحة والموعظة الحسنة ،والقول الليّن ،والنقد
البناء الهادف؛ لن «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» (. )1
والصلة تميّز المسلم عن غيره ،فتكون طريقا للثقة والئتمان ،وبعث روح المحبة والمودة فيما بين
الناس ،جاء في الحديث« :من استقبل قبلتنا ،وصلى صلتنا ،وأكل ذبيحتنا ،فهو المسلم ،له ما للمسلم،
وعليه ما على المسلم» (. )2
حكم تارك الصلة :اتفق المسلمون على أن الصلة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل طاهر ،أي غير
ذي حيض أو نفاس ،ول ذي جنون أو إغماء ،وهي عبادة بدنية محضة ل تقبل النيابة أصلً ،فل
يصح أن يصلي أحد عن أحد ،كما ل يصح أن يصوم أحد عن أحد.
وأجمع المسلمون على أن من جحد وجوب الصلة ،فهو كافر مرتد ،لثبوت فرضيتها بالدلة القطعية
ل وتهاونا فهو فاسق عاص ،إل أن يكون
من القرآن والسنة والجماع ،كما أبنت .ومن تركها تكاس ً
قريب عهد بالسلم ،أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلة.
سقَر؟
وترك الصلة موجب للعقوبة الخروية والدنيوية ،أما الخروية فلقوله تعالى{ :ما سلككم في َ
قالوا :لم نك من المصلين} [المدثر]43-74/42:
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه.
( )2أخرجه البخاري والترمذي ،وأبو داود والنسائي عن أنس رضي ال عنه (جامع الصول:
158/1وما بعدها).
( )1/577
( )1/578
حدا ،ل كفرا ،أي ل يحكم بكفره وإنما يعاقب كعقوبة الحدود الخرى على معاصي الزنى والقذف
والسرقة ونحوها ،وبعد الموت يغسل ويصلى عليه ،ويدفن مع المسلمين .ودليلهم على عدم تكفير
تارك الصلة قوله تعالى{ :إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء،]4/48:
وأحاديث متعددة منها :حديث عبادة بن الصامت« :خمس صلوات كتبهن ال على العباد ،من أتى بهن
لم يضيّع منهن شيئا استخفافا بحقهن ،كان له عند ال عهد أن يُدخله الجنة ،ومن لم يأت بهن فليس له
عند ال عهد ،إن شاء عذبه ،وإن شاء غفَر له» (. )1
وحديث أبي هريرة« :إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة :الصلة المكتوبة ،فإن أتمها ،وإل قيل:
انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع ،أُكملت الفريضة من تطوعه ،ثم يُفعل بسائر العمال
المفروضة مثلُ ذلك» ( )2فل يكفر بترك الصلة؛ لن الكفر بالعتقاد ،واعتقاده صحيح ،ويكفر إن
تركها جاحدا وجوبها .وتأولوا الحاديث التية التي استدل بها الحنابلة بأنها محمولة على المستحل أو
المستحق عقوبة الكافر وهي القتل.
وقال المام أحمد رحمه ال ( : )3يقتل تارك الصلة كفرا أي بسبب كفره ،لقوله تعالى{ :فإذا انسلخ
الشهر الحُرُم ،فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ،وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ،فإن
تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة ،فخلوا سبيلهم ،إن ال غفور رحيم} [التوبة ،]9/5:فمن ترك الصلة،
لم يأت بشرط التخلية ،فيبقى على إباحة القتل ،فل يخلى من لم يقم الصلة.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (نيل الوطار.)294/1:
( )2رواه الخمسة ،وهناك أحاديث أخرى في موضوع هذين الحديثين (نيل الوطار295/1:
ومابعدها).
( )3المغني.447-442/2:
( )1/579
ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :بين الرجل وبين الكفر :ترك الصلة» ( )1فهويدل على أن ترك
الصلة من موجبات الكفر.
ومثله حديث بُرَيْدة« :العهد الذي بيننا وبينكم الصلة ،فمن تركها فقد كفر» ( )2وهو يدل على أن
تارك الصلة يكفر.
ورجح الشوكاني هذا الرأي ،فقال :والحق أنه كافر يقتل .ول يمنع بعض أنواع الكفر من المغفرة
واستحقاق الشفاعة.
وإني أميل إلى الرأي الول وهو الحكم بعدم كفر تارك الصلة ،للدلة الكثيرة القاطعة بعدم خلود
المسلم في النار بعد النطق بالشهادتين ،قال صلّى ال عليه وسلم « :من قال :ل إله إل ال ،وكفر بما
يُعبد من دون ال ،حرُم ماله ودمه ،وحسابه على ال» ( )3وقال عليه السلم أيضا« :يخرج من النار:
من قال :ل إله إل ال ،وفي قلبه وزن شعيرة من خير ،ويخرج من النار :من قال :ل إله إل ال،
وفي قلبه وزن بُرّة من خير ،ويخرج من النار :من قال :ل إله إل ال ،وفي قلبه مثقال ذرة من خير»
( . )4
وطريقة قتل تارك الصلة عند الجمهور (غير الحنفية) :هو ضرب عنقه بالسيف ،إن لم يتب.
دوام فرضية الصلة طوال العمر :ل تسقط الصلة بحال حضرا أو سفرا أو مرضا ،فيلزم المسلم
بالصلة ما دام حيا ،ولم يصبح في حال غيبوبة أو فقد الوعي ،وإنما يسر السلم كيفية أداء الصلة
كما في صلة الخوف ،وصلة المريض بحسب القدرة من قيام أو قعود أو على جنب أواستلقاء أو
بالرأس أو بالعين أو إجراء الركان على القلب .ومن كان ملطخا بالدم إثر عملية جراحية ،أو
مربوطا بكيس يصب فيه الدم مثلً ،أو مجبّر الكسور ،يصلي على هذه الحال بوضوء أو تيمم بحسب
القدرة ،ثم يعيد الصلة ،بعد الشفاء احتياطا.
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل البخاري والنسائي (نيل الوطار.)291/1:
( )2رواه الخمسة ،وابن حبان والحاكم ،وصححه النسائي والعراقي ،وهناك أحاديث أخرى في
موضوعه (انظر نيل الوطار 293/1:ومابعدها).
( )3أخرجه مسلم عن طارق الشجعي رضي ال عنه (جامع الصول.)161/1:
( )4أخرجه البخاري عن أنس رضي ال عنه .والبرة مفرد البُرّ من القمح.
( )1/580
( )1/581
وهناك حديث آخر في تحديد وقت المغرب عن عقبة بن عامر :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال :ل
تزال أمتي بخير ،أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب ،حتى تشتبك النجوم» ( )1وهو يدل على
استحباب المبادرة بصلة المغرب ،وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم.
وقد أوضح الفقهاء بناء على ذلك وقت كل صلة على النحو التي ( ، )2وأجمع المسلمون على أن
الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة ،ثبتت في أحاديث صحاح جياد ،وتجب الصلة
بأول الوقت وجوبا موسعا إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها فيضيق الوقت حينئذ .وفي المناطق
القطبية ونحوها يقدرون الوقات بحسب أقرب البلد إليهم ،أو بميقات مكة المكرمة.
- ً 1وقت الفجر:
يبدأ من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس .والفجر الصادق :هو البياض المنتشر ضوءه
معترضا في الفق .ويقابله الفجر الكاذب :وهو الذي يطلع مستطيلً متجها إلى العلى في وسط
السماء ،كذنب السِرْحان ( ، )3أي الذئب ،ثم تعقبُه ظُلْمة .والول :هو الذي تتعلق به الحكام الشرعية
كلها من بدء الصوم ووقت الصبح وانتهاء وقت العشاء ،والثاني :ل يتعلق به شيء من الحكام،
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك (نيل الوطار.)3/2:
( )2فتح القدير ،160-151/1:الدر المختار ،343-331/1:اللباب ،62-59/1:القوانين الفقهية :ص
43ومابعدها ،الشرح الصغير ،238-219/1:الشرح الكبير ،181-176/1:مغني المحتاج-121/1:
،127المهذب ،54-51/1:بجيرمي الخطيب ،354/1:المغني ،395-370/1:كشاف القناع-289/1:
.298
( )3السرحان مشترك بين الذئب والسد ،والمراد أنه يشبه ذنب السرحان السود ،لن الفجر الكاذب
بياض مختلط بسواد ،والسرحان السود :لونه مظلم ،وباطن ذنبه أبيض.
( )1/582
بدليل قوله عليه السلم« :الفجر فجران :فجر يحرّم الطعام وتحل فيه الصلة ،وفجر تحرم فيه الصلة
ـ أي صلة الصبح ـ ويحل فيه الطعام» (. )1
وفي حديث عبد ال بن عمرو عند مسلم« :ووقت صلة الصبح من طلوع الفجر ،ما لم تطلع الشمس»
وما بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر يعتبر وقتا مهملً ل فريضة فيه.
- ً 2وقت الظهر:
من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله ،سوى ظل أو فيء الزوال .وهذا رأي الصاحبين
المفتى به عند الحنفية والئمة الثلثة .وظاهر الرواية وهو رأي أبي حنيفة :أن آخر وقت الظهر :أن
يصير ظل كل شيء مِثْليْه ،إل أن هذا الوقت هو وقت العصر بالتفاق ،فتقدم الصلة عن هذا الوقت؛
لن الخذ بالحتياط في باب العبادات أولى.
وزوال الشمس :هو ميلها عن وسط السماء ،ويسمى بلوغ الشمس إلى وسط (أو كبد) السماء :حالة
الستواء ،وإذا تحولت الشمس من جهة المشرق إلى جهة المغرب حدث الزوال.
ويعرف الزوال :بالنظر إلى قامة الشخص ،أو إلى شاخص أو عمود منتصب في أرض مستوية
(مسطحة) ،فإذا كان الظل ينقص فهو قبل الزوال ،وإن وقف ليزيد ول ينقص ،فهو وقت الستواء،
وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت.
فإذا زاد ظل الشيء على ظله حالة الستواء ،أو مالت الشمس إلى جهة المغرب ،بدأ وقت الظهر،
وينتهي وقته عند الجمهور بصيرورة ظل الشيء مثله في القدر والطول ،مع إضافة مقدار ظل أو
فيء الستواء ،أي الظل الموجود عند الزوال.
-------------------------------
( )1رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه (سبل السلم.)115/1:
( )1/583
ودليل الجمهور :أن جبريل عليه السلم صلى بالنبي صلّى ال عليه وسلم في اليوم التالي حين صار
ظل كل شيء مثله ،ول شك أن هذا هو القوى .ودليل أبي حنيفة قوله عليه السلم« :أبردوا بالظهر،
فإن شدة الحر من فيح جهنم» ( . )1وأشد الحر في ديارهم كان في هذا الوقت يعني إذا صار ظل كل
شيء مثله .ودليل الكل على بدء وقت الظهر قوله تعالى{ :أقم الصلة لدلوك الشمس} [السراء:
]17/78أ ي زوالها.
- ً 3وقت العصر:
يبدأ من خروج وقت الظهر ،على الخلف بين القولين المتقدمين ،وينتهي بغروب الشمس ،أي أنه يبدأ
من حين الزيادة على مثل ظل الشيء ،أدنى زيادة عند الجمهور ،أو من حين الزيادة على مثلي الظل
عند أبي حنيفة ،وينتهي الوقت بالتفاق قبيل غروب الشمس ،لحديث« :من أدرك من الصبح ركعة
قبل أن تطلع الشمس ،فقد أدرك الصبح ،ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ،فقد
أدرك العصر» (. )2
ويرى أكثر الفقهاء :أن صلة العصر تكره في وقت اصفرار الشمس لقوله صلّى ال عليه وسلم:
«تلك صلة المنافق ،يجلس يرقُب الشمس ،حتى إذا كانت بين قَرْني الشيطان ،قام فنَقَرها أربعا ،ل
يذكر ال إل قليلً» ( )3وقوله عليه السلم« :وقت العصر مالم تصفر الشمس» (. )4
وصلة العصر :هي الصلة الوسطى عند أكثر العلماء ،بدليل ما روت عائشة عن النبي صلّى ال
عليه وسلم أنه قرأ{ :حافظوا على الصلوات ،والصلة الوسطى} [البقرة ،]2/238:والصلة الوسطى:
صلة العصر ( )5وعن ابن مسعود وسمرة قال :قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :الصلة الوسطى:
صلة العصر» ( )6وسميت وسطى لنها بين صلتين من صلة الليل ،وصلتين من صلة النهار.
-------------------------------
( )1رواه البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ «إذا اشتد الحر ،فأبردوا عن الصلة ،فإن شدة الحر
من فيح جهنم» (نصب الراية.)228/1:
( )2رواه الئمة الستة في كتبهم ،وهذا اللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة (المرجع السابق).
( )3رواه الجماعة إل البخاري وابن ماجه .عن أنس رضي ال عنه (نيل الوطار )307/1:وقوله بين
قرني الشيطان إما حقيقة أو مجاز عن سلطانه وغلبة أعوانه.
( )4رواه مسلم عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنه ،وفي معناه حديث آخر عن أبي هريرة ،ويؤيده
فعل النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث بريدة «أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى العصر في
اليوم الثاني ،والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة» .
( )5رواه أبو داود والترمذي ،وقال :حديث صحيح.
( )6قال الترمذي :حسن صحيح .هذا وقد أورد الشوكاني ستة عشر قولً في بيان الصلة الوسطى
(نيل الوطار.)311/1:
( )1/584
والمشهور عند مالك :أن صلة الصبح هي الوسطى ،لما روى النسائي عن ابن عباس قال« :أدلج
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،ثم عرّس ،فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها ،فلم يصل
حتى ارتفعت الشمس ،فصلى وهي صلة الوسطى ،والرأي الول أصح لصحة الحاديث فيه» .
- ً 4وقت المغرب:
من غروب الشمس بالجماع ،أي غياب قرصها بكامله ،ويمتد عند الجمهور (الحنفية والحنابلة
شفَق ،لحديث« :وقت المغرب ما لم
والظهر عند الشافعية وهو مذهب الشافعي القديم) إلى مغيب ال ّ
يغب الشفق» (. )1
والشفق عند الصاحبين والحنابلة والشافعية :هو الشفق الحمر ،لقول ابن عمر« :الشفق :الحمرة» ()2
والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين ،وقد رجع المام إليه ،وهو المذهب.
وعند أبي حنيفة :هو البياض الذي يستمر في الفق ويبقى عادة بعد الحمرة ،ثم يظهر السواد ،وبين
الشفقين تفاوت يقدر بثلث درجات ،والدرجة أربع دقائق.
ودليله قوله عليه الصلة والسلم« :وآخر وقت المغرب إذا اسود الفق» ( )3وهو ما روي عن أبي
بكر وعائشة ومعاذ وابن عباس.
-------------------------------
( )1رواه مسلم عن عبد ال بن عمرو (سبل السلم.)106/1:
( )2رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة ،وغيره وقفه على ابن عمر ،وتمام الحديث «فإذا غاب
الشفق وجبت الصلة» وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث ابن عمر مرفوعا« :ووقت صلة
المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق» (سبل السلم )114/1:قال النووي :والصحيح أنه موقوف على
ابن عمر.
( )3نص الحديث هو ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة« :وإن آخر وقتها -أي المغرب -حين
يغيب في الفق» وغيبوبته بسقوط البياض الذي يعقب الحمرة .لكنه حديث لم يصح سندا (نصب
الراية )230/1:وروي عن ابن مسعود أنه قال« :رأيت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يصلي هذه
الصلة حين يسود الفق» .
( )1/585
والمشهور عند المالكية ومذهب الشافعي الجديد غير الظهر المعمول به لدى الشافعية :أن وقت
المغرب ينقضي بمقدار وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات ،أي أن وقته مضيق غير
ممتد؛ لن جبريل عليه السلم صلى بالنبي عليه الصلة والسلم في اليومين في وقت واحد ،كما ذكر
في حديث جابر المتقدم ،فلو كان للمغرب وقت آخر لبينه ،كما بين وقت بقية الصلوات .ورد بأن
جبريل إنما بين الوقت المختار ،وهو المسمى بوقت الفضيلة ،وأما الوقت الجائز وهو محل النزاع
فليس فيه تعرض له.
- ً 5وقت العشاء:
يبدأ في المذاهب من مغيب الشفق الحمر على المفتى به عند الحنفية إلى طلوع الفجر الصادق ،أي
قبيل طلوعه لقول ابن عمر المتقدم« :الشفق الحمرة ،فإذا غاب الشفق وجبت الصلة » ولحديث أبي
قتادة عند مسلم« :ليس في النوم تفريط ،إنما التفريط على من لم يصل الصلة حتى يجيء وقت
الصلة الخرى» .فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلة إلى دخول وقت الصلة الخرى إل الفجر،
فإنها مخصوصة من هذا العموم بالجماع.
( )1/586
وأما الوقت المختار للعشاء فهو إلى ثلث الليل أو نصفه ،لحديث أبي هريرة« :لول أن أشق على أمتي
لمرتُهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» ( ، )1وحديث أنس« :أخر النبي صلّى ال عليه
وسلم صلة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى» ( )2وحديث ابن عمرو« :وقت صلة العشاء إلى
نصف الليل» (. )3
وأما حديث عائشة «أعتم النبي صلّى ال عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل ،حتى نام أهل
المسجد ،ثم خرج فصلى ،فقال :إنه لوقتها لول أن أشق على أمتي» ( )4فهو وإن كان فيه إشعار
بامتداد وقت اختيار العشاء إلى ما بعد نصف الليل .ولكنه مؤول بأن المراد بعامة الليل :كثير منه،
وليس المراد أكثره.
وأول وقت الوتر :بعد صلة العشاء ،وآخر وقتها مالم يطلع الفجر.
الوقت الفضل أو المستحب :
للفقهاء آراء في بيان أفضل وقت كل صلة أو الوقت المستحب ،فقال الحنفية ( : )5يستحب للرجال
السفار بالفجر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :أسفروا بالفجر ،فإنه أعظم للجر» ( )6والسفار:
التأخير للضاءة .وحد السفار :أن يبدأ بالصلة بعد انتشار البياض بقراءة مسنونة ،أي أن يكون
بحيث يؤديها بترتيل نحو ستين أو أربعين آية ،ثم يعيدها بطهارة لو فسدت .ولن في السفار تكثير
الجماعة وفي التغليس تقليلها ،وما يؤدي إلى التكثير أفضل ،وليسهل تحصيل ما ورد عن أنس من
حديث حسن« :من صلى الفجر في جماعة ،ثم قعد يذكر ال تعالى حتى تطلع الشمس ،ثم صلى
ركعتين ،كانت كأجر حجة تامة ،وعمرة تامة» .
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (نيل الوطار.)11/2:
( )2متفق عليه (المرجع السابق :ص .)12
( )3رواه أبو داود وأحمد ومسلم والنسائي (نيل الوطار.)306/1:
( )4رواه مسلم والنسائي (المرجع السابق )12/1 :وأعتم :دخل في العتمة أي آخرها.
( )5اللباب 61/1:ومابعدها ،فتح القدير والعناية 156/1:وما بعدها.
( )6رواه سبعة من الصحابة وهم رافع بن خديج عند أصحاب السنن الربعة ،وبلل ،وأنس ،وقتادة
بن النعمان ،وابن مسعود ،وأبو هريرة ،وحواء النصارية .قال الترمذي :حديث حسن صحيح (نصب
الراية.)235/1:
( )1/587
وأما النساء :فالفضل لهن الغَلَس (الظلمة)؛ لنه أستر ،وفي غير الفجر يَنْتَظِرْن فراغ الرجال من
الجماعة .وكذلك التغليس أفضل للرجل والمرأة لحاج بمزدلفة.
ويستحب في البلد الحارة وغيرها البراد بالظهر في الصيف ،بحيث يمشي في الظل ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم السابق« :أبردوا بالظهر ،فإن شدة الحر من فيح جهنم» ويستحب تعجيله في الشتاء والربيع
والخريف ،لحديث أنس عند البخاري« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم إذا اشتد البرد بكّر بالصلة ،
وإذا اشتد الحر أبرد بالصلة» (. )1
ويستحب تأخير العصر مطلقا ،توسعة لداء النوافل ،ما لم تتغير الشمس بذهاب ضوئها ،فل يتحير
فيها البصر ،سواء في الشتاء أم الصيف ،لما فيه من التمكن من تكثير النوافل ،لكراهتها بعد العصر.
-------------------------------
( )1نصب الراية.244/1:
( )1/588
ويستحب تعجيل المغرب مطلقا ،فل يفصل بين الذان والقامة إل بقدر ثلث آيات أو جلسة خفيفة؛
لن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود ،ولقوله عليه السلم« :ل تزال أمتي بخير أو قال :على
الفطرة ،ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» (. )1
ويستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل الول ،في غير وقت الغيم ،فيندب تعجيله فيه ،للحاديث
السابقة« :لول أن أشق على أمتي لمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» .
ويستحب في الوتر لمن يألف صلة الليل ويثق بالنتباه :أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل ،ليكون آخر
صلته فيه ،فإن لم يثق من نفسه بالنتباه أوتر قبل النوم ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من خاف أل
يقوم آخر الليل ،فليوتر أوله ،ومن طمع أن يقوم آخر الليل ،فليوتر آخره ،فإن صلة الليل مشهودة،
وذلك أفضل» (. )2
وقال المالكية ( : )3أفضل الوقت مطلقا لظهر أو غيره ،لفرد أو جماعة ،في شدة الحر أو غيره أوله،
فهو رضوان ال ،لقوله صلّى ال عليه وسلم لمن سأله :أي العمل أحب إلى ال؟ قال :الصلة على
وقتها» ( )4أو «الصلة في أول وقتها» وعن ابن عمر مرفوعا« :الصلة في أول الوقت :رضوان
ال ،وفي آخره عفو ال» ( )5فالفضل تقديم الصبح والعصر والمغرب.
لكن الفضل على المشهور تأخير الظهر لربع القامة بعد ظل الزوال صيفا وشتاء ،أي التأخير بمقدار
ذراع بأن يصيرظل الشخص بمقدار ربع قامته زيادة على ظل الزوال ،وندب التأخير لربع القامة لمن
ينتظر أداء الصلة جماعة أو كثرتها ،لتحصيل فضل الجماعة ،وإذا كان الوقت وقت شدة الحر ندب
تأخير الظهر للبراد،أي الدخول في وقت البرد.
كما أن الفضل في قول ضعيف في المدونة تأخير العشاء قليلً في المساجد ،والراجح كما حقق
الدسوقي ندب تقديم العشاء للجماعة مطلقا.
والخلصة :أن المبادرة في أول الوقت مطلقا هو الفضل ،إل في حال انتظار الفرد جماعة للظهر
وغيره ،وفي حال البراد بالظهر أي لجل الدخول في وقت البرد.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود في سننه (نصب الراية.)246/1:
( )2أخرجه مسلم عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه (نصب الراية.)249/1:
( )3الشرح الصغير 227/1:ومابعدها ،الشرح الكبير والدسوقي 179/1:ومابعدها ،القوانين الفقهية:
ص .43
( )4رواه البخاري والدارقطني وغيرهما عن ابن مسعود ،وقال الحاكم :إنه على شرط الشيخين ،ولفظ
الصحيحين« :الصلة لوقتها» .
( )5رواه الترمذي :وقال الشافعي رضي ال تعالى عنه :رضوان ل إنما يكون للمحسنين والعفو يشبه
أن يكون للمقصرين.
( )1/589
وقال الشافعية ( : )1يسن تعجيل الصلة ولو عشاء لول الوقت ،إل الظهر ،فيسن البراد بالظهر في
شدة الحر ،للحاديث السابقة المذكورة في مذهب المالكية ،والحنفية ،والصح :اختصاص التأخير
للبراد ببلد حار ،وجماعة مسجد ونحوه كمدرسة ،يقصدونه من مكان بعيد.
ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتْمة للنهي عنه ( ، )2ويكره النوم قبل صلة العشاء والحديث
بعدها إل في خير ،لما رواه الجماعة عن أبي بَرْزة السلمي أن النبي صلّى ال عليه وسلم «كان
يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العَتْمة ،وكان يكره النوم قبلها ،والحديث بعدها» .
وقال الحنابلة ( : )3الصلة في أول الوقت أفضل إل العشاء ،والظهر في شدة الحر ،والمغرب في
حالة الغيم ،أما العشاء فتأخيرها إلى آخر وقتها المختار وهو ثلث الليل أو نصفه أفضل ،ما لم يشق
ل بقول النبي صلّى ال عليه وسلم السابق« :لول أن
على المأمومين أو على بعضهم ،فإنه يكره ،عم ً
أشق على أمتي لمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» ولنه صلّى ال عليه وسلم «كان
يأمر بالتخفيف رفقا بهم» .
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 125/1:وما بعدها ،المهذب.53/1:
( )2أما النهي عن الول في خبر البخاري« :ل تغلبنكم العراب على اسم صلتكم المغرب ،وتقول
العراب :هي العشاء» وأما النهي عن الثاني ففي خبر مسلم« :ل تغلبنكم العراب على اسم صلتكم،
أل إنها العشاء ،وهم يُعتمون بالبل» وفي رواية «بحلب البل» معناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم
يعتمون بحلب البل ،أي يؤخرونه إلى شدة الظلم .وروى الحديث الثاني أيضا أحمد والنسائي وابن
ماجه( .نيل الوطار.)16/2:
( )3المغني ،395-385/1:كشاف القناع.295-291/1 :
( )1/590
وأما الظهر فيستحب البراد به على كل حال في وقت الحر ،ويستحب تعجيلها في وقت العشاء ،عملً
بالحديث السابق« :إذا اشتد الحر فأبردوا ،فإن شدة الحر من فيح جهنم» .
وأما حالة الغيم :فيستحب تأخير الظهر والمغرب أثناءه ،وتعجيل العصر والعشاء؛ لنه وقت يخاف
منه العوارض من المطر والريح والبرد ،فيكون في تأخير الصلة الولى من أجل الجمع بين
الصلتين في المطر ،وفي تعجيل الثانية دفع للمشقة التي قد تحصل بسبب هذه العوارض.
ول يستحب عند الحنابلة تسمية العشاء العتمة ،وكان ابن عمر إذا سمع رجلً يقول ( العتمة ) صاح
وغضب ،وقال ( :إنما هو العشاء ).
والخلصة :أن الفقهاء اتفقوا على أن الوقت الفضل هو أول وقت كل صلة ،واستحب الحنفية
السفار بصلة الصبح ،وقال الجمهور :التغليس بها أفضل ،واستحب الكل البراد بالظهر ،واستحب
الحنفية تأخير العصر ،واستحب المالكية للفرد التأخير رجاء إدراك صلة الجماعة ،واستحب الحنابلة
تأخير العشاء ،وتأخير الظهر والمغرب للجمع بين الصلتين في حالة الغيم بسبب المطر.
متى تقع الصلة أداء في الوقت؟
من المعلوم أن الصلة إذا أديت كلها في الوقت المخصص لها فهي أداء ،وإن فعلت مرة ثانية في
الوقت لخلل غير الفساد فهي إعادة ،وإن فعلت بعد الوقت فهي قضاء ،والقضاء :فعل الواجب بعد
وقته.
أما إن أدرك المصلي جزءا من الصلة في الوقت فهل تقع أداء؟ للفقهاء رأيان :الول للحنفية،
والحنابلة على الراجح ،والثاني للمالكية والشافعية.
( )1/591
الرأي الول ـ للحنفية والحنابلة في أرجح الروايتين عن أحمد ( : )1تدرك الفريضة أداء كلها
بتكبيرة الحرام في وقتها المخصص لها ،سواء أخرها لعذر كحائض تطهر ،ومجنون يفيق ،أو لغير
عذر ،لحديث عائشة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب
الشمس ،أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس ،فقد أدركها» ( )2وللبخاري «فليتم صلته» وكإدراك
المسافر صلة المقيم ،وكإدراك الجماعة ،ولن بقية الصلة تبع لما وقع في الوقت.
الرأي الثاني ـ للمالكية ،والشافعية ( )3في الصح :تعد الصلة جميعها أداء في الوقت إن وقع ركعة
بسجدتيها في الوقت ،وإل بأن وقع أقل من ركعة فهي قضاء ،لخبر الصحيحين« :من أدرك ركعة من
الصلة ،فقد أدرك الصلة» ( )4أي مؤداة .ومفهومه أن من لم يدرك ركعة ل يدرك الصلة مؤداة،
والفرق بين المرين :أن الركعة مشتملة على معظم أفعال الصلة ،وغالب ما بعدها كالتكرار لها،
فكان تابعا لها .وهذا الرأي فيما يظهر أصح لن المراد بالسجدة الركعة ،بدليل ما ذكر مسلم ،وبدليل
ما رواه الجماعة بلفظ «من أدرك من الصبح ركعة »...الخ.
الجتهاد في الوقت:
من جهل الوقت بسبب عارض غيم أو حبس في بيت مظلم ( ، )5وعدم ثقة يخبره به عن علم ،ولم
يكن معه ساعة تؤقت له ،اجتهد بما يغلب على ظنه دخوله بوِرْد من قرآن ودرس ومطالعة وصلة
ونحوه كخياطة وصوت ديك مجرّب ،وعمل على الغلب في ظنه.
والجتهاد يكون واجبا إن عجز عن اليقين بالصبر أو غيره كالخروج لرؤية الفجر أو الشمس مثلً،
وجائزا إن قدر عليه.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،677/1:كشاف القناع ،298/1:المغني.378/1:
( )2رواه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه ،لكن ذكر مسلم :والسجدة إنما هي الركعة.
( )3الشرح الصغير ،231/1:القوانين الفقهية :ص ،46مغني المحتاج ،136/1:المهذب ،54/1:نهاية
المحتاج.280/1:
( )4نيل الوطار.151/3:
( )5انظر مغني المحتاج ،127/1:المغني ،386/1،395:بجيرمي الخطيب 355/1:ومابعدها ،نهاية
المحتاج 281/1 :ومابعدها.
( )1/592
وإن أخبره ثقة من رجل أو امرأة بدخول الوقت عن علم ،أي مشاهدة ،عمل به؛ لنه خبر ديني يرجع
في المجتهد إلى قول الثقة كخبر الرسول صلّى ال عليه وسلم .أما إن أخبره عن اجتهاد فل يقلده؛
لن المجتهد ل يقلد مجتهدا آخر.
وإذا شك في دخول الوقت ،لم يصل حتى يتيقن دخوله ،أو يغلب على ظنه ذلك ،وحينئذ تباح له
الصلة ،ويستحب تأخيرها قليلً احتياطا لتزداد غلبة ظنه ،إل أن يخشى خروج الوقت.
وإن تيقن أن صلته وقعت قبل الوقت ،ولو بإخبار عدل مقبول الرواية عن مشاهدة ،قضى في
الظهر عند الشافعية وعند أكثر العلماء ،وإل أي إن لم يتيقن وقوعها قبل الوقت ،فل قضاء عليه.
ودليل القضاء :ما روي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا الفجر؛ لنهما صلياها قبل الوقت ،ولن
الخطاب بالصلة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها ،فإن لم تبرأ الذمة منه بقي بحاله.
تأخير الصلة :يجوز تأخير الصلة إلى آخر الوقت لقوله صلّى ال عليه وسلم فيما رواه الدارقطني
عن جرير بن عبد ال« :أول الوقت رضوان ال وآخره عفو ال» ولنا لو لم نجوز التأخير لضاق
على الناس ،فسمح لهم بالتأخير .لكن من أخر الصلة عمدا ،ثم خرج الوقت وهو فيها ،أثم وأجزأته (
. )1
الوقات المكروهة:
ثبت في السنة النهي عن الصلة في أوقات خمسة ،ثلثة منها في حديث ،واثنان منها في حديث آخر.
جهَني« :ثلث ساعات كان رسول ال صلّى ال عليه
أما الثلثة ففي حديث مسلم عن عقبة بن عامر ال ُ
وسلم ينهانا أن نصلّي فيهن ،وأن نقبُر فيهن موتانا :حين تطلعُ الشمس بازغة حتى ترتفع ( ، )2وحين
يقوم قائم الظهيرة ( )3حتى تزول الشمس ( ، )4وحين تتضيّف ( )5الشمس لغروب» .
-------------------------------
( )1المهذب ،53/1:المحرر في الفقه الحنبلي.28/1:
( )2بين حديث عمرو بن عبسة قدر ارتفاعها بلفظ «وترتفع قَيْس -أي قدر-رمح أو رمحين» رواه
أبو داود والنسائي .وطول الرمح50،2:م أو سبعة أذرع في رأي العين تقريبا ،وقال المالكية :اثنا
عشر شبرا.
( )3ورد في حديث ابن عبسة «حتى يعدل الرمح ظله» ومعنى قوله ( قائم الظهيرة ) :قيام الشمس
وقت الستواء.
( )4أي تميل عن كبد السماء أي وسطها.
( )5أي تميل (راجع الحديثين في سبل السلم 111/1:وما بعدها).
( )1/593
وهذه الوقات الثلثة تختص بأمرين :دفن الموتى والصلة.
وأما الوقتان الخران ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال :سمعت رسول ال صلّى
ال عليه وسلم يقول« :ل صلة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ،ول صلة بعد العصر حتى تغيب
الشمس» ولفظ مسلم« :ل صلة بعد صلة الفجر» وهذان الوقتان يختصان بالنهي عن الصلة فقط.
فالوقات الخمسة هي ما يأتي:
ً - 1ما بعد صلة الصبح حتى ترتفع الشمس كرُمح في رأي العين.
ً - 2وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رُمح أي بعد طلوعها بمقدار ثلث ساعة.
ً - 3وقت الستواء ( )1إلى أن تزول الشمس ،أي يدخل وقت الظهر.
ً - 4وقت اصفرار الشمس حتى تغرب.
ً - 5بعد صلة العصر حتى تغرب الشمس.
والحكمة من النهي عن الصلة في هذه الوقات وتحريم النوافل فيها :هي أن الوقات الثلثة الولى
ورد تعليل النهي عن الصلة فيها في حديث عمرو بن عبسة عند مسلم وأبي داود والنسائي :وهو أن
الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان ،فيصلي لها الكفار ،وعند قيام قائم الظهيرة تسجر (توقد)
جهنم وتفتح أبوابها ،وعند الغروب تغرب بين قرني شيطان ،فيصلي لها الكفار .فالحكمة هي إما
التشبه بالكفار عبدة الشمس ،أو لكون الزوال وقت غضب.
-------------------------------
( )1التعبير به أولى من التعبير بوقت الزوال؛ لن وقت الزوال ل تكره فيه الصلة إجماعا؛ لن
زوال الشمس يحدث عقب انتصاف النهار.
( )1/594
وأما حكمة النهي عن النوافل بعد الصبح وبعد العصر فهي ليست لمعنى في الوقت ،وإنما الوقت
كالمشغول حكما بفرض الوقت ،وهو أفضل من النفل الحقيقي.
وأما نوع الحكم المستفاد من النهي:
فهو حرمة النافلة عند الحنابلة في الوقات الخمسة،وعند المالكية في الوقات الثلثة،والكراهة
التنزيهية في الوقتين الخرين.
والكراهة التحريمية عند الحنفية في الوقات الخمسة ،وهو المعتمد عند الشافعية ( )1في الوقات
الثلثة ،والكراهة التنزيهية في مشهور مذهب الشافعية في الوقتين الخرين.
والحرمة أو الكراهة التحريمية ( )2تقتضي عدم انعقاد الصلة على الخلف التي.
وأما نوع الصلة المكروهة ففيها خلف بين الفقهاء.
أولً ـ الوقات الثلثة ( الشروق والغروب والستواء ) قال الحنفية ( : )3يكره تحريما فيها كل
صلة مطلقا ،فرضا أو نفلً ،أو واجبا،ولو قضاء لشيء واجب في الذمة ،أو صلة جنازة أو سجدة
تلوة أو سهو ،إل يوم الجمعة على المعتمد المصحح ،وإل فرض عصر اليوم أداء.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،31الدر المختار ،343/1:الشرح الصغير ،241/1:مغني المحتاج،128/1:
حاشية الباجوري ،196/1:كشاف القناع ،528/1:المغني 107/1:وما بعدها.
( )2بالرغم من أن كلً من الحرام والمكروه تحريما يقتضي الثم ،إل أن الحرام :هو ما ثبت بدليل
قطعي ل يحتمل التأويل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس .وكراهة التحريم :ما ثبتت بدليل يحتمل
التأويل.
( )3فتح القدير مع العناية ،166-161/1:مراقي الفلح :ص ،31الدر المختار.349-1/343:
( )1/595
والكراهة تقتضي عدم انعقاد الفرض وما يلحق به من الواجب كالوتر ،وينعقد النفل بالشروع فيه مع
كراهة التحريم ،فإن طرأ الوقت المكروه على صلة شرع فيها فتبطل إل صلة جنازة حضرت فيها،
وسجدة تليت آيتها فيها ،وعصر يومه ،والنفل والنذر المقيد بها ،وقضاء ما شرع به فيها ثم أفسده،
فتنعقد هذه الستة بل كراهة أصلً ،في الولى منها ،ومع الكراهة التنزيهية في الثانية ،والتحريمية في
البواقي.
ودليلهم عموم النهي عن الصلة في هذه الوقات .وأما عدم صحة القضاء؛ فلن الفريضة وجبت
كاملة فل تتأدى بالناقص.
ول يصح أداء فجر اليوم عند الشروق ،لوجوبه في وقت كامل فيبطل في وقت الفساد ،إل العوام فل
يمنعون من ذلك؛ لنهم يتركونها ،والداء الجائز عند البعض أولى من الترك.
ويصح أداء العصر مع الكراهة التحريمية ،لحديث أبي هريرة« :من أدرك ركعة من العصر قبل أن
تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (. )1
ويصح مع الكراهة التنزيهية أداء سجدة التلوة المقروءة في وقت النهي أو أداء صلة منذورة فيه أو
نافلة شرع بأدائها فيه ،لوجوبها في هذا الوقت .كذلك تصح صلة الجنازة إذا حضرت في وقت
مكروه لحديث الترمذي« :يا علي ثلثة ل تؤخرها :الصلة إذا أتت ،والجنازة إذا حضرت ،واليّم إذا
وجدت لها كفؤا» .
-------------------------------
( )1رواه الجماعة بلفظ «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ،ومن
أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ،فقد أدرك العصر» (نيل الوطار)21/2:
( )1/596
وقد رد الحنفية على التفرقة بين العصر والصبح مع أن هذا الحديث يسوي بينهما :بأن التعارض لما
وقع بينه وبين النهي عن الصلة في الوقات الثلثة ،رجعنا إلى القياس ،كما هو حكم التعارض،
فرجحنا حكم هذا الحديث في صلة العصر ،وحكم النهي في صلة الفجر( رد المحتار)346/1:
والحق أن هذه التفرقة لدي غير مقبولة ،لنه يلزم عليها العمل ببعض الحديث وترك بعضه .ودليل
المصحح المعتمد ،وهو قول أبي يوسف ،في إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال :هو حديث أبي
هريرة في مسند الشافعي رحمه ال« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن الصلة نصف
النهار حتى تزول الشمس إل يوم الجمعة» (. )1
ثانيا ـ الوقتان الخران (بعد صلتي الفجر والعصر) :يكره تحريما أيضا التنفل فيهما ،ولو بسنة
الصبح أو العصر إذا لم يؤدها قبل الفريضة أو بتحية مسجد ،أو منذور ،وركعتي طواف ،وسجدتي
سهو ،وصلة جنازة؛ لن الكراهة كانت لشغل الوقت بصاحب الفريضة الصلية ،فإذا أديت لم تبق
كراهة بشغله بفرض آخر أو واجب لعينه ،لكن عدم الكراهة في القضاء بما بعد العصر مقيد بما قبل
تغير الشمس ،أما بعده فل يجوز فيه القضاء أيضا ،وإن كان قبل أن يصلي العصر.
وقال المالكية (: )2
يحرم النفل ل الفرض في الوقات الثلثة ،ويجوز قضاء الفرائض الفائتة فيها وفي غيرها ،ومن النفل
عندهم :صلة الجنازة ،والنفل المنذور ،والنفل المفسد ،وسجود السهو البعدي ،لن ذلك كله سنة،
ل بمقتضى النهي السابق الثابت في السنة.
عم ً
ويكره تنزيها النفل في الوقتين الخرين (بعد طلوع الفجر وبعد أداء العصر) إلى أن ترتفع الشمس
بعد طلوعها قدر رمح ( ، )3وإلى أن تصلي المغرب ،إل صلة الجنازة وسجود التلوة بعد صلة
الصبح قبل إسفار الصبح ،وما بعد العصر قبل
-------------------------------
( )1لكن سنده ضعيف (سبل السلم.)113/1:
( )2الشرح الصغير 241/1:ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،46الشرح الكبير 186/1:ومابعدها.
( )3المقصود رمح من رماح العرب، ،وقدره اثنا عشر شبر بشبر متوسط.
( )1/597
اصفرار الشمس فل يكره بل يندب ،وإل ركعتي الفجر ،فل يكرهان بعد طلوع الفجر ،لنهما رغيبة
كما سيأتي.
ويقطع المتنفل صلته وجوبا إن أحرم بوقت تحرم فيه الصلة ،وندبا إن أحرم بوقت كراهة ،ول
قضاء عليه.
وقال الشافعية (: )1
تكره صلة النافلة تحريما على المعتمد في الوقات الثلثة ،وتنزيها ( )2في الوقتين الخرين .ول
تنعقد الصلة في الحالتين؛ لن النهي إذا رجع لذات العبادة أو لزمها اقتضى الفساد ،سواء أكان
للتحريم أم للتنزيه .ويأثم الفاعل في الحالتين أيضا؛ لن الكراهة التنزيهية وإن كانت ل تقتضي الثم
عموما ،لكنها في هذه الحالة يأثم بها المصلي ،بسبب التلبس بعبادة فاسدة .ويعزر من صلى في
الوقات المنهي عنها.
واستثنى الشافعية حالت ل كراهة فيها وهي ما يأتي:
ً - 1يوم الجمعة :ل تكره الصلة عند الستواء يوم الجمعة ،لستثنائه في خبر البيهقي عن أبي سعيد
الخدري وأبي هريرة قال« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم ينهى عن الصلة نصف النهار إل
يوم الجمعة» ( )3وخبر أبي داود عن أبي قتادة نحوه ،ولفظه« :وكره النبي صلّى ال عليه وسلم
الصلة نصف النهار إل يوم الجمعة ،وقال :إن جهنم تسجر إل يوم الجمعة» (. )4
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 128/1 :ومابعدها ،حاشية الباجوري 196/1 :ومابعدها.
( )2الفرق بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه :أن الولى تقتضي الثم ،والثانية لتقتضيه.
( )3لكنه ضعيف (سبل السلم 113/1:ومابعدها).
( )4قال أبو داود :إنه مرسل ،وفيه ليث بن أبي سليم ،وهو ضعيف ،إل أنه أيده فعل أصحاب النبي
صلّى ال عليه وسلم ،فإنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة ،ولنه صلّى ال عليه وسلم حث
على التبكير إليها ،ثم رغب في الصلة إلى خروج المام من غير تخصيص ول استثناء (سبل
السلم.)114/1 :
( )1/598
والصح عندهم جواز الصلة في هذا الوقت ،سواء أحضر إلى الجمعة أم ل.
ً - 2حرم مكة :الصحيح أنه ل تكره الصلة في هذه الوقات في حرم مكة لخبر جبير بن مطعم
قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :يا بني عبد مناف ،ل تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت،
وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» ( )1ولما فيه من زيادة فضل الصلة فل تكره بحال ،لكنها
خلف الولى خروجا من الخلف.
ً - 3الصلة ذات السبب غير المتأخر ،كفائتة ،وكسوف ،وتحية مسجد ،وسنة الوضوء وسجدة شكر؛
لن الفائتة وتحية المسجد وركعتي الوضوء لها سبب متقدم ،وأما الكسوف وصلة الستسقاء وصلة
الجنازة وركعتا الطواف فلها سبب متقدم ،وأما الكسوف وصلة الستسقاء وصلة الجنازة وركعتا
ل تقضى في أي وقت بنص الحديث« :من نام عن
الطواف فلها سبب مقارن .والفائتة فرضا أو نف ً
صلة أو نسيها ،فليصلها إذا ذكرها» ( )2وخبر الصحيحين «أنه صلّى ال عليه وسلم صلى بعد
العصر ركعتين ،وقال :هما اللتان بعد الظهر» والكسوف وتحية المسجد ونحوهما معرضان للفوات،
وفي الصحيحين عن أبي هريرة «أنه صلّى ال عليه وسلم قال لبلل :حدثني بأرجى عمل عملته في
السلم ،فإني سمعت َدفّ نعليك ( )3بين يدي في الجنة؟ قال :ما عملت عملً أرجى عندي من أني لم
أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار ،إل صليت بذلك الطهور ما كتب ال لي أن أصلي» .
-------------------------------
( )1رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان ،وأخرجه الشافعي والدارقطني وابن خزيمة والحاكم
أيضا (المصدر السابق).
( )2متفق عليه.
( )3الدّف :صوت النعل وحركته على الرض والمراد :تحريكه كما قال البخاري في صحيحه (
386/1ط البغا ).
( )1/599
وفي سجدة الشكر :ورد في الصحيحين أيضا توبة كعب بن مالك« :أنه سجد سجدة للشكر بعد صلة
الصبح قبل طلوع الشمس» .
أما ما له سبب متأخر كركعتي الستخارة والحرام :فإنه ل ينعقد ،كالصلة التي ل سبب لها.
وقال الحنابلة (: )1
يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها ،لعموم الحديث السابق« :من نام عن
صلة أو نسيها ،فليصلها إذا ذكرها» ولحديث أبي قتادة« :ليس في النوم تفريط ،وإنما التفريط في
اليقظة ،فإذا نسي أحدكم صلة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» (. )2
ولو طلعت الشمس وهو في صلة الصبح أتمها ،خلفا للحنفية ،للحديث السابق« :إذا أدرك سجدة من
صلة الصبح قبل أن تطلع الشمس ،فليتم صلته» .
ويجوز فعل الصلة المنذورة في وقت النهي ،ولو كان نذرها فيه ،خلفا للحنفية؛ لنها صلة واجبة،
فأشبهت الفريضة الفائتة وصلة الجنازة.
ويجوز فعل ركعتي الطواف ،للحديث السابق عند الشافعية« :يا بني عبد مناف ،ل تمنعوا أحدا طاف
بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار» .
وتجوز صلة الجنازة في الوقتين (بعد الصبح وبعد العصر) وهو رأي جمهور الفقهاء ،ول تجوز
صلة الجنازة في الوقات الثلثة (الشروق والغروب والستواء) إل أن يخاف عليها فتجوز مطلقا
للضرورة ،ودليلهم على المنع قول
-------------------------------
( )1المغني ،122-107/2:كشاف القناع.531-528/1:
( )2رواه النسائي والترمذي وصححه ،وأبو داود (نيل الوطار .)27/2:عقبة بن عامر السابق:
«ثلث ساعات كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ،وأن نقبر فيهن موتانا» .
( )1/600
وتجوز إعادة جماعة في أي وقت من أوقات النهي بشرط أن تقام وهو في المسجد ،أو يدخل المسجد
وهم يصلون ،سواء أكان صلى جماعة أم وحده ،لما روى يزيد بن السود ،قال« :صليت مع النبي
صلّى ال عليه وسلم صلة الفجر ،فلما قضى صلته ،إذا هو برجلين لم يصليا معه ،فقال :ما منعكما
أن تصليا معنا؟ فقال :يا رسول ال ،قد صلينا في رحالنا ،فقال :ل تفعل ،إذا صليتما في رحالكما ،ثم
أتيتما مسجد جماعة ،فصلّيا معهم ،فإنها لكم نافلة» ( )1وهذ نص في الفجر ،وبقية الوقات مثله،
ولنه متى لم يعد لحقته تهمة في حق المام.
ويحرم التطوع بغير الصلوات المستثناة السابقة في شيء من الوقات الخمسة ،للحاديث المتقدمة،
سواء أكان التطوع مما له سبب كسجود تلوة وشكر وسنة راتبة كسنة الصبح إذا صلها بعد صلة
الصبح ،أو بعد العصر ،وكصلة الكسوف والستسقاء وتحية المسجد وسنة الوضوء ،أم ليس له سبب
كصلة الستخارة ،لعموم النهي ،وإنما ترجح عمومها على أحاديث التحية وغيرها ،لنها حاظرة
وتلك مبيحة ،والحاظر مقدم على المبيح ،وأما الصلة بعد العصر فمن خصائصه صلّى ال عليه وسلم
.لكن تجوز فقط تحية المسجد يوم الجمعة إذا دخل والمام يخطب ،فيركعهما ،للحديث السابق «أن
النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن الصلة نصف النهار إل يوم الجمعة» .
ويجوز في الصحيح قضاء السنن الراتبة بعد العصر؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم فعله ،فإنه قضى
الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي وقال :حديث حسن صحيح.
( )1/601
والصحيح في الركعتين قبل العصر أنها ل تقضى ،لما روت عائشة «أن النبيصلّى ال عليه وسلم
صلهما ،فقلت له :أتقضيهما إذا فاتتا؟ قال :ل» ( )1ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلة الفجر ،إل
أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى خروجا من الخلف.
والمشهور في المذهب أنه ل يجوز قضاء السنن في سائر أوقات النهي.
ول فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي ،لعموم النهي.
كما ل فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها ،ول بين الشتاء والصيف ،لعموم الحاديث في
النهي.
كراهة التنفل في أوقات أخرى:
كره الحنفية والمالكية التنفل في أوقات أخرى هي ما يأتي ( ، )2علما بأن الكراهة تحريمية عند
الحنفية في كل ما يذكر هنا:
- ً 1ما بعد طلوع الفجر قبل صلة الصبح:
قال الحنفية :يكره تحريما التنفل حينئذ بأكثر من سنة الفجر ،وقال بعض الشافعية بكراهة التنزيه في
هذا الوقت ،والمشهور في المذهب خلفه ،كما أن الصحيح عند الحنابلة جواز التنفل في هذا الوقت؛
لن أحاديث النهي الصحيحة ليست صريحة في النهي قبل صلة الفجر ،وإنما فيه حديث ابن عمر،
وهو غريب ،فيجوز بناء عليه صلة الوتر قبل الفجر.
وقال المالكية :يكره تنزيها الصلة تطوعا بعد الفجر قبل الصبح ،ويجوز فيه قضاء الفوائت وركعتا
الفجر ،والوتر ،والوِرْد ،أي ما وظفه من الصلة ليلً على نفسه.
-------------------------------
( )1رواه ابن النجار في الجزء الخامس من حديثه.
( )2الدر المختار ،351-349/1:مراقي الفلح :ص ،31فتح القدير ،166/1:القوانين الفقهية :ص
،46الشرح الكبير ،187/1 :الشرح الصغير 242/1:ومابعدها ،531 ،513 ،511 ،مغني المحتاج:
129/1ومابعدها ،313 ،المحلي على المنهاج مع قليوبي وعميرة ،119/1:الحضرمية 32:ومابعدها،
المغني ،387 ،135 ،129 ،119-116/2:كشاف القناع.63 ،47/2:
( )1/602
ودليل الحنفية والمالكية على الكراهة حديث ابن عمر« :ل صلة بعد الفجر إل الركعتين قبل صلة
الفجر» (. )1
- ً 2ما قبل صلة المغرب:
يكره التنفل عند الحنفية والمالكية قبل صلة المغرب ،للعمومات الواردة في تعجيل المغرب ،منها
حديث سلمة بن الكوع« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غَرَ َبتْ الشمس
وتوارت بالحجاب» ( )2وحديث عقبة بن عامر« :ل تزال أمتي بخير أو على الفطرة ،ما لم يؤخروا
المغرب حتى تشتبك النجوم» ( )3والتنفل يؤدي إلى تأخير المغرب ،والمبادرة إلى أداء المغرب
مستحبة.
وقال الشافعية على المشهور :يستحب صلة ركعتين قبل المغرب ،وهي سنة غير مؤكدة ،وقال
الحنابلة :إنهما جائزتان وليستا سنة ،ودليلهم :ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد ال بن مغفل «أن
النبي صلّى ال عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين» وقال أنس « :كنا نصلي على عهد رسول ال
صلّى ال عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلة المغرب» ( )4وعن عبد ال بن ُم َغفّل أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :صلوا قبل المغرب ركعتين ،ثم قال :صلوا قبل المغرب
ركعتين ،ثم قال عند الثالثة :لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة» (. )5
قال الشوكاني :والحق أن الحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب مخصصة لعموم أدلة
استحباب التعجيل.
- ً 3أثناء خطبة المام في الجمعة والعيد والحج والنكاح والكسوف والستسقاء :
-------------------------------
( )1رواه الطبراني في معجمه الوسط ،لكن تفرد به عبد ال بن خراش ،فهو غريب كما قال الترمذي،
ورواه الدارقطني بلفظ« :ليبلغ شاهدكم غائبكم أن ل صلة بعد الفجر إل ركعتين» .وفيه شخص
مختلف فيه ،ورواه أبو داود والترمذي بلفظ« :ل صلة بعد الفجر إل سجدتين» لكنه حديث غريب
(نصب الراية 255/1:ومابعدها).
( )2رواه الجماعة إل النسائي (نيل الوطار.) 2/2 :
( )3رواه أحمد وأبو داود والحاكم (المصدر السابق.)3/2 :
( )4رواه مسلم وأبو داود (المصدر السابق)6/2:
( )5رواه أحمد والبخاري وأبو داود .وفي رواية «بين كل أذانين صلة ،بين كل أذانين صلة ،ثم قال
في الثالثة ،لمن شاء» رواه الجماعة (المصدر السابق :ص .)7
( )1/603
يكره لدى الحنفية والمالكية التنفل عند خروج الخطيب حتى يفرغ من الصلة ،لحديث أبي هريرة:
«إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة :أنصت ،والمام يخطب فقد لغوت» ( ، )1وأضاف المالكية أنه يكره
التنفل بعد صلة الجمعة أيضا إلى أن ينصرف الناس من المسجد.
وكذلك يكره التنفل تنزيها في هذه الحالة عند الشافعية والحنابلة إل تحية المسجد إن لم يخش فوات
تكبيرة الحرام ،ويجب عليه أن يخففهما بأن يقتصر على الواجبات ،فإن لم يكن صلى سنة الجمعة
القبلية نواها مع التحية إذ ل يجوز له الزيادة على ركعتين ،ول تنعقد صلة غير التحية عند الشافعية.
ودليلهم خبر الصحيحين« :إذا دخل أحدكم المسجد ،فل يجلس حتى يصلي ركعتين» فهو مخصص
لخبر النهي .وروى جابر ،قال« :جاء سُلَيك الغطفاني ،ورسول ال صلّى ال عليه وسلم يخطب،
فقال :ياسليك قم ،فاركع ركعتين ،وتجوّز فيهما» ( )2أي خفف فيهما.
- ً 4ما قبل العيد وبعده:
يكره التنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة قبل صلة العيد وبعده ،لحديث أبي سعيد الخدري قال:
«كان النبي صلّى ال عليه وسلم ل يصلي قبل العيد شيئا ،فإذا رجع إلى منزله ،صلى ركعتين» ()3
وأضاف الحنابلة :ل بأس بالتنفل إذا خرج من المصلى.
والكراهة عند الحنفية والحنابلة سواء للمام والمأموم ،وسواء أكان في المسجد أم المصلى ،وأما عند
المالكية فالكراهة في حال أدائها في المصلى ل في المسجد.
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل ابن ماجه (سبل السلم.)50/2:
( )2رواه مسلم .ورواية البخاري« :دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلّى ال عليه وسلم يخطب ،فقال:
صَلّ ْيتَ؟ قال :ل ،قال :قم فصل ركعتين» (سبل السلم.)51/2:
( )3رواه ابن ماجه بإسناد حسن (سبل السلم )67/2:وأخرجه أيضا الحاكم وأحمد ،روى الترمذي
عن ابن عمر نحوه.
( )1/604
وقال الشافعية :يكره التنفل للمام قبل العيد وبعده ،لشتغاله بغير الهم ،ولمخالفته فعل النبي صلّى ال
عليه وسلم ،فقد روى ابن عباس رضي ال عنهما« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى يوم العيد
ركعتين لم يصلّ قبلها ول بعدها» (. )1
ول يكره النفل قبل العيد بعد ارتفاع الشمس لغير المام ،لنتفاء السباب المقتضية للكراهة ،كذلك ل
يكره النفل بعد العيد إن كان ل يسمع الخطبة ،فإن كان يسمع الخطبة كره له.
- ً 5عند إقامة الصلة المكتوبة :
قال الحنفية :يكره تحريما التطوع عند إقامة الصلة المفروضة ،لحديث« :إذا أقيمت الصلة فل صلة
إل المكتوبة» ( )2إل سنة الفجر إن لم يخف فوت جماعة الفرض ولو بإدراك تشهده ،فإن خاف
تركها أصلً ،فيجوز التيان بسنة الفجر عند القامة ،لشدة تأكدها ،والحث عليها ،ومواظبة النبي
صلّى ال عليه وسلم عليها ،قال عليه السلم« :ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» ( )3وقالت
عائشة« :لم يكن النبي صلّى ال عليه وسلم على شيء من النوافل أشدّ تعاهدا منه على ركعتي
الفجر» ( . )4وروى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود« :أنه دخل المسجد ،وأقيمت الصلة ،فصلى
ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة» .
وكذلك يكره التطوع عند ضيق وقت المكتوبة ،لتفويته الفرض عن وقته.
وقال الشافعي والجمهور ( : )5يكره افتتاح نافلة بعد إقامة الصلة ،سواء أكانت راتبة كسنة الصبح
والظهر والعصر ،أم غيرها كتحية المسجد.
-------------------------------
( )1أخرجه السبعة (سبل السلم.)66/2:
( )2رواه مسلم وأصحاب السنن الربعة عن أبي هريرة ،وهو صحيح.
( )3رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن عائشة ،وهو صحيح (نيل الوطار.)19/3:
( )4متفق عليه (سبل السلم.)4/2 :
( )5شرح مسلم للنووي 221/5 :ومابعدها ،المجموع ،273/3،550:المغني.456/1:
( )1/605
وقد عنون النووي لهذا البحث بقوله« :باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة
الصلة ،سواء السنة الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرها ،سواء علم أنه يدرك الركعة مع المام أم
ل» ودليل الجمهور على كراهة افتتاح النافلة :قوله صلّى ال عليه وسلم « :إذا أقيمت الصلة فل
صلة إل المكتوبة» وفي الرواية الخرى« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم مر برجل يصلي ،وقد
أقيمت صلة الصبح ،فقال :يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا» ومعناه أنه ل يشرع بعد القامة
للصبح إل الفريضة (، )1فإذا صلى ركعتين نافلة بعد القامة ،ثم صلى معهم الفريضة ،صار في
معنى «من صلى الصبح أربعا» لنه صلى بعد القامة أربعا.
والصحيح في حكمة النهي عن صلة النافلة بعد القامة :أن يتفرغ للفريضة من أولها ،فيشرع فيها
عقب شروع المام ،وإذا اشتغل بنافلة فاته الحرام مع المام ،وفاته بعض مكملت الفريضة،
فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها .وفيه حكمة أخرى هو النهي عن الختلف على الئمة.
إل أن المام مالك قال :إن لم يخف فوات الركعة ركعهما خارج المسجد.
-------------------------------
( )1وفي هذا الرد على الحنفية الذين أجازوا الشروع في صلة ركعتي سنة الصبح بعد القامة في
المسجد إن لم يكن صلهما.
( )1/606
( )1/607
وفي الذان ثواب كبير ،بدليل قوله صلّى ال عليه وسلم « :لو يعلم الناس ما في النداء ،والصف
الول ،ثم لم يجدوا إل أن َيسْتهموا عليه ،ل ستهموا عليه» ( )1وقوله عليه السلم« :إذا كنت في
غنمك أو باديتك ،فأذنت بالصلة،فارفع صوتك بالنداء ،فإنه ل يسمع صوت المؤذن جن ول إنس ول
شيء ،إل شهد له يوم القيامة» (. )2
وفي حديث آخر« :المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» (. )3
واعتبر الذان مع القامة عند الشافعي في الصح والحنابلة أفضل من المامة ،لقوله تعالى{ :ومن
أحسن قولً ممن دعا إلى ال وعمل صالحا} [فصلت ]33/41:قالت عائشة :هم المؤذنون ،وللخبار
السابقة في فضيلته ،ولقوله عليه الصلة والسلم« :المام ضامن ،والمؤذن مؤتمن ،اللهم أرشد الئمة،
واغفر للمؤذنين» ( )4والمانة أعلى من الضمان ،والمغفرة أعلى من الرشاد ،ولم يتوله النبي صلّى
ال عليه وسلم ول خلفاؤه لضيق وقتهم عنه (. )5
وقال الحنفية :القامة والمامة أفضل من الذان؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم وخلفاءه تولوا
المامة ،ولم يتولوا الذان.
حكم الذان :
الذان والقامة عند الجمهور (( )6غير الحنابلة) ومنهم الخرقي الحنبلي :سنة مؤكدة للرجال جماعة
في كل مسجد للصلوات الخمس والجمعة ،دون غيرها ،كالعيد والكسوف والتراويح وصلة الجنازة،
ويقال فيها عند أدائها جماعة« :الصلة جامعة» لما روى البخاري ومسلم عن عبد ال بن عمرو
وقال« :لما انكسفت الشمس على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،نودي :الصلة جامعةٌ»
-------------------------------
( )1متفق عليه عن أبي هريرة ،والنداء :هو الذان ،والصف الول :يراد به المبادرة إلى الجماعة،
والستهام :القتراع.
( )2أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري.
( )3رواه مسلم وأحمد وابن ماجه عن معاوية (نيل الوطار )33/2:وروى ابن ماجه عن ابن عباس
مرفوعا« :من أذن سبع سنين محتسبا ،كتبت له براءة من النار» .
( )4رواه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وابن خزيمة عن أبي هريرة
(المصدر السابق) وروى الحاكم بإسناد صحيح « :إن خيار عباد ال الذين يراعون الشمس والقمر
والنجوم والظلة لذكر ال » .
( )5المغني ،403/1:كشاف القناع ،267/1:مغني المحتاج.138/1:
( )6فتح القدير ،167/1،172،178:الدر المختار ،356/1:البدائع 146/1:ومابعدها ،اللباب-62/1:
،63الشرح الصغير 133/1:ومابعدها ،المهذب ،55/1:بداية المجتهد ،103/1 :نهاية المحتاج:
،300/1المجموع.131 ،82/3:
( )1/608
أما الذان والقامة ،فلن المقصود منهما العلم بدخول وقت الصلة المفروضة ،والقيام إليها.
ولتسن للنافلة والمنذورة .ودليلهم على السنية الحديث السابق« :لو يعلم الناس ما في النداء والصف
الول ،لستهموا عليه» ولنه صلّى ال عليه وسلم لم يأمر بهما في حديث العرابي ،مع ذكر
الوضوء والستقبال وأركان الصلة .وبناء عليه :لم يأثم أهل بلدة بالجتماع على ترك الذان إذا قام
به غيرهم ولم يضربوا ولم يحبسوا.
وأضاف الشافعية والمالكية أنه يستحب القامة وحدها ل الذان للمرأة أو جماعة النساء ،منعا من
خوف الفتنة برفع المرأة الصوت به .وقال الحنفية :إنه تكره القامة كالذان للنساء؛ لما روي عن
أنس وابن عمر من كراهتها لهن ،ولن مبنى حالهن على الستر ،ورفع صوتهن حرام.
( )1/609
( )1/610
هذا مذهب الشافعية في الفوائت .وقال الحنفية :يؤذن المصلي للفائتة ويقيم؛ لنها بمنزلة الحاضرة،
فإن فاتته صلوات أذن للولى وأقام ،وكان مخيرا في الباقية بعدها :إن شاء أذن وأقام لكل واحدة،
وهو أولى؛ لن ما سن للصلة في أذانها ،سن في قضائها كسائر المسنونات .وإن شاء اقتصر فيما
بعد الولى على القامة؛ لن الذان للستحضار ،وهم حضور ،والولى الذان والقامة لكل فريضة،
بدليل حديث ابن مسعود عند أبي يعلى حينما شغل المشركون رسول ال صلّى ال عليه وسلم يوم
الحزاب عن الصلوات :الظهر والعصر والمغرب والعشاء ،فأمر النبي بللً بالذان والقامة لكل
صلة (. )1
وقال مالك :إنه يقيم ول يؤذن ،لما روى أبو سعيد قال« :حبسنا يوم الخندق عن الصلة ،حتى كان
بعد المغرب بهوى من الليل ،قال :فدعا رسول ال صلّى ال عليه وسلم بللً ،فأمره فأقام الظهر
فصلها ،ثم أمره فأقام العصر فصلها» ولن الذان للعلم بالوقت،وقد فات .وعلى هذا قال
المالكية :يكره الذان لفائتة ،ولصلة ذات وقت ضروري (أي المجموعة مع غيرها جمع تقديم أو
تأخير) ولصلة جنازة ونافلة كعيد وكسوف.
وقيد المالكية سنية الذان في كل مسجد ولو تلصقت المساجد :بجماعة طلبت غيرها ،سواء في
حضر أو سفر ،ول يسن لمنفرد أو جماعة لم تطلب غيرها ،بل يكره لهم إن كانوا في حضر .ويندب
لمنفرد أو لجماعة ل تطلب غيرها في أثناء السفر ،ولو لمسافة دون مسافة القصر ( 89كم).
-------------------------------
( )1مجمع الزوائد 4/2 :ورواه أحمد والنسائي والترمذي وقال :ليس بإسناده بأس إل أن أبا عبيدة لم
يسمع من عبد ال بن مسعود (نيل الوطار.)60/2:
( )1/611
أما أكثر الحنابلة ( )1فقالوا :الذان والقامة فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة دون
غيرها ،للحديث السابق« :إذا حضرت الصلة ،فليؤذن لكم أحدكم ،وليؤمكم أكبركم» والمر يقتضي
الوجوب على أحدهم ،وعن أبي الدرداء مرفوعا« :ما من ثلثة ل يؤذنون ،ول تقام فيهم الصلة إل
استحوذ عليهم الشيطان» ( ، )2ولنهما من شعائر السلم الظاهرة ،فكانا فرضي كفاية كالجهاد ،فإذا
قام به البعض ،سقط عن الباقين ،وبناء عليه يقاتل أهل بلد تركوهما.
ويكره ترك الذان والقامة للصلوات الخمس ،ول يعيد المصلي.
ويكفي أذان واحد في المصر ،ويكتفي بقية المصلين بالقامة.
وهو رأي الحنفية والمالكية أيضا ،خلفا للشافعية كما بينت ،ودليلهم أن ابن مسعود وعلقمة والسود
صلوا بغير أذان ،قال سفيان :كفتهم إقامة المصر ،لكن قال الحنفية :من صلى في بيته في المصر
يصلي بأذان وإقامة ليكون الداء على هيئة الجماعة ،وإن تركهما جاز ،لقول ابن مسعود« :أذان الحي
يكفينا» لكنه غريب كما قال الزيلعي.
ومن فاتته صلوات ،أو جمع بين صلتين في وقت أولهما :استحب له أن يؤذن للولى ،ثم يقيم لكل
صلة إقامة ،وهو موافق لقول الشافعية .ودليلهم على ذلك حديث أبي سعيد المتقدم« :إذا كنت في
غنمك »..وحديث أبي قتادة «أنهم كانوا مع النبي صلّى ال عليه وسلم ،فناموا حتى طلعت الشمس،
فقال النبي صلّى ال عليه وسلم :يا بلل ،قم فأذن الناس بالصلة»(.)3
ومن دخل مسجدا قد صلي فيه ،فإن شاء أذن وأقام ،لما روى الثرم وسعيد ابن منصور عن أنس:
«أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه ،فأمر رجلً فأذن وأقام ،فصلى بهم في جماعة» وإن شاء صلى من
غير أذان ول إقامة.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،268/1،278 :المغني ،422-417/1:غاية المنتهى.87/1 :
( )2رواه أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني وابن حبان ،والحاكم وقال :صحيح السناد (نيل
الوطار. )31/2:
( )3متفق عليه ،ورواه عمران بن حصين أيضا ،قال« :فأمر بللً ،فأذن فصلينا ركعتين ،ثم أمره
فأقام ،فصلينا» متفق عليه.
( )1/612
وليس على النساء أذان ول إقامة ،خلفا للشافعية والمالكية في القامة ،لما روى النجاد بإسناده عن
أسماء بنت بريد ،قالت :سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول« :ليس على النساء أذان ول
إقامة» .
والخلصة :أنه يؤذن للفائتة عند الجمهور ،ويكره ذلك عند المالكية ،ويسن الذان للرجال دون
النساء ،بالتفاق ،وتسن القامة للمرأة سرا عند الشافعية والمالكية ،وتكره عند الحنفية ،ول تشرع عند
الحنابلة .ويكفي عند الجمهور أذان الحي ،ول يكفي عند الشافعية.
شروط الذان:
يشترط في الذان والقامة ما يأتي (: )1
ً - 1دخول الوقت :فل يصح الذان ويحرم باتفاق الفقهاء قبل دخول وقت الصلة ،فإن فعل أعاد في
الوقت؛ لن الذان للعلم،وهو قبل دخول الوقت تجهيل .ولذا يحرم الذان قبل الوقت لما فيه من
التلبيس والكذب بالعلم بدخول الوقت ،كما يحرم تكرير الذان عند الشافعية ،وليس منه أذان
المؤذنين المعروف في كل مسجد.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،365-362/1:البدائع ،151 - 149/1:فتح القدير 170/1،176:ومابعدها ،مراقي
الفلح :ص ،32اللباب ،64/1:الشرح الصغير 251/1 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص 47
ومابعدها ،بداية المجتهد 104/1:ومابعدها ،مغني المحتاج ،139-137/1:الحضرمية :ص ،34
المهذب ،57 ،55/1:المغني 424 ،415-413 ،411 ،409/1 :ومابعدها ،كشاف القناع-271/1:
،279غاية المنتهى ،87/1:الشرح الكبير مع الدسوقي 194/1:ومابعدها ،198 ،المهذب57/1 :
ومابعدها ،تحفة الطلب :ص ،54المجموع.136/3:
( )1/613
لكن أجاز الجمهور غير الحنفية ،وأبو يوسف :الذان للصبح بعد نصف الليل ،ويندب بالسّحَر وهو
سدس الليل الخير ،ثم يعاد استنانا عند طلوع الفجرالصادق ( ، )1لخبر الصحيحين عن عبد ال بن
عمرو« :إن بللً يؤذن بليل ،فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم» زاد البخاري« :وكان
رجلً أعمى ل ينادي حتى يقال :أصبحت أصبحت» لكن ينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يؤذن في
وقت واحد في الليالي كلها ،منعا لللتباس على الناس .ويشترط في المرتب (الموظف) للذان علمه
بالمواقيت ،أما غير الموظف فل يشترط علمه بالمواقيت ،فمن أذن لنفسه أو لجماعة مرة ،أو كان
أعمى ،صح أذانه إذا علم من غيره دخول الوقت.
ً - 2أن يكون باللغة العربية ،فل يصح بغيرها إن أذن لجماعة ،فإن أذن غير العربي لنفسه وهو ل
يحسن العربية ،جاز عند الشافعية ،ولم يجز مطلقا عند الحنابلة والحنفية لوروده بلسان عربي
كالقرآن.
ً - 3يشترط في الذان والقامة إسماع بعض الجماعة ،وإسماع نفسه إن كان منفردا.
-------------------------------
( )1ما سوى التأذين قبل الفجر ويوم الجمعة من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في
المآذن أو غيرها ،فليس بمسنون ،وما أحد من العلماء قال :إنه يستحب ،بل هو من جملة البدع
المكروهة ،لنه لم يكن في عهده صلّى ال عليه وسلم ول عهد أصحابه ،وليس له أصل (كشاف
القناع ،281/1:غاية المنتهى.)91/1:
( )1/614
ً - 4الترتيب والموالة بين ألفاظ الذان والقامة :اتباعا للسنة كما روى مسلم وغيره ،ولن ترك
الموالة بين كلمات الذان يخل بالعلم ،فل يصح الذان إل مرتبا ،كما ل يصح بغير المتوالي ويعاد
غير المرتب وغير المتوالي ،ول يضر فاصل يسير بنوم أو إغماء أو سكوت أو كلم ،ويبطل بالردة
عند الفقهاء ،فإن ارتد بعد انتهاء الذان لم يبطل .وهذا شرط عند الشافعية والحنابلة .وقال الحنفية
والمالكية :يسن ترتيب كلمات الذان والقامة ،والموالة بينها ،ويصح بغير الترتيب والموالة ،مع
الكراهة ،والفضل أن يعيد الذان والقامة.
ويرى بعض الحنابلة أن الذان يبطل بالكلم المحرم ولو يسيرا كالسب ونحوه ،وفي وجه آخر ل
يبطل كالكلم المباح.
ً - 5كونه من شخص واحد :فلو أذن مؤذن ببعضه ،ثم أتمه غيره لم يصح ،كما ليصح إذا تناوبه
اثنان بحيث يأتي كل واحد بجملة غير التي يأتي بها الخر؛ لن الذان عبادة بدنية ،فل يصح من
شخصين يبني أحدهما على الخر.
أما اجتماع جماعة على الذان ،بحيث يأتي كل واحد بأذان كامل ،فهو صحيح .وأضاف المالكية :أنه
يكره اجتماع مؤذنين بحيث يبني بعضهم على ما يقول الخر .ويكره تعدد الذان لصلة واحدة.
ويلحظ أن أول من أحدث أذانين اثنين معا هم بنو أمية ،والذان الجماعي غير مكروه كما حقق ابن
عابدين.
ً - 6أن يكون المؤذن مسلما عاقلً (مميزا) ،رجلً ،فل يصح أذان الكافر ،والمجنون والصبي غير
المميز والمغمى عليه والسكران؛ لنهم ليسوا أهلً للعبادة ،ول يصح أذان المرأة؛ لحرمة أذانها ولنه
ل يشرع لها الذان ،فل تصح إمامتها للرجال ،ولنه يفتتن بصوتها؛ ول يصح أذان الخنثى ،لنه ل
يعلم كونه رجلً.
( )1/615
وهذا شرط عند المالكية والشافعية والحنابلة .ويقرب منهم مذهب الحنفية ،لنهم قالوا :يكره تحريما
أذان هؤلء الذين لم تتوافر فيهم هذه الشروط ،ويستحب إعادته .وعلى هذا :يسن عند الحنفية :أن
يكون المؤذن رجلً عاقلً تقيا عالما بالسنة وبأوقات الصلة .ول يشترط عند الجمهور (غير المالكية)
البلوغ والعدالة ،فيصح أذان الصبي المميز ،والفاسق ،لكن يستحب أن يكون المؤذن بالغا أمينا ،لنه
مؤتمن يرجع إليه في الصلة والصيام ،فل يؤمن أن يغرهم أذانه إذا لم يكن كذلك.
وقال الحنفية :يكره أذان الفاسق ويستحب إعادته.
وقال المالكية :يشترط العدالة والبلوغ في المؤذن ،فل يصح أذان الفاسق ،والصبي المميز إل إذا
اعتمد في دخول الوقت على بالغ.
واشتراطهم العدالة لحديث ابن عباس« :ليؤذن لكم خياركم ،ويؤمكم قراؤكم» (. )1
ول يشترط النية عند الحنفية ،والشافعية في الصح ،لكن يشترط الصرف (أي عدم قصد غير الذان)
فلو قصد به تعليم غيره ،لم يعتد به.
وتشترط النية عند الفقهاء الخرين ،فإن أتى باللفاظ المخصوصة بدون قصد الذان لم يصح.
ول يشترط في الذان والقامة عند جمهور الفقهاء :الطهارة ،واستقبال القبلة ،والقيام ،وعدم الكلم في
أثنائه ،وإنما يندب ذلك ،ويكره الذان عند الجمهور للمحدث ،وللجنب أشد كراهة ،والقامة أغلظ،
والكراهة تحريمية عند الحنفية بالنسبة للجنب ،ويعاد أذانه عندهم وعند الحنابلة ،ول يكره عند الحنفية
أذان المحدث على المذهب.
------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه والطبراني في معجمه (نصب الراية)279/1:
( )1/616
ودليل ندب الطهارة حديث« :ل يؤذن إل متوضئ» ( . )1ويكره الذان قاعدا ،مستدبرا القبلة ،كما
يكره الكلم فيه.
ويسن عند المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة أن يتولى القامة من تولى الذان ،اتباعا للسنة (، )2
فإن أقام غير المؤذن جاز؛ لن بللً أذن ،وعبد ال بن زيد الذي رأى الذان في المنام أقام ،بأمر
النبي صلّى ال عليه وسلم ( . )3وبناء على هذه الشروط :يبطل الذان والقامة بردة وسكر وإغماء
ونوم طويل وجنون وترك كلمة منهما ،ووجود فاصل طويل من سكوت أو كلم .والمذهب عند
الشافعية أنه إن ارتد في الذان ،ثم رجع إلى السلم في الحال ،فله أن يبني على أذانه السابق.
كيفية الذان أو صيغته:
اتفق الفقهاء على الصيغة الصلية للذان المعروف الوارد بكيفية متواترة من غير زيادة ول نقصان
وهو مثنى مثنى ،كما اتفقوا على التثويب ،أي الزيادة في أذان الفجر بعد الفلح وهي(الصلة خير من
النوم) مرتين ،عملً بما ثبت في السنة عن بلل ( ، )4ولقوله صلّى ال عليه وسلم لبي محذورة ـ
فيما رواه أحمد وأبو داود ـ «فإذا كان أذان الفجر ،فقل :الصلة خير من النوم مرتين »
واختلفوا في الترجيع :وهو أن يأتي بالشهادتين سرا قبل أن يأتي بهما جهرا ،فأثبته المالكية والشافعية،
وأنكره الحنفية والحنابلة ،لكن قال الحنابل :لو أتى بالترجيع لم يكره.
-------------------------------
( )1رواه الترمذي عن أبي هريرة (نصب الراية )292/1:وهو ضعيف (سبل السلم.)129/1:
( )2روى الترمذي عن زياد بن الحارث الصُدائي ( إن أخا صداء أذن ،ومن أذن فهو يقيم» لكنه
ضعيف وأخرج الثرم أن أبا محذورة أذن ثم أقام ( سبل السلم ،129/1:المغني.)416/1:
( )3رواه أحمد وأبو داود ،لكن قال الحاكم :هذا في متنه ضعف (سبل السلم ،129/1:نيل الوطار:
،57/2المغني.)416-415/1:
( )4رواه الطبراني وغيره (نصب الراية.)264/1:
( )1/617
قال الحنفية والحنابلة على المختار ( : )1الذان خمس عشرة كلمة ،ل ترجيع فيه ،كما جاء في
خبرعبد ال بن زيد ( )2السبق ،وهي« :ال أكبر ،ال أكبر ،ال أكبر ،ال أكبر ،أشهد أن ل إله إل
ال ،أشهد أن ل إله إل ال ،أشهد أن محمدا رسول ال ،أشهد أن محمدا رسول ال ،حي على الصلة،
حي على الصلة ،حي على الفلح ،حي على الفلح ،ال أكبر ،ال أكبر ،ل إله إل ال» .
وذلك ـ كما جاء في البدائع ومراقي الفلح ـ بجزم الراء في التكبير ،وتسكين كلمات الذان،
والقامة كما قال المالكية .وجاء في الدر المختار :بفتح راء «أكبر» ( )3كما قال الشافعية ،أي أنه
يجمع كل تكبيرتين ب َنفَس ويفتح الراء في الولى في قوله ( ال أكبر ال أكبر) ويسكّن في الثانية.
وقال بعض الشافعية :يسن الوقف على أواخر الكلمات في الذان؛ لنه روي موقوفا.
وقال المالكية والشافعية ( : )4إن كلمات الذان مشهورة ،وعدتها بالترجيع تسع عشرة كلمة ،عملً
بالذان المسنون وهو أذان أبي محذورة ( ، )5وفيه الترجيع :أي أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين.
معاني كلمات الذان:
معنى ألفاظ الذان :هو أن قوله( ال أكبر ) أي من كل شي ،أو أكبر من أن ينسب إليه ما ل يليق
بجلله ،أو هو بمعنى كبير.
-------------------------------
( )1اللباب شرح الكتاب 62/1:ومابعدها ،البدائع ،147/1:فتح القدير 167/1:ومابعدها ،الدر المختار:
358/1ومابعدها،المغني 404/1 :كشاف القناع.273/1:
( )2وهو حديث أذان الملك النازل من السماء ،رواه أبو داود في سننه (نصب الراية.)259/1:
( )3الصل إسكان الراء فحركت فتحة اللف من اسم ال تعالى في اللفظة الثانية لسكون الراء قبلها
ففتحت.
( )4الشرح الصغير ،250-248/1:القوانين الفقهية :ص ،47مغني المحتاج 135/1:ومابعدها،
المهذب 55/1:ومابعدها ،المجموع.97/3 :
( )5رواه الجماعة عن أبي محذورة ،وفي بعض ألفاظه :علمه الذان تسع عشرة كلمة ،وذكرها
بتربيع الشهادتين كتربيع التكبير (نصب الراية ،263/1:نيل الوطار.)43/2:
( )1/618
وقوله (:أشهد ) أي أعلم .وقوله ( حي على الصلة ) أي أقبلوا إليها ،أو أسرعوا .والفلح :الفوز
والبقاء؛ لن المصلي يدخل الجنة إن شاء ال ،فيبقى فيها ويخلّد .والدعوة إلى الفلح معناها :هلموا
إلى سبب ذلك .وختم بـ (ل إله إل ال) ليختم بالتوحيد وباسم ال تعالى ،كما ابتدأ به (. )1
سنن الذان:
يسن في الذان ما يأتي (: )2
ً - 1أن يكون المؤذن صيّتا (عالي الصوت) ،حسن الصوت ،يرفع صوته بالذان ،على مكان مرتفع
وبقرب المسجد ،لقوله صلّى ال عليه وسلم في خبر عبد ال بن زيد المتقدم« :ألقه على بلل ،فإنه
أندى منك صوتا» أي أبعد ،ولزيادة البلغ ،وليرقّ قلب السامع ،ويميل إلى الجابة ،ولن الداعي
ينبغي أن يكون حلو المقال ،وروى الدارمي وابن خزيمة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر عشرين
رجلً ،فأذنوا ،فأعجبه صوت أبي محذورة ،فعلّمه الذان.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.273/1 :
( )2البدائع ،152-149/1:الدر المختار ،361-359/1 :فتح القدير ،176-170/1:اللباب،63/1:
مراقي الفلح :ص ،32الشرح الصغير 252/1:ومابعدها ،الشرح الكبير ،198-195/1:القوانين
الفقهية :ص 47ومابعدها ،مغني المحتاج ،138/1:المهذب ،57/1،59:المغني،415 ،412 ،407/1:
،426،429 ،422كشاف القناع ،282-270/1:المجموع129 ،117،126-105/3:ومابعدها،
الحضرمية :ص .35
( )1/619
أما رفع الصوت :فليكون أبلغ في إعلمه ،وأعظم لثوابه ،كما ذكر حديث أبي سعيد« :إذا كنت في
غنمك »..ولما رواه الخمسة إل الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :المؤذن
يغفر له مدّ صوته ،ويشهد له كل رطب ويابس» ،ولكن ل يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على
طاقته ،لئل يضر بنفسه ،وينقطع صوته .ويسن رفع الصوت بالذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه،
ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحدا منهم ،ويخفض صوته في مصلى أقيمت فيه جماعة.
وكونه على مرتفع ،ليكون أيضا أبلغ لتأدية صوته ،روى أبو داود عن عروة ابن الزبير عن امرأته
من بني النجار ،قالت« :كان بيتي من أطول بيت حول المسجد ،وكان بلل يؤذن عليه الفجر ،فيأتي
بسحَر ( وهو السدس الخير من الليل) ،فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر ،فإذا صلى رآه تمطى ،ثم
قال :اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش :أن يقيموا دينك ،قالت :ثم يؤذن» ( )1وكونه بقرب
المسجد؛ لنه دعاء إلى الجماعة وهي فيه أفضل ()2
ً - 2أن يؤذن قائما على حائط أو منارة للسماع :قال ابن المنذر :أجمع كل من أحفظ عنه من أهل
العلم أن السنة أن يؤذن قائما .وجاء في حديث أبي قتادة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لبلل« :قم
فأذن» ( ، )3وكان مؤذنو رسول ال صلّى ال عليه وسلم يؤذنون قياما .فإن كان له عذر كمرض،
أذن قاعدا .كذلك يسن أن يقيم قائما.
-------------------------------
( )1نصب الراية.292/1 :
( )2وقال ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت :كان بيتي أطول بيت حول المسجد،فكان بلل يؤذن
فوقه من أول ماأذن ،إلى أن بنى رسول ال صلّى ال عليه وسلم مسجده ،فكان يؤذن بعد ،على ظهر
المسجد ،وقد رفع له شيء فوق ظهره.
وأول من رقى منارة مصر للذان :شرحبيل بن عامر المرادي .وبنى سلمة المناير للذان بأمر
معاوية ،ولم تكن قبل ذلك (رد المحتار.)360/1:
( )3متفق عليه وانظر نصب الراية.292/1:
( )1/620
ً - 3أن يكون المؤذن حرا بالغا أمينا صالحا عالما بأوقات الصلة ،لحديث ابن عباس السابق:
«ليؤذن لكم خياركم ويؤمكم قراؤكم» .وهذا سنة عند الجمهور غير المالكية ،أما المالكية فيشترطون
العدالة ،كما أن الشافعية يشترطون في موظف الذان العلم بالوقت.
ً - 4أن يكون متوضئا طاهرا ،للحديث السابق« :ل يؤذن إل متوضئ ،وفي حديث ابن عباس« :إن
الذان متصل بالصلة فل يؤذن أحدكم إل وهو طاهر» (. )1
ً - 5أن يكون المؤذن بصيرا؛ لن العمى ل يعرف الوقت ،فربما غلط ،فإن أذن العمى صح
أذانه ،فإن ابن مكتوم كان يؤذن للنبي صلّى ال عليه وسلم ،قال ابن عمرو فيما روى البخاري:
«كان رجلً أعمى ل ينادي حتى يقال له :أصبحت ،أصبحت» وقال المالكية :يجوز أذان العمى إن
كان تبعا لغيره أو قلد ثقة في دخول الوقت.
ً - 6أن يجعل أصبعيه في أذنيه ،لنه أرفع للصوت ،ولما روى أبو حنيفة «أن بللً أذن ،ووضع
إصبعيه في أذنيه» ( ، )2وعن سعد مؤذن رسول ال صلّى ال عليه وسلم «أن رسول ال صلّى ال
عليه وسلم أمر بللً أن يجعل إصبعيه في أذنيه،وقال :إنه أرفع لصوتك» (. )3
ً - 7أن يترسّل (يتمهل أو يتأنى) في الذان بسكتة بين كل كلمتين ،ويحدُر (يسرع) في القامة ،بأن
يجمع بين كل كلمتين ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم لبلل رضي ال عنه« :إذا أذنت فترسّل ،وإذا
أقمت فاحدر» ( ، )4ولن الذان لعلم الغائبين بدخول الوقت ،والعلم بالترسل أبلغ ،أما القامة
فلعلم الحاضرين بالشروع في الصلة ،ويتحقق المقصود بالحدر.
ً - 8أن يستقبل القبلة في الذان والقامة :لن مؤذني النبي صلّى ال عليه وسلم كانوا يؤذنون
مستقبلي القبلة ولن فيه مناجاة فيتوجهه بها إلى القبلة.
-------------------------------
( )1سبل السلم.129/1:
( )2متفق عليه.
( )3أخرجه ابن ماجه والحاكم والطبراني وابن عدي (نصب الراية.)278/1:
( )4أخرجه الترمذي ،وإسناده مجهول (نصب الراية.)275/1:
( )1/621
ويستحب في الحيعلتين (حي على الصلة ،حي على الفلح) :أن يدير أو يحول وجهه يمينا في
الولى ،وشمالً في الثانية ،من غير أن يحول قدميه؛ لن فيه مناداة فيتوجه به إلى من على يمينه
وشماله ،ولما روى أبو جحيفة قال« :رأيت بللً يؤذن ،فجعلت أتَتبّع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالً،
يقول :حي على الصلة ،حي على الفلح ،وأصبعاه في أذنيه» ( )1وفي لفظ قال« :أتيت رسول ال
صلّى ال عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أَدَم (جلد) فخرج بلل ،فأذن ،فلما بلغ :حي على
الصلة ،حي على الفلح ،التفت يمينا وشمالً ،ولم يستدر» ( )2ويصح عند الشافعية الدارة في
المنارة واستدبار القبلة إن احتيج إليه ،وعند الحنابلة في ذلك روايتان عن أحمد :إحداهما ـ ل يدور
للخبر السابق في استقبال القبلة ،والثانية ـ يدور في مجالها ،لنه ل يحصل العلم بدونه .والرواية
الثانية هي الصواب.
ويستحب بعد انتهاء الذان :أن يفصل بين الذان والقامة بقدر ما يحضر المصلون ،مع مراعاة
الوقت المستحب ،وفي المغرب بقدر قراءة ثلث آيات قصار .ودليل هذا الستحباب قوله عليه
السلم« :يا بلل ،اجعل بين أذانك وإقامتك َنفَسا يفرغ الكل من طعامه في مهل ،ويقضي حاجته في
مهل» (. )3
ولن الذي رآه عبد ال بن زيد في المنام أذن ،وقعد قعدة أي لنتظار الجماعة ،حتى يتحقق المقصود
من النداء.
وقال الحنفية :يستحب بعد الذان في الصح أن يثوّب في جميع الوقات ،كأن يقول :الصلة الصلة
يامصلين ،لظهور التواني في المور الدينية.
-------------------------------
( )1أصله متفق عليه في الصحيحين ،ورواه أيضا أحمد والترمذي وصححه (سبل السلم،122/1:
نيل الوطار.)46/2:
( )2رواه أبو داود (المرجعان السابقان).
( )3رواه أحمد بإسناده عن أبي بن كعب ،وروى أبو داود والترمذي عن جابر أن رسول ال صلّى
ال عليه وسلم قال لبلل« :اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الكل من أكله ،والشارب من
شربه ،والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» .
( )1/622
وقال الشافعية :يسن أن يقول المؤذن بعد الذان أو الحيعلتين في الليلة الممطرة أو ذات الريح أو
الظلمة ( :أل صلوا في الرحال ).
ً - 9أن يؤذن محتسبا ،ول يأخذ على الذان والقامة أجرا باتفاق العلماء.
ول يجوز أخذ الجرة على ذلك عند الحنفية ،والحنابلة في ظاهر المذهب؛ لنه استئجار على الطاعة،
وقربة لفاعله ،والنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه ،فل تجوز الجار ة عليه كالمامة غيرها،
ولن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص« :واتخذ مؤذنا ل يأخذ على أذانه أجرا» (
. )1
وأجاز المالكية والشافعية في الصح الستئجار على الذان؛ لنه عمل معلوم يجوز أخذ الجر عليه
كسائر العمال .وأفتى متأخرو الحنفية وغيرهم ـ كما سيأتي في بحث الجارة ـ بجواز أخذ الجرة
على القربات الدينية ،ضمانا لتحصيلها بسبب انقطاع المكافآت المخصصة لهل العلم من بيت المال.
كما أن الحنابلة قالوا :إن لم يوجد متطوع بالذان والقامة ،أعطي من يقوم بهما من مال الفيء المعد
للمصالح العامة.
ً - 10يستحب عند الجمهور غير الحنفية أن يكون للجماعة مؤذنان ،ل أكثر؛ لن النبي صلّى ال
عليه وسلم «كان له مؤذنان :بلل وابن أم مكتوم» ( ، )2ويجوز القتصار على مؤذن واحد للمسجد،
والفضل أن يكون مؤذنان لهذا الحديث ،فإن احتاج إلى الزيادة عليهما ،جاز إلى أربعة؛ لنه كان
لعثمان رضي ال عنه أربعة مؤذنين ،ويجوز إلى أكثر من أربعة بقدر الحاجة والمصلحة عند الحنابلة
والشافعية.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ،وقال :حديث حسن.
( )2حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
( )1/623
وإذا تعدد المؤذنون فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد؛ كما فعل بلل وابن أم مكتوم ،كان أحدهما
يؤذن بعد الخر ،ولن ذلك أبلغ في العلم.
ويصح في حالة تعدد المؤذنين :إما أن يؤذن كل واحد في منارة ،أو ناحية ،أو يؤذنوا دفعة واحدة في
موضع واحد.
ً - 11يستحب أن يؤذن المؤذن في أول الوقت ليعلم الناس ،فيستعدوا للصلة ،وروى جابر بن سمرة
قال« :كان بلل ل يؤخر الذان عن الوقت ،وربما أخر القامة شيئا» ( )1وفي رواية قال« :كان
بلل يؤذن إذا مالت الشمس ل يؤخر ،ثم ل يقيم ،حتى يخرج النبي صلّى ال عليه وسلم ،فإذا خرج
أقام حين يراه» (. )2
ً - 12يجوز استدعاء المراء إلى الصلة ،لما روت عائشة رضي ال عنهما أن بللً جاء ،فقال:
السلم عليك يا رسول ال وبركاته ،الصلة يرحمك ال ،فقال النبي صلّى ال عليه وسلم :مروا أبا
بكر فليصل بالناس .وكان بلل يسلم على أبي بكر وعمر رضي ال عنهما ،كما كان يسلم على
رسول ال صلّى ال عليه وسلم .
ً - 13يستحب أل يقوم النسان قبل فراغ المؤذن من أذانه ،بل يصبر قليلً إلى أن يفرغ أو يقارب
الفراغ؛ لن في التحرك عند سماع الذان تشبها بالشيطان.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه.
( )2رواه أحمد في المسند.
( )1/624
مكروهات الذان:
للذان مكروهات هي ما يأتي (: )1
ً - 1يكره الذان إذا لم تتوافر السنن السابقة ،وقد عدد الحنفية أحوال الكراهة إذا لم تتحقق السنن،
فقالوا:
يكره تحريما أذان جنب وإقامته ،ويعاد أذانه ،وإقامة المحدث على المذهب ،وأذان مجنون ومعتوه
وصبي ل يعقل ،وامرأة وخنثى ،وفاسق ،وسكران ،وقاعد إل إذا أذن لنفسه ،وراكب إل المسافر.
ً - 2يكره التلحين وهو التطريب أو التغني أو التمديد الذي يؤدي إلى تغيير كلمات الذان ،أو الزيادة
والنقص فيها ،أما تحسين الصوت بدون التلحين فهو مطلوب .ويصح أذان ملحّن على الراجح عند
الحنابلة ،لحصول المقصود منه كغير الملحن .ويكره أيضا اللحن أو الخطأ في النحو أو العراب.
ً - 3يكره المشي فيه؛ لنه قد يخل بالعلم ،والكلم في أثنائه ،حتى ولو بردّ السلم ،ويكره السلم
على المؤذن ( )2ويجب عليه أن يرد عليه بعد فراغه من الذان .ول يبطله الكلم اليسير ،ويبطله
الكلم الطويل ،لنه يقطع الموالة المشروطة في الذان عند الجمهور غير الحنفية .وأشار الحنابلة:
أنه يجوز رد السلم في أثناء الذان والقامة.
ً - 4يكره التثويب في غير الفجر ،سواء ثوب في الذان أو بعده ،لما روي عن بلل أنه قال:
«أمرني رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن أثوب في الفجر ،ونهاني أن أثوب في العشاء» (، )3
ولن التثويب مناسب لصلة الفجر حيث يكون الناس نياما ،فاحتيج إلى قيامهم إلى الصلة عن نوم.
ً - 5قال الحنابلة :يحرم ول يجوز الخروج من المسجد بعد الذان إل لعذر ،لعمل أصحاب النبي
صلّى ال عليه وسلم ،قال أبو الشعثاء« :كنا قعودا مع أبي هريرة في المسجد ،فأذن المؤذن ،فقام
رجل من المسجد يمشي ،فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد ،فقال أبو هريرة :أما هذا
فقد عصى أبا القاسم صلّى ال عليه وسلم ( ، )4وقال عثمان بن عفان :قال رسول ال صلّى ال عليه
وسلم « :من أدركه الذان في المسجد ،ثم خرج ،لم يخرج لحاجة ،وهو ل يريد الرجعة ،فهو منافق»
( . )5
-------------------------------
( )1فتح القدير ،176/1:الدر المختار 264/1:ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،32القوانين الفقهية :ص
،48الشرح الصغير ،248/1 :الشرح الكبير ،198 ،194/1،196 :مغني المحتاج ،138/1:المهذب:
57/1ومابعدها ،المغني ،430 ،424،428 ،414 ،408/1،411:كشاف القناع279،281، ،276/1:
.283
( )2قال المالكية :ويكره السلم أيضا على ملب في حج أو عمرة ،وقاضي حاجة ،ومجامع ،وأهل
بدع ،ومشتغل بلهو وأهل المعاصي ،وشابة ،فإن كان أهل المعصية في حال المعصية أو شابة يخشى
فتنتها حرم السلم ،ول يكره على مصل ومتطهر وآكل وقارئ قرآن (الشرح الكبير.)198/1 :
( )3رواه ابن ماجه.
( )4رواه أبو داود والترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح.
( )5رواه ابن ماجه.
( )1/625
أما الخروج لعذر فمباح ،بدليل أن ابن عمر خرج من أجل التثويب في غير حينه.
وقال الشافعية :يكره الخروج من المسجد بعد الذان من غير صلة إل لعذر.
ً - 6قال الحنابلة :يكره الذان قبل الفجر في شهر رمضان مقتصرا عليه ،لئل يغتر الناس
به،فيتركوا السحور .ويحتمل أل يكره في حق من عرف عادته بالذان في الليل؛ لن بللً كان يفعل
ذلك ،بدليل قوله صلّى ال عليه وسلم « :إن بللً يؤذن بليل ،فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم
مكتوم» وقوله عليه السلم« :ل يمنعكم من سحوركم أذان بلل ،فإنه يؤذن بليل لينبه نائمكم ،ويرجع
قائمكم» .ويكره عندهم القول قبل القامة :اللهم صل على محمد ،ول بأس بنحنحة قبلها ،كما يكره
عندهم النداء بالصلة بعد الذان في السواق وغيرها ،مثل أن يقول :الصلة ،أو القامة ،أو الصلة
رحمكم ال .وقال النووي :تسن الصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم قبل القامة.
إجابة المؤذن والمقيم:
يجب في الراجح عند الحنفية لمن سمع الذان وندبا لمن سمع القامة ،ويسن عند غيرهم لمن سمع
المؤذن أو المقيم :أن يقول مثلما يقول مثنى مثنى عقب كل جملة ،إل في الحيعلتين ،فيحوقل فيقول( :
ل حول ول قوة إل بال ) ومعنى ذلك :أنه ل حول عن معصية ال إل بعصمة ال ،ول قوة على
طاعة ال إل بمعونته ،كما قال ابن مسعود.
وإل في التثويب ،فيقول ( :صدقتَ وبررت ) فالجابة إنما هي باللسان وهو الظاهر عند الحنفية ()1
.
-------------------------------
( )1البدائع ،155/1:فتح القدير ،173/1:الدر المختار 367/1:ومابعدها ،الشرح الصغير،253/1:
الشرح الكبير ،196/1:القوانين الفقهية :ص ،48المجموع ،124/3:مغني المحتاج 140/1:ومابعدها،
المهذب ،58/1:كشاف القناع 284/1:ومابعدها ،المغني.428-426/1:
( )1/626
وقال بعض الحنفية :بالقدم أي بالمشي إلى الصلة ،وهو مشكل لنه يلزم عليه وجوب الداء في أول
الوقت في المسجد.
واكتفى المالكية بأن يقول السامع لمنتهى الشهادتين ،ولو كان في صلة نفل ،ويكره ول يحاكي المؤذن
في بقية الذان (على الراجح المشهور المعتمد) ،ول في قوله ( الصلة خير من النوم ) قطعا ،ول في
قوله ( صدقت وبررت ) أي صرت ذا بر أي خير كثير ،إل في القامة ،فيقول بعدها ( :أقامها ال
وأدامها ).
والدليل على الجابة :ما روى أبو سعيد أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :إذا سمعتم النداء،
فقولوا مثل ما يقول المؤذن» ( )1لكن قال المالكية :المتبادر من قوله «سمعتم» :ولو البعض،
خصوصا وقد قال :فقولوا مثل ما يقول ،ولم يقل :مثل ما قال .وهذا في تقديري تعسف واضح في
التأويل ،والظاهر كما قال بعض المالكية :أن يحكي الذان كله .والمر في الحديث عند الحنفية
للوجوب وعند غيرهم للندب كالمر بالدعاء عقب الصلة.
وروى مسلم عن عمر في فضل القول كما يقول المؤذن كلمة كلمة سوى الحيعلتين (حي على
الصلة ،حي على الفلح) فيقول« :ل حول ول قوة إل بال» ( )2وروى ابن خزيمة :عن أنس رضي
ال عنه قال« :من السنة إذا قال المؤذن في الفجر :حي على الفلح ،قال :الصلة خير من النوم» ()3
.وأخرج أبو داود عن بعض أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلم «أن بللً أخذ في القامة ،فلما أن
قال :قد قامت
-------------------------------
( )1متفق عليه رواه الجماعة عن جماعة من الصحابة ،منهم أبو هريرة ،وعمرو بن العاص ،وابنه،
وأم حبيبة .وروى مسلم وأبو داود عن عمر كيفية الجابة (نيل الوطار.)51/3،53:
( )2سبل السلم.126/1:
( )3المصدر السابق.120/1:
( )1/627
الصلة ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم :أقامها ال وأدامها» ( )1وفي التثويب ورد خبر أيضا كما
قال ابن الرفعة ،ولكن ل يعرف من قاله.
ويستحب لمن كان يقرأ ولو قرآنا أن يقطع القراءة ،ليقول مثلما يقول المؤذن أو المقيم ،لنه يفوت،
والقراءة ل تفوت ،لكن إن سمعه في الصلة ،لم يقل مثل قوله ،لئل يشتغل عن الصلة بما ليس منها،
وقد روي «إن في الصلة لشغلً» وعلى هذا ينبغي عند الحنفية أل يتكلم ول يشتغل بشيء حال الذان
أو القامة.
وتشمل الجابة عند الجمهور كل سامع ،ولو كان جنبا أو حائضا أو نفساء ،أو كان في طواف فرضا
أو نفلً ،ويجيب بعد الجماع والخلء والصلة ما لم يطل الفصل بينه وبين الذان.
وقال الحنفية :تشمل الجابة من سمع الذان ولو كان جنبا ،ل حائضا ونفساء وسامع خطبة وفي
صلة جنازة ،وجماع ،ومستراح في بيت الخلء ،وأكل ،وتعليم علم وتعلمه ،لكن في أثناء قراءة
القرآن يجيب لنه ل يفوت ،وتكرار القراءة للجر.
ويندب عند الحنفية القيام عند سماع الذان ،والفضل أن يقف الماشي للجابة ليكون في مكان واحد.
ويجيب المؤذن سواء سمع الذان كله أم بعضه .فإن لم يسمعه لبعد أو صمم ل تسن له الجابة.
-------------------------------
( )1المصدر السابق 127/1:وفي خبر آخر عند أبي داود بسند ضعيف يقول« :أقامها ال وأدامها ما
دامت السموات والرض» ويروى عن النبي صلّى ال عليه وسلم أيضا أنه يقول« :اللهم أقمها وأدمها
واجعلني من صالح أهلها» .
( )1/628
وينبغي تدارك إجابة المؤذن إن لم يطل الفصل ،وإن طال فل (. )1
وإذا تكرر الذان أجاب ـ كما ذكر في الدر المختار ـ الول ،سواء أكان مؤذن مسجده أم غيره،
لكن قال ابن عابدين :ويظهر لي إجابة الكل بالقول ،لتعدد السبب وهو السماع ،كما اعتمده بعض
الشافعية .وقال النووي في المجموع :وإذا سمع مؤذنا بعد مؤذن ،فالمختار أن أصل الفضيلة في
الجابة شامل للجميع ،إل أن الول متأكد يكره تركه (. )2
قال الشافعية والحنابلة :وإذا دخل المسجد ،والمؤذن قد شرع في الذان ،لم يأت بتحية ول بغيرها ،بل
يجيب المؤذن واقفا حتى يفرغ من أذانه ليجمع بين أجر الجابة والتحية.
وقال الحنفية :إذا دخل المسجد ،والمؤذن يؤذن أو يقيم ،قعد حتى ينتهي الذان أو القامة ،ويقوم
المام إلى مصله.
ما يستحب بعد الذان:
يستحب بعد الذان وبعد القامة ما يأتي (: )3
- 1أن يصلي على النبي صلّى ال عليه وسلم ،وذلك عند الشافعية والحنابلة مسنون بعد الفراغ من
الذان لكل من المؤذن والسامع ،للحديث التي .وقد استحدث الصلة على النبي بعد الذان في أيام
صلح الدين اليوبي سنة ( 781هـ ) في عشاء ليلة الثنين ،ثم يوم الجمعة ،ثم بعد عشر سنين
حدث في الكل إل المغرب ،ثم فيها مرتين ،قال الفقهاء :وهو بدعة حسنة.
-------------------------------
( )1رد المحتار ،368/1:مغني المحتاج.140/1:
( )2رد المحتار ،369/1:مغني المحتاج.140/1:
( )3فتح القدير 74/1:ومابعدها ،الدر المختار ،362/1:مراقي الفلح :ص ،33القوانين الفقهية :ص
،48مغني المحتاج ،141/1:المهذب ،58/1:المغني ،427/1:كشاف القناع.286/1:
( )1/629
- 2أن يدعو بالدعاء المأثور ( :اللهم رب هذه الدعوة التامة ،والصلة القائمة آت محمدا الوسيلة
والفضيلة ،وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ) لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إذا سمعتم المؤذن ،فقولوا
مثل ما يقول ،ثم صلوا علي ،فإن من صلى علي صلة ،صلى ال عليه بها عشرا ،ثم سلوا ال لي
الوسيلة ،فإنها منزلة في الجنة ،ل ينبغي أن تكون إل لعبد من عباد ال ،وأرجو أن أكون أنا هو ،فمن
سأل لي الوسيلة ،حلّت عليه الشفاعة» (. )1
وعن سعد بن أبي وقاص قال :سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول :من قال حين يسمع
النداء :وأنا أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن محمدا رسول ال ،رضيت بال ربا،
وبالسلم دينا ،وبمحمد صلّى ال عليه وسلم رسولً ،غفر له ذنبه» (. )2
وعن جابر قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :من قال حين يسمع النداء :اللهم رب هذه
الدعوة التامة ،والصلة القائمة ،آت محمدا الوسيلة والفضيلة ،وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ،حلت
له شفاعتي يوم القيامة» (. )3
وإذا كان الذان للمغرب قال« :اللهم هذا إقبال ليلك ،وإدبار نهارك،
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل البخاري وابن ماجه عن ابن عمرو مرفوعا .ومعنى الحديث :اللهم أصله :يا
ال ،حذف منه (يا) وعوض عنه الميم ولهذا ل يجمع بينهما .الدعوة التامة :دعوة التوحيد؛ لنه ل
يدخلها تغيير ول تبديل ،بل هي باقية إلى يوم القيامة ،أو هي دعوة الذان والقامة ،سميت تامة
لكمالها وعظمةموقعها وسلمتها من نقص يتطرق إليها .الصلة القائمة :التي ستقوم ،وتفعل بصفاتها.
والوسيلة :القرب من ال تعالى ،وقيل :هي منزلة في الجنة ،كما ثبت في صحيح مسلم ،والمتعين هذا
المعنى لتفسيرها بنص الحديث .والفضيلة :المرتبة الزائدة على سائر الخلئق .والمقام المحمود:
الشفاعة العظمى في يوم القيامة ،لنه يحمده فيه الولون والخرون،لقوله تعالى { :عسى أن يبعثك
ربك مقاما محمودا ً } [السراء .]79/17:والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد ال
تعالى :إظهاركرامته ،وعظم منزلته (نيل الوطار.)55/ 2 :
( )2رواه مسلم.
( )3رواه الجماعة إل مسلما (نيل الوطار 54/2:ومابعدها).
( )1/630
وأصوات دعاتك ،وحضور صلواتك ،فاغفر لي» ؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر أم سلمة أن
تقول ذلك ( )1ويقول بعد الصبح ( :اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك وأصوات دعاتك فاغفر لي ).
- 3يدعو عند فراغ الذان بينه وبين القامة ،وسأل ال تعالى العافية في الدنيا والخرة لقوله صلّى
ال عليه وسلم« :الدعاء ل يرد بين الذان والقامة قالوا :فما نقول يا رسول ال؟ قال :سلوا ال العفو
والعافية في الدنيا والخرة (. )2
والمستحب أن يقعد المؤذن بين الذان والقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة ،كما أبنت في سنن الذان.
ثانيا ـ القامة:
صفة القامة أو كيفيتها:
القامة سنة مؤكدة في الفرائض الوقتية والفائتة ،على المنفرد والجماعة ،للرجال والنساء عند المالكية
والشافعية .أما الحنابلة والحنفية فقالوا :ليس على النساء أذان وإقامة.
واختلف العلماء في صفة القامة على آراء ثلثة (: )3
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي ،وانظر المهذب.59/1:
( )2حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ،والنسائي وابن خزيمة وابن حبان
والضياء في المختارة ،عن أنس بن مالك رضي ال تعالى عنه (نيل الوطار ،55/2:سبل السلم:
.)130/1
( )3البدائع ،148/1:الدر المختار ،360/1:اللباب ،63/1:فتح القدير ،169/1:الشرح الصغير:
،256/1القوانين الفقهية :ص ،48بداية المجتهد ،107/1:مغني المحتاج ،133/1،136:المهذب:
،54/1،57المغني ،406/1:كشاف القناع.267/1:
( )1/631
فقال الحنفية :القامة مثنى مثنى مع تربيع التكبير مثل الذان ،إل أنه يزيد
فيها بعد الفلح( :قد قامت الصلة مرتين) فتكون كلماتها عندهم سبع عشرة كلمة ،بدليل ما روى ابن
أبي شيبة ،قال :حدثنا أصحاب محمد صلّى ال عليه وسلم أن عبد ال ابن زيد النصاري جاء إلى
النبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال« :يا رسول ال ،رأيت في المنام ،كأن رجلً قام وعليه بُردان
أخضران ،فقام على حائط ،فأذن مثنى مثنى ،وأقام مثنى مثنى» (. )1
وروى الترمذي عن عبد ال بن زيد ،قال« :كان أذان رسول ال صلّى ال عليه وسلم شفعا شفعا في
الذان والقامة» (. )2
وعن أبي محذورة قال« :علمني رسول ال صلّى ال عليه وسلم الذان تسع عشرة كلمة ،والقامة
سبع عشرة كلمة» (. )3
وقال المالكية :القامة عشر كلمات ،تقول « :قد قامت الصلة» مرة واحدة ،لما روى أنس قال« :أمر
بلل أن يشفع الذان ،ويوتر القامة» (. )4
وقال الشافعية والحنابلة :القامة فرادى ،إحدى عشرة كلمة ،إل لفظ القامة« :قد قامت الصلة» فإنها
تكرر مرتين ،لما روى عبد ال بن عمر أنه قال« :إنما كان الذان على عهد رسول ال صلّى ال
عليه وسلم مرتين مرتين ،والقامة مرة مرة ،غير أنه يقول :قد قامت الصلة ،قد قامت الصلة» ()5
.ويظهر لي أن هذا أصح الراء ،أو أن المر على التخيير بين هذا الرأ ي ورأي الحنفية .وأما
حديث أنس فمقيد بحديث ابن عمر.
-------------------------------
( )1رجاله رجال الصحيح ،وهو متصل لن الصحابة عدول ،وجهالة أسمائهم لتضر ،ورواه
البيهقي .وروي مثله عند أبي داود وغيره ( نصب الراية.)267-266/1:
( )2نصب الراية .267/1:أما الذان فهو عندهم 15كلمة.
( )3أخرجه الخمسة ،وقال الترمذي حديث حسن صحيح ( المصدر السابق ،نيل الوطار )43/2:
وكون الذان ( )19أي بالترجيع ،والقامة ( )17أي بلفظ القامة.
( )4رواه الجماعة عن أنس (نيل الوطار.)40/2:
( )5رواه أحمد والنسائي وأبو داود ،والشافعي وأبو عوانة والدارقطني وابن خزيمة وابن حبان
والحاكم (نيل الوطار.)43/2:
( )1/632
( )1/633
ول يقيم حتى يأذن له المام ،فإن بللً كان يستأذن النبي صلّى ال عليه وسلم ،وفي حديث زياد بن
الحارث الصدائي قال« :فجعلت أقول للنبي صلّى ال عليه وسلم أقيم أقيم؟» وقال صلّى ال عليه وسلم
« :المؤذن أملك بالذان ،والمام أملك بالقامة» (. )1
ً - 4ل يقوم المصلون للصلة عند القامة حتى يقوم المام أو يقبل؛ لقوله عليه الصلة والسلم« :إذا
أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني» (. )2
وأما تعيين وقت قيام المؤتمين إلى الصلة :فقال المالكية :يجوز للمصلي القيام حال القامة أو أولها
أو بعدها ،فل يطلب له تعيين حال ،بل بقدر الطاقة للناس ،فمنهم الثقيل والخفيف .وقال الحنفية :يقوم
عند «حي على الفلح» وبعد قيام المام.
وقال الحنابلة :يستحب أن يقوم عند قول المؤذن (قد قامت الصلة) لما روي عن أنس «أنه كان يقوم
إذا قال المؤذن :قد قامت الصلة» .
وقال الشافعية :يستحب أن يقوم المصلي بعد انتهاء القامة إذا كان المام مع المصلين في المسجد (
، )3وكان يقدر على القيام بسرعة ،بحيث يدرك فضيلة تكبيرة الحرام ،وإل قام قبل ذلك بحيث
يدركها.
ً - 5يسن كما في الذان أن يقيم قائما متطهرا ،مستقبل القبلة ،ول يمشي في أثناء إقامته ،ول يتكلم،
ويشترط أل يفصل بين القامة والصلة بفاصل طويل،
-------------------------------
( )1رواه ابن عدي وهو الحافظ الكبير أبو أحمد عبد ال بن عدي الجرجاني ،ويعرف بابن القصار،
صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل (365-279هـ) (سبل السلم.)130/1:
( )2متفق عليه.
( )3سبل السلم ،131/1:الحضرمية :ص ،74المجموع ،237/3:المغني ،458/1 :الدر المختار:
.447/1
( )1/634
وينبغي إن طال الفصل أو وجد ما يعد قاطعا كأكل أن تعاد القامة .ويسن أن يحرم المام عقب فراغ
القامة ،ول يفصل إل بمندوب كأمر المام بتسوية الصفوف .ول تجزئ إقامة المرأة للرجال.ويسن
عند الشافعية لمن كان أهلً أن يجمع بين الذان والقامة .وكذلك قال الحنفية :الفضل كون المام هو
المؤذن ،لنه عليه السلم ـ كما في الضياء ـ أذن في سفر بنفسه وأقام وصلى الظهر.
ول يسن في القامة كونها في مكان مرتفع ،ول وضع الصبع في الذن ،ول الترجيع فيها والترتيل.
ً -6إذا أذن المؤذن وأقام ،لم يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل منهم أو يقيم ،وإنما يقول مثل ما يقول
المؤذن،؛ لن السنة وردت بهذا.
ً - 7يستحب للمام تسوية الصفوف ،يلتفت عن يمينه وشماله ،فيقول :استووا رحمكم ال ،قال رسول
ال صلّى ال عليه وسلم « :سووا صفوفكم ،فإن تسوية الصف من تمام الصلة» (. )1
ملحق ـ الذان لغير الصلة.
هذا ويندب الذان لمور غير الصلة:
منها الذان في أذُن المولود اليمنى عند ولدته ،كما تندب القامة في اليسرى لنه صلّى ال عليه
وسلم ْذّن في أذ ُن الحسن حين ولدته فاطمة (. )2
ومنها الذان وقت الحريق ووقت الحرب ،وخلف المسافر.
ومنها الذان في أذن المهموم المصروع وللغضبان ولمن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة ،وإذا تغولت
الغيلن ( )3أي سحرة الجن والشياطين ،وذلك لدفع شرها بالذان ،فإن الشيطان إذا سمع الذان أدبر.
ول يسن عند إدخال الميت القبر على المعتمد عند الشافعية.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2رواه الترمذي ،وقال :حديث صحيح.
( )3أي تلونت في صور.
( )1/635
( )1/636
ول تجب عند الحنفية على الكافر ،بناء على مبدئهم في أن الكافر غير مطالب بفروع الشريعة ،ل في
حكم الدنيا ول في حكم الخرة.
ول قضاء بالتفاق على الكافر إذا أسلم ،لقوله تعالى{ :قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفَر لهم ما قد سلف}
[النفال ]38/8:ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :السلم يجبّ ما قبله» ( )1أي يقطعه ،والمراد أنه
يذهب أثر المعاصي التي قارفها حال كفره .أما المرتد فيلزمه عند غير الحنفية قضاء الصلة بعد
إسلمه تغليظا عليه ،ولنه التزمها بالسلم ،فل تسقط عنه بالجحود كحقوق الدميين المالية .ول
قضاء عليه عند الحنفية كالكافر الصلي.
وأما الطاعات وأفعال الخير التي يفعلها الكافر :فل تنفعه في الخرة إن مات كافرا لقوله تعالى:
{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ،فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان.]23/25:
وأما في الدنيا فتنفعه في سعة رزقه ومعيشته.
وإن أسلم يثاب عليها ول يجُبّها (يقطعها) السلم ،لحديث حكيم بن حزام عند مسلم وغيره :أنه قال
لرسول ال صلّى ال عليه وسلم :أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية ،هل لي فيها من شيء؟
فقال له رسول ال صلّى ال عليه وسلم :أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير» وقال عليه السلم« :إذا
أسلم العبد ،فحسن إسلمه ،يكفر ال عنه كل سيئة كان زَلِفها ـ أي قدمها ـ وكان بعد ذلك القصاص:
الحسنة بعشر أمثالها ،إلى سبع مئة ضعف ،والسيئة
-------------------------------
( )1رواه أحمد والطبراني والبيهقي عن عمرو بن العاص .وأخرج مسلم في صحيحه معناه من
حديث عمرو أيضا بلفظ« :أما علمت أن السلم يهدم ما كان قبله ،وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها،
وأن الحج يهدم ما كان قبله» (نيل الوطار.)299/1:
( )1/637
( )1/638
- ً 3العقل :فل تجب الصلة عند الجمهور غير الحنابلة على المجنون والمعتوه ونحوهما كالمغمى
عليه إل إذا أفاقوا في بقية الوقت؛ لن العقل مناط التكليف ،كما ثبت في الحديث السابق« :عن
المجنون حتى يبرأ» لكن يسن لهم القضاء عند الشافعية .وقال الحنابلة :يجب القضاء على من تغطى
عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح ،لن ذلك ل يسقط الصوم ،فكذا الصلة.
ول تطلب الصلة ول تقضى من حائض ونفساء ،ولو طرّحت نفسها بضرب أو دواء ونحوها.
ويجب القضاء على السكران ،لتعديه بالسكر.
ويجب القضاء على نائم ويجب إعلمه إذا ضاق الوقت ،ودليل القضاء حديث« :من نام عن صلة أو
نسيها ،فليصلها إذا ذكرها ،ل كفارة لها إل ذلك» ( )1وهذا دليل على وجوب قضاء الصلوات
المفروضة المتروكة عمدا أو سهوا ،مهما طال الزمان.
قال النووي في المجموع :ويسن إيقاظ النائم للصلة ول سيما إذا ضاق وقتها ،ففي سنن أبي داود «أن
النبي صلّى ال عليه وسلم خرج يوما إلى الصلة ،فلم يمر بنائم إل أيقظه» وكذا إذا رآه أمام
المصلين ،أو كان نائما في الصف الول ،أو محراب المسجد ،أو كان نائما على سطح ل حجاز له،
لورود النهي عنه ،أو كان نائما
بعضه في الشمس وبعضه في الظل ،أو كان نائما بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس ،أو كان نائما
قبل صلة العشاء ،أو بعد صلة العصر ،أو نام خاليا وحده ،أو كانت المرأة نائمة مستلقية ووجهها
إلى السماء ،أو نام الرجل منبطحا فإنها ضجعة يبغضها ال ،ويستحب أن يوقظ غيره لصلة الليل،
وللتسحر ،والنائم بعرفات،وقت الوقوف؛ لنه وقت طلب وتضرّع .قال السنوي :وهذا بخلف ما لو
رأى شخصا يتوضأ بماء نجس ،فإنه يلزمه إعلمه.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
( )1/639
( )1/640
( )1/641
( )1/642
وإذا تعمد الحدث بطلت الصلة بالجماع ،إل في آخر الصلة فل تبطل عند الحنفية ،وإن سبقه
الحدث بطلت صلته حالً عند الشافعية والحنابلة ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إذا فسا أحدكم في
الصلة ،فلينصرف وليتوضأ وليعد صلته» ( . )1وقال الحنفية :ل تبطل في الحال وإنما تبطل بمكثه
قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظا بل عذر .فإن وجد عذر كرعاف مثلً بنى على صلته إن
شاء (أي أكملها من بعد وقت العذر) بعد استكمال الطهارة ،وإن شاء استأنف الصلة ،أي ابتدأها من
جديد ،ويخرج من الصلة واضعا يده على أنفه تسترا.
وقال المالكية كالحنفية :يجوز البناء على الصلة في حالة الرعاف بشروط ستة بعد أن يخرج من
الصلة ممسكا أنفه من أعله وهو مارنه ،ل من أسفله من الوترة لئل يبقى الدم في طاقتي أنفه ،وهذه
الشروط هي:
الول :إن لم يتلطخ بالدم بما يزيد على درهم ،وإل قطع الصلة.
الثاني :ولم يجاوز أقرب مكان ممكن ،لغسل الدم فيه ،فإن تجاوزه بطلت الصلة.
الثالث :أن يكون المكان الذي يغسل فيه قريبا ،فإن كان بعيدا بعدا فاحشا بطلت.
الرابع :أل يستدبر القبلة بل عذر ،فإن استدبرها لغير عذر بطلت.
الخامس :أل يطأ في طريقه نجسا ،وإل بطلت.
السادس :أل يتكلم في مضيه للغسل ،فإن تكلم ولو سهوا بطلت.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة وصححه ابن حبان عن علي بن طلق (سبل السلم.)131/1:
( )1/643
( )1/644
وهو عاجز عن غسلها ،أو وجده ولم يرض إل بأجرة ولم يجدها ،أو وجدها ولم يرض إل بأكثر من
أجرة المثل ،أو حبس على نجاسة ،واحتاج إلى فرش السترة عليها ،لم يجز لبس الثوب النجس عند
الشافعية لنه سترة نجسة ،وجاز لبسه عند الحنفية والمالكية والحنابلة ،والصلة به ،وصلى عند
المالكية قائما عُرْيانا إن لم يجد ثوبا يستر به عورته ،لن ستر العورة مطلوب عند توفر القدرة على
سترها ،والمعتمد العادة في الوقت إن وجد ثوبا طاهرا ،إن صلى بنجس أو بحرير أو بذهب ولو
خاتما ،أو صلى عريانا.
ل بفعل ابن عمر ،روى
ويصلي في حال فقد الساتر جالسا ،يومئ إيماءً عند الحنابلة والحنفية ،عم ً
الخلل بإسناده عن ابن عمر في قوم انكسرت مراكبهم ،فخرجوا عراة ،قال« :يصلون جلوسا،
يومئون إيماءً برؤوسهم» وروى عبد الرزاق عن ابن عباس ،قال« :الذي يصلي في السفينة ،والذي
يصلي عريانا ،يصلي جالسا» .أما في حالة وجود الساتر النجس فيصلي فيه ،ول يعيد ،ول يصلي
عريانا؛ لن الستر آكد من إزالة النجاسة ،فكان أولى ،ولن النبي صلّى ال عليه وسلم قال « :غطّ
فخذك» وهذا عام ،ولن السترة متفق على اشتراطها ،والطهارة من النجاسة مختلف فيها ،فكان المتفق
عليه أولى.
ويصلي عند الشافعية عريانا متما الركان ،ول إعادة عليه على المذهب عندهم ،لن الصلة مع
العري يسقط بها الفرض .لكن لو كان على بدنه نجاسة غير معفو عنها ،ولم يجد ما يغسل به ،صلى
وأعاد كفاقد الطهورين؛ لن الصلة مع النجاسة ل يسقط بها الفرض.
وفصل الحنفية ( )1في المر فقالوا:
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق.98/1:
( )1/645
إن كان ربع الثوب فأكثر طاهرا ،صلى فيه حتما ،ولم يصل عريانا؛ لن الربع كالكل ،يقوم مقامه في
مواضع منها كشف العورة ( ، )1ويتحتم عليه تقليل النجاسة بقدر المكان ،ويلبس أقل ثوبيه نجاسة.
وإن كان أقل من ربعه طاهرا ،ندب صلته فيه بالقيام والركوع والسجود ،وجاز أن يصلي عاريا
باليماء ،والصلة في ثوب نجس الكل أحب من الصلة عريانا .وهذا رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي
يوسف ( . )2وإذا لم يجد المسافر ما يزيل به النجاسة أو يقللها ،صلى معها ،أو عاريا ،ول إعادة
عليه ،والقاعدة عندهم :أن فاقد ما يزيل به النجاسة يصلي معها ،ول إعادة عليه ،ول على فاقد ما
يستر عورته .والصلة عُرْيانا :أن يمد رجليه إلى القبلة لكونه أستر ،ويومئ إيماء بالركوع والسجود
وهو أفضل من الصلة قائما؛ لن الستر آكد.
د ـ جهالة محل النجاسة في الثوب :إذا وجد ثوب متنجس ،ولكن خفي عليه موضع النجاسة:
يكفي عند الحنفية غسل طرف من الثوب ،ولو من غير تحر ،ويطهر .ويغسل الثوب كله أو البدن كله
عند الشافعية إن كان الخفاء في جميعه ،وكذلك يغسل كله على الصحيح إن ظن طرفا ،لن الثوب
والبدن واحد .ولو اشتبه عليه طاهر ونجس من ثوبين أو بيتين ،اجتهد فيهما للصلة (. )3
هـ ـ طرف الثوب على نجاسة :لو كان على المصلي ثوب أو غيره وطرفه واقع على نجاسة
كطرف عمامته الطويلة أو كمه الطويل المتصل بنجاسة:
-------------------------------
( )1أقام الشرع الربع مقام الكل في كثير من المواضع ،كما في حلق المحرم ربع رأسه ،ومسح ربع
الرأس في الوضوء ،وكشف العورة ،إذ الموضع موضع احتياط.
( )2الدر المختار 183/1:ومابعدها ،البدائع ،117/1:الشرح الصغير 283/1:ومابعدها ،مغني
المحتاج ،186/1:حاشية الباجوري ،144/1:المهذب ،61-60/1:المغني ،587/1،592،594:فتح
القدير ،184/1:اللباب ،66/1:مراقي الفلح :ص .38
( )3المهذب ،61/1 :مغني المحتاج.189/1:
( )1/646
لم تصح صلته عند الشافعية كالمسألة الولى ،وإن لم يتحرك الطرف الذي يلقي النجاسة بحركته
أثناء قيامه وقعوده أو ركوعه وسجوده؛ لن اجتناب النجاسة في الصلة شرع للتعظيم ،وهذا ينافيه
هنا .وذلك بخلف ما لو سجد على متصل بالنجاسة حيث تصح الصلة إن لم يتحرك بحركته؛ لن
المطلوب في السجود كونه مستقرا على غيره ،لحديث «مكّن جبهتك» فإذا سجد على متصل بنجس لم
يتحرك بحركته ،حصل المقصود ،وعلى هذا ل يضر في صحة الصلة نجس يحاذي صدر المصلي
في الركوع والسجود وغيرهما على الصحيح ،لعدم ملقاته له.
وقال الحنفية :تصح صلته إن لم يتحرك الطرف النجس بحركته ،فإن تحرك لم تصح؛ لن الشرط
عندهم طهارة ثوب المصلي وما يتحرك بحركته ،أو يعد حاملً له ،كما سيأتي .وذلك بخلف ما لم
يتصل كبساط طرفه نجس ،وموضع الوقوف والجبهة طاهر ،فل يمنع صحة الصلة (. )1
و ـ إمساك حبل مربوط بنجس :إذا أمسك المصلي حبلً مربوطا بنجس ،كالحبل الذي يمسك به كلب
بقلدة في عنقه ،أو دابة أو مركب صغير يحملن نجسا:
لم تصح صلته عند الشافعية في الصح؛ لن الكلب سواء أكان صغيرا أم كبيرا نجس العين عندهم،
ويصبح المصلي في هذه الحالة حاملً نجسا ،لنه إذا مشى انجر معه .بخلف السفينة الكبيرة التي ل
تنجر بجره ،فإنها كالدار ،تصح الصلة بحبل متصل بها.
وتصح صلته عند الحنفية كالحالة السابقة في حالة إمساك الكلب بناء على الراجح عندهم أنه ليس
بنجس العين ،بل هو طاهر الظاهر ،كغيره من الحيوانات سوى الخنزير ،فل ينجس إل بالموت.
وذلك إذا لم يسل من الكلب ما يمنع الصلة (. )2
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،373/1:مغني المحتاج ،190/1:المهذب ،61/1 :مراقي الفلح :ص
.38لكن لو جعل طرف الحبل تحت رجله ،صحت صلته في جميع الصور عند الشافعية.
( )2الدر المختار رد المحتار ،374/1 :مغني المحتاج ،والمهذب :المكان السابق ،المجموع155/3:
ومابعدها.
( )1/647
ز ـ حمل بيضة صار مُحّها ( )2دما :لو صلى المصلي حاملً بيضة َمذِرة (فاسدة) صار محها دما،
جاز عند الحنفية ،كمسألة الكلب ،لن الدم في معدن البيض ،والشيء ما دام في معدنه ل يعطى له
حكم النجاسة ،بخلف ما لو حمل قارورة فيها بول ،فل تجوز صلته؛ لنه في غير معدنه.
ول تصح صلته في الحالتين عند الشافعية في أصح الوجهين في البيضة ،وفي الصحيح في
القارورة؛ لنه يكون حاملً نجاسة ()2
ح ـ حمل صبي صغير في الصلة :لو حمل المصلي صبيا صغيرا عليه نجس :تبطل صلته عند
الحنفية إن لم يستمسك بنفسه؛ لنه يعد حاملً للنجاسة ،ويشترط عندهم طهارة ما يعد حاملً له أي
باستثناء ما يكون في الجوف كمسألة الكلب والبيضة السابقة .وتصح صلته إن كان الصغير يستمسك
بنفسه؛ لنه ل يعد حاملً للنجاسة.
وقال الشافعية كالحنفية وغيرهم اتفاقا ل خلف فيه :ل يضر حمل الصبي الذي ل تظهر عليه نجاسة،
فلو حمل حيوانا طاهرا في صلته ،صحت صلته؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم حمل أمامة بنت
أبي العاص في صلته ( ، )3ولن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة هو كالنجاسة التي
في جوف المصلي (. )4
ط ـ وصل العظم بنجس :قال الشافعية :لو وصل عظمه المنكسر بنجس لفقد الطاهر ،فهو معذور
تصح صلته معه للضرورة (. )5
ثانيا ـ طهارة المكان:
تشترط طهارة مكان المصلي مباشرة ،فإن لم تباشره النجاسة جازت الصلة كما في الصور التية:
-------------------------------
( )1المح :خالص كل شيء .والمراد هنا صفرة البيض أو كل ما في البيض.
( )2رد المحتار ،المكان السابق ،المهذب :المكان السابق ،المجموع.157/3:
( )3حديث أمامة رواه البخاري ومسلم.
( )4رد المحتار ،المهذب ،المكان السابق ،المجموع.156/3:
( )5مغني المحتاج.190/1 :
( )1/648
أ ـ الصلة على بساط عليه نجاسة :إذا صلى على بساط عليه نجاسة :فإن صلى على الموضع
النجس ،فل تصح صلته بالتفاق؛ لنه ملق للنجاسة ،ووضع العضو على النجاسة بمنزلة حملها.
وإن صلى على موضع طاهر ،صحت صلته اتفاقا أيضا ،ولو كان البساط صغيرا في الصح عند
الحنفية؛ لنه غير ملق للنجاسة ول حامل لما هو متصل بالنجاسة (. )1
ب ـ الصلة على موضع نجس بحائل :إن فرش على الرض النجسة شيئا وصلى عليه ،جاز
بالتفاق إن صلح الفرش ساترا للعورة؛ لنه غير مباشر للنجاسة ول حامل لما هو متصل بها .فإن
لمس النجاسة من ثقوب الفرش ،بطلت صلته ( ، )2وأضاف الحنفية :أنه تجوز الصلة على لِبْد
(فرش سميك) وجهه العلى طاهر ،والسفل نجس ،وعلى ثوب طاهر وبطانته نجسة إذا كان غير
مخيط بها ،لنه كثوبين فوق بعضهما.
جـ ـ النجاسة في بيت أو صحراء :إذا كانت النجاسة في بيت أو صحراء وعرف مكانها ،صلى في
المواضع الخالية عن النجاسة.
وإن خفي عليه موضعها :تحرى المكان الطاهر وصلى عند الحنفية.
وقال الشافعية ( : )3إن كانت الرض واسعة كصحراء ،فصلى في موضع منها جاز؛ لنه غير
متحقق لها ،ولن الصل فيها الطهارة ،ول يمكن غسل جميعها.
وإن كانت الرض صغيرة كبيت ،لم يجز أن يصلي فيه حتى يغسله ،كما في حالة الشك بنجاسة جزء
من الثوب؛ لن البيت ونحوه يمكن غسله وحفظه من النجاسة ،فإذا نجس أمكن غسله ،وإذا خفي
موضع النجاسة منه غسله كله كالثوب.
وإن كانت النجاسة في أحد البيتين واشتبها عليه ،تحرى ،كما يتحرى في الثوبين.
وإن حبس في موضع نجس ـ حُش (هو الخلء) ،وجب عليه أن يصلي عند جمهور العلماء ،لقوله
صلّى ال عليه وسلم « :وإذا أمرتكم بشيء ،فأتوا منه ما استطعتم» ( )4وقياسا على المريض العاجز
عن بعض الركان.
-------------------------------
( )1رد المحتار ،المكان السابق ،مغني المحتاج ،190/1:المهذب ،62/1:مراقي الفلح :ص .38
( )2رد المحتار ،المهذب ،المكان السابق.
( )3المهذب ،62/1:المجموع 160/1:ومابعدها.
( )4رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بلفظ« :ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ،وما أمرتكم به فأتوا منه ما
استطعتم. »..
( )1/649
وإذا صلى يجب عليه أن يتجافى عن النجاسة في قعوده بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن ،ويجب
عليه أيضا اليماء أو النحناء في السجود إلى القدر الذي لو زاد عليه لقى النجاسة ،ول يسجد على
الرض ،على الصحيح؛ لن الصلة قد تجزئ مع اليماء ،ول تجزئ مع النجاسة.
وتجب عليه العادة في موضع طاهر على الجديد الصح ،ومستحبة على القديم ،لنه ترك الفرض
لعذر نادر غير متصل ،فلم يسقط عنه الفرض ،كما لو ترك السجود ناسيا .والذي يعتبر فرضا هو
الصلة الثانية في أصح الوجه عند الشافعية.
الشرط الرابع ـ ستر العورة :
العورة لغة :النقص ،وشرعا :ما يجب ستره وما يحرم النظر إليه ،والمعنى الول هو المراد هنا في
الصلة .يشترط ستر العورة عن العيون ،ولو كان خاليا في ظلمة عند القدرة في رأي الجمهور .وقال
الحنفية :يجب الستر بحضرة الناس إجماعا ،وفي الخلوة على الصحيح ،فلو صلى في الخلوة عريانا،
ولو في بيت مظلم ،وله ثوب طاهر ،ل يجوز (. )1
ويجب ستر العورة في الصلة وغيرها ولو في الخلوة إل لحاجة كاغتسال وتغويط واستنجاء.
والدليل على وجوب الستر :قوله تعالى{ :خذوا زينتكم عند كل مسجد} [العراف ]7/31قال ابن
عباس :المراد به :الثياب في الصلة.
-------------------------------
( )1رد المحتار.375/1:
( )1/650
وقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل يقبل ال صلة حائض إل بخمار» ( )1والخمار :ما يغطى به رأس
المرأة ،وقوله عليه السلم« :يا أسماء ،إن المرأة إذا بلغت المحيض ،لم يصلح أن يرى منها إل هذا
وهذا ،وأشار إلى وجهه وكفيه» (. )2
وأجمع العلماء على وجوب سترة المرأة مطلقا ،في الصلة وغيرها.
شروط الساتر:
ً - 1يجب أن يكون صفيقا كثيفا :فالواجب الستر بما يستر لون البشرة وليصفها من ثوب صفيق أو
جلد أو ورق ،فإن كان الثوب خفيفا أو رقيقا يصف ما تحته أو يتبين لون الجلد من ورائه ،فيعلم
بياضه أو حمرته ،لم تجز الصلة به؛ لن الستر ل يحصل بذلك .وإن كان يستر لونها،ويصف الخلقة
أو الحجم؛ جازت الصلة به؛ لن هذا مما ل يمكن التحرز منه ،حتى ولو كان الساتر صفيقا ،لكنه
عند الشافعية للمرأة مكروه ،وللرجل خلف الولى.
وقال الشافعية :شرط الساتر :ما يمنع لون البشرة ،ولو ماء كدرا أو طينا ،لخيمة ضيقة وظلمة،
ويجب عندهم أن يكون الساتر طاهرا ،وقال المالكية :إن ظهر ما تحته فهو كالعدم ،وإن وصف فهو
مكروه (. )3
ً - 2والشرط عند الشافعية والحنابلة :أن يشمل المستور لبسا ونحوه ،فل تكفي الخيمة الضيقة
والظلمة .وتكفي الظلمة عند الحنفية والمالكية للضرورة؛ لن
-------------------------------
( )1رواه الحاكم ،وقال :إنه على شرط مسلم ،ورواه أيضا الخمسة إل النسائي وصححه ابن خزيمة
عن عائشة .والمراد بالحائض :البالغ التي بلغت سن الحيض؛ لن الحائض في زمن حيضها لتصح
صلتها ،بخمار ول غيره (نيل الوطار.)67/2:
( )2رواه أبو داود عن عائشة ،وهو حديث مرسل (نصب الراية.)299/1:
( )3القوانين الفقهية :ص .54الواجب عندهم هو ستر العورة عن غيره ،ولو حكما كمكان مظلم ،ل
سترها عن نفسه ،على المفتى به.
( )1/651
ً - 3والمطلوب هو ستر العورة من جوانبها ،على الصحيح عند الحنفية ،وغيرهم من الفقهاء ،فل
يجب الستر من أسفل أو من فتحة قميصه ،فلو صلى على زجاج يصف ما فوقه ،جاز.
وإن وجد مإ يستر بعض عورته ،يجب سترها ولو بيده في الصح عند الشافعية ،لحصول المقصود،
فإن كفى الساتر سوأتيه أو الفرجين تعين لهما ،وإن كفى أحدهما تعين عليه ستر القُبُل ثم الدبر عند
الشافعية ،وبالعكس عند الحنفية والمالكية .ويجب أن يزر قميصه أو يشد وسطه إن كانت عورته
تظهر منه في الركوع أو غيره.
الصلة في الثوب الحرام :يصح الستر مع الحرمة عند المالكية والشافعية ،وتنعقد الصلة مع الكراهة
التحريمية عند الحنفية :بما ل يحل لبسه كثوب حرير للرجل ،ويأثم بل عذر ،كالصلة في الرض
المغصوبة.
وقال الحنابلة :ل تصح الصلة بالحرام كلبس ثوب حرير ،أو صلة في أرض مغصوبة ولو منفعتها
أو بعضها ،أو صلة في ثوب ثمنه كله أو بعضه حرام أو كان متختما بخاتم ذهب ،إن كان عالما
ذاكرا ( ، )1لما روى أحمد عن ابن عمر« :من اشترى ثوبا بعشرة دراهم ،وفيه درهم حرام ،لم يقبل
صمّتا إن لم يكن النبي صلّى ال عليه
ال له صلة ،ما دام عليه» ثم أدخل أصبعيه في أذنيه وقالُ « :
وسلم سمعته يقوله» ( ، )2ولحديث عائشة« :من عمل عملً ليس عليه
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،313/1 :المغني 587/1:ومابعدها.
( )2لكن في إسناده رجلن :هاشم وبقية ،قال البخاري :هاشم غير ثقة ،وبقية :مدلّس.
( )1/652
أمرنا فهو رد» ( ، )1ولن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه ،فلم يقع عبادة كالصلة في زمن
الحيض ،وكالنجس.
فإن جهل كونه حريرا أو غصبا ،أو نسي كونه حريرا أو غصبا ،أو حبس بمكان غصب أو نجس،
صحت صلته؛ لنه غير آثم.
وأجاز المالكية والحنفية الصلة بثوب نجس كما أوضحت سابقا.
واتفق علماء المذاهب :أن ستر العورة واجب ولو بإعارة ،فإن صلى عريانا مع وجود ثوب عارية،
أو مع وجود ثوب من حرير طاهر عند الجمهور غير الحنابلة ،بطلت صلته .ولو وُعد به ،ينتظر ما
لم يخف فوات الوقت ،وهو الظهر عند الحنفية ،ويلزمه الشراء بثمن المثل ( )2كالمقرر في شراء
الماء سابقا.
عادم الساتر :من لم يجد ساترا لعورته :صلى عريانا عند المالكية؛ لن ستر العورة مطلوب عند
القدرة ،ويسقط بالعجز.
ل بفعل ابن عمر كما أبنت سابقا في الشرط الثالث.
وصلى قاعدا يومئ إيماء عند الحنابلة ،عم ً
ويجب عليه أن يصلي عند الشافعية والحنفية ولو بطين يتطين به يبقى إلى تمام صلته ،أو بماء كدر
غير صاف ،وتكفيه الظلمة للضطرار عند الحنفية والمالكية ،وباليد عند الشافعية في الصح وعند
الحنابلة لحصول المقصود كما تقدم ،ويصلي قائما عند الشافعية متمما الركان ،ول إعادة عليه على
المذهب عندهم كما أوضحت .ويصلي قاعدا موميا بركوع وسجود عند الحنفية والحنابلة ،وهو أفضل
من الصلة قائما بإيماء أو بركوع وسجود؛ لن الستر أهم من أداء الركان.
قال الحنابلة :ومن كان في ماء وطين ولم يمكنه السجود على الرض إل بالتلوث بالطين والبلل بالماء
صلى على دابته ،يومئ بالركوع والسجود (. )3
انكشاف العورة فجأة :إن انكشفت عورة المصلي فجأة بالريح مثلً عن غير عمد ،فستره في الحال ،لم
تبطل صلته عند الشافعية والحنابلة لنتفاء المحذور ،وإن قصر أو طال الزمان ،بطلت بسبب
تقصيره ،ولن الكثير يفحش انكشاف العورة فيه ،ويمكن التحرز منه ،فلم يعف عنه(. )4
وقال المالكية :تبطل الصلة مطلقا بانكشاف العورة المغلظة.
وقال الحنفية :إذا انكشف ربع العضو من أعضاء العورة ،فسدت الصلة إن استمر بمقدار أداء ركن،
بل صنعه ،فإن كان بصنعه فسدت في الحال.
-------------------------------
( )1رواه أحمد ومسلم عن عائشة ،وهو صحيح.
( )2الدر المختار ،382/1 :المجموع....193/3:
( )3المغني.599/1:
( )4مغني المحتاج ،188/1:المغني.....580/1:
( )1/653
صلة العراة جماعة :الجماعة مشروعة للعراة ،فلهم عند الشافعية والحنابلة أن يصلوا فرادى أو
جماعة ،وفي حال الصلة جماعة يقف المام معهم في الصف وسطا ،ويكون المأمومون صفا واحدا،
حتى ل ينظر بعضهم إلى عورة بعض ،فإن لم يمكن إل صفين ،صلوا وغضوا البصار.
وإن اجتمع نسوة عراة ،استحب لهن الجماعة ،وتقف المرأة المام وسطهن في كل حال لنهن
عورات؛ لن صلة الجماعة أفضل من صلة الفرد ،كما هو الثابت في السنة .ويصلون قياما مع
إتمام جميع الركان عند الشافعية ،ويومئون إيماء ،ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم عند الحنابلة.
وهل الفضل أن يصلوا جماعة أو فرادى؟
عمْيا أو في ظلمة بحيث ل يرى بعضهم بعضا ،استحبت الجماعة بل خوف،
قال الشافعية :إن كانوا ُ
ويقف إمامهم ُقدّامهم .وإن كانوا بحيث يرون ،فأصح القوال أن الجماعة والنفراد سواء.
وإن وجد مع إنسان كسوة ،استحب أن يعيرهم ،فإن لم يفعل ،لم يغصب منه؛ لن صلتهم تصح من
غير سترة.
وقال المالكية والحنفية :يصلون فرادى ،ويتباعد بعضهم من بعض ،وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة
ويتقدمهم إمامهم ( . )1وإن لم يمكن تفرقهم صلوا جماعة قياما صفا واحدا مع ركوع وسجود ،إمامهم
وسطهم ،غاضين أبصارهم وجوبا.
حد العورة :يشترط عند أئمة المذاهب لصحة الصلة ستر العورة كما تقدم ،لكن الفقهاء اختلفوا في
حد العورة للرجل والمة والمرأة الحرة ،فما آراؤهم تفصيلً؟
مذهب الحنفية (: )2
أ ـ عورة الرجل :هي ما تحت سرته إلى ما تحت ركبته ،فالركبة من الفخذ عورة في الصح ،عملً
بالمأثور عندهم« :عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» أو «مادون سرته حتى يجاوز ركبته» ()3
ولحديث ضعيف عند الدارقطني« :الركبة من
-------------------------------
( )1المجموع 191/3:ومابعدها ،المهذب ،6/1:المغني ،596/1،598:الشرح الكبير مع الدسوقي:
.221/1
( )2الدر المختار ورد المحتار ،397-375/1:تبيين الحقائق للزيلعي.....97-95/1:
( )3هذا مأخوذ من أحاديث ثلثة :الول -حديث الدارقطني وأحمد وأبي داود عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده « ..فإذا زوج أحدكم أمته ،عبده أو أجيره ،فل ينظر إلى ما دون السرة وفوق
الركبة ،فإن تحت السرة إلى الركبة من العورة» وهو ضعيف .والثاني -حديث الحاكم عن عبد ال
بن جعفر«مابين السرة إلى الركبة عورة» وهو موضوع ،الثالث ـ حديث الدارقطني عن أبي أيوب:
«ما فوق الركبتين من العورة ،وما أسفل السرة من العورة» وهو غريب (نصب الراية-296/1:
.)297
( )1/654
:العورة» (. )1
ب ـ المَة (الرقيقة) :كالرجل في العورة ،مع ظهرها وبطنها وجنبها ،لقول عمر رضي ال« :ألق
عنك الخمار يا دفار ،أتتشبهين بالحرائر» ( ، )2ولنها تخرج لحاجة مولها في ثياب مهنتها عادة،
فاعتبرت كالمحارم في حق الجانب عنها دفعا للحرج.
جـ ـ المرأة الحرة ومثلها الخنثى :جميع بدنها حتى شعرها النازل في الصح ،ما عدا الوجه
والكفين ،والقدمين ظاهرهما وباطنهما على المعتمد لعموم الضرورة ،والصوت على الراجح ( )3ليس
بعورة ،لكن ظهر الكف عورة على المذهب ،والصح أن باطن الكفين وظاهرهما ليسا بعورة.
والقدمان ليسا بعورة في حق الصلة على المعتمد ،والصحيح أنهما عورة في حق النظر والمس.
واستدلوا بقوله تعالى{ :ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها} [النور ]31/24:والمراد محل زينتهن ،وما
ظهر منها :الوجه والكفان ،كما قال ابن عباس وابن عمر ،وبقوله صلّى ال عليه وسلم « :المرأة
عورة ،فإذا خرجت استشرفها الشيطان» ( )4وبحديث عائشة السابق« :يا أسماء ،إن المرأة إذا بلغت
المحيض ،لم يصلح أن يرى منها إل هذا وهذا ،وأشار إلى وجهه وكفه» (. )5
-------------------------------
( )1نصب الراية297/1:
( )2قال عنه الزيلعي :غريب وبمعناه روى عبد الرازق عن عمر ،ورواه البيهقي ،وقال :الثار بذلك
عن عمر صحيحة (نصب الراية.)300/1:
( )3لكن نغمة المرأة ،وتليينه أي تمطيط الصوت عورة في الذان وغيره ،فل يحل سماعه.
( )4رواه الترمذي عن عبد ال بن مسعود ،وقال :حديث حسن صحيح غريب ،ورواه ابن حبان أيضا
(نصب الراية.)298/1:
( )5أخرجه أبو داود ،وهو حديث مرسل.
( )1/655
وبحديث عائشة المتقدم أيضا« :ل يقبل ال صلة حائض إل بخمار» والخمار :ما يغطى به رأس
المرأة.
وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال ،ل لنه عورة ،بل لخوف الفتنة ،أي الفجور بها ،أو
الشهوة .والمعنى أنها تمنع من الكشف خوفا أن يرى الرجال وجهها ،فتقع الفتنة؛ لنه مع الكشف قد
يقع النظر إليها بشهوة.
ول يجوز النظر إلى وجه المرأة والفتى المرد بشهوة ،إل لحاجة ،كقاض أو شاهد أو للشهادة عليها،
وخاطب يريد زواجها ،فينظر ولو عن شهوة ،بنية العمل بالسنة ،ل قضاء الشهوة ،وكذا في حال
المداواة إلى موضع المرض بقدر الضرورة.
والمعتمد عند الحنفية :أن كشف ربع عضو من أعضاء العورة (الغليظة وهي القبل والدبر وما
حولهما ،أو المخففة :وهي ما عدا السوأتين) ( )1إن استمر بمقدار أداء ركن ،بدون تعمد ،وإنما
سهوا ،يبطل الصلة؛ لن ربع الشيء له حكم الكل ،كما تقدم سابقا .ول تبطل بما دون ذلك ،فمن
كشف ربع بطن أو فخذ أو شعر نزل من الرأس ،أو دبر ،أو ذكر ،أو أنثيين ،أو فرج بطلت صلته،
إن استمر مقدار أداء ركن ،وإل ل يبطل.
مذهب المالكية (: )2
يجب ستر العورة عن أعين الناس إجماعا ،أما في الصلة فالصحيح من المذهب وجوب ستر ما
يأتي:
-------------------------------
( )1ل فرق بين العورتين إل من حيث أن حرمة النظر إلى الغليظة أشد.
( )2الشرح الصغير ،285/1:بداية المجتهد ،111/1:القوانين الفقهية :ص ،53الشرح الكبير:
،217-211/1شرح الرسالة.98/1:
( )1/656
أ ـ عورة الرجل في الصلة :هي المغلظة فقط وهي السوأتان وهما من المقدم :الذكر مع النثيين،
ومن المؤخر :ما بين الليتين .فيجب إعادة الصلة في الوقت لمكشوف الليتين فقط ،أو مكشوف
العانة .فليس الفخذ عورة عندهم ،وإنما السوأتان فقط ،لحديث أنس« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم
يوم خيبر حَسَر الزار عن فخذه ،حتى إني لنظر إلى بياض فخذه» (. )1
ب ـ عورة المة هي السوأتان مع الليتين ،فإذا انكشف منها شيء من ذلك أو كشفت فخذا كله أو
بعضه ،أعادت أبدا في الوقت ،كالرجل .ووقت العادة في الظهر والعصر للصفرار ،وفي المغرب
والعشاء :الليل كله ،وفي الصبح لطلوع الشمس.
جـ ـ عورة الحرة المغلظة :جميع البدن ما عدا الصدر والطراف من رأس ويدين ورجلين .وما
قابل الصدر من الظهر كالصدر .فإن انكشف من العورة المخففة شيء من صدرها أو أطرافها ،ولو
ظهر قدم ل باطنه ،أعادت في الوقت الضروري السابق بيانه :في الظهرين للصفرار ،وفي
العشاءين الليل كله ،وفي الصبح للطلوع.
هذا بالنسبة للصلة .أما بالنسبة للرؤية والصلة أيضا فيجب ول يشترط ستر عورة الرجل وعورة
المة .أما عورة الحرة أمام امرأة أخرى مسلمة أو كافرة ،فهي للرؤية ما بين السرة والركبة.
كما يجب على الحرة أمام رجل أجنبي ،أي ليس بمحرم لها ستر جميع البدن
-------------------------------
( )1رواه أحمد والبخاري (نيل الوطار )64/2:ويؤيده حديث آخر رواه أحمد عن عائشة« :أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذه ،فاستأذن أبو بكر فأذن له ،وهو على
حاله،ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ،ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه( »..نيل الوطار:
.)63/2
( )1/657
غير الوجه والكفين ،أما هما فليسا بعورة ،وإن وجب عليها سترها لخوف الفتنة ،ول يجوز للرجل أن
يرى من المرأة المَحْرم ولو بمصاهرة ورضاع صدرها ونحوه غير الوجه والطراف وإن لم يلتذ،
خلفا للشافعية وغيرهم الذين أجازوا رؤية ما عدا ما بين السرة والركبة ،وذلك فسحة ،والطراف
تشمل العنق والرأس وظهر القدم.
يتبين من ذلك أن العورة في الرجل والمرأة بالنسبة للصلة :مغلظة ومخففة .فالمغلظة للرجل:
السوأتان (القبل وحلقة الدبر) ،والمخففة له :ما زاد على السوأتين مما بين السرة والركبة .والمغلظة
للمة :الليتان وما بينهما من فم الدبر ،والفرج وما واله من العانة .والمخففة :الفخذ وما فوق العانة
للسرة.
والمغلظة للحرة :جميع بدنها ما عدا الطراف والصدر وما حاذاه من الظهر ،والمخففة لها :هي جميع
البدن ما عدا الوجه والكفين.
فمن صلى مكشوف شيء من العورة المغلظة مع الذّ كْر والقدرة على الراجح ولو بشراء أو إعارة،
بطلت صلته ،ويعيد أبدا على المشهور.
ومن صلى مكشوف شيء من العورة المخففة ،ل تبطل صلته ،وإن كان كشفها مكروها ويحرم
النظر إليها ،ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة أن يعيد الصلة في الوقت الضروري
(في الظهرين للصفرار ،وفي العشاءين :الليل كله ،وفي الصبح للطلوع).
ويحرم النظر للعورة ولو بل لذة إذا كانت غير مستورة ،أما النظر إليهما مستورة فهو جائز بخلف
جسها من فوق الساتر ،فإنه ل يجوز.
( )1/658
والعورة بالنسبة للرؤية :للرجل ما بين السرة والركبة ،وللمرأة أمام رجل أجنبي جميع بدنها غير
الوجه والكفين ،وأمام محارمها جميع جسدها غير الوجه والطراف :وهي الرأس والعنق واليدان
والرجلن ،إل أن يخشى لذة ،فيحرم ذلك ،ل لكونه عورة .والمرأة مع المرأة أو مع ذوي محارمها
كالرجل مع الرجل :ترى ما عدا ما بين السرة والركبة ،وأما المرأة في النظر إلى الجنبي فهي كحكم
الرجل مع ذوات محارمه وهو النظر إلى الوجه والطراف (الرأس واليدين والرجلين).
مذهب الشافعية (: )1
أ ـ عورة الرجل :ما بين سُرّته وركبته ( )2في الصلة والطواف وأمام الرجال الجانب والنساء
المحارم ،لما روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي سعيد الخدري رضي ال تعالى عنه ،قال« :عورة
المؤمن ما بين سرته إلى ركبته» وروى البيهقي «وإذا زوج أحدكم أمته ـ عبده أو أجيره ـ فل
تنظر ـ أي المة ـ إلى عورته» وروي في ستر الفخذ أحاديث ،منها« :ل تُبرز فخِذاك ،ول تنظر
إلى فخذي حي ول ميت» ( )3ومنها قوله صلّى ال عليه وسلم لجَرْهد السلمي« :غطّ فخذك ،فإن
الفخذ عورة» (. )4
فالسرة والركبة ليستا من العورة على الصحيح ،لحديث أنس السابق في مذهب المالكية المتضمن
إظهار النبي صلّى ال عليه وسلم فخذه .لكن يجب ستر شيء من الركبة لستر الفخذ ،ومن السرة؛ لن
ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب ،كما أبان الشافعية والحنابلة والمالكية في الصول (. )5
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،185/1:المهذب ،64/1:المجموع.176-170/3:
( )2السرة :الموضع الذي يقطع من المولود ،والركبة :موصل ما بين أطراف الفخذ وأعالي الساق.
( )3رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار ،وفيه علة ( نيل الوطار.) 62/2:
( )4رواه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي ،وقال :حسن ،وصححه ابن حبان (المصدر
السابق.)63/1:
( )5شرح السنوي ،127/1:المدخل إلى مذهب أحمد :ص ،61مختصر ابن الحاجب :ص .38
( )1/659
وأماعورة الرجل أمام النساء الجانب بالنسبة للنظر ،فجميع بدنه ،وفي الخلوة :السوأتان فقط.
وقد رد على استدلل المالكية بحديث أنس وعائشة المتضمنين أن الفخذ ليست بعورة ،بوجوه أربعة:
الول :أنه حكاية فعل ،وطرف الفخذ قد يتسامح في كشفه ،ل سيما في مواطن الحرب ومواقف
الخصام،والمقرر في الصول :أن القول أرجح من الفعل.
والثاني :أن حديث أنس وعائشة ل يقويان على معارضة تلك القوال الصحيحة العامة لجميع الرجال.
والثالث :حديث عائشة في رواية مسلم فيه تردد« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم مضطجعا في
بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه» والساق ليس بعورة إجماعا ،فهو مشكوك في المكشوف.
والرابع :غاية ما في هذه الواقعة بكشف الفخذ :أن يكون ذلك خاصا بالنبي صلّى ال عليه وسلم ؛ لنه
لم يظهر فيها دليل يدل على التأسي به في مثل ذلك ،فيكون الواجب التمسك بالقوال الناصعة على أن
الفخذ عورة (. )1
ب ـ عورة المة كالرجل في الصح ،إلحاقا لها بالرجل بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة ،ولن
الرأس والذراع مما تدعو الحاجة إلى كشفه.
جـ ـ عورة الحرة ومثلها الخنثى :ما سوى الوجه والكفين ،ظهرهما وبطنهما من رؤوس الصابع
إلى الكوعين (الرسغ أو مفصل الزند) لقوله تعالى { :ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها } [النور:
،]31/24قال ابن عباس وعائشة رضي ال عنهم« :هو الوجه والكفان» ولن النبي صلّى ال عليه
وسلم نهى المرأة الحرام (المحرمة بحج أو عمرة) عن لبس
-------------------------------
( )1نيل الوطار ،64/2:المجموع .176/3:
( )1/660
القفازين والنقاب ( ، )1ولو كان الوجه عورة لما حرم سترهما في الحرام ،ولن الحاجة تدعو إلى
إبراز الوجه للبيع والشراء ،وإلى إبراز الكف للخذ والعطاء ،فلم يجعل ذلك عورة.
وإذا انكشف بعض العورة في الصلة مع القدرة على سترها بطلت صلته ،إل إن كشفها ريح أو
سهوا ،فسترها في الحال فل تبطل ،كما تقدم سابقا .وإن كشفت بغير الريح أو بسبب بهيمة أو غير
مميز فتبطل.
ول يجب على الرجل ستر عورته عن نفسه ،لكنه يكره نظره إليها.
وعورة المرأة الحرة بالنسبة للنظر :خارج الصلة جميع بدنها أمام الرجال الجانب ،وأمام النساء
الكافرات ما عدا ما يبدو عند المهنة أي الخدمة والشتغال بقضاء حوائجها .وأما أمام النساء المسلمات
والرجال المحارم :فعورتها كالرجل ما بين السرة والركبة.
ودليل العلماء كافة على وجوب ستر العورة وعدم جواز نظر الرجل إلى عورة الرجل ،والمرأة إلى
عورة المرأة :حديث أبي سعيد الخدري بلفظ« :ل ينظر الرجل إلى عورة الرجل ،ول المرأة إلى
عورة المرأة في الثوب الواحد» ( )2وحديث َبهْز بن حََكيم عن أبيه عن جده قال :قلت :يا رسول ال،
عوراتُنا ما نأتي منها ،وما َنذَر؟ قال :احفظ عورتَك إل من زوجك أو ما ملكت يمينك ،قلتُ :فإذا كان
القوم بعضهم في بعض؟ قال :إن استطعت أل يراها أحد ،فل يَرَينّها ،قلت :فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال:
فال تبارك وتعالى أحقُ أن يُسْتَحيا منه» ( )3فهو يدل على أن التعري في الخلء غير جائز .ويؤيده
حديث ابن عمر عند الترمذي بلفظ« :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :إياكم والتعري ،فإن معكم
من ل يفارقكم إل عند الغائط» ،وحين يفضي الرجل إلى أهله ،فاستحيوهم وأكرموهم» .
واستدل البخاري على جواز التعري في الغسل بقصة موسى وأيوب.
مذهب الحنابلة (: )4
أ ـ عورة الرجل :ما بين سرته وركبته ،للحاديث السابقة التي استدل بها الحنفية والشافعية ،وليست
سرته وركبتاه من عورته ،لحديث عمرو بن شعيب السابق ..« :فإن ما تحت السرة إلى الركبة
عورة» وحديث أبي أيوب النصاري بلفظ« :أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة» ( ، )5ولن
الركبة حد ،فلم تكن من العورة كالسرة .والخنثى المشكل كالرجل ،إذ ل نوجب عليه الستر بأمر
محتمل متردد.
ويجب بالضافة لذلك لصحة الصلة في ظاهر المذهب :أن يستر الرجل أحد منكبيه ،ولو بثوب
خفيف يصف لون البشرة؛ لن وجوب ستر المنكبين بالحديث ،ولفظه« :ل يصلي الرجل في الثوب
الواحد ،ليس على عاتقه منه شيء» ( )6وهذا نهي يقتضي التحريم ،ويقدم على القياس ،وروى أبو
داود عن بريدة قال« :نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يصلي في لحاف ،ول يتوشح به» .
-------------------------------
( )1في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :ول
تنتقب المرأة المحرمة ،ول تلبس القفازين» .
( )2رواه مسلم وأبو داود والترمذي (نيل الوطار.)61/2:
( )3رواه الخمسة إل النسائى (المصدر السابق).
( )4المغني ،606-601 ،582-577/1:كشاف القناع ،315-306/1 :غاية المنتهى.99-97/1 :
( )5رواه أبو بكر بإسناده.
( )6رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة.
( )1/661
لكن من لم يجد إل ما يستر عورته فقط أو منكبيه فقط ،ستر عورته وصلى قائما وجوبا ،وترك ستر
منكبيه ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إذا كان الثوب واسعا ،فخالف بين طرفيه ،وإن كان ضيقا
حقْوك» ( )1أي خصرك.
فاشدده على َ
وعلى الرجل أن يستر عورته في الصلة عن النظر ،حتى عن نفسه ،فلو رأى عورته من جيب واسع
لقميصه ،إذا ركع أو سجد ،وجب زره ونحوه ليسترها ،لعموم المر بستر العورة.
كما يجب عليه سترها ولو في خلوة أو ظلمة ،لحديث َبهْز بن حكيم السابق «احفظ عورتك إل من
زوجتك ،أو ما ملكت يمينك. »...
ول يجب سترها بحصير وحفيرة وطين وماء كدر؛ لن ذلك ل يثبت ،وفي الحفيرة حرج.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود.
( )1/662
وإن انكشف من العورة يسير ،لم تبطل صلته ،لما رواه أبو داود عن عمرو ابن سلمة الذي كانت
تنكشف عنه بردته لقصرها إذا سجد.
وإن انكشف من العورة شيء كثير ،تبطل صلته .والمرجع في التفرقة بين اليسير والكثير إلى
العرف والعادة.
لكن إن انكشف الكثير من العورة عن غير عمد ،فستره في الحال ،من غير تطاول الزمان ،لم تبطل؛
لن اليسير من الزمان أشبه اليسير في القَدْر .فإن طال كشفها ،أو تعمد كشفها ،بطلت الصلة مطلقا.
ب ـ عورة المة كالرجل :ما بين السرة والركبة على الراجح ،لحديث عمرو ابن شعيب السابق
مرفوعا« :إذا زوج أحدكم عبده ـ أمَتَه أو أجيره ـ فل ينظر إلى شيء من عورته ،فإن ما تحت
السرة إلى ركبته عورة» .
هذا بالنسبة لعورة المة في الصلة ،بقصد التخفيف عنها ،ودفع الحرج والتيسير عليها وعلى
الخرين ،لنشغالها بخدمة سيدها ،ولن من شأن المة البتذال والقيام بالعمال ،ولضعف الميل إليها
غالبا ،أما بالنسبة للنظر فيحرم على الناس غير السيد إدمان النطر إلى الماء ،منعا من الفتنة ،وللمر
بغض البصر عن جميع النساء.
جـ ـ عورة الحرة البالغة :جميع بدنها سوى وجهها ،وكفيها على الراجح ـ عند جماعة ـ من
الروايتين ،لقوله تعالى{ :ول يبدين زينتهن إل ماظهر منها} [النور ،]31/24:قال ابن عباس وعائشة:
«وجهها وكفيها» ( )1وليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها في الصلة ،بدليل الحاديث السابقة عند
الشافعية .والدليل على وجوب تغطية القدمين :ما روت أم سلمة قالت« :قلت :يا رسول ال ،أتصلي
المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال :نعم ،إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها» ( )2وهذا يدل
على وجوب تغطية القدمين ،ولنه محل ل يجب كشفه في الحرام ،فلم يجز كشفه في الصلة
كالساقين.
-------------------------------
( )1رواه البيهقي ،وفيه ضعف ،وخالفهما ابن مسعود.
( )2رواه أبو داود ،وقال :وقفه جماعة على أم سلمة ،ورفعه عبد الرحمن بن عبد ال بن دينار.
وروى الترمذي حديثا عن ابن عمر في موضوعه ،وقال :حديث حسن صحيح.
( )1/663
ويجزئ المرأة من اللباس ما سترها الستر الواجب ،لحديث أم سلمة السابق والمستحب أن تصلي
المرأة في دِرْع (قميص سابغ يغطي قدميها) وخمار يغطي رأسها وعنقها ،وجلباب تلتحف به من فوق
الدرع .وحكم انكشاف شيء من عورة المرأة غير الوجه والكفين بالتفرقة بين اليسير والكثير ،كحكم
الرجل سابقا.
وعورة المرأة مع محارمها الرجال :هي جميع بدنها ما عدا الوجه والرقبة واليدين والقدم والساق.
وجميع بدن المرأة حتى الوجه والكفين خارج الصلة عورة كما قال الشافعية ،لقوله صلّى ال عليه
وسلم السابق« :المرأة عورة» .
ويباح كشف العورة لنحو تداوٍ وتخل في الخلء ،وختان ،ومعرفة بلوغ ،وبكارة وثيوبة ،وعيب.
عورة المسلمة أمام الكافرة :عورة الحرة المسلمة أمام الكافرة عند الحنابلة والمالكية كالرجل المحرم:
ما بين السرة والركبة .وقال الحنفية والشافعية :جميع البدن ماعدا مايظهر عند المهنة أي الشغال
المنزلية.
ومنشأ الخلف تفسير المراد من آية النور {ول يبدين زينتهن إل لبعولتهن} ..إلى أن قال{ :أو
نسائهن} [النور ]31/24:فال الحنابلة وآخرون :المراد بهن :عموم النساء ،بل فرق بين المسلمات
والكافرات،فيجور للمرأة المسلمة أن تبدي من زينتها للمرأة الكافرة ما يحل لها أن تبديه للمسلمة.
وقال الحنفية والشافعية :إن المراد بهن خصوص النساء المسلمات ،أي المختصات بهن في الصحبة
والخوة في الدين ،وعلى هذا فل يحل للمسلمة أن تبدي شيئا من زينتها الباطنة للكافرة (. )1
العورة المنفصلة :يحرم النظر إلى عورة الرجل عند الحنفية والشافعية متصلة كانت أو منفصلة من
شعر أو ذراع أو فخذ.
-------------------------------
( )1تفسير آيات الحكام بالزهر.164/3:
( )1/664
وقال الحنابلة :العورة المنفصلة ل يحرم النظر إليها لزوال حرمتها بالنفصال.
وقال المالكية :يجوز النظر إلى العورة المنفصلة حال الحياة ،ويحرم النظر إلى العورة المنفصلة بعد
الموت كالمتصلة.
صوت المرأة :صوت المرأة عند الجمهور ليس بعورة؛ لن الصحابة كانوا يستمعون إلى نساء النبي
صلّى ال عليه وسلم لمعرفة أحكام الدين ،لكن يحرم سماع صوتها بالتطريب والتنغيم ولو بتلوة
القرآن ،بسبب خوف الفتنة.
وعبارة الحنفية :الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة.
والخلصة :أن العلماء اتفقوا على أن الفرجين عورة ،وأن السرة ليست بعورة وأن عورة الرجل ما
بين السرة والركبة ،وأن عورة المرأة في الصلة ما عدا الوجه والكفين ،وما عدا القدمين عند الحنفية،
وأن عورتها خارج الصلة جميع بدنها .واختلفوا في الركبة ،فقال الحنفية :إنها عورة ،وقال
الجمهور :إنها ليست بعورة ،ولكن يجب ستر شيء منها ومن السرة ،لنها مقدمة الواجب ،وما ل يتم
الواجب إل به فهو واجب.
وأما عورة المرأة أمام أقاربها المحارم أو النساء المسلمات ،فهي ما بين السرة والركبة عند الحنفية
والشافعية ،وقال المالكية :جميع بدنها ما عدا الوجه والطراف :وهي الرأس والعنق واليدان
والرجلن .وقال الحنابلة :جميع بدنها ما عدا الوجه والرقبة والرأس واليدين والقدم والساق فالقدم ليس
بعورة عند الحنابلة والحنفية.
حد عورة الصغير :اختلف الفقهاء في بيان حد عُمره الصغير والصغيرة ،بين متشدد كالشافعية،
ومخفف كالمالكية ،ومتوسط كالحنابلة والحنفية.
( )1/665
قال الحنفية ( : )1ل عورة للصغير جدا وهو من عُمره أربع سنين فأقل ،فيباح النظر إلى بدنه ومسه.
ثم ما دام لم يشته فعورته القُبُل والدبر ،ثم تغلظ عورته إلى عشر سنين،أي تعتبر عورته :الدبر وما
حوله من الليتين والقبل وما حوله .وبعد العاشرة تعتبر عورته كعورة البالغ في الصلة وخارجها،
سواء أكان ذكرا أم أنثى.
وقال المالكية ( : )2يفرق بين الذكر والنثى:
أ ـ في الصلة :عورة الصغير الذكر المأمور بالصلة وهو بعد تمام السبع :هي السوأتان والليتان
والعانة والفخذ ،فيندب له سترها كحالة الستر المطلوب من البالغ.
وعورة الصغيرة المأمورة بالصلة :ما بين السرة والركبة ،ويندب لها سترها كالستر المطلوب من
البالغة.
ب ـ خارج الصلة :ابن ثمان سنين فأقل ل عورة له ،فيجوز للمرأة النظر إلى جميع بدنه وتغسيله
ميتا .وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة يجوز لها النظر إلى جميع بدنه ،ولكن ل يجوز لها تغسيله.
وابن ثلث عشرة سنة فأكثر عورته كعورة الرجل.
وبنت سنتين وثمانية أشهر ل عورة لها .وبنت ثلث سنين إلى أربع ل عورة لها في النظر ،فينظر
إلى بدنها ،ولها عورة في المس فليس للرجل أن يغسلها ،والمشتهاة كبنت ست كالمرأة ،ل يجوز
للرجل النظر إلى عورتها ول تغسيلها.
وقال الشافعية ( : )3عورة الصغير ولو غير مميز كالرجل :ما بين السرة والركبة .وعورة الصغيرة
كالكبيرة أيضا في الصلة وخارجها.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار.378/1:
( )2الشرح الصغير ،267/1:الشرح الكبير مع الدسوقي.216/1:
( )3مغني المحتاج.185/1:
( )1/666
وقال الحنابلة ( : )1الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين :ل عورة له ،فيباح النظر إليه ومس جميع بدنه.
وابن سبع إلى عشر عورته الفرجان فقط في الصلة وخارجها ،وبنت سبع إلى عشر عورتها في
الصلة :ما بين السرة والركبة ،وأما خارج الصلة فمثل الكبيرة :أمام المحارم عورتها ما بين السرة
والركبة ويستحب لها الستتار وستر الرأس كالبالغة احتياطا ،وأمام الجانب :عورتها جميع بدنها إل
الوجه والرقبة والرأس ،واليدين إلى المرفقين ،والساق والقدم .وابن عشر كالكبير تماما .ويظهر لي
أن هذا الرأي ورأي الحنفية أولى لتفاقه مع حديث المر بالصلة لسبع ،والضرب عليها لعشر.
الشرط الخامس ـ استقبال القبلة:
اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلة ،لقوله تعالى{ :ومن حيث خرجت فولّ
وجهك شطر المسجد الحرام ،وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة ]150/2:إل في حالتين :في
شدة الخوف ،وصلة النافلة للمسافر على الراحلة .وقيد المالكية والحنفية شرط الستقبال بحالة المن
من عدو وسبع وبحالة القدرة ،فل يجب الستقبال مع الخوف ،ول مع العجز كالمربوط والمريض
الذي ل قدرة له على التحول ول يجد من يحوله ،فيصلي لغيرها إلى أي جهة قدر ،لتحقق العذر.
واتفق العلماء على أن من كان مشاهدا معاينا الكعبة :ففرضه التوجه إلى عين الكعبة يقينا .ومثله عند
الحنابلة :أهل مكة أوالناشئ بها وإن كان هناك حائل محدث كالحيطان بينه وبين الكعبة.
-------------------------------
( )1كشاف القناع 308/1:وما بعدها.
( )1/667