You are on page 1of 278

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬الفِقْ ُه السلميّ وأدلّتُهُ‬


‫الشّامل للدلّة الشّرعيّة والراء المذهبيّة وأهمّ النّظريّات الفقهيّة وتحقيق الحاديث‬
‫النّبويّة وتخريجها‬
‫المؤلف ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وَهْبَة الزّحَيِْليّ‬
‫ي وأصوله‬
‫أستاذ ورئيس قسم الفقه السلم ّ‬
‫بجامعة دمشق ‪ -‬كلّيّة الشّريعة‬
‫الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬سوريّة ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬الطّبعة الرّابعة المنقّحة المعدّلة بالنّسبة لما سبقها‪ ،‬وهي الطّبعة الثّانية‬
‫عشرة لما تقدّمها من طبعات مصوّرة؛ لنّ الدّار النّاشرة دار الفكر بدمشق لتعتبر‬
‫التّصوير وحده مسوّغا لتعدّد الطّبعات مالم يكن هناك إضافات ملموسة‪.‬‬
‫عدد الجزاء ‪10 :‬‬
‫ـ الكتاب مقابل على المطبوع ومرقّم آليّا ترقيما غير موافق للمطبوع‪.‬‬
‫ـ مذيّل بالحواشي دون نقصان‪.‬‬
‫نال شرف فهرسته وإعداده للشّاملة‪ :‬أبو أكرم الحلبيّ من أعضاء ملتقى أهل الحديث‬
‫ل تنسونا من دعوة في ظهر الغيب ‪...‬‬

‫وإسرار القراءة‪ .‬والصح عند الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ :‬ندب التعوذ دون الفتتاح‪ ،‬والتأمين بعد الفاتحة‪.‬‬
‫وتسوية الصف في الصلة على الجنازة‪ ،‬كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم في الصلة على‬
‫النجاشي‪ ،‬وأضاف الشافعية‪ :‬التحميد قبل الصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬والدعاء للمؤمنين‬
‫والمؤمنات بعد الصلة على النبي‪ ،‬والتسليمة الثانية‪ .‬وأضاف الحنابلة‪ :‬ويسن وقوف المصلي مكانه‬
‫حتى ترفع الجنازة‪ ،‬كما روي عن ابن عمر ومجاهد‪ ،‬ويستحب في المذهبين ثلثة صفوف‪ ،‬لحديث‪:‬‬
‫«من صلى عليه ثلثة صفوف فقد أوجب» (‪. )1‬‬
‫واتفق الفقهاء على أنه تسن صلة الجنازة جماعة‪ ،‬لحديث «ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلثة‬
‫صفوف من المسلمين إل وجبت» (‪ )2‬وتجوز فرادى لن النبي صلّى ال عليه وسلم مات فصلى عليه‬
‫الناس فوجا فوجا‪.‬‬
‫كيفية الصلة‪ :‬يقرأ بعد التكبيرة الولى الفاتحة فقط من غير سورة سرا ولو ليلً‪ ،‬لفعل النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم (‪ ، )3‬كما تقدم‪ ،‬ثم يصلي سرا على النبي صلّى ال عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية‪ ،‬لما‬
‫روى الشافعي والثرم بإسنادهما عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم «أن السنة في الصلة على الجنازة أن يكبر المام‪ ،‬ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة‬
‫الولى سرا في نفسه‪ ،‬ثم يصلي على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويخلص الدعاء للميت‪ ،‬ثم يسلم» (‬
‫‪. )4‬‬
‫وتكون الصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما في التشهد؛ لنه صلّى ال عليه وسلم لما سألوه‪:‬‬
‫«كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك» كما تقدم‪ ،‬ول يزيد على ما في التشهد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخلل بإسناده‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث حسن رواه أبو داود والترمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس‪ ،‬ورواه الشافعي في مسنده‬
‫عن أبي أمامة بن سهل (نيل الوطار‪.)60/4:‬‬
‫(‪ )4‬نيل الوطار‪ ،60/4:‬وفي إسناده مطرف‪ ،‬وقد قواه البيهقي في المعرفة من حديث الزهري‪،‬‬
‫وأخرج نحوه الحاكم من وجه آخر‪ ،‬وأخرجه أيضا النسائي وعبد الرزاق‪ ،‬قال في الفتح‪ :‬وإسناده‬
‫صحيح‪.‬‬

‫( ‪)2/636‬‬

‫ويدعو للميت في التكبيرة الثالثة سرا بأحسن ما يحضره‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إذا صليتم‬
‫على الميت فأخلصوا له الدعاء» ول تحديد في الدعاء للميت‪ ،‬ويسن الدعاء بالمأثور‪ ،‬فيقول‪« :‬اللهم‬
‫اغفر لحينا وميتنا‪ »...‬و «اللهم اغفر له وارحمه‪ »..‬الخ مما سبق ذكره عند الحنفية‪ ،‬و «اللهم هذا‬
‫عبدك وابن عبدك‪ ،‬خرج من روح الدنيا وسعتها‪ ،‬ومحبوبه وأحباؤه فيها‪ ،‬إلى ظلمة القبر وما هو ل‬
‫قيه‪ ،‬كان يشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به‪،‬اللهم إنه نزل بك‪ ،‬وأنت‬
‫خير منزول به‪ ،‬وأصبح فقيرا إلى رحمتك‪ ،‬وأنت غني عن عذابه‪ ،‬وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له‪،‬‬
‫اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته‪ ،‬ولقه برحمتك رضاك‪ ،‬وقه‬
‫فتنة القبر وعذابه‪ ،‬وافسح له قبره‪ ،‬وجاف الرض عن جنبيه‪ ،‬ولقه برحمتك المن من عذابك‪ ،‬حتى‬
‫تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين» (‪. )1‬‬
‫ويقول في الطفل‪« :‬اللهم اجعله فَرَطاَ لبويه‪ ،‬وسلفا وذخرا‪ ،‬وعظة واعتبارا‪ ،‬وشفيعا‪ ،‬وثقّل به‬
‫موازينَهما‪ ،‬وأفرغ الصبر على قلوبهما» لن ذلك مناسب للحال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬جمع ذلك الشافعي رضي ال عنه من الخبار‪ ،‬واستحسنه الصحاب‪.‬‬

‫( ‪)2/637‬‬

‫ويقول عند الشافعية بعد التكبيرة الرابعة‪« :‬اللهم ل تحرمنا أجره‪ ،‬ول تفتنّا بعده‪ ،‬واغفر لنا وله»‬
‫ويسن أن يطول الدعاء بعد هذه التكبيرة الرابعة‪ ،‬لثبوته عنه صلّى ال عليه وسلم (‪ )1‬ويقرأ آية‪:‬‬
‫{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به‪[ }..‬غافر‪ ]7/40:‬الية‪.‬‬
‫ويقف عند الحنابلة بعد التكبيرة الرابعة قليلً‪ .‬لما روى الجوزجاني عن زيد بن أرقم أن النبي «كان‬
‫يكبر أربعا‪ ،‬ثم يقف ما شاء ال ‪ ،‬فكنت أحسب هذه الوقفة لتكبير آخر الصفوف» ول يشرع بعدها‬
‫دعاء‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن صلة الجنازة تبدأ بالنية وتشتمل على أربع تكبيرات ودعاء للميت حال القيام‪ ،‬وصلة‬
‫على النبي صلّى ال عليه وسلم وفاتحة وسلم إل أن النية شرط ل ركن عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬ومحل‬
‫الدعاء عند الجمهور بعد التكبيرة الثالثة‪ ،‬وعقب كل تكبيرة حتى الرابعة على المعتمد عند المالكية‪،‬‬
‫والصلة على النبي مسنونة عند الحنفية‪ ،‬مندوبة عند المالكية‪ ،‬ركن عند الخرين‪ ،‬والسلم واجب عند‬
‫الحنفية ركن عند الجمهور‪ ،‬وقراءة الفاتحة مكروهة تحريما بنية التلوة جائزة بنية الدعاء عند‬
‫الحنفية‪ ،‬ومكروهة تنزيها عند المالكية وركن عند الخرين‪ .‬ولو زاد المام عن أربع تكبيرات ل‬
‫يتابعه المقتدي في الزيادة‪ ،‬وإنما ينتظره ليسلم معه عند الحنفية والشافعية‪ ،‬ويسلم عند المالكية‪ ،‬ويتابعه‬
‫إلى سبع تكبيرات عند الحنابلة‪.‬‬
‫خامسا ـ مكان وقوف المام من الجنازة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في تحديد مكان وقوف المام أمام الجنازة على آراء (‪: )2‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬يندب أن يقوم المام بحذاء الصدر مطلقا للرجل والمرأة؛ لنه محل اليمان‪ ،‬والشفاعة‬
‫لجل إيمانه‪ ،‬وعملً بما روي عن ابن مسعود‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يقف المام عند وسط الرجل‪ ،‬وعند منكبي المرأة‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يندب أن يقف المصلي إماما أو منفردا عند رأس الرجل‪ ،‬وعند عجز النثى‪ ،‬أي‬
‫ألياها‪ ،‬اتباعا للسنة‪ ،‬كما روى الترمذي وحسنه‪ ،‬وحكمة المخالفة‪ :‬المبالغة في ستر النثى‪ .‬أما المأموم‬
‫فيقف في الصف حيث كان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الحاكم وصححه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،819/1:‬بداية المجتهد‪228/1:‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،95‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،348/1‬المغني‪ ،517/2:‬فتح القدير‪ ،462/1:‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪.418/1:‬‬

‫( ‪)2/638‬‬

‫وقال الحنابلة‪ :‬يقوم المام عند صدر الرجل ووسط المرأة‪ .‬ومنشأ الخلف‪ :‬اختلف الثار في ذلك‪:‬‬
‫ففي حديث سمرة بن جندب قال‪« :‬صليت وراء رسول ال صلّى ال عليه وسلم على امرأة ماتت في‬
‫نفاسها‪ ،‬فقام عليها رسول ال صلّى ال عليه وسلم في الصلة وسطها» (‪ )1‬وفي حديث أبي غالب‬
‫الحنّاط قال‪« :‬شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل‪ ،‬فقام عند رأسه‪ ،‬فلما ُرفِعت أُتي بجنازة‬
‫امرأة‪ ،‬فصلى عليها‪ ،‬فقام وسطها‪ ،‬وفينا العلء بن زياد العلوي‪ ،‬فلما رأى اختلف قيامه على الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا حمزة‪ :‬هكذا كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمتُ‪،‬‬
‫ومن المرأة حيث قمتُ‪ ،‬قال‪ :‬نعم» (‪ )2‬وفي لفظ لبي داود‪« :‬فقال العلء بن زياد‪ :‬هكذا كان رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلتك يكبر عليها أربعا‪ ،‬ويقوم عند رأس الرجل‪،‬‬
‫وعَجيزة المرأة‪ ،‬قال‪ :‬نعم» ‪.‬‬
‫فمنهم من أخذ بحديث سمرة للتفاق على صحته‪ ،‬وقال‪ :‬المرأة في ذلك والرجل سواء؛ لن الصل أن‬
‫حكمهما واحد‪ ،‬إل أن يثبت في ذلك فارق شرعي‪.‬‬
‫ومنهم من صحح حديث أبي غالب‪ ،‬وقال‪ :‬فيه زيادة على حديث سمرة‪ ،‬فيجب المصير إليها‪ ،‬وليس‬
‫بينهما تعارض أصلً‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة (نيل الوطار‪.)66/4:‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود (المصدر السابق)‪.‬‬

‫( ‪)2/639‬‬

‫سادسا ـ حالة المسبوق في صلة الجنازة ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على أن المسبوق يتابع المام فيما لحقه‪ ،‬ويتم ما فاته‪ ،‬ولكن لهم تفصيلت في كيفية‬
‫التمام (‪. )1‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬المسبوق ببعض التكبيرات يكبر للتحريمة ثم ل يكبر في الحال‪ ،‬بل ينتظر تكبير المام‬
‫ليكبر معه للفتتاح؛ لن كل تكبيرة ركعة‪ ،‬كما سبق‪ ،‬ثم يكبر ما فاته كالمدرك الحاضر‪ ،‬بعد فراغ‬
‫المام‪ ،‬تكبيرا متتابعا‪ ،‬بل دعاء إن خشي رفع الميت على العناق‪.‬‬
‫أما لو جاء المسبوق بعد تكبيرة المام الرابعة فقد فاتته الصلة‪ ،‬لتعذر الدخول في تكبيرة المام‪.‬‬
‫وكذلك قال المالكية‪ :‬يكبر المسبوق للتحريمة‪ ،‬ثم يصبر وجوبا إلى أن يكبر المام‪ ،‬فإن كبر صحت‬
‫صلته‪ ،‬ول يعتد بها عند أكثر المشايخ‪ ،‬ثم يدعو المسبوق بعذ فراغ المام إن تركت الجنازة‪ ،‬وإل‬
‫بأن رفعت والى التكبير بل دعاء وسلم‪ .‬فالمالكية كالحنفية تماما‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يكبر المسبوق ويقرأ الفاتحة‪ ،‬وإن كان المام في تكبيرة أخرى غير الولى‪ ،‬فإن كبر‬
‫المام تكبيرة أخرى قبل شروع المأموم في الفاتحة بأن كبر عقب تكبيره‪ ،‬كبر معه‪ ،‬وسقطت القراءة‪،‬‬
‫وتابعه في الصح‪ ،‬كما لو ركع المام عقب تكبير المسبوق‪ ،‬فإنه يركع معه‪ ،‬ويتحملها عنه‪ .‬وإذا سلم‬
‫المام وجب على المسبوق تدارك باقي التكبيرات بأذكارها‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬من فاته شيء من التكبير قضاه متتابعا‪ ،‬فإن سلم مع المام ولم يقض‪ ،‬فل بأس‬
‫وصحت صلته‪ ،‬أي أن المسبوق بتكبير الصلة في الجنازة يسن له قضاء ما فاته منها على صفته‪،‬‬
‫ل بقول ابن عمر‪ :‬إنه ل يقضي‪.‬‬
‫عم ً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،821-819/1:‬الشرح الصغير‪ ،556/1:‬مغني المحتاج‪ ،344/1:‬المغني‪494/2:‬‬
‫مابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،139/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،95‬بداية المجتهد‪.230/1:‬‬

‫( ‪)2/640‬‬

‫ولما روي عن عائشة أنها قالت‪« :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أصلي على الجنازة‪ ،‬ويخفى علي بعض‬
‫التكبير؟ قال‪ :‬ما سمعت فكبري‪ ،‬وما فاتك فل قضاء عليك» (‪. )1‬‬
‫فإن خشي المسبوق رفع الجنازة‪ ،‬تابع بين التكبير من غير قراءة ول صلة على النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم ول دعاء للميت‪ ،‬سواء رفعت الجنازة أم ل‪.‬‬
‫ومتى رفعت الجنازة بعد الصلة عليها لم توضع لحد يريد أن يصلي عليها‪ ،‬تحقيقا للمبادرة إلى‬
‫مواراة الميت‪ ،‬أي يكره ذلك‪.‬‬
‫سابعا ـ شروط الصلة على الميت‪:‬‬
‫يشترط في المصلي لصحة صلة الجنازة شروط الصلة (‪ )2‬من إسلم وعقل وتمييز وطهارة وستر‬
‫عورة (مع أحد العاتقين عند الحنابلة) وطهارة أو اجتناب نجاسة في البدن والثوب والمكان‪ ،‬واستقبال‬
‫القبلة‪ ،‬والنية‪ ،‬وغيرها من الشروط إل الوقت‪ ،‬لنها صلة‪ ،‬فهي كغيرها من الصلوات‪ ،‬سوى الوقت‪،‬‬
‫والجماعة فل يشترطان فيها‪ ،‬أما الوقت فمطلق غير مقيد بزمن معين‪ ،‬وأما الجماعة فل تشترط فيها‬
‫كالمكتوبة‪ ،‬بل تسن لخبر مسلم‪« :‬ما من رجل مسلم يموت‪ ،‬فيقوم على جنازته أربعون رجلً ل‬
‫يشركون بال شيئا‪ ،‬إل شفعهم ال فيه» ويسقط فرض الصلة بواحد؛ لن الجماعة ل تشترط فيها‪ ،‬ول‬
‫يسقط الفرض بالنساء‪ ،‬وهناك رجال‪ ،‬في الصح عند الشافعية؛ لن فيه استهانة بالميت‪.‬‬
‫وإنما صلت الصحابة على النبي صلّى ال عليه وسلم فرادى (‪ )3‬ـ كما رواه البيهقي وغيره ـ لعظم‬
‫أمره‪ ،‬وتنافسهم في أل يتولى المامة في الصلة عليه أحد‪ ،‬أو لنه لم يكن قد تعين إمام يؤم القوم‪ ،‬فلو‬
‫تقدم واحد في الصلة‪ ،‬لصار مقدما في كل شيء وتعين للخلفة‪.‬‬
‫ويشترط على المذهب عند الشافعية أل يتقدم المصلي على الجنازة الحاضرة‪،‬ول على القبر إذا صلي‬
‫عليه‪ ،‬اتباعا لفعل السلف‪ ،‬ولن الميت كالمام‪.‬‬
‫ويشترط في الميت لفرضية الصلة عليه ما يأتي (‪: )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ذكر الحديث في المغني وكشاف القناع‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار‪ ،811/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،95‬مغني المحتاج‪ ،344/1:‬كشاف القناع‪134/2،13:‬‬
‫‪ ،6‬المهذب‪ ،132/1،135:‬بداية المجتهد‪ ،235/1:‬الشرح الصغير‪.574/1:‬‬
‫(‪ )3‬أي جماعات بعد جماعات‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،813-811/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 93‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص‬
‫‪ ،98‬المهذب‪ ،132/1:‬المجموع‪ ،165/5:‬كشاف القناع‪ ،126/2:‬المغني‪ 558/2:‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)2/641‬‬

‫ً‪ - 1‬أن يكون الميت مسلما‪ :‬ولو بطريق التبعية لحد أبويه‪ ،‬أو للدار‪ ،‬فل يصلى على كافر أصلً‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬ول تصل على أحد منهم مات أبدا} [التوبة‪ ،]9/84:‬ويصلى على سائر المسلمين من‬
‫أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم‪.‬‬
‫َ‪ - 2‬أن يكون جسده هو أو أكثره موجودا‪ ،‬وهذا شرط عند الحنفية والمالكية‪ .‬فل يصلى على عضو‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون حاضرا موضوعا على الرض أمام المصلي‪ ،‬في اتجاه القبلة‪ :‬وهذا شرط عند الحنفية‬
‫‪ ،‬فل يصلى على غائب‪ ،‬محمول على نحو دابة‪ ،‬وموضوع خلف المام‪ ،‬ووافقهم المالكية على‬
‫اشتراط كون الميت حاضرا‪.‬‬
‫وأما الصلة على النجاشي فهي خصوصية له‪ .‬وأما وضع الميت أمام المصلي فمندوب عند المالكية‪.‬‬
‫وتجوز الصلة عند الشافعية والمالكية على الميت المحمول على دابة أو أيدي الناس أو أعناقهم‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون قبل الصلة عليه معلوم الحياة‪ :‬وهذا شرط عند الجمهور خلفا للحنابلة‪ ،‬فل يصلى‬
‫سقْط‪ ،‬إل إن علمت حياته بارتضاع أو حركة‪ ،‬أو يستهل صارخا‪ ،‬كما سأبين‪.‬‬
‫على مولود ول ِ‬
‫ً‪ - 5‬طهارة الميت‪ :‬فل تجوز الصلة عليه قبل الغسل أو التيمم‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬أل يكون شهيدا‪ :‬وهو من مات في معترك الجهاد‪ ،‬وهذا شرط عند الجمهور‪ ،‬فليغسل ول‬
‫يكفن‪ ،‬ول يصلى عليه‪ ،‬ويدفن بثيابه‪ ،‬وينزع عنه السلح‪ .‬وقال الحنفية ‪ :‬يكفن الشهيد ويصلى عليه‪،‬‬
‫ول يغسل‪ .‬فإن قتل المسلم في غير الجهاد ظلما أو أخرج من المعترك حيا‪ ،‬ولم تنفذ مقاتله‪ ،‬ثم مات‪،‬‬
‫غسل‪ ،‬وصلي عليه في المشهور عند المالكية‪ ،‬ولدى بقية الفقهاء‪.‬‬

‫( ‪)2/642‬‬

‫ومن قتل في المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه عند المالكية والشافعية‪ ،‬وقال الحنفية كما‬
‫أبنت‪ :‬ل يغسل ول يصلى عليه‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬يغسل الباغي ويكفن ويصلى عليه‪ ،‬وأما أهل العدل‬
‫فل يغسلون ول يكفنون ول يصلى عليهم؛ لنهم كالشهداء في معركة المشركين (‪. )1‬‬
‫ثامنا ـ وقت الصلة على الجنازة‪:‬‬
‫سبق الكلم عن ذلك في بحث الوقات التي تكره فيها الصلة‪ ،‬وملخصه (‪: )2‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬يكره تحريما ول يصلى على الجنازة في الوقات الخمسة التي ورد النهي عن الصلة‬
‫فيها‪ ،‬وهي عند طلوع الشمس‪ ،‬وغروبها‪ ،‬واستوائها في منتصف النهار‪ ،‬ومابعد صلة الصبح حتى‬
‫الطلوع‪ ،‬وما بعد صلة العصر حتى الغروب‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة‪ :‬تحرم ول يصلى على الجنازة في الوقات الثلثة التي ورد النهي عن الصلة‬
‫فيها‪ ،‬وهي وقت الطلوع والغروب وزوال الشمس لظاهر حديث عقبة بن عامر‪« :‬ثلث ساعات كان‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر موتانا‪ »..‬الحديث‪ .‬وتجوز الصلة في‬
‫الوقتين الخرين وهما ما بعد صلتي الصبح والعصر إلى الطلوع والغروب‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يجوز فعل صلة الجنازة في جميع الوقات؛ لنها صلة لها سبب‪ ،‬فجاز فعلها في كل‬
‫وقت‪.‬‬
‫وأرى الخذ بمذهب الشافعية في حال الضرورة أو الحاجة‪ ،‬ويمتنع من الصلة في الحوال الخرى‪،‬‬
‫رعاية للخلف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪ ،136/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،94‬مغني المحتاج‪ ،350/1:‬المغني‪.534/2:‬‬
‫(‪ )2‬انظر بداية المجتهد‪ ،234/1:‬المهذب‪ ،132/1:‬المغني‪ 554/2:‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)2/643‬‬

‫تاسعا ـ الصلة على الميت بعد الدفن وتكرار الصلة عليه قبل الدفن‪:‬‬
‫يكره عند الحنفية والمالكية تكرار الصلة على الجنازة حيث كانت الولى في جماعة‪ ،‬فإن لم تكن في‬
‫جماعة أعيدت ندبا بجماعة قبل الدفن (‪. )1‬‬
‫وأجاز الشافعيةوالحنابلة تكرار الصلة على الجنازة مرة أخرى‪ ،‬لمن لم يصل عليها أولً‪ ،‬ولو بعد‬
‫الدفن (‪ ، )2‬بل يسن ذلك عند الشافعية‪ ،‬فقد فعله عدد من الصحابة‪ ،‬وفي حديث متفق عليه عن ابن‬
‫عباس قال‪« :‬انتهى النبي صلّى ال عليه وسلم إلى قبر رطب‪ ،‬فصفوا خلفه‪ ،‬وكبرأربعا» ‪.‬‬
‫أما الصلة على الميت بعد الدفن‪ :‬فجائزة باتفاق الفقهاء إذا لم يكن صلي عليه؛ لن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم صلى على قبر امرأة من النصار (‪ . )3‬ويحسن ذكر عبارات الفقهاء لمعرفة القيود‬
‫الشرعية للصلة‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )4‬إن دفن الميت ولم يصل عليه‪ ،‬صلي على قبره‪ ،‬استحسانا ما لم يغلب على الظن‬
‫تفسخه‪ ،‬والمعتبر في معرفة عدم التفسخ أكبر الرأي من غير تقدير في الصح‪ ،‬لختلف الحال‬
‫والزمان والمكان ‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )5‬إن كان لم يصل على الميت‪ ،‬أخرج للصلة عليه مالم يفرغ من دفنه‪ ،‬فإن دفن‬
‫صلي على القبر‪ ،‬ما لم يتغير‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.596/1:‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،512-511/2:‬مغني المحتاج‪.361/1:‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من حديث خارجة بن زيد بن ثابت (نصب‬
‫الراية‪.)265/2:‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير‪ 458/1:‬ومابعدها‪ ،‬الكتاب مع اللباب‪ ،132/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،99‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ 826/1‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،412/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،95‬بداية المجتهد‪ 230/1:‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)2/644‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬إذا دفن الميت قبل الصلة‪ ،‬صلي على القبر؛ لن الصلة تصل إليه في القبر‪.‬‬
‫وإن دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة‪ ،‬ولم يخش عليه الفساد في نبشه‪ ،‬نبش وغسل ووجه إلى‬
‫القبلة؛ لنه واجب مقدور على فعله‪ ،‬فوجب فعله‪ .‬وإن خشي عليه الفساد‪ ،‬لم ينبش؛ لنه تعذر فعله‪،‬‬
‫فسقط كما يسقط وضوء الحي واستقبال القبلة في الصلة إذا تعذر‪.‬‬
‫وإن أدخل القبر ولم يهل التراب عليه‪ ،‬يخرج ويصلى عليه‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬إذا دفن الميت غير متوجه إلى القبلة‪ ،‬أو قبل الصلة عليه‪ ،‬نبش ووجه إليها‪،‬‬
‫تداركا لذلك الواجب‪ ،‬وصلي عليه‪ ،‬ليوجد شرط الصلة‪ .‬كذلك يخرج ليكفن إن دفن قبل تكفينه‪.‬‬
‫ودليلهم على الصلة‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم ذكر رجلً مات‪ ،‬فقال‪« :‬فدلوني على قبره‪ ،‬فأتى‬
‫قبره‪ ،‬فصلى عليه» (‪. )3‬‬
‫لكن ل يصلى على القبر بعد شهر‪ ،‬لما روى سعيد بن المسيب «أن أم سعد ماتت والنبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم غائب‪ ،‬فلما قدم صلى عليها‪ ،‬وقد مضى لذلك شهر» (‪ )4‬قال أحمد‪ :‬أكثر ما سمعنا أن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر‪ .‬ولنها مدة يغلب على الظن‬
‫بقاء الميت فيها‪ ،‬فجازت الصلة عليه فيها كما قبل الثلث‪ ،‬وكالغالب‪.‬‬
‫وقبر النبي صلّى ال عليه وسلم ل يصلى عليه؛ لنه ل يصلى على القبر بعد شهر (‪. )5‬‬
‫عاشرا ـ الصلة على الغائب‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان في الصلة على الغائب عن البلد (‪: )6‬‬
‫رأي الحنفية والمالكية‪ :‬عدم جواز الصلة على الغائب‪ ،‬وصلة النبي على النجاشي لغوية أو‬
‫خصوصية‪ ،‬وتكون الصلة حينئذ مكروهة‪.‬‬
‫ورأى الشافعية والحنابلة‪ :‬جواز الصلة على الميت الغائب عن البلد‪ ،‬وإن قربت المسافة‪ ،‬ولم يكن في‬
‫جهة القبلة‪ ،‬لكن المصلي يستقبل القبلة‪ ،‬لما روى جابر‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على‬
‫أصحمة النجاشي‪ ،‬فكبر عليه أربعا» (‪. )7‬‬
‫وتتوقت الصلة على الغائب عند الحنابلة بشهر‪ ،‬كالصلة على القبر؛ لنه ل يعلم بقاؤه من غير تلش‬
‫أكثر من ذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،138/1:‬المجموع‪.264/5:‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،97/2:‬المغني‪.511/2،519:‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه (نيل الوطار‪.)51/4 :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي (المصدر السابق)‪.‬‬
‫(‪ )5‬عن ابن عباس‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر» ‪ .‬وعنه «أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم صلى على ميت بعد ثلث» رواهما الدارقطني (نيل الوطار‪.)51/4:‬‬
‫(‪ )6‬الدر المختار‪ ،813/41:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،94‬الشرح الصغير‪ ،571/1:‬المجموع‪،209/5:‬‬
‫المهذب‪ ،134/1:‬مغني المحتاج‪ ،345/1:‬المغني‪ 512/2:‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.126/2:‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه‪ ،‬وروى أحمد مثله عن أبي هريرة‪ ،‬كما روى ذلك أحمد والنسائي والترمذي وصححه‬
‫(نيل الوطار‪ 48/4:‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)2/645‬‬

‫الحادي عشر ـ الصلة على المولود‪:‬‬


‫يصلى على المولود أو السقط عند الحنابلة (‪ )1‬إذا ولد لكثر من أربعة أشهر‪ ،‬ويغسل أيضا‪ ،‬والسقط‪:‬‬
‫الولد تضعه المرأة ميتا‪ ،‬أو لغير تمام‪ ،‬فأما إن خرج حيا واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير‬
‫خلف‪.‬‬
‫واستدلوا بقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬والسقط يصلى عليه‪ ،‬ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة»‬
‫(‪ )2‬وفي لفظ رواية النسائي والترمذي‪« :‬والطفل يصلى عليه» وقال أبو بكر الصديق رضي ال عنه‪:‬‬
‫«ما أحد أحق أن يصلى عليه من الطفل» ‪ ،‬ولنه نسمة نفخ فيه الروح‪ ،‬فيصلي عليه كالمستهل‪ ،‬فإن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم أخبر في حديثه الصادق المصدوق أنه ينفخ فيه الروح لربعة أشهر‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )3‬يصلى على المولود إن ظهرت عليه أمارات الحياة‪ .‬وعباراتهم ما يأتي‪:‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬إن استهل المولود سمي وغسل وصلي عليه‪ ،‬واستهلل الصبي‪ :‬أن يرفع صوته بالبكاء‬
‫عند الولدة‪ ،‬أو أن يوجد منه ما يدل على حياته بعد خروج أكثره‪ .‬وإن لم يستهل غسل وسمي في‬
‫الصح المفتى به على خلف ظاهر الرواية‪ ،‬ويدرج في خرقة إكراما لبني آدم‪ ،‬ولم يصل عليه‪.‬‬
‫ودليلهم حديث علي‪ :‬أنه سمع سمع رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول في السقط‪« :‬ل يصلى عليه‬
‫حتى يستهل‪ ،‬فإذا استهل صلي عليه‪ ،‬وعُقل‪ ،‬وورّث‪ ،‬وإن لم يستهل لم يصل عليه‪ ،‬ولم يورث ولم‬
‫يُعقل» (‪ )4‬أي لدية له وهي خمسون دينارا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،522/2:‬كشاف القناع‪ 116/2:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي‪ ،‬وقال عن حديثه‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ ،465/1:‬الدر المختار‪ ،830-828/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 99‬ومابعدها‪ ،‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،574/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 93‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،349/1:‬المهذب‪ ،134/1:‬بداية‬
‫المجتهد‪ 232/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن عدي‪ ،‬وروى أيضا مثله عن ابن عباس بلفظ «إذا استهل الصبي صلي عليه‪ ،‬وورث»‬
‫وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر موقوفا عليه في الصح‪« :‬الطفل ل يصلى عليه‪ ،‬ول‬
‫يرث‪ ،‬ول يورث حتى يستهل» (نصب الراية‪.)278-277/2:‬‬

‫( ‪)2/646‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬السقط إن استهل أو بكى ككبير‪ ،‬فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن لتيقن موته بعد‬
‫حياته‪ .‬وإن لم يستهل أو لم يبك‪ :‬فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلج صلّي عليه في الظهر‪ ،‬لحتمال‬
‫الحياة بهذه القرينة الدالة عليها وللحتياط‪ .‬وإن لم تظهر لم يصل عليه‪ ،‬وإن بلغ أربعة أشهر في‬
‫الظهر‪.‬‬
‫والسقط‪ :‬هو الذي لم يبلغ تمام أشهره‪ ،‬أما من بلغها فيصلى عليه مطلقا‪ .‬ودليلهم حديث المغيرة بن‬
‫شعبة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬السقط يصلى عليه‪ ،‬ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» (‬
‫‪ )1‬وحديث «صلوا على أطفالكم فإنها من أفراطكم» (‪. )2‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يصلى على المولود أو السقط إن علمت حياته بارتضاع أو حركة أو يستهل صارخا‪.‬‬
‫ويكره غسله والصلة عليه إن لم يستهل صارخا‪ ،‬ولو تحرك أو بال أو عطس إن لم تتحقق حياته‪.‬‬
‫ويغسل دم السقط ويلف بخرقة ويوارى وجوبا فيهما‪ ،‬وندبا في الول‪ :‬وهو الغسل‪.‬‬
‫الثاني عشر ـ مكان الصلة‪:‬‬
‫يصلى على الميت في المصلى‪ ،‬كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم حينما برز للمصلى في صلته‬
‫على النجاشي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أصحاب السنن الربعة‪ ،‬وقال عنه الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬ورواه الحاكم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫على شرط البخاري‪ ،‬وفي سنده اضطراب ( نصب الراية‪.)279/2:‬‬
‫(‪ )2‬حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة(المصدر السابق)‪.‬‬

‫( ‪)2/647‬‬

‫وأما الصلة في المقبرة على الجنازة فهي ـ كما بينا في مكروهات الصلة ـ مكروهة عند الحنفية‬
‫والشافعية للنهي الوارد عن الصلة فيها‪« :‬نهي صلّى ال عليه وسلم عن الصلة في سبعة مواطن‪:‬‬
‫في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق‪ ،‬وفي الحمام‪ ،‬وفي معاطن البل‪ ،‬وفوق بيت ال‬
‫العتيق» ولقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الرض كلها مسجد إل المقبرة والحمام» (‪. )1‬‬
‫وأجاز المالكية والحنابلة الصلة على الجنازة في المقبرة‪ ،‬لعموم قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬جعلت‬
‫لي الرض مسجدا وطهورا» ‪.‬‬
‫واستثنى الشافعية من الكراهة مقابر النبياء وشهداء المعركة لنهم أحياء في قبورهم (‪ . )2‬ويكره‬
‫استقبال القبر في الصلة لخبر مسلم‪« :‬ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها» ويحرم استقبال قبره‬
‫صلّى ال عليه وسلم وقبور سائر النبياء عليهم أفضل الصلة والسلم (‪ . )3‬ورأي المالكية والحنابلة‬
‫أقوى في تقديري لعدم صحة حديث النهي عن الصلة في الماكن السبعة‪ .‬وأما الحديث الثاني فيحتمل‬
‫تخصيص صلة الجنازة منه‪.‬‬
‫وأما الصلة على الجنازة في المسجد‪:‬‬
‫ففيها رأيان‪ :‬الكراهة عند الحنفية والمالكية‪ ،‬والجواز عند الشافعية والحنابلة (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحديث الول رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬إسناده ليس بالقوي‪ ،‬والحديث الثاني رواه أحمد وابن حبان‬
‫والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع ‪ ،115/1:‬بداية المجتهد‪ ،235/1:‬مغني المحتاج‪ ،203/1:‬المغني‪.294/2:‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ :‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار‪ ،89/1:‬فتح القدير‪ 463/1:‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪ ،133/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،99‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،234/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،95‬الشرح الصغير‪ ،568/1:‬مغني المحتاج‪ ،361/1:‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،132/1‬المغني‪.493/2:‬‬

‫( ‪)2/648‬‬
‫أما التجاه الول وهو كراهة الصلة‪ ،‬سواء أكانت الجنازة في المسجد أم خارجه‪ ،‬فلحديث أبي‬
‫هريرة‪« :‬من صلى على ميت في المسجد‪ ،‬فل شيء له» (‪ ، )1‬ولن المسجد بني لداء المكتوبات‬
‫وتوابعها كنافلة وأذكار وتدريس علم‪ ،‬ولنه يحتمل تلويث المسجد‪ ،‬والكراهة تحريمية عند الحنفية‪،‬‬
‫تنزيهية عند المالكية‪.‬‬
‫وكما تكره الصلة على الجنازة في المسجد‪ ،‬يكره إدخالها فيه‪.‬‬
‫وأما التجاه الثاني‪ :‬وهو إباحة الصلة على الجنازة في المسجد‪ ،‬بل إنه يستحب ذلك عند الشافعية إن‬
‫لم يخش تلويثه‪ ،‬فلن المسجد أشرف‪ ،‬وعملً بما ثبت في السنة عن عائشة‪« :‬وال لقد صلى رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد‪ :‬سهيل وأخيه» وفي رواية‪« :‬ما صلى رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إل في جوف المسجد» (‪ ، )2‬وصلي على أبي بكر‬
‫وعمر في المسجد» (‪. )3‬‬
‫ويظهر لي أن التجاه الثاني أقوى؛ لن حديث أبي هريرة غير ثابت‪ ،‬أو غير متفق على ثبوته‪،‬قال‬
‫النووي‪ :‬إنه ضعيف ل يصح الحتجاج به‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬حديث ضعيف تفرد به صالح مولى‬
‫التوءمة‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود وابن ماجه وابن عدي‪ ،‬وابن أبي شيبة‪ ،‬ولفظ الخير «فل صلة له» وهو ضعيف‬
‫(نصب الراية‪ ،275/2:‬نيل الوطار‪ 68/4:‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللفظ الول رواه مسلم‪ ،‬والثاني رواه الجماعة إل البخاري (نيل الوطار‪ ،68/4:‬نصب الراية‪:‬‬
‫‪.)276/2‬‬
‫(‪ )3‬رواه سعيد وروى الثاني مالك (نيل الوطار‪ ،‬المكان السابق)‪.‬‬

‫( ‪)2/649‬‬

‫الفرض الرابع ـ دفن الميت‪:‬‬


‫وفيه بحث ما يأتي‪:‬‬
‫أولً ـ حمل الميت لغير بلد موته‪ ،‬ثانيا ـ حمل الجنازة‪ ،‬ثالثا ـ سنن الجنازة‪ ،‬رابعا ـ وجوب الدفن‬
‫وندب تعجيله‪ ،‬خامسا ـ مكروهات الجنازة‪ ،‬سادسا ـ صفة القبور واحترامها والجلوس عليها‬
‫والتكاء عليها‪ ،‬وما يوضع على القبر من آس ونحوه‪ ،‬وما يكتب عليه وعلى الكفن‪ ،‬سابعا ـ أحكام‬
‫الدفن (كيفيته‪ ،‬مكانه‪ ،‬زمنه‪ ،‬ما يقال عند الدفن‪ ،‬التلقين بعد الدفن‪ ،‬ستر القبر‪ ،‬الدفن في تابوت)‪ ،‬ثامنا‬
‫ـ زيارة القبور للرجال والنساء والسلم على الميت‪ ،‬واجتماع الرواح‪.‬‬
‫أولً ـ حمل الميت لغير بلد موته‪:‬‬
‫للفقهاء آراء ثلثة في نقل الميت لغير بلد موته‪ :‬الكراهة لغير غرض صحيح‪ ،‬والباحة‪ ،‬والتحريم (‬
‫‪: )1‬‬
‫فقال الحنابلة‪ :‬السنة دفن الميت في مكان صرعه أو موته‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬تدفن‬
‫الجساد حيث تفيض الرواح» (‪ ، )2‬وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه‪ ،‬لما نقل عن‬
‫عائشة أنه «لما مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبَش ـ وهو مكان بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلً‬
‫ـ ونقل إلى مكة‪ ،‬أتت قبره‪ ،‬وقالت‪ :‬وال لو حضرتك مادفنتك إل حيث مت‪ ،‬ولو شهدتك ما زرتك»‬
‫(‪ )3‬وهو محمول على أنها لم تر غرضا في نقله‪ ،‬وأنه تأذى به‪.‬‬
‫فإن كان النقل لغرض صحيح فل كراهة‪ ،‬لما في الموطأ عن مالك أنه سمع غير واحد يقول‪« :‬إن‬
‫سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق‪ ،‬فحمل إلى المدينة‪ ،‬ودفنا بها» وقال سفيان بن عيينة‪:‬‬
‫مات ابن عمر ههنا‪ ،‬وأوصى أن ل يدفن ههنا‪ ،‬وأن يدفن بسَرَف (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،98-97/2:‬المغني‪ 510/2:‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،96‬مراقي الفلح‪ :‬ص‬
‫‪ ،102‬رد المحتار والدر المختار‪ ،840/1:‬مغني المحتاج‪.365/1:‬‬
‫(‪ )2‬روى الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الربعة) وصححه الترمذي عن جابر قال‪« :‬أمر رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم‪ ،‬وكانوا نقلوا إلى المدينة» وروى البزار‬
‫بإسناد حسن عن أبي سعيد مثله (نيل الوطار‪ ،112/4 :‬مجمع الزوائد‪.)43/3:‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره ابن المنذر‪.‬‬

‫( ‪)2/650‬‬

‫وقال الحنفية والمالكية‪ :‬ل بأس بنقل الميت من بلد إلى آخر إن كان لم يدفن‪ ،‬والنقل عند الحنفية جائز‬
‫قدر ميل أو ميلين‪ ،‬لكن يندب دفنه في جهة موته‪ ،‬أي في مقابر أهل المكان الذي مات فيه أو قتل‪،‬‬
‫للحديث السابق أنه صلّى ال عليه وسلم أمر بدفن قتلى أُحد في مضاجعهم‪ ،‬مع أن مقبرة المدينة‬
‫قريبة‪ ،‬ودفنت الصحابة الذين فتحوا دمشق عند أبوابها‪ ،‬ولم يدفنوا كلهم في محل واحد‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يحرم نقل الميت قبل دفنه إلى بلد آخر‪ ،‬ليدفن فيه‪ ،‬وإن لم يتغير‪ ،‬لما فيه من تأخير‬
‫دفنه‪ ،‬ومن التعريض لهتك حرمته‪.‬‬
‫ثانيا ـ حمل الجنازة وكيفيته‪:‬‬
‫حمل الجنازة فرض كفاية بل خلف‪ ،‬وهو بر وطاعة وإكرام للميت‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬ل بأس باتباع‬
‫المسلم جنازة قريبه الكافر‪ ،‬لنه عليه الصلة والسلم ـ فيما رواه أبو داود ـ أمر عليا رضي ال‬
‫عنه أن يواري أبا طالب‪.‬‬
‫وقالوا أيضا‪ :‬يحرم حمل الجنازة على هيئة مزرية كحمله في قفة أو غِرارة (جوالق) ونحو ذلك‪،‬‬
‫ويحمل على سرير أو لوح أو محمل‪ ،‬ول خلف في أنه ل يحمل الجنازة إل الرجال‪ ،‬سواء أكان‬
‫الميت ذكرا أم أنثى؛ لن النساء يضعفن عن الحمل‪ ،‬وربما انكشف منهن شيء لو حملن‪.‬‬
‫وللفقهاء آراء ثلثة في كيفية حمل الميت‪ :‬التربيع عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬وما بين العمودين عند‬
‫الشافعية‪ ،‬وعدم ترتيب وضع معين على المشهور عند المالكية (‪. )1‬‬
‫أما الحنفية والحنابلة فقالوا‪ :‬يوضع الميت على النعش بعد أن يغسل ويكفن‪ ،‬مستلقيا على ظهره؛ لنه‬
‫أمكن‪ ،‬ويسن أن يحمله أربع؛ لنه يسن التربيع في حمله‪ ،‬والتربيع أفضل من الحمل بين العمودين‪،‬‬
‫لحديث أبي عبيدة بن عبد ال بن مسعود عن أبيه‪ ،‬قال‪« :‬من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها‪،‬‬
‫ط َوعْ‪ ،‬وإن شاء فليدع» (‪. )2‬‬
‫فإنها من السنة‪ ،‬ثم إن شاء فلي ّ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،833/1:‬فتح القدير‪،467/1،469:‬الكتاب مع اللباب‪ 133/1:‬وما بعدها‪،‬مراقي‬
‫الفلح‪ :‬ص ‪ ،100‬القوانين الفقهية‪:‬ص ‪ ،96‬الشرح الصغير‪ ،565/1:‬المهذب‪ ،135/1:‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ 146/2‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪ ،233/5:‬المغني‪ ،478/2:‬مغني المحتاج‪.359/1:‬‬
‫(‪ )2‬رواه سعيد بن منصور وابن ماجه‪ ،‬وإسناده ثقات‪ ،‬إل أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه‪.‬‬

‫( ‪)2/651‬‬

‫وصفة التربيع‪ :‬أن يضع النعش اليسرى على كتفه اليمنى‪ ،‬ثم ينتقل إلى قائمة السرير المؤخرة‪،‬‬
‫فيضعها على كتفه اليمنى أيضا‪ ،‬ثم يدعها لغيره‪ ،‬ثم يضع قائمته اليمنى على كتفه اليسرى‪ ،‬ثم يدعها‬
‫لغيره‪ ،‬وينتقل إلى قائمة السرير اليمنى‪ ،‬فيضعها على كتفه اليسرى‪ .‬فتكون البداءة من الجانبين‬
‫بالرأس‪ ،‬والختام من الجانبين بالرجلين‪ ،‬لما فيها من الموافقة لكيفية غسله‪.‬‬
‫ويمشي في كل مرة عشر خطوات‪ ،‬لحديث‪« :‬من حمل جنازة أربعين خطوة‪ ،‬كفرت عنه أربعين‬
‫كبيرة» (‪. )1‬‬
‫وإن حمل الميت بين العمودين وهما القائمتان‪ ،‬كل عمود على عاتق رجل كره عند الحنفية‪ ،‬وكان‬
‫حسنا‪،‬ولم يكره عند الحنابلة‪ ،‬لرواية ابن منصور‪ ،‬ولنه صلّى ال عليه وسلم «حمل جنازة سعد بن‬
‫معاذ بين العمودين» (‪ ، )2‬وروي عن عثمان وابن الزبير وابن عمر وأبي هريرة «أنهم فعلوا ذلك»‬
‫( ‪. )3‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬الحمل بين العمودين أفضل من التربيع‪ ،‬وهو أن يجعل الحامل رأسه بين عمودي‬
‫مقدمة النعش‪ ،‬ويجعلهما على كاهله‪.‬‬
‫ويجوز الحمل من الجوانب الربعة‪ ،‬لكن الول أفضل؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم حمل جنازة‬
‫سعد بن معاذ بين العمودين‪ ،‬ولفعل الصحابة المذكورين‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ليس في حمل الجنازة ترتيب معين على المشهور‪ ،‬فيجوز البدء في حمل السرير بأي‬
‫ناحية بل تعيين‪ ،‬قال خليل‪ :‬والمعين مبتدع؛ لنه عين ما ل أصل له في الشرع‪ ،‬ويجوز أن يحمل‬
‫النعش اثنان أو ثلثة أو أربعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ذكره الزيلعي والكاساني في البدائع‪ .‬وذكر ابن عباس عن واثلة‪« :‬من حمل بجوانب السرير‬
‫الربع‪ ،‬غفر له أربعون كبيرة» وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره الشافعي في المختصر والبيهقي في كتاب المعرفة‪ ،‬وأشار إلى تضعيفه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواها الشافعي والبيهقي بأسانيد ضعيفة إل أثر سعد فصحيح‪.‬‬

‫( ‪)2/652‬‬

‫ثالثا ـ سنن تشييع الجنازة‪:‬‬


‫يسن في حمل الجنازة ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬السراع بالجنازة‪ :‬يستحب السراع بالجنازة (أي فوق المشي المعتاد‪ ،‬ودون الخَبَب ـ أي العَدْو‬
‫السريع ـ لكراهته) بحيث ل يضطرب الميت على الجنازة‪ ،‬لما روى أبو هريرة أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬أسرعوا بالجنازة‪ ،‬فإن تكن صالحة فخير تقدمونها‪ ،‬وإن تكن سوى ذلك فشر‬
‫تضعونه عن رقابكم» (‪ ، )1‬وكراهة الخبب لما روى عبد ال بن مسعود‪ ،‬قال‪« :‬سألنا رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم عن السير بالجنازة‪ ،‬فقال‪ :‬دون الخبب‪ ،‬فإن يكن خيرا يعجل إليه‪ ،‬وإن يكن شرا‪،‬‬
‫فبعدا لصحاب النار» (‪. )2‬‬
‫واستحباب السراع باتفاق العلماء إل أن يخاف من السراع انفجار الميت أو تغيره ونحوه ‪ ،‬فيتأنى (‬
‫‪. )3‬‬
‫‪ - 2‬اتباع الجنازة‪ :‬يستحب اتباع الجنازة اتفاقا (‪ ، )4‬لما روى البراء قال‪« :‬أمرنا رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم باتباع الجنازة‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬وتشميت العاطس‪ ،‬وإجابة الداعي‪ ،‬ونصر المظلوم» (‬
‫‪ . )5‬واتباع الجنازة سنة للرجال‪ ،‬كما في الحديث المتقدم‪ ،‬مكروه للنساء‪ ،‬لما رواه البخاري ومسلم‬
‫عن أم عطية رضي ال عنها قالت‪« :‬نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزَم علينا» أي لم يشدد علينا في‬
‫النهي‪ ،‬ولم يحرم علينا التباع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري وهذا لفظه‪ ،‬ومسلم أيضا ولفظه «فخيرا تقدمونها عليه» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم‪ ،‬واتفقوا على تضعيفه‪ ،‬وروى أحمد عن أبي موسى‬
‫حديث «عليكم القصد» وهو ضد الفراط (نيل الوطار‪.)70/4:‬‬
‫(‪ )3‬اللباب‪ ،134/1:‬الشرح الكبير‪ ،418/1:‬المهذب‪ ،135/1:‬المغني‪.473-472/2:‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار‪ ،833/1:‬الشرح الكبير‪ ،418/1:‬المهذب‪ ،136/1:‬مغني المحتاج‪ ،367/1:‬المجموع‪:‬‬
‫‪ ،286/5‬المغني‪.473/2:‬‬
‫(‪ )5‬رواه الجماعة‪ ،‬منهم البخاري ومسلم (نيل الوطار‪.)70/4:‬‬

‫( ‪)2/653‬‬

‫وروى ابن ماجه عن علي رضي ال عنه قال‪« :‬خرج علينا رسول ال صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬فإذا‬
‫نسوة جلوس‪ ،‬فقال‪ :‬ما يجلسكن ؟ قلن‪ :‬ننتظر الجنازة‪ ،‬قال‪ :‬هل تغَسّلن؟ قلن‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هل تَحمِلْنَ؟‬
‫جعْن مأزورات‬
‫قلن‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هل تُدْلينَ فيمن ُيدْلي؟ أي هل تنزلن الميت في القبر ـ قلن‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فار ِ‬
‫غير مأجورات» أي عليكن الثم‪ ،‬ول أجر لكنّ‪.‬‬
‫ويتطلب اتباع الجنازة أمورا ثلثة‪:‬‬
‫أ ـ أن يصلي عليها‪ :‬قال زيد بن ثابت‪ :‬إذا صليت فقد قضيت الذي عليك‪.‬‬
‫ب ـ أن يتبعها إلى القبر‪ ،‬ثم يقف حتى تدفن‪ ،‬لحديث أبي هريرة‪« :‬من تبع جنازة فصلى عليها فله‬
‫قيراط‪ ،‬وإن شهد دفنها فله قيراطان‪ ،‬القيراط مثل أحد» (‪. )1‬‬
‫جـ ـ أن يقف بعد الدفن‪ ،‬فيستغفر له‪ ،‬ويسأل ال له التثبيت‪ ،‬ويدعو له بالرحمة‪ ،‬فإنه روي عن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتا‪ ،‬وقف‪ ،‬وقال‪« :‬استغفروا له‪ ،‬واسألوا ال له التثبيت‪،‬‬
‫فإنه الن يسأل» (‪ )2‬و روي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها‪.‬‬
‫وروى مسلم عن عمرو بن العاص أنه قال‪« :‬إذا دفنتموني‪ ،‬فأقيموا بعد ذلك حول قبري ساعة قدر ما‬
‫تنحر جزور‪ ،‬ويفرّق لحمها حتى أستأنس بكم‪ ،‬وأعلم ماذا أراجع رسل ربي» ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الخشوع والتفكر بالموت‪ :‬يستحب لمتبع الجنازة (‪ )3‬أن يكون متخشعا‪ ،‬متفكرا في مآله‪ ،‬متعظا‬
‫بالموت‪ ،‬وبما يصير إليه الميت‪ ،‬ول يتحدث بأحاديث‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وفي رواية لهما‪« :‬القيراطان مثل الجبلين العظيمين» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والبزار‪ ،‬وقال الحاكم‪ :‬إنه صحيح السناد‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪.474/2:‬‬

‫( ‪)2/654‬‬

‫الدنيا‪ ،‬ول يضحك‪ .‬قال سعد بن معاذ‪« :‬ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها» ورأى‬
‫بعض السلف رجلً يضحك في جنازة‪ ،‬فقال‪ :‬أتضحك وأنت تتبع الجنازة؟ ل كلمتك أبدا‪.‬‬
‫‪ - 4‬ستر نعش المرأة‪ :‬يندب عند المالكية والشافعية والحنابلة (‪ )1‬ستر نعش المرأة بقُبّة تجعل فوق‬
‫ظهر النعش‪ ،‬تعمل من خشب أو جريد نخل أو قصب‪ ،‬لنه أبلغ في الستر‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬أول من اتخذ‬
‫له ذلك زينب بنت جحش أم المؤمنين‪ ،‬وقال ابن عبد البر‪ :‬فاطمة بنت رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫أول من غُطّي نعشها في السلم‪ ،‬ثم زينب بنت جحش‪.‬‬
‫‪ - 5‬المشي أمام الجنازة‪ :‬يسن عند فقهاء الحديث (مالك والشافعي وأحمد) (‪ )2‬المشي أمام الجنازة‪،‬‬
‫وبقربها بحيث يراها إن التفت لنه إذا بعد لم يكن معها‪ ،‬والمشي أمامها‪ ،‬لما روى ابن عمر‪« :‬أنه‬
‫رأى النبي صلّى ال عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة» (‪ )3‬ولن المشيع شفيع للميت‪،‬‬
‫والشفيع يتقدم على المشفوع له‪.‬‬
‫وأضاف الحنابلة‪ :‬ول يكره كون المشاة خلف الجنازة؛ لنها متبوعة‪ ،‬ول أن يمشوا حيث شاؤوا عن‬
‫يمينها أو يسارها بحيث يعدّون تابعين لها‪ .‬وذكر المالكية على المشهور‪ :‬أن الراكب يسير خلف‬
‫الجنازة‪.‬‬
‫وقال فقهاء الرأي منهم الحنفية (‪ : )4‬يندب المشي خلف الجنازة؛ لنها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ ،418/1:‬كشاف القناع‪ ،146/2:‬مغني المحتاج‪.359/1:‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،225/1:‬المهذب‪ ،136/1:‬المغني‪ ،474/2:‬كشاف القناع‪ ،149/2:‬المجموع‪:‬‬
‫‪ ،238/5‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.96‬‬
‫(‪ )3‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) واحتج به أحمد (نيل الوطار‪.)71/4:‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار‪ ،834/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.101‬‬

‫( ‪)2/655‬‬

‫متبوعة (‪ ، )1‬إل أن يكون خلفها نساء فالمشي أمامها حسن‪ ،‬ولو مشى أمامها جاز‪ ،‬وفيه فضيلة‬
‫أيضا‪ ،‬لكن إن تباعد عنها أو تقدم الكل أو ركب أمامها‪ ،‬أو فيها كره‪.‬‬
‫ودليلهم حديث ابن مسعود المتقدم‪« :‬سألنا النبي صلّى ال عليه وسلم عن المشي خلف الجنازة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما دون الخبب» فقرر قولهم‪ :‬خلف الجنازة‪ ،‬ولم ينكره‪ ،‬وحديث طاوس أنه قال‪« :‬ما مشى رسول‬
‫اصلّى ال عليه وسلم حتى مات خلف الجنازة» (‪. )2‬‬
‫ويظهر أن كلً من المشي أمام الجنازة أو خلفها جائز‪ ،‬لحديث المغيرة بن شعبة‪ :‬عن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬الراكب خلف الجنازة‪ ،‬والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها‪،‬‬
‫سقْط يُصلّى عليه‪ ،‬ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» (‪. )3‬‬
‫وال ِ‬
‫‪ -6‬القيام للجنازة‪ :‬قال النووي وجماعة‪ :‬يخير المسلم بين القيام والقعود (‪ ، )4‬روى ابن عمر عن‬
‫عامر بن ربيعة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬إذا رأيتم الجنازة‪ ،‬فقوموا لها حتى يُخلّفكَم أو‬
‫توضع» (‪. )5‬‬
‫وقال الجمهور منهم أئمة المذاهب الربعة (‪ : )6‬ل يقام للجنازة؛ لن القيام منسوخ‪ ،‬بدليل قول علي‬
‫رضي ال عنه‪« :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة‪ ،‬ثم جلس بعد ذلك‪،‬‬
‫وأمرنا بالجلوس» (‪ )7‬وسبب القعود مخالفة اليهود‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا إشارة لحديث البراء بن عازب المتقدم‪« :‬أمرنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم باتباع‬
‫الجنائز» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الشوكاني‪ :‬وهذا مع كونه مرسلً‪ ،‬لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)72/4‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأصحاب السنن‪ ،‬وصححه ابن حبان والحاكم (نيل الوطار‪.)45/4،72:‬‬
‫(‪ )4‬المجموع‪.239/5:‬‬
‫(‪ )5‬رواه الجماعة (نيل الوطار‪.)75/4:‬‬
‫(‪ )6‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،96‬المغني‪ ،479/2:‬الشرح الصغير‪ ،570/1:‬الدر المختار‪،834/1:‬‬
‫المجموع‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬نيل الوطار‪.76/4:‬‬
‫(‪ )7‬رواه أحمد وأبو داود‪ ،‬وابن ماجه بنحوه (نيل الوطار‪ :‬المكان السابق)‪.‬‬

‫( ‪)2/656‬‬

‫قال عبادة بن الصامت‪« :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد‪،‬‬
‫فمر حَبْر (عالم) من اليهود‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا نفعل‪ ،‬فجلس رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقال‪ :‬اجلسوا‬
‫خالفوهم» (‪ ، )1‬وصرح المالكية بكراهة القيام للجنازة؛ لنه ليس من عمل السلف‪.‬‬
‫‪ - 7‬عدم جلوس المشيعين حتى توضع الجنازة‪ :‬المستحب لمن يتبع الجنازة أل يجلس حتى توضع‬
‫عن أعناق الرجال؛ لنه قد تقع الحاجة إلى التعاون‪ ،‬والقيام أمكن منه (‪ ، )2‬ولحديث‪« :‬إذا رأيتم‬
‫الجنازة فقوموا لها‪ ،‬فمن اتّبعها فل يجلس حتى توضع» (‪ )3‬أي في الرض‪ ،‬كما في رواية أبي داود‪.‬‬
‫ول مانع ول كراهة من تشييع المسلم جنازة قريبه الكافر‪.‬‬
‫رابعا ـ مكروهات الجنازة‪:‬‬
‫ذكر الفقهاء طائفة من مكروهات الجنازة‪ ،‬أهمها ما يأتي (‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬تأخير الصلة والدفن‪ ،‬لزيادة المصلين أو ليصلي عليه جمع عظيم بعد صلة الجمعة‪ ،‬إل إذا‬
‫خيف فوتها بسبب دفنه‪ ،‬للخبر الصحيح‪« :‬أسرعوا بالجنازة» ول بأس بانتظار الولي عن قرب ما لم‬
‫يخش تغير الميت‪ ،‬وقال المالكية‪ :‬ويكره‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي‪ ،‬وإسناده ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،469/1:‬المغني‪ ،480/2:‬المهذب‪.136/1:‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة إل ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري(نيل الوطار‪.)74/4:‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار‪ ،835-833/1:‬الكتاب مع اللباب‪ ،134/1:‬فتح القدير‪ ،469/1:‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،574-566/1،568‬المهذب‪ ،136/1:‬المجموع‪ ،240-237/5:‬مغني المحتاج‪ 359/1:‬ومابعدها‪،‬‬
‫المغني‪ ،477،480-475/2:‬كشاف القناع‪ 149/2:‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪.424-421/1:‬‬

‫( ‪)2/657‬‬
‫للمشيعين النصراف عن الجنازة بل صلة عليها ولو بإذن أهلها‪ ،‬والنصراف بعد الصلة بل إذن‬
‫من أهلها إن لم يطولوا‪ ،‬فإن أذنوا أو طولوا جاز النصراف‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجلوس قبل وضع الجنازة على الرض‪ ،‬والقيام بعده‪ .‬وليقوم أحد في المصلى إذا رأى‬
‫الجنازة‪ ،‬ول من مرت عليه‪ ،‬كما بينت في البحث السابق‪.‬‬
‫‪ - 3‬الركوب‪ :‬السنة أل يركب؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «ما ركب في عيد‪ ،‬ولجنازة» (‪)1‬‬
‫وقال ثوبان‪« :‬خرجنا مع النبي صلّى ال عليه وسلم في جنازة‪ ،‬فرأى ناسا رُكبانا‪ ،‬فقال‪ :‬أل تستحيون‪،‬‬
‫إن ملئكة ال على أقدامهم‪ ،‬وأنتم على ظهور الدواب» (‪. )2‬‬
‫أما الركوب في الرجوع فل بأس به‪ ،‬لحديث جابر بن سمرة أن « النبي صلّى ال عليه وسلم أُتي‬
‫بفرس ُمعْ َروْر (أي عريان)‪ ،‬فركبه حين انصرفنا من جنازة ابن الدحداح‪ ،‬ونحن نمشي حوله» (‪. )3‬‬
‫‪ - 4‬الّلغَط أي رفع الصوت بذكر أو قراءة والصياح خلف الجنازة‪ ،‬كقول‪« :‬استغفروا لها» ونحوه‪،‬‬
‫لما روى البيهقي أن الصحابة كرهوا رفع الصوت عند الجنائز عند القتال وعند الذكر‪ ،‬وسمع ابن‬
‫ل يقول‪« :‬استغفروا له غفر ال لكم‪ ،‬فقال‪ :‬ل غفر ال لك» (‪ )4‬وكره الحسن وغيره قولهم‪:‬‬
‫عمر قائ ً‬
‫«استغفروا لخيكم» ‪.‬‬
‫والصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة والشتغال بالتفكر في الموت‬
‫وما يتعلق به‪ ،‬كما أبنت‪ .‬وما يفعله جهلة القراء بالتمطيط وإخراج الكلم عن موضوعه‪ ،‬فحرام يجب‬
‫إنكاره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال النووي‪ :‬غريب (المجموع‪.)237/5:‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه والترمذي (نيل الوطار‪.)72/4:‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد ومسلم والنسائي‪ ،‬وروى أبو داود عن ثوبان مثله (نيل الوطار‪.)72/4:‬‬
‫(‪ )4‬رواه سعيد بن منصور في سننه‪.‬‬

‫( ‪)2/658‬‬

‫‪ - 5‬اتباع الجنازة بنار في مجمرة بخور أو غيرها‪ ،‬لما فيه من التشاؤم القبيح بأنه من أهل النار‪،‬‬
‫ولخبر أبي داود‪« :‬ل تتبع الجنازة بصوت ول نار» ‪.‬‬
‫ويكره أيضا اتباعها بنائحة وتزجر‪ ،‬لما روى عمرو بن العاص قال‪« :‬إذا أنا مت‪ ،‬فل تصحبني نار‬
‫ول نائحة» (‪ )1‬وعن أبي موسى رضي ال عنه أنه وصى‪ :‬لتتبعوني بصارخة ول بمجمرة‪ ،‬ول‬
‫تجعلوا بيني وبين الرض شيئا (‪ . )2‬ويكره اجتماع نساء لبكاء سرا‪ ،‬ومنع جهرا‪ ،‬كالقول القبيح‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫‪ - 6‬اتباع النساء الجنائز‪ ،‬الكراهةعند الجمهور تنزيهية‪ ،‬لما روي عن أم عطية قالت‪« :‬نهينا عن‬
‫اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» (‪ )3‬أي أنه نهي تنزيه‪ ،‬وعند الحنفية الكراهة تحريمية‪ ،‬لحديث‬
‫«ارجعن مأزورات غير مأجورات» (‪ )4‬ويعضده المعنى الحادث باختلف الزمان الذي أشارت إليه‬
‫عائشة بقولها‪« :‬لو أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم رأى ما أحدث النساء بعده‪ ،‬لمنعهن كما منعت‬
‫نساء بني إسرائيل» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم في صحيحه في جملة حديث طويل فيه أحكام كثيرة في كتاب اليمان‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري ومسلم في الصحيحين‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه بسند ضعيف‪ ،‬أوله «أن النبي صلّى ال عليه وسلم خرج‪ ،‬فإذا نسوة جلوس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ما يجلسكن؟ قلن‪ :‬ننتظر الجنازة‪ ،‬قال‪ :‬هل تغسلن؟ قلن‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هل تحملن؟ قلن‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هل تدلين‬
‫فيمن يدلي؟ قلن‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فارجعن‪. »...‬‬

‫( ‪)2/659‬‬

‫وأجاز المالكية خروج امرأة متجالّة‪ :‬عجوز ل أرب للرجل فيها‪ ،‬أو شابة لم يخش فتنتها في جنازة‬
‫من عظُمت مصيبته عليها كأب وأم وزوج وابن وبنت وأخ وأخت‪ .‬وحرم على مخشيّة الفتنة مطلقا‪.‬‬
‫وخروج الزوجة المتجالة وغير مخشية الفتنة مستثنى من أحكام العدة والحداد‪.‬‬
‫‪ - 7‬قال المالكية‪ :‬يكره تكبير نعش لميت صغير‪ ،‬لما فيه من المباهاة والنفاق‪ ،‬ويكره فرش النعش‬
‫بحرير أو خز‪ ،‬أي منسوج من الصوف والحرير‪.‬‬
‫‪ - 8‬قال الحنابلة‪ :‬مس الجنازة باليدي والكمام والمناديل محدث مكروه‪ ،‬وقد منع العلماء مس القبر‪،‬‬
‫فمس الجسد مع خوف الذى أولى بالمنع‪.‬‬
‫ويكره تقليد غير المسلمين في حمل أكاليل الورد لما فيه من إتلف المال والمفاخرة والمباهاة‪.‬‬
‫خامسا ـ حكم الدفن وتعجيله‪:‬‬
‫أجمع الفقهاء على أن دفن الميت فرض على الكفاية (‪ )1‬؛ لن في تركه على وجه الرض هتكا‬
‫لحرمته‪ ،‬ويتأذى الناس من رائحته‪ ،‬والصل فيه قوله تعالى‪{ :‬ألم نجعل الرض كفاتا‪ ،‬أحياء وأمواتا}‬
‫[المرسلت‪ ]26-77/25:‬والكفت‪ :‬الجمع‪ ،‬وقوله سبحانه في دفن هابيل‪{ :‬فبعث ال غرابا يبحث في‬
‫الرض‪ ،‬ليريه كيف يواري سوأة أخيه} [المائدة‪ ، ]5/31:‬وقوله‪{ :‬ثم أماته فأقبره} [عبس‪0]21/80:‬‬
‫والفضل أن يعجل بتجهيز الميت ودفنه من حين موته‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬أسرعوا بالجنازة‪ ،‬فإن كانت‬
‫صالحة فخير تقدمونها إليه‪ ،‬وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» واستثنى المالكية الغريق‬
‫فإنه يستحب عندهم تأخير دفنه مخافة بقاء حياته‪.‬‬
‫والدفن في المقبرة أفضل؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يدفن الموتى بالبقيع (‪ ، )2‬ولنه يكثر‬
‫الدعاء له ممن يزوره‪ ،‬ولنه أقل ضررا على الحياء من ورثته‪ ،‬وأشبه بمساكن الخرة (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار والدر المختار‪ ،833/1:‬بداية المجتهد‪ ،218/1،235:‬المجموع‪ ،241/5:‬كشاف‬
‫القناع‪.96/2،146،152:‬‬
‫(‪ )2‬حديث صحيح متواتر‪.‬‬
‫(‪ )3‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،102‬الدر المختار‪ ،836/1:‬الشرح الصغير‪ ،574/1:‬المجموع‪،241/5:‬‬
‫المغني‪ 508/2:‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)2/660‬‬

‫الدفن في البيوت‪ :‬يجوز ول يحرم الدفن في البيت؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم دفن في حجرة‬
‫عائشة رضي ال عنها (‪. )1‬‬
‫لكن الدفن في البيوت لغير النبي ولو للسقط مكروه‪ ،‬لختصاصه بالنبياء عليهم الصلة والسلم‪.‬‬
‫ويكره الدفن في القباب ونحوها من البيوت المعقودة لجماعة‪ ،‬لمخالفته السنة‪.‬‬
‫الدفن في البقاع الشريفة‪ :‬يستحب الدفن في أفضل مقبرة‪ :‬وهي التي يكثر فيها الصالحون والشهداء‬
‫لتناله بركتهم‪ ،‬وكذلك في البقاع الشريفة‪ ،‬روى البخاري ومسلم أن موسى عليه السلم لما حضره‬
‫الموت‪ ،‬سأل ال تعالى أن يدنيه إلى الرض المقدسة رمية بحجر‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«لو كنتم َثمّ لريتكم قبره عند الكثيب الحمر» ‪ ،‬ولن عمر رضي ال عنه استأذن عائشة رضي ال‬
‫عنها أن يدفن مع صاحبيه (‪ : )2‬أي النبي صلّى ال عليه وسلم وأبي بكر‪.‬‬
‫جمع القارب في موضع واحد‪ :‬يستحب أن يجمع القارب في موضع واحد‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم «ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة‪ ،‬وقال‪ :‬أتعلم بها قبر أخي‪ ،‬وأدفن إليه من مات من‬
‫أهلي» (‪ ، )3‬ولن ذلك أسهل لزيارتهم‪ ،‬وأكثر للترحم عليهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث صحيح متواتر‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث صحيح رواه البخاري وغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود والبيهقي عن المطلب بن عبد ال بن حَ ْنطَب‪ ،‬وهو من التابعين‪ ،‬عمن أخبره عن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم فهو مسند ل مرسل‪ ،‬لن الصحابة كلهم عدول‪.‬‬

‫( ‪)2/661‬‬

‫سادسا ـ صفة القبور واحترامها‪:‬‬


‫للقبور صفات مستمدة من السنة النبوية ومما تقتضيه الحاجة وهي ما يلي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أقل القبر حفرة تمنع الرائحة والسبع عن نبش تلك الحفرة لكل الميت؛ لن الحكمة في وجوب‬
‫الدفن عدم انتهاك حرمته بانتشار رائحته‪ ،‬واستقذار جيفته وأكل السباع له‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ويندب عند الجمهور غير المالكية أن يوسع طولً وعرضا ويعمّق بأن يزاد في نزوله‪ ،‬لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم في قتلى أحد‪« :‬احفروا وأوسعوا وأعمقوا» (‪ ، )2‬ولن تعميق القبر أنفى لظهور‬
‫الرائحة التي تستضر بها الحياء‪ ،‬وأبعد لقدرة الوحش على نبشه‪ ،‬وآكد لستر الميت‪ ،‬وروى البيهقي‬
‫أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لحفار‪« :‬أوسع من قبل الرأس‪ ،‬ومن قبل الرجلين» ‪.‬‬
‫والتعميق عند الشافعية وأكثر الحنابلة‪ :‬قدر قامة وبسطة من رجل معتدل‪ ،‬يأن يقوم باسطا يديه‬
‫مرفوعتين؛ لن عمر رضي ال عنه وصى بذلك‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد‪ ،‬وهما أربعة أذرع ونصف‪.‬‬
‫وقال أحمد رحمه ال ‪ :‬يعمق القبر إلى الصدر‪ ،‬الرجل والمرأة في ذلك سواء‪.‬‬
‫وعند الحنفية‪ :‬مقدار نصف قامة‪ ،‬أو إلى حد الصدر‪ ،‬وإن زاد مقدار قامة فهو أحسن‪ .‬فالدنى نصف‬
‫القامة‪ ،‬والعلى القامة‪ .‬وطوله‪ :‬على قدر طول الميت‪ ،‬وعرضه‪ :‬على قدر نصف طوله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،839،847-835/1:‬فتح القدير‪ ،472-469/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 101‬ومابعدها‪،‬‬
‫الكتاب‪ 134/1:‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 235/1:‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،96،97‬الشرح‬
‫الكبير‪ ،419/1:‬الشرح الصغير‪ ،558/1،560،572،578:‬مغني المحتاج‪ ،351/1،364:‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،139/1‬المغني‪ ،508-499،504-497/2:‬كشاف القناع‪ ،163-154/2:‬شرح الرسالة‪-277/1:‬‬
‫‪ ،280‬المجموع‪.284/5:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫( ‪)2/662‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬وندب عدم تعميق القبر جدا‪ ،‬بل قدر الذراع فقط إذا كان لحدا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬واللّحْد باتفاق الفقهاء أفضل من الشّق‪ :‬والمراد باللحد‪ :‬أن يحفر في جانب القبر القبلي مكان‬
‫يوضع فيه الميت بقدر ما يسعه ويستره‪ .‬أما الشق‪ :‬فهو أن يحفر قعر القبر كالنهر‪ ،‬أو يبنى جانباه‬
‫بلبن أو غيره غير ما مسته النار‪ ،‬ويجعل بينهما شق يوضع فيه الميت‪ ،‬ويسقف عليه ببلط أو حجارة‬
‫أو لبن أو خشب ونحوها‪ ،‬ويرفع السقف قليلً بحيث ل يمس الميت‪ .‬ويكره الشق عند الحنابلة‪ ،‬لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬اللحد لنا والشق لغيرنا» (‪. )1‬‬
‫وفصل الحنفية والمالكية والشافعية فقالوا‪ :‬إن اللحد أفضل إن كانت الرض صلبة‪ ،‬لقول سعد بن أبي‬
‫وقاص في مرض موته‪« :‬الحدوا لي لحدا‪ ،‬وانصبوا على اللبِن نصبا‪ ،‬كما فعل برسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم » (‪ . )2‬فإن كانت الرض رخوة فالشق أفضل خشية النهيار‪.‬‬
‫ويجب عند الشافعية والحنابلة ويندب عند المالكية والحنفية أن يوضع الميت في القبر مستقبل القبلة‪،‬‬
‫ويسند وجهه إلى جدار القبر ويسند ظهره بلبنة ونحوها ليمنعه من الستلقاء على قفاه‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬قبلتكم أحياء وأمواتا» ولن ذلك طريقة المسلمين‪ ،‬بنقل الخلف عن السلف‪ ،‬ولن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم هكذا دفن‪.‬‬
‫ويسن ‪ -‬كما سأبين ‪ -‬أن يسلّ الميت من قبل رأسه‪ ،‬بعد أن يوضع عند أسفل القبر‪ ،‬ويمدد برفق في‬
‫القبر‪ .‬ويسن أن ينزله في القبر أقرب الناس إليه من الذكور‪ ،‬وأن يقول الذي يلحده‪« :‬بسم ال وعلى‬
‫سنة رسول ال » اتباعا لمر الرسول صلّى ال عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي عن ابن‬
‫عمر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والترمذي وغيرهما‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/663‬‬

‫ويوضع اللبِن (الطوب النيء) على اللحد‪ ،‬بأن يسد من جهة القبر‪ ،‬ويقام اللبن فيه‪ ،‬اتقاءً لوجهه‪ ،‬عن‬
‫التراب‪ ،‬لقول سعد‪« :‬وانصبوا علي اللبن نصبا» ‪ .‬ويكره الجُرّ (الطوب المُحرَق) والخشب؛ لنهما‬
‫لحكام البناء‪ ،‬وهو ل يليق بالميت؛ لن القبر موضع اللبِن‪ .‬ول بأس بالقصب مع اللبِن‪.‬‬
‫ثم يهال التراب على القبر‪ ،‬سَتْرا له وصيانة‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬يسن لكل من حضر عند القبر أن يحثو التراب في القبر من قبل رأسه أو غيره ثلث حَثَيات‬
‫باليد‪ ،‬قبل إهالة التراب عليه‪ ،‬لحديث أبي هريرة‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم صلى على جنازة‪،‬‬
‫ثم أتى قبر الميت‪ ،‬فحثى عليه من قبل رأسه ثلثا» (‪ ، )1‬وعن عامر بن ربيعة أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم «صلى على عثمان بن مظعون‪ ،‬فكبر عليه أربعا‪ ،‬وأتى القبر‪ ،‬فحثى عليه ثلث حثيات‪،‬‬
‫وهو قائم عند رأسه» (‪ ، )2‬ولن مواراته فرض كفاية‪ ،‬وبالحثي يصير ممن شارك فيها‪ ،‬وفي ذلك‬
‫أقوى عبرة وتذكار‪ ،‬فاستحب لذلك‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬يرفع القبر قدر شبر فقط‪ ،‬ليعرف أنه قبر‪ ،‬فيتوقى‪ ،‬ويترحم على صاحبه‪ ،‬ولن قبره صلّى ال‬
‫عليه وسلم رفع نحو شبر (‪ ، )3‬وروى الشافعي عن جابر «أن النبي صلّى ال عليه وسلم رفع قبره‬
‫عن الرض قدر شبر» وعن القاسم بن محمد قال‪« :‬قلت لعائشة‪ :‬يا أماه‪ ،‬اكشفي لي عن قبر النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم وصاحبيه‪ ،‬فكشفت لي عن ثلثة قبور‪ ،‬ل مشرفة ول لطئة‪ ،‬مبطوحة ببطحاء‬
‫العرصة الحمراء» (‪. )4‬‬
‫ً‪ - 6‬تسنيم القبر عند الجمهور أفضل من تسطيحه أي تربيعه‪ ،‬لقول سفيان‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود (نيل الوطار‪.)82/4:‬‬

‫( ‪)2/664‬‬

‫التّمار‪« :‬رأيت قبر النبي صلّى ال عليه وسلم مسنما» (‪ )1‬وكذلك قبور الصحابة من بعده‪ ،‬ولن‬
‫التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا‪ ،‬واستثنى الحنابلة دار الحرب إذا تعذر نقل الميت‪ ،‬فالولى تسوية القبر‬
‫بالرض وإخفاؤه‪ ،‬خوفا من أن ينبش‪ ،‬فيمثل به‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬الصحيح أن تسطيح القبر أولى من تسنيمه‪ ،‬كما فعل بقبره صلّى ال عليه وسلم وقبري‬
‫صاحبيه رضي ال تعالى عنهما (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 7‬يكره تجصيص القبر والبناء‪ ،‬والكتابة عليه والمبيت عنده‪ ،‬واتخاذ مسجد عليه‪ ،‬وتقبيله والطواف‬
‫به وتبخيره‪ ،‬والستشفاء بالتربةمن السقام‪ ،‬وكذا يكره التطيين عند الحنفية والمالكية‪.‬‬
‫أما التجصيص‪ :‬أي التبييض أي الطلء بالجص وهوا لجبس‪ ،‬ومثله تزويقه ونقشه‪ ،‬والبناءعليه كقبة‬
‫أو بيت‪ ،‬فمكروه للنهي عنهما في صحيح مسلم التي‪ .‬وإن كان البناء على القبر للمباهاة أو في أرض‬
‫مسبلة (مخصصة للدفن بحسب العادة ) أو موقوفة‪ ،‬فيحرم ويهدم‪ ،‬لنه في حالة المباهاة من العجاب‬
‫والكبر المنهي عنهما‪ ،‬وفي الموقوفة والمسبلة‪ ،‬فلما في ذلك من التضييق والتحجير على الناس‪.‬‬
‫وذكر ابن عبد الحكم تلميذ مالك أنه ل تنفذ وصية من أوصى بالبناء على قبره‪ ،‬أي بناء بيوت‪ ،‬وعليه‬
‫يجب هدم ما بني على القبور من القباب والسقائف والروضات‪ .‬لكن ل بأس عند اللخمي من المالكية‬
‫ببناء حاجز بين القبور ليعرف به‪ .‬وقيل عند الحنفية‪ :‬لبأس بتطيين القبر‪ ،‬واليوم اعتاد الناس التسنيم‬
‫باللبن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه (المصدر السابق) وروى الجماعة إل البخاري وابن ماجه أن عليا‬
‫بعث أبا الهياج السدي وقال‪« :‬أبعثك على ما بعثني رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬ل تدع تمثالً‬
‫إل طمسته‪ ،‬ول قبرا مشرفا إل سويته» (نيل الوطار‪.)83/4:‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود بإسناد صحيح‪.‬‬

‫( ‪)2/665‬‬

‫صيانة للقبر عن النبش‪ ،‬ورأوا ذلك حسنا‪ ،‬وفي الثر‪« :‬ما رآه المسلمون حسنا فهوعند ال حسن» ‪.‬‬
‫ول بأس عند الحنابلة أيضا من تطيين القبر‪ .‬وكره أحمد الفسطاط والخيمة على القبر‪ ،‬عملً بوصية‬
‫أبي هريرة كما روى أحمد في مسنده‪ ،‬وبأمر ابن عمر بنزع فسطاط على قبر عبد الرحمن‪.‬‬
‫وأما الكتابة على القبر فمكروهة عند الجمهور‪ ،‬سواء اسم صاحبه أوغيره‪ ،‬عند رأسه أم في غيره‪ ،‬أو‬
‫كتابة الرقاع إليه ودسها في النقاب‪ ،‬وتحرم عند المالكية كتابة القرآن على القبر‪ ،‬ودليلهم‪ :‬ما روى‬
‫جابر‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن تجصيص القبور‪ ،‬وأن يكتب عليها‪ ،‬وأن يبنى‬
‫عليها» (‪. )1‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬ل بأس بالكتابة على القبر إن احتيج إليها حتى ل يذهب الثر ول يمتهن؛ لن النهي‬
‫عنها وإن صح‪ ،‬فقد وجد الجماع العملي بها (‪ ، )2‬فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫هذه السانيد صحيحة‪ ،‬وليس العمل عليها‪ ،‬فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على‬
‫قبورهم‪ ،‬وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف‪،‬ويتقوى بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد أن رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم «حمل حجرا‪ ،‬فوضعها عند رأس عثمان بن مظعون‪ ،‬وقال‪:‬أتعلم بها قبر أخي‪،‬‬
‫وأدفن إليه من مات من أهلي» ‪ ،‬فإن الكتابة طريق تعرف القبر بها‪ .‬ويباح عندهم أيضا أن يكتب‬
‫على الكفن «بسم ال الرحمن الرحيم» أو «يرجى أن يغفر ال للميت» ‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن النهي عن الكتابة محمول على عدم الحاجة‪ ، ،‬وأن الكتابة بغير عذر‪ ،‬أو كتابة شيء‬
‫من القرآن أو الشعر أو إطراء مدح له ونحو ذلك فهو مكروه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار لبن عابدين‪.839/1:‬‬

‫( ‪)2/666‬‬

‫وأما اتخاذ المساجد على القبور فهو مكروه‪ ،‬حرام عند بعض المحدثين والحنابلة لقوله صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬قاتل ال اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (‪ )1‬ظاهره أنهم كانوا يجعلونها مساجد يصلون‬
‫فيها‪ ،‬لكن ذكر ابن القاسم تلميذ مالك أنه لبأ س بالمسجد على القبور العافية (المندرسة) ويكره على‬
‫غير العافية‪ .‬وتكره أيضا الصلة إلى القبر‪ ،‬لحديث «ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها» (‪. )2‬‬
‫وأما التقبيل والستشفاء بالتربة ونحوه فلن ذلك كله من البدع‪ ،‬لكن ل بأس كما ذكر الشافعية على‬
‫الصحيح من تطييب القبر‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬يوضع على القبر حصى‪ ،‬وعند رأسه حجر أو خشبة‪ :‬أما وضع الحصى فلما رواه الشافعي‬
‫ل «أنه وضعه على قبر ابنه إبراهيم» وروي أنه رأى على قبره فرجة فأمر بها فسدت‪ ،‬وقال‪« :‬‬
‫مرس ً‬
‫إنها ل تضر ول تنفع‪ ،‬وإن العبد إذا عمل شيئا‪ ،‬أحب ال منه أن يتقنه» ‪ .‬وأما وضع الحجر ونحوه‬
‫لتعليم القبر‪ ،‬فللحديث المتقدم‪« :‬أنه صلّى ال عليه وسلم وضع عند رأس عثمان بن مظعون صخرة‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أتعلم بها قبر أخي‪ ،‬وأدفن إليه من مات من أهلي» ‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬ل يجوز اتخاذ السرج على القبور‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لعن ال زوارات القبور‪،‬‬
‫والمتخذين عليها السرج» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن أبي هريرة‪ ،‬وروى الخمسة إل ابن ماجه عن ابن عباس‪ ،‬قال‪« :‬لعن رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» (نيل الوطار‪ )90/4:‬وفيه‬
‫دليل على تحريم زيارة القبور للنساء كما سيأتي‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الخمسة إل ابن ماجه عن ابن عباس‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬

‫( ‪)2/667‬‬

‫احترام القبور‪ :‬أما احترام القبور فهو أمر مقرر في السنة ولدى جميع الفقهاء (‪ ، )1‬ومظاهر الحترام‬
‫ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬يكره الجلوس على القبر‪ ،‬والمشي عليه‪ ،‬والنوم وقضاء الحاجة من بول أوغائط‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها» (‪ ، )2‬وقوله‪« :‬لن يجلس أحدكم على جمرة‪،‬‬
‫فتخلص إلى جلده‪ ،‬خير له من أن يجلس على قبر» (‪ ، )3‬والكراهة عند الحنفية تحريمية إذا كان‬
‫الجلوس لقضاء الحاجة‪ ،‬تنزيهية لغير ذلك‪ ،‬إل أنهم قالوا على المختار‪ :‬ل يكره الجلوس على القبر‬
‫للقراءة‪ ،‬لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والتعاظ‪ ،‬ولم يجز الشافعية والحنابلة الجلوس إل لضرورة‪،‬‬
‫وجعلوا التكاء أو الستناد إلى القبر مكروها كالجلوس‪.‬‬
‫وأما المالكية فقالوا‪ :‬يكره المشي على القبر بشرطين‪ :‬إن كان مسنما أو مسطبا‪ ،‬والحال أن الطريق‬
‫بجانبه‪،‬فإن زال تسنيمه أو لم تكن هناك طريق‪ ،‬جاز المشي عليه‪ .‬أما الجلوس على القبر لغير بول أو‬
‫غائط فيجوز‪ ،‬وحملوا حديث النهي عن الجلوس على المقابر على التخلي (قضاء الحاجة)‪ .‬وعن علي‬
‫كرم ال وجهه أنه كان يجلس على المقابر ويتوسدها‪.‬‬
‫‪ - 2‬يحرم نبش القبر ما دام يظن فيه شيء من عظام الميت فيه‪ :‬فل تنبش عظام الموتى عند حفر‬
‫القبور‪ ،‬ول تزال عن موضعها‪ ،‬ويتقى كسر عظامها‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬كسر عظم الميت‬
‫ككسر عظم الحي في الثم» أو «كسر عظم الميت ككسره‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،103‬رد المحتار‪ ،846/1:‬الشرح الصغير‪ ،559/1،573:‬الشرح الكبير‪:‬‬
‫‪ 428/1‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،97‬المجموع‪ ،264/5:‬مغني المحتاج‪ ،354/1:‬المهذب‪:‬‬
‫‪،139/1‬كشاف القناع‪ ،162/2،164،165،166:‬المغني‪.507/3،551،565:‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة‪ ،‬وفسر فيه الجلوس بالحدث‪ ،‬وهو حرام بالجماع‪.‬‬

‫( ‪)2/668‬‬
‫حيا» (‪ )1‬ويستثنى من ذلك حالت تقتضيها الضرورة أو الحاجة والغرض الصحيح وأهمها ما يأتي (‬
‫‪: )2‬‬
‫أ ـ إذا دفن من غير كفن أو غير غسل أو إلى غير القبلة‪ ،‬ولم يتغير حاله أو لم يخش عليه الفساد في‬
‫نبش وكفن وغسل ووجه إلى القبلة؛ لنه واجب مقدور على فعله‪ ،‬فوجب عليه‪ ،‬وروى سعيد في سننه‬
‫أن رجالً قبروا صاحبا لهم‪ ،‬لم يغسلوه ولم يجدوا له كفنا‪ ،‬ثم لقوا معاذ بن جبل‪ ،‬فأمرهم أن يخرجوه‬
‫فأخرجوه من قبره‪ ،‬ثم غسّل وكفّن‪ ،‬وحُنّط‪ ،‬ثم صلي عليه (‪. )3‬‬
‫ولم يجز الشافعية في الصح نبش القبر لتكفين الميت؛ لن المقصود حصل وهو ستره بالتراب‪.‬‬
‫فإن خشي عليه الفساد أو التغير‪ ،‬لم ينبش؛ لنه تعذر فعله‪ ،‬فسقط كما يسقط وضوء الحي واستقبال‬
‫القبلة في الصلة إذا تعذر‪.‬‬
‫أما الصلة على الميت إذا دفن قبلها‪ ،‬فتصلى على القبر؛ لنها تصل إليه في القبر‪ .‬وينبش عند‬
‫المالكية‪ ،‬وعند الحنابلة‪ ،‬ويصلى عليه في رواية عن أحمد‪ ،‬ولينبش عند الحنفية لوضعه لغير القبلة‬
‫أوعلى يساره‪ ،‬وينبش لغير ذلك مما سيأتي‪.‬‬
‫ب ـ إذا كان الكفن مغصوبا وأبى صاحبه أن يأخذ القيمة‪ ،‬أو كانت الرض مغصوبة‪ ،‬ولم يرض‬
‫مالكها ببقائه‪.‬‬
‫جـ ـ لضيق المسجد الجامع‪ ،‬أو دفن معه آخر عند الضيق‪ .‬وإذا نبش للدفن أو اتخاذ مسجد محل‬
‫القبر جاز‪ ،‬ول يجوز عند المالكية للزرع والبناء‪ ،‬وأجاز الحنفية الزرع والبناء في محل قبر إذا بلي‬
‫وصار ترابا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الول رواه ابن ماجه عن أم سلمة‪ ،‬وهو حديث حسن‪ ،‬والثاني رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‬
‫عن عائشة‪ ،‬وهو حسن أيضا‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،839/1،840:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،102‬الشرح الصغير‪ ،577/1:‬القوانين الفقهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،93،97‬المهذب‪ ،138/1:‬المجموع‪ ،268-266/5:‬المغني‪ ،554-511/2،551:‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.97/2،98‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪ 4/211 :‬ومابعدها‪ ،‬وفيه أيضا أن النبي صلّى ال عليه وسلم أخرج عبد ال بن أُبي‬
‫من قبره فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬

‫( ‪)2/669‬‬
‫د ـ إذا دفن معه مال من حلي أوغيره‪ ،‬أو وقع في القبر مال لدمي قليل أو كثير‪ ،‬وطالب به‬
‫صاحبه‪ ،‬لما روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫خاتمي‪ ،‬ففتح موضعا فيه‪ ،‬فأخذه (‪. )1‬‬
‫ولم يجز المالكية نبش القبر لمال قليل للميت‪ ،‬أو إذا تغير الميت‪ ،‬ويعطى صاحبه مثله أو قيمته من‬
‫التركة (المثل في المثلي‪ ،‬والقيمة في القيمي)‪.‬‬
‫هـ ـ إذا بلع الشخص جوهرة لغيره‪ ،‬ومات وطالب صاحبها‪ ،‬شق جوفه‪ ،‬وردت الجوهرة‪ .‬فإن‬
‫كانت الجوهرة للميت شق أيضا عند الحنفية وسحنون المالكي وفي الصح عند الشافعية‪ ،‬ولم يشق‬
‫عند أحمد وابن حبيب المالكي وفي وجه آخر عند الشافعية‪.‬‬
‫شق بطن الحامل‪:‬‬
‫و ـ إذا ماتت الحبلى‪ ،‬وفي بطنها جنين حي يضطرب‪ ،‬شق جوفها عند أكثر الفقهاء؛ لنه استبقاء‬
‫حي‪ ،‬بإتلف جزء من الميت‪ ،‬فأشبه إذا اضطر إلى أكل الميت‪.‬‬
‫والمذهب عند الحنابلة‪ :‬أنه ل يشق بطن الميتة لخراج ولدها‪ ،‬مسلمة كانت أو ذمية‪ ،‬وتخرجه القوابل‬
‫إن علمت حياته بحركة‪.‬‬
‫‪ - 3‬نقل الميت بعد الدفن‪ :‬للفقهاء رأيان‪ :‬رأي المالكية والحنابلة بالجواز لمصلحة‪،‬ورأي الشافعية‬
‫بعدم الجواز إل لضرورة‪ ،‬وعدم الجواز مطلقا عند الحنفية‪ ،‬على التفصيل التي (‪: )2‬‬
‫قال المالكية‪ :‬يجوز نقل الميت من مكان إلى آخر‪ ،‬أو من بلد إلى آخر‪ ،‬أو من حضر لبدو‪ ،‬بشرط أل‬
‫ينفجر حال نقله‪ ،‬وأل تنتهك حرمته‪ ،‬وأن يكون لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو السبع‪ ،‬أو‬
‫ترجى بركة الموضع المنقول إليه‪ ،‬أو ليدفن بين أهله‪ ،‬أو لجل قرب زيارة أهله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث المغيرة ضعيف غريب‪ ،‬قال الحاكم أبو أحمد شيخ الحاكم أبي عبد ال‪ :‬ل يصح هذا‬
‫الحديث (المجموع‪.)266/5:‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،840/1:‬الشرح الصغير‪ ،566/1:‬الشرح الكبير‪ ،421/1:‬المجموع‪:‬‬
‫‪ ،270/5‬مغني المحتاج‪ ،366/1:‬كشاف القناع‪.97/2:‬‬

‫( ‪)2/670‬‬

‫وقال الحنابلة‪ :‬يجوز نقل الميت لغرض صحيح كدفنه في بقعةخير من بقعته التي دفن فيها‪ ،‬ولمجاورة‬
‫صالح لتعود عليه بركته‪ ،‬إل الشهيد إذا دفن بمصرعه‪ ،‬فل ينقل عنه لغيره‪ ،‬حتى لو نقل منه رد إليه‬
‫ندبا؛ لن دفنه في مصرعه (مكان قتله) سنة‪ ،‬فقد أمر النبي صلّى ال عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا‬
‫إلى مصارعهم‪ ،‬وكانوا نقلوا إلى المدينة (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬نبش الميت بعد دفنه للنقل وغيره حرام إل لضرورة بأن دفن بل غسل ول تيمم‪ .‬أو‬
‫في أرض أو ثوب مغصوبين‪ ،‬و وقع فيه مال‪ ،‬أو دفن لغير القبلة‪ ،‬ل للتكفين في الصح؛ لن غرض‬
‫التكفين الستر‪ ،‬وقد حصل بالتراب‪ ،‬مع ما في النبش من هتك حرمته‪ ،‬كما أبنت‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬ل يجوز النقل بعد الدفن مطلقا‪ ،‬وأما نقل يعقوب ويوسف عليهما السلم من مصر إلى‬
‫الشام ليكونا مع آبائهما الكرام‪ ،‬فهو شرع من قبلنا‪ ،‬ولم يتوافر فيه شروط كونه شرعا لنا‪ ،‬وعليه‪ :‬ل‬
‫يجوز كسر عظامه ول تحويلها ولو كان الميت ذميا‪ ،‬ول ينبش وإن طال الزمان‪.‬‬
‫وفي الجملة‪ :‬تلتقي هذه القوال في ضرورة احترام الميت‪ ،‬وتحرص على إبقائه في مكانه‪ ،‬فهو‬
‫الصل‪ ،‬ويجوز النقل عند الجمهور لضرورة أو مصلحة أو غرض صحيح‪ ،‬ول يجوز عند الحنفية‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة وصححه الترمذي عن جابر (نيل الوطار‪.)112/4:‬‬

‫( ‪)2/671‬‬

‫‪ - 4‬قال الشافعية (‪ : )1‬ل بأس بتطييب القبر‪ ،‬وقالوا أيضا مع الحنابلة والحنفية‪ :‬ويندب أن يرش‬
‫القبر بماء‪ ،‬ويسن وضع الجريد الخضر والريحان ونحوه من الشيء الرطب على القبر حفظا لترابه‬
‫من الندراس‪ ،‬ول يجوز للغير أخذه من على القبر قبل يبسه؛ لن صاحبه لم يعرض عنه إل عند‬
‫يبسه‪ ،‬لزوال نفعه الذي كان فيه وقت رطوبته‪ ،‬وهو الستغفار‪.‬‬
‫ودليلهم على رش الماء‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه‬
‫حصباء (‪. » )2‬‬
‫وكذلك قال الحنفية (‪ : )3‬يكره قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة‪ ،‬دون اليابس؛ لنه مادام‬
‫رطبا يسبح ال تعالى‪ ،‬فيؤنس الميت‪ ،‬وتنزل بذكره الرحمة‪ .‬ويندب وضع الجريد والس ونحوهما‬
‫على القبور‪ .‬والدليل‪ :‬ما ورد في الحديث الصحيح من وضعه عليه الصلة والسلم الجريدة‬
‫الخضراء‪ ،‬بعد شقها نصفين على القبرين اللذين يعذبان‪ ،‬وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم ييبسا أي يخفف‬
‫عنهما ببركة تسبيحهما؛ إذ هو أكمل من تسبيح اليابس‪ ،‬لما في الخضر من نوع حياة‪.‬‬
‫فكراهة قطع ذلك وإن نبت بنفسه‪ ،‬لما فيه من تفويت حق الميت‪.‬‬
‫‪ - 5‬جمع أكثر من ميت في قبر واحد‪ :‬اتفقت كلمة الفقهاء على أنه ل يجوز أن يدفن اثنان في قبر‬
‫واحد إل لضرورة (‪ )4‬قال جابر‪ :‬دفن مع أبي رجل‪ ،‬فلم تطب نفسي حتى أخرجتُه‪ ،‬فجعلته في قبر‬
‫على حدة (‪ )5‬ولن النبي صلّى ال عليه وسلم لم يدفن في كل قبر إل واحدا‪.‬‬
‫والضرورة‪ :‬كأن كثر الموات وعسر إفراد كل ميت بقبر‪ ،‬أو لضيق المكان أو تعذر الحافر‪ ،‬ولو‬
‫كانوا ذكورا وإناثا أجانب‪.‬‬
‫ويقدم حينئذ الفضل كترتيبهم في المامة‪ ،‬فيقدم الحق بالمامة إلى جدار القبر القبلي‪ ،‬فيكون الرجل‬
‫مما يلي القبلة‪ ،‬والمرأة خلفه‪ ،‬والصبي خلفهما؛ لنه صلّى ال عليه وسلم كان يسأل في قتلى أحد عن‬
‫أكثرهم قرآنا‪ ،‬فيقدمه إلى اللحد‪ ،‬لكن ل يقدم فرع على أصله من جنسه‪ ،‬وإن عل‪ ،‬حتى يقدم الجد ولو‬
‫من قبل الم‪ ،‬وكذا الجد‪ ،‬فيقدم الب على البن وإن كان أفضل منه لحرمة البوة‪ ،‬وتقدم الم على‬
‫البنت وإن كانت أفضل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،364/1:‬المغني‪ ،504/2:‬الدر المختار‪ ،838/1:‬كشاف القناع‪.191/2:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشافعي (نيل الوطار‪.)84/4:‬‬
‫(‪ )3‬رد المحتار‪ ،846/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.103‬‬
‫(‪ )4‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،102‬الشرح الصغير‪ ،567/1:‬الشرح الكبير‪ ،419/1،422:‬القوانين الفقهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،97‬مغني المحتاج‪ ،354/1:‬المغني‪ ،563-562/2:‬المجموع‪ 244/5:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري والنسائي (نيل الوطار‪.)112/4:‬‬

‫( ‪)2/672‬‬

‫ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب‪ ،‬كما أمر النبي صلّى ال عليه وسلم في بعض الغزوات‪.‬‬
‫ولو بلي الميت وصار ترابا‪ ،‬جاز دفن غيره في قبره‪ ،‬ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الرض‪ .‬ول‬
‫ينبش قبر ميت باق‪.‬‬
‫سابعا ـ أحكام الدفن‪:‬‬
‫‪ - 1‬كيفيته‪:‬‬
‫للفقهاء آراء ثلثة في كيفية إنزال الميت القبر (‪. )1‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬يُدخل الميت مما يلي القبلة إن أمكن كما أدخل النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو أن‬
‫توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر‪ ،‬ويحمل الميت‪ ،‬فيوضع في اللحد‪ ،‬فيكون الخذ له مستقبل‬
‫القبلة لشرف القبلة‪ ،‬وهذا إذا لم يُخشَ على القبر أن ينهار‪ ،‬وإل فيسل من قبل رأسه أو رِجْليه‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ل بأس أن يدخل الميت في قبره من أي ناحية كان‪ ،‬والقبلة أولى‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يستحب أن يدخل القبر من عند رجليه‪ ،‬إن كان أسهل عليهم‪ ،‬ثم يسل سلً‬
‫سلّ من قبل رأسه سلً (‬
‫إلى القبر‪ ،‬لما روى ابن عباس رضي ال عنه أن النبي صلّى ال عليه وسلم ُ‬
‫‪ ، )2‬ولن ذلك أسهل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب‪ ،134/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،101‬الدر المختار‪ ،838 ،836/1:‬الشرح الكبير‪،422/1:‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،96‬الشرح الصغير‪ ،559/1:‬المهذب‪ ،137/1:‬المغني‪-496/2،499،501:‬‬
‫‪ ،505‬المجموع‪ ،260-254/5:‬مغني المحتاج‪.363/1:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشافعي في الم والبيهقي بإسناد صحيح‪.‬‬

‫( ‪)2/673‬‬

‫وتحل عُقد الكفان من عند رأسه ورجليه؛ لن عقدها كان لخوف النتشار‪ ،‬وقد أمن من ذلك‬
‫بدفنه‪،‬وقد روي أن النبي صلّى ال عليه وسلم لما أدخل نعيم بن مسعود الشجعي القبر‪ ،‬نزع الخلّة (‬
‫‪ )1‬بفيه‪ ،‬وعن ابن مسعود وسمرة بن جندب نحو ذلك‪.‬‬
‫ويوجه الميت إلى القبلة على جنبه اليمن‪.‬‬
‫ويضع الرجل في قبره الرجال‪ ،‬بدون تقدير عدد معين‪ ،‬وأولى الناس بدفنه أولهم بالصلة عليه من‬
‫أقاربه‪ ،‬والمرأة يُدخلها زوجها أو محرمها‪ :‬وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها‪ ،‬ولها السفر‬
‫معه‪ ،‬فإن لم يكن فالنساء فإن لم يكن فصالحو المؤمنين من الشيوخ القادرين على الدفن‪.‬‬
‫وتمد يده اليمنى مع جسده‪ ،‬قال المالكية‪ :‬ويعدل رأسه ورجله بالتراب حتى يستوي‪ ،‬وقال الشافعية‪:‬‬
‫يستحب أن يوسد رأسه لبنة أو حجر أو نحوهما‪ ،‬واتفقوا على أنه ل يفرش تحته شيء‪ ،‬ويكره أن‬
‫يجعل تحته فرش أو مضربة أو مخدة‪ ،‬أو ثوب‪ ،‬أو حصير‪ ،‬لما روي عن عمر رضي ال عنه أنه‬
‫قال‪« :‬إذا أنزلتموني في اللحد‪ ،‬فأفضوا بخدي إلى الرض» وعن أبي موسى‪« :‬ل تجعلوا بيني وبين‬
‫الرض شيئا» وينصب اللبن على اللحد نصبا‪ ،‬لما روي عن سعد بن أبي وقاص قال‪« :‬اصنعوا بي‬
‫كما صنعتم برسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬انصبوا عليّ اللبن‪ ،‬وأهيلوا علي التراب» (‪ ، )2‬ويكره‬
‫الجر (الطوب المحرق) والخشب‪ ،‬فل يدخل القبر آجرا ول خشبا ول شيئا مسته النار (‪ ، )3‬ول‬
‫بأس عند الحنفية والحنابلة بالقصب ثم يهال التراب عليه‪.‬‬
‫ويستحب لكل من دنا على شفير القبر ‪ -‬كما أوضحت ‪ -‬أن يحثو ثلث حثيات من التراب؛‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخلة جمع خلل‪ :‬وهو ما يخل أو يشبك به الثوب‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم بلفظه إل قوله‪« :‬وأهيلوا علي التراب» ‪.‬‬
‫(‪ )3‬عللوا ذلك بأنه من بناء المترفين‪ ،‬وأما ما مسته النار فللتشاؤم بأنه من أهل النار‪.‬‬

‫( ‪)2/674‬‬

‫لن النبي صلّى ال عليه وسلم حثا في قبر ثلث حثيات من التراب (‪. )1‬‬
‫ويستحب كما تقدم أن يقف جماعة على القبر بعد الدفن بساعة يدعون للميت بعد دفنه‪ ،‬ويقرؤون بقدر‬
‫ما ينحر الجزور ويفرق لحمه‪ ،‬لما روى عثمان رضي ال عنه قال‪« :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫إذا فرغ من دفن الميت‪ ،‬يقف عليه‪ ،‬وقال‪« :‬استغفروا لخيكم‪ ،‬واسألوا ال له التثبيت‪ ،‬فإنه الن‬
‫يسأل» (‪. )2‬‬
‫‪ - 2‬مكان الدفن والدفن في البحر‪:‬‬
‫الدفن في المقبرة أفضل منه في غيرها‪ ،‬لما يلحقه من دعاء الزوار والمارين (‪ ، )3‬ولنه صلّى ال‬
‫عليه وسلم كان يدفن أهله وأصحابه بالبقيع‪ ،‬ول بأس بشرائه موضع قبره‪ ،‬ويوصي بدفنه فيه‪ ،‬كما‬
‫فعل عثمان وعائشة‪.‬‬
‫ول يدفن كافر في مقبرة المسلمين‪ ،‬ول مسلم في مقبرة الكفار (‪. )4‬‬
‫ولو ماتت ذمية (يهودية أو نصرانية) وهي حامل من مسلم‪ ،‬ومات جنينها في جوفها‪ ،‬فالصحيح عند‬
‫الشافعية‪ ،‬والحنابلة (‪ : )5‬أنها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار‪ ،‬ويكون ظهرها إلى القبلة؛ لن وجه‬
‫الجنين إلى ظهر أمه‪ ،‬فتدفن منفردة‪ ،‬لن ولدها مسلم‪ ،‬فيتأذى بعذابهم‪ ،‬ول تدفن في مقابر المسلمين؛‬
‫لنها كافرة‪.‬‬
‫أما لو مات إنسان في سفينة في البحر‪ :‬فاتفق الفقهاء (‪ )6‬على أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه‪ ،‬وينتظر‬
‫به الوصول إلى البر إن رجوا الوصول في يوم أو يومين ليدفنوه فيه‪ ،‬ما لم يخافوا عليه الفساد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي من حديث عامر بن ربيعة‪ ،‬وإسناده ضعيف‪ ،‬إل أن له شاهدا رواه ابن ماجه عن‬
‫أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد (نيل الوطار‪.)89/4:‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،362/1:‬كشاف القناع‪ ،167/2:‬المغني‪.508/2:‬‬
‫(‪ )4‬المجموع‪.246/5:‬‬
‫(‪ )5‬المجموع‪ ،246/5:‬المغني‪.563/2:‬‬
‫(‪ )6‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،836/1:‬الشرح الكبير‪ ،429/1:‬الشرح الصغير‪ ،579:‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،96‬المجموع‪ ،247/5:‬المغني‪.500/2:‬‬

‫( ‪)2/675‬‬

‫فإن كان البر بعيدا أو خيف عليه التغير‪ ،‬شدت عليه أكفانه‪ ،‬ويوضع بتابوت عند الحنفية‪ ،‬ويثقل بشيء‬
‫كحجر ليرسب عند الحنابلة‪ ،‬ول يثقل عند المالكية‪ ،‬ويلقى في الماء مستقبل القبلة على الشق اليمن‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يجعل بين لوحين ويلقى في البحر‪ ،‬لنه ربما وقع في ساحل فيدفن‪ ،‬فإن كان أهل‬
‫الساحل كفارا‪ ،‬ألقي في البحر‪.‬‬
‫ورأي الجمهور أولى؛ لنه يحصل به الستر المقصود من دفنه‪ ،‬والقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير‬
‫والهتك‪ ،‬وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا‪.‬‬
‫‪ - 3‬زمان الدفن‪:‬‬
‫الفضل الدفن نهارا‪ ،‬وفي غير الوقات التي تكره صلة النوافل فيها‪ ،‬ويجوز وليكره الدفن ليلً‪،‬‬
‫وهو المختار عند الحنفية‪ ،‬والشافعية والحنابلة‪ ،‬وأجاز الشافعية الدفن في وقت كراهة الصلة ما لم‬
‫يتحرّه‪ ،‬فإن تحراه وتعمده كره (‪. )1‬‬
‫ودليل جواز الدفن ليلً‪ :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم دفن ليلً‪ ،‬كما ذكر أحمد عن عائشة‪ ،‬ودفن‬
‫أبو بكر بالليل‪ ،‬كما ذكر البخاري تعليقا في باب الدفن بالليل (‪ ، )2‬ودفن الصحابة إنسانا بالليل في‬
‫حال حياة الرسول عليه السلم (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،847/1:‬المجموع‪ ،269/5:‬مغني المحتاج‪ ،363/1:‬المغني‪ 555/2:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع نيل الوطار‪ ،88/4:‬وقد وصل البخاري حديث دفن أبي بكر في آخر كتاب الجنائز في‬
‫باب موت يوم الثنين من حديث عائشة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري وابن ماجه عن ابن عباس‪ ،‬قال البخاري‪ :‬ودفن أبو بكر ليلً‪ ،‬وروى أبو داود عن‬
‫جابر أن النبي دفن رجلً ليلً (نيل الوطار‪.)88/4:‬‬

‫( ‪)2/676‬‬
‫‪ - 4‬ما يقال عند الدفن‪:‬‬
‫يندب لواضع الميت في القبر أن يقول حين يضعه في قبره (‪« : )1‬بسم ال ‪ ،‬وعلى ملة رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم » ‪ ،‬اتباعا للسنة (‪ ، )2‬وفي رواية «سنة» بدل «ملة» ‪.‬‬
‫ويسن أن يزيد في الدعاء ما يناسب الحال‪ .‬روى ابن ماجه عن ابن عمر أنه كان يقول أثناء تسوية‬
‫اللبن على اللحد‪« :‬اللهم أجرها ـ أي الجنازة ـ من الشيطان‪ ،‬ومن عذاب القبر‪ ،‬اللهم جافِ الرض‬
‫عن جنبيها‪ ،‬وصعد روحها‪ ،‬ولقها منك رضوانا» وروى ابن المنذر أن عمر كان إذا سوى على الميت‬
‫قال‪« :‬اللهم‪َ ،‬أسْلَمه إليك الهل والمال والعشيرة‪ ،‬وذنبه عظيم فاغفر له» ‪.‬‬
‫‪ - 5‬التلقين بعد الدفن‪:‬‬
‫يستحب عند الشافعية والحنابلة (‪ )3‬تلقين الميت المكلف بعد الدفن‪ ،‬ويقعد الملقن عند رأس القبر‪،‬‬
‫فيقال له‪« :‬يا عبد ال ابن أمة ال ‪ ،‬اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن‬
‫محمدا رسول ال ‪ ،‬وأن الجنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬وأن البعث حق‪ ،‬وأن الساعة آتية ل ريب فيها‪ ،‬وأن‬
‫ال يبعث من في القبور‪ ،‬وأنك رضيت بال ربا‪ ،‬وبالسلم دينا‪ ،‬وبمحمد صلّى ال عليه وسلم نبيا‪،‬‬
‫وبالقرآن إماما‪ ،‬وبالكعبة قبلة‪ ،‬وبالمؤمنين إخوانا» لحديث ورد فيه (‪ . )4‬قال النووي في الروضة‪:‬‬
‫والحديث وإن كان ضعيفا‪ ،‬لكنه اعتضد بشواهد من الحاديث الصحيحة‪ ،‬ولم تزل الناس على العمل‬
‫به من العصر الول في زمن من يقتدى به‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}‬
‫[الذاريات‪ ،]55/51:‬وأحوج ما يكون العبد إلى التذكير في هذه الحالة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،101‬مغني المحتاج‪ ،362/1:‬المغني‪ ،500/2:‬الدر المختار‪.837/1:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬وصححه ابن حبان والحاكم‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،367/1:‬كشاف القناع‪ ،157/2:‬المغني‪.506/2 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬قال الهيثمي في (مجمع الزوائد‪ :)43/3:‬وفي إسناده جماعة لم‬
‫أعرفهم‪ .‬وقال عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير‪ :‬وإسناده صالح‪ ،‬وقد قواه الضياء في‬
‫أحكامه (نيل الوطار‪ 89/4:‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)2/677‬‬

‫والحق ـ في تقديري ـ مع القائلين بعدم سنية التلقين‪ ،‬والظاهر أن المستحب لذلك هم الصحابة‪،‬‬
‫ضمْرة بن حبيب‪ ،‬وحكيم ابن عمر قالوا‪« :‬إذا سوّي على الميت‬
‫بدليل ما روي عن راشد بن سعد‪ ،‬و َ‬
‫قبره‪ ،‬وانصرف الناس عنه‪ ،‬كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره‪ :‬يا فلن‪ ،‬قل‪ :‬ل إله إل ال ‪،‬‬
‫أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬يا فلن قل‪ :‬ربيَ ال ‪ ،‬ودينيَ السلم‪ ،‬ونبيّي محمد صلّى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم ينصرف» (‪. )1‬‬
‫وقد عرفنا أنه يندب عند الحنفية والمالكية تلقين المحتضر الشهادتين ول يلقن بعد الدفن‪.‬‬
‫‪ - 6‬ستر القبر‪:‬‬
‫ل خلف بين أهل العلم في استحباب ستر قبر المرأة بغطاء؛ لن المرأة عورة‪ ،‬ول يؤمن أن يبدو‬
‫منها شيء‪ ،‬فيراه الحاضرون‪ ،‬فإن كان الميت رجلً كره ستره عند الحنابلة‪ ،‬ول يستر عند المالكية‬
‫والحنفية إل لعذر‪ ،‬ودليل الستر للمرأة فعل عمر وعلي وغيرهما (‪. )2‬‬
‫واستحب الشافعية ستر القبر مطلقا عند إدخال الميت فيه‪ ،‬وإن كان الميت رجلً؛ لنه صلّى ال عليه‬
‫وسلم ستر قبر سعد بن معاذ‪ ،‬ولنه أستر لما عساه أن ينكشف مما كان يجب ستره‪ ،‬وهو للنثى آكد‬
‫منه لغيرها (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه سعيد بن منصور في سننه (نيل الوطار‪.)89/4:‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،500/2:‬الشرح الصغير‪ ،553/1:‬الدر المختار‪.838/1:‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.362/1:‬‬

‫( ‪)2/678‬‬

‫‪ - 7‬الدفن في تابوت أو صندوق‪:‬‬


‫الدفن في التابوت (أي السِحْلية‪ :‬وهو أن يجعل في وعاء كالصندوق) هو من سنة النصارى لدفن‬
‫أمواتهم‪ ،‬ويستعمل عندنا لحالة العذر فقط‪ ،‬كما يبين من كلم فقهائنا (‪. )1‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬ل بأس باتخاذ التابوت ولو من حجر أو حديد للميت عند الحاجة كرخاوة الرض‪،‬‬
‫وكونها ندية‪ ،‬أو لميت البحر‪ ،‬أو للمرأة مطلقا‪ ،‬ويسن أن يفرش فيه التراب‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬الولى عدم الدفن في التابوت‪ ،‬وإنما يندب سد اللحد بلبن (طوب نيء)‪ ،‬فلوح خشب‪،‬‬
‫فقَرْمود (طوب على صورة وجوه الخيل)‪ ،‬فآجر (طوب محروق)‪ ،‬فتراب يلتّ بالماء ليتماسك‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يكره دفن الميت في تابوت إل في أرض ندية أو رخوة‪ ،‬أو كان في الميت تهرية‬
‫بحريق‪ ،‬أو لذع‪ ،‬بحيث ل يضبطه إل التابوت‪ ،‬أو كانت امرأة لمحرم لها‪ ،‬لئل يمسها الجانب عند‬
‫الدفن أو غيره‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬ل يستحب الدفن في تابوت؛ لنه لم ينقل عن النبي صلّى ال عليه وسلم ولأصحابه‪،‬‬
‫وفيه تشبه بأهل الدنيا‪ ،‬والرض أنشف لفضلته‪.‬‬
‫ثامنا ـ زيارة القبور‪:‬‬
‫مذهب أهل السنة‪ :‬أن الروح‪ :‬هي النفس الناطقة المستعدة للبيان‪ ،‬وفهم الخطاب‪ ،‬ول تفنى بفناء‬
‫الجسد‪ ،‬وأنه جوهر ل عَرَض‪ .‬وتجتمع أرواح الموتى‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،836/1:‬الشرح الصغير‪ ،560/1:‬مغني المحتاج‪ ،363/1:‬المهذب‪ ،137/1:‬المغني‪:‬‬
‫‪.503/2‬‬

‫( ‪)2/679‬‬

‫فينزل العلى إلى الدنى‪ ،‬ل العكس‪ .‬ومذهب سلف المة وأئمتها‪ :‬أن العذاب أو النعيم يحصل لروح‬
‫الميت وبدنه‪ ،‬وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة‪ ،‬وتتصل أيضا بالبدن أحيانا‪ ،‬فيحصل‬
‫له معها النعيم أو العذاب‪.‬‬
‫وهناك لهل السنة قول آخر‪ :‬أن النعيم والعذاب يكون للبدن دون الروح‪.‬‬
‫واستفاضت الثار بمعرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا‪ ،‬وأن ذلك يعرض عليه‪ ،‬وجاءت‬
‫الثار بأنه يرى أيضا‪ ،‬وبأنه يدري بما فعل عنده‪ ،‬ويسر بما كان حسنا‪ ،‬ويتألم بما كان قبيحا‪.‬‬
‫ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس‪ .‬وهذا الوقت آكد‪ ،‬وينتفع بالخير‪ ،‬ويتأذى بالمنكر‬
‫عنده (‪. )1‬‬
‫أما حكم زيارة القبور فللفقهاء فيه رأيان (‪ )2‬بالنسبة للنساء‪ .‬أما الرجال فل خلف بين أهل العلم في‬
‫إباحة زيارتهم القبور‪:‬‬
‫أ ـ رأي الحنفية‪ :‬تندب زيارة القبور‪ ،‬للرجال والنساء على الصح‪ ،‬لما روى ابن أبي شيبة أن‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم «كان يأتي قبور الشهداء بأحد‪ ،‬على رأس كل حول‪ ،‬فيقول‪ :‬السلم‬
‫عليكم بما صبرتم‪ ،‬فنعم عقبى الدار» وقد كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يخرج إلى البقيع لزيارة‬
‫الموتى‪ ،‬ويقول‪« :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين‪ ،‬وإنا إن شاء ال بكم ل حقون‪ ،‬أسأل ال لي ولكم‬
‫العافية» وقال عليه الصلة والسلم‪ « :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور‪ ،‬فزوروها‪ ،‬فإنها تذكركم‬
‫الموت» (‪ )3‬وفي لفظ «فإنها تذكّر الخرة» ‪.‬‬
‫والفضل أن تكون الزيارة يوم الجمعة والسبت والثنين والخميس‪ .‬والسنة زيارتها قائما‪ ،‬والدعاء‬
‫عندها قائما‪ ،‬كما كان يفعل رسول ال صلّى ال عليه وسلم في الخروج إلى البقيع‪.‬‬
‫ويستحب للزائر أن يقرأ سورة {يس} لما ورد عن أنس أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«من دخل المقابر فقرأ يس ـ أي وأهدى ثوابها للموات ـ خفف ال عنهم يومئذ‪ ،‬وكان له بعدد ما‬
‫فيها حسنات» (‪ )4‬وقال عليه السلم‪« :‬اقرؤوا على موتاكم يس» (‪. )5‬‬
‫ويقرأ أيضا من القرآن ما تيسر له من الفاتحة‪ ،‬وأول البقرة إلى «المفلحون» وآية الكرسي‪ ،‬وآمن‬
‫الرسول‪ ،‬وتبارك الملك‪ ،‬وسورة التكاثر‪ ،‬والخلص اثنتي عشرة مرة أو إحدى عشرة مرة‪ ،‬أو سبعا‬
‫أو ثلثا‪ ،‬والمعوذتين ثلث مرات‪ ،‬ثم يقول‪« :‬اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلن أو إليهم» ‪.‬‬
‫وروى الدارقطني‪« :‬من مر على المقابر‪ ،‬فقرأ‪ :‬قل هو ال إحدى عشرة مرة‪ ،‬ثم وهب أجرها‬
‫للموات‪ ،‬أعطي من الجر بعدد الموات» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ 190/2:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ 843/1:‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،103‬الشرح الكبير‪،422/1:‬‬
‫الشرح الصغير‪ ،563/1:‬شرح الرسالة‪ ،288/1:‬مغني المحتاج‪ ،365-364/1:‬المغني‪565، ،564/2:‬‬
‫‪ ،570‬كشاف القناع‪ 164/2،173:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن أبي بريدة‪ ،‬ورواه أيضا أصحاب السنن إل الترمذي بأسانيد صحيحة‪ ،‬وروى‬
‫مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪« :‬زار رسول ال صلّى ال عليه وسلم قبر أمه‪،‬‬
‫فبكى وأبكى من حوله‪ ،‬ثم قال‪ :‬إني استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها‪ ،‬فلم يأذن لي‪ ،‬واستأذنته‬
‫في أن أزور قبرها‪ ،‬فأذن لي‪ ،‬فزوروا القبور‪ ،‬فإنها تذكركم الموت» ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ذكره في البحر الرائق‪ ،‬ورواية الزيلعي‪« :‬وكان له ـ أي للقارئ ـ بعدد من فيها من الموات»‬
‫والظاهر أنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن معقل بن يسار‪ ،‬وهو حديث حسن‪.‬‬

‫( ‪)2/680‬‬

‫وزيارة النساء إن كانت لتجديد الحزن والبكاء والندب على ما جرت به عادتهن ل تجوز‪ ،‬وعليه حمل‬
‫حديث «لعن ال زائرات القبور» فإن كانت للعتبار والترحم من غير بكاء‪ ،‬فل بأس‪.‬‬
‫والفضل لمن يتصدق نفلً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لنها تصل إليهم‪ ،‬ول ينقص من‬
‫أجره شيء‪ .‬ويستحب إهداء ثواب القراءة للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬لنه أنقذنا من الضللة‪ ،‬ففي‬
‫ذلك نوع شكر‪ ،‬وإسداء جميل له‪.‬‬
‫ب ـ رأي الجمهور‪ :‬تندب زيارة القبور للرجال للعتبار والتذكر وتكره للنساء‪ ،‬وكانت زيارتها‬
‫منهيا عنها‪ ،‬ثم نسخت‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور‪ ،‬فزوروها» وفي‬
‫رواية‪« :‬ول تقولوا هُجْرا» أي كلما قبيحا‪ ،‬ول تدخل النساء في ضمير الرجال على المختار‪.‬‬
‫وزيارة قبور الكفار مباحة‪ .‬وأما وقت الزيارة فقال مالك‪ :‬بلغني أن الرواح بفناء المقابر‪ ،‬فل تختص‬
‫زيارتها بيوم بعينه‪ ،‬وإنما يختص يوم الجمعة لفضله والفراغ فيه‪.‬‬

‫( ‪)2/681‬‬

‫وسبب كراهتها للنساءلنها مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن‪ ،‬لما فيهن من رقة القلب‪ ،‬وكثرة‬
‫الجزع‪ ،‬وقلة احتمال المصائب‪ ،‬وإنما لم تحرم لما روى مسلم عن أم عطية‪« :‬نهينا عن زيارة القبور‪،‬‬
‫ولم يعزم علينا» وكراهة زيارتهن لحديث‪« :‬لعن ال زوّارات القبور» (‪ . )1‬ولكن يسن لهن زيارة‬
‫قبر رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويلحق بذلك قبور بقية النبياء والصالحين‪ ،‬بشرط عدم التبرج‬
‫والختلط ورفع الصوات‪.‬‬
‫لكن قال المالكية‪ :‬هذا في حق الشابة‪ ،‬أما المتجالة التي ل أرب للرجال بها فكالرجال‪ .‬ويكره الكل‬
‫والشرب والضحك وكثرة الكلم‪ ،‬وكذا قراءة القرآن بالصوات المرتفعة‪ ،‬واتخاذ ذلك عادة لهم‪.‬‬
‫ويندب أن يسلّم الزائر على قبور المسلمين‪ ،‬ويقرأ‪ ،‬ويدعو‪.‬‬
‫أما السلم فيكون مستقبلً وجه الميت‪ ،‬قائلً ما علّمه النبي صلّى ال عليه وسلم لصحابه إذا خرجوا‬
‫للمقابر‪« :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين‪ ،‬وإنا إن شاء ال (‪ )2‬بكم لحقون» ‪ .‬أو «السلم على أهل‬
‫الديار من المؤمنين والمسلمين‪ ،‬وإنا إن شاء ال تعالى بكم ل حقون‪ ،‬أسأل ال لنا ولكم العافية»‬
‫رواهما مسلم‪ ،‬زاد أبو داود‪« :‬اللهم ل تحرمنا أجرهم ول تفتنا بعدهم» لكن بسند ضعيف‪.‬‬
‫ويقرأ عنده ما تيسر من القرآن‪ ،‬وهو سنة في المقابر‪ ،‬فإن الثواب للحاضرين‪ ،‬والميت كحاضر يرجى‬
‫له الرحمة‪.‬‬
‫ويدعو للميت عقب القراءة‪ ،‬رجاء الجابة؛ لن الدعاء ينفع الميت‪ ،‬وهو عقب القراءة أقرب إلى‬
‫الجابة‪ .‬وعند الدعاء يستقبل القبلة‪.‬‬
‫وكان النبي صلّى ال عليه وسلم يقول‪« :‬اللهم اغفر لهل بقيع الغرقد» والغرقد‪ :‬شجر له شوك‪،‬‬
‫والبقيع‪ :‬مدفن أهل المدينة‪.‬‬
‫ويستحب ـ كما ذكر الشافعية ـ الكثار من الزيارة‪ ،‬وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير‬
‫والفضل‪ ،‬ويقف الزائر أمام القبر كما يقف أمام الحي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال الترمذي‪ :‬هذ ا حديث صحيح‪ ،‬رواه الخمسة إل النسائي‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله‪« :‬إن شاء ال» ‪ :‬الصحيح أنه للتبرك وامتثال قوله تعالى‪{ :‬ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك‬
‫غدا إل أن يشاء ال} [الكهف‪ ( ]24-23/18:‬المجموع‪.)280/5:‬‬

‫( ‪)2/682‬‬

‫ويكره تقبيل التابوت الذي يجعل على القبر‪ ،‬وتقبيل القبر واستلمه‪ ،‬وتقبيل العتاب عند الدخول‬
‫لزيارة الولياء‪ ،‬فإن هذا كله من البدع التي ارتكبها الناس‪{ :‬أفمن زين له سوء عمله‪ ،‬فرآه حسنا}‬
‫[فاطر‪.]8/35:‬‬
‫ويستحب عند الحنابلة خلع النعال إذا دخل المقابر‪ ،‬للمر به في حديث ُبشَير‬
‫خصّاصية (‪ ، )1‬ولم ير أكثر العلماء بذلك بأسا لقرار النبي صلّى ال عليه وسلم ذلك‪ ،‬في‬
‫ابن ال َ‬
‫حديث رواه البخاري‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ التعزية وتوابعها‪:‬‬
‫أولً ـ تعريفها وحكمها (‪: )2‬‬
‫هي أن يسلّي أهل الميت ويحملهم على الصبر بوعد الجر‪ ،‬ويرغبهم في الرضا بالقضاء والقدر‪،‬‬
‫ويدعو للميت المسلم وتكون إلى ثلث ليال بأيامها‪ ،‬وتكره بعدها إل لغائب‪ ،‬حتى ل يجدد له الحزن‪،‬‬
‫ولذن الشارع في الحداد في الثلث‪ ،‬بقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم‬
‫الخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلثة أيام‪ ،‬إل على زوجها أربعة أشهر وعشرا» (‪ . )3‬ويكره عند غير‬
‫المالكية تكرار التعزية‪ ،‬فل يعزي عند القبر من عزى قبل ذلك‪ ،‬وهي بعد الدفن أفضل منها قبله؛ لن‬
‫أهل الميت مشغولون بتجهيزه‪ ،‬ووحشتهم بعد الدفن لفراقه أكثر‪.‬‬
‫ويكره عند الشافعية والحنابلة الجلوس للتعزية بأن يجلس المصاب في مكان أو في السرادقات على‬
‫الطريق ليعزوه‪ ،‬أو يجلس المعزي عند المصاب للتعزية‪ ،‬لما في ذلك من استدامة الحزن‪ .‬وقال‬
‫الحنفية‪ :‬ل بأس بالجلوس للتعزية في غير المسجد ثلثة أيام‪ ،‬وأولها أفضلها‪ ،‬وقال في الفتاوى‬
‫الظهيرية‪ :‬ل بأس بها لهل الميت في البيت أو المسجد‪ ،‬والناس يأتونهم ويعزونهم‪ .‬ويكره المبيت عند‬
‫أهل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪ ،‬وإسناده جيد‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ 841/1:‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،246/1:‬شرح الرسالة‪،283/1:‬‬
‫الشرح الكبير‪ ،419/1:‬الشرح الصغير‪ ،560/1:‬المهذب‪ 138/1:‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪185/2:‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المغني‪ 543/2:‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪.276-273/5:‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري ومسلم عن أم سلمة‪ ،‬وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان (نيل الوطار‪.)292/6:‬‬

‫( ‪)2/683‬‬

‫الميت وتكون التعزية في بيت المصاب‪ ،‬وليس في ألفاظ التعزية شيء محدد‪ ،‬فيقول المعزي للمسلم‪:‬‬
‫«أعظم ال أجرك وأحسن عزاءك‪ ،‬وغفر لميتك» وإن عزى مسلما بكافر يقول‪« :‬أعظم ال أجرك‪،‬‬
‫وأحسن عزاءك» ويمسك عن الدعاء للميت؛ لن الدعاء والستغفار له منهي عنه‪ .‬وإن عزى كافرا‬
‫بمسلم قال‪« :‬أحسن ال عزاءك‪ ،‬وغفر لميتك» وإن عزى كافرا بكافر قال‪« :‬أخلف ال علينا وعليك‪،‬‬
‫ولنقص عددك» ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬تحرم تعزية الكافر؛ لن فيها تعظيما للكافر كبداءته بالسلم‪ ،‬ويقول المعزّى‪« :‬استجاب‬
‫ال دعاءك‪ ،‬ورحمنا وإياك» ول تكره المصافحة أو أخذ المعزي بيد من عزاه‪.‬‬
‫والتعزية تستحب للرجال والنساء اللتي ل يفتن‪ ،‬في الصغير والكبير‪ ،‬والذكر والنثى‪ ،‬بل خلف بين‬
‫العلماء‪ ،‬إل أن الثوري قال‪ :‬ل تستحب التعزية بعد الدفن‪ ،‬لنه خاتمة أمره‪ .‬وتكره تعزية الرجل‬
‫لمرأة حسناء أجنبية غير محرم له‪ ،‬خشية الفتنة‪.‬‬
‫ودليل استحباب التعزية أحاديث‪ ،‬منها‪« :‬من عزى مصابا فله مثل أجره» (‪ )1‬ومنها‪« :‬من عزى أخاه‬
‫بمصيبة‪ ،‬كساه ال من حلل الكرامة يوم القيامة» (‪. )2‬‬
‫ثانيا ـ البكاء والرثاء والنياحة واللطم والشق‪:‬‬
‫يجوز بالتفاق البكاء على الميت قبل الدفن وبعده؛ بل رفع صوت أوقول قبيح‪ ،‬أو ندب أو نواح (‬
‫‪ ، )3‬لما روى جابر‪ :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬يا إبراهيم‪ ،‬إنا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي وابن ماجه‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬غريب‪ ،‬وقال ابن الجوزي‪ :‬موضوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،841/1:‬الشرح الصغير‪ ،566/1،579:‬الشرح الكبير‪ ،421/1:‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ 355/1‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،139/1:‬المغني‪ ،547-545/2:‬كشاف القناع‪ 188/2:‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪:‬‬
‫‪.280-276/5‬‬

‫( ‪)2/684‬‬

‫ل نغني عنك من ال شيئا‪ ،‬ثم ذرفت عيناه‪ ،‬فقال له عبد الرحمن بن عوف‪ :‬يارسول ال ‪ ،‬أتبكي‪ ،‬أو‬
‫لم تنه عن البكاء؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن نهيت عن النوح» (‪ . )1‬وورد في الصحيحين‪« :‬أنه صلّى ال عليه‬
‫وسلم لما فاضت عيناه‪ ،‬لما رفع إليه ابن بنته‪ ،‬ونفسه تقعقع كأنها في شَنّة (‪ )2‬ـ أي لها صوت‬
‫وحشرجة كصوت ما ألقي في قربة بالية ـ قال له سعد‪ :‬ما هذا يا رسول ال ؟ قال‪ :‬هذه رحمة‪،‬‬
‫جعلها ال في قلوب عباده‪ ،‬وإنما يرحم ال من عباده الرحماء» ‪.‬‬
‫والبكاء ل ينافي الرضا‪ ،‬بخلف البكاء عليه لفوات حظه منه‪.‬‬
‫وأما حديث «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» (‪ )3‬فمؤول عند جمهور العلماء على من وصى أهله‬
‫أن يبكى عليه‪ ،‬ويناح بعد موته‪ ،‬فنفذت وصيته‪ ،‬فهذا يعذب ببكاء أهله عليه‪ ،‬ونوحهم؛ لنه بسببه‬
‫ومنسوب إليه‪ ،‬وكان من عادة العرب الوصية بذلك‪ ،‬ومنه قول طَرَفة بن العبد‪:‬‬
‫إذا متّ فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب ياابنة معبد‬
‫أما من بكى عليه أهله وناحوا عليه من غير وصية منه‪ ،‬فل يعذب ببكائهم ونوحهم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول‬
‫تزر وازرة وزر أخرى} [النعام‪.]164/6:‬‬
‫ول بأس ـ كما ذكر الحنفية ـ برثاء الميت بشعر أو غيره‪ ،‬لكن يكره الفراط في مدحه‪ ،‬ل سيما‬
‫عند جنازته‪ ،‬لحديث «من تعزى بعزاء الجاهلية‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي‪ ،‬وهو حديث حسن‪ ،‬ومعناه في الصحيحين من رواية غير جابر‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشنة‪ :‬القربة الخلق أي البالية‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري ومسلم عن عمر‪ ،‬وعن عائشة أن ابن عمر يقول‪« :‬الميت يعذب ببكاء الحي»‬
‫وردته بآية {ول تزر وازرة وزر أخرى} [النعام‪.]164/6:‬‬

‫( ‪)2/685‬‬

‫فأعضّوه بهَنِ أبيه ول تكْنوا» (‪ )1‬وهذا أمر تأديب ومبالغة في الزجر عن دعوى الجاهلية‪.‬‬
‫ويحرم الندب بتعديد شمائله‪ ،‬والنوح‪ ،‬والجزع بضرب صدر أو رأس وشق جيب ونحوهما‪.‬‬
‫أما الندب‪ :‬فهو تعداد محاسن الميت‪ ،‬وما يَلْقون بفقده بلفظـ النداء‪ ،‬بالواو بدل الياء‪ ،‬مثل قولهم‪:‬‬
‫وارجله‪ ،‬واجبله‪ ،‬وانقطاع ظهراه‪ ،‬واكهفاه‪ ،‬ياعزي‪ ،‬ياسندي ونحوه‪ ،‬لحديث‪« :‬ما من ميت يموت‬
‫فيقدم باكيهم‪ ،‬فيقول‪ :‬واجبله‪ ،‬واسنداه‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬إل وكل به ملكان يلهَزانه‪ ،‬أهكذا كنت» (‪)2‬‬
‫وذلك إن أوصى بما ذكر‪ ،‬أو كان كافرا‪.‬‬
‫وأما النوح‪ :‬فهو رفع الصوت بالندب‪ ،‬لخبر «النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة‪ ،‬وعليها سربال من‬
‫قطران‪ ،‬ودرع من جرب» (‪ )3‬وخبر «لعن ال النائحة والمستمعة» (‪. )4‬‬
‫وأما الجزع‪ :‬بضرب الصدر ونحوه كشق جيب ونشر شعر‪ ،‬وتسويد وجه‪ ،‬وإلقاء رماد على رأس‪،‬‬
‫ورفع صوت بإفراط في البكاء‪ ،‬فهو حرام أيضا‪ ،‬لخبر الشيخين‪« :‬ليس منا من ضرب الخدود‪ ،‬وشق‬
‫الجيوب‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية» وفي الصحيحين «أنه صلّى ال عليه وسلم برئ من الصالقة‪،‬‬
‫والحالقة‪ ،‬والشاقة» فالصالقة‪ :‬التي ترفع صوتها عند المصيبة‪ ،‬والحالقة‪ :‬التي تحلق شعرها عند‬
‫المصيبة‪ ،‬والشاقة‪ :‬التي تشق ثيابها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراد به قولهم في الستغاثة‪ :‬يالفلن‪ ،‬وقولوا له‪ :‬اعضض بذكر أبيك‪ ،‬ول تكنوا عن الذكر‬
‫بالهن‪ ،‬رواه أحمد والنسائي وابن حبان عن أبي بن كعب (كشف الخفا‪.)332/2:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي وحسنه‪ ،‬واللهز‪ :‬الدفع في الصدر باليد‪ ،‬وهي مقبوضة‪ .‬والفعل لهز يلهز على‬
‫وزن فتح يفتح‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم‪ ،‬والسربال‪ :‬القميص‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬

‫( ‪)2/686‬‬

‫ثالثا ـ ما ينبغي للمصاب والثواب على المصيبة (‪: )1‬‬


‫ينبغي للمصاب أن يستعين بال تعالى ويتعزى بعزائه‪ ،‬ويمتثل أمره في الستعانة بالصبر والصلة‪،‬‬
‫ويتنجز ما وعد ال به الصابرين حيث يقول سبحانه‪{ :‬وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة‬
‫قالوا‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪ .‬أولئك عليهم صلوات} ـ أي مغفرة ـ {من ربهم ورحمة وأولئك هم‬
‫المهتدون} [البقرة‪.]157-156-155/2:‬‬
‫وعليه يسن للمصاب أن يسترجع‪ ،‬فيقول‪ { :‬إنا ل وإنا إليه راجعون} [البقرة‪( ]156:‬أي نحن عبيده‬
‫يفعل بنا ما يشاء‪ ،‬ونحن مقرّون بالبعث والجزاء على أعمالنا) و «اللهم أْجُرْني في مصيبتي‪ ،‬وأخلف‬
‫لي خيرا منها» ‪ ،‬ويصلي ركعتين‪ ،‬كما فعل ابن عباس‪ ،‬وقرأ {واستعينوا بالصبر والصلة} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]45/2‬وقال حذيفة‪« :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم إذا حَزَ به أمر صبر» (‪ )2‬وروى مسلم عن أم‬
‫سلمة مرفوعا‪ « :‬إذا حضرتم المريض أو الميت‪ ،‬فقولوا خيرا‪ ،‬فإن الملئكة يؤمّنون على ما تقولون»‬
‫فلما مات أبو سلمة قال‪ « :‬قولي‪ :‬اللهم اغفر لي وله‪ ،‬وأعقبني عقبة حسنة» (‪. )3‬‬
‫ويسن للمصاب أن يصبر‪ ،‬والصبر‪ :‬الحبس‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬واصبروا إن ال مع الصابرين} [النفال‪:‬‬
‫‪ ،]46/8‬وقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬والصبر ضياء» (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،841/1:‬الشرح الصغير‪ ،561/1:‬المجموع‪ ،274/5:‬كشاف القناع‪.187/2:‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود‪ .‬وحز به المر‪ :‬نابه واشتد عليه‪ ،‬أو ضغطه‪.‬‬
‫(‪ )3‬روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي ال عنها قالت‪« :‬سمعت رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم يقول‪ :‬ما من عبد تصيبه مصيبة‪ ،‬فيقول‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬اللهم ْأجُرْني في مصيبتي‪،‬‬
‫وأخلف لي خيرا منها‪ ،‬إل أجره ال في مصيبته‪ ،‬وأخلف له خيرا منها‪ ،‬قالت‪ :‬فلما مات أبو سلمة‪:‬‬
‫قلت كما أمرني رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأخلف لي خيرا منه رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫»‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم من حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الشعري رضي ال عنه بلفظ ‪« :‬الطّهور‬
‫شطر اليمان‪. »..‬‬

‫( ‪)2/687‬‬

‫وفي الصبر على موت الولد أجر كبير‪ ،‬لخبار‪ ،‬منها ما في الصحيحين‪ :‬أنه صلّى ال عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬ليموت لحد من المسلمين ثلثة من الولد فتمسه النار‪ ،‬إل تحلّة القسم» يشير إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫{وإن منكم إل واردها} [مريم‪ ]71/19:‬والصحيح‪ :‬أن المراد به المرور على الصراط‪.‬‬
‫وأخرج البخاري أنه صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬يقول ال تعالى‪ :‬ما لعبدي المؤمن من جزاء إذا‬
‫قبضت صفيه من أهل الدنيا‪ ،‬ثم احتسبه‪ ،‬إل الجنة» ‪.‬‬
‫وثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي ال عنهما‪ ،‬قال‪« :‬أرسلت إحدى بنات النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا في الموت‪ ،‬فقال للرسول‪ :‬ارجع إليها‪ ،‬فأخبرها أن‬
‫ل ما أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬فمرها فلتصبر ولتحتسب» (‪. )1‬‬
‫والثواب على المصيبة‪ :‬في الصبر عليها‪ ،‬ل على المصيبة نفسها‪ ،‬فالمصائب نفسها ل ثواب فيها‪،‬‬
‫لنها ليست من كسب العبد وإرادته‪ ،‬وإنما يثاب على كسبه‪ ،‬والصبر من كسبه أو فعله‪ .‬وهذا قول‬
‫الحنابلة والعز بن عبد السلم‪.‬‬
‫والرضا بالقضاء والقدر فوق الصبر‪ ،‬فإنه يوجب رضا ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وصرح الشافعي رحمه ال بأن كلً من المجنون والمريض المغلوب على عقله مأجور‪ ،‬مثاب‪ ،‬مكفر‬
‫عنه بالمرض‪ ،‬فحكم بالجر مع انتفاء العقل المستلزم لنتفاء الصبر‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬

‫( ‪)2/688‬‬

‫ويؤيده خبر الصحيحين‪ « :‬مايصيب المسلم من َنصَب ‪ -‬تعب ‪ -‬ول َوصَب ـ مرض ـ ول ه ّم ول‬
‫حزن ول أذى ول غم‪ ،‬حتى الشوكة يشاكها‪ ،‬إل كفّر ال بها من خطاياه» والحديث الصحيح‪« :‬إذا‬
‫مرض العبد أو سافر‪ ،‬كتب له مثل ما كان يعمله صحيحا مقيما» ‪.‬‬
‫فمن أصيب وصبر يحصل له ثوابان‪ :‬لنفس المصيبة‪ ،‬وللصبر عليها‪ .‬ومن انتفى صبره‪ ،‬فإن كان‬
‫لعذر كجنون فكذلك‪ ،‬أو لنحو جزع لم يحصل من ذينك الثوابين شيء‪.‬‬
‫رابعا ـ ضيافة أهل الميت وصنع الطعام لهم‪:‬‬
‫يستحب لقرباء الميت وجيرانه أن يصنعوا طعاما لهل الميت (‪ ، )1‬لما روي أنه لما قتل جعفر بن‬
‫أبي طالب كرم ال وجهه‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬اصنعوا لل جعفر طعاما‪ ،‬فإنه قد‬
‫جاءهم أمر يشغلهم عنه » (‪ . )2‬ويبعث بهم إليهم إعانة لهم‪ ،‬وجبرا لقلوبهم‪ ،‬فإنهم ربما اشتغلوا‬
‫بمصيبتهم‪ ،‬وبمن يأتي إليهم عن إصلح طعام لنفسهم‪ ،‬ويكون الطعام بحيث يشبعهم في يومهم‬
‫وليلتهم‪.‬‬
‫أما صنع أهل البيت طعاما للناس‪ ،‬فمكروه وبدعة ل أصل لها؛ لن فيه زيادة على مصيبتهم‪ ،‬وشغلً‬
‫لهم إلى شغلهم‪ ،‬وتشبها بصنع أهل الجاهلية‪ .‬وإن كان في الورثة قاصر دون البلوغ‪ ،‬فيحرم إعداد‬
‫الطعام وتقديمه‪ ،‬قال جرير بن عبد ال ‪« :‬كنا نعد الجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من‬
‫النياحة» وإن دعت الحاجة إلى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،473/1:‬الدر المختار‪ ،841/1:‬الشرح الصغير‪ ،561/1:‬المجموع‪ 285/5:‬وما بعدها‪،‬‬
‫المهذب‪ ،140/1:‬المغني‪ ،550/2:‬شرح الرسالة‪.289/1:‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم من رواية عبد ال بن جعفر‪ ،‬قال الترمذي‪:‬‬
‫حديث حسن‪ .‬ورواه أحمد وابن ماجه أيضا من رواية أسماء بنت عميس‪ .‬وقد قتل جعفر في غزوة‬
‫مؤتة سنة ثمان من الهجرة في جمادى‪.‬‬

‫( ‪)2/689‬‬

‫ذلك‪ ،‬جاز‪ ،‬فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والماكن البعيدة‪ ،‬ويبيت عندهم ول يمكنهم‬
‫إل أن يضيفوه‪.‬‬
‫خامسا ـ القراءة على الميت وإهداء الثواب له‪:‬‬
‫ههنا مسائل للفقهاء (‪: )1‬‬
‫أ ـ أجمع العلماء على انتفاع الميت بالدعاء والستغفار بنحو «اللهم اغفر له‪ ،‬اللهم ارحمه» ‪،‬‬
‫والصدقة‪ ،‬وأداء الواجبات البدنية ـ المالية التي تدخلها النيابة كالحج‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين جاءوا من‬
‫بعدهم يقولون‪ :‬ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان} [الحشر‪ ]10/59:‬وقوله سبحانه‪:‬‬
‫{واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد‪ ،]19/47:‬ودعا النبي صلّى ال عليه وسلم لبي سلمة‬
‫حين مات‪ ،‬وللميت الذي صلى عليه في حديث عوف بن مالك‪ ،‬ولكل ميت صلى عليه‪ .‬وسأل رجل‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم فقال‪« :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أمي ماتت‪ ،‬فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال‪ :‬نعم»‬
‫(‪ ، )2‬وجاءت امرأة إلى النبي صلّى ال عليه وسلم فقالت‪« :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن فريضة ال في الحج‬
‫أدركت أبي شيخا كبيرا‪ ،‬ل يستطيع أن يثبت على الراحلة‪ ،‬أفأحج عنه؟ قال‪ :‬أرأيت لو كان على أبيك‬
‫دين أكنت قاضيته؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فدين ال أحق أن يقضى» (‪ )3‬وقال للذي سأله‪« :‬إن أمي ماتت‬
‫وعليها صوم شهر‪ ،‬أفأصوم عنها؟ قال‪ :‬نعم» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 844/1:‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،473/1:‬شرح الرسالة‪ ،289/1:‬الشرح‬
‫الكبير‪ ،423/1:‬الشرح الصغير‪ ،568/1،580:‬مغني المحتاج‪ ،70-69/3:‬المغني‪،570-566/2:‬‬
‫كشاف القناع‪ ،191/2:‬المهذب‪.464/1:‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود‪ ،‬وروي ذلك عن سعد بن عبادة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والنسائي عن عبد ال بن الزبير (نيل الوطار‪285/4:‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)2/690‬‬
‫قال ابن قدامة‪ :‬وهذه أحاديث صحاح‪ ،‬وفيها دللة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لن الصوم‬
‫والدعاء والستغفار عبادات بدنية‪ ،‬وقد أوصل ال نفعها إلى الميت‪ ،‬فكذلك ما سواها‪.‬‬
‫ب ـ اختلف العلماء في وصول ثواب العبادات البدنية المحضة كالصلة وتلوة القرآن إلى غير‬
‫فاعلها على رأيين‪ :‬رأي الحنفية والحنابلة ومتأخري الشافعية والمالكية بوصول القراءة للميت إذا كان‬
‫بحضرته‪ ،‬أو دعا له عقبها‪ ،‬ولو غائبا؛ لن محل القراءة تنزل فيه الرحمة والبركة‪ ،‬والدعاء عقبها‬
‫أرجى للقبول‪.‬‬
‫ورأي متقدمي المالكية والمشهور عند الشافعية الوائل‪ :‬عدم وصول ثواب العبادات المحضة لغير‬
‫فاعلها‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬المختار عدم كراهة إجلس القارئين ليقرؤوا عند القبر‪ ،‬وقالوا في باب الحج عن الغير‪:‬‬
‫للنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره‪ :‬صلة كان عمله‪ ،‬أو صوما أو صدقة أوغيرها‪ ،‬وأن ذلك ل‬
‫ينقص من أجره شيئا‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬ل بأس بالقراءة عند القبر‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬من دخل المقابر‪ ،‬فقرأ سورة يس‪ ،‬خفف‬
‫عنهم يومئذ‪ ،‬وكان له بعدد من فيها حسنات» وحديث «من زار قبر والديه‪ ،‬فقرأ عنده أو عندهما يس‪،‬‬
‫غفر له» (‪. )1‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬تكره القراءة على الميت بعد موته وعلى قبره؛ لنه ليس من عمل السلف‪ ،‬لكن‬
‫المتأخرون على أنه ل بأس بقراءة القرآن والذكر وجعل ثوابه للميت‪ ،‬ويحصل له الجر إن شاء ال ‪.‬‬
‫وقال متقدمو الشافعية‪ :‬المشهور أنه ل ينفغ الميت ثواب غير عمله‪ ،‬كالصلة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كلهما ضعيف‪ ،‬والول أضعف من الثاني‪ ،‬كما أشار السيوطي في جامعه‪.‬‬

‫( ‪)2/691‬‬

‫عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن‪ .‬وحقق المتأخرون منهم وصول ثواب القراءة للميت‪ ،‬كالفاتحة‬
‫وغيرها‪ .‬وعليه عمل الناس‪ ،‬وما رآه المسلمون حسنا فهو عند ال حسن‪ .‬وإذا ثبت أن الفاتحة تنفع‬
‫الحي الملدوغ‪ ،‬وأقر النبي صلّى ال عليه وسلم ذلك بقوله‪« :‬وما يدريك أنها رقية؟» كان نفع الميت‬
‫بها أولى‪.‬‬
‫وبذلك يكون مذهب متأخري الشافعية كمذاهب الئمة الثلثة‪ :‬أن ثواب القراءة يصل إلى الميت‪ ،‬قال‬
‫السبكي‪ :‬والذي دل عليه الخبر بالستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه‪،‬‬
‫نفعه‪ ،‬إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته‪ ،‬وأقره النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫بقوله‪« :‬وما يدريك أنها رقية» وإذا نفعت الحي بالقصد‪ ،‬كان نفع الميت بها أولى‪ .‬وقد جوز القاضي‬
‫حسين الستئجار على قراءة القرآن عند الميت‪ .‬قال ابن الصلح‪ :‬وينبغي أن يقول‪« :‬اللهم أوصل‬
‫ثواب ما قرأنا لفلن» فيجعله دعاء‪ ،‬ول يختلف في ذلك القريب والبعيد‪ ،‬وينبغي الجزم بنفع هذا؛ لنه‬
‫إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي‪ ،‬فلن يجوز بما له أولى‪ ،‬وهذا ل يختص بالقراءة‪ ،‬بل يجري‬
‫في سائر العمال‪.‬‬
‫المطلب الرابع ـ الشهادة في سبيل ال ‪:‬‬
‫فضل الشهادة في سبيل ال ‪ ،‬تعريف الشهيد‪ ،‬أحكامه‪ ،‬شهداء غير المعركة‪.‬‬
‫فضل الشهادة في سبيل ال ‪:‬‬
‫التضحية بالنفس أسمى درجات الخلص والتفاني في سبيل المبدأ والعقيدة‪ ،‬وأصدق برهان على‬
‫صحة اليمان‪ ،‬وطريق الخلود في جنان ال والفوز برضوان ال تعالى‪ ،‬والمة أو الجماعة بأمس‬
‫الحاجة في كل زمان إلى تضحيات العديد من أبنائها دفاعا عن النفس والبلد‪ ،‬وحفاظا على المقدسات‬
‫والحرمات‪ ،‬ول يكتب لها العزة والكرامة والهيبة إل بجسور من الضحايا في سبيل تحقيق غاياتها‪،‬‬
‫ودماء تضرج من أجل كرامتها ووجودها‪.‬‬

‫( ‪)2/692‬‬

‫لهذا كتب ال الحياة والخلود للشهداء‪ ،‬وغفر للشهيد كل ذنوبه إل الدين لتعلقه بحقوق الناس المادية‪،‬‬
‫وبوأه المنزلة العالية في الجنة مع النبياء والمرسلين‪ ،‬كما دلت عليه النصوص الشرعية‪ .‬فقال تعالى‪:‬‬
‫{ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا‪ ،‬بل أحياء عند ربهم يُرزقون‪ ،‬فرحين بما آتاهم ال من‬
‫فضله‪ ،‬ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ ،‬يستبشرون بنعمة‬
‫من ال وفضل وأن ال ل يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران‪ ]171-169/3:‬عن مسروق رضي ال‬
‫عنه‪ ،‬قال‪ :‬سأل عبد ال ‪ -‬أي ابن مسعود ‪ -‬عن هذه الية‪{ :‬ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال‬
‫أمواتا‪ ،‬بل أحياء عند ربهم يُرزقون؟} [آل عمران‪ ]169/3:‬فقال‪ :‬أما أنا فقد سألت عن ذلك رسول ال‬
‫خضْر‪ ،‬لها قناديل معلقة بالعرش‪ ،‬تسرح من‬
‫صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪« :‬أرواحهم في جوف طير ُ‬
‫الجنة حيث شاءت‪ ،‬ثم تأوي إلى تلك القناديل‪ »...‬الحديث (‪. )1‬‬
‫والمعنى أن ال تعالى أحياهم وأعطاهم القدرة على التمتع بثمار الجنة‪ ،‬والتفكه بها والتنقل في‬
‫أرجائها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ول تقولوا لمن يقتل في سبيل ال أموات‪ ،‬بل أحياء‪ ،‬ولكن ل تشعرون} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]154/2‬إل أن حياتهم ليست بالجسد‪ ،‬وإنما هي من نوع خاص ل يدرك بالعقل‪ ،‬بل بالوحي‪.‬‬
‫وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا‪ ،‬وإن له ما على‬
‫الرض من شيء إل الشهيد‪ ،‬فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا‪ ،‬فيقتل عشر مرات‪ ،‬لما يرى من‬
‫الكرامة» (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم والترمذي وغيرهما (الترغيب والترهيب‪326/2:‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس (المصدر السابق‪ 310/2:‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)2/693‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم‪« :‬والذي نفس محمد بيده‪ :‬لودِدْت أن أغزو في سبيل ال فأُقتل‪ ،‬ثم أغزو‬
‫فأُقتل» (‪« ، )1‬يُغفر للشهيد كلُ ذنب إل الدّيْن» (‪. )2‬‬
‫تعريف الشهيد‪:‬‬
‫سمي الشهيد شهيدا؛ لنه مشهود له بالجنة‪ ،‬أو لنه حي عند ربه حاضر شاهد‪ ،‬أو تشهد موته الملئكة‬
‫(‪ . )3‬والشهيد الذي يستحق الفضائل السابقة ونحوها هو شهيد المعركة مع العدو‪ .‬وقد أورد الفقهاء‬
‫تعريفات متقاربة له بحسب رأيهم في بعض المسائل المتعلقة به‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )4‬الشهيد من قتله أهل الحرب‪ ،‬أو أهل البغي‪ ،‬أو قطاع الطريق‪ ،‬أو اللصوص في‬
‫منزله ليلً أو نهارا بأي آلة‪ :‬مثقل أو محدد‪ ،‬أو وجد في المعركة وبه أثر كجرح وكسر وحرق‬
‫وخروج دم من أذن أو عين‪ ،‬أو قتله مسلم ظلما عمدا بمحدد‪ ،‬وكان مسلما مكلفا (بالغا عاقلً) طاهرا‬
‫(خاليا من حيض أو نفاس أو جنابة)‪ ،‬ولم يرتث بعد انقضاء الحرب‪،‬أي ل يموت عقب الصابة‪.‬‬
‫والرتثاث‪ :‬أن يأكل أو يشرب أو يُداوى‪ ،‬أو يبقى حيا حتى يمضي عليه وقت صلة وهو يعقل‪ ،‬أو‬
‫ينقل من المعركة حيا‪ ،‬أي وهو يعقل‪.‬‬
‫أما المقتول حدا أو قصاصا‪ ،‬فإنه يغسل ويصلى عليه‪ ،‬لنه لم يقتل ظلما‪ ،‬وإنما قتل بحق‪ ،‬وأما من‬
‫قتل من البغاة أو قطاع الطرق فل يغسل ول يصلى عليه‪.‬‬
‫وبه يتبين أن شروط تحقيق الشهادة عندهم‪ :‬هي السلم والعقل والبلوغ‪ ،‬والطهارة من الحدث الكبر‪،‬‬
‫وأن يموت عقب الصابة‪ .‬وأن كل مقتول في المعركة مع العدو‪ ،‬أو قتل ظلما‪ ،‬أو دفاعا عن النفس أو‬
‫المال فهو شهيد‪ .‬أما من خرج حيا من المعركة‪ ،‬أو كان جنبا فل تطبق عليه أحكام الشهيد‪.‬‬
‫ويلحظ أن هذا المذهب ومذهب الحنابلة أوسع الراء في تحديد المقصود من الشهيد ماعدا اشتراط‬
‫الطهارة من الحدث الكبر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (المصدر السابق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن عبد ال بن عمرو بن العاص (المصدر السابق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،848/1:‬اللباب‪ ،135/1:‬مغني المحتاج‪.350/1:‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،848/1:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪103‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪.137-135/1:‬‬

‫( ‪)2/694‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬الشهيد‪ :‬من مات في معترك المشركين‪ ،‬ومن أخرج من المعركة في حكم‬
‫الموات وهو من رفع من المعركة حيا منفوذ المقاتل‪ ،‬أو مغمورا (أي يعاني غمرات الموت‪:‬‬
‫شدائده)‪ :‬وهو من لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم إلى أن مات‪ ،‬فإن قتل في غير المعركة ظلما‪ ،‬أو‬
‫أخرج من المعترك حيا‪ ،‬ولم تنفذ مقاتله‪ ،‬ثم مات‪ ،‬غسل وصلي عليه في المشهور‪ ،‬كما أن من قتل في‬
‫المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه‪ ،‬ويغسل الجنب‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬الشهيد‪ :‬هو من مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل‬
‫انقضاء الحرب‪ ،‬كأن قتله كافر‪ ،‬أو أصابه سلح مسلم خطأ‪ ،‬أو عاد إليه سلحه‪ ،‬أو تردى في بئر أو‬
‫وهدة‪ ،‬أو رفسته دابته فمات‪ ،‬أو قتله مسلم باغٍ استعان به أهل الحرب‪.‬‬
‫فإن مات ل بسبب القتال‪ ،‬أو بعد انقضاء المعركة‪ ،‬أو في حال قتال البغاة‪ ،‬فغير شهيد في الظهر‪.‬‬
‫ول تشترط الطهارة من الحدث الكبر عند المالكية والشافعية‪ ،‬فمن مات جنبا فإنه ل يغسل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ 425/1:‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 575/1:‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،94‬‬
‫بداية المجتهد‪.232 ،219/1:‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،350/1،361:‬المهذب‪.135/1:‬‬

‫( ‪)2/695‬‬

‫فالشهيد عند المالكية والشافعية‪ :‬هو من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا (‪. )1‬‬
‫وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلة عليه‪ ،‬لحديث‪« :‬الصلة واجبة على كل مسلم برا كان أو‬
‫فاجرا‪ ،‬وإن عمل الكبائر» (‪ . )2‬هذا رأي الجماهير‪ ،‬لكن مذهب عمر بن عبد العزيز والوزاعي‪ :‬ل‬
‫يصلى على قاتل نفسه لعصيانه‪ ،‬بدليل ماروى مسلم عن جابر بن سمرة قال‪ :‬أتي النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم برجل قتل نفسه بمشاقِص ـ سهام عراض ـ فلم يصل عليه‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )3‬الشهيد‪ :‬هو من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال‪ ،‬أو هو المقتول‬
‫بأيدي العدو من الكفار‪ ،‬أو البغاة‪ ،‬أو المقتول ظلما‪ ،‬ولو كان غير مكلف رجلً أو امرأة‪ .‬أو كان غالّ‬
‫(خائنا)‪ :‬كتم من الغنيمة شيئا‪ .‬ومن عاد إليه سلحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو‪ ،‬لكن تشترط‬
‫الطهارة من الحدث الكبر كالحنفية‪ ،‬فمن قتل جنبا غسل‪ .‬كذلك يغسل ويصلى عليه من حمل وبه‬
‫رمق أي حياة مستقرة‪ ،‬وإن كان شهيدا‪.‬‬
‫ودليلهم على غير المكلف‪ :‬عموم حديث جابر أن النبي صلّى ال عليه وسلم «أمر بدفن قتلى أحد في‬
‫دمائهم‪ ،‬ولم يغسلهم‪ ،‬ولم يصل عليهم» (‪ ، )4‬وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان‪ ،‬وهو‬
‫صغير‪ ،‬وليس هذا خاصا بهم؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم علل ذلك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه‬
‫قال‪« :‬سئل رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن الرجل‪ :‬يقاتل شجاعة‪ ،‬ويقاتل حميّة‪ ،‬ويقاتل رياءً‪ ،‬أي‬
‫ذلك في سبيل ال؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم‪ :‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا » (جامع‬
‫الصول‪.)194/3:‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي‪ ،‬وقال‪ :‬هو أصح ما في الباب إل أن فيه إرسالً والمرسل حجة إذا اعتضد بأحد‬
‫أمور‪ ،‬منها قول أكثر أهل العلم‪ ،‬وهو موجود هنا‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،535-528/2:‬كشاف القناع‪.115-113/2:‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري‪.‬‬

‫( ‪)2/696‬‬

‫بعلة توجد في سائر الشهداء‪ ،‬فقال‪« :‬والذي نفسي بيده ل يُكلَم أحد في سبيل ال ـ وال أعلم بمن يكلم‬
‫في سبيله ـ إل جاء يوم القيامة‪ ،‬اللون لون الدم‪ ،‬والريح ريح المسك» (‪. )1‬‬
‫ودليلهم على أن من قتل مظلوما ملحق بشهيد المعركة‪ :‬حديث‪« :‬من قتل دون دمه فهو شهيد‪ ،‬ومن‬
‫قتل دون ماله فهو شهيد ‪ ،‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد» (‪ ، )2‬ولن هؤلء مقتولون بغير حق‪،‬‬
‫فأشبهوا قتلى الكفار‪ ،‬فل يغسلون‪.‬‬
‫وأما من قتل من أهل العدل في المعركة مع البغاة‪ :‬فحكمه في الغسل والصلة عليه حكم من قتل في‬
‫معركة المشركين؛ لن عليا رضي ال عنه لم يغسل من قتل معه‪ ،‬وعمار أوصى أل يغسل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ادفنوني في ثيابي‪ ،‬فإني مخاصم‪ .‬قال أحمد‪ :‬قد أوصى أصحاب الجمل‪ ،‬إنا مستشهدون غدا‪ ،‬فل‬
‫تنزعوا عنا ثوبا‪ ،‬ول تغسلوا عنا دما‪ ،‬ولنه شهيد المعركة‪ ،‬فأشبه قتيل الكفار‪.‬‬
‫أما الباغي‪ :‬فقال الخرقي‪ :‬من قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه‪ ،‬ويحتمل إلحاقه بأهل العدل؛ لنه لم‬
‫ينقل إلينا غسل أهل الجمل وصفين من الجانبين‪ ،‬ولنهم يكثرون في المعترك‪ ،‬فيشق غسلهم‪ ،‬فأشبهوا‬
‫أهل العدل‪.‬‬
‫أحكام الشهداء‪:‬‬
‫للشهداء أحكام استثنائية من الدفن والغسل والتكفين والصلة عليهم كما يتبين من آراء الفقهاء التية (‬
‫‪ ، )3‬علما بأن للحنفية رأيا‪ ،‬وللجمهور رأيا آخر‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬يكفن الشهيد بثيابه‪ ،‬ويصلي عليه‪ ،‬ول يغسل إذا كان مكلفا طاهرا‪ ،‬وأما الجنب والحائض‬
‫والنفساء إذا استشهد‪ ،‬فيغسل عند أبي حنيفة‪ ،‬كما يغسل الصبي والمجنون‪ .‬وقال الصاحبان‪ :‬ل‬
‫يغسّلن‪.‬‬
‫استدل أبو حنيفة على وجوب غسل الجنب ونحوه بما صح عنه صلّى ال عليه وسلم أنه لما قتل‬
‫حنظلة بن أبي عامر الثقفي‪ ،‬قال‪ :‬إن صاحبكم حنظلة تُغسّله الملئكة‪ ،‬فسألوا زوجته‪ ،‬فقالت‪ :‬خرج‬
‫وهو جنب‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والترمذي وصححه من حديث سعيد بن زيد‪.‬‬
‫(‪ )3‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)2/697‬‬

‫فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬لذلك غسلته الملئكة (‪. )1‬‬


‫وأورد الصاحبان‪ :‬أنه لو كان الغسل واجبا‪ ،‬لوجب على بني آدم‪ ،‬ولما اكتفي بفعل الملئكة‪ .‬ورد‬
‫عليهما بالمنع بأنه يحصل بفعلهم؛ لن الواجب نفس الغسل‪ ،‬أما الغاسل فيجوز أن يكون أيا كان‪.‬‬
‫ول يغسل عن الشهيد دمه‪ ،‬ول ينزع عنه ثيابه‪ ،‬وإنما يدفن بدمه وثيابه بعد نزع الفرو والحشو‬
‫والخف والسلح مما ل يصلح للكفن‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬زمّلوهم بدمائهم» (‪. )2‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬ل يغسل الشهيد ول يكفن ول يصلى عليه إبقاء لثر الشهادة عليهم وتعظيمهم‬
‫باستغنائهم عن دعاء الناس لهم‪ .‬ولكن تزال النجاسة الحاصلة من غير الدم؛ لنها ليست من أثر‬
‫الشهادة‪ ،‬بدليل حديث جابر‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم‪ ،‬ولم‬
‫يغسلهم‪ ،‬ولم يصل عليهم» (‪ )3‬وروى البخاري ومسلم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«والذي نفس محمد بيده‪ ،‬ما من كَلْم ُيكْلَم في سبيل ال إل جاء كهيئته حين كُلِم‪ :‬اللون لون الدم‪،‬‬
‫والريح ريح مسك» ‪.‬‬
‫ويدفن الشهيد بثيابه بعد تنحية الجلود والسلح عنه‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ادفنوهم‬
‫بثيابهم» (‪ ، )4‬لكن ليس هذا عند الحنابلة بحتم‪ ،‬ولكنه الولى‪.‬‬
‫ويستحب دفن الشهيد في مصرعه الذي قتل فيه‪ ،‬للحديث المتقدم المتضمن أمر النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم بدفن شهداء أحد في مصارعهم‪.‬‬
‫والبالغ وغيره سواء؛ لنه مسلم قتل في معترك المشركين بقتالهم‪ ،‬فأشبه البالغ‪ ،‬وهذا ما يقتضيه‬
‫العدل‪ ،‬وتؤيده السنة في فعل النبي صلّى ال عليه وسلم بشهداء أحد‪ ،‬وفيهم صغير‪ ،‬وهو حارثة بن‬
‫النعمان‪ .‬ولكن ل يغسل الجنب ونحوه عند المالكية والشافعية؛ لن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد‪،‬‬
‫وهو جنب‪ ،‬ولم يغسله النبي صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال‪« :‬رأيت الملئكة تغسله» (‪ )5‬وهذا هو الحق؛‬
‫إذ لو كان الغسل واجبا لم يسقط إل بفعلنا‪ ،‬ولنه طهر عن حدث‪ ،‬فسقط بالشهادة كغسل الميت‪،‬‬
‫فيحرم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه محمد بن إسحاق في المغازي عن محمود بن لبيد (نيل الوطار‪.)29/4:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشافعي وأحمد والبيهقي والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس «أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن‬
‫ينزع عنهم الحديد والجلود‪ ،‬وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم» ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما‪.‬‬

‫( ‪)2/698‬‬

‫شهداء غير المعركة‪:‬‬


‫الشهيد الذي تكلمنا عنه‪ :‬هو المختص بثواب خاص‪ ،‬وهو شهيد الدنيا والخرة‪ .‬وهناك شهداء آخرون‬
‫في حكم الخرة‪ ،‬وفي حكم الدنيا فقط‪ ،‬فالشهداء ثلثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬شهيد في حكم الدنيا والخرة‪ :‬وهو شهيد المعركة‪ ،‬أما حكم الدنيا فل يغسل ول يصلى عليه عند‬
‫الجمهور كما أبنت‪ ،‬وأما حكم الخرة فله ثواب خاص وهو الشهيد الكامل الشهادة‪.‬‬
‫‪ - 2‬وشهيد في حكم الدنيا فقط‪ :‬وهو عند الشافعية‪ :‬من قتل في قتال الكفار بسببه‪،‬وقد غل من‬
‫الغنيمة‪ ،‬أو قتل مدبرا‪ ،‬أو قاتل رياء أو نحوه‪ ،‬أي ليغسل وليصلى عليه‪ ،‬ول ثواب له في الخرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬شهيد في حكم الخرة فقط‪ :‬كالمقتول ظلما من غير قتال‪ ،‬والمبطون إذا مات بالبطن‪ ،‬والمطعون‬
‫إذا مات بالطاعون‪ ،‬والغريق إذا مات بالغرق‪ ،‬والغريب إذا مات بالغربة‪ ،‬وطالب العلم إذا مات على‬
‫طلبه‪ ،‬أو مات عشقا (‪ )1‬أو بالطلق أو بدار الحرب أو نحو ذلك (‪. )2‬‬
‫قال الحنابلة (‪ : )3‬الشهداء غير شهيد المعركة بضعة وعشرون‪ ،‬وعدهم السيوطي نحو الثلثين‪:‬‬
‫المطعون أي الميت بالطاعون‪ ،‬والمبطون‪ ،‬والغريق‪ ،‬والشريق‪ ،‬والحريق‪ ،‬وصاحب الهدم‪ ،‬أي من‬
‫مات بانهدام شيء عليه‪ ،‬كمن ألقي عليه حائط ونحوه‪ ،‬لقول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬والشهداء خمسة‪:‬‬
‫المطعون‪ ،‬والمبطون‪ ،‬والغريق‪ ،‬وصاحب ال َهدْم‪ ،‬والشهيد في سبيل ال » (‪ )4‬وصاحب ذات الجنب‪،‬‬
‫وصاحب السّل‪ ،‬وصاحب داء في الوجه‪ ،‬والصابر في الطاعون‪ ،‬والمتردي من رؤوس الجبال بغير‬
‫فعل الكفار‪ ،‬ومن مات في سبيل ال كمن مات في الحج ومن مات في طلب العلم‪ ،‬ومن طلب الشهادة‬
‫بنية صادقة‪ ،‬وموت المرابط (حارس الحدود والثغور)‪ ،‬وأمناء ال في الرض وهم العلماء‪ ،‬والمجنون‬
‫والنفساء واللديغ‪ ،‬ومن قتل دون دينه أو دمه‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو أهله‪ ،‬أو مظلِمته‪ ،‬وفريس‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال ابن عباس‪« :‬من عشق وعف وكتم‪ ،‬مات شهيدا» الصح وقفه عليه‪ ،‬فشرطه العفة والكتمان‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،350/1:‬الدر المختار ورد المحتار‪ 852/1:‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪ 115/2:‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪.536/2:‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وفي حديث آخر‪« :‬الشهادة سبع سوى القتل» وزاد‬
‫على ما ذكر في هذا الخبر‪ :‬صاحب الحريق‪ ،‬وصاحب ذات الجنب‪ ،‬والمرأة في حالة النفاس‪.‬‬

‫( ‪)2/699‬‬

‫السبع‪ ،‬ومن خر عن دابته‪ ،‬والغريب (‪ ، )1‬والعاشق إذا عف وكتم‪ ،‬والميت ليلة الجمعة‪ ،‬والمرتث‪:‬‬
‫وهو من نقل من المعركة حيا‪ ،‬أو من أكل أو شرب أو نام أو تداوى بعد طعنه‪ ،‬وبقي حيا وقت‬
‫صلة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن كل من مات‪ .‬بسبب مرض أو حادث أو دفاع عن النفس‪ ،‬أو نقل من قلب المعركة‬
‫حيا‪ ،‬أو مات في أثناء الغربة‪ ،‬أو طلب العلم‪ ،‬أو ليلة الجمعة‪ ،‬فهو شهيد آخرة‪.‬‬
‫وحكم هؤلء الشهداء في الدنيا‪ ،‬أي شهداء الخرة‪ :‬أن الواحد منهم يغسل ويكفن ويصلى عليه اتفاقا‬
‫كغيره من الموتى‪ .‬أما في الخرة فله ثواب الخرة فقط‪ ،‬وله أجر الشهداء يوم القيامة‪.‬‬
‫المعصية والشهادة‪ :‬المعصية ل تمنع التصاف بالشهادة‪ ،‬فيكون الميت شهيدا عاصيا؛ لن الطاعة ل‬
‫تلغي المعصية إل في الصغائر‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود‪ ]114/11:‬أي إن‬
‫الحسنات بامتثال الوامر‪ ،‬خصوصا في العبادات التي أهمها الصلة يذهبن السيئات‪ ،‬قال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها» (‪. )2‬‬
‫قال بعض الفقهاء‪ :‬من غرق في قطع الطريق فهو شهيد‪ ،‬وعليه إثم معصيته‪ ،‬وكل من مات بسبب‬
‫معصيته فليس بشهيد‪ ،‬وإن مات في معصية بسبب من أسباب الشهادة‪ ،‬فله أجر شهادته‪ ،‬وعليه إثم‬
‫معصيته‪، .‬ولو قاتل على فرس مغصوب أو كان قوم في معصية فوقع عليهم البيت‪ ،‬فلهم الشهادة‪،‬‬
‫وعليهم إثم المعصية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬لما رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف‪ ،‬والدارقطني وصححه عن ابن عباس مرفوعا‪« :‬موت الغريب‬
‫شهيد» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث حسن رواه الترمذي عن أبي ذر جُندُب بن جُنادة‪ ،‬وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي‬
‫ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)2/700‬‬

‫وهذا يعني أنه إذا مات في حالة من حالت الشهادة أثناء معصية فهو شهيد عاص‪ ،‬وإذا مات بسبب‬
‫المعصية فليس بشهيد‪ .‬فالمرأة التي تموت بالولدة من الزنا الظاهر أنها شهيدة‪ ،‬أما لو تسببت امرأة‬
‫في إلقاء حملها فليست بشهيدة للعصيان بالسبب‪ .‬ومن ركب البحرلمعصية أو سافر آبقا (هاربا) أو‬
‫ناشزة‪ ،‬فمات فليس بشهيد (‪. )1‬‬
‫انتهى الجزء الثاني ويتبعه الجزء الثالث‬
‫(الصيام‪ ،‬العتكاف‪ ،‬الزكاة‪ ،‬الحج والعمرة)‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار لبن عابدين‪.854/1:‬‬

‫( ‪)2/701‬‬
‫‪......................................‬ال ِفقْ ُه السلميّ وأدلُّتهُ‪...............................‬‬
‫‪..........................................‬الجزء الثالث‪....................................‬‬
‫البَابُ الثّالث‪ :‬الصّيا ُم والعتكاف‬
‫وفيه فصلن‪ :‬الول عن الصيام‪ ،‬والثاني عن العتكاف‬
‫صلُ الوّل‪ :‬الصّيام‬
‫ال َف ْ‬
‫وفيه ثمانية مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف الصوم‪ ،‬وركنه وزمنه وفوائده‪ ،‬وفضل رمضان‪ ،‬وليلة القدر‪ ،‬وأهم الحداث‬
‫التاريخية الواقعة في رمضان‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ فرضية الصيام وأنواعه (الصوم المفروض وصوم التطوع)‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ متى يجب الصوم؟ وكيفية إثبات الشهر واختلف المطالع‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ شروط الصوم ـ شروط الوجوب وشروط الصحة‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ سنن الصوم وآدابه ومكروهاته‪.‬‬
‫المبحث السادس ـ العذار المبيحة للفطر‪.‬‬
‫المبحث السابع ـ ما يفسد الصوم ومال يفسده‪.‬‬
‫المبحث الثامن ـ قضاء الصوم وكفارته وفديته‪.‬‬
‫ملحق ـ ما يلزم الوفاء به من المنذور‪.‬‬
‫وأبدأ بالول فالول فيما يأتي‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف الصوم وزمنه وفوائده‪ ،‬وفضل رمضان وليلة القدر‪ ،‬وأهم الحداث التاريخية‬
‫في رمضان‪:‬‬
‫وفيه ثلثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول ـ تعريف الصوم‪ ،‬وركنه وزمنه وفوائده‪:‬‬
‫تعريف الصوم‪ :‬الصوم لغة‪ :‬المساك والكف عن الشيء‪ ،‬قال‪ :‬صام عن الكلم‪ ،‬أي أمسك عنه‪ ،‬قال‬
‫تعالى إخبارا عن مريم‪{ :‬إني نذرت للرحمن صوما} [مريم‪ ]26/19:‬أي صمتا وإمساكا عن الكلم‪،‬‬
‫وقال العرب‪ :‬صام النهار‪ :‬إذا وقف سير الشمس وسط النهار عند الظهيرة (‪. )1‬‬
‫وشرعا‪ :‬هو المساك نهارا عن المفطّرات بنية من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس (‪. )2‬‬
‫أي أن الصوم امتناع فعلي عن شهوتي البطن والفرج‪ ،‬وعن كل شيء حسي يدخل الجوف من دواء‬
‫ونحوه‪ ،‬في زمن معين‪ :‬وهو من طلوع الفجر الثاني أي الصادق إلى غروب الشمس‪ ،‬من شخص‬
‫معين أهل له‪ :‬وهو المسلم العاقل غير الحائض والنفساء‪ ،‬بنية وهي عزم القلب على إيجاد الفعل جزما‬
‫بدون تردد‪ ،‬لتمييز العبادة عن العادة‪.‬‬
‫وركن الصوم‪ :‬المساك عن شهوتي البطن والفرج‪ ،‬أو المساك عن المفطرات‪ ،‬وزاد المالكية‬
‫والشافعية ركنا آخر وهو النية ليلً‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج واخرى تعلك اللجما‬
‫وأراد بالصائمة الممسكة عن الصهيل‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللباب‪ ،162/1 :‬الشرح الصغير‪ ،698-681/1 :‬مغني المحتاج‪ ،420/1 :‬المغني‪ ،84/3 :‬كشاف‬
‫القناع‪ 348/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/1‬‬

‫وزمن الصوم‪ :‬من طلوع الفجر إلى غروب الشمس‪ ،‬ويؤخذ في البلد التي يتساوى الليل والنهار فيها‪،‬‬
‫أو في حالة طول النهار أحيانا كبلغاريا بتقدير وقت الصوم بحسب أقرب البلد منها‪ ،‬أو بتوقيت مكة‪.‬‬
‫ودليله قوله تعالى‪{ :‬وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر}‬
‫[البقرة‪ ]187/2:‬وعبر بالخيط مجازا‪ ،‬يعني بياض النهار من سواد الليل‪ ،‬وهذا يحصل بطلوع الفجر‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪ :‬في قول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن بللً يؤذن بليل‪ ،‬فكلوا واشربوا حتى‬
‫يؤذن ابن أم مكتوم» دليل على أن الخيط البيض هو الصباح‪ ،‬وأن السحور ل يكون ال قبل الفجر‪،‬‬
‫بالجماع ‪.‬‬
‫و فوائد الصيام كثيرة من الناحيتين الروحية والمادية ‪:‬‬
‫فالصوم طاعة ل تعالى‪ ،‬يثاب عليها المؤمن ثوابا مفتوحا ل حدود له ‪ ،‬لنه ل سبحانه‪ ،‬وكرم ال‬
‫واسع‪ ،‬وكرم ال واسع‪ ،‬وينال بها رضوان ال‪ ،‬واستحقاق دخول الجنان من باب خاص أعد للصائمين‬
‫يقال له الريان (‪ )1‬ويبعد نفسه عن عذاب ال تعالى بسبب ما قد يرتكبه من معاص ‪ ،‬فهو كفارة‬
‫للذنوب من عام لخر ‪ ،‬وبالطاعة يستقيم أمر المؤمن على الحق الذي شرعه ال عز وجل ‪ ،‬لن‬
‫الصوم يحقق التقوى التي هي امتثال للوامر اللهية واجتناب النواهي‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم‪ ،‬لعلكم تتقون} [البقرة‪.]183/2:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«إن في الجنة بابا يقال له الريان‪ ،‬يدخل منه الصائمون يوم القيامة‪ ،‬ل يدخل منه أحد غيرهم‪ ،‬فإذا‬
‫دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» (الترغيب والترهيب‪.)83-82/2 :‬‬

‫( ‪)3/2‬‬

‫والصوم مدرسة خلقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة‪ ،‬فهو جهاد للنفس‪ ،‬ومقاومة‬
‫للهواء ونزعات الشيطان التي قد تلوح له‪ ،‬ويتعود به‬
‫النسان خلق الصبر على ما قد يُحرَم منه‪ ،‬وعلى الهواء والشدائد التي قد يتعرض لها‪ ،‬إذ يجد‬
‫الطعام الشهي يطبخ أمامه‪ ،‬والروائح تهيج عصارات معدته‪ ،‬والماء العذب البارد يترقرق في ناظريه‪،‬‬
‫فيمتنع منه‪ ،‬منتظرا وقت الذن الرباني بتناوله‪.‬‬
‫والصوم يعلّم المانة ومراقبة ال تعالى في السر والعلن؛ إذ ل رقيب على الصائم في امتناعه عن‬
‫الطيبات إل ال وحده‪.‬‬
‫والصوم يقوي الرادة‪ ،‬ويشحذ العزيمة‪ ،‬ويعلّم الصبر‪ ،‬ويساعد على صفاء الذهن‪ ،‬واتقاد الفكر‪ ،‬وإلهام‬
‫الراء الثاقبة إذا تخطى الصائم مرحلة السترخاء‪ ،‬وتناسى ما قد يطرأ له من عوارض الرتخاء‬
‫والفتور أحيانا‪ ،‬قال لقمان لبنه‪« :‬يا بني‪ ،‬إذا امتلت المعدة نامت الفكرة‪ ،‬وخرست الحكمة‪ ،‬وقعدت‬
‫العضاء عن العبادة» ‪.‬‬
‫والصوم يعلّم النظام والنضباط؛ لنه يجبر الصائم على تناول الطعام والشراب في وقت محدد وموعد‬
‫معين‪ .‬والصوم يشعر بوحدة المسلمين الحسية في المشارق والمغارب‪ ،‬فهم جميعا يصومون ويفطرون‬
‫في وقت واحد؛ لن ربهم واحد‪ ،‬وعبادتهم موحدة‪.‬‬
‫وينمي الصوم في النسان عاطفة الرحمة والخوة‪ ،‬والشعور برابطة التضامن والتعاون التي تربط‬
‫المسلمين فيما بينهم‪ ،‬فيدفعه إحساسه بالجوع والحاجة مثلً إلى صلة الخرين‪ ،‬والمساهمة في القضاء‬
‫على غائلة الفقر والجوع والمرض‪ ،‬فتتقوى أواصر الروابط الجتماعية بين الناس‪ ،‬ويتعاون الكل في‬
‫معالجة الحالت المرضية في المجتمع‪.‬‬

‫( ‪)3/3‬‬

‫والصوم فعلً يجدد حياة النسان بتجدد الخليا وطرح ماشاخ منها‪ ،‬وإراحة المعدة وجهاز الهضم‪،‬‬
‫وحمية الجسد‪ ،‬والتخلص من الفضلت المترسبة والطعمة غير المهضومة‪ ،‬والعفونات أو الرطوبات‬
‫التي تتركها الطعمة والشربة‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬صوموا تصحوا» (‪ ، )1‬وقال‬
‫حمْية رأس كل دواء» ‪.‬‬
‫طبيب العرب‪ :‬الحارث بن كَلْدة‪« :‬المعدة بيت الداء‪ ،‬وال ِ‬
‫والصيام جهاد للنفس‪ ،‬وتخليصها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها‪ ،‬وكسر حدة الشهوة والهواء‪،‬‬
‫وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها‪ ،‬بدليل قول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬يا معشر الشباب‪:‬‬
‫من استطاع منكم الباءة‪ ،‬فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم‬
‫فإنه له وجاء» (‪ )2‬وقال الكمال بن الهمام (‪ : )3‬الصوم ثالث أركان السلم بعد «ل إله إل ال ‪،‬‬
‫محمد رسول ال » والصلة‪ ،‬شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجبا أشياء‪:‬‬
‫منها‪ :‬سكون النفس المارة‪ ،‬وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان‬
‫والذن والفرج‪ ،‬فإن به تضعف حركتها في محسوساتها‪ ،‬ولذا قيل‪ :‬إذا جاعت النفس شبعت جميع‬
‫العضاء‪ ،‬وإذا شبعت جاعت كلها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬كونه موجبا للرحمةوالعطف على المساكين‪ ،‬فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الوقات‪ ،‬ذكر‬
‫من هذا حاله في عموم الوقات‪ ،‬فتسارع إليه الرقة عليه‪ ،‬فينال بذلك ما عند ال تعالى من حسن‬
‫الجزاء‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا‪ ،‬وفي ذلك رفع حاله عند ال تعالى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة‪ ،‬وهو حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة عن ابن مسعود (نيل الوطار‪ )99/6 :‬والباءة‪ :‬مؤن الزواج وتكاليفه‪ ،‬والوجاء‪ :‬أي‬
‫يضعف شهوة النكاح‪ ،‬تشبيها بقطع السيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ 43/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/4‬‬

‫وقال في اليضاح‪ :‬اعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين‪ ،‬به قهر النفس‬
‫المارة بالسوء‪ ،‬وإنه مركب من أعمال القلب‪ ،‬ومن المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامة يومه‪،‬‬
‫وهو أجمل الخصال‪ ،‬غير أنه أشق التكاليف على النفوس (‪ ، )1‬وقد مدحه ال بآية {إن المسلمين‬
‫والمسلمات} ‪{ ...‬والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات}‬
‫[الحزاب‪. ]35/33:‬‬
‫المطلب الثاني ـ فضل رمضان وليلة القدر‪:‬‬
‫رمضان سيد الشهور‪ ،‬فيه بدأ نزول القرآن‪ ،‬وهو شهر الطاعة والقربة والبر والحسان‪ ،‬وشهر‬
‫المغفرة والرحمة والرضوان‪ ،‬فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر‪ ،‬وبه عون المؤمن على أمر‬
‫دينه وطلب إصلح دنياه‪ ،‬وهو موسم تكثر فيه مناسبات إجابة الدعاء‪.‬‬
‫وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على فضل رمضان وفضل الصوم فيه‪.‬‬
‫من ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪« - 1‬سيد الشهور شهر رمضان‪ ،‬وسيد اليام يوم الجمعة» (‪« )2‬ولو يعلم العباد ما في شهر‬
‫رمضان لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة» (‪ . )3‬وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال يوما وقد حضر رمضان‪« :‬أتاكم رمضان شهر بركة‪ ،‬يغشاكم ال‬
‫حطّ الخطايا‪ ،‬ويستجيب فيه الدعاء‪ ،‬ينظر ال تعالى إلى تنافسكم فيه‪ ،‬ويباهي‬
‫فيه‪ ،‬فيُنزل الرحمة‪ ،‬وي ُ‬
‫بكم ملئكته‪ ،‬فأروا ال من أنفسكم خيرا‪ ،‬فإن الشقي من حرم فيه رحمة ال عز وجل» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪.109/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني في الكبير عن عبد ال بن مسعود‪ ،‬وفيه انقطاع (مجمع الزوائد‪.)140/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري‪،‬‬
‫وفي راو من سنده كلم (الترغيب والترهيب‪ ،102/2 :‬مجمع الزوائد‪.)141/3 :‬‬

‫( ‪)3/5‬‬

‫صفّدت الشياطين» (‪. )1‬‬


‫ً‪« - 2‬إذا جاء رمضان فتّحت أبواب الجنة‪ ،‬وغلّقت أبواب النار‪ ،‬و ُ‬
‫ً‪« - 3‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهن إذا اجتنبت‬
‫الكبائر» (‪. )2‬‬
‫ضعْف‪ ،‬قال ال تعالى‪ :‬إل‬
‫ً‪« - 4‬كل عمل ابن آدم يضاعف‪ ،‬الحسنةُ بعشر أمثالها إلى سبع مئة َ‬
‫الصوم‪ ،‬فإنه لي وأنا أجزي به‪ ،‬يدع شهوته وطعامه من أجلي‪ ،‬للصائم فرحتان‪ :‬فرحة عند فطره‪،‬‬
‫وفرحة عند لقاء ربه‪ ،‬ولخُلوف فم الصائم أطيب عند ال من ريح المسك» (‪. )3‬‬
‫وفي رواية للترمذي‪ ،‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬إن ربكم يقول‪« :‬كل حسنة بعشر أمثالها‬
‫ضعْف‪ ،‬والصوم لي وأنا أجزي به‪ ،‬والصوم جُنّة (‪ )4‬من النار‪ ،‬ولخلوف فم الصائم‬
‫إلى سبع مئة ِ‬
‫جهِل على أحدكم جاهل وهو صائم‪ ،‬فليقل‪ :‬إني صائم‪ ،‬إني‬
‫أطيب عند ال من ريح المسك‪ ،‬وإن َ‬
‫صائم» ‪.‬‬
‫ً‪« - 5‬من قام رمضان إيمانا واحتسابا‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه» (‪ )5‬أي من أحيا لياليه بصلة‬
‫التراويح أوغيرها بالذكر والستغفار وتلوة القرآن تصديقا لما وعده ال على ذلك من أجر‪ ،‬محتسبا‬
‫ومدخرا أجره عند ال تعالى ل غيره‪ ،‬بخلوص عمله ل ‪ ،‬لم يشرك به غيره‪ ،‬غفرت له ذنوبه غير‬
‫حقوق العباد‪ ،‬فتتوقف على إبراء الذمة‪ ،‬أو المسامحة‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬عن سلمان رضي ال عنه قال‪ :‬خطبنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم في آخر يوم من شعبان‪،‬‬
‫قال‪« :‬يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك‪ ،‬شهر فيه ليلة خير من ألف شهر‪ ،‬شهر جعل ال‬
‫صيامه فريضة‪ ،‬وقيام ليله تطوّعا‪ ،‬من تقرب فيه بخصلة من الخير‪ ،‬كان كمن أدى فريضة فيما سواه‪،‬‬
‫ومن أدى فريضة فيه‪ ،‬كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (الترغيب والترهيب‪.)97/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن أبي هريرة (الترغيب والترهيب‪.)92/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن أبي هريرة‪ .‬والخلوف‪ :‬تغير رائحة الفم (الترغيب والترهيب‪.)81/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الجُنة‪ :‬ما يستر ويقي مما يخاف منه‪ ،‬ومعنى الحديث‪ :‬إن الصوم يستر صاحبه‪ ،‬ويحفظه من‬
‫الوقوع في المعاصي‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه عند البخاري وغيره (أصحاب الكتب الستة) عن أبي هريرة‪ .‬واحتسابا‪ :‬أي طلبا لوجه‬
‫حسْب كالعتداد من العد‪ ،‬أي يعتد عمله‪.‬‬
‫ال تعالى وثوابه‪ .‬والحتساب من ال َ‬

‫( ‪)3/6‬‬

‫وهو شهر الصبر‪ ،‬والصبر ثوابه الجنة‪ ،‬وشهر المواساة‪ ،‬وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه‪ ،‬من فطّر‬
‫فيه صائما‪ ،‬كان مغفرة لذنوبه وعتقَ رقبته من النار‪ ،‬وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره‬
‫شيء‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ليس كلّنا يجدُ ما يفطر الصائم؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم يعطي ال‬
‫هذا الثواب من فطر صائما على تمرة‪ ،‬أو على شَرْبة ماء‪ ،‬أو مَذْقة (‪ )1‬لبن‪.‬‬
‫وهو شهر أوله رحمة‪ ،‬وأوسطه مغفرة‪ ،‬وآخره عتق من النار‪ ،‬من خفف عن مملوكه فيه غفر ال له‪،‬‬
‫وأعتقه من النار‪.‬‬
‫واستكْثِروا فيه من أربع خصال‪ :‬خصلتين ترضون بهما ربكم‪ ،‬وخصلتين ل غِنَاء بكم عنهما‪ ،‬فأما‬
‫الخصلتان اللتان تُرضون بهما ربكم‪ :‬فشهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وتستغفرونه‪ .‬وأما الخصلتان اللتان ل‬
‫غناء بكم عنهما‪ :‬فتسألون ال الجنة‪ ،‬وتعوذون به من النار‪.‬‬
‫ومن سقى صائما‪ ،‬سقاه ال من حوضي شَرْبة ل يظمأ حتى يدخل الجنة» (‪. )2‬‬
‫ليلة القدر‪ :‬يستحب طلب ليلة القدر؛ لنها ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة‪ ،‬ترجى إجابة الدعاء‬
‫فيها‪ ،‬وهي أفضل الليالي حتى ليلة الجمعة (‪ ، )3‬قال تعالى‪{ :‬ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر‪:‬‬
‫‪ ]3/97‬أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها‪ ،‬وقال صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه» (‪ )4‬وعن عائشة أن النبي كان إذا دخل‬
‫العشر الواخر أحيا الليل‪ ،‬وأيقظ أهله وشد المئزر» (‪ )5‬أي اعتزل النساء‪ ،‬ولحمد ومسلم‪ :‬كان‬
‫يجتهد في العشر الواخر ما ل يجتهد في غيرها‪.‬‬
‫وهي مختصة بالعشر الواخر في ليالي الوترمن رمضان‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬التمسوها في‬
‫العشر الواخر من شهر رمضان‪ ،‬في كل وتر» (‪. )6‬‬
‫وأرجح القوال عند العلماء أنها في ليلة السابع والعشرين من رمضان‪ ،‬قال‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مزيج خليط‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن خزيمة في صحيحه‪ ،‬ثم قال‪ :‬صح الخبر‪ ،‬ورواه من طريق البيهقي‪ ،‬ورواه أبو الشيخ‬
‫ابن حيان في الثواب باختصار عنهما (الترغيب والترهيب‪ 94/2 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،189/1 :‬المجموع‪ ،503-492/6 :‬المغني‪ ،183-178/3 :‬كشاف القناع‪-401/2 :‬‬
‫‪.404‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه (نيل الوطار‪.)270/4 :‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري‪ ،‬وأبي ذر‪.‬‬

‫( ‪)3/7‬‬

‫أبي بن كعب‪« :‬وال لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان‪ ،‬وأنها في ليلة سبع وعشرين‪ ،‬ولكن كره أن‬
‫يخبركم فتتكلوا» (‪ ، )1‬وعن معاوية «أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في ليلة القدر‪ :‬ليلة سبع‬
‫وعشرين» (‪ )2‬ويرجحه قول ابن عباس‪« :‬سورة القدر‪ :‬ثلثون كلمة‪ ،‬السابعة والعشرون فيها‪ :‬هي»‬
‫(‪ )3‬وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر حديثا نصه‪« :‬من كان متحرّيها فليتحرها ليلة سبع‬
‫وعشرين‪ ،‬أو قال‪ :‬تحروها ليلة سبع وعشرين» ‪.‬‬
‫والحكمة في إخفائها‪ :‬أن يجتهد الناس في طلبها‪ ،‬ويجدّوا في العبادة طمعا في إدراكها‪ ،‬كما أخفيت‬
‫ساعة الجابة يوم الجمعة‪ ،‬وأخفي اسمه العظم في أسمائه‪ ،‬ورضاه في الحسنات‪ ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫والمستحب أن يدعو المؤمن فيها بأن يقول‪« :‬اللهم إنك عفو‪ ،‬تحب العفو‪ ،‬فاعف عني» لما روت‬
‫عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرأيت إن وافقت ليلة القدر‪ ،‬ما ذا أقول فيها؟ قال‪:‬‬
‫«قولي‪ :‬اللهم إنك عفو تحب العفو‪ ،‬فاعف عني» (‪. )4‬‬
‫وأما علماتها‪ :‬فالمشهور فيها ما ذكره أبي بن كعب عن النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن الشمس‬
‫تطلع في صبيحة يومها بيضاء ل شعاع لها» (‪ )5‬وفي بعض الحاديث‪« :‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي وصححه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود مرفوعا‪ ،‬والراجح وقفه على معاوية‪ ،‬وله حكم الرفع (سبل السلم‪.)176/2 :‬‬
‫(‪ )3‬قال ابن حجر في فتح الباري‪ :‬وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولً‪ ،‬وأرجحهما كلها أنها في‬
‫وتر العشر الواخر‪ ،‬وأنها تنتقل‪ .‬وقال الصنعاني‪ :‬وأظهر القوال أنها في السبع الواخر (المصدر‬
‫السابق)‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) غير أبي داود‪ ،‬وصححه الترمذي والحاكم (المصدر‬
‫السابق)‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (نيل الوطار‪.)272/4 :‬‬

‫( ‪)3/8‬‬

‫بيضاء مثل الطست» وروي أيضا عنه صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن أمارة ليلة القدر‪ :‬أنها ليلة صافية‬
‫بلجة‪ ،‬كأن فيها قمرا ساطعا‪ ،‬ساكنة ساجية‪ ،‬ل برد فيها ولحر‪ ،‬ول يحل لكوكب أن يرمى به فيها‬
‫حتى تصبح‪ ،‬وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية‪ ،‬ليس فيها شعاع‪ ،‬مثل القمر ليلة البدر‪،‬‬
‫ليحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ» وروى ابن خزيمة من حديث ابن عباس مرفوعا‪« :‬ليلة القدر‬
‫طلقة ل حارّة ول باردة‪ ،‬تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة» ولحمد من حديث عبادة‪« :‬ل حر فيها‬
‫ول برد‪ ،‬وإنها ساكنة صاحية‪ ،‬وقمرها ساطع» ‪ ،‬وورد في علمتها أحاديث منها عن جابر بن سمرة‬
‫عند ابن أبي شيبة‪ ،‬وعن جابر بن عبد ال عند ابن خزيمة‪ ،‬وعن أبي هريرة عنده‪ ،‬وعن ابن مسعود‬
‫عند ابن أبي شيبة وعن غيرهم (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.275/4 :‬‬
‫( ‪)3/9‬‬

‫المطلب الثالث ـ أهم الحداث التاريخية الواقعة في رمضان‪:‬‬


‫إن أهم حدث في رمضان هو نزول القرآن الكريم في ليلة الخامس والعشرين‪ .‬ثم وقعت أحداث‬
‫تاريخية فاصلة كبرى في شهر رمضان‪ ،‬تدل على أن السلم يقدر المور حق قدرها‪ ،‬وأن شعار‬
‫الصوم هو القوة والجهاد والعمل‪ ،‬ل الضعف والهروب والفتور والكسل‪ ،‬فالمسلم يتفاعل مع واقع‬
‫الحياة‪ ،‬ويتكيف مع الظروف‪ ،‬فل يثنيه واجب ديني عن واجب معيشي أو حياتي‪ ،‬ول تحد من عزيمته‬
‫وهمته أهواء الدنيا‪ ،‬ومغريات الطعام والشراب‪ ،‬ول يصح لمسلم أن يقول‪ :‬إن الصوم يعطل العمال‪،‬‬
‫ويؤخر المجتمعات‪ ،‬فسبيل السلم معروف وهو الجهاد‪ ،‬ودين ال وشرعه يسر ل عسر‪ ،‬فقد أباح‬
‫الفطر وحضّ عليه في السفر والحرب‪ ،‬وحكم بأن الصائمين حينئذ متنطعون متشددون‪ ،‬وبأن‬
‫المفطرين في الجهاد ذهبوا‬
‫بالجر كله‪ ،‬كما بيّن النبي صلّى ال عليه وسلم في فتح مكة‪ ،‬وكان أول المفطرين‪ .‬ودليل ما نقول‪:‬‬
‫هذه الحداث الكبرى التي وقعت في رمضان ونكتفي بذكر أشهرها‪ ،‬للستدلل على أن النصر مرتبط‬
‫بتطهير النفوس وصفائها وسموها وترفعها عن أدران المادة‪ ،‬وأن أيام رمضان مباركة ينتهز فيها‬
‫الخير والنصر والفضل اللهي‪ ،‬إذا توجهت القلوب لرب الرض والسماء‪ ،‬قال ال تعالى‪{ : :‬وما‬
‫النصر إل من عند ال } [آل عمران‪.]126/3:‬‬
‫‪ - 1‬معركة بدر الكبرى‪ :‬وهي يوم الفرقان الذي فرق ال فيه بين الحق والباطل‪ ،‬فانتصر فيه السلم‬
‫ـ رمز القيم العليا في التوحيد والتفكير والحياة السوية والخلق الصحيحة ـ واندحر الشرك والوثنية‬
‫ـ رمز النحدار والتخلف والتعقيد وإهدار الكرامة النسانية‪ .‬والمعركة حدثت في يوم الجمعة في‬
‫السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ولقد نصركم ال ببدر وأنتم أذلة‪،‬‬
‫فاتقوا ال لعلكم تشكرون} [آل عمران‪ ،]123/3:‬وقال ابن عباس‪ :‬كانت يوم الجمعة السابع عشر من‬
‫شهر رمضان‪ ،‬وفيها قتل فرعون المة أبو جهل أكبر أعداء السلم‪.‬‬

‫( ‪)3/10‬‬

‫‪ - 2‬فتح مكة‪ :‬وهو الفتح الكبر لقوله تعالى‪{ :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح‪ ]1/48:‬حدث في يوم‬
‫الجمعة في العشرين أو الحادي والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة‪ ،‬وقد تم به القضاء‬
‫على فلول الوثنية‪ ،‬وتم به تحطيم الصنام حول الكعبة‪ .‬وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد‬
‫المسلمين لغزوة الخندق التي وقعت في شوال من العام نفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقعت بعض أحداث غزوة تبوك في رمضان سنة ‪9‬هـ‪ ،‬وفي رمضان كانت معركة القادسية‪،‬‬
‫ومعركة البويب‪ ،‬وفتح رودس‪.‬‬
‫‪ - 4‬انتشر السلم في اليمن في السنة العاشرة في رمضان‪ ،‬وأرسل النبي صلّى ال عليه وسلم علي‬
‫بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن‪ ،‬وحمل معه كتابا إليهم‪.‬‬
‫‪ - 5‬هدم خالد بن الوليد لخمس بقين من رمضان في السنة الثامنة البيت الذي كانت تعبد فيه العزى‬
‫في نخلة‪ ،‬وقال للرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬تلك العزى ول تعبد أبدا» (‪ . )1‬ووجه الرسول‬
‫صلّى ال عليه وسلم السرايا لهدم الصنام‪.‬‬
‫‪ - 6‬قدم في السنة التاسعة في رمضان وفد ثقيف من الطائف إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫يريدون السلم‪ ،‬وهدم فيها صنم اللت الذي كانت تعبده ثقيف (‪. )2‬‬
‫‪ - 7‬في صبيحة يوم الجمعة في ‪ 25‬من رمضان ‪ 479‬هـ حدثت موقعة الزلّقة (سهل يقع على‬
‫مقربة من البرتغال الحالية) أو يوم العروبة والسلم‪ ،‬وانتصر فيها جيش المرابطين المسلمين في‬
‫الندلس بقيادة يوسف بن تاشفين على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألف مقاتل بقيادة الفونس السادس‬
‫ملك قشتالة‪.‬‬
‫‪ - 8‬موقعة عين جالوت‪( :‬قرية بين بيسان ونابلس) حدثت في صبيحة يوم الجمعة في الخامس عشر‬
‫من رمضان سنة ‪ 658‬هـ الموافق ‪ 3‬أيلول (سبتمبر)‪1260‬م‪ ،‬بقيادة السلطان قُطُز سلطان المماليك‬
‫في مصر‪ ،‬بعد أن صاح بأعلى صوته «وإسلماه» ‪ ،‬وانتصر فيها على المغول الذين ولوا الدبار ل‬
‫يلوون على شيء (‪ ، )3‬وتم فيها توحيد مصر وبلد الشام (‪ . )4‬وإنقاذ السلم والمسلمين من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البداية والنهاية لبن كثير‪.316/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪.316/5 :‬‬
‫(‪ )3‬الحركة الصليبية للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،1136/2 :‬ط ثانية‪ ،‬مكتبة النجلو المصرية‪.‬‬
‫(‪ )4‬أما موقعة حطين شمال طبرية سنة ‪ 583‬هـ‪1187/‬م فقد وقعت في يوم السبت ‪ 14‬ربيع الخر‬
‫الموافق ‪ 4‬تموز‪ ،‬ولكن دخل صلح الدين اليوبي القدس في ليلة السابع والعشرين من رجب في‬
‫ذكرى السراء والمعراج في ‪ 12‬أكتوبر (تشرين الول) سنة ‪1187‬م (الحركة الصليبية‪-808/2 :‬‬
‫‪.)811،822‬‬

‫( ‪)3/11‬‬
‫همجية المغول‪ ،‬كما أن البطل صلح الدين خاض معارك حاسمة ضد الصليبيين في رمضان‪.‬‬
‫‪ - 9‬فتح الندلس‪ :‬في رمضان كانت معركة طريف تمهيدا لفتح الندلس‪ ،‬وكانت معركة الزلّقة‪ ،‬ثم‬
‫حدث فتح الندلس في ‪ 28‬رمضان سنة ‪92‬هـ‪ 19/‬يوليو (تموز)‪ 711‬م بقيادة طارق بن زياد بعد أن‬
‫هزم روذريق قائد القوط في موقعة حاسمة تعرف بـ «موقعة البحيرة» بعد أن استولى على مضيق‬
‫جبل طارق وأحرق سفنه‪ ،‬وقال كلمته المشهورة‪« :‬البحر من ورائكم والعد ومن أمامكم» ‪ ،‬ثم تم‬
‫بعدها فتح قرطبة وغرناطة وطليطلة العاصمة السياسية للندلس (‪. )1‬‬
‫وفي رمضان كانت آخر المعارك مع الصليبيين لتطهير أرضنا وديارنا من أرجاسهم‪ .‬وفي العاشر‬
‫من رمضان سنة ‪1393‬هـ‪1973/‬م كانت معركة العبور‪ ،‬أي عبور القوات المصرية المسلحة قناة‬
‫السويس من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية‪ ،‬بعد احتلل اليهود لها مدة نحو سبع سنوات في‬
‫الخامس من شهر حزيران سنة ‪1967‬م‪ ،‬ووصلت في العاشر من شهر رمضان القوات السورية إلى‬
‫شواطئ بحيرة طبرية‪ .‬ولقّن الفلسطينيون العدو الصهيوني في رمضان في معركة الكرامة في نيسان‬
‫(أبريل) سنة ‪1968‬م درسا ل ينساه مع قلتهم وتمكن العدو في موقع استراتيجي رائع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التاريخ السياسي للدولة العربية‪ ،‬للدكتور عبد المنعم ماجد‪.)204/2 :‬‬

‫( ‪)3/12‬‬

‫المبحث الثاني ـ فرضية الصيام وأنواعه‪:‬‬


‫فرضية الصيام وتاريخها‪ :‬صوم شهر رمضان ركن من أركان السلم وفرض من فروضه (‪، )1‬‬
‫بدليل القرآن والسنة والجماع‪:‬‬
‫أما القرآن‪ :‬فقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام‪ ،‬كما كتب على الذين من قبلكم‪ ،‬لعلكم‬
‫تتقون} [البقرة‪ ]183/2:‬إلى قوله تعالى‪{ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة‪.]185/2:‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬بني السلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال ‪،‬‬
‫وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت من استطاع إليه‬
‫سبيلً» (‪ ، )2‬وعن طلحة بن عبيد ال أن رجلً جاء إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ثائر الرأس فقال‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬أخبرني ماذا فرض ال عليّ من الصيام؟ قال‪ :‬شهررمضان‪ ،‬قال‪ :‬هل علي غيره؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬إل أن تطوع شيئا‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني ماذا فرض ال علي من الزكاة؟ فأخبره رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم بشرائع السلم‪ ،‬قال‪ :‬والذي أكرمك ل أتطوع شيئا‪ ،‬ول أنقص مما فرض ال علي‬
‫شيئا‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أفلح إن صدق‪ ،‬أو دخل الجنة إن صدق» (‪. )3‬‬
‫وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان‪.‬‬
‫وفُرض صوم رمضان بعد صرف القبلة إلى الكعبة لعشر من شعبان في السنة الثانية من الهجرة بسنة‬
‫ونصف إجماعا‪ ،‬وصام النبي صلّى ال عليه وسلم تسعة رمضانات في تسع سنين‪ ،‬وتوفي النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم في شهر ربيع الول سنة إحدى عشرة من الهجرة (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفرق بين الركن والفرض‪ :‬أن الركن يجب اعتقاده ول يتم العمل إل به‪ ،‬سواء أكان فرضا أم‬
‫نفلً‪ ،‬والفرض‪ :‬ما يعاقب على تركه‪ ،‬وأركان السلم‪ :‬أي جوانبه التي يبنى عليها‪ ،‬فمتى فقد ركن‬
‫منها لم يتم السلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة عن ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه بين البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬المجموع‪ 273/6 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،109/2 :‬كشاف القناع‪ ،349/2 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ ،274/1‬المغني‪.84/3 :‬‬

‫( ‪)3/13‬‬

‫وجاحد وجوب صوم رمضان كافر يعامل كالمرتد‪ ،‬فيستتاب‪ ،‬فإن تاب قبل منه‪ ،‬وإل قتل حدا إذا لم‬
‫يكن قريب عهد بالسلم أو نشأ بعيدا عن العلماء‪ .‬أما تارك الصيام كسلً بغير عذر‪، ،‬ولم يكن جاحدا‬
‫لوجوبه‪ ،‬فهو فاسق‪ ،‬وليس بكافر‪.‬‬
‫أنواع الصيام‪:‬‬
‫الصوم أنواع‪ :‬واجب‪ ،‬وتطوع‪ ،‬وحرام‪ ،‬ومكروه (‪. )1‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬الصوم ثمانية أنواع‪ :‬فرض معين كصوم رمضان أداء‪ ،‬وغير معين كقضاء رمضان‬
‫وصوم الكفارات‪ ،‬وواجب معين كنذر معين‪ ،‬وغير معين كالنذر المطلق‪ ،‬ونفل مسنون كصوم‬
‫عاشوراء وتاسوعاء‪ ،‬ونفل مندوب أو مستحب كأيام البيض من كل شهر‪ ،‬ومكروه تحريما كصوم‬
‫العيدين‪ ،‬ومكروه تنزيها كعاشوراء وحده‪ ،‬وسبت وحده‪ ،‬ونيروز ومهرجان‪.‬‬
‫النوع الول ـ الواجب‪:‬‬
‫وهو ثلثة أقسام‪ :‬منه ما يجب للزمان نفسه وهو صوم شهر رمضان‪ ،‬ومنه ما يجب لعلة وهو صيام‬
‫الكفارات‪ ،‬ومنه ما يجب بإيجاب النسان ذلك على نفسه‪ ،‬وهو صيام النذر‪.‬‬
‫والصوم اللزم عند الحنفية نوعان‪ :‬فرض وواجب‪ .‬والفرض نوعان‪ :‬معين كصوم أداء‪ ،‬وغير معين‬
‫كصوم رمضان قضاء‪ ،‬وصوم الكفارات‪ ،‬ولكنه أي الخير فرض عملً‪ ،‬ل اعتقادا‪ ،‬ولذا ليكفر‬
‫جاحده‪.‬‬
‫والواجب نوعان‪ :‬معين كالنذر المعين‪،‬وغير المعين كالنذر المطلق‪ ،‬وكقضاء ما أفسده من صوم‬
‫النفل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب‪ ،162/1،173 :‬فتح القدير‪ 43/2 :‬ومابعدها‪ ،54 ،‬الدر المختار وحاشيته‪،116-112/2 :‬‬
‫مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 105‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،300 ،274/1 :‬الشرح الصغير‪،687/1،722 :‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،114‬مغني المحتاج‪ ،449-445 ،433 ،420/1 :‬كشاف القناع‪393 ،349/2 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،398 ،‬المغني‪.163 ،142 ،89/3 :‬‬

‫( ‪)3/14‬‬

‫النوع الثاني ـ الصوم الحرام عند الجمهور أو المكروه تحريما عند الحنفية‪ :‬وهو ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬صيام المرأة نفلً بغير إذن زوجها أو علمها برضاه إل إذا لم يكن محتاجا لها كأن كان غائبا أو‬
‫محرما بحج أو عمرة أو معتكفا‪ ،‬لخبر الصحيحين‪« :‬ل يحل لمرأة أن تصوم‪ ،‬وزوجها شاهد إل‬
‫بإذنه» ولن حق الزوج فرض‪ ،‬ل يجوز تركه لنفل‪ ،‬فلوصامت بغير إذنه صح‪ ،‬وإن كان حراما‬
‫كالصلة في دار مغصوبة‪ ،‬وللزوج أن يفطرها‪ ،‬لقيام حقه واحتياجه‪ .‬وهذا الصوم مكروه تنزيها عند‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬صوم يوم الشك‪ :‬وهو يوم الثلثين من شعبان إذا تردد الناس في كونه من رمضان‪ ،‬وللفقهاء‬
‫عبارات متقاربة في تحديده‪ ،‬واختلفوا في حكمه‪ ،‬مع اتفاقهم على عدم الكراهة وإباحة صومه إن‬
‫صادف عادة للمسلم بصوم تطوع كيوم الثنين أو الخميس‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )1‬هو آخر يوم من شعبان يوم الثلثين إذا شك بسبب الغيم أمن رمضان هو أم من‬
‫شعبان‪ .‬فلو كانت السماء صحوا ولم ير هلل أحد فليس بيوم شك‪.‬‬
‫وحكمه ‪ :‬أنه مكروه تحريما إذا نوى أنه من رمضان أو من واجب آخر‪ .‬ويكره أيضا صوم ما قبل‬
‫رمضان بيوم أو يومين‪ ،‬لحديث‪« :‬ل تَقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين‪ ،‬إل رجل كان يصوم‬
‫صوما‪ ،‬فيصومه» (‪ )2‬فيكره صومه إل أن يوافق صوما كان يصومه المسلم‪ ،‬خوفا من أن يظن أنه‬
‫زيادة على صوم رمضان‪ ،‬ول يكره صوم نفل جزم به بل ترديد بينه وبين صوم آخر‪ ،‬فل يصام يوم‬
‫الشك إل تطوعا‪.‬‬
‫وقال المالكية على المشهور (‪ : )3‬إنه يوم الثلثين من شعبان إذا كان بالسماء في ليلته (أي ليلة‬
‫الثلثين) غيم‪ ،‬ولم ير هلل رمضان‪ .‬فإن كانت السماء صحوا لم يكن يوم شك؛ لنه إذا لم تثبت‬
‫رؤية هلل رمضان‪ ،‬كان اليوم من شعبان جزما‪ .‬وهذا كمذهب الحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير ‪ 53/1 :‬وما بعدها ‪،‬الدر المختار ‪ 119/2 :‬وما بعدها ‪،‬مراقي الفلح ‪،‬ص ‪.107‬‬
‫(‪ )2‬رواه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية‪.)440/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،513/1 :‬الشرح الصغير‪ 686/1 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،115‬شرح‬
‫الرسالة‪.295-293/1 :‬‬

‫( ‪)3/15‬‬

‫والراجح عند الدردير والدسوقي وغيرهما أن يوم الشك‪ :‬صبيحة الثلثين من شعبان إذا كانت السماء‬
‫صحوا أو غيما‪ ،‬وتحدث بالرؤية من ل تقبل شهادته كعبد أو امرأة أو فاسق‪ .‬أما يوم الغيم فهو من‬
‫شعبان جزما؛ لخبر الصحيحين‪« :‬فإن غم عليكم‪ ،‬فأكملوا عدة شعبان ثلثين» ‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه يكره صومه للحتياط على أنه من رمضان‪ ،‬ول يجزئه صومه عن رمضان‪ ،‬فمن أصبح‬
‫فلم يأكل ولم يشرب‪ ،‬ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان‪ ،‬لم يجزه‪ ،‬وجاز صومه لمن اعتاد الصوم‬
‫تطوعا سردا أو يوما معينا كيوم الخميس مثلً‪ ،‬فصادف يوم الشك‪ ،‬كما جاز صومه تطوعا‪ ،‬وقضاء‬
‫عن رمضان سابق‪،‬وكفارة عن يمين أوغيره‪ ،‬ولنذر يوم معين أو يوم قدوم شخص مثلً‪ ،‬فصادف يوم‬
‫الشك‪ .‬ويندب المساك (الكف عن المفطر) يوم الشك ليتحقق الحال‪ ،‬فإن ثبت رمضان وجب المساك‬
‫لحرمة الشهر‪ ،‬ولو لم يكن أمسك أولً‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )1‬يوم الشك‪ :‬هو يوم الثلثين من شعبان في حال الصحو‪ ،‬إذا تحدث الناس برؤية‬
‫الهلل ليلته‪ ،‬ولم يعلم من رآه‪ ،‬ولم يشهد برؤيته أحد‪ ،‬أو شهد بها صبيان أو عبيد أو فسقة أو نساء‪،‬‬
‫وظن صدقهم‪ ،‬أو شهد شخص عدل ولم يكتف به‪ .‬وليس إطباق الغيم بشك‪ ،‬كما أنه إذا لم يتحدث أحد‬
‫من الناس بالرؤية فليس بشك‪ ،‬بل هو يوم من شعبان‪ ،‬وإن أطبق الغيم‪ ،‬لخبر الصحيحين المتقدم‪:‬‬
‫«فإن غم عليكم‪ ،‬فأكملوا عدة شعبان ثلثين» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.433/1،438 :‬‬
‫( ‪)3/16‬‬

‫وحكمه‪ :‬أنه يحرم ول يصح التطوع بالصوم يوم الشك‪ ،‬ولقول عمار بن ياسر رضي ال عنه‪« :‬من‬
‫صام يوم الشك‪ ،‬قد عصى أبا القاسم صلّى ال عليه وسلم » (‪ . )1‬وحكمة التحريم‪ :‬توفير القوة على‬
‫صوم رمضان‪ ،‬وضبط زمن الصوم وتوحيده بين الناس‪ ،‬دون زيادة‪ .‬وكذلك يحرم صوم يوم أو‬
‫يومين قبل رمضان‪ ،‬والظهر أنه يلزم المساك من أكل يوم الشك‪ ،‬ثم ثبت كونه من رمضان‪ ،‬لن‬
‫صومه واجب عليه‪ ،‬إل أنه جهله‪.‬‬
‫ويجوز صوم يوم الشك عن القضاء والنذر والكفارة‪ ،‬ولموافقة عادة تطوعه‪ ،‬ونحوه مما له سبب‬
‫يقتضي الصوم‪ ،‬على الصح مسارعة لبراءة الذمة‪ ،‬فيما عدا العتياد‪ ،‬وعملً في العتياد بالحديث‬
‫المتقدم‪ ...« :‬إل رجل كان يصوم صوما‪ ،‬فليصمه» ويجب المساك على من أصبح يوم الشك‬
‫مفطرا‪ ،‬ثم تبين أنه من رمضان‪ ،‬ثم يقضيه بعد رمضان فورا‪ ،‬وإن صامه مترددا بين كونه نفلً من‬
‫شعبان أو فرضا من رمضان‪،‬لم يصح فرضا ول نفلً إن ظهر أنه من رمضان‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬يوم الشك‪ :‬هو يوم الثلثين من شعبان إذا لم ير الهلل ليلته‪ ،‬مع كون السماء‬
‫صحوا ل علة فيها من غيم أو قَتَر ونحوهما‪ ،‬أو شهد برؤية الهلل من ردت شهادته لفسق ونحوه‪،‬‬
‫فهم في تحديده كالشافعية‪.‬‬
‫وحكمه كما قال المالكية‪ :‬يكره ويصح صوم يوم الشك بنية الرمضانية احتياطا‪ ،‬ول يجزئ إن ظهر‬
‫منه‪ ،‬إل إذا وافق عادة له‪ ،‬أو وصله بصيام قبله‪ ،‬فل كراهة‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬ل تقدموا رمضان‬
‫بصوم يوم أو يومين‪ ،‬إل رجل كان يصوم صوما‪ ،‬فليصمه» وإل أن يصومه عن قضاء أو نذر أو‬
‫كفارة‪ ،‬فل كراهة؛ لن صومه واجب إذا‪ .‬وإن صامه موافقة لعادة ثم تبين أنه من رمضان‪ ،‬فل‬
‫يجزئه عنه‪ ،‬ويجب عليه المساك فيه‪ ،‬وقضاء يوم بعده ‪ .‬والخلصة‪ :‬إن صوم يوم الشك مكروه عند‬
‫الجمهور‪ ،‬حرام عند الشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أصحاب السنن الربعة‪ ،‬وصححه الترمذي وغيره‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،89/3 :‬كشاف القناع‪ 351،398-350/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/17‬‬
‫‪ - ً 3‬صوم عيد الفطر والضحى وأيام التشريق بعده‪ :‬مكروه تحريما عن الحنفية‪ ،‬حرام ل يصح عند‬
‫باقي الئمة (‪ ، )1‬سواء أكان الصوم فرضا أم نفلً‪ ،‬ويكون عاصيا إن قصد صيامها‪ ،‬ول يجزئه عن‬
‫الفرض لما روى أبو هريرة‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن صيام يومين‪ :‬يوم فطر ‪،‬‬
‫ويوم أضحى» (‪ )2‬والنهي عند غير الحنفية يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه‪ .‬وروى مسلم في‬
‫صحيحه عن النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أيام منى أيام أكل وشرب وذكْر ال تعالى» ‪ .‬وقصر‬
‫المالكية تحريم صوم التشريق على يومين بعد الضحى‪ ،‬وقال الجمهور‪ :‬ثلثة أيام بعده‪ ،‬وأما صوم‬
‫اليوم الرابع عند المالكية فمكروه فقط‪.‬‬
‫وتحريم الصوم في أيام العيدين عند الشافعية‪ ،‬ولو لمتمتع بالحج والعمرة‪ ،‬للنهي عن صيامها كما رواه‬
‫أبو داود بإسناد صحيح‪ .‬واستثنى الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) حالة الحج للمتمتع والقارن‪،‬‬
‫فأجازوا لهما صيامهما‪ ،‬لقول ابن عمر وعائشة‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،114/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،106‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،114‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،433/1‬المهذب‪ ،189/1 :‬المغني‪ ،163/3 :‬كشاف القناع‪.399/2 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬وعن أبي سعيد الخدري عند الشيخين (البخاري ومسلم) مثله‪.‬‬

‫( ‪)3/18‬‬

‫صمْنَ إل لمن لم يجد الهدي» (‪. )1‬‬


‫«لم يرخص في أيام التشريق أن ُي َ‬
‫‪ - ً 4‬صوم الحائض والنفساء حرام ول يصح ول ينعقد‪ ،‬كما أبنت في مبحث الحيض والنفاس‪،‬‬
‫وعليهما قضاء الصوم دون الصلة‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬قال الشافعية‪ :‬يحرم صوم النصف الخير من شعبان الذي منه يوم الشك‪ ،‬إل لوِرْد بأن اعتاد‬
‫صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم معين كالثنين فصادف ما بعد النصف‪ ،‬أو نذر‬
‫مستقر في ذمته‪ ،‬أو قضاء لنفل أو فرض‪ ،‬أو كفارة‪ ،‬أو وصل صوم ما بعد النصف بما قبله‪ ،‬ولو‬
‫بيوم النصف‪.‬‬
‫ودليلهم حديث‪« :‬إذا انتصف شعبان‪ ،‬فل تصوموا» (‪ )2‬ولم يأخذ به الحنابلة وغيرهم لضعف الحديث‬
‫في رأي أحمد‪.‬‬
‫‪ - ً 6‬صيام من يخاف على نفسه الهلك بصومه‪.‬‬
‫النوع الثالث ـ الصوم المكروه‪:‬‬
‫هو كصوم الدهر (‪ ، )3‬وإفراد يوم الجمعة بالصوم‪ ،‬وإفراد يوم السبت‪ ،‬وصوم يوم الشك وصوم يوم‬
‫أو يومين قبل رمضان عند الجمهور‪ ،‬ويحرم الخيران عند الشافعية‪ ،‬والراجح عند المالكية عدم‬
‫كراهة صوم الدهر وإفراد الجمعة بالصوم‪ .‬والكراهة فيهما عند غير المالكية تنزيهية‪.‬وللفقهاء‬
‫تفصيلت في بيان الصوم المكروه‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن أبي هريرة‪ ،‬وهو حسن‪ ،‬كما ذكر السيوطي وصححه‬
‫ابن حبان وغيره (سبل السلم‪.)171/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الدهر‪ :‬البد المحدود‪ ،‬وأما قوله صلّى ال عليه وسلم‪« :‬ل تسبوا الدهر‪ ،‬فإن الدهر هو ال »‬
‫فمعناه أن ما أصابك من الدهر فال فاعله‪ ،‬ليس الدهر‪ ،‬فإذا سببت به الدهر‪ ،‬فكأنك أردت ال سبحانه‬
‫(مغني المحتاج‪.)448/1 :‬‬

‫( ‪)3/19‬‬

‫فقال الحنفية (‪ : )1‬الصوم المكروه قسمان‪ :‬مكروه تحريما‪ ،‬ومكروه تنزيها‪ .‬والمكروه تحريما‪ :‬هو‬
‫صوم أيام العيدين والتشريق وصوم يوم الشك‪ ،‬لورود النهي السابق عن صيامها‪ ،‬فإذا صامها انعقد‬
‫صومه مع الثم‪ ،‬ول يلزم القضاء لمن شرع في صومه وأفسده‪ ،‬لن المبدأ الصولي عندهم هو أن‬
‫النهي المتوجه إلى وصف من أوصاف العمل اللزم له يقتضي فساد الوصف فقط‪ ،‬ويبقى أصل العمل‬
‫على مشروعيته‪.‬‬
‫والمكروه تنزيها‪ :‬هو إفراد صيام يوم عاشوراء (العاشر من المحرم) عن التاسع أوعن الحادي عشر‪،‬‬
‫وإفراد يوم الجمعة في قول البعض‪ ،‬ويوم السبت‪ ،‬ويوم النيروز (يوم في طرف الربيع) والمهرجان‬
‫(يوم في طرف الخريف) بالصوم إل أن يوافق ذلك عادته‪ ،‬فتزول علة الكراهة‪ ،‬أما الجمعة فلقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي‪ ،‬ول تختصوا يوم الجمعة بصيام‬
‫من بين اليام إل أن يكون في صوم يصومه أحدكم» (‪ . )2‬وأما السبت‪ :‬فلقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«ل تصوموا يوم السبت إل فيما افترض عليكم‪ ،‬فإن لم يجد أحدكم إل لحاء عنبة أو عود شجرة‪،‬‬
‫فليمضغه» (‪ . )3‬وأما النيروز والمهرجان فلن فيه تعظيم أيام نهينا عن تعظيمها‪.‬‬
‫ويكره تنزيها أيضا صوم الدهر؛ لنه يضعفه‪ ،‬ولحديث «ل صام من صام البد» (‪ )4‬ويكره صوم‬
‫الصمت‪ :‬وهو أن يصوم ول يتكلم بشيء‪ ،‬وعليه أن يتكلم بخير وبحاجة دعت إليه‪ .‬ويكره صوم‬
‫الوصال ولو بين يومين فقط‪ ،‬وهو أل يفطر بعد الغروب أصلً حتى يتصل صوم الغد بالمس‪ ،‬للنهي‬
‫عنه‪ ،‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إياكم والوصال» (‪ )5‬وقالت عائشة‪« :‬نهاهم النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم عن الوصال رحمة لهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنك تواصل؟ قال‪ :‬إني لست كهيئتكم‪ ،‬إني يطعمني ربي‬
‫ويسقيني» (‪. )6‬‬
‫ويكره صوم المسافر إذا أجهده الصوم‪ ،‬وصوم المرأة تطوعا بغير رضا زوجها‪ ،‬وله أن يفطرها‪،‬‬
‫لقيام حقه واحتياجه‪ ،‬إل أن يكون مريضا أو صائما أو محرما بحج أو عمرة‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )7‬قال العلمة خليل‪ :‬يندب صوم الدهر ول يكره‪ ،‬للجماع على لزومه لمن نذره‪،‬‬
‫ولو كان مكروها أو ممنوعا لما لزم على القاعدة‪ ،‬ويندب صوم يوم الجمعة ول يكره لن محل النهي‬
‫عن ذلك على خوف فرضه‪ ،‬وقد انتفت هذه العلة بوفاته عليه الصلة والسلم‪ ،‬وقال ابن جزي‪:‬‬
‫المكروه‪ :‬صوم الدهر‪ ،‬وصوم يوم الجمعة خصوصا إل أن يصوم يوما قبله‪ ،‬أو يوما بعده‪ ،‬وصوم‬
‫السبت خصوصا‪ ،‬وصوم يوم عرفة بعرفة‪ ،‬وصوم يوم الشك‪ :‬وهو آخر يوم من شعبان احتياطا إذا لم‬
‫يظهر الهلل‪ .‬وصوم اليوم الرابع من النحر‪ ،‬إل لقارن أو متمتع أو لمن لزمه هدي لنقص في الحج‪،‬‬
‫أو في حالة النذر والكفارات‪ ،‬فل يكره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 114/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.106‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم‪ ،‬ورواه الجماعة عن أبي هريرة بلفظ «ل تصوموا يوم الجمعة إل وقبله يوم أو بعده‬
‫يوم» (نيل الوطار‪.)249/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأصحاب السنن إل النسائي عن عبد ال بن ُبسْر عن أخته الصماء (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)251/4‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه بين أحمد والشيخين عن عبد ال بن عمرو (نيل الوطار‪.)254/4 :‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)219/4 :‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه (نيل الوطار‪.)219/4 :‬‬
‫(‪ )7‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،115،119‬الشرح الصغير‪ ،723-694،722-686/1،692 :‬الشرح‬
‫الكبير مع الدسوقي‪. 534/1 :‬‬

‫( ‪)3/20‬‬
‫ويكره صوم التطوع لمن عليه صوم واجب كالقضاء‪ ،‬وصوم الضيف بدون إذن المضيف‪ ،‬وصوم‬
‫يوم المولد النبوي‪ ،‬لنه شبيه بالعياد‪.‬‬
‫ويكره نذر صوم يوم مكرر ككل خميس‪ ،‬لن التزام يوم متكرر أو دائم يؤدي إلى التثاقل والندم‪،‬‬
‫فيكون لغير الطاعة أقرب‪ .‬ويكره تطوع بصوم قبل صوم واجب غير معيّن‪ ،‬كقضاء رمضان وكفارة‪.‬‬
‫أما المعين فل يكره التطوع فيه‪ .‬ويكره تعيين صوم الثلثة البيض من كل شهر وهي الثالث عشر‬
‫وتالياه‪ ،‬فرارا من التحديد‪ ،‬كما يكره صوم ستة من شوال إن وصلها بالعيد مظهرا لها‪ ،‬ول يكره إن‬
‫فرقها أو أخرها أو صامها سرا‪ ،‬لنتفاء علة اعتقاد الوجوب‪.‬‬

‫( ‪)3/21‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬يكره إفراد الجمعة بالصوم‪ ،‬وإفراد السبت والحد بالصوم‪ ،‬وصوم الدهر غير‬
‫العيد والتشريق لمن خاف به ضررا أو فوت حق واجب أو مستحب‪ ،‬للنهي المتقدم عنها في الحاديث‬
‫السابقة‪ ،‬ولخبر البخاري‪« :‬إن لربك عليك حقا‪ ،‬ولهلك عليك حقا‪ ،‬ولجسدك عليك حقا» ‪ ،‬وعليه حمل‬
‫خبر الصحيحين‪« :‬ل صام من صام البد» ‪.‬‬
‫ويستحب صوم الدهر لمن لم يخف ضررا أو فوت حق‪ ،‬لطلق الدلة‪ ،‬ولنه صلّى ال عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا‪ ،‬وعقد تسعين» (‪. )2‬‬
‫وهذا موافق لمذهب الحنابلة أيضا‪.‬‬
‫ويكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة ورأى الجمهور أن‬
‫الحديث في صوم الدهر على ظاهره‪ ،‬وحملوه على من صام اليام المنهي عنها‪ .‬شديدة‪ ،‬وقد يحرم‬
‫صومهم إذا خافوا الهلك أو تلف عضو بترك الغذاء‪ .‬ول يكره صوم يوم النيروز والمهرجان‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )3‬مثل الشافعية؛ وزادوا أنه يكره صوم الوصال‪ :‬وهو أل يفطر بين اليومين‪،‬‬
‫وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها‪ ،‬ويكره صوم بسفر قصر ولو بل مشقة‪ ،‬فلو سافر ليفطر حرم‬
‫السفر والفطر‪ .‬ويكره إفراد رجب بالصوم؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «نهى عن صيامه» (‪، )4‬‬
‫ولن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه‪ ،‬وتزول الكراهة بفطره فيه‪ ،‬ولو يوما‪ ،‬أو بصومه شهرا آخر‬
‫من السنة‪ ،‬وليكره إفراد شهر غير رجب بالصوم‪.‬‬
‫ويكره إفراد يوم نيروز (اليوم الرابع من الربيع) ويوم مهرجان (اليوم التاسع عشر من الخريف)‬
‫بالصوم‪ ،‬وهما عيدان للكفار‪ ،‬لما فيه من موافقة الكفار في تعظيمهما‪.‬‬
‫ويكره أيضا صوم يوم الشك‪ ،‬كما سبق‪ ،‬وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين‪ ،‬ول يكره تقدمه بأكثر‬
‫من يومين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 447/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 188/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي وأحمد‪ ،‬ومعنى «ضيقت عليه» أي عنه‪ ،‬فلم يدخلها‪ ،‬أو ل يكون له فيها موضع‬
‫(نيل الوطار‪)255/4 :‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪ ،399-397/2 :‬غاية المنتهى‪.334/1 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه عن ابن عباس‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬وكل حديث روي في فضل صوم رجب أو الصلة‬
‫فيه فكذب باتفاق أهل العلم‪.‬‬

‫( ‪)3/22‬‬

‫النوع الرابع ـ صوم التطوع أو الصوم المندوب‪:‬‬


‫التطوع‪ :‬التقرب إلى ال تعالى بما ليس بفرض من العبادات‪ ،‬مأخوذ من قوله تعالى‪{ :‬ومن تطوع‬
‫خيرا} [البقرة‪ ،]158/2:‬وقد يعبر عنه بالنافلة كما في الصلة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ومن الليل فتهجد به نافلة‬
‫لك} [السراء‪ .]79/17:‬ول‬
‫شك أن الصوم ـ كما أبنت ـ من أفضل العبادات‪ ،‬ففي الصحيحين‪« :‬من صام يوما في سبيل ال ‪،‬‬
‫باعد ال تعالى وجهه عن النار سبعين خريفا» وفي الحديث المتقدم‪« :‬كل عمل ابن آدم له‪ ،‬إل الصوم‬
‫فإنه لي‪ ،‬وأنا أجزي به» ‪.‬‬
‫وأيام صوم التطوع بالتفاق ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬صوم يوم وإفطار يوم‪ :‬أفضل صوم التطوع صيام يوم‪ ،‬وإفطار يوم‪ ،‬لخبر الصحيحين‪« :‬أفضل‬
‫الصيام صوم داود‪ ،‬كان يصوم يوما‪ ،‬ويفطر يوما» وفيه «لأفضل من ذلك» (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬صوم ثلثةأيام من كل شهر‪ ،‬والفضل أن تكون اليام البيض أي أيام الليالي البيض‪ ،‬وهي‬
‫الثالث عشر‪ ،‬والرابع عشر‪ ،‬والخامس عشر‪ ،‬وسميت بيضا لبيضاضها ليلً بالقمر‪ ،‬نهارا بالشمس‪،‬‬
‫وأجرها كصوم الدهر‪ ،‬بتضعيف الجر‪ ،‬الحسنة بعشر أمثالها من غير حصول المضرة أو المفسدة‬
‫التي في صيام الدهر‪ .‬ودليلها ما روى أبو ذر أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال له‪« :‬إذا صمت من‬
‫الشهر ثلثة أيام‪ ،‬فصم ثالث عشرة‪ ،‬ورابع عشرة‪ ،‬وخامس عشرة» (‪ )2‬وروي «أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم كان يصوم عدة ثلثة أيام من كل شهر» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث عبد ال بن عمرو‪ ،‬ولفظه‪« :‬صم يوما وأفطر يوما‪ ،‬فذلك صيام داود‪ ،‬وهو‬
‫أفضل الصيام‪ ،‬قلت‪ :‬فإني أطيق أفضل من ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفضل من ذلك» (نيل الوطار‪.)254/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي وحسنه‪ ،‬والنسائي وابن حبان في صحيحه‪ ،‬وأحمد (نيل الوطار‪252/4 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬سبل السلم‪.)168/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود‪ ،‬وأخرج مسلم من حديث عائشة‬
‫«كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلثة أيام‪ ،‬ما يبالي في أي الشهر صام»‬
‫(سبل السلم‪.)168/2 :‬‬

‫( ‪)3/23‬‬

‫‪ - 3‬صوم يوم الثنين والخميس من كل أسبوع‪ ،‬لقول أسامة بن زيد إن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫كان يصوم يوم الثنين والخميس‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪« :‬إن أعمال الناس تعرض يوم الثنين ويوم‬
‫الخميس» (‪ ، )1‬وفي لفظ‪« :‬وأحب أن ُيعْرَض عملي وأنا صائم» ‪.‬‬
‫‪ - 4‬صوم ستة أيام من شوال‪ ،‬ولو متفرقة‪ ،‬ولكن تتابعها أفضل عقب العيد مبادرة إلى العبادة‪،‬‬
‫ويحصل له ثوابها ولو صام قضاء أو نذرا أو غير ذلك‪ ،‬فمن صامها بعد أن صام رمضان‪ ،‬فكأنما‬
‫صام الدهر فرضا‪ ،‬لما روى أبو أيوب «من صام رمضان‪ ،‬ثم أتبعه ستا من شوال‪ ،‬فذاك صيام‬
‫الدهر» (‪ )2‬وروى ثوبان‪« :‬صيام شهر بعشرة أشهر‪ ،‬وصيام ستة أيام بشهرين‪ ،‬فذلك سنة» (‪)3‬‬
‫يعني أن الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬الشهر بعشرة أشهر‪ ،‬والستة بستين‪ ،‬فذلك سنة كاملة‪.‬‬
‫‪ - 5‬صوم يوم عرفة‪ :‬هو تاسع ذي الحجة لغير الحاج‪ ،‬لخبر مسلم‪« :‬صيام يوم عرفة أحتسب على‬
‫ال أنه يكفر السنة التي قبلها‪ ،‬والسنة التي بعده» وهو أفضل اليام لخبر مسلم‪« :‬ما من يوم أكثر من‬
‫أن يعتق ال فيه من النار من يوم عرفة» ‪ ،‬وأما قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬خير يوم طلعت فيه‬
‫الشمس يوم الجمعة» فمحمول على غير يوم عرفة بقرينة ما ذكر (‪. )4‬‬
‫أما الحاج فل يسن له صوم يوم عرفة‪ ،‬بل يسن له فطره وإن كان قويا‪ ،‬ليقوى على الدعاء‪ ،‬واتباعا‬
‫للسنة‪ ،‬كما روى الشيخان‪ ،‬فصومه له خلف الولى‪ ،‬قال‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة إل البخاري والنسائي‪ ،‬ورواه أحمد من حديث جابر (نيل الوطار‪.)237/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه سعيد بن منصور بإسناده عن ثوبان‪.‬‬
‫(‪ )4‬قيل‪ :‬المكفر الصغائر دون الكبائر‪ ،‬ورد عليه‪ :‬وهذا تحكم يحتاج إلى دليل‪ ،‬والحديث عام‪ ،‬وفضل‬
‫ال واسع ل يحجر‪.‬‬

‫( ‪)3/24‬‬

‫أبو هريرة رضي ال عنه‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات» (‪)1‬‬
‫‪ .‬ول بأس بصومه للحاج عند الحنفية إذا لم يضعفه الصوم‪.‬‬
‫‪ - 6‬صوم اليام الثمانية من ذي الحجة قبل يوم عرفة للحاج وغيره‪ ،‬لقول حفصة‪« :‬أربع لم يكن‬
‫يدعُهنّ رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬صيام عاشوراء‪ ،‬والعشر‪ ،‬وثلثة أيام من كل شهر‪،‬‬
‫والركعتين قبل الغداة» (‪ )2‬وقد تقدم في بحث «صلة العيدين» أحاديث تدل على فضيلة العمل في‬
‫عشر ذي الحجة عموما‪ ،‬والصوم مندرج تحتها‪.‬‬
‫‪ - 7‬صوم تاسوعاء وعاشوراء‪ :‬وهما التاسع والعاشر من شهر المحرم‪ ،‬ويسن الجمع بينهما‪ ،‬لحديث‬
‫ابن عباس مرفوعا‪« :‬لئن بقيت إلى قابل لصومن التاسع والعاشر» (‪ )3‬ويتأكد صيام عاشوراء لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم فيه‪« :‬أحتسب على ال تعالى أن يكفر السنة التي قبله» (‪ ، )4‬وإنما لم يجب‬
‫صومه لخبر الصحيحين‪« :‬إن هذا اليوم يوم عاشوراء‪ ،‬ولم يكتب عليكم صيامه‪ ،‬فمن شاء فليصم‪،‬‬
‫ومن شاء فليفطر» وحملوا الخبار الواردة بالمر بصومه على تأكد الستحباب‪.‬‬
‫والحكمة من صيام عاشوراء‪ :‬ما بينه ابن عباس‪ ،‬قائلً‪« :‬قدم النبي صلّى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وابن ماجه (نيل الوطار‪.)239/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي (نيل الوطار‪.)238/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الخلل بإسناد جيد‪ ،‬واحتج به أحمد‪ ،‬وروى مسلم‪« :‬لئن بقيت إلى قابل لصومن اليوم‬
‫التاسع» ‪.‬‬
‫(‪ )4‬روى الجماعة إل البخاري والترمذي عن أبي قتادة قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة‪ ،‬وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» وحكمة‬
‫التفرقة‪ :‬أن عرفة يوم محمدي‪ :‬يعني أن صومه مختص بأمة محمد صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعاشوراء‬
‫يوم موسوي‪ ،‬ونبينا محمد صلّى ال عليه وسلم أفضل النبياء صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين (نيل‬
‫الوطار‪ ،)238/4 :‬وأحتسب‪ :‬أطلب الجر والثواب‪.‬‬

‫( ‪)3/25‬‬
‫فرأى اليهود تصوم عاشوراء‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬يومٌ صالح‪ ،‬نجّى ال فيه موسى وبني إسرائيل من‬
‫عدوهم‪ ،‬فصامه موسى‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أحق بموسى منكم‪ ،‬فصامه‪ ،‬وأمر بصيامه» (‪. )1‬‬
‫فإن لم يصم مع عاشوراء تاسوعاء‪ ،‬سن عند الشافعية أن يصوم معه الحادي عشر‪ ،‬بل نص الشافعي‬
‫في الم والملء على استحباب صوم الثلثة‪ .‬وذكر الحنابلة أنه إن اشتبه على المسلم أول الشهر‪،‬‬
‫صام ثلثة أيام‪ ،‬ليتيقن صومها‪ .‬وتاسوعاء وعاشوراء آكد شهر ال المحرم‪.‬‬
‫ول يكره عند الجمهور غير إفراد العاشر بالصوم‪.‬‬
‫‪ - 8‬صيام الشهر الحرم ـ وهي أربع‪ :‬ثلثة متوالية؛ وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم‪ ،‬وواحد‬
‫منفرد وهو رجب‪ ،‬وهي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان‪ ،‬وأفضل الشهر الحرم‪ :‬المحرم‪ ،‬ثم‬
‫رجب‪ ،‬ثم باقي الحرم‪ ،‬ثم بعد الحرم شعبان‪.‬‬
‫واستحباب صوم هذه الشهر هو عند المالكية والشافعية (‪ ، )2‬واكتفى الحنابلة باستحباب صوم‬
‫المحرم‪ ،‬فهو عندهم أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أفضل‬
‫الصلة بعد المكتوبة جوف الليل‪ ،‬وأفضل الصيام بعد رمضان شهر ال المحرّم» (‪ ، )3‬وأفضل‬
‫المحرم يوم عاشوراء‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وقال الحنفية‪ :‬المندوب في الشهر الحرم أن يصوم ثلثة أيام من كل‬
‫منها‪ ،‬وهي الخميس والجمعة والسبت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه (نيل الوطار‪.)241/4 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،114‬الحضرمية‪ :‬ص ‪.118‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة‪.‬‬

‫( ‪)3/26‬‬

‫‪ - 9‬صوم شعبان‪ :‬لحديث أم سلمة‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما‬
‫إل شعبان يصل به رمضان (‪ ، )1‬وعن عائشة قالت‪« :‬لم يكن النبي صلّى ال عليه وسلم يصوم أكثر‬
‫من شعبان‪ ،‬فإنه كان يصومه كله» (‪ )2‬وكره قوم صوم النصف الخر من شعبان‪ ،‬وقال الشافعية‪ :‬ل‬
‫يصح صومه‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬إذا انتصف شعبان فل تصوموا» ‪.‬‬
‫آراء المذاهب في الصوم المندوب‪:‬‬
‫للفقهاء تصنيفات ليام الصوم المتطوع بها‪ ،‬هي ما يأتي‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )3‬صوم التطوع أنواع ثلثة‪ :‬مسنون‪ ،‬ومندوب‪ ،‬ونفل‪ :‬والمسنون‪ :‬هو ما واظب عليه‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬والمندوب أو المستحب‪ :‬هو مالم يواظب عليه صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإن‬
‫لم يفعله بعدما رغب إليه‪ .‬والنفل‪ :‬ما سوى ذلك وهو ما رغب فيه الشرع من مطلق الصوم‪.‬‬
‫أما المسنون‪ :‬فهو صوم عاشوراء مع التاسع‪.‬‬
‫وأما المندوب‪ :‬فهو صوم ثلثة أيام من كل شهر‪ ،‬ويندب كونها اليام البيض‪ :‬وهي الثالث عشر‬
‫والرابع عشر والخامس عشر‪ ،‬وصوم الثنين والخميس‪ ،‬وصوم ست من شوال ول يكره التتابع على‬
‫المختار‪ ،‬وكل صوم ثبت طلبه والوعد عليه بالسنة كصوم داود عليه السلم‪ .‬ومنه صوم يوم الجمعة‬
‫ولو منفردا‪ ،‬فل بأس بصيامه عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬لما روي عن ابن عباس أنه كان يصومه ول‬
‫يفطر‪.‬‬
‫ومنه صوم يوم عرفة‪ ،‬ولو لحاج لم يضعفه عن الوقوف بعرفات‪ ،‬ول يخل بالدعوات‪ ،‬فلو أضعفه‬
‫كره‪.‬‬
‫وأما النفل‪ :‬فهو ما سوى ذلك مما لم يثبت كراهيته‪.‬‬
‫وذكر الحنفية تصنيفا آخر‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) ولفظ ابن ماجه‪« ،‬كان يصوم شهري شعبان ورمضان»‬
‫(نيل الوطار‪.)245/4 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه (المصدر والمكان السابق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،171 ،116-113/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 105‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/27‬‬

‫أنواع الصوم اللزم ثلثة عشر‪ :‬سبعة متتابعة‪ :‬وهي رمضان‪ ،‬وكفارة ظهار وقتل‪ ،‬ويمين‪ ،‬وإفطار‬
‫رمضان بل عذر‪ ،‬ونذر معين‪ ،‬وصوم اعتكاف واجب‪ ،‬وستة يخير فيها بين التتابع والتفريق وهي‪:‬‬
‫صوم النفل‪ ،‬وقضاء رمضان‪ ،‬وصوم القران والتمتع في الحج إذا عجز عن الذبح‪ ،‬وفدية حلق‪،‬‬
‫وجزاء صيد‪ ،‬ونذر مطلق عن التقييد بشهر كذا وعن التتابع أو نيته‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬التطوع ثلثة أنواع‪ :‬سنة ومستحب ونافلة‪ ،‬فهم كالحنفية‪.‬‬
‫فالسنة‪ :‬صيام يوم عاشوراء‪ :‬وهو عاشر المحرم‪.‬‬
‫والمستحب‪ :‬صيام الشهر الحرم وشعبان والعشر الول من ذي الحجة‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬وستة أيام من‬
‫شوال‪ ،‬وثلثة أيام من كل شهر‪ ،‬ويوم الثنين والخميس‪.‬‬
‫والنافلة‪ :‬كل صوم لغير وقت ول سبب في غير اليام التي يجب أو يمنع‪.‬‬
‫وذكر الشافعية (‪ : )2‬أن صوم التطوع المؤكد قسمان‪ :‬قسم ل يتكرر كصوم الدهر‪ .‬وقسم يتكرر‪،‬‬
‫وهو أنواع ثلثة‪:‬‬
‫الول ـ ما يتكرر بتكرر السنين‪ :‬وهو صوم يوم عرفة لغير الحاج والمسافر‪ ،‬وعشر ذي الحجة‪،‬‬
‫وعاشوراء وتاسوعاء‪ ،‬والحادي عشر من المحرم‪ ،‬وست من شوال ويسن تواليها واتصالها بالعيد‪.‬‬
‫وسن صوم الشهر الحرم (وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) وكذا يسن صوم شعبان‪.‬‬
‫الثاني ـ مايتكرر بتكرر الشهور‪ :‬وهي اليام البيض‪ :‬وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس‬
‫عشر من كل شهر‪ ،‬واليام السود‪ :‬وهي الثامن والعشرون وتالياه‪ ،‬وعند نقص الشهر يعوض عنه‬
‫أول الشهر‪ ،‬ويسن أن يصوم معها السابع والعشرين احتياطا‪.‬‬
‫وخصت أيام البيض وأيام السود بذلك لتعميم ليالي الولى بالنور والثانية بالسواد‪ ،‬فناسب صوم الولى‬
‫شكرا‪ ،‬والثانية لطلب كشف السواد‪ ،‬ولن الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل‪ ،‬فناسب تزويده بذلك‪.‬‬
‫الثالث ـ ما يتكرر بتكرر السابيع‪ :‬وهو الثنين والخميس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،114‬بداية المجتهد‪.118-298/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 446/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الحضرمية‪ :‬ص ‪.118‬‬

‫( ‪)3/28‬‬

‫وسرد الحنابلة (‪ )1‬أوقات صوم التطوع فقالوا‪:‬‬


‫أفضل صوم التطوع يوم ويوم‪ ،‬ول يكره صوم الدهر إل لخائف ضررا أو فوت حق‪ .‬وسن ثلثة من‬
‫كل شهر‪ ،‬وكونها أيام البيض أفضل‪ :‬وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر‪،‬‬
‫وذلك كصيام الدهر‪ ،‬فإن الحسنة بعشر أمثالها‪.‬‬
‫ويسن صوم الثنين والخميس‪ ،‬وستة من شوال‪ ،‬والولى تتابعها وعقب العيد‪ ،‬إل لمانع كقضاء‪ ،‬ومن‬
‫صامها مع رمضان‪ ،‬كأنما صام الدهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،396 - 393/2 :‬غاية المنتهى‪ 334/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/29‬‬
‫ويسن صوم المُحرّم‪ ،‬وهو أفضل الصيام بعد رمضان‪ ،‬وآكده عاشوراء وهو كفارة سنة (‪ ، )1‬ثم‬
‫تاسوعاء‪ ،‬ول يكره إفراد العاشر بالصوم‪ .‬ويسن صوم أيام عشر ذي الحجة‪ ،‬وهي أفضل من العشر‬
‫الخير من رمضان‪ ،‬وآكده يوم عرفة‪ ،‬وهو كفارة سنتين‪ ،‬والمراد كفارة الصغائر‪ ،‬فإن لم تكن رُجي‬
‫تخفيف الكبائر‪ ،‬فإن لم تكن فرفع درجات‪.‬‬
‫ول يستحب صيام يوم عرفة لمن كان بعرفة من الحاج‪ ،‬بل فطره أفضل‪ ،‬لما روت أم الفضل بنت‬
‫الحارث «أنها أرسلت إلى النبي صلّى ال عليه وسلم بقدح لبن‪ ،‬وهو واقف على بعيره بعرفة‪،‬‬
‫فشرب» (‪ ، )2‬وأخبر ابن عمر أنه «حج مع النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم أبي بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم‬
‫عثمان‪ ،‬فلم يصمه أحد منهم» ولنه يُضعف عن الدعاء‪ ،‬فكان تركه أفضل‪.‬‬
‫ويكره إفراد رجب بالصوم‪ ،‬لما تقدم سابقا في الصوم المكروه‪ .‬ول يكره إفراد شهر غير رجب‬
‫بالصوم؛ لنه صلّى ال عليه وسلم «كان يصوم شعبان ورمضان» أي أحيانا‪ ،‬إذ لم يداوم على غير‬
‫رمضان‪.‬‬
‫هل يلزم التطوع بالشروع فيه؟‬
‫للفقهاء نظريتان في هذا الموضوع‪ ،‬الولى للحنفية والمالكية‪ ،‬والثانية للشافعية والحنابلة‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وينبغي فيه التوسعة على العيال‪ ،‬قال إبراهيم بن محمد بن المنتشر‪ ،‬وكان أفضل أهل زمانه‪ ،‬أنه‬
‫بلغه «من وسع على عياله يوم عاشوراء‪ ،‬وسّع ال عليه سائر سنته» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫( ‪)3/30‬‬

‫قال الفريق الول (‪ : )1‬من دخل في صوم التطوع أو في صلة التطوع‪ ،‬لزمه إتمامه‪ ،‬فإن أفسده‬
‫قضاه وجوبا‪ ،‬كما أنه إذا سافر عمدا فأفطر لسفره‪ ،‬فعليه القضاء‪ ،‬لن المؤدى قربة وعمل صار ل‬
‫تعالى‪ ،‬فتجب صيانته بالمضي فيه عن البطال‪ ،‬ول سبيل إلى صيانة ما أداه إل بلزوم الباقي‪ ،‬وإذا‬
‫وجب المضي وجب القضاء‪ ،‬ولن الوفاء بالعقد مع ال واجب‪ ،‬وحله حرام في كل عبادة يتوقف أولها‬
‫على آخرها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تبطلوا أعمالكم} [محمد‪ ]33/47:‬وقال مالك‪ :‬ل ينبغي أن يفطر من‬
‫صام متطوعا‪ ،‬إل من ضرورة‪ ،‬وبلغني أن ابن عمر قال‪ :‬من صام متطوعا‪ ،‬ثم أفطر من غير‬
‫ضرورة‪ ،‬فذلك الذي يلعب بدينه‪ ،‬وقياسا على النذر‪ ،‬فإن النفل ينقلب واجبا بالنذر‪ ،‬ويجب أداؤه‪ ،‬لكن‬
‫ذكر الحنفية أنه إذا شرع متطوعا في خمسة أيام‪ :‬يومي العيدين وأيام التشريق‪ ،‬فل يلزمه قضاؤها في‬
‫ظاهر الرواية‪.‬‬
‫وقال الفريق الثاني (‪ : )2‬من دخل في تطوع غير حج وعمرة كأن شرع في صوم أو صلة أو‬
‫اعتكاف أو طواف أو وضوء أو قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها‪ ،‬أو التسبيحات عقب‬
‫الصلة‪ ،‬فل يلزمه إتمامه‪ ،‬وله قطعه‪ ،‬ول قضاء عليه‪ ،‬ول مؤاخذة في قطعه لكن يستحب له إتمامه‪،‬‬
‫لنه تكميل العبادة‪ ،‬وهو مطلوب‪ ،‬ويكره الخروج منه بل عذر‪ ،‬لظاهر قوله تعالى‪{ :‬ول تبطلوا‬
‫أعمالكم} [محمد‪ ]33/47:‬وللخروج من خلف من أوجب إتمامه‪ ،‬ولما فيه من تفويت الجر‪.‬‬
‫فإن وجد عذر كمساعدة ضيف في الكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه‪ ،‬أو عكسه‪ ،‬فل يكره‬
‫الخروج منه‪ ،‬بل يستحب لخبر‪« :‬وإن ل َزوْرك عليك حقا» والزور‪ :‬الزائرون‪ ،‬وخبر «من كان يؤمن‬
‫بال واليوم الخر‪ ،‬فليكرم ضيفه» (‪. )3‬‬
‫ودليلهم على عدم لزوم النفل بالشروع فيه في الصوم‪ :‬قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الصائم المتطوع‬
‫أمير نفسه‪ ،‬إن شاء صام‪ ،‬وإن شاء أفطر» (‪ )4‬وتقاس الصلة وبقية النوافل غير الحج والعمرة على‬
‫الصوم‪ ،‬ولن أصل مشروعية النفل غير لزم‪ ،‬والقضاء يتبع المقضي عنه‪ ،‬فإذا لم يكن واجبا‪ ،‬لم‬
‫يكن القضاء واجبا‪ ،‬بل يستحب‪ ،‬وروي جواز قطع صوم التطوع عن ابن عمر وابن عباس وابن‬
‫مسعود‪.‬‬
‫أما التطوع بالحج أو العمرة فيحرم قطعه‪ ،‬لمخالفته غيره في لزوم التمام‪ ،‬والكفارة بالجماع‪ ،‬لن‬
‫الوصول إليهما ل يحصل في الغالب إل بعد كلفة عظيمة‪ ،‬ومشقة شديدة‪ ،‬وإنفاق مال كثير‪ ،‬ففي‬
‫إبطالهما تضييع لماله‪ ،‬وإبطال لعماله الكثيرة‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ متى يجب الصوم‪ ،‬وكيفية إثبات هلل الشهر واختلف المطالع؟‪:‬‬
‫وفيه مطالب ثلثة‪:‬‬
‫المطلب الول ـ متى يجب الصوم؟‬
‫يجب الصوم بأحد أمور ثلثة (‪. )5‬‬
‫الول ـ النذر‪ :‬بأن ينذر المرء صوم يوم أو شهر تقربا إلى ال تعالى‪ ،‬فيجب عليه بإيجابه على‬
‫نفسه‪ ،‬ويكون سبب صوم المنذور هو النذر‪ ،‬فلو عين شهرا أو يوما‪ ،‬وصام شهرا أو يوما قبله عنه‪،‬‬
‫أجزأه‪ ،‬لوجود السبب‪ ،‬ويلغو التعيين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب شرح الكتاب‪ 171/1 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،105 ،85/2 :‬الدر المختار‪ ،164/2 :‬شرح‬
‫الرسالة لبن أبي زيد القيرواني‪ ،296/1 :‬فواتح الرحموت‪ ،114/1 :‬كشف السرار‪.632/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،448 ،437/1 :‬كشاف القناع‪ ،400/2 :‬المغني‪ 151/3 :‬ومابعدها‪ ،‬شرح المحلي‬
‫على جمع الجوامع‪ ،69/1 :‬غاية الوصول للنصاري‪ :‬ص ‪ ،12‬أصول الفقه السلمي للمؤلف‪1 ،‬ص‬
‫‪ 79‬ومابعدها‪ ،‬ط ثانية بدار الفكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواهما الشيخان‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وصححه من حديث أم هانئ‪ ،‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح السناد‪ ،‬وضعفه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،111/2 :‬مغني المحتاج‪ ،420/1 :‬الشرح الكبير‪ ،509/1 :‬كشاف‬
‫القناع‪.349/2 :‬‬

‫( ‪)3/31‬‬

‫الثاني ـ الكفارات‪ :‬عن معصية ارتكبها المرء‪ ،‬كالقتل الخطأ‪ ،‬وحنث اليمين‪ ،‬وإفطار رمضان‬
‫بالجماع نهارا‪ ،‬والظهار‪ ،‬ويكون سبب الصوم هو القتل أو الحنث أو الفطار‪ ،‬أو المظاهرة‪.‬‬
‫الثالث ـ شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو نهار على المختار عند الحنفية‪ ،‬فيكون السبب‬
‫شهود الشهر‪.‬‬
‫ويجب صوم رمضان‪ :‬إما برؤية هلله إذا كانت السماء صحوا‪ ،‬أو بإكمال شعبان ثلثين يوما إذا‬
‫وجد غيم أوغبار ونحوهما‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة‪ ]185/2:‬وقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلثين» (‪)1‬‬
‫وفي لفظ البخاري‪« :‬الشهر تسع وعشرون ليلة‪ ،‬فل تصوموا حتى تروه‪ ،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة‬
‫ثلثين» وفي لفظ لمسلم‪« :‬أنه ذكر رمضان‪ ،‬فضرب بيده‪ ،‬فقال‪ :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا‪ ،‬ثم عقد‬
‫إبهامه في الثالثة‪ ،‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدُروا ثلثين» وقد يقع نقص‬
‫الشهر أي تسعة وعشرين يوما مدة شهرين أو ثلثة أو أربعة فقط‪ ،‬كما في شرح مسلم للنووي‪ ،‬ول‬
‫تثبت بقية توابع رمضان كصلة التراويح ووجوب المساك على من أصبح مفطرا إل برؤية الهلل‪،‬‬
‫أو إكمال شعبان ثلثين يوما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‪ ،‬ورواه البخاري عن ابن عمر‪ ،‬ورواه مسلم والنسائي وابن‬
‫ماجه عن ابن عمر أيضا بلفظ آخر‪ ،‬ورواه أحمد والنسائي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب‪،‬‬
‫ورواه أحمد والنسائي والترمذي بمعناه وصححه عن ابن عباس‪ ،‬وروي عن آخرين (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)192-188/4‬‬

‫( ‪)3/32‬‬
‫المطلب الثاني ـ كيفية إثبات هلل رمضان وهلل شوال‪:‬‬
‫تتردد أقوال الفقهاء في طريق إثبات هلل رمضان وشوال بين اتجاهات ثلثة‪ :‬رؤية جمع عظيم‪،‬‬
‫ورؤية مسلمين عدلين‪ ،‬ورؤية رجل عدل واحد‪.‬‬
‫أما الحنفية (‪ )1‬فقالوا‪:‬‬
‫أ ـ إذا كانت السماء صحوا‪ :‬فل بد من رؤية جمع عظيم لثبات رمضان‪ ،‬والفطر أو العيد‪ ،‬ومقدار‬
‫الجمع‪ :‬من يقع العلم الشرعي (أي غلبة الظن) بخبرهم‪ ،‬وتقديرهم مفوض إلى رأي المام في الصح؛‬
‫واشتراط الجمع لن المَطْلع متحد في ذلك المحل‪ ،‬والموانع منتفية‪ ،‬والبصار سليمة‪ ،‬والهمم في طلب‬
‫الهلل مستقيمة‪ ،‬فالتفرد في الرؤية من بين الجم الغفير ـ مع ذلك ـ ظاهر في غلط الرأي‪.‬‬
‫ول بد من أن يقول الواحد منهم في الدلء بشهادته‪« :‬أشهد» ‪.‬‬
‫ب ـ وأما إذا لم تكن السماء صحوا بسبب غيم أو غبار ونحوه‪ ،‬فيكتفي المام في رؤية الهلل‬
‫بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ‪( ،‬والعدل‪ :‬هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور الحال في‬
‫الصحيح‪ ،‬رجلً كان أو امرأة‪ ،‬حرا أم غيره‪ ،‬لنه أمر ديني‪ ،‬فأشبه رواية الخبار‪ .‬ول يشترط في‬
‫هذه الحالة أن يقول‪« :‬أشهد» وتكون الشهادة في مصر أمام القاضي‪ ،‬وفي القرية في المسجد بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫وتجوز الشهادة على الشهادة‪ ،‬فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى الهلل‪.‬‬
‫ومن رأى الهلل وحده‪ ،‬صام‪ ،‬وإن لم يقبل المام شهادته‪ ،‬فلوأفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة‪.‬‬
‫ول يعتمد على ما يخبر به أهل الميقات والحساب والتنجيم‪ ،‬لمخالفته شريعة نبينا عليه أفضل الصلة‬
‫والتسليم؛ لنه وإن صح الحساب أو الرصد‪ ،‬فلسنا مكلفين شرعا إل بالرؤية العادية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رسائل ابن عابدين‪ ،253/1 :‬الدر المختار‪ ،130-123/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 108‬ومابعدها‪،‬‬
‫اللباب‪.164/1 :‬‬

‫( ‪)3/33‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬يثبت هلل رمضان بالرؤية على أوجه ثلثة هي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يراه جماعة كثيرة وإن لم يكونوا عدولً‪ :‬وهم كل عدد يؤمن في العادة تواطؤهم على‬
‫الكذب‪ .‬ول يشترط أن يكونوا ذكورا أحرارا عدولً‪.‬‬
‫عدْلن فأكثر‪ :‬فيثبت بهما الصوم والفطر في حالة الغيم أو الصحو‪ .‬والعدل‪ :‬هو الذكر‬
‫ً‪ - 2‬أن يراه َ‬
‫الحر البالغ العاقل الذي لم يرتكب معصية كبيرة ولم يصر على معصية صغيرة‪ ،‬ولم يفعل ما يخل‬
‫بالمروءة‪ .‬فل يجب الصوم في حالة الغيم برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتين على المشهور‪،‬‬
‫ويجب الصوم قطعا على الرائي في حق نفسه‪ .‬وتجوز الشهادة بناء على شهادة العدلين إذا نقل الخبر‬
‫عن كل واحد اثنان‪ ،‬ول يكفي نقل واحد‪ .‬ول يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم لفظ «أشهد» ‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يراه شاهد واحد عدل‪ :‬فيثبت الصوم والفطر له في حق العمل بنفسه أو في حق من أخبره‬
‫ممن ل يعتني بأمر الهلل‪ ،‬ول يجب على من يعتني بأمر الهلل الصوم برؤيته‪ ،‬ول يجوز الفطار‬
‫بها‪ ،‬فل يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلل برؤية عدل فقط‪ .‬ول يشترط في الواحد الذكورة ول‬
‫الحرية‪ .‬فإن كان المام هو الرائي وجب الصوم والفطار‪.‬‬
‫ويجب على العدل أو العدلين رفع المر للحاكم أنه رأى الهلل ليفتح باب الشهادة‪ ،‬ولنه قد يكون‬
‫الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل‪.‬‬
‫أما هلل شوال‪ :‬فيثبت برؤية الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد خبرها العلم أو‬
‫برؤية العدلين كما هو الشأن في إثبات هلل رمضان‪.‬‬
‫ول يثبت الهلل بقول منجّم أي حاسب يحسب سير القمر‪ ،‬ل في حق نفسه ول غيره؛ لن الشارع‬
‫أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلل‪ ،‬ل بوجوده إن فرض صحة قوله‪ ،‬فالعمل بالمراصد الفلكية‬
‫وإن كانت صحيحة ل يجوز‪ ،‬وليطلب شرعا‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 115‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 682/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪509/1 :‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/34‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬تثبت رؤية الهلل لرمضان أو شوال أو غيرهما بالنسبة إلى عموم الناس برؤية‬
‫شخص عدل‪ ،‬ولو مستور الحال‪ ،‬سواء أكانت السماء مصحية أم ل‪ ،‬بشرط أن يكون الرائي عدلً‬
‫مسلما بالغا عاقلً حرا ذكرا‪ ،‬وأن يأتي بلفظ «أشهد» فل تثبت برؤية الفاسق والصبي والمجنون‬
‫والعبد والمرأة‪ .‬ودليلهم‪ :‬أن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما رأى الهلل‪ ،‬فأخبر رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم بذلك‪ ،‬فصام وأمر الناس بصيامه (‪ . )2‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬قال‪« :‬جاء‬
‫أعرابي إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إني رأيت هلل رمضان‪ ،‬فقال‪ :‬أتشهد أن ل إله إل‬
‫ال ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬تشهد أن محمدا رسول ال ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬يا بلل‪ ،‬أذن في الناس‪ ،‬فليصوموا‬
‫غدا» (‪ )3‬والمعنى في ثبوته بالواحد الحتياط للصوم‪.‬‬
‫أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم‪ ،‬ولو لم يكن عدلً (أي فاسقا) أو كان صبيا أو امرأة أو كافرا‪ ،‬أو‬
‫لم يشهد عند القاضي‪ ،‬أو شهد ولم تسمع شهادته‪ ،‬كما يجب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته‪.‬‬
‫وإذا صمنا برؤية عدل‪ ،‬ولم نر الهلل ثلثين‪،‬أفطرنا في الصح‪ ،‬وإن كانت السماء صحوا‪ ،‬لكمال‬
‫العدد بحجة شرعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،179/1 :‬مغني المحتاج‪.422-420/1 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود وصححه ابن حبان‪ ،‬ورواه الحاكم وقال‪ :‬على شرط مسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬صححه ابن حبان والحاكم ورواه أبو داود والترمذي‪.‬‬

‫( ‪)3/35‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬يقبل في إثبات هلل رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهرا وباطنا ذكرا أو أنثى‬
‫حرا أو عبدا‪ ،‬ولو لم يقل‪ :‬أشهد أو شهدت أني رأيته‪ ،‬فل يقبل قول مميز ول مستور الحال لعدم الثقة‬
‫بقوله في الغيم والصحو‪ ،‬ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره منهم غيره‪ .‬ودليلهم الحديث المتقدم‬
‫أنه صلّى ال عليه وسلم صوّم الناس بقول ابن عمر‪ ،‬ولقبوله خبر العرابي السابق به‪ ،‬ولنه خبر‬
‫ديني وهو أحوط‪ ،‬ول تهمة فيه‪ ،‬بخلف آخر الشهر‪ ،‬ولختلف حال الرائي والمرئي‪ ،‬فلو حكم حاكم‬
‫بشهادة واحد‪ ،‬عمل بها وجوبا‪ .‬ول يعتبر لوجوب الصوم لفظ الشهادة‪ ،‬وليختص بحاكم‪ ،‬فيلزم الصوم‬
‫من سمعه من عدل‪ .‬ول يجب على من رأى الهلل إخبار الناس أو أن يذهب إلى القاضي أو إلى‬
‫المسجد‪ .‬ويجب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غيره‪ ،‬لعموم الحديث‪« :‬صوموا لرؤيته» ول‬
‫يفطر إل مع الناس؛ لن الفطر ل يباح إل بشهادة عدلين‪ .‬وإن رأى هلل شوال وحده لم يفطر لحديث‬
‫أبي هريرة يرفعه قال‪« :‬الفطر يوم يفطرون‪ ،‬والضحى يوم يضحون» (‪ )2‬ولحتمال خطئه وتهمته‪،‬‬
‫فوجب الحتياط‪ .‬وتثبت بقية الحكام إذا ثبتت رؤية هلل رمضان بواحد من وقوع الطلق المعلق‬
‫به‪ ،‬وحلول آجال الديون المؤجلة إليه‪ ،‬وغيرها كانقضاء العدة والخيار المشروط ومدة اليلء ونحوها‬
‫تبعا للصوم‪.‬‬
‫ول يجب الصوم ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتها‪ ،‬لعدم استناده لما يعول عليه‬
‫شرعا‪.‬‬
‫ول يقبل في إثبات بقية الشهور كشوال (من أجل العيد) وغيره إل رجلن عدلن‪ ،‬بلفظ الشهادة؛ لن‬
‫ذلك مما يطلع عليه الرجال غالبا‪ ،‬وليس بمال ول يقصد به المال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،358-352/2 :‬المغني‪.163-156/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح غريب‪.‬‬

‫( ‪)3/36‬‬

‫وإنما ترك ذلك في إثبات رمضان احتياطا للعبادة‪.‬وإذا صام الناس بشهادة اثنين‪ :‬ثلثين يوما‪ ،‬فلم يروا‬
‫الهلل‪ ،‬أفطروا‪ ،‬سواء في حال الغيم أو الصحو‪ ،‬لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب السابق أن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» (‪. )1‬‬
‫ول يفطروا إن صاموا الثلثين يوما بشهادة واحد‪ ،‬لنه فطر‪ ،‬فل يجوز أن يستند إلى واحد‪ ،‬كما لو‬
‫شهد بهلل شوال‪.‬‬
‫وإن صاموا ثمانية وعشرين يوما‪ ،‬ثم رأوا الهلل‪ ،‬قضوا يوما فقط‪ .‬وإن صاموا لجل غيم ونحوه‬
‫كقَتر ودخان‪ ،‬لم يفطروا؛ لن الصوم إنما كان احتياطا‪ ،‬فمع موافقته‪،‬للصل‪ :‬وهو بقاء رمضان‪،‬‬
‫أولى‪ .‬وإن رأى هلل شوال عدلن‪ ،‬ولم يشهدا عند الحاكم‪ ،‬جاز لمن سمع شهادتهما الفطر إذا عرف‬
‫عدالتهما‪ ،‬وجاز لكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الخر‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم‬
‫‪« :‬فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» فإن لم يعرف أحدهما عدالة الخر‪ ،‬لم يجز له الفطر‬
‫لحتمال فسقه إل أن يحكم بذلك حاكم‪ ،‬فيزول اللبس‪.‬‬
‫وإن شهد شاهدان عند الحاكم برؤية هلل شوال‪ :‬فإن رد الحاكم شهادتهما‪ ،‬لجهله بحالهما‪ ،‬فلمن علم‬
‫عدالتهما الفطر؛ لن رده ههنا ليس بحكم منه بعدم قبول شهادتهما‪ ،‬إنما هو توقف لعدم علمه بحالهما‪،‬‬
‫فهو كالتوقف عن الحكم انتظارا للبينة‪ ،‬فلو ثبتت عدالتهما بعد ذلك ممن زكاهما حكم بها‪ ،‬لوجود‬
‫المقتضي‪ ،‬وأما إن رد الحاكم شهادتهما لفسقهما‪ ،‬فليس لهما ول لغيرهما الفطر بشهادتهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه النسائي وأحمد‪.‬‬

‫( ‪)3/37‬‬

‫وإذا اشتبهت الشهر على أسير أو سجين أو من بمفازة أو بدار حرب ونحوهم‪ ،‬اجتهد وتحرى في‬
‫معرفة شهر رمضان وجوبا؛ لنه أمكنه تأدية فرضه بالجتهاد‪ ،‬فلزمه كاستقبال القبلة‪ ،‬فإن وافق ذلك‬
‫شهر رمضان أو ما بعد رمضان‪ ،‬أجزأه‪ .‬وإن تبين أن الشهر الذي صامه ناقص‪ ،‬ورمضان الذي فاته‬
‫كامل تمام‪ ،‬لزمه قضاء النقص؛ لن القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك‪ .‬وإن وافق صومه شهرا‬
‫قبل رمضان كشعبان لم يجزئه؛ لنه أتى بالعبادة قبل وقتها‪ ،‬فلم يجزئه‪ ،‬كالصلة‪ ،‬فلو وافق بعضه‬
‫رمضان‪ ،‬فما وافقه أوبعده‪ ،‬أجزأه‪ ،‬دون ما قبله‪.‬‬
‫وإن صام من اشتبهت عليه الشهر‪ ،‬بل اجتهاد‪ ،‬فكمن خفيت عليه القبلة‪ ،‬ل يجزيه مع القدرة على‬
‫الجتهاد‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الحنفية يشترطون لثبات هلل رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا كانت السماء‬
‫صحوا‪ ،‬وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه‪ .‬ول بد عند المالكية من رؤية عدلين أو‬
‫أكثر‪ ،‬وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من ل يهتم بأمر الهلل‪.‬‬
‫وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬ولو مستور الحال عند الشافعية‪ ،‬ول يكفي المستور‬
‫عند الحنابلة‪ ،‬كما ل بد عند الحنابلة والمالكية من رؤية هلل شوال من عدلين لثبات العيد‪.‬‬
‫وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬ول تقبل عند المالكية والشافعية‪.‬‬
‫طلب رؤية الهلل‪ :‬قال الحنفية (‪ : )1‬يجب للناس أن يلتمسوا الهلل في اليوم التاسع والعشرين من‬
‫شعبان‪ ،‬وكذا هلل شوال لجل إكمال العدة‪ ،‬فإن رأوه صاموا‪ ،‬وإن غم عليهم‪ ،‬أكملوا عدة شعبان‬
‫ثلثين يوما‪ ،‬ثم صاموا؛ لن الصل بقاء الشهر‪ ،‬فل ينتقل عنه إل بدليل‪ ،‬ولم يوجد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب شرح الكتاب‪.163/1 :‬‬

‫( ‪)3/38‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬يستحب ترائي الهلل احتياطا للصوم‪ ،‬وحذارا من الختلف‪ ،‬قالت عائشة‪« :‬كان‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما ل يتحفظ في غيره‪ ،‬ثم يصوم لرؤية رمضان» (‪)2‬‬
‫وروى أبو هريرة مرفوعا‪« :‬أحصوا هلل شعبان لرمضان» (‪. )3‬‬
‫ويسن إذا رأى المرء الهلل كبّر ثلثا‪ ،‬وقال‪« :‬اللهم أهلّه علينا باليُمن واليمان‪ ،‬والمن والمان‪،‬‬
‫ربي وربك ال » ويقول ثلث مرات‪« :‬هلل خير ورشد» ويقول‪« :‬آمنت بالذي خلقك» ثم يقول‪:‬‬
‫«الحمد ل الذي ذهب بشهر كذا‪ ،‬وجاء بشهر كذا» وروى الثرم عن ابن عمر‪ ،‬قال‪« :‬كان النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم إذا رأى الهلل قال‪ :‬ال أكبر‪ ،‬اللهم أهلّه علينا بالمن واليمان‪ ،‬والسلمة‬
‫والسلم‪ ،‬والتوفيق لما تحب وترضى‪ ،‬ربي وربك ال » ‪.‬‬
‫وإذا رئي الهلل يكره عند الحنفية أن يشير الناس إليه‪ ،‬لنه من عمل الجاهلية‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ اختلف المطالع‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء على رأيين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في المشارق‬
‫والمغارب في وقت واحد‪ ،‬بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلف المطالع‪ ،‬ففي رأي الجمهور‪:‬‬
‫يوحد الصوم بين المسلمين‪ ،‬ول عبرة باختلف المطالع‪ .‬وفي رأي الشافعية يختلف بدء الصوم والعيد‬
‫بحسب اختلف مطالع القمر بين مسافات بعيدة‪ .‬ول عبرة في الصح بما قاله بعض الشافعية‪ :‬من‬
‫ملحظة الفرق بين البلد القريب والبعيد بحسب مسافة القصر (‪ 89‬كم)‪.‬‬
‫هذا مع العلم بأن اختلف المطالع نفسه لنزاع فيه‪ ،‬فهو أمر واقع بين البلد البعيدة كاختلف مطالع‬
‫الشمس‪ ،‬ول خلف في أن للمام المر بالصوم بما ثبت لديه؛ لن حكم الحاكم يرفع الخلف‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.349/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني بإسناد صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫( ‪)3/39‬‬

‫وأجمعوا أنه ل يراعى ذلك في البلدان النائية جدا كالندلس والحجاز‪ ،‬وأندونيسيا والمغرب العربي (‬
‫‪. )1‬‬
‫وأذكر أولً عبارات الفقهاء في هذا الموضوع المهم‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬اختلف المطالع‪ ،‬ورؤية الهلل نهارا قبل الزوال وبعده غير معتبر‪ ،‬على ظاهر‬
‫المذهب‪ ،‬وعليه أكثر المشايخ‪ ،‬وعليه الفتوى‪ ،‬فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب‪ ،‬إذا ثبت عندهم‬
‫رؤية أولئك‪ ،‬بطريق موجب‪ ،‬كأن يتحمل اثنان الشهادة‪ ،‬أو يشهدا على حكم القاضي‪ ،‬أو يستفيض‬
‫الخبر‪ ،‬بخلف ما إذا أخبر أهل بلدة كذا رأوه؛ لنه حكاية‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )3‬إذا رئي الهلل‪ ،‬عمّ الصوم سائر البلد‪ ،‬قريبا أو بعيدا‪ ،‬ول يراعى في ذلك‬
‫مسافة قصر‪ ،‬ول اتفاق المطالع‪ ،‬ول عدمها‪ ،‬فيجب الصوم على كل منقول إليه‪ ،‬إن نقل ثبوته بشهادة‬
‫عدلين أو بجماعة مستفيضة‪ ،‬أي منتشرة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )4‬إذا ثبتت رؤية الهلل بمكان‪ ،‬قريبا كان أو بعيدا‪ ،‬لزم الناس كلهم الصوم‪ ،‬وحكم‬
‫من لم يره حكم من رآه‪.‬‬
‫وأما الشافعية فقالوارين فرسخا (‪ : )5‬إذا رئي الهلل ببلد لزم حكمه البلد القريب ل البعيد‪ ،‬بحسب‬
‫اختلف المطالع في الصح‪ ،‬واختلف المطالع ل يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخا (‪. )6‬‬
‫وإذا لم نوجب على البلد الخر وهو البعيد‪ ،‬فسافر إليه من بلد الرؤية من صام به‪ ،‬فالصح أنه‬
‫يوافقهم وجوبا في الصوم آخرا‪ ،‬وإن كان قد أتم ثلثين؛ لنه بالنتقال إلى بلدهم‪ ،‬صار واحدا منهم‪،‬‬
‫فيلزمه حكمهم‪ ،‬وروي أن ابن عباس أمر كُرَيْبا بذلك كما سيأتي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار لبن عابدين‪ ،131/2 :‬مجموعة رسائل ابن عابدين‪ ،253/1 :‬تفسير القرطبي‪:‬‬
‫‪ ،296/2‬فتح الباري‪ ،87/4 :‬المجموع‪ ،300/6 :‬بداية المجتهد‪ ،278/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،132-131/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.109‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،510/1 :‬بداية المجتهد‪ 278/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع‪.353/2 :‬‬
‫(‪ )5‬المجموع‪ ،303-297/6 :‬مغني المحتاج‪.423-422/1 :‬‬
‫(‪ )6‬الفرسخ (‪ 5544‬م) وهذه المسافة تساوي ‪ 056،133=24×5544‬كم‪ ،‬انظر جدول المقاييس‪ ،‬علما‬
‫بأن مسافة القصر (‪89‬كم)‪ :‬هي أربعة برد أو ستة عشرة فرسخا‪ ،‬والفرسخ ثلثة أميال والميل أربعة‬
‫آلف خطوة‪ ،‬والخطوة‪ :‬ثلثة أقدام‪ ،‬والقدمان‪ :‬ذراع‪ ،‬والذراع‪ :‬أربعة وعشرون إصبعا معترضات‪.‬‬

‫( ‪)3/40‬‬

‫ومن سافر من البلد الخر الذي لم ير فيه الهلل إلى بلد الرؤية‪ ،‬عيّد معهم وجوبا‪ ،‬لنه صار واحدا‬
‫منهم‪ ،‬سواء أصام ثمانية وعشرين يوما‪ ،‬أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم‪ ،‬وقضى يوما‬
‫إن صام ثمانية وعشرين؛ لن الشهر ل يكون كذلك‪.‬‬
‫ومن أصبح معيّدا‪ ،‬فسارت سفينته أو طائرته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام‪،‬فالصح أن يمسك بقية اليوم‬
‫وجوبا؛ لنه صار واحدا منهم‪.‬‬
‫الدلة‪:‬‬
‫أدلة الشافعية‪ :‬استدلوا على اعتبار اختلف المطالع بالسنة والقياس والمعقول‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬السنة‪ :‬استدلوا بحديثين‪ :‬أولهما حديث كُرَيب‪ ،‬وثانيهما حديث ابن عمر‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حديث كريب‪ :‬أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام‪ ،‬فقال‪ :‬فقدمتُ الشام‪ ،‬فقضيت حاجتها‪،‬‬
‫واستُهلّ علي رمضان ُ وأنا بالشام‪ ،‬فرأيت الهلل ليلة الجمعة‪ ،‬ثم قدمتُ المدينةفي آخر الشهر‪،‬‬
‫فسألني عبد ال بن عباس‪ ،‬ثم ذكر الهلل‪ ،‬فقال‪ :‬متى رأيتم الهلل؟ فقلت‪ :‬رأيناه ليلة الجمعة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أنت رأيتَه؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬ورآه الناس وصاموا‪ ،‬وصام معاوية‪ ،‬فقال‪ :‬لكنا رأيناه ليلة السبت‪ ،‬فل نزال‬
‫نصوم حتى ُن ْكمِل ثلثين أو نراه‪ ،‬فقلت‪ :‬أل نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬هكذا أمَرَنا‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم (‪. )1‬‬
‫فدل على أن ابن عباس لم يأخذ برؤية أهل الشام‪ ،‬وأنه ل يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر‪.‬‬
‫ب ـ حديث ابن عمر‪ :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬إنما الشهر تسع وعشرون‪ ،‬فل‬
‫تصوموا حتى تروه‪ ،‬ول تفطروا حتى تروه‪ ،‬فإن غُمّ عليكم فاقدُروا له» (‪ )2‬وهو يدل على أن وجوب‬
‫الصوم منوط بالرؤية‪ ،‬لكن ليس المراد رؤية كل واحد ‪ ،‬بل رؤية البعض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل البخاري وابن ماجه (نيل الوطار‪.)194/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم وأحمد (نيل الوطار‪ 189/4 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)3/41‬‬

‫ً‪ - 2‬القياس‪ :‬قاسوا اختلف مطالع القمر على اختلف مطالع الشمس المنوط به اختلف مواقيت‬
‫الصلة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬المعقول‪ :‬أناط الشرع إيجاب الصوم بولدة شهر رمضان‪ ،‬وبدء الشهر يختلف باختلف البلد‬
‫وتباعدها‪ ،‬مما يقتضي اختلف حكم بدء الصوم تبعا لختلف البلدان‪.‬‬
‫أدلة الجمهور‪ :‬استدلوا بالسنة والقياس‪.‬‬
‫أما السنة‪ :‬فهو حديث أبي هريرة وغيره‪« :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فأكملوا‬
‫عدة شعبان ثلثين» (‪ )1‬فهو يدل على أن إيجاب الصوم على كل المسلمين معلق بمطلق الرؤية‪،‬‬
‫والمطلق يجري على إطلقه‪ ،‬فتكفي رؤية الجماعة أو الفرد المقبول الشهادة‪.‬‬
‫وأما القياس‪ :‬فإنهم قاسوا البلدان البعيدة على المدن القريبة من بلد الرؤية‪ ،‬إذ ل فرق‪ ،‬والتفرقة تحكّم‪،‬‬
‫ل تعتمد على دليل‪.‬‬
‫هذا ‪ ...‬وقد ذكر ابن حجر في الفتح ستة أقوال في الموضوع‪ ،‬وقال الصنعاني‪ :‬والقرب لزوم أهل‬
‫سمْتها (‪ )2‬أي على خط من خطوط الطول‪ :‬وهي ما‬
‫بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على َ‬
‫بين الشمال إلى الجنوب إذ بذلك تتحد المطالع‪ ،‬وتختلف المطالع بعدم التساوي في طول البلدين أو‬
‫باختلف درجات خطوط العرض‪.‬‬
‫وقال الشوكاني‪ :‬إن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس‪ ،‬ل في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم (نيل الوطار‪.)191/4 :‬‬
‫(‪ )2‬سبل السلم‪.151/2 :‬‬

‫( ‪)3/42‬‬

‫اجتهاده الذي فهم عنه الناس‪ ،‬والمشار إليه بقوله‪« :‬هكذا أمرنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم»‬
‫وقوله‪« :‬فل نزال نصوم حتى نكمل الثلثين» ‪.‬‬
‫والمر الوارد في حديث ابن عمر‪ ،‬ل يختص بأهل ناحية على جهة النفراد‪ ،‬بل هو خطاب لكل من‬
‫يصلح له من المسلمين‪ ،‬فالستدلل به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلد‪ ،‬أظهر من‬
‫الستدلل به على عدم اللزوم؛ لنه إذا رآه أهل بلد‪ ،‬فقد رآه المسلمون‪ ،‬فيلزم غيرهم ما لزمهم‪.‬‬
‫والذي ينبغي اعتماده هو ماذهب إليه المالكية وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم‪ ،‬وحكاه‬
‫القرطبي عن شيوخه‪ :‬أنه إذا رآه أهل بلد‪ ،‬لزم أهل البلد كلها (‪. )1‬‬
‫وهذا الرأي(رأي الجمهور) هو الراجح لدي توحيدا للعبادة بين المسلمين‪ ،‬ومنعا من الختلف غير‬
‫المقبول في عصرنا‪ ،‬ولن إيجاب الصوم معلق بالرؤية‪ ،‬دون تفرقة بين القطار‪.‬‬
‫والعلوم الفلكية تؤيد توحيد أول الشهر الشرعي بين الحكومات السلمية‪ ،‬لن أقصى مدة بين مطلع‬
‫القمر في أقصى بلد إسلمي وبين مطلعه في أقصى بلد إسلمي آخر هو نحو ‪ 9‬ساعات‪ ،‬فتكون بلد‬
‫السلم كلها مشتركة في أجزاء من الليل تمكنها من الصيام عند ثبوت الرؤية والتبليغ بها برقيا أو‬
‫هاتفيا (‪. )2‬‬
‫والحتياط هو الكتفاء بتوحيد العياد في حدود البلد العربية بدءا من عمان في الشرق إلى المغرب‬
‫القصى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.195/4 :‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الشيخ محمد أبو العل البنا مدرس الفلك بكلية الشريعة بالزهر المشار إليه في بحث الشيخ‬
‫المرحوم محمد السايس‪ ،‬في بحوث المؤتمر الثالث لمجمع البحوث السلمية‪ :‬ص ‪ 99‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/43‬‬
‫المبحث الرابع ـ شروط الصوم‪:‬‬
‫فيه مطلبان‪ :‬الول ـ في شروط الوجوب‪ ،‬والثاني ـ في شروط صحة الداء‪.‬‬
‫المطلب الول ـ شروط وجوب الصوم ‪:‬‬
‫اشترط الفقهاء لوجوب الصوم شروطا خمسة هي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬السلم‪ :‬شرط وجوب عند الحنفية‪ :‬شرط صحة عند الجمهور‪ ،‬فل يجب الصوم على الكافر‪،‬‬
‫ول يطالب بالقضاء عند الولين‪ ،‬ول يصح صوم الكافر بحال ولو مرتدا عند الخرين‪ ،‬وليس عليه‬
‫القضاء عندهم أيضا‪ .‬ومنشأ الخلف‪ :‬مخاطبة الكفار بفروع الشريعة‪ ،‬فعند الحنفية‪ :‬إن الكفار غير‬
‫مخاطبين بفروع الشريعة التي هي عبادات‪ ،‬وعند الجمهور‪ :‬الكفار مخاطبون بفروع الشريعة في حال‬
‫كفرهم بمعنى أنه يجب عليهم السلم‪ ،‬ثم الصوم‪ ،‬إذ ل يصح الصوم لنه عبادة بدنية محضة تفتقر‬
‫إلى النية‪ ،‬فكان من شرطه السلم كالصلة‪ ،‬ويزاد في عقوبتهم في الخرة بسبب ذلك؛‪ ،‬ولكن ل‬
‫يطالبون بفعلها في حال كفرهم‪ ،‬فتنحصر ثمرة الخلف في مضاعفة العذاب في الخرة‪ ،‬فعند الحنفية‪:‬‬
‫العذاب واحد على الكفر‪ ،‬وعند الجمهور يضاعف العذاب على الكفر وعلى ترك التكاليف الشرعية (‬
‫‪. )2‬‬
‫فإن أسلم الكافر في شهر رمضان‪ ،‬صام ما يستقبل من بقية شهره‪ ،‬وليس عليه قضاء ما سبق‬
‫بالتفاق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬قل للذين كفروا‪ :‬إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [النفال‪ ،]38/8:‬ولن في‬
‫إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن السلم‪ .‬والردة تمنع صحة الصوم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬لئن‬
‫أشركت ليحبطن عملك} [الزمر‪.]65/39:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،89-87/2 :‬فتح القدير‪ ،93-87/2 :‬الدر المختار‪ 145/2 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪172/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 681/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 113‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪177/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،438-432/1 :‬المغني‪ ،156-153/3 :‬كشاف القناع‪ ،364-359/2 :‬شرح‬
‫الرسالة‪ 300/1 :‬ومابعدها‪ ،306 ،‬بداية المجتهد‪ 188/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ 98/3 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر كتابي أصول الفقه السلمي ‪ 79/1‬ومابعدها‪ ،‬ط دار الفكر‪.‬‬

‫( ‪)3/44‬‬

‫أما إن أسلم الكافر في أثناء النهار‪ ،‬فيلزمه عند الحنابلة إمساك بقية اليوم‪ ،‬وقضاؤه ‪ ،‬لنه أدرك جزءا‬
‫من وقت العبادة‪ ،‬فلزمته‪ ،‬كما لو أدرك جزءا من وقت الصلة‪ ،‬ويستحب الكف عن الكل عندالحنفية‬
‫والمالكية والشافعية مراعاة لحرمة أو لحق الوقت بالتشبه بالصائمين‪ ،‬كما يستحب القضاء عند‬
‫المالكية‪ ،‬ول يلزم عند الحنفية‪ .‬ول قضاء عليه في الصح عند الشافعية لعدم التمكن من زمن يسع‬
‫الداء‪ ،‬ول يلزمه إمساك بقية النهار في الصح؛ لنه أفطر لعذر فأشبه المسافر والمريض‪ .‬لكن إن‬
‫أسلم المرتد‪ ،‬وجب عليه عند الشافعية والحنابلة قضاء ما تركه في حال الكفر؛ لنه التزم ذلك‬
‫بالسلم‪ ،‬فلم يسقط ذلك بالردة كحقوق الدميين‪.‬‬
‫‪ - 3 - 2‬البلوغ والعقل‪ :‬فل يجب الصوم على صبي ومجنون ومغمى عليه وسكران‪ ،‬لعدم توجه‬
‫الخطاب التكليفي لهم بعدم الهلية للصوم‪ ،‬المفهوم من قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬رفع القلم عن‬
‫ثلث‪ :‬عن الصبي حتى يبلغ‪ ،‬وعن المجنون حتى يفيق‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ» فمن زال عقله غير‬
‫مخاطب بالصوم في حال زوال العقل‪ ،‬ول يصح الصوم من المجنون والمغمى عليه والسكران لعدم‬
‫إمكان النية منه‪.‬‬
‫ويصح الصوم من الصبي المميز أو المميزة كالصلة‪ ،‬ويجب عند الشافعية والحنفية والحنابلة على‬
‫وليه أمره به إذا أطاقه بعد بلوغه سبع سنين‪ ،‬وضربه حينئذ على الصوم بعد بلوغه عشر سنين‪ ،‬إذا‬
‫تركه ليعتاده‪ ،‬كالصلة‪ ،‬إل أن الصوم أشق‪ ،‬فاعتبرت له الطاقة‪ ،‬لنه قد يطيق الصلة من ل يطيق‬
‫الصيام‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ل يؤمر الصبيان بالصوم بخلف الصلة ‪ ،‬فل صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلم‬
‫وتحيض الفتاة‪ ،‬وبالبلوغ لزمتهم أعمال البدان فريضة‪.‬‬

‫( ‪)3/45‬‬

‫فإذا بلغ الصبي أثناء اليوم أمسك عند الحنفية بقية اليوم‪ ،‬كما لو أسلم الكافر‪ ،‬وصام ما بعده من اليام‪،‬‬
‫لتحقق السببية والهلية‪ ،‬ولم يقض اليوم الذي تأهل فيه‪ ،‬ول ما مضى قبله من الشهر‪ ،‬لعدم الخطاب‬
‫بعدم الهلية له‪ .‬ومن أغمي عليه في رمضان‪ ،‬لم يقض عند الحنفية اليوم الذي حدث فيه الغماء‪،‬‬
‫لوجود الصوم‪ ،‬وهو المساك المقرون بالنية‪ ،‬إذ الظاهر وجودها منه؛ لن ظاهر حال المسلم في ليالي‬
‫رمضان عدم الخلو عن النية‪ .‬وقضى ما بعده من اليام لنعدام النية‪ .‬وإن أغمي عليه أول ليلة قضاه‬
‫كله غير يوم تلك النية‪ ،‬لن ظاهر حال المسلم نية الصوم‪.‬‬
‫ومن أغمي عليه رمضان كله‪ ،‬قضاه؛ لنه نوع مرض يُضعف القُوى‪ ،‬ول يزيل الحجا‪ ،‬فيصير عذرا‬
‫في التأخير‪ ،‬ل في السقاط‪.‬‬
‫وإذا أفاق المجنون في بعض رمضان‪ ،‬قضى ما مضى منه؛ لن السبب ـ وهو شهود الشهر ـ قد‬
‫وجد‪ ،‬وأهلية نفس الوجوب بالذمة وهي متحققة بل مانع‪ ،‬فإذا تحقق الوجوب بل مانع‪ ،‬تعين القضاء‪.‬‬
‫وإن استوعب الجنون جميع ما يمكنه فيه إنشاء الصوم‪ ،‬ل يقضي للحرج‪ ،‬بخلف الغماء؛ لنه ل‬
‫يستوعب الوقت عادة‪ ،‬وامتداده نادر‪ ،‬ول حرج في ترتيب الحكم على ما هو من النوادر‪ .‬والخلصة‪:‬‬
‫إن الغماء والجنون المتقطع ل يمنع إيجاب الصوم وقضاءه‪ ،‬وأما الجنون المستوعب لجميع الشهر‪،‬‬
‫فل قضاء على صاحبه‪ ،‬وأما الغماء ففيه القضاء‪ ،‬والسكر كالغماء‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ل يصح صوم المجنون‪ ،‬ويجب عليه القضاء مطلقا في المشهور‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬وعن المجنون حتى يفيق» قال ابن رشد‪ :‬وفيه ضعف‪ ،‬ول يصح أيضا صوم المغمى عليه‬
‫مطلقا‪ ،‬ويجب عليه القضاء إن بقي مغمى عليه يوما فأكثر‪ ،‬فإن أغمي عليه يسيرا كنصف اليوم فأقل‬
‫بعد الفجر‪ ،‬لم يقض‪.‬‬

‫( ‪)3/46‬‬

‫وإن أغمي عليه ليلً‪ ،‬فأفاق بعد طلوع الفجر‪ ،‬فعليه قضاء الصوم‪ ،‬لفوات محل النية‪ ،‬وهو ليس بعاقل‪،‬‬
‫ول يقضي من الصلوات إل ما أفاق في وقتها‪ ،‬ويختلف الغماء عن النوم لكونه بين رتبتي الجنون‬
‫والنوم‪.‬‬
‫ول يقضي النائم مطلقا ولو نام كل النهار‪ ،‬والسكر كالغماء إل أنه يلزمه المساك في يومه‪ ،‬ومن‬
‫ل وأصبح ذاهب العقل‪ ،‬لم يجز له الفطر‪ ،‬ويلزمه القضاء‪.‬‬
‫سكر لي ً‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون في أثناء النهار‪ ،‬فكما لو أسلم الكافر‪ ،‬ل قضاء عليهم‬
‫في الصح‪ ،‬ول يلزمهم إمساك بقية النهار في الصح‪.‬‬
‫ويجب قضاء ما فات بالغماء والردة والسكر‪ ،‬دون الكفر الصلي والصّبا والجنون إل إذا كان متعديا‬
‫بجنونه بأن تناول ليلً عامدا شيئا أزال عقله نهارا‪ ،‬فعليه قضاء ما جن فيه من اليام‪ ،‬فل يجب قضاء‬
‫ما فات على الكافر‪ ،‬لما في وجوبه من التنفير عن السلم‪ ،‬ولقوله تعالى {قل للذين كفروا‪ :‬إن ينتهوا‬
‫يُغفر لهم ما قد سلف} [النفال‪ ،]38/8:‬ول على الصبي والمجنون لرتفاع قلم التكليف عنهما‪ .‬ولو‬
‫ارتد‪ ،‬ثم جن أو سكر‪ ،‬فالصح قضاء جميع أيام الجنون‪ ،‬وأيام السكر‪ ،‬لن حكم الردة مستمر‪ ،‬بخلف‬
‫السكر‪ .‬ويجب القضاء على الحائض والمفطر بل عذر‪ ،‬وتارك النية‪ ،‬والمسافر والمريض‪ ،‬كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬إن بلغ الصغير صائما ذكرا كان أو أنثى في أثناء نهار رمضان بتمام سن الخامسة‬
‫عشرة أو باحتلم (أي إنزال مني بسبب حلم)‪ ،‬أتم صومه بغير خلف‪ ،‬ولقضاء عليه إن كان نوى‬
‫ليلً‪ ،‬ول مانع أن يكون أول الصيام نفلً وباقيه فرضا‪ ،‬كنذر إتمام نفل‪.‬‬
‫وإذا أفاق المجنون في أثناء الشهر‪ ،‬فعليه صوم ما بقي من اليام بغير خلف‪ ،‬ول يلزمه سواء أكان‬
‫متعديا بجنونه أم ل قضاء ما مضى خلفا للمالكية‪ ،‬وخلفا للحنفية إن أفاق في أثناء الشهر؛ لن‬
‫الجنون معنى يزيل التكليف‪ ،‬فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر والكبر‪.‬‬

‫( ‪)3/47‬‬

‫وأما قضاء اليوم الذي أسلم فيه الكافر أو بلغ الصغير أو أفاق فيه المجنون‪ ،‬وإمساكه فيه‪ ،‬ففيه‬
‫روايتان‪ ،‬أصحهما لزوم إمساك ذلك اليوم وقضاؤه‪ ،‬لحرمة الوقت‪ ،‬ولقيام البينة فيه بالرؤية‪ ،‬ولدراكه‬
‫جزءا من وقته كالصلة‪ .‬وكذا يلزم المساك والقضاء على كل من أفطر لغير عذر‪ ،‬ومن أفطر ظانا‬
‫أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع‪ ،‬أو ظن الشمس قد غابت ولم تغب‪ ،‬أو الناسي النية‪ ،‬أو طهرت‬
‫الحائض والنفساء‪ ،‬أو تعمدت مكلفة الفطر‪ ،‬ثم حاضت أو نفست‪ ،‬أو تعمد الفطر مقيم ثم سافر‪ ،‬أو قدم‬
‫مسافر أو أقام مدة تمنع القصر‪ ،‬أو برئ مريض مفطر‪ .‬أما النوم فل يؤثر في الصوم‪ ،‬سواء وجد في‬
‫بعض النهار أو جميعه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الجنون المستمر ل يوجب القضاء عند الجمهور‪ ،‬ويوجبه عند المالكية على المشهور‪.‬‬
‫أما الغماء فيوجب القضاء بالتفاق‪ .‬ويصح صوم المغمى عليه عند الشافعية والحنابلة إن أفاق لحظة‬
‫من النهار‪ ،‬فإن أطبق الغماء جميع النهار لم يصح الصوم‪ ،‬ويصح صوم المغمى عليه مطلقا عند‬
‫الحنفية‪ ،‬ول يصح صومه عند المالكية إل إذا أغمي يسيرا كنصف اليوم فأقل‪.‬‬
‫‪ - 5 - 4‬القدرة (أو الصحة من المرض)‪ ،‬والقامة‪ :‬فل يجب الصوم على المريض والمسافر‪،‬‬
‫ويجب عليهما القضاء إن أفطرا إجماعا‪ ،‬ويصح صومهما إن صاما‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪{ :‬أياما‬
‫معدودات‪ ،‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر‪ ،‬فعدة من أيام أخر‪ ،‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام‬
‫مسكين‪ ،‬فمن تطوع خيرا فهو خير له‪ ،‬وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة‪ ]184/2:‬وإذا‬
‫قدم المسافر أمسك عن الطعام والشراب بقية يومه‪ ،‬كما إذا طهرت الحائض في بعض النهار‪.‬‬

‫( ‪)3/48‬‬

‫كما ليجب الصوم على من لم يطقه للكبر‪ ،‬ول على نحو حائض لعجزها شرعا‪ ،‬ول على حامل أو‬
‫مرضع لعجزهما حسا‪ .‬ويشترط لعدم وجوب الصوم على المسافر أن يكون السفر سفر قصر‪ ،‬وأن‬
‫يكون عند الجمهور (غير الحنفية) مباحا؛ لن الرخص ل تناط بالمعاصي‪ ،‬ول يشترط كونه مباحا‬
‫عند الحنفية؛ لن سبب وجود الترخص وهو السفر قائم‪ ،‬وأن يكون السفر عند الجمهور (غير‬
‫الحنابلة) قبل الفجر‪ ،‬فلو أصبح المقيم صائما‪ ،‬فسافر‪ ،‬فل يفطر؛ لن الصوم عبادة اجتمع فيها الحضر‬
‫والسفر‪ ،‬فغلب جانب الحضر؛ لنه الصل‪ .‬لكن لو أصبح صائما فمرض‪ ،‬أفطر لوجود المبيح‬
‫للفطار‪ ،‬ولو أقام المسافر‪ ،‬وشفي المريض‪ ،‬حرم الفطر‪.‬‬
‫ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط‪ ،‬لكن الفضل لمن سافر في أثناء يوم نوى صيامه إتمام الصوم‪،‬‬
‫خروجا من خلف من لم يبح له الفطر‪ ،‬تغليبا لحكم الحضر‪ ،‬كالصلة‪ .‬وأضاف الحنفية شرطا آخر‬
‫لوجوب الصوم وهو مفهوم أصوليا‪ :‬وهو العلم بالوجوب لمن أسلم بدار الحرب‪ ،‬أو الكون بدار‬
‫السلم لمن نشأ فيها‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ شروط صحة الصوم‪:‬‬
‫اشترط الحنفية (‪ )1‬لصحة الصوم شروطا ثلثة‪ :‬هي النية‪ ،‬والخلو عما ينافي الصوم من حيض‬
‫ونفاس‪ ،‬وعما يفسده‪ .‬فإذا حاضت المرأة أفطرت وقضت‪.‬‬
‫واشترط المالكية (‪ )2‬أربعة شروط هي النية‪ ،‬والطهارة عن الحيض والنفاس‪ ،‬والسلم‪ ،‬والزمان‬
‫القابل للصوم‪ ،‬فل يصح في يوم العيد‪ ،‬واشترطوا أيضا لصحة الصوم‪ :‬العقل‪ :‬فل يصح من مجنون‬
‫ول مغمى عليه‪ ،‬ول يجب عليهما أيضا‪.‬‬
‫واشترط الشافعية (‪ )3‬أربعة شروط أيضا‪ :‬وهي السلم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنقاء عن الحيض والنفاس جميع‬
‫النهار‪ ،‬وكون الوقت قابلً للصوم‪ ،‬فل يصح صوم الكافر والمجنون والصبي غير المميز والحائض‬
‫والنفساء‪.‬أما النية فهي ركن عندهم‪.‬‬
‫واشترط الحنابلة (‪ )4‬شروطا ثلثة‪ :‬هي السلم‪ ،‬والنية‪ ،‬والطهارة عن الحيض والنفاس‪ .‬ويظهر من‬
‫ذلك أن الفقهاء اتفقوا على اشتراط النية‪ ،‬والطهارة من الحيض والنفاس جميع النهار‪ .‬وأما السلم‬
‫فهو شرط صحة عند الجمهور وشرط وجوب عند الحنفية كما بينا‪ .‬وسنبحث شرط النية تفصيلً‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،105‬الدر المختار‪ 116/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،113‬الشرح الصغير‪ 681/1 :‬ومابعدها‪ 695 ،‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪:‬‬
‫‪.522/1‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،423/1،432 :‬المهذب‪.177/1 :‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع‪ ،359/2،366،376 :‬المغني‪ 137/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/49‬‬
‫شرط الطهارة‪ :‬اتفق الفقهاء على أنه ل يشترط الخلو عن الجنابة‪ ،‬حتى يتمكن من إزالتها‪ ،‬ولضرورة‬
‫حصولها ليلً وطروء النهار‪ ،‬ولما روت عائشة وأم سلمة‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يصبح‬
‫جُنُبا من جماع غير احتلم‪ ،‬ثم يصوم في رمضان (‪ . )1‬وعن أم سلمة قالت‪ :‬كان رسول ال صلّى‬
‫حلُم‪ ،‬ثم ل يفطر ول يقضي (‪ . )2‬فمن أصبح جنبا ولم‬
‫ال عليه وسلم يصبح جنبا من جماع ل ُ‬
‫يتطهر‪ ،‬أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر‪ ،‬فلم يغتسل إل بعد الفجر‪ ،‬أجزأهما صوم ذلك اليوم‪.‬‬
‫أما النية فأذكر في الصوم تعريفها وهل هي شرط أو ركن‪ ،‬ومحلها‪ ،‬وشروطها‪ ،‬وصفتها‪ ،‬وأثرها‪.‬‬
‫تعريف النية‪ :‬القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه‪ ،‬من غير تردد‪ .‬والمراد بها هنا‪ :‬قصد‬
‫الصوم‪ ،‬فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه‪ ،‬فقد نوى‪.‬‬
‫هل النية شرط أو ركن؟‬
‫اتفق الفقهاء على أن النية مطلوبة في كل أنواع الصيام‪ ،‬فرضا كان أوتطوعا‪ ،‬إما على سبيل الشرطية‬
‫أو الركنية‪ ،‬علما بأن الشرط‪ :‬ما كان خارج ماهية أو حقيقة الشيء‪ ،‬والركن عند الحنفية‪ :‬ما كان‬
‫جزءا من الماهية‪ .‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إنما العمال بالنيات» (‪ )3‬وقوله أيضا‪« :‬من لم‬
‫يُجمع الصيام قبل الفجر‪ ،‬فل صيام له» (‪ )4‬وعن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه (نيل الوطار‪.)212/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشيخان (المصدر السابق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن حفصة رضي ال عنها (نيل الوطار‪.)195/4 :‬‬

‫( ‪)3/50‬‬

‫عائشة مرفوعا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر‪ ،‬فل صيام له»‬
‫(‪ )1‬ولن الصوم عبادة محضة‪ ،‬فافتقر إلى النية كالصلة‪.‬‬
‫واعتبرها الحنفية والحنابلة وكذا المالكية على الراجح‪ ،‬شرطا (‪ )2‬؛ لن صوم رمضان وغيره عبادة‪،‬‬
‫والعبادة‪ :‬اسم لفعل يأتيه العبد باختياره خالصا ل تعالى بأمره‪ ،‬والختيار والخلص ل يتحققان بدون‬
‫النية‪ ،‬فل يصح أداء الصوم إل بالنية‪ ،‬تمييزا للعبادات عن العادات‪.‬‬
‫وهي عند الشافعية (‪ )3‬ركن كالمساك عن المفطرات‪.‬‬
‫ومحل النية‪ :‬القلب‪ ،‬ول تكفي باللسان قطعا‪ ،‬ول يشترط التلفظ بها قطعا (‪ . )4‬لكن يسن عند الجمهور‬
‫(غير المالكية) التلفظ بها‪ ،‬والولى عند المالكية ترك التلفظ بها‪.‬‬
‫شروط النية‪ :‬يشترط في النية ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تبييت النية‪ :‬أي إيقاعها ليلً‪ ،‬وهو شرط متفق عليه (‪ ، )5‬للحديث السابق‪« :‬من لم يبيت الصيام‬
‫قبل طلوع الفجر‪ ،‬فل صيام له» ولن النية عند ابتداء العبادة كالصلة‪.‬‬
‫لكن تساهل بعض الفقهاء أحيانا في تحديد وقت النية لبعض أنواع الصيام‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني‪ ،‬وقال‪ :‬إسناده كلهم ثقات‪ ،‬وفي لفظ «من لم يبيت الصيام من الليل فل صيام له»‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،83/2:‬كشاف القناع‪ ،366/2 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪.520/1 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.423/1 :‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪،‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،85/2 :‬الشرح الكبير‪ ،520/1 :‬الشرح الصغير‪ ،695/1 :‬مغني المحتاج‪،423/1 :‬‬
‫كشاف القناع‪ ،366/2 :‬المغني‪.91/3 :‬‬

‫( ‪)3/51‬‬

‫فقال الحنفية (‪ : )1‬الفضل في الصيامات كلها أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه ذلك‪ ،‬أو من‬
‫الليل؛ لن النية عند طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة‪ ،‬ومن الليل تقارنه تقديرا‪.‬‬
‫وإن نوى بعد طلوع الفجر‪ :‬فإن كان الصوم دينا‪ ،‬ل يجوز بالجماع‪ ،‬وإن كان عينا وهو صوم‬
‫رمضان‪ ،‬وصوم التطوع خارج رمضان‪ ،‬والمنذور المعين‪ ،‬يجوز‪.‬‬
‫فالصوم نوعان‪:‬‬
‫أ ـ نوع يشترط له تبييت النية وتعيينها‪ :‬وهو ما يثبت في الذمة‪ :‬وهو قضاء رمضان‪ ،‬وقضاء ما‬
‫أفسده من نفل‪ ،‬وصوم الكفارات بأنواعها ككفارة اليمين وصوم التمتع والقران‪ ،‬والنذر المطلق‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫إن شفى ال مريضي‪ ،‬فعلي صوم يوم مثلً‪ ،‬فحصل الشفاء‪ .‬فل يجوز صوم ذلك إل بنية من الليل‪.‬‬
‫ب ـ ونوع ل يشترط في تبييت النية وتعيينها‪ :‬وهو ما يتعلق بزمان بعينه‪ ،‬كصوم رمضان‪ ،‬والنذر‬
‫المعين زمانه‪ ،‬والنفل كله مستحبه ومكروهه‪ ،‬يصح بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار على‬
‫الصح‪ ،‬ونصف النهار‪ :‬من طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬يشترط لصحة النية إيقاعها في الليل من الغروب إلى آخر جزء منه ‪ ،‬أو إيقاعها‬
‫مع طلوع الفجر‪ ،‬وليضر في الحالة الولى ماحدث بعد النية من أكل أو شرب أو جماع‪ ،‬أو نوم‪،‬‬
‫بخلف الغماء والجنون‪ ،‬فيبطلنها إن استمرا للفجر‪ ،‬وإل فل‪ .‬فلو نوى نهارا قبل الغروب لليوم‬
‫المستقبل‪ ،‬أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه‪ ،‬لم تنعقد ولو نفلً‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،85/2 :‬فتح القدير‪ ،50،62-43/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 106‬ومابعدها‪ ،‬الكتاب مع‬
‫اللباب‪.163/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 695/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،520/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،115،117‬‬
‫بداية المجتهد‪.284/1:‬‬

‫( ‪)3/52‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬يشترط لفرض الصوم من رمضان‪ ،‬أو غيره كقضاء أو نذر تبييت النية ليلً‪،‬‬
‫والصحيح أنه ل يشترط النصف الخر من الليل‪ ،‬وأنه ل يضر الكل والجماع بعدها‪ ،‬وأنه ل يجب‬
‫تجديد النية إذا نام ثم تنبه‪.‬‬
‫ويصح صوم النفل بنية قبل الزوال؛ لنه صلّى ال عليه وسلم قال لعائشة يوما‪« :‬هل عندكم من‬
‫غداء؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإني إذن أصوم‪ ،‬قالت‪ :‬وقال لي يوما آخر‪ :‬أعندكم شيء؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إذن‬
‫أفطر‪ ،‬وإن كنت فرضت الصوم» (‪ )2‬واختص بما قبل الزوال للخبر‪ ،‬إذ الغداء‪ :‬اسم لما يؤكل قبل‬
‫الزوال‪ ،‬والعشاء‪ :‬اسم لما يؤكل بعده‪ ،‬ولنه مضبوط بيّن‪ ،‬ولدراك معظم النهار به‪ .‬وبدهي أنه‬
‫يشترط لصحة الصوم المتناع عن المفطرات من أول النهار‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ )3‬كالشافعية‪ :‬الصوم الواجب أو الفرض ل يصح إل بنية من الليل‪ ،‬للحديث المتقدم‪:‬‬
‫«من لم يجمع الصيام قبل الفجر‪ ،‬فل صيام له» ‪ ،‬وأما صوم التطوع فيصح بنية قبل النهار‪ ،‬وبعده‬
‫خلفا للشافعية‪ ،‬إذا لم يكن طعم بعد الفجر‪ ،‬لحديث عائشة المتقدم‪ ،‬قالت‪« :‬دخل علي النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم ذات يوم‪ ،‬فقال‪ :‬هل عندكم شيء؟ فقلنا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإني إذا صائم» (‪ )4‬ويدل عليه أيضا‬
‫حديث عاشوراء‪« :‬هذا يوم عاشوراء‪ ،‬ولم يكتب ال عليكم صيامه‪ ،‬وأنا صائم‪ ،‬فمن شاء فليصم‪ ،‬ومن‬
‫شاء فليفطر» (‪ ، )6‬ولن الصلة خفف نفلهاعن فرضها‪ ،‬بدليل أنه ل يشترط القيام لنفلها‪ ،‬وتجوز‬
‫الصلة في السفر على الراحلة إلى غير القبلة‪ ،‬فكذا الصيام‪ ،‬ولما فيه من تكثيره لكونه يَعنّ له‪ ،‬فعفي‬
‫عنه‪ .‬وهذا قول أبي الدرداء وأبي طلحةومعاذ وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير‬
‫والنخعي وأصحاب الرأي‪.‬‬
‫ويبدو لي أنه الرأي الرجح‪ ،‬وحديث عائشة مخصص لحديث «ل صيام لمن لم يبيت الصيام من‬
‫الليل» بل الحديث الول أصح من الثاني‪ ،‬كما قال ابن قدامة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعيين النية في الفرض‪ :‬هذا شرط عند الجمهور‪ ،‬وليس بشرط عند الحنفية‪ .‬قال الحنفية (‪)6‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 423/1:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني وصحح إسناده‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،91/3،96:‬كشاف القناع‪.369-366/2 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم وأبو داود والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )5‬متفق عليه عن معاوية‪.‬‬
‫(‪ )6‬المراجع السابقة‪ ،‬فتح القدير‪.50/2 :‬‬

‫( ‪)3/53‬‬

‫كما تقدم في الشرط السابق‪ :‬ل يشترط تعيين النية في الصوم‪ ،‬المتعلق بزمان معين كصوم رمضان‬
‫ونذر معين زمانه ونفل مطلق‪ ،‬لن الزمن المخصص له وهو شهر رمضان ونحوه من نذر يوم محدد‬
‫بذاته وقت مضيق أو معيار‪ ،‬ل يسع إلصوم رمضان‪.‬‬
‫ويصح أداء رمضان بنية واجب آخر لمن كان صحيحا مقيما‪ ،‬أما المسافر فإنه يقع عما نواه من‬
‫الواجب‪ .‬وأما المريض‪ :‬فكذلك يقع عما نواه عند أبي حنيفة إذا نوى واجبا آخر؛ لنه شغل الوقت‬
‫بالهم لتحتمه للحال‪ ،‬وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العدة‪ .‬ورجح هذا الرأي صاحب «الهداية»‬
‫وأكثر مشايخ بخارى‪ ،‬لعجزه المقدور‪ .‬ول فرق بين المسافر والمقيم والصحيح والسقيم عند أبي‬
‫يوسف ومحمد في وقوع صومه عن رمضان إذا نوى عن واجب آخر؛ لن الرخصة إنما ثبتت حتى‬
‫لتلزم المعذور مشقة‪ ،‬فإذا تحملها التحق بغير المعذور‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )1‬يجب تعيين النية في الصوم الواجب‪ :‬وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان‪،‬‬
‫أو من قضائه‪ ،‬أو من كفارته‪ ،‬أو نذره‪ .‬فل يجزئ نية الصوم المطلق؛ لن الصوم (‪ )2‬عبادة مضافة‬
‫إلى وقت‪ ،‬فوجب التعيين في نيتها كالصلوات الخمس‪ ،‬والقضاء‪.‬‬
‫وإن نوى في رمضان صيام غيره‪ ،‬لم يجزه عن واحد منهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،117‬الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،520/1 :‬بداية المجتهد‪ ،283/1 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،624-242/1 :‬المغني‪ 94/3:‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 367/2:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومثله طواف الزيارة‪ ،‬فإنه يحتاج إلى التعيين‪ ،‬فلو طاف ينوي به الوداع‪ ،‬أو طاف بنية الطواف‬
‫مطلقا‪ ،‬لم يجزئه عن طواف الزيارة‪.‬‬

‫( ‪)3/54‬‬

‫‪ - 3‬الجزم بالنية‪ :‬هذا شرط أيضا عند الجمهور‪ ،‬وليس بشرط عند الحنفية‪ .‬أما الحنفية (‪ : )1‬فيرون‬
‫أنه ل يشترط في الصوم المقيد بزمن معين أن تكون النية جازمة‪ ،‬فإن نوى الصوم ليلة الثلثين من‬
‫شعبان‪ ،‬على أنه إن ظهر كونه من رمضان‪ ،‬أجزأ عن رمضان ماصامه بأي نية كانت‪ ،‬إل أن يكون‬
‫مسافرا أو نواه عن واجب آخر‪ ،‬فيقع عما نواه عنه‪.‬‬
‫ويكره تحريما عندهم كما أبنت‪ ،‬في يوم الشك كل صوم من فرض وواجب‪ ،‬وصوم تردد فيه بين نفل‬
‫وواجب‪ ،‬إل صوم نفل جزم به‪ ،‬بل ترديد بينه وبين صوم آخر‪ ،‬فإنه ل يكره‪.‬‬
‫ورأى الجمهور (‪ )2‬أنه ل بد أن تكون النية جازمة‪ ،‬فلو نوى ليلة الشك إن كان غدا من رمضان‪ ،‬فأنا‬
‫صائم فرضا‪ ،‬وإل فهو نفل‪ ،‬أو واجب آخر عينه بنيته‪ ،‬كأن ينويه عن نذر أو كفارة‪ ،‬لم يجزئه عن‬
‫واحد منهما‪ ،‬لعدم جزمه بالنية لحدهما‪ ،‬إذ لم يعين الصوم من رمضان جزما‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬أنا صائم غدا إن شاء ال ‪ ،‬فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد‪ ،‬فسدت نيته‬
‫لعدم الجزم بها‪ ،‬وإن لم يقصد ذلك بل نوى التبرك أو لم ينو شيئا‪ ،‬لم تفسد نيته‪ ،‬إذ قصده أن فعله‬
‫للصوم بمشيئة ال وتوفيقه وتيسيره‪ .‬كما ليفسد اليمان بقوله‪ :‬أنا مؤمن إن شاء ال ‪ ،‬وكذا سائر‬
‫العبادات ل تفسد بذكر المشيئة في نيتها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.107‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)3/55‬‬

‫لكن ل يضر التردد بعد حصول الظن باستصحاب كآخر رمضان‪ ،‬أو حصول الظن بشهادة أو باجتهاد‬
‫كالسير‪ ،‬فلو نوى ليلة الثلثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان‪ ،‬أجزأه وصح صومه إن‬
‫كان منه‪ ،‬لن الصل بقاء رمضان‪ ،‬وصومه مبني على أصل لم يثبت زواله‪ ،‬ول يؤثر تردده لنه‬
‫حكم صومه مع الجزم‪ ،‬بخلف ما إذا نواه ليلة الثلثين من شعبان؛ لنه ل أصل معه يبنى عليه‪.‬‬
‫ومن نوى الصوم غدا معتقدا كونه من رمضان بشهادة موثوقة‪ ،‬صح صومه‪.‬‬
‫ولو اشتبه رمضان على أسير أو محبوس أو نحوه‪ ،‬صام شهرا بالجتهاد‪ ،‬كما يجتهد للصلة في القبلة‬
‫والوقت‪ ،‬وذلك بأمارة كالربيع والخريف والحر والبرد‪ ،‬فلو صام بل اجتهاد‪ ،‬فوافق رمضان‪ ،‬لم‬
‫يجزئه لتردده في النية‪ .‬فلو اجتهد وتحير‪ ،‬فلم يظهر له شيء‪ ،‬فيرى النووي في المجموع أنه ل يلزمه‬
‫أن يصوم‪.‬‬
‫أما نية الفرضية‪ :‬فليست بشرط باتفاق المذاهب‪ ،‬وهو المعتمد عند الشافعية (‪ )1‬بخلف المقرر في‬
‫الصلة؛ لن صوم رمضان من البالغ ل يقع إل فرضا‪ ،‬بخلف الصلة‪ ،‬فإن المعادة نفل‪.‬‬
‫وكذلك ل يشترط بالتفاق تعيين السنة‪ ،‬ول الداء‪ ،‬ول الضافة إلى ال تعالى‪ ،‬وهو الصحيح عند‬
‫الشافعية؛ لن المقصود متحقق بنية الصوم‪ ،‬والتعيين بجزئ عن ذلك‪.‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،425/1:‬كشاف القناع‪.367/2 :‬‬

‫( ‪)3/56‬‬

‫‪ - 4‬تعدد النية بتعدد اليام‪ :‬هذا شرط عند الجمهور‪ ،‬وليس بشرط عند المالكية (‪ ، )1‬فيشترط عند‬
‫الجمهور النية لكل يوم من رمضان على حدة؛ لن صوم كل يوم عبادة على حدة‪ ،‬غير متعلقة باليوم‬
‫الخر‪ ،‬بدليل أن ما يفسد أحدهما ل يفسد الخر‪ ،‬فيشترط لكل يوم منه نية على حدة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬تجزئ نية واحدة لرمضان في أوله‪ ،‬فيجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة‪ ،‬وكذلك في‬
‫صيام متتابع مثل كفارة رمضان وكفارة قتل أو ظهار ما لم يقطعه بسفر أو مرض أو نحوهما‪ ،‬أو لم‬
‫يكن على حالة يجوز له الفطر كحيض ونفاس وجنون‪ ،‬فيلزمه استئناف النية‪ ،‬أي تجديدها فل تكفي‬
‫النية الواحدة‪ ،‬وإن لم يجب استئناف الصوم‪ ،‬فالصوم السابق صحيح ل ينقطع تتابعه‪ ،‬ولكن تجدد‬
‫النية‪ ،‬وتندب النية كل ليلة فيما تكفي فيه النية الواحدة‪ .‬ودليلهم أن الواجب صوم الشهر‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة‪ ،]185/2:‬والشهر‪ :‬اسم لزمان واحد‪ ،‬فكان الصوم من أوله‬
‫إلى آخره عبادة واحدة‪ ،‬كالصلة والحج‪ ،‬فيتأدى بنية واحدة‪.‬‬
‫صفة النية وأثرها‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬يصح صوم رمضان ونحوه كالنذر المعين زمانه بمطلق النية‪ ،‬وبنية النفل‪ ،‬وبنية‬
‫واجب آخر‪ ،‬كما أبنت‪ ،‬ول يجب تبييت نية صوم رمضان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،85/2:‬الشرح الصغير‪ ،697/1:‬بداية المجتهد‪ 282/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،117‬مغني المحتاج‪ ،424/1 :‬المغني‪.93/3:‬‬
‫(‪ )2‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 106‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/57‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬صفة النية‪ :‬أن تكون معينة مبيتة جازمة‪.‬‬


‫وقال الشافعية (‪ : )2‬كمال النية في رمضان‪ :‬أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة‬
‫ل تعالى‪ .‬والمعتمد أنه ل يجب في التعيين نية الفرضية‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )3‬من خطر باله أنه صائم غدا‪ ،‬فقد نوى‪ ،‬ويجب تعيين النية بأن يعتقد أنه يصوم‬
‫غدا من رمضان أو من قضائه أو من نذره أو كفارته‪ ،‬ول يجب مع التعيين نية الفريضة‪.‬‬
‫واتفق غير الحنفية على وجوب تبييت النية‪ ،‬كما اتفق غير الشافعية على أن الكل والشرب بنية‬
‫الصوم أو التسحر نية‪ ،‬إل أن ينوي معه عدم الصيام‪ .‬ول يقوم مقام النية عند الشافعية التسحر في‬
‫جميع أنواع الطعام‪ ،‬إل إذا خطر له الصوم عند التسحر ونواه‪ ،‬كأن يتسحر بنية الصوم‪ ،‬أو امتنع من‬
‫الكل عند الفجر خوف الفطار‪.‬‬
‫وأثر النية‪ :‬هو تحقيق الثواب‪ ،‬فيحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية؛ لن ما قبله لم‬
‫يوجد فيه قصد القربة‪ ،‬فل يقع عبادة‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬وإنما لكل امرئ ما نوى» ‪،‬‬
‫فيصح تطوع حائض أو نفساء طهرت في يوم بصوم بقيته‪ ،‬وتطوع كافر أسلم في يوم بصوم بقية‬
‫اليوم‪ ،‬ولم يكن كل من الحائض والكافر قد أكل من طلوع الفجر (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،117‬بداية المجتهد‪.283/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.425/1 :‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪.367/2 :‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع‪.370/2 :‬‬

‫( ‪)3/58‬‬
‫خلصة آراء المذاهب في شروط الصوم‪:‬‬
‫الحنفية (‪ : )1‬شروط الصوم عندهم ثلثة أنواع‪ :‬شروط وجوب‪ ،‬وشروط وجوب الداء‪،‬وشروط‬
‫صحة الداء‪.‬‬
‫أما شروط الوجوب‪ ،‬فهي أربعة‪ :‬السلم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعلم بالوجوب لمن أسلم بدار الحرب‪،‬‬
‫أو الكون بدار السلم‪ ،‬ومن جن رمضان كله لم يقضه‪ ،‬وإن أفاق المجنون في بعضه قضى ما‬
‫مضى‪ ،‬أما من أغمي عليه في رمضان كله قضاه‪ ،‬ومن أغمي عليه في أثناء يوم في رمضان لم‬
‫يقضه لوجود الصوم فيه وهو المساك المقرون بالنية‪ ،‬وقضى ما بعده‪.‬‬
‫وأما شروط وجوب الداء‪ ،‬فهي اثنان‪ :‬الصحة من مرض وحيض ونفاس‪ ،‬فل يجب الداء على‬
‫المريض‪ ،‬والقامة‪ ،‬فل يجب الداء على مسافر‪ ،‬ولكن يجب عليهما القضاء‪.‬‬
‫وأما شروط صحة الداء‪ ،‬فهي ثلثة‪ :‬النية فل يصح أداء الصوم إل بالنية‪ ،‬والخلو عن ما نع الحيض‬
‫والنفاس‪ ،‬فل يصح أداء الصوم منهما‪ ،‬وعليهما القضاء‪ ،‬والخلو عما يفسد الصوم بطروء مفسد عليه‪.‬‬
‫المالكية (‪ : )2‬شروط الصوم أنواع ثلثة‪ :‬شروط وجوب‪ ،‬وشروط صحة‪ ،‬وشروط وجوب وصحة‬
‫معا‪ ،‬ومجموعها سبعة‪ :‬السلم‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والطهارة من دم الحيض والنفاس‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫والقامة‪ ،‬والنية‪.‬‬
‫ويلحظ أن النية شرط على الراجح كما في حاشية الدسوقي‪ ،‬واعتبرها الدردير في الشرح الصغير‬
‫ركنا‪ ،‬وما قد يذكر من أن النية ركن فهو تسامح‪ .‬أما شروط الوجوب فهي ثلثة‪ :‬البلوغ‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫والقامة‪ ،‬فل يجب الصوم على صبي ولو كان مراهقا‪ ،‬ولكن يجوز صيامه‪ ،‬ول يندب‪ ،‬ول يجب‬
‫على الولي أمره به‪ ،‬ول يجب على المريض أوالعاجز ومنه المكره‪ ،‬ول على المسافر ويجب عليهما‬
‫القضاء‪.‬‬
‫وأما شروط الصحة‪ :‬فهي اثنان‪ :‬السلم‪ ،‬فل يصح من الكافر‪ ،‬وإن كان واجبا عليه‪ ،‬ويعاقب على‬
‫تركه زيادة على عقاب الكفر‪ ،‬والزمان القابل للصوم‪ ،‬فل يصح في يوم العيد‪.‬‬
‫وأما شروط الوجوب والصحة معا فهي ثلثة‪:‬‬
‫الول ـ الطهارة من دم الحيض والنفاس‪ :‬فل يجب عليهما‪ ،‬ول يصح منهما‪ ،‬وعليهما القضاء بعد‬
‫زوال المانع‪ .‬ويجب عليهما المباشرة في الداء بمجرد الطهارة‪.‬‬
‫والثاني ـ العقل‪ :‬لن من زال عقله غير مخاطب بالصوم في حال العقل‪ ،‬فل يجب على المجنون‬
‫والمغمى عليه‪ ،‬ول يصح منهما‪ .‬أما القضاء فيجب على المجنون مطلقا في المشهور إذا أفاق من‬
‫جنونه‪ ،‬وعلى المغمى عليه إن استمر إغماؤه يوما فأكثر‪ ،‬أو أغمي عليه معظم اليوم‪ ،‬ول يجب عليه‬
‫إن أغمي عليه يسيرا بعد الفجر بأن دام نصف اليوم فأقل‪ .‬والسكران كالمغمى عليه في وجوب‬
‫القضاء‪ ،‬إل أنه يلزمه المساك بقية يومه‪.‬‬
‫وأما النائم‪ :‬فل يجب عليه قضاء ما فاته مطلقا‪ ،‬متى بيت النية أول الشهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،105‬فتح القدير‪ ،90-87/2 :‬البدائْع‪.89-87/2 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 113‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 282/1 :‬ومابعدها‪ ،‬شرح الرسالة‪،301/1 :‬‬
‫الشرح الصغير‪ 681/1 :‬ومابعدها‪ ،701 ،695 ،‬الشرح الكبير‪،520/1 :‬‬

‫( ‪)3/59‬‬

‫والثالث ـ النية‪ :‬فهي شرط صحة الصوم على الراجح الظهر؛ لن النية القصد إلى الشيء‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن القصد للشيء خارج عن ماهية الشيء‪ ،‬وتكفي نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه كرمضان وكفارته‬
‫وكفارة قتل أو ظهار إذا لم ينقطع تتابعه بنحو مرض أو سفر‪ ،‬وندبت كل ليلة فيما تكفي فيه النية‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الصوم يسقط وجوبه عن اثني عشر‪ :‬الصبي‪ ،‬والمجنون‪ ،‬والحائض‪ ،‬والنفساء‪،‬‬
‫والمغمى عليه‪ ،‬والمسافر‪ ،‬والصحيح الضعيف البنية العاجز عن القيام به‪ ،‬والمتعطش‪ ،‬والمريض‪،‬‬
‫والحامل‪ ،‬والمرضع‪ ،‬والشيخ الكبير‪.‬‬
‫الشافعية (‪ : )1‬شروط الصوم لديهم نوعان‪ :‬شروط وجوب وشروط صحة‪ .‬أما شروط الوجوب‬
‫فأربعة هي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬السلم‪ :‬فل يجب على الكافر الصلي وجوب مطالبة في الدنيا كالصلة‪ ،‬وإنما يعاقب في‬
‫الخرة على تركه‪ ،‬ويجب على المرتد وجوب مطالبة أي قضاء مافاته بعد إسلمه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬البلوغ‪ :‬فل يجب على الصبي ل أداء ول قضاء‪ ،‬ويؤمر به لسبع‪ ،‬ويضرب على تركه لعشر‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬العقل‪ :‬فل يجب على المجنون ل أداء ولقضاء إل إذا زال عقله بتعديه‪ ،‬فيلزمه قضاؤه‪ .‬ومثله‬
‫السكران المتعدي بسكره يلزمه القضاء‪ ،‬أما غير المتعدي بسكره‪ ،‬كما في حالة الغلط‪ ،‬فل يطالب‬
‫بقضاء زمن السكر‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬الطاقة‪ :‬فل يجب على العاجز بنحو هرم أو مرض ل يرجى برؤه‪ ،‬ول على حائض لعجزها‬
‫شرعا‪ .‬وضابط المرض‪ :‬هو ما يبيح التيمم وهو ما يصعب معه الصوم أو يناله به ضرر شديد‪.‬‬
‫وأما شروط الصحة فأربعة أيضا‪ ،‬هي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬السلم حال الصيام‪ :‬فل يصح من كافر أصلي أو مرتد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 432 ،427/1 :‬ومابعدها‪ 436 ،‬ومابعدها‪ ،‬الحضرمية‪ :‬ص ‪.113-110‬‬

‫( ‪)3/60‬‬

‫ً‪ - 2‬التمييز‪ :‬أو العقل في جميع النهار‪ :‬فل يصح صوم الطفل غير المميز‪ ،‬والمجنون‪ ،‬لفقدان النية‪،‬‬
‫ويصح من صبي مميز‪ .‬ول يصح من سكران أو مغمى عليه‪ ،‬لكن ل يضر في الظهر السكر‬
‫والغماء إن أفاق لحظة في النهار‪ .‬وكذلك ل يضر النوم المستغرق لجميع النهار على الصحيح‪ ،‬لبقاء‬
‫أهلية الخطاب‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬النقاء عن الحيض والنفاس في جميع النهار‪ :‬فل يصح صوم الحائض والنفساء بالجماع‪ ،‬ولو‬
‫طرأ في أثناء النهار حيض أونفاس أو ردة أو جنون‪ ،‬بطل الصوم‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬كون الوقت قابلً للصوم‪ :‬فل يصح صوم العيدين‪ ،‬ول أيام التشريق‪ ،‬وكذلك ل يصح صوم يوم‬
‫الشك‪ ،‬ول النصف الخير من شعبان إل لورد بأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم معين‬
‫كالثنين‪ ،‬فصادف ما بعد النصف أو يوم الشك‪ ،‬وإل إذا صام فيهما لنذر أو قضاء أو كفارة أو وصل‬
‫ما بعد النصف بما قبله‪.‬‬
‫وأما النية‪ :‬فهي ركن‪ ،‬وتشترط لكل يوم‪ ،‬ويجب التبييت في الفرض دون النفل‪ ،‬فتجزئه نيته قبل‬
‫الزوال‪ ،‬ويجب التعيين أيضا‪ ،‬ول تجب نية الفرضية في الفرض‪.‬‬
‫وكذلك المساك عن الجماع عمدا وعن الستمتاع وعن الستقاءة وعن دخول عين جوفا ركن أيضا‪،‬‬
‫كما سأبين في مبطلت الصوم‪.‬‬
‫الحنابلة (‪ : )1‬شروط الصوم عندهم نوعان‪ :‬شروط وجوب‪ ،‬وشروط صحة‪ .‬أما شروط الوجوب‬
‫فهي أربعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬السلم‪ :‬فل يجب الصوم على كافر ولو مرتدا‪ ،‬لنه عبادة بدنية تفتقر إلى النية‪ ،‬فكان من‬
‫شرطه السلم كالصلة‪ ،‬ول يصح منه أيضا‪ ،‬فلو ارتد في يوم وهو صائم فيه‪ ،‬بطل صومه‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر‪ ]65/39:‬فإن عاد إلى السلم قضى ذلك اليوم‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ‪ :‬فل يجب الصوم على صبي ولو كان مراهقا‪ ،‬لحديث «رفع القلم عن ثلث» ‪ .‬ويجب‬
‫على ولي المميز أمره به إذا أطاقه‪ ،‬وضربه عليه إذا تركه‪ ،‬ليعتاده كالصلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،367-359/2 :‬غاية المنتهى‪326-322/1 :‬‬

‫( ‪)3/61‬‬

‫‪ - 3‬العقل‪ :‬فل يجب الصوم على مجنون‪ ،‬للحديث السابق «رفع القلم عن ثلث» ول يصح منه‪ ،‬لعدم‬
‫إمكان النية منه‪ .‬ول يجب على الصبي غير المميز‪ ،‬ويصح من المميز كالصلة‪ .‬ومن جن في أثناء‬
‫اليوم‪ ،‬لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت‪ ،‬ولدراكه جزءا من وقته كالصلة‪ .‬أما إذا جن‬
‫يوما كاملً فأكثر‪ ،‬فل يجب عليه قضاؤه‪ ،‬بخلف المغمى عليه‪ ،‬فإنه يجب عليه القضاء‪ ،‬ولو طال‬
‫زمن الغماء‪ ،‬لنه مرض غير رافع للتكليف‪ ،‬ويصح الصوم ممن جن أو أغمي عليه إذا أفاق جزءا‬
‫من النهار‪ ،‬حيث نوى ليلً‪ ،‬وكذا يصح ممن نام كل النهار‪ ،‬فمن نام جميع النهار‪ ،‬صح صومه‪ ،‬لنه‬
‫معتاد ول يزيل الحساس بالكلية‪ ،‬ويجب القضاء على السكران‪ ،‬سواء أكان متعديا بسكره أم ل‪.‬‬
‫‪ - 4‬القدرة على الصوم‪ :‬فل يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض ل يرجى برؤه‪ ،‬لنه عاجز عنه‪،‬‬
‫فل يكلف به‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل يكلف ال نفسا إل وسعها} [البقرة‪ .]286/2:‬وأما المرض الذي يرجى‬
‫برؤه فيوجب أداء الصوم إذا برأ منه‪ ،‬وقضاء ما فاته من رمضان‪.‬‬
‫وأما شروط الصحة فهي أربعة أيضا‪ - 1 :‬النية‪ :‬أي النية المعينة لما يصومه من الليل لكل يوم‬
‫واجب‪ ،‬ول تسقط بسهو أوغيره‪ ،‬ول يضر لو أتى بعدها ليلً بأكل أو شرب أو جماع ونحوه‪ ،‬ول‬
‫تجب نية الفرضية في الفرض‪ ،‬ول الوجوب في الواجب‪ ،‬لن التعيين يجزئ عن ذلك‪ ،‬وتصح النية‬
‫نهارا في النفل ولو بعد الزوال إذا كان ممسكا عن المفطر من طلوع الفجر‪.‬‬
‫‪ - 2‬الطهارة من الحيض والنفاس‪ ،‬فل يصح صوم الحائض والنفساء ويحرم فعله‪ ،‬ويجب عليهما‬
‫الداء بمجرد انقطاع الدم ليلً‪ ،‬والقضاء لما فاتهما‪.‬‬
‫‪ - 3‬السلم‪ :‬فل يصح من الكافر ولو كان مرتدا‪.‬‬
‫‪ - 4‬العقل أي التمييز‪ :‬فل يصح من غير المميز وهو الذي لم يبلغ سبع سنين‪.‬‬

‫( ‪)3/62‬‬

‫المبحث الخامس ـ سنن الصوم وآدابه ومكروهاته‪:‬‬


‫فيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب الول ـ سنن الصوم وآدابه‪:‬‬
‫يستحب للصائم ما يأتي (‪....: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬السحور على شيء وإن قل ولو جرعة ماء‪ ،‬وتأخيره لخر الليل‪ ،‬أما السحور‪ :‬فللتقوي به على‬
‫الصوم‪ ،‬كما دل عليه خبر الصحيحين‪« :‬تسحروا فإن في السّحور بركة» وخبر الحاكم في صحيحه‪:‬‬
‫«استعينوا بطعام السحر على صيام النهار‪ ،‬وبقيلولة النهار على قيام الليل» وخبر أحمد رحمه ال ‪:‬‬
‫«السحور بركة‪ ،‬فل تدَعوه‪ ،‬ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء‪ ،‬فإن ال وملئكته يصلون على‬
‫المتسحرين» (‪ . )2‬وأما تأخير السحور ما لم يقع في شك في الفجر‪ ،‬فلحديث الطبراني‪« :‬ثلث من‬
‫أخلق المرسلين‪ :‬تعجيل الفطار‪ ،‬وتأخير السحور‪ ،‬ووضع اليمين على الشمال في الصلة» ولخبر‬
‫المام أحمد‪« :‬ل تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» (‪ )3‬وحديث‪« :‬دع ما يريبك إلى‬
‫ما ليريبك» ‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬تعجيل الفطرعند تيقن الغروب وقبل الصلة‪ ،‬ويندب أن يكون على رطب‪ ،‬فتمر‪ ،‬فحلو‪ ،‬فماء‪،‬‬
‫وأن يكون وترا ثلثة فأكثر لحديث‪« :‬ل يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (‪ ، )4‬والفطر قبل‬
‫الصلة أفضل‪ ،‬لفعله صلّى ال عليه وسلم (‪ . )5‬وكونه وترا‪ ،‬لخبر أنس‪« :‬كان رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم يفطر على ُرطَبات قبل أن يصلي‪ ،‬فإن لم تكن رطبات ف َتمَرات‪ ،‬فإن لم تكن تمرات‪ ،‬حَسَا‬
‫حَسَوات من ماء» (‪ ، )6‬ويمكن التعجيل في غير يوم غيم‪ ،‬وفي حالة الغيم ينبغي تيقن الغروب‬
‫والحتياط حفظا للصوم عن الفساد‪ ،‬ورأى الشافعية أنه يحرم الوصال في الصوم‪ :‬وهو صوم يومين‬
‫فأكثر من غير أن يتناول بينهما في الليل مفطرا‪ ،‬للنهي عنه في الصحيحين‪ ،‬وعلة ذلك‪ :‬الضعف‪ ،‬مع‬
‫كون الوصال من خصوصياته صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الدعاء عقب الفطر بالمأثور‪ :‬بأن يقول‪« :‬اللهم إني لك صمت‪ ،‬وعلى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،108-105/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،115‬الدر المختار‪ ،157/2 :‬الشرح الكبير‪،515/1 :‬‬
‫الشرح الصغير‪ 689/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،115‬مغني المحتاج‪،436-434/1 :‬‬
‫الحضرمية‪ :‬ص ‪ ،115-113‬كشاف القناع‪ ،388-385/2 :‬المغني‪.171،178-169 ،103/3 :‬‬
‫(‪ )2‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد عن أبي ذر (نيل الوطار‪.)221/4 :‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه عن سهل بن سعد‪ ،‬وروى أحمد والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم قال‪« :‬يقول ال عز وجل‪ :‬إن أحب عبادي إلي أعجلُهم فطرا» (نيل الوطار‪.)217/4:‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم من حديث عائشة‪ ،‬وابن عبد البر عن أنس‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي‪ ،‬وروى الخمسة إل النسائي عن سلمان بن عامر‪« :‬إذا أفطر‬
‫أحدكم‪ ،‬فليفطر على تمر‪ ،‬فإن لم يجد فليفطر على ماء‪ ،‬فإنه طهور» (نيل الوطار‪.)220/4 :‬‬

‫( ‪)3/63‬‬

‫رزقك أفطرت‪ ،‬وعليك توكلت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬ذهب الظمأ‪ ،‬وابتلت العروق‪ ،‬وثبت الجر إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬يا واسع الفضل اغفر لي‪ ،‬الحمد ل الذي أعانني فصمت‪ ،‬ورزقني فأفطرت» ‪.‬‬
‫وسنية الدعاء؛ لن للصائم دعوة ل ترد‪ ،‬لحديث‪« :‬للصائم عند فطره دعوة لتُرد» (‪ ، )1‬وصيغة‬
‫الدعاء ثابتة هكذا في السنة (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 4‬تفطير صائمين ولو على تمرة أو شربة ماء أوغيرهما‪ ،‬والكمل أن يشبعهم‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬من فطّر صائما كان له مثل أجره‪ ،‬غير أنه ل ينقُص من أجر الصائم شيء» (‪. )3‬‬
‫ً‪ - 5‬الغتسال عن الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر‪ ،‬ليكون على طهر من أول الصوم‪ ،‬وليخرج‬
‫من خلف أبي هريرة حيث قال‪ :‬ل يصح صومه‪ ،‬وخشيةمن وصول الماء إلى باطن أذن أو دبر أو‬
‫نحوه‪ .‬وبناء عليه‪ :‬يكره عند الشافعية للصائم دخول الحمام من غير حاجة‪ ،‬لجواز أن يضره‪ ،‬فيفطر‪،‬‬
‫ولنه من الترفه الذي ليناسب حكمة الصوم ‪ .‬فلو لم يغتسل مطلقا صح صومه‪ ،‬وأثم من حيث‬
‫الصلة‪.‬‬
‫ولو طهرت الحائض أو النفساء ليلً‪ ،‬ونوت الصوم وصامت‪ ،‬أو صام الجنب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه من حديث عبد ال بن عمرو‪.‬‬
‫(‪ )2‬فقوله «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت» رواه أبو داود مرسلً‪ ،‬وروى أيضا «ذهب‬
‫الظمأ‪...‬إلخ» وروى الدارقطني من حديث أنس وابن عباس‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«اللهم لك صمنا‪ ،‬وعلى رزقك أفطرنا‪ ،‬فتقبل منا‪ ،‬إنك أنت السميع العليم» وروى الدارقطني أيضا‬
‫عن ابن عمر «ذهب الظمأ‪ »...‬الحديث‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي وصححه‪ ،‬والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن زيد بن‬
‫خالد الجهني (الترغيب والترهيب‪.)144/2 :‬‬

‫( ‪)3/64‬‬

‫بل غسل‪ ،‬صح الصوم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فالن باشروهن وابتغوا ما كتب ال لكم} [البقرة‪]187/2:‬‬
‫ولخبر الصحيحين المتقدم‪« :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم يصبح جنبا من جماع‪ ،‬غير احتلم‪ ،‬ثم‬
‫يغتسل‪ ،‬ويصوم» وأما خبر البخاري‪« :‬من أصبح جنبا فل صوم له» فحملوه على من أصبح مجامعا‬
‫واستدام الجماع‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬كف اللسان والجوارح عن فضول الكلم والفعال التي ل إثم فيها‪ .‬وأما الكف عن الحرام‬
‫كالغيبة والنميمة والكذب فيتأكد في رمضان‪ ،‬وهو واجب في كل زمان‪ ،‬وفعله حرام في أي وقت‪،‬‬
‫وقال عليه السلم‪« :‬من لم يدع قول الزور والعمل به‪ ،‬فليس ل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (‬
‫‪« ، )1‬رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش‪ ،‬ورب قائم حظه من قيامه السهر» (‪ )2‬فإن شتم‪،‬‬
‫سن في رمضان قوله جهرا‪ :‬إني صائم‪ ،‬لحديث الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا‪« :‬إذا كان يوم‬
‫صوم أحدكم‪ ،‬فل يرفث ول يصخب‪ ،‬فإن شاتمه أحد أو قاتله‪ ،‬فليقل‪ :‬إني صائم» أما في غير رمضان‬
‫فيقوله سرا يزجر نفسه بذلك‪ ،‬خوف الرياء‪.‬‬
‫ً‪ - 7‬ترك الشهوات المباحة التي ل تبطل الصوم من التلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم‬
‫ريحان ولمسه والنظر إليه‪ ،‬لما في ذلك من الترفه الذي ليناسب حكمة الصوم‪ ،‬ويكره له ذلك كله‪،‬‬
‫كدخول الحمام‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (الترغيب‬
‫والترهيب‪.)146/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر‪ ،‬وإسناده ل بأس به (المصدر السابق‪ :‬ص ‪.)148‬‬

‫( ‪)3/65‬‬

‫ً‪ - 8‬يسن عند الشافعية‪ :‬ترك الفصد والحجامة لنفسه ولغيره خروجا من خلف من فطّر بذلك‪،‬‬
‫ويسن بالتفاق ترك مضغ البان (العلك غير المصحوب بسكر) وغيره لنه يجمع الريق‪ ،‬ويؤدي‬
‫للعطش‪ ،‬وترك ذوق الطعام أو غيره خوف وصول شيء إلى الحلق‪ ،‬وترك القبلة‪ ،‬وتحرم القبلة إن‬
‫خشي فيها النزال‪.‬‬
‫أما كون الحجامة ل تفطر عند الشافعية فلنه صلّى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم (‪ . )1‬وأما‬
‫حديث‪« :‬أفطر الحاجم والمحجوم» (‪ )2‬فهو منسوخ‪ ،‬وتفطر الحجامة عند الحنابلة‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬التوسعة على العيال (السرة) والحسان إلى الرحام‪ ،‬والكثار من الصدقة على الفقراء‬
‫والمساكين‪ ،‬لخبر الصحيحين‪« :‬أنه صلّى ال عليه وسلم كان أجود الناس بالخير‪ ،‬وكان أجود ما يكون‬
‫في رمضان حين يلقاه جبريل» والحكمة في ذلك تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع‬
‫حاجاتهم‪.‬‬
‫ً‪ - 10‬الشتغال بالعلم وتلوة القرآن ومدارسته‪ ،‬والذكار والصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫كلما تيسر له ذلك ليلً أو نهارا‪ .‬لخبر الصحيحين‪« :‬كان جبريل يلقى النبي صلّى ال عليه وسلم في‬
‫كل ليلة من رمضان‪ ،‬فيدارسه القرآن» ومثله كل أعمال الخير؛ لن الصدقة في رمضان تعدل‬
‫فريضة فيما سواه‪ ،‬فتضاعف الحسنات به‪.‬‬
‫ً‪ - 11‬العتكاف ل سيما في العشر الواخر من رمضان‪ ،‬لنه أقرب إلى صيانة النفس عن المنهيات‪،‬‬
‫وإتيانها بالمأمورات‪ ،‬ولرجاء أن يصادف ليلة القدر إذ هي منحصرة فيه‪ ،‬وروى مسلم أنه صلّى ال‬
‫عليه وسلم كان يجتهد في العشر الواخر ما ل يجتهد في غيره‪ .‬وقالت عائشة‪« :‬كان النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم إذا دخل العشر الواخر أحيا الليل‪ ،‬وأيقظ أهله‪ ،‬وشد المئزر» (‪ )3‬أي اعتزل النساء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)202/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والترمذي عن رافع بن خديج‪ ،‬ولحمد وأبي داود وابن ماجه مثله من حديث ثوبان‬
‫وشداد بن أوس (نيل الوطار‪.)200/4:‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه (نيل الوطار‪ )270/4 :‬ورواه أيضا عبد الرزاق عن الثوري‪ ،‬وابن أبي شيبة عن أبي‬
‫بكر ابن عياش‪.‬‬

‫( ‪)3/66‬‬

‫والسنة في ليلة القدر كما أبنت أن يقول‪« :‬اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ويكتمها ويحييها‬
‫ويحيي يومها كليلتها‪.‬‬
‫هذه هي سنن الصوم‪ ،‬أفاض في بيانها الشافعية والحنابلة وغيرهم‪ ،‬واقتصر الحنفية على القول‬
‫باستحباب ثلثة أمور‪ :‬السحور‪ ،‬وتأخيره‪ ،‬وتعجيل الفطر في غير يوم غيم‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬سننه السحور وتعجيل الفطر‪ ،‬وتأخير السحور‪ ،‬وحفظ اللسان والجوارح‪ ،‬والعتكاف‬
‫في آخر رمضان‪.‬‬
‫وفضائله‪ :‬عمارته بالعبادة‪ ،‬والكثار من الصدقة‪ ،‬والفطر على حلل دون شبهة‪ ،‬وابتداء الفطر على‬
‫التمر أو الماء‪ ،‬وقيام لياليه وخصوصا ليلة القدر‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ مكروهات الصيام‪:‬‬
‫يكره في الصوم ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬صوم الوصال‪ :‬وهو أل يفطر بين اليومين بأكل وشرب‪ ،‬وهو مكروه عند أكثر العلماء (‪، )1‬‬
‫ومحرم عند الشافعية‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬إل للنبي صلّى ال عليه وسلم فمباح له‪ ،‬لحديث ابن عمر‪« :‬واصل‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم في رمضان‪ ،‬فواصل الناس‪ ،‬فنهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫عن الوصال‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنك تواصل؟ قال‪ :‬إني لست كأحدكم‪ ،‬إني أظل يطعمني ربي ويسقيني» (‪)2‬‬
‫وهذا يقتضي اختصاصه بذلك‪ ،‬ومنع إلحاق غيره به‪ .‬ول يحرم عند الجمهور؛ لن النهي وقع رفقا‬
‫ورحمة‪ ،‬ولهذا واصل رسول ال صلّى ال عليه وسلم بهم‪ ،‬وواصلوا بعده‪ .‬ويحرم عند الشافعية للنهي‬
‫عنه‪ ،‬كما سبق‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬القبلة‪ ،‬ومقدمات الجماع ولو فكرا أو نظرا‪ ،‬لنه ربما أداه للفطر بالمني‪ ،‬وهذا إن علمت‬
‫السلمة من ذلك وإل حرم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،171/3 :‬كشاف القناع‪.399/2:‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬وروي مثله أيضا حديثان آخران متفق عليهما عن أبي هريرة وعائشة‪ ،‬وروى‬
‫البخاري وأبو داود عن أبي سعيد (نيل الوطار‪.)219/4 :‬‬

‫( ‪)3/67‬‬

‫ً‪ - 3‬الترفه بالمباحات كالتطيب نهارا وشم الطيب والحمام‪.‬‬


‫ً‪ - 4‬ذوق الطعام والعلك‪ ،‬خوفا من وصول شيء إلى الجوف بالذوق‪ ،‬ولن العلك يجمع الريق‪ ،‬فإن‬
‫ابتلعه أفطر في رأي‪ ،‬وإن ألقاه عطشه‪.‬‬
‫خلصة المكروهات في المذاهب‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬يكره للصائم سبعة أمور‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬ذوق شيء ومضغه بل عذر‪ ،‬لما فيه من تعريض الصوم للفساد‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬مضغ العلك غير المصحوب بسكر (‪ )2‬؛ لنه يتهم بالفطار بمضغه‪ ،‬سواء المرأة والرجل‪.‬‬
‫ً‪ 3‬و ً‪ - 4‬القبلة‪ ،‬والمس والمعانقة والمباشرة الفاحشة‪ ،‬إن لم يأمن فيها على نفسه النزال أو الجماع‪،‬‬
‫في ظاهر الرواية‪ ،‬لما في ذلك من تعريض الصوم للفساد بعاقبة الفعل‪ .‬ويكره التقبيل الفاحش بمضغ‬
‫شفتها‪ .‬وإن أمن المفسد ل بأس‪.‬‬
‫ً‪ - 6ً - 5‬جمع الريق في الفم قصدا‪ ،‬ثم ابتلعه‪ ،‬تحاشيا له عن الشبهة‪.‬‬
‫ً‪ - 7‬ما ظن أنه يضعفه كالفصد والحجامة‪.‬‬
‫ول يكره للصائم تسعة أمور‪:‬‬
‫‪ - 2 ، 1‬القبلة والمباشرة مع المن من النزال والوقاع‪ ،‬لما روت عائشة أنه عليه الصلة والسلم‬
‫كان يقبل ويباشر‪ ،‬وهو صائم (‪. )3‬‬
‫‪ - 4 ، 3‬دهن الشارب بالطيب‪ ،‬والكحل‪.‬‬
‫‪ -6 ، 5‬الحجامة والفصد إذا لم يضعفه كل منهما عن الصوم‪.‬‬
‫‪ - 7‬السواك آخر النهار‪ ،‬بل هو سنة في أول النهار وآخره‪ ،‬ولو كان رطبا أو مبلولً بالماء‪.‬‬
‫‪ - 8‬المضمضة والستنشاق لغير وضوء‪.‬‬
‫‪ - 9‬الغتسال واللتفاف بثوب مبتل للتبرد‪ ،‬على المفتى به‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،155-153/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 114‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو المصطكى‪ ،‬وقيل‪ :‬اللبان‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الشيخان‪.‬‬

‫( ‪)3/68‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬يكره للصائم ما يأتي‪:‬‬


‫‪ - 1‬إدخال الفم كل رطب له طعم وإن مجه‪ ،‬وذوق شيء له طعم كملح وعسل وخل‪ ،‬لينظر حاله‪،‬‬
‫ولو لصانعه‪ ،‬مخافة أن يسبق لحلقه شيء منه‪.‬‬
‫‪ - 2‬مضغ عِلْك كلبان وتمرة لطفل‪ ،‬فإن سبقه شيء منهما لحلقه فيجب القضاء‪.‬‬
‫‪ - 3‬الدخول على المرأة والنظر إليها‪ ،‬ومقدمة جماع ولو فكرا أو نظرا؛ لنه ربما أداه للفطر بالمذي‬
‫أو المني‪ ،‬وهذا إن علمت السلمة من ذلك‪ ،‬وإل حرم‪.‬‬
‫‪ - 4‬تطيب نهارا وشم الطيب نهارا‪.‬‬
‫‪ - 5‬الوصال في الصوم‪.‬‬
‫‪ - 6‬المبالغة في المضمضة والستنشاق‪.‬‬
‫‪ - 7‬مداواة نخر السنان نهارا إل لخوف ضرر في تأخيره لليل بحدوث مرض أو زيادته أو شدة‬
‫تألم‪ .‬فإن ابتلع من الدواء شيئا قهرا‪ ،‬قضى اليوم‪.‬‬
‫‪ - 8‬الكثار من النوم بالنهار‪.‬‬
‫‪ - 9‬فضول القول والعمل‪.‬‬
‫‪ - 10‬الحجامة‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪: )2‬‬
‫تكره الحجامة والفصد‪ ،‬والقبلة وتحرم إن خشي فيها النزال‪ ،‬ويكره ذوق الطعام‪ ،‬والعلك‪ ،‬ودخول‬
‫الحمام‪ ،‬والتلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم الريحان ولمسه‪ ،‬والنظر إليه‪ ،‬لما في ذلك من‬
‫الترفه الذي ل يناسب حكمة الصوم‪ .‬والصح أن كراهة القبلة إن حركت شهوته تحريمية‪.‬‬
‫ويكره أيضا السواك بعد الزوال إلى الغروب‪ ،‬للخبر الصحيح المتقدم‪« :‬لخُلوف فم الصائم يوم القيامة‬
‫أفضل عند ال من ريح المسك» أي التغير‪ ،‬واختص بما بعد الزوال؛ لن التغير ينشأ غالبا قبله من‬
‫أثر الطعام وبعده من أثر العبادة‪ .‬ومعنى أطيبيته عند ال تعالى‪ :‬ثناؤه تعالى عليه‪ ،‬ورضاه به‪ .‬وتكره‬
‫المبالغة في المضمضة والستنشاق‪ ،‬مخافة وصول شيء إلى الحلق‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )3‬يكره للصائم ما يأتي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،695-692/1 :‬الشرح الكبير‪ 517/1 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،115‬‬
‫‪.119‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.436 ،431/1 :‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪ ،386-383/2 :‬المغني‪ ،110-106/3 :‬غاية المنتهى‪.331/1 :‬‬

‫( ‪)3/69‬‬

‫‪ - 1‬أن يجمع ريقه ويبتلعه‪ ،‬لنه قد اختلف في الفطر به‪ ،‬فإن فعله قصدا لم يفطر‪ ،‬لنه يصل إلى‬
‫جوفه من معدنه‪ .‬وإن أخرجه لما بين شفتيه أو انفصل عن فمه‪ ،‬ثم ابتلعه‪ ،‬أفطر؛ لنه فارق معدنه‪،‬‬
‫مع إمكان التحرز منه في العادة‪ .‬ول بأس بابتلع الصائم ريقه بحسب المعتاد‪ ،‬بغير خلف؛ لنه ل‬
‫يمكن التحرز منه‬
‫كغبار الطريق‪ .‬ويحرم على الصائم بلع نخامة‪ ،‬ويفطر بها إذا بلعها‪ ،‬سواء أكانت من جوفه أم صدره‬
‫أم دماغه‪ ،‬بعد أن تصل إلى فمه‪ ،‬لنها من غير الفم كالقيء‪.‬‬
‫‪ - 2‬المبالغة في المضمضة والستنشاق‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم للقيط بن صبرة‪« :‬وبالغ في‬
‫الستنشاق إل أن تكون صائماَ» وقد تقدم في الوضوء‪ .‬ول يفطر بالمضمضة والستنشاق المعتادين‬
‫بل خلف‪ ،‬سواء كان في الطهارة أوغيرها‪.‬‬
‫‪ - 3‬ذوق طعام بل حاجة؛ لنه ل يأمن أن يصل إلى حلقه‪ ،‬فيفطره‪ ،‬فإن وجد طعم المذوق في حلقه‪،‬‬
‫أفطر لطلق الكراهة‪.‬‬
‫‪ - 4‬مضغ العلك الذي ل يتحلل منه أجزاء؛ لنه يجمع الريق‪ ،‬ويجلو الفم‪ ،‬ويورث العطش‪ ،‬فإن وجد‬
‫طعمه في حلقه أفطر‪ ،‬لوصول شيء أجنبي يمكن التحرز منه‪ .‬ويحرم مضغ ما يتحلل منه أجزاء من‬
‫علك وغيره‪ ،‬ولو لم يبتلع ريقه إقامة للمظِنة مقام المئِنة‪.‬‬
‫‪ - 5‬القبلة لمن تحرك شهوته فقط‪ ،‬لقول عائشة السابق‪« :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم يُقبّل‪ ،‬وهو‬
‫صائم‪ ،‬ويباشر وهو صائم‪ ،‬وكان أملككم لربه» (‪« )1‬ونهى النبي صلّى ال عليه وسلم عنها شابا‬
‫ورخص لشيخ» (‪. )2‬‬
‫وإن ظن النزال مع القبلة لفرط شهوته‪ ،‬حرم بغير خلف‪ .‬ول تكره القبلة‪ ،‬ول مقدمات الوطء كلها‬
‫من اللمس وتكرار النظر ممن ل تحرك شهوته‪.‬‬
‫‪ - 6‬ترك الصائم بقية طعام بين أسنانه‪ ،‬خشية أن يجري ريقه بشيء منه إلى جوفه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ .‬والرب‪ :‬الشهوة والحاجة‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث حسن رواه أبو داود من حديث أبي هريرة‪ ،‬ورواه سعيد عن أبي هريرة وأبي الدرداء‪،‬‬
‫وكذا عن ابن عباس بإسناد صحيح‪.‬‬

‫( ‪)3/70‬‬

‫‪ - 7‬شم ما ل يأمن أن تجذبه أنفاسه إلى حلقه‪ ،‬كسحيق مسك‪ ،‬وكافور ودهن وبخور وعنبر ونحوها‪.‬‬
‫ول بأس أن يغتسل الصائم‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة ثم يصوم (‪، )1‬‬
‫ول بأس بالسواك للصائم‪ ،‬قال عامر بن ربيعة‪ :‬رأيت النبي صلّى ال عليه وسلم ما ل أحصي يتسوك‬
‫وهو صائم (‪. )2‬‬
‫المبحث السادس ‪ -‬العذار المبيحة للفطر‪:‬‬
‫يباح الفطرلعذار أهمها سبع أو تسع هي ما يأتي (‪ ، )3‬وقد نظمها بعضهم بقوله‪:‬‬
‫وعوارض الصوم التي قد يغتفر للمرء فيها الفطر تسع تستطر‬
‫جوْعةعطش كبر‬
‫حبل وإرضاع وإكراه سفر مرض جهاد َ‬
‫‪ - 1‬السفر‪ :‬لقوله تعالى‪{ :‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة‪]185/2:‬‬
‫والسفر في عرف اللغة‪ :‬عبارة عن خروج يُتكلف فيه مؤنة‪ ،‬ويفصل فيه ُبعْد في المسافة‪ .‬ولم يرد فيه‬
‫من الشارع نص‪ ،‬لكن ورد فيه تنبيه‪ ،‬وهو قوله عليه السلم في الصحيح‪« :‬ل يحل لمرأة تؤمن بال‬
‫واليوم الخر مسيرة يوم وليلة إل معها ذو َمحْرم منها» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن عائشة وأم سلمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،168-158/2:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،117-115‬البدائع‪ ،97-94/2 :‬الشرح الكبير‪:‬‬
‫‪ ،534/1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،122-120‬الشرح الصغير‪ ،691-689/1 :‬بداية المجتهد‪-285/1 :‬‬
‫‪ ،288‬مغني المحتاج‪ ،440-437 :‬المهذب‪ 178/1:‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ ،333/1 :‬المغني‪99/3 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.365-361/2 :‬‬

‫( ‪)3/71‬‬

‫أ ـ والسفر المبيح للفطر‪ :‬هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصلة الرباعية وذلك لمسافة تقدر‬
‫بحوالي ‪ 89‬كم‪ ،‬وبشرط عند الجمهور‪ :‬أن ينشئ السفر قبل طلوع الفجر ويصل إلى مكان يبدأ فيه‬
‫جواز القصر وهو بحيث يترك البيوت وراء ظهره‪ ،‬إذ ل يباح له الفطر بالشروع في السفر بعد ما‬
‫أصبح صائما‪ ،‬تغليبا لحكم الحضر على السفر إذا اجتمعا‪ .‬فإذا شرع بالسفر بأن جاوز عمران بلدة‬
‫قبل طلوع الفجر‪ ،‬جاز له الفطار‪ ،‬وعليه القضاء‪ .‬وإن شرع في الصوم‪ ،‬ثم تعرض لمشقة شديدة ل‬
‫تحتمل عادة‪ ،‬أفطر وقضى‪ ،‬لحديث جابر‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم خرج إلى مكة عام‬
‫الفتح‪ ،‬فصام حتى بلغ كُرَاع الغميم (‪ ، )1‬وصام الناس معه‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن الناس قد شق عليهم الصيام‪،‬‬
‫وإن الناس ينظرون فيما فعلت‪ ،‬فدعا بقدح من ماء بعد العصر‪ ،‬فشرب والناس ينظرون إليه‪ ،‬فأفطر‬
‫بعضهم‪ ،‬وصام بعضهم‪ ،‬فبلغه أن ناسا صاموا‪ ،‬فقال‪ :‬أولئك العصاة» (‪ )2‬قال الشوكاني‪ :‬فيه دليل‬
‫على أنه يجوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوى الصيام من الليل‪ ،‬وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫وأجاز الحنابلة للمسافر الفطار ولو سافر من بلده في أثناء النهار ولو بعد الزوال‪ ،‬لن السفر معنى‬
‫لو وجد ليلً واستمر في النهار‪ ،‬لباح الفطر‪ ،‬فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض‪ ،‬وعملً بما رواه أبو‬
‫داود عن أبي بصرة الغفاري الذي أفطر بعد شروعه في السفر‪ ،‬وقال‪ :‬إنها سنة رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كراع الغميم‪ :‬اسم واد أمام عسفان‪ ،‬وهو من أراضي أعالي المدينة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه (نيل الوطار‪.)266/4 :‬‬
‫( ‪)3/72‬‬

‫واشترط الشافعية شرطا ثالثا‪ :‬وهو أل يكون الشخص مديما للسفر‪ ،‬فإن كان مديما له كسائقي‬
‫السيارات‪ ،‬حرم عليه الفطر‪ ،‬إل إذا لحقه بالصوم مشقة‪ ،‬كالمشقة التي تبيح التيمم‪ :‬وهي الخوف على‬
‫نفس أو منفعة عضو من التلف‪ ،‬أو الخوف من طول مدة المرض‪ ،‬أو حدوث شين قبيح في عضو‬
‫ظاهر‪ :‬وهو ما ل يعد كشفه هتكا للمروءة‪ ،‬بأن يبدو في المهنة غالبا‪.‬‬
‫وهناك شرطان آخران عند الجمهور غير الحنفية‪ :‬أن يكون السفر مباحا‪ ،‬وأل ينوي إقامة أربعة أيام‬
‫في خلل سفره‪ ،‬وأضاف المالكية شرطا آخر‪ :‬هو أن يبيّت الفطر قبل الفجر في السفر‪ ،‬فإن السفر ل‬
‫يبيح قصرا ول فطرا إل بالنية والفعل‪ ،‬كما سيأتي في الفقرة التالية‪ .‬وأجاز الحنفية الفطر في السفر‬
‫ولو بمعصية‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المالكية يبيحون الفطر بسبب السفر بأربعة شروط‪ :‬أن يكون السفر سفر قصر‪ ،‬وأن‬
‫يكون مباحا‪ ،‬وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم‪ ،‬وأن يبيت الفطر‪.‬‬
‫ب ـ ولو أصبح المسافر صائما‪ ،‬ثم بدا له أن يفطر‪ ،‬جاز له ذلك ول إثم عليه عند الشافعية‬
‫والحنابلة‪ ،‬عملً بحديث صحيح متفق عليه عن ابن عباس‪ ،‬ولن النبي صلّى ال عليه وسلم أفطر في‬
‫أثناء فتح مكة (‪ . )1‬ويحرم الفطر ويأثم عند الحنفية والمالكية‪ ،‬وعليه القضاء فقط عند الجمهور‪،‬‬
‫والقضاء والكفارة عند المالكية‪ ،‬لنه أفطر في صوم رمضان‪ ،‬فلزمه ذلك‪ ،‬كما لو كان مقيما أو‬
‫حاضرا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وأفطر تبعا له بعض الناس‪ ،‬وصام بعضهم‪ ،‬فقال عنهم النبي‪« :‬أولئك العصاة» رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/73‬‬

‫والصوم عند الحنفية والمالكية والشافعية أفضل للمسافر إن لم يتضرر‪ ،‬أو لم تكن عند الحنفية عامة‬
‫رفقته مفطرين‪ ،‬ول مشتركين في النفقة‪ ،‬فإن كانوا مشتركين في النفقة أو مفطرين‪ ،‬فالفضل فطره‬
‫موافقة للجماعة‪ ،‬ويجب الفطر ويحرم الصوم في حال الضرر‪ .‬ودليلهم عموم قوله تعالى دون تقييده‬
‫بحال الكبير الذي ليطيق الصوم‪{ :‬وأن تصوموا خير لكم} [البقرة‪ ]184/2:‬والتضرر‪ :‬هو الخوف من‬
‫التلف أو تلف عضو منه أو تعطيل منفعة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬يسن الفطر ويكره الصوم في حالة سفر القصر‪ ،‬ولو بل مشقة؛ لن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال عن الصائمين عام الفتح‪« :‬أولئك العصاة» ولقوله صلّى ال عليه وسلم‬
‫في الصحيحين‪« :‬ليس من البر الصوم في السفر» ‪ .‬والرأي الول هو المعقول عملً بظاهر الية‪:‬‬
‫{وأن تصوموا خير لكم} [البقرة‪ ]184/2:‬ولن الفطر عام الفتح من أجل القتال‪.‬‬
‫جـ ـ وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء؛ لن الفطر أبيح رخصة عنه‪،‬‬
‫فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه‪ ،‬لزمه أن يأتي بالصل‪.‬‬
‫فإن نوى المسافر أو المريض صوما غير رمضان‪ ،‬لم يصح صومه عند الجمهور ل عن رمضان‬
‫ول عما نواه؛ لنه أبيح له الفطر للعذر‪ ،‬فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض‪ .‬وقال‬
‫الحنفية‪ :‬يقع عما نواه إذا كان واجبا‪،‬ل تطوعا؛ لنه زمن أبيح له فطره‪ ،‬فكان له صومه عن واجب‬
‫عليه كغير شهر رمضان‪.‬‬

‫( ‪)3/74‬‬

‫د ـ وإن صام المسافر ومثله المريض أجزأه باتفاق المذاهب الربعة عن فرضه‪ ،‬وقال الظاهرية‪ :‬ل‬
‫يجزيه‪ .‬ومنشأ الختلف هو المفهوم من قوله تعال‪{ :‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر‪ ،‬فعدة من‬
‫أيام أخر} [البقرة‪ ]185/2:‬فقال الجمهور‪ :‬الكلم محمول على المجاز‪ ،‬وتقديره‪ ( :‬فأفطر فعدة من أيام‬
‫أخر ) وهذا الحذف هو المعروف بلحن الخطاب‪ .‬وقال الظاهرية‪ :‬الكلم محمول على الحقيقة‪ ،‬ل‬
‫المجاز‪ ،‬وفرض المسافر هو عدة من أيام أخر‪ ،‬فمن قدر وأفطر‪ ،‬ففرضه عدة من أيام أخر إذا أفطر‪.‬‬
‫وتأيد مذهب الجمهور بحديث أنس‪« :‬كنا نسافر مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلم يعب الصائم‬
‫على المفطر‪ ،‬ول المفطر على الصائم» (‪. )1‬‬
‫وتأيد مذهب أهل الظاهر بما ثبت عن ابن عباس‪ « :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم خرج إلى‬
‫عسْفان وقُديد) فأفطر‪ ،‬وأفطروا» (‬
‫مكة عام الفتح في رمضان‪ ،‬فصام حتى بلغ الكَديد (وهو ماء بين ُ‬
‫‪ )2‬وكانوا يأخذون بالحدث فالحدث أو بالخر فالخر من أمر رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬المرض‪ :‬معنى يوجب تغير الطبيعة إلى الفساد‪ ،‬وهو يجيز الفطر كالسفر‪ ،‬للية السابقة‪{ :‬فمن‬
‫كان منكم مريضا أو على سفر‪ ،‬فعدة من أيام أخر} [البقرة‪.]185/2:‬‬
‫أ ـ وضابط المرض المبيح الفطر‪ :‬هوالذي يشق معه الصوم مشقة شديدة أو يخاف الهلك منه إن‬
‫صام‪ ،‬أو يخاف بالصوم زيادة المرض أو بطء البرء أي تأخره (‪ . )3‬فإن لم يتضرر الصائم بالصوم‬
‫كمن به جرب أو وجع ضرس أو إصبع أو دمل ونحوه‪ ،‬لم يبح له الفطر‪.‬‬
‫والصحيح الذي يخاف المرض أوالضعف بغلبة الظن بأمارة أو تجربة أو بإخبار طبيب حاذق مسلم‬
‫مستور العدالة‪ ،‬كالمريض عند الحنفية‪ .‬والصحيح الذي يظن الهلك أو الذى الشديد كالمريض عند‬
‫المالكية‪.‬‬
‫وليس الصحيح كالمريض عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه (نيل الوطار‪ )222/4 :‬وروى مسلم عن أبي سعيد مثله‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه (المصدر السابق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬يرى الطباء أن المراض المبيحة للفطر هي مثل‪ :‬مرض القلب الشديد‪ ،‬والسل (التدرن)‬
‫والتهابات الرئة‪ ،‬والورم الرئوي‪ ،‬والسرطانات‪ ،‬والتهاب الكلية الحاد‪،‬والمصاب بحصاة في المجاري‬
‫البولية مع اختلطات والتهابات‪ ،‬وتصلب الشرايين‪ ،‬والقرحة‪ ،‬والسّكري الشديد‪ ،‬ومرض الفتق‬
‫الحجابي‪ ،‬والقرحة الثني عشرية والمراض الخبيثة أو النتانية في الجهاز الهضمي‪ ،‬والمراض‬
‫الكبدية المزمنة مثل تشمع الكبد‪ ،‬وأمراض سوء المتصاص‪ ،‬وحالت السهال الشديدة والتهاب‬
‫البنكرياس الحاد والحصيات المرارية والتهابات الكولون المزمنة‪.‬‬

‫( ‪)3/75‬‬

‫وإن غلب على الظن الهلك بسبب الصوم‪ ،‬أو الضرر الشديد كتعطيل حاسة من الحواس‪ ،‬وجب‬
‫الفطر‪.‬‬
‫وأضاف الحنفية أن المحارب الذي يخاف الضعف عن القتال‪ ،‬وليس مسافرا‪ ،‬له الفطر قبل الحرب‪،‬‬
‫ومن له نوبة حمى أو عادة حيض‪ ،‬لبأس بفطره على ظن وجوده‪.‬‬
‫فالجهاد ولو بدون سفر سبب من أسباب إباحة الفطر‪ ،‬للتقوي على لقاء العدو‪ ،‬وعملً بالثابت في السنة‬
‫عام فتح مكة‪.‬‬
‫ب ـ ول يجب عند الجمهور على المريض أن ينوي الترخص بالفطر‪ ،‬ويجب ذلك عند الشافعية وإل‬
‫كان آثما‪ .‬وإن صام المريض في مرضه‪ ،‬أجزأه صومه؛ لصدوره من أهله في محله‪ ،‬كما لو أتم‬
‫المسافر‪.‬‬
‫جـ ـ وللفقهاء آراء في فطر المريض‪ :‬فقال الحنفية والشافعية‪ :‬المرض يبيح الفطر‪ .‬وقال الحنابلة‪:‬‬
‫يسن الفطر حالة المرض ويكره الصوم‪ ،‬لية {فمن كان منكم مريضا أو على سفر‪ ،‬فعدة من أيام‬
‫أخر} [البقرة‪ ،]185/2:‬أي فليصم عدد ما أفطره‪ .‬وقال المالكية‪ :‬للمريض أحوال أربعة‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أل يقدر على الصوم بحال‪ ،‬أو يخاف الهلك من المرض أو الضعف إن صام‪ ،‬فالفطر عليه‬
‫واجب‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يقدر على الصوم بمشقة فالفطر له جائز‪ ،‬فهم كالحنفية والشافعية‪ ،‬وقال ابن العربي‪:‬‬
‫يستحب (‪. )1‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يقدر بمشقة ويخاف زيادة المرض‪ ،‬ففي وجوب فطره قولن‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أل يشق عليه ول يخاف زيادة المرض‪ ،‬فل يفطر عند الجمهور‪ ،‬خلفا لبن سيرين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أحكام القرآن‪.77/1 :‬‬

‫( ‪)3/76‬‬

‫د ـ إذا أصبح المريض أو المسافر على نية الصيام‪ ،‬ثم زال عذره ‪ ،‬لم يجز له الفطر‪ .‬وإن أصبح‬
‫على نية الفطر ثم زال عذره‪ ،‬جاز له الكل بقية يومه‪ ،‬وكذلك من أصبح مفطرا لعذر مبيح‪ ،‬ثم زال‬
‫عذره في بقية يومه‪ ،‬عند الجمهور خلفا لبي حنيفة‪.‬‬
‫هـ ـ ل يصح بالتفاق لمريض ول لمسافر أن يصوم تطوعا في رمضان‪ .‬وكذا ل يصح عند‬
‫الجمهور أن يصوم واجبا آخر‪ ،‬ويصح ذلك عند الحنفية على الراجح‪ ،‬كما تبين في عذر السفر‪.‬‬
‫وعلى المريض والمسافر في رأي الشافعية الكفارة مع القضاء إذا جاء رمضان آخر‪ ،‬ولم يقض‪،‬‬
‫والكفارة‪ :‬هي إطعام مد من غالب قوت البلد عن كل يوم‪.‬‬
‫وتتكرر الكفارة بتكرر السنين‪ .‬لكن إن استمر العذر حتى دخل رمضان آخر‪ ،‬فل شيء عليه سوى‬
‫القضاء ‪ .‬وإن مات قبل التمكن من القضاء‪ ،‬فل شيء عليه‪ .‬وإن مات بعد التمكن من القضاء‪ ،‬صام‬
‫عنه وليه ندبا‪ ،‬فإن لم يصم عنه وليه‪ ،‬أطعم من تركته عن كل يوم مدا من طعام غالب قوت البلد؛ لما‬
‫روى الترمذي عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪« :‬من مات وعليه صيام شهر‪ ،‬فليُطعَم عنه مكان‬
‫كل يوم مسكينا» وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها‪ :‬أن رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم قال‪« :‬من مات وعليه صيام‪ ،‬صام عنه وليه» ‪.‬‬

‫( ‪)3/77‬‬

‫‪ - 4 - 3‬الحمل والرضاع‪ :‬يباح للحامل والمرضع الفطار إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد ‪،‬‬
‫سواء أكان الولد ولد المرضعة أم ل‪ ،‬أ ي نسبا أو رضاعا‪ ،‬وسواء أكانت أما أم مستأجرة‪ ،‬وكان‬
‫الخوف نقصان العقل أو الهلك أو المرض‪ ،‬والخوف المعتبر‪ :‬ما كان مستندا لغلبة الظن بتجربة‬
‫سابقة‪ ،‬أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل‪ .‬ودليل الجواز لهما‪ :‬القياس على المريض والمسافر‪ ،‬وقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلة‪ ،‬وعن الحبلى‬
‫والمرضع الصوم» (‪ )1‬ويحرم الصوم إن خافت الحامل أوالمرضع على نفسها أو ولدها الهلك‪.‬‬
‫وإذا أفطرتا وجب القضاء دون الفدية عند الحنفية‪ ،‬ومع الفدية إن خافتا على ولدهما فقط عند الشافعية‬
‫والحنابلة‪ ،‬ومع الفدية على المرضع فقط ل الحامل عند المالكية‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫‪ - 5‬الهرم‪ :‬يجوز إجماعا الفطر للشيخ الفاني والعجوز الفانية العاجزين عن الصوم في جميع فصول‬
‫السنة‪ ،‬ول قضاء عليهما‪ ،‬لعدم القدرة‪ ،‬وعليهما عن كل يوم فدية طعام مسكين‪ ،‬وتستحب الفدية فقط‬
‫عند المالكية‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة‪ ]184/2:‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫ليست بمنسوخة‪ ،‬هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ل يستطيعان أن يصوما‪ ،‬فيطعمان مكان كل يوم‬
‫مسكينا (‪. )2‬‬
‫ومثلهما‪ :‬المريض الذي ل يرجى برؤه‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج‪:‬‬
‫‪ .]78/22‬أما من عجز عن الصوم في رمضان ولكن يقدر على قضائه في وقت آخر‪ ،‬فيجب عليه‬
‫القضاء ول فدية عليه‪.‬‬
‫‪ - 6‬إرهاق الجوع والعطش‪ :‬يجوز الفطر لمن حصل له أو أرهقه جوع أو عطش شديد يخاف منه‬
‫الهلك أو نقصان العقل أو ذهاب بعض الحواس‪ ،‬بحيث لم يقدر معه على الصوم‪ ،‬وعليه القضاء‪ .‬فإن‬
‫خاف على نفسه الهلك‪ ،‬حرم عليه الصيام‪ ،‬لقوله تعالى ‪{ :‬ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة‪:‬‬
‫‪.]195/2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة ( أحمد وأصحاب السنن) عن أنس بن مالك الكعبي (نيل الوطار‪.)230/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ( المصدر السابق‪ :‬ص ‪.) 231‬‬

‫( ‪)3/78‬‬

‫وإذا أفطر المرهق بالجوع أو العطش‪ ،‬فاختلف‪ :‬هل يمسك بقية يومه‪ ،‬أو يجوز له الكل‪.‬‬
‫‪ - 7‬الكراه‪ :‬يباح الفطر للمستكره‪ ،‬وعليه عند الجمهور القضاء‪ ،‬وعند الشافعية ل يفطر المستكره‪.‬‬
‫وإذا وطئت المرأة مكرهة أو نائمة‪ ،‬فعليها القضاء‪.‬‬
‫هذه أهم العذار المبيحة للفطر‪ ،‬أما الحيض والنفاس والجنون الطارئ على الصائم فيبيح الفطر‪ ،‬بل‬
‫ول يوجب الصوم ول يصح معه‪ ،‬كما تقدم في الشروط‪.‬‬
‫صاحب العمل الشاق‪ :‬قال أبو بكر الجري (‪ : )1‬من صنعته شاقة‪ ،‬فإن خاف بالصوم تلفا‪ ،‬أفطر‬
‫وقضى إن ضره ترك الصنعة‪ ،‬فإن لم يضره تركها‪ ،‬أثم بالفطر‪ ،‬وإن لم ينتف التضرر بتركها‪ ،‬فل‬
‫إثم عليه بالفطر للعذر‪ .‬وقرر جمهور الفقهاء أنه يجب على صاحب العمل الشاق كالحصاد والخباز‬
‫والحداد وعمال المناجم أن يتسحر وينوي الصوم‪ ،‬فإن حصل له عطش شديد أو جوع شديد يخاف منه‬
‫الضرر‪ ،‬جاز له الفطر‪ ،‬وعليه القضاء‪ ،‬فإن تحقق الضرر وجب الفطر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ولتقتلوا‬
‫أنفسكم إن ال كان بكم رحيما} [النساء‪.]29/4:‬‬
‫إنقاذ الغريق ونحوه‪ :‬قال الحنابلة (‪ : )2‬يجب الفطر على من احتاجه غيره لنقاذ آدمي معصوم من‬
‫مهلكة كغرق ونحوه‪ ،‬ول يفدي‪ ،‬فإن قدر بدون فطر حرم‪ ،‬فإن دخل الماء حلقه‪ ،‬لم يفطر‪.‬‬
‫صوم التطوع‪ :‬ول يجوز الفطر بل عذر للمتطوع بالصوم عند الحنفية القائلين بلزوم النفل في‬
‫الشروع بالعبادة في الرواية الصحيحة‪ ،‬والضيافة عذر في الظهر للضيف والمضيف قبل الزوال ل‬
‫بعده‪ ،‬إل أن يكون في عدم الفطر بعد الزوال عقوق لحد البوين‪ ،‬ل غيرهما‪ ،‬لتأكد الصوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،361/2 :‬غاية المنتهى‪.323/1:‬‬
‫(‪ )2‬غاية المنتهى‪.324/1 :‬‬

‫( ‪)3/79‬‬

‫وإذا أفطر المتطوع على أي حال‪ ،‬وجب عليه عند الحنفية القضاء‪ ،‬إل إذا شرع متطوعا في خمسة‬
‫أيام‪ :‬يومي العيد‪ ،‬وأيام التشريق‪ ،‬فل يلزمه قضاؤها بإفسادها في ظاهر الرواية‪ ،‬كما بان سابقا‪.‬‬
‫المساك بعد الفطر بعذر‪ :‬اختلف الفقهاء على رأيين بوجوب المساك بقيةالنهار أو استحبابه على من‬
‫أفطر في رمضان بعذر من العذار‪ ،‬فقال الحنفية والحنابلة بالوجوب‪ ،‬وقال الشافعية بالستحباب‪،‬‬
‫وقال المالكية بعدم الوجوب وعدم الستحباب إل في حالتين‪ ،‬وتفصيل الحالت والراء يظهر فيما‬
‫يأتي‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬يجب المساك بقية اليوم على من فسد صومه ولو بعذر ثم زال‪ ،‬وعلى حائض‬
‫ونفساء طهرتا بعد طلوع الفجر‪ ،‬وعلى مسافر أقام‪،‬ومريض برئ‪ ،‬ومجنون أفاق‪ ،‬وعلى صبي بلغ‬
‫وكافر أسلم‪ ،‬لحرمة الوقت بالقدر الممكن‪ ،‬وعليهم القضاء إل الخيرين (الصبي والكافر) لعدم توافر‬
‫الخطاب التكليفي لهما عند طلوع الفجر عليهما‪ .‬وقد عرفنا أن الجنون المتقطع‪ ،‬ل المستوعب جميع‬
‫الشهر يوجب القضاء‪ ،‬بخلف الغماء‪ ،‬فإنه يوجب القضاء ولو استوعب جميع الشهر؛ لنه نوع‬
‫مرض‪ ،‬إل أنه ل يقضي اليوم الذي حدث فيه الغماء أو حدث في ليلته‪ ،‬لوجود شرط الصوم وهو‬
‫النية‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬إمساك بقية اليوم يؤمر به من أفطر في رمضان خاصة أو في نذر واجب عمدا‬
‫أو إكراها أو نسيانا‪ ،‬ل من أفطر لعذر مبيح‪ ،‬فمن أفطر لجل عذر يباح له الفطر‪ ،‬ثم زال عذره‪ ،‬ل‬
‫يستحب له المساك‪ ،‬كأن زال الحيض أو النفاس في أثناء نهار رمضان‪ ،‬أو انقضى السفر‪ ،‬أو زال‬
‫الصبا وبلغ في أثناء نهار‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،114‬البدائع‪ 102/2:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،525 ،514/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،124‬الشرح الصغير‬
‫وحاشية الصاوي‪ 705/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/80‬‬

‫رمضان‪ ،‬أو زال الجنون أو الغماء‪ ،‬أو قوي المريض المفطر‪ ،‬أو زال اضطرار المضطر للكل أو‬
‫الشرب‪ ،‬فل يستحب لهم المساك‪ ،‬ويجوز لهم التمادي في تعاطي الفطر‪ .‬لكن يندب إمساك يوم الشك‬
‫بقدر ما جرت العادة فيه بثبوت الشهر من المارين في الطريق من السفارة‪ ،‬وذلك بارتفاع النهار‪.‬‬
‫ويجب المساك أيضا في حال الفطار نسيانا في صوم النفل‪ ،‬ل في العمد الحرام على المعتمد‪ ،‬ول‬
‫في الصوم الذي يجب فيه التتابع ككفارة الظهار والقتل‪.‬‬
‫ويرى الشافعية (‪ : )1‬أنه يلزم المساك من تعدى بالفطر كأن أكل‪ ،‬عقوبة له ومعارضة لتقصيره‪ ،‬أو‬
‫من نسي النية من الليل؛ لن نسيانه يشعر بترك الهتمام بأمر العبادة‪ ،‬فهو نوع من التقصير‪ ،‬وفي‬
‫يوم الشك إن تبين كونه من رمضان‪ ،‬لما في فطره من نوع تقصير لعدم الجتهاد في الرؤية‪ ،‬ويجب‬
‫قضاؤه على الفور على المعتمد‪.‬‬
‫ول يلزم المساك بقية النهار في الصح إذا بلغ الصبي مفطرا‪ ،‬أو أفاق المجنون‪ ،‬أو أسلم الكافر‪ ،‬في‬
‫أثناء النهار‪ ،‬لعدم التمكن من زمن يسع الداء‪ ،‬لكن يندب القضاء لمن أفاق أو أسلم في أثناء النهار‪،‬‬
‫خروجا من الخلف‪.‬‬
‫كما ل يلزم المساك مسافرا أو مريضا زال عذرهما بعد الفطر‪ ،‬كأن أكل؛ لن زوال العذر بعد‬
‫الترخص ل يؤثر‪ ،‬كما لو قصر المسافر‪ ،‬ثم أقام‪ ،‬والوقت باق‪ ،‬لكن يستحب لهم المساك لحرمة‬
‫الوقت‪ ،‬ويستحب أيضا للحائض أو النفساء إذا طهرت‪.‬‬
‫وإنما لم يجب المساك؛ لن الفطر مباح لهم مع العلم بحال اليوم‪ ،‬وزوال العذر بعد الترخص ل‬
‫يؤثر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،438/1 :‬الحضرمية‪ :‬ص ‪.413‬‬

‫( ‪)3/81‬‬

‫ويرى الحنابلة (‪ : )1‬أنه يلزم المساك من أفطر بغير عذر‪ ،‬أو أفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان‬
‫طلع‪ ،‬أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب‪ ،‬أو الناسي لنية الصوم ونحوهم‪ ،‬بل خلف بين العلماء‪.‬‬
‫ويلزم المساك أيضا على الراجح كل من زال عذره في أثناء النهار‪ ،‬وعليه القضاء‪ ،‬كالصبي‬
‫والمجنون والكافر‪ ،‬والمريض والمسافر‪ ،‬والحائض والنفساء‪ ،‬إذا زالت أعذارهم في النهار‪ ،‬فبلغ‬
‫الصبي‪ ،‬وأفاق المجنون‪ ،‬وأسلم الكافر‪ ،‬وصح المريض المفطر‪ ،‬وأقام المسافر‪ ،‬وطهرت الحائض‬
‫والنفساء‪ .‬ولهم ثواب إمساك‪ ،‬لثواب صيام‪.‬‬
‫فإن بلغ الصغير صائما بسن‪ ،‬أو احتلم‪ ،‬وقد نوى من الليل‪ ،‬أتم وأجزأ‪ ،‬كنذر إتمام نفل‪ ،‬وإن علم‬
‫مسافر أنه يقدم غدا أهله‪ ،‬لزمه الصوم‪.‬‬
‫المبحث السابع ـ ما يفسد الصوم وما ل يفسده‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في هذا المبحث من ناحيتي الشكل (الصياغة) والموضوع‪ ،‬اختلفا يقتضي بيانا مستقلً‬
‫في كل مذهب على حدة‪.‬‬
‫الحنفية (‪ : )2‬ما يفسد الصوم نوعان‪ :‬نوع يوجب القضاء فقط‪ ،‬ونوع يوجب القضاء والكفارة‪.‬‬
‫أولً ـ مايفسد الصوم ويوجب القضاء فقط دون الكفارة‪:‬‬
‫وهو سبعة وخمسون شيئا تقريبا‪ ،‬يمكن تصنيفها في ثلثة أشياء‪:‬‬
‫الول ـ أن يتناول ما ليس بغذاء ول في معنى الغذاء وهو الدواء‪ :‬وهو تناول كل شيء ل يقصد به‬
‫التغذي عادة ول يميل إليه ا لطبع‪ ،‬كأن أكل الصائم أرزا نيئا‪ ،‬أو عجينا أو دقيقا غير مخلوط بشيء‬
‫يؤكل عادة كالسمن والدبس والعسل والسكر‪ ،‬وإل وجبت به الكفارة‪ ،‬أو أكل ملحا كثيرا دفعة واحدة‪،‬‬
‫فإن أكل ملحا قليلً‪ ،‬وجبت به الكفارة‪ ،‬أو أكل ثمرة قبل نضجها‪ ،‬أو أكل ما بقي بين أسنانه‪ ،‬وكان‬
‫قدر الحمصة‪ ،‬فإن كان أقل‪ ،‬فل يفسد‪ ،‬أو أكل جوزة رطبة‪.‬‬
‫أو أكل طينا غير أرمني لم يعتد أكله‪ ،‬أما أكل الطين الرمني (وهو معروف عند العطارين) فيوجب‬
‫الكفارة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،134/3 :‬غاية المنتهى‪.320/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،153-132/2 :‬فتح القدير‪ ،77-64/2 :‬البدائع‪ ،102-94/2 ،‬اللباب‪-165/1 :‬‬
‫‪ ،173‬مراقي الفلح‪ ،114-109 :‬تبيين الحقائق‪.332-322/1 :‬‬

‫( ‪)3/82‬‬

‫أو أكل نواة (بزرة) أو قطنا أو ورقا‪ ،‬أو جلدا‪ ،‬أو ابتلع حصاة أو حديدا أو ترابا أو حجرا أو درهما‬
‫أو دينارا ونحو ذلك‪ ،‬أو أدخل دخانا بصنعه‪ ،‬أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة في قبل‬
‫المرأة أو الدبر مطلقا أو النف أو الحلق‪ ،‬أو استعط في أنفه شيئا (‪ )1‬أو قطر في أذنه دهنا‪ ،‬ل ماء‬
‫على الصحيح لعدم سريان الماء‪ ،‬ولضرر الدماغ به‪ ،‬أو دخل حلقه مطر أو ثلج في الصح‪ ،‬ولم‬
‫يبتلعه بصنعه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬اتفق الحنفية على أنه لو أنزل قطرة في قبل المرأة‪ ،‬فسد صومها؛ لن القطرة كالحقنة‪.‬‬
‫وأما القطرة في إحليل الرجل فل تفطر في الظهر‪ ،‬أو على المذهب وهو قول أبي حنيفة ومحمد كما‬
‫سيأتي في بحث مال يفسد الصوم ـ رقم ‪ 11‬وقال أبو يوسف‪ :‬يفطر الصائم‪.‬‬
‫أو استقاء (تعمد إخراج القيد) من جوفه‪ ،‬أو خرج كرها وأعاده بصنعه‪ ،‬إذا كان القيء عمدا ملء الفم‬
‫أو ولو كان أقل من ملء الفم في حالة العادة بقدر حمصة منه فأكثر على الصحيح‪ ،‬وكان ذاكرا‬
‫لصومه‪ ،‬فإن ذرعه (غلبه) القيء‪ ،‬أو كان القيء حال الستقاءة أقل من ملء الفم‪ ،‬أو كان ناسيا‬
‫لصومه‪ ،‬أو كان القيء بلغما ل طعاما‪ ،‬لم يفطر في جميع هذه الحالت اتفاقا‪ ،‬والدليل حديث‪« :‬من‬
‫ذرعه القيء‪ ،‬فليس عليه قضاء‪ ،‬ومن استقاء عمدا فليقض» (‪. )2‬‬
‫الثاني ـ أن يتناول غذاء‪ ،‬أو دواء لعذر شرعي كمرض أو سفر أو إكراه أو خطأ أو إهمال أو شبهة‪:‬‬
‫كأن سبق خطأ ماء المضمضة إلى جوفه‪ ،‬أو داوى جرحا في رأسه أو بطنه‪ ،‬فوصل الدواء إلى‬
‫دماغه أو جوفه‪ ،‬أو صب أحد ماء في جوف إنسان نائم‪ ،‬أو أفطرت امرأة خوفا على نفسها من أن‬
‫تمرض من الخدمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحقنة‪ :‬صب الدواء في الدبر أو قبل المرأة‪ ،‬والسعوط‪ :‬صبه في النف‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة إل النسائي عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)204/4 :‬‬

‫( ‪)3/83‬‬
‫أو أكل أو جامع عمدا لشبهة شرعية بعد أن أكل ناسيا أو جامع ناسيا‪ ،‬أو أكل بعدما نوى نهارا‪ ،‬ولم‬
‫يكن قد بيت نيته ليلً‪ ،‬أو أكل المسافر الذي نوى الصوم ليلً بعد أن نوى القامة‪ ،‬أو أكل أو جامع في‬
‫حالة السفر بعد أن أصبح مقيما ناويا الصوم من الليل‪ ،‬ثم بدأ السفر نهارا‪ ،‬لشبهة السفر‪ ،‬وإن لم يحل‬
‫له الفطر‪.‬‬
‫أو أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع الفجر‪ ،‬وهو طالع‪ ،‬ول كفارة عليه للشبهة؛ لن الصل بقاء‬
‫الليل أو أفطر ظانا الغروب‪ ،‬والشمس باقية؛ ول كفارة عليه لغلبة الظن بحدوث الغروب‪.‬‬
‫ومن جامع قبل طلوع الفجر أو أكل‪ ،‬ثم طلع عليه الفجر‪ ،‬فإن نزع فورا‪ ،‬أو ألقى ما في فمه‪ ،‬لم يفسد‬
‫صومه‪.‬‬
‫الثالث ‪ -‬إذا قضى شهوة الفرج غير كاملة‪ :‬كأن أنزل المني بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة ل‬
‫تشتهى‪ ،‬أو بمفاخذة أو تبطين‪ ،‬أو قبلة أو لمس‪ ،‬أو عبث بباطن الكف‪ ،‬أو وطئت المرأة وهي نائمة‪،‬‬
‫أو قطرت في فرجها دهنا ونحوه‪.‬‬
‫ويلحق به ما إذا أدخل أصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره‪ ،‬أواستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره‪،‬‬
‫أو أدخل في دبره قطنة أو خرقة أو طرف حقنة ولم يبق منه شيء‪ ،‬أو أدخلت المرأة أصبعها مبلولة‬
‫بماء أودهن في فرجها الداخل‪ ،‬أو أدخلت قطنة أو خشبة أو عودا وغيبته؛ لنه تم الدخول‪ ،‬بخلف ما‬
‫لو بقي طرفه خارجا؛ لن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة‪ ،‬فل يفسد الصوم إذا بقي منه‬
‫في الخارج شيء بحيث لم يغب كله‪ .‬وعلى هذا ليفسد عندهم الصوم بالفحص النسائي بإدخال آلة‬
‫منظار وبقاء طرفها خارجا‪ ،‬ويفسد بإدخال الصبع ونحوها‪ ،‬خلفا للحنابلة في إدخال الصبع‪ ،‬كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫ومما يلحق به‪ :‬ما إذا أفسد صوما غير أداء رمضان بجماع أو غيره‪ ،‬لعدم هتك حرمة الشهر‪.‬‬

‫( ‪)3/84‬‬

‫ثانيا ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معا‪:‬‬


‫وهو اثنان وعشرون شيئا تقريبا‪ ،‬إذا فعل الصائم المكلف منها شيئا‪ ،‬مبيتا النية في أداء رمضان‪،‬‬
‫متعمدا‪ ،‬طائعا‪ ،‬غير مضطر‪ ،‬ولم يطرأ ما يبيح الفطر بعده كمرض‪ ،‬أو قبله كسفر‪ .‬فلو فعلها صبي‪،‬‬
‫أو لم يبيت النية‪ ،‬أو كان في قضاء ما فاته من رمضان أو في صوم آخر غير رمضان‪ ،‬أو كان ناسيا‬
‫أو مخطئا‪ ،‬أو مستكرها‪ ،‬أو مضطرا‪ ،‬أو طرأ عليه سفر أو مرض‪ ،‬فل كفارة عليه‪ ،‬وإنما عليه‬
‫القضاء فقط‪.‬‬
‫ويمكن تصنيفها بشيئين‪:‬‬
‫الول ـ أن يتناول غذاء أو ما في معناه بدون عذر شرعي ‪ :‬كالكل والشرب‪ ،‬والدواء‪ ،‬والدخان‬
‫المعروف ‪ ،‬والفيون والحشيش ونحوهما من المخدرات‪ ،‬لن الشهوة فيه ظاهرة‪ .‬والكل يشمل كل ما‬
‫هم مأكول عادة‪ ،‬من أنواع الشحوم واللحوم المختلفة ‪ ،‬النيئ والمطبوخ والقديد ‪ ،‬والفواكه‬
‫والخضروات ومنها أكل ورق الكرم وقشر البطيخ ‪ ,‬والنشويات ‪ ،‬ومنها حب الحنطة وقضمها‪ ,‬ولو‬
‫حبة أو سمسمة أو نحوها من خارج فمه في المختار ‪ ،‬إل إذا مضغت فتلشت ‪ ،‬ولم يصل منها شيئ‬
‫الى جوفه‪ .‬ومنها الكل عمدا بعد أن يغتاب آخر ظنا منه أنه أفطر بالغيبة ‪ ,‬أو بعد حجامة أو مس أو‬
‫قبلة بشهوة أو بعد مضاجعة من غير إنزال ‪ ،‬أو دهن شاربه ‪ ،‬ظانا أنه أفطر بذلك‪ ،‬إل إذا أفتاه فقيه‬
‫ومن هذا النوع ابتلع مطر دخل الى فمه ‪ ،‬وابتلع ريق زوجته أو حبيبه للتلذذ به ‪ .‬ومنه اكل الطين‬
‫الرمني ( مهم معروف عند العطارين ) ‪ ،‬والطين غير الرمني ‪ ،‬وهذا معروف كما في حالة الذي‬
‫اعتاد أكل الطين ‪ ،‬ومنه تناول قليل الملح في المختار‪ .‬والدليل حديث (الفطر مما دخل ) (‪)1‬‬
‫الثاني ـ أن يقضي شهوة الفرج كاملة‪ :‬وهو الجماع في القبل أو الدبر‪ ،‬سواء الفاعل والمفعول به‪،‬‬
‫ولو بمجرد التقاء الختانين وإن لم ينزل‪ ،‬بشرط أن يكون المفعول به آدميا حيا يشتهى‪ .‬وتجب الكفارة‬
‫اتفاقا إن مكنت المرأة من نفسها صغيرا أو مجنونا‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬حادثة العرابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان‪ ،‬وإلزام النبي صلّى ال عليه وسلم له‬
‫بالكفارة (عتق رقبة‪ ،‬ثم صوم شهرين متتابعين إن لم يجد الرقبة‪ ،‬ثم إطعام ستين مسكينا عند العجز‬
‫عن الصوم) (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة بلفظ «إنما الفطار مما دخل‪ ،‬وليس مما خرج»‬
‫(نصب الراية‪.)2/352 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)214/4 :‬‬

‫( ‪)3/85‬‬

‫ما ل يفسد الصوم عند الحنفية‪:‬‬


‫هو أربعة وعشرون شيئا تقريبا‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الكل أو الشرب أو الجماع ناسيا‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من نسي وهو صائم‪ ،‬فأكل أو‬
‫شرب‪ ،‬فليتم صومه‪ ،‬فإنما أطعمه ال وسقاه» (‪ )1‬وفي لفظ ‪« :‬من أفطر يوما من رمضان ناسيا فل‬
‫قضاء عليه ول كفارة» والجماع في معناهما‪ ،‬فإن تذكر نزع فورا‪ ،‬فإن مكث بعده‪ ،‬فسد صومه‪ .‬ولو‬
‫نزع خشية طلوع الفجر‪ ،‬فأمنى بعد الفجر والنزع‪ ،‬ليس عليه شيء‪ ،‬وإن حرك نفسه ولم ينزع‪ ،‬أو‬
‫نزع ثم أولج‪ ،‬لزمته الكفارة‪.‬‬
‫ويجب تذكير الناسي القادر على الصوم ليترك الكل‪ ،‬ويكره عدم تذكيره‪ ،‬والولى عدم تذكير العاجز‬
‫الذي ل قوة له لطفا به‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إنزال المني بنظر أو فكر‪ ،‬وإن أدام النظر والفكر؛ لنه لم يوجد منه صورةالجماع ول معناه‪،‬‬
‫وهو النزال عن مباشرة وإن كان آثما‪ .‬وفعل المرأتين (السحاق) بل إنزال منهما ل يفسد الصوم‪،‬‬
‫لكن الفاعل يأثم‪ ،‬ول يلزم من الحرمة فيما ذكر الفطار‪ .‬وكذا ل يفطر بالحتلم نهارا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬القطرة أو الكتحال في العين‪ ،‬ولو وجد الصائم الطعم أو الثر في حلقه؛ لن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم اكتحل في رمضان‪ ،‬وهو صائم (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 4‬الحجامة‪ :‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم احتجم وهو محرم‪ ،‬واحتجم وهو صائم (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل النسائي عن أبي هريرة(المصدر السابق‪ :‬ص ‪.)206‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه عن عائشة‪ ،‬وهو ضعيف (المصدر السابق‪ :‬ص ‪.)205‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والبخاري عن ابن عباس (المصدر السابق‪.)202 :‬‬

‫( ‪)3/86‬‬

‫ً‪ - 5‬السواك ولو كان مبلول ً بالماء؛ لنه سنة‪.‬‬


‫ً‪ - 6‬المضمضة والستنشاق‪ ،‬ولو فعلهما لغير الوضوء‪ ،‬لكن ل يبالغ فيهما لئل يدخل شيء إلى‬
‫الجوف‪.‬‬
‫ً‪ - 7‬الغتسال أو السباحة‪ ،‬أو التلفف بثوب مبتل‪ ،‬للتبرد لدفع الحر‪ ،‬وإدخال عود إلى الذن‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬الغتياب‪ ،‬ونية الفطر‪ ،‬ولم يفطر‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬دخول الدخان‪ ،‬أوالغبار ولو غبار الطاحون‪ ،‬أو الذباب‪ ،‬أوأثر طعم الدوية إلى الحلق‪ ،‬بل صنع‬
‫الصائم أي رغما عنه وهو ذاكر الصوم؛ لنه ل يمكن الحتراز أو المتناع عنها‪.‬‬
‫لكن لو تبخر ببخور‪ ،‬فآواه إلى نفسه‪ ،‬واشتم دخانه‪ ،‬ذاكرا لصومه‪ ،‬أفطر‪ ،‬لمكان التحرز عنه‪ .‬ول‬
‫يتوهم أنه كشم الورد ومائه‪ ،‬والمسك‪ ،‬لوجود الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه‪ ،‬وبين جوهر‬
‫دخان وصل إلى جوفه بفعله‪.‬‬
‫ً‪ - 10‬خلع الضرس‪ ،‬ما لم يبتلع شيئا من الدم أو الدواء‪ ،‬فيفطر‪.‬‬
‫ً‪ - 11‬صب ماء أو دهن أو حقنة في الحليل (مجرى البول في قبل الرجل)‪ ،‬أو دخول ماء في الذن‬
‫بسبب خوض نهر‪ ،‬أو إدخال العود في الذن وإخراج درن الصماخ؛ لن الحليل ليس بمنفذ مفتوح‪،‬‬
‫ودخول الماء في الذن للضرورة‪ ،‬ولعدم وصول المفطر إلى الدماغ بإدخال العود للذن‪ ،‬والولى‬
‫ترك ذلك كله‪.‬‬
‫ً‪ - 12‬ابتلع النخامة‪ ،‬واشتنشاق المخاط عمدا وابتلعه‪ ،‬لنزوله من الدماغ‪ ،‬لكن الولى رميه‬
‫لقذارته‪ ،‬وخروجا من خلف من أفسد الصوم بابتلعه‪ -13 .‬القيء قسرا عنه‪ ،‬أو عودته قهرا ولو‬
‫كان ملء الفم‪ ،‬في الصحيح‪ ،‬والستقاءة عمدا بما هو أقل من ملء الفم على الصحيح‪ ،‬لكن لو أعاد ما‬
‫قاء أو قدر حمصة منه‪ ،‬وكان أصل القيء ملء الفم‪ ،‬أفطر باتفاق الحنفية ول كفارة‪ ،‬على المختار‪،‬‬
‫وإن عاد قسرا‪ ،‬لم يفطر‪ ،‬سواء أكان القيء العائد قليلً أم كثيرا (‪. )1‬‬

‫( ‪)3/87‬‬

‫والخلصة‪ :‬أن القيء عامدا ملء الفم أو إعادة القيء مفطر يوجب القضاء فقط دون الكفارة‪ ،‬أما‬
‫القيء قهرا أو عودة القيء بنفسه أو القيء أقل من ملء الفم فل يفطر‪.‬‬
‫ً‪ - 14‬أكل ما بين السنان‪ ،‬وكان دون الحمصة‪ ،‬لنه تبع لريقة‪ .‬أو مضغ مثل سمسمة من خارج‬
‫فمه‪ ،‬حتى تلشت ولم يجد لها طعما في حلقه‪ ،‬لعدم ابتلع شيء‪.‬‬
‫ً‪ - 15‬إذاأصبح جنبا‪ ،‬ولو استمر يوما بالجنابة؛ لن الجنابة ل تؤثر في صحة الصوم للزومها الصوم‬
‫للضرورة‪ ،‬كما تقدم سابقا‪ ،‬وإن كان الغسل فرضا للصلة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وإن كنتم جنبا فاطهروا}‬
‫[المائدة‪ ]6/5:‬ولنه من آداب السلم‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل تدخل الملئكة بيتا فيه‬
‫صورة‪ ،‬ول كلب‪ ،‬ول جنب» (‪. )2‬‬
‫حقَن في العضل أو تحت الجلد أو في الوريد‪ ،‬والولى عند المكان تأخيرها إلى المساء‪ ،‬أما‬
‫ً‪ - 16‬ال ُ‬
‫الحقن الشرجية فتفطر‪.‬‬
‫ً‪ - 17‬شم الروائح العطرية كالورد أو الزهر والمسك أو الطيب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 151/2 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 325/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن علي‪.‬‬

‫( ‪)3/88‬‬
‫المالكية (‪ : )1‬ما يفسد الصيام نوعان‪ :‬أحدهما ـ يوجب القضاء فقط‪ ،‬والثاني ـ يوجب القضاء‬
‫والكفارة‪.‬‬
‫الول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط‪ :‬هو ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الفطار متعمدا في صيام فرض غير رمضان‪ ،‬كقضاء رمضان‪ ،‬والكفارات والنذر غير المعين‪،‬‬
‫وصوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي‪.‬‬
‫أما النذر المعين‪ ،‬كما لو نذر صوم يوم معين‪ ،‬أو أيام معينة‪ ،‬أو شهر معين‪ ،‬فإن أفطر فيه لعذر مانع‬
‫من صحته كحيض ونفاس وإغماء وجنون‪ ،‬أو لعذر مانع من أدائه كمرض واقع‪ ،‬أو شدة ضرر أو‬
‫زيادته أو تأخر برئه‪ ،‬فل يقضى لفوات وقته‪ ،‬وإن زال عذره وبقي منه شيء‪ ،‬وجب صومه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الفطار متعمدا في صيام فرض رمضان إذا لم تتوافر شروط الكفارة‪ ،‬كالفطار لعذر مبيح‬
‫كالمرض والسفر‪ ،‬أو لعذر يرفع الثم كالنسيان والخطأ والكراه‪ ،‬والفطار بسبب خروج المذي‪ ،‬أو‬
‫خروج المني بنظر أو فكر مع لذة معتادة بل استدامة نظر وكانت عادته النزال عند الستراحة‪ .‬وفي‬
‫الجملة‪ :‬كل فرض أفطر فيه يجب عليه قضاؤه إل النذر المعين لعذر‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الفطار متعمدا في صوم التطوع؛ لن الشروع في النفل ملزم عندهم‪ ،‬كما تقدم‪ .‬فإن أفطر فيه‬
‫ناسيا أو بعذر مبيح‪ ،‬فل قضاء عليه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن من أفطر عامدا في جميع أنواع الصيام‪ ،‬فعليه القضاء‪ ،‬ول يكفّر إل في رمضان‪،‬‬
‫ومن أفطر في جميعها ناسيا‪ ،‬فعليه القضاء دون الكفارة‪ ،‬إل في التطوع فل قضاء ول كفارة‪.‬‬
‫أما المفطرات فهي خمسة‪:‬‬
‫‪ - 1‬الجماع الذي يوجب الغسل‪.‬‬
‫‪ - 2‬إخراج المني أو المذي بالتقبيل أو المباشرة أو النظر أو الفكر المستديمين‪.‬‬
‫‪ - 3‬الستقاءة (تعمد القيء) سواء مل الفم أم ل‪ ،‬بخلف ما إذا غلبه القيء إل إذا رجع شيء منه ولو‬
‫غلبة‪ ،‬فيفسد صومه‪.‬‬
‫‪ - 4‬وصول مائع إلى الحلق من فم أو أنف أو أذن‪ ،‬عمدا أو سهوا أو خطأ أو غلبة كماء المضمضة‬
‫أو السواك‪ ،‬وفي حكم المائع‪ :‬البخور وبخار القِدْر إذا استنشقهما‪ ،‬فوصل إلى حلقه‪ ،‬والدخان‬
‫المعروف‪ ،‬والكتحال نهارا ودهن الشعر نهارا إذا وجد طعمهما في الحلق‪ ،‬فإن تحقق عدم وصول‬
‫الكحل والدهن للحلق فلشيء عليه‪ ،‬كأن حدث ذلك ليلً‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،124-1119،122‬الشرح الصغير‪ 712،715-698/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح‬
‫الكبير مع الدسوقي‪ ،534-523/1 :‬بداية المجتهد‪ 281/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫( ‪)3/89‬‬

‫‪ - 5‬وصول أي شيء إلى المعدة‪ ،‬سواء أكان مائعا أم غيره من فم أو أنف أو أذن أو عين أو مسام‬
‫رأس‪ ،‬إذا كان وصوله عمدا أو خطأ أوسهوا أو غلبة‪ .‬أما الحقنة في الحليل (وهو ثقبة الذكر) فل‬
‫تفسد الصوم‪ ،‬وكذا نبش الذن بنحو عود ل شيء فيه‪ ،‬ول يضر ابتلع ما بين السنان من طعام ولو‬
‫عمدا فل يفطر‪.‬‬
‫وهكذا‪ :‬كل ما وصل للمعدة من منفذ عال سواء أكان مائعا أم غير مائع موجب للقضاء‪ ،‬سواء أكان‬
‫ذلك المنفذ واسعا أم ضيقا‪ ،‬بخلف ما يصل للمعدة من منفذ سافل‪ ،‬فإنه يشترط كونه واسعا كالدبر‬
‫وقبل المرأة والثقبة‪ .‬ل كإحليل رجل وجائفة‪ :‬وهي الخرق الصغير جدا الواصل للبطن‪ ،‬وصل للمعدة‬
‫أو ل‪ ،‬ويشترط كونه مائعا ل جامدا‪ ،‬فوصول المائع للمعدة مفسد مطلقا‪ ،‬سواء أكان المنفذ عاليا أم من‬
‫السفل‪ ،‬ووصول الجامد لها ل يفسد إل إذا كان المنفذ عاليا‪ .‬ويجب القضاء على من أفطر في صوم‬
‫الفرض مطلقا‪ ،‬أي سواء حدث الفطر عمدا أو سهوا أوغلبة أو إكراها‪ ،‬وسواء أكان الفطر حراما أم‬
‫جائزا أم واجبا كمن أفطر خوف هلك‪ ،‬وسواء وجبت الكفارة أم ل‪ ،‬أو كان الفرض أصليا أم نذرا‪.‬‬
‫الثاني ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معا بالفطر في رمضان فقط دون غيره‪ :‬هو ما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الجماع عمدا‪ :‬أي إدخال الحشفة في فرج مطيق ولو بهيمة‪ ،‬وإن لم ينزل المني‪ ،‬إذا انتهك حرمة‬
‫رمضان بأن كان غير مبال بها بأن تعمدها اختيارا بل تأويل قريب‪ ،‬احترازا من الناسي والجاهل‬
‫والمتأول‪ ،‬وذلك سواء أتى زوجته أو أجنبية‪ ،‬فإن طاوعته المرأة فعليه الكفارة وعليها‪ ،‬وإن وطئها‬
‫نائمة أو مكرهة كفر عنه وعنها‪ ،‬وإن جامع ناسيا أو مكرها أو متأولً‪ ،‬فل كفارة عليه‪.‬‬

‫( ‪)3/90‬‬

‫ً‪ - 2‬إخراج المني أو المذي يقظة مع لذة معتادة بتقبيل أو مباشرة فيما دون الفرج‪ ،‬أو بنظر أو تفكر‬
‫عند الستدامة أو كانت عادته النزال عند الستدامة‪ ،‬أو كانت عادته المناء بمجرد النظر‪ ،‬فمن قبّل‬
‫فأمنى فقد أفطر اتفاقا‪ ،‬وإن أمذى فيفطر عند مالك وأحمد دون غيرهما‪.‬‬
‫ول كفارة على الراجح إذا أمنى بتعمد النظر أو الفكر‪ ،‬ولم تكن عادته النزال بهما‪ ،‬أو أمنى بمجرد‬
‫الفكر أو النظر من غير استدامة لهما (‪. )1‬‬
‫ً‪ - 3‬الكل والشر ب عمدا‪ ،‬ومثلهما بلع كل ما يصل إلى الحلق من الفم خاصة‪ ،‬ولو لم يغذ كنحو‬
‫حصاة وصلت الجوف‪ ،‬وتعمد القيء وابتلع شيء منه ولو غلبة‪ ،‬وتعمد الستياك بجوزاء (‪ )2‬نهارا‬
‫وابتلعه ولوغلبة‪ ،‬وذلك قياسا على الجماع والنزال‪ ،‬لنتهاك حرمة شهر رمضان‪ .‬ول تجب الكفارة‬
‫بالفطار ناسيا‪ ،‬ول بما يصل إلى الجوف من غير الفم كالنف والذن؛ لن الكفارة معللة بالنتهاك‬
‫الذي هو أخص من العمد‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬تجب الكفارة بالصباح بنية الفطر‪ ،‬ولو نوى الصيام بعده على الصح‪ ،‬وبفرض النية أي رفعها‬
‫نهارا على الصح‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬تعمد الفطر لغير عذر‪ ،‬ثم مرض أو سافر‪ ،‬أو حاضت المرأة‪ ،‬فتجب الكفارة على المشهور‪.‬‬
‫ول تجب الكفارة إل بالشروط السبعة التية المفهومة مما سبق بيانه وهي‪:‬‬
‫أولً ـ أن يكون الفطر في أداء رمضان‪ ،‬فل تجب الكفارة في غيره‪ ،‬كقضاء رمضان وصوم منذور‪،‬‬
‫وصوم كفارة أو نفل‪.‬‬
‫ثانيا ـ أن يتعمد الفطر‪ :‬فل كفارة على ناس‪ ،‬أو مخطئ‪ ،‬أو معذور بعذر كمرض أو سفر‪.‬‬
‫ثالثا ـ أن يكون مختارا‪ :‬فل كفارة على مستكره‪ ،‬أو مفطر غلبة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحاصل‪ :‬أنه إذا أمنى بمجرد الفكر أو النظر من غير استدامة لهما‪ ،‬فل كفارة قطعا‪ ،‬وإن‬
‫استدامهما حتى أنزل‪ ،‬فإن كانت عادته النزال بهما عند الستدامة‪ ،‬فالكفارة قطعا‪ ،‬وإن كانت عادته‬
‫عدم النزال بهما عند الستدامة‪ ،‬فخالف عادته وأمنى‪ ،‬فل كفارة على المختار‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجوزاء‪ :‬قشر يتخذ من أصول شجر الجوزاء‪ ،‬يستعمله بعض نساء أهل المغرب‪.‬‬

‫( ‪)3/91‬‬

‫رابعا ـ أن يكون عالما بحرمة الفطر‪ ،‬فل كفارة على جاهلها‪ ،‬كحديث عهد بالسلم‪ ،‬ظن أن الصوم‬
‫ل يحرم معه الجماع‪ ،‬فجامع‪ ،‬فل كفارة عليه‪ .‬ول كفارة على من جهل حلول رمضان‪ ،‬كمن أفطر‬
‫يوم الشك قبل ثبوت الهلل‪.‬‬
‫خامسا ـ أن ينتهك حرمة شهر رمضان أي ل يبالي بها‪ :‬فل كفارة على متأول‬
‫تأويلً قريبا‪ :‬وهو المستند في فطره لمر موجود‪ ،‬مثل أن يفطر ناسيا أو مكرها‪ ،‬ثم أكل أو شرب‬
‫عمدا‪ ،‬ظانا عدم وجوب المساك عليه‪ ،‬فل كفارة عليه لستناده لمر موجود سابقا وهوالفطر نسيانا‬
‫أو بإكراه‪ .‬ومثل من أفطر بسبب سفر أقل من مسافة القصر‪ ،‬ظانا أن الفطر مباح له‪ ،‬لظاهر قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ومن كان مريضا أو على سفر‪ ،‬فعدة من أيام أخر} [البقرة‪ ]185-184/2:‬ونحو من تعمد‬
‫الفطر يوم الثلثين من رمضان منتهكا للحرمة‪ ،‬ثم تبين أنه يوم العيد‪ ،‬وكذلك الحائض تفطر متعمدة‪،‬‬
‫ثم تعلم أنها حاضت قبل فطرها‪ ،‬فل كفارة عليها على المعتمد‪.‬‬
‫حمّى أو الحيض في يوم معين‪ ،‬فبيت نية الفطر‪ ،‬ولم يحدث‬
‫أما المتأول تأويلً بعيدا كمن اعتاد ال ُ‬
‫العارض‪ ،‬فعليه الكفارة‪ .‬ومثله من اغتاب ظانا بطلن صومه فأفطر متعمدا‪ ،‬فعليه الكفارة‪.‬‬
‫سادسا ـ أن يكون الواصل من الفم‪ :‬فلو وصل شيء من الذن أو العين فل كفارة‪ ،‬وإن وجب‬
‫القضاء‪ ،‬كما أبنت‪.‬‬
‫سابعا ـ أن يكون الوصول للمعدة‪ :‬فلو وصل شيء إلى حلق الصائم‪ ،‬ورده‪ ،‬فل كفارة عليه‪.‬‬

‫( ‪)3/92‬‬

‫ما ل يفسد الصوم‪:‬‬


‫ل يفسد الصوم بأحوال قد يتوهم فيها وهي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬من غلبه القيء‪ ،‬ولم يرجع منه شيء لحلقه‪ ،‬أو غلبه الذباب أو البعوض‪ ،‬أوغبار الطريق‪ ،‬أو‬
‫غبار الدقيق لصانعه وهو الطحان والناخل والمغربل والحامل ونحوه في أثناء مزاولة المهنة كحافر‬
‫القبر وناقل التراب لغرض‪ ،‬لنه ل يمكن الحتراز عنه‪ ،‬ولضرورة الصنعة‪ .‬أما غير الصانع فعليه‬
‫القضاء‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الحقنة في الحليل أي ثقبة الذكر‪ ،‬ولو بمائع‪ ،‬لنه ل يصل عادة للمعدة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬دهن الجائفة بالدواء‪ :‬أي دهن الجرح في البطن أو الجنب الواصل للجوف‪ ،‬لنه ل يصل لمحل‬
‫الكل والشرب‪ ،‬وإل لمات من ساعته‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬نزع المأكول أو المشروب أو الفرج عند طلوع الفجر‪ ،‬فإن ظن النازع إباحة الفطر‪ ،‬فأفطر‪ ،‬فل‬
‫كفارة عليه‪ ،‬لن فطره بتأويل قريب‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬من غلبه المني أو المذي بمجرد النظر أو الفكر أي غير المستديم‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬من ابتلع ريقه‪ ،‬أو ما بين أسنانه من بقايا الطعام‪ ،‬إل إذا كان كثيرا عرفا‪.‬‬
‫ً‪ - 7‬المضمضة للعطش‪ ،‬والصباح بالجنابة‪ ،‬والسواك في كل النهار لمقتض شرعي من وضوء‬
‫وصلة وقراءة وذكر ال تعالى‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬الحجامة ل تفطر‪ ،‬ولكنها تكره‪.‬‬
‫الشافعية (‪ : )1‬ما يفسد الصوم نوعان‪ :‬نوع يوجب القضاء فقط‪ ،‬ونوع يوجب القضاء والكفارة‪.‬‬
‫الول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط‪:‬‬
‫يفسد الصوم ويجب القضاء فقط دون الكفارة بالمور التية‪ ،‬ويجب المساك بقية النهار على من‬
‫أفطر بغير عذر؛ لنه أفطر بغير عذر‪.‬‬
‫‪ -1‬وصول شيء مادي (عين) إلى الجوف وإن قل كسمسمة‪ ،‬أو لم يؤكل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 432،442-427/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪.185-183/1 :‬‬

‫( ‪)3/93‬‬

‫عادة كحصاة أو تراب‪ ،‬من منفذ مفتوح كالفم والنف والذن والقُبُل (الحليل) والدبر وجرح الدماغ‪،‬‬
‫إذا كان عمدا؛ لن الصوم هو المساك عن كل ما يصل إلى الجوف‪ ،‬وهذا ما أمسك‪ ،‬فمن أكل أو‬
‫شرب ناسيا‪ ،‬أو مكرها‪ ،‬أو جاهلً بأن ذلك مفطر بسبب قرب عهده بالسلم‪ ،‬أو نشأ ببادية بعيدة عن‬
‫العلماء‪ ،‬لم يفطر‪ ،‬سواء أكان المأكول قليلً أم كثيرا‪ ،‬لعدم توافر العمد‪ .‬وعدم الفطر بالكراه هو‬
‫الظهر‪ .‬ولو وصل جوفَه ذباب أو بعوضة‪ ،‬أو غبار الطريق‪ ،‬ولو تعمد فتح فمه حتى دخل التراب‬
‫جوفه‪ ،‬أو غربلة الدقيق ‪ ،‬أو وصول الثر كوصول الريح بالشم إلى دماغه‪ ،‬لم يفطر‪ ،‬لعدم توافر‬
‫القصد‪ ،‬ولما فيه من المشقة الشديدة‪ ،‬ولنه معفو عن التراب في حال تعمد فتح الفم‪ .‬لكن لو استخدم‬
‫مريض الربو بخاخة الهواء عند ضيق ال ّنفَس‪ ،‬فإنه يفطر؛ لن ما يعفى عن جنسه كالتراب والهواء‬
‫مقصور على حالة البتلء العام‪ ،‬فإن كان الشيء خاصا‪ ،‬كتعمد ابتلع رائحة شواء لحم‪ ،‬فيفطر‪،‬‬
‫لسهولة الحتراز عنه‪ .‬ومثل ذلك تناول حب تصلب الشرايين عند الحساس بالضيق‪.‬‬
‫ول يفطر ببلع ريقه الطاهر الخالص من معدنه (وهو الفم جميعه الذي فيه قراره ومنه ينبع) ولو بعد‬
‫جمْعه ثم ابتلعه في الصح وإن أخرجه على لسانه لعسر الحتراز عنه‪ ،‬ولنه في حال جمعه لم‬
‫يخرج عن معدنه‪ ،‬فهوكابتلعه متفرقا من معدنه‪ .‬فإن خرج الريق عن فمه ثم رده وابتلعه؛ أو بلّ‬
‫خيطا بريقه‪ ،‬ورده إلى فمه‪ ،‬وعليه رطوبة تنفصل‪ ،‬وابتلعها؛ أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره‪ ،‬أو‬
‫متنجسا‪ ،‬أفطر في الحالت الثلث‪ ،‬أما الولى فلخروجه عن معدنه فصار كالعيان الخارجة‪ ،‬وأما‬
‫الثانية فلنه ل ضرورة إليه‪ ،‬وأما الثالثة فلنه أجنبي عن الريق‪.‬‬

‫( ‪)3/94‬‬

‫وكذلك ل يفطر بابتلع ما بقي من الطعام بين السنان من غير قصد إن عجز عن تمييزه ومجه‪ ،‬لنه‬
‫معذور فيه غير مقصر‪ ،‬فإن قدر على تمييزه ومجه وابتلعه ولو قليلً دون الحمصة‪ ،‬فإنه يفطر‪،‬‬
‫فيفطر بجري الريق بما بين السنان لقدرته على مجه‪ ،‬ويفطر ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬بالنخامة أيضا وهي‬
‫التي تنزل من الرأس أو الجوف‪ ،‬ووصلت إلى حد الظاهر من الفم‪ ،‬فأجراها هو‪ .‬أما لو جرت بنفسها‬
‫وعجز عن مجها فل يفطر للعذر‪ ،‬كما ل يفطر إذا لم تصل إلى حد الظاهر‪ ،‬كأن نزلت من دماغه إلى‬
‫حلقه‪ ،‬وهي في حد الباطن‪ ،‬ثم إلى جوفه‪ ،‬وإن قدر على مجها‪ ،‬لنها نزلت من جوف إلى جوف‪.‬‬
‫ويفطر بتناول الدخان المعروف ونحوه كالتمباك والنشوق‪ ،‬وبوصول شيء إلى باطن الدماغ‪ ،‬والبطن‪،‬‬
‫والمعاء‪ ،‬والمثانة‪ ،‬وبالحقنة في الحليل (مخرج البول من الذكر‪ ،‬واللبن من الثدي)‪ ،‬وبالتقطيرفي‬
‫باطن الذن‪ ،‬وبإدخال عود ونحوه لباطن الذن؛ لن كل ذلك جوف‪ ،‬وقد وصل إليه من منفذ مفتوح‪.‬‬
‫ول يضر وصول الدهن إلى الجوف بتسرب المسام (وهي ثقب البدن) ول الكتحال وإن وجد طعم‬
‫الكحل في حلقه؛ لن الواصل إليه ليس من منفذ وإنما من المسام‪ ،‬وقد روى البيهقي أنه صلّى ال‬
‫عليه وسلم «كان يكتحل بالثمد وهو صائم» فل يكره الكتحال للصائم‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابتلع النّخامة‪ :‬وهي ما ينزل من الرأس أو الجوف‪ ،‬أما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها‪ ،‬فل‬
‫يفطر‪ ،‬وإن تركها مع القدرة على لفظها‪ ،‬فوصلت الجوف‪ ،‬أفطر في الصح لتقصيره‪ ،‬كما تقدم بيانه‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ - 3‬سبق ماء المضمضة أ و الستنشاق المشروع إلى جوفه‪ ،‬في حال المبالغة في ذلك؛ لن الصائم‬
‫منهي عن المبالغة‪ .‬فإن لم يبالغ فل يفطر‪ ،‬لنه تولد من مأمور به بغير اختياره‪.‬‬
‫وإن سبق الماء غير المشروع إلى جوفه‪ ،‬كما في حال التبرد‪ ،‬أو العبث‪،‬أو في المرة الرابعة من‬
‫المضمضة أو الستنشاق‪ ،‬أفطر؛ لنه غير مأمور بذلك‪ ،‬بل منهي عنه في الرابعة‪.‬‬

‫( ‪)3/95‬‬

‫‪ - 4‬الستقاءة أي تعمد القيء‪ ،‬حتى لو تيقن على الصحيح أنه لم يرجع شيء إلى جوفه‪ ،‬لن المفطر‬
‫عينها‪ ،‬لظاهر خبر ابن حبان وغيره‪« :‬من ذرَعه القيء (‪ ، )1‬وهو صائم‪ ،‬فليس عليه قضاء‪ ،‬ومن‬
‫استقاء فليقض» هذا إذا كان عالما بالتحريم عامدا مختارا لذلك‪ ،‬فإن كان جاهلً لقرب عهده بالسلم‪،‬‬
‫أو نشأ بعيدا عن العلماء‪ ،‬أو ناسيا أو مكرها‪ ،‬فإنه ل يفطر‪.‬‬
‫‪ - 5‬الستمناء (وهو إخراج المني بغير جماع‪ ،‬محرّما كأن أخرجه بيده‪ ،‬أو غير محرّم كإخراجه بيد‬
‫زوجته)‪ ،‬وخروج المني بلمس وقبلة ومضاجعة بل حائل؛ لنه إنزال بمباشرة‪.‬‬
‫ول يفطر بإنزال المني بفكر (وهو إعمال الخاطر في الشيء)‪ ،‬أو نظر بشهوة‪ ،‬أو بضم امرأة بحائل‬
‫بشهوة؛ إذ ل مباشرة‪ ،‬فأشبه الحتلم‪ ،‬مع أنه يحرم تكريرها وإن لم ينزل‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يتبين الغلط بالكل نهارا بسبب طلوع الفجر‪ ،‬أو لعدم غروب الشمس‪ ،‬إذ ل عبرة بالظن البيّن‬
‫خطؤه‪.‬‬
‫ويحل الفطار آخر النهار بالجتهاد بسبب قراءة ورد أو غيره كوقت الصلة‪ ،‬والحتياط أل يأكل‬
‫آخر النهار إل بيقين‪ ،‬ويجوز الكل آخر الليل إذا ظن بقاء الليل أوشك؛ لن الصل بقاء الليل‪ .‬ولو‬
‫طلع الفجر‪ ،‬وفي فمه طعام‪ ،‬فلفظه‪ ،‬صح صومه‪ ،‬وكذا يصح لو كان مجامعا فنزع في الحال‪ ،‬فإن‬
‫مكث بطل الصوم‪.‬‬
‫‪ - 7‬يفطر بطروء الجنون والردة والحيض والنفاس‪ ،‬لمنافاة ذلك مع شروط صحة الصوم من العقل‬
‫والسلم والطهارة من الدماء الطارئة‪ ،‬أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‬
‫أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال في المرأة‪ ،‬وقد سئل عن نقصان دينها‪« :‬أليس إذا حاضت لم‬
‫تصل ولم تصم؟» ‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬ما يوجب القضاء والكفارة والتعزير‪:‬‬
‫يجب القضاء والكفارة مع التعزير وإمساك بقية اليوم‪ ،‬بشيء واحد‪ ،‬وهو الجماع الذي يفسد صوم يوم‬
‫من رمضان بشروط أربعة عشر وهي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أي غلب عليه‪.‬‬

‫( ‪)3/96‬‬

‫ً‪ - 1‬أن يكون ناويا للصوم ليلً‪ :‬فلو ترك النية لم يصح صومه‪ ،‬ويجب عليه المساك‪.‬‬
‫ً‪ - 4ً ،3ً ،2‬أن يكون متعمدا مختارا‪ ،‬عالما بالتحريم‪ :‬فل كفارة على ناس أو مكره‪ ،‬أو جاهل‬
‫التحريم بسب قرب إسلمه‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن يحدث الجماع في نهار رمضان‪ :‬فل كفارة على جماع مفسد غير رمضان من نفل أو نذر‬
‫أو قضاء‪ ،‬أو كفارة‪ ،‬والجماع في نهار رمضان حرام لقوله تعالى‪{ :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى‬
‫نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} ‪{ ...‬فالن باشروهن} ـ إلى قوله تعالى‪{ :‬ثم أتموا الصيام إلى‬
‫الليل} [البقرة‪.]187/2:‬‬
‫ً‪ - 6‬أن يفسد الصوم بالجماع وحده‪ :‬فإن أكل ثم جامع‪ ،‬ل كفارة عليه‪ ،‬ول كفارة بغير الجماع‬
‫كالكل والشرب والستمناء باليد‪ ،‬والمباشرة فيما دون الفرج المفضية إلى النزال‪ - 7ً .‬أن يكون‬
‫آثما بهذا الجماع‪ :‬فل كفارة على صبي‪ ،‬ول على صائم مسافر أو مريض جامع بنية الترخص أو‬
‫بغيرها في الصح‪،‬لباحة الفطر له‪ ،‬ول على من زنى ناسيا للصوم؛ لنه ناسٍ‪ ،‬ول على مسافر أفطر‬
‫بالزنا مترخصا بالفطر؛ لن الفطر جائز له‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬أن يكون معتقدا صحة صومه‪ :‬فل كفارة على من جامع عامدا بعد الكل ناسيا وظن أنه أفطر‬
‫بالكل‪ ،‬لنه يعتقد أنه غير صائم‪ ،‬وإن كان الصح بطلن صومه بهذا الجماع‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬أل يكون مخطئا‪ :‬فل كفارة على من جامع ظانا وقت الجماع بقاء الليل‪ ،‬أو دخول المغرب‪،‬‬
‫فتبين أنه جامع نهارا‪ ،‬لنتفاء الثم‪.‬‬
‫ً‪ - 10‬أل يجن أو يموت بعد الوطء في أثناء النهار الذي جامع فيه قبل الغروب‪ :‬فل كفارة على من‬
‫جن أو مات حينئذ لعدم الهلية‪ ،‬فحدوث الجنون أو الموت يسقط الكفارة قطعا‪ ،‬لنه تبين بطروء ذلك‬
‫أنه لم يكن في صوم‪ ،‬لمنافاته له‪ ،‬أي أن صوم هذا اليوم خرج عن كونه مستحقا‪ ،‬فلم يجب بالوطء فيه‬
‫كفارة‪ ،‬كصوم المسافر‪ ،‬أو كما لو قامت البينة أنه من شوال‪.‬‬

‫( ‪)3/97‬‬

‫ً‪ - 11‬أن يكون الوطء منسوبا إليه‪ :‬فلو عَلَتْه امرأة وأنزل بالدخال‪ ،‬فل كفارة عليه‪ ،‬إل إن أغراها‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ً‪ - 12‬أن يكون الجماع بإدخال الحشفة‪ ،‬أو قدرها من مقطوعها‪ ،‬فل كفارة على من لم يتحقق منه‬
‫اليلج بالقدر المذكور‪ ،‬ولكن يجب عليه المساك‪.‬‬
‫ً‪ - 13‬أن يتم الجماع في فرج ولو دبرا‪،‬أو ميتة أو بهيمة‪ :‬فل كفارة على من وطئ في غير فرج‪.‬‬
‫ووطء المرأة في الدبر‪ ،‬واللواط‪ ،‬كالوطء في الفرج‪.‬‬
‫ً‪ - 14‬أن يكون واطئا ل موطوءا‪ :‬فل كفارة على المفعول به مطلقا وإنما الكفارة على الفاعل‪ ،‬وتلزم‬
‫المرأة بالقضاء فقط‪.‬‬
‫وحدوث السفر أو المرض أو الغماء أو الردة بعد الجماع ل يسقط الكفارة‪ ،‬لتحقق هتك حرمة الصوم‬
‫قبل ذلك؛ لن المرض والسفر ل ينافيان الصوم‪ ،‬فيتحقق هتك حرمته‪ ،‬وأما طروء الردة فل يبيح‬
‫الفطر‪.‬‬
‫ويجب قضاء اليوم الذي أفسده (يوم الفساد) على الصحيح مع الكفارة‪.‬‬
‫وتتعدد الكفارة بتعدد الفساد‪ ،‬فمن جامع في يومين لزمه كفارتان؛ لن كل يوم عبادة مستقلة‪ ،‬فل‬
‫تتداخل كفارتاهما‪ ،‬كحجتين جامع فيهما‪ ،‬ولو جامع في جميع أيام رمضان لزمه كفارات بعددها‪.‬‬
‫وتلزم الكفارة من انفرد برؤية الهلل‪ ،‬وجامع في يومه‪.‬‬
‫ما ل يفسد الصوم عند الشافعية‪:‬‬
‫ل يفسد الصوم بوصول شيء إلى الجوف بنسيان أو إكراه أو جهل يعذر به شرعا‪ ،‬ول بما عجز عن‬
‫مجه كالنخامة وما بين السنان من الطعام‪ ،‬ول بما يشق الحتراز عنه كغبار الطريق وغربلة الدقيق‬
‫والذباب والبعوض‪.‬‬
‫ول يفسد الصوم أيضا بالفصدِ‪ ،‬إذ ل خلف فيه‪ ،‬ول بالحجامة؛ «لنه صلّى ال عليه وسلم احتجم‬
‫وهو صائم‪ ،‬واحتجم وهو محرِم» (‪ ، )1‬لكنها تكره إل لحاجة‪.‬‬
‫ول يفسد بالكتحال ولكنه خلف الولى على الراجح‪ ،‬ول بالتقبيل ولكنه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬وروى النسائي «احتجم وهو صائم محرم» وهو ناسخ لحديث «أفطر الحاجم‬
‫والمحجوم» ‪.‬‬

‫( ‪)3/98‬‬

‫يكره لمن حركت القبلة شهوته‪ ،‬ول بالمعانقة والمباشرة‪ ،‬ول بالنزال بفكر ونظر بشهوة‪ ،‬ول بمضغ‬
‫العلك (اللبان غير المشوب بشيء) أو ذوق الطعام‪ ،‬ولكنهما يكرهان إل لحاجة‪ ،‬ول بالسواك‪ ،‬ولكنه‬
‫يكره بعد الزوال إل لسبب يقتضيه كأكل بصل نسيانا‪ ،‬ول بالتمتع بالشهوات من المبصرات‬
‫والمشمومات والمسموعات‪ ،‬ولكنه يكره‪.‬‬
‫الحنابلة (‪ : )1‬إفساد الصوم إما أن يوجب القضاء أو القضاء والكفارة‪.‬‬
‫الول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط‪ :‬هو مايأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬دخول شيء مادي من منفذ إلى الجوف أو الدماغ عمدا واختيارا‪ ،‬مع تذكر الصوم‪ ،‬ولو جهل‬
‫التحريم‪ ،‬سواء أكان مغذيا كالكل والشرب أم غير مغذّ كالحصاة وابتلع النخامة والسعوط‬
‫( النشوق ) والدواء أو الدهن الذي يصل إلى الحلق أو الدماغ‪ ،‬والحقنة في الدبر‪ ،‬وابتلع الدخان‬
‫قصدا‪ ،‬لنه واصل إلى جوفه باختياره‪ ،‬فأشبه الكل‪ .‬فل يفطر بوصول شيء غير قاصد الفعل‪ ،‬أو‬
‫ناسيا أو نائما أو مكرها‪ ،‬لحديث‪« :‬عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وحديث «من‬
‫نسي وهو صائم ‪. »...‬‬
‫ً‪ - 2‬الكتحال بكحل يتحقق معه وصوله إلى الحلق؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «أمر بالثمد‬
‫المروح عند النوم‪ ،‬وقال‪ :‬ليتقه الصائم» (‪ ، )2‬ولن العين منفذ‪ ،‬لكنه غير معتاد‪ ،‬كالواصل من‬
‫النف‪ .‬فإن لم يتحقق وصوله إلى حلقه‪ ،‬فل فطر‪ ،‬لعدم تحقق ما ينافي الصوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،137-127،135-102/3 :‬كشاف القناع‪.381-362/2،370 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والبخاري في تاريخه‪ ،‬من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد بن هوذة عن‬
‫أبيه عن جده‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)3/99‬‬

‫ً‪ - 3‬الستقاءة أي استدعاء القيء عمدا‪ ،‬فقاء طعاما أو مرارا‪ ،‬أو بلغما أو دما أوغيره‪ ،‬ولو قل‪،‬‬
‫لحديث أبي هريرة المرفوع‪« :‬من ذَرَعه القيء فليس عليه قضاء‪ ،‬ومن استقاء عمدا فليقض» (‪)1‬‬
‫ً‪ - 4‬الحجامة‪ :‬يفطر بها الحاجم والمحجوم إذا ظهر دم‪ ،‬وإل لم يفطر‪ ،‬لحديث « أفطر الحاجم‬
‫والمحجوم» (‪ )2‬وقالوا‪ :‬إن حديث الجمهور القاضي بعدم الفطار بالحجامة منسوخ بهذا الحديث‪،‬‬
‫بدليل ما روى ابن عباس أنه قال‪ :‬احتجم رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالقاحة بقرن وناب‪ ،‬وهو‬
‫محرم صائم‪ ،‬فوجد لذلك ضعفا شديدا‪ ،‬فنهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يحجم الصائم (‪. )3‬‬
‫ً‪ - 5‬التقبيل والستمناء واللمس والمباشرة دون الفرج فأمنى‪ ،‬أو أمذى‪ ،‬وتكرار النظر فأمنى ل إن‬
‫أمذى‪ ،‬إذ فعل ذلك عامدا‪ ،‬وهو ذاكر لصومه‪ :‬يوجب القضاء بل كفارة إذا كان صوما واجبا‪ ،‬لما‬
‫روى أبو داود عن عمر‪ :‬أنه قال‪« :‬هششت‪ ،‬فقبلت وأنا صائم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني فعلت أمرا‬
‫عظيما‪ ،‬قبّلت وأنا صائم‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم؟ قلت‪ :‬ل بأس به‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فَمهْ» فشبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الفطر‪ ،‬فإن القبلة إذا كان معها نزول‪ ،‬أفطر‬
‫وإل فل‪ ،‬فل فطر بدون إنزال‪ ،‬لقول عائشة‪« :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم يقبل وهو صائم‪ ،‬وكان‬
‫أملككم لربه» (‪. )4‬‬
‫والفطار بتكرار النظر والمناء‪ ،‬لنه إنزال بفعل يلتذ به‪ ،‬ويمكن التحرز منه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حسن غريب‪ ،‬ورواه أيضا الدارقطني وقال‪ :‬إسناده كلهم ثقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه عن النبي صلّى ال عليه وسلم أحد عشر نفسا‪ ،‬منهم رافع بن خديج الذي روى حديثه أحمد‬
‫والترمذي (نيل الوطار‪.)200/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو إسحاق الجوزجاني‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري‪ ،‬والرب‪ :‬حاجة النفس ووطرها‪.‬‬

‫( ‪)3/100‬‬
‫فأشبه النزال باللمس‪ .‬أما عدم الفطار بتكرار النظر والمذاء‪ ،‬فلنه لنص فيه‪ ،‬والقياس على إنزال‬
‫المني‪ ،‬لمخالفته إياه في الحكام‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬الردة مطلقا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر‪.]65/39:‬‬
‫ً‪ - 7‬الموت يفسد صوم اليوم الذي مات فيه الصائم في صوم النذر والكفارة‪ ،‬فيطعم من تركته‬
‫مسكين‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬تبين الغلط في الكل نهارا‪ :‬فإن أكل أو شرب شاكا في غروب الشمس أفطر وقضى؛ لن‬
‫الصل بقاء النهار‪ ،‬أو أكل أو شرب ظانا بقاء النهار مالم يتحقق أنه كان بعد الغروب؛ لن ال تعالى‬
‫أمر بإتمام الصوم إلى الليل‪ ،‬ولم يتمه‪ ،‬أو أكل ظانا أنه ليل‪ ،‬فبان نهارا؛ لن ال تعالى أمر بإتمام‬
‫الصوم‪ ،‬ولم يتمه‪ .‬ويقضي أيضا لو أكل ونحوه ناسيا فظن أنه أفطر‪ ،‬فأكل ونحوه عمدا‪.‬‬
‫ول يقضي إن أكل ونحوه ظانا غروب الشمس‪ ،‬ودام شكه‪ ،‬ولم يتبين له الحال؛ لن الصل براءته‪.‬‬
‫أو إن أكل وبان أن أكله كان ليلً؛ لنه أتم صومه‪.‬‬
‫الثاني ـ ما يوجب القضاء والكفارة معاً‪:‬‬
‫وهو شيء واحد وهو الجماع في نهار رمضان‪ ،‬بل عذر سابق كمن به مرض‪ ،‬في فرج‪ :‬قبل أو دبر‬
‫من آدمي أو غيره كبهيمة‪ ،‬من حي أو ميت‪ ،‬أنزل أم ل‪.‬‬

‫( ‪)3/101‬‬

‫إذا كان عامدا أو ساهيا‪ ،‬أو مخطئا‪ ،‬أو جاهلً‪ ،‬أو مختارا أو مكرها‪ ،‬سواء أكره في حال اليقظة أم في‬
‫حال النوم‪ ،‬لحديث أبي هريرة المتفق عليه في إيجاب الكفارة على المجامع‪ ،‬وأما كون الساهي أو‬
‫الناسي كالعامد في ظاهر المذهب‪ ،‬والمكره كالمختار‪ ،‬النائم كالمستيقظ‪ ،‬فلنه صلّى ال عليه وسلم لم‬
‫يستفصل العرابي‪ ،‬ولو اختلف الحكم بذلك لستفصله؛ لن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز‪،‬‬
‫والسؤال معاد في الجواب‪ ،‬كأنه قال‪ :‬إذا واقعت في صوم رمضان فكفّر‪ ،‬ولنه عبادة يحرم الوطء‬
‫فيه‪ ،‬فاستوى عمده وغيره كالحج‪ .‬وأما كونه ل فرق بين أن ينزل أو ل‪ ،‬فلنه في مظنة النزال‪،‬‬
‫وأما الكفارة في حالة الكراه‪ :‬فلن الكراه على الوطء ل يمكن؛ لنه ل يطأ حتى ينتشر‪ ،‬ول ينتشر‬
‫إل عن شهوة‪ ،‬فكان كغير المكره‪.‬‬
‫وأما كونه ل فرق بين كون الفرج قبلً أو دبرا‪ ،‬من ذكر أو أنثى‪ ،‬فلنه أفسد صوم رمضان بجماع‬
‫في الفرج‪ ،‬فأوجب الكفارة‪ .‬وأما الوطء في فرج البهيمة فلنه وطء في فرج موجب للغسل مفسد‬
‫للصوم‪ ،‬فأشبه وطء الدمية‪ ،‬ويفسد صوم المرأة كالرجل بالجماع‪ ،‬لنه نوع من المفطرات‪ ،‬فاستوى‬
‫فيه الرجل والمرأة كالكل‪ ،‬وتلزمها الكفارة إذا جومعت بغير عذر؛ لنها هتكت حرمة صوم رمضان‬
‫بالجماع‪ ،‬فتلزمها الكفارة كالرجل‪ .‬ول تلزمها الكفارة مع العذر‪ ،‬كنوم أو إكراه‪ ،‬أو نسيان‪ ،‬أو جهل؛‬
‫لنها معذورة‪ ،‬ويفسد صومها بذلك‪ ،‬فيلزمها القضاء‪.‬‬
‫لكن لو استدخلت صائمة ذكر نائم أو صبي أو مجنون‪ ،‬بطل صومها للجماع‪ ،‬فيجب عليها القضاء‬
‫والكفارة‪ ،‬إن كان في نهار رمضان‪.‬‬
‫وإن تساحقت امرأتان وإن أنزل‪ ،‬أوأنزل مجبوب بالسحاق‪ ،‬فسد الصوم‪ :‬لنه إذا فسد الصوم باللمس‬
‫مع النزال‪ ،‬ففيما ذكر بطريق الولى‪ ،‬ول كفارة عليهما ول على المجبوب في الصح؛ لن ذلك ليس‬
‫بمنصوص‪ ،‬ول في معنى المنصوص عليه‪ ،‬فيبقى على الصل‪.‬‬

‫( ‪)3/102‬‬

‫وإن جامع في يومين من رمضان واحد‪ ،‬ولم يكفر لليوم الول‪ ،‬فعليه كفارتان؛ لن كل يوم عبادة‪،‬‬
‫وكالحجتين‪ ،‬وكيومين من رمضانين‪ ،‬وأما إن جامع ثم جامع في يوم واحد قبل التكفير‪ ،‬فعليه كفارة‬
‫واحدة بغير خلف‪ .‬وإن جامع ثم كفر‪ ،‬ثم جامع في يومه‪ ،‬فعليه كفارة ثانية‪ ،‬لنه وطء محرم‪ ،‬وقد‬
‫تكرر فتتكرر هي كالحج‪.‬‬
‫وتلزم الكفارة إذا وطئ كل من لزمه المساك‪ ،‬كمن لم يعلم برؤية الهلل إل بعد طلوع الفجر‪ ،‬أو‬
‫نسي النية‪ ،‬أو أكل عامدا‪ ،‬ثم جامع‪ ،‬لهتكه حرمة الزمن به‪ ،‬ولنها تجب على المستديم للوطء‪.‬‬
‫وإذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع‪ ،‬فعليه القضاء والكفارة‪ ،‬لنه ترك صوم رمضان بجماع‪،‬‬
‫أثم به لحرمة الصوم‪ ،‬فوجبت به الكفارة ‪ ،‬كما لو وطئ بعد طلوع الفجر‪.‬‬
‫وإن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر‪ ،‬فعليه القضاء والكفارة‪ ،‬فالنزع جماع‪ ،‬فلوطلع عليه الفجر‬
‫وهو مجامع‪ ،‬فنزع في الحال‪ ،‬مع أول طلوع الفجر الثاني‪ ،‬فعليه القضاء والكفارة؛ لنه يلتذ بالنزع‪،‬‬
‫كما يلتذ باليلج‪.‬‬
‫ولو جامع يعتقد بقاء الليل‪ ،‬فبان نهارا وأن الفجر كان قد طلع‪ ،‬وجب عليه القضاء والكفارة؛ لنه ل‬
‫فرق بين العامد والمخطئ‪ ،‬كما بينا‪ .‬ولو جامع في أول النهار‪ ،‬ثم مرض أو جن‪ ،‬أو كانت امرأة‬
‫فحاضت أو نفست في أثناء النهار‪ ،‬لم تسقط الكفارة؛ لنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة‪ ،‬فلم يسقطها‬
‫كالسفر‪ ،‬ولنه أفسد صوما واجبا في رمضان بجماع تام‪ ،‬فاستقرت الكفارة عليه‪ ،‬كما لولم يطرأ عذر‪.‬‬
‫وإن جامع دون الفرج عمدا‪ ،‬فأنزل ولومذيا‪ ،‬فسد الصوم‪ ،‬ول كفارة‪ ،‬لنه ليس بجماع‪ ،‬وإن لم ينزل‬
‫لم يفسد صومه‪ ،‬كاللمس والقبلة‪ .‬ول تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان‪ ،‬باتفاق أكثر العلماء‪ ،‬لنه‬
‫جامع في غير رمضان‪ ،‬فلم تلزمه كفارة‪ ،‬كما لو جامع في صيام الكفارة‪ ،‬ويفارق القضاء الداء‪ ،‬لنه‬
‫متعين بزمان محترم‪ ،‬فالجماع فيه هتك له‪ ،‬بخلف القضاء‪.‬‬

‫( ‪)3/103‬‬

‫ومن به شبق يخاف أن ينشق ذكره أو أنثياه أو مثانته‪ ،‬جامع وقضى ول يكفر للضرورة مثل أكل‬
‫الميتة للمضطر‪ ،‬وإن اندفعت شهوته بغير الجماع كالستمناء بيده أو يد زوجته ونحوه كالمفاخذة‪ ،‬لم‬
‫يجز له الوطء‪ ،‬كالصائل يندفع بالسهل‪ ،‬ل ينتقل إلى غيره‪.‬‬
‫وحكم المريض الذي ينتفع بالجماع في مرضه حكم من خاف تشقق فرجه في جواز الوطء‪.‬‬
‫وفي حال الضرورة إلى وطء حائض وصائمة بالغ‪ ،‬يكون وطء الصائمة أولى من وطء الحائض؛ لن‬
‫تحريم وطء الحائض بنص القرآن‪ .‬وإن لم تكن الزوجة بالغا‪ ،‬وجب اجتناب الحائض‪ ،‬للستغناء عنه‬
‫بل محذور‪ ،‬فيطأ الصغيرة وكذا المجنونة‪.‬‬
‫وإن تعذر قضاء ذي الشبق لدوام شبقه‪ ،‬فهو ككبير عجز عن الصوم‪ ،‬فيطعم لكل يوم مسكينا‪ ،‬ول‬
‫قضاء إل مع عذر معتاد كمرض أو سفر‪.‬‬
‫مال يفسد الصوم‪:‬‬
‫ل يفطر الصائم بما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬بما ل يمكن الحتراز عنه‪ :‬كابتلع الريق وغبار الطريق وغربلة الدقيق والتقطير في إحليل‬
‫ولو وصل مثانته‪ ،‬لعدم المنفذ‪ ،‬وكذا إن جمع الريق ثم ابتلعه قصدا‪ ،‬لم يفطر؛ لنه يصل إلى جوفه‬
‫من معدنه (أي فمه)‪ ،‬فإن خرج ريقه إلى ثوبه‪ ،‬أو بين أصابعه‪ ،‬أو بين شفتيه‪ ،‬ثم عاد فابتلعه‪ ،‬أو بلع‬
‫ريق غيره‪ ،‬أفطر؛ لنه ابتلعه من غير فمه‪ ،‬فأشبه ما لو بلع غيره‪ .‬ول يفطر ببصق النخامة بل قصد‬
‫من مخرج الحاء المهملة‪ ،‬فإن ابتلعها أفطر‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬بالمضمضة والستنشاق بغير خلف‪ ،‬سواء أكان في الطهارة أم غيرها وسواء بالغ أم زاد عن‬
‫الثلث‪ ،‬بدليل حديث عمر السابق في القبلة‪ ،‬وقياسها على المضمضة‪ ،‬لكن تكره المضمضة عبثا و‬
‫لحر أو عطش‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬بمضغ العلك‪ :‬وهو الذي ل يتحلل منه أجزاء‪ ،‬وإنما الذي يصلب ويقوى كلما مضغه‪ ،‬ولكن‬
‫يكره مضغه ول يحرم؛ لنه يجمع الريق‪ ،‬ويورث العطش‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬بالقبلة واللمس والمفاخذة ونحوها بدون إنزال‪ :‬فإن أنزل فسد صومه‪ ،‬ول كفارة عليه؛ لنه ليس‬
‫بجماع‪.‬‬
‫( ‪)3/104‬‬

‫ً‪ - 5‬المذاء بتكرار النظر‪ ،‬لنه ل نص فيه‪ ،‬والمناء بغير تكرار النظر‪ ،‬لعدم إمكان التحرز من‬
‫النظرة الولى‪ ،‬وتكرار النظر بغير إنزال‪ .‬ول يفطر إن فكر فأمنى أو أمذى‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬عفي لمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به» (‪. )1‬‬
‫كما ل يفطر إن حصل النزال بفكر غالب أي غير اختياري‪ ،‬بأن لم يتسبب فيه‪ ،‬أو احتلم أو أنزل‬
‫لغير شهوة‪ ،‬كالذي يخرج منه المني لمرض أو لسقطة من موضع عال‪ ،‬أو خروجا منه لهيجان شهوة‬
‫من غير أن يمس ذكره بيد‪ ،‬أو أمنى نهارا من وطء ليل‪ ،‬لنه لم يتسبب إليه في النهار‪ ،‬أو أمنى ليلً‬
‫من مباشرته نهارا‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬الفصد والشرط‪ ،‬وإخراج الدم برعاف‪ ،‬وجرح الصائم نفسه أو جرحه غيره بإذنه ولم يصل إلى‬
‫جوفه شيء من آلة الجرح‪ ،‬ولو كان الجرح بدل الحجامة‪ ،‬لنه ل نص فيه‪ ،‬والقياس ل يقتضيه‪.‬‬
‫ً‪ - 7‬دخول شيء إلى الجوف غير قاصد الفعل‪ :‬بأن فعل ذلك ناسيا أو مكرها أو نائما‪ ،‬لنه ل قصد‬
‫للنائم‪ ،‬وللحديث المتقدم‪« :‬من نسي وهو صائم فأكل أو شرب‪ ،‬فليتم صومه‪ ،‬فإنما أطعمه ال وسقاه» ‪.‬‬
‫ويجب على من رأى الصائم إعلمه إذا أراد الكل أو الشرب ناسيا أو جاهلً‪ ،‬كإعلم نائم إذا ضاق‬
‫وقت الصلة‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬الشك في طلوع الفجر‪ :‬من أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع الفجر‪ ،‬ودام شكه؛ لن‬
‫الصل بقاء الليل‪ ،‬فيكون زمانه الشك منه‪ ،‬ولظاهر الية‪{ :‬وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط‬
‫البيض من الخيط السود من الفجر} [البقرة‪ .]187/2:‬لكن يفطر وعليه القضاء إن أكل ظانا أن‬
‫الفجر لم يطلع وقد كان طلع‪ ،‬أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب‪ ،‬لنه يمكن التحرز منه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة‪ ،‬والطبراني عن عمران بن حصين بلفظ «إن ال‬
‫تجاوز لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به» هو صحيح (الجامع الصغير‪.)68/1 :‬‬

‫( ‪)3/105‬‬

‫ً‪ - 9‬غلبة القيء‪ :‬فمن ذرعه القيء (‪ )1‬فل شيء عليه‪ ،‬بخلف من استقاء فعليه القضاء‪.‬‬
‫ً‪ - 10‬السواك كل النهاروعدم الغتسال من الجنابة‪ ،‬لكن يستحب الغسل ليلً قبل طلوع الفجر الثاني‬
‫لكل من لزمه الغسل من جنابة وحائض ونفساء انقطع دمها‪ ،‬وكافر أسلم‪ ،‬خروجا من الخلف‪.‬‬
‫ً‪ - 11‬الكحل إن لم يجد طعمه في الحلق‪ ،‬وتلطيخ باطن القدم بالحناء‪ ،‬مع وجود طعمه بالحلق‪.‬‬
‫ً‪ - 12‬إدخال المرأة أصبعها أو غيرها في فرجها ولو مبتلة‪.‬‬
‫وخلصة آراء المذاهب في أهم المواضع السابقة‪ :‬أن الجماع في نهار رمضان موجب للقضاء‬
‫والكفارة والمساك بقية النهار‪ ،‬وكذلك الكل والشرب عمدا عند الحنفيةوالمالكية خلفا لغيرهم قياسا‬
‫على الجماع‪ ،‬بجامع انتهاك حرمة الشهر‪.‬‬
‫ويفطر الصائم بالتفاق بالقيء عمدا أو بتناول أي شيء مادي يصل إلى الجوف عمدا‪ ،‬سواء أكان‬
‫مغذيا أم غير مغذّ‪ ،‬ول يفطر بالفصد اتفاقا كما ل يفطر عند الجمهور بالكل ونحوه ناسيا‪ ،‬ويفطر‬
‫عند المالكية‪ ،‬ول يفطر بالكل مكرها عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬ويفطر عند المالكية والحنفية‪ ،‬ول يفطر‬
‫عند الحنابلة بغلبة ماء المضمضة ويفطر بها عند المالكية‪ ،‬وأما عند الشافعية فيفطر في حالة‬
‫المبالغةأو العبث والتبرد أو الزيادة على الثلث‪.‬‬
‫ول يفطر بالكتحال عند الشافعية والحنفية‪ ،‬ويفطر به عند المالكية والحنابلة‪ ،‬إن وجد طعم الكحل في‬
‫الحلق‪ .‬ول يفطر عند الجمهور بالحقنة في الحليل‪ ،‬ويفطر بها عند الشافعية‪ .‬ول يفطر عند الجمهور‬
‫بنبش الذن بعود أو إدخاله فيها‪ ،‬ويفطر به عند الشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ذرعه القيء أي خرج منه بغير اختياره‪.‬‬

‫( ‪)3/106‬‬

‫ول يفطر بالحجامة عند الجمهور وإنما تكره‪،‬ويفطر بها عند الحنابلة‪ .‬ول يفطر بإنزال المذي عند‬
‫الحنفية والشافعية‪ ،‬ويفطر به عند المالكية والحنابلة في حال التقبيل أو المباشرة فيما دون الفرج‪ ،‬أما‬
‫في حال تكرار النظر فل يفطر به عند الحنابلة‪ ،‬ويفطر في رأي المالكية به أو بالتفكر عند الستدامة‪،‬‬
‫أو العتياد‪ .‬وتتداخل الكفارة فل تجب إل واحدة بتكرر الفطار في أيام عند الحنفية‪ ،‬وتتعدد الكفارة‬
‫بتعدد الفطار في أيام مختلفة عند الشافعية والحنابلة والمالكية (الجمهور)‪.‬‬
‫المبحث الثامن ـ قضاء الصوم وكفارته وفديته‪:‬‬
‫وفيه مطالب ثلثة‪:‬‬
‫المطلب الول ـ قضاء الصوم‪:‬‬
‫أولً ـ لوازم الفطار‪ :‬قال المالكية‪ :‬يترتب على الفطار سبعة أمور هي‪ :‬القضاء‪ ،‬والكفارة الكبرى‪،‬‬
‫والكفارة الصغرى (وهي الفدية)‪ ،‬والمساك‪ ،‬وقطع التتابع‪ ،‬والعقوبة‪ ،‬وقطع النية (‪. )1‬‬
‫ثانيا ـ حكم القضاء‪ :‬يجب باتفاق الفقهاء القضاء على من أفطر يوما أو أكثر من رمضان‪ ،‬بعذر‬
‫كالمرض والسفر والحيض ونحوه‪ ،‬أو بغير عذر كترك النية عمدا أو سهوا (‪ ، )2‬لقوله تعالى‪ { :‬فمن‬
‫كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة‪ ]185-184/2:‬والتقدير‪ :‬فأفطر فعدة‪ .‬وقالت‬
‫عائشة في حديث سابق‪« :‬كنا نحيض على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فنؤمر بقضاء‬
‫الصوم» ‪.‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.125-122‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ 80/2 :‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،288/1 :‬الشرح الصغير‪ ،703/1 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،437/1‬كشاف القناع‪ ،389/2 :‬المغني‪.135/3 :‬‬

‫( ‪)3/107‬‬

‫ويأثم المفطر بل عذر‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة (‬
‫‪ ، )1‬ول مرض‪ ،‬لم يقضه (‪ )2‬صوم الدهر كله‪ ،‬وإن صامه» (‪. )3‬‬
‫والمقضي وجوبا‪ :‬هو رمضان‪ ،‬وأيام الكفارة‪ ،‬والنذر‪ ،‬وحالة الشروع في التطوع في رأي الحنفية‬
‫والمالكية‪ ،‬لكن المالكية أوجبوا القضاء على من أفطر في التطوع متعمدا‪ ،‬أما من أفطر فيه ناسيا‪ ،‬أتم‬
‫ول قضاء عليه إجماعا‪ ،‬وإن أفطر فيه بعذر مبيح فل قضاء‪.‬‬
‫ووقت قضاء رمضان‪ :‬ما بعد انتهائه إلى مجيء رمضان المقبل‪ ،‬ويندب تعجيل القضاء إبراء للذمة‬
‫ومسارعة إلى إسقاط الواجب‪ ،‬ويجب العزم على قضاء كل عبادة إذا لم يفعلها فورا‪،‬ويتعين القضاء‬
‫فورا إذا بقي من الوقت لحلول رمضان الثاني بقدر ما فاته‪ ،‬ويرى الشافعية وجوب المبادرة بالقضاء‬
‫أي القضاء فورا إذا كان الفطر في رمضان بغير عذر شرعي‪ ،‬ويكره لمن عليه قضاء رمضان أن‬
‫يتطوع بصوم‪ .‬وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬يجب عليه بعد صيام‬
‫رمضان الداخل القضاء والكفارة (الفدية)‪ .‬وقال الحنفية‪ :‬ل فدية عليه سواء أكان التأخير بعذر أم بغير‬
‫عذر‪ .‬وتتكرر الفدية عند الشافعية بتكرر العوام‪.‬‬
‫ولكن ل يجزئ القضاء في اليام المنهي عن صومها كأيام العيد‪ ،‬ول في الوقت المنذور صومه‬
‫كاليام الولى من ذي الحجة‪ ،‬ول في أيام رمضان الحاضر؛ لنه متعين للداء‪ ،‬فل يقبل صوما آخر‬
‫سواه‪ .‬ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحة صومه تطوعا‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫والقضاء يكون بالعدد‪ ،‬فإذا كان رمضان تسعة وعشرين يوما‪ ،‬وجب قضاء ذلك المقدار فقط من شهر‬
‫آخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الرخصة في المر‪ :‬خلف التشديد فيه‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬إجازة تثبت العذر كسفر في طاعة‪ ،‬أو سبب‬
‫أباح ال له به الفطر‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي لم يؤد قضاءه بالفعل‪ ،‬ولم يجزه في الواقع‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬وأبو داود والنسائي‪ ،‬وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه‪ ،‬والبيهقي‪،‬‬
‫من حديث أبي هريرة (الترغيب والترهيب‪.)108/2 :‬‬

‫( ‪)3/108‬‬

‫تتابع القضاء‪ :‬اتفق أكثر الفقهاء (‪ )1‬على أنه يستحب موالة القضاء أو تتابعه‪ ،‬لكن ل يشترط التتابع‬
‫والفور في قضاء رمضان‪ ،‬فإن شاء فرقه وإن شاء تابعه‪ ،‬لطلق النص القرآني الموجب للقضاء‪ ،‬إل‬
‫إذا لم يبق من شعبان المقبل إل ما يتسع للقضاء فقط‪ ،‬فيتعين التتابع لضيق الوقت‪ ،‬كأداء رمضان في‬
‫حق من لعذر له‪.‬‬
‫ودليل عدم وجوب التتابع ظاهر قوله تعالى‪{ :‬فعدة من أيام أخر} [البقرة‪ ]185-184/2:‬فإنه يقتضي‬
‫إيجاب العدد فقط‪ ،‬ل إيجاب التتابع‪.‬‬
‫وشرط الظاهرية والحسن البصري التتابع‪ ،‬لما روي عن عائشة أنها قالت‪« :‬نزلت‪ :‬فعدة من أيام أخر‬
‫متتابعات» فسقط‪ :‬متتابعات‪.‬‬
‫صوم الولي عن الميت قضاء‪ :‬من مات وعليه صيام شيء من رمضان فله حالن (‪: )2‬‬
‫أحدهما ـ أن يموت قبل إمكان الصيام‪ ،‬إما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن‬
‫الصوم‪ ،‬فل شيء عليه عند أكثر العلماء لعدم تقصيره‪ ،‬ول إثم عليه؛ لنه فرض لم يتمكن منه إلى‬
‫الموت‪ ،‬فسقط حكمه إلى غير بدل كالحج‪ .‬وبناء عليه‪ :‬إن مات المريض أو المسافر‪ ،‬وهما على‬
‫حالهما‪ ،‬لم يلزمهما القضاء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،81/2 :‬اللباب‪ ،171/1 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،116‬بداية المجتهد‪ ،289/1 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،445/1 :‬الحضرمية‪ :‬ص ‪ ،113‬كشاف القناع‪ 388/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،121‬المغني‪.150/3 :‬‬
‫(‪ )2‬اللباب‪ ،170/1 :‬فتح القدير‪ ،85-83/2 :‬بداية المجتهد‪ ،290/1 :‬مغني المحتاج‪438/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المغني‪ 142/3 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،360/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،121‬المهذب‪:‬‬
‫‪.187/1‬‬

‫( ‪)3/109‬‬

‫الحال الثاني ـ أن يموت بعد إمكان القضاء‪ ،‬فل يصوم عنه وليه أي لم يجب صومه عند أكثر‬
‫الفقهاء‪ ،‬ولم يصح صومه عنه عند الشافعية في الجديد؛ لنه عبادة بدنية محضة‪ ،‬وجبت بأصل الشرع‬
‫فلم تدخلها النيابة في الحياة و بعد الموت كالصلة‪ ،‬ولحديث‪« :‬ل يصلي أحد عن أحد‪ ،‬ول يصوم أحد‬
‫عن أحد‪ ،‬ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدّ من حنطة» (‪ )1‬ويستحب عند الحنابلة للولي أن يصوم‬
‫عن الميت؛ لنه أحوط لبراءة الميت‪.‬‬
‫وهل يجب الطعام عنه من التركة؟‬
‫قال الحنفية والمالكية‪ :‬إن أوصى بالطعام‪ ،‬أطعم عنه وليه لكل يوم مسكينا نصف صاع (‪ )2‬من تمر‬
‫أوشعير؛ لنه عجز عن الداء في آخر عمره‪ ،‬فصار كالشيخ الفاني‪ ،‬ول بد من اليصاء‪.‬‬
‫وقال الشافعية في الجديد والحنابلة على الراجح‪ :‬الواجب أن يطعم عنه لكل يوم مد طعام (‪ )3‬لكل‬
‫مسكين‪ ،‬للحديث السابق‪ ،‬ولقول عائشة أيضا‪« :‬يطعم عنه في قضاء رمضان‪ ،‬ول يصام عنه» (‪)4‬‬
‫ولحديث ابن عمر‪« :‬من مات وعليه صيام شهر‪ ،‬فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا» (‪. )5‬‬
‫هذا‪ ...‬ويرى أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية وأبو ثور‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال عنه الحافظ الزيلعي‪ :‬غريب مرفوعا‪ ،‬وروي موقوفا على ابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬فحديث‬
‫الول رواه النسائي‪ ،‬والثاني رواه عبد الرزاق في مصنفه (نصب الراية‪.)463/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الصاع‪ :‬أربعة أمداد وهو يساوي ‪ 2751‬غم‪.‬‬
‫(‪ )3‬المد‪ :‬رطل وثلث بالرطل البغدادي‪ ،‬وبالكيل المصري‪ :‬نصف قدح من غالب قوت بلده ويساوي‬
‫‪ 675‬غم‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال الشوكاني عنه‪ :‬وهو ضعيف جدا‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن ماجه‪.‬‬

‫( ‪)3/110‬‬
‫والوزاعي والظاهرية وغيرهم أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات‪ ،‬وعليه صوم‪ ،‬أي صوم كان من‬
‫رمضان أو نذرا‪ ،‬والولي على الرجح‪ :‬هو كل قريب‪ ،‬ودليلهم أحاديث ثابتة‪ ،‬منها حديث عائشة‬
‫المتفق عليه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬من مات وعليه صيام‪ ،‬صام عنه وليه» (‪)1‬‬
‫وقيد ابن عباس والليث وأبو عبيد وأبو ثور ذلك بصوم النذر‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ الكفارة‪:‬‬
‫وأما الكفارة‪ :‬فالكلم في موجبها وحكمها ودليلها‪ ،‬وأنواعها وتعددها (‪: )2‬‬
‫فموجبها‪ :‬إفساد صوم رمضان خاصة‪ ،‬عمدا قصدا‪ ،‬لنتهاك حرمة الصوم من غير مبيح للفطر‪ ،‬فل‬
‫كفارة على من أفطر في قضاء رمضان عند الجمهور‪ ،‬ول كفارة على الناسي والمكره‪ ،‬ول تجب في‬
‫القبلة‪ ،‬ول على الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه؛ لنه من غير فعلهم‪ ،‬ولعلى المريض‬
‫والمسافر‪ ،‬والمرهق بالجوع والعطش‪ ،‬والحامل‪ ،‬لعذرهم‪ ،‬ول على المرتد؛ لنه هتك حرمة السلم‪،‬‬
‫ل حرمة الصيام خصوصا‪ .‬وقد سبق بحث الحالت الموجبة للكفارة في المذاهب‪ ،‬وأهمها الجماع‬
‫بالتفاق ‪ ،‬والفطار المتعمد بالكل ونحوه عند الحنفية والمالكية‪.‬‬
‫وحكمها‪ :‬أنها واجبة بالفطر في رمضان فقط دون غيره إن أفطر فيه ـ لدى الحنفية والمالكية ـ‬
‫منتهكا لحرمته‪ ،‬أي غير مبال بها‪ ،‬بأن تعمدها اختيارا‪ ،‬بل تأويل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.237-235/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 150/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،112‬البدائع‪ 89/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،715-706/1 :‬بداية المجتهد‪ ،297-289/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،124-122‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،444/1 :‬المهذب‪ ،184/1 :‬المغني ‪ ،134-125/3‬كشاف القناع‪.382-381/2 :‬‬

‫( ‪)3/111‬‬

‫قريب ـ على حد تعبير المالكية ـ احترازا من الناسي والجاهل والمتأول‪ ،‬فل كفارة عليهم‪ ،‬كما‬
‫أبنت‪ ،‬وكان الفطر بجماع ونحوه‪ ،‬وبأكل ونحوه عند الحنفية والمالكية‪ .‬واشترط الشافعية ليجاب هذه‬
‫الكفارة أن يكون المجامع ذاكرا لصومه‪ ،‬عالما بالحرمة‪ ،‬غير مترخص بسفر أو مرض‪ .‬فمن جامع‬
‫ناسيا أو جاهلً بالحرمة‪ ،‬أو أفسد صوما غير صوم رمضان‪ ،‬أو أفطر متعمدا بغير الجماع‪ ،‬أو كان‬
‫مسافرا ‪ ،‬فل كفارة عليه‪ ،‬وعليه القضاء فقط‪.‬‬
‫ودليل إيجابها‪ :‬حديث أبي هريرة قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬هلكتُ يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬قال‪ :‬وما أهلكك؟ قال‪ :‬وقعت على امرأتي في رمضان‪ ،‬قال‪ :‬هل تجد ما تعتق رقبة؟‬
‫قال‪ :‬ل ‪ ،‬قال‪ :‬فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل تجد ما تطعم ستين‬
‫مسكينا؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم جلس‪ ،‬فأُتي النبي صلّى ال عليه وسلم بعَرَق (‪ )1‬فيه تمر‪ ،‬قال‪ :‬تصدق بهذا‪ ،‬قال‪ :‬فهل على‬
‫أفقر منا‪ ،‬فما بين لبتيها (‪ )2‬أهلُ بيت أحوج إليه منا؟! فضحك النبي صلّى ال عليه وسلم حتى بدت‬
‫نواجذه‪ ،‬وقال‪ :‬اذهب فأطعمه أهلك (‪. )3‬‬
‫وفي لفظ ابن ماجه قال‪ :‬أعتق رقبة؟ قال‪ :‬ل أجدها‪ ،‬قال‪ :‬صم شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ل أطيق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أطعم ستين مسكينا‪ .‬وفي لفظ لبن ماجه وأبي داود في رواية‪« :‬وصم يوما مكانه»‬
‫‪-------------------------------.‬‬
‫(‪ )1‬العرق‪ :‬الزنبيل‪ ،‬وهو المكتل‪ ،‬يسع خمسة عشر صاعا‪ ،‬ووقع عند الطبراني في الوسط‪ :‬أنه أتي‬
‫بمكتل فيه عشرون صاعا‪ ،‬فقال‪ :‬تصدق بهذا‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللبتان‪ :‬تثنية لبة‪ ،‬وهي الحرة‪ ،‬والحرة‪ :‬الرض التي فيهاحجارة سود‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)214/4:‬‬

‫( ‪)3/112‬‬

‫قال الشوكاني‪ :‬استدل به على سقوط الكفارة بالعسار لما تقرر أنها ل تصرف في النفس والعيال‪،‬‬
‫ولم يبين صلّى ال عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي‪ ،‬وجزم به‬
‫عيسى بن دينار من المالكية‪ ،‬وقال الجمهور‪ :‬لتسقط بالعسار‪ ،‬قالوا‪ :‬وليس في الخبر ما يدل على‬
‫سقوطها عن المعسر‪ ،‬بل فيه ما يدل على استقرارها عليه‪ ،‬والذي أذن له في التصرف فيه ليس على‬
‫سبيل الكفارة (نيل الوطار‪ .)216/4 :‬قال ابن تيمية الجد‪ :‬وفيه دللة قوية على الترتيب‪ .‬وظاهر لفظ‬
‫الدارقطني‪ :‬أن المرأة كانت مكرهة‪.‬‬
‫ويجب قضاء اليوم مع الكفارة‪ .‬ويجب القضاء على الزوجة الموطوءة إن لم تجب عليها الكفارة‪.‬‬
‫أنواع الكفارة‪ :‬ثلثة‪ :‬عتق‪ ،‬وصيام‪ ،‬وإطعام‪ ،‬مثل كفارة الظهار والقتل الخطأ في الترتيب عند‬
‫الجمهور‪ ،‬فإن عجز عن العتق بأن لم يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين‪ ،‬فإن لم يستطع صومهما‬
‫أطعم ستين مسكينا‪ .‬والطعام عند المالكية أفضل الخصال‪ ،‬والكفارة واجبة عندهم على التخيير ل‬
‫على الترتيب (‪ . )1‬قال الشوكاني‪ :‬في حديث أبي هريرة دليل على أنه يجزئ التكفير بواحدة من‬
‫الثلث الخصال‪ .‬وظاهر الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلث على الترتيب‪ .‬قال البيضاوي‪ :‬لن‬
‫ترتيب الخصال بالفاء‪ .‬وأضاف الشوكاني قائلً‪ :‬وقد وقع في الروايات ما يدل على الترتيب والتخيير‪،‬‬
‫والذين رووا الترتيب أكثر‪ ،‬ومعهم الزيادة (‪ ، )2‬فيكون دليل المالكية العمل برواية أخرى فيها‬
‫التخيير‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الكفارة مرتبة في رأي الجمهور‪ ،‬وقال المالكية‪ :‬الكفارة واجبة في ثلثة أنواع على‬
‫التخيير‪ ،‬إما إطعام ستين مسكينا وهو الفضل‪ ،‬و صيام شهرين متتابعين‪ ،‬أوعتق رقبة‪.‬‬
‫فالعتق‪ :‬تحرير رقبة مؤمنة عند الجمهور غير الحنفية‪ :‬سليمة من العيوب أي عيوب فوات منفعة‬
‫البطش والمشي والكلم والنظر والعقل‪ ،‬قياسا في اشتراط اليمان على كفارة القتل الخطأ‪ ،‬وقال‬
‫الحنفية‪ :‬ولو كانت غير مؤمنة‪ ،‬لطلق نص الحديث السابق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.713/1 :‬‬
‫(‪ )2‬نيل الوطار‪.215/4 :‬‬

‫( ‪)3/113‬‬

‫والصيام عند العجز عن الرقبة‪ :‬صيام شهرين متتابعين‪ ،‬ليس فيهما يوم عيد‪ ،‬ول أيام التشريق‪ ،‬ول‬
‫يجزئه الصوم إن قدر على العتق قبل البدء بالصوم‪ ،‬فلو قدر على العتق في أثناء الصوم ولو في آخر‬
‫يوم‪ ،‬لزمه العتق عند الحنفية‪ ،‬ولم يلزمه عند الجمهور النتقال عن الصوم إلى العتق‪ ،‬إل أن يشاء أن‬
‫يعتق‪ ،‬فيجزئه‪ ،‬ويكون قد فعل الولى أي يندب له عتق الرقبة‪ .‬فلو أفطر ولو لعذر إل لعذر الحيض‬
‫استأنف عند الحنفية الصوم من جديد‪ ،‬ويستأنف الصوم عند المالكية إن أفطر متعمدا‪.‬‬
‫ول يستأنف إن أفطر ناسيا أو لعذر‪ ،‬أو لغلط في العدد‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬لو أفسد يوما ولو اليوم الخير‬
‫ولو بعذر كسفر ومرض وإرضاع ونسيان نية‪ ،‬استأنف الشهرين‪ ،‬لكن ل يضر الفطر بحيض ونفاس‬
‫وجنون وإغماء مستغرق؛ لن كلً منها ينافي الصوم مع كونه اضطراريا‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬ل ينقطع‬
‫التتابع بالفطر لمرض أو حيض‪.‬‬
‫والطعام عند عدم استطاعة الصوم‪ :‬إطعام ستين مسكينا‪ ،‬لكل مسكين عند الجمهور مد من القمح بمد‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم أو نصف صاع من تمر أوشعير‪ ،‬وعند الحنفية‪ :‬مدان‪ ،‬أو يغذيهم ويعشيهم‬
‫غداء وعشاء مشبعين‪ ،‬أو غداءين أو عشاءين‪ ،‬أو عشاء وسحورا‪ .‬والمدان أو نصف الصاع‪ :‬هما من‬
‫بُر أو دقيقه أو سويقه‪ ،‬أو يعطي كل فقير صاع تمر أوصاع شعير أوزبيب أو يعطي عند الحنفية قيمة‬
‫نصف الصاع من البر‪ ،‬أو الصاع من غيره من غير المنصوص عليه‪ ،‬ولو في أوقات متفرقة‪،‬‬
‫لحصول الواجب‪.‬‬

‫( ‪)3/114‬‬

‫ول يجوز للفقير صرف الكفارة إلى عياله‪ ،‬كالزكاة وسائر الكفارات‪ ،‬وأما خبر «أطعمه أهلك» فهو‬
‫خصوصية‪ ،‬أو أن لغير المكفر الذي تطوع بالتكفير عن غيره صرف الكفارة للمكفر عنه تطوعا‪.‬‬
‫والصح عند الشافعية أن له العدول عن الصوم إلى الطعام لغُلمة (أي شدة الحاجة للنكاح) ؛ لن‬
‫حرارة الصوم وشدة الغلمة قد يفضيان به إلى الوقاع‪ ،‬ولو في يوم واحد من الشهرين‪ ،‬وذلك يقتضي‬
‫استئنافها لبطلن التتابع‪ ،‬وهو حرج شديد‪.‬‬
‫وتشترط النية عند أداء الكفارة في رأي الشافعية‪ ،‬بأن ينوي العتق أو الصوم أو الطعام عن الكفارة؛‬
‫لنها حق مالي أو بدني يجب تطهيرا كالزكاة والصيام‪ ،‬فل بد لصحتها من النية‪.‬‬
‫تعدد الكفارة أو تداخلها بتعدد الفطار في أيام‪ :‬إن تكرر الجماع‪ ،‬أو الفطار بأكل ونحوه في رأي‬
‫الحنفية والمالكية‪ ،‬قبل التكفير عن الول‪ ،‬فإما أن يكون في يوم واحد‪ ،‬أو في يومين‪:‬‬
‫أ ـ فإن كان في يوم واحد‪ ،‬فكفارة واحدة تجزئه‪ ،‬بالتفاق‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان في يومين أو أكثر من رمضان‪ :‬فعليه كفارتان أو أكثر‪ ،‬عند الجمهور؛ لن كل يوم‬
‫عبادة منفردة‪ ،‬فإذا وجبت بإفساده‪ ،‬لم تتداخل‪ ،‬كرمضانين وكالحجتين‪.‬‬
‫وتجزئ كفارة واحدة عند الحنفية عن جماع وأكل متعمد متعدد في أيام لم يتخلله تكفير‪ ،‬ولو من‬
‫رمضانين على الصحيح‪ ،‬فإن تخلل تكفير ل تكفي كفارة واحدة في ظاهر الرواية؛ لن الكفارة جزاء‬
‫عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها‪ ،‬والمقصود بها الزجر‪ ،‬فيجب أن تتداخل كالحد‪ ،‬ويحصل بها‬
‫مقصودها‪ ،‬وفي حال تخلل التكفير لم يحصل الزجر بعوده لنتهاك حرمة الشهر‪.‬‬

‫( ‪)3/115‬‬

‫ومن عجز عن الكفارة‪ ،‬استقرت في ذمته‪ ،‬والمعتبر حاله حين التكفير‪ ،‬فإن قدر على خصلة فعلها‪.‬‬
‫طروء العذر بعد الفطار عمداً‪ :‬إن حدوث السفر أو المرض بعد الجماع‪ ،‬أو الكل المقيس عليه عند‬
‫القائلين به‪ ،‬ل يسقط الكفارة عند الشافعية والمالكية والحنابلة؛ لن العذر معنى طرأ بعد وجوب‬
‫الكفارة‪ ،‬فلم يسقطها‪ ،‬ولن السفر المنشأ في أثناء النهار ل يبيح الفطر عند غير الحنابلة‪ ،‬فل يؤثر‬
‫فيما وجب من الكفارة‪ ،‬ولن المرض‪ ،‬ل ينافي الصوم‪ ،‬فيتحقق هتك حرمته‪.‬‬
‫ورأى الحنفية أن الكفارة تسقط بعد الفطار بطروء حيض أو نفاس أو مرض مبيح للفطر في يومه‬
‫الذي أفسده؛ لن اليوم ل يتجزأ ثبوتا وسقوطا للكفارة‪ ،‬فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله‬
‫بعروض العذر في آخره‪ ،‬ول تسقط عمن سوفر به كرها أو سافر اختيارا‪ ،‬بعد لزومها في ظاهر‬
‫الرواية‪ ،‬والفرق بين الحالين أنه في السفر المكره عليه لم يجئ العذر من قبل صاحب الحق‪ ،‬وفي‬
‫غير السفر تمكنت الشبهة في عدم استحقاق الكفارة من أول اليوم بعروض العذر في آخره؛ لن‬
‫الكفارة إنما تجب في صوم مستحق‪ ،‬وهو ل يتجزأ ثبوتا وسقوطا‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ الفدية‪:‬‬
‫أما الفدية‪ :‬فالكلم في حكمها‪ ،‬وسببها‪ ،‬وتكررها بتكرر السنين(‪: ) 1‬‬
‫فحكم الفدية‪ :‬الوجوب‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة‪ ]184/2:‬أي على‬
‫الذين يتحملون الصوم بمشقة شديدة الفدية‪ .‬والفدية عند الحنفية‪ :‬نصف صاع من بُرّ‪ ،‬أي قيمته‪ ،‬بشرط‬
‫دوام عجز الفاني والفانية إلى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،116‬الكتاب مع اللباب‪ ،171-170/1 :‬فتح القدير‪ ،82-81/2 :‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،722-720/1 :‬بداية المجتهد‪ ،289/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،124‬مغني المحتاج‪440/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،178/1،187 :‬المغني‪ ،143-139/3 :‬كشاف القناع‪ 389/2:‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/116‬‬

‫الموت‪ .‬ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم عند الجمهور‪ ،‬بقدر ما فاته من اليام‪.‬‬
‫ومصارف الفدية والنذور المطلقة والكفارات والصدقات الواجبة‪ :‬هي مصارف الزكاة‪.‬‬
‫و سببها‪:‬‬
‫‪ - 1‬العجز عن الصيام‪ ،‬فتجب باتفاق الفقهاء على من ل يقدر على الصوم بحال‪ ،‬وهو الشيخ الكبير‬
‫والعجوز‪ ،‬إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة‪ ،‬فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم‬
‫مسكينا‪ ،‬للية السابقة‪{ :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة‪ ]184/2:‬وقول ابن عباس‪« :‬‬
‫نزلت رخصة للشيخ الكبير» ولن الداء صوم واجب‪ ،‬فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء‪ .‬والشيخ‬
‫الهمّ (‪ )1‬له ذمة صحيحة‪ ،‬فإن كان عاجزا عن الطعام أيضا فل شيء عليه‪ ،‬و {ل يكلف ال نفسا إل‬
‫وسعها} [البقرة‪ ]286/2:‬وقال الحنفية‪ :‬يستغفر ال سبحانه‪ ،‬ويستقبله أي يطلب منه العفو عن تقصيره‬
‫في حقه‪.‬‬
‫وأما المريض إذا مات فل يجب الطعام عنه؛ لن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ابتداء‪ ،‬بخلف‬
‫ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل‪ ،‬حتى مات؛ لن وجوب الطعام يستند إلى حال الحياة‪.‬‬
‫‪ - 2‬وتجب الفدية أيضا بالتفاق على المريض الذي ل يرجى برؤه‪ ،‬لعدم وجوب الصوم عليه‪ ،‬كما‬
‫تقدم‪ ،‬لقوله عز وجل‪{ :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج‪.]78/22:‬‬
‫‪ - 3‬وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الهم‪ :‬الشيخ الفاني‪ ،‬والمرأة‪ِ :‬همّة‪.‬‬

‫( ‪)3/117‬‬

‫والمرضع إذا خافتا على ولدهما‪ ،‬أما إن خافتا على أنفسهما‪ ،‬فلهما الفطر‪ ،‬وعليهما القضاء فقط‪،‬‬
‫بالتفاق‪ .‬ودليله الية السابقة‪{ :‬وعلى الذين يطيقونه فدية‪[ }..‬البقرة‪ ]184/2:‬وهما داخلتان في عموم‬
‫الية‪ ،‬قال ابن عباس‪« :‬كانت رخصة الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة‪ ،‬وهما يطيقان الصيام أن يفطرا‪،‬‬
‫ويطعما مكان كل يوم مسكينا‪ ،‬والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولدهما أفطرتا وأطعمتا» (‪، )1‬‬
‫ولنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة‪ ،‬فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم‪.‬‬
‫ول تجب عليهما الفدية مطلقا عند الحنفية‪ ،‬لحديث أنس بن مالك الكعبي‪« :‬إن ال وضع عن المسافر‬
‫شطر الصلة‪ ،‬وعن الحامل والمرضع الصوم ـ أو الصيام ـ وال لقد قالها رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬أحدهما أو كليهما» (‪ )2‬فلم يأمر بكفارة‪ ،‬ولنه فطر أبيح لعذر‪ ،‬فلم يجب به كفارة‬
‫كالفطر للمرضى‪.‬‬
‫ورأي الجمهور أقوى وأصح لدي؛ لنه نص في المطلوب‪ ،‬وحديث أنس مطلق لم يتعرض للكفارة‪.‬‬
‫‪ - 4‬وتجب الفدية أيضا مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء رمضان‪،‬‬
‫فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من اليام‪ ،‬قياسا على من أفطر متعمدا؛ لن كليهما‬
‫مستهين بحرمة الصوم‪ ،‬ول تجب على من اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو‬
‫نفاس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود (نيل الوطار‪.)231/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائي والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ ،‬وبقية الخمسة (أحمد وأبو داود وابن ماجه)‬
‫(نيل الوطار‪.)230/4 :‬‬
‫( ‪)3/118‬‬

‫تكرر الفدية‪ :‬ول تتكرر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرر العوام وإنما تتداخل كالحدود‪ ،‬والصح‬
‫في رأي الشافعية‪ :‬أنها تتكرر بتكرر السنين؛ لن الحقوق المالية ل تتداخل (‪ . )1‬وقال الحنفية‪ :‬ل‬
‫فدية بالتأخير إلى رمضان آخر‪ ،‬لطلق النص القرآني‪{ .‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة‬
‫من أيام أخر} [البقرة‪ ]185-184/2:‬فكان وجوب القضاء على التراخي‪ ،‬حتى كان له أن يتطوع‪ ،‬فل‬
‫يلزمه بالتأخير شيء ولنه القياس في الكفارات‪ ،‬غير أنه تارك للولِى من المسارعة في القضاء‪.‬‬
‫والفدية والكفارة والنذر وقتها العمر كله‪ ،‬والولى التعجيل بقدر المكان وأن تكون الفدية في رمضان‪،‬‬
‫لن الثواب فيه أكثر‪.‬ويرى الحنابلة أن النذر والكفارة واجبان على الفور؛ لنه مقتضى المر‪.‬‬
‫باقي لوازم الفطار‪ :‬أما إمساك بقية اليوم وعقوبة منتهك حرمة صوم رمضان فقد سبق الكلم‬
‫عليهما‪.‬‬
‫وأما قطع التتابع‪ :‬فهو عند المالكية لمن أفطر متعمدا في صيام النذر والكفارات المتتابعات كالقتل‬
‫والظهار‪ ،‬فيستأنف‪ ،‬بخلف من قطع الصوم ناسيا أو لعذر‪ ،‬أو لغلط في العدة‪ ،‬فإنه يبني على ما كان‬
‫معه‪ .‬وقد عرفنا رأي بقية المذاهب الخرى‪.‬‬
‫وأما قطع النية‪ :‬فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقا لعذر أو لغير عذر‪ ،‬ولزوال تحتم الصوم‬
‫كالسفر‪ ،‬وإن صام فيه‪ ،‬وإنما ينقطع استصحابها حكما‪ .‬وهذا عند المالكية الذين يكتفون بنية واحدة‬
‫أول شهر رمضان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يؤيده ما يروى بإسناد ضعيف عن أبي هريرة عن النبي صلّى ال عليه وسلم في رجل مرض‬
‫في رمضان‪ ،‬فأفطر‪ ،‬ثم صح‪ ،‬ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر‪ ،‬فقال‪ :‬يصوم الذي أدركه‪ ،‬ثم‬
‫يصوم الشهر الذي أفطر فيه‪ ،‬ويطعم كل يوم مسكينا» ورواه الدارقطني موقوفا (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)233/4‬‬

‫( ‪)3/119‬‬

‫ملحق ـ ما يلزم الوفاء به من منذور الصوم والصلة وغيرهما‪:‬‬


‫قال الحنفية (‪ : )1‬إذا نذر النسان شيئا لزمه الوفاء به بشروط أربعة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون من جنسه واجب‪ :‬فل تلزم عيادة المريض أو قراءة المولد النبوي‪ ،‬إذ ليس من جنسها‬
‫واجب‪ ،‬وإيجاب النسان شيئا على نفسه معتبر بإيجاب ال تعالى‪ ،‬إذ له التباع‪ ،‬ل البتداع‪.‬‬
‫وأجاز الحنفية نذر صوم يوم العيد‪ ،‬لن صومه عندهم حرام بوصفه‪ ،‬ل بأصله‪ ،‬أي لما يترتب عليه‬
‫من العراض عن ضيافة ال ‪ ،‬أما أصل الصوم فمشروع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون مقصودا لذاته‪ ،‬ل لغيره‪ :‬فل يلزم الوضوء بنذره‪،‬ول قراءة القرآن‪ ،‬لكون الوضوء‬
‫ليس مقصودا لذاته‪ ،‬لنه شرع شرطا لغيره‪ ،‬كحل الصلة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أل يكون واجبا‪ :‬فل يصح نذر الواجبات كالصلوات الخمس؛ لن إيجاب الواجب محال‪ ،‬ول‬
‫يصح نذر الوتر وسجدة التلوة عند الحنفية القائلين بوجوبهما؛ لنها واجبة بإيجاب الشارع‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أل يكون المنذور محالً كقوله‪ :‬ل علي صوم المس أو البارحة‪ ،‬إذ ليلزمه‪.‬‬
‫وبناء عليه يصح نذر العتكاف‪ ،‬والصلة غير المفروضة‪ ،‬والصوم والتصدق بالمال‪ ،‬والذبح‪ ،‬لوجود‬
‫شيء من جنسها شرعا كالضحية‪ .‬ويصح ـ كما تقدم ـ عند الحنفية نذر صوم العيدين وأيام‬
‫التشريق في المختار‪ ،‬لكن يجب فطرها وقضاؤها‪ ،‬وإن صامها أجزأه مع الحرمة‪.‬‬
‫وإن نذر شيئا مطلقا كصلة ركعتين‪ ،‬أو معلقا بشرط‪ ،‬مثل إن رزقني ال غلما‪ ،‬فعلي إطعام عشرة‬
‫مساكين‪ ،‬ووجد الشرط‪ ،‬لزمه الوفاء به‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وليوفوا نذورهم} [الحج‪ ]29/22:‬ولقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬من نذر أن يطيع ال فليطعه‪ ،‬ومن نذر أن يعصي ال ‪ ،‬فل يعصه» (‪. )2‬‬
‫ويلغى عند الحنفية ماعدا زفر تعيين الزمان والمكان والدرهم والفقير‪ ،‬فيجزئه صوم رجب عن نذره‬
‫صوم شعبان‪ ،‬ويجزئه صلة ركعتين بأي بلد‪ ،‬وقد كان نذر أداءهما بمكة‪ ،‬أو المسجد النبوي‪ ،‬أو‬
‫القصى‪ ،‬لن صحة النذر باعتبار القربة‪ ،‬ل المكان؛ لن الصلة تعظيم ال تعالى بجميع البدن‪،‬‬
‫والمكنة كلها في هذا المعنى سواء‪ ،‬وإن تفاوت الفضل‪ .‬ويجزئه التصدق بدرهم عن درهم عينه له‪،‬‬
‫والصرف لزيد الفقير بنذره لعمر؛ لن المقصود من الصدقة سد خلة المحتاج‪ ،‬أو ابتغاء وجه ال ‪،‬‬
‫وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة زمان ومكان وشخص‪.‬‬
‫وإن علق النذر بشرط‪ ،‬مثل «إن قدم فلن فلله علي أن أتصدق بكذا» ل يجزئه عنه ما فعله قبل‬
‫وجود شرطه؛ لن المعلق بالشرط عدم قبل وجوده‪ ،‬وإنما يجوز الداء بعد وجود السبب الذي علق‬
‫النذر به‪.‬‬
‫وسيأتي في بحث النذر تفصيل آراء المذاهب الخرى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.117‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪.‬‬

‫( ‪)3/120‬‬
‫صلُ الثّاني ‪ :‬الع ِتكَاف‬
‫ال َف ْ‬
‫فيه مباحث ستة وهي‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف العتكاف ومشروعيته والهدف منه‪ ،‬ومكانه وزمانه‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ حكم العتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ شروط العتكاف‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ ما يلزم المعتكف وما يجوز له‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ آداب المعتكف‪ ،‬ومكروهات العتكاف ومبطلته‪.‬‬
‫المبحث السادس ـ حكم العتكاف إذا فسد‪.‬‬
‫وأبدأ ببحثها على الترتيب المذكور‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف العتكاف ومشروعيته والهدف منه‪ ،‬ومكانه وزمانه‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬العتكاف لغة‪ :‬اللبث وملزمة الشيء أو الدوام عليه خيرا كان أو شرا‪ .‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫{يعكفون على أصنام لهم} [العراف‪ ]138/7:‬وقوله‪ { :‬ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون}‬
‫[النبياء‪ ]53/21:‬وقوله سبحانه‪{ :‬ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة‪.]187/2:‬‬

‫( ‪)3/121‬‬

‫وشرعا له تعاريف متقاربة في المذاهب‪ ،‬قال الحنفية (‪ : )1‬هو اللبث في المسجد الذي تقام فيه‬
‫الجماعة‪ ،‬مع الصوم‪ ،‬ونية العتكاف‪ ،‬فاللبث ركنه؛ لنه ينبئ عنه‪ ،‬فكان وجوده به‪ ،‬والصوم في‬
‫العتكاف المنذور والنية من شروطه‪ .‬ويكون من الرجل في مسجد جماعة‪ :‬وهو ماله إمام ومؤذن‪،‬‬
‫أديت فيه الصلوات الخمس أو ل‪ ،‬ومن المرأة‪ :‬في مسجد بيتها‪ :‬وهو محل عينته للصلة‪ ،‬ويكره في‬
‫المسجد‪ ،‬ول يصح في غير موضع صلتها من بيتها‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬هو لزوم مسلم مميز مسجدا مباحا لكل الناس‪ ،‬بصوم‪ ،‬كافا عن الجماع ومقدماته‪،‬‬
‫يوما وليلة فأكثر‪ ،‬للعبادة‪ ،‬بنية‪ .‬فل يصح من كافر‪ ،‬ول من غير مميز‪ ،‬ول في مسجد البيت المحجور‬
‫عن الناس‪ ،‬ول بغير صوم‪ ،‬أي صوم كان‪ :‬فرض أو نفل‪ ،‬من رمضان أو غيره‪ ،‬ويبطل بالجماع‬
‫ومقدماته ليلً أو نهارا‪ ،‬وأقله يوم وليلة ول حد لكثره‪ ،‬بقصد العبادة بنية‪ ،‬إذ هو عبادة‪ ،‬وكل عبادة‬
‫تفتقر للنية‪.‬‬
‫وعبارة الشافعية (‪ : )3‬هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية‪.‬‬
‫وعبارة الحنابلة (‪ : )4‬هو لزوم المسجد لطاعة ال ‪ ،‬على صفة مخصوصة‪ ،‬من مسلم عاقل ولو‬
‫مميزا ‪ ،‬طاهر مما يوجب غسلً‪ ،‬وأقله ساعة‪ ،‬فل يصح من كافر ولو مرتدا‪ ،‬ول من مجنون ول‬
‫طفل‪ ،‬لعدم النية‪ ،‬ول من جنب ونحوه ولو متوضئا‪ ،‬ول يكفي العبور‪ ،‬وإنما أقله لحظة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،106/2 :‬الدر المختار‪ ،176/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،118‬اللباب‪.174/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ 541/1:‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 725/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.449/1 :‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع‪ ،404/2 :‬المغني‪.183/3 :‬‬

‫( ‪)3/122‬‬

‫وأدلة مشروعيته (‪ : )1‬الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬فمن الكتاب‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬ول تباشروهن وأنتم‬
‫عاكفون في المساجد} [البقرة‪ ]187/2:‬ومثله {أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين} [البقرة‪]125/2:‬‬
‫فالضافة في الية الولى إلى المساجد المختصة بالقربات‪ ،‬وترك الوطء المباح لجله‪ ،‬دليل على أنه‬
‫قربة‪.‬‬
‫والسنة‪ :‬لما روى ابن عمر وأنس وعائشة أن «النبي صلّى ال عليه وسلم كان يعتكف في العشر‬
‫الواخر من رمضان‪ ،‬منذ قدم المدينة إلى أن توفاه ال تعالى» (‪ )2‬وقال الزهري‪« :‬عجبا من الناس‪،‬‬
‫كيف تركوا العتكاف‪ ،‬ورسول ال صلّى ال عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه‪ ،‬وما ترك‬
‫العتكاف حتى قبض» ‪.‬‬
‫وهو من الشرائع القديمة‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين‬
‫والعاكفين} [البقرة‪.]125/2:‬‬
‫والهدف منه‪ :‬صفاء القلب بمراقبة الرب والقبال والنقطا ع إلى العبادة في أوقات الفراغ‪ ،‬متجردا‬
‫لها‪ ،‬ول تعالى‪ ،‬من شواغل الدنيا وأعمالها‪ ،‬ومسلّما النفس إلى المولى بتفويض أمرها إلى عزيز‬
‫جنابه والعتماد على كرمه والوقوف ببابه‪ ،‬وملزمة عبادته في بيته سبحانه وتعالى والتقرب إليه‬
‫ليقرب من رحمته‪ ،‬والتحصن بحصنه عز وجل‪ ،‬فل يصل إليه عدوه بكيده وقهره‪ ،‬لقوة سلطان ال‬
‫وقهره وعزيز تأييده ونصره‪ .‬فهو من أشرف العمال وأحبها إلى ال تعالى إذا كان عن إخلص ل‬
‫سبحانه؛ لنه منتظر للصلة‪ ،‬وهو كالمصلي‪ ،‬وهي حالة قرب‪.‬‬
‫فإذا انضم إليه الصوم عند مشترطيها ازداد المؤمن قربا من ال بما يفيض على الصائمين من طهارة‬
‫القلوب‪ ،‬وصفاء النفوس‪.‬‬
‫وأفضله في العشر الواخر من رمضان ليتعرض لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،120‬مغني المحتاج‪ ،449/1 :‬المغني‪.183/3 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬عبارة الصحيحين‪« :‬أنه صلّى ال عليه وسلم اعتكف العشر الوسط من رمضان ثم‬
‫اعتكف العشر الواخر‪ ،‬ولزمه حتى توفاه ال تعالى» ثم اعتكف أزواجه من بعده‪( .‬نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)264/4‬‬

‫( ‪)3/123‬‬

‫وزمانه‪ :‬أنه مستحب كل وقت في رمضان وغيره‪ ،‬وأقله عند الحنفية (‪ )1‬نفلً‪ :‬مدة يسيرة غير‬
‫محدودة‪ ،‬وإنما بمجرد المكث مع النية‪ ،‬ولو نواه ماشيا على المفتى به؛ لنه متبرع‪ ،‬وليس الصوم في‬
‫النفل من شرطه‪ ،‬ويعد كل جزء من اللبث عبادة مع النية بل انضمام إلى آخر‪ .‬ول يلزم قضاء نفل‬
‫شرع فيه على الظاهر من المذهب؛ لنه ل يشترط له الصوم‪.‬‬
‫وأقله عند المالكية (‪ : )2‬يوم وليلة‪ ،‬والختيار‪ :‬أل ينقص عن عشرة أيام‪ ،‬بمطلق صوم من رمضان‬
‫أو غيره‪ ،‬فل يصح من مفطر‪ ،‬ولو لعذر‪ ،‬فمن ل يستطيع الصوم ل يصح اعتكافه‪.‬‬
‫والصح عند الشافعية (‪: )3‬أنه يشترط في العتكاف لبث قدر يسمى عكوفا أي إقامة‪ ،‬بحيث يكون‬
‫زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه‪ ،‬فل يكفي قدرها‪ ،‬ول يجب السكون‪ ،‬بل يكفي التردد‬
‫فيه‪.‬‬
‫وأقله عند الحنابلة (‪ : )4‬ساعة أي ما يسمى به معتكفا لبثا‪ ،‬ولو لحظة‪ .‬فالجمهور على الكتفاء بمدة‬
‫يسيرة‪ ،‬والمالكية يشترطون لقله يوما وليلة‪.‬‬
‫ومكانه‪ :‬عند الحنفية (‪ )5‬للرجل أو المميز في مسجد الجماعة‪ :‬وهو ما له إمام ومؤذن‪ ،‬سواء أديت‬
‫فيه الصلوات الخمس أو ل‪ ،‬وأما الجامع فيصح فيه مطلقا اتفاقا‪ ،‬بدليل قول ابن مسعود‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراقي الفلح ونور اليضاح‪ :‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير والصغير‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.125‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،451/1 :‬المهذب‪ 190/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع‪.404/2 :‬‬
‫(‪ )5‬الدر المختار ورد المحتار‪.176/2:‬‬
‫( ‪)3/124‬‬

‫«ل اعتكاف إل في مسجد جماعة» (‪، )1‬وللمرأة في مسجد بيتها‪ :‬وهو المعد لصلتها‪ ،‬الذي يندب لها‬
‫ولكل أحد اتخاذه‪.‬‬
‫وعند الحنابلة (‪ : )2‬ل يجوز العتكاف من رجل تلزمه الصلة جماعة إل في مسجد تقام فيه‬
‫الجماعة‪ ،‬فل يصح بغير مسجد بل خلف‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ولتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}‬
‫[البقرة‪ ]187/2:‬فلو صح في غيرها لم تختص بتحريم المباشرة؛ إذ هي محرمة في العتكاف مطلقا‪.‬‬
‫وإنما اشترط كون المسجد مما يجمع فيه؛ لن الجماعة واجبة‪ ،‬واعتكاف الرجل في مسجد ل تقام فيه‬
‫الجماعة يفضي إلى أحد أمرين‪ :‬إما ترك الجماعةالواجبة‪ ،‬وإما خروجه إليها‪ ،‬فيتكرر ذلك منه كثيرا‬
‫مع إمكان التحرز منه‪ ،‬وذلك مناف للعتكاف‪ :‬وهو لزوم المعتكف والقامة على طاعة ال فيه‪.‬‬
‫ويصح العتكاف في كل مسجد في الحالت التالية‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬إن كان العتكاف مدة غير وقت الصلة كليلة‪ ،‬أو بعض يوم‪ ،‬لعدم المانع‪ .‬وإن كانت الجماعة‬
‫تقام في مسجد في بعض الزمان‪ ،‬جاز العتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إن كان المعتكف ممن ل تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور والمرأة والصبي ومن هو في‬
‫قرية ل يصلي فيها سواه‪ ،‬فله أن يعتكف في كل مسجد؛ لن الجماعة غير واجبة عليه‪ .‬ول يصح‬
‫للمرأة العتكاف في مسجد بيتها؛ لنه ليس بمسجد حقيقة ول حكما‪ ،‬ولوجاز لفعلته أمهات المؤمنين‪،‬‬
‫ولو مرة‪ ،‬تبيينا للجواز‪.‬‬
‫وإذا اعتكفت المرأة في المسجد‪ ،‬استحب لها أن تستتر بشيء؛ لن أزواج النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫لما أردن العتكاف أمرن بأبنيتهن‪ ،‬فضربن في المسجد‪ ،‬ولن المسجد يحضره الرجال‪ ،‬وخير لهم‬
‫وللنساء أل يرونهن ول يرينهم‪.‬‬
‫ول يصح العتكاف ممن تلزمه الجماعة في مسجد تقام فيه الجمعة دون الجماعة إذا كان يأتي عليه‬
‫وقت صلة‪ ،‬حتى ل يترك الجماعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني ( نصب الراية‪.) 490/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،191 - 187/3 :‬كشاف القناع‪.412-409/2 :‬‬

‫( ‪)3/125‬‬
‫ويلحظ أن سطح المسجد ورحبته المحطوطة به وعليها باب‪ ،‬ومنارته التي تكون فيه أو التي بابها‬
‫فيه من المسجد‪ ،‬بدليل منع الجنب من الدخول فيما ذكر‪.‬‬
‫وكذا كل ما زيد في المسجد حتى في الثواب يعد من المسجد‪ ،‬ولو المسجد الحرام ومسجد المدينة‪ ،‬لما‬
‫روي عن أبي هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬لو بني هذا المسجد إلى صنعاء‪ ،‬كان‬
‫مسجدي» (‪ )1‬وقال عمر لما زاد المسجد‪« :‬لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة‪ ،‬كان مسجد النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم » ‪.‬‬
‫ولو اعتكف من ل تلزمه الجمعة كالمسافر والمرأة في مسجد ل تصلى فيه الجمعة‪ ،‬بطل اعتكافه‬
‫بخروجه إليها إن لم يشترط الخروج إليها؛ لنه خروج لزم ل بد له منه‪.‬‬
‫والفضل العتكاف في المسجد إذا كانت الجمعة تتخلله‪ ،‬لئل يحتاج إلى الخروج إليها‪ ،‬فيترك‬
‫العتكاف‪ ،‬مع إمكان التحرز منه‪.‬‬
‫ومن نذر العتكاف أو الصلة في مسجد غير المساجد الثلثة‪ ،‬فله فعل المنذور من اعتكاف أو صلة‬
‫في غيره؛ لن ال تعالى لم يعين لعبادته موضعا‪ ،‬فلم يتعين بالنذر‪ ،‬ولو تعين ل حتاج إلى شد رحل‪.‬‬
‫وإن نذر العتكاف أو الصلة في أحد المساجد الثلثة‪ :‬المسجد الحرام‪،‬ومسجد النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬والمسجد القصى‪ ،‬لم يجزئه في غيرها‪ ،‬لفضل العبادة فيها على غيرها‪ ،‬فتتعين بالتعيين‪ .‬وله‬
‫شد الرحال إلى المسجد الذي عينه من الثلثة‪ ،‬لحديث أبي هريرة‪ « :‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة‬
‫مساجد‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬والمسجد القصى‪ ،‬ومسجدي هذا » (‪. )2‬‬
‫وأفضلها المسجد الحرام‪ ،‬ثم مسجد النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم المسجد القصى (‪ ، )3‬فإن عين‬
‫الفضل منها وهو المسجد الحرام في نذره‪ ،‬لم يجزئه العتكاف ول الصلة فيما دونه‪ ،‬لعدم مساواته‬
‫له‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬مكان العتكاف هو المساجد كلها‪ ،‬وليصح في مسجد البيوت المحجورة‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث ضعيف‪ ،‬رواه الزبير بن بكار في أخبار المدينة‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إل مسجد قباء؛ لنه صلّى ال عليه وسلم « كان يأتيه كل سبت راكبا‬
‫وماشيا‪ ،‬ويصلي فيه ركعتين » متفق عليه‪ ،‬وكان ابن عمر يفعله‪.‬‬
‫(‪ )3‬روى الجماعة إل أبا داود عن أبي هريرة‪ « :‬صلة في مسجدي هذا خير من ألف صلة فيما‬
‫سواه إل المسجد الحرام » ولحمد وأبي داود من حديث جابر بن عبد ال مثله‪ ،‬وزاد‪ « :‬وصلة في‬
‫المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلة فيما سواه » ‪.‬‬
‫(‪ )4‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،125‬الشرح الصغير‪.255،265-253/2 ،725/1 :‬‬
‫( ‪)3/126‬‬

‫ومن نوى العتكاف مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها‪ ،‬تعين الجامع‪ ،‬لنه إن خرج إلى الجمعة‪،‬‬
‫بطل اعتكافه‪ .‬ويلزم الوفاء بالنذر في المكان الذي عينه الناذر‪ ،‬فإذا عين مسجد مكة أو المدينة في نذر‬
‫الصلة أو العتكاف‪ ،‬وجب عليه الوفاء فيهما‪ .‬والمدينة عند المالكية أفضل من مكة‪ ،‬ومسجدها أفضل‬
‫من المسجد الحرام‪ ،‬ويليهما المسجد القصى‪ ،‬لما رواه الدارقطني والطبراني من حديث رافع بن‬
‫خديج‪ « :‬المدينة خير من مكة » ولما ورد في دعائه صلّى ال عليه وسلم‪ « :‬اللهم كما أخرجتني من‬
‫أحب البلد إلي‪ ،‬فأسكني في أحب البلد إليك » وروى الطبراني عن بلل بن الحارث المزني‪« :‬‬
‫رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان‬
‫فيما سواها من البلدان‪ ،‬وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان» ‪.‬‬
‫وكذلك قال الشافعية (‪ : )1‬إنما يصح العتكاف في المسجد‪ ،‬سواء في سطحه أو غيره التابع له‪،‬‬
‫والجامع (‪ )2‬أولى بالعتكاف فيه من غيره‪ ،‬للخروج من خلف من أوجبه‪ ،‬ولكثرة الجماعة فيه‪،‬‬
‫وللستغناء عن الخروج للجمعة‪ .‬ويجب الجامع للعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة فيها يوم الجمعة‪،‬‬
‫وكان ممن تلزمه الجمعة‪ ،‬ولم يشترط الخروج لها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 450/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪ 508/6 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 190/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬سمي الجامع لجمعه الناس واجتماعهم فيه‪.‬‬

‫( ‪)3/127‬‬

‫والجديد أنه ليصح اعتكاف امرأة في مسجد بيتها‪ :‬وهو المعتزل المهيأ للصلة؛ لنه ليس بمسجد‬
‫بدليل جواز تغييره ومكث الجنب فيه‪ ،‬ولن نساء النبي صلّى ال عليه وسلم ورضي عنهن كن يعتكفن‬
‫في المسجد‪ ،‬ولو كفى بيوتهن لكان لهن أولى‪.‬‬
‫وإن نذر أن يعتكف في مسجد غير المساجد الثلثة بعينه‪ ،‬جاز ‪ -‬كما قال الحنابلة ‪ -‬أن يعتكف في‬
‫غيره؛ لنه ل مزية لبعضها على بعض‪ ،‬فلم يتعين‪.‬‬
‫وإن نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلثة ( المسجد الحرام ومسجد المدينة والقصى ) تعين‪ ،‬ولزمه‬
‫أن يعتكف فيه‪ ،‬لما روى عمر رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ « :‬قلت لرسول ال صلّى ال عليه وسلم‪ :‬إني‬
‫نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام‪ ،‬فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم‪ :‬أوف بنذرك » (‪)1‬‬
‫ويقوم المسجد الحرام مقامهما لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به‪ ،‬ول عكس‪ ،‬فل يقومان مقام‬
‫المسجد الحرام؛ لنهما دونه في الفضل‪ ،‬ويقوم مسجد المدينة مقام القصى؛ لنه أفضل منه‪ ،‬ول‬
‫عكس‪ ،‬لنه دونه في الفضل‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن المالكية والشافعية يجيزون العتكاف في أي مسجد‪ ،‬والحنفية والحنابلة يشترطو ن‬
‫كونه في المسجد الجامع‪ ،‬ول يجوز عند الجمهور العتكاف في مسجد البيوت‪ ،‬ويجوز ذلك للمرأة‬
‫عند الحنفية‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ حكم العتكاف وما يوجبه النذر على المعتكف‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب الول ـ حكم العتكاف‪:‬‬
‫العتكاف غير المنذور مستحب باتفاق العلماء‪ ،‬ولكن يحسن بيان الراء المذهبية لتحديد رتبة السنة‬
‫على وجه الدقة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/128‬‬

‫فقال الحنفية (‪ : )1‬العتكاف ثلثة أنواع‪ :‬واجب‪ ،‬وسنة مؤكدة‪ ،‬ومستحب‪.‬‬


‫أما الواجب‪ :‬فهو المنذور‪ ،‬كقوله‪« :‬ل علي أن أعتكف يوما» أو أكثر مثلً‪.‬‬
‫وأما السنة المؤكدة على سبيل الكفاية‪ :‬فهي اعتكاف العشر الواخر من رمضان‪ ،‬لعتكافه صلّى ال‬
‫عليه وسلم العشر الواخر من رمضان حتى توفاه ال ‪ ،‬ثم اعتكف أزواجه بعده‪.‬‬
‫وأما المستحب‪ :‬فهو في أي وقت سوى العشر الخير‪ ،‬ولم يكن منذورا‪ ،‬كأن ينوي العتكاف عند‬
‫دخول المسجد‪ ،‬وأقله‪ :‬مدة يسيرة‪ ،‬ولو كانت ماشيا على المفتى به‪.‬‬
‫والصوم شرط لصحة العتكاف المنذور فقط وغير شرط في التطوع‪ ،‬وأقله يوم‪ ،‬فلو نذر اعتكاف‬
‫ليلة لم يصح‪ ،‬وإن نوى معها اليوم لعدم محليتها للصوم‪ ،‬أما لو نوى بها اليوم صح‪ ،‬والفرق أنه في‬
‫الحالة الولى جعل اليوم تبعا لليلة‪ ،‬ولما بطل نذره في المتبوع وهو الليلة‪ ،‬بطل في التابع وهو اليوم‪،‬‬
‫وأما في الحالة الثانية‪ ،‬فقد أطلق الليلة‪ ،‬وأراد اليوم مجازا مرسلً‪ ،‬باستعمال الليلة في مطلق الزمن‬
‫وهو اليوم‪ ،‬فكان اليوم مقصودا‪.‬‬
‫ولو نذر العتكاف ليلً ونهارا‪ ،‬وإن لم يكن الليل محلً للصوم‪ ،‬لنه يدخل الليل تبعا‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬العتكاف قربة ونافلة من نوافل الخير ومندوب إليه بالشرع أو مرغب فيه شرعا‬
‫للرجال والنساء‪ ،‬ل سيما في العشر الواخر من رمضان‪ ،‬ويجب بالنذر‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )3‬العتكاف سنة أو مستحب كل وقت‪ ،‬إل أن يكون نذرا‪ ،‬فيلزم الوفاء‬
‫به؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم فعله وداوم عليه‪ ،‬تقربا إلى ال تعالى‪ ،‬واعتكف أزواجه بعده معه‪.‬‬
‫فإن نذره وجب الوفاء به على الصفة التي نذرها من تتابع وغيره‪ ،‬لحديث‪« :‬من نذر أن يطيع ال‬
‫فليطعه» (‪ )4‬وعن عمر أنه قال‪« :‬يا رسول ال ‪ :‬إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أوف بنذرك» (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،177/2:‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ 118‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 105/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،725/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،125‬بداية المجتهد‪.302/1 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،449/1 :‬المهذب‪ ،190/1 :‬المغني‪ ،184/3 :‬كشاف القناع‪.405/2 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/129‬‬

‫المطلب الثاني ـ ما يوجبه النذر على المعتكف‪:‬‬


‫إذا نذر المسلم نذر يوم أو أيام‪ ،‬فهل يدخل معه الليل‪ ،‬وهل يجب التتابع بين اليام أو ل‪ ،‬ومتى يدخل‬
‫المعتكف هل قبل الغروب أو قبل طلوع الفجر؟‪.‬‬
‫الجمهور يرون دخول الليل مع اليوم‪ ،‬ويجب التتابع بين اليام المنذورة كأسبوع و شهر‪ ،‬ويدخل‬
‫المعتكف قبل غروب شمس ذلك اليوم‪ ،‬ويخرج بعد الغروب من آخر يوم‪ .‬والشافعية ل يرون دخول‬
‫الليلة مع اليوم إل في العشر الخير من رمضان‪ ،‬ول يلزمه التتابع فيه على الظهر إل بشرط‪،‬‬
‫ويدخل المعتكف قبل طلوع الفجر‪ ،‬ويخرج منه بعد غروب الشمس (‪. )1‬‬
‫وعبارة الحنفية‪ :‬من أوجب على نفسه اعتكاف يومين فأكثر‪ ،‬لزمه اعتكافها بلياليها؛ لن الليالي تدخل‬
‫تبعا؛ لن ذكر اليام بلفظ الجمع يدخل فيها لياليها‪ ،‬ويلزمه تتابعها وإن لم يشترط التتابع؛ لن مبنى‬
‫العتكاف على التتابع‪ ،‬بخلف الصوم فإن مبناه على التفرق؛ لن الليالي غير قابلة للصوم‪ ،‬فيجب‬
‫على التفرق‪ ،‬أما العتكاف فالوقات كلها قابلة له‪.‬‬
‫وتدخل الليلة الولى‪ ،‬ويدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة‪ ،‬ويخرج منه بعد الغروب من آخر‬
‫أيامه‪.‬‬
‫ومن نذر اعتكاف الليالي لزمته اليام‪ ،‬وتلزمه الليالي بنذر اعتكاف أيام متتابعة‪ ،‬ويلحظ أن الليالي‬
‫تابعة لليام التالية إل ليلة عرفة وليالي النحر فتبع لل ُنهُر الماضية رفقا بالناس‪.‬‬
‫وعبارة المالكية‪ :‬ولزم المعتكف يوم بليلته المنذورة‪ ،‬وإن نذر ليلة فقط‪ ،‬فمن نذر ليلة الخميس‪ ،‬لزمه‬
‫ليلته وصبيحتها‪ ،‬ول يتحقق الصوم الذي هو من شروط العتكاف غير المنذور‪ ،‬فيلزم مانواه قل أو‬
‫كثر بدخوله معتكفه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 114/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 186/2 :‬ومابعدها‪ ،‬نور اليضاح‪ :‬ص ‪ ،120‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،176/1‬الشرح الصغير‪ 729/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪ ،526-519/6 :‬مغني المحتاج‪455/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،191/1 :‬كشاف القناع‪ ،413-412/2 :‬المغني‪.215-210/3 :‬‬

‫( ‪)3/130‬‬

‫ولزم دخول المعتكف قبل الغروب أو معه‪ ،‬ليتحقق له كمال الليلة‪ .‬ولزم خروجه من معتكفه بعد‬
‫الغروب ليتحقق له كمال النهار‪.‬‬
‫وعبارة الحنابلة‪ :‬من نذر اعتكاف شهر‪ ،‬لزمه التتابع‪ ،‬ودخلت فيه الليالي‪ ،‬ودخل معتكفه قبل غروب‬
‫شمس ليلته الولى‪ ،‬ول يخرج إل بعد غروب شمس آخر أيامه‪.‬‬
‫وإن نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه‪ ،‬ولم تدخل ليلته‪ ،‬ويلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر‪،‬‬
‫ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لن الليلة ليست من اليوم‪ ،‬وهي من الشهر‪ ،‬وإطلق اليوم يفهم منه‬
‫التتابع فيلزمه‪ ،‬كما لو قال متتابعا‪ ،‬وكذا إطلق الشهر يقتضي التتابع‪ ،‬كما لو حلف‪« :‬ل يكلم زيدا‬
‫شهرا» وكمدة اليلء والعُنّة والعدة‪ ،‬بخلف الصيام‪ .‬فإن أتى بشهر بين هللين أجزأه ذلك‪ ،‬وإن كان‬
‫الشهر ناقصا‪ ،‬وإن اعتكف ثلثين يوما من شهرين جاز؛ وتدخل فيه الليالي؛ لن الشهر عبارة عنهما‪،‬‬
‫ول يجزئه أقل من ذلك‪.‬‬
‫وعبارة الشافعية‪ :‬إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة‪ ،‬بل خلف‪ ،‬فالليلة ليست من اليوم‪ ،‬بل‬
‫يلزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر‪ ،‬ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لن حقيقة اليوم‪ :‬ما بين‬
‫الفجر وغروب الشمس‪.‬‬
‫وإن نذر اعتكاف شهر بعينه‪ ،‬لزمه اعتكافه ليلً ونهارا أي دخلت لياليه‪ ،‬سواء أكان الشهر تاما أم‬
‫ناقصا؛ لن الشهر عبارة عما بين الهللين أي جميع الشهر‪ ،‬تم أو نقص إل أن يستثنيها لفظاَ‪ .‬وإن‬
‫نذر اعتكاف نهار الشهر‪ ،‬لزمه النهار دون الليل؛ لنه خص النهار‪ ،‬فل يلزمه الليل‪ .‬وهذا موافق‬
‫للحنابلة‪.‬‬

‫( ‪)3/131‬‬

‫والراجح عند الكثرين من الشافعية أنه إن نوى التتابع أو صرح به‪ ،‬لزمته الليلة‪ ،‬وإل فل‪ .‬والصحيح‬
‫أنه ل يجب التتابع بل شرط‪ ،‬وأنه لو نذر يوما لم يجز تفريق ساعاته‪ ،‬وأنه لو عين مدة كأسبوع‬
‫وتعرض للتتابع فيها لفظا وفاتته‪ ،‬لزمه التتابع في القضاء‪ ،‬وإن لم يتعرض للتتابع لم يلزمه في القضاء‬
‫جزما؛ لن التتابع فيه لم يقع مقصودا‪ ،‬بل لضرورة تعين الوقت‪ ،‬فأشبه التتابع في شهر رمضان‪.‬‬
‫ولو قال‪ :‬ل علي أن أعتكف العشر الخير من رمضان‪ ،‬دخلت لياليه‪ ،‬حتى الليلة الولى‪ ،‬ويجزئه‬
‫وإن نقص الشهر‪ ،‬لن هذا السم يقع على ما بعد العشرين إلى آخر الشهر‪ ،‬بخلف قوله‪ :‬عشرة أيام‬
‫من آخر الشهر‪ ،‬وكان ناقصا ل يجزئه؛ لنه جرّد القصد إليها‪ ،‬فيلزمه أن يعتكف بعده يوما‪.‬‬
‫ولو نذر اعتكاف يوم معين ففاته فقضاه ليلً‪ ،‬أجزأه‪ .‬ولو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد فقدم ليلً‪،‬‬
‫فالمعتمد أن يقضي يوما كاملً‪ ،‬وذلك إذا قدم حيا مختارا‪ ،‬فلو قدم فيه ميتا أو قدم مكرها‪ ،‬فل شيء‬
‫عليه‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ شروط العتكاف‬
‫يشترط لصحة العتكاف ما يلي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬السلم‪ :‬فل يصح العتكاف من الكافر؛ لنه من فروع اليمان‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬العقل أو التمييز‪ :‬فل يصح من مجنون ونحوه‪ ،‬ول من صبي غير مميز؛ لنه ليس من أهل‬
‫العبادات‪ ،‬فلم يصح منه العتكاف كالكافر‪ ،‬ويصح اعتكاف الصبي المميز‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬كونه في المسجد‪ :‬فل يصح في البيوت‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬إل أن الحنفية أجازوا للمرأة العتكاف في‬
‫مسجد بيتها‪ :‬وهو محل عينته للصلة فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،179-177/2 :‬فتح القدير‪ 106/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،119‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،125‬الشرح الصغير‪ 725/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،192-190/1 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ 453/1‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ ،186-184/3 :‬كشاف القناع‪.409-406/2 :‬‬

‫( ‪)3/132‬‬
‫ً‪ - 4‬النية اتفاقا‪ :‬فل يصح العتكاف إل بالنية‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬إنما العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل‬
‫امرئ ما نوى» ولنه عبادة محضة‪ ،‬فلم تصح من غير نية كالصوم والصلة وسائر العبادات‪.‬‬
‫وأضاف الشافعية‪ :‬إن كان العتكاف فرضا‪ ،‬لزمه تعيين النية للفرض‪ ،‬لتميزه عن التطوع‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬الصوم‪ :‬شرط مطلقا عند المالكية‪ ،‬وشرط عند الحنفية في العتكاف المنذور فقط دون غيره من‬
‫التطوع‪ ،‬وليس بشرط عند الشافعية والحنابلة فيصح بل صوم‪ ،‬إل أن ينذره مع العتكاف‪ ،‬ويصح‬
‫عند الجمهور غير المالكية اعتكاف الليل وحده إذا لم يكن منذورا‪.‬‬
‫ودليل المشترطين حديث‪« :‬ل اعتكاف إل بصوم» (‪. )1‬‬
‫ودليل غير المشترطين حديث عمر أنه قال‪« :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام‬
‫ليلة‪ ،‬فقال له‪ :‬أوف بنذرك» (‪ )2‬وفي رواية أنه جعل على نفسه أن يعتكف يوما‪ ..‬الخ فلم يشترط له‬
‫الصيام‪ ،‬ولصحة اعتكاف الليل‪ ،‬لنه لصيام فيه‪ ،‬ولحديث ابن عباس‪« :‬ليس على المعتكف صيام إل‬
‫أن يجعله على نفسه» (‪. )3‬‬
‫ً‪ - 6‬الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس‪ :‬شرط عند الجمهور‪ ،‬إل أن الخلو من الجنابة شرط عند‬
‫المالكية لحل المكث في المسجد‪ ،‬ل لصحة العتكاف‪ ،‬فإذا احتلم المعتكف وجب عليه الغسل إما في‬
‫المسجد إن وجد فيه ماء‪ ،‬أوخارج المسجد‪.‬‬
‫وكذلك قال الحنفية‪ :‬الخلو من الجنابة شرط لحل العتكاف‪ ،‬ل لصحته‪ ،‬فلو اعتكف الجنب‪ ،‬صح‬
‫اعتكافه مع الحرمة‪ .‬وأما الخلو عن الحيض والنفاس فهو شرط لصحة العتكاف الواجب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني والبيهقي عن عائشة‪ ،‬إل أنه ضعيف (نصب الراية‪.)486/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬والدارقطني عن ابن عمر عن عمر (نصب الراية‪.)488/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني عن ابن عباس‪ ،‬ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه‪ ،‬وأخرجه الحاكم مرفوعا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬صحيح السناد (نيل الوطار‪.)268/4 :‬وهو المنذور؛ لن الصوم شرط لصحته‪ ،‬ول يصح‬
‫الصوم من الحائض والنفساء‪.‬‬

‫( ‪)3/133‬‬

‫ً‪ - 7‬إذن الزوج لزوجته‪ :‬شرط عند الحنفية والشافعية والحنابلة‪ ،‬فل يصح اعتكاف المرأة بغير إذن‬
‫زوجها‪ ،‬ولو كان اعتكافها منذورا‪ .‬ورأى المالكية أن اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها صحيح مع‬
‫الثم‪.‬‬
‫وأضاف ابن جزي المالكي شرطا آخر‪ :‬وهو الشتغال بالعبادة على قدر الستطاعة ليلً ونهارا‪ ،‬من‬
‫الصلة والذكر والتلوة خاصة‪ ،‬عند ابن القاسم‪ ،‬ومن سائر أعمال الخرة عند ابن وهب‪ ،‬فعلى‬
‫الول‪ ،‬وهو الراجح‪ ،‬ل يشهد جنازة ول يعود مريضا‪ ،‬ول يدرس العلم‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬يفعل ذلك‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬ما يلزم المعتكف وما يجوز له‬
‫اتفق الفقهاء على أنه يلزم المعتكف في العتكاف الواجب البقاء في المسجد‪ ،‬لتحقيق ركن العتكاف‬
‫وهو المكث والملزمة والحبس‪ ،‬ول يخرج إل لعذر شرعي أو ضرورة أو حاجة‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪: )1‬‬
‫يجوز للمعتكف الخروج في اعتكاف النفل أو السنة المؤكدة‪ ،‬لن الخروج ينهي العتكاف ول يبطله‪،‬‬
‫لكن لو شرع في المسنون وهو العشر الواخر من رمضان بنيته‪ ،‬ثم أفسده‪ ،‬يجب عليه قضاؤه‪ :‬أي‬
‫قضاء العشر كله في رأي أبي يوسف‪ ،‬وقضاء اليوم الذي أفسده لستقلل كل يوم بنفسه‪ ،‬في رأي‬
‫جمهور الحنفية‪.‬‬
‫وحرم على المعتكف اعتكافا واجبا الخروج إل لعذر شرعي كأداء صلة الجمعة والعيدين‪ ،‬فيخرج في‬
‫وقت يمكنه إدراكها مع صلة سنة الجمعة قبلها‪ ،‬ثم يعود‪ ،‬وإن أتم اعتكافه في الجامع صح وكره‪.‬‬
‫أو لحاجة طبيعية‪ :‬كالبول والغائط وإزالة النجاسة‪ ،‬والغتسال من جنابة باحتلم؛ لنه عليه الصلة‬
‫والسلم كان ل يخرج من معتكفه إل لحاجة‪.‬‬
‫أو لحاجة ضرورية‪ :‬كانهدام المسجد‪ ،‬أو أداء شهادة تعينت عليه‪ ،‬أو خوف على نفسه أو متاعه من‬
‫المكابرين‪ ،‬أو إخراج ظالم له كرها وتفرق أهله‪ .‬وعليه أن يدخل مسجدا آخر غيره من ساعته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،112-109/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،185-180/2 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.119‬‬

‫( ‪)3/134‬‬

‫فإن خرج ولو ناسيا ساعة بل عذر‪ ،‬فسد الواجب‪ ،‬وانتهى به غيره‪ ،‬وعليه قضاء الواجب الذي أفسده‬
‫إل إذا أفسده بالردة؛ لنها تسقط ما وجب عليه قبلها‪ .‬وإن خرج لعذر يغلب وقوعه‪ :‬وهو الحاجة‬
‫الطبيعية الشرعية لم يفسد اعتكافه‪ .‬وإن خرج لعذر نادر كإنجاء غريق وانهدام مسجد‪ ،‬فل يأثم‪ ،‬لكن‬
‫يبطل اعتكافه‪ ،‬إذا لم يخرج إلى مسجد آخر مباشرة‪.‬‬
‫ويفسد اعتكافه بالخروج لعيادة مريض أو تشييع جنازة‪ ،‬وإن تعينت عليه‪ ،‬إل أنه ل يأثم‪ ،‬كما في‬
‫س امرأة ول‬
‫المرض‪ .‬قالت عائشة‪« :‬السنة على المعتكف أل يعود مريضا‪ ،‬ول يشهد جنازة‪ ،‬ول يم ّ‬
‫يباشرها‪ ،‬ول يخرج لحاجة إل لما ل بد منه‪ ،‬ول اعتكاف إل بصوم‪ ،‬ول اعتكاف إل في مسجد‬
‫جامع» (‪. )1‬‬
‫والكل والشرب والنوم والعقد المحتاج إليه لنفسه أوعياله كبيع ونكاح ورجعة يكون في معتكفه؛ لن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم لم يكن له مأوى إل المسجد‪ ،‬ولنه يمكن قضاء هذه الحاجة في المسجد‪،‬‬
‫فل ضرورة إلى الخروج‪.‬‬
‫فل بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلعة‪ ،‬لنه قد يحتاج إلى ذلك بأن ل يجد‬
‫من يقوم بحاجته‪ ،‬لكن يكره تحريما البيع لتجارة وإحضار المبيع أو السلعة إلى المسجد‪ ،‬ومبايعة غير‬
‫المعتكف فيه مطلقا؛ لن المسجد محرر عن حقوق العباد‪ ،‬وفيه انشغال بها‪ ،‬وورد حديث‪« :‬جنبوا‬
‫مساجدكم ـ أو مساجدنا ـ صبيانكم ومجانينكم‪ ،‬وشراءكم‪ ،‬وبيعكم‪ ،‬وخصوماتكم‪ ...‬الحديث» (‪، )2‬‬
‫وثبت أنه «صلّى ال عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد‪ ،‬وأن ينشد فيه ضالة‪ ،‬أو ينشد فيه‬
‫شعر‪ ،‬ونهى عن التحلق قبل الصلة يوم الجمعة» (‪. )3‬‬
‫وأما الكل والشرب والنوم لغير المعتكف في المسجد‪ ،‬فمكروه إل لغريب‪ ،‬كما في أشباه ابن نجيم‪،‬‬
‫وقال ابن كمال‪ :‬ليكره الكل والشرب والنوم فيه مطلقا مقيما كان أوغريبا‪ ،‬مضطجعا أو متكئا‪،‬‬
‫رجله إلى القبلة أو إلى غيرها‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬ل يخرج من معتكفه إل لربعة أمور‪ :‬لحاجة النسان‪ ،‬ولما لبد منه من شراء‬
‫معاشه‪ ،‬وللمرض‪ ،‬والحيض‪ ،‬وإذا خرج لشيء من ذلك‪ ،‬فهو‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والنسائي (نيل الوطار‪.)267/4 :‬‬
‫(‪ )2‬حديث ضعيف رواه ابن ماجه والطبراني في معجمه من حديث واثلة بن السقع‪ ،‬ورواه الطبراني‬
‫أيضا من حديث أبي الدرداء وأبي أمامة‪ ،‬ورواه عبد الرزاق من حديث معاذ (نصب الراية‪-491/2 :‬‬
‫‪.)492‬‬
‫(‪ )3‬رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )4‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،125‬الشرح الصغير‪ 734/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/135‬‬

‫في حكم العتكاف حتى يرجع‪ .‬فل يخرج لعيادة مريض وصلة جنازة وصعود لذان أو سطح‬
‫للمسجد‪ ،‬ويجوز سلمه على من بقربه‪ ،‬وتطيبه بأنواع الطيب وإن كره للصائم غير المعتكف‪ ،‬لن‬
‫معه مانعا يمنعه من إفساد اعتكافه وهو بالمسجد‪ ،‬وجاز له أن يزوج ويتزوج‪ ،‬ويستصحب ثوبا غير‬
‫الذي عليه‪ ،‬لنه ربما احتاج له‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )1‬ليجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لغير عذر‪ ،‬لقول عائشة‪« :‬إن كان رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد‪ ،‬فأرّجله‪ ،‬وكان ل يدخل البيت إل لحاجة‬
‫النسان‪ ،‬إذا كان معتكفا» (‪ )2‬فيجوز أن يخرج رأسه وأرجله أو يخرج للحاجة الطبيعية‪ ،‬ول يبطل‬
‫اعتكافه لحديث عائشة هذا‪ .‬فإن خرج من غير عذر بطل اعتكافه؛ لنه فعل ما ينافي العتكاف‪ :‬وهو‬
‫اللبث في المسجد‪.‬‬
‫وله أن يخرج إلى منارة المسجد ليؤذن فيها‪ ،‬ولو كانت على الراجح خارج المسجد وخارج رحبته‬
‫(وهي ما كان مضافا إلى المسجد محجرا عليه) ول يبطل اعتكافه‪ ،‬ويجوز أن يمضي إلى البيت‬
‫للكل‪ ،‬ول يبطل اعتكافه‪ ،‬في النصوص؛ لن الكل في المسجد ينقص المروءة‪ ،‬فلم يلزمه‪ .‬كما له‬
‫الخروج لشرب الماء إن عطش ولم يجد الماء في المسجد‪.‬‬
‫ويخرج لصلة الجنازة وعيادة المريض في اعتكاف التطوع‪ ،‬ول يخرج في اعتكاف الفرض‪ ،‬فإن‬
‫خرج في الحالين بطل اعتكافه‪.‬‬
‫ويلزمه الخروج لصلة الجمعة إن كان من أهل الفرض‪ ،‬والعتكاف في غير الجامع؛ لن الجمعة‬
‫فرض في الشرع‪ ،‬فل يجوز تركها بالعتكاف‪ ،‬ويبطل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المجموع‪ ،565-528/6 :‬المهذب‪.194-192/1 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/136‬‬

‫اعتكافه وتتابعه في الصح المشهور من نصوص الشافعي؛ لنه كان يمكنه الحتراز من الخروج‪،‬‬
‫بأن يعتكف في غير الجامع‪ ،‬فإن لم يفعل بطل اعتكافه‪.‬‬
‫ويلزمه الخروج لداء شهادة إن تعين عليه؛ لنه تعين لحق آدمي‪ ،‬فقدم على العتكاف‪ ،‬ول يبطل‬
‫اعتكافه على الراجح؛ لنه مضطر إلى الخروج‪ .‬وللمعتكفة أن تخرج إذا طلقت لتعتد‪ ،‬ول يبطل‬
‫اعتكافها أيضا‪ ،‬لضطرارها إلى الخروج‪.‬‬
‫ومن مرض مرضا ل يؤمن معه تلويث المسجد كإطلق الجوف وسلس البول‪ ،‬خرج كما يخرج‬
‫لحاجة النسان ول ينقطع التتابع على المشهور الصحيح‪ .‬وإن كان مرضا يسيرا يمكن معه المقام في‬
‫المسجد من غير مشقة كالصداع ووجع الضرس والعين ونحوها لم يخرج‪ ،‬فإن خرج بطل اعتكافه‪.‬‬
‫وإن كان مرضا يشق معه القامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم وتردد الطبيب ونحو‬
‫ذلك‪،‬فيباح له الخروج‪ ،‬والصح أنه ل ينقطع به التتابع‪.‬‬
‫وإن أغمي عليه‪ ،‬فأخرج من المسجد‪ ،‬لم يبطل اعتكافه؛ لنه لم يخرج باختياره وإن سكر فسد‬
‫اعتكافه‪ .‬وإن ارتد ثم أسلم بنى على اعتكافه‪.‬‬
‫وإن حاضت المعتكفة‪ ،‬خرجت من المسجد؛ لنه ل يمكنها المقام في المسجد‪ ،‬ولم يبطل اعتكافها إن‬
‫كان في مدة ل يمكن حفظها من الحيض‪ ،‬وإذا طهرت بنَت عليه‪ ،‬كما لو حاضت في صوم شهرين‬
‫متتابعين‪ .‬ويبطل اعتكافها إن كان في مدة يمكن حفظهامن الحيض‪ ،‬كما لوحاضت في صوم ثلثة أيام‬
‫متتابعة‪.‬‬
‫ويبطل العتكاف بالخروج إلى الحج الذي أحرم به؛ لن الخروج حدث باختياره لنه كان يسعه أن‬
‫يؤخره‪ .‬وإن خاف من ظالم فخرج واستتر‪ ،‬لم يبطل اعتكافه؛ لنه مضطر إلى الخروج بسبب هو‬
‫معذرو فيه‪.‬‬

‫( ‪)3/137‬‬

‫وإن خرج من المسجد ناسيا أو مكرها محمولً أو أكره حتى خرج بنفسه‪ ،‬أو أخرجه السلطان ظلما لم‬
‫يبطل اعتكافه‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (‪)1‬‬
‫فإن أخرجه السلطان بحق‪ ،‬كأن وجب عليه حق وهو يماطل به مع قدرته عليه‪ ،‬أو أخرجه ليقيم عليه‬
‫عقوبة شرعية من حد أو قصاص أو تعزير ثبت عليه بإقراره‪ ،‬بطل اعتكافه‪ .‬وإن ثبت عليه بالبينة لم‬
‫يبطل ول ينقطع به التتابع‪ ،‬فإذا عاد بنى‪.‬‬
‫وإن خرج لعذر‪ ،‬ثم زال العذر‪ ،‬وتمكن من العود‪ ،‬فلم يعد‪ ،‬بطل اعتكافه؛ لنه ترك العتكاف من‬
‫غير عذر‪ ،‬فأشبه إذا خرج من غير عذر‪.‬‬
‫ويجور للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير العتكاف؛ لنه لم ينقل عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه‬
‫غيّر شيئا من ملبسه‪ .‬ويجوز أن يتطيب ويتزين؛ لنه لو حرم التطيب عليه لحرم ترجيل الشعر‬
‫كالحرام‪ ،‬وقد روى الشيخان أن عائشة كانت ترجّل شعر رسول ال صلّى ال عليه وسلم في‬
‫العتكاف‪ ،‬فدل على أنه ل يحرم عليه الطيب‪ .‬ويجوز أن يتزوج ويزوج قياسا على جواز الطيب‪.‬‬
‫ويجوز دراسة العلم وتدريسه‪ ،‬لن ذلك كله زيادة خير‪ ،‬ويجوز أن يأمر بالمر الخفيف في ماله‬
‫وضيعته‪ ،‬ويبيع ويبتاع‪ ،‬لكنه ل يكثر منه؛ لن المسجد ينزه عن أن يتخذ موضعا للبيع والشراء‪ ،‬فإن‬
‫أكثر من ذلك كره لجل المسجد‪ ،‬ولم يبطل به العتكاف‪ .‬ويجوز أن يأكل في المسجد؛ لنه عمل قليل‬
‫ل بد منه‪ ،‬ويجوز أن يضع فيه المائدة؛ لن ذلك أنظف للمسجد‪ ،‬ويغسل فيه اليد‪ ،‬وإن غسل في‬
‫الطست فهو أحسن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس بلفظ «إن ال تجاوز عن أمتي‬
‫الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ‪.‬‬

‫( ‪)3/138‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬المعتكف الذي لزمه تتابع العتكاف كمن نذر شهرا أو أياما متتابعة ونحوه‪ ،‬لم‬
‫يجز له الخروج من المسجد إل لحاجة النسان أو لما ل بد له منه‪ ،‬أو لصلة الجمعة‪ ،‬لحديث عائشة‬
‫السابق‪« :‬السنة للمعتكف أل يخرج إل لما ل بد له منه» كحاجة النسان من بول وغائط وقيء بغتةً‬
‫وغسل متنجس يحتاجه‪ ،‬والطهارة عند الحدث كغسل جنابة ووضوء لحدث؛ لن الجنب يحرم عليه‬
‫اللبث في المسجد‪ ،‬والمحدث ل تصح صلته بدون وضوء‪.‬‬
‫ويخرج المعتكف ليأتي بمأكول ومشروب يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به‪ .‬ول يجوز خروجه لجل‬
‫أكله وشربه في بيته‪ ،‬لعدم الحاجة‪ ،‬لباحة ذلك في المسجد‪ ،‬ول نقص فيه‪.‬‬
‫ويخرج للجمعة إن كانت واجبة عليه؛ لنه خروج لواجب فلم يبطل اعتكافه‪ ،‬كالمعتدة‪ ،‬أو شرط‬
‫الخروج إليها‪ ،‬وإن لم تكن واجبة‪ ،‬للشرط‪ ،‬وله التبكير إليها؛ لنه خروج جائز‪ ،‬فجاز تعجيله‪،‬‬
‫كالخروج لحاجة النسان‪ ،‬وله إطالة المقام بعد الجمعة‪ ،‬ول يكره لصلحية الموضع للعتكاف‪.‬‬
‫ويخرج لنفير متعين إن احتيج إليه؛ لن ذلك واجب كالجمعة‪ ،‬ولشهادة تعيّن عليه أداؤها‪ ،‬ولخوف من‬
‫فتنة على نفسه أو حرمته‪ ،‬أو ماله نهبا أو حريقا ونحوه كالغرق؛ لنه عذر في ترك الواجب بأصل‬
‫الشرع كالجمعة‪ ،‬ولمرض يتعذر معه المقام‪ ،‬أو ل يمكنه المقام معه إل بمشقة شديدة‪ ،‬بأن يحتاج إلى‬
‫خدمة فراش‪ ،‬ول يبطل اعتكافه بخروجه لشيء مما تقدم للحاجة إليه‪.‬‬
‫ول يجوز له الخروج إن كان المرض خفيفا كصداع وحمى خفيفة ووجع ضرس؛ لنه خروج لما له‬
‫منه بد‪ ،‬فأشبه المبيت ببيته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،210-200 ،196-191/3 :‬كشاف القناع‪.420-414/2 :‬‬

‫( ‪)3/139‬‬
‫ول يبطل اعتكافه أيضا إن أكرهه السلطان أو غيره على الخروج من معتكفه‪ ،‬بأن حمل وأخرج‪ ،‬أو‬
‫هدده قادر بسلطنة‪ ،‬أو تغلب كلص وقاطع طريق‪ ،‬فخرج بنفسه؛ لن مثل ذلك يبيح ترك الجمعة‬
‫والجماعة‪ ،‬فهو كالمريض والحائض‪.‬‬
‫ول يبطل اعتكافه إن خرج من المسجد ناسيا‪ ،‬للحديث السابق «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما‬
‫استكرهوا عليه» ‪ ،‬ويبني على اعتكافه إذا زال العذر في كل ما تقدم مما ل يبطل فيه العتكاف‪.‬‬
‫وتخرج المرأة المعتكفة من المسجد لوجود حيض ونفاس‪ ،‬فإذا طهرت رجعت إلى المسجد؛ لن اللبث‬
‫معهما في المسجد حرام‪ .‬وتخرج أيضا لعدة وفاة في منزلها‪ ،‬لوجوبها شرعا كالجمعة‪ ،‬وهو حق ل‬
‫ولدمي‪ ،‬ل يستدرك إذا ترك‪ ،‬بخلف العتكاف‪ ،‬ول يبطل بذلك‪.‬‬
‫ول تمنع المستحاضة العتكاف؛ لن الستحاضة ل تمنع الصلة‪ ،‬ويجب عليها أن تتحفظ لئل تلوث‬
‫المسجد‪.‬‬
‫ول يعود المعتكف مريضا ول يشهد جنازة‪ ،‬ول يجهزها خارج المسجد إل بشرط بأن يشترط ذلك؛ أو‬
‫وجوب بأن يتعين ذلك عليه‪ ،‬لعدم غيره؛ لنه ل بد منه إذن‪.‬‬
‫وإن شرط الوطء في اعتكافه أو الخروج للفرجة أو النزهة أوالبيع للتجارة‪ ،‬أو التكسب بالصناعة في‬
‫المسجد؛ لم يجز الشرط؛ لن ال تعالى قال‪{ :‬ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]187/2‬فاشتراط ذلك اشتراط لمعصية ال تعالى‪ ،‬والصناعة في المسجد منهي عنها في غير‬
‫العتكاف‪ ،‬ففي العتكاف أولى‪ ،‬وسائر ما ذكر يشبه ذلك‪ ،‬ول حاجة إليه‪ .‬ول يجوز للمعتكف أن‬
‫يتجر أو يتكسب بالصنعة‪ ،‬إل ما لبد له منه‪ ،‬للنهي السابق عن البيع والشراء في المسجد‪.‬‬
‫ول بأس أن يتزوج (يعقد عقد الزواج) في المسجد‪ ،‬ويشهد النكاح؛ لن العتكاف عبادة ل تحرم‬
‫الطيب‪ ،‬فلم تحرم النكاح كالصوم‪ ،‬ولن عقد النكاح طاعة‪ ،‬وحضوره قربة‪ ،‬ومدته ل تتطاول‪،‬‬
‫فيتشاغل به عن العتكاف‪ ،‬فلم يكره فيه‪ ،‬كتشميت العاطس ورد السلم‪.‬‬

‫( ‪)3/140‬‬

‫ول بأس أن يتنظف بأنواع التنظيف؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «كان يرجل رأسه وهومعتكف»‬
‫وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب‪ ،‬ولكن ليس ذلك بمستحب‪.‬‬
‫سفْرة كيل يلوث المسجد‪ ،‬ويغسل يده في الطست‪ ،‬ول‬
‫ول بأس أن يأكل المعتكف في المسجد‪ ،‬ويضع ُ‬
‫يجوز أن يخرج لغسل يده؛ لن من ذلك بدا‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الخروج المباح في العتكاف الواجب أربعة أنواع‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما ل يوجب قضاء ول كفارة‪ :‬وهو الخروج لحاجة النسان وشبهه مما ل بد منه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما يوجب قضاء بل كفارة‪ :‬وهو الخروج للحيض‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ما يوجب قضاء وكفارة يمين‪ :‬وهو الخروج لفتنة خاف منها على نفسه إن قعد في المسجد‪،‬‬
‫أو على ماله نهبا أو حريقا‪ .‬فإذا أمن بنى على ما مضى إذا كان نذر أياما معلومة‪ ،‬وقضى ما ترك‪،‬‬
‫وكفر كفارة يمين‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬ما يوجب قضاء‪ ،‬وفي الكفارة وجهان‪ :‬وهو الخروج الواجب كالخروج في النفير أو العدة أو‬
‫أداء الشهادة‪ ،‬ففي قول القاضي أبي يعلى‪ :‬ل كفارة عليه؛ لنه واجب لحق ال تعالى‪ ،‬فأشبه الخروج‬
‫للحيض‪ .‬وظاهر كلم الخرقي‪ :‬وجوبها؛ لنه خروج غير معتاد‪ ،‬فأوجب الكفارة‪ ،‬كالخروج لفتنة‪.‬‬

‫( ‪)3/141‬‬

‫المبحث الخامس ـ آداب المعتكف ومكروهات العتكاف ومبطلته‪:‬‬


‫آ ـ آداب المعتكف (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬يستحب للمعتكف التشاغل على قدر الستطاعة ليلً ونهارا بالصلة‪ ،‬وتلوة القرآن‪ ،‬وذكر ال‬
‫تعالى نحو ل إله إل ال ‪ ،‬ومنه الستغفار‪ ،‬والفكر القلبي في ملكوت السموات والرض ودقائق‬
‫الحكم‪ ،‬والصلة على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وتفسير القرآن ودراسة الحديث‪ ،‬والسيرة‪ ،‬وقصص‬
‫النبياء وحكايات الصالحين‪ ،‬ومدارسة العلم‪ ،‬ونحو ذلك من الطاعات المحضة‪ .‬وعد المالكية ذلك من‬
‫شروط العتكاف على سبيل الندب‪ ،‬لكنهم مع الحنابلة كرهوا اشتغال المعتكف بعلم ولو شرعيا‪ ،‬تعليما‬
‫أو تعلما إن كثر ل إن قل؛ لن المقصود من العتكاف صفاء القلب بمراقبة الرب‪ ،‬وهو إنما يحصل‬
‫غالبا بالذكار وعدم الشتغال بالناس‪ ،‬والكتابة ولو كان المكتوب مصحفا‪ ،‬لما فيها من اشتغال عن‬
‫ملحظة الرب تعالى‪ ،‬وليس المقصود من العتكاف كثرة الثواب‪ ،‬بل صفاء مرآة القلب الذي به‬
‫سعادة الدارين‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬يسن الصيام للمعتكف عند الجمهور (غير المالكية) الذين ل يشترطونه‪ ،‬والمالكية يشترطون‬
‫الصوم‪ ،‬والحنفية يشترطونه في العتكاف المنذور‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬يندب أن يكون العتكاف في المسجد الجامع عند المالكية والشافعية الذين ل يشترطون ذلك‪،‬‬
‫كما اشترطه الحنفية والحنابلة‪ ،‬وأفضل المساجد لذلك‪ :‬المسجد الحرام ثم المسجد النبوي‪ ،‬ثم المسجد‬
‫القصى‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬يند ب العتكاف في رمضان‪ ،‬لنه من أفضل الشهور‪ ،‬ل سيما في العشر الخير من رمضان‬
‫بالتفاق؛ لن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ لما بينت وهو ما روي عن عائشة‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،185/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 125‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪،735-730/1 :‬‬
‫المهذب‪ ،194/1 :‬المغني‪ 203/3 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.422/2 :‬‬

‫( ‪)3/142‬‬

‫«أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان إذا دخل العشر الواخر أحيا الليل‪ ،‬وأيقظ أهله‪ ،‬وشد المئزر» (‬
‫‪. )1‬‬
‫ً‪ - 5‬يندب مكث المعتكف ليلة العيد إذا اتصل اعتكافه بها‪ ،‬ليخرج منه إلى المصلى‪ ،‬فيوصل عبادة‬
‫بعبادة‪ ،‬ولما ورد من فضل إحياء هذه الليلة‪« :‬من قام ليلتي العيد‪ ،‬محتسبا ل تعالى‪ ،‬لم يمت قلبه يوم‬
‫تموت القلوب» (‪ )2‬أي أن ال يثبّته على اليمان عند النزع وعند سؤال الملكين وسؤال القيامة‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬يجتنب المعتكف كل مال يعنيه من القوال والفعال‪ ،‬ول يكثر الكلم؛ لن من كثر كلمه كثر‬
‫سقَطه‪ ،‬وفي الحديث‪« :‬من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه» (‪. )3‬‬
‫َ‬
‫ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش‪ ،‬فإن ذلك مكروه في غير العتكاف‪،‬ففيه أولى‪ ،‬ول يبطل‬
‫العتكاف بشيء من ذلك؛ لنه لما لم يبطل بمباح الكلم لم يبطل بمحظور‪.‬‬
‫ول يتكلم المعتكف إل بخير‪ ،‬ول بأس بالكلم لحاجته‪ ،‬ومحادثة غيره‪ ،‬فإن صفية زوج النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قالت‪« :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم معتكفا‪ ،‬فأتيته أزوره ليلً‪ ،‬فحدثته‪ ،‬ثم قمت‪،‬‬
‫فانقلبت‪ ،‬أي رجعت فقام معي ليقلبني ـ وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ـ فمر رجلن من‬
‫النصار‪ ،‬فلما رأيا النبي صلّى ال عليه وسلم أسرعا‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬على‬
‫ِرسْلكما‪ ،‬إنها صفية بنت حيي‪ ،‬فقال‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬يا رسول ال ‪ ،‬فقال‪ :‬إن الشيطان يجري من‬
‫النسان مجرى الدم‪ ،‬وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا‪ ،‬أو قال‪ :‬شيئا» (‪ ، )4‬وقال علي رضي‬
‫ال عنه‪« :‬أيما رجل اعتكف فل يساب ول يرفث في الحديث‪ ،‬ويأمر أهله بالحاجة ـ أي وهو يمشي‬
‫ـ ول يجلس عندهم» (‪. )5‬‬
‫ب ـ مكروهات العتكاف ‪:‬‬
‫إن ترك بعض الداب المذكورة مكروه‪ ،‬وكذلك يكره ما يلي في المذاهب الفقهية‪:‬‬
‫يكره تحريما عند الحنفية (‪ : )6‬إحضار المبيع في المسجد؛ لن المسجد محرر من حقوق العباد‪ ،‬فل‬
‫يجعله كالدكان‪.‬‬
‫ويكره عقد ما كان للتجارة‪ ،‬لن المعتكف منقطع إلى ال تعالى‪ ،‬فل يشتغل بأمور الدنيا‪.‬‬
‫ويكره الصمت إن اعتقده قربة؛ لنه منهي عنه؛ لنه صوم أهل الكتاب‪ ،‬وقد نسخ‪.‬‬
‫ويكره عند المالكية ما يأتي (‪: )7‬‬
‫ً‪ - 1‬أن ينقص عن عشرة أيام أو يزيد عن شهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه (نيل الوطار‪.)270/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه عن أبي أمامة‪.‬‬
‫(‪ )3‬حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه المام أحمد‪.‬‬
‫(‪ )6‬مراقي الفلح ونور اليضاح‪ :‬ص ‪ ،119‬الدر المختار‪ 184/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )7‬الشرح الصغير‪ ،774-732/1 :‬الشرح الكبير‪ 584/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/143‬‬

‫ً‪- 2‬أكله بفناء المسجد أو رحبته التي زيدت لتوسعته‪ ،‬وإنما يأكل فيه على حدة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يعتكف القادر بدون أكل أو شرب أو لباس حتى ليخرج‪ ،‬فإن اعتكف غير مكفي‪ ،‬خرج‬
‫لقرب مكان لشراء ما يحتاجه‪ ،‬وإل فسد اعتكافه‪ .‬ويكره اعتكاف ما ليس عنده ما يكفيه‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬دخوله بمنزل به أهله (أي زوجته) أثناء خروجه لقضاء حاجة‪ ،‬لئل يطرأ عليه منهما ما يفسد‬
‫اعتكافه‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬الشتغال بعلم إن كثر ولو شرعيا‪ ،‬تعليما أوتعلما؛ أو بكتابة وإن كان المكتوب مصحفا؛ لن‬
‫المقصود من العتكاف رياضة النفس وصفاء القلب بمراقبة الرب‪ ،‬وذلك يحصل بالذكر والصلة‪.‬‬
‫وأجاز العلمة خليل للمعتكف إقراء القرآن على غيره أو سماعه من الغير‪ ،‬ل على وجه التعليم‬
‫والتعلم‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬الشتغال بكل فعل غير ذكر وتلوة وصلة‪ ،‬كأن يشتغل بعيادة مريض‪ ،‬وصلة جنازة ولو‬
‫لصقت المعتكف‪ ،‬وصعود لذان بمنار أو سطح‪ ،‬وإقامة الصلة‪ ،‬أما المامة فل بأس بها‪ ،‬بل‬
‫مستحبة‪ ،‬لنه صلّى ال عليه وسلم كان يعتكف ويصلي إماما‪.‬‬
‫ً‪ - 7‬السلم على الغير إن بعد‪ ،‬وجاز سلمه على من بقربه‪ .‬ويكره عند الشافعية (‪ : )1‬الكثار من‬
‫اتخاذ موضع للبيع والشراء‪ ،‬أو العمل الصناعي‪ ،‬والحجامة والفصد إن أمن تلويث المسجد‪ ،‬وإل‬
‫حرم‪.‬‬
‫ويكره عند الحنابلة (‪ : )2‬الشتغال بإقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪.194/1 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،204/3 :‬كشاف القناع‪ 422/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/144‬‬

‫ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه‪ .‬والخوض فيما ل يعنيه من‬
‫جدال ومراء وكثرة كلم ونحوه‪ ،‬والصمت عن الكلم؛ لنه ليس من شريعة السلم‪ ،‬لحديث علي‪:‬‬
‫«ل صمات يوم إلى الليل» (‪ )1‬و «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها‪ :‬زينب‪ ،‬فرآها ل‬
‫تتكلم‪ ،‬فقال‪ :‬ما لها ل تتكلم؟ فقالوا‪ :‬حجت مصمتة‪ ،‬فقال لها‪ :‬تكلمي‪ ،‬فإن هذا ل يحل‪ ،‬هذا من عمل‬
‫الجاهلية‪ ،‬فتكلمت» (‪. )2‬‬
‫جـ ـ مبطلت العتكاف‪:‬‬
‫يبطل العتكاف أو يفسد بما يأتي (‪: )3‬‬
‫ً‪ - 1‬الخروج بل عذر شرعي كالخروج للبيع والشراء‪ ،‬أو لغير حاجة طبيعية التي هي كالبول أو‬
‫الغائط‪ ،‬أو لغير ضرورة التي هي كانهدام المسجد‪ ،‬على التفصيل المذكور في «ما يلزم المعتكف»‬
‫ويبطل العتكاف بالخروج المتعين عند المالكية وإن وجب كالخروج للجهاد المتعين والحبس في‬
‫دين‪.‬فإن خرج لضرورة كشراء مأكول أو مشروب و لطهارة أو قضاء حاجة أو غسل جنابة‪ ،‬أو عذر‬
‫شرعي كالخروج لصلة الجمعة‪ ،‬فل يبطل اعتكافه‪ ،‬من غير زيادة على قدر الضرورة‪ ،‬وإل بطل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود بلفظ «ل يتم بعد احتلم ول صمات يوم إلى الليل» وأسند أبو حنيفة عن أبي‬
‫هريرة أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن صوم الوصال‪ ،‬وعن صوم الصمت» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ 185/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،120‬الشرح الكبير‪ 543/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫القوانين الفقهية ‪ :‬ص ‪ ،126‬الشرح الصغير‪ 737 ،728/1 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،455-452/1 :‬‬
‫المهذب‪ 193/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ ،200-196/3:‬كشاف القناع‪ 421-409/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫( ‪)3/145‬‬

‫ً‪- 2‬الجماع‪ ،‬ولو كان عند الجمهور ناسيا أو مكرها ليلً أو نهارا؛ لن الوطء في العتكاف حرام‬
‫بالجماع‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‪ ،‬تلك حدود ال فل تقربوها}‬
‫[البقرة‪ ]187/2:‬فإن وطئ في الفرج عمدا أفسد اعتكافه بالجماع‪.‬‬
‫وكذا في غير العمد عند الجمهور؛ لن ما حرم في العتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده‬
‫كالخروج من المسجد‪ ،‬ول كفارة في الوطء عند الحنابلة في ظاهر المذهب‪ ،‬وفي باقي المذاهب‪ ،‬لن‬
‫العتكاف عبادة ل تجب بأصل الشرع‪ ،‬فلم تجب بإفسادها كفارة كالنوافل‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬الجماع المفسد هو المتعمد مع العلم والختيار‪ ،‬فل يفسد العتكاف بالجماع ناسيا‬
‫أوجاهلً أو مكرها‪ ،‬كالخروج في هذه الحالت‪ ،‬ولنها مباشرة ل تفسد الصوم‪ ،‬فلم تفسد العتكاف‬
‫كالمباشرة فيما دون الفرج‪ ،‬ولعموم قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما‬
‫استكرهوا عليه» ‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬النزال في حال المباشرة بشهوة كالقبلة واللمس والتفخيذ‪ ،‬بالتفاق‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪ { :‬ول‬
‫تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } [البقرة‪.]187/2:‬‬
‫أما لو أمنى بالتفكير أو بالنظر‪ ،‬أو باشر ولم ينزل‪ ،‬فل يفسد اعتكافه عندالجمهور؛ لنها مباشرة ل‬
‫تفسد صوما ول حجا‪ ،‬فلم تفسد العتكاف‪ ،‬كالمباشرة لغير شهوة‪ ،‬لكن الشافعية قيدوا ذلك بما إذا لم‬
‫يكن عادة له‪ ،‬فإن كان ذلك عادة له فيفسد العتكاف‪.‬‬

‫( ‪)3/146‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬المناء بالفكرأو النظر‪ ،‬والمباشرة وإن لم ينزل يفسد العتكاف؛ لنها مباشرة محرمة‪،‬‬
‫فأفسدت العتكاف كما لو أنزل‪ ،‬ول بأس بالمباشرة لغير شهوة اتفاقا كأن تغسل رأسه أو تناوله شيئا؛‬
‫لن «النبي صلّى ال عليه وسلم كان يدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله» (‪. )1‬‬
‫ً‪ - 4‬الردة‪ :‬إذا ارتد المعتكف‪ ،‬بطل اعتكافه لقوله تعالى‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر‪:‬‬
‫‪ ]65/39‬ولنه خرج بالردة عن كونه من أهل العتكاف‪ ،‬ول يقضي عند الجمهور إذا عاد للسلم‬
‫ترغيبا له في السلم‪ .‬ويجب عليه القضاء عند الحنابلة في النذر‪ ،‬وعليه كفارة يمين في نذر أيام‬
‫معينة كالعشر الواخر من رمضان‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬السكر نهارا‪ ،‬وكذا ليلً إن تعمده عند الجمهور‪ ،‬وإن دخل في العتكاف عند الشافعية‪ ،‬لعدم‬
‫أهليته للعبادة‪ ،‬لكن قيد الشافعية السكر بأن يحصل بسبب تعديه‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬الغماء والجنون الطويلن‪ :‬فإذا جن المعتكف أو أغمي عليه أياما بطل اعتكافه عند الجمهور‬
‫إذا كان متعديا بالجنون عند الشافعية‪ ،‬لعدم أهليته للعبادة‪ ،‬ويحسب عند الشافعية زمن الغماء من‬
‫العتكاف‪ ،‬دون زمن الحيض والنفاس والجنابة والجنون‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬ل يبطل العتكاف بالغماء‬
‫كما ل يبطل بالنوم‪ ،‬بجامع بقاء التكليف‪.‬‬
‫ً‪ -7‬الحيض والنفاس‪ :‬فإذا حاضت المرأة أو نفست بطل اعتكافها‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬الكل عمدا عند المالكية والحنفية مشترطي الصوم‪ ،‬فإذا أكل المعتكف عمدا بطل اعتكافه‪ ،‬ول‬
‫يبطل بالكل ناسيا‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬الوقوع في كبيرة كالغيبة والنميمة والقذف يبطل العتكاف عند المالكية في أحد قولين‬
‫مشهورين‪ ،‬ول يبطله عند الجمهور وفي قول مشهور آخر عند المالكية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والشيخان عن عائشة رضي ال عنها‬

‫( ‪)3/147‬‬

‫المبحث السادس ـ حكم العتكاف إذا فسد‪:‬‬


‫للفقهاء تفصيلت في ذلك‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )1‬العتكاف إذا فسد ل يخلو إما أن يكون واجبا أي منذورا‪ ،‬وإما أن يكون تطوعا‪.‬‬
‫أ ـ فإن كان واجبا‪ :‬أي إذا فسد العتكاف الواجب‪ ،‬وجب قضاؤه إل إذا فسد بالردة خاصة‪ ،‬فإن كان‬
‫اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد ليس غير‪ ،‬ول يلزمه الستئناف أي البدء من أول الشهر‪،‬‬
‫كصوم رمضان‪ .‬وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه‪ ،‬يلزمه الستئناف من أوله؛ لنه يلزمه متتابعا‪،‬‬
‫فيراعى فيه صفة التتابع‪ ،‬وذلك سواء فسد بصنعه من غير عذر كالخروج والجماع والكل والشرب‬
‫في النهار‪ ،‬إل في الردة‪ ،‬أو فسد بصنعه بعذر‪ ،‬كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج‪ ،‬أو بغير صنعه‬
‫كالحيض والجنون والغماء الطويل؛ لن القضاء يجب جبرا للفائت‪.‬‬
‫وأما دليل سقوط القضاء في الردة‪ :‬فقوله تعالى‪{ :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}‬
‫[النفال‪ ]38/8:‬وقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬السلم يجب ما كان قبله» (‪. )2‬‬
‫ومن نذر اعتكاف شهر بعينه كالمحرم‪،‬ثم فات كله‪ ،‬قضى الكل متتابعا؛ لنه صار العتكاف دينا في‬
‫ذمته‪ .‬وإن قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته‪ ،‬يجب عليه أن يوصي بالفدية لكل يوم‬
‫طعام مسكين لجل الصوم‪ ،‬ل لجل العتكاف‪ ،‬كما في قضاء رمضان والصوم المنذور في وقت‬
‫بعينه‪ .‬وإن كان مريضا وقت النذر‪،‬فذهب الوقت وهو مريض حتى مات‪ ،‬فل شيء عليه‪.‬‬
‫ب ـ وأما اعتكاف التطوع إذا قطعه قبل تمام اليوم‪ ،‬فل شيء عليه في رواية الصل‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )3‬مبطلت العتكاف الواجب قسمان‪:‬‬
‫الول ـ ما يبطل ما فعل منه ويوجب استئنافه‪ :‬كالخروج برجليه معا بغير ضرورة أو لمرض أحد‬
‫أبويه‪ ،‬أو لصلة الجمعة وكان معتكفا في مسجد غير جامع‪ ،‬وكتعمد الفطر أو السكر‪ ،‬والوطء والقبلة‬
‫بشهوة واللمس ليلً‪ .‬فمن نذر أياما معينة كأسبوع أو ثلثة أيام‪ ،‬ثم حدث منه ما ذكر مما يبطل‬
‫اعتكافه‪ ،‬لزمه القضاء واستئناف العتكاف من أوله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،117/2 :‬فتح القدير‪.114/2 :‬‬
‫(‪ )2‬حديث ضعيف رواه ابن سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،551/1 :‬الشرح الصغير‪ 737 ،728-726/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/148‬‬

‫الثاني ـ ما يخص زمنه ول يبطل ما قبله‪ :‬وهو ثلثة أنواع‪:‬‬


‫أ ـ مايمنع الصوم فقط‪ :‬وهو وجود العيد وطروء مرض خفيف‪ ،‬فمن نذر شهر ذي الحجة‪ ،‬فل‬
‫يخرج يوم الضحى‪ ،‬وإل بطل اعتكافه من أصله‪ ،‬ومن أفطر ناسيا‪ ،‬أو طرأ له مرض خفيف منعه‬
‫من الصوم‪ ،‬فإنه بعد مضي يوم الفطر‪ ،‬يجب عليه البناء على ما فعله سابقا‪.‬‬
‫ب ـ ما يمنع المكث في المسجد‪ :‬كسلس البول وإسالة جرح أو دمل يخشى معه تلوث المسجد‪ ،‬فيجب‬
‫عليه الخروج والعودة فورا بمجرد زوال عذره المانع من البقاء في المسجد‪ ،‬وبنى على اعتكافه‬
‫السابق‪.‬‬
‫جـ ـ ما يمنع الصوم والمكث في المسجد معا‪ :‬كالحيض والنفاس‪ ،‬وحكمه كالحالة السابقة تماما‪.‬‬
‫فإن أخر الرجوع ولو لعذر من نسيان أو إكراه‪ ،‬بطل اعتكافه واستأنفه‪ ،‬إل إن أخر الرجوع ليلة العيد‬
‫ويومه‪ ،‬فل يبطل‪ ،‬لعدم صحة صومه لكل أحد‪ ،‬فإذا حصل للشخص المعتكف حيض أو نفاس أو‬
‫إغماء أو مرض شديد في أثناء العتكاف‪ ،‬فخرج من المسجد للبيت‪ ،‬ثم زال ذلك العذر ليلة العيد‪،‬‬
‫فأخر الرجوع للمسجد حتى مضى يوم العيد‪ ،‬وتالياه في عيد الضحى‪ ،‬فإن اعتكافه ل يبطل‪.‬‬
‫أما لوطهرت الحائض أو صح المريض وأخر كل منهما الرجوع‪ ،‬فيبطل العتكاف لصحة الصوم بعد‬
‫زوال العذر‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )1‬إذا فعل المعتكف في العتكاف ما يبطله من خروج أو مباشرة‪ ،‬أو مقام في‬
‫البيت بعد زوال العذر‪:‬‬
‫أ ـ فإن كان ذلك في التطوع‪ ،‬لم يبطل ما مضى من العتكاف؛ لن ذلك القدر لو أفرده واقتصر‬
‫عليه أجزأه‪ ،‬ول يجب عليه إتمامه؛ لنه ل يجب عليه المضي في فاسده‪ ،‬فل يلزمه بالشروع‬
‫كالصوم‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان اعتكافه منذورا‪ :‬فإن لم يشرط فيه التتابع‪ ،‬لم يبطل ما مضى من اعتكافه‪ ،‬لما ذكر في‬
‫التطوع‪ ،‬لكن يلزمه هنا أن يتمم المدة المنذورة؛ لن الجميع قد وجب عليه‪ ،‬وقد فعل البعض‪ ،‬فوجب‬
‫الباقي‪.‬‬
‫وإن كان قد شرط التتابع‪ ،‬بطل التتابع‪ ،‬ويجب عليه أن يستأنف ليأتي به على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 454/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪.194/1 :‬‬

‫( ‪)3/149‬‬

‫الصفة التي وجبت عليه‪ .‬وعلى هذا يقطع التتابع السكر والكفر وتعمد الجماع وتعمد الخروج من‬
‫المسجد‪ ،‬ل لقضاء الحاجة‪ ،‬ول الكل ول الشرب إن تعذر الماء في المسجد‪ ،‬ول للمرض إن شق لبثه‬
‫فيه‪ ،‬أو خشي تلويثه‪ ،‬ول الغماء والجنون إذا حصل أحدهما للمعتكف‪ ،‬ول إن أكره بغير حق على‬
‫الخروج‪ ،‬ول يقطع التتابع الحيض إن لم تسعه مدة الطهر‪ :‬بأن طالت مدة العتكاف بحيث ل ينفك‬
‫عن الحيض غالبا بأن يكون أكثر من خمسة عشر يوما‪.‬‬
‫ول يقطعه أيضا خروج مؤذن راتب (متخصص) إلى منارة المسجد المنفصلة عنه لكنها قريبة منه‬
‫للذان‪ ،‬للفه صعودها للذان‪ ،‬وإلف الناس صوته‪ ،‬ول يقطعه الخروج لقامة حد ثبت عليه بغير‬
‫إقراره‪ ،‬ول لجل عدة ليست بسببها‪ ،‬ول لجل أداء شهادة تعين عليها تحملها وأداؤها‪ ،‬للعذر في‬
‫جميع ذلك‪ ،‬بخلف أضداده‪.‬‬
‫وإن خرج المعتكف من المسجد لغير قضاء الحاجة لزمه استئناف النية‪ ،‬فإن خرج لها ل يلزمه‬
‫استئناف النية‪.‬‬
‫وقال الحنابلة(‪ : ) 1‬إن كان العتكاف تطوعا وخرج من المسجد‪ ،‬لعذر غير معتاد كنفير وشهادة‬
‫واجبة‪ ،‬وخوف من فتنة ومرض ونحوه وطال خروجه‪ ،‬خيّر بين الرجوع وعدمه‪ ،‬لعدم وجوبه‬
‫بالشروع‪.‬‬
‫وإن كان العتكاف واجبا وجب عليه الرجوع إلى معتكفه لداء ما وجب عليه‪ .‬ول يخلو النذر من‬
‫ثلثة أحوال بالستقراء‪:‬‬
‫أحدها ـ نذر اعتكاف أيام غير متتابعة ول معينة‪ ،‬كنذر عشرة أيام مثلً‪:‬‬
‫وحكمه أنه يلزمه أن يتم ما بقي عليه من اليام محتسبا بما مضى‪ ،‬ويبتدئ اليوم الذي خرج فيه من‬
‫أوله‪ ،‬ليكون متتابعا‪ ،‬ول كفارة عليه؛ لنه أتى المنذور على الوجه المطلوب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع ‪.417/2،419،420:‬‬

‫( ‪)3/150‬‬

‫الثاني ـ نذر أيام متتابعة غير معينة‪ ،‬بأن قال‪ :‬ل علي أعتكف عشرة متتابعة‪ ،‬فاعتكف بعضها‪ ،‬ثم‬
‫خرج للعذر السابق‪ ،‬وطال خروجه‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه يخير بين البناء على ما مضى‪ ،‬بأن يقضي ما بقي‬
‫من اليام‪ ،‬وعليه كفارة يمين‪ ،‬جبرا لفوات التتابع‪ ،‬وبين الستئناف بل كفارة؛ لنه أتى بالمنذور على‬
‫وجهه المطلوب‪ ،‬فلم يلزمه شيء‪.‬‬
‫الثالث ـ نذر أيام معينة‪ ،‬كالعشر الخير من رمضان‪ :‬وحكمه أن عليه قضاء ما ترك ليأتي بالواجب‪،‬‬
‫وعليه كفارة يمين‪ ،‬لفوات المحل المنذور‪.‬‬
‫وإن خرج المعتكف جميعه (‪ )1‬لما له منه بد مختارا عمدا‪ ،‬أو مكرها بحق كمن عليه دين يمكنه‬
‫وفاؤه ولم يفعل‪ ،‬فأخرج له‪ ،‬بطل اعتكافه‪ ،‬وإن قل زمن خروجه لذلك؛ لنه خرج من معتكفه لغير‬
‫حاجة‪ ،‬كما لو طال‪.‬‬
‫ثم إن كان في نذر متتابع بشرط أو نية‪ :‬بأن نذر عشرة أيام متتابعة أو نواها كذلك‪ ،‬ثم خرج لذلك‪،‬‬
‫استأنف؛ لنه ل يمكنه فعل المنذور على وجهه إل به‪ ،‬ول كفارة عليه‪ ،‬لتيانه بالمنذور على وجهه‪.‬‬
‫وإن كان خرج من معتكفه مكرها بغير حق أو ناسيا‪ ،‬لم يبطل اعتكافه ويبني على اعتكافه السابق‪،‬‬
‫لحديث‪« :‬عفي لمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ‪.‬‬
‫وإن كان المعتكف في نذر معين متتابع كنذر شعبان متتابعا‪ ،‬أو في نذر معين كشعبان ولم يقيد ه‬
‫بالتتابع‪ ،‬استأنف‪ ،‬لتضمن نذره التتابع‪ ،‬وكفر كفارة يمين‪ ،‬لتركه المنذور في وقته المعين بل عذر‪.‬‬
‫ويكون القضاء في الكل والستئناف في الكل على صفة الداء فيما يمكن‪ ،‬فإن كان الول مشروطا‬
‫فيه الصوم‪ ،‬أو في أحد المساجد الثلثة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فإن المقضي أو المستأنف يكون كذلك‪ .‬أما ما ل‬
‫يمكن‪ ،‬كما لو عين زمنا ومضى‪ ،‬فإنه ل يمكن تداركه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يفهم منه أنه لو خرج بعض جسده لم يبطل اعتكافه‪،‬لقول عائشة‪ :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫إذا اعتكف يدني رأسه إليَ ‪،‬فأرجَله متفق عليه ‪.‬‬

‫( ‪)3/151‬‬

‫البَابُ الرّابع‪ :‬الزّكاةُ وأنْواعِها‬


‫وفيه فصول ثلثة‪:‬‬
‫الول ‪ -‬فريضة الزكاة‬
‫الثاني ‪ -‬صدقة الفطر‬
‫الثالث ‪ -‬صدقة التطوع‬
‫صلُ الوّل‪ :‬الزّكاةُ‬
‫ال َف ْ‬
‫وفيه مباحث سبعة‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف الزكاة وحكمتها وفرضيتها وعقاب ما نع الزكاة‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ سبب الزكاة وركنها وشرطها‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ وقت وجوب الزكاة ووقت أدائها‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ أنواع الموال التي تجب فيها الزكاة‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ هل تجب الزكاة في العمارات والمصانع وكسب العمل والمهن الحرة؟‬
‫المبحث السادس ـ مصارف الزكاة‪.‬‬
‫المبحث السابع ـ آداب الزكاة وممنوعاتها‪.‬‬
‫وأبدأ بالبيان على وفق الترتيب المذكور‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف الزكاة وحكمتها وفرضيتها وعقاب مانع الزكاة‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف الزكاة‪:‬‬
‫الزكاة لغة‪ :‬النمو والزيادة يقال‪ :‬زكا الزرع‪ :‬إذا نما وزاد‪ ،‬وزكت النفقة‪ :‬إذا بورك فيها‪ ،‬وقد تطلق‬
‫بمعنى الطهارة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬قد أفلح من زكاها} [الشمس‪ ]9/91:‬أي طهرها عن الدناس‪ ،‬ومثله قوله‬
‫سبحانه‪{ :‬قد أفلح من تزكى} [العلى‪ ،]14/87:‬وتطلق أيضا على المدح‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فل تزكوا‬
‫أنفسكم} [النجم‪ ]32/53:‬وعلى الصلح‪ ،‬يقال‪ :‬رجل زكيّ‪ ،‬أي زائد الخير‪ ،‬من قوم أزكياء‪ ،‬وزكّى‬
‫القاضي الشهود‪ :‬إذا بين زيادتهم في الخير‪.‬‬
‫وسمي المال المخرج في الشرع زكاة؛ لنه يزيد في المخرج منه‪ ،‬ويقيه الفات‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وآتوا‬
‫الزكاة} [البقرة‪.]43/2:‬‬
‫وتتمثل هذه المعاني اللغوية في قوله سبحانه‪{ :‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة‪:‬‬
‫‪ ]103/9‬فهي تطهر مؤديها من الثم وتنمي أجره وماله‪.‬‬
‫والزكاة شرعا (‪ : )1‬حق يجب في المال‪ ،‬وعرفها المالكية بأنها‪ :‬إخراج جزء مخصوص من مال بلغ‬
‫نصابا‪ ،‬لمستحقه‪ ،‬إن تم الملك‪ ،‬وحول‪ ،‬غير معدن وحرث‪ .‬وعرفها الحنفية بأنها‪ :‬تمليك جزء مال‬
‫مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص‪ ،‬عينه الشارع لوجه ال تعالى‪ .‬فقولهم «تمليك»‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العناية بهامش الفتح‪ ،481/1 :‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،121‬الدر المختار‪ 2/2 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،139/1‬الشرح الكبير‪ ،430/1 :‬المغني‪ ،572/2 :‬كشاف القناع‪ 191/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫تعليق المستخدم ‪:‬تنبيه‪ :‬في المجلد الخير للكتاب‪10/543 :‬‬


‫ملحق‪ :‬فتاوى وتوصيات مؤتمر الزكاة الول‬
‫*أبو أكرم الحلبيّ‬

‫( ‪)3/152‬‬

‫احترز به عن «الباحة» فلو أطعم يتيما ناوياالزكاة‪ ،‬ل يجزيه‪ ،‬إل إذا دفع إليه المطعوم‪ ،‬كما لو‬
‫كساه‪ ،‬ولكن بشرط أن يعقل القبض‪ ،‬إل إذا حكم عليه بنفقة اليتام‪ .‬وقولهم «جزء مال» خرج المنفعة‪،‬‬
‫فلو أسكن فقيرا داره سنة‪ ،‬ناويا الزكاة‪ ،‬ل يجزيه‪ .‬والجزء المخصوص‪ :‬هو المقدار الواجب دفعه‪،‬‬
‫والمال المخصوص‪ :‬هو النصاب المقدر شرعا‪ ،‬والشخص المخصوص‪ :‬هم مستحقو الزكاة‪ .‬وقولهم‬
‫«عينه الشارع» هو ربع عشر نصاب معين مضى عليه الحول‪ ،‬فأخرج صدقة النافلة والفطرة‪.‬‬
‫وقولهم «ل تعالى» أي بقصد مرضاة ال تعالى‪.‬‬
‫وعرفها الشافعية بأنها اسم لما يخرج عن مال و بدن على وجه مخصوص‪.‬‬
‫وتعريفها عند الحنابلة هو أنها حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص‪.‬‬
‫والطائفة‪ :‬هم الصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالى‪{ :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين } ـ‬
‫الية[التوبة‪ ]60/9:‬والوقت المخصوص‪ :‬هو تمام الحول في الماشية والنقود (الثمان) وعروض‬
‫التجارة‪ ،‬وعند اشتداد الحب في الحبوب‪ ،‬وعند بدو صلح الثمرة التي تجب فيها الزكاة‪ ،‬وعند‬
‫حصول ما تجب فيه الزكاة من العسل‪ ،‬واستخراج ما تجب فيه من المعادن‪ ،‬وعند غروب الشمس من‬
‫ليلة الفطر‪ ،‬لوجوب زكاة الفطر‪.‬‬
‫وخرج بقوله «واجب» الحق المسنون كابتداء السلم واتباع الجنائز‪ .‬وبقوله «في مال» رد السلم‬
‫ونحوه‪ ،‬وبقوله «مخصوص» ما يجب في كل الموال كالديون والنفقات‪ ،‬وبقوله‪« :‬لطائفة‬
‫مخصوصة» نحو الدية؛ لنها لورثة المقتول‪ ،‬وبقوله «في وقت مخصوص» نحو النذر والكفارة‪.‬‬

‫( ‪)3/153‬‬

‫وبه يتبين أن الزكاة أطلقت في عرف الفقهاء على فعل اليتاء نفسه‪ ،‬أي أداء الحق الواجب في المال‪،‬‬
‫وأطلقت أيضا على الجزء المقدر من المال الذي فرضه ال حقا للفقراء‪ .‬وتسمى الزكاة صدقة‪،‬‬
‫لدللتها على صدق العبد في العبودية وطاعة ال تعالى‪.‬‬
‫ثانيا ـ حكمة الزكاة‪:‬‬
‫التفاوت بين الناس في الرزاق والمواهب وتحصيل المكاسب أمر واقع طارئ يحتاج في شرع ال‬
‫إلى علج‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وال فضل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل‪]71/16:‬أي أن ال‬
‫تعالى فضل بعضنا على بعض في الرزق‪ ،‬وأوجب على الغني أن يعطي الفقير حقا واجبا مفروضا‪،‬‬
‫ل تطوعا ول مِنّة ؛ لقوله تعالى‪{ :‬وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات‪.]19/51:‬‬
‫وفريضة الزكاة أولى الوسائل لعلج ذلك التفاوت‪ ،‬وتحقيق التكافل أو الضمان الجتماعي في السلم‪.‬‬
‫فهي أولً ـ تصون المال وتحصنه من تطلع العين وامتداد أيدي الثمين والمجرمين‪ ،‬قال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬حصّنوا أموالكم بالزكاة‪ ،‬وداووا مرضاكم بالصدقة‪ ،‬وأعدّوا للبلء الدعاء» (‪. )1‬‬
‫وهي ثانيا ـ عون للفقراء والمحتاجين‪ ،‬تأخذ بأيديهم لستئناف العمل والنشاط إن كانوا قادرين‪،‬‬
‫وتساعدهم على ظروف العيش الكريم إن كانوا عاجزين‪ ،‬فتحمي المجتمع من مرض الفقر‪ ،‬والدولة‬
‫من الرهاق والضعف‪ .‬والجماعة مسؤولة بالتضامن عن الفقراء وكفايتهم‪ ،‬فقد روي‪« :‬إن ال فرض‬
‫على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن مسعود‪ ،‬ورواه أبو داود مرسلً عن‬
‫الحسن‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)3/154‬‬
‫أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم‪ ،‬ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أوعروا إل ما‬
‫يصنع أغنياؤهم‪ ،‬أل وإن ال يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما» (‪ )1‬وروي أيضا «ويل‬
‫للغنياء من الفقراء يوم القيامة‪ ،‬يقولون‪ :‬ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم‪ ،‬فيقول ال تعالى‪:‬‬
‫وعزتي وجللي لدنينكم ولباعدنهم‪ ،‬ثم تل صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬واللذين في أموالهم حق معلوم‬
‫للسائل والمحروم» [المعارج‪. )2( ]25-24/70:‬‬
‫والمصلحة في أداء الزكاة تعود في النتيجة على أرباب الموال؛ لنهم بأدائها يسهمون في تنمية ودعم‬
‫القوة الشرائية للفقراء‪ ،‬فتنمو بالتالي أموال المزكين ويربحون بكثرة المبادلت‪.‬‬
‫وهي ثالثا ـ تطهر النفس من داء الشح والبخل‪ ،‬وتعوّد المؤمن البذل والسخاء‪ ،‬كيل يقتصر على‬
‫الزكاة‪ ،‬وإنما يساهم بواجبه الجتماعي في رفد الدولة بالعطاء عند الحاجة‪ ،‬وتجهيز الجيوش‪ ،‬وصد‬
‫العدوان‪ ،‬وفي إمداد الفقراء إلى حد الكفاية‪ ،‬إذ عليه أيضا الوفاء بالنذور‪ ،‬وأداء الكفارات المالية بسبب‬
‫(الحنث في اليمين‪ ،‬والظهار‪ ،‬والقتل الخطأ‪ ،‬وانتهاك حرمة شهر رمضان)‪ .‬وهناك وصايا الخير‬
‫والوقاف‪ ،‬والضاحي وصدقات الفطر‪ ،‬وصدقات التطوع والهبات ونحوها‪ .‬وكل ذلك يؤدي إلى‬
‫تحقيق أصول التكافل الجتماعي بين الفقراء والغنياء‪ ،‬ويحقق معاني الخوة والمحبة بين أبناء‬
‫المجتمع الواحد‪ ،‬ويسهم في التقريب بين فئات الناس‪ ،‬ويحفظ مستوى الكفاية للجميع‪.‬‬
‫وهي رابعا ـ وجبت شكرا لنعمة المال‪ ،‬حتى إنها تضاف إليه‪ ،‬فيقال‪ :‬زكاة المال‪ ،‬والضافة للسببية‬
‫كصلة الظهر وصوم الشهر وحج البيت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني عن علي‪ ،‬وهو ضعيف (مجمع الزوائد‪.)62/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني عن أنس‪ ،‬وهو ضعيف أيضا (المصدر السابق)‪.‬‬

‫( ‪)3/155‬‬

‫ثالثا ـ فرضية الزكاة‪:‬‬


‫الزكاة ركن من أركان السلم الخمسة‪ ،‬وفرض من فروضه‪ ،‬وفرضت في المدينة في شوال السنة‬
‫الثانية من الهجرة بعد فرض رمضان وزكاة الفطر‪ ،‬ولكن ل تجب على النبياء إجماعا؛ لن الزكاة‬
‫طهرة لمن عساه أن يتدنس‪ ،‬والنبياء مبرؤون منه‪،‬ولن ما في أيديهم ودائع ل ‪ ،‬ولنهم ل ملك لهم‪،‬‬
‫ول يُورَثون أيضا‪ ،‬وقرنت بالصلة في القرآن الكريم في اثنين وثمانين موضعا‪ ،‬مما يدل على كمال‬
‫التصال بينهما‪.‬‬
‫وهي واجبة بكتاب ال تعالى‪ ،‬وسنة رسوله صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإجماع المة‪.‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬فقوله تعالى‪{ :‬وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة} [البقرة‪ ]43/2:‬وقوله‪{ :‬خذ من أموالهم صدقة‬
‫تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة‪ ]103/9:‬وقوله سبحانه‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام‪ ]141/6:‬وآي‬
‫سوى ذلك‪.‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬بني السلم على خمس‪ ...‬منها إيتاء الزكاة» (‪ )1‬وبعث‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم معاذا إلى اليمن‪ ،‬فقال‪« :‬أعلمهم أن ال افترض عليهم صدقة تؤخذ من‬
‫أغنيائهم‪ ،‬فترد على فقرائهم» (‪ )2‬وأخبار أخرى‪.‬‬
‫وأجمع المسلمون في جميع العصار على وجوب الزكاة‪ ،‬واتفق الصحابة رضي ال عنهم على قتال‬
‫مانعيها‪ ،‬فمن أنكر فرضيتها كفر وارتد إن كان مسلما ناشئا ببلد السلم بين أهل العلم‪ ،‬وتجري عليه‬
‫أحكام المرتدين ويستتاب ثلثا‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪ ،‬ومثله حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم‪ ،‬قال‪ « :‬كان رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ذات يوم جالسا‪ ،‬فأتاه رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يارسول ال‪ ،‬ما السلم؟ قال‪ :‬أن تعبد ال‪ ،‬ول تشرك‬
‫به شيئا‪ ،‬وتقيم الصلة المكتوبة‪ ،‬وتؤدي الزكاة المفروضة‪ ،‬وتصوم شهر رمضان » وكان الرجل هو‬
‫جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)114/4 :‬‬

‫( ‪)3/156‬‬

‫فإن تاب وإل قتل‪ .‬ومن أنكر وجوبها جهلً به إما لحداثة عهده بالسلم‪ ،‬أو لنه نشأ ببادية نائية عن‬
‫المصار‪ ،‬عُرّف وجوبها ول يحكم بكفره؛ لنه معذور‪.‬‬
‫رابعا ـ عقاب مانع الزكاة‪:‬‬
‫لمانع الزكاة عقاب في الخرة وعقاب في الدنيا‪ ،‬أما عقاب الخرة فهو العذاب الليم‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال ‪ ،‬فبشرهم بعذاب أليم‪ .‬يوم يحمى عليها في‬
‫نار جهنم‪ ،‬فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم‪ ،‬هذا ما كنزتم لنفسكم‪ ،‬فذوقوا ما كنتم تكنزون}‬
‫[التوبة‪.]35-34/9:‬‬
‫ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من آتاه ال مالً‪ ،‬فلم يؤد زكاته‪ ،‬مُثّل له شجاعا أقرع‪ ،‬له زبيبتان‪،‬‬
‫يطوقه يوم القيامة‪ ،‬يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أنا مالك أنا كنزك» ‪ .‬ثم تل‪{ :‬ول تحسبن‬
‫طوّقون ما بخلوا به يوم القيامة‪،‬‬
‫الذين يبخلون بما آتاهم ال من فضله هو خيرا لهم‪ ،‬بل هو شر لهم سَ ُي َ‬
‫ول ميراث السموات والرض وال بما تعملون خبير} » [آل عمران‪. )1( ]180/3:‬‬
‫وفي رواية‪« :‬مامن صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي منها حقها ـ أي زكاتها ـ إل إذا كان يوم‬
‫صفّحت صفائح من نار‪ ،‬فأحمي عليها في نار جهنم‪ ،‬فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره‪ ،‬كلما‬
‫القيامة‪ُ ،‬‬
‫ردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‪ ،‬حتى يقضى بين العباد‪ ،‬فيرى سبيله‪ ،‬إما إلى‬
‫الجنة‪ ،‬وإما إلى النار» ‪.‬‬
‫وأما العقاب الدنيوي للفرد بسبب التقصير والهمال فهو أخذها منه والتعزير والتغريم المالي وأخذ‬
‫الحاكم شطر المال قهرا عنه‪ ،‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أعطاها‬
‫ـ أي الزكاة ـ مؤتجرا فله أجرها‪ ،‬ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عَزْمة من عزمات ربنا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أصحاب الكتب الستة إل الترمذي عن أبي هريرة (جمع الفوائد‪.)376/1 :‬‬

‫( ‪)3/157‬‬

‫تبارك وتعالى‪ ،‬ل يحل لل محمد منها شيء» (‪. )1‬‬


‫فإن كان مانع الزكاة جاحدا لوجوبها فقد كفر‪ ،‬كما تبين‪ ،‬وقتل كما يقتل المرتد؛ لن وجوب الزكاة‬
‫معلوم من دين ال عز وجل ضرورة (بداهة)‪ ،‬فمن جحد وجوبها فقد كذّب ال تعالى‪ ،‬وكذّب رسوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فحكم بكفره‪.‬‬
‫وتقاتل الجماعة مانعة الزكاة جحودا‪ ،‬كما فعل الصحابة في عهد الخليفة الول ـ أبي بكر رضي ال‬
‫عنهم‪ ،‬قال أبو بكر‪« :‬وال لقاتلن من فرّق بين الصلة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق المال‪ ،‬وال لو‬
‫منعوني عَنَاقا (‪ )2‬كانوا يؤدونها إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم لقاتلتهم على منعها» (‪ )3‬وفي‬
‫لفظ مسلم والترمذي وأبي داود ‪« :‬لو منعوني عقالً كانوا يؤدونه» وبناء عليه قال العلماء بالتفاق‪:‬‬
‫إذا منع واحد أو جمع الزكاة وامتنعوا بالقتال‪ ،‬وجب على المام قتالهم‪ ،‬وإن منعها جهلً بوجوبها أو‬
‫بخلً بها لم يكفر‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ سبب الزكاة وشروطهاوركنها‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )4‬سبب الزكاة‪ :‬ملك مقدار النصاب النامي ولو تقديرا بالقدرة على الستنماء بشرط‬
‫حولن الحول القمري ل الشمسي‪ ،‬وبشرط عدم الدين الذي له مطالب من جهة العباد‪ ،‬وكونه زائدا‬
‫عن حاجته الصلية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده‪ ،‬رواه أحمد والنسائي‪ ،‬وأبو داود وقال‪ :‬وشطر ماله‪،‬‬
‫وهو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها موقعها ( نيل الوطار‪ 121/4 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو النثى من أولد المعز‪ ،‬وفي الرواية الخرى‪ :‬عقالً‪ ،‬والمراد بالعقال عند جماعة‪ :‬هو زكاة‬
‫عام‪ ،‬إذ ليجوز القتال على الحل الذي يعقل به البعير‪ ،‬وقال كثير من المحققين‪ :‬المراد به الحبل الذي‬
‫يعقل به البعير‪ ،‬على سبيل المبالغة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة إل ابن ماجه عن أبي هريرة ( نيل الوطار‪.) 119/4 :‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار‪ ،12-5/2 :‬فتح القدير‪. 487/1 :‬‬

‫( ‪)3/158‬‬

‫ويلحظ أن السبب والشرط يتوقف عليهما وجود الشيء‪ ،‬إل أن السبب يضاف إليه الوجوب‪ ،‬دون‬
‫الشرط‪ ،‬فمن لم يملك النصاب ل زكاة عليه‪ ،‬فل زكاة في الوقاف‪ ،‬لعدم الملك‪ ،‬ول فيما أحرزه العدو‬
‫في ديارهم؛ لنهم ملكوه بالحراز‪.‬‬
‫والمقصود بالنصاب‪ :‬هو ما نصبه الشارع علمة على وجوب الزكاة من المقادير التية في بحث‬
‫أموال الزكاة‪ ،‬كمائتي درهم أوعشرين دينارا‪.‬‬
‫وبناء عليه ل زكاة على مال اشتراه للتجارة قبل قبضه‪ ،‬لعدم الملك التام‪ ،‬ولزكاة باتفاق المذاهب‬
‫على الحوائج الصلية من ثياب البدن والمتعة ودور السكنى (العقارات) وأثاث المنزل‪ ،‬ودواب‬
‫الركوب‪ ،‬وسلح الستعمال‪ ،‬والكتب العلمية وإن لم تكن لهلها إذا لم ينو بها التجارة‪ ،‬وآلت‬
‫المحترفين؛ لنها مشغولة بالحاجة الصلية‪ ،‬وليست بنامية أصلً‪.‬‬
‫ول زكاة عند الحنفية أيضا لعدم النمو في مال مفقود أوضال وجده بعد سنين‪ ،‬ول في ساقط في بحر‬
‫استخرجه بعد سنين‪ ،‬ول في مغصوب لبينة عليه‪ ،‬فلو كانت له بينة تجب الزكاة بعد قبضه من‬
‫الغاصب لما مضى من السنين‪ ،‬ول في مدفون ببرية نسي مكانه ثم تذكره‪ ،‬ول في وديعة منسية عند‬
‫غير معارفه‪ ،‬أي عند الجانب‪ ،‬فلو كانت منسية عند معارفه تجب الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير‬
‫محله‪ .‬ول في دين جحده المديون سنين ول بينة له عليه‪ ،‬ثم توافرت له بينة بأن أقر بعدها عند قوم‪،‬‬
‫ول على ما أخذه مصادرة‪ ،‬أي ظلما ثم وصل إليه بعد سنين‪ .‬أما لو كان الدين على مقر مليء أوعلى‬
‫معسر أو مفلس (محكوم بإفلسه) أو على جاحد عليه بينة‪ ،‬فعليه الزكاة على ما مضى‪ ،‬على المعتمد‬
‫في حالة الجاحد‪ ،‬إن وصل إلى ملكه‪ .‬ودليل الحنفية على عدم وجوب الزكاة في هذه الحوال‪ :‬حديث‬
‫«ل زكاة في مال الضّمار» (‪ )1‬أي ما ل يمكن النتفاع به مع بقاء الملك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نسب إلى علي‪ ،‬وهو غريب ليس بمعروف‪ ،‬وذكره سبط ابن الجوزي في آثار النصاف عن‬
‫عثمان وابن عمر‪ ،‬ورواه أبو عبيد في الموال عن الحسن البصري‪ ،‬ورواه مالك عن عمر بن عبد‬
‫العزيز‪ ،‬وفيه انقطاع‪ ،‬قال مالك‪ :‬الضمار‪ :‬المحبوس عن صاحبه‪ .‬والضمار في اللغة‪ :‬الغائب الذي ل‬
‫يرجى‪ ،‬وأصله الضمار أي التغييب والخفاء (نصب الراية‪ ،334/2 :‬رد المحتار‪.)12/2 :‬‬

‫( ‪)3/159‬‬

‫ول زكاة بالتفاق على ما لم يحل عليه الحول‪ ،‬أي يمضي عليه سنة‪ ،‬كما بينت السنة النبوية التي‬
‫بيانها في الشروط‪.‬‬
‫ول زكاة بالتفاق على سائر الجواهر والللئ ونحوها كالياقوت والزبرجد والفيروزج والمرجان‪ ،‬لعدم‬
‫ورود ما يوجبها في الشرع‪ ،‬ولنها معدة للستعمال‪ ،‬إل أن تكون للتجارة‪.‬‬
‫ول زكاة عندالجمهور على المواشي العلوفة والعوامل‪ ،‬وإنما الزكاة على السائمة‪ ،‬وأوجب المالكية‬
‫الزكاة على المعلوفة والعوامل‪.‬‬
‫وأما ركن الزكاة‪ :‬فهو إخراج جزء من النصاب بإنهاء يد المالك عنه‪ ،‬وتمليكه إلى الفقير وتسليمه إليه‬
‫أو إلى من هو نائب عنه وهو المام أو المصدّق (الجابي) (‪. )1‬‬
‫شروط الزكاة‪ :‬للزكاة شروط وجوب وشروط صحة‪ ،‬فتجب بالتفاق على الحر المسلم البالغ العاقل إذا‬
‫ملك نصابا ملكا تاما‪ ،‬وحال عليه الحول‪ ،‬وتصح بالنية المقارنة للداء اتفاقا‪.‬‬
‫أما شروط وجوب الزكاة أي فرضيتها‪ ،‬فهي ما يأتي (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬الحرية‪ :‬فل تجب الزكاة اتفاقا على العبد؛ لنه ل يملك‪ ،‬والسيد مالك لما في يد عبده‪ ،‬والمكاتب‬
‫ونحوه وإن ملك‪ ،‬إل أن ملكه ليس تاما‪ .‬وإنما تجب الزكاة في رأي الجمهور على سيده لنه مالك‬
‫لمال عبده‪ ،‬فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد الشريك المضارب والوكيل‪ .‬وقال المالكية‪ :‬ل زكاة‬
‫في مال العبد ل على العبد ول على سيده؛ لن ملك العبد ناقص‪ ،‬والزكاة إنما تجب على تام الملك‪،‬‬
‫ولن السيد ليملك مال العبد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪. 39/2 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،486-481/1 :‬الدر المختار‪ 4/2 :‬ومابعدها‪ ،13 ،‬اللباب‪ ،140/1 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ ،236/1‬حاشية الدسوقي‪ ،463 ،459 ،431/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 98‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ 589/1‬ومابعدها‪ ،629 ،‬شرح الرسالة‪ ،317/1 :‬الم‪ ،125/4 :‬المهذب‪ 143 ،140/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫المجموع‪ ،299-293/5 :‬المغني‪ ،628-621/2 :‬كشاف القناع‪ 239 ،195/2 :‬ومابعدها‪283،28 ،‬‬
‫‪ ،5‬حاشية الباجوري‪.275-270/1 :‬‬

‫( ‪)3/160‬‬

‫‪ - 2‬السلم‪ :‬فل زكاة على كافر بالجماع؛ لنها عبادة مطهرة وهو ليس من أهل الطهر‪.‬‬
‫وأوجب الشافعية خلفا لغيرهم على المرتد زكاة ماله قبل ردته‪ ،‬أي في حال السلم‪ ،‬ولتسقط عنه‪،‬‬
‫خلفا لبي حنيفة فإنه أسقطها عنه‪ ،‬لنه يصير كالكافر الصلي‪ .‬وأما زكاة ماله حال الردة‪ ،‬فالصح‬
‫عند الشافعية أن حكمها حكم ماله‪ ،‬وماله موقوف‪ ،‬فإن عاد إلى السلم وتبينا بقاء ماله فتجب عليه‪،‬‬
‫وإل فل‪.‬‬
‫ولم يوجب الفقهاء على الكافر الصلي الزكاة إل في حالتين‪:‬‬
‫إحداهما ـ العشور‪ :‬قال المالكية والحنابلة والشافعية‪ :‬يؤخذ العشر من تجار أهل الذمة والحربيين إذا‬
‫اتجروا إلى بلد من بلد المسلمين من غير بلدهم‪ ،‬وإن تكرر ذلك مرارا في السنة‪ ،‬سواء بلغ ما‬
‫بأيديهم نصابا أم ل‪.‬‬
‫ويؤخذ عند المالكية نصف العشر منهم مما حملوا إلى مكة والمدينة وقراهما من القمح والزيت‬
‫خاصة‪.‬‬
‫واشترط أبو حنيفة فيه النصاب‪ ،‬وقال‪ :‬إنما يؤخذ من الذمي نصف العشر خاصة‪ ،‬ومن الحربي‬
‫العشر‪ ،‬على أساس المجازاة أو المعاملة بالمثل‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ ،‬ل يؤخذ منهم شيء إل بالشرط‪ ،‬فإن شرط على الحربي العشر حال أخذه أخذ وإل‬
‫فل‪.‬‬
‫والثانية ـ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد‪ :‬تضاعف الزكاة على نصارى بني تغلب خاصة (‪ )1‬؛‬
‫ل بفعل عمر رضي ال عنه‪.‬‬
‫لنها بديل عن الجزية‪ ،‬وعم ً‬
‫ول يحفظ عن مالك في ذلك نص‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بنو تغلب‪ :‬عرب نصارى‪ ،‬همّ عمر رضي ال عنه أن يضرب عليهم الجزية فأبوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬نحن‬
‫عرب ل نؤدي ما يؤدي العجم‪ ،‬ولكن خذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض‪ ،‬يعني الصدقة‪ ،‬فقال عمر‪:‬‬
‫ل‪ ،‬هذه فرض المسلمين‪ ،‬فقالوا‪ :‬فزذ ما شئت بهذا السم‪ ،‬ل باسم الجزية‪ ،‬ففعل وتراضى هو وهم أن‬
‫يضاعف عليهم الصدقة‪ .‬وفي رواية‪ :‬هي جزية سموها ماشئتم (رد المحتار‪.)37/2 :‬‬

‫( ‪)3/161‬‬

‫‪ - 3‬البلوغ والعقل‪ :‬شرط عند الحنفية‪ ،‬فل زكاة على صبي ومجنون في مالهما؛ لنهما غير‬
‫مخاطبين بأداء العبادة كالصلة والصوم‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬ل يشترطان‪ ،‬وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون‪ ،‬ويخرجها الولي من مالهما‬
‫لحديث «من ولي يتيما له مال فليتجر له‪ ،‬ول يتركه حتى تأكله الصدقة» وفي رواية‪« :‬ابتغوا في مال‬
‫اليتامى‪ ،‬ل تأكلها الزكاة» (‪ ، )1‬ولن الزكاة تراد لثواب المزكي‪ ،‬ومواساة الفقير‪ ،‬والصبي والمجنون‬
‫من أهل الثواب‪ ،‬ومن أهل المواساة‪ ،‬ولهذا يجب عليهما نفقة القارب‪ .‬وهذا الرأي أولى لما فيه من‬
‫تحقيق مصلحة الفقراء‪ ،‬وسد حاجتهم‪ ،‬وتحصين المال من تطلّع المحتاجين إليه‪ ،‬وتزكية النفس‪،‬‬
‫وتدريبها على خلُق المعونة والجود‪.‬‬
‫‪ - 4‬كون المال مما تجب فيه الزكاة‪ :‬وهو خمسة أصناف‪ :‬النقدان ولو غير مضروبين وما يحل‬
‫محلهما من الوراق النقدية‪ ،‬والمعدن والركاز‪ ،‬وعروض التجارة‪ ،‬والزروع والثمار‪ ،‬والنعام الهلية‬
‫السائمة عند الجمهور‪ ،‬وكذا المعلوفة عند المالكية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث ضعيف رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬ورواه الشافعي والبيهقي‬
‫بإسناد صحيح عن يوسف بن ماهك عن النبي صلّى ال عليه وسلم مرسلً‪ ،‬ورواه البيهقي عن عمر‬
‫موقوفا عليه‪ ،‬وقال‪ :‬إسناده صحيح (المجموع‪ ،5/792 :‬نصب الراية‪ 331/2 :‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)3/162‬‬

‫ويشترط كون المال ناميا؛ لن معنى الزكاة وهو النماء ل يحصل إل من المال النامي‪ ،‬وليس‬
‫المقصود حقيقة النماء‪ ،‬وإنما كون المال معدا للستنماء بالتجارة أو بالسوم أي الرعي عند الجمهور؛‬
‫لن السامة سبب لحصول الدر والنسل والسمن‪ ،‬والتجارة سبب لحصول الربح‪ ،‬فيقام السبب مقام‬
‫المسبب‪.‬‬
‫فل زكاة في الجواهر والللئ والمعادن غير الذهب والفضة‪ ،‬ول في المتعة وأصول الملك‬
‫والعقارات‪ ،‬ول في الخيل والبغال والحمير والفهود والكلب المعلمة‪ ،‬والعسل واللبان وآلت‬
‫الصناعة وكتب العلم إل أن تكون للتجارة‪.‬‬
‫وأوجب أبو حنيفة الزكاة في الخيل السائمة للتناسل‪ ،‬والمفتى به عدم الزكاة فيها‪ ،‬وأوجبها الحنفية‬
‫والحنابلة والظاهرية في العسل‪ ،‬ولم يوجبها فيه المالكية والشافعية‪.‬‬
‫‪ - 5‬كون المال نصابا أو مقدارا بقيمة نصاب‪ :‬وهو ما نصبه الشرع علمة على توفر الغنى ووجوب‬
‫الزكاة من المقادير التية‪ .‬وسيأتي في بحث أنواع أموال الزكاة بيان النصبة الشرعية‪ ،‬وخلصتها‪:‬‬
‫نصاب الذهب عشرون مثقالً أو دينارا‪ ،‬ونصاب الفضة مائتا درهم‪ ،‬ونصاب الحبوب‪ ،‬والثمار بعد‬
‫الجفاف عند غير الحنفية خمسة أوسق (‪ 653‬كغ)‪ ،‬وأول نصاب الغنم أربعون شاة‪ ،‬والبل خمس‪،‬‬
‫والبقر ثلثون‪.‬‬
‫‪ - 6‬الملك التام للمال‪ :‬واختلف الفقهاء في المراد بالملك‪ ،‬أهو ملك اليد (الحيازة) أم ملك التصرف أم‬
‫أصل الملك؟‬

‫( ‪)3/163‬‬

‫فقال الحنفية (‪ : )1‬المقصود أصل الملك وملك اليد (‪ ، )2‬بأن يكون مملوكا‪ ،‬فل زكاة في سوائم‬
‫الوقف والخيل الموقوفة‪ ،‬لعدم الملك‪ ،‬ول تجب الزكاة في المال الذي استوى عليه العدو وأحرزه‬
‫بداره؛ لن العداء في رأي الحنفية ملكوه بالحراز‪ ،‬فزال ملك المسلم عنه‪ ،‬ول في الزرع النابت في‬
‫أرض مباحة لعدم الملك‪ ،‬ول على المدين الذي في يده مال للغير لعدم الملك‪ ،‬وإنما زكاة هذا المال‬
‫على المالك الصلي‪ .‬وأيضا أن يكون مملوكا في اليد أي مقبوضا‪ ،‬فلو ملك شيئا ولم يقبضه‪ ،‬كصداق‬
‫المرأة قبل قبضه‪ ،‬فل زكاة عليها فيه‪ .‬ول زكاة في المال الضمار‪ :‬وهو كل مال غير مقدور النتفاع‬
‫به‪ ،‬مع قيام أصل الملك‪ ،‬كالحيوان الضال‪ ،‬والمال المفقود والمال الساقط في البحر‪ ،‬والمال الذي أخذه‬
‫السلطان مصادرة‪ ،‬والدين المجحود إذا لم يكن للمالك بينة وحال الحول ثم صار له بينة‪ ،‬بأن أقر عند‬
‫الناس‪ ،‬والمال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك مكانه‪ ،‬فإن كان مدفونا في البيت تجب فيه‬
‫الزكاة بالجماع‪ .‬وعلى هذا ل زكاة في رأي الحنفية على مايقابل الدين من مال المزكي؛ لن مقدار‬
‫الدين هو في الواقع مملوك للدائن ل للمدين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،9/2 :‬رد المحتار‪.5/2 :‬‬
‫(‪ )2‬اعتبر صاحب الكنز هذا شرطا‪ ،‬واعتبره صاحب الدرر سببا كما أوضحت‪ ،‬وقال القرافي‪ :‬إنه‬
‫سبب‪.‬‬
‫( ‪)3/164‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬المقصود أصل الملك والقدرة على التصرف فيما ملك‪ ،‬فل زكاة على المرتهن‬
‫فيما تحت يده من شيء غير مملوك له‪ ،‬لعدم الملك‪ ،‬ول زكاة في مال مباح لعموم الناس‪ ،‬كالزرع‬
‫النابت وحده في أرض غير مملوكة لحد‪ ،‬لعدم الملك‪ ،‬ول زكاة على غير مالك كغاصب ووديع‬
‫وملتقط‪.‬‬
‫وتجب الزكاة على المرأة في صداقها بعد قبضه ومضي حول عليه‪ ،‬وتجب الزكاة على الواقف في‬
‫ملكه إن بلغ نصابا‪ ،‬أو نقص عن النصاب وكان عند الواقف ما يكمل به النصاب‪ ،‬إن تولى المالك‬
‫القيام به بأن كان النبات تحت يد الواقف يزرعه ويعالجه حتى يثمر ثم يفرقه؛ لن الوقف ل يخرج‬
‫العين عندهم عن الملك‪ .‬وتجب الزكاة في المغصوب والمسروق والمجحود والمدفون في محل‬
‫والضال (الضائع) ‪ ،‬وإذا قبضه زكاة لحول واحد‪ ،‬أما الوديعة إذا مكثت أعواما عند الوديع‪ ،‬فتزكى‬
‫بعد قبضها لكل عام مضى مدة إقامتها عند المين‪ .‬وتجب الزكاة على المدين في مال النقود الذي بيده‬
‫لغيره‪ ،‬متى مضى حول عليه‪ ،‬إن كان عنده ما يمكنه أن يوفي الدين منه من عقار أو غيره؛ لنه‬
‫بالقدرة على دفع قيمته صار مملوكا له‪ .‬فإن كان المال الذي عنده حرثا (زرعا أو ثمرا) أو ماشية أو‬
‫معدنا‪ ،‬فتجب عليه زكاته‪ ،‬ولو لم يكن عنده ما يوفي به الدين‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬المطلوب توافر أصل الملك التام والقدرة على التصرف‪ ،‬فل زكاة على السيد في‬
‫مال المكاتب؛ لنه ل يملك التصرف فيه‪ ،‬فهو كمال الجنبي‪ ،‬ول زكاة في الوقاف؛ لنها في الصح‬
‫على ملك ال تعالى‪ ،‬ول على المال المباح لعموم ملك الناس كزرع نبت بفلة وحده‪ ،‬دون أن يستنبته‬
‫أحد؛ لعدم الملك الخاص‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ 484 ،457 ،431/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 622 ،588/1 :‬ومابعدها‪.647 ،‬‬
‫(‪ )2‬المجموع‪ ،318-308/5 :‬المهذب‪ 141/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الم ‪.43-42/1‬‬

‫( ‪)3/165‬‬

‫وتجب الزكاة على المستأجر لرض الوقف المأجورة‪ ،‬مع أجرة الرض‪ ،‬وعلى الموقوف عليه المعين‬
‫في ثمار الشجار الموقوفة من نخل وعنب‪ .‬وفي الجديد تجب الزكاة في المال المغصوب والضال‪،‬‬
‫واللقطة في السنة الولى‪ ،‬والمسروق والساقط في البحر والمال الغائب والشيء المودع بعد عود المال‬
‫إلى يد المالك؛ لنه مال مملوك لصاحبه يملك المطالبة به‪ ،‬ويجبر الغاصب على تسليمه إليه‪ ،‬كالمال‬
‫الذي في يد وكيله‪.‬‬
‫والصحيح أنه تجب الزكاة على الملتقط إذا مضى عليه حول من حين ملك اللقطة؛ لنه ملك مضى‬
‫عليه حول في يد مالكه‪.‬‬
‫والصح أن الدين ل يمنع وجوب الزكاة؛ لن الزكاة تتعلق بعين المال‪ ،‬والدين يتعلق بالذمة‪ ،‬فل يمنع‬
‫أحدهما الخر‪ ،‬كوجود الدين وأرش الجناية‪ .‬ويؤيده ما رواه مالك في الموطأ‪ :‬أن عثمان بن عفان‬
‫حصُلَ أموالكم‪،‬‬
‫رضي ال عنه كان يقول‪« :‬هذا شهر زكاتكم‪ ،‬فمن كان عليه دين‪ ،‬فليؤدّ زكاته‪ ،‬حتى ت ْ‬
‫فتؤدون منه الزكاة» ‪.‬‬
‫ويجب على المرأة زكاة صداقها وتخرجها بعد قبضه؛ لنه في يد زوجها قبيل الدين‪.‬‬
‫وعلى المدين زكاة المال الذي استدانه من غيره‪ :‬إذا حال عليه الحول وهو في ملكه؛ لنه ملكه‬
‫بالستقراض ملكا تاما‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬ل بد من توافر أصل الملك والقدرة على التصرف حسب اختياره‪ .‬فل تجب‬
‫الزكاة في الموقوف على غير معين كالمساجد والمدارس والمساكين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.53-48/3 :‬‬

‫( ‪)3/166‬‬

‫ونحوها‪ ،‬وتجب الزكاة في الموقوف على معين كأرض أو شجر‪ .‬وتجب على الراجح في المغصوب‬
‫والمسروق والمجحود والضال إذا قبضه كالدين‪ .‬وتجب في اللقطة على الملتقط إذ صارت بعد الحول‬
‫كسائر أمواله‪ ،‬إذا مضى عليها حول بعد تعريفها‪ .‬والمرأة إذا قبضت صداقها زكته لما مضى؛ لنه‬
‫دين‪ ،‬وحكمه كزكاة الديون على مامضى‪ ،‬فإن قبضت صداقها قبل الدخول ومضى عليه حول‪ ،‬فزكته‪،‬‬
‫ثم طلقها الزوج قبل الدخول‪ ،‬رجع فيها بنصفه‪ ،‬وكانت الزكاة من النصف الباقي لها‪.‬‬
‫حوَلن حول قمري على ملك النصاب‪ :‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لزكاة في‬
‫‪ - 7‬مضي عام أو َ‬
‫مال حتى يحول عليه الحول» (‪ )1‬ولجماع التابعين والفقهاء‪ .‬وحول الزكاة قمري ل شمسي بالتفاق‬
‫كباقي أحكام السلم من صوم وحج‪ .‬ولفقهاء المذاهب آراء متقاربة في حولن الحول‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )2‬يشترط كون النصاب كاملً في طرفي الحول‪ ،‬سواء بقي في أثنائه كاملً أم ل‪،‬‬
‫فإذا ملك إنسان نصابا في بدء الحول‪ ،‬ثم استمر كاملً لنهاية الحول‪ ،‬من غير أن ينقطع تماما في‬
‫الثناء‪ ،‬أو يذهب كله في أثناء العام‪ ،‬وجبت الزكاة‪ ،‬وتجب أيضا إن نقص في أثناء الحول‪ ،‬ثم تم في‬
‫آخره؛ فنقصان النصاب في الحول ل يضر إن كمل في طرفيه‪.‬‬
‫والمستفاد ولو بهبة أو إرث في وسط الحول يضم إلى أصل المال‪ ،‬وتجب فيه الزكاة؛ لنه يعسر‬
‫مراعاة وضبط الحول لكل مستفاد‪ ،‬وفي ذلك حرج ل سيما إذا كان النصاب دراهم وهو صاحب غلة‬
‫يستفيد كل يوم درهما أو درهمين‪ ،‬والحول ما شرط إل تيسيرا للمزكي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روي من حديث علي عند أبي داود وهو حسن‪ ،‬ومن حديث ابن عمر وأنس عند الدارقطني وهو‬
‫إما ضعيف أو موقوف‪ ،‬ومن حديث عائشة عند ابن ماجه وهو ضعيف (نصب الراية‪328/2 :‬‬
‫ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪ ،121‬الدر المختار‪ ،31/2،72 :‬فتح القدير‪ ،510/1 :‬البدائع‪51/2 :‬‬

‫( ‪)3/167‬‬

‫وحولن الحول شرط في غير زكاة الزرع والثمار‪ ،‬أما فيهما فتجب الزكاة عند ظهور الثمرة والمن‬
‫عليها من الفساد إذا بلغت حدا ينتفع بها‪ ،‬وإن لم يستحق الحصاد‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬حولن الحول شرط في العين (الذهب والفضة) والتجارة‪ ،‬والنعام‪ ،‬وليس بشرط‬
‫في المعدن والركاز والحرث (‪( )2‬الزرع والثمار) ‪ ،‬وإنما تجب في ذلك بطيبه (‪ )3‬ولو لم يحل‬
‫الحول‪.‬‬
‫أما المال المستفاد في أثناء الحول غير ماتجدد من الحيوان‪ :‬فإن كان من هبة أو ميراث‪ ،‬أو من بيع‬
‫أو غير ذلك‪ ،‬لم تجب عليه زكاة حتى يحول عليه الحول‪ .‬وإن كان ربح مال أو تجارة‪ ،‬زكاة لحول‬
‫أصله‪ ،‬سواء أكان الصل نصابا‪ ،‬أم دونه إذا أتم نصابا بربحه؛ لن ربح المال مضموم إلى أصله‪،‬‬
‫فإذا نقص النصاب من الذهب أو الفضة في أثناء الحول ثم ربح فيه أو اتجر فربح‪ ،‬وجبت الزكاة‪،‬‬
‫وخلصة القاعدة عندهم‪ :‬أن حول ربح المال حول أصله‪ ،‬وكذلك حول نسل النعام حول المهات‪.‬‬
‫ويشترط أيضا مجيء الساعي مع الحول في الماشية‪ ،‬فل تجب الزكاة فيها قبل مجيئه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،101 ،99‬الشرح الصغير‪ ،590/1 :‬بداية المجتهد‪ ،263-261/1 :‬شرح‬
‫الرسالة‪.326/1 :‬‬
‫(‪ )2‬سمي حرثا‪ :‬لنه تحرث الرض لجله غالبا‪ ،‬والحرث‪ :‬الحبوب وذوات الزيوت الربع‪ ،‬والتمر‬
‫والزبيب‪.‬‬
‫(‪ )3‬تجب الزكاة بإفراك الحب‪ :‬وهو طيبه وبلوغه حد الكل منه واستغناؤه عن السقي ل باليبس‬
‫والحصاد ول بالتصفية‪ ،‬وطيب الثمر‪:‬هو الزهو في بلح النخل‪ ،‬وظهور الحلوة في العنب (الشرح‬
‫الصغير‪ )615/1 :‬هذا ما ذكره الدردير‪ ،‬وجاء في الرسالة (‪ )318/1‬أن الوجوب يتعلق بيوم الحصاد‬
‫والجداد وهو المشهور‪.‬‬

‫( ‪)3/168‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬مثل المالكية‪ :‬حولن الحول شرط في زكاة الثمان (النقود) وعروض التجارة‬
‫والماشية‪ ،‬وليس بشرط في الثمار والزرع والمعادن والركاز‪ .‬ويشترط مضي حول كامل متوال‪ ،‬فلو‬
‫نقص النصاب في أثناء الحول ولو لحظة لم تجب الزكاة إل في نتاج الماشية‪ ،‬فيتبع المهات في‬
‫الحول وإل في ربح التجارة فيزكى على حول أصله إذا كان الصل نصابا‪ ،‬فمتى تخلل زوال الملك‬
‫أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها كالبيع والهبة‪ ،‬استأنف الحول‪ ،‬وإذا كان النصاب كاملً في بدء الحول‬
‫ثم نقص في أثنائه‪ ،‬ثم كمل بعد ذلك‪ ،‬لم تجب الزكاة إل مضي حول كامل من يوم التمام‪.‬‬
‫وأما المستفاد في أثناء الحول بالبيع أو الهبة أو الرث أوالوقت ونحوها مما يستفاد ل من نفس المال‪،‬‬
‫فله حول جديد مستقل عن الصل أي في غير النتاج وربح التجارة كما تقدم‪ ،‬فيستأنف له الحول لتجدد‬
‫الملك‪ ،‬ول يجمع إلى ما عنده في الحول‪.‬‬
‫ويكره‪ ،‬وقيل‪ :‬يحرم وعليه كثيرون أن يزيل ملكه عما تجب الزكاة في عينه بقصد رفع وجوب‬
‫الزكاة؛ لنه فرار من القربة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬يشترط حولن الحول في زكاة الثمان (الذهب والفضة) والمواشي وعروض‬
‫التجارة‪ ،‬وليشترط في غيرها من الثمار والزروع والمعادن والركاز‪ .‬والمعتبر وجود النصاب في‬
‫جميع الحول‪ ،‬ول يضر النقص اليسير كنصف يوم أو ساعات‪ .‬فلو نقص النصاب في أثناء الحول‬
‫وجب بدء حول جديد إل في النتاج وأرباح التجارة‪ ،‬فإنها تضم إلى أصلها؛ هأنها تبع له ومتولدة منه‪،‬‬
‫والرباح تكثر وتتكرر في اليام والساعات‪ ،‬ويعسر ضبطها‪ ،‬وكذلك النتاج‪ ،‬وقد يوجد ول يشعر به‪،‬‬
‫فالمشقة أتم لكثرة تكرره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،143/1 :‬المجموع‪ 328/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الحضرمية‪ :‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.629-625/2 :‬‬
‫( ‪)3/169‬‬

‫أما المستفاد في أثناء الحول من غير ربح مال التجارة ونتاج السائمة بالبيع أو الهبة أو الميراث أو‬
‫الغتنام ونحو ذلك‪ ،‬فله حول مستقل‪ ،‬ل تجب زكاته إل بمضي حول تام عليه‪ ،‬لنه يندر ول يتكرر‪،‬‬
‫فل يشق ضبط حول له‪ ،‬فإن شق فهو دون المشقة في النتاج والرباح‪ ،‬فيمتنع قياسه عليها‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن حولن الحول شرط متفق عليه‪ ،‬وأن نتاج الماشية وأرباح التجارة تضم إلى أصل‬
‫النصاب بالتفاق‪ ،‬أما المستفاد في أثناء الحول من جنس المال غير النتاج والرباح فيضم إليه ويزكى‬
‫معه عند الحنفية‪ ،‬تيسيرا على المزكي‪ ،‬ودفعا للمشقة والعسر عنه‪ ،‬إذ يعسر حساب الحول لكل‬
‫مستفاد‪ ،‬والحول ما شرط إل تيسيرا على الناس في إخراج الزكاة‪.‬‬
‫ويحسب لكل مستفاد حول جديد عند الجمهور‪ ،‬لنه مقتضى العدل‪ ،‬ولتجدد الملك‪ ،‬فيشترط له الحول‬
‫كالمستفاد من غير جنس المال الصلي الذي بدئ به النصاب‪ ،‬ولحديث‪« :‬من استفاد مالً فل زكاة فيه‬
‫حتى يحول عليه الحول» (‪. )1‬‬
‫‪ - 8‬عدم الدين‪ :‬شرط عند الحنفية في زكاة ماعدا الحرث (الزروع والثمار)‪ ،‬وعند الحنابلة في كل‬
‫الموال‪ ،‬وعند المالكية في زكاة العين (الذهب والفضة) دون زكاة الحرث والماشية والمعادن‪ .‬وليس‬
‫بشرط عند الشافعية (‪ . )2‬وتفصيل الراء فيما يأتي‪:‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬الدين الذي له مطالب من جهة العباد يمنع وجوب الزكاة سواء أكان ل كزكاة وخراج‬
‫(ضريبة الرض)‪ ،‬أم كان لنسان‪ ،‬ولو دين كفالة؛ لن للدائن المكفول له أخذ الدين من أيهم شاء من‬
‫المدين أو الكفيل‪ ،‬ولو دينا مؤجلً‪ ،‬ولو صداق زوجته المؤجل للفراق‪ ،‬أو كان نفقة لزمته بقضاء‬
‫القاضي أو بالتراضي‪.‬‬
‫أما الدين الذي ليس له مطالب من جهة العباد كدين النذر والكفارة والحج‪ ،‬فل يمنع وجوب الزكاة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث موقوف على ابن عمر‪ ،‬رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي ( نصب الراية‪.)330/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 6/2 :‬ومابعدها‪،‬الشرح الصغير‪ ،649-647/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،99‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،142/1‬المجموع‪ 313/5 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ 41/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/170‬‬
‫ول يمنع الدين وجوب العشر (زكاة الزروع والثمار) والخراج‪ ،‬والكفارة‪ ،‬أي أن الدين ل يمنع وجوب‬
‫التكفير بالمال على الصح‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬الدين يمنع وجوب الزكاة في الموال الباطنة وهي الثمان (النقود) وعروض التجارة‪،‬‬
‫لقول عثمان بن عفان‪« :‬هذا شهر زكاتكم‪ ،‬فمن كان عليه دين‪ ،‬فليؤده‪ ،‬حتى تخرجوا زكاة أموالكم» (‬
‫‪ )1‬وفي رواية‪« :‬فمن كان عليه دين‪ ،‬فليقض دينه‪ ،‬وليترك بقية ماله» قال ذلك بمحضر من الصحابة‪،‬‬
‫فلم ينكروه‪ ،‬فدل على اتفاقهم عليه‪.‬‬
‫وكذلك يمنع الدين الزكاة في الموال الظاهرة‪ :‬وهي النعام السائمة والحبوب والثمار‪ ،‬فيبتدئ بالدين‬
‫فيقضيه‪ ،‬ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة‪ ،‬فيزكي ما بقي‪ ،‬لما ذكر في الموال الباطنة‪.‬‬
‫ويمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه‪ ،‬ول يجد ما يقضيه سوى النصاب‪ ،‬أو ما ل‬
‫يستغني عنه‪ ،‬مثل أن يكون عليه عشرون مثقالً‪ ،‬وعليه مثقال أو أكثر أو أقل مما ينقص به النصاب‬
‫إذا قضاه به‪ ،‬ول يجد قضاء له من غير النصاب‪ .‬فإن كان له ثلثون مثقالً وعليه عشرة‪ ،‬فعليه زكاة‬
‫العشرين‪ ،‬وإن كان عليه أكثر من عشرة‪ ،‬فل زكاة عليه‪ ،‬أي أن مقدار الدين ل يمنع الزكاة إذا زاد‬
‫ماله عن الدين‪ ،‬فإن كان الدين مساويا نصاب الزكاة أو ينقصه‪ ،‬فهذا هو الذي يمنع الزكاة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬الدين يسقط زكاة العين (الذهب والفضة) إذا لم يكن عروض تفي به‪ ،‬ولو كان الدين‬
‫مؤجلً‪ ،‬أو كان مهرا عليه لمرأته‪ ،‬أو مؤخرا‪،‬أو مقدما‪ ،‬أو نفقة متجمدة عليه لزوجة أو أب أو ابن‪،‬‬
‫أو دين زكاة عليه‪ ،‬ل دين كفارة ليمين أو ظهار أو صوم‪ ،‬ول دين هدي وجب عليه في حج أو‬
‫عمرة‪ ،‬فل يسقطان زكاة العين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو عبيد في الموال‪.‬‬

‫( ‪)3/171‬‬

‫فإن كانت له عروض تفي بدينه‪ ،‬لم تسقط الزكاة عنه‪ ،‬ويجعل ذلك في نظير الدين الذي عليه‪ ،‬ويزكي‬
‫ما عليه من العين‪.‬‬
‫ول تسقط عنه الزكاة إل بشرطين‪:‬‬
‫أولهما ـ إن حال حول العرض عنده‪:‬‬
‫والثاني ـ أن يكون العرض مما يباع على المفلس‪ ،‬كثياب ونحاس وماشية ولو دابة ركوب أو ثياب‬
‫جمعة أو كتب فقه‪ ،‬فإن كان ثوب جسده أو دار سكناه فل يباع‪ ،‬إل أن يكون ذلك فاضلً عن حاجته‬
‫الضرورية‪ .‬وتعتبر قيمة العرض وقت وجوب الزكاة آخر الحول‪ .‬وإن كان له دين مرجو الحصول‬
‫ولو مؤجلً‪ ،‬فإنه يجعله فيما عليه‪ ،‬ويزكي ماعنده من العين‪ .‬أما إن كان غير مرجو‪ ،‬كما لو كان على‬
‫معسر أو ظالم ل تناله الحكام فل يجعل بدلً عن الدين الواجب عليه‪.‬‬
‫ول يسقط الدين زكاة الحرث (الزرع والثمر) والماشية والمعدن؛ لن الزكاة تجب في أعيانها‪.‬‬
‫ولو وُهب الدين للمدين أو أبرأه الدائن (صاحب الدين) منه‪ ،‬فل زكاة في الموهوب حتى يحول عليه‬
‫الحول في يد الموهوب له؛ لن الهبة إنشاء لملك النصاب الذي بيده‪ ،‬فل تجب الزكاة فيه إل إذا‬
‫استأنف حولً من الهبة‪.‬‬
‫وقال الشافعي في الجديد‪ :‬الدين الذي يستغرق أموال الزكاة أو ينقص المال عن النصاب ل يمنع‬
‫وجوب الزكاة‪ ،‬فتجب الزكاة على مالك المال؛ لن الزكاة تتعلق بالعين‪ ،‬والدين يتعلق بالذمة‪ ،‬فل يمنع‬
‫أحدهما الخر كالدين وأرش الجناية‪.‬‬

‫( ‪)3/172‬‬

‫‪ - 9‬الزيادة عن الحاجات الصلية‪ :‬اشترط الحنفية (‪ )1‬كون المال الواجب فيه الزكاة فارغا عن‬
‫الدين وعن الحاجة الصلية لمالكه؛ لن المشغول بها كالمعدوم‪ ،‬وفسر ابن ملك الحاجة الصلية‪ :‬بأنها‬
‫ما يدفع الهلك عن النسان تحقيقا كالنفقة ودار السكنى وآلت الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع‬
‫الحر أو البرد‪ ،‬أو تقديرا كالدين‪ ،‬فإن المديون محتاج إلى قضاء دينه بما في يده من النصاب‪ ،‬دفعا‬
‫عن نفسه الحبس الذي هو كالهلك‪ ،‬وكآلت الحرفة وأثاث المنزل‪ ،‬ودواب الركوب وكتب العلم‬
‫لهلها؛ فإن الجهل عندهم كالهلك‪ ،‬فإذا كانت له دراهم مستحقة بصرفها إلى تلك الحوائج‪ ،‬صارت‬
‫كالمعدومة‪ ،‬كما أن الماء المستحق صرفه إلى العطش‪ ،‬كان كالمعدوم‪ ،‬وجاز عنده التيمم‪.‬‬
‫شروط صحة أداء الزكاة‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬النية‪ :‬اتفق الفقهاء (‪ )2‬على أن النية شرط في أداء الزكاة‪ ،‬تمييزا لها عن الكفارات وبقية‬
‫الصدقات‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إنما العمال بالنيات» وأداؤها عمل‪ ،‬ولنها عبادة‬
‫كالصلة فتحتاج إلى نية لتمييز الفرض عن النفل‪ .‬وللفقهاء تفصيلت في النية‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬ل يجوز أداء الزكاة إل بنية مقارنة للداء إلى الفقير‪ ،‬ولو حكما‪ ،‬كما لو دفع بل نية ثم‬
‫نوى‪ ،‬والمال في يد الفقير‪ ،‬أو نوى عند الدفع للوكيل‪ ،‬ثم دفع الوكيل بل نية‪ ،‬أو مقارنة لعزل مقدار‬
‫الواجب؛ لن الزكاة عبادة‪ ،‬فكان من شرطها النية‪ ،‬والصل فيها القتران بالداء‪ ،‬إل أن الدفع للفقراء‬
‫يتفرق فاكتفي بوجودها حالة العزل‪ ،‬تيسيرا على المزكي‪ ،‬كتقديم النية في الصوم‪ .‬فلو عزل الزكاة ثم‬
‫ضاعت أو سرقت أو تلفت‪ ،‬لم تسقط عنه‪ ،‬ويغرم بدلها؛ لنه يمكن إخراج الزكاة من بقية المال‪ ،‬ولو‬
‫مات ورثت عنه وأخرجت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪8-7/2 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،493/1 :‬الدر المختار‪ ،15-14 ،4/2 :‬البدائع‪ ،40/2 :‬الكتاب‪ 140/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،99‬المهذب‪ ،170/1 :‬المجموع‪ 182/6 :‬ومابعدها‪ ،‬الحضرمية‪ :‬ص ‪،150‬‬
‫المغني‪ 638/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 666/1 :‬ومابعدها‪ 670 ،‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/173‬‬

‫ومن تصدق بجميع ماله‪ ،‬ل ينوي الزكاة‪ ،‬سقط فرضها عنه استحسانا‪ ،‬بشرط أل ينوي بها واجبا آخر‬
‫من نذر أوغيره؛ لن الواجب جزء منه‪ ،‬فكان متعينا فيه‪ ،‬فل حاجة إلى التعيين‪ ،‬وعلى هذا لو كان له‬
‫دين على فقير‪ ،‬فأبرأه عنه‪ ،‬سقط زكاة المبلغ المبرأ عنه‪ ،‬سواء نوى به عن الزكاة أو لم ينو‪ ،‬لنه‬
‫كالهلك‪.‬‬
‫ولو تصدق ببعض النصاب لم تسقط زكاة ما تصدق به عند أبي يوسف وهو المختار عند صاحب‬
‫الهداية‪ ،‬فتجب زكاته وزكاة الباقي؛ لن البعض المؤدى لم يتعين لداء الواجب‪ .‬وقال محمد‪ :‬تسقط‬
‫زكاة الجزء المؤدى‪ ،‬كما في حالة التصدق بكل المال‪ ،‬للتيقن بإخراج الجزء الذي هو الزكاة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬تشترط النية لداء الزكاة عند الدفع‪ ،‬ويكفي عند عزلها‪ ،‬والصحيح أنها تجزئ من‬
‫دفعها كرها عنه كالصبي والمجنون‪ ،‬وتجزئ نية المام أو من يقوم مقامه عن نية المزكي‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬تجب النية بالقلب‪ ،‬ول يشترط النطق بها‪ ،‬فينوي‪« :‬هذا زكاة مالي» ولو بدون ذكر‬
‫الفرض؛ لن الزكاة ل تكون إل فرضا‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬كهذا فرض صدقة مالي أو صدقة مالي‬
‫المفروضة‪ ،‬أو الصدقة المفروضة‪ ،‬أو فرض الصدقة‪.‬‬

‫( ‪)3/174‬‬

‫ويجوز تقديم النية على الدفع بشرط أن تقارن عزل الزكاة‪ ،‬أو إعطاءها للوكيل أو بعده‪ ،‬وقبل التفرقة‪،‬‬
‫كما تجزئ بعد العزل وقبل التفرقة وإن لم تقارن أحدهما‪ ،‬ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها‬
‫بأن يكون مسلما مكلفا لن الزكاة حق مالي‪ ،‬ويجوز التوكيل في أداء الحقوق المالية‪ ،‬كالتوكيل في دفع‬
‫الديون والثمان‪ ،‬وإعادة الودائع والعواري إلى أصحابها‪ ،‬أما نحو الصبي والكافر فيجوز توكيله في‬
‫أدائها‪ ،‬لكن بشرط أن يعين له المدفوع إليه‪ .‬وتجب نية الولي في زكاة الصبي والمجنون والسفيه وإل‬
‫ضمنها لتقصيره‪ .‬ولو دفعها المزكي للمام بل نية لم تجزئه نية المام في الظهر‪ .‬وإذا أخذت قهرا‬
‫من المزكي نوى عند الخذ منه‪ ،‬وإل وجب على الخذ النية‪.‬‬
‫فإذا لم تتوافر النية عند دفع الزكاة‪ ،‬لم تفد نية المام الذي جباها‪ ،‬ول يعتبر المال المدفوع للفقراء‬
‫مجزئا عن الزكاة‪ ،‬وإنما هو صدقة عادية‪ .‬وكذلك قال الحنابلة‪ :‬النية أن يعتقد أنها زكاته‪ ،‬أو زكاة ما‬
‫يخرج عنه كالصبي والمجنون‪ ،‬ومحلها القلب؛ لن محل العتقادات كلها القلب‪ .‬ويجوز تقديم النية‬
‫على الداء بالزمن اليسير كسائر العبادات‪ ،‬وإن دفع الزكاة إلى وكيله ونوى هو دون الوكيل‪ ،‬جاز‪،‬‬
‫إذا لم تتقدم نيته الدفع بزمن طويل‪ .‬فإن تقدمت النية بزمن طويل لم يجز‪ ،‬إل إذا نوى حال الدفع إلى‬
‫الوكيل‪ ،‬ونوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق‪.‬‬
‫لكن إن أخذ المام الزكاة قهرا أجزأت من غير نية؛ لن تعذر النية في حقه أسقط وجوبها عنه‬
‫كالصغير والمجنون‪.‬‬
‫ولو تصدق النسان بجميع ماله تطوعا‪ ،‬ولم ينو به الزكاة‪ ،‬لم يجزئه عند الجمهور غير الحنفية؛ لنه‬
‫لم ينو به الفرض‪ ،‬كما لو تصدق ببعضه‪ ،‬وكما لو صلى مئة ركعة‪ ،‬ولم ينو الفرض بها‪ .‬وقال‬
‫الحنفية‪ :‬تسقط عنه الزكاة استحسانا خلفا للقياس‪.‬‬

‫( ‪)3/175‬‬

‫‪ - 2‬التمليك‪ :‬يشترط التمليك لصحة أداء الزكاة (‪ )1‬بأن تعطى للمستحقين‪ ،‬فل يكفي فيها الباحة أو‬
‫الطعام إل بطريق التمليك‪ ،‬ول تصرف عند الحنفية إلى مجنون وصبي غير مراهق (مميز) إل إذا‬
‫قبض لهما من يجوز له قبضه كالب والوصي وغيرهما‪ .‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬وآتوا الزكاة} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]43/2‬واليتاء هو التمليك‪ ،‬وسمى ال تعالى الزكاة صدقة بقوله عز وجل‪{ :‬إنما الصدقات للفقراء}‬
‫[التوبة‪ ]60/9:‬والتصدق تمليك‪ ،‬واللم في كلمة «للفقراء» ـ كما قال الشافعية ـ لم التمليك‪ ،‬كما‬
‫يقال‪« :‬هذا المال لزيد» ‪.‬‬
‫واشترط المالكية (‪ )2‬لداء الزكاة شروطا ثلثة أخرى‪:‬‬
‫‪ - 1‬إخراجها بعد وجوبها بالحول أو الطيب أو مجيء الساعي‪ ،‬فإن أخرجها قبل وقتها‪ ،‬لم تجزه‬
‫خلفا لجمهور الفقهاء‪ .‬وتأخيرها بعد وقتها مع التمكن من إخراجها سبب للضمان والعصيان‪.‬‬
‫‪ - 2‬دفعها لمن يستحقها ل لغيره‪.‬‬
‫‪ - 3‬كونها من عين ما وجبت فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،39/2 :‬الدر المختار‪ ،85/2 :‬أحكام القرآن لبن العربي‪ ،947/2 :‬المهذب‪،171/1 :‬‬
‫المغني‪.667-665/2 :‬‬
‫(‪ )2‬شرح الرسالة‪ ،317/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.99‬‬

‫( ‪)3/176‬‬

‫المبحث الثالث ـ وقت وجوب الزكاة ووقت أدائها‪:‬‬


‫وفيه مطالب أربعة‪:‬‬
‫المطلب الول ـ وقت وجوب الزكاة‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء (‪ )1‬في المفتى به عند الحنفية (‪ )2‬على وجوب الزكاة فورا بعد استيفاء شروطها من‬
‫ملك النصاب وحولن الحول ونحوهما‪ ،‬فمن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له‬
‫تأخيرها‪،‬ويأثم بالتأخير بل عذر‪ ،‬وترد شهادته عند الحنفية‪ ،‬لنه حق يجب صرفه إلى الدمي توجهت‬
‫المطالبة بالدفع إليه‪ ،‬والمر بالصرف إلى الفقير ومن معه قرينه الفور؛ لنها لدفع حاجته‪ ،‬فإذا لم‬
‫تجب معجلة لم يحصل المقصود من اليجاب على وجه التمام‪ .‬والخراج على الفور بشرطين‪:‬‬
‫أولً ـ أن يتمكن من إخراجها‪ ،‬بأن كان المال حاضرا عنده‪ ،‬ثانيا ـ أن يحضر الصناف المستحقون‬
‫لها أو نوابهم أو المام أو وكيله الساعي‪.‬‬
‫فإن أخرها وهو قادر على أدائها ضمنها؛ لنه أخر ما وجب عليه مع إمكان الداء‪ ،‬كالوديعة إذا‬
‫طالب بها صاحبها‪ ،‬ويأثم بالتأخير‪ ،‬لحبسه مال الفقراء عنده بغير حق‪ ،‬وهو حرام‪ ،‬إل إذا أخر في‬
‫رأي الشافعية لنتظار قريب أو جار أو من هو أحوج من الحاضرين‪ ،‬بشرط أل يتضرر الحاضرون‬
‫بالتأخير ضررا بليغا‪ .‬وعليه ليجوز للجمعيات الخيرية تأخير صرف الزكاة كرصيد مدور لحساب‬
‫الجمعية؛ لن دفع الزكاة واجب على الفور‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ وقت أداء الزكاة‪:‬‬
‫تؤدى الزكاة بحسب نوع المال الذي تجب فيه‪.‬‬
‫أ ـ فزكاة الموال من النقدين (الذهب والفضة) وعروض التجارة (‪ ، )3‬والسوائم تدفع منها بعد تمام‬
‫الحول مرة واحدة في كل عام‪.‬‬
‫ب ـ وزكاة الزروع والثمار تدفع من غلتها عند تكرر النتاج ولو تكرر مرارا في العام الواحد‪ ،‬فل‬
‫يشترط حولن الحول‪ ،‬ول بلوغ النصاب عند الحنفية‪ ،‬ويشترط النصاب عند الجمهور‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 16/2 :‬وما بعدها‪ ،‬شرح الرسالة‪ ،317/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،99‬بجيرمي‬
‫الخطيب‪ ،320/2 :‬المجموع‪ ،305 ،302/5 :‬المهذب‪ ،140/1 :‬كشاف القناع‪ ،192/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪.684/2‬‬
‫(‪ )2‬لكن يذكر الصوليون من الحنفية في بحث دللة المر على الفور أو التراخي‪ :‬أن أداء الزكاة‬
‫والحج على التراخي على المعتمد ( أصول السرخسي ‪ ،26/1‬مسلّم الثبوت ‪ ،318/1‬كتابي في أصول‬
‫الفقه ‪.)232-229/1‬‬
‫(‪ )3‬أي البضائع التجارية على اختلف أنواعها‪.‬‬

‫( ‪)3/177‬‬

‫أما وقت وجوب العشر في الثمار فمختلف فيه‪:‬‬


‫قال أبو حنيفة وزفر (‪ : )1‬يجب عند ظهور الثمرة والمن عليها من الفساد‪ ،‬وإن لم يستحق الحصاد‬
‫إذا بلغت حدا ينتفع بها (‪. )2‬‬
‫وقال الدردير المالكي (‪ : )3‬وجوب الزكاة بإفراك الحب‪ ،‬أي طيبه وبلوغه حد الكل منه واستغنائه‬
‫عن السقي‪ ،‬ل باليبس ول بالحصاد ول بالتصفية؛ وبطيب الثمر‪ :‬وهو الزهو في بلح النحل‪ ،‬وظهور‬
‫الحلوة في العنب‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )4‬تجب الزكاة ببدو صلح الثمر‪ ،‬واشتداد الحب؛ لن الثمر حينئذ ثمرة كاملة‪ ،‬وهو‬
‫قبل ذلك حصرم وبلح‪ ،‬والحب حينئذ طعام وهو قبل ذلك َبقْل أي طري‪ .‬وليس المر اد بوجوب الزكاة‬
‫بما ذكر وجوب إخراجها في الحال‪ ،‬بل انعقاد سبب وجوب إخراج التمر والزبيب والحب المصفى‬
‫عند الصيرورة كذلك‪ .‬علما بأن مؤنة الجفاف والتصفية والجذاذ والدياس والحمل وغيرها مما يحتاج‬
‫إلى مؤنة على المالك ليست من مال الزكاة‪.‬‬
‫والحنابلة (‪ )5‬كالشافعية‪ :‬تجب الزكاة عند اشتداد الحب في الحبوب‪ ،‬وعند بدو صالح الثمرة التي‬
‫تجب فيها الزكاة‪.‬‬
‫جـ ـ تجب زكاة العسل في رأي الحنفية والحنابلة عند حصول ما تجب فيه‪ ،‬وزكاة المعادن عند‬
‫استخراج ما تجب فيه‪ .‬وزكاة الفطر في رأي غير الحنفية عند غروب الشمس من ليلة الفطر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪.72/2 :‬‬
‫(‪ )2‬وقال أبو يوسف‪ :‬عند استحقاق الحصاد‪ ،‬وقال محمد‪ :‬إذا حصدت وصارت في الجرين (بيدر‬
‫الحب)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪ ،615/1 :‬وقال في (شرح الرسالة‪ :)318/1 :‬الوجوب يتعلق بيوم استحقاق‬
‫الحصاد والجداد وهو المشهور‪ ،‬فتجب يوم الستحقاق‪ ،‬وتخرج بحسب المكان‪.‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪.386/1 :‬‬
‫(‪ )5‬كشاف القناع‪.192/2 :‬‬

‫( ‪)3/178‬‬

‫المطلب الثالث ـ تعجيل الزكاة قبل الحول‪:‬‬


‫اتفق العلماء على أنه ل يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب؛ لنه لم يوجد سبب وجوبها‪ ،‬فلم يجز‬
‫تقديمها كأداء الثمن قبل البيع‪ ،‬والدية قبل القتل (‪. )1‬‬
‫أما تعجيل الزكاة متى وجد سبب وجوب الزكاة‪ ،‬وهو النصاب الكامل‪ ،‬ففيه رأيان للفقهاء‪.‬‬
‫‪ - 1‬قال الجمهور (‪ : )2‬يجوز تطوعا تقديم الزكاة على الحول‪ ،‬وهو مالك للنصاب‪ ،‬لنه أدي بعد‬
‫سبب الوجوب‪ ،‬ولما روى علي كرم ال وجهه أن العباس رضي ال عنه سأل رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ليعجل زكاة ماله قبل محلها‪ ،‬فرخص له في ذلك (‪ ، )3‬ولنه حق مال أجّل للرفق‪ ،‬فجاز‬
‫تعجيله قبل أجله أو محله‪ ،‬كالدين المؤجل ودية الخطأ‪ ،‬فهي تشبه الحقوق المالية المؤجلة‪.‬‬
‫وذكر الشافعية أن شرط إجزاء المعجل‪ :‬أن يبقى المالك أهلً للوجوب إلى آخر الحول في الحول‪،‬‬
‫ودخول شوال في الفطرة‪ ،‬وأن يكون القابض في آخر الحول أو عند دخول شوال مستحقا‪ .‬وإذا لم‬
‫يجزئه المعجل لفوات أحد هذين الشرطين‪ ،‬استرد من القابض إن علم القابض أنها زكاة معجلة‪ .‬وإن‬
‫مات المالك أو القابض قبل ذلك أو ارتد القابض أو غاب أو استغنى بمال غير المعجل كزكاة أخرى‬
‫ولو معجلة‪ ،‬أو نقص النصاب أو زال عن ملكه وليس مال تجارة‪ ،‬لم يجزئه المعجل لخروجه عن‬
‫الهلية عند الوجوب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،166/1 :‬المغني‪.631/2 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،516/1 :‬البدائع‪ 50/2 :‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪ 139/6 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪166/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬الحضرمية‪ :‬ص ‪ ،150‬المغني‪ 629/2 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 310/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي بإسناد حسن‪ ،‬وذكر أبو داود أنه روي عن الحسن بن‬
‫مسلم مرسلً وأنه أصح (نيل الوطار‪.)149/4 :‬‬

‫( ‪)3/179‬‬

‫‪ - 2‬وقال الظاهرية والمالكية(‪ : ) 1‬ل يجوز إخراج الزكاة قبل الحول؛ لنها عبادة تشبه الصلة‪ ،‬فلم‬
‫يجز إخراجها قبل الوقت (‪ ، )2‬ولن الحول أحد شرطي الزكاة‪ ،‬فلم يجز تقديم الزكاة عليه‪،‬‬
‫كالنصاب‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ هلك المال بعد وجوب الزكاة‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان في سقوط الزكاة بعد وجوبها وهلك المال‪:‬‬
‫‪ - 1‬فقال الحنفية (‪ : )3‬إن هلك المال بعد وجوب الزكاة‪ ،‬سقطت الزكاة؛ كما أنه يسقط العشر‬
‫وخراج المقاسمة؛ لن الواجب جزء من النصاب‪ ،‬وتحقيقا للتيسير‪ ،‬فإن الزكاة وجبت بقدرة مُيسّرة أي‬
‫بقاء اليسر إلى وقت أداء الزكاة‪ ،‬فيسقط الواجب بهلك محله‪ ،‬سواء تمكن من الداء أم ل؛ لن الشرع‬
‫علق الوجوب بقدرة ميسرة‪ ،‬والمعلق بقدرة ميسرة ل يبقى بدونها‪ ،‬والقدرة الميسرة هنا هي وصف‬
‫النماء‪ ،‬ل النصاب‪.‬‬
‫ول تسقط الزكاة بالستهلك‪ ،‬وإن انتفت القدرة الميسرة‪ ،‬لوجود التعدي‪.‬‬
‫وإن هلك البعض يسقط بقدر الهالك اعتبارا للبعض بالكل‪.‬‬
‫أما زكاة الفطر ومثلها مال الحج‪ :‬فل تسقط بهلك المال بعد الوجوب‪ ،‬كما ل يبطل الزواج بموت‬
‫الشهود‪.‬‬
‫وسبب التفرقة أن الزكاة تتعلق بالنماء‪ ،‬فشرطت له القدرة الميسرة (وهي ما يوجب يسر الداء على‬
‫العبد) تيسيرا على الناس إذ النسان إنما يخاطب بأداء ما يقدر عليه‪ ،‬ويجوز أل يكون له مال سواه‪،‬‬
‫أما الفطرة ومثلها مال الحج فلم تتعلق بالنماء وإنما تجب في الذمة فشرطت له القدرة الممكّنة (وهي‬
‫ما يشترط للتمكن من الفعل وإحداثه)‪.‬‬
‫ويلحظ أن هلك المال بعد القراض والعارة واستبدال مال التجارة بمال التجارة‪ :‬هلك‪ ،‬فل‬
‫يضمن الزكاة‪ ،‬وأما استبدال مال التجارة بغير مال التجارة واستبدال الماشية السائمة بالسائمة فهو‬
‫استهلك‪ ،‬فيضمن زكاته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،266/1 :‬الشرح الكبير‪ ،431/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،99‬نيل الوطار‪.151/4 :‬‬
‫(‪ )2‬احتج ابن قدامة لهم بحديث أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل تؤدي زكاة قبل حلول الحول»‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ ،516-514/1 :‬الدر المختار‪ 28/2 :‬ومابعدها‪ 100 ،‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪.15/2 :‬‬

‫( ‪)3/180‬‬

‫‪ - 2‬قال الجمهور (‪ : )1‬إن هلك المال بعد وجوب الزكاة لم تسقط الزكاة‪ ،‬وإنما يضمنها‪ ،‬فيكون‬
‫إمكان الداء شرطا في الضمان ل في الوجوب؛ لن من تقرر عليه الواجب ل يبرأ عنه بالعجز عن‬
‫الداء كما في صدقة الفطر والحج وديون الناس‪ ،‬والزكاة حق متعين على رب المال‪ ،‬فإن تلف قبل‬
‫وصوله إلى مستحقه لم يبرأ منه بذلك‪ ،‬كدين الدمي‪ .‬ولو عزل قدر الزكاة‪ ،‬فنوى أنه زكاة فتلف‪ ،‬فهو‬
‫في ضمان رب المال‪ ،‬ول تسقط الزكاة عنه بذلك‪ ،‬سواء قدر على أن يدفعها إليه أو لم يقدر‪.‬‬
‫واستثنى المالكية زكاة الماشية؛ لن وجوبها عندهم إنما يتم بشرط خروج الساعي‪ ،‬مع الحول‪ ،‬فإن‬
‫تلفت فل تضمن زكاتها‪.‬‬
‫هذا وقد ذكر ابن رشد خمسة أقوال فيما إذا أخرج الزكاة فضاعت كأن تسرق أو تحترق‪ :‬وهي قول‪:‬‬
‫إنه ل يضمن بإطلق‪ ،‬وقول‪ :‬إنه يضمن بإطلق‪ ،‬وقول‪ :‬وما بعدها‪ .‬إن فرط ضمن وإن لم يفرط لم‬
‫يضمن‪ ،‬وهو مشهور مذهب مالك‪ ،‬وقول‪ :‬إن فرط ضمن‪ ،‬وإن لم يفرط زكى ما بقي‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫ثور والشافعي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،241/1 :‬المهذب‪ ،144/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،99‬المغني‪685/2 :‬‬

‫( ‪)3/181‬‬

‫والقول الخامس‪ :‬يعد الذاهب من الجميع و يكون المساكين ورب المال شريكين في الباقي بقدر حظهما‬
‫من حظ رب المال (‪. )1‬‬
‫المبحث الخامس ـ أنواع الموال التي تجب فيها الزكاة‪:‬‬
‫تجب الزكاة في أنواع خمسة من المال وهي‪:‬‬
‫النقود‪ ،‬والمعادن والركاز‪ ،‬وعروض التجارة‪ ،‬والزروع والثمار‪ ،‬والنعام وهي البل والبقر والغنم‪.‬‬
‫وأوجب أبو حنيفة خلفا لصاحبيه الزكاة في الخيل والمفتى به هو رأيهما‪ ،‬وبحثها في المطالب الستة‬
‫التية‪:‬‬
‫المطلب الول ـ زكاة النقود (الذهب والفضة والورق النقدي)‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء (‪ )2‬على وجوب الزكاة في النقود سواء أكانت سبائك أم مضروبة أم آنية‪ ،‬أم كانت حليا‬
‫عند الحنفية‪ ،‬للدلة السابقة من الكتاب والسنة والجماع في وجوب الزكاة مطلقا‪ ،‬ونبحث هنا ما يأتي‪:‬‬
‫أولً ـ نصابها والمقدار الواجب فيها‪:‬‬
‫نصاب الذهب‪ :‬عشرون مثقالً (‪ )3‬أو دينارا (‪ ، )4‬كانت تعادل أربع عشرة ليرة ذهبية عثمانية‬
‫تقريبا‪ ،‬أو خمس عشرة ليرة ذهبية افرنسية‪ ،‬واثنتي عشرة ليرة إنكليزية (‪ )5‬وتساوي بالمثقال العراقي‬
‫مئة غرام تقريبا وبالمثقال العجمي ستة وتسعين غراما‪ ،‬وعند الجمهور ‪ 91‬و ‪ 25/23‬غراما‪.‬‬
‫والفرق بين نوعي المثقال (‪ )2،0‬إذ المثقال العجمي (‪ 8،4‬غم) والمثقال العراقي (‪ 5‬غرامات)‪،‬‬
‫ولنعتمد على القل من باب الحتياط‪،‬وهو التقدير بـ ‪ 85‬غراما باعتبار الدرهم العربي (‪ 2.975‬غم)‬
‫وهو الولى‪.‬‬
‫ونصاب الفضة‪ :‬مئتا درهم تساوي عند الحنفية (‪ )700‬غراما تقريبا‪ ،‬وعند الجمهور (‪ )642‬غراما‬
‫تقريبا (‪ ، )6‬والدق (‪ 595‬غم)‪.‬‬
‫ويضم عند الجمهور (غير الشافعية ) أحد النقدين إلى الخر في تكميل النصاب‪ ،‬فيضم الذهب إلى‬
‫الفضة وبالعكس بالقيمة‪ ،‬فمن له مئة درهم وخمسة مثاقيل قيمتها مئة‪ ،‬عليه زكاتها؛ لن مقاصدها‬
‫وزكاتهما متفقة‪ ،‬فهما كنوعي الجنس الواحد ‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬ل يضم أحدهما إلى الخر كالبل والبقر‪ ،‬وإنما يكمل النوع‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪.240/1 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،525-519/1 :‬الدر المختار‪ ،46-38/2 :‬اللباب‪ 148/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،620/1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،100‬مغني المحتاج‪ 389/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 157/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫المغني‪ ،16-1/3 :‬كشاف القناع‪ ،275-266/2 :‬شرح الرسالة‪ 322/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المثقال عند الحنفية يساوي خمسة غرامات‪ ،‬وحدده بنك فيصل السلمي في السودان بـ ‪457،4‬‬
‫غم‪ ،‬وهو الوسط المعقول‪ ،‬أو ‪ 25،4‬غم‪.‬‬
‫(‪ )4‬يلحظ أن الدينار عند الحنابلة أصغر من المثقال فيكون النصاب‪:‬‬
‫ـــــــــ ‪ +‬ــــــــــ ‪ 25‬دينار‪.‬‬
‫(‪ )5‬الليرة النكليزية‪ 50،2:‬درهم‪ ،‬والليرة العثمانية ‪ 25،2‬درهم‪ ،‬والليرة الفرنسية ‪ 2‬درهم‪.‬‬
‫(‪ )6‬كانت المئتا درهم وزن سبعة مثاقيل‪ ،‬والدينار عشرون قيراطا‪ ،‬والقيراط خمس شعيرات‪ ،‬فيكون‬
‫الدرهم الشرعي سبعين شعيرة والمثقال مئة شعيرة‪ ،‬وهناك مطابقة بين المثقال والدينار‪ ،‬والدرهم‬
‫الشرعي عند الحنفية (‪ 50،3‬غم) وعند الجمهور (‪ 208،3‬غم) والدرهم العربي (‪ 975،2‬غم)‪.‬‬

‫( ‪)3/182‬‬

‫بالنوع من الجنس الواحد وإن اختلفا جودة ورداءة‪ ،‬والرأي الول هو الواجب التباع اليوم في‬
‫العملت الورقية‪ ،‬وضم نوع منها إلى آخر أصبح ضروريا ومتعينا‪.‬‬
‫سعر الصرف‪ :‬يجب تقدير نصاب الزكاة في كل زمان بحسب القوة الشرائية للنقد المعاصر‪ ،‬وبحسب‬
‫سعر الصرف لكل من الذهب والفضة في كل سنة وفي بلد المزكي وقت إخراج الزكاة‪ ،‬فقد أصبح‬
‫متقلبا غير ثابت دائما‪ ،‬والشرع حدد مبلغين متعادلين‪ :‬إما عشرون دينارا (مثقالً) أو مئتا درهم‪ ،‬وكانا‬
‫شيئا واحدا ولهما سعر واحد‪.‬‬
‫ويجب أيضا اعتبار النصاب الحالي كما كان هو المقرر في أصل الشرع‪ ،‬دون النظر إلى تفاوت‬
‫السعر القائم الن بين الذهب والفضة‪ .‬وتقدر الوراق النقدية في الرجح دليلً بسعر الذهب؛ لنه هو‬
‫الصل في التعامل‪ ،‬ولن غطاء النقود هو بالذهب‪ ،‬ولن المثقال كان في زمن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم وعند أهل مكة هو أساس العملة (‪ ، )1‬وهو أساس تقدير الديات‪ .‬ويسأل الصراف عن سعر‬
‫الذهب بالعملة المحلية الرائجة في كل بلد‪ ،‬مثلً يعادل الجنية المصري ذهبا في وقت من الوقات (‬
‫‪ )2.5587‬غم‪ ،‬ويساوي غرام الذهب في سوريا الن حوالي ‪ 500‬ليرة سورية(‪ . )2‬أما غرام الفضة‬
‫فيساوي الن حوالي عشر ليرات سورية‪ .‬ويرى كثير من علماء العصر أن النقود تقدر بسعر الفضة‬
‫احتياطا لمصلحة الفقراء‪ ،‬ولن ذلك أنفع لهم‪ .‬وأرى الخذ بهذا الرأي؛ لنه يفتى بما هو أنفع للفقراء‪.‬‬
‫وينبغي لفت النظر إلى أن دفع الزكاة للجمعيات يجب إيصالها بأعيانها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخراج في الدولة السلمية للدكتور ضياء الدين الريس‪ :‬ص ‪.344‬‬
‫(‪ )2‬في أواسط عام ‪ 1993‬م‪.‬‬

‫( ‪)3/183‬‬

‫للمستحقين‪ ،‬ول يجوز للقائمين على الجمعيات أن يشتروا بأموال الزكاة أغذية أو ألبسة ونحوها‬
‫يقدمونها للفقراء‪ ،‬لنهم لم يوكلوهم في هذا‪ ،‬كما ل يجوز لجمعيات المعاهد العلمية الشرعية شراء‬
‫شيء كالكتب وغيرها من أموال الزكاة‪ ،‬وعلى إدارة الجمعيات أن يحصلوا على تفويض أو توكيل‬
‫من طلب العلم‪ ،‬بصرف أموال الزكاة على حوائجهم من طعام وشراب وكتب وأوراق ونحو ذلك‪،‬‬
‫لن تمليك الزكاة للمستحقين شرط أساسي‪ ،‬ثم يتصرف المستحق بما يحقق مصلحته‪ .‬ول يجوز‬
‫لجمعية أن تقوم بنفسها ببناء مبان أو معامل من أموال الزكاة لصرف ريعها على المستحقين إذ ل‬
‫وكالة لدى الجمعية من المستحقين في هذا‪ .‬لكن يجوز للضرورة إيجاد مراكز صحية وتوزيع أدوية‬
‫للفقراء مثلً على أل تأخذ صفة الوقف‪ ،‬حتى يجوز بيعها وتوزيع أثمانها للمستحقين‪.‬‬
‫مقدار الزكاة‪ :‬المقدار الواجب في النقدين (الذهب والفضة) ربع العشر أي (‪ )%2.50‬فإذا ملك النسان‬
‫مئتي درهم‪ ،‬وحال عليها الحول‪ ،‬ففيها خمسة دراهم‪ ،‬وفي العشرين مثقالً نصف دينار‪.‬‬
‫والدليل‪ :‬هو أحاديث ثابتة‪ ،‬منها حديث علي عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬إذا كانت لك مئتي‬
‫درهم‪ ،‬وحال عليها الحول‪ ،‬ففيها خمسة دراهم‪ ،‬وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك‬
‫عشرون دينارا‪ ،‬فإذا كانت لك عشرون دينارا‪ ،‬وحال عليها الحول‪ ،‬ففيها نصف دينار» (‪. )1‬‬
‫ومنها حديث أبي سعيد الخدري‪« :‬ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة‪ ،‬وليس فيما دون‬
‫خمس أواق من الوَرِق صدقة‪ ،‬وليس فيما دون خمس َذوْد من البل صدقة» (‪ )2‬وروى البخاري‪:‬‬
‫«وفي الرّقة‪ :‬ربع العشر» والرقة والورِق‪ :‬الفضة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد (نيل الوطار‪.)138/4:‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشيخان‪ ،‬واللفظ للبخاري‪ ،‬والورق بكسر الراء‪ :‬الفضة‪ ،‬والذود‪ :‬من الثلثة إلى العشرة‪ ،‬ل‬
‫واحد له من لفظه‪ ،‬ومقدار الوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالتفاق‪ ،‬والمراد بالدرهم‪ :‬الخالص‬
‫من الفضة‪ ،‬سواء أكان مضروبا أم غير مضروب(نيل الوطار‪.)138 ،126/4 :‬‬

‫( ‪)3/184‬‬

‫ويدفع عن الذهب ذهبا وعن الفضة فضة‪ ،‬فإن أراد أن يدفع ذهبا عن فضة أو فضة عن ذهب‪ ،‬جاز‬
‫في الحالتين عند المالكية‪ ،‬ويكون الدفع بالقيمة في المشهور‪ ،‬ولم يجز ذلك عند الشافعية‪.‬‬
‫ثانيا ـ ما نقص عن النصاب وما زاد عليه‪:‬‬
‫تجب الزكاة كما عرفنا بالجماع في الذهب إذا كان عشرين مثقالً (ديناراً) قيمتها مئتا درهم‪ .‬أما ما‬
‫دون العشرين مثقالً‪ ،‬فل زكاة فيه إل أن يتم بورِق (فضة) أو عروض تجارة‪.‬‬
‫وأجمع العلماء على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالً‪ ،‬ول يبلغ مئتي درهم‪ ،‬فل زكاة فيه لعدم بلوغ‬
‫النصاب‪ ،‬وقال عامة الفقهاء‪ :‬نصاب الذهب عشرون مثقالً من غير اعتبار قيمتها ول تقديرها بالفضة‬
‫(‪ ، )1‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ليس في أقل من عشرين مثقالً من الذهب‪ ،‬ول في أقل من مئتي‬
‫درهم صدقة» (‪. )2‬‬
‫أما الزيادة على النصاب‪ :‬فل شيء فيها عند أبي حنيفة (‪ )3‬حتى تبلغ أربعين درهما‪ ،‬فيكون فيها‬
‫درهم‪ ،‬ثم في كل أربعين درهما درهم‪ ،‬ول شيء فيما بينهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬المغني‪ ،4/3 :‬اللباب‪.148/1 :‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو عبيد‪.‬‬
‫(‪ )3‬اللباب‪ ،149/1 :‬الدر المختار‪ ،42/2 :‬فتح القدير‪.520/1 :‬‬

‫( ‪)3/185‬‬

‫كذلك ل زكاة في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير‪ .‬وهذا هوالصحيح عند الحنفية‪ ،‬لقول عليه‬
‫السلم‪« :‬من كل أربعين درهما درهم» (‪. )1‬‬
‫وقال الصاحبان وجمهور الفقهاء (‪ : )2‬ما زاد على المئتين فزكاته بحسابه‪ ،‬وإن قلّت الزيادة‪ ،‬لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهما درهما‪ ،‬وليس عليكم شيء حتى يتم‬
‫مئتين‪ ،‬فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم‪ ،‬فما زاد فبحساب ذلك» (‪ )3‬وهذا هو المعقول‪.‬‬
‫ثالثا ـ حكم المغشوش أو المخلوط بغيره ‪:‬‬
‫المغشوش‪ :‬هو المخلوط بما هو أدون منه كذهب بفضة‪ ،‬وفضة بنحاس‪ .‬وللفقهاء في زكاته آراء ثلثة‬
‫( ‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬قال الحنفية‪ :‬غالب الفضة فضة‪ ،‬وغالب الذهب ذهب‪ ،‬وإذا كان الغالب عليهما الغش‪ ،‬فهي في‬
‫حكم العروض التجارية‪ ،‬ول بد من أن تبلغ قيمتها نصابا‪ ،‬ول بد فيها من نية التجارة كسائر‬
‫العروض‪ ،‬إل إذا كان يخلص منها فضة تبلغ نصابا‪ ،‬لنه ل تعتبر في عين الفضة القيمة‪ ،‬ول نية‬
‫التجارة‪ .‬واختلف في الغش المساوي‪ ،‬والمختار‪ :‬لزوم الزكاة احتياطا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي بلفظـ‪« :‬قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق‪،‬‬
‫فهاتوا صدقة الرّقة من كل أربعين درهما درهما‪ ،‬وليس في تسعين ومئة شيء‪ ،‬فإذا بلغت مئتين ففيها‬
‫خمسة دراهم» (نيل الوطار‪.)4/731 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،3/6 :‬الشرح الصغير‪ ،1/026 :‬الحضرمية‪ :‬ص ‪.101‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني والثرم‪ ،‬ورواه أبو داود عن علي‪ ،‬وروي ذلك موقوفا على علي وابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )4‬اللباب‪ ،1/941 :‬الدر المختار‪ ،2/24 :‬الشرح الصغير‪ ،1/226 :‬مغني المحتاج‪،1/093 :‬‬
‫المغني‪ ،3/5 :‬فتح القدير‪ ،1/325 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 001‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/186‬‬

‫‪ - 2‬وقال المالكية‪ :‬المعتبر هو الرواج‪ ،‬فتجب الزكاة في الكاملة الوزن‪ ،‬والمغشوشة (المخلوطة بنحو‬
‫نحاس)‪ ،‬وناقصة الوزن إن راجت كل منهما رواجا كرواج الكاملة الوزن‪ ،‬فإن لم ترج حُسب الخالص‬
‫على تقدير التصفية في المغشوشة‪ ،‬واعتبر الكمال في الناقصة بزيادة دينار أو أكثر‪ ،‬فمتى كملت‬
‫زكيت وإل فل‪ .‬وعلى هذا فإن كانت الدراهم أو الدنانير مخلوطة بالنحاس أو غيره‪ ،‬أسقط وزكي عن‬
‫الصافي‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬لشيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا كاملً‪ ،‬فمن ملك ذهبا أو‬
‫فضة مغشوشة أو مختلطا بغيره‪ ،‬فل زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا‪ ،‬لقوله عليه‬
‫السلم‪« :‬ليس فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة» فإن لم يعلم قدر ما فيه منهما‪ ،‬وشك هل بلغ‬
‫نصابا أو ل‪ ،‬عمل بالظهر بحيث يتيقن أن ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة‪ ،‬أو بسبكهما (أي‬
‫التمييز بينهما بالنار) ليعلم ما فيه منهما‪ ،‬ويخرج الزكاة ليسقط الفرض بيقين‪.‬‬
‫ولو اختلط إناء من الذهب والفضة‪ ،‬بأن أذيبا وصيغ منهما الناء‪ ،‬كأن كان وزنه ألف درهم‪ ،‬أحدهما‬
‫ل منهما بفرضه‪ ،‬الكثر ذهبا أو فضة‪ ،‬احتياطا‪.‬‬
‫ست مئة والخر أربع مئة‪ ،‬وجهل أكثرهما‪ ،‬زكى ك ً‬
‫ول يجوز افتراض كله ذهبا؛ لن أحد الجنسين ل يجزئ عن الخر‪ ،‬وإن كان أعلى منه‪ ،‬أو ميّز‬
‫بينهما بالنار‪ ،‬ويحصل ذلك بسبك قدر يسير إذا تساوت أجزاؤه‪.‬‬

‫( ‪)3/187‬‬

‫رابعا ـ زكاة الحلي‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة ـ كما أبنت ـ في النقدين في المسكوك وغيره‪ ،‬كالسبائك والتبر‬
‫والواني والحلي الحرام كحلي الرجل عدا خاتم الفضة وأدوات الستعمال والزينة في المنزل‪ .‬ول‬
‫زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة كالماس واللؤلؤ والياقوت‪ .‬والحلي الذي تجب فيه الزكاة عند‬
‫المالكية (‪ : )1‬هو المتخذ للتجارة بالجماع‪ ،‬ويعتبر بحسب وزنه دون قيمة صياغته‪ ،‬وكذلك الواني‬
‫والمباخر للتجارة والمكحلة والمِ ْروَد ولو لمرأة‪ ،‬والمتخذ للدخار ونوائب الزمن وحوادثه ل‬
‫للستعمال‪ ،‬وحلي المرأة إذا انكسر في خمس صور‪:‬‬
‫أحدها ـ أن يتكسر بحيث ل يرجى عوده إلى ما كان عليه إل بسكبه مرة أخرى‪.‬‬
‫ثانيها ـ التهشم ونية عدم إصلحه‪.‬‬
‫ثالثها ـ التهشم مع نية إصلحه‪.‬‬
‫رابعها ـ التهشم مع عدم نية شيء أصلً‪ ،‬ل إصلحه ول عدم إصلحه‪.‬‬
‫خامسها ـ عدم التهشم مع نية عدم إصلحه‪.‬‬
‫ول زكاة في الحلي إذا اتخذه النسان لجل الكراء‪ ،‬سواء أكان المتخذ له رجلً أم امرأة‪ .‬ول في‬
‫الحلي المباح للمرأة كالسوار‪ ،‬ول في الحلي الجائز للرجل كقبضة السيف المعد للجهاد والخاتم الفضي‬
‫والنف والسنان وحلية المصحف والسيف‪ ،‬والمتخذ لمن يجوز له استعماله كزوجته وابنته‬
‫الموجودتين عنده حالً‪ ،‬وكانتا صالحتين للتزين لكبرهن‪ ،‬فإن اتخذه لمن سيوجد أو لمن سيصلح‬
‫للتزين لصغره الن فتجب الزكاة‪.‬‬
‫والحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الشافعية (‪ : )2‬هو الذي يقصد كنزه وادخاره‪ ،‬والواني‪ ،‬وما يتحلى‬
‫به الرجل من حلي المرأة‪ ،‬وما تتحلى به المرأة من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،460/1:‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،101‬بداية المجتهد‪.242/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 390/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المجموع‪ 29/6 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب ‪ 158/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫الحضرمية‪ :‬ص ‪.102‬‬

‫( ‪)3/188‬‬

‫حلي الرجل كسيف‪ ،‬والتبر المغصوب المصوغ حليا‪ ،‬وحلي النساء الذي بالغن في السراف فيه بأن‬
‫بلغ مئتي مثقال (حوالي ‪ 850‬غم) وكذلك ما يكره استعماله قياسا على المحرم كضبة الناء الكبيرة‬
‫للحاجة‪ ،‬أو الصغيرة للزينة (‪ . )1‬جاء في إعانة الطالبين (‪ 158/2‬ومابعدها)‪ :‬ويحل الذهب والفضة‬
‫بلسرف لمرأة وصبي إجماعا في نحو السوار والخلخال والطوق‪ ،‬ول تجب الزكاة فيها‪ .‬أما مع‬
‫السرف فل يحل شيء من ذلك كخلخال وزن مجموع فردتيه مئتا مثقال‪ ،‬فتجب فيه الزكاة‪ .‬والتقدير‬
‫بمئتي مثقال مأخوذ من أثر عن صحابي‪.‬‬
‫وتجب الزكاة أيضا على الراجح في حلي المرأة إذا انكسر بحيث يمنع الستعمال‪ ،‬ويحتاج إلى سبك‬
‫وصوغ‪.‬‬
‫ول زكاة في الظهر في الحلي المباح للمرأة‪ ،‬كخلخال وسوار ونحوهما؛ لنه معدّ لستعمال مباح‪،‬‬
‫فأشبه العوامل من النعم‪.‬‬
‫وأما الحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الحنابلة(‪ : ) 2‬فهو المتخذ للتجارة ‪ ،‬والحلي المحرم للمرأة الذي‬
‫ليس لها اتخاذه‪ ،‬كما إذا اتخذت حلية الرجال المحرّمة‪ ،‬كحلية السيف والمِنْطقة ( النطاق ) وسوار‬
‫الرجل وخاتمه الذهب‪ ،‬وحلية مراكب الحيوان‪ ،‬ولباس الخيل كاللجم والسروج‪ ،‬وقلئد الكلب‪ ،‬وحلية‬
‫الركاب‪ ،‬والمرآة والمشط والمكحلة‪ ،‬والميل والمسرحة‪ ،‬والمروحة والمشربة والمدهنة والمسعط‬
‫والمجمرة والمعلقة والقنديل‪ ،‬والنية‪ ،‬وحلية كتب العلم بخلف المصحف‪ ،‬وحلية الدواة والمقلمة‪ ،‬وما‬
‫أعد للكراء‪ ،‬أو للقُنية والدخار أو النفقة إذا احتاج إليها‪ ،‬أو لم يقصد به‬
‫شيئا‪-------------------------------.‬‬
‫(‪ )1‬الصح عند الشافعية تحريم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة‪ ،‬وتمويه سقوفها وتعليق‬
‫قناديلها‪ ،‬ول خلف في تحريم تمويه سقف بيته وجداره بذهب أو فضة (المجموع‪ .)39/6 :‬والضبة‪:‬‬
‫مايشد به الناء‪ ،‬لصلحه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،17-9/3 :‬كشاف القناع‪275-272/2 :‬‬

‫( ‪)3/189‬‬

‫وكذا حلي المرأة إذا انكسر واحتاج إلى صوغ‪ ،‬فإن لم يحتج إلى صوغ ونوت إصلحه‪ ،‬فل زكاة فيه‪،‬‬
‫ول زكاة فيما إذا انكسر الحلي كسرا ليمنع الستعمال واللبس‪ ،‬فهو كالصحيح‪ ،‬إل أن تنوي كسره‬
‫وسبكه‪ ،‬ففيه الزكاة حينئذ؛ لنها نوت صرفه عن الستعمال‪.‬‬
‫وليس في حلي المرأة زكاة في ظاهر المذهب إذا كان مما تلبسه أو تعيره‪ ،‬ول ممن يحرم عليه‪،‬‬
‫كرجل يتخذ حلي النساء لعارتهن‪ ،‬وامرأة تتخذ حلي الرجال لعارتهم‪.‬‬
‫والخلصة أن الجمهور ل يرون الزكاة في حلي المرأة المعتاد‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ليس‬
‫في الحلي زكاة» (‪ )1‬وهو قول ابن عمر وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر‪ ،‬ولنه مرصد للستعمال‬
‫المباح‪ ،‬فلم تجب فيه الزكاة‪ ،‬كالعوامل من النعام‪ ،‬وثياب القنية (الستعمال الشخصي) ولن السلم‬
‫أوجب الزكاة في المال النامي المغل فقط‪ :‬وهو ما من شأنه أن ينمى ولو عطله صاحبه‪ ،‬والحلي‬
‫المباح ل نماء فيه‪ ،‬بخلف ما إذا اتخذ كنزا أو كان فيه سرف ظاهر ومجاوزة للمعتاد‪ ،‬أواستعمله‬
‫الرجال حلية لهم أو استعمل في النية والتحف والتماثيل ونحوها‪ ،‬فتجب في كل ذلك الزكاة‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )2‬الزكاة واجبة في الحلي للرجال والنساء تبرا كان أو سبيكة‪ ،‬آنية أو غيرها؛ لن‬
‫الذهب والفضة مال نام‪ ،‬ودليل النماء موجود‪ :‬وهو العداد للتجارة خِلْقة‪ ،‬بخلف الثياب‪ ،‬ولنهما خُلقا‬
‫أثمانا‪ ،‬فيزكيهما المالك كيف كانا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني عن جابر‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬ل أصل له‪ ،‬إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع‬
‫(المجموع‪ .)32/6 :‬وروى الشافعي أن رجلً سأل جابر بن عبد ال رضي ال عنهما عن الحلي‪ ،‬أفيه‬
‫زكاة؟ فقال‪ :‬ل‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،524/1 :‬الدر المختار‪.41/2 :‬‬

‫( ‪)3/190‬‬

‫ويؤيدهم حديث «أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لمرأة في يدها سواران من ذهب‪ :‬هل تعطين‬
‫زكاة هذا؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أيسرك أن يسوّرك ال بسوارين من نار؟! (‪. » )1‬‬
‫والمعتبر عند غير الشافعية في نصاب الحلي الذي تجب فيه الزكاة‪ :‬الوزن ل القيمة‪ ،‬فلو ملك حليا‬
‫قيمته مئتا درهم‪ ،‬ووزنه دون المئتين‪ ،‬لم يكن عليه زكاة‪ ،‬وإن بلغ مئتين وزنا‪ ،‬ففيه الزكاة‪ ،‬وإن نقص‬
‫في القيمة‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬ليس فيما دون خمس أواق من الورِق صدقة» ‪.‬‬
‫واستثنى الحنابلة أن يكون الحلي للتجارة‪ ،‬فيقوم‪ ،‬فإذا بلغت قيمته بالذهب والفضة نصابا‪ ،‬ففيه الزكاة؛‬
‫لن الزكاة متعلقة بالقيمة‪ ،‬ومالم يكن للتجارة‪ ،‬فالزكاة في عينه‪ ،‬فيعتبر بلوغ قيمته ووزنه نصابا‪ ،‬وهو‬
‫مخير بين إخراج ربع عشر حلية مشاعا أو دفع ما يساوي ربع عشرها من جنسها‪.‬‬
‫فإن كان في الحلي جوهر وللئ مرصعة‪ ،‬فالزكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجوهر؛ لنها‬
‫ل زكاة فيها عند أحد من أهل العلم‪ ،‬كما أبنت‪ ،‬فإن كان الحلي للتجارة قومه بما فيه من الجواهر؛ لن‬
‫الجواهر لو كانت مفردة عن الذهب والفضة‪ ،‬وهي للتجارة ‪ ،‬لقومت وزكيت‪ ،‬فكذلك إذا كانت في‬
‫حلي التجارة‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬حيث أوجبنا الزكاة في الحلي‪ ،‬واختلفت قيمته ووزنه‪ ،‬فالعبرة بقيمته ل وزنه‪ ،‬بخلف‬
‫المحرم لعينه كالواني‪ ،‬فالعبرة بوزنه ل قيمته‪ ،‬فلو كان له حلي وزنه مئتا درهم‪ ،‬وقيمته ثلث مئة‪،‬‬
‫تخير بين أن يخرج ربع عشره مشاعا‪ ،‬ثم يبيعه الساعي بغير جنسه‪ ،‬ويفرق ثمنه على المستحقين‪ ،‬أو‬
‫يخرج خمسة مصوغة قيمتها سبعة ونصف نقدا‪ ،‬ول يجوز كسره ليعطي منه خمسة مكسرة؛ لن فيه‬
‫ضررا عليه وعلى المستحقين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث ضعيف رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪.‬‬

‫( ‪)3/191‬‬

‫خامسا ـ زكاة الدين‪:‬‬


‫المال البالغ نصابا والذي هو دين لنسان في ذمة آخر‪ ،‬وحال عليه الحول‪ ،‬تجب زكاته بشروط‬
‫مفصلة في المذاهب‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬الدين عند المام أبي حنيفة ثلثة أنواع‪ :‬قوي‪ ،‬ومتوسط‪ ،‬وضعيف‪.‬‬
‫فالقوي‪ :‬هو بدل القرض ومال التجارة كثمن العروض التجارية‪ ،‬إذا كان على مقرّ به ولو مفلسا ‪ ،‬أو‬
‫على جاحد عليه بينة‪ ،‬تجب فيه الزكاة إذا قبضه‪ ،‬لما مضى من العوام‪ ،‬كلما قبض أربعين درهما‪،‬‬
‫ففيه درهم واحد؛ لن مادون الخمس من النصاب عفول زكاة فيه‪ ،‬وما زاد عن ذلك فزكاته بحسابه‪.‬‬
‫والمتوسط‪ :‬هو بدل ما ليس للتجارة أي ما ليس دين تجارة كثمن دار السكنى وثمن الثياب المحتاج‬
‫إليها‪ ،‬ل يجب فيه الزكاة إل إذا قبض منه نصابا (مئتي درهم) فإن قبض مئتي درهم زكى لما مضى‪،‬‬
‫ويعتبر الماضي من الحول من وقت لزومه لذمة المشتري‪ ،‬في صحيح الرواية‪.‬‬
‫فالدين المتوسط مثل الدين القوي في حولن الحول عليه‪ ،‬فيعتبر حوله من وقت التزام المدين به‪ ،‬ل‬
‫من وقت القبض في الصح‪.‬‬
‫والضعيف‪ :‬هو بدل ما ليس بمال‪ ،‬كالمهر والميراث والوصية وبدل الخلع والصلح عن دم العمد‪،‬‬
‫والدية‪ ،‬فإن المهر ليس بدلً عن مال أخذه الزوج من زوجته‪ ،‬وكذا بدل الخلع ليس بدلً عن مال تدفعه‬
‫الزوجة لزوجها‪ .‬ومثله دين الوصية‪ ،‬والدية وبدل الصلح‪ ،‬والميراث‪ .‬ل تجب فيه الزكاة مالم يقبض‬
‫نصابا ويحول عليه الحول بعد القبض‪.‬‬
‫خمْس‬
‫والخلصة‪ :‬أن الزكاة تجب في كل أنواع الدين المذكورة‪ ،‬لكن الداء يكون عند القبض‪ ،‬قبض ُ‬
‫النصاب في القوي‪ ،‬وقبض كامل النصاب في المتوسط والضعيف‪ ،‬وبما أن الدين الضعيف كسب‬
‫جديد‪ ،‬فيجب حولن الحول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،10/2 :‬الدر المختار‪ 47/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مراقي الفلح‪ :‬ص ‪.121‬‬

‫( ‪)3/192‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬الديون كلها سواء‪ ،‬وكلها قوية‪ ،‬تجب الزكاة فيها قبل القبض إل الدية على العاقلة‬
‫(العصبة)‪ ،‬فإنه ل تجب الزكاة فيها أصلً ما لم تقبض ويحول عليها الحول‪ ،‬لن تلك الديون ما عدا‬
‫الدية ملك لصاحبها‪ ،‬لكن ل يطالب بالداء للحال‪ ،‬وإنما عند القبض‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬الديون ثلثة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما يحتاج لحولن الحول بعد القبض‪ :‬مثل ديون المواريث والهبات والوقاف والصدقات‪،‬‬
‫والصداق والخلع‪،‬وأرش (تعويض) الجناية‪ ،‬والدية‪ ،‬ل زكاة فيه حتى يقبضه ويحول عليه الحول عنده‬
‫من يوم القبض‪ ،‬فمن ورث مالً من أبيه عينت له المحكمة حارسا قبل أن يقبضه لسبب ما‪ ،‬واستمر‬
‫دينا له أعواما كثيرة‪ ،‬فإنه ل زكاة عليه في كل تلك العوام‪ ،‬حتى يقبضه ويمضي عليه عام عنده بعد‬
‫قبضه‪ .‬وهذا هو الدين الضعيف عند الحنفية‪ .‬ومنه ثمن بيع العروض المقتناة كبيع متاع أو عقار‪،‬‬
‫وهو الدين المتوسط عند الحنفية‪ ،‬فإذا باع دار سكناه بثمن مؤجل للمستقبل‪ ،‬فإنه يزكي على ما قبضه‬
‫إذا كان المقبوض نصابا فأكثر وحال عليه الحول‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يزكى لعام واحد فقط‪ :‬وهو دين القرض وديون التجارة‪ ،‬وهو الدين القوي عند الحنفية‪ ،‬تجب‬
‫فيه الزكاة بشروط أربعة‪:‬‬
‫أولها ـ أن يكون أصل الدين الذي أعطاه للمدين ذهبا أو فضة‪ ،‬أو ثمن عروض تجارية محتكرة‬
‫كثياب مثلً‪.‬‬
‫ثانيها ـ أن يقبض شيئا من الدين‪ ،‬فإن لم يقبض شيئا فل زكاة عليه‪.‬‬
‫ثالثها ـ أن يكون المقبوض نقدا (ذهبا أو فضة)‪ :‬فإن قبض عروضا تجارية كثياب أو قمح فل زكاة‬
‫عليه‪.‬‬
‫رابعها ـ أن يكون المقبوض نصابا على القل‪ ،‬ولو قبضه لعدة مرات‪ ،‬أو يكون المقبوض أقل من‬
‫نصاب‪ ،‬ولكن عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال الحول عليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ 458/1 :‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 264/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪628/1 :‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/193‬‬

‫‪ - 3‬دين المدير‪ :‬وهو التاجر الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر‪ .‬فإذا كان أصل الدين عروض‬
‫تجارة‪ ،‬فإنه يزكي الدين كل عام‪ ،‬مع إضافته إلى قيم العروض التي عنده‪ ،‬وإلى ما باع به من الذهب‬
‫والفضة‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )1‬على الدائن زكاة الدين عن العوام الماضية عند التمكن من أخذ دينه‪ ،‬إذا كان‬
‫الدين من نوع الدراهم والدنانير‪ ،‬أو عروض التجارة‪ .‬فإن كان الدين ماشية أو مطعوما كالتمر‬
‫والعنب‪ ،‬فل زكاة فيه‪.‬‬
‫ورأى الحنابلة (‪ : )2‬أنه تجب زكاة الدين‪ ،‬سواء أكان الدين حالً أم مؤجلً‪ ،‬وسواء أكان المدين‬
‫معترفا به باذلً له‪ ،‬أم معسرا أم جاحدا أم مماطلً به‪ ،‬إل أنه ل يجب إخراج زكاته إل إذا قبضه‪،‬‬
‫فيؤدي لما مضى فورا؛ لنه دين ثابت في الذمة‪ ،‬فلم يلزمه الخراج قبل قبضه‪ ،‬ولن الزكاة‬
‫للمواساة‪ ،‬وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال ل ينتفع به‪ ،‬ولن هذا المال في جميع الحوال على‬
‫حال واحد‪ ،‬فوجب أن يتساوى في وجوب الزكاة أو سقوطها‪ ،‬كسائر الموال‪.‬‬
‫أما الوديعة فهي بمنزلة ما في يده‪ ،‬لن الوديع نائب عن المودع في حفظه‪ ،‬ويده كيده‪ ،‬ويزكيه لما‬
‫مضى؛ لنه مملوك له يقدر على النتفاع به‪ ،‬فلزمته زكاته كسائر أمواله‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن كان الدين حيا‪ :‬وهو ما كان الدين معترفا به مستعدا لسداده في وقته أو عند طلبه‪،‬‬
‫فعند جمهور الئمة‪ :‬على الدائن زكاته‪ .‬وإن كان الدين على معسر ل يرجى منه السداد‪ ،‬أو على‬
‫مماطل أو جاحد له‪ ،‬غير معترف به‪ ،‬فعند أكثر الئمة‪ :‬ل زكاة فيه‪.‬‬
‫وأما زكاة التأمين النقدي‪ :‬فهي على مالكه‪ ،‬والتأمين النقدي هو الذي يدفعه المستأجر للمالك‪ ،‬فهو مال‬
‫مملوك للمستأجر عند المالك ضمانا لسداد الجرة في مواعيدها‪ ،‬تجب زكاته على مالكه ل على‬
‫المؤجر‪ ،‬إذا توافرت شروط الوجوب‪.‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،142/1 :‬المجموع‪.313/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 46/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/194‬‬

‫سادسا ـ زكاة الوراق النقدية‪:‬‬


‫الوراق النقدية والنقود المعدنية‪ :‬هي التي يتم التبادل بها بدلً عن الذهب والفضة‪ ،‬وتعد بمثابة حوالة‬
‫مصرفية على المصرف المركزي للدولة بما يعادلها ذهبا من الرصيد الذهبي المخزون الذي يغطي‬
‫العملة المتداولة‪ ،‬إل أن أغلب الدول حرمت التعامل بالذهب‪ ،‬فلم تعد تسمح بسحب الرصيد المقابل‬
‫لكل ورقة نقدية أو نقد معدني مصنوع من خلئط معدنية معينة كالبرونز والنحاس وغيرهما‪ ،‬حفاظا‬
‫على الرصيد الذهبي في خزانة الدولة‪ .‬وبما أن هذا النظام ظهر حديثا بعد الحرب العالمية الولى‪ ،‬فلم‬
‫يتكلم فيه فقهاؤنا القدامى‪ ،‬وقد بحث فقهاء العصر حكم زكاة هذه النقود الورقية (‪ ، )1‬فقرروا وجوب‬
‫الزكاة فيها عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية)؛ لن هذه النقود إما بمثابة دين قوي على‬
‫خزانة الدولة‪ ،‬أو سندات دين‪ ،‬أو حوالة مصرفية بقيمتها دينا على المصرف‪.‬‬
‫ولم ير أتباع المذهب الحنبلي الزكاة فيها حتى يتم صرفها فعلً بالمعدن النفيس (الذهب أو الفضة)‬
‫قياسا على قبض الدين‪.‬‬
‫والحق وجوب الزكاة فيها؛ لنها أصبحت هي أثمان الشياء‪ ،‬وامتنع التعامل بالذهب‪ ،‬ولم تسمح أي‬
‫دولة بأخذ الرصيد المقابل لي فئه من أوراق التعامل‪ ،‬ول يصح قياس هذه النقود على الدين؛ لن‬
‫هذا الدين ل ينتفع به صاحبه وهو الدائن‪ ،‬ولم يوجب الفقهاء زكاته إل بعد قبضه لحتمال عدم‬
‫القبض‪ ،‬أما هذه النقود فينتفع بها حاملها فعلً كما ينتفع بالذهب الذي اعتبر ثمنا للشياء‪ ،‬وهو يحوزها‬
‫فعلً‪ ،‬فل يصح القول بوجود اختلف في زكاة هذه النقود‪ .‬والقول بعدم الزكاة فيها لشك بأنه اجتهاد‬
‫خطأ؛ لنه يؤدي في النتيجة البينة ألّ زكاة على أخطر وأهم نوع من أموال الزكاة‪ ،‬فيجب قطعا أن‬
‫تزكى النقود الورقية زكاة الدين الحالّ على مليء‪ ،‬كما هو المقرر لدى الشافعية‪ ،‬ويجب فيها ربع‬
‫العشر (‪.)%2.50‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الفقه على المذاهب الربعة‪ ،486/1 :‬ط خامسة‪.‬‬

‫( ‪)3/195‬‬

‫ويقدر نصابها ـ كما أبنت ـ بسعر صرف نصاب الذهب المقرر شرعا وهو عشرون دينارا أو‬
‫مثقالً‪ ،‬ونختار أن يكون وزنها ذهبا ‪85‬غراما‪ ،‬ومن الفضة (‪ 595‬غراما) عملً بالدرهم العربي وهو‬
‫(‪ 975،2‬غم)‪ ،‬والصح تقدير النصاب الورقي بالذهب؛ لنه المعادل لنصاب النعام (البل والبقر‬
‫والغنم)‪ ،‬ولرتفاع مستوى المعيشة وغلء الحاجيات‪ ،‬وإن كان يرى كثير من علماء العصر تقدير‬
‫النصاب بالفضة؛ لنه أنفع للفقراء‪ ،‬وللحتياط في الدين‪ ،‬ولن نصاب الفضة مجمع عليه‪ ،‬وثابت‬
‫بالسنة الصحيحة‪ ،‬وكان يساوي في الماضي ستة وعشرين ريالً مصريا وتسعة قروش وثلثي قرش‪،‬‬
‫ونحو خمسين ريالً في السعودية ودولة المارات‪ ،‬ونحو ‪ 60‬أو ‪ 55‬روبية في باكستان والهند‪.‬‬
‫ول تجب الزكاة على الوراق النقدية إل ببلوغها النصاب الشرعي‪ ،‬وبحولن الحول‪ ،‬وبالفراغ من‬
‫الدين وهو الحق والعدل‪ ،‬وزاد الحنفية‪ :‬وبأن يكون النصاب فاضلً عن الحاجات الصلية لمالكه من‬
‫نفقة وكسوة وأجرة سكنى وآلة حرب (‪. )1‬‬
‫والسندات جمع سند‪ ،‬والسند تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين‪ ،‬نظير‬
‫فائدة مقدرة‪ .‬والسهم‪ :‬النصيب في رأس المال‪.‬‬
‫والسهم يمثل جزءا من رأس مال الشركة‪ ،‬وصاحبه مساهم‪ ،‬والسند يمثل جزءا من قرض على شركة‬
‫أو دولة‪ ،‬وحامله مقرض أو دائن‪.‬‬
‫والتعامل بالسهم جائز شرعا‪ ،‬أما التعامل بالسندات فحرام لشتمالها على الفائدة الربوية‪.‬‬
‫وبالرغم من تحريم السندات (‪ ، )2‬فإنه تجب زكاتها‪ ،‬لنها تمثل دينا لصاحبها‪ ،‬وتؤدى زكاتها عن كل‬
‫عام‪ ،‬عملً برأي جمهور الفقهاء غير المالكية؛ لن الدين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.8-5/2 :‬‬
‫(‪ )2‬تحريم التعامل بالسندات ليمنع من التملك التام فتجب فيها الزكاة‪ ،‬أما المال الحرام كالمغصوب‬
‫والمسروق ومال الرشوة والتزوير والحتكار والغش والربا ونحوها‪ ،‬فل زكاة فيه عند الحنفية خلفا‬
‫للجمهور‪ ،‬لنه غير مملوك لحائزه‪ ،‬ويجب رده لصاحبه الحقيقي؛ منعا من أكل الموال بالباطل‪.‬‬

‫( ‪)3/196‬‬

‫المرجو (وهو ما كان على مقر موسر) تجب زكاته في كل عام‪ .‬وأما سندات الستثمار فالولى أن‬
‫تزكى كزكاة النقود أي بنسبة ‪ %5،2‬من قيمتها‪.‬‬
‫وأما السهم‪ :‬فتجب زكاتها أيضا بحسب قيمتها الحقيقية في البيع والشراء‪ ،‬كزكاة العروض التجارية‪،‬‬
‫أي تؤدى زكاتها على رأس المال مع أرباحها في نهاية العام بنسبة (‪ %5،2‬في المئة) إذا كان الصل‬
‫والربح نصابا أو يكمل مع مال مالكها نصابا‪ ،‬ويعفى الحد الدنى للمعيشة إذا لم يكن لصاحب السهم‬
‫مورد رزق آخر سواها‪ ،‬كأرملة ويتيم ونحوهما‪ .‬هذا في الشركات التجارية‪ ،‬أما في الشركات‬
‫الصناعية كشركات السكر والنفط ونحوها كالمطابع والمصانع‪ ،‬فتقدر السهم بقيمتها الحالية مع حسم‬
‫قيمة المباني واللت وأدوات النتاج‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه تجب زكاة السهم والسندات بمقدار ربع العشر أي ‪ %5،2‬من قيمتها مع ربحها في‬
‫نهاية كل عام‪ ،‬على ما لكها الذي حال عليه الحول بعد تملكها‪ .‬أو تؤدى الزكاة جملة واحدة عن غلة‬
‫الشركة وإيرادها بمقدار العشر من صافي الرباح قياسا على نصاب الزروع والثمار‪ ،‬باعتبار أن‬
‫أموال الشركة نامية بالصناعة ونحوها‪ .‬ففي الحالة الولى نعتبر صاحب السهم له وصف التاجر‪،‬‬
‫وفي الحالة الثانية نعتبر الشركة لها وصف المنتج‪.‬‬

‫( ‪)3/197‬‬

‫سابعا ـ تفصيل آراء العلماء في زكاة السهم في الشركات ‪:‬‬


‫سبب وجود التعامل بالسهم والسندات ‪:‬‬
‫إن النسان حريص دائما على تحقيق الرباح وابتغاء فضل ا ل من خلل التجارة الفردية أو‬
‫الخاصة‪ ،‬والجماعية أو العامة‪ ،‬وذلك عملً بترغيب الشريعة واستجابة لحب النفس الفطري في تنمية‬
‫المال واستثماره‪ ،‬كيل تأكله الصدقة‪ ،‬وتستأصل الزكاة أصل رأس المال مع مرور السنوات والعوام‪.‬‬
‫وقد ل يتمكن رأس المال الخاص في الغالب من تمويل المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية‬
‫الكبرى‪ ،‬التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة‪ ،‬كالشركات المساهمة التي تتطلب أموالً كثيرة‬
‫لوجودها‪ ،‬فظهر في العصر الحديث طريقة تجزئة رأس المال الكبير بواسطة ما يسمى بالسهم التي‬
‫تطرح في الحياة القتصادية‪ ،‬وتسدد قيمتها من المئات أو آلف الناس‪.‬وقد تحتاج الشركة القائمة إلى‬
‫القتراض من الفراد‪ ،‬فتلجأ إلى ما يسمى بالسندات في مقابل دفع فائدة مقطوعة معينة‪.‬‬
‫وكل من السهم والسندات تسمى في العرف القتصادي الحديث بالوراق المالية‪ ،‬التي يتداولها الناس‬
‫عامة فيما بينهم‪ ،‬إما بواسطة العلن في الجرائد أو الصحف اليومية‪ ،‬وإما في أسواق خاصة تسمى (‬
‫بورصات الوراق المالية )‪.‬‬

‫( ‪)3/198‬‬

‫وقد تساءل الناس منذ ظهور الشركات المساهمة في الربع الثاني من القرن العشرين عن حكم التعامل‬
‫بالسهم والسندات حلً وحرمة‪ ،‬وعن حكم الزكاة الواجبة فيها‪ ،‬ومن تجب عليه الزكاة؟ وأفتى علماء‬
‫العصر بفتاوى متشابهة في مشروعية التعامل بالسهم وحرمة التعامل بالسندات‪ ،‬لما تشتمل عليه من‬
‫الربا بسبب دفع فائدة مقطوعة على مبالغ الديون المدونة فيها‪ .‬واختلفوا في نسبة الواجب في الزكاة‬
‫أهي ربع العشر أم العشر‪،‬كما اختلفوا فيمن تجب عليه زكاة السهم‪ ،‬أهو مالك السهم أم الشركة‪،‬‬
‫ولكنهم اتفقوا على وجوب الزكاة في كل من السهم والسندات إذا بلغت قميتها النصاب الشرعي‪ ،‬وإن‬
‫اختلطت السندات بالحرام وصاحبها الربا وخبث الكسب‪ ،‬لن الحرمة المصاحبة لجزء من المال ل‬
‫تمنع من فرض الزكاة‪ ،‬بل إنه على العكس ل سبيل إلى التخلص من المال الحرام إل بالصدقة به‪.‬‬
‫تعريف السهم والسندات‪:‬‬
‫السهم‪ :‬عبارة عن صكوك متساوية القيمة‪ ،‬غير قابلة للتجزئة‪ ،‬وقابلة للتداول بالطرق التجارية‪،‬‬
‫وتمثّل حقوق المساهمين في الشركات التي أسهموا في رأس مالها‪.‬‬
‫فالسهم يمثل جزءا من رأس مال الشركة‪ ،‬وصاحبه مساهم‪ ،‬والسهم تتصف بالخصائص التالية (‪: )1‬‬
‫أ ـ أنها متساوية القيمة السمية‪ :‬فل يجوز إصدار أسهم بقيمة مختلفة‪ ،‬والقيمة المتساوية هي القيمة‬
‫السمية التي يصدر بها السهم‪ ،‬والتي يحددها القانون بنسبة تتراوح في بعض البلد كالمارات بين‬
‫درهم ومئة درهم‪.‬‬
‫والقيمة السمية للسهم تختلف عن كل من قيمته التجارية والحقيقية‪ ،‬فالقيمة السمية هي القيمة المبينة‬
‫في الصك والتي تدون عليه‪ ،‬ويحسب على أساسها مجموع رأس مال الشركة‪.‬‬
‫أما القيمة التجارية‪ :‬فهي قيمة السهم في السوق أو البورصة‪ ،‬وهي قيمة متغيرة بحسب العرض‬
‫والطلب وأحوال السوق وسمعة الشركة وسلمة مركزها المالي‪.‬‬
‫وأما القيمة الحقيقية للسهم‪ :‬فهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وقسمة‬
‫موجوداتها على عدد السهم‪.‬‬
‫ب ـ أنها غير قابلة للتجزئة‪ :‬أي ل يمكن أن تتمثل في صورة كسور حين يتعدد مالكو السهم في‬
‫مواجهة الشركة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الشركات التجارية للدكتور حسين غنايم‪ :‬ص ‪189‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/199‬‬

‫جـ ـ أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية‪ :‬أي يمكن انتقال ملكية السهم من شخص إلى آخر‬
‫بالطرق التجارية المعروفة‪ ،‬ودونما حوالة مدنية من قبل الشركة‪.‬‬
‫وإن كان السهم إذنيا (أي يصدر لذن أو أمر المساهم) فإن تداوله يتم بطريق التظهير‪.‬‬
‫وإن كان السهم لحامله (أي يصدر من دون ذكر صاحبه) فإن تداوله يتم بمجرد التسليم أي المناولة‬
‫اليدوية‪.‬‬
‫ومعظم القوانين تستلزم أن تصدر السهم اسمية‪ ،‬وبعضها يجيز إصدار السهم لحاملها بشروط‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن السهم تمثل حصصا في شركة أموال‪.‬‬
‫أما السندات فهي جمع سند‪ ،‬والسند‪ :‬صك مالي قابل للتداول يُمنح للمكتتب لقاء المبالغ التي أقرضها‪،‬‬
‫ويخوّله استعادة مبلغ القرض‪ ،‬علوة على الفوائد المستحقة‪ ،‬وذلك بحلول أجله‪ .‬وبعبارة أخرى‪:‬‬
‫السند‪ :‬تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين‪ ،‬نظير فائدة مقدرة‪.‬‬
‫والسند يشبه السهم من حيث وجود قيمة اسمية لكل منهما‪ ،‬ومن حيث قابليتهما للتداول بالطرق‬
‫التجارية‪ ،‬وعدم قابليتهما للتجزئة‪.‬‬
‫والفارق الساسي بين السهم والسند‪ :‬أن السهم يمثل حصة في الشركة‪ ،‬بمعنى أن صاحبه شريك‪ ،‬في‬
‫حين أن السند يمثّل دينا على الشركة‪ ،‬أو يمثل جزءا من قرض شركة أو دولة‪ ،‬بمعنى أن صاحبه‬
‫مقرض أو دائن‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬يحصل صاحب السهم على أرباح حين تحقق الشركة أرباحا فقط‪ ،‬أما صاحب السند‬
‫فيتلقى فائدة ثابتة سنويا‪ ،‬سواء ربحت الشركة أم ل‪ .‬وتكون السهم في الغالب اسمية‪ ،‬ضمانا لرقابة‬
‫الدولة على حاملي السهم‪ ،‬أما السندات فتكون إما اسمية أو لحاملها‪.‬‬

‫( ‪)3/200‬‬

‫التعامل بالوراق المالية التجارية‪:‬‬


‫التعامل بالسهم جائز شرعا‪ ،‬لن أصحاب السهم شركاء في الشركة بنسبة ما يملكون من أسهم‪،‬‬
‫عشرة أو عشرين أو مئة مثلً‪ ،‬أما التعامل بالسندات فحرام شرعا‪ ،‬لشتمالها على الفائدة الربوية‬
‫المقطوعة بغض النظر عن الربح والخسارة‪ ،‬فهي قروض بفائدة‪ ،‬وقد جاء في المؤتمر الثاني‬
‫للمصرف السلمي بالكويت عام ‪ 1403‬هـ ‪ 1983 /‬م أن ما يسمى بالفائدة في اصطلح‬
‫القتصاديين الغربيين ومن تابعهم هوعين الربا المحرم شرعا‪ ،‬وجاء في الجتماع الول للفتوى‬
‫والرقابة الشرعية للبنوك السلمية بالقاهرة عام ‪ 1403‬هـ ‪ 1983/‬م أنه بإجماع الراء ليصح‬
‫للبنك السلمي استثمار جزء من أمواله في شراء أسهم الشركات التي يكون هدفها التعامل بالربا‪،‬‬
‫لكون موارد تلك الشركات ونفقاتها تشتمل على فوائد مدفوعة وفوائد مقبوضة‪.‬‬
‫زكاة السندات‪:‬‬
‫أشير هنا إلى حكم زكاة السندات‪ ،‬لنه ليس من موضوع بحثي‪ ،‬فأقول‪ :‬بالرغم من تحريم السندات‪،‬‬
‫فإنه تجب زكاتها‪ ،‬لنها تمثل دينا لصاحبها‪ ،‬وتؤدى زكاتها عن كل عام‪،‬عملً برأي جمهور الفقهاء‬
‫غير المالكية‪ ،‬لن الدين المرجو (وهو ما كان على مقر موسر) تجب زكاته في كل عام‪ .‬وشهادات‬
‫الستثمار أو سندات الستثمار هي في الحقيقة سندات‪ ،‬وتجب فيها الزكاة‪ ،‬وإن كان عائدها خبيثا‬
‫وكسبها حراما‪ ،‬وتزكى السندات كزكاة النقود أو عروض التجارة‪ ،‬أي بنسبة ‪ %5،2‬من قيمتها‪ .‬وذلك‬
‫لن تحريم التعامل بالسندات ل يمنع من وجود التملك التام‪ ،‬فتجب فيها الزكاة‪ .‬أما المال الحرام‬
‫كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة والتزوير والحتكار والغش والربا ونحوها‪ ،‬فل زكاة فيه‪ ،‬لنه‬
‫غير مملوك لحائزه‪ ،‬ويجب رده لصاحبه الحقيقي‪ ،‬منعا من أكل الموال بالباطل‪ ،‬فإن بقي في حوزة‬
‫حائزه وحال عليه الحول‪ ،‬ولم يرد لصاحبه‪ ،‬فتجب فيه زكاته‪ ،‬رعاية لمصالح الفقراء‪.‬‬

‫( ‪)3/201‬‬

‫زكاة أسهم الشركات‪:‬‬


‫يتناول هذا الموضوع بحث أمور ثلثة‪ :‬هي وجوب الزكاة في السهم‪ ،‬والنسبة أو المقدار الواجب‬
‫إخراجه‪ ،‬ومن تجب عليه الزكاة‪ ،‬أهو صاحب السهم أم الشركة؟‪.‬‬
‫آراء العلماء المعاصرين في زكاة السهم‪:‬‬
‫من الطبيعي أنه ليس للعلماء القدامى رأي في زكاة السهم‪،‬لنه موضوع معاصر حديث‪ ،‬وإنما تكلم‬
‫فيه العلماء المعاصرون‪ ،‬ولم أجد في كلم واحد منهم صوابا شاملً فيما اجتهد فيه‪ ،‬وإنما وجدت جانبا‬
‫من الصواب والحق في كل اجتهاد‪ ،‬فلكل عالم بحث هذا الموضوع إصابة في جهة وخطأ في جهة‬
‫أخرى‪ ،‬وسأعرض هذه الراء وأبين مدى الصابة والخطأ فيها‪ ،‬ثم أذكر رأيي نهائيا في الموضوع‪.‬‬
‫‪ - 1‬رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى‪:‬‬
‫يقسم الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه «المعاملت الحديثة وأحكامها» السهم إلى نوعين بحسب‬
‫موضوع استثمارها (‪: )1‬‬
‫أ ـ أسهم الشركات الصناعية‪.‬‬
‫ب ـ أسهم الشركات التجارية‪.‬‬
‫أما أسهم الشركات الصناعية المحضة التي ل تمارس عملً تجاريا كشركات الصباغة‪ ،‬وشركات‬
‫التبريد‪ ،‬وشركات الفنادق‪ ،‬وشركات العلنات‪ ،‬وشركات السيارات‪ ،‬والمركبات الكهربائية (الترام)‪،‬‬
‫وشركات النقل البري والبحري‪ ،‬وشركات الطيران‪ ،‬فل تجب الزكاة فيها‪ ،‬إل فيما تنتجه هذه السهم‬
‫من ربح‪ ،‬يضم إلى مال المساهم‪ ،‬ويزكيه معها زكاة المال‪ ،‬بعد حولن الحول عليه‪ ،‬وبلوغه النصاب‬
‫الشرعي‪ ،‬لن قيمة هذه السهم موضوعة في اللت والدارات والمباني ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وقد ذكر الستاذ الدكتور يوسف القرضاوي ذلك في كتابه «فقه الزكاة ‪ 523/1‬ومابعدها‪ ،‬وكذلك‬
‫الدكتور خليفة بابكر الحسن في كتابه «بحوث ودراسات إسلمية» ص ‪.101‬‬
‫( ‪)3/202‬‬

‫وأما أسهم الشركات التجارية وهي التي تشتري البضائع وتبيعها كشركات التجارة الخارجية‪،‬‬
‫وشركات الستيراد والتصدير‪ ،‬وشركات بيع المصنوعات الوطنية‪ ،‬أو التي تقوم بتصنيع بعض المواد‬
‫الخام أو تشتريها‪ ،‬مثل شركات البترول وشركات الغزل والنسيج‪ ،‬وشركات الحديد والصلب‪،‬‬
‫والشركات الكيماوية‪ ،‬فتجب الزكاة فيها‪ ،‬لنها تمارس عملً تجاريا‪ ،‬سواء معه صناعة أو ل‪ ،‬وتقدر‬
‫السهم بقيمتها الحالية‪ ،‬بعد حسم قيمة المباني واللت والدوات المملوكة لهذه الشركات‪ ،‬وتقدر هذه‬
‫القيمة للصول الثابتة إما بالربع أو أكثر أو أقل‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الشركات التجارية المحضة تجب زكاة أسهمها بحسب قيمتها التجارية في السواق‪ ،‬مع‬
‫أرباحها المقررة لها في نهاية العام‪ ،‬كزكاة العروض التجارية بنسبة ‪ %5،2‬إذا كان أصل رأس المال‬
‫والربح نصابا شرعيا‪ ،‬ول زكاة على المحل التجاري من حيث البناء والتجهيزات التي فيه‪.‬‬
‫أما الشركات الصناعية ـ التجارية كشركات السكّر والنفط والمطابع وصناعة السفن والطائرات‬
‫والسيارات‪ ،‬فتقدر السهم بقيمتها التجارية الحالية‪ ،‬مع حسم قيمة المباني واللت وأداوت النتاج‪.‬‬
‫وهذا الرأي يناسب المقرر في المذاهب الربعة‪ ،‬وهو أن المصانع والعمارات الستغللية ل زكاة‬
‫فيها‪ ،‬وإنما الزكاة على أرباحها السنوية إذا بلغت النصاب الشرعي وحال الحول عليها (أي مضى عام‬
‫عليها في يد صاحبها) وهو الرأي الذي أخذ به مجمع الفقه السلمي في جدة في دورته الثانية لعام‬
‫‪ 1406‬هـ ‪ 1985/‬م‪ .‬وقرر فقهاء المذاهب أنه ل زكاة على سلح الستعمال وكتب العالم وآلت‬
‫المحترفين‪ ،‬لنها مشغولة بالحاجة الصلية‪ ،‬وليست بنامية أصلً‪ ،‬وسبب الزكاة ملك النصاب النامي‬
‫ولو تقديرا بالقدرة على الستنماء‪.‬‬

‫( ‪)3/203‬‬

‫وجاء في المعيار المعرب ‪ 402/1‬لبي العباس الونشريسي‪ :‬وسئل عن الصناع يمر عليهم الحول‪،‬‬
‫وبأيديهم من مصنوعاتهم ما إذا قوموها وأضافوها إلى مالهم من النقد‪،‬اجتمع فيه نصاب‪ ،‬هل يجب‬
‫عليهم التقويم‪ ،‬ويزكون ما حضر بأيديهم أم ل؟‪.‬‬
‫فأجاب بقوله‪ :‬الحكم في ذلك أن الصناع يزكون ما حال الحول على أصله من النقد الذي بأيديهم إذا‬
‫كان نصابا‪ ،‬ول يقومون صناعاتهم‪ ،‬ويستقبلون بأثمانها الحول‪ ،‬لنها فوائد كسبهم استفادوها وقت‬
‫بيعهم‪ ،‬إل أن ما وضع فيه الصانع صناعته‪ ،‬من جلد أو خشب أو حديد أو نحو ذلك‪ ،‬يقومه المدير‪،‬‬
‫مجردا من الصناعة‪ ،‬إذا كان اشتراه للتجارة‪.‬‬
‫وهي فتوى في غاية الدقة‪ ،‬والتيسير على الصناع‪ ،‬كصناع الحذية والمفروشات والخزائن الحديدية‬
‫ونحوها‪ .‬وإني لمؤيد رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى المذكور آنفا‪ ،‬مع ملحظة إيجاب الزكاة على‬
‫الشركات الصناعية إذا كانت منتوجاتها تجارية‪ ،‬معدّة للبيع أو التصدير‪ ،‬بعد استقطاع قيمة اللة‬
‫ل تزكي كل ما تنتجه في آخر العام من أوراق وكتب مملوكة لها‪ ،‬كما أنها تزكي‬
‫والبناء‪ ،‬فالمطابع مث ً‬
‫أرباحها المستفادة من أجور ما تطبعه لحساب المتعاملين معها‪ ،‬وتحسم قيمة آلة الطباعة وآلة التجليد‬
‫ونحوهما من مجموع رأس المال‪.‬‬
‫لكن الستاذ الدكتور يوسف القرضاوي لم يرتض هذا الرأي وأوجب الزكاة في أسهم الشركات‬
‫جميعها‪ ،‬صناعية وتجارية‪ ،‬وقال عن تفرقة الشيخ عبد الرحمن عيسى بين نوعي السهم‪ :‬هي نتيجة‬
‫يأباها عدل الشريعة التي ل تفرق بين متماثلين‪ ،‬ثم استصوب الرأي الثاني للستاذ الشيخ محمد أبي‬
‫زهرة ومن وافقه الذي ل يفرق بين نوعي السهم تبعا لنوع شركاتها‪ ،‬ورأى أنه أوفق بالنظر إلى‬
‫الفراد‪ ،‬وأيسر في الحساب‪ ،‬ثم قال‪ :‬بخلف ما إذا قامت دولة مسلمة‪ ،‬وأرادت جمع الزكاة من‬
‫الشركات‪ ،‬فقد أرى التجاه الول (رأي الشيخ عيسى) أولى وأرجح‪ ،‬وال أعلم (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬رأي الساتذة عبد الوهاب خلف وعبد الرحمن حسن ومحمد أبو زهرة (‪: )2‬‬
‫يرى هؤلء الساتذة أن السهم والسندات ـ الوراق المالية ـ إذا كانت قد اتخذت للتجارة‪ ،‬فإنها‬
‫تكون عروضا تجارية‪ ،‬يجب فيها ما يجب في عروض‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فقه الزكاة للقرضاوي‪.528 ،525/1 :‬‬
‫(‪ )2‬حلقة الدراسات الجتماعية الثالثة‪ :‬ص ‪ ،242‬بحث الستاذ الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬في مجمع‬
‫البحوث السلمية ـ المؤتمر الثاني في القاهرة في أيار «مايو» ‪.1965‬‬

‫( ‪)3/204‬‬

‫التجارة من زكاة أي ‪ ،%5،2‬وتكون الزكاة ربع العشر من الصل والنماء‪ ،‬على حسب ما قرره‬
‫جمهور الفقهاء‪.‬‬
‫ورجح الدكتور القرضاوي هذا التجاه قائلً‪ :‬ولعل هذا التجاه والفتاء أوفق بالنظر إلى الفراد من‬
‫التجاه الول‪ ،‬فكل مساهم يعرف مقدار أسهمه‪ ،‬ويعرف كل عام أرباحها‪ ،‬فيستطيع أن يزكيها‬
‫بسهولة‪ ،‬بخلف التجاه الول وما فيه من تفرقة بين أسهم في شركة‪ ،‬وأسهم في أخرى‪ ،‬فبعضها‬
‫تؤخذ الزكاة من إيرادها‪ ،‬وبعضها تؤخذ زكاته من السهم نفسها بحسب قيمتها‪ ،‬مضافا إليها الربح‪،‬‬
‫وفي هذا شيء من التعقيد بالنظر إلى الفرد العادي‪.‬‬
‫ولكني أرى أن التجاه الول هو المقرر فقها‪ ،‬وهو الذي جرى عليه العمل منذ ظهور الشركات‬
‫المساهمة وبدء انتشارها في الربعينات‪ ،‬ول تعقيد في المر‪ ،‬فالمسلم يعرف أن اللت الصناعية ل‬
‫زكاة فيها‪ ،‬فإذا وظف ماله بطريق السهم في شركات صناعية‪ ،‬يحسم ما يقابل تلك اللت‪ ،‬وإذا‬
‫وظف ماله في أسهم شركات تجارية‪ ،‬زكاها كزكاة الموال التجارية‪.‬‬

‫( ‪)3/205‬‬

‫وللستاذ الشيخ محمد أبو زهرة رأي قديم فيه تفصيل‪ ،‬ورد في تقرير حلقة الدراسات الجتماعية‬
‫لجامعة الدول العربية المنعقدة بدمشق سنة ‪ ،1952‬وهو الرأي الذي أعلنه أيضا في المؤتمر الثاني‬
‫لمجمع البحوث السلمية سنة ‪ ،1965‬ومفاده‪ :‬أن السهم والسندات إذا اتخذت للتجارة‪ ،‬أو بغرض‬
‫المضاربة‪ ،‬وإعادة بيعها في أسواق الوراق المالية‪ ،‬والكسب من تجارتها‪ ،‬تعتبر من عروض‬
‫التجارة‪ ،‬ويؤخذ منها الزكاة بتقدير قيمتها في أول العام‪ ،‬وقيمتها في آخره‪ ،‬بنسبة ‪ %5،2‬ربع العشر‬
‫من الصل والنماء متى بلغت نصابا‪.‬‬
‫أما إذا كانت بغرض الستثمار وتوظيف الموال‪ ،‬ل المضاربة والكسب من البيع والشراء‪ ،‬وإنما‬
‫تقتنى للكسب من عائدها‪ ،‬وما تدرّه عليه من ربح سنوي‪ ،‬فإن الزكاة الواجبة على الشركة‪ ،‬تكفي عن‬
‫الزكاة على حملة السهم (‪. )1‬‬
‫وهذا الرأي ينظر إلى السهم من جهة الشخص الذي يمتلكها‪ ،‬وعلى وفق نيته فيها‪ ،‬هل يقصد التجار‬
‫أم الستثمار؟ وهو رأ ي ينسجم مع الوقت الذي لم تكن الشركات فيه تزكي أموالها أو تسأل عن كيفية‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫ول أرى حاجة لهذا التفصيل‪ ،‬لن الهدف من شراء السهم واحد وهو التجار والسترباح‪ ،‬وأن هذه‬
‫السهم تزكى مثل زكاة عروض التجارة‪.‬‬
‫‪ - 3‬فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السلمي السوداني‪:‬‬
‫جاء في الفتوى رقم (‪ )17‬حول أسس زكاة أسهم بنك فيصل السلمي السوداني لهيئة الرقابة‬
‫الشرعية من غير أن تستفتى‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫رأت الهيئة بأغلبية العضاء (‪ )2‬أن يخرج البنك زكاة أسهمه على السس التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬يخرج البنك زكاة السهم عند حولن الحول بمقدار ربع العشر ‪ %5،2‬من النقود الموجودة من‬
‫المدفوع من قيمة السهم‪ ،‬زائدا قيمة عروض التجارة الخاصة بالسهم‪ ،‬ول زكاة في عروض القنية‬
‫(الصول الثابتة) زائدا ربح السهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقارات التي يشتريها البنك بمال السهم إن كان اشتراها للتجارة فيها بالبيع والشراء‪ ،‬زكاها‬
‫زكاة عروض التجارة‪ ،‬أي يضيف قيمتها إلى النقود الموجودة من السهم‪ ،‬وإن كان اشتراها ليؤجرها‪،‬‬
‫فإنه يزكيها زكاة الصول الثابتة بإخراج العشر ‪ %10‬من أجرتها عندما يتسلمها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر ص ‪ ،137‬وأشار إليه الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في كتابه « التطبيق المعاصر للزكاة‬
‫» ص ‪ ،118‬واعتمده في بحثه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أربعة أعضاء من خمسة‪ ،‬ويرى العضو الخامس الدكتور خليفة بابكر الخذ بالرأي الذي يعامل‬
‫السهم معاملة الموال الثابتة‪ ،‬ويزكى ربحها فقط بمقدار العشر أي ‪ %10‬من الرباح‪.‬‬

‫( ‪)3/206‬‬

‫‪ - 3‬إذا كان البنك أعطى بعض مال السهم لمن يعمل فيه مضاربة ـ التمويل‪ ،‬زكى رأس المال‬
‫الذي مول به المضارب ونصيبه من الربح‪.‬‬
‫‪ - 4‬إذا كان على البنك ديون تجارة حالّة من مال السهم‪ ،‬وله ديون على غيره تزيد على الديون‬
‫التي عليه‪ ،‬فإنه يطرح الديون التي عليه من الديون الموجودة التي له‪ ،‬ويزكي الباقي‪ ،‬وإذا كانت‬
‫الديون التي على البنك تزيد عن الديون التي له‪ ،‬طرح الزائد من النقود التي عنده وزكى الباقي‪ ،‬وإذا‬
‫كانت ديون التجارة التي للبنك مؤجلة ومرجوة‪ ،‬فإنها تقوّم بعرض‪ ،‬ثم يقوّم العرض بنقد حال‪ ،‬وتزكى‬
‫هذه القيمة‪.‬‬
‫‪ - 5‬إذا كان للبنك ديون (قرض) زكاها زكاة النقود الموجودة مادام سدادها مرجوا‪.‬‬
‫‪ - 6‬يستفسرمن أصحاب السهم الصغيرة التي ل تبلغ النصاب‪ ،‬هل يجب عليهم فيها زكاة إذا ضمت‬
‫إلى غيرها؟ فإن قالوا‪ :‬ل تجب فيها الزكاة‪ ،‬لنهم ليملكون ما يكملها نصابا‪ ،‬استبعدت قيمتها من‬
‫جملة السهم‪.‬‬

‫( ‪)3/207‬‬

‫هذه السس تتفق في جملتها مع الرأي القائل‪ :‬إن السهم تزكى زكاة عروض التجارة‪ ،‬ولكنها تختلف‬
‫عنها في بعض التفصيلت‪ ،‬حيث إنه في هذه السس اعتبرت قيمة السهم الحقيقية أي السمية‪ ،‬ل‬
‫القيمة السوقية كما يرى القائلون باعتبارها عروض تجارة‪ ،‬لن القيمة السوقية تقديرية‪ ،‬والقيمة‬
‫الحقيقية تمثل الواقع فعلً‪ ،‬ول يصح اللجوء إلى التقدير ما دامت معرفة الحقيقة ممكنة‪ ،‬كما أخرجت‬
‫العقارات المتخذة للستغلل‪ ،‬وجعلت الزكاة من أجرتها‪ ،‬ل من قيمتها‪ ،‬لنها ليست عروض تجارة‬
‫في الواقع‪.‬‬
‫ومن الواضح أن المدفوع من القسط الول من السهم قد حال عليه الحول‪ ،‬ووجبت زكاته‪ ،‬وعلى‬
‫البنك أن يستخرجها على السس المتقدمة‪ .‬وإذا كان تطبيق هذه السس متعذرا في الوقت الحاضر‪،‬‬
‫فإنه يجوز أن يخرج البنك بالنسبة للقسط الول ‪ %5،2‬من المبالغ المدفوعة عنه‪ ،‬بعد طرح قيمة‬
‫الثاثات الثابتة‪ ،‬والسهم التي ل تبلغ النصاب حتى ترد إفادة أصحابها‪ ..‬على أن يفكر في الطريقة‬
‫التي تمكن من تطبيق هذه السس كاملة مستقبلً‪.‬‬
‫وهذا الحل المؤقت ل يختلف عن الرأي القائل باعتبار السهم عروض تجارة تؤخذ الزكاة من قيمتها‬
‫في السوق‪ ،‬مضافا إليها الربح بعد طرح قيمة الثاثات الثابتة إل في ناحيتين‪:‬‬
‫الولى ـ اعتبار القيمة السمية للسهم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬عدم إضافة الربح‪ ،‬لنه غير معروف ‪ ،‬وعدم طرح المنصرفات وإن كانت معروفة‪ ،‬لن‬
‫المفروض أن تغطى المنصرفات من الربح‪ ،‬ل من رأس المال‪ ،‬ومادام الربح لم يؤخذ في العتبار‪،‬‬
‫فمن العدل أل تؤخذ المنصرفات أيضا في العتبار‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومع تأييدي لهذه الفتوى في الجملة‪ ،‬فإني أعارضها في المور التالية‪:‬‬

‫( ‪)3/208‬‬

‫أولً ـ العقارات المستغلة تزكى من أرباحها بنسبة ‪ ،%5،2‬وليس العشر من أجرتها حينما يتسلمها‪،‬‬
‫وذلك بعد حولن الحول عليها وهي قائمة في يد أصحابها أو لدى البنك‪ .‬ثانيا ـ تزكى السهم في‬
‫الشركات زكاة الخليطين‪ ،‬ولو كانت أسهم المساهم ل تبلغ نصابا شرعيا وحدها بالنسبة إليه‪ ،‬كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫ثالثا ـ تقدر السهم بالقيمة التجارية الموجودة في السواق (بورصات الوراق المالية) فإنها أصبحت‬
‫معروفة‪ ،‬وقد تتجاوز القيمة السمية عشرات أو مئات المرات‪ ،‬كما حدث فعلً في بعض السواق‪.‬‬
‫فإذا لم تعرف حاليا تجب زكاتها بمجرد معرفتها‪.‬‬
‫رابعا ـ تضاف الرباح عند معرفتها إلى أصل قيمة السهم‪ ،‬إذ ما من شركة إل وتضع ميزانية‬
‫شاملة في آخر كل عام‪ ،‬تبين فيها الصول والخصوم بالتعبير التجاري‪ ،‬أو رأس المال والرباح‬
‫والديون‪.‬‬
‫المقدار الواجب إخراجه في زكاة السهم‪:‬‬
‫تزكى السهم ـ كما عرفنا ـ زكاة عروض التجارة‪ ،‬فيكون مقدار الواجب فيها هو ربع العشر ‪5،‬‬
‫‪ %2‬من الصل والنماء أو الربح‪ .‬وإذا كنا قد استبعدنا التفصيل المذكور في الرأي القديم للستاذ‬
‫الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬واعتمدنا رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى‪ ،‬مع ضرورة التمييز بين ما هو‬
‫تجاري وما هو صناعي‪ ،‬فإن ما قرره المرحوم أبو زهرة من زكاة السهم التجارية بنسبة ‪،%5،2‬‬
‫وزكاة السهم المتخذة للستثمار كزكاة الصول الثابتة ‪ ،%10‬غير مناسب‪ ،‬ومخالف لما قرره فقهاؤنا‬
‫في رأيهم المشهور من أن نسبة الزكاة في عروض التجارة هي ‪ .%5،2‬فيكون جعله نسبة زكاة أسهم‬
‫الستثمار ‪ %10‬غير متفق مع المذاهب الفقهية‪ ،‬ولداعي للتفرقة بين أسهم التجارة وأسهم الستثمار‪،‬‬
‫وبخاصة فإنه في رأيه الخير لم يذكر هذا التفصيل‪ ،‬واكتفى بالقول بوجوب الزكاة على السهم مثل‬
‫زكاة عروض التجارة‪ .‬والخلصة‪ :‬تجب زكاة السهم والسندات بنسبة ربع العشر ‪ %5،2‬من قيمتها‬
‫التجارية مع ربحها في نهاية كل عام‪ ،‬ول تزكى الصول الثابتة من صافي الرباح ‪.%10‬‬

‫( ‪)3/209‬‬

‫من تجب عليه زكاة السهم‪:‬‬


‫يرى الساتذة أبو زهرة ومن معه أن ما يؤخذ من السهم والسندات لمن يتجر فيها غير ما يؤخذ من‬
‫الشركات نفسها‪ ،‬لن الشركات التي تؤخذ منها الزكاة تكون باعتبار أن أموال الشركة نامية بالصناعة‬
‫ونحوها‪ ،‬أما السهم للمتّجر فيها فهي أموال نامية باعتبارها عروض تجارة‪.‬‬
‫وقد انتقد الدكتور القرضاوي بحق هذا الزدواج‪ ،‬ليجاب الزكاة على السهم ذاتها مرتين‪ ،‬باعتبار‬
‫صاحب السهم مرة بوصفه تاجرا‪ ،‬فأخذنا من أسهمه وربحها جميعا ربع العشر‪ ،‬ثم مرة أخرى‬
‫بوصفه منتجا‪ ،‬فأخذنا من ربح أسهمه أو من إيراد الشركة العشر‪ ،‬والراجح أن نكتفي بإحدى‬
‫الزكاتين‪ :‬إما الزكاة عن قيمة السهم مع ربحها بمقدار ربع العشر‪ ،‬وإما الزكاة عن غلة الشركة‬
‫وإيرادها بمقدار العشر من الصافي‪ ،‬منعا للثنيا أو الزدواج‪.‬‬
‫وأرى أن زكاة السهم هي فقط ربع العشر ‪ %5،2‬من الصل مع الربح السنوي‪ ،‬وتقوّم السهم كما‬
‫تقوم عروض التجارة في آخر كل عام بحسب سعرها في السوق وقت إخراج الزكاة‪ ،‬ل بحسب سعر‬
‫شرائها‪ ،‬وتضم السهم التجارية إلى بعضها عند التقويم‪ ،‬ولو اختلفت أجناسها في التجارة‪ ،‬والصناعة‬
‫بعد حسم قيمة اللت الصناعية‪.‬‬
‫( ‪)3/210‬‬

‫وتزكي الشركات جميع السهم‪،‬لن للشركة ربحا من السهم‪ ،‬فهي شريك للمساهم‪ ،‬ولن الشركة‬
‫المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة (‪ ، )1‬وبما أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه‪ ،‬فإنها تجب‬
‫على الشخص العتباري‪ ،‬حيث ل يشترط فيها التكليف الذي أساسه البلوغ مع العقل‪ ،‬وقياسا على‬
‫زكاة الماشية في مذهب الشافعية الجديد القائلين بتأثير الخلطة في المواشي وغيرها‪ ،‬وهومذهب‬
‫المالكية والحنابلة أيضا في المواشي (‪ ، )2‬عملً بعموم الحديث النبوي الثابت في الزكاة‪« :‬ل يجمع‬
‫بين متفرّق ول يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة» ولن السهم يعبر عن قيمة مالية أو مبلغ من مال‪،‬‬
‫فهو مال تجب فيه الزكاة‪ ،‬فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية‪ ،‬ولن المالين كالمال الواحد في المؤن‬
‫(التكليف) من مخزن وناطور وغيرهما‪ ،‬فهي أي غير المواشي من النقود والحبوب والثمار وعروض‬
‫التجارة‪ ،‬كالمواشي‪ ،‬فتخف المؤونة إذا كان المخزن والميزان والبائع واحدا‪.‬‬
‫وحينئد ل يعفى من زكاة السهم في الشركات المساهمة أحد من المساهمين‪ ،‬ولو كانت حصته سهما‬
‫واحدا‪ ،‬وتؤدى الزكاة من صافي مال الشركة المساهمة النامي ونمائه‪ ،‬بنسبة ‪ %5،2‬ربع العشر‪ ،‬فل‬
‫تحتسب قيمة الموال والصول الثابتة ـ عروض القنية ـ كالراضي والمباني واللت وغيرها‪،‬‬
‫لن السهم يمثل حصة في صافي الشركة المساهمة من أموال وأصول ثابتة وأموال وأصول متداولة‬
‫(نقود وعروض تجارة)‪.‬‬
‫أما القول بزكاة السهم كزكاة الصول الثابتة بنسبة ‪ %10‬من الرباح‪ ،‬فهو رأي ضعيف ل تقره‬
‫آراء فقهائنا القدامى‪.‬‬
‫ثم إن في إلزام الشركة المساهمة بإخراج زكاة السهم جميعها نفعا محققا للفقراء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهذا رأي الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في التطبيق المعاصر للزكاة‪ :‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )2‬انظر مايأتي في بحث‪ :‬زكاة الغنم‪.‬‬

‫( ‪)3/211‬‬

‫ويؤيد هذا الرأي أن أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة رأى في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث السلمية‬
‫سنة ‪1965‬م كما تقدم أنه إذا كانت السهم تتخذ للستثمار‪ ،‬وهي ممثلة في رأس مال شركة مساهمة‪،‬‬
‫فإن دفع الشركة للزكاة يغني عن دفع حامل السهم‪.‬‬
‫إل أن مجمع البحوث السلمية أوصى بأنه في الشركات المساهمة التي يساهم فيها عدد من الفراد‬
‫ل ينظر في تطبيق هذه الحكام إلى مجموع أرباح الشركات‪ ،‬وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك‬
‫على حدة‪.‬‬
‫لكني أخالف هذا التجاه للسباب السابقة‪ ،‬أما في حال تفرقة الزكاة وتوزيعها فل مانع من إعطاء‬
‫صاحب السهم زكاته ليتولى تفرقتها بالنيابة عن الشركة‪ ،‬وأصالة عن نفسه‪.‬‬
‫وقد قررت الجمعية العمومية لحاملي أسهم دار المال السلمي في المملكة العربية السعودية إعطاء‬
‫الحق لمن يريد من المساهمين بسحب الزكاة المستحقة على حصته من السهم لتوزيعها بمعرفته‬
‫الشخصية‪ ،‬وكان القرار ينص على استمرار الدار في مباشرة خصم (حسم) مبالغها (الزكاة)‬
‫والمستحقة شرعا‪.‬‬
‫وعلى كل مساهم يرغب في القيام بصرف ما يخصه من مبالغ طلب ذلك قبل ثلثة أشهر من نهاية‬
‫السنة المالية‪ ،‬وذلك حتى تقوم الدار بتسليمها له على وفق الجراءات التي تقرها هيئة الرقابة الشرعية‬
‫للدار‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أرى أن تكون زكاة السهم في الشركات بحسب قيمتها التجارية المعلن عنها في السواق‬
‫ل بقيمتها السمية فقط‪ ،‬وأن تزكى زكاة عروض التجارة بنسبة ‪ %5،2‬إذا كانت الشركة تجارية‪ ،‬فإن‬
‫كانت الشركة صناعية محضة ل تتاجر ول تنتج سلعا تجارية‪ ،‬فل تزكى السهم‪ ،‬أما إن نتجت سلعا‬
‫تجارية كشركة نتاج الثلّجات فتزكى السهم بعد استقطاع ما يقابل قيمة اللت الصناعية والمباني‪.‬‬
‫وتقوم الشركة نفسها بتقدير زكاة السهم جميعها وتزكيها هي‪ ،‬ل أصحاب السهم‪ ،‬ويمكنها أثناء‬
‫توزيع الزكاة إعطاء صاحب السهم زكاتها ليقوم هو بإعطائها للفقراء‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)3/212‬‬

‫المطلب الثاني ـ زكاة المعادن والركاز‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء في معنى المعدن‪ ،‬والركاز أو الكنز‪ ،‬وفي أنواع المعادن التي تجب فيها الزكاة‪ ،‬وفي‬
‫مقادير الزكاة في كل من المعدن والركاز‪ .‬فالمعدن هو الركاز عند الحنفية‪ ،‬وهما مختلفان عند‬
‫الجمهور‪ ،‬والمعدن الواجب فيه الزكاة‪ :‬هو الذهب والفضة عند المالكية والشافعية‪ ،‬وهو كل ما ينطبع‬
‫بالنار عند الحنفية‪ ،‬ويشمل كل أنواع المعادن الجامدة والسائلة عند الحنابلة‪ .‬وفي المعادن‪ :‬الخمس‬
‫لدى الحنفية‪ ،‬وربع العشر عند الشافعية والمالكية والحنابلة‪ ،‬وفي الركاز الخمس بالتفاق‪ ،‬ويظهر ذلك‬
‫من التفصيل التي‪ ،‬علما بأن الواجب في المعادن زكاة عند الجمهور‪ ،‬غنيمة عند الحنفية‪ ،‬وأن‬
‫الواجب في الركاز عند الجمهورغنيمة للمصالح العامة‪ ،‬ويصرف مصارف الزكاة عند الشافعية‪،‬‬
‫ويشترط في المعدن بلوغ النصاب بالتفاق‪ ،‬ول يشترط في الركاز بلوغ النصاب عند الجمهور‬
‫ويشترط ذلك عند الشافعية‪.‬‬
‫والمعدن والركاز وإن كانا من الذهب والفضة إل أنهما اعتبرا نوعا مستقلً‪ ،‬لتعلق أحكام خاصة بهما‪،‬‬
‫كاشتراط الحول والنسبة المئوية التي تدفع للمستحقين‪.‬‬
‫‪ - 1‬مذهب الحنفية (‪: )1‬‬
‫المعدن‪ ،‬والركاز أو الكنز بمعنى واحد‪ :‬وهو كل مال مدفون تحت الرض‪ ،‬إل أن المعدن هو ما خلقه‬
‫ال تعالى في الرض يوم خلق الرض‪ ،‬والركاز أوالكنز‪ :‬هوالمال المدفون بفعل الناس الكفار‪.‬‬
‫والمعادن ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أ ـ جامد يذوب وينطبع بالنار كالنقدين (الذهب والفضة) والحديد والنحاس والرصاص‪ ،‬ويلحق به‬
‫الزئبق‪ ،‬وهذا هو الذي يجب فيه الزكاة وهي الخمس‪ ،‬وإن لم يبلغ نصابا‪.‬‬
‫ب ـ جامد ل يذوب ول ينطبع بالنار كالجص والنورة (حجر الكلس) والكحل‪ ،‬والزرنيخ وسائر‬
‫الحجار كالياقوت والملح‪.‬‬
‫جـ ـ مائع ليس بجامد‪ :‬كالقار (الزفت) والنفط (البترول)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،543-537/1 :‬الدر المختار‪ ،65-59/2 :‬البدائع‪.68-65/2:‬‬

‫( ‪)3/213‬‬

‫ول يجب الخمس إل في النوع الول‪ ،‬سواء وجد في أرض خراجية أو عشرية (‪ ، )1‬ويصرف‬
‫الخمس مصارف خمس الغنيمة‪ ،‬ودليلهم الكتاب والسنة الصحيحة والقياس‪.‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬فقوله تعالى‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه} [النفال‪ ]41/8:‬ويعد المعدن‬
‫غنيمة؛ لنه كان في محله من الرض في أيدي الكفرة‪ ،‬وقد استولى عليه المسلمون عنوة‪.‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬العجماء جُبَار ـ أي هدر ل شيء فيه ـ والبئر جبار‪،‬‬
‫والمعدن جبار‪ ،‬وفي الركاز الخمس» (‪ )2‬والركاز يشمل المعدن والكنز؛ لنه من الركز أي المركوز‪،‬‬
‫سواء من الخالق أو المخلوق‪.‬‬
‫وأما القياس‪ :‬فهو قياس المعدن على الكنز الجاهلي‪ ،‬بجامع ثبوت معنى الغنيمة في كل منهما‪ ،‬فيجب‬
‫الخمس فيهما‪.‬‬
‫والزائد عن الخمس‪ :‬إن وجد في أرض مملوكة فهو لمالكه‪ .‬وإن وجد في أرض غير مملوكة لحد‬
‫كالصحراء والجبل فهو للواجد‪.‬‬
‫ووجوب الخمس في الركاز‪ :‬هو إن كان عليه علمة الجاهلية كوثن أو صليب ونحوهما‪ ،‬فإن كان‬
‫عليه علمة السلم مثل كلمة الشهادة؛ أو اسم حاكم مسلم‪ ،‬فهو لقطة ل يجب فيه الخمس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الرض الخراجية‪ :‬هي كل أرض فتحت عنوة وأقر أهلها عليها‪ ،‬أو صالحهم المام على دفع‬
‫الخراج (ضريبة أهل الكفار) إل أرض مكة‪ ،‬فإنها فتحت عنوة وتركت لهلها‪ ،‬ولم يوظف عليها‬
‫الخراج‪ .‬والرض العشرية‪ :‬هي كل أرض أسلم أهلها عليها قبل أن يقدر عليها‪ ،‬أو فتحت عنوة‬
‫وقسمت بين الغانمين‪ ،‬وأرض العرب كلها أرض عشر‪ ،‬يجب فيها العشر الذي هو وظيفة أرض‬
‫المسلمين (الكتاب مع اللباب‪ 137/4 :‬ومابعدها) فالولى للدولة‪ ،‬والثانية مملوكة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية‪.)380/2 :‬‬

‫( ‪)3/214‬‬

‫وكذلك ل يجب الخمس عند أبي حنيفة إن وجد المعدن أو الركاز في دار مملوكة؛ لنه جزء من‬
‫أجزاء الرض مركب فيها‪ ،‬ول مؤنة (ضريبة) في سائر الجزاء‪ ،‬فكذا في هذا الجزء‪ .‬وقال‬
‫الصاحبان‪ :‬فيه الخمس‪ ،‬لطلق الحديث السابق‪« :‬وفي الركاز الخمس» من غير تفرقة بين الرض‬
‫والدار‪ .‬وفرق أبو حنيفة بينهما بأن الدار ملكت خالية عن المؤن (التكاليف) دون الرض‪ ،‬بدليل‬
‫وجوب العشر والخراج في الرض دون الدار‪ ،‬فتكون هذه المؤنة (الخمس) واجبة مثلهما في الرض‬
‫دون الدار‪.‬‬
‫ول زكاة في النوعين الخرين من المعادن (ما ل ينطبع بالنار‪ ،‬والمائع) إل الزئبق من المائع‪ ،‬فإنه‬
‫يجب فيه الخمس؛ لنه كالرصاص‪.‬‬
‫ول زكاة في الفيروزج الذي يوجد في الجبال‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل خمس في الحجر» (‬
‫‪. )1‬‬
‫ول زكاة في اللؤلؤ (مطر الربيع) والعنبر (حشيش يطلع في البحر‪ ،‬أو خثي دابة) ول في جميع ما‬
‫يستخرج من البحر من الحلي ولو ذهبا كنزا؛ لنه لم يرد عليه القهر‪ ،‬فلم يكن غنيمة‪ ،‬إل إذا أعد‬
‫للتجارة‪.‬‬
‫وأما الكنز أو الركاز‪ :‬فيجب فيه الخمس إذا وجد في أرض ل مالك لها‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬وفي‬
‫الركاز الخمس» ويلحق به كل ما يوجد تحت الرض من المتعة من سلح وآلت وثياب ونحو ذلك؛‬
‫لنه غنيمة بمنزلة الذهب والفضة‪.‬‬
‫ومن دخل دار الحرب بأمان‪ ،‬فوجد في دار بعضهم ركازا‪ ،‬رده عليهم تحرزا عن الغدر؛ لن ما في‬
‫الدار في يد صاحبها خاصة‪ ،‬وإن لم يرده وأخرجه من دار الحرب ملكه ملكا خبيثا‪ ،‬فيتصدق به‪ .‬وإن‬
‫وجده في صحراء في دار الحرب‪ ،‬فهو للواجد؛ لنه ليس في يد أحد على الخصوص‪ ،‬فل يعد غدرا‪،‬‬
‫ول شيء فيه؛ لنه بمنزلة المتلصص في دار الحرب غير المجاهر إذا أخذ شيئا من أموال الحربيين‪،‬‬
‫وأحرزه بدار السلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬مذهب المالكية (‪: )2‬‬
‫المعدن غير الركاز‪ ،‬والمعدن‪ :‬هو ما خلقه ال في الرض من ذهب أو فضة أو غيرهما كالنحاس‬
‫والرصاص والكبريت‪ ،‬ويحتاج إخراجه إلى عمل وتصفية‪.‬‬
‫ملكية المعادن‪ :‬المعادن أنواع ثلثة‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال الزيلعي عنه‪ :‬غريب‪ ،‬وأخرج ابن عدي في الكامل عن عمرو بن شعيب عن أبيه‪« :‬ل زكاة‬
‫في حجر» وفيه ضعيف أو مجهول‪ .‬وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة‪« :‬ليس في حجر اللؤلؤ‪ ،‬ول‬
‫حجر الزمرد زكاة‪ ،‬إل أن يكون للتجارة‪ ،‬فإن كانت للتجارة ففيه الزكاة» (نصب الراية‪.)283/2 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،102‬بداية المجتهد‪ ،250/1 :‬الشرح الصغير‪ ،656-650/1 :‬الشرح‬
‫الكبير‪.492-486/1 :‬‬

‫( ‪)3/215‬‬

‫الول ـ أن تكون في أرض غير متملكة‪ :‬فهي للمام (الدولة) يقطعها لمن شاء من المسلمين‪ ،‬أو‬
‫يجعلها في بيت المال لمنافعهم‪ ،‬ل لنفسه‪.‬‬
‫الثاني ـ أن تكون في أرض مملوكة لشخص معين‪ :‬هي للمام أيضا‪ ،‬وليختص بها رب الرض‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لصاحبها‪.‬‬
‫الثالث ـ أن تكون في أرض ممتلكة لغير شخص معين كأرض العنوة والصلح‪ :‬أرض العنوة للمام‪،‬‬
‫ومعادن أرض الصلح لهلها‪ ،‬ول نتعرض لهم فيها ماداموا كفارا‪ ،‬فإن أسلموا رجع المر للمام‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن حكم المعدن مطلقا للمام (أي السلطان أو نائبه) إل أرض الصلح ما دام أهلها كفارا‪.‬‬
‫الواجب في المعدن‪ :‬تجب الزكاة في المعدن‪ ،‬وهي ربع العشر إن كان نصابا‪ ،‬وبشرط الحرية‬
‫والسلم كما يشترط في الزكاة‪ ،‬لكن ل حول في زكاة المعدن‪ ،‬بل يزكى لوقته كالزرع‪ ،‬والمعدن‬
‫الذي تجب فيه الزكاة هو الذهب والفضة فقط‪ ،‬ل غيرهما من المعادن من نحاس ورصاص وزئبق‬
‫وغيرها إل إذا جعلت عروض تجارة‪ .‬وسبب الختلف بينهم وبين الحنفية في مقدار الواجب‪ :‬هو هل‬
‫اسم الركاز يتناول المعدن أو ل يتناوله؟ الحنفية قالوا‪ :‬يتناوله‪ ،‬فيعمل بالحديث السابق‪« :‬وفي الركاز‬
‫الخمس» والمالكية قالوا‪ :‬ل يتناوله فتجب فيه زكاة النقدين ربع العشر‪ ،‬وتصرف مصارف الزكاة‪.‬‬

‫( ‪)3/216‬‬

‫ويضم في الزكاة المعدن المستخرج ثانيا لما استخرج أولً‪ ،‬متى كان العِرْق واحدا‪ ،‬أي متصلً بما‬
‫خرج أولً‪ ،‬فإن بلغ الجميع نصابا فأكثر‪ ،‬زكاه‪ ،‬وإن تراخى العمل‪.‬‬
‫ول يضم عِرْق لخر‪ ،‬كما ل يضم معدن لخر‪ ،‬وتخرج الزكاة من كل واحد على انفراده‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك ما يسمى بالنّدْرَة‪ :‬وهي القطعة الخالصة من الذهب أو الفضة التي يسهل تصفيتها‬
‫من التراب‪ ،‬فل تحتاج إلى عناء في التخليص‪ ،‬ويخرج منها الخمس‪ ،‬ولو دون نصاب‪ ،‬وتصرف‬
‫مصارف الغنيمة وهو مصالح المسلمين‪ ،‬كما قال الحنفية في المعدن الذي ينطبع بالنار‪.‬‬
‫وأما الركاز أوالكنز‪ :‬فهو دفين الجاهلية من ذهب أو فضة أو غيرهما‪ ،‬فإن شك في المال المدفون‪،‬‬
‫أهو جاهلي أم غيره‪ ،‬اعتبر جاهليا‪.‬‬
‫ملكيته‪ :‬يختلف حكم ملكية الركاز باختلف الرض التي وجد فيها‪ ،‬وهو أربعة أنواع‪:‬‬
‫الول ـ أن يوجد في الفيافي‪ ،‬ويكون من دفن الجاهلية‪ :‬فهو لواجده‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يوجد في أرض مملوكة‪ :‬فهو لمالك الرض الصلي بإحياء أو بإرث منه‪ ،‬ل لواجده‪،‬‬
‫ول لمالكها بشراء أو هبة‪ ،‬بل للبائع الصلي أوالواهب إن علم‪ ،‬وإل فلقطة‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يوجد في أرض فتحت عنوة‪ :‬فهو لواجده‪.‬‬
‫الرابع ـ أن يوجد في أرض فتحت صلحا‪ :‬فهو لواجده‪.‬‬
‫هذا كله مالم يكن بطابع المسلمين‪ ،‬فإن كان بطابع المسلمين‪ ،‬فحكمه حكم اللقطة‪ :‬يُعرّف عاما ثم يكون‬
‫لواجده‪.‬‬
‫زكاته‪ :‬يجب الخمس في الركاز مطلقا‪ ،‬سواء أكان ذهبا أم فضة أم غيرهما‪ ،‬وسواء وجده مسلم أو‬
‫غيره‪ .‬ويصرف الخمس كالغنائم في المصالح العامة‪ ،‬إل إذا احتاج إخراجه إلى عمل كبير أو نفقة‬
‫عظيمة‪ ،‬فيكون الواجب فيه ربع العشر‪ ،‬ويصرف في مصارف الزكاة‪.‬‬
‫ول يشترط في الواجب في الركاز في الحالين بلوغ النصاب‪ ،‬والباقي من الركاز بعد إخراج الواجب‬
‫يكون للواجد‪ ،‬إل إذا كان في أرض مملوكة‪ ،‬فيكون لمالك الرض الصلي‪ ،‬كما بينت‪.‬‬

‫( ‪)3/217‬‬

‫ول زكاة فيما لفظه (طرحه) البحر مما لم يكن مملوكا لحد‪ ،‬كعنبر ولؤلؤ ومرجان وسمك (‪، )1‬‬
‫ويكون لواجده الذي وضع يده عليه أولً‪ ،‬بل تخميس؛ لن أصله الباحة‪ .‬فإن سبق ملكه لحد من‬
‫أهل الجاهلية‪ ،‬فهو لواجده بعد تخميسه؛ لنه من الركاز‪ .‬وإن علم أنه لمسلم أو ذمي فهو لقطة‪ ،‬يعرّف‬
‫عاما‪.‬‬
‫‪ - 3‬مذهب الشافعية (‪: )2‬‬
‫المعدن غير الركاز‪ ،‬فالمعدن‪ :‬ما يستخرج من مكان خلقه ال تعالى فيه‪ ،‬وهو خاص بالذهب والفضة‪،‬‬
‫كما قال المالكية‪.‬‬
‫ويجب فيه ربع العشر إن كان ذهبا أو فضة‪ ،‬ل غيرهما كياقوت وزبرجد ونحاس وحديد‪ ،‬سواء وجد‬
‫في أرض مباحة أو مملوكة لحر مسلم‪ ،‬لعموم أدلة الزكاة السابقة‪ ،‬كخبر‪« :‬وفي ال ّرقَة ربع العشر» ‪،‬‬
‫بشرط كونه نصابا‪ ،‬كما قال باقي الئمة‪ ،‬ول يشترط حولن الحول على المذهب؛ لن الحول إنما‬
‫يعتبر لجل تكامل النماء‪ ،‬والمستخرج من المعدن نماء في نفسه‪ ،‬فأشبه الثمار والزروع‪.‬‬
‫ويضم بعض المستخرج إلى بعض إن اتحد المعدن المخرج‪ ،‬وتتابع العمل‪ ،‬كما يضم المتلحق من‬
‫الثمار‪ ،‬ول يشترط بقاء الول على ملك المستخرج‪ ،‬ويشترط اتحاد المكان المستخرج منه‪ ،‬فلو تعدد‬
‫لم يضم؛ لن الغالب في اختلف المكان استئناف العمل‪ .‬وإذا قطع العمل بعذر كإصلح اللة وهرب‬
‫الجراء والمرض والسفر‪ ،‬ثم عاد إليه‪ ،‬ضُمّ‪ ،‬وإن طال الزمن عرفا لعدم إعراضه‪ .‬وإذا قطع العمل‬
‫بل عذر فل يضم‪ ،‬لعراضه عن العمل‪.‬‬
‫ويضم الخارج الثاني إلى الول‪ ،‬كما يضم إلى ما ملكه بغير المعدن في إكمال النصاب ‪،‬وتخرج‬
‫زكاته عقب تخليصه وتنقيته‪ ،‬فلو أخرج قبل تصفيته ل تجزئ‪.‬‬
‫وأما الركاز فهو دفين الجاهلية (‪ ، )3‬ويجب فيه الخمس‪ ،‬كما قرر الحنفية‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهذا موافق لمذهب الحنفية السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،396-394/1 :‬المهذب‪.162/1 :‬‬
‫(‪ )3‬المراد بالجاهلية‪ :‬ما قبل السلم أي قبل مبعث النبي صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫( ‪)3/218‬‬

‫حالً بشروط الزكاة من حرية وإسلم وبلوغ نصاب‪ ،‬وكونه من النقدين (الذهب والفضة المضروب‬
‫منهما والسبيكة)؛ لنه مال مستفاد من الرض‪ ،‬فاختص بما تجب فيه الزكاة قدرا ونوعا كالمعدن‪ ،‬ول‬
‫يشترط حولن الحول‪ ،‬ويصرف مصرف الزكاة على المشهور‪ .‬ودليل قدر الواجب فيه حديث أبي‬
‫هريرة المتقدم‪« :‬وفي الركاز الخمس» ‪.‬‬
‫فإن لم يكن دفين الجاهلية‪ :‬بأن كان إسلميا بوجود علمة عليه تدل على إسلميته‪ ،‬أو لم يعلم أهو‬
‫جاهلي أو إسلمي‪ :‬فهو لمالكه أو وارثه إن علم؛ لن مال المسلم ل يملك بالستيلء عليه‪ .‬وإن لم‬
‫يعلم مالكه‪ ،‬فلقطة‪ ،‬يعرّفه الواجد‪ ،‬كما يعرّف اللقطة الموجودة على وجه الرض‪.‬‬
‫وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة لشخص أو لموقوف عليه‪ ،‬فللشخص إن ادعاه‪ ،‬يأخذه بل يمين‪،‬‬
‫كأمتعة الدار‪ ،‬وإن لم يدعه بأن نفاه أو سكت‪ ،‬فلمن سبقه من المالكين‪ ،‬حتى ينتهي المر إلى محيي‬
‫الرض‪.‬‬
‫وإذا وجد الركاز في مسجد أو شارع‪ ،‬فلقطة على المذهب‪ ،‬يفعل فيه ما يفعل باللقطة مما سبق؛ لن‬
‫يد المسلمين عليه‪ ،‬وقد جهل مالكه‪ ،‬فيكون لقطة‪.‬‬
‫ولو تنازع في ملك الركاز بائع ومشتر‪ ،‬أو ُمكْر ومكتر‪ ،‬أو معير ومستعير‪ ،‬صُدّق ذو اليد (أي‬
‫المشتري والمكتري والمستعير) بيمينه؛ كما لو تنازعا في أمتعة الدار‪.‬‬
‫‪ - 4‬مذهب الحنابلة (‪: )1‬‬
‫المعدن غير الركاز‪ ،‬والمعدن‪ :‬هو مااستنبط من الرض مما خلقه ال تعالى وكان من غير جنسها‪،‬‬
‫فليس هو شيء دفن‪ ،‬سواء أكان جامدا أم مائعا‪.‬‬
‫ملكيته‪ :‬المعادن الجامدة كالذهب والفضة والنحاس تملك بملك الرض التي هي فيها؛ لنها جزء من‬
‫أجزاء الرض‪ ،‬فهي كالتراب والحجار الثابتة‪ ،‬بخلف‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.29-17/3 :‬‬

‫( ‪)3/219‬‬

‫الركاز‪ ،‬فإنه ليس من أجزاء الرض‪ .‬فعلى هذا ما يجده الواجد في ملك أو في موات‪ ،‬فهو أحق به‪،‬‬
‫وإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به مادام يعمل‪ ،‬فإذا تركه جاز لغيره العمل فيه‪،‬‬
‫وما يجده في مملوك يعرف مالكه‪ ،‬فهو لمالك المكان‪.‬‬
‫أما المعادن السائلة كالنفط والزرنيخ ونحو ذلك‪ ،‬فهي مباحة على كل حال‪ ،‬إل أنه يكره له دخول ملك‬
‫غيره إل بإذنه‪.‬‬
‫صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة‪ :‬هو كل ما خرج من الرض مما يخلق فيها‪ ،‬فإذا أخرج من‬
‫المعادن من الذهب عشرون مثقالً‪ ،‬أو من الفضة مئتا درهم (نصاب الزكاة)‪ ،‬أو قيمة ذلك من الحديد‬
‫والرصاص والنحاس والزئبق والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والكحل والزرنيخ‪ ،‬وكذلك المعادن‬
‫السائلة كالقار (الزفت) والنفط والكبريت ونحو ذلك‪ ،‬مما يستخرج من الرض‪ ،‬ففيه الزكاة فورا أي‬
‫من وقت الخراج‪.‬‬
‫ودليلهم عموم قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‪ ،‬ومما أخرجنا لكم من‬
‫الرض} [البقرة‪ ]267/2:‬وأنه معدن‪ ،‬فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالثمان (الذهب والفضة)‪ .‬وأما‬
‫الطين فليس بمعدن؛ لنه تراب‪ ،‬والمعدن‪ :‬ما كان في الرض من غير جنسها‪.‬‬
‫قدر الواجب وصفته‪ :‬قدر الواجب في المعدن هو ربع العشر‪ ،‬وصفته أنه زكاة‪ ،‬كما قال الشافعية‪ ،‬لما‬
‫روى أبو عبيد‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أقطع بلل بن الحارث المزني معادن القَبَلية (‪)1‬‬
‫في ناحية الفُرْع‪ ،‬قال‪ :‬فتلك المعادن ل يؤخذ منها إل الزكاة إلى اليوم» ولنه حق يحرم على أغنياء‬
‫ذوي القربى‪ ،‬فكان زكاة كالواجب في الثمان التي كانت مملوكة له‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال أبو عبيد‪ :‬القبلية بلد معروفة بالحجاز‪.‬‬

‫( ‪)3/220‬‬

‫نصاب المعادن‪ :‬هو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالً‪ ،‬ومن الفضة مئتي درهم‪ ،‬أو قيمة ذلك من‬
‫غيرهما‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ليس فيما دون خمس أواق صدقة» وقوله‪« :‬ليس في تسعين‬
‫ومئة شيء» وقوله‪« :‬ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالً» ‪.‬‬
‫ول يشترط له الحول لحصوله دفعة واحدة‪ ،‬فأشبه الزروع والثمار‪.‬‬
‫ويعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة‪ ،‬أو دفعات ل يترك العمل بينهن ترك إهمال‪ .‬وترك العمل ليلً أو‬
‫للستراحة أو لعذر من مرض أو لصلح الداة ونحوه ل يقطع حكم العمل‪.‬‬
‫ويضم ما خرج في العملين بعضه إلى بعض في إكمال النصاب‪ .‬ول يضم أحد الجناس إلى جنس‬
‫آخر‪ ،‬ويعتبر لكل معدن نصاب مستقل بانفراده؛ لن المعادن أجناس‪ ،‬فل يكمل نصاب أحدهما بالخر‬
‫كغير المعدن‪ ،‬إل في الذهب والفضة‪ ،‬فيضم كل منهما إلى الخر في تكميل النصاب‪ ،‬كما يضم إلى‬
‫كل منهما معدن آخر‪ ،‬وكما تضم عروض التجارة إلى الثمان (الذهب والفضة)‪.‬‬
‫وقت الوجوب‪ :‬تجب الزكاة في المعدن حين الخراج وبلوغ النصاب‪ ،‬ول يعتبر له حول باتفاق‬
‫المذاهب الربعة؛ لنه مال مستفاد من الرض‪ ،‬فل يعتبر في وجوب حقه حول‪ ،‬كالزرع والثمار‬
‫والركاز‪.‬‬
‫شروط إخراج الزكاة في المعادن‪ :‬يشترط شرطان‪:‬‬
‫الول ـ أن يبلغ بعد سبكه وتصفيته نصابا إن كان ذهبا أو فضة أو تبلغ قيمته نصابا إن كان‬
‫غيرهما‪ ،‬كما أوضحت‪.‬‬

‫( ‪)3/221‬‬

‫الثاني ـ أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة‪ ،‬فل تجب على الذمي أو الكافر أو المدين أو نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫معادن البحر‪ :‬ل زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك ونحوه‪ ،‬كما قرر‬
‫باقي المذاهب‪ ،‬لقول ابن عباس‪« :‬ليس في العنبر شيء‪ ،‬إنما هو شيء ألقاه البحر» وعن جابر نحوه (‬
‫‪ ، )1‬ولنه قد كان يخرج على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم وخلفائه‪ ،‬فلم يأت فيه سنة‪ ،‬ول‬
‫عن أحد من خلفائه‪ ،‬ولن الصل عدم الوجوب فيه‪ ،‬ول يصح قياسه على معدن البر؛ لن العنبر إنما‬
‫يلقيه البحر‪ ،‬فيوجد ملقى في البر على الرض من غير تعب‪ ،‬فأشبه المباحات المأخوذة من البر‪ ،‬وأما‬
‫السمك فهو صيد‪ ،‬فلم يجب فيه زكاة كصيد البر‪.‬‬
‫وأما الركاز‪ :‬فهو دفين الجاهلية‪ ،‬أي مال الكفار المأخوذ في عهد السلم‪ ،‬قل أو كثر‪ ،‬ويلحق به ما‬
‫وجد على وجه الرض وكان عليه علمة الكفار‪ .‬وفيه الخمس‪ ،‬كما قرر الحنفية والشافعية والمالكية‪،‬‬
‫للحديث السابق المتفق عليه‪« :‬العجماء جُبَار‪ ،‬وفي الركاز الخمس» ‪.‬‬
‫فإن وجد عليه أو على بعضه علمة السلم كآية قرآن أو اسم النبي صلّى ال عليه وسلم أو أحد من‬
‫خلفاء المسلمين أو وال لهم‪ ،‬فهو لقطة‪ ،‬تجري عليه أحكامها؛ لنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه‪.‬‬
‫وخمس الركاز يوضع في بيت المال ويصرف في المصالح العامة‪ ،‬وباقيه لواجده إن وجده في أرض‬
‫مباحة‪ ،‬ولمالك الرض إن وجد في أرض مملوكة‪ ،‬وهو للواجد إن وجده في ملك غيره إن لم يدّعه‬
‫المالك‪ ،‬فإن ادعاه مالك الرض فهو له مع يمينه‪.‬‬
‫وإن وجد الركاز في دار الحرب‪ :‬فإن لم يقدر إل بجماعة من المسلمين‪ ،‬فهو غنيمة لهم‪ ،‬وإن قدر‬
‫عليه بنفسه‪ ،‬فهو لواجده‪ ،‬كما لو وجده في موات في أرض المسلمين‪.‬‬
‫صفة الركاز الذي فيه الخمس‪ :‬هو كل ما كان مالً على اختلف أنواعه من الذهب والفضة والحديد‬
‫والرصاص والنحاس والنية وغير ذلك‪ ،‬لعموم الحديث‪« :‬وفي الركاز الخمس» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواهما أبو عبيد‪.‬‬

‫( ‪)3/222‬‬

‫قدر الواجب في الركاز ومصرفه‪ :‬أما قدره فهو الخمس‪ ،‬للحديث المتقدم والجماع‪ ،‬وأما مصرفه على‬
‫ل بفعل عمر في هذا الشأن‪،‬‬
‫الصح من الروايتين عن أحمد فهو مصرف الفيء للمصالح العامة‪ ،‬عم ً‬
‫ولنه مال مخمس زالت عنه يد الكافر‪ ،‬فأشبه خمس الغنيمة‪.‬‬
‫من يجب عليه الخمس‪ :‬هو كل من وجده من مسلم وذمي وحر وغيره وكبير وصغير وعاقل‬
‫ومجنون‪ ،‬وهو رأي الجمهور لعموم حديث «وفي الركاز الخمس» ‪ ،‬وقال الشافعية‪ :‬ل يجب الخمس‬
‫إل على من تجب عليه الزكاة؛ لنه زكاة‪.‬‬
‫ويجوز أن يتولى النسان تفرقة الخمس بنفسه‪ ،‬وهو رأي الفقهاء الخرين؛ لن عليا أمر واجد الكنز‬
‫بتفرقته على المساكين‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ زكاة عروض التجارة ‪:‬‬
‫أبحث فيه المقصود بعروض التجارة‪ ،‬وشروط الزكاة فيها‪ ،‬وتقويم العروض ومقدار الواجب‪ ،‬وحكم‬
‫ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال‪ ،‬وكيفية زكاة التجارة عند المالكية‪ ،‬وزكاة‬
‫شركة المضاربة‪.‬‬
‫ل ـ معنى عروض التجارة‪:‬‬
‫أو ً‬
‫العروض جمع عَرَض (بفتحتين)‪ :‬حطام الدنيا‪ ،‬وبسكون الراء‪ :‬هي ما عدا النقدين (الدراهم الفضية‬
‫والدنانير الذهبية) من المتعة والعقارات وأنواع الحيوان والزروع والثياب ونحو ذلك مما أعد‬
‫للتجارة‪ .‬ويدخل فيها عند المالكية الحلي الذي اتخذ للتجارة‪ .‬والعقار الذي يتجر فيه صاحبه بالبيع‬
‫والشراء حكمه حكم السلع التجارية‪ ،‬ويزكى زكاة عروض التجارة‪ .‬أما العقار الذي يسكنه صاحبه أو‬
‫يكون مقرا لعمله كمحل للتجارة ومكان للصناعة‪ ،‬فل زكاة فيه‪.‬‬
‫ثانيا ـ شروط زكاة العروض التجارية‪:‬‬
‫اشترط الفقهاء لوجوب زكاة عروض التجارة شروطا‪ ،‬أربعة عند الحنفية‪ ،‬وخمسة عند المالكية‪ ،‬وستة‬
‫عند الشافعية‪ ،‬وشرطين فقط عند الحنابلة (‪ ، )1‬منها ثلثة شروط متفق عليها وهي بلوغ النصاب‪،‬‬
‫وحولن الحول‪ ،‬ونية التجارة‪ ،‬ومنها شروط زوائد في بعض المذاهب‪ ،‬وهي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬بلوغ النصاب‪ :‬أن تبلغ قيمة أموال التجارة نصابا من الذهب أو الفضة المضروبين‪ ،‬وتعتبر في‬
‫البلد الذي فيه المال‪ ،‬فإن كان في مفازة اعتبرت قيمتها في أقرب المصار إلى تلك المفازة‪.‬‬
‫ودليلهم على هذا الشرط أحاديث مرفوعة وموقوفة تتضمن تقويم مال التجارة‪ ،‬فيؤدى من كل مئتي‬
‫درهم خمسة دراهم (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،21/2 :‬الدر المختار‪ ،45/2 :‬تبيين الحقائق‪ ،280/1 :‬فتح القدير‪ ،528-526/1 :‬اللباب‪:‬‬
‫‪ 150/1‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،264-260/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،103‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ 641 ،638-636/1‬مغني المحتاج‪ ،400-397/1 :‬المهذب‪ ،161-159/1 :‬كشاف القناع‪280/2 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المغني‪.36-29/3 :‬‬
‫(‪ )2‬من المرفوعة حديث حسن عند أبي داود عن سمرة بن جندب‪ ،‬ومن الموقوفة حديث عن عمر‬
‫رواه أحمد وعبد الرزاق والدارقطني ( نصب الراية‪.)378-375/2 :‬‬

‫( ‪)3/223‬‬

‫وقال المالكية في هذا الشرط‪ :‬إن كان التاجر محتكرا وجب أن يبيع من عروض التجارة بنصاب من‬
‫الذهب أو الفضة‪ .‬وإن كان مديرا لزم أن يبيع من ذلك بأي شيء منهما ولو درهما‪.‬‬
‫والمدير‪ :‬هو الذي يبيع ويشتري ول ينتظر وقتا ول ينضبط له حول كأهل السواق‪ ،‬فيجعل لنفسه‬
‫شهرا في السنة ينظر فيه ما معه من النقود‪ ،‬ويقوّم مامعه من العروض ويضمه إلى النقود‪ ،‬ويؤدي‬
‫زكاة ذلك إن بلغ نصابا بعد إسقاط الدين إن كان عليه‪.‬‬
‫وأما المحتكر أو غير المدير‪ :‬فهو الذي يشتري السلع‪ ،‬وينتظر بها الغلء‪ .‬فل زكاة عليه فيها حتى‬
‫يبيعها‪ ،‬فإن باعها بعد حول أو أحوال‪ ،‬زكى الثمن لسنة واحدة‪.‬‬

‫( ‪)3/224‬‬

‫والخلصة‪ :‬إن الجمهور غير المالكية قالوا‪ :‬المدير وغير المدير لهما حكم واحد‪ ،‬وأن من اشترى‬
‫عرضا للتجارة فحال عليه الحول‪ ،‬قومه وزكاه‪ ،‬فل يجب على المدير شيء عند الجمهور؛ لن الحول‬
‫إنما يشترط في عين المال‪ ،‬ل في نوعه‪ .‬وأما مالك فأوجب على المدير الزكاة‪ ،‬وإن لم يحل الحول‬
‫على عين المال‪ ،‬ويكفي حولنه على نوع المال‪ ،‬لئل تسقط الزكاة رأسا عن المدير‪ ،‬وهذا أخذ بمبدأ‬
‫المصالح المرسلة التي ل يشترط فيها عند مالك استنادها إلى أصول منصوص عليها‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬حولن الحول‪ :‬أن يحول على الموال (أي القيمة) الحول من وقت ملك العروض‪ ،‬ل على‬
‫السلعة نفسها‪ .‬والمعتبر في ذلك عند الحنفية‪ ،‬والمالكية (في غير المدير)‪ :‬طرفا الحول ل وسطه‪ ،‬أما‬
‫في البتداء فلتحقق الغنى‪ ،‬وأما في النتهاء فللوجوب‪ ،‬فمن ملك في أول الحول نصابا‪ ،‬ثم نقص في‬
‫أثنائه‪ ،‬ثم كمل في آخره‪ ،‬وجبت فيه الزكاة‪ ،‬أما لو نقص في أوله أو في آخره فل تجب فيه الزكاة‪.‬‬
‫والمعتبر عند الشافعية‪ :‬بلوغ النصاب آخر الحول من البدء بالمتاجرة؛ لنه وقت الوجوب‪ ،‬ل بطرفيه‬
‫معا أي أوله وآخره‪ ،‬وبناء عليه إذا كان مع تاجر في أول الحول ما يكمل به النصاب كمئة درهم‬
‫اشترى بخمسين منها عرضا للتجارة‪ ،‬فبلغت قيمته في آخر الحول مئة وخمسين‪ ،‬فإنه تلزمه زكاة‬
‫الجميع آخر الحول‪.‬‬
‫والمعتبر عند الحنابلة‪ :‬بلوغ النصاب في جميع الحول‪ ،‬ول يضر النقص اليسير في أثنائه كنصف يوم‬
‫مثلً‪ ،‬أي أنه ل زكاة قبل اكتمال النصاب في البدء والثناء والنتهاء‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬نية التجارة حال الشراء‪ :‬أن ينوي المالك بالعروض التجارة حالة شرائها‪ ،‬أما إذا كانت النية‬
‫بعد الملك‪ ،‬فل بد من اقتران عمل التجارة بنية‪ ،‬ويشترط أيضا عند الحنفية أن يكون الشيء المتجر‬
‫فيه صالحا لنية التجارة‪ ،‬فلو اشترى أرضا خراجية للتجارة‪ ،‬ففيها الخراج ل الزكاة‪ ،‬ولو اشترى‬
‫أرضا عشرىة وزرعها‪ ،‬وجب في الزرع الناتج العشر‪ ،‬دون الزكاة‪.‬‬

‫( ‪)3/225‬‬

‫واشترط الشافعية أن ينوي بالعروض التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه‪ ،‬فإن لم‬
‫ينو على هذا الوجه فل زكاة فيها‪ .‬ويشترط تجديد نية التجارة عند كل معاوضة حتى يفرغ رأس‬
‫المال‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬ملك العروض بمعاوضة‪ :‬اشترط الجمهور غير الحنفية أن تملك العروض بمعاوضة كشراء‬
‫وإجارة ومهر‪ ،‬فإن ملكت بغير معاوضة كإرث أو خلع أو هبة أو وصية أو صدقة مثلً‪ ،‬كأن ترك‬
‫شخص لورثته عروض تجارة‪ ،‬فل زكاة فيها حتى يتصرفوا فيها بنية التجارة‪ .‬وزاد المالكية أن يكون‬
‫ثمن العروض ممتلكا بمعاوضة مالية أيضا‪ ،‬ل بنحو هبة أو إرث‪ ،‬ومن كان يبيع العروض بالعرض‬
‫ول ينض (يتحول نقدا) له من ثمن ذلك نقد‪ ،‬فل زكاة عليه عند المالكية إل أن يفعل ذلك فرارا من‬
‫الزكاة فل تسقط‪ ،‬وعليه الزكاة عند المذاهب الخرى‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬أل يقصد بالمال القِنْية (أي إمساكه للنتفاع به وعدم التجار به)‪ :‬هذا شرط ذكره الشافعية‬
‫والحنابلة والمالكية‪ ،‬فإن قصد ذلك انقطع الحول‪ ،‬وإذا أراد التجارة بعدئذ‪ ،‬احتاج لتجديد نية التجارة‪.‬‬
‫‪ - ً 6‬أل يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقدا وهو أقل من النصاب‪ :‬هذا شرط آخر عند‬
‫الشافعية‪ ،‬فإن صار جميع المال نقدا مع كونه أقل من نصاب‪ ،‬انقطع الحول‪ .‬ولم يشترط غير الشافعية‬
‫هذا الشرط‪.‬‬
‫‪ - ً 7‬أل تتعلق الزكاة بعين العرض‪ :‬هذا شرط عند المالكية‪ ،‬فإن تعلقت الزكاة بعينه كحلي الذهب أو‬
‫الفضة‪ ،‬وكالماشية (البل والبقر والغنم) والحرث (الزرع والثمر) وجبت زكاته إن بلغ نصابا مثل‬
‫زكاة النقدين والنعام والحرث‪ ،‬فإن لم تتعلق الزكاة بعين المال كالثياب والكتب وجبت زكاة التجارة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الحنابلة اشترطوا لوجوب الزكاة في عروض التجارة شرطين (‪: )1‬‬
‫الول ـ أن يملكها بفعله كالشراء‪ ،‬وهو الشرط الرابع لدينا‪.‬‬
‫الثاني ـ أن ينوي التجارة حال التملك‪ ،‬وهو الشرط الثالث السابق‪.‬‬
‫والحنفية اشترطوا أربعة شروط‪:‬‬
‫الول ـ بلوغ النصاب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الواقع أن هذين الشرطين اللذين ذكرا في كتاب الفقه على المذاهب الربعة‪ 490/1 :‬منقولن عن‬
‫المغني‪ ،31/3 :‬وكشاف القناع‪ ،280/2 :‬وهما شرطان لتصير العروض للتجارة‪ ،‬وهما مقرران أيضا‬
‫لدى الشافعية (المهذب‪ )159/1 :‬أما بقية الشروط مثل بلوغ النصاب وحولن الحول فيقررهما‬
‫الحنابلة مثل الشافعية تماما (انظر المغني‪.)36 ،32-30/3 :‬‬

‫( ‪)3/226‬‬

‫والثاني ـ حولن الحول‪.‬‬


‫والثالث ـ نية التجارة مصحوبة بعمل التجارة فعلً؛ لن مجرد النية ل يكفي‪.‬‬
‫والرابع ـ أن تكون الموال صالحة لنية التجارة‪.‬‬
‫والمالكية اشترطوا خمسة شروط‪:‬‬
‫الول ـ أل تتعلق الزكاة في عينه كالثياب والكتب‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يملك العرض بمعاوضة أو مبادلة كشراء‪ ،‬ل بإرث وهبة ونحوهما‪.‬‬
‫الثالث ـ أن ينوي بالعرض التجارة حال شرائه‪.‬‬
‫الرابع ـ أن يكون ثمن الشراء الذي اشترى به العرض مملوكا بمعاوضة مالية أي بشراء‪ ،‬ل بنحو‬
‫إرث أو هبة مثلً‪.‬‬
‫الخامس ـ أن يبيع المحتكر من ذلك العرض نصابا فأكثر‪ ،‬أو بأي شيء ولو درهما إذا كان مديرا‪.‬‬
‫والشافعية اشترطوا ستة شروط‪:‬‬
‫الول ـ أن تملك العروض بمعاوضة كشراء‪ ،‬ل بإرث مثلً‪.‬‬
‫الثاني ـ أن ينوي بالعروض التجارة في صلب عقد المعاوضة أو في مجلسه‪ ،‬وإل احتاج لتجديد نية‬
‫التجارة‪.‬‬
‫الثالث ـ أل يقصد بالمال القنية‪.‬‬
‫الرابع ـ مضي الحول من وقت ملك العروض أي من الشراء‪.‬‬
‫الخامس ـ أل يصير جميع مال التجارة نقودا وكان أقل من نصاب‪ ،‬وعبر عنه الشافعية بقولهم‪ :‬أل‬
‫ينضّ المال في الظهر أي يصير الكل نقدا من نقود البلد ببيع أو إتلف من شخص معتد‪.‬‬
‫السادس ـ أن تبلغ قيمة العروض آخر الحول نصابا‪.‬‬

‫( ‪)3/227‬‬

‫ثالثا ـ تقويم العروض ومقدار الواجب في هذه الزكاة وطريقة التقويم ‪:‬‬
‫يقوّم التاجر العروض أو البضائع التجارية في آخر كل عام بحسب سعرها في وقت إخراج الزكاة‪ ،‬ل‬
‫بحسب سعر شرائها‪ ،‬ويخرج الزكاة المطلوبة‪ ،‬وتضم السلع التجارية بعضها إلى بعض عند التقويم‬
‫ولو اختلفت أجناسها‪ ،‬كثياب وجلود ومواد تموينية‪ ،‬وتجب الزكاة بل خلف في قيمة العروض‪ ،‬ل في‬
‫عينها؛ لن النصاب معتبر بالقيمة‪ ،‬فكانت الزكاة منها‪ ،‬وواجب التجارة هو ربع عشر القيمة كالنقد‬
‫باتفاق العلماء‪ ،‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة‪ :‬الزكاة‬
‫إذا حال عليها الحول (‪. )1‬‬
‫وأدلة وجوب زكاة التجارة ما يأتي (‪: )2‬‬
‫ً‪ - 1‬قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة‪ ]267/2:‬قال مجاهد‪ :‬نزلت‬
‫في التجارة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬في البل صدقتها‪ ،‬وفي البقر صدقتها‪ ،‬وفي الغنم صدقتها‪ ،‬وفي‬
‫البَزّ (‪ )3‬صدقته» (‪ )4‬وقال سمرة بن جندب‪« :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يأمرنا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.29/3 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،397/1 :‬المغني‪ ،30/3 :‬البدائع‪.21-20/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البز بفتح الباء‪ :‬الثياب المعدة للبيع عند البزاين‪ ،‬والسلح‪ ،‬وبما أن زكاة العين (أي اقتطاع جزء‬
‫من ذات الشيء) ل تجب في السلح والثياب‪ ،‬فتعين حمل الحديث على زكاة التجارة‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الحاكم بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬عن أبي ذر‪.‬‬

‫( ‪)3/228‬‬

‫أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع» (‪ )1‬وعن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال‪« :‬أمرني عمر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أدّ زكاة مالك‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لي مال إل جعاب وأدم‪ ،‬فقال‪ :‬قوّمها‪ ،‬ثم أدّ زكاتها» (‪ )2‬قال ابن قدامة‬
‫صاحب المغني‪ :‬وهذه قصة يشتهر مثلها‪ ،‬ولم تنكر‪ ،‬فيكون إجماعا‪.‬‬
‫وأما ما حكي عن مالك وداود أنه ل زكاة في التجارة لحديث ‪« :‬عفوت لكم عن صدقة الخيل‬
‫والرقيق» فالمراد به زكاة العين فل زكاة في عين الخيل‪ ،‬لزكاة القيمة‪ ،‬بدليل الخبار التي ذكرتها‪،‬‬
‫ثم إن هذا الخبر عام‪ ،‬والخبار المذكورة خاصة‪ ،‬فيجب تقديمها‪ .‬والمقرر عند المالكية هو وجوب‬
‫زكاة التجارة‪.‬‬
‫وطريقة تقويم العروض (‪ : )3‬هي عند الجمهور غير الشافعية أن تقوم السلع إذا حال الحول بالحظ‬
‫للمساكين من ذهب أو فضة احتياطا لحق الفقراء‪ ،‬ول تقوم بما اشتريت به‪ .‬فإذا حال الحول على‬
‫العروض‪ ،‬وقيمتها بالفضة نصاب‪ ،‬ول تبلغ نصابا بالذهب‪ ،‬قومناها بالفضة ليحصل للفقراء منها حظ‪،‬‬
‫ولو كانت قيمتها بالفضة دون النصاب‪ ،‬وبالذهب تبلغ نصابا قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها‪ ،‬ول‬
‫فرق بين أن يكون اشتراؤها بذهب أو فضة أو عروض‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬تقوم العروض بما اشتراها التاجر به من ذهب أو فضة؛ لن نصاب العروض مبني‬
‫على ما اشتراه به‪ ،‬فيجب أن تجب الزكاة فيه‪ ،‬وتعتبر به‪ ،‬كما لو لم يشتر به شيئا‪ .‬وعلى هذا إن ملك‬
‫العرض بنقد قوّم به إن ملك بنصاب أو دونه في الصح‪ ،‬سواء أكان ذلك النقد هو الغالب أم ل‪،‬‬
‫وسواء أبطله السلطان أم ل‪ ،‬لنه أصل ما بيده‪ ،‬فكان أولى من غيره‪ .‬وإن ملك العرض بعرض آخر‬
‫للقنية أو بخلع أو نكاح أو صلح عن دم عمد‪ ،‬فيقوّم بغالب نقد البلد‪ ،‬من الدراهم والدنانير؛ لنه لما‬
‫تعذر التقويم بالصل‪ ،‬رجع إلى نقد البلد‪ ،‬على قاعدة التقويمات في التلف ونحوه‪.‬‬
‫فإن حال الحول بمحل ل نقد فيه‪ ،‬كبلد يتعامل فيه بالفلوس أو نحوها‪ ،‬اعتبر أقرب البلد إليه‪.‬‬
‫ولو ملك بدين في ذمة البائع أو بنحو سبائك‪ ،‬قوّم بجنسه من النقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود بإسناد مقارب عن سمرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه المام أحمد وأبو عبيد‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ ،527/1 :‬البدائع‪ ،21/2 :‬المغني‪ ،33/3 :‬بداية المجتهد‪ 260/1 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،399/1 :‬المهذب‪.161/1 :‬‬

‫( ‪)3/229‬‬

‫فإن غلب نقدان على التساوي في التعامل بالبلد‪ ،‬وبلغ مال التجارة بأحدهما دون الخر نصابا‪ ،‬قوم به‪،‬‬
‫لبلوغه نصابا بنقد غالب‪ .‬فإن بلغ نصابا بكل من النقدين الغالبين‪ ،‬قوم بالنفع منهما للفقراء‪ .‬وإن ملك‬
‫العرض بنقد وعرض آخر‪ ،‬كأن اشترى بمئتي درهم وعرض قنية‪ ،‬قوم ما قابل النقد به‪ ،‬والباقي‬
‫بغالب نقد البلد‪ ،‬كما لو انفرد الشراء بواحد منهما‪.‬‬
‫ورأي الجمهور أولى لسهولته ومراعاته مصالح الفقراء‪ .‬وعلى هذا يجب على كل تاجر أن يجرد‬
‫آخر كل عام ما لديه من بضائع‪ ،‬ويقدر قيمتها وقت الجرد عند الجمهور بالنقود الرائجة‪ ،‬فإن بلغت‬
‫نصابا‪ ،‬وجب عليه إخراج ربع عشر قيمة هذه الموال ‪ ،%5،2‬ويضم الربح إلى رأس المال‪ ،‬ول‬
‫يقوّم الثاث وموجودات المحل وأدوات التجارة والصناعة والكسب وفروغ المحل‪.‬‬
‫هل يجوز إخراج الزكاة من عروض التجارة؟‬
‫اختلف الفقهاء على رأيين (‪: )1‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬يخير التاجر بين العين أو القيمة‪ ،‬فللمالك الخيار عند حولن الحول بين الخراج من‬
‫قيمة التجارة‪ ،‬فيخرج ربع عشر القيمة‪ ،‬وبين الخراج من عينها‪ ،‬فيخرج ربع عشر العين التجارية؛‬
‫لن التجارة مال تجب فيه الزكاة‪ ،‬فجاز إخراجها من عينه كسائر الموال‪ ،‬وعلى هذا يصح لتاجر‬
‫القماش مثلً إخراج الزكاة من أعيان القمشة على أن يراعى اختيار الوسط من كل نوع‪ ،‬ويدفع‬
‫الزكاة من كل نوع ‪ ،‬ل أن يخرج الكاسد أو يخرج نوعا واحدا عن جميع النواع‪.‬‬
‫وقال الجمهور ‪ :‬يجب إخراج القيمة‪ ،‬ول يجوز الخراج من عين العروض التجارية؛ لن النصاب‬
‫معتبر بالقيمة‪ ،‬فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الموال‪ ،‬ول نسلم أن الزكاة تجب في المال‪ ،‬وإنما‬
‫وجبت في قيمته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،21/2 :‬مغني المحتاج‪ ،399/1 :‬المغني‪ ،31/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.103‬‬
‫( ‪)3/230‬‬

‫رابعا ـ حكم ضم الربح والنماء ومال غير التجارة إلى أصل المال ‪:‬‬
‫اتفق فقهاء المذاهب على أنه تضم أرباح التجارة إلى أصل رأس المال في الحول‪ ،‬كما يضم أيضا‬
‫عند الحنفية خلفا لغيرهم المال المستفاد من غير التجارة كعطية وإرث إلى أصل المال‪ ،‬ويتضح ذلك‬
‫فيما يأتي‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬يضم الربح الناتج عن التجارة‪ ،‬والولد أو النماء في الماشية‪ ،‬والمال المستفاد من‬
‫غير التجارة كالرث والهبة إلى أصل رأس المال‪ ،‬إذا كان مالكا للنصاب‪ ،‬في أول الحول الذي هو‬
‫وقت انعقاد سبب إيجاب الزكاة‪ ،‬وبقي في أثناء الحول شيء من النصاب الذي انعقد عليه الحول‪،‬‬
‫ليضم المستفاد إليه‪ ،‬وكان آخر الحول بمقدار النصاب‪ ،‬ويزكى الجميع في تمام الحول؛ لن المستفاد‬
‫من جنس الصل وتبع له؛ لنه زيادة عليه؛ إذ الصل يزداد به ويتكثر‪ ،‬والزيادة تبع للمزيد عليه‪،‬‬
‫والتبع ل يفرد بالحكم حتى ل ينقلب أصلً‪ .‬أما المستفاد بعد الحول‪ ،‬فل يضم إلى الصل في حق‬
‫الماضي بل خلف‪ .‬والسوائم المختلفة الجنس كالبل والغنم ل تضم إلى بعضها‪ .‬والنقدان كما بينت‬
‫سابقا يضم أحدهما إلى الخر في تكميل النصاب‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬يضم الربح الناتج عن التجارة‪ ،‬وغلة المكترى للتجارة لصل المال الذي نتج عنه‬
‫في أثناء الحول‪ ،‬ولو كان الصل أقل من نصاب‪.‬‬
‫وأما المستفاد بدون تجارة كالرث والهبة‪ ،‬فل يضم إلى أصل رأس المال في الحول‪ ،‬ولو كان نصابا‪،‬‬
‫بل يبدأ به حولً جديدا من يوم ملكه‪.‬‬
‫وأما الماشية المستفادة بإرث أو هبة ونحوهما فتضم إلى الماشية التي عنده إن كانت نصابا‪ ،‬ول تضم‬
‫لها إن كانت أقل من نصاب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 13/2 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،529/1 :‬الدر المختار‪ ،31/2 :‬تبيين الحقائق‪280/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،463-461/1 :‬بداية المجتهد‪ ،263/1 :‬وقالوا‪ :‬نماء العين ربح وغلة‬
‫وفائدة‪ ،‬أما الربح فهو ما يزيد عن ثمن المبيع المتجر به على ثمنه الول ذهبا أو فضة‪ ،‬وحكمه أنه‬
‫يضم لحول أصله ولو أقل من نصاب‪ .‬والغلة‪ :‬ما تجدد من سلع التجارة قبل بيع رقابها (ذواتها) كثمر‬
‫النخل المشترى للتجارة‪ ،‬وحكمها أنه يبدأ بها حولً من يوم قبضها‪ .‬والفائدة‪ :‬ما تجدد ل عن مال أو‬
‫عن مال غير مزكى كعطية وميراث وثمن عرض القنية‪ ،‬وحكمها البدء (الستقبال) بها حولً من يوم‬
‫حصولها‪.‬‬
‫( ‪)3/231‬‬

‫ورأى الشافعية (‪ )1‬في الصح‪ :‬أن الربح وولد العرض وثمره كثمر الشجرة وأغصانها وورقها‬
‫وصوف الحيوان ووبره وشعره‪ ،‬هو مال تجارة يضم لصل رأس المال‪ ،‬وأن حوله حول الصل؛‬
‫ولو كان الصل دون نصاب؛ لن الربح ونحوه جزء من الصل‪ ،‬فحوله حول الصل تبعا كنتاج‬
‫الماشية السائمة‪.‬‬
‫وأما المال المستفاد من غير التجارة‪ :‬فل يضم إلى مال التجارة في الحول‪ ،‬وإنما له حول مستقل من‬
‫يوم ملكه‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة (‪ )2‬كالشافعية تقريبا إل في اشتراط كون الصل نصابا‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا كان في ملك‬
‫إنسان نصاب للزكاة‪ ،‬فاتجر فيه‪ ،‬فنمى‪ ،‬أدى زكاة الصل مع النماء إذا حال الحول‪ ،‬فحول النماء‬
‫مبني على حول الصل؛ لنه تابع له في الملك‪ ،‬فتبعه في الحول كنتاج الماشية‪.‬وأما المال المستفاد‬
‫من غير التجارة فل يضم إلى حول الصل‪ ،‬بل له حول مستقل من يوم ملكه‪.‬‬
‫خامسا ـ كيفية زكاة التجارة عند المالكية ‪:‬‬
‫التاجر عند المالكية إما محتكر أو مدير‪ ،‬أو محتكر ومدير معا (‪. )3‬‬
‫أ ـ أما المحتكر‪ :‬وهو الذي يشتري السلع‪ ،‬وينتظر بها الغلء‪ ،‬وحكمه‪ :‬أنه ل زكاة عليه فيها حتى‬
‫يبيعها‪ ،‬فإن باعها بعد عام أو أعوام بالنقود ‪ ،‬زكى الثمن لسنة واحدة‪ ،‬وإن بقي عنده منها شيء‪ ،‬ضم‬
‫الثمن إلى ما عنده منها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.399/1 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.37/3 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪ ،642-639/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.103‬‬

‫( ‪)3/232‬‬

‫وهذا مخالف لرأي الجمهور غير المالكية‪ ،‬فإنهم يقولون‪ :‬يزكي المحتكر كل عام وإن لم يبع‪ ،‬ويخير‬
‫عند الحنفية بين إخراج الزكاة من عين العروض أو قيمتها‪ .‬ول يجوز عند الشافعية في الجديد‪،‬‬
‫والحنابلة الخراج من عين العروض‪ ،‬كما تقدم سابقا‪.‬‬
‫ويعتبر مبدأ حول المحتكر عند المالكية‪ :‬يوم ملك الصل أو يوم زكاته إن كان قد زكّاه‪.‬‬
‫وأما ديون المحتكر التي له من التجارة‪ :‬فل يزكيها إل إذا قبضها‪ ،‬ويزكيها لعام واحد فقط‪.‬‬
‫ب ـ وأما المدير‪ :‬فهو الذي يبيع ويشتري ول ينتظر وقتا‪ ،‬ول ينضبط له حول‪ ،‬كأهل السواق‪،‬‬
‫فيجعل لنفسه شهرا في السنة‪ ،‬ينظر فيه ما معه من النقود‪ ،‬ويقوّم ما معه من العروض‪،‬ويضمه إلى‬
‫النقود ‪ ،‬ويؤدي زكاة ذلك إن بلغ نصابا بعد إسقاط الدين إن كان عليه‪.‬‬
‫فحكم زكاته‪ :‬أن يقوم في كل عام ما عنده من عروض‪ ،‬ولو كسد سوقها وبقيت عنده أعواما‪ ،‬ثم يضم‬
‫قيمتها إلى ما عنده من النقود‪ ،‬ويزكي الجميع‪.‬‬
‫ويعتبر مبدأ حول المدير من وقت تملك الثمن الذي اشترى به عروض التجارة‪ ،‬أي أن حوله حول‬
‫أصل المال الذي اشترى به السلع‪ ،‬فيبتدئ الحول من يوم ملك الصل أو من يوم زكاته‪ ،‬ولو تأخرت‬
‫الدارة عنه‪ ،‬كما لو ملك نصابا أو زكاة في شهر المحرم‪ ،‬ثم أداره في رجب‪ ،‬أي شرع في التجارة‬
‫على وجه الدارة في رجب‪ ،‬فحوله من المحرم‪.‬‬
‫وأما الديون التي للمدير من التجارة‪ :‬فإن كانت حالة الداء بأن كانت واجبة الدفع في الحال‪ ،‬أو حل‬
‫أجل دفعها‪ ،‬وكانت مرجوة الخلص (أي الدفع) ممن هي عليه‪ ،‬فيضم مقدار الدين إلى أصل المال‪،‬‬
‫ويزكي الكل‪ .‬وإن كان الدين عرضا تجاريا أو مؤجلً مرجو الخلص‪ ،‬فإنه يقومه ويضم القيمة إلى‬
‫أصل المال‪ ،‬ويزكي الجميع‪.‬‬
‫أما إذا كان الدين على فقير معدم ل يرجى خلصه منه‪،‬فل تجب عليه زكاته إل إذا قبضه من المدين‪،‬‬
‫فإذا قبضه زكاه لعام واحد فقط‪.‬‬

‫( ‪)3/233‬‬

‫ول يقوّم على المدير الواني التي توضع فيها سلع التجارة ول آلت العمل‪.‬‬
‫جـ ـ وأما إذا كان التاجر محتكرا لبعض السلع‪ ،‬ومديرا للبعض الخر‪ :‬فإن تساويا أو كان القل‬
‫للدارة والكثر للحتكار‪ ،‬زكى المحتكر على حكم الحتكار‪ ،‬يعني يزكي ثمنه بعد قبضه لعام واحد‪،‬‬
‫وزكى المدير على حكم الدارة‪ ،‬يعني يقوّمه كل عام‪.‬‬
‫وإن كان الكثر للدارة والقل للحتكار‪ ،‬فالجميع إدارة‪ ،‬وبطل حكم الحتكار‪ ،‬أي يقوّم الجميع كل‬
‫عام‪ ،‬تغليبا لجانب الدارة على حكم الحتكار‪.‬‬
‫سادسا ـ زكاة شركة المضاربة‪:‬‬
‫يزكي رب المال (المالك) رأس المال وحصته من الربح‪ ،‬ويزكي العامل حصته من الربح‪ ،‬على‬
‫النحو التي عند الفقهاء (‪: )1‬‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬يزكي كل واحد من المالك والعامل بحسب حظه أو نصيبه‪ ،‬كل سنة‪ ،‬ول يؤخر إلى‬
‫المفاصلة‪ ،‬أي التصفية‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬يزكي رب المال رأس المال والربح الحاصل؛ لن ربح التجارة حوله حول أصله‪ ،‬فمن‬
‫دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان‪ ،‬فحال الحول‪ ،‬وقد صار ثلثة آلف‪ ،‬فعلى‬
‫رب المال زكاة ألفين‪.‬‬
‫وأما العامل‪ :‬فليس عليه زكاة في حصته حتى يتم اقتسام الربح‪ ،‬ويستأنف حولً من حينئذ؛ لن ملك‬
‫المضارب غير تام‪ ،‬فإذا تحاسب المضارب مع المالك‪ ،‬زكى المضارب إذا حال عليه الحول من حين‬
‫الحساب؛ لنه علم مقدار ماله في مال الشركة‪ ،‬ولنه إذا حدثت خسارة بعد ذلك كانت الخسارة‬
‫(الوضيعة) على رب المال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،104-103‬الشرح الكبير‪ ،477/1 :‬الشرح الصغير‪ ،642/1 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،401/1 :‬المغني‪ 38/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/234‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬يلزم المالك زكاة رأس المال وحصته من الربح؛ لنه مالك لهما‪ .‬والمذهب أنه يلزم‬
‫العامل زكاة حصته من الربح؛ لنه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالقسمة‪ ،‬فأشبه الدين الحالّ على‬
‫مليء‪ ،‬ويبتدئ حول حصته من حين ظهور الربح‪ ،‬ول يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة على المذهب‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إذا كان مال القراض حاضرا ببلد رب المال‪ ،‬ولو حكما بأن علم حاله في غيبته‪ ،‬تجب‬
‫عليه زكاته زكاة إدارة‪ ،‬أي يقوم مالديه كل عام من رأس مال وربح‪ ،‬ويزكي رأس ماله وحصته من‬
‫الربح‪ ،‬قبل المفاصلة أي الحساب والتصفية في ظاهر المذهب‪ ،‬لكن المعتمد أنه ل يزكي إل بعد‬
‫المفاصلة‪ ،‬ويزكي حينئد عن السنوات الماضية كلها‪ .‬وكذلك إن غاب المال ولم يعلم حاله من بقاء أو‬
‫تلف ومن ربح أو خسران‪ ،‬يزكيه عن السنوات الماضية‪.‬‬
‫وأما العامل‪ :‬فإنما يزكي حصته من الربح بعد المفاصلة لسنة واحدة‪.‬‬
‫المطلب الرابع ـ زكاة الزروع والثمار (أو زكاة النبات أو الخارج من الرض ) ‪:‬‬
‫الكلم في هذا المطلب يتناول فرضية زكاة الزروع والثمار وسبب الفرضية‪ ،‬وشروطها‪ ،‬وما تجب‬
‫فيه هذه الزكاة‪ ،‬والنصاب الذي تبدأ به الزكاة‪ ،‬ومقدار الواجب وصفته‪ ،‬ووقت الوجوب وإخراج‬
‫الزكاة‪ ،‬وما يضم بعضه إلى بعض‪ ،‬وزكاة الثمار الموقوفة‪ ،‬وزكاة الرض المستأجرة‪ ،‬وزكاة الرض‬
‫الخراجية ـ (الراضي العشرية والخراجية ونوعا الخراج) العاشر وضريبة العشور‪ ،‬إخراج زكاة‬
‫الزرع والثمر وإسقاطها‪.‬‬

‫( ‪)3/235‬‬

‫أولً ـ فرضية زكاة الزروع والثمار وسبب الفرضية(‪: ) 1‬‬


‫هذه الزكاة واجبة بدليل من القرآن والسنة والجماع والمعقول‪:‬‬
‫أما القرآن‪ :‬ققوله تعالى‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام‪ ]141/6:‬قال ابن عباس‪ :‬حقه‪ :‬الزكاة‬
‫المفروضة‪ ،‬وقال مرة‪ :‬العشر‪ ،‬ونصف العشر‪ ،‬وقوله‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‪،‬‬
‫ومما أخرجنا لكم من الرض} [البقرة‪ ]267/2:‬والزكاة تسمى نفقة‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬والذين يكنزون‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬ول ينفقونها في سبيل ال} [التوبة‪.]34/9:‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريا (‪ )2‬العشر‪ ،‬وفيما‬
‫سقي بالنضح نصف العشر» (‪ )3‬وقوله‪« :‬فيما سقت النهار والغَيْم‪ :‬العشور‪ ،‬وفيما سقي بالسانية (‪)4‬‬
‫نصف العشور» (‪. )5‬‬
‫وأما الجماع ‪ :‬فقد أجمعت المة على فرضية العشر‪.‬‬
‫وأما المعقول‪ :‬فكما ذكرت في حكمة مشروعية الزكاة؛ لن إخراج العشر إلى الفقير من باب شكر‬
‫النعمة‪ ،‬وإقدار العاجز‪ ،‬وتقويته على القيام بالفرائض‪ ،‬ومن باب تطهير النفس عن الذنوب وتزكيتها‪،‬‬
‫وكل ذلك لزم عقلً وشرعا‪.‬‬
‫وأما سبب فرضية هذه الزكاة‪ :‬فهو الرض النامية بالخارج منها‪ ،‬حقيقة في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 53/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،381/1 :‬بداية المجتهد‪ ،245/1 :‬المغني‪689/2 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،236/2 :‬فتح القدير‪.4/2 :‬‬
‫(‪ )2‬العثري‪ :‬ما يسقيه المطر أو تشرب عروقه من ماء قريب من غير سقي‪ ،‬وفي لفظ « بعلً » ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة إل مسلما عن ابن عمر (نيل الوطار‪ 139/4 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )4‬السانية‪ :‬البعير الذي يستقى به الماء من البئر‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال‪ :‬النهار والعيون‪ ،‬عن جابر (نيل الوطار‪ :‬المكان‬
‫السابق)‪.‬‬

‫( ‪)3/236‬‬
‫حق العشر‪ ،‬أو تقديرا في حق الخراج‪ ،‬فلوأصاب الخارج آفة‪ ،‬فهلك ل يجب فيه العشر في الرض‬
‫العشرية‪ ،‬ول الخراج في الرض الخراجية‪ ،‬لفوات النماء حقيقة وتقديرا‪ .‬ولو كانت الرض عشرية‬
‫فتمكن من زراعتها‪ ،‬فلم تزرع‪ ،‬ل يجب العشر‪ ،‬لعدم الخارج حقيقة‪ .‬ولو كانت أرضا خراجية يجب‬
‫الخراج‪ ،‬لوجود الخارج تقديرا‪.‬‬
‫ول تجب زكاة الزروع إل بعد انعقاد الحب واشتداده‪ ،‬ولو بعضه‪ .‬ول تثبت الزكاة في الثمار إل بعد‬
‫بدو صلحها‪ ،‬أي ظهور نضجها باحمرار أو اصفرار أو تموه أوتلون‪ ،‬بحسب المعهود في كل ثمر‪،‬‬
‫ويكفي ظهور الصلح في بعض الثمر من جنس واحد‪ ،‬كما سأبين‪.‬‬
‫ثانيا ـ شروط زكاة الزروع والثمار‪:‬‬
‫هناك شروط عامة في كل زكاة‪ ،‬ذكرتها سابقا كالهلية من البلوغ والعقل‪ ،‬فل تجب الزكاة عند‬
‫الحنفية في مال الصبي والمجنون إل زكاة الخارج من الرض‪ ،‬وكالسلم‪ ،‬فل تجب على الكافر؛‬
‫لن فيها معنى العبادة‪ ،‬والكافر ليس من أهل التكليف بها‪.‬‬
‫ويضاف لها شروط خاصة بها‪ ،‬مفصلة في المذاهب‪.‬‬
‫فعند الحنفية (‪ )1‬يشترط زيادة على الشروط العامة ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن تكون الرض عشرية‪ :‬فل تجب الزكاة في الرض الخراجية؛ لن العشر والخراج ل‬
‫يجتمعان في أرض واحدة عندهم‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وجود الخارج‪ :‬فلو لم تخرج الرض شيئا‪ ،‬لم يجب العشر؛ لن الواجب جزء من الخارج‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون الخارج مما يقصد بزراعته نماء الرض واستثمارها أواستغللها‪ ،‬فل تجب هذه الزكاة‬
‫في الحطب والحشيش ونحوهما؛ لن الرض ل تنمو بزراعة ذلك‪ ،‬بل تفسد بها‪.‬‬
‫ول يشترط عند أبي حنيفة النصاب لوجوب العشر‪ ،‬فيجب العشر في كثير الخارج وقليله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.63-57/2 :‬‬

‫( ‪)3/237‬‬

‫واشترط المالكية (‪ )1‬شرطين‪:‬‬


‫ً‪ - 1‬أن يكون الناتج من الحبوب‪ ،‬ومن الثمار (التمر والزبيب والزيتون) ولزكاة في الفواكه كالتفاح‬
‫والرمان‪ ،‬ول في الخضروات والبقول‪ .‬وذلك سواء في الرض الخراجية كأرض مصر والشام التي‬
‫فتحت عنوة‪ ،‬وخراجها ل يسقط عنها الزكاة‪ ،‬وغير الخراجية‪ :‬وهي أرض الصلح التي أسلم أهلها‬
‫عليها‪ ،‬وأرض الموات‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الناتج نصابا وهو خمسة أوسق (‪ 653‬كغ) ‪ ،‬والوسق ستون صاعا‪ ،‬والصاع أربعة‬
‫أمداد بمد النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو اثنا عشر قنطارا أندلسية‪.‬‬
‫واشترط الشافعية ثلثة شروط (‪: )2‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الناتج الذي تخرجه الرض مما يقتات ويدخر وينبته الدميون‪ :‬فمن الحب‪ :‬الحنطة‬
‫والشعير والدُخن والذرة والرز والعدس والحمص وما أشبه ذلك‪ ،‬ومن الثمار‪ :‬التمر والزبيب‪ .‬ول‬
‫زكاة في الخضروات والبقول والفواكه كالقثاء والبطيخ والرمان والقصب‪ .‬والزكاة على الحبوب بعد‬
‫تصفيتها من القش والتبن‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الناتج نصابا كاملً‪ ،‬وهو خمسة أوسق وهي ألف وست مئة رطل بغدادية‪ ،‬وبالدمشقي‬
‫في الصح ثلث مئة واثنان وأربعون رطلً وستة أسباع رطل‪ ،‬وهي تساوي ‪ 653‬كغ‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون مملوكا لمالك معين‪ :‬فل زكاة في الموقوف على المساجد على الصحيح‪ ،‬إذ ليس لها‬
‫مالك معين‪ ،‬ول زكاة في نخيل الصحراء المباح إذ ليس له مالك معين‪.‬‬
‫واشترط الحنابلة شروطا ثلثة (‪: )3‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الناتج قابلً للدخار والبقاء مما يجمع هذه الوصاف‪ :‬الكيل والبقاء واليبس في الحبوب‬
‫والثمار‪ ،‬مما ينبته الدميون إذا نبت في أرضه‪ ،‬سواء أكان قوتا كالحبوب‪ ،‬أم من القطنيات كالعدس‬
‫والحمص والباقل (الفول)‪ ،‬أم من المقبّلت كالكمون والكراويا وحب القثاء وحب الخيار‪ ،‬أم من حب‬
‫البقول كحب الفجل والقرطم والترمس والسمسم‪ ،‬وسائر الحبوب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪608/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.105‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ 156/1 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 381/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،695-690/2 :‬كشاف القناع‪.242-239/2 :‬‬

‫( ‪)3/238‬‬

‫وتجب أيضا في الثمار مما جمع هذه الوصاف كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق‪.‬‬
‫ول زكاة في الفواكه كالخوخ والدراق والكمثرى والتفاح‪ ،‬ول في الخضر‪ ،‬كالقثاء والخيار والباذنجان‬
‫واللفت والجزر‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يبلغ الناتج نصابا وهو خمسة أوسق بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار‪ ،‬وهي(‬
‫‪1428‬و ‪ )7/4‬رطلً مصريا أو (‪ 50‬كيلة) أو ‪ 4‬أرادب‪ ،‬والردب المصري ‪ 128‬لتر ماء‪ ،‬أو ‪96‬‬
‫قدحا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون النصاب مملوكا للحر المسلم وقت وجوب الزكاة فيه‪ :‬وهو وقت اشتداد الحب وبدو‬
‫صلح الثمر‪ ،‬فتجب الزكاة فيما نبت بنفسه مما يزرعه الدمي‪ ،‬كمن سقط له حب في أرضه‪ ،‬فنبت؛‬
‫لنه يملكه وقت الوجوب‪ ،‬وفعل الزرع ليس شرطا‪ ،‬ول زكاة فيما يكتسبه اللقاط‪ ،‬أو يوهب له بعد بدو‬
‫صلحه‪ ،‬أو يشتريه ونحوه بعد ذلك‪ ،‬أو يأخذه الحصّاد ونحوه أجرة لحصاده ودياسه ونحوه‪ ،‬كأجرة‬
‫تصفيته أو نطارته‪ ،‬ول فيما يملك من زرع وثمرة بعد بدو صلحه بشراء أو إرث أو غيرهما‬
‫كصداق وعوض خلع وإجارة وعوض صلح؛ لنه لم يكن مالكا له وقت الوجوب‪ .‬ول زكاة فيما‬
‫يجتنيه من مباح‪ ،‬سواء نبت في أرضه أو أخذه من موات؛ لنه ل يملك إل بأخذه‪ ،‬فلم يكن وقت‬
‫الوجوب في ملكه‪.‬‬
‫ثالثا ـ ما تجب فيه الزكاة‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان في زكاة ما تخرجه الرض‪ ،‬رأي يعمم في كل خارج‪ ،‬ورأي يخصص الخارج فيما‬
‫يقتات ويدخر (‪. )1‬‬
‫الرأي الول ـ لبي حنيفة‪ :‬تجب الزكاة في قليل ما أخرجته الرض وكثيره إل الحطب والحشيش‬
‫والقصب الفارسي (وهو ما يتخذ منه القلم‪ ،‬أما قصب السكر ففيه العشر)‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 2/2 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪ 151/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ 447/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح‬
‫الصغير‪ 609/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،105‬مغني المحتاج‪ 281/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،156/1‬المغني‪ 690/2 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،238-236/2 :‬المجموع‪.442-432/5 :‬‬

‫( ‪)3/239‬‬

‫والسعف والتبن‪ ،‬وكل ما ل يقصد به استغلل الرض ويكون في أطرافها‪ .‬أما إذا اتخذ أرضَه َمقْصَبة‬
‫شجَرة أو مَنْبِتا للحشيش‪ ،‬وساق إليه الماء‪ ،‬ومنع الناس عنه‪ ،‬فيجب فيه العشر‪ .‬وأطلق الوجوب‬
‫أو مَ ْ‬
‫فيما أخرجته الرض لعدم اشتراط الحول؛ لن فيه معنى المؤنة (الضريبة)‪ ،‬ولذا كان للمام أخذ هذه‬
‫الزكاة (العشر) جبرا‪ ،‬ويؤخذ من التركة‪ ،‬ويجب مع الدين‪ ،‬وفي أرض الصغير والمجنون والوقف‪.‬‬
‫ودليله‪ :‬حديث «ما أخرجته الرض ففيه العشر» (‪ )1‬عمم الواجب في كل خارج‪ ،‬والصحيح عند‬
‫الحنفية ما قاله المام‪ ،‬ورجح الكل دليله‪.‬‬
‫الرأي الثاني ـ للصاحبين وجمهور الفقهاء‪ :‬ل تجب زكاة الزروع والثمار إل فيما يقبل القتيات‬
‫والدخار وعند الحنابلة‪ :‬فيما ييبس ويبقى ويكال‪ ،‬ول زكاة في الخَضروات (بفتح الخاء) والفواكه‪.‬‬
‫وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫أما الصاحبان من الحنفية فقال‪ :‬ل يجب العشر إل فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق‪ ،‬وليس في‬
‫الخضروات (الفواكه كالتفاح والكمثرى وغيرهما‪ ،‬أو البقول كالكراث والكرفس ونحوهما) عندهما‬
‫عشْر‪ ،‬لعدم الثمرة الباقية‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأما المالكية فقالوا‪ :‬تجب الزكاة في عشرين صنفا‪ :‬أما الحبوب فسبعة عشر‪ :‬القطاني السبعة (وهي‬
‫الحمص ـ بكسر الميم وفتحها‪ ،‬والفول‪ ،‬واللوبيا والعدس‪ ،‬والتُرمس‪ ،‬والجُلْبان‪ ،‬والبسيلة) والقمح‪،‬‬
‫والسُلت (نوع من الشعير ل قشر له)‪ ،‬والعلس‪ ،‬والذرة‪ ،‬والدُخن‪ ،‬وأُرْز‪ ،‬وذوات الزيوت الربعة‪:‬‬
‫وهي الزيتون والسمسم‪ ،‬والقِرطِم (حب العصفر)‪ ،‬وحب الفجل الحمر‪ ،‬أما الفجل البيض فل زكاة‬
‫في حبه‪ ،‬إذ ل زيت له‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال الزيلعي عنه‪ :‬غريب بهذا اللفظ‪ ،‬وبمعناه حديث ابن عمر السابق‪« :‬فيما سقت السماء والعيون‬
‫العشر» (نصب الراية‪.)384/2 :‬‬

‫( ‪)3/240‬‬

‫وأما الثمار فثلثة‪ :‬التمر والزبيب والزيتون‪ ،‬لقول عمر‪« :‬وفي الزيتون العشر» ‪.‬‬
‫ول تجب الزكاة في الفواكه كالتين والرمان والتفاح ونحوها‪ ،‬ول في بزر الكتان‪ ،‬والسّلْجَم (اللفت)‪،‬‬
‫ول في جوز ولوز‪ ،‬ول غير ذلك‪.‬‬
‫وأما الشافعية‪ :‬فقرروا أن الزكاة تختص بالقوت‪ ،‬وهو من الثمار‪ :‬التمر والزبيب (‪ ، )1‬ومن الحب‪:‬‬
‫حمّص‪ ،‬والباقل (الفول) والذرة‪،‬‬
‫الحنطة والشعير والرزّ والعدس والماش‪ ،‬وسائر المقتات اختيارا كال ِ‬
‫والهرطمان‪( :‬حب متوسط بين الحنطة والشعير) وهو الجُلْبانة والكِرْسنة والحِلْبة والخشخاش‬
‫والسمسم‪.‬‬
‫ول زكاة في القثّاء والبطيخ والرمان‪ ،‬وال َقضْب (البرسيم)؛ لن الرسول صلّى ال عليه وسلم عفا عنه‪.‬‬
‫شمِشِ‪ ،‬ول زكاة في حبوب‬
‫ول زكاة في الفواكه كخوخ ورمان وتين ولوز وجوز هند وتفاح ومِ ْ‬
‫البوادي كحب الحنظل‪ ،‬ول في الوحشيات من الظباء ونحوها‪ ،‬ول في الموقوف على المساجد‬
‫والقناطر والرباطات (الثغور) والفقراء والمساكين‪ ،‬على الصحيح؛ إذ ليس له مالك معين‪ ،‬ول في‬
‫طمُ (حب العصفر) ول في العسل‪ ،‬في المذهب الجديد‪.‬‬
‫الزيتون والزعفران والورس والقِرْ ِ‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬تجب الزكاة في كل مقتات مكيل مدخر من الحبوب‪ ،‬كالحنطة والشعيروالسُلت (وهو‬
‫نوع من الشعير لونه لون الحنطة‪ ،‬وطبعه كالشعير في البرودة) والذرة والقطنيات (‪ ، )2‬كالباقلء‬
‫(الفول) والحمص واللوبيا والعدس والماش والتُرْمس (حب عريض أصغر من الفول) والدخن والرز‬
‫والهرطمان (وهو الجلبانة والكرسنة والحلبة والخشخاش والسمسم) والعلس (نوع من الحنطة يدخر في‬
‫قشره )‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرج الترمذي من حديث عتّاب بن أسَيْد رضي ال عنه‪« :‬أمرني رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم أن ُيخْرَص العنب كما يخرص النخل‪ ،‬وتؤخذ زكاته زبيبا‪ ،‬كما تؤخذ صدقة النخل تمرا»‬
‫(‪ )2‬بكسر القاف وفتحها وضمها‪ ،‬وتشديد الياء وتخفيفها‪ ،‬سمي بذلك‪ :‬من قطن يقطن في البيت؛ لنها‬
‫تمكث فيه‪..‬‬

‫( ‪)3/241‬‬

‫وتجب الزكاة في بزر البقول كلها‪ :‬كالهندبا والكرفس والبصل وبزر قَطُونا ونحوها‪ ،‬وبزر الرياحين‬
‫جميعا‪ ،‬وبزر الكزبرة والكمون والكراويا والشونيز (يقال له‪ :‬الحبة السوداء)‪ ،‬وحب الرازيانج (وهو‬
‫الشمروالنيسون وحب القضب) والخَرْدل وبزر الكتان‪ ،‬وبزر القطن واليقطين (وهو القرع) وبزر‬
‫البقلة والحمقاء‪ ،‬وبزر الباذنجان والخس والجزر‪.‬‬
‫وفي حب البقول‪ :‬كالرّشَاد (‪ ، )1‬وحب الفجل‪ ،‬والقرطم (حب العصفر)‪.‬‬
‫وتجب الزكاة في كل ثمر يكال ويدخر‪ ،‬كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق والسماق‪.‬‬
‫والخلصة ‪:‬أن الزكاة تجب في الحبوب والبزور والثمار المدخرة‪.‬‬
‫والظهر كما في كتاب الفروع وجوب الزكاة في العُنّاب والتين والمشمش والتوت؛ لنه يدخر‬
‫كالتمر‪،‬والمعتمد ل زكاة فيها؛ لن العادة لم تجر بادخاره وتجب الزكاة في صعتر وأشنان وحب ذلك‪،‬‬
‫وكل ورق مقصود‪ ،‬كورق سدر وخطمي وآسي؛ لنه نبات مكيل مدخر‪ .‬ول تجب الزكاة في قطن‬
‫وكتان وقنب وزعفران وورس ونيل وجوز الهند‪ ،‬وسائر الفواكه كالخوخ والتفاح أو الجاص‬
‫والكمثرى‪ ،‬والسفرجل والرمان والنبق والزعرور والموز؛ لنها ليست مكيلة‪ ،‬ول في الجوز؛ لنه‬
‫معدود‪ ،‬ول في قصب السكر‪.‬‬
‫ول زكاة في الخضر كبطيخ وقثاء وخيار وباذَنجان ولِفت وسلق وكُرنْب وقنبيط وبصل وثوم وكراث‬
‫وجزر وفجل ونحوه‪ ،‬لحديث علي‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الرشاد‪ :‬بقلة سنوية من الفصيلة الصليبية‪ ،‬تزرع وتنبت برية‪ ،‬ولها حب حريف يسمى حب‬
‫الرشاد‪.‬‬

‫( ‪)3/242‬‬

‫قال‪« :‬ليس في الخضروات صدقة» (‪ . )1‬ول في البقول كالهندَبا والك َرفْس والنعناع والرشاد وبقلة‬
‫الحمقاء والقرظ والكزبرة والجرجير ونحوه‪.‬‬
‫ول في المسك والزهر‪ ،‬كالورد والبنفسج والنرجس واللينوفر والخيري‪ :‬وهو المنثور‪ ،‬ونحوه‬
‫سعُف (وهو أغصان النخل‪ ،‬أي جريد النخل‬
‫كالزنبق‪ ،‬ولفي طلع الفُحّال (وهو ذكر النخل)‪ ،‬ول في ال ّ‬
‫الذي لم يجرد عنه خوصه‪ ،‬فإن جرد عنه خوصه فجريد) ول في الخوص (وهو ورق السعف)‪ ،‬ول‬
‫في قشور الحب والتبن والحطب والخشب وأغصان الخلف‪ ،‬وورق التوت والكل‪ ،‬والقصب‬
‫الفارسي‪ ،‬ولبن الماشية وصوفها ونحو ذلك كالوبر والشعر‪ ،‬وكذا الحرير ودود القز؛ لن ذلك كله‬
‫ليس منصوصا عليه‪ ،‬ول في معنى المنصوص عليه‪ ،‬فبقي على أصل العفو‪.‬‬
‫والخلصة بالنسبة للزيتون‪ :‬أنه ل زكاة فيه عند الشافعية في الجديد والمعتمد عند الحنابلة‪ ،‬وفيه‬
‫الزكاة عند أبي حنيفة والمالكية (‪ )2‬ونصابه عند المالكية خمسة أوسق زيتون‪.‬‬
‫زكاة العسل‪ :‬اختلف الفقهاء في حكم زكاة العسل على رأيين (‪: )3‬‬
‫فقال الحنفية والحنابلة‪ :‬فيه العشر‪ ،‬إل أن أبا حنيفة قال‪ :‬يجب فيه العشر إذا أخذ من أرض العشر‪ ،‬قل‬
‫المأخوذ أو كثر وليس في أرض الخارج من أرض الخراج عشر‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬نصاب العسل عشرة‬
‫أفراق‪ ،‬وهي جمع فَرْق‪ ،‬والفرق عندهم ستة عشر رطلً‪ ،‬فيكون النصاب مئة وستين رطلً بالبغدادي‬
‫أو ‪34‬و ‪ 7/2‬رطل دمشقي‪ ،‬ومئة وأربعة بالمصري‪ ،‬والرطل عند الحنفية‪ 130 :‬درهما‪ ،‬والدرهم‬
‫الوسطي ( ‪ 975،2‬غم)‪.‬‬
‫ودليلهم على وجوب الزكاة في العسل آثار منها‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وعن عائشة معناه‪ ،‬رواهما الدارقطني‪ ،‬وروى الثرم في سننه عن موسى بن طلحة حديثا عن‬
‫الخضروات‪« :‬ليس في ذلك صدقة» وهو مرسل قوي (نيل الوطار‪.142/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الموال‪ :‬ص ‪ 504‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 694/2 :‬ومابعدها‪ ،713 ،‬نيل المآرب ‪.185/1‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 61/2 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪ ،153/1 :‬الموال لبي عبيد‪ 506 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪،5/2 :‬‬
‫المجموع‪ 434/5 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،382/1 :‬كشاف القناع‪ ،257/2 :‬المغني‪.713/2 :‬‬

‫( ‪)3/243‬‬

‫ما رواه أبو سيّارة المُتَعي قال‪ :‬قلت‪« :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن لي نحلً‪ ،‬قال‪ :‬فأدّ العشور» (‪. )1‬‬
‫وما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أنه أخذ من العسل‬
‫العشر» (‪ )2‬وعن عمر رضي ال عنه أنه كان يأخذ عن العسل العشر من كل عشر قِرَب قربة‪.‬‬
‫وروى العقيلي في الضعفاء من طريق عبد الرزاق عن أبي هريرة حديثا ‪« :‬في العسل العشر» (‪. )3‬‬
‫وقال المالكية والشافعية‪ :‬ل زكاة في العسل‪ ،‬بدليل أمرين‪:‬‬
‫الول ـ ما قاله الترمذي‪« :‬ل يصح عن النبي صلّى ال عليه وسلم في هذا كبير شيء» وما قاله ابن‬
‫المنذر‪« :‬إنه ليس في وجوب الصدقة فيه خبر يثبت ول إجماع» ‪.‬‬
‫الثاني ـ أنه مائع خارج من حيوان‪ ،‬فأشبه اللبن‪ ،‬واللبن ل زكاة فيه بالجماع‪.‬‬
‫ورجح أبو عبيد أن يكون أربابه يؤمرون بأداء صدقته‪ ،‬ويُحثّون عليها‪ ،‬ويكره لهم منعها‪ ،‬ول يؤمن‬
‫عليهم المأثم في كتمانها‪ ،‬من غير أن يكون ذلك فرضا عليهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والبيهقي‪ ،‬وهو منقطع (نيل الوطار‪ 145/4 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه‪ ،‬روي مسندا ومرسلً (المرجع السابق) ورواه أيضا أبو عبيد والثرم‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال الزيلعي‪ :‬لم أجده في مصنف عبد الرزاق بهذا اللفظ‪ ،‬وإنما لفظه أن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم كتب إلى أهل اليمن‪ :‬أن يؤخذ من أهل العسل العشر (نصب الراية‪.)390/2 :‬‬

‫( ‪)3/244‬‬

‫رابعا ـ النصاب الذي يبدأ به زكاة الزرع والثمر‪:‬‬


‫قال أبو حنيفة (‪ : )1‬النصاب ليس بشرط لوجوب العشر‪ ،‬فيجب العشر في كثير الخارج وقليله‪ ،‬لعموم‬
‫قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‪ ،‬ومما أخرجنا لكم من الرض} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]267/2‬وقوله عز وجل‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام‪ ]141/6:‬وقول النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫‪« :‬ما سقته السماء ففيه العشر‪ ،‬وما سقي بغَرْب أو دالية‪ ،‬ففيه نصف العشر» (‪ )2‬من غير تفصيل‬
‫بين القليل والكثير‪ .‬ولن سبب الوجوب وهي الرض النامية بالخارج ل يميز بين القليل والكثير‪،‬‬
‫وكل شيء أخرجته الرض مما فيه العشر ل يحتسب فيه أجر العمال ونفقة الزرع من أدوات‬
‫الحراثة؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم حكم بتفاوت الواجب بتفاوت المؤنة (التكاليف) ؛ لنه قال‪:‬‬
‫«ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بغَرْب ففيه نصف العشر» وعلى هذا تكون النفقات على‬
‫الزارع‪ ،‬وتجب الزكاة في كل الخارج بدون أن تحسم منه النفقات‪.‬‬
‫وقال الصاحبان وجمهور الفقهاء (‪ : )3‬النصاب شرط‪ ،‬فل تجب فيه الزكاة في شيء من الزروع‬
‫والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق وهي (‪ 653‬كغ) أو ‪50‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،59/2 :‬فتح القدير‪ 2/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو مطيع البلخي عن أبان بن عياش عن رجل عن النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬لكن إسناده‬
‫ل يساوي شيئا (نصب الراية‪ )385/2 :‬والغرب‪ :‬الدلو العظيمة‪ ،‬والدالية‪ :‬الناعورة يديرها الماء‪.‬‬
‫وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما عن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬فيما سقت‬
‫السماء والعيون أو كان عَثَريا العشر‪ ،‬وفيما سقي بالنضج نصف العشر» والعثري‪ :‬ما نبت بالمطر أو‬
‫سقْي‪.‬‬
‫امتصاص العروق من نهر مجاور‪ ،‬وهو المسمى بال َبعْل في مقابل زرع ال َ‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،105‬الشرح الصغير‪ 608/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ 447/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫مغني المحتاج‪ 382/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ ،699-690/2،695 :‬المجموع‪.439/5:‬‬

‫( ‪)3/245‬‬

‫كيلة مصرية‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (‪ )1‬والوسق‬
‫ستون صاعا‪ ،‬وهذا حديث خاص بهذه الزكاة‪ ،‬يجب تقديمه‪ ،‬وتخصيص عموم أدلة أبي حنيفة‪ ،‬كما‬
‫خصص قوله‪« :‬في سائمة البل الزكاة» بقوله في نهاية هذا الحديث‪« :‬ليس فيما دون خمسة َذوْد‬
‫صدقة» ‪،‬وقوله‪« :‬في الرّقة العشر» بقوله «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» ‪ ،‬ولنه مال تجب فيه‬
‫الصدقة‪ ،‬فلم تجب في يسيره كسائر الموال الزكائية‪ ،‬ولن الصدقة تجب على الغنياء‪ ،‬ول يحصل‬
‫الغنى بدون النصاب‪ ،‬كسائر الموال الزكائية‪ .‬وهذا هو الراجح لدي لصحة الحديث‪.‬‬
‫وإنما لم يعتبر الحول؛ لنه يكمل نماؤه باستحصاده ل ببقائه‪ ،‬واعتبر الحول في غيره من الزكوات؛‬
‫لنه مظنة لكمال النماء في سائر الموال‪ .‬والنصاب معتبر بالكيل‪ ،‬فإن الوساق مكيلة‪ ،‬وكان الصاع‬
‫مكيال أهل المدينة في عهد النبي صلّى ال عليه وسلم وقدره أربعة أمداد‪ ،‬والصاع خمسة أرطال‬
‫وثلث رطل‪ ،‬والرطل (‪675‬غم) وذكر الشافعية والحنابلة أنه يعتبر النصاب تمرا أو زبيبا إن تتمر‬
‫وتزبب‪ ،‬لحديث مسلم «ليس في حب ول تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» وإن لم يتتمر الرطب‬
‫ولم يتزبب العنب‪ ،‬بأن لم يأت منه تمر ول زبيب جيدان في العادة‪ ،‬أو كانت تطول مدة جفافه كسنة‪،‬‬
‫اعتبر نصابا رطبا وعنبا‪ ،‬فيوسق رطبا وعنبا؛ لن ذلك وقت كماله‪ .‬فيكمل به نصاب ما يجف من‬
‫ذلك‪ ،‬وتخرج الزكاة من كل منهما في الحال؛ لن ذلك أكمل أحوالهما‪.‬‬
‫ويعتبر الحب خمسة أوسق حال كونه مصفى من تبنه؛ لنه ل يدخر فيه ول يؤكل معه‪.‬‬
‫وأما ما ادخر في قشره كالَرُزّ والعلس‪ ،‬فنصابه عشرة أوسق‪ ،‬اعتبارا بقشره‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة عن أبي سعيد الخدري (نيل الوطار‪.)141/4 :‬‬

‫( ‪)3/246‬‬

‫الذي يكون ادخاره فيه أصلح له أو أبقى بالنصف‪ ،‬ول يضم ثمر عام إلى ثمر عام آخر في إكمال‬
‫النصاب‪ ،‬ول زرع عام إلى زرع عام آخر كذلك‪ ،‬ويضم ثمر العام بعضه لبعض‪ ،‬وكذلك زرع العام‬
‫بعضه لبعض‪ ،‬وإن اختلف إدراكه لختلف أنواعه وبلده حرارة وبرودة‪ .‬والمراد بالعام هنا‪ :‬اثنا‬
‫عشر شهرا عربية‪.‬‬
‫وذكر المالكية أن المعتبر كون الحب منقى من تبنه وصوانه الذي ل يخزن به‪ ،‬مقدر الجفاف‪ ،‬وكون‬
‫الرطب تمرا والعنب زبيبا‪ ،‬فإن بيع رطبا أوعنبا فيجب نصف عشر القيمة‪ ،‬ونصف عشر ثمن فول‬
‫أخضر وحمص مما شأنه أل ييبس‪ .‬ويؤخذ نصف العشر من زيت ماله زيت‪ .‬ويحسب في النصاب‬
‫الشرعي قشر الرز والعلس والشعير الذي يخزن به‪ .‬فلو كان الرز مثلً مقشورا أربعة أوسق‪،‬‬
‫وبقشره خمسة أوسق زكي‪ ،‬وإن كان أقل فل زكاة‪.‬‬
‫واتفق الجمهور مع الحنفية على أنه ل ينقص النصاب بمؤنة الحصاد والدياس وغيرهما من نفقات‬
‫الزرع‪.‬‬
‫خامسا ـ مقدار الواجب وصفته‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء (‪ )1‬على أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة (مشقة) كالذي يشرب من السماء‬
‫(المطار)‪ ،‬وما يشرب بعروقه‪ :‬وهوالذي يشرب من ماء قريب منه‪.‬‬
‫ويجب نصف العشر فيما سقي بالمؤن كالدوالي (النواعير) النواضح‪.‬‬
‫والدليل لهم قول النبي صلّى ال عليه وسلم المتقدم‪« :‬فيما سقت السماء والعيون‪ ،‬أو كان عَثَريا‬
‫العشر‪ ،‬وما سقي بالنضح نصف العشر» (‪ ، )2‬وانعقد الجماع على ذلك‪ ،‬كما قال البيهقي وغيره‪.‬‬
‫فإن سقي نصف السنة بكلفة ونصفها بغير كلفة ففيه ثلثة أرباع العشر‪ ،‬عملً بمقتضى كل واحد‬
‫منهما‪ .‬وإن سقي بأحدهما أكثر من الخر‪ ،‬اعتبر الكثر‪ ،‬فوجب مقتضاه‪ ،‬وسقط حكم الخر‪.‬‬
‫وسبب التفرقة واضح وهو كثرة المؤنة في أرض السقي‪ ،‬وخفتها في أرض البعل (‪ ، )3‬كما هو‬
‫الفرق بين الماشية المعلوفة والسائمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،63-62/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،106‬الشرح الصغير‪ ،612-610/1 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،685/1‬المغني‪ ،702 ،698/2 :‬كشاف القناع‪ 242/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة إل مسلما عن ابن عمر‪ ،‬وعند مسلم من حديث جابر «فيما سقت النهار والغيم‬
‫العشر‪ ،‬وفيما سقي بالسانية نصف العشر» وفي رواية لبي داود‪« :‬إن في البعل العشر» ‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال أهل اللغة‪ :‬البعل‪ :‬ما يشرب بعروقه‪ ،‬والعثري‪ :‬ما سقي بماء السيل الجاري إليه في حفرة‪،‬‬
‫وتسمى الحفرة عاثوراء‪ ،‬لتعثر المار بها إذا لم يعلمها‪ .‬والسواني‪ :‬هي النواضح‪ ،‬وهي البل التي‬
‫يستقى بها لشرب الرض‪.‬‬

‫( ‪)3/247‬‬

‫ول وقص (ل عفو) في نصاب الحبوب والثمار‪ ،‬بل مهما زاد على النصاب أخرج منه بالحساب‪،‬‬
‫فيخرج العشر أو نصفه‪ ،‬فإنه ل ضرر في تبعيضه‪ ،‬بخلف الماشية ففي تبعيضها ضرر‪ .‬وأما صفة‬
‫الواجب‪ :‬فهو جزء من الخارج أو قيمته عند الحنفية‪ .‬وأما عند الجمهور‪ :‬الواجب عين الجزء ول‬
‫يجوز غيره‪.‬‬
‫هل تحسم النفقات التي تصرف على المزروعات؟‬
‫ينفق المزارع عادة على زراعته نفقات مثل ثمن البذار والسماد وأجور الحرث (الفلحة) والري‬
‫والتنقية والحصاد وغير ذلك‪.‬‬
‫جاء في الفتوى رقم (‪ )15‬في ندوة البركة السادسة في جدة أن هناك آراء ثلثة في الموضوع‪ ،‬رأي‬
‫بحسم جميع النفقات‪ ،‬ورأي بعدم حسم التكاليف‪ ،‬ورأي متوسط بإسقاط الثلث من المحصول‪ ،‬ثم‬
‫إخراج الزكاة من الباقي‪ ،‬وقد‬
‫اختار الحاضرون الرأي الثالث المتوسط‪ ،‬ثم يتم حساب الزكاة بإخراج العشر إن كان الريّ بماء‬
‫السماء‪ ،‬ونصف العشر إن كان بآلة‪.‬‬
‫وهذا مستمد من كلم ابن العربي في شرح الترمذي‪ ،‬عملً بحديث النبي صلّى ال عليه وسلم‪« :‬‬
‫دعوا الثلث أو الربع » والذي عليه عمل المسلمين والمذاهب الربعة كما ذكر ابن حزم في المحلى (‬
‫‪) 258/5‬‬

‫( ‪)3/248‬‬

‫وصرح به الفقهاء أنه ليجوز إسقاط شيء من النفقة؛ لن الزكاة تعلقت بعين الخارج لقوله تعالى‪:‬‬
‫{ وآتوا حقه يوم حصاده } [النعام‪ ]141/6:‬وهذا ما أرجحه (‪. )1‬‬
‫سادسا ـ وقت الوجوب‪:‬‬
‫وقت الوجوب عند أبي حنيفة (‪ : )2‬وقت خروج الزرع‪ ،‬وظهور الثمر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أنفقوا من‬
‫طيبات ما كسبتم‪ ،‬ومما أخرجنا لكم من الرض} [البقرة‪ ]267/2:‬أمر ال تعالى بالنفاق مما أخرجه‬
‫من الرض‪ ،‬فدل أن الوجوب متعلق بالخروج‪ .‬فإن استهلكها صاحبها بعد الوجوب يضمن عشره‪،‬‬
‫وأما قبل الوجوب فل يضمن‪ ،‬ولو هلك الخارج بنفسه فل عشر في الهالك‪.‬‬
‫ووقت الوجوب عند المالكية‪ :‬في الثمار الطيب (وهو الزهو في بلح النخل‪ ،‬وظهور الحلوة في‬
‫العنب)‪ ،‬وفي الزرع‪ :‬إفراك الحب‪ ،‬أي طيبه وبلوغه حد الكل منه‪ ،‬واستغناؤه عن السقي‪ ،‬ل باليبس‬
‫ول بالحصاد ول بالتصفية (‪ . )3‬وأما عند الشافعية والحنابلة (‪ : )4‬فتجب الزكاة ببدو صلح الثمر؛‬
‫لنه حينئذ ثمرة كاملة‪ ،‬وهو قبل ذلك حصرم وبلح‪ ،‬وببدو اشتداد الحب؛ لنه حينئذ طعام‪ ،‬وهو قبل‬
‫ذلك بقل‪.‬‬
‫وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر‪ :‬إخراجها في الحال‪ ،‬بل انعقاد سبب وجوب إخراج الثمر‬
‫والزبيب والحب المصفى عند الصيرورة كذلك‪.‬‬
‫وبناء على الرأي الخير إن أتلفها صاحبها أو تلفت بتفريطه أو عدوانه بعد الوجوب‪ ،‬لم تسقط عنه‬
‫الزكاة‪ .‬وإن كان قبل الوجوب سقطت‪ ،‬إل أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة‪ ،‬فيضمنها ول تسقط عنه‪.‬‬
‫وإن جذّها وجعلها في الجرين (موضع تجفيف التمر)‪ ،‬أو جعل الزرع في البيدر‪ ،‬استقر الوجوب‬
‫عليه‪ .‬وإن تلفت بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه‪ ،‬وعليه ضمانها‪ ،‬كما لو تلف نصاب الماشية السائمة أو‬
‫الثمان (النقود) بعد الحول‪.‬‬
‫وإن تلفت الثمرة قبل بدو الصلح أو الزرع قبل اشتداد الحب‪ ،‬فل زكاة فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر وقارن فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي ‪.397 - 394/1‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪. 63/2 :‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،106‬الشرح الصغير‪ ،615/1 :‬الشرح الكبير‪. 451/1 :‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ ،386/1 :‬كشاف القناع‪ ،245/2 :‬المجموع‪ ،454/5:‬المغني‪،705-702/2 :‬‬
‫المهذب‪.157/1:‬‬

‫( ‪)3/249‬‬

‫ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما‪ ،‬فإن باعه أو وهبه بعد‬
‫بدو صلحه‪ ،‬فصدقته على البائع والواهب‪ .‬وهذا قول الحنابلة والمالكية‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬إذا باع الزرع قبل إدراكه‪ ،‬وجبت الزكاة على المشتري‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬تجب الزكاة‬
‫على مالك الزرع عند الوجوب‪.‬‬
‫سابعا ـ ما يضم بعضه إلى بعض‪:‬‬
‫ل خلف بين أهل العلم في غير الحبوب والثمار‪ :‬أنه ل يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل‬
‫النصاب‪ ،‬فالماشية ثلثة أجناس‪ :‬البل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪ ،‬ل يضم جنس منها إلى آخر‪ .‬والثمار ل يضم‬
‫جنس إلى غيره‪ ،‬فل يضم التمر إلى الزبيب‪ ،‬ول إلى اللوز‪ ،‬والفستق‪ ،‬والبندق‪ .‬ول يضم شيء من‬
‫هذه إلى غيره‪ ،‬ول تضم الثمار إلى شيء من السائمة‪ ،‬ول من الحبوب والثمار‪.‬‬
‫ول خلف بينهم في أن أنواع الجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب‪.‬‬
‫ول خلف بينهم أيضا في أن العروض التجارية تضم إلى الثمان (النقود)‪ ،‬وتضم الثمان إليها‪ ،‬إل‬
‫أن الشافعي ل يضمها إل إلى جنس ما اشتريت به؛ لن نصابها معتبر به (‪. )1‬‬
‫ول خلف عند الجمهور غير المالكية في ضم الحنطة إلى العلس؛ لنه نوع منها‪ ،‬ومثله السلت يضم‬
‫إلى الشعير؛ لنه منه‪ ،‬فيضم إليه عند غير الشافعية‪.‬‬
‫واختلف العلماء في ضم الحبوب بعضها إلى بعض‪ ،‬وفي ضم أحد النقدين إلى الخر‪.‬‬
‫فقال الحنفية والشافعية‪ :‬ل يضم جنس منها إلى غيره‪ ،‬ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا؛‬
‫لنها أجناس‪ ،‬فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا كالثمار أيضا والمواشي‪ .‬لكن يلحظ أن أبا‬
‫حنيفة يوجب الزكاة في كل ما أخرجت الرض‪ ،‬ول يشترط النصاب‪ ،‬فل تثور مشكلة الضم لديه‪.‬‬
‫وقال المالكية والقاضي من الحنابلة‪ :‬إن الحنطة تضم إلى الشعير‪ ،‬وتضم القطنيات بعضها إلى بعض؛‬
‫لن هذا كله مقتات‪ ،‬فيضم بعضه إلى بعض كأنواع الحنطة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ .730/2 :‬وتفصيل هذه الراء كما يأتي‪:‬‬
‫( ‪)3/250‬‬

‫قال المالكية (‪ : )1‬تضم القطاني السبعة (الحمص والفول واللوبيا والعدس والترمس والجُلْبان‬
‫والبسيلة) لبعضها بعضا؛ لنها جنس واحد في الزكاة‪ ،‬فإذا اجتمع من جميعها أو من اثنين منها ما فيه‬
‫الزكاة‪ ،‬زكاه‪ ،‬وأخرج من كل صنف منها ما ينوبه‪ .‬والقمح والشعير والسلت صنف واحد‪ ،‬فتضم‬
‫لبعضها‪.‬‬
‫ويجزئ إخراج العلى من الدنى ل عكسه‪ ،‬كقمح وسلت وشعير؛ لن الثلثة جنس واحد‪ .‬ول يضم‬
‫شيء منها لعلس (حب طويل يشبه البُرّ باليمن)؛ لنه جنس منفرد‪ ،‬ول يضم شيء منها لذرة ول دخن‬
‫ول أرز؛ لن كل واحد منها جنس على حدة‪ ،‬فل يضم واحد منها لخر‪ ،‬بل يعتبر كل واحد منها‬
‫جنسا على حدة‪.‬‬
‫وذوات الزيوت الربع‪ :‬وهي الزيتون والسّمسِم‪ ،‬وبذر الفُجل الحمر‪ ،‬والقرطم‪ :‬أجناس‪ ،‬ل يضم‬
‫بعضها إلى بعض‪.‬‬
‫وتضم أنواع الجنس الواحد لبعضها‪ ،‬فالزبيب بأصنافه جنس واحد‪ ،‬ول يضم هو لغيره‪ ،‬والتمر‬
‫بأصنافه جنس واحد‪ ،‬والقمح بأصنافه الجيد منها والرديء جنس واحد‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬ل يكمل جنس بجنس‪ ،‬ويضم النوع إلى النوع‪ ،‬ويخرج من كل من النوعين‬
‫بقسطه‪ ،‬لعدم المشقة فيه بخلف المواشي‪ ،‬فإن الصح أن المزكي يخرج نوعا منها‪ ،‬بشرط اعتبار‬
‫القيمة والتوزيع‪ ،‬ول يؤخذ البعض من هذا والبعض من هذا‪ ،‬لما فيه من المشقة‪ ،‬فإن عسر إخراج‬
‫جزء من كل نوع لكثرة النواع وقلة الحاصل من كل نوع‪ ،‬أخرج الوسط منها‪ ،‬ل أعلها ول أدناها‪،‬‬
‫رعاية للجانبين‪.‬‬
‫ويضم العلس إلى الحنطة؛ لنه نوع منها‪ ،‬وهو قوت صنعاء اليمن‪ .‬والسُلْت جنس مستقل‪ ،‬فل يضم‬
‫إلى غيره كالشعير‪.‬‬
‫ول يضم ثمرة عام وزرعه إلى آخر‪ ،‬ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض‪ ،‬وإن اختلف وقت إدراكه‪،‬‬
‫لختلف أنواعه وبلده حرارة أو برودة‪ .‬والظهر في الضم وقوع حصاديهما في سنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 613/1 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،106‬الشرح الكبير‪ 449/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المجموع‪ ،5/344 :‬المهذب‪ ،157/1 :‬مغني المحتاج‪.384/1 :‬‬

‫( ‪)3/251‬‬
‫وقال ابن قدامة من الحنابلة (‪ : )1‬الصحيح عند القاضي أبي يعلى من الروايات الثلث عن أحمد‪ :‬أن‬
‫الحنطة تضم إلى الشعير‪ ،‬وتضم القطنيات بعضها إلى بعض‪ ،‬وكذلك يضم الذهب والفضة‪ .‬وتضم‬
‫أنواع الجنس من حبوب أو ثمار من عام واحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب‪ ،‬كأنواع الماشية‬
‫والنقدين‪.‬‬
‫فالسلت نوع من الشعير‪ ،‬فيضم إليه‪ ،‬والعلس‪ :‬نوع من الحنطة‪ ،‬فيضم إليها‪.‬‬
‫ويضم زرع العام الواحد‪ ،‬وثمرة العام الواحد إلى بعض‪ ،‬في تكميل النصاب‪ ،‬سواء اتفق وقت زرعه‬
‫وإدراكه أو اختلف‪ ،‬وسواء اتفق وقت ظهور الثمرة وإدراكها أو اختلف‪.‬‬
‫وقال البُهوتي في كشاف القناع‪ :‬تضم أنواع الجنس الواحد من حبوب وثمار من عام واحد‪ ،‬ول يضم‬
‫جنس إلى آخركبُر إلى شعير‪ ،‬أو د ُخن أو ذرة أو عدس ونحوه؛ لنها أجناس يجوز التفاضل فيها‪ ،‬فلم‬
‫يضم بعضها إلى بعض‪ ،‬كأجناس الثمار وأجناس الماشية‪ ،‬ول يصح القياس على ضم العلس إلى‬
‫الحنطة؛ لنه نوع منها‪ .‬ول تضم النقود أو الثمان من الذهب والفضة إلى بعضها‪ ،‬ول إلى شيء من‬
‫الحبوب أو الثمار أو الماشية؛ لنها أجناس مختلفة‪ ،‬إل إلى عروض التجارة‪ ،‬فتضم النقود (الثمان)‬
‫إلى قيمتها‪ .‬وهذا هو المعتمد لدى الحنابلة‪ ،‬فيتفق رأيهم مع المذاهب الخرى‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الحنطة تضم مع الشعير لدى المالكية والقاضي من الحنابلة‪ ،‬ول يضمان عند الشافعية‬
‫وفي المعتمد عند الحنابلة‪ ،‬وأما القطاني فتضم لبعضها عند المالكية والحنابلة‪ ،‬ول تضم عند الشافعية‬
‫وفي رواية أخرى عن المام أحمد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 730/2:‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 241/2 :‬ومابعدها ‪.‬‬

‫( ‪)3/252‬‬

‫ثامنا ـ زكاة الثمار الموقوفة ‪:‬‬


‫للفقهاء رأيان في زكاة الموقوف بالنظر لشتراط ملك الرض أو عدم اشتراطه‪ ،‬رأي يوجب الزكاة‪،‬‬
‫ورأي يعفي منها (‪. )1‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬الشرط ملك الخارج من الرض‪ ،‬فيجب العشر في الراضي التي ل مالك لها‪ ،‬وهي‬
‫الراضي الموقوفة‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‪ ،‬ومما أخرجنا‬
‫لكم من الرض} [البقرة‪ ]267/2:‬وقوله عز وجل‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام‪ ]141/6:‬وقول‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ما سقته السماء ففيه العشر‪ ،‬وماسقي بغرب أو دالية‪ ،‬ففيه نصف‬
‫العشر» ولن العشر يجب في الشيء الخارج‪ ،‬ل في الرض نفسها‪ ،‬فكان ملك الرض وعدمه بمنزلة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وقال المالكية كالحنفية‪ :‬يجب على الواقف أو متولي الوقف زكاة عين‪ :‬ذهب أو فضة وقفت للسلف أي‬
‫القرض‪ ،‬إن مر عليها حول من يوم ملكها‪ ،‬أو كانت هي مع ما لم يوقف نصابا؛ إذ وقفها ل يسقط‬
‫زكاتها عليه منها كل عام‪ .‬كما يزكى نبات وقف ليزرع كل عام في أرض مملوكة أو مستأجرة‪،‬‬
‫ويزكى حيوان من النعام وقف ليفرق لبنه أو صوفه أو ليحمل عليه أو يركب‪ ،‬ونسله تبع له‪ ،‬ولو‬
‫سكت عنه‪ ،‬على مساجد أو على فقراء غير معينين أو معينين‪ ،‬إن تولى المالك تفرقته وسقيه وعلجه‬
‫بنفسه أو نائبه‪ .‬فإن لم يتول المالك القيام به‪ ،‬وإنما توله المعينون الموقوف عليهم الذين وضعوا أيديهم‬
‫عليه وحازوه‪ ،‬وصاروا يزرعون النبات ويفرقون ما حصل على أنفسهم‪ ،‬فعليهم الزكاة إن حصل لكل‬
‫واحد منهم نصاب‪ ،‬وإل فل‪ ،‬ما لم يكن عنده ما يضمه له ويكمل به النصاب‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬ل تجب الزكاة على الصحيح في ثمار البستان وغلة القرية الموقوفين على المساجد‬
‫والقناطر والرباطات (‪ )2‬والفقراء والمساكين‪ ،‬إذ ليس لها مالك معين‪.‬‬
‫وفصل الحنابلة‪ ،‬فأوجبوا الزكاة في موقوف على معين من سائمة أو غلة أرض وشجر‪ ،‬إن بلغت‬
‫حصة كل واحد نصابا‪ ،‬ولم يوجبوها في موقوف على غير معين أو مسجد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،56/2 :‬الشرح الكبير‪ 485/1 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،382/1 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،242/2‬غاية المنتهى‪ 266/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرباطات‪ :‬المعاهد المبنية والموقوفة للفقراء‪.‬‬

‫( ‪)3/253‬‬

‫تاسعا ـ زكاة الرض المستأجرة‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء على رأيين في هذه الزكاة‪ ،‬أهي على المؤجر‪ ،‬أم على المستأجر (‪. )1‬‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬زكاة الرض على المؤجر؛ لنه من مؤنتها فهي كالخراج الموظّف؛ لن بدله وهو‬
‫الجرة له‪ ،‬فصار كأنه زرع بنفسه‪ ،‬ولن الرض أصل الوجوب‪.‬‬
‫وخالفه الصاحبان‪ ،‬فقالوا‪ :‬الزكاة على المستأجر؛ لن العشر يجب في الخارج‪ ،‬والخارج ملك‬
‫المستأجر‪ ،‬فكان العشر عليه كالمستعير‪ .‬لكن الفتوى على قول المام‪ ،‬وعليه العمل؛ لنه ظاهر‬
‫الرواية‪ .‬فإن كان إيجاب الزكاة على المستأجر أنفع للفقراء‪ ،‬وجبت عليه‪ ،‬وبه أفتى المتأخرون‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬إذا استأجر إنسان أرضا‪ ،‬فزرعها‪ ،‬أو استعار أرضا فزرعها‪ ،‬أو غرسها ثمرا تجب‬
‫فيه الزكاة‪ ،‬فالعشر على المستأجر والمستعير دون مالك الرض؛ لنه واجب في الزرع‪ ،‬فكان على‬
‫مالكه‪ ،‬وهو المستأجر أو المستعير‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام‪ ]141/6:‬وقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬فيما سقت السماء العشر ـ الحديث» وفي إيجاب الزكاة على المالك إجحاف‬
‫ينافي المواساة‪ ،‬وهي من حقوق الزرع‪ ،‬بدليل أنها ل تجب إن لم تزرع‪ ،‬وتتقيد بقدره‪.‬‬
‫عاشرا ـ زكاة الرض الخراجية ‪:‬‬
‫نوعا الرض‪ :‬الراضي نوعان‪ :‬عشرية وخراجية (‪. )2‬‬
‫أما العشرية‪ :‬فهي التي يجب فيها العشر الذي فيه معنى العبادة‪ ،‬وتشمل ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ أرض العرب من ال ُعذَيب (قرية من قرى الكوفة) إلى أقصى حدود اليمن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،56/2 :‬اللباب‪ ،154/1 :‬المهذب‪ ،157/1 :‬المغني‪ ،728/2 :‬كشاف القناع‪ ،253/2 :‬فتح‬
‫القدير‪ ،8/2 :‬بداية المجتهد‪.239/1 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 57/2 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪ ،139-137/4 :‬الفتاوى الهندية‪ ،219/2 :‬فتح القدير‪358/4 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 239/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/254‬‬

‫وعدن؛ لن رسول ال صلّى ال عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يأخذوا من أرض العرب‬
‫خراجا‪ ،‬فدل أنها عشرية‪.‬‬
‫ب ـ والرض التي أسلم عليها أهلها طوعا؛ لنها أرض إسلمية يناسبها ما في معنى العبادة‪.‬‬
‫جـ ـ والرض التي فتحت عنوة وقهرا‪ ،‬وقسمت بين الغانمين المسلمين؛ للعلة السابقة‪.‬‬
‫د ـ دار المسلم إذا اتخذها بستانا‪ ،‬وكان يسقى بماء العشر‪ ،‬فإن كان يسقى بماء الخراج فهو خراجي‪.‬‬
‫وأما ماأحياه المسلم من الرض الميتة بإذن المام عند الحنفية والمالكية‪ ،‬فقال أبو يوسف ‪ :‬إن كانت‬
‫من حيز أرض العشر‪ ،‬فهي عشرية‪ ،‬وإن كانت من حيز أرض الخراج‪ ،‬فهي خراجية‪ ،‬والبصرة عنده‬
‫عشرية‪ ،‬بإجماع الصحابة رضي ال عنهم ‪.‬‬
‫وقال محمد ‪ :‬إن أحياها بماء السماء‪ ،‬ببئر استنبطها‪ ،‬أو بماء النهار العظام التي لتملك مثل دجلة‬
‫والفرات‪ ،‬فهي عشرية‪ .‬وإن شق لها نهرا من أنهار العاجم‪ ،‬فهي خراجية‪.‬‬
‫وأما الخراجية‪ :‬فهي التي يجب فيها الخراج‪ ،‬لنها في الصل أرض الكفار‪ ،‬وهي الراضي التي‬
‫فتحت عنوة وقهرا‪ ،‬فمنّ المام على أهلها‪ ،‬وتركها في يد أربابها‪ ،‬بعد أن وضع على أشخاصهم‬
‫الجزية إذا لم يسلموا‪ ،‬وعلى أراضيهم الخراج‪ ،‬أسلموا أو لم يسلموا‪ ،‬مثل أرض سواد العراق والشام‬
‫ومصر والهند‪ .‬هذا رأي الحنفية ‪ .‬وقال الجمهور (‪ : )1‬الرض الخراجية ثلثة أنواع‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬ما فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ما جل عنها أهلها خوفا منا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬ما صولح أهلها عليها على أنها لنا‪ ،‬ونقرها معهم بالخراج الذي يفرضه المام عليهم‪.‬‬
‫والرض العشرية التي ل خراج عليها؛ لنها ملك أهلها‪ ،‬وهي الرض المملوكة خمسة أنواع‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬التي أسلم أهلها عليها كالمدينة المنورة ونحوها كجُواثى من قرى البحرين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ 255/2:‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ ،719-716/2 :‬الحكام السلطانية للماوردى‪ :‬ص ‪132‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬الحكام السلطانية لبي يعلى‪ :‬ص ‪ 130‬ومابعدها‪ ،‬الموال لبي عبيد‪ :‬ص ‪ 68‬وما بعدها‪:‬‬
‫‪ 100‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)3/255‬‬

‫ً‪ - 2‬ما أحياه المسلمون واختطوه‪ ،‬كالبصرة التي بنيت في خلفة عمر رضي ال عنه‪ ،‬في سنة ثمان‬
‫عشرة‪ ،‬بعد وقف سواد العراق‪ ،‬فدخلت في حده‪ ،‬دون حكمه‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬ماصولح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليها كاليمن‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬ما أقطعها الخلفاء الراشدون من سواد العراق إقطاع تمليك‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬ما فتح عنوة وقسم بين الغانمين‪ ،‬كنصف خيبر (على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة‬
‫الشام) ‪.‬‬
‫نوعا الخراج‪ :‬والخراج نوعان‪ :‬خراج وظيفة‪ ،‬وخراج مقاسمة (‪.)1‬‬
‫أما خراج الوظيفة‪ :‬فهو الضريبة المفروضة على الرض‪ ،‬سواء استغلها صاحبها أم تركها‪ .‬وقد‬
‫وظفه عمر رضي ال عنه‪ ،‬وكان في كل جريب أرض بيضاء تصلح للزراعة قفيز مما يزرع فيها‬
‫ودرهم (‪ .)2‬ومبنى هذا الخراج على الطاقة‪.‬‬
‫وأما خراج المقاسمة‪ :‬فهو الضريبة المقطوعة من الناتج الزراعي‪ ،‬كأن يؤخذ نصف الخراج أو ثلثه‬
‫أو ربعه‪ ،‬وقد فعله النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬لما فتح خيبر‪ ،‬ويكون ذلك في الخراج كالعشر‪ ،‬إل‬
‫أنه يوضع موضع الخراج؛ لنه خراج حقيقة‪.‬‬
‫واتفق العلماء على أن الرض الخراجية إذا كانت ملكا لغير مسلم‪ ،‬وجب فيها الخراج‪ ،‬ول عشر‬
‫فيها‪ ،‬وعلى أن العشرية إذا كانت لغير مسلم‪ ،‬وجب فيها العشر‪.‬‬
‫زكاة الرض الخراجية‪ :‬اختلف الفقهاء في الرض الخراجية إذا صارت ملكا لمسلم‪ ،‬هل تبقى‬
‫وظيفتها الخراج فقط‪ ،‬أو يجتمع فيها العشر والخراج أو يبدل خراجها بعشر؟‬
‫‪ - 1‬قال الحنفية (‪ : )3‬إن كانت الرض خراجية يجب فيها الخراج‪ ،‬ول يجب في الخارج منها‬
‫العشر‪ ،‬فالعشر والخراج ل يجتمعان في أرض واحدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال الئمة الثلثة (‪ : )4‬يجتمع في الخارج من أرض الخراج العشر والخراج‪.‬‬
‫الدلة‪:‬‬
‫استدل الحنفية بما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ ما روي عن ابن مسعود عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬ل يجتمع عشر وخراج في‬
‫أرض مسلم» (‪. )5‬‬
‫ب ـ لم يأخذ أحد من أئمة العدل وولة الجور من أرض سواد العراق عشرا‪ ،‬فالقول بوجوب العشر‬
‫مع الخراج يخالف الجماع‪ ،‬فيكون باطلً‪.‬‬
‫جـ ـ إن سبب كل من الخراج والعشر واحد‪ ،‬وهو الرض النامية‪ ،‬فل يجتمعان في أرض واحدة‪،‬‬
‫كما ل يجتمع زكاتان في مال واحد‪ ،‬وهي زكاة السائمة والتجارة‪.‬‬
‫واستدل الجمهور بما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ بعموم اليات والحاديث المتقدمة التي ذكرتها في فرضية زكاة الرض‪ ،‬والتي تدل على‬
‫الوجوب‪ ،‬سواء أكانت الرض خراجية أم عشرية‪.‬‬
‫ب ـ بأن الخراج والعشر حقان مختلفان ذاتا ومحلً وسببا ومصرفا ودليلً‪ ،‬أما اختلفهما ذاتا فلن‬
‫العشر فيه معنى العبادة‪ ،‬والخراج فيه معنى العقوبة‪ ،‬وأما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 2/62 :‬وما بعدها‪ ،‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪.141‬‬
‫(‪ )2‬الجريب‪ :‬أرض طولها ستون ذراعا‪ ،‬وعرضها ستون ذراعا‪ ،‬بذراع كسرى‪ ،‬يزيد على ذراع‬
‫ل فهو اثنا عشر صاعا‪.‬‬
‫العامة بقصبة‪ ،‬والقفيز عشر الجريب طولً‪ ،‬وأما كي ً‬

‫(‪ )3‬فتح القدير‪ 4/365 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،2/57 :‬اللباب‪ ،1/154 :‬مقارنة المذاهب في الفقه‪ :‬ص‬
‫‪ 51‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪ ،609/1:‬المهذب‪ ،609/1:‬المهذب‪ ،157/1 :‬المغني‪725/2 :‬‬
‫(‪ )5‬حديث ضعيف جدا ذكره ابن عدي في الكامل عن يحيى بن عنبسة‪ ،‬قال ابن حبان‪ :‬ليس هذا‬
‫الحديث من كلم النبوة ( انظر فتح القدير‪ ،366/4:‬كشاف القناع‪ ) 255/2 :‬ويحمل على الخراج الذي‬
‫هو الجزية‪.‬‬

‫( ‪)3/256‬‬

‫اختلفهما محلً فلن العشر يجب في الخارج‪ ،‬والخراج يتعلق بالذمة‪ .‬أما اختلفهما سببا فلن سبب‬
‫العشر نفس الخارج‪ ،‬فل يجب بدونه‪ ،‬وسبب الخراج‪ :‬الرض النامية أي الصالحة للزراعة‪ ،‬بدليل‬
‫وجوبه وإن لم تزرع الرض‪.‬‬
‫وأما اختلفهما مصرفا‪ :‬فلن مصرف العشر الفقراء‪ ،‬ومصرف الخراج المصالح العامة أو المقاتلة‪.‬‬
‫وأما اختلفهما دليلً‪ ،‬فلن دليل العشر النص‪ ،‬ودليل الخراج الجتهاد المبني على مراعاة المصالح‪.‬‬
‫وإذا ثبت اختلفهما من هذه الوجوه‪ ،‬فل مانع من اجتماعهما‪ ،‬فوجوب أحدهما ل يمنع وجوب الخر‪،‬‬
‫كاجتماع الجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك‪.‬‬
‫والراجح هو رأي الجمهور بسبب ضعف حديث الحنفية‪ ،‬ولن الخراج واجب اجتهادي لتقوية جماعة‬
‫المسلمين وسد الحاجات العامة‪ ،‬وأن العشر واجب ديني على المسلمين‪ ،‬فل تنافي بينهما‪ .‬وليس في‬
‫الخراج معنى العقوبة‪ ،‬إذ لو كان عقوبة لما وجب على المسلم كالجزية‪.‬‬
‫وصرح الحنفية كابن عابدين (رد المحتار ‪ )67/2‬وغيره بأن الراضي الخراجية في مصر والشام‪،‬‬
‫حيث صارت لبيت المال سقط عنها الخراج‪ ،‬لعدم من يجب عليه‪ ،‬والمأخوذ منها الن أجرة ل خراج‪،‬‬
‫ويصير العشر هو الواجب فيها‪.‬‬
‫أحد عشر ـ العاشر وضريبة العشور (‪: )1‬‬
‫العاشر ‪ :‬من نصبه المام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار‪ .‬فإذا حدث اختلف بينه وبين‬
‫التجار‪ ،‬فأنكر أحدهم تمام الحول‪ ،‬أو الفراغ من الدين‪ ،‬كان منكرا لوجوب الزكاة‪ ،‬والقول قول المنكر‬
‫بيمينه‪.‬‬
‫وكذا إذا قال‪ :‬أديتها إلى عاشر آخر‪ ،‬أو أديتها أنا إلى الفقراء في بلدي‪ ،‬صدق بيمينه‪.‬‬
‫وما صدق فيه المسلم‪ ،‬صدق فيه الذمي‪ ،‬تخفيفا عنه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪. 536-530/1 :‬‬

‫( ‪)3/257‬‬
‫ومقدار ما يأخذه العاشر من المسلم‪ :‬ربع العشر‪ ،‬ومن الذمي نصف العشر ومن الحربيين العشر‪،‬‬
‫بدليل ما رواه محمد بن الحسن عن زياد بن حَدير‪ ،‬قال‪« :‬بعثني عمر بن الخطاب رضي ال عنه إلى‬
‫عين التمر مصدّقا‪ ،‬فأمرني أن آخذ من المسلمين من أموالهم إذا اختلفوا بها للتجارة ربع العشر‪ ،‬ومن‬
‫أموال أهل الذمة نصف العشر‪ ،‬ومن أموال أهل الحرب العشر» ‪.‬‬
‫والصل المقرر عند الحنفية في الخذ من الحربيين‪ :‬هو المعاملة بالمثل‪ ،‬فإن كانوا ل يأخذون أصلً‬
‫ل نأخذ منهم شيئا‪ ،‬ليتركوا الخذ من تجارنا‪ ،‬ولنا أحق بمكارم الخلق‪ ،‬وإن مر حربي بخمسين‬
‫درهما لم يؤخذ منه شيء إل أن يكونوا يأخذون منا من مثلها؛ لن المأخوذ زكاة أو ضعفها‪ ،‬فل بد‬
‫من النصاب‪ .‬وإن مر حربي بمئتي درهم (وهو نصاب الزكاة) ول يعلم كم يأخذون منا‪ ،‬نأخذ منه‬
‫العشر‪ ،‬لقول عمر رضي ال عنه‪« :‬فإن أعياكم فالعشر» ‪.‬‬
‫وإن مر حربي على عاشر‪ ،‬فعشره‪ ،‬ثم مرّ مرة أخرى‪ ،‬لم يعشره حتى يحول الحول؛ لن الخذ في‬
‫كل مرة استئصال المال‪ ،‬وحق الخذ لحفظه‪ ،‬ولن حكم المان الول باق‪ ،‬وأما بعد الحول فيتجدد‬
‫المان؛ لنه ل يمكن من القامة في دارنا إل حولً‪ ،‬والخذ بعده ل يستأصل المال‪.‬‬
‫فإن عشره‪ ،‬فرجع إلى دار الحرب‪ ،‬ثم خرج من يومه ذلك‪ ،‬عشره أيضا؛ لنه رجع بأمان جديد‪ ،‬وكذا‬
‫الخذ بعده ل يفضي إلى استئصال المال‪ .‬وإن مر ذمي بخمر أو خنزير بنية التجارة وتبلغ القيمة‬
‫مئتي درهم‪ ،‬عشر عند أبي حنيفة ومحمد الخمر من قيمتها دون الخنزير؛ لن حق الخذ للحماية‪،‬‬
‫والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل‪ ،‬فكذا يحميها على غيره‪ ،‬ول يحمي خنزير نفسه‪ ،‬بل يجب تسييبه‬
‫بالسلم‪ ،‬فكذا ل يحميه على غيره‪ .‬وقال أبو يوسف‪ :‬يعشرهما إذا مر بهما جملة‪ ،‬كأنه جعل الخنزير‬
‫تبعا للخمر‪ ،‬فإن مر بكل واحد على النفراد‪ ،‬عشر الخمر دون الخنزير‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل يعشرهما؛ لنه ل قيمة لهما‪.‬‬

‫( ‪)3/258‬‬

‫وإن مر الحربي المضارب بمال غيره بمئتي درهم على العاشر‪ ،‬لم يعشرها؛ لنه ليس بمالك ول‬
‫نائب عن المالك في أداء الزكاة‪ ،‬إل أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا‪ ،‬فيؤخذ منه؛ لنه مالك‬
‫له‪.‬‬
‫اثنا عشر ـ إخراج الزكاة وإسقاطها‪:‬‬
‫أبحث هنا موضوعات‪:‬‬
‫الول ـ ركن الخراج‪:‬‬
‫هو التمليك‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وآتوا حقه يوم حصاده} [النعام‪ ]141/6:‬واليتاء هو التمليك‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وآتوا الزكاة} [البقرة‪ ]277/2:‬فل تتأدى بطعام الباحة‪ ،‬وبما ليس بتمليك من بناء المساجد ونحو ذلك‬
‫( ‪. )1‬‬
‫الثاني ـ كيفية الخراج‪:‬‬
‫ل خلف بين العلماء في أنه إذا كان المال الذي فيه الزكاة نوعا واحدا‪ ،‬أخذ منه‪ ،‬جيدا كان أو رديئا؛‬
‫لن حق الفقراء يجب على طريقة المواساة‪ ،‬فهم بمنزلة الشركاء‪.‬‬
‫وإن كان أنواعا‪ ،‬أخذ من كل نوع ما يخصه‪ ،‬في رأي الحنابلة والحنفية‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يؤخذ من‬
‫الوسط‪ ،‬ل من العلى ول من الدنى‪ ،‬ول من كل نوع‪ ،‬للمشقة‪ ،‬إل أن يتطوع المزكي بدفع العلى‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يؤخذ من كل نوع جزء منه‪ ،‬فإن عسر أخرج الوسط‪.‬‬
‫ول يجوز اتفاقا إخراج الرديء‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة‪. )2( ]267/2:‬‬
‫ول يجوز أخذ الجيد عن الرديء‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إياك وكرائم أموالهم» (‪ )3‬إل‬
‫أن يتطوع رب المال بذلك‪.‬‬
‫الثالث ـ وقت إخراج الزكاة‪:‬‬
‫ل تؤخذ زكاة الحبوب إل بعد التصفية‪ ،‬ول زكاة الثمار إل بعد الجفاف‪ ،‬بالتفاق (‪ )4‬؛ لنه أوان‬
‫الكمال وحال الدخار‪ ،‬ومؤنة التصفية والحصاد والجفاف إلى حين الخراج على المالك‪ ،‬ول يحسب‬
‫شيء منها من الزكاة بالتفاق‪ ،‬لن الثمرة كالماشية‪ ،‬ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها والقيام عليها إلى‬
‫حين الخراج على صاحبها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 64/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 712/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،619/1 :‬مغني المحتاج‪ ،384/1 :‬الشرح الكبير مع‬
‫الدسوقي‪ 454/1:‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة عن ابن عباس‪ :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن‪(..‬نيل‬
‫الوطار‪.)114/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المجموع‪ ،481/5 :‬المغني‪.711/2 :‬‬

‫( ‪)3/259‬‬
‫فإن أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء‪ ،‬ويرده إن كان رطبا بحاله‪ ،‬وإن تلف رد مثله‪ ،‬وإن‬
‫جففه وكان قدر الزكاة‪ ،‬فقد استوفى الواجب‪ ،‬وإن كان دونه أخذ الباقي‪ ،‬وإن كان زائدا رد الفضل‪.‬‬
‫وإن كان المخرج لها رب المال‪ ،‬لم يجزه‪ ،‬ولزمه إخراج الفضل بعد التجفيف؛ لنه أخرج غير‬
‫الفرض‪ ،‬فلم يجزه‪ ،‬كما لو أخرج الصغير من الماشية عن الكبار‪.‬‬
‫الرابع ‪ -‬تقدير الواجب في الثمار بالخرص‪:‬‬
‫الخرص ‪ :‬الحزر والتخمين أي التقدير الظني بواسطة رجل عدل خبير‪.‬‬
‫وقد أنكر الحنفية الخرص؛ لنه رجم بالغيب‪ ،‬وظن وتخمين ل يلزم به حكم‪ ،‬كما أنكروا القرعة‪،‬‬
‫وإنما كان الخرص تخويفا للكره (الحراثين) لئل يخونوا (‪. )1‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )2‬يسن خرص الثمار (التمر والعنب) دون غيرهما كالزيتون‪ ،‬إذا بدا صلحها أو‬
‫طيبها‪ ،‬ل قبله‪ ،‬وينبغي للمام أن يبعث ساعيه إذا بدا صلح الثمار ليخرصها ويعرف قدر الزكاة‪،‬‬
‫ويعرّف المالك ذلك‪ .‬فإن لم يبعث المام أحدا فللمالك أن يأتي بعارف يخرص ما في بستانه من التمر‬
‫والعنب‪ ،‬سواء أكان من شأنهما اليبس أم ل‪ ،‬كرطب وعنب مصر‪ ،‬ليضبط ما تجب الزكاة فيه منهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،706/2 :‬الموال‪ :‬ص ‪ 493‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،452/1 :‬الشرح الصغير‪ 617/1 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 389/1 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫المغني‪.710-706/1 :‬‬

‫( ‪)3/260‬‬

‫ودليلهم‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم «كان يبعث على الناس من يخرُص عليهم كرومهم وثمارهم»‬
‫وقال عَتّاب بن أسيد‪« :‬أمر رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن ُيخْرَص العنب‪ ،‬كما يخرص النخل‪،‬‬
‫فتؤخذ زكاته زبيبا‪ ،‬كما تؤخذ صدقة النخل تمرا» (‪. )1‬‬
‫ترك الثلث أو الربع‪ :‬ويدخل جميع الثمر في الخرص‪ ،‬ويترك الخارص عند الشافعية والحنابلة الثلث‬
‫أو الربع توسعة على أرباب الموال‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم في حديث سهل بن أبي حثمة‪« :‬إذا‬
‫خرصتم فخذوا‪ ،‬ودعوا الثلث‪ ،‬فإن لم تدَعوا الثلث‪ ،‬فدعوا الربع» (‪ )2‬ول يترك عند الحنفية والمالكية‬
‫شيء؛ لن في إسناد حديث سهل راويا ل يعرف حاله‪ ،‬كما قال ابن القطان‪.‬‬
‫الكتفاء بخارص واحد‪ :‬ويجزئ خارص واحد؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم كان يبعث عبد ال بن‬
‫َروَاحة‪ ،‬فيخرُص النخل حين يطيب (‪ ، )3‬ولم يذكر معه غيره‪ ،‬ولن الخارص يفعل ما يؤديه اجتهاده‬
‫إليه‪ ،‬فهو كالحاكم والقائف‪.‬‬
‫شروط الخارص ‪ -‬شرط الخارص‪ :‬العدالة أو المانة؛ لن الفاسق ل يقبل قوله‪ ،‬والحرية والذكورة؛‬
‫لن الخرص ولية‪ ،‬وليس الرقيق والمرأة من أهلها‪ .‬ولبد أن يكون عالما بالخرص؛ لن الخرص‬
‫اجتهاد‪ ،‬والجاهل بالشيء ليس من أهل الجتهاد فيه‪.‬‬
‫صفة الخرص ‪ -‬صفة الخرص تختلف باختلف الثمر‪ :‬فإن كان نوعا واحدا‪ ،‬فإنه يطيف بكل نخلة أو‬
‫شجرة‪ ،‬وينظركم في الجميع رطبا أو عنبا‪ ،‬ثم يقدر ما يجيء منها تمرا‪ .‬وإن كان أنواعا‪ ،‬خرص كل‬
‫نوع على حدته؛ لن النواع تختلف‪ ،‬فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره‪ ،‬ومنها ما يكون بالعكس‪ ،‬وهكذا‬
‫العنب‪.‬‬
‫فإذا خرص على المالك وعرّفه قدر الزكاة‪ ،‬خيره الخارص بين أن يضمن قدر الزكاة‪ ،‬ويتصرف فيها‬
‫بما شاء من أكل وغيره‪ ،‬وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى الحديث الول الترمذي وابن ماجه عن عَتّاب بن أسيد‪ ،‬وروى الثاني أبو داود والترمذي‬
‫(نيل الوطار‪.)143/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة إل ابن ماجه ( المرجع السابق) وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود عن عائشة ( المرجع السابق)‪.‬‬

‫( ‪)3/261‬‬

‫فإن اختار حفظها ثم أتلفها بتفريطه‪ ،‬فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص‪ .‬وإن أتلفها أجنبي‪ ،‬فعليه‬
‫قيمة ما أتلف‪ .‬وإن تلفت بجائحة سماوية‪ ،‬سقط عن الملك الخرص؛ لنها تلفت قبل استقرار زكاتها‪،‬‬
‫ويسقط من الزكاة بمقدار التالف‪ ،‬ويزكى الباقي إن لم يتلف الكل‪ ،‬وكان الباقي بمقدار النصاب‪.‬‬
‫وإن ادعى المالك هلك الثمار أو تلفها بغير تفريطه‪ ،‬بسبب خفي كالسرقة‪ ،‬أو ظاهر كحريق أو برد‬
‫أو نهب‪ ،‬صدق قوله بيمينه عند الشافعية‪ ،‬وبغير يمين عند الحنابلة‪.‬‬
‫خطأ الخارص‪ :‬إذا أخطأ الخارص التقدير‪ :‬فزاد أو نقص‪ ،‬يلزم المالك عند المام مالك بما قال‬
‫الخارص‪ ،‬زاد أو نقص‪ ،‬إذا كانت الزكاة متقاربة؛ لنه حكم واقع ل نقض له (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬إن ادعى المالك حيف الخارص أو غلطه بما يبعد‪ ،‬أي ل يقع عادة من أهل‬
‫المعرفة بالخرص كالربع مثلً‪ ،‬لم يقبل قوله إل ببينة‪ .‬وإن كان بمحتمل‪ ،‬قبل في الصح‪ ،‬وحط عنه‬
‫ما ادعاه؛ لنه أمين‪ ،‬فوجب الرجوع إليه في دعوى نقصه عند كيله؛ لن الكيل يقين‪ ،‬والخرص‬
‫تخمين‪ ،‬فالحالة عليه أولى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموال‪ :‬ص ‪ 494‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.388/1 :‬‬

‫( ‪)3/262‬‬

You might also like