Professional Documents
Culture Documents
وإسرار القراءة .والصح عند الشافعية ،والحنابلة :ندب التعوذ دون الفتتاح ،والتأمين بعد الفاتحة.
وتسوية الصف في الصلة على الجنازة ،كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم في الصلة على
النجاشي ،وأضاف الشافعية :التحميد قبل الصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ،والدعاء للمؤمنين
والمؤمنات بعد الصلة على النبي ،والتسليمة الثانية .وأضاف الحنابلة :ويسن وقوف المصلي مكانه
حتى ترفع الجنازة ،كما روي عن ابن عمر ومجاهد ،ويستحب في المذهبين ثلثة صفوف ،لحديث:
«من صلى عليه ثلثة صفوف فقد أوجب» (. )1
واتفق الفقهاء على أنه تسن صلة الجنازة جماعة ،لحديث «ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلثة
صفوف من المسلمين إل وجبت» ( )2وتجوز فرادى لن النبي صلّى ال عليه وسلم مات فصلى عليه
الناس فوجا فوجا.
كيفية الصلة :يقرأ بعد التكبيرة الولى الفاتحة فقط من غير سورة سرا ولو ليلً ،لفعل النبي صلّى ال
عليه وسلم ( ، )3كما تقدم ،ثم يصلي سرا على النبي صلّى ال عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية ،لما
روى الشافعي والثرم بإسنادهما عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى ال
عليه وسلم «أن السنة في الصلة على الجنازة أن يكبر المام ،ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة
الولى سرا في نفسه ،ثم يصلي على النبي صلّى ال عليه وسلم ،ويخلص الدعاء للميت ،ثم يسلم» (
. )4
وتكون الصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ،كما في التشهد؛ لنه صلّى ال عليه وسلم لما سألوه:
«كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك» كما تقدم ،ول يزيد على ما في التشهد.
-------------------------------
( )1رواه الخلل بإسناده ،وقال الترمذي :هذا حديث حسن.
( )2حديث حسن رواه أبو داود والترمذي.
( )3رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس ،ورواه الشافعي في مسنده
عن أبي أمامة بن سهل (نيل الوطار.)60/4:
( )4نيل الوطار ،60/4:وفي إسناده مطرف ،وقد قواه البيهقي في المعرفة من حديث الزهري،
وأخرج نحوه الحاكم من وجه آخر ،وأخرجه أيضا النسائي وعبد الرزاق ،قال في الفتح :وإسناده
صحيح.
( )2/636
ويدعو للميت في التكبيرة الثالثة سرا بأحسن ما يحضره ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إذا صليتم
على الميت فأخلصوا له الدعاء» ول تحديد في الدعاء للميت ،ويسن الدعاء بالمأثور ،فيقول« :اللهم
اغفر لحينا وميتنا »...و «اللهم اغفر له وارحمه »..الخ مما سبق ذكره عند الحنفية ،و «اللهم هذا
عبدك وابن عبدك ،خرج من روح الدنيا وسعتها ،ومحبوبه وأحباؤه فيها ،إلى ظلمة القبر وما هو ل
قيه ،كان يشهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به،اللهم إنه نزل بك ،وأنت
خير منزول به ،وأصبح فقيرا إلى رحمتك ،وأنت غني عن عذابه ،وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له،
اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ،وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ،ولقه برحمتك رضاك ،وقه
فتنة القبر وعذابه ،وافسح له قبره ،وجاف الرض عن جنبيه ،ولقه برحمتك المن من عذابك ،حتى
تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين» (. )1
ويقول في الطفل« :اللهم اجعله فَرَطاَ لبويه ،وسلفا وذخرا ،وعظة واعتبارا ،وشفيعا ،وثقّل به
موازينَهما ،وأفرغ الصبر على قلوبهما» لن ذلك مناسب للحال.
-------------------------------
( )1جمع ذلك الشافعي رضي ال عنه من الخبار ،واستحسنه الصحاب.
( )2/637
ويقول عند الشافعية بعد التكبيرة الرابعة« :اللهم ل تحرمنا أجره ،ول تفتنّا بعده ،واغفر لنا وله»
ويسن أن يطول الدعاء بعد هذه التكبيرة الرابعة ،لثبوته عنه صلّى ال عليه وسلم ( )1ويقرأ آية:
{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به[ }..غافر ]7/40:الية.
ويقف عند الحنابلة بعد التكبيرة الرابعة قليلً .لما روى الجوزجاني عن زيد بن أرقم أن النبي «كان
يكبر أربعا ،ثم يقف ما شاء ال ،فكنت أحسب هذه الوقفة لتكبير آخر الصفوف» ول يشرع بعدها
دعاء.
والخلصة :إن صلة الجنازة تبدأ بالنية وتشتمل على أربع تكبيرات ودعاء للميت حال القيام ،وصلة
على النبي صلّى ال عليه وسلم وفاتحة وسلم إل أن النية شرط ل ركن عند الحنفية والحنابلة ،ومحل
الدعاء عند الجمهور بعد التكبيرة الثالثة ،وعقب كل تكبيرة حتى الرابعة على المعتمد عند المالكية،
والصلة على النبي مسنونة عند الحنفية ،مندوبة عند المالكية ،ركن عند الخرين ،والسلم واجب عند
الحنفية ركن عند الجمهور ،وقراءة الفاتحة مكروهة تحريما بنية التلوة جائزة بنية الدعاء عند
الحنفية ،ومكروهة تنزيها عند المالكية وركن عند الخرين .ولو زاد المام عن أربع تكبيرات ل
يتابعه المقتدي في الزيادة ،وإنما ينتظره ليسلم معه عند الحنفية والشافعية ،ويسلم عند المالكية ،ويتابعه
إلى سبع تكبيرات عند الحنابلة.
خامسا ـ مكان وقوف المام من الجنازة:
اختلف الفقهاء في تحديد مكان وقوف المام أمام الجنازة على آراء (: )2
فقال الحنفية :يندب أن يقوم المام بحذاء الصدر مطلقا للرجل والمرأة؛ لنه محل اليمان ،والشفاعة
لجل إيمانه ،وعملً بما روي عن ابن مسعود.
وقال المالكية :يقف المام عند وسط الرجل ،وعند منكبي المرأة.
وقال الشافعية :يندب أن يقف المصلي إماما أو منفردا عند رأس الرجل ،وعند عجز النثى ،أي
ألياها ،اتباعا للسنة ،كما روى الترمذي وحسنه ،وحكمة المخالفة :المبالغة في ستر النثى .أما المأموم
فيقف في الصف حيث كان.
-------------------------------
( )1رواه الحاكم وصححه.
( )2الدر المختار ،819/1:بداية المجتهد228/1:ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،95مغني المحتاج:
،348/1المغني ،517/2:فتح القدير ،462/1:الشرح الكبير مع الدسوقي.418/1:
( )2/638
وقال الحنابلة :يقوم المام عند صدر الرجل ووسط المرأة .ومنشأ الخلف :اختلف الثار في ذلك:
ففي حديث سمرة بن جندب قال« :صليت وراء رسول ال صلّى ال عليه وسلم على امرأة ماتت في
نفاسها ،فقام عليها رسول ال صلّى ال عليه وسلم في الصلة وسطها» ( )1وفي حديث أبي غالب
الحنّاط قال« :شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل ،فقام عند رأسه ،فلما ُرفِعت أُتي بجنازة
امرأة ،فصلى عليها ،فقام وسطها ،وفينا العلء بن زياد العلوي ،فلما رأى اختلف قيامه على الرجل
والمرأة ،قال :يا أبا حمزة :هكذا كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمتُ،
ومن المرأة حيث قمتُ ،قال :نعم» ( )2وفي لفظ لبي داود« :فقال العلء بن زياد :هكذا كان رسول
ال صلّى ال عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلتك يكبر عليها أربعا ،ويقوم عند رأس الرجل،
وعَجيزة المرأة ،قال :نعم» .
فمنهم من أخذ بحديث سمرة للتفاق على صحته ،وقال :المرأة في ذلك والرجل سواء؛ لن الصل أن
حكمهما واحد ،إل أن يثبت في ذلك فارق شرعي.
ومنهم من صحح حديث أبي غالب ،وقال :فيه زيادة على حديث سمرة ،فيجب المصير إليها ،وليس
بينهما تعارض أصلً.
-------------------------------
( )1رواه الجماعة (نيل الوطار.)66/4:
( )2رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود (المصدر السابق).
( )2/639
( )2/640
ولما روي عن عائشة أنها قالت« :يا رسول ال ،إني أصلي على الجنازة ،ويخفى علي بعض
التكبير؟ قال :ما سمعت فكبري ،وما فاتك فل قضاء عليك» (. )1
فإن خشي المسبوق رفع الجنازة ،تابع بين التكبير من غير قراءة ول صلة على النبي صلّى ال عليه
وسلم ول دعاء للميت ،سواء رفعت الجنازة أم ل.
ومتى رفعت الجنازة بعد الصلة عليها لم توضع لحد يريد أن يصلي عليها ،تحقيقا للمبادرة إلى
مواراة الميت ،أي يكره ذلك.
سابعا ـ شروط الصلة على الميت:
يشترط في المصلي لصحة صلة الجنازة شروط الصلة ( )2من إسلم وعقل وتمييز وطهارة وستر
عورة (مع أحد العاتقين عند الحنابلة) وطهارة أو اجتناب نجاسة في البدن والثوب والمكان ،واستقبال
القبلة ،والنية ،وغيرها من الشروط إل الوقت ،لنها صلة ،فهي كغيرها من الصلوات ،سوى الوقت،
والجماعة فل يشترطان فيها ،أما الوقت فمطلق غير مقيد بزمن معين ،وأما الجماعة فل تشترط فيها
كالمكتوبة ،بل تسن لخبر مسلم« :ما من رجل مسلم يموت ،فيقوم على جنازته أربعون رجلً ل
يشركون بال شيئا ،إل شفعهم ال فيه» ويسقط فرض الصلة بواحد؛ لن الجماعة ل تشترط فيها ،ول
يسقط الفرض بالنساء ،وهناك رجال ،في الصح عند الشافعية؛ لن فيه استهانة بالميت.
وإنما صلت الصحابة على النبي صلّى ال عليه وسلم فرادى ( )3ـ كما رواه البيهقي وغيره ـ لعظم
أمره ،وتنافسهم في أل يتولى المامة في الصلة عليه أحد ،أو لنه لم يكن قد تعين إمام يؤم القوم ،فلو
تقدم واحد في الصلة ،لصار مقدما في كل شيء وتعين للخلفة.
ويشترط على المذهب عند الشافعية أل يتقدم المصلي على الجنازة الحاضرة،ول على القبر إذا صلي
عليه ،اتباعا لفعل السلف ،ولن الميت كالمام.
ويشترط في الميت لفرضية الصلة عليه ما يأتي (: )4
-------------------------------
( )1ذكر الحديث في المغني وكشاف القناع ،المكان السابق.
( )2رد المحتار ،811/1:القوانين الفقهية :ص ،95مغني المحتاج ،344/1:كشاف القناع134/2،13:
،6المهذب ،132/1،135:بداية المجتهد ،235/1:الشرح الصغير.574/1:
( )3أي جماعات بعد جماعات.
( )4الدر المختار ورد المحتار ،813-811/1:القوانين الفقهية :ص 93ومابعدها ،مراقي الفلح :ص
،98المهذب ،132/1:المجموع ،165/5:كشاف القناع ،126/2:المغني 558/2:وما بعدها.
( )2/641
ً - 1أن يكون الميت مسلما :ولو بطريق التبعية لحد أبويه ،أو للدار ،فل يصلى على كافر أصلً
لقوله تعالى{ :ول تصل على أحد منهم مات أبدا} [التوبة ،]9/84:ويصلى على سائر المسلمين من
أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم.
َ - 2أن يكون جسده هو أو أكثره موجودا ،وهذا شرط عند الحنفية والمالكية .فل يصلى على عضو.
ً - 3أن يكون حاضرا موضوعا على الرض أمام المصلي ،في اتجاه القبلة :وهذا شرط عند الحنفية
،فل يصلى على غائب ،محمول على نحو دابة ،وموضوع خلف المام ،ووافقهم المالكية على
اشتراط كون الميت حاضرا.
وأما الصلة على النجاشي فهي خصوصية له .وأما وضع الميت أمام المصلي فمندوب عند المالكية.
وتجوز الصلة عند الشافعية والمالكية على الميت المحمول على دابة أو أيدي الناس أو أعناقهم.
ً - 4أن يكون قبل الصلة عليه معلوم الحياة :وهذا شرط عند الجمهور خلفا للحنابلة ،فل يصلى
سقْط ،إل إن علمت حياته بارتضاع أو حركة ،أو يستهل صارخا ،كما سأبين.
على مولود ول ِ
ً - 5طهارة الميت :فل تجوز الصلة عليه قبل الغسل أو التيمم.
ً - 6أل يكون شهيدا :وهو من مات في معترك الجهاد ،وهذا شرط عند الجمهور ،فليغسل ول
يكفن ،ول يصلى عليه ،ويدفن بثيابه ،وينزع عنه السلح .وقال الحنفية :يكفن الشهيد ويصلى عليه،
ول يغسل .فإن قتل المسلم في غير الجهاد ظلما أو أخرج من المعترك حيا ،ولم تنفذ مقاتله ،ثم مات،
غسل ،وصلي عليه في المشهور عند المالكية ،ولدى بقية الفقهاء.
( )2/642
ومن قتل في المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه عند المالكية والشافعية ،وقال الحنفية كما
أبنت :ل يغسل ول يصلى عليه .وقال الحنابلة :يغسل الباغي ويكفن ويصلى عليه ،وأما أهل العدل
فل يغسلون ول يكفنون ول يصلى عليهم؛ لنهم كالشهداء في معركة المشركين (. )1
ثامنا ـ وقت الصلة على الجنازة:
سبق الكلم عن ذلك في بحث الوقات التي تكره فيها الصلة ،وملخصه (: )2
قال الحنفية :يكره تحريما ول يصلى على الجنازة في الوقات الخمسة التي ورد النهي عن الصلة
فيها ،وهي عند طلوع الشمس ،وغروبها ،واستوائها في منتصف النهار ،ومابعد صلة الصبح حتى
الطلوع ،وما بعد صلة العصر حتى الغروب.
وقال المالكية والحنابلة :تحرم ول يصلى على الجنازة في الوقات الثلثة التي ورد النهي عن الصلة
فيها ،وهي وقت الطلوع والغروب وزوال الشمس لظاهر حديث عقبة بن عامر« :ثلث ساعات كان
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر موتانا »..الحديث .وتجوز الصلة في
الوقتين الخرين وهما ما بعد صلتي الصبح والعصر إلى الطلوع والغروب.
وقال الشافعية :يجوز فعل صلة الجنازة في جميع الوقات؛ لنها صلة لها سبب ،فجاز فعلها في كل
وقت.
وأرى الخذ بمذهب الشافعية في حال الضرورة أو الحاجة ،ويمتنع من الصلة في الحوال الخرى،
رعاية للخلف.
-------------------------------
( )1الكتاب مع اللباب ،136/1:القوانين الفقهية :ص ،94مغني المحتاج ،350/1:المغني.534/2:
( )2انظر بداية المجتهد ،234/1:المهذب ،132/1:المغني 554/2:ومابعدها.
( )2/643
تاسعا ـ الصلة على الميت بعد الدفن وتكرار الصلة عليه قبل الدفن:
يكره عند الحنفية والمالكية تكرار الصلة على الجنازة حيث كانت الولى في جماعة ،فإن لم تكن في
جماعة أعيدت ندبا بجماعة قبل الدفن (. )1
وأجاز الشافعيةوالحنابلة تكرار الصلة على الجنازة مرة أخرى ،لمن لم يصل عليها أولً ،ولو بعد
الدفن ( ، )2بل يسن ذلك عند الشافعية ،فقد فعله عدد من الصحابة ،وفي حديث متفق عليه عن ابن
عباس قال« :انتهى النبي صلّى ال عليه وسلم إلى قبر رطب ،فصفوا خلفه ،وكبرأربعا» .
أما الصلة على الميت بعد الدفن :فجائزة باتفاق الفقهاء إذا لم يكن صلي عليه؛ لن النبي صلّى ال
عليه وسلم صلى على قبر امرأة من النصار ( . )3ويحسن ذكر عبارات الفقهاء لمعرفة القيود
الشرعية للصلة:
قال الحنفية ( : )4إن دفن الميت ولم يصل عليه ،صلي على قبره ،استحسانا ما لم يغلب على الظن
تفسخه ،والمعتبر في معرفة عدم التفسخ أكبر الرأي من غير تقدير في الصح ،لختلف الحال
والزمان والمكان .
وقال المالكية ( : )5إن كان لم يصل على الميت ،أخرج للصلة عليه مالم يفرغ من دفنه ،فإن دفن
صلي على القبر ،ما لم يتغير.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.596/1:
( )2المغني ،512-511/2:مغني المحتاج.361/1:
( )3رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من حديث خارجة بن زيد بن ثابت (نصب
الراية.)265/2:
( )4فتح القدير 458/1:ومابعدها ،الكتاب مع اللباب ،132/1:مراقي الفلح :ص ،99الدر المختار:
826/1ومابعدها.
( )5الشرح الكبير مع الدسوقي ،412/1:القوانين الفقهية :ص ،95بداية المجتهد 230/1:ومابعدها.
( )2/644
وقال الشافعية ( : )1إذا دفن الميت قبل الصلة ،صلي على القبر؛ لن الصلة تصل إليه في القبر.
وإن دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة ،ولم يخش عليه الفساد في نبشه ،نبش وغسل ووجه إلى
القبلة؛ لنه واجب مقدور على فعله ،فوجب فعله .وإن خشي عليه الفساد ،لم ينبش؛ لنه تعذر فعله،
فسقط كما يسقط وضوء الحي واستقبال القبلة في الصلة إذا تعذر.
وإن أدخل القبر ولم يهل التراب عليه ،يخرج ويصلى عليه.
وقال الحنابلة ( : )2إذا دفن الميت غير متوجه إلى القبلة ،أو قبل الصلة عليه ،نبش ووجه إليها،
تداركا لذلك الواجب ،وصلي عليه ،ليوجد شرط الصلة .كذلك يخرج ليكفن إن دفن قبل تكفينه.
ودليلهم على الصلة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم ذكر رجلً مات ،فقال« :فدلوني على قبره ،فأتى
قبره ،فصلى عليه» (. )3
لكن ل يصلى على القبر بعد شهر ،لما روى سعيد بن المسيب «أن أم سعد ماتت والنبي صلّى ال
عليه وسلم غائب ،فلما قدم صلى عليها ،وقد مضى لذلك شهر» ( )4قال أحمد :أكثر ما سمعنا أن
النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر .ولنها مدة يغلب على الظن
بقاء الميت فيها ،فجازت الصلة عليه فيها كما قبل الثلث ،وكالغالب.
وقبر النبي صلّى ال عليه وسلم ل يصلى عليه؛ لنه ل يصلى على القبر بعد شهر (. )5
عاشرا ـ الصلة على الغائب:
للفقهاء رأيان في الصلة على الغائب عن البلد (: )6
رأي الحنفية والمالكية :عدم جواز الصلة على الغائب ،وصلة النبي على النجاشي لغوية أو
خصوصية ،وتكون الصلة حينئذ مكروهة.
ورأى الشافعية والحنابلة :جواز الصلة على الميت الغائب عن البلد ،وإن قربت المسافة ،ولم يكن في
جهة القبلة ،لكن المصلي يستقبل القبلة ،لما روى جابر« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على
أصحمة النجاشي ،فكبر عليه أربعا» (. )7
وتتوقت الصلة على الغائب عند الحنابلة بشهر ،كالصلة على القبر؛ لنه ل يعلم بقاؤه من غير تلش
أكثر من ذلك.
-------------------------------
( )1المهذب ،138/1:المجموع.264/5:
( )2كشاف القناع ،97/2:المغني.511/2،519:
( )3متفق عليه (نيل الوطار.)51/4 :
( )4أخرجه الترمذي (المصدر السابق).
( )5عن ابن عباس« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر» .وعنه «أن النبي
صلّى ال عليه وسلم صلى على ميت بعد ثلث» رواهما الدارقطني (نيل الوطار.)51/4:
( )6الدر المختار ،813/41:القوانين الفقهية :ص ،94الشرح الصغير ،571/1:المجموع،209/5:
المهذب ،134/1:مغني المحتاج ،345/1:المغني 512/2:ومابعدها ،كشاف القناع.126/2:
( )7متفق عليه ،وروى أحمد مثله عن أبي هريرة ،كما روى ذلك أحمد والنسائي والترمذي وصححه
(نيل الوطار 48/4:ومابعدها).
( )2/645
( )2/646
وقال الشافعية :السقط إن استهل أو بكى ككبير ،فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن لتيقن موته بعد
حياته .وإن لم يستهل أو لم يبك :فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلج صلّي عليه في الظهر ،لحتمال
الحياة بهذه القرينة الدالة عليها وللحتياط .وإن لم تظهر لم يصل عليه ،وإن بلغ أربعة أشهر في
الظهر.
والسقط :هو الذي لم يبلغ تمام أشهره ،أما من بلغها فيصلى عليه مطلقا .ودليلهم حديث المغيرة بن
شعبة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :السقط يصلى عليه ،ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» (
)1وحديث «صلوا على أطفالكم فإنها من أفراطكم» (. )2
وقال المالكية :يصلى على المولود أو السقط إن علمت حياته بارتضاع أو حركة أو يستهل صارخا.
ويكره غسله والصلة عليه إن لم يستهل صارخا ،ولو تحرك أو بال أو عطس إن لم تتحقق حياته.
ويغسل دم السقط ويلف بخرقة ويوارى وجوبا فيهما ،وندبا في الول :وهو الغسل.
الثاني عشر ـ مكان الصلة:
يصلى على الميت في المصلى ،كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم حينما برز للمصلى في صلته
على النجاشي.
-------------------------------
( )1أخرجه أصحاب السنن الربعة ،وقال عنه الترمذي :حديث حسن صحيح ،ورواه الحاكم ،وقال:
على شرط البخاري ،وفي سنده اضطراب ( نصب الراية.)279/2:
( )2حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة(المصدر السابق).
( )2/647
وأما الصلة في المقبرة على الجنازة فهي ـ كما بينا في مكروهات الصلة ـ مكروهة عند الحنفية
والشافعية للنهي الوارد عن الصلة فيها« :نهي صلّى ال عليه وسلم عن الصلة في سبعة مواطن:
في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق ،وفي الحمام ،وفي معاطن البل ،وفوق بيت ال
العتيق» ولقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :الرض كلها مسجد إل المقبرة والحمام» (. )1
وأجاز المالكية والحنابلة الصلة على الجنازة في المقبرة ،لعموم قوله عليه الصلة والسلم« :جعلت
لي الرض مسجدا وطهورا» .
واستثنى الشافعية من الكراهة مقابر النبياء وشهداء المعركة لنهم أحياء في قبورهم ( . )2ويكره
استقبال القبر في الصلة لخبر مسلم« :ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها» ويحرم استقبال قبره
صلّى ال عليه وسلم وقبور سائر النبياء عليهم أفضل الصلة والسلم ( . )3ورأي المالكية والحنابلة
أقوى في تقديري لعدم صحة حديث النهي عن الصلة في الماكن السبعة .وأما الحديث الثاني فيحتمل
تخصيص صلة الجنازة منه.
وأما الصلة على الجنازة في المسجد:
ففيها رأيان :الكراهة عند الحنفية والمالكية ،والجواز عند الشافعية والحنابلة (. )4
-------------------------------
( )1الحديث الول رواه الترمذي ،وقال :إسناده ليس بالقوي ،والحديث الثاني رواه أحمد وابن حبان
والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد.
( )2البدائع ،115/1:بداية المجتهد ،235/1:مغني المحتاج ،203/1:المغني.294/2:
( )3مغني المحتاج :المكان السابق.
( )4الدر المختار ،89/1:فتح القدير 463/1:ومابعدها ،اللباب ،133/1:مراقي الفلح :ص ،99بداية
المجتهد ،234/1:القوانين الفقهية :ص ،95الشرح الصغير ،568/1:مغني المحتاج ،361/1:المهذب:
،132/1المغني.493/2:
( )2/648
أما التجاه الول وهو كراهة الصلة ،سواء أكانت الجنازة في المسجد أم خارجه ،فلحديث أبي
هريرة« :من صلى على ميت في المسجد ،فل شيء له» ( ، )1ولن المسجد بني لداء المكتوبات
وتوابعها كنافلة وأذكار وتدريس علم ،ولنه يحتمل تلويث المسجد ،والكراهة تحريمية عند الحنفية،
تنزيهية عند المالكية.
وكما تكره الصلة على الجنازة في المسجد ،يكره إدخالها فيه.
وأما التجاه الثاني :وهو إباحة الصلة على الجنازة في المسجد ،بل إنه يستحب ذلك عند الشافعية إن
لم يخش تلويثه ،فلن المسجد أشرف ،وعملً بما ثبت في السنة عن عائشة« :وال لقد صلى رسول
ال صلّى ال عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد :سهيل وأخيه» وفي رواية« :ما صلى رسول
ال صلّى ال عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إل في جوف المسجد» ( ، )2وصلي على أبي بكر
وعمر في المسجد» (. )3
ويظهر لي أن التجاه الثاني أقوى؛ لن حديث أبي هريرة غير ثابت ،أو غير متفق على ثبوته،قال
النووي :إنه ضعيف ل يصح الحتجاج به .وقال أحمد بن حنبل :حديث ضعيف تفرد به صالح مولى
التوءمة ،وهو ضعيف.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه وابن عدي ،وابن أبي شيبة ،ولفظ الخير «فل صلة له» وهو ضعيف
(نصب الراية ،275/2:نيل الوطار 68/4:ومابعدها).
( )2اللفظ الول رواه مسلم ،والثاني رواه الجماعة إل البخاري (نيل الوطار ،68/4:نصب الراية:
.)276/2
( )3رواه سعيد وروى الثاني مالك (نيل الوطار ،المكان السابق).
( )2/649
( )2/650
وقال الحنفية والمالكية :ل بأس بنقل الميت من بلد إلى آخر إن كان لم يدفن ،والنقل عند الحنفية جائز
قدر ميل أو ميلين ،لكن يندب دفنه في جهة موته ،أي في مقابر أهل المكان الذي مات فيه أو قتل،
للحديث السابق أنه صلّى ال عليه وسلم أمر بدفن قتلى أُحد في مضاجعهم ،مع أن مقبرة المدينة
قريبة ،ودفنت الصحابة الذين فتحوا دمشق عند أبوابها ،ولم يدفنوا كلهم في محل واحد.
وقال الشافعية :يحرم نقل الميت قبل دفنه إلى بلد آخر ،ليدفن فيه ،وإن لم يتغير ،لما فيه من تأخير
دفنه ،ومن التعريض لهتك حرمته.
ثانيا ـ حمل الجنازة وكيفيته:
حمل الجنازة فرض كفاية بل خلف ،وهو بر وطاعة وإكرام للميت .وقال الشافعية :ل بأس باتباع
المسلم جنازة قريبه الكافر ،لنه عليه الصلة والسلم ـ فيما رواه أبو داود ـ أمر عليا رضي ال
عنه أن يواري أبا طالب.
وقالوا أيضا :يحرم حمل الجنازة على هيئة مزرية كحمله في قفة أو غِرارة (جوالق) ونحو ذلك،
ويحمل على سرير أو لوح أو محمل ،ول خلف في أنه ل يحمل الجنازة إل الرجال ،سواء أكان
الميت ذكرا أم أنثى؛ لن النساء يضعفن عن الحمل ،وربما انكشف منهن شيء لو حملن.
وللفقهاء آراء ثلثة في كيفية حمل الميت :التربيع عند الحنفية والحنابلة ،وما بين العمودين عند
الشافعية ،وعدم ترتيب وضع معين على المشهور عند المالكية (. )1
أما الحنفية والحنابلة فقالوا :يوضع الميت على النعش بعد أن يغسل ويكفن ،مستلقيا على ظهره؛ لنه
أمكن ،ويسن أن يحمله أربع؛ لنه يسن التربيع في حمله ،والتربيع أفضل من الحمل بين العمودين،
لحديث أبي عبيدة بن عبد ال بن مسعود عن أبيه ،قال« :من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها،
ط َوعْ ،وإن شاء فليدع» (. )2
فإنها من السنة ،ثم إن شاء فلي ّ
-------------------------------
( )1الدر المختار ،833/1:فتح القدير،467/1،469:الكتاب مع اللباب 133/1:وما بعدها،مراقي
الفلح :ص ،100القوانين الفقهية:ص ،96الشرح الصغير ،565/1:المهذب ،135/1:كشاف القناع:
146/2ومابعدها ،المجموع ،233/5:المغني ،478/2:مغني المحتاج.359/1:
( )2رواه سعيد بن منصور وابن ماجه ،وإسناده ثقات ،إل أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
( )2/651
وصفة التربيع :أن يضع النعش اليسرى على كتفه اليمنى ،ثم ينتقل إلى قائمة السرير المؤخرة،
فيضعها على كتفه اليمنى أيضا ،ثم يدعها لغيره ،ثم يضع قائمته اليمنى على كتفه اليسرى ،ثم يدعها
لغيره ،وينتقل إلى قائمة السرير اليمنى ،فيضعها على كتفه اليسرى .فتكون البداءة من الجانبين
بالرأس ،والختام من الجانبين بالرجلين ،لما فيها من الموافقة لكيفية غسله.
ويمشي في كل مرة عشر خطوات ،لحديث« :من حمل جنازة أربعين خطوة ،كفرت عنه أربعين
كبيرة» (. )1
وإن حمل الميت بين العمودين وهما القائمتان ،كل عمود على عاتق رجل كره عند الحنفية ،وكان
حسنا،ولم يكره عند الحنابلة ،لرواية ابن منصور ،ولنه صلّى ال عليه وسلم «حمل جنازة سعد بن
معاذ بين العمودين» ( ، )2وروي عن عثمان وابن الزبير وابن عمر وأبي هريرة «أنهم فعلوا ذلك»
( . )3
وقال الشافعية :الحمل بين العمودين أفضل من التربيع ،وهو أن يجعل الحامل رأسه بين عمودي
مقدمة النعش ،ويجعلهما على كاهله.
ويجوز الحمل من الجوانب الربعة ،لكن الول أفضل؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم حمل جنازة
سعد بن معاذ بين العمودين ،ولفعل الصحابة المذكورين.
وقال المالكية :ليس في حمل الجنازة ترتيب معين على المشهور ،فيجوز البدء في حمل السرير بأي
ناحية بل تعيين ،قال خليل :والمعين مبتدع؛ لنه عين ما ل أصل له في الشرع ،ويجوز أن يحمل
النعش اثنان أو ثلثة أو أربعة.
-------------------------------
( )1ذكره الزيلعي والكاساني في البدائع .وذكر ابن عباس عن واثلة« :من حمل بجوانب السرير
الربع ،غفر له أربعون كبيرة» وهو ضعيف.
( )2ذكره الشافعي في المختصر والبيهقي في كتاب المعرفة ،وأشار إلى تضعيفه.
( )3رواها الشافعي والبيهقي بأسانيد ضعيفة إل أثر سعد فصحيح.
( )2/652
( )2/653
وروى ابن ماجه عن علي رضي ال عنه قال« :خرج علينا رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فإذا
نسوة جلوس ،فقال :ما يجلسكن ؟ قلن :ننتظر الجنازة ،قال :هل تغَسّلن؟ قلن :ل ،قال :هل تَحمِلْنَ؟
جعْن مأزورات
قلن :ل ،قال :هل تُدْلينَ فيمن ُيدْلي؟ أي هل تنزلن الميت في القبر ـ قلن :ل ،قال :فار ِ
غير مأجورات» أي عليكن الثم ،ول أجر لكنّ.
ويتطلب اتباع الجنازة أمورا ثلثة:
أ ـ أن يصلي عليها :قال زيد بن ثابت :إذا صليت فقد قضيت الذي عليك.
ب ـ أن يتبعها إلى القبر ،ثم يقف حتى تدفن ،لحديث أبي هريرة« :من تبع جنازة فصلى عليها فله
قيراط ،وإن شهد دفنها فله قيراطان ،القيراط مثل أحد» (. )1
جـ ـ أن يقف بعد الدفن ،فيستغفر له ،ويسأل ال له التثبيت ،ويدعو له بالرحمة ،فإنه روي عن
النبي صلّى ال عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتا ،وقف ،وقال« :استغفروا له ،واسألوا ال له التثبيت،
فإنه الن يسأل» ( )2و روي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها.
وروى مسلم عن عمرو بن العاص أنه قال« :إذا دفنتموني ،فأقيموا بعد ذلك حول قبري ساعة قدر ما
تنحر جزور ،ويفرّق لحمها حتى أستأنس بكم ،وأعلم ماذا أراجع رسل ربي» .
- 3الخشوع والتفكر بالموت :يستحب لمتبع الجنازة ( )3أن يكون متخشعا ،متفكرا في مآله ،متعظا
بالموت ،وبما يصير إليه الميت ،ول يتحدث بأحاديث
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم ،وفي رواية لهما« :القيراطان مثل الجبلين العظيمين» .
( )2رواه أبو داود والبزار ،وقال الحاكم :إنه صحيح السناد.
( )3المغني.474/2:
( )2/654
الدنيا ،ول يضحك .قال سعد بن معاذ« :ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها» ورأى
بعض السلف رجلً يضحك في جنازة ،فقال :أتضحك وأنت تتبع الجنازة؟ ل كلمتك أبدا.
- 4ستر نعش المرأة :يندب عند المالكية والشافعية والحنابلة ( )1ستر نعش المرأة بقُبّة تجعل فوق
ظهر النعش ،تعمل من خشب أو جريد نخل أو قصب ،لنه أبلغ في الستر ،قال بعضهم :أول من اتخذ
له ذلك زينب بنت جحش أم المؤمنين ،وقال ابن عبد البر :فاطمة بنت رسول ال صلّى ال عليه وسلم
أول من غُطّي نعشها في السلم ،ثم زينب بنت جحش.
- 5المشي أمام الجنازة :يسن عند فقهاء الحديث (مالك والشافعي وأحمد) ( )2المشي أمام الجنازة،
وبقربها بحيث يراها إن التفت لنه إذا بعد لم يكن معها ،والمشي أمامها ،لما روى ابن عمر« :أنه
رأى النبي صلّى ال عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة» ( )3ولن المشيع شفيع للميت،
والشفيع يتقدم على المشفوع له.
وأضاف الحنابلة :ول يكره كون المشاة خلف الجنازة؛ لنها متبوعة ،ول أن يمشوا حيث شاؤوا عن
يمينها أو يسارها بحيث يعدّون تابعين لها .وذكر المالكية على المشهور :أن الراكب يسير خلف
الجنازة.
وقال فقهاء الرأي منهم الحنفية ( : )4يندب المشي خلف الجنازة؛ لنها
-------------------------------
( )1الشرح الكبير ،418/1:كشاف القناع ،146/2:مغني المحتاج.359/1:
( )2بداية المجتهد ،225/1:المهذب ،136/1:المغني ،474/2:كشاف القناع ،149/2:المجموع:
،238/5القوانين الفقهية :ص .96
( )3رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) واحتج به أحمد (نيل الوطار.)71/4:
( )4الدر المختار ،834/1:مراقي الفلح :ص .101
( )2/655
متبوعة ( ، )1إل أن يكون خلفها نساء فالمشي أمامها حسن ،ولو مشى أمامها جاز ،وفيه فضيلة
أيضا ،لكن إن تباعد عنها أو تقدم الكل أو ركب أمامها ،أو فيها كره.
ودليلهم حديث ابن مسعود المتقدم« :سألنا النبي صلّى ال عليه وسلم عن المشي خلف الجنازة ،فقال:
ما دون الخبب» فقرر قولهم :خلف الجنازة ،ولم ينكره ،وحديث طاوس أنه قال« :ما مشى رسول
اصلّى ال عليه وسلم حتى مات خلف الجنازة» (. )2
ويظهر أن كلً من المشي أمام الجنازة أو خلفها جائز ،لحديث المغيرة بن شعبة :عن النبي صلّى ال
عليه وسلم قال« :الراكب خلف الجنازة ،والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها،
سقْط يُصلّى عليه ،ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» (. )3
وال ِ
-6القيام للجنازة :قال النووي وجماعة :يخير المسلم بين القيام والقعود ( ، )4روى ابن عمر عن
عامر بن ربيعة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :إذا رأيتم الجنازة ،فقوموا لها حتى يُخلّفكَم أو
توضع» (. )5
وقال الجمهور منهم أئمة المذاهب الربعة ( : )6ل يقام للجنازة؛ لن القيام منسوخ ،بدليل قول علي
رضي ال عنه« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ،ثم جلس بعد ذلك،
وأمرنا بالجلوس» ( )7وسبب القعود مخالفة اليهود،
-------------------------------
( )1هذا إشارة لحديث البراء بن عازب المتقدم« :أمرنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم باتباع
الجنائز» .
( )2قال الشوكاني :وهذا مع كونه مرسلً ،لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث (نيل الوطار:
.)72/4
( )3رواه أحمد وأصحاب السنن ،وصححه ابن حبان والحاكم (نيل الوطار.)45/4،72:
( )4المجموع.239/5:
( )5رواه الجماعة (نيل الوطار.)75/4:
( )6القوانين الفقهية :ص ،96المغني ،479/2:الشرح الصغير ،570/1:الدر المختار،834/1:
المجموع ،المكان السابق ،نيل الوطار.76/4:
( )7رواه أحمد وأبو داود ،وابن ماجه بنحوه (نيل الوطار :المكان السابق).
( )2/656
قال عبادة بن الصامت« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد،
فمر حَبْر (عالم) من اليهود ،فقال :هكذا نفعل ،فجلس رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،وقال :اجلسوا
خالفوهم» ( ، )1وصرح المالكية بكراهة القيام للجنازة؛ لنه ليس من عمل السلف.
- 7عدم جلوس المشيعين حتى توضع الجنازة :المستحب لمن يتبع الجنازة أل يجلس حتى توضع
عن أعناق الرجال؛ لنه قد تقع الحاجة إلى التعاون ،والقيام أمكن منه ( ، )2ولحديث« :إذا رأيتم
الجنازة فقوموا لها ،فمن اتّبعها فل يجلس حتى توضع» ( )3أي في الرض ،كما في رواية أبي داود.
ول مانع ول كراهة من تشييع المسلم جنازة قريبه الكافر.
رابعا ـ مكروهات الجنازة:
ذكر الفقهاء طائفة من مكروهات الجنازة ،أهمها ما يأتي (: )4
- 1تأخير الصلة والدفن ،لزيادة المصلين أو ليصلي عليه جمع عظيم بعد صلة الجمعة ،إل إذا
خيف فوتها بسبب دفنه ،للخبر الصحيح« :أسرعوا بالجنازة» ول بأس بانتظار الولي عن قرب ما لم
يخش تغير الميت ،وقال المالكية :ويكره
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ،وإسناده ضعيف.
( )2فتح القدير ،469/1:المغني ،480/2:المهذب.136/1:
( )3رواه الجماعة إل ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري(نيل الوطار.)74/4:
( )4الدر المختار ،835-833/1:الكتاب مع اللباب ،134/1:فتح القدير ،469/1:الشرح الصغير:
،574-566/1،568المهذب ،136/1:المجموع ،240-237/5:مغني المحتاج 359/1:ومابعدها،
المغني ،477،480-475/2:كشاف القناع 149/2:ومابعدها ،الشرح الكبير.424-421/1:
( )2/657
للمشيعين النصراف عن الجنازة بل صلة عليها ولو بإذن أهلها ،والنصراف بعد الصلة بل إذن
من أهلها إن لم يطولوا ،فإن أذنوا أو طولوا جاز النصراف.
- 2الجلوس قبل وضع الجنازة على الرض ،والقيام بعده .وليقوم أحد في المصلى إذا رأى
الجنازة ،ول من مرت عليه ،كما بينت في البحث السابق.
- 3الركوب :السنة أل يركب؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «ما ركب في عيد ،ولجنازة» ()1
وقال ثوبان« :خرجنا مع النبي صلّى ال عليه وسلم في جنازة ،فرأى ناسا رُكبانا ،فقال :أل تستحيون،
إن ملئكة ال على أقدامهم ،وأنتم على ظهور الدواب» (. )2
أما الركوب في الرجوع فل بأس به ،لحديث جابر بن سمرة أن « النبي صلّى ال عليه وسلم أُتي
بفرس ُمعْ َروْر (أي عريان) ،فركبه حين انصرفنا من جنازة ابن الدحداح ،ونحن نمشي حوله» (. )3
- 4الّلغَط أي رفع الصوت بذكر أو قراءة والصياح خلف الجنازة ،كقول« :استغفروا لها» ونحوه،
لما روى البيهقي أن الصحابة كرهوا رفع الصوت عند الجنائز عند القتال وعند الذكر ،وسمع ابن
ل يقول« :استغفروا له غفر ال لكم ،فقال :ل غفر ال لك» ( )4وكره الحسن وغيره قولهم:
عمر قائ ً
«استغفروا لخيكم» .
والصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة والشتغال بالتفكر في الموت
وما يتعلق به ،كما أبنت .وما يفعله جهلة القراء بالتمطيط وإخراج الكلم عن موضوعه ،فحرام يجب
إنكاره.
-------------------------------
( )1قال النووي :غريب (المجموع.)237/5:
( )2رواه ابن ماجه والترمذي (نيل الوطار.)72/4:
( )3رواه أحمد ومسلم والنسائي ،وروى أبو داود عن ثوبان مثله (نيل الوطار.)72/4:
( )4رواه سعيد بن منصور في سننه.
( )2/658
- 5اتباع الجنازة بنار في مجمرة بخور أو غيرها ،لما فيه من التشاؤم القبيح بأنه من أهل النار،
ولخبر أبي داود« :ل تتبع الجنازة بصوت ول نار» .
ويكره أيضا اتباعها بنائحة وتزجر ،لما روى عمرو بن العاص قال« :إذا أنا مت ،فل تصحبني نار
ول نائحة» ( )1وعن أبي موسى رضي ال عنه أنه وصى :لتتبعوني بصارخة ول بمجمرة ،ول
تجعلوا بيني وبين الرض شيئا ( . )2ويكره اجتماع نساء لبكاء سرا ،ومنع جهرا ،كالقول القبيح
مطلقا.
- 6اتباع النساء الجنائز ،الكراهةعند الجمهور تنزيهية ،لما روي عن أم عطية قالت« :نهينا عن
اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» ( )3أي أنه نهي تنزيه ،وعند الحنفية الكراهة تحريمية ،لحديث
«ارجعن مأزورات غير مأجورات» ( )4ويعضده المعنى الحادث باختلف الزمان الذي أشارت إليه
عائشة بقولها« :لو أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم رأى ما أحدث النساء بعده ،لمنعهن كما منعت
نساء بني إسرائيل» .
-------------------------------
( )1رواه مسلم في صحيحه في جملة حديث طويل فيه أحكام كثيرة في كتاب اليمان.
( )2رواه البيهقي.
( )3رواه البخاري ومسلم في الصحيحين.
( )4رواه ابن ماجه بسند ضعيف ،أوله «أن النبي صلّى ال عليه وسلم خرج ،فإذا نسوة جلوس ،قال:
ما يجلسكن؟ قلن :ننتظر الجنازة ،قال :هل تغسلن؟ قلن :ل ،قال :هل تحملن؟ قلن :ل ،قال :هل تدلين
فيمن يدلي؟ قلن :ل ،قال :فارجعن. »...
( )2/659
وأجاز المالكية خروج امرأة متجالّة :عجوز ل أرب للرجل فيها ،أو شابة لم يخش فتنتها في جنازة
من عظُمت مصيبته عليها كأب وأم وزوج وابن وبنت وأخ وأخت .وحرم على مخشيّة الفتنة مطلقا.
وخروج الزوجة المتجالة وغير مخشية الفتنة مستثنى من أحكام العدة والحداد.
- 7قال المالكية :يكره تكبير نعش لميت صغير ،لما فيه من المباهاة والنفاق ،ويكره فرش النعش
بحرير أو خز ،أي منسوج من الصوف والحرير.
- 8قال الحنابلة :مس الجنازة باليدي والكمام والمناديل محدث مكروه ،وقد منع العلماء مس القبر،
فمس الجسد مع خوف الذى أولى بالمنع.
ويكره تقليد غير المسلمين في حمل أكاليل الورد لما فيه من إتلف المال والمفاخرة والمباهاة.
خامسا ـ حكم الدفن وتعجيله:
أجمع الفقهاء على أن دفن الميت فرض على الكفاية ( )1؛ لن في تركه على وجه الرض هتكا
لحرمته ،ويتأذى الناس من رائحته ،والصل فيه قوله تعالى{ :ألم نجعل الرض كفاتا ،أحياء وأمواتا}
[المرسلت ]26-77/25:والكفت :الجمع ،وقوله سبحانه في دفن هابيل{ :فبعث ال غرابا يبحث في
الرض ،ليريه كيف يواري سوأة أخيه} [المائدة ، ]5/31:وقوله{ :ثم أماته فأقبره} [عبس0]21/80:
والفضل أن يعجل بتجهيز الميت ودفنه من حين موته ،للحديث المتقدم« :أسرعوا بالجنازة ،فإن كانت
صالحة فخير تقدمونها إليه ،وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» واستثنى المالكية الغريق
فإنه يستحب عندهم تأخير دفنه مخافة بقاء حياته.
والدفن في المقبرة أفضل؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يدفن الموتى بالبقيع ( ، )2ولنه يكثر
الدعاء له ممن يزوره ،ولنه أقل ضررا على الحياء من ورثته ،وأشبه بمساكن الخرة (. )3
-------------------------------
( )1رد المحتار والدر المختار ،833/1:بداية المجتهد ،218/1،235:المجموع ،241/5:كشاف
القناع.96/2،146،152:
( )2حديث صحيح متواتر.
( )3مراقي الفلح :ص ،102الدر المختار ،836/1:الشرح الصغير ،574/1:المجموع،241/5:
المغني 508/2:ومابعدها.
( )2/660
الدفن في البيوت :يجوز ول يحرم الدفن في البيت؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم دفن في حجرة
عائشة رضي ال عنها (. )1
لكن الدفن في البيوت لغير النبي ولو للسقط مكروه ،لختصاصه بالنبياء عليهم الصلة والسلم.
ويكره الدفن في القباب ونحوها من البيوت المعقودة لجماعة ،لمخالفته السنة.
الدفن في البقاع الشريفة :يستحب الدفن في أفضل مقبرة :وهي التي يكثر فيها الصالحون والشهداء
لتناله بركتهم ،وكذلك في البقاع الشريفة ،روى البخاري ومسلم أن موسى عليه السلم لما حضره
الموت ،سأل ال تعالى أن يدنيه إلى الرض المقدسة رمية بحجر ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم :
«لو كنتم َثمّ لريتكم قبره عند الكثيب الحمر» ،ولن عمر رضي ال عنه استأذن عائشة رضي ال
عنها أن يدفن مع صاحبيه ( : )2أي النبي صلّى ال عليه وسلم وأبي بكر.
جمع القارب في موضع واحد :يستحب أن يجمع القارب في موضع واحد ،لن النبي صلّى ال عليه
وسلم «ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة ،وقال :أتعلم بها قبر أخي ،وأدفن إليه من مات من
أهلي» ( ، )3ولن ذلك أسهل لزيارتهم ،وأكثر للترحم عليهم.
-------------------------------
( )1حديث صحيح متواتر.
( )2حديث صحيح رواه البخاري وغيره.
( )3رواه أبو داود والبيهقي عن المطلب بن عبد ال بن حَ ْنطَب ،وهو من التابعين ،عمن أخبره عن
النبي صلّى ال عليه وسلم فهو مسند ل مرسل ،لن الصحابة كلهم عدول.
( )2/661
وقال المالكية :وندب عدم تعميق القبر جدا ،بل قدر الذراع فقط إذا كان لحدا.
ً - 3واللّحْد باتفاق الفقهاء أفضل من الشّق :والمراد باللحد :أن يحفر في جانب القبر القبلي مكان
يوضع فيه الميت بقدر ما يسعه ويستره .أما الشق :فهو أن يحفر قعر القبر كالنهر ،أو يبنى جانباه
بلبن أو غيره غير ما مسته النار ،ويجعل بينهما شق يوضع فيه الميت ،ويسقف عليه ببلط أو حجارة
أو لبن أو خشب ونحوها ،ويرفع السقف قليلً بحيث ل يمس الميت .ويكره الشق عند الحنابلة ،لقوله
صلّى ال عليه وسلم « :اللحد لنا والشق لغيرنا» (. )1
وفصل الحنفية والمالكية والشافعية فقالوا :إن اللحد أفضل إن كانت الرض صلبة ،لقول سعد بن أبي
وقاص في مرض موته« :الحدوا لي لحدا ،وانصبوا على اللبِن نصبا ،كما فعل برسول ال صلّى ال
عليه وسلم » ( . )2فإن كانت الرض رخوة فالشق أفضل خشية النهيار.
ويجب عند الشافعية والحنابلة ويندب عند المالكية والحنفية أن يوضع الميت في القبر مستقبل القبلة،
ويسند وجهه إلى جدار القبر ويسند ظهره بلبنة ونحوها ليمنعه من الستلقاء على قفاه ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم « :قبلتكم أحياء وأمواتا» ولن ذلك طريقة المسلمين ،بنقل الخلف عن السلف ،ولن النبي
صلّى ال عليه وسلم هكذا دفن.
ويسن -كما سأبين -أن يسلّ الميت من قبل رأسه ،بعد أن يوضع عند أسفل القبر ،ويمدد برفق في
القبر .ويسن أن ينزله في القبر أقرب الناس إليه من الذكور ،وأن يقول الذي يلحده« :بسم ال وعلى
سنة رسول ال » اتباعا لمر الرسول صلّى ال عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي عن ابن
عمر.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ،لكنه ضعيف.
( )2رواه مسلم.
( )2/663
ويوضع اللبِن (الطوب النيء) على اللحد ،بأن يسد من جهة القبر ،ويقام اللبن فيه ،اتقاءً لوجهه ،عن
التراب ،لقول سعد« :وانصبوا علي اللبن نصبا» .ويكره الجُرّ (الطوب المُحرَق) والخشب؛ لنهما
لحكام البناء ،وهو ل يليق بالميت؛ لن القبر موضع اللبِن .ول بأس بالقصب مع اللبِن.
ثم يهال التراب على القبر ،سَتْرا له وصيانة.
ً - 4يسن لكل من حضر عند القبر أن يحثو التراب في القبر من قبل رأسه أو غيره ثلث حَثَيات
باليد ،قبل إهالة التراب عليه ،لحديث أبي هريرة« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على جنازة،
ثم أتى قبر الميت ،فحثى عليه من قبل رأسه ثلثا» ( ، )1وعن عامر بن ربيعة أن النبي صلّى ال
عليه وسلم «صلى على عثمان بن مظعون ،فكبر عليه أربعا ،وأتى القبر ،فحثى عليه ثلث حثيات،
وهو قائم عند رأسه» ( ، )2ولن مواراته فرض كفاية ،وبالحثي يصير ممن شارك فيها ،وفي ذلك
أقوى عبرة وتذكار ،فاستحب لذلك.
ً - 5يرفع القبر قدر شبر فقط ،ليعرف أنه قبر ،فيتوقى ،ويترحم على صاحبه ،ولن قبره صلّى ال
عليه وسلم رفع نحو شبر ( ، )3وروى الشافعي عن جابر «أن النبي صلّى ال عليه وسلم رفع قبره
عن الرض قدر شبر» وعن القاسم بن محمد قال« :قلت لعائشة :يا أماه ،اكشفي لي عن قبر النبي
صلّى ال عليه وسلم وصاحبيه ،فكشفت لي عن ثلثة قبور ،ل مشرفة ول لطئة ،مبطوحة ببطحاء
العرصة الحمراء» (. )4
ً - 6تسنيم القبر عند الجمهور أفضل من تسطيحه أي تربيعه ،لقول سفيان
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه.
( )2رواه الدارقطني.
( )3رواه ابن حبان في صحيحه.
( )4رواه أبو داود (نيل الوطار.)82/4:
( )2/664
التّمار« :رأيت قبر النبي صلّى ال عليه وسلم مسنما» ( )1وكذلك قبور الصحابة من بعده ،ولن
التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا ،واستثنى الحنابلة دار الحرب إذا تعذر نقل الميت ،فالولى تسوية القبر
بالرض وإخفاؤه ،خوفا من أن ينبش ،فيمثل به.
وقال الشافعية :الصحيح أن تسطيح القبر أولى من تسنيمه ،كما فعل بقبره صلّى ال عليه وسلم وقبري
صاحبيه رضي ال تعالى عنهما (. )2
ً - 7يكره تجصيص القبر والبناء ،والكتابة عليه والمبيت عنده ،واتخاذ مسجد عليه ،وتقبيله والطواف
به وتبخيره ،والستشفاء بالتربةمن السقام ،وكذا يكره التطيين عند الحنفية والمالكية.
أما التجصيص :أي التبييض أي الطلء بالجص وهوا لجبس ،ومثله تزويقه ونقشه ،والبناءعليه كقبة
أو بيت ،فمكروه للنهي عنهما في صحيح مسلم التي .وإن كان البناء على القبر للمباهاة أو في أرض
مسبلة (مخصصة للدفن بحسب العادة ) أو موقوفة ،فيحرم ويهدم ،لنه في حالة المباهاة من العجاب
والكبر المنهي عنهما ،وفي الموقوفة والمسبلة ،فلما في ذلك من التضييق والتحجير على الناس.
وذكر ابن عبد الحكم تلميذ مالك أنه ل تنفذ وصية من أوصى بالبناء على قبره ،أي بناء بيوت ،وعليه
يجب هدم ما بني على القبور من القباب والسقائف والروضات .لكن ل بأس عند اللخمي من المالكية
ببناء حاجز بين القبور ليعرف به .وقيل عند الحنفية :لبأس بتطيين القبر ،واليوم اعتاد الناس التسنيم
باللبن
-------------------------------
( )1رواه البخاري في صحيحه (المصدر السابق) وروى الجماعة إل البخاري وابن ماجه أن عليا
بعث أبا الهياج السدي وقال« :أبعثك على ما بعثني رسول ال صلّى ال عليه وسلم :ل تدع تمثالً
إل طمسته ،ول قبرا مشرفا إل سويته» (نيل الوطار.)83/4:
( )2رواه أبو داود بإسناد صحيح.
( )2/665
صيانة للقبر عن النبش ،ورأوا ذلك حسنا ،وفي الثر« :ما رآه المسلمون حسنا فهوعند ال حسن» .
ول بأس عند الحنابلة أيضا من تطيين القبر .وكره أحمد الفسطاط والخيمة على القبر ،عملً بوصية
أبي هريرة كما روى أحمد في مسنده ،وبأمر ابن عمر بنزع فسطاط على قبر عبد الرحمن.
وأما الكتابة على القبر فمكروهة عند الجمهور ،سواء اسم صاحبه أوغيره ،عند رأسه أم في غيره ،أو
كتابة الرقاع إليه ودسها في النقاب ،وتحرم عند المالكية كتابة القرآن على القبر ،ودليلهم :ما روى
جابر« :نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن تجصيص القبور ،وأن يكتب عليها ،وأن يبنى
عليها» (. )1
وقال الحنفية :ل بأس بالكتابة على القبر إن احتيج إليها حتى ل يذهب الثر ول يمتهن؛ لن النهي
عنها وإن صح ،فقد وجد الجماع العملي بها ( ، )2فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق ،ثم قال:
هذه السانيد صحيحة ،وليس العمل عليها ،فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على
قبورهم ،وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف،ويتقوى بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد أن رسول ال
صلّى ال عليه وسلم «حمل حجرا ،فوضعها عند رأس عثمان بن مظعون ،وقال:أتعلم بها قبر أخي،
وأدفن إليه من مات من أهلي» ،فإن الكتابة طريق تعرف القبر بها .ويباح عندهم أيضا أن يكتب
على الكفن «بسم ال الرحمن الرحيم» أو «يرجى أن يغفر ال للميت» .
والخلصة :إن النهي عن الكتابة محمول على عدم الحاجة ، ،وأن الكتابة بغير عذر ،أو كتابة شيء
من القرآن أو الشعر أو إطراء مدح له ونحو ذلك فهو مكروه.
-------------------------------
( )1رواه مسلم وغيره.
( )2رد المحتار لبن عابدين.839/1:
( )2/666
وأما اتخاذ المساجد على القبور فهو مكروه ،حرام عند بعض المحدثين والحنابلة لقوله صلّى ال عليه
وسلم « :قاتل ال اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ( )1ظاهره أنهم كانوا يجعلونها مساجد يصلون
فيها ،لكن ذكر ابن القاسم تلميذ مالك أنه لبأ س بالمسجد على القبور العافية (المندرسة) ويكره على
غير العافية .وتكره أيضا الصلة إلى القبر ،لحديث «ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها» (. )2
وأما التقبيل والستشفاء بالتربة ونحوه فلن ذلك كله من البدع ،لكن ل بأس كما ذكر الشافعية على
الصحيح من تطييب القبر.
ً - 8يوضع على القبر حصى ،وعند رأسه حجر أو خشبة :أما وضع الحصى فلما رواه الشافعي
ل «أنه وضعه على قبر ابنه إبراهيم» وروي أنه رأى على قبره فرجة فأمر بها فسدت ،وقال« :
مرس ً
إنها ل تضر ول تنفع ،وإن العبد إذا عمل شيئا ،أحب ال منه أن يتقنه» .وأما وضع الحجر ونحوه
لتعليم القبر ،فللحديث المتقدم« :أنه صلّى ال عليه وسلم وضع عند رأس عثمان بن مظعون صخرة،
وقال :أتعلم بها قبر أخي ،وأدفن إليه من مات من أهلي» .
ً - 9ل يجوز اتخاذ السرج على القبور ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :لعن ال زوارات القبور،
والمتخذين عليها السرج» (. )3
-------------------------------
( )1متفق عليه عن أبي هريرة ،وروى الخمسة إل ابن ماجه عن ابن عباس ،قال« :لعن رسول ال
صلّى ال عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» (نيل الوطار )90/4:وفيه
دليل على تحريم زيارة القبور للنساء كما سيأتي.
( )2رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي.
( )3رواه الخمسة إل ابن ماجه عن ابن عباس ،كما تقدم.
( )2/667
احترام القبور :أما احترام القبور فهو أمر مقرر في السنة ولدى جميع الفقهاء ( ، )1ومظاهر الحترام
ما يأتي:
-1يكره الجلوس على القبر ،والمشي عليه ،والنوم وقضاء الحاجة من بول أوغائط ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم « :ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها» ( ، )2وقوله« :لن يجلس أحدكم على جمرة،
فتخلص إلى جلده ،خير له من أن يجلس على قبر» ( ، )3والكراهة عند الحنفية تحريمية إذا كان
الجلوس لقضاء الحاجة ،تنزيهية لغير ذلك ،إل أنهم قالوا على المختار :ل يكره الجلوس على القبر
للقراءة ،لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والتعاظ ،ولم يجز الشافعية والحنابلة الجلوس إل لضرورة،
وجعلوا التكاء أو الستناد إلى القبر مكروها كالجلوس.
وأما المالكية فقالوا :يكره المشي على القبر بشرطين :إن كان مسنما أو مسطبا ،والحال أن الطريق
بجانبه،فإن زال تسنيمه أو لم تكن هناك طريق ،جاز المشي عليه .أما الجلوس على القبر لغير بول أو
غائط فيجوز ،وحملوا حديث النهي عن الجلوس على المقابر على التخلي (قضاء الحاجة) .وعن علي
كرم ال وجهه أنه كان يجلس على المقابر ويتوسدها.
- 2يحرم نبش القبر ما دام يظن فيه شيء من عظام الميت فيه :فل تنبش عظام الموتى عند حفر
القبور ،ول تزال عن موضعها ،ويتقى كسر عظامها ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :كسر عظم الميت
ككسر عظم الحي في الثم» أو «كسر عظم الميت ككسره
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،103رد المحتار ،846/1:الشرح الصغير ،559/1،573:الشرح الكبير:
428/1ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،97المجموع ،264/5:مغني المحتاج ،354/1:المهذب:
،139/1كشاف القناع ،162/2،164،165،166:المغني.507/3،551،565:
( )2رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي.
( )3رواه الجماعة ،وفسر فيه الجلوس بالحدث ،وهو حرام بالجماع.
( )2/668
حيا» ( )1ويستثنى من ذلك حالت تقتضيها الضرورة أو الحاجة والغرض الصحيح وأهمها ما يأتي (
: )2
أ ـ إذا دفن من غير كفن أو غير غسل أو إلى غير القبلة ،ولم يتغير حاله أو لم يخش عليه الفساد في
نبش وكفن وغسل ووجه إلى القبلة؛ لنه واجب مقدور على فعله ،فوجب عليه ،وروى سعيد في سننه
أن رجالً قبروا صاحبا لهم ،لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنا ،ثم لقوا معاذ بن جبل ،فأمرهم أن يخرجوه
فأخرجوه من قبره ،ثم غسّل وكفّن ،وحُنّط ،ثم صلي عليه (. )3
ولم يجز الشافعية في الصح نبش القبر لتكفين الميت؛ لن المقصود حصل وهو ستره بالتراب.
فإن خشي عليه الفساد أو التغير ،لم ينبش؛ لنه تعذر فعله ،فسقط كما يسقط وضوء الحي واستقبال
القبلة في الصلة إذا تعذر.
أما الصلة على الميت إذا دفن قبلها ،فتصلى على القبر؛ لنها تصل إليه في القبر .وينبش عند
المالكية ،وعند الحنابلة ،ويصلى عليه في رواية عن أحمد ،ولينبش عند الحنفية لوضعه لغير القبلة
أوعلى يساره ،وينبش لغير ذلك مما سيأتي.
ب ـ إذا كان الكفن مغصوبا وأبى صاحبه أن يأخذ القيمة ،أو كانت الرض مغصوبة ،ولم يرض
مالكها ببقائه.
جـ ـ لضيق المسجد الجامع ،أو دفن معه آخر عند الضيق .وإذا نبش للدفن أو اتخاذ مسجد محل
القبر جاز ،ول يجوز عند المالكية للزرع والبناء ،وأجاز الحنفية الزرع والبناء في محل قبر إذا بلي
وصار ترابا.
-------------------------------
( )1الول رواه ابن ماجه عن أم سلمة ،وهو حديث حسن ،والثاني رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
عن عائشة ،وهو حسن أيضا.
( )2الدر المختار ،839/1،840:مراقي الفلح :ص ،102الشرح الصغير ،577/1:القوانين الفقهية:
ص ،93،97المهذب ،138/1:المجموع ،268-266/5:المغني ،554-511/2،551:كشاف القناع:
.97/2،98
( )3نيل الوطار 4/211 :ومابعدها ،وفيه أيضا أن النبي صلّى ال عليه وسلم أخرج عبد ال بن أُبي
من قبره فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه ،رواه البخاري.
( )2/669
د ـ إذا دفن معه مال من حلي أوغيره ،أو وقع في القبر مال لدمي قليل أو كثير ،وطالب به
صاحبه ،لما روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقال:
خاتمي ،ففتح موضعا فيه ،فأخذه (. )1
ولم يجز المالكية نبش القبر لمال قليل للميت ،أو إذا تغير الميت ،ويعطى صاحبه مثله أو قيمته من
التركة (المثل في المثلي ،والقيمة في القيمي).
هـ ـ إذا بلع الشخص جوهرة لغيره ،ومات وطالب صاحبها ،شق جوفه ،وردت الجوهرة .فإن
كانت الجوهرة للميت شق أيضا عند الحنفية وسحنون المالكي وفي الصح عند الشافعية ،ولم يشق
عند أحمد وابن حبيب المالكي وفي وجه آخر عند الشافعية.
شق بطن الحامل:
و ـ إذا ماتت الحبلى ،وفي بطنها جنين حي يضطرب ،شق جوفها عند أكثر الفقهاء؛ لنه استبقاء
حي ،بإتلف جزء من الميت ،فأشبه إذا اضطر إلى أكل الميت.
والمذهب عند الحنابلة :أنه ل يشق بطن الميتة لخراج ولدها ،مسلمة كانت أو ذمية ،وتخرجه القوابل
إن علمت حياته بحركة.
- 3نقل الميت بعد الدفن :للفقهاء رأيان :رأي المالكية والحنابلة بالجواز لمصلحة،ورأي الشافعية
بعدم الجواز إل لضرورة ،وعدم الجواز مطلقا عند الحنفية ،على التفصيل التي (: )2
قال المالكية :يجوز نقل الميت من مكان إلى آخر ،أو من بلد إلى آخر ،أو من حضر لبدو ،بشرط أل
ينفجر حال نقله ،وأل تنتهك حرمته ،وأن يكون لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو السبع ،أو
ترجى بركة الموضع المنقول إليه ،أو ليدفن بين أهله ،أو لجل قرب زيارة أهله.
-------------------------------
( )1حديث المغيرة ضعيف غريب ،قال الحاكم أبو أحمد شيخ الحاكم أبي عبد ال :ل يصح هذا
الحديث (المجموع.)266/5:
( )2الدر المختار ورد المحتار ،840/1:الشرح الصغير ،566/1:الشرح الكبير ،421/1:المجموع:
،270/5مغني المحتاج ،366/1:كشاف القناع.97/2:
( )2/670
وقال الحنابلة :يجوز نقل الميت لغرض صحيح كدفنه في بقعةخير من بقعته التي دفن فيها ،ولمجاورة
صالح لتعود عليه بركته ،إل الشهيد إذا دفن بمصرعه ،فل ينقل عنه لغيره ،حتى لو نقل منه رد إليه
ندبا؛ لن دفنه في مصرعه (مكان قتله) سنة ،فقد أمر النبي صلّى ال عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا
إلى مصارعهم ،وكانوا نقلوا إلى المدينة (. )1
وقال الشافعية :نبش الميت بعد دفنه للنقل وغيره حرام إل لضرورة بأن دفن بل غسل ول تيمم .أو
في أرض أو ثوب مغصوبين ،و وقع فيه مال ،أو دفن لغير القبلة ،ل للتكفين في الصح؛ لن غرض
التكفين الستر ،وقد حصل بالتراب ،مع ما في النبش من هتك حرمته ،كما أبنت.
وقال الحنفية :ل يجوز النقل بعد الدفن مطلقا ،وأما نقل يعقوب ويوسف عليهما السلم من مصر إلى
الشام ليكونا مع آبائهما الكرام ،فهو شرع من قبلنا ،ولم يتوافر فيه شروط كونه شرعا لنا ،وعليه :ل
يجوز كسر عظامه ول تحويلها ولو كان الميت ذميا ،ول ينبش وإن طال الزمان.
وفي الجملة :تلتقي هذه القوال في ضرورة احترام الميت ،وتحرص على إبقائه في مكانه ،فهو
الصل ،ويجوز النقل عند الجمهور لضرورة أو مصلحة أو غرض صحيح ،ول يجوز عند الحنفية
مطلقا.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة وصححه الترمذي عن جابر (نيل الوطار.)112/4:
( )2/671
- 4قال الشافعية ( : )1ل بأس بتطييب القبر ،وقالوا أيضا مع الحنابلة والحنفية :ويندب أن يرش
القبر بماء ،ويسن وضع الجريد الخضر والريحان ونحوه من الشيء الرطب على القبر حفظا لترابه
من الندراس ،ول يجوز للغير أخذه من على القبر قبل يبسه؛ لن صاحبه لم يعرض عنه إل عند
يبسه ،لزوال نفعه الذي كان فيه وقت رطوبته ،وهو الستغفار.
ودليلهم على رش الماء« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه
حصباء (. » )2
وكذلك قال الحنفية ( : )3يكره قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة ،دون اليابس؛ لنه مادام
رطبا يسبح ال تعالى ،فيؤنس الميت ،وتنزل بذكره الرحمة .ويندب وضع الجريد والس ونحوهما
على القبور .والدليل :ما ورد في الحديث الصحيح من وضعه عليه الصلة والسلم الجريدة
الخضراء ،بعد شقها نصفين على القبرين اللذين يعذبان ،وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم ييبسا أي يخفف
عنهما ببركة تسبيحهما؛ إذ هو أكمل من تسبيح اليابس ،لما في الخضر من نوع حياة.
فكراهة قطع ذلك وإن نبت بنفسه ،لما فيه من تفويت حق الميت.
- 5جمع أكثر من ميت في قبر واحد :اتفقت كلمة الفقهاء على أنه ل يجوز أن يدفن اثنان في قبر
واحد إل لضرورة ( )4قال جابر :دفن مع أبي رجل ،فلم تطب نفسي حتى أخرجتُه ،فجعلته في قبر
على حدة ( )5ولن النبي صلّى ال عليه وسلم لم يدفن في كل قبر إل واحدا.
والضرورة :كأن كثر الموات وعسر إفراد كل ميت بقبر ،أو لضيق المكان أو تعذر الحافر ،ولو
كانوا ذكورا وإناثا أجانب.
ويقدم حينئذ الفضل كترتيبهم في المامة ،فيقدم الحق بالمامة إلى جدار القبر القبلي ،فيكون الرجل
مما يلي القبلة ،والمرأة خلفه ،والصبي خلفهما؛ لنه صلّى ال عليه وسلم كان يسأل في قتلى أحد عن
أكثرهم قرآنا ،فيقدمه إلى اللحد ،لكن ل يقدم فرع على أصله من جنسه ،وإن عل ،حتى يقدم الجد ولو
من قبل الم ،وكذا الجد ،فيقدم الب على البن وإن كان أفضل منه لحرمة البوة ،وتقدم الم على
البنت وإن كانت أفضل.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،364/1:المغني ،504/2:الدر المختار ،838/1:كشاف القناع.191/2:
( )2رواه الشافعي (نيل الوطار.)84/4:
( )3رد المحتار ،846/1:مراقي الفلح :ص .103
( )4مراقي الفلح :ص ،102الشرح الصغير ،567/1:الشرح الكبير ،419/1،422:القوانين الفقهية:
ص ،97مغني المحتاج ،354/1:المغني ،563-562/2:المجموع 244/5:ومابعدها.
( )5رواه البخاري والنسائي (نيل الوطار.)112/4:
( )2/672
ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب ،كما أمر النبي صلّى ال عليه وسلم في بعض الغزوات.
ولو بلي الميت وصار ترابا ،جاز دفن غيره في قبره ،ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الرض .ول
ينبش قبر ميت باق.
سابعا ـ أحكام الدفن:
- 1كيفيته:
للفقهاء آراء ثلثة في كيفية إنزال الميت القبر (. )1
فقال الحنفية :يُدخل الميت مما يلي القبلة إن أمكن كما أدخل النبي صلّى ال عليه وسلم ،وهو أن
توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ،ويحمل الميت ،فيوضع في اللحد ،فيكون الخذ له مستقبل
القبلة لشرف القبلة ،وهذا إذا لم يُخشَ على القبر أن ينهار ،وإل فيسل من قبل رأسه أو رِجْليه.
وقال المالكية :ل بأس أن يدخل الميت في قبره من أي ناحية كان ،والقبلة أولى.
وقال الشافعية والحنابلة :يستحب أن يدخل القبر من عند رجليه ،إن كان أسهل عليهم ،ثم يسل سلً
سلّ من قبل رأسه سلً (
إلى القبر ،لما روى ابن عباس رضي ال عنه أن النبي صلّى ال عليه وسلم ُ
، )2ولن ذلك أسهل.
-------------------------------
( )1اللباب ،134/1:مراقي الفلح :ص ،101الدر المختار ،838 ،836/1:الشرح الكبير،422/1:
القوانين الفقهية :ص ،96الشرح الصغير ،559/1:المهذب ،137/1:المغني-496/2،499،501:
،505المجموع ،260-254/5:مغني المحتاج.363/1:
( )2رواه الشافعي في الم والبيهقي بإسناد صحيح.
( )2/673
وتحل عُقد الكفان من عند رأسه ورجليه؛ لن عقدها كان لخوف النتشار ،وقد أمن من ذلك
بدفنه،وقد روي أن النبي صلّى ال عليه وسلم لما أدخل نعيم بن مسعود الشجعي القبر ،نزع الخلّة (
)1بفيه ،وعن ابن مسعود وسمرة بن جندب نحو ذلك.
ويوجه الميت إلى القبلة على جنبه اليمن.
ويضع الرجل في قبره الرجال ،بدون تقدير عدد معين ،وأولى الناس بدفنه أولهم بالصلة عليه من
أقاربه ،والمرأة يُدخلها زوجها أو محرمها :وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها ،ولها السفر
معه ،فإن لم يكن فالنساء فإن لم يكن فصالحو المؤمنين من الشيوخ القادرين على الدفن.
وتمد يده اليمنى مع جسده ،قال المالكية :ويعدل رأسه ورجله بالتراب حتى يستوي ،وقال الشافعية:
يستحب أن يوسد رأسه لبنة أو حجر أو نحوهما ،واتفقوا على أنه ل يفرش تحته شيء ،ويكره أن
يجعل تحته فرش أو مضربة أو مخدة ،أو ثوب ،أو حصير ،لما روي عن عمر رضي ال عنه أنه
قال« :إذا أنزلتموني في اللحد ،فأفضوا بخدي إلى الرض» وعن أبي موسى« :ل تجعلوا بيني وبين
الرض شيئا» وينصب اللبن على اللحد نصبا ،لما روي عن سعد بن أبي وقاص قال« :اصنعوا بي
كما صنعتم برسول ال صلّى ال عليه وسلم ،انصبوا عليّ اللبن ،وأهيلوا علي التراب» ( ، )2ويكره
الجر (الطوب المحرق) والخشب ،فل يدخل القبر آجرا ول خشبا ول شيئا مسته النار ( ، )3ول
بأس عند الحنفية والحنابلة بالقصب ثم يهال التراب عليه.
ويستحب لكل من دنا على شفير القبر -كما أوضحت -أن يحثو ثلث حثيات من التراب؛
-------------------------------
( )1الخلة جمع خلل :وهو ما يخل أو يشبك به الثوب.
( )2رواه مسلم بلفظه إل قوله« :وأهيلوا علي التراب» .
( )3عللوا ذلك بأنه من بناء المترفين ،وأما ما مسته النار فللتشاؤم بأنه من أهل النار.
( )2/674
لن النبي صلّى ال عليه وسلم حثا في قبر ثلث حثيات من التراب (. )1
ويستحب كما تقدم أن يقف جماعة على القبر بعد الدفن بساعة يدعون للميت بعد دفنه ،ويقرؤون بقدر
ما ينحر الجزور ويفرق لحمه ،لما روى عثمان رضي ال عنه قال« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم
إذا فرغ من دفن الميت ،يقف عليه ،وقال« :استغفروا لخيكم ،واسألوا ال له التثبيت ،فإنه الن
يسأل» (. )2
- 2مكان الدفن والدفن في البحر:
الدفن في المقبرة أفضل منه في غيرها ،لما يلحقه من دعاء الزوار والمارين ( ، )3ولنه صلّى ال
عليه وسلم كان يدفن أهله وأصحابه بالبقيع ،ول بأس بشرائه موضع قبره ،ويوصي بدفنه فيه ،كما
فعل عثمان وعائشة.
ول يدفن كافر في مقبرة المسلمين ،ول مسلم في مقبرة الكفار (. )4
ولو ماتت ذمية (يهودية أو نصرانية) وهي حامل من مسلم ،ومات جنينها في جوفها ،فالصحيح عند
الشافعية ،والحنابلة ( : )5أنها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار ،ويكون ظهرها إلى القبلة؛ لن وجه
الجنين إلى ظهر أمه ،فتدفن منفردة ،لن ولدها مسلم ،فيتأذى بعذابهم ،ول تدفن في مقابر المسلمين؛
لنها كافرة.
أما لو مات إنسان في سفينة في البحر :فاتفق الفقهاء ( )6على أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ،وينتظر
به الوصول إلى البر إن رجوا الوصول في يوم أو يومين ليدفنوه فيه ،ما لم يخافوا عليه الفساد.
-------------------------------
( )1رواه البيهقي من حديث عامر بن ربيعة ،وإسناده ضعيف ،إل أن له شاهدا رواه ابن ماجه عن
أبي هريرة.
( )2رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد (نيل الوطار.)89/4:
( )3مغني المحتاج ،362/1:كشاف القناع ،167/2:المغني.508/2:
( )4المجموع.246/5:
( )5المجموع ،246/5:المغني.563/2:
( )6الدر المختار ورد المحتار ،836/1:الشرح الكبير ،429/1:الشرح الصغير ،579:القوانين
الفقهية :ص ،96المجموع ،247/5:المغني.500/2:
( )2/675
فإن كان البر بعيدا أو خيف عليه التغير ،شدت عليه أكفانه ،ويوضع بتابوت عند الحنفية ،ويثقل بشيء
كحجر ليرسب عند الحنابلة ،ول يثقل عند المالكية ،ويلقى في الماء مستقبل القبلة على الشق اليمن.
وقال الشافعية :يجعل بين لوحين ويلقى في البحر ،لنه ربما وقع في ساحل فيدفن ،فإن كان أهل
الساحل كفارا ،ألقي في البحر.
ورأي الجمهور أولى؛ لنه يحصل به الستر المقصود من دفنه ،والقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير
والهتك ،وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا.
- 3زمان الدفن:
الفضل الدفن نهارا ،وفي غير الوقات التي تكره صلة النوافل فيها ،ويجوز وليكره الدفن ليلً،
وهو المختار عند الحنفية ،والشافعية والحنابلة ،وأجاز الشافعية الدفن في وقت كراهة الصلة ما لم
يتحرّه ،فإن تحراه وتعمده كره (. )1
ودليل جواز الدفن ليلً :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم دفن ليلً ،كما ذكر أحمد عن عائشة ،ودفن
أبو بكر بالليل ،كما ذكر البخاري تعليقا في باب الدفن بالليل ( ، )2ودفن الصحابة إنسانا بالليل في
حال حياة الرسول عليه السلم (. )3
-------------------------------
( )1الدر المختار ،847/1:المجموع ،269/5:مغني المحتاج ،363/1:المغني 555/2:ومابعدها.
( )2راجع نيل الوطار ،88/4:وقد وصل البخاري حديث دفن أبي بكر في آخر كتاب الجنائز في
باب موت يوم الثنين من حديث عائشة.
( )3رواه البخاري وابن ماجه عن ابن عباس ،قال البخاري :ودفن أبو بكر ليلً ،وروى أبو داود عن
جابر أن النبي دفن رجلً ليلً (نيل الوطار.)88/4:
( )2/676
- 4ما يقال عند الدفن:
يندب لواضع الميت في القبر أن يقول حين يضعه في قبره (« : )1بسم ال ،وعلى ملة رسول ال
صلّى ال عليه وسلم » ،اتباعا للسنة ( ، )2وفي رواية «سنة» بدل «ملة» .
ويسن أن يزيد في الدعاء ما يناسب الحال .روى ابن ماجه عن ابن عمر أنه كان يقول أثناء تسوية
اللبن على اللحد« :اللهم أجرها ـ أي الجنازة ـ من الشيطان ،ومن عذاب القبر ،اللهم جافِ الرض
عن جنبيها ،وصعد روحها ،ولقها منك رضوانا» وروى ابن المنذر أن عمر كان إذا سوى على الميت
قال« :اللهمَ ،أسْلَمه إليك الهل والمال والعشيرة ،وذنبه عظيم فاغفر له» .
- 5التلقين بعد الدفن:
يستحب عند الشافعية والحنابلة ( )3تلقين الميت المكلف بعد الدفن ،ويقعد الملقن عند رأس القبر،
فيقال له« :يا عبد ال ابن أمة ال ،اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا :شهادة أن ل إله إل ال ،وأن
محمدا رسول ال ،وأن الجنة حق ،والنار حق ،وأن البعث حق ،وأن الساعة آتية ل ريب فيها ،وأن
ال يبعث من في القبور ،وأنك رضيت بال ربا ،وبالسلم دينا ،وبمحمد صلّى ال عليه وسلم نبيا،
وبالقرآن إماما ،وبالكعبة قبلة ،وبالمؤمنين إخوانا» لحديث ورد فيه ( . )4قال النووي في الروضة:
والحديث وإن كان ضعيفا ،لكنه اعتضد بشواهد من الحاديث الصحيحة ،ولم تزل الناس على العمل
به من العصر الول في زمن من يقتدى به ،وقد قال تعالى{ :وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}
[الذاريات ،]55/51:وأحوج ما يكون العبد إلى التذكير في هذه الحالة.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،101مغني المحتاج ،362/1:المغني ،500/2:الدر المختار.837/1:
( )2رواه الترمذي ،وقال :هذا حديث حسن غريب ،وصححه ابن حبان والحاكم.
( )3مغني المحتاج ،367/1:كشاف القناع ،157/2:المغني.506/2 :
( )4رواه الطبراني في الكبير ،قال الهيثمي في (مجمع الزوائد :)43/3:وفي إسناده جماعة لم
أعرفهم .وقال عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير :وإسناده صالح ،وقد قواه الضياء في
أحكامه (نيل الوطار 89/4:ومابعدها).
( )2/677
والحق ـ في تقديري ـ مع القائلين بعدم سنية التلقين ،والظاهر أن المستحب لذلك هم الصحابة،
ضمْرة بن حبيب ،وحكيم ابن عمر قالوا« :إذا سوّي على الميت
بدليل ما روي عن راشد بن سعد ،و َ
قبره ،وانصرف الناس عنه ،كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره :يا فلن ،قل :ل إله إل ال ،
أشهد أن ل إله إل ال ،ثلث مرات ،يا فلن قل :ربيَ ال ،ودينيَ السلم ،ونبيّي محمد صلّى ال
عليه وسلم ،ثم ينصرف» (. )1
وقد عرفنا أنه يندب عند الحنفية والمالكية تلقين المحتضر الشهادتين ول يلقن بعد الدفن.
- 6ستر القبر:
ل خلف بين أهل العلم في استحباب ستر قبر المرأة بغطاء؛ لن المرأة عورة ،ول يؤمن أن يبدو
منها شيء ،فيراه الحاضرون ،فإن كان الميت رجلً كره ستره عند الحنابلة ،ول يستر عند المالكية
والحنفية إل لعذر ،ودليل الستر للمرأة فعل عمر وعلي وغيرهما (. )2
واستحب الشافعية ستر القبر مطلقا عند إدخال الميت فيه ،وإن كان الميت رجلً؛ لنه صلّى ال عليه
وسلم ستر قبر سعد بن معاذ ،ولنه أستر لما عساه أن ينكشف مما كان يجب ستره ،وهو للنثى آكد
منه لغيرها (. )3
-------------------------------
( )1رواه سعيد بن منصور في سننه (نيل الوطار.)89/4:
( )2المغني ،500/2:الشرح الصغير ،553/1:الدر المختار.838/1:
( )3مغني المحتاج.362/1:
( )2/678
( )2/679
فينزل العلى إلى الدنى ،ل العكس .ومذهب سلف المة وأئمتها :أن العذاب أو النعيم يحصل لروح
الميت وبدنه ،وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ،وتتصل أيضا بالبدن أحيانا ،فيحصل
له معها النعيم أو العذاب.
وهناك لهل السنة قول آخر :أن النعيم والعذاب يكون للبدن دون الروح.
واستفاضت الثار بمعرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا ،وأن ذلك يعرض عليه ،وجاءت
الثار بأنه يرى أيضا ،وبأنه يدري بما فعل عنده ،ويسر بما كان حسنا ،ويتألم بما كان قبيحا.
ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس .وهذا الوقت آكد ،وينتفع بالخير ،ويتأذى بالمنكر
عنده (. )1
أما حكم زيارة القبور فللفقهاء فيه رأيان ( )2بالنسبة للنساء .أما الرجال فل خلف بين أهل العلم في
إباحة زيارتهم القبور:
أ ـ رأي الحنفية :تندب زيارة القبور ،للرجال والنساء على الصح ،لما روى ابن أبي شيبة أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم «كان يأتي قبور الشهداء بأحد ،على رأس كل حول ،فيقول :السلم
عليكم بما صبرتم ،فنعم عقبى الدار» وقد كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يخرج إلى البقيع لزيارة
الموتى ،ويقول« :السلم عليكم دار قوم مؤمنين ،وإنا إن شاء ال بكم ل حقون ،أسأل ال لي ولكم
العافية» وقال عليه الصلة والسلم « :كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،فزوروها ،فإنها تذكركم
الموت» ( )3وفي لفظ «فإنها تذكّر الخرة» .
والفضل أن تكون الزيارة يوم الجمعة والسبت والثنين والخميس .والسنة زيارتها قائما ،والدعاء
عندها قائما ،كما كان يفعل رسول ال صلّى ال عليه وسلم في الخروج إلى البقيع.
ويستحب للزائر أن يقرأ سورة {يس} لما ورد عن أنس أنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :
«من دخل المقابر فقرأ يس ـ أي وأهدى ثوابها للموات ـ خفف ال عنهم يومئذ ،وكان له بعدد ما
فيها حسنات» ( )4وقال عليه السلم« :اقرؤوا على موتاكم يس» (. )5
ويقرأ أيضا من القرآن ما تيسر له من الفاتحة ،وأول البقرة إلى «المفلحون» وآية الكرسي ،وآمن
الرسول ،وتبارك الملك ،وسورة التكاثر ،والخلص اثنتي عشرة مرة أو إحدى عشرة مرة ،أو سبعا
أو ثلثا ،والمعوذتين ثلث مرات ،ثم يقول« :اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلن أو إليهم» .
وروى الدارقطني« :من مر على المقابر ،فقرأ :قل هو ال إحدى عشرة مرة ،ثم وهب أجرها
للموات ،أعطي من الجر بعدد الموات» .
-------------------------------
( )1كشاف القناع 190/2:ومابعدها.
( )2الدر المختار ورد المحتار 843/1:ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،103الشرح الكبير،422/1:
الشرح الصغير ،563/1:شرح الرسالة ،288/1:مغني المحتاج ،365-364/1:المغني565، ،564/2:
،570كشاف القناع 164/2،173:ومابعدها.
( )3رواه مسلم عن أبي بريدة ،ورواه أيضا أصحاب السنن إل الترمذي بأسانيد صحيحة ،وروى
مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه قال« :زار رسول ال صلّى ال عليه وسلم قبر أمه،
فبكى وأبكى من حوله ،ثم قال :إني استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها ،فلم يأذن لي ،واستأذنته
في أن أزور قبرها ،فأذن لي ،فزوروا القبور ،فإنها تذكركم الموت» .
( )4ذكره في البحر الرائق ،ورواية الزيلعي« :وكان له ـ أي للقارئ ـ بعدد من فيها من الموات»
والظاهر أنه ضعيف.
( )5رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن معقل بن يسار ،وهو حديث حسن.
( )2/680
وزيارة النساء إن كانت لتجديد الحزن والبكاء والندب على ما جرت به عادتهن ل تجوز ،وعليه حمل
حديث «لعن ال زائرات القبور» فإن كانت للعتبار والترحم من غير بكاء ،فل بأس.
والفضل لمن يتصدق نفلً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لنها تصل إليهم ،ول ينقص من
أجره شيء .ويستحب إهداء ثواب القراءة للنبي صلّى ال عليه وسلم ،لنه أنقذنا من الضللة ،ففي
ذلك نوع شكر ،وإسداء جميل له.
ب ـ رأي الجمهور :تندب زيارة القبور للرجال للعتبار والتذكر وتكره للنساء ،وكانت زيارتها
منهيا عنها ،ثم نسخت ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،فزوروها» وفي
رواية« :ول تقولوا هُجْرا» أي كلما قبيحا ،ول تدخل النساء في ضمير الرجال على المختار.
وزيارة قبور الكفار مباحة .وأما وقت الزيارة فقال مالك :بلغني أن الرواح بفناء المقابر ،فل تختص
زيارتها بيوم بعينه ،وإنما يختص يوم الجمعة لفضله والفراغ فيه.
( )2/681
وسبب كراهتها للنساءلنها مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن ،لما فيهن من رقة القلب ،وكثرة
الجزع ،وقلة احتمال المصائب ،وإنما لم تحرم لما روى مسلم عن أم عطية« :نهينا عن زيارة القبور،
ولم يعزم علينا» وكراهة زيارتهن لحديث« :لعن ال زوّارات القبور» ( . )1ولكن يسن لهن زيارة
قبر رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،ويلحق بذلك قبور بقية النبياء والصالحين ،بشرط عدم التبرج
والختلط ورفع الصوات.
لكن قال المالكية :هذا في حق الشابة ،أما المتجالة التي ل أرب للرجال بها فكالرجال .ويكره الكل
والشرب والضحك وكثرة الكلم ،وكذا قراءة القرآن بالصوات المرتفعة ،واتخاذ ذلك عادة لهم.
ويندب أن يسلّم الزائر على قبور المسلمين ،ويقرأ ،ويدعو.
أما السلم فيكون مستقبلً وجه الميت ،قائلً ما علّمه النبي صلّى ال عليه وسلم لصحابه إذا خرجوا
للمقابر« :السلم عليكم دار قوم مؤمنين ،وإنا إن شاء ال ( )2بكم لحقون» .أو «السلم على أهل
الديار من المؤمنين والمسلمين ،وإنا إن شاء ال تعالى بكم ل حقون ،أسأل ال لنا ولكم العافية»
رواهما مسلم ،زاد أبو داود« :اللهم ل تحرمنا أجرهم ول تفتنا بعدهم» لكن بسند ضعيف.
ويقرأ عنده ما تيسر من القرآن ،وهو سنة في المقابر ،فإن الثواب للحاضرين ،والميت كحاضر يرجى
له الرحمة.
ويدعو للميت عقب القراءة ،رجاء الجابة؛ لن الدعاء ينفع الميت ،وهو عقب القراءة أقرب إلى
الجابة .وعند الدعاء يستقبل القبلة.
وكان النبي صلّى ال عليه وسلم يقول« :اللهم اغفر لهل بقيع الغرقد» والغرقد :شجر له شوك،
والبقيع :مدفن أهل المدينة.
ويستحب ـ كما ذكر الشافعية ـ الكثار من الزيارة ،وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير
والفضل ،ويقف الزائر أمام القبر كما يقف أمام الحي.
-------------------------------
( )1قال الترمذي :هذ ا حديث صحيح ،رواه الخمسة إل النسائي.
( )2قوله« :إن شاء ال» :الصحيح أنه للتبرك وامتثال قوله تعالى{ :ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك
غدا إل أن يشاء ال} [الكهف ( ]24-23/18:المجموع.)280/5:
( )2/682
ويكره تقبيل التابوت الذي يجعل على القبر ،وتقبيل القبر واستلمه ،وتقبيل العتاب عند الدخول
لزيارة الولياء ،فإن هذا كله من البدع التي ارتكبها الناس{ :أفمن زين له سوء عمله ،فرآه حسنا}
[فاطر.]8/35:
ويستحب عند الحنابلة خلع النعال إذا دخل المقابر ،للمر به في حديث ُبشَير
خصّاصية ( ، )1ولم ير أكثر العلماء بذلك بأسا لقرار النبي صلّى ال عليه وسلم ذلك ،في
ابن ال َ
حديث رواه البخاري.
المطلب الثالث ـ التعزية وتوابعها:
أولً ـ تعريفها وحكمها (: )2
هي أن يسلّي أهل الميت ويحملهم على الصبر بوعد الجر ،ويرغبهم في الرضا بالقضاء والقدر،
ويدعو للميت المسلم وتكون إلى ثلث ليال بأيامها ،وتكره بعدها إل لغائب ،حتى ل يجدد له الحزن،
ولذن الشارع في الحداد في الثلث ،بقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم
الخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلثة أيام ،إل على زوجها أربعة أشهر وعشرا» ( . )3ويكره عند غير
المالكية تكرار التعزية ،فل يعزي عند القبر من عزى قبل ذلك ،وهي بعد الدفن أفضل منها قبله؛ لن
أهل الميت مشغولون بتجهيزه ،ووحشتهم بعد الدفن لفراقه أكثر.
ويكره عند الشافعية والحنابلة الجلوس للتعزية بأن يجلس المصاب في مكان أو في السرادقات على
الطريق ليعزوه ،أو يجلس المعزي عند المصاب للتعزية ،لما في ذلك من استدامة الحزن .وقال
الحنفية :ل بأس بالجلوس للتعزية في غير المسجد ثلثة أيام ،وأولها أفضلها ،وقال في الفتاوى
الظهيرية :ل بأس بها لهل الميت في البيت أو المسجد ،والناس يأتونهم ويعزونهم .ويكره المبيت عند
أهل
-------------------------------
( )1رواه أبو داود ،وإسناده جيد.
( )2الدر المختار ورد المحتار 841/1:وما بعدها ،تبيين الحقائق ،246/1:شرح الرسالة،283/1:
الشرح الكبير ،419/1:الشرح الصغير ،560/1:المهذب 138/1:ومابعدها ،كشاف القناع185/2:
ومابعدها ،المغني 543/2:ومابعدها ،المجموع.276-273/5:
( )3رواه البخاري ومسلم عن أم سلمة ،وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان (نيل الوطار.)292/6:
( )2/683
الميت وتكون التعزية في بيت المصاب ،وليس في ألفاظ التعزية شيء محدد ،فيقول المعزي للمسلم:
«أعظم ال أجرك وأحسن عزاءك ،وغفر لميتك» وإن عزى مسلما بكافر يقول« :أعظم ال أجرك،
وأحسن عزاءك» ويمسك عن الدعاء للميت؛ لن الدعاء والستغفار له منهي عنه .وإن عزى كافرا
بمسلم قال« :أحسن ال عزاءك ،وغفر لميتك» وإن عزى كافرا بكافر قال« :أخلف ال علينا وعليك،
ولنقص عددك» .
وقال الحنابلة :تحرم تعزية الكافر؛ لن فيها تعظيما للكافر كبداءته بالسلم ،ويقول المعزّى« :استجاب
ال دعاءك ،ورحمنا وإياك» ول تكره المصافحة أو أخذ المعزي بيد من عزاه.
والتعزية تستحب للرجال والنساء اللتي ل يفتن ،في الصغير والكبير ،والذكر والنثى ،بل خلف بين
العلماء ،إل أن الثوري قال :ل تستحب التعزية بعد الدفن ،لنه خاتمة أمره .وتكره تعزية الرجل
لمرأة حسناء أجنبية غير محرم له ،خشية الفتنة.
ودليل استحباب التعزية أحاديث ،منها« :من عزى مصابا فله مثل أجره» ( )1ومنها« :من عزى أخاه
بمصيبة ،كساه ال من حلل الكرامة يوم القيامة» (. )2
ثانيا ـ البكاء والرثاء والنياحة واللطم والشق:
يجوز بالتفاق البكاء على الميت قبل الدفن وبعده؛ بل رفع صوت أوقول قبيح ،أو ندب أو نواح (
، )3لما روى جابر :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :يا إبراهيم ،إنا
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وابن ماجه ،قال الترمذي :غريب ،وقال ابن الجوزي :موضوع.
( )2رواه ابن ماجه.
( )3الدر المختار ،841/1:الشرح الصغير ،566/1،579:الشرح الكبير ،421/1:مغني المحتاج:
355/1ومابعدها ،المهذب ،139/1:المغني ،547-545/2:كشاف القناع 188/2:ومابعدها ،المجموع:
.280-276/5
( )2/684
ل نغني عنك من ال شيئا ،ثم ذرفت عيناه ،فقال له عبد الرحمن بن عوف :يارسول ال ،أتبكي ،أو
لم تنه عن البكاء؟ قال :ل ،ولكن نهيت عن النوح» ( . )1وورد في الصحيحين« :أنه صلّى ال عليه
وسلم لما فاضت عيناه ،لما رفع إليه ابن بنته ،ونفسه تقعقع كأنها في شَنّة ( )2ـ أي لها صوت
وحشرجة كصوت ما ألقي في قربة بالية ـ قال له سعد :ما هذا يا رسول ال ؟ قال :هذه رحمة،
جعلها ال في قلوب عباده ،وإنما يرحم ال من عباده الرحماء» .
والبكاء ل ينافي الرضا ،بخلف البكاء عليه لفوات حظه منه.
وأما حديث «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» ( )3فمؤول عند جمهور العلماء على من وصى أهله
أن يبكى عليه ،ويناح بعد موته ،فنفذت وصيته ،فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ،ونوحهم؛ لنه بسببه
ومنسوب إليه ،وكان من عادة العرب الوصية بذلك ،ومنه قول طَرَفة بن العبد:
إذا متّ فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب ياابنة معبد
أما من بكى عليه أهله وناحوا عليه من غير وصية منه ،فل يعذب ببكائهم ونوحهم ،لقوله تعالى{ :ول
تزر وازرة وزر أخرى} [النعام.]164/6:
ول بأس ـ كما ذكر الحنفية ـ برثاء الميت بشعر أو غيره ،لكن يكره الفراط في مدحه ،ل سيما
عند جنازته ،لحديث «من تعزى بعزاء الجاهلية،
-------------------------------
( )1رواه الترمذي ،وهو حديث حسن ،ومعناه في الصحيحين من رواية غير جابر.
( )2الشنة :القربة الخلق أي البالية.
( )3رواه البخاري ومسلم عن عمر ،وعن عائشة أن ابن عمر يقول« :الميت يعذب ببكاء الحي»
وردته بآية {ول تزر وازرة وزر أخرى} [النعام.]164/6:
( )2/685
فأعضّوه بهَنِ أبيه ول تكْنوا» ( )1وهذا أمر تأديب ومبالغة في الزجر عن دعوى الجاهلية.
ويحرم الندب بتعديد شمائله ،والنوح ،والجزع بضرب صدر أو رأس وشق جيب ونحوهما.
أما الندب :فهو تعداد محاسن الميت ،وما يَلْقون بفقده بلفظـ النداء ،بالواو بدل الياء ،مثل قولهم:
وارجله ،واجبله ،وانقطاع ظهراه ،واكهفاه ،ياعزي ،ياسندي ونحوه ،لحديث« :ما من ميت يموت
فيقدم باكيهم ،فيقول :واجبله ،واسنداه ،أو نحو ذلك ،إل وكل به ملكان يلهَزانه ،أهكذا كنت» ()2
وذلك إن أوصى بما ذكر ،أو كان كافرا.
وأما النوح :فهو رفع الصوت بالندب ،لخبر «النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة ،وعليها سربال من
قطران ،ودرع من جرب» ( )3وخبر «لعن ال النائحة والمستمعة» (. )4
وأما الجزع :بضرب الصدر ونحوه كشق جيب ونشر شعر ،وتسويد وجه ،وإلقاء رماد على رأس،
ورفع صوت بإفراط في البكاء ،فهو حرام أيضا ،لخبر الشيخين« :ليس منا من ضرب الخدود ،وشق
الجيوب ،ودعا بدعوى الجاهلية» وفي الصحيحين «أنه صلّى ال عليه وسلم برئ من الصالقة،
والحالقة ،والشاقة» فالصالقة :التي ترفع صوتها عند المصيبة ،والحالقة :التي تحلق شعرها عند
المصيبة ،والشاقة :التي تشق ثيابها.
-------------------------------
( )1المراد به قولهم في الستغاثة :يالفلن ،وقولوا له :اعضض بذكر أبيك ،ول تكنوا عن الذكر
بالهن ،رواه أحمد والنسائي وابن حبان عن أبي بن كعب (كشف الخفا.)332/2:
( )2رواه الترمذي وحسنه ،واللهز :الدفع في الصدر باليد ،وهي مقبوضة .والفعل لهز يلهز على
وزن فتح يفتح.
( )3رواه مسلم ،والسربال :القميص.
( )4رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد ،وهو صحيح.
( )2/686
( )2/687
وفي الصبر على موت الولد أجر كبير ،لخبار ،منها ما في الصحيحين :أنه صلّى ال عليه وسلم
قال« :ليموت لحد من المسلمين ثلثة من الولد فتمسه النار ،إل تحلّة القسم» يشير إلى قوله تعالى:
{وإن منكم إل واردها} [مريم ]71/19:والصحيح :أن المراد به المرور على الصراط.
وأخرج البخاري أنه صلّى ال عليه وسلم قال« :يقول ال تعالى :ما لعبدي المؤمن من جزاء إذا
قبضت صفيه من أهل الدنيا ،ثم احتسبه ،إل الجنة» .
وثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي ال عنهما ،قال« :أرسلت إحدى بنات النبي صلّى ال
عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا في الموت ،فقال للرسول :ارجع إليها ،فأخبرها أن
ل ما أخذ ،وله ما أعطى ،وكل شيء عنده بأجل مسمى ،فمرها فلتصبر ولتحتسب» (. )1
والثواب على المصيبة :في الصبر عليها ،ل على المصيبة نفسها ،فالمصائب نفسها ل ثواب فيها،
لنها ليست من كسب العبد وإرادته ،وإنما يثاب على كسبه ،والصبر من كسبه أو فعله .وهذا قول
الحنابلة والعز بن عبد السلم.
والرضا بالقضاء والقدر فوق الصبر ،فإنه يوجب رضا ال سبحانه وتعالى.
وصرح الشافعي رحمه ال بأن كلً من المجنون والمريض المغلوب على عقله مأجور ،مثاب ،مكفر
عنه بالمرض ،فحكم بالجر مع انتفاء العقل المستلزم لنتفاء الصبر،
-------------------------------
( )2/688
ويؤيده خبر الصحيحين « :مايصيب المسلم من َنصَب -تعب -ول َوصَب ـ مرض ـ ول ه ّم ول
حزن ول أذى ول غم ،حتى الشوكة يشاكها ،إل كفّر ال بها من خطاياه» والحديث الصحيح« :إذا
مرض العبد أو سافر ،كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما» .
فمن أصيب وصبر يحصل له ثوابان :لنفس المصيبة ،وللصبر عليها .ومن انتفى صبره ،فإن كان
لعذر كجنون فكذلك ،أو لنحو جزع لم يحصل من ذينك الثوابين شيء.
رابعا ـ ضيافة أهل الميت وصنع الطعام لهم:
يستحب لقرباء الميت وجيرانه أن يصنعوا طعاما لهل الميت ( ، )1لما روي أنه لما قتل جعفر بن
أبي طالب كرم ال وجهه ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :اصنعوا لل جعفر طعاما ،فإنه قد
جاءهم أمر يشغلهم عنه » ( . )2ويبعث بهم إليهم إعانة لهم ،وجبرا لقلوبهم ،فإنهم ربما اشتغلوا
بمصيبتهم ،وبمن يأتي إليهم عن إصلح طعام لنفسهم ،ويكون الطعام بحيث يشبعهم في يومهم
وليلتهم.
أما صنع أهل البيت طعاما للناس ،فمكروه وبدعة ل أصل لها؛ لن فيه زيادة على مصيبتهم ،وشغلً
لهم إلى شغلهم ،وتشبها بصنع أهل الجاهلية .وإن كان في الورثة قاصر دون البلوغ ،فيحرم إعداد
الطعام وتقديمه ،قال جرير بن عبد ال « :كنا نعد الجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من
النياحة» وإن دعت الحاجة إلى
-------------------------------
( )1فتح القدير ،473/1:الدر المختار ،841/1:الشرح الصغير ،561/1:المجموع 285/5:وما بعدها،
المهذب ،140/1:المغني ،550/2:شرح الرسالة.289/1:
( )2رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم من رواية عبد ال بن جعفر ،قال الترمذي:
حديث حسن .ورواه أحمد وابن ماجه أيضا من رواية أسماء بنت عميس .وقد قتل جعفر في غزوة
مؤتة سنة ثمان من الهجرة في جمادى.
( )2/689
ذلك ،جاز ،فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والماكن البعيدة ،ويبيت عندهم ول يمكنهم
إل أن يضيفوه.
خامسا ـ القراءة على الميت وإهداء الثواب له:
ههنا مسائل للفقهاء (: )1
أ ـ أجمع العلماء على انتفاع الميت بالدعاء والستغفار بنحو «اللهم اغفر له ،اللهم ارحمه» ،
والصدقة ،وأداء الواجبات البدنية ـ المالية التي تدخلها النيابة كالحج ،لقوله تعالى{ :والذين جاءوا من
بعدهم يقولون :ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان} [الحشر ]10/59:وقوله سبحانه:
{واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد ،]19/47:ودعا النبي صلّى ال عليه وسلم لبي سلمة
حين مات ،وللميت الذي صلى عليه في حديث عوف بن مالك ،ولكل ميت صلى عليه .وسأل رجل
النبي صلّى ال عليه وسلم فقال« :يا رسول ال ،إن أمي ماتت ،فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال :نعم»
( ، )2وجاءت امرأة إلى النبي صلّى ال عليه وسلم فقالت« :يا رسول ال ،إن فريضة ال في الحج
أدركت أبي شيخا كبيرا ،ل يستطيع أن يثبت على الراحلة ،أفأحج عنه؟ قال :أرأيت لو كان على أبيك
دين أكنت قاضيته؟ قالت :نعم ،قال :فدين ال أحق أن يقضى» ( )3وقال للذي سأله« :إن أمي ماتت
وعليها صوم شهر ،أفأصوم عنها؟ قال :نعم» .
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار 844/1:ومابعدها ،فتح القدير ،473/1:شرح الرسالة ،289/1:الشرح
الكبير ،423/1:الشرح الصغير ،568/1،580:مغني المحتاج ،70-69/3:المغني،570-566/2:
كشاف القناع ،191/2:المهذب.464/1:
( )2رواه أبو داود ،وروي ذلك عن سعد بن عبادة.
( )3رواه أحمد والنسائي عن عبد ال بن الزبير (نيل الوطار285/4:ومابعدها).
( )2/690
قال ابن قدامة :وهذه أحاديث صحاح ،وفيها دللة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لن الصوم
والدعاء والستغفار عبادات بدنية ،وقد أوصل ال نفعها إلى الميت ،فكذلك ما سواها.
ب ـ اختلف العلماء في وصول ثواب العبادات البدنية المحضة كالصلة وتلوة القرآن إلى غير
فاعلها على رأيين :رأي الحنفية والحنابلة ومتأخري الشافعية والمالكية بوصول القراءة للميت إذا كان
بحضرته ،أو دعا له عقبها ،ولو غائبا؛ لن محل القراءة تنزل فيه الرحمة والبركة ،والدعاء عقبها
أرجى للقبول.
ورأي متقدمي المالكية والمشهور عند الشافعية الوائل :عدم وصول ثواب العبادات المحضة لغير
فاعلها.
قال الحنفية :المختار عدم كراهة إجلس القارئين ليقرؤوا عند القبر ،وقالوا في باب الحج عن الغير:
للنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره :صلة كان عمله ،أو صوما أو صدقة أوغيرها ،وأن ذلك ل
ينقص من أجره شيئا.
وقال الحنابلة :ل بأس بالقراءة عند القبر ،للحديث المتقدم« :من دخل المقابر ،فقرأ سورة يس ،خفف
عنهم يومئذ ،وكان له بعدد من فيها حسنات» وحديث «من زار قبر والديه ،فقرأ عنده أو عندهما يس،
غفر له» (. )1
وقال المالكية :تكره القراءة على الميت بعد موته وعلى قبره؛ لنه ليس من عمل السلف ،لكن
المتأخرون على أنه ل بأس بقراءة القرآن والذكر وجعل ثوابه للميت ،ويحصل له الجر إن شاء ال .
وقال متقدمو الشافعية :المشهور أنه ل ينفغ الميت ثواب غير عمله ،كالصلة
-------------------------------
( )1كلهما ضعيف ،والول أضعف من الثاني ،كما أشار السيوطي في جامعه.
( )2/691
عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن .وحقق المتأخرون منهم وصول ثواب القراءة للميت ،كالفاتحة
وغيرها .وعليه عمل الناس ،وما رآه المسلمون حسنا فهو عند ال حسن .وإذا ثبت أن الفاتحة تنفع
الحي الملدوغ ،وأقر النبي صلّى ال عليه وسلم ذلك بقوله« :وما يدريك أنها رقية؟» كان نفع الميت
بها أولى.
وبذلك يكون مذهب متأخري الشافعية كمذاهب الئمة الثلثة :أن ثواب القراءة يصل إلى الميت ،قال
السبكي :والذي دل عليه الخبر بالستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه،
نفعه ،إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته ،وأقره النبي صلّى ال عليه وسلم
بقوله« :وما يدريك أنها رقية» وإذا نفعت الحي بالقصد ،كان نفع الميت بها أولى .وقد جوز القاضي
حسين الستئجار على قراءة القرآن عند الميت .قال ابن الصلح :وينبغي أن يقول« :اللهم أوصل
ثواب ما قرأنا لفلن» فيجعله دعاء ،ول يختلف في ذلك القريب والبعيد ،وينبغي الجزم بنفع هذا؛ لنه
إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي ،فلن يجوز بما له أولى ،وهذا ل يختص بالقراءة ،بل يجري
في سائر العمال.
المطلب الرابع ـ الشهادة في سبيل ال :
فضل الشهادة في سبيل ال ،تعريف الشهيد ،أحكامه ،شهداء غير المعركة.
فضل الشهادة في سبيل ال :
التضحية بالنفس أسمى درجات الخلص والتفاني في سبيل المبدأ والعقيدة ،وأصدق برهان على
صحة اليمان ،وطريق الخلود في جنان ال والفوز برضوان ال تعالى ،والمة أو الجماعة بأمس
الحاجة في كل زمان إلى تضحيات العديد من أبنائها دفاعا عن النفس والبلد ،وحفاظا على المقدسات
والحرمات ،ول يكتب لها العزة والكرامة والهيبة إل بجسور من الضحايا في سبيل تحقيق غاياتها،
ودماء تضرج من أجل كرامتها ووجودها.
( )2/692
لهذا كتب ال الحياة والخلود للشهداء ،وغفر للشهيد كل ذنوبه إل الدين لتعلقه بحقوق الناس المادية،
وبوأه المنزلة العالية في الجنة مع النبياء والمرسلين ،كما دلت عليه النصوص الشرعية .فقال تعالى:
{ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا ،بل أحياء عند ربهم يُرزقون ،فرحين بما آتاهم ال من
فضله ،ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أل خوف عليهم ول هم يحزنون ،يستبشرون بنعمة
من ال وفضل وأن ال ل يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران ]171-169/3:عن مسروق رضي ال
عنه ،قال :سأل عبد ال -أي ابن مسعود -عن هذه الية{ :ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال
أمواتا ،بل أحياء عند ربهم يُرزقون؟} [آل عمران ]169/3:فقال :أما أنا فقد سألت عن ذلك رسول ال
خضْر ،لها قناديل معلقة بالعرش ،تسرح من
صلّى ال عليه وسلم ،فقال« :أرواحهم في جوف طير ُ
الجنة حيث شاءت ،ثم تأوي إلى تلك القناديل »...الحديث (. )1
والمعنى أن ال تعالى أحياهم وأعطاهم القدرة على التمتع بثمار الجنة ،والتفكه بها والتنقل في
أرجائها ،قال تعالى{ :ول تقولوا لمن يقتل في سبيل ال أموات ،بل أحياء ،ولكن ل تشعرون} [البقرة:
]154/2إل أن حياتهم ليست بالجسد ،وإنما هي من نوع خاص ل يدرك بالعقل ،بل بالوحي.
وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا ،وإن له ما على
الرض من شيء إل الشهيد ،فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ،فيقتل عشر مرات ،لما يرى من
الكرامة» (. )2
-------------------------------
( )1رواه مسلم والترمذي وغيرهما (الترغيب والترهيب326/2:ومابعدها).
( )2رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس (المصدر السابق 310/2:وما بعدها).
( )2/693
وقال عليه الصلة والسلم« :والذي نفس محمد بيده :لودِدْت أن أغزو في سبيل ال فأُقتل ،ثم أغزو
فأُقتل» (« ، )1يُغفر للشهيد كلُ ذنب إل الدّيْن» (. )2
تعريف الشهيد:
سمي الشهيد شهيدا؛ لنه مشهود له بالجنة ،أو لنه حي عند ربه حاضر شاهد ،أو تشهد موته الملئكة
( . )3والشهيد الذي يستحق الفضائل السابقة ونحوها هو شهيد المعركة مع العدو .وقد أورد الفقهاء
تعريفات متقاربة له بحسب رأيهم في بعض المسائل المتعلقة به.
فقال الحنفية ( : )4الشهيد من قتله أهل الحرب ،أو أهل البغي ،أو قطاع الطريق ،أو اللصوص في
منزله ليلً أو نهارا بأي آلة :مثقل أو محدد ،أو وجد في المعركة وبه أثر كجرح وكسر وحرق
وخروج دم من أذن أو عين ،أو قتله مسلم ظلما عمدا بمحدد ،وكان مسلما مكلفا (بالغا عاقلً) طاهرا
(خاليا من حيض أو نفاس أو جنابة) ،ولم يرتث بعد انقضاء الحرب،أي ل يموت عقب الصابة.
والرتثاث :أن يأكل أو يشرب أو يُداوى ،أو يبقى حيا حتى يمضي عليه وقت صلة وهو يعقل ،أو
ينقل من المعركة حيا ،أي وهو يعقل.
أما المقتول حدا أو قصاصا ،فإنه يغسل ويصلى عليه ،لنه لم يقتل ظلما ،وإنما قتل بحق ،وأما من
قتل من البغاة أو قطاع الطرق فل يغسل ول يصلى عليه.
وبه يتبين أن شروط تحقيق الشهادة عندهم :هي السلم والعقل والبلوغ ،والطهارة من الحدث الكبر،
وأن يموت عقب الصابة .وأن كل مقتول في المعركة مع العدو ،أو قتل ظلما ،أو دفاعا عن النفس أو
المال فهو شهيد .أما من خرج حيا من المعركة ،أو كان جنبا فل تطبق عليه أحكام الشهيد.
ويلحظ أن هذا المذهب ومذهب الحنابلة أوسع الراء في تحديد المقصود من الشهيد ماعدا اشتراط
الطهارة من الحدث الكبر.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (المصدر السابق).
( )2رواه مسلم عن عبد ال بن عمرو بن العاص (المصدر السابق).
( )3الدر المختار ،848/1:اللباب ،135/1:مغني المحتاج.350/1:
( )4الدر المختار ورد المحتار ،848/1:مراقي الفلح :ص 103ومابعدها ،اللباب.137-135/1:
( )2/694
وقال المالكية ( : )1الشهيد :من مات في معترك المشركين ،ومن أخرج من المعركة في حكم
الموات وهو من رفع من المعركة حيا منفوذ المقاتل ،أو مغمورا (أي يعاني غمرات الموت:
شدائده) :وهو من لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم إلى أن مات ،فإن قتل في غير المعركة ظلما ،أو
أخرج من المعترك حيا ،ولم تنفذ مقاتله ،ثم مات ،غسل وصلي عليه في المشهور ،كما أن من قتل في
المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه ،ويغسل الجنب.
وقال الشافعية ( : )2الشهيد :هو من مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل
انقضاء الحرب ،كأن قتله كافر ،أو أصابه سلح مسلم خطأ ،أو عاد إليه سلحه ،أو تردى في بئر أو
وهدة ،أو رفسته دابته فمات ،أو قتله مسلم باغٍ استعان به أهل الحرب.
فإن مات ل بسبب القتال ،أو بعد انقضاء المعركة ،أو في حال قتال البغاة ،فغير شهيد في الظهر.
ول تشترط الطهارة من الحدث الكبر عند المالكية والشافعية ،فمن مات جنبا فإنه ل يغسل.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير 425/1:ومابعدها ،الشرح الصغير 575/1:ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،94
بداية المجتهد.232 ،219/1:
( )2مغني المحتاج ،350/1،361:المهذب.135/1:
( )2/695
فالشهيد عند المالكية والشافعية :هو من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا (. )1
وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلة عليه ،لحديث« :الصلة واجبة على كل مسلم برا كان أو
فاجرا ،وإن عمل الكبائر» ( . )2هذا رأي الجماهير ،لكن مذهب عمر بن عبد العزيز والوزاعي :ل
يصلى على قاتل نفسه لعصيانه ،بدليل ماروى مسلم عن جابر بن سمرة قال :أتي النبي صلّى ال عليه
وسلم برجل قتل نفسه بمشاقِص ـ سهام عراض ـ فلم يصل عليه.
وقال الحنابلة ( : )3الشهيد :هو من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال ،أو هو المقتول
بأيدي العدو من الكفار ،أو البغاة ،أو المقتول ظلما ،ولو كان غير مكلف رجلً أو امرأة .أو كان غالّ
(خائنا) :كتم من الغنيمة شيئا .ومن عاد إليه سلحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو ،لكن تشترط
الطهارة من الحدث الكبر كالحنفية ،فمن قتل جنبا غسل .كذلك يغسل ويصلى عليه من حمل وبه
رمق أي حياة مستقرة ،وإن كان شهيدا.
ودليلهم على غير المكلف :عموم حديث جابر أن النبي صلّى ال عليه وسلم «أمر بدفن قتلى أحد في
دمائهم ،ولم يغسلهم ،ولم يصل عليهم» ( ، )4وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان ،وهو
صغير ،وليس هذا خاصا بهم؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم علل ذلك
-------------------------------
( )1روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه
قال« :سئل رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن الرجل :يقاتل شجاعة ،ويقاتل حميّة ،ويقاتل رياءً ،أي
ذلك في سبيل ال؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا » (جامع
الصول.)194/3:
( )2رواه البيهقي ،وقال :هو أصح ما في الباب إل أن فيه إرسالً والمرسل حجة إذا اعتضد بأحد
أمور ،منها قول أكثر أهل العلم ،وهو موجود هنا.
( )3المغني ،535-528/2:كشاف القناع.115-113/2:
( )4رواه البخاري.
( )2/696
بعلة توجد في سائر الشهداء ،فقال« :والذي نفسي بيده ل يُكلَم أحد في سبيل ال ـ وال أعلم بمن يكلم
في سبيله ـ إل جاء يوم القيامة ،اللون لون الدم ،والريح ريح المسك» (. )1
ودليلهم على أن من قتل مظلوما ملحق بشهيد المعركة :حديث« :من قتل دون دمه فهو شهيد ،ومن
قتل دون ماله فهو شهيد ،ومن قتل دون أهله فهو شهيد» ( ، )2ولن هؤلء مقتولون بغير حق،
فأشبهوا قتلى الكفار ،فل يغسلون.
وأما من قتل من أهل العدل في المعركة مع البغاة :فحكمه في الغسل والصلة عليه حكم من قتل في
معركة المشركين؛ لن عليا رضي ال عنه لم يغسل من قتل معه ،وعمار أوصى أل يغسل ،وقال:
ادفنوني في ثيابي ،فإني مخاصم .قال أحمد :قد أوصى أصحاب الجمل ،إنا مستشهدون غدا ،فل
تنزعوا عنا ثوبا ،ول تغسلوا عنا دما ،ولنه شهيد المعركة ،فأشبه قتيل الكفار.
أما الباغي :فقال الخرقي :من قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه ،ويحتمل إلحاقه بأهل العدل؛ لنه لم
ينقل إلينا غسل أهل الجمل وصفين من الجانبين ،ولنهم يكثرون في المعترك ،فيشق غسلهم ،فأشبهوا
أهل العدل.
أحكام الشهداء:
للشهداء أحكام استثنائية من الدفن والغسل والتكفين والصلة عليهم كما يتبين من آراء الفقهاء التية (
، )3علما بأن للحنفية رأيا ،وللجمهور رأيا آخر.
قال الحنفية :يكفن الشهيد بثيابه ،ويصلي عليه ،ول يغسل إذا كان مكلفا طاهرا ،وأما الجنب والحائض
والنفساء إذا استشهد ،فيغسل عند أبي حنيفة ،كما يغسل الصبي والمجنون .وقال الصاحبان :ل
يغسّلن.
استدل أبو حنيفة على وجوب غسل الجنب ونحوه بما صح عنه صلّى ال عليه وسلم أنه لما قتل
حنظلة بن أبي عامر الثقفي ،قال :إن صاحبكم حنظلة تُغسّله الملئكة ،فسألوا زوجته ،فقالت :خرج
وهو جنب،
-------------------------------
( )1متفق عليه من حديث أبي هريرة.
( )2رواه أبو داود والترمذي وصححه من حديث سعيد بن زيد.
( )3المراجع السابقة.
( )2/697
( )2/698
( )2/699
السبع ،ومن خر عن دابته ،والغريب ( ، )1والعاشق إذا عف وكتم ،والميت ليلة الجمعة ،والمرتث:
وهو من نقل من المعركة حيا ،أو من أكل أو شرب أو نام أو تداوى بعد طعنه ،وبقي حيا وقت
صلة.
والخلصة :إن كل من مات .بسبب مرض أو حادث أو دفاع عن النفس ،أو نقل من قلب المعركة
حيا ،أو مات في أثناء الغربة ،أو طلب العلم ،أو ليلة الجمعة ،فهو شهيد آخرة.
وحكم هؤلء الشهداء في الدنيا ،أي شهداء الخرة :أن الواحد منهم يغسل ويكفن ويصلى عليه اتفاقا
كغيره من الموتى .أما في الخرة فله ثواب الخرة فقط ،وله أجر الشهداء يوم القيامة.
المعصية والشهادة :المعصية ل تمنع التصاف بالشهادة ،فيكون الميت شهيدا عاصيا؛ لن الطاعة ل
تلغي المعصية إل في الصغائر ،قال تعالى{ :إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود ]114/11:أي إن
الحسنات بامتثال الوامر ،خصوصا في العبادات التي أهمها الصلة يذهبن السيئات ،قال صلّى ال
عليه وسلم « :وأتبع السيئة الحسنة تمحها» (. )2
قال بعض الفقهاء :من غرق في قطع الطريق فهو شهيد ،وعليه إثم معصيته ،وكل من مات بسبب
معصيته فليس بشهيد ،وإن مات في معصية بسبب من أسباب الشهادة ،فله أجر شهادته ،وعليه إثم
معصيته، .ولو قاتل على فرس مغصوب أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت ،فلهم الشهادة،
وعليهم إثم المعصية.
-------------------------------
( )1لما رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف ،والدارقطني وصححه عن ابن عباس مرفوعا« :موت الغريب
شهيد» .
( )2حديث حسن رواه الترمذي عن أبي ذر جُندُب بن جُنادة ،وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي
ال عنهما.
( )2/700
وهذا يعني أنه إذا مات في حالة من حالت الشهادة أثناء معصية فهو شهيد عاص ،وإذا مات بسبب
المعصية فليس بشهيد .فالمرأة التي تموت بالولدة من الزنا الظاهر أنها شهيدة ،أما لو تسببت امرأة
في إلقاء حملها فليست بشهيدة للعصيان بالسبب .ومن ركب البحرلمعصية أو سافر آبقا (هاربا) أو
ناشزة ،فمات فليس بشهيد (. )1
انتهى الجزء الثاني ويتبعه الجزء الثالث
(الصيام ،العتكاف ،الزكاة ،الحج والعمرة)
-------------------------------
( )1رد المحتار لبن عابدين.854/1:
( )2/701
......................................ال ِفقْ ُه السلميّ وأدلُّتهُ...............................
..........................................الجزء الثالث....................................
البَابُ الثّالث :الصّيا ُم والعتكاف
وفيه فصلن :الول عن الصيام ،والثاني عن العتكاف
صلُ الوّل :الصّيام
ال َف ْ
وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الول ـ تعريف الصوم ،وركنه وزمنه وفوائده ،وفضل رمضان ،وليلة القدر ،وأهم الحداث
التاريخية الواقعة في رمضان.
المبحث الثاني ـ فرضية الصيام وأنواعه (الصوم المفروض وصوم التطوع).
المبحث الثالث ـ متى يجب الصوم؟ وكيفية إثبات الشهر واختلف المطالع.
المبحث الرابع ـ شروط الصوم ـ شروط الوجوب وشروط الصحة.
المبحث الخامس ـ سنن الصوم وآدابه ومكروهاته.
المبحث السادس ـ العذار المبيحة للفطر.
المبحث السابع ـ ما يفسد الصوم ومال يفسده.
المبحث الثامن ـ قضاء الصوم وكفارته وفديته.
ملحق ـ ما يلزم الوفاء به من المنذور.
وأبدأ بالول فالول فيما يأتي:
المبحث الول ـ تعريف الصوم وزمنه وفوائده ،وفضل رمضان وليلة القدر ،وأهم الحداث التاريخية
في رمضان:
وفيه ثلثة مطالب:
المطلب الول ـ تعريف الصوم ،وركنه وزمنه وفوائده:
تعريف الصوم :الصوم لغة :المساك والكف عن الشيء ،قال :صام عن الكلم ،أي أمسك عنه ،قال
تعالى إخبارا عن مريم{ :إني نذرت للرحمن صوما} [مريم ]26/19:أي صمتا وإمساكا عن الكلم،
وقال العرب :صام النهار :إذا وقف سير الشمس وسط النهار عند الظهيرة (. )1
وشرعا :هو المساك نهارا عن المفطّرات بنية من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس (. )2
أي أن الصوم امتناع فعلي عن شهوتي البطن والفرج ،وعن كل شيء حسي يدخل الجوف من دواء
ونحوه ،في زمن معين :وهو من طلوع الفجر الثاني أي الصادق إلى غروب الشمس ،من شخص
معين أهل له :وهو المسلم العاقل غير الحائض والنفساء ،بنية وهي عزم القلب على إيجاد الفعل جزما
بدون تردد ،لتمييز العبادة عن العادة.
وركن الصوم :المساك عن شهوتي البطن والفرج ،أو المساك عن المفطرات ،وزاد المالكية
والشافعية ركنا آخر وهو النية ليلً.
-------------------------------
( )1وقال الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج واخرى تعلك اللجما
وأراد بالصائمة الممسكة عن الصهيل.
( )2اللباب ،162/1 :الشرح الصغير ،698-681/1 :مغني المحتاج ،420/1 :المغني ،84/3 :كشاف
القناع 348/2 :ومابعدها.
( )3/1
وزمن الصوم :من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ،ويؤخذ في البلد التي يتساوى الليل والنهار فيها،
أو في حالة طول النهار أحيانا كبلغاريا بتقدير وقت الصوم بحسب أقرب البلد منها ،أو بتوقيت مكة.
ودليله قوله تعالى{ :وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر}
[البقرة ]187/2:وعبر بالخيط مجازا ،يعني بياض النهار من سواد الليل ،وهذا يحصل بطلوع الفجر.
قال ابن عبد البر :في قول النبي صلّى ال عليه وسلم « :إن بللً يؤذن بليل ،فكلوا واشربوا حتى
يؤذن ابن أم مكتوم» دليل على أن الخيط البيض هو الصباح ،وأن السحور ل يكون ال قبل الفجر،
بالجماع .
و فوائد الصيام كثيرة من الناحيتين الروحية والمادية :
فالصوم طاعة ل تعالى ،يثاب عليها المؤمن ثوابا مفتوحا ل حدود له ،لنه ل سبحانه ،وكرم ال
واسع ،وكرم ال واسع ،وينال بها رضوان ال ،واستحقاق دخول الجنان من باب خاص أعد للصائمين
يقال له الريان ( )1ويبعد نفسه عن عذاب ال تعالى بسبب ما قد يرتكبه من معاص ،فهو كفارة
للذنوب من عام لخر ،وبالطاعة يستقيم أمر المؤمن على الحق الذي شرعه ال عز وجل ،لن
الصوم يحقق التقوى التي هي امتثال للوامر اللهية واجتناب النواهي ،قال تعالى{ :يا أيها الذين
آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ،لعلكم تتقون} [البقرة.]183/2:
-------------------------------
( )1روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال:
«إن في الجنة بابا يقال له الريان ،يدخل منه الصائمون يوم القيامة ،ل يدخل منه أحد غيرهم ،فإذا
دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» (الترغيب والترهيب.)83-82/2 :
( )3/2
والصوم مدرسة خلقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة ،فهو جهاد للنفس ،ومقاومة
للهواء ونزعات الشيطان التي قد تلوح له ،ويتعود به
النسان خلق الصبر على ما قد يُحرَم منه ،وعلى الهواء والشدائد التي قد يتعرض لها ،إذ يجد
الطعام الشهي يطبخ أمامه ،والروائح تهيج عصارات معدته ،والماء العذب البارد يترقرق في ناظريه،
فيمتنع منه ،منتظرا وقت الذن الرباني بتناوله.
والصوم يعلّم المانة ومراقبة ال تعالى في السر والعلن؛ إذ ل رقيب على الصائم في امتناعه عن
الطيبات إل ال وحده.
والصوم يقوي الرادة ،ويشحذ العزيمة ،ويعلّم الصبر ،ويساعد على صفاء الذهن ،واتقاد الفكر ،وإلهام
الراء الثاقبة إذا تخطى الصائم مرحلة السترخاء ،وتناسى ما قد يطرأ له من عوارض الرتخاء
والفتور أحيانا ،قال لقمان لبنه« :يا بني ،إذا امتلت المعدة نامت الفكرة ،وخرست الحكمة ،وقعدت
العضاء عن العبادة» .
والصوم يعلّم النظام والنضباط؛ لنه يجبر الصائم على تناول الطعام والشراب في وقت محدد وموعد
معين .والصوم يشعر بوحدة المسلمين الحسية في المشارق والمغارب ،فهم جميعا يصومون ويفطرون
في وقت واحد؛ لن ربهم واحد ،وعبادتهم موحدة.
وينمي الصوم في النسان عاطفة الرحمة والخوة ،والشعور برابطة التضامن والتعاون التي تربط
المسلمين فيما بينهم ،فيدفعه إحساسه بالجوع والحاجة مثلً إلى صلة الخرين ،والمساهمة في القضاء
على غائلة الفقر والجوع والمرض ،فتتقوى أواصر الروابط الجتماعية بين الناس ،ويتعاون الكل في
معالجة الحالت المرضية في المجتمع.
( )3/3
والصوم فعلً يجدد حياة النسان بتجدد الخليا وطرح ماشاخ منها ،وإراحة المعدة وجهاز الهضم،
وحمية الجسد ،والتخلص من الفضلت المترسبة والطعمة غير المهضومة ،والعفونات أو الرطوبات
التي تتركها الطعمة والشربة ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :صوموا تصحوا» ( ، )1وقال
حمْية رأس كل دواء» .
طبيب العرب :الحارث بن كَلْدة« :المعدة بيت الداء ،وال ِ
والصيام جهاد للنفس ،وتخليصها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها ،وكسر حدة الشهوة والهواء،
وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها ،بدليل قول النبي صلّى ال عليه وسلم « :يا معشر الشباب:
من استطاع منكم الباءة ،فليتزوج ،فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم
فإنه له وجاء» ( )2وقال الكمال بن الهمام ( : )3الصوم ثالث أركان السلم بعد «ل إله إل ال ،
محمد رسول ال » والصلة ،شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجبا أشياء:
منها :سكون النفس المارة ،وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان
والذن والفرج ،فإن به تضعف حركتها في محسوساتها ،ولذا قيل :إذا جاعت النفس شبعت جميع
العضاء ،وإذا شبعت جاعت كلها.
ومنها :كونه موجبا للرحمةوالعطف على المساكين ،فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الوقات ،ذكر
من هذا حاله في عموم الوقات ،فتسارع إليه الرقة عليه ،فينال بذلك ما عند ال تعالى من حسن
الجزاء.
ومنها :موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا ،وفي ذلك رفع حاله عند ال تعالى.
-------------------------------
( )1رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة ،وهو حديث حسن.
( )2رواه الجماعة عن ابن مسعود (نيل الوطار )99/6 :والباءة :مؤن الزواج وتكاليفه ،والوجاء :أي
يضعف شهوة النكاح ،تشبيها بقطع السيف.
( )3فتح القدير 43/2 :ومابعدها.
( )3/4
وقال في اليضاح :اعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين ،به قهر النفس
المارة بالسوء ،وإنه مركب من أعمال القلب ،ومن المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامة يومه،
وهو أجمل الخصال ،غير أنه أشق التكاليف على النفوس ( ، )1وقد مدحه ال بآية {إن المسلمين
والمسلمات} { ...والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات}
[الحزاب. ]35/33:
المطلب الثاني ـ فضل رمضان وليلة القدر:
رمضان سيد الشهور ،فيه بدأ نزول القرآن ،وهو شهر الطاعة والقربة والبر والحسان ،وشهر
المغفرة والرحمة والرضوان ،فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ،وبه عون المؤمن على أمر
دينه وطلب إصلح دنياه ،وهو موسم تكثر فيه مناسبات إجابة الدعاء.
وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على فضل رمضان وفضل الصوم فيه.
من ذلك ما يأتي:
ً« - 1سيد الشهور شهر رمضان ،وسيد اليام يوم الجمعة» (« )2ولو يعلم العباد ما في شهر
رمضان لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة» ( . )3وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال يوما وقد حضر رمضان« :أتاكم رمضان شهر بركة ،يغشاكم ال
حطّ الخطايا ،ويستجيب فيه الدعاء ،ينظر ال تعالى إلى تنافسكم فيه ،ويباهي
فيه ،فيُنزل الرحمة ،وي ُ
بكم ملئكته ،فأروا ال من أنفسكم خيرا ،فإن الشقي من حرم فيه رحمة ال عز وجل» .
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين.109/2 :
( )2رواه الطبراني في الكبير عن عبد ال بن مسعود ،وفيه انقطاع (مجمع الزوائد.)140/3 :
( )3رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري،
وفي راو من سنده كلم (الترغيب والترهيب ،102/2 :مجمع الزوائد.)141/3 :
( )3/5
( )3/6
وهو شهر الصبر ،والصبر ثوابه الجنة ،وشهر المواساة ،وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ،من فطّر
فيه صائما ،كان مغفرة لذنوبه وعتقَ رقبته من النار ،وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره
شيء.
قالوا :يا رسول ال ،ليس كلّنا يجدُ ما يفطر الصائم؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم يعطي ال
هذا الثواب من فطر صائما على تمرة ،أو على شَرْبة ماء ،أو مَذْقة ( )1لبن.
وهو شهر أوله رحمة ،وأوسطه مغفرة ،وآخره عتق من النار ،من خفف عن مملوكه فيه غفر ال له،
وأعتقه من النار.
واستكْثِروا فيه من أربع خصال :خصلتين ترضون بهما ربكم ،وخصلتين ل غِنَاء بكم عنهما ،فأما
الخصلتان اللتان تُرضون بهما ربكم :فشهادة أن ل إله إل ال ،وتستغفرونه .وأما الخصلتان اللتان ل
غناء بكم عنهما :فتسألون ال الجنة ،وتعوذون به من النار.
ومن سقى صائما ،سقاه ال من حوضي شَرْبة ل يظمأ حتى يدخل الجنة» (. )2
ليلة القدر :يستحب طلب ليلة القدر؛ لنها ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة ،ترجى إجابة الدعاء
فيها ،وهي أفضل الليالي حتى ليلة الجمعة ( ، )3قال تعالى{ :ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر:
]3/97أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها ،وقال صلّى ال عليه وسلم :
«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ،غفر له ما تقدم من ذنبه» ( )4وعن عائشة أن النبي كان إذا دخل
العشر الواخر أحيا الليل ،وأيقظ أهله وشد المئزر» ( )5أي اعتزل النساء ،ولحمد ومسلم :كان
يجتهد في العشر الواخر ما ل يجتهد في غيرها.
وهي مختصة بالعشر الواخر في ليالي الوترمن رمضان ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :التمسوها في
العشر الواخر من شهر رمضان ،في كل وتر» (. )6
وأرجح القوال عند العلماء أنها في ليلة السابع والعشرين من رمضان ،قال
-------------------------------
( )1مزيج خليط.
( )2رواه ابن خزيمة في صحيحه ،ثم قال :صح الخبر ،ورواه من طريق البيهقي ،ورواه أبو الشيخ
ابن حيان في الثواب باختصار عنهما (الترغيب والترهيب 94/2 :ومابعدها).
( )3المهذب ،189/1 :المجموع ،503-492/6 :المغني ،183-178/3 :كشاف القناع-401/2 :
.404
( )4رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة.
( )5متفق عليه (نيل الوطار.)270/4 :
( )6متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري ،وأبي ذر.
( )3/7
أبي بن كعب« :وال لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان ،وأنها في ليلة سبع وعشرين ،ولكن كره أن
يخبركم فتتكلوا» ( ، )1وعن معاوية «أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في ليلة القدر :ليلة سبع
وعشرين» ( )2ويرجحه قول ابن عباس« :سورة القدر :ثلثون كلمة ،السابعة والعشرون فيها :هي»
( )3وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر حديثا نصه« :من كان متحرّيها فليتحرها ليلة سبع
وعشرين ،أو قال :تحروها ليلة سبع وعشرين» .
والحكمة في إخفائها :أن يجتهد الناس في طلبها ،ويجدّوا في العبادة طمعا في إدراكها ،كما أخفيت
ساعة الجابة يوم الجمعة ،وأخفي اسمه العظم في أسمائه ،ورضاه في الحسنات ،إلى غير ذلك.
والمستحب أن يدعو المؤمن فيها بأن يقول« :اللهم إنك عفو ،تحب العفو ،فاعف عني» لما روت
عائشة رضي ال عنها قالت :يا رسول ال ،أرأيت إن وافقت ليلة القدر ،ما ذا أقول فيها؟ قال:
«قولي :اللهم إنك عفو تحب العفو ،فاعف عني» (. )4
وأما علماتها :فالمشهور فيها ما ذكره أبي بن كعب عن النبي صلّى ال عليه وسلم « :إن الشمس
تطلع في صبيحة يومها بيضاء ل شعاع لها» ( )5وفي بعض الحاديث« :
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وصححه.
( )2رواه أبو داود مرفوعا ،والراجح وقفه على معاوية ،وله حكم الرفع (سبل السلم.)176/2 :
( )3قال ابن حجر في فتح الباري :وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولً ،وأرجحهما كلها أنها في
وتر العشر الواخر ،وأنها تنتقل .وقال الصنعاني :وأظهر القوال أنها في السبع الواخر (المصدر
السابق).
( )4رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) غير أبي داود ،وصححه الترمذي والحاكم (المصدر
السابق).
( )5رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (نيل الوطار.)272/4 :
( )3/8
بيضاء مثل الطست» وروي أيضا عنه صلّى ال عليه وسلم « :إن أمارة ليلة القدر :أنها ليلة صافية
بلجة ،كأن فيها قمرا ساطعا ،ساكنة ساجية ،ل برد فيها ولحر ،ول يحل لكوكب أن يرمى به فيها
حتى تصبح ،وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ،ليس فيها شعاع ،مثل القمر ليلة البدر،
ليحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ» وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعا« :ليلة القدر
طلقة ل حارّة ول باردة ،تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة» ولحمد من حديث عبادة« :ل حر فيها
ول برد ،وإنها ساكنة صاحية ،وقمرها ساطع» ،وورد في علمتها أحاديث منها عن جابر بن سمرة
عند ابن أبي شيبة ،وعن جابر بن عبد ال عند ابن خزيمة ،وعن أبي هريرة عنده ،وعن ابن مسعود
عند ابن أبي شيبة وعن غيرهم (. )1
-------------------------------
( )1نيل الوطار.275/4 :
( )3/9
( )3/10
- 2فتح مكة :وهو الفتح الكبر لقوله تعالى{ :إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح ]1/48:حدث في يوم
الجمعة في العشرين أو الحادي والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة ،وقد تم به القضاء
على فلول الوثنية ،وتم به تحطيم الصنام حول الكعبة .وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد
المسلمين لغزوة الخندق التي وقعت في شوال من العام نفسه.
- 3وقعت بعض أحداث غزوة تبوك في رمضان سنة 9هـ ،وفي رمضان كانت معركة القادسية،
ومعركة البويب ،وفتح رودس.
- 4انتشر السلم في اليمن في السنة العاشرة في رمضان ،وأرسل النبي صلّى ال عليه وسلم علي
بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن ،وحمل معه كتابا إليهم.
- 5هدم خالد بن الوليد لخمس بقين من رمضان في السنة الثامنة البيت الذي كانت تعبد فيه العزى
في نخلة ،وقال للرسول صلّى ال عليه وسلم « :تلك العزى ول تعبد أبدا» ( . )1ووجه الرسول
صلّى ال عليه وسلم السرايا لهدم الصنام.
- 6قدم في السنة التاسعة في رمضان وفد ثقيف من الطائف إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم
يريدون السلم ،وهدم فيها صنم اللت الذي كانت تعبده ثقيف (. )2
- 7في صبيحة يوم الجمعة في 25من رمضان 479هـ حدثت موقعة الزلّقة (سهل يقع على
مقربة من البرتغال الحالية) أو يوم العروبة والسلم ،وانتصر فيها جيش المرابطين المسلمين في
الندلس بقيادة يوسف بن تاشفين على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألف مقاتل بقيادة الفونس السادس
ملك قشتالة.
- 8موقعة عين جالوت( :قرية بين بيسان ونابلس) حدثت في صبيحة يوم الجمعة في الخامس عشر
من رمضان سنة 658هـ الموافق 3أيلول (سبتمبر)1260م ،بقيادة السلطان قُطُز سلطان المماليك
في مصر ،بعد أن صاح بأعلى صوته «وإسلماه» ،وانتصر فيها على المغول الذين ولوا الدبار ل
يلوون على شيء ( ، )3وتم فيها توحيد مصر وبلد الشام ( . )4وإنقاذ السلم والمسلمين من
-------------------------------
( )1البداية والنهاية لبن كثير.316/4 :
( )2المرجع السابق.316/5 :
( )3الحركة الصليبية للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور ،1136/2 :ط ثانية ،مكتبة النجلو المصرية.
( )4أما موقعة حطين شمال طبرية سنة 583هـ1187/م فقد وقعت في يوم السبت 14ربيع الخر
الموافق 4تموز ،ولكن دخل صلح الدين اليوبي القدس في ليلة السابع والعشرين من رجب في
ذكرى السراء والمعراج في 12أكتوبر (تشرين الول) سنة 1187م (الحركة الصليبية-808/2 :
.)811،822
( )3/11
همجية المغول ،كما أن البطل صلح الدين خاض معارك حاسمة ضد الصليبيين في رمضان.
- 9فتح الندلس :في رمضان كانت معركة طريف تمهيدا لفتح الندلس ،وكانت معركة الزلّقة ،ثم
حدث فتح الندلس في 28رمضان سنة 92هـ 19/يوليو (تموز) 711م بقيادة طارق بن زياد بعد أن
هزم روذريق قائد القوط في موقعة حاسمة تعرف بـ «موقعة البحيرة» بعد أن استولى على مضيق
جبل طارق وأحرق سفنه ،وقال كلمته المشهورة« :البحر من ورائكم والعد ومن أمامكم» ،ثم تم
بعدها فتح قرطبة وغرناطة وطليطلة العاصمة السياسية للندلس (. )1
وفي رمضان كانت آخر المعارك مع الصليبيين لتطهير أرضنا وديارنا من أرجاسهم .وفي العاشر
من رمضان سنة 1393هـ1973/م كانت معركة العبور ،أي عبور القوات المصرية المسلحة قناة
السويس من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية ،بعد احتلل اليهود لها مدة نحو سبع سنوات في
الخامس من شهر حزيران سنة 1967م ،ووصلت في العاشر من شهر رمضان القوات السورية إلى
شواطئ بحيرة طبرية .ولقّن الفلسطينيون العدو الصهيوني في رمضان في معركة الكرامة في نيسان
(أبريل) سنة 1968م درسا ل ينساه مع قلتهم وتمكن العدو في موقع استراتيجي رائع.
-------------------------------
( )1التاريخ السياسي للدولة العربية ،للدكتور عبد المنعم ماجد.)204/2 :
( )3/12
( )3/13
وجاحد وجوب صوم رمضان كافر يعامل كالمرتد ،فيستتاب ،فإن تاب قبل منه ،وإل قتل حدا إذا لم
يكن قريب عهد بالسلم أو نشأ بعيدا عن العلماء .أما تارك الصيام كسلً بغير عذر، ،ولم يكن جاحدا
لوجوبه ،فهو فاسق ،وليس بكافر.
أنواع الصيام:
الصوم أنواع :واجب ،وتطوع ،وحرام ،ومكروه (. )1
وقال الحنفية :الصوم ثمانية أنواع :فرض معين كصوم رمضان أداء ،وغير معين كقضاء رمضان
وصوم الكفارات ،وواجب معين كنذر معين ،وغير معين كالنذر المطلق ،ونفل مسنون كصوم
عاشوراء وتاسوعاء ،ونفل مندوب أو مستحب كأيام البيض من كل شهر ،ومكروه تحريما كصوم
العيدين ،ومكروه تنزيها كعاشوراء وحده ،وسبت وحده ،ونيروز ومهرجان.
النوع الول ـ الواجب:
وهو ثلثة أقسام :منه ما يجب للزمان نفسه وهو صوم شهر رمضان ،ومنه ما يجب لعلة وهو صيام
الكفارات ،ومنه ما يجب بإيجاب النسان ذلك على نفسه ،وهو صيام النذر.
والصوم اللزم عند الحنفية نوعان :فرض وواجب .والفرض نوعان :معين كصوم أداء ،وغير معين
كصوم رمضان قضاء ،وصوم الكفارات ،ولكنه أي الخير فرض عملً ،ل اعتقادا ،ولذا ليكفر
جاحده.
والواجب نوعان :معين كالنذر المعين،وغير المعين كالنذر المطلق ،وكقضاء ما أفسده من صوم
النفل.
-------------------------------
( )1اللباب ،162/1،173 :فتح القدير 43/2 :ومابعدها ،54 ،الدر المختار وحاشيته،116-112/2 :
مراقي الفلح :ص 105ومابعدها ،بداية المجتهد ،300 ،274/1 :الشرح الصغير،687/1،722 :
القوانين الفقهية :ص ،114مغني المحتاج ،449-445 ،433 ،420/1 :كشاف القناع393 ،349/2 :
ومابعدها ،398 ،المغني.163 ،142 ،89/3 :
( )3/14
النوع الثاني ـ الصوم الحرام عند الجمهور أو المكروه تحريما عند الحنفية :وهو ما يأتي:
- ً 1صيام المرأة نفلً بغير إذن زوجها أو علمها برضاه إل إذا لم يكن محتاجا لها كأن كان غائبا أو
محرما بحج أو عمرة أو معتكفا ،لخبر الصحيحين« :ل يحل لمرأة أن تصوم ،وزوجها شاهد إل
بإذنه» ولن حق الزوج فرض ،ل يجوز تركه لنفل ،فلوصامت بغير إذنه صح ،وإن كان حراما
كالصلة في دار مغصوبة ،وللزوج أن يفطرها ،لقيام حقه واحتياجه .وهذا الصوم مكروه تنزيها عند
الحنفية.
- ً 2صوم يوم الشك :وهو يوم الثلثين من شعبان إذا تردد الناس في كونه من رمضان ،وللفقهاء
عبارات متقاربة في تحديده ،واختلفوا في حكمه ،مع اتفاقهم على عدم الكراهة وإباحة صومه إن
صادف عادة للمسلم بصوم تطوع كيوم الثنين أو الخميس.
فقال الحنفية ( : )1هو آخر يوم من شعبان يوم الثلثين إذا شك بسبب الغيم أمن رمضان هو أم من
شعبان .فلو كانت السماء صحوا ولم ير هلل أحد فليس بيوم شك.
وحكمه :أنه مكروه تحريما إذا نوى أنه من رمضان أو من واجب آخر .ويكره أيضا صوم ما قبل
رمضان بيوم أو يومين ،لحديث« :ل تَقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ،إل رجل كان يصوم
صوما ،فيصومه» ( )2فيكره صومه إل أن يوافق صوما كان يصومه المسلم ،خوفا من أن يظن أنه
زيادة على صوم رمضان ،ول يكره صوم نفل جزم به بل ترديد بينه وبين صوم آخر ،فل يصام يوم
الشك إل تطوعا.
وقال المالكية على المشهور ( : )3إنه يوم الثلثين من شعبان إذا كان بالسماء في ليلته (أي ليلة
الثلثين) غيم ،ولم ير هلل رمضان .فإن كانت السماء صحوا لم يكن يوم شك؛ لنه إذا لم تثبت
رؤية هلل رمضان ،كان اليوم من شعبان جزما .وهذا كمذهب الحنفية.
-------------------------------
( )1فتح القدير 53/1 :وما بعدها ،الدر المختار 119/2 :وما بعدها ،مراقي الفلح ،ص .107
( )2رواه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية.)440/2 :
( )3الشرح الكبير ،513/1 :الشرح الصغير 686/1 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،115شرح
الرسالة.295-293/1 :
( )3/15
والراجح عند الدردير والدسوقي وغيرهما أن يوم الشك :صبيحة الثلثين من شعبان إذا كانت السماء
صحوا أو غيما ،وتحدث بالرؤية من ل تقبل شهادته كعبد أو امرأة أو فاسق .أما يوم الغيم فهو من
شعبان جزما؛ لخبر الصحيحين« :فإن غم عليكم ،فأكملوا عدة شعبان ثلثين» .
وحكمه :أنه يكره صومه للحتياط على أنه من رمضان ،ول يجزئه صومه عن رمضان ،فمن أصبح
فلم يأكل ولم يشرب ،ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان ،لم يجزه ،وجاز صومه لمن اعتاد الصوم
تطوعا سردا أو يوما معينا كيوم الخميس مثلً ،فصادف يوم الشك ،كما جاز صومه تطوعا ،وقضاء
عن رمضان سابق،وكفارة عن يمين أوغيره ،ولنذر يوم معين أو يوم قدوم شخص مثلً ،فصادف يوم
الشك .ويندب المساك (الكف عن المفطر) يوم الشك ليتحقق الحال ،فإن ثبت رمضان وجب المساك
لحرمة الشهر ،ولو لم يكن أمسك أولً.
وقال الشافعية ( : )1يوم الشك :هو يوم الثلثين من شعبان في حال الصحو ،إذا تحدث الناس برؤية
الهلل ليلته ،ولم يعلم من رآه ،ولم يشهد برؤيته أحد ،أو شهد بها صبيان أو عبيد أو فسقة أو نساء،
وظن صدقهم ،أو شهد شخص عدل ولم يكتف به .وليس إطباق الغيم بشك ،كما أنه إذا لم يتحدث أحد
من الناس بالرؤية فليس بشك ،بل هو يوم من شعبان ،وإن أطبق الغيم ،لخبر الصحيحين المتقدم:
«فإن غم عليكم ،فأكملوا عدة شعبان ثلثين» .
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.433/1،438 :
( )3/16
وحكمه :أنه يحرم ول يصح التطوع بالصوم يوم الشك ،ولقول عمار بن ياسر رضي ال عنه« :من
صام يوم الشك ،قد عصى أبا القاسم صلّى ال عليه وسلم » ( . )1وحكمة التحريم :توفير القوة على
صوم رمضان ،وضبط زمن الصوم وتوحيده بين الناس ،دون زيادة .وكذلك يحرم صوم يوم أو
يومين قبل رمضان ،والظهر أنه يلزم المساك من أكل يوم الشك ،ثم ثبت كونه من رمضان ،لن
صومه واجب عليه ،إل أنه جهله.
ويجوز صوم يوم الشك عن القضاء والنذر والكفارة ،ولموافقة عادة تطوعه ،ونحوه مما له سبب
يقتضي الصوم ،على الصح مسارعة لبراءة الذمة ،فيما عدا العتياد ،وعملً في العتياد بالحديث
المتقدم ...« :إل رجل كان يصوم صوما ،فليصمه» ويجب المساك على من أصبح يوم الشك
مفطرا ،ثم تبين أنه من رمضان ،ثم يقضيه بعد رمضان فورا ،وإن صامه مترددا بين كونه نفلً من
شعبان أو فرضا من رمضان،لم يصح فرضا ول نفلً إن ظهر أنه من رمضان.
وقال الحنابلة ( : )2يوم الشك :هو يوم الثلثين من شعبان إذا لم ير الهلل ليلته ،مع كون السماء
صحوا ل علة فيها من غيم أو قَتَر ونحوهما ،أو شهد برؤية الهلل من ردت شهادته لفسق ونحوه،
فهم في تحديده كالشافعية.
وحكمه كما قال المالكية :يكره ويصح صوم يوم الشك بنية الرمضانية احتياطا ،ول يجزئ إن ظهر
منه ،إل إذا وافق عادة له ،أو وصله بصيام قبله ،فل كراهة ،للحديث المتقدم« :ل تقدموا رمضان
بصوم يوم أو يومين ،إل رجل كان يصوم صوما ،فليصمه» وإل أن يصومه عن قضاء أو نذر أو
كفارة ،فل كراهة؛ لن صومه واجب إذا .وإن صامه موافقة لعادة ثم تبين أنه من رمضان ،فل
يجزئه عنه ،ويجب عليه المساك فيه ،وقضاء يوم بعده .والخلصة :إن صوم يوم الشك مكروه عند
الجمهور ،حرام عند الشافعية.
-------------------------------
( )1رواه أصحاب السنن الربعة ،وصححه الترمذي وغيره.
( )2المغني ،89/3 :كشاف القناع 351،398-350/2 :ومابعدها.
( )3/17
- ً 3صوم عيد الفطر والضحى وأيام التشريق بعده :مكروه تحريما عن الحنفية ،حرام ل يصح عند
باقي الئمة ( ، )1سواء أكان الصوم فرضا أم نفلً ،ويكون عاصيا إن قصد صيامها ،ول يجزئه عن
الفرض لما روى أبو هريرة« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن صيام يومين :يوم فطر ،
ويوم أضحى» ( )2والنهي عند غير الحنفية يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه .وروى مسلم في
صحيحه عن النبي صلّى ال عليه وسلم « :أيام منى أيام أكل وشرب وذكْر ال تعالى» .وقصر
المالكية تحريم صوم التشريق على يومين بعد الضحى ،وقال الجمهور :ثلثة أيام بعده ،وأما صوم
اليوم الرابع عند المالكية فمكروه فقط.
وتحريم الصوم في أيام العيدين عند الشافعية ،ولو لمتمتع بالحج والعمرة ،للنهي عن صيامها كما رواه
أبو داود بإسناد صحيح .واستثنى الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) حالة الحج للمتمتع والقارن،
فأجازوا لهما صيامهما ،لقول ابن عمر وعائشة:
-------------------------------
( )1الدر المختار ،114/2 :مراقي الفلح :ص ،106القوانين الفقهية :ص ،114مغني المحتاج:
،433/1المهذب ،189/1 :المغني ،163/3 :كشاف القناع.399/2 :
( )2متفق عليه ،وعن أبي سعيد الخدري عند الشيخين (البخاري ومسلم) مثله.
( )3/18
( )3/19
فقال الحنفية ( : )1الصوم المكروه قسمان :مكروه تحريما ،ومكروه تنزيها .والمكروه تحريما :هو
صوم أيام العيدين والتشريق وصوم يوم الشك ،لورود النهي السابق عن صيامها ،فإذا صامها انعقد
صومه مع الثم ،ول يلزم القضاء لمن شرع في صومه وأفسده ،لن المبدأ الصولي عندهم هو أن
النهي المتوجه إلى وصف من أوصاف العمل اللزم له يقتضي فساد الوصف فقط ،ويبقى أصل العمل
على مشروعيته.
والمكروه تنزيها :هو إفراد صيام يوم عاشوراء (العاشر من المحرم) عن التاسع أوعن الحادي عشر،
وإفراد يوم الجمعة في قول البعض ،ويوم السبت ،ويوم النيروز (يوم في طرف الربيع) والمهرجان
(يوم في طرف الخريف) بالصوم إل أن يوافق ذلك عادته ،فتزول علة الكراهة ،أما الجمعة فلقوله
صلّى ال عليه وسلم « :ل تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ،ول تختصوا يوم الجمعة بصيام
من بين اليام إل أن يكون في صوم يصومه أحدكم» ( . )2وأما السبت :فلقوله صلّى ال عليه وسلم :
«ل تصوموا يوم السبت إل فيما افترض عليكم ،فإن لم يجد أحدكم إل لحاء عنبة أو عود شجرة،
فليمضغه» ( . )3وأما النيروز والمهرجان فلن فيه تعظيم أيام نهينا عن تعظيمها.
ويكره تنزيها أيضا صوم الدهر؛ لنه يضعفه ،ولحديث «ل صام من صام البد» ( )4ويكره صوم
الصمت :وهو أن يصوم ول يتكلم بشيء ،وعليه أن يتكلم بخير وبحاجة دعت إليه .ويكره صوم
الوصال ولو بين يومين فقط ،وهو أل يفطر بعد الغروب أصلً حتى يتصل صوم الغد بالمس ،للنهي
عنه ،قال صلّى ال عليه وسلم « :إياكم والوصال» ( )5وقالت عائشة« :نهاهم النبي صلّى ال عليه
وسلم عن الوصال رحمة لهم ،فقالوا :إنك تواصل؟ قال :إني لست كهيئتكم ،إني يطعمني ربي
ويسقيني» (. )6
ويكره صوم المسافر إذا أجهده الصوم ،وصوم المرأة تطوعا بغير رضا زوجها ،وله أن يفطرها،
لقيام حقه واحتياجه ،إل أن يكون مريضا أو صائما أو محرما بحج أو عمرة.
وقال المالكية ( : )7قال العلمة خليل :يندب صوم الدهر ول يكره ،للجماع على لزومه لمن نذره،
ولو كان مكروها أو ممنوعا لما لزم على القاعدة ،ويندب صوم يوم الجمعة ول يكره لن محل النهي
عن ذلك على خوف فرضه ،وقد انتفت هذه العلة بوفاته عليه الصلة والسلم ،وقال ابن جزي:
المكروه :صوم الدهر ،وصوم يوم الجمعة خصوصا إل أن يصوم يوما قبله ،أو يوما بعده ،وصوم
السبت خصوصا ،وصوم يوم عرفة بعرفة ،وصوم يوم الشك :وهو آخر يوم من شعبان احتياطا إذا لم
يظهر الهلل .وصوم اليوم الرابع من النحر ،إل لقارن أو متمتع أو لمن لزمه هدي لنقص في الحج،
أو في حالة النذر والكفارات ،فل يكره.
-------------------------------
( )1الدر المختار 114/2 :ومابعدها ،مراقي الفلح :ص .106
( )2رواه مسلم ،ورواه الجماعة عن أبي هريرة بلفظ «ل تصوموا يوم الجمعة إل وقبله يوم أو بعده
يوم» (نيل الوطار.)249/4 :
( )3رواه أحمد وأصحاب السنن إل النسائي عن عبد ال بن ُبسْر عن أخته الصماء (نيل الوطار:
.)251/4
( )4متفق عليه بين أحمد والشيخين عن عبد ال بن عمرو (نيل الوطار.)254/4 :
( )5متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار.)219/4 :
( )6متفق عليه (نيل الوطار.)219/4 :
( )7القوانين الفقهية :ص ،115،119الشرح الصغير ،723-694،722-686/1،692 :الشرح
الكبير مع الدسوقي. 534/1 :
( )3/20
ويكره صوم التطوع لمن عليه صوم واجب كالقضاء ،وصوم الضيف بدون إذن المضيف ،وصوم
يوم المولد النبوي ،لنه شبيه بالعياد.
ويكره نذر صوم يوم مكرر ككل خميس ،لن التزام يوم متكرر أو دائم يؤدي إلى التثاقل والندم،
فيكون لغير الطاعة أقرب .ويكره تطوع بصوم قبل صوم واجب غير معيّن ،كقضاء رمضان وكفارة.
أما المعين فل يكره التطوع فيه .ويكره تعيين صوم الثلثة البيض من كل شهر وهي الثالث عشر
وتالياه ،فرارا من التحديد ،كما يكره صوم ستة من شوال إن وصلها بالعيد مظهرا لها ،ول يكره إن
فرقها أو أخرها أو صامها سرا ،لنتفاء علة اعتقاد الوجوب.
( )3/21
وقال الشافعية ( : )1يكره إفراد الجمعة بالصوم ،وإفراد السبت والحد بالصوم ،وصوم الدهر غير
العيد والتشريق لمن خاف به ضررا أو فوت حق واجب أو مستحب ،للنهي المتقدم عنها في الحاديث
السابقة ،ولخبر البخاري« :إن لربك عليك حقا ،ولهلك عليك حقا ،ولجسدك عليك حقا» ،وعليه حمل
خبر الصحيحين« :ل صام من صام البد» .
ويستحب صوم الدهر لمن لم يخف ضررا أو فوت حق ،لطلق الدلة ،ولنه صلّى ال عليه وسلم
قال« :من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا ،وعقد تسعين» (. )2
وهذا موافق لمذهب الحنابلة أيضا.
ويكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة ورأى الجمهور أن
الحديث في صوم الدهر على ظاهره ،وحملوه على من صام اليام المنهي عنها .شديدة ،وقد يحرم
صومهم إذا خافوا الهلك أو تلف عضو بترك الغذاء .ول يكره صوم يوم النيروز والمهرجان.
وقال الحنابلة ( : )3مثل الشافعية؛ وزادوا أنه يكره صوم الوصال :وهو أل يفطر بين اليومين،
وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها ،ويكره صوم بسفر قصر ولو بل مشقة ،فلو سافر ليفطر حرم
السفر والفطر .ويكره إفراد رجب بالصوم؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «نهى عن صيامه» (، )4
ولن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه ،وتزول الكراهة بفطره فيه ،ولو يوما ،أو بصومه شهرا آخر
من السنة ،وليكره إفراد شهر غير رجب بالصوم.
ويكره إفراد يوم نيروز (اليوم الرابع من الربيع) ويوم مهرجان (اليوم التاسع عشر من الخريف)
بالصوم ،وهما عيدان للكفار ،لما فيه من موافقة الكفار في تعظيمهما.
ويكره أيضا صوم يوم الشك ،كما سبق ،وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ،ول يكره تقدمه بأكثر
من يومين.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 447/1 :ومابعدها ،المهذب 188/1 :ومابعدها.
( )2رواه البيهقي وأحمد ،ومعنى «ضيقت عليه» أي عنه ،فلم يدخلها ،أو ل يكون له فيها موضع
(نيل الوطار)255/4 :
( )3كشاف القناع ،399-397/2 :غاية المنتهى.334/1 :
( )4رواه ابن ماجه عن ابن عباس ،وهو ضعيف .وكل حديث روي في فضل صوم رجب أو الصلة
فيه فكذب باتفاق أهل العلم.
( )3/22
( )3/23
- 3صوم يوم الثنين والخميس من كل أسبوع ،لقول أسامة بن زيد إن النبي صلّى ال عليه وسلم
كان يصوم يوم الثنين والخميس ،فسئل عن ذلك فقال« :إن أعمال الناس تعرض يوم الثنين ويوم
الخميس» ( ، )1وفي لفظ« :وأحب أن ُيعْرَض عملي وأنا صائم» .
- 4صوم ستة أيام من شوال ،ولو متفرقة ،ولكن تتابعها أفضل عقب العيد مبادرة إلى العبادة،
ويحصل له ثوابها ولو صام قضاء أو نذرا أو غير ذلك ،فمن صامها بعد أن صام رمضان ،فكأنما
صام الدهر فرضا ،لما روى أبو أيوب «من صام رمضان ،ثم أتبعه ستا من شوال ،فذاك صيام
الدهر» ( )2وروى ثوبان« :صيام شهر بعشرة أشهر ،وصيام ستة أيام بشهرين ،فذلك سنة» ()3
يعني أن الحسنة بعشر أمثالها ،الشهر بعشرة أشهر ،والستة بستين ،فذلك سنة كاملة.
- 5صوم يوم عرفة :هو تاسع ذي الحجة لغير الحاج ،لخبر مسلم« :صيام يوم عرفة أحتسب على
ال أنه يكفر السنة التي قبلها ،والسنة التي بعده» وهو أفضل اليام لخبر مسلم« :ما من يوم أكثر من
أن يعتق ال فيه من النار من يوم عرفة» ،وأما قوله صلّى ال عليه وسلم « :خير يوم طلعت فيه
الشمس يوم الجمعة» فمحمول على غير يوم عرفة بقرينة ما ذكر (. )4
أما الحاج فل يسن له صوم يوم عرفة ،بل يسن له فطره وإن كان قويا ،ليقوى على الدعاء ،واتباعا
للسنة ،كما روى الشيخان ،فصومه له خلف الولى ،قال
-------------------------------
( )1رواه أبو داود.
( )2رواه الجماعة إل البخاري والنسائي ،ورواه أحمد من حديث جابر (نيل الوطار.)237/4 :
( )3رواه سعيد بن منصور بإسناده عن ثوبان.
( )4قيل :المكفر الصغائر دون الكبائر ،ورد عليه :وهذا تحكم يحتاج إلى دليل ،والحديث عام ،وفضل
ال واسع ل يحجر.
( )3/24
أبو هريرة رضي ال عنه« :نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات» ()1
.ول بأس بصومه للحاج عند الحنفية إذا لم يضعفه الصوم.
- 6صوم اليام الثمانية من ذي الحجة قبل يوم عرفة للحاج وغيره ،لقول حفصة« :أربع لم يكن
يدعُهنّ رسول ال صلّى ال عليه وسلم :صيام عاشوراء ،والعشر ،وثلثة أيام من كل شهر،
والركعتين قبل الغداة» ( )2وقد تقدم في بحث «صلة العيدين» أحاديث تدل على فضيلة العمل في
عشر ذي الحجة عموما ،والصوم مندرج تحتها.
- 7صوم تاسوعاء وعاشوراء :وهما التاسع والعاشر من شهر المحرم ،ويسن الجمع بينهما ،لحديث
ابن عباس مرفوعا« :لئن بقيت إلى قابل لصومن التاسع والعاشر» ( )3ويتأكد صيام عاشوراء لقوله
صلّى ال عليه وسلم فيه« :أحتسب على ال تعالى أن يكفر السنة التي قبله» ( ، )4وإنما لم يجب
صومه لخبر الصحيحين« :إن هذا اليوم يوم عاشوراء ،ولم يكتب عليكم صيامه ،فمن شاء فليصم،
ومن شاء فليفطر» وحملوا الخبار الواردة بالمر بصومه على تأكد الستحباب.
والحكمة من صيام عاشوراء :ما بينه ابن عباس ،قائلً« :قدم النبي صلّى ال عليه وسلم ،
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه (نيل الوطار.)239/4 :
( )2رواه أحمد وأبو داود والنسائي (نيل الوطار.)238/4 :
( )3رواه الخلل بإسناد جيد ،واحتج به أحمد ،وروى مسلم« :لئن بقيت إلى قابل لصومن اليوم
التاسع» .
( )4روى الجماعة إل البخاري والترمذي عن أبي قتادة قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :
«صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ،وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» وحكمة
التفرقة :أن عرفة يوم محمدي :يعني أن صومه مختص بأمة محمد صلّى ال عليه وسلم ،وعاشوراء
يوم موسوي ،ونبينا محمد صلّى ال عليه وسلم أفضل النبياء صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين (نيل
الوطار ،)238/4 :وأحتسب :أطلب الجر والثواب.
( )3/25
فرأى اليهود تصوم عاشوراء ،فقال :ما هذا؟ قالوا :يومٌ صالح ،نجّى ال فيه موسى وبني إسرائيل من
عدوهم ،فصامه موسى ،فقال :أنا أحق بموسى منكم ،فصامه ،وأمر بصيامه» (. )1
فإن لم يصم مع عاشوراء تاسوعاء ،سن عند الشافعية أن يصوم معه الحادي عشر ،بل نص الشافعي
في الم والملء على استحباب صوم الثلثة .وذكر الحنابلة أنه إن اشتبه على المسلم أول الشهر،
صام ثلثة أيام ،ليتيقن صومها .وتاسوعاء وعاشوراء آكد شهر ال المحرم.
ول يكره عند الجمهور غير إفراد العاشر بالصوم.
- 8صيام الشهر الحرم ـ وهي أربع :ثلثة متوالية؛ وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ،وواحد
منفرد وهو رجب ،وهي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان ،وأفضل الشهر الحرم :المحرم ،ثم
رجب ،ثم باقي الحرم ،ثم بعد الحرم شعبان.
واستحباب صوم هذه الشهر هو عند المالكية والشافعية ( ، )2واكتفى الحنابلة باستحباب صوم
المحرم ،فهو عندهم أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :أفضل
الصلة بعد المكتوبة جوف الليل ،وأفضل الصيام بعد رمضان شهر ال المحرّم» ( ، )3وأفضل
المحرم يوم عاشوراء ،كما تقدم .وقال الحنفية :المندوب في الشهر الحرم أن يصوم ثلثة أيام من كل
منها ،وهي الخميس والجمعة والسبت.
-------------------------------
( )1متفق عليه (نيل الوطار.)241/4 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،114الحضرمية :ص .118
( )3رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة.
( )3/26
- 9صوم شعبان :لحديث أم سلمة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما
إل شعبان يصل به رمضان ( ، )1وعن عائشة قالت« :لم يكن النبي صلّى ال عليه وسلم يصوم أكثر
من شعبان ،فإنه كان يصومه كله» ( )2وكره قوم صوم النصف الخر من شعبان ،وقال الشافعية :ل
يصح صومه ،للحديث المتقدم« :إذا انتصف شعبان فل تصوموا» .
آراء المذاهب في الصوم المندوب:
للفقهاء تصنيفات ليام الصوم المتطوع بها ،هي ما يأتي:
قال الحنفية ( : )3صوم التطوع أنواع ثلثة :مسنون ،ومندوب ،ونفل :والمسنون :هو ما واظب عليه
النبي صلّى ال عليه وسلم ،والمندوب أو المستحب :هو مالم يواظب عليه صلّى ال عليه وسلم ،وإن
لم يفعله بعدما رغب إليه .والنفل :ما سوى ذلك وهو ما رغب فيه الشرع من مطلق الصوم.
أما المسنون :فهو صوم عاشوراء مع التاسع.
وأما المندوب :فهو صوم ثلثة أيام من كل شهر ،ويندب كونها اليام البيض :وهي الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر ،وصوم الثنين والخميس ،وصوم ست من شوال ول يكره التتابع على
المختار ،وكل صوم ثبت طلبه والوعد عليه بالسنة كصوم داود عليه السلم .ومنه صوم يوم الجمعة
ولو منفردا ،فل بأس بصيامه عند أبي حنيفة ومحمد ،لما روي عن ابن عباس أنه كان يصومه ول
يفطر.
ومنه صوم يوم عرفة ،ولو لحاج لم يضعفه عن الوقوف بعرفات ،ول يخل بالدعوات ،فلو أضعفه
كره.
وأما النفل :فهو ما سوى ذلك مما لم يثبت كراهيته.
وذكر الحنفية تصنيفا آخر ،فقالوا:
-------------------------------
( )1رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) ولفظ ابن ماجه« ،كان يصوم شهري شعبان ورمضان»
(نيل الوطار.)245/4 :
( )2متفق عليه (المصدر والمكان السابق).
( )3الدر المختار ورد المحتار ،171 ،116-113/2 :مراقي الفلح :ص 105ومابعدها.
( )3/27
أنواع الصوم اللزم ثلثة عشر :سبعة متتابعة :وهي رمضان ،وكفارة ظهار وقتل ،ويمين ،وإفطار
رمضان بل عذر ،ونذر معين ،وصوم اعتكاف واجب ،وستة يخير فيها بين التتابع والتفريق وهي:
صوم النفل ،وقضاء رمضان ،وصوم القران والتمتع في الحج إذا عجز عن الذبح ،وفدية حلق،
وجزاء صيد ،ونذر مطلق عن التقييد بشهر كذا وعن التتابع أو نيته.
وقال المالكية ( : )1التطوع ثلثة أنواع :سنة ومستحب ونافلة ،فهم كالحنفية.
فالسنة :صيام يوم عاشوراء :وهو عاشر المحرم.
والمستحب :صيام الشهر الحرم وشعبان والعشر الول من ذي الحجة ،ويوم عرفة ،وستة أيام من
شوال ،وثلثة أيام من كل شهر ،ويوم الثنين والخميس.
والنافلة :كل صوم لغير وقت ول سبب في غير اليام التي يجب أو يمنع.
وذكر الشافعية ( : )2أن صوم التطوع المؤكد قسمان :قسم ل يتكرر كصوم الدهر .وقسم يتكرر،
وهو أنواع ثلثة:
الول ـ ما يتكرر بتكرر السنين :وهو صوم يوم عرفة لغير الحاج والمسافر ،وعشر ذي الحجة،
وعاشوراء وتاسوعاء ،والحادي عشر من المحرم ،وست من شوال ويسن تواليها واتصالها بالعيد.
وسن صوم الشهر الحرم (وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) وكذا يسن صوم شعبان.
الثاني ـ مايتكرر بتكرر الشهور :وهي اليام البيض :وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس
عشر من كل شهر ،واليام السود :وهي الثامن والعشرون وتالياه ،وعند نقص الشهر يعوض عنه
أول الشهر ،ويسن أن يصوم معها السابع والعشرين احتياطا.
وخصت أيام البيض وأيام السود بذلك لتعميم ليالي الولى بالنور والثانية بالسواد ،فناسب صوم الولى
شكرا ،والثانية لطلب كشف السواد ،ولن الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل ،فناسب تزويده بذلك.
الثالث ـ ما يتكرر بتكرر السابيع :وهو الثنين والخميس.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،114بداية المجتهد.118-298/1 :
( )2مغني المحتاج 446/1 :ومابعدها ،الحضرمية :ص .118
( )3/28
( )3/29
ويسن صوم المُحرّم ،وهو أفضل الصيام بعد رمضان ،وآكده عاشوراء وهو كفارة سنة ( ، )1ثم
تاسوعاء ،ول يكره إفراد العاشر بالصوم .ويسن صوم أيام عشر ذي الحجة ،وهي أفضل من العشر
الخير من رمضان ،وآكده يوم عرفة ،وهو كفارة سنتين ،والمراد كفارة الصغائر ،فإن لم تكن رُجي
تخفيف الكبائر ،فإن لم تكن فرفع درجات.
ول يستحب صيام يوم عرفة لمن كان بعرفة من الحاج ،بل فطره أفضل ،لما روت أم الفضل بنت
الحارث «أنها أرسلت إلى النبي صلّى ال عليه وسلم بقدح لبن ،وهو واقف على بعيره بعرفة،
فشرب» ( ، )2وأخبر ابن عمر أنه «حج مع النبي صلّى ال عليه وسلم ،ثم أبي بكر ،ثم عمر ،ثم
عثمان ،فلم يصمه أحد منهم» ولنه يُضعف عن الدعاء ،فكان تركه أفضل.
ويكره إفراد رجب بالصوم ،لما تقدم سابقا في الصوم المكروه .ول يكره إفراد شهر غير رجب
بالصوم؛ لنه صلّى ال عليه وسلم «كان يصوم شعبان ورمضان» أي أحيانا ،إذ لم يداوم على غير
رمضان.
هل يلزم التطوع بالشروع فيه؟
للفقهاء نظريتان في هذا الموضوع ،الولى للحنفية والمالكية ،والثانية للشافعية والحنابلة:
-------------------------------
( )1وينبغي فيه التوسعة على العيال ،قال إبراهيم بن محمد بن المنتشر ،وكان أفضل أهل زمانه ،أنه
بلغه «من وسع على عياله يوم عاشوراء ،وسّع ال عليه سائر سنته» .
( )2متفق عليه.
( )3/30
قال الفريق الول ( : )1من دخل في صوم التطوع أو في صلة التطوع ،لزمه إتمامه ،فإن أفسده
قضاه وجوبا ،كما أنه إذا سافر عمدا فأفطر لسفره ،فعليه القضاء ،لن المؤدى قربة وعمل صار ل
تعالى ،فتجب صيانته بالمضي فيه عن البطال ،ول سبيل إلى صيانة ما أداه إل بلزوم الباقي ،وإذا
وجب المضي وجب القضاء ،ولن الوفاء بالعقد مع ال واجب ،وحله حرام في كل عبادة يتوقف أولها
على آخرها ،لقوله تعالى{ :ول تبطلوا أعمالكم} [محمد ]33/47:وقال مالك :ل ينبغي أن يفطر من
صام متطوعا ،إل من ضرورة ،وبلغني أن ابن عمر قال :من صام متطوعا ،ثم أفطر من غير
ضرورة ،فذلك الذي يلعب بدينه ،وقياسا على النذر ،فإن النفل ينقلب واجبا بالنذر ،ويجب أداؤه ،لكن
ذكر الحنفية أنه إذا شرع متطوعا في خمسة أيام :يومي العيدين وأيام التشريق ،فل يلزمه قضاؤها في
ظاهر الرواية.
وقال الفريق الثاني ( : )2من دخل في تطوع غير حج وعمرة كأن شرع في صوم أو صلة أو
اعتكاف أو طواف أو وضوء أو قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها ،أو التسبيحات عقب
الصلة ،فل يلزمه إتمامه ،وله قطعه ،ول قضاء عليه ،ول مؤاخذة في قطعه لكن يستحب له إتمامه،
لنه تكميل العبادة ،وهو مطلوب ،ويكره الخروج منه بل عذر ،لظاهر قوله تعالى{ :ول تبطلوا
أعمالكم} [محمد ]33/47:وللخروج من خلف من أوجب إتمامه ،ولما فيه من تفويت الجر.
فإن وجد عذر كمساعدة ضيف في الكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه ،أو عكسه ،فل يكره
الخروج منه ،بل يستحب لخبر« :وإن ل َزوْرك عليك حقا» والزور :الزائرون ،وخبر «من كان يؤمن
بال واليوم الخر ،فليكرم ضيفه» (. )3
ودليلهم على عدم لزوم النفل بالشروع فيه في الصوم :قوله صلّى ال عليه وسلم « :الصائم المتطوع
أمير نفسه ،إن شاء صام ،وإن شاء أفطر» ( )4وتقاس الصلة وبقية النوافل غير الحج والعمرة على
الصوم ،ولن أصل مشروعية النفل غير لزم ،والقضاء يتبع المقضي عنه ،فإذا لم يكن واجبا ،لم
يكن القضاء واجبا ،بل يستحب ،وروي جواز قطع صوم التطوع عن ابن عمر وابن عباس وابن
مسعود.
أما التطوع بالحج أو العمرة فيحرم قطعه ،لمخالفته غيره في لزوم التمام ،والكفارة بالجماع ،لن
الوصول إليهما ل يحصل في الغالب إل بعد كلفة عظيمة ،ومشقة شديدة ،وإنفاق مال كثير ،ففي
إبطالهما تضييع لماله ،وإبطال لعماله الكثيرة.
المبحث الثالث ـ متى يجب الصوم ،وكيفية إثبات هلل الشهر واختلف المطالع؟:
وفيه مطالب ثلثة:
المطلب الول ـ متى يجب الصوم؟
يجب الصوم بأحد أمور ثلثة (. )5
الول ـ النذر :بأن ينذر المرء صوم يوم أو شهر تقربا إلى ال تعالى ،فيجب عليه بإيجابه على
نفسه ،ويكون سبب صوم المنذور هو النذر ،فلو عين شهرا أو يوما ،وصام شهرا أو يوما قبله عنه،
أجزأه ،لوجود السبب ،ويلغو التعيين.
-------------------------------
( )1اللباب شرح الكتاب 171/1 :ومابعدها ،فتح القدير ،105 ،85/2 :الدر المختار ،164/2 :شرح
الرسالة لبن أبي زيد القيرواني ،296/1 :فواتح الرحموت ،114/1 :كشف السرار.632/1 :
( )2مغني المحتاج ،448 ،437/1 :كشاف القناع ،400/2 :المغني 151/3 :ومابعدها ،شرح المحلي
على جمع الجوامع ،69/1 :غاية الوصول للنصاري :ص ،12أصول الفقه السلمي للمؤلف1 ،ص
79ومابعدها ،ط ثانية بدار الفكر.
( )3رواهما الشيخان.
( )4رواه أحمد وصححه من حديث أم هانئ ،وقال الحاكم :صحيح السناد ،وضعفه البخاري.
( )5الدر المختار ورد المحتار ،111/2 :مغني المحتاج ،420/1 :الشرح الكبير ،509/1 :كشاف
القناع.349/2 :
( )3/31
الثاني ـ الكفارات :عن معصية ارتكبها المرء ،كالقتل الخطأ ،وحنث اليمين ،وإفطار رمضان
بالجماع نهارا ،والظهار ،ويكون سبب الصوم هو القتل أو الحنث أو الفطار ،أو المظاهرة.
الثالث ـ شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو نهار على المختار عند الحنفية ،فيكون السبب
شهود الشهر.
ويجب صوم رمضان :إما برؤية هلله إذا كانت السماء صحوا ،أو بإكمال شعبان ثلثين يوما إذا
وجد غيم أوغبار ونحوهما ،لقوله تعالى{ :فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة ]185/2:وقوله صلّى
ال عليه وسلم « :صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلثين» ()1
وفي لفظ البخاري« :الشهر تسع وعشرون ليلة ،فل تصوموا حتى تروه ،فإن غم عليكم فأكملوا العدة
ثلثين» وفي لفظ لمسلم« :أنه ذكر رمضان ،فضرب بيده ،فقال :الشهر هكذا وهكذا وهكذا ،ثم عقد
إبهامه في الثالثة ،صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فاقدُروا ثلثين» وقد يقع نقص
الشهر أي تسعة وعشرين يوما مدة شهرين أو ثلثة أو أربعة فقط ،كما في شرح مسلم للنووي ،ول
تثبت بقية توابع رمضان كصلة التراويح ووجوب المساك على من أصبح مفطرا إل برؤية الهلل،
أو إكمال شعبان ثلثين يوما.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ،ورواه البخاري عن ابن عمر ،ورواه مسلم والنسائي وابن
ماجه عن ابن عمر أيضا بلفظ آخر ،ورواه أحمد والنسائي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب،
ورواه أحمد والنسائي والترمذي بمعناه وصححه عن ابن عباس ،وروي عن آخرين (نيل الوطار:
.)192-188/4
( )3/32
المطلب الثاني ـ كيفية إثبات هلل رمضان وهلل شوال:
تتردد أقوال الفقهاء في طريق إثبات هلل رمضان وشوال بين اتجاهات ثلثة :رؤية جمع عظيم،
ورؤية مسلمين عدلين ،ورؤية رجل عدل واحد.
أما الحنفية ( )1فقالوا:
أ ـ إذا كانت السماء صحوا :فل بد من رؤية جمع عظيم لثبات رمضان ،والفطر أو العيد ،ومقدار
الجمع :من يقع العلم الشرعي (أي غلبة الظن) بخبرهم ،وتقديرهم مفوض إلى رأي المام في الصح؛
واشتراط الجمع لن المَطْلع متحد في ذلك المحل ،والموانع منتفية ،والبصار سليمة ،والهمم في طلب
الهلل مستقيمة ،فالتفرد في الرؤية من بين الجم الغفير ـ مع ذلك ـ ظاهر في غلط الرأي.
ول بد من أن يقول الواحد منهم في الدلء بشهادته« :أشهد» .
ب ـ وأما إذا لم تكن السماء صحوا بسبب غيم أو غبار ونحوه ،فيكتفي المام في رؤية الهلل
بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ( ،والعدل :هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور الحال في
الصحيح ،رجلً كان أو امرأة ،حرا أم غيره ،لنه أمر ديني ،فأشبه رواية الخبار .ول يشترط في
هذه الحالة أن يقول« :أشهد» وتكون الشهادة في مصر أمام القاضي ،وفي القرية في المسجد بين
الناس.
وتجوز الشهادة على الشهادة ،فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى الهلل.
ومن رأى الهلل وحده ،صام ،وإن لم يقبل المام شهادته ،فلوأفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة.
ول يعتمد على ما يخبر به أهل الميقات والحساب والتنجيم ،لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلة
والتسليم؛ لنه وإن صح الحساب أو الرصد ،فلسنا مكلفين شرعا إل بالرؤية العادية.
-------------------------------
( )1رسائل ابن عابدين ،253/1 :الدر المختار ،130-123/2 :مراقي الفلح :ص 108ومابعدها،
اللباب.164/1 :
( )3/33
وقال المالكية ( : )1يثبت هلل رمضان بالرؤية على أوجه ثلثة هي ما يأتي:
ً - 1أن يراه جماعة كثيرة وإن لم يكونوا عدولً :وهم كل عدد يؤمن في العادة تواطؤهم على
الكذب .ول يشترط أن يكونوا ذكورا أحرارا عدولً.
عدْلن فأكثر :فيثبت بهما الصوم والفطر في حالة الغيم أو الصحو .والعدل :هو الذكر
ً - 2أن يراه َ
الحر البالغ العاقل الذي لم يرتكب معصية كبيرة ولم يصر على معصية صغيرة ،ولم يفعل ما يخل
بالمروءة .فل يجب الصوم في حالة الغيم برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتين على المشهور،
ويجب الصوم قطعا على الرائي في حق نفسه .وتجوز الشهادة بناء على شهادة العدلين إذا نقل الخبر
عن كل واحد اثنان ،ول يكفي نقل واحد .ول يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم لفظ «أشهد» .
ً - 3أن يراه شاهد واحد عدل :فيثبت الصوم والفطر له في حق العمل بنفسه أو في حق من أخبره
ممن ل يعتني بأمر الهلل ،ول يجب على من يعتني بأمر الهلل الصوم برؤيته ،ول يجوز الفطار
بها ،فل يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلل برؤية عدل فقط .ول يشترط في الواحد الذكورة ول
الحرية .فإن كان المام هو الرائي وجب الصوم والفطار.
ويجب على العدل أو العدلين رفع المر للحاكم أنه رأى الهلل ليفتح باب الشهادة ،ولنه قد يكون
الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.
أما هلل شوال :فيثبت برؤية الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد خبرها العلم أو
برؤية العدلين كما هو الشأن في إثبات هلل رمضان.
ول يثبت الهلل بقول منجّم أي حاسب يحسب سير القمر ،ل في حق نفسه ول غيره؛ لن الشارع
أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلل ،ل بوجوده إن فرض صحة قوله ،فالعمل بالمراصد الفلكية
وإن كانت صحيحة ل يجوز ،وليطلب شرعا ،كما تقدم.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص 115ومابعدها ،الشرح الصغير 682/1 :ومابعدها ،الشرح الكبير509/1 :
ومابعدها.
( )3/34
وقال الشافعية ( : )1تثبت رؤية الهلل لرمضان أو شوال أو غيرهما بالنسبة إلى عموم الناس برؤية
شخص عدل ،ولو مستور الحال ،سواء أكانت السماء مصحية أم ل ،بشرط أن يكون الرائي عدلً
مسلما بالغا عاقلً حرا ذكرا ،وأن يأتي بلفظ «أشهد» فل تثبت برؤية الفاسق والصبي والمجنون
والعبد والمرأة .ودليلهم :أن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما رأى الهلل ،فأخبر رسول ال صلّى ال
عليه وسلم بذلك ،فصام وأمر الناس بصيامه ( . )2وعن ابن عباس رضي ال عنهما ،قال« :جاء
أعرابي إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم فقال :إني رأيت هلل رمضان ،فقال :أتشهد أن ل إله إل
ال ؟ قال :نعم ،قال :تشهد أن محمدا رسول ال ؟ قال :نعم ،قال :يا بلل ،أذن في الناس ،فليصوموا
غدا» ( )3والمعنى في ثبوته بالواحد الحتياط للصوم.
أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم ،ولو لم يكن عدلً (أي فاسقا) أو كان صبيا أو امرأة أو كافرا ،أو
لم يشهد عند القاضي ،أو شهد ولم تسمع شهادته ،كما يجب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته.
وإذا صمنا برؤية عدل ،ولم نر الهلل ثلثين،أفطرنا في الصح ،وإن كانت السماء صحوا ،لكمال
العدد بحجة شرعية.
-------------------------------
( )1المهذب ،179/1 :مغني المحتاج.422-420/1 :
( )2رواه أبو داود وصححه ابن حبان ،ورواه الحاكم وقال :على شرط مسلم.
( )3صححه ابن حبان والحاكم ورواه أبو داود والترمذي.
( )3/35
وقال الحنابلة ( : )1يقبل في إثبات هلل رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهرا وباطنا ذكرا أو أنثى
حرا أو عبدا ،ولو لم يقل :أشهد أو شهدت أني رأيته ،فل يقبل قول مميز ول مستور الحال لعدم الثقة
بقوله في الغيم والصحو ،ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره منهم غيره .ودليلهم الحديث المتقدم
أنه صلّى ال عليه وسلم صوّم الناس بقول ابن عمر ،ولقبوله خبر العرابي السابق به ،ولنه خبر
ديني وهو أحوط ،ول تهمة فيه ،بخلف آخر الشهر ،ولختلف حال الرائي والمرئي ،فلو حكم حاكم
بشهادة واحد ،عمل بها وجوبا .ول يعتبر لوجوب الصوم لفظ الشهادة ،وليختص بحاكم ،فيلزم الصوم
من سمعه من عدل .ول يجب على من رأى الهلل إخبار الناس أو أن يذهب إلى القاضي أو إلى
المسجد .ويجب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غيره ،لعموم الحديث« :صوموا لرؤيته» ول
يفطر إل مع الناس؛ لن الفطر ل يباح إل بشهادة عدلين .وإن رأى هلل شوال وحده لم يفطر لحديث
أبي هريرة يرفعه قال« :الفطر يوم يفطرون ،والضحى يوم يضحون» ( )2ولحتمال خطئه وتهمته،
فوجب الحتياط .وتثبت بقية الحكام إذا ثبتت رؤية هلل رمضان بواحد من وقوع الطلق المعلق
به ،وحلول آجال الديون المؤجلة إليه ،وغيرها كانقضاء العدة والخيار المشروط ومدة اليلء ونحوها
تبعا للصوم.
ول يجب الصوم -كما تقدم -بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتها ،لعدم استناده لما يعول عليه
شرعا.
ول يقبل في إثبات بقية الشهور كشوال (من أجل العيد) وغيره إل رجلن عدلن ،بلفظ الشهادة؛ لن
ذلك مما يطلع عليه الرجال غالبا ،وليس بمال ول يقصد به المال.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،358-352/2 :المغني.163-156/3 :
( )2رواه الترمذي ،وقال :حسن صحيح غريب.
( )3/36
وإنما ترك ذلك في إثبات رمضان احتياطا للعبادة.وإذا صام الناس بشهادة اثنين :ثلثين يوما ،فلم يروا
الهلل ،أفطروا ،سواء في حال الغيم أو الصحو ،لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب السابق أن
النبي صلّى ال عليه وسلم « :وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» (. )1
ول يفطروا إن صاموا الثلثين يوما بشهادة واحد ،لنه فطر ،فل يجوز أن يستند إلى واحد ،كما لو
شهد بهلل شوال.
وإن صاموا ثمانية وعشرين يوما ،ثم رأوا الهلل ،قضوا يوما فقط .وإن صاموا لجل غيم ونحوه
كقَتر ودخان ،لم يفطروا؛ لن الصوم إنما كان احتياطا ،فمع موافقته،للصل :وهو بقاء رمضان،
أولى .وإن رأى هلل شوال عدلن ،ولم يشهدا عند الحاكم ،جاز لمن سمع شهادتهما الفطر إذا عرف
عدالتهما ،وجاز لكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الخر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم
« :فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» فإن لم يعرف أحدهما عدالة الخر ،لم يجز له الفطر
لحتمال فسقه إل أن يحكم بذلك حاكم ،فيزول اللبس.
وإن شهد شاهدان عند الحاكم برؤية هلل شوال :فإن رد الحاكم شهادتهما ،لجهله بحالهما ،فلمن علم
عدالتهما الفطر؛ لن رده ههنا ليس بحكم منه بعدم قبول شهادتهما ،إنما هو توقف لعدم علمه بحالهما،
فهو كالتوقف عن الحكم انتظارا للبينة ،فلو ثبتت عدالتهما بعد ذلك ممن زكاهما حكم بها ،لوجود
المقتضي ،وأما إن رد الحاكم شهادتهما لفسقهما ،فليس لهما ول لغيرهما الفطر بشهادتهما.
-------------------------------
( )1رواه النسائي وأحمد.
( )3/37
وإذا اشتبهت الشهر على أسير أو سجين أو من بمفازة أو بدار حرب ونحوهم ،اجتهد وتحرى في
معرفة شهر رمضان وجوبا؛ لنه أمكنه تأدية فرضه بالجتهاد ،فلزمه كاستقبال القبلة ،فإن وافق ذلك
شهر رمضان أو ما بعد رمضان ،أجزأه .وإن تبين أن الشهر الذي صامه ناقص ،ورمضان الذي فاته
كامل تمام ،لزمه قضاء النقص؛ لن القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك .وإن وافق صومه شهرا
قبل رمضان كشعبان لم يجزئه؛ لنه أتى بالعبادة قبل وقتها ،فلم يجزئه ،كالصلة ،فلو وافق بعضه
رمضان ،فما وافقه أوبعده ،أجزأه ،دون ما قبله.
وإن صام من اشتبهت عليه الشهر ،بل اجتهاد ،فكمن خفيت عليه القبلة ،ل يجزيه مع القدرة على
الجتهاد.
والخلصة :إن الحنفية يشترطون لثبات هلل رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا كانت السماء
صحوا ،وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه .ول بد عند المالكية من رؤية عدلين أو
أكثر ،وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من ل يهتم بأمر الهلل.
وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة ،ولو مستور الحال عند الشافعية ،ول يكفي المستور
عند الحنابلة ،كما ل بد عند الحنابلة والمالكية من رؤية هلل شوال من عدلين لثبات العيد.
وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة ،ول تقبل عند المالكية والشافعية.
طلب رؤية الهلل :قال الحنفية ( : )1يجب للناس أن يلتمسوا الهلل في اليوم التاسع والعشرين من
شعبان ،وكذا هلل شوال لجل إكمال العدة ،فإن رأوه صاموا ،وإن غم عليهم ،أكملوا عدة شعبان
ثلثين يوما ،ثم صاموا؛ لن الصل بقاء الشهر ،فل ينتقل عنه إل بدليل ،ولم يوجد.
-------------------------------
( )1اللباب شرح الكتاب.163/1 :
( )3/38
وقال الحنابلة ( : )1يستحب ترائي الهلل احتياطا للصوم ،وحذارا من الختلف ،قالت عائشة« :كان
النبي صلّى ال عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما ل يتحفظ في غيره ،ثم يصوم لرؤية رمضان» ()2
وروى أبو هريرة مرفوعا« :أحصوا هلل شعبان لرمضان» (. )3
ويسن إذا رأى المرء الهلل كبّر ثلثا ،وقال« :اللهم أهلّه علينا باليُمن واليمان ،والمن والمان،
ربي وربك ال » ويقول ثلث مرات« :هلل خير ورشد» ويقول« :آمنت بالذي خلقك» ثم يقول:
«الحمد ل الذي ذهب بشهر كذا ،وجاء بشهر كذا» وروى الثرم عن ابن عمر ،قال« :كان النبي
صلّى ال عليه وسلم إذا رأى الهلل قال :ال أكبر ،اللهم أهلّه علينا بالمن واليمان ،والسلمة
والسلم ،والتوفيق لما تحب وترضى ،ربي وربك ال » .
وإذا رئي الهلل يكره عند الحنفية أن يشير الناس إليه ،لنه من عمل الجاهلية.
المطلب الثالث ـ اختلف المطالع:
اختلف الفقهاء على رأيين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في المشارق
والمغارب في وقت واحد ،بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلف المطالع ،ففي رأي الجمهور:
يوحد الصوم بين المسلمين ،ول عبرة باختلف المطالع .وفي رأي الشافعية يختلف بدء الصوم والعيد
بحسب اختلف مطالع القمر بين مسافات بعيدة .ول عبرة في الصح بما قاله بعض الشافعية :من
ملحظة الفرق بين البلد القريب والبعيد بحسب مسافة القصر ( 89كم).
هذا مع العلم بأن اختلف المطالع نفسه لنزاع فيه ،فهو أمر واقع بين البلد البعيدة كاختلف مطالع
الشمس ،ول خلف في أن للمام المر بالصوم بما ثبت لديه؛ لن حكم الحاكم يرفع الخلف،
-------------------------------
( )1كشاف القناع.349/2 :
( )2رواه الدارقطني بإسناد صحيح.
( )3رواه الترمذي.
( )3/39
وأجمعوا أنه ل يراعى ذلك في البلدان النائية جدا كالندلس والحجاز ،وأندونيسيا والمغرب العربي (
. )1
وأذكر أولً عبارات الفقهاء في هذا الموضوع المهم.
قال الحنفية ( : )2اختلف المطالع ،ورؤية الهلل نهارا قبل الزوال وبعده غير معتبر ،على ظاهر
المذهب ،وعليه أكثر المشايخ ،وعليه الفتوى ،فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب ،إذا ثبت عندهم
رؤية أولئك ،بطريق موجب ،كأن يتحمل اثنان الشهادة ،أو يشهدا على حكم القاضي ،أو يستفيض
الخبر ،بخلف ما إذا أخبر أهل بلدة كذا رأوه؛ لنه حكاية.
وقال المالكية ( : )3إذا رئي الهلل ،عمّ الصوم سائر البلد ،قريبا أو بعيدا ،ول يراعى في ذلك
مسافة قصر ،ول اتفاق المطالع ،ول عدمها ،فيجب الصوم على كل منقول إليه ،إن نقل ثبوته بشهادة
عدلين أو بجماعة مستفيضة ،أي منتشرة.
وقال الحنابلة ( : )4إذا ثبتت رؤية الهلل بمكان ،قريبا كان أو بعيدا ،لزم الناس كلهم الصوم ،وحكم
من لم يره حكم من رآه.
وأما الشافعية فقالوارين فرسخا ( : )5إذا رئي الهلل ببلد لزم حكمه البلد القريب ل البعيد ،بحسب
اختلف المطالع في الصح ،واختلف المطالع ل يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخا (. )6
وإذا لم نوجب على البلد الخر وهو البعيد ،فسافر إليه من بلد الرؤية من صام به ،فالصح أنه
يوافقهم وجوبا في الصوم آخرا ،وإن كان قد أتم ثلثين؛ لنه بالنتقال إلى بلدهم ،صار واحدا منهم،
فيلزمه حكمهم ،وروي أن ابن عباس أمر كُرَيْبا بذلك كما سيأتي.
-------------------------------
( )1رد المحتار لبن عابدين ،131/2 :مجموعة رسائل ابن عابدين ،253/1 :تفسير القرطبي:
،296/2فتح الباري ،87/4 :المجموع ،300/6 :بداية المجتهد ،278/1 :القوانين الفقهية :ص .116
( )2الدر المختار ورد المحتار ،132-131/2 :مراقي الفلح :ص .109
( )3الشرح الكبير ،510/1 :بداية المجتهد 278/1 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص .116
( )4كشاف القناع.353/2 :
( )5المجموع ،303-297/6 :مغني المحتاج.423-422/1 :
( )6الفرسخ ( 5544م) وهذه المسافة تساوي 056،133=24×5544كم ،انظر جدول المقاييس ،علما
بأن مسافة القصر (89كم) :هي أربعة برد أو ستة عشرة فرسخا ،والفرسخ ثلثة أميال والميل أربعة
آلف خطوة ،والخطوة :ثلثة أقدام ،والقدمان :ذراع ،والذراع :أربعة وعشرون إصبعا معترضات.
( )3/40
ومن سافر من البلد الخر الذي لم ير فيه الهلل إلى بلد الرؤية ،عيّد معهم وجوبا ،لنه صار واحدا
منهم ،سواء أصام ثمانية وعشرين يوما ،أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم ،وقضى يوما
إن صام ثمانية وعشرين؛ لن الشهر ل يكون كذلك.
ومن أصبح معيّدا ،فسارت سفينته أو طائرته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام،فالصح أن يمسك بقية اليوم
وجوبا؛ لنه صار واحدا منهم.
الدلة:
أدلة الشافعية :استدلوا على اعتبار اختلف المطالع بالسنة والقياس والمعقول:
ً - 1السنة :استدلوا بحديثين :أولهما حديث كُرَيب ،وثانيهما حديث ابن عمر:
أ -حديث كريب :أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام ،فقال :فقدمتُ الشام ،فقضيت حاجتها،
واستُهلّ علي رمضان ُ وأنا بالشام ،فرأيت الهلل ليلة الجمعة ،ثم قدمتُ المدينةفي آخر الشهر،
فسألني عبد ال بن عباس ،ثم ذكر الهلل ،فقال :متى رأيتم الهلل؟ فقلت :رأيناه ليلة الجمعة ،فقال:
أنت رأيتَه؟ فقلت :نعم ،ورآه الناس وصاموا ،وصام معاوية ،فقال :لكنا رأيناه ليلة السبت ،فل نزال
نصوم حتى ُن ْكمِل ثلثين أو نراه ،فقلت :أل نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال :ل ،هكذا أمَرَنا
رسول ال صلّى ال عليه وسلم (. )1
فدل على أن ابن عباس لم يأخذ برؤية أهل الشام ،وأنه ل يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر.
ب ـ حديث ابن عمر :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :إنما الشهر تسع وعشرون ،فل
تصوموا حتى تروه ،ول تفطروا حتى تروه ،فإن غُمّ عليكم فاقدُروا له» ( )2وهو يدل على أن وجوب
الصوم منوط بالرؤية ،لكن ليس المراد رؤية كل واحد ،بل رؤية البعض.
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل البخاري وابن ماجه (نيل الوطار.)194/4 :
( )2رواه مسلم وأحمد (نيل الوطار 189/4 :وما بعدها).
( )3/41
ً - 2القياس :قاسوا اختلف مطالع القمر على اختلف مطالع الشمس المنوط به اختلف مواقيت
الصلة.
ً - 3المعقول :أناط الشرع إيجاب الصوم بولدة شهر رمضان ،وبدء الشهر يختلف باختلف البلد
وتباعدها ،مما يقتضي اختلف حكم بدء الصوم تبعا لختلف البلدان.
أدلة الجمهور :استدلوا بالسنة والقياس.
أما السنة :فهو حديث أبي هريرة وغيره« :صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فأكملوا
عدة شعبان ثلثين» ( )1فهو يدل على أن إيجاب الصوم على كل المسلمين معلق بمطلق الرؤية،
والمطلق يجري على إطلقه ،فتكفي رؤية الجماعة أو الفرد المقبول الشهادة.
وأما القياس :فإنهم قاسوا البلدان البعيدة على المدن القريبة من بلد الرؤية ،إذ ل فرق ،والتفرقة تحكّم،
ل تعتمد على دليل.
هذا ...وقد ذكر ابن حجر في الفتح ستة أقوال في الموضوع ،وقال الصنعاني :والقرب لزوم أهل
سمْتها ( )2أي على خط من خطوط الطول :وهي ما
بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على َ
بين الشمال إلى الجنوب إذ بذلك تتحد المطالع ،وتختلف المطالع بعدم التساوي في طول البلدين أو
باختلف درجات خطوط العرض.
وقال الشوكاني :إن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس ،ل في
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم (نيل الوطار.)191/4 :
( )2سبل السلم.151/2 :
( )3/42
اجتهاده الذي فهم عنه الناس ،والمشار إليه بقوله« :هكذا أمرنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم»
وقوله« :فل نزال نصوم حتى نكمل الثلثين» .
والمر الوارد في حديث ابن عمر ،ل يختص بأهل ناحية على جهة النفراد ،بل هو خطاب لكل من
يصلح له من المسلمين ،فالستدلل به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلد ،أظهر من
الستدلل به على عدم اللزوم؛ لنه إذا رآه أهل بلد ،فقد رآه المسلمون ،فيلزم غيرهم ما لزمهم.
والذي ينبغي اعتماده هو ماذهب إليه المالكية وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم ،وحكاه
القرطبي عن شيوخه :أنه إذا رآه أهل بلد ،لزم أهل البلد كلها (. )1
وهذا الرأي(رأي الجمهور) هو الراجح لدي توحيدا للعبادة بين المسلمين ،ومنعا من الختلف غير
المقبول في عصرنا ،ولن إيجاب الصوم معلق بالرؤية ،دون تفرقة بين القطار.
والعلوم الفلكية تؤيد توحيد أول الشهر الشرعي بين الحكومات السلمية ،لن أقصى مدة بين مطلع
القمر في أقصى بلد إسلمي وبين مطلعه في أقصى بلد إسلمي آخر هو نحو 9ساعات ،فتكون بلد
السلم كلها مشتركة في أجزاء من الليل تمكنها من الصيام عند ثبوت الرؤية والتبليغ بها برقيا أو
هاتفيا (. )2
والحتياط هو الكتفاء بتوحيد العياد في حدود البلد العربية بدءا من عمان في الشرق إلى المغرب
القصى.
-------------------------------
( )1نيل الوطار.195/4 :
( )2كتاب الشيخ محمد أبو العل البنا مدرس الفلك بكلية الشريعة بالزهر المشار إليه في بحث الشيخ
المرحوم محمد السايس ،في بحوث المؤتمر الثالث لمجمع البحوث السلمية :ص 99ومابعدها.
( )3/43
المبحث الرابع ـ شروط الصوم:
فيه مطلبان :الول ـ في شروط الوجوب ،والثاني ـ في شروط صحة الداء.
المطلب الول ـ شروط وجوب الصوم :
اشترط الفقهاء لوجوب الصوم شروطا خمسة هي ما يأتي (: )1
- 1السلم :شرط وجوب عند الحنفية :شرط صحة عند الجمهور ،فل يجب الصوم على الكافر،
ول يطالب بالقضاء عند الولين ،ول يصح صوم الكافر بحال ولو مرتدا عند الخرين ،وليس عليه
القضاء عندهم أيضا .ومنشأ الخلف :مخاطبة الكفار بفروع الشريعة ،فعند الحنفية :إن الكفار غير
مخاطبين بفروع الشريعة التي هي عبادات ،وعند الجمهور :الكفار مخاطبون بفروع الشريعة في حال
كفرهم بمعنى أنه يجب عليهم السلم ،ثم الصوم ،إذ ل يصح الصوم لنه عبادة بدنية محضة تفتقر
إلى النية ،فكان من شرطه السلم كالصلة ،ويزاد في عقوبتهم في الخرة بسبب ذلك؛ ،ولكن ل
يطالبون بفعلها في حال كفرهم ،فتنحصر ثمرة الخلف في مضاعفة العذاب في الخرة ،فعند الحنفية:
العذاب واحد على الكفر ،وعند الجمهور يضاعف العذاب على الكفر وعلى ترك التكاليف الشرعية (
. )2
فإن أسلم الكافر في شهر رمضان ،صام ما يستقبل من بقية شهره ،وليس عليه قضاء ما سبق
بالتفاق ،لقوله تعالى{ :قل للذين كفروا :إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [النفال ،]38/8:ولن في
إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن السلم .والردة تمنع صحة الصوم ،لقوله تعالى{ :لئن
أشركت ليحبطن عملك} [الزمر.]65/39:
-------------------------------
( )1البدائع ،89-87/2 :فتح القدير ،93-87/2 :الدر المختار 145/2 :ومابعدها ،اللباب172/1 :
ومابعدها ،الشرح الصغير 681/1 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص 113ومابعدها ،المهذب177/1 :
ومابعدها ،مغني المحتاج ،438-432/1 :المغني ،156-153/3 :كشاف القناع ،364-359/2 :شرح
الرسالة 300/1 :ومابعدها ،306 ،بداية المجتهد 188/1 :ومابعدها ،المغني 98/3 :ومابعدها.
( )2انظر كتابي أصول الفقه السلمي 79/1ومابعدها ،ط دار الفكر.
( )3/44
أما إن أسلم الكافر في أثناء النهار ،فيلزمه عند الحنابلة إمساك بقية اليوم ،وقضاؤه ،لنه أدرك جزءا
من وقت العبادة ،فلزمته ،كما لو أدرك جزءا من وقت الصلة ،ويستحب الكف عن الكل عندالحنفية
والمالكية والشافعية مراعاة لحرمة أو لحق الوقت بالتشبه بالصائمين ،كما يستحب القضاء عند
المالكية ،ول يلزم عند الحنفية .ول قضاء عليه في الصح عند الشافعية لعدم التمكن من زمن يسع
الداء ،ول يلزمه إمساك بقية النهار في الصح؛ لنه أفطر لعذر فأشبه المسافر والمريض .لكن إن
أسلم المرتد ،وجب عليه عند الشافعية والحنابلة قضاء ما تركه في حال الكفر؛ لنه التزم ذلك
بالسلم ،فلم يسقط ذلك بالردة كحقوق الدميين.
- 3 - 2البلوغ والعقل :فل يجب الصوم على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران ،لعدم توجه
الخطاب التكليفي لهم بعدم الهلية للصوم ،المفهوم من قوله صلّى ال عليه وسلم « :رفع القلم عن
ثلث :عن الصبي حتى يبلغ ،وعن المجنون حتى يفيق ،وعن النائم حتى يستيقظ» فمن زال عقله غير
مخاطب بالصوم في حال زوال العقل ،ول يصح الصوم من المجنون والمغمى عليه والسكران لعدم
إمكان النية منه.
ويصح الصوم من الصبي المميز أو المميزة كالصلة ،ويجب عند الشافعية والحنفية والحنابلة على
وليه أمره به إذا أطاقه بعد بلوغه سبع سنين ،وضربه حينئذ على الصوم بعد بلوغه عشر سنين ،إذا
تركه ليعتاده ،كالصلة ،إل أن الصوم أشق ،فاعتبرت له الطاقة ،لنه قد يطيق الصلة من ل يطيق
الصيام.
وقال المالكية :ل يؤمر الصبيان بالصوم بخلف الصلة ،فل صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلم
وتحيض الفتاة ،وبالبلوغ لزمتهم أعمال البدان فريضة.
( )3/45
فإذا بلغ الصبي أثناء اليوم أمسك عند الحنفية بقية اليوم ،كما لو أسلم الكافر ،وصام ما بعده من اليام،
لتحقق السببية والهلية ،ولم يقض اليوم الذي تأهل فيه ،ول ما مضى قبله من الشهر ،لعدم الخطاب
بعدم الهلية له .ومن أغمي عليه في رمضان ،لم يقض عند الحنفية اليوم الذي حدث فيه الغماء،
لوجود الصوم ،وهو المساك المقرون بالنية ،إذ الظاهر وجودها منه؛ لن ظاهر حال المسلم في ليالي
رمضان عدم الخلو عن النية .وقضى ما بعده من اليام لنعدام النية .وإن أغمي عليه أول ليلة قضاه
كله غير يوم تلك النية ،لن ظاهر حال المسلم نية الصوم.
ومن أغمي عليه رمضان كله ،قضاه؛ لنه نوع مرض يُضعف القُوى ،ول يزيل الحجا ،فيصير عذرا
في التأخير ،ل في السقاط.
وإذا أفاق المجنون في بعض رمضان ،قضى ما مضى منه؛ لن السبب ـ وهو شهود الشهر ـ قد
وجد ،وأهلية نفس الوجوب بالذمة وهي متحققة بل مانع ،فإذا تحقق الوجوب بل مانع ،تعين القضاء.
وإن استوعب الجنون جميع ما يمكنه فيه إنشاء الصوم ،ل يقضي للحرج ،بخلف الغماء؛ لنه ل
يستوعب الوقت عادة ،وامتداده نادر ،ول حرج في ترتيب الحكم على ما هو من النوادر .والخلصة:
إن الغماء والجنون المتقطع ل يمنع إيجاب الصوم وقضاءه ،وأما الجنون المستوعب لجميع الشهر،
فل قضاء على صاحبه ،وأما الغماء ففيه القضاء ،والسكر كالغماء.
وقال المالكية :ل يصح صوم المجنون ،ويجب عليه القضاء مطلقا في المشهور ،لقوله صلّى ال عليه
وسلم « :وعن المجنون حتى يفيق» قال ابن رشد :وفيه ضعف ،ول يصح أيضا صوم المغمى عليه
مطلقا ،ويجب عليه القضاء إن بقي مغمى عليه يوما فأكثر ،فإن أغمي عليه يسيرا كنصف اليوم فأقل
بعد الفجر ،لم يقض.
( )3/46
وإن أغمي عليه ليلً ،فأفاق بعد طلوع الفجر ،فعليه قضاء الصوم ،لفوات محل النية ،وهو ليس بعاقل،
ول يقضي من الصلوات إل ما أفاق في وقتها ،ويختلف الغماء عن النوم لكونه بين رتبتي الجنون
والنوم.
ول يقضي النائم مطلقا ولو نام كل النهار ،والسكر كالغماء إل أنه يلزمه المساك في يومه ،ومن
ل وأصبح ذاهب العقل ،لم يجز له الفطر ،ويلزمه القضاء.
سكر لي ً
وقال الشافعية :إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون في أثناء النهار ،فكما لو أسلم الكافر ،ل قضاء عليهم
في الصح ،ول يلزمهم إمساك بقية النهار في الصح.
ويجب قضاء ما فات بالغماء والردة والسكر ،دون الكفر الصلي والصّبا والجنون إل إذا كان متعديا
بجنونه بأن تناول ليلً عامدا شيئا أزال عقله نهارا ،فعليه قضاء ما جن فيه من اليام ،فل يجب قضاء
ما فات على الكافر ،لما في وجوبه من التنفير عن السلم ،ولقوله تعالى {قل للذين كفروا :إن ينتهوا
يُغفر لهم ما قد سلف} [النفال ،]38/8:ول على الصبي والمجنون لرتفاع قلم التكليف عنهما .ولو
ارتد ،ثم جن أو سكر ،فالصح قضاء جميع أيام الجنون ،وأيام السكر ،لن حكم الردة مستمر ،بخلف
السكر .ويجب القضاء على الحائض والمفطر بل عذر ،وتارك النية ،والمسافر والمريض ،كما
سيأتي.
وقال الحنابلة :إن بلغ الصغير صائما ذكرا كان أو أنثى في أثناء نهار رمضان بتمام سن الخامسة
عشرة أو باحتلم (أي إنزال مني بسبب حلم) ،أتم صومه بغير خلف ،ولقضاء عليه إن كان نوى
ليلً ،ول مانع أن يكون أول الصيام نفلً وباقيه فرضا ،كنذر إتمام نفل.
وإذا أفاق المجنون في أثناء الشهر ،فعليه صوم ما بقي من اليام بغير خلف ،ول يلزمه سواء أكان
متعديا بجنونه أم ل قضاء ما مضى خلفا للمالكية ،وخلفا للحنفية إن أفاق في أثناء الشهر؛ لن
الجنون معنى يزيل التكليف ،فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر والكبر.
( )3/47
وأما قضاء اليوم الذي أسلم فيه الكافر أو بلغ الصغير أو أفاق فيه المجنون ،وإمساكه فيه ،ففيه
روايتان ،أصحهما لزوم إمساك ذلك اليوم وقضاؤه ،لحرمة الوقت ،ولقيام البينة فيه بالرؤية ،ولدراكه
جزءا من وقته كالصلة .وكذا يلزم المساك والقضاء على كل من أفطر لغير عذر ،ومن أفطر ظانا
أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع ،أو ظن الشمس قد غابت ولم تغب ،أو الناسي النية ،أو طهرت
الحائض والنفساء ،أو تعمدت مكلفة الفطر ،ثم حاضت أو نفست ،أو تعمد الفطر مقيم ثم سافر ،أو قدم
مسافر أو أقام مدة تمنع القصر ،أو برئ مريض مفطر .أما النوم فل يؤثر في الصوم ،سواء وجد في
بعض النهار أو جميعه.
والخلصة :أن الجنون المستمر ل يوجب القضاء عند الجمهور ،ويوجبه عند المالكية على المشهور.
أما الغماء فيوجب القضاء بالتفاق .ويصح صوم المغمى عليه عند الشافعية والحنابلة إن أفاق لحظة
من النهار ،فإن أطبق الغماء جميع النهار لم يصح الصوم ،ويصح صوم المغمى عليه مطلقا عند
الحنفية ،ول يصح صومه عند المالكية إل إذا أغمي يسيرا كنصف اليوم فأقل.
- 5 - 4القدرة (أو الصحة من المرض) ،والقامة :فل يجب الصوم على المريض والمسافر،
ويجب عليهما القضاء إن أفطرا إجماعا ،ويصح صومهما إن صاما ،والدليل قوله تعالى{ :أياما
معدودات ،فمن كان منكم مريضا أو على سفر ،فعدة من أيام أخر ،وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين ،فمن تطوع خيرا فهو خير له ،وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة ]184/2:وإذا
قدم المسافر أمسك عن الطعام والشراب بقية يومه ،كما إذا طهرت الحائض في بعض النهار.
( )3/48
كما ليجب الصوم على من لم يطقه للكبر ،ول على نحو حائض لعجزها شرعا ،ول على حامل أو
مرضع لعجزهما حسا .ويشترط لعدم وجوب الصوم على المسافر أن يكون السفر سفر قصر ،وأن
يكون عند الجمهور (غير الحنفية) مباحا؛ لن الرخص ل تناط بالمعاصي ،ول يشترط كونه مباحا
عند الحنفية؛ لن سبب وجود الترخص وهو السفر قائم ،وأن يكون السفر عند الجمهور (غير
الحنابلة) قبل الفجر ،فلو أصبح المقيم صائما ،فسافر ،فل يفطر؛ لن الصوم عبادة اجتمع فيها الحضر
والسفر ،فغلب جانب الحضر؛ لنه الصل .لكن لو أصبح صائما فمرض ،أفطر لوجود المبيح
للفطار ،ولو أقام المسافر ،وشفي المريض ،حرم الفطر.
ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط ،لكن الفضل لمن سافر في أثناء يوم نوى صيامه إتمام الصوم،
خروجا من خلف من لم يبح له الفطر ،تغليبا لحكم الحضر ،كالصلة .وأضاف الحنفية شرطا آخر
لوجوب الصوم وهو مفهوم أصوليا :وهو العلم بالوجوب لمن أسلم بدار الحرب ،أو الكون بدار
السلم لمن نشأ فيها.
المطلب الثاني ـ شروط صحة الصوم:
اشترط الحنفية ( )1لصحة الصوم شروطا ثلثة :هي النية ،والخلو عما ينافي الصوم من حيض
ونفاس ،وعما يفسده .فإذا حاضت المرأة أفطرت وقضت.
واشترط المالكية ( )2أربعة شروط هي النية ،والطهارة عن الحيض والنفاس ،والسلم ،والزمان
القابل للصوم ،فل يصح في يوم العيد ،واشترطوا أيضا لصحة الصوم :العقل :فل يصح من مجنون
ول مغمى عليه ،ول يجب عليهما أيضا.
واشترط الشافعية ( )3أربعة شروط أيضا :وهي السلم ،والعقل ،والنقاء عن الحيض والنفاس جميع
النهار ،وكون الوقت قابلً للصوم ،فل يصح صوم الكافر والمجنون والصبي غير المميز والحائض
والنفساء.أما النية فهي ركن عندهم.
واشترط الحنابلة ( )4شروطا ثلثة :هي السلم ،والنية ،والطهارة عن الحيض والنفاس .ويظهر من
ذلك أن الفقهاء اتفقوا على اشتراط النية ،والطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار .وأما السلم
فهو شرط صحة عند الجمهور وشرط وجوب عند الحنفية كما بينا .وسنبحث شرط النية تفصيلً.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،105الدر المختار 116/2 :ومابعدها.
( )2القوانين الفقهية :ص ،113الشرح الصغير 681/1 :ومابعدها 695 ،ومابعدها ،الشرح الكبير:
.522/1
( )3مغني المحتاج ،423/1،432 :المهذب.177/1 :
( )4كشاف القناع ،359/2،366،376 :المغني 137/3 :ومابعدها.
( )3/49
شرط الطهارة :اتفق الفقهاء على أنه ل يشترط الخلو عن الجنابة ،حتى يتمكن من إزالتها ،ولضرورة
حصولها ليلً وطروء النهار ،ولما روت عائشة وأم سلمة :أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يصبح
جُنُبا من جماع غير احتلم ،ثم يصوم في رمضان ( . )1وعن أم سلمة قالت :كان رسول ال صلّى
حلُم ،ثم ل يفطر ول يقضي ( . )2فمن أصبح جنبا ولم
ال عليه وسلم يصبح جنبا من جماع ل ُ
يتطهر ،أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر ،فلم يغتسل إل بعد الفجر ،أجزأهما صوم ذلك اليوم.
أما النية فأذكر في الصوم تعريفها وهل هي شرط أو ركن ،ومحلها ،وشروطها ،وصفتها ،وأثرها.
تعريف النية :القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه ،من غير تردد .والمراد بها هنا :قصد
الصوم ،فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه ،فقد نوى.
هل النية شرط أو ركن؟
اتفق الفقهاء على أن النية مطلوبة في كل أنواع الصيام ،فرضا كان أوتطوعا ،إما على سبيل الشرطية
أو الركنية ،علما بأن الشرط :ما كان خارج ماهية أو حقيقة الشيء ،والركن عند الحنفية :ما كان
جزءا من الماهية .لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إنما العمال بالنيات» ( )3وقوله أيضا« :من لم
يُجمع الصيام قبل الفجر ،فل صيام له» ( )4وعن
-------------------------------
( )1متفق عليه (نيل الوطار.)212/4 :
( )2رواه الشيخان (المصدر السابق).
( )3رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي ال عنه.
( )4رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن حفصة رضي ال عنها (نيل الوطار.)195/4 :
( )3/50
عائشة مرفوعا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم « :من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر ،فل صيام له»
( )1ولن الصوم عبادة محضة ،فافتقر إلى النية كالصلة.
واعتبرها الحنفية والحنابلة وكذا المالكية على الراجح ،شرطا ( )2؛ لن صوم رمضان وغيره عبادة،
والعبادة :اسم لفعل يأتيه العبد باختياره خالصا ل تعالى بأمره ،والختيار والخلص ل يتحققان بدون
النية ،فل يصح أداء الصوم إل بالنية ،تمييزا للعبادات عن العادات.
وهي عند الشافعية ( )3ركن كالمساك عن المفطرات.
ومحل النية :القلب ،ول تكفي باللسان قطعا ،ول يشترط التلفظ بها قطعا ( . )4لكن يسن عند الجمهور
(غير المالكية) التلفظ بها ،والولى عند المالكية ترك التلفظ بها.
شروط النية :يشترط في النية ما يأتي:
- 1تبييت النية :أي إيقاعها ليلً ،وهو شرط متفق عليه ( ، )5للحديث السابق« :من لم يبيت الصيام
قبل طلوع الفجر ،فل صيام له» ولن النية عند ابتداء العبادة كالصلة.
لكن تساهل بعض الفقهاء أحيانا في تحديد وقت النية لبعض أنواع الصيام.
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني ،وقال :إسناده كلهم ثقات ،وفي لفظ «من لم يبيت الصيام من الليل فل صيام له»
.
( )2البدائع ،83/2:كشاف القناع ،366/2 :الشرح الكبير مع الدسوقي.520/1 :
( )3مغني المحتاج.423/1 :
( )4مغني المحتاج،المكان السابق.
( )5البدائع ،85/2 :الشرح الكبير ،520/1 :الشرح الصغير ،695/1 :مغني المحتاج،423/1 :
كشاف القناع ،366/2 :المغني.91/3 :
( )3/51
فقال الحنفية ( : )1الفضل في الصيامات كلها أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه ذلك ،أو من
الليل؛ لن النية عند طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة ،ومن الليل تقارنه تقديرا.
وإن نوى بعد طلوع الفجر :فإن كان الصوم دينا ،ل يجوز بالجماع ،وإن كان عينا وهو صوم
رمضان ،وصوم التطوع خارج رمضان ،والمنذور المعين ،يجوز.
فالصوم نوعان:
أ ـ نوع يشترط له تبييت النية وتعيينها :وهو ما يثبت في الذمة :وهو قضاء رمضان ،وقضاء ما
أفسده من نفل ،وصوم الكفارات بأنواعها ككفارة اليمين وصوم التمتع والقران ،والنذر المطلق ،كقوله:
إن شفى ال مريضي ،فعلي صوم يوم مثلً ،فحصل الشفاء .فل يجوز صوم ذلك إل بنية من الليل.
ب ـ ونوع ل يشترط في تبييت النية وتعيينها :وهو ما يتعلق بزمان بعينه ،كصوم رمضان ،والنذر
المعين زمانه ،والنفل كله مستحبه ومكروهه ،يصح بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار على
الصح ،ونصف النهار :من طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى.
وقال المالكية ( : )2يشترط لصحة النية إيقاعها في الليل من الغروب إلى آخر جزء منه ،أو إيقاعها
مع طلوع الفجر ،وليضر في الحالة الولى ماحدث بعد النية من أكل أو شرب أو جماع ،أو نوم،
بخلف الغماء والجنون ،فيبطلنها إن استمرا للفجر ،وإل فل .فلو نوى نهارا قبل الغروب لليوم
المستقبل ،أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه ،لم تنعقد ولو نفلً.
-------------------------------
( )1البدائع ،85/2 :فتح القدير ،50،62-43/2 :مراقي الفلح :ص 106ومابعدها ،الكتاب مع
اللباب.163/1 :
( )2الشرح الصغير 695/1 :ومابعدها ،الشرح الكبير ،520/1 :القوانين الفقهية :ص ،115،117
بداية المجتهد.284/1:
( )3/52
وقال الشافعية ( : )1يشترط لفرض الصوم من رمضان ،أو غيره كقضاء أو نذر تبييت النية ليلً،
والصحيح أنه ل يشترط النصف الخر من الليل ،وأنه ل يضر الكل والجماع بعدها ،وأنه ل يجب
تجديد النية إذا نام ثم تنبه.
ويصح صوم النفل بنية قبل الزوال؛ لنه صلّى ال عليه وسلم قال لعائشة يوما« :هل عندكم من
غداء؟ قالت :ل ،قال :فإني إذن أصوم ،قالت :وقال لي يوما آخر :أعندكم شيء؟ قلت :نعم ،قال :إذن
أفطر ،وإن كنت فرضت الصوم» ( )2واختص بما قبل الزوال للخبر ،إذ الغداء :اسم لما يؤكل قبل
الزوال ،والعشاء :اسم لما يؤكل بعده ،ولنه مضبوط بيّن ،ولدراك معظم النهار به .وبدهي أنه
يشترط لصحة الصوم المتناع عن المفطرات من أول النهار.
وقال الحنابلة ( )3كالشافعية :الصوم الواجب أو الفرض ل يصح إل بنية من الليل ،للحديث المتقدم:
«من لم يجمع الصيام قبل الفجر ،فل صيام له» ،وأما صوم التطوع فيصح بنية قبل النهار ،وبعده
خلفا للشافعية ،إذا لم يكن طعم بعد الفجر ،لحديث عائشة المتقدم ،قالت« :دخل علي النبي صلّى ال
عليه وسلم ذات يوم ،فقال :هل عندكم شيء؟ فقلنا :ل ،قال :فإني إذا صائم» ( )4ويدل عليه أيضا
حديث عاشوراء« :هذا يوم عاشوراء ،ولم يكتب ال عليكم صيامه ،وأنا صائم ،فمن شاء فليصم ،ومن
شاء فليفطر» ( ، )6ولن الصلة خفف نفلهاعن فرضها ،بدليل أنه ل يشترط القيام لنفلها ،وتجوز
الصلة في السفر على الراحلة إلى غير القبلة ،فكذا الصيام ،ولما فيه من تكثيره لكونه يَعنّ له ،فعفي
عنه .وهذا قول أبي الدرداء وأبي طلحةومعاذ وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير
والنخعي وأصحاب الرأي.
ويبدو لي أنه الرأي الرجح ،وحديث عائشة مخصص لحديث «ل صيام لمن لم يبيت الصيام من
الليل» بل الحديث الول أصح من الثاني ،كما قال ابن قدامة.
- 2تعيين النية في الفرض :هذا شرط عند الجمهور ،وليس بشرط عند الحنفية .قال الحنفية ()6
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 423/1:ومابعدها.
( )2رواه الدارقطني وصحح إسناده.
( )3المغني ،91/3،96:كشاف القناع.369-366/2 :
( )4رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
( )5متفق عليه عن معاوية.
( )6المراجع السابقة ،فتح القدير.50/2 :
( )3/53
كما تقدم في الشرط السابق :ل يشترط تعيين النية في الصوم ،المتعلق بزمان معين كصوم رمضان
ونذر معين زمانه ونفل مطلق ،لن الزمن المخصص له وهو شهر رمضان ونحوه من نذر يوم محدد
بذاته وقت مضيق أو معيار ،ل يسع إلصوم رمضان.
ويصح أداء رمضان بنية واجب آخر لمن كان صحيحا مقيما ،أما المسافر فإنه يقع عما نواه من
الواجب .وأما المريض :فكذلك يقع عما نواه عند أبي حنيفة إذا نوى واجبا آخر؛ لنه شغل الوقت
بالهم لتحتمه للحال ،وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العدة .ورجح هذا الرأي صاحب «الهداية»
وأكثر مشايخ بخارى ،لعجزه المقدور .ول فرق بين المسافر والمقيم والصحيح والسقيم عند أبي
يوسف ومحمد في وقوع صومه عن رمضان إذا نوى عن واجب آخر؛ لن الرخصة إنما ثبتت حتى
لتلزم المعذور مشقة ،فإذا تحملها التحق بغير المعذور.
وقال الجمهور ( : )1يجب تعيين النية في الصوم الواجب :وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان،
أو من قضائه ،أو من كفارته ،أو نذره .فل يجزئ نية الصوم المطلق؛ لن الصوم ( )2عبادة مضافة
إلى وقت ،فوجب التعيين في نيتها كالصلوات الخمس ،والقضاء.
وإن نوى في رمضان صيام غيره ،لم يجزه عن واحد منهما.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،117الدسوقي على الشرح الكبير ،520/1 :بداية المجتهد ،283/1 :مغني
المحتاج ،624-242/1 :المغني 94/3:ومابعدها ،كشاف القناع 367/2:ومابعدها.
( )2ومثله طواف الزيارة ،فإنه يحتاج إلى التعيين ،فلو طاف ينوي به الوداع ،أو طاف بنية الطواف
مطلقا ،لم يجزئه عن طواف الزيارة.
( )3/54
- 3الجزم بالنية :هذا شرط أيضا عند الجمهور ،وليس بشرط عند الحنفية .أما الحنفية ( : )1فيرون
أنه ل يشترط في الصوم المقيد بزمن معين أن تكون النية جازمة ،فإن نوى الصوم ليلة الثلثين من
شعبان ،على أنه إن ظهر كونه من رمضان ،أجزأ عن رمضان ماصامه بأي نية كانت ،إل أن يكون
مسافرا أو نواه عن واجب آخر ،فيقع عما نواه عنه.
ويكره تحريما عندهم كما أبنت ،في يوم الشك كل صوم من فرض وواجب ،وصوم تردد فيه بين نفل
وواجب ،إل صوم نفل جزم به ،بل ترديد بينه وبين صوم آخر ،فإنه ل يكره.
ورأى الجمهور ( )2أنه ل بد أن تكون النية جازمة ،فلو نوى ليلة الشك إن كان غدا من رمضان ،فأنا
صائم فرضا ،وإل فهو نفل ،أو واجب آخر عينه بنيته ،كأن ينويه عن نذر أو كفارة ،لم يجزئه عن
واحد منهما ،لعدم جزمه بالنية لحدهما ،إذ لم يعين الصوم من رمضان جزما.
ومن قال :أنا صائم غدا إن شاء ال ،فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد ،فسدت نيته
لعدم الجزم بها ،وإن لم يقصد ذلك بل نوى التبرك أو لم ينو شيئا ،لم تفسد نيته ،إذ قصده أن فعله
للصوم بمشيئة ال وتوفيقه وتيسيره .كما ليفسد اليمان بقوله :أنا مؤمن إن شاء ال ،وكذا سائر
العبادات ل تفسد بذكر المشيئة في نيتها.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص .107
( )2المراجع السابقة.
( )3/55
لكن ل يضر التردد بعد حصول الظن باستصحاب كآخر رمضان ،أو حصول الظن بشهادة أو باجتهاد
كالسير ،فلو نوى ليلة الثلثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان ،أجزأه وصح صومه إن
كان منه ،لن الصل بقاء رمضان ،وصومه مبني على أصل لم يثبت زواله ،ول يؤثر تردده لنه
حكم صومه مع الجزم ،بخلف ما إذا نواه ليلة الثلثين من شعبان؛ لنه ل أصل معه يبنى عليه.
ومن نوى الصوم غدا معتقدا كونه من رمضان بشهادة موثوقة ،صح صومه.
ولو اشتبه رمضان على أسير أو محبوس أو نحوه ،صام شهرا بالجتهاد ،كما يجتهد للصلة في القبلة
والوقت ،وذلك بأمارة كالربيع والخريف والحر والبرد ،فلو صام بل اجتهاد ،فوافق رمضان ،لم
يجزئه لتردده في النية .فلو اجتهد وتحير ،فلم يظهر له شيء ،فيرى النووي في المجموع أنه ل يلزمه
أن يصوم.
أما نية الفرضية :فليست بشرط باتفاق المذاهب ،وهو المعتمد عند الشافعية ( )1بخلف المقرر في
الصلة؛ لن صوم رمضان من البالغ ل يقع إل فرضا ،بخلف الصلة ،فإن المعادة نفل.
وكذلك ل يشترط بالتفاق تعيين السنة ،ول الداء ،ول الضافة إلى ال تعالى ،وهو الصحيح عند
الشافعية؛ لن المقصود متحقق بنية الصوم ،والتعيين بجزئ عن ذلك.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،425/1:كشاف القناع.367/2 :
( )3/56
- 4تعدد النية بتعدد اليام :هذا شرط عند الجمهور ،وليس بشرط عند المالكية ( ، )1فيشترط عند
الجمهور النية لكل يوم من رمضان على حدة؛ لن صوم كل يوم عبادة على حدة ،غير متعلقة باليوم
الخر ،بدليل أن ما يفسد أحدهما ل يفسد الخر ،فيشترط لكل يوم منه نية على حدة.
وقال المالكية :تجزئ نية واحدة لرمضان في أوله ،فيجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة ،وكذلك في
صيام متتابع مثل كفارة رمضان وكفارة قتل أو ظهار ما لم يقطعه بسفر أو مرض أو نحوهما ،أو لم
يكن على حالة يجوز له الفطر كحيض ونفاس وجنون ،فيلزمه استئناف النية ،أي تجديدها فل تكفي
النية الواحدة ،وإن لم يجب استئناف الصوم ،فالصوم السابق صحيح ل ينقطع تتابعه ،ولكن تجدد
النية ،وتندب النية كل ليلة فيما تكفي فيه النية الواحدة .ودليلهم أن الواجب صوم الشهر ،لقوله تعالى:
{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة ،]185/2:والشهر :اسم لزمان واحد ،فكان الصوم من أوله
إلى آخره عبادة واحدة ،كالصلة والحج ،فيتأدى بنية واحدة.
صفة النية وأثرها:
قال الحنفية ( : )2يصح صوم رمضان ونحوه كالنذر المعين زمانه بمطلق النية ،وبنية النفل ،وبنية
واجب آخر ،كما أبنت ،ول يجب تبييت نية صوم رمضان.
-------------------------------
( )1البدائع ،85/2:الشرح الصغير ،697/1:بداية المجتهد 282/1 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص
،117مغني المحتاج ،424/1 :المغني.93/3:
( )2مراقي الفلح :ص 106ومابعدها.
( )3/57
( )3/58
خلصة آراء المذاهب في شروط الصوم:
الحنفية ( : )1شروط الصوم عندهم ثلثة أنواع :شروط وجوب ،وشروط وجوب الداء،وشروط
صحة الداء.
أما شروط الوجوب ،فهي أربعة :السلم ،والعقل ،والبلوغ ،والعلم بالوجوب لمن أسلم بدار الحرب،
أو الكون بدار السلم ،ومن جن رمضان كله لم يقضه ،وإن أفاق المجنون في بعضه قضى ما
مضى ،أما من أغمي عليه في رمضان كله قضاه ،ومن أغمي عليه في أثناء يوم في رمضان لم
يقضه لوجود الصوم فيه وهو المساك المقرون بالنية ،وقضى ما بعده.
وأما شروط وجوب الداء ،فهي اثنان :الصحة من مرض وحيض ونفاس ،فل يجب الداء على
المريض ،والقامة ،فل يجب الداء على مسافر ،ولكن يجب عليهما القضاء.
وأما شروط صحة الداء ،فهي ثلثة :النية فل يصح أداء الصوم إل بالنية ،والخلو عن ما نع الحيض
والنفاس ،فل يصح أداء الصوم منهما ،وعليهما القضاء ،والخلو عما يفسد الصوم بطروء مفسد عليه.
المالكية ( : )2شروط الصوم أنواع ثلثة :شروط وجوب ،وشروط صحة ،وشروط وجوب وصحة
معا ،ومجموعها سبعة :السلم ،والبلوغ ،والعقل ،والطهارة من دم الحيض والنفاس ،والصحة،
والقامة ،والنية.
ويلحظ أن النية شرط على الراجح كما في حاشية الدسوقي ،واعتبرها الدردير في الشرح الصغير
ركنا ،وما قد يذكر من أن النية ركن فهو تسامح .أما شروط الوجوب فهي ثلثة :البلوغ ،والصحة،
والقامة ،فل يجب الصوم على صبي ولو كان مراهقا ،ولكن يجوز صيامه ،ول يندب ،ول يجب
على الولي أمره به ،ول يجب على المريض أوالعاجز ومنه المكره ،ول على المسافر ويجب عليهما
القضاء.
وأما شروط الصحة :فهي اثنان :السلم ،فل يصح من الكافر ،وإن كان واجبا عليه ،ويعاقب على
تركه زيادة على عقاب الكفر ،والزمان القابل للصوم ،فل يصح في يوم العيد.
وأما شروط الوجوب والصحة معا فهي ثلثة:
الول ـ الطهارة من دم الحيض والنفاس :فل يجب عليهما ،ول يصح منهما ،وعليهما القضاء بعد
زوال المانع .ويجب عليهما المباشرة في الداء بمجرد الطهارة.
والثاني ـ العقل :لن من زال عقله غير مخاطب بالصوم في حال العقل ،فل يجب على المجنون
والمغمى عليه ،ول يصح منهما .أما القضاء فيجب على المجنون مطلقا في المشهور إذا أفاق من
جنونه ،وعلى المغمى عليه إن استمر إغماؤه يوما فأكثر ،أو أغمي عليه معظم اليوم ،ول يجب عليه
إن أغمي عليه يسيرا بعد الفجر بأن دام نصف اليوم فأقل .والسكران كالمغمى عليه في وجوب
القضاء ،إل أنه يلزمه المساك بقية يومه.
وأما النائم :فل يجب عليه قضاء ما فاته مطلقا ،متى بيت النية أول الشهر.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،105فتح القدير ،90-87/2 :البدائْع.89-87/2 :
( )2القوانين الفقهية :ص 113ومابعدها ،بداية المجتهد 282/1 :ومابعدها ،شرح الرسالة،301/1 :
الشرح الصغير 681/1 :ومابعدها ،701 ،695 ،الشرح الكبير،520/1 :
( )3/59
والثالث ـ النية :فهي شرط صحة الصوم على الراجح الظهر؛ لن النية القصد إلى الشيء ،ومعلوم
أن القصد للشيء خارج عن ماهية الشيء ،وتكفي نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه كرمضان وكفارته
وكفارة قتل أو ظهار إذا لم ينقطع تتابعه بنحو مرض أو سفر ،وندبت كل ليلة فيما تكفي فيه النية
الواحدة.
والخلصة :أن الصوم يسقط وجوبه عن اثني عشر :الصبي ،والمجنون ،والحائض ،والنفساء،
والمغمى عليه ،والمسافر ،والصحيح الضعيف البنية العاجز عن القيام به ،والمتعطش ،والمريض،
والحامل ،والمرضع ،والشيخ الكبير.
الشافعية ( : )1شروط الصوم لديهم نوعان :شروط وجوب وشروط صحة .أما شروط الوجوب
فأربعة هي ما يأتي:
ً - 1السلم :فل يجب على الكافر الصلي وجوب مطالبة في الدنيا كالصلة ،وإنما يعاقب في
الخرة على تركه ،ويجب على المرتد وجوب مطالبة أي قضاء مافاته بعد إسلمه.
ً - 2البلوغ :فل يجب على الصبي ل أداء ول قضاء ،ويؤمر به لسبع ،ويضرب على تركه لعشر.
ً - 3العقل :فل يجب على المجنون ل أداء ولقضاء إل إذا زال عقله بتعديه ،فيلزمه قضاؤه .ومثله
السكران المتعدي بسكره يلزمه القضاء ،أما غير المتعدي بسكره ،كما في حالة الغلط ،فل يطالب
بقضاء زمن السكر.
ً - 4الطاقة :فل يجب على العاجز بنحو هرم أو مرض ل يرجى برؤه ،ول على حائض لعجزها
شرعا .وضابط المرض :هو ما يبيح التيمم وهو ما يصعب معه الصوم أو يناله به ضرر شديد.
وأما شروط الصحة فأربعة أيضا ،هي ما يأتي:
ً - 1السلم حال الصيام :فل يصح من كافر أصلي أو مرتد.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 432 ،427/1 :ومابعدها 436 ،ومابعدها ،الحضرمية :ص .113-110
( )3/60
ً - 2التمييز :أو العقل في جميع النهار :فل يصح صوم الطفل غير المميز ،والمجنون ،لفقدان النية،
ويصح من صبي مميز .ول يصح من سكران أو مغمى عليه ،لكن ل يضر في الظهر السكر
والغماء إن أفاق لحظة في النهار .وكذلك ل يضر النوم المستغرق لجميع النهار على الصحيح ،لبقاء
أهلية الخطاب.
ً - 3النقاء عن الحيض والنفاس في جميع النهار :فل يصح صوم الحائض والنفساء بالجماع ،ولو
طرأ في أثناء النهار حيض أونفاس أو ردة أو جنون ،بطل الصوم.
ً - 4كون الوقت قابلً للصوم :فل يصح صوم العيدين ،ول أيام التشريق ،وكذلك ل يصح صوم يوم
الشك ،ول النصف الخير من شعبان إل لورد بأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم معين
كالثنين ،فصادف ما بعد النصف أو يوم الشك ،وإل إذا صام فيهما لنذر أو قضاء أو كفارة أو وصل
ما بعد النصف بما قبله.
وأما النية :فهي ركن ،وتشترط لكل يوم ،ويجب التبييت في الفرض دون النفل ،فتجزئه نيته قبل
الزوال ،ويجب التعيين أيضا ،ول تجب نية الفرضية في الفرض.
وكذلك المساك عن الجماع عمدا وعن الستمتاع وعن الستقاءة وعن دخول عين جوفا ركن أيضا،
كما سأبين في مبطلت الصوم.
الحنابلة ( : )1شروط الصوم عندهم نوعان :شروط وجوب ،وشروط صحة .أما شروط الوجوب
فهي أربعة:
- 1السلم :فل يجب الصوم على كافر ولو مرتدا ،لنه عبادة بدنية تفتقر إلى النية ،فكان من
شرطه السلم كالصلة ،ول يصح منه أيضا ،فلو ارتد في يوم وهو صائم فيه ،بطل صومه ،لقوله
تعالى{ :لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر ]65/39:فإن عاد إلى السلم قضى ذلك اليوم.
- 2البلوغ :فل يجب الصوم على صبي ولو كان مراهقا ،لحديث «رفع القلم عن ثلث» .ويجب
على ولي المميز أمره به إذا أطاقه ،وضربه عليه إذا تركه ،ليعتاده كالصلة.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،367-359/2 :غاية المنتهى326-322/1 :
( )3/61
- 3العقل :فل يجب الصوم على مجنون ،للحديث السابق «رفع القلم عن ثلث» ول يصح منه ،لعدم
إمكان النية منه .ول يجب على الصبي غير المميز ،ويصح من المميز كالصلة .ومن جن في أثناء
اليوم ،لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت ،ولدراكه جزءا من وقته كالصلة .أما إذا جن
يوما كاملً فأكثر ،فل يجب عليه قضاؤه ،بخلف المغمى عليه ،فإنه يجب عليه القضاء ،ولو طال
زمن الغماء ،لنه مرض غير رافع للتكليف ،ويصح الصوم ممن جن أو أغمي عليه إذا أفاق جزءا
من النهار ،حيث نوى ليلً ،وكذا يصح ممن نام كل النهار ،فمن نام جميع النهار ،صح صومه ،لنه
معتاد ول يزيل الحساس بالكلية ،ويجب القضاء على السكران ،سواء أكان متعديا بسكره أم ل.
- 4القدرة على الصوم :فل يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض ل يرجى برؤه ،لنه عاجز عنه،
فل يكلف به ،لقوله تعالى{ :ل يكلف ال نفسا إل وسعها} [البقرة .]286/2:وأما المرض الذي يرجى
برؤه فيوجب أداء الصوم إذا برأ منه ،وقضاء ما فاته من رمضان.
وأما شروط الصحة فهي أربعة أيضا - 1 :النية :أي النية المعينة لما يصومه من الليل لكل يوم
واجب ،ول تسقط بسهو أوغيره ،ول يضر لو أتى بعدها ليلً بأكل أو شرب أو جماع ونحوه ،ول
تجب نية الفرضية في الفرض ،ول الوجوب في الواجب ،لن التعيين يجزئ عن ذلك ،وتصح النية
نهارا في النفل ولو بعد الزوال إذا كان ممسكا عن المفطر من طلوع الفجر.
- 2الطهارة من الحيض والنفاس ،فل يصح صوم الحائض والنفساء ويحرم فعله ،ويجب عليهما
الداء بمجرد انقطاع الدم ليلً ،والقضاء لما فاتهما.
- 3السلم :فل يصح من الكافر ولو كان مرتدا.
- 4العقل أي التمييز :فل يصح من غير المميز وهو الذي لم يبلغ سبع سنين.
( )3/62
( )3/63
رزقك أفطرت ،وعليك توكلت ،وبك آمنت ،ذهب الظمأ ،وابتلت العروق ،وثبت الجر إن شاء ال
تعالى .يا واسع الفضل اغفر لي ،الحمد ل الذي أعانني فصمت ،ورزقني فأفطرت» .
وسنية الدعاء؛ لن للصائم دعوة ل ترد ،لحديث« :للصائم عند فطره دعوة لتُرد» ( ، )1وصيغة
الدعاء ثابتة هكذا في السنة (. )2
ً - 4تفطير صائمين ولو على تمرة أو شربة ماء أوغيرهما ،والكمل أن يشبعهم ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم « :من فطّر صائما كان له مثل أجره ،غير أنه ل ينقُص من أجر الصائم شيء» (. )3
ً - 5الغتسال عن الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر ،ليكون على طهر من أول الصوم ،وليخرج
من خلف أبي هريرة حيث قال :ل يصح صومه ،وخشيةمن وصول الماء إلى باطن أذن أو دبر أو
نحوه .وبناء عليه :يكره عند الشافعية للصائم دخول الحمام من غير حاجة ،لجواز أن يضره ،فيفطر،
ولنه من الترفه الذي ليناسب حكمة الصوم .فلو لم يغتسل مطلقا صح صومه ،وأثم من حيث
الصلة.
ولو طهرت الحائض أو النفساء ليلً ،ونوت الصوم وصامت ،أو صام الجنب
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه من حديث عبد ال بن عمرو.
( )2فقوله «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت» رواه أبو داود مرسلً ،وروى أيضا «ذهب
الظمأ...إلخ» وروى الدارقطني من حديث أنس وابن عباس :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال:
«اللهم لك صمنا ،وعلى رزقك أفطرنا ،فتقبل منا ،إنك أنت السميع العليم» وروى الدارقطني أيضا
عن ابن عمر «ذهب الظمأ »...الحديث.
( )3رواه الترمذي وصححه ،والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن زيد بن
خالد الجهني (الترغيب والترهيب.)144/2 :
( )3/64
بل غسل ،صح الصوم ،لقوله تعالى{ :فالن باشروهن وابتغوا ما كتب ال لكم} [البقرة]187/2:
ولخبر الصحيحين المتقدم« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم يصبح جنبا من جماع ،غير احتلم ،ثم
يغتسل ،ويصوم» وأما خبر البخاري« :من أصبح جنبا فل صوم له» فحملوه على من أصبح مجامعا
واستدام الجماع.
ً - 6كف اللسان والجوارح عن فضول الكلم والفعال التي ل إثم فيها .وأما الكف عن الحرام
كالغيبة والنميمة والكذب فيتأكد في رمضان ،وهو واجب في كل زمان ،وفعله حرام في أي وقت،
وقال عليه السلم« :من لم يدع قول الزور والعمل به ،فليس ل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (
« ، )1رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ،ورب قائم حظه من قيامه السهر» ( )2فإن شتم،
سن في رمضان قوله جهرا :إني صائم ،لحديث الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا« :إذا كان يوم
صوم أحدكم ،فل يرفث ول يصخب ،فإن شاتمه أحد أو قاتله ،فليقل :إني صائم» أما في غير رمضان
فيقوله سرا يزجر نفسه بذلك ،خوف الرياء.
ً - 7ترك الشهوات المباحة التي ل تبطل الصوم من التلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم
ريحان ولمسه والنظر إليه ،لما في ذلك من الترفه الذي ليناسب حكمة الصوم ،ويكره له ذلك كله،
كدخول الحمام.
-------------------------------
( )1رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (الترغيب
والترهيب.)146/2 :
( )2رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر ،وإسناده ل بأس به (المصدر السابق :ص .)148
( )3/65
ً - 8يسن عند الشافعية :ترك الفصد والحجامة لنفسه ولغيره خروجا من خلف من فطّر بذلك،
ويسن بالتفاق ترك مضغ البان (العلك غير المصحوب بسكر) وغيره لنه يجمع الريق ،ويؤدي
للعطش ،وترك ذوق الطعام أو غيره خوف وصول شيء إلى الحلق ،وترك القبلة ،وتحرم القبلة إن
خشي فيها النزال.
أما كون الحجامة ل تفطر عند الشافعية فلنه صلّى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم ( . )1وأما
حديث« :أفطر الحاجم والمحجوم» ( )2فهو منسوخ ،وتفطر الحجامة عند الحنابلة.
ً - 9التوسعة على العيال (السرة) والحسان إلى الرحام ،والكثار من الصدقة على الفقراء
والمساكين ،لخبر الصحيحين« :أنه صلّى ال عليه وسلم كان أجود الناس بالخير ،وكان أجود ما يكون
في رمضان حين يلقاه جبريل» والحكمة في ذلك تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع
حاجاتهم.
ً - 10الشتغال بالعلم وتلوة القرآن ومدارسته ،والذكار والصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ،
كلما تيسر له ذلك ليلً أو نهارا .لخبر الصحيحين« :كان جبريل يلقى النبي صلّى ال عليه وسلم في
كل ليلة من رمضان ،فيدارسه القرآن» ومثله كل أعمال الخير؛ لن الصدقة في رمضان تعدل
فريضة فيما سواه ،فتضاعف الحسنات به.
ً - 11العتكاف ل سيما في العشر الواخر من رمضان ،لنه أقرب إلى صيانة النفس عن المنهيات،
وإتيانها بالمأمورات ،ولرجاء أن يصادف ليلة القدر إذ هي منحصرة فيه ،وروى مسلم أنه صلّى ال
عليه وسلم كان يجتهد في العشر الواخر ما ل يجتهد في غيره .وقالت عائشة« :كان النبي صلّى ال
عليه وسلم إذا دخل العشر الواخر أحيا الليل ،وأيقظ أهله ،وشد المئزر» ( )3أي اعتزل النساء.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه عن ابن عباس (نيل الوطار.)202/4 :
( )2رواه أحمد والترمذي عن رافع بن خديج ،ولحمد وأبي داود وابن ماجه مثله من حديث ثوبان
وشداد بن أوس (نيل الوطار.)200/4:
( )3متفق عليه (نيل الوطار )270/4 :ورواه أيضا عبد الرزاق عن الثوري ،وابن أبي شيبة عن أبي
بكر ابن عياش.
( )3/66
والسنة في ليلة القدر كما أبنت أن يقول« :اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ويكتمها ويحييها
ويحيي يومها كليلتها.
هذه هي سنن الصوم ،أفاض في بيانها الشافعية والحنابلة وغيرهم ،واقتصر الحنفية على القول
باستحباب ثلثة أمور :السحور ،وتأخيره ،وتعجيل الفطر في غير يوم غيم.
وقال المالكية :سننه السحور وتعجيل الفطر ،وتأخير السحور ،وحفظ اللسان والجوارح ،والعتكاف
في آخر رمضان.
وفضائله :عمارته بالعبادة ،والكثار من الصدقة ،والفطر على حلل دون شبهة ،وابتداء الفطر على
التمر أو الماء ،وقيام لياليه وخصوصا ليلة القدر.
المطلب الثاني ـ مكروهات الصيام:
يكره في الصوم ما يأتي:
ً - 1صوم الوصال :وهو أل يفطر بين اليومين بأكل وشرب ،وهو مكروه عند أكثر العلماء (، )1
ومحرم عند الشافعية ،كما تقدم ،إل للنبي صلّى ال عليه وسلم فمباح له ،لحديث ابن عمر« :واصل
رسول ال صلّى ال عليه وسلم في رمضان ،فواصل الناس ،فنهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم
عن الوصال ،فقالوا :إنك تواصل؟ قال :إني لست كأحدكم ،إني أظل يطعمني ربي ويسقيني» ()2
وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ،ومنع إلحاق غيره به .ول يحرم عند الجمهور؛ لن النهي وقع رفقا
ورحمة ،ولهذا واصل رسول ال صلّى ال عليه وسلم بهم ،وواصلوا بعده .ويحرم عند الشافعية للنهي
عنه ،كما سبق.
ً - 2القبلة ،ومقدمات الجماع ولو فكرا أو نظرا ،لنه ربما أداه للفطر بالمني ،وهذا إن علمت
السلمة من ذلك وإل حرم.
-------------------------------
( )1المغني ،171/3 :كشاف القناع.399/2:
( )2متفق عليه ،وروي مثله أيضا حديثان آخران متفق عليهما عن أبي هريرة وعائشة ،وروى
البخاري وأبو داود عن أبي سعيد (نيل الوطار.)219/4 :
( )3/67
( )3/68
( )3/69
- 1أن يجمع ريقه ويبتلعه ،لنه قد اختلف في الفطر به ،فإن فعله قصدا لم يفطر ،لنه يصل إلى
جوفه من معدنه .وإن أخرجه لما بين شفتيه أو انفصل عن فمه ،ثم ابتلعه ،أفطر؛ لنه فارق معدنه،
مع إمكان التحرز منه في العادة .ول بأس بابتلع الصائم ريقه بحسب المعتاد ،بغير خلف؛ لنه ل
يمكن التحرز منه
كغبار الطريق .ويحرم على الصائم بلع نخامة ،ويفطر بها إذا بلعها ،سواء أكانت من جوفه أم صدره
أم دماغه ،بعد أن تصل إلى فمه ،لنها من غير الفم كالقيء.
- 2المبالغة في المضمضة والستنشاق ،لقوله صلّى ال عليه وسلم للقيط بن صبرة« :وبالغ في
الستنشاق إل أن تكون صائماَ» وقد تقدم في الوضوء .ول يفطر بالمضمضة والستنشاق المعتادين
بل خلف ،سواء كان في الطهارة أوغيرها.
- 3ذوق طعام بل حاجة؛ لنه ل يأمن أن يصل إلى حلقه ،فيفطره ،فإن وجد طعم المذوق في حلقه،
أفطر لطلق الكراهة.
- 4مضغ العلك الذي ل يتحلل منه أجزاء؛ لنه يجمع الريق ،ويجلو الفم ،ويورث العطش ،فإن وجد
طعمه في حلقه أفطر ،لوصول شيء أجنبي يمكن التحرز منه .ويحرم مضغ ما يتحلل منه أجزاء من
علك وغيره ،ولو لم يبتلع ريقه إقامة للمظِنة مقام المئِنة.
- 5القبلة لمن تحرك شهوته فقط ،لقول عائشة السابق« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم يُقبّل ،وهو
صائم ،ويباشر وهو صائم ،وكان أملككم لربه» (« )1ونهى النبي صلّى ال عليه وسلم عنها شابا
ورخص لشيخ» (. )2
وإن ظن النزال مع القبلة لفرط شهوته ،حرم بغير خلف .ول تكره القبلة ،ول مقدمات الوطء كلها
من اللمس وتكرار النظر ممن ل تحرك شهوته.
- 6ترك الصائم بقية طعام بين أسنانه ،خشية أن يجري ريقه بشيء منه إلى جوفه.
-------------------------------
( )1متفق عليه .والرب :الشهوة والحاجة.
( )2حديث حسن رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ،ورواه سعيد عن أبي هريرة وأبي الدرداء،
وكذا عن ابن عباس بإسناد صحيح.
( )3/70
- 7شم ما ل يأمن أن تجذبه أنفاسه إلى حلقه ،كسحيق مسك ،وكافور ودهن وبخور وعنبر ونحوها.
ول بأس أن يغتسل الصائم ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة ثم يصوم (، )1
ول بأس بالسواك للصائم ،قال عامر بن ربيعة :رأيت النبي صلّى ال عليه وسلم ما ل أحصي يتسوك
وهو صائم (. )2
المبحث السادس -العذار المبيحة للفطر:
يباح الفطرلعذار أهمها سبع أو تسع هي ما يأتي ( ، )3وقد نظمها بعضهم بقوله:
وعوارض الصوم التي قد يغتفر للمرء فيها الفطر تسع تستطر
جوْعةعطش كبر
حبل وإرضاع وإكراه سفر مرض جهاد َ
- 1السفر :لقوله تعالى{ :فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة]185/2:
والسفر في عرف اللغة :عبارة عن خروج يُتكلف فيه مؤنة ،ويفصل فيه ُبعْد في المسافة .ولم يرد فيه
من الشارع نص ،لكن ورد فيه تنبيه ،وهو قوله عليه السلم في الصحيح« :ل يحل لمرأة تؤمن بال
واليوم الخر مسيرة يوم وليلة إل معها ذو َمحْرم منها» .
-------------------------------
( )1متفق عليه عن عائشة وأم سلمة.
( )2قال الترمذي :هذا حديث حسن.
( )3الدر المختار ،168-158/2:مراقي الفلح :ص ،117-115البدائع ،97-94/2 :الشرح الكبير:
،534/1القوانين الفقهية :ص ،122-120الشرح الصغير ،691-689/1 :بداية المجتهد-285/1 :
،288مغني المحتاج ،440-437 :المهذب 178/1:ومابعدها ،غاية المنتهى ،333/1 :المغني99/3 :
ومابعدها ،كشاف القناع.365-361/2 :
( )3/71
أ ـ والسفر المبيح للفطر :هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصلة الرباعية وذلك لمسافة تقدر
بحوالي 89كم ،وبشرط عند الجمهور :أن ينشئ السفر قبل طلوع الفجر ويصل إلى مكان يبدأ فيه
جواز القصر وهو بحيث يترك البيوت وراء ظهره ،إذ ل يباح له الفطر بالشروع في السفر بعد ما
أصبح صائما ،تغليبا لحكم الحضر على السفر إذا اجتمعا .فإذا شرع بالسفر بأن جاوز عمران بلدة
قبل طلوع الفجر ،جاز له الفطار ،وعليه القضاء .وإن شرع في الصوم ،ثم تعرض لمشقة شديدة ل
تحتمل عادة ،أفطر وقضى ،لحديث جابر« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم خرج إلى مكة عام
الفتح ،فصام حتى بلغ كُرَاع الغميم ( ، )1وصام الناس معه ،فقيل له :إن الناس قد شق عليهم الصيام،
وإن الناس ينظرون فيما فعلت ،فدعا بقدح من ماء بعد العصر ،فشرب والناس ينظرون إليه ،فأفطر
بعضهم ،وصام بعضهم ،فبلغه أن ناسا صاموا ،فقال :أولئك العصاة» ( )2قال الشوكاني :فيه دليل
على أنه يجوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوى الصيام من الليل ،وهو قول الجمهور.
وأجاز الحنابلة للمسافر الفطار ولو سافر من بلده في أثناء النهار ولو بعد الزوال ،لن السفر معنى
لو وجد ليلً واستمر في النهار ،لباح الفطر ،فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض ،وعملً بما رواه أبو
داود عن أبي بصرة الغفاري الذي أفطر بعد شروعه في السفر ،وقال :إنها سنة رسول ال صلّى ال
عليه وسلم .
-------------------------------
( )1كراع الغميم :اسم واد أمام عسفان ،وهو من أراضي أعالي المدينة.
( )2رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه (نيل الوطار.)266/4 :
( )3/72
واشترط الشافعية شرطا ثالثا :وهو أل يكون الشخص مديما للسفر ،فإن كان مديما له كسائقي
السيارات ،حرم عليه الفطر ،إل إذا لحقه بالصوم مشقة ،كالمشقة التي تبيح التيمم :وهي الخوف على
نفس أو منفعة عضو من التلف ،أو الخوف من طول مدة المرض ،أو حدوث شين قبيح في عضو
ظاهر :وهو ما ل يعد كشفه هتكا للمروءة ،بأن يبدو في المهنة غالبا.
وهناك شرطان آخران عند الجمهور غير الحنفية :أن يكون السفر مباحا ،وأل ينوي إقامة أربعة أيام
في خلل سفره ،وأضاف المالكية شرطا آخر :هو أن يبيّت الفطر قبل الفجر في السفر ،فإن السفر ل
يبيح قصرا ول فطرا إل بالنية والفعل ،كما سيأتي في الفقرة التالية .وأجاز الحنفية الفطر في السفر
ولو بمعصية.
والخلصة :أن المالكية يبيحون الفطر بسبب السفر بأربعة شروط :أن يكون السفر سفر قصر ،وأن
يكون مباحا ،وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم ،وأن يبيت الفطر.
ب ـ ولو أصبح المسافر صائما ،ثم بدا له أن يفطر ،جاز له ذلك ول إثم عليه عند الشافعية
والحنابلة ،عملً بحديث صحيح متفق عليه عن ابن عباس ،ولن النبي صلّى ال عليه وسلم أفطر في
أثناء فتح مكة ( . )1ويحرم الفطر ويأثم عند الحنفية والمالكية ،وعليه القضاء فقط عند الجمهور،
والقضاء والكفارة عند المالكية ،لنه أفطر في صوم رمضان ،فلزمه ذلك ،كما لو كان مقيما أو
حاضرا.
-------------------------------
( )1وأفطر تبعا له بعض الناس ،وصام بعضهم ،فقال عنهم النبي« :أولئك العصاة» رواه مسلم.
( )3/73
والصوم عند الحنفية والمالكية والشافعية أفضل للمسافر إن لم يتضرر ،أو لم تكن عند الحنفية عامة
رفقته مفطرين ،ول مشتركين في النفقة ،فإن كانوا مشتركين في النفقة أو مفطرين ،فالفضل فطره
موافقة للجماعة ،ويجب الفطر ويحرم الصوم في حال الضرر .ودليلهم عموم قوله تعالى دون تقييده
بحال الكبير الذي ليطيق الصوم{ :وأن تصوموا خير لكم} [البقرة ]184/2:والتضرر :هو الخوف من
التلف أو تلف عضو منه أو تعطيل منفعة.
وقال الحنابلة :يسن الفطر ويكره الصوم في حالة سفر القصر ،ولو بل مشقة؛ لن النبي صلّى ال
عليه وسلم قال عن الصائمين عام الفتح« :أولئك العصاة» ولقوله صلّى ال عليه وسلم
في الصحيحين« :ليس من البر الصوم في السفر» .والرأي الول هو المعقول عملً بظاهر الية:
{وأن تصوموا خير لكم} [البقرة ]184/2:ولن الفطر عام الفتح من أجل القتال.
جـ ـ وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء؛ لن الفطر أبيح رخصة عنه،
فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه ،لزمه أن يأتي بالصل.
فإن نوى المسافر أو المريض صوما غير رمضان ،لم يصح صومه عند الجمهور ل عن رمضان
ول عما نواه؛ لنه أبيح له الفطر للعذر ،فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض .وقال
الحنفية :يقع عما نواه إذا كان واجبا،ل تطوعا؛ لنه زمن أبيح له فطره ،فكان له صومه عن واجب
عليه كغير شهر رمضان.
( )3/74
د ـ وإن صام المسافر ومثله المريض أجزأه باتفاق المذاهب الربعة عن فرضه ،وقال الظاهرية :ل
يجزيه .ومنشأ الختلف هو المفهوم من قوله تعال{ :فمن كان منكم مريضا أو على سفر ،فعدة من
أيام أخر} [البقرة ]185/2:فقال الجمهور :الكلم محمول على المجاز ،وتقديره ( :فأفطر فعدة من أيام
أخر ) وهذا الحذف هو المعروف بلحن الخطاب .وقال الظاهرية :الكلم محمول على الحقيقة ،ل
المجاز ،وفرض المسافر هو عدة من أيام أخر ،فمن قدر وأفطر ،ففرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر.
وتأيد مذهب الجمهور بحديث أنس« :كنا نسافر مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فلم يعب الصائم
على المفطر ،ول المفطر على الصائم» (. )1
وتأيد مذهب أهل الظاهر بما ثبت عن ابن عباس « :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم خرج إلى
عسْفان وقُديد) فأفطر ،وأفطروا» (
مكة عام الفتح في رمضان ،فصام حتى بلغ الكَديد (وهو ماء بين ُ
)2وكانوا يأخذون بالحدث فالحدث أو بالخر فالخر من أمر رسول ال صلّى ال عليه وسلم .
- 2المرض :معنى يوجب تغير الطبيعة إلى الفساد ،وهو يجيز الفطر كالسفر ،للية السابقة{ :فمن
كان منكم مريضا أو على سفر ،فعدة من أيام أخر} [البقرة.]185/2:
أ ـ وضابط المرض المبيح الفطر :هوالذي يشق معه الصوم مشقة شديدة أو يخاف الهلك منه إن
صام ،أو يخاف بالصوم زيادة المرض أو بطء البرء أي تأخره ( . )3فإن لم يتضرر الصائم بالصوم
كمن به جرب أو وجع ضرس أو إصبع أو دمل ونحوه ،لم يبح له الفطر.
والصحيح الذي يخاف المرض أوالضعف بغلبة الظن بأمارة أو تجربة أو بإخبار طبيب حاذق مسلم
مستور العدالة ،كالمريض عند الحنفية .والصحيح الذي يظن الهلك أو الذى الشديد كالمريض عند
المالكية.
وليس الصحيح كالمريض عند الشافعية والحنابلة.
-------------------------------
( )1متفق عليه (نيل الوطار )222/4 :وروى مسلم عن أبي سعيد مثله.
( )2متفق عليه (المصدر السابق).
( )3يرى الطباء أن المراض المبيحة للفطر هي مثل :مرض القلب الشديد ،والسل (التدرن)
والتهابات الرئة ،والورم الرئوي ،والسرطانات ،والتهاب الكلية الحاد،والمصاب بحصاة في المجاري
البولية مع اختلطات والتهابات ،وتصلب الشرايين ،والقرحة ،والسّكري الشديد ،ومرض الفتق
الحجابي ،والقرحة الثني عشرية والمراض الخبيثة أو النتانية في الجهاز الهضمي ،والمراض
الكبدية المزمنة مثل تشمع الكبد ،وأمراض سوء المتصاص ،وحالت السهال الشديدة والتهاب
البنكرياس الحاد والحصيات المرارية والتهابات الكولون المزمنة.
( )3/75
وإن غلب على الظن الهلك بسبب الصوم ،أو الضرر الشديد كتعطيل حاسة من الحواس ،وجب
الفطر.
وأضاف الحنفية أن المحارب الذي يخاف الضعف عن القتال ،وليس مسافرا ،له الفطر قبل الحرب،
ومن له نوبة حمى أو عادة حيض ،لبأس بفطره على ظن وجوده.
فالجهاد ولو بدون سفر سبب من أسباب إباحة الفطر ،للتقوي على لقاء العدو ،وعملً بالثابت في السنة
عام فتح مكة.
ب ـ ول يجب عند الجمهور على المريض أن ينوي الترخص بالفطر ،ويجب ذلك عند الشافعية وإل
كان آثما .وإن صام المريض في مرضه ،أجزأه صومه؛ لصدوره من أهله في محله ،كما لو أتم
المسافر.
جـ ـ وللفقهاء آراء في فطر المريض :فقال الحنفية والشافعية :المرض يبيح الفطر .وقال الحنابلة:
يسن الفطر حالة المرض ويكره الصوم ،لية {فمن كان منكم مريضا أو على سفر ،فعدة من أيام
أخر} [البقرة ،]185/2:أي فليصم عدد ما أفطره .وقال المالكية :للمريض أحوال أربعة:
الولى :أل يقدر على الصوم بحال ،أو يخاف الهلك من المرض أو الضعف إن صام ،فالفطر عليه
واجب.
الثانية :أن يقدر على الصوم بمشقة فالفطر له جائز ،فهم كالحنفية والشافعية ،وقال ابن العربي:
يستحب (. )1
الثالثة :أن يقدر بمشقة ويخاف زيادة المرض ،ففي وجوب فطره قولن.
الرابعة :أل يشق عليه ول يخاف زيادة المرض ،فل يفطر عند الجمهور ،خلفا لبن سيرين.
-------------------------------
( )1أحكام القرآن.77/1 :
( )3/76
د ـ إذا أصبح المريض أو المسافر على نية الصيام ،ثم زال عذره ،لم يجز له الفطر .وإن أصبح
على نية الفطر ثم زال عذره ،جاز له الكل بقية يومه ،وكذلك من أصبح مفطرا لعذر مبيح ،ثم زال
عذره في بقية يومه ،عند الجمهور خلفا لبي حنيفة.
هـ ـ ل يصح بالتفاق لمريض ول لمسافر أن يصوم تطوعا في رمضان .وكذا ل يصح عند
الجمهور أن يصوم واجبا آخر ،ويصح ذلك عند الحنفية على الراجح ،كما تبين في عذر السفر.
وعلى المريض والمسافر في رأي الشافعية الكفارة مع القضاء إذا جاء رمضان آخر ،ولم يقض،
والكفارة :هي إطعام مد من غالب قوت البلد عن كل يوم.
وتتكرر الكفارة بتكرر السنين .لكن إن استمر العذر حتى دخل رمضان آخر ،فل شيء عليه سوى
القضاء .وإن مات قبل التمكن من القضاء ،فل شيء عليه .وإن مات بعد التمكن من القضاء ،صام
عنه وليه ندبا ،فإن لم يصم عنه وليه ،أطعم من تركته عن كل يوم مدا من طعام غالب قوت البلد؛ لما
روى الترمذي عن ابن عمر رضي ال عنهما قال« :من مات وعليه صيام شهر ،فليُطعَم عنه مكان
كل يوم مسكينا» وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها :أن رسول ال صلّى ال عليه
وسلم قال« :من مات وعليه صيام ،صام عنه وليه» .
( )3/77
- 4 - 3الحمل والرضاع :يباح للحامل والمرضع الفطار إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد ،
سواء أكان الولد ولد المرضعة أم ل ،أ ي نسبا أو رضاعا ،وسواء أكانت أما أم مستأجرة ،وكان
الخوف نقصان العقل أو الهلك أو المرض ،والخوف المعتبر :ما كان مستندا لغلبة الظن بتجربة
سابقة ،أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل .ودليل الجواز لهما :القياس على المريض والمسافر ،وقوله
صلّى ال عليه وسلم « :إن ال عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلة ،وعن الحبلى
والمرضع الصوم» ( )1ويحرم الصوم إن خافت الحامل أوالمرضع على نفسها أو ولدها الهلك.
وإذا أفطرتا وجب القضاء دون الفدية عند الحنفية ،ومع الفدية إن خافتا على ولدهما فقط عند الشافعية
والحنابلة ،ومع الفدية على المرضع فقط ل الحامل عند المالكية ،كما سيأتي.
- 5الهرم :يجوز إجماعا الفطر للشيخ الفاني والعجوز الفانية العاجزين عن الصوم في جميع فصول
السنة ،ول قضاء عليهما ،لعدم القدرة ،وعليهما عن كل يوم فدية طعام مسكين ،وتستحب الفدية فقط
عند المالكية ،لقوله تعالى{ :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة ]184/2:قال ابن عباس:
ليست بمنسوخة ،هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ل يستطيعان أن يصوما ،فيطعمان مكان كل يوم
مسكينا (. )2
ومثلهما :المريض الذي ل يرجى برؤه ،لقوله تعالى { :وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:
.]78/22أما من عجز عن الصوم في رمضان ولكن يقدر على قضائه في وقت آخر ،فيجب عليه
القضاء ول فدية عليه.
- 6إرهاق الجوع والعطش :يجوز الفطر لمن حصل له أو أرهقه جوع أو عطش شديد يخاف منه
الهلك أو نقصان العقل أو ذهاب بعض الحواس ،بحيث لم يقدر معه على الصوم ،وعليه القضاء .فإن
خاف على نفسه الهلك ،حرم عليه الصيام ،لقوله تعالى { :ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:
.]195/2
-------------------------------
( )1رواه الخمسة ( أحمد وأصحاب السنن) عن أنس بن مالك الكعبي (نيل الوطار.)230/4 :
( )2رواه البخاري ( المصدر السابق :ص .) 231
( )3/78
وإذا أفطر المرهق بالجوع أو العطش ،فاختلف :هل يمسك بقية يومه ،أو يجوز له الكل.
- 7الكراه :يباح الفطر للمستكره ،وعليه عند الجمهور القضاء ،وعند الشافعية ل يفطر المستكره.
وإذا وطئت المرأة مكرهة أو نائمة ،فعليها القضاء.
هذه أهم العذار المبيحة للفطر ،أما الحيض والنفاس والجنون الطارئ على الصائم فيبيح الفطر ،بل
ول يوجب الصوم ول يصح معه ،كما تقدم في الشروط.
صاحب العمل الشاق :قال أبو بكر الجري ( : )1من صنعته شاقة ،فإن خاف بالصوم تلفا ،أفطر
وقضى إن ضره ترك الصنعة ،فإن لم يضره تركها ،أثم بالفطر ،وإن لم ينتف التضرر بتركها ،فل
إثم عليه بالفطر للعذر .وقرر جمهور الفقهاء أنه يجب على صاحب العمل الشاق كالحصاد والخباز
والحداد وعمال المناجم أن يتسحر وينوي الصوم ،فإن حصل له عطش شديد أو جوع شديد يخاف منه
الضرر ،جاز له الفطر ،وعليه القضاء ،فإن تحقق الضرر وجب الفطر ،لقوله تعالى{ :ولتقتلوا
أنفسكم إن ال كان بكم رحيما} [النساء.]29/4:
إنقاذ الغريق ونحوه :قال الحنابلة ( : )2يجب الفطر على من احتاجه غيره لنقاذ آدمي معصوم من
مهلكة كغرق ونحوه ،ول يفدي ،فإن قدر بدون فطر حرم ،فإن دخل الماء حلقه ،لم يفطر.
صوم التطوع :ول يجوز الفطر بل عذر للمتطوع بالصوم عند الحنفية القائلين بلزوم النفل في
الشروع بالعبادة في الرواية الصحيحة ،والضيافة عذر في الظهر للضيف والمضيف قبل الزوال ل
بعده ،إل أن يكون في عدم الفطر بعد الزوال عقوق لحد البوين ،ل غيرهما ،لتأكد الصوم.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،361/2 :غاية المنتهى.323/1:
( )2غاية المنتهى.324/1 :
( )3/79
وإذا أفطر المتطوع على أي حال ،وجب عليه عند الحنفية القضاء ،إل إذا شرع متطوعا في خمسة
أيام :يومي العيد ،وأيام التشريق ،فل يلزمه قضاؤها بإفسادها في ظاهر الرواية ،كما بان سابقا.
المساك بعد الفطر بعذر :اختلف الفقهاء على رأيين بوجوب المساك بقيةالنهار أو استحبابه على من
أفطر في رمضان بعذر من العذار ،فقال الحنفية والحنابلة بالوجوب ،وقال الشافعية بالستحباب،
وقال المالكية بعدم الوجوب وعدم الستحباب إل في حالتين ،وتفصيل الحالت والراء يظهر فيما
يأتي.
قال الحنفية ( : )1يجب المساك بقية اليوم على من فسد صومه ولو بعذر ثم زال ،وعلى حائض
ونفساء طهرتا بعد طلوع الفجر ،وعلى مسافر أقام،ومريض برئ ،ومجنون أفاق ،وعلى صبي بلغ
وكافر أسلم ،لحرمة الوقت بالقدر الممكن ،وعليهم القضاء إل الخيرين (الصبي والكافر) لعدم توافر
الخطاب التكليفي لهما عند طلوع الفجر عليهما .وقد عرفنا أن الجنون المتقطع ،ل المستوعب جميع
الشهر يوجب القضاء ،بخلف الغماء ،فإنه يوجب القضاء ولو استوعب جميع الشهر؛ لنه نوع
مرض ،إل أنه ل يقضي اليوم الذي حدث فيه الغماء أو حدث في ليلته ،لوجود شرط الصوم وهو
النية.
وقال المالكية ( : )2إمساك بقية اليوم يؤمر به من أفطر في رمضان خاصة أو في نذر واجب عمدا
أو إكراها أو نسيانا ،ل من أفطر لعذر مبيح ،فمن أفطر لجل عذر يباح له الفطر ،ثم زال عذره ،ل
يستحب له المساك ،كأن زال الحيض أو النفاس في أثناء نهار رمضان ،أو انقضى السفر ،أو زال
الصبا وبلغ في أثناء نهار
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،114البدائع 102/2:ومابعدها.
( )2حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،525 ،514/1 :القوانين الفقهية :ص ،124الشرح الصغير
وحاشية الصاوي 705/1 :ومابعدها.
( )3/80
رمضان ،أو زال الجنون أو الغماء ،أو قوي المريض المفطر ،أو زال اضطرار المضطر للكل أو
الشرب ،فل يستحب لهم المساك ،ويجوز لهم التمادي في تعاطي الفطر .لكن يندب إمساك يوم الشك
بقدر ما جرت العادة فيه بثبوت الشهر من المارين في الطريق من السفارة ،وذلك بارتفاع النهار.
ويجب المساك أيضا في حال الفطار نسيانا في صوم النفل ،ل في العمد الحرام على المعتمد ،ول
في الصوم الذي يجب فيه التتابع ككفارة الظهار والقتل.
ويرى الشافعية ( : )1أنه يلزم المساك من تعدى بالفطر كأن أكل ،عقوبة له ومعارضة لتقصيره ،أو
من نسي النية من الليل؛ لن نسيانه يشعر بترك الهتمام بأمر العبادة ،فهو نوع من التقصير ،وفي
يوم الشك إن تبين كونه من رمضان ،لما في فطره من نوع تقصير لعدم الجتهاد في الرؤية ،ويجب
قضاؤه على الفور على المعتمد.
ول يلزم المساك بقية النهار في الصح إذا بلغ الصبي مفطرا ،أو أفاق المجنون ،أو أسلم الكافر ،في
أثناء النهار ،لعدم التمكن من زمن يسع الداء ،لكن يندب القضاء لمن أفاق أو أسلم في أثناء النهار،
خروجا من الخلف.
كما ل يلزم المساك مسافرا أو مريضا زال عذرهما بعد الفطر ،كأن أكل؛ لن زوال العذر بعد
الترخص ل يؤثر ،كما لو قصر المسافر ،ثم أقام ،والوقت باق ،لكن يستحب لهم المساك لحرمة
الوقت ،ويستحب أيضا للحائض أو النفساء إذا طهرت.
وإنما لم يجب المساك؛ لن الفطر مباح لهم مع العلم بحال اليوم ،وزوال العذر بعد الترخص ل
يؤثر.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،438/1 :الحضرمية :ص .413
( )3/81
ويرى الحنابلة ( : )1أنه يلزم المساك من أفطر بغير عذر ،أو أفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان
طلع ،أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب ،أو الناسي لنية الصوم ونحوهم ،بل خلف بين العلماء.
ويلزم المساك أيضا على الراجح كل من زال عذره في أثناء النهار ،وعليه القضاء ،كالصبي
والمجنون والكافر ،والمريض والمسافر ،والحائض والنفساء ،إذا زالت أعذارهم في النهار ،فبلغ
الصبي ،وأفاق المجنون ،وأسلم الكافر ،وصح المريض المفطر ،وأقام المسافر ،وطهرت الحائض
والنفساء .ولهم ثواب إمساك ،لثواب صيام.
فإن بلغ الصغير صائما بسن ،أو احتلم ،وقد نوى من الليل ،أتم وأجزأ ،كنذر إتمام نفل ،وإن علم
مسافر أنه يقدم غدا أهله ،لزمه الصوم.
المبحث السابع ـ ما يفسد الصوم وما ل يفسده:
اختلف الفقهاء في هذا المبحث من ناحيتي الشكل (الصياغة) والموضوع ،اختلفا يقتضي بيانا مستقلً
في كل مذهب على حدة.
الحنفية ( : )2ما يفسد الصوم نوعان :نوع يوجب القضاء فقط ،ونوع يوجب القضاء والكفارة.
أولً ـ مايفسد الصوم ويوجب القضاء فقط دون الكفارة:
وهو سبعة وخمسون شيئا تقريبا ،يمكن تصنيفها في ثلثة أشياء:
الول ـ أن يتناول ما ليس بغذاء ول في معنى الغذاء وهو الدواء :وهو تناول كل شيء ل يقصد به
التغذي عادة ول يميل إليه ا لطبع ،كأن أكل الصائم أرزا نيئا ،أو عجينا أو دقيقا غير مخلوط بشيء
يؤكل عادة كالسمن والدبس والعسل والسكر ،وإل وجبت به الكفارة ،أو أكل ملحا كثيرا دفعة واحدة،
فإن أكل ملحا قليلً ،وجبت به الكفارة ،أو أكل ثمرة قبل نضجها ،أو أكل ما بقي بين أسنانه ،وكان
قدر الحمصة ،فإن كان أقل ،فل يفسد ،أو أكل جوزة رطبة.
أو أكل طينا غير أرمني لم يعتد أكله ،أما أكل الطين الرمني (وهو معروف عند العطارين) فيوجب
الكفارة.
-------------------------------
( )1المغني ،134/3 :غاية المنتهى.320/1 :
( )2الدر المختار ،153-132/2 :فتح القدير ،77-64/2 :البدائع ،102-94/2 ،اللباب-165/1 :
،173مراقي الفلح ،114-109 :تبيين الحقائق.332-322/1 :
( )3/82
أو أكل نواة (بزرة) أو قطنا أو ورقا ،أو جلدا ،أو ابتلع حصاة أو حديدا أو ترابا أو حجرا أو درهما
أو دينارا ونحو ذلك ،أو أدخل دخانا بصنعه ،أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة في قبل
المرأة أو الدبر مطلقا أو النف أو الحلق ،أو استعط في أنفه شيئا ( )1أو قطر في أذنه دهنا ،ل ماء
على الصحيح لعدم سريان الماء ،ولضرر الدماغ به ،أو دخل حلقه مطر أو ثلج في الصح ،ولم
يبتلعه بصنعه.
والخلصة :اتفق الحنفية على أنه لو أنزل قطرة في قبل المرأة ،فسد صومها؛ لن القطرة كالحقنة.
وأما القطرة في إحليل الرجل فل تفطر في الظهر ،أو على المذهب وهو قول أبي حنيفة ومحمد كما
سيأتي في بحث مال يفسد الصوم ـ رقم 11وقال أبو يوسف :يفطر الصائم.
أو استقاء (تعمد إخراج القيد) من جوفه ،أو خرج كرها وأعاده بصنعه ،إذا كان القيء عمدا ملء الفم
أو ولو كان أقل من ملء الفم في حالة العادة بقدر حمصة منه فأكثر على الصحيح ،وكان ذاكرا
لصومه ،فإن ذرعه (غلبه) القيء ،أو كان القيء حال الستقاءة أقل من ملء الفم ،أو كان ناسيا
لصومه ،أو كان القيء بلغما ل طعاما ،لم يفطر في جميع هذه الحالت اتفاقا ،والدليل حديث« :من
ذرعه القيء ،فليس عليه قضاء ،ومن استقاء عمدا فليقض» (. )2
الثاني ـ أن يتناول غذاء ،أو دواء لعذر شرعي كمرض أو سفر أو إكراه أو خطأ أو إهمال أو شبهة:
كأن سبق خطأ ماء المضمضة إلى جوفه ،أو داوى جرحا في رأسه أو بطنه ،فوصل الدواء إلى
دماغه أو جوفه ،أو صب أحد ماء في جوف إنسان نائم ،أو أفطرت امرأة خوفا على نفسها من أن
تمرض من الخدمة.
-------------------------------
( )1الحقنة :صب الدواء في الدبر أو قبل المرأة ،والسعوط :صبه في النف.
( )2رواه الخمسة إل النسائي عن أبي هريرة (نيل الوطار.)204/4 :
( )3/83
أو أكل أو جامع عمدا لشبهة شرعية بعد أن أكل ناسيا أو جامع ناسيا ،أو أكل بعدما نوى نهارا ،ولم
يكن قد بيت نيته ليلً ،أو أكل المسافر الذي نوى الصوم ليلً بعد أن نوى القامة ،أو أكل أو جامع في
حالة السفر بعد أن أصبح مقيما ناويا الصوم من الليل ،ثم بدأ السفر نهارا ،لشبهة السفر ،وإن لم يحل
له الفطر.
أو أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع الفجر ،وهو طالع ،ول كفارة عليه للشبهة؛ لن الصل بقاء
الليل أو أفطر ظانا الغروب ،والشمس باقية؛ ول كفارة عليه لغلبة الظن بحدوث الغروب.
ومن جامع قبل طلوع الفجر أو أكل ،ثم طلع عليه الفجر ،فإن نزع فورا ،أو ألقى ما في فمه ،لم يفسد
صومه.
الثالث -إذا قضى شهوة الفرج غير كاملة :كأن أنزل المني بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة ل
تشتهى ،أو بمفاخذة أو تبطين ،أو قبلة أو لمس ،أو عبث بباطن الكف ،أو وطئت المرأة وهي نائمة،
أو قطرت في فرجها دهنا ونحوه.
ويلحق به ما إذا أدخل أصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره ،أواستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره،
أو أدخل في دبره قطنة أو خرقة أو طرف حقنة ولم يبق منه شيء ،أو أدخلت المرأة أصبعها مبلولة
بماء أودهن في فرجها الداخل ،أو أدخلت قطنة أو خشبة أو عودا وغيبته؛ لنه تم الدخول ،بخلف ما
لو بقي طرفه خارجا؛ لن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة ،فل يفسد الصوم إذا بقي منه
في الخارج شيء بحيث لم يغب كله .وعلى هذا ليفسد عندهم الصوم بالفحص النسائي بإدخال آلة
منظار وبقاء طرفها خارجا ،ويفسد بإدخال الصبع ونحوها ،خلفا للحنابلة في إدخال الصبع ،كما
سيأتي.
ومما يلحق به :ما إذا أفسد صوما غير أداء رمضان بجماع أو غيره ،لعدم هتك حرمة الشهر.
( )3/84
( )3/85
( )3/86
( )3/87
والخلصة :أن القيء عامدا ملء الفم أو إعادة القيء مفطر يوجب القضاء فقط دون الكفارة ،أما
القيء قهرا أو عودة القيء بنفسه أو القيء أقل من ملء الفم فل يفطر.
ً - 14أكل ما بين السنان ،وكان دون الحمصة ،لنه تبع لريقة .أو مضغ مثل سمسمة من خارج
فمه ،حتى تلشت ولم يجد لها طعما في حلقه ،لعدم ابتلع شيء.
ً - 15إذاأصبح جنبا ،ولو استمر يوما بالجنابة؛ لن الجنابة ل تؤثر في صحة الصوم للزومها الصوم
للضرورة ،كما تقدم سابقا ،وإن كان الغسل فرضا للصلة ،لقوله تعالى{ :وإن كنتم جنبا فاطهروا}
[المائدة ]6/5:ولنه من آداب السلم ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل تدخل الملئكة بيتا فيه
صورة ،ول كلب ،ول جنب» (. )2
حقَن في العضل أو تحت الجلد أو في الوريد ،والولى عند المكان تأخيرها إلى المساء ،أما
ً - 16ال ُ
الحقن الشرجية فتفطر.
ً - 17شم الروائح العطرية كالورد أو الزهر والمسك أو الطيب.
-------------------------------
( )1الدر المختار 151/2 :ومابعدها ،تبيين الحقائق 325/1 :ومابعدها.
( )2رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن علي.
( )3/88
المالكية ( : )1ما يفسد الصيام نوعان :أحدهما ـ يوجب القضاء فقط ،والثاني ـ يوجب القضاء
والكفارة.
الول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط :هو ما يأتي:
ً - 1الفطار متعمدا في صيام فرض غير رمضان ،كقضاء رمضان ،والكفارات والنذر غير المعين،
وصوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي.
أما النذر المعين ،كما لو نذر صوم يوم معين ،أو أيام معينة ،أو شهر معين ،فإن أفطر فيه لعذر مانع
من صحته كحيض ونفاس وإغماء وجنون ،أو لعذر مانع من أدائه كمرض واقع ،أو شدة ضرر أو
زيادته أو تأخر برئه ،فل يقضى لفوات وقته ،وإن زال عذره وبقي منه شيء ،وجب صومه.
ً - 2الفطار متعمدا في صيام فرض رمضان إذا لم تتوافر شروط الكفارة ،كالفطار لعذر مبيح
كالمرض والسفر ،أو لعذر يرفع الثم كالنسيان والخطأ والكراه ،والفطار بسبب خروج المذي ،أو
خروج المني بنظر أو فكر مع لذة معتادة بل استدامة نظر وكانت عادته النزال عند الستراحة .وفي
الجملة :كل فرض أفطر فيه يجب عليه قضاؤه إل النذر المعين لعذر.
ً - 3الفطار متعمدا في صوم التطوع؛ لن الشروع في النفل ملزم عندهم ،كما تقدم .فإن أفطر فيه
ناسيا أو بعذر مبيح ،فل قضاء عليه.
والخلصة :إن من أفطر عامدا في جميع أنواع الصيام ،فعليه القضاء ،ول يكفّر إل في رمضان،
ومن أفطر في جميعها ناسيا ،فعليه القضاء دون الكفارة ،إل في التطوع فل قضاء ول كفارة.
أما المفطرات فهي خمسة:
- 1الجماع الذي يوجب الغسل.
- 2إخراج المني أو المذي بالتقبيل أو المباشرة أو النظر أو الفكر المستديمين.
- 3الستقاءة (تعمد القيء) سواء مل الفم أم ل ،بخلف ما إذا غلبه القيء إل إذا رجع شيء منه ولو
غلبة ،فيفسد صومه.
- 4وصول مائع إلى الحلق من فم أو أنف أو أذن ،عمدا أو سهوا أو خطأ أو غلبة كماء المضمضة
أو السواك ،وفي حكم المائع :البخور وبخار القِدْر إذا استنشقهما ،فوصل إلى حلقه ،والدخان
المعروف ،والكتحال نهارا ودهن الشعر نهارا إذا وجد طعمهما في الحلق ،فإن تحقق عدم وصول
الكحل والدهن للحلق فلشيء عليه ،كأن حدث ذلك ليلً.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،124-1119،122الشرح الصغير 712،715-698/1 :ومابعدها ،الشرح
الكبير مع الدسوقي ،534-523/1 :بداية المجتهد 281/1 :ومابعدها.
( )3/89
- 5وصول أي شيء إلى المعدة ،سواء أكان مائعا أم غيره من فم أو أنف أو أذن أو عين أو مسام
رأس ،إذا كان وصوله عمدا أو خطأ أوسهوا أو غلبة .أما الحقنة في الحليل (وهو ثقبة الذكر) فل
تفسد الصوم ،وكذا نبش الذن بنحو عود ل شيء فيه ،ول يضر ابتلع ما بين السنان من طعام ولو
عمدا فل يفطر.
وهكذا :كل ما وصل للمعدة من منفذ عال سواء أكان مائعا أم غير مائع موجب للقضاء ،سواء أكان
ذلك المنفذ واسعا أم ضيقا ،بخلف ما يصل للمعدة من منفذ سافل ،فإنه يشترط كونه واسعا كالدبر
وقبل المرأة والثقبة .ل كإحليل رجل وجائفة :وهي الخرق الصغير جدا الواصل للبطن ،وصل للمعدة
أو ل ،ويشترط كونه مائعا ل جامدا ،فوصول المائع للمعدة مفسد مطلقا ،سواء أكان المنفذ عاليا أم من
السفل ،ووصول الجامد لها ل يفسد إل إذا كان المنفذ عاليا .ويجب القضاء على من أفطر في صوم
الفرض مطلقا ،أي سواء حدث الفطر عمدا أو سهوا أوغلبة أو إكراها ،وسواء أكان الفطر حراما أم
جائزا أم واجبا كمن أفطر خوف هلك ،وسواء وجبت الكفارة أم ل ،أو كان الفرض أصليا أم نذرا.
الثاني ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معا بالفطر في رمضان فقط دون غيره :هو ما
يأتي:
ً - 1الجماع عمدا :أي إدخال الحشفة في فرج مطيق ولو بهيمة ،وإن لم ينزل المني ،إذا انتهك حرمة
رمضان بأن كان غير مبال بها بأن تعمدها اختيارا بل تأويل قريب ،احترازا من الناسي والجاهل
والمتأول ،وذلك سواء أتى زوجته أو أجنبية ،فإن طاوعته المرأة فعليه الكفارة وعليها ،وإن وطئها
نائمة أو مكرهة كفر عنه وعنها ،وإن جامع ناسيا أو مكرها أو متأولً ،فل كفارة عليه.
( )3/90
ً - 2إخراج المني أو المذي يقظة مع لذة معتادة بتقبيل أو مباشرة فيما دون الفرج ،أو بنظر أو تفكر
عند الستدامة أو كانت عادته النزال عند الستدامة ،أو كانت عادته المناء بمجرد النظر ،فمن قبّل
فأمنى فقد أفطر اتفاقا ،وإن أمذى فيفطر عند مالك وأحمد دون غيرهما.
ول كفارة على الراجح إذا أمنى بتعمد النظر أو الفكر ،ولم تكن عادته النزال بهما ،أو أمنى بمجرد
الفكر أو النظر من غير استدامة لهما (. )1
ً - 3الكل والشر ب عمدا ،ومثلهما بلع كل ما يصل إلى الحلق من الفم خاصة ،ولو لم يغذ كنحو
حصاة وصلت الجوف ،وتعمد القيء وابتلع شيء منه ولو غلبة ،وتعمد الستياك بجوزاء ( )2نهارا
وابتلعه ولوغلبة ،وذلك قياسا على الجماع والنزال ،لنتهاك حرمة شهر رمضان .ول تجب الكفارة
بالفطار ناسيا ،ول بما يصل إلى الجوف من غير الفم كالنف والذن؛ لن الكفارة معللة بالنتهاك
الذي هو أخص من العمد.
ً - 4تجب الكفارة بالصباح بنية الفطر ،ولو نوى الصيام بعده على الصح ،وبفرض النية أي رفعها
نهارا على الصح.
ً - 5تعمد الفطر لغير عذر ،ثم مرض أو سافر ،أو حاضت المرأة ،فتجب الكفارة على المشهور.
ول تجب الكفارة إل بالشروط السبعة التية المفهومة مما سبق بيانه وهي:
أولً ـ أن يكون الفطر في أداء رمضان ،فل تجب الكفارة في غيره ،كقضاء رمضان وصوم منذور،
وصوم كفارة أو نفل.
ثانيا ـ أن يتعمد الفطر :فل كفارة على ناس ،أو مخطئ ،أو معذور بعذر كمرض أو سفر.
ثالثا ـ أن يكون مختارا :فل كفارة على مستكره ،أو مفطر غلبة.
-------------------------------
( )1الحاصل :أنه إذا أمنى بمجرد الفكر أو النظر من غير استدامة لهما ،فل كفارة قطعا ،وإن
استدامهما حتى أنزل ،فإن كانت عادته النزال بهما عند الستدامة ،فالكفارة قطعا ،وإن كانت عادته
عدم النزال بهما عند الستدامة ،فخالف عادته وأمنى ،فل كفارة على المختار.
( )2الجوزاء :قشر يتخذ من أصول شجر الجوزاء ،يستعمله بعض نساء أهل المغرب.
( )3/91
رابعا ـ أن يكون عالما بحرمة الفطر ،فل كفارة على جاهلها ،كحديث عهد بالسلم ،ظن أن الصوم
ل يحرم معه الجماع ،فجامع ،فل كفارة عليه .ول كفارة على من جهل حلول رمضان ،كمن أفطر
يوم الشك قبل ثبوت الهلل.
خامسا ـ أن ينتهك حرمة شهر رمضان أي ل يبالي بها :فل كفارة على متأول
تأويلً قريبا :وهو المستند في فطره لمر موجود ،مثل أن يفطر ناسيا أو مكرها ،ثم أكل أو شرب
عمدا ،ظانا عدم وجوب المساك عليه ،فل كفارة عليه لستناده لمر موجود سابقا وهوالفطر نسيانا
أو بإكراه .ومثل من أفطر بسبب سفر أقل من مسافة القصر ،ظانا أن الفطر مباح له ،لظاهر قوله
تعالى{ :ومن كان مريضا أو على سفر ،فعدة من أيام أخر} [البقرة ]185-184/2:ونحو من تعمد
الفطر يوم الثلثين من رمضان منتهكا للحرمة ،ثم تبين أنه يوم العيد ،وكذلك الحائض تفطر متعمدة،
ثم تعلم أنها حاضت قبل فطرها ،فل كفارة عليها على المعتمد.
حمّى أو الحيض في يوم معين ،فبيت نية الفطر ،ولم يحدث
أما المتأول تأويلً بعيدا كمن اعتاد ال ُ
العارض ،فعليه الكفارة .ومثله من اغتاب ظانا بطلن صومه فأفطر متعمدا ،فعليه الكفارة.
سادسا ـ أن يكون الواصل من الفم :فلو وصل شيء من الذن أو العين فل كفارة ،وإن وجب
القضاء ،كما أبنت.
سابعا ـ أن يكون الوصول للمعدة :فلو وصل شيء إلى حلق الصائم ،ورده ،فل كفارة عليه.
( )3/92
( )3/93
عادة كحصاة أو تراب ،من منفذ مفتوح كالفم والنف والذن والقُبُل (الحليل) والدبر وجرح الدماغ،
إذا كان عمدا؛ لن الصوم هو المساك عن كل ما يصل إلى الجوف ،وهذا ما أمسك ،فمن أكل أو
شرب ناسيا ،أو مكرها ،أو جاهلً بأن ذلك مفطر بسبب قرب عهده بالسلم ،أو نشأ ببادية بعيدة عن
العلماء ،لم يفطر ،سواء أكان المأكول قليلً أم كثيرا ،لعدم توافر العمد .وعدم الفطر بالكراه هو
الظهر .ولو وصل جوفَه ذباب أو بعوضة ،أو غبار الطريق ،ولو تعمد فتح فمه حتى دخل التراب
جوفه ،أو غربلة الدقيق ،أو وصول الثر كوصول الريح بالشم إلى دماغه ،لم يفطر ،لعدم توافر
القصد ،ولما فيه من المشقة الشديدة ،ولنه معفو عن التراب في حال تعمد فتح الفم .لكن لو استخدم
مريض الربو بخاخة الهواء عند ضيق ال ّنفَس ،فإنه يفطر؛ لن ما يعفى عن جنسه كالتراب والهواء
مقصور على حالة البتلء العام ،فإن كان الشيء خاصا ،كتعمد ابتلع رائحة شواء لحم ،فيفطر،
لسهولة الحتراز عنه .ومثل ذلك تناول حب تصلب الشرايين عند الحساس بالضيق.
ول يفطر ببلع ريقه الطاهر الخالص من معدنه (وهو الفم جميعه الذي فيه قراره ومنه ينبع) ولو بعد
جمْعه ثم ابتلعه في الصح وإن أخرجه على لسانه لعسر الحتراز عنه ،ولنه في حال جمعه لم
يخرج عن معدنه ،فهوكابتلعه متفرقا من معدنه .فإن خرج الريق عن فمه ثم رده وابتلعه؛ أو بلّ
خيطا بريقه ،ورده إلى فمه ،وعليه رطوبة تنفصل ،وابتلعها؛ أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره ،أو
متنجسا ،أفطر في الحالت الثلث ،أما الولى فلخروجه عن معدنه فصار كالعيان الخارجة ،وأما
الثانية فلنه ل ضرورة إليه ،وأما الثالثة فلنه أجنبي عن الريق.
( )3/94
وكذلك ل يفطر بابتلع ما بقي من الطعام بين السنان من غير قصد إن عجز عن تمييزه ومجه ،لنه
معذور فيه غير مقصر ،فإن قدر على تمييزه ومجه وابتلعه ولو قليلً دون الحمصة ،فإنه يفطر،
فيفطر بجري الريق بما بين السنان لقدرته على مجه ،ويفطر -كما سيأتي -بالنخامة أيضا وهي
التي تنزل من الرأس أو الجوف ،ووصلت إلى حد الظاهر من الفم ،فأجراها هو .أما لو جرت بنفسها
وعجز عن مجها فل يفطر للعذر ،كما ل يفطر إذا لم تصل إلى حد الظاهر ،كأن نزلت من دماغه إلى
حلقه ،وهي في حد الباطن ،ثم إلى جوفه ،وإن قدر على مجها ،لنها نزلت من جوف إلى جوف.
ويفطر بتناول الدخان المعروف ونحوه كالتمباك والنشوق ،وبوصول شيء إلى باطن الدماغ ،والبطن،
والمعاء ،والمثانة ،وبالحقنة في الحليل (مخرج البول من الذكر ،واللبن من الثدي) ،وبالتقطيرفي
باطن الذن ،وبإدخال عود ونحوه لباطن الذن؛ لن كل ذلك جوف ،وقد وصل إليه من منفذ مفتوح.
ول يضر وصول الدهن إلى الجوف بتسرب المسام (وهي ثقب البدن) ول الكتحال وإن وجد طعم
الكحل في حلقه؛ لن الواصل إليه ليس من منفذ وإنما من المسام ،وقد روى البيهقي أنه صلّى ال
عليه وسلم «كان يكتحل بالثمد وهو صائم» فل يكره الكتحال للصائم.
- 2ابتلع النّخامة :وهي ما ينزل من الرأس أو الجوف ،أما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها ،فل
يفطر ،وإن تركها مع القدرة على لفظها ،فوصلت الجوف ،أفطر في الصح لتقصيره ،كما تقدم بيانه
أيضا.
- 3سبق ماء المضمضة أ و الستنشاق المشروع إلى جوفه ،في حال المبالغة في ذلك؛ لن الصائم
منهي عن المبالغة .فإن لم يبالغ فل يفطر ،لنه تولد من مأمور به بغير اختياره.
وإن سبق الماء غير المشروع إلى جوفه ،كما في حال التبرد ،أو العبث،أو في المرة الرابعة من
المضمضة أو الستنشاق ،أفطر؛ لنه غير مأمور بذلك ،بل منهي عنه في الرابعة.
( )3/95
- 4الستقاءة أي تعمد القيء ،حتى لو تيقن على الصحيح أنه لم يرجع شيء إلى جوفه ،لن المفطر
عينها ،لظاهر خبر ابن حبان وغيره« :من ذرَعه القيء ( ، )1وهو صائم ،فليس عليه قضاء ،ومن
استقاء فليقض» هذا إذا كان عالما بالتحريم عامدا مختارا لذلك ،فإن كان جاهلً لقرب عهده بالسلم،
أو نشأ بعيدا عن العلماء ،أو ناسيا أو مكرها ،فإنه ل يفطر.
- 5الستمناء (وهو إخراج المني بغير جماع ،محرّما كأن أخرجه بيده ،أو غير محرّم كإخراجه بيد
زوجته) ،وخروج المني بلمس وقبلة ومضاجعة بل حائل؛ لنه إنزال بمباشرة.
ول يفطر بإنزال المني بفكر (وهو إعمال الخاطر في الشيء) ،أو نظر بشهوة ،أو بضم امرأة بحائل
بشهوة؛ إذ ل مباشرة ،فأشبه الحتلم ،مع أنه يحرم تكريرها وإن لم ينزل.
- 6أن يتبين الغلط بالكل نهارا بسبب طلوع الفجر ،أو لعدم غروب الشمس ،إذ ل عبرة بالظن البيّن
خطؤه.
ويحل الفطار آخر النهار بالجتهاد بسبب قراءة ورد أو غيره كوقت الصلة ،والحتياط أل يأكل
آخر النهار إل بيقين ،ويجوز الكل آخر الليل إذا ظن بقاء الليل أوشك؛ لن الصل بقاء الليل .ولو
طلع الفجر ،وفي فمه طعام ،فلفظه ،صح صومه ،وكذا يصح لو كان مجامعا فنزع في الحال ،فإن
مكث بطل الصوم.
- 7يفطر بطروء الجنون والردة والحيض والنفاس ،لمنافاة ذلك مع شروط صحة الصوم من العقل
والسلم والطهارة من الدماء الطارئة ،أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه
أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال في المرأة ،وقد سئل عن نقصان دينها« :أليس إذا حاضت لم
تصل ولم تصم؟» .
الثاني -ما يوجب القضاء والكفارة والتعزير:
يجب القضاء والكفارة مع التعزير وإمساك بقية اليوم ،بشيء واحد ،وهو الجماع الذي يفسد صوم يوم
من رمضان بشروط أربعة عشر وهي:
-------------------------------
( )1أي غلب عليه.
( )3/96
ً - 1أن يكون ناويا للصوم ليلً :فلو ترك النية لم يصح صومه ،ويجب عليه المساك.
ً - 4ً ،3ً ،2أن يكون متعمدا مختارا ،عالما بالتحريم :فل كفارة على ناس أو مكره ،أو جاهل
التحريم بسب قرب إسلمه.
ً - 5أن يحدث الجماع في نهار رمضان :فل كفارة على جماع مفسد غير رمضان من نفل أو نذر
أو قضاء ،أو كفارة ،والجماع في نهار رمضان حرام لقوله تعالى{ :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى
نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} { ...فالن باشروهن} ـ إلى قوله تعالى{ :ثم أتموا الصيام إلى
الليل} [البقرة.]187/2:
ً - 6أن يفسد الصوم بالجماع وحده :فإن أكل ثم جامع ،ل كفارة عليه ،ول كفارة بغير الجماع
كالكل والشرب والستمناء باليد ،والمباشرة فيما دون الفرج المفضية إلى النزال - 7ً .أن يكون
آثما بهذا الجماع :فل كفارة على صبي ،ول على صائم مسافر أو مريض جامع بنية الترخص أو
بغيرها في الصح،لباحة الفطر له ،ول على من زنى ناسيا للصوم؛ لنه ناسٍ ،ول على مسافر أفطر
بالزنا مترخصا بالفطر؛ لن الفطر جائز له.
ً - 8أن يكون معتقدا صحة صومه :فل كفارة على من جامع عامدا بعد الكل ناسيا وظن أنه أفطر
بالكل ،لنه يعتقد أنه غير صائم ،وإن كان الصح بطلن صومه بهذا الجماع.
ً - 9أل يكون مخطئا :فل كفارة على من جامع ظانا وقت الجماع بقاء الليل ،أو دخول المغرب،
فتبين أنه جامع نهارا ،لنتفاء الثم.
ً - 10أل يجن أو يموت بعد الوطء في أثناء النهار الذي جامع فيه قبل الغروب :فل كفارة على من
جن أو مات حينئذ لعدم الهلية ،فحدوث الجنون أو الموت يسقط الكفارة قطعا ،لنه تبين بطروء ذلك
أنه لم يكن في صوم ،لمنافاته له ،أي أن صوم هذا اليوم خرج عن كونه مستحقا ،فلم يجب بالوطء فيه
كفارة ،كصوم المسافر ،أو كما لو قامت البينة أنه من شوال.
( )3/97
ً - 11أن يكون الوطء منسوبا إليه :فلو عَلَتْه امرأة وأنزل بالدخال ،فل كفارة عليه ،إل إن أغراها
بذلك.
ً - 12أن يكون الجماع بإدخال الحشفة ،أو قدرها من مقطوعها ،فل كفارة على من لم يتحقق منه
اليلج بالقدر المذكور ،ولكن يجب عليه المساك.
ً - 13أن يتم الجماع في فرج ولو دبرا،أو ميتة أو بهيمة :فل كفارة على من وطئ في غير فرج.
ووطء المرأة في الدبر ،واللواط ،كالوطء في الفرج.
ً - 14أن يكون واطئا ل موطوءا :فل كفارة على المفعول به مطلقا وإنما الكفارة على الفاعل ،وتلزم
المرأة بالقضاء فقط.
وحدوث السفر أو المرض أو الغماء أو الردة بعد الجماع ل يسقط الكفارة ،لتحقق هتك حرمة الصوم
قبل ذلك؛ لن المرض والسفر ل ينافيان الصوم ،فيتحقق هتك حرمته ،وأما طروء الردة فل يبيح
الفطر.
ويجب قضاء اليوم الذي أفسده (يوم الفساد) على الصحيح مع الكفارة.
وتتعدد الكفارة بتعدد الفساد ،فمن جامع في يومين لزمه كفارتان؛ لن كل يوم عبادة مستقلة ،فل
تتداخل كفارتاهما ،كحجتين جامع فيهما ،ولو جامع في جميع أيام رمضان لزمه كفارات بعددها.
وتلزم الكفارة من انفرد برؤية الهلل ،وجامع في يومه.
ما ل يفسد الصوم عند الشافعية:
ل يفسد الصوم بوصول شيء إلى الجوف بنسيان أو إكراه أو جهل يعذر به شرعا ،ول بما عجز عن
مجه كالنخامة وما بين السنان من الطعام ،ول بما يشق الحتراز عنه كغبار الطريق وغربلة الدقيق
والذباب والبعوض.
ول يفسد الصوم أيضا بالفصدِ ،إذ ل خلف فيه ،ول بالحجامة؛ «لنه صلّى ال عليه وسلم احتجم
وهو صائم ،واحتجم وهو محرِم» ( ، )1لكنها تكره إل لحاجة.
ول يفسد بالكتحال ولكنه خلف الولى على الراجح ،ول بالتقبيل ولكنه
-------------------------------
( )1رواه البخاري ،وروى النسائي «احتجم وهو صائم محرم» وهو ناسخ لحديث «أفطر الحاجم
والمحجوم» .
( )3/98
يكره لمن حركت القبلة شهوته ،ول بالمعانقة والمباشرة ،ول بالنزال بفكر ونظر بشهوة ،ول بمضغ
العلك (اللبان غير المشوب بشيء) أو ذوق الطعام ،ولكنهما يكرهان إل لحاجة ،ول بالسواك ،ولكنه
يكره بعد الزوال إل لسبب يقتضيه كأكل بصل نسيانا ،ول بالتمتع بالشهوات من المبصرات
والمشمومات والمسموعات ،ولكنه يكره.
الحنابلة ( : )1إفساد الصوم إما أن يوجب القضاء أو القضاء والكفارة.
الول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط :هو مايأتي:
ً - 1دخول شيء مادي من منفذ إلى الجوف أو الدماغ عمدا واختيارا ،مع تذكر الصوم ،ولو جهل
التحريم ،سواء أكان مغذيا كالكل والشرب أم غير مغذّ كالحصاة وابتلع النخامة والسعوط
( النشوق ) والدواء أو الدهن الذي يصل إلى الحلق أو الدماغ ،والحقنة في الدبر ،وابتلع الدخان
قصدا ،لنه واصل إلى جوفه باختياره ،فأشبه الكل .فل يفطر بوصول شيء غير قاصد الفعل ،أو
ناسيا أو نائما أو مكرها ،لحديث« :عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وحديث «من
نسي وهو صائم . »...
ً - 2الكتحال بكحل يتحقق معه وصوله إلى الحلق؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «أمر بالثمد
المروح عند النوم ،وقال :ليتقه الصائم» ( ، )2ولن العين منفذ ،لكنه غير معتاد ،كالواصل من
النف .فإن لم يتحقق وصوله إلى حلقه ،فل فطر ،لعدم تحقق ما ينافي الصوم.
-------------------------------
( )1المغني ،137-127،135-102/3 :كشاف القناع.381-362/2،370 :
( )2رواه أبو داود والبخاري في تاريخه ،من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد بن هوذة عن
أبيه عن جده ،لكنه ضعيف.
( )3/99
ً - 3الستقاءة أي استدعاء القيء عمدا ،فقاء طعاما أو مرارا ،أو بلغما أو دما أوغيره ،ولو قل،
لحديث أبي هريرة المرفوع« :من ذَرَعه القيء فليس عليه قضاء ،ومن استقاء عمدا فليقض» ()1
ً - 4الحجامة :يفطر بها الحاجم والمحجوم إذا ظهر دم ،وإل لم يفطر ،لحديث « أفطر الحاجم
والمحجوم» ( )2وقالوا :إن حديث الجمهور القاضي بعدم الفطار بالحجامة منسوخ بهذا الحديث،
بدليل ما روى ابن عباس أنه قال :احتجم رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالقاحة بقرن وناب ،وهو
محرم صائم ،فوجد لذلك ضعفا شديدا ،فنهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يحجم الصائم (. )3
ً - 5التقبيل والستمناء واللمس والمباشرة دون الفرج فأمنى ،أو أمذى ،وتكرار النظر فأمنى ل إن
أمذى ،إذ فعل ذلك عامدا ،وهو ذاكر لصومه :يوجب القضاء بل كفارة إذا كان صوما واجبا ،لما
روى أبو داود عن عمر :أنه قال« :هششت ،فقبلت وأنا صائم ،فقلت :يا رسول ال ،إني فعلت أمرا
عظيما ،قبّلت وأنا صائم ،قال :أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم؟ قلت :ل بأس به ،قال:
فَمهْ» فشبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الفطر ،فإن القبلة إذا كان معها نزول ،أفطر
وإل فل ،فل فطر بدون إنزال ،لقول عائشة« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم يقبل وهو صائم ،وكان
أملككم لربه» (. )4
والفطار بتكرار النظر والمناء ،لنه إنزال بفعل يلتذ به ،ويمكن التحرز منه،
-------------------------------
( )1رواه الخمسة ،وقال الترمذي :حسن غريب ،ورواه أيضا الدارقطني وقال :إسناده كلهم ثقات.
( )2رواه عن النبي صلّى ال عليه وسلم أحد عشر نفسا ،منهم رافع بن خديج الذي روى حديثه أحمد
والترمذي (نيل الوطار.)200/4 :
( )3رواه أبو إسحاق الجوزجاني.
( )4رواه البخاري ،والرب :حاجة النفس ووطرها.
( )3/100
فأشبه النزال باللمس .أما عدم الفطار بتكرار النظر والمذاء ،فلنه لنص فيه ،والقياس على إنزال
المني ،لمخالفته إياه في الحكام.
ً - 6الردة مطلقا ،لقوله تعالى{ :لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر.]65/39:
ً - 7الموت يفسد صوم اليوم الذي مات فيه الصائم في صوم النذر والكفارة ،فيطعم من تركته
مسكين.
ً - 8تبين الغلط في الكل نهارا :فإن أكل أو شرب شاكا في غروب الشمس أفطر وقضى؛ لن
الصل بقاء النهار ،أو أكل أو شرب ظانا بقاء النهار مالم يتحقق أنه كان بعد الغروب؛ لن ال تعالى
أمر بإتمام الصوم إلى الليل ،ولم يتمه ،أو أكل ظانا أنه ليل ،فبان نهارا؛ لن ال تعالى أمر بإتمام
الصوم ،ولم يتمه .ويقضي أيضا لو أكل ونحوه ناسيا فظن أنه أفطر ،فأكل ونحوه عمدا.
ول يقضي إن أكل ونحوه ظانا غروب الشمس ،ودام شكه ،ولم يتبين له الحال؛ لن الصل براءته.
أو إن أكل وبان أن أكله كان ليلً؛ لنه أتم صومه.
الثاني ـ ما يوجب القضاء والكفارة معاً:
وهو شيء واحد وهو الجماع في نهار رمضان ،بل عذر سابق كمن به مرض ،في فرج :قبل أو دبر
من آدمي أو غيره كبهيمة ،من حي أو ميت ،أنزل أم ل.
( )3/101
إذا كان عامدا أو ساهيا ،أو مخطئا ،أو جاهلً ،أو مختارا أو مكرها ،سواء أكره في حال اليقظة أم في
حال النوم ،لحديث أبي هريرة المتفق عليه في إيجاب الكفارة على المجامع ،وأما كون الساهي أو
الناسي كالعامد في ظاهر المذهب ،والمكره كالمختار ،النائم كالمستيقظ ،فلنه صلّى ال عليه وسلم لم
يستفصل العرابي ،ولو اختلف الحكم بذلك لستفصله؛ لن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز،
والسؤال معاد في الجواب ،كأنه قال :إذا واقعت في صوم رمضان فكفّر ،ولنه عبادة يحرم الوطء
فيه ،فاستوى عمده وغيره كالحج .وأما كونه ل فرق بين أن ينزل أو ل ،فلنه في مظنة النزال،
وأما الكفارة في حالة الكراه :فلن الكراه على الوطء ل يمكن؛ لنه ل يطأ حتى ينتشر ،ول ينتشر
إل عن شهوة ،فكان كغير المكره.
وأما كونه ل فرق بين كون الفرج قبلً أو دبرا ،من ذكر أو أنثى ،فلنه أفسد صوم رمضان بجماع
في الفرج ،فأوجب الكفارة .وأما الوطء في فرج البهيمة فلنه وطء في فرج موجب للغسل مفسد
للصوم ،فأشبه وطء الدمية ،ويفسد صوم المرأة كالرجل بالجماع ،لنه نوع من المفطرات ،فاستوى
فيه الرجل والمرأة كالكل ،وتلزمها الكفارة إذا جومعت بغير عذر؛ لنها هتكت حرمة صوم رمضان
بالجماع ،فتلزمها الكفارة كالرجل .ول تلزمها الكفارة مع العذر ،كنوم أو إكراه ،أو نسيان ،أو جهل؛
لنها معذورة ،ويفسد صومها بذلك ،فيلزمها القضاء.
لكن لو استدخلت صائمة ذكر نائم أو صبي أو مجنون ،بطل صومها للجماع ،فيجب عليها القضاء
والكفارة ،إن كان في نهار رمضان.
وإن تساحقت امرأتان وإن أنزل ،أوأنزل مجبوب بالسحاق ،فسد الصوم :لنه إذا فسد الصوم باللمس
مع النزال ،ففيما ذكر بطريق الولى ،ول كفارة عليهما ول على المجبوب في الصح؛ لن ذلك ليس
بمنصوص ،ول في معنى المنصوص عليه ،فيبقى على الصل.
( )3/102
وإن جامع في يومين من رمضان واحد ،ولم يكفر لليوم الول ،فعليه كفارتان؛ لن كل يوم عبادة،
وكالحجتين ،وكيومين من رمضانين ،وأما إن جامع ثم جامع في يوم واحد قبل التكفير ،فعليه كفارة
واحدة بغير خلف .وإن جامع ثم كفر ،ثم جامع في يومه ،فعليه كفارة ثانية ،لنه وطء محرم ،وقد
تكرر فتتكرر هي كالحج.
وتلزم الكفارة إذا وطئ كل من لزمه المساك ،كمن لم يعلم برؤية الهلل إل بعد طلوع الفجر ،أو
نسي النية ،أو أكل عامدا ،ثم جامع ،لهتكه حرمة الزمن به ،ولنها تجب على المستديم للوطء.
وإذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع ،فعليه القضاء والكفارة ،لنه ترك صوم رمضان بجماع،
أثم به لحرمة الصوم ،فوجبت به الكفارة ،كما لو وطئ بعد طلوع الفجر.
وإن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر ،فعليه القضاء والكفارة ،فالنزع جماع ،فلوطلع عليه الفجر
وهو مجامع ،فنزع في الحال ،مع أول طلوع الفجر الثاني ،فعليه القضاء والكفارة؛ لنه يلتذ بالنزع،
كما يلتذ باليلج.
ولو جامع يعتقد بقاء الليل ،فبان نهارا وأن الفجر كان قد طلع ،وجب عليه القضاء والكفارة؛ لنه ل
فرق بين العامد والمخطئ ،كما بينا .ولو جامع في أول النهار ،ثم مرض أو جن ،أو كانت امرأة
فحاضت أو نفست في أثناء النهار ،لم تسقط الكفارة؛ لنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة ،فلم يسقطها
كالسفر ،ولنه أفسد صوما واجبا في رمضان بجماع تام ،فاستقرت الكفارة عليه ،كما لولم يطرأ عذر.
وإن جامع دون الفرج عمدا ،فأنزل ولومذيا ،فسد الصوم ،ول كفارة ،لنه ليس بجماع ،وإن لم ينزل
لم يفسد صومه ،كاللمس والقبلة .ول تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان ،باتفاق أكثر العلماء ،لنه
جامع في غير رمضان ،فلم تلزمه كفارة ،كما لو جامع في صيام الكفارة ،ويفارق القضاء الداء ،لنه
متعين بزمان محترم ،فالجماع فيه هتك له ،بخلف القضاء.
( )3/103
ومن به شبق يخاف أن ينشق ذكره أو أنثياه أو مثانته ،جامع وقضى ول يكفر للضرورة مثل أكل
الميتة للمضطر ،وإن اندفعت شهوته بغير الجماع كالستمناء بيده أو يد زوجته ونحوه كالمفاخذة ،لم
يجز له الوطء ،كالصائل يندفع بالسهل ،ل ينتقل إلى غيره.
وحكم المريض الذي ينتفع بالجماع في مرضه حكم من خاف تشقق فرجه في جواز الوطء.
وفي حال الضرورة إلى وطء حائض وصائمة بالغ ،يكون وطء الصائمة أولى من وطء الحائض؛ لن
تحريم وطء الحائض بنص القرآن .وإن لم تكن الزوجة بالغا ،وجب اجتناب الحائض ،للستغناء عنه
بل محذور ،فيطأ الصغيرة وكذا المجنونة.
وإن تعذر قضاء ذي الشبق لدوام شبقه ،فهو ككبير عجز عن الصوم ،فيطعم لكل يوم مسكينا ،ول
قضاء إل مع عذر معتاد كمرض أو سفر.
مال يفسد الصوم:
ل يفطر الصائم بما يأتي:
ً - 1بما ل يمكن الحتراز عنه :كابتلع الريق وغبار الطريق وغربلة الدقيق والتقطير في إحليل
ولو وصل مثانته ،لعدم المنفذ ،وكذا إن جمع الريق ثم ابتلعه قصدا ،لم يفطر؛ لنه يصل إلى جوفه
من معدنه (أي فمه) ،فإن خرج ريقه إلى ثوبه ،أو بين أصابعه ،أو بين شفتيه ،ثم عاد فابتلعه ،أو بلع
ريق غيره ،أفطر؛ لنه ابتلعه من غير فمه ،فأشبه ما لو بلع غيره .ول يفطر ببصق النخامة بل قصد
من مخرج الحاء المهملة ،فإن ابتلعها أفطر.
ً - 2بالمضمضة والستنشاق بغير خلف ،سواء أكان في الطهارة أم غيرها وسواء بالغ أم زاد عن
الثلث ،بدليل حديث عمر السابق في القبلة ،وقياسها على المضمضة ،لكن تكره المضمضة عبثا و
لحر أو عطش.
ً - 3بمضغ العلك :وهو الذي ل يتحلل منه أجزاء ،وإنما الذي يصلب ويقوى كلما مضغه ،ولكن
يكره مضغه ول يحرم؛ لنه يجمع الريق ،ويورث العطش.
ً - 4بالقبلة واللمس والمفاخذة ونحوها بدون إنزال :فإن أنزل فسد صومه ،ول كفارة عليه؛ لنه ليس
بجماع.
( )3/104
ً - 5المذاء بتكرار النظر ،لنه ل نص فيه ،والمناء بغير تكرار النظر ،لعدم إمكان التحرز من
النظرة الولى ،وتكرار النظر بغير إنزال .ول يفطر إن فكر فأمنى أو أمذى ،لقوله صلّى ال عليه
وسلم « :عفي لمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به» (. )1
كما ل يفطر إن حصل النزال بفكر غالب أي غير اختياري ،بأن لم يتسبب فيه ،أو احتلم أو أنزل
لغير شهوة ،كالذي يخرج منه المني لمرض أو لسقطة من موضع عال ،أو خروجا منه لهيجان شهوة
من غير أن يمس ذكره بيد ،أو أمنى نهارا من وطء ليل ،لنه لم يتسبب إليه في النهار ،أو أمنى ليلً
من مباشرته نهارا.
ً - 6الفصد والشرط ،وإخراج الدم برعاف ،وجرح الصائم نفسه أو جرحه غيره بإذنه ولم يصل إلى
جوفه شيء من آلة الجرح ،ولو كان الجرح بدل الحجامة ،لنه ل نص فيه ،والقياس ل يقتضيه.
ً - 7دخول شيء إلى الجوف غير قاصد الفعل :بأن فعل ذلك ناسيا أو مكرها أو نائما ،لنه ل قصد
للنائم ،وللحديث المتقدم« :من نسي وهو صائم فأكل أو شرب ،فليتم صومه ،فإنما أطعمه ال وسقاه» .
ويجب على من رأى الصائم إعلمه إذا أراد الكل أو الشرب ناسيا أو جاهلً ،كإعلم نائم إذا ضاق
وقت الصلة.
ً - 8الشك في طلوع الفجر :من أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع الفجر ،ودام شكه؛ لن
الصل بقاء الليل ،فيكون زمانه الشك منه ،ولظاهر الية{ :وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
البيض من الخيط السود من الفجر} [البقرة .]187/2:لكن يفطر وعليه القضاء إن أكل ظانا أن
الفجر لم يطلع وقد كان طلع ،أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب ،لنه يمكن التحرز منه.
-------------------------------
( )1رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة ،والطبراني عن عمران بن حصين بلفظ «إن ال
تجاوز لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به» هو صحيح (الجامع الصغير.)68/1 :
( )3/105
ً - 9غلبة القيء :فمن ذرعه القيء ( )1فل شيء عليه ،بخلف من استقاء فعليه القضاء.
ً - 10السواك كل النهاروعدم الغتسال من الجنابة ،لكن يستحب الغسل ليلً قبل طلوع الفجر الثاني
لكل من لزمه الغسل من جنابة وحائض ونفساء انقطع دمها ،وكافر أسلم ،خروجا من الخلف.
ً - 11الكحل إن لم يجد طعمه في الحلق ،وتلطيخ باطن القدم بالحناء ،مع وجود طعمه بالحلق.
ً - 12إدخال المرأة أصبعها أو غيرها في فرجها ولو مبتلة.
وخلصة آراء المذاهب في أهم المواضع السابقة :أن الجماع في نهار رمضان موجب للقضاء
والكفارة والمساك بقية النهار ،وكذلك الكل والشرب عمدا عند الحنفيةوالمالكية خلفا لغيرهم قياسا
على الجماع ،بجامع انتهاك حرمة الشهر.
ويفطر الصائم بالتفاق بالقيء عمدا أو بتناول أي شيء مادي يصل إلى الجوف عمدا ،سواء أكان
مغذيا أم غير مغذّ ،ول يفطر بالفصد اتفاقا كما ل يفطر عند الجمهور بالكل ونحوه ناسيا ،ويفطر
عند المالكية ،ول يفطر بالكل مكرها عند الشافعية والحنابلة ،ويفطر عند المالكية والحنفية ،ول يفطر
عند الحنابلة بغلبة ماء المضمضة ويفطر بها عند المالكية ،وأما عند الشافعية فيفطر في حالة
المبالغةأو العبث والتبرد أو الزيادة على الثلث.
ول يفطر بالكتحال عند الشافعية والحنفية ،ويفطر به عند المالكية والحنابلة ،إن وجد طعم الكحل في
الحلق .ول يفطر عند الجمهور بالحقنة في الحليل ،ويفطر بها عند الشافعية .ول يفطر عند الجمهور
بنبش الذن بعود أو إدخاله فيها ،ويفطر به عند الشافعية.
-------------------------------
( )1ذرعه القيء أي خرج منه بغير اختياره.
( )3/106
ول يفطر بالحجامة عند الجمهور وإنما تكره،ويفطر بها عند الحنابلة .ول يفطر بإنزال المذي عند
الحنفية والشافعية ،ويفطر به عند المالكية والحنابلة في حال التقبيل أو المباشرة فيما دون الفرج ،أما
في حال تكرار النظر فل يفطر به عند الحنابلة ،ويفطر في رأي المالكية به أو بالتفكر عند الستدامة،
أو العتياد .وتتداخل الكفارة فل تجب إل واحدة بتكرر الفطار في أيام عند الحنفية ،وتتعدد الكفارة
بتعدد الفطار في أيام مختلفة عند الشافعية والحنابلة والمالكية (الجمهور).
المبحث الثامن ـ قضاء الصوم وكفارته وفديته:
وفيه مطالب ثلثة:
المطلب الول ـ قضاء الصوم:
أولً ـ لوازم الفطار :قال المالكية :يترتب على الفطار سبعة أمور هي :القضاء ،والكفارة الكبرى،
والكفارة الصغرى (وهي الفدية) ،والمساك ،وقطع التتابع ،والعقوبة ،وقطع النية (. )1
ثانيا ـ حكم القضاء :يجب باتفاق الفقهاء القضاء على من أفطر يوما أو أكثر من رمضان ،بعذر
كالمرض والسفر والحيض ونحوه ،أو بغير عذر كترك النية عمدا أو سهوا ( ، )2لقوله تعالى { :فمن
كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة ]185-184/2:والتقدير :فأفطر فعدة .وقالت
عائشة في حديث سابق« :كنا نحيض على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فنؤمر بقضاء
الصوم» .
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .125-122
( )2فتح القدير 80/2 :ومابعدها ،بداية المجتهد ،288/1 :الشرح الصغير ،703/1 :مغني المحتاج:
،437/1كشاف القناع ،389/2 :المغني.135/3 :
( )3/107
ويأثم المفطر بل عذر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة (
، )1ول مرض ،لم يقضه ( )2صوم الدهر كله ،وإن صامه» (. )3
والمقضي وجوبا :هو رمضان ،وأيام الكفارة ،والنذر ،وحالة الشروع في التطوع في رأي الحنفية
والمالكية ،لكن المالكية أوجبوا القضاء على من أفطر في التطوع متعمدا ،أما من أفطر فيه ناسيا ،أتم
ول قضاء عليه إجماعا ،وإن أفطر فيه بعذر مبيح فل قضاء.
ووقت قضاء رمضان :ما بعد انتهائه إلى مجيء رمضان المقبل ،ويندب تعجيل القضاء إبراء للذمة
ومسارعة إلى إسقاط الواجب ،ويجب العزم على قضاء كل عبادة إذا لم يفعلها فورا،ويتعين القضاء
فورا إذا بقي من الوقت لحلول رمضان الثاني بقدر ما فاته ،ويرى الشافعية وجوب المبادرة بالقضاء
أي القضاء فورا إذا كان الفطر في رمضان بغير عذر شرعي ،ويكره لمن عليه قضاء رمضان أن
يتطوع بصوم .وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر ،فقال الجمهور :يجب عليه بعد صيام
رمضان الداخل القضاء والكفارة (الفدية) .وقال الحنفية :ل فدية عليه سواء أكان التأخير بعذر أم بغير
عذر .وتتكرر الفدية عند الشافعية بتكرر العوام.
ولكن ل يجزئ القضاء في اليام المنهي عن صومها كأيام العيد ،ول في الوقت المنذور صومه
كاليام الولى من ذي الحجة ،ول في أيام رمضان الحاضر؛ لنه متعين للداء ،فل يقبل صوما آخر
سواه .ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحة صومه تطوعا ،كما تقدم.
والقضاء يكون بالعدد ،فإذا كان رمضان تسعة وعشرين يوما ،وجب قضاء ذلك المقدار فقط من شهر
آخر.
-------------------------------
( )1الرخصة في المر :خلف التشديد فيه ،والمراد هنا :إجازة تثبت العذر كسفر في طاعة ،أو سبب
أباح ال له به الفطر.
( )2أي لم يؤد قضاءه بالفعل ،ولم يجزه في الواقع.
( )3رواه الترمذي ،واللفظ له ،وأبو داود والنسائي ،وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه ،والبيهقي،
من حديث أبي هريرة (الترغيب والترهيب.)108/2 :
( )3/108
تتابع القضاء :اتفق أكثر الفقهاء ( )1على أنه يستحب موالة القضاء أو تتابعه ،لكن ل يشترط التتابع
والفور في قضاء رمضان ،فإن شاء فرقه وإن شاء تابعه ،لطلق النص القرآني الموجب للقضاء ،إل
إذا لم يبق من شعبان المقبل إل ما يتسع للقضاء فقط ،فيتعين التتابع لضيق الوقت ،كأداء رمضان في
حق من لعذر له.
ودليل عدم وجوب التتابع ظاهر قوله تعالى{ :فعدة من أيام أخر} [البقرة ]185-184/2:فإنه يقتضي
إيجاب العدد فقط ،ل إيجاب التتابع.
وشرط الظاهرية والحسن البصري التتابع ،لما روي عن عائشة أنها قالت« :نزلت :فعدة من أيام أخر
متتابعات» فسقط :متتابعات.
صوم الولي عن الميت قضاء :من مات وعليه صيام شيء من رمضان فله حالن (: )2
أحدهما ـ أن يموت قبل إمكان الصيام ،إما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن
الصوم ،فل شيء عليه عند أكثر العلماء لعدم تقصيره ،ول إثم عليه؛ لنه فرض لم يتمكن منه إلى
الموت ،فسقط حكمه إلى غير بدل كالحج .وبناء عليه :إن مات المريض أو المسافر ،وهما على
حالهما ،لم يلزمهما القضاء.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،81/2 :اللباب ،171/1 :مراقي الفلح :ص ،116بداية المجتهد ،289/1 :مغني
المحتاج ،445/1 :الحضرمية :ص ،113كشاف القناع 388/2 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص
،121المغني.150/3 :
( )2اللباب ،170/1 :فتح القدير ،85-83/2 :بداية المجتهد ،290/1 :مغني المحتاج438/1 :
ومابعدها ،المغني 142/3 :ومابعدها ،كشاف القناع ،360/2 :القوانين الفقهية :ص ،121المهذب:
.187/1
( )3/109
الحال الثاني ـ أن يموت بعد إمكان القضاء ،فل يصوم عنه وليه أي لم يجب صومه عند أكثر
الفقهاء ،ولم يصح صومه عنه عند الشافعية في الجديد؛ لنه عبادة بدنية محضة ،وجبت بأصل الشرع
فلم تدخلها النيابة في الحياة و بعد الموت كالصلة ،ولحديث« :ل يصلي أحد عن أحد ،ول يصوم أحد
عن أحد ،ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدّ من حنطة» ( )1ويستحب عند الحنابلة للولي أن يصوم
عن الميت؛ لنه أحوط لبراءة الميت.
وهل يجب الطعام عنه من التركة؟
قال الحنفية والمالكية :إن أوصى بالطعام ،أطعم عنه وليه لكل يوم مسكينا نصف صاع ( )2من تمر
أوشعير؛ لنه عجز عن الداء في آخر عمره ،فصار كالشيخ الفاني ،ول بد من اليصاء.
وقال الشافعية في الجديد والحنابلة على الراجح :الواجب أن يطعم عنه لكل يوم مد طعام ( )3لكل
مسكين ،للحديث السابق ،ولقول عائشة أيضا« :يطعم عنه في قضاء رمضان ،ول يصام عنه» ()4
ولحديث ابن عمر« :من مات وعليه صيام شهر ،فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا» (. )5
هذا ...ويرى أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية وأبو ثور
-------------------------------
( )1قال عنه الحافظ الزيلعي :غريب مرفوعا ،وروي موقوفا على ابن عباس ،وابن عمر ،فحديث
الول رواه النسائي ،والثاني رواه عبد الرزاق في مصنفه (نصب الراية.)463/2 :
( )2الصاع :أربعة أمداد وهو يساوي 2751غم.
( )3المد :رطل وثلث بالرطل البغدادي ،وبالكيل المصري :نصف قدح من غالب قوت بلده ويساوي
675غم.
( )4قال الشوكاني عنه :وهو ضعيف جدا.
( )5رواه ابن ماجه.
( )3/110
والوزاعي والظاهرية وغيرهم أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات ،وعليه صوم ،أي صوم كان من
رمضان أو نذرا ،والولي على الرجح :هو كل قريب ،ودليلهم أحاديث ثابتة ،منها حديث عائشة
المتفق عليه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :من مات وعليه صيام ،صام عنه وليه» ()1
وقيد ابن عباس والليث وأبو عبيد وأبو ثور ذلك بصوم النذر.
المطلب الثاني ـ الكفارة:
وأما الكفارة :فالكلم في موجبها وحكمها ودليلها ،وأنواعها وتعددها (: )2
فموجبها :إفساد صوم رمضان خاصة ،عمدا قصدا ،لنتهاك حرمة الصوم من غير مبيح للفطر ،فل
كفارة على من أفطر في قضاء رمضان عند الجمهور ،ول كفارة على الناسي والمكره ،ول تجب في
القبلة ،ول على الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه؛ لنه من غير فعلهم ،ولعلى المريض
والمسافر ،والمرهق بالجوع والعطش ،والحامل ،لعذرهم ،ول على المرتد؛ لنه هتك حرمة السلم،
ل حرمة الصيام خصوصا .وقد سبق بحث الحالت الموجبة للكفارة في المذاهب ،وأهمها الجماع
بالتفاق ،والفطار المتعمد بالكل ونحوه عند الحنفية والمالكية.
وحكمها :أنها واجبة بالفطر في رمضان فقط دون غيره إن أفطر فيه ـ لدى الحنفية والمالكية ـ
منتهكا لحرمته ،أي غير مبال بها ،بأن تعمدها اختيارا ،بل تأويل
-------------------------------
( )1نيل الوطار.237-235/4 :
( )2الدر المختار 150/2 :ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،112البدائع 89/2 :ومابعدها ،الشرح
الصغير ،715-706/1 :بداية المجتهد ،297-289/1 :القوانين الفقهية :ص ،124-122مغني
المحتاج ،444/1 :المهذب ،184/1 :المغني ،134-125/3كشاف القناع.382-381/2 :
( )3/111
قريب ـ على حد تعبير المالكية ـ احترازا من الناسي والجاهل والمتأول ،فل كفارة عليهم ،كما
أبنت ،وكان الفطر بجماع ونحوه ،وبأكل ونحوه عند الحنفية والمالكية .واشترط الشافعية ليجاب هذه
الكفارة أن يكون المجامع ذاكرا لصومه ،عالما بالحرمة ،غير مترخص بسفر أو مرض .فمن جامع
ناسيا أو جاهلً بالحرمة ،أو أفسد صوما غير صوم رمضان ،أو أفطر متعمدا بغير الجماع ،أو كان
مسافرا ،فل كفارة عليه ،وعليه القضاء فقط.
ودليل إيجابها :حديث أبي هريرة قال :جاء رجل إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال :هلكتُ يا
رسول ال ،قال :وما أهلكك؟ قال :وقعت على امرأتي في رمضان ،قال :هل تجد ما تعتق رقبة؟
قال :ل ،قال :فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال :ل ،قال :فهل تجد ما تطعم ستين
مسكينا؟ قال :ل.
قال :ثم جلس ،فأُتي النبي صلّى ال عليه وسلم بعَرَق ( )1فيه تمر ،قال :تصدق بهذا ،قال :فهل على
أفقر منا ،فما بين لبتيها ( )2أهلُ بيت أحوج إليه منا؟! فضحك النبي صلّى ال عليه وسلم حتى بدت
نواجذه ،وقال :اذهب فأطعمه أهلك (. )3
وفي لفظ ابن ماجه قال :أعتق رقبة؟ قال :ل أجدها ،قال :صم شهرين متتابعين؟ قال :ل أطيق ،قال:
أطعم ستين مسكينا .وفي لفظ لبن ماجه وأبي داود في رواية« :وصم يوما مكانه»
-------------------------------.
( )1العرق :الزنبيل ،وهو المكتل ،يسع خمسة عشر صاعا ،ووقع عند الطبراني في الوسط :أنه أتي
بمكتل فيه عشرون صاعا ،فقال :تصدق بهذا.
( )2اللبتان :تثنية لبة ،وهي الحرة ،والحرة :الرض التي فيهاحجارة سود.
( )3رواه الجماعة عن أبي هريرة (نيل الوطار.)214/4:
( )3/112
قال الشوكاني :استدل به على سقوط الكفارة بالعسار لما تقرر أنها ل تصرف في النفس والعيال،
ولم يبين صلّى ال عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره ،وهو أحد قولي الشافعي ،وجزم به
عيسى بن دينار من المالكية ،وقال الجمهور :لتسقط بالعسار ،قالوا :وليس في الخبر ما يدل على
سقوطها عن المعسر ،بل فيه ما يدل على استقرارها عليه ،والذي أذن له في التصرف فيه ليس على
سبيل الكفارة (نيل الوطار .)216/4 :قال ابن تيمية الجد :وفيه دللة قوية على الترتيب .وظاهر لفظ
الدارقطني :أن المرأة كانت مكرهة.
ويجب قضاء اليوم مع الكفارة .ويجب القضاء على الزوجة الموطوءة إن لم تجب عليها الكفارة.
أنواع الكفارة :ثلثة :عتق ،وصيام ،وإطعام ،مثل كفارة الظهار والقتل الخطأ في الترتيب عند
الجمهور ،فإن عجز عن العتق بأن لم يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين ،فإن لم يستطع صومهما
أطعم ستين مسكينا .والطعام عند المالكية أفضل الخصال ،والكفارة واجبة عندهم على التخيير ل
على الترتيب ( . )1قال الشوكاني :في حديث أبي هريرة دليل على أنه يجزئ التكفير بواحدة من
الثلث الخصال .وظاهر الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلث على الترتيب .قال البيضاوي :لن
ترتيب الخصال بالفاء .وأضاف الشوكاني قائلً :وقد وقع في الروايات ما يدل على الترتيب والتخيير،
والذين رووا الترتيب أكثر ،ومعهم الزيادة ( ، )2فيكون دليل المالكية العمل برواية أخرى فيها
التخيير.
والخلصة :إن الكفارة مرتبة في رأي الجمهور ،وقال المالكية :الكفارة واجبة في ثلثة أنواع على
التخيير ،إما إطعام ستين مسكينا وهو الفضل ،و صيام شهرين متتابعين ،أوعتق رقبة.
فالعتق :تحرير رقبة مؤمنة عند الجمهور غير الحنفية :سليمة من العيوب أي عيوب فوات منفعة
البطش والمشي والكلم والنظر والعقل ،قياسا في اشتراط اليمان على كفارة القتل الخطأ ،وقال
الحنفية :ولو كانت غير مؤمنة ،لطلق نص الحديث السابق.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.713/1 :
( )2نيل الوطار.215/4 :
( )3/113
والصيام عند العجز عن الرقبة :صيام شهرين متتابعين ،ليس فيهما يوم عيد ،ول أيام التشريق ،ول
يجزئه الصوم إن قدر على العتق قبل البدء بالصوم ،فلو قدر على العتق في أثناء الصوم ولو في آخر
يوم ،لزمه العتق عند الحنفية ،ولم يلزمه عند الجمهور النتقال عن الصوم إلى العتق ،إل أن يشاء أن
يعتق ،فيجزئه ،ويكون قد فعل الولى أي يندب له عتق الرقبة .فلو أفطر ولو لعذر إل لعذر الحيض
استأنف عند الحنفية الصوم من جديد ،ويستأنف الصوم عند المالكية إن أفطر متعمدا.
ول يستأنف إن أفطر ناسيا أو لعذر ،أو لغلط في العدد .وقال الشافعية :لو أفسد يوما ولو اليوم الخير
ولو بعذر كسفر ومرض وإرضاع ونسيان نية ،استأنف الشهرين ،لكن ل يضر الفطر بحيض ونفاس
وجنون وإغماء مستغرق؛ لن كلً منها ينافي الصوم مع كونه اضطراريا ،وقال الحنابلة :ل ينقطع
التتابع بالفطر لمرض أو حيض.
والطعام عند عدم استطاعة الصوم :إطعام ستين مسكينا ،لكل مسكين عند الجمهور مد من القمح بمد
النبي صلّى ال عليه وسلم أو نصف صاع من تمر أوشعير ،وعند الحنفية :مدان ،أو يغذيهم ويعشيهم
غداء وعشاء مشبعين ،أو غداءين أو عشاءين ،أو عشاء وسحورا .والمدان أو نصف الصاع :هما من
بُر أو دقيقه أو سويقه ،أو يعطي كل فقير صاع تمر أوصاع شعير أوزبيب أو يعطي عند الحنفية قيمة
نصف الصاع من البر ،أو الصاع من غيره من غير المنصوص عليه ،ولو في أوقات متفرقة،
لحصول الواجب.
( )3/114
ول يجوز للفقير صرف الكفارة إلى عياله ،كالزكاة وسائر الكفارات ،وأما خبر «أطعمه أهلك» فهو
خصوصية ،أو أن لغير المكفر الذي تطوع بالتكفير عن غيره صرف الكفارة للمكفر عنه تطوعا.
والصح عند الشافعية أن له العدول عن الصوم إلى الطعام لغُلمة (أي شدة الحاجة للنكاح) ؛ لن
حرارة الصوم وشدة الغلمة قد يفضيان به إلى الوقاع ،ولو في يوم واحد من الشهرين ،وذلك يقتضي
استئنافها لبطلن التتابع ،وهو حرج شديد.
وتشترط النية عند أداء الكفارة في رأي الشافعية ،بأن ينوي العتق أو الصوم أو الطعام عن الكفارة؛
لنها حق مالي أو بدني يجب تطهيرا كالزكاة والصيام ،فل بد لصحتها من النية.
تعدد الكفارة أو تداخلها بتعدد الفطار في أيام :إن تكرر الجماع ،أو الفطار بأكل ونحوه في رأي
الحنفية والمالكية ،قبل التكفير عن الول ،فإما أن يكون في يوم واحد ،أو في يومين:
أ ـ فإن كان في يوم واحد ،فكفارة واحدة تجزئه ،بالتفاق.
ب ـ وإن كان في يومين أو أكثر من رمضان :فعليه كفارتان أو أكثر ،عند الجمهور؛ لن كل يوم
عبادة منفردة ،فإذا وجبت بإفساده ،لم تتداخل ،كرمضانين وكالحجتين.
وتجزئ كفارة واحدة عند الحنفية عن جماع وأكل متعمد متعدد في أيام لم يتخلله تكفير ،ولو من
رمضانين على الصحيح ،فإن تخلل تكفير ل تكفي كفارة واحدة في ظاهر الرواية؛ لن الكفارة جزاء
عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها ،والمقصود بها الزجر ،فيجب أن تتداخل كالحد ،ويحصل بها
مقصودها ،وفي حال تخلل التكفير لم يحصل الزجر بعوده لنتهاك حرمة الشهر.
( )3/115
ومن عجز عن الكفارة ،استقرت في ذمته ،والمعتبر حاله حين التكفير ،فإن قدر على خصلة فعلها.
طروء العذر بعد الفطار عمداً :إن حدوث السفر أو المرض بعد الجماع ،أو الكل المقيس عليه عند
القائلين به ،ل يسقط الكفارة عند الشافعية والمالكية والحنابلة؛ لن العذر معنى طرأ بعد وجوب
الكفارة ،فلم يسقطها ،ولن السفر المنشأ في أثناء النهار ل يبيح الفطر عند غير الحنابلة ،فل يؤثر
فيما وجب من الكفارة ،ولن المرض ،ل ينافي الصوم ،فيتحقق هتك حرمته.
ورأى الحنفية أن الكفارة تسقط بعد الفطار بطروء حيض أو نفاس أو مرض مبيح للفطر في يومه
الذي أفسده؛ لن اليوم ل يتجزأ ثبوتا وسقوطا للكفارة ،فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله
بعروض العذر في آخره ،ول تسقط عمن سوفر به كرها أو سافر اختيارا ،بعد لزومها في ظاهر
الرواية ،والفرق بين الحالين أنه في السفر المكره عليه لم يجئ العذر من قبل صاحب الحق ،وفي
غير السفر تمكنت الشبهة في عدم استحقاق الكفارة من أول اليوم بعروض العذر في آخره؛ لن
الكفارة إنما تجب في صوم مستحق ،وهو ل يتجزأ ثبوتا وسقوطا.
المطلب الثالث ـ الفدية:
أما الفدية :فالكلم في حكمها ،وسببها ،وتكررها بتكرر السنين(: ) 1
فحكم الفدية :الوجوب ،لقوله تعالى{ :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة ]184/2:أي على
الذين يتحملون الصوم بمشقة شديدة الفدية .والفدية عند الحنفية :نصف صاع من بُرّ ،أي قيمته ،بشرط
دوام عجز الفاني والفانية إلى
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،116الكتاب مع اللباب ،171-170/1 :فتح القدير ،82-81/2 :الشرح
الصغير ،722-720/1 :بداية المجتهد ،289/1 :القوانين الفقهية :ص ،124مغني المحتاج440/1 :
ومابعدها ،المهذب ،178/1،187 :المغني ،143-139/3 :كشاف القناع 389/2:ومابعدها.
( )3/116
الموت .ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم عند الجمهور ،بقدر ما فاته من اليام.
ومصارف الفدية والنذور المطلقة والكفارات والصدقات الواجبة :هي مصارف الزكاة.
و سببها:
- 1العجز عن الصيام ،فتجب باتفاق الفقهاء على من ل يقدر على الصوم بحال ،وهو الشيخ الكبير
والعجوز ،إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة ،فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم
مسكينا ،للية السابقة{ :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة ]184/2:وقول ابن عباس« :
نزلت رخصة للشيخ الكبير» ولن الداء صوم واجب ،فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء .والشيخ
الهمّ ( )1له ذمة صحيحة ،فإن كان عاجزا عن الطعام أيضا فل شيء عليه ،و {ل يكلف ال نفسا إل
وسعها} [البقرة ]286/2:وقال الحنفية :يستغفر ال سبحانه ،ويستقبله أي يطلب منه العفو عن تقصيره
في حقه.
وأما المريض إذا مات فل يجب الطعام عنه؛ لن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ابتداء ،بخلف
ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل ،حتى مات؛ لن وجوب الطعام يستند إلى حال الحياة.
- 2وتجب الفدية أيضا بالتفاق على المريض الذي ل يرجى برؤه ،لعدم وجوب الصوم عليه ،كما
تقدم ،لقوله عز وجل{ :وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج.]78/22:
- 3وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل
-------------------------------
( )1الهم :الشيخ الفاني ،والمرأةِ :همّة.
( )3/117
والمرضع إذا خافتا على ولدهما ،أما إن خافتا على أنفسهما ،فلهما الفطر ،وعليهما القضاء فقط،
بالتفاق .ودليله الية السابقة{ :وعلى الذين يطيقونه فدية[ }..البقرة ]184/2:وهما داخلتان في عموم
الية ،قال ابن عباس« :كانت رخصة الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ،وهما يطيقان الصيام أن يفطرا،
ويطعما مكان كل يوم مسكينا ،والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولدهما أفطرتا وأطعمتا» (، )1
ولنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة ،فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.
ول تجب عليهما الفدية مطلقا عند الحنفية ،لحديث أنس بن مالك الكعبي« :إن ال وضع عن المسافر
شطر الصلة ،وعن الحامل والمرضع الصوم ـ أو الصيام ـ وال لقد قالها رسول ال صلّى ال
عليه وسلم ،أحدهما أو كليهما» ( )2فلم يأمر بكفارة ،ولنه فطر أبيح لعذر ،فلم يجب به كفارة
كالفطر للمرضى.
ورأي الجمهور أقوى وأصح لدي؛ لنه نص في المطلوب ،وحديث أنس مطلق لم يتعرض للكفارة.
- 4وتجب الفدية أيضا مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء رمضان،
فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من اليام ،قياسا على من أفطر متعمدا؛ لن كليهما
مستهين بحرمة الصوم ،ول تجب على من اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو
نفاس.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود (نيل الوطار.)231/4 :
( )2رواه النسائي والترمذي ،وقال :هذا حديث حسن ،وبقية الخمسة (أحمد وأبو داود وابن ماجه)
(نيل الوطار.)230/4 :
( )3/118
تكرر الفدية :ول تتكرر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرر العوام وإنما تتداخل كالحدود ،والصح
في رأي الشافعية :أنها تتكرر بتكرر السنين؛ لن الحقوق المالية ل تتداخل ( . )1وقال الحنفية :ل
فدية بالتأخير إلى رمضان آخر ،لطلق النص القرآني{ .فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر} [البقرة ]185-184/2:فكان وجوب القضاء على التراخي ،حتى كان له أن يتطوع ،فل
يلزمه بالتأخير شيء ولنه القياس في الكفارات ،غير أنه تارك للولِى من المسارعة في القضاء.
والفدية والكفارة والنذر وقتها العمر كله ،والولى التعجيل بقدر المكان وأن تكون الفدية في رمضان،
لن الثواب فيه أكثر.ويرى الحنابلة أن النذر والكفارة واجبان على الفور؛ لنه مقتضى المر.
باقي لوازم الفطار :أما إمساك بقية اليوم وعقوبة منتهك حرمة صوم رمضان فقد سبق الكلم
عليهما.
وأما قطع التتابع :فهو عند المالكية لمن أفطر متعمدا في صيام النذر والكفارات المتتابعات كالقتل
والظهار ،فيستأنف ،بخلف من قطع الصوم ناسيا أو لعذر ،أو لغلط في العدة ،فإنه يبني على ما كان
معه .وقد عرفنا رأي بقية المذاهب الخرى.
وأما قطع النية :فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقا لعذر أو لغير عذر ،ولزوال تحتم الصوم
كالسفر ،وإن صام فيه ،وإنما ينقطع استصحابها حكما .وهذا عند المالكية الذين يكتفون بنية واحدة
أول شهر رمضان.
-------------------------------
( )1يؤيده ما يروى بإسناد ضعيف عن أبي هريرة عن النبي صلّى ال عليه وسلم في رجل مرض
في رمضان ،فأفطر ،ثم صح ،ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر ،فقال :يصوم الذي أدركه ،ثم
يصوم الشهر الذي أفطر فيه ،ويطعم كل يوم مسكينا» ورواه الدارقطني موقوفا (نيل الوطار:
.)233/4
( )3/119
( )3/120
صلُ الثّاني :الع ِتكَاف
ال َف ْ
فيه مباحث ستة وهي:
المبحث الول ـ تعريف العتكاف ومشروعيته والهدف منه ،ومكانه وزمانه.
المبحث الثاني ـ حكم العتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف.
المبحث الثالث ـ شروط العتكاف.
المبحث الرابع ـ ما يلزم المعتكف وما يجوز له.
المبحث الخامس ـ آداب المعتكف ،ومكروهات العتكاف ومبطلته.
المبحث السادس ـ حكم العتكاف إذا فسد.
وأبدأ ببحثها على الترتيب المذكور.
المبحث الول ـ تعريف العتكاف ومشروعيته والهدف منه ،ومكانه وزمانه:
تعريفه :العتكاف لغة :اللبث وملزمة الشيء أو الدوام عليه خيرا كان أو شرا .ومنه قوله تعالى:
{يعكفون على أصنام لهم} [العراف ]138/7:وقوله { :ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون}
[النبياء ]53/21:وقوله سبحانه{ :ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة.]187/2:
( )3/121
وشرعا له تعاريف متقاربة في المذاهب ،قال الحنفية ( : )1هو اللبث في المسجد الذي تقام فيه
الجماعة ،مع الصوم ،ونية العتكاف ،فاللبث ركنه؛ لنه ينبئ عنه ،فكان وجوده به ،والصوم في
العتكاف المنذور والنية من شروطه .ويكون من الرجل في مسجد جماعة :وهو ماله إمام ومؤذن،
أديت فيه الصلوات الخمس أو ل ،ومن المرأة :في مسجد بيتها :وهو محل عينته للصلة ،ويكره في
المسجد ،ول يصح في غير موضع صلتها من بيتها.
وقال المالكية ( : )2هو لزوم مسلم مميز مسجدا مباحا لكل الناس ،بصوم ،كافا عن الجماع ومقدماته،
يوما وليلة فأكثر ،للعبادة ،بنية .فل يصح من كافر ،ول من غير مميز ،ول في مسجد البيت المحجور
عن الناس ،ول بغير صوم ،أي صوم كان :فرض أو نفل ،من رمضان أو غيره ،ويبطل بالجماع
ومقدماته ليلً أو نهارا ،وأقله يوم وليلة ول حد لكثره ،بقصد العبادة بنية ،إذ هو عبادة ،وكل عبادة
تفتقر للنية.
وعبارة الشافعية ( : )3هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية.
وعبارة الحنابلة ( : )4هو لزوم المسجد لطاعة ال ،على صفة مخصوصة ،من مسلم عاقل ولو
مميزا ،طاهر مما يوجب غسلً ،وأقله ساعة ،فل يصح من كافر ولو مرتدا ،ول من مجنون ول
طفل ،لعدم النية ،ول من جنب ونحوه ولو متوضئا ،ول يكفي العبور ،وإنما أقله لحظة.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،106/2 :الدر المختار ،176/2 :مراقي الفلح :ص ،118اللباب.174/1 :
( )2الشرح الكبير 541/1:ومابعدها ،الشرح الصغير 725/1 :ومابعدها.
( )3مغني المحتاج.449/1 :
( )4كشاف القناع ،404/2 :المغني.183/3 :
( )3/122
وأدلة مشروعيته ( : )1الكتاب والسنة والجماع ،فمن الكتاب :قوله تعالى{ :ول تباشروهن وأنتم
عاكفون في المساجد} [البقرة ]187/2:ومثله {أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين} [البقرة]125/2:
فالضافة في الية الولى إلى المساجد المختصة بالقربات ،وترك الوطء المباح لجله ،دليل على أنه
قربة.
والسنة :لما روى ابن عمر وأنس وعائشة أن «النبي صلّى ال عليه وسلم كان يعتكف في العشر
الواخر من رمضان ،منذ قدم المدينة إلى أن توفاه ال تعالى» ( )2وقال الزهري« :عجبا من الناس،
كيف تركوا العتكاف ،ورسول ال صلّى ال عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه ،وما ترك
العتكاف حتى قبض» .
وهو من الشرائع القديمة ،قال ال تعالى{ :وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين
والعاكفين} [البقرة.]125/2:
والهدف منه :صفاء القلب بمراقبة الرب والقبال والنقطا ع إلى العبادة في أوقات الفراغ ،متجردا
لها ،ول تعالى ،من شواغل الدنيا وأعمالها ،ومسلّما النفس إلى المولى بتفويض أمرها إلى عزيز
جنابه والعتماد على كرمه والوقوف ببابه ،وملزمة عبادته في بيته سبحانه وتعالى والتقرب إليه
ليقرب من رحمته ،والتحصن بحصنه عز وجل ،فل يصل إليه عدوه بكيده وقهره ،لقوة سلطان ال
وقهره وعزيز تأييده ونصره .فهو من أشرف العمال وأحبها إلى ال تعالى إذا كان عن إخلص ل
سبحانه؛ لنه منتظر للصلة ،وهو كالمصلي ،وهي حالة قرب.
فإذا انضم إليه الصوم عند مشترطيها ازداد المؤمن قربا من ال بما يفيض على الصائمين من طهارة
القلوب ،وصفاء النفوس.
وأفضله في العشر الواخر من رمضان ليتعرض لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
-------------------------------
( )1مراقي الفلح :ص ،120مغني المحتاج ،449/1 :المغني.183/3 :
( )2متفق عليه ،عبارة الصحيحين« :أنه صلّى ال عليه وسلم اعتكف العشر الوسط من رمضان ثم
اعتكف العشر الواخر ،ولزمه حتى توفاه ال تعالى» ثم اعتكف أزواجه من بعده( .نيل الوطار:
.)264/4
( )3/123
وزمانه :أنه مستحب كل وقت في رمضان وغيره ،وأقله عند الحنفية ( )1نفلً :مدة يسيرة غير
محدودة ،وإنما بمجرد المكث مع النية ،ولو نواه ماشيا على المفتى به؛ لنه متبرع ،وليس الصوم في
النفل من شرطه ،ويعد كل جزء من اللبث عبادة مع النية بل انضمام إلى آخر .ول يلزم قضاء نفل
شرع فيه على الظاهر من المذهب؛ لنه ل يشترط له الصوم.
وأقله عند المالكية ( : )2يوم وليلة ،والختيار :أل ينقص عن عشرة أيام ،بمطلق صوم من رمضان
أو غيره ،فل يصح من مفطر ،ولو لعذر ،فمن ل يستطيع الصوم ل يصح اعتكافه.
والصح عند الشافعية (: )3أنه يشترط في العتكاف لبث قدر يسمى عكوفا أي إقامة ،بحيث يكون
زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه ،فل يكفي قدرها ،ول يجب السكون ،بل يكفي التردد
فيه.
وأقله عند الحنابلة ( : )4ساعة أي ما يسمى به معتكفا لبثا ،ولو لحظة .فالجمهور على الكتفاء بمدة
يسيرة ،والمالكية يشترطون لقله يوما وليلة.
ومكانه :عند الحنفية ( )5للرجل أو المميز في مسجد الجماعة :وهو ما له إمام ومؤذن ،سواء أديت
فيه الصلوات الخمس أو ل ،وأما الجامع فيصح فيه مطلقا اتفاقا ،بدليل قول ابن مسعود:
-------------------------------
( )1مراقي الفلح ونور اليضاح :ص .119
( )2الشرح الكبير والصغير ،المكان السابق ،القوانين الفقهية :ص .125
( )3مغني المحتاج ،451/1 :المهذب 190/1 :ومابعدها.
( )4كشاف القناع.404/2 :
( )5الدر المختار ورد المحتار.176/2:
( )3/124
«ل اعتكاف إل في مسجد جماعة» (، )1وللمرأة في مسجد بيتها :وهو المعد لصلتها ،الذي يندب لها
ولكل أحد اتخاذه.
وعند الحنابلة ( : )2ل يجوز العتكاف من رجل تلزمه الصلة جماعة إل في مسجد تقام فيه
الجماعة ،فل يصح بغير مسجد بل خلف ،لقوله تعالى{ :ولتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}
[البقرة ]187/2:فلو صح في غيرها لم تختص بتحريم المباشرة؛ إذ هي محرمة في العتكاف مطلقا.
وإنما اشترط كون المسجد مما يجمع فيه؛ لن الجماعة واجبة ،واعتكاف الرجل في مسجد ل تقام فيه
الجماعة يفضي إلى أحد أمرين :إما ترك الجماعةالواجبة ،وإما خروجه إليها ،فيتكرر ذلك منه كثيرا
مع إمكان التحرز منه ،وذلك مناف للعتكاف :وهو لزوم المعتكف والقامة على طاعة ال فيه.
ويصح العتكاف في كل مسجد في الحالت التالية:
ً - 1إن كان العتكاف مدة غير وقت الصلة كليلة ،أو بعض يوم ،لعدم المانع .وإن كانت الجماعة
تقام في مسجد في بعض الزمان ،جاز العتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره.
ً - 2إن كان المعتكف ممن ل تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور والمرأة والصبي ومن هو في
قرية ل يصلي فيها سواه ،فله أن يعتكف في كل مسجد؛ لن الجماعة غير واجبة عليه .ول يصح
للمرأة العتكاف في مسجد بيتها؛ لنه ليس بمسجد حقيقة ول حكما ،ولوجاز لفعلته أمهات المؤمنين،
ولو مرة ،تبيينا للجواز.
وإذا اعتكفت المرأة في المسجد ،استحب لها أن تستتر بشيء؛ لن أزواج النبي صلّى ال عليه وسلم
لما أردن العتكاف أمرن بأبنيتهن ،فضربن في المسجد ،ولن المسجد يحضره الرجال ،وخير لهم
وللنساء أل يرونهن ول يرينهم.
ول يصح العتكاف ممن تلزمه الجماعة في مسجد تقام فيه الجمعة دون الجماعة إذا كان يأتي عليه
وقت صلة ،حتى ل يترك الجماعة.
-------------------------------
( )1رواه الطبراني ( نصب الراية.) 490/2 :
( )2المغني ،191 - 187/3 :كشاف القناع.412-409/2 :
( )3/125
ويلحظ أن سطح المسجد ورحبته المحطوطة به وعليها باب ،ومنارته التي تكون فيه أو التي بابها
فيه من المسجد ،بدليل منع الجنب من الدخول فيما ذكر.
وكذا كل ما زيد في المسجد حتى في الثواب يعد من المسجد ،ولو المسجد الحرام ومسجد المدينة ،لما
روي عن أبي هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :لو بني هذا المسجد إلى صنعاء ،كان
مسجدي» ( )1وقال عمر لما زاد المسجد« :لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة ،كان مسجد النبي صلّى ال
عليه وسلم » .
ولو اعتكف من ل تلزمه الجمعة كالمسافر والمرأة في مسجد ل تصلى فيه الجمعة ،بطل اعتكافه
بخروجه إليها إن لم يشترط الخروج إليها؛ لنه خروج لزم ل بد له منه.
والفضل العتكاف في المسجد إذا كانت الجمعة تتخلله ،لئل يحتاج إلى الخروج إليها ،فيترك
العتكاف ،مع إمكان التحرز منه.
ومن نذر العتكاف أو الصلة في مسجد غير المساجد الثلثة ،فله فعل المنذور من اعتكاف أو صلة
في غيره؛ لن ال تعالى لم يعين لعبادته موضعا ،فلم يتعين بالنذر ،ولو تعين ل حتاج إلى شد رحل.
وإن نذر العتكاف أو الصلة في أحد المساجد الثلثة :المسجد الحرام،ومسجد النبي صلّى ال عليه
وسلم ،والمسجد القصى ،لم يجزئه في غيرها ،لفضل العبادة فيها على غيرها ،فتتعين بالتعيين .وله
شد الرحال إلى المسجد الذي عينه من الثلثة ،لحديث أبي هريرة « :ل تشد الرحال إل إلى ثلثة
مساجد :المسجد الحرام ،والمسجد القصى ،ومسجدي هذا » (. )2
وأفضلها المسجد الحرام ،ثم مسجد النبي صلّى ال عليه وسلم ،ثم المسجد القصى ( ، )3فإن عين
الفضل منها وهو المسجد الحرام في نذره ،لم يجزئه العتكاف ول الصلة فيما دونه ،لعدم مساواته
له.
وقال المالكية ( : )4مكان العتكاف هو المساجد كلها ،وليصح في مسجد البيوت المحجورة،
-------------------------------
( )1حديث ضعيف ،رواه الزبير بن بكار في أخبار المدينة.
( )2متفق عليه .وقال بعضهم :إل مسجد قباء؛ لنه صلّى ال عليه وسلم « كان يأتيه كل سبت راكبا
وماشيا ،ويصلي فيه ركعتين » متفق عليه ،وكان ابن عمر يفعله.
( )3روى الجماعة إل أبا داود عن أبي هريرة « :صلة في مسجدي هذا خير من ألف صلة فيما
سواه إل المسجد الحرام » ولحمد وأبي داود من حديث جابر بن عبد ال مثله ،وزاد « :وصلة في
المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلة فيما سواه » .
( )4القوانين الفقهية :ص ،125الشرح الصغير.255،265-253/2 ،725/1 :
( )3/126
ومن نوى العتكاف مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها ،تعين الجامع ،لنه إن خرج إلى الجمعة،
بطل اعتكافه .ويلزم الوفاء بالنذر في المكان الذي عينه الناذر ،فإذا عين مسجد مكة أو المدينة في نذر
الصلة أو العتكاف ،وجب عليه الوفاء فيهما .والمدينة عند المالكية أفضل من مكة ،ومسجدها أفضل
من المسجد الحرام ،ويليهما المسجد القصى ،لما رواه الدارقطني والطبراني من حديث رافع بن
خديج « :المدينة خير من مكة » ولما ورد في دعائه صلّى ال عليه وسلم « :اللهم كما أخرجتني من
أحب البلد إلي ،فأسكني في أحب البلد إليك » وروى الطبراني عن بلل بن الحارث المزني« :
رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان
فيما سواها من البلدان ،وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان» .
وكذلك قال الشافعية ( : )1إنما يصح العتكاف في المسجد ،سواء في سطحه أو غيره التابع له،
والجامع ( )2أولى بالعتكاف فيه من غيره ،للخروج من خلف من أوجبه ،ولكثرة الجماعة فيه،
وللستغناء عن الخروج للجمعة .ويجب الجامع للعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة فيها يوم الجمعة،
وكان ممن تلزمه الجمعة ،ولم يشترط الخروج لها.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 450/1 :ومابعدها ،المجموع 508/6 :ومابعدها ،المهذب 190/1 :ومابعدها.
( )2سمي الجامع لجمعه الناس واجتماعهم فيه.
( )3/127
والجديد أنه ليصح اعتكاف امرأة في مسجد بيتها :وهو المعتزل المهيأ للصلة؛ لنه ليس بمسجد
بدليل جواز تغييره ومكث الجنب فيه ،ولن نساء النبي صلّى ال عليه وسلم ورضي عنهن كن يعتكفن
في المسجد ،ولو كفى بيوتهن لكان لهن أولى.
وإن نذر أن يعتكف في مسجد غير المساجد الثلثة بعينه ،جاز -كما قال الحنابلة -أن يعتكف في
غيره؛ لنه ل مزية لبعضها على بعض ،فلم يتعين.
وإن نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلثة ( المسجد الحرام ومسجد المدينة والقصى ) تعين ،ولزمه
أن يعتكف فيه ،لما روى عمر رضي ال عنه ،قال « :قلت لرسول ال صلّى ال عليه وسلم :إني
نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ،فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم :أوف بنذرك » ()1
ويقوم المسجد الحرام مقامهما لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به ،ول عكس ،فل يقومان مقام
المسجد الحرام؛ لنهما دونه في الفضل ،ويقوم مسجد المدينة مقام القصى؛ لنه أفضل منه ،ول
عكس ،لنه دونه في الفضل.
والخلصة :إن المالكية والشافعية يجيزون العتكاف في أي مسجد ،والحنفية والحنابلة يشترطو ن
كونه في المسجد الجامع ،ول يجوز عند الجمهور العتكاف في مسجد البيوت ،ويجوز ذلك للمرأة
عند الحنفية.
المبحث الثاني ـ حكم العتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف:
وفيه مطلبان:
المطلب الول ـ حكم العتكاف:
العتكاف غير المنذور مستحب باتفاق العلماء ،ولكن يحسن بيان الراء المذهبية لتحديد رتبة السنة
على وجه الدقة.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم.
( )3/128
( )3/129
( )3/130
ولزم دخول المعتكف قبل الغروب أو معه ،ليتحقق له كمال الليلة .ولزم خروجه من معتكفه بعد
الغروب ليتحقق له كمال النهار.
وعبارة الحنابلة :من نذر اعتكاف شهر ،لزمه التتابع ،ودخلت فيه الليالي ،ودخل معتكفه قبل غروب
شمس ليلته الولى ،ول يخرج إل بعد غروب شمس آخر أيامه.
وإن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه ،ولم تدخل ليلته ،ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر،
ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لن الليلة ليست من اليوم ،وهي من الشهر ،وإطلق اليوم يفهم منه
التتابع فيلزمه ،كما لو قال متتابعا ،وكذا إطلق الشهر يقتضي التتابع ،كما لو حلف« :ل يكلم زيدا
شهرا» وكمدة اليلء والعُنّة والعدة ،بخلف الصيام .فإن أتى بشهر بين هللين أجزأه ذلك ،وإن كان
الشهر ناقصا ،وإن اعتكف ثلثين يوما من شهرين جاز؛ وتدخل فيه الليالي؛ لن الشهر عبارة عنهما،
ول يجزئه أقل من ذلك.
وعبارة الشافعية :إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة ،بل خلف ،فالليلة ليست من اليوم ،بل
يلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ،ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لن حقيقة اليوم :ما بين
الفجر وغروب الشمس.
وإن نذر اعتكاف شهر بعينه ،لزمه اعتكافه ليلً ونهارا أي دخلت لياليه ،سواء أكان الشهر تاما أم
ناقصا؛ لن الشهر عبارة عما بين الهللين أي جميع الشهر ،تم أو نقص إل أن يستثنيها لفظاَ .وإن
نذر اعتكاف نهار الشهر ،لزمه النهار دون الليل؛ لنه خص النهار ،فل يلزمه الليل .وهذا موافق
للحنابلة.
( )3/131
والراجح عند الكثرين من الشافعية أنه إن نوى التتابع أو صرح به ،لزمته الليلة ،وإل فل .والصحيح
أنه ل يجب التتابع بل شرط ،وأنه لو نذر يوما لم يجز تفريق ساعاته ،وأنه لو عين مدة كأسبوع
وتعرض للتتابع فيها لفظا وفاتته ،لزمه التتابع في القضاء ،وإن لم يتعرض للتتابع لم يلزمه في القضاء
جزما؛ لن التتابع فيه لم يقع مقصودا ،بل لضرورة تعين الوقت ،فأشبه التتابع في شهر رمضان.
ولو قال :ل علي أن أعتكف العشر الخير من رمضان ،دخلت لياليه ،حتى الليلة الولى ،ويجزئه
وإن نقص الشهر ،لن هذا السم يقع على ما بعد العشرين إلى آخر الشهر ،بخلف قوله :عشرة أيام
من آخر الشهر ،وكان ناقصا ل يجزئه؛ لنه جرّد القصد إليها ،فيلزمه أن يعتكف بعده يوما.
ولو نذر اعتكاف يوم معين ففاته فقضاه ليلً ،أجزأه .ولو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد فقدم ليلً،
فالمعتمد أن يقضي يوما كاملً ،وذلك إذا قدم حيا مختارا ،فلو قدم فيه ميتا أو قدم مكرها ،فل شيء
عليه.
المبحث الثالث ـ شروط العتكاف
يشترط لصحة العتكاف ما يلي (: )1
ً - 1السلم :فل يصح العتكاف من الكافر؛ لنه من فروع اليمان.
ً - 2العقل أو التمييز :فل يصح من مجنون ونحوه ،ول من صبي غير مميز؛ لنه ليس من أهل
العبادات ،فلم يصح منه العتكاف كالكافر ،ويصح اعتكاف الصبي المميز.
ً - 3كونه في المسجد :فل يصح في البيوت ،كما تقدم ،إل أن الحنفية أجازوا للمرأة العتكاف في
مسجد بيتها :وهو محل عينته للصلة فيه.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،179-177/2 :فتح القدير 106/2 :ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،119القوانين
الفقهية :ص ،125الشرح الصغير 725/1 :ومابعدها ،المهذب ،192-190/1 :مغني المحتاج:
453/1ومابعدها ،المغني ،186-184/3 :كشاف القناع.409-406/2 :
( )3/132
ً - 4النية اتفاقا :فل يصح العتكاف إل بالنية ،للحديث المتقدم« :إنما العمال بالنيات ،وإنما لكل
امرئ ما نوى» ولنه عبادة محضة ،فلم تصح من غير نية كالصوم والصلة وسائر العبادات.
وأضاف الشافعية :إن كان العتكاف فرضا ،لزمه تعيين النية للفرض ،لتميزه عن التطوع.
ً - 5الصوم :شرط مطلقا عند المالكية ،وشرط عند الحنفية في العتكاف المنذور فقط دون غيره من
التطوع ،وليس بشرط عند الشافعية والحنابلة فيصح بل صوم ،إل أن ينذره مع العتكاف ،ويصح
عند الجمهور غير المالكية اعتكاف الليل وحده إذا لم يكن منذورا.
ودليل المشترطين حديث« :ل اعتكاف إل بصوم» (. )1
ودليل غير المشترطين حديث عمر أنه قال« :يا رسول ال ،إني نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام
ليلة ،فقال له :أوف بنذرك» ( )2وفي رواية أنه جعل على نفسه أن يعتكف يوما ..الخ فلم يشترط له
الصيام ،ولصحة اعتكاف الليل ،لنه لصيام فيه ،ولحديث ابن عباس« :ليس على المعتكف صيام إل
أن يجعله على نفسه» (. )3
ً - 6الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس :شرط عند الجمهور ،إل أن الخلو من الجنابة شرط عند
المالكية لحل المكث في المسجد ،ل لصحة العتكاف ،فإذا احتلم المعتكف وجب عليه الغسل إما في
المسجد إن وجد فيه ماء ،أوخارج المسجد.
وكذلك قال الحنفية :الخلو من الجنابة شرط لحل العتكاف ،ل لصحته ،فلو اعتكف الجنب ،صح
اعتكافه مع الحرمة .وأما الخلو عن الحيض والنفاس فهو شرط لصحة العتكاف الواجب
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني والبيهقي عن عائشة ،إل أنه ضعيف (نصب الراية.)486/2 :
( )2رواه البخاري ومسلم ،والدارقطني عن ابن عمر عن عمر (نصب الراية.)488/2 :
( )3رواه الدارقطني عن ابن عباس ،ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه ،وأخرجه الحاكم مرفوعا،
وقال :صحيح السناد (نيل الوطار.)268/4 :وهو المنذور؛ لن الصوم شرط لصحته ،ول يصح
الصوم من الحائض والنفساء.
( )3/133
ً - 7إذن الزوج لزوجته :شرط عند الحنفية والشافعية والحنابلة ،فل يصح اعتكاف المرأة بغير إذن
زوجها ،ولو كان اعتكافها منذورا .ورأى المالكية أن اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها صحيح مع
الثم.
وأضاف ابن جزي المالكي شرطا آخر :وهو الشتغال بالعبادة على قدر الستطاعة ليلً ونهارا ،من
الصلة والذكر والتلوة خاصة ،عند ابن القاسم ،ومن سائر أعمال الخرة عند ابن وهب ،فعلى
الول ،وهو الراجح ،ل يشهد جنازة ول يعود مريضا ،ول يدرس العلم ،وعلى الثاني :يفعل ذلك.
المبحث الرابع :ما يلزم المعتكف وما يجوز له
اتفق الفقهاء على أنه يلزم المعتكف في العتكاف الواجب البقاء في المسجد ،لتحقيق ركن العتكاف
وهو المكث والملزمة والحبس ،ول يخرج إل لعذر شرعي أو ضرورة أو حاجة.
قال الحنفية (: )1
يجوز للمعتكف الخروج في اعتكاف النفل أو السنة المؤكدة ،لن الخروج ينهي العتكاف ول يبطله،
لكن لو شرع في المسنون وهو العشر الواخر من رمضان بنيته ،ثم أفسده ،يجب عليه قضاؤه :أي
قضاء العشر كله في رأي أبي يوسف ،وقضاء اليوم الذي أفسده لستقلل كل يوم بنفسه ،في رأي
جمهور الحنفية.
وحرم على المعتكف اعتكافا واجبا الخروج إل لعذر شرعي كأداء صلة الجمعة والعيدين ،فيخرج في
وقت يمكنه إدراكها مع صلة سنة الجمعة قبلها ،ثم يعود ،وإن أتم اعتكافه في الجامع صح وكره.
أو لحاجة طبيعية :كالبول والغائط وإزالة النجاسة ،والغتسال من جنابة باحتلم؛ لنه عليه الصلة
والسلم كان ل يخرج من معتكفه إل لحاجة.
أو لحاجة ضرورية :كانهدام المسجد ،أو أداء شهادة تعينت عليه ،أو خوف على نفسه أو متاعه من
المكابرين ،أو إخراج ظالم له كرها وتفرق أهله .وعليه أن يدخل مسجدا آخر غيره من ساعته.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،112-109/2 :الدر المختار ورد المحتار ،185-180/2 :مراقي الفلح :ص .119
( )3/134
فإن خرج ولو ناسيا ساعة بل عذر ،فسد الواجب ،وانتهى به غيره ،وعليه قضاء الواجب الذي أفسده
إل إذا أفسده بالردة؛ لنها تسقط ما وجب عليه قبلها .وإن خرج لعذر يغلب وقوعه :وهو الحاجة
الطبيعية الشرعية لم يفسد اعتكافه .وإن خرج لعذر نادر كإنجاء غريق وانهدام مسجد ،فل يأثم ،لكن
يبطل اعتكافه ،إذا لم يخرج إلى مسجد آخر مباشرة.
ويفسد اعتكافه بالخروج لعيادة مريض أو تشييع جنازة ،وإن تعينت عليه ،إل أنه ل يأثم ،كما في
س امرأة ول
المرض .قالت عائشة« :السنة على المعتكف أل يعود مريضا ،ول يشهد جنازة ،ول يم ّ
يباشرها ،ول يخرج لحاجة إل لما ل بد منه ،ول اعتكاف إل بصوم ،ول اعتكاف إل في مسجد
جامع» (. )1
والكل والشرب والنوم والعقد المحتاج إليه لنفسه أوعياله كبيع ونكاح ورجعة يكون في معتكفه؛ لن
النبي صلّى ال عليه وسلم لم يكن له مأوى إل المسجد ،ولنه يمكن قضاء هذه الحاجة في المسجد،
فل ضرورة إلى الخروج.
فل بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلعة ،لنه قد يحتاج إلى ذلك بأن ل يجد
من يقوم بحاجته ،لكن يكره تحريما البيع لتجارة وإحضار المبيع أو السلعة إلى المسجد ،ومبايعة غير
المعتكف فيه مطلقا؛ لن المسجد محرر عن حقوق العباد ،وفيه انشغال بها ،وورد حديث« :جنبوا
مساجدكم ـ أو مساجدنا ـ صبيانكم ومجانينكم ،وشراءكم ،وبيعكم ،وخصوماتكم ...الحديث» (، )2
وثبت أنه «صلّى ال عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد ،وأن ينشد فيه ضالة ،أو ينشد فيه
شعر ،ونهى عن التحلق قبل الصلة يوم الجمعة» (. )3
وأما الكل والشرب والنوم لغير المعتكف في المسجد ،فمكروه إل لغريب ،كما في أشباه ابن نجيم،
وقال ابن كمال :ليكره الكل والشرب والنوم فيه مطلقا مقيما كان أوغريبا ،مضطجعا أو متكئا،
رجله إلى القبلة أو إلى غيرها.
وقال المالكية ( : )4ل يخرج من معتكفه إل لربعة أمور :لحاجة النسان ،ولما لبد منه من شراء
معاشه ،وللمرض ،والحيض ،وإذا خرج لشيء من ذلك ،فهو
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والنسائي (نيل الوطار.)267/4 :
( )2حديث ضعيف رواه ابن ماجه والطبراني في معجمه من حديث واثلة بن السقع ،ورواه الطبراني
أيضا من حديث أبي الدرداء وأبي أمامة ،ورواه عبد الرزاق من حديث معاذ (نصب الراية-491/2 :
.)492
( )3رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي.
( )4القوانين الفقهية :ص ،125الشرح الصغير 734/1 :ومابعدها.
( )3/135
في حكم العتكاف حتى يرجع .فل يخرج لعيادة مريض وصلة جنازة وصعود لذان أو سطح
للمسجد ،ويجوز سلمه على من بقربه ،وتطيبه بأنواع الطيب وإن كره للصائم غير المعتكف ،لن
معه مانعا يمنعه من إفساد اعتكافه وهو بالمسجد ،وجاز له أن يزوج ويتزوج ،ويستصحب ثوبا غير
الذي عليه ،لنه ربما احتاج له.
وقال الشافعية ( : )1ليجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لغير عذر ،لقول عائشة« :إن كان رسول
ال صلّى ال عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد ،فأرّجله ،وكان ل يدخل البيت إل لحاجة
النسان ،إذا كان معتكفا» ( )2فيجوز أن يخرج رأسه وأرجله أو يخرج للحاجة الطبيعية ،ول يبطل
اعتكافه لحديث عائشة هذا .فإن خرج من غير عذر بطل اعتكافه؛ لنه فعل ما ينافي العتكاف :وهو
اللبث في المسجد.
وله أن يخرج إلى منارة المسجد ليؤذن فيها ،ولو كانت على الراجح خارج المسجد وخارج رحبته
(وهي ما كان مضافا إلى المسجد محجرا عليه) ول يبطل اعتكافه ،ويجوز أن يمضي إلى البيت
للكل ،ول يبطل اعتكافه ،في النصوص؛ لن الكل في المسجد ينقص المروءة ،فلم يلزمه .كما له
الخروج لشرب الماء إن عطش ولم يجد الماء في المسجد.
ويخرج لصلة الجنازة وعيادة المريض في اعتكاف التطوع ،ول يخرج في اعتكاف الفرض ،فإن
خرج في الحالين بطل اعتكافه.
ويلزمه الخروج لصلة الجمعة إن كان من أهل الفرض ،والعتكاف في غير الجامع؛ لن الجمعة
فرض في الشرع ،فل يجوز تركها بالعتكاف ،ويبطل
-------------------------------
( )1المجموع ،565-528/6 :المهذب.194-192/1 :
( )2رواه البخاري ومسلم.
( )3/136
اعتكافه وتتابعه في الصح المشهور من نصوص الشافعي؛ لنه كان يمكنه الحتراز من الخروج،
بأن يعتكف في غير الجامع ،فإن لم يفعل بطل اعتكافه.
ويلزمه الخروج لداء شهادة إن تعين عليه؛ لنه تعين لحق آدمي ،فقدم على العتكاف ،ول يبطل
اعتكافه على الراجح؛ لنه مضطر إلى الخروج .وللمعتكفة أن تخرج إذا طلقت لتعتد ،ول يبطل
اعتكافها أيضا ،لضطرارها إلى الخروج.
ومن مرض مرضا ل يؤمن معه تلويث المسجد كإطلق الجوف وسلس البول ،خرج كما يخرج
لحاجة النسان ول ينقطع التتابع على المشهور الصحيح .وإن كان مرضا يسيرا يمكن معه المقام في
المسجد من غير مشقة كالصداع ووجع الضرس والعين ونحوها لم يخرج ،فإن خرج بطل اعتكافه.
وإن كان مرضا يشق معه القامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم وتردد الطبيب ونحو
ذلك،فيباح له الخروج ،والصح أنه ل ينقطع به التتابع.
وإن أغمي عليه ،فأخرج من المسجد ،لم يبطل اعتكافه؛ لنه لم يخرج باختياره وإن سكر فسد
اعتكافه .وإن ارتد ثم أسلم بنى على اعتكافه.
وإن حاضت المعتكفة ،خرجت من المسجد؛ لنه ل يمكنها المقام في المسجد ،ولم يبطل اعتكافها إن
كان في مدة ل يمكن حفظها من الحيض ،وإذا طهرت بنَت عليه ،كما لو حاضت في صوم شهرين
متتابعين .ويبطل اعتكافها إن كان في مدة يمكن حفظهامن الحيض ،كما لوحاضت في صوم ثلثة أيام
متتابعة.
ويبطل العتكاف بالخروج إلى الحج الذي أحرم به؛ لن الخروج حدث باختياره لنه كان يسعه أن
يؤخره .وإن خاف من ظالم فخرج واستتر ،لم يبطل اعتكافه؛ لنه مضطر إلى الخروج بسبب هو
معذرو فيه.
( )3/137
وإن خرج من المسجد ناسيا أو مكرها محمولً أو أكره حتى خرج بنفسه ،أو أخرجه السلطان ظلما لم
يبطل اعتكافه ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ()1
فإن أخرجه السلطان بحق ،كأن وجب عليه حق وهو يماطل به مع قدرته عليه ،أو أخرجه ليقيم عليه
عقوبة شرعية من حد أو قصاص أو تعزير ثبت عليه بإقراره ،بطل اعتكافه .وإن ثبت عليه بالبينة لم
يبطل ول ينقطع به التتابع ،فإذا عاد بنى.
وإن خرج لعذر ،ثم زال العذر ،وتمكن من العود ،فلم يعد ،بطل اعتكافه؛ لنه ترك العتكاف من
غير عذر ،فأشبه إذا خرج من غير عذر.
ويجور للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير العتكاف؛ لنه لم ينقل عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه
غيّر شيئا من ملبسه .ويجوز أن يتطيب ويتزين؛ لنه لو حرم التطيب عليه لحرم ترجيل الشعر
كالحرام ،وقد روى الشيخان أن عائشة كانت ترجّل شعر رسول ال صلّى ال عليه وسلم في
العتكاف ،فدل على أنه ل يحرم عليه الطيب .ويجوز أن يتزوج ويزوج قياسا على جواز الطيب.
ويجوز دراسة العلم وتدريسه ،لن ذلك كله زيادة خير ،ويجوز أن يأمر بالمر الخفيف في ماله
وضيعته ،ويبيع ويبتاع ،لكنه ل يكثر منه؛ لن المسجد ينزه عن أن يتخذ موضعا للبيع والشراء ،فإن
أكثر من ذلك كره لجل المسجد ،ولم يبطل به العتكاف .ويجوز أن يأكل في المسجد؛ لنه عمل قليل
ل بد منه ،ويجوز أن يضع فيه المائدة؛ لن ذلك أنظف للمسجد ،ويغسل فيه اليد ،وإن غسل في
الطست فهو أحسن.
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس بلفظ «إن ال تجاوز عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
( )3/138
وقال الحنابلة ( : )1المعتكف الذي لزمه تتابع العتكاف كمن نذر شهرا أو أياما متتابعة ونحوه ،لم
يجز له الخروج من المسجد إل لحاجة النسان أو لما ل بد له منه ،أو لصلة الجمعة ،لحديث عائشة
السابق« :السنة للمعتكف أل يخرج إل لما ل بد له منه» كحاجة النسان من بول وغائط وقيء بغتةً
وغسل متنجس يحتاجه ،والطهارة عند الحدث كغسل جنابة ووضوء لحدث؛ لن الجنب يحرم عليه
اللبث في المسجد ،والمحدث ل تصح صلته بدون وضوء.
ويخرج المعتكف ليأتي بمأكول ومشروب يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به .ول يجوز خروجه لجل
أكله وشربه في بيته ،لعدم الحاجة ،لباحة ذلك في المسجد ،ول نقص فيه.
ويخرج للجمعة إن كانت واجبة عليه؛ لنه خروج لواجب فلم يبطل اعتكافه ،كالمعتدة ،أو شرط
الخروج إليها ،وإن لم تكن واجبة ،للشرط ،وله التبكير إليها؛ لنه خروج جائز ،فجاز تعجيله،
كالخروج لحاجة النسان ،وله إطالة المقام بعد الجمعة ،ول يكره لصلحية الموضع للعتكاف.
ويخرج لنفير متعين إن احتيج إليه؛ لن ذلك واجب كالجمعة ،ولشهادة تعيّن عليه أداؤها ،ولخوف من
فتنة على نفسه أو حرمته ،أو ماله نهبا أو حريقا ونحوه كالغرق؛ لنه عذر في ترك الواجب بأصل
الشرع كالجمعة ،ولمرض يتعذر معه المقام ،أو ل يمكنه المقام معه إل بمشقة شديدة ،بأن يحتاج إلى
خدمة فراش ،ول يبطل اعتكافه بخروجه لشيء مما تقدم للحاجة إليه.
ول يجوز له الخروج إن كان المرض خفيفا كصداع وحمى خفيفة ووجع ضرس؛ لنه خروج لما له
منه بد ،فأشبه المبيت ببيته.
-------------------------------
( )1المغني ،210-200 ،196-191/3 :كشاف القناع.420-414/2 :
( )3/139
ول يبطل اعتكافه أيضا إن أكرهه السلطان أو غيره على الخروج من معتكفه ،بأن حمل وأخرج ،أو
هدده قادر بسلطنة ،أو تغلب كلص وقاطع طريق ،فخرج بنفسه؛ لن مثل ذلك يبيح ترك الجمعة
والجماعة ،فهو كالمريض والحائض.
ول يبطل اعتكافه إن خرج من المسجد ناسيا ،للحديث السابق «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه» ،ويبني على اعتكافه إذا زال العذر في كل ما تقدم مما ل يبطل فيه العتكاف.
وتخرج المرأة المعتكفة من المسجد لوجود حيض ونفاس ،فإذا طهرت رجعت إلى المسجد؛ لن اللبث
معهما في المسجد حرام .وتخرج أيضا لعدة وفاة في منزلها ،لوجوبها شرعا كالجمعة ،وهو حق ل
ولدمي ،ل يستدرك إذا ترك ،بخلف العتكاف ،ول يبطل بذلك.
ول تمنع المستحاضة العتكاف؛ لن الستحاضة ل تمنع الصلة ،ويجب عليها أن تتحفظ لئل تلوث
المسجد.
ول يعود المعتكف مريضا ول يشهد جنازة ،ول يجهزها خارج المسجد إل بشرط بأن يشترط ذلك؛ أو
وجوب بأن يتعين ذلك عليه ،لعدم غيره؛ لنه ل بد منه إذن.
وإن شرط الوطء في اعتكافه أو الخروج للفرجة أو النزهة أوالبيع للتجارة ،أو التكسب بالصناعة في
المسجد؛ لم يجز الشرط؛ لن ال تعالى قال{ :ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة:
]187/2فاشتراط ذلك اشتراط لمعصية ال تعالى ،والصناعة في المسجد منهي عنها في غير
العتكاف ،ففي العتكاف أولى ،وسائر ما ذكر يشبه ذلك ،ول حاجة إليه .ول يجوز للمعتكف أن
يتجر أو يتكسب بالصنعة ،إل ما لبد له منه ،للنهي السابق عن البيع والشراء في المسجد.
ول بأس أن يتزوج (يعقد عقد الزواج) في المسجد ،ويشهد النكاح؛ لن العتكاف عبادة ل تحرم
الطيب ،فلم تحرم النكاح كالصوم ،ولن عقد النكاح طاعة ،وحضوره قربة ،ومدته ل تتطاول،
فيتشاغل به عن العتكاف ،فلم يكره فيه ،كتشميت العاطس ورد السلم.
( )3/140
ول بأس أن يتنظف بأنواع التنظيف؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «كان يرجل رأسه وهومعتكف»
وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب ،ولكن ليس ذلك بمستحب.
سفْرة كيل يلوث المسجد ،ويغسل يده في الطست ،ول
ول بأس أن يأكل المعتكف في المسجد ،ويضع ُ
يجوز أن يخرج لغسل يده؛ لن من ذلك بدا.
والخلصة :إن الخروج المباح في العتكاف الواجب أربعة أنواع:
أحدها :ما ل يوجب قضاء ول كفارة :وهو الخروج لحاجة النسان وشبهه مما ل بد منه.
والثاني :ما يوجب قضاء بل كفارة :وهو الخروج للحيض.
والثالث :ما يوجب قضاء وكفارة يمين :وهو الخروج لفتنة خاف منها على نفسه إن قعد في المسجد،
أو على ماله نهبا أو حريقا .فإذا أمن بنى على ما مضى إذا كان نذر أياما معلومة ،وقضى ما ترك،
وكفر كفارة يمين.
والرابع :ما يوجب قضاء ،وفي الكفارة وجهان :وهو الخروج الواجب كالخروج في النفير أو العدة أو
أداء الشهادة ،ففي قول القاضي أبي يعلى :ل كفارة عليه؛ لنه واجب لحق ال تعالى ،فأشبه الخروج
للحيض .وظاهر كلم الخرقي :وجوبها؛ لنه خروج غير معتاد ،فأوجب الكفارة ،كالخروج لفتنة.
( )3/141
( )3/142
«أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان إذا دخل العشر الواخر أحيا الليل ،وأيقظ أهله ،وشد المئزر» (
. )1
ً - 5يندب مكث المعتكف ليلة العيد إذا اتصل اعتكافه بها ،ليخرج منه إلى المصلى ،فيوصل عبادة
بعبادة ،ولما ورد من فضل إحياء هذه الليلة« :من قام ليلتي العيد ،محتسبا ل تعالى ،لم يمت قلبه يوم
تموت القلوب» ( )2أي أن ال يثبّته على اليمان عند النزع وعند سؤال الملكين وسؤال القيامة.
ً - 6يجتنب المعتكف كل مال يعنيه من القوال والفعال ،ول يكثر الكلم؛ لن من كثر كلمه كثر
سقَطه ،وفي الحديث« :من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه» (. )3
َ
ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش ،فإن ذلك مكروه في غير العتكاف،ففيه أولى ،ول يبطل
العتكاف بشيء من ذلك؛ لنه لما لم يبطل بمباح الكلم لم يبطل بمحظور.
ول يتكلم المعتكف إل بخير ،ول بأس بالكلم لحاجته ،ومحادثة غيره ،فإن صفية زوج النبي صلّى ال
عليه وسلم قالت« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم معتكفا ،فأتيته أزوره ليلً ،فحدثته ،ثم قمت،
فانقلبت ،أي رجعت فقام معي ليقلبني ـ وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ـ فمر رجلن من
النصار ،فلما رأيا النبي صلّى ال عليه وسلم أسرعا ،فقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :على
ِرسْلكما ،إنها صفية بنت حيي ،فقال :سبحان ال ،يا رسول ال ،فقال :إن الشيطان يجري من
النسان مجرى الدم ،وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا ،أو قال :شيئا» ( ، )4وقال علي رضي
ال عنه« :أيما رجل اعتكف فل يساب ول يرفث في الحديث ،ويأمر أهله بالحاجة ـ أي وهو يمشي
ـ ول يجلس عندهم» (. )5
ب ـ مكروهات العتكاف :
إن ترك بعض الداب المذكورة مكروه ،وكذلك يكره ما يلي في المذاهب الفقهية:
يكره تحريما عند الحنفية ( : )6إحضار المبيع في المسجد؛ لن المسجد محرر من حقوق العباد ،فل
يجعله كالدكان.
ويكره عقد ما كان للتجارة ،لن المعتكف منقطع إلى ال تعالى ،فل يشتغل بأمور الدنيا.
ويكره الصمت إن اعتقده قربة؛ لنه منهي عنه؛ لنه صوم أهل الكتاب ،وقد نسخ.
ويكره عند المالكية ما يأتي (: )7
ً - 1أن ينقص عن عشرة أيام أو يزيد عن شهر.
-------------------------------
( )1متفق عليه (نيل الوطار.)270/4 :
( )2رواه ابن ماجه عن أبي أمامة.
( )3حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا عن أبي هريرة.
( )4متفق عليه.
( )5رواه المام أحمد.
( )6مراقي الفلح ونور اليضاح :ص ،119الدر المختار 184/2 :ومابعدها.
( )7الشرح الصغير ،774-732/1 :الشرح الكبير 584/1 :ومابعدها.
( )3/143
ً- 2أكله بفناء المسجد أو رحبته التي زيدت لتوسعته ،وإنما يأكل فيه على حدة.
ً - 3أن يعتكف القادر بدون أكل أو شرب أو لباس حتى ليخرج ،فإن اعتكف غير مكفي ،خرج
لقرب مكان لشراء ما يحتاجه ،وإل فسد اعتكافه .ويكره اعتكاف ما ليس عنده ما يكفيه.
ً - 4دخوله بمنزل به أهله (أي زوجته) أثناء خروجه لقضاء حاجة ،لئل يطرأ عليه منهما ما يفسد
اعتكافه.
ً - 5الشتغال بعلم إن كثر ولو شرعيا ،تعليما أوتعلما؛ أو بكتابة وإن كان المكتوب مصحفا؛ لن
المقصود من العتكاف رياضة النفس وصفاء القلب بمراقبة الرب ،وذلك يحصل بالذكر والصلة.
وأجاز العلمة خليل للمعتكف إقراء القرآن على غيره أو سماعه من الغير ،ل على وجه التعليم
والتعلم.
ً - 6الشتغال بكل فعل غير ذكر وتلوة وصلة ،كأن يشتغل بعيادة مريض ،وصلة جنازة ولو
لصقت المعتكف ،وصعود لذان بمنار أو سطح ،وإقامة الصلة ،أما المامة فل بأس بها ،بل
مستحبة ،لنه صلّى ال عليه وسلم كان يعتكف ويصلي إماما.
ً - 7السلم على الغير إن بعد ،وجاز سلمه على من بقربه .ويكره عند الشافعية ( : )1الكثار من
اتخاذ موضع للبيع والشراء ،أو العمل الصناعي ،والحجامة والفصد إن أمن تلويث المسجد ،وإل
حرم.
ويكره عند الحنابلة ( : )2الشتغال بإقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه
-------------------------------
( )1المهذب.194/1 :
( )2المغني ،204/3 :كشاف القناع 422/2 :ومابعدها.
( )3/144
ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه .والخوض فيما ل يعنيه من
جدال ومراء وكثرة كلم ونحوه ،والصمت عن الكلم؛ لنه ليس من شريعة السلم ،لحديث علي:
«ل صمات يوم إلى الليل» ( )1و «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها :زينب ،فرآها ل
تتكلم ،فقال :ما لها ل تتكلم؟ فقالوا :حجت مصمتة ،فقال لها :تكلمي ،فإن هذا ل يحل ،هذا من عمل
الجاهلية ،فتكلمت» (. )2
جـ ـ مبطلت العتكاف:
يبطل العتكاف أو يفسد بما يأتي (: )3
ً - 1الخروج بل عذر شرعي كالخروج للبيع والشراء ،أو لغير حاجة طبيعية التي هي كالبول أو
الغائط ،أو لغير ضرورة التي هي كانهدام المسجد ،على التفصيل المذكور في «ما يلزم المعتكف»
ويبطل العتكاف بالخروج المتعين عند المالكية وإن وجب كالخروج للجهاد المتعين والحبس في
دين.فإن خرج لضرورة كشراء مأكول أو مشروب و لطهارة أو قضاء حاجة أو غسل جنابة ،أو عذر
شرعي كالخروج لصلة الجمعة ،فل يبطل اعتكافه ،من غير زيادة على قدر الضرورة ،وإل بطل.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود بلفظ «ل يتم بعد احتلم ول صمات يوم إلى الليل» وأسند أبو حنيفة عن أبي
هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن صوم الوصال ،وعن صوم الصمت» .
( )2رواه البخاري.
( )3الدر المختار 185/2 :ومابعدها ،مراقي الفلح :ص ،120الشرح الكبير 543/1 :ومابعدها،
القوانين الفقهية :ص ،126الشرح الصغير 737 ،728/1 :ومابعدها ،مغني المحتاج،455-452/1 :
المهذب 193/1 :ومابعدها ،المغني ،200-196/3:كشاف القناع 421-409/2 :ومابعدها.
( )3/145
ً- 2الجماع ،ولو كان عند الجمهور ناسيا أو مكرها ليلً أو نهارا؛ لن الوطء في العتكاف حرام
بالجماع ،لقوله تعالى{ :ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ،تلك حدود ال فل تقربوها}
[البقرة ]187/2:فإن وطئ في الفرج عمدا أفسد اعتكافه بالجماع.
وكذا في غير العمد عند الجمهور؛ لن ما حرم في العتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده
كالخروج من المسجد ،ول كفارة في الوطء عند الحنابلة في ظاهر المذهب ،وفي باقي المذاهب ،لن
العتكاف عبادة ل تجب بأصل الشرع ،فلم تجب بإفسادها كفارة كالنوافل.
وقال الشافعية :الجماع المفسد هو المتعمد مع العلم والختيار ،فل يفسد العتكاف بالجماع ناسيا
أوجاهلً أو مكرها ،كالخروج في هذه الحالت ،ولنها مباشرة ل تفسد الصوم ،فلم تفسد العتكاف
كالمباشرة فيما دون الفرج ،ولعموم قوله صلّى ال عليه وسلم « :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه» .
ً - 3النزال في حال المباشرة بشهوة كالقبلة واللمس والتفخيذ ،بالتفاق ،لعموم قوله تعالى { :ول
تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } [البقرة.]187/2:
أما لو أمنى بالتفكير أو بالنظر ،أو باشر ولم ينزل ،فل يفسد اعتكافه عندالجمهور؛ لنها مباشرة ل
تفسد صوما ول حجا ،فلم تفسد العتكاف ،كالمباشرة لغير شهوة ،لكن الشافعية قيدوا ذلك بما إذا لم
يكن عادة له ،فإن كان ذلك عادة له فيفسد العتكاف.
( )3/146
وقال المالكية :المناء بالفكرأو النظر ،والمباشرة وإن لم ينزل يفسد العتكاف؛ لنها مباشرة محرمة،
فأفسدت العتكاف كما لو أنزل ،ول بأس بالمباشرة لغير شهوة اتفاقا كأن تغسل رأسه أو تناوله شيئا؛
لن «النبي صلّى ال عليه وسلم كان يدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله» (. )1
ً - 4الردة :إذا ارتد المعتكف ،بطل اعتكافه لقوله تعالى{ :لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر:
]65/39ولنه خرج بالردة عن كونه من أهل العتكاف ،ول يقضي عند الجمهور إذا عاد للسلم
ترغيبا له في السلم .ويجب عليه القضاء عند الحنابلة في النذر ،وعليه كفارة يمين في نذر أيام
معينة كالعشر الواخر من رمضان.
ً - 5السكر نهارا ،وكذا ليلً إن تعمده عند الجمهور ،وإن دخل في العتكاف عند الشافعية ،لعدم
أهليته للعبادة ،لكن قيد الشافعية السكر بأن يحصل بسبب تعديه.
ً - 6الغماء والجنون الطويلن :فإذا جن المعتكف أو أغمي عليه أياما بطل اعتكافه عند الجمهور
إذا كان متعديا بالجنون عند الشافعية ،لعدم أهليته للعبادة ،ويحسب عند الشافعية زمن الغماء من
العتكاف ،دون زمن الحيض والنفاس والجنابة والجنون .وقال الحنابلة :ل يبطل العتكاف بالغماء
كما ل يبطل بالنوم ،بجامع بقاء التكليف.
ً -7الحيض والنفاس :فإذا حاضت المرأة أو نفست بطل اعتكافها.
ً - 8الكل عمدا عند المالكية والحنفية مشترطي الصوم ،فإذا أكل المعتكف عمدا بطل اعتكافه ،ول
يبطل بالكل ناسيا.
ً - 9الوقوع في كبيرة كالغيبة والنميمة والقذف يبطل العتكاف عند المالكية في أحد قولين
مشهورين ،ول يبطله عند الجمهور وفي قول مشهور آخر عند المالكية.
-------------------------------
( )1رواه أحمد والشيخان عن عائشة رضي ال عنها
( )3/147
( )3/148
( )3/149
الصفة التي وجبت عليه .وعلى هذا يقطع التتابع السكر والكفر وتعمد الجماع وتعمد الخروج من
المسجد ،ل لقضاء الحاجة ،ول الكل ول الشرب إن تعذر الماء في المسجد ،ول للمرض إن شق لبثه
فيه ،أو خشي تلويثه ،ول الغماء والجنون إذا حصل أحدهما للمعتكف ،ول إن أكره بغير حق على
الخروج ،ول يقطع التتابع الحيض إن لم تسعه مدة الطهر :بأن طالت مدة العتكاف بحيث ل ينفك
عن الحيض غالبا بأن يكون أكثر من خمسة عشر يوما.
ول يقطعه أيضا خروج مؤذن راتب (متخصص) إلى منارة المسجد المنفصلة عنه لكنها قريبة منه
للذان ،للفه صعودها للذان ،وإلف الناس صوته ،ول يقطعه الخروج لقامة حد ثبت عليه بغير
إقراره ،ول لجل عدة ليست بسببها ،ول لجل أداء شهادة تعين عليها تحملها وأداؤها ،للعذر في
جميع ذلك ،بخلف أضداده.
وإن خرج المعتكف من المسجد لغير قضاء الحاجة لزمه استئناف النية ،فإن خرج لها ل يلزمه
استئناف النية.
وقال الحنابلة( : ) 1إن كان العتكاف تطوعا وخرج من المسجد ،لعذر غير معتاد كنفير وشهادة
واجبة ،وخوف من فتنة ومرض ونحوه وطال خروجه ،خيّر بين الرجوع وعدمه ،لعدم وجوبه
بالشروع.
وإن كان العتكاف واجبا وجب عليه الرجوع إلى معتكفه لداء ما وجب عليه .ول يخلو النذر من
ثلثة أحوال بالستقراء:
أحدها ـ نذر اعتكاف أيام غير متتابعة ول معينة ،كنذر عشرة أيام مثلً:
وحكمه أنه يلزمه أن يتم ما بقي عليه من اليام محتسبا بما مضى ،ويبتدئ اليوم الذي خرج فيه من
أوله ،ليكون متتابعا ،ول كفارة عليه؛ لنه أتى المنذور على الوجه المطلوب.
-------------------------------
( )1كشاف القناع .417/2،419،420:
( )3/150
الثاني ـ نذر أيام متتابعة غير معينة ،بأن قال :ل علي أعتكف عشرة متتابعة ،فاعتكف بعضها ،ثم
خرج للعذر السابق ،وطال خروجه .وحكمه :أنه يخير بين البناء على ما مضى ،بأن يقضي ما بقي
من اليام ،وعليه كفارة يمين ،جبرا لفوات التتابع ،وبين الستئناف بل كفارة؛ لنه أتى بالمنذور على
وجهه المطلوب ،فلم يلزمه شيء.
الثالث ـ نذر أيام معينة ،كالعشر الخير من رمضان :وحكمه أن عليه قضاء ما ترك ليأتي بالواجب،
وعليه كفارة يمين ،لفوات المحل المنذور.
وإن خرج المعتكف جميعه ( )1لما له منه بد مختارا عمدا ،أو مكرها بحق كمن عليه دين يمكنه
وفاؤه ولم يفعل ،فأخرج له ،بطل اعتكافه ،وإن قل زمن خروجه لذلك؛ لنه خرج من معتكفه لغير
حاجة ،كما لو طال.
ثم إن كان في نذر متتابع بشرط أو نية :بأن نذر عشرة أيام متتابعة أو نواها كذلك ،ثم خرج لذلك،
استأنف؛ لنه ل يمكنه فعل المنذور على وجهه إل به ،ول كفارة عليه ،لتيانه بالمنذور على وجهه.
وإن كان خرج من معتكفه مكرها بغير حق أو ناسيا ،لم يبطل اعتكافه ويبني على اعتكافه السابق،
لحديث« :عفي لمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
وإن كان المعتكف في نذر معين متتابع كنذر شعبان متتابعا ،أو في نذر معين كشعبان ولم يقيد ه
بالتتابع ،استأنف ،لتضمن نذره التتابع ،وكفر كفارة يمين ،لتركه المنذور في وقته المعين بل عذر.
ويكون القضاء في الكل والستئناف في الكل على صفة الداء فيما يمكن ،فإن كان الول مشروطا
فيه الصوم ،أو في أحد المساجد الثلثة ،أو نحو ذلك ،فإن المقضي أو المستأنف يكون كذلك .أما ما ل
يمكن ،كما لو عين زمنا ومضى ،فإنه ل يمكن تداركه.
-------------------------------
( )1يفهم منه أنه لو خرج بعض جسده لم يبطل اعتكافه،لقول عائشة :كان النبي صلّى ال عليه وسلم
إذا اعتكف يدني رأسه إليَ ،فأرجَله متفق عليه .
( )3/151
( )3/152
احترز به عن «الباحة» فلو أطعم يتيما ناوياالزكاة ،ل يجزيه ،إل إذا دفع إليه المطعوم ،كما لو
كساه ،ولكن بشرط أن يعقل القبض ،إل إذا حكم عليه بنفقة اليتام .وقولهم «جزء مال» خرج المنفعة،
فلو أسكن فقيرا داره سنة ،ناويا الزكاة ،ل يجزيه .والجزء المخصوص :هو المقدار الواجب دفعه،
والمال المخصوص :هو النصاب المقدر شرعا ،والشخص المخصوص :هم مستحقو الزكاة .وقولهم
«عينه الشارع» هو ربع عشر نصاب معين مضى عليه الحول ،فأخرج صدقة النافلة والفطرة.
وقولهم «ل تعالى» أي بقصد مرضاة ال تعالى.
وعرفها الشافعية بأنها اسم لما يخرج عن مال و بدن على وجه مخصوص.
وتعريفها عند الحنابلة هو أنها حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص.
والطائفة :هم الصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالى{ :إنما الصدقات للفقراء والمساكين } ـ
الية[التوبة ]60/9:والوقت المخصوص :هو تمام الحول في الماشية والنقود (الثمان) وعروض
التجارة ،وعند اشتداد الحب في الحبوب ،وعند بدو صلح الثمرة التي تجب فيها الزكاة ،وعند
حصول ما تجب فيه الزكاة من العسل ،واستخراج ما تجب فيه من المعادن ،وعند غروب الشمس من
ليلة الفطر ،لوجوب زكاة الفطر.
وخرج بقوله «واجب» الحق المسنون كابتداء السلم واتباع الجنائز .وبقوله «في مال» رد السلم
ونحوه ،وبقوله «مخصوص» ما يجب في كل الموال كالديون والنفقات ،وبقوله« :لطائفة
مخصوصة» نحو الدية؛ لنها لورثة المقتول ،وبقوله «في وقت مخصوص» نحو النذر والكفارة.
( )3/153
وبه يتبين أن الزكاة أطلقت في عرف الفقهاء على فعل اليتاء نفسه ،أي أداء الحق الواجب في المال،
وأطلقت أيضا على الجزء المقدر من المال الذي فرضه ال حقا للفقراء .وتسمى الزكاة صدقة،
لدللتها على صدق العبد في العبودية وطاعة ال تعالى.
ثانيا ـ حكمة الزكاة:
التفاوت بين الناس في الرزاق والمواهب وتحصيل المكاسب أمر واقع طارئ يحتاج في شرع ال
إلى علج ،قال ال تعالى{ :وال فضل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل]71/16:أي أن ال
تعالى فضل بعضنا على بعض في الرزق ،وأوجب على الغني أن يعطي الفقير حقا واجبا مفروضا،
ل تطوعا ول مِنّة ؛ لقوله تعالى{ :وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات.]19/51:
وفريضة الزكاة أولى الوسائل لعلج ذلك التفاوت ،وتحقيق التكافل أو الضمان الجتماعي في السلم.
فهي أولً ـ تصون المال وتحصنه من تطلع العين وامتداد أيدي الثمين والمجرمين ،قال صلّى ال
عليه وسلم « :حصّنوا أموالكم بالزكاة ،وداووا مرضاكم بالصدقة ،وأعدّوا للبلء الدعاء» (. )1
وهي ثانيا ـ عون للفقراء والمحتاجين ،تأخذ بأيديهم لستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين،
وتساعدهم على ظروف العيش الكريم إن كانوا عاجزين ،فتحمي المجتمع من مرض الفقر ،والدولة
من الرهاق والضعف .والجماعة مسؤولة بالتضامن عن الفقراء وكفايتهم ،فقد روي« :إن ال فرض
على
-------------------------------
( )1رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن مسعود ،ورواه أبو داود مرسلً عن
الحسن ،وهو ضعيف.
( )3/154
أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ،ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أوعروا إل ما
يصنع أغنياؤهم ،أل وإن ال يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما» ( )1وروي أيضا «ويل
للغنياء من الفقراء يوم القيامة ،يقولون :ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم ،فيقول ال تعالى:
وعزتي وجللي لدنينكم ولباعدنهم ،ثم تل صلّى ال عليه وسلم :واللذين في أموالهم حق معلوم
للسائل والمحروم» [المعارج. )2( ]25-24/70:
والمصلحة في أداء الزكاة تعود في النتيجة على أرباب الموال؛ لنهم بأدائها يسهمون في تنمية ودعم
القوة الشرائية للفقراء ،فتنمو بالتالي أموال المزكين ويربحون بكثرة المبادلت.
وهي ثالثا ـ تطهر النفس من داء الشح والبخل ،وتعوّد المؤمن البذل والسخاء ،كيل يقتصر على
الزكاة ،وإنما يساهم بواجبه الجتماعي في رفد الدولة بالعطاء عند الحاجة ،وتجهيز الجيوش ،وصد
العدوان ،وفي إمداد الفقراء إلى حد الكفاية ،إذ عليه أيضا الوفاء بالنذور ،وأداء الكفارات المالية بسبب
(الحنث في اليمين ،والظهار ،والقتل الخطأ ،وانتهاك حرمة شهر رمضان) .وهناك وصايا الخير
والوقاف ،والضاحي وصدقات الفطر ،وصدقات التطوع والهبات ونحوها .وكل ذلك يؤدي إلى
تحقيق أصول التكافل الجتماعي بين الفقراء والغنياء ،ويحقق معاني الخوة والمحبة بين أبناء
المجتمع الواحد ،ويسهم في التقريب بين فئات الناس ،ويحفظ مستوى الكفاية للجميع.
وهي رابعا ـ وجبت شكرا لنعمة المال ،حتى إنها تضاف إليه ،فيقال :زكاة المال ،والضافة للسببية
كصلة الظهر وصوم الشهر وحج البيت.
-------------------------------
( )1رواه الطبراني عن علي ،وهو ضعيف (مجمع الزوائد.)62/3 :
( )2رواه الطبراني عن أنس ،وهو ضعيف أيضا (المصدر السابق).
( )3/155
( )3/156
فإن تاب وإل قتل .ومن أنكر وجوبها جهلً به إما لحداثة عهده بالسلم ،أو لنه نشأ ببادية نائية عن
المصار ،عُرّف وجوبها ول يحكم بكفره؛ لنه معذور.
رابعا ـ عقاب مانع الزكاة:
لمانع الزكاة عقاب في الخرة وعقاب في الدنيا ،أما عقاب الخرة فهو العذاب الليم ،لقوله تعالى:
{والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال ،فبشرهم بعذاب أليم .يوم يحمى عليها في
نار جهنم ،فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ،هذا ما كنزتم لنفسكم ،فذوقوا ما كنتم تكنزون}
[التوبة.]35-34/9:
ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :من آتاه ال مالً ،فلم يؤد زكاته ،مُثّل له شجاعا أقرع ،له زبيبتان،
يطوقه يوم القيامة ،يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ،ثم يقول :أنا مالك أنا كنزك» .ثم تل{ :ول تحسبن
طوّقون ما بخلوا به يوم القيامة،
الذين يبخلون بما آتاهم ال من فضله هو خيرا لهم ،بل هو شر لهم سَ ُي َ
ول ميراث السموات والرض وال بما تعملون خبير} » [آل عمران. )1( ]180/3:
وفي رواية« :مامن صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي منها حقها ـ أي زكاتها ـ إل إذا كان يوم
صفّحت صفائح من نار ،فأحمي عليها في نار جهنم ،فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ،كلما
القيامةُ ،
ردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،حتى يقضى بين العباد ،فيرى سبيله ،إما إلى
الجنة ،وإما إلى النار» .
وأما العقاب الدنيوي للفرد بسبب التقصير والهمال فهو أخذها منه والتعزير والتغريم المالي وأخذ
الحاكم شطر المال قهرا عنه ،قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :من أعطاها
ـ أي الزكاة ـ مؤتجرا فله أجرها ،ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عَزْمة من عزمات ربنا
-------------------------------
( )1رواه أصحاب الكتب الستة إل الترمذي عن أبي هريرة (جمع الفوائد.)376/1 :
( )3/157
( )3/158
ويلحظ أن السبب والشرط يتوقف عليهما وجود الشيء ،إل أن السبب يضاف إليه الوجوب ،دون
الشرط ،فمن لم يملك النصاب ل زكاة عليه ،فل زكاة في الوقاف ،لعدم الملك ،ول فيما أحرزه العدو
في ديارهم؛ لنهم ملكوه بالحراز.
والمقصود بالنصاب :هو ما نصبه الشارع علمة على وجوب الزكاة من المقادير التية في بحث
أموال الزكاة ،كمائتي درهم أوعشرين دينارا.
وبناء عليه ل زكاة على مال اشتراه للتجارة قبل قبضه ،لعدم الملك التام ،ولزكاة باتفاق المذاهب
على الحوائج الصلية من ثياب البدن والمتعة ودور السكنى (العقارات) وأثاث المنزل ،ودواب
الركوب ،وسلح الستعمال ،والكتب العلمية وإن لم تكن لهلها إذا لم ينو بها التجارة ،وآلت
المحترفين؛ لنها مشغولة بالحاجة الصلية ،وليست بنامية أصلً.
ول زكاة عند الحنفية أيضا لعدم النمو في مال مفقود أوضال وجده بعد سنين ،ول في ساقط في بحر
استخرجه بعد سنين ،ول في مغصوب لبينة عليه ،فلو كانت له بينة تجب الزكاة بعد قبضه من
الغاصب لما مضى من السنين ،ول في مدفون ببرية نسي مكانه ثم تذكره ،ول في وديعة منسية عند
غير معارفه ،أي عند الجانب ،فلو كانت منسية عند معارفه تجب الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير
محله .ول في دين جحده المديون سنين ول بينة له عليه ،ثم توافرت له بينة بأن أقر بعدها عند قوم،
ول على ما أخذه مصادرة ،أي ظلما ثم وصل إليه بعد سنين .أما لو كان الدين على مقر مليء أوعلى
معسر أو مفلس (محكوم بإفلسه) أو على جاحد عليه بينة ،فعليه الزكاة على ما مضى ،على المعتمد
في حالة الجاحد ،إن وصل إلى ملكه .ودليل الحنفية على عدم وجوب الزكاة في هذه الحوال :حديث
«ل زكاة في مال الضّمار» ( )1أي ما ل يمكن النتفاع به مع بقاء الملك.
-------------------------------
( )1نسب إلى علي ،وهو غريب ليس بمعروف ،وذكره سبط ابن الجوزي في آثار النصاف عن
عثمان وابن عمر ،ورواه أبو عبيد في الموال عن الحسن البصري ،ورواه مالك عن عمر بن عبد
العزيز ،وفيه انقطاع ،قال مالك :الضمار :المحبوس عن صاحبه .والضمار في اللغة :الغائب الذي ل
يرجى ،وأصله الضمار أي التغييب والخفاء (نصب الراية ،334/2 :رد المحتار.)12/2 :
( )3/159
ول زكاة بالتفاق على ما لم يحل عليه الحول ،أي يمضي عليه سنة ،كما بينت السنة النبوية التي
بيانها في الشروط.
ول زكاة بالتفاق على سائر الجواهر والللئ ونحوها كالياقوت والزبرجد والفيروزج والمرجان ،لعدم
ورود ما يوجبها في الشرع ،ولنها معدة للستعمال ،إل أن تكون للتجارة.
ول زكاة عندالجمهور على المواشي العلوفة والعوامل ،وإنما الزكاة على السائمة ،وأوجب المالكية
الزكاة على المعلوفة والعوامل.
وأما ركن الزكاة :فهو إخراج جزء من النصاب بإنهاء يد المالك عنه ،وتمليكه إلى الفقير وتسليمه إليه
أو إلى من هو نائب عنه وهو المام أو المصدّق (الجابي) (. )1
شروط الزكاة :للزكاة شروط وجوب وشروط صحة ،فتجب بالتفاق على الحر المسلم البالغ العاقل إذا
ملك نصابا ملكا تاما ،وحال عليه الحول ،وتصح بالنية المقارنة للداء اتفاقا.
أما شروط وجوب الزكاة أي فرضيتها ،فهي ما يأتي (: )2
- 1الحرية :فل تجب الزكاة اتفاقا على العبد؛ لنه ل يملك ،والسيد مالك لما في يد عبده ،والمكاتب
ونحوه وإن ملك ،إل أن ملكه ليس تاما .وإنما تجب الزكاة في رأي الجمهور على سيده لنه مالك
لمال عبده ،فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد الشريك المضارب والوكيل .وقال المالكية :ل زكاة
في مال العبد ل على العبد ول على سيده؛ لن ملك العبد ناقص ،والزكاة إنما تجب على تام الملك،
ولن السيد ليملك مال العبد.
-------------------------------
( )1البدائع. 39/2 :
( )2فتح القدير ،486-481/1 :الدر المختار 4/2 :ومابعدها ،13 ،اللباب ،140/1 :بداية المجتهد:
،236/1حاشية الدسوقي ،463 ،459 ،431/1 :القوانين الفقهية :ص 98ومابعدها ،الشرح الصغير:
589/1ومابعدها ،629 ،شرح الرسالة ،317/1 :الم ،125/4 :المهذب 143 ،140/1 :ومابعدها،
المجموع ،299-293/5 :المغني ،628-621/2 :كشاف القناع 239 ،195/2 :ومابعدها283،28 ،
،5حاشية الباجوري.275-270/1 :
( )3/160
- 2السلم :فل زكاة على كافر بالجماع؛ لنها عبادة مطهرة وهو ليس من أهل الطهر.
وأوجب الشافعية خلفا لغيرهم على المرتد زكاة ماله قبل ردته ،أي في حال السلم ،ولتسقط عنه،
خلفا لبي حنيفة فإنه أسقطها عنه ،لنه يصير كالكافر الصلي .وأما زكاة ماله حال الردة ،فالصح
عند الشافعية أن حكمها حكم ماله ،وماله موقوف ،فإن عاد إلى السلم وتبينا بقاء ماله فتجب عليه،
وإل فل.
ولم يوجب الفقهاء على الكافر الصلي الزكاة إل في حالتين:
إحداهما ـ العشور :قال المالكية والحنابلة والشافعية :يؤخذ العشر من تجار أهل الذمة والحربيين إذا
اتجروا إلى بلد من بلد المسلمين من غير بلدهم ،وإن تكرر ذلك مرارا في السنة ،سواء بلغ ما
بأيديهم نصابا أم ل.
ويؤخذ عند المالكية نصف العشر منهم مما حملوا إلى مكة والمدينة وقراهما من القمح والزيت
خاصة.
واشترط أبو حنيفة فيه النصاب ،وقال :إنما يؤخذ من الذمي نصف العشر خاصة ،ومن الحربي
العشر ،على أساس المجازاة أو المعاملة بالمثل.
وقال الشافعي ،ل يؤخذ منهم شيء إل بالشرط ،فإن شرط على الحربي العشر حال أخذه أخذ وإل
فل.
والثانية ـ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد :تضاعف الزكاة على نصارى بني تغلب خاصة ( )1؛
ل بفعل عمر رضي ال عنه.
لنها بديل عن الجزية ،وعم ً
ول يحفظ عن مالك في ذلك نص.
-------------------------------
( )1بنو تغلب :عرب نصارى ،همّ عمر رضي ال عنه أن يضرب عليهم الجزية فأبوا ،وقالوا :نحن
عرب ل نؤدي ما يؤدي العجم ،ولكن خذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض ،يعني الصدقة ،فقال عمر:
ل ،هذه فرض المسلمين ،فقالوا :فزذ ما شئت بهذا السم ،ل باسم الجزية ،ففعل وتراضى هو وهم أن
يضاعف عليهم الصدقة .وفي رواية :هي جزية سموها ماشئتم (رد المحتار.)37/2 :
( )3/161
- 3البلوغ والعقل :شرط عند الحنفية ،فل زكاة على صبي ومجنون في مالهما؛ لنهما غير
مخاطبين بأداء العبادة كالصلة والصوم.
وقال الجمهور :ل يشترطان ،وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ،ويخرجها الولي من مالهما
لحديث «من ولي يتيما له مال فليتجر له ،ول يتركه حتى تأكله الصدقة» وفي رواية« :ابتغوا في مال
اليتامى ،ل تأكلها الزكاة» ( ، )1ولن الزكاة تراد لثواب المزكي ،ومواساة الفقير ،والصبي والمجنون
من أهل الثواب ،ومن أهل المواساة ،ولهذا يجب عليهما نفقة القارب .وهذا الرأي أولى لما فيه من
تحقيق مصلحة الفقراء ،وسد حاجتهم ،وتحصين المال من تطلّع المحتاجين إليه ،وتزكية النفس،
وتدريبها على خلُق المعونة والجود.
- 4كون المال مما تجب فيه الزكاة :وهو خمسة أصناف :النقدان ولو غير مضروبين وما يحل
محلهما من الوراق النقدية ،والمعدن والركاز ،وعروض التجارة ،والزروع والثمار ،والنعام الهلية
السائمة عند الجمهور ،وكذا المعلوفة عند المالكية.
-------------------------------
( )1حديث ضعيف رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،ورواه الشافعي والبيهقي
بإسناد صحيح عن يوسف بن ماهك عن النبي صلّى ال عليه وسلم مرسلً ،ورواه البيهقي عن عمر
موقوفا عليه ،وقال :إسناده صحيح (المجموع ،5/792 :نصب الراية 331/2 :ومابعدها).
( )3/162
ويشترط كون المال ناميا؛ لن معنى الزكاة وهو النماء ل يحصل إل من المال النامي ،وليس
المقصود حقيقة النماء ،وإنما كون المال معدا للستنماء بالتجارة أو بالسوم أي الرعي عند الجمهور؛
لن السامة سبب لحصول الدر والنسل والسمن ،والتجارة سبب لحصول الربح ،فيقام السبب مقام
المسبب.
فل زكاة في الجواهر والللئ والمعادن غير الذهب والفضة ،ول في المتعة وأصول الملك
والعقارات ،ول في الخيل والبغال والحمير والفهود والكلب المعلمة ،والعسل واللبان وآلت
الصناعة وكتب العلم إل أن تكون للتجارة.
وأوجب أبو حنيفة الزكاة في الخيل السائمة للتناسل ،والمفتى به عدم الزكاة فيها ،وأوجبها الحنفية
والحنابلة والظاهرية في العسل ،ولم يوجبها فيه المالكية والشافعية.
- 5كون المال نصابا أو مقدارا بقيمة نصاب :وهو ما نصبه الشرع علمة على توفر الغنى ووجوب
الزكاة من المقادير التية .وسيأتي في بحث أنواع أموال الزكاة بيان النصبة الشرعية ،وخلصتها:
نصاب الذهب عشرون مثقالً أو دينارا ،ونصاب الفضة مائتا درهم ،ونصاب الحبوب ،والثمار بعد
الجفاف عند غير الحنفية خمسة أوسق ( 653كغ) ،وأول نصاب الغنم أربعون شاة ،والبل خمس،
والبقر ثلثون.
- 6الملك التام للمال :واختلف الفقهاء في المراد بالملك ،أهو ملك اليد (الحيازة) أم ملك التصرف أم
أصل الملك؟
( )3/163
فقال الحنفية ( : )1المقصود أصل الملك وملك اليد ( ، )2بأن يكون مملوكا ،فل زكاة في سوائم
الوقف والخيل الموقوفة ،لعدم الملك ،ول تجب الزكاة في المال الذي استوى عليه العدو وأحرزه
بداره؛ لن العداء في رأي الحنفية ملكوه بالحراز ،فزال ملك المسلم عنه ،ول في الزرع النابت في
أرض مباحة لعدم الملك ،ول على المدين الذي في يده مال للغير لعدم الملك ،وإنما زكاة هذا المال
على المالك الصلي .وأيضا أن يكون مملوكا في اليد أي مقبوضا ،فلو ملك شيئا ولم يقبضه ،كصداق
المرأة قبل قبضه ،فل زكاة عليها فيه .ول زكاة في المال الضمار :وهو كل مال غير مقدور النتفاع
به ،مع قيام أصل الملك ،كالحيوان الضال ،والمال المفقود والمال الساقط في البحر ،والمال الذي أخذه
السلطان مصادرة ،والدين المجحود إذا لم يكن للمالك بينة وحال الحول ثم صار له بينة ،بأن أقر عند
الناس ،والمال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك مكانه ،فإن كان مدفونا في البيت تجب فيه
الزكاة بالجماع .وعلى هذا ل زكاة في رأي الحنفية على مايقابل الدين من مال المزكي؛ لن مقدار
الدين هو في الواقع مملوك للدائن ل للمدين.
-------------------------------
( )1البدائع ،9/2 :رد المحتار.5/2 :
( )2اعتبر صاحب الكنز هذا شرطا ،واعتبره صاحب الدرر سببا كما أوضحت ،وقال القرافي :إنه
سبب.
( )3/164
وقال المالكية ( : )1المقصود أصل الملك والقدرة على التصرف فيما ملك ،فل زكاة على المرتهن
فيما تحت يده من شيء غير مملوك له ،لعدم الملك ،ول زكاة في مال مباح لعموم الناس ،كالزرع
النابت وحده في أرض غير مملوكة لحد ،لعدم الملك ،ول زكاة على غير مالك كغاصب ووديع
وملتقط.
وتجب الزكاة على المرأة في صداقها بعد قبضه ومضي حول عليه ،وتجب الزكاة على الواقف في
ملكه إن بلغ نصابا ،أو نقص عن النصاب وكان عند الواقف ما يكمل به النصاب ،إن تولى المالك
القيام به بأن كان النبات تحت يد الواقف يزرعه ويعالجه حتى يثمر ثم يفرقه؛ لن الوقف ل يخرج
العين عندهم عن الملك .وتجب الزكاة في المغصوب والمسروق والمجحود والمدفون في محل
والضال (الضائع) ،وإذا قبضه زكاة لحول واحد ،أما الوديعة إذا مكثت أعواما عند الوديع ،فتزكى
بعد قبضها لكل عام مضى مدة إقامتها عند المين .وتجب الزكاة على المدين في مال النقود الذي بيده
لغيره ،متى مضى حول عليه ،إن كان عنده ما يمكنه أن يوفي الدين منه من عقار أو غيره؛ لنه
بالقدرة على دفع قيمته صار مملوكا له .فإن كان المال الذي عنده حرثا (زرعا أو ثمرا) أو ماشية أو
معدنا ،فتجب عليه زكاته ،ولو لم يكن عنده ما يوفي به الدين.
وقال الشافعية ( : )2المطلوب توافر أصل الملك التام والقدرة على التصرف ،فل زكاة على السيد في
مال المكاتب؛ لنه ل يملك التصرف فيه ،فهو كمال الجنبي ،ول زكاة في الوقاف؛ لنها في الصح
على ملك ال تعالى ،ول على المال المباح لعموم ملك الناس كزرع نبت بفلة وحده ،دون أن يستنبته
أحد؛ لعدم الملك الخاص.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير 484 ،457 ،431/1 :ومابعدها ،الشرح الصغير 622 ،588/1 :ومابعدها.647 ،
( )2المجموع ،318-308/5 :المهذب 141/1 :ومابعدها ،الم .43-42/1
( )3/165
وتجب الزكاة على المستأجر لرض الوقف المأجورة ،مع أجرة الرض ،وعلى الموقوف عليه المعين
في ثمار الشجار الموقوفة من نخل وعنب .وفي الجديد تجب الزكاة في المال المغصوب والضال،
واللقطة في السنة الولى ،والمسروق والساقط في البحر والمال الغائب والشيء المودع بعد عود المال
إلى يد المالك؛ لنه مال مملوك لصاحبه يملك المطالبة به ،ويجبر الغاصب على تسليمه إليه ،كالمال
الذي في يد وكيله.
والصحيح أنه تجب الزكاة على الملتقط إذا مضى عليه حول من حين ملك اللقطة؛ لنه ملك مضى
عليه حول في يد مالكه.
والصح أن الدين ل يمنع وجوب الزكاة؛ لن الزكاة تتعلق بعين المال ،والدين يتعلق بالذمة ،فل يمنع
أحدهما الخر ،كوجود الدين وأرش الجناية .ويؤيده ما رواه مالك في الموطأ :أن عثمان بن عفان
حصُلَ أموالكم،
رضي ال عنه كان يقول« :هذا شهر زكاتكم ،فمن كان عليه دين ،فليؤدّ زكاته ،حتى ت ْ
فتؤدون منه الزكاة» .
ويجب على المرأة زكاة صداقها وتخرجها بعد قبضه؛ لنه في يد زوجها قبيل الدين.
وعلى المدين زكاة المال الذي استدانه من غيره :إذا حال عليه الحول وهو في ملكه؛ لنه ملكه
بالستقراض ملكا تاما.
وقال الحنابلة ( : )1ل بد من توافر أصل الملك والقدرة على التصرف حسب اختياره .فل تجب
الزكاة في الموقوف على غير معين كالمساجد والمدارس والمساكين
-------------------------------
( )1المغني.53-48/3 :
( )3/166
ونحوها ،وتجب الزكاة في الموقوف على معين كأرض أو شجر .وتجب على الراجح في المغصوب
والمسروق والمجحود والضال إذا قبضه كالدين .وتجب في اللقطة على الملتقط إذ صارت بعد الحول
كسائر أمواله ،إذا مضى عليها حول بعد تعريفها .والمرأة إذا قبضت صداقها زكته لما مضى؛ لنه
دين ،وحكمه كزكاة الديون على مامضى ،فإن قبضت صداقها قبل الدخول ومضى عليه حول ،فزكته،
ثم طلقها الزوج قبل الدخول ،رجع فيها بنصفه ،وكانت الزكاة من النصف الباقي لها.
حوَلن حول قمري على ملك النصاب :لقوله صلّى ال عليه وسلم « :لزكاة في
- 7مضي عام أو َ
مال حتى يحول عليه الحول» ( )1ولجماع التابعين والفقهاء .وحول الزكاة قمري ل شمسي بالتفاق
كباقي أحكام السلم من صوم وحج .ولفقهاء المذاهب آراء متقاربة في حولن الحول.
فقال الحنفية ( : )2يشترط كون النصاب كاملً في طرفي الحول ،سواء بقي في أثنائه كاملً أم ل،
فإذا ملك إنسان نصابا في بدء الحول ،ثم استمر كاملً لنهاية الحول ،من غير أن ينقطع تماما في
الثناء ،أو يذهب كله في أثناء العام ،وجبت الزكاة ،وتجب أيضا إن نقص في أثناء الحول ،ثم تم في
آخره؛ فنقصان النصاب في الحول ل يضر إن كمل في طرفيه.
والمستفاد ولو بهبة أو إرث في وسط الحول يضم إلى أصل المال ،وتجب فيه الزكاة؛ لنه يعسر
مراعاة وضبط الحول لكل مستفاد ،وفي ذلك حرج ل سيما إذا كان النصاب دراهم وهو صاحب غلة
يستفيد كل يوم درهما أو درهمين ،والحول ما شرط إل تيسيرا للمزكي.
-------------------------------
( )1روي من حديث علي عند أبي داود وهو حسن ،ومن حديث ابن عمر وأنس عند الدارقطني وهو
إما ضعيف أو موقوف ،ومن حديث عائشة عند ابن ماجه وهو ضعيف (نصب الراية328/2 :
ومابعدها).
( )2مراقي الفلح :ص ،121الدر المختار ،31/2،72 :فتح القدير ،510/1 :البدائع51/2 :
( )3/167
وحولن الحول شرط في غير زكاة الزرع والثمار ،أما فيهما فتجب الزكاة عند ظهور الثمرة والمن
عليها من الفساد إذا بلغت حدا ينتفع بها ،وإن لم يستحق الحصاد.
وقال المالكية ( : )1حولن الحول شرط في العين (الذهب والفضة) والتجارة ،والنعام ،وليس بشرط
في المعدن والركاز والحرث (( )2الزرع والثمار) ،وإنما تجب في ذلك بطيبه ( )3ولو لم يحل
الحول.
أما المال المستفاد في أثناء الحول غير ماتجدد من الحيوان :فإن كان من هبة أو ميراث ،أو من بيع
أو غير ذلك ،لم تجب عليه زكاة حتى يحول عليه الحول .وإن كان ربح مال أو تجارة ،زكاة لحول
أصله ،سواء أكان الصل نصابا ،أم دونه إذا أتم نصابا بربحه؛ لن ربح المال مضموم إلى أصله،
فإذا نقص النصاب من الذهب أو الفضة في أثناء الحول ثم ربح فيه أو اتجر فربح ،وجبت الزكاة،
وخلصة القاعدة عندهم :أن حول ربح المال حول أصله ،وكذلك حول نسل النعام حول المهات.
ويشترط أيضا مجيء الساعي مع الحول في الماشية ،فل تجب الزكاة فيها قبل مجيئه.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،101 ،99الشرح الصغير ،590/1 :بداية المجتهد ،263-261/1 :شرح
الرسالة.326/1 :
( )2سمي حرثا :لنه تحرث الرض لجله غالبا ،والحرث :الحبوب وذوات الزيوت الربع ،والتمر
والزبيب.
( )3تجب الزكاة بإفراك الحب :وهو طيبه وبلوغه حد الكل منه واستغناؤه عن السقي ل باليبس
والحصاد ول بالتصفية ،وطيب الثمر:هو الزهو في بلح النخل ،وظهور الحلوة في العنب (الشرح
الصغير )615/1 :هذا ما ذكره الدردير ،وجاء في الرسالة ( )318/1أن الوجوب يتعلق بيوم الحصاد
والجداد وهو المشهور.
( )3/168
وقال الشافعية ( : )1مثل المالكية :حولن الحول شرط في زكاة الثمان (النقود) وعروض التجارة
والماشية ،وليس بشرط في الثمار والزرع والمعادن والركاز .ويشترط مضي حول كامل متوال ،فلو
نقص النصاب في أثناء الحول ولو لحظة لم تجب الزكاة إل في نتاج الماشية ،فيتبع المهات في
الحول وإل في ربح التجارة فيزكى على حول أصله إذا كان الصل نصابا ،فمتى تخلل زوال الملك
أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها كالبيع والهبة ،استأنف الحول ،وإذا كان النصاب كاملً في بدء الحول
ثم نقص في أثنائه ،ثم كمل بعد ذلك ،لم تجب الزكاة إل مضي حول كامل من يوم التمام.
وأما المستفاد في أثناء الحول بالبيع أو الهبة أو الرث أوالوقت ونحوها مما يستفاد ل من نفس المال،
فله حول جديد مستقل عن الصل أي في غير النتاج وربح التجارة كما تقدم ،فيستأنف له الحول لتجدد
الملك ،ول يجمع إلى ما عنده في الحول.
ويكره ،وقيل :يحرم وعليه كثيرون أن يزيل ملكه عما تجب الزكاة في عينه بقصد رفع وجوب
الزكاة؛ لنه فرار من القربة.
وقال الحنابلة ( : )2يشترط حولن الحول في زكاة الثمان (الذهب والفضة) والمواشي وعروض
التجارة ،وليشترط في غيرها من الثمار والزروع والمعادن والركاز .والمعتبر وجود النصاب في
جميع الحول ،ول يضر النقص اليسير كنصف يوم أو ساعات .فلو نقص النصاب في أثناء الحول
وجب بدء حول جديد إل في النتاج وأرباح التجارة ،فإنها تضم إلى أصلها؛ هأنها تبع له ومتولدة منه،
والرباح تكثر وتتكرر في اليام والساعات ،ويعسر ضبطها ،وكذلك النتاج ،وقد يوجد ول يشعر به،
فالمشقة أتم لكثرة تكرره.
-------------------------------
( )1المهذب ،143/1 :المجموع 328/5 :ومابعدها ،الحضرمية :ص .99
( )2المغني.629-625/2 :
( )3/169
أما المستفاد في أثناء الحول من غير ربح مال التجارة ونتاج السائمة بالبيع أو الهبة أو الميراث أو
الغتنام ونحو ذلك ،فله حول مستقل ،ل تجب زكاته إل بمضي حول تام عليه ،لنه يندر ول يتكرر،
فل يشق ضبط حول له ،فإن شق فهو دون المشقة في النتاج والرباح ،فيمتنع قياسه عليها.
والخلصة :إن حولن الحول شرط متفق عليه ،وأن نتاج الماشية وأرباح التجارة تضم إلى أصل
النصاب بالتفاق ،أما المستفاد في أثناء الحول من جنس المال غير النتاج والرباح فيضم إليه ويزكى
معه عند الحنفية ،تيسيرا على المزكي ،ودفعا للمشقة والعسر عنه ،إذ يعسر حساب الحول لكل
مستفاد ،والحول ما شرط إل تيسيرا على الناس في إخراج الزكاة.
ويحسب لكل مستفاد حول جديد عند الجمهور ،لنه مقتضى العدل ،ولتجدد الملك ،فيشترط له الحول
كالمستفاد من غير جنس المال الصلي الذي بدئ به النصاب ،ولحديث« :من استفاد مالً فل زكاة فيه
حتى يحول عليه الحول» (. )1
- 8عدم الدين :شرط عند الحنفية في زكاة ماعدا الحرث (الزروع والثمار) ،وعند الحنابلة في كل
الموال ،وعند المالكية في زكاة العين (الذهب والفضة) دون زكاة الحرث والماشية والمعادن .وليس
بشرط عند الشافعية ( . )2وتفصيل الراء فيما يأتي:
قال الحنفية :الدين الذي له مطالب من جهة العباد يمنع وجوب الزكاة سواء أكان ل كزكاة وخراج
(ضريبة الرض) ،أم كان لنسان ،ولو دين كفالة؛ لن للدائن المكفول له أخذ الدين من أيهم شاء من
المدين أو الكفيل ،ولو دينا مؤجلً ،ولو صداق زوجته المؤجل للفراق ،أو كان نفقة لزمته بقضاء
القاضي أو بالتراضي.
أما الدين الذي ليس له مطالب من جهة العباد كدين النذر والكفارة والحج ،فل يمنع وجوب الزكاة.
-------------------------------
( )1حديث موقوف على ابن عمر ،رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي ( نصب الراية.)330/2 :
( )2الدر المختار 6/2 :ومابعدها،الشرح الصغير ،649-647/1 :القوانين الفقهية :ص ،99المهذب:
،142/1المجموع 313/5 :ومابعدها ،المغني 41/3 :ومابعدها.
( )3/170
ول يمنع الدين وجوب العشر (زكاة الزروع والثمار) والخراج ،والكفارة ،أي أن الدين ل يمنع وجوب
التكفير بالمال على الصح.
وقال الحنابلة :الدين يمنع وجوب الزكاة في الموال الباطنة وهي الثمان (النقود) وعروض التجارة،
لقول عثمان بن عفان« :هذا شهر زكاتكم ،فمن كان عليه دين ،فليؤده ،حتى تخرجوا زكاة أموالكم» (
)1وفي رواية« :فمن كان عليه دين ،فليقض دينه ،وليترك بقية ماله» قال ذلك بمحضر من الصحابة،
فلم ينكروه ،فدل على اتفاقهم عليه.
وكذلك يمنع الدين الزكاة في الموال الظاهرة :وهي النعام السائمة والحبوب والثمار ،فيبتدئ بالدين
فيقضيه ،ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة ،فيزكي ما بقي ،لما ذكر في الموال الباطنة.
ويمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ،ول يجد ما يقضيه سوى النصاب ،أو ما ل
يستغني عنه ،مثل أن يكون عليه عشرون مثقالً ،وعليه مثقال أو أكثر أو أقل مما ينقص به النصاب
إذا قضاه به ،ول يجد قضاء له من غير النصاب .فإن كان له ثلثون مثقالً وعليه عشرة ،فعليه زكاة
العشرين ،وإن كان عليه أكثر من عشرة ،فل زكاة عليه ،أي أن مقدار الدين ل يمنع الزكاة إذا زاد
ماله عن الدين ،فإن كان الدين مساويا نصاب الزكاة أو ينقصه ،فهذا هو الذي يمنع الزكاة.
وقال المالكية :الدين يسقط زكاة العين (الذهب والفضة) إذا لم يكن عروض تفي به ،ولو كان الدين
مؤجلً ،أو كان مهرا عليه لمرأته ،أو مؤخرا،أو مقدما ،أو نفقة متجمدة عليه لزوجة أو أب أو ابن،
أو دين زكاة عليه ،ل دين كفارة ليمين أو ظهار أو صوم ،ول دين هدي وجب عليه في حج أو
عمرة ،فل يسقطان زكاة العين.
-------------------------------
( )1رواه أبو عبيد في الموال.
( )3/171
فإن كانت له عروض تفي بدينه ،لم تسقط الزكاة عنه ،ويجعل ذلك في نظير الدين الذي عليه ،ويزكي
ما عليه من العين.
ول تسقط عنه الزكاة إل بشرطين:
أولهما ـ إن حال حول العرض عنده:
والثاني ـ أن يكون العرض مما يباع على المفلس ،كثياب ونحاس وماشية ولو دابة ركوب أو ثياب
جمعة أو كتب فقه ،فإن كان ثوب جسده أو دار سكناه فل يباع ،إل أن يكون ذلك فاضلً عن حاجته
الضرورية .وتعتبر قيمة العرض وقت وجوب الزكاة آخر الحول .وإن كان له دين مرجو الحصول
ولو مؤجلً ،فإنه يجعله فيما عليه ،ويزكي ماعنده من العين .أما إن كان غير مرجو ،كما لو كان على
معسر أو ظالم ل تناله الحكام فل يجعل بدلً عن الدين الواجب عليه.
ول يسقط الدين زكاة الحرث (الزرع والثمر) والماشية والمعدن؛ لن الزكاة تجب في أعيانها.
ولو وُهب الدين للمدين أو أبرأه الدائن (صاحب الدين) منه ،فل زكاة في الموهوب حتى يحول عليه
الحول في يد الموهوب له؛ لن الهبة إنشاء لملك النصاب الذي بيده ،فل تجب الزكاة فيه إل إذا
استأنف حولً من الهبة.
وقال الشافعي في الجديد :الدين الذي يستغرق أموال الزكاة أو ينقص المال عن النصاب ل يمنع
وجوب الزكاة ،فتجب الزكاة على مالك المال؛ لن الزكاة تتعلق بالعين ،والدين يتعلق بالذمة ،فل يمنع
أحدهما الخر كالدين وأرش الجناية.
( )3/172
- 9الزيادة عن الحاجات الصلية :اشترط الحنفية ( )1كون المال الواجب فيه الزكاة فارغا عن
الدين وعن الحاجة الصلية لمالكه؛ لن المشغول بها كالمعدوم ،وفسر ابن ملك الحاجة الصلية :بأنها
ما يدفع الهلك عن النسان تحقيقا كالنفقة ودار السكنى وآلت الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع
الحر أو البرد ،أو تقديرا كالدين ،فإن المديون محتاج إلى قضاء دينه بما في يده من النصاب ،دفعا
عن نفسه الحبس الذي هو كالهلك ،وكآلت الحرفة وأثاث المنزل ،ودواب الركوب وكتب العلم
لهلها؛ فإن الجهل عندهم كالهلك ،فإذا كانت له دراهم مستحقة بصرفها إلى تلك الحوائج ،صارت
كالمعدومة ،كما أن الماء المستحق صرفه إلى العطش ،كان كالمعدوم ،وجاز عنده التيمم.
شروط صحة أداء الزكاة:
- ً 1النية :اتفق الفقهاء ( )2على أن النية شرط في أداء الزكاة ،تمييزا لها عن الكفارات وبقية
الصدقات ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :إنما العمال بالنيات» وأداؤها عمل ،ولنها عبادة
كالصلة فتحتاج إلى نية لتمييز الفرض عن النفل .وللفقهاء تفصيلت في النية.
قال الحنفية :ل يجوز أداء الزكاة إل بنية مقارنة للداء إلى الفقير ،ولو حكما ،كما لو دفع بل نية ثم
نوى ،والمال في يد الفقير ،أو نوى عند الدفع للوكيل ،ثم دفع الوكيل بل نية ،أو مقارنة لعزل مقدار
الواجب؛ لن الزكاة عبادة ،فكان من شرطها النية ،والصل فيها القتران بالداء ،إل أن الدفع للفقراء
يتفرق فاكتفي بوجودها حالة العزل ،تيسيرا على المزكي ،كتقديم النية في الصوم .فلو عزل الزكاة ثم
ضاعت أو سرقت أو تلفت ،لم تسقط عنه ،ويغرم بدلها؛ لنه يمكن إخراج الزكاة من بقية المال ،ولو
مات ورثت عنه وأخرجت.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار8-7/2 :
( )2فتح القدير ،493/1 :الدر المختار ،15-14 ،4/2 :البدائع ،40/2 :الكتاب 140/1 :ومابعدها،
القوانين الفقهية :ص ،99المهذب ،170/1 :المجموع 182/6 :ومابعدها ،الحضرمية :ص ،150
المغني 638/2 :ومابعدها ،الشرح الصغير 666/1 :ومابعدها 670 ،ومابعدها.
( )3/173
ومن تصدق بجميع ماله ،ل ينوي الزكاة ،سقط فرضها عنه استحسانا ،بشرط أل ينوي بها واجبا آخر
من نذر أوغيره؛ لن الواجب جزء منه ،فكان متعينا فيه ،فل حاجة إلى التعيين ،وعلى هذا لو كان له
دين على فقير ،فأبرأه عنه ،سقط زكاة المبلغ المبرأ عنه ،سواء نوى به عن الزكاة أو لم ينو ،لنه
كالهلك.
ولو تصدق ببعض النصاب لم تسقط زكاة ما تصدق به عند أبي يوسف وهو المختار عند صاحب
الهداية ،فتجب زكاته وزكاة الباقي؛ لن البعض المؤدى لم يتعين لداء الواجب .وقال محمد :تسقط
زكاة الجزء المؤدى ،كما في حالة التصدق بكل المال ،للتيقن بإخراج الجزء الذي هو الزكاة.
وقال المالكية :تشترط النية لداء الزكاة عند الدفع ،ويكفي عند عزلها ،والصحيح أنها تجزئ من
دفعها كرها عنه كالصبي والمجنون ،وتجزئ نية المام أو من يقوم مقامه عن نية المزكي.
وقال الشافعية :تجب النية بالقلب ،ول يشترط النطق بها ،فينوي« :هذا زكاة مالي» ولو بدون ذكر
الفرض؛ لن الزكاة ل تكون إل فرضا ،ونحو ذلك ،كهذا فرض صدقة مالي أو صدقة مالي
المفروضة ،أو الصدقة المفروضة ،أو فرض الصدقة.
( )3/174
ويجوز تقديم النية على الدفع بشرط أن تقارن عزل الزكاة ،أو إعطاءها للوكيل أو بعده ،وقبل التفرقة،
كما تجزئ بعد العزل وقبل التفرقة وإن لم تقارن أحدهما ،ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها
بأن يكون مسلما مكلفا لن الزكاة حق مالي ،ويجوز التوكيل في أداء الحقوق المالية ،كالتوكيل في دفع
الديون والثمان ،وإعادة الودائع والعواري إلى أصحابها ،أما نحو الصبي والكافر فيجوز توكيله في
أدائها ،لكن بشرط أن يعين له المدفوع إليه .وتجب نية الولي في زكاة الصبي والمجنون والسفيه وإل
ضمنها لتقصيره .ولو دفعها المزكي للمام بل نية لم تجزئه نية المام في الظهر .وإذا أخذت قهرا
من المزكي نوى عند الخذ منه ،وإل وجب على الخذ النية.
فإذا لم تتوافر النية عند دفع الزكاة ،لم تفد نية المام الذي جباها ،ول يعتبر المال المدفوع للفقراء
مجزئا عن الزكاة ،وإنما هو صدقة عادية .وكذلك قال الحنابلة :النية أن يعتقد أنها زكاته ،أو زكاة ما
يخرج عنه كالصبي والمجنون ،ومحلها القلب؛ لن محل العتقادات كلها القلب .ويجوز تقديم النية
على الداء بالزمن اليسير كسائر العبادات ،وإن دفع الزكاة إلى وكيله ونوى هو دون الوكيل ،جاز،
إذا لم تتقدم نيته الدفع بزمن طويل .فإن تقدمت النية بزمن طويل لم يجز ،إل إذا نوى حال الدفع إلى
الوكيل ،ونوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق.
لكن إن أخذ المام الزكاة قهرا أجزأت من غير نية؛ لن تعذر النية في حقه أسقط وجوبها عنه
كالصغير والمجنون.
ولو تصدق النسان بجميع ماله تطوعا ،ولم ينو به الزكاة ،لم يجزئه عند الجمهور غير الحنفية؛ لنه
لم ينو به الفرض ،كما لو تصدق ببعضه ،وكما لو صلى مئة ركعة ،ولم ينو الفرض بها .وقال
الحنفية :تسقط عنه الزكاة استحسانا خلفا للقياس.
( )3/175
- 2التمليك :يشترط التمليك لصحة أداء الزكاة ( )1بأن تعطى للمستحقين ،فل يكفي فيها الباحة أو
الطعام إل بطريق التمليك ،ول تصرف عند الحنفية إلى مجنون وصبي غير مراهق (مميز) إل إذا
قبض لهما من يجوز له قبضه كالب والوصي وغيرهما .وذلك لقوله تعالى{ :وآتوا الزكاة} [البقرة:
]43/2واليتاء هو التمليك ،وسمى ال تعالى الزكاة صدقة بقوله عز وجل{ :إنما الصدقات للفقراء}
[التوبة ]60/9:والتصدق تمليك ،واللم في كلمة «للفقراء» ـ كما قال الشافعية ـ لم التمليك ،كما
يقال« :هذا المال لزيد» .
واشترط المالكية ( )2لداء الزكاة شروطا ثلثة أخرى:
- 1إخراجها بعد وجوبها بالحول أو الطيب أو مجيء الساعي ،فإن أخرجها قبل وقتها ،لم تجزه
خلفا لجمهور الفقهاء .وتأخيرها بعد وقتها مع التمكن من إخراجها سبب للضمان والعصيان.
- 2دفعها لمن يستحقها ل لغيره.
- 3كونها من عين ما وجبت فيه.
-------------------------------
( )1البدائع ،39/2 :الدر المختار ،85/2 :أحكام القرآن لبن العربي ،947/2 :المهذب،171/1 :
المغني.667-665/2 :
( )2شرح الرسالة ،317/1 :القوانين الفقهية :ص .99
( )3/176
( )3/177
( )3/178
( )3/179
- 2وقال الظاهرية والمالكية( : ) 1ل يجوز إخراج الزكاة قبل الحول؛ لنها عبادة تشبه الصلة ،فلم
يجز إخراجها قبل الوقت ( ، )2ولن الحول أحد شرطي الزكاة ،فلم يجز تقديم الزكاة عليه،
كالنصاب.
المبحث الرابع ـ هلك المال بعد وجوب الزكاة:
للفقهاء رأيان في سقوط الزكاة بعد وجوبها وهلك المال:
- 1فقال الحنفية ( : )3إن هلك المال بعد وجوب الزكاة ،سقطت الزكاة؛ كما أنه يسقط العشر
وخراج المقاسمة؛ لن الواجب جزء من النصاب ،وتحقيقا للتيسير ،فإن الزكاة وجبت بقدرة مُيسّرة أي
بقاء اليسر إلى وقت أداء الزكاة ،فيسقط الواجب بهلك محله ،سواء تمكن من الداء أم ل؛ لن الشرع
علق الوجوب بقدرة ميسرة ،والمعلق بقدرة ميسرة ل يبقى بدونها ،والقدرة الميسرة هنا هي وصف
النماء ،ل النصاب.
ول تسقط الزكاة بالستهلك ،وإن انتفت القدرة الميسرة ،لوجود التعدي.
وإن هلك البعض يسقط بقدر الهالك اعتبارا للبعض بالكل.
أما زكاة الفطر ومثلها مال الحج :فل تسقط بهلك المال بعد الوجوب ،كما ل يبطل الزواج بموت
الشهود.
وسبب التفرقة أن الزكاة تتعلق بالنماء ،فشرطت له القدرة الميسرة (وهي ما يوجب يسر الداء على
العبد) تيسيرا على الناس إذ النسان إنما يخاطب بأداء ما يقدر عليه ،ويجوز أل يكون له مال سواه،
أما الفطرة ومثلها مال الحج فلم تتعلق بالنماء وإنما تجب في الذمة فشرطت له القدرة الممكّنة (وهي
ما يشترط للتمكن من الفعل وإحداثه).
ويلحظ أن هلك المال بعد القراض والعارة واستبدال مال التجارة بمال التجارة :هلك ،فل
يضمن الزكاة ،وأما استبدال مال التجارة بغير مال التجارة واستبدال الماشية السائمة بالسائمة فهو
استهلك ،فيضمن زكاته.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،266/1 :الشرح الكبير ،431/1 :القوانين الفقهية :ص ،99نيل الوطار.151/4 :
( )2احتج ابن قدامة لهم بحديث أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :ل تؤدي زكاة قبل حلول الحول»
.
( )3فتح القدير ،516-514/1 :الدر المختار 28/2 :ومابعدها 100 ،ومابعدها ،البدائع.15/2 :
( )3/180
- 2قال الجمهور ( : )1إن هلك المال بعد وجوب الزكاة لم تسقط الزكاة ،وإنما يضمنها ،فيكون
إمكان الداء شرطا في الضمان ل في الوجوب؛ لن من تقرر عليه الواجب ل يبرأ عنه بالعجز عن
الداء كما في صدقة الفطر والحج وديون الناس ،والزكاة حق متعين على رب المال ،فإن تلف قبل
وصوله إلى مستحقه لم يبرأ منه بذلك ،كدين الدمي .ولو عزل قدر الزكاة ،فنوى أنه زكاة فتلف ،فهو
في ضمان رب المال ،ول تسقط الزكاة عنه بذلك ،سواء قدر على أن يدفعها إليه أو لم يقدر.
واستثنى المالكية زكاة الماشية؛ لن وجوبها عندهم إنما يتم بشرط خروج الساعي ،مع الحول ،فإن
تلفت فل تضمن زكاتها.
هذا وقد ذكر ابن رشد خمسة أقوال فيما إذا أخرج الزكاة فضاعت كأن تسرق أو تحترق :وهي قول:
إنه ل يضمن بإطلق ،وقول :إنه يضمن بإطلق ،وقول :وما بعدها .إن فرط ضمن وإن لم يفرط لم
يضمن ،وهو مشهور مذهب مالك ،وقول :إن فرط ضمن ،وإن لم يفرط زكى ما بقي ،وبه قال أبو
ثور والشافعي.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،241/1 :المهذب ،144/1 :القوانين الفقهية :ص ،99المغني685/2 :
( )3/181
والقول الخامس :يعد الذاهب من الجميع و يكون المساكين ورب المال شريكين في الباقي بقدر حظهما
من حظ رب المال (. )1
المبحث الخامس ـ أنواع الموال التي تجب فيها الزكاة:
تجب الزكاة في أنواع خمسة من المال وهي:
النقود ،والمعادن والركاز ،وعروض التجارة ،والزروع والثمار ،والنعام وهي البل والبقر والغنم.
وأوجب أبو حنيفة خلفا لصاحبيه الزكاة في الخيل والمفتى به هو رأيهما ،وبحثها في المطالب الستة
التية:
المطلب الول ـ زكاة النقود (الذهب والفضة والورق النقدي):
اتفق الفقهاء ( )2على وجوب الزكاة في النقود سواء أكانت سبائك أم مضروبة أم آنية ،أم كانت حليا
عند الحنفية ،للدلة السابقة من الكتاب والسنة والجماع في وجوب الزكاة مطلقا ،ونبحث هنا ما يأتي:
أولً ـ نصابها والمقدار الواجب فيها:
نصاب الذهب :عشرون مثقالً ( )3أو دينارا ( ، )4كانت تعادل أربع عشرة ليرة ذهبية عثمانية
تقريبا ،أو خمس عشرة ليرة ذهبية افرنسية ،واثنتي عشرة ليرة إنكليزية ( )5وتساوي بالمثقال العراقي
مئة غرام تقريبا وبالمثقال العجمي ستة وتسعين غراما ،وعند الجمهور 91و 25/23غراما.
والفرق بين نوعي المثقال ( )2،0إذ المثقال العجمي ( 8،4غم) والمثقال العراقي ( 5غرامات)،
ولنعتمد على القل من باب الحتياط،وهو التقدير بـ 85غراما باعتبار الدرهم العربي ( 2.975غم)
وهو الولى.
ونصاب الفضة :مئتا درهم تساوي عند الحنفية ( )700غراما تقريبا ،وعند الجمهور ( )642غراما
تقريبا ( ، )6والدق ( 595غم).
ويضم عند الجمهور (غير الشافعية ) أحد النقدين إلى الخر في تكميل النصاب ،فيضم الذهب إلى
الفضة وبالعكس بالقيمة ،فمن له مئة درهم وخمسة مثاقيل قيمتها مئة ،عليه زكاتها؛ لن مقاصدها
وزكاتهما متفقة ،فهما كنوعي الجنس الواحد .
وقال الشافعية :ل يضم أحدهما إلى الخر كالبل والبقر ،وإنما يكمل النوع
-------------------------------
( )1بداية المجتهد.240/1 :
( )2فتح القدير ،525-519/1 :الدر المختار ،46-38/2 :اللباب 148/1 :ومابعدها ،الشرح الصغير:
،620/1القوانين الفقهية :ص ،100مغني المحتاج 389/1 :ومابعدها ،المهذب 157/1 :ومابعدها،
المغني ،16-1/3 :كشاف القناع ،275-266/2 :شرح الرسالة 322/1 :ومابعدها.
( )3المثقال عند الحنفية يساوي خمسة غرامات ،وحدده بنك فيصل السلمي في السودان بـ 457،4
غم ،وهو الوسط المعقول ،أو 25،4غم.
( )4يلحظ أن الدينار عند الحنابلة أصغر من المثقال فيكون النصاب:
ـــــــــ +ــــــــــ 25دينار.
( )5الليرة النكليزية 50،2:درهم ،والليرة العثمانية 25،2درهم ،والليرة الفرنسية 2درهم.
( )6كانت المئتا درهم وزن سبعة مثاقيل ،والدينار عشرون قيراطا ،والقيراط خمس شعيرات ،فيكون
الدرهم الشرعي سبعين شعيرة والمثقال مئة شعيرة ،وهناك مطابقة بين المثقال والدينار ،والدرهم
الشرعي عند الحنفية ( 50،3غم) وعند الجمهور ( 208،3غم) والدرهم العربي ( 975،2غم).
( )3/182
بالنوع من الجنس الواحد وإن اختلفا جودة ورداءة ،والرأي الول هو الواجب التباع اليوم في
العملت الورقية ،وضم نوع منها إلى آخر أصبح ضروريا ومتعينا.
سعر الصرف :يجب تقدير نصاب الزكاة في كل زمان بحسب القوة الشرائية للنقد المعاصر ،وبحسب
سعر الصرف لكل من الذهب والفضة في كل سنة وفي بلد المزكي وقت إخراج الزكاة ،فقد أصبح
متقلبا غير ثابت دائما ،والشرع حدد مبلغين متعادلين :إما عشرون دينارا (مثقالً) أو مئتا درهم ،وكانا
شيئا واحدا ولهما سعر واحد.
ويجب أيضا اعتبار النصاب الحالي كما كان هو المقرر في أصل الشرع ،دون النظر إلى تفاوت
السعر القائم الن بين الذهب والفضة .وتقدر الوراق النقدية في الرجح دليلً بسعر الذهب؛ لنه هو
الصل في التعامل ،ولن غطاء النقود هو بالذهب ،ولن المثقال كان في زمن النبي صلّى ال عليه
وسلم وعند أهل مكة هو أساس العملة ( ، )1وهو أساس تقدير الديات .ويسأل الصراف عن سعر
الذهب بالعملة المحلية الرائجة في كل بلد ،مثلً يعادل الجنية المصري ذهبا في وقت من الوقات (
)2.5587غم ،ويساوي غرام الذهب في سوريا الن حوالي 500ليرة سورية( . )2أما غرام الفضة
فيساوي الن حوالي عشر ليرات سورية .ويرى كثير من علماء العصر أن النقود تقدر بسعر الفضة
احتياطا لمصلحة الفقراء ،ولن ذلك أنفع لهم .وأرى الخذ بهذا الرأي؛ لنه يفتى بما هو أنفع للفقراء.
وينبغي لفت النظر إلى أن دفع الزكاة للجمعيات يجب إيصالها بأعيانها
-------------------------------
( )1الخراج في الدولة السلمية للدكتور ضياء الدين الريس :ص .344
( )2في أواسط عام 1993م.
( )3/183
للمستحقين ،ول يجوز للقائمين على الجمعيات أن يشتروا بأموال الزكاة أغذية أو ألبسة ونحوها
يقدمونها للفقراء ،لنهم لم يوكلوهم في هذا ،كما ل يجوز لجمعيات المعاهد العلمية الشرعية شراء
شيء كالكتب وغيرها من أموال الزكاة ،وعلى إدارة الجمعيات أن يحصلوا على تفويض أو توكيل
من طلب العلم ،بصرف أموال الزكاة على حوائجهم من طعام وشراب وكتب وأوراق ونحو ذلك،
لن تمليك الزكاة للمستحقين شرط أساسي ،ثم يتصرف المستحق بما يحقق مصلحته .ول يجوز
لجمعية أن تقوم بنفسها ببناء مبان أو معامل من أموال الزكاة لصرف ريعها على المستحقين إذ ل
وكالة لدى الجمعية من المستحقين في هذا .لكن يجوز للضرورة إيجاد مراكز صحية وتوزيع أدوية
للفقراء مثلً على أل تأخذ صفة الوقف ،حتى يجوز بيعها وتوزيع أثمانها للمستحقين.
مقدار الزكاة :المقدار الواجب في النقدين (الذهب والفضة) ربع العشر أي ( )%2.50فإذا ملك النسان
مئتي درهم ،وحال عليها الحول ،ففيها خمسة دراهم ،وفي العشرين مثقالً نصف دينار.
والدليل :هو أحاديث ثابتة ،منها حديث علي عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :إذا كانت لك مئتي
درهم ،وحال عليها الحول ،ففيها خمسة دراهم ،وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك
عشرون دينارا ،فإذا كانت لك عشرون دينارا ،وحال عليها الحول ،ففيها نصف دينار» (. )1
ومنها حديث أبي سعيد الخدري« :ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ،وليس فيما دون
خمس أواق من الوَرِق صدقة ،وليس فيما دون خمس َذوْد من البل صدقة» ( )2وروى البخاري:
«وفي الرّقة :ربع العشر» والرقة والورِق :الفضة.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد (نيل الوطار.)138/4:
( )2رواه الشيخان ،واللفظ للبخاري ،والورق بكسر الراء :الفضة ،والذود :من الثلثة إلى العشرة ،ل
واحد له من لفظه ،ومقدار الوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالتفاق ،والمراد بالدرهم :الخالص
من الفضة ،سواء أكان مضروبا أم غير مضروب(نيل الوطار.)138 ،126/4 :
( )3/184
ويدفع عن الذهب ذهبا وعن الفضة فضة ،فإن أراد أن يدفع ذهبا عن فضة أو فضة عن ذهب ،جاز
في الحالتين عند المالكية ،ويكون الدفع بالقيمة في المشهور ،ولم يجز ذلك عند الشافعية.
ثانيا ـ ما نقص عن النصاب وما زاد عليه:
تجب الزكاة كما عرفنا بالجماع في الذهب إذا كان عشرين مثقالً (ديناراً) قيمتها مئتا درهم .أما ما
دون العشرين مثقالً ،فل زكاة فيه إل أن يتم بورِق (فضة) أو عروض تجارة.
وأجمع العلماء على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالً ،ول يبلغ مئتي درهم ،فل زكاة فيه لعدم بلوغ
النصاب ،وقال عامة الفقهاء :نصاب الذهب عشرون مثقالً من غير اعتبار قيمتها ول تقديرها بالفضة
( ، )1قال صلّى ال عليه وسلم « :ليس في أقل من عشرين مثقالً من الذهب ،ول في أقل من مئتي
درهم صدقة» (. )2
أما الزيادة على النصاب :فل شيء فيها عند أبي حنيفة ( )3حتى تبلغ أربعين درهما ،فيكون فيها
درهم ،ثم في كل أربعين درهما درهم ،ول شيء فيما بينهما.
-------------------------------
( )3/185
كذلك ل زكاة في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير .وهذا هوالصحيح عند الحنفية ،لقول عليه
السلم« :من كل أربعين درهما درهم» (. )1
وقال الصاحبان وجمهور الفقهاء ( : )2ما زاد على المئتين فزكاته بحسابه ،وإن قلّت الزيادة ،لقوله
صلّى ال عليه وسلم « :هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهما درهما ،وليس عليكم شيء حتى يتم
مئتين ،فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم ،فما زاد فبحساب ذلك» ( )3وهذا هو المعقول.
ثالثا ـ حكم المغشوش أو المخلوط بغيره :
المغشوش :هو المخلوط بما هو أدون منه كذهب بفضة ،وفضة بنحاس .وللفقهاء في زكاته آراء ثلثة
( : )4
- 1قال الحنفية :غالب الفضة فضة ،وغالب الذهب ذهب ،وإذا كان الغالب عليهما الغش ،فهي في
حكم العروض التجارية ،ول بد من أن تبلغ قيمتها نصابا ،ول بد فيها من نية التجارة كسائر
العروض ،إل إذا كان يخلص منها فضة تبلغ نصابا ،لنه ل تعتبر في عين الفضة القيمة ،ول نية
التجارة .واختلف في الغش المساوي ،والمختار :لزوم الزكاة احتياطا.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي بلفظـ« :قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق،
فهاتوا صدقة الرّقة من كل أربعين درهما درهما ،وليس في تسعين ومئة شيء ،فإذا بلغت مئتين ففيها
خمسة دراهم» (نيل الوطار.)4/731 :
( )2المغني ،3/6 :الشرح الصغير ،1/026 :الحضرمية :ص .101
( )3رواه الدارقطني والثرم ،ورواه أبو داود عن علي ،وروي ذلك موقوفا على علي وابن عمر.
( )4اللباب ،1/941 :الدر المختار ،2/24 :الشرح الصغير ،1/226 :مغني المحتاج،1/093 :
المغني ،3/5 :فتح القدير ،1/325 :القوانين الفقهية :ص 001ومابعدها.
( )3/186
- 2وقال المالكية :المعتبر هو الرواج ،فتجب الزكاة في الكاملة الوزن ،والمغشوشة (المخلوطة بنحو
نحاس) ،وناقصة الوزن إن راجت كل منهما رواجا كرواج الكاملة الوزن ،فإن لم ترج حُسب الخالص
على تقدير التصفية في المغشوشة ،واعتبر الكمال في الناقصة بزيادة دينار أو أكثر ،فمتى كملت
زكيت وإل فل .وعلى هذا فإن كانت الدراهم أو الدنانير مخلوطة بالنحاس أو غيره ،أسقط وزكي عن
الصافي.
- 3وقال الشافعية والحنابلة :لشيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا كاملً ،فمن ملك ذهبا أو
فضة مغشوشة أو مختلطا بغيره ،فل زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا ،لقوله عليه
السلم« :ليس فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة» فإن لم يعلم قدر ما فيه منهما ،وشك هل بلغ
نصابا أو ل ،عمل بالظهر بحيث يتيقن أن ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة ،أو بسبكهما (أي
التمييز بينهما بالنار) ليعلم ما فيه منهما ،ويخرج الزكاة ليسقط الفرض بيقين.
ولو اختلط إناء من الذهب والفضة ،بأن أذيبا وصيغ منهما الناء ،كأن كان وزنه ألف درهم ،أحدهما
ل منهما بفرضه ،الكثر ذهبا أو فضة ،احتياطا.
ست مئة والخر أربع مئة ،وجهل أكثرهما ،زكى ك ً
ول يجوز افتراض كله ذهبا؛ لن أحد الجنسين ل يجزئ عن الخر ،وإن كان أعلى منه ،أو ميّز
بينهما بالنار ،ويحصل ذلك بسبك قدر يسير إذا تساوت أجزاؤه.
( )3/187
( )3/188
حلي الرجل كسيف ،والتبر المغصوب المصوغ حليا ،وحلي النساء الذي بالغن في السراف فيه بأن
بلغ مئتي مثقال (حوالي 850غم) وكذلك ما يكره استعماله قياسا على المحرم كضبة الناء الكبيرة
للحاجة ،أو الصغيرة للزينة ( . )1جاء في إعانة الطالبين ( 158/2ومابعدها) :ويحل الذهب والفضة
بلسرف لمرأة وصبي إجماعا في نحو السوار والخلخال والطوق ،ول تجب الزكاة فيها .أما مع
السرف فل يحل شيء من ذلك كخلخال وزن مجموع فردتيه مئتا مثقال ،فتجب فيه الزكاة .والتقدير
بمئتي مثقال مأخوذ من أثر عن صحابي.
وتجب الزكاة أيضا على الراجح في حلي المرأة إذا انكسر بحيث يمنع الستعمال ،ويحتاج إلى سبك
وصوغ.
ول زكاة في الظهر في الحلي المباح للمرأة ،كخلخال وسوار ونحوهما؛ لنه معدّ لستعمال مباح،
فأشبه العوامل من النعم.
وأما الحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الحنابلة( : ) 2فهو المتخذ للتجارة ،والحلي المحرم للمرأة الذي
ليس لها اتخاذه ،كما إذا اتخذت حلية الرجال المحرّمة ،كحلية السيف والمِنْطقة ( النطاق ) وسوار
الرجل وخاتمه الذهب ،وحلية مراكب الحيوان ،ولباس الخيل كاللجم والسروج ،وقلئد الكلب ،وحلية
الركاب ،والمرآة والمشط والمكحلة ،والميل والمسرحة ،والمروحة والمشربة والمدهنة والمسعط
والمجمرة والمعلقة والقنديل ،والنية ،وحلية كتب العلم بخلف المصحف ،وحلية الدواة والمقلمة ،وما
أعد للكراء ،أو للقُنية والدخار أو النفقة إذا احتاج إليها ،أو لم يقصد به
شيئا-------------------------------.
( )1الصح عند الشافعية تحريم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة ،وتمويه سقوفها وتعليق
قناديلها ،ول خلف في تحريم تمويه سقف بيته وجداره بذهب أو فضة (المجموع .)39/6 :والضبة:
مايشد به الناء ،لصلحه.
( )2المغني ،17-9/3 :كشاف القناع275-272/2 :
( )3/189
وكذا حلي المرأة إذا انكسر واحتاج إلى صوغ ،فإن لم يحتج إلى صوغ ونوت إصلحه ،فل زكاة فيه،
ول زكاة فيما إذا انكسر الحلي كسرا ليمنع الستعمال واللبس ،فهو كالصحيح ،إل أن تنوي كسره
وسبكه ،ففيه الزكاة حينئذ؛ لنها نوت صرفه عن الستعمال.
وليس في حلي المرأة زكاة في ظاهر المذهب إذا كان مما تلبسه أو تعيره ،ول ممن يحرم عليه،
كرجل يتخذ حلي النساء لعارتهن ،وامرأة تتخذ حلي الرجال لعارتهم.
والخلصة أن الجمهور ل يرون الزكاة في حلي المرأة المعتاد ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ليس
في الحلي زكاة» ( )1وهو قول ابن عمر وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر ،ولنه مرصد للستعمال
المباح ،فلم تجب فيه الزكاة ،كالعوامل من النعام ،وثياب القنية (الستعمال الشخصي) ولن السلم
أوجب الزكاة في المال النامي المغل فقط :وهو ما من شأنه أن ينمى ولو عطله صاحبه ،والحلي
المباح ل نماء فيه ،بخلف ما إذا اتخذ كنزا أو كان فيه سرف ظاهر ومجاوزة للمعتاد ،أواستعمله
الرجال حلية لهم أو استعمل في النية والتحف والتماثيل ونحوها ،فتجب في كل ذلك الزكاة.
وقال الحنفية ( : )2الزكاة واجبة في الحلي للرجال والنساء تبرا كان أو سبيكة ،آنية أو غيرها؛ لن
الذهب والفضة مال نام ،ودليل النماء موجود :وهو العداد للتجارة خِلْقة ،بخلف الثياب ،ولنهما خُلقا
أثمانا ،فيزكيهما المالك كيف كانا.
-------------------------------
( )1رواه الطبراني عن جابر ،وقال البيهقي :ل أصل له ،إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع
(المجموع .)32/6 :وروى الشافعي أن رجلً سأل جابر بن عبد ال رضي ال عنهما عن الحلي ،أفيه
زكاة؟ فقال :ل.
( )2فتح القدير ،524/1 :الدر المختار.41/2 :
( )3/190
ويؤيدهم حديث «أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لمرأة في يدها سواران من ذهب :هل تعطين
زكاة هذا؟ قالت :ل ،قال :أيسرك أن يسوّرك ال بسوارين من نار؟! (. » )1
والمعتبر عند غير الشافعية في نصاب الحلي الذي تجب فيه الزكاة :الوزن ل القيمة ،فلو ملك حليا
قيمته مئتا درهم ،ووزنه دون المئتين ،لم يكن عليه زكاة ،وإن بلغ مئتين وزنا ،ففيه الزكاة ،وإن نقص
في القيمة ،للحديث المتقدم« :ليس فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة» .
واستثنى الحنابلة أن يكون الحلي للتجارة ،فيقوم ،فإذا بلغت قيمته بالذهب والفضة نصابا ،ففيه الزكاة؛
لن الزكاة متعلقة بالقيمة ،ومالم يكن للتجارة ،فالزكاة في عينه ،فيعتبر بلوغ قيمته ووزنه نصابا ،وهو
مخير بين إخراج ربع عشر حلية مشاعا أو دفع ما يساوي ربع عشرها من جنسها.
فإن كان في الحلي جوهر وللئ مرصعة ،فالزكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجوهر؛ لنها
ل زكاة فيها عند أحد من أهل العلم ،كما أبنت ،فإن كان الحلي للتجارة قومه بما فيه من الجواهر؛ لن
الجواهر لو كانت مفردة عن الذهب والفضة ،وهي للتجارة ،لقومت وزكيت ،فكذلك إذا كانت في
حلي التجارة.
وقال الشافعية :حيث أوجبنا الزكاة في الحلي ،واختلفت قيمته ووزنه ،فالعبرة بقيمته ل وزنه ،بخلف
المحرم لعينه كالواني ،فالعبرة بوزنه ل قيمته ،فلو كان له حلي وزنه مئتا درهم ،وقيمته ثلث مئة،
تخير بين أن يخرج ربع عشره مشاعا ،ثم يبيعه الساعي بغير جنسه ،ويفرق ثمنه على المستحقين ،أو
يخرج خمسة مصوغة قيمتها سبعة ونصف نقدا ،ول يجوز كسره ليعطي منه خمسة مكسرة؛ لن فيه
ضررا عليه وعلى المستحقين.
-------------------------------
( )1حديث ضعيف رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
( )3/191
( )3/192
وقال الصاحبان :الديون كلها سواء ،وكلها قوية ،تجب الزكاة فيها قبل القبض إل الدية على العاقلة
(العصبة) ،فإنه ل تجب الزكاة فيها أصلً ما لم تقبض ويحول عليها الحول ،لن تلك الديون ما عدا
الدية ملك لصاحبها ،لكن ل يطالب بالداء للحال ،وإنما عند القبض.
وقال المالكية ( : )1الديون ثلثة أنواع:
- 1ما يحتاج لحولن الحول بعد القبض :مثل ديون المواريث والهبات والوقاف والصدقات،
والصداق والخلع،وأرش (تعويض) الجناية ،والدية ،ل زكاة فيه حتى يقبضه ويحول عليه الحول عنده
من يوم القبض ،فمن ورث مالً من أبيه عينت له المحكمة حارسا قبل أن يقبضه لسبب ما ،واستمر
دينا له أعواما كثيرة ،فإنه ل زكاة عليه في كل تلك العوام ،حتى يقبضه ويمضي عليه عام عنده بعد
قبضه .وهذا هو الدين الضعيف عند الحنفية .ومنه ثمن بيع العروض المقتناة كبيع متاع أو عقار،
وهو الدين المتوسط عند الحنفية ،فإذا باع دار سكناه بثمن مؤجل للمستقبل ،فإنه يزكي على ما قبضه
إذا كان المقبوض نصابا فأكثر وحال عليه الحول.
- 2ما يزكى لعام واحد فقط :وهو دين القرض وديون التجارة ،وهو الدين القوي عند الحنفية ،تجب
فيه الزكاة بشروط أربعة:
أولها ـ أن يكون أصل الدين الذي أعطاه للمدين ذهبا أو فضة ،أو ثمن عروض تجارية محتكرة
كثياب مثلً.
ثانيها ـ أن يقبض شيئا من الدين ،فإن لم يقبض شيئا فل زكاة عليه.
ثالثها ـ أن يكون المقبوض نقدا (ذهبا أو فضة) :فإن قبض عروضا تجارية كثياب أو قمح فل زكاة
عليه.
رابعها ـ أن يكون المقبوض نصابا على القل ،ولو قبضه لعدة مرات ،أو يكون المقبوض أقل من
نصاب ،ولكن عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال الحول عليها.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير 458/1 :ومابعدها ،بداية المجتهد 264/1 :ومابعدها ،الشرح الصغير628/1 :
ومابعدها.
( )3/193
- 3دين المدير :وهو التاجر الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر .فإذا كان أصل الدين عروض
تجارة ،فإنه يزكي الدين كل عام ،مع إضافته إلى قيم العروض التي عنده ،وإلى ما باع به من الذهب
والفضة.
وقال الشافعية ( : )1على الدائن زكاة الدين عن العوام الماضية عند التمكن من أخذ دينه ،إذا كان
الدين من نوع الدراهم والدنانير ،أو عروض التجارة .فإن كان الدين ماشية أو مطعوما كالتمر
والعنب ،فل زكاة فيه.
ورأى الحنابلة ( : )2أنه تجب زكاة الدين ،سواء أكان الدين حالً أم مؤجلً ،وسواء أكان المدين
معترفا به باذلً له ،أم معسرا أم جاحدا أم مماطلً به ،إل أنه ل يجب إخراج زكاته إل إذا قبضه،
فيؤدي لما مضى فورا؛ لنه دين ثابت في الذمة ،فلم يلزمه الخراج قبل قبضه ،ولن الزكاة
للمواساة ،وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال ل ينتفع به ،ولن هذا المال في جميع الحوال على
حال واحد ،فوجب أن يتساوى في وجوب الزكاة أو سقوطها ،كسائر الموال.
أما الوديعة فهي بمنزلة ما في يده ،لن الوديع نائب عن المودع في حفظه ،ويده كيده ،ويزكيه لما
مضى؛ لنه مملوك له يقدر على النتفاع به ،فلزمته زكاته كسائر أمواله.
والخلصة :إن كان الدين حيا :وهو ما كان الدين معترفا به مستعدا لسداده في وقته أو عند طلبه،
فعند جمهور الئمة :على الدائن زكاته .وإن كان الدين على معسر ل يرجى منه السداد ،أو على
مماطل أو جاحد له ،غير معترف به ،فعند أكثر الئمة :ل زكاة فيه.
وأما زكاة التأمين النقدي :فهي على مالكه ،والتأمين النقدي هو الذي يدفعه المستأجر للمالك ،فهو مال
مملوك للمستأجر عند المالك ضمانا لسداد الجرة في مواعيدها ،تجب زكاته على مالكه ل على
المؤجر ،إذا توافرت شروط الوجوب.
-------------------------------
( )1المهذب ،142/1 :المجموع.313/5 :
( )2المغني 46/3 :ومابعدها.
( )3/194
( )3/195
ويقدر نصابها ـ كما أبنت ـ بسعر صرف نصاب الذهب المقرر شرعا وهو عشرون دينارا أو
مثقالً ،ونختار أن يكون وزنها ذهبا 85غراما ،ومن الفضة ( 595غراما) عملً بالدرهم العربي وهو
( 975،2غم) ،والصح تقدير النصاب الورقي بالذهب؛ لنه المعادل لنصاب النعام (البل والبقر
والغنم) ،ولرتفاع مستوى المعيشة وغلء الحاجيات ،وإن كان يرى كثير من علماء العصر تقدير
النصاب بالفضة؛ لنه أنفع للفقراء ،وللحتياط في الدين ،ولن نصاب الفضة مجمع عليه ،وثابت
بالسنة الصحيحة ،وكان يساوي في الماضي ستة وعشرين ريالً مصريا وتسعة قروش وثلثي قرش،
ونحو خمسين ريالً في السعودية ودولة المارات ،ونحو 60أو 55روبية في باكستان والهند.
ول تجب الزكاة على الوراق النقدية إل ببلوغها النصاب الشرعي ،وبحولن الحول ،وبالفراغ من
الدين وهو الحق والعدل ،وزاد الحنفية :وبأن يكون النصاب فاضلً عن الحاجات الصلية لمالكه من
نفقة وكسوة وأجرة سكنى وآلة حرب (. )1
والسندات جمع سند ،والسند تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين ،نظير
فائدة مقدرة .والسهم :النصيب في رأس المال.
والسهم يمثل جزءا من رأس مال الشركة ،وصاحبه مساهم ،والسند يمثل جزءا من قرض على شركة
أو دولة ،وحامله مقرض أو دائن.
والتعامل بالسهم جائز شرعا ،أما التعامل بالسندات فحرام لشتمالها على الفائدة الربوية.
وبالرغم من تحريم السندات ( ، )2فإنه تجب زكاتها ،لنها تمثل دينا لصاحبها ،وتؤدى زكاتها عن كل
عام ،عملً برأي جمهور الفقهاء غير المالكية؛ لن الدين
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار.8-5/2 :
( )2تحريم التعامل بالسندات ليمنع من التملك التام فتجب فيها الزكاة ،أما المال الحرام كالمغصوب
والمسروق ومال الرشوة والتزوير والحتكار والغش والربا ونحوها ،فل زكاة فيه عند الحنفية خلفا
للجمهور ،لنه غير مملوك لحائزه ،ويجب رده لصاحبه الحقيقي؛ منعا من أكل الموال بالباطل.
( )3/196
المرجو (وهو ما كان على مقر موسر) تجب زكاته في كل عام .وأما سندات الستثمار فالولى أن
تزكى كزكاة النقود أي بنسبة %5،2من قيمتها.
وأما السهم :فتجب زكاتها أيضا بحسب قيمتها الحقيقية في البيع والشراء ،كزكاة العروض التجارية،
أي تؤدى زكاتها على رأس المال مع أرباحها في نهاية العام بنسبة ( %5،2في المئة) إذا كان الصل
والربح نصابا أو يكمل مع مال مالكها نصابا ،ويعفى الحد الدنى للمعيشة إذا لم يكن لصاحب السهم
مورد رزق آخر سواها ،كأرملة ويتيم ونحوهما .هذا في الشركات التجارية ،أما في الشركات
الصناعية كشركات السكر والنفط ونحوها كالمطابع والمصانع ،فتقدر السهم بقيمتها الحالية مع حسم
قيمة المباني واللت وأدوات النتاج.
والخلصة :أنه تجب زكاة السهم والسندات بمقدار ربع العشر أي %5،2من قيمتها مع ربحها في
نهاية كل عام ،على ما لكها الذي حال عليه الحول بعد تملكها .أو تؤدى الزكاة جملة واحدة عن غلة
الشركة وإيرادها بمقدار العشر من صافي الرباح قياسا على نصاب الزروع والثمار ،باعتبار أن
أموال الشركة نامية بالصناعة ونحوها .ففي الحالة الولى نعتبر صاحب السهم له وصف التاجر،
وفي الحالة الثانية نعتبر الشركة لها وصف المنتج.
( )3/197
( )3/198
وقد تساءل الناس منذ ظهور الشركات المساهمة في الربع الثاني من القرن العشرين عن حكم التعامل
بالسهم والسندات حلً وحرمة ،وعن حكم الزكاة الواجبة فيها ،ومن تجب عليه الزكاة؟ وأفتى علماء
العصر بفتاوى متشابهة في مشروعية التعامل بالسهم وحرمة التعامل بالسندات ،لما تشتمل عليه من
الربا بسبب دفع فائدة مقطوعة على مبالغ الديون المدونة فيها .واختلفوا في نسبة الواجب في الزكاة
أهي ربع العشر أم العشر،كما اختلفوا فيمن تجب عليه زكاة السهم ،أهو مالك السهم أم الشركة،
ولكنهم اتفقوا على وجوب الزكاة في كل من السهم والسندات إذا بلغت قميتها النصاب الشرعي ،وإن
اختلطت السندات بالحرام وصاحبها الربا وخبث الكسب ،لن الحرمة المصاحبة لجزء من المال ل
تمنع من فرض الزكاة ،بل إنه على العكس ل سبيل إلى التخلص من المال الحرام إل بالصدقة به.
تعريف السهم والسندات:
السهم :عبارة عن صكوك متساوية القيمة ،غير قابلة للتجزئة ،وقابلة للتداول بالطرق التجارية،
وتمثّل حقوق المساهمين في الشركات التي أسهموا في رأس مالها.
فالسهم يمثل جزءا من رأس مال الشركة ،وصاحبه مساهم ،والسهم تتصف بالخصائص التالية (: )1
أ ـ أنها متساوية القيمة السمية :فل يجوز إصدار أسهم بقيمة مختلفة ،والقيمة المتساوية هي القيمة
السمية التي يصدر بها السهم ،والتي يحددها القانون بنسبة تتراوح في بعض البلد كالمارات بين
درهم ومئة درهم.
والقيمة السمية للسهم تختلف عن كل من قيمته التجارية والحقيقية ،فالقيمة السمية هي القيمة المبينة
في الصك والتي تدون عليه ،ويحسب على أساسها مجموع رأس مال الشركة.
أما القيمة التجارية :فهي قيمة السهم في السوق أو البورصة ،وهي قيمة متغيرة بحسب العرض
والطلب وأحوال السوق وسمعة الشركة وسلمة مركزها المالي.
وأما القيمة الحقيقية للسهم :فهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وقسمة
موجوداتها على عدد السهم.
ب ـ أنها غير قابلة للتجزئة :أي ل يمكن أن تتمثل في صورة كسور حين يتعدد مالكو السهم في
مواجهة الشركة.
-------------------------------
( )1انظر الشركات التجارية للدكتور حسين غنايم :ص 189ومابعدها.
( )3/199
جـ ـ أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية :أي يمكن انتقال ملكية السهم من شخص إلى آخر
بالطرق التجارية المعروفة ،ودونما حوالة مدنية من قبل الشركة.
وإن كان السهم إذنيا (أي يصدر لذن أو أمر المساهم) فإن تداوله يتم بطريق التظهير.
وإن كان السهم لحامله (أي يصدر من دون ذكر صاحبه) فإن تداوله يتم بمجرد التسليم أي المناولة
اليدوية.
ومعظم القوانين تستلزم أن تصدر السهم اسمية ،وبعضها يجيز إصدار السهم لحاملها بشروط.
والخلصة :إن السهم تمثل حصصا في شركة أموال.
أما السندات فهي جمع سند ،والسند :صك مالي قابل للتداول يُمنح للمكتتب لقاء المبالغ التي أقرضها،
ويخوّله استعادة مبلغ القرض ،علوة على الفوائد المستحقة ،وذلك بحلول أجله .وبعبارة أخرى:
السند :تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين ،نظير فائدة مقدرة.
والسند يشبه السهم من حيث وجود قيمة اسمية لكل منهما ،ومن حيث قابليتهما للتداول بالطرق
التجارية ،وعدم قابليتهما للتجزئة.
والفارق الساسي بين السهم والسند :أن السهم يمثل حصة في الشركة ،بمعنى أن صاحبه شريك ،في
حين أن السند يمثّل دينا على الشركة ،أو يمثل جزءا من قرض شركة أو دولة ،بمعنى أن صاحبه
مقرض أو دائن.
وبناء عليه ،يحصل صاحب السهم على أرباح حين تحقق الشركة أرباحا فقط ،أما صاحب السند
فيتلقى فائدة ثابتة سنويا ،سواء ربحت الشركة أم ل .وتكون السهم في الغالب اسمية ،ضمانا لرقابة
الدولة على حاملي السهم ،أما السندات فتكون إما اسمية أو لحاملها.
( )3/200
( )3/201
وأما أسهم الشركات التجارية وهي التي تشتري البضائع وتبيعها كشركات التجارة الخارجية،
وشركات الستيراد والتصدير ،وشركات بيع المصنوعات الوطنية ،أو التي تقوم بتصنيع بعض المواد
الخام أو تشتريها ،مثل شركات البترول وشركات الغزل والنسيج ،وشركات الحديد والصلب،
والشركات الكيماوية ،فتجب الزكاة فيها ،لنها تمارس عملً تجاريا ،سواء معه صناعة أو ل ،وتقدر
السهم بقيمتها الحالية ،بعد حسم قيمة المباني واللت والدوات المملوكة لهذه الشركات ،وتقدر هذه
القيمة للصول الثابتة إما بالربع أو أكثر أو أقل.
وهذا يعني أن الشركات التجارية المحضة تجب زكاة أسهمها بحسب قيمتها التجارية في السواق ،مع
أرباحها المقررة لها في نهاية العام ،كزكاة العروض التجارية بنسبة %5،2إذا كان أصل رأس المال
والربح نصابا شرعيا ،ول زكاة على المحل التجاري من حيث البناء والتجهيزات التي فيه.
أما الشركات الصناعية ـ التجارية كشركات السكّر والنفط والمطابع وصناعة السفن والطائرات
والسيارات ،فتقدر السهم بقيمتها التجارية الحالية ،مع حسم قيمة المباني واللت وأداوت النتاج.
وهذا الرأي يناسب المقرر في المذاهب الربعة ،وهو أن المصانع والعمارات الستغللية ل زكاة
فيها ،وإنما الزكاة على أرباحها السنوية إذا بلغت النصاب الشرعي وحال الحول عليها (أي مضى عام
عليها في يد صاحبها) وهو الرأي الذي أخذ به مجمع الفقه السلمي في جدة في دورته الثانية لعام
1406هـ 1985/م .وقرر فقهاء المذاهب أنه ل زكاة على سلح الستعمال وكتب العالم وآلت
المحترفين ،لنها مشغولة بالحاجة الصلية ،وليست بنامية أصلً ،وسبب الزكاة ملك النصاب النامي
ولو تقديرا بالقدرة على الستنماء.
( )3/203
وجاء في المعيار المعرب 402/1لبي العباس الونشريسي :وسئل عن الصناع يمر عليهم الحول،
وبأيديهم من مصنوعاتهم ما إذا قوموها وأضافوها إلى مالهم من النقد،اجتمع فيه نصاب ،هل يجب
عليهم التقويم ،ويزكون ما حضر بأيديهم أم ل؟.
فأجاب بقوله :الحكم في ذلك أن الصناع يزكون ما حال الحول على أصله من النقد الذي بأيديهم إذا
كان نصابا ،ول يقومون صناعاتهم ،ويستقبلون بأثمانها الحول ،لنها فوائد كسبهم استفادوها وقت
بيعهم ،إل أن ما وضع فيه الصانع صناعته ،من جلد أو خشب أو حديد أو نحو ذلك ،يقومه المدير،
مجردا من الصناعة ،إذا كان اشتراه للتجارة.
وهي فتوى في غاية الدقة ،والتيسير على الصناع ،كصناع الحذية والمفروشات والخزائن الحديدية
ونحوها .وإني لمؤيد رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى المذكور آنفا ،مع ملحظة إيجاب الزكاة على
الشركات الصناعية إذا كانت منتوجاتها تجارية ،معدّة للبيع أو التصدير ،بعد استقطاع قيمة اللة
ل تزكي كل ما تنتجه في آخر العام من أوراق وكتب مملوكة لها ،كما أنها تزكي
والبناء ،فالمطابع مث ً
أرباحها المستفادة من أجور ما تطبعه لحساب المتعاملين معها ،وتحسم قيمة آلة الطباعة وآلة التجليد
ونحوهما من مجموع رأس المال.
لكن الستاذ الدكتور يوسف القرضاوي لم يرتض هذا الرأي وأوجب الزكاة في أسهم الشركات
جميعها ،صناعية وتجارية ،وقال عن تفرقة الشيخ عبد الرحمن عيسى بين نوعي السهم :هي نتيجة
يأباها عدل الشريعة التي ل تفرق بين متماثلين ،ثم استصوب الرأي الثاني للستاذ الشيخ محمد أبي
زهرة ومن وافقه الذي ل يفرق بين نوعي السهم تبعا لنوع شركاتها ،ورأى أنه أوفق بالنظر إلى
الفراد ،وأيسر في الحساب ،ثم قال :بخلف ما إذا قامت دولة مسلمة ،وأرادت جمع الزكاة من
الشركات ،فقد أرى التجاه الول (رأي الشيخ عيسى) أولى وأرجح ،وال أعلم (. )1
- 2رأي الساتذة عبد الوهاب خلف وعبد الرحمن حسن ومحمد أبو زهرة (: )2
يرى هؤلء الساتذة أن السهم والسندات ـ الوراق المالية ـ إذا كانت قد اتخذت للتجارة ،فإنها
تكون عروضا تجارية ،يجب فيها ما يجب في عروض
-------------------------------
( )1فقه الزكاة للقرضاوي.528 ،525/1 :
( )2حلقة الدراسات الجتماعية الثالثة :ص ،242بحث الستاذ الشيخ محمد أبو زهرة ،في مجمع
البحوث السلمية ـ المؤتمر الثاني في القاهرة في أيار «مايو» .1965
( )3/204
التجارة من زكاة أي ،%5،2وتكون الزكاة ربع العشر من الصل والنماء ،على حسب ما قرره
جمهور الفقهاء.
ورجح الدكتور القرضاوي هذا التجاه قائلً :ولعل هذا التجاه والفتاء أوفق بالنظر إلى الفراد من
التجاه الول ،فكل مساهم يعرف مقدار أسهمه ،ويعرف كل عام أرباحها ،فيستطيع أن يزكيها
بسهولة ،بخلف التجاه الول وما فيه من تفرقة بين أسهم في شركة ،وأسهم في أخرى ،فبعضها
تؤخذ الزكاة من إيرادها ،وبعضها تؤخذ زكاته من السهم نفسها بحسب قيمتها ،مضافا إليها الربح،
وفي هذا شيء من التعقيد بالنظر إلى الفرد العادي.
ولكني أرى أن التجاه الول هو المقرر فقها ،وهو الذي جرى عليه العمل منذ ظهور الشركات
المساهمة وبدء انتشارها في الربعينات ،ول تعقيد في المر ،فالمسلم يعرف أن اللت الصناعية ل
زكاة فيها ،فإذا وظف ماله بطريق السهم في شركات صناعية ،يحسم ما يقابل تلك اللت ،وإذا
وظف ماله في أسهم شركات تجارية ،زكاها كزكاة الموال التجارية.
( )3/205
وللستاذ الشيخ محمد أبو زهرة رأي قديم فيه تفصيل ،ورد في تقرير حلقة الدراسات الجتماعية
لجامعة الدول العربية المنعقدة بدمشق سنة ،1952وهو الرأي الذي أعلنه أيضا في المؤتمر الثاني
لمجمع البحوث السلمية سنة ،1965ومفاده :أن السهم والسندات إذا اتخذت للتجارة ،أو بغرض
المضاربة ،وإعادة بيعها في أسواق الوراق المالية ،والكسب من تجارتها ،تعتبر من عروض
التجارة ،ويؤخذ منها الزكاة بتقدير قيمتها في أول العام ،وقيمتها في آخره ،بنسبة %5،2ربع العشر
من الصل والنماء متى بلغت نصابا.
أما إذا كانت بغرض الستثمار وتوظيف الموال ،ل المضاربة والكسب من البيع والشراء ،وإنما
تقتنى للكسب من عائدها ،وما تدرّه عليه من ربح سنوي ،فإن الزكاة الواجبة على الشركة ،تكفي عن
الزكاة على حملة السهم (. )1
وهذا الرأي ينظر إلى السهم من جهة الشخص الذي يمتلكها ،وعلى وفق نيته فيها ،هل يقصد التجار
أم الستثمار؟ وهو رأ ي ينسجم مع الوقت الذي لم تكن الشركات فيه تزكي أموالها أو تسأل عن كيفية
الزكاة.
ول أرى حاجة لهذا التفصيل ،لن الهدف من شراء السهم واحد وهو التجار والسترباح ،وأن هذه
السهم تزكى مثل زكاة عروض التجارة.
- 3فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السلمي السوداني:
جاء في الفتوى رقم ( )17حول أسس زكاة أسهم بنك فيصل السلمي السوداني لهيئة الرقابة
الشرعية من غير أن تستفتى ،ما يلي:
رأت الهيئة بأغلبية العضاء ( )2أن يخرج البنك زكاة أسهمه على السس التالية:
-1يخرج البنك زكاة السهم عند حولن الحول بمقدار ربع العشر %5،2من النقود الموجودة من
المدفوع من قيمة السهم ،زائدا قيمة عروض التجارة الخاصة بالسهم ،ول زكاة في عروض القنية
(الصول الثابتة) زائدا ربح السهم.
- 2العقارات التي يشتريها البنك بمال السهم إن كان اشتراها للتجارة فيها بالبيع والشراء ،زكاها
زكاة عروض التجارة ،أي يضيف قيمتها إلى النقود الموجودة من السهم ،وإن كان اشتراها ليؤجرها،
فإنه يزكيها زكاة الصول الثابتة بإخراج العشر %10من أجرتها عندما يتسلمها.
-------------------------------
( )1انظر ص ،137وأشار إليه الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في كتابه « التطبيق المعاصر للزكاة
» ص ،118واعتمده في بحثه.
( )2أربعة أعضاء من خمسة ،ويرى العضو الخامس الدكتور خليفة بابكر الخذ بالرأي الذي يعامل
السهم معاملة الموال الثابتة ،ويزكى ربحها فقط بمقدار العشر أي %10من الرباح.
( )3/206
- 3إذا كان البنك أعطى بعض مال السهم لمن يعمل فيه مضاربة ـ التمويل ،زكى رأس المال
الذي مول به المضارب ونصيبه من الربح.
- 4إذا كان على البنك ديون تجارة حالّة من مال السهم ،وله ديون على غيره تزيد على الديون
التي عليه ،فإنه يطرح الديون التي عليه من الديون الموجودة التي له ،ويزكي الباقي ،وإذا كانت
الديون التي على البنك تزيد عن الديون التي له ،طرح الزائد من النقود التي عنده وزكى الباقي ،وإذا
كانت ديون التجارة التي للبنك مؤجلة ومرجوة ،فإنها تقوّم بعرض ،ثم يقوّم العرض بنقد حال ،وتزكى
هذه القيمة.
- 5إذا كان للبنك ديون (قرض) زكاها زكاة النقود الموجودة مادام سدادها مرجوا.
- 6يستفسرمن أصحاب السهم الصغيرة التي ل تبلغ النصاب ،هل يجب عليهم فيها زكاة إذا ضمت
إلى غيرها؟ فإن قالوا :ل تجب فيها الزكاة ،لنهم ليملكون ما يكملها نصابا ،استبعدت قيمتها من
جملة السهم.
( )3/207
هذه السس تتفق في جملتها مع الرأي القائل :إن السهم تزكى زكاة عروض التجارة ،ولكنها تختلف
عنها في بعض التفصيلت ،حيث إنه في هذه السس اعتبرت قيمة السهم الحقيقية أي السمية ،ل
القيمة السوقية كما يرى القائلون باعتبارها عروض تجارة ،لن القيمة السوقية تقديرية ،والقيمة
الحقيقية تمثل الواقع فعلً ،ول يصح اللجوء إلى التقدير ما دامت معرفة الحقيقة ممكنة ،كما أخرجت
العقارات المتخذة للستغلل ،وجعلت الزكاة من أجرتها ،ل من قيمتها ،لنها ليست عروض تجارة
في الواقع.
ومن الواضح أن المدفوع من القسط الول من السهم قد حال عليه الحول ،ووجبت زكاته ،وعلى
البنك أن يستخرجها على السس المتقدمة .وإذا كان تطبيق هذه السس متعذرا في الوقت الحاضر،
فإنه يجوز أن يخرج البنك بالنسبة للقسط الول %5،2من المبالغ المدفوعة عنه ،بعد طرح قيمة
الثاثات الثابتة ،والسهم التي ل تبلغ النصاب حتى ترد إفادة أصحابها ..على أن يفكر في الطريقة
التي تمكن من تطبيق هذه السس كاملة مستقبلً.
وهذا الحل المؤقت ل يختلف عن الرأي القائل باعتبار السهم عروض تجارة تؤخذ الزكاة من قيمتها
في السوق ،مضافا إليها الربح بعد طرح قيمة الثاثات الثابتة إل في ناحيتين:
الولى ـ اعتبار القيمة السمية للسهم.
الثانية :عدم إضافة الربح ،لنه غير معروف ،وعدم طرح المنصرفات وإن كانت معروفة ،لن
المفروض أن تغطى المنصرفات من الربح ،ل من رأس المال ،ومادام الربح لم يؤخذ في العتبار،
فمن العدل أل تؤخذ المنصرفات أيضا في العتبار ،وال أعلم.
ومع تأييدي لهذه الفتوى في الجملة ،فإني أعارضها في المور التالية:
( )3/208
أولً ـ العقارات المستغلة تزكى من أرباحها بنسبة ،%5،2وليس العشر من أجرتها حينما يتسلمها،
وذلك بعد حولن الحول عليها وهي قائمة في يد أصحابها أو لدى البنك .ثانيا ـ تزكى السهم في
الشركات زكاة الخليطين ،ولو كانت أسهم المساهم ل تبلغ نصابا شرعيا وحدها بالنسبة إليه ،كما
سيأتي.
ثالثا ـ تقدر السهم بالقيمة التجارية الموجودة في السواق (بورصات الوراق المالية) فإنها أصبحت
معروفة ،وقد تتجاوز القيمة السمية عشرات أو مئات المرات ،كما حدث فعلً في بعض السواق.
فإذا لم تعرف حاليا تجب زكاتها بمجرد معرفتها.
رابعا ـ تضاف الرباح عند معرفتها إلى أصل قيمة السهم ،إذ ما من شركة إل وتضع ميزانية
شاملة في آخر كل عام ،تبين فيها الصول والخصوم بالتعبير التجاري ،أو رأس المال والرباح
والديون.
المقدار الواجب إخراجه في زكاة السهم:
تزكى السهم ـ كما عرفنا ـ زكاة عروض التجارة ،فيكون مقدار الواجب فيها هو ربع العشر 5،
%2من الصل والنماء أو الربح .وإذا كنا قد استبعدنا التفصيل المذكور في الرأي القديم للستاذ
الشيخ محمد أبو زهرة ،واعتمدنا رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى ،مع ضرورة التمييز بين ما هو
تجاري وما هو صناعي ،فإن ما قرره المرحوم أبو زهرة من زكاة السهم التجارية بنسبة ،%5،2
وزكاة السهم المتخذة للستثمار كزكاة الصول الثابتة ،%10غير مناسب ،ومخالف لما قرره فقهاؤنا
في رأيهم المشهور من أن نسبة الزكاة في عروض التجارة هي .%5،2فيكون جعله نسبة زكاة أسهم
الستثمار %10غير متفق مع المذاهب الفقهية ،ولداعي للتفرقة بين أسهم التجارة وأسهم الستثمار،
وبخاصة فإنه في رأيه الخير لم يذكر هذا التفصيل ،واكتفى بالقول بوجوب الزكاة على السهم مثل
زكاة عروض التجارة .والخلصة :تجب زكاة السهم والسندات بنسبة ربع العشر %5،2من قيمتها
التجارية مع ربحها في نهاية كل عام ،ول تزكى الصول الثابتة من صافي الرباح .%10
( )3/209
وتزكي الشركات جميع السهم،لن للشركة ربحا من السهم ،فهي شريك للمساهم ،ولن الشركة
المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة ( ، )1وبما أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه ،فإنها تجب
على الشخص العتباري ،حيث ل يشترط فيها التكليف الذي أساسه البلوغ مع العقل ،وقياسا على
زكاة الماشية في مذهب الشافعية الجديد القائلين بتأثير الخلطة في المواشي وغيرها ،وهومذهب
المالكية والحنابلة أيضا في المواشي ( ، )2عملً بعموم الحديث النبوي الثابت في الزكاة« :ل يجمع
بين متفرّق ول يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة» ولن السهم يعبر عن قيمة مالية أو مبلغ من مال،
فهو مال تجب فيه الزكاة ،فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية ،ولن المالين كالمال الواحد في المؤن
(التكليف) من مخزن وناطور وغيرهما ،فهي أي غير المواشي من النقود والحبوب والثمار وعروض
التجارة ،كالمواشي ،فتخف المؤونة إذا كان المخزن والميزان والبائع واحدا.
وحينئد ل يعفى من زكاة السهم في الشركات المساهمة أحد من المساهمين ،ولو كانت حصته سهما
واحدا ،وتؤدى الزكاة من صافي مال الشركة المساهمة النامي ونمائه ،بنسبة %5،2ربع العشر ،فل
تحتسب قيمة الموال والصول الثابتة ـ عروض القنية ـ كالراضي والمباني واللت وغيرها،
لن السهم يمثل حصة في صافي الشركة المساهمة من أموال وأصول ثابتة وأموال وأصول متداولة
(نقود وعروض تجارة).
أما القول بزكاة السهم كزكاة الصول الثابتة بنسبة %10من الرباح ،فهو رأي ضعيف ل تقره
آراء فقهائنا القدامى.
ثم إن في إلزام الشركة المساهمة بإخراج زكاة السهم جميعها نفعا محققا للفقراء.
-------------------------------
( )1وهذا رأي الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في التطبيق المعاصر للزكاة :ص .119
( )2انظر مايأتي في بحث :زكاة الغنم.
( )3/211
ويؤيد هذا الرأي أن أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة رأى في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث السلمية
سنة 1965م كما تقدم أنه إذا كانت السهم تتخذ للستثمار ،وهي ممثلة في رأس مال شركة مساهمة،
فإن دفع الشركة للزكاة يغني عن دفع حامل السهم.
إل أن مجمع البحوث السلمية أوصى بأنه في الشركات المساهمة التي يساهم فيها عدد من الفراد
ل ينظر في تطبيق هذه الحكام إلى مجموع أرباح الشركات ،وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك
على حدة.
لكني أخالف هذا التجاه للسباب السابقة ،أما في حال تفرقة الزكاة وتوزيعها فل مانع من إعطاء
صاحب السهم زكاته ليتولى تفرقتها بالنيابة عن الشركة ،وأصالة عن نفسه.
وقد قررت الجمعية العمومية لحاملي أسهم دار المال السلمي في المملكة العربية السعودية إعطاء
الحق لمن يريد من المساهمين بسحب الزكاة المستحقة على حصته من السهم لتوزيعها بمعرفته
الشخصية ،وكان القرار ينص على استمرار الدار في مباشرة خصم (حسم) مبالغها (الزكاة)
والمستحقة شرعا.
وعلى كل مساهم يرغب في القيام بصرف ما يخصه من مبالغ طلب ذلك قبل ثلثة أشهر من نهاية
السنة المالية ،وذلك حتى تقوم الدار بتسليمها له على وفق الجراءات التي تقرها هيئة الرقابة الشرعية
للدار.
والخلصة :أرى أن تكون زكاة السهم في الشركات بحسب قيمتها التجارية المعلن عنها في السواق
ل بقيمتها السمية فقط ،وأن تزكى زكاة عروض التجارة بنسبة %5،2إذا كانت الشركة تجارية ،فإن
كانت الشركة صناعية محضة ل تتاجر ول تنتج سلعا تجارية ،فل تزكى السهم ،أما إن نتجت سلعا
تجارية كشركة نتاج الثلّجات فتزكى السهم بعد استقطاع ما يقابل قيمة اللت الصناعية والمباني.
وتقوم الشركة نفسها بتقدير زكاة السهم جميعها وتزكيها هي ،ل أصحاب السهم ،ويمكنها أثناء
توزيع الزكاة إعطاء صاحب السهم زكاتها ليقوم هو بإعطائها للفقراء ،وال أعلم.
( )3/212
( )3/213
ول يجب الخمس إل في النوع الول ،سواء وجد في أرض خراجية أو عشرية ( ، )1ويصرف
الخمس مصارف خمس الغنيمة ،ودليلهم الكتاب والسنة الصحيحة والقياس.
أما الكتاب :فقوله تعالى{ :واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه} [النفال ]41/8:ويعد المعدن
غنيمة؛ لنه كان في محله من الرض في أيدي الكفرة ،وقد استولى عليه المسلمون عنوة.
وأما السنة :فقوله صلّى ال عليه وسلم « :العجماء جُبَار ـ أي هدر ل شيء فيه ـ والبئر جبار،
والمعدن جبار ،وفي الركاز الخمس» ( )2والركاز يشمل المعدن والكنز؛ لنه من الركز أي المركوز،
سواء من الخالق أو المخلوق.
وأما القياس :فهو قياس المعدن على الكنز الجاهلي ،بجامع ثبوت معنى الغنيمة في كل منهما ،فيجب
الخمس فيهما.
والزائد عن الخمس :إن وجد في أرض مملوكة فهو لمالكه .وإن وجد في أرض غير مملوكة لحد
كالصحراء والجبل فهو للواجد.
ووجوب الخمس في الركاز :هو إن كان عليه علمة الجاهلية كوثن أو صليب ونحوهما ،فإن كان
عليه علمة السلم مثل كلمة الشهادة؛ أو اسم حاكم مسلم ،فهو لقطة ل يجب فيه الخمس.
-------------------------------
( )1الرض الخراجية :هي كل أرض فتحت عنوة وأقر أهلها عليها ،أو صالحهم المام على دفع
الخراج (ضريبة أهل الكفار) إل أرض مكة ،فإنها فتحت عنوة وتركت لهلها ،ولم يوظف عليها
الخراج .والرض العشرية :هي كل أرض أسلم أهلها عليها قبل أن يقدر عليها ،أو فتحت عنوة
وقسمت بين الغانمين ،وأرض العرب كلها أرض عشر ،يجب فيها العشر الذي هو وظيفة أرض
المسلمين (الكتاب مع اللباب 137/4 :ومابعدها) فالولى للدولة ،والثانية مملوكة.
( )2رواه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية.)380/2 :
( )3/214
وكذلك ل يجب الخمس عند أبي حنيفة إن وجد المعدن أو الركاز في دار مملوكة؛ لنه جزء من
أجزاء الرض مركب فيها ،ول مؤنة (ضريبة) في سائر الجزاء ،فكذا في هذا الجزء .وقال
الصاحبان :فيه الخمس ،لطلق الحديث السابق« :وفي الركاز الخمس» من غير تفرقة بين الرض
والدار .وفرق أبو حنيفة بينهما بأن الدار ملكت خالية عن المؤن (التكاليف) دون الرض ،بدليل
وجوب العشر والخراج في الرض دون الدار ،فتكون هذه المؤنة (الخمس) واجبة مثلهما في الرض
دون الدار.
ول زكاة في النوعين الخرين من المعادن (ما ل ينطبع بالنار ،والمائع) إل الزئبق من المائع ،فإنه
يجب فيه الخمس؛ لنه كالرصاص.
ول زكاة في الفيروزج الذي يوجد في الجبال ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل خمس في الحجر» (
. )1
ول زكاة في اللؤلؤ (مطر الربيع) والعنبر (حشيش يطلع في البحر ،أو خثي دابة) ول في جميع ما
يستخرج من البحر من الحلي ولو ذهبا كنزا؛ لنه لم يرد عليه القهر ،فلم يكن غنيمة ،إل إذا أعد
للتجارة.
وأما الكنز أو الركاز :فيجب فيه الخمس إذا وجد في أرض ل مالك لها ،للحديث السابق« :وفي
الركاز الخمس» ويلحق به كل ما يوجد تحت الرض من المتعة من سلح وآلت وثياب ونحو ذلك؛
لنه غنيمة بمنزلة الذهب والفضة.
ومن دخل دار الحرب بأمان ،فوجد في دار بعضهم ركازا ،رده عليهم تحرزا عن الغدر؛ لن ما في
الدار في يد صاحبها خاصة ،وإن لم يرده وأخرجه من دار الحرب ملكه ملكا خبيثا ،فيتصدق به .وإن
وجده في صحراء في دار الحرب ،فهو للواجد؛ لنه ليس في يد أحد على الخصوص ،فل يعد غدرا،
ول شيء فيه؛ لنه بمنزلة المتلصص في دار الحرب غير المجاهر إذا أخذ شيئا من أموال الحربيين،
وأحرزه بدار السلم.
- 2مذهب المالكية (: )2
المعدن غير الركاز ،والمعدن :هو ما خلقه ال في الرض من ذهب أو فضة أو غيرهما كالنحاس
والرصاص والكبريت ،ويحتاج إخراجه إلى عمل وتصفية.
ملكية المعادن :المعادن أنواع ثلثة:
-------------------------------
( )1قال الزيلعي عنه :غريب ،وأخرج ابن عدي في الكامل عن عمرو بن شعيب عن أبيه« :ل زكاة
في حجر» وفيه ضعيف أو مجهول .وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة« :ليس في حجر اللؤلؤ ،ول
حجر الزمرد زكاة ،إل أن يكون للتجارة ،فإن كانت للتجارة ففيه الزكاة» (نصب الراية.)283/2 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،102بداية المجتهد ،250/1 :الشرح الصغير ،656-650/1 :الشرح
الكبير.492-486/1 :
( )3/215
الول ـ أن تكون في أرض غير متملكة :فهي للمام (الدولة) يقطعها لمن شاء من المسلمين ،أو
يجعلها في بيت المال لمنافعهم ،ل لنفسه.
الثاني ـ أن تكون في أرض مملوكة لشخص معين :هي للمام أيضا ،وليختص بها رب الرض.
وقيل :لصاحبها.
الثالث ـ أن تكون في أرض ممتلكة لغير شخص معين كأرض العنوة والصلح :أرض العنوة للمام،
ومعادن أرض الصلح لهلها ،ول نتعرض لهم فيها ماداموا كفارا ،فإن أسلموا رجع المر للمام.
والخلصة :أن حكم المعدن مطلقا للمام (أي السلطان أو نائبه) إل أرض الصلح ما دام أهلها كفارا.
الواجب في المعدن :تجب الزكاة في المعدن ،وهي ربع العشر إن كان نصابا ،وبشرط الحرية
والسلم كما يشترط في الزكاة ،لكن ل حول في زكاة المعدن ،بل يزكى لوقته كالزرع ،والمعدن
الذي تجب فيه الزكاة هو الذهب والفضة فقط ،ل غيرهما من المعادن من نحاس ورصاص وزئبق
وغيرها إل إذا جعلت عروض تجارة .وسبب الختلف بينهم وبين الحنفية في مقدار الواجب :هو هل
اسم الركاز يتناول المعدن أو ل يتناوله؟ الحنفية قالوا :يتناوله ،فيعمل بالحديث السابق« :وفي الركاز
الخمس» والمالكية قالوا :ل يتناوله فتجب فيه زكاة النقدين ربع العشر ،وتصرف مصارف الزكاة.
( )3/216
ويضم في الزكاة المعدن المستخرج ثانيا لما استخرج أولً ،متى كان العِرْق واحدا ،أي متصلً بما
خرج أولً ،فإن بلغ الجميع نصابا فأكثر ،زكاه ،وإن تراخى العمل.
ول يضم عِرْق لخر ،كما ل يضم معدن لخر ،وتخرج الزكاة من كل واحد على انفراده.
ويستثنى من ذلك ما يسمى بالنّدْرَة :وهي القطعة الخالصة من الذهب أو الفضة التي يسهل تصفيتها
من التراب ،فل تحتاج إلى عناء في التخليص ،ويخرج منها الخمس ،ولو دون نصاب ،وتصرف
مصارف الغنيمة وهو مصالح المسلمين ،كما قال الحنفية في المعدن الذي ينطبع بالنار.
وأما الركاز أوالكنز :فهو دفين الجاهلية من ذهب أو فضة أو غيرهما ،فإن شك في المال المدفون،
أهو جاهلي أم غيره ،اعتبر جاهليا.
ملكيته :يختلف حكم ملكية الركاز باختلف الرض التي وجد فيها ،وهو أربعة أنواع:
الول ـ أن يوجد في الفيافي ،ويكون من دفن الجاهلية :فهو لواجده.
الثاني ـ أن يوجد في أرض مملوكة :فهو لمالك الرض الصلي بإحياء أو بإرث منه ،ل لواجده،
ول لمالكها بشراء أو هبة ،بل للبائع الصلي أوالواهب إن علم ،وإل فلقطة.
الثالث ـ أن يوجد في أرض فتحت عنوة :فهو لواجده.
الرابع ـ أن يوجد في أرض فتحت صلحا :فهو لواجده.
هذا كله مالم يكن بطابع المسلمين ،فإن كان بطابع المسلمين ،فحكمه حكم اللقطة :يُعرّف عاما ثم يكون
لواجده.
زكاته :يجب الخمس في الركاز مطلقا ،سواء أكان ذهبا أم فضة أم غيرهما ،وسواء وجده مسلم أو
غيره .ويصرف الخمس كالغنائم في المصالح العامة ،إل إذا احتاج إخراجه إلى عمل كبير أو نفقة
عظيمة ،فيكون الواجب فيه ربع العشر ،ويصرف في مصارف الزكاة.
ول يشترط في الواجب في الركاز في الحالين بلوغ النصاب ،والباقي من الركاز بعد إخراج الواجب
يكون للواجد ،إل إذا كان في أرض مملوكة ،فيكون لمالك الرض الصلي ،كما بينت.
( )3/217
ول زكاة فيما لفظه (طرحه) البحر مما لم يكن مملوكا لحد ،كعنبر ولؤلؤ ومرجان وسمك (، )1
ويكون لواجده الذي وضع يده عليه أولً ،بل تخميس؛ لن أصله الباحة .فإن سبق ملكه لحد من
أهل الجاهلية ،فهو لواجده بعد تخميسه؛ لنه من الركاز .وإن علم أنه لمسلم أو ذمي فهو لقطة ،يعرّف
عاما.
- 3مذهب الشافعية (: )2
المعدن غير الركاز ،فالمعدن :ما يستخرج من مكان خلقه ال تعالى فيه ،وهو خاص بالذهب والفضة،
كما قال المالكية.
ويجب فيه ربع العشر إن كان ذهبا أو فضة ،ل غيرهما كياقوت وزبرجد ونحاس وحديد ،سواء وجد
في أرض مباحة أو مملوكة لحر مسلم ،لعموم أدلة الزكاة السابقة ،كخبر« :وفي ال ّرقَة ربع العشر» ،
بشرط كونه نصابا ،كما قال باقي الئمة ،ول يشترط حولن الحول على المذهب؛ لن الحول إنما
يعتبر لجل تكامل النماء ،والمستخرج من المعدن نماء في نفسه ،فأشبه الثمار والزروع.
ويضم بعض المستخرج إلى بعض إن اتحد المعدن المخرج ،وتتابع العمل ،كما يضم المتلحق من
الثمار ،ول يشترط بقاء الول على ملك المستخرج ،ويشترط اتحاد المكان المستخرج منه ،فلو تعدد
لم يضم؛ لن الغالب في اختلف المكان استئناف العمل .وإذا قطع العمل بعذر كإصلح اللة وهرب
الجراء والمرض والسفر ،ثم عاد إليه ،ضُمّ ،وإن طال الزمن عرفا لعدم إعراضه .وإذا قطع العمل
بل عذر فل يضم ،لعراضه عن العمل.
ويضم الخارج الثاني إلى الول ،كما يضم إلى ما ملكه بغير المعدن في إكمال النصاب ،وتخرج
زكاته عقب تخليصه وتنقيته ،فلو أخرج قبل تصفيته ل تجزئ.
وأما الركاز فهو دفين الجاهلية ( ، )3ويجب فيه الخمس ،كما قرر الحنفية،
-------------------------------
( )1وهذا موافق لمذهب الحنفية السابق.
( )2مغني المحتاج ،396-394/1 :المهذب.162/1 :
( )3المراد بالجاهلية :ما قبل السلم أي قبل مبعث النبي صلّى ال عليه وسلم .
( )3/218
حالً بشروط الزكاة من حرية وإسلم وبلوغ نصاب ،وكونه من النقدين (الذهب والفضة المضروب
منهما والسبيكة)؛ لنه مال مستفاد من الرض ،فاختص بما تجب فيه الزكاة قدرا ونوعا كالمعدن ،ول
يشترط حولن الحول ،ويصرف مصرف الزكاة على المشهور .ودليل قدر الواجب فيه حديث أبي
هريرة المتقدم« :وفي الركاز الخمس» .
فإن لم يكن دفين الجاهلية :بأن كان إسلميا بوجود علمة عليه تدل على إسلميته ،أو لم يعلم أهو
جاهلي أو إسلمي :فهو لمالكه أو وارثه إن علم؛ لن مال المسلم ل يملك بالستيلء عليه .وإن لم
يعلم مالكه ،فلقطة ،يعرّفه الواجد ،كما يعرّف اللقطة الموجودة على وجه الرض.
وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة لشخص أو لموقوف عليه ،فللشخص إن ادعاه ،يأخذه بل يمين،
كأمتعة الدار ،وإن لم يدعه بأن نفاه أو سكت ،فلمن سبقه من المالكين ،حتى ينتهي المر إلى محيي
الرض.
وإذا وجد الركاز في مسجد أو شارع ،فلقطة على المذهب ،يفعل فيه ما يفعل باللقطة مما سبق؛ لن
يد المسلمين عليه ،وقد جهل مالكه ،فيكون لقطة.
ولو تنازع في ملك الركاز بائع ومشتر ،أو ُمكْر ومكتر ،أو معير ومستعير ،صُدّق ذو اليد (أي
المشتري والمكتري والمستعير) بيمينه؛ كما لو تنازعا في أمتعة الدار.
- 4مذهب الحنابلة (: )1
المعدن غير الركاز ،والمعدن :هو مااستنبط من الرض مما خلقه ال تعالى وكان من غير جنسها،
فليس هو شيء دفن ،سواء أكان جامدا أم مائعا.
ملكيته :المعادن الجامدة كالذهب والفضة والنحاس تملك بملك الرض التي هي فيها؛ لنها جزء من
أجزاء الرض ،فهي كالتراب والحجار الثابتة ،بخلف
-------------------------------
( )1المغني.29-17/3 :
( )3/219
الركاز ،فإنه ليس من أجزاء الرض .فعلى هذا ما يجده الواجد في ملك أو في موات ،فهو أحق به،
وإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به مادام يعمل ،فإذا تركه جاز لغيره العمل فيه،
وما يجده في مملوك يعرف مالكه ،فهو لمالك المكان.
أما المعادن السائلة كالنفط والزرنيخ ونحو ذلك ،فهي مباحة على كل حال ،إل أنه يكره له دخول ملك
غيره إل بإذنه.
صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة :هو كل ما خرج من الرض مما يخلق فيها ،فإذا أخرج من
المعادن من الذهب عشرون مثقالً ،أو من الفضة مئتا درهم (نصاب الزكاة) ،أو قيمة ذلك من الحديد
والرصاص والنحاس والزئبق والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والكحل والزرنيخ ،وكذلك المعادن
السائلة كالقار (الزفت) والنفط والكبريت ونحو ذلك ،مما يستخرج من الرض ،ففيه الزكاة فورا أي
من وقت الخراج.
ودليلهم عموم قوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ،ومما أخرجنا لكم من
الرض} [البقرة ]267/2:وأنه معدن ،فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالثمان (الذهب والفضة) .وأما
الطين فليس بمعدن؛ لنه تراب ،والمعدن :ما كان في الرض من غير جنسها.
قدر الواجب وصفته :قدر الواجب في المعدن هو ربع العشر ،وصفته أنه زكاة ،كما قال الشافعية ،لما
روى أبو عبيد« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أقطع بلل بن الحارث المزني معادن القَبَلية ()1
في ناحية الفُرْع ،قال :فتلك المعادن ل يؤخذ منها إل الزكاة إلى اليوم» ولنه حق يحرم على أغنياء
ذوي القربى ،فكان زكاة كالواجب في الثمان التي كانت مملوكة له.
-------------------------------
( )1قال أبو عبيد :القبلية بلد معروفة بالحجاز.
( )3/220
نصاب المعادن :هو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالً ،ومن الفضة مئتي درهم ،أو قيمة ذلك من
غيرهما ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ليس فيما دون خمس أواق صدقة» وقوله« :ليس في تسعين
ومئة شيء» وقوله« :ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالً» .
ول يشترط له الحول لحصوله دفعة واحدة ،فأشبه الزروع والثمار.
ويعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة ،أو دفعات ل يترك العمل بينهن ترك إهمال .وترك العمل ليلً أو
للستراحة أو لعذر من مرض أو لصلح الداة ونحوه ل يقطع حكم العمل.
ويضم ما خرج في العملين بعضه إلى بعض في إكمال النصاب .ول يضم أحد الجناس إلى جنس
آخر ،ويعتبر لكل معدن نصاب مستقل بانفراده؛ لن المعادن أجناس ،فل يكمل نصاب أحدهما بالخر
كغير المعدن ،إل في الذهب والفضة ،فيضم كل منهما إلى الخر في تكميل النصاب ،كما يضم إلى
كل منهما معدن آخر ،وكما تضم عروض التجارة إلى الثمان (الذهب والفضة).
وقت الوجوب :تجب الزكاة في المعدن حين الخراج وبلوغ النصاب ،ول يعتبر له حول باتفاق
المذاهب الربعة؛ لنه مال مستفاد من الرض ،فل يعتبر في وجوب حقه حول ،كالزرع والثمار
والركاز.
شروط إخراج الزكاة في المعادن :يشترط شرطان:
الول ـ أن يبلغ بعد سبكه وتصفيته نصابا إن كان ذهبا أو فضة أو تبلغ قيمته نصابا إن كان
غيرهما ،كما أوضحت.
( )3/221
الثاني ـ أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة ،فل تجب على الذمي أو الكافر أو المدين أو نحو
ذلك.
معادن البحر :ل زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك ونحوه ،كما قرر
باقي المذاهب ،لقول ابن عباس« :ليس في العنبر شيء ،إنما هو شيء ألقاه البحر» وعن جابر نحوه (
، )1ولنه قد كان يخرج على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم وخلفائه ،فلم يأت فيه سنة ،ول
عن أحد من خلفائه ،ولن الصل عدم الوجوب فيه ،ول يصح قياسه على معدن البر؛ لن العنبر إنما
يلقيه البحر ،فيوجد ملقى في البر على الرض من غير تعب ،فأشبه المباحات المأخوذة من البر ،وأما
السمك فهو صيد ،فلم يجب فيه زكاة كصيد البر.
وأما الركاز :فهو دفين الجاهلية ،أي مال الكفار المأخوذ في عهد السلم ،قل أو كثر ،ويلحق به ما
وجد على وجه الرض وكان عليه علمة الكفار .وفيه الخمس ،كما قرر الحنفية والشافعية والمالكية،
للحديث السابق المتفق عليه« :العجماء جُبَار ،وفي الركاز الخمس» .
فإن وجد عليه أو على بعضه علمة السلم كآية قرآن أو اسم النبي صلّى ال عليه وسلم أو أحد من
خلفاء المسلمين أو وال لهم ،فهو لقطة ،تجري عليه أحكامها؛ لنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه.
وخمس الركاز يوضع في بيت المال ويصرف في المصالح العامة ،وباقيه لواجده إن وجده في أرض
مباحة ،ولمالك الرض إن وجد في أرض مملوكة ،وهو للواجد إن وجده في ملك غيره إن لم يدّعه
المالك ،فإن ادعاه مالك الرض فهو له مع يمينه.
وإن وجد الركاز في دار الحرب :فإن لم يقدر إل بجماعة من المسلمين ،فهو غنيمة لهم ،وإن قدر
عليه بنفسه ،فهو لواجده ،كما لو وجده في موات في أرض المسلمين.
صفة الركاز الذي فيه الخمس :هو كل ما كان مالً على اختلف أنواعه من الذهب والفضة والحديد
والرصاص والنحاس والنية وغير ذلك ،لعموم الحديث« :وفي الركاز الخمس» .
-------------------------------
( )1رواهما أبو عبيد.
( )3/222
قدر الواجب في الركاز ومصرفه :أما قدره فهو الخمس ،للحديث المتقدم والجماع ،وأما مصرفه على
ل بفعل عمر في هذا الشأن،
الصح من الروايتين عن أحمد فهو مصرف الفيء للمصالح العامة ،عم ً
ولنه مال مخمس زالت عنه يد الكافر ،فأشبه خمس الغنيمة.
من يجب عليه الخمس :هو كل من وجده من مسلم وذمي وحر وغيره وكبير وصغير وعاقل
ومجنون ،وهو رأي الجمهور لعموم حديث «وفي الركاز الخمس» ،وقال الشافعية :ل يجب الخمس
إل على من تجب عليه الزكاة؛ لنه زكاة.
ويجوز أن يتولى النسان تفرقة الخمس بنفسه ،وهو رأي الفقهاء الخرين؛ لن عليا أمر واجد الكنز
بتفرقته على المساكين.
المطلب الثالث ـ زكاة عروض التجارة :
أبحث فيه المقصود بعروض التجارة ،وشروط الزكاة فيها ،وتقويم العروض ومقدار الواجب ،وحكم
ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال ،وكيفية زكاة التجارة عند المالكية ،وزكاة
شركة المضاربة.
ل ـ معنى عروض التجارة:
أو ً
العروض جمع عَرَض (بفتحتين) :حطام الدنيا ،وبسكون الراء :هي ما عدا النقدين (الدراهم الفضية
والدنانير الذهبية) من المتعة والعقارات وأنواع الحيوان والزروع والثياب ونحو ذلك مما أعد
للتجارة .ويدخل فيها عند المالكية الحلي الذي اتخذ للتجارة .والعقار الذي يتجر فيه صاحبه بالبيع
والشراء حكمه حكم السلع التجارية ،ويزكى زكاة عروض التجارة .أما العقار الذي يسكنه صاحبه أو
يكون مقرا لعمله كمحل للتجارة ومكان للصناعة ،فل زكاة فيه.
ثانيا ـ شروط زكاة العروض التجارية:
اشترط الفقهاء لوجوب زكاة عروض التجارة شروطا ،أربعة عند الحنفية ،وخمسة عند المالكية ،وستة
عند الشافعية ،وشرطين فقط عند الحنابلة ( ، )1منها ثلثة شروط متفق عليها وهي بلوغ النصاب،
وحولن الحول ،ونية التجارة ،ومنها شروط زوائد في بعض المذاهب ،وهي ما يأتي:
- ً 1بلوغ النصاب :أن تبلغ قيمة أموال التجارة نصابا من الذهب أو الفضة المضروبين ،وتعتبر في
البلد الذي فيه المال ،فإن كان في مفازة اعتبرت قيمتها في أقرب المصار إلى تلك المفازة.
ودليلهم على هذا الشرط أحاديث مرفوعة وموقوفة تتضمن تقويم مال التجارة ،فيؤدى من كل مئتي
درهم خمسة دراهم (. )2
-------------------------------
( )1البدائع ،21/2 :الدر المختار ،45/2 :تبيين الحقائق ،280/1 :فتح القدير ،528-526/1 :اللباب:
150/1ومابعدها ،بداية المجتهد ،264-260/1 :القوانين الفقهية :ص ،103الشرح الصغير:
641 ،638-636/1مغني المحتاج ،400-397/1 :المهذب ،161-159/1 :كشاف القناع280/2 :
ومابعدها ،المغني.36-29/3 :
( )2من المرفوعة حديث حسن عند أبي داود عن سمرة بن جندب ،ومن الموقوفة حديث عن عمر
رواه أحمد وعبد الرزاق والدارقطني ( نصب الراية.)378-375/2 :
( )3/223
وقال المالكية في هذا الشرط :إن كان التاجر محتكرا وجب أن يبيع من عروض التجارة بنصاب من
الذهب أو الفضة .وإن كان مديرا لزم أن يبيع من ذلك بأي شيء منهما ولو درهما.
والمدير :هو الذي يبيع ويشتري ول ينتظر وقتا ول ينضبط له حول كأهل السواق ،فيجعل لنفسه
شهرا في السنة ينظر فيه ما معه من النقود ،ويقوّم مامعه من العروض ويضمه إلى النقود ،ويؤدي
زكاة ذلك إن بلغ نصابا بعد إسقاط الدين إن كان عليه.
وأما المحتكر أو غير المدير :فهو الذي يشتري السلع ،وينتظر بها الغلء .فل زكاة عليه فيها حتى
يبيعها ،فإن باعها بعد حول أو أحوال ،زكى الثمن لسنة واحدة.
( )3/224
والخلصة :إن الجمهور غير المالكية قالوا :المدير وغير المدير لهما حكم واحد ،وأن من اشترى
عرضا للتجارة فحال عليه الحول ،قومه وزكاه ،فل يجب على المدير شيء عند الجمهور؛ لن الحول
إنما يشترط في عين المال ،ل في نوعه .وأما مالك فأوجب على المدير الزكاة ،وإن لم يحل الحول
على عين المال ،ويكفي حولنه على نوع المال ،لئل تسقط الزكاة رأسا عن المدير ،وهذا أخذ بمبدأ
المصالح المرسلة التي ل يشترط فيها عند مالك استنادها إلى أصول منصوص عليها.
- ً 2حولن الحول :أن يحول على الموال (أي القيمة) الحول من وقت ملك العروض ،ل على
السلعة نفسها .والمعتبر في ذلك عند الحنفية ،والمالكية (في غير المدير) :طرفا الحول ل وسطه ،أما
في البتداء فلتحقق الغنى ،وأما في النتهاء فللوجوب ،فمن ملك في أول الحول نصابا ،ثم نقص في
أثنائه ،ثم كمل في آخره ،وجبت فيه الزكاة ،أما لو نقص في أوله أو في آخره فل تجب فيه الزكاة.
والمعتبر عند الشافعية :بلوغ النصاب آخر الحول من البدء بالمتاجرة؛ لنه وقت الوجوب ،ل بطرفيه
معا أي أوله وآخره ،وبناء عليه إذا كان مع تاجر في أول الحول ما يكمل به النصاب كمئة درهم
اشترى بخمسين منها عرضا للتجارة ،فبلغت قيمته في آخر الحول مئة وخمسين ،فإنه تلزمه زكاة
الجميع آخر الحول.
والمعتبر عند الحنابلة :بلوغ النصاب في جميع الحول ،ول يضر النقص اليسير في أثنائه كنصف يوم
مثلً ،أي أنه ل زكاة قبل اكتمال النصاب في البدء والثناء والنتهاء.
- ً 3نية التجارة حال الشراء :أن ينوي المالك بالعروض التجارة حالة شرائها ،أما إذا كانت النية
بعد الملك ،فل بد من اقتران عمل التجارة بنية ،ويشترط أيضا عند الحنفية أن يكون الشيء المتجر
فيه صالحا لنية التجارة ،فلو اشترى أرضا خراجية للتجارة ،ففيها الخراج ل الزكاة ،ولو اشترى
أرضا عشرىة وزرعها ،وجب في الزرع الناتج العشر ،دون الزكاة.
( )3/225
واشترط الشافعية أن ينوي بالعروض التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه ،فإن لم
ينو على هذا الوجه فل زكاة فيها .ويشترط تجديد نية التجارة عند كل معاوضة حتى يفرغ رأس
المال.
- ً 4ملك العروض بمعاوضة :اشترط الجمهور غير الحنفية أن تملك العروض بمعاوضة كشراء
وإجارة ومهر ،فإن ملكت بغير معاوضة كإرث أو خلع أو هبة أو وصية أو صدقة مثلً ،كأن ترك
شخص لورثته عروض تجارة ،فل زكاة فيها حتى يتصرفوا فيها بنية التجارة .وزاد المالكية أن يكون
ثمن العروض ممتلكا بمعاوضة مالية أيضا ،ل بنحو هبة أو إرث ،ومن كان يبيع العروض بالعرض
ول ينض (يتحول نقدا) له من ثمن ذلك نقد ،فل زكاة عليه عند المالكية إل أن يفعل ذلك فرارا من
الزكاة فل تسقط ،وعليه الزكاة عند المذاهب الخرى.
- ً 5أل يقصد بالمال القِنْية (أي إمساكه للنتفاع به وعدم التجار به) :هذا شرط ذكره الشافعية
والحنابلة والمالكية ،فإن قصد ذلك انقطع الحول ،وإذا أراد التجارة بعدئذ ،احتاج لتجديد نية التجارة.
- ً 6أل يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقدا وهو أقل من النصاب :هذا شرط آخر عند
الشافعية ،فإن صار جميع المال نقدا مع كونه أقل من نصاب ،انقطع الحول .ولم يشترط غير الشافعية
هذا الشرط.
- ً 7أل تتعلق الزكاة بعين العرض :هذا شرط عند المالكية ،فإن تعلقت الزكاة بعينه كحلي الذهب أو
الفضة ،وكالماشية (البل والبقر والغنم) والحرث (الزرع والثمر) وجبت زكاته إن بلغ نصابا مثل
زكاة النقدين والنعام والحرث ،فإن لم تتعلق الزكاة بعين المال كالثياب والكتب وجبت زكاة التجارة.
والخلصة :إن الحنابلة اشترطوا لوجوب الزكاة في عروض التجارة شرطين (: )1
الول ـ أن يملكها بفعله كالشراء ،وهو الشرط الرابع لدينا.
الثاني ـ أن ينوي التجارة حال التملك ،وهو الشرط الثالث السابق.
والحنفية اشترطوا أربعة شروط:
الول ـ بلوغ النصاب.
-------------------------------
( )1الواقع أن هذين الشرطين اللذين ذكرا في كتاب الفقه على المذاهب الربعة 490/1 :منقولن عن
المغني ،31/3 :وكشاف القناع ،280/2 :وهما شرطان لتصير العروض للتجارة ،وهما مقرران أيضا
لدى الشافعية (المهذب )159/1 :أما بقية الشروط مثل بلوغ النصاب وحولن الحول فيقررهما
الحنابلة مثل الشافعية تماما (انظر المغني.)36 ،32-30/3 :
( )3/226
( )3/227
ثالثا ـ تقويم العروض ومقدار الواجب في هذه الزكاة وطريقة التقويم :
يقوّم التاجر العروض أو البضائع التجارية في آخر كل عام بحسب سعرها في وقت إخراج الزكاة ،ل
بحسب سعر شرائها ،ويخرج الزكاة المطلوبة ،وتضم السلع التجارية بعضها إلى بعض عند التقويم
ولو اختلفت أجناسها ،كثياب وجلود ومواد تموينية ،وتجب الزكاة بل خلف في قيمة العروض ،ل في
عينها؛ لن النصاب معتبر بالقيمة ،فكانت الزكاة منها ،وواجب التجارة هو ربع عشر القيمة كالنقد
باتفاق العلماء ،قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة :الزكاة
إذا حال عليها الحول (. )1
وأدلة وجوب زكاة التجارة ما يأتي (: )2
ً - 1قوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة ]267/2:قال مجاهد :نزلت
في التجارة.
ً - 2وقوله صلّى ال عليه وسلم « :في البل صدقتها ،وفي البقر صدقتها ،وفي الغنم صدقتها ،وفي
البَزّ ( )3صدقته» ( )4وقال سمرة بن جندب« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يأمرنا
-------------------------------
( )1المغني.29/3 :
( )2مغني المحتاج ،397/1 :المغني ،30/3 :البدائع.21-20/2 :
( )3البز بفتح الباء :الثياب المعدة للبيع عند البزاين ،والسلح ،وبما أن زكاة العين (أي اقتطاع جزء
من ذات الشيء) ل تجب في السلح والثياب ،فتعين حمل الحديث على زكاة التجارة.
( )4رواه الحاكم بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين ،والدارقطني ،عن أبي ذر.
( )3/228
أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع» ( )1وعن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال« :أمرني عمر ،فقال:
أدّ زكاة مالك ،فقلت :ما لي مال إل جعاب وأدم ،فقال :قوّمها ،ثم أدّ زكاتها» ( )2قال ابن قدامة
صاحب المغني :وهذه قصة يشتهر مثلها ،ولم تنكر ،فيكون إجماعا.
وأما ما حكي عن مالك وداود أنه ل زكاة في التجارة لحديث « :عفوت لكم عن صدقة الخيل
والرقيق» فالمراد به زكاة العين فل زكاة في عين الخيل ،لزكاة القيمة ،بدليل الخبار التي ذكرتها،
ثم إن هذا الخبر عام ،والخبار المذكورة خاصة ،فيجب تقديمها .والمقرر عند المالكية هو وجوب
زكاة التجارة.
وطريقة تقويم العروض ( : )3هي عند الجمهور غير الشافعية أن تقوم السلع إذا حال الحول بالحظ
للمساكين من ذهب أو فضة احتياطا لحق الفقراء ،ول تقوم بما اشتريت به .فإذا حال الحول على
العروض ،وقيمتها بالفضة نصاب ،ول تبلغ نصابا بالذهب ،قومناها بالفضة ليحصل للفقراء منها حظ،
ولو كانت قيمتها بالفضة دون النصاب ،وبالذهب تبلغ نصابا قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها ،ول
فرق بين أن يكون اشتراؤها بذهب أو فضة أو عروض.
وقال الشافعية :تقوم العروض بما اشتراها التاجر به من ذهب أو فضة؛ لن نصاب العروض مبني
على ما اشتراه به ،فيجب أن تجب الزكاة فيه ،وتعتبر به ،كما لو لم يشتر به شيئا .وعلى هذا إن ملك
العرض بنقد قوّم به إن ملك بنصاب أو دونه في الصح ،سواء أكان ذلك النقد هو الغالب أم ل،
وسواء أبطله السلطان أم ل ،لنه أصل ما بيده ،فكان أولى من غيره .وإن ملك العرض بعرض آخر
للقنية أو بخلع أو نكاح أو صلح عن دم عمد ،فيقوّم بغالب نقد البلد ،من الدراهم والدنانير؛ لنه لما
تعذر التقويم بالصل ،رجع إلى نقد البلد ،على قاعدة التقويمات في التلف ونحوه.
فإن حال الحول بمحل ل نقد فيه ،كبلد يتعامل فيه بالفلوس أو نحوها ،اعتبر أقرب البلد إليه.
ولو ملك بدين في ذمة البائع أو بنحو سبائك ،قوّم بجنسه من النقد.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود بإسناد مقارب عن سمرة.
( )2رواه المام أحمد وأبو عبيد.
( )3فتح القدير ،527/1 :البدائع ،21/2 :المغني ،33/3 :بداية المجتهد 260/1 :ومابعدها ،مغني
المحتاج ،399/1 :المهذب.161/1 :
( )3/229
فإن غلب نقدان على التساوي في التعامل بالبلد ،وبلغ مال التجارة بأحدهما دون الخر نصابا ،قوم به،
لبلوغه نصابا بنقد غالب .فإن بلغ نصابا بكل من النقدين الغالبين ،قوم بالنفع منهما للفقراء .وإن ملك
العرض بنقد وعرض آخر ،كأن اشترى بمئتي درهم وعرض قنية ،قوم ما قابل النقد به ،والباقي
بغالب نقد البلد ،كما لو انفرد الشراء بواحد منهما.
ورأي الجمهور أولى لسهولته ومراعاته مصالح الفقراء .وعلى هذا يجب على كل تاجر أن يجرد
آخر كل عام ما لديه من بضائع ،ويقدر قيمتها وقت الجرد عند الجمهور بالنقود الرائجة ،فإن بلغت
نصابا ،وجب عليه إخراج ربع عشر قيمة هذه الموال ،%5،2ويضم الربح إلى رأس المال ،ول
يقوّم الثاث وموجودات المحل وأدوات التجارة والصناعة والكسب وفروغ المحل.
هل يجوز إخراج الزكاة من عروض التجارة؟
اختلف الفقهاء على رأيين (: )1
فقال الحنفية :يخير التاجر بين العين أو القيمة ،فللمالك الخيار عند حولن الحول بين الخراج من
قيمة التجارة ،فيخرج ربع عشر القيمة ،وبين الخراج من عينها ،فيخرج ربع عشر العين التجارية؛
لن التجارة مال تجب فيه الزكاة ،فجاز إخراجها من عينه كسائر الموال ،وعلى هذا يصح لتاجر
القماش مثلً إخراج الزكاة من أعيان القمشة على أن يراعى اختيار الوسط من كل نوع ،ويدفع
الزكاة من كل نوع ،ل أن يخرج الكاسد أو يخرج نوعا واحدا عن جميع النواع.
وقال الجمهور :يجب إخراج القيمة ،ول يجوز الخراج من عين العروض التجارية؛ لن النصاب
معتبر بالقيمة ،فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الموال ،ول نسلم أن الزكاة تجب في المال ،وإنما
وجبت في قيمته.
-------------------------------
( )1البدائع ،21/2 :مغني المحتاج ،399/1 :المغني ،31/3 :القوانين الفقهية :ص .103
( )3/230
رابعا ـ حكم ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال :
اتفق فقهاء المذاهب على أنه تضم أرباح التجارة إلى أصل رأس المال في الحول ،كما يضم أيضا
عند الحنفية خلفا لغيرهم المال المستفاد من غير التجارة كعطية وإرث إلى أصل المال ،ويتضح ذلك
فيما يأتي:
قال الحنفية ( : )1يضم الربح الناتج عن التجارة ،والولد أو النماء في الماشية ،والمال المستفاد من
غير التجارة كالرث والهبة إلى أصل رأس المال ،إذا كان مالكا للنصاب ،في أول الحول الذي هو
وقت انعقاد سبب إيجاب الزكاة ،وبقي في أثناء الحول شيء من النصاب الذي انعقد عليه الحول،
ليضم المستفاد إليه ،وكان آخر الحول بمقدار النصاب ،ويزكى الجميع في تمام الحول؛ لن المستفاد
من جنس الصل وتبع له؛ لنه زيادة عليه؛ إذ الصل يزداد به ويتكثر ،والزيادة تبع للمزيد عليه،
والتبع ل يفرد بالحكم حتى ل ينقلب أصلً .أما المستفاد بعد الحول ،فل يضم إلى الصل في حق
الماضي بل خلف .والسوائم المختلفة الجنس كالبل والغنم ل تضم إلى بعضها .والنقدان كما بينت
سابقا يضم أحدهما إلى الخر في تكميل النصاب.
وقال المالكية ( : )2يضم الربح الناتج عن التجارة ،وغلة المكترى للتجارة لصل المال الذي نتج عنه
في أثناء الحول ،ولو كان الصل أقل من نصاب.
وأما المستفاد بدون تجارة كالرث والهبة ،فل يضم إلى أصل رأس المال في الحول ،ولو كان نصابا،
بل يبدأ به حولً جديدا من يوم ملكه.
وأما الماشية المستفادة بإرث أو هبة ونحوهما فتضم إلى الماشية التي عنده إن كانت نصابا ،ول تضم
لها إن كانت أقل من نصاب.
-------------------------------
( )1البدائع 13/2 :ومابعدها ،فتح القدير ،529/1 :الدر المختار ،31/2 :تبيين الحقائق280/1 :
( )2الشرح الكبير مع الدسوقي ،463-461/1 :بداية المجتهد ،263/1 :وقالوا :نماء العين ربح وغلة
وفائدة ،أما الربح فهو ما يزيد عن ثمن المبيع المتجر به على ثمنه الول ذهبا أو فضة ،وحكمه أنه
يضم لحول أصله ولو أقل من نصاب .والغلة :ما تجدد من سلع التجارة قبل بيع رقابها (ذواتها) كثمر
النخل المشترى للتجارة ،وحكمها أنه يبدأ بها حولً من يوم قبضها .والفائدة :ما تجدد ل عن مال أو
عن مال غير مزكى كعطية وميراث وثمن عرض القنية ،وحكمها البدء (الستقبال) بها حولً من يوم
حصولها.
( )3/231
ورأى الشافعية ( )1في الصح :أن الربح وولد العرض وثمره كثمر الشجرة وأغصانها وورقها
وصوف الحيوان ووبره وشعره ،هو مال تجارة يضم لصل رأس المال ،وأن حوله حول الصل؛
ولو كان الصل دون نصاب؛ لن الربح ونحوه جزء من الصل ،فحوله حول الصل تبعا كنتاج
الماشية السائمة.
وأما المال المستفاد من غير التجارة :فل يضم إلى مال التجارة في الحول ،وإنما له حول مستقل من
يوم ملكه.
ومذهب الحنابلة ( )2كالشافعية تقريبا إل في اشتراط كون الصل نصابا ،فقالوا :إذا كان في ملك
إنسان نصاب للزكاة ،فاتجر فيه ،فنمى ،أدى زكاة الصل مع النماء إذا حال الحول ،فحول النماء
مبني على حول الصل؛ لنه تابع له في الملك ،فتبعه في الحول كنتاج الماشية.وأما المال المستفاد
من غير التجارة فل يضم إلى حول الصل ،بل له حول مستقل من يوم ملكه.
خامسا ـ كيفية زكاة التجارة عند المالكية :
التاجر عند المالكية إما محتكر أو مدير ،أو محتكر ومدير معا (. )3
أ ـ أما المحتكر :وهو الذي يشتري السلع ،وينتظر بها الغلء ،وحكمه :أنه ل زكاة عليه فيها حتى
يبيعها ،فإن باعها بعد عام أو أعوام بالنقود ،زكى الثمن لسنة واحدة ،وإن بقي عنده منها شيء ،ضم
الثمن إلى ما عنده منها.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.399/1 :
( )2المغني.37/3 :
( )3الشرح الصغير ،642-639/1 :القوانين الفقهية :ص .103
( )3/232
وهذا مخالف لرأي الجمهور غير المالكية ،فإنهم يقولون :يزكي المحتكر كل عام وإن لم يبع ،ويخير
عند الحنفية بين إخراج الزكاة من عين العروض أو قيمتها .ول يجوز عند الشافعية في الجديد،
والحنابلة الخراج من عين العروض ،كما تقدم سابقا.
ويعتبر مبدأ حول المحتكر عند المالكية :يوم ملك الصل أو يوم زكاته إن كان قد زكّاه.
وأما ديون المحتكر التي له من التجارة :فل يزكيها إل إذا قبضها ،ويزكيها لعام واحد فقط.
ب ـ وأما المدير :فهو الذي يبيع ويشتري ول ينتظر وقتا ،ول ينضبط له حول ،كأهل السواق،
فيجعل لنفسه شهرا في السنة ،ينظر فيه ما معه من النقود ،ويقوّم ما معه من العروض،ويضمه إلى
النقود ،ويؤدي زكاة ذلك إن بلغ نصابا بعد إسقاط الدين إن كان عليه.
فحكم زكاته :أن يقوم في كل عام ما عنده من عروض ،ولو كسد سوقها وبقيت عنده أعواما ،ثم يضم
قيمتها إلى ما عنده من النقود ،ويزكي الجميع.
ويعتبر مبدأ حول المدير من وقت تملك الثمن الذي اشترى به عروض التجارة ،أي أن حوله حول
أصل المال الذي اشترى به السلع ،فيبتدئ الحول من يوم ملك الصل أو من يوم زكاته ،ولو تأخرت
الدارة عنه ،كما لو ملك نصابا أو زكاة في شهر المحرم ،ثم أداره في رجب ،أي شرع في التجارة
على وجه الدارة في رجب ،فحوله من المحرم.
وأما الديون التي للمدير من التجارة :فإن كانت حالة الداء بأن كانت واجبة الدفع في الحال ،أو حل
أجل دفعها ،وكانت مرجوة الخلص (أي الدفع) ممن هي عليه ،فيضم مقدار الدين إلى أصل المال،
ويزكي الكل .وإن كان الدين عرضا تجاريا أو مؤجلً مرجو الخلص ،فإنه يقومه ويضم القيمة إلى
أصل المال ،ويزكي الجميع.
أما إذا كان الدين على فقير معدم ل يرجى خلصه منه،فل تجب عليه زكاته إل إذا قبضه من المدين،
فإذا قبضه زكاه لعام واحد فقط.
( )3/233
ول يقوّم على المدير الواني التي توضع فيها سلع التجارة ول آلت العمل.
جـ ـ وأما إذا كان التاجر محتكرا لبعض السلع ،ومديرا للبعض الخر :فإن تساويا أو كان القل
للدارة والكثر للحتكار ،زكى المحتكر على حكم الحتكار ،يعني يزكي ثمنه بعد قبضه لعام واحد،
وزكى المدير على حكم الدارة ،يعني يقوّمه كل عام.
وإن كان الكثر للدارة والقل للحتكار ،فالجميع إدارة ،وبطل حكم الحتكار ،أي يقوّم الجميع كل
عام ،تغليبا لجانب الدارة على حكم الحتكار.
سادسا ـ زكاة شركة المضاربة:
يزكي رب المال (المالك) رأس المال وحصته من الربح ،ويزكي العامل حصته من الربح ،على
النحو التي عند الفقهاء (: )1
قال أبو حنيفة :يزكي كل واحد من المالك والعامل بحسب حظه أو نصيبه ،كل سنة ،ول يؤخر إلى
المفاصلة ،أي التصفية.
وقال الحنابلة :يزكي رب المال رأس المال والربح الحاصل؛ لن ربح التجارة حوله حول أصله ،فمن
دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان ،فحال الحول ،وقد صار ثلثة آلف ،فعلى
رب المال زكاة ألفين.
وأما العامل :فليس عليه زكاة في حصته حتى يتم اقتسام الربح ،ويستأنف حولً من حينئذ؛ لن ملك
المضارب غير تام ،فإذا تحاسب المضارب مع المالك ،زكى المضارب إذا حال عليه الحول من حين
الحساب؛ لنه علم مقدار ماله في مال الشركة ،ولنه إذا حدثت خسارة بعد ذلك كانت الخسارة
(الوضيعة) على رب المال.
-------------------------------
( )1راجع القوانين الفقهية :ص ،104-103الشرح الكبير ،477/1 :الشرح الصغير ،642/1 :مغني
المحتاج ،401/1 :المغني 38/3 :ومابعدها.
( )3/234
وقال الشافعية :يلزم المالك زكاة رأس المال وحصته من الربح؛ لنه مالك لهما .والمذهب أنه يلزم
العامل زكاة حصته من الربح؛ لنه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالقسمة ،فأشبه الدين الحالّ على
مليء ،ويبتدئ حول حصته من حين ظهور الربح ،ول يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة على المذهب.
وقال المالكية :إذا كان مال القراض حاضرا ببلد رب المال ،ولو حكما بأن علم حاله في غيبته ،تجب
عليه زكاته زكاة إدارة ،أي يقوم مالديه كل عام من رأس مال وربح ،ويزكي رأس ماله وحصته من
الربح ،قبل المفاصلة أي الحساب والتصفية في ظاهر المذهب ،لكن المعتمد أنه ل يزكي إل بعد
المفاصلة ،ويزكي حينئد عن السنوات الماضية كلها .وكذلك إن غاب المال ولم يعلم حاله من بقاء أو
تلف ومن ربح أو خسران ،يزكيه عن السنوات الماضية.
وأما العامل :فإنما يزكي حصته من الربح بعد المفاصلة لسنة واحدة.
المطلب الرابع ـ زكاة الزروع والثمار (أو زكاة النبات أو الخارج من الرض ) :
الكلم في هذا المطلب يتناول فرضية زكاة الزروع والثمار وسبب الفرضية ،وشروطها ،وما تجب
فيه هذه الزكاة ،والنصاب الذي تبدأ به الزكاة ،ومقدار الواجب وصفته ،ووقت الوجوب وإخراج
الزكاة ،وما يضم بعضه إلى بعض ،وزكاة الثمار الموقوفة ،وزكاة الرض المستأجرة ،وزكاة الرض
الخراجية ـ (الراضي العشرية والخراجية ونوعا الخراج) العاشر وضريبة العشور ،إخراج زكاة
الزرع والثمر وإسقاطها.
( )3/235
( )3/236
حق العشر ،أو تقديرا في حق الخراج ،فلوأصاب الخارج آفة ،فهلك ل يجب فيه العشر في الرض
العشرية ،ول الخراج في الرض الخراجية ،لفوات النماء حقيقة وتقديرا .ولو كانت الرض عشرية
فتمكن من زراعتها ،فلم تزرع ،ل يجب العشر ،لعدم الخارج حقيقة .ولو كانت أرضا خراجية يجب
الخراج ،لوجود الخارج تقديرا.
ول تجب زكاة الزروع إل بعد انعقاد الحب واشتداده ،ولو بعضه .ول تثبت الزكاة في الثمار إل بعد
بدو صلحها ،أي ظهور نضجها باحمرار أو اصفرار أو تموه أوتلون ،بحسب المعهود في كل ثمر،
ويكفي ظهور الصلح في بعض الثمر من جنس واحد ،كما سأبين.
ثانيا ـ شروط زكاة الزروع والثمار:
هناك شروط عامة في كل زكاة ،ذكرتها سابقا كالهلية من البلوغ والعقل ،فل تجب الزكاة عند
الحنفية في مال الصبي والمجنون إل زكاة الخارج من الرض ،وكالسلم ،فل تجب على الكافر؛
لن فيها معنى العبادة ،والكافر ليس من أهل التكليف بها.
ويضاف لها شروط خاصة بها ،مفصلة في المذاهب.
فعند الحنفية ( )1يشترط زيادة على الشروط العامة ما يأتي:
ً - 1أن تكون الرض عشرية :فل تجب الزكاة في الرض الخراجية؛ لن العشر والخراج ل
يجتمعان في أرض واحدة عندهم.
ً - 2وجود الخارج :فلو لم تخرج الرض شيئا ،لم يجب العشر؛ لن الواجب جزء من الخارج.
ً - 3أن يكون الخارج مما يقصد بزراعته نماء الرض واستثمارها أواستغللها ،فل تجب هذه الزكاة
في الحطب والحشيش ونحوهما؛ لن الرض ل تنمو بزراعة ذلك ،بل تفسد بها.
ول يشترط عند أبي حنيفة النصاب لوجوب العشر ،فيجب العشر في كثير الخارج وقليله.
-------------------------------
( )1البدائع.63-57/2 :
( )3/237
( )3/238
وتجب أيضا في الثمار مما جمع هذه الوصاف كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق.
ول زكاة في الفواكه كالخوخ والدراق والكمثرى والتفاح ،ول في الخضر ،كالقثاء والخيار والباذنجان
واللفت والجزر.
ً - 2أن يبلغ الناتج نصابا وهو خمسة أوسق بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار ،وهي(
1428و )7/4رطلً مصريا أو ( 50كيلة) أو 4أرادب ،والردب المصري 128لتر ماء ،أو 96
قدحا.
ً - 3أن يكون النصاب مملوكا للحر المسلم وقت وجوب الزكاة فيه :وهو وقت اشتداد الحب وبدو
صلح الثمر ،فتجب الزكاة فيما نبت بنفسه مما يزرعه الدمي ،كمن سقط له حب في أرضه ،فنبت؛
لنه يملكه وقت الوجوب ،وفعل الزرع ليس شرطا ،ول زكاة فيما يكتسبه اللقاط ،أو يوهب له بعد بدو
صلحه ،أو يشتريه ونحوه بعد ذلك ،أو يأخذه الحصّاد ونحوه أجرة لحصاده ودياسه ونحوه ،كأجرة
تصفيته أو نطارته ،ول فيما يملك من زرع وثمرة بعد بدو صلحه بشراء أو إرث أو غيرهما
كصداق وعوض خلع وإجارة وعوض صلح؛ لنه لم يكن مالكا له وقت الوجوب .ول زكاة فيما
يجتنيه من مباح ،سواء نبت في أرضه أو أخذه من موات؛ لنه ل يملك إل بأخذه ،فلم يكن وقت
الوجوب في ملكه.
ثالثا ـ ما تجب فيه الزكاة:
للفقهاء رأيان في زكاة ما تخرجه الرض ،رأي يعمم في كل خارج ،ورأي يخصص الخارج فيما
يقتات ويدخر (. )1
الرأي الول ـ لبي حنيفة :تجب الزكاة في قليل ما أخرجته الرض وكثيره إل الحطب والحشيش
والقصب الفارسي (وهو ما يتخذ منه القلم ،أما قصب السكر ففيه العشر)
-------------------------------
( )1فتح القدير 2/2 :ومابعدها ،اللباب 151/1 :ومابعدها ،الشرح الكبير 447/1 :ومابعدها ،الشرح
الصغير 609/1 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،105مغني المحتاج 281/1 :ومابعدها ،المهذب:
،156/1المغني 690/2 :ومابعدها ،كشاف القناع ،238-236/2 :المجموع.442-432/5 :
( )3/239
والسعف والتبن ،وكل ما ل يقصد به استغلل الرض ويكون في أطرافها .أما إذا اتخذ أرضَه َمقْصَبة
شجَرة أو مَنْبِتا للحشيش ،وساق إليه الماء ،ومنع الناس عنه ،فيجب فيه العشر .وأطلق الوجوب
أو مَ ْ
فيما أخرجته الرض لعدم اشتراط الحول؛ لن فيه معنى المؤنة (الضريبة) ،ولذا كان للمام أخذ هذه
الزكاة (العشر) جبرا ،ويؤخذ من التركة ،ويجب مع الدين ،وفي أرض الصغير والمجنون والوقف.
ودليله :حديث «ما أخرجته الرض ففيه العشر» ( )1عمم الواجب في كل خارج ،والصحيح عند
الحنفية ما قاله المام ،ورجح الكل دليله.
الرأي الثاني ـ للصاحبين وجمهور الفقهاء :ل تجب زكاة الزروع والثمار إل فيما يقبل القتيات
والدخار وعند الحنابلة :فيما ييبس ويبقى ويكال ،ول زكاة في الخَضروات (بفتح الخاء) والفواكه.
وهذا هو الراجح.
أما الصاحبان من الحنفية فقال :ل يجب العشر إل فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق ،وليس في
الخضروات (الفواكه كالتفاح والكمثرى وغيرهما ،أو البقول كالكراث والكرفس ونحوهما) عندهما
عشْر ،لعدم الثمرة الباقية.
ُ
وأما المالكية فقالوا :تجب الزكاة في عشرين صنفا :أما الحبوب فسبعة عشر :القطاني السبعة (وهي
الحمص ـ بكسر الميم وفتحها ،والفول ،واللوبيا والعدس ،والتُرمس ،والجُلْبان ،والبسيلة) والقمح،
والسُلت (نوع من الشعير ل قشر له) ،والعلس ،والذرة ،والدُخن ،وأُرْز ،وذوات الزيوت الربعة:
وهي الزيتون والسمسم ،والقِرطِم (حب العصفر) ،وحب الفجل الحمر ،أما الفجل البيض فل زكاة
في حبه ،إذ ل زيت له.
-------------------------------
( )1قال الزيلعي عنه :غريب بهذا اللفظ ،وبمعناه حديث ابن عمر السابق« :فيما سقت السماء والعيون
العشر» (نصب الراية.)384/2 :
( )3/240
وأما الثمار فثلثة :التمر والزبيب والزيتون ،لقول عمر« :وفي الزيتون العشر» .
ول تجب الزكاة في الفواكه كالتين والرمان والتفاح ونحوها ،ول في بزر الكتان ،والسّلْجَم (اللفت)،
ول في جوز ولوز ،ول غير ذلك.
وأما الشافعية :فقرروا أن الزكاة تختص بالقوت ،وهو من الثمار :التمر والزبيب ( ، )1ومن الحب:
حمّص ،والباقل (الفول) والذرة،
الحنطة والشعير والرزّ والعدس والماش ،وسائر المقتات اختيارا كال ِ
والهرطمان( :حب متوسط بين الحنطة والشعير) وهو الجُلْبانة والكِرْسنة والحِلْبة والخشخاش
والسمسم.
ول زكاة في القثّاء والبطيخ والرمان ،وال َقضْب (البرسيم)؛ لن الرسول صلّى ال عليه وسلم عفا عنه.
شمِشِ ،ول زكاة في حبوب
ول زكاة في الفواكه كخوخ ورمان وتين ولوز وجوز هند وتفاح ومِ ْ
البوادي كحب الحنظل ،ول في الوحشيات من الظباء ونحوها ،ول في الموقوف على المساجد
والقناطر والرباطات (الثغور) والفقراء والمساكين ،على الصحيح؛ إذ ليس له مالك معين ،ول في
طمُ (حب العصفر) ول في العسل ،في المذهب الجديد.
الزيتون والزعفران والورس والقِرْ ِ
وقال الحنابلة :تجب الزكاة في كل مقتات مكيل مدخر من الحبوب ،كالحنطة والشعيروالسُلت (وهو
نوع من الشعير لونه لون الحنطة ،وطبعه كالشعير في البرودة) والذرة والقطنيات ( ، )2كالباقلء
(الفول) والحمص واللوبيا والعدس والماش والتُرْمس (حب عريض أصغر من الفول) والدخن والرز
والهرطمان (وهو الجلبانة والكرسنة والحلبة والخشخاش والسمسم) والعلس (نوع من الحنطة يدخر في
قشره ).
-------------------------------
( )1أخرج الترمذي من حديث عتّاب بن أسَيْد رضي ال عنه« :أمرني رسول ال صلّى ال عليه
وسلم أن ُيخْرَص العنب كما يخرص النخل ،وتؤخذ زكاته زبيبا ،كما تؤخذ صدقة النخل تمرا»
( )2بكسر القاف وفتحها وضمها ،وتشديد الياء وتخفيفها ،سمي بذلك :من قطن يقطن في البيت؛ لنها
تمكث فيه..
( )3/241
وتجب الزكاة في بزر البقول كلها :كالهندبا والكرفس والبصل وبزر قَطُونا ونحوها ،وبزر الرياحين
جميعا ،وبزر الكزبرة والكمون والكراويا والشونيز (يقال له :الحبة السوداء) ،وحب الرازيانج (وهو
الشمروالنيسون وحب القضب) والخَرْدل وبزر الكتان ،وبزر القطن واليقطين (وهو القرع) وبزر
البقلة والحمقاء ،وبزر الباذنجان والخس والجزر.
وفي حب البقول :كالرّشَاد ( ، )1وحب الفجل ،والقرطم (حب العصفر).
وتجب الزكاة في كل ثمر يكال ويدخر ،كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق والسماق.
والخلصة :أن الزكاة تجب في الحبوب والبزور والثمار المدخرة.
والظهر كما في كتاب الفروع وجوب الزكاة في العُنّاب والتين والمشمش والتوت؛ لنه يدخر
كالتمر،والمعتمد ل زكاة فيها؛ لن العادة لم تجر بادخاره وتجب الزكاة في صعتر وأشنان وحب ذلك،
وكل ورق مقصود ،كورق سدر وخطمي وآسي؛ لنه نبات مكيل مدخر .ول تجب الزكاة في قطن
وكتان وقنب وزعفران وورس ونيل وجوز الهند ،وسائر الفواكه كالخوخ والتفاح أو الجاص
والكمثرى ،والسفرجل والرمان والنبق والزعرور والموز؛ لنها ليست مكيلة ،ول في الجوز؛ لنه
معدود ،ول في قصب السكر.
ول زكاة في الخضر كبطيخ وقثاء وخيار وباذَنجان ولِفت وسلق وكُرنْب وقنبيط وبصل وثوم وكراث
وجزر وفجل ونحوه ،لحديث علي :أن النبي صلّى ال عليه وسلم
-------------------------------
( )1الرشاد :بقلة سنوية من الفصيلة الصليبية ،تزرع وتنبت برية ،ولها حب حريف يسمى حب
الرشاد.
( )3/242
قال« :ليس في الخضروات صدقة» ( . )1ول في البقول كالهندَبا والك َرفْس والنعناع والرشاد وبقلة
الحمقاء والقرظ والكزبرة والجرجير ونحوه.
ول في المسك والزهر ،كالورد والبنفسج والنرجس واللينوفر والخيري :وهو المنثور ،ونحوه
سعُف (وهو أغصان النخل ،أي جريد النخل
كالزنبق ،ولفي طلع الفُحّال (وهو ذكر النخل) ،ول في ال ّ
الذي لم يجرد عنه خوصه ،فإن جرد عنه خوصه فجريد) ول في الخوص (وهو ورق السعف) ،ول
في قشور الحب والتبن والحطب والخشب وأغصان الخلف ،وورق التوت والكل ،والقصب
الفارسي ،ولبن الماشية وصوفها ونحو ذلك كالوبر والشعر ،وكذا الحرير ودود القز؛ لن ذلك كله
ليس منصوصا عليه ،ول في معنى المنصوص عليه ،فبقي على أصل العفو.
والخلصة بالنسبة للزيتون :أنه ل زكاة فيه عند الشافعية في الجديد والمعتمد عند الحنابلة ،وفيه
الزكاة عند أبي حنيفة والمالكية ( )2ونصابه عند المالكية خمسة أوسق زيتون.
زكاة العسل :اختلف الفقهاء في حكم زكاة العسل على رأيين (: )3
فقال الحنفية والحنابلة :فيه العشر ،إل أن أبا حنيفة قال :يجب فيه العشر إذا أخذ من أرض العشر ،قل
المأخوذ أو كثر وليس في أرض الخارج من أرض الخراج عشر ،وقال الحنابلة :نصاب العسل عشرة
أفراق ،وهي جمع فَرْق ،والفرق عندهم ستة عشر رطلً ،فيكون النصاب مئة وستين رطلً بالبغدادي
أو 34و 7/2رطل دمشقي ،ومئة وأربعة بالمصري ،والرطل عند الحنفية 130 :درهما ،والدرهم
الوسطي ( 975،2غم).
ودليلهم على وجوب الزكاة في العسل آثار منها:
-------------------------------
( )1وعن عائشة معناه ،رواهما الدارقطني ،وروى الثرم في سننه عن موسى بن طلحة حديثا عن
الخضروات« :ليس في ذلك صدقة» وهو مرسل قوي (نيل الوطار.142/4 :
( )2الموال :ص 504وما بعدها ،المغني 694/2 :ومابعدها ،713 ،نيل المآرب .185/1
( )3البدائع 61/2 :وما بعدها ،اللباب ،153/1 :الموال لبي عبيد 506 :ومابعدها ،فتح القدير،5/2 :
المجموع 434/5 :ومابعدها ،مغني المحتاج ،382/1 :كشاف القناع ،257/2 :المغني.713/2 :
( )3/243
ما رواه أبو سيّارة المُتَعي قال :قلت« :يا رسول ال ،إن لي نحلً ،قال :فأدّ العشور» (. )1
وما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى ال عليه وسلم « :أنه أخذ من العسل
العشر» ( )2وعن عمر رضي ال عنه أنه كان يأخذ عن العسل العشر من كل عشر قِرَب قربة.
وروى العقيلي في الضعفاء من طريق عبد الرزاق عن أبي هريرة حديثا « :في العسل العشر» (. )3
وقال المالكية والشافعية :ل زكاة في العسل ،بدليل أمرين:
الول ـ ما قاله الترمذي« :ل يصح عن النبي صلّى ال عليه وسلم في هذا كبير شيء» وما قاله ابن
المنذر« :إنه ليس في وجوب الصدقة فيه خبر يثبت ول إجماع» .
الثاني ـ أنه مائع خارج من حيوان ،فأشبه اللبن ،واللبن ل زكاة فيه بالجماع.
ورجح أبو عبيد أن يكون أربابه يؤمرون بأداء صدقته ،ويُحثّون عليها ،ويكره لهم منعها ،ول يؤمن
عليهم المأثم في كتمانها ،من غير أن يكون ذلك فرضا عليهم.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والبيهقي ،وهو منقطع (نيل الوطار 145/4 :ومابعدها).
( )2رواه ابن ماجه ،روي مسندا ومرسلً (المرجع السابق) ورواه أيضا أبو عبيد والثرم.
( )3قال الزيلعي :لم أجده في مصنف عبد الرزاق بهذا اللفظ ،وإنما لفظه أن النبي صلّى ال عليه
وسلم كتب إلى أهل اليمن :أن يؤخذ من أهل العسل العشر (نصب الراية.)390/2 :
( )3/244
( )3/245
كيلة مصرية ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» ( )1والوسق
ستون صاعا ،وهذا حديث خاص بهذه الزكاة ،يجب تقديمه ،وتخصيص عموم أدلة أبي حنيفة ،كما
خصص قوله« :في سائمة البل الزكاة» بقوله في نهاية هذا الحديث« :ليس فيما دون خمسة َذوْد
صدقة» ،وقوله« :في الرّقة العشر» بقوله «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» ،ولنه مال تجب فيه
الصدقة ،فلم تجب في يسيره كسائر الموال الزكائية ،ولن الصدقة تجب على الغنياء ،ول يحصل
الغنى بدون النصاب ،كسائر الموال الزكائية .وهذا هو الراجح لدي لصحة الحديث.
وإنما لم يعتبر الحول؛ لنه يكمل نماؤه باستحصاده ل ببقائه ،واعتبر الحول في غيره من الزكوات؛
لنه مظنة لكمال النماء في سائر الموال .والنصاب معتبر بالكيل ،فإن الوساق مكيلة ،وكان الصاع
مكيال أهل المدينة في عهد النبي صلّى ال عليه وسلم وقدره أربعة أمداد ،والصاع خمسة أرطال
وثلث رطل ،والرطل (675غم) وذكر الشافعية والحنابلة أنه يعتبر النصاب تمرا أو زبيبا إن تتمر
وتزبب ،لحديث مسلم «ليس في حب ول تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» وإن لم يتتمر الرطب
ولم يتزبب العنب ،بأن لم يأت منه تمر ول زبيب جيدان في العادة ،أو كانت تطول مدة جفافه كسنة،
اعتبر نصابا رطبا وعنبا ،فيوسق رطبا وعنبا؛ لن ذلك وقت كماله .فيكمل به نصاب ما يجف من
ذلك ،وتخرج الزكاة من كل منهما في الحال؛ لن ذلك أكمل أحوالهما.
ويعتبر الحب خمسة أوسق حال كونه مصفى من تبنه؛ لنه ل يدخر فيه ول يؤكل معه.
وأما ما ادخر في قشره كالَرُزّ والعلس ،فنصابه عشرة أوسق ،اعتبارا بقشره
-------------------------------
( )1رواه الجماعة عن أبي سعيد الخدري (نيل الوطار.)141/4 :
( )3/246
الذي يكون ادخاره فيه أصلح له أو أبقى بالنصف ،ول يضم ثمر عام إلى ثمر عام آخر في إكمال
النصاب ،ول زرع عام إلى زرع عام آخر كذلك ،ويضم ثمر العام بعضه لبعض ،وكذلك زرع العام
بعضه لبعض ،وإن اختلف إدراكه لختلف أنواعه وبلده حرارة وبرودة .والمراد بالعام هنا :اثنا
عشر شهرا عربية.
وذكر المالكية أن المعتبر كون الحب منقى من تبنه وصوانه الذي ل يخزن به ،مقدر الجفاف ،وكون
الرطب تمرا والعنب زبيبا ،فإن بيع رطبا أوعنبا فيجب نصف عشر القيمة ،ونصف عشر ثمن فول
أخضر وحمص مما شأنه أل ييبس .ويؤخذ نصف العشر من زيت ماله زيت .ويحسب في النصاب
الشرعي قشر الرز والعلس والشعير الذي يخزن به .فلو كان الرز مثلً مقشورا أربعة أوسق،
وبقشره خمسة أوسق زكي ،وإن كان أقل فل زكاة.
واتفق الجمهور مع الحنفية على أنه ل ينقص النصاب بمؤنة الحصاد والدياس وغيرهما من نفقات
الزرع.
خامسا ـ مقدار الواجب وصفته:
اتفق الفقهاء ( )1على أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة (مشقة) كالذي يشرب من السماء
(المطار) ،وما يشرب بعروقه :وهوالذي يشرب من ماء قريب منه.
ويجب نصف العشر فيما سقي بالمؤن كالدوالي (النواعير) النواضح.
والدليل لهم قول النبي صلّى ال عليه وسلم المتقدم« :فيما سقت السماء والعيون ،أو كان عَثَريا
العشر ،وما سقي بالنضح نصف العشر» ( ، )2وانعقد الجماع على ذلك ،كما قال البيهقي وغيره.
فإن سقي نصف السنة بكلفة ونصفها بغير كلفة ففيه ثلثة أرباع العشر ،عملً بمقتضى كل واحد
منهما .وإن سقي بأحدهما أكثر من الخر ،اعتبر الكثر ،فوجب مقتضاه ،وسقط حكم الخر.
وسبب التفرقة واضح وهو كثرة المؤنة في أرض السقي ،وخفتها في أرض البعل ( ، )3كما هو
الفرق بين الماشية المعلوفة والسائمة.
-------------------------------
( )1البدائع ،63-62/2 :القوانين الفقهية :ص ،106الشرح الصغير ،612-610/1 :مغني المحتاج:
،685/1المغني ،702 ،698/2 :كشاف القناع 242/2 :وما بعدها.
( )2رواه الجماعة إل مسلما عن ابن عمر ،وعند مسلم من حديث جابر «فيما سقت النهار والغيم
العشر ،وفيما سقي بالسانية نصف العشر» وفي رواية لبي داود« :إن في البعل العشر» .
( )3قال أهل اللغة :البعل :ما يشرب بعروقه ،والعثري :ما سقي بماء السيل الجاري إليه في حفرة،
وتسمى الحفرة عاثوراء ،لتعثر المار بها إذا لم يعلمها .والسواني :هي النواضح ،وهي البل التي
يستقى بها لشرب الرض.
( )3/247
ول وقص (ل عفو) في نصاب الحبوب والثمار ،بل مهما زاد على النصاب أخرج منه بالحساب،
فيخرج العشر أو نصفه ،فإنه ل ضرر في تبعيضه ،بخلف الماشية ففي تبعيضها ضرر .وأما صفة
الواجب :فهو جزء من الخارج أو قيمته عند الحنفية .وأما عند الجمهور :الواجب عين الجزء ول
يجوز غيره.
هل تحسم النفقات التي تصرف على المزروعات؟
ينفق المزارع عادة على زراعته نفقات مثل ثمن البذار والسماد وأجور الحرث (الفلحة) والري
والتنقية والحصاد وغير ذلك.
جاء في الفتوى رقم ( )15في ندوة البركة السادسة في جدة أن هناك آراء ثلثة في الموضوع ،رأي
بحسم جميع النفقات ،ورأي بعدم حسم التكاليف ،ورأي متوسط بإسقاط الثلث من المحصول ،ثم
إخراج الزكاة من الباقي ،وقد
اختار الحاضرون الرأي الثالث المتوسط ،ثم يتم حساب الزكاة بإخراج العشر إن كان الريّ بماء
السماء ،ونصف العشر إن كان بآلة.
وهذا مستمد من كلم ابن العربي في شرح الترمذي ،عملً بحديث النبي صلّى ال عليه وسلم« :
دعوا الثلث أو الربع » والذي عليه عمل المسلمين والمذاهب الربعة كما ذكر ابن حزم في المحلى (
) 258/5
( )3/248
وصرح به الفقهاء أنه ليجوز إسقاط شيء من النفقة؛ لن الزكاة تعلقت بعين الخارج لقوله تعالى:
{ وآتوا حقه يوم حصاده } [النعام ]141/6:وهذا ما أرجحه (. )1
سادسا ـ وقت الوجوب:
وقت الوجوب عند أبي حنيفة ( : )2وقت خروج الزرع ،وظهور الثمر ،لقوله تعالى{ :أنفقوا من
طيبات ما كسبتم ،ومما أخرجنا لكم من الرض} [البقرة ]267/2:أمر ال تعالى بالنفاق مما أخرجه
من الرض ،فدل أن الوجوب متعلق بالخروج .فإن استهلكها صاحبها بعد الوجوب يضمن عشره،
وأما قبل الوجوب فل يضمن ،ولو هلك الخارج بنفسه فل عشر في الهالك.
ووقت الوجوب عند المالكية :في الثمار الطيب (وهو الزهو في بلح النخل ،وظهور الحلوة في
العنب) ،وفي الزرع :إفراك الحب ،أي طيبه وبلوغه حد الكل منه ،واستغناؤه عن السقي ،ل باليبس
ول بالحصاد ول بالتصفية ( . )3وأما عند الشافعية والحنابلة ( : )4فتجب الزكاة ببدو صلح الثمر؛
لنه حينئذ ثمرة كاملة ،وهو قبل ذلك حصرم وبلح ،وببدو اشتداد الحب؛ لنه حينئذ طعام ،وهو قبل
ذلك بقل.
وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر :إخراجها في الحال ،بل انعقاد سبب وجوب إخراج الثمر
والزبيب والحب المصفى عند الصيرورة كذلك.
وبناء على الرأي الخير إن أتلفها صاحبها أو تلفت بتفريطه أو عدوانه بعد الوجوب ،لم تسقط عنه
الزكاة .وإن كان قبل الوجوب سقطت ،إل أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة ،فيضمنها ول تسقط عنه.
وإن جذّها وجعلها في الجرين (موضع تجفيف التمر) ،أو جعل الزرع في البيدر ،استقر الوجوب
عليه .وإن تلفت بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه ،وعليه ضمانها ،كما لو تلف نصاب الماشية السائمة أو
الثمان (النقود) بعد الحول.
وإن تلفت الثمرة قبل بدو الصلح أو الزرع قبل اشتداد الحب ،فل زكاة فيه.
-------------------------------
( )1انظر وقارن فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي .397 - 394/1
( )2البدائع. 63/2 :
( )3القوانين الفقهية :ص ،106الشرح الصغير ،615/1 :الشرح الكبير. 451/1 :
( )4مغني المحتاج ،386/1 :كشاف القناع ،245/2 :المجموع ،454/5:المغني،705-702/2 :
المهذب.157/1:
( )3/249
ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما ،فإن باعه أو وهبه بعد
بدو صلحه ،فصدقته على البائع والواهب .وهذا قول الحنابلة والمالكية.
وقال الحنفية :إذا باع الزرع قبل إدراكه ،وجبت الزكاة على المشتري .وقال الشافعية :تجب الزكاة
على مالك الزرع عند الوجوب.
سابعا ـ ما يضم بعضه إلى بعض:
ل خلف بين أهل العلم في غير الحبوب والثمار :أنه ل يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل
النصاب ،فالماشية ثلثة أجناس :البل ،والبقر ،والغنم ،ل يضم جنس منها إلى آخر .والثمار ل يضم
جنس إلى غيره ،فل يضم التمر إلى الزبيب ،ول إلى اللوز ،والفستق ،والبندق .ول يضم شيء من
هذه إلى غيره ،ول تضم الثمار إلى شيء من السائمة ،ول من الحبوب والثمار.
ول خلف بينهم في أن أنواع الجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب.
ول خلف بينهم أيضا في أن العروض التجارية تضم إلى الثمان (النقود) ،وتضم الثمان إليها ،إل
أن الشافعي ل يضمها إل إلى جنس ما اشتريت به؛ لن نصابها معتبر به (. )1
ول خلف عند الجمهور غير المالكية في ضم الحنطة إلى العلس؛ لنه نوع منها ،ومثله السلت يضم
إلى الشعير؛ لنه منه ،فيضم إليه عند غير الشافعية.
واختلف العلماء في ضم الحبوب بعضها إلى بعض ،وفي ضم أحد النقدين إلى الخر.
فقال الحنفية والشافعية :ل يضم جنس منها إلى غيره ،ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا؛
لنها أجناس ،فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا كالثمار أيضا والمواشي .لكن يلحظ أن أبا
حنيفة يوجب الزكاة في كل ما أخرجت الرض ،ول يشترط النصاب ،فل تثور مشكلة الضم لديه.
وقال المالكية والقاضي من الحنابلة :إن الحنطة تضم إلى الشعير ،وتضم القطنيات بعضها إلى بعض؛
لن هذا كله مقتات ،فيضم بعضه إلى بعض كأنواع الحنطة.
-------------------------------
( )1المغني .730/2 :وتفصيل هذه الراء كما يأتي:
( )3/250
قال المالكية ( : )1تضم القطاني السبعة (الحمص والفول واللوبيا والعدس والترمس والجُلْبان
والبسيلة) لبعضها بعضا؛ لنها جنس واحد في الزكاة ،فإذا اجتمع من جميعها أو من اثنين منها ما فيه
الزكاة ،زكاه ،وأخرج من كل صنف منها ما ينوبه .والقمح والشعير والسلت صنف واحد ،فتضم
لبعضها.
ويجزئ إخراج العلى من الدنى ل عكسه ،كقمح وسلت وشعير؛ لن الثلثة جنس واحد .ول يضم
شيء منها لعلس (حب طويل يشبه البُرّ باليمن)؛ لنه جنس منفرد ،ول يضم شيء منها لذرة ول دخن
ول أرز؛ لن كل واحد منها جنس على حدة ،فل يضم واحد منها لخر ،بل يعتبر كل واحد منها
جنسا على حدة.
وذوات الزيوت الربع :وهي الزيتون والسّمسِم ،وبذر الفُجل الحمر ،والقرطم :أجناس ،ل يضم
بعضها إلى بعض.
وتضم أنواع الجنس الواحد لبعضها ،فالزبيب بأصنافه جنس واحد ،ول يضم هو لغيره ،والتمر
بأصنافه جنس واحد ،والقمح بأصنافه الجيد منها والرديء جنس واحد.
وقال الشافعية ( : )2ل يكمل جنس بجنس ،ويضم النوع إلى النوع ،ويخرج من كل من النوعين
بقسطه ،لعدم المشقة فيه بخلف المواشي ،فإن الصح أن المزكي يخرج نوعا منها ،بشرط اعتبار
القيمة والتوزيع ،ول يؤخذ البعض من هذا والبعض من هذا ،لما فيه من المشقة ،فإن عسر إخراج
جزء من كل نوع لكثرة النواع وقلة الحاصل من كل نوع ،أخرج الوسط منها ،ل أعلها ول أدناها،
رعاية للجانبين.
ويضم العلس إلى الحنطة؛ لنه نوع منها ،وهو قوت صنعاء اليمن .والسُلْت جنس مستقل ،فل يضم
إلى غيره كالشعير.
ول يضم ثمرة عام وزرعه إلى آخر ،ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض ،وإن اختلف وقت إدراكه،
لختلف أنواعه وبلده حرارة أو برودة .والظهر في الضم وقوع حصاديهما في سنة.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 613/1 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،106الشرح الكبير 449/1 :ومابعدها.
( )2المجموع ،5/344 :المهذب ،157/1 :مغني المحتاج.384/1 :
( )3/251
وقال ابن قدامة من الحنابلة ( : )1الصحيح عند القاضي أبي يعلى من الروايات الثلث عن أحمد :أن
الحنطة تضم إلى الشعير ،وتضم القطنيات بعضها إلى بعض ،وكذلك يضم الذهب والفضة .وتضم
أنواع الجنس من حبوب أو ثمار من عام واحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ،كأنواع الماشية
والنقدين.
فالسلت نوع من الشعير ،فيضم إليه ،والعلس :نوع من الحنطة ،فيضم إليها.
ويضم زرع العام الواحد ،وثمرة العام الواحد إلى بعض ،في تكميل النصاب ،سواء اتفق وقت زرعه
وإدراكه أو اختلف ،وسواء اتفق وقت ظهور الثمرة وإدراكها أو اختلف.
وقال البُهوتي في كشاف القناع :تضم أنواع الجنس الواحد من حبوب وثمار من عام واحد ،ول يضم
جنس إلى آخركبُر إلى شعير ،أو د ُخن أو ذرة أو عدس ونحوه؛ لنها أجناس يجوز التفاضل فيها ،فلم
يضم بعضها إلى بعض ،كأجناس الثمار وأجناس الماشية ،ول يصح القياس على ضم العلس إلى
الحنطة؛ لنه نوع منها .ول تضم النقود أو الثمان من الذهب والفضة إلى بعضها ،ول إلى شيء من
الحبوب أو الثمار أو الماشية؛ لنها أجناس مختلفة ،إل إلى عروض التجارة ،فتضم النقود (الثمان)
إلى قيمتها .وهذا هو المعتمد لدى الحنابلة ،فيتفق رأيهم مع المذاهب الخرى.
والخلصة :أن الحنطة تضم مع الشعير لدى المالكية والقاضي من الحنابلة ،ول يضمان عند الشافعية
وفي المعتمد عند الحنابلة ،وأما القطاني فتضم لبعضها عند المالكية والحنابلة ،ول تضم عند الشافعية
وفي رواية أخرى عن المام أحمد.
-------------------------------
( )1المغني 730/2:ومابعدها ،كشاف القناع 241/2 :ومابعدها .
( )3/252
( )3/253
( )3/254
وعدن؛ لن رسول ال صلّى ال عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يأخذوا من أرض العرب
خراجا ،فدل أنها عشرية.
ب ـ والرض التي أسلم عليها أهلها طوعا؛ لنها أرض إسلمية يناسبها ما في معنى العبادة.
جـ ـ والرض التي فتحت عنوة وقهرا ،وقسمت بين الغانمين المسلمين؛ للعلة السابقة.
د ـ دار المسلم إذا اتخذها بستانا ،وكان يسقى بماء العشر ،فإن كان يسقى بماء الخراج فهو خراجي.
وأما ماأحياه المسلم من الرض الميتة بإذن المام عند الحنفية والمالكية ،فقال أبو يوسف :إن كانت
من حيز أرض العشر ،فهي عشرية ،وإن كانت من حيز أرض الخراج ،فهي خراجية ،والبصرة عنده
عشرية ،بإجماع الصحابة رضي ال عنهم .
وقال محمد :إن أحياها بماء السماء ،ببئر استنبطها ،أو بماء النهار العظام التي لتملك مثل دجلة
والفرات ،فهي عشرية .وإن شق لها نهرا من أنهار العاجم ،فهي خراجية.
وأما الخراجية :فهي التي يجب فيها الخراج ،لنها في الصل أرض الكفار ،وهي الراضي التي
فتحت عنوة وقهرا ،فمنّ المام على أهلها ،وتركها في يد أربابها ،بعد أن وضع على أشخاصهم
الجزية إذا لم يسلموا ،وعلى أراضيهم الخراج ،أسلموا أو لم يسلموا ،مثل أرض سواد العراق والشام
ومصر والهند .هذا رأي الحنفية .وقال الجمهور ( : )1الرض الخراجية ثلثة أنواع:
ً - 1ما فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين.
ً - 2ما جل عنها أهلها خوفا منا.
ً - 3ما صولح أهلها عليها على أنها لنا ،ونقرها معهم بالخراج الذي يفرضه المام عليهم.
والرض العشرية التي ل خراج عليها؛ لنها ملك أهلها ،وهي الرض المملوكة خمسة أنواع:
ً - 1التي أسلم أهلها عليها كالمدينة المنورة ونحوها كجُواثى من قرى البحرين.
-------------------------------
( )1كشاف القناع 255/2:ومابعدها ،المغني ،719-716/2 :الحكام السلطانية للماوردى :ص 132
ومابعدها ،الحكام السلطانية لبي يعلى :ص 130ومابعدها ،الموال لبي عبيد :ص 68وما بعدها:
100وما بعدها.
( )3/255
ً - 2ما أحياه المسلمون واختطوه ،كالبصرة التي بنيت في خلفة عمر رضي ال عنه ،في سنة ثمان
عشرة ،بعد وقف سواد العراق ،فدخلت في حده ،دون حكمه.
ً - 3ماصولح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليها كاليمن.
ً - 4ما أقطعها الخلفاء الراشدون من سواد العراق إقطاع تمليك.
ً - 5ما فتح عنوة وقسم بين الغانمين ،كنصف خيبر (على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة
الشام) .
نوعا الخراج :والخراج نوعان :خراج وظيفة ،وخراج مقاسمة (.)1
أما خراج الوظيفة :فهو الضريبة المفروضة على الرض ،سواء استغلها صاحبها أم تركها .وقد
وظفه عمر رضي ال عنه ،وكان في كل جريب أرض بيضاء تصلح للزراعة قفيز مما يزرع فيها
ودرهم ( .)2ومبنى هذا الخراج على الطاقة.
وأما خراج المقاسمة :فهو الضريبة المقطوعة من الناتج الزراعي ،كأن يؤخذ نصف الخراج أو ثلثه
أو ربعه ،وقد فعله النبي -صلى ال عليه وسلم -لما فتح خيبر ،ويكون ذلك في الخراج كالعشر ،إل
أنه يوضع موضع الخراج؛ لنه خراج حقيقة.
واتفق العلماء على أن الرض الخراجية إذا كانت ملكا لغير مسلم ،وجب فيها الخراج ،ول عشر
فيها ،وعلى أن العشرية إذا كانت لغير مسلم ،وجب فيها العشر.
زكاة الرض الخراجية :اختلف الفقهاء في الرض الخراجية إذا صارت ملكا لمسلم ،هل تبقى
وظيفتها الخراج فقط ،أو يجتمع فيها العشر والخراج أو يبدل خراجها بعشر؟
- 1قال الحنفية ( : )3إن كانت الرض خراجية يجب فيها الخراج ،ول يجب في الخارج منها
العشر ،فالعشر والخراج ل يجتمعان في أرض واحدة.
- 2وقال الئمة الثلثة ( : )4يجتمع في الخارج من أرض الخراج العشر والخراج.
الدلة:
استدل الحنفية بما يأتي:
أ ـ ما روي عن ابن مسعود عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال« :ل يجتمع عشر وخراج في
أرض مسلم» (. )5
ب ـ لم يأخذ أحد من أئمة العدل وولة الجور من أرض سواد العراق عشرا ،فالقول بوجوب العشر
مع الخراج يخالف الجماع ،فيكون باطلً.
جـ ـ إن سبب كل من الخراج والعشر واحد ،وهو الرض النامية ،فل يجتمعان في أرض واحدة،
كما ل يجتمع زكاتان في مال واحد ،وهي زكاة السائمة والتجارة.
واستدل الجمهور بما يأتي:
أ ـ بعموم اليات والحاديث المتقدمة التي ذكرتها في فرضية زكاة الرض ،والتي تدل على
الوجوب ،سواء أكانت الرض خراجية أم عشرية.
ب ـ بأن الخراج والعشر حقان مختلفان ذاتا ومحلً وسببا ومصرفا ودليلً ،أما اختلفهما ذاتا فلن
العشر فيه معنى العبادة ،والخراج فيه معنى العقوبة ،وأما
-------------------------------
( )1البدائع 2/62 :وما بعدها ،الحكام السلطانية للماوردي :ص .141
( )2الجريب :أرض طولها ستون ذراعا ،وعرضها ستون ذراعا ،بذراع كسرى ،يزيد على ذراع
ل فهو اثنا عشر صاعا.
العامة بقصبة ،والقفيز عشر الجريب طولً ،وأما كي ً
( )3فتح القدير 4/365 :وما بعدها ،البدائع ،2/57 :اللباب ،1/154 :مقارنة المذاهب في الفقه :ص
51وما بعدها.
( )4الشرح الصغير ،609/1:المهذب ،609/1:المهذب ،157/1 :المغني725/2 :
( )5حديث ضعيف جدا ذكره ابن عدي في الكامل عن يحيى بن عنبسة ،قال ابن حبان :ليس هذا
الحديث من كلم النبوة ( انظر فتح القدير ،366/4:كشاف القناع ) 255/2 :ويحمل على الخراج الذي
هو الجزية.
( )3/256
اختلفهما محلً فلن العشر يجب في الخارج ،والخراج يتعلق بالذمة .أما اختلفهما سببا فلن سبب
العشر نفس الخارج ،فل يجب بدونه ،وسبب الخراج :الرض النامية أي الصالحة للزراعة ،بدليل
وجوبه وإن لم تزرع الرض.
وأما اختلفهما مصرفا :فلن مصرف العشر الفقراء ،ومصرف الخراج المصالح العامة أو المقاتلة.
وأما اختلفهما دليلً ،فلن دليل العشر النص ،ودليل الخراج الجتهاد المبني على مراعاة المصالح.
وإذا ثبت اختلفهما من هذه الوجوه ،فل مانع من اجتماعهما ،فوجوب أحدهما ل يمنع وجوب الخر،
كاجتماع الجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك.
والراجح هو رأي الجمهور بسبب ضعف حديث الحنفية ،ولن الخراج واجب اجتهادي لتقوية جماعة
المسلمين وسد الحاجات العامة ،وأن العشر واجب ديني على المسلمين ،فل تنافي بينهما .وليس في
الخراج معنى العقوبة ،إذ لو كان عقوبة لما وجب على المسلم كالجزية.
وصرح الحنفية كابن عابدين (رد المحتار )67/2وغيره بأن الراضي الخراجية في مصر والشام،
حيث صارت لبيت المال سقط عنها الخراج ،لعدم من يجب عليه ،والمأخوذ منها الن أجرة ل خراج،
ويصير العشر هو الواجب فيها.
أحد عشر ـ العاشر وضريبة العشور (: )1
العاشر :من نصبه المام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار .فإذا حدث اختلف بينه وبين
التجار ،فأنكر أحدهم تمام الحول ،أو الفراغ من الدين ،كان منكرا لوجوب الزكاة ،والقول قول المنكر
بيمينه.
وكذا إذا قال :أديتها إلى عاشر آخر ،أو أديتها أنا إلى الفقراء في بلدي ،صدق بيمينه.
وما صدق فيه المسلم ،صدق فيه الذمي ،تخفيفا عنه.
-------------------------------
( )1فتح القدير. 536-530/1 :
( )3/257
ومقدار ما يأخذه العاشر من المسلم :ربع العشر ،ومن الذمي نصف العشر ومن الحربيين العشر،
بدليل ما رواه محمد بن الحسن عن زياد بن حَدير ،قال« :بعثني عمر بن الخطاب رضي ال عنه إلى
عين التمر مصدّقا ،فأمرني أن آخذ من المسلمين من أموالهم إذا اختلفوا بها للتجارة ربع العشر ،ومن
أموال أهل الذمة نصف العشر ،ومن أموال أهل الحرب العشر» .
والصل المقرر عند الحنفية في الخذ من الحربيين :هو المعاملة بالمثل ،فإن كانوا ل يأخذون أصلً
ل نأخذ منهم شيئا ،ليتركوا الخذ من تجارنا ،ولنا أحق بمكارم الخلق ،وإن مر حربي بخمسين
درهما لم يؤخذ منه شيء إل أن يكونوا يأخذون منا من مثلها؛ لن المأخوذ زكاة أو ضعفها ،فل بد
من النصاب .وإن مر حربي بمئتي درهم (وهو نصاب الزكاة) ول يعلم كم يأخذون منا ،نأخذ منه
العشر ،لقول عمر رضي ال عنه« :فإن أعياكم فالعشر» .
وإن مر حربي على عاشر ،فعشره ،ثم مرّ مرة أخرى ،لم يعشره حتى يحول الحول؛ لن الخذ في
كل مرة استئصال المال ،وحق الخذ لحفظه ،ولن حكم المان الول باق ،وأما بعد الحول فيتجدد
المان؛ لنه ل يمكن من القامة في دارنا إل حولً ،والخذ بعده ل يستأصل المال.
فإن عشره ،فرجع إلى دار الحرب ،ثم خرج من يومه ذلك ،عشره أيضا؛ لنه رجع بأمان جديد ،وكذا
الخذ بعده ل يفضي إلى استئصال المال .وإن مر ذمي بخمر أو خنزير بنية التجارة وتبلغ القيمة
مئتي درهم ،عشر عند أبي حنيفة ومحمد الخمر من قيمتها دون الخنزير؛ لن حق الخذ للحماية،
والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل ،فكذا يحميها على غيره ،ول يحمي خنزير نفسه ،بل يجب تسييبه
بالسلم ،فكذا ل يحميه على غيره .وقال أبو يوسف :يعشرهما إذا مر بهما جملة ،كأنه جعل الخنزير
تبعا للخمر ،فإن مر بكل واحد على النفراد ،عشر الخمر دون الخنزير.
وقال الشافعي :ل يعشرهما؛ لنه ل قيمة لهما.
( )3/258
وإن مر الحربي المضارب بمال غيره بمئتي درهم على العاشر ،لم يعشرها؛ لنه ليس بمالك ول
نائب عن المالك في أداء الزكاة ،إل أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا ،فيؤخذ منه؛ لنه مالك
له.
اثنا عشر ـ إخراج الزكاة وإسقاطها:
أبحث هنا موضوعات:
الول ـ ركن الخراج:
هو التمليك ،لقوله تعالى{ :وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام ]141/6:واليتاء هو التمليك ،لقوله تعالى:
{وآتوا الزكاة} [البقرة ]277/2:فل تتأدى بطعام الباحة ،وبما ليس بتمليك من بناء المساجد ونحو ذلك
( . )1
الثاني ـ كيفية الخراج:
ل خلف بين العلماء في أنه إذا كان المال الذي فيه الزكاة نوعا واحدا ،أخذ منه ،جيدا كان أو رديئا؛
لن حق الفقراء يجب على طريقة المواساة ،فهم بمنزلة الشركاء.
وإن كان أنواعا ،أخذ من كل نوع ما يخصه ،في رأي الحنابلة والحنفية ،وقال مالك :يؤخذ من
الوسط ،ل من العلى ول من الدنى ،ول من كل نوع ،للمشقة ،إل أن يتطوع المزكي بدفع العلى.
وقال الشافعي :يؤخذ من كل نوع جزء منه ،فإن عسر أخرج الوسط.
ول يجوز اتفاقا إخراج الرديء ،لقوله تعالى{ :ول تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة. )2( ]267/2:
ول يجوز أخذ الجيد عن الرديء ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :إياك وكرائم أموالهم» ( )3إل
أن يتطوع رب المال بذلك.
الثالث ـ وقت إخراج الزكاة:
ل تؤخذ زكاة الحبوب إل بعد التصفية ،ول زكاة الثمار إل بعد الجفاف ،بالتفاق ( )4؛ لنه أوان
الكمال وحال الدخار ،ومؤنة التصفية والحصاد والجفاف إلى حين الخراج على المالك ،ول يحسب
شيء منها من الزكاة بالتفاق ،لن الثمرة كالماشية ،ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها والقيام عليها إلى
حين الخراج على صاحبها.
-------------------------------
( )1البدائع 64/2 :وما بعدها.
( )2المغني 712/2 :ومابعدها ،الشرح الصغير ،619/1 :مغني المحتاج ،384/1 :الشرح الكبير مع
الدسوقي 454/1:ومابعدها.
( )3رواه الجماعة عن ابن عباس :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن(..نيل
الوطار.)114/4 :
( )4المجموع ،481/5 :المغني.711/2 :
( )3/259
فإن أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء ،ويرده إن كان رطبا بحاله ،وإن تلف رد مثله ،وإن
جففه وكان قدر الزكاة ،فقد استوفى الواجب ،وإن كان دونه أخذ الباقي ،وإن كان زائدا رد الفضل.
وإن كان المخرج لها رب المال ،لم يجزه ،ولزمه إخراج الفضل بعد التجفيف؛ لنه أخرج غير
الفرض ،فلم يجزه ،كما لو أخرج الصغير من الماشية عن الكبار.
الرابع -تقدير الواجب في الثمار بالخرص:
الخرص :الحزر والتخمين أي التقدير الظني بواسطة رجل عدل خبير.
وقد أنكر الحنفية الخرص؛ لنه رجم بالغيب ،وظن وتخمين ل يلزم به حكم ،كما أنكروا القرعة،
وإنما كان الخرص تخويفا للكره (الحراثين) لئل يخونوا (. )1
وقال الجمهور ( : )2يسن خرص الثمار (التمر والعنب) دون غيرهما كالزيتون ،إذا بدا صلحها أو
طيبها ،ل قبله ،وينبغي للمام أن يبعث ساعيه إذا بدا صلح الثمار ليخرصها ويعرف قدر الزكاة،
ويعرّف المالك ذلك .فإن لم يبعث المام أحدا فللمالك أن يأتي بعارف يخرص ما في بستانه من التمر
والعنب ،سواء أكان من شأنهما اليبس أم ل ،كرطب وعنب مصر ،ليضبط ما تجب الزكاة فيه منهما.
-------------------------------
( )1المغني ،706/2 :الموال :ص 493وما بعدها.
( )2الشرح الكبير ،452/1 :الشرح الصغير 617/1 :ومابعدها ،مغني المحتاج 389/1 :ومابعدها،
المغني.710-706/1 :
( )3/260
ودليلهم :أن النبي صلّى ال عليه وسلم «كان يبعث على الناس من يخرُص عليهم كرومهم وثمارهم»
وقال عَتّاب بن أسيد« :أمر رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن ُيخْرَص العنب ،كما يخرص النخل،
فتؤخذ زكاته زبيبا ،كما تؤخذ صدقة النخل تمرا» (. )1
ترك الثلث أو الربع :ويدخل جميع الثمر في الخرص ،ويترك الخارص عند الشافعية والحنابلة الثلث
أو الربع توسعة على أرباب الموال ،لقوله صلّى ال عليه وسلم في حديث سهل بن أبي حثمة« :إذا
خرصتم فخذوا ،ودعوا الثلث ،فإن لم تدَعوا الثلث ،فدعوا الربع» ( )2ول يترك عند الحنفية والمالكية
شيء؛ لن في إسناد حديث سهل راويا ل يعرف حاله ،كما قال ابن القطان.
الكتفاء بخارص واحد :ويجزئ خارص واحد؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يبعث عبد ال بن
َروَاحة ،فيخرُص النخل حين يطيب ( ، )3ولم يذكر معه غيره ،ولن الخارص يفعل ما يؤديه اجتهاده
إليه ،فهو كالحاكم والقائف.
شروط الخارص -شرط الخارص :العدالة أو المانة؛ لن الفاسق ل يقبل قوله ،والحرية والذكورة؛
لن الخرص ولية ،وليس الرقيق والمرأة من أهلها .ولبد أن يكون عالما بالخرص؛ لن الخرص
اجتهاد ،والجاهل بالشيء ليس من أهل الجتهاد فيه.
صفة الخرص -صفة الخرص تختلف باختلف الثمر :فإن كان نوعا واحدا ،فإنه يطيف بكل نخلة أو
شجرة ،وينظركم في الجميع رطبا أو عنبا ،ثم يقدر ما يجيء منها تمرا .وإن كان أنواعا ،خرص كل
نوع على حدته؛ لن النواع تختلف ،فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره ،ومنها ما يكون بالعكس ،وهكذا
العنب.
فإذا خرص على المالك وعرّفه قدر الزكاة ،خيره الخارص بين أن يضمن قدر الزكاة ،ويتصرف فيها
بما شاء من أكل وغيره ،وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف.
-------------------------------
( )1روى الحديث الول الترمذي وابن ماجه عن عَتّاب بن أسيد ،وروى الثاني أبو داود والترمذي
(نيل الوطار.)143/4 :
( )2رواه الخمسة إل ابن ماجه ( المرجع السابق) وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه.
( )3رواه أحمد وأبو داود عن عائشة ( المرجع السابق).
( )3/261
فإن اختار حفظها ثم أتلفها بتفريطه ،فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص .وإن أتلفها أجنبي ،فعليه
قيمة ما أتلف .وإن تلفت بجائحة سماوية ،سقط عن الملك الخرص؛ لنها تلفت قبل استقرار زكاتها،
ويسقط من الزكاة بمقدار التالف ،ويزكى الباقي إن لم يتلف الكل ،وكان الباقي بمقدار النصاب.
وإن ادعى المالك هلك الثمار أو تلفها بغير تفريطه ،بسبب خفي كالسرقة ،أو ظاهر كحريق أو برد
أو نهب ،صدق قوله بيمينه عند الشافعية ،وبغير يمين عند الحنابلة.
خطأ الخارص :إذا أخطأ الخارص التقدير :فزاد أو نقص ،يلزم المالك عند المام مالك بما قال
الخارص ،زاد أو نقص ،إذا كانت الزكاة متقاربة؛ لنه حكم واقع ل نقض له (. )1
وقال الشافعية ( : )2إن ادعى المالك حيف الخارص أو غلطه بما يبعد ،أي ل يقع عادة من أهل
المعرفة بالخرص كالربع مثلً ،لم يقبل قوله إل ببينة .وإن كان بمحتمل ،قبل في الصح ،وحط عنه
ما ادعاه؛ لنه أمين ،فوجب الرجوع إليه في دعوى نقصه عند كيله؛ لن الكيل يقين ،والخرص
تخمين ،فالحالة عليه أولى.
-------------------------------
( )1الموال :ص 494ومابعدها.
( )2مغني المحتاج.388/1 :
( )3/262