Professional Documents
Culture Documents
وتصرف الولي و الوصي أو الوكيل لم يثبت له ابتداء ،وإنما بطريق النيابة الشرعية عن غيره،
فيكون القاصر أو المجنون ونحوهما هو المالك ،إل أنه ممنوع من ا لتصرف بسبب نقص أهليته أو
فقدانها ،ويعود له الحق بالتصرف عند زوال المانع أو العارض.
صلُ الثّاني :قابليّة المال للتّملك وعدمها
ال َف ْ
المال في الصل قابل بطبيعته للتملك ،لكن قد يعرض له عارض يجعله غير قابل في كل الحوال أو
في بعضها للتملك ،فيتنوع المال بالنسبة لقابليته للتملك إلى ثلثة أنواع:
- 1ما ل يقبل التمليك ول التملك بحال :وهو ما خصص للنفع العام كالطرق العامة والجسور
والحصون والسكك الحديدية والنهار والمتاحف والمكتبات العامة والحدائق العامة ونحوها .فهذه
الشياء غير قابلة للتملك لتخصيصها للمنافع العامة .فإذا زالت عنها تلك الصفة عادت لحالتها
الصلية ،وهي قابلية التملك ،فالطريق إذا استغني عنه أو ألغي جاز تملكه.
- 2ما ل يقبل التملك إل بمسوغ شرعي :كالموال الموقوفة وأملك بيت المال ،أي الموال الحرة
في عرف القانونيين .فالمال الموقوف ل يباع ول يوهب إل إذا تهدم أو أصبحت نفقاته أكثر من
إيراده ،فيجوز للمحكمة الذن باستبداله (. )1
وأملك بيت المال (أو وزارة المالية ،أو الحكومة) ل يصح بيعها إل برأي الحكومة لضرورة أو
مصلحة راجحة ،كالحاجة إلى ثمنها ،أو الرغبة فيها بضعف الثمن ونحوها؛ لن أموال الدولة كأموال
اليتيم عند الوصي ل يتصرف فيها إل للحاجة أو المصلحة ،قال الخليفة عمر رضي ال عنه:
-------------------------------
( )1أجاز الحنفية الستبدال بالموقوف أرضا للحاجة والمصلحة ،فقالوا :يجوز للقاضي النزيه العدل
الذن باستبدال الوقف ،بشرط أن يخرج عن النتفاع بالكلية ،وأن ل يكون هناك ريع للوقف يعمر به،
وأن ل يكون البيع بغبن فاحش ،وأن يستبدل بعقار ل بدراهم ودنانير (الدر المختار ورد المحتار:
.)425/3
( )6/350
( )6/351
( )6/352
وعند الشافعية والحنابلة :هي إباحة المنفعة بل عوض .فليس للمستعير إعارة المستعار إلى غيره.
وأما الجارة :فهي تمليك المنفعة بعوض .وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه ،أو بغيره مجانا أو
بعوض إذا لم تختلف المنفعة باختلف المنتفعين ،حتى ولو شرط
المؤجر على المستأجر النتفاع بنفسه .فإن اختلف نوع المنفعة كان ل بد من إذن المالك المؤجر.
وأما الوقف :فهو حبس العين عن تمليكها لحد من الناس وصرف منفعتها إلى الموقوف عليه.
فالوقف يفيد تمليك المنفعة للموقوف عليه ،وله استيفاء المنفعة بنفسه ،أو بغيره إن أجاز له الواقف
الستثمار ،فإن نص على عدم الستغلل ،أو منعه العرف منه ،فليس له الستغلل.
وأما الوصية بالمنفعة :فهي تفيد ملك المنفعة فقط في الموصى به ،وله استيفاء المنفعة بنفسه ،أو
بغيره بعوض أو بغير عوض إن أجاز له الموصي الستغلل.
( )6/353
وأما الباحة :فهي الذن باستهلك الشيء أو باستعماله ،كالذن بتناول الطعام أو الثمار ،والذن العام
بالنتفاع بالمنافع العامة كالمرور في الطرقات والجلوس في الحدائق ودخول المدارس والمشافي.
والذن الخاص باستعمال ملك شخص معين كركوب سيارته ،أو السكن في داره.
وسواءأكانت الباحة مفيدة ملك النتفاع بالشيء بالفعل أو بإحرازه كما يرى الحنفية ،أم مجرد النتفاع
الشخصي كما يرى المالكية ،فإن الفقهاء متفقون على أنه ليس للمنتفع إنابة غيره في النتفاع بالمباح
له ،ل بالعارة ول بالباحة لغيره.
والفرق بين الباحة والملك هو :
أن الملك يكسب صاحبه حق التصرف في الشيء المملوك ما لم يوجد مانع .أما الباحة :فهي حق
النسان بأن ينتفع بنفسه بشيء بموجب إذن .والذن قد يكون من المالك كركوب سيارته ،أو من
الشرع كالنتفاع بالمرافق العامة ،من طرقات وأنهار ومراعٍ ونحوها .فالمباح له الشيء ل يملكه ول
يملك منفعته ،بعكس المملوك.
خصائص حق المنفعة أو النتفاع الشخصي :
يتميز الملك الناقص أو حق المنفعة الشخصي بخصائص أهمها مايأتي:
- 1يقبل الملك الناقص التقييد بالزمان والمكان والصفة عند إنشائه ،بعكس الملك التام ،فيجوز لمن
يعير سيارته لغيره أو يوصي بمنفعة داره أن يقيد المنتفع بمدة معينة كشهر مثلً ،وبمكان معين
كالركوب في المدينة ل في الصحراء ،وأن يركبها بنفسه ل بغيره.
- 2عدم قبول التوارث عند الحنفية خلفا لجمهور الفقهاء :فل تورث المنفعة عند الحنفية؛ لن
الرث يكون للمال الموجود عند الموت ،والمنافع ل تعتبر مالً عندهم كما تقدم.
أما عند غير الحنفية فتورث المنافع في المدة الباقية؛ لن المنافع عندهم أموال كما أوضحت ،فتورث
كغيرها من الموال ،فمن أوصى لغيره بسكنى داره مدة معلومة ،ثم مات قبل انتهاء هذه المدة،
فلورثته الحق بسكنى الدار إلى نهاية المدة .وهذا هو الراجح؛ لن المنفعة مال.
( )6/354
- 3لصاحب حق المنفعة تسلم العين المنتفع بها ولو جبرا عن مالكها .ومتى تسلمها تكون أمانة في
يده ،فيحافظ عليها كما يحافظ على ملكه الخاص ،وإذا هلكت أو تعيبت ل يضمنها إل بالتعدي أو
بالتقصير في حفظها .وما عدا ذلك لضمان عليه.
- 4على المنتفع ما تحتاجه العين من نفقات إذا كان انتفاعه بها مجانا ،كما في العارة .فإن كان
النتفاع بعوض كما في الجارة فعلى مالك العين نفقاتها.
- 5على المنتفع بعد استيفاء منفعته تسليم العين إلى مالكها متى طلبها إل إذا تضرر المنتفع .كما إذا
لم يحن وقت حصاد الزرع في أرض مستأجرة أو مستعارة ،فله إبقاء الرض بيده حتى موسم
الحصاد ،ولكن بشرط دفع أجر المثل.
انتهاء حق المنفعة :
حق المنفعة حق مؤقت كما عرفنا ،فينتهي بأحد المور التالية:
- 1انتهاء مدة النتفاع المحددة.
- 2هلك العين المنتفع بها أو تعيبها بعيب ل يمكن فيه معه استيفاء المنفعة .كانهدام دار السكنى ،أو
صيرورة أرض الزراعة سبخة أو ملحة .فإن حصل ذلك بتعدي مالك العين ضمن عينا أخرى،
كالموصى له بركوب سيارة ثم عطلها ،فعليه تقديم سيارة أخرى.
- 3وفاة المنتفع عند الحنفية؛ لن المنافع ل تورث عندهم.
- 4وفاة مالك العين إذا كانت المنفعة من طريق العارة أو الجارة؛ لن العارة عقد تبرع ،وهو
ينتهي بموت المتبرع ،ولن ملكية المأجور تنتقل إلى ورثة المؤجر ،وهذا عند الحنفية ،وقال الشافعية
والحنابلة :العارة عقد غير لزم فيجوز للمعير أو لورثته الرجوع عنها ،سواء أكانت مطلقة أم
مؤقتة .وقال المالكية :العارة المؤقتة عقد لزم ،فمن أعار دابة إلى موضع كذا ،لم يجز له أخذها
قبل ذلك ،وإل لزمه إبقاؤها قدر ما ينتفع بالمستعار النتفاع المعتاد.
( )6/355
وبه يتبين أن الجمهور يقولون :إن العارة ل تنتهي بموت المعير أو المستعير ،وكذلك الجارة ل
تنتهي بموت أحد العاقدين؛ لنها عقد لزم كالبيع .أما إذا كانت المنفعة من طريق الوصية أو الوقف،
فل ينتهي حق المنفعة بموت الموصي؛ لن الوصية تبدأ بعد موته ،ول بموت الواقف؛ لن الوقف إما
مؤبد ،أو مؤقت فيتقيد بانتهاء مدته4670 .
- 3ملك المنفعة العيني أو حق الرتفاق :
حق الرتفاق :هو حق مقرر على عقار لمنفعة عقار آخر ،مملوك لغير مالك العقار الول .وهو حق
دائم يبقى ما بقي العقاران ،دون نظر إلى المالك ،مثل حق الشّرب ،وحق المجرى ،وحق المسيل،
وحق المرور ،وحق الجوار ،وحق العلو.
أما حق الشّرب :فهو النصيب المستحق من الماء لسقي الزرع والشجر ،أو نوبة النتفاع بالماء لمدة
معينة لسقي الرض.
شفَة :وهو حق شرب النسان والدواب والستعمال المنزلي .وسمي بذلك؛ لن
ويلحق به حق ال ّ
الشرب يكون عادة بالشفة.
والماء بالنسبة لهذا الحق أربعة أنواع (: )1
آ ـ ماء النهار العامة كالنيل ودجلة والفرات ونحوها من النهار العظيمة :لكل واحد النتفاع به،
لنفسه ودوابه وأراضيه ،بشرط عدم الضرار بالغير لحديث« :الناس شركاء في ثلث :الماء والكل
والنار» وحديث« :ل ضرر ول ضرار» .
ب ـ ماء الجداول والنهار الخاصة ،المملوكة لشخص :لكل إنسان حق الشفة منه ،لنفسه ودوابه،
وليس لغير مالكه سقي أراضيه إل بإذن مالك المجرى.
جـ ـ ماء العيون والبار والحياض ونحوها المملوكة لشخص :يثبت فيها كالنوع الثاني حق الشفة
دون حق الشرب .فإن أبى صاحب الماء ،ومنع الناس من الستقاء لنفسهم ودوابهم ،كان لهم قتاله
حتى ينالوا حاجتهم ،إذ لم يجدوا ماء قريبا آخر.
-------------------------------
( )1البدائع 188/6 :ومابعدها ،تكملة فتح القدير ،144/8 :القوانين الفقهية :ص ،339نهاية المحتاج:
،255/4المغني.531/5 :
( )6/356
د ـ الماء المحرز في أوان خاصة :كالجرار والصهاريج ،ل يثبت لحد حق النتفاع به بأي وجه إل
برضا صاحب الماء؛ لن الرسول عليه الصلة والسلم نهى عن بيع الماء إل ما حمل منه .لكن
المضطر إلى هذا الماء الذي يخاف على نفسه الهلك من العطش ،له أخذ ما يحتاجه منه ،ولو بالقوة
ليدفع عن نفسه الهلك ،ولكن مع دفع قيمته؛ لن «الضطرار ل يبطل حق الغير» .
وحق المجرى :هو حق صاحب الرض البعيدة عن مجرى الماء في إجرائه من ملك جاره إلى أرضه
لسقيها .وليس للجار أن يمنع مرور الماء لرض جاره ،وإل كان له إجراؤه جبرا عنه ،دفعا للضرر
عنه.
وحق المسيل :هو مجرى على سطح الرض ،أو أنابيب تنشأ لتصريف المياه الزائدة عن الحاجة ،أو
غير الصالحة حتى تصل إلى مصرف عام أو مستودع ،كمصارف الراضي الزراعية أو مياه
المطار أو الماء المستعمل في المنازل .والفرق بين المسيل والمجرى :أن المجرى لجلب المياه
الصالحة للرض ،والمسيل لصرف الماء غير الصالح عن الرض أو عن الدار .وحكمه مثل حق
المجرى ،ليس لحد منعه إل إذا حدث ضرر بيّن.
وحق المرور :وهو حق صاحب عقار داخلي بالوصول إلى عقاره من طريق يمر فيه ،سواء أكان
الطريق عاما غير مملوك لحد ،أم خاصا مملوكا للغير .فالطريق العام يحق لكل إنسان المرور فيه.
والطريق الخاص :يحق لصحابه المرور فيه وفتح البوب والنوافذ عليه ،وليس لهم سده أمام العامة
لللتجاء إليه.
وحق الجوار :الجوار نوعان :علوي وجانبي .وفيه حقان:
ً - 1حق التعلي :وهو الثابت لصاحب العلو على صاحب السفل.
ً 2ـ حق الجوار الجانبي :وهو الثابت لكل من الجارين على الخر.
( )6/357
ولصاحب حق التعلي حق القرار على الطبقة السفلى ،وهو حق ثابت دائما لصاحب العلو ،ل يزول
بهدم العقار كله أو انهدام السفل ،وله ولورثته إعادة بنائه حين يريد ،وليس لصاحب العلو أو السفل أن
يتصرف في بنائه تصرفا يضر بالخر .وإذا انهدم السفل وجب على صاحبه إعادة بنائه ،فإن امتنع
أجبر على ذلك قضاء ،فإن رفض كان لصاحب العلو البناء ويرجع على الخر بالنفقات ،إذا بني بإذن
القاضي أو إذن صاحب السفل .فإن بنى من غير إذن رجع بقيمة البناء وقت تمامه ،ل بما أنفق؛ لنه
لم يكن وكيلً بالنفاق.
وليس لصاحب الجوار الجانبي إل حق واحد :وهو أل يضر أحدهما بصاحبه ضررا فاحشا بينا :وهو
كل ما يمنع المنفعة الصلية المقصودة من البناء كالسكنى أو يكون سببا لهدم البناء أو وهن فيه.
فالضرر في كل أنواع الجوار ممنوع ،أما التصرفات التي يشكل أمرها في الجوار العلوي فل يعلم،
أيحصل منها ضرر أم ل ،كفتح باب ونافذة في الطابق السفل ،أو وضع متاع ثقيل في الطابق العلى
قد يؤثر في السقف ،فهذه مختلف في منعها ( : )1فقال أبو حنيفة :يمنع هذا التصرف إل بإذن الجار؛
لن الصل في تصرفات المالك في ملكه ،التي يتعلق بها حق الغير :هو المنع والحظر؛ لن ملكه
ليس خالصا ،فل يباح له إل ما يتعين فيه عدم الضرر ،ويتوقف ماعداه على إذن صاحب الحق
ورضاه .وهذا الرأي هو المفتى به عند الحنفية.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،503/5 :رد المحتار على الدر المختار لبن عابدين ،373/4 :ط البابي الحلبي:
البدائع ،264/6 :البحر الرائق ،32/7 :تبيين الحقائق للزيلعي.196/4 :
( )6/358
وقال الصاحبان :الصل في تصرف الجار الباحة؛ لن صاحب العلو تصرف في ملكه ،والمالك حر
التصرف في ملكه ما لم يكن فيه ضرر لغيره بيقين ،فيمنع منه حينئذ ،ويبقى ما عداه على الباحة،
وهذا الرأي في تقديري هو المعقول الواجب التباع .فيصبح حكم الجوار الجانبي والعلوي واحدا وهو
إباحة التصرف في الملك ما لم يترتب على التصرف ضرر فاحش بالجار ،فإن وقع الضرر ،وجب
على المتعدي ضمانه ،سواء أكان الضرر مباشرا أم بالتسبب .وهو رأي المالكية وباقي المذاهب أيضا
( . )1
أمور ثلثة متعلقة بحقوق الرتفاق :
الول ـ الفرق بين حق الرتفاق وحق النتفاع الشخصي :
يفترق حق الرتفاق عن حق النتفاع من نواح تالية:
- 1حق الرتفاق يكون دائما مقررا على عقار ،فتنقص به قيمة العقار المقرر عليه .أما حق النتفاع
الشخصي فقد يتعلق بعقار كوقف العقار أو الوصية به أو إجارته أو إعارته .وقد يتعلق بمنقول
كإعارة الكتاب وإجارة السيارة.
- 2حق الرتفاق مقرر لعقار إل حق الجوار فقد يكون لشخص أو لعقار .أما حق النتفاع فإنه دائما
مقرر لشخص معين باسمه أو بوصفه.
- 3حق الرتفاق حق دائم يتبع العقار وإن تعدد الملك .وحق النتفاع الشخصي مؤقت ينتهي
بأحوال معينة كما تقدم.
- 4حق الرتفاق يورث حتى عند الحنفية الذين ل يعتبرونه مالً؛ لنه تابع للعقار .وأما حق النتفاع
فمختلف في إرثه بين الفقهاء كما سبق بيانه.
الثاني ـ خصائص حقوق الرتفاق :
لحقوق الرتفاق أحكام عامة وخاصة.
-------------------------------
( )1المنتقى على الموطأ 40/6 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،341نيل الوطار ،261/5 :ط
العثمانية.
( )6/359
فأحكامها العامة أنها إذا ثبتت تبقى مالم يترتب على بقائها ضرر بالغير ،فإن ترتب عليها ضرر أو
أذى وجب إزالتها ،فيزال السيل القذر في الطريق العام ،ويمنع حق الشرب إذا أضر بالمنتفعين،
ويمنع سير السيارة في الشارع العام إذا ترتب عليها ضرر كالسير بسرعة فائقة ،أو في التجاه
المعاكس ،عملً بالحديث النبوي« :ل ضرر ول ضرار» ولن المرور في الطريق العام مقيد بشرط
السلمة فيما يمكن الحتراز عنه ( ، )1ولن «الضرر ل يكون قديما» .
وأما الحكام الخاصة فسوف أذكرها في بحث حقوق الرتفاق المخصص لكل نوع منها.
الثالث ـ أسباب حقوق الرتفاق :
تنشأ حقوق الرتفاق بأسباب متعددة منها:
- 1الشتراك العام :كالمرافق العامة من طرقات وأنهار ومصارف عامة ،يثبت الحق فيها لكل عقار
قريب منها ،بالمرور والسقي وصرف المياه الزائدة عن الحاجة؛ لن هذه المنافع شركة بين الناس
فيباح لهم النتفاع بها ،بشرط عدم الضرار بالخرين.
- 2الشتراط في العقود :كاشتراط البائع على المشتري أن يكون له حق مرور بها ،أو حق شرب
لرض أخرى مملوكة له .فيثبت هذان الحقان بهذا الشرط.
- 3التقادم :أن يثبت حق ارتفاق لعقار من زمن قديم ل يعلم الناس وقت ثبوته ،كإرث أرض زراعية
لها حق المجرى أو المسيل على أرض أخرى؛ لن الظاهر أنه ثبت بسبب مشروع حملً لحوال
الناس على الصلح ،حتى يثبت العكس.
صلُ الخامِس :أسباب المُلك التّام
ال َف ْ
إن أسباب أو مصادر الملكية التامة في الشريعة أربعة وهي:
الستيلء على المباح ،والعقود ،والخلَفية ،والتولد من الشيء المملوك .وفي القانون المدني هي ستة:
الستيلء على ما ليس له مالك من منقول أو عقار ،والميراث وتصفية التركة ،والوصية،
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار.427/5 :
( )6/360
( )6/361
( )6/362
والحياء يفيد الملك لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :من أحيا أرضا ميتة فهي له» سواء أكان
الحياء بإذن الحاكم أم ل عند جمهور الفقهاء .وقال أبو حنيفة ومالك :ل بد من إذن الحاكم .وإحياء
الرض الموات يكون بجعلها صالحة للنتفاع بها كالبناء والغرس والزراعة والحرث وحفر البئر.
وعمل مستصلح الرض لحيائها يسمى فقها «التحجير» وقد حدد بثلث سنين ،قال عمر« :ليس
لمتحجر بعد ثلث سنين حق» .
ثانيا ـ الصطياد :الصيد :هو وضع اليد على شيء مباح غير مملوك لحد .ويتم إما بالستيلء
الفعلي على المصيد وهو المساك ،أو بالستيلء الحكمي :وهو اتخاذ فعل يعجز الطير أو الحيوان أو
السمك عن الفرار ،كاتخاذ الحياض لصيد السماك ،أو الشباك ،أو الحيوانات المدربة على الصيد
كالكلب والفهود والجوارح المعلّمة (. )1
والصيد حلل للنسان إل إذا كان مُحْرما بالحج أو العمرة ،أو كان المصيد في حرم مكة المكرمة أو
المدينة المنورة ،قال تعالى{ :أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ،وحرم عليكم صيد البر
ما دمتم حرما} [المائدة.]69/5:
والصيد من أسباب الملكية ،لكن يشترط في الستيلء الحكمي ل الستيلء الحقيقي قصد التملك عملً
بقاعدة «المور بمقاصدها» .فمن نصب شبكة فتعلق بها صيد ،فإن كان قد نصبها للجفاف ،فالصيد
لمن سبقت يده إليه؛ لن نيته لم تتجه إليه .وإن كان قد نصبها للصيد ملكه صاحبها كما تبين ،وإن
أخذه غيره كان متعديا غاصبا .ولو أفرخ طائر في أرض إنسان كان لمن سبقت إليه يده إل إذا كان
صاحب الرض هيأها لذلك.
وإذا دخل طائر في دار إنسان ،فأغلق صاحبها الباب لخذه ،ملكه .وإن أغلقه صدفة ،لم يملكه .وهكذا
لو وقع الصيد في حفرة أو ساقية ،المعول في تملكه على نية صيده ،وإل فلمن سبقت إليه يده.
-------------------------------
( )1قال تعالى{ :يسألونك ماذا أحل لهم ،قل :أحل لكم الطيبات ،وما علمتم من الجوارح مكلبين،
تعلمونهن مما علمكم ال ،فكلوا مما أمسكن عليكم ،واذكروا اسم ال عليه ،واتقوا ال ،إن ال سريع
الحساب} [المائدة.]4/5:
( )6/363
( )6/364
والمعدن والكنز يشملها عند الحنفية كلمة «الركاز» :وهو ما ركز في باطن الرض ،سواء أكان
بخلق ال كفلزات الحديد والنحاس وغيرها ،أم كان بصنع الناس كالموال التي يدفنها الناس فيها.
وحكمها واحد في الحديث النبوي« :وفي الركاز الخمس» (. )1
وقال المالكية والشافعية والحنابلة :الركاز :دفين الجاهلية .والمعدن :دفين أهل السلم.
حكم المعادن :
اختلف الفقهاء في تملك المعادن بالستيلء عليها ،وفي إيجاب حق فيها للدولة إذا وجدت في أرض
ليست مملوكة.
أما تملك المعادن فللفقهاء فيه رأيان:
قال المالكية في أشهر أقوالهم ( : )2جميع أنواع المعادن ل تملك بالستيلء عليها ،كما ل تملك تبعا
لملكية الرض ،بل هي للدولة يتصرف فيها الحاكم حسبما تقضي المصلحة؛ لن الرض مملوكة
بالفتح السلمي للدولة ،ولن هذا الحكم مما تدعو إليه المصلحة.
وقال الحنفية ( : )3المعادن تملك بملك الرض؛ لن الرض إذا ملكت ملكت بجميع أجزائها ،فإن
كانت مملوكة لشخص كانت ملكا له ،وإن كانت في أرض للدولة فهي للدولة ،وإن كانت في أرض
غير مملوكة فهي للواجد؛ لنها مباحة تبعا للرض ،وذلك على تفصيل سيأتي في بحث المعادن
والقطاع ،فعند الشافعية يملك المحيي المعادن الباطنية ،وعند الحنابلة يملك المحيي المعادن الجامدة.
وأما حق الدولة في المعادن ففيه رأيان أيضا:
-------------------------------
( )1رواه الجماعة عن أبي هريرة (نيل الوطار.)147/4 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،102الشرح الكبير مع الدسوقي 486/1 :ومابعدها.
( )3الدر المختار ورد المحتار 61/1 :ومابعدها ،المهذب ،162/1 :المغني.520/5 ،28/3 :
( )6/365
قال الحنفية :في المعادن الخمس؛ لن الركاز عندهم يشمل المعادن والكنوز بمقتضى اللغة ،والباقي
للواجد نفسه .وذلك في المعادن الصلبة القابلة للطرق والسحب كالذهب والفضة والحديد والنحاس
والرصاص .أما المعادن الصلبة التي ل تقبل الطرق والسحب كالماس والياقوت والفحم الحجري،
والمعادن السائلة كالزئبق والنفط فل يجب فيها شيء للدولة؛ لن الولى تشبه الحجر والتراب،
والثانية تشبه الماء ،ول يجب فيها شيء للدولة ،إل الزئبق فيجب فيه الخمس.
وقال الشافعية :ل يجب في المعادن شيء للدولة ،ل الخمس وغيره ،وإنما يجب فيها الزكاة ،لقول
النبي صلّى ال عليه وسلم « :العجماء جُبَار ،والبئر جبار ،والمعدن جبار ،وفي الركاز الخمس» ()1
فأوجب الخمس في الركاز :وهو دفين أهل الجاهلية ،ولم يوجب في المعدن شيئا؛ لن «الجبار»
معناه :ل شيء فيه .وإيجاب الزكاة عندهم هو بعموم أدلة الزكاة ،والمعدن :مركز كل شيء،
والمعادن :المواضع التي تستخرج منها جواهر الرض كالذهب والفضة والنحاس وغيرها .ويطلق
المعدن أيضا على الفِلّز في لغة العلم.
-------------------------------
( )1رواه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية ،380/2 :شرح مسلم.)226/11 :
وقوله« :والمعدن جبار» معناه أن الرجل يحفر معدنا في ملكه أو في موات ،فيمر بها مار ،فيسقط
فيها فيموت ،أو يستأجر أجراء يعملون فيها ،فيقع عليهم ،فيموتون ،فل ضمان في ذلك .وكذا البئر
جبار معناه أنه يحفرها في ملكه أو في مواته فيقع فيها إنسان أو غيره ويتلف ،فل ضمان .وكذا لو
استأجره لحفرها ،فوقعت عليه ،فمات ،فل ضمان .وأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك
غيره بغير إذنه ،فتلف فيها إنسان ،فيجب ضمانه ،وكذا إن تلف بها غير الدمي وجب ضمانه في مال
الحافر.
( )6/366
( )6/367
( )6/368
( )6/369
صلُ السّادس :طبيعة الملكيّة أو هل الملكيّة الخاصّة في تشريع السلم مطلقة أو مقيّدة؟
ال َف ْ
البيع كما هو معروف بمثابة قانون منظم لمعاملت الفراد وحقوق التملك ،وللشرع أهداف فيما
فرضه من قيود على التعامل ،ومن أهم أسباب تقييد البيع بقيود أو شروط هو الحفاظ على حقوق
الناس الطبيعية فيما يمتلكونه من أموال ،فل تنتقل ملكية أحد إلى آخر إل في دائرة الحق والعدل ،دون
أن يكون هناك غش أو غبن أو تغرير أو استغلل أو جهالة تؤدي إلى المنازعة واضطراب
المعاملت ،أو أكل أموال الناس بالباطل .وهذه هي أهم السباب التي تؤثر على العقد فتجعله فاسدا أو
باطلً ،وهو مناط تحريم العقد في شرعة السلم.
لذا كان جديرا أن نتساءل :هل حرية الشخص في تصرفاته ونشاطه في العمل والنتاج والتملك
مطلقة ،أو أن هناك قيودا من الشرع على حق التملك؟
تمهيد :
يسود عالم اليوم نظامان متعارضان في القتصاد :وهما النظام الرأسمالي والنظام الشتراكي:
النظام الرأسمالي :يعترف بحق الفرد في تملك الموال ملكية خاصة ،سواء أكانت هذه الموال من
أموال الستهلك ،أم من أموال النتاج ،على أنه ل يشترط أن تكون جميع الموال مملوكة للفراد،
بل يجوز للدولة أو أحد فروعها أن تمتلك جانبا من هذه الموال ،كما ل يشترط أن يكون حق الملكية
الخاصة مطلقا ،بل يجوز أن ترد عليه بعض القيود للمنفعة العامة.
ويقوم النظام الرأسمالي على أساس الحرية القتصادية للفراد ،دون تدخل الدول لتقييد نشاطهم في
الميدان القتصادي ،ويكون السعي للحصول على أكبر كسب نقدي هو الدافع المحرك للنشاط
القتصاد ي في ظل النظام الرأسمالي.
وقد انتقد هذا النظام لنه يؤدي إلى اختلل التوازن في توزيع الثروة بين الفراد ،وانقسام المجتمع
إلى طبقتين :طبقة الرأسمالية القطاعية ،وطبقة ذوي الدخل المحدود من عمال وفلحين ونحوهم ،كما
يؤدي إلى تركز الثروة في أيدي فئة قليلة وانتشار البطالة والحتكارات الطبيعية والصناعية .وكان
من نتيجة ذلك فشل النظام الرأسمالي في تحقيق الستقرار القتصادي ،وضمان الحياة الرغدة
للبشرية.
وأدى هذا الفشل إلى رد فعل معاكس ،فازداد تدخل الدولة في الميدان القتصادي من ناحية ،وانتشرت
المبادئ الشتراكية من ناحية أخرى (. )1
-------------------------------
( )1راجع أصول القتصاد لستاذنا الدكتور محمد حلمي مراد :ص .183-151
( )6/370
والنظام الشتراكي :يقوم على أساس امتلك الدولة لمختلف وسائل النتاج ( )1من صناعة وزراعة
وثروة طبيعية وخدمات عامة ،ويكون بالتالي لوجود للملكية الفردية القائمة على أساس الستغلل
والستعباد ،ول حرية اقتصادية مطلقة للفرد إل بمقدار ما يمنحه المجتمع إياه وينظمه له.
فالملكية الخاصة لم تلغ إلغاء تاما؛ لن ملكية الموال الستهلكية من أدوات منزلية ونقود وسلع
معترف بها ،ويجوز أن تنتقل هذه الملكية لموال الستهلك إلى الغير بطريق الميراث (. )2
وأما ملكية أموال النتاج :فهي ملكية اشتراكية تظهر بشكل ملكية للدولة ،أو بشكل ملكية تعاونية،
ومع ذلك فلم تلغ الملكية الخاصة لموال النتاج إلغا ًء كاملً في روسيا ،فيسمح القانون الروسي
بالمشاريع القتصادية الصغيرة الخاصة بالفلحين القرويين وبالحرفيين على أن يقوموا بعملهم
شخصيا ،وبشرط أل يستغلوا فيه جهد الخرين ( ، )3مما أوجد نوعا ثالثا من أنواع المشروعات
الزراعية هو المشروعات الفردية بجانب المزارع الحكومية والمزارع المشتركة .وعلى هذا فليست
الملكية الشخصية حقا مطلقا ثابتا ،وإنما هي متطورة في محورها نحو الملكية الجماعية؛ لن الملكية
في ذاتها وظيفة اجتماعية تخدم مصالح الجماعة.
وغاية النظام الشتراكي تحقيق العدالة الجتماعية ،لذا فإنه يهتم بالدرجة
-------------------------------
( )1وهي الرض ورأس المال والعمل.
( )2هذا هو صريح المادة العاشرة من الدستور السوفييتي.
( )3هذا هو نص المادة التاسعة من الدستور السوفييتي ،وقريب منها نص المادة السابعة« :لكل عائلة
من عوائل المزرعة التعاونية بالضافة إلى دخلها الذي يأتيها من اقتصاد المزرعة التعاونية المشترك
قطعة من الرض خاصة بها ،وملحقة بمحل السكن .ولها في الرض اقتصاد إضافي ومنزل للسكنى
وماشية منتجة وطيور وأدوات زراعية بسيطة كملكية خاصة» .
( )6/371
الولى في إشباع كل حاجات الفراد ،ولكن بحسب ضرورتها وأهميتها ( )1من أجل تحقيق مستوى
مادي ومعنوي لئق بكرامة النسان ،ثم السعي لرفع ذلك المستوى بشكل مستمر ،مما جعل الجماهير
الكادحة تتجه أنظارها إلى النظام الشتراكي باعتباره المنقذ من أدران الرأسمالية.
ويقول منتقدو هذا النظام بأنه يهدر الحق الطبيعي المقدس للفرد :وهو حق الملكية ،كما أنه يعطي
الجماعة ممثلة بالدولة سلطات واسعة على حساب الفراد ،ويقيد الحرية القتصادية.وقد انهار هذا
النظام في عام 1989م في روسيا ،والتجاه الحالي نحو النظام الغربي والحرية.
وأما نظام السلم القتصادي والجتماعي :فهو العدل الوسط بين النظامين السابقين ،أو بتعبير أدق:
هو نظام قائم بذاته ،له فكره الجتماعي الخاص به ،فهو يعترف بقيمة النسان ،كما يعترف بحقوق
المجتمع ،فيقيم توازنا بينهما ،بل إنه جعل الفرد للجماعة ،والجماعة للفرد من طريق التضامن العام
بين الفراد ،فهو إذن ليس فرديا فقط يؤدي إلى الرأسمالية ،وليس جماعيا يؤدي إلى الماركسية ،وإنما
يمنح الفرد قدرا من الحرية بحيث ل يطغى على كيان الخرين ،ويمنح المجتمع أو الدولة التي تمثله
سلطة واسعة في تنظيم الروابط الجتماعية والقتصادية على أساس من الحب المتبادل بين الفرد
والجماعة ،ل على أساس الحقد وإيجاد العداوات بين الناس.
وبناء عليه فهو يعترف بحق النسان في التملك الفردي ،ويمنحه حق النتفاع والستثمار لماله،
والتصرف فيه طوال حياته وبعد مماته ،في حدود معينة تعتبر أوسع بكثير من القدر الذي تسمح به
الشيوعية ،ولكنه ل يعطي المالك السلطان المطلق فيما يملك بغير أي قيد عليه كما تفعل الرأسمالية،
فهو ل يسمح بالربا والحتكار ،ول أن تكون الملكية سبيلً للستغلل الحرام والطغيان ،وبذلك يجمع
السلم بين مزايا كل من الشتراكية والرأسمالية ويتجنب أوجه
-------------------------------
( )1هدف الرأسمالية إشباع حاجات الفراد بحسب القدرة الشرائية مما يؤدي إلى عجز بعض الفراد
عن سد حاجاتهم الضرورية ،بينما يشبع فريق آخر حاجاته الترفيهية المتعددة.
( )6/372
النحراف والمبالغة في كل منهما (. )1
ول يمكن القول بأن نظام السلم القتصادي نظام رأسمالي أو اشتراكي؛ لن للرأسمالية أو
الشتراكية في الوقت الحاضر معنى محددا مفهوما ،له خصائص معينة في معالجة الحياة القتصادية.
وإنما السلم نظام قائم بنفسه ل ينسب إلى مذهب جديد أو قديم ،مهمته الربط بين قوى الحياة
ومواهب الفطرة في كيان المرء وبين ثمار الطبيعة الظاهرة والباطنة؛ فيحدث التفاعل بين الجانبين،
وتتكون الحضارة الصالحة بما في النسان من مواهب العقل والروح وما في الكون من أسرار
الحقائق وكنوز المال والثروة ،وبما في السلم من حلول جذرية لمشكلت الحياة ،وقواعد للفرد
والمجتمع في الحقوق والواجبات .وإذا كان في الشتراكية بعض المعاني النسانية التي جاء بها
السلم من ضرورة التكافل الجتماعي ،فل يعني ذلك أن نظام السلم هو النظام الشتراكي
الماركسي.
المال والملكية في تقدير السلم :
المال عند الحنفية كما عرفنا :هو ما يميل إليه النسان طبعا ،ويمكن ادخاره لوقت الحاجة .وعند
الجمهور :هو كل ما له قيمة يباع بها ويلزم متلفه وإن قلّت،
-------------------------------
( )1الفكر السلمي الحديث للدكتور محمد البهي :ص ،387شبهات حول السلم للستاذ محمد
قطب :ص ،27نظرية السلم السياسية للمودودي :ص .57
( )6/373
وما ل يطرحه الناس مثل الفَلس وما أشبه ذلك .وهذا التعريف مأخوذ عن المام الشافعي رضي ال
عنه (. )1
وبناء على التعريف الول ل تكون المنافع والحقوق المجردة مالً ما عدا منفعة العين المؤجرة ،وعلى
التعريف الثاني تكون المنافع أموالً متقومة في ذاتها يمكن أن تورث.
والملك :هو اختصاص حاجز شرعا يسوغ صاحبه التصرف إل لمانع (. )2
والمال في الحقيقة ل سبحانه{ :ل ملك السموات والرض وما فيهن} [المائدة. )3( ]120/5:
وتملك النسان للمال مجاز ،أي أنه مؤتمن على المال ومستخلف عليه{ :وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين
فيه} [الحديد.]7/57:
قال عروة رضي ال عنه« :أشهد أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قضى :أن الرض أرض ال ،
والعباد عباد ال ،ومن أحيا مواتا فهوأحق به» .ويترتب عليه أن النسان ملزم بالتقيد بأوامر ال
سبحانه في التملك بحسب ما يريد صاحب الملك .والناس على السواء ،لهم حق في تملك خيرات
الرض .والملكية الفردية حق ممنوح من ال تعالى ،والمال ليس غاية مقصودة لذاتها ،وإنما هو
وسيلة للنتفاع بالمنافع وتأمين الحاجيات (. )4
-------------------------------
( )1الشباه والنظائر للسيوطي :ص .258
( )2المدخل الفقهي للستاذ مصطفى الزرقاء ،المجلد الول :جـ 1ص ،220والمراد من كلمة
«حاجز» أنه الذي يخول صاحبه منع غيره ،وهو قريب المعنى من المفهوم اللغوي للملكية الذي يدل
على معنى الستئثار والستبداد مما يتعلق به من الشياء .والمراد من جملة «يسوغ صاحبه
التصرف» أن الملك قدرة مبتدأة ل مستمدة من شخص آخر.
( )3المائدة.120 :
( )4انظر اشتراكية السلم للمرحوم الدكتور مصطفى السباعي :ص 77ومابعدها ،التكافل
الجتماعي في السلم لستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة :ص 14ومابعدها.
( )6/374
ومن الجدير بالذكر أنه لم يحدث في تاريخ السلم أن أخذ مال غني بغير رضاه وأعطي لفقير ،مهما
اشتدت الحاجة وبلغت الفاقة ،وإنما كان النبي صلّى ال عليه وسلم يحض المسلمين على البذل،
ويرغبهم في العطاء من غير أمر ول عزيمة ،فجاء أبو بكر مرة بماله كله ،وجاء عمر بنصف ماله،
وجهز عثمان جيش العسرة بجميع ما يلزمه ،فقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :ما ضر عثمان ما
فعل بعد اليوم» (. )1
تقييد الملكية :
يقول بعض الكاتبين :لما كان المال مال ال ،والناس جميعا عباد ال ،وكانت الحياة التي يعملون
فيها ويعمرونها بمال ال هي أيضا ل ،كان من الضروري أن يكون المال ـ وإن ربط باسم شخص
معين ـ لجميع عباد ال ،وينتفع به الجميع ،قال ال تعالى{ :هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعا}
[البقرة ]29/2:وبهذا يكون للمال وظيفة اجتماعية هدفها إسعاد المجتمع وقضاء حاجياته ومصالحه،
وتكون الملكية الشخصية إذن في نظر السلم وظيفة اجتماعية (. )2
ويرى أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة أنه ل مانع من وصف الملكية بكونها وظيفة اجتماعية ،ولكن
يجب أن يعرف أنها بتوظيف ال تعالى ،ل بتوظيف الحكام؛ لن الحكام ليسوا دائما عادلين (. )3
وفي تقديري أن السلم منهج واضح ل غبار عليه ،واستعمال هذا التعبير
-------------------------------
( )1انظر بحث الملكية الفردية في السلم للستاذ محمد عبد ال كنون المنشور مع بحوث المؤتمر
الول لمجمع البحوث في الزهر :ص ،186وانظر حديث عثمان في التلخيص الحبير :ص .278
( )2انظر مقال شيخ الزهر السابق :أستاذنا الشيخ محمود شلتوت في جريدة الجمهورية 22كانون
الول ( ديسمبر ) 1961م ،اشتراكية السلم للسباعي :ص .80
( )3التكافل الجتماعي في السلم ،المصدر السابق :ص .23
( )6/375
المأخوذ من تعاليم الشيوعية أو الشتراكية الماركسية يزج السلم في حمأة المبادئ الماركسية،
ويناقض حرية النسان الطبيعية الفطرية في التملك ،ويضلل الفكار في فهم حقيقة نظرة السلم
للملكية ،فالملكية الخاصة حق مصون في السلم ،اللهم إل في حدود حق الغير ومصلحة المجتمع.
فحق الملكية ليس وظيفة اجتماعية تجعل المالك مجرد موظف لصالح الجماعة ،وإنما هو ذو وظيفة
اجتماعية ،كما أنه ذو صفة فردية ،إذ لو اعتبر الحق وظيفة اجتماعية ،لكان صاحب الحق موظفا أو
مجرد وكيل يعمل لصالح الجماعة ،دون نظر إلى مصلحته الخاصة ،وهذا في الحقيقة إلغاء لفكرة
الحق ،ويعتبر إلغاء الملكية مناقضا للفطرة النسانية ومصادما لمشاعر النسان وحبه التملك ،وسببا
واضحا في كبت الطاقات البشرية ونزعة البداع والتقدم الذاتي.
وبعبارة أخرى :إن السلم ليمنع الملكية الخاصة مطلقا ،وليطلقها بل حدود .قال ال تعالى { :يا
أيها الذين آمنوا لتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ،إل أن تكون تجارة عن تراض منكم } [النساء،]29/4:
{ و في أموالهم حق للسائل والمحروم } [الذاريات { ،]19/51:وال فضل بعضكم على بعض في
الرزق } [النحل { ،]71/16:ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء} [المائدة ]54/5:ويقول الرسول صلّى ال
عليه وسلم « :كل المسلم على المسلم حرام :دمه وماله وعرضه » ( « )1إن دماءكم وأموالكم حرام
عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا» (« ، )2ليحل مال امرئ مسلم إل بطيب
نفسه » (. )3
-------------------------------
( )1رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي ال عنه ( راجع الترغيب والترهيب3 :ص 609
ومابعدها).
( )2رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد ال (جمع الفوائد لبن سليمان الروداني:
.)474/1
( )3أخرجه الدارقطني في سننه بلفظ« :ليحل لمرئ من مال أخيه شيء إل ماطابت به نفسه» وله
ألفاظ وروايات كثيرة منها :مارواه الحاكم وابن حبان في صحيحيهما عن أبي حميد الساعدي بلفظ:
«ليحل لمرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيبة نفس منه » ( انظر مجمع الزوائد4 :ص ،171نصب
الراية4 :ص ،169سبل السلم3 :ص ،60نيل الوطار.) 152/8 :
( )6/376
وبناء عليه يحرم التعدي على ملكيات الفراد مادامت مشروعة ،قال صلّى ال عليه وسلم « :من ظلم
شبرا من الرض طوقه ال من سبع أرضين » (. )1
وقرر السلم عقوبات على السرقة والغصب والسلب والغش ،والجباية الظالمة ونحوها ،وطالب
بضمان الموال المتلفة .وأما الملكية غير المشروعة فيجوز للدولة التدخل في شأنها لرد الموال إلى
صاحبها ،بل إن لها الحق في مصادرتها ،سواء أكانت منقولة أم غير منقولة ،كما فعل سيدنا عمر في
مشاطرة بعض ولته الذين وردوا عليه من وليتهم بأموال لم تكن لهم ،استجابة لمصلحة عامة :وهو
البعد بها عن الشبهات وعن اتخاذها وسيلة للثراء ( )2؛ لن الملكية مقيدة بالطيبات والمباحات ،أما
المحرمات التي تجيء عن طريق الرشوة أو الغش أو الربا أو التطفيف في الكيل والميزان أو
الحتكار أو استغلل النفوذ والسلطة ،فل تصلح سببا مشروعا للتملك.
وكذلك يحق للدولة التدخل في الملكيات الخاصة المشروعة لتحقيق العدل والمصلحة العامة ،سواء في
أصل حق الملكية ،أو في منع المباح وتملك المباحات قبل السلم وبعده إذا أدى استعماله إلى ضرر
عام ،كما يتضح من مساوئ الملكية القطاعية ،ومن هنا يحق لولي المر العادل أن يفرض قيودا
على الملكية في بداية إنشائها في حال إحياء الموات ،فيحددها بمقدار معين ،أو ينتزعها من أصحابها
مع دفع تعويض عادل عنها ( )3إذا كان ذلك في سبيل المصلحة العامة للمسلمين (. )4
-------------------------------
( )1متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد عن عائشة ( نيل الوطار.) 317/5 :
( )2انظر التلخيص الحبير :ص .254
( )3ول تعويض وإنما يصادر المال إذا كان مكتسبا بطريق غير مشروع كالغتصاب والختلس أو
كان سبب اكتسابه مشتبها فيه ،ولقد صادر النبي صلّى ال عليه وسلم وصحابته وبخاصة سيدنا عمر
أموال الولة الذين ذكروا سببا غير مشروع لملكياتهم كالهداء أو لم يبينوا من أين ملكوا المال.
( )4انظر بحث الستاذ الشيخ علي الخفيف «الملكية الفردية وتحديدها في السلم» ص 128 ،113
ومابعدها من كتاب المؤتمر الول لمجمع البحوث السلمية.
( )6/377
ومن المقرر عند الفقهاء أن لولي المر أن ينهي إباحة الملكية بحظر يصدر منه لمصلحة تقتضيه،
فيصبح ما تجاوزه أمرا محظورا ،فإن طاعة ولي المر واجبة بقوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم} [النساء ]59/4:وأولو المر في السياسة والحكم:
المراء والولة كما روى ابن عباس وأبو هريرة ،وقال الطبري :إنه أولى القوال بالصواب.
ومن أمثلة تدخل ولي المر في الملكية :ما روي محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين أنه قال:
«كان لسمرة بن جندب نخل في حائط (أي بستان) رجل من النصار ،وكان يدخل هو وأهله فيؤذيه،
فشكا النصاري ذلك إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقال رسول ال لصاحب النخل :بعه ،فأبى،
فقال الرسول :فاقطعه ،فأبى ،فقال :فهبه ولك مثله في الجنة ،فأبى ،فالتفت الرسول إليه وقال :أنت
مضار ،ثم التفت إلى النصاري ،وقال :اذهب فاقلع نخله» ( )1ففي هذه الحادثة ما يدل على أن النبي
صلّى ال عليه وسلم لم يحترم الملكية المعتدية ،وهو القائل في القضاء في حقوق الرتفاق« :ل ضرر
ول ضرار» ( ، )2وروى أبو هريرة رضي ال عنهم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :ل
يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» ( . )3وشرع السلم حق الشفعة على الملكية ،دفعا
للضرر وإقرارا لقاعدة المصلحة.
-------------------------------
( )1انظر الحكام السلطانية لبي يعلى ،مطبعة البابي الحلبي :ص .285
( )2رواه مالك في الموطأ مرسلً عن عمرو بن يحيى عن أبيه ،ورواه أحمد في مسنده وابن ماجه
والدارقطني في سننيهما مسندا عن أبي سعيد الخدري .وله طرق يقوي بعضها بعضا .والضرر:
إلحاق مفسدة بالغير ،والضرار :مقابلة الضرر بالضرر.
( )3رواه مسلم ومالك وأحمد وابن ماجه (شرح مسلم )47/11 :بل رواه الجماعة إل النسائي عن أبي
هريرة رضي ال عنه.
( )6/378
ومن المثلة أيضا :ما روى المام مالك في الموطأ :وهو أن رجلً اسمه
الضحاك بن خليفة ساق خليجا ( )1من العريض (واد في المدينة) ،وأراد أن يمر به في أرض محمد
بن َمسْلَمة ،فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب ،فدعا عمر محمد بن مسلمة ،فأمره أن يخلي سبيله،
فقال محمد« :ل ،فقال عمر :لم تمنع أخاك ما ينفعه ،وهو لك نافع ،تسقي به أولً وآخرا ،وهو ل
يضرك؟ فقال محمد :ل وال ،فقال عمر :وال ليمرن به ولو على بطنك ،فأمره عمر أن يمر به،
ففعل الضحاك» ( )2ففي هذا ما يدل على أنه ل يكفي المتناع من الضرر ،بل يجب على المسلم في
ملكه أن يقوم بما ينفع غيره ما دام ل ضرر عليه فيه.
ويمكن أن يعتبر مسوغا لتنظيم الملكية أو تقييدها ـ بناء على قاعدة :الضرورات تبيح المحظورات،
ل بقانون المصلحة العامة وبمبدأ سد الذرائع ـ كون صاحبها مانعا لحقوق ال تعالى أو اتخاذها
وعم ً
طريقا للتسلط والظلم والطغيان ،أو التبذير والسراف وتبديد الموال والوقوع في حمأة الرذيلة
والفساد ،أو إشعال نار الفتنة والضطرابات بين الناس ،أو الحتكارات والتلعب بأسعار الشياء،
ومحاولة تهريب الموال إلى خارج البلد ،أو دفع ضرر فقر ألم بفئة من الناس ،أو لهدار الموال
المجموعة من الربا ( ، )3على شرط أن يكون إجراء استثنائيا مرهونا بوقت الحاجة ل تشريعا دائما،
وبشرط أل يهتدم رأس المال من أصله.
-------------------------------
( )1الخليج :نهر يقتطع من النهر العظم إلى موضع ينتفع به فيه.
( )2الموطأ 218/2 :ومابعدها ،وهناك حادثة أخرى في الموطأ تشابه هذه الحادثة قضى فيها عمر.
( )3الربا والحتكار هما مصيبة الرأسمالية الطاغية ،إذ مكناها رويدا رويدا من تجميع الثروات في
أيديها وحرمان سائر الناس منها (جاهلية القرن العشرين لمحمد قطب :ص .)278
( )6/379
( )6/380
وفيه اختلف الفقهاء ،فالمالكية والحنابلة يرون العمل بقاعدة «دفع المضار مقدم على جلب المصالح»
واحتمال وقوع الضرر كاف لمنع الفعل .والحنفية والشافعية يرون أن الفعل مشروع في أصله،
واحتمال الضرر ل يصلح دليلً على الضرر المتوقع ،فل يمنع حق لمجرد احتمال الضرر.
- 4الضرر القليل :وهو أن يكون الضرر المترتب على استعمال الحق المأذون فيه نادر الوقوع ،أو
كان في ذاته قليلً ،وهو ل يلتفت إليه لقلته ،إذ العبرة بأصل الحق الثابت ،فل يعدل عنه إل لعارض
الضرر الكثير بالغير.
القيد الثاني -منع الملكية الخاصة في بعض الحالت :
ليست كل الموال قابلة للتملك الفردي ،فهناك أنواع ثلثة من المال ل تقبل الملكية الفردية وإنما هي
مملوكة للجماعة ( ، )1وما عداها من المرافق الخاصة كالمزروعات والمصنوعات ،يجوز للفراد
تملكها والتصرف فيها .وتلك النواع هي ما يأتي:
النوع الول :الموال ذات النفع العام كالمساجد والمدارس والطرقات والنهار والوقاف الخيرية
ونحوها من المنافع العامة التي ل تؤدي غايتها إل إذا كانت للجماعة.
النوع الثاني :الموال الموجودة بخلق ال تعالى ،كالمعادن والنفط والحجار والماء والكل والنار،
فهذه الشياء لم يوجدها البشر وإنما هي مخلوقة بخلق ال تعالى .وكون المعادن كلها مملوكة للدولة
وتستخدم من أجل المرافق العامة هو الحق وهو الرأي الراجح عند المالكية ،وهو رأي الحنابلة في
المعادن الظاهرة أو السائلة :وهي التي يحصل عليها من غير مؤنة ينتابها الناس ،كالملح والماء
والكبريت والنفط والكحل والياقوت ونحوها .أما المعادن الجامدة فتملك بملك الرض التي هي
-------------------------------
( )1انظر التكافل الجتماعي للستاذ أبي زهرة :ص 29وما بعدها.
( )6/381
( )6/382
ينتزع الراضي من أيدي واضعي اليد عليها،ويعوضهم عنها إذا اقتضت المصلحة العامة نزعها ،وقد
ثبت أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم حمى أرضا بالمدينة وهو النقيع (موضع معروف بالمدينة)
لترعى فيها خيل المسلمين ( )1أي أنه جعلها مشاعة لجميع الناس ،أي مؤممة للجماعة بتعبير
العصر .وحمى عمر رضي ال عنه أرضا بالرَبذة والشرَف (وهما موضعان بين مكة والمدينة)
وجعل كلهما للمسلمين كافة ،فجاءه أهلها يشكون قائلين« :يا أمير المؤمنين ،إنها أرضنا ،قاتلنا عليها
في الجاهلية وأسلمنا عليها ،علم تحميها؟» فأطرق عمر وقال« :المال مال ال ،والعباد عباد ال،
وال لول ما أحمل في سبيل ال ـ أي إعداد خيول الجهاد ـ ما حميت من الرض شبرا في شبر»
وظاهر هذا الثر أن حمى عمر كان في أرض لهلها فيها منافع ومرافق بسبب الجوار ،ولم يمنعه
من حمايتها على أهلها حين دعت إلى ذلك مصلحة عامة ( ، )2مثل شركات المياه والكهرباء والنفط
وخطوط النقل والبرية والبحرية ونحوها من المرافق الحيوية ذات النفع العام للبلد.
-------------------------------
( )1روى أحمد وابن حبان عن ابن عمر أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع للخيل ـ خيل
المسلمين .ورواه أحمد وأبو داود عن الصعب بن جثامة أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع،
وقال «ل حمى إل ل ولرسوله» للبخاري منه« :ل حمى إل ل ولرسوله» وقال« :بلغنا أن النبي
صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع ،وأن عمر حمى الشرف والربذة» (انظر جامع الصول،331/3 :
مجمع الزوائد ،171/4 :نيل الوطار )308/5 :ويكون حمى الرض بجعلها حرما يمنع غير حاميها
من الرعي والقامة ،والحمى كان الغرض منه مجرد انتفاع مقصور على الحامي مدة موقوتة تتحدد
بصلحية المكان للرعي ،فإذا انتهت صلحيته انتهت حمايته.
( )2الموال لبي عبيد :ص ،302-294بحث الستاذ علي الخفيف «الملكية الفردية وتحديدها في
السلم» :ص 108من كتاب المؤتمر الول لمجمع البحوث السلمية.
( )6/383
( )6/384
ب ـ النقدان :الذهب والفضة بنسبة ربع العشر ،%5،2ويمثلها في عصرنا الوراق النقدية.
جـ ـ أموال التجارة بنسبة ربع العشر.
د ـ الزروع والثمار بنسبة العشر فيما يسقى بغير آلة ،ونصف العشر إن كانت تسقى بآلة.
- 2تأمين حاجيات الدفاع عن البلد :إذا اقتضت حاجات الدفاع عن المة أوا لجهاد في سبيل ال
بعض الموال ،ولم يكن في الخزينة العامة ما يكفي لسد تلك الحاجة ،فعلى الدولة أن تفرض في
أموال الناس من الضرائب بقدر ما يندفع به الخطر عملً بالمصالح المرسلة ،وقد نص على ذلك كثير
من علماء السلم مثل الغزالي والقرافي والشاطبي وابن حزم والعز بن عبد السلم وابن عابدين ()1
.
-------------------------------
( )1انظر أصول الفقه للمؤلف 765/2 :ط دار الفكر ،العتصام ،121/2 :ط التجارية ،الفروق:
،141/1ط دار إحياء الكتب ،المستصفى ،313/1حاشية ابن عابدين ،42/2 :ط الميمنية ،المحلى:
159-156/6ط 1349هـ.
( )6/385
- 3كفاية الفقراء :للدولة أيضا أن تطالب الغنياء بإغناء الفقراء ،فهي ممثلة لهم ،قال عليه الصلة
والسلم ـ فيما يرويه علي بن أبي طالب رضي ال عنه« :إن ال فرض على أغنياء المسلمين في
أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ،ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إل بما يصنع أغنياؤهم ،أل
وإن ال يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما» ( )1وقال عليه الصلة والسلم أيضا «أيما أهل
عَرْصة (أي بقعة) أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة ال تبارك وتعالى» (. )2
-------------------------------
( )1رواه الطبراني في الوسط والصغير وقال :تفرد به ثابت بن محمد الزاهد ،قال الحافظ ابن
حجر :وثابت ثقة صدوق روى عنه البخاري وغيرهم ،وبقية رواته ل بأس بهم ،وروي موقوفا على
علي رضي ال عنه وهو أشبه (انظر الترغيب والترهيب ،538/1 :مجمع الزوائد.)62/3 :
( )2رواه الحاكم وأحمد بلفظ «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من ال ،وبرئ ال منه ،وأيما
أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة ال » وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير من
مرة ،والول مختلف فيه ،والثاني قال ابن حزم :إنه مجهول ،وقال غيره :معروف ،ووثقه ابن سعد،
وروى عنه جماعة واحتج به النسائي (انظر نيل الوطار.)221/5 :وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة
والبزار.
( )6/386
وقال عليه الصلة والسلم أيضا« :إن في المال حقا سوى الزكاة» ( ، )1وقال سيدنا عمر رضي ال
عنه« :لو استقبلت من أمري ما استدبرت لخذت فضول أموال الغنياء ،فرددتها إلى الفقراء» .قال
ابن حزم ( )2في كتاب المحلى« :فرض على الغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائها ،ويجبرهم
السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ول في سائر أموال المسلمين ،فيقام لهم بما يأكلون من
القوت الذي ل بد منه ،ومن اللباس في الشتاء والصيف بمثل ذلك ،وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف
والشمس وعيون المارة» (. )3
-------------------------------
( )1رواه الترمذي عن فاطمة بنت قيس بلفظ «إن في المال حقا سوى الزكاة» وتل قوله تعالى {ليس
البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر} [البقرة.]177/2:
وقال« :إسناده ليس بذاك» (انظر التلخيص الحبير :ص ،177أحكام القرآن للجصاص)153/1 :
وروى ابن حزم عن ابن عمر أنه قال« :في مالك حق سوى الزكاة» ثم قال :وصح عن الشعبي
ومجاهد وطاوس وغيرهم كلهم يقول :في المال حق سوى الزكاة ،ثم ذكر أنه ل خلف في هذا إل
عن الضحاك بن مزاحم ،وهو ليس بحجة.
( )2يعتبر ابن حزم بعد أبي ذر الغفاري مفكر الشتراكية السلمية ،فهو أول من نظر في استنباط
الحكام إلى الحياة النسانية التي جاءت الحكام لتنظيمها ،فأحس بمشكلة الفقر في المجتمع ،وأهم
مظاهر الفقر :الجوع والعري وفقد المأوى ،وهذه في الواقع هي الحاجات الساسية للبشرية ،ثم قرر
أن الزكاة ليست كل الواجب ،وأن الواجب السلمي ل يتم إل بتحقيق وسائل الحياة الكريمة للطبقة
الفقيرة ،وبذلك يكون للفقراء حق في أموال الغنياء غير مقيد بالزكاة ،وأن للدولة أن تأخذ من
الغنياء ما يمكن أن يسد حاجات الفقراء (انظر بحث الدكتور إبراهيم اللبان وموضوعه «حق الفقراء
في أموال الغنياء» المنشور مع بحوث المؤتمر الول لمجمع البحوث السلمية :ص 249
ومابعدها.
( )3المحلى 452/6 :م .725
( )6/387
- 4النفاق على القارب :يجب على النسان أن يكفي أقاربه إذ ا كانوا محتاجين كالباء والجداد
والبناء وفروعهم .وأما الخوة وفروعهم والعمام والعمات والخوال والخالت ،فقد اختلفت المذاهب
في أمر النفاق عليهم ،فأوجب الحنفية النفاق على كل ذي رحم محرم كالعم والخ وابن الخ والعمة
والعم والخال ،وألزم الحنابلة النفقة لكل قريب وارث بفرض أو تعصيب كالخ والعم وابن العم ،ول
تجب لذوي الرحام كبنت العم والخال والخالة.
- 5صدقات الفطر :تجب صدقة الفطر على الرجل بالنسبة لمن تلزمه نفقتهم من زوجة وولد وخادم.
- 6الضاحي :تجب الضحية مرة في كل عام عند أبي حنيفة ،وهي سنة مؤكدة عند جمهور الئمة.
- 7النذور والكفارات :يجب على المسلم أن يفي بنذره إذا نذر أن يتبرع ل بمال ،كما يجب عليه
الكفارة بإطعام الفقراء والمساكين جزاء لبعض الثام كالحنث في اليمين والظهار ،أو بسبب الخلل
ببعض الواجبات الدينية كالفطار في رمضان بالنسبة للعاجز أو الذي ينتهك حرمة الصيام بالجماع
نهارا ،ونحوه كالواجبات التي تجب أثناء الحرام بالحج.
وهناك أوجه كثيرة للنفاق في سبيل ال حث عليها السلم،كما أن هناك موارد أخرى لبيت المال
كالوقاف والغنائم ،وهو ما يحقق معنى التكافل الجتماعي في السلم.
وهناك أيضا قيود أخلقية دينية على الموال ،فينبغي على الدولة ملحظة المكاسب لمنع الستغلل
واختلل توازن الثروات ،مثل تحريم الربا والحتكار والميسر والغش والتغرير والغبن والتدليس
وإنقاص المكيال والميزان ونحوه.
والخلصة :إن هناك قيودا كثيرة في السلم على حق الملكية الشخصية ،منها ما هو قانوني إلزامي،
ومنها ما هو أخلقي ديني يتطلب فهما صحيحا وتطبيقا شاملً لدين السلم؛ لن السلم منهج عام
شامل للحياة ،وكل ل يتجزأ ،وتشريعاته حتى العبادات منها يكمل بعضها بعضا ،لمعالجة كل متطلبات
الحياة الحديثة وضرورات القتصاد المعاصر.
( )6/388
( )6/389
تنتقل ملكية الراضي إلى الفاتحين بمجرد الستيلء عليها عند المالكية على المشهور ،والحنابلة
والشيعة المامية والزيدية؛ لنها مال زال عنه ملك المحاربين بالستيلء عليه ،فصار كالمباح تسبق
إليه اليد ،فيتم تملكه بإحرازه .وعند الشافعية :تملك الراضي والمنقولت بالستيلء والقسمة
بالتراضي أو اختيار تملكها.
وعند الحنفية :لتنتقل ملكية الراضي إل بالضم إلى دار السلم أو حيازتها فعلً ،وجعلها جزءا من
دار السلم.
وموات الرض التي فتحت عنوة أو صلحا ليملك إل بالحياء بالتفاق (. )1
واختلف الفقهاء في حكم مالك هذه الرض بعد الستيلء عليها:
فذهب جمهور الصحابة والشافعية والظاهرية ( : )2إلى أنه تنتقل ملكية هذه الراضي من أصحابها
إلى المسلمين ،كالغنائم ،الخمس لمن ذكرتهم آية الغنائم{ :واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه
وللرسول[ }..النفال ]41/8:والغنائم :ماأخذ من أموال أهل الحرب عنوة بطريق القهر والغلبة.
والربعة الخماس الباقية للغانمين .فإن طابت بتركها نفوس الغانمين بعوض أو غيره ،وقفها ولي
المر على مصالح المسلمين.
وقال المالكية في المشهور عندهم ،والمامية ( : )3تصبح هذه الراضي وقفا على المسلمين ،بمجرد
الحيازة ،دون أن تحتاج إلى وقف المام ،ول تكون ملكا
-------------------------------
( )1الخرشي ،الطبعة الثانية ،128/3 :تأسيس النظر للدبوسي :ص ،57مغني المحتاج،234/4 :
المهذب ،241/2 :القواعد لبن رجب :ص 411 ،189ومابعدها ،المغني ،422/8 :مفتاح الكرامة:
،7/7البحر الزخار.215/2 :
( )2الم ،192 ،103/4 :مخطوط الروضة للنووي 2 :ق 24/ب ،المحلى.241/7 :
( )3الخرشي ،128/3 :ط ثانية ،المدونة ،27/3 :الحطاب ،366/3 :القوانين الفقهية :ص ،148ط.
تونس ،الكافي للكليني ،626/1 :مفتاح الكرامة 239/4 :ومابعدها ،الشرح الرضوي :ص ،310
الروضة البهية ،222/1 :المختصر النافع في فقه المامية :ص .138
( )6/390
لحد ،ويصرف خراجها ( )1في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة ،وبناء القناطر والمساجد،
وغيرها من سبل الخير ،إل أن يرى ولي المر في وقت من الوقات أن المصلحة تقتضي القسمة.
وقال الحنابلة في أظهر الروايات عن أحمد ( : )2إن المام يفعل ما يراه الصلح من قسمتها ووقفها،
نظير خراج دائم يقرر عليها كالجرة ،وتكون أرضا عشرية خراجية ،العشر على المستغل ،والخراج
على رقبة الرض.
وقال الحنفية والزيدية ( : )3المام بالخيار ،إن شاء قسمها بين المسلمين ،كما فعل رسول ال صلّى
ال عليه وسلم بخيبر ،وإن شاء أقر أهلها عليها ،ووضع على رؤوسهم الجزية ،وعلى أراضيهم
الخراج ،فتكون أرض خراج ،وأهلها أهل ذمة .قال ابن عابدين :القسمة بين الغانمين أولى عند
حاجتهم ،وتركها بيد أهلها أولى عند عدم الحاجة لتكون عدة للمسلمين في المستقبل.
الدلة :
يتضح مما سبق أن الفقهاء متفقون على جواز قسمة الغنائم بين الغانمين ،لعموم قوله تعالى {واعلموا
أنما غنمتم من شيء ،فأن ل خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}..
[النفال ]41/8:أي أن خمس الغنيمة لمن ذكرتهم الية ،أو للدولة ،والربعة الخماس الباقية ملك
للغانمين من
-------------------------------
( )1الخراج لغة :هو ما حصل عليه من ريع أرض أو كرائها أو أجرة غلم ونحوه ،ثم سمي ما
يأخذه السلطان خراجا ،فيقع على الضريبة والجزية ومال الفيء ،ويختص في الغالب بضريبة
الرض.
( )2زاد المعاد ،173/2 :الشرح الكبير للمقدسي ،538/1 :المحرر ،178/2 :أحكام أهل الذمة لبن
القيم :ص .102
( )3المبسوط ،37 ،15/10 :درر الحكام ،285/1 :فتح القدير ،303/4 :حاشية ابن عابدين،316/3 :
،353البحر الزخار.912/2 :
( )6/391
غير خلف بين الئمة ،بدليل إسناد الحق في الغنيمة للغانمين في قوله تعالى{ :غنمتم} [النفال]41/8:
أسنده إليهم إسناد الملك إلى مالكه.
وبدليل ما بينته السنة بقوله صلّى ال عليه وسلم وفعله ،أما قوله فمثل« :أيما قرية أتيتموها وأقمتم بها
فسهمكم فيها ،وأيما قرية عصت ال ورسوله ،فإن خمسها ل ورسوله ،ثم هي لكم» ( ، )1فالمراد
بالقرية الولى :الفيء ،ويصرف مصارفه ،والمراد بالقرية الثانية :ما أخذ عنوة ،فيكون غنيمة يخرج
منه الخمس ،وباقيه للغانمين ،وهو معنى قوله« :ثم هي لكم» أي باقيها.
وأما ما فعله عليه الصلة والسلم :فالثابت عنه أنه قسم خيبر بين الغانمين بعد أن فتحت عنوة أي
قهرا ل صلحا ،وقسم أيضا أموال بني قريظة وبني النضير ( )2كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد.
وأما المدينة ففتحت بالقرآن وأسلم عليها أهلها فأقرت بحالها .وأما مكة ففتحها الرسول صلّى ال عليه
وسلم عنوة ،ولم يقسمها.
وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه« :أما والذي نفسي بيده ،لول أن أترك آخر الناس ببّانا (، )3
ليس لهم شيء ،ما فتحت علي قرية إل قسمتها كما قسم رسول ال صلّى ال عليه وسلم خيبر ،ولكني
أتركها خزانة لهم ،يقتسمونها» ( ، )4فكان رأي عمر أن يترك الرض ول يقسمها.
-------------------------------
( )1رواه أحمد ومسلم وأبو داود (شرح مسلم للنووي ،69/1 :الموال لبي عبيد :ص .)57
( )2انظر شرح مسلم ،164 ،91/12 :عيني بخاري ،46/15 :سنن أبي داود ،217/3 :زاد المعاد:
،68/2نيل الوطار.12/8 :
( )3الببّان :المعدم الذي ل شيء له .والمعنى :لول أني أتركهم فقراء معدمين ل شيء لهم ،أي
متساوين في الفقر ،لنه إذا قسم البلد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة ،ومن يجيء
بعد من المسلمين بغير شيء منها ،فلذلك تركها لتكون بينهم جميعا (فتح الباري ،395/7 :النهاية لبن
الثير.)69/1 :
( )4صحيح البخاري.86/4 :
( )6/392
( )6/393
أنفس المجاهدين ،محتجين بفعل عمر ،حيث وقف الراضي التي افتتحها كمصر والشام والعراق.جـ
ـ وقال الحنفية والحنابلة :إن الصل المقرر أن يكون للمام الخيار في الراضي ،فله أن يقسمها،
وله أن يتركها وقفا ،وعمر رضي ال عنه قد استعمل حقه ،فقرر أن تكون وقفا ،أي ملكا للجماعة
السلمية بأن تكون ملكية الرقبة للدولة ،وملكية المنفعة فقط لهلها القائمين عليها.
أدلة القائلين بإعطاء الخيار للمام في وقف الرض :
استدل هؤلء ،وهي في الواقع أدلة لعمر بما يأتي:
- 1إن آية النفال{ :واعلموا أنما غنمتم[ }..النفال ]41/8:وآيات الحشر{ :وما أفاء ال على رسوله
منهم[ }..الحشر ]6/59:واردة في موضوع واحد ،ولكن آية الحشر مخصصة لية النفال ،أي أنه بعد
أن كانت الثانية شاملة للرض والمنقول ،خصصتها آية الحشر بما عدا الرض .أما الرض فقد
أعطت آية الحشر الحق للمام في أن يتصرف بما يجده من المصلحة :إما أن يقف الرض ،أو يقرها
في أيدي أهلها ويضع عليها الخراج؛ لن آية النفال توجب التخميس وآية الحشر توجب القسمة بين
المسلمين جميعا دون التخميس ،وبذلك يجمع بين اليتين ( ، )1والجمع بين الدلة عند كثير من
الصوليين مقدم على القول بالنسخ ،أي بنسخ آية الحشر لية النفال ،كما قال بعضهم (. )2
-------------------------------
( )1الفيء :ما أخذ بغير قتال ،مصروفا لمصالح المسلمين يفعل ولي المر في ذلك ما يراه مصلحة،
ول يخمس الفيء عند الجمهور خلفا للشافعية والزيدية( .بداية المجتهد ،321/1 :القوانين الفقهية:
ص ،150 ،147نهاية المحتاج ،106/5 :البحر الزخار.)443/5 :
( )2المقدمات الممهدات لبن رشد 271/1 :ومابعدها.
( )6/394
والرسول عليه الصلة والسلم قد عمل بآية النفال ،وعمر قد عمل بآية الفيء ،وليس فعل النبي
صلّى ال عليه وسلم براد لفعل عمر؛ لن فعل الرسول إما على سبيل الباحة لجهالة صفة الفعل منه،
وإما على سبيل الوجوب فهو واجب مخير ،بدليل الية التي استنبط منها عمر خصلة الواجب الخرى
( ، )1قال عمر :فاستوعبت هذه الية ( آية الحشر ) الناس إلى يوم القيامة ( ، )2وقال أيضا« :وال
ما من أحد من المسلمين إل وله حق في هذا المال أعطي منه أو منع ،حتى راعٍ بعدن» (. )3
وبناء عليه شملت آية الحشر جميع المؤمنين ،وشّركت آخرهم بأولهم في الستحقاق .ول سبيل إليه إل
بعدم قسمة الرض ،وهو معنى وقفها عند المالكية .وليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في
الرقبة ،بل يجوز بيع هذه الرض ،كما هو عمل المة ،وقد أجمع العلماء على أنها تورث ،والوقف ل
يورث ،إلى آخر ما هنالك من فروق (. )4
- 2ترك رسول ال صلّى ال عليه وسلم قرى لم يقسمها ،وقد ظهر على مكة عنوة ( ، )5وفيها
أموال ،فلم يقسمها ،وظهر على قريظة والنضير ،وعلى غير دار من دور العرب ،فلم يقسم شيئا من
الرض غير خيبر .فكان المام بالخيار :إن قسم كما قسم رسول ال صلّى ال عليه وسلم فحسن ،وإن
ترك كما ترك رسول ال غير خيبر فحسن (. )6
-------------------------------
( )1مخطوط الدرة اليتيمة في الغنيمة للشيخ الفزاري :ق .102
( )2رواه أبو داود (سنن أبي داود ،195/3 :القسطلني.)201/5 :
( )3رواه ابن أبي شيبة والبيهقي (سنن البيهقي.)351/6 :
( )4المنتقى على الموطأ 223/3 :ومابعدها ،زاد المعاد.69/2 :
( )5كما خرّج مسلم في صحيحه ،وهو الصح عند العلماء (بداية المجتهد.)388/1 :
( )6القسطلني شرح البخاري ،202/5 :زاد المعاد ،69/2 :الخراج لبي يوسف :ص ،68القياس
لبن تيمية :ص .40
( )6/395
- 3إجماع الصحابة رضي ال عنهم ،على ما ارتآه عمر ،حينما فتح سواد العراق ،فقد ترك
الراضي في أيدي أهلها ،وضرب على رؤوسهم الجزية ،وعلى أراضيهم الخراج ،بمحضر من
الصحابة محتجا بآيات الحشر السابق ذكرها ،ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر ،فكان ذلك إجماعا منهم.
ومن خالف منهم في مبدأ المر كبلل وسلمان ،عاد فوافق بعدئذ (. )1
- 4المعقول :إذا قسمت بين الغانمين الرض المفتوحة التي كادت تشمل معظم العالم في أوج
الفتوحات السلمية ،فماذا يبقى لمن يأتي بعدهم؟
ومن أين تجد خزانة الدولة نفقاتها لنفاقها في المصالح العامة للمسلمين؟
لهذا قال عمر ،بعد أن تل آيات الفيء في سورة الحشر« :قد أشرك ال الذين يأتون من بعدكم في هذا
الفيء ،فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء ،ولئن بقيتُ ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء،
ودمه في وجهه» .
وقال أيضا« :أرأيتم هذه الثغور ل بد لها من رجال يلتزمونها ،أرأيتم هذه المدن العظام ،كالشام
والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر ،ل بد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم ،فمن أين
يعطى هؤلء إذا قسمت الرضون والعلوج؟» فقالوا جميعا :الرأي رأيك ،فنعم ما قلت وما رأيت ()2
.
وإذا قسمت الرض بين الغانمين واشتغلوا بالزراعة ،وتركوا الجهاد ،فسرعان ما تضعف المة
السلمية ،وتصبح نهبة للطامعين؛ بل إن في ذلك أمرا مهما بالنسبة للقتصاد العام ،حيث يحافظ على
النتاج ،لو تركت الرض في أيدي أهلها لطول خبرتهم بها ،وتمرنهم على شؤون الزراعة ،بخلف
العرب الذين لم يكونوا يألفون حياة الزراعة والستقرار في المدينة.
-------------------------------
( )1انظر الخراج لبي يوسف :ص ،35 ،27شرح السير الكبير ،254/3 :القسطلني،200/5 :
الموال :ص .58
( )2شرح السير الكبير ،254/3 :الخراج لبي يوسف :ص 24ومابعدها ،الموال لبي عبيد :ص
،57فتوح البلدان :ص .275
( )6/396
يتلخص من هذه الدلة :أنه قد حصل بدللة الية وإجماع السلف والسنة تخيير المام في قسمة
الرضين ،أو تركها ملكا لهلها ،ووضع الخراج عليها.
وأرجح اعتبار الفيء والغنيمة بمعنى واحد :وهو كل ما جاء من العدو ،كما تقضي اللغة ،فيخير
المام بكل منهما على حدة بين القسمة وعدمها على وفق مقتضيات المصلحة العامة كما رأى عمر
رضي ال عنه.
- 2الرض التي جل عنها أهلها خوفاً :
هذا النوع الثاني من الرضين هو المعروف لدى الفقهاء بالفيء :وهو المال الذي حصل من الحربيين
بل قتال ول إيجاف خيل ول ركاب ،كالجزية والعشور التجارية (. )1
وحكمها :أنها تنتقل ملكيتها إلى بيت المال بالستيلء عليها ،وتصير أملك دولة ،وعبر عنها الفقهاء
بأنها تصير وقفا ،أي ملكا للمة السلمية بمجرد الستيلء عليها ،ويضع المام عليها خراجا يؤخذ
كأجرة ممن يعامل عليها من مسلم أو معاهد .وصيرورتها وقفا لنها ليست غنيمة ،فكان حكمها حكم
الفيء يكون للمسلمين كلهم .ولم يختلف في هذا فقهاؤنا بالنسبة للعقار ،إل أن
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،389/1 :المهذب ،247/2 :نهاية المحتاج ،105/5 :أحكام أهل الذمة لبن القيم:
ص .106
( )6/397
الشافعية والحنابلة في قول عندهم ذكروا أن وقفها يحتاج إلى صيغة من المام ،لتصبح هذه الرض
وقفا ،والراجح خلفه (. )1
أما المنقول في الفيء :فيوقف أيضا عند الجمهور ،ويصرف لمصالح المسلمين ،أي المر فيه للمام
يفعل ما يراه مصلحة .ويخمس عند الشافعية المنقول كالغنيمة؛ لن آية الفيء؛ {ما أفاء ال على
رسوله[ }..الحشر ]6/59:مطلقة ،وآية الغنيمة{ :واعلموا أنما غنمتم من شيء[ }...النفال]41/8:
مقيدة ،فحمل المطلق على المقيد ،جمعا بينهما لتحاد الحكم ،فإن الحكم واحد ،وهو رجوع المال من
الحربيين للمسلمين ،وإن اختلف السبب بالقتال وعدمه (. )2
غير أن مذهب الجمهور في هذا أصح ،ودليلهم ما روى أنس بن مالك عن عمر ،قال :كانت أموال
بني النضير مما أفاء ال على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ول ركاب ،فكانت للنبي
صلّى ال عليه وسلم خاصة ،فكان ينفق على أهله نفقة سنة ،وما بقي يجعله في الكُراع (الخيول)
عدّة في سبيل ال (. )3
والسلح ُ
فقوله« :كانت للنبي صلّى ال عليه وسلم خاصة» يؤيد مذهب الجمهور في أنه ل يخمس الفيء ،إذ
من المعروف أن فدَك والعوالي (أموال بني النضير في المدينة) ( )4كانت للرسول صلّى ال عليه
وسلم خاصة ،ولمن بعده من الئمة ،لقوله تعالى{ :وما أفاء ال على رسوله منهم[ }..الحشر]6/59:
{ما أفاء ال على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول} [الحشر ]59/7:أراد أن الفيء ل يقسم
كالغنائم ،بدليل قوله تعالى{ :كيل يكون دُولة بين الغنياء منكم} [الحشر.]6/59:
-------------------------------
( )1فتح القدير ،353/4 :الخراج :ص ،23الشرح الكبير للدردير ،175/2 :القوانين الفقهية :ص
،66الحكام السلطانية للماوردي :ص ،133ولبي يعلى :ص ،132مغني المحتاج ،99/3 :الشرح
الكبير للمقدسي ،542/10 :كشاف القناع ،75/3 :ط أنصار السنة ،المحرر.179/2 :
( )2زاد المعاد ،220/3 :القوانين الفقهية :ص ،148ط تونس ،مغني المحتاج.93/3 :
( )3شرح مسلم ،70/12 :قال النووي :كانت أموال بني النضير أي معظمها.
( )4سيرة ابن هشام.337/2 :
( )6/398
وإذا أراد المام تفريق الفيء بين المسلمين اتخذ ديوانا يحفظهم ويرتبهم ،ويجعل العطاء على حسب
ما يتيسر له شهريا أو غيره (. )1
- 3الرض التي فتحت صلحاً :
يتحدد حكم هذا النوع من الراضي بموجب عقد الصلح ،فهو إما أن يقع الصلح على أن تكون
الرض للمسلمين ،وإما أن يقع على أن تكون الرض لصحابها كأرض اليمن والحيرة.
ففي الحالة الولى :تصبح الرض وقفا للمسلمين ،كأرض العنوة ،وتعتبر من بلد السلم ،كالرض
التي جل عنها أهلها؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم فتح خيبر ،وصالح أهلها على أن يعمروا
أرضها ،ولهم نصف ثمرتها ،فكانت للمسلمين دونهم .قال ابن عمر رضي ال عنهما« :عامل النبي
صلّى ال عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» ( ، )2وصالح النبي بني النضير
على أن يجليهم من المدينة ،ولهم ما أقلت البل من المتعة والموال إل الحلقة (السلح) وكانت مما
أفاء ال على رسوله (. )3
ويوضع على هذه الرض الخراج ،ويكون تابعا لها ،فإذا اشترى مسلم بعضا منها ،ظل ملتزما
بضريبة الخراج؛ لنه يعتبر أجرة في نظير النتفاع بالرض ،وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء (. )4
وفي الحالة الثانية :تكون الرض ملكا لهلها بموجب الصلح ،باتفاق الفقهاء ،ويلتزم المسلمون بتنفيذ
شروط الصلح كاملة ،ما دام هؤلء قائمين على الصلح ،ولكن يوضع الخراج على الرض يؤدونه
عنها ،ويكون لبيت المال ( ، )5وهذا الخراج يعتبر في حكم الجزية ،فمتى أسلموا سقط عنهم عند
الجمهور والشيعة المامية ( ، )6بدليل ما كتب عمر بن عبد العزيز لعماله :ول خراج على من أسلم
من أهل الرض.
أما عند الحنفية والشيعة الزيدية :فل يسقط؛ لن الخراج عندهم فيه معنى المؤنة ومعنى العقوبة ،ولذا
يبقى على المسلم ول يبتدأ به (. )7
وتعبر دار هؤلء المصالحين دار عهد أو صلح عند الشافعية وبعض الحنابلة ( ، )8وعند الجمهور:
تعتبر الدار بالصلح دار إسلم ،ويصير أهلها أهل ذمة تؤخذ منهم الجزية.
-------------------------------
( )1البحر الزخار ،442/5 :المهذب.248/2 :
( )2رواه البخاري والبيهقي وأبو داود (صحيح البخاري ،140/5 ،105/3 :سنن البيهقي،113/6 :
سنن أبي داود.)357/3 :
( )3الشرح الكبير لبن قدامة المقدسي.542/10 :
( )4المدونة ،26/3 :المنتقى على الموطأ ،219/3الخرشي ،149/3 :ط ثانية ،كشاف القناع،75/3 :
المحرر ،179/2 :أحكام أهل الذمة :ص ،106مفتاح الكرامة ،249/4 :المختصر النافع :ص .14
( )5الخراج :ص ،63تبيين الحقا ئق ،274/3 :حاشية ابن عابدين ،53/2 :حاشية الدسوقي:
،175/2القوانين الفقهية :ص ،148الم ،193 ،103/4 :الشرح الكبير للمقدسي ،543/10 :أحكام
أهل الذمة :ص ،105غاية المنتهى ،467/1 :ويلحظ أن هذه المصادر عند الحنابلة تقرر وجوب
الخراج لنا ،لكن ورد في كشاف القناع 686/3 :باب حكم الرضين المغنومة :ل خراج على أرض
صولح أهلها على أن الرض لهم ،كأرض اليمن والحيرة ،كما ل خراج على ما أحياه المسلمون
كأرض البصرة.
( )6لباب اللباب :ص ،73سنن البيهقي ،141/9 :المحرر في الفقه الحنبلي ،179/2 :مفتاح الكرامة:
،239/4المختصر النافع :ص .114
( )7التلويح على التوضيح ،152/2 :المنتزع المختار.575/1 :
( )8الحكام السلطانية للماوردي :ص ،133ولبي يعلى :ص ،133كشاف القناع.75/3 :
( )6/399
( )6/400
وأما الكل ( )1الذي ينبت في أرض مملوكة فهو مباح للناس غير مملوك لحد ،إل إذا قطعه صاحب
ال رض ،لقوله عليه الصلة والسلم« :الناس شركاء في ثلث :الماء والكل والنار» ( )2فإذا قطع
الكل صاحب الرض وأحرزه صار مملوكا له؛ لنه استولى على مال مباح غير مملوك فيملكه
كالماء المحرز في الواني والظروف وسائر المباحات ،قال صلّى ال عليه وسلم « :من سبق إلى ما
لم يسبق إليه مسلم فهو له» (. )3
والمروج غير المملوكة ،والجام ( )4غير المملوكة ،والسمك وسائر المباحات كالطير ،تعتبر في حكم
الكل.
وأما الحطب والقصب في الجمة المملوكة :فليس لحد أن يقطعها إل بإذن المالك؛ لن ذلك مملوك
لصاحب الجمة ينبت على ملكه ،وإن لم يوجد منه النبات أصلً؛ لن ملك القصب والحطب مقصود
من ملك الجمة ،فيملك بملكها ،بخلف الكل ،فإنه غير مقصود ،وإنما المقصود زراعة الرض ()5
.
وإذا كان الكل مستنبتا في أرض مملوكة ،بفعل صاحبها وسقيه ،كان ملكا خاصا له.
-------------------------------
( )1الكل :الحشيش أو العشب الذي ينبت في الرض من غير صنع أحد.
( )2رواه أحمد وأبو داود عن بعض أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلم بلفظ «المسلمون شركاء في
ثلثة :في الماء والكل والنار» وبلفظ «الناس شركاء »..ورواه ابن ماجه عن ابن عباس ،وزاد
«وثمنه حرام» ورواه الطبراني في معجمه عن ابن عمر ،ورواه غيرهم (راجع تحقيق وتخريج
أحاديث تحفة الفقهاء 430/3 :ومابعدها ،نصب الراية ،294/4 :سبل السلم.)86/3 :
( )3رواه أبو داود عن سمرة بن مضرّس ،وصححه الضياء في المختارة ،وقال البغوي :ل أعلم بها
السناد غير هذا الحديث (نيل الوطار 302/5 :ومابعدها).
( )4الجمة بالتحريك :الشجر الكثير الملتف جمع ْجم ،وأجم ،وأجمات ،وجمع الجمع آجام.
( )5البدائع 192/6 :ومابعدها.
( )6/401
( )6/402
أما لو وضع حول الرض أحجارا أو ترابا أو حاطها بحائط صغير ،وجعل ذلك حدا ،فإنه ل يملكها؛
لن هذا ليس بإحياء للرض ،وإنما يصير متحجرا ،ويكون أحق بها من غيره باتفاق الئمة (، )1
لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» .وقوله عليه
الصلة والسلم أيضا «منى مُناخٌ لمن سبق» (. )2
ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلث سنين أخذها المام ودفعها إلى غيره؛ لن التحجير كما قلنا ليس
بإحياء ،وإنما هو إعلم بوضع الحجار حول الرض .وإعطاء المحتجر الحق في ترك الرض له
مدة ثلث سنين مأخوذ من قول عمر رضي ال عنه« :ليس لمحتجر بعد ثلث سنين حق» (، )3
ولن هذه المدة يحتاج إليها لتهيئة المور والستعداد لتمام الحياء.
هل يحتاج إحياء الموات إلى إذن الحاكم؟ :اختلف العلماء في ذلك ،فقال أبو حنيفة والمالكية (: )4
يحتاج إحياء الموات إلى إذن المام أو نائبه ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ليس للمرء إل ما طابت
به نفس إمامه» ( )5فإذا لم يأذن لم تطب نفسه به ،فل يتملكه.
-------------------------------
( )1تكملة فتح القدير :ص ،138البدائع :ص ،195الدر المختار :ص ،307المراجع السابقة،
الشرح الكبير للدردير 4 :ص ،70مغني المحتاج 2 :ص ،366المغني 5 :ص ،538 ،518
المهذب1 :ص .425
( )2رواه أحمد وأصحاب السنن :أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي عن السيدة عائشة رضي ال
عنها ،قال الترمذي :حديث حسن .والمناخ :مبرك البل ،ومحل القامة (راجع تحقيق وتخريج
أحاديث تحفة الفقهاء للمؤلف مع الستاذ المنتصر الكتاني 3 :ص ،442نيل الوطار 8 :ص .)22
( )3رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب (راجع نصب الراية 4 :ص ،290
الخراج لبي يوسف :ص .)65
( )4البدائع 6 :ص ،194تكملة فتح القدير 8 :ص ،136الدر المختار 5 :ص ،309الشرح الكبير
للدردير 4 :ص .69
( )5رواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل ،وفيه ضعف (نصب الراية 3 :ص 4 ،430ص .)290
( )6/403
وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة ( : )1يجوز تملك الرض بالحياء ،وإن لم يأذن المام فيه ،لقوله
صلّى ال عليه وسلم « :من أحيا أرضا ميتة فهي له ،وليس لعرق ظالم حق» ( )2فهذا الحديث أثبت
الملك للمحيي من غير اشتراط إذن المام ،ولن إحياء الرض مباح استولى عليه المحيي ،فيملكه
بدون إذن المام ،كما لو أخذ إنسان صيدا أو حشّ كل.
هل للبئر أو النهر في أرض الموات حريم ( )3؟ إذا حفر الرجل بئرا في برية أو حفر نهرا في
أرض موات ،فيعتبر الحفر إحياء للرض ،ولكن هل للبئر أو للنهر حريم؟
اتفق الفقهاء على أن للبئر والنهر حريما ل يجوز للخرين التعدي عليه بإحياء الرض مثلً فيه؛ لن
الرسول عليه الصلة والسلم جعل للبئر حريما كما سيبين ،إل أنهم اختلفوا في مقدار حريم البئر.
واتفق الحنفية على أن حريم العين خمس مئة ذراع من كل جانب ،لقوله صلّى ال عليه وسلم :
«العين خمس مئة ذراع ،وحريم بئر العطن أربعون ذراعا» (. )4
وأما حريم البئر والنهر ففيه خلف :قال الحنفية :حريم بئر العطَن (: )5
-------------------------------
( )1مراجع الحنفية السابقة ،مغني المحتاج 2 :ص ،361المغني 5 :ص 513وما بعدها.
( )2روي عن ثمانية :وهم عائشة وسعيد بن زيد ،وجابر ،وعبد ال بن عمرو بن العاص ،وفضالة بن
عبيد ،ومروان بن الحكم ،وعمرو بن عوف ،وابن عباس ،وحديث عائشة رواه البخاري وغيره
(راجع نصب الراية 4 :ص ،288سبل السلم 3 :ص )83قال هشام بن عروة في تفسير« :وليس
لعرق ظالم حق» :الظالم :أن يأتي الرجل الرض الميتة لغيره ،فيغرس فيها.
( )3الحريم :الموضع المجاور حول النهر أو البئر الذي تجب حمايته.
( )4قال الزيلعي عن هذا الحديث :غريب .ثم بين أول الحديث من زيادة الزهري (راجع نصب
الراية4 :ص .)292
( )5بئر العطن بتحريك العين والطاء :هي التي ينزح منها الماء باليد .والعطن :موطن البل
ومبركها ،أو مناخها حول الماء.
( )6/404
أربعون ذراعا لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا ()1
لماشيته (. » )2
وأما حريم بئر الناضح ( : )3فعند أبي حنيفة :أربعون ذراعا ،عملً بإطلق الحديث السابق ،ولن
حاجة الناضح تتحقق بأربعين ذراعا من كل جانب كحاجة بئر العطن.
وعند الصاحبين :حريم بئر الناضح ستون ذر اعا عملً بالحديث السابق« :حريم العين خمس مئة
ذراع ،وحريم بئر العطن أربعون ذراعا ،وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» ولنه قد يحتاج لهذه
المسافة لتسيير الدابة للستقاء.
وأما حريم النهر :فاختلف في تقديره أبو يوسف ومحمد .وقال أبو يوسف ،ورأيه هو المفتى به :يقدر
بنصف أرض النهر من كل جانب .وقال محمد :يقدر بقدر عرض النهر من كل جانب (. )4
وفائدة تملك الحريم :هي أن من أراد أن يحفر فيه بئرا أو ينتفع به بشيء ،فإنه يمنع منه ،ولمالك
الحريم ردم البئر التي تحفر ،أو تضمين الحافر النقصان ،ثم يردمه بنفسه.
-------------------------------
( )1أي مبركا للماشية.
( )2رواه ابن ماجه والطبراني عن عبد ال بن مغفل .قال ابن حجر :وإسناده ضعيف ،لن فيه
إسماعيل ابن أسلم ،ورواه أيضا أحمد في مسنده عن أبي هريرة بلفظ« :حريم البئر أربعون ذراعا من
جوانبها كلها لعطان البل ،والغنم ،وابن السبيل أو الشارب ،ول يمنع فضل ماء ،ليمنع به الكل»
(نصب الرابة 4 :ص 291وما بعدها ،سبل السلم 3 :ص .)85
( )3بئر الناضح :هي التي ينزح منها الماء بالبعير .والناضح :البعير.
( )4البدائع 6 :ص ،195تكملة فتح القدير 8 :ص 139ومابعدها ،الدر المختار ورد المحتار عليه:
5ص 308وما بعدها.
( )6/405
وقال المالكية :إن ما يضر بالماء حريم لكل بئر ،ويزاد عليه بالنسبة لبئر الماشية والشّرب :ما ل
يضايق الوارد الذي يشرب من هذه البئر (. )1
وقال الشافعية :حريم البئر المحفورة في أرض الموات :هو بقدر ما يقف فيه النازح منها على رأس
البئر ليستقي إن كانت البئر للشرب ،وقدر ما يمر فيه الثيران إن كانت للسقي.
وحريم النهر عند الشافعية :هو ملقى الطين وما يخرج منه من الرواسب ،ويرجع فيه إلى أهل العرف
في الموضع ( . )2واستدلوا بالحديث السابق« :من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا»..
وبحديث مرسل عن سعيد بن المسيب« :حريم البئر البديء ـ أي المستحدث ـ خمسة وعشرون
ذراعا ،وحريم البئر العادية ـ أي القديمة ـ خمسون ذراعا ،وحريم بئر الزرع ثلث مئة ذراع» ()3
.
وقال الحنابلة :حريم البئر المستحدث خمسة وعشرون ذراعا حواليها ،وحريم البئر القديم خمسون
ذراعا ،بدليل حديث ابن المسيب السابق ( . )4وسيأتي في بحث إحياء الموات تفصيل الكلم في
الحريم.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4 :ص .67
( )2المهذب 1 :ص ،424مغني المحتاج 2 :ص .363
( )3رواه أبو داود في مراسيله عن الزهري عن سعيد بن المسيب .وأخرجه الدارقطني والخلل
بإسنادهما عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ،وفيه ابن
أبي جعفر ضعيف وهو عند أحمد عن أبي هريرة (نصب الراية 4 :ص 292ومابعدها ،تخريج
أحاديث تحفة الفقهاء 3 :ص .)439
( )4المغني 5 :ص .540
( )6/406
صلُ الثّاني :إحياء الموَات ( استصلح الراضي والبناء فيها )
ال َف ْ
خطة البحث :
الكلم في هذا الموضوع يشمل ما يأتي:
المبحث الول ـ تعريف إحياء الموات ومشروعيته والترغيب فيه.
المبحث الثاني ـ ما يقبل الحياء من الموات.
المبحث الثالث ـ كيفية الحياء وطرقه ـ التحجير.
المبحث الرابع ـ شروطه.
المبحث الخامس ـ أحكامه ـ تملك الرض ومقدار ما يملك (الحريم) .
المبحث الول ـ تعريف إحياء الموات ومشروعيته والترغيب فيه شرعاً :
تعريف إحياء الموات :الحياء لغة :جعل الشيء حيا ،أي ذا قوة حساسة أو نامية .والموات :ما ل
روح فيه ،أو الرض التي ل مالك لها ،أو الرض الخراب الدارسة غير العامرة ،وبإيجاز :هو
الرض التي لم تعمر ،والمراد بإحياء الموات :التسبب للحياة النامية ،شبهت العمارة بالحياة ،وتعطيلها
بعدم الحياة ،وإحياؤها :عمارتها.
وشرعا :الحياء :إصلح الرض الموات بالبناء أو الغرس أو الكِرَاب ( ، )1أو غير ذلك .والموات:
الرض التي ل عمارة ول ماء فيها ،ول يملكها ول ينتفع بها أحد ( . )2أو هو عند الحنفية الرض
التي تعذر زرعها لنقطاع الماء عنها ،أو لغلبته عليها ،غير مملوكة ،بعيدة من العامر .أو هو ما سلم
عن اختصاص بإحياء أي بسبب إحياء (. )3
وحد الموات عند الشافعية :ما لم يكن عامرا ،ول حريما لعامر ،قرب من العامر أو بعد (. )4
-------------------------------
( )1كرب الرض :قلبها للحرث.
( )2القوانين الفقهية :ص ،339الشرح الكبير ،66/4 :مغني المحتاج ،361/2 :كشاف القناع:
.205/4
( )3الكنز للنسفي مع تبيين الحقائق ،34/6 :اللباب مع الكتاب 218/1 :وما بعدها.
( )4مغني المحتاج :المكان السابق.
( )6/407
ومضمون التعاريف :هو أن إحياء الموات في الغالب :يعني استصلح الراضي الزراعية أو جعلها
صالحة للزراعة ،برفع عوائق الزراعة من أحجار وأعشاب منها ،واستخراج الماء ،وتوفير التربة
الصالحة للزراعة ،وإقامة السوار عليها أو تشييد البناء فيها.
والحياء ورد عن الشارع مطلقا ،وما كان كذلك وجب الرجوع فيه إلى العرف؛ لنه قد يبين مطلقات
الشارع ،والذي يحصل به الحياء في العرف أحد خمسة أسباب :تبييض الرض ،وتنقيتها للزرع،
وبناء الحائط على الرض ،وحفر الخندق القعير الذي ل يطلع من نزله إل بمطلع ،واستخراج الماء (
. )1
مشروعيته :ثبتت شرعية إحياء الموات بالسنة النبوية في أحاديث كثيرة منها:
«من أحيا أرضا ميتة فهي له» (« ، )2من أحيا أرضا ميتة فهي له ،وليس لعرق ظالم حق» ()3
«من عمر أرضا ليست لحد ،فهو أحق بها» (« )4من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ،قال:
فخرج الناس يتعا َدوْن يتخاطُون» (. )5
دلت هذه الحاديث على إباحة إحياء الرض الميتة التي ل مالك لها ،ولم ينتفع بها أحد ،فيحييها
الشخص بالسقي ،أو الزرع أو الغرس ،أو البناء ،أو بالتحويط على الرض بمقدار ما يسمى حائطا
في اللغة .قال عروة :قضى عمر بن الخطاب رضي ال عنه في خلفته وعامة فقهاء المصار على
أن الموات يملك بالحياء ،وإن اختلفوا في شروطه.
وتدل الحاديث أيضا على أن الشرع رغب في الحىاء ،لحاجة الناس إلى موارد الزراعة ،وتعمير
الكون ،مما يحقق لهم رفاها اقتصاديا ،ويوفر ثروة عامة كبرى.
-------------------------------
( )1سبل السلم.82/3 :
( )2رواه أحمد والترمذي وصححه عن جابر بن عبد ال ،قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح.
وقد رواه ثمانية من الصحابة.
( )3رواه أحمد وأبو داود والترمذي ،وقال :هذا حديث حسن.
( )4رواه مالك في موطئه ،وأحمد والبخاري وأبو داود عن عائشة .قال ابن عبد البر :وهو مسند
صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم .وروى عبيد في الموال عن عائشة« :من أحيا
أرضا ليست لحد فهو أحق بها» .
( )5رواه أبو داود عن سمرة بن مضرّس .ومعنى يتعادون يتخاطون :المعاداة :السراع بالسير،
ويتخاطون :يعملون على الرض علمات بالخطوط ،وهي تسمى الخطط ،جمع خطة بكسر الخاء
(راجع الحاديث كلها في نيل الوطاو ،302/5 :نصب الراية 288/4 :وما بعدها).
( )6/408
( )6/409
النوع الثاني :ما يوجد فيه آثار ملك قديم من الجاهلية كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوها يملك
بالحياء في المذاهب الربعة ( ، )1وهو الظهر عند الشافعية ،إذ ل حرمة لملك الجاهلية ،ولقوله
صلّى ال عليه وسلم « :عا ِديّ الرض ل ولرسوله ثم هو بعد لكم» ( )2أي قديم الخراب بحيث لم
يملك في السلم.
والرأي الثاني للشافعي :أنه ل يملك بالحياء ،لنه ليس بموات.
النوع الثالث :ما جرى عليه الملك في السلم لمسلم أو ذمي غير معين ،أي لم يعرف مالكه :يملك
بالحياء عند الحنفية والمالكية ،وفي رواية عن أحمد ،لعموم الخبار الواردة في مشروعية الحياء،
ولنه أرض موات ل حق فيها لقوم بأعيانهم ،فأشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك.
وقال الشافعية :هو مال ضائع ،أمره إلى المام الحاكم في حفظه إلى ظهور مالكه ،أو بيعه وحفظ
ثمنه واستقراضه على بيت المال ،أي ل يملك بالحياء.
والصحيح عند الحنابلة :أنه ل يملك بالحياء ،فل أثر لحيائه ويكون فيئا بمنزلة ما جل عنه العداء
خوفا منا ،أي يوزع في سبيل المصالح العامة (. )3
والخلصة :إن الشافعية والحنابلة متفقون على أنه ل يملك بالحياء ،والحنفية والمالكية يقولون بجواز
إحيائه.
-------------------------------
( )1المراجع السابقة.
( )2رواه عن طاوس سعيد بن منصور في سننه وأبو عبيد في الموال (المغني ،المكان السابق).
( )3المراجع السابقة.
( )6/410
( )6/411
- 3مذهب الشافعية ( : )1حد الموات :ما لم يكون عامرا ،ول حريما لعامر قرب من العامر أو بعد.
أو هو الرض التي لم تعمرّ قط في بلد السلم .ول يملك بالحياء حريم معمور :وهو ما تمس
الحاجة إليه لتمام النتفاع ،مثل مرتكض الخيل ومناخ البل ومطرح الرماد ونحوها.
- 4مذهب الحنابلة ( : )2الموات :هو الرض التي ليس لها مالك ،ول بها ماء ،ول عمارة ،ول
ينتفع بها .أو هي الرض المنفكة عن الختصاصات وملك معصوم :مسلم كان أو كافر .لكن ل يجوز
إحياء ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلته،
والمتعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مائها ،والحد الفاصل بين
القريب والبعيد يتحدد بالعرف.
والخلصة :إن المذاهب متقاربة في أصلها ومختلفة في بعض الشروط والقيود.
المبحث الثالث ـ كيفية الحياء وطرقه :
إحياء الرض الموات :يكون باستصلحها للزراعة بحسب عرف الناس وعاداتهم ،كما قرر الشافعية،
لكن للمذاهب آراء في الموضوع.
قال الحنفية ( : )3إصلح الرض الموات يكون بالبناء أو الغرس أو الكراب (قلبها للحرث) ،أو
إقامة المسنّاة (السد :وهو ما يبنى ليرد ماء السيل ،والمراد هنا الجسر) ،أو شق النهر ،أو إلقاء
البذور ،أو السقاية مع حفر النهار ،أو التحويط والتسنيم بحيث يعصم الماء؛ لنه من جملة البناء.
وعن محمد :أن المحيي لو حفر النهر ،ولم يسق الرض أو فعل العكس ،يكون فعله تحجيرا ل إحياء.
وقال المالكية ( : )4الحياء يكون بالبناء والغرس والزراعة والحرث وإجراء المياه فيها وغيرها من
أحد أمور سبعة هي:
الول :بتفجير ماء لبئر أو عين ،فيملك به ،وكذا تملك الرض التي تزرع به.
والثاني :بإزالة الماء منها حيث كانت الرض غامرة بالماء.
والثالث :ببناء أرض.
والرابع :بسبب غرس الشجر فيها.
والخامس :بسبب تحريك أرض بحرثها ونحوه (الحراثة).
والسادس :يكون بسبب قطع شجر بها بنية وضع يده عليها.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،363 ،361/4 :المهذب.423/1 :
( )2كشاف القناع ،205/4 :المغني 513/5 :ومابعدها.516 ،
( )3تبيين الحقائق ،36/6 :الهداية مع تكملة الفتح ،139/8 :اللباب مع الكتاب.218/2 :
( )4الشرح الصغير ،93/4 :الشرح الكبير 69/4 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص .339
( )6/412
( )6/413
وقال الحنابلة ( : )1إحياء الرض :أن يحوط عليها حائطا منيعا ،سواء أرادها للبناء أو للزرع أو
حظيرة للغنم أو الخشب أو غيرها ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من أحاط حائطا على أرض ،فهي
له» ( ، )2ولن الحائط حاجز منيع ،فكان إحياء.
وكالحائط :إجراء ماء للرض من نهر أو بئر إن كانت ل تزرع إل به ،أو حفر بئر فيها ينبع منها
الماء ،فإن لم يخرج الماء فهو كالمحتجر الشارع في الحياء.
ومثل الحائط :أن يغرس فيها شجرا ،أو أن يمنع عن الموات ما ل يمكن زرعها إل بحبسه عنها
كأرض البطائح (. )3
وفي الجملة :الحياء يكون إما بالتحويط المنيع أو إيجاد الماء أو غرس الشجر.
ول يحصل الحياء بمجرد الحرث والزرع؛ لنه ل يراد للبقاء بخلف الغرس ،كما ل يحصل الحياء
أيضا بخندق يجعله حول الرض التي يريد إحياءها ول بشوك وشبهه يحوطها به ،ويكون تحجرا.
هل يحصل الحياء بالتحجير؟
التحجير أو التحويط :هو العلم بوضع الحجار حول الرض ،أي وضع سور من الحجار
والشواك ونحوها على جوانب الرض ،وقد اتفق الفقهاء على عدم صلحيته للحياء ،لكن المتحجر
يكون أحق بها من غيره.
قال الحنفية ( : )4إن حجر شخص الرض ،ل يملكها بالتحجير؟ لنه ليس بإحياء في الصحيح؛ لن
الحياء جعلها صالحة للزراعة ،والتحجير للعلم مشتق من الحجر :وهو المنع للغير بوضع علمة
من حجر ،أو بحصاد ما فيها من الحشيش والشوك ونفيه عنها وجعله حولها ،أو بإحراق ما فيها من
الشوك وغيره ،وكل ذلك ل يفيد الملك ،فبقيت مباحة على حالها.
-------------------------------
( )1المغني ،538/5 :كشاف القناع.212/4 :
( )2رواه أحمد وأبو داود عن جابر ،ولهما مثله عن سمرة بن جندب.
( )3البطحاء والبطح :مسيل واسع فيه دقاق الحصى.
( )4تبيين الحقائق ،35/6 :تكملة الفتح ،138/8 :الدر المختار.307/5 :
( )6/414
لكن المتحجر أولى بها من غيره ،ول تؤخذ منه إلى ثلث سنين ،فإذا لم يعمرها فيها ،أخذها الحاكم
منه ،ودفعها إلى غيرها .والتقدير بثلث سنين مأخوذ من قول عمر رضي ال عنه« :ليس لمتحجر
بعد ثلث سنين حق» ( )1لكن هذا حكم ديانة ،أما قضاء :فإذا أحياها غيره قبل مضيها ،ملكها لتحقق
سبب الملك منه ،دون الول أي المتحجر.
وقال المالكية ( : )2ل يكون الحياء بتحويط (تحجير) للرض بنحو خط عليها ،ول رعي كل بها،
ول حفر بئر ماشية أو شرب بها ،إل أن يبين الملكية حين حفر البئر ،فإن بينها فإحياء.
وقرر الشافعية والحنابلة ( )3أنه :إن تحجر مواتا ،وهو أن يشرع في إحيائه ،ولم يتمه ،أو أعلم على
بقعة بنصب أحجار ،أو غرز خشبا فيها ،أو نصب أسلكا شائكة ،أو حاطها بحائط صغير لم يملكها
بما ذكر؛ لن الملك بالحياء ،وليس هذا إحياء.
لكن يصير أحق الناس به لحديث أبي داود« :من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ،فهو أحق به» .
فلو أحياه آخر ملكه .فإن لم يتم إحياء المتحجر ،وطالت المدة عرفا ،كنحو ثلث سنين ،قيل له :إما أن
تحييه فتملكه ،أو تتركه لمن يحييه ،إن حصل متشوف للحياء؛ لنه ضيق على الناس في حق
مشترك بينهم ،فلم يمكّن من الحياء ،فإن طلب المتحجر المهلة لعذر ،أمهل شهرين أو ثلثة أو أقل،
على ما يراه الحاكم لنه يسير .وإن لم يكن له عذر ،فل يمهل ،فهم تقريبا كالحنفية.
-------------------------------
( )1رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب بلفظ« :من أحيا أرضا ميتة فهي له،
وليس لمحتجر حق بعد ثلث سنين» لكن في سنده الحسن بن عمارة ضعيف ،وسعيد عن عمر فيه
كلم (نصب الراية.)290/4 :
( )2الشرح الكبير ،70/4 :الشرح الصغير.93/4 :
( )3مغني المحتاج ،366/4 :المهذب ،425/1 :المغني 543 ،518/5 :وما بعدها ،كشاف القناع:
.214/4
( )6/415
( )6/416
( )6/417
( )6/418
( )6/419
وقال محمد :إن أحياها بماء العشر كماء المطر أو النهار الكبيرة فهي عشرية ،وإن أحياها بماء
الخراج ،كالماء المأخوذ من نهر حفره غير المسلمين فهي خراجية .وهذا الرأي هو ما مشى عليه
صاحب الهداية.
والراضي العشرية خمسة أنواع:
- 1أرض العرب.
- 2كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا.
- 3الراضي التي فتحت عنوة وقهرا وقسمت بين الغانمين.
- 4المسلم إذا اتخذ داره بستانا أو كرما.
- 5المسلم إذا أحيا الراضي الميتة بإذن المام وهي من توابع الراضي العشرية ،أو تسقى بماء
العشر ،وهو ماء السماء وماء العيون المستنبط من الراضي العشرية.
والراضي الخراجية:
- 1سواد العراق كلها ،وكل أرض فتحت عنوة وقهر ا وتركت على أيدي أربابها ،ومنّ عليهم
المام ،فإنه يضع الجزية على أعناقهم إذا لم يسلموا ،والخراج على أراضيهم إذا أسلموا أو لم
يسلموا.وهذا عند الحنفية.
- 2وكذلك إذا جلهم المام ونقل إليها آخرين.
- 3والمسلم أو الذمي إذا أحيا أرضا ميتة ،وهي تسقى بماء الخراج ،والذمي إذا اتخذ داره بستانا (
. )1
-------------------------------
( )1تحفة الفقهاء.495-492/1 :
( )6/420
وقال الحنابلة :ل خراج على من أحيا موات الرض المفتوحة عنوة ،كأرض مصر والشام والعراق.
أما إن أحياها ذمي فهي خراجية مطلقا بالتفاق (. )1
المطلب الثالث ـ القيد الوارد على ملكية المحيي والملكية الضافية ـ الحريم :
الحريم :هو ما تمس الحاجة إليه لتمام النتفاع بالمعمور ،أو ما يحتاج إليه لمصلحة العامر من
المرافق ،كحريم البئر ،وفناء الدار ،والطريق ،ومسيل الماء ومرافق القرية مثل ناد (مجلس الجتماع)
ومحتطب ومرعى ومرتكض الخيل ومناخ البل ،ومطرح الرماد ،ونحوها.
ول يجوز باتفاق الفقهاء ( )2إحياء حريم الر اضي العامرة قبل الحياء؛ لنه تابع للعامر ،فل يملك؛
لنّا لو جوزنا إحياءها أبطلنا الملك في العامر على أهله.
ول يجوز أيضا بالحياء تملك ما بين العامر من الرحاب والشوارع ومقاعد السواق؛ لن المذكور
ليس من الموات ،وإنما من جملة العامر ،ولنّا لو جوزنا التملك ضيقنا على الناس في أملكهم
وطرقهم.
والخلصة :أن كل مملوك ل يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه.
ومن جهة أخرى للمحيي ملكية إضافية قررها الشارع :وهو حريم الرض التي أحياها ،فله بالحياء
ما يحتاج إليه من المرافق كفناء الدار (الساحة أمام الدار وما امتد من جوانبها) ومسيل وحريم البئر،
وله أن يمنع غيره منه.
والكلم عن الحريم في أصل مشروعيته ،ومقداره.
-------------------------------
( )1البدائع ،195/6 :الهداية مع التكملة ،37/8 :كشاف القناع.207/4 :
( )2البدائع ،195/6 :تبيين الحقائق ،36/6 :الشرح الكبير ،67/4 :الشرح الصغير ،88/4 :مغني
المحتاج ،363/4 :المهذب ،423/1 :المغني ،525/5 :كشاف القناع.208/4 :
( )6/421
مشروعية الحريم :الصل في مشروعية الحريم :أن النبي صلّى ال عليه وسلم جعل للبئر حريما ()1
.وللعين حريم بالجماع ،لنه عليه الصلة والسلم جعل لكل أرض حريما (. )2
مقدار الحريم :للفقهاء تقديرات متقاربة للحريم.
مذهب الحنفية (: )3
1ـ حريم العين الجارية :الصح أن حريمها خمس مئة ذراع من كل جانب والذراع ست قبضات،
كل قبضة أربع أصابع ،وهو من المرفق إلى النامل .لقول الزهري« :وحريم العين خمس مئة ذراع،
من كل ناحية» وبناء عليه يمنع غير صاحب الحريم من الحفر ونحوه في مسافة الحريم ،لنه ملك له،
فله تضمين المعتدي أو ردم الحفرة.
2ـ وحريم البئر :يختلف بين بئر العطَن (العطن :مُناخ البل حول البئر) ،وبئر العطن (هي التي
ينزح منها الماء باليد) وبين بئر الناضح( :وهي التي ينزح منها الماء بالبعير ونحوه).
-------------------------------
( )1قال عليه السلم « :من حفر بئرا ،فله مما حولها أربعون ذراعا ،عطنا لماشيته» أخرجه ابن
ماجه من حديث عبد ال بن مغفل ،ورواه أحمد من حديث أبي هريرة (نصب الراية.)291/4 :
( )2أخرج أبو داود في مراسيله عن الزهري عن سعيد بن المسيب ،قال :قال رسول ال صلّى ال
عليه وسلم «حريم البئر العادية خمسون ذراعا ،وحريم بئر البديء خمسة وعشرون ذراعا» وأخرج
الحاكم عن عبادة بن الصامت أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في النخلة أن حريمها مبلغ جريدها
(نصب الراية 292/4 :وما بعدها) وزاد الزهري« :وحريم العين خمس مئة ذراع من كل ناحية» .
( )3الدر المختار ،310-308/5 :الهداية مع تكملة الفتح 139/8 :وما بعدها ،تبيين الحقائق-36/6 :
،38الكتاب مع شرحه اللباب 221/2 :وما بعدها ،البدائع.195/6 :
( )6/422
وحريم بئر العطن :أربعون ذراعا من كل جانب باتفاق الحنفية ،كما دلت بعض الروايات لكنها غريبة
أي لم تثبت ،كما قال الزيلعي (. )1
وحريم بئر الناضح أربعون ذراعا كبئر العطن عند أبي حنيفة ،عملً بحاجة الناس .وعند الصاحبين:
ستون ذراعا لما روي« :وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» والصحيح :أن حريمها على قدر الحاجة
من كل الجوانب .بشرط أن يحفرها في موات بإذن المام أو في ملكه ،فلو حفر في ملك الغير ل
يستحق الحريم.
3ـ حريم القناة :وهي مجرى الماء تحت الرض .ولم يقدر حريمها بشيء يمكن ضبطه ،فحريمها
بقدر ما يصلحها للقاء الطين ونحوه .وعن محمد :أنها بمنزلة البئر في استحقاق الحريم ،وقيل بآراء
أخرى ،أولها عندي :أن لها حريما مفوضا إلى رأي المام؛ لنه ل نص في الشرع.
4ـ حريم النهر :اختلف فيه الحنفية .فعن أبي حنيفة :ل حريم للنهر في ملك الغير .وقال الصاحبان:
له حريم من الجانبين؛ لن استحقاق الحريم للحاجة ،وصاحب النهر يحتاج إليه كصاحب البئر والعين،
إذ أنه يحتاج إلى المشي على حافتي النهر ،كما يحتاج إلى موضع للقاء الطين عليه عند كري النهر.
ثم اختلف الصاحبان في تقديره.
فقال أبو يوسف :قدر نصف بطن النهر من كل جانب ،أي نصف العرض.
وقال محمد :قدر جميع بطن النهر من كل جانب ،أي عرض النهر .واتفق الحنفية أن للنهر حريما
بقدر ما يحتاج إليه للقاء الطين ونحوه ،فيما لو أحياه في أرض موات .وعليه من كان له نهر في
أرض غيره ،فليس له حريمه عند أبي حنيفة بمجرد دعواه أنه له؛ لن الظاهر ل يشهد له ،بل
لصاحب الرض؛ لنه من جنس أرضه ،والقول لمن يشهد له الظاهر ،إل أن يقيم البينة على ذلك؛
لنها لثبات خلف الظاهر.
وقال الصاحبان :له مسنّاة ( )2يمشي عليها ،ويلقي عليها طينه؛ لن النهر لبد له من ذلك .فكان
الظاهر أنه له.
وثمرة الخلف :أن ولية الغرس لصاحب الرض عند أبي حنيفة ،وعند الصاحبين :لصاحب النهر.
قال الزيلعي :والصحيح أن هذا الحريم لصاحب النهر ،ما لم يفحش.
5ـ حريم الشجر :حريم الشجر الذي يغرس في الرض الموات :خمسة أذرع من كل جانب ،حتى
ل يملك غيره أن يغرس شجرا في حريمه؛ لنه يحتاج إلى الحريم لجذاذ ثمره ،وللوضع فيه .وقد
جعل النبي صلّى ال عليه وسلم حريم الشجرة خمسة أذرع (. )3
ومقدار الحريم عند المالكية ( : )4ما يأتي:
-------------------------------
( )1نصب الراية.292/4 :
( )2المسناة :ما يبنى في وجه السيل لحبس الماء .ويراد بها هنا :ما يكون كالجسر للنهر ،للمشي
وإلقاء الطين عند الكري (أي الحفر).
( )3أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري (نصب الراية.)293/4 :
( )4الشرح الصغير ،89/4 :القوانين الفقهية :ص .339
( )6/423
حريم البئر :ما يتصل بها من الرض التي حولها ،فهو يختلف بقدر كبر البئر وصغرها وشدة
الرض ورخاوتها .ويشمل باطن الرض .فل يحق لخر حفر بئر ينشف ماءها أو يذهبه ،أو يغيره
بطرح نجاسة يصل إليها وسخها ،كما يشمل ظاهر الرض كالبناء والغرس.
وحريم الدار :مدخلها ومخرجها ،ومواضع مضابطها ،وشبهها ،مما يرتفق أهلها به من مطرح تراب،
ومصب ميزاب لدار.وحريم الفدان ( : )1حواشيه ،ومدخله ومخرجه.
وحريم القرية :موضع محتطبها ومرعاها.
وحريم الشجر :ما فيه مصلحة عرفا ،فلصاحبها منع من أراد إحداث شيء بقربها يضرّ بها ،من بناء
أو غرس أو حفر بئر ونحوها.
وعند الشافعية ( : )2يرجع في تقدير الحريم إلى العرف ،حتى إن المنصوص عليه مراعى فيه
العرف والحاجة .والحريم كما تقدم :هو ما تمس الحاجة إليه لتمام النتفاع بالمعمور ،وإن حصل
أصل النتفاع بدونه.
فحريم القرية المحياة :النادي (وهو المجلس الذي يجتمعون فيه ويتحدثون) ،ومرتكض الخيل ،ومناخ
البل ،ومطرح الرماد ونحوها كمراح غنم ومسيل ماء وملعب صبيان.
وحريم البئر المحفورة في الموات :موقف النازح منها (وهو القائم على رأس البئر ليستقي) ()3
والحوض (وهو ما يصب النازح فيه ما يخرجه من البئر) ،والدولب ،ومجتمع الماء (الذي يطرح
فيه من الحوض لسقي الماشية والزرع) ،ومتردد النازح من الدابة إن استقى بها ،أو الدمي.
وحريم بئر الشرب :موضع المستقي منها.
-------------------------------
( )1الفدان 5760 :م 240 = 2قصبة ،والدونم 1000 :م .2
( )2مغني المحتاج 363/4 :ومابعدها ،المهذب 424/1 :وما بعدها.
( )3أما المحفورة في ملكه ،فيعتبر فيها العرف.
( )6/424
وحريم النهر :هو ملقى الطين وما يخرج منه بحسب العرف في الموضع .بدليل حديث عبد ال بن
مغفل السابق أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :من احتفر بئرا ،فله أربعون ذراعا حولها ،عطنا
لماشيته» .
وحريم الدار المبنية في الموات :مطرح رماد وكناسة وثلج ،وممر في صوب الباب (جهته).
وحريم آبار القناة :ما لو حفر فيه (أي في الحريم) نقص ماؤها ،أو خيف عليها النهيار ،والدار
المحفوفة بدور ل حريم لها .ويتصرف كل واحد في ملكه على العادة ،فإن تعدى ضمن.
ويجوز إحياء موات الحرم المكي،كما يملك عامره بالبيع وغيره،دون عرفات ومزدلفة ومنى ،ل
يجوز إحياؤها لتعلق الوقوف بعرفات ،وأداء شعائر الحج فيها وفي غيرها ،كالحقوق العامة من
الطرق ومصلى العيد في الصحراء ،وموارد الماء.
ومذهب الحنابلة ( )1ما يأتي:
البئر العاديّة (بتشديد الياء نسبة إلى عاد) ( : )2هي القديمة التي انطمت وذهب ماؤها ،فجدد حفرها
وعمارتها ،أو انقطع ماؤها ،فاستخرجه المحيي الذي يملكها ويملك حريمها .وحريمها :خمسون ذراعا
من كل جانب.
والبئر غير العادية (البئر البديء) :حريمها على النصف من حريم العادية ،وهو خمسة وعشرون
ذراعا من كل جانب.
والدليل ما روى أبو عبيد في الموال عن سعيد بن المسيب قال« :السنة في حريم القليب ـ البئر
العادية :خمسون ذراعا ،وحريم البديء :خمسة وعشرون ذراعا ،وحريم بئر الزرع ثلث مئة ذراع»
.
وحريم عين وقناة من موات حولها :خمس مئة ذراع ،أي ذراع اليد؛ لنه المتبادر عند الطلق.
-------------------------------
( )1كشاف القناع 212/4 :ومابعدها ،المغني.542/5 :
( )2لم يرد عادا بعينها ،لكن لما كانت «عاد» في الزمن الول ،وكانت لها آثار في الرض ،نسب
إليها كل قديم .لذا عرفت بأنها :القديمة..الخ.
( )6/425
وحريم نهر من حافتيه :ما يحتاج النهر إليه ،لطرح كرايته (أي ما يلقى منه طلبا لسرعة جريه) وما
يضر صاحبه ،بتملكه عليه ،وإن كثر ،وكذا ما يرتفق بدخوله؛ لنه من مصالحه.
وحريم شجرة :قدر مد أغصانها .وحريم النخل :بقدر مد جريدها ،لحديث أبي سعيد الخدري المتقدم:
«اختصم إلى النبي صلّى ال عليه وسلم في حريم نخلة ،فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت ،فكانت
سبعة أذرع ،أو خمسة أذرع ،فقضى بذلك» .
وحريم أرض زراعة :قدر ما يحتاجه زارعها لسقيها ،وربط دوابها ،وطرح سبخها ونحوه ،كمصرف
مائها عند الستغناء عنه ،لن كل المذكور من مرافقها.
وحريم الدار :مطرح تراب وكناسة وثلج وماء وميزاب ،وممر إلى بابها؛ لن هذا كله مما يرتفق بها
ساكنها.
ول حريم لدار محفوفة بملك الغير من كل جانب؛ لن الحريم من المرافق ،ول يرتفق بملك غيره؛
لن مالكه أحق به ،ويتصرف كل واحد منهم في ملكه وينتفع بحسب ما جرت به العادة ،فإن تعدى
العادة ،منع التعدي ،عملً بالعادة.
وبناء عليه :لو حفر رجل بئرا في أرضه ،فأدى إلى نضوب ماء بئر الجار ،وجب سد ماء البئر ،عند
الحنابلة.
ول شيء عليه عند الحنفية؛ لن الماء الموجود تحت الرض غير مملوك لحد ،وهذا منصوص عليه
في المجلة (م .)1288
( )6/426
( )6/427
قال مالك :بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين من الظهر ،وقال مرة :من الخيل.
وقال البخاري :بلغنا أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع ،وأن عمر حمى شرَف والرّبذة (. )1
وعن أسلم مولى عمر :أن عمر استعمل مولى له ،يدعى «هُنيّا» على الحمى ،وقال له :يا هُنَي،
اضمم جَنَاحك على المسلمين ( ، )2واتق دعوة المظلوم ،فإن دعوة المظلوم مستجابة ،وأدخل رب
الصّرَيمة ( ، )3ورب الغُنَيمة ،وإياك ونَعمَ ابن عوف ،ونعم ابن عفان ( ، )4فإنهما إن تهلك
ماشيتهما ،يرجعان إلى نخل وزرع.
ورب الصريمة ورب الغنيمة ،إن تهلك ماشيتهما ،يأتيني ببينة يقول :يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا ،ل
أبالك ( ، )5فالماء والكل أيسر عليّ من الذهب والورِق.
وأيم ال ،إنهم ليَروْن أني قد ظلمتهم ،إنها لبلدُهم ،قاتلوا عليها في الجاهلية ،وأسلموا عليها في
السلم.
والذي نفسي بيده ،لول المال الذي أحمل عليه في سبيل ال ،ما حميت عليهم من بلدهم شيئا (. )6
-------------------------------
( )1رواه البخاري عن الصعب بن جثامة (نيل الوطار ،المكان السابق) والشرف :موضع بقرب
مكة ،والربذة :موضع معروف بين مكة والمدينة.
( )2في كتب الفقه :اضمم جناحك عن الناس ،أي أمسك يدك ول تمدها إلى ضرر مسلم ،أي تواضع
لهما ،أو اتق ال فيهم.
( )3الصريمة :تصغير صرمة :وهي القطعة من البل نحو الثلثين ،فهي ما بين العشرين إلى
الثلثين من البل ،أو من العشر إلى الربعين منها ،والغنيمة :ما بين الربعين والمئة من الشاء.
( )4أي ل تدخلها الحمى ،فإنهما غنيان ل يضرهما هلك نعمهما.
( )5ظاهره الذم ،والقصد :التحريض على الشيء.
( )6رواه البخاري (نيل الوطار ،المكان السابق).
( )6/428
قال ابن قدامة ( : )1وهذا إجماع من الصحابة ،ولن ماكان لمصالح المسلمين ،قامت الئمة فيه مقام
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،وقد روي عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال.
طعْمة ،إل جعلها طعمة لمن بعده» رواه أحمد.
«ما أطعم ال لنبي ُ
وأجاز المالكية ( )2الحمى الشرعي بشروط أربعة ،هي:
- 1حاجة المسلمين إليه :فل يحمي المام أو نائبه لنفسه ،ول لغيره عند عدم الحاجة.
- 2أن يكون المحمي قليلً ،ل كثيرا .والقليل :ما ل يضيق فيه على الناس والكثير :ما ضيق فيه
على الناس.
- 3أن يكون المحمي في مكان عفا ،أي خاليا من البناء والغرس.
- 4أن يكون الغرض من الحمى تحقيق مصلحة عامة الناس ،مثل الجهاد ونحوه ،أي لترعى فيه
دواب الحرب أو الصدقة أو ضعفة المسلمين.
ونائب المام مثل المام ،وإن لم يأذن له المام ،بخلف القطاع ،فليس لنائب السلطان إقطاع إل
بإذن؛ لن القطاع يحصل به التمليك ،فل بد فيه من الذن ،بخلف الحمى.
ثالثا ـ حكم ما حماه النبي صلّى ال عليه وسلم أو إمام غيره(: ) 3
ليس لحد نقضه ،ول تغييره ،مع بقاء الحاجة إليه ،لنه كالمنصوص عليه ،ومن أحيا منه شيئا لم
يملكه.
وإن زالت الحاجة إليه ،ففيه عند الشافعية والحنابلة وجهان:
أحدهما ـ يجوز لنه زال السبب.
والثاني ـ ل يجوز ،لن ما حكم به رسول ال صلّى ال عليه وسلم نص ،فل يجوز نقضه بالجتهاد.
وإن حمى إمام آخر بعد النبي ،فغيّره هو ،أو غيره من الئمة :جاز.
وإن أحياه إنسان بعد المام ففيه قولن عند الشافعية والحنابلة:
أحدهما ـ ل يملكه ،كما ل يملك ما حماه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،ولن اجتهاد المام
ليجوز نقضه.
والثاني ـ يملك؛ لن حمى المام اجتهاد ،وملك الرض بالحياء نص ،والنص يقدم على الجتهاد.
-------------------------------
( )1المغني.530/5 :
( )2الشرح الكبير ،69/4 :الشرح الصغير.92/4 :
( )3راجع المهذب ،427/1 :المغني ،530/5 :كشاف القناع.224/4 :
( )6/429
( )6/430
ثانيا ـ مشروعيته :يجوز للمام أن يقطع موات الرض لمن يملكه بالحياء ،لما روى وائل بن
حُجر« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم أقطعه أرضا بحضرموت ،وبعث معاوية ليقطعها إياه» (، )1
حضْر فرسه ( ، )2وأجرى الفرس
وروى ابن عمر« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم أقطع الزبير ُ
حتى قام ،ثم رمى بسوطه،فقال :أقطعوه ،حيث بلغ السوط» ( . )3وروى عمرو بن شعيب أن النبي
صلّى ال عليه وسلم أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا (. )4
وروي أن أبا بكر أقطع الزبير :وأقطع عمر عليا ،وأقطع عثمان رضي ال عنهم خمسة من أصحاب
رسول ال صلّى ال عليه وسلم :الزبير ،وسعد ،وابن مسعود ،وخبابا ،وأسامة بن زيد ،رضي ال
عنهم .ويروى عن نافع أبي عبد ال :أنه قال لعمر :إن قَبلنا أرضا بالبصرة ،ليست من أرض
الخراج ،ول تضر بأحد من المسلمين ،فإن رأيت أن تقطعنيها ،أتخذ فيها قصيل ( )5لخيلي فافعل.
قال :فكتب عمر إلى أبي موسى :إن كانت كما يقول ،فاقطعها إياه ( . )6ويجوز أيضا إقطاع المعادن
للستغلل ،ل ملك الرقبة (عين الشيء) ،لما روى ابن عباس قال« :أقطع رسول ال صلّى ال عليه
غوْريّها وحيث يصلح الزرع من قُدْس (
وسلم بلل بن الحارث المزني معادن القَبَليّة ( ، )7جَلْسيها و َ
، )8ولم يعطه حق مسلم (. » )9
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وصححه (نيل الوطار.)312/5 :
( )2حضر فرسه :مقدار عدوه.
( )3رواه أحمد وأبو داود لكن في إسناده رجل فيه مقال ،وهو عبد ال بن عمر بن حفص بن عاصم
بن عمر بن الخطاب (نيل الوطار.)312/5 :
( )4رواه سعيد بن منصور في سننه.
( )5القصيل :الشعير يجز أخضر لعلف الدواب.
( )6روى هذه الثار كلها أبو عبيد في الموال.
( )7القبلية :ناحية من ساحل البحر ،بينها وبين المدينة خمسة أيام.
( )8الجلس :كل مرتفع من الرض ،ويطلق على أرض نجد .وغوريها :نسبة إلى غور ،قال في
القاموس :إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر ،وكل ما انحدر مغربا عن تهامة،
وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلثة أيام في عرض فرسخين ،وموضع في ديار بني
سليم ،وماء لبني العدوية .ا هـ .والمراد هنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية.
وقدس :هو جبل عظيم بنجد ،كما في القاموس ،وقيل :الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع.
( )9رواه أحمد وأبو داود ،وروياه أيضا من حديث عمرو بن عوف المزني (نيل الوطار.)309/5 :
( )6/431
( )6/432
فإن أقطع المام أحدا أكثر من القدر الذي يمكن إحياؤه ،ثم تبين عجزه عن عمارته أو إحيائه
استرجعه المام منه ،كما استرجع عمر من بلل بن الحارث ماعجز عن عمارته ،من العقيق الذي
أقطعه إياه رسول ال صلّى ال عليه وسلم .وهذا هو المراد بالمصلحة التي يجوز القطاع لجلها؛
لن الحكم يدور مع علته.
وللمام عند الحنابلة إقطاع غير موات تمليكا ،وانتفاعا للمصلحة ( . )1ويجوز القطاع من مال
الخراج ،كما يجوز من مال الجزية (. )2
وقال المالكية ( : )3ل يقطع المام معمور أرض العنوة كأرض مصر والشام والعراق ،أي الصالحة
لزرع الحب ملكا؛ لنها وقف عندهم ،بل يقطعها إمتاعا وانتفاعا .وأما ما ل يصلح لزرع الحب ،وإن
صلح لغرس الشجر ،وليس من العقار ،فإنه من الموات ،يقطعه ملكا وانتفاعا.
وأما أرض الصلح فل يقطعها المام لحد مطلقا؛ لنها مملوكة لربابها.
- 2حكم إقطاع العامر وهو إقطاع الرفاق :قال الشافعية والحنابلة ( : )4يجوز إقطاع ما بين العامر
من الرحاب للمساجد ونحوها ،ومقاعد السواق ،والطرق الواسعة ،إقطاع انتفاع ،ول يملكه المقطع
وإنما ينتفع به ما لم يضيق على
-------------------------------
( )1كشاف القناع.217/4 :
( )2المرجع السابق.
( )3الشرح الصغير 91/4 :ومابعدها ،الشرح الكبير.68/4 :
( )4المهذب ،427/1 :المغني ،526/5 :كشاف القناع ،217/4 :الحكام السلطانية للماوردي :ص
،184الحكام السلطانية لبي يعلى :ص .213
( )6/433
الناس أو يضر بالمارة ،فمن أقطع شيئا مما ذكر صار أحق بالجلوس في الموضع؛ لن للمام النظر
والجتهاد ،فإذا أقطعه ثبتت يده عليه بالقطاع ،فلم يكن لغيره أن يقعد فيه ،بمنزلة السابق إليه من
غير إقطاع ،إل في فارق واحد :وهو أن السابق لشيء إذا انتقل عنه بنقل متاعه منه ،زال استحقاقه،
لزوال المعنى الذي استحق به .وفي القطاع ل يزول استحقاقه سواء نقل متاعه إليه أو لم ينقل ،جلس
فيه أو تركه؛ لنه استحق بإقطاع المام ،فل يزول حقه بترك الجلوس فيه.
وللجالس في الرحاب أو الطرق أن يظلل على نفسه بما ل ضرر فيه من حصير وكساء للحاجة إليه،
وليس له بناء شيء في الطريق ،ول في رحبة المسجد ،لما فيه من التضييق.
وليس للجالس بطريق واسع الجلوس بحيث يمنع جاره رؤية المتعاملين معه ،أو يضيق على جاره في
كيل أو وزن أو أخذ أو عطاء ،لحديث «ل ضرر ول ضرار» .
- 3حكم إقطاع المعادن وملكيتها :
تعريف المعادن ،والفرق بينها وبين الرّكاز أو الكنز ،وأنواعها ،وحكم ملكيتها وإقطاعها في المذاهب.
المستخرج من الرض بالبحث والتنقيب :إما معدن ،أو ركاز أو كنز.
تعريف المعادن :المعادن أو الفلزات :هي ما يوجد في باطن الرض من أصل الخلقة ،كالذهب
والفضة ،والنحاس والحديد والرصاص.
والرّكاز أو الكنز :هو المال المدفون في الرض بفعل صاحبه ،أو بأثر حادث إلهي ،كزلزال أو رياح
عاتية ،أدى إلى طمر بلد مع ما فيها من ثروات .والفرق بين المعدن والركاز :أن المعدن
( )6/434
جزء من الرض ،وأن الركاز ليس جزءا من الرض ،وإنما هو دفين مودع فيها ،بفعل النسان ()1
.
أنواع المعادن :المعادن عند الحنفية أنواع (: )2
)1ـ ما يقبل الطرق والسحب ،فيعمل منه الصفائح والحلي والسلك ،أو ما يذوب بالذابة وينطبع
بالحلية ـ بتعبير الفقهاء ،كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ونحوها.
)2ـ مال يقبل الطرق والسحب أو ما ل يذوب بالذابة ،كالماس والياقوت والبلور والعقيق والفيروز
والكحل والزرنيخ ،ونحوها.
)3ـ المعادن السائلة أو المائعة ،كالنفط والقار ونحوها من الزيوت المعدنية.
وقسم الشافعية والحنابلة ( )3المعادن قسمين :ظاهرة وباطنة.
أ ـ فالظاهرة :هي البارزة غير المختلطة بالرض ،التي ل تحتاج إلى مشقة في استخراجها أو
الوصول إليها ،كالنفط والقار (الزفت) والملح والكحل والكبريت.
ب ـ والباطنة :هي التي تحتاج إلى جهد وعمل لستخراجها ،كالذهب والحديد والنحاس والرصاص.
حكم المعادن عند الحنفية (: )4
ل تكون أرض المعادن ،كأرض الملح والقار والنفط ونحوها مما ل يستغني
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق 287/1 :ومابعدها ،مختصر المعاملت الشرعية للستاذ الشيخ علي الخفيف :ص
،29الموال ونظرية العقد ،للدكتور محمد يوسف موسى :ص .194
( )2البدائع.68 ،67/2 :
( )3الحكام السلطانية للماوردي :ص 189وما بعدها ،الحكام السلطانية لبي يعلى :ص 219وما
بعدها.
( )4البدائع،68-65/2 :تبيين الحقائق 288/1 :ومابعدها ،الدر المختار 59/2 :ومابعدها.
( )6/435
عنها المسلمون أو المة ،أرض موات .فل يجوز للمام أن يقطعها لحد؛ لنها حق لعامة المسلمين،
وفي القطاع إبطال حقهم ،وهو ل يجوز (. )1
وحكم ملكيتها وزكاتها فيما يأتي :ل يقول الحنفية بالتفرقة في مقدار الزكاة بين المعدن والكنز،
والركاز يشمل الثنين وكلهما من البّر ،وهناك معادن البحر.
أولً ـ المعدن :أ ـ إن كان في أرض غير مملوكةفي دار السلم ،وكان مما يقبل الطرق والسحب،
كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ،قليلً أو كثيرا :يكون فيه الخمس لبيت المال كالواجب
في الغنيمة ،والباقي وهو الربعة الخماس لمن عثر عليه ،كائنا من كان إل الحربي المستأمن ،فإنه
يسترد منه الكل.
ودليلهم :قوله صلّى ال عليه وسلم « :وفي الركاز الخمس» ( )2والركاز :اسم للمعدن حقيقة ،ويطلق
على الكنز مجازا؛ لن العرب تقول :أركز الرجل :إذا أصاب ركازا ،وهي قطع من الذهب تخرج
من المعادن ( . )3وروى أبو يوسف عن أبي هريرة رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلّى ال
عليه وسلم « :في الركاز الخمس ،قيل :وما الركاز يا رسول ال ؟ قال :الذي خلقه ال في الرض
يوم خلقت» ( )4فدل النص عندهم على أن الركاز يطلق على المعدن ،فالمعدن ركاز ،وعلى المال
المدفون.
ب ـ وإن كان المعدن مما ل يقبل الطرق والسحب ،كالماس والياقوت وسائر الحجار الكريمة ،فل
خمس فيه ،ويكون كله للواجد؛ لنه من جنس الرض ،كالتراب والحجار العادية ،إل أنها مضيئة،
ول خمس في الحجر.
جـ ـ وإن كان المعدن مائعا كالنفط والقير :فل شيء فيه لبيت المال ،وكله لمن وجده؛ لنه كالماء،
ول يقصد بالستيلء ،فل يعتبر كالغنائم ،التي يجب فيها الخمس.
أما الزئبق :ففيه الخمس؛ لنه ينطبع مع غيره ،وإن كان مما ل ينطبع بنفسه ،فأشبه الفضة.
-------------------------------
( )1البدائع ،164/6 :الدر المختار.308/5 :
( )2رواه الجماعة ( أحمد والئمة الستة ) عن أبي هريرة ( نيل الوطار ،147/4 :نصب الراية:
.)380/3
( )3خالفهم الجمهور في الحكم ،فقالوا :ل يقال للمعدن ركاز ،لحديث « :والمعدن جبار -أي هدر -
وفي الركاز الخمس » فقد فرق بينهما بالعطف ،فدل ذلك على المغايرة.
( )4نصب الراية.380/2 :
( )6/436
د ـ وإن وجد المعدن في أرض مملوكة لبعض الناس ،أو دار أو منزل أو حانوت ،فل خوف عند
الحنفية في أن الربعة الخماس لصاحب الملك ،وإن وجده غيره في أرضه؛ لن المعدن من توابع
الرض ،لنه من أجزائها التي خلق فيها.
وأما الخمس فهو لبيت المال إذا كان الموجود مما يقبل الطرق والسحب عند الصاحبين ،للحديث
المتقدم« :وفي الركاز الخمس» من غير تفصيل بين الرض المملوكة وغيرها.
وعند أبي حنيفة :ل خمس فيه ،على من وجده في أرضه أو داره.
ثانيا ـ الكنز :
أ ـ إن كان إسلميا ،بأن وجد عليه علمة السلم ،كالمصحف والدراهم المكتوب عليها« :ل إله إل
ال محمد رسول ال » ،ووجد في أرض غير مملوكة ،كالجبال والمغاور ونحوها ،كان بمنزلة
اللقطة ،فيجب على واجده التعريف به ،ثم النتفاع به إن كان فقيرا ،والتصدق به إن كان غنيا.
ب ـ وإن كان غير إسلمي ،بأن وجد عليه علمة الجاهلية أو الرومان أو الفرس ،كان لبيت المال
الخمس ،والباقي وهو الربعة الخماس للواجد ،بل خلف عندهم .جـ ـ وإن كان الكنز في أرض
مملوكة :وجب فيه الخمس بل خلف ،للحديث السابق« :وفي الركاز الخمس» .والباقي للمالك ثم
لورثته عند أبي حنيفة ومحمد ،وقال أبو يوسف :هو للواجد؛ لنه غنيمة وصل إليها قبل غيره.
د ـ وإن وجد الكنز في دار الحرب :فإن وجد في أرض غير مملوكة لحد ،فهو للواجد ،ول خمس
فيه ،لنه مال أخذه ،ل بطريق القهر والغلبة .وإن وجد في أرض مملوكة ،ففيه الخمس لبيت المال،
والباقي للمالك عند أبي حنيفة ومحمد ،وعند أبي يوسف :للواجد؛ لنه مباح سبقت يده إليه ،أي كما
هو المقرر في دار السلم.
( )6/437
ثالثا ـ المستخرج من البحر :كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ،وكل حلية تستخرج من البحر ،ل شيء فيه
لبيت المال عند أبي حنيفة ومحمد ،وجميعه للواجد ،بدليل ما روي عن ابن عباس رضي ال عنهما
أنه سئل عن العنبر ،فقال :هو شيء دسره البحر ،ل خمس فيه ،ولن يد الكفرة لم تثبت على باطن
البحار التي يستخرج منها اللؤلؤ والعنبر ،فلم يكن الخارج منها مأخوذا بطريق القهر لهم ،فل يكون
غنيمة ،فل خمس فيه .والعنبر :هو الطيب المعروف.
وعند أبي يوسف :في كل ما خرج من البحر من الحلي والجواهر :الخمس لبيت المال ،والباقي
لواجده أو مستخرجه ،بدليل أن عمر رضي ال عنه كتب لعامل له وجد لؤلؤة بأن فيها الخمس ،وبأن
الكفار كانوا يملكون الرض كلها برا وبحرا ،فيكون كل ما يصير من أموالهم إلينا غنيمة ،وفي الغنائم
الخمس بنص القرآن ( . )1وهذا الرأي هو الولى بالتباع في الظروف الدولية الحاضرة.
وذكر أبو عبيد أقوالً مختلفة ،منها كما قال أبو حنيفة ومحمد ،ومنها قول لعمر وعمر بن عبد العزيز:
أن معادن البحر كمعادن البر ،فيها الزكاة إذا بلغت نصابا (. )2
المعادن عند المالكية (: )3
المعدن غير الركاز ،والركاز هو الكنز ،والمعدن :هو ما يخرج من الرض من ذهب أو فضة بعمل
وتصفية .ومذهب المالكية يتفق مع النظرة الحديثة للدول في ملكية المعادن.
أولً ـ المعدن :ملكيته ،والواجب فيه :
أما ملكيته فأنواع ثلثة:
- )1إن كان في أرض غير مملوكة لحد :فهو للمام أي السلطان أو نائبه ،يقطعه لمن شاء من
المسلمين ،انتفاعا ،ل تمليكا ،أو يجعله في بيت المال للمصلحة أو المنفعة العامة ،ول يختص بشيء
منه من وجد في أرضه.
)2ـ أن يكون في أرض مملوكة لمالك معين :هو للمام في مشهور المذهب ،وقيل :لصاحب
الرض.
- )3أن يكون في أرض مملوكة لغير معين ،كأرض العنوة والصلح :المعتمد أنه للمام ،وقيل :لمن
افتتحها.
-------------------------------
( )1البدائع.68/2 :
( )2الموال :ص .347-345
( )3القوانين الفقهية :ص ،102الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه.654-650/1 :
( )6/438
والخلصة :أن المعادن الجامدة والسائلة للدولة عند المالكية في مشهور
المذهب؛ لن المعادن قد يجدها شرار الناس ،فلو لم يكن حكمها للمام ،لدى المر إلى الفتن
والهرج.
وأما الواجب في المعدن فهو الزكاة :وهي ربع العشر ( )1إن كان نصابا .فإن كان دون النصاب ،فل
شيء فيه .ول حول في زكاة المعدن ،بل يزكى لوقته ،كالزرع.
ثانيا ـ الركاز :وهو الكنز ،يختلف حكمه باختلف الرض التي وجد فيها .وهي أربعة أنواع:
الول ـ أن يوجد في الفيافي ،ويكون من دفن (مدفون) الجاهلية ،فهو لواجده ،وفيه الخمس لبيت
المال مطلقا ،ذهبا كان أو غيره ،قل أو كثر.
الثاني ـ أن يوجد في أرض مملوكة :قيل :يكون لواجده ،وقيل :يكون لمالك الرض.
الثالث ـ أن يوجد في أرض فتحت عنوة :قيل :لواجده ،وقيل للذين افتتحوا الرض.
الرابع ـ أن يوجد في أرض فتحت صلحا :قيل :لواجده ،وقيل :لهل الصلح.
وهذا كله ما لم يكن بطابع المسلمين .فإن كان بطابع المسلمين فحكمه حكم اللقطة ،يعرّف سنة إذا لم
يعلم صاحبه أو وارثه ،فإن لم يعرف فمحله هو بيت مال المسلمين.
والخلصة :أن في الركاز الخمس لبيت المال ،وباقيه لواجده إن لم تكن الرض مملوكة .فإن كانت
مملوكة ،فللمالك الرض الصلي الذي ملكها بإحياء ثم لوارثه ،ل لمالكها الحالي مطلقا سواء ملكها
بشراء أو هبة.
هذا إن علم المالك الصلي (البائع الصلي أو الواهب) ،وإل فلقطة.
-------------------------------
( )1هذا هو مقدار ز كاة الذهب والفضة ،كما ثبت في السنة (نيل الوطار.)137/4 :
( )6/439
( )6/440
مأرب ،فقال رجل :يا رسول ال ،إنه كالماء العدّ (أي الذي ل ينقطع) قال :فل ،إذن (. )1
والمعادن الباطنة :ل يملكها بمجرد الحفر والعمل من كشفها وأحياها في الظهر عند الشافعية ،وظاهر
المذهب عند الحنابلة ،كالمعدن الظاهر؛ لن إحياء الرض الذي يملك به هو العمارة التي يتهيأ بها
المحيا للنتفاع من غير تكرار عمل .وهذا أي حفر المعدن :حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كل
انتفاع ،فمجرد الكتشاف ل يكون سببا لملك المعادن.
- )3ومن أحيا أرضا مواتا ،فملكها بذلك ،فظهر فيها معدن باطن كالذهب أو الفضة ،ملكه عند
الشافعية؛ لنه بالحياء ملك الرض بجميع أجزائها ،ومن أجزائها المعدن ،بخلف الركاز أو الكنز،
فإنه مودع فيها للنقل عنها .أما المعدن الظاهر ،فل يملك كما عرفنا بالحياء عند الشافعية؛ لنه حق
للجميع (. )2
وقال الحنابلة ( : )3من أحيا أرضا مواتا ،فملكها ،فيملك المعادن الجامدة؛ لنه ملك الرض بجميع
أجزائها وطبقاتها ،وهذا المعدن منها ،فدخل في ملكه على سبيل التبعية .وأما المعادن الجارية كالنفط
والقار والماء ،فأظهر الروايتين عندهم أن محيي الرض ل يملكها؛ لن الناس شركاء فيها ،لحديث
«الناس شركاء في ثلث :في الماء والكل والنار» (. )4
- )4ومن سبق في الموات إلى معدن ظاهر أو باطن ،فهوأحق بما ينال منه دون أن يملكه ،لقول
النبي صلّى ال عليه وسلم « :من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ،فهو له» رواه أبو داود.
والخلصة :أن المعادن الظاهرة للدولة في ظاهر المذهب عند الشافعية والحنابلة .وأما المعادن الباطنة
فل يملكها مكتشفها ،وتكون للدولة أيضا .فإن ظهرت المعادن في أرض أحياها شخص ،فيملك المحيي
المعدن الباطن عند الشافعية .ويملك عند الحنابلة فقط المعدن الجامد دون السائل.
- )5أما الواجب في المعدن :فهو ربع العشر ،إن كان ذهبا أو فضة فقط عند الشافعية ،وكذلك إن
كان من غيرهما وبلغت قيمته نصابا عند الحنابلة.
- )6وأما الكنز :وهو دفين الجاهلية ،فيجب فيه الخمس في بيت المال ،والباقي إن وجد بأرض
مملوكة ،فهو عند الشافعية والحنابلة لمالك الرض بيمينه إن ادعاه ،وإل فهو لمن ملك منه أي لمن
سبقه من المالكين .أما إن وجد في موات أو ملك أحياه ،فهو لواجده.
وإن كان الكنز إسلميا ،وعلم مالكه ،فهو له ،وإل فهو لقطة .وكذلك إن جهل كونه إسلميا أم جاهليا،
هو لمالكه إن عرف ،وإل فهو لقطة .وهذا باتفاق الشافعية والحنابلة.
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وأبو داود وباقي أصحاب السنن الربعة ،وصححه ابن حبان عن أبيض بن حمال
(نيل الوطار.)310/5 :
( )2مغني المحتاج.373- 372/2:
( )3المغني.522/5 :
( )4والرواية الثانية :يملكها لنها خارجة من أرضه المملوكة له ،فأشبهت الزرع والمعادن الجامدة.
وقد مشى القاضي أبو يعلى في الحكام السلطانية (ص )220على هذه الرواية.
( )6/441
( )6/442
آخر مملوك لغير الول ،أيا كان شخص المالك ،كإجراء الماء من أرض الجار ،أو تصريف الماء
الملوث في مصرف معين ،أو المرور في أرض الغير ،أو البناء فوق دار غيره (حق التعلي) ،سواء
أكانت الرض المرتفق بها مملوكة ملكا عاما أم خاصا ،وبقطع النظر عن شخصيةمالك العقار
المرتفق ،والمرتفق به ،ولذا وصف حق الرتفاق بأنه «حق عيني» فلو كان العقاران لمالك واحد ،لم
يثبت حق الرتفاق.
ثانيا ـ الفرق بين حق الرتفاق وحق النتفاع :
كل من هذين الحقين من أنواع الحقوق العينية ل الشخصية ،لكن يظل بينهما فروق (. )1
- 1إن حق الرتفاق مقرر لعقار .وأما حق النتفاع فهو مقرر لشخص .فحق المرور من أرض إلى
أخرى حق مقرر للرض الثانية ،فينتفع به كل مالك لها ،ول يقتصر النتفاع به على شخص معين.
أما حق النتفاع به فإنه خاص بشخص المنتفع ،فإذا مات انتهى حقه ،سواء أكان ناشئا بين الحياء
كالجارة والعارة ،أم بين ميت وحي كالوصية والوقف.
- 2يكون حق الرتفاق مقررا دائما على عقار ،ولذا تقل به قيمته عن الرض الخالية من مثل هذا
الحق .أما حق النتفاع فقد يتعلق بالعقار ،كأرض أعيرت ،وقد يتعلق بالمنقول مثل كتاب أعير.
- 3حق الرتفاق دائم ل ينتهي بوقت ،فيورث باتفاق المذاهب .أما حق النتفاع فهو مؤقت ينتهي
بموت شخص المنتفع كالموصى له بمنفعة أرض.
-------------------------------
( )1راجع مختصر أحكام المعاملت الشرعية لستاذنا الشيخ علي الخفيف :ص .16-15
( )6/443
( )6/444
رابعا ـ أحكام حق الرتفاق العامة :
لحقوق الرتفاق أحكام عامة وخاصة ،أما الخاصة فتذكر مع أنواع الرتفاقات وأما الحكام العامة
فمنها ما يأتي:
- 1يجب أل يؤدي استعمالها إلى الضرار بالغير عملً بقاعدة« :ل ضرر ول ضرار» ،فل يجوز
للمار بأرض غيره إلحاق الذى بغيره .وليس لمن يسقي أرضه بحق الشرب مثلً أن يسرف في الماء
بحيث يضر بمن تحته من المنتفعين بمجرى الماء.
- 2إما أن تثبت حقوق الرتفاق على أملك عامة أو خاصة .أما الملك العامة :فمثل النهار
الكبيرة كالنيل ودجلة والفرات ،أو الطرق والمرافق العامة كالقناطر والجسور التي ل تختص بأحد.
وحق الرتفاق المقرر عليها ثابت للناس جميعا ،بل إذن من أحد عند غير أبي حنيفة (. )1
وأما الملك الخاصة بفرد أو أفراد فل يثبت حق الرتفاق عليها إل بإذن المالك.
- 3وإذا لم يعرف سبب حق الرتفاق ،يترك لصاحبه حق النتفاع به ،ويفترض كونه قديما حادثا
بسبب مشروع عملً بقاعدة «القديم يترك على قدمه» بشرط أل يكون ضارا بالغير كالمسيل القذر
الذي يلوث ماء بئر الجيران ،أو النافذة المنخفضة التي تطل على مقر نساء الجار ،فيجب إزالة منشأ
الضرر ،عملً بقاعدة أخرى هي قيد في سابقتها وهي« :الضرر ل يكون قديما» (. )2
المبحث الثاني ـ أنواع حقوق الرتفاق :
حقوق الرتفاق المهمة عند الحنفية تنحصر في ستة :هي حق الشّرب ،والطريق ،والمجرى،
والمسيل ،والتعلي ،والجوار ،ول يجوز عند الحنفية إنشاء حقوق ارتفاق أخرى؛ لن في إنشائها تقييدا
للملكية ،والصل فيها أل تقبل تقييدا ،وما قيدت به هو استثناء ،ل يتوسع فيه.
ورأي المالكية أنها غير محصورة فيما ذكر ،فيجوز إنشاء حقوق ارتفاق أخرى بالرادة ،كأن يلتزم
شخص أل يقيم في ناحية من أرضه بناء أو يغرس شجرا ،أو أل يرتفع إلى ارتفاع معين (. )3
-------------------------------
( )1عبارة الشافعية في ذلك :منفعة الشارع المرور ،ويجوز الجلوس به لستراحة ومعاملة ونحوهما
إذا لم يضيق على المارة ،ول يشترط إذن المام (المنهاج للنووي مع مغني المحتاج.)369/4 :
( )2انظر المدخل الفقهي العام للستاذ الزرقاء :ف 596وما بعدها.
( )3الحق واللتزام للستاذ الشيخ علي الخفيف :ص ،64الموال ونظرية العقد ،يوسف موسى :ص
171وما بعدها.
( )6/445
المطلب الول ـ حق الشرب :
معناه ،أنواع المياه ،وحكم ملكية كل نوع ،الحكام العامة للنتفاع بالمياه ،كري النهار.
ل ـ معنى حق الشرب :الشرب (بكسر الشين) في اللغة :النصيب من الماء ،قال صالح عليه
أو ً
السلم فيما قصه ال في القرآن{ :هذه ناقة لها شِرْب ولكم شِرْب يوم معلوم} [الشعراء.]155/26:
ويطلق أيضا على زمن الشرب .ويستعمله الشرعيون في المعنيين .فالشرب في الشرع :النصيب من
الماء لسقي الزرع والشجار .وهذا عند أكثر الفقهاء .وقد يستعمل في نوبة النتفاع بالماء أو زمن
النتفاع لسقي الشجر أو الزرع.
ويلحق به حق الشفة :وهو حق الشرب (بضم الشين) :وهو ما يخص النسان والحيوان من الماء
لشربه .ويراد به تحقيق حاجة النسان إلى الماء لشربه وشرب دوابه.
ثانيا ـ أنواع المياه بالنسبة لحق الشرب والشفة :المياه تنقسم باعتبار هذين الحقين إلى أنواع أربعة:
الماء المحرز في أوان خاصة ،ماء العيون والبار ونحوها ،ماء النهار أو الجداول الخاصة ،ماء
النهار العامة.
النوع الول ـ الماء المحرز في أوان خاصة :هو ما حازه صاحبه في آنية أو ظروف خاصة
كالجرار والصهاريج والحياض والنابيب ،ومنه مياه الشركات في المدن المتخصصة لتأمين ماء
الدور .وهذا الماء ملك خاص لمن أحرزه ،بالستيلء عليه ككل مباح يمتلك بإحرازه .فليس لحد حق
النتفاع به إل بإذن صاحبه ،ولصاحبه بيعه أو التصرف به كما يشاء ( ، )1فقد روي عن النبي صلّى
ال عليه وسلم أنه «نهى عن بيع الماء إل ما حمل منه» ( . )2وخصص حديث المنع من بيع فضل
الماء ( )3بالقياس
-------------------------------
( )1البدائع 188/6 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،39/6 .تكملة الفتح 144/8 :وما بعدها ،الدر المختار:
،313-311/5القوانين الفقهية :ص ،339المهذب ،427/1 :المغني 536/5 :وما بعدها ،كشاف
القناع ،222/4 :الخراج لبي يوسف :ص .97 ،95
( )2الموال لبن سلم :ص .302
( )3رواه أحمد وأصحاب السنن إل ابن ماجه ،وصححه الترمذي عن إياس بن عبد.
( )6/446
على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب ،لحديث الرجل الذي أمره النبي صلّى ال عليه وسلم
بالحتطاب ليستغني به عن السؤال (. )1
وبالرغم من كون هذا الماء مملوكا لصاحبه ،فيجوز للمضطر الذي خاف على نفسه الهلك من
العطش :أن يشرب منه أو يأخذ منه حاجته ،ولو بالقوة ،ليدفع الهلك عن نفسه إذا كان فاضلً عن
حاجة صاحبه ،بأن كان يكفي لحفظ رمقهما ،ولم يجد المضطر ماء آخر ،ولكن يجب عليه دفع قيمة
الماء؛ لن «الضطرار ل يبطل حق الغير» أو أن حل الخذ للضطرار ل ينافي الضمان .والولى
أن يقاتله بغير سلح كالعصا؛ لنه ارتكب معصية ،فكان ذلك كالتعزير له.
النوع الثاني ـ ماء العيون والبار والحياض :وهو الذي يستخرجه الشخص لنفسه :وحكمه عند
الحنفية ( : )2أنه ليس بمملوك لصاحبه ،بل هو مباح في نفسه ولصاحبه حق خاص فيه ،سواء أكان
في أرض مباحة ،أو مملوكة؛ لن الماء في الصل مباح لجميع الناس ،لقوله صلّى ال عليه وسلم :
«الناس شركاء في ثلث :الماء والكل والنار» (. )3
وعليه ،فإنه يثبت فيه حق الشفة ،دون حق الشرب ،فالول ل يختص بشخص دون آخر ،فهو
لمستحقه ،ولغيره من الناس ،يأخذون منه حاجتهم لشربهم وشرب دوابهم واستعمالهم المنزلي.
-------------------------------
( )1متفق عليه من حديث أبي هريرة.
( )2المراجع السابقة.
( )3روي من حديث رجل عن أبي داود ،ومن حديث ابن عباس بإسناد جيد عن ابن ماجه ،ومن
حديث ابن عمر عند الطبراني في معجمه (نصب الراية )294/4 :ورواه أحمد أيضا .وجاء في حديث
آخر «ل يُمنع فضل الماء» وهو أن يسقي الرجل أرضه ،ثم تبقى من الماء بقية ل يحتاج إليها ،فل
يجوز له أن يبيعها ول يمنع منها أحد ينتفع بها ،هذا إن لم يكن الماء مِلكَه ،أو على قول من يرى أن
الماء ل يُملك.
( )6/447
فإن أبى صاحبه ،كان للمحتاج أخذه جبرا ،ولو بالقوة ،وله أن يقاتله بسلح؛ لن الماء في البئر مباح
غير مملوك ،ولكن يشترط أل يجد المحتاج ماء آخر قريبا منه.
سفْرا وردوا ماء ،فطلبوا من أهله السماح لهم بالشرب منه ،وبسقي
والدليل لحق المحتاج :أن قوما َ
دوابهم التي كادت أن تهلك من العطش ،فأبوا ،فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال:
«هل وضعتم فيهم السلح» (. )1
ويلحظ أن حكم هذين النوعين متشابه تقريبا إل أن الول ملك لصاحبه ،والثاني غير مملوك،
وللمضطر الذي يخاف الضرر على نفسه أن يأخذ الماء الفائض عن الحاجة ،ولو بالقوة ،لكن في
النوع الول بغير سلح ،وفي الثاني يجوز استخدام السلح .ويتجلى في هذا النوع صفة حق الرتفاق
بنحو أوضح من غيره.
وقال الشافعية في الصح عندهم ( : )2يملك الشخص ماء البئر المحفورة في الرض الموات للتملك،
أو المحفورة في ملك خاص؛ لنه نماء ملكه ،كالثمرة واللبن والشجر النابت في ملكه.
ول يلزم المالك عند الشافعية بذل مافضل عن حاجته لزرع وشجر ،ويجب بذل الفاضل منه عن
شربه وشرب ماشيته ،وزرعه ،لشرب غيره من الدميين ولماشية غيره ،على الصحيح لحرمة
الروح ،ولخبر الصحيحين« :ل تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكل» أي من حيث إن الماشية إنما
ترعى بقرب الماء ،فإذا منع من الماء فقد منع من الكل ،والمراد :هو نفع البئر المباحة ،أي ليس لحد
أن يَغلِب عليه ،ويمنع الناس منه ،حتى يحوزه في إناء ويملكه.
-------------------------------
( )1الخراج لبي يوسف :ص .97
( )2مغني المحتاج.375/2 :
( )6/448
( )6/449
وصرح الشافعية بأنه يشترط في بيع الماء تقديره بكيل أو وزن ،ل بريّ الماشية أو الزرع (. )1
النوع الرابع ـ ماء النهار العامة :
وهو الذي يجري في مجار عامة غير مملوكة لحد ،وإنما هي للجماعة ،مثل النيل ودجلة والفرات
ونحوها من النهار العظيمة.
وحكمه ( : )2أنه ل ملك لحد في هذه النهار ،ل في الماء ول في المجرى ،بل هو حق للجماعة
كلها ،فلكل واحد حق النتفاع بها ،بالشفة (سقي نفسه ودوابه) والشرب (سقي زروعه وأشجاره)،
وشق الجداول منها ،ونصب اللت عليها لجر الماء لرضه ،ونحوها من وسائل النتفاع بالماء،
وليس للحاكم منع أحد من النتفاع بكل الوجوه ،إذا لم يضر الفعل بالنهر أو بالغير أو بالجماعة .كما
هو الحكم المقرر بالنتفاع في الطرق أو المرافق العامة.
فإذا أضر ،فلكل واحد من المسلمين منعه أو الحد من تصرفه لزالة الضرر؛ لنه حق لعامة
المسلمين ،وإباحة التصرف في حقهم مشروطة بانتفاء الضرر ،كالنتفاع بالمرافق العامة ،إذ ل ضرر
ول ضرار .والدليل على كون هذه النهار غير مملوكة لحد ،وإنما الحق فيها مشاع للجميع :هو قوله
عليه الصلة والسلم:
-------------------------------
( )1نهاية المحتاج.257/4 :
( )2البدائع ،192/6 :تبيين الحقائق ،39/6 :تكملة الفتح ،144/8 :الدر المختار ،211/5 :القوانين
الفقهية :ص ،339المهذب ،428/1 :المغني ،531/5 :نهاية المحتاج ،205/4 :مغني المحتاج:
.373/2
( )6/450
«الناس شركاء في ثلث :في الماء والكل والنار» ( )1وفي رواية «والملح» وشركة الناس فيها
شركة إباحة ،ل شركة ملك ،لعدم إحرازها ،فهم سواء في النتفاع بها ومنها الماء العام ،فيثبت لهم
حق الشرب.
ثالثا ـ الحكام العامة لحق الشرب أو النتفاع بالمياه :
للنتفاع بالمياه أحكام عامة أهمها ما يأتي (: )2
ً 1ـ المحافظة على حافة البئر أو العين أو النهر (مجرى الماء مطلقا ) :فإن لم يفعل كان لصاحب
المجرى منعه من النتفاع ،دفعا للضرر عنه ،عملً بالحديث النبوي« :ل ضرر ول ضرار» .ومن
الضرر تسرب الماء إلى أرض الجار على وجه غير معتاد ،وعليه الضمان إذا كان متعديا .قال
الحنفية :ول يضمن من مل أرضه ماء ،فنزت أرض جاره أو غرقت ،أي في حال السقي المعتاد
الذي تتحمله الرض عادة ،لنه متسبب غير متعد،فإن كان السقي غير معتاد ،ضمن وعليه الفتوى (
. )3
ً 2ـ يجب على المنتفع إمرار الماء من طريق عام إن وجد ،فإن لم يوجد ،كان على صاحب الطريق
الخاص الذن بإمرار الماء ،أو إخراج حاجته من الماء ،لقول
-------------------------------
( )1المراد بالماء :ما ليس بمحرز ،فإذا أحرز فقد ملك ،فخرج من أن يكون مباحا ،كالصيد إذا
أحرز ،فل يجوز لحد أن ينتفع به حينئذ إل بإذنه .والمراد بالكل :الحشيش الذي ينبت بنفسه من غير
أن ينبته أحد ،ومن غير أن يزرعه ويسقيه ،فيملكه من قطعه وأحرزه ،وإن كان في أرض غيره.
والمراد بالنار :الستضاءة بضوئها ،والصطلء بها ،واليقاد من لهبها ،وليس لصاحبها أن يمنع من
ذلك إن كانت في الصحراء ،بخلف ما لو أراد غيره أن يأخذ الجمر ،لنه ملكه ،ويتضرر بذلك،
فكان له منعه كسائر أملكه ،إل إذا لم يكن له قيمة (تبيين الحقائق.)39/6 :
( )2انظر الموال ونظرية العقد في الفقه السلمي للدكتور محمد يوسف موسى :ص 175وما
بعدها.
( )3تكملة الفتح ،149/8 :الدر المختار.317/5 :
( )6/451
سلَمة حينما شكاه الضحاك بن خليفة الذي أراد إمرار ماء من أرض
عمر رضي ال عنه لمحمد بن مَ ْ
ابن َمسْلمة« :وال ،ليمرّن به ،ولو على بطنك» (. )1
ً 3ـ حق الشرب يورث ،وتصح الوصية بالنتفاع به ،حتى عند الحنفية ،الذين يرون عدم توارث
الحقوق والمنافع إل ما استثني ،ويجوز بيعه تبعا للرض ،لمستقلً منفردا عنها عند الحنفية ،كما
أوضحت سابقا؛ لنه مجهول الكمية ،وبيع المجهول ل يصح لما فيه من الضرر أو الظلم ،ولن
الحقوق عند الحنفية ليست بمال متقوم في ظاهر الرواية ،فل تقبل الفراد بالبيع أو الهبة أو الجارة
أو التصدق بها (. )2
والولى الخذ برأي غير الحنفية القائلين بجواز التصرف في الحقوق والمنافع؛ لنها أموال متقومة،
في عرف الناس.
ً 4ـ إذا كان الماء مملوكا لشخص واحد ،كان له حق النتفاع به كيفما شاء ،فإن كان الماء لجماعة
مشتركة أو أناس كثيرين ،وزع بينهم بالعدل ،إما بالمناوبة الزمانية (المهايأة) :بأن يستقل واحد بالماء
في زمن معين .وإما بالكوى ،أي بفتحات جانبية للماء إلى المزارع والجداول ،بما يتناسب ومساحة
أرض كل منتفع بهذا الماء .وهذا رأي الشافعية أيضا ( . )3ومقتضى العدل في التوزيع :أنه إذا كان
نهر بين قوم ،واختصموا في الشرب،كان الشرب بينهم على قدر مساحة أراضيهم ،كما بينت؛ لن
المقصود هو النتفاع بسقي الراضي ،فيقدر حقهم بقدرها ،بخلف الطريق؛ لن المقصود منه هو
المرور ،وهو ل يختلف قدره سعة وضيقا ،ول عبرة لسعة الدار وضيقها؛ لن المقصود الستطراق.
-------------------------------
( )1تنوير الحوالك شرح الموطأ 218/2 :وما بعدها.
( )2الدر المختار 316/5 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،43/6 :تكملة الفتح ،150/8 :البدائع.189/6 :
( )3المهذب ،428/1 :مغني المحتاج.375/2 :
( )6/452
كما أن مقتضى العدل أيضا أن يتم تغيير التوزيع برضا الجميع ،فليس لمشترك بل رضاهم أن يشق
جدولً من النهر ،أو ينصب عليه رحى ،أو آلة نزح ،أو جسرا ،أو يوسع فم النهر ،أو أن يقسم باليام
بعد أن كانت القسمة بالفتحات أو أن يسوق نصيبه إلى أرض أخرى ليس لها فيه شرب؛ لن القديم
يترك على قدمه لظهور الحق فيه ،ولنه يمنع الضرر بالخرين ،وفي التوسعة وغيرها إضرار بهم (
. )1
ً 5ـ يصح رفع دعوى الشِرْب بغير أرض استحسانا عند الحنفية ( )2؛ لن الشرب مرغوب فيه،
منتفع به ،ويمكن أن يملك بغير أرض بالرث ،أو الوصية ،ولنه قد تباع الرض دون الشرب فيبقى
الشرب وحده ،فإذا استولى عليه غيره ،كان له أن يدفع الظلم عن نفسه ،بإثبات حقه بالبينة.
ً 6ـ ينتفع الناس بماء المطار أو السيول أو النهر الصغير الذي يزدحم الناس فيه :بأن يبدأ بالعلى،
فيسقي أرضه ،حتى يصل إلى الكعب (النهاية) ،ثم يرسله إلى من يليه ،فيسقي ويحبس الماء حتى
يصل إلى كعبه ،ثم يرسله إلى من يليه ،فيفعل كذلك ،وهلم جرا إلى آخره ( ، )3لحديث عبادة« :أن
النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في شرب النخل من السيل :أن العلى يشرب قبل السفل ،ويترك
الماء إلى الكعبين،
-------------------------------
( )1الدر المختار 315/5 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،42/6 :تكملة الفتح 148/8 :وما بعدها ،نهاية
المحتاج ،258/4 :المهذب ،428/1 :المغني.536-533/5 :
( )2الدر المختار ،314/5 :تبيين الحقائق ،40/6 :تكملة الفتح.147/8 :
( )3المهذب،428/1 :مغني المحتاج ،373/2 :كشاف القناع 219/4 :وما بعدها ،المغني.531/5 :
( )6/453
ثم يرسل الماء إلى السفل الذي يليه ،وكذلك حتى تنقضي الحوائط ،أو يفنى الماء» (. )1وروى عبد
ال بن الزبير « :أن الزبير ورجلً من النصار تنازعا في شراج الحرة ( )2التي يسقى بها النخل،
فقال النصاري للزبير :سرّح الماء ،فأبى الزبير ،فاختصما إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،
فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم للزبير :اسق أرضك ،ثم أرسل الماء إلى أرض جارك .فقال
النصاري :أن كان ابن عمتك يا رسول ال ،فتلوّن وجه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقال :يا
زبير ،اسق أرضك ،إلى أن يبلغ الجدر» ( )3أي الجدار قال الزبير :فوال ،إني لحسب هذه الية
نزلت فيه{ :فل ،وربك ل يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم } [النساء.]65/4:
وروى مالك في الموطأ أيضا عن عبد ال بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه بلغه :أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب« :يمسك حتى الكعبين ،ثم يرسل العلى
على السفل» (. )4
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه ،وعبد ال بن أحمد .ورواه أبو داود بإسناد حسن.
( )2الحرة :أرض في المدينة ذات حجارة سود .والشراج جمع شرج ،والشرج :نهر صغير.
( )3متفق عليه في الصحيحين ،ورواه مالك في موطئه عن عبد ال بن الزبير (جامع الصول:
)565/10والمراد بقوله« :احبس الماء حتى يبلغ الجذر» :أن يصل مبلغ تمام الشرب ،من جذر
الحساب :أصل كل شيء .وقيل :أراد أصل الحائط .ويلحظ أن رواية الحديث بالدال« :يرجع إلى
الجذر» أي الكعبين.
( )4تنوير الحوالك.217/2 :
( )6/454
( )6/455
والمملوك :بأن دخل في المقاسم :عام وخاص ( . )1والخاص هو النوع الثالث :هو ما يشترك فيه فئة
محصورة .والعام :هو المملوك لجماعة غير محصورة.
الثالث :النهر المملوك ،لّهله الخاص بفئة محدودة :نفقة إصلحه على أهله أيضا؛ لن نفعه عائد
إليهم .لكن إن امتنع جميعهم عن الصلح ،لم يجبرهم الحاكم ،كالممتنع عن عمارة أرضه وداره .فإن
امتنع بعضهم دون الخرين ،فقيل :يجبر البي؛ لن النفع للكل ،وقيل :ل يجبر؛ لن في إجباره
إضرارا به .ويمكن دفع الضرر عن شركائه برجوعهم عليه بحصته من النفقة ،إذا تم الصلح بأمر
القاضي.
واختلف في كيفية الكري على الشركاء ،إذا احتاج النهر في مسيله إلى إصلح منطقة ليست في
أعله :فقال أبو حنيفة :مؤنة كري النهر المشترك على الشركاء من أعله ،فإذا جازوا أرض رجل
منهم دون حاجة إلى الكري ،برئ من مؤنة الكري؛ لن المقصد من الكري النتفاع بالسقي ،وقد
حصل لصاحب العلى ،فل يلزمه نفع غيره.
وقال الصاحبان :الكري على الشركاء جميعهم ،من أوله إلى آخره ،بحصص الشرب والراضي؛ لن
لصاحب العلى حقا في السفل ،لحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه .وهذا الرأي هو المعقول
في تقديري.
واتفق أئمة الحنفية على أن الصلح إذا كان من أعلى النهر ،فمؤنة إصلحه على الشركاء جميعا،
لتوقف انتفاعهم به على إصلحه.
-------------------------------
( )1المملوك الداخل في المقاسم :عام وخاص .والفاصل بينهما :أن ما تستحق به الشفعة خاص وهو
النوع الثالث ،وما ل تستحق به الشفعة عام .واختلف في تحديد الخاص :فقيل :هو ماكان لعشرة ،أو
عليه قرية واحدة .وقيل :لما دون أربعين أو مئة أو ألف .والصح :تفويضه لرأي المجتهد ،فيختار
أي قول شاء.
( )6/456
المطلب الثاني ـ حق الشفة :
يلحق حق الشفة بحق الشرب ،وتكاد تكون أحكامهما واحدة مع بعض الفوارق البسيطة:
معنى حق الشفة :هو حق النتفاع بالماء لشرب النسان والستعمال المنزلي من طبخ وغسل
ونحوهما ،ولسقي البهائم بالشفاه لدفع العطش ونحوه .أو هو حاجة النسان إلى الماء لشربه أو لشرب
دوابه ولنتفاعه المنزلي (. )1
وأحكامه تختلف بحسب نوع الماء .والمياه أربعة أقسام (: )2
الول ـ ماء البحار :لكل واحد من الناس فيها حق الشفة وسقي الراضي ،والنتفاع بها بأي وجه؛
لنها غير مملوكة ،والنتفاع بماء البحر كالنتفاع بالشمس والقمر والهواء.
الثاني ـ ماء النهار العظيمة كالفرات ودجلة والنيل ،وسيحون وجيحون ونحوها :للناس فيه الشفة
مطلقا ،وحق سقي الراضي؛ لنها مباحة في الصل لكل إنسان شربا وسقيا ،ما لم يضر بالجماعة؛
لن دفع الضرر عنهم واجب ،ولن النتفاع بالمباح إنما يجوز إذا لم يضر بأحد ،كتخريب النهر أو
كسر ضفته ،فتغرق القرى والراضي.
الثالث ـ ماء النهار الصغيرة المملوكة الخاصة بقوم محصورين وهو المسمى عند الفقهاء «ماء
المقاسم» :حق الشفة ثابت فيه ،للضرورة ،ولن الصل في الماء اشتراك الناس فيه ،لقوله عليه
الصلة والسلم« :الناس شركاء في ثلث :الماء ،والكل والنار» ولن استصحاب الماء إلى كل مكان
أمر متعذر ،والناس بحاجة إليه ،فلو منعوا منه ،وقعوا في حرج عظيم.
لكن إذا كان ماء النهر أو البئر المملوك لجماعة في أرض مملوكة :فلصاحب الرض أن يمنع من
يريد الشفة من الدخول في ملكه ،إذا كان يجد ماء بقربه (. )3
فإن لم يجد يقال له :إما أن تخرج الماء إليه ،أو تتركه ،بشرط أل يضر النهر أو البئر كأن يكسر
ضفته أي جانبه؛ لن للمضطر أو المحتاج حق الشفة في ماء النهر أو البئر أو الحوض عند الحاجة.
فلو منعه صاحب الرض ،وهو أو دابته في حالة عطش ،كان له أن يقاتله بالسلح ليأخذ قدر ما يدفع
عن نفسه الهلك ،لقوله عمر السابق« :هل وضعتم فيهم السلح؟ » ولنه قصد إتلفه بمنع الشفة
عنه ،وهو حقه؛ لن ماء البئر أو النهر ونحوهما مباح غير مملوك.
والصح أن للناس الخذ من هذا الماء ونقله للوضوء وغسل الثياب؛ لن منعه من الدناءة ،قال عليه
الصلة والسلم« :إن ال تعالى يحب معالي المور،ويكره سفسافها» (. )4
-------------------------------
( )1مختصر المعاملت الشرعية للشيخ علي الخفيف :ص .18
( )2تكملة الفتح 144/8 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،40/6 :البدائع 188/6 :وما بعدها ،الدر المختار:
311/5وما بعدها.
( )3حد القرب :ميل كما في التيمم ،والميل أربعة آلف ذراع ،والذراع 61/6 :سم ،فالميل 1848 :م.
( )4رواه الطبراني عن الحسين بن علي ،هو حديث حسن.
( )6/457
والصح أن لصاحب الماء منع من أراد الخذ منه لسقي الشجر أو الخضر في داره ،بحمله بالجرار
ونحوها إل بإذنه.
كذلك إذا كانت الشفة تأتي على الماء كله ،بأن كان جدولً صغيرا ،والمواشي الواردة عليه كثيرة،
فقال أكثر الفقهاء منهم الحنفية :للمالك حق المنع ،لنه يلحقه ضرر به ،كسقي الرض.
الرابع ـ الماء المحرز في الواني :مملوك لصاحبه بالحراز ،فل يحق لغيره النتفاع به إل بإذن
صاحبه ،ل شربا ول سقيا ول غيره.
لكن للمضطر الذي يخاف على نفسه من الهلك بسبب العطش ،ولم يجد سوى هذا الماء المحرز :أن
يأخذ هذا الماء من صاحبه ،ولو بالقوة ،لكن بغير سلح إذا كان الماء فاضلً عن حاجة صاحبه ،كما
تبين في حق الشرب.
المطلب الثالث ـ حق المجرى :
تعريفه ،وأحكامه.
تعريف حق المجرى :هو حق صاحب الرض البعيدة عن مجرى الماء ،في إجراء الماء إلى أرضه
لسقيها .وقد يكون المجرى نفسه مملوكا لصاحب المجرى ،أو لصاحب الرض التي هو فيها وهو
الكثير ،أو لهما معا ،أو مشتركا بين كثيرين.
أحكامه :المبدأ العام في الشرع أنه ليس لصاحب الرض منع جاره من إمرار الماء في أرضه ،عملً
بقول عمر المتقدم ،لمن منع جاره من إرسال الماء في أرضه« :وال ليمرن به ،ولو على بطنك» .
( )6/458
وليس لصاحب الرض أيضا أن ينقل المجرى من مكانه إل برضا أصحاب الحق فيه ،ولهم الحق في
ترميمه ،ومنع تسرب الماء منه ،وتعميقه ،وتقوية جانبيه .كما أن لصاحب الرض مطالبتهم
بإصلحه ،حتى ل يتسرب الماء منه ،فيتلف مزروعاته .وإذا كان المجرى مشتركا بين جماعة ،فليس
لحدهم سده إل برضا الجميع على أن يسده كل واحد في نوبته .فإن منعوه من سده ،كان له رفع
الماء إلى أرضه بآلة ( ، )1ودليل اشتراط رضا الجميع بسد المجرى هو قاعدة« :يتحمل الضرر
الخاص لدفع ضرر عام» .
وحق المجرى إن كان قديما في أرض الغير يترك على حاله ( ، )2عملً بقاعدة« :القديم يترك على
قدمه» ول يُزال ،إل إذا كان فيه ضرر على صاحب الرض ،عملً بقاعدة« :الضرر ل يكون قديما»
.
وإن أريد إحداث مجرى جديد :فإن كان في طريق عام ،أنشئ بإذن السلطة ،لمنع الضرر وتحقيق
المصلحة العامة.
وإن كان في أرض مملوكة لغيره ،أحدث بإذن المالك ،ولكن ليس للمالك المنع من إحداثه ،ما لم يلحق
ل بقول عمر السابق« :وال ليمرن به ولو على بطنك» (. )3
به ضرر بسببه ،عم ً
-------------------------------
( )1البدائع 190/6 :وما بعدها ،الموال ونظرية العقد :ص 176وما بعدها ،مختصر المعاملت
الشرعية :ص .20
( )2الدر المختار ورد المحتار ،314/5 :الخراج لبي يوسف :ص .99
( )3والقصة هي :روى مالك في موطئه ( )218/2عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه :أن
الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض ،فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة ،فأبى
محمد :فقال له الضحاك :لم تمنعني ،وهو لك منفعة ،تشرب به أولً وآخرا ،ول يضرك؟ أبى محمد،
فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب ،فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة ،فأمره أن يخلي سبيله،
فقال محمد :ل ،فقال عمر :لم تمنع أخاك ما ينفعه ،وهو لك نافع ،تسقي به أولً وآخرا ،وهو ل
يضرك؟ فقال محمد :ل ،وال ،فقال عمر :وال ليمرن به ،ولو على بطنك .فأمره عمر أن يمر به،
ففعل الضحاك .وانظر الخراج ليحيى بن آدم :ص .110
( )6/459
( )6/460
( )6/461
وقال الشافعية ( : )1الطريق النافذ أي الشارع ل يتصرف فيه بما يضر المارّة في مرورهم فيه؛ لن
الحق فيه للمسلمين كافة ،فل يشرع فيه جَناح أي روشن ،ول ساباط (أي سقيفة على حائطين
ل منهما.
والطريق بينهما) يضر الناس ك ٌ
ً 2ـ وأما إن كان الطريق خاصا :فحق النتفاع به مقصور على صاحبه أو أهله أو المشتركين فيه،
فليس لغيرهم أن يفتح عليه بابا أو نافذة إل منهم ،ولكل الناس حق المرور فيه عند زحمة الطريق
العام ،وليس لصحابه سده أو إزالته ،احتراما لحق العامة فيه.
كذلك ليس لحد من أصحاب الحق في الطريق الخاص الرتفاق به على غير الوجه المعروف إل
بإذن الشركاء كلهم ،حتى المشتري من أحدهم بعد الذن ،كإحداث غرفة ،أو بناء شرفة ،أو ميزاب
ونحوه (. )2
المطلب السادس ـ حق التعلي :
تعريفه ،وحكم تصرف المالك العلى أو السفل في ملكه.
حق التعلي :هو حق القرار الدائم أو الستناد لصاحب الطبقة العليا ،على الطبقة السفلى ،والنتفاع
بسقوفها ،مثل الملكية المشتركة للطوابق الحديثة.
وهذا حق دائم ثابت لصاحب العلو ،على حساب السفل ،فيكون للعلو حق البقاء والقرار على ذلك
السفل ،دون أن يتملك عند الحنفية سقفه ،فل يزول الحق بهدمه ،أو انهدام السفل ،أو هما معا،ويظل
هذا الحق قائما ،يجري فيه التوارث.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.182/2 :
( )2الدر المختار ورد المحتار ،320/5 :تكملة الفتح ،تبيين الحقائق ،المكان السابق ،القوانين الفقهية:
ص ،341مغني المحتاج.184/2 :
( )6/462
وقال المالكية ( : )1السقف الذي بين الطابقين لصاحب السفل ،وعليه إصلحه وبناؤه إن انهدم،
ولصاحب العلو الجلوس عليه ،أي كما قال الحنفية.
وقال الشافعية ( : )2السقف مشترك بين صاحب العلو والسفل كالجدار بين ملكين ،لشتراكهما في
النتفاع به ،فإنه ساتر لصاحب السفل وأرض لصاحب العلو ،فلصاحب العلو الستناد إليه ،وليس
لحدهما دق وتد أو فتح كوة ونحوه مما يضايق إل بإذن الخر .ولصاحب العلو النتفاع بالسقف
بحسب العادة ،وإذا انهدم المشترك بين اثنين ليس لحدهما إجبار الخر على العمارة؛ لن الضرر ل
يزال بالضرر ،والممتنع يتضرر بتكليف العمارة.
ول يباع حق التعلي عند الحنفية استقللً ،فبيعه غير صحيح ،لنه ليس بمال.
وقال غير الحنفية :يجوز بيعه استقللً؛ لن الحقوق أموال عندهم .وهذا هو المعقول والصح فقها
وعرفا وعملً.
واختلف أبو حنيفة مع صاحبيه في مدى حق التصرف لكل من صاحب العلو وصاحب السفل (: )3
فقال أبو حنيفة :الصل في تصرفات المالك في ملكه ،إذا تعلق به حق الغير :الحظر؛ لنه تصرف
في محل تعلق به حق محترم للغير ،فليس للجار التصرف في ملكه من غير رضا صاحب الحق ،وإن
لم يضره هذا التصرف.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .341
( )2مغني المحتاج ،193/2 :روضة الطالبين للنووي.226 ،219/4 :
( )3تبيين الحقائق ،196-194/4 :فتح القدير 502/5 :وما بعدها ،506 ،البدائع 264/6 :وما بعدها،
الدر المختار ورد المحتار.377-375/4 :
( )6/463
وبناء عليه :ليس لصاحب السفل أن يحدث في بنائه أي تغير ،كدق وتد ،أو فتح نافذة ،أو رفع جدار،
إل برضا صاحب العلو ،وإن لم يضر به .وليس لصاحب العلو زيادة بناء يوهن السفل.
وقال الصاحبان :الصل في تصرف الجار الباحة؛ لنه تصرف في ملكه ،والملك يقتضي إطلق
التصرف ،كما يشاء المالك ،إل إذا لحق بسببه ضرر بالغير ،فيمنع حينئذ المالك منه ،وبناء عليه:
لصاحب السفل أو الطابق الدنى أن يصنع ما ل يضر بالبناء العلى.
وهذا الرأي هو المعقول ،والصح في تقديري ،وهو الستحسان المفتى به عند الحنفية (. )1
المطلب السابع ـ حق الجوار :
تعريفه ،ومدى صلحية الجار أو حق الجار بالتصرف في ملكه.
حق الجوار :المراد به هو حق الجوار الجانبي :وهو الناشئ عن تلصق الحدود وتجاورها ،ويكون
لكل من الجارين الحق في الرتفاق بعقار جاره ،على أل يلحق به ضررا بينا فاحشا.
والمتناع عما يؤذي الجار واجب ديانة ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل يدخل الجنة من ل يأمن
جاره بوائقه» ( )2أي غوائله وشروره ،ومع ذلك للفقهاء آراء قضائية في منع الضرر بالجار(: ) 3
فقال أبو حنيفة بمقتضى القياس :والشافعية والظاهرية :لصاحب الملك أن يفعل في ملكه ما يشاء،
وهو مطلق التصرف في خالص ملكه ،وإن ألحق الضرر بغيره ،فله فتح ما شاء من النوافذ ،وهدم ما
شاء من الجدران ،وحفر ما رأى من البار ،وإنشاء ما يشاء من المصانع ،واتخاذ ما أراد من السكنى
أو المتجر.
لكن في الجدار المشترك :قال الشافعية في الجديد ( : )4ليس لحد الشريكين وضع جذوعه عليه بغير
إذن شريكه ،وليس له أن يدق وتدا أو يفتح كوّة أو نحوهما مما يضايق فيه عادة إل بإذن شريكه ،ول
أن يستند إليه ويسند متاعا ل يضر ،وله ولغيره مثل هذا النتفاع في جدار الجنبي؛ لنه ل ضرر
على المالك ،فل يضايق فيه ،بل له النتفاع ،ولو منعه المالك.
وقال الصاحبان بمقتضى الستحسان الذي أخذت به المجلة :يتقيد استعمال مالك العقار وتصرفه بما ل
يؤدي إلى ضرر بيّن فاحش بجاره ،ولقوله عليه الصلة والسلم« :ل ضرر ول ضرار» .وهذا هو
المفتى به عند الحنفية.
والضرر البين الفاحش :ما يكون سببا لهدم أو سقوط بناء الجار ،أو ما يوهن البناء ،أو ما يؤذي
الجار أذىً بالغا على وجه دائم ،أو ما يؤدي إلى سلخ حق النتفاع بالكلية :وهو ما يمنع من الحوائج
الصلية ،كأن يحول داره إلى فرن أو مصنع للحديد أو مطحنة للحبوب ،أو حمام أو تنور أو يبني
جدارا يمنع به النور عن جاره.
-------------------------------
( )1انظر الدر المختار.375/4 :
( )2رواه مسلم عن أبي هريرة.
( )3البدائع 264/6 :وما بعدها ،فتح القدير ،506/5 :المبسوط ،21/15 :الم 222/3 :وما بعدها ،ط
الميرية ،المحلى ،241/8 :م ،1355مختصر المعاملت الشرعية :ص .23
( )4مغني المحتاج.189/2 :
( )6/464
فإن فعل شيئا مما ذكر ،منع منه ،وأمر بإزالته ،وكان ضامنا ما يترتب عليه من تلف بدار جاره،
سواء أكان بالمباشرة أم بالتسبب.
وقال المالكية والحنابلة ( : )1يتقيد استعمال المالك بأل يضر بالخرين ،ولو بالنية والقصد ،فإ لم تكن
له مصلحة ظاهرة في التصرف ،أو لم يقصد سوى الضرار بالخرين ،منع منه؛ لن المسلم ممنوع
من قصد الضرار.
لكن المشهور عند المالكية أن الشخص ل يمنع إذا أراد أن يعلي بنيانا يمنع جاره الضوء والشمس،
ويمنع إذا أراد أن يبني بنيانا يمنع الهواء .واتفق المالكية على منع أنواع من الضرر المحدث ،هي:
فتح كوة أو طاقة يكشف منها على جاره ،فيؤمر بسدها أو سترها ،وأن يبني شخص في داره فرنا أو
حماما أو كير حداد ،أو صائغ ،مما يضر بجاره دخانه ،فيمنع منه إل إن احتال في إزالة الدخان .وأن
يصرف ماءه على دار جاره أو على سقفه ،أو يجري في داره ماء ،فيضر بحيطان جاره .ومن طرق
تجنب الضرر :كاتم الصوت وعازل الحرارة ،وصفاية الدخان.
والخلصة :أن التجاه القوى في الفقه السلمي يجيز للمالك أن يتصرف في ملكه بما ل ضرر فيه
على الجار ،أما ما بان ضرره الفاحش ،أو أشكل فيه الحال ،فإنه ممنوع.
وإذا كان الشيء قديما قبل الجوار ،يظل قائما ،ما لم يكن فيه ضرر بالجار الجديد.
-------------------------------
( )1الموافقات ،349/2 :القوانين الفقهية :ص .341
( )6/465
( )6/466
ويسميها أهل العراق :القَراح .ووصف الشافعية ( )1المخابرة بأنها :عمل الرض ببعض ما يخرج
منها ،والبذر من العامل .والمزارعة :هي المخابرة ،ولكن البذر فيها يكون من المالك.
والخلصة :المزارعة عقد استثمار أرض زراعية بين صاحب الرض ،وآخر يعمل في استثمارها،
على أن يكون المحصول مشتركا بينهما بالحصص التي يتفقان عليها.
ثانيا ـ مشروعيتها :لم يجز أبو حنيفة وزفر المزارعة ،وقال :هي فاسدة ،وبعبارة أخرى :المزارعة
بالثلث والربع في رأيهما باطلة ( . )2وكذلك لم يجز الشافعي المزارعة ،وإنما تجوز عند الشافعية
فقط تبعا للمساقاة للحاجة ،فلو كان بين النخل بياض صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل
بشرط اتحاد العامل ،وعسر إفراد النخل بالسقي ،والبياض بالعمارة :وهي الزراعة لنتفاع النخل
بسقي الرض وتقليبها .والصح أنه يشترط :أل يفصل العاقدان بين العقدين وإنما يؤتى بهما على
التصال ،وأل يقدم المزارعة على المساقاة ،لنها تابعة ،والتابع ل يقدم على متبوعه .ول تجوز
المخابرة عند الشافعية تبعا للمساقاة ،لعدم ورود مشروعيتها ( . )3ودليل أبي حنيفة وزفر والشافعي
على عدم مشروعية المزارعة أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن المخابرة ( : )4وهي
المزارعة .ولن أجر المزارع :وهو مما تخرجه
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 323/2 :وما بعدها.
( )2العناية بهامش تكملة الفتح ،32/8 :وتقييدهم بالثلث والربع باعتبار العادة في ذلك ،ولتقرير محل
النزاع ،إذ لو لم يعين المقدار فسدت اتفاقا.
( )3مغني المحتاج ،324/2 :المهذب.349/1 :
( )4أخرجه مسلم عن جابر بن عبد ال ،وأخرجه أيضا عن ابن عمر :أن رافع بن خديج روى أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عنه (نصب الراية )180/4 :وروى مسلم أيضا عن ثابت بن
الضحاك« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن المزارعة» وروى أبو داود والنسائي وأحمد
والبخاري حديث رافع بالنهي عن كراء الرض (نيل الوطار.)280 ،275/6 :
( )6/467
الرض إما معدوم لعدم وجوده عند العقد ،أو مجهول لجهالة مقدار ما تخرجه الرض ،وقد ل تخرج
شيئا ،وكل من الجهالة وانعدام محل العقد مفسد عقد الجارة.
وأما معاملة النبي صلّى ال عليه وسلم أهل خيبر ـ كما سيأتي ـ فكان خراج مقاسمة ( )1كثلث أو
ربع غلة الرض ،بطريق المن والصلح ،وهو جائز.
ومع هذا قال كثير من فقهاء الشافعية بمشروعية المزارعة استقللً ،بدليل معاملة النبي صلّى ال
عليه وسلم أهل خيبر ،واعتبروا المخابرة في معنى المزارعة.
وقال صاحبا أبي حنيفة (أبو يوسف ومحمد) ،ومالك وأحمد وداود الظاهري ،وهو رأي جمهور
الفقهاء :المزارعة جائزة ،بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من
ثمر أو زرع ( . )2ولنها عقد شركة بين المال والعمل ،فتجوز كالمضاربة ،لدفع الحاجة ،فصاحب
المال قد ل يحسن الزراعة ،والعامل يتقنها ،فيتحقق بتعاونهما الخير والنتاج والستثمار .والعمل
والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين ،لحاجة الناس إليهم ولتعاملهم .وهذا هو الراجح .وهي تشبه
الشركة والجارة ،فهي مشاركة في الناتج بين صاحب الرض والمزارع بنسبة متفق عليها كالنصف
أو الثلث للمزارع .وهي كالجارة عن طريق المشاركة في استغلل الرض ،والجرة فيها حصة
معينة من المحصول .لكنها تتميز عن الشركة بأن نصيب المالك فيها حصة من نفس المحصول الناتج
من الرض ،وليس من صافي الرباح.
وتتميز عن إيجار الرض الزراعية بأن تكون الجرة جزءا من محصول الرض المؤجرة كالربع أو
الثلث أو النصف ،فإن كانت الجرة مقدارا معينا من المحصول كطن قمح أو أرز ،فل يكون العقد
مزارعة ،ولكنه إيجار عادي للرض.
-------------------------------
( )1الخراج نوعان :خراج وظيفة :وهو فرض جزء مقطوع معلوم سنويا على جزء معلوم من
مساحة الرض المفتوحة .وخراج مقاسمة :وهو فرض مقدار نسبة محددة من غلة الرض كالنصف
مثلً (تبيين الحقائق.)278/5 :
( )2رواه الجماعة (أحمد والئمة الستة) عن ابن عمر ،وروي أيضا عن ابن عباس وجابر بن عبد
ال (نيل الوطار.)272/5 :
( )6/468
ثالثا ـ ركن المزارعة وصفة العقد :ركن المزارعة عند الحنفية :اليجاب والقبول ،وهو أن يقول
صاحب الرض للعامل :دفعت إليك هذه الرض مزارعة بكذا ،ويقول العامل :قبلت ،أو رضيت ،أو
ما يدل على قبوله ورضاه ،فإذا وجدا تم العقد بينهما (. )1
أطرافها ثلثة :صاحب الرض أو المالك ،والعامل أو المزارع ،ومحل العقد ،المتردد بين أن يكون
منفعة الرض أو عمل العامل .وهي عند الحنفية :عقد إجارة ابتداء ،شركة انتهاء ،فإن كان البذر من
العامل فالمعقود عليه منفعة الرض ،وإن كان من صاحب الرض فالمعقود عليه منفعة العامل.
وقال الحنابلة ( : )2ول تفتقر المزارعة والمساقاة إلى القبول لفظا ،بل يكفي الشروع في العمل قبولً،
كالوكيل.
وأما صفة المزارعة :فهي عند الحنفية كبقية الشركات عقد غير لزم .وقال المالكية ( : )3وتلزم
بالبذر ونحوه أي بإلقاء الحب على الرض لينبت ،أو بوضع الزريعة في الرض مما ل بذر لحبه
كالبصل ونحوه .والمعتمد عند المالكية أن شركات الموال تلزم بالصيغة.
وقال الحنابلة ( : )4المزارعة والمساقاة عقدان غير لزمين ،لكل طرف فسخهما ،ويبطل العقد بموت
أحد المتعاقدين.
المبحث الثاني ـ شرائط المزارعة :
اشترط الصاحبان من الحنفية ( )5في المزارعة شرائط :في العاقد ،وفي الزرع والمزروع ،وفي
الخارج من الزرع ،وفي الرض المزروعة ،وفي محل العقد ،وفي آلة الزراعة ،وفي مدة المزارعة.
شروط العاقد :يشترط شرطان عامان في العقود.
أ ـ أن يكون العاقد عاقلً (مميزا) :فل تصح مزارعة المجنون والصبي غير المميز؛ لن العقل شرط
أهلية التصرفات.
وأما البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة عند الحنفية ،فتجوز مزارعة الصبي المأذون ،كالجارة.
والمزارعة استئجار ببعض الناتج .واشترط الشافعية والحنابلة البلوغ لصحة المزارعة كغيرها من
العقود.
- 2أل يكون مرتدا ـ في رأي أبي حنيفة ـ لن تصرفات المرتد موقوفة عنده ،فل تصح للحال.
ول يشترط هذا الشرط عند الصاحبين ،فتعتبر مزارعة المرتد نافذة للحال.
أما المرتدة فتصح مزارعتها باتفاق الحنفية.
-------------------------------
( )1البدائع.176/6 :
( )2كشاف القناع 528/3 :وما بعدها.
( )3تبيين الحقائق ،278/5 :الشرح الصغير 492/3 :وما بعدها.
( )4غاية المنتهى.154/2 :
( )5البدائع ،180-176/6 :تكملة الفتح مع العناية 34/8 :وما بعدها ،الكتاب مع اللباب،230/2 :
تبيين الحقائق ،279/5 :الدر المختار.193/5 :
( )6/469
شرط الزرع :أن يكون معلوما ،بأن يبين ما يزرع؛ لن حال المزروع يختلف باختلف الزرع،
بالزيادة والنقصان ،فرب زرع يزيد في الرض ،وآخر ينقصها .ومقتضى الستحسان :أن بيان ما
يزرع في الرض ليس بشرط ،إذ نص على المزارعة ،فإن ما يزرع مفوض للعامل.
شرط المزروع :أن يكون قابلً لعمل الزراعة :وهو أن يؤثر فيه العمل بالزيادة بحسب العادة.
شروط الخارج الناتج من الزرع :تشترط شروط إذا لم تتحقق فسد العقد وهي:
- 1أن يكون معلوما في العقد؛ لنه بمثابة الجرة وجهالتها تفسد الجارة.
- 2أن يكون مشتركا بين العاقدين :فلو شرط تخصصه بأحدهما فسد العقد.
- 3أن يكون الناتج معلوم القدر كالنصف والثلث والربع ونحوه؛ لن ترك التقدير يؤدي إلى الجهالة
المفضية إلى المنازعة.
- 4أن يكون الناتج جزءا مشاعا بين العاقدين ،فلو شرط لحدهما مقدار معلوم كأربعة أمداد أو بقدر
البذر ،لم يصح العقد ،لجواز أل ينتج إل ذلك القدر.
ول يصح أيضا اشتراط كون الناتج على السواقي أو الجداول لحدهما ،لحتمال أل ينبت الزرع إل
في ذلك الموضع.
ول يصح أيضا اشتراط كون التبن لحدهما ،وللخر الحب؛ لن الزرع قد تصيبه آفة ،فل ينعقد
الحب ،ول يخرج إل التبن .واشترط المالكية تساوي العاقدين في قسمة الناتج ،وأجاز الشافعية
والحنابلة كالحنفية تفاوت العاقدين في الخارج الناتج.
شروط الرض المزروعة :يشترط في الرض المزروعة ما يأتي:
- 1أن تكون صالحة للزراعة :فلو كانت سبخة أو نزة ،ل يجوز العقد؛ لن المزارعة عقد استئجار
ببعض الناتج ،والسبخة والنزة ل تجوز إجارتها ،فل تجوز مزارعتها.
- 2أن تكون معلومة :فإن كانت مجهولة ل تصح المزارعة؛ لنها تؤدي إلى المنازعة.
( )6/470
- 3التخلية بين الرض والعامل ،فتسلم إلى العامل مخلة :وهو أن يوجد من صاحب الرض التخلية
بين الرض وبين العامل ،فلو شرط العمل على رب الرض أو عليهما معا ،ل تصح المزارعة،
لنعدام التخلية.
شرط محل العقد :أن يكون المعقود عليه في المزارعة مقصودا بحسب العرف والشرع :أي من
العمال الزراعية عرفا وشرعا ،من حيث إنها إجارة أحد أمرين :إما منفعة عمل العامل :بأن كان
البذر من صاحب الرض .وإما منفعة الرض :بأن كان البذر من العامل.
وإذا اجتمع المران في الستئجار ،فسدت المزارعة ،وتفسد إذا كان العمل غير زراعي كقطع
الحجار ونقلها ورصف جوانب الطرقات مثلً بالحجارة؛ لنها ليست من أعمال المزارعة.
شرط آلة الزراعة :أن تكون اللة من دابة أو آلة حديثة أمرا تابعا في العقد ،ل مقصودا ،فإن جعلت
أمرا مقصودا ،فسدت المزارعة.
شرط مدة المزارعة :أن تكون المدة معلومة ،فل تصح المز ارعة إل بعد بيان المدة؛ لنها استئجار
ببعض الناتج ،ول تصح الجارة مع جهالة المدة ،والمدة متعارفة ،فتفسد بما ل يتمكن العامل فيها،
وبما ل يعيش إليها أحد العاقدين .والمفتى به أن
( )6/471
المزارع تصح بل بيان مدة ،وتقع على أول زرع واحد (. )1
وفي الجملة :تصح المزارعة عند الصاحبين بشروط ثمانية:
- 1أهلية العاقدين - 2وتعيين مدة العقد ،والمفتى به أنه ل يشترط ذلك - 3 .وصلحية الرض
للزراعة - 4والتخلية بين الرض والعامل - 5وأن يكون الناتج مشتركا مشاعا بين العاقدين تحقيقا
لمعنى الشركة - 6وبيان من عليه البذر منعا للمنازعة ،وإعلما للمعقود عليه :وهو منافع الرض أو
منافع العامل -7وبيان نصيب كل من العاقدين ( )2سواء من قدم البذر أو من لم يقدمه - 8وبيان
جنس ال ِبذْر ليصير الجر معلوما؛ لن الجر جزء من الناتج ،فل بد من بيانه ،ليعلم أن الناتج من أي
نوع؛ لنه ربما يعطي بذارا ل يحصل الناتج به إل بعمل كثير .والستحسان :أن بيان ما يزرع في
الرض ليس بشرط.
والخلصة :ل يشترط تقدير المدة في المفتى به عند الحنفية وظاهر كلم أحمد ،ويشترط كون المدة
معلومة غير مجهولة في رأي المالكية والشافعية.
-------------------------------
( )1الدر المختار.193/5 :
( )2المذكور في الهداية :بيان نصيب من ل بذر من قبله ،لنه يستحق عوضا بالشرط ،فل بد من أن
يكون معلوما ،وما ل يعلم ل يستحق شرطا بالعقد .لكن قال قاضي زاده معلقا عليه :ل شك أن بيان
نصيب كل من المتعاقدين مما ل بد منه في عقد المزارعة ،فعدّ بيان نصيب من ل بذر من قبله ،من
الشرائط دون بيان نصيب الخر ،مما ل يجدي كبير طائل .فتأمل (تكملة الفتح.)34/8 :
( )6/472
( )6/473
أما الشافعية ( : )1فلم يشترطوا في المزارعة التي تصح تبعا للمساقاة أن يتساوى العاقدان في الجزء
المشروط من الثمر والزرع ،فيصح أن يشرط للعامل نصف الثمر ،وربع الزرع مثلً .كذلك حددوا
محل منع كراء الرض بما يخرج منها بما إذا كان المشروط من خصوص بقعة معينة .وقالوا :إن
المزارعة :هي عمل الرض بما يخرج منها ،والبذر من المالك.
وأما الحنابلة ( : )2فأجازوا المزارعة ببعض ما يخرج من الرض ،ولم يشترطوا تساوي العاقدين
في الناتج .واشترطوا كالشافعية في ظاهر المذهب كون البذر من المالك رب الرض ،وروي عن
أحمد ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل .واشترطوا بيان نصيب كل واحد من العاقدين،
فإن جهل النصيب فسدت المزارعة ،كما اشترطوا أيضا معرفة جنس البذر وقدره؛ لن المزارعة
معاقدة على عمل ،فلم تجز على غير معلوم الجنس والقدر ،كالجارة.
والخلصة :يجوز تقديم البذر من أحد العاقدين عند الحنفية ،ويشترط تقديمه من كل العاقدين عند
المالكية ،ويكون البذر من صاحب الرض والعمل من العامل في رأي الشافعية والحنابلة.
المبحث الثالث ـ أحوال المزارعة :
للمزارعة عند الصاحبين أربعة أحوال ،تصح في ثلثة ،وتبطل في واحد (. )3
الولى :أن تكون الرض والبذر من واحد ،والعمل والحيوان واسطة الزراعة من آخر :تجوز
المزارعة ،وصار صاحب الرض والبذر مستأجرا للعامل ،والحيوان المستخدم للحراثة تبعا له؛ لن
الحيوان آلة العمل.
الثانية :أن تكون الرض لواحد ،والحيوان والبذر والعمل لواحد :جازت المزارعة أيضا ،وصار
العامل مستأجرا للرض ببعض الخارج الناتج.
الثالثة :أن تكون الرض والحيوان والبذر لواحد ،والعمل لواحد :جازت أيضا ،وصار رب الرض
مستأجرا للعامل ببعض الخارج (. )4
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.325-323/2 :
( )2المغني ،392 ،388 ،382/5 :كشاف القناع.533/3 :
( )3البدائع 179/6 :ومابعدها ،تكملة الفتح 35/8 :وما بعدها ،تبيين الحقائق 281/5 :ومابعدها ،الدر
المختار 195/5 :وما بعدها ،اللباب شرح الكتاب 229/2 :وما بعدها.
( )4قد نظم بعضهم الصور الثلث الجائزة في بيت ،فقال:
أرض وبذر ،كذا أرض ،كذا عمل.....من واحد ،ذي ثلث كلها قبلت
( )6/474
الرابعة :إذا كانت الرض والحيوان لواحد ،والبذر والعمل لخر :فهي فاسدة ،في ظاهر الرواية ،لنه
لو قدر العقد إجارة للرض ،فاشتراط الحيوان على صاحبها ،مفسد للجارة؛ إذ ل يمكن جعل الحيوان
تبعا للرض ،لختلف
المنفعة ،أي إن منفعة الحيوان ليست من جنس منفعة الرض؛ لن الرض للنماء والنبات ،والحيوان
للعمل وشق الرض.
ولوقدر العقد إجارة للعامل ،فاشتراط البذر عليه مفسد؛ لنه ليس تبعا له.
وعليه تفسد المزارعة إذا اشترطت اللة أو الحيوان أو العمل على صاحب الرض ،كما تفسد إذا
اشترط الخارج كله لحد العاقدين ،أو اشترط الحصاد والدياس أو الحمل والحفظ على العامل
المزارع؛ لنه ل يتعلق به صلح الزرع.
المبحث الرابع ـ حكم المزارعة الصحيحة والفاسدة :
أولً ـ حكم المزارعة الصحيحة عند الحنفية :للمزارعة الصحيحة عند الحنفية ( )1أحكام هي ما
يأتي:
- 1كل ما كان من عمل المزارعة مما يحتاج الزرع إليه لصلحه ،كنفقة البذر ومؤنة الحفظ ،فعلى
المزارع ،لن العقد تناوله.
- 2كل ما كان نفقة على الزرع ،كالسماد وقلع العشاب والحصاد والدياس ،فعلى العاقدين على قدر
نصيبهما من الناتج.
وقال المالكية :على العامل بعد الحرث والزرع ما يحتاج الزرع إليه من خدمة وسقي وتنقية وحصاد
ونقله إلى الندر (البيدر) ودراسته فيه ،وتصفيته إلى أن يصير حبا مصفى ،فيقسمانه على الكيل ()2
.
-------------------------------
( )1البدائع 181/6 :وما بعدها ،تكملة الفتح ،39/8 :تبيين الحقائق ،282/5 :الكتاب مع اللباب:
231/2وما بعدها ،الدر المختار.199/5 :
( )2التاج والكليل.177/3 :
( )6/475
- 3الناتج من الرض يقسم بين العاقدين بحسب الشرط المتفق عليه ،لقوله صلّى ال عليه وسلم :
«المسلمون عند شروطهم» ( . )1فإن لم تخرج الرض شيئا ،فل شيء لواحد من العاقدين على
الخر ،أما إنه ل شيء للعامل ،فلنه مستأجر ببعض الخارج الناتج ،ولم يوجد .هذا بخلف المزارعة
الفاسدة :يجب للعامل أجر المثل إن لم تخرج الرض شيئا .والفرق أن الواجب في العقد الصحيح هو
المسمى وهو بعض الخارج ،فإذا لم يوجد لم يجب شيء .وأما الواجب في المزارعة الفاسدة فهو أجر
مثل العمل في الذمة ل في الخارج ،فعدم الخارج ل يمنع وجوبه في الذمة.
- 4عقد المزارعة كما تقدم في صفته غير لزم عند الحنابلة ،ويلزم بالبذر عند المالكية ،وقال
الحنفية :هو عقد غير لزم في جانب صاحب البذر لزم في جانب العاقد الخر .ول يجوز له فسخ
المزارعة إل بعذر كما سيأتي .فإذا امتنع صاحب البذر من العمل ،لم يجبر عليه .وإن امتنع الذي
ليس من قبله البذر ،أجبره الحاكم على العمل؛ لنه ل يلحقه بالعقد ضرر ،والعقد لزم بمنزلة الجارة
إل إذا كان هناك عذر تفسخ به الجارة ،فتفسخ به المزارعة .وسبب التفرقة بين العاقدين :أن صاحب
البذر ل يمكنه تنفيذ العقد إل بإتلف ملكه وهو البذر ،في التراب ،فل يكون الشروع فيه ملزما في
حقه ،إذ ل يجبر النسان على إتلف ملكه ،أما العاقد الخر فليس من قبله إتلف ملكه ،فكان الشروع
في حقه ملزما.
- 5الكراب (الحراثة) والسقي :إن تم التفاق عليه أو الشتراط يجب الوفاء به على من شرط عليه.
وإن لم يتفق عليه يجبر عليه العاقد بحسب الزراعة المعتادة .فإن كانت الرض تسقى بماء السماء ل
يجبر أحد على السقي ،وإل فعلى
-------------------------------
( )1رواه الحاكم عن أنس وعائشة ،وهو حديث صحيح .ورواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة
بلفظ« :المسلمون على شروطهم» وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف باللفظ
الخير (نصب الراية ،112/4 :الجامع الصغير).
( )6/476
النحو المعتاد .فإذا قصر المزارع في عقد المزارعة الصحيحة في سقي الرض حتى هلك الزرع
بهذا السبب يضمن لوجوب العمل عليه فيها ،ويضمن ضمان المانات بالتقصير؛ لن الرض في يده
أمانة .ول يضمن في المزارعة الفاسدة.
- 6تجوز الزيادة على الشرط المذكور من الخارج الناتج ،والحط عنه ،والقاعدة فيه :هي أنه كلما
احتمل إنشاء العقد عليه ،احتمل الزيادة ،وما ل فل ،والحط جائز في الحالتين جميعا ،كالزيادة في
الثمن في عقد البيع.
فلو زاد العامل المزارع في حصة صاحب الرض بعد الحصاد ،وكان البذر منه أي من العامل ،لم
يجز؛ لن الزيادة على الجرة تمت بعد انتهاء عمل المزارعة واستيفاء المعقود عليه وهو المنفعة،
وهو ل يجوز،إذ لو أنشأ العقد بعد الحصاد ،ليجوز ،فل تجوز الزيادة.
وإن كانت الزيادة للمزارع في هذه الحالة من صاحب الرض ،جازت؛ لنها حط من الجرة
المستحقة له ،وهو ل يتطلب قيام المعقود عليه.
فإن كان البذر من صاحب الرض ،فزاد في حصة المزارع بعد الحصاد ،فالحكم أنه ل تجوز الزيادة
من المالك؛ لنها تمت بعد استيفاء المعقود عليه ،وتجوز الزيادة من المزارع؛ لنها حط من الجرة
المستحقة له.
أما إن حدثت الزيادة من كل واحد من العاقدين ،قبل الحصاد ،فيجوز.
- 7لو مات أحد المتعاقدين قبل إدراك الزرع ،ترك إلى الدراك ،ول شيء على المزارع لبقاء عقد
الجارة ههنا ببقاء المدة.
( )6/477
والخلصة :يلتزم صاحب الرض بالتزامين :تسليم الرض مع حقوقها الرتفاقية ،وإصلح الدوات
الزراعية ،ويلتزم العامل المزارع بالتزامين آخرين في مواجهة التزامي المالك ،وهما العناية بالزراعة
وتحمل نفقاتها المعتادة وأعمالها المعروفة ،من حراثة وعزق وسقي ونحو ذلك ،والمحافظة على
الرض ،وصيانة الزرع.
حكم المزارعة عند الشافعية :عرفنا أنه ل تجوز المزارعة (البذر من المالك) عند الشافعية إل تبعا
للمساقاة .ول يجوز أن يخابر الشخص (البذر من العامل) تبعا للمساقاة.
فإن أفردت أرض بالمزارعة ،فالغلة للمالك ،لنها نماء ملكه ،وعليه للعامل أجرة مثل عمله ودوابه
وآلته.
وطريق جعل الغلة للطرفين العاقدين ،ول أجرة لحدهما على الخر ،يحصل بصورتين إذا كان البذر
من المالك:
إحداهما :أن يستأجر المالك العامل بنصف البذر شائعا كنصفه أو ربعه مثلً ،أي استئجارا على
الشيوع ليزرع له النصف الخر في الرض ،ويعيره في الوقت نفسه نصف الرض شائعا ،فيقوم
العامل بالعمل في الرض ،ويقسم الحاصل أو الناتج بينهما بنسبة ما ملك كل منهما من البذر .وهذه
إجارة وإعارة.
الثانية :أن يستأجر المالك العامل بنصف البذر شائعا ،ونصف منفعة الرض شائعا أيضا ،ليزرع له
النصف الخر من البذر ،في النصف الخر من الرض.
فيكون الطرفان شريكين في الزرع على المناصفة ،ول أجرة لحدهما على الخر؛ لن العامل يستحق
في منفعة الرض بقدر نصيبه من الزرع ،والمالك يستحق من منفعة الرض بقدر نصيبه من الزرع
( . )1وهذه إجارة.
فإن كان البذر من العامل :استأجر من المالك جزءا شائعا معينا من الرض كالنصف بنصف شائع
من البذر وبعمله في النصف الخر منها ،أو يستأجر نصف الرض بنصف البذر ،ويتبرع بالعمل في
النصف الخر .فيملك كل منهما من الغلة بنسبة ما ملك من البذر ومنفعة الرض.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.325/2 :
( )6/478
ثانيا ـ حكم المزارعة الفاسدة عند الحنفية :للمزارعة الفاسدة أيضا أحكام (. )1
- 1ل يجب على المزارع شيء من أعمال المزارعة؛ لن إيجابه بالعقد ،وهو لم يصح.
- 2الخارج الناتج كله لصاحب البذر ،سواء أكان رب الرض أم المزارع؛ لن الخارج استحقه
بسبب كونه نماء ملكه ،ل بالشرط .ويتفق المالكية والحنابلة ( )2مع الحنفية في هذا الحكم ،وهو أن
العقد إذا فسد لزم كون الزرع لصاحب البذر.
- 3إذا كان البذر من صاحب الرض ،استحق المزارع بسبب فساد المزارعة أجر مثل عمله .وإذا
كان البذر من العامل ،كان عليه لصاحب الرض أجر مثل أرضه؛ لن العقد في الحالتين يكون
استئجارا.
وفي الحالة الولى يطيب الخارج كله لصاحب الرض؛ لنه نماء ملكه ،وهو البذر في ملكه وهو
الرض .وفي الحالة الثانية :ل يطيب كل الخارج للمز ارع ،وإنما يأخذ منه قدر بذره وقدر أجر مثل
الرض ،ويتصدق بالفضل الزائد.
- 4يجب أجر المثل في المزارعة الفاسدة ،وإن لم تخرج الرض شيئا ،بعد أن استعملها المزارع؛
لن المزارعة عقد إجارة ،والجرة في الجارة الفاسدة لتجب إل بحقيقة الستعمال ،أما في المزارعة
الصحيحة فل يجب شيء على أحدهما إذا لم تخرج الرض شيئا .وقد بينت الفرق في أحكام
المزارعة الصحيحة رقم ( . )3
- 5يجب أجر المثل في المزارعة الفاسدة مقدرا بالمسمى عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،عملً برضا
الطرفين ورعاية للجانبين بالقدر الممكن ،وقد رضي العامل سلفا بسقوط الزيادة.
وعند محمد :يجب أجر المثل تاما مهما بلغ ،إذ هو قدر قيمة المنافع المستوفاة ،وقد استوفى منافعه
بعقد فاسد ،فيجب عليه قيمتها ،إذ ل مثل لها.
-------------------------------
( )1البدائع 182/6 :وما بعدها ،تكملة الفتح 39/8 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،282/5 :الدر المختار:
،196/5الكتاب مع اللباب.231/2 :
( )2الشرح الصغير ،498/3 :المغني.392/5 :
( )6/479
حكم المزارعة الفاسدة عند المالكية :إذا وقع عقد المزارعة فاسدا ،وعرف فساده قبل الشروع في
العمل ،وجب فسخه ،فإن عرف بعد الشروع فيه ،فل يفسخ ،ويكون الزرع بين الشريكين بحسب ما
لكل من الرض والعمل والبذر ،إل أن ينفرد أحدهما باثنين منها ،فله جميع الزرع ،وللخر أجرة ما
انفرد به إن كان أرضا أو عملً،ومثله إن كان بذرا (. )1
المبحث الخامس ـ انتهاء المزارعة وحالت فسخها :
قد تنقضي المزارعة بتحقق المقصود منها ،وقد تنتهي بإنهائها قبل تحقق المقصود منها ،وذلك في
الحوال التالية عند الحنفية:
- 1انقضاء مدة المزارعة :تنتهي المزارعة بانقضاء مدة العقد ،فإذا انقضت المدة ،فقد انتهى العقد،
وهو معنى انفساخ العقد (. )2
لكن إذا انتهت المدة ،وأدرك الزرع ،وقسم المتعاقدان الناتج بحسب التفاق أو الشتراط بينهما ،لم
يحدث إشكال ،وينتهي العقد حينئذ.
أما إذا انتهت المدة المقررة في العقد أو انقضت مدة المزارعة ،والزرع لم يدرك بعد ،استمر المزارع
في عمله ،حتى يدرك الزرع ويستحصد ،رعاية لمصلحة الجانبين ،بقدر المكان ،كما في الجارة.
وعلى العامل في هذه الحالة أجر مثل نصيبه من الرض ،إلى أن يستحصد الزرع ،كما في الجارة،
لنه استوفى منفعة بعض الرض لتربية حصته فيها إلى وقت الحصاد.
وتكون نفقة الزرع ومؤنة الحفظ وكري النهار حينئذ ،على المتعاقدين بمقدار حصصهما ،لنتهاء
العقد بانقضاء المدة ،وكانت هذه المور على العامل أثناء بقاء مدة العقد ،فإذا انتهى العقد ،وجبت
هذه النفقات عليهما؛ لن الزرع مال مشترك بينهما.
-------------------------------
( )1شرح مجموع المير ،178/2 :التقنين المالكي (م )464القوانين الفقهية :ص .281
( )2البدائع ،184/6 :تكملة الفتح ،43/8 :الكتاب مع اللباب ،232/2 :الدر المختار ورد المحتار:
.197/5
( )6/480
وهذا بخلف ما لو مات أحد العاقدين قبل إدراك الزرع ،يترك الزرع في مكانه إلى أن يدرك ويكون
العمل ونفقاته على العامل؛ لن الحنفية قرروا حينئذ بقاء عقد الجارة استحسانا ،لبقاء مدة الجارة،
فيستمر العامل أو وارثه على ما كان عليه من العمل .أما في حال انقضاء المدة فل يمكن إبقاء العقد
لنقضاء المدة.
- 2موت أحد العاقدين :تنتهى المزارعة أو تنفسخ بموت أحد العاقدين ( ، )1كما تنفسخ الجارة به،
سواء حدث الموت قبل الزراعة أم بعدها ،وسواء أدرك الزرع أم لم يدرك بأن كان بقلً أي طريا.
وهذا رأي الحنفية والحنابلة ،وقال المالكية والشافعية :ل تنقضي المزارعة كالجارة بموت أحد
العاقدين.
لكن لو مات رب الرض ،والزرع لم يدرك ،فإن العامل أو وارثه يظل ملزما بالعمل؛ لن العقد
يوجب على العامل عملً يحتاج إليه الزرع إلى انتهاء أو نضوج الزرع ،ويبقى العقد كما تقدم
للضرورة استحسانا لنتهاء الزرع إذا مات أحد العاقدين،وقد نبت الزرع ،ويبقى الزرع إلى الحصاد،
ول يلزم العامل بأجر للرض ،ثم ينتقض العقد فيما بقي من السنين في مدة العقد ،لعدم الضرورة؛
لن في بقاء العقد حتى يستحصد الزرع مراعاة لمصلحة طرفي العقد ،فيعمل العامل أو ورثته على
النحو المتفق عليه.
- 3فسخ العقد بالعذر :
إذا حدث فسخ العقد قبل اللزوم ،انتهت المزارعة .ومن المقرر عند الحنفية :أن الملتزم بالبذر ل يلتزم
بالمزارعة بمجرد العقد .وعند المالكية :ل تلزم المزارعة إل بشروع العامل في العمل ،فما لم يشرع
في عمل المزارعة ،له فسخ العقد.
ويجوز عند الحنفية فسخ المزارعة بعد لزومها لعذر من العذار ،سواء من قبل صاحب الرض ،أم
من قبل العامل ،ومن العذار ما يأتي (: )2
-------------------------------
( )1البدائع 184/6 :وما بعدها ،تكملة الفتح ،42/8 :الكتاب ،232/2 :الدر المختار ورد المحتار:
،198/5تبيين الحقائق ،282/5 :المغني والشرح الكبير.572 ،568/5 :
( )2البدائع 183/6 :وما بعدها ،تكملة الفتح والعناية ،42/8 :الدر المختار ورد المحتار 196/5 :وما
بعدها ،تبيين الحقائق ،282/5 :الكتاب مع اللباب.232/2 :
( )6/481
)1ـ لحوق دين فادح لصاحب الرض ،فيحتاج لبيع الرض التي تم التفاق على مزارعتها ،ول
مال له سواها ،فيجوز بيعها بسبب هذا الدين الفادح ،ويفسخ العقد بهذا العذر ،كما في عقد الجارة؛
لنه ل يمكن المضي في العقد إل بضرر يلحقه ،فل يلزمه تحمل الضرر ،فيبيع القاضي الرض بدين
صاحبها أولً ،ثم يفسخ المزارعة .ول تنفسخ بنفس العذر.
هذا ..إن أمكن الفسخ بأن كان قبل الزراعة ،أو بعدها إذا أدرك الزرع ،وبلغ مبلغ الحصاد .فإن لم
يمكن الفسخ ،بأن كان الزرع لم يدرك ،ولم يبلغ مبلغ الحصاد ،ل تباع الرض في الدين ،ول يفسخ
إلى أن يدرك الزرع؛ لن في البيع إبطال حق العامل ،وفي النتظار إلى وقت إدراك الزرع تأخير
حق صاحب الدين ،فيؤخر البيع ،رعاية لمصلحة الجانبين ،لنه الطريق الولى.
ثم هناك عند الحنفية ـ من أجل التعويض على العامل قضا ًء ـ صور ثلث للفسخ بعد عقد
المزارعة وعمل العامل:
الولى ـ إذا فسخ العقد ،بعدما كَرَب (حرث) المزارع الرض ،وحفر النهار ،فليس للعامل شيء
مقابل عمله؛ لن أعماله منافع ل تتقوم على صاحب الرض إل بالعقد ،والعقد إنما قوم بالخارج
الناتج ،ولم يخرج ،لكن يجب استرضاء العامل ديانة فيما بينه وبين ال تعالى.
الثانية ـ إذا كان الزرع قد نبت ،ولم يستحصد بعد ،لم تبع الرض بالدين ،حتى يحصد الزرع؛ لن
في البيع إبطال حق المزارع ،وتأخير تسديد الدين أهون من البطال ،فيؤخر كما تقدم.
( )6/482
الثالثة ـ إذا أريد فسخ عقد المزارعة ،بعد ما زرع العامل الرض ،إل أنه لم ينبت الزرع ،حتى لحق
صاحب الرض دين فادح ،فهل له أن يبيع الرض؟ فيه اختلف عند مشايخ الحنفية :قال بعضهم :له
البيع ،لنه ليس لصاحب البذر في الرض عين مال قائم ،لن البذر استهلك والمستهلك ليس بمال،
فتباع الرض في الحال .وقال بعضهم :ليس له البيع ،لن البذر استنماء مال ،وليس باستهلك ،فكان
للمزارع عين مال قائم ،فل تباع الرض حتى الحصاد ،كما ل تباع بعد نبات الزرع ،ولعل هذا
اختيار صاحب الهداية.
)2ـ طروء أعذار للمزارع ،مثل المرض؛ لنه معجز عن العمل ،والسفر ،لنه يحتاج إليه ،وترك
حرفة إلى حرفة ،طلبا للكسب الذي يوفر المعيشة ،والمانع الذي يمنع من العمل كالتطوع للجهاد في
سبيل ال ،كما في الجارة ،والخيانة بالسرقة ونحوها.
وهل يحتاج الفسخ لقضاء القاضي ،أو أنه يصح بالتراضي؟ هناك روايتان عند الحنفية :في رواية :ل
بد لصحة الفسخ من القضاء أو الرضا ،لن المزارعة كالجارة ،ول بد فيها لصحة الفسخ من القضاء
أو الرضا .والرواية الراجحة :يجوز فسخ المزارعة ،ولو بل قضاء ورضا.
( )6/483
( )6/484
الراشدين وأهل المدينة ،وإجماع الصحابة على إباحة المساقاة ( . )1قال ابن جُزَي المالكي :وهي
جائزة مستثناة من أصلين ممنوعين ،وهما الجارة المجهولة ،وبيع ما لم يخلق (. )2
ثالثا ـ ركنها :ركن المساقاة عند الحنفية :اليجاب والقبول ،كالمزارعة .اليجاب من صاحب الشجر،
والقبول من العامل أو المزارع .والمعقود عليه :هو عمل العامل فقط دون تردد ،بخلف المزارعة.
وتلزم عند المالكية باللفظ ل بالعمل .وذكر الحنابلة أنها كالمزارعة ل تفتقر إلى القبول لفظا ،بل يكفي
الشروع في العمل قبولً ،كالوكيل .وقال الشافعية :يشترط فيها القبول لفظا دون تفصيل العمال،
ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب (. )3
وهي عند الجمهور غير الحنابلة من العقود اللزمة ،فليس لحد العاقدين فسخها بعد العقد ،دون
الخر ،ما لم يتراضيا عليه (. )4
رابعا ـ موردها :مورد المساقاة عند الحنفية ( : )5الشجر المثمر ،فتصح المساقاة في النخل والشجر
والكرم والرطاب (الفصة أو البرسيم) وأصول الباذنجان؛ لن الجواز للحاجة وهي تعم الجميع ،وأجاز
متأخرو الحنفية المعاملة على الشجر غير المثمر ،كشجر الحور والصفصاف ،والشجر المتخذ
للحطب ،لحتياجه إلى السقي والحفظ ،فلو لم يحتج ل تجوز المساقاة.
-------------------------------
( )1المغني ،384/5 :تكملة الفتح 45/8 :وما بعدها ،مغني المحتاج 322/2 :وما بعدها.
( )2القوانين الفقهية :ص ،279بداية المجتهد.242/2 :
( )3البدائع ،185/6 :كشاف القناع ،528/3 :بداية المجتهد ،247/1 :الشرح الصغير ،712/3 :مغني
المحتاج.328/ :
( )4الشرح الصغير :وحاشية الصاوي عليه ،713/3 :تبيين الحقائق ،284/5 :مغني المحتاج:
،328/2المغني 372/5 :وما بعدها.
( )5البدائع ،186/6 :تكملة الفتح ،47/8 :الدر المختار ورد المحتار 200/5 :وما بعدها ،تبيين
الحقائق ،284/5 :اللباب.234/2 :
( )6/485
ومورد المساقاة عند المالكية ( : )1على الزروع كالحمص والفاصولياء ،وعلى الشجار المثمرة ذات
الصول الثابتة ،مثل كرم العنب والنخيل والتفاح والرمان ونحوها بشرطين:أحدهما ـ أن تعقد
المساقاة قبل بدو صلح الثمرة ،وجواز بيعها ،وبشرط أل يخلف ،فإن كان يخلف كالموز والتين ،فل
تصح فيه مساقاة إل تبعا لغيره.
الثاني ـ أن تعقد إلى أجل معلوم ،ولو لسنين ،وتكره فيما طال من السنين .ول تجوز المساقاة لمدة
من السنين كثيرة جدا ،وهي المدة التي تتغير فيها الصول عادة بحسب اختلف الشجار والمكنة،
لما في ذلك من الضرر قياسا على الجارة ،كما ل تجوز إذا اختلف الجزء المساقى به المجعول
للعامل في السنين ،بأن كان في سنة يخالف غيره في أخرى.
ويشترط لصحتها عند ابن القاسم أن تكون بلفظ المساقاة ،ول تنعقد بلفظ الجارة ،وتجوز عنده فيما
ليس له أصل ثابت كالمقاثي من نحو قثاء وبطيخ ،والزرع ،بأربعة شروط( :الشرطان المذكوران) .
والثالث ـ أن تعقد بعد ظهوره من الرض.
والرابع ـ أن يعجز عنه صاحبه.
ويشترط في الجزء المساقى به من الثمر :شيوعه في ثمر البستان ،فل يصح بشجر معين ول بكيل،
كما يشترط علمه كربع أو ثلث أو أقل أو أكثر.
والمساقاة عند الحنابلة ( : )2ترد على الشجار المثمرة المأكولة فقط ،فل تصح في الشجر غير
المثمر ،كالصفصاف والحور والعفص ونحوه ،والورد ونحوه.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،279الشرح الصغير ،718-713/3 :بداية المجتهد.246-243/2 :
( )2كشاف القناع.523/3 :
( )6/486
وقال الشافعية في المذهب الجديد ( : )1مورد المساقاة النخل والعنب فقط ،أما النخل فلخبر
الصحيحين السابق« :أنه صلّى ال عليه وسلم عامل أهل خيبر» وفي رواية« :دفع إلى يهود خيبر
نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» والعنب مثل النخل ،لنه في معناه ،بجامع
وجوب الزكاة فيهما .وجوزها الشافعي في المذهب القديم في سائر الشجار المثمرة.
خامسا ـ الفرق بين المساقاة والمزارعة :
قال الحنفية :المساقاة كالمزارعة إل في أربعة أمور (: )2
- 1إذا امتنع أحد العاقدين في المساقاة عن تنفيذ العقد ،يجبر عليه ،إذ ل ضرر عليه في بقاء العقد،
بخلف المزارعة ،فإن رب البذر إذا امتنع قبل اللقاء ،ل يجبر عليه ،للضرر اللحق به في
الستمرار ،ولن المساقاة عقد لزم عند الجمهور غير الحنابلة .وأما المزارعة فل تلزم المتعاقدين إل
بإلقاء البذر .وقال الحنابلة ( : )3الوكالة والمضاربة والمساقاة والمزارعة والوديعة والجعالة :عقود
جائزة من الطرفين ،لكل فسخها.
- 2إذا انقضت مدة المساقاة تترك ،أي يستمر العقد بل أجر ،ويعمل العامل بل أجر عليه لصاحب
الشجر ،فللعامل البقاء في عمله إلى انتهاء الثمرة ،لكن بل أجر عليه؛ لن الشجر ل يجوز استئجاره
عند الحنفية ،ولن العمل كله على العامل .أما في المزارعة فيستمر العامل بأجر مثل نصيبه من
الرض؛ لن الرض يجوز استئجارها ،والعمل عليها ،بحسب الملك في الزرع ،فيكون العمل على
العامل وعلى صاحب الرض ،وإذا وجب الجر لرب الرض على العامل ،لم يجب على العامل
العمل في نصيب صاحب الرض بعد انتهاء المدة.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،323/2 :المهذب.390/1 :
( )2الدر المختار ورد المحتار ،201/5 :تبيين الحقائق.284/5 :
( )3غاية المنتهى لبن يوسف الحنبلي ،154/3 :كشاف القناع 528/3 :وما بعدها ،المغني372/5 :
وما بعدها.
( )6/487
- 3إذا استحق النخيل المثمر لغير رب الرض ،يرجع العامل بأجر مثله؛ لن أجرته صارت عينا
أي تمثلت بجزء من الشجر ،ومتى صارت عينا واستحقت ،رجع بقيمة المنافع .ول يرجع بشيء إذا
لم تخرج النخيل ثمرا .أما في المزارعة :لو استحقت الرض بعد الزراعة ،فيرجع العامل بقيمة
حصته من الزرع نابتا ،ولو استحقت الرض بعد العمل قبل الزراعة ل شيء للمزارع.
- 4ليس بيان المدة في المساقاة بشرط استحسانا ،اكتفاء بعلم وقتها عادة؛ لن لدراك الثمرة وقتا
معلوما قلما يتفاوت ،بخلف الزرع ،قد يتقدم الحصاد ،وقد يتأخر بحسب التبكير أو التأخر في إلقاء
البذر.
أما في المزارعة فيشترط تعيين المدة في أصل المذهب ،لكن المفتى به ـ كما تقدم ـ أنه ل يشترط.
وتعتبر المساقاة والمزارعة عند الحنفية والشافعية إجارة ابتداء ،شركة انتهاء .وألحق الحنابلة المساقاة
بالمضاربة (. )1
المبحث الثاني ـ شروط المساقاة :
يشترط في المساقاة ما يمكن من شروط المزارعة ،فل يشترط في المساقاة بيان جنس البذر ،وبيان
صاحبه ،وصلحية الرض للزراعة ،وبيان المدة.
وبقي من شروط المزارعة الثمانية الممكنة في المساقاة :أهلية العاقدين ،وبيان حصة العامل ،والتخلية
بينه وبين الشجار ،والشركة في الخارج الناتج ،ويدخل في الخير :كون الجزء المشروط للعامل
جزءا مشاعا (. )2
ويمكن توضيح شروط المساقاة فيما يأتي (: )3
- 1أهلية العاقدين :بأن يكونا عاقلين ،فل يجوز عقد من ل يعقل ،وهو غير المميز .أما البلوغ فليس
بشرط عند الحنفية ،وشرط عند بقية الئمة.
- 2محل العقد :أن يكون من الشجر الذي فيه ثمرة .وقد بينت في بحث مورد المساقاة الخلف فيه.
وأن يكون محل العمل وهو الشجر معلوما.
- 3التسليم إلى العامل :وهو التخلية بين العامل وبين الشجر المعقود عليه .فلو شرط العمل على
العاقدين ،فسدت المساقاة ،لعدم التخلية.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.529/3 :
( )2رد المحتار.201/5 :
( )3البدائع 185/6 :ومابعدها ،تكملة الفتح ،47/8 :تبيين الحقائق.284/5 :
( )6/488
- 4أن يكون الناتج شركة بين الثنين ،وأن تكون حصة كل واحد منهما جزءا مشاعا معلوم القدر،
فلو شرط أن يكون الناتج لحدهما فسدت المساقاة،ولو شرط جزء معين لحدهما ،أو جهل مقدار
الحصص فسدت المساقاة أيضا.
ول يشترط عند الحنفية بيان مدة المساقاة استحسانا ،عملً بالمتعارف المتعامل به ،وتقع المساقاة على
أول ثمر يخرج في أول السنة .وفي الرّطاب (الفصة أو البرسيم) عند الحنفية تقع المساقاة على الجزة
الولى ،كما في الشجرة المثمرة ،فإن لم يخرج في تلك السنة ثمرة ،فسدت المساقاة.
ولو ذكرت مدة ل تخرج الثمرة فيها عادة ،فسدت المساقاة أيضا ،لفوات
المقصود منها وهو الشركة في الثمار ،أما إن كان العقد صحيحا ،ولم تثمر الشجرة أصلً في المدة
المتفق عليها ،فل شيء لحد العاقدين على صاحبه ،ويبقى العقد صحيحا.
ولو ذكرت مدة يحتمل فيها بلوغ الثمرة وعدمه ،صح العقد ،لعدم التيقن بفوات المقصود .فلو ظهرت
الثمرة في الوقت المتفق عليه ،قسمت بحسب الشرط المتفق عليه في العقد ،وإن لم تظهر في الوقت
المسمى ،فسدت المساقاة ،وللعامل أجر المثل لفساد العقد؛ لنه تبين الخطأ في المدة المسماة.
أما شروط المساقاة عند المالكية فقد ذكرت في بحث مورد المساقاة المتقدم ،والمفهوم منها أنه يشترط
عندهم كون المساقاة لمدة معلومة كالجارة.
أركان المساقاة عند الجمهور :
ذكر الشافعية ومثلهم الحنابلة والمالكية للمساقاة أركانا خمسة :وهي العاقدان ومورد العمل ،والثمار،
والعمل ،والصيغة (. )1
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،328-323/2 :المهذب ،392-390/1 :كشاف القناع ،529-523/3 :غاية
المنتهى ،185-183/2 :المغني 372 ،368/5 :ومابعدها.380 ،375 ،
( )6/489
أما الركن الول (العاقدان ) :فيصح من جائز التصرف لنفسه (عاقل بالغ) ؛ لن المساقاة عقد
معاوضة أو معاملة على مال ،كالمضاربة ،فيطلب فيها الهلية كالبيع .ويمارس الولي عن الصبي
والمجنون والسفيه هذا العقد ،بالولية عليهم ،عند المصلحة ،للحتياج إليه.
والركن الثاني ـ مورد المساقاة :أي ما ترد صيغة عقد المساقاة عليه .هو عند الشافعية :النخل
والعنب ،وعند الحنابلة :ما له ثمر مأكول من الشجر ،المغروس
المعلوم بالمشاهدة لمن يعمل عليه ،ويقوم بمصلحته بجزء مشاع معلوم من ثمرته ،كما تبين في بحث
موردها .ول تجوز المساقاة إل على شجر معلوم ،فإن كان مجهولً ،لم يصح العقد.
والركن الثالث ـ وهو الثمار :يشترط فيه تخصيص الثمر بالعاقدين (المالك والعامل) ،فل يجوز
شرط بعضه لغيرهما .ويشترط اشتراكهما فيه ،فل يجوز شرط كل الثمرة لحدهما ،ويشترط العلم
بالنصيبين (الحصص) بالجزئية ،وإن قل ،أي كون الحصة مشاعة كالمضاربة.
والظهر عند الشافعية ،وهو مذهب الحنابلة :صحة المساقاة بعد ظهور الثمر ،لكن قبل بدو الصلح،
فإن ساقاه على صغار النخل مثلً ليغرسها ،ويكون الشجر لهما ،لم يجز ،إذ لم ترد المساقاة إل على
أصل ثابت ،ولن الغرس ليس من أعمال المساقاة.
فلو كان الشجر مغروسا ،وشرط المالك للعامل جزءا من الثمر على العمل ،فإن قدر له مدة يثمر فيها
غالبا كخمس سنين ،صح العقد ،وليضر كون أكثر المدة ل ثمر فيها ،كما لو ساقاه خمس سنين،
والثمرة يغلب وجودها في الخامسة خاصة .فإن لم يثمر الشجر في تلك المدة ،لم يستحق العامل شيئا،
كما لو ساقاه على أشجار النخيل المثمرة ،فلم تثمر.
( )6/490
وإن قدر مدة ل يثمر فيه الشجر غالبا لم تصح المساقاة لخلوها عن العوض ،كالمساقاة على شجر ل
يثمر .وهذا باتفاق المذاهب.
والركن الرابع ـ العمل :يشترط فيه أن ينفرد العامل بالعمل ،وباليد أي التخلية والتسليم للعامل،
ليتمكن العامل من العمل متى شاء ،فلو شرط عمل المالك مع العامل ،أو كون البستان في يد المالك أو
في يدهما معا ،لم يصح العقد ،وفسدت المساقاة .ويشترط أل يشرط على العامل ما ليس من جنس
أعمال المساقاة التي اعتادها الناس ،كحفر بئر مثلً ،فإن شرطه ،لم يصح العقد؛ لنه استئجار بعوض
مجهول ،واشتراط عقد في عقد.
ويشترط أيضا عند الشافعية معرفة العمل بتقدير المدة كسنة أو أكثر ،وأقلها مدة تبقى فيها الشجار
غالبا للستغلل ،فل تصح على مدة مطلقة ول مؤبدة ول مدة ل يثمر فيها الشجر غالبا؛ لن المساقاة
عند الشافعية عقد لزم ،فيطلب فيها تحديد المدة كالجارة .فإن كانت المدة ل يثمر فيها الشجر غالبا
لم تصح لخلوها عن العوض ،كالمساقاة على شجرة ل تثمر .ول يجوز في الصح التوقيت بإدراك
الثمر ،لجهالته بالتقدم تارة ،والتأخر أخرى.
ول يطلب عند الحنابلة تحديد مدة في المساقاة والمزارعة ،لنه صلّى ال عليه وسلم لم يحدد لهل
خيبر مدة ،ومشى خلفاؤه على منهجه من بعده ،ولن المساقاة ومثلها المزارعة عندهم عقد جائز غير
لزم كما تقدم ،فلكل واحد من العاقدين فسخها متى شاء .واختار ابن قدامة الحنبلي أن المساقاة عقد
لزم ،فوجب تقديره بمدة كالجارة .ول يقدر أكثر المدة ،بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى
الشجر فيها ،وإن طالت ،وأقل المدة :ما تكمل الثمرة فيها فل يجوز على أقل منها؛ لن المقصود
الشتراك في الثمرة ،ول توجد في أقل من هذه المدة.
( )6/491
والركن الخامس ـ الصيغة :مثل ساقيتك على هذا النخل بثلث أو ربع ثمره ،أو سلمته إليك لتتعهده،
أو اعمل في نخيلي أو تعهد نخيلي بكذا من ثمره .ولو ساقاه عند الشافعية بلفظ الجارة لم يصح في
الصح؛ لن لفظ الجارة صريح في عقد آخر .وتصح عند الحنابلة بلفظ المساقاة والمعاملة
والمفالحة ،وبلفظ الجارة ،كما تصح المزارعة بلفظ الجارة ،أي بإجارة أرض بجزء شائع معلوم،
مما يخرج منها ،لن القصد المعنى ،فإذا أتى به بأي لفظ دل عليه ،صح العقد ،كالبيع .وتصح أيضا
بالمعاطاة.
ويشترط عند الشافعية القبول لفظا من الناطق ،للزومها كإجارة وغيرها ،وتصح بإشارة الخرس
المفهمة ،ككتابته ،دون تفصيل العمال فيها ،فل يشترط التعرض له في العقد ،ويحمل المطلق في كل
ناحية على العرف الغالب فيها في العمل ،إذ المرجع في مثله إلى العرف.
وقال الحنابلة :ل تفتقر المساقاة (ومثلها المزارعة) إلى القبول لفظا ،بل يكفي الشروع في العمل قبولً
كالوكالة ،كما تقدم في بحث صيغة المزارعة.
المبحث الثالث ـ حكم المساقاة الصحيحة والفاسدة :إذا استكملت المساقاة شرائطها ،كانت صحيحة،
وإذا اختل شرط منها كانت فاسدة.
المطلب الول ـ حكم المساقاة الصحيحة :
للمساقاة الصحيحة عند الفقهاء أحكام ،وأحكامها عند الحنفية ما يأتي (: )1
- 1كل ما كان من أعمال المساقاة التي يحتاج إليها الشجر وحقل العنب والرّطاب وأصول
الباذنجان ،من السقي وإصلح النهر ،والحفظ والتلقيح ،فعلى العامل ،لنها من توابع المعقود عليه.
وكل ما يحتاجه الشجر ونحوه من النفقة كالسرقين وتقليب الرض ،والجذاذ والقطاف ،فعلى العاقدين
على قدر نصيبهما ،لن العقد لم يشمله.
- 2أن يكون الخارج بين الطرفين على الشرط المتفق عليه.
- 3إذا لم يخرج الشجر شيئا ،فل شيء لواحد منهما على الخر.
-------------------------------
( )1البدائع.187/6 :
( )6/492
- 4العقد لزم للجانبين ،فل يملك أحدهما المتناع عن التنفيذ،أو الفسخ من غير رضا صاحبه ،إل
لعذر ،بخلف المزارعة ،فإنها غير لزمة في جانب صاحب البذر عند الحنفية.
- 5لصاحب الرض إجبار العامل على العمل إل لعذر.
- 6تجوز الزيادة على الشرط والحط منه ،على وفق القاعدة المقررة في المزارعة وهي :كل موضع
احتمل إنشاء العقد ،احتمل الزيادة ،وإل فل ،والحط جائز في الموضعين .فما لم يتناه عظم الثمرة في
النخيل مثلً ،تجوز الزيادة من كل الطرفين ،لن إنشاء العقد في هذه الحالة جائز .ولو تناهى عظم
الثمرة ،جازت الزيادة من العامل لصاحب الرض ،ول تجوز الزيادة من صاحب الرض للعامل؛
لن زيادة العامل حط من الجرة ،ول يشترط فيه احتمال إنشاء العقد ،وأما زيادة صاحب الرض
فهي زيادة في الجرة ،والمحل ل يحتمل الزيادة.
- 7ل يملك العامل مساقاة غيره ،إل إذا فوض له صاحب الرض فقال له( :اعمل فيه برأيك) .فلو
خالف العامل ،فعامل غيره على الشجر ،كانت الثمرة لصاحب الشجر ،ول أجر للعامل الول،
وللعامل الثاني أجر مثل عمله على العامل الول.
وأحكام المساقاة الصحيحة عند المالكية :تتفق في الغالب مع مذهب الحنفية ،فقالوا ( : )1العمل في
الحائط (بستان الشجر) ثلثة أقسام:
أحدها ـ ما ل يتعلق بالثمرة :فل يلزم العامل به بالعقد ،ول يجوز أن يشترط عليه.
الثاني ـ ما يتعلق بالثمرة ،ويبقى بعدها :كحفر بئر أو عين أو ساقية ،أو بناء بيت لتخزين الثمر،
أوغرس شجر ،فل يلزم العامل به أيضا ،ول يجوز أن يشترط عليه.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،279الشرح الصغير 717/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد 244/2 :وما
بعدها.
( )6/493
الثالث ـ ما يتعلق بالثمرة ،ول يبقى :فهو على العامل بالعقد ،كالتقليم والجذاذ والسقي ،وعليه أيضا
جميع المؤن من اللت والجراء والدواب ونفقتهم من كل ما يلزم الشجر عرفا ،وليس على العامل
تحصين الجدران ،وإصلح مجاري المياه إلى الرض ،ويجوز اشتراطها عليه ،لن المذكور يسير.
وأما حق العامل :فله جزء من الثمرة كالثلث أو النصف أو غيرهما حسبما يتفقان عليه .ويجوز أن
تكون له كلها ،وإذا لم يثمر الشجر ،فل شيء لحد العاقدين على الخر ،لن انعدام الثمر بسبب آفة
سماوية ،ل بسبب فساد العقد.
ول يجوز أن يشترط أحدهما لنفسه منفعة زائدة كدنانير أو دراهم.
ويتفق الشافعية والحنابلة مع المالكية في تحديد الملزم بالعمل ،وحق العامل ،فقالوا في العمل :كل
مايتكرر كل عام فهو على العامل ،وما ل يتكرر فهو على رب المال (. )1
فعلى العامل ما يحتاج إليه لصلح الثمر ،واستزادته ،مما يتكرر كل سنة في العمل ،ول يقصد به
حفظ الصل ،كسقي ،وتنقية نهر وبئر ،أي مجرى الماء من
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 328/2 :وما بعدها ،المهذب ،392/1 :المغني 369/5 :وما بعدها ،كشاف القناع:
528/3وما بعدها.531 ،
( )6/494
الطين ونحوه ،وإصلح حُفر الشجار التي يجتمع فيها الماء للشرب ،وتلقيح النخل ( )1وإزالة
الحشائش والقضبان والعشاب الضارة وتعريش الدوالي ( ، )2وحفظ الثمر وجذاذه (أي قطعه)،
وتجفيفه في الصح عند الشافعية ،لنه من مصالحه.
وأما ما قصد به حفظ الصل (أصل الثمر :وهو الشجر) ،ول يتكرر كل سنة ،كبناء حيطان البستان،
وحفر نهر جديد له ،وإصلح ما انهار من النهر ،وإصلح الدولب والبواب فعلى المالك ،عملً
بالعرف ،وعليه أيضا خراج الرض الخراجية.
وبه يتبين أن الجذاذ (القطاف) على العامل عند المالكية والشافعية والحنابلة ،وعلى المالك والعامل
بقدر نصيبهما عند الحنفية.
والمساقاة عقد لزم من الجانبين ،كالجارة عند الشافعية والحنفية ،والمالكية (أي الجمهور) وغير
لزمة عند الحنابلة ( )3؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم في قصة خيبر ـ فيما رواه مسلم عن ابن
عباس -قال« :نقركم على ذلك ما شئنا» .أما المزارعة فهي غير لزمة عند الحنفية والحنابلة،
وتلزم بالبذر عند المالكية.
وبناء على كونها لزمة ،والمزارعة تبعا لها عند الشافعية :لو هرب العامل قبل الفراغ من العمل،
وأتمه المالك متبرعا بالعمل ،بقي استحقاق العامل ،كتبرع الجنبي بأداء الدين .ولو لم يتبرع المالك
بالعمل استأجر الحاكم بعد رفع المر إليه ،على العامل،من يتم العمل من مال العامل .فإن لم يقدر
المالك على مراجعة الحاكم لبعد مسافة ،أو لعدم تلبية طلب المالك ،فليشهد المالك على العمل بنفسه،أو
النفاق إن أراد الرجوع بما يعمله أو ينفقه؛ لن الشهاد حال العذر كالحكم ويصرح في الشهاد
بضرورة الرجوع.
وقال الحنابلة :إن هرب العامل ،فلرب المال الفسخ؛ لن المساقاة عقد جائز غير لزم.
صفة يد العامل :يد العامل في المساقاة والمزارعة والمغارسة يد أمانة ،فإذا ادعى هلك شيء من
الثمر أو الزرع أو الشجر ،بغير تقصير ول تعد ،كان القول قوله ،فيصدق بيمينه ،كذلك يصدق بيمينه
إن اتهمه المالك بخيانة وأنكر هو؛ لنه أمين ،والقول قول المين بيمينه.
-------------------------------
( )1وهو وضع شيء من طلع الذكور في طلع الناث.
( )2وهو أن ينصب أعوادا لكروم العنب ويظللها ويرفع العنب عليها.
( )3الشرح الصغير ،713/3 :المغني ،376 ،372/5 :كشاف القناع ،528/3 :بداية المجتهد:
.247/2
( )6/495
( )6/496
فإذا عمل ل يستحق الجر على شريكه ،ويقع عمل العامل لنفسه .وهذا ،أي الحكم بالفساد اختاره
الحنابلة من بين وجهين ،إذا لم يجعل للعامل شيء في مقابل العمل .وأجاز الشافعية العقد إذا شرط
للعامل زيادة على حصته ،أي أن الشافعية والحنابلة يجيزون هذه الصورة ،وهي حالة التفاق على
زيادة حصة العامل مقابل عمله ( ، )1كأن يكون الشجر بينهما نصفين ،فيشترط له ثلثا الثمرة ،ليكون
السدس عوض عمله ،فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه ،لم يصح ،لستحقاقه نصيبه بالملك .ويكون
التفاق بأن يقول الشريك لشريكه :ساقيتك على نصيبي ،أو أطلق .فإذا قال :ساقيتك على كل الشجر،
لم يصح.
ويترتب على فساد المساقاة عند الحنفية الحكام التالية (: )2
- 1ل يجبر العامل على العمل؛ لن الجبر على العمل بحكم العقد ،وهو لم يصح.
- 2الخارج كله لصاحب الشجر ،لكونه نماء ملكه ،وأما العامل فل يأخذ منه شيئا؛ لن استحقاقه
بالشرط في العقد ،ولم يصح.
- 3وإذا فسدت المساقاة ،فللعامل أجر مثله ،كالجارة الفاسدة.
- 4يجب أجر المثل عند أبي يوسف في حال الفساد مقدرا بالمسمى ،ليتجاوز عنه .وعند محمد:
يجب أجر المثل تاما بالغا ما بلغ.
أثر فساد العقد في المذاهب الخرى :قال المالكية ( : )3إذا وقعت المساقاة فاسدة ،فإن عثر عليها قبل
العمل ،فسخت .وإن عثر عليها بعد العمل ،فسخت في أثنائه ،ووجب فيها أجرة المثل إن خرج
المتعاقدان عن المساقاة إلى إجارة فاسدة
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،327/2 :المحلي على المنهاج ،63/3 :الشرح الكبير مع المغني ،580/5 :كشاف
القناع.533/3 :
( )2البدائع.188/6 :
( )3القوانين الفقهية :ص ،280الشرح الصغير 722/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد.248/2 :
( )6/497
أو بيع فاسد؛ لن للعامل فيها أجر ما عمل ،قلّ أو كثر ،فل ضرر عليه في الفسخ .ومثال التحول إلى
الجارة الفاسدة :اشتراط زيادة شيء معين أو عرض تجاري من صاحب البستان للعامل؛ لنه يصبح
المالك كأنه استأجر العامل على أن يعمل له في بستان بهذه الزيادة وبجزء من ثمرة البستان ،وهي
إجارة فاسدة توجب الرد لجرة مثل أجر العامل ويحسب منها تلك الزيادة ،ول شيء للعامل من
الثمرة ،ولو بعد تمام العمل .فإن كانت الزيادة من العامل للمالك ،فقد خرج العاقدان إلى بيع فاسد :هو
بيع الثمرة قبل بدو صلحها ،إذ كأن العامل اشترى الجزء المسمى بما دفعه للمالك من الزيادة،
وبأجرة عمله ،فوجب له أجرة مثله ،وأخذ ما دفعه ،ول شيء له من الثمرة.
وإن لم يخرج المتعاقدان عن المساقاة لعقد آخر ،بأن كان الفساد لضرر ،أو لفقد شرط غير الزيادة
المتقدمة ،أو لوجود مانع ،أو بسبب الغرر كالمساقاة على حوائط (بساتين) مختلفة ،استمرت المساقاة
بمساقاة المثل ،كالمساقاة على ثمر بدا صلحه وآخر لم يبد صلحه ،لحتواء العقد على بيع ثمر
مجهول (وهو الجزء المسمى للعامل) بشيء مجهول (وهو العمل) ،وكاشتراط عمل المالك مع العامل
بجزء من الثمرة أو مجانا ،وكاشتراط آلة أو دابة للمالك في بستان صغير ،لنه ربما كفاه ذلك،
فيصير كأن العامل اشترط جميع العمل على المالك .ويجوز اشتراط الدابة على المالك في بستان
كبير .وهذا التفصيل لبن القاسم .وقال ابن الماجشون :ترد إلى إجارة المثل في كل نوع من أنواع
الفساد.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )1إذا خرج الثمر بعد العمل مستحقا لغير المساقي المالك ،كأن أوصى
بثمر الشجر المساقى عليه ،أو خرج الشجر مستحقا ،فللعامل
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،331 ،327-326/2 :المهذب ،393/1 :المغني ،392 ،381/5 :كشاف القناع:
.502 ،532/3
( )6/498
على من ساقاه أجرة المثل لعمله ،لنه ضيّع عليه منافعه بعوض فاسد ،فيرجع ببدلها على المالك ،وإذا
فسدت المساقاة ،فللعامل أجرة مثله مقابل عمله ،والثمر كله لصاحب الشجر ،لنه نماء ملكه .وتفسد
المساقاة بجهالة نصيب كل واحد من العاقدين ،أو اشتراط نصيب مجهول ،أو دراهم معلومة ،أو كمية
معينة من الثمرة ،أو شرط اشتراك المالك في العمل ،أو عمل العامل في شيء آخر غير الشجر الذي
ساقاه عليه.
والخلصة :أنه يجب باتفاق الفقهاء فسخ المساقاة الفاسدة إذا عرف الفساد قبل العمل .فإن شرع العامل
بالعمل ثم اطلع على الفساد ،يجب له عند الجمهور أجر المثل .كما يجب له الجر عند المالكية إذا
خرج المتعاقدان إلى عقد آخر ،وإن لم يخرجا لعقد آخر ،استمرت المساقاة بمساقاة المثل.
المبحث الرابع ـ انتهاء المساقاة :
تنقضي المساقاة عند الحنفية كالمزارعة بأحد أمور ثلثة :انتهاء المدة المتفق عليها ،موت أحد
المتعاقدين ،فسخ العقد إما بالقالة صراحة أو بالعذار ،كما تفسخ الجارة (. )1
ومن العذار :أن يكون العامل سارقا معروفا بالسرقة يخاف منه سرقة الثمر أو الغصان قبل
الدراك؛ لنه يلزم صاحب الرض ضرر لم يلتزمه ،فيفسخ به.
ومن العذار أيضا :مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل؛ لن في إلزامه استئجار أجراء ،زيادة
ضرر عليه ،ولم يلتزمه فيجعل عذرا .وفي اعتبار سفر العامل عذرا للفسخ روايتان ،الصحيح أنه
يوفق بينهما ،كما في مرض العامل ،فهو عذر إذا شرط عليه عمل نفسه ،وغير عذر إذا أطلق العقد
عن الشرط.
-------------------------------
( )1البدائع ،188/6 :تكملة الفتح ،48/8 :تبيين الحقائق ،268/5 :الدر المختار ،204/5 :اللباب:
.234/2
( )6/499
وإذا مات العامل ،كان لورثته تعهد الثمر حتى يدرك ،وإن كره صاحب الشجر رعاية لمصلحة
الجانبين .وإن مات المالك استمر العامل بعمله كما كان ،وإن كره ورثة المالك .وإن مات العاقدان،
كان الخيار في الستمرار لورثة العامل ،فإن أبى ورثة العامل الستمرار في العمل ،كان الخيار فيه
لورثة صاحب الرض.
وإذا انقضت مدة المساقاة ولم ينضج الثمر ،بأن كان فجا ،بقيت المساقاة استحسانا لوقت النضوج،
ويخير العامل ،إن شاء ترك وإن شاء عمل كما في المزارعة ،ولكن بدون أجر ،أي ل يجب على
العامل أن يدفع للمالك أجر حصته إلى أن يدرك الثمر؛ لن الشجر ل يجوز استئجاره ،بخلف
المزارعة ،حيث يجب على العامل أجر مثل الرض؛ لن الرض يجوز استئجارها .ويكون العمل
كله في المساقاة على العامل ،وفي المزارعة على العاقدين ،لنه لما وجب أجر المثل للرض في
المزارعة بعد انتهاء المدة ،لم يستحق العمل على العامل ،كما كان يستحق عليه قبل انتهائها.
وإن أبى العامل العمل ،خير المالك أو ورثته بين أمور ثلثة :إما أن يقتسم الثمر على حسب الشرط،
وإما أن يعطي العامل قيمة نصيبه من الثمر ،وإما أن ينفق على الثمر حتى يبلغ أو ينضج ،ثم يرجع
بالنفقة بقدر حصة العامل من الثمر؛ لنه ليس للعامل إلحاق الضرر بغيره.
( )6/500
لكن قال الزيلعي :الرجوع على العامل بالنفقة بنسبة حصته فقط :فيه إشكال ،وكان ينبغي أن يرجع
عليه بجميع النفقة؛ لن العامل إنما يستحق بالعمل ،وكان العمل كله عليه ،فلو رجع عليه بحصته
فقط ،أدى الرجوع إلى استحقاق العامل بل عمل في بعض المدة .وقال المالكية ( : )1المساقاة عقد
موروث ،ولورثة المساقي أن يأتوا بأمين يعمل إن لم يكونوا أمناء ،وعلى المالك العمل إن أبى ورثة
العامل من العمل من تركته .ول تنفسخ المساقاة إذا كان العامل لصا أو ظالما أو عجز عن العمل،
وعلى العامل استئجار من يعمل ،أو يستأجر من حظه من الثمر إن لم يكن له شيء؛ لن المساقاة
عندهم عقد لزم ،ل يفسخ بالعذار ،فليس لعاقد فسخها بعد العقد ،دون الخر ما لم يتراضيا عليه.
وقال الشافعية ( : )2لتنفسخ المساقاة بالعذار ،فلو ثبتت خيانة عامل مثلً ،ضم إليه مشرف إلى أن
يتم العمل؛ لن العمل واجب عليه .فإن لم يتحفظ عن الخيانة بالمشرف ،أزيلت يده بالكلية ،واستؤجر
عليه من مال العامل من يتم العمل ،لتعذر استيفاء العمل الواجب عليه منه.
وتنتهي المساقاة عند الشافعية بانقضاء المدة ،فإذا انقضت المدة كعشر سنين مثلً ،ثم ظهرت ثمرة
السنة العاشرة لم يكن للعامل فيها حق؛ لنها ثمرة حدثت بعد انقضاء العقد.
وإذا ظهرت الثمرة ،ولم تكتمل ،قبل انقضاء المدة كأن صارت طَلْعا ( )3أو بلحا ،تعلق بها حق
العامل؛ لنها حدثت قبل انقضاء المدة ،ويجب على العامل تمام العمل.
وتنفسخ المساقاة بموت العامل إذا كانت على عين (ذات) العامل كالجير المعين ،ول تنفسخ بموت
المالك في أثناء المدة ،بل يتم العامل العمل ويأخذ نصيبه،
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،247/2 :الشرح الصغير.713/3 :
( )2مغني المحتاج ،331/2 :المهذب 391/1 :وما بعدها.
( )3هو بدء الحمل بأن يظهر الحمل في النخيل بين غلفين.
( )6/501
لكن إذا ساقى المورث من يرثه ثم مات المورث ،فإن المساقاة تنفسخ؛ لنه أي الوارث ل يكون عاملً
لنفسه.
وإذا التزم العامل المساقاة في ذمته ،ثم مات قبل تمام العمل ،وخلّف تركة ،أتم الوارث العمل منها،
لنه حق وجب على مورثه ،فيؤدّى من تركته كغيره من الحقوق .وللوارث أن يتم العمل بنفسه أو
بماله ،وعلى المالك تمكينه من العمل إن كان الوارث عارفا بعمل المساقاة أمينا ،وإل استأجر الحاكم
من التركة عاملً كفئا .فإن لم يخلف العامل تركة ،لم يقترض عليه؛ لن ذمته خربت بالموت.
وبه يتبين أن المساقاة في الذمة ل تنتهي عند الشافعية بموت أحد العاقدين ،فإذا مات المالك أو العامل،
استمر العامل بعمله .ول تنتهي المساقاة بخيانة العامل ول بهربه أو حبسه أو مرضه قبل تمام العمل،
لكن في حال الخيانة يضم إليه مشرف آخر يراقبه ،وفي حال الحبس ونحوه يستأجر عليه الحاكم من
يتم العمل على حسابه .وإذا اختلف المالك والعامل في مقدار الثمرة المشروطة لكل منهما ،حلف كل
منهما يمينا على إثبا ت دعواه ونفي دعوى خصمه ،لن كلً منهما منكر لدعوى الخر ،فإذا تحالفا
انفسخ عقد المساقاة ،وكان الثمر كله للمالك ،وللعامل أجرة مثله.
وقال الحنابلة ( : )1المساقاة كالمزارعة عقد جائز غير لزم ،فيجوز لكل طرف فيها فسخها .فإن
فسخت المساقاة بعد ظهور الثمرة ،كانت الثمرة بينهما (أي بين المالك والعامل) على حسب الشرط
المتفق عليه في العقد .لنها (أي الثمرة) حدثت على ملكهما.
ويملك العامل كالمالك حصته من الثمرة بالظهور .ويلزم العامل تمام العمل في المساقاة ،كما يلزم
المضارب بيع العروض التجارية إذا فسخت المضاربة .وهذا موافق لما قال الشافعية.
-------------------------------
( )1المغني ،377-372/5 :كشاف القناع.530-528/3 :
( )6/502
ول تنفسخ المساقاة بموت العامل ،فإن مات العامل قام وارثه مقامه في الملك والعمل؛ لنه حق ثبت
للمورث وعليه ،فكان لوارثه.
فإن أبى الوارث أن يأخذ ويعمل ،لم يجبر ،ويستأجر الحاكم من التركة من يعمل ،فإن لم تكن له
تركة ،أو تعذر الستئجار منها ،بيع من نصيب العامل مايحتاج إليه لتكميل العمل واستؤجر من
يعمله.
وإن فسخ العامل ،أو هرب قبل ظهور الثمرة ،فل شيء له ،لنه قد رضي بإسقاط حقه ،مثل عامل
المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح ،وعامل الجعالة إذا فسخ قبل تمام عمله.
لكن إن فسخ المالك المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعد شروع العامل في العمل ،فعليه للعامل أجر مثل
عمله ،بخلف المضاربة؛ لن الربح في المضاربة ل يتولد من المال بنفسه وإنما يتولد من العمل ،ولم
يحصل بعمله ربح ،والثمر في المساقاة متولد من عين الشجرة ،وقد عمل العامل على الشجر عملً
مؤثرا في الثمر فكان لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ.
وإن مات العامل والمساقاة على عينه (ذاته) ،أو جنّ ،أو حجر عليه لسفه انفسخت المساقاة ،كما قال
الشافعية.
أما لو مات المالك أو جنّ ،أو حجر عليه لسفه ،فتفسخ المساقاة ،خلفا للشافعية .وفي حالة العذر عند
الحنابلة مع عدم الفسخ :إن عجز العامل عن العمل لضعفه مع أمانته ،ضم إليه غيره ،ول ينزع من
يده ،كما قرر الشافعية؛ لن العمل مستحق عليه ،ول ضرر في بقاء يده عليه ،وإن عجز بالكلية ،أقام
المالك مقامه من يعمل ،والجرة عليه في الحالتين لن عليه توفية العمل.
وتنتهي المساقاة بمضي المدة المتفق عليها إن قدرت مدة عند الحنابلة أي كما قرر باقي المذاهب ،لكن
إن ساقى المالك إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا ،فلم تحمل الثمرة تلك السنة ،فل شيء للعامل،
كالمضاربة.
( )6/503
( )6/504
الشتراك فيها في الشجر فقط ،فهي جائزة عند الحنفية والحنابلة ،ول تجوز عند المالكية ،وممنوعة
في الحالتين عند الشافعية ،لعدم الحاجة إليها.
قال الحنفية ( : )1من دفع أر ضا بيضاء (أي ل شجر ولزرع فيها) سنين معلومة ،يغرس فيها
شجرا ،على أن تكون الرض والشجر بين رب الرض والغارس نصفين ،لم يجز ،لثلثة أوجه:
أولها :لشتراط الشركة فيما كان موجودا قبل الشركة ،وهو الرض ،ل بعمل العامل ،فكان ذلك في
معنى قفيز الطحان ( )2المنهي عنه ( . )3وقال صاحب الهداية عن هذا الوجه :إنه أصحها ،لنه ـ
كما قال صاحب العناية ـ نظير من استأجر صباغا ليصبغ ثوبه ،على أن يكون نصف المصبوغ
للصباغ ،وهو مفسد للعقد ،فهو شركة فاسدة.
وثاني الوجه التي عللوا بها الفساد :أن المالك جعل نصف الرض عوضا عن جميع الغراس،
ونصف الخسارة عوضا لعمل العامل ،فصار العامل مشتريا نصف الرض بالغراس المجهول
المعدوم عند العقد ،فيفسد العقد .وهذا الوجه رجحه ابن عابدين؛ لن كون المغارسة في معنى ( قفيز
الطحان ) ل يضر ،إذ هو جار في معظم مسائل المزارعة والمعاملة (المساقاة) ،ولهذا قال المام
بفسادهما ،وترك صاحباه القياس استدللً بمعاملة النبي صلّى ال عليه وسلم أهل خيبر ،وهذا هو
الولى ،فهو شراء فاسد.
وثالث الوجه :أن المالك استأجر أجيرا ليجعل أرضه بستانا مشجرا بآلت الجير ،على أن يكون له
نصف البستان الذي يظهر بعمله ،وهو مفسد للعقد؛ لنها إجارة بأجر مجهول وغرر ،فهي إجارة
فاسدة.
وإذا فسدت المغارسة ،كان جميع الثمر والغرس لصاحب الرض ،وللغارس قيمة غرسه يوم الغرس،
وأجرة مثله فيما عمل.
وحيلة جواز المغارسة عند الحنفية :أن يبيع المالك نصف الرض بنصف الغراس ،ويستأجر رب
الرض العامل ثلث سنين مثلً ،بشيء قليل ،ليعمل في نصيبه.
وصحح الحنفية أيضا ـ كما في الفتاوى الخانية ـ كون المغارسة على الشتراك في الشجر والثمر
فقط ،دون الرض.
-------------------------------
( )1تكملة الفتح ،49/8 :تبيين الحقائق ،286/5 :اللباب ،234/2 :الدر المختار ورد المحتار203/5 :
ومابعدها.
( )2إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمل العامل ،وهو نصف البستان.
( )3روى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال« :نهي عن عسب الفحل ،وعن قفيز الطحان»
وعسب الفحل :أجرة ضرابه ،وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك على أنه ل يجوز أن
تكون الجرة بعض المعمول بعد العمل (نيل الوطار 292/5 :وما بعدها).
( )6/505
وعبارة الشافعية ( )1في حكم المغارسة :ل تصح المغارسة ،إذ ل يجوز العمل في الرض ببعض ما
يخرج منها ،ولن الغرس ليس من عمل المساقاة ،فضمه إليها يفسده ،ويمكن تحقيق المقصود
بالجارة.
أما المساقاة في الشجر ،فل يمكن عقد الجارة عليه ،فجوزت المساقاة للحاجة.
والغرس الحاصل يكون للعامل ،ويكون لرب الرض أجرة مثلها على العامل ،كما أن من زارع على
أرض بجزء من الغلة ،فعطل بعض الرض ،يلزمه أجرة ما عطل منها.
وعبارة الحنابلة ( : )2إن دفع المالك للعامل على أن الرض والشجر بينهما ،فالمعاملة فاسدة وجها
واحدا ،لنه شرط اشتراكهما في الصل (الرض والشجر) ففسد ،كما لو دفع إليه الشجر أو النخل،
ليكون الصل والثمرة بينهما ،أو شرط في المزارعة كون الرض والزرع بينهما ،وحينئذ يكون
للعامل أجر المثل.
لكن إن ساقاه على شجر يغرسه ،ويعمل فيه حتى يحمل ،ويكون للعامل جزء من الثمرة معلوم ،صح؛
لنه ليس فيه أكثر من أن عمل العامل يكثر ،ونصيبه يقل.
هذه أقوال الجمهور (المذاهب الثلثة) المانعة من صحة المغارسة ،حفاظا على حقوق العاقدين،
ولكثرة الجهالة الناجمة عن انتظار نمو الشجر ،وللشتراك في الصل ،كاشتراك الشريكين في رأس
المال في شركة المضاربة ،ولن الغرس ليس من أعمال المساقاة ،على النحو المشروع في السنة
النبوية ،كما ل تصح المساقاة على صغار الشجر إلى مدة ل يحمل فيها غالبا.
وقال المالكية ( : )2العمل لنماء الشجر يتم إما بالجارة :وهو أن يغرس العامل للمالك بأجرة
معلومة ،وإما بالجعالة :وهو أن يغرس له شجرا على أن يكون له نصيب فيما ينبت ،وإما بالمغارسة.
وتصح المغارسة (وهو أن يغرس العامل على أن يكون له نصيب من الشجر والثمر ومن الرض)
بخمسة شروط ،وهي:
- 1أن يغرس العامل في الرض أشجارا ثابتة الصول ،دون الزرع والمقاثي والبقول.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،324/2 :بجيرمي الخطيب 167/3 :وما بعدها.
( )2المغني 380/5 :وما بعدها.
( )2القوانين الفقهية :ص .281
( )6/506
- 2أن تتفق أصناف الشجر ،أو تتقارب ،في مدة إطعامها (إثمارها) فإن اختلفت اختلفا بينا ،لم
يجز.
- 3أل يكون أجلها إلى سنين كثيرة ،فإن حدد لها أجل إلى ما فوق الطعام (إنتاج الثمرة) ،لم يجز،
وإن كان دون الطعام ،جاز ،وإن كان إلى الطعام ،فقولن.
- 4أن يكون للعامل حظه من الرض والشجر ،فإن كان له حظه من أحدهما خاصة ،لم يجز ،إل إن
جعل له مع الشجر مواضعها على الرض ،دون سائر الرض.
- 5أل تكون المغارسة في أرض محبسة (موقوفة) لن المغارسة كالبيع.
ويلحظ أنه يمنع في المغارسة والمساقاة والمزارعة عند المالكية شيئان:
الول ـ أن يشترط أحدهما لنفسه شيئا دون الخر ،إل اليسير.
الثاني ـ اشتراط السلف أو السلَم ،كأن يقول له :أسلفت إليك في مئة دينار أن تغرس الغرس أو يأمره
بقلعه.
والخلصة :أن المغارسة تصح إذا كان للعامل جزء معين من الثمرة فقط ،كالمساقاة ،كما ذكر
الحنابلة ،وتصح المغارسة أيضا إذا غرس العامل غرسا على أن تكون الغراس والثمار بينهما كما
أبان الحنفية ،ويمكن تصحيح المغارسة على الشتراك في الرض والشجر معا ،بواسطة عقدي البيع
والجارة ،كأن يبيع المالك نصف الرض بنصف الغراس ،ويستأجر المالك العامل مدة كثلث سنين
مثلً ،بشيء يسير ليعمل في نصيبه ،كما ذكر الحنفية.
وصحح المالكية المغارسة بشروط ،وأبطلها الشافعية لعدم الحاجة إليها.
( )6/507
( )6/508
كل شريك في مشاع (عقار أو غيره) ،ولو كان التعيين باختصاص تصرف فيما عين له ،مع
بقاءالشركة في الذات ،وهذا التعريف يشمل عندهم أنواع القسمة الثلثة :قسمة المهايأة ،وقسمة
المراضاة ،وقسمة القرعة (. )1
وعرفها الشافعية والحنابلة ( )2بأوضح تعريف في تقديري ،فقالوا :القسمة :تمييز بعض النصباء عن
بعض ،وإفرازها عنها ،بتجزئة النصباء بالكيل أو غيره.
ثانيا ـ مشروعية القسمة :
أجمع العلماء على جواز القسمة لثبوت شرعيتها في القرآن والسنة:
أما القرآن فقوله تعالى{ :ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ،كل شرب محتضر} [القمر ]28/54:يدل على
جواز قسمة المهايأة ،وقوله سبحانه{ :وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم
منه} [النساء ]8/4:الوارد في قسمة التركة ،وقوله سبحانه في قسمة الغنائم{ :واعلموا أنما غنمتم من
شيء فأن ل خمسه وللرسول[ }..النفال ]41/8:ول يعلم هذا الخمس عن الربعة الخماس المستحقة
للغانمين إل بالقسمة.
وأما السنة :فقد قسم النبي صلّى ال عليه وسلم غنائم خيبر وحنين بين الغانمين ،وقسم المواريث (
، )3مما يدل على الباحة.
ويؤيده حاجة الناس إلى القسمة ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف المستقل في حصته،
وليتخلص من سوء المشاركة ،وكثرة اليدي (. )4
ثالثا ـ ركن القسمة وسببها وشرط لزومها :
ركن القسمة :هو الفعل الذي يحصل به الفراز والتمييز بين النصباء ،ككيل وذرع ،وسببها :طلب
الشركاء أو بعضهم النتفاع بملكه على وجه الخصوص ،فلو لم يطلبوا ل تصح القسمة .وشرط
لزومها بطلب أحد الشركاء :عدم فوت المنفعة بالقسمة ،أي عدم إبطال فائدة الشيء
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 359/3 :ومابعدها.
( )2حاشية الباجوري على ابن قاسم ،351/2 :المغني ،114/9 :كشاف القناع.364/6 :
( )3راجع الحاديث في نصب الراية.178/4 :
( )4المغني.112/9 :
( )6/509
المتعارفة ،فل يقسم مثلً الحائط والحمام والبيت الصغير (. )1
رابعا ـ صفة القسمة :
تتردد صفة القسمة عند الفقهاء بين وصفين :الفراز أو التمييز ،والبيع أو المبادلة.
فقال الحنفية ( : )2تشتمل القسمة مطلقا (في المثليات أو القيميات) على وصفين :هما الفراز :وهو
أخذ عين حقه ،والمبادلة :وهو أخذ عوض حقه .والسبب في اشتمالها على معنى المبادلة :أن ما يأخذه
كل شريك ،بعضه كان له ،وبعضه كان لصاحبه ،فهو يأخذه عوضا عما يبقى من حقه في حصة
صاحبه ،فتكون القسمة مبادلة من وجه ،وإفرازا من وجه.
والفراز :هو الظاهر الغالب في المثليات ،أي المكيلت والموزونات وما في حكمها :وهي الذرعيات
والعدديات المتقاربة كالجوز والبيض ،لعدم التفاوت بين أجزائها ،حتى كان لحد الشريكين أن يأخذ
نصيبه حال غيبة صاحبه.
والمبادلة :هي الظاهر الغالب في غير المثليات أي القيميات كالحيوانات والدور وأصناف العروض
التجارية ،للتفاوت بين أفرادها ،حتى ل يكون لحد الشريكين أخذ نصيبه عند غيبة صاحبه (. )3
إل أنه إذا كانت الشياء المشتركة متحدة الجنس ،جازت القسمة الجبرية ،أي يجبر القاضي على
القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لن فيها معنى الفراز ،ويصح الجبر في المبادلة ،كما هو المقرر في
حالة بيع ملك المدين ،لوفاء دينه.
وإن كانت الشياء المشتركة أجناسا مختلفة ،لم تجز القسمة الجبرية ،فل يجبر القاضي على القسمة،
لتعذر المعادلة .وتجوز القسمة الرضائية حينئذ؛ لن الحق للشركاء.
وقال المالكية ( : )4قسمة المراضاة :وهي التي تتم بل قرعة كالبيع ،وقسمة القرعة :تمييز حق في
مشاع بين الشركاء ،ل بيع ،وقسمة المهايأة في المنافع كالجارة.
وقال الشافعية ( : )5القسمة إفراز النصيبين وتمييز الحقين إل إذا كان في القسمة رد ،أي
-------------------------------
( )1الدر المختار.178/5 :
( )2الدر المختار ،178/5 :اللباب ،91/4 :تكملة الفتح ،2/8 :البدائع.26/7 :
( )3نصت المادة ( )1116مجلة عن ذلك ،فقالت« :والقسمة من جهة إفراز ،ومن جهة مبادلة، »..
كما نصت المادة ( )1117على أن «جهة الفراز في المثليات راجحة »..والمادة ( )1118على أن
«جهة المبادلة في القيميات راجحة »..ونصت المادة ( )1119على المثليات.
( )4الشرح الصغير.664 ،662 ،660/3 :
( )5حاشية الباجوري ،354-352/2 :المهذب.306/2 :
( )6/510
تعويض (أورد مال أجنبي عن المقسوم) ،فهي بيع ،كأن يكون في أحد جانبي الرض المشتركة بئر
أو شجر مثلً ،ل يمكن قسمته ،فيرد من يأخذه بالقسمة بالقرعة قسط قيمة البئر أو الشجر ،في المثال
المذكور.
وكذلك تكون القسمة بيعا إذا كانت بالتعديل للسهام (وهي النصباء)
بالقيمة ،كأرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء ،وتكون الرض بينهما نصفين ،ويساوي
ثلث الرض مثلً لجودته ثلثيها ،فيجعل الثلث سهما ،والثلثان سهما .وهذا الرأي أدق ما عرفته من
المذاهب.
وقال الحنابلة ( : )1القسمة :إفراز حق وتمييز أحد النصيبين من الخر ،وليست بيعا؛ لنها ل تفتقر
إلى لفظ التمليك ،ول تجب فيها الشفعة ،ويدخلها الجبار ،وتلزم بإخراج القرعة ،ويتقدر أحد النصيبين
بقدر الخر ،والبيع ل يجوز فيه شيء من ذلك ،ولنها تنفرد عن البيع باسمها وأحكامها ،فلم تكن بيعا
كسائر العقود.
وفائدة الخلف :أنها إذا لم تكن بيعا ،جازت قسمة الثمار خرصا ،والمكيل وزنا ،والموزون كيلً،
والتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض في البيع ،وإن قلنا :هي بيع ،انعكست هذه الحكام.
لكن إذا كانت القسمة ردا ،أي رد عوض عما حصل لشريك من حق شريكه ،فتكون بيعا فيما يقابل
الرد (أي العوض الذي رد من أحدهما على الخر) ،وإفرازا في الباقي .والخلصة أن القسمة عند
الحنابلة إفراز ،إل إذا كانت قسمة رد ،فتكون بيعا فيما يقبل الرد.
( )6/511
( )6/512
جنسين مختلفين ،فتصح في المثليات وهي المكيلت والموزونات والعدديات المتقاربة كأصناف
الحنطة ،ول تصح في جنسين من المكيل والموزون والمذروع والعددي كالحنطة والشعير ،والقطن
والحديد ،والجوز واللوز ،والللئ واليواقيت .وتصح بين أفراد البل ،أو أفراد البقر ،أو أفراد الغنم،
أي في ضمن الجنس الواحد ،والتفاوت القليل ملحق بالعدم.
ول تصح بين خيل وإبل ،أو بين بقر وغنم ،لختلف الجنس ،فيتضرر أحدهما.
ول تقسم الدور والراضي المتعددة عند أبي حنيفة قسمة جمع منعا للضرر ،لوجود التفاوت الفاحش
بين دار ودار ،وأرض وأرض ،بسبب اختلف البناء والبقاع ،فتعتبر في حكم جنسين مختلفين.
وعند الصاحبين :تجوز قسمة الدور والراضي قسمة جمع ،ويعدل ما فيها من التفاوت بالقيمة .ول
تقسم الدار والضيعة (الرض) ،أو الدار والحانوت المشتركتان قسمة جمع باتفاق الحنفية ،بل يقسم كل
واحد على حدة ،لختلف الجنس.
وقال المالكية ( : )1قسمة الرقاب أو العيان نوعان :قسمة مراضاة وقسمة قرعة.
أما قسمة المراضاة :فهي أن يتراضيا على أن كل واحد يأخذ شيئا مما هو مشترك بين الشريكين،
يرضى به بل قرعة .وهي كالبيع ،فمن رضي بشيء منه ،ملك ذاته ،وليس له رده إل بتراضيهما
كالقالة ،ول رد فيها بالغبن إل إذا أدخل بينهما مقوما .وتصح في متحد الجنس كالثياب ،أو في
مختلف الجنس كثوب ودابة.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،664-662/3 :القوانين الفقهية :ص 284وما بعدها.
( )6/513
وأما قسمة القرعة :فهي تمييز حق مشاع بين الشركاء ،ل بيع .فيرد فيها بالغبن ،ول بد فيها من
مقوم ،ويجبر عليها من أباها ،ول تكون إل فيما تماثل أو تجانس ،ول يجوز فيها الجمع بين حظ
اثنين.
وقال الشافعية ( : )1القسمة ثلثة أنواع؛ لن المقسوم إن تساوت النصباء منه صورة وقيمة فهو
الول ،وإل ،فإن لم يحتج إلى رد شيء فالثاني ،وإل فالثالث.
- 1قسمة الفراز (أو قسمة الجزاء أو قسمة المتشابهات) :وهي إفراز حق كل من الشركاء ،فهي
تمييز للحق ل بيع .وتحدث فيما ل ضرر فيه ،كالمثليات من حبوب ودراهم وأدهان ،ودور متفقة
البنية ،وأرض مستوية الجزاء .ويجري فيها الجبار ،فيلزم الشريك بالقسمة بطلب شريكه ،إذ ل
ضرر عليه فيها ،فيجزأ ما يقسم كيلً في المكيل ،ووزنا في الموزون ،وذرعا في المذروع ،وعدّا في
المعدود بعدد النصباء إن استوت .ثم بعدئذ يقرع بين النصباء لتعيين كل نصيب منها لحد الشركاء.
- 2قسمة التعديل للسهام :وهي أن تعدل النصباء المختلفة بالقيمة ،لتحقيق المساواة بين الشركاء،
كأرض تختلف قيمة أجزائها بسبب قوة إنبات ،أو قرب ماء ونحوهما ،أو يختلف جنس ما فيها،
كبستان بعضه نخل ،وبعضه عنب .فإذا كانت الرض مناصفة بين شريكين ،وكانت قيمة ثلثها
المشتمل على ما ذكر كقيمة الثلثين الباقيين ،فيجعل الثلث سهما ،والثلثان سهما ،ويقرع بينهما كما
سبق.
ويجري فيها الجبار ،فيلزم الشريك بالقسمة بطلب شريكه ،كما في النوع الول ،فإن أمكن قسم الجيد
وحده ،والرديء وحده ،لم يجبر الشريك على التعديل.
-------------------------------
( )1حاشية الباجوري ،354-352/2 :بجيرمي الخطيب.344-341/4 :
( )6/514
ويجبر الشريكان على هذه القسمة في منقولت متحدة القيمة ،مختلفة الصفة ،كثياب من نوع واحد،
كما يجبران عليها في نحو دكاكين صغيرة متلصقة ،متماثلة العيان أو الذوات ،للحاجة إلى القسمة،
بخلف نحو الدكاكين الكبيرة ،أو الصغيرة غير المتلصقة لشدة اختلف الغراض ،أو المقاصد
باختلف المحالّ والبنية.
- 3قسمة الرد :وهي التي تحتاج إلى رد مال أجنبي عن ذات المقسوم ،كأن يكون بأحد جانبي
الرض المشتركة بئر أو شجر مثلً ،ل يمكن قسمته ،فيردّ من يأخذه بالقسمة الناتجة عن القرعة قسط
قيمة البئر أو الشجر .فلو كانت قيمة البئر أو الشجر ألفا ،وحصته النصف ،رد الخذ خمس مئة .ول
يجري فيها الجبار.
ويعتبر النوع الول إفرازا للحق ،ل بيعا ،والنوعان الخران بيعا.
وبه يتبين أن القسمة عند الشافعية كغيرهم نوعان رئيسيان :قسمة إجبار ،وقسمة تراض.
وقال الحنابلة ( )1كما قال الحنفية :القسمة نوعان:
- 1قسمة تراض :ل تجوز إل برضا الشركاء كلهم :وهي التي فيها ضرر ،ورد عوض من أحدهما
على الخر ،كالدور الصغيرة ،والحمام والطاحون الصغيرين ،والدكاكين اللطاف الضيقة .ول إجبار
فيها ،فإن طلب أحد الشريكين
-------------------------------
( )1كشاف القناع.369 ،364/6 :
( )6/515
قسمة بعضها في مقابلة بعض ،لم يجبر الخر؛ لن كل عين منها تختص باسم وصورة .وهي تشبه
قسمة الرد عند الشافعية ،بدليل أن الحنابلة قالوا :كل ما ل يمكن قَسْمه بالجزاء ،أو التعديل ،ل يقسم
بغير رضا الشركاء كلهم .وحكم قسمة التراضي كالبيع ،أي كما قال الشافعية؛ لن صاحب الزائد بذل
المال عوضا عما حصل له من حق شريكه ،وهذا هو البيع ،والبيع محصور فيما يقابل الرد (أي
العوض الذي رد من أحدهما على الخر) وإفراز في الباقي ،كما تبين في صفة القسمة.وإذا كانت هذه
القسمة بيعا ،فل يجوز فيها ما ل يجوز في البيع ،ول يجبر عليها الممتنع منها ،لحديث ابن عباس
مرفوعا« :ل ضرر ول ضرار» (. )1
- 2وقسمة الجبار :ما ل ضرر فيها على الشريكين ،ول على أحدهما ،ول رد عوض ،كأرض
واسعة وقريبة ،وبستان ودار كبيرة ،ودكان واسع ونحوها ،سواء أكانت متساوية الجزاء أم ل.
وتحدث إن أمكن قسمتها بتعديل السهام من غير شيء يجعل معها ،فإن لم يمكن تعديل السهام إل
بجعل شيء معها ،فل إجبار ،لنه معاوضة ،فل يجبر عليها من امتنع منها ،كسائر المعاوضات.
ومن أمثلتها :قسمة مكيل أو موزون من جنس واحد ،كدهن من زيت وسيرج وغيرهما ،ولبن ودبس
وخل وتمر وعنب ونحوهما ،وسائر الحبوب والثمار المكيلة .وإذا طلب أحد الشركاء القسمة في
المذكورات وأبى الشريك الخر ،أجبر الممتنع ،ولو كان وليا على صاحب الحصة؛ لنه يتضمن إزالة
الضرر الحاصل بالشركة ،وحصول النفع للشريكين ،فيمكنهما التصرف بالحصص ،أو الستثمار بأي
طريق يختاره الشريك.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني ،قال النووي :حديث حسن ،وله طرق يقوي بعضها بعضا.
( )6/516
( )6/517
- 3حضور الشركاء أو نوابهم :فل تصح القسمة على غائب ،وتنقض القسمة ،لو اقتسم الشركاء،
وأحدهم غائب .هذا في قسمة التراضي .أما في قسمة القاضي ،فتنفذ القسمة ول تنقض.
- 4رضا الشركاء فيما يقسمونه بأنفسهم :إذا كانوا من أهل الرضا أو رضا من يقوم مقامهم .فإن لم
يوجد الرضا ل تصح القسمة ،فلو كان في الورثة صغير ل وصي له ،أو كبير غائب ،فاقتسموا
فالقسمة باطلة؛ لن القسمة فيها معنى
البيع ،كما تقدم ،وقسمة الرضا ـ عند الحنفية ـ أشبه بالبيع ،وكما ل يصح البيع إل بالتراضي ،ل
تصح القسمة إل به.
وإذا لم يكن شريك من أهل الرضا ،كالصبي والمجنون ،قام وليه أو وصيه مقامه .وإذا لم يكن
للصغير ونحوه ولي ول وصي ،كان موقوفا على أمر الحاكم ،فينصب وصي من طرف الحاكم ليقسم
بمعرفته (. )1
وكذلك قال الشافعية ( : )2يشترط في قسمة التراضي بأنواعها من رد وغيره رضا الشركاء حتى بعد
خروج القرعة ،ولو ثبت بحجة غلط أو حيف في قسمة الجبار أو قسمة التراضي التي تكون
بالفراز ،نقضت القسمة بنوعيها ،فإن كانت بالتعديل أو بالرد ،لم تنقض ،لنها بيع.
المطلب الثاني ـ شروط قسمة الجبار أو التقاضي :
يشترط لقسمة القضاء أو القسمة الجبرية ما يأتي:
الشرط الول ـ طلب أحد الشركاء أو كلهم من القاضي قسمة المشترك :فل تجوز القسمة من غير
طلب أصلً؛ لنها تصرف في ملك الخرين ،وهو أمر محظور شرعا ( . )3وإذا طلب شريك وأبى
الخر ،يقسم الشيء المشترك جبرا بين الشركاء إذا كان قابلً للقسمة ( )4دفعا للضرر ،كالتملك
بالشفعة دفعا لضرر الشفيع.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،180/5 :م ( )1128مجلة.
( )2بجيرمي الخطيب.344/4 :
( )3الدر المختار ،179/5 :البدائع ،28 ،22 ،18/7 :م ( )1130 ،1129مجلة.
( )4قابل القسمة :هو المال المشترك الصالح للتقسيم ،بحيث ل تفوت المنفعة المقصودة من ذلك المال
بالقسمة (م )1131مجلة.
( )6/518
( )6/519
ورأى القدوري في الكتاب :ل يقسم؛ لن صاحب القليل متعنّت في طلب القسمة ،لكون القسمة ضررا
محضا في حقه ،فل يعتبر طلبه ،وقسمة الجبر لتشرع بدون الطلب .وهذا هو الصح.
وإن كانت حصة كل من الشريكين قليلة ،لم يقسم القاضي بينهما ،إل بتراضيهما؛ لن الجبر على
القسمة لتكميل المنفعة ،وفي هذا تفويتها ،وإنما تجوز القسمة بتراضيهما؛ لن الحق لهما وهما أعرف
بشأنهما (. )1
ومذهب الشافعية في قسمة الضرر والجبر قريب من مذهب الحنفية ،قالوا ( : )2إن ما عظم ضرر
قسمته :إن بطل نفعه الحالي المقصود منه بالكلية كجوهرة وثوب نفيسين ،منعهم الحاكم منها،
وانتفعوابه مهايأة.
وإن لم يبطل نفعه بالكلية ،كأن ينقص نفعه كسيف يكسر ،أو أبطل نفعه المقصود ،كحمام وطاحونة
صغيرين ،لم يمنعهم ولم يجبهم إلى القسمة ،لما فيه من إضاعة المال.
ولو كان هناك مال مشترك بين اثنين ،لحدهما حصة قليلة ،كعشر دار أو حمام ،أو أرض ،وللخر
الكثر وهو الباقي ،أجبر صاحب القل على القسمة ،بطلب الخر ل عكسه.
-------------------------------
( )1الكتاب مع اللباب 94/4 :وما بعدها ،البدائع.28/7 :
( )2بجيرمي الخطيب 340/4 :وما بعدها.
( )6/520
وكذلك قال الحنابلة ( : )1يجبر الحاكم على القسمة إذا كان المال قابلً للقسمة ،وأمكن انتفاع
الشريكين به مقسوما ،أي إنه يشترط لصحة القسمة عندهم أل يكون فيها ضرر ،فإن كان فيها ضرر،
لم يجبر الممتنع لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :ل ضرر ول ضرار» .
والضرر المانع من القسمة عند الشافعي وأحمد :هو أن تنقص قيمة نصيب كل شريك بالقسمة عن
حال الشركة ،سواء انتفعوا به مقسوما أم لم ينتفعوا؛ لن نقص قيمته ضرر ،والضرر منفي شرعا.
وقال المالكية ( : )2إن كان الشيء المشترك مما يحتمل القسمة بل ضرر كالرضين وغيرها ،أجبر
على القسمة من أباها ،وإما إذا كان المال المشترك غير قابل للقسمة كحانوت وبيت صغير وسيف،
فيباع ويوزع ثمنه بين الشريكين بحسب الحصة ،ويجبر على البيع من أباه من الشركاء ،بشروط
أربعة وهي:
- 1أن تنقص حصة مريد البيع لو باعها مفردة عن حصة شريكه ،فإن لم تنقص لو بيعت مفردة لم
يجبر له البي عن البيع ،لعدم الضرر ،كما ل يجبر فيما يقبل القسمة ،أي في المال المثلي.
- 2أل يلتزم رافض البيع لشريكه بتحمل فرق النقصان.
- 3أل يملك مريد البيع حصته مفردة :فإن ملكها مفردة ،وأراد بيعها ،وأبى صاحبه من البيع معه،
لم يجبر على البيع معه ،وعلى هذا فإن تملك الشريكان المال المشترك معا بإرث أو شراء أو
غيرهما ،جاز إجبار الممتنع على البيع.
- 4أل يكون المال المشترك متخذا للستغلل أي الكراء ،أو مشترىً للتجارة فإن كان متخذا للغلة،
أو اشتروه للنتفاع في غير غلة ولو للتجارة على المعتمد ،لم يجبر البي على البيع ،مع من أراد
البيع.
-------------------------------
( )1المغني 115/5 :ومابعدها.
( )2الشرح الصغير 678/3 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص .285
( )6/521
الشرط الثالث ـ أن تكون القسمة عادلة ،غير جائرة ،لن القسمة إفراز بعض النصباء ،ومبادلة
البعض بالبعض ،ومبنى المبادلت على المراضاة ،فإذا وقعت جائرة لم يوجد التراضي ،ول إفراز
النصيب على نحو كامل ،لبقاء الشركة في جزء ما ،فتعاد (. )1
وبناء عليه لو ظهر في القسمة غلط أو غبن فاحش ،بطلت القسمة.
الشرط الرابع ـ أن يكون المال المشترك في قسمة الجمع ( )2من جنس واحد ،كالمثلي من حنطة أو
قطن أو جوز .فإن كان من أجناس مختلفة كالحنطة والشعير ،والقطن والحديد ،والجوز واللوز،
والللئ واليواقيت ،وأنواع الحيوان كالخيل مع البل ،لم تجز القسمة؛ لن قسمة الجمع عند اتحاد
الجنس تقع وسيلةإلى تحقيق المقصود منها ،وهو تكميل منافع الملك .وعند اختلف الجنس تقع تفويتا
للمنفعة ،ل تكميلً لها.
وكذا الدور والراضي والكروم (حقول العنب) ل تقسم قسمة جمع عند أبي حنيفة للتفاوت الفاحش بين
دار ودار وأرض ،بسبب اختلف الدور والراضي في بنائها وموقعها ،فتعتبر في حكم جنسين
مختلفين؛ لن المعتبر والمقصود في الدور والراضي هو المعنى ،فتقسم قسمة تفريق ( )3عنده.
وقال الصاحبان :تقسم الدور ونحوها قسمة جمع ،لنها من جنس واحد من حيث الصورة وأصل
السكنى ،وإن كانت أجناسا متعددة من حيث اختلف المقاصد ،ويمكن تعديل التفاوت فيها بالقيمة،
وينظر القاضي في المر بما يحقق المصلحة.
واتفق أئمة الحنفية على أنه يقسم البيتان (الغرفتان) قسمة جمع ،سواء أكانا متصلين أم منفصلين ()4
.
هذا ما يقوله متقدمو الحنفية ،وأما في زماننا فإن المنازل والبيوت كالدور تتفاوت تفاوتا فاحشا ،فل
تقسم قسمة جمع ،وإنما تقسم قسمة تفريق.
المبحث الرابع ـ كيفية القسمة :
أبان الحنفية كيفية القسمة وإجراءاتها التي يتبعها القاسم على النحو التالي ( ، )5وهو في تقديري
مجرد اجتهاد يتغير بحسب العصور.
- 1يمسح القاسم الرض ،لحفظ الخريطة ،ورفعها للقاضي ،ويقوّم البناء ليعرف كل شريك قيمة
نصيبه.
-------------------------------
( )1البدائع ،26/7 :م( )1127مجلة.
( )2قسمة الجمع كما تقدم :هي أن يجمع نصيب كل واحد من الشريكين في عين على حدة.
( )3قسمة التفريق :أن يقسم كل فرد من أفراد المال المشترك على حدة ،ويعين نصيب المتقاسمين
فيه.
( )4البدائع 21/7 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،270/5 :م ( )1142-1132من المجلة.
( )5تكملة الفتح 14/8 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،270/5 :اللباب شرح الكتاب 100/4 :وما بعدها،
م ( )1151مجلة .وانظر تلك الجراءات في المذاهب الخرى في المهذب 308/2 :وما بعدها،
المغني ،123/9 :الشرح الصغير 675/3 :وما بعدها.
( )6/522
- 2يفرز كل نصيب عن غيره مع ارتفاقاته من طريق ونحوه على حدة ،ليتحقق معنى التمييز
والفراز تمام التحقيق ،ويمنع تعلق نصيب كل شريك بنصيب الخر.
- 3تحدد النصباء بالرقام المتوالية ،ويطلق على كل نصيب اسم «السهم» .
- 4تسجل أسماء المتقاسمين في أوراق متساوية مستقلة ،وتوضع في وعاء أو نحوه ،ثم يقرع بينهم
على سبيل الندب والستحسان ،تطييبا للقلوب ،وبعدا عن تهمة الميل والتحيز لحد الشركاء ،فمن
خرج اسمه أولً ،فله السهم الملقب بالول ،ويعطى من خرج اسمه ثانيا السهم الثاني ،وهكذا ...إذا
اتحدت مقادير السهام.
فلو اختلفت السهام ـ بأن كانت بين ثلثة مثلً ،لحدهم عشرة أسهم ،ولخر خمسة أسهم ،ولخر سهم
ـ جعلها القاسم ستة عشر سهما ،وكتب أسماء الثلثة ،فإن خرج أولً اسم صاحب العشرة ،أعطاه
السهم الول ،وتسعة متصلة به ،لتكون سهامه متصلة مع بعضها ،وهكذا حتى يتم التوزيع.
والقرعة مندوبة عند الحنفية ،فلو عين القاسم لكل شريك نصيبه ،من غير اقتراع ،جاز؛ لن عمله في
معنى القضاء ،فيملك إلزام كل شريك بنصيبه.
- 5آلة القسمة :نصت المادة ( )1147مجلة على ذلك ،فقالت :المال المشترك :إن كان من المكيلت،
فبالكيل ،أو من الموزونات فبالوزن ،أو من العدديات فبالعدد ،أو من الذرعيات فبالذراع يصير
تقسيمه .ونصت المادة ( )1148مجلة على أنه :حيث كانت العرصة والراضي من الذرعيات ،فتقسم
بالذرع ،أما ما عليها من الشجار والبنية ،فيقسم بتقدير القيمة.
( )6/523
( )2تكملة الفتح ،15/8 :تبيين الحقائق ،271/5 :اللباب ،101/4 :البدائع ،19/7 :م( )1149مجلة.
( )3تكملة الفتح ،13/8 :تبيين الحقائق ،270/5 :البدائع ،22/7 :اللباب 98/4 :وما بعدها ،الدر
المختار ورد المحتار.184/5 :
( )6/524
القسمة وإنما تقسم قسمة تفريق ،ول يضم بعض النصبة إلى بعض ،إل إذا تراضوا .وهذا هو
الصحيح عند الحنفية.
وقال الصاحبان :الرأي في هذه القسمة (وهي قسمة التقاضي) إلى القاضي ،يفعل ما يراه الصلح،
فإن وجد الصلح للشركاء في قسمة جمع ،بأن يجمع حصة كل شريك في دار ،فعل ،وإن وجد
الصلح في قسمة التفريق بأن يقسم كل دار على حدة ،فعل؛ لن الدور ـ في رأيهما ـ من جنس
واحد من حيث السم والصورة ،وأصل السكن ،فيفوض المر إلى القاضي لختيار الصلح من
القسمة :إما قسمة الجمع أو قسمة التفريق.
وهذا الخلف بين المام وصاحبيه جارٍ في قسمة الدار الواحدة .فعند المام :ل تقسم قسمة جمع إل
بالتراضي .وعند الصاحبين :يفوض المر إلى القاضي ،ليحقق المصلحة والعدل في اختيار نوع
القسمة.
وأما البيوت (الغرف) فتقسم باتفاق الحنفية قسمة جمع ،سواء أكانت متباينة أم متلصقة ،لتقاربها في
معنى السكنى (. )1
والشافعية يرون أن الدار المختلفة البنية تقسم قسمة تعديل بالقيمة ،لختلف الغراض باختلف
المحالّ والبنية (. )2
-------------------------------
( )1يتلخص مذهب الحنفية فيما يلي :قال في الدرر :ههنا أمور ثلثة :الدور ،والبيوت ،والمنازل،
فالدور متلزمة كانت أو متفرقة :ل تقسم قسمة واحدة إل بالتراضي .والبيوت تقسم مطلقا لتقاربها في
معنى السكنى ،والمنازل :إن كانت مجتمعة في دار واحدة ،متلصقا بعضها ببعض ،قسمت قسمة
واحدة ،أي قسمة جمع ،وإل فل ،لن المنزل أصغر من الدار ،وأ كبر من البيت ،ففيه بيتان أو ثلثة،
والبيت مسقف واحد له دهليز ،فألحقت المنازل بالبيوت إذا كانت متلصقة ،وبالدور إذا كانت متباينة.
وقال الصاحبان في كل ما ذكر :ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه ،ويمضي على ذلك .هذا رأي
متقدمي الحنفية .وقال متأخرو الحنفية :لعل هذا في زمانهم ،وإل فالمنازل والبيوت ،ولو من دار
واحدة تتفاوت تفاوتا فاحشا في زماننا (رد المحتار ،184/5 :اللباب.)99/4 :
( )2بجيرمي الخطيب.344/4 :
( )6/525
وكذلك قال المالكية :تقسم الدور بالتراضي ،أو بالسهام على أن تعدل بالقيمة (. )1
ول تقسم الحمام والبئر والرحى والحائط المشترك إل بتراضي الشركاء ،باتفاق الحنفية منعا للضرر
بكل شريك.
المطلب الثاني ـ الرض والبناء :
إذا كان المال المشترك أرضا عليها بناء ،ففي كيفية قسمتها أقوال ثلثة عند الحنفية (. )2
- 1قال أبو حنيفة :تقسم الرض بالمساحة ،لنه هو الصل في الممسوحات ،ثم يردّ من وقع البناء
في نصيبه ،أو من كان نصيبه أجود ،دراهم ،على الخر ،حتى يساويه ،فتدخل الدراهم في القسمة
ضرورة؛ لن قسمة التقاضي جبرا ل يدخل فيها النقود في أصل مذهب الحنفية ،وهنا دخلت
للضرورة ،كما في ولية الخ على أخيه الصغير ،ليست له عليه ولية مالية ،ولكن إذا زوجه ،ملك
تسمية الصداق ،لضرورة التزويج .وهذا الرأي يتفق مع قسمة الرد عند الشافعية.
- 2وقال أبو يوسف :تقسم الرض والبناء ،باعتبار القيمة ،لنه ل يمكن اعتبار المعادلة إل بالتقويم.
وهذا يتفق مع رأي الشافعية في قسمة التعديل.
- 3وقال محمد :يرد الشريك على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة (الرض) ( )3وإذا
بقي فضل ،ولم يمكن تحقيق التسوية ،بأن كانت العرصة ل تفي بقيمة البناء ،فيرد على شريكه دراهم
بمقدار الفضل (الزيادة)؛ لن الضرورة تقدر بقدرها ،وهي هنا في هذا المقدار ،فل يترك الصل
(وهو التقسيم باعتبار المساحة) إل بمقدار الضرورة الحاصلة.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد.262/2 :
( )2تكملة الفتح.15/8 :
( )3العرصة:بسكون الراء:كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء ،أو ساحة الدار ،والجمع
عَرَصات.
( )6/526
( )6/527
وقال الشيخان (أبو حنيفة وأبو يوسف) :يقسم ذلك بالذّرْع؛ لن السفل والعلو من المذروعات .ثم
اختلفا في كيفية تلك القسمة ،فقال أبو حنيفة :ذراع من السفل بذراعين من العلو .وقال أبو يوسف:
ذراع بذراع .ثم قيل :كل منهما على عادة أهل عصره (. )1
وقال الحنابلة ( : )2إن كان بين الشريكين دار لها علو وسفل ،فطلب أحدهما قسمها ،لحدهما العلو
وللخر السفل ،فل إجبار .أو طلب أحد الشريكين قسمة السفل دون العلو أو عكسه ،فل إجبار أيضا؛
لن كل واحد منهما مسكن منفرد ،ولن أحدهما قد يتضرر بالقسمة.
ولو طلب أحدهما قسمة كل من ا العلو والسفل على حدة ،فل إجبار أيضا ،لما فيه من الضرر.
ولو طلب أحدهما قسمة العلو والسفل معا ،ول ضرر ،ول رد عوض ،وجب قبول القسمة ،وأجبر
الممتنع ،وعدل بالقيمة؛ لنه أحوط؛ أي كما هو المفتى به عند الحنفية.
ول يجعل ذراع أسفل بذراعي علو ،ول عكسه ،ول ذراع بذراع ،إل أن يتراضى الشريكان على
القسمة.
المطلب الخامس ـ قسمة الطريق :
قد تثور عدة مشكلت في شأن قسمة الطريق منها:
ل ـ مصير الطريق ونحوه من الرتفاقات :
أو ً
لو قسم القسّام الدار المشتركة بين الشريكين ،ولحدهما مسيل ماء في ملك الخر ،أو طريق أو نحوه،
ولم يتفق على الرتفاق في القسمة (: )3
أ ـ فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عن نصيب شريكه ،أي الستغناء عنه بوسيلةأخرى ،وجب
التحويل والصرف ،فليس له بعدئذ أن يستطرق ،ويسيل في نصيب الشريك الخر ،لنه أمكن تحقيق
القسمة من غير ضرر.
ب ـ وإن لم يمكن الصرف فسخت القسمة؛ لنها مختلفة ،لبقاء الختلط بين الحصص ،فتستأنف
القسمة.
ثانيا ـ اختلف الشركاء في إلغاء الطريق :
لو اختلف الشركاء حول إلغاء الطريق بينهم في القسمة ،نظر الحاكم في أمره.
-------------------------------
( )1تكملة الفتح ،17/8 :تبيين الحقائق ،272/5 :اللباب ،102/4 :الدر المختار.185/5 :
( )2كشاف القناع.267/6 :
( )3تبيين الحقائق 271/5 :وما بعدها ،تكملة الفتح 15/8 :وما بعدها ،اللباب ،102/4 :الدر المختار:
،185/5م ( )1167 ،1144-1143مجلة.
( )6/528
أ ـ فإن كان يستقيم أن يفتح كل واحد منهم طريقا في نصيبه ،قسم الحاكم بينهم من غير طريق
مشترك بينهما ،ويلغى الطريق ،تكميلً للمنفعة ،وتحقيقا للفراز من كل وجه.
ب ـ وإن كان ل يستقيم الفتح ،شق طريقا مشتركا بينهم ،ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق (
. )1
ثالثا ـ اختلف الشركاء في مقدار الطريق :
إذا اختلف الشركاء في مقدار عرض الطريق:
أ ـ ففي طريق الدار :يجعل عرض الطريق ،بمقدار عرض باب الدار وارتفاعه ،حتى يتمكن كل
واحد منهم من إخراج جناح أو إقامة شُرْفة في نصيبه ،إن كان فوق الباب ،ل فيما دونه؛ لن في ذلك
القدر كفاية في الدخول ،وفي السلوك ،أي المرور.
ب ـ وفي الطريق إلى الرض :يترك بقدر ما يمر فيه حيوان ،لتحقق الكفاية به في المرور (. )2
رابعا ـ تبعية الطريق للحصص :
الحق في الطريق بمقدار سهام المقتسمين ،كما كان عليه الحال قبل القسمة؛لن القسمة تمت في غير
الطريق ،فبقي الطريق مشتركا كما كان قبل القسمة (. )3
خامسا ـ التفاوت في مقدار حصة الطريق :
يجوز التفاق بين الشركاء على أن تتفاوت حصص الشركاء في الطريق ،وإن كانت سهامهم في الدار
أو في الرض متساوية ،كأن تكون النسبة في الطريق أثلثا ،وفي الدار ونحوها متناصفة؛ لن القسمة
مع التفاوت أو التفاضل جائزة بالتراضي ،في غير الموال الربوية (. )4
-------------------------------
( )1تكملة الفتح ،16/8 :تبيين الحقائق.272/5 :
( )6/529
المبحث الخامس ـ القاسم
تعيينه ،وشروطه ،وأجرته ،وتعدد القسام.
أولً ـ تعيين القاسم :القاسم :هو الذي يمارس القسمة .وقد يتولى الشركاء أنفسهم بالتراضي إجراء
القسمة إل إذا كان فيهم صغير فيحتاج إلى أمر القاضي ،لنه ل ولية لهم عليه ،وقد يعينون وكيلً
عنهم ،وهو الغالب ،وقد يعينه القاضي .ويندب للمام أو للقاضي تعيين قاسم دائم ،يُرزق من بيت
المال ،ليقسم بل أخذ أجر ،وهو أحب وأولى؛ لنه أرفق بالناس وأبعد عن التهمة ،ولن القسمة من
جنس عمل القضاء ،لن به يتم فصل الخصومة وقطع المنازعة ،ونفعه يعم الناس ،فتكون كفايته في
مالهم ،غرما بالغنم.
فإن لم يعين قاسم دائم ،عين القاضي قاسما يقسم بأجر المثل على حساب المتقاسمين؛ لن النفع عائد
لهم على الخصوص ،وبقدر أجر مثله ،كيل يتحكم بطلب الزيادة عن المثل ،كما أنه ل يجبر القاضي
الناس على قاسم واحد ،لنه لو تعين لتحكم أيضا بالزيادة على أجر مثله .ول يترك القاضي القسّام
يشتركون (تكوين شركة مثلً) كيل يتواضعوا على مغالة الجر ،فيتضرر الناس ( ، )1فإن كونوا
نقابة على النحو الحديث بإشراف الحاكم جاز؛ لن الحاكم يوافق على نظام النقابة ،ويمنع المغالة.
ثانيا -شروط القاسم :اشترط الحنفية استحبابا وندبا في القاسم شروطا هي مايأتي (: )2
- 1أن يكون عدلً أمينا عالما بالقسمة ،لنه لو كان غير عدل ،خائنا أو جاهلً بأمور القسمة يخاف
منه الجور في القسمة ل يجوز.
- 2أن يكون معينا من القاضي ،لن قسمة غيره ل تنفذ على الصغير والغائب ،ولنه أجمع لشرائط
المانة.
- 3المبالغة في تعديل النصباء ،والتسوية بين السهام ،بأقصى المكان لئل يدخل القصور في سهم.
وينبغي أل يدع القاسم حقا بين شريكين غير مقسوم من الطريق والمسيل والشّرب إل إذا لم يمكن.
-------------------------------
( )1تكملة الفتح ،5/8 :الدر المختار ،179/5 :تبيين الحقائق ،265/5 :اللباب 91/4 :وما بعدها.
( )2المراجع السابق .البدائع.26 ،19/7 :
( )6/530
وينبغي أل يضم القاسم نصيب بعض الشركاء إلى بعض ،إل إذا رضوا بالضم ،لنه يحتاج إلى
القسمة ثانيا.
- 4أن يقرع بين الشركاء بعد الفراغ من القسمة ،تطييبا للنفوس ولورود السنة بها ( ، )1ولن
القرعة أنفى للتهمة.
واشترط الشافعية والحنابلة في القاسم المعين من قبل القاضي سبعة شروط وهي (: )2
السلم ،والبلوغ ،والعقل ،والحرية ،والذكورة ،والعدالة ،وعلم المساحة والحساب؛ لن علمهما آلة
القسمة .وأضاف الشافعية اشتراط السمع والبصر والنطق والضبط ،إذ لبد مما ذكر؛ لن للقاسم ولية
على من يقسم لهم بسبب كون قسمته ملزمة ،ومن لم تتوافر فيه هذه الشروط ،فليس من أهل الولية.
فإن كان القاسم كافرا أو فاسقا أو جاهلً بالقسمة ،لم تلزم القسمة إل بتراضي الشركاء بها ،كما لو
اقتسموا بأنفسهم.
هذا إذا كان القاسم معينا من قبل القاضي ،فإن تراضى الشركاء بمن يقسم بينهم لم تشترط الشروط
السابقة ،إل التكليف ،لنه وكيل عنهم.
ثالثا ـ تعدد القسّام :
يصح إجراء القسمة بقاسم واحد أو أكثر ،وقال المالكية :يكفي في قسمة القرعة قاسم واحد؛ لن مهمته
الخبار عن نتيجة القتراع ،كالقائف (العالم بالنساب) والطبيب والمفتي.
ويكتفى بقاسم واحد عند المالكية والشافعية والحنابلة إن لم يكن في القسمة تقويم؛ لنه في قسمه
كالحاكم في حكمه.
فإن كان في القسمة تقويم :أي تقدير قيمة السلع المشتركة ،فل بد فيها من التعدد عند هؤلء الفقهاء،
فل تجوز بأقل من اثنين؛ لن التقويم شهادة بالقيمة ،ولبد في الشهادة من اثنين (. )3
-------------------------------
( )1روى أحمد والشيخان عن عائشة« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج سفرا
أقرع بين أزواجه ،فأيتهن خرج سهمها ،خرج بها معه» (نيل الوطار.)217/6 :
( )2بجيرمي الخطيب 338/4 :وما بعدها ،حاشية الباجوري ،351/2 :كشاف القناع،372/6 :
المغني.126/9 :
( )3الشرح الكبير ،500/3 :الشرح الصغير ،665/3 :بجيرمي الخطيب ،339/4 :كشاف القناع:
373/6وما بعدها.
( )6/531
رابعا ـ أجرة القاسم :
اتفق الفقهاء على أنه إذا كان القاسم معينا من قبل القاضي ،فأجره (أو رزقه)
من بيت مال المسلمين ،إذا كان فيه سعة ،لن القسمة من جنس عمل القاضي ،ولن منفعته تعم الناس
كما بان سابقا.
وأما إن كان القاسم باختيار الشركاء في مقابل أجر ،فالجر على الشركاء.
ويتم توزيع الجرة عند أبي حنيفة ومالك على الشركاء بحسب العدد ،أو الرؤوس؛ لن الجرة في
مقابل العمل ،وهو تمييز الحصص ،والتمييز عمل واحد؛ لن تمييز القليل من الكثير هو بعينه تمييز
الكثير من القليل ،فيتعلق الحكم بأصل التمييز ،وتعب القاسم في تمييز النصيب اليسير كتعبه في
تمييزه الكبير ،وإذا لم يتفاوت العمل ،ل تتفاوت الجرة.وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة :يتم
توزيع الجرة بقدر الحصص أو النصباء؛ لن العمل في الكثير أكثر منه في القليل ،ولن الجرة
كالنفقة التي يحتاجها الملك ،فتقدر بقدر الملك ،ويؤيده أن أجرة الكيال والوزّان بقدر النصباء إجماعا،
وكذا سائر المؤن كأجرة الراعي والحمل والحفظ وغيرها ( . )1وهذا في تقديري هو الولى
والصح؛ لنه أعدل وأرفق بالناس.
-------------------------------
( )1البدائع ،19/7 :تكملة الفتح ،5/8 :تبيين الحقائق ،265/5 :الدر المختار 179/5 :وما بعدها،
اللباب ،92/4 :الشرح الكبير ،500/3 :القوانين الفقهية :ص ،286بجيرمي الخطيب،340/4 :
كشاف القناع ،372/6 :المغني.126/9 :
( )6/532
( )6/533
وقال الشافعية ( : )1تلزم قسمة الجبار من غير تراضٍ ،ومن المعلوم أن قسمة الفراز والتعديل
فيهما الجبار ،وأما قسمة التراضي قسمة رد دون غيرها ،فالرجح عندهم أنه ل بد من الرضا بها
بعد خروج القرعة ،ول يلزم حكم القاسم إل برضا الشركاء؛ لنه لما اعتبر الرضا بالقسمة ابتداء،
اعتبر بعد خروج القرعة.
والحنابلة ( )2قالوا :تلزم عندهم قسمة الجبار ،فهم كالشافعية ،وفي قسمة التراضي عندهم وجهان
كالشافعية ،لكن الرجح عندهم أنه إذا خرجت القرعة لزمت القسمة؛ لن القاسم كالحاكم ،وقرعته
كالحاكم ،لنه مجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق ،فوجب أن تلزم قرعته.
ثانيا ـ ثبوت حق الخيار في القسمة :
قال الحنفية ( : )3القسمة ثلثة أنواع :قسمة ل يجبر البي ،كقسمة الجناس المختلفة ،وقسمة يجبر
البي ،في ذوات المثال كالمكيلت والموزونات ،وقسمة يجبر البي ،في غير المثليات المتحدة
الجنس ،كالثياب من نوع واحد ،والبقر والغنم.
والخيارات ثلثة :خيار شرط ،وخيار عيب ،وخيار رؤية.
- 1ففي قسمة الجناس المختلفة ،حيث ل يجبر البي بها :تثبت الخيارات كلها؛ لنها مبادلة من كل
وجه ،فهي كالبيع.
- 2وفي قسمة ذوات المثال كالمكيلت والموزونات ،حيب يجبر البي عليها ،يثبت خيار العيب،
دفعا للضرر والجور ،دون خيار الشرط والرؤية ،إذ ل فائدة في إثباتهما ،لعدم الضرر.
- 3وفي قسمة القيميات ،غير المثليات ،كالثياب من نوع واحد ،وكالبقروالغنم ،حيث يجبر البي في
متحد الجنس ،ول يجبر في غير متحد الجنس ،كالغنم مع البل :يثبت خيار العيب دفعا للضرر.
أما خيار الشرط والرؤية ،ففي ثبوتهما روايتان ،والصحيح منهما والذي عليه الفتوى :أنه يثبت.
والخلصة :تثبت هذه الخيارات الثلثة في تقسيم الجناس المختلفة ،وفي قسمة القيميات المتحدة
الجنس أو المختلفة الجنس ،ويثبت خيار العيب دون خيار الشرط والرؤية في قسمة المثليات المتحدة
الجنس.
-------------------------------
( )1بجيرمي الخطيب ،344/4 :المهذب :المكان السابق.
( )2المغني ،المكان السابق ،كشاف القناع.373/6 :
( )3حاشية الشلبي على تبيين الحقائق ،265/5 :انظر البدائع ،28/7 :م ( )1155-1153مجلة.
( )6/534
وقال المالكية في الرجح ( : )1يثبت خيار العيب في قسمة المراضاة( :بأن يتراضيا على أن كل
واحد يأخذ شيئا مما هو مشترك بينهم ،يرضى به بل قرعة) لنها كالبيع.
وقال الحنابلة ( : )2إذا ظهر في نصيب أحد الشريكين عيب لم يعلمه قبل القسمة،فله فسخ القسمة ،أو
الرجوع بأرش العيب؛ لنه نقص في نصيبه ،فملكه كالمشتري.
واكتفى الشافعية بالنص على أن قسمة الفراز تنقض في حال الحيف أو الغلط .وأما قسمة الرد أو
التعديل فهي بيع ( ، )3أي يثبت فيها خيار العيب.
ثالثا ـ آثار القسمة :
يترتب على القسمة الحكام التالية (: )4
- 1يتعين نصيب كل شريك مستقلً عن نصيب غيره ،فيملك حصته مستقلً بعد القسمة.
- 2يملك الشريك المقسوم له جميع التصرفات الثابتة لصاحب الملكية المطلقة ،من بيع وإيجار
ورهن ،وبناء وهدم ،ونحوها.
- 3ل تثبت الشفعة في القسمة؛ لن حق الشفعة في المبادلة المحضة ،والقسمة مبادلة من وجه واحد،
فل تحتمل الشفعة.
والظاهر أن هذا الحكم متفق عليه في المذاهب (. )5
رابعا ـ نقض القسمة :
تنقض القسمة بالقالة أو بالتراضي على فسخها.
ويجب نقض القسمة بعد وجودها ،وبالرغم من لزومها في حالت هي عند الحنفية ما يأتي:
- 1ظهور دين على الميت :إذا وقعت القسمة ،ثم ظهر دين على الميت يحيط بالتركة المقسومة،
تفسخ القسمة ،إذا لم يكن للميت مال سواه ،إل إذا قضى الورثة الدين ،أو أبرأ الغرماء الدائنون ذمم
الورثة ،أو بقي من التركة ما يفي بالدين لزوال المانع من لزوم القسمة ،فتمضي القسمة على ما هي
عليه.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 662/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد.267/2 :
( )2المغني 128/9 :وما بعدها ،كشاف القناع.376/6 :
( )3بجيرمي الخطيب.344/4 :
( )4البدائع ،28/7 :مادة ( )1162مجلة.
( )5المهذب ،306/2 :المغني.121/9 :
( )6/535
والدليل على مسوغ الفسخ لهذا السبب :قوله تعالى{ :من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء:
،]11/4ولن الدين إذا كان محيطا بالتركة (مستغرقا) ،تبين أنه ل ملك للورثة فيها ،بل هي ملك
للميت يتعلق بها حق الغرماء ،وقيام ملك الغير في المحل المقسوم ،يمنع صحة القسمة.
وإذا لم يكن الدين محيطا بالتركة ،بقي للغرماء حق الستيفاء ثابتا في قدر الدين من التركة ،على
الشيوع ،فيمنع نفاذ القسمة (. )1
وهذا الرأي عندي هو الرجح ،رعاية لحقوق الدائنين.
وقال الحنابلة ( : )2ل تبطل القسمة بظهور دين على الميت؛ لن تعلق الدين بالتركة ل يمنع صحة
التصرف فيها ،لنه تعلق بها بغير رضا الورثة.
وقال الشافعية ( : )3إذا ظهر دين على الميت ،فإن قالوا :القسمة :تمييز الحقين لم تنقض القسمة ،وإن
قالوا :إنها بيع :ففي نقضها وجهان :في وجه إنها تنقض لتعلق حق الغير بالمال .وفي وجه :ل تنقض
إذا قضى الوارث الدين.
- 2ظهور وارث آخر أو موصى له في قسمة التراضي :إذا تمت القسمة ،ثم ظهر وارث آخر ،أو
موصى له بالثلث أو الربع مثلً ،نقضت القسمة؛ لن الوارث ،والموصى له شريك الورثة.
ول تنقض قسمة التقاضي في الصح؛ لن القسمة حينئذ محل اجتهاد ،وقضاء القاضي إذا صادف
محل الجتهاد ينفذ ول ينقض (. )4
-------------------------------
( )1البدائع ،30/7 :الدر المختار ،187/5 :تكملة الفتح ،26/8 :م ( )1161مجلة.
( )2المغني.129/9 :
( )3المهذب ،310/2 :وانظر.327/1 :
( )4البدائع ،30/7 :رد المحتار.187/5 :
( )6/536
( )6/537
وإن لم يكن قد أقر بالستيفاء ،تحالف الشركاء (حلف كل منهم يمينا) وفسخت القسمة؛ لن الختلف
في مقدار ما حصل له بالقسمة ،فصار كالختلف في مقدار المبيع.
وإن قال( :أصابني إلى موضع كذا ،فلم تسلم إلي) ولم يشهد على نفسه بالستيفاء ،وكذبه شريكه،
تحالفا ،وفسخت القسمة ،لختلفهما في نفس القسمة ،فإنهما اختلفا في قدر ما حصل بالقسمة ،فأشبه
الختلف في قدر المبيع.
وإن قال ( استوفيت حقي ) .ثم قال ( أخذت بعضه ) فالقول قول خصمه مع يمينه ،لنه يدعي عليه
الغصب ،وهو منكر ،فالقول قول المنكر (. )1
والقول بنقض القسمة في حال ادعاء الغلط ،وإثباته بالبينة ،محل اتفاق أيضا بين الفقهاء ( . )2إل أن
الشافعية قالوا:
لو ثبت بحجة (شاهدي عدل أو رجل وامرأتين ،أو شاهد ويمين) غلط أو حيف في قسمة إجبار أو
قسمة تراض ،وهي بالفراز (أو الجزاء) ،نقضت القسمة بنوعيها.
فإن لم تكن بالجزاء بأن كانت بالتعديل أو الرد ،لم تنقض؛ لنها بيع ،وإن لم يثبت ذلك ،فللمدعي
تحليف شريكه.
- 5استحقاق بعض المال المقسوم :
إذا ظهر مستحق في المال المقسوم ،أي تبين وجود شريك آخر في المال ،فله صور ثلث عند
الحنفية ( )3علما بأن الستحقاق :هو أن يدعي شخص ملكية شيء أو بعضه ،ويثبت دعواه ،ويقضي
له القاضي بملكيته وانتزاعه من يد آخر كالمشتري أو المقسوم له.
أ ـ لو كان المستحق بعضا شائعا في كل المقسوم ،كالخمس أو الربع ،فسخت القسمة باتفاق الحنفية،
لعدم تحقق معنى الفراز والتمييز.
-------------------------------
( )1تكملة الفتح 20/8 :وما بعدها ،الدر المختار ،186/5 :تبيين الحقائق ،273/5 :اللباب103/4 :
ومابعدها ،البدائع.26/7 :
( )2المراجع السابقة.
( )3تكملة الفتح 23/8 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،274/5 :الدر المختار 186/5 :وما بعدها ،اللباب:
،106/4م ( )1145مجلة.
( )6/538
ب ـ ولو كان المستحق بعضا معينا من نصيب أحد الشركاء ،لم تفسخ القسمة باتفاق الحنفية؛ لن
الستحقاق ،لما ورد على جزء معين ،لم يظهر أن المستحق كان شريكا في المال ،فل تبطل القسمة،
لكن يرجع المستحق منه على صاحبه بقدر ما يخصه من الجزء المستحق ،إذ تبين أنه لم يكن ملكه،
فيرده.
جـ ـ ولو كان المستحق بعضا شائعا في أحد النصيبين ،لم تفسخ القسمة جبرا على المستحق منه
عند أبي حنيفة ومحمد ،وإنما يخير المستحق منه ،بين أن يرجع بحصة البعض في نصيب صاحبه،
وبين أن يفسخ؛ لنه بالستحقاق ظهر أن القسمة لم تصح في القدر المستحق فقط.
وقال أبو يوسف :تفسخ القسمة؛ لنه بالستحقاق تبين أن للشركاء شريكا آخر ،ولو كان هناك شريك،
لم تصح القسمة ،كما في استحقاق بعض شائع في النصيبين.
أما الشافعية والحنابلة ،فقالوا ( : )1إن استحق من حصة أحد الشريكين شيء معين لغيرهما ،بأن
اختص به أحدهما ،أو أصابه منه أكثر من نصيب الخر ،بطلت القسمة ،لحتياج أحدهما إلى الرجوع
على الخر بسبب عدم تحقق التعديل بين النصباء.
وإن كان البعض المستحق مقسوما بين الشريكين بالسوية ،كأن اقتسما أرضا ،فاستحق من حصتهما
معا قطعة معينة على السواء في الحصتين ،لم تبطل القسمة فيما بقي من الرض؛ لن القسمة إفراز
حق كل واحد منهما ،وقد أفرز.
وإن استحق بعض المال المقسوم شائعا في الحصتين أو إحداهما ،بطلت القسمة فيه ،ل في الباقي عند
الشافعية في الصح ،عملً بمبدأ تفريق الصفقة.
وبطلت القسمة في الجميع عند الحنابلة؛ لن المستحق شريك ثالث ،وقد اقتسم المال من غير
حضوره ،ول إذنه ،وذلك سواء في قسمة التراضي أوالجبار ،ولن القصد من القسمة تمييز الحقين،
ولم يحصل .وهذا رأي أبي يوسف كما تقدم.
-------------------------------
( )1المهذب ،309/2 :بجيرمي الخطيب ،344/4 :المغني ،128/9 :كشاف القناع.376/6:
( )6/539
( )6/540
بعشرة .فإن كانت القسمة بقضاء القاضي ،فسخت؛ لن الرضا لم يوجد بين المتخاصمين ،وتصرف
القاضي مقيد بالعدل ،ولم يوجد .وإن كانت القسمة بالتراضي ،لم يلتفت للدعاء عند بعض الحنفية؛
لن القسمة في معنى البيع ،ودعوى الغبن فيه من المالك ل توجب نقضه (. )1
أما البيع من غير المالك كبيع الب والوصي ،فإنه ينقض بالغبن الفاحش (. )2
والصح كما تقدم أنه تسمع دعواه وتفسخ قسمة التراضي كقسمة التقاضي بالغبن الفاحش؛ لن شرط
جواز القسمة المعادلة ،ولم توجد ،فوجب نقضها.
ثالثا ـ الختلف في استيفاء النصيب :
إذا اختلف المتقاسمان بعد القسمة ،فأنكر بعض الشركاء استيفاء نصيبه ،وادعى أن بعضه في يد
صاحبه ،وأنكر الخر.
أ ـ فإن شهد قاسمان أو أكثر باستيفاء المدعي حقه ،تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛
لنهما شهدا على فعل غيرهما ،وهو القبض ،ل على فعل أنفسهما؛ لن فعلهما هو التمييز ،ول حاجة
للشهادة عليه.
وقال محمد :ل تقبل شهادتهما؛ لنهما يشهدان على فعل أنفسهما؛ لن فعلهما التمييز.
ب ـ وإن شهد قاسم واحد باستيفاء الحق ،ل تقبل شهادته؛ لن شهادة الفرد الواحد ل تقبل على غيره
( . )3
-------------------------------
( )1الغبن الفاحش وحده ل يعيب في معظم الجتهادات الرضا ما لم يصاحبه شيء من الخلبة أو
التدليس أي أن يخدع أحد العاقدين الخر بوسيلة موهمة قولية أو فعلية تحمله على الرضا بالعقد،
ومنه كتمان عيب المبيع ،ودليلهم حديث «دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض» .
( )2تكملة الفتح والعناية ،22/8 :تبيين الحقائق 273/5 :وما بعدها.
( )3الدر المختار ورد المحتار 185/5 :وما بعدها.
( )6/541
( )6/542
( )6/543
قال الحنفية ( : )1المهايأة بالتراضي زمانا أو مكانا عقد غير لزم ،فلو طلب أحد الشريكين من
الحاكم المهايأة ،والخر القسمة ،يجاب الثاني؛ لن قسمة العين أقوى من قسمة المنفعة؛ لن في الولى
تجتمع المنافع في وقت واحد على الدوام ،وفي الخرى تجتمع على التعاقب (. )2
وبناء عليه تكون المهايأة عقدا جائزا محتملً للفسخ ،كسائر العقود الجائزة ،تفسخ ولو بغير عذر ،ول
تبطل المهايأة بموت أحد الشريكين أو بموتهما ،بخلف الجارة ،لنها لو بطلت أي المهايأة أعادها
القاضي للحال أي استأنفها حالً ،ول فائدة من الستئناف ،كما ل فائدة في النقضاء والبطال ،لنه
يجوز لكل واحد فسخها ،بغير رضا الخر.
أما المهايأة بالتقاضي :فهي عقد لزم ،كما أوضح ابن عابدين ،فل يجوز لكل من الشريكين نقضها
بل عذر ،ما لم يصطلحا.
وقال الشافعية ( : )3المهايأة عقد غير لزم ،لكل من الشريكين الرجوع عنها متى شاء ،ول إجبار
فيها من القاضي.
وكذلك قال الحنابلة ( : )4ل تلزم المهايأة ،فمتى رجع أحد الشريكين عنها ،انقضت المهايأة ،والمهايأة
معاوضة ل يجبر عليها كالبيع كما قال الشافعية .ولو طلب أحدهما القسمة كان له ذلك ،وانتقضت
المهايأة ،أي كما قال الحنفية.
أما المالكية فقالوا ( : )5وتلزم المهايأة كالجارة ،فهي من العقود اللزمة ،فليس لحدهما فسخها ،فإذا
تراضيا على شيء وقعت صحيحة ،ل تفسخ إل برضاهما أو برضاهم إن كانوا جماعة.
-------------------------------
( )1البدائع ،32/7 :الدر المختار ورد المحتار ،189 ،184/5 :تبيين الحقائق.276/5 :
( )2انظر المادة ( )1182مجلة التي نصها في الحاشية التالية.
( )3بجيرمي الخطيب.345/4 :
( )4المغني.130/9 :
( )5بداية المجتهد ،266/2 :القوانين الفقهية :ص .285
( )6/544
المبحث الرابع ـ أنواع المهايأة :
للمهايأة تقسيمان ـ الول من حيث التراضي والجبر ،والثاني ـ من حيث الزمان والمكان.
التقسيم الول ـ المهايأة من حيث الرضا والجبر :
تقسم المهايأة بهذا العتبار إلى نوعين :مهايأة بالتراضي ،ومهايأة بالتقاضي.
- 1المهايأة بالتراضي :هي أن يتفق شخصان على كيفية النتفاع بالشيء المشترك بينهما ،على
طريق التعاقب أو التناوب زمانا أو مكانا .وهي جائزة باتفاق الفقهاء.
- 2المهايأة بالتقاضي :هي التي تتم بواسطة القاضي جبرا بناء على طلب أحد الشريكين .فيهايئ
القاضي بينهما جبرا إما بالمناوبة الزمانية مدة معينة بنسبة حصة كل منهما ،وإما بالمهايأة المكانية
بالختصاص بمنفعة بعض المال المشترك بنسبة الحصص.
وهي جائزة عند الحنفية ( ، )1تحقيقا للعدل بين الشركاء ،وتوفيرا لمصلحتهم ( ، )2فللقاضي جبرهم
في الصح ،لحتياج الناس إلى ما هو أعدل وهو القسمة بالقضاء .وقد نصت المادة ( )1181مجلة
على ما يأتي لبيان أحوال المهايأة الجبرية« :إذا طلب المهايأة أحد أصحاب الشياء المشتركة
المتعددة ،وامتنع الخر :فإن كانت العيان المشتركة متفقة المنفعة ،فالمهايأة جبرية .وإن كانت
مختلفة المنفعة فل جبر.
مثلً :داران مشتركتان طلب أحد الشريكين المهايأة على أن يسكن إحداهما ،والخرى للخر .أو
حيوانان على أن يستعمل أحدهما واحدا ،والخر الخر ،وامتنع شريكه ،فالمهايأة جبرية.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد :المكان السابق ،المادة ( )1176من المجلة.
( )2تبيين الحقائق.276/5 :
( )6/545
أما لو طلب أحدهما المهايأة على سكنى الدار ،وللخر إيجار الحمام ،أو على سكنى أحدهما في الدار
وزراعة آخر الراضي ،فالمهايأة بالتراضي ،وإن لم تكن جائزة ،إل أنه إذا امتنع الخر ل يجبر
عليها (. » )1
ول يجبر على المهايأة من أباها عند المالكية والشافعية والحنابلة (( )2الجمهور) ،لنها معاوضة ،فل
يجبر عليها كالبيع ،ولن حق كل واحد في المنفعة شيء عاجل ،فل يجوز تأخيره بغير رضاه،
كالدين ،أي فل تجوز المهايأة بالتقاضي عند الجمهور.
وقال المالكية :ل تجوز قسمة المنافع بالقرعة .وقال الشافعية :إذا اتفقوا عليها ،وتنازعوا في البداءة
(بدء المناوبة) أقرع بينهم.
التقسيم الثاني ـ المهايأة من حيث الزمان والمكان :
تنقسم المهايأة بهذا العتبار إلى نوعين :مهايأة زمانية ،ومهايأة مكانية.
فالولى ترجع للزمان ،والثانية ترجع للمكان .والمهايأة عند المالكية ( )3قسمان :المهايأة بالزمان،
والمهايأة بالعيان .والولى :هي أن ينتفع كل واحد من الشريكين بالعين (الشيء المشترك كله) مدة
مساوية لمدة انتفاع صاحبه كأن يسكن أحدهما الدار شهرا ،ويسكنها الخر شهرا آخر ،مثل أن يسكن
أحدهما الدار شهرا ويسكنها الخر شهرا أخر .والثانية :هي أن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد
منهما بما حصل له مدة محدودة ،كأن يسكن أحدهما دارا ،ويسكن الخر دارا أخرى مدة من الزمان،
أو يركب أحدهما فرسا والخر فرسا أخرى مدة معينة.
-------------------------------
( )1وانظر تبيين الحقائق ،276/5 :تكملة الفتح.30/8 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،285بجيرمي الخطيب ،345/4 :المغني.130/9 :
( )3بداية المجتهد ،266/3 :القوانين الفقهية :ص .285
( )6/546
( )6/547
ثالثا ـ تكييفها أو تأصيلها الفقهي :المهايأة الزمانية عند الحنفية كقسمة العيان :إفراز من وجه،
مبادلة من وجه؛ لن المهايئ كالمستقرض لنصيب شريكه ،فكان فيها معنى المبادلة من وجه (، )1
فتكون منفعة أحد أصحاب الحصص في نوبته مبادلة بمنفعة حصة الخر في نوبته ،وبناء على ذلك
يكون ذكر المدة وتعيينها في المهايأة مثلً كذا يوما أو كذا شهرا ،لزما.
وقال الحنابلة :المهايأة معاوضة ،فل يجبر عليها كالبيع (. )2
وصرح الشافعية :أن من استوفى زائدا على حقه ،لزمه أجرة ما زاد على قدر حصته من الزائد ()3
.ويفهم منه أن المهايأة مبادلة.
ونصت المادة ( )1178من المجلة على أن «المهايأة زمانا نوع مبادلة ،فتكون منفعة أحد أصحاب
الحصص في نوبته مبادلة بمنفعة حصة الخر في نوبته. »..
رابعا ـ تعيين المدة :يشترط في المهايأة الزمانية تعيين المدة ،بخلف المهايأة المكانية؛ لن تعيين
الزمان يعرف به قدر النتفاع ،فتصير به المنافع معلومة ،ول تصير معلومة إل ببيان زمان معلوم،
ولن هذه المهايأة مقدرة بالزمان ،أما المهايأة المكانية فمقدرة مجموعة بالمكان ،ومكان المنفعة معلوم
( . )4وقد رتبت المادة السابقة ( )1178من المجلة على كون هذه المهايأة نوع مبادلة ،فقررت:
«وبناء على ذلك ذكر المدة وتعيينها في المهايأة ،مثلً كذا يوما ،أو كذا شهرا :لزم» .
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق.276/5 :
( )2المغني.130/9 :
( )3بجيرمي الخطيب.345/4 :
( )4البدائع.32/7 :
( )6/548
وفصل المالكية ( )1في مقدار المدة بعد اشتراطهم تعيين الزمن ،وانتفاء الغرر ،فقالوا :تجوز المهايأة
في المنقولت في المدة اليسيرة ،ول تجوز في المدة الكثيرة ،فل تصح لزمن طويل في الحيوان
ونحوه كالثوب .وتجوز المهايأة في العقارات كالدار والرض المأمونة (بأن كانت ملكا) لمدة بعيدة،
فيسكن أحدهما في الدار مدة معينة ،ويسكن الخر مدة أخرى ،ويزرع أحدهما الرض عاما ،والخر
عاما مثله .أما الرض غير المأمونة (غير المملوكة) كالمعارة ،فل يجوز قسمها مهايأة ،وإن قلت
المدة ،إذ قد يرجع المستعير في إعارته ،فيفوت على الخر الذي لم تأت نوبته حقه من النتفاع.
خامسا ـ انتهاؤها :ل تبطل المهايأة بموت أحد العاقدين ،ول بموتهما؛ لنها ـ كما ذكرت سابقا ـ لو
بطلت لستأنفها الحاكم ،ول فائدة في الستئناف .وإنما تنقضي باتفاق الطرفين على إنهائها ،ببيع المال
المشترك (. )2
- 2المهايأة المكانية :
أولً ـ تعريفها :هي أن يخصص كل واحد من الشريكين ببعض المال المشترك بنسبة حصته (، )3
فيتم النتفاع معا في وقت واحد .ففي المهايأة في دار تجمع منفعة أحدهما في جزء من الدار،ومنفعة
الخر في جزء آخر.
ثانيا ـ مشروعيتها :المهايأة المكانية جائزة؛ لنها نوع من القسمة ،مثل قسمة العيان ،فلو تهايآ على
أن يأخذ أحد الشريكين في البنية الطابقية السفل ،والخر العلو ،جاز ،فتكون قسمة المنفعة بالمهايأة
المكانية جائزة أيضا (. )4
وبما أن المهايأة الزمانية جائزة للحاجة عند تعذر اجتماع الشريكين على النتفاع بالعين الواحدة،
فكذلك المكانية.
ثالثا ـ محلها :تجري المهايأة المكانية في المال المشترك الذي يقبل القسمة كالدار الكبيرة .أما ما ل
يقبل القسمة كالسيارة والحيوان والكتاب والبيت الصغير ،فل تمكن فيه المهايأة المكانية ،وإنما تتعين
فيه المهايأة الزمانية.
المهايأة في الدور :
وبناء عليه تجوز في ظاهر الرواية المهايأة في الدور ،سواء أكانت زمانية أم مكانية ،للستعمال
الشخصي أو للستغلل (النتفاع بواسطة الغير بالجرة ونحوها)؛ لن الظاهر عدم التغير في العقار،
ولن المهايأة المكانية إفراز لجميع النصباء ،والمهايأة الزمانية تتم بالمناوبة أو التعاقب في النتفاع،
فكانت كالقرض ،ويعتبر كل واحد في نوبته وكيلً عن الخر (. )5
المهايأة في الحيوان :
وأما المهايأة في الحيوان كدابتين مثلً ،يركب أحدهما إحداهما مدة ،والخر مدة أخرى ،ل تجوز عند
ل ول استغللً؛ لن الظاهر التغير في الحيوان ،ولن الستعمال يتفاوت بتفاوت
أبي حنيفة ل استعما ً
الراكبين حذقا وخرقا.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير مع الدسوقي ،499/3 :الشرح الصغير ،661/3 :بداية المجتهد.266/2 :
( )2الدر المختار ،189/5 :تبيين الحقائق ،276/5 :تكملة الفتح.27/8 :
( )3انظر المادة ( )1179من المجلة.
( )4تبيين الحقائق ،276/5 :البدائع ،31/7تكملة الفتح.27/8 :
( )5تبيين الحقائق 276/5 :وما بعدها ،تكملة الفتح ،30/8 :الدر المختار ،189/5 :م( )1176مجلة.
( )6/549
وتجوز المهايأة استعمالً عند الصاحبين في الحيوان والحيوانين ،كما تجوز للستغلل في الحيوانين،
ول تجوز في الحيوان الواحد؛ لن المعادلة تمكن بين الحيوانين ،لتحاد وقتهما ،ول تمكن المعادلة في
الحيوان الواحد؛ لن الظاهر التغير
في الحيوان ،لتوالي أسباب التغير عليه ،إذ يكون جهد الحيوان في الزمان الثاني أقل منه في الزمان
الول (. )1
وقد نصت المادة ( )1177مجلة :على جواز المهايأة الستعمالية في الحيوان المشترك لستعماله
بالمناوبة ،وكذلك تجوز في الحيوانين المشتركين ،على أن يستعمل أحدهما هذا والخر الخر ،وهو
رأي الصاحبين ،وهذا يتفق مع رأي المالكية في قسمة المنافع بالعيان.
رابعا ـ تكييفها أو تأصيلها الفقهي :
المهايأة المكانية :إفراز لجميع النصبة ،وليست مبادلة ،إذ لو كانت مبادلة لما صحت؛ لن المبادلة في
الجنس الواحد نسيئة ،ل تجوز لتوافر ربا النسيئة فيها ،باعتبار أن اتحاد الجنس وحده كاف عند
الحنفية في وجود هذا النوع من الربا (. )2
خامسا ـ مدتها :
ل يشترط في المهايأة المكانية ذكر المدة وتعيينها ،بخلف المهايأة الزمانية؛ لن الزمانية تحتاج إلى
بيان الوقت لتصير المنافع معلومة ،وأما المكانية فل تحتاج لبيان الوقت؛ لن مكان المنفعة معلوم،
فصارت المنافع معلومة بمكانها ( . )3ولكن المالكية قالوا :في قسمة المنافع بالعيان يشترط أن تكون
المدة محدودة.
سادسا ـ انقضاؤها :
ل تنقضي المهايأة المكانية كالزمانية بموت أحد الشريكين ،ولتنقضي بموتها،
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق ،277/5 :تكملة الفتح 30/8 :وما بعدها ،البدائع ، 32/7 :الدر المختار.190/5 :
( )2تبيين الحقائق ،276/5 :المادة ( )1179مجلة.
( )3البدائع ،32/7 :المادة ( )1179مجلة.
( )6/550
إذ لو بطلت لستؤنفت ول فائدة في الستئناف؛ لن لكل شريك فسخها متى شاء ،إنما تنقضي
بالتراضي على إنهائها ،ببيع المال المشترك (. )1
المبحث الخامس ـ ما يملكه كل شريك من التصرف بعد المهايأة :
إذا تم التفاق على المهايأة ،ملك كل واحد من المتهايئين استعمال الشيء كما يريد ،سواء أكانت
المهايأة مكانية أم زمانية .ففي الزمانية :يجوز السكنى والركوب ونحوهما ،وفي المكانية :يجوز
السكنى ونحوها.
ويملك كل متهايئ في المهايأة المكانية حق استغلل (استثمار) الشيء المتهايأ فيه ،بالجارة والعارة
ونحوهما ،سواء أكان ذلك مشروطا في العقد ،أم غير مشروط ،وسواء تهايآ في دار واحدة أو دارين؛
لن كل متهايئ ملك المنفعة ،فيملك التصرف فيها بالتمليك وغيره؛ لن المهايأة المكانية ليست إعارة.
وأما في المهايأة الزمانية :فل يملك كل من المتهايئين في نوبته استغلل حصته ،باتفاق الحنفية ،إذ لم
يشترطا ذلك .فإن شرطا في المهايأة حق الستغلل ،ففيه اختلف عند الحنفية:
أ ـ قال القدوري :ل يملك ،لن المهايأة الزمانية في معنى العارة ،والعارية لتؤجر .وهذا
هوالراجح.
ب ـ وقال محمد في الصل :يجوز التهايؤ في الدار الواحدة على السكنى والغلة ،فلكل متهايئ إيجار
غيره ما في يده .وتأول الحنفية هذا المنقول في (الصل) وهو الغلة بأنه غير الستغلل؛ لن الغلة
أي الناتج عين ،والتهايؤ :قسمة المنافع دون العيان (. )2
-------------------------------
( )1نصت المادة 1191مجلة على أنه« :بموت أحد أصحاب الحصص أو كلهم ،ل تبطل المهايأة» .
( )2البدائع 32/7 :وما بعدها.
( )6/551
ب والتلف
ص ُ
صلُ السّابع :ال َغ ْ
ال َف ْ
قال الكاساني ( : )1الجناية في الصل نوعان :جناية على البهائم والجمادات ،وجناية على الدمي.أما
الجناية على البهائم والجمادات فنوعان أيضا :غصب وإتلف.
وهذان النوعان أو ما يدل عليهما :وهو وضع اليد عدوانا أحد أسباب الضمان أو التعويض المالي عن
العتداء على مال الغير أو حقه .ويلحق بهما بحث دفع الصائل لما يترتب على الصيال من إتلف
وضمان .فيكون الكلم في مبحثين :الول ـ في الغصب وأحكامه ،والثاني ـ في التلف وأحكامه.
المبحث الول ـ الغصب وأحكامه :
وفيه مطلبان
المطلب الول :تحريم الغصب ،وتعريفه ،وأثر اختلف الفقهاء في ضابطه.
المطلب الثاني :أحكام الغصب الخروية والدنيوية.
الول :التأثيم والمؤاخذة.
الثاني ـ رد المغصوب ما دام موجودا.
الثالث ـ ضمان المغصوب حال هلكه .وفيه الموضوعات التالية:
- 1كيفية الضمان.
- 2وقت وجوب الضمان.
- 3ما يخرج به الغاصب عن عهدة الضمان.
- 4تغير العين المغصوبة أو خلطها بغيرها.
- 5نقصان المغصوب.
- 6زيادة المغصوب ،وحكم البناء والغرس والزرع في الرض المغصوبة.
- 7منافع المغصوب أو غلته.
- 8اختلف الغاصب والمغصوب منه.
- 9غاصب الغاصب.
-------------------------------
( )1البدائع.233/7 :
( )6/552
المطلب الول ـ تحريم الغصب ،وتعريفه ،وأثر اختلف الفقهاء في ضابطه :
أولً ـ تحريم الغصب :ثبت تحريم الغصب في القرآن والسنة والجماع ( . )1أما القرآن :فقول ال
تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ،إل أن تكون تجارة عن تراض منكم}
[النساء{ ]29/4:ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ،وتدلوا بها إلى الحكام ،لتأكلوا فريقا من أموال الناس
بالثم ،وأنتم تعلمون} [البقرة.]188/2:
وأما السنة :فقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ،في
شهركم هذا ،في بلدكم هذا» ( )2وقوله« :ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب نفسه» (« )3من أخذ
شبرا من الرض ظلما ،فإنه يطّوقه يوم القيامة من سبع أرضين» (« )4على اليد ما أخذت حتى
تؤديه» ( )5ونحوها من الحاديث.
وأجمع المسلمون على تحريم الغصب .وهو معصية كبيرة وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة.
ثانيا ـ تعريف الغصب :الغصب لغة :أخذ الشيء ظلما ،أو قهرا جهارا .وشرعا :له عند الفقهاء في
الجملة حقيقتان تختلفان جذريا عند الحنفية وغيرهم.
- 1عند الحنفية ( : )6الغصب :هو أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك ،على وجه يزيل يده.
أخذ المال:يشمل المغصوب وغيره ،وقولهم (متقوم) لخراج غير المتقوم كالخمر والخنزير ،وقولهم
(محترم) احتراز عن مال الحربي فإنه غير محترم.
والمراد بغير إذن المالك :لخراج المأذون فيه كالموهوب وغيره مما يتم المبادلة عليه بعقد من
العقود .والقيد الخير ( :إزالة يد المالك) ل بد منها لتصور معنى الغصب عند الحنفية ،فل تعتبر
زوائد المغصوب كالولد والثمرة مضمونة عندهم.
-------------------------------
( )1المغني ،220/5 :كشاف القناع.83/4 :
( )2رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي ال عنه ،ورواه مسلم عن جابر ،أن النبي صلّى ال
عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى (سبل السلم.)73/3 :
( )3رواه أبو إسحاق الجوزجاني ،ورواه الدارقطني عن أنس ،وعن عمرو بن يثربي (نيل الوطار:
،316/5نصب الراية.)169/4 :
( )4متفق عليه بين أحمد والشيخين عن سعيد بن زيد (نيل الوطار.)317/5 :
( )5رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة ،وصححه الحاكم عن سمرة بن جندب (سبل السلم.)67/3 :
( )6تكملة فتح القدير مع العناية 361/7 :وما بعدها ،الكتاب مع اللباب.188/2 :
( )6/553
وبناء عليه يعتبر الستخدام والتحميل غصبا؛ لنه تصرف بالمال ،ول يعتبر الجلوس على البساط
مثلً غصبا؛ لن البسط فعل المالك ،والجلوس استعمال لم يزل يد المالك عنه.
ول بد من زيادة قيدين آخرين على التعريف :وهما أولً« :على سبيل المجاهرة» لخراج السرقة التي
تكون على سبيل الخفية .وثانيا« :أو يقصر يده إن لم يكن في يده» فيصبح التعريف« :أخذ مال متقوم
محترم على سبيل المجاهرة بغير إذن المالك على وجه يزيل يد المالك إن كان في يده ،أو يقصر يده
إن لم يكن في يده» ليشمل الخذ من المستأجر أو من المرتهن أو من الوديع؛ لن الخذ من هؤلء،
وإن لم يكن في يد المالك؛ إل أنه يترتب عليه أن الغاصب قصر يد المالك عن ماله ،أي أنه قيد يده
في التصرف بماله ،فلم يعد قادرا على التصرف.
- 2وعرف المالكية ( )1الغصب بأنه «أخذ مال قهرا تعديا بل حرابة» فكلمة« :أخذ المال» أي
الستيلء عليه جنس يشمل الغصب وغيره كأخذ إنسان ماله من وديع أو مدين أو غيرهما .وكلمة
«المال» يراد بها الذوات أي العيان المادية ،فخرج بها «التعدي» :وهو الستيلء على المنافع
كسكنى الدار وركوب الدابة مثلً .و «قهرا» لخراج السرقة ونحوها إذ ل قهر فيها حال الخذ ،وإن
أعقبها القهر بعدها ،كما أنها أيضا لخراج المأخوذ اختيارا كالمستعار والموهوب ،و «تعديا» خرج به
المأخوذ قهرا بحق كالدين المأخوذ من مدين مماطل أو من غاصب ،وأخذ الزكاة كرها من ممتنع عن
أدائها ،ونحوه ،والمقصود بقوله «بل حرابة» أي بدون مقاتلة ،لخراج المأخوذ بالحرابة؛ لن حقيقتها
غير حقيقة الغصب.
من هذا التعريف يتبين أن الغصب عند المالكية أخص ،والتعدي أعم؛ لن
-------------------------------
( )1الشرح الكبير للدردير.459 ،442/3 :
( )6/554
التعدي يكون في الموال والفروج والنفوس والبدان ،والتعدي في النفوس والبدان يدخل تحت باب
الجنايات أو الدماء والقصاص .فالغصب :هو أخذ ذات الشيء ،والتعدي :أخذ المنفعة (. )1
والتعدي في الموال أربعة أنواع (: )2
الول ـ أخذ الرقبة أي ذات الشيء وهو الغصب.
والثاني ـ أخذ المنفعة ،دون الرقبة ،وهو نوع من الغصب ،يجب فيه الكراء مطلقا.
والثالث ـ الستهلك بإتلف الشيء كقتل الحيوان ،أو تحريق الثوب كله أو تخريقه ،وقطع الشجر،
وكسر الزجاج ،وإتلف الطعام والدنانير والدراهم ،وشبه ذلك.
والرابع ـ التسبب في التلف ،من فتح حانوتا لرجل ،وتركه مفتوحا ،فسرق ،أو فتح قفص طائر
فطار ،أو حل رباط دابة فهربت ،أو أوقد نارا في يوم ريح ،فأحرقت شيئا ،أو حفر بئر تعديا ،فسقط
فيه إنسان أو بهيمة ،أو مزق وثيقة ،فضاع ما فيها من الحقوق.
فمن فعل شيئا مما ذكر فهو ضامن لما استهلكه ،أو أتلفه ،أو تسبب في إتلفه ،سواء تم الفعل عمدا أو
خطأ.
-------------------------------
( )1وهناك فروق أخرى بينهما منها أن الفساد اليسير من الغاصب يوجب للمالك أخذ قيمة المغصوب
إن شاء ،والفساد اليسير من المتعدي ل يوجب إل أخذ أرش النقص الحاصل به .ومنها :أن المتعدي
ل يضمن الفة السماوية ،والغاصب يضمنها .ومنها أن المتعدي يضمن غلة ما عطل كدار أغلقها
وأرض بورها ،ودابة حبسها بخلف الغاصب إنما يضمن غلة ما استعمل (حاشية الدسوقي على
الشرح الكبير 459/3 :وما بعدها).
( )2القوانين الفقهية :ص 331وما بعدها.
( )6/555
- 3وعرف الشافعية والحنابلة ( )1الغصب بأنه :الستيلء على حق الغير (من مال أو اختصاص)
عدوانا ،أي على وجه التعدي أو القهر بغير حق.
وهذا التعريف يشمل أخذ الموال المتقومة والمنافع وسائر الختصاصات كحق التحجر (أي إحياء
الرض الموات بوضع الحجار على حدودها) ،والموال غير المتقومة كخمر الذمي ،وما ليس بمال،
كالكلب والسرجين وجلد الميتة ،وأما أخذ مال الحربي فهو أخذ بحق.
ثالثا ـ أثر اختلف الفقهاء في ضابط الغصب :
اختلف الفقهاء في ضابط الغصب الذي يتحقق به على رأيين:
- 1فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ( : )2الغصب :هو إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل
المجاهرة والمغالبة ،بفعل في المال ،أي أن الغصب ل يتحقق إل بأمرين هما :إثبات يد الغاصب
(وهوأخذ المال) وإزالة يد المالك أي بالنقل والتحويل .وعبارتهم فيه :الغصب يتحقق بوصفين:
إثبات اليد العادِيَة ،وإزالة اليد المحقة (. )3
- 2وقال جمهور الفقهاء ومنهم المذاهب الثلثة ،ومحمد وزفر من الحنفية ( : )4يتحقق الغصب
بمجرد الستيلء ،أي إثبات اليد على مال الغير بغير إذنه ،ول يشترط إزالة يد المالك.وليس المقصود
من الستيلء أو أخذ مال الغير :هو الخذ أو الستيلء الحسي بالفعل ،وإنما يكفي الحيلولة بين المال
وصاحبه ،ولو أبقاه بموضعه الذي وضعه فيه.
ويظهر أثر الختلف بين الرأيين في غصب العقار وفي زوائد المغصوب وفي منافعه .كما يظهر أثر
الختلف بين الحنفية وغيرهم باشتراط تقوم المال في غصب المال غير المتقوم.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،275/2 :كشاف القناع ،83/4 :المغني.220/5 :
( )2البدائع ،143/7 :تكملة الفتح ،368/7 :تبيين الحقائق.224/5 :
( )3المراد باليد :هو القدرة على التصرف .وعدم اليد :عدم القدرة على التصرف (تبيين الحقائق،
المكان السابق) .والعادية :بتخفيف الياء ل بتشديدها ،وهي الضامنة ل المتعدية.
( )4الشرح الكبير ،442/3 :مغني المحتاج ،275/2 :كشاف القناع .83/4 :ويفتى برأي محمد وزفر
في الوقف ،وبرأي الشيخين في غير الوقف.
( )6/556
ً 1ـ غصب العقار :ل يتصور الغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف إل في غصب المنقول فقط (
)1؛ لن إزالة يد المالك بالنقل والتحويل التي يتحقق بها معنى الغصب عندهما ،ل تتحقق إل في
المنقولت .وأما العقار كالرض والدار ،فليتصور وجود الغصب فيه ،لعدم إمكان نقله وتحويله ،فمن
غصب عقارا فهلك في يده بآفة سماوية كغلبة سيل ،لم يضمنه عندهما ،لعدم تحقق الغصب بإزالة
اليد؛ لن العقار في محله لم ينقل ،فصار كما لو حال بين المالك وبين متاعه ،فتلف المتاع .أما لو
كان الهلك بفعل الغاصب كأن هدمه ،فيضمنه؛ لن الغصب إذا لم يتحقق في العقار ،فيعتبر التلف.
وقال محمد وزفر من الحنفية وأئمة المذاهب الثلثة ( : )2يتصور غصب العقار من الراضي
والدور ،ويجب ضمانها على غاصبها؛ لنه يكفي ـ عند غير الحنفية ـ لتوافر معنى الغصب :إثبات
يد الغاصب على الشيء بالسكنى ووضع المتعة وغيرها ،ويترتب عليه ضمنا بالضرورة إزالة يد
المالك ،لستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة ،ويتحقق أيضا عند محمد وزفر
مبدؤهما :وهو إزالة يد المالك وإثبات يد الغاصب ،وتحقق هذين الوصفين هو معنى الغصب ،فصار
العقار كالمنقول في تحقيق الوصفين المطلوبين لتصور الغصب.
ولن ما يضمن في التلف يجب أن يضمن في الغصب ،فالعقار والمنقول مضمونان على السواء؛
وما يضمن في البيع يضمن أيضا في الغصب؛ ولن الغاية المطلوبة من الغصب وهي النتفاع على
وجه التعدي توجد في العقار ،كما توجد في المنقول.
-------------------------------
( )1البدائع 45/7 :وما بعدها ،اللباب شرح الكتاب ،189/2 :تكملة الفتح وتبيين الحقائق ،المكان
السابق.
( )2الشرح الكبير ،443/3 :بداية المجتهد ،311/2 :مغني المحتاج 275/2 :وما بعدها ،المغني:
،223/5كشاف القناع 83/4 :وما بعدها.
( )6/557
ويؤكدما سبق كله قوله صلّى ال عليه وسلم « :من ظلم شبرا من الرض طوقه ال من سبع
أرضين» ( )1وفي لفظ «من غصب شبرا من الرض» فإنه يدل على تحقق الغصب في العقار؛ لنه
سماه غصبا.
وهذا الرأي هو الرجح.
ً 2ـ زوائد المغصوب أو النماء السماوي :ل تضمن زوائد المغصوب إذا هلكت بل تعدّ،وإنما هي
أمانة في يد الغاصب في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف ( ، )2سواء أكانت منفصلة كالولد واللبن
والثمرة ،أم متصلة كالسمن والجمال؛ لن الغصب عندهما هو إثبات يد الغاصب على مال الغير على
وجه يزيل يد المالك كما تقدم ،ويد المالك لم تكن ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب،أي أن
عنصر ( إزالة يد المالك ) لم يتحقق هنا ،كما لم يتحقق في غصب العقار.
فإن تعدّى الغاصب على الزيادة ،لن أتلفها أو أكلها أو باعها ،أو طلبها مالكها فمنعها عنه ،ضمنها؛
لنه بالتعدي أو المنع صار غاصبا.
-------------------------------
( )1متفق عليه بين أحمد والشيخين من رواية عائشة رضي ال عنها.
( )2البدائع ،160 ،143/7 :الدر المختار ،143/5 :تكملة الفتح ،388/7 :اللباب شرح الكتاب:
.194/2
( )6/558
وقال المالكية في الرجح عندهم ( : )1إذا كانت الزيادة التي بفعل ال متصلة كالسمن والكبر فل
تكون مضمونة على الغاصب .وأما إذا كانت الزيادة منفصلة ولو نشأت من غير استعمال الغاصب
كاللبن والصوف وثمر الشجر ،فهي مضمونة على الغاصب إن تلفت أو استهلكت ،ويجب ردها مع
المغصوب الصلي على صاحبها.
وقال محمد من الحنفية ،والشافعية والحنابلة ( : )2تضمن زوائد المغصوب في يد الغاصب ،سواء
أكانت متصلة كالسمن ونحوه ،أم منفصلة كثمرة الشجرة وولد الحيوان ،متى تلف شيء منه في يد
الغاصب ،لتحقق إثبات اليد العادِيَة (الضامنة) ،لنه بإمساك الصل تسبب في إثبات يده على هذه
الزوائد ،وإثبات يده على الصل محظور.
ً 3ـ منافع المغصوب وغلته :
ل يضمن الغاصب عند الحنفية ( )3منافع ما غصبه من ركوب الدابة ،وسكنى الدار ،سواء استوفاها
أم عطلها؛ لن المنفعة ليست بمال عندهم؛ ولن المنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في
يد المالك ،فلم يتحقق فيها معنى الغصب ،لعدم إزالة يد المالك عنها.
وهذا فيما عدا ثلثة مواضع يجب فيها أجر المثل ،في اختيار متأخري الحنفية ،وعليه الفتوى ،وهي
أن يكون المغصوب وقفا ،أو ليتيم ،أو معدا للستغلل بأن بناه صاحبه أو اشتراه لذلك الغرض.
وإن نقص المغصوب أي ذاته باستعمال الغاصب غرم النقصان،لستهلكه بعض أجزاء العين
المغصوبة ،كما سأبين.
وأما غلة المغصوب كما سيأتي بيانه :فل تطيب في رأي أبي حنيفة ومحمد للغاصب؛ لنه ل يحل له
النتفاع بملك الغير .وقال أبو يوسف وزفر :تطيب له.
وقال المالكية في المشهور ( : )4يضمن الغاصب غلة مغصوب مستعمل ،أي أنه يضمن غلة
المغصوب ذاته الذي استعمله الغاصب ،سواء كان المغصوب عقارا من دور أو أرض سكنها أو
زرعها أو كراها ،أم منقولً :حيوانا أو غيره ،كراه أو استعمله ،ول يضمن ما نشأ من غير استعمال،
ولو عطّله على صاحبه.
هذا في حالة غصب الذات ،أما إن قصد الغاصب غصب المنفعة ( وهي حالة التعدي عندهم كما تبين
) فيلزمه كراء المثل.
والخلصة :أن الغاصب يضمن فقط غلة ما استعمل ،والمتعدي يضمن غلة ما عطل كدار أغلقها،
وأرض بورها ،ودابة حبسها ،كما بان سابقا.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )5يضمن الغاصب منفعة المغصوب ،وعليه أجر المثل ،سواء استوفى
المنافع ،أم تركها تذهب ،وسواء أكان المغصوب عقارا كالدار ،أم منقولً كالكتاب والدابة ونحوهما؛
لن المنفعة مال متقوم ،فوجب
ضمانه كالعين المغصوبة ذاتها .وهذا الرأي هو المتفق مع العدالة ،ومع ظروف العصر الحاضر
المتجه إلى المادية ،وتقويم كل الشياء ،حتى النواحي الدبية أو الذهنية.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،313/2 :الشرح الصغير للدردير ،596/3 :الشرح الكبير للدردير ،448/3 :شرح
الرسالة لبن أبي زيد القيرواني.220/2 :
( )2البدائع ،145/7 :الدر المختار ،145-144/5 :تكملة الفتح ،394/7 :اللباب شرح الكتاب:
،195/2المهذب ،370/1 :المغني والشرح الكبير 399/5 :وما بعدها.
( )3الشرح الكبير ،448/3 :الشرح الصغير 595/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد 315/2 :شرح
الرسالة.240/2 :
( )4الشرح الكبير ،448/3 :الشرح الصغير 595/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد 315/2 :شرح
الرسالة.240/2 :
( )5مغني المحتاج ،486/2 :المهذب ،367/1 :فتح العزيز ،262/11 :المغني 270/5 :القواعد لبن
رجب :ص .213
( )6/559
( )6/560
المثليات؛ لن المسلم ممنوع من تملكه ،وغير المسلم يجوز له تسليم المثل؛ لنه يجوز له تملك الخمر
وتمليكها بالبيع وغيره.
أما الميتة والدم ولو لذمي فل يضمنان بالغصب؛ لنهما ليسا بمال ،ول يدين أحد من أهل الديان
تمولهما .كما ل يضمن متروك التسمية عمدا ولو كان مملوكا لمن يبيحه.
وكذلك يضمن المسلم قيمة صليب غصبه من نصراني فهلك في يده؛ لنه مقر على ذلك.
وقال أبو حنيفة :ومن كسر لمسلم آلة من آلت اللهو والطرب كالطبل والمزمار والدف ونحوها ،فهو
ضامن؛ لنها أموال لصلحيتها لما يحل من وجوه النتفاع لغير اللهو ،وإن استعملت فيما ل يحل،
كالمغنية إذا اعتدي عليها ،وتضمن قيمة هذه اللت خشبا منحوتا صالحا لغير اللهو ،أي تضمن
قيمتها قبل التصنيع.
أما الصاحبان فقال :ل تضمن آلت الملهي؛ لن هذه الشياء أعدت للمعصية ،فبطل تقومها كالخمر،
ولنه يجب شرعا إتلفها ،وقد فعل المتلف ما أمر به الشرع ،فل ضمان عليه ،كما إذا فعل أمرا بإذن
المام.
وقال المالكية ( )1مثلما قال الحنفية :ل تضمن خمر المسلم أو خنزيره ،ول آلت الملهي والصنام،
لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن ال تعالى ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام» ()2
،ولنه ل قيمة لها ،وما ل قيمة له ل يضمن.
لكن يضمن الغاصب خمر الذمي لتعديه عليه ،ولنها مال محترم عند غير
-------------------------------
( )1الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ،447/3 ،204/2 :الشرح الصغير 592/3 :ومابعدها.
( )2أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر يوم الفتح.
( )6/561
المسلمين يتمولونها .وإذا تخللت الخمر ،وكانت لمسلم خير صاحبها بين أخذها خلً ،أو مثل عصيرها
إن علم قدرها ،وإل فقيمتها.أما خمر غير المسلم فيخير صاحبها بين أخذ قيمتها يوم الغصب ،أوأخذ
الخل ،على المفتى به عند المالكية.
وإن كان المغصوب جلد ميتة لم يدبغ أو دبغ ،أو كلبا مأذونا في اتخاذه ،مثل كلب صيد أو ماشية أو
حراسة ،فأتلفه الغاصب ،فإنه يغرم القيمة ،ولو لم يجز بيع الجلد أو الكلب.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )1ل تضمن الخمر والخنزيز ،سواء أكان متلفها مسلما أم ذميا ،وسواء
أكانت لمسلم أم لذمي ،إذ ل قيمة لها كالدم والميتة وسائر العيان النجسة ،وما حرم النتفاع به لم
يضمن ببدل عنه؛ لن الرسول صلّى ال عليه وسلم حرم بيعها ،وأمر بإراقتها ،فما ليحل بيعه ول
تملكه ،ل ضمان فيه.
كذلك ل ضمان عندهم بإتلف الصنام وآلت الملهي ،إل أن الشافعية أجازوا ضمانها خشبا منحوتا
فقط ( )2كما قال أبو حنيفة ،إذا كانت صالحة لمنفعة مباحة ،فإن لم تصلح لذاك لم يلزم المتلف شيء،
لنه لم يتلف ما له قيمة.
لكن إذا كانت خمر الذمي ما زالت باقية عند الغاصب ،فيجب ردها عليه؛ لنه يقر على شربها .فإن
غصبها من مسلم لم يلزم عند الحنابلة ردها ،يجب إراقتها؛ لنه ل يقر على اقتنائها ،ويحرم ردها إلى
المسلم إذا لم يكن صانع خل (خللً) لنه إعانة له على ما يحرم عليه.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،291 ،285/2 :فتح العزيز شرح الوجيز ،258/11 :المغني،276 ،256/5 :
المهذب ،374/1 :كشاف القناع 84/4 :وما بعدها ،الميزان.90/2 :
( )2عبارة الشافعية في هذا :أن المتلف يلزمه الفرق ما بين قيمة اللة مفككة (مفصلة) ومكسورة.
( )6/562
وفصل الشافعية فقالوا :ترد الخمر المحترمة ( )1المغصوبة من مسلم إليه ،ول ترد الخمر غير
المحترمة بل تراق.
ولو غصب غاصب عصيرا ،فتخمر ،ثم تخلل ،فالصح عند الشافعية أن الخل للمالك ،وعلى الغاصب
أرش ما نقص من قيمة العصير ،إن كان الخل أنقص قيمة من العصير ،لحصوله في يده .وقال
الحنابلة :إنه يجب عليه مثل العصير.
ولو غصب جلد ميتة فدبغه ،فالصح عند الشافعية أيضا أن الجلد للمغصوب منه كالخمر التي تخللت،
فإذا تلفا في يده ضمنهما .وقال الحنابلة :إن غصب جلد ميتة نجسة لم يلزم الغاصب رده ولو دبغه؛
لنه ل يطهر بدبغه عندهم ،ول قيمة له؛ لنه ل يصح بيعه.
المطلب الثاني ـ أحكام الغصب :
للغصب أحكام ثلثة :الثم لمن علم أنه مال الغير ،ورد العين المغصوبة مادامت قائمة ،وضمانها إذا
هلكت (. )2
الحكم الول ـ الثم :وهو استحقاق المؤاخذة في الخرة ،إذا فعل الغصب عالما أن المغصوب مال
الغير؛ لن ذلك معصية ،وارتكاب المعصية عمدا موجب
-------------------------------
( )1الخمر المحترمة :هي التي عصرت من غير قصد الخمرية ،سواء عصرت بقصد الخلية أو
عصرت بغير قصد شيء.
( )2الدر المختار ،126/5 :القوانين الفقهية :ص ،330مغني المحتاج ،277/2 :المغني 259/5 :وما
بعدها.
( )6/563
للمؤاخذة ( ، )1لقوله عليه الصلة والسلم« :من غصب شبرا من أرض ،طوقه ال تعالى من سبع
أرضين يوم القيامة» .
ويؤدب بالضرب والسجن عند الحنفية والمالكية ( )2غاصب مميز صغير أو كبير لحق ال تعالى،
ولو عفا عنه المغصوب منه ،باجتهاد الحاكم لدفع الفساد ،وإصلح حاله ،وزجره هو وأمثاله .أما غير
المميز من صغير ومجنون فل يعزر .كذلك نص الشافعية ( )3على أنه يعزر الغاصب لحق ال
تعالى ،واستيفاؤه للمام.
فإن حدث الغصب ل عن علم بأن ظن أن الشيء ملكه ،فل إثم ول مؤاخذة عليه؛ لنه خطأ ،والخطأ
ل مؤاخذة عليه شرعا لقوله تعالى{ :ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة ]286/2:وقوله عليه
الصلة والسلم« :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (. )4
ولكن في هذه الحالة يبقى الحكمان الخيران وهما :رد العين ما دامت قائمة ،والغرم إذا صارت
هالكة.
الحكم الثاني ـ رد العين المغصوبة ما دامت قائمة :والكلم فيه في مواضع:
-------------------------------
( )1إن أخذ أموال الناس بالباطل له عشرة أنواع كلها حرام ،والحكم فيها مختلف :الول ـ الحرابة،
والثاني ـ الغصب ،والثالث ـ السرقة ،والرابع ـ الختلس ،والخامس ـ الخيانة ،والسادس ـ
الذلل ،والسابع ـ الفجور في الخصام بإنكار الحق أو دعوى الباطل ،والثامن ـ القمار ،كالشطرنج
والنرد ،والتاسع ـ الرشوة ،فل يحل أخذها ول عطاؤها ،والعاشر ـ الغش والخلبة في البيوع
(القوانين الفقهية :ص )329والحرام :ل يجوز قبوله ول الكل منه ول السكنى فيه ،لكن يجوز أخذ
العوض عن التالف عند الغاصب؛ لن دفع العوض واجب مستقل.
( )2الشرح الكبير442/3 :؛ القوانين الفقهية :ص .330
( )3مغني المحتاج.277/4 :
( )4رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس بلفظ « :إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ»...
الحديث.
( )6/564
هي سبب وجوب الرد ،وشرط الرد ومكانه ومؤنته ،وما يصير به المالك مستردا (. )1
اتفق الفقهاء على أنه يجب رد العين المغصوبة إلى صاحبها حال قيامها ووجودها بذاتها لقوله صلّى
ال عليه وسلم « :على اليد ما أخذت حتى تؤديه» «ل يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ،ول لعبا ،وإذا
أخذ أحدكم عصا أخيه ،فليردها عليه» ( )2وترد إلى مكان الغصب لتفاوت القيم باختلف الماكن.
ومؤنة الرد (نفقته) على الغاصب؛ لنها من ضرورات الرد ،فإذا وجب عليه الرد ،وجب عليه ما هو
من ضروراته كما في رد العارية.
ويصير المالك مستردا للمغصوب :بإثبات يده عليه ،لنه صار مغصوبا بتفويت يده عنه .فإذا أثبت
يده عليه ،فقد أعاده إلى يده ،وزالت يد الغاصب عنه ،إل أن يغصبه مرة أخرى.
ويبرأ الغاصب من الضمان بالرد ،سواء علم المالك بحدوث الرد أم لم يعلم؛ لن إثبات اليد على
الشيء أمر حسي ل يختلف بالعلم أو الجهل بحدوثه.
الحكم الثالث ـ ضمان المغصوب إذا هلك :والكلم فيه يتناول عدة مواضع هي مايأتي:
- 1كيفية الضمان :
إذا هلك المغصوب أو تلف أو أتلف عند الغاصب ،وكان من المنقولت عند الحنفية ( ، )3أو من
العقارات أو المنقولت عند غير الحنفية ( ، )4بفعله أو بغير فعله ،فعليه ضمانه ،أي غرامته أو
تعويضه .لكن إن كان الهلك بتعد من غيره ،ل بآفة سماوية ،رجع الغاصب عليه بما ضمن؛ لنه
يستقر عليه ضمان الشيء الذي يمكنه أن يتخلص منه برده إلى من كان في يده .وعبارتهم فيه:
«الغاصب ضامن لما غصبه ،سواء تلف بأمر ال ،أو من مخلوق» (. )5
وكيفية الضمان أو قاعدته :أنه يجب ضمان المثل باتفاق العلماء إذا كان المال مثليا ،وقيمته إذا كان
قيميا ،فإن تعذر وجود المثل وجبت القيمة للضرورة.
أما ضمان المثل فلقوله تعالى{ :فمن اعتدى عليكم ،فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:
{ ]194/2وإ ن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل{ ]126/16:وجزاء سيئة سيئة مثلها}
[الشورى ]40/42:ولن المثل تماما أقرب إلى الصل التالف ،فكان اللزام به أعدل وأتم لجبران
الضرر ،والواجب في الضمان القتراب من الصل بقدر المكان تعويضا للضرر.
وأما ضمان القيمة فلنه تعذر الوفاء بالمثل تماما صورة ومعنى ،فيجب المثل المعنوي وهو القيمة؛
لنها تقوم مقامه ،ويحصل بها مثله ،واسمها ينبئ عنه.
والمال المثلي :هو مايوجد له مثل في السواق بل تفاوت يعتد به .أو هو ما تماثلت آحاده أو أجزاؤه
بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق يعتد به.
-------------------------------
( )1البدائع ،148/7 :الدر المختار ،128/5 :تكملة الفتح ،367/7 :الميزان.88/2 :
( )2رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن السائب بن يزيد عن أبيه (نيل الوطار.)316/5 :
( )3المبسوط ،50/11 :البدائع ،168 ،150/7 :الدر المختار ،128/5 :تبيين الحقائق،223/5 :
،234تكملة الفتح ،363/7 :اللباب والكتاب 188/4 :وما بعدها.
( )4الشرح الكبير للدردير ،443/3 :القوانين الفقهية :ص 330وما بعدها ،بداية المجتهد،312/2 :
مغني المحتاج ،284 ،281/2 :فتح العزيز شرح الوجيز 242/11 :بهامش المجموع ،المغني:
،258 ،254 ،221/5كشاف القناع 116/4 :وما بعدها.
( )5القوانين الفقهية :ص .331
( )6/565
والموال المثلية أربعة :هي المكيلت والموزونات ،والعدديات المتقاربة ،وبعض أنواع الذرعيات.
والمكيلت :هي التي تباع بالكيل كالقمح والشعير ،وكبعض السوائل التي تباع اليوم بالليتر كالبترول
والبنزين.
والموزونات :هي التي تباع بالوزن كالسمن والزيت والسكر.
والذرعيات :هي التي تباع بالذراع ونحوه كالقطع الكبرى من المنسوجات الصوفية أو القطنية أو
الحريرية.
والعدديات المتقاربة :هي التي لتتفاوت آحادها إل تفاوتا بسيطا كالبيض والجوز .وكالمصنوعات
المتماثلة من صنع المعامل كالكؤوس وصحون الخزف والبلور ونحوها من الدفاتر والقلم
والمطبوعات.
والقيمي :هو ما ليس له مثل في السواق ،أويوجد لكن مع التفاوت المعتد به في القيمة .أو هو ما
تفاوتت أفراده ،فل يقوم بعضها مقام بعض بل فرق كالدور والراضي المختلفة المواقع أو المبنية
والشجار والحيوان والمفروشات والمخطوطات ونحوها (. )1
وتجب القيمة في ثلث حالت (: )2
- 1إذا كان الشيء غير مثلي كالحيوانات والدور والمصوغات ،فلكل واحد منها قيمة تختلف عن
الخرى باختلف الصفات المميزة لكل واحد.
-------------------------------
( )1الدر المختار وحاشيته ،173/4 ،130/5 :اللباب والكتاب ،188/2 :تكملة الفتح ،363/7 :تبيين
الحقائق ،223/5 :بداية المجتهد ،312/2 :شرح الرسالة ،217/2 :القوانين الفقهية :ص ،330مغني
المحتاج ،284 ،281/2 :كشاف القناع 116/4 :ومابعدها ،المدخل لنظرية اللتزام العامة في الفقه
السلمي للستاذ مصطفى الزرقا :ص .50
( )2الدر المختار ورد المحتار.129/5 :
( )6/566
- 2إذا كان الشيء خليطا مما هو مثلي بغير جنسه ،كالحنطة مع الشعير.
- 3إذا كان الشيء مثليا تعذر وجود مثله ،والتعذر إما حقيقي حسي كانقطاع وجود المثل في السوق
بعد البحث عنه ،وإن وجد في البيوت ،أو حكمي :كأن لم يوجد إل بأكثر من ثمن المثل ،أو شرعي:
بالنسبة للضامن كالخمر بالنسبة للمسلم يجب عليه للذمي عند أئمة المذاهب كما أبنت ضمان القيمة،
وإن كانت الخمر من المثليات؛ لنه يحرم على المسلم تملكها بالشراء.
وبه يتبين أن الواجب الصلي في الضمان (أو التعويض أو الغرامة) :هو إزالة الضرر عينا كإصلح
الحائط ،ورد عين المغصوب مادام قائما ،ورد الخمر المغصوبة مادامت باقية بالنسبة للمسلم ،إذ له
عند الحنفية إمساكها لتصير خلً ،وجبر التلف وإعادته صحيحا كما كان ،عند المكان ،كإعادة
المكسور صحيحا .فإن تعذرت العادة وجب التعويض :المثلي في المثليات ،والنقدي أو القيمة في
القيميات.
- 2وقت وجوب الضمان أو وقت تقدير التعويض :
للفقهاء آراء متقاربة في وقت الضمان أو تقدير قيمة التعويض ،فقال الحنفية على المختار عندهم ()1
والمالكية ( : )2تقدر قيمة المغصوب يوم الغصب؛ لن الضمان يجب بالغصب ،فتقدر قيمة
المغصوب يوم الغصب ،فل يتغير التقدير
-------------------------------
( )1هذا هو رأي أبي يوسف وهو الذي أخذت به المجلة م ،921/وقال أبو حنيفة :تجب القيمة وقت
الخصومة أي المحاكمة ،وقال محمد :تجب القيمة يوم انقطاع المثل من السواق.
( )2البدائع ،151/7 :الدر المختار ،128/5 :تكملة الفتح ،363/7 :المبسوط ،50/11 :تبيين الحقائق:
،223/5اللباب مع الكتاب ،188/2 :الشرح الكبير للدردير ،448 ،443/3 :بداية المجتهد،312/2 :
القوانين الفقهية :ص .330
( )6/567
بتغير السعار؛ لن سبب الضمان لم يتغير كما لم يتغير محل الضمان ،لكن فرق المالكية بين ضمان
الذات وضمان الغلة ،فتضمن الولى يوم الستيلء عليها ،وتضمن الغلة من يوم استغللها ،وأما
المتعدي :وهو غاصب المنفعة فيضمن المنفعة بمجرد فواتها على صاحبها وإن لم يستعملها.
وقال الشافعية ( : )1الصح أن المعتبر في الضمان هو أقصى قيمة للمغصوب من وقت الغصب في
بلد الغصب إلى وقت تعذر وجود المثل .وإذا كان المثل مفقودا عند التلف ،فالصح وجوب الكثر
قيمة من الغصب إلى التلف ،سواء أكان ذلك بتغير السعار ،أم بتغير المغصوب في نفسه.
وأما المال القيمي :فيضمن بأقصى قيمة له من يوم الغصب إلى يوم التلف.
وقال الحنابلة ( : )2إن كان المغصوب من المثليات ،وفقد المثل ،وجبت قيمته يوم انقطاع المثل؛ لن
القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل ،فقُدّرَت القيمة حينئذ كتلف المتقوم.
وإن كان المغصوب من القيميات وتلف ،فالواجب القيمة أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين
الرد ،إذا كان التغير في المغصوب نفسه من كبر وصغر ،وسمن وهزال ،ونحوها من المعاني التي
تزيد بها القيمة وتنقص؛ لن هذه المعاني مغصوبة في الحال التي زادت فيها ،والزياد ة لمالكها
مضمونة على الغاصب.
وإن كانت زيادة القيمة لتغير السعار ،لم تضمن الزيادة؛ لن نقصان القيمة لهذا السبب ل يضمن إذا
ردت العين المغصوبة بذاتها ،فل يضمن عند تلفها.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،283/2 :المهذب ،368/1 :بجيرمي الخطيب ،136/3 :نهاية المحتاج-119/4 :
.121
( )2المغني 257/5 :وما بعدها ،كشاف القناع.117/4 :
( )6/568
( )6/569
ولكن في رأي أبي حنيفة ومحمد ( : )1ل يحل للغاصب النتفاع بالمغصوب بأن يأكله بنفسه أو
يطعمه غيره قبل أداء الضمان .وإذا حصل فيه فضل (أي نماء وزيادة) يتصدق بالفضل استحسانا،
ل ل تطيب له؛ لن النبي صلّى ال عليه
وعليه ،إن غلة المغصوب المستفادة من إركاب سيارة مث ً
وسلم لم يبح النتفاع بالمغصوب قبل إرضاء المالك ،روى أبو حنيفة بسنده عن أبي موسى رضي ال
عنه« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان في ضيافة قوم من النصار ،فقدّموا إليه شاة مصلية
(مشوية) ،فأخذ منها لقمة ،فجعل يمضغها ول يسيغها ،فقال عليه الصلة والسلم :إن هذه الشاة
لتخبرني أنها ذبحت بغير حق ،قالوا :هذه الشاة لجار لنا ،ذبحناها لنرضيه بثمنها ،فقال صلّى ال عليه
وسلم :أطعموها السارى ( » )2فقد حرم عليهم النتفاع بها ،مع حاجتهم ،ولو كانت حللً لطلق
لهم إباحة النتفاع بها.
وقال المالكية ( : )3يمنع الغاصب من التصرف في المغصوب برهن أو كفالة خشية ضياع حق
المالك ،ول يجوز لمن وهب له منه شيء قبوله ول الكل منه مثلً
-------------------------------
( )1وقال أبو يوسف وزفر :يحل له النتفاع ول يلزمه التصدق بالفعل إن كان فيه فضل ،لن
المغصوب مملوك للغاصب من وقت الغصب« :المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا إلى وقت
الغصب» أي بأثر رجعي ،وعلى هذا فإن غلة المغصوب تطيب للغاصب.
( )2رواه محمد بن الحسن في كتاب الثار ،وأبو داود وأحمد في مسنده والدارقطني في سننه من
حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من النصار (نصب الراية.)168/4 :
( )3الشرح الكبير 445/3 :وما بعدها ،الشرح الصغير.586/3 :
( )6/570
ول السكنى فيه مثل أي شيء حرام ،لكن لو تلف المغصوب عند الغاصب أو استهلكه (أي فات عنده
بتعبيرهم) ،فالرجح عندهم أنه يجوز للغاصب النتفاع به؛ لنه وجبت عليه قيمته في ذمته ،فقد أفتى
بعض المحققين بجواز الشراء من لحم الغنام المغصوبة إذا باعها الغاصب للجزارين ،فذبحوها؛ لنه
بذبحها ترتبت القيمة في ذمة الغاصب ،إل أنهم قالوا :ومن اتقاه فقد استبرأ لدينه وعرضه ،ومعناه أن
الغاصب يتملك بالضمان الشيء المغصوب من يوم التلف.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )1ل يملك الغاصب العين المغصوبة بدفع القيمة؛ لنه ل يصح أن يتملكه
بالبيع لغيره لعدم القدرة على التسليم ،فل يصح أن يتملكه بالتضمين ،كالشيء التالف ل يملكه
بالتلف.
وبناء عليه تحرم عندهم تصرفات الغاصب بعقد أو غيره ،ول تصح ( ، )2لحديث« :من عمل عملً
ليس عليه أمرنا فهو رد» ( )3أي مردود ،فل يجوز له بيعه أو إجارته ،كما ل يجوز له إتلفه
واستعماله كأكل ولبس وركوب وحمل عليه وسكنى العقار ،لحديث «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم
حرام عليكم» .
-------------------------------
( )1المهذب ،368/1 :مغني المحتاج ،279 ،277/2 :كشاف القناع 123 ،120/4 :وما بعدها،
المغني.253-251/5 :
( )2وكذلك قال الحنابلة خلفا للجمهور :يحرم الحج ول يصح من المال المغصوب وسائر العبادات
كالصلة بثوب مغصوب ،أو في مكان مغصوب ،والوضوء من ماء مغصوب ،وإخراج زكاته بخلف
عبادة ل يحتاج فيهاإلى المغصوب كالصوم والذكر والعتقاد (كشاف القناع 123/4 :وما بعدها،
وراجع للمؤلف أصول الفقه ، 82/1 :ط دار الفكر ،طبعة ثانية ).
( )3رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها.
( )6/571
( )6/572
وقال الحنابلة ( )1كالشافعية إجمالً :إل أنهم قالوا :ل يجبر الغاصب على قلع الصبغ من الثوب؛ لن
فيه إتلفا لملكه وهو الصبغ .وإن حدث نقص ضمن الغاصب النقص؛ لنه حصل بتعديه ،فضمنه،
وإن حصلت زيادة ،فالمالك والغاصب شريكان بقدر ملكيهما ،فيباع الشيء ،ويوزع الثمن على قدر
القيمتين .وبه يظهر أن الفقهاء متفقون على ضمان النقص ،وعلى حق الغاصب في الزيادة.
جـ ـ وأما تغير ذات المغصوب واسمه بفعل الغاصب بحيث زال أكثر منافعه المقصودة :كما لو
غصب شاة فذبحها وشواها ،أو طبخها ،أو غصب حنطة فطحنها دقيقا ،أو حديدا فاتخذه سيفا ،أونحاسا
فاتخذه آنية ،فإنه يزول ملك المغصوب منه عن المغصوب ،ويملكه الغاصب ،ويضمن بدله :المثل في
المثلي ،والقيمة في القيمي .ولكن ل يحل له النتفاع به حتى يؤدي بدله استحسانا؛ لن في إباحة
النتفاع قبل أداء البدل فتح باب الغصب ،فيحرم النتفاع قبل إرضاء المالك بأداء البدل أو إبرائه،
حسما لمادة الفساد.
وكذلك قال المالكية كما بان في فرع ( )3السابق.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )2ل ينقطع حق المالك في ملكه ،وله أن يأخذه ،وأرش نقصه إن نقص،
ول شيء للغاصب في زيادته في الصحيح من مذهب الحنابلة.
وقال أبو حنيفة ( )3مثل الشافعية والحنابلة فيمن غصب فضة أو ذهبا ،فصكها (ضربها) دراهم أو
دنانير ،أو صنعها آنية ،ل يزول ملك مالكها عنها ،ول شيء للغاصب؛ لن العين باقية من كل وجه،
فاسمها باق ،وأحكامها الربعة المتعلقة بالذهب والفضة باقية ،وهي (الثمنية ،وكونها موزونة،
وجريان الربا فيها ،ووجوب الزكاة عليها) فلم ينقطع حق المالك بها.
-------------------------------
( )1كشاف القناع 103 ،86/4 :وما بعدها ،المغني 266/5 :وما بعدها.
( )2المهذب ،369/1 :المغني.243/5 :
( )3تكملة الفتح مع العناية ،379/7 :الكتاب مع اللباب.192/2 :
( )6/573
وظل الصاحبان في ذلك على أصلهما السابق ( : )1وهو أنه يملكها الغاصب ،وعليه مثلها؛ لنه
أحدث فيها صنعة معتبرة ،صيّر بها حق المالك في حكم الهالك (التالف) ،وتغاير الصل مع الحادث
المصنوع في السم والمعنى ،فكان قبل الصنع يسمى تبرا ،وبعده سمي دراهم ودنانير أو آنية.
- 5نقصان المغصوب :
نقص المغصوب في يد الغاصب قد يكون معنويا أو حسيا ماديا ،وهو يشمل عند الحنفية صورا أربعا
هي ما يأتي (: )2
أ ـ أن يحدث النقص بسبب هبوط السعار في السواق :وهذا ل يكون مضمونا إذا رد العين في
مكان الغصب؛ لن نقصان السعر ليس نقصا ماديا في المغصوب بفوات جزء من العين ،وإنما يحدث
بسبب فتور الرغبات التي تتأثر بإرادة ال تعالى ،ول صنع للعبد فيها.
ب ـ أن يكون النقص بسبب فوات وصف مرغوب فيه ،كضعف الحيوان ،وزوال سمعه أو بصره،
أوطروء الشلل أو العرج أو العور أوسقوط عضو من العضاء ،فيجب على الغاصب ضمان النقص
في غيرمال الربا ،ويأخذ المالك العين المغصوبة ،لبقاء العين على حالها.
فإن كان المغصوب من أموال الربا كتعفن الحنطة ،وكسر إناء الفضة ،فليس للمالك إل أخذ
المغصوب بذاته ،ول شيء له غيره بسبب النقصان؛ لن الربويات ل يمكنهم فيها ضمان النقصان،
مع استرداد الصل؛ لنه يؤدي إلى الربا.
جـ ـ أن يكون النقص بسبب فوات معنى مرغوب فيه في العين ،مثل الشيخوخة بعد الشباب،
والهرب ،ونسيان الحرفة ،فيجب ضمان النقص في كل الحوال.
د ـ أن يكون النقص بفوات (زوال) جزء من العين المغصوبة ،كخرق الثوب ،فيجب الضمان في
جميع الحوال.
-------------------------------
( )1وإطلق نص المجلة (م )899يتمشى مع عموم مذهب الصاحبين.
( )2البدائع ،155/7 :تكملة الفتح ،382/7 :تبيين الحقائق 288/5 :وما بعدها ،اللباب شرح الكتاب:
،190/2رد المحتار.132/5 :
( )6/574
لكن إن كان النقص يسيرا كالخرق اليسير في الثوب ،فليس للمالك سوى تضمين الغاصب مقدار
النقصان لبقاء العين بذاتها.
وإن كان النقص فاحشا كالخرق الكبير في الثوب بحيث يبطل عامة منافعه ،فالمالك بالخيار بين أخذه
وتضمينه النقصان ،لتعيبه ،وبين تركه للغاصب وأخذ جميع قيمته؛ لنه أصبح مستهلكا له من وجه.
والصحيح في ضابط الفرق بين اليسير والفاحش هو مايأتي (: )1
اليسير :ما ل يفوت به شيء من المنفعة ،وإنما يدخل فيه نقصان في المنفعة.
والفاحش :هو ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة ،ويبقى بعض العين وبعض المنفعة.
وقدرت المجلة (م :)900اليسير بما لم يكن بالغا ربع قيمة المغصوب .والفاحش :بما ساوى ربع قيمة
المغصوب أوأزيد.
وإذا وجب ضمان النقصان قوّمت العين صحيحة يوم غصبها ،ثم تقوّم ناقصة ،فيغرم الغاصب الفرق
بينهما.
وإذا كان العقار مغصوبا ،فإنه وإن لم تضمن عينه بهلكه بآفة سماوية عند الحنفية ،فإن النقص
الطارئ عليه بفعل الغاصب أو بسكناه أو بسبب زراعة الرض مضمون ،كما ذكرت سابقا؛
-------------------------------
( )1رد المحتار ،136/5 :تبيين الحقائق ،229/5 :تكملة فتح القدير.383/7 :
( )6/575
( )6/576
( )6/577
يضمن للغاصب قيمة البناء والغرس مقلوعا (أنقاضا) رعاية لمصلحة الطرفين ودفعا للضرر عنهما،
فتقوم الرض بدون الشجر والبناء ،وتقوم وبها شجر وبناء مستحق القلع والهدم ،فيضمن الفرق
بينهما.
وإذا زرع الغاصب الرض ،فإن كانت الرض ملكا :فإن أعدها صاحبها للزراعة ،فيكون المر
مزارعة بين المالك والغاصب ،ويحتكم إلى العرف في حصة كل منهما ،النصف أو الربع مثلً،وإن
كانت معدة لليجار فالناتج للزارع ،وعليه أجر مثل الرض .وإن لم يكن شيء مما ذكر فعلى
الغاصب نقصان ما نقص الزرع ،وأما إذا كانت الرض وقفا أو مال يتيم ،اعتبر العرف إذا كان
أنفع ،وإن لم يكن العرف أنفع وجب أجر المثل لقولهم :يفتى بما هو أنفع للوقف.
- 2وقال المالكية (: )1
أ ـ البناء :من غصب أرضا أو عمودا أو خشبا ،فبنى فيها أو بها ،فيخير المالك بين المطالبة بهدم
البناء على المغصوب ،وبين إبقائه على أن يعطي الغاصب قيمة النقاض ،بعد طرح أجرة القلع أو
الهدم ،ول يعطيه قيمة التجصيص والتزويق وشبههما مما ل قيمة له ،أي أنهم يرجحون مصلحة
المالك؛ لنه صاحب الحق.
ومن غصب سارية أو خشبة فبنى عليها ،فلصاحبها أخذها ،وإن هدم البنيان وهو قول الشافعية.
ب ـ الغرس:
ومن غصب أرضا ،فغرس فيها أشجارا ل يؤمر بقلعها ،وللمغصوب منه أن يعطيه قيمتها بعد طرح
أجرة القلع كالبنيان .فإن غصب أشجارا ،فغرسها في أرضه أمر بقلعها.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،331الشرح الكبير ،448/3 :بداية المجتهد.319/2 :
( )6/578
جـ ـ الزرع:
وإن زرع في الرض المغصوبة زرعا :فإن أخذها صاحبها في إبان الزراعة ،فهو مخيّر بين أن يقلع
الزرع أو يتركه للزارع ويأخذ الكراء .وإن أخذها بعد إبان الزراعة ،فقيل :هو مخيّر كما ذكر ،وقيل:
ليس له قلعه وله الكراء ،والزرع لزارعه.
- 3وقال الشافعية ( : )1يكلف الغاصب بهدم البناء وقلع الغراس على الرض المغصوبة ،وأرش
النقص إن حدث ،وإعادة الرض كما كانت ،وأجرة المثل في مدة الغصب إن كان لمثلها أجرة إذ ليس
لعرق ظالم حق ،ولو أراد المالك تملكها بالقيمة ،أو إبقاءها بأجرة ،لم يلزم الغاصب إجابته في
الصح ،لمكان القلع بل أرش ،ولو بذر الغاصب بذرا في الرض ،فللمالك تكليفه إخراج البذر منها
وأرش النقص ،وإن رضي المالك ببقاء البذر في الرض لم يكن للغاصب إخراجه .كما ل يجوز
للغاصب قلع تزويق الدار المغصوبة إن رضي المالك ببقائه ،والخلصة :أن للمالك الحق في إزالة
آثار الغصب بل ضرر عليه.
- 4وقال الحنابلة ( : )2مثل الشافعية تماما في البناء والغرس على الرض المغصوبة عملً بحديث
«ليس لعرق ظالم حق» .أما في حالة زرع الرض فقالوا :يخير المالك بين إبقاء الزرع إلى
الحصاد ،وأخذ أجر الرض وأرش النقص من الغاصب وبين أخذ الزرع له ودفع النفقة للغاصب
عملً بحديث «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ،وعليه نفقته» ( )3وفي
حديث آخر:
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،291 ،289/2 :الميزان 89/2 :وما بعدها ،المهذب.371/1 :
( )2المغني ،245 ،234 ،225-223/5 :كشاف القناع.94-87/4 :
( )3رواه أحمد وأصحاب السنن إل النسائي عن رافع بن خديج ،وقال البخاري :هو حديث حسن (نيل
الوطار 319/5 :وما بعدها).
( )6/579
«خذوا زرعكم وردوا عليه نفقته» ( )1أي للغاصب .وهذا أعدل الراء وأكثرها قابلية للتطبيق.
- 7ضمان غلة المغصوب ومنافعه :
تبين سابقا في بحث منافع المغصوب وغلته :أن غلة المغصوب كالجرة المستفادة من إيجار العيان
المغصوبة ل تطيب في رأي أبي حنيفة ومحمد للغاصب ،لن الربح حصل بسبب خبيث :وهو
التصرف في ملك الغير ،وسبيله التصدق به.
وقال أبو يوسف وزفر :يطيب الربح للغاصب إذا دفع ضمانه ،لن المغصوب صار مملوكا له
بالضمان عملً بالقاعدة المقررة عند الحنفية« :المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا إلى وقت
الغصب» .
وأما منافع المغصوب من سكنى العقار وركوب السيارة أو الدابة ،ولبس الثوب ،واستعمال الشيء
وزراعة الرض ،فل تضمن كما ذكر عند الحنفية ،إل في ثلث حالت:
أن يكون المغصوب وقفا ،أو مال يتيم ،أو مالً معدا للستغلل ،أي الستثمار لن المنفعة ليست بمال
متقوم عندهم ،ول تتقوم إل بورود عقد الجارة عليها ،ولن المغصوب لو هلك يضمنه الغاصب عملً
بحديث «الخراج
-------------------------------
( )1هذا حديث أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم رأى
زرعا في أرض ظهير ،فأعجبه ،فقال :ما أحسن زرع ظهير! قالوا :إنه ليس لظهير ،ولكنه لفلن،
قال :فخذوا زرعكم ،وردوا عليه نفقته» (نيل الوطار.)320/5 :
( )6/580
بالضمان» ( )1أي الغنم بالغرم .وحينئذ ليس للقاضي إل الحكم برد المغصوب لصاحبه ما دام قائما،
ورد مثله أو قيمته إذا هلك.
وقال غير الحنفية كما تقدم :تضمن منافع المغصوب؛ لن المنافع أموال متقومة كالعيان ولن
«الغرض الظهر من جميع الموال هو منفعتها» كما قال العز بن عبد السلم (. )2
إل أن المالكية قالوا :تضمن منافع الموال من دور وأرض بالستعمال فقط .ول تضمن حالة الترك،
أي تضمن بالتفويت دون الفوات .وهذا إذا غصب ذات الشيء .أما إذا غصب المنفعة فقط كأن يغلق
الدار ويحبس الدابة ونحوهما ،فيضمنها بمجرد فواتها على صاحبها وإن لم يستعملها.
أما الشافعية والحنابلة فقالوا :تضمن منافع الموال التي يستأجر المال من أجلها بالغصب أو التعدي،
سواء استوفى الغاصب المنافع ،أم تركها حتى ذهبت ،أي تضمن بالتفويت أو بالفوات في يد عادية،
أي ضامنة معتدية (. )3
- 8اختلف الغاصب والمغصوب منه :
هناك مظاهر كثيرة لختلف الغاصب والمالك المغصوب منه ،لها أثر في تحمل تبعة الضمان ،فإن
صدقنا كلم الغاصب برئ من الضمان ،وإن صدقنا كلم
-------------------------------
( )1رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان
والحاكم وابن القطان ،وضعفه البخاري ،والخراج :هو الغلة والكراء (سبل السلم.)30/3 :
( )2قواعد الحكام 152/1 :وما بعدها.
( )3المقصود بالتفويت :استيفاء المنفعة كمطالعة الكتاب وركوب الدابة وشم المسك ولبس الثوب.
والمقصود بالفوات في يد عادية :هو ترك المنافع تضيع سدى بدون استيفاء كإغلق الدار دون إسكان
أحد فيها (مغني المحتاج.)286/2 :
( )6/581
المالك تحمل الغاصب الضمان .وللفقهاء كلم مطول في هذا الشأن نلخصه فيما يأتي:
أ ـ قال الحنفية ( : )1إذا قال الغاصب :هلك المغصوب في يدي (أي قضاء وقدرا) ولم يصدقه
المغصوب منه ،ول بينة للغاصب ،فالقاضي يحبس الغاصب مدة يظهر فيها عادة لو كان قائما ،ثم
يقضي عليه بالضمان؛ لن الحكم الصلي للغصب هو ـ كما تقدم ـ وجوب رد عين المغصوب؛
وأما القيمة فهي بدل (أو خلف) عنه ،وإذا لم يثبت العجز عن الصل ،ل يُقضى بالقيمة التي هي
خلَف.
ولو اختلف الغاصب والمالك في أصل الغصب ،أو في جنس المغصوب ونوعه ،أو قدره،أو صفته،
أو قيمته وقت الغصب ،فالقول قول الغاصب بيمينه في ذلك كله؛ لن المالك يدعي عليه الضمان،
وهو ينكر ،فكان القول قوله؛ لن اليمين في الشرع على من أنكر.
ولو ادعى الغاصب رد المغصوب إلى المالك ،أو ادعى أن المالك هو الذي أحدث العيب في
المغصوب ،فل يصدق الغاصب إل ببينة؛ لن البينة في الشرع على المدعي.
ولو تعارضت البينتان ،فأقام المالك البينة على أن الدابة أو السيارة مثلً تلفت عند الغاصب من
ركوبه ،وأقام الغاصب البينة على أنه ردها إلى المالك ،فتقبل بينة المالك ،وعلى الغاصب قيمة
المغصوب؛ لن بينة الغاصب ل تَدْفع بينة المغصوب منه؛ لنها قامت على رد المغصوب ،ومن
الجائز أنه ردها ،ثم غصبها ثانيا وركبها ،فتلفت في يده.
-------------------------------
( )1البدائع 163/7 :وما بعدها ،تكملة الفتح ،387/7 :اللباب مع الكتاب.194/2 :
( )6/582
ب ـ والمالكية ( )1قالوا مثل الحنفية :إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في دعوى تلف
المغصوب ،أو في جنسه ،أو صفته ،أو قدره ،ولم يكن لحدهما بينة ،فالقول قول الغاصب مع يمينه.
جـ ـ وقال الشافعية والحنابلة ( : )2إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في قيمة المغصوب ،بأن
قال الغاصب :قيمته عشرة ،وقال المالك :اثنا عشر ،صدق الغاصب بيمينه؛ لن الصل براءة ذمته
من الزيادة ،وعلى المالك البينة.
وإن اختلفا في تلف المغصوب ،فقال المغصوب منه :هو باق ،وقال الغاصب :تلف ،فالقول قول
الغاصب مع يمينه؛ لنه يتعذر إقامة البينة على التلف.
وكذلك لو اختلفا في قدر المغصوب أو في صناعة فيه ،ول بينة لحدهما ،فالقول قول الغاصب
بيمينه؛ لنه منكر لما يدعيه المالك عليه من الزيادة.
وإن اختلفا في رد المغصوب،فقال الغاصب :رددته ،وأنكره المالك ،فالقول للمالك؛ لن الصل معه
وهو عدم الرد ،وكذا لو اختلفا في عيب في المغصوب بعد تلفه؛ بأن قال الغاصب :كان مريضا أو
أعمى مثلً ،وأنكره المالك ،فالقول للمالك بيمينه؛ لن الصل السلمة من العيوب ،وهذا موافق لرأي
الحنفية.
والخلصة :يصدق الغاصب بيمينه حال الختلف بتلف المغصوب وبقائه ،والختلف في تقدير قيمة
المغصوب،وفي صفة المغصوب أو قدره .ويصدق المالك بيمينه في ادعاء رد العين المغصوبة على
المغصوب منه.
وهكذا يلحظ أن المذاهب الربعة متفقة في دعاوى اختلف الغاصب والمالك.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير ،456/3 :القوانين الفقهية :ص .331
( )2مغني المحتاج ،287/2 :المهذب ،376/1 :المغني ،272/5 :كشاف القناع.125/4 :
( )6/583
( )6/584
وإذا رد الغاصب الثاني المغصوب على الول ،برئ من الضمان ،وإذا رده إلى المالك برئ الثنان (
. )1
الغاصب الول ومن تصرف معه بالرهن ونحوه :
وكذلك للمالك عند الحنفية ( )2تضمين الغاصب الول أو المرتهن أو المستأجر أو المستعير أو
المشتري من الغاصب الول ،أو الوديع الذي أودعه الغاصب الول الشيء المغصوب ،فهلك في يده،
فإن ضمن الغاصب الول استقر الضمان عليه ،ولم يرجع بشيء على أحد .وإن ضمن المرتهن أو
المستأجر أو الوديع أو المشتري ،رجعوا على الغاصب بالضمان ،لنهم عملوا له والمشتري إذا ضمن
القيمة يرجع بالثمن على الغاصب البائع؛ لن البائع ضامن استحقاق المبيع ،ورد القيمة كرد العين.
وأما المستعير من الغاصب أو الموهوب له ،أو المتصدق عليه منه ،فيستقر الضمان عليه وإن كان
ل الغصب؛ لنه يعمل في القبض لنفسه.
جاه ً
أما الشافعية ( )3فقالوا :اليدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها
-------------------------------
( )1راجع المجلة :م ،911/الدر المختار.138/5 :
( )2رد المحتار.139/5 :
( )3مغني المحتاج.279/2 :
( )6/585
الغصب؛ لنه (أي الواضع) وضع يده على ملك غيره بغير إذنه ،والجهل ليس مسقطا للضمان بل
يسقط الثم فقط ،فيطالب المالك من شاء منهما .لكن ليستقر الضمان على الخذ من الغاصب إل
بعلمه بالغصب ،حتى يصدق عليه معنى الغصب ،أو إن جهل به وكانت يد الواضع في أصلها يد
ضمان ،كالمستعير والمشتري والمقترض والسائم؛ لنه تعامل مع الغاصب على الضمان ،فلم يغرّه.
أما إن جهل الواضع يده على المغصوب بالغصب ،وكانت يده يد أمانة بل اتهاب ،كوديع ومضارب،
فيستقر الضمان على الغاصب دون الخذ ،لنه تعامل مع الغاصب على أن يده نائبة عن يد الغاصب.
وأما الموهوب له فقرار الضمان عليه في الظهر؛ لنه وإن كانت يده ليست يد ضمان ،إل أن أخذه
الشيء للتملك.
وعلى هذا ،في حالة الجهل بالغصب :يستقر الضمان عند الحنفية والشافعية على المستعير والموهوب
له ،والمتصدق عليه فقط .وأما الوديع والمضارب المعتبر كل منهما أمينا ،فيستقر الضمان الذي دفعه
على الغاصب عند كل من الحنفية والشافعية .ول خلف بين الحنفية والشافعية في تضمين الغاصب
أو الخذ منه في كل الحوال.
- 10نفقة المغصوب :
تكون نفقة المغصوب أثناء غصبه على الغاصب بسبب ظلمه وتعديه ،جاء في كتب المالكية (: )1
وما أنفق الغاصب على المغصوب ،كعلف الدابة ،وسقي الرض وعلجها وخدمة شجر ونحو ذلك
مما ل بد للمغصوب منه ،يكون في نظير الغلة التي استغلها الغاصب من يد المغصوب؛ لنه وإن ظَلَم
ظلَم ،فإن تساوت النفقة مع الغلة فواضح ،وإن زادت النفقة على الغلة ،فل رجوع للغاصب
ل يُ ْ
بالزائد ،كما أنه إذا كان ل غلة للمغصوب ،فل رجوع له بالنفقة لظلمه ،وإن زادت الغلة على النفقة،
فللمالك الرجوع على الغاصب بزائدها.
وانفرد الحنابلة ( )2بالقول كما تقدم بأن للغاصب النفقة في حال غصب أرض وزراعتها ،واختيار
المالك أن يكون الزرع له ،وأن يدفع للغاصب نفقته ،عملً بالحديث المتقدم« :من زرع في أرض قوم
بغير إذنهم ،فليس له من الزرع شيء ،وعليه نفقته ( » )3والخيار الثاني :أن يقر المالك الزرع في
الرض إلى الحصاد ،ويأخذ من الغاصب أجر الرض وأرش نقصها.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.598/3 :
( )2المغني والشرح الكبير.392/5 :
( )3أخرجه أبو داود والترمذي ،وقال :حديث حسن.
( )6/586
( )6/587
أما غير المميز فل شيء عليه فيما أتلفه من نفس أو مال كالعجماء ،ومثله المجنون ( . )1والمعتمد
لدى المالكية إطلق الضمان من المميز وغير المميز ،جبرا للضرر.
إل أن الفقهاء اختلفوا في تقدير وجود السبب في بعض الحالت .منها ما يأتي:
أولً ـ فتح الباب أو حل الرباط :من فتح باب حانوت ،ثم تركه مفتوحا ،فسرق ،أو دل لصا أو ظالما
على شيء فأخذه أو فتح قفص طائر ،فطار ،أو حل رباط دابة فهربت ،أو فتح باب الصطبل
فخرجت ،أو حل رباط سفينة ،فغرقت أو ذهبت بها الريح.
ل يضمن المتسبب في هذه المثلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ( )2؛ لن مجرد الفتح ونحوه ليس
بإتلف مباشرة ول تسببا ،لتدخل عنصر آخر من التلف ،وهو السرقة أو الطيران أوا لهرب أو الغرق
ونحوها ،والسارق هو المباشر ،والطير أو الدابة هو الذي اختار الهرب ،والماء أو الريح كان السبب
في الغراق أو الضياع ،فلم يكن مجرد فتح الباب أو حل الرباط سببا محضا ،فل حكم له.
ويضمن هذا المتسبب عند المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن ( )3؛ لنه تسبب في التلف ،وحدوث
الضرر أمر متوقع في الطبع أو العادة .وهو الرأي المنطقي العادل في تقديري ،وقد أخذت به المجلة:
م (.)922
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق ،139/6 :الشباه والنظائر لبن نجيم ،77/1 :الدر المختار وحاشيته،378/5 :
،415بداية المجتهد 404/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،333 ،332مغني المحتاج،277/2 :
كشاف القناع.128/4 :
( )2البدائع ،166/7 :جامع الفصولين 115/2 :وما بعدها ،مجمع الضمانات :ص .148
( )3الشرح الكبير للدردير ،451/3 :القوانين الفقهية :ص ،332كشاف القناع 128/4 :ومابعدها،
المغني ،282 ،280/5 :القواعد لبن رجب :ص .285
( )6/588
وفصل الشافعية في المر ( )1فقالوا :من فتح قفصا عن طائر ،وهيجه ،فصار في الحال ،ضمنه ،لنه
ألجأه إلى الفرار ،وإن اقتصر على الفتح ،فالظهر أنه إن طار في الحال :ضمن؛ لن طيرانه في
الحال يشعر بتنفيره ،وإن وقف ثم طار ،فل يضمنه؛ لن طيرانه بعد الوقوف يشعر باختياره.
وهذا التفصيل ينطبق على حل رباط بهيمة ،أو فتح باب إصطبل ونحوه.
وكذلك لو حلّ رباطا عن علف في وعاء ،فأكلته بهيمة في الحال ،ضمنه ،أما من فتح باب حانوت
فسرقه إنسان ،أو دلّ سارقا ،فسرق ،فل ضمان عليه؛ لنه لم يوجد منه سبب يمكن تعليق الضمان
عليه به.
وإن حلّ رباط سفينة ،فغرقت ،فإن غرقت في الحال ضمن؛ لنها تلفت بفعله .وإن وقفت ،ثم غرقت:
فإن كان بسبب حادث كريح هبت ،لم يضمن لنها غرقت بغير فعله .وإن غرقت من غير سبب
حادث ففيه رأيان:
أحدهما ـ ل يضمن كالزّق إذا ثبت بعد فتحه ،ثم سقط.
والثاني ـ يضمن لن الماء أحد المتلفات.
ثانيا ـ فتح وعاء السمن (الزق ) :لو فتح إنسان زقا (ظرفا) فيه زيت أو سمن ونحوهما ،فخرج ما
فيه:
فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ( : )2إن كان الزيت ذائبا ،فسال منه ،ضمن .وإن كان السمن جامدا،
فذاب بالشمس ،وزال ،لم يضمن؛ لن المائع يسيل بطبعه إن وجد منفذا بحيث يستحيل استمساكه
عادة ،فكان حل الرباط إتلفا له تسْبيبا ،أما الجامد فل يسيل بطبعه ،فإن سال بحرارة الشمس ،فل يعد
فاتح الظرف سببا في إتلفه ،ول مباشرا له.
وقال المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن ( : )3يضمن من شق زق إنسان فيه دهن مائع ،فسال،
وهلك .أو حل وكاء زق جامد ،فأذابته الشمس ،فاندفق .أو بقي الزق بعد حله قاعدا ،فألقته ريح ،أو
زلزلة ،فاندفق ،فخرج ما فيه كله في الحال ،أو خرج قليلً قليلً ،أو خرج منه شيء بلّ أسفله فسقط
فاندفق؛ لن المتسبب متعد في جميع ذلك ،سواء حدث الضرر عقب فعله أو تراخى عنه .وهذا الرأي
هو المعقول.
وفصل الشافعية فقالوا ( : )4إذا كان الزّق مطروحا على الرض ،فخرج ما فيه بالفتح وتلف،
يضمن ،حتى ولو كان التقاطر بإذابة شمس ،أو حرارة ،أو ريح ،مع مرور الزمن؛ لن التلف ناشئ
عن فعله ،سواء حضر المالك ،وأمكنه تدارك المر ،فلم يفعل ،أم ل .وهذا كما قال المالكية ومن
معهم.
-------------------------------
( )1فتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع 245/11 :وما بعدها ،مغني المحتاج،278/2 :
المهذب 374/1 :وما بعدها.
( )2البدائع ،166/7 :مجمع الضمانات :ص .153 ،148
( )3القوانين الفقهية :ص ،332كشاف القناع ،129/4 :البدائع.166/7 :
( )4مغني المحتاج ،278/2 :المهذب ،375/1 :نهاية المحتاج 111/4 :وما بعدها.
( )6/589
أما إذا كان الزق منصوبا على شيء ،ففتحه :فإن سقط بالفتح وخرج ما فيه أو بابتلل أسفله منه،
ضمن ،وإن سقط بسبب ريح ،أو نحوها كزلزلة ،ووقوع طائر ،أو جهل الحال ،فلم يعلم سبب
سقوطه ،لم يضمن؛ لن التلف لم يحصل بفعله.
ثالثا ـ الترويع :إذا بعث الحاكم إلى امرأة يستدعيها إلى مجلس القضاء ،فأجهضت جنينها فزعا ،أو
زال عقلها:
فقال أبو حنيفة وابن حزم ( : )1ل ضمان في شيء من ذلك على أحد ،إذ ليس السبب متصلً بالنتيجة
قطعا.
وقال جمهور الفقهاء ( : )2يضمن الحاكم الدية ،لحادثة عمر الذي استدعى امرأة فأجهضت ،وقد سبق
الكلم عنها في الجنايات.
رابعا ـ الحيلولة والحبس :من حبس المالك عن ماله حتى تلف المال ،أو عن ماشيته حتى تلفت ،فقال
جمهور الحنفية ( : )3إن كان المال منقولً ضمن ،وإن كان عقارا لم يضمن .وهذا هو رأي أبي
حنيفة وأبي يوسف اللذين يريان إمكان تحقق الغصب في المنقول دون العقار .وقال محمد :يجري
الغصب فيهما.
وقال المالكية والحنابلة ( : )4على من فعل ذلك ضمان ما تلف به؛ لنه سبب هلكه.
وقال الشافعية ( : )5إن قصد المتسبب منع المالك عن ملكه ،ضمن ،وهو مبدأ الحيلولة :وهي أن
يحول بين الشخص وبين ملكه حائل حتى تلف .وإن لم يقصد منعه عن ملكه ،ولم يضمن لنه لم
يتصرف في المال ،وإنما تصرف في المالك.
وبه يظهر أن الحيلولة بين المالك وملكه سبب رابع من أسباب الضمان بعد (العقد ،واليد ،والتلف)
عند جمهور الفقهاء ،وعند الحنفية في المنقول دون غيره.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،397/5 :مجمع الضمانات :ص ،172الللئ الدرية في الفوائد الخيرية بهامش
جامع الفصولين ،112/2 :ط الولى بالزهرية :المحلى 29/11 :وما بعدها.
( )2الشرح الكبير ،244/4 :المهذب ،192/2 :المغني 832/7 :وما بعدها.
( )3جامع الفصولين ،117/2 :اللباب شرح الكتاب.189/2 :
( )4الشرح الكبير للدردير ،242/4 :المغني.834/7 ،223/5 :
( )5فتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع ،247/11 :نهاية المحتاج ،112/4 :مغني المحتاج:
. 283/2
( )6/590
( )6/591
ول ضمان عند جمهور الفقهاء ومنهم الصاحبان بإتلف الصنام وآلت اللهو والفساد كالمزمار
والرباب والعود ونحوها من أدوات الموسيقا ،لعدم تقوّمها؛ لن منفعتها محرمة ل تقابل بشيء
باعتبارها أدوات لهو ،فل قيمة لها ،كما تبين في غصب غير المتقوم.
وقال أبو حنيفة والشافعي :تضمن باعتبارها خشبا منحوتا فقط؛ لن هذه اللت كما تصلح للهو
والفساد ،تصلح للنتفاع بها من وجه آخر ،فكانت مالً متقوما من تلك الناحية فقط.
ول ضمان أيضا بإتلف الموال المباحة التي ليست مملوكة لحد لعدم تقوّمها؛ لن التقوم ينبني على
كون الشيء عزيز المنال ،خطير الهمية ،وهذا المعنى ل يتحقق إل بالحراز والستيلء.
ول ضمان كذلك بتحريق كتب الفسق والضلل ،لشتمالها على الكذب وللحاقها ضررا بعقيدة الناس
ووحدتهم ،فيجب إتلفها وإعدامها ،وهي أولى بالتلف من إتلف آلت اللهو والمعازف وإتلف آنية
الخمر الذي أمر به الرسول صلّى ال عليه وسلم ( ، )1فإن ضررها أعظم من ضرر هذه ،ول
ضمان فيها كما ل ضمان في كسرأواني الخمر وشق زقاقها (أي ظروفها وأوعيتها) ،وقد حرق
الصحابة جميع المصاحف المخالفة للمصحف الموحد الخط :وهو مصحف عثمان ،لما خافوا على
المة من الختلف في التلوة لختلف اللهجات وطرائق النطق (. )2
- 3أن يكون التلف (أو الضرر) محققا بنحو دائم :فإذا أعيد الشيء إلى الحالة التي كان عليها فل
ضمان ،كأن عولج المرض أو نبتت سن الحيوان في المدة
-------------------------------
( )1انظر نيل الوطار 329/5 :وما بعدها.
( )2الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لبن قيم:ص 271ومابعدها،275 ،ط أنصار السنة
المحمدية.
( )6/592
التي بقي فيها الشيء في يد المعتدي؛ لن النقص الحاصل عندما أزيل أو السن عندما نبتت ثانيا،
جعل الضرر كأن لم يكن ،ويرد على المعتدي ما أخذ منه بسبب النقصان ،لنه تبين أن النقصان لم
يكن موجبا للضمان لعدم تحقق شرط الوجوب وهو العجز عن النتفاع على طريق الدوام .وهذا رأي
أبي حنيفة.
وقال الصاحبان :على الجاني الرش كاملً؛ لن الجناية وقعت موجبة له ،والذي نبت نعمة جديدة من
ال (. )1
- 4أن يكون المتلف أهلً لوجوب الضمان :فل يضمن ما تتلفه بهيمته من أموال؛ لن فعل العجماء
جُبَار أي هدر .ول يشترط التمييز عند بعض المالكية ليجاب الضمان كما تقدم (. )2
- 5أن يكون في إيجاب الضمان فائدة :حتى يتمكن صاحب الحق من الوصول إلى حقه ،فإن لم يكن
في التضمين فائدة ،أي عدم القدرة على تنفيذ الحكم الصادر بالتعويض ،فل ضمان.
وعليه فل ضمان على المسلم بإتلف مال الحربي ( ، )3ول على الحربي بإتلف مال المسلم في دار
الحرب؛ إذ ليس لحاكم بلد سلطة أو ولية لتنفيذ الحكام على رعايا بلد آخر .وليس مال الحربي
بالنسبة للمسلم وعكسه محترما ،أي مصونا يجب الحفاظ عليه ،وإنما هو هَدَر .لهذا اشترط الفقهاء في
الضمان أن يكون المال محترما ،فمال الحربي في نظر الشرع مباح ،فمن أخذه ل يعد غاصبا (. )4
-------------------------------
( )1البدائع ،157 ،155/7 :تبيين الحقائق ،137/6 :اللباب شرح الكتاب.190/3 :
( )2وعلى هذا نصت المجلة :م.916/
( )3الحربي :هو بيننا وبين بلده عداوة وحرب.
( )4نهاية المحتاج.111/4 :
( )6/593
ول ضمان أيضا على العادل إذا أتلف مال الباغي ،ول على الباغي إذا أتلف مال العادل ( ، )1لعدم
إمكان الوصول إلى الضمان لعدم وجود الولية والسلطة.
وقيّد غير الحنفية ( )2عدم اللتزام بالضمان بين العادلين والبغاة بحال الحرابة (أو الحرب أو الخروج
على المام) لعذر البغاة بالتأويل.
وأضاف الشافعية ( )3على هذه الشروط أن تثبت اليد على المال :فل يضمن الشخص طائرا فزع من
مسيره من غير قصد ،فخرج من القفص الذي كان مفتوحا ،ول يضمن المشتري مبيعا تلف قبل
القبض.
وأما شروط الضمان في التلف تسبباً فهي ثلثة كما ذكر الحنفية (: )4
- 1التعدي :أن يحدث تعد من فاعل السبب .والتعدي :هو تجاوز الحق ،أو ما يسمح به الشرع ،كأن
يحفر شخص بئرا في الطريق العام من غير إذن الحاكم ،أو في غير ملكه عدوانا ،أو ل يتخذ
الحتياطات الواقية من وقوع الضرر ولو بإذن ،فإذا سقط فيه إنسان أو حيوان ،فالحافر ضامن .ومثله
أن يؤجج رجل نارا في يوم ريح عاصف ،فيتعدى إلى إتلف مال الغير؛ أو يحل وكاء وعاء فيه
شيء مائع فاندفق؛ أو يمزق وثيقة فضاع ما فيها من الحقوق؛ أو يفتح قفصا عن طائر ،فطار في
رأي غير أبي حنيفة وأبي يوسف ،أو يحمل حملً في الطريق ،فيقع على شيء فيتلفه ،أو يعثر أحد
بالحمل ،فيضمن في كل تلك الحالت لنه أثر فعله الذي هو تعدي.
-------------------------------
( )1العادل ضد الباغي ،وجمعه بغاة ،والبغاة قوم كالخوارج لهم شوكة ومنعة خالفوا جماعة المسلمين
في بعض الحكام الشرعية بتأويل فاسد لبعض النصوص ،وظهروا على بلدة من البلد السلمية،
ونظموا عسكرا لهم ،ونفذوا أحكامهم الخاصة.
( )2الشرح الكبير ،300/4 ،442/3 :مغني المحتاج 277/2 :وما بعدها ،كشاف القناع.128/4 :
( )3نهاية المحتاج.113/4 :
( )4جامع الفصولين ،124 ،112 ،116/2 :مجمع الضمانات :ص ،323شرح المجلة للشيخ خالد
التاسي ،464/3 :المادة 924من المجلة ،وانظر القواعد لبن رجب :ص 190وما بعدها ،الفروق
للقرافي ،208/2 ،27/4 :مغني المحتاج.278/2 :
( )6/594
- 2التعمد :وهو أن يصدر الفعل عن قصد وإرادة ،كأن يتلف شِرْب ( )1إنسان بأن يسقي أرضه
بشرب غيره ،أو يسد الماء عن أرض جاره ،فتيبس مزروعاته ،أو يجذب ثوب إنسان فيسقط منه ما
يحمله فيه ،فيتلف ،فيضمن .أما إذا لم يكن هناك تعمد ،كما لو جفلت دابة من رجل ،فهربت وضاعت،
فل يضمن ،لنه غير متعمد أو غير متعد في الدق .والحقيقة أن المراد بالتعمد هو التعدي ،سواء
أكان هناك قصد أم ل ،فلو صاح مجنون بدابة شخص ،فجفلت ووقع الراكب أو الحمل ،فتلف ،كان
ضامنا المال .وإن لم يكن عنده قصد الضرار ،لكنه متعد .وتكون القاعدة؛ «المتسبب ل يضمن إل
بالتعدي» و «المباشر ضامن وإن لم يتعد» .
- 3أن يؤدي السبب إلى النتيجة قطعا ،دون تدخل سبب آخر بحسب العادة :وبعبارة أخرى :أل
يتخلل بين السبب والمسبب فعل شخص آخر ،أو أل يكون التلف قد نشأ عن فعل آخر مختار مباشر،
فإن تدخل عنصر آخر مختار ،نسب الفعل إليه مباشرة.
أي إن اشترك المباشر والمتسبب ،ضمن المباشر إن كان السبب ل يؤثر في التلف بانفراده عادة ،كمن
حفر بئرا في مكان عدوانا ،فجاء غير الحافر ،وأردى فيه إنسانا أو حيوانا ،فالضمان عليه دون
الحافر ،أما إن تردى فيه بهيمة أو غيرها بنفسها ،فالحافر هو الضامن.
وإن كان السبب يؤثر بانفراده ،فإن المتسبب والمباشر يشتركان في الضمان ،كما لو نخس رجل دابة
آخر بإذنه ،فوطئت إنسانا ،فالضمان عليهما؛ لن السبب هنا يؤثر بانفراده ،كما أوضحت سابقا في
الجنايات.
هذا ...ول يشترط في الضامن التمييز أو كونه بالغا عاقلً عند الفقهاء ،فإن الصبي والمجنون
يضمنان ما يتلفانه من أموال ،كما بان سابقا في تعريف التلف.
-------------------------------
( )1الشرب :النصيب من الماء لرواء الراضي .وحق الشفة :هو حق شرب النسان والدواب.
( )6/595
ول تكون حالة الضرورة سببا للعفاء من الضمان ،فمن اضطرحال الجوع مثلً لتناول مال الغير،
فإنه يلزمه ضمانه بالرغم من إباحة التناول حفاظا على النفس من الهلك؛ لن القاعدة تقول:
«الضطرار ل يبطل حق الغير» .
ول يصلح الجهل بكون المال المتلف مال الغير سببا أيضا للتخلص من الضمان.
فالعلم بكون المتلف مال الغير ،ليس بشرط لوجوب الضمان ،فمن أتلف مالً ظانا أنه ملكه ،ثم تبين
أنه مملوك لغيره ،ضمنه؛ لن التلف واقعة مادية ل يتوقف وجودها على العلم بكون التلف مال
الغير .كل ما في المر أن التلف إذا تم مع العلم ،فيوجب الضمان والثم الخروي ،وإذا حدث
جهلً فيوجب الضمان فقط ،ويرتفع الثم؛ لن الخطأ مرفوع المؤاخذة شرعا ،لقوله صلّى ال عليه
وسلم « :إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان ،وما استكرهوا عليه» (. )1
المطلب الثالث ـ كيفية الضمان أو ماهيته :
الواجب بالتلفات المالية هو الواجب بالغصب :وهو ضمان المثل إن كان المتلف مثليا ،وضمان
القيمة يوم التلف فيما ل مثل له؛ لن ضمان التلف ضمان اعتداء ،والعتداء لم يشرع إل بالمثل.
فعند المكان يجب العمل بالمثل المطلق (وهو المثل صورة ومعنى) ،وعند التعذر يجب المثل معنى،
وهو القيمة ،كما في الغصب (. )2
لكن إن تلف المغصوب المثلي ،وفقد مثله ،فتجب قيمته يوم انقطاع المثل عند الحنابلة ،لن القيمة
وجبت في الذمة حينئذ (المغني.)258/5 :
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث ابن عباس رضي ال عنهما.
( )2البدائع ،168/7 :القوانين الفقهية :ص ،332مغني المحتاج ،284/2 :غاية المنتهى.246/2 :
( )6/596
( )6/597
دليل على جواز الدفاع عن الدين والنفس والمال والعرض ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم لما جعل
المدافع شهيدا ،دل على أن له القتل والقتال.
وأما جواز الدفاع عن الغير :فأساسه الحفاظ على الحرمات مطلقا من نفس أو مال ،فلول التعاون،
لذهبت أموال الناس وأنفسهم؛ لن قطاع الطرق مثلً إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يُعنه غيره ،فإنهم
يأخذون أموال الكل واحدا واحدا ،وكذلك غيرهم .وقد قال النبي صلّى ال عليه وسلم «انصر أخاك
ظالما أو مظلوما ،قيل :كيف أنصره ظالما؟ قال :تحجزه عن الظلم ،فإن ذلك نصره» ( )1وقال أيضا:
«من أذل عنده مؤمن ،فلم ينصره ،وهو يقدر على أن ينصره ،أذله ال على رؤوس الشهاد يوم
القيامة» ( )2وفي حديث «إن المؤمنين يتعاونون على الفُتّان» (. )3
وحكم الدفاع الشرعي :هو الباحة ،فتكون أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء ( ، )4فل مسؤولية على
المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية ،إل إذا تجاوز حدود المشروع ،فيصبح عمله جريمة يسأل عنها
مدنيا وجزائيا ،وعليه القصاص .ول يجوز للمدافع القتل إل إذا ثبت ببينة أن الصائل لم يندفع إل به،
كأن يرى الشهود أن الصائل أقبل بسلح مشهور على المدافع ،فضربه هذا .ول يقبل القول بمجرد
ادعاء المدافع أنه قد هاجم منزله ،فلم يمكنه دفعه إل بالقتل ،كما ل يقبل قول الشهود بأنهم رأوا
الصائل داخلً الدار ولم يذكروا سلحا .فإن لم يحضر أحد من الناس يقبل عند المالكية قول المدافع
بيمينه (. )5
-------------------------------
( )1رواه أحمد في مسنده والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك.
( )2رواه أحمد في مسنده عن سهل بن حنيف (نيل الوطار.)327/5 :
( )3رواه أبو داود ولفظه «المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر ،ويتعاونان على الفتان» أي
الشيطان .وبضم الفاء :جمع.
( )4المراجع السابقة في بدء هذا المطلب ،نظرية الضرورة الشرعية للمؤلف :ص .142-140
( )5الشرح الكبير للدردير ،357/4 :المغني.333/8 :
( )6/598
( )6/599
- 3أل يمكن دفع العتداء بطريق آخر ،فإذا أمكنه ذلك بوسيلة أخرى كالستغاثة أو الستعانة بالناس
أو برجال المن ،ولم يفعل ،فهو معتد.
- 4أن يدفع العتداء بالقوة اللزمة :أي بالقدر اللزم لرد العتداء بحسب ظنه .باليسر فاليسر،
كما بينت في المطلب الول.
المبحث الثالث ـ هل دفع الصائل حق مباح أو واجب؟
الكلم على هذا المطلب يقتضي التفصيل في كل حالة من حالت الدفاع الشرعي على حدة.
حكم الدفاع عن النفس :
إذا هوجم إنسان بقصد العتداء على نفسه ،أو عضو من أعضائه ،سواء أكان الهجوم من إنسان آخر
أم من بهيمة ،فيجب على المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه في رأي أبي حنيفة والمالكية ،والشافعية (
، )1إل أن الشافعية قيدوا وجوب دفع الصائل في هذه الحالة بما إذا كان الصائل كافرا أو بهيمة؛ لن
الستسلم للكافر ذل في الدين ،والبهيمة تذبح لستبقاء نفس النسان.
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق ،110/6 :البدائع ،93/7 :تكملة فتح القدير ،269/8 :الدر المختار ورد المحتار:
،387/5 ،197/2الفتاوى الهندية ،51 ،7/6 :مواهب الجليل للحطاب ،323/6 :الشرح الكبير
والدسوقي ،357/4 :المنتفى على الموطأ ،61/6 :تنوير الحوالك شرح الموطأ ،220/2 :الفروق:
،185/4مغني المحتاج ،195 ،21/4 :المهذب.225/2 :
( )6/600
وأما إذا كان الصائل مسلما فالظهر عند الشافعية أنه يجوز الستسلم له ،بل يسن لخبر أبي داود:
«كن خير ابني آدم» يعني قابيل وهابيل ،واشتهر ذلك عن الصحابة رضي ال تعالى عنهم ،ولم ينكر
عليه أحد ،وأضاف الشافعية بأن الدفع عن نفس غيره في اليجاب وعدمه كالدفع عن نفسه.
وقيد المالكية وجوب الدفاع بأن يكون بعد النذار ندبا كالمحارب إن أمكن :بأن يقول له :ناشدتك ال
إل ما تركتني ونحوه ،فإن لم ينكف أو لم يمكن ،جاز له دفعه بالقتل وغيره.
ودليل القائلين بإيجاب الدفاع عن النفس قوله تعالى{ :ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة]195/2:
وقوله سبحانه {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال } [الحجرات{ ]9/49:فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة{ ]194/2:وجزاء سيئةٍ سيئ ٌة مثلها} [الشورى]40/42:
وبما أن النسان يجب عليه صيانة نفسه بأكل ما يجده حال الجوع ،فيجب عليه الدفاع عن نفسه.
وقال الحنابلة ( ، )1ورأيهم هو المتفق مع السنة :إن دفع الصائل على النفس جائز ل واجب ،سواء
أكان الصائل صغيرا أم كبيرا أم مجنونا ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم في حال الفتنة« :اجلس في
ط وجهك» وفي لفظ «تكون فتن ،فكن فيها عبد ال
بيتك ،فإن خفت أن يَبهرك شعاع الشمس ،فغ ّ
المقتول ،ول تكن القاتل» ( )2وقد صح أن عثمان رضي ال عنه منع عبيده أن يدافعوا عنه ،وكانوا
أربع مئة ،وقال« :من ألقى سلحه فهو حر» .قالوا :وهذا مخالف لحال المضطر إلى الطعام :يلزمه
الكل منه؛ لن في القتل شهادة ،وإحياء نفس غيره ،وفي الكل إحياء نفسه من غير مساس بنفس أحد
غيره.
-------------------------------
( )1المغني 329/8 :وما بعدها ،كشاف القناع.143/4 :
( )2أخرجه ابن أبي خيثمة والدارقطني عن عبد ال بن خباب بن الرت ،وأخرجه أحمد نحوه عن
خالد ابن عرفطة.
( )6/601
( )6/602
هَدر .وأما فعل الصبي والمجنون فل يوصف بكونه جريمة أو بغيا ،فل تسقط به عصمة النفس ،ول
يتوافر بالتالي شرط جواز الدفاع عن النفس؛ لن من شرائطه أن يكون هناك اعتداء أو عدوان
عندهم ،كما تقدم ،ولن الدفاع شرع لدفع الجرائم ،ول جريمة ههنا.
وقال أبو يوسف :يعد فعل الصبي والمجنون جريمة ،بدليل أنه يجب عليهما ضمان المتلفات ،إل أنه
رفع العقاب عنهما لعدم الدراك .أما فعل الدابة ،فليس جريمة ،ول يجب الضمان على ما تتلفه؛ لن
العجماء جبار والشرط أن يكون العتداء جريمة.
والخلصة :أن أبا حنيفة ل يرى وجودا لحالة الدفاع في صيال الصبي والمجنون والحيوان ،وإنما
يحق الدفاع على أساس الضرورة ،أي فيجب الضمان أو التعويض .وأما أبو يوسف فيرى وجود حالة
الدفاع إذا صال الصبي أو المجنون ،كما هو رأي غير الحنفية .أما إذا صال الحيوان فيدفع على
أساس الضرورة ،فتجب قيمته بإتلفه.
وأما جمهور الفقهاء فيرون توافر حالة الدفاع في كل الحالت المذكورة؛ لن من واجب النسان أن
يدافع عن النفس والمال عند كل اعتداء ،وإن فعل العتداء بذاته ل يحل دم الصائل ،ولكنه يوجب أو
يجيز منع العتداء ،على الخلف السابق بينهم على رأيين ،فالمطالبة بمنع العتداء هو الذي أحل دم
الصائل ،وليس العتداء ذاته ،فليشترط إذن أن يكون العتداء ذاته جريمة معاقبا عليها.
( )6/603
ورأي الحنابلة ( : )1أن من دفع صائلً عن نفسه أو عن ولده ونسائه ومحارمه كأخته وعمته بالقتل
لم يضمنه ،ولو دفعه عن غيره بالقتل ضمنه.
حكم العاض :وأما من عض يد إنسان ،فانتزعها منه ،فسقطت أسنانه ،فلضمان عليه ،أي ل يسأل
مدنيا بدفع الدية عند غير المالكية ،بدليل حديث عمران بن حصين «أن رجلً عض يد رجل ،فنزع
يده من فيه ،فوقعت ثنيتاه ( ، )2فاختصموا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال :يَعضّ أحدكم يد
أخيه ،كما يعض الفَحْل ( ، )3ل
دية لك» ( )4وحديث يعلى بن أمية قال« :كان لي أجير ،فقاتل إنسانا ،فعض أحدهما صاحبه ،فانتزع
أصبعه ،فأنذر ثنيته (أي أزالها) ،فسقطت ،فانطلق إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ،فأهدر ثنيته،
وقال :أيدع يده في فيك ،تقضَمها كما َيقْضَم الفحل» (. )5
وقال المالكية :إنه يجب الضمان في مثل ذلك ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :في السن خمس من
البل» ( )6ولكن قال يحيى بن يعمر وابن بطال :لو بلغ مالكا هذا الحديث ـ حديث ابن الحصين
ويعلى ـ لم يخالفه (. )7
حكم الدفاع عن العرض :
إذا أراد فاسق العتداء على شرف امرأة ،فيجب عليها باتفاق الفقهاء ( )8أن تدافع عن نفسها إن
أمكنها الدفع؛ لن التمكين منها للرجل حرام ،وفي ترك الدفاع تمكين منها للمعتدي ،ولها قتل الرجل
المكره ،ولو قتلته كان دمه هَدرا ،إذا لم يمكن دفعه إل بالقتل.
وكذلك يجب على الرجل إذا رأى غيره يحاول العتداء على امرأة أن
-------------------------------
( )1كشاف القناع.143/4 :
( )2الثنية :واحدة الثنايا أي أسنان مقدم الفم ،ثنتان من فوق ،وثنتان من أسفل.
( )3الفحل :الذكر من كل حيوان.
( )4رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة ماعدا أبا داود.
( )5رواه الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) إل الترمذي.
( )6رواه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وأحمد.
( )7المغني 333/8 :ومابعدها ،مغني المحتاج ،197/4 :نيل الوطار ،25/7 :الميزان للشعراني:
،173/2والمهذب .225/2 :واشترط الشافعية لعدم ضمان رمي الناظر إلى البيوت :عدم وجود
محرم وزوجة للناظر ،فإن كان له شيء من ذلك حرم رميه لن له في النظر شبهة.
( )8الدر المختار ،397/5 ،197/3 :البدائع ،93/7 :بداية المجتهد ،319/2 :مجمع الضمانات :ص
،203مغني المحتاج 194/4 :ومابعدها ،المهذب ،225/2 :المغني 331/8 :ومابعدها ،كشف
السرار ،1520/4 :الشرح الكبير للدردير.357/4 :
( )6/604
يدفعه ،ولو بالقتل إن أمكنه الدفاع ،ولم يخف على نفسه؛ لن العراض حرمات ال في الرض ،ل
سبيل إلى إباحتها بأي حال ،سواء عرض الرجل أو عرض غيره.
ول يسأل المدافع جنائيا ول مدنيا ،فل قصاص ول دية عليه ،لظاهرالحديث« :من قتل دون أهله فهو
شهيد» ( )1ولما ذكره المام أحمد من حديث الزهري بسنده عن عبيد بن عمير« :أن رجلً أضاف
ناسا من هذيل ،فأراد امرأة على نفسها ،فرمته بحجر فقتلته ،فقال عمر :وال ل يودى أبدا» ،ولنه
إذا جاز الدفاع عن المال الذي يجوز بذله وإباحته ،فدفاع المرأة أو الرجل عن أنفسهم ،وصيانتهم عن
الفاحشة التي لتباح بحال :أولى.
الزاني بامرأته :كذلك لقصاص ول دية في المذاهب الربعة ( )2على من وجد رجلً يزني بامرأته،
فقتله ،لما روي« :أن عمر رضي ال عنه بينما هو يتغدى يوما ،إذ أقبل رجل يعدو ،ومعه سيف
مجرد ملطخ بالدم ،فجاء حتى قعد مع عمر ،فجعل يأكل ،وأقبل جماعة من الناس ،فقالوا :يا أمير
المؤمنين ،إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته ،فقال عمر :ما يقول هؤلء؟ قال :ضرب الخر فخذي
امرأته بالسيف ،فإن كان بينهما أحد ،فقد قتله ،فقال لهم عمر :مايقول؟ قالوا :ضرب بسيفه فقطع
فخذي امرأته ،فأصاب وسط الرجل ،فقطعه باثنين ،فقال عمر :إن عادوا فعد» (. )3
وإذا كانت المرأة مطاوعة فل ضمان عليه فيها .وإن كانت مكرهة فعليه القصاص.
-------------------------------
( )1سبق تخريجه.
( )2المراجع السابقة ،المغني.332/8 :
( )3رواه هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ،وأخرجه سعيد بن منصور.
( )6/605
ول بد من البينة كما تقدم في حكم الدفاع .وفي البينة روايتان عند الحنابلة :في رواية :أنها أربعة
شهداء ،لما روي عن علي رضي ال عنه أنه سئل عن رجل دخل بيته ،فإذا مع امرأته رجل ،فقتلها
وقتله ،قال علي :إن جاء بأربعة شهداء ،وإل فليعط برمته أي تضمين ديته .ولما روى أبو هريرة:
«أن سعد بن عبادة قال :يا رسول ال ،أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلً أمهله ،حتى آتي بأربعة
شهداء؟ فقال النبي صلّى ال عليه وسلم :نعم» (. )1
وفي رواية أخرى :إنه يكفي شاهدان ،لنه البينة تشهد على وجوده على المرأة ،وهذا يثبت بشاهدين،
وإنما الذي يحتاج إلى أربعة هو الزنا ،وهذا ل يحتاج إلى إثبات الزنا.
فإن لم تكن بينة فادعى الزوج علم ولي المرأة بالزنا ،فالقول قول الولي بيمينه ،عند الحنابلة.
الطلع على داخل البيوت :
لو اطلع إنسان بدون إذن على بيت إنسان من ثقب أو شق باب أو نحوه ،فرماه صاحب البيت بحصاة
أو طعنه بعود ،فقلع عينه ،فل مسؤولية عليه جنائيا ول مدنيا ،أي ل قصاص ول دية عند الشافعية
والحنابلة (، )2لقوله صلّى ال عليه وسلم « :لو أن رجلً اطلع عليك بغير إذن ،فخذفته ( )3بحصاة،
ففقأت عينه ،ما كان عليك جناح» ( . )4وقوله عليه الصلة والسلم« :من اطّلع في بيت قوم بغير
إذنهم ،فقد
-------------------------------
( )1أخرجه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت ( فتح الباري.) 154/12 :
( )2مغني المحتاج 197/4 :ومابعدها ،المهذب ،225/2 :أعلم الموقعين ،336/2 :المغني.335/8 :
( )3الخذف :الرمي بالحصاة ،والحذف :الرمي بالعصا ،ل بالحصا.
( )4متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة.
( )6/606
حل لهم أن يفقؤوا عينه» ( )1وفي لفظ «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ،ففقؤوا عينه ،فل دية له
ول قصاص» (. )2
هذا إذا رماه بشيء خفيف كحصاة .أما إذا رمى صاحب الدار الناظر بما يقتله عادة كحجر قاتل ،أو
حديدة ثقيلة ،أو نشاب ،فيلزم بالقصاص ،أو الدية عند العفو عنه؛ لن له ما يقلع به العين المبصرة
التي حصل الذى منها ،دون مايتعدى إلى غيرها.
فإن لم يندفع الناظر بالشيء اليسير ،جاز ـ كما في الصيال ـ رميه بأشد منه ،حتى القتل ،سواء
أكان الناظر في الطريق ،أم في ملك نفسه ،أم في غيرهما .وقد بين النبي صلّى ال عليه وسلم الحكمة
من منع الطلع على البيوت فقال« :إنما جعل الستئذان من أجل البصر» (. )3
وقال الحنفية والمالكية ( : )4يسأل جنائيا صاحب الدار في هذه الحالة ،فيجب عليه القصاص أو
الدية ،لقوله عليه الصلة والسلم« :في العين نصف الدية» ( ، )5ولن مجرد النظر بالعين ليبيح
الجناية على الناظر ،كما لو نظر من الباب المفتوح ،وكما لو دخل منزله ،ونظر فيه ،أو نال من
امرأته ما دون الجماع ،لم يجز قلع عينه ،فمجرد النظر أولى.
ويلحظ أن الختلف بين الرأيين هو فيمن نظر من خارج الدار ،أما لو أدخل شخص رأسه ،فرماه
صاحب الدار بحجر ،ففقأ عينه ،فل يضمن إجماعا.
-------------------------------
( )1رواه أحمد.
( )2رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد.
( )3رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد.
( )4تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه ،110/6 :الفتاوى الهندية ،7/6 :رد المحتار على الدر:
،390/5تكملة فتح القدير ،269/8 :مجمع الضمانات :ص ،169القوانين الفقهية :ص ،351رحمة
المة بهامش الميزان للشعراني ،159/2 :ط البابي الحلبي.
( )5أخرجه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة ،وابن الجارود وابن حبان وأحمد (سبل
السلم.)244/3 :
( )6/607
( )6/608
( )6/609
( )6/610
وإذا زوج الحاكم اللقيط فالمهر يدفع من بيت المال ،إل إذا كان للقيط مال ،فيكون في ماله .كذلك يدفع
للقيط من بيت المال ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة ودواء ونحوها ،وهو مروي عن عمر وعلي
رضي ال عنهما ،ولن بيت المال معد للصرف إلى مثله من المحتاجين ،كالمقعد الذي ل مال له،
ولن ميراثه لبيت المال ،والخراج بالضمان أي لبيت المال غنمه أي (ميراثه) وديته ،وعليه غرمه.
- 3إن اللقيط حر مسلم :لن الصل في النسان إنما هو الحرية ،والصل بقاء ما كان حتى يوجد ما
يغيره ،ولن الدار دار إسلم ودار حرية ،فمن كان فيها يكون حرا بمقتضى الصل العام ،إذ هو
الحكم الغالب والمر الظاهر ،ويكون أيضا مسلما تبعا لدار السلم.
وبناء عليه ،إذا وجد اللقيط مسلم في بلد إسلمي يكون مسلما ،حتى لو مات يغسل ويصلى عليه،
ويدفن في مقابر المسلمين ،أما إذا وجده ذمي أو مسلم في بِيعة (معبد) النصارى أو كنيسة اليهود أو
في قرية ليس فيها مسلم يكون ذميا تحكيما للظاهر .ولو وجده ذمي في بلد إسلمي يكون مسلما ،أي
أن العبرة للمكان.
وفي رواية النوادر عند ابن سماعة :ينظر إلى حال الواجد من كونه مسلما أو ذميا ول يلتفت إلى
المكان؛ لن اليد (أي الحيازة) أقوى من المكان ،بدليل أن تبعة البوين فوق تبعة الدار.
وفي رواية أخرى يكون اللقيط مسلما بحسب حال الواجد ،أو المكان.
( )6/611
قال الكاساني :والصحيح هذه الرواية ،فإذا وجده مسلم في بلد إسلمي كان مسلما تبعا للدار ،وإذا
وجده كافر في دار السلم كان مسلما ،أو وجده ذمي أو مسلم في كنيسة كان ذميا (. )1
فتكون القوال ثلثة :العبرة للمكان ،أو العبرة للواجد ،أو العبرة للمكان أو الواجد ،والقول الثالث هو
الصح عند الحنفية.
وقال الشافعية والحنابلة :إذا وجد لقيط بدار السلم فهو مسلم ،وإن وجد بدار الكفار فكافر إن لم
يسكنها مسلم كأسير وتاجر،فإن سكنها مسلم فهو مسلم في الصح ( )2تغليبا للسلم ،بدليل ما روى
أحمد والدارقطني« :السلم يعلو ول يعلى عليه» .
- 4حكم النسب :يعتبر اللقيط مجهول النسب ،حتى لو ادعى إنسان نسبة اللقيط تصح دعوته، ،ويثبت
النسب منه .وبناء عليه :لو ادعى الملتقط أو غيره أن اللقيط ابنه تسمع دعواه من غير بينة ،والقياس
أل تسمع إل ببينة.
وجه القياس ظاهر ،وهو أنه يدعي أمرا يحتمل الوجود وعدمه ،فل بد من ترجيح أحد الجانبين على
الخر بمرجح ،وذلك بالبينة ،ولم توجد.
ووجه الستحسان :أن هذا الدعاء إقرار بما ينفع اللقيط؛ لنه يتشرف بالنسب ويعير بفقده ،وتصديق
المدعي في مثل هذا ل يتطلب البينة .لكن لو ادعى نسبه ذمي تقبل دعواه ،ويثبت نسبه منه ،لكنه
يكون مسلما؛ لن ادعاء النسب يقبل فيما ينفع اللقيط ل فيما يضره ،ول يلزم من كونه ابنا له أن
يكون كافرا ،كما لو أسلمت أمه مثلً ،فيلحق الولد خير البوين دينا ،كما هو معروف.
ولو ادعاه رجلن أنه ابنهما ،ول بينة لهما ،فإن كان أحدهما مسلما ،والخر ذميا ،فالمسلم أولى بثبوت
نسبه منه؛ لنه أنفع للقيط.
-------------------------------
( )1البدائع.198/6 :
( )2مغني المحتاج ،422/2 :المغني.681/5 :
( )6/612
وإن كان المدعيان مسلمين حرين :فإن وصف أحدهما علمة في جسد الولد ،فهو أحق به عند
الحنفية؛ لن ذكر العلمة يدل على أنه كان في يده ،فالظاهر أنه له ،فيترجح بها ،بدليل قوله تعالى
مخبرا عن أهل امرأة عزيز مصر{ :إن كان قميصه قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين ،وإن كان
قميصه قدّ من دُبُر ،فكذبت وهو من الصادقين} [يوسف.]27-26/12:
وإن لم يصف أحدهما علمة ،أو أقام كل منهما البينة ،يحكم بكونه ابنا لهما ،إذ ليس أحدهما بأولى من
الخر ،وقد روي عن سيدنا عمر في مثل هذا أنه قال :إنه ابنهما يرثهما ويرثاه.
وإن ذكر أحدهما بينة ،والخر علمة ،فصاحب البينة أولى؛ لنه ترجح جانبه بمرجح.
وقال الشافعية :إن ادعى اللقيط اثنان ولم يكن لحدهما بينة ،عرض اللقيط على القائف ( )1فيلحق من
ألحق به؛ لن في إلحاقه أثرا في النتساب عند الشتباه (. )2
وإن ادعت امرأة أن اللقيط ابنها :فإن لم يكن لها زوج ،ل يصح ادعاؤها؛ لن فيه حمل نسب شخص
على الغير وهو الزوج ،وهو ل يجوز .وإن كان لها زوج فصدقها في ادعائها أو شهدت لها القابلة،
أو شهد لها شاهدان ،ثبت النسب منها.
ولو ادعته امرأتان ،وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به ،وإن أقامت كل منهما البينة ،فهو ابنهما عند
أبي حنيفة .وعند أبي يوسف :ل يكون لواحدة منهما .وعن محمد روايتان :في رواية يجعل ابنهما،
وفي رواية :ل يجعل ابن واحدة منهما.
-------------------------------
( )1القائف جمعه قافة :وهم قوم يعرفون النساب بالشبه ،والقائف :من عرفت منه معرفة النساب
بالشبه ،وتكررت منه الصابة .والصل في القائف :هو الذي يتبع الثار والشباه ويقفوها ،أي يتبعها،
فهو المتبع للشيء.
( )2مغني المحتاج.428/2 :
( )6/613
( )6/614
هذا هو الحكم العام ،ثم فصل علماء كل مذهب تفصيلت مذهبية ،المهم منها الشارة إلى مذهب
الحنفية ،ومثلهم الشافعية ،فإنهم قالوا :يستحب اللتقاط لواثق بأمانة نفسه إذا خاف ضياع اللقطة لئل
يأخذها فاسق ،فإن لم يخف ضياعها فالتقاطها مباح ،وإن علم من نفسه الخيانة بأن يأخذ اللقطة لنفسه،
ل لصاحبها
فيحرم اللتقاط ،لما روي عن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أنه قال« :ل يأوي الضالة إل ضال» (
. )1
- 2وأما حكمها من حيث الضمان وعدمه :فقال الحنفية :اللقطة أمانة في يد الملتقط ل يضمنها إل
بالتعدي عليها ،أو بمنع تسليمها لصاحبها عند الطلب ،وذلك إذا أشهد الملتقط على أنه يأخذها ليحفظها
ويردها إلى صاحبها؛ لن الخذ على هذا الوجه مأذون فيه شرعا ،قال صلّى ال عليه وسلم « :من
وجد لقطة فليشهد ذوي عدل» ( . )2وهو أمر يقتضي الوجوب ،ولنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه
أخذها لنفسه ،ويكفيه للشهاد أن يقول :من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي.
وكذلك تكون أمانة إذا تصادق صاحب اللقطة والملتقط أنه التقطها ليحفظها للمالك.
فإن لم يشهد الملتقط ولم يتصادقا ،وإنما قال الخذ :أخذتها للمالك وكذبه المالك يضمن اللقطة عند أبي
حنيفة ومحمد؛ لن الظاهر أنه أخذ اللقطة لنفسه ،ل للمالك.
وقال المالكية والشافعية والحنابلة :اللقطة أ مانة ،ولكن ل يشترط الشهاد على اللقطة وإنما يستحب
فقط ،وإذا لم يشهد الخذ فل يضمن عندهم وعند أبي يوسف أيضا؛ لن اللقطة وديعة ،فل ينقلها ترك
الشهاد من المانة إلى الضمان،
-------------------------------
( )1رواه مسلم وأحمد عن زيد بن خالد بلفظ« :ل يأوي الضالة إل ضال ما لم يعرّفها » ورواه أحمد
وأبو داود وابن ماجه بلفظ «ل يأوي الضالة إل ضال» (نيل الوطار ،344 ،338/5 :سبل السلم:
.)94/3
( )2رواه أحمد وابن ماجه عن عياض بن حمار ،ورواه أيضا أبو داود والنسائي والبيهقي والطبراني
وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان (نيل الوطار ،338/5 :نصب الراية ،466/3 :سبل
السلم ،96/3 :اللمام :ص .)370
( )6/615
بدليل ما جاء من حديث سليمان بن بلل وغيره أنه قال« :إن جاء صاحبها ،وإل فلتكن وديعة عندك»
( . )1
وأما عدم اشتراط الشهاد ،فلن الرسول صلّى ال عليه وسلم أمر زيد بن خالد وأبي بن كعب
بتعريف اللقطة فقط دون الشهاد ( ، )2ومن المعلوم أنه ل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ،فلو
كان الشهاد واجبا لبينه النبي صلّى ال عليه وسلم حينما سئل عن حكم اللقطة ،وحينئذ تعين حمل
المر بالشهاد في حديث عياض الذي استدل به الحنفية على الندب والستحباب فقط (. )3
أ ـ وبناء على رأي أبي حنيفة ومحمد :لو أخذ الشخص اللقطة ثم ردها إلى مكانها الذي أخذها منه،
ل ضمان عليه في ظاهر الرواية؛ لنه أخذها محتسبا متبرعا ليحفظها على صاحبها ،فإذا ردها إلى
مكانها فقد فسخ التبرع .فصار كأنه لم يأخذها أصلً .هذا إذا كان المالك قد صدق الملتقط أنه أخذها
ليحفظها ،أو كان الملتقط قد أشهد على ذلك ثم ضاعت .فإن كان لم يشهد يجب عليه الضمان عند أبي
حنيفة ومحمد.
وعند أبي يوسف :ل يجب الضمان ،سواء أشهد أم لم يشهد ،ويكون القول قول الملتقط بيمينه أنه
أخذها ليحفظها لصاحبها.
-------------------------------
( )1حديث سليمان رواه مسلم (نيل الوطار ،المرجع السابق :ص ،341اللمام بأحاديث الحكام:
ص ،371شرح مسلم.)25/12 :
( )2حديث زيد رواه البخاري ومسلم وأحمد كما ذكرت سابقا ،وحديث أبي بن كعب رواه مسلم وأحمد
والترمذي (نيل الوطار ،المرجع السابق :ص 338وما بعدها).
( )3المبسوط ،12/11 :فتح القدير ،المرجع السابق ،البدائع ،201/6 :تبيين الحقائق ،301/2 :مجمع
الضمانات :ص 209وما بعدها ،بداية المجتهد 303/2 :وما بعدها ،الشرح الكبير ،121/4 :القوانين
الفقهية :ص ،342مغني المحتاج ،407/2 :المغني ،647 ،644/5 :القواعد لبن رجب :ص .53
( )6/616
وقال مالك :ل ضمان على من رد اللقطة إلى موضعها ،لما روي عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيرا:
«أرسله حيث وجدته» .ولكن المشهور في مذهب المالكية أن الملتقط يضمن اللقطة إذا ردها
لموضعها أو لغيره بعد أخذها للحفظ.
ورأى الشافعية والحنابلة :أنه إذا أخذ اللقطة إنسان ،ثم ردها إلى موضعها ضمنها؛ لنها أمانة صارت
في يده ،فلزمه حفظها ،فإذا ضيعها لزمه ضمانها كما لو ضيع الوديعة.
فصار رأي الجمهور هو وجوب الضمان برد اللقطة إلى مكانها.
ب ـ ويضمن الملتقط اللقطة إذا دفعها إلى غيره بغير إذن القاضي؛ لنه يجب عليه حفظها بنفسه،
بالتزامه الحفظ باللتقاط.
جـ ـ فإن هلكت اللقطة في يد الملتقط :فإن أشهد على اللقطة ،بأن قال للناس:
( إني وجدت لقطة ،فمن طلبها فدلوه علي ) :فإنه ل يضمن .وإن لم يشهد فعند أبي حنيفة ومحمد:
يضمن .وعند أبي يوسف :ل يضمن إذا كان قد أخذ اللقطة ليردها إلى صاحبها ،ويحلف على فعله إن
لم يصدقه صاحبها ،كما ذكرت قريبا.
د ـ ولو أقر الملتقط أنه كان قد أخذ اللقطة ليمتلكها لنفسه ،ل يبرأ عن الضمان إل بالرد على المالك؛
لنه ظهر أنه أخذها غصبا ،فكان الواجب عليه الرد إلى المالك ( )1لقوله صلّى ال عليه وسلم :
«على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (. )2
-------------------------------
( )1راجع البدائع ،201/6 :المبسوط ،13 ،11/11 :بداية المجتهد ،304/2 :المغني ،694/5 :مغني
المحتاج.411/2 :
( )2رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن الحسن بن سمرة ،وصححه الحاكم (نيل الوطار:
،298/5نصب الراية.)167/4 :
( )6/617
( )6/618
وروى أبو داود وأحمد وابن ماجه عن جرير بن عبد ال أنه أمر بطرد بقرة لحقت ببقرة حتى
توارت ،فقال :سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول« :ل يأوي الضالة إل ضال» ( )1وقال
صلّى ال عليه وسلم « :إن ضالة المسلم حرق النار» ( )2أي تؤدي به إلى النار إذا تملكها.
وأخرج مسلم وأحمد والترمذي عن أبي بن كعب في حديث اللقطة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال:
«عرفها فإن جاء أحد يخبرك بعدّتها ووعائها ووكائها ،فأعطها إياه ،وإل فاستمتع بها» (. )3
وأجاب الفريق الول عن الحاديث بأن حكمها كان في الماضي حين غلبة أهل الصلح والمانة ،فل
تصل إليها يد خائنة ،أما في زماننا فنظرا لكثرة الخيانة يكون في أخذها حفظها على صاحبها.
وهذا كله ما عدا لقطة الحج ،فإن العلماء أجمعوا على أنه ل يجوز التقاطها لنهيه عليه السلم عن ذلك
( ، )4ول يجوز لقطة مكة أيضا ،لقوله صلّى ال عليه وسلم في بلد مكة
-------------------------------
( )1في رواية« :ل يأوي» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (راجع نيل الوطار ،المرجع السابق:
ص ،344سبل السلم.)94/3 :
( )2رواه الطبراني في كبيره عن عصمة ،وفيه أحمد بن راشد وهو ضعيف ،وأخرجه أحمد وابن
ماجه والطحاوي وابن حبان وغيرهم عن عبد ال بن الشخّير ( مجمع الزوائد ،167/4 :سبل السلم:
.)94/3
( )3نصب الراية ،467/3 :نيل الوطار ،339/5 :الوعاء :ما يجعل فيه المتاع ،والوكاء :الخيط الذي
يشد به الصرة والكيس ونحوهما.
( )4رواه أحمد ومسلم عن عبد الرحمن بن عثمان قال :نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن لقطة
الحج (شرح مسلم ،28/12 :سبل السلم.)96/3 :
( )6/619
يوم الفتح« :ول تحل لقطتها إل لمعرّف» وفي لفظ« :ول تحل ساقطتها إل لمنشد» (. )1
وأما ما يصنع باللقطة :فهو أن الملتقط يعرفها ،لما روى البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني،
قال« :سأل رجل رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن اللقطة ،فقال :عرفها سنة» وقال عليه الصلة
والسلم أيضا« :ل تحل اللقطة ،فمن التقط شيئا فليعرّف سنة» الحديث (. )2
والكلم عن تعريف اللقطة يستتبع بحث كيفية التعريف ،ومدة التعريف ،ومكان التعريف ،ونفقات
التعريف ،وما تحتاجه الضالة ،وشرط ردّ اللقطة إلى صاحبها ،وحكم تملكها:
- 1كيفية تعريف اللقطة وحكم بيان المعرّف :المراد بتعريف اللقطة :هو المناداة عليها ،أو العلن
عنها حيث وجدها ،وفي المجتمعات العامة كالسواق وأبواب المساجد ،والمقاهي ،ونحوها .وتعريفها:
يكون بذكر بعض أوصافها كأن يذكر جنسها ،فيقول:
( من ضاع له نقود ،أو ثياب ) ونحوه ،وأن يبين وعاءها أو وكاءها الذي يربط به كيسها ،ول يصف
ل على ملكها.
أوصافها التفصيلية لنه لو وصفها ،لعلم صفتها من يسمعها ،فل تبقى صفتها دلي ً
ويجب على الملتقط عند الجمهور تعريف اللقطة؛ لن ظاهر أمر الرسول صلّى ال عليه وسلم لزيد
بن خالد في قوله« :عرفها سنة» يقتضي الوجوب ،إذ ظاهر المر للوجوب ،كما هو معروف عند
علماء الصول.
-------------------------------
( )1أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ« :ول تلتقط لقطة إل من عرفها» وفي لفظ «إل
لمعرف» وأخرجها أيضا عن أبي هريرة بلفظ« :ول تحل ساقطتها إل لمنشد» (راجع نصب الراية:
،467/3نيل الوطار.)24/5 :
( )2أخرجه البزار في مسنده والدارقطني في سننه عن أبي هريرة (راجع في هذا وما قبله الذي سبق
تخريجه :نصب الراية ،466/3 :نيل الوطار ،338/5 :سبل السلم ،94/3 :شرح مسلم.)26/12 :
( )6/620
وقال أكثر الشافعية :ل يجب تعريفها لمن أراد حفظها لصاحبها؛ لن الشرع إنما أوجب التعريف إذا
كان بقصد التملك ،لكن المعتمد عندهم وجوب التعريف .وبه اتفقت المذاهب الربعة على وجوب
العلن عن اللقطة أو تعريفها.
وللملتقط أن يتولى تعريفها بنفسه ،أو يستنيب عنه أحدا يقوم بالتعريف (. )1
- 2مدة التعريف :اتفق العلماء على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر البعيد عن العمران أن
يأكلها ،لقوله صلّى ال عليه وسلم في الشاة« :هي لك أو لخيك أو للذئب» .واختلفوا هل يضمن
قيمتها لصاحبها أو ل؟.
قال جمهور العلماء :إنه يضمن قيمتها ،إذ ل يحل مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس منه (. )2
وقال مالك في أشهر أقواله :إنه ل يضمن أخذا بظاهر هذا الحديث.
وأما غير ضالة الغنم :فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها له أهمية وشأن مدة سنة؛ لن النبي
صلّى ال عليه وسلم أمر بتعريف اللقطة سنة واحدة كما عرفنا.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،350/3 :فتح القدير ،426/4 :الشرح الكبير للدردير ،120/4 :مغني المحتاج:
،413 ،411/2المهذب ،429/1 :المغني 633 ،631/5 :ومابعدها ،نيل الوطار ،340/5 :نهاية
المحتاج للرملي.362/4 :
( )2هذا حديث رواه الحاكم وابن حبان في صحيحه وأحمد والبزار بلفظ مقارب عن أبي حميد
الساعدي ،ورواه أحمد أيضا بهذا اللفظ عن عمرو بن يثربي ،وفي معناه أحاديث كثيرة (سبل السلم:
60/3وما بعدها ،مجمع الزوائد.)171/4 :
( )6/621
وما رواه البخاري ومسلم في حديث أبي من تعريف اللقطة ثلثة أحوال (أعوام) أو أربعة أو عشرة،
هو غلط من بعض الرواة كما حقق ابن الجوزي ،أو هو محمول على مريد الورع عن التصرف في
اللقطة (. )1
وأما الشيء الحقير :فقال الشافعية :الصح أن الشيء الحقير ،أي القليل المتمول وهو بقدر الدينار أو
الدرهم ل يعرّف سنة ،لقول عائشة« :ل بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به» وقدر بما ل تقطع به يد
السارق وهو ربع دينار عند الجمهور ،وعشرة دراهم عند الحنفية ،بل يعرف زمنا يظن أن فاقده
يعرض عنه غالبا ،وهذا هو الراجح عند المالكية .وفي رواية عن أبي حنيفة :مضمونها إن كانت قيمة
الشيء أقل من عشرة دراهم ( أي دينار ) يعرّفه أياما بحسب ما يرى ،وإن كانت عشرة دراهم
فصاعدا عرّفها حولً ،إل أن هذه الرواية ليست هي ظاهر الرواية عند الحنفية فقد قال الطحاوي :وإذا
التقط لقطة فإنه يعرفها سنة ،سواء أكان الشيء نفيسا أم خسيسا في ظاهر الرواية.
وظاهر الرواية عند الحنفية هو ظاهر المذهب عند الحنابلة (. )2
وأما الشيء التافه فقد قال الفقهاء :ل خلف في إباحة أخذ اليسير من الشياء والنتفاع به من غير
تعريف كالتمرة والكسرة والخرقة؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث
أكلها بل قال له« :لو لم تأتها لتتك» ورأى النبي صلّى ال عليه وسلم تمرة فقال« :لول أني أخاف أن
تكون من الصدقة لكلتها» ( )3ويلحظ أن المر بإكمال مدة التعريف إذا كانت اللقطة مما ل يتسارع
إليها الفساد ،فإن كانت مما يتسارع بها تصدق بها أو أنفقها على نفسه عند الحنفية.
-------------------------------
( )1راجع نصب الراية ،467/3 :نيل الوطار 340/5 :وما بعدها.
( )2بداية المجتهد 2 :ص ،303 ،301الشرح الكبير ،120/4 :المغني ،634 ،632/5 :المهذب:
،430/1مغني المحتاج ،415/2 :البدائع ،202/6 :تبيين الحقائق 302/3 :وما بعدها ،فتح القدير:
424/4وما بعدها ،مختصر الطحاوي :ص .139
( )3ذكر ابن قدامة الحنبلي هذين الحديثين (راجع المغني )634/5 :روى الثاني منهما البخاري
ومسلم عن أنس (سبل السلم ،93/3 :اللمام :ص .)373
( )6/622
وعند الشافعية :يتخير الملتقط بين أن يبيعها ليمتلك ثمنها بعد التعريف ،أو يتملكها في الحال ويأكلها
ويغرم قيمتها.
- 3مكان التعريف :تعرّف اللقطة في السواق وأبواب المساجد ومجامع الناس؛ لن المقصود إشاعة
خبرها وإظهارها ليعلم بها صاحبها ،ول ينشدها في المسجد؛ لن المسجد لم يبن لهذا ،قال النبي صلّى
ال عليه وسلم « :من سمع رجلً ينشد ضالة في المسجد ،فليقل :ل ردّها ال إليه ،فإن المساجد لم تبن
لهذا» ( . )1وأمر سيدنا عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد .وأجاز الشافعية استثناء مما
سبق المسجد الحرام ،فإنه يجوز فيه العلن عن فقد الشياء الضائعة ،لن تعريفها لمصلحة مالكها؛
لن الملتقط ليس له تملكها .أما من ينشد اللقطة في غير المسجد الحرام ،فهو متهم أنه يفعل ذلك
ليتملك اللقطة بعد تعريفها .وأرى أن الستعانة بمكبرات الصوت على المآذن للعلن عن اللقطة أمر
ل بأس به في غير أوقات الصلة ،منعا من التشويش على المصلين ،ولن الحاجة داعية لذلك بسبب
ازدحام المدن واتساع مناطق السكان ،والولى كتابة إعلنات وإلصاقها على أبواب المساجد وغيرها،
فتتحقق الغاية المطلوبة من التعريف،وقد أصبح هذا مألوفا في عصرنا .كما يمكن التعريف بالجرائد
والصحف اليومية.
وأبان الشافعية طريق التعريف في أثناء السنة ،فقالوا :يعرّف اللقطة ،في
-------------------------------
( )1رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة ورواه البزار عن سعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وابن
مسعود (راجع مجمع الزوائد ،170/4 :التاج.)215/1 :
( )6/623
أول السنة كل يوم مرتين في طرفي النهار ،ثم يعرف في كل يوم مرة ،ثم كل أسبوع مرة أو مرتين،
ثم كل شهر مرة تقريبا (. )1
- 4نفقات التعريف وما تحتاجه الضالة :إذا احتاج تعريف اللقطة إلى نفقة كأجور العلن في
الصحف في عصرنا الحاضر مثلً ،فقد قال الحنفية والحنابلة :تكون تلك النفقة على الملتقط؛ لن هذا
أجر واجب على المعرف نفسه ،فكان عليه كما لو قصد تملك اللقطة ،ولنه لو تولى الملتقط تعريف
اللقطة بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها ،فكذلك إذا استأجر على التعريف ل يلزم صاحبها بشيء.
وقال المالكية :إن أنفق الملتقط على اللقطة شيئا من عنده ،فيخير صاحبها بين أن يفتديها من الملتقط
بدفع نفقتها ،أو يسلم اللقطة لملتقطها مقابل نفقتها (. )2
وقال الشافعية :بما أن تعريف اللقطةواجب على الملتقط ،على ما هو المعتمد ،فإن الملتقط ل يلزم
بمؤنة التعريف إن أخذ اللقطة بقصد حفظها لمالكها ،وإنما يرتبها القاضي من بيت المال ( ، )3أو
يقترض على المالك.
أما إن أخذ اللقطة لتملكها ،فيلزمه مؤنة التعريف ،سواء أتملكها أم ل .وهذا هو الرأي المعقول.
أما ما تحتاجه الضالة أو اللقطة من نفقة :فقال المالكية :للملتقط الرجوع بالنفقة على صاحب اللقطة،
وقال الشافعية والحنابلة :ملتقط اللقطة متطوع بحفظها ،فل يرجع بشيء من النفقة على صاحب
اللقطة ،إل أن الشافعية قالوا :فإن أراد الرجوع استأذن الحاكم ،فإن لم يجده أشهد على النفقة.
-------------------------------
( )1البدائع ،202/6 :رد المحتار على الدر المختار ،350/3 :مغني المحتاج ،413/2 :المغني:
،633/5الشرح الكبير للدردير ،120/4 :نيل الوطار.340/5 :
( )2الشرح الكبير وحاشية الدسوقي.123/4 :
( )3مغني المحتاج 413/2 :ومابعدها.
( )6/624
وكذلك قال الحنفية :إن أنفق الملتقط على اللقطة بغير إذن الحاكم فهو متبرع ،لنه ل ولية له على
ذمة المالك في أن يشغلها بالدين بدون أمره ،وإن أنفق عليها بإذن الحاكم ،كان ما ينفقه دينا على
المالك؛ لن للقاضي ولية في مال الغائب رعاية لمصالحه ،فإذا رفع المر إلى القاضي ينظر في
المر :فإن كان للبهيمة منفعة ،وهناك من يستأجرها أجَرَها وأنفق عليها من أجرتها؛ لن في إجارتها
رعاية لمصلحة المالك ،وإن كانت البهيمة ل منفعة لها بطريق الجارة وخاف أن تستغرق النفقة
قيمتها ،أمر القاضي الملتقط ببيعها وحفظ ثمنها.
وإن رأى الصلح أل يبيعها ،بل ينفق عليها ،أذن له في النفقة وجعل النفقة دينا على مالكها ،فإذا
حضر المالك فللملتقط أن يحبس اللقطة عنده حتى يحضر النفقة ،وإن أبى أن يؤدي النفقة باعها
القاضي ،ودفع للملتقط قدر النفقات التي أنفقها (. )1
- 5شرط رد اللقطة إلى صاحبها :يشترط لرد اللقطة إلى صاحبها أن يذكر علمة يميزها عن
غيرها ،أو يثبت أنها له بالبينة ،أي بشهادة شاهدين ،فإذا أثبت كونها له أو ذكر علمة تميزها ،كأن
يصف عفاصها (وعاءها) ووكاءها (ما تربط به من الخيول وغيرها) ووزنها وعددها ،فيحل حينئذ
للملتقط أن يدفعها إليه ،وإن شاء أخذ منه كفيلً؛ لن ردها إليه بالعلمة مما قد ورد به الشرع .وهذا
باتفاق العلماء ،لكن هل يجبر الملتقط قضاء على رد اللقطة بمجرد وصف العلمة المميزة لها ،أو
لبد من البينة؟ خلف بين العلماء (. )2
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،304/2 :مغني المحتاج ،410/2 :البدائع ،203/6 :فتح القدير 428/4 :وما
بعدها ،تبيين الحقائق ،305/3 :المهذب ،432/1 :المبسوط ،9/11 :المغني 633/5 :وما بعدها.
( )2فتح القدير ،431/4 :المبسوط ،8/11 :البدائع ،202/6 :تبيين الحقائق ،306/3 :الدر المختار:
،353/3بداية المجتهد ،302/2 :مغني المحتاج ،416/2 :المهذب ،431/1 :المغني 644/5 :وما
بعدها.
( )6/625
قال الحنفية ،والشافعية على المذهب عندهم :ل يجبر الملتقط على تسليم اللقطة إلى من يدعيها بل
بينة ،لنه مدع ،فيحتاج إلى بينة كغيره ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :لو يعطى الناس بدعواهم
لدعى رجال أموال قوم ودماءهم ،لكن البينة على المدعي ،واليمين على من أنكر» ( . )1ولن
اللقطة مال للغير ،فل يجب تسليمه بالوصف كالوديعة ،لكن يحل للملتقط دفع اللقطة لمن يدعيها عند
إصابة العلمة عند الحنفية ،أو إذا غلب على ظن الملتقط صدق المدعي عند الشافعية ،عملً بقول
الرسول صلّى ال عليه وسلم « :فإن جاء صاحبها ،وعرّف عفاصها ،ووكاءها ،وعددها فأعطها إياه،
وإل فهي لك» .
وقال المالكية والحنابلة :يجبر الملتقط على تسليم اللقطة لصاحبها إذا وصفها بصفاتها المذكورة ،سواء
غلب على ظنه صدقه أم لم يغلب ،ول يحتاج إلى بينة ،عملً بظاهر قول النبي صلّى ال عليه وسلم :
«فإن جاء أحد يخبرك بعددها ،ووعائها ،ووكائها ،فادفعها إليه» .
وفي حديث زيد السابق« :اعرف وكاءها وعفاصها ،ثم عرفها سنة فإن لم تعرف ،فاستنفقها ،وإن جاء
طالبها يوما من الدهر ،فأدّها إليه» يعني إذا ذكر صفاتها؛ لن هذا هو المذكور في صدر الحديث ،ولم
يذكر البينة في شيء من الحديث ،ولو كانت شرطا للدفع لم يجز الخلل به ،ول أمر بالدفع بدونه،
ولن إقامة البينة على اللقطة متعذر؛ لنها ضاعت حال الغفلة والسهو .وقول النبي صلّى ال عليه
وسلم« :البينة على المدعي» يعني إذا كان هناك منكر ،ول منكر ههنا .وهذا هو الرأي الرجح حقا.
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه البيهقي وأحمد هكذا ،وهو في الصحيحين بلفظ آخر من حديث ابن عباس
(نصب الراية ،95/4 :نيل الوطار ،305/8 :سبل السلم ،132/4 :اللمام :ص ،521شرح مسلم:
.)2/12
( )6/626
- 6حكم تملك اللقطة :اختلف فقهاؤنا في حكم اللقطة بعد تعريفها سنة على رأيين :رأي يجيز تملكها
للفقير دون الغني ،ورأي يجيز تملكها مطلقا.
قال الحنفية ( : )1إذا كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع باللقطة ،وإنما يتصدق بها على الفقراء،
سواء أكانوا أجانب أم أقارب ،ولو أبوين أو زوجة أو ولدا ،لنه مال الغير ،فل يجوز النتفاع به
بدون رضاه ،لطلق النصوص من قرآن وسنة ،مثل قوله تعالى{ :ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}
[البقرة ،]188/2:وقوله{ :ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين} [البقرة ]190/2:وقوله عليه الصلة
والسلم« :ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب نفس منه» .
ولقوله صلّى ال عليه وسلم من حديث أبي هريرة« :ل تحل اللقطة ،فمن التقط شيئا فليعرّف سنة ،فإن
جاء صاحبها ،فليردها عليه ،وإن لم يأت فليتصدق» (. )2
وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي« :من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ،ول يكتم
ول يغيب ،فإن وجد صاحبها فليردها إليه ،وإل فهي مال ال يؤتيه من يشاء» .
وأما إذا كان الملتقط فقيرا فيجوز له النتفاع باللقطة بطريق التصدق ،لقوله عليه الصلة والسلم:
«فليتصدق بها» .
فإن عرف صاحبها بعد التصدق بها أو النتفاع بها ،فهو بالخيار :إن شاء
-------------------------------
( )1المبسوط 4/11 :وما بعدها ،فتح القدير 432/4 :ومابعدها ،تبيين الحقائق ،307/3 :البدائع:
،202/6الدر المختار.351/3 :
( )2أخرجه البزار والدارقطني عن أبي هريرة (نصب الراية )466/3 :ورواه الطبراني من حديث
يعلى بن مرة مرفوعا ،وفيه ضعيف ،بلفظ« :فإن جاء صاحبها ،وإل فليتصدق بها» (نيل الوطار:
.)337/5
( )6/627
أمضى الصدقة ،وله ثوابها ،وإن شاء ضمن الملتقط ،وإن شاء أخذها من الفقير المتصدق عليه بها إن
وجده ،وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه.
وقال جمهور الفقهاء :يجوز للملتقط أن يتملك اللقطة ،وتكون كسائر أمواله سواء أكان غنيا أم فقيرا؛
لنه مروي عن جماعة من الصحابة كعمر وابن مسعود وعائشة وابن عمر ،وهو ثابت بقوله صلّى
ال عليه وسلم في حديث زيد بن خالد« :فإن لم تعْرَف فاستنفقها» وفي لفظ «فشأنك بها» وفي حديث
أبي بن كعب« :فاستنفقها» ،وفي لفظ «فاستمتع بها» وهو حديث صحيح.
وحديث الحنفية عن أبي هريرة لم يثبت ،ول نقل في كتاب يوثق به ،ودعواهم في حديث عياض أن
ما يضاف إلى ال ل يتملكه إل من يستحق الصدقة ،ل برهان لها ول دليل عليها ،وبطلنها ظاهر،
فإن الشياء كلها تضاف إلى ال تعالى خلقا وملكا ،قال ال تعالى{ :وآتوهم من مال ال الذي آتاكم}
[النور.]33/24:
أما طريق التملك عند الجمهور فمختلف فيه :قال الحنابلة :تدخل اللقطة في ملك الملتقط عند تمام
التعريف حكما كالميراث ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :فإذا جاء صاحبها ،وإل فهي كسبيل
مالك» ولقوله« :فاستنفقها» ولو توقف ملكها على تملكها لبين الرسول صلّى ال عليه وسلم له
المطلوب.
وقال المالكية :يملكها الملتقط بأن ينوي تملكها ،أي تجديد قصد التملك ،لعدم اليجاب من الغير.
وقال الشافعية :يملكها الملتقط باختياره بلفظ من ناطق يدل عليه مثل :تملكت ما التقطته؛ لن تملكها
تمليك ببدل ،فافتقر إلى اختيار التملك ،كما يتملك الشفيع بالشفعة.
( )6/628
واتفق العلماء إل أهل الظاهر على أن الملتقط إذا أكل اللقطة ،ضمنها لصاحبها (. )1
لقطة الحل والحرم :ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحكام المذكورة في تعريف اللقطة تنطبق على ما
إذا كانت اللقطة في مكة وغيرها من البلدان؛ لن اللقطة أمانة ،فلم يختلف حكمها بالحل والحرم
كالوديعة ،ولن الحاديث الواردة في اللقطة لم تفرق بين الحل والحرم ،مثل قوله عليه الصلة
والسلم« :اعرف عفاصها ووكاءها ،ثم عرّفها سنة» وغيره.
وأما الحديث الوارد بتخصيص تعريف لقطة مكة ،فالمقصود به دفع توهم بعض الناس أنه ل حاجة
لتعريف لقطة مكة،لعدم الفائدة باعتبارها مكان الغرباء (. )2
وقال الشافعية على الصحيح المنصوص عندهم :يجب تعريف لقطة الحرم أبدا ،إذ ل تحل لقطة الحرم
للتملك ،بل للحفظ أبدا ،لخبر الصحيحين« :إن هذا البلد حرمه ال ،ل يلتقط لقطته إل من عرفها» .
وفي رواية للبخاري «ل تحل لقطة الحرم إل لمنشد» قال الشافعي رضي ال عنه :أي لمعرّف ،ففرق
صلّى ال عليه وسلم بينها وبين غيرها ،وأخبر أنها ل تحل إل للتعريف ولم يؤقت التعريف بسنة
كغيرها ،فدل على أنه أراد التعريف على الدوام ،وإل فل فائدة من التخصيص ،والمعنى فيه :أن حرم
مكة شرفه ال تعالى مثابة للناس يعودون إليه ،المرة بعد الخرى ،فربما يعود مالكها من أجلها ،أو
يبعث في طلبها ،فكأنه جعل ماله به محفوظا عليه ،كما غلظت الدية فيه.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه ،121/4 :بداية المجتهد ،301/2 :مغني المحتاج:
،415/2المهذب ،430/1 :المغني 636/5 :ومابعدها.
( )2فتح القدير ،430/4 :تبيين الحقائق ،301/3 :البدائع ،202/6 :الشرح الكبير للدردير،121/4 :
الغني لبن قدامة.642/5 :
( )6/629
( )6/630
فإن كان مال المفقود من غير الدراهم والدنانير أو الطعام والثياب ،كأن كان له عروض تجارة أو
عقارات ،فل ينفق منه القاضي على هؤلء؛ لنه ل يمكن النفاق إل بالبيع ،وليس للقاضي أن يبيع
العقار والعروض على الغائب؛ ولكن للب أن يبيع العروض في نفقته؛ لن للب ولية التصرف في
مال البن في الجملة ،بخلف القاضي ،أما العقار فليس للب أن يبيعه في نفقة الغائب إل بإذن
القاضي.
متى يحكم بموت المفقود وما أثر ذلك؟ إذا مضت مدة طويلة على المفقود من وقت ولدته ،بحيث ل
يعيش مثله إلى تلك المدة يقينا أو غائبا ،يحكم بموته ،وتقع الفرقة بينه وبين نسائه ،ويقسم ماله بين
ورثته الحياء ،ول يرث هو من أحد.
والمدة التي نقدرها لحياة المفقود ليس في ظاهر الرواية تقدير محدد فيها ،وإنما يقدر بموت القران.
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قدر تلك المدة بمئة وعشرين سنة من وقت الولدة .والرفق
أن يقدر بتسعين عاما.
( )6/631
( )6/632
وصارع ُركَانة ،ولن المشي بالقدم والمصارعة مما يحتاج للكر والفر في الجهاد وضرب العدو .قال
الشافعية :المسابقة والمناضلة على السهام سنة بالجماع ،ويحل أخذ عوض عليهما؛ لن فيهما ترغيبا
للستعداد للجهاد.
وقال الجمهور غير الحنفية :ل يجوز السباق بعوض إل في النصل والخف والحافر ،أي في التدرب
على حمل السلح وفي أعمال الفروسية ،لقول الرسول صلّى ال عليه وسلم « :ل سَبَق إل في خف
أو حافر أو نصل» ( )1والسبق بفتحتين( :هو ما يجعل للسابق على السبق من جعل) ولن هذه
المور آلت القتال ،فيجوز التسابق إذن على كل ما هو نافع في الحرب.
أما المسابقة على القدام والمصارعة ،فل تجوز بعوض؛ لنها ل تنفع في الحرب وكانت مصارعة
الرسول ل ُركَانة على شياه ،كما روى أبو داود في مراسيله ،أو أن الغرض من مصارعته أن يريه
شدته ليسلم ،وقد أسلم فعلً (. )2
فإن كانت المسابقة بغير عوض جازت مطلقا في الخيل وغيرها من الدواب والسفن وبين الطير
ليصال الخبر بسرعة ،وتجوز هذه المسابقة على القدام وفي رمي الحجار والمصارعة.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والشافعي والحاكم وابن ماجه وأحمد وابن حبان
وصححه هو وابن القطان وابن دقيق العيد عن أبي هريرة رضي ال عنه (تخريج أحاديث التحفة،
المرجع السابق ،نيل الوطار ،77/8 :سبل السلم ،71/4 :مجمع الزوائد.)263/5 ،
( )2راجع البدائع ،206/6 :المهذب 412/1 :وما بعدها ،مغني المحتاج 311/4 :وما بعدها ،المغني:
651/8وما بعدها ،172/9 ،الشرح الكبير ،209/2 :شرح الرسالة.417/2 :
( )6/633
( )6/634
وأما إن كان العوض من الجانبين بدون محلل ،فيحرم السباق ،كما إذا قال شخصان :من سبق منا فله
على الخر كذا؛ لن هذا من القمار المحرم.
وهكذا تكون صور السباق أربعا :ثلث منها حلل ،وواحدة منها حرام لها حكم الميسر (القمار) ،أما
الصور الحلل:
فأولها :أن يكون العوض من السلطان أو أحد الرؤساء أو شخص ثالث ،يأخذه السابق ،وهذا جائز
اتفاقا.
وثانيها :أن يكون العوض من أحد الجانبين يؤخذ منه إذا سبقه الخر ،وهذا جائز اتفاقا.
وثالثها :أن يكون العوض من المتسابقين أو من الجماعة ،ومعهم محلل يأخذ العوض إن سَبَق ،ول
يغرم إن سَبَقه غيره؛ لنهما لم يقصدا القمار ،وإنما قصدا التقوي على الجهاد ،وهذا جائز عند
الجمهور .ومنعه المام مالك لجواز عود الجعل لمن قدمه إذا سبَق.
وأما الصورة الحرام اتفاقا :فهي أن يكون العوض من كل واحد ،على أنه إن سَبَق فله العوض ،وإن
سُبق فيغرم لصاحبه مثله.وبه يتبين أن السباق يحرم حينما يكون هناك احتمال الخذ والعطاء من
الطرفين ،بأن يقال :السابق يأخذ ،والخاسر يغرم أو يدفع .وهذا معنى الميسر أو القمار المحرم شرعا.
- 3أن تكون المسابقة فيما يحتمل أن يسبق أحدهما ،ويسبق الخر ،فإن كانت فيما يعلم غالبا أنه
يسبق غيره ،فل يجوز ،لن معنى التحريض في هذه الصورة ل يتحقق ،فصار الرهان التزام المال
للغير بشرط ل منفعة له فيه.
- 4العلم بالمال المشروط ،ومعرفة نقطة البدء والنهاية ،وتعيين الفرسين مثلً ،كما قرر الشافعية ()1
.
تبين من هذا أن السباق الذي يجري الن على رهان من المتسابقين ل من طرف ثالث محايد هو
حرام؛ لنه قمار.
-------------------------------
( )1راجع البدائع ،المرجع السابق ،مغني المحتاج 313/4 :وما بعدها ،المهذب 415/1 :وما بعدها،
المغني 654/8 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص 157وما بعدها ،الشرح الكبير مع الدسوقي:
.211-208/2
( )6/635
( )6/636
قال« :مرّ رسول ال صلّى ال عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون ( )1بالسوق ،فقال :ارموا يا
بني إسماعيل ،فإن أباكم كان راميا ،ارموا وأنا مع بني فلن ،قال :فأمسك أحد الفريقين بأيديهم ،فقال
رسول ال صلّى ال عليه وسلم :ما لكم ل ترمون؟ قالوا :كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال ارموا وأنا
معكم كلّكم» .
وروى الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن عقبة بن عامر عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :إن
ال يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر الجنة :صانعَه الذي يحتسب في صنعته الخير ،والذي يجهّز به في
سبيل ال ،والذي يرمي به في سبيل ال ،وقال :ارموا واركبوا ،فإن ترموا خير من أن تركبوا،
وقال :كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إل ثلثا :رميه عن قوسه ،وتأديبه فرسه ،وملعبته أهله
فإنهن من الحق» .
أنواعها :تصح المناضلة على سهام ورماح ورمي بأحجار بمقلع أو يد ،ومنجنيق وكل نافع في
الحرب كالرمي بالمسلّت والبر والتردد بالسيوف والرماح.
ول تصح المسابقة بعوض على الكرة بأنواعها المختلفة ،ول على البندق الذي يرمى به إلى حفرة
ونحوها ( ، )2ول على السباحة في الماء ،ول على الشطرنج ،ول على خاتم ،ول على وقوف على
ِرجْل ،ول على معرفة ما في يده من شفع ووتر ،ول على سائر أنواع اللعب كالمسابقة على القدام
(الركض) وبالسفن والزوارق؛ لن هذه المور ل تنفع في الحرب.
هذا إذا عقد عليها بعوض ،فإن كانت بغير عوض فمباح كما يرى الشافعية .وقال القرطبي :ل خلف
في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب ،وعلى القدام ،وكذا الرمي بالسهام واستعمال
السلحة ،ما في ذلك من التدرب على الجري .ودليله :ما رواه أحمد وأبو داود أن النبي صلّى ال
عليه وسلم تسابق مع عائشة على القدام ،وروى أحمد والشيخان :أن الحباش لعبوا بالحراب عند
النبي صلّى ال عليه وسلم في المسجد.
-------------------------------
( )1ينتضلون أي يترامون ،والنضال :الترامي للسبق.
( )2ذكر الماوردي في الحاوي القول بالجواز ،خلفا لما قرره النووي في الروضة وأصلها.
( )6/637
صفة عقد المسابقة والمناضلة :الظهر عند الشافعية أن كلً من هذين العقدين إذا تم على مال مشروط
لزم ل جائز ،فليس لحد الطرفين إذا التزما المال وبينهما محلّل فسخه ،كما هو شأن العقود اللزمة،
ول ترك العمل قبل الشروع فيه ول بعده،إل إذا فسخ الطرفان العقد الول ،واستأنفا عقدا جديدا إن
وافقهما المحلّل.
حكم المناضلة :حكم المناضلة والمسابقة واحد ،ثلث صور منها حلل ،وصورة رابعة منها حرام؛
لنه ميسر أو قمار ،وهي أن يتراهن المتناضلن على أن يتعهد كل منهما للخر دفع عوض معين إن
فاز بالصابة .فإن كان العوض من المام من بيت المال ،أو أحد الرعية الثرياء ،أو أحد المتناضلين
أو كليهما جاز ،فيقول المام أو أحد الرعية :ارميا كذا ،فمن أصاب من كذا فله في بيت المال ،أو
عليّ كذا ،أو يقول أحدهما :نرمي كذا ،فإن أصبت أنت منها كذا فلك علي كذا ،وإن أصبتها أنا فل
شيء لي عليك.
أما إن شرط كل منهما على صاحبه عوضا ،فل تصح المناضلة إل بمحلّل ،أي شخص ثالث وسيط،
يكون رميه كرميهما في القوة والعدد المشروط ،يأخذ مالهما إن غلبهما ،ول يغرم إن غُلب.
شروط صحة المناضلة :يشترط لصحة المناضلة ما يأتي :
ً - 1تعيين الرماة والهدف المطلوب وتعيين الموقف الذي يقفان فيه وتحديدمسافة ( ، )1ومقدار
الغرض طولً وعرضا وسمكا وارتفاعا من الرض ،وتعيين العدد المطلوب من الصابة أو الرميات
لينضبط العمل؛ لن المناضلة كالميدان في المسابقة .ويشترط إمكان الصابة والخطأ.
ً - 2اتحاد جنس السلح من مسدس أو بندقية أو مدفع ونحوها ،فل تصح المناضلة بسلحين مختلفي
الجنس ،ولو رضي الطرفان بذلك.
خسْق أو مَرْق ( )2إذا كان النضال
ً - 3بيان مقدار الصابة وصفة الرمي من قَرْع أو خَزْق أو َ
بالسهام ونحوها ،بأن يتفق المتناضلن على كون الرمي المطلوب مجرد قَرْع أو إصابة للهدف أو
خَزْق له ،فإن أطلقا ولم يبينا ،حمل الرمي المطلوب على القرع.
ً - 4العلم بالمال وقدره ،ووجود المحلل إن كانت المناضلة من النوع المحرم المذكور في المسابقة
وفيما تقدم هنا.
ً - 5والظهر اشتراط بيان البادئ من المتناضلين بالرمي ،لشتراط الترتيب بينهما فيه ،حذرا من
اشتباه المصيب بالمخطئ ،كما لو رميا معا ،فإن لم يبيناه فسد العقد.
-------------------------------
( )1مسافة الرمي :هي ما بين موقف الرامي والغرض ،وتحديدها لختلف الغرض بها ،وبيانها إما
بالذرعان أو المشاهدة .والغرض :ما يرمى إليه من خشب أو جلد أو قرطاس ،والهدف :ما يرفع
ويوضع عليه الغرض .والرقعة :عظم ونحوه يجعل وسط الغرض .والدارة :نقش مستدير كالقمر قبل
استكماله.
( )2القَرْع :مجرد إصابة الغرض أو الهدف بل خدش له ،والخزق :هو أن يثقبه السهم ول يثبت فيه
بأن يعود .والخَسْق :هو أن يثبت السهم في الهدف .والمَرْق :هو أن ينفذ السهم ويخرج من الجانب
الخر.
( )6/638
عشَر :الشّفعة
صلُ الثّاني َ
ال َف ْ
تبحث الشفعة في المباحث الثمانية التية:
المبحث الول ـ تعريف الشفعة ،ودليلها وحكمتها ،وركنها وعناصرها ،وسببها ،وحكمها وصفتها.
المبحث الثاني ـ محل الشفعة (المشفوع فيه ،أو ما تجب فيه الشفعة وما ل تجب).
المبحث الثالث ـ الشفيع ،مراتب الشفعة (أو أسباب استحقاقها) تزاحم الشفعاء (أي تعددهم) غيبة
بعض الشفعاء ،إسقاط بعض الشفعاء حقه.
المبحث الرابع ـ أحكام الشفعة.
المبحث الخامس ـ شروط الشفعة.
المبحث السادس ـ إجراءات الشفعة (طلب الشفعة).
المبحث السابع ـ مايطرأ على المشفوع فيه بيد المشتري من تصرفات أو نماء أو نقص.
المبحث الثامن ـ مسقطات الشفعة.
وبحثها على ترتيبها المذكور.
( )6/639
المبحث الول ـ تعريف الشفعة ،ودليلها وحكمتها ،وركنها وأطرافها ،وحكمها وصفتها :
أولً ـ تعريف الشفعة :الشفعة لغة :مأخوذة من الشفع بمعنى الضمّ أو الزيادة والتقوية ،تقول :شفعت
الشيء :ضممته ،سميت شفعة؛ لن الشفيع يضم مايتملكه بهذا الحق إلى نصيبه أو ملكه ،فيزيده عليه،
ويتقوى به ،فقد كان الشفيع منفردا في ملكه ،فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه ،فصار شفعا ضد الوتر.
وفي الصطلح الفقهي :هي حق تملك العقار المبيع جبرا عن المشتري ،بما قام عليه ،من ثمن
وتكاليف (أي النفقات التي أنفقها) لدفع ضرر الشريك الدخيل أو الجوار .وهذا عند الحنفية ( )1؛ لن
الشفعة تثبت عندهم للشريك والجار.
وعرفها الجمهور غير الحنفية :بأنها استحقاق شريك أخذ ما عاوض به شريكه ،من عقار ،بثمنه أو
قيمته ،بصيغة .وبعبارة أخرى :هي حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث ،فيما ملك
بعوض ( . )2وهذا لن الشفعة حق للشريك فقط دون الجار عند الجمهور.
ويلحظ أن المذاهب الربعة حصروا الشفعة في العقار .أما الظاهرية فقد أجازوها أيضا في المنقول،
كالحيوان ونحوه (. )3
ثانيا ـ دليلها وحكمة مشروعيتها :
الدليل على مشروعية الشفعة هو السنة والجماع:
-------------------------------
( )1الدرالمختار ،152/5 :تكملة الفتح ،406/7 :تبيين الحقائق ،239/5 :اللباب.106/2 :
( )2الشرح الصغير ،630/3 :الشرح الكبير ،473/3 :مغني المحتاج ،296/2 :كشاف القناع:
،196/4المغني.284/5 :
( )3المحلى ،101/9 :م .1594
( )6/640
أما السنة ،فأحاديث كثيرة :منها حديث جابر رضي ال عنه« :قضى رسول ال صلّى ال عليه وسلم
بالشفعة فيما لم يقسم ،فإذا وقعت الحدود ،وصُرّفت الطرق ،فل شفعة» ( )1وفي رواية «في أرض،
أو رَبْع ،أو حائط» والربع :المنزل ،والحائط :البستان.
ومنها حديث آخر لجابر« :الجار أحق بشفعة جاره يُنتظر بها،وإن كان غائبا ،إذا كان طريقهما
واحدا» (. )2
ومنها حديث سمرة« :جار الدار أحق بالدار من غيره» (. )3
ومنها حديث أبي رافع« :الجار أحق بسقبه» أو «بصقبه» ( )4أي أحق بقربه وبشفعته؛ لن السقب أو
الصقب :ما قرب من الدار.
وأما الجماع :فقال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم ،فيما بيع
من أرض أو دار أو حائط ..ول نعلم أحدا خالف هذا إل الصم ،فإنه قال:ل تثبت الشفعة؛ لن في
ذلك إضرارا بأرباب الملك ،فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه ،ويتقاعد الشريك
عن الشراء،فسيتضر المالك؛أي أن الشفعة تصادم مبدأ حرية المتعاقد في التصرف.ورد عليه :بأن
قوله ليس بشيء لمخالفته الثار الثابتة والجماع المنعقد قبله (. )5
وحكمتها :دفع ضرر الدخيل الجنبي الذي يأتي على الدوام ،بسبب سوء المعاشرة والمعاملة ،في
استعمال أواستحداث المرافق المشتركة ،أو إعلء الجدار ،أو إيقاد النار ،أو منع ضوء النهار ،وإثارة
الغبار ،وإيقاف الدواب ،ولعب الولد ،لسيما إذا كان خصما أو ضدا.
وقد تكون الحكمة :دفع ضرر مؤنة القسمة ،كما قال المالكية والشافعية والحنابلة.
وكل ما ذكر مظاهر للضرر ،والمقرر في السلم أنه «ل ضرر ول ضرار» .
-------------------------------
( )1رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه ،وهو صحيح .وصرفت :بتخفيف الراء ،وقيل
بتشديدها ،أي بينت مصارفها.
( )2رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي.
( )3رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ،والبيهقي والطبراني والضياء ،لكن في إسناده كلم
واضطراب.
( )4أخرجه البخاري (راجع الحاديث في نصب الراية ،175-172/4 :نيل الوطار-331/5 :
.)336
( )5المغني.284/5 :
( )6/641
كما أن حسن العشرة يقتضي رعاية مصلحة الشريك أو الجار ،ورعاية المصلحة أمر مطلوب شرعا
أيضا (. )1
وهذه المعاني كما هي متوقعة بين الناس بسبب الشركة ،أو الخلطة في المنافع ،كذلك هي متوقعة ـ
في رأي الحنفية ـ بسبب الجوار.
ثالثا ـ ركنها وعناصرها وسببها (سبب الخذ ) :
قال الحنفية ( : )2ركن الشفعة :أخذ الشفيع من أحد المتعاقدين عند وجود سببها وشرطها .ويسمى
العقار الذي بسببه تطلب الشفعة :المشفوع به ،والعقار الذي يتملك بالشفعة :المشفوع فيه ،ومشتري
العقار :هو المشفوع عليه ،والمطالب بالشفعة :هو الشفيع.
وسببها :اتصال ملك الشفيع بالمشتري بشركة أو جوار.
وشرطها :أن يكون المحل المبيع عقارا ،سفلً كان أو علوا .وقال المالكية ( : )4للشفعة أركان أربعة:
آخذ (شافع) ،ومأخوذ منه (مشفوع عليه) ومشفوع فيه ،وصيغة .والمراد بالصيغة :ما يدل على
الخذ ،لفظا أو غيره.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )5أركان الشفعة ثلثة :آخذ ،ومأخوذ منه ،ومأخوذ .وأما الصيغة فتجب
في التمليك ،فيشترط لفظ من الشفيع ،مثل تملكت ،أو أخذت بالشفعة.
رابعا ـ حكمها وصفتها :إن الخذ بها بمنزلة شراء مبتدأ (جديد) ،قال الحنفية ( : )6حكمها :جواز
الطلب عند تحقق السبب ،ولو بعد سنين ،أي إذا لم يعلم بها .وصفتها :أن الخذ بها بمنزلة شراء
مبتدأ ،يستحقها الشفيع بعد البيع ،فيثبت بها ما يثبت بالشراء ،كالرد بخيار الرؤية ،والعيب.
المبحث الثاني ـ محل الشفعة (المشفوع فيه ،أو ما تجب فيه الشفعة وما ل تجب) :اتفق المسلمون
على أن الشفعة حق في العقار من دور وأرضين وبساتين وبئر ،وما يتبعها من بناء وشجر ،واختلفوا
فيما عداها.
قررت المذاهب الربعة أنه ل شفعة في منقول كالحيوان والثياب والعروض التجارية للحديث السابق:
«قضى رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالشفعة في أرض أو ربَعْ أو حائط »..ورواية الحديث عند
مسلم والنسائي وأبي داود« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق ،239/5 :مغني المحتاج ،296/2 :أعلم الموقعين ،120/2 :المغني،284/5 :
حاشية الدسوقي على الدردير.476/3 :
( )2الدر المختار 152/5 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،المكان السابق.
( )4الشرح الصغير 630/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد.253/2 :
( )5مغني المحتاج ،300 ،296/2 :المغني ،297/5 :كشاف القناع.158/4 :
( )6الدرالمختار 153/5 :وما بعدها ،تبيين الحقائق ،المكان السابق.
( )6/642
بالشفعة في كل شركة لم تقسم ،ربعة أو حائط »..ولن الشفعة شفعت لدفع ضرر سوء الشركة
بالتفاق ،أو الجوار عند الحنفية ،بسبب الستمرار والدوام ،والمنقول ل يدوم ،بخلف العقار ،فيتأبد
فيه ضرر المشاركة؛ ولن الشفعة تملك بالقهر ،فهي كما بينت «استحقاق الشريك ـ عند الحنفية ـ
انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه ،من يد من انتقلت إليه» ،فناسب أن تكون عند شدة الضرر،
وإطلقا لحرية التصرف والبيع (. )1
سفْل :ألحق الحنفية بالعقار :ما في حكمه كالعلو ،وإن لم يكن طريقه في السفل؛ لنه التحق
اِلعُ ْلوُ وال ُ
بالعقار بماله من حق القرار ،فل فرق في العقار بين كونه سفلً أو علوا ( ، )2وهذا هو المعقول.
ولم يجز الشافعية في الصح والحنابلة الشفعة في العلو ،لن البناء يرتكز على السقف ،والسقف الذي
هو أرض البناء ل ثبات له ،فكان كالمنقولت (. )3
وسواء عند الحنفية أكان العقار مما يحتمل القسمة ،أم ل يحتملها ،كالدار الصغيرة والحمام والطاحون
والبئر؛ لن علة الشفعة عندهم دفع ضرر الشركة أو الجوار مطلقا ،وهو يتحقق فيما ل يقبل القسمة.
واشترط الجمهور غير الحنفية ،في المشهور عند المالكية ،وفي ظاهر مذهب الحنابلة ،وفي الصح
عند الشافعية :أن يكون العقار قابلً للقسمة ،استدللً
-------------------------------
( )1الدر المختار ،153/5 :تكملة الفتح ،435/7 :تبيين الحقائق ،239/5 :البدائع ،12/5 :اللباب:
،109/2بداية المجتهد ،254/2 :الشرح الكبير ،482/3 :الشرح الصغير ،634/3 :مغني المحتاج:
،296/2المهذب ،376/1 :المغني ،287/5 :كشاف القناع.155-153/4 :
( )2الدر المختار واللباب ،المكان السابق ،تكملة الفتح.435/7 :
( )3مغني المحتاج ،297/2 :كشاف القناع.155/4 :
( )6/643
بدليل الخطاب في حديث جابر السابق« :الشفعة فيما لم يقسم »...فكأنه قال :الشفعة فيما تمكن فيه
القسمة ،ما دام لم يقسم .وقد أجمع عليه في هذا الموضوع فقهاء المصار ،مع اختلفهم في صحة
الستدلل به؛ ولن علة مشروعية الشفعة عندهم هو دفع ضرر القسمة ،ومال ينقسم ل تتيسر القسمة
فيه ،فل حاجة للشفعة فيه ،فل يترتب فيه ضرر الشريك بعدم الشفعة (. )1
حقوق الرتفاق :تثبت الشفعة عند الحنفية ( )2في حقوق العقار ،كالشّرْب (النصيب من الماء في نوبة
مالك الرض) ( )3والطريق الخاصين .فإن لم يكونا خاصين ،فل يستحق بهما الشفعة .والطريق
الخاص :أن يكون غير نافذ ،فإن كان نافذا فليس بخاص.
فلو كان هناك شِرْب نهر صغير مشترك بين قوم ،تسقى أراضيهم منه ،فبيعت أرض منها ،فلكل أهل
الشّرْب من ذلك النهر الخاص الشفعة .أما لو كان النهر عاما ،فالشفعة فقط للجار الملصق .ومثله
الطريق الخاص ،فكل أهله شفعاء.
وقال المالكية ( : )4ل شفعة في الطريق (أي المجاز الذي يتوصل منه إلى ساحة الدار) إذا قسم بين
الشريكين أو الشركاء متبوعُهما من البيوت إذا بقي الممر مشتركا بينهما؛ لنه لما كان تابعا لما ل
شفعة فيه ،وهو البيوت المنقسمة ،كان ل شفعة فيه.
وكذلك العَرْصة (ساحة الدار التي بين بيوتها ،تسمى في عرف العامة بالحوش) ل شفعة فيها إذا قسم
متبوعها ،كحكم الطريق السابق.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،255/2 :حاشية الدسوقي على الدردير ،476/3 :الشرح الصغير634/3 :
ومابعدها ،مغني المحتاج ،297/2 :المهذب ،377/1 :المغني.289/5 :
( )2تبيين الحقائق 239/5 :وما بعدها ،الدر المختار ،154/5 :اللباب.106/2 :
( )3الشرب :هو نوبة النتفاع بسقي الحيوان والزرع (م )1262مجلة.
( )4الشرح الكبير ،482/3 :الشرح الصغير ،640/3 :بداية المجتهد.255/2 :
( )6/644
وقال الشافعية ( : )1ل شفعة قطعا في ممر الدار المبيعة من الدرب النافذ؛ لنه غير مملوك .وأما
الدرب غير النافذ ،فالصحيح ثبوت الشفعة في الممر ،بما يخصه من الثمن ،إن كان لمشتري الممر
الخاص المشترك طريق آخر لداره ،أو أمكن من غير مؤنة وضرر عليه الوصول لداره من طريق
آخر ،بفتح باب إلى شارع عام مثلً ،فل تثبت الشفعة في الممر ،لما فيها من ضرر المشتري،
والشفعة شرعت لدفع الضرر ،فل يزال ضرر بآخر؛ لن الضرر ل يزال بالضرر.
والحنابلة كالشافعية قالوا ( : )2إذا بيعت الدار ،ولها طريق في شارع أو درب نافذ ،فل شفعة في تلك
الدار ،ول في الطريق؛ لنه ل شركة لحد فيهما.
وإن كان الطريق في درب غير نافذ ،ول طريق للدار سوى ذ لك الطريق ،فل شفعة أيضا؛ لن
إثباتها يضر بالمشتري؛ لن الدار تبقى ل طريق لها.
وإن كان للدار باب آخر يستطرق منه ،أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى طريق نافذ ،نظرنا
في الطريق المبيع مع الدار:
فإن كان ممرا ل تمكن قسمته ،فل شفعة فيه.
وإن كان تمكن قسمته ،وجبت الشفعة فيه؛ لنه أرض مشتركة ،تحتمل القسمة ،فوجبت فيه الشفعة
كغير الطريق.
الشفعة في السفن :ل تثبت الشفعة في السفن عند فقهاء المذاهب ( )3لنها كالعروض التجارية من
المنقولت ،والشفعة مشروعة في الرض التي تبقى على الدوام ،ويدوم ضررها.
-------------------------------
( )1نهاية المحتاج ،145/4 :مغني المحتاج.298/2 :
( )2كشاف القناع ،154/4 :المغني.290/5 :
( )3الكتاب مع اللباب ،190/2 :المهذب ،376/1 :مغني المحتاج ،296/2 :كشاف القناع.155/4 :
( )6/645
ونقل الكاساني ( )1عن المام مالك :أنه يرى الشفعة في السفن؛ لن السفينة أحد المسكنين ،فتجب
فيها الشفعة ،كما تجب في المسكن الخر ،وهو العقار ،لكن هذا لم يصح عن مالك ،كما حقق ابن عبد
السلم .وبه يتبين أن المذاهب الربعة متفقة على عدم الشفعة في السفن.
الشفعة في الزرع والثمر والشجر :ل شفعة عند الجمهور (غير المالكية) ( )2فيما ليس بعقار كالبناء
والشجر المفرد عن الرض ،فإن كان تبعا في البيع للرض ،وجبت الشفعة فيه (. )3
ومما يتبع الرض عند الشافعية في الصح :ثمر لم يؤبر؛ لنه يتبع الصل في البيع ،فيتبعه في
الخذ ،قياسا على البناء والغراس.
واقتصر الحنابلة على إتباع الغراس والبناء للرض؛ لنهما يؤخذان تبعا للرض ،ففيهما الشفعة تبعا.
ولم يتبعوا الزرع والثمرة للرض؛ لن من شروط وجوب الشفعة أن يكون المبيع أرضا؛ لنها هي
التي تبقى على الدوام ،ويدوم ضررها.
-------------------------------
( )1البدائع .12/5 :ولم أر في كتب المالكية التي اطلعت عليها تصريحا لهم بالشفعة في السفينة،
وإنما يوجبونها في العقار فقط .قال ابن عبد السلم من المالكية :ما نقله بعض الحنفية عن مالك في
السفينة :ل يصح (شرح التنوخي لرسالة القيرواني.)193/2 :
( )2تكملة الفتح ،435/7 :مغني المحتاج 296/2 :وما بعدها ،كشاف القناع.155/4 :
( )3نصت المادة ( )1019مجلة على أنه ل تجري الشفعة في الشجار والبنية في أرض الوقف.
( )6/646
ل منهما
وأجاز المالكية ( )1الشفعة في البناء والشجر إذا بيع أحدهما مستقلً عن الرض؛ لن ك ً
عندهم عقار ،والعقار :هو الرض وما اتصل بها من بناء وشجر ،فل شفعة في حيوان أو عرض
تجاري إل إذا بيع تبعا للرض.
مثاله :الشجر أو البناء في أرض موقوفة (محبّسة) أو معارة :بأن اقتضت المصلحة إجارة الرض
الموقوفة ،سنين ،ثم بنى فيها المستأجر أو غرس بإذن ناظرها ،على أن ذلك له ،فإذا كان المستأجر
متعددا ،وباع أحدهم ،فللخر الشفعة.
وأجاز المالكية أيضا الشفعة في الثمار (( )2الفاكهة) والخضر ،كالقِثّاء ،والبطيخ بنوعيه الخضر
والصفر ،والخيار ،والباذنجان والفول الخضر ،ونحوه مما له أصل تجنى ثمرته ،ويبقى في الرض
وقتا ما ،فإذا باع أحد الشريكين نصيبه منها ،ولو مفردا عن أصله ،فللخر أخذه بالشفعة.
واشترطوا في الثمرة المأخوذة بالشفعة منفردة :أن تكون موجودة حين الشراء ،بشرط كونها مؤبرة.
ولم يجز المالكية الشفعة في زرع كقمح وكتان وبرسيم ،ول في َبقْل مما ينزع أصله كفجل وجزر
وبصل وقلقاس ،وملوخية .فلو بيع الزرع أو البقل مع أرضه ،فل شفعة فيه ،وإنما هي في الرض
فقط ،بما ينو بها من الثمن.
وأما الظاهرية :فقد توسعوا في إيجاب حق الشفعة للشفيع أكثر من سائر المذاهب الخرى ،فأجازوا
ل بالعقار أم ل ،وسواء أكان الشيء
الشفعة في كل مبيع ،عقارا أو منقولً ،سواء أكان المنقول متص ً
المبيع مما ينقسم ،أم مما ل ينقسم ،من أرض أو شجرة واحدة فأكثر ،أو ثوب ،أو سيف أوطعام أو
حيوان ،أو أي شيء بيع ،فل يحل لمن له الجزء ،أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه (
. )3
-------------------------------
( )1الشرح الكبير 479/3 :وما بعدها ،الشرح الصغير ،639-638 ،634/3 :بداية المجتهد254/2 :
وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،286شرح الرسالة.192/2 :
( )2قال مالك عن الشفعة في الثمرة :ما علمت أحدا من أهل العلم قاله قبلي ،ولكني استحسنته (شرح
التنوخي لرسالة ابن أبي زيد القيرواني.)192/2 :
( )3المحلى ،101/9 :م .1594
( )6/647
المبحث الثالث ـ الشفيع
أولً ـ من الشفيع؟
للفقهاء رأيان فيمن يحق له الخذ بالشفعة :رأي للحنفية :في أن الشفيع :هو الشريك ،أو الجار .ورأي
للجمهور :في أن الشفيع هو الشريك فقط.
قال الحنفية ( : )1تثبت الشفعة للشريك (الخليط) في المبيع نفسه ،أو في حق من حقوق الرتفاق
الخاصة ،كالشّرب (النصيب من الماء) ،والطريق الخاصين ،كما تثبت للجار الملصق للمبيع ،ولو
كان باب داره من سكة أخرى .والملصق من جانب واحد ولو بشبر ،كالملصق من ثلثة جوانب،
وواضع جذع على حائط ،وشريك في خشبة على حائط :جار ل شِريك؛ لن وضع الجذوع على
الحائط ل يصير صاحبه شريكا في الدار ،والشفعة تثبت في العقار دون المنقول ،والخشبة منقول .ول
فرق بين مسلم وذمي في استحقاق الشفعة ،لعموم أدلة مشروعيتها ،ولتساويهما في سبب الشفعة
وحكمتها ،فيتساويان في الستحقاق.
ودليلهم الحاديث السابقة في مشروعية الشفعة ،والتي منها« :جار الدار أحق بسقبه» ( )2و «جار
الدار أحق بدار الجار ،والرض» ( )3و «الجار أحق بشفعته» ( . )4ويؤكده أن العلة الموجب
للشفعة هو دفع الضرر الدائم ،الذي يلحق المرء بسبب سوء العشرة على الدوام .وهذا يتحقق في
الجار ،كما يتحقق في الشريك ،فتكون حكمة مشروعية الشفعة ظاهرة فيهما ،وهو دفع الضرر عنهما.
وقال الجمهور (غير الحنفية) ( : )5ل شفعة إل لشريك في ذات المبيع ،لم يقاسم (أي أن حقه مشاع
لم يقسم) فل شفعة عندهم لشريك مقاسم ،ول لشريك في حق من حقوق الرتفاق الخاصة بالمبيع ،ول
للجار.
-------------------------------
( )1البدائع ،4/5 :تكملة الفتح ،436 ،414 ،406/7 :تبيين الحقائق ،241-239/5 :اللباب،106/2 :
الدر المختار.155/5 :
( )2سبق تخريجه ،أخرجه البخاري عن أبي رافع مولى النبي صلّى ال عليه وسلم (نصب الراية:
.)174/4
( )3أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ،وأحمد في مسنده ،والطبراني في معجمه ،وابن أبي شيبة
في مصنفه ،وابن حبان في صحيحه ،وقال عنه الترمذي :حديث حسن صحيح ،من حديث الحسن عن
سمرة (نصب الراية.)172/4 :
( )4من حديث جابر عند الترمذي.
( )5بداية المجتهد ،253/2 :الشرح الكبير ،473/3 :الشرح الصغير ،631/3 :مغني المحتاج:
،297/2المهذب 377/1 :وما بعدها ،المغني 285/5 :وما بعدها ،357 ،كشاف القناع،149/4 :
،182القوانين الفقهية :ص ،286المحلى ،115/9 :م .1598
( )6/648
وتثبت الشفعة عند المالكية والشافعية والظاهرية للذمي الكافر على المسلم ،كما قال الحنفية .ول تثبت
للكافر عند الحنابلة في بيع عقار لمسلم ،للحديث النبوي« :ل شفعة لنصراني» ( )1فهو يخص عموم
ما احتجوا به ،ولن الخذ بالشفعة يختص به العقار فأشبه الستعلء في البنيان ،والكافر ممنوع من
ذلك بالنسبة للمسلم ،ولن في شركته ضررا بالمسلم .ولكن رأي الجمهور في هذا أرجح ،بسبب
ضعف الحديث الذي احتج به الحنابلة.
واتفق الفقهاء ماعدا الحنابلة على أن الشفعة تثبت للذمي على الذمي ،لعموم الخبار الواردة في
الشفعة ،ولنهما تساويا في الدين والحرمة ،فتثبت لحدهما على الخر كالمسلم على المسلم .وتثبت
الشفعة لهل البدع الذين حكم بإسلمهم؛ لن عموم الدلة يقتضي ثبوتها لكل شريك .وأما أصحاب
البدع الذين حكم بكفرهم فل شفعة لهم على مسلم عند الحنابلة ،بخلف الجمهور (. )2
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني في كتاب العلل بإسناده عن أنس ،وأبي بكر ،لكن في إسنادهما بابل بن نجيج،
ضعفه الدارقطني وابن عدي.
( )2المغني 358/5 :وما بعدها ،كشاف القناع.183/4 :
( )6/649
وأدلة الجمهور :حديث جابر السابق« :قضى رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم
ُيقْسم ،فإذا وقعت الحدود ،وصرّفت الطرق ،فل شفعة» وحديث سعيد بن المسيب« :إذا قسمت
الرض ،وحُدّت ،فل شفعة فيها» ( ، )1فإذا كانت الشفعة غير واجبة للشريك المقاسم ،فهي أحرى أل
تكون واجبة للجار ،والشريك المقاسم إذا قاسم :جارٌ.
ولن الشفعة تثبت على خلف الصل ،فيقتصر فيها على مورد النص.
وأما حديث أبي رافع« :الجار أحق بصقبه» فليس بصريح في الشفعة ،فيحتمل أنه أراد بالصقب:
إحسان جاره وصلته وعيادته ونحوها .وخبر جابر صريح صحيح ،فيقدم .وبقية الحاديث في
أسانيدها مقال ،فحديث سمرة يرويه عنه الحسن ،ولم يسمع منه إل حديث العقيقة .ويتعين حمل
أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة ،فيكون لفظ الجار مرادا به
الشريك .وهذا الرأي في تقديري أولى؛ لن الشفعة تثير مشكلت متعددة ،والصل المقرر في
الشريعة هو حرية التعاقد ،فيقتصر فيها على حالة الشركة فقط.
وقد توسط ابن القيم بين الرأيين ،فقرر ثبوت الشفعة للجار إذا كان شريكا مع جاره في حق من حقوق
الرتفاق الخاصة ،مثل الطريق أو الشرب ،وإل فل شفعة له (. )2
وارتأى الشوكاني وبعض الشافعية هذا الحل الوسط عملً بلفظ في حديث جابر« :إذا كان طريقهما
واحدا» ()3
ثانيا -مراتب الشفعة (أو أسباب استحقاقها) وكيفية التوزيع عند تزاحم الشفعاء :قال الحنفية (: )4
الشفعة واجبة للخليط (الشريك) في نفس المبيع ،ثم إذا لم يكن ،أو كان وسَلّم (تنازل عن الشفعة) تثبت
للشريك في حق من حقوق الرتفاق الخاصة بالمبيع :وهو الذي قاسم وبقيت له شركة في حق العقار
الخاص ،كالشّرب والطريق الخاصين ،ثم تثبت الشفعة لجار ملصق.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود ،ومالك مرسلً ،عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
( )2راجع أعلم الموقعين ، 132-123/2 :تحقيق عبد الحميد.
( )3نيل الوطار.333/5 :
( )4تكملة الفتح 412 ،406/7 :وما بعدها ،الدر المختار ورد المحتار 154/5 :وما بعدها ،البدائع:
،9-8/5تبيين الحقائق ،239/5 :اللباب 106/2 :وما بعدها ،م ( )1008مجلة.
( )6/650
ول فرق في ثبوت حق الشفعة لصاحب حق الرتفاق بين الرض المجاورة للمبيع والبعيدة عنه ،ول
بين التي تسقى من المجرى الخاص مباشرة ،أو من جدول مأخوذ منه ،ما دام أن الكل يشرب من
المجرى ،وأن سبب الستحقاق واحد :وهو الشتراك في المرفق الخاص.
والمقصود من الشّرب الخاص عند أبي حنيفة ومحمد ( : )1شرب نهر صغير :وهو الذي ل يجري
فيه أصغر السفن ،وما تجري فيه السفن فهو عام ،وعامة المشايخ على أن الشركاء في النهر إن كانوا
يحصون ،فصغير ،وإل فكبير .وما ل يحصى :قيل :أربعون ،وقيل :خمس مئة ،وقيل :الصح
تفويضه إلى رأي كل مجتهد في زمان.
والمقصود بالطريق الخاص :هو الذي ل يكون نافذا ،فكل أهله شفعاء .فإن كان الشرب والطريق
عامين ،فل شفعة بهما .والمراد بعدم نفاذ الطريق :أن يكون بحيث يمنع أهله من أن يستطرقه
غيرهم.
وتصور الشفعة بسبب الشرب مثلً :إذا بيعت أرض لها حق الشرب في مجرى نهر خاص مشترك
بين قوم تسقى أراضيهم منه ،فلكل أهل الشرب الشفعة ،سواء أكانت أراضيهم المجاورة للنهر
ملصقة له ،أم بعيدة عنه.
-------------------------------
( )1وقال أبو يوسف :الشرب الخاص :أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلثة ،وما زاد على ذلك
فهو عام (اللباب )107/2 :والقراح :المزرعة التي ليس عليها بناء ول فيها شجر.
( )6/651
ودليل الحنفية على ترتيب الشفعاء على النحو المذكور (الشريك في المبيع ،ثم شريك الرتفاق ،ثم
الجار) هو قوله عليه الصلة والسلم« :الشريك أحق من الخليط ،والخليط أحق من الشفيع» ( )1ولن
التصال في المبيع أقوى من غيره ،والتصال في حق الرتفاق أقوى من الجار؛ لنه اشتراك في
مرافق الملك ،والترجيح يكون بقوة السبب؛ ولن دفع ضرر مؤنة القسمة ،وإن لم يصلح علة عند
الحنفية لستحقاق الشفعة ،صلح مرجحا للخذ عند تزاحم الشفعاء.
كيفية التوزيع عند تزاحم الشفعاء :
يتبين مما سبق كيفية توزيع حق الشفعة عند تزاحم الشفعاء ،بأن كانوا أكثر من واحد ،وكل منهم
يطلب الشفعة.
أ ـ فإن لم يكونوا من مرتبة واحدة :بأن كان أحدهم شريكا في المبيع ،والخر شريكا في حق
الرتفاق ،والخر جارا ملصقا ،فيقدم الشريك في المبيع أولً ،ثم الشريك في حق المبيع (حق
الرتفاق) ،ثم الجار (م )1009مجلة.
والمشارك في حائط الدار في حكم المشارك في الدار نفسها .وأما صاحب الخشاب الممتدة على
حائط جاره ،فيعد جارا ملصقا ،ل شريكا (م )1012مجلة.
وكل من صاحب الطابق العلى والسفل :جار ملصق (م )1011مجلة .وحق الشرب مقدم على
حق الطريق (م )1016مجلة .وإذا باع صاحب حق الشرب أو الطريق الخاص أرضه فقط ،دون
حق الرتفاق ،فليس للشركاء في الرتفاق شفعة (م )1015مجلة.
وإذا اجتمع صنفان من الشركاء يقدم الخص على العم ،فالمشترك في شرب من جدول من الشرب
أولى من المشترك في الشرب (م .)1014
-------------------------------
( )1قال عنه الزيلعي :غريب :وقال عنه ابن الجوزي :إنه حديث ل يعرف .وقال شريح« :الخليط
أحق من الجار ،والجار أحق من غيره» وقال إبراهيم النخعي :الشريك أحق بالشفعة ،فإن لم يكن
شريك ،فالجار ،والخليط أحق من الشفيع ،والشفيع أحق ممن سواه» (نصب الراية.)176/4 :
( )6/652
ب ـ وإن كان الشفعاء من مرتبة واحدة ،كالشركاء في المبيع ،قسم العقار المشفوع فيه بين الطالبين
جميعا ،بالتساوي بحسب عدد الرؤوس ،ل بمقدار الملك أو السهام ،عند الحنفية ( )1والظاهرية (، )2
لستوائهم في سبب استحقاق الشفعة ،وهو التصال بالشركة أو الجوار ،أي لنهم متساوون في أصل
الملك.
وقال الجمهور (( )3غير الحنفية والظاهرية) :يقسم العقار المشفوع فيه بين الشفعاء على قدر
حصصهم أو أنصبائهم في الملك ،ل على الرؤوس؛ لن الشفعة حق ناشئ بسبب الملك ،فكان على
قدر الملك ،كالغلة والثمرة والجرة المستفادة من الملك ،وكالربح في شركة الموال ،فيأخذ كل واحد
من الشركاء الشفعاء بقدر ما يملكه في العقار (المشفوع به وفيه).
فلو كانت الرض بين ثلثة ،لواحد نصفها ،ولخر ثلثها ،ولخر سدسها ،فباع الول حصته ،أخذ
الثاني سهمين ،والثالث سهما .ولن الشفعة شرعت لزالة الضرر ،والضرر داخل على كل واحد من
الشركاء بحسب نسبة ما يملكه ،ل بحسب التساوي ،فوجب أن يكون استحقاقهم لدفع الضرر على تلك
النسبة من الحصص.وقال المالكية في تزاحم الشركاء الشفعاء ( : )4يقدم في الخذ بالشفعة الخص
في الشركة على غيره ،وهو المشارك في السهم أي الفرض ،فلو مات ذو عقار عن جدتين وزوجتين
وأختين ،فباعت إحداهن نصيبها ،فالشفعة لمن شاركها في السهم ،دون بقية الورثة ،حتى ولو كان
المشارك في السهم أختا لب مع أخت شقيقه ،أو بنتَ ابن مع بنت ،فإذا باعت الشقيقة أو البنت
نصيبها ،فللخت لب أو لبنت البن الخذ بالشفعة ،دون العاصب.
ويدخل الخص ( )5من ذوي السهام (الفروض) على العم ،وهو غير المشارك في السهم،أي غير
ذوي الفروض وهو غير القوى في القرابة ،كالعاصب
-------------------------------
( )1البدائع ،6/5 :تبيين الحقائق ،241/5 :الكتاب مع اللباب ،116/2 :الدر المختار ،154/5 :تكملة
الفتح ،414/7 :م 1013مجلة.
( )2المحلى ،120/9 :م .1609
( )3الشرح الصغير ،646/3 :الشرح الكبير 486/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد ،257/2 :القوانين
الفقهية ص ،287مغني المحتاج ،305/2 :المهذب ،335/5 ،381/1 :كشاف القناع.164/4 :
( )4الشرح الكبير ،492/3 :الشرح الصغير 650/3 :وما بعدها.
( )5الخص :أي القوى والزيد في القرب.
( )6/653
وغيره ،فإذا مات شخص عن بنت فأكثر ،وعن أخوين أو عمين ،فباع أحد الخوين ،فإن البنات
يدخلن في الشفعة ،ول يختص الحق بالخ أو العم الذي لم يبع .وإذا مات شخص عن ثلث بنات ،ثم
ماتت إحداهن عن بنتين ،فباعت إحدى أخوات الميتة حصتها ،فأولد الميتة يدخلن على خالتهن ،إذ
الطبقة السفلى أخص؛ لنهن أقرب للميت الثاني ،والعليا أعم .ويدخل الوارث ذو الفرض أو العاصب
على الموصى لهم بعقار ،باع أحدهم حصته ،فل يختص بالشفعة بقية الموصى لهم ،بل يدخل معه
الوارث.
ثم يقدم الوارث مطلقا ،سواء أكان ذا فرض أم عاصبا ،على أجنبي.
ثم يقدم الجنبي ،إن أسقط الوارث حقه.
ثالثا ـ غيبة بعض الشفعاء :
قال الحنفية ( : )1لو كان بعض الشفعاء حين البيع وطلب الشفعة غائبا ،فطلبها الحاضر ،يقضى له
بالشفعة؛ لن الحاضر ثابت بيقين ،والغائب مشكوك في طلبه الشفعة ،فل يؤخر الحاضر؛ لن
المشكوك فيه ل يزاحم المتيقن ،لحتمال عدم طلب الغائب ،فل يؤخر بالشك.
ثم إذا جاء الغائب وطلب الشفعة ،وكان مع الحاضر في مرتبة واحدة ،قاسم الحاضر فيما أخذ ،أي
تنقض القسمة الولى ،ويعاد تقسيم العقار.
وإن لم يكن الغائب في مرتبة واحدة مع الحاضر الذي أخذ بالشفعة ـ وهذا ل يتصور إل عند الحنفية
ـ كالشريك والجار ،فإن كان الغائب فوق الحاضر (أعلى منه) كالشريك مع الجار قضي له بكل
المشفوع فيه ،وإن كان دونه كالجار مع الشريك منع من الشفعة.
-------------------------------
( )1البدائع ،6/5 :الدر المختار ،156/5 :تبيين الحقائق.242/5 :
( )6/654
ويتفق المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية ( )1مع الحنفية في ثبوت حق الشفعة للغائب ،لعموم
قوله عليه السلم« :الشفعة فيما لم يقسم» ولن الشفعة حق مالي ،وجد سببه بالنسبة إلى الغائب،
فيثبت له ،كالرث ،ولن الغائب شريك لم يعلم بالبيع ،فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر ،إذا كتم
عنه البيع ،ويندفع ضرر المشتري المشفوع عليه بدفع القيمة له.
رابعا ـ إسقاط بعض الشفعاء حقه :
قال الحنفية ( : )2إذ أسقط بعض الشفعاء حقه:
أ ـ فإن كان قبل أن يقضى لهم ،فلمن بقي أخذ كل المشفوع فيه ،لزوال المزاحمة.
ب ـ وأما إن أسقط حقه بعد القضاء بالشفعة ،فليس لمن بقي أخذ نصيب التارك؛ لنه بالقضاء قطع
حق كل واحد منهم في نصيب الخر.
وقال المالكية ،والشافعية في الصح ،والحنابلة ( : )3إذا أسقط بعض الشفعاء حقه في الشفعة ،بأن
عفا ،سقط حقه ،كسائر الحقوق المالية ،وتخير الخر بين أخذ جميع المشفوع فيه ،أو تركه كله ،وليس
له أخذ حقه فقط ،أو القتصار على حصته ،لن الشفيع الواحد إذا أسقط بعض حقه ،سقط كله
كالقصاص ،لئل تتبعض الصفقة على المشتري .قال ابن المنذر :أجمع كل من أحفظ عنه من أهل
العلم هذا؛ لن في أخذ البعض إضرارا بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه ،والضرر ل يزال بالضرر.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير ،490/3 :مغني المحتاج ،306/2 :المغني 305/5 :وما بعدها ،كشاف القناع:
،164/4المحلى ،115/9 :م ،1598الشرح الصغير.644/3 :
( )2الدر المختار ،156/5 :تبيين الحقائق ،241/5 :م 1043مجلة.
( )3الشرح الكبير ،490/3 :مغني المحتاج ،306/2 :كشاف القناع ،164/4 :المغني.338/5 :
( )6/655
( )6/656
والتملك بأحد هذين الطريقين متفق عليه بين المذاهب ( ، )1لكن قال المالكية :تملك الشفعة بأحد أمور
ثلثة :بحكم من حاكم ،أو دفع ثمن للمشتري ،أو إشهاد بالخذ بالشفعة ولو في غيبة المشتري.
ول شفعة عند غير الحنفية في بيع فاسد؛ لنه باطل عندهم أي منعدم شرعا .واستثنى المالكية حالة
تصرف المشتري بشراء فاسد بالشيء إلى غيره ببيع صحيح ،فللشفيع أن يأخذه من المشتري الثاني
بما دفعه من الثمن .فإن طرأ في يد المشتري على المبيع بيعا فاسدا ما يغير ذاته كالهدم مثلً ،فللشفيع
الخذ بما لزم المشتري :وهو القيمة إن كان الفساد متفقا عليه ،والثمن إن كان الفساد مختلفا فيه.
وتملك العقار بالشفعة هو بمنزلة شراء جديد مبتدأ ،فيثبت للشفيع حق الرد بخيار الرؤية وخيار العيب
( ، )2كما هو مقرر في كل عقد بيع.
والذي يتملكه الشفيع بالشفعة :هو الذي ملكه المشتري بالشراء ،سواء ملكه
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،647 ،640/3 :مغني المحتاج ،300/2 :كشاف القناع ،177/4 :المغني:
346/5وما بعدها ،الشرح الكبير.487/3 :
( )2البدائع ،24/5 :م 1037مجلة ،تبيين الحقائق 246/5 :وما بعدها.
( )6/657
أصلً ،أو تبعا لغيره إذا كان متصلً به وقت التملك بالشفعة ،كالبناء والغرس والزرع والثمر .وهذا
استحسان عند الحنفية؛ لن الحق إذا ثبت في العقار ،ثبت فيما هو تبع له إن كان منقولً متصلً به؛
لن حكم التبع حكم الصل (. )1
ثانيا ـ ما يلزم الشفيع دفعه أو ما يؤخذ به المشفوع :
)1ـ الثمن الواجب دفعه :
اتفق الفقهاء على أن الشفيع يأخذ المبيع بالثمن ،أو العوض الذي ملك به ،أوبمثل الثمن الذي تملك به
المشتري ،ل بمثل المبيع الذي يملكه المشتري؛ لن الشرع أثبت للشفيع ولية التملك على المشتري
بمثل ما يملك به ( )2قدرا وجنسا ،لحديث جابر «فهو أحق به بالثمن» ( ، )3كما يلزم بما أنفقه
المشتري كأجرة دلل وكاتب ورسوم ،فإن كان الثمن مثليا كالمكيل والموزون ،أخذه الشفيع بقيمته
(أي قيمة الثمن)؛ لنها بدله في القرض والتلف ،وقت لزوم العقد؛ لنه حين استحقاق الخذ.
وإن بيع عقار بعقار (مقايضة) وكان شفيعهما واحدا ،أخذ الشفيع كل واحد من العقارين بقيمة الخر،
لنه بدله ،وهو من ذوات القيم (القيميات) ،فيأخذه بقيمته.وإن اختلف شفيعهما ،يأخذ شفيع كل منهما
ماله فيه الشفعة بقيمة الخر.
وإن اشترى ذمي دارا بخمر أو خنزير ،وكان الشفيع ذميا ،أخذها بمثل
-------------------------------
( )1البدائع 27/5 :وما بعدها.
( )2تكملة الفتح ،427/7 :تبيين الحقائق ،249/5 :اللباب ،115-114/2 :الشرح الصغير،635/3 :
،637مغني المحتاج ،301/2 :المهذب 378/1 :وما بعدها ،المغني ،322/5 :كشاف القناع،177/4 :
بداية المجتهد.256/2 :
( )3رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المتر جم.
( )6/658
الخمر ،وقيمة الخنزير ،وإن كان الشفيع مسلما أخذها عند غير الحنابلة بقيمة الخمر والخنزير .أما
الخنزير فظاهر أنه مال قيمي ،وأما الخمر فلمنع المسلم عن التصرف فيه ،فالتحق بغير المثلي.
وتحسب قيمة الشيء المبيع يوم البيع ،ل يوم الخذ بالشفعة ،باتفاق الفقهاء ،لنه وقت إثبات العوض،
واستحقاق الشفعة.
وقال الحنابلة ( : )1ل شفعة فيما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير ،لنهما ليسا بمال.
)2ـ الحط من الثمن أو الزيادة عليه :
قال الحنفية ( : )2إذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن سواء قبل الخذ بالشفعة أم بعدها ،سقط
قدر المحطوط عن الشفيع؛ لن حط البعض يلتحق بأصل العقد ،فيظهر ذلك في حق الشفيع؛ لنه يأخذ
الشفعة بالثمن ،والثمن هو الباقي المستقر عليه.
أما إن حط البائع عن المشتري جميع الثمن ،لم يسقط عن الشفيع منه شيء؛ لن حط الكل ل يلتحق
بأصل العقد بحال ،لخروج العقد عن موضوعه ،فيصبح هبة ،ولم يبق ما يعد ثمنا.
جدّد العقد بأكثر من الثمن الول ،لم تلزم تلك الزيادة الشفيع،
وإذا زاد المشتري البائع في الثمن ،أو َ
لن في الزيادة ضررا به ،لستحقاقه الخذ بالثمن الول الصلي ،بخلف مسألة الحط من الثمن ،لن
فيه منفعة له.
والخلصة :أنه يثبت في حق الشفيع الحط أو النقص من الثمن دون الزيادة.
واتفق بقية الفقهاء مع الحنفية على أنه لو حط البائع جميع الثمن ،فل شفعة ،لنتفاء البيع.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )3لو حط بعض الثمن عن المشتري أو زيد قبل لزوم العقد أي في مدة
الخيار ،انحط عن الشفيع مقدار النقص ،ويلزم بالزيادة؛ لن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد ،وزال
الخيار ،والتغيير يلحق العقد .فأما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد ،فحط أو زيد في الثمن ،لم يلحق
بالعقد؛ لن النقص حينئذ إبراء مبتدأ جديد ،ول يثبت ذلك في حق الشفيع ،والزيادة بعد مدة الخيار
هبة ،تطبق عليها شروط الهبة.
)3ـ تأجيل الثمن :
قال الحنفية ما عدا زفر ،والشافعية في الظهر من أقوال الشافعي في الجديد ( : )4إذا أجل الثمن كله
أو بعضه ،ليس للشفيع الستفادة من هذا الجل الممنوح للمشتري ،وإنما يكون الشفيع بالخيار بين أن
يعجل (يدفع الثمن حالً) ويأخذ المبيع (أو الشقص أي الحصة) في الحال ،أو يصبر حتى ينقضي
الجل ،ول يسقط حقه بتأخيره إلى حلول الجل ،لعذره ،لكن يجب عليه طلب الشفعة في حينها ،وإل
سقط حقه فيها؛ لن العقد هو شرط ثبوتها ،وقد وجد.
والسبب في عدم إفادته من الجل :هو أن الشفعة ليست تحويل الصفقة بصفتها للشفيع من المشتري،
وإنما هي نقض العقد الذي تم بين البائع والمشتري ،ثم انعقاد بيع آخر للشفيع.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.152/4 :
( )2المبسوط ،107/14 :الكتاب مع اللباب 115/2 :وما بعدها ،تكملة الفتح ،427/7 :تبيين الحقائق:
248/5وما بعدها ،البدائع.27/5 :
( )3نهاية المحتاج ،149/4 :المغني ،322/5 :كشاف القناع.177/4 :
( )4المبسوط ،103/14 :البدائع ،27 ،24/5 :تكملة الفتح ،428/7 :تبيين الحقائق ،249/5 :نهاية
المحتاج ،150/4 :مغني المحتاج ،301/2 :الفصاح لبن هبيرة :ص .277
( )6/659
وقال زفر :للشفيع الستفادة من الجل؛ لن الجل وصف في الثمن كالزيافة ،والخذ بالشفعة يكون
بالثمن ،فيأخذه به وصفا وأصلً.
وقال المالكية والحنابلة ( : )1للشفيع الستفادة من تأجيل الثمن الذي تم به العقد ،إذا كان مليئا ثقة ،أو
كفله مليء ثقة .فإن لم يكن موسرا ،ول ضمنه مليء ،وجب عليه دفع الثمن حالً ،رعاية للمشتري.
وهذا الرأي أولى بالتباع ضمانا لمصلحة المشتري الذي فقد الصفقة بسبب الشفعة.
)4ـ هل يتوقف القضاء بالشفعة على دفع الشفيع الثمن؟
قال الحنفية في ظاهر الرواية ،والشافعية والمالكية والحنابلة ( : )2ل يشترط في التملك بالشفعة حكم
الحاكم ،ول إحضار الثمن ،ول حضور المشتري ،فل يتوقف صدور الحكم القضائي بالشفعة على
إحضار الشفيع الثمن إلى مجلس القضاء؛ لن حقه ثبت بمجرد البيع لجنبي دفعا للضرر عنه ،فصار
كما لو صدر الشراء له من البائع من أول المر ،أو لن الشفيع يصير متملكا المشفوع فيه بمقتضى
القضاء بالشفعة ،فكأنه اشتراه من البائع ،والتملك بالشراء ل يتوقف على إحضار الثمن ،كالشراء أو
البيع المبتدأ بجامع أنه تملك بعوض.
لكن قال المالكية :إن قال الشفيع :أنا آخذ الشفعة ،أجل ثلثة أيام لحضار الثمن ،فإن أتى به فيها وإل
سقطت شفعته.
وقال محمد بن الحسن :ل يقضي القاضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع الثمن ،دفعا للضرر عن
المشتري؛ لن الشفيع ربما يكون مفلسا ،فيتوقف القضاء على إحضار الثمن ،ويؤجله القاضي يومين
أو ثلثة تمكينا له من نقد الثمن ،إذ ل يصح دفع الضرر عن الشفيع بإضرار غيره.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،637/3 :بداية المجتهد ،256/2 :المغني ،323/5 :كشاف القناع.179/4 :
( )2المبسوط ،119/14 :تبيين الحقائق ،245/5 :تكملة الفتح ،422/7 :اللباب ،112/2 :البدائع:
24/5وما بعدها ،مغني المحتاج ،300/2 :الشرح الصغير ،649-647/3 :كشاف القناع.177/4 :
( )6/660
لكن ما يخشاه محمد من هذا المحذور يمكن دفعه ،كما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ،بأن للمشتري
حبس العين في يده ،حتى يدفع الشفيع الثمن.
ووفق الكاساني بين الرأيين ،فقال :هذا عندي ليس باختلف على الحقيقة ،وللقاضي أن يقضي بالشفعة
قبل إحضار الثمن بل خلف؛ لن لفظ محمد رحمه ال « :ليس ينبغي للقاضي أن يقضي بالشفعة،
حتى يحضر الشفيع المال» ل يدل على أنه ليس له أن يقضي ،بل هو إشارة إلى نوع احتياط ،ولهذا
لو قضى جاز ،ونفذ قضاؤه ،نص عليه محمد.
)5ـ استحقاق المشفوع فيه :
إذا استحق المشفوع فيه فمن الذي يتحمل العهدة وضمان الثمن؟ المر مختلف فيه على رأيين.
والمراد بالعهدة :رجوع من انتقل الملك إليه وهو الشفيع على من انتقل الملك عنه من بائع أو مشتر
بالثمن عند الستحقاق أو الرش (التعويض) عند ظهور عيب من العيوب.
فقال الحنفية ( : )1إن ضمان الثمن عند الستحقاق يكون على المشتري ،إن أخذ الشفيع المبيع منه،
ونقده الثمن؛ لنه هو الذي قبض الثمن ،ولن المبيع قد انتقل منه إلى الشفيع .وهذا هو الغالب.
وقد يكون على البائع ،إذا كان الشفيع قد أخذ المبيع منه قبل تسليمه إلى المشتري؛ لنه هو الذي قبض
الثمن ،وانتقل المبيع منه إلى الشفيع.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) ( : )2إذا أخذ الشفيع الشقص (الجزء المبيع المشترك
فيه) فظهر مستحقا أو معيبا ،فيرجع بالثمن أو الرش (التعويض) على المشتري ،ويرجع المشتري
على البائع؛ لن الشفيع أخذ المبيع من المشتري على أنه ملكه ،فيرجع بالعهدة عليه كما لو اشتراه
منه.
)6ـ اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن :
إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن ،فادعى المشتري ـ بطبيعة الحال ـ الكثر ،وادعى
الشفيع القل ،فمن الذي يصدق قوله؟
-------------------------------
( )1تكملة الفتح ،433/7 :الدر المختار ،160/5 :الكتاب مع اللباب ،119/2 :البدائع.30/5 :
( )2الشرح الكبير ،493/3 :المهذب ،383/1 :المغني 344/5 :وما بعدها ،كشاف القناع.182/4 :
( )6/661
يرى جمهور الفقهاء ( في المذاهب الربعة وغيرها ) ( : )1أن الشفيع والمشتري إذا اختلفا في قدر
الثمن ،فقال المشتري :اشتريته بمئة ،وقال الشفيع :بل بخمسين ،فالقول قول المشتري بيمينه؛ لنه
أعلم بما باشره من الشفيع ،ولن الشفيع مدع القل ،والمشفوع عليه مدعى عليه ،ينكر ذلك ،والقول
قول المنكر مع يمينه.
إل أن المالكية قيدوا الخذ بقول المشتري بقيد ،فقرروا أن القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه تقدير
المقدرين ،أو ثمن المثل ،وإل أي إن أتى بما ل يشبه تقديرهم ،بأن ادعى ما شأنه أل يكون ثمنا،
فالقول قول الشفيع إن أتى بما يشبه التقدير المعقول.
فإن لم يكن قول كل من المشتري والشفيع مشبها التقدير المعقول ،حُلّف كل منهما على مقتضى
دعواه ،ورد دعوى صاحبه ،ورد الثمن إلى القيمة الوسط بين الناس وهي قيمة الحصة يوم البيع ،كما
لو نكل معا عن حلف اليمين.
وأضاف الحنفية ( )2أن القول قول المشتري إذا اختلف مع الشفيع في جنس الثمن أو في صفته ،مثال
الول :أن يقول المشتري :اشتريت بمئة دينار ،وقال الشفيع :ل ،بل بألف درهم ،فالقول قول
المشتري؛ لن الشفيع يدعي عليه التملك بهذا الجنس ،وهو ينكر ،والقول قول المنكر مع يمينه ،ولن
المشتري أعرف بجنس الثمن من الشفيع؛ لن الشراء وجد منه ،ل من الشفيع ،فكان أعرف به من
الشفيع ،فيرجع في معرفة الجنس إليه.
ومثال الختلف في صفة الثمن :أن يقول المشتري :اشتريت بثمن معجل ،وقال الشفيع :ل ،بل
اشتريته بثمن مؤجل ،فالقول قول المشتري؛ لن الحلول في الثمن أصل ،والجل عارض ،والمشتري
يتمسك بالصل ،فيكون القول قوله بيمينه ،ولن العاقد أعرف بصفة الثمن من غيره ،ولن الجل
يثبت بالشرط ،والشفيع يدعي عليه شرط التأجيل ،وهو ينكر ،فكان القول قوله.
-------------------------------
( )1البدائع ،32-30/5 :تكملة الفتح ،424/7 :اللباب مع الكتاب ،115/2 :بداية المجتهد،261/2 :
الشرح الصغير ،656/3 :مغني المحتاج ،304/2 :المغني.333 ،328/5 :
( )2البدائع.32 - 30/5 :
( )6/662
( )6/663
( )6/664
الشفعة؛ لن الخذ بالشفعة يلزم المشتري بالعقد بغير رضاه ،ويوجب العهدة ( )1عليه ،ويفوت حقه
من الرجوع في عين الثمن ،فلم يجز ،كما لو كان الخيار للبائع.
الشرط الثاني ـ أن يكون العقد عقد معاوضة :
ل يثبت الحق في الشفعة إل إذا خرج العقار عن ملك صاحبه بعقد معاوضة ،وهو البيع ،أو ما في
معناه كالهبة بشرط العوض إن تقابضا ،والصلح عن مال لنه معاوضة ،سواء أكان العقار المبيع وقفا
أم غير وقف.
ففي البيع تجب الشفعة ،لنتقال المبيع إلى المشتري بعوض ،لحديث جابر السابق« :فإن باعه ،ولم
يؤذنه ،فهو أحق به» .وفي الهبة بعوض تجب الشفعة عند الحنفية إن تقابضا ،لوجود معنى
المعاوضة ،عند التقابض؛ لن الهبة ل تثبت إل بالقبض ،فإن قبض أحدهما دون الخر ،فل شفعة عند
أئمة الحنفية الثلثة (أبي حنيفة وصاحبيه) .وعند زفر :تجب الشفعة بنفس العقد؛ لن الهبة بشرط
العوض عند الثلثة :تقع تبرعا ابتداء ،معاوضة انتهاء ،وبناء عليه :يشترط أل يكون الموهوب ول
عوضه شائعا ،لنه هبة ابتداء .وعند زفر :تقع معاوضة ابتداء وانتهاء.
ولم يشترط التقابض عند الجمهور غير الحنفية في الهبة بشرط العوض (الثواب)؛ لن الهبة عندهم
عقد لزم ،ولن الموهوب له يملك الموهوب بعوض هو مال ،فلم يفتقر إلى القبض في استحقاق
الشفعة.
-------------------------------
( )1المراد بالعهدة هنا :رجوع من انتقل الملك إليه من شفيع أو مشتر على من انتقل عنه الملك من
بائع أو مشتر بالثمن أو الرش عند استحقاق الشقص ( الحصة من المبيع ) أو عيبه ( كشاف القناع:
.)182/4
( )6/665
وتجب الشفعة في الدار التي هي بدل الصلح ،سواء أكان الصلح على الدار عند الحنفية عن إقرار أم
إنكار ،أم سكوت ،لوجود معنى المعاوضة.
وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء في المشهور عن مالك ( ، )1فل شفعة بناء عليه إذا زالت ملكية
البائع عن ملكه بل عوض مطلقا ،كالهبة بغير شرط العوض ،والوقف ،والوصية والميراث؛ لن
الشفعة حق تملك جبري ،يملك به المبيع جبرا عن المشتري بمثل ما ملك ( أي بالثمن والتكاليف التي
دفعها ) .وهذه التصرفات تؤدي إلى نقل الملكية بغير عوض أي بالمجان ،فل يتأتى تحقق شرط
الشارع في تملك الشفعة وهو البيع بمعاوضة وما في معناه.
لكن الفقهاء اختلفوا في التملك بعوض غير مالي ،كالمهر ،وبدل الخلع ،أو أجر طبيب أو محام مثلً،
أو أجرة دار ،أو عوض في الصلح عن دم عمد.
فقال الحنفية والحنابلة ( : )2يشترط أن يكون عقد المعاوضة مال بمال ،فل شفعة إذا كان العوض
غيرمال ،كما في هذه الحوال ،لن الشيء في المعاوضة غير المالية يشبه الموهوب والموروث،
ولن هذه العواض ل مثل لها ،حتى يأخذ الشفيع الشيء بمثلها ،فل يمكن مراعاة شرط الشرع فيه،
وهو التملك بما تملك به المشتري ،فلم يكن مشروعا .وأوضح الحنابلة أنه ل تجب الشفعة بفسخ يرجع
به المبيع إلى البائع ،كرده بعيب أو إقالة .وقال الحنفية :إذا اقتسم الشركاء العقار المشترك بينهم فل
شفعة لجارهم بالقسمة ،لنها ليست بمعاوضة مطلقا ،ولن
الشريك أولى من الجار .وإذا سلّم ( أي تنازل ) الشفيع الشفعة ،ثم رد المشتري ما اشتراه بخيار رؤية
أو شرط أو عيب بقضاء قاض ،فل شفعة للشفيع؛ لن هذا الرد فسخ تام ،فعاد المبيع لقديم ملكه،
والشفعة تكون في حالة إنشاء العقد .وإن كان الرد للمبيع بغير قضاء ،أو تقايل (فسخا) البيع ،فللشفيع
الشفعة؛ لن الرد فسخ في حق الطرفين ،وبيع جديد في حق شخص
-------------------------------
( )1البدائع ،11/5 :تبيين الحقائق ،252 ،239/5 :الهداية مع التكملة ،438-436/7 :الدر المختار:
،165 ،157/5الكتاب مع اللباب ،110/2 :بداية المجتهد 255/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص
،287الشرح الصغير 633/3 :وما بعدها ،مغني المحتاج ،298/2 :المهذب 376/1 :وما بعدها،
المغني ،291/5 :كشاف القناع.152/4 :
( )2تبيين الحقائق ،253-252 ،229/5 :المغني.292/5 :
( )6/666
ثالث ،لوجود معنى البيع (وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي) والشفيع هنا هو الثالث (. )1
وقال المالكية والشافعية ( : )2يكفي أن يكون العقد عقد معاوضة ،سواء أكانت بمال أم غير مال،
فتثبت الشفعة بالمعاوضة على غير مال؛ لن الغرض من الشفعة دفع ضرر الدخيل ،وهذا متحقق
هنا ،ولنه عقار مملوك بعقد معاوضة ،فأشبه البيع ،ويطالب الشفيع حينئذ بدفع قيمة البدل ،كما لو
باعه بعرض تجاري؛ لن هذه العواض أموال متقومة عندهم ،فيؤخذ الشيء بقيمته عند تعذر الخذ
بالمثل ،فيدفع الشفيع مهر المثل ،وعوض الخلع.
الشرط الثالث ـ أن يكون العقد صحيحاً :
اتفق الفقهاء على هذا الشرط (، )3لن المطلوب هو زوال حق البائع في المبيع ،فل تثبت الشفعة في
المشترى شراء فاسدا؛ لن هذا العقد يجب دينا نقضه ،ورد المبيع إلى ملك بائعه ،للتخلص من الفساد،
فل يكون البيع لزما ،لحتمال فسخه من كل العاقدين ،وفي إثبات الشفعة تقرير الفساد.
-------------------------------
( )1اللباب 120/2 :وما بعدها ،كشاف القناع 152/4 :وما بعدها.
( )2بداية المجتهد ،255/2 :القوانين الفقهية :ص ،287مغني المحتاج.298/2 :
( )3البدائع ،13/5 :تبيين الحقائق ،254/5 :اللباب ،114/2 :الشرح الصغير ،640/3 :مغني
المحتاج ،298/2 :المغني.291/5 :
( )6/667
لكن لو سقط حق فسخ البيع الفاسد بأسباب مسقطة للفسخ ،كزيادة المبيع ،وزوال ملك المشتري
بالتصرف في المشترى إلى غيره ،كان للشفيع عند الحنفية والمالكية ( )1أن يأخذ بالشفعة؛ لن المانع
قيام احتمال الفسخ ولقد زال المانع ،كما لو باع شخص بشرط الخيار له ،ثم أسقط الخيار ،وجبت
الشفعة لزوال المانع من ثبوت الحق ،وهو الخيار ،فكذا هو.
وفي حالة بيع المشتري الشيء المشترى شراء فاسدا ،يكون الشفيع عند الحنفية بالخيار ،إن شاء أخذ
الشفعة بالبيع الول ،وإن شاء أخذها بالبيع الثاني؛ لن حق الشفيع ثابت عند كل من البيعين ،غير أنه
إن أخذ بالبيع الثاني أخذ بالثمن ،وإن أخذ بالبيع الول ،أخذ بقيمة المبيع يوم القبض؛ لن البيع الفاسد
يفيد الملك بقيمة المبيع ل بالثمن .وإنما تقدر القيمة يوم القبض؛ لن المبيع بيعا فاسدا مضمون
بالقبض ،كالمغصوب.
ورأي المالكية قريب من هذا ،كما ظهر في مبدأ الكلم عن المبحث الرابع.
الشرط الرابع ـ ملك الشفيع المشفوع به وقت البيع :
اتفق الفقهاء على شرط كون الشفيع مالكا ما يشفع به قبل البيع ،واختلفوا في استمرار الملك حتى
القضاء بالشفعة على رأيين:
فقال الحنفية ( : )2يشترط استمرار ملك الشفيع حتى يقضى له بالشفعة ،فلو بيع عقار ،فطلبه الشريك
أو الجار بالشفعة ،ثم باع ما يشفع به ،سقط حقه فيها؛ لن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع
(الشريك أو الجار عندهم) ول ضرر يصيبه من المشتري بعد بيع ملكه.
-------------------------------
( )1البدائع ،والشرح الصغير ،المكان السابق.
( )2البدائع ،14/5 :تكلمة الفتح ،446/7 :الكتاب مع اللباب ،113/2 :الدر المختار ورد المحتار:
.170 ،157/5
( )6/668
وكذا لو باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة ،سقط حقه ،سواء أكان عالما ببيع الدار
المشفوع فيها ،أم لم يعلم.
وقال جمهور الفقهاء (غير الحنفية) ( : )1يشترط ثبوت ملك الشفيع وقت البيع فقط ،وليشترط
استمرار الملك إلى وقت القضاء بالشفعة .وعليه نص الشافعية فقالوا :لو باع الشفيع حصته ،أو
أخرجها عن ملكه بغير البيع كالهبة ،جاهلً بالشفعة ،فالصح بطلنها ،لزوال سببها ،وهو الشركة أي
حين البيع.
أ ـ ويترتب على هذا الشرط بالتفاق أنه ل شفعة لشخص بدار يسكنها بالجارة ،أو العارة ،ول
بدار باعها قبل بيع المشفوع فيه ،ول بدار جعلها مسجدا ،ول بدار جعلها وقفا ،فل شفعة للوقف ،أي
ليس لناظر الوقف أن يطلب تملك العقار المبيع بجوار الراضي الموقوفة ،إذ ل مالك للوقف.
أما إذا بيع الوقف عند الحنفية القائلين بجواز الستبدال بالعين الموقوفة للضرورة أو للحاجة
والمصلحة ،فيثبت حق الشفعة للجار؛ لنه بالبيع يصبح غير موقوف ،فيجوز أخذه بالشفعة.
كذلك تثبت الشفعة عند الحنفية في حالة بيع العقار الموقوف غير المحكوم به ( ، )2كما تثبت في بيع
الراضي العشرية والخراجية لنها مملوكة ،بخلف الراضي السلطانية ،فإنه ل شفعة فيها.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،260/2 :القوانين الفقهية :ص ،287مغني المحتاج 308 ،303 ،298/2 :وما
بعدها ،نهاية المحتاج ،308/4 :المهذب ،383/1 :المغني ،346 ،317/5 :غاية المنتهى،263/2 :
كشاف القناع ،176 ،158 ،153/4 :الشرح الصغير للدردير ،645/3 :الشرح الكبير،474/3 :
.487
( )2يرى أبو حنيفة أن الوقف ل يلزم ويزول ملك الواقف عنه إل إذا حكم به الحاكم ،أو علقه الواقف
بموته (الهداية.)10/3 :
( )6/669
وأجاز المالكية ( )1ل للسلطان الخذ بالشفعة لبيت المال ،كما إذا مات أحد الشريكين ،ول وارث له،
فأخذ السلطان نصيبه لبيت المال ،ثم باع الشريك الخر حصته ،فللسلطان الخذ بالشفعة لبيت المال.
وكما لو مات إنسان عن بنت مثلً ،فأخذت النصف ،ثم باعته ،كان للسلطان الخذ من المشتري لبيت
المال.
ب ـ ويتفرع على الخلف السابق بين الفقهاء في شرط استمرار ملك المشفوع به :إرث حق الشفعة.
قال الحنفية :ل يثبت للوارث حق الخذ بالشفعة إذا مات الشفيع بعد طلب الشفعة قبل القضاء ،فليس
للوارث الشفعة في عقار بيع في حياة مورثه؛ لن الوارث لم يكن مالكا ما ورثه وقت العقد.
وقال الجمهور :يثبت حق الشفعة للوارث ،إذا طالب به الشفيع المورث بعد البيع قبل موته ،بخلف ما
إذا مات قبل الطلب؛ لن الوارث خليفة المورث ،فله كل حقوق مورثه ،ومنها حق الشفعة ،دفعا
لضرر الدخيل عن نفسه.
ومنشأ الخلف في هذه المسألة كالخلف في إرث خيار الشرط :هو هل تورث الحقوق كما تورث
الموال؟ عند أبي حنيفة :ل تورث ،وعند الجمهور :تورث (. )2
الشرط الخامس ـ عدم رضا الشفيع بالبيع وحكمه :
اتفق الفقهاء على اشتراط أل يصدر من الشفيع ما يدل على رضاه ببيع العقار المشفوع فيه ،فإن
رضي بالبيع أو بحكمه قولً ،أو فعلً بأن باع الشفيع المشفوع به أو سكت مدة طويلة من غير عذر،
سقط حقه في طلب الشفعة؛ لن الشفيع بالخيار بين الخذ والترك؛ لن الشفعة حق ثبت له لدفع
الضرر عنه ،فيخير بين أخذه وتركه.
وقدر المالكية مدة السكوت فقالوا :أل يظهر من الشفيع ما يدل على إسقاط الشفعة من قول أو فعل أو
سكوت مدة سنة كاملة بعد العقد فأكثر بل مانع ،مع علمه وحضوره.
لكن يشترط لسقوط هذا الحق :أل يكون هناك تدليس أو خديعة للشفيع لسقاط الشفعة ،من
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،632/3 :الشرح الكبير.474/3 :
( )2المبسوط.116/14 :
( )6/670
طريق المشتري ،أو الثمن ،أو قدر المبيع نفسه (. )1
فإذا أخبر أن المشتري فلن ،وكان المشتري بالفعل غيره؛ أو أن الثمن كذا ،وكان الثمن بالفعل أقل أو
من جنس أو نوع أو وصف آخر ،أو أن المبيع جزء معين ،وكان المبيع بالفعل جزءا و أكثر أو كل
المبيع ،فسلم الشفعة أي أعرض عنها ،ثم تبين الحقيقة والوافع ،بقي حقه ،وكان له الشفعة؛ لنه إنما
تركها لغرض بان خلفه ولم يتركه رغبة عنه.
لكن لو كان المر على عكس بعض هذه الحالت الثلث السابقة ،كأن أخبر بأن الثمن ألف ،فبان أكثر
من ألف ،أو أن المبيع كله ،فبان بعضه ،أو أن الثمن مؤجل ،فبان حالً نقدا ،سقط حقه في الشفعة،
لنه إذا لم يرغب فيه بالقل ،أو بالمؤجل ،فبالكثر ،أو المعجل أولى .ومن رغب عن شراء الكل،
رغب عن شراء البعض بالولى ،خوف ضرر الشركة .والحالة الخيرة هي الرواية المشهورة
(ظاهر الرواية) عند الحنفية ،وهي مذهب المالكية ،أي أن الشفعة تسقط إذا أخبر الشفيع أن شريكه
باع الكل ،فترك الشفعة ،ثم تبين أنه لم يبع إل النصف مثلً.
وقال أبو يوسف والحنابلة :إن للشفيع في الحالة الخيرة؛ لنه قد يعجز عن ثمن الكل ويقدر على ثمن
النصف مثلً ،وقد تكون حاجته إلى النصف لتمام مرافق ملكه ،ول يحتاج إلى الكل.
والخلصة عند الجمهور :أن الشفيع إذا أخبر بما هو النفع له ،فترك الخذ بالشفعة ،بطل حقه ،وإل
فل.
الحتيال لسقاط الشفعة :
اتفق الحنفية على كراهية الحيلة تحريما لسقاط الشفعة بعد ثبوتها أي بعد البيع ،أما الحيلة لدفع ثبوت
الشفعة قبل البيع ،فيروى عن أبي يوسف ،وبقوله يفتى :أنه ل تكره ،إذا كان الجار غير محتاج
للمشفوع فيه؛ لنها منع عن إثبات الحق ،فل يعد ضررا .وتكره عند محمد؛ لن الشفعة
-------------------------------
( )1البدائع ،20-19 ،15/5 :المبسوط ،111 ،105/14 :الدر المختار ورد المحتار،173/5 :
اللباب ،118/2 :الشرح الصغير 643/3 :وما بعدها ،نهاية المحتاج ،159/4 :المهذب،379/1 :
مغني المحتاج ،308/2 :المغني ،302/5 :القوانين الفقهية :ص .286
( )6/671
إنما وجدت لدفع الضرر ،ولو أبحنا الحيلة لما تحقق دفع الضرر (. )1
والخلصة :أن المقرر عند الحنفية ومثلهم الشافعية :أنه يجوز الحتيال لسقاط الشفعة ،كأن يقر له
ببعض الملك ثم يبيعه الباقي.
أما الحنابلة والمالكية :فقد حرموا صراحة الحتيال لسقاط الشفعة ،وإن فعل لم تسقط؛ لنها شرعت
لدفع الضرر ،فلو سقطت بالتحيل لترتب الضرر (. )2
المبحث السادس ـ إجراءات الشفعة
بما أن الشفعة حق ضعيف كما يقول الفقهاء ،فل تكون سبيلً للتملك بها إل باتخاذ إجراءات خاصة
بطلبها من الشفيع بمجرد العلم بالبيع ،حتى يحكم له بها.
قال الحنفية :يلزم في الشفعة طلبات ثلثة :هي طلب المواثبة ،وطلب التقرير والشهاد ،وطلب
الخصومة والتملك ( . )3ويحسن قبل الكلم عن هذه الجراءات بيان اختلف الفقهاء حول وقت
وجوب الشفعة.
وقت وجوب الشفعة :اشترط الحنفية طلب الشفعة فور العلم بالبيع؛ لنها حق ضعيف ،فيتقوى بالطلب
الفوري بحسب المعتاد.
ولم يشترط المام مالك المطالبة بالشفعة على الفور ،وإنما وقت وجوب الخذ بالشفعة عنده متسع،
وهو في حدود السنة بعد العقد ،على أشهر القوال عنه (. )4
واشترط الشافعية على الظهر ( : )5المبادرة إلى طلب الشفعة على الفور ،أي بعد علم الشفيع
بالبيع؛ لنها حق ثبت لدفع الضرر ،فكان على الفور كالرد بالعيب ،فإذا علم الشفيع بالبيع ،فليبادر
على العادة ،فلو كان الشفيع في الصلة أو في الحمام أو في حال قضاء الحاجة ،لم يكلف قطع ما هو
فيه ،وإنما له التأخير
-------------------------------
( )1الهداية مع تكملة الفتح ،450/7 :الدر المختار ورد المحتار ،173/5 :اللباب.118/2 :
( )2المغني 326/5 :وما بعدها ،كشاف القناع 149/4 :وما بعدها ،الفصاح :ص .276
( )3م 1028مجلة ،البدائع ،17/5 :مختصر الطحاوي :ص 120وما بعدها ،تكملة الفتح،416/7 :
418وما بعدها ،تبيين الحقائق ،242/5 :الدر المختار 157/5 :وما بعدها ،اللباب.112 ،107/2 :
( )4الشرح الكبير 487/3 :وما بعدها ،الشرح الصغير ،645 ،639/3 :بداية المجتهد.259/2 :
( )5المهذب ،380/1 :مغني المحتاج ،307/2 :حاشية الباجوري ،19/2 :المحلي على المنهاج مع
حاشية قليوبي وعميرة.50/3 :
( )6/672
إلى الفراغ مما هو فيه.والضابط فيه:أن ما عد توانيا في طلب الشفعة أسقطها ،وإل فل.
وإن كان مريضا أو غائبا عن بلد المشتري ،أو خائفا من عدو ،فليوكل إن قدر ،وإل بأن عجز عن
التوكيل ،فليشهد على طلب الشفعة رجلين عدلين أو عدلً وامرأتين .فإن ترك الشفيع المقدور عليه من
التوكيل والشهاد ،بطل حقه في الظهر.
والحنابلة كالشافعية قالوا ( : )1يشترط المطالبة بالشفعة على الفور بمجرد العلم بالبيع ،بأن يشهد
الشفيع على طلب الشفعة ،حين يعلم بالبيع ،إن لم يكن له عذر يمنعه من الطلب .ثم إذا أشهد على
الطلب له أن يخاصم المشتري ،ولو بعد أيام أو أشهر أو سنين.
وبه يتبين أن الجمهور يقولون :إن الشفعة على الفور ،للحديث النبوي« :الشفعة كحل العقال» (، )2
ولن ثبوتها على التراخي ربما أضر بالمشتري لعدم استقرار ملكه.
وأما المالكية :فلم يشترطوا الفورية ،فلو سكت الشفيع بل مانع سنة كاملة بعد العقد ،فما دونها ،أو
غاب وعاد في أثناء السنة ،ثم طلب الشفعة ،أخذها؛ لن السكوت ل يبطل حق امرئ مسلم ما لم
يظهر من قرائن الحوال ما يدل على إسقاطه .لكن يحق للمشتري المطالبة عند الحاكم للشفيع بعد
الشراء بأن يحدد موقفه ،إما بالخذ بالشفعة أو الترك ،فإن أجاب بواحد منهما فظاهر ،وإل أسقط
الحاكم شفعته.
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،156/4 :المغني 306 ،299/5 :وما بعدها.
( )2ويروى «كنشطة العقال» رواه ابن ماجه ،والبزار وابن عدي من حديث ابن عمر ،وهو ضعيف
(نصب الراية 176/4 :وما بعدها).
( )6/673
مراحل طلب الشفعة :يبدأ الشفيع بطلب الشفعة عند الحنفية كما يلي:
- 1طلب المواثبة :أي المبادرة والسرعة ،وهو أن يطلب الشفيع في مجلس علمه بالبيع الخذ
بالشفعة ،بلفظ يفهم منه طلبها مثل :أطلب الشفعة أو أنا طالبها ،أو أنا شفيع المبيع وأطلبه بالشفعة
ونحوه ( ، )1لقوله صلّى ال عليه وسلم « :الشفعة لمن واثبها» ( )2ول يلزم الشهاد من الشفيع على
هذا الطلب ،وإنما هو أفضل ،لمخافة جحود أو إنكار الخصم (المشتري) الطلب في ساحة القضاء.
فالمعتبر هو الطلب ،وإنما الشهاد ليثبت الطلب بالشهادة عند النكار ،كالطلب والشهاد لهدم الحائط
المائل ،ل يشترط الشهاد للضمان ،وإنما لثبات سبب الضمان.
ويلحظ أن أصح الروايتين عند الحنفية :هو بقاء الحق في الطلب ما دام الشفيع في مجلس العلم
بالبيع ،مهما امتد.
والظهر عند الشافعية كما تقدم أن هذا الطلب على الفور.
وكذلك قال الحنابلة :الشفعة بالمواثبة ساعة العلم بالبيع أي على الفور .
وأما المالكية :فوقت الطلب عندهم كما تبين على التراخي ،لمدة سنة ،على أشهر أقوال مالك.
- 2طلب التقرير :وهو أن يتقدم الشفيع بطلب آخر يؤكد به طلبه الول .إذ قد يكون الطلب الول
عن رغبة عارضة من الشفيع ،ثم يتبين أمره وظروفه وإمكاناته المادية ،فل بد من هذا الطلب لتأكيد
وتقرير الطلب الول (. )3
ويشترط في هذا الطلب :أن يكون على فور الطلب الول ،والشهاد عليه ،بأن يشهد الشفيع على
رغبته بالشفعة رجلين أو رجل وامرأتين ،ومدة هذا الطلب ليست على فور المجلس في الكثر ،بل
هي مقدرة بمدة التمكن من الشهاد.
-------------------------------
( )1م ( )1029مجلة.
( )2رواه الفقهاء في كتبهم ،وهو كما قال الزيلعي عنه :غريب ،وأخرجه عبد الرزاق من قول شريح:
«إنما الشفعة لمن واثبها » فهو أثر ،وليس بحديث ( نصب الراية.)176/4 :
( )3البدائع ،19-18/5 :تكملة الفتح 419/7 :ومابعدها ،الدر المختار ورد المحتار ،158/5 :تبيين
الحقائق 243/5 :ومابعدها ،اللباب ،109-108/2 :م ( )1020مجلة.
( )6/674