You are on page 1of 282

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬الفِقْ ُه السلميّ وأدلّتُهُ‬


‫الشّامل للدلّة الشّرعيّة والراء المذهبيّة وأهمّ النّظريّات الفقهيّة وتحقيق الحاديث‬
‫النّبويّة وتخريجها‬
‫المؤلف ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وَهْبَة الزّحَيِْليّ‬
‫ي وأصوله‬
‫أستاذ ورئيس قسم الفقه السلم ّ‬
‫بجامعة دمشق ‪ -‬كلّيّة الشّريعة‬
‫الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬سوريّة ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬الطّبعة الرّابعة المنقّحة المعدّلة بالنّسبة لما سبقها‪ ،‬وهي الطّبعة الثّانية‬
‫عشرة لما تقدّمها من طبعات مصوّرة؛ لنّ الدّار النّاشرة دار الفكر بدمشق لتعتبر‬
‫التّصوير وحده مسوّغا لتعدّد الطّبعات مالم يكن هناك إضافات ملموسة‪.‬‬
‫عدد الجزاء ‪10 :‬‬
‫ـ الكتاب مقابل على المطبوع ومرقّم آليّا ترقيما غير موافق للمطبوع‪.‬‬
‫ـ مذيّل بالحواشي دون نقصان‪.‬‬
‫نال شرف فهرسته وإعداده للشّاملة‪ :‬أبو أكرم الحلبيّ من أعضاء ملتقى أهل الحديث‬
‫ل تنسونا من دعوة في ظهر الغيب ‪...‬‬

‫وتصرف الولي و الوصي أو الوكيل لم يثبت له ابتداء‪ ،‬وإنما بطريق النيابة الشرعية عن غيره‪،‬‬
‫فيكون القاصر أو المجنون ونحوهما هو المالك‪ ،‬إل أنه ممنوع من ا لتصرف بسبب نقص أهليته أو‬
‫فقدانها‪ ،‬ويعود له الحق بالتصرف عند زوال المانع أو العارض‪.‬‬
‫صلُ الثّاني‪ :‬قابليّة المال للتّملك وعدمها‬
‫ال َف ْ‬
‫المال في الصل قابل بطبيعته للتملك‪ ،‬لكن قد يعرض له عارض يجعله غير قابل في كل الحوال أو‬
‫في بعضها للتملك‪ ،‬فيتنوع المال بالنسبة لقابليته للتملك إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما ل يقبل التمليك ول التملك بحال‪ :‬وهو ما خصص للنفع العام كالطرق العامة والجسور‬
‫والحصون والسكك الحديدية والنهار والمتاحف والمكتبات العامة والحدائق العامة ونحوها‪ .‬فهذه‬
‫الشياء غير قابلة للتملك لتخصيصها للمنافع العامة‪ .‬فإذا زالت عنها تلك الصفة عادت لحالتها‬
‫الصلية‪ ،‬وهي قابلية التملك‪ ،‬فالطريق إذا استغني عنه أو ألغي جاز تملكه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما ل يقبل التملك إل بمسوغ شرعي‪ :‬كالموال الموقوفة وأملك بيت المال‪ ،‬أي الموال الحرة‬
‫في عرف القانونيين‪ .‬فالمال الموقوف ل يباع ول يوهب إل إذا تهدم أو أصبحت نفقاته أكثر من‬
‫إيراده‪ ،‬فيجوز للمحكمة الذن باستبداله (‪. )1‬‬
‫وأملك بيت المال (أو وزارة المالية‪ ،‬أو الحكومة) ل يصح بيعها إل برأي الحكومة لضرورة أو‬
‫مصلحة راجحة‪ ،‬كالحاجة إلى ثمنها‪ ،‬أو الرغبة فيها بضعف الثمن ونحوها؛ لن أموال الدولة كأموال‬
‫اليتيم عند الوصي ل يتصرف فيها إل للحاجة أو المصلحة‪ ،‬قال الخليفة عمر رضي ال عنه‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أجاز الحنفية الستبدال بالموقوف أرضا للحاجة والمصلحة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يجوز للقاضي النزيه العدل‬
‫الذن باستبدال الوقف‪ ،‬بشرط أن يخرج عن النتفاع بالكلية‪ ،‬وأن ل يكون هناك ريع للوقف يعمر به‪،‬‬
‫وأن ل يكون البيع بغبن فاحش‪ ،‬وأن يستبدل بعقار ل بدراهم ودنانير (الدر المختار ورد المحتار‪:‬‬
‫‪.)425/3‬‬

‫( ‪)6/350‬‬

‫«أنزلت نفسي من بيت مال المسلمين بمنزلة وصي اليتيم» ‪.‬‬


‫‪ - 3‬ما يجوز تملكه وتمليكه مطلقا بدون قيد‪ :‬وهو ما عدا النوعين السابقين‪.‬‬
‫صلُ الثّالث‪ :‬أنْواع المُلْك‬
‫ال َف ْ‬
‫الملك إما تام أو ناقص‪.‬‬
‫الملك التام‪ :‬هو ملك ذات الشيء (رقبته) ومنفعته معا‪ ،‬بحيث يثبت للمالك جميع الحقوق الشرعية‪.‬‬
‫ومن أهم خصائصه‪ :‬أنه ملك مطلق دائم ل يتقيد بزمان محدود ما دام الشيء محل الملك قائما‪ ،‬ول‬
‫يقبل السقاط (أي جعل الشيء بل مالك)‪ ،‬فلو غصب شخص عينا مملوكة لخر‪ ،‬فقال المالك‬
‫المغصوب منه‪ :‬أسقطت ملكي‪ ،‬فل تسقط ملكيته ويبقى الشيء ملكا له‪ ،‬وإنما يقبل النقل‪ ،‬إذ ل يجوز‬
‫أن يكون الشيء بل مالك‪ .‬وطريق النقل إما العقد الناقل للملكية كالبيع‪ ،‬أو الميراث أو الوصية‪.‬‬
‫ويمنح صاحبه الصلحيات التامة من حرية الستعمال والستثمار والتصرف فيما يملك كما يشاء‪ ،‬فله‬
‫البيع أو الهبة أو الوقف أو الوصية‪ ،‬كما له العارة والجارة؛ لنه يملك ذات العين والمنفعة معا‪ ،‬فله‬
‫التصرف بهما معا‪ ،‬أو بالمنفعة فقط‪.‬‬
‫وإذا أتلف المالك ما يملكه ل ضمان عليه‪ ،‬إذ ل يتصور مالك وضامن في شخص واحد‪ ،‬لكن يؤاخذ‬
‫ديانة؛ لن إتلف المال حرام‪ ،‬وقد يؤاخذ قضاء‪ ،‬فيحجر عليه إذا ثبت سفهه‪.‬‬
‫والملك الناقص‪ :‬هو ملك العين وحدها‪ ،‬أو المنفعة وحدها‪ .‬ويسمى ملك المنفعة حق النتفاع‪ .‬وملك‬
‫المنفعة قد يكون حقا شخصيا للمنتفع أي يتبع شخصه ل العين المملوكة‪ ،‬كالموصى له بمنفعة شيء‬
‫مدة حياته‪ ،‬وقد يكون حقا عينيا‪ ،‬أي تابعا للعين دائما‪ ،‬بقطع النظر عن الشخص المنتفع‪ .‬وهذا يسمى‬
‫حق الرتفاق‪ ،‬ول يكون إل في العقار‪.‬‬

‫( ‪)6/351‬‬

‫صلُ الرّابع‪ :‬أنْواع المُلك النّاقص‬


‫ال َف ْ‬
‫وبناء عليه يكون الملك الناقص ثلثة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬ملك العين فقط ‪:‬‬
‫وهو أن تكون العين (الرقبة) مملوكة لشخص‪ ،‬ومنافعها مملوكة لشخص آخر‪ ،‬كأن يوصي شخص‬
‫لخر بسكنى داره أو بزراعة أرضه مدة حياته‪ ،‬أو مدة ثلث سنوات مثلً‪ ،‬فإذا مات الموصي وقبل‬
‫الموصى له‪ ،‬كانت عين الدار ملكا لورثة الموصي بالرث‪ ،‬وللموصى له ملك المنفعة مدة حياته أو‬
‫المدة المحددة‪ .‬فإذا انتهت المدة صارت المنفعة ملكا لورثة الموصي‪ ،‬فتعود ملكيتهم تامة‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ :‬ليس لمالك العين النتفاع بها ول التصرف بمنفعتها‪ ،‬أو بالعين‪ ،‬ويجب عليه تسليم‬
‫العين للمنتفع ليستوفي حقه من منافعها‪ ،‬فإذا امتنع أجبر على ذلك‪.‬‬
‫وبه يظهر أن ملكية العين فقط تكون دائمة‪ ،‬وتنتهي دائما إلى ملكية تامة‪ ،‬وملكية المنافع قد تكون‬
‫مؤقتة ل دائما؛ لن المنافع ل تورث عند الحنفية‪.‬أو دائمة كالوقف‪.‬‬
‫‪ - 2‬ملك المنفعة الشخصي أو حق النتفاع(‪: ) 1‬‬
‫هناك أسباب خمسة لملك المنفعة‪ :‬وهي العارة والجارة‪ ،‬والوقف والوصية‪ ،‬والباحة‪.‬‬
‫أما العارة‪ :‬فهي عند جمهور الحنفية والمالكية‪ :‬تمليك المنفعة بغير عوض‪ .‬فللمستعيرأن ينتفع بنفسه‪،‬‬
‫وله إعارة الشيء لغيره‪ ،‬لكن ليس له إجارته؛ لن العارة عقد غير لزم (يجوز الرجوع عنه في أي‬
‫وقت) ‪ ،‬والجارة عقد لزم‪ ،‬والضعيف ل يتحمل القوى منه‪ ،‬وفي إجارة المستعار إضرار بالمالك‬
‫الصلي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يرى الحنفية‪ :‬أنه لفرق بين ملك المنفعة وحق النتفاع‪ ،‬وهما شيء واحد‪ .‬فللمنتفع أن ينتفع‬
‫بنفسه‪ ،‬أو أن يملك غيره المنفعة‪ ،‬إل إذا وجد مانع صريح من قبل مالك العين‪ ،‬أو وجد مانع يقتضيه‬
‫العرف والعادة‪ ،‬فمن وقف داره لسكنى الغرباء كان للطالب حق السكنى فقط‪ ،‬وحق النتفاع بالمرافق‬
‫العامة كالمدارس والجامعات والمشافي مقيد بالمنتفع فقط‪ ،‬وليس له تمليك غيره‪ .‬وهذا الرأي هو‬
‫المعمول به قانونا‪ .‬وقال المالكية‪ :‬هناك فرق بين ملك المنفعة وحق النتفاع‪ .‬فملك المنفعة اختصاص‬
‫يكسب صاحبه أن ينتفع بنفسه‪ ،‬وأن يملكها لغيره بعوض أو بغير عوض‪ .‬وأما حق النتفاع‪ :‬فهو‬
‫مجرد رخصة بالنتفاع الشخصي بناء على إذن عام كحق النتفاع بالمنافع العامة كالطرق والنهار‬
‫والمدارس والمصحات وغيرها‪ ،‬أو إذن خاص كحق النتفاع بملك شخص أذن له به‪ ،‬كركوب‬
‫سيارته‪ ،‬والمبيت في منزله‪ ،‬وقراءة كتبه‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فليس للمنتفع أن يملك المنفعة لغيره‪ ،‬فتمليك‬
‫النتفاع‪ :‬هو أن يباشر المنتفع بنفسه‪ ،‬وتمليك المنفعة أعم وأشمل‪ ،‬فيباشر بنفسه ويملك غيره من‬
‫النتفاع بعوض كالجارة‪ ،‬وبغير عوض كالعارة‪.‬‬
‫(راجع الفروق للقرافي‪ ،18/1 :‬الفرق ‪ ،30‬بدائع الفوائد لبن القيم)‪.‬‬

‫( ‪)6/352‬‬

‫وعند الشافعية والحنابلة‪ :‬هي إباحة المنفعة بل عوض‪ .‬فليس للمستعير إعارة المستعار إلى غيره‪.‬‬
‫وأما الجارة‪ :‬فهي تمليك المنفعة بعوض‪ .‬وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه‪ ،‬أو بغيره مجانا أو‬
‫بعوض إذا لم تختلف المنفعة باختلف المنتفعين‪ ،‬حتى ولو شرط‬
‫المؤجر على المستأجر النتفاع بنفسه‪ .‬فإن اختلف نوع المنفعة كان ل بد من إذن المالك المؤجر‪.‬‬
‫وأما الوقف‪ :‬فهو حبس العين عن تمليكها لحد من الناس وصرف منفعتها إلى الموقوف عليه‪.‬‬
‫فالوقف يفيد تمليك المنفعة للموقوف عليه‪ ،‬وله استيفاء المنفعة بنفسه‪ ،‬أو بغيره إن أجاز له الواقف‬
‫الستثمار‪ ،‬فإن نص على عدم الستغلل‪ ،‬أو منعه العرف منه‪ ،‬فليس له الستغلل‪.‬‬
‫وأما الوصية بالمنفعة‪ :‬فهي تفيد ملك المنفعة فقط في الموصى به‪ ،‬وله استيفاء المنفعة بنفسه‪ ،‬أو‬
‫بغيره بعوض أو بغير عوض إن أجاز له الموصي الستغلل‪.‬‬

‫( ‪)6/353‬‬

‫وأما الباحة‪ :‬فهي الذن باستهلك الشيء أو باستعماله‪ ،‬كالذن بتناول الطعام أو الثمار‪ ،‬والذن العام‬
‫بالنتفاع بالمنافع العامة كالمرور في الطرقات والجلوس في الحدائق ودخول المدارس والمشافي‪.‬‬
‫والذن الخاص باستعمال ملك شخص معين كركوب سيارته‪ ،‬أو السكن في داره‪.‬‬
‫وسواءأكانت الباحة مفيدة ملك النتفاع بالشيء بالفعل أو بإحرازه كما يرى الحنفية‪ ،‬أم مجرد النتفاع‬
‫الشخصي كما يرى المالكية‪ ،‬فإن الفقهاء متفقون على أنه ليس للمنتفع إنابة غيره في النتفاع بالمباح‬
‫له‪ ،‬ل بالعارة ول بالباحة لغيره‪.‬‬
‫والفرق بين الباحة والملك هو ‪:‬‬
‫أن الملك يكسب صاحبه حق التصرف في الشيء المملوك ما لم يوجد مانع‪ .‬أما الباحة‪ :‬فهي حق‬
‫النسان بأن ينتفع بنفسه بشيء بموجب إذن‪ .‬والذن قد يكون من المالك كركوب سيارته‪ ،‬أو من‬
‫الشرع كالنتفاع بالمرافق العامة‪ ،‬من طرقات وأنهار ومراعٍ ونحوها‪ .‬فالمباح له الشيء ل يملكه ول‬
‫يملك منفعته‪ ،‬بعكس المملوك‪.‬‬
‫خصائص حق المنفعة أو النتفاع الشخصي ‪:‬‬
‫يتميز الملك الناقص أو حق المنفعة الشخصي بخصائص أهمها مايأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يقبل الملك الناقص التقييد بالزمان والمكان والصفة عند إنشائه‪ ،‬بعكس الملك التام‪ ،‬فيجوز لمن‬
‫يعير سيارته لغيره أو يوصي بمنفعة داره أن يقيد المنتفع بمدة معينة كشهر مثلً‪ ،‬وبمكان معين‬
‫كالركوب في المدينة ل في الصحراء‪ ،‬وأن يركبها بنفسه ل بغيره‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم قبول التوارث عند الحنفية خلفا لجمهور الفقهاء‪ :‬فل تورث المنفعة عند الحنفية؛ لن‬
‫الرث يكون للمال الموجود عند الموت‪ ،‬والمنافع ل تعتبر مالً عندهم كما تقدم‪.‬‬
‫أما عند غير الحنفية فتورث المنافع في المدة الباقية؛ لن المنافع عندهم أموال كما أوضحت‪ ،‬فتورث‬
‫كغيرها من الموال‪ ،‬فمن أوصى لغيره بسكنى داره مدة معلومة‪ ،‬ثم مات قبل انتهاء هذه المدة‪،‬‬
‫فلورثته الحق بسكنى الدار إلى نهاية المدة‪ .‬وهذا هو الراجح؛ لن المنفعة مال‪.‬‬

‫( ‪)6/354‬‬

‫‪ - 3‬لصاحب حق المنفعة تسلم العين المنتفع بها ولو جبرا عن مالكها‪ .‬ومتى تسلمها تكون أمانة في‬
‫يده‪ ،‬فيحافظ عليها كما يحافظ على ملكه الخاص‪ ،‬وإذا هلكت أو تعيبت ل يضمنها إل بالتعدي أو‬
‫بالتقصير في حفظها‪ .‬وما عدا ذلك لضمان عليه‪.‬‬
‫‪ - 4‬على المنتفع ما تحتاجه العين من نفقات إذا كان انتفاعه بها مجانا‪ ،‬كما في العارة‪ .‬فإن كان‬
‫النتفاع بعوض كما في الجارة فعلى مالك العين نفقاتها‪.‬‬
‫‪ - 5‬على المنتفع بعد استيفاء منفعته تسليم العين إلى مالكها متى طلبها إل إذا تضرر المنتفع‪ .‬كما إذا‬
‫لم يحن وقت حصاد الزرع في أرض مستأجرة أو مستعارة‪ ،‬فله إبقاء الرض بيده حتى موسم‬
‫الحصاد‪ ،‬ولكن بشرط دفع أجر المثل‪.‬‬
‫انتهاء حق المنفعة ‪:‬‬
‫حق المنفعة حق مؤقت كما عرفنا‪ ،‬فينتهي بأحد المور التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬انتهاء مدة النتفاع المحددة‪.‬‬
‫‪ - 2‬هلك العين المنتفع بها أو تعيبها بعيب ل يمكن فيه معه استيفاء المنفعة‪ .‬كانهدام دار السكنى‪ ،‬أو‬
‫صيرورة أرض الزراعة سبخة أو ملحة‪ .‬فإن حصل ذلك بتعدي مالك العين ضمن عينا أخرى‪،‬‬
‫كالموصى له بركوب سيارة ثم عطلها‪ ،‬فعليه تقديم سيارة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 3‬وفاة المنتفع عند الحنفية؛ لن المنافع ل تورث عندهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬وفاة مالك العين إذا كانت المنفعة من طريق العارة أو الجارة؛ لن العارة عقد تبرع‪ ،‬وهو‬
‫ينتهي بموت المتبرع‪ ،‬ولن ملكية المأجور تنتقل إلى ورثة المؤجر‪ ،‬وهذا عند الحنفية‪ ،‬وقال الشافعية‬
‫والحنابلة‪ :‬العارة عقد غير لزم فيجوز للمعير أو لورثته الرجوع عنها‪ ،‬سواء أكانت مطلقة أم‬
‫مؤقتة‪ .‬وقال المالكية‪ :‬العارة المؤقتة عقد لزم‪ ،‬فمن أعار دابة إلى موضع كذا‪ ،‬لم يجز له أخذها‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وإل لزمه إبقاؤها قدر ما ينتفع بالمستعار النتفاع المعتاد‪.‬‬

‫( ‪)6/355‬‬

‫وبه يتبين أن الجمهور يقولون‪ :‬إن العارة ل تنتهي بموت المعير أو المستعير‪ ،‬وكذلك الجارة ل‬
‫تنتهي بموت أحد العاقدين؛ لنها عقد لزم كالبيع‪ .‬أما إذا كانت المنفعة من طريق الوصية أو الوقف‪،‬‬
‫فل ينتهي حق المنفعة بموت الموصي؛ لن الوصية تبدأ بعد موته‪ ،‬ول بموت الواقف؛ لن الوقف إما‬
‫مؤبد‪ ،‬أو مؤقت فيتقيد بانتهاء مدته‪4670 .‬‬
‫‪ - 3‬ملك المنفعة العيني أو حق الرتفاق ‪:‬‬
‫حق الرتفاق‪ :‬هو حق مقرر على عقار لمنفعة عقار آخر‪ ،‬مملوك لغير مالك العقار الول‪ .‬وهو حق‬
‫دائم يبقى ما بقي العقاران‪ ،‬دون نظر إلى المالك‪ ،‬مثل حق الشّرب‪ ،‬وحق المجرى‪ ،‬وحق المسيل‪،‬‬
‫وحق المرور‪ ،‬وحق الجوار‪ ،‬وحق العلو‪.‬‬
‫أما حق الشّرب‪ :‬فهو النصيب المستحق من الماء لسقي الزرع والشجر‪ ،‬أو نوبة النتفاع بالماء لمدة‬
‫معينة لسقي الرض‪.‬‬
‫شفَة‪ :‬وهو حق شرب النسان والدواب والستعمال المنزلي‪ .‬وسمي بذلك؛ لن‬
‫ويلحق به حق ال ّ‬
‫الشرب يكون عادة بالشفة‪.‬‬
‫والماء بالنسبة لهذا الحق أربعة أنواع (‪: )1‬‬
‫آ ـ ماء النهار العامة كالنيل ودجلة والفرات ونحوها من النهار العظيمة‪ :‬لكل واحد النتفاع به‪،‬‬
‫لنفسه ودوابه وأراضيه‪ ،‬بشرط عدم الضرار بالغير لحديث‪« :‬الناس شركاء في ثلث‪ :‬الماء والكل‬
‫والنار» وحديث‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪.‬‬
‫ب ـ ماء الجداول والنهار الخاصة‪ ،‬المملوكة لشخص‪ :‬لكل إنسان حق الشفة منه‪ ،‬لنفسه ودوابه‪،‬‬
‫وليس لغير مالكه سقي أراضيه إل بإذن مالك المجرى‪.‬‬
‫جـ ـ ماء العيون والبار والحياض ونحوها المملوكة لشخص‪ :‬يثبت فيها كالنوع الثاني حق الشفة‬
‫دون حق الشرب‪ .‬فإن أبى صاحب الماء‪ ،‬ومنع الناس من الستقاء لنفسهم ودوابهم‪ ،‬كان لهم قتاله‬
‫حتى ينالوا حاجتهم‪ ،‬إذ لم يجدوا ماء قريبا آخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 188/6 :‬ومابعدها‪ ،‬تكملة فتح القدير‪ ،144/8 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،339‬نهاية المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،255/4‬المغني‪.531/5 :‬‬

‫( ‪)6/356‬‬

‫د ـ الماء المحرز في أوان خاصة‪ :‬كالجرار والصهاريج‪ ،‬ل يثبت لحد حق النتفاع به بأي وجه إل‬
‫برضا صاحب الماء؛ لن الرسول عليه الصلة والسلم نهى عن بيع الماء إل ما حمل منه‪ .‬لكن‬
‫المضطر إلى هذا الماء الذي يخاف على نفسه الهلك من العطش‪ ،‬له أخذ ما يحتاجه منه‪ ،‬ولو بالقوة‬
‫ليدفع عن نفسه الهلك‪ ،‬ولكن مع دفع قيمته؛ لن «الضطرار ل يبطل حق الغير» ‪.‬‬
‫وحق المجرى‪ :‬هو حق صاحب الرض البعيدة عن مجرى الماء في إجرائه من ملك جاره إلى أرضه‬
‫لسقيها‪ .‬وليس للجار أن يمنع مرور الماء لرض جاره‪ ،‬وإل كان له إجراؤه جبرا عنه‪ ،‬دفعا للضرر‬
‫عنه‪.‬‬
‫وحق المسيل‪ :‬هو مجرى على سطح الرض‪ ،‬أو أنابيب تنشأ لتصريف المياه الزائدة عن الحاجة‪ ،‬أو‬
‫غير الصالحة حتى تصل إلى مصرف عام أو مستودع‪ ،‬كمصارف الراضي الزراعية أو مياه‬
‫المطار أو الماء المستعمل في المنازل‪ .‬والفرق بين المسيل والمجرى‪ :‬أن المجرى لجلب المياه‬
‫الصالحة للرض‪ ،‬والمسيل لصرف الماء غير الصالح عن الرض أو عن الدار‪ .‬وحكمه مثل حق‬
‫المجرى‪ ،‬ليس لحد منعه إل إذا حدث ضرر بيّن‪.‬‬
‫وحق المرور‪ :‬وهو حق صاحب عقار داخلي بالوصول إلى عقاره من طريق يمر فيه‪ ،‬سواء أكان‬
‫الطريق عاما غير مملوك لحد‪ ،‬أم خاصا مملوكا للغير‪ .‬فالطريق العام يحق لكل إنسان المرور فيه‪.‬‬
‫والطريق الخاص‪ :‬يحق لصحابه المرور فيه وفتح البوب والنوافذ عليه‪ ،‬وليس لهم سده أمام العامة‬
‫لللتجاء إليه‪.‬‬
‫وحق الجوار‪ :‬الجوار نوعان‪ :‬علوي وجانبي‪ .‬وفيه حقان‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬حق التعلي‪ :‬وهو الثابت لصاحب العلو على صاحب السفل‪.‬‬
‫ً‪ 2‬ـ حق الجوار الجانبي‪ :‬وهو الثابت لكل من الجارين على الخر‪.‬‬

‫( ‪)6/357‬‬

‫ولصاحب حق التعلي حق القرار على الطبقة السفلى‪ ،‬وهو حق ثابت دائما لصاحب العلو‪ ،‬ل يزول‬
‫بهدم العقار كله أو انهدام السفل‪ ،‬وله ولورثته إعادة بنائه حين يريد‪ ،‬وليس لصاحب العلو أو السفل أن‬
‫يتصرف في بنائه تصرفا يضر بالخر‪ .‬وإذا انهدم السفل وجب على صاحبه إعادة بنائه‪ ،‬فإن امتنع‬
‫أجبر على ذلك قضاء‪ ،‬فإن رفض كان لصاحب العلو البناء ويرجع على الخر بالنفقات‪ ،‬إذا بني بإذن‬
‫القاضي أو إذن صاحب السفل‪ .‬فإن بنى من غير إذن رجع بقيمة البناء وقت تمامه‪ ،‬ل بما أنفق؛ لنه‬
‫لم يكن وكيلً بالنفاق‪.‬‬
‫وليس لصاحب الجوار الجانبي إل حق واحد‪ :‬وهو أل يضر أحدهما بصاحبه ضررا فاحشا بينا‪ :‬وهو‬
‫كل ما يمنع المنفعة الصلية المقصودة من البناء كالسكنى أو يكون سببا لهدم البناء أو وهن فيه‪.‬‬
‫فالضرر في كل أنواع الجوار ممنوع‪ ،‬أما التصرفات التي يشكل أمرها في الجوار العلوي فل يعلم‪،‬‬
‫أيحصل منها ضرر أم ل‪ ،‬كفتح باب ونافذة في الطابق السفل‪ ،‬أو وضع متاع ثقيل في الطابق العلى‬
‫قد يؤثر في السقف‪ ،‬فهذه مختلف في منعها (‪ : )1‬فقال أبو حنيفة‪ :‬يمنع هذا التصرف إل بإذن الجار؛‬
‫لن الصل في تصرفات المالك في ملكه‪ ،‬التي يتعلق بها حق الغير‪ :‬هو المنع والحظر؛ لن ملكه‬
‫ليس خالصا‪ ،‬فل يباح له إل ما يتعين فيه عدم الضرر‪ ،‬ويتوقف ماعداه على إذن صاحب الحق‬
‫ورضاه‪ .‬وهذا الرأي هو المفتى به عند الحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،503/5 :‬رد المحتار على الدر المختار لبن عابدين‪ ،373/4 :‬ط البابي الحلبي‪:‬‬
‫البدائع‪ ،264/6 :‬البحر الرائق‪ ،32/7 :‬تبيين الحقائق للزيلعي‪.196/4 :‬‬

‫( ‪)6/358‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬الصل في تصرف الجار الباحة؛ لن صاحب العلو تصرف في ملكه‪ ،‬والمالك حر‬
‫التصرف في ملكه ما لم يكن فيه ضرر لغيره بيقين‪ ،‬فيمنع منه حينئذ‪ ،‬ويبقى ما عداه على الباحة‪،‬‬
‫وهذا الرأي في تقديري هو المعقول الواجب التباع‪ .‬فيصبح حكم الجوار الجانبي والعلوي واحدا وهو‬
‫إباحة التصرف في الملك ما لم يترتب على التصرف ضرر فاحش بالجار‪ ،‬فإن وقع الضرر‪ ،‬وجب‬
‫على المتعدي ضمانه‪ ،‬سواء أكان الضرر مباشرا أم بالتسبب‪ .‬وهو رأي المالكية وباقي المذاهب أيضا‬
‫( ‪. )1‬‬
‫أمور ثلثة متعلقة بحقوق الرتفاق ‪:‬‬
‫الول ـ الفرق بين حق الرتفاق وحق النتفاع الشخصي ‪:‬‬
‫يفترق حق الرتفاق عن حق النتفاع من نواح تالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق الرتفاق يكون دائما مقررا على عقار‪ ،‬فتنقص به قيمة العقار المقرر عليه‪ .‬أما حق النتفاع‬
‫الشخصي فقد يتعلق بعقار كوقف العقار أو الوصية به أو إجارته أو إعارته‪ .‬وقد يتعلق بمنقول‬
‫كإعارة الكتاب وإجارة السيارة‪.‬‬
‫‪ - 2‬حق الرتفاق مقرر لعقار إل حق الجوار فقد يكون لشخص أو لعقار‪ .‬أما حق النتفاع فإنه دائما‬
‫مقرر لشخص معين باسمه أو بوصفه‪.‬‬
‫‪ - 3‬حق الرتفاق حق دائم يتبع العقار وإن تعدد الملك‪ .‬وحق النتفاع الشخصي مؤقت ينتهي‬
‫بأحوال معينة كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 4‬حق الرتفاق يورث حتى عند الحنفية الذين ل يعتبرونه مالً؛ لنه تابع للعقار‪ .‬وأما حق النتفاع‬
‫فمختلف في إرثه بين الفقهاء كما سبق بيانه‪.‬‬
‫الثاني ـ خصائص حقوق الرتفاق ‪:‬‬
‫لحقوق الرتفاق أحكام عامة وخاصة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المنتقى على الموطأ‪ 40/6 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،341‬نيل الوطار‪ ،261/5 :‬ط‬
‫العثمانية‪.‬‬

‫( ‪)6/359‬‬

‫فأحكامها العامة أنها إذا ثبتت تبقى مالم يترتب على بقائها ضرر بالغير‪ ،‬فإن ترتب عليها ضرر أو‬
‫أذى وجب إزالتها‪ ،‬فيزال السيل القذر في الطريق العام‪ ،‬ويمنع حق الشرب إذا أضر بالمنتفعين‪،‬‬
‫ويمنع سير السيارة في الشارع العام إذا ترتب عليها ضرر كالسير بسرعة فائقة‪ ،‬أو في التجاه‬
‫المعاكس‪ ،‬عملً بالحديث النبوي‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ولن المرور في الطريق العام مقيد بشرط‬
‫السلمة فيما يمكن الحتراز عنه (‪ ، )1‬ولن «الضرر ل يكون قديما» ‪.‬‬
‫وأما الحكام الخاصة فسوف أذكرها في بحث حقوق الرتفاق المخصص لكل نوع منها‪.‬‬
‫الثالث ـ أسباب حقوق الرتفاق ‪:‬‬
‫تنشأ حقوق الرتفاق بأسباب متعددة منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشتراك العام‪ :‬كالمرافق العامة من طرقات وأنهار ومصارف عامة‪ ،‬يثبت الحق فيها لكل عقار‬
‫قريب منها‪ ،‬بالمرور والسقي وصرف المياه الزائدة عن الحاجة؛ لن هذه المنافع شركة بين الناس‬
‫فيباح لهم النتفاع بها‪ ،‬بشرط عدم الضرار بالخرين‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشتراط في العقود‪ :‬كاشتراط البائع على المشتري أن يكون له حق مرور بها‪ ،‬أو حق شرب‬
‫لرض أخرى مملوكة له‪ .‬فيثبت هذان الحقان بهذا الشرط‪.‬‬
‫‪ - 3‬التقادم‪ :‬أن يثبت حق ارتفاق لعقار من زمن قديم ل يعلم الناس وقت ثبوته‪ ،‬كإرث أرض زراعية‬
‫لها حق المجرى أو المسيل على أرض أخرى؛ لن الظاهر أنه ثبت بسبب مشروع حملً لحوال‬
‫الناس على الصلح‪ ،‬حتى يثبت العكس‪.‬‬
‫صلُ الخامِس‪ :‬أسباب المُلك التّام‬
‫ال َف ْ‬
‫إن أسباب أو مصادر الملكية التامة في الشريعة أربعة وهي‪:‬‬
‫الستيلء على المباح‪ ،‬والعقود‪ ،‬والخلَفية‪ ،‬والتولد من الشيء المملوك‪ .‬وفي القانون المدني هي ستة‪:‬‬
‫الستيلء على ما ليس له مالك من منقول أو عقار‪ ،‬والميراث وتصفية التركة‪ ،‬والوصية‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.427/5 :‬‬

‫( ‪)6/360‬‬

‫واللتصاق بالعقار أو بالمنقول‪ ،‬والعقد‪ ،‬والحيازة والتقادم (‪. )1‬‬


‫وهذه السباب تتفق مع السباب الشرعية (‪ )2‬ما عدا الحيازة والتقادم (وضع اليد على مال مملوك‬
‫للغير مدة طويلة)‪ ،‬فإن السلم ل يقر التقادم المكسب على أنه سبب للملكية‪ ،‬وإنما هو مجرد مانع من‬
‫سماع الدعوى بالحق الذي مضى عليه زمن معين (‪ ، )3‬توفيرا لوقت القضاء‪ ،‬وتجنبا لما يثار من‬
‫مشكلت الثبات‪ ،‬وللشك في أصل الحق‪ .‬أما أصل الحق فيجب العتراف به لصاحبه وإيفاؤه له‬
‫ديانة‪ .‬فمن وضع يده على مال مملوك لغيره ل يملكه شرعا بحال‪.‬‬
‫كذلك ل يقر السلم مبدأ التقادم المسقط على أنه مسقط للحق بترك المطالبة به مدة طويلة‪ .‬فاكتساب‬
‫الحقوق وسقوطها بالتقادم حكم ينافي العدالة والخلق‪ ،‬ويكفي في ذلك أن يصير الغاصب أو السارق‬
‫مالكا‪ .‬إل أن المام مالك في المدونة خلفا لمعظم أصحابه يرى إسقاط الملكية بالحيازة‪ ،‬كما يرى‬
‫تملك الشيء بالحيازة‪ .‬ولكنه لم يحدد مدة للحيازة‪ ،‬وترك تحديدها للحاكم‪ ،‬ويمكن تحديدها عملً‬
‫بحديث مرسل رواه سعيد بن المسيب مرفوعا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم عن زيد بن أسلم‪« :‬من‬
‫حاز شيئا على خصمه عشر سنين‪ ،‬فهو أحق به منه» (‪)4‬‬
‫‪.‬وأما اللتصاق بسبب سيل أو فيضان أو كثبان رمل بسبب ريح شديدة‪ ،‬فل مانع منه شرعا؛ لنه‬
‫زيادة سماوية‪ ،‬تدخل تحت مبدأ «التولد من المملوك» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع الفصل الثاني من حق الملكية ـ أسباب كسب الملكية‪ :‬م ‪،894 ،879 ،876 ،836 ،828‬‬
‫‪ 907‬ومابعدها من القانون المدني السوري‪.‬‬
‫(‪ )2‬يلحظ أن المادة (‪ )1248‬من المجلة اقتصرت على السباب الثلثة الولى للتملك‪ .‬ولكن من‬
‫الضروري إضافة سبب رابع وهو التولد من المملوك إذ هو سبب مستقل عن تلك السباب‪.‬‬
‫(‪ )3‬حدده الفقهاء بـ ‪ 33‬سنة‪ ،‬وحددته المجلة (م ‪ )1662 ،1661‬في الحقوق الخاصة بـ ‪ 15‬سنة‬
‫وفي الراضي الميرية بـ ‪ 10‬سنوات‪ ،‬وفي الوقاف وأموال المال بـ ‪ 36‬سنة‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر بحث الحيازة والتقادم في الفقه السلمي للدكتور محمد عبد الجواد‪ :‬ص ‪50 ،18‬‬
‫ومابعدها‪ 150 ،108 ،60 ،‬ومابعدها‪ ،‬ومراجعه مثل المدونة‪ ،23/13 :‬وتبصرة الحكام على هامش‬
‫فتح العلي المالك‪ 362/2 :‬وما بعدها‪ .‬وانظر‪ 314/2 :‬ط دار الفكر بيروت‪.‬‬

‫( ‪)6/361‬‬

‫‪ - 1‬الستيلء على المباح ‪:‬‬


‫المباح‪ :‬هو المال الذي لم يدخل في ملك شخص معين‪ ،‬ولم يوجد مانع شرعي من تملكه كالماء في‬
‫منبعه‪ ،‬والكل والحطب والشجر في البراري‪ ،‬وصيد البر والبحر‪ .‬ويتميز الستيلء على المباح بما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أ ـ إنه سبب منشئ للملكية على شيء لم يكن مملوكا لحد‪ .‬أما بقية أسباب الملكية الخرى (العقد‪،‬‬
‫الميراث ونحوهما)‪ ،‬فإن الملكية الحادثة مسبوقة بملكية أخرى‪ ،‬فهي سبب ناقل‪.‬‬
‫ب ـ إنه سبب فعلي ل قولي‪ :‬يتحقق بالفعل أو وضع اليد‪ ،‬فيصح من كل‬
‫شخص ولو كان ناقص الهلية كالصبي والمجنون والمحجور عليه‪ .‬أما العقد فقد ليصح من هؤلء‬
‫أو يكون موقوفا على إرادة أخرى‪ ،‬وهو سبب قولي‪.‬‬
‫ويشترط لهذا الطريق أي إحراز المباح شرطان‪:‬‬
‫أولهما ـ أل يسبق إلى إحرازه شخص آخر‪ ،‬لن «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له» كما‬
‫قال النبي عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫ثانيهما ـ قصد التملك‪ :‬فلو دخل الشيء في ملك إنسان دون قصد منه ليتملكه‪ ،‬كما إذا وقع طائر في‬
‫حجر إنسان‪ ،‬ل يتملكه‪ .‬ومن نشر شبكته‪ ،‬فإن كان للصطياد تملك ما يقع فيها‪ ،‬وإن كان للتجفيف لم‬
‫يمتلك ما يقع فيها؛ لن «المور بمقاصدها» ‪.‬‬
‫والستيلء على المباح له صور أربع‪:‬‬
‫أولً ـ إحياء الموات‪ :‬أي استصلح الراضي البور‪ .‬والموات‪ :‬ما ليس مملوكا من الرضين‪ ،‬ول‬
‫ينتفع بها بأي وجه انتفاع‪ ،‬وتكون خارجة عند البلد‪ .‬فل يكون مواتا‪ :‬ما كان ملكا لحد الناس أو‬
‫ماكان داخل البلد‪ ،‬أو خارجا عنها‪ ،‬ولكنه مرفق لها كمحتطب لهلها أو مرعى لنعامهم‪.‬‬

‫( ‪)6/362‬‬

‫والحياء يفيد الملك لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له» سواء أكان‬
‫الحياء بإذن الحاكم أم ل عند جمهور الفقهاء‪ .‬وقال أبو حنيفة ومالك‪ :‬ل بد من إذن الحاكم‪ .‬وإحياء‬
‫الرض الموات يكون بجعلها صالحة للنتفاع بها كالبناء والغرس والزراعة والحرث وحفر البئر‪.‬‬
‫وعمل مستصلح الرض لحيائها يسمى فقها «التحجير» وقد حدد بثلث سنين‪ ،‬قال عمر‪« :‬ليس‬
‫لمتحجر بعد ثلث سنين حق» ‪.‬‬
‫ثانيا ـ الصطياد‪ :‬الصيد‪ :‬هو وضع اليد على شيء مباح غير مملوك لحد‪ .‬ويتم إما بالستيلء‬
‫الفعلي على المصيد وهو المساك‪ ،‬أو بالستيلء الحكمي‪ :‬وهو اتخاذ فعل يعجز الطير أو الحيوان أو‬
‫السمك عن الفرار‪ ،‬كاتخاذ الحياض لصيد السماك‪ ،‬أو الشباك‪ ،‬أو الحيوانات المدربة على الصيد‬
‫كالكلب والفهود والجوارح المعلّمة (‪. )1‬‬
‫والصيد حلل للنسان إل إذا كان مُحْرما بالحج أو العمرة‪ ،‬أو كان المصيد في حرم مكة المكرمة أو‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة‪ ،‬وحرم عليكم صيد البر‬
‫ما دمتم حرما} [المائدة‪.]69/5:‬‬
‫والصيد من أسباب الملكية‪ ،‬لكن يشترط في الستيلء الحكمي ل الستيلء الحقيقي قصد التملك عملً‬
‫بقاعدة «المور بمقاصدها» ‪ .‬فمن نصب شبكة فتعلق بها صيد‪ ،‬فإن كان قد نصبها للجفاف‪ ،‬فالصيد‬
‫لمن سبقت يده إليه؛ لن نيته لم تتجه إليه‪ .‬وإن كان قد نصبها للصيد ملكه صاحبها كما تبين‪ ،‬وإن‬
‫أخذه غيره كان متعديا غاصبا‪ .‬ولو أفرخ طائر في أرض إنسان كان لمن سبقت إليه يده إل إذا كان‬
‫صاحب الرض هيأها لذلك‪.‬‬
‫وإذا دخل طائر في دار إنسان‪ ،‬فأغلق صاحبها الباب لخذه‪ ،‬ملكه‪ .‬وإن أغلقه صدفة‪ ،‬لم يملكه‪ .‬وهكذا‬
‫لو وقع الصيد في حفرة أو ساقية‪ ،‬المعول في تملكه على نية صيده‪ ،‬وإل فلمن سبقت إليه يده‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال تعالى‪{ :‬يسألونك ماذا أحل لهم‪ ،‬قل‪ :‬أحل لكم الطيبات‪ ،‬وما علمتم من الجوارح مكلبين‪،‬‬
‫تعلمونهن مما علمكم ال ‪ ،‬فكلوا مما أمسكن عليكم‪ ،‬واذكروا اسم ال عليه‪ ،‬واتقوا ال ‪ ،‬إن ال سريع‬
‫الحساب} [المائدة‪.]4/5:‬‬

‫( ‪)6/363‬‬

‫ثالثا ـ الستيلء على الكل والجام ‪:‬‬


‫الكل‪ :‬هو الحشيش الذي ينبت في الرض بغير زرع‪ ،‬لرعي البهائم‪.‬‬
‫والجام‪ :‬الشجار الكثيفة في الغابات أو الرض غير المملوكة‪.‬‬
‫وحكم الكل‪ :‬أل يملك‪ ،‬وإن نبت في أرض مملوكة‪ ،‬بل هو مباح للناس جميعا‪ ،‬لهم أخذه ورعيه‪،‬‬
‫وليس لصاحب الرض منعهم منه؛ لنه باق على الباحة الصلية‪ ،‬وهو الراجح في المذاهب الربعة‪،‬‬
‫لعموم حديث‪« :‬الناس شركاء في ثلثة‪ :‬الماء والكل والنار» (‪. )1‬‬
‫وأما الجام‪ :‬فهي من الموال المباحة إن كانت في أرض غير مملوكة‪ ،‬فلكل واحد حق الستيلء‬
‫عليها‪ ،‬وأخذ ما يحتاجه منها‪ ،‬وليس لحد منع الناس منها‪ ،‬وإذا استولى شخص على شيء منها‬
‫وأحرزه صار ملكا له‪ .‬لكن للدولة تقييد المباح بمنع قطع الشجار‪ ،‬رعاية للمصلحة العامة‪ ،‬وإبقاء‬
‫على الثروة الشجرية المفيدة‪.‬‬
‫أما إن كانت في أرض مملوكة فل تكون مالً مباحا‪ ،‬بل هي ملك لصاحب الرض فليس لحد أن‬
‫يأخذ منها شيئا إل بإذنه؛ لن الرض تقصد لجامها‪ ،‬بخلف الكل‪ ،‬ل تقصد الرض لما فيها من‬
‫الكل‪.‬‬
‫رابعا ـ الستيلء على المعادن والكنوز ‪:‬‬
‫المعادن‪ :‬ما يوجد في باطن الرض من أصل الخِلقة والطبيعة‪ ،‬كالذهب والفضة والنحاس والحديد‬
‫والرصاص ونحوها‪.‬‬
‫والكنز‪ :‬ما دفنه الناس وأودعوه في باطن الرض من الموال‪ ،‬سواء في الجاهلية أو في السلم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 193/6 :‬ومابعدها‪ ،‬م ‪ 1257‬من المجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/364‬‬

‫والمعدن والكنز يشملها عند الحنفية كلمة «الركاز» ‪ :‬وهو ما ركز في باطن الرض‪ ،‬سواء أكان‬
‫بخلق ال كفلزات الحديد والنحاس وغيرها‪ ،‬أم كان بصنع الناس كالموال التي يدفنها الناس فيها‪.‬‬
‫وحكمها واحد في الحديث النبوي‪« :‬وفي الركاز الخمس» (‪. )1‬‬
‫وقال المالكية والشافعية والحنابلة‪ :‬الركاز‪ :‬دفين الجاهلية‪ .‬والمعدن‪ :‬دفين أهل السلم‪.‬‬
‫حكم المعادن ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في تملك المعادن بالستيلء عليها‪ ،‬وفي إيجاب حق فيها للدولة إذا وجدت في أرض‬
‫ليست مملوكة‪.‬‬
‫أما تملك المعادن فللفقهاء فيه رأيان‪:‬‬
‫قال المالكية في أشهر أقوالهم (‪ : )2‬جميع أنواع المعادن ل تملك بالستيلء عليها‪ ،‬كما ل تملك تبعا‬
‫لملكية الرض‪ ،‬بل هي للدولة يتصرف فيها الحاكم حسبما تقضي المصلحة؛ لن الرض مملوكة‬
‫بالفتح السلمي للدولة‪ ،‬ولن هذا الحكم مما تدعو إليه المصلحة‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )3‬المعادن تملك بملك الرض؛ لن الرض إذا ملكت ملكت بجميع أجزائها‪ ،‬فإن‬
‫كانت مملوكة لشخص كانت ملكا له‪ ،‬وإن كانت في أرض للدولة فهي للدولة‪ ،‬وإن كانت في أرض‬
‫غير مملوكة فهي للواجد؛ لنها مباحة تبعا للرض‪ ،‬وذلك على تفصيل سيأتي في بحث المعادن‬
‫والقطاع‪ ،‬فعند الشافعية يملك المحيي المعادن الباطنية‪ ،‬وعند الحنابلة يملك المحيي المعادن الجامدة‪.‬‬
‫وأما حق الدولة في المعادن ففيه رأيان أيضا‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)147/4 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،102‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ 486/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪ 61/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،162/1 :‬المغني‪.520/5 ،28/3 :‬‬
‫( ‪)6/365‬‬

‫قال الحنفية‪ :‬في المعادن الخمس؛ لن الركاز عندهم يشمل المعادن والكنوز بمقتضى اللغة‪ ،‬والباقي‬
‫للواجد نفسه‪ .‬وذلك في المعادن الصلبة القابلة للطرق والسحب كالذهب والفضة والحديد والنحاس‬
‫والرصاص‪ .‬أما المعادن الصلبة التي ل تقبل الطرق والسحب كالماس والياقوت والفحم الحجري‪،‬‬
‫والمعادن السائلة كالزئبق والنفط فل يجب فيها شيء للدولة؛ لن الولى تشبه الحجر والتراب‪،‬‬
‫والثانية تشبه الماء‪ ،‬ول يجب فيها شيء للدولة‪ ،‬إل الزئبق فيجب فيه الخمس‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬ل يجب في المعادن شيء للدولة‪ ،‬ل الخمس وغيره‪ ،‬وإنما يجب فيها الزكاة‪ ،‬لقول‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬العجماء جُبَار‪ ،‬والبئر جبار‪ ،‬والمعدن جبار‪ ،‬وفي الركاز الخمس» (‪)1‬‬
‫فأوجب الخمس في الركاز‪ :‬وهو دفين أهل الجاهلية‪ ،‬ولم يوجب في المعدن شيئا؛ لن «الجبار»‬
‫معناه‪ :‬ل شيء فيه‪ .‬وإيجاب الزكاة عندهم هو بعموم أدلة الزكاة‪ ،‬والمعدن‪ :‬مركز كل شيء‪،‬‬
‫والمعادن‪ :‬المواضع التي تستخرج منها جواهر الرض كالذهب والفضة والنحاس وغيرها‪ .‬ويطلق‬
‫المعدن أيضا على الفِلّز في لغة العلم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الئمة الستة في كتبهم عن أبي هريرة (نصب الراية‪ ،380/2 :‬شرح مسلم‪.)226/11 :‬‬
‫وقوله‪« :‬والمعدن جبار» معناه أن الرجل يحفر معدنا في ملكه أو في موات‪ ،‬فيمر بها مار‪ ،‬فيسقط‬
‫فيها فيموت‪ ،‬أو يستأجر أجراء يعملون فيها‪ ،‬فيقع عليهم‪ ،‬فيموتون‪ ،‬فل ضمان في ذلك‪ .‬وكذا البئر‬
‫جبار معناه أنه يحفرها في ملكه أو في مواته فيقع فيها إنسان أو غيره ويتلف‪ ،‬فل ضمان‪ .‬وكذا لو‬
‫استأجره لحفرها‪ ،‬فوقعت عليه‪ ،‬فمات‪ ،‬فل ضمان‪ .‬وأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك‬
‫غيره بغير إذنه‪ ،‬فتلف فيها إنسان‪ ،‬فيجب ضمانه‪ ،‬وكذا إن تلف بها غير الدمي وجب ضمانه في مال‬
‫الحافر‪.‬‬

‫( ‪)6/366‬‬

‫حكم الكنز ‪:‬‬


‫وأما الكنز‪ :‬فهو ما دفنه الناس‪ ،‬سواء في الجاهلية أم في السلم‪ .‬فهو نوعان‪ :‬إسلمي وجاهلي‪.‬‬
‫السلمي‪ :‬ما وجد به علمة أو كتابة تدل على أنه دفن بعد ظهور السلم مثل كلمة الشهادة أو‬
‫المصحف‪ ،‬أو آية قرآنية أو اسم خليفة مسلم‪.‬‬
‫والجاهلي‪ :‬ما وجد عليه كتابة أو علمة تدل على أنه دفن قبل السلم كنقش صورة صنم أو وثن‪ ،‬أو‬
‫اسم ملك جاهلي ونحوه‪.‬‬
‫والمشتبه فيه‪ :‬وهو مالم يتبين بالدليل أنه إسلمي أو جاهلي‪ ،‬قال فيه متقدمو الحنفية‪:‬إنه جاهلي‪ .‬وقال‬
‫متأخروهم‪ :‬إنه إسلمي لتقادم العهد‪ .‬وإن وجد كنز مختلط فيه علمات السلم والجاهلية فهو‬
‫إسلمي؛ لن الظاهر أنه ملك مسلم‪ ،‬ولم يعلم زوال ملكه‪.‬‬
‫والكنز السلمي‪ :‬يبقى على ملك صاحبه‪ ،‬فل يملكه واجده‪ ،‬بل يعتبر كاللقطة‪ ،‬فيجب تعريفه‬
‫والعلن عنه‪ .‬فإن وجد صاحبه سلم إليه وإل تصدق به على الفقراء‪ ،‬ويحل للفقير النتفاع به‪ .‬هذا‬
‫رأي الحنفية (‪. )1‬‬
‫وأجاز المالكية والشافعية والحنابلة (‪ )2‬تملكه والنتفاع به‪ ،‬ولكن إن ظهر صاحبه بعدئذ وجب‬
‫ضمانه‪.‬‬
‫وأما الكنز الجاهلي‪ :‬فاتفق أئمة المذاهب على أن خمسه لبيت المال ( خزانة الدولة ) وأما باقيه وهو‬
‫الربعة الخماس‪ ،‬ففيه اختلف‪ :‬فقيل‪ :‬إنها للواجد مطلقا سواء وجدها في أرض مملوكة أم ل‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إنها للواجد في أرض غير مملوكة أو في أرض ملكها بالحياء‪ .‬فإن كان في أرض مملوكة فهي لول‬
‫مالك لها أو لورثته إن عرفوا‪ ،‬وإل فهي لبيت المال‪.‬‬
‫وهذا وقد جعل القانون المدني السوري (م ‪ )830‬ثلثة أخماس الكنز لمالك العقار الذي وجد فيه‬
‫الكنز‪ ،‬وخمسه لمكتشفه‪ ،‬والخمس الخير لخزينة الدولة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،307/3 :‬البدائع‪ ،202/6 :‬المبسوط‪ 4/11 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪.351/3 :‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،301/2 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،121/4 :‬المهذب‪ ،430/1 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،415/2‬المغني‪.636/5 :‬‬

‫( ‪)6/367‬‬

‫‪ - 2‬العقود الناقلة للملكية ‪:‬‬


‫العقود كالبيع والهبة والوصية ونحوها من أهم مصادر الملكية وأعمها وأكثرها وقوعا في الحياة‬
‫المدنية؛ لنها تمثل النشاط القتصادي الذي يحقق حاجات الناس من طريق التعامل‪ .‬أما السباب‬
‫الخرى للملكية فهي قليلة الوقوع في الحياة‪.‬‬
‫ويدخل في العقود التي هي سبب مباشر للملكية حالتان (‪: )1‬‬
‫الولى‪ :‬العقود الجبرية التي تجريها السلطة القضائية مباشرة‪ ،‬بالنيابة عن المالك الحقيقي‪ ،‬كبيع مال‬
‫المدين جبرا عنه لوفاء ديونه‪ ،‬وبيع الموال المحتكرة‪ .‬فالمتملك يتملك عن طريق عقد بيع صريح‬
‫بإرادة القضاء‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نزع الملكية الجبري‪ .‬وله صورتان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الشفعة‪ :‬وهي عند الحنفية حق الشريك أو الجار الملصق بتملك العقار المبيع جبرا على مشتريه‬
‫بما بذل من ثمن ونفقات‪.‬وقصرها الجمهور على الشريك‪.‬‬
‫ب ـ الستملك للصالح العام‪ :‬وهو استملك الرض بسعرها العادل جبرا عن صاحبها للضرورة أو‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬كتوسيع مسجد ‪ ،‬أو طريق ونحوهما‪.‬‬
‫والمتملك من هذا الطريق يتملك بناء على عقد شراء جبري مقدر بإرادة السلطة‪.‬‬
‫وعليه فالعقد المسبب للملكية إما أن يكون رضائيا أو جبريا‪ ،‬والجبري‪ :‬إما صريح كما في بيع‬
‫المدين‪ ،‬أو مفترض كما في الشفعة ونزع الملكية‪.‬‬
‫‪ - 3‬الخلَفية ‪:‬‬
‫وهي أن يخلف شخص غيره فيما كان يملكه‪ ،‬أو يحل شيء محل شيء آخر‪ ،‬فهي نوعان‪ :‬خلفية‬
‫شخص عن شخص وهي الرث‪ .‬وخلفية شيء عن شيء وهي التضمين‪.‬‬
‫والرث‪ :‬سبب جبري للتملك يتلقى به الوارث بحكم الشرع ما يتركه المورث من أموال التركة‪.‬‬
‫والتضمين‪ :‬هو إيجاب الضمان أو التعويض على من أتلف شيئا لغيره‪ ،‬أو غصب منه شيئا فهلك أو‬
‫فقد‪ ،‬أو ألحق ضررا بغيره بجناية أو تسبب‪ .‬ويدخل فيه الديات وأروش الجنايات‪ ،‬أي العواض‬
‫المالية المقدرة شرعا الواجبة على الجاني في الجراحات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي العام للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.105‬‬

‫( ‪)6/368‬‬

‫‪ - 4‬التولد من المملوك ‪:‬‬


‫معناه أن ما يتولد من شيء مملوك يكون مملوكا لصاحب الصل؛ لن مالك الصل هو مالك الفرع‪،‬‬
‫سواء أكان التولد بفعل مالك الصل‪ ،‬أم بالطبيعة والخلقة‪ .‬فغاصب الرض الذي زرعها يملك الزرع‬
‫عند الجمهور غير الحنابلة؛ لنه نماء البذر وهو ملكه وعليه كراء الرض‪ ،‬ويضمن لصاحب الرض‬
‫نقصانها بسبب الزرع‪ .‬وثمرة الشجر وولد الحيوان وصوف الغنم ولبنها لمالك الصل‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬الزرع لمالك الرض‪ ،‬لما رواه الخمسة إل النسائي عن رافع بن خديج أن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم قال‪« :‬من زرع في أرض قوم بغير إذنهم‪ ،‬فليس له من الزرع شيء‪ ،‬وله نفقته» قال‬
‫البخاري‪ :‬هو حديث حسن (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪ 318/5 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/369‬‬

‫صلُ السّادس‪ :‬طبيعة الملكيّة أو هل الملكيّة الخاصّة في تشريع السلم مطلقة أو مقيّدة؟‬
‫ال َف ْ‬
‫البيع كما هو معروف بمثابة قانون منظم لمعاملت الفراد وحقوق التملك‪ ،‬وللشرع أهداف فيما‬
‫فرضه من قيود على التعامل ‪ ،‬ومن أهم أسباب تقييد البيع بقيود أو شروط هو الحفاظ على حقوق‬
‫الناس الطبيعية فيما يمتلكونه من أموال‪ ،‬فل تنتقل ملكية أحد إلى آخر إل في دائرة الحق والعدل‪ ،‬دون‬
‫أن يكون هناك غش أو غبن أو تغرير أو استغلل أو جهالة تؤدي إلى المنازعة واضطراب‬
‫المعاملت‪ ،‬أو أكل أموال الناس بالباطل‪ .‬وهذه هي أهم السباب التي تؤثر على العقد فتجعله فاسدا أو‬
‫باطلً‪ ،‬وهو مناط تحريم العقد في شرعة السلم‪.‬‬
‫لذا كان جديرا أن نتساءل‪ :‬هل حرية الشخص في تصرفاته ونشاطه في العمل والنتاج والتملك‬
‫مطلقة‪ ،‬أو أن هناك قيودا من الشرع على حق التملك؟‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫يسود عالم اليوم نظامان متعارضان في القتصاد‪ :‬وهما النظام الرأسمالي والنظام الشتراكي‪:‬‬
‫النظام الرأسمالي‪ :‬يعترف بحق الفرد في تملك الموال ملكية خاصة‪ ،‬سواء أكانت هذه الموال من‬
‫أموال الستهلك‪ ،‬أم من أموال النتاج‪ ،‬على أنه ل يشترط أن تكون جميع الموال مملوكة للفراد‪،‬‬
‫بل يجوز للدولة أو أحد فروعها أن تمتلك جانبا من هذه الموال‪ ،‬كما ل يشترط أن يكون حق الملكية‬
‫الخاصة مطلقا‪ ،‬بل يجوز أن ترد عليه بعض القيود للمنفعة العامة‪.‬‬
‫ويقوم النظام الرأسمالي على أساس الحرية القتصادية للفراد‪ ،‬دون تدخل الدول لتقييد نشاطهم في‬
‫الميدان القتصادي‪ ،‬ويكون السعي للحصول على أكبر كسب نقدي هو الدافع المحرك للنشاط‬
‫القتصاد ي في ظل النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫وقد انتقد هذا النظام لنه يؤدي إلى اختلل التوازن في توزيع الثروة بين الفراد‪ ،‬وانقسام المجتمع‬
‫إلى طبقتين‪ :‬طبقة الرأسمالية القطاعية‪ ،‬وطبقة ذوي الدخل المحدود من عمال وفلحين ونحوهم‪ ،‬كما‬
‫يؤدي إلى تركز الثروة في أيدي فئة قليلة وانتشار البطالة والحتكارات الطبيعية والصناعية‪ .‬وكان‬
‫من نتيجة ذلك فشل النظام الرأسمالي في تحقيق الستقرار القتصادي‪ ،‬وضمان الحياة الرغدة‬
‫للبشرية‪.‬‬
‫وأدى هذا الفشل إلى رد فعل معاكس‪ ،‬فازداد تدخل الدولة في الميدان القتصادي من ناحية‪ ،‬وانتشرت‬
‫المبادئ الشتراكية من ناحية أخرى (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع أصول القتصاد لستاذنا الدكتور محمد حلمي مراد ‪ :‬ص ‪.183-151‬‬

‫( ‪)6/370‬‬

‫والنظام الشتراكي‪ :‬يقوم على أساس امتلك الدولة لمختلف وسائل النتاج (‪ )1‬من صناعة وزراعة‬
‫وثروة طبيعية وخدمات عامة‪ ،‬ويكون بالتالي لوجود للملكية الفردية القائمة على أساس الستغلل‬
‫والستعباد‪ ،‬ول حرية اقتصادية مطلقة للفرد إل بمقدار ما يمنحه المجتمع إياه وينظمه له‪.‬‬
‫فالملكية الخاصة لم تلغ إلغاء تاما؛ لن ملكية الموال الستهلكية من أدوات منزلية ونقود وسلع‬
‫معترف بها‪ ،‬ويجوز أن تنتقل هذه الملكية لموال الستهلك إلى الغير بطريق الميراث (‪. )2‬‬
‫وأما ملكية أموال النتاج‪ :‬فهي ملكية اشتراكية تظهر بشكل ملكية للدولة‪ ،‬أو بشكل ملكية تعاونية‪،‬‬
‫ومع ذلك فلم تلغ الملكية الخاصة لموال النتاج إلغا ًء كاملً في روسيا‪ ،‬فيسمح القانون الروسي‬
‫بالمشاريع القتصادية الصغيرة الخاصة بالفلحين القرويين وبالحرفيين على أن يقوموا بعملهم‬
‫شخصيا‪ ،‬وبشرط أل يستغلوا فيه جهد الخرين (‪ ، )3‬مما أوجد نوعا ثالثا من أنواع المشروعات‬
‫الزراعية هو المشروعات الفردية بجانب المزارع الحكومية والمزارع المشتركة‪ .‬وعلى هذا فليست‬
‫الملكية الشخصية حقا مطلقا ثابتا‪ ،‬وإنما هي متطورة في محورها نحو الملكية الجماعية؛ لن الملكية‬
‫في ذاتها وظيفة اجتماعية تخدم مصالح الجماعة‪.‬‬
‫وغاية النظام الشتراكي تحقيق العدالة الجتماعية‪ ،‬لذا فإنه يهتم بالدرجة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهي الرض ورأس المال والعمل‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا هو صريح المادة العاشرة من الدستور السوفييتي‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا هو نص المادة التاسعة من الدستور السوفييتي‪ ،‬وقريب منها نص المادة السابعة‪« :‬لكل عائلة‬
‫من عوائل المزرعة التعاونية بالضافة إلى دخلها الذي يأتيها من اقتصاد المزرعة التعاونية المشترك‬
‫قطعة من الرض خاصة بها‪ ،‬وملحقة بمحل السكن‪ .‬ولها في الرض اقتصاد إضافي ومنزل للسكنى‬
‫وماشية منتجة وطيور وأدوات زراعية بسيطة كملكية خاصة» ‪.‬‬

‫( ‪)6/371‬‬

‫الولى في إشباع كل حاجات الفراد‪ ،‬ولكن بحسب ضرورتها وأهميتها (‪ )1‬من أجل تحقيق مستوى‬
‫مادي ومعنوي لئق بكرامة النسان‪ ،‬ثم السعي لرفع ذلك المستوى بشكل مستمر‪ ،‬مما جعل الجماهير‬
‫الكادحة تتجه أنظارها إلى النظام الشتراكي باعتباره المنقذ من أدران الرأسمالية‪.‬‬
‫ويقول منتقدو هذا النظام بأنه يهدر الحق الطبيعي المقدس للفرد‪ :‬وهو حق الملكية‪ ،‬كما أنه يعطي‬
‫الجماعة ممثلة بالدولة سلطات واسعة على حساب الفراد‪ ،‬ويقيد الحرية القتصادية‪.‬وقد انهار هذا‬
‫النظام في عام ‪1989‬م في روسيا‪ ،‬والتجاه الحالي نحو النظام الغربي والحرية‪.‬‬
‫وأما نظام السلم القتصادي والجتماعي‪ :‬فهو العدل الوسط بين النظامين السابقين‪ ،‬أو بتعبير أدق‪:‬‬
‫هو نظام قائم بذاته‪ ،‬له فكره الجتماعي الخاص به‪ ،‬فهو يعترف بقيمة النسان‪ ،‬كما يعترف بحقوق‬
‫المجتمع‪ ،‬فيقيم توازنا بينهما‪ ،‬بل إنه جعل الفرد للجماعة‪ ،‬والجماعة للفرد من طريق التضامن العام‬
‫بين الفراد‪ ،‬فهو إذن ليس فرديا فقط يؤدي إلى الرأسمالية‪ ،‬وليس جماعيا يؤدي إلى الماركسية‪ ،‬وإنما‬
‫يمنح الفرد قدرا من الحرية بحيث ل يطغى على كيان الخرين‪ ،‬ويمنح المجتمع أو الدولة التي تمثله‬
‫سلطة واسعة في تنظيم الروابط الجتماعية والقتصادية على أساس من الحب المتبادل بين الفرد‬
‫والجماعة‪ ،‬ل على أساس الحقد وإيجاد العداوات بين الناس‪.‬‬
‫وبناء عليه فهو يعترف بحق النسان في التملك الفردي‪ ،‬ويمنحه حق النتفاع والستثمار لماله‪،‬‬
‫والتصرف فيه طوال حياته وبعد مماته‪ ،‬في حدود معينة تعتبر أوسع بكثير من القدر الذي تسمح به‬
‫الشيوعية‪ ،‬ولكنه ل يعطي المالك السلطان المطلق فيما يملك بغير أي قيد عليه كما تفعل الرأسمالية‪،‬‬
‫فهو ل يسمح بالربا والحتكار‪ ،‬ول أن تكون الملكية سبيلً للستغلل الحرام والطغيان‪ ،‬وبذلك يجمع‬
‫السلم بين مزايا كل من الشتراكية والرأسمالية ويتجنب أوجه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هدف الرأسمالية إشباع حاجات الفراد بحسب القدرة الشرائية مما يؤدي إلى عجز بعض الفراد‬
‫عن سد حاجاتهم الضرورية‪ ،‬بينما يشبع فريق آخر حاجاته الترفيهية المتعددة‪.‬‬

‫( ‪)6/372‬‬
‫النحراف والمبالغة في كل منهما (‪. )1‬‬
‫ول يمكن القول بأن نظام السلم القتصادي نظام رأسمالي أو اشتراكي؛ لن للرأسمالية أو‬
‫الشتراكية في الوقت الحاضر معنى محددا مفهوما‪ ،‬له خصائص معينة في معالجة الحياة القتصادية‪.‬‬
‫وإنما السلم نظام قائم بنفسه ل ينسب إلى مذهب جديد أو قديم‪ ،‬مهمته الربط بين قوى الحياة‬
‫ومواهب الفطرة في كيان المرء وبين ثمار الطبيعة الظاهرة والباطنة؛ فيحدث التفاعل بين الجانبين‪،‬‬
‫وتتكون الحضارة الصالحة بما في النسان من مواهب العقل والروح وما في الكون من أسرار‬
‫الحقائق وكنوز المال والثروة‪ ،‬وبما في السلم من حلول جذرية لمشكلت الحياة‪ ،‬وقواعد للفرد‬
‫والمجتمع في الحقوق والواجبات‪ .‬وإذا كان في الشتراكية بعض المعاني النسانية التي جاء بها‬
‫السلم من ضرورة التكافل الجتماعي‪ ،‬فل يعني ذلك أن نظام السلم هو النظام الشتراكي‬
‫الماركسي‪.‬‬
‫المال والملكية في تقدير السلم ‪:‬‬
‫المال عند الحنفية كما عرفنا‪ :‬هو ما يميل إليه النسان طبعا‪ ،‬ويمكن ادخاره لوقت الحاجة‪ .‬وعند‬
‫الجمهور‪ :‬هو كل ما له قيمة يباع بها ويلزم متلفه وإن قلّت‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفكر السلمي الحديث للدكتور محمد البهي‪ :‬ص ‪ ،387‬شبهات حول السلم للستاذ محمد‬
‫قطب‪ :‬ص ‪ ،27‬نظرية السلم السياسية للمودودي‪ :‬ص ‪.57‬‬

‫( ‪)6/373‬‬

‫وما ل يطرحه الناس مثل الفَلس وما أشبه ذلك‪ .‬وهذا التعريف مأخوذ عن المام الشافعي رضي ال‬
‫عنه (‪. )1‬‬
‫وبناء على التعريف الول ل تكون المنافع والحقوق المجردة مالً ما عدا منفعة العين المؤجرة‪ ،‬وعلى‬
‫التعريف الثاني تكون المنافع أموالً متقومة في ذاتها يمكن أن تورث‪.‬‬
‫والملك‪ :‬هو اختصاص حاجز شرعا يسوغ صاحبه التصرف إل لمانع (‪. )2‬‬
‫والمال في الحقيقة ل سبحانه‪{ :‬ل ملك السموات والرض وما فيهن} [المائدة‪. )3( ]120/5:‬‬
‫وتملك النسان للمال مجاز‪ ،‬أي أنه مؤتمن على المال ومستخلف عليه‪{ :‬وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين‬
‫فيه} [الحديد‪.]7/57:‬‬
‫قال عروة رضي ال عنه‪« :‬أشهد أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قضى‪ :‬أن الرض أرض ال ‪،‬‬
‫والعباد عباد ال ‪ ،‬ومن أحيا مواتا فهوأحق به» ‪ .‬ويترتب عليه أن النسان ملزم بالتقيد بأوامر ال‬
‫سبحانه في التملك بحسب ما يريد صاحب الملك‪ .‬والناس على السواء‪ ،‬لهم حق في تملك خيرات‬
‫الرض‪ .‬والملكية الفردية حق ممنوح من ال تعالى‪ ،‬والمال ليس غاية مقصودة لذاتها‪ ،‬وإنما هو‬
‫وسيلة للنتفاع بالمنافع وتأمين الحاجيات (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪.258‬‬
‫(‪ )2‬المدخل الفقهي للستاذ مصطفى الزرقاء‪ ،‬المجلد الول‪ :‬جـ ‪ 1‬ص ‪ ،220‬والمراد من كلمة‬
‫«حاجز» أنه الذي يخول صاحبه منع غيره‪ ،‬وهو قريب المعنى من المفهوم اللغوي للملكية الذي يدل‬
‫على معنى الستئثار والستبداد مما يتعلق به من الشياء‪ .‬والمراد من جملة «يسوغ صاحبه‬
‫التصرف» أن الملك قدرة مبتدأة ل مستمدة من شخص آخر‪.‬‬
‫(‪ )3‬المائدة‪.120 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر اشتراكية السلم للمرحوم الدكتور مصطفى السباعي‪ :‬ص ‪ 77‬ومابعدها‪ ،‬التكافل‬
‫الجتماعي في السلم لستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬ص ‪ 14‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/374‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أنه لم يحدث في تاريخ السلم أن أخذ مال غني بغير رضاه وأعطي لفقير‪ ،‬مهما‬
‫اشتدت الحاجة وبلغت الفاقة‪ ،‬وإنما كان النبي صلّى ال عليه وسلم يحض المسلمين على البذل‪،‬‬
‫ويرغبهم في العطاء من غير أمر ول عزيمة‪ ،‬فجاء أبو بكر مرة بماله كله‪ ،‬وجاء عمر بنصف ماله‪،‬‬
‫وجهز عثمان جيش العسرة بجميع ما يلزمه‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ما ضر عثمان ما‬
‫فعل بعد اليوم» (‪. )1‬‬
‫تقييد الملكية ‪:‬‬
‫يقول بعض الكاتبين‪ :‬لما كان المال مال ال ‪ ،‬والناس جميعا عباد ال ‪ ،‬وكانت الحياة التي يعملون‬
‫فيها ويعمرونها بمال ال هي أيضا ل ‪ ،‬كان من الضروري أن يكون المال ـ وإن ربط باسم شخص‬
‫معين ـ لجميع عباد ال ‪ ،‬وينتفع به الجميع‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعا}‬
‫[البقرة‪ ]29/2:‬وبهذا يكون للمال وظيفة اجتماعية هدفها إسعاد المجتمع وقضاء حاجياته ومصالحه‪،‬‬
‫وتكون الملكية الشخصية إذن في نظر السلم وظيفة اجتماعية (‪. )2‬‬
‫ويرى أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة أنه ل مانع من وصف الملكية بكونها وظيفة اجتماعية‪ ،‬ولكن‬
‫يجب أن يعرف أنها بتوظيف ال تعالى‪ ،‬ل بتوظيف الحكام؛ لن الحكام ليسوا دائما عادلين (‪. )3‬‬
‫وفي تقديري أن السلم منهج واضح ل غبار عليه‪ ،‬واستعمال هذا التعبير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر بحث الملكية الفردية في السلم للستاذ محمد عبد ال كنون المنشور مع بحوث المؤتمر‬
‫الول لمجمع البحوث في الزهر‪ :‬ص ‪ ،186‬وانظر حديث عثمان في التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.278‬‬
‫(‪ )2‬انظر مقال شيخ الزهر السابق‪ :‬أستاذنا الشيخ محمود شلتوت في جريدة الجمهورية ‪ 22‬كانون‬
‫الول ( ديسمبر ) ‪1961‬م‪ ،‬اشتراكية السلم للسباعي‪ :‬ص ‪.80‬‬
‫(‪ )3‬التكافل الجتماعي في السلم‪ ،‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.23‬‬

‫( ‪)6/375‬‬

‫المأخوذ من تعاليم الشيوعية أو الشتراكية الماركسية يزج السلم في حمأة المبادئ الماركسية‪،‬‬
‫ويناقض حرية النسان الطبيعية الفطرية في التملك‪ ،‬ويضلل الفكار في فهم حقيقة نظرة السلم‬
‫للملكية‪ ،‬فالملكية الخاصة حق مصون في السلم‪ ،‬اللهم إل في حدود حق الغير ومصلحة المجتمع‪.‬‬
‫فحق الملكية ليس وظيفة اجتماعية تجعل المالك مجرد موظف لصالح الجماعة‪ ،‬وإنما هو ذو وظيفة‬
‫اجتماعية‪ ،‬كما أنه ذو صفة فردية‪ ،‬إذ لو اعتبر الحق وظيفة اجتماعية‪ ،‬لكان صاحب الحق موظفا أو‬
‫مجرد وكيل يعمل لصالح الجماعة‪ ،‬دون نظر إلى مصلحته الخاصة‪ ،‬وهذا في الحقيقة إلغاء لفكرة‬
‫الحق‪ ،‬ويعتبر إلغاء الملكية مناقضا للفطرة النسانية ومصادما لمشاعر النسان وحبه التملك‪ ،‬وسببا‬
‫واضحا في كبت الطاقات البشرية ونزعة البداع والتقدم الذاتي‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬إن السلم ليمنع الملكية الخاصة مطلقا‪ ،‬وليطلقها بل حدود‪ .‬قال ال تعالى‪ { :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا لتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‪ ،‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم } [النساء‪،]29/4:‬‬
‫{ و في أموالهم حق للسائل والمحروم } [الذاريات‪ { ،]19/51:‬وال فضل بعضكم على بعض في‬
‫الرزق } [النحل‪ { ،]71/16:‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء} [المائدة‪ ]54/5:‬ويقول الرسول صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬كل المسلم على المسلم حرام‪ :‬دمه وماله وعرضه » (‪ « )1‬إن دماءكم وأموالكم حرام‬
‫عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا» (‪« ، )2‬ليحل مال امرئ مسلم إل بطيب‬
‫نفسه » (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي ال عنه ( راجع الترغيب والترهيب‪3 :‬ص ‪609‬‬
‫ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد ال (جمع الفوائد لبن سليمان الروداني‪:‬‬
‫‪.)474/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الدارقطني في سننه بلفظ‪« :‬ليحل لمرئ من مال أخيه شيء إل ماطابت به نفسه» وله‬
‫ألفاظ وروايات كثيرة منها‪ :‬مارواه الحاكم وابن حبان في صحيحيهما عن أبي حميد الساعدي بلفظ‪:‬‬
‫«ليحل لمرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيبة نفس منه » ( انظر مجمع الزوائد‪4 :‬ص ‪ ،171‬نصب‬
‫الراية‪4 :‬ص ‪ ،169‬سبل السلم‪3 :‬ص ‪ ،60‬نيل الوطار‪.) 152/8 :‬‬

‫( ‪)6/376‬‬

‫وبناء عليه يحرم التعدي على ملكيات الفراد مادامت مشروعة‪ ،‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من ظلم‬
‫شبرا من الرض طوقه ال من سبع أرضين » (‪. )1‬‬
‫وقرر السلم عقوبات على السرقة والغصب والسلب والغش‪ ،‬والجباية الظالمة ونحوها‪ ،‬وطالب‬
‫بضمان الموال المتلفة‪ .‬وأما الملكية غير المشروعة فيجوز للدولة التدخل في شأنها لرد الموال إلى‬
‫صاحبها‪ ،‬بل إن لها الحق في مصادرتها‪ ،‬سواء أكانت منقولة أم غير منقولة‪ ،‬كما فعل سيدنا عمر في‬
‫مشاطرة بعض ولته الذين وردوا عليه من وليتهم بأموال لم تكن لهم‪ ،‬استجابة لمصلحة عامة‪ :‬وهو‬
‫البعد بها عن الشبهات وعن اتخاذها وسيلة للثراء (‪ )2‬؛ لن الملكية مقيدة بالطيبات والمباحات‪ ،‬أما‬
‫المحرمات التي تجيء عن طريق الرشوة أو الغش أو الربا أو التطفيف في الكيل والميزان أو‬
‫الحتكار أو استغلل النفوذ والسلطة‪ ،‬فل تصلح سببا مشروعا للتملك‪.‬‬
‫وكذلك يحق للدولة التدخل في الملكيات الخاصة المشروعة لتحقيق العدل والمصلحة العامة‪ ،‬سواء في‬
‫أصل حق الملكية‪ ،‬أو في منع المباح وتملك المباحات قبل السلم وبعده إذا أدى استعماله إلى ضرر‬
‫عام‪ ،‬كما يتضح من مساوئ الملكية القطاعية‪ ،‬ومن هنا يحق لولي المر العادل أن يفرض قيودا‬
‫على الملكية في بداية إنشائها في حال إحياء الموات‪ ،‬فيحددها بمقدار معين‪ ،‬أو ينتزعها من أصحابها‬
‫مع دفع تعويض عادل عنها (‪ )3‬إذا كان ذلك في سبيل المصلحة العامة للمسلمين (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد عن عائشة ( نيل الوطار‪.) 317/5 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.254‬‬
‫(‪ )3‬ول تعويض وإنما يصادر المال إذا كان مكتسبا بطريق غير مشروع كالغتصاب والختلس أو‬
‫كان سبب اكتسابه مشتبها فيه‪ ،‬ولقد صادر النبي صلّى ال عليه وسلم وصحابته وبخاصة سيدنا عمر‬
‫أموال الولة الذين ذكروا سببا غير مشروع لملكياتهم كالهداء أو لم يبينوا من أين ملكوا المال‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر بحث الستاذ الشيخ علي الخفيف «الملكية الفردية وتحديدها في السلم» ص ‪128 ،113‬‬
‫ومابعدها من كتاب المؤتمر الول لمجمع البحوث السلمية‪.‬‬

‫( ‪)6/377‬‬

‫ومن المقرر عند الفقهاء أن لولي المر أن ينهي إباحة الملكية بحظر يصدر منه لمصلحة تقتضيه‪،‬‬
‫فيصبح ما تجاوزه أمرا محظورا‪ ،‬فإن طاعة ولي المر واجبة بقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم} [النساء‪ ]59/4:‬وأولو المر في السياسة والحكم‪:‬‬
‫المراء والولة كما روى ابن عباس وأبو هريرة‪ ،‬وقال الطبري‪ :‬إنه أولى القوال بالصواب‪.‬‬
‫ومن أمثلة تدخل ولي المر في الملكية‪ :‬ما روي محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين أنه قال‪:‬‬
‫«كان لسمرة بن جندب نخل في حائط (أي بستان) رجل من النصار‪ ،‬وكان يدخل هو وأهله فيؤذيه‪،‬‬
‫فشكا النصاري ذلك إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول ال لصاحب النخل‪ :‬بعه‪ ،‬فأبى‪،‬‬
‫فقال الرسول‪ :‬فاقطعه‪ ،‬فأبى‪ ،‬فقال‪ :‬فهبه ولك مثله في الجنة‪ ،‬فأبى‪ ،‬فالتفت الرسول إليه وقال‪ :‬أنت‬
‫مضار‪ ،‬ثم التفت إلى النصاري‪ ،‬وقال‪ :‬اذهب فاقلع نخله» (‪ )1‬ففي هذه الحادثة ما يدل على أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم لم يحترم الملكية المعتدية‪ ،‬وهو القائل في القضاء في حقوق الرتفاق‪« :‬ل ضرر‬
‫ول ضرار» (‪ ، )2‬وروى أبو هريرة رضي ال عنهم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل‬
‫يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» (‪ . )3‬وشرع السلم حق الشفعة على الملكية‪ ،‬دفعا‬
‫للضرر وإقرارا لقاعدة المصلحة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الحكام السلطانية لبي يعلى‪ ،‬مطبعة البابي الحلبي‪ :‬ص ‪.285‬‬
‫(‪ )2‬رواه مالك في الموطأ مرسلً عن عمرو بن يحيى عن أبيه‪ ،‬ورواه أحمد في مسنده وابن ماجه‬
‫والدارقطني في سننيهما مسندا عن أبي سعيد الخدري‪ .‬وله طرق يقوي بعضها بعضا‪ .‬والضرر‪:‬‬
‫إلحاق مفسدة بالغير‪ ،‬والضرار‪ :‬مقابلة الضرر بالضرر‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم ومالك وأحمد وابن ماجه (شرح مسلم‪ )47/11 :‬بل رواه الجماعة إل النسائي عن أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)6/378‬‬
‫ومن المثلة أيضا‪ :‬ما روى المام مالك في الموطأ‪ :‬وهو أن رجلً اسمه‬
‫الضحاك بن خليفة ساق خليجا (‪ )1‬من العريض (واد في المدينة)‪ ،‬وأراد أن يمر به في أرض محمد‬
‫بن َمسْلَمة‪ ،‬فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب‪ ،‬فدعا عمر محمد بن مسلمة‪ ،‬فأمره أن يخلي سبيله‪،‬‬
‫فقال محمد‪« :‬ل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬لم تمنع أخاك ما ينفعه‪ ،‬وهو لك نافع‪ ،‬تسقي به أولً وآخرا‪ ،‬وهو ل‬
‫يضرك؟ فقال محمد‪ :‬ل وال‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وال ليمرن به ولو على بطنك‪ ،‬فأمره عمر أن يمر به‪،‬‬
‫ففعل الضحاك» (‪ )2‬ففي هذا ما يدل على أنه ل يكفي المتناع من الضرر‪ ،‬بل يجب على المسلم في‬
‫ملكه أن يقوم بما ينفع غيره ما دام ل ضرر عليه فيه‪.‬‬
‫ويمكن أن يعتبر مسوغا لتنظيم الملكية أو تقييدها ـ بناء على قاعدة‪ :‬الضرورات تبيح المحظورات‪،‬‬
‫ل بقانون المصلحة العامة وبمبدأ سد الذرائع ـ كون صاحبها مانعا لحقوق ال تعالى أو اتخاذها‬
‫وعم ً‬
‫طريقا للتسلط والظلم والطغيان‪ ،‬أو التبذير والسراف وتبديد الموال والوقوع في حمأة الرذيلة‬
‫والفساد‪ ،‬أو إشعال نار الفتنة والضطرابات بين الناس‪ ،‬أو الحتكارات والتلعب بأسعار الشياء‪،‬‬
‫ومحاولة تهريب الموال إلى خارج البلد‪ ،‬أو دفع ضرر فقر ألم بفئة من الناس‪ ،‬أو لهدار الموال‬
‫المجموعة من الربا (‪ ، )3‬على شرط أن يكون إجراء استثنائيا مرهونا بوقت الحاجة ل تشريعا دائما‪،‬‬
‫وبشرط أل يهتدم رأس المال من أصله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخليج‪ :‬نهر يقتطع من النهر العظم إلى موضع ينتفع به فيه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الموطأ‪ 218/2 :‬ومابعدها‪ ،‬وهناك حادثة أخرى في الموطأ تشابه هذه الحادثة قضى فيها عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬الربا والحتكار هما مصيبة الرأسمالية الطاغية‪ ،‬إذ مكناها رويدا رويدا من تجميع الثروات في‬
‫أيديها وحرمان سائر الناس منها (جاهلية القرن العشرين لمحمد قطب‪ :‬ص ‪.)278‬‬

‫( ‪)6/379‬‬

‫قيود الملكية ‪:‬‬


‫قيود الملكية ثلثة‪ :‬أولها ـ أن تكون في دائرة منع الضرر‪ .‬ثانيها ـ ليس كل‬
‫شيء قابلً للتملك الفردي‪ .‬ثالثها ـ للجماعة أو للدولة حقوق مفروضة على الملكية الخاصة‪.‬‬
‫القيد الول ـ منع الضرار بالخرين‪ :‬إن الحقوق المقررة على الملكية أساسها أمران‪:‬‬
‫‪ - 1‬منع ضرر الغير؛ لن كل حق في السلم مقيد بمنع الضرر‪.‬‬
‫‪ - 2‬نفع الغير إن لم يكن ثمة ضرر ل حق به (‪. )1‬‬
‫والضرر أربعة أقسام عند العلماء (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬الضرر المؤكد الوقوع‪ :‬وهو أن يترتب على تصرف المالك في ملكه ضرر مؤكد بغيره عند‬
‫استعمال حقه المأذون فيه‪ .‬وحكمه أنه إذا تمكن صاحب الحق من استعمال ملكه دون إضرار بغيره‪،‬‬
‫فيمنع من الضرر؛ لنه يتحمل الضرر الخاص في سبيل دفع الضرر العام‪ .‬وإذا كان الضرر خاصا‬
‫بالحاد‪ ،‬فيكون حق صاحب الحق أولى بالعتبار‪.‬‬
‫‪ - 2‬الضرر الغالب وقوعه‪ :‬وهو أن يكون الضرر كثير الوقوع عند القيام بالفعل‪ ،‬وهذه الحال تلحق‬
‫بسابقتها‪ :‬وهي المقطوع فيها بوقوع الضرر؛ لن غلبة الظن تقوم مقام اليقين في الحكام العملية‪.‬‬
‫‪ - 3‬الضرر الكثير غير الغالب‪ :‬وهو أن يكون ترتب المفسدة على الفعل كثيرا في ذاته إذا وقع‪،‬‬
‫ولكن ل يغلب على الظن وقوعه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التكافل الجتماعي للستاذ محمد أبو زهرة‪ :‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪ :‬ص ‪.66-64‬‬

‫( ‪)6/380‬‬

‫وفيه اختلف الفقهاء‪ ،‬فالمالكية والحنابلة يرون العمل بقاعدة «دفع المضار مقدم على جلب المصالح»‬
‫واحتمال وقوع الضرر كاف لمنع الفعل‪ .‬والحنفية والشافعية يرون أن الفعل مشروع في أصله‪،‬‬
‫واحتمال الضرر ل يصلح دليلً على الضرر المتوقع‪ ،‬فل يمنع حق لمجرد احتمال الضرر‪.‬‬
‫‪ - 4‬الضرر القليل‪ :‬وهو أن يكون الضرر المترتب على استعمال الحق المأذون فيه نادر الوقوع‪ ،‬أو‬
‫كان في ذاته قليلً‪ ،‬وهو ل يلتفت إليه لقلته‪ ،‬إذ العبرة بأصل الحق الثابت‪ ،‬فل يعدل عنه إل لعارض‬
‫الضرر الكثير بالغير‪.‬‬
‫القيد الثاني ‪ -‬منع الملكية الخاصة في بعض الحالت ‪:‬‬
‫ليست كل الموال قابلة للتملك الفردي‪ ،‬فهناك أنواع ثلثة من المال ل تقبل الملكية الفردية وإنما هي‬
‫مملوكة للجماعة (‪ ، )1‬وما عداها من المرافق الخاصة كالمزروعات والمصنوعات‪ ،‬يجوز للفراد‬
‫تملكها والتصرف فيها‪ .‬وتلك النواع هي ما يأتي‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬الموال ذات النفع العام كالمساجد والمدارس والطرقات والنهار والوقاف الخيرية‬
‫ونحوها من المنافع العامة التي ل تؤدي غايتها إل إذا كانت للجماعة‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬الموال الموجودة بخلق ال تعالى‪ ،‬كالمعادن والنفط والحجار والماء والكل والنار‪،‬‬
‫فهذه الشياء لم يوجدها البشر وإنما هي مخلوقة بخلق ال تعالى‪ .‬وكون المعادن كلها مملوكة للدولة‬
‫وتستخدم من أجل المرافق العامة هو الحق وهو الرأي الراجح عند المالكية‪ ،‬وهو رأي الحنابلة في‬
‫المعادن الظاهرة أو السائلة‪ :‬وهي التي يحصل عليها من غير مؤنة ينتابها الناس‪ ،‬كالملح والماء‬
‫والكبريت والنفط والكحل والياقوت ونحوها‪ .‬أما المعادن الجامدة فتملك بملك الرض التي هي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر التكافل الجتماعي للستاذ أبي زهرة‪ :‬ص ‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/381‬‬

‫فيها (‪. )1‬‬


‫وأما الحنفية فعندهم تفصيلت تعرف في كتبهم‪ ،‬ولكنهم يقرون أن للدولة فيها حظا كبيرا‪ .‬ويظهر‬
‫رأي الحنابلة في قول ابن قدامة الحنبلي‪« :‬وجملة ذلك أن المعادن الظاهرة‪ :‬وهي التي يوصل ما فيها‬
‫من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والقير والمومياء (‪ )2‬والنفط‬
‫والكحل والبرام (‪ )3‬والياقوت ومقاطع الطين وأشباه ذلك ل تملك بالحياء‪ ،‬ول يجوز إقطاعها لحد‬
‫من الناس ول احتجازها دون المسلمين؛ لن فيها ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم» (‪. )4‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الموال التي تؤول ملكيتها للدولة من الفراد أو يكون للدولة عليها الولية‪.‬‬
‫فالولى مثل ما يؤول إلى بيت المال كالموال الضائعة‪ ،‬أو التي ل وارث لها؛ لن «بيت المال وارث‬
‫من ل وارث له» والثاني مثل الراضي الخراجية الزراعية التي آلت إلى المسلمين بالفتح كأراضي‬
‫الشام ومصر والعراق وفارس وما وراءها تعتبر كالمعادن مملوكة للدولة‪ ،‬وتعتبر اليد القائمة عليها يد‬
‫اختصاص وانتفاع فقط‪ ،‬ل يد تملك تام أي (للرقبة والمنفعة معا)‪ .‬وإذا كانت أغلب أراضي المسلمين‬
‫هي أراضي خراجية‪ ،‬ويد الزراع عليها ليست يد ملك مطلق‪ ،‬فإن لولي المر عند الضرورة أن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.520/5 ،28/3 :‬‬
‫(‪ )2‬نوع من الدواء‪.‬‬
‫(‪ )3‬البرام ـ بكسر الباء جمع برمة ـ بضم الباء‪ :‬وهي القدر من الحجارة‪.‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪.520/5 :‬‬

‫( ‪)6/382‬‬
‫ينتزع الراضي من أيدي واضعي اليد عليها‪،‬ويعوضهم عنها إذا اقتضت المصلحة العامة نزعها‪ ،‬وقد‬
‫ثبت أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم حمى أرضا بالمدينة وهو النقيع (موضع معروف بالمدينة)‬
‫لترعى فيها خيل المسلمين (‪ )1‬أي أنه جعلها مشاعة لجميع الناس‪ ،‬أي مؤممة للجماعة بتعبير‬
‫العصر‪ .‬وحمى عمر رضي ال عنه أرضا بالرَبذة والشرَف (وهما موضعان بين مكة والمدينة)‬
‫وجعل كلهما للمسلمين كافة‪ ،‬فجاءه أهلها يشكون قائلين‪« :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنها أرضنا‪ ،‬قاتلنا عليها‬
‫في الجاهلية وأسلمنا عليها‪ ،‬علم تحميها؟» فأطرق عمر وقال‪« :‬المال مال ال ‪ ،‬والعباد عباد ال‪،‬‬
‫وال لول ما أحمل في سبيل ال ـ أي إعداد خيول الجهاد ـ ما حميت من الرض شبرا في شبر»‬
‫وظاهر هذا الثر أن حمى عمر كان في أرض لهلها فيها منافع ومرافق بسبب الجوار‪ ،‬ولم يمنعه‬
‫من حمايتها على أهلها حين دعت إلى ذلك مصلحة عامة (‪ ، )2‬مثل شركات المياه والكهرباء والنفط‬
‫وخطوط النقل والبرية والبحرية ونحوها من المرافق الحيوية ذات النفع العام للبلد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى أحمد وابن حبان عن ابن عمر أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع للخيل ـ خيل‬
‫المسلمين‪ .‬ورواه أحمد وأبو داود عن الصعب بن جثامة أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع‪،‬‬
‫وقال «ل حمى إل ل ولرسوله» للبخاري منه‪« :‬ل حمى إل ل ولرسوله» وقال‪« :‬بلغنا أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع‪ ،‬وأن عمر حمى الشرف والربذة» (انظر جامع الصول‪،331/3 :‬‬
‫مجمع الزوائد‪ ،171/4 :‬نيل الوطار‪ )308/5 :‬ويكون حمى الرض بجعلها حرما يمنع غير حاميها‬
‫من الرعي والقامة‪ ،‬والحمى كان الغرض منه مجرد انتفاع مقصور على الحامي مدة موقوتة تتحدد‬
‫بصلحية المكان للرعي‪ ،‬فإذا انتهت صلحيته انتهت حمايته‪.‬‬
‫(‪ )2‬الموال لبي عبيد‪ :‬ص ‪ ،302-294‬بحث الستاذ علي الخفيف «الملكية الفردية وتحديدها في‬
‫السلم» ‪ :‬ص ‪ 108‬من كتاب المؤتمر الول لمجمع البحوث السلمية‪.‬‬

‫( ‪)6/383‬‬

‫القيد الثالث ـ حقوق الجماعة في ملكيات الفراد ‪:‬‬


‫للجماعة أو للدولة حقوق في أموال وملكيات الفراد يترتب على أدائها تفتيت الثروات الضخمة؛ لن‬
‫السلم يكره تكديس الموال واكتنازها وتضخيم الملكيات (‪ ، )1‬فيجب إسهام ذوي الحاجات في‬
‫أموال الغنياء تحقيقا للعدالة الجتماعية في توزيع الثروات‪ ،‬كما يجب على الغنياء السهام في دعم‬
‫موارد الخزينة العامة للمحافظة على كيان المة‪ .‬وهذه الحقوق العامة للجماعة في أموال الغنياء أو‬
‫الموارد المالية للدولة تتلخص فيما يأتي (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬الزكاة‪ :‬هي تشريع إلزامي في السلم يجب على الغنياء القيام بتنفيذه‪ ،‬وتقوم الدولة بجباية‬
‫الزكاة من أصحاب رؤوس الموال‪ ،‬ولها أن تجبرهم على أدائها‪ ،‬فليست الزكاة صدقة ممتهنة‪ ،‬كما‬
‫فهم بعض الكاتبين في الصحافة الحديثة‪ ،‬كما أنها ليست إذللً للفقير‪ ،‬وإنما هي حق مستقيم واجب‬
‫ديانة وقانونا‪ ،‬وهي تؤخذ من الموال النامية المنتجة‪ ،‬وهي أربعة أقسام في عرف المسلمين في‬
‫الماضي‪:‬‬
‫أ ـ النعَم‪ :‬وهي البل والبقر والغنم التي ترعى أغلب العام في عشب مباح‪ ،‬ومقادير المأخوذ منها‬
‫معروفة في كتب السنة والفقه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هناك آيات قرآنية كثيرة في هذا المعنى‪ ،‬مثل قوله تعالى‪{ :‬والذين يكنزون الذهب والفضة ول‬
‫ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة‪{ ]34/9:‬ولو بسط ال الرزق لعباده لبغوا في الرض‬
‫ولكن ينزل بقدر ما يشاء} [الشورى‪{ ]27/42:‬كل إن النسان ليطغى‪ ،‬أن رآه استغنى} [العلق‪-6/96:‬‬
‫‪{ ]7‬كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم} [الحشر‪{ ]7/59:‬وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس‬
‫نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ الفساد في الرض إن ال ل يحب المفسدين}‬
‫[القصص‪.]77/28:‬‬
‫(‪ )2‬انظر اشتراكية السلم للسباعي‪ :‬ص ‪ 126 ،121‬ومابعدها‪ ،‬التكافل الجتماعي في السلم‬
‫للستاذ محمد أبو زهرة‪ .‬ص ‪ 79‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/384‬‬

‫ب ـ النقدان‪ :‬الذهب والفضة بنسبة ربع العشر ‪ ،%5،2‬ويمثلها في عصرنا الوراق النقدية‪.‬‬
‫جـ ـ أموال التجارة بنسبة ربع العشر‪.‬‬
‫د ـ الزروع والثمار بنسبة العشر فيما يسقى بغير آلة‪ ،‬ونصف العشر إن كانت تسقى بآلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تأمين حاجيات الدفاع عن البلد‪ :‬إذا اقتضت حاجات الدفاع عن المة أوا لجهاد في سبيل ال‬
‫بعض الموال‪ ،‬ولم يكن في الخزينة العامة ما يكفي لسد تلك الحاجة‪ ،‬فعلى الدولة أن تفرض في‬
‫أموال الناس من الضرائب بقدر ما يندفع به الخطر عملً بالمصالح المرسلة‪ ،‬وقد نص على ذلك كثير‬
‫من علماء السلم مثل الغزالي والقرافي والشاطبي وابن حزم والعز بن عبد السلم وابن عابدين (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر أصول الفقه للمؤلف‪ 765/2 :‬ط دار الفكر‪ ،‬العتصام‪ ،121/2 :‬ط التجارية‪ ،‬الفروق‪:‬‬
‫‪ ،141/1‬ط دار إحياء الكتب‪ ،‬المستصفى ‪ ،313/1‬حاشية ابن عابدين‪ ،42/2 :‬ط الميمنية‪ ،‬المحلى‪:‬‬
‫‪ 159-156/6‬ط ‪ 1349‬هـ‪.‬‬

‫( ‪)6/385‬‬

‫‪ - 3‬كفاية الفقراء‪ :‬للدولة أيضا أن تطالب الغنياء بإغناء الفقراء‪ ،‬فهي ممثلة لهم‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم ـ فيما يرويه علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪« :‬إن ال فرض على أغنياء المسلمين في‬
‫أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم‪ ،‬ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إل بما يصنع أغنياؤهم‪ ،‬أل‬
‫وإن ال يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما» (‪ )1‬وقال عليه الصلة والسلم أيضا «أيما أهل‬
‫عَرْصة (أي بقعة) أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة ال تبارك وتعالى» (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني في الوسط والصغير وقال‪ :‬تفرد به ثابت بن محمد الزاهد‪ ،‬قال الحافظ ابن‬
‫حجر‪ :‬وثابت ثقة صدوق روى عنه البخاري وغيرهم‪ ،‬وبقية رواته ل بأس بهم‪ ،‬وروي موقوفا على‬
‫علي رضي ال عنه وهو أشبه (انظر الترغيب والترهيب‪ ،538/1 :‬مجمع الزوائد‪.)62/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم وأحمد بلفظ «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من ال ‪ ،‬وبرئ ال منه‪ ،‬وأيما‬
‫أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة ال » وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير من‬
‫مرة‪ ،‬والول مختلف فيه‪ ،‬والثاني قال ابن حزم‪ :‬إنه مجهول‪ ،‬وقال غيره‪ :‬معروف‪ ،‬ووثقه ابن سعد‪،‬‬
‫وروى عنه جماعة واحتج به النسائي (انظر نيل الوطار‪.)221/5 :‬وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة‬
‫والبزار‪.‬‬

‫( ‪)6/386‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم أيضا‪« :‬إن في المال حقا سوى الزكاة» (‪ ، )1‬وقال سيدنا عمر رضي ال‬
‫عنه‪« :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت لخذت فضول أموال الغنياء‪ ،‬فرددتها إلى الفقراء» ‪ .‬قال‬
‫ابن حزم (‪ )2‬في كتاب المحلى‪« :‬فرض على الغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائها‪ ،‬ويجبرهم‬
‫السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ول في سائر أموال المسلمين ‪ ،‬فيقام لهم بما يأكلون من‬
‫القوت الذي ل بد منه‪ ،‬ومن اللباس في الشتاء والصيف بمثل ذلك‪ ،‬وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف‬
‫والشمس وعيون المارة» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي عن فاطمة بنت قيس بلفظ «إن في المال حقا سوى الزكاة» وتل قوله تعالى {ليس‬
‫البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر} [البقرة‪.]177/2:‬‬
‫وقال‪« :‬إسناده ليس بذاك» (انظر التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪ ،177‬أحكام القرآن للجصاص‪)153/1 :‬‬
‫وروى ابن حزم عن ابن عمر أنه قال‪« :‬في مالك حق سوى الزكاة» ثم قال‪ :‬وصح عن الشعبي‬
‫ومجاهد وطاوس وغيرهم كلهم يقول‪ :‬في المال حق سوى الزكاة‪ ،‬ثم ذكر أنه ل خلف في هذا إل‬
‫عن الضحاك بن مزاحم‪ ،‬وهو ليس بحجة‪.‬‬
‫(‪ )2‬يعتبر ابن حزم بعد أبي ذر الغفاري مفكر الشتراكية السلمية‪ ،‬فهو أول من نظر في استنباط‬
‫الحكام إلى الحياة النسانية التي جاءت الحكام لتنظيمها‪ ،‬فأحس بمشكلة الفقر في المجتمع‪ ،‬وأهم‬
‫مظاهر الفقر‪ :‬الجوع والعري وفقد المأوى‪ ،‬وهذه في الواقع هي الحاجات الساسية للبشرية‪ ،‬ثم قرر‬
‫أن الزكاة ليست كل الواجب‪ ،‬وأن الواجب السلمي ل يتم إل بتحقيق وسائل الحياة الكريمة للطبقة‬
‫الفقيرة‪ ،‬وبذلك يكون للفقراء حق في أموال الغنياء غير مقيد بالزكاة‪ ،‬وأن للدولة أن تأخذ من‬
‫الغنياء ما يمكن أن يسد حاجات الفقراء (انظر بحث الدكتور إبراهيم اللبان وموضوعه «حق الفقراء‬
‫في أموال الغنياء» المنشور مع بحوث المؤتمر الول لمجمع البحوث السلمية‪ :‬ص ‪249‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المحلى‪ 452/6 :‬م ‪.725‬‬

‫( ‪)6/387‬‬

‫‪ - 4‬النفاق على القارب‪ :‬يجب على النسان أن يكفي أقاربه إذ ا كانوا محتاجين كالباء والجداد‬
‫والبناء وفروعهم‪ .‬وأما الخوة وفروعهم والعمام والعمات والخوال والخالت‪ ،‬فقد اختلفت المذاهب‬
‫في أمر النفاق عليهم‪ ،‬فأوجب الحنفية النفاق على كل ذي رحم محرم كالعم والخ وابن الخ والعمة‬
‫والعم والخال‪ ،‬وألزم الحنابلة النفقة لكل قريب وارث بفرض أو تعصيب كالخ والعم وابن العم‪ ،‬ول‬
‫تجب لذوي الرحام كبنت العم والخال والخالة‪.‬‬
‫‪ - 5‬صدقات الفطر‪ :‬تجب صدقة الفطر على الرجل بالنسبة لمن تلزمه نفقتهم من زوجة وولد وخادم‪.‬‬
‫‪ - 6‬الضاحي‪ :‬تجب الضحية مرة في كل عام عند أبي حنيفة‪ ،‬وهي سنة مؤكدة عند جمهور الئمة‪.‬‬
‫‪ - 7‬النذور والكفارات‪ :‬يجب على المسلم أن يفي بنذره إذا نذر أن يتبرع ل بمال‪ ،‬كما يجب عليه‬
‫الكفارة بإطعام الفقراء والمساكين جزاء لبعض الثام كالحنث في اليمين والظهار‪ ،‬أو بسبب الخلل‬
‫ببعض الواجبات الدينية كالفطار في رمضان بالنسبة للعاجز أو الذي ينتهك حرمة الصيام بالجماع‬
‫نهارا‪ ،‬ونحوه كالواجبات التي تجب أثناء الحرام بالحج‪.‬‬
‫وهناك أوجه كثيرة للنفاق في سبيل ال حث عليها السلم‪،‬كما أن هناك موارد أخرى لبيت المال‬
‫كالوقاف والغنائم‪ ،‬وهو ما يحقق معنى التكافل الجتماعي في السلم‪.‬‬
‫وهناك أيضا قيود أخلقية دينية على الموال‪ ،‬فينبغي على الدولة ملحظة المكاسب لمنع الستغلل‬
‫واختلل توازن الثروات‪ ،‬مثل تحريم الربا والحتكار والميسر والغش والتغرير والغبن والتدليس‬
‫وإنقاص المكيال والميزان ونحوه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن هناك قيودا كثيرة في السلم على حق الملكية الشخصية‪ ،‬منها ما هو قانوني إلزامي‪،‬‬
‫ومنها ما هو أخلقي ديني يتطلب فهما صحيحا وتطبيقا شاملً لدين السلم؛ لن السلم منهج عام‬
‫شامل للحياة‪ ،‬وكل ل يتجزأ‪ ،‬وتشريعاته حتى العبادات منها يكمل بعضها بعضا‪ ،‬لمعالجة كل متطلبات‬
‫الحياة الحديثة وضرورات القتصاد المعاصر‪.‬‬

‫( ‪)6/388‬‬

‫البَابُ الثّاني‪ :‬توابِعُ الملكيّة‬


‫ويشمل اثني عشر فصلً‪:‬‬
‫صلُ الوّل‪ :‬أحكامُ الراضِي‬
‫ال َف ْ‬
‫الراضي الخاضعة للسلطة السلمية إما جديدة آلت إلى المسلمين بالستيلء أو الفتح‪ ،‬وإما قديمة‬
‫استقر بها المسلمون‪ .‬وأبحث هذين النوعين على النحو التالي‪:‬‬
‫أولً ـ أحكام الراضي المستولى عليها بالفتح‪.‬‬
‫ثانيا ـ أحكام الراضي المستقرة في داخل الدولة‪.‬‬
‫وأبدأ بالنوع الول‪.‬‬
‫أولً ـ أحكام الراضي المستولى عليها بالفتح ‪:‬‬
‫الراضي التي استولى عليها المسلمون تنقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬أرض ملكت عَنْوة وقهرا‪ ،‬وأرض‬
‫ملكت عفوا لجلء أهلها عنها‪ ،‬وأرض استولي عليها صلحا‪.‬‬
‫‪ - 1‬الراضي التي فتحت عنوة ‪:‬‬

‫( ‪)6/389‬‬
‫تنتقل ملكية الراضي إلى الفاتحين بمجرد الستيلء عليها عند المالكية على المشهور‪ ،‬والحنابلة‬
‫والشيعة المامية والزيدية؛ لنها مال زال عنه ملك المحاربين بالستيلء عليه‪ ،‬فصار كالمباح تسبق‬
‫إليه اليد‪ ،‬فيتم تملكه بإحرازه‪ .‬وعند الشافعية‪ :‬تملك الراضي والمنقولت بالستيلء والقسمة‬
‫بالتراضي أو اختيار تملكها‪.‬‬
‫وعند الحنفية‪ :‬لتنتقل ملكية الراضي إل بالضم إلى دار السلم أو حيازتها فعلً‪ ،‬وجعلها جزءا من‬
‫دار السلم‪.‬‬
‫وموات الرض التي فتحت عنوة أو صلحا ليملك إل بالحياء بالتفاق (‪. )1‬‬
‫واختلف الفقهاء في حكم مالك هذه الرض بعد الستيلء عليها‪:‬‬
‫فذهب جمهور الصحابة والشافعية والظاهرية (‪ : )2‬إلى أنه تنتقل ملكية هذه الراضي من أصحابها‬
‫إلى المسلمين‪ ،‬كالغنائم‪ ،‬الخمس لمن ذكرتهم آية الغنائم‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه‬
‫وللرسول‪[ }..‬النفال‪ ]41/8:‬والغنائم‪ :‬ماأخذ من أموال أهل الحرب عنوة بطريق القهر والغلبة‪.‬‬
‫والربعة الخماس الباقية للغانمين‪ .‬فإن طابت بتركها نفوس الغانمين بعوض أو غيره‪ ،‬وقفها ولي‬
‫المر على مصالح المسلمين‪.‬‬
‫وقال المالكية في المشهور عندهم‪ ،‬والمامية (‪ : )3‬تصبح هذه الراضي وقفا على المسلمين‪ ،‬بمجرد‬
‫الحيازة‪ ،‬دون أن تحتاج إلى وقف المام‪ ،‬ول تكون ملكا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخرشي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،128/3 :‬تأسيس النظر للدبوسي‪ :‬ص ‪ ،57‬مغني المحتاج‪،234/4 :‬‬
‫المهذب‪ ،241/2 :‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪ 411 ،189‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ ،422/8 :‬مفتاح الكرامة‪:‬‬
‫‪ ،7/7‬البحر الزخار‪.215/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الم‪ ،192 ،103/4 :‬مخطوط الروضة للنووي‪ 2 :‬ق ‪24/‬ب‪ ،‬المحلى‪.241/7 :‬‬
‫(‪ )3‬الخرشي‪ ،128/3 :‬ط ثانية‪ ،‬المدونة‪ ،27/3 :‬الحطاب‪ ،366/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،148‬ط‪.‬‬
‫تونس‪ ،‬الكافي للكليني‪ ،626/1 :‬مفتاح الكرامة‪ 239/4 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الرضوي‪ :‬ص ‪،310‬‬
‫الروضة البهية‪ ،222/1 :‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪.138‬‬

‫( ‪)6/390‬‬

‫لحد‪ ،‬ويصرف خراجها (‪ )1‬في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة‪ ،‬وبناء القناطر والمساجد‪،‬‬
‫وغيرها من سبل الخير‪ ،‬إل أن يرى ولي المر في وقت من الوقات أن المصلحة تقتضي القسمة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة في أظهر الروايات عن أحمد (‪ : )2‬إن المام يفعل ما يراه الصلح من قسمتها ووقفها‪،‬‬
‫نظير خراج دائم يقرر عليها كالجرة‪ ،‬وتكون أرضا عشرية خراجية‪ ،‬العشر على المستغل‪ ،‬والخراج‬
‫على رقبة الرض‪.‬‬
‫وقال الحنفية والزيدية (‪ : )3‬المام بالخيار‪ ،‬إن شاء قسمها بين المسلمين‪ ،‬كما فعل رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم بخيبر‪ ،‬وإن شاء أقر أهلها عليها‪ ،‬ووضع على رؤوسهم الجزية‪ ،‬وعلى أراضيهم‬
‫الخراج‪ ،‬فتكون أرض خراج‪ ،‬وأهلها أهل ذمة‪ .‬قال ابن عابدين‪ :‬القسمة بين الغانمين أولى عند‬
‫حاجتهم‪ ،‬وتركها بيد أهلها أولى عند عدم الحاجة لتكون عدة للمسلمين في المستقبل‪.‬‬
‫الدلة ‪:‬‬
‫يتضح مما سبق أن الفقهاء متفقون على جواز قسمة الغنائم بين الغانمين‪ ،‬لعموم قوله تعالى {واعلموا‬
‫أنما غنمتم من شيء‪ ،‬فأن ل خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل‪}..‬‬
‫[النفال‪ ]41/8:‬أي أن خمس الغنيمة لمن ذكرتهم الية‪ ،‬أو للدولة‪ ،‬والربعة الخماس الباقية ملك‬
‫للغانمين من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخراج لغة‪ :‬هو ما حصل عليه من ريع أرض أو كرائها أو أجرة غلم ونحوه‪ ،‬ثم سمي ما‬
‫يأخذه السلطان خراجا‪ ،‬فيقع على الضريبة والجزية ومال الفيء‪ ،‬ويختص في الغالب بضريبة‬
‫الرض‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد‪ ،173/2 :‬الشرح الكبير للمقدسي‪ ،538/1 :‬المحرر‪ ،178/2 :‬أحكام أهل الذمة لبن‬
‫القيم‪ :‬ص ‪.102‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،37 ،15/10 :‬درر الحكام‪ ،285/1 :‬فتح القدير‪ ،303/4 :‬حاشية ابن عابدين‪،316/3 :‬‬
‫‪ ،353‬البحر الزخار‪.912/2 :‬‬

‫( ‪)6/391‬‬

‫غير خلف بين الئمة‪ ،‬بدليل إسناد الحق في الغنيمة للغانمين في قوله تعالى‪{ :‬غنمتم} [النفال‪]41/8:‬‬
‫أسنده إليهم إسناد الملك إلى مالكه‪.‬‬
‫وبدليل ما بينته السنة بقوله صلّى ال عليه وسلم وفعله‪ ،‬أما قوله فمثل‪« :‬أيما قرية أتيتموها وأقمتم بها‬
‫فسهمكم فيها‪ ،‬وأيما قرية عصت ال ورسوله‪ ،‬فإن خمسها ل ورسوله‪ ،‬ثم هي لكم» (‪ ، )1‬فالمراد‬
‫بالقرية الولى‪ :‬الفيء‪ ،‬ويصرف مصارفه‪ ،‬والمراد بالقرية الثانية‪ :‬ما أخذ عنوة‪ ،‬فيكون غنيمة يخرج‬
‫منه الخمس‪ ،‬وباقيه للغانمين‪ ،‬وهو معنى قوله‪« :‬ثم هي لكم» أي باقيها‪.‬‬
‫وأما ما فعله عليه الصلة والسلم‪ :‬فالثابت عنه أنه قسم خيبر بين الغانمين بعد أن فتحت عنوة أي‬
‫قهرا ل صلحا‪ ،‬وقسم أيضا أموال بني قريظة وبني النضير (‪ )2‬كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد‪.‬‬
‫وأما المدينة ففتحت بالقرآن وأسلم عليها أهلها فأقرت بحالها‪ .‬وأما مكة ففتحها الرسول صلّى ال عليه‬
‫وسلم عنوة‪ ،‬ولم يقسمها‪.‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪« :‬أما والذي نفسي بيده‪ ،‬لول أن أترك آخر الناس ببّانا (‪، )3‬‬
‫ليس لهم شيء‪ ،‬ما فتحت علي قرية إل قسمتها كما قسم رسول ال صلّى ال عليه وسلم خيبر‪ ،‬ولكني‬
‫أتركها خزانة لهم‪ ،‬يقتسمونها» (‪ ، )4‬فكان رأي عمر أن يترك الرض ول يقسمها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد ومسلم وأبو داود (شرح مسلم للنووي‪ ،69/1 :‬الموال لبي عبيد‪ :‬ص ‪.)57‬‬
‫(‪ )2‬انظر شرح مسلم‪ ،164 ،91/12 :‬عيني بخاري‪ ،46/15 :‬سنن أبي داود‪ ،217/3 :‬زاد المعاد‪:‬‬
‫‪ ،68/2‬نيل الوطار‪.12/8 :‬‬
‫(‪ )3‬الببّان‪ :‬المعدم الذي ل شيء له‪ .‬والمعنى‪ :‬لول أني أتركهم فقراء معدمين ل شيء لهم‪ ،‬أي‬
‫متساوين في الفقر‪ ،‬لنه إذا قسم البلد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة‪ ،‬ومن يجيء‬
‫بعد من المسلمين بغير شيء منها‪ ،‬فلذلك تركها لتكون بينهم جميعا (فتح الباري‪ ،395/7 :‬النهاية لبن‬
‫الثير‪.)69/1 :‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري‪.86/4 :‬‬

‫( ‪)6/392‬‬

‫هل القسمة ملزمة للمام أو له الخيار في أمور أخرى؟‬


‫أ ـ قال الشافعية والظاهرية‪ :‬يجب قسمة الراضي بين الغانمين‪ ،‬كسائر الموال‪ ،‬عملً بمقتضى‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬إذ ل فرق بين العقار والمنقول‪ ،‬وعموم آية الغنائم‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم‪[ }...‬النفال‪:‬‬
‫‪ ]41/8‬بوجوب القسمة يتفق مع فعله صلّى ال عليه وسلم الذي يجري مجرى البيان للمجمل‪ ،‬فضلً‬
‫عن العام (‪. )1‬‬
‫وأما آية الحشر‪{ :‬وما أفاء ال على رسوله منهم‪[ }..‬الحشر‪ ]6/59:‬فهي في الفيء (أي الموال اليلة‬
‫للمسلمين بدون قتال) على ما هو الظاهر منها‪.‬‬
‫وإذا لم يقسم المام الرض‪ ،‬فعليه أن يستطيب الغانمين‪ ،‬كما استطاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫أنفس الغانمين يوم حنين ممن صار في يديه سبي هوازن‪ ،‬وكما فعل في خيبر وبني قريظة (‪، )2‬‬
‫وكما استطاب عمر بن الخطاب الغانمين بعد فتح سواد العراق بعوض أو بغيره‪ ،‬فصارت الرض‬
‫وقفا أي فيئا للمصالح العامة بعد أن كانت غنيمة‪ ،‬فقد أعطى عمر جريرا البَجَلي عوضا من سهمه‪،‬‬
‫وأعطى امرأة بجلية عوضا من سهم أبيها؛ لن حق الغانمين قد ثبت في الغنيمة بعد الفتح بالستيلء‪،‬‬
‫فل يملك المام إبطال هذا الحق بترك الرض في أيدي أهلها كالمنقول‪ ،‬ومن لم يطب نفسا منهم فهو‬
‫أحق بحقه (‪. )3‬‬
‫ب ـ وقال المالكية في المشهور عندهم والمامية (‪ : )4‬تصبح الرض وقفا بمجرد الستيلء عليها‪،‬‬
‫أي كأثر طبيعي لزم دون حاجة لصيغة المام‪ ،‬ول لتطيب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،388/1 :‬مجمع الزوائد‪.340/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري والبيهقي وغيرهما (سنن البيهقي‪ ،136 ،64/9 :‬البداية والنهاية‪.)352/4 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،234/4 :‬شرح المجموع‪.274/1 :‬‬
‫(‪ )4‬الحطاب‪ ،366/3 :‬منح الجليل‪ ،735/1 :‬بداية المجتهد‪ ،387/1 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،148‬‬
‫مفتاح الكرامة‪.6/7 :‬‬

‫( ‪)6/393‬‬

‫أنفس المجاهدين‪ ،‬محتجين بفعل عمر‪ ،‬حيث وقف الراضي التي افتتحها كمصر والشام والعراق‪.‬جـ‬
‫ـ وقال الحنفية والحنابلة‪ :‬إن الصل المقرر أن يكون للمام الخيار في الراضي‪ ،‬فله أن يقسمها‪،‬‬
‫وله أن يتركها وقفا‪ ،‬وعمر رضي ال عنه قد استعمل حقه‪ ،‬فقرر أن تكون وقفا‪ ،‬أي ملكا للجماعة‬
‫السلمية بأن تكون ملكية الرقبة للدولة‪ ،‬وملكية المنفعة فقط لهلها القائمين عليها‪.‬‬
‫أدلة القائلين بإعطاء الخيار للمام في وقف الرض ‪:‬‬
‫استدل هؤلء‪ ،‬وهي في الواقع أدلة لعمر بما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن آية النفال‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم‪[ }..‬النفال‪ ]41/8:‬وآيات الحشر‪{ :‬وما أفاء ال على رسوله‬
‫منهم‪[ }..‬الحشر‪ ]6/59:‬واردة في موضوع واحد‪ ،‬ولكن آية الحشر مخصصة لية النفال‪ ،‬أي أنه بعد‬
‫أن كانت الثانية شاملة للرض والمنقول‪ ،‬خصصتها آية الحشر بما عدا الرض‪ .‬أما الرض فقد‬
‫أعطت آية الحشر الحق للمام في أن يتصرف بما يجده من المصلحة‪ :‬إما أن يقف الرض‪ ،‬أو يقرها‬
‫في أيدي أهلها ويضع عليها الخراج؛ لن آية النفال توجب التخميس وآية الحشر توجب القسمة بين‬
‫المسلمين جميعا دون التخميس‪ ،‬وبذلك يجمع بين اليتين (‪ ، )1‬والجمع بين الدلة عند كثير من‬
‫الصوليين مقدم على القول بالنسخ‪ ،‬أي بنسخ آية الحشر لية النفال‪ ،‬كما قال بعضهم (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفيء‪ :‬ما أخذ بغير قتال‪ ،‬مصروفا لمصالح المسلمين يفعل ولي المر في ذلك ما يراه مصلحة‪،‬‬
‫ول يخمس الفيء عند الجمهور خلفا للشافعية والزيدية‪( .‬بداية المجتهد‪ ،321/1 :‬القوانين الفقهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،150 ،147‬نهاية المحتاج‪ ،106/5 :‬البحر الزخار‪.)443/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المقدمات الممهدات لبن رشد‪ 271/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/394‬‬

‫والرسول عليه الصلة والسلم قد عمل بآية النفال‪ ،‬وعمر قد عمل بآية الفيء‪ ،‬وليس فعل النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم براد لفعل عمر؛ لن فعل الرسول إما على سبيل الباحة لجهالة صفة الفعل منه‪،‬‬
‫وإما على سبيل الوجوب فهو واجب مخير‪ ،‬بدليل الية التي استنبط منها عمر خصلة الواجب الخرى‬
‫(‪ ، )1‬قال عمر‪ :‬فاستوعبت هذه الية ( آية الحشر ) الناس إلى يوم القيامة (‪ ، )2‬وقال أيضا‪« :‬وال‬
‫ما من أحد من المسلمين إل وله حق في هذا المال أعطي منه أو منع‪ ،‬حتى راعٍ بعدن» (‪. )3‬‬
‫وبناء عليه شملت آية الحشر جميع المؤمنين‪ ،‬وشّركت آخرهم بأولهم في الستحقاق‪ .‬ول سبيل إليه إل‬
‫بعدم قسمة الرض‪ ،‬وهو معنى وقفها عند المالكية‪ .‬وليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في‬
‫الرقبة‪ ،‬بل يجوز بيع هذه الرض‪ ،‬كما هو عمل المة‪ ،‬وقد أجمع العلماء على أنها تورث‪ ،‬والوقف ل‬
‫يورث‪ ،‬إلى آخر ما هنالك من فروق (‪. )4‬‬
‫‪ - 2‬ترك رسول ال صلّى ال عليه وسلم قرى لم يقسمها‪ ،‬وقد ظهر على مكة عنوة (‪ ، )5‬وفيها‬
‫أموال‪ ،‬فلم يقسمها‪ ،‬وظهر على قريظة والنضير‪ ،‬وعلى غير دار من دور العرب‪ ،‬فلم يقسم شيئا من‬
‫الرض غير خيبر‪ .‬فكان المام بالخيار‪ :‬إن قسم كما قسم رسول ال صلّى ال عليه وسلم فحسن‪ ،‬وإن‬
‫ترك كما ترك رسول ال غير خيبر فحسن (‪. )6‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مخطوط الدرة اليتيمة في الغنيمة للشيخ الفزاري‪ :‬ق ‪.102‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود (سنن أبي داود‪ ،195/3 :‬القسطلني‪.)201/5 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن أبي شيبة والبيهقي (سنن البيهقي‪.)351/6 :‬‬
‫(‪ )4‬المنتقى على الموطأ‪ 223/3 :‬ومابعدها‪ ،‬زاد المعاد‪.69/2 :‬‬
‫(‪ )5‬كما خرّج مسلم في صحيحه‪ ،‬وهو الصح عند العلماء (بداية المجتهد‪.)388/1 :‬‬
‫(‪ )6‬القسطلني شرح البخاري‪ ،202/5 :‬زاد المعاد‪ ،69/2 :‬الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪ ،68‬القياس‬
‫لبن تيمية‪ :‬ص ‪.40‬‬

‫( ‪)6/395‬‬

‫‪ - 3‬إجماع الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬على ما ارتآه عمر‪ ،‬حينما فتح سواد العراق‪ ،‬فقد ترك‬
‫الراضي في أيدي أهلها‪ ،‬وضرب على رؤوسهم الجزية‪ ،‬وعلى أراضيهم الخراج‪ ،‬بمحضر من‬
‫الصحابة محتجا بآيات الحشر السابق ذكرها‪ ،‬ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر‪ ،‬فكان ذلك إجماعا منهم‪.‬‬
‫ومن خالف منهم في مبدأ المر كبلل وسلمان‪ ،‬عاد فوافق بعدئذ (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬المعقول‪ :‬إذا قسمت بين الغانمين الرض المفتوحة التي كادت تشمل معظم العالم في أوج‬
‫الفتوحات السلمية‪ ،‬فماذا يبقى لمن يأتي بعدهم؟‬
‫ومن أين تجد خزانة الدولة نفقاتها لنفاقها في المصالح العامة للمسلمين؟‬
‫لهذا قال عمر‪ ،‬بعد أن تل آيات الفيء في سورة الحشر‪« :‬قد أشرك ال الذين يأتون من بعدكم في هذا‬
‫الفيء‪ ،‬فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء‪ ،‬ولئن بقيتُ ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء‪،‬‬
‫ودمه في وجهه» ‪.‬‬
‫وقال أيضا‪« :‬أرأيتم هذه الثغور ل بد لها من رجال يلتزمونها‪ ،‬أرأيتم هذه المدن العظام‪ ،‬كالشام‬
‫والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر‪ ،‬ل بد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم‪ ،‬فمن أين‬
‫يعطى هؤلء إذا قسمت الرضون والعلوج؟» فقالوا جميعا‪ :‬الرأي رأيك‪ ،‬فنعم ما قلت وما رأيت (‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫وإذا قسمت الرض بين الغانمين واشتغلوا بالزراعة‪ ،‬وتركوا الجهاد‪ ،‬فسرعان ما تضعف المة‬
‫السلمية‪ ،‬وتصبح نهبة للطامعين؛ بل إن في ذلك أمرا مهما بالنسبة للقتصاد العام‪ ،‬حيث يحافظ على‬
‫النتاج‪ ،‬لو تركت الرض في أيدي أهلها لطول خبرتهم بها‪ ،‬وتمرنهم على شؤون الزراعة‪ ،‬بخلف‬
‫العرب الذين لم يكونوا يألفون حياة الزراعة والستقرار في المدينة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪ ،35 ،27‬شرح السير الكبير‪ ،254/3 :‬القسطلني‪،200/5 :‬‬
‫الموال‪ :‬ص ‪.58‬‬
‫(‪ )2‬شرح السير الكبير‪ ،254/3 :‬الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪ 24‬ومابعدها‪ ،‬الموال لبي عبيد‪ :‬ص‬
‫‪ ،57‬فتوح البلدان‪ :‬ص ‪.275‬‬

‫( ‪)6/396‬‬

‫يتلخص من هذه الدلة‪ :‬أنه قد حصل بدللة الية وإجماع السلف والسنة تخيير المام في قسمة‬
‫الرضين‪ ،‬أو تركها ملكا لهلها‪ ،‬ووضع الخراج عليها‪.‬‬
‫وأرجح اعتبار الفيء والغنيمة بمعنى واحد‪ :‬وهو كل ما جاء من العدو‪ ،‬كما تقضي اللغة‪ ،‬فيخير‬
‫المام بكل منهما على حدة بين القسمة وعدمها على وفق مقتضيات المصلحة العامة كما رأى عمر‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الرض التي جل عنها أهلها خوفاً ‪:‬‬
‫هذا النوع الثاني من الرضين هو المعروف لدى الفقهاء بالفيء‪ :‬وهو المال الذي حصل من الحربيين‬
‫بل قتال ول إيجاف خيل ول ركاب‪ ،‬كالجزية والعشور التجارية (‪. )1‬‬
‫وحكمها‪ :‬أنها تنتقل ملكيتها إلى بيت المال بالستيلء عليها‪ ،‬وتصير أملك دولة‪ ،‬وعبر عنها الفقهاء‬
‫بأنها تصير وقفا‪ ،‬أي ملكا للمة السلمية بمجرد الستيلء عليها‪ ،‬ويضع المام عليها خراجا يؤخذ‬
‫كأجرة ممن يعامل عليها من مسلم أو معاهد‪ .‬وصيرورتها وقفا لنها ليست غنيمة‪ ،‬فكان حكمها حكم‬
‫الفيء يكون للمسلمين كلهم‪ .‬ولم يختلف في هذا فقهاؤنا بالنسبة للعقار‪ ،‬إل أن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،389/1 :‬المهذب‪ ،247/2 :‬نهاية المحتاج‪ ،105/5 :‬أحكام أهل الذمة لبن القيم‪:‬‬
‫ص ‪.106‬‬

‫( ‪)6/397‬‬

‫الشافعية والحنابلة في قول عندهم ذكروا أن وقفها يحتاج إلى صيغة من المام‪ ،‬لتصبح هذه الرض‬
‫وقفا‪ ،‬والراجح خلفه (‪. )1‬‬
‫أما المنقول في الفيء‪ :‬فيوقف أيضا عند الجمهور‪ ،‬ويصرف لمصالح المسلمين‪ ،‬أي المر فيه للمام‬
‫يفعل ما يراه مصلحة‪ .‬ويخمس عند الشافعية المنقول كالغنيمة؛ لن آية الفيء؛ {ما أفاء ال على‬
‫رسوله‪[ }..‬الحشر‪ ]6/59:‬مطلقة‪ ،‬وآية الغنيمة‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم من شيء‪[ }...‬النفال‪]41/8:‬‬
‫مقيدة‪ ،‬فحمل المطلق على المقيد‪ ،‬جمعا بينهما لتحاد الحكم‪ ،‬فإن الحكم واحد‪ ،‬وهو رجوع المال من‬
‫الحربيين للمسلمين‪ ،‬وإن اختلف السبب بالقتال وعدمه (‪. )2‬‬
‫غير أن مذهب الجمهور في هذا أصح‪ ،‬ودليلهم ما روى أنس بن مالك عن عمر‪ ،‬قال‪ :‬كانت أموال‬
‫بني النضير مما أفاء ال على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ول ركاب‪ ،‬فكانت للنبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم خاصة‪ ،‬فكان ينفق على أهله نفقة سنة‪ ،‬وما بقي يجعله في الكُراع (الخيول)‬
‫عدّة في سبيل ال (‪. )3‬‬
‫والسلح ُ‬
‫فقوله‪« :‬كانت للنبي صلّى ال عليه وسلم خاصة» يؤيد مذهب الجمهور في أنه ل يخمس الفيء‪ ،‬إذ‬
‫من المعروف أن فدَك والعوالي (أموال بني النضير في المدينة) (‪ )4‬كانت للرسول صلّى ال عليه‬
‫وسلم خاصة‪ ،‬ولمن بعده من الئمة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وما أفاء ال على رسوله منهم‪[ }..‬الحشر‪]6/59:‬‬
‫{ما أفاء ال على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول} [الحشر‪ ]59/7:‬أراد أن الفيء ل يقسم‬
‫كالغنائم‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬كيل يكون دُولة بين الغنياء منكم} [الحشر‪.]6/59:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،353/4 :‬الخراج‪ :‬ص ‪ ،23‬الشرح الكبير للدردير‪ ،175/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،66‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪ ،133‬ولبي يعلى‪ :‬ص ‪ ،132‬مغني المحتاج‪ ،99/3 :‬الشرح‬
‫الكبير للمقدسي‪ ،542/10 :‬كشاف القناع‪ ،75/3 :‬ط أنصار السنة‪ ،‬المحرر‪.179/2 :‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد‪ ،220/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،148‬ط تونس‪ ،‬مغني المحتاج‪.93/3 :‬‬
‫(‪ )3‬شرح مسلم‪ ،70/12 :‬قال النووي‪ :‬كانت أموال بني النضير أي معظمها‪.‬‬
‫(‪ )4‬سيرة ابن هشام‪.337/2 :‬‬

‫( ‪)6/398‬‬

‫وإذا أراد المام تفريق الفيء بين المسلمين اتخذ ديوانا يحفظهم ويرتبهم‪ ،‬ويجعل العطاء على حسب‬
‫ما يتيسر له شهريا أو غيره (‪. )1‬‬
‫‪ - 3‬الرض التي فتحت صلحاً ‪:‬‬
‫يتحدد حكم هذا النوع من الراضي بموجب عقد الصلح‪ ،‬فهو إما أن يقع الصلح على أن تكون‬
‫الرض للمسلمين‪ ،‬وإما أن يقع على أن تكون الرض لصحابها كأرض اليمن والحيرة‪.‬‬
‫ففي الحالة الولى‪ :‬تصبح الرض وقفا للمسلمين‪ ،‬كأرض العنوة‪ ،‬وتعتبر من بلد السلم‪ ،‬كالرض‬
‫التي جل عنها أهلها؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم فتح خيبر‪ ،‬وصالح أهلها على أن يعمروا‬
‫أرضها‪ ،‬ولهم نصف ثمرتها‪ ،‬فكانت للمسلمين دونهم‪ .‬قال ابن عمر رضي ال عنهما‪« :‬عامل النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» (‪ ، )2‬وصالح النبي بني النضير‬
‫على أن يجليهم من المدينة‪ ،‬ولهم ما أقلت البل من المتعة والموال إل الحلقة (السلح) وكانت مما‬
‫أفاء ال على رسوله (‪. )3‬‬
‫ويوضع على هذه الرض الخراج‪ ،‬ويكون تابعا لها‪ ،‬فإذا اشترى مسلم بعضا منها‪ ،‬ظل ملتزما‬
‫بضريبة الخراج؛ لنه يعتبر أجرة في نظير النتفاع بالرض‪ ،‬وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء (‪. )4‬‬
‫وفي الحالة الثانية‪ :‬تكون الرض ملكا لهلها بموجب الصلح‪ ،‬باتفاق الفقهاء‪ ،‬ويلتزم المسلمون بتنفيذ‬
‫شروط الصلح كاملة‪ ،‬ما دام هؤلء قائمين على الصلح‪ ،‬ولكن يوضع الخراج على الرض يؤدونه‬
‫عنها‪ ،‬ويكون لبيت المال (‪ ، )5‬وهذا الخراج يعتبر في حكم الجزية‪ ،‬فمتى أسلموا سقط عنهم عند‬
‫الجمهور والشيعة المامية (‪ ، )6‬بدليل ما كتب عمر بن عبد العزيز لعماله‪ :‬ول خراج على من أسلم‬
‫من أهل الرض‪.‬‬
‫أما عند الحنفية والشيعة الزيدية‪ :‬فل يسقط؛ لن الخراج عندهم فيه معنى المؤنة ومعنى العقوبة‪ ،‬ولذا‬
‫يبقى على المسلم ول يبتدأ به (‪. )7‬‬
‫وتعبر دار هؤلء المصالحين دار عهد أو صلح عند الشافعية وبعض الحنابلة (‪ ، )8‬وعند الجمهور‪:‬‬
‫تعتبر الدار بالصلح دار إسلم‪ ،‬ويصير أهلها أهل ذمة تؤخذ منهم الجزية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البحر الزخار‪ ،442/5 :‬المهذب‪.248/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري والبيهقي وأبو داود (صحيح البخاري‪ ،140/5 ،105/3 :‬سنن البيهقي‪،113/6 :‬‬
‫سنن أبي داود‪.)357/3 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير لبن قدامة المقدسي‪.542/10 :‬‬

‫(‪ )4‬المدونة‪ ،26/3 :‬المنتقى على الموطأ ‪ ،219/3‬الخرشي‪ ،149/3 :‬ط ثانية‪ ،‬كشاف القناع‪،75/3 :‬‬
‫المحرر‪ ،179/2 :‬أحكام أهل الذمة‪ :‬ص ‪ ،106‬مفتاح الكرامة‪ ،249/4 :‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪.14‬‬
‫(‪ )5‬الخراج‪ :‬ص ‪ ،63‬تبيين الحقا ئق‪ ،274/3 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،53/2 :‬حاشية الدسوقي‪:‬‬
‫‪ ،175/2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،148‬الم‪ ،193 ،103/4 :‬الشرح الكبير للمقدسي‪ ،543/10 :‬أحكام‬
‫أهل الذمة‪ :‬ص ‪ ،105‬غاية المنتهى‪ ،467/1 :‬ويلحظ أن هذه المصادر عند الحنابلة تقرر وجوب‬
‫الخراج لنا‪ ،‬لكن ورد في كشاف القناع‪ 686/3 :‬باب حكم الرضين المغنومة‪ :‬ل خراج على أرض‬
‫صولح أهلها على أن الرض لهم‪ ،‬كأرض اليمن والحيرة‪ ،‬كما ل خراج على ما أحياه المسلمون‬
‫كأرض البصرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬لباب اللباب‪ :‬ص ‪ ،73‬سنن البيهقي‪ ،141/9 :‬المحرر في الفقه الحنبلي‪ ،179/2 :‬مفتاح الكرامة‪:‬‬
‫‪ ،239/4‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪.114‬‬
‫(‪ )7‬التلويح على التوضيح‪ ،152/2 :‬المنتزع المختار‪.575/1 :‬‬
‫(‪ )8‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪ ،133‬ولبي يعلى‪ :‬ص ‪ ،133‬كشاف القناع‪.75/3 :‬‬

‫( ‪)6/399‬‬

‫ثانيا ـ أحكام الراضي في داخل الدولة ‪:‬‬


‫الراضي نوعان‪ :‬أرض مملوكة وأرض مباحة‪ .‬والمملوكة نوعان‪ :‬عامرة وخراب‪ ،‬والمباحة نوعان‬
‫أيضا‪ :‬نوع هو من مرافق البلد للحتطاب ورعي المواشي‪ ،‬ونوع ليس من مرافقها وهو الرض‬
‫الموات أو ما يسمى الن أملك الدولة العامة‪ ،‬والمقصود بالرض العامرة‪ :‬هي التي ينتفع بها من‬
‫سكنى أو زراعة أو غيرها‪ .‬وأما الرض الخراب‪ :‬فهي المعروفة بالرض المملوكة الغامرة‪ :‬وهي‬
‫التي انقطع ماؤها أو لم تستغل بسكنى أو استثمار أو غيرهما‪ .‬وسنعطي هنا فكرة إجمالية عن حكم‬
‫كل أرض‪.‬‬
‫ً‪ - 1‬حكم الرض المملوكة العامرة‪ :‬هو أنه ل يجوز لحد أن يتصرف فيها من غير إذن صاحبها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬حكم الرض الخراب التي انقطع ماؤها‪ :‬هذه الرض ملك لصاحبها‪ ،‬وإن طال الزمان على‬
‫خرابها‪ ،‬حتى إنه يجوز له بيعها وهبتها وإجارتها وتورث عنه إذا مات‪ ....‬هذا إذا عرف صاحبها‪،‬‬
‫فإن لم يعرف‪ ،‬فحكمها حكم اللقطة‪.‬‬

‫( ‪)6/400‬‬

‫وأما الكل (‪ )1‬الذي ينبت في أرض مملوكة فهو مباح للناس غير مملوك لحد‪ ،‬إل إذا قطعه صاحب‬
‫ال رض‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬الناس شركاء في ثلث‪ :‬الماء والكل والنار» (‪ )2‬فإذا قطع‬
‫الكل صاحب الرض وأحرزه صار مملوكا له؛ لنه استولى على مال مباح غير مملوك فيملكه‬
‫كالماء المحرز في الواني والظروف وسائر المباحات‪ ،‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من سبق إلى ما‬
‫لم يسبق إليه مسلم فهو له» (‪. )3‬‬
‫والمروج غير المملوكة‪ ،‬والجام (‪ )4‬غير المملوكة‪ ،‬والسمك وسائر المباحات كالطير‪ ،‬تعتبر في حكم‬
‫الكل‪.‬‬
‫وأما الحطب والقصب في الجمة المملوكة‪ :‬فليس لحد أن يقطعها إل بإذن المالك؛ لن ذلك مملوك‬
‫لصاحب الجمة ينبت على ملكه‪ ،‬وإن لم يوجد منه النبات أصلً؛ لن ملك القصب والحطب مقصود‬
‫من ملك الجمة‪ ،‬فيملك بملكها‪ ،‬بخلف الكل‪ ،‬فإنه غير مقصود‪ ،‬وإنما المقصود زراعة الرض (‪)5‬‬
‫‪.‬‬
‫وإذا كان الكل مستنبتا في أرض مملوكة‪ ،‬بفعل صاحبها وسقيه‪ ،‬كان ملكا خاصا له‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكل‪ :‬الحشيش أو العشب الذي ينبت في الرض من غير صنع أحد‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود عن بعض أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلم بلفظ «المسلمون شركاء في‬
‫ثلثة‪ :‬في الماء والكل والنار» وبلفظ «الناس شركاء‪ »..‬ورواه ابن ماجه عن ابن عباس‪ ،‬وزاد‬
‫«وثمنه حرام» ورواه الطبراني في معجمه عن ابن عمر‪ ،‬ورواه غيرهم (راجع تحقيق وتخريج‬
‫أحاديث تحفة الفقهاء‪ 430/3 :‬ومابعدها‪ ،‬نصب الراية‪ ،294/4 :‬سبل السلم‪.)86/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود عن سمرة بن مضرّس‪ ،‬وصححه الضياء في المختارة‪ ،‬وقال البغوي‪ :‬ل أعلم بها‬
‫السناد غير هذا الحديث (نيل الوطار‪ 302/5 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )4‬الجمة بالتحريك‪ :‬الشجر الكثير الملتف جمع ْجم‪ ،‬وأجم‪ ،‬وأجمات‪ ،‬وجمع الجمع آجام‪.‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ 192/6 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/401‬‬

‫ً‪ - 3‬حكم الرض الموات‪ :‬الرض الموات كما عرفنا نوعان‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬ما كان من مرافق أهل بلدة تستعمل مرعى للمواشي ومحتطبا لهم أو مقبرة لموتاهم أو ملعبا‬
‫لصغارهم‪ ،‬سواء أكانت داخل البلدة أم خارجها‪ ،‬فيكون حقا لهم ل مواتا‪ ،‬فل يجوز للمام أن يقطعه‬
‫لحد‪ ،‬لما يترتب عليه من الضرار بأهل البلدة‪ ،‬ولكن ينتفع بالحطب والقصب الذي في هذه الرض‬
‫من قبل أهل البلدة وغيرهم‪ ،‬وليس لهم أن يمنعوها عن غيرهم؛ لنها ليست مملوكة لهم‪.‬‬
‫والحد الفاصل فيما يعتبر قريبا من البلدة‪ :‬هو المكان الذي يسمع فيه الرجل‬
‫صوت الشخص الذي يناديه من آخر أرض مملوكة‪ ،‬فإذا لم يسمع الصوت‪ ،‬فهو موات ل يتبع تلك‬
‫البلدة‪ .‬ومثل أرض القرية‪ :‬أرض الملح والقار (‪ )1‬والنفط ونحوها مما ل يستغني عنه المسلمون‪،‬‬
‫فهي ل تعد أرض موات‪ ،‬فل يجوز إقطاعها لحد‪ ،‬وإنما تكون حقا لجماعة المسلمين‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما ل يكون تبعا لقرية من القرى أو مدينة وهو الموات في اصطلح الفقهاء‪.‬‬
‫والموات‪ :‬هو ما ل يملكه أحد ول ينتفع به من الراضي لنقطاع الماء عنه أو لغلبة الماء عليه وما‬
‫أشبه ذلك مما يمنع الزراعة‪ :‬بأن غلبت عليه الرمال مثلً‪ ،‬ول يكون مملوكا لمسلم أو ذمي‪ ،‬وأن‬
‫يكون في رأي أبي يوسف بعيدا عن القرية بحيث إذا وقف إنسان في طرف الدور‪ ،‬فصاح‪ ،‬ل يسمع‬
‫الصوت من كان فيه‪.‬‬
‫إل أن هذا الشرط الخير ل يعتبر في ظاهر الرواية‪ ،‬وإنما يكفي عدم ارتفاق أهل القرية به‪ ،‬وإن كان‬
‫قريبا منهم وهو المفتى به عند الحنفية‪ .‬فإذا كانت الرض مملوكة لحد لم تكن مواتا‪ ،‬وإذا لم يعرف‬
‫مالكها فهي لقطة يتصرف بها المام‪.‬‬
‫وإحياء الرض‪ .‬معناه إصلحها ببناء أو غرس أو سقي أو تفجير ماء أو حرث بحيث تصبح الرض‬
‫منتفعا بها (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القار‪ :‬مادة سوداء تطلى بها السفن‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الزفت‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ ،194‬تكملة فتح القدير‪ 8 :‬ص ‪ 136‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪5 :‬‬
‫ص ‪.306‬‬

‫( ‪)6/402‬‬

‫أما لو وضع حول الرض أحجارا أو ترابا أو حاطها بحائط صغير‪ ،‬وجعل ذلك حدا‪ ،‬فإنه ل يملكها؛‬
‫لن هذا ليس بإحياء للرض‪ ،‬وإنما يصير متحجرا‪ ،‬ويكون أحق بها من غيره باتفاق الئمة (‪، )1‬‬
‫لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ‪ .‬وقوله عليه‬
‫الصلة والسلم أيضا «منى مُناخٌ لمن سبق» (‪. )2‬‬
‫ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلث سنين أخذها المام ودفعها إلى غيره؛ لن التحجير كما قلنا ليس‬
‫بإحياء‪ ،‬وإنما هو إعلم بوضع الحجار حول الرض‪ .‬وإعطاء المحتجر الحق في ترك الرض له‬
‫مدة ثلث سنين مأخوذ من قول عمر رضي ال عنه‪« :‬ليس لمحتجر بعد ثلث سنين حق» (‪، )3‬‬
‫ولن هذه المدة يحتاج إليها لتهيئة المور والستعداد لتمام الحياء‪.‬‬
‫هل يحتاج إحياء الموات إلى إذن الحاكم؟‪ :‬اختلف العلماء في ذلك‪ ،‬فقال أبو حنيفة والمالكية (‪: )4‬‬
‫يحتاج إحياء الموات إلى إذن المام أو نائبه‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ليس للمرء إل ما طابت‬
‫به نفس إمامه» (‪ )5‬فإذا لم يأذن لم تطب نفسه به‪ ،‬فل يتملكه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة فتح القدير‪ :‬ص ‪ ،138‬البدائع‪ :‬ص ‪ ،195‬الدر المختار‪ :‬ص ‪ ،307‬المراجع السابقة‪،‬‬
‫الشرح الكبير للدردير‪ 4 :‬ص ‪ ،70‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪ ،366‬المغني‪ 5 :‬ص ‪،538 ،518‬‬
‫المهذب‪1 :‬ص ‪.425‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأصحاب السنن‪ :‬أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي عن السيدة عائشة رضي ال‬
‫عنها‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ .‬والمناخ‪ :‬مبرك البل‪ ،‬ومحل القامة (راجع تحقيق وتخريج‬
‫أحاديث تحفة الفقهاء للمؤلف مع الستاذ المنتصر الكتاني‪ 3 :‬ص ‪ ،442‬نيل الوطار‪ 8 :‬ص ‪.)22‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب (راجع نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪،290‬‬
‫الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪.)65‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ 6 :‬ص ‪ ،194‬تكملة فتح القدير‪ 8 :‬ص ‪ ،136‬الدر المختار‪ 5 :‬ص ‪ ،309‬الشرح الكبير‬
‫للدردير‪ 4 :‬ص ‪.69‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل‪ ،‬وفيه ضعف (نصب الراية‪ 3 :‬ص ‪ 4 ،430‬ص ‪.)290‬‬

‫( ‪)6/403‬‬

‫وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة (‪ : )1‬يجوز تملك الرض بالحياء‪ ،‬وإن لم يأذن المام فيه‪ ،‬لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له‪ ،‬وليس لعرق ظالم حق» (‪ )2‬فهذا الحديث أثبت‬
‫الملك للمحيي من غير اشتراط إذن المام‪ ،‬ولن إحياء الرض مباح استولى عليه المحيي‪ ،‬فيملكه‬
‫بدون إذن المام‪ ،‬كما لو أخذ إنسان صيدا أو حشّ كل‪.‬‬
‫هل للبئر أو النهر في أرض الموات حريم (‪ )3‬؟ إذا حفر الرجل بئرا في برية أو حفر نهرا في‬
‫أرض موات‪ ،‬فيعتبر الحفر إحياء للرض‪ ،‬ولكن هل للبئر أو للنهر حريم؟‬
‫اتفق الفقهاء على أن للبئر والنهر حريما ل يجوز للخرين التعدي عليه بإحياء الرض مثلً فيه؛ لن‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم جعل للبئر حريما كما سيبين‪ ،‬إل أنهم اختلفوا في مقدار حريم البئر‪.‬‬
‫واتفق الحنفية على أن حريم العين خمس مئة ذراع من كل جانب‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«العين خمس مئة ذراع‪ ،‬وحريم بئر العطن أربعون ذراعا» (‪. )4‬‬
‫وأما حريم البئر والنهر ففيه خلف‪ :‬قال الحنفية‪ :‬حريم بئر العطَن (‪: )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مراجع الحنفية السابقة‪ ،‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪ ،361‬المغني‪ 5 :‬ص ‪ 513‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬روي عن ثمانية‪ :‬وهم عائشة وسعيد بن زيد‪ ،‬وجابر‪ ،‬وعبد ال بن عمرو بن العاص‪ ،‬وفضالة بن‬
‫عبيد‪ ،‬ومروان بن الحكم‪ ،‬وعمرو بن عوف‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وحديث عائشة رواه البخاري وغيره‬
‫(راجع نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪ ،288‬سبل السلم‪ 3 :‬ص ‪ )83‬قال هشام بن عروة في تفسير‪« :‬وليس‬
‫لعرق ظالم حق» ‪ :‬الظالم‪ :‬أن يأتي الرجل الرض الميتة لغيره‪ ،‬فيغرس فيها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحريم‪ :‬الموضع المجاور حول النهر أو البئر الذي تجب حمايته‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال الزيلعي عن هذا الحديث‪ :‬غريب‪ .‬ثم بين أول الحديث من زيادة الزهري (راجع نصب‬
‫الراية‪4 :‬ص ‪.)292‬‬
‫(‪ )5‬بئر العطن بتحريك العين والطاء‪ :‬هي التي ينزح منها الماء باليد‪ .‬والعطن‪ :‬موطن البل‬
‫ومبركها‪ ،‬أو مناخها حول الماء‪.‬‬

‫( ‪)6/404‬‬

‫أربعون ذراعا لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا (‪)1‬‬
‫لماشيته (‪. » )2‬‬
‫وأما حريم بئر الناضح (‪ : )3‬فعند أبي حنيفة‪ :‬أربعون ذراعا‪ ،‬عملً بإطلق الحديث السابق‪ ،‬ولن‬
‫حاجة الناضح تتحقق بأربعين ذراعا من كل جانب كحاجة بئر العطن‪.‬‬
‫وعند الصاحبين‪ :‬حريم بئر الناضح ستون ذر اعا عملً بالحديث السابق‪« :‬حريم العين خمس مئة‬
‫ذراع‪ ،‬وحريم بئر العطن أربعون ذراعا‪ ،‬وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» ولنه قد يحتاج لهذه‬
‫المسافة لتسيير الدابة للستقاء‪.‬‬
‫وأما حريم النهر‪ :‬فاختلف في تقديره أبو يوسف ومحمد‪ .‬وقال أبو يوسف‪ ،‬ورأيه هو المفتى به‪ :‬يقدر‬
‫بنصف أرض النهر من كل جانب‪ .‬وقال محمد‪ :‬يقدر بقدر عرض النهر من كل جانب (‪. )4‬‬
‫وفائدة تملك الحريم‪ :‬هي أن من أراد أن يحفر فيه بئرا أو ينتفع به بشيء‪ ،‬فإنه يمنع منه‪ ،‬ولمالك‬
‫الحريم ردم البئر التي تحفر‪ ،‬أو تضمين الحافر النقصان‪ ،‬ثم يردمه بنفسه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أي مبركا للماشية‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه والطبراني عن عبد ال بن مغفل‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬وإسناده ضعيف‪ ،‬لن فيه‬
‫إسماعيل ابن أسلم‪ ،‬ورواه أيضا أحمد في مسنده عن أبي هريرة بلفظ‪« :‬حريم البئر أربعون ذراعا من‬
‫جوانبها كلها لعطان البل‪ ،‬والغنم‪ ،‬وابن السبيل أو الشارب‪ ،‬ول يمنع فضل ماء‪ ،‬ليمنع به الكل»‬
‫(نصب الرابة‪ 4 :‬ص ‪ 291‬وما بعدها‪ ،‬سبل السلم‪ 3 :‬ص ‪.)85‬‬
‫(‪ )3‬بئر الناضح‪ :‬هي التي ينزح منها الماء بالبعير‪ .‬والناضح‪ :‬البعير‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ 6 :‬ص ‪ ،195‬تكملة فتح القدير‪ 8 :‬ص ‪ 139‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار عليه‪:‬‬
‫‪ 5‬ص ‪ 308‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/405‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬إن ما يضر بالماء حريم لكل بئر‪ ،‬ويزاد عليه بالنسبة لبئر الماشية والشّرب‪ :‬ما ل‬
‫يضايق الوارد الذي يشرب من هذه البئر (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬حريم البئر المحفورة في أرض الموات‪ :‬هو بقدر ما يقف فيه النازح منها على رأس‬
‫البئر ليستقي إن كانت البئر للشرب‪ ،‬وقدر ما يمر فيه الثيران إن كانت للسقي‪.‬‬
‫وحريم النهر عند الشافعية‪ :‬هو ملقى الطين وما يخرج منه من الرواسب‪ ،‬ويرجع فيه إلى أهل العرف‬
‫في الموضع (‪ . )2‬واستدلوا بالحديث السابق‪« :‬من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا‪»..‬‬
‫وبحديث مرسل عن سعيد بن المسيب‪« :‬حريم البئر البديء ـ أي المستحدث ـ خمسة وعشرون‬
‫ذراعا‪ ،‬وحريم البئر العادية ـ أي القديمة ـ خمسون ذراعا‪ ،‬وحريم بئر الزرع ثلث مئة ذراع» (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬حريم البئر المستحدث خمسة وعشرون ذراعا حواليها‪ ،‬وحريم البئر القديم خمسون‬
‫ذراعا‪ ،‬بدليل حديث ابن المسيب السابق (‪ . )4‬وسيأتي في بحث إحياء الموات تفصيل الكلم في‬
‫الحريم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه‪ 4 :‬ص ‪.67‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ ،424‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪.363‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود في مراسيله عن الزهري عن سعيد بن المسيب‪ .‬وأخرجه الدارقطني والخلل‬
‫بإسنادهما عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وفيه ابن‬
‫أبي جعفر ضعيف وهو عند أحمد عن أبي هريرة (نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪ 292‬ومابعدها‪ ،‬تخريج‬
‫أحاديث تحفة الفقهاء‪ 3 :‬ص ‪.)439‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪ 5 :‬ص ‪.540‬‬

‫( ‪)6/406‬‬
‫صلُ الثّاني‪ :‬إحياء الموَات ( استصلح الراضي والبناء فيها )‬
‫ال َف ْ‬
‫خطة البحث ‪:‬‬
‫الكلم في هذا الموضوع يشمل ما يأتي‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف إحياء الموات ومشروعيته والترغيب فيه‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ ما يقبل الحياء من الموات‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ كيفية الحياء وطرقه ـ التحجير‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ شروطه‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ أحكامه ـ تملك الرض ومقدار ما يملك (الحريم) ‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف إحياء الموات ومشروعيته والترغيب فيه شرعاً ‪:‬‬
‫تعريف إحياء الموات‪ :‬الحياء لغة‪ :‬جعل الشيء حيا‪ ،‬أي ذا قوة حساسة أو نامية‪ .‬والموات‪ :‬ما ل‬
‫روح فيه‪ ،‬أو الرض التي ل مالك لها‪ ،‬أو الرض الخراب الدارسة غير العامرة‪ ،‬وبإيجاز‪ :‬هو‬
‫الرض التي لم تعمر‪ ،‬والمراد بإحياء الموات‪ :‬التسبب للحياة النامية‪ ،‬شبهت العمارة بالحياة‪ ،‬وتعطيلها‬
‫بعدم الحياة‪ ،‬وإحياؤها‪ :‬عمارتها‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬الحياء‪ :‬إصلح الرض الموات بالبناء أو الغرس أو الكِرَاب (‪ ، )1‬أو غير ذلك‪ .‬والموات‪:‬‬
‫الرض التي ل عمارة ول ماء فيها‪ ،‬ول يملكها ول ينتفع بها أحد (‪ . )2‬أو هو عند الحنفية الرض‬
‫التي تعذر زرعها لنقطاع الماء عنها‪ ،‬أو لغلبته عليها‪ ،‬غير مملوكة‪ ،‬بعيدة من العامر‪ .‬أو هو ما سلم‬
‫عن اختصاص بإحياء أي بسبب إحياء (‪. )3‬‬
‫وحد الموات عند الشافعية‪ :‬ما لم يكن عامرا‪ ،‬ول حريما لعامر‪ ،‬قرب من العامر أو بعد (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كرب الرض‪ :‬قلبها للحرث‪.‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،339‬الشرح الكبير‪ ،66/4 :‬مغني المحتاج‪ ،361/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.205/4‬‬
‫(‪ )3‬الكنز للنسفي مع تبيين الحقائق‪ ،34/6 :‬اللباب مع الكتاب‪ 218/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ :‬المكان السابق‪.‬‬

‫( ‪)6/407‬‬
‫ومضمون التعاريف‪ :‬هو أن إحياء الموات في الغالب‪ :‬يعني استصلح الراضي الزراعية أو جعلها‬
‫صالحة للزراعة‪ ،‬برفع عوائق الزراعة من أحجار وأعشاب منها‪ ،‬واستخراج الماء‪ ،‬وتوفير التربة‬
‫الصالحة للزراعة‪ ،‬وإقامة السوار عليها أو تشييد البناء فيها‪.‬‬
‫والحياء ورد عن الشارع مطلقا‪ ،‬وما كان كذلك وجب الرجوع فيه إلى العرف؛ لنه قد يبين مطلقات‬
‫الشارع‪ ،‬والذي يحصل به الحياء في العرف أحد خمسة أسباب‪ :‬تبييض الرض‪ ،‬وتنقيتها للزرع‪،‬‬
‫وبناء الحائط على الرض‪ ،‬وحفر الخندق القعير الذي ل يطلع من نزله إل بمطلع‪ ،‬واستخراج الماء (‬
‫‪. )1‬‬
‫مشروعيته‪ :‬ثبتت شرعية إحياء الموات بالسنة النبوية في أحاديث كثيرة منها‪:‬‬
‫«من أحيا أرضا ميتة فهي له» (‪« ، )2‬من أحيا أرضا ميتة فهي له‪ ،‬وليس لعرق ظالم حق» (‪)3‬‬
‫«من عمر أرضا ليست لحد‪ ،‬فهو أحق بها» (‪« )4‬من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فخرج الناس يتعا َدوْن يتخاطُون» (‪. )5‬‬
‫دلت هذه الحاديث على إباحة إحياء الرض الميتة التي ل مالك لها‪ ،‬ولم ينتفع بها أحد‪ ،‬فيحييها‬
‫الشخص بالسقي‪ ،‬أو الزرع أو الغرس‪ ،‬أو البناء‪ ،‬أو بالتحويط على الرض بمقدار ما يسمى حائطا‬
‫في اللغة‪ .‬قال عروة‪ :‬قضى عمر بن الخطاب رضي ال عنه في خلفته وعامة فقهاء المصار على‬
‫أن الموات يملك بالحياء‪ ،‬وإن اختلفوا في شروطه‪.‬‬
‫وتدل الحاديث أيضا على أن الشرع رغب في الحىاء‪ ،‬لحاجة الناس إلى موارد الزراعة‪ ،‬وتعمير‬
‫الكون‪ ،‬مما يحقق لهم رفاها اقتصاديا‪ ،‬ويوفر ثروة عامة كبرى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبل السلم‪.82/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والترمذي وصححه عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وقد رواه ثمانية من الصحابة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مالك في موطئه‪ ،‬وأحمد والبخاري وأبو داود عن عائشة‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬وهو مسند‬
‫صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم‪ .‬وروى عبيد في الموال عن عائشة‪« :‬من أحيا‬
‫أرضا ليست لحد فهو أحق بها» ‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود عن سمرة بن مضرّس‪ .‬ومعنى يتعادون يتخاطون‪ :‬المعاداة‪ :‬السراع بالسير‪،‬‬
‫ويتخاطون‪ :‬يعملون على الرض علمات بالخطوط‪ ،‬وهي تسمى الخطط‪ ،‬جمع خطة بكسر الخاء‬
‫(راجع الحاديث كلها في نيل الوطاو‪ ،302/5 :‬نصب الراية‪ 288/4 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫( ‪)6/408‬‬

‫المبحث الثاني ـ الموات القابل للحياء ‪:‬‬


‫ل تصلح كل أرض للحياء‪ ،‬وإنما منها ما يقبل الحياء‪ ،‬ومنها ما ل يقبل‪ .‬وقد اتفق الفقهاء على أن‬
‫الرض التي لم يملكها أحد‪ ،‬ولم يوجد فيها أثر عمارة وانتفاع‪ ،‬تملك بالحياء‪.‬‬
‫كما اتفقوا على أن الراضي التي لها مالك معروف بشراء أو عطية‪ ،‬لم ينقطع ملكه‪ ،‬ل يجوز‬
‫إحياؤها لحد‪ ،‬غير أصحابها‪.‬‬
‫واختلفوا في أنواع أخرى من الرض (‪: )1‬‬
‫النوع الول‪ :‬ما ملك بالحياء‪ ،‬ثم ترك حتى دثر (درس) وعاد مواتا‪:‬‬
‫قال الشافعية والحنابلة (‪ : )2‬ل يملك بالحياء؛ لن الحاديث التي أجازت الحياء مقيدة بغير‬
‫المملوك‪« :‬من أحيا أرضا ميتة ليست لحد» «ليس لعرق ظالم حق» ‪ ،‬ولن سائر الموال ل يزول‬
‫الملك عنها بالترك‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف من الحنفية (‪ . )3‬يملك بالحياء‪ ،‬ما ل يعرف له مالك بعينه إذا كان بعيدا من القرية‪،‬‬
‫بحيث إذا وقف إنسان جهوري الصوت في أقصى العمران من دور القرية‪ ،‬فصاح بأعلى صوته‪ ،‬لم‬
‫يسمع الصوت فيه‪ .‬وعند محمد‪ :‬إن ملكت في السلم ل تكون مواتا‪ ،‬وإذا لم يعرف مالكها تكون‬
‫لجماعة المسلمين‪ .‬وظاهر الرواية المفتى به‪ :‬عدم ارتفاق البلدة به كما سيذكر‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬يملك بالحياء ما اندرس من عمارة الرض‪ ،‬لعموم الحديث‪« :‬من أحيا أرضا‬
‫ميتة فهي له» ‪ ،‬ولن أصل هذه الرض مباح‪ ،‬فإذا تركت حتى تصير مواتا‪ ،‬عادت إلى الباحة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 513/5 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.206/4 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،362/2 :‬المهذب‪ ،423/1 :‬المغني‪ ،514/5 :‬كشاف القناع‪.206/4 :‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب مع اللباب‪ ،219/2 :‬تبيين الحقائق‪ ،35/6 :‬الدر المختار‪.307/5 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير‪ ،68 ،66/4 :‬الشرح الصغير‪.87/4 :‬‬

‫( ‪)6/409‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬ما يوجد فيه آثار ملك قديم من الجاهلية كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوها يملك‬
‫بالحياء في المذاهب الربعة (‪ ، )1‬وهو الظهر عند الشافعية‪ ،‬إذ ل حرمة لملك الجاهلية‪ ،‬ولقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬عا ِديّ الرض ل ولرسوله ثم هو بعد لكم» (‪ )2‬أي قديم الخراب بحيث لم‬
‫يملك في السلم‪.‬‬
‫والرأي الثاني للشافعي‪ :‬أنه ل يملك بالحياء‪ ،‬لنه ليس بموات‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬ما جرى عليه الملك في السلم لمسلم أو ذمي غير معين‪ ،‬أي لم يعرف مالكه‪ :‬يملك‬
‫بالحياء عند الحنفية والمالكية‪ ،‬وفي رواية عن أحمد‪ ،‬لعموم الخبار الواردة في مشروعية الحياء‪،‬‬
‫ولنه أرض موات ل حق فيها لقوم بأعيانهم‪ ،‬فأشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬هو مال ضائع‪ ،‬أمره إلى المام الحاكم في حفظه إلى ظهور مالكه‪ ،‬أو بيعه وحفظ‬
‫ثمنه واستقراضه على بيت المال‪ ،‬أي ل يملك بالحياء‪.‬‬
‫والصحيح عند الحنابلة‪ :‬أنه ل يملك بالحياء‪ ،‬فل أثر لحيائه ويكون فيئا بمنزلة ما جل عنه العداء‬
‫خوفا منا‪ ،‬أي يوزع في سبيل المصالح العامة (‪. )3‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الشافعية والحنابلة متفقون على أنه ل يملك بالحياء‪ ،‬والحنفية والمالكية يقولون بجواز‬
‫إحيائه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه عن طاوس سعيد بن منصور في سننه وأبو عبيد في الموال (المغني‪ ،‬المكان السابق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)6/410‬‬

‫توضيح آراء المذاهب في الموات القابل للحياء ‪:‬‬


‫يحسن بيان رأي كل مذهب على حدة فيما يقبل الحياء‪.‬‬
‫‪ - 1‬مذهب الحنفية (‪ : )1‬الرض الموات‪ :‬هي أرض خارج البلد‪ ،‬لم تكن ملكا لحد‪ ،‬ول حقا له‬
‫خاصا‪ .‬ففي داخل البلد ل يكون موات أصلً‪ ،‬وكذا ما كان خارج البلدة من مرافقها‪ ،‬محتطبا لهلها‪،‬‬
‫أو مرعى لهم‪ .‬فل يجوز إحياء ماقرب من العامر؛ لنه من مرافقه التابعة له ويترك مرعى لهل‬
‫القرية‪ ،‬ومطرحا لحصائدهم‪ ،‬لتحقق حاجتهم إليها‪ ،‬فل يكون مواتا كالطريق والنهر‪.‬‬
‫فالمهم في الرض غير المملوكة‪ :‬عدم الرتفاق من أهل البلد‪ ،‬سواء قربت من العامر أم بعدت‪ .‬وهذا‬
‫هو ظاهر الرواية وهو قول الئمة الثلثة‪ ،‬وهو المفتى به عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 2‬مذهب المالكية (‪ : )2‬موات الرض‪ :‬ما سلم عن اختصاص بإحياء (أي بسبب إحياء لها بشيء)‬
‫أو بسبب كونه حريم عمارة كمحتطب أو مرعى لبلد‪ .‬فإذا اندرست عمارتها من بناء أو غرس أو‬
‫تفجير ماء ونحوها‪ ،‬ل يزول ملكها عمن أحياها‪ ،‬إل بإحياء جديد من غيره بعد اندراسها بمدة طويلة‬
‫يقدرها عرف الناس‪ ،‬فتصبح حينئذ ملكا للمحيي الثاني‪.‬‬
‫وذلك سواء أكانت الرض قريبة من العمران أم بعيدة من العمران‪ ،‬إل أن الولى يفتقر إحياؤها إلى‬
‫إذن الحاكم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب شرح الكتاب‪ 219/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،194/6 :‬تبيين الحقائق‪ ،34/6 :‬الدر المختار‬
‫ورد المحتار‪ ،307/5 :‬تكملة الفتح‪.136/8 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،66/4 :‬الشرح الصغير‪ 87/4 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.339‬‬

‫( ‪)6/411‬‬

‫‪ - 3‬مذهب الشافعية (‪ : )1‬حد الموات‪ :‬ما لم يكون عامرا‪ ،‬ول حريما لعامر قرب من العامر أو بعد‪.‬‬
‫أو هو الرض التي لم تعمرّ قط في بلد السلم‪ .‬ول يملك بالحياء حريم معمور‪ :‬وهو ما تمس‬
‫الحاجة إليه لتمام النتفاع‪ ،‬مثل مرتكض الخيل ومناخ البل ومطرح الرماد ونحوها‪.‬‬
‫‪ - 4‬مذهب الحنابلة (‪ : )2‬الموات‪ :‬هو الرض التي ليس لها مالك‪ ،‬ول بها ماء‪ ،‬ول عمارة‪ ،‬ول‬
‫ينتفع بها‪ .‬أو هي الرض المنفكة عن الختصاصات وملك معصوم‪ :‬مسلم كان أو كافر‪ .‬لكن ل يجوز‬
‫إحياء ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلته‪،‬‬
‫والمتعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مائها‪ ،‬والحد الفاصل بين‬
‫القريب والبعيد يتحدد بالعرف‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن المذاهب متقاربة في أصلها ومختلفة في بعض الشروط والقيود‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ كيفية الحياء وطرقه ‪:‬‬
‫إحياء الرض الموات‪ :‬يكون باستصلحها للزراعة بحسب عرف الناس وعاداتهم‪ ،‬كما قرر الشافعية‪،‬‬
‫لكن للمذاهب آراء في الموضوع‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )3‬إصلح الرض الموات يكون بالبناء أو الغرس أو الكراب (قلبها للحرث) ‪ ،‬أو‬
‫إقامة المسنّاة (السد‪ :‬وهو ما يبنى ليرد ماء السيل‪ ،‬والمراد هنا الجسر)‪ ،‬أو شق النهر‪ ،‬أو إلقاء‬
‫البذور‪ ،‬أو السقاية مع حفر النهار‪ ،‬أو التحويط والتسنيم بحيث يعصم الماء؛ لنه من جملة البناء‪.‬‬
‫وعن محمد‪ :‬أن المحيي لو حفر النهر‪ ،‬ولم يسق الرض أو فعل العكس‪ ،‬يكون فعله تحجيرا ل إحياء‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬الحياء يكون بالبناء والغرس والزراعة والحرث وإجراء المياه فيها وغيرها من‬
‫أحد أمور سبعة هي‪:‬‬
‫الول‪ :‬بتفجير ماء لبئر أو عين‪ ،‬فيملك به‪ ،‬وكذا تملك الرض التي تزرع به‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬بإزالة الماء منها حيث كانت الرض غامرة بالماء‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ببناء أرض‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬بسبب غرس الشجر فيها‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬بسبب تحريك أرض بحرثها ونحوه (الحراثة)‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬يكون بسبب قطع شجر بها بنية وضع يده عليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،363 ،361/4 :‬المهذب‪.423/1 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،205/4 :‬المغني‪ 513/5 :‬ومابعدها‪.516 ،‬‬
‫(‪ )3‬تبيين الحقائق‪ ،36/6 :‬الهداية مع تكملة الفتح‪ ،139/8 :‬اللباب مع الكتاب‪.218/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪ ،93/4 :‬الشرح الكبير‪ 69/4 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.339‬‬

‫( ‪)6/412‬‬

‫والسابع‪ :‬بسب كسر حجرها مع تسوية الرض‪.‬‬


‫وقال الشافعية (‪ : )1‬الحياء الذي يملك به‪ :‬يختلف بحسب الغرض المقصود من الرض‪ ،‬ويرجع فيه‬
‫إلى العرف‪ ،‬والعرف يمثل المصلحة عادة؛ لن الشرع أطلقه‪ ،‬ول حد له في اللغة‪ ،‬فيرجع فيه إلى‬
‫العرف كالقبض في المبيع والموهوب‪ ،‬والحرز في السرقة‪ :‬وهو في كل شيء بحسبه‪ ،‬والضابط‪:‬‬
‫التهيئة للمقصود‪.‬‬
‫فإن أراد إحياء الموات مسكنا‪ ،‬اشترط فيه تحويط البقعة بآجر أو لبن أو قصب بحسب عادة ذلك‬
‫المكان‪ .‬والمعتمد أنه ل يكتفى بالتحويط من غير بناء‪ ،‬بل ل بد من البناء‪ ،‬ويشترط سقف بعض‬
‫الرض ليتهيأ للسكنى‪ ،‬وتعليق (نصب) باب؛ لن العادة في المنازل أن يكون لها أبواب‪ ،‬ول تصلح‬
‫الرض للسكنى بما دون ذلك (أي بالبناء والسقف وتركيب باب)‪.‬‬
‫وإن أراد إحياء الموات زريبة دواب أو نحوها‪ ،‬كحظيرة لجمع ثماروغلت وغيرها‪،‬فيكتفى بالتحويط‬
‫بالبناء بحسب العادة‪ ،‬ول يشترط سقف شيء؛ لن العادة فيها عدمه‪ .‬ول بد فيه من تركيب باب على‬
‫الرجح مع البناء أو التحويط بالبناء‪.‬‬
‫وإن أراد إحياء الموات مزرعة‪ ،‬فيطلب جمع التراب حولها‪ ،‬وتسوية الرض‪ ،‬وترتيب ماء لها بشق‬
‫ساقية من نهر‪ ،‬أو بحفر بئر أو قناة أو نحوها‪ ،‬إن لم يكفها المطر المعتاد‪ .‬ول تشترط الزراعة فعلً‬
‫في الصح‪ ،‬لنه استيفاء منفعة الرض‪ ،‬وهو خارج عن الحياء‪ ،‬كما ل يعتبر في إحياء الدار‬
‫سكناها‪ .‬والخلصة‪ :‬أنه بالتحويط وتسوية الرض وإيجاد الماء‪.‬‬
‫وإن أراد إحياء الموات بستانا‪ ،‬فيشترط جمع التراب حول الر ض كالمزرعة‪ ،‬والتحويط حيث جرت‬
‫العادة به عملً بها‪ ،‬وتهيئة ماء كما تقرر في المزرعة‪ .‬ويشترط أيضا في البستان غرس البعض على‬
‫المذهب‪ .‬فهذا الحياء يكون بالتحويط وتسوية الرض وإيجاد الماء والغرس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 365/4 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.424/1 :‬‬

‫( ‪)6/413‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬إحياء الرض‪ :‬أن يحوط عليها حائطا منيعا‪ ،‬سواء أرادها للبناء أو للزرع أو‬
‫حظيرة للغنم أو الخشب أو غيرها‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أحاط حائطا على أرض‪ ،‬فهي‬
‫له» (‪ ، )2‬ولن الحائط حاجز منيع‪ ،‬فكان إحياء‪.‬‬
‫وكالحائط‪ :‬إجراء ماء للرض من نهر أو بئر إن كانت ل تزرع إل به‪ ،‬أو حفر بئر فيها ينبع منها‬
‫الماء‪ ،‬فإن لم يخرج الماء فهو كالمحتجر الشارع في الحياء‪.‬‬
‫ومثل الحائط‪ :‬أن يغرس فيها شجرا‪ ،‬أو أن يمنع عن الموات ما ل يمكن زرعها إل بحبسه عنها‬
‫كأرض البطائح (‪. )3‬‬
‫وفي الجملة‪ :‬الحياء يكون إما بالتحويط المنيع أو إيجاد الماء أو غرس الشجر‪.‬‬
‫ول يحصل الحياء بمجرد الحرث والزرع؛ لنه ل يراد للبقاء بخلف الغرس‪ ،‬كما ل يحصل الحياء‬
‫أيضا بخندق يجعله حول الرض التي يريد إحياءها ول بشوك وشبهه يحوطها به‪ ،‬ويكون تحجرا‪.‬‬
‫هل يحصل الحياء بالتحجير؟‬
‫التحجير أو التحويط‪ :‬هو العلم بوضع الحجار حول الرض‪ ،‬أي وضع سور من الحجار‬
‫والشواك ونحوها على جوانب الرض‪ ،‬وقد اتفق الفقهاء على عدم صلحيته للحياء‪ ،‬لكن المتحجر‬
‫يكون أحق بها من غيره‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )4‬إن حجر شخص الرض‪ ،‬ل يملكها بالتحجير؟ لنه ليس بإحياء في الصحيح؛ لن‬
‫الحياء جعلها صالحة للزراعة‪ ،‬والتحجير للعلم مشتق من الحجر‪ :‬وهو المنع للغير بوضع علمة‬
‫من حجر‪ ،‬أو بحصاد ما فيها من الحشيش والشوك ونفيه عنها وجعله حولها‪ ،‬أو بإحراق ما فيها من‬
‫الشوك وغيره‪ ،‬وكل ذلك ل يفيد الملك‪ ،‬فبقيت مباحة على حالها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،538/5 :‬كشاف القناع‪.212/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود عن جابر‪ ،‬ولهما مثله عن سمرة بن جندب‪.‬‬
‫(‪ )3‬البطحاء والبطح‪ :‬مسيل واسع فيه دقاق الحصى‪.‬‬
‫(‪ )4‬تبيين الحقائق‪ ،35/6 :‬تكملة الفتح‪ ،138/8 :‬الدر المختار‪.307/5 :‬‬

‫( ‪)6/414‬‬

‫لكن المتحجر أولى بها من غيره‪ ،‬ول تؤخذ منه إلى ثلث سنين‪ ،‬فإذا لم يعمرها فيها‪ ،‬أخذها الحاكم‬
‫منه‪ ،‬ودفعها إلى غيرها‪ .‬والتقدير بثلث سنين مأخوذ من قول عمر رضي ال عنه‪« :‬ليس لمتحجر‬
‫بعد ثلث سنين حق» (‪ )1‬لكن هذا حكم ديانة‪ ،‬أما قضاء‪ :‬فإذا أحياها غيره قبل مضيها‪ ،‬ملكها لتحقق‬
‫سبب الملك منه‪ ،‬دون الول أي المتحجر‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬ل يكون الحياء بتحويط (تحجير) للرض بنحو خط عليها‪ ،‬ول رعي كل بها‪،‬‬
‫ول حفر بئر ماشية أو شرب بها‪ ،‬إل أن يبين الملكية حين حفر البئر‪ ،‬فإن بينها فإحياء‪.‬‬
‫وقرر الشافعية والحنابلة (‪ )3‬أنه‪ :‬إن تحجر مواتا‪ ،‬وهو أن يشرع في إحيائه‪ ،‬ولم يتمه‪ ،‬أو أعلم على‬
‫بقعة بنصب أحجار‪ ،‬أو غرز خشبا فيها‪ ،‬أو نصب أسلكا شائكة‪ ،‬أو حاطها بحائط صغير لم يملكها‬
‫بما ذكر؛ لن الملك بالحياء‪ ،‬وليس هذا إحياء‪.‬‬
‫لكن يصير أحق الناس به لحديث أبي داود‪« :‬من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم‪ ،‬فهو أحق به» ‪.‬‬
‫فلو أحياه آخر ملكه‪ .‬فإن لم يتم إحياء المتحجر‪ ،‬وطالت المدة عرفا‪ ،‬كنحو ثلث سنين‪ ،‬قيل له‪ :‬إما أن‬
‫تحييه فتملكه‪ ،‬أو تتركه لمن يحييه‪ ،‬إن حصل متشوف للحياء؛ لنه ضيق على الناس في حق‬
‫مشترك بينهم‪ ،‬فلم يمكّن من الحياء‪ ،‬فإن طلب المتحجر المهلة لعذر‪ ،‬أمهل شهرين أو ثلثة أو أقل‪،‬‬
‫على ما يراه الحاكم لنه يسير‪ .‬وإن لم يكن له عذر‪ ،‬فل يمهل‪ ،‬فهم تقريبا كالحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب بلفظ‪« :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له‪،‬‬
‫وليس لمحتجر حق بعد ثلث سنين» لكن في سنده الحسن بن عمارة ضعيف‪ ،‬وسعيد عن عمر فيه‬
‫كلم (نصب الراية‪.)290/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،70/4 :‬الشرح الصغير‪.93/4 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،366/4 :‬المهذب‪ ،425/1 :‬المغني‪ 543 ،518/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.214/4‬‬

‫( ‪)6/415‬‬

‫المبحث الرابع ـ شروط الحياء ‪:‬‬


‫هناك شروط في المحيي‪ ،‬والرض المحياة‪ ،‬وإجراء الحياء‪.‬‬
‫المطلب الول ـ شروط المحيي ‪:‬‬
‫المحيي‪ :‬هو الذي يباشر الحياء الذي هو من أسباب الختصاص أو التملك‪ ،‬ويجوز إحياء كل من‬
‫يملك المال؛ لنه فعل بملك به كالصطياد‪.‬‬
‫ول يشترط عند الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) (‪ )1‬كون المحيي مسلما‪ ،‬فل فرق بين المسلم‬
‫والذمي في الحياء‪ ،‬لعموم قول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أحيا أرضا ميتة‪ ،‬فهي له» ‪ ،‬ولن‬
‫الحياء أحد أسباب التمليك‪ ،‬فاشترك فيه المسلم والذمي‪ ،‬كسائر أسباب الملكية‪.‬‬
‫واشترط الشافعية (‪ )2‬في المحيي أن يكون مسلما‪ ،‬ول يملك الذمي إحياء الرض الموات‪ ،‬وإن أذن له‬
‫فيه المام؛ لن الحياء استعلء‪ ،‬وهو ممتنع عليهم بدار السلم‪ .‬فلو أحيا ذمي أرضا‪ ،‬نزعت منه ول‬
‫أجرة عليه‪ ،‬فلو نزعها منه مسلم وأحياها‪ ،‬ملكها‪ ،‬وإن لم يأذن له المام‪ ،‬إذ ل أثر لفعل الذمي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الهداية مع تكملة الفتح‪ ،138/8 :‬الشرح الكبير‪ ،69/4 :‬المغني‪.517/5 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،362-361/4 :‬المهذب‪ 423/1 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/416‬‬

‫المطلب الثاني ـ شروط الرض المحياة ‪:‬‬


‫يشترط في الرض المحياة شروط تتعلق بملكيتها والرتفاق بها ومكانها‪ ،‬وهي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أل تكون ملكا لحد‪ ،‬مسلم أو ذمي‪ ،‬وليست من اختصاص أحد‪ .‬وهذا معنى قول الفقهاء‪ :‬أن‬
‫تكون الرض عاديا (أي قديم الخراب بحيث لم يملك في السلم‪ ،‬ل مالك لها في السلم‪ ،‬فكأنها‬
‫خربت من عهد عاد )‪ .‬وهذا الشرط متفق عليه فقها (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬أل تكون مرتفقا بها أي مستعمله ارتفاقا لهل البلدة‪ ،‬قريبا أو بعيدا‪ ،‬كمحتطب ومرعى‪ ،‬وناد‬
‫(مجلس يجتمعون فيه للتحدث)‪ ،‬ومرتكض خيل‪ ،‬ومُناخ إبل‪ ،‬ومطرح رماد‪ ،‬وحريم بئر‪ ،‬وشوارع‬
‫وطرقات‪ ،‬ونحوها‪ .‬وهو شرط متفق عليه أيضا بين المذاهب في الرجح عند بعضها كالحنفية (‪. )2‬‬
‫‪ - 3‬أن تكون الرض عند الشافعية في بلد السلم‪ :‬فإن كانت في دار الحرب فللمسلم إحياؤها إن‬
‫كانت مما ل يمنعها أهلها عن المسلمين‪ ،‬فإذا منعوها أو دفعوا المسلمين عنها‪ ،‬فل يملكها المسلم‬
‫بالستيلء (‪. )3‬‬
‫ول فرق عند الجمهور غير الشافعية بين دار الحرب ودار السلم لعموم الخيار‪ ،‬ولن عامر دار‬
‫الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،306/5 :‬اللباب شرح الكتاب‪ ،219/2 :‬الشرح الكبير‪ ،66/4 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،361/4‬المهذب‪ ،423/1 :‬كشاف القناع‪.205/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الهداية مع التكملة‪ ،136/8 :‬البدائع‪ ،194/6 :‬الدر المختار‪ 306/5 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪ :‬المكان‬
‫السابق‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،67/4 :‬مغني المحتاج‪ ،363/4 :‬المغني‪ ،525 ،516/5 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.208/4‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.362/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪ ،515/5 :‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)6/417‬‬

‫المطلب الثالث ـ شروط الحياء الذي يثبت به الملك ‪:‬‬


‫يشترط في الحياء الذي يثبت به الملك شرطان في بعض الراء‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الحياء عند أبي حنيفة (‪ )1‬بإذن الحاكم‪ ،‬لحديث‪« :‬ليس للمرء إل ما طابت به نفس‬
‫إمامه» (‪ ، )2‬فإذا لم يأذن لم تطب نفسه به‪ ،‬ولن هذه الراضي كانت في أيدي الكفرة‪ ،‬ثم صارت‬
‫في أيدي المسلمين‪ ،‬فهي فيء‪ ،‬والمام هو المختص بتوزيع الفيء‪ ،‬كالغنائم‪ ،‬ومثل إعطاء السّلَب‬
‫للقاتل في قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من قتل قتيلً فله سَلَبه» (‪ )3‬فهذا تصرف من الرسول صلّى‬
‫ال عليه وسلم بطريق المامة والسياسة‪ ،‬ل بطريق الشرع والنبوة‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬إذا كانت الرض قريبة من العمران‪ ،‬افتقر إحياؤها إلى إذن المام‪ ،‬بخلف‬
‫البعيدة من العمران‪ ،‬وأن يكون فيها الذن لمسلم‪ ،‬فل يأذن المام لذمي على المشهور في إحياء‬
‫الرض القريبة من العمران‪ ،‬ول يجوز للذمي إحياء الرض في جزيرة العرب‪ :‬مكة والمدينة وما‬
‫والها‪.‬‬
‫وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة (‪ : )5‬من أحيا أرضا مواتا‪ ،‬تملكها‪ ،‬وإن لم يأذن له فيها المام‪،‬‬
‫اكتفاء بإذن رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أحيا أرضا ميتة فهي له» الصادر بطريق الشرع‬
‫والنبوة‪ ،‬ولنه مال مباح كالحتطاب والصطياد‪ ،‬سبقت إليه يد المحيي‪ ،‬فيملكه‪ .‬ويؤيده حديث‬
‫عمَر أرضا ليست لحد فهو أحق بها» فظاهره أنه ل يشترط إذن المام‪.‬‬
‫البخاري عن عائشة‪« :‬من َ‬
‫لكن يستحب استئذانه ‪ .‬خروجا من الخلف‪.‬‬
‫‪ - 2‬يشترط عند الحنفية في حالة التحجير‪ :‬أن يتم الحياء خلل مدة أقصاها ثلث سنين‪ .‬فإذا لم‬
‫يعمرها فيها أخذها الحاكم منه‪ ،‬ودفعها إلى غيره؛ لن البدء أو الشروع في استصلحها يتطلب‬
‫تعميرها‪ ،‬فيحصل النفع للمسلمين بدفع العشر أو الخراج‪ ،‬فإذا لم يحصل المقصود‪ ،‬فل فائدة في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 194/6 :‬ومابعدها‪ ،‬الهداية مع التكملة‪ ،136/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،35/6 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،307/5‬الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني‪ ،‬وفيه ضعف من حديث معاذ (نصب الراية‪.)290/4 ،430/3 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الجماعة إل النسائي عن أبي قتادة النصاري (نصب الراية‪ .)428/3 :‬والسلب‪ :‬ما يكون‬
‫مع القتيل من سلح وآلت وثياب ونقود وخيل ونحوها‪.‬‬
‫(‪ )4‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،339‬الشرح الصغير‪.94/4 :‬‬
‫(‪ )5‬مغني المحتاج‪ ،361/4 :‬تكملة فتح القدير‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬المهذب‪ ،423/1 :‬المحرر في الفقه‬
‫الحنبلي‪ ،367/1 :‬المغني‪ ،543/5 :‬كشاف القناع‪.206/4 :‬‬

‫( ‪)6/418‬‬

‫تركها في يده (‪. )1‬‬


‫والتقدير بثلث سنين مأخوذ ـ كما عرفنا ـ من قول عمررضي ال عنه‪« :‬ليس لمتحجر بعد ثلث‬
‫سنين حق» (‪ . )2‬وهذه مدة معقولة لستصلح الراضي وتدبير مصالحها‪ .‬لكن هذا الحكم من طريق‬
‫الديانة‪ ،‬أما من طريق القضاء‪ ،‬فلو أحياها غيره قبل مضي تلك المدة‪ ،‬ملكها لتحقق سبب الملك منه‪،‬‬
‫دون الول‪.‬‬
‫ومذهب الشافعية والحنابلة كالحنفية تقريبا‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ أحكام إحياء الموات ‪:‬‬
‫يترتب على إحياء الرض تملكها‪ ،‬وفرض ضريبة العشر أو الخراج عليها‪ ،‬وعدم تملك حريم‬
‫المعمور‪ ،‬وتملك حريم الموات‪.‬‬
‫المطلب الول ـ تملك الرض المحياة ‪:‬‬
‫هل يثبت بإحياء الموات ملك الستغلل (حق النتفاع)‪ ،‬أو ملك الرقبة (ذات الرض) ملكية مطلقة‬
‫تشمل حق التصرف والستعمال والستغلل؟‬
‫قال الفقيه أبو القاسم أحمد البلخي رحمه ال ‪ :‬إن الذي يثبت بإحياء الموات هو حق الستغلل ل حق‬
‫الملكية‪ ،‬قياسا على من جلس في موضع مباح‪ ،‬فإن له النتفاع‪ ،‬فإذا قام عنه‪ ،‬وأعرض‪ ،‬بطل حقه (‬
‫‪. )3‬‬
‫وقال عامة الفقهاء‪ :‬الثابت بالحياء هو حق الملكية المطلقة‪ ،‬استدللً بنص الحديث‪« :‬من أحيا أرضا‬
‫ميتة فهي له» فإنه أضاف الحق للمحيي بلم التمليك في قوله «فهي له» وملكه ل يزول بالترك (‪. )4‬‬
‫وهذا هو الحق العيني للمحيي‪.‬‬
‫وبناء عليه نص الحنفية‪ :‬أنه لو ترك المحيي الرض بعد الحياء‪ ،‬وزرعها غيره‪ ،‬فالول أحق بها في‬
‫الصح (‪. )5‬‬
‫المطلب الثاني ـ وظيفة الرض المحياة ‪:‬‬
‫الحق الثاني في الرض المحياة هو للدولة‪ ،‬لكن هل الواجب المفروض على تلك الرض أو الوظيفة‪:‬‬
‫هو العشر أو الخراج؟‬
‫قال أبو يوسف‪ :‬إن أحياها مسلم‪ ،‬فإن كانت تلك الرض من الراضي العشرية فالواجب فيها العشر‪،‬‬
‫وإن كانت من حيّز الراضي الخراجية فالواجب فيها الخراج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪.35/6 :‬‬
‫(‪ )2‬عرفنا أن في سنده ضعفا‪ .‬وروى حميد بن زنجويه النسائي في كتاب الموال عن عمرو بن‬
‫شعيب أن النبي صلّى ال عليه وسلم أقطع ناسا من جهينة أرضا‪ ،‬فعطلوها وتركوها‪ ،‬فأخذها قوم‬
‫آخرون‪ ،‬فأحيوها‪ ،‬فخاصم فيها الولون إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬لو كانت مني أو من أبي بكر لم‬
‫أرددها‪ ،‬ولكنها من رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقال‪ :‬من كانت له أرض‪ ،‬فعطلها ثلث سنين‪،‬‬
‫ل يعمرها‪ ،‬فعمرها غيره‪ ،‬فهو أحق بها (نصب الراية‪.)290/4 :‬‬

‫(‪ )3‬العناية بهامش تكملة فتح القدير‪.137/8 :‬‬


‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،35/6 :‬البدائع‪ ،194/6 :‬الشرح الصغير‪ ،87/4 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ 423/1‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،361/4 :‬المغني‪ ،513/5 :‬كشاف القناع‪.206/4 :‬‬
‫(‪ )5‬الدر المختار‪ ،307/5 :‬الهداية مع تكملة الفتح‪ ،137/8 :‬تبيين الحقائق‪.35/6 :‬‬

‫( ‪)6/419‬‬

‫وقال محمد‪ :‬إن أحياها بماء العشر كماء المطر أو النهار الكبيرة فهي عشرية‪ ،‬وإن أحياها بماء‬
‫الخراج‪ ،‬كالماء المأخوذ من نهر حفره غير المسلمين فهي خراجية‪ .‬وهذا الرأي هو ما مشى عليه‬
‫صاحب الهداية‪.‬‬
‫والراضي العشرية خمسة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬أرض العرب‪.‬‬
‫‪ - 2‬كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا‪.‬‬
‫‪ - 3‬الراضي التي فتحت عنوة وقهرا وقسمت بين الغانمين‪.‬‬
‫‪ - 4‬المسلم إذا اتخذ داره بستانا أو كرما‪.‬‬
‫‪ - 5‬المسلم إذا أحيا الراضي الميتة بإذن المام وهي من توابع الراضي العشرية‪ ،‬أو تسقى بماء‬
‫العشر‪ ،‬وهو ماء السماء وماء العيون المستنبط من الراضي العشرية‪.‬‬
‫والراضي الخراجية‪:‬‬
‫‪ - 1‬سواد العراق كلها‪ ،‬وكل أرض فتحت عنوة وقهر ا وتركت على أيدي أربابها‪ ،‬ومنّ عليهم‬
‫المام‪ ،‬فإنه يضع الجزية على أعناقهم إذا لم يسلموا‪ ،‬والخراج على أراضيهم إذا أسلموا أو لم‬
‫يسلموا‪.‬وهذا عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 2‬وكذلك إذا جلهم المام ونقل إليها آخرين‪.‬‬
‫‪ - 3‬والمسلم أو الذمي إذا أحيا أرضا ميتة‪ ،‬وهي تسقى بماء الخراج‪ ،‬والذمي إذا اتخذ داره بستانا (‬
‫‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الفقهاء‪.495-492/1 :‬‬

‫( ‪)6/420‬‬

‫وقال الحنابلة‪ :‬ل خراج على من أحيا موات الرض المفتوحة عنوة‪ ،‬كأرض مصر والشام والعراق‪.‬‬
‫أما إن أحياها ذمي فهي خراجية مطلقا بالتفاق (‪. )1‬‬
‫المطلب الثالث ـ القيد الوارد على ملكية المحيي والملكية الضافية ـ الحريم ‪:‬‬
‫الحريم‪ :‬هو ما تمس الحاجة إليه لتمام النتفاع بالمعمور‪ ،‬أو ما يحتاج إليه لمصلحة العامر من‬
‫المرافق‪ ،‬كحريم البئر‪ ،‬وفناء الدار‪ ،‬والطريق‪ ،‬ومسيل الماء ومرافق القرية مثل ناد (مجلس الجتماع)‬
‫ومحتطب ومرعى ومرتكض الخيل ومناخ البل‪ ،‬ومطرح الرماد‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫ول يجوز باتفاق الفقهاء (‪ )2‬إحياء حريم الر اضي العامرة قبل الحياء؛ لنه تابع للعامر‪ ،‬فل يملك؛‬
‫لنّا لو جوزنا إحياءها أبطلنا الملك في العامر على أهله‪.‬‬
‫ول يجوز أيضا بالحياء تملك ما بين العامر من الرحاب والشوارع ومقاعد السواق؛ لن المذكور‬
‫ليس من الموات‪ ،‬وإنما من جملة العامر‪ ،‬ولنّا لو جوزنا التملك ضيقنا على الناس في أملكهم‬
‫وطرقهم‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن كل مملوك ل يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى للمحيي ملكية إضافية قررها الشارع‪ :‬وهو حريم الرض التي أحياها‪ ،‬فله بالحياء‬
‫ما يحتاج إليه من المرافق كفناء الدار (الساحة أمام الدار وما امتد من جوانبها) ومسيل وحريم البئر‪،‬‬
‫وله أن يمنع غيره منه‪.‬‬
‫والكلم عن الحريم في أصل مشروعيته‪ ،‬ومقداره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،195/6 :‬الهداية مع التكملة‪ ،37/8 :‬كشاف القناع‪.207/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،195/6 :‬تبيين الحقائق‪ ،36/6 :‬الشرح الكبير‪ ،67/4 :‬الشرح الصغير‪ ،88/4 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،363/4 :‬المهذب‪ ،423/1 :‬المغني‪ ،525/5 :‬كشاف القناع‪.208/4 :‬‬

‫( ‪)6/421‬‬

‫مشروعية الحريم‪ :‬الصل في مشروعية الحريم‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم جعل للبئر حريما (‪)1‬‬
‫‪ .‬وللعين حريم بالجماع‪ ،‬لنه عليه الصلة والسلم جعل لكل أرض حريما (‪. )2‬‬
‫مقدار الحريم‪ :‬للفقهاء تقديرات متقاربة للحريم‪.‬‬
‫مذهب الحنفية (‪: )3‬‬
‫‪ 1‬ـ حريم العين الجارية‪ :‬الصح أن حريمها خمس مئة ذراع من كل جانب والذراع ست قبضات‪،‬‬
‫كل قبضة أربع أصابع‪ ،‬وهو من المرفق إلى النامل‪ .‬لقول الزهري‪« :‬وحريم العين خمس مئة ذراع‪،‬‬
‫من كل ناحية» وبناء عليه يمنع غير صاحب الحريم من الحفر ونحوه في مسافة الحريم‪ ،‬لنه ملك له‪،‬‬
‫فله تضمين المعتدي أو ردم الحفرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وحريم البئر‪ :‬يختلف بين بئر العطَن (العطن‪ :‬مُناخ البل حول البئر)‪ ،‬وبئر العطن (هي التي‬
‫ينزح منها الماء باليد) وبين بئر الناضح‪( :‬وهي التي ينزح منها الماء بالبعير ونحوه)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال عليه السلم‪ « :‬من حفر بئرا‪ ،‬فله مما حولها أربعون ذراعا‪ ،‬عطنا لماشيته» أخرجه ابن‬
‫ماجه من حديث عبد ال بن مغفل‪ ،‬ورواه أحمد من حديث أبي هريرة (نصب الراية‪.)291/4 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرج أبو داود في مراسيله عن الزهري عن سعيد بن المسيب‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم «حريم البئر العادية خمسون ذراعا‪ ،‬وحريم بئر البديء خمسة وعشرون ذراعا» وأخرج‬
‫الحاكم عن عبادة بن الصامت أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في النخلة أن حريمها مبلغ جريدها‬
‫(نصب الراية‪ 292/4 :‬وما بعدها) وزاد الزهري‪« :‬وحريم العين خمس مئة ذراع من كل ناحية» ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،310-308/5 :‬الهداية مع تكملة الفتح‪ 139/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪-36/6 :‬‬
‫‪ ،38‬الكتاب مع شرحه اللباب‪ 221/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪.195/6 :‬‬

‫( ‪)6/422‬‬

‫وحريم بئر العطن‪ :‬أربعون ذراعا من كل جانب باتفاق الحنفية‪ ،‬كما دلت بعض الروايات لكنها غريبة‬
‫أي لم تثبت‪ ،‬كما قال الزيلعي (‪. )1‬‬
‫وحريم بئر الناضح أربعون ذراعا كبئر العطن عند أبي حنيفة‪ ،‬عملً بحاجة الناس‪ .‬وعند الصاحبين‪:‬‬
‫ستون ذراعا لما روي‪« :‬وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» والصحيح‪ :‬أن حريمها على قدر الحاجة‬
‫من كل الجوانب‪ .‬بشرط أن يحفرها في موات بإذن المام أو في ملكه‪ ،‬فلو حفر في ملك الغير ل‬
‫يستحق الحريم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حريم القناة‪ :‬وهي مجرى الماء تحت الرض‪ .‬ولم يقدر حريمها بشيء يمكن ضبطه‪ ،‬فحريمها‬
‫بقدر ما يصلحها للقاء الطين ونحوه‪ .‬وعن محمد‪ :‬أنها بمنزلة البئر في استحقاق الحريم‪ ،‬وقيل بآراء‬
‫أخرى‪ ،‬أولها عندي‪ :‬أن لها حريما مفوضا إلى رأي المام؛ لنه ل نص في الشرع‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ حريم النهر‪ :‬اختلف فيه الحنفية‪ .‬فعن أبي حنيفة‪ :‬ل حريم للنهر في ملك الغير‪ .‬وقال الصاحبان‪:‬‬
‫له حريم من الجانبين؛ لن استحقاق الحريم للحاجة‪ ،‬وصاحب النهر يحتاج إليه كصاحب البئر والعين‪،‬‬
‫إذ أنه يحتاج إلى المشي على حافتي النهر‪ ،‬كما يحتاج إلى موضع للقاء الطين عليه عند كري النهر‪.‬‬
‫ثم اختلف الصاحبان في تقديره‪.‬‬
‫فقال أبو يوسف‪ :‬قدر نصف بطن النهر من كل جانب‪ ،‬أي نصف العرض‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬قدر جميع بطن النهر من كل جانب‪ ،‬أي عرض النهر‪ .‬واتفق الحنفية أن للنهر حريما‬
‫بقدر ما يحتاج إليه للقاء الطين ونحوه‪ ،‬فيما لو أحياه في أرض موات‪ .‬وعليه من كان له نهر في‬
‫أرض غيره‪ ،‬فليس له حريمه عند أبي حنيفة بمجرد دعواه أنه له؛ لن الظاهر ل يشهد له‪ ،‬بل‬
‫لصاحب الرض؛ لنه من جنس أرضه‪ ،‬والقول لمن يشهد له الظاهر‪ ،‬إل أن يقيم البينة على ذلك؛‬
‫لنها لثبات خلف الظاهر‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬له مسنّاة (‪ )2‬يمشي عليها‪ ،‬ويلقي عليها طينه؛ لن النهر لبد له من ذلك‪ .‬فكان‬
‫الظاهر أنه له‪.‬‬
‫وثمرة الخلف‪ :‬أن ولية الغرس لصاحب الرض عند أبي حنيفة‪ ،‬وعند الصاحبين‪ :‬لصاحب النهر‪.‬‬
‫قال الزيلعي‪ :‬والصحيح أن هذا الحريم لصاحب النهر‪ ،‬ما لم يفحش‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حريم الشجر‪ :‬حريم الشجر الذي يغرس في الرض الموات‪ :‬خمسة أذرع من كل جانب‪ ،‬حتى‬
‫ل يملك غيره أن يغرس شجرا في حريمه؛ لنه يحتاج إلى الحريم لجذاذ ثمره‪ ،‬وللوضع فيه‪ .‬وقد‬
‫جعل النبي صلّى ال عليه وسلم حريم الشجرة خمسة أذرع (‪. )3‬‬
‫ومقدار الحريم عند المالكية (‪ : )4‬ما يأتي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نصب الراية‪.292/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المسناة‪ :‬ما يبنى في وجه السيل لحبس الماء‪ .‬ويراد بها هنا‪ :‬ما يكون كالجسر للنهر‪ ،‬للمشي‬
‫وإلقاء الطين عند الكري (أي الحفر)‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري (نصب الراية‪.)293/4 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪ ،89/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.339‬‬

‫( ‪)6/423‬‬

‫حريم البئر‪ :‬ما يتصل بها من الرض التي حولها‪ ،‬فهو يختلف بقدر كبر البئر وصغرها وشدة‬
‫الرض ورخاوتها‪ .‬ويشمل باطن الرض‪ .‬فل يحق لخر حفر بئر ينشف ماءها أو يذهبه‪ ،‬أو يغيره‬
‫بطرح نجاسة يصل إليها وسخها‪ ،‬كما يشمل ظاهر الرض كالبناء والغرس‪.‬‬
‫وحريم الدار‪ :‬مدخلها ومخرجها‪ ،‬ومواضع مضابطها‪ ،‬وشبهها‪ ،‬مما يرتفق أهلها به من مطرح تراب‪،‬‬
‫ومصب ميزاب لدار‪.‬وحريم الفدان (‪ : )1‬حواشيه‪ ،‬ومدخله ومخرجه‪.‬‬
‫وحريم القرية‪ :‬موضع محتطبها ومرعاها‪.‬‬
‫وحريم الشجر‪ :‬ما فيه مصلحة عرفا‪ ،‬فلصاحبها منع من أراد إحداث شيء بقربها يضرّ بها‪ ،‬من بناء‬
‫أو غرس أو حفر بئر ونحوها‪.‬‬
‫وعند الشافعية (‪ : )2‬يرجع في تقدير الحريم إلى العرف‪ ،‬حتى إن المنصوص عليه مراعى فيه‬
‫العرف والحاجة‪ .‬والحريم كما تقدم‪ :‬هو ما تمس الحاجة إليه لتمام النتفاع بالمعمور‪ ،‬وإن حصل‬
‫أصل النتفاع بدونه‪.‬‬
‫فحريم القرية المحياة‪ :‬النادي (وهو المجلس الذي يجتمعون فيه ويتحدثون) ‪ ،‬ومرتكض الخيل‪ ،‬ومناخ‬
‫البل‪ ،‬ومطرح الرماد ونحوها كمراح غنم ومسيل ماء وملعب صبيان‪.‬‬
‫وحريم البئر المحفورة في الموات‪ :‬موقف النازح منها (وهو القائم على رأس البئر ليستقي) (‪)3‬‬
‫والحوض (وهو ما يصب النازح فيه ما يخرجه من البئر) ‪ ،‬والدولب‪ ،‬ومجتمع الماء (الذي يطرح‬
‫فيه من الحوض لسقي الماشية والزرع) ‪ ،‬ومتردد النازح من الدابة إن استقى بها‪ ،‬أو الدمي‪.‬‬
‫وحريم بئر الشرب‪ :‬موضع المستقي منها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفدان‪ 5760 :‬م ‪ 240 = 2‬قصبة‪ ،‬والدونم‪ 1000 :‬م ‪.2‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 363/4 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 424/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬أما المحفورة في ملكه‪ ،‬فيعتبر فيها العرف‪.‬‬

‫( ‪)6/424‬‬

‫وحريم النهر‪ :‬هو ملقى الطين وما يخرج منه بحسب العرف في الموضع‪ .‬بدليل حديث عبد ال بن‬
‫مغفل السابق أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬من احتفر بئرا‪ ،‬فله أربعون ذراعا حولها‪ ،‬عطنا‬
‫لماشيته» ‪.‬‬
‫وحريم الدار المبنية في الموات‪ :‬مطرح رماد وكناسة وثلج‪ ،‬وممر في صوب الباب (جهته)‪.‬‬
‫وحريم آبار القناة‪ :‬ما لو حفر فيه (أي في الحريم) نقص ماؤها‪ ،‬أو خيف عليها النهيار‪ ،‬والدار‬
‫المحفوفة بدور ل حريم لها‪ .‬ويتصرف كل واحد في ملكه على العادة‪ ،‬فإن تعدى ضمن‪.‬‬
‫ويجوز إحياء موات الحرم المكي‪،‬كما يملك عامره بالبيع وغيره‪،‬دون عرفات ومزدلفة ومنى‪ ،‬ل‬
‫يجوز إحياؤها لتعلق الوقوف بعرفات‪ ،‬وأداء شعائر الحج فيها وفي غيرها‪ ،‬كالحقوق العامة من‬
‫الطرق ومصلى العيد في الصحراء‪ ،‬وموارد الماء‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة (‪ )1‬ما يأتي‪:‬‬
‫البئر العاديّة (بتشديد الياء نسبة إلى عاد) (‪ : )2‬هي القديمة التي انطمت وذهب ماؤها‪ ،‬فجدد حفرها‬
‫وعمارتها‪ ،‬أو انقطع ماؤها‪ ،‬فاستخرجه المحيي الذي يملكها ويملك حريمها‪ .‬وحريمها‪ :‬خمسون ذراعا‬
‫من كل جانب‪.‬‬
‫والبئر غير العادية (البئر البديء) ‪ :‬حريمها على النصف من حريم العادية‪ ،‬وهو خمسة وعشرون‬
‫ذراعا من كل جانب‪.‬‬
‫والدليل ما روى أبو عبيد في الموال عن سعيد بن المسيب قال‪« :‬السنة في حريم القليب ـ البئر‬
‫العادية‪ :‬خمسون ذراعا‪ ،‬وحريم البديء‪ :‬خمسة وعشرون ذراعا‪ ،‬وحريم بئر الزرع ثلث مئة ذراع»‬
‫‪.‬‬
‫وحريم عين وقناة من موات حولها‪ :‬خمس مئة ذراع‪ ،‬أي ذراع اليد؛ لنه المتبادر عند الطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ 212/4 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪.542/5 :‬‬
‫(‪ )2‬لم يرد عادا بعينها‪ ،‬لكن لما كانت «عاد» في الزمن الول‪ ،‬وكانت لها آثار في الرض‪ ،‬نسب‬
‫إليها كل قديم‪ .‬لذا عرفت بأنها‪ :‬القديمة‪..‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)6/425‬‬

‫وحريم نهر من حافتيه‪ :‬ما يحتاج النهر إليه‪ ،‬لطرح كرايته (أي ما يلقى منه طلبا لسرعة جريه) وما‬
‫يضر صاحبه‪ ،‬بتملكه عليه‪ ،‬وإن كثر‪ ،‬وكذا ما يرتفق بدخوله؛ لنه من مصالحه‪.‬‬
‫وحريم شجرة‪ :‬قدر مد أغصانها‪ .‬وحريم النخل‪ :‬بقدر مد جريدها‪ ،‬لحديث أبي سعيد الخدري المتقدم‪:‬‬
‫«اختصم إلى النبي صلّى ال عليه وسلم في حريم نخلة‪ ،‬فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت‪ ،‬فكانت‬
‫سبعة أذرع‪ ،‬أو خمسة أذرع‪ ،‬فقضى بذلك» ‪.‬‬
‫وحريم أرض زراعة‪ :‬قدر ما يحتاجه زارعها لسقيها‪ ،‬وربط دوابها‪ ،‬وطرح سبخها ونحوه‪ ،‬كمصرف‬
‫مائها عند الستغناء عنه‪ ،‬لن كل المذكور من مرافقها‪.‬‬
‫وحريم الدار‪ :‬مطرح تراب وكناسة وثلج وماء وميزاب‪ ،‬وممر إلى بابها؛ لن هذا كله مما يرتفق بها‬
‫ساكنها‪.‬‬
‫ول حريم لدار محفوفة بملك الغير من كل جانب؛ لن الحريم من المرافق‪ ،‬ول يرتفق بملك غيره؛‬
‫لن مالكه أحق به‪ ،‬ويتصرف كل واحد منهم في ملكه وينتفع بحسب ما جرت به العادة‪ ،‬فإن تعدى‬
‫العادة‪ ،‬منع التعدي‪ ،‬عملً بالعادة‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ :‬لو حفر رجل بئرا في أرضه‪ ،‬فأدى إلى نضوب ماء بئر الجار‪ ،‬وجب سد ماء البئر‪ ،‬عند‬
‫الحنابلة‪.‬‬
‫ول شيء عليه عند الحنفية؛ لن الماء الموجود تحت الرض غير مملوك لحد‪ ،‬وهذا منصوص عليه‬
‫في المجلة (م ‪.)1288‬‬

‫( ‪)6/426‬‬

‫صلُ الثّالث‪ :‬أحكام المعادن والحِمى والقطاع‬


‫ال َف ْ‬
‫فيه مبحثان‪:‬‬
‫الول ـ الحمى‪.‬‬
‫الثاني ـ القطاع‪ ،‬ويتضمن أحكام المعادن‬
‫المبحث الول ـ الحمى ‪:‬‬
‫معناه وأصله‪ ،‬مشروعيته‪ ،‬ما حماه النبي صلّى ال عليه وسلم أو إمام غيره‪.‬‬
‫أولً ـ أصل الحمى ومعناه‪ :‬أصل الحمى عند العرب في الجاهلية‪ :‬أن الرئيس منهم كان إذا نزل‬
‫بأرض مخصبة‪ ،‬استعوى كلبا‪ ،‬على مكان عال‪ ،‬فحيث انتهى إليه صوته من كل جانب‪ ،‬حماه لنفسه‪،‬‬
‫فل يرعى فيه غيره‪ ،‬ويرعى هو مع غيره‪ .‬وهذا ل يجوز شرعا‪ ،‬فقد نهى عنه النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم لما فيه من التضييق على الناس‪ ،‬ومنعهم من النتفاع بشيء لهم فيه حق‪.‬‬
‫والحمى بمعنى المحمي‪ ،‬مصدر يراد به اسم المفعول‪ ،‬أو المراد به الحماية والتحجير‪ .‬ومعناه شرعا‪.‬‬
‫أن يحمي المام أرضا من الموات‪ ،‬فيمنع الناس من رعي ما فيها من الكل‪ ،‬ليختص بها دونهم‪،‬‬
‫لمصلحة المسلمين‪ ،‬ل لنفسه‪ .‬وعرف المالكية الحمى الشرعي بقولهم‪ :‬أن يحمي المام مكانا خاصا‬
‫لحاجة غيره (‪. )1‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيته‪ :‬ل يجوز لحد أن يحمي مواتا ليمنع إحياء الموات‪ ،‬ورعي ما فيه من الكل‪ ،‬لما‬
‫روى الصعب بن جَثّامة‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل حمى إل ل ولرسوله» (‪. )2‬‬
‫ويجوز باتفاق المذاهب في الصحيح عند الشافعية للمام أن يحمي لخيل المجاهدين و َنعَم (‪ )3‬الجزية‪،‬‬
‫وإبل الصدقة‪ ،‬والماشية الضعيفة‪ ،‬بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع (‪ )4‬للخيل ـ خيل‬
‫المسلمين (‪ . )5‬ويؤيده ما روى عامر بن عبد ال بن الزبير عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬أتى أعرابي من أهل نجد‬
‫عمر رضي ال عنه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬بلدنا قاتلنا عليها في الجاهلية‪ ،‬وأسلمنا عليها في‬
‫السلم‪ ،‬فعلم تحميها؟ فأطرق عمر رضي ال عنه‪ ،‬وجعل ينفخ‪ ،‬ويفتِل شاربه‪ ،‬وكان إذا كرِه أمرا‪،‬‬
‫فتل شاربه ونفخ‪ ،‬فلما رأى العرابي مابه‪ ،‬جعل يردد ذلك‪ ،‬فقال عمر‪« :‬المال مال ال ‪ ،‬والعباد عباد‬
‫ال ‪ ،‬فلول ما أحمل عليه في سبيل ال (أي لخيل الجهاد) ماحميت من الرض شبرا في شبر» (‪. )6‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪ ،308/5 :‬المغني‪ 528/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدردير في الشرح الكبير‪ 68/4 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫وفي الصغير‪ ،92/4 :‬المهذب‪ ،427/1 :‬كشاف القناع‪ 223/4 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والبخاري وأبو داود (نيل الوطار‪.)308/5 :‬‬
‫(‪ )3‬ال ّنعَم‪ :‬البل والبقر والغنم‪.‬‬
‫(‪ )4‬النقيع‪ :‬موضع معروف‪ ،‬على بعد عشرين فرسخا من المدينة‪ ،‬وقدره ميل في ثمانية أميال‪.‬‬
‫وأصل النقيع‪ :‬كل موضع ينتقع فيه الماء‪ ،‬فيكثر فيه الخصب‪ ،‬بسبب وجود الماء‪ .‬والفرسخ ‪ 5544‬م‪،‬‬
‫والميل ‪ 1848‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد عن ابن عمر (نيل الوطار‪ )308/5 :‬ورواه البخاري وأبو داود عن الصعب بن‬
‫جثامة (جامع الصول‪.)331/3 :‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو عبيد بإسناده عن عامر بن عبد ال بن الزبير‪ .‬ورواه البخاري والموطأ عن أسلم مولى‬
‫عمر (جامع الصول‪ 328/3 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)6/427‬‬

‫قال مالك‪ :‬بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين من الظهر‪ ،‬وقال مرة‪ :‬من الخيل‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬بلغنا أن النبي صلّى ال عليه وسلم حمى النقيع‪ ،‬وأن عمر حمى شرَف والرّبذة (‪. )1‬‬
‫وعن أسلم مولى عمر‪ :‬أن عمر استعمل مولى له‪ ،‬يدعى «هُنيّا» على الحمى‪ ،‬وقال له‪ :‬يا هُنَي‪،‬‬
‫اضمم جَنَاحك على المسلمين (‪ ، )2‬واتق دعوة المظلوم‪ ،‬فإن دعوة المظلوم مستجابة‪ ،‬وأدخل رب‬
‫الصّرَيمة (‪ ، )3‬ورب الغُنَيمة‪ ،‬وإياك ونَعمَ ابن عوف‪ ،‬ونعم ابن عفان (‪ ، )4‬فإنهما إن تهلك‬
‫ماشيتهما‪ ،‬يرجعان إلى نخل وزرع‪.‬‬
‫ورب الصريمة ورب الغنيمة‪ ،‬إن تهلك ماشيتهما‪ ،‬يأتيني ببينة يقول‪ :‬يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا‪ ،‬ل‬
‫أبالك (‪ ، )5‬فالماء والكل أيسر عليّ من الذهب والورِق‪.‬‬
‫وأيم ال ‪ ،‬إنهم ليَروْن أني قد ظلمتهم‪ ،‬إنها لبلدُهم‪ ،‬قاتلوا عليها في الجاهلية‪ ،‬وأسلموا عليها في‬
‫السلم‪.‬‬
‫والذي نفسي بيده‪ ،‬لول المال الذي أحمل عليه في سبيل ال ‪ ،‬ما حميت عليهم من بلدهم شيئا (‪. )6‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري عن الصعب بن جثامة (نيل الوطار‪ ،‬المكان السابق) والشرف‪ :‬موضع بقرب‬
‫مكة‪ ،‬والربذة‪ :‬موضع معروف بين مكة والمدينة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في كتب الفقه‪ :‬اضمم جناحك عن الناس‪ ،‬أي أمسك يدك ول تمدها إلى ضرر مسلم‪ ،‬أي تواضع‬
‫لهما‪ ،‬أو اتق ال فيهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصريمة‪ :‬تصغير صرمة‪ :‬وهي القطعة من البل نحو الثلثين‪ ،‬فهي ما بين العشرين إلى‬
‫الثلثين من البل‪ ،‬أو من العشر إلى الربعين منها‪ ،‬والغنيمة‪ :‬ما بين الربعين والمئة من الشاء‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي ل تدخلها الحمى‪ ،‬فإنهما غنيان ل يضرهما هلك نعمهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬ظاهره الذم‪ ،‬والقصد‪ :‬التحريض على الشيء‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (نيل الوطار‪ ،‬المكان السابق)‪.‬‬

‫( ‪)6/428‬‬

‫قال ابن قدامة (‪ : )1‬وهذا إجماع من الصحابة‪ ،‬ولن ماكان لمصالح المسلمين‪ ،‬قامت الئمة فيه مقام‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد روي عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال‪.‬‬
‫طعْمة‪ ،‬إل جعلها طعمة لمن بعده» رواه أحمد‪.‬‬
‫«ما أطعم ال لنبي ُ‬
‫وأجاز المالكية (‪ )2‬الحمى الشرعي بشروط أربعة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬حاجة المسلمين إليه‪ :‬فل يحمي المام أو نائبه لنفسه‪ ،‬ول لغيره عند عدم الحاجة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون المحمي قليلً‪ ،‬ل كثيرا‪ .‬والقليل‪ :‬ما ل يضيق فيه على الناس والكثير‪ :‬ما ضيق فيه‬
‫على الناس‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون المحمي في مكان عفا‪ ،‬أي خاليا من البناء والغرس‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون الغرض من الحمى تحقيق مصلحة عامة الناس‪ ،‬مثل الجهاد ونحوه‪ ،‬أي لترعى فيه‬
‫دواب الحرب أو الصدقة أو ضعفة المسلمين‪.‬‬
‫ونائب المام مثل المام‪ ،‬وإن لم يأذن له المام‪ ،‬بخلف القطاع‪ ،‬فليس لنائب السلطان إقطاع إل‬
‫بإذن؛ لن القطاع يحصل به التمليك‪ ،‬فل بد فيه من الذن‪ ،‬بخلف الحمى‪.‬‬
‫ثالثا ـ حكم ما حماه النبي صلّى ال عليه وسلم أو إمام غيره(‪: ) 3‬‬
‫ليس لحد نقضه‪ ،‬ول تغييره‪ ،‬مع بقاء الحاجة إليه‪ ،‬لنه كالمنصوص عليه‪ ،‬ومن أحيا منه شيئا لم‬
‫يملكه‪.‬‬
‫وإن زالت الحاجة إليه‪ ،‬ففيه عند الشافعية والحنابلة وجهان‪:‬‬
‫أحدهما ـ يجوز لنه زال السبب‪.‬‬
‫والثاني ـ ل يجوز‪ ،‬لن ما حكم به رسول ال صلّى ال عليه وسلم نص‪ ،‬فل يجوز نقضه بالجتهاد‪.‬‬
‫وإن حمى إمام آخر بعد النبي‪ ،‬فغيّره هو‪ ،‬أو غيره من الئمة‪ :‬جاز‪.‬‬
‫وإن أحياه إنسان بعد المام ففيه قولن عند الشافعية والحنابلة‪:‬‬
‫أحدهما ـ ل يملكه‪ ،‬كما ل يملك ما حماه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولن اجتهاد المام‬
‫ليجوز نقضه‪.‬‬
‫والثاني ـ يملك؛ لن حمى المام اجتهاد‪ ،‬وملك الرض بالحياء نص‪ ،‬والنص يقدم على الجتهاد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.530/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،69/4 :‬الشرح الصغير‪.92/4 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع المهذب‪ ،427/1 :‬المغني‪ ،530/5 :‬كشاف القناع‪.224/4 :‬‬

‫( ‪)6/429‬‬

‫المبحث الثاني ـ القطاع ‪:‬‬


‫تعريفه‪ ،‬مشروعيته‪ ،‬أنواعه وحكم كل نوع‪.‬‬
‫أولً ـ تعريف القطاع‪ :‬هو جعل بعض الراضي الموات مختصة ببعض الشخاص ـ سواء أكان‬
‫ذلك معدنا‪ ،‬أم أرضا‪ ،‬فيصير ذلك البعض أولى به من غيره‪ ،‬بشرط أن يكون من الموات الذي ل‬
‫يختص به أحد‪.‬‬
‫أو هو تسويغ المام من مال ال شيئا لمن يراه أهلً له‪ .‬وأكثر ما يستعمل في الرض‪ :‬وهو أن يخرج‬
‫منها لمن يراه ما يحوزه‪ ،‬إما بأن يملكه‪ ،‬فيعمره‪ ،‬وإما بأن يجعل له غلته مدة (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.311/5 :‬‬

‫( ‪)6/430‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيته‪ :‬يجوز للمام أن يقطع موات الرض لمن يملكه بالحياء‪ ،‬لما روى وائل بن‬
‫حُجر‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم أقطعه أرضا بحضرموت‪ ،‬وبعث معاوية ليقطعها إياه» (‪، )1‬‬
‫حضْر فرسه (‪ ، )2‬وأجرى الفرس‬
‫وروى ابن عمر‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم أقطع الزبير ُ‬
‫حتى قام‪ ،‬ثم رمى بسوطه‪،‬فقال‪ :‬أقطعوه‪ ،‬حيث بلغ السوط» (‪ . )3‬وروى عمرو بن شعيب أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا (‪. )4‬‬
‫وروي أن أبا بكر أقطع الزبير‪ :‬وأقطع عمر عليا‪ ،‬وأقطع عثمان رضي ال عنهم خمسة من أصحاب‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬الزبير‪ ،‬وسعد‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وخبابا‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬رضي ال‬
‫عنهم‪ .‬ويروى عن نافع أبي عبد ال ‪ :‬أنه قال لعمر‪ :‬إن قَبلنا أرضا بالبصرة‪ ،‬ليست من أرض‬
‫الخراج‪ ،‬ول تضر بأحد من المسلمين‪ ،‬فإن رأيت أن تقطعنيها‪ ،‬أتخذ فيها قصيل (‪ )5‬لخيلي فافعل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكتب عمر إلى أبي موسى‪ :‬إن كانت كما يقول‪ ،‬فاقطعها إياه (‪ . )6‬ويجوز أيضا إقطاع المعادن‬
‫للستغلل‪ ،‬ل ملك الرقبة (عين الشيء)‪ ،‬لما روى ابن عباس قال‪« :‬أقطع رسول ال صلّى ال عليه‬
‫غوْريّها وحيث يصلح الزرع من قُدْس (‬
‫وسلم بلل بن الحارث المزني معادن القَبَليّة (‪ ، )7‬جَلْسيها و َ‬
‫‪ ، )8‬ولم يعطه حق مسلم (‪. » )9‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي وصححه (نيل الوطار‪.)312/5 :‬‬
‫(‪ )2‬حضر فرسه‪ :‬مقدار عدوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود لكن في إسناده رجل فيه مقال‪ ،‬وهو عبد ال بن عمر بن حفص بن عاصم‬
‫بن عمر بن الخطاب (نيل الوطار‪.)312/5 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه سعيد بن منصور في سننه‪.‬‬
‫(‪ )5‬القصيل‪ :‬الشعير يجز أخضر لعلف الدواب‪.‬‬
‫(‪ )6‬روى هذه الثار كلها أبو عبيد في الموال‪.‬‬
‫(‪ )7‬القبلية‪ :‬ناحية من ساحل البحر‪ ،‬بينها وبين المدينة خمسة أيام‪.‬‬
‫(‪ )8‬الجلس‪ :‬كل مرتفع من الرض‪ ،‬ويطلق على أرض نجد‪ .‬وغوريها‪ :‬نسبة إلى غور‪ ،‬قال في‬
‫القاموس‪ :‬إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر‪ ،‬وكل ما انحدر مغربا عن تهامة‪،‬‬
‫وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلثة أيام في عرض فرسخين‪ ،‬وموضع في ديار بني‬
‫سليم‪ ،‬وماء لبني العدوية‪ .‬ا هـ‪ .‬والمراد هنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية‪.‬‬
‫وقدس‪ :‬هو جبل عظيم بنجد‪ ،‬كما في القاموس‪ ،‬وقيل‪ :‬الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه أحمد وأبو داود‪ ،‬وروياه أيضا من حديث عمرو بن عوف المزني (نيل الوطار‪.)309/5 :‬‬
‫( ‪)6/431‬‬

‫ثالثا ـ أنواع القطاع ‪:‬‬


‫القطاع ثلثة أقسام‪ :‬إقطاع تمليك‪ ،‬وإقطاع استغلل‪ ،‬وإقطاع إرفاق‪ .‬وإقطاع التمليك ينقسم إلى‬
‫موات‪ ،‬وعامر‪ ،‬ومعادن‪ .‬وإقطاع الستغلل نوعان‪ :‬عشر‪ ،‬وخراج‪.‬‬
‫‪ - 1‬حكم إقطاع الموات‪ :‬أما إقطاع الموات‪ :‬فيجوز باتفاق المذاهب للمام إقطاع موات لمن يحييه‪،‬‬
‫فيؤدي إلى عمارة البلد‪ ،‬لنه صلّى ال عليه وسلم ـ كما تقدم ـ أقطع بلل ابن الحارث العقيق ‪،‬‬
‫وأقطع وائل بن حجر أرضا‪ ،‬وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان جمعا من الصحابة‪.‬‬
‫فإن أقطع المام أرضا لشخص‪ ،‬ملكها عند المالكية (‪ )1‬وإن لم يعمرها بشيء‪ ،‬فله بيعها وهبتها‪،‬‬
‫وتورث عنه‪ .‬وليس هو من الحياء‪ ،‬بل هو تمليك مجرد‪.‬‬
‫ول يملك الموات بالقطاع عند الجمهور (‪( )2‬غير المالكية)‪ ،‬لنه لو ملكه ما جاز استرجاعه‪ ،‬بل‬
‫يصير المقطع كالمتحجر الشارع في الحياء‪ ،‬فيكون أحق به إذا أحياه في خلل مدة‪ ،‬أقصاها عند‬
‫الحنفية ثلث سنين‪ ،‬لقول عمر‪« :‬ليس لمتحجر بعد ثلث سنين حق» ‪.‬‬
‫ول ينبغي للمام أن يقطع من الموات إل ما قدر المقطع على إحيائه؛ لن في إقطاعه أكثر من هذا‬
‫القدر تضييقا على الناس في حق مشترك بينهم ‪ ،‬مما ل فائدة فيه‪،‬فيدخل به الضرر على المسلمين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪ ،183‬الحكام السلطانية لبي يعلى‪ :‬ص ‪ ،212‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،216/4‬الشرح الصغير‪.90/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،194/6 :‬المهذب‪ ،426/1:‬المغني‪ ،527-526/5 :‬كشاف القناع‪ 216/4 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/432‬‬

‫فإن أقطع المام أحدا أكثر من القدر الذي يمكن إحياؤه‪ ،‬ثم تبين عجزه عن عمارته أو إحيائه‬
‫استرجعه المام منه‪ ،‬كما استرجع عمر من بلل بن الحارث ماعجز عن عمارته‪ ،‬من العقيق الذي‬
‫أقطعه إياه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ .‬وهذا هو المراد بالمصلحة التي يجوز القطاع لجلها؛‬
‫لن الحكم يدور مع علته‪.‬‬
‫وللمام عند الحنابلة إقطاع غير موات تمليكا‪ ،‬وانتفاعا للمصلحة (‪ . )1‬ويجوز القطاع من مال‬
‫الخراج‪ ،‬كما يجوز من مال الجزية (‪. )2‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )3‬ل يقطع المام معمور أرض العنوة كأرض مصر والشام والعراق‪ ،‬أي الصالحة‬
‫لزرع الحب ملكا؛ لنها وقف عندهم‪ ،‬بل يقطعها إمتاعا وانتفاعا‪ .‬وأما ما ل يصلح لزرع الحب‪ ،‬وإن‬
‫صلح لغرس الشجر‪ ،‬وليس من العقار‪ ،‬فإنه من الموات‪ ،‬يقطعه ملكا وانتفاعا‪.‬‬
‫وأما أرض الصلح فل يقطعها المام لحد مطلقا؛ لنها مملوكة لربابها‪.‬‬
‫‪ - 2‬حكم إقطاع العامر وهو إقطاع الرفاق‪ :‬قال الشافعية والحنابلة (‪ : )4‬يجوز إقطاع ما بين العامر‬
‫من الرحاب للمساجد ونحوها‪ ،‬ومقاعد السواق‪ ،‬والطرق الواسعة‪ ،‬إقطاع انتفاع‪ ،‬ول يملكه المقطع‬
‫وإنما ينتفع به ما لم يضيق على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.217/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪ 91/4 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪.68/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المهذب‪ ،427/1 :‬المغني‪ ،526/5 :‬كشاف القناع‪ ،217/4 :‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص‬
‫‪ ،184‬الحكام السلطانية لبي يعلى‪ :‬ص ‪.213‬‬

‫( ‪)6/433‬‬

‫الناس أو يضر بالمارة‪ ،‬فمن أقطع شيئا مما ذكر صار أحق بالجلوس في الموضع؛ لن للمام النظر‬
‫والجتهاد‪ ،‬فإذا أقطعه ثبتت يده عليه بالقطاع‪ ،‬فلم يكن لغيره أن يقعد فيه‪ ،‬بمنزلة السابق إليه من‬
‫غير إقطاع‪ ،‬إل في فارق واحد‪ :‬وهو أن السابق لشيء إذا انتقل عنه بنقل متاعه منه‪ ،‬زال استحقاقه‪،‬‬
‫لزوال المعنى الذي استحق به‪ .‬وفي القطاع ل يزول استحقاقه سواء نقل متاعه إليه أو لم ينقل‪ ،‬جلس‬
‫فيه أو تركه؛ لنه استحق بإقطاع المام‪ ،‬فل يزول حقه بترك الجلوس فيه‪.‬‬
‫وللجالس في الرحاب أو الطرق أن يظلل على نفسه بما ل ضرر فيه من حصير وكساء للحاجة إليه‪،‬‬
‫وليس له بناء شيء في الطريق‪ ،‬ول في رحبة المسجد‪ ،‬لما فيه من التضييق‪.‬‬
‫وليس للجالس بطريق واسع الجلوس بحيث يمنع جاره رؤية المتعاملين معه‪ ،‬أو يضيق على جاره في‬
‫كيل أو وزن أو أخذ أو عطاء‪ ،‬لحديث «ل ضرر ول ضرار» ‪.‬‬
‫‪ - 3‬حكم إقطاع المعادن وملكيتها ‪:‬‬
‫تعريف المعادن‪ ،‬والفرق بينها وبين الرّكاز أو الكنز‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وحكم ملكيتها وإقطاعها في المذاهب‪.‬‬
‫المستخرج من الرض بالبحث والتنقيب‪ :‬إما معدن‪ ،‬أو ركاز أو كنز‪.‬‬
‫تعريف المعادن‪ :‬المعادن أو الفلزات‪ :‬هي ما يوجد في باطن الرض من أصل الخلقة‪ ،‬كالذهب‬
‫والفضة‪ ،‬والنحاس والحديد والرصاص‪.‬‬
‫والرّكاز أو الكنز‪ :‬هو المال المدفون في الرض بفعل صاحبه‪ ،‬أو بأثر حادث إلهي‪ ،‬كزلزال أو رياح‬
‫عاتية‪ ،‬أدى إلى طمر بلد مع ما فيها من ثروات‪ .‬والفرق بين المعدن والركاز‪ :‬أن المعدن‬

‫( ‪)6/434‬‬

‫جزء من الرض‪ ،‬وأن الركاز ليس جزءا من الرض‪ ،‬وإنما هو دفين مودع فيها‪ ،‬بفعل النسان (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫أنواع المعادن‪ :‬المعادن عند الحنفية أنواع (‪: )2‬‬
‫‪ )1‬ـ ما يقبل الطرق والسحب‪ ،‬فيعمل منه الصفائح والحلي والسلك‪ ،‬أو ما يذوب بالذابة وينطبع‬
‫بالحلية ـ بتعبير الفقهاء‪ ،‬كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ونحوها‪.‬‬
‫‪ )2‬ـ مال يقبل الطرق والسحب أو ما ل يذوب بالذابة‪ ،‬كالماس والياقوت والبلور والعقيق والفيروز‬
‫والكحل والزرنيخ‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫‪ )3‬ـ المعادن السائلة أو المائعة‪ ،‬كالنفط والقار ونحوها من الزيوت المعدنية‪.‬‬
‫وقسم الشافعية والحنابلة (‪ )3‬المعادن قسمين‪ :‬ظاهرة وباطنة‪.‬‬
‫أ ـ فالظاهرة‪ :‬هي البارزة غير المختلطة بالرض‪ ،‬التي ل تحتاج إلى مشقة في استخراجها أو‬
‫الوصول إليها‪ ،‬كالنفط والقار (الزفت) والملح والكحل والكبريت‪.‬‬
‫ب ـ والباطنة‪ :‬هي التي تحتاج إلى جهد وعمل لستخراجها‪ ،‬كالذهب والحديد والنحاس والرصاص‪.‬‬
‫حكم المعادن عند الحنفية (‪: )4‬‬
‫ل تكون أرض المعادن‪ ،‬كأرض الملح والقار والنفط ونحوها مما ل يستغني‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ 287/1 :‬ومابعدها‪ ،‬مختصر المعاملت الشرعية للستاذ الشيخ علي الخفيف‪ :‬ص‬
‫‪ ،29‬الموال ونظرية العقد‪ ،‬للدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪.194‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.68 ،67/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪ 189‬وما بعدها‪ ،‬الحكام السلطانية لبي يعلى‪ :‬ص ‪ 219‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪،68-65/2 :‬تبيين الحقائق‪ 288/1 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 59/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫( ‪)6/435‬‬

‫عنها المسلمون أو المة‪ ،‬أرض موات‪ .‬فل يجوز للمام أن يقطعها لحد؛ لنها حق لعامة المسلمين‪،‬‬
‫وفي القطاع إبطال حقهم‪ ،‬وهو ل يجوز (‪. )1‬‬
‫وحكم ملكيتها وزكاتها فيما يأتي‪ :‬ل يقول الحنفية بالتفرقة في مقدار الزكاة بين المعدن والكنز‪،‬‬
‫والركاز يشمل الثنين وكلهما من البّر‪ ،‬وهناك معادن البحر‪.‬‬
‫أولً ـ المعدن‪ :‬أ ـ إن كان في أرض غير مملوكةفي دار السلم‪ ،‬وكان مما يقبل الطرق والسحب‪،‬‬
‫كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص‪ ،‬قليلً أو كثيرا‪ :‬يكون فيه الخمس لبيت المال كالواجب‬
‫في الغنيمة‪ ،‬والباقي وهو الربعة الخماس لمن عثر عليه‪ ،‬كائنا من كان إل الحربي المستأمن‪ ،‬فإنه‬
‫يسترد منه الكل‪.‬‬
‫ودليلهم‪ :‬قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬وفي الركاز الخمس» (‪ )2‬والركاز‪ :‬اسم للمعدن حقيقة‪ ،‬ويطلق‬
‫على الكنز مجازا؛ لن العرب تقول‪ :‬أركز الرجل‪ :‬إذا أصاب ركازا‪ ،‬وهي قطع من الذهب تخرج‬
‫من المعادن (‪ . )3‬وروى أبو يوسف عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬في الركاز الخمس‪ ،‬قيل‪ :‬وما الركاز يا رسول ال ؟ قال‪ :‬الذي خلقه ال في الرض‬
‫يوم خلقت» (‪ )4‬فدل النص عندهم على أن الركاز يطلق على المعدن‪ ،‬فالمعدن ركاز‪ ،‬وعلى المال‬
‫المدفون‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان المعدن مما ل يقبل الطرق والسحب‪ ،‬كالماس والياقوت وسائر الحجار الكريمة‪ ،‬فل‬
‫خمس فيه‪ ،‬ويكون كله للواجد؛ لنه من جنس الرض‪ ،‬كالتراب والحجار العادية‪ ،‬إل أنها مضيئة‪،‬‬
‫ول خمس في الحجر‪.‬‬
‫جـ ـ وإن كان المعدن مائعا كالنفط والقير‪ :‬فل شيء فيه لبيت المال‪ ،‬وكله لمن وجده؛ لنه كالماء‪،‬‬
‫ول يقصد بالستيلء‪ ،‬فل يعتبر كالغنائم‪ ،‬التي يجب فيها الخمس‪.‬‬
‫أما الزئبق‪ :‬ففيه الخمس؛ لنه ينطبع مع غيره‪ ،‬وإن كان مما ل ينطبع بنفسه‪ ،‬فأشبه الفضة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،164/6 :‬الدر المختار‪.308/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة ( أحمد والئمة الستة ) عن أبي هريرة ( نيل الوطار‪ ،147/4 :‬نصب الراية‪:‬‬
‫‪.)380/3‬‬
‫(‪ )3‬خالفهم الجمهور في الحكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل يقال للمعدن ركاز‪ ،‬لحديث‪ « :‬والمعدن جبار ‪ -‬أي هدر ‪-‬‬
‫وفي الركاز الخمس » فقد فرق بينهما بالعطف‪ ،‬فدل ذلك على المغايرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬نصب الراية‪.380/2 :‬‬

‫( ‪)6/436‬‬

‫د ـ وإن وجد المعدن في أرض مملوكة لبعض الناس‪ ،‬أو دار أو منزل أو حانوت‪ ،‬فل خوف عند‬
‫الحنفية في أن الربعة الخماس لصاحب الملك‪ ،‬وإن وجده غيره في أرضه؛ لن المعدن من توابع‬
‫الرض‪ ،‬لنه من أجزائها التي خلق فيها‪.‬‬
‫وأما الخمس فهو لبيت المال إذا كان الموجود مما يقبل الطرق والسحب عند الصاحبين‪ ،‬للحديث‬
‫المتقدم‪« :‬وفي الركاز الخمس» من غير تفصيل بين الرض المملوكة وغيرها‪.‬‬
‫وعند أبي حنيفة‪ :‬ل خمس فيه‪ ،‬على من وجده في أرضه أو داره‪.‬‬
‫ثانيا ـ الكنز ‪:‬‬
‫أ ـ إن كان إسلميا‪ ،‬بأن وجد عليه علمة السلم‪ ،‬كالمصحف والدراهم المكتوب عليها‪« :‬ل إله إل‬
‫ال محمد رسول ال » ‪ ،‬ووجد في أرض غير مملوكة‪ ،‬كالجبال والمغاور ونحوها‪ ،‬كان بمنزلة‬
‫اللقطة‪ ،‬فيجب على واجده التعريف به‪ ،‬ثم النتفاع به إن كان فقيرا‪ ،‬والتصدق به إن كان غنيا‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان غير إسلمي‪ ،‬بأن وجد عليه علمة الجاهلية أو الرومان أو الفرس‪ ،‬كان لبيت المال‬
‫الخمس‪ ،‬والباقي وهو الربعة الخماس للواجد‪ ،‬بل خلف عندهم‪ .‬جـ ـ وإن كان الكنز في أرض‬
‫مملوكة‪ :‬وجب فيه الخمس بل خلف‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬وفي الركاز الخمس» ‪ .‬والباقي للمالك ثم‬
‫لورثته عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وقال أبو يوسف‪ :‬هو للواجد؛ لنه غنيمة وصل إليها قبل غيره‪.‬‬
‫د ـ وإن وجد الكنز في دار الحرب‪ :‬فإن وجد في أرض غير مملوكة لحد‪ ،‬فهو للواجد‪ ،‬ول خمس‬
‫فيه‪ ،‬لنه مال أخذه‪ ،‬ل بطريق القهر والغلبة‪ .‬وإن وجد في أرض مملوكة‪ ،‬ففيه الخمس لبيت المال‪،‬‬
‫والباقي للمالك عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وعند أبي يوسف‪ :‬للواجد؛ لنه مباح سبقت يده إليه‪ ،‬أي كما‬
‫هو المقرر في دار السلم‪.‬‬

‫( ‪)6/437‬‬

‫ثالثا ـ المستخرج من البحر‪ :‬كاللؤلؤ والمرجان والعنبر‪ ،‬وكل حلية تستخرج من البحر‪ ،‬ل شيء فيه‬
‫لبيت المال عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وجميعه للواجد‪ ،‬بدليل ما روي عن ابن عباس رضي ال عنهما‬
‫أنه سئل عن العنبر‪ ،‬فقال‪ :‬هو شيء دسره البحر‪ ،‬ل خمس فيه‪ ،‬ولن يد الكفرة لم تثبت على باطن‬
‫البحار التي يستخرج منها اللؤلؤ والعنبر‪ ،‬فلم يكن الخارج منها مأخوذا بطريق القهر لهم‪ ،‬فل يكون‬
‫غنيمة‪ ،‬فل خمس فيه‪ .‬والعنبر‪ :‬هو الطيب المعروف‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف‪ :‬في كل ما خرج من البحر من الحلي والجواهر‪ :‬الخمس لبيت المال‪ ،‬والباقي‬
‫لواجده أو مستخرجه‪ ،‬بدليل أن عمر رضي ال عنه كتب لعامل له وجد لؤلؤة بأن فيها الخمس‪ ،‬وبأن‬
‫الكفار كانوا يملكون الرض كلها برا وبحرا‪ ،‬فيكون كل ما يصير من أموالهم إلينا غنيمة‪ ،‬وفي الغنائم‬
‫الخمس بنص القرآن (‪ . )1‬وهذا الرأي هو الولى بالتباع في الظروف الدولية الحاضرة‪.‬‬
‫وذكر أبو عبيد أقوالً مختلفة‪ ،‬منها كما قال أبو حنيفة ومحمد‪ ،‬ومنها قول لعمر وعمر بن عبد العزيز‪:‬‬
‫أن معادن البحر كمعادن البر‪ ،‬فيها الزكاة إذا بلغت نصابا (‪. )2‬‬
‫المعادن عند المالكية (‪: )3‬‬
‫المعدن غير الركاز‪ ،‬والركاز هو الكنز‪ ،‬والمعدن‪ :‬هو ما يخرج من الرض من ذهب أو فضة بعمل‬
‫وتصفية‪ .‬ومذهب المالكية يتفق مع النظرة الحديثة للدول في ملكية المعادن‪.‬‬
‫أولً ـ المعدن‪ :‬ملكيته‪ ،‬والواجب فيه ‪:‬‬
‫أما ملكيته فأنواع ثلثة‪:‬‬
‫‪ - )1‬إن كان في أرض غير مملوكة لحد‪ :‬فهو للمام أي السلطان أو نائبه‪ ،‬يقطعه لمن شاء من‬
‫المسلمين‪ ،‬انتفاعا‪ ،‬ل تمليكا‪ ،‬أو يجعله في بيت المال للمصلحة أو المنفعة العامة‪ ،‬ول يختص بشيء‬
‫منه من وجد في أرضه‪.‬‬
‫‪ )2‬ـ أن يكون في أرض مملوكة لمالك معين‪ :‬هو للمام في مشهور المذهب‪ ،‬وقيل‪ :‬لصاحب‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪ - )3‬أن يكون في أرض مملوكة لغير معين‪ ،‬كأرض العنوة والصلح‪ :‬المعتمد أنه للمام‪ ،‬وقيل‪ :‬لمن‬
‫افتتحها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.68/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الموال‪ :‬ص ‪.347-345‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،102‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه‪.654-650/1 :‬‬

‫( ‪)6/438‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المعادن الجامدة والسائلة للدولة عند المالكية في مشهور‬
‫المذهب؛ لن المعادن قد يجدها شرار الناس‪ ،‬فلو لم يكن حكمها للمام‪ ،‬لدى المر إلى الفتن‬
‫والهرج‪.‬‬
‫وأما الواجب في المعدن فهو الزكاة‪ :‬وهي ربع العشر (‪ )1‬إن كان نصابا‪ .‬فإن كان دون النصاب‪ ،‬فل‬
‫شيء فيه‪ .‬ول حول في زكاة المعدن‪ ،‬بل يزكى لوقته‪ ،‬كالزرع‪.‬‬
‫ثانيا ـ الركاز‪ :‬وهو الكنز‪ ،‬يختلف حكمه باختلف الرض التي وجد فيها‪ .‬وهي أربعة أنواع‪:‬‬
‫الول ـ أن يوجد في الفيافي‪ ،‬ويكون من دفن (مدفون) الجاهلية‪ ،‬فهو لواجده‪ ،‬وفيه الخمس لبيت‬
‫المال مطلقا‪ ،‬ذهبا كان أو غيره‪ ،‬قل أو كثر‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يوجد في أرض مملوكة‪ :‬قيل‪ :‬يكون لواجده‪ ،‬وقيل‪ :‬يكون لمالك الرض‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يوجد في أرض فتحت عنوة‪ :‬قيل‪ :‬لواجده‪ ،‬وقيل للذين افتتحوا الرض‪.‬‬
‫الرابع ـ أن يوجد في أرض فتحت صلحا‪ :‬قيل‪ :‬لواجده‪ ،‬وقيل‪ :‬لهل الصلح‪.‬‬
‫وهذا كله ما لم يكن بطابع المسلمين‪ .‬فإن كان بطابع المسلمين فحكمه حكم اللقطة‪ ،‬يعرّف سنة إذا لم‬
‫يعلم صاحبه أو وارثه‪ ،‬فإن لم يعرف فمحله هو بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن في الركاز الخمس لبيت المال‪ ،‬وباقيه لواجده إن لم تكن الرض مملوكة‪ .‬فإن كانت‬
‫مملوكة‪ ،‬فللمالك الرض الصلي الذي ملكها بإحياء ثم لوارثه‪ ،‬ل لمالكها الحالي مطلقا سواء ملكها‬
‫بشراء أو هبة‪.‬‬
‫هذا إن علم المالك الصلي (البائع الصلي أو الواهب)‪ ،‬وإل فلقطة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا هو مقدار ز كاة الذهب والفضة‪ ،‬كما ثبت في السنة (نيل الوطار‪.)137/4 :‬‬

‫( ‪)6/439‬‬

‫المعادن عند الشافعية والحنابلة (‪: )1‬‬


‫‪ - )1‬المعدن غير الركاز عندهم‪ .‬فالمعدن‪ :‬هو ما تولد من الرض‪ ،‬وكان من غير جنسها فهو جزء‬
‫من الرض‪ .‬والركاز‪ :‬هو دفين الجاهلية أو من تقدم من الكفار‪ .‬ويفرقون بين نوعين فيها وهي‬
‫المعادن الظاهرة‪ :‬وهي ما برزت بل عمل‪ ،‬ويتوصل إليها بل مؤنة أي ل تحتاج لعزل عن غيرها‪،‬‬
‫وإنما العمل والجهد في تحصيلها‪ ،‬كالنفط والقار والملح والكبريت‪.‬‬
‫والمعادن الباطنة‪ :‬وهي التي تحتاج لستخراجها إلى عمل ومؤنة كالذهب والفضة والحديد والنحاس‬
‫والرصاص‪ ،‬أي تحتاج لفصلها عن غيرها لختلطها بالتراب‪.‬‬
‫‪ - )2‬والمعادن الظاهرة‪ :‬ل يجوز إقطاعها لحد من الناس سواء إقطاع تمليك أو إقطاع إرفاق‪ ،‬بل‬
‫هي للجميع‪ ،‬ينتفعون بها‪ ،‬ول تملك بإحياء أرض موات‪ ،‬وجدت فيها‪ ،‬عند الشافعية‪ ،‬وفي الظهر عند‬
‫الحنابلة؛ لن هذه المور مشتركة بين الناس‪ ،‬مسلمهم وكافرهم كالماء والكل‪ ،‬كما في الحديث «الناس‬
‫شركاء في ثلث‪ :‬في الماء والكل والنار» ولنها ليست من أجزاء الرض‪ ،‬فلم يملكها من أحيا‬
‫الرض بملك الرض‪ ،‬كالكنز؛ ولنه صلّى ال عليه وسلم أقطع رجلً ملح‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،396-394/1 :‬المهذب‪ 157/1 :‬ومابعدها‪ ،425 ،‬نهاية المحتاج‪،253/4 :‬‬
‫الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪ 189‬وما بعدها‪ .‬المغني‪ ،544 ،524-520/5 ،27-17/3 :‬كشاف‬
‫القناع‪ 208/4 ،265-259/2 :‬وما بعدها‪ 216 ،‬ومابعدها‪ ،‬الحكام السلطانية لبي يعلى‪ :‬ص ‪219‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/440‬‬

‫مأرب‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه كالماء العدّ (أي الذي ل ينقطع) قال‪ :‬فل‪ ،‬إذن (‪. )1‬‬
‫والمعادن الباطنة‪ :‬ل يملكها بمجرد الحفر والعمل من كشفها وأحياها في الظهر عند الشافعية‪ ،‬وظاهر‬
‫المذهب عند الحنابلة‪ ،‬كالمعدن الظاهر؛ لن إحياء الرض الذي يملك به هو العمارة التي يتهيأ بها‬
‫المحيا للنتفاع من غير تكرار عمل‪ .‬وهذا أي حفر المعدن‪ :‬حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كل‬
‫انتفاع‪ ،‬فمجرد الكتشاف ل يكون سببا لملك المعادن‪.‬‬
‫‪ - )3‬ومن أحيا أرضا مواتا‪ ،‬فملكها بذلك‪ ،‬فظهر فيها معدن باطن كالذهب أو الفضة‪ ،‬ملكه عند‬
‫الشافعية؛ لنه بالحياء ملك الرض بجميع أجزائها‪ ،‬ومن أجزائها المعدن‪ ،‬بخلف الركاز أو الكنز‪،‬‬
‫فإنه مودع فيها للنقل عنها‪ .‬أما المعدن الظاهر‪ ،‬فل يملك كما عرفنا بالحياء عند الشافعية؛ لنه حق‬
‫للجميع (‪. )2‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )3‬من أحيا أرضا مواتا‪ ،‬فملكها‪ ،‬فيملك المعادن الجامدة؛ لنه ملك الرض بجميع‬
‫أجزائها وطبقاتها‪ ،‬وهذا المعدن منها‪ ،‬فدخل في ملكه على سبيل التبعية‪ .‬وأما المعادن الجارية كالنفط‬
‫والقار والماء‪ ،‬فأظهر الروايتين عندهم أن محيي الرض ل يملكها؛ لن الناس شركاء فيها‪ ،‬لحديث‬
‫«الناس شركاء في ثلث‪ :‬في الماء والكل والنار» (‪. )4‬‬
‫‪ - )4‬ومن سبق في الموات إلى معدن ظاهر أو باطن‪ ،‬فهوأحق بما ينال منه دون أن يملكه‪ ،‬لقول‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم‪ ،‬فهو له» رواه أبو داود‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المعادن الظاهرة للدولة في ظاهر المذهب عند الشافعية والحنابلة‪ .‬وأما المعادن الباطنة‬
‫فل يملكها مكتشفها‪ ،‬وتكون للدولة أيضا‪ .‬فإن ظهرت المعادن في أرض أحياها شخص‪ ،‬فيملك المحيي‬
‫المعدن الباطن عند الشافعية‪ .‬ويملك عند الحنابلة فقط المعدن الجامد دون السائل‪.‬‬
‫‪ - )5‬أما الواجب في المعدن‪ :‬فهو ربع العشر‪ ،‬إن كان ذهبا أو فضة فقط عند الشافعية‪ ،‬وكذلك إن‬
‫كان من غيرهما وبلغت قيمته نصابا عند الحنابلة‪.‬‬
‫‪ - )6‬وأما الكنز‪ :‬وهو دفين الجاهلية‪ ،‬فيجب فيه الخمس في بيت المال‪ ،‬والباقي إن وجد بأرض‬
‫مملوكة‪ ،‬فهو عند الشافعية والحنابلة لمالك الرض بيمينه إن ادعاه‪ ،‬وإل فهو لمن ملك منه أي لمن‬
‫سبقه من المالكين‪ .‬أما إن وجد في موات أو ملك أحياه‪ ،‬فهو لواجده‪.‬‬
‫وإن كان الكنز إسلميا‪ ،‬وعلم مالكه‪ ،‬فهو له‪ ،‬وإل فهو لقطة‪ .‬وكذلك إن جهل كونه إسلميا أم جاهليا‪،‬‬
‫هو لمالكه إن عرف‪ ،‬وإل فهو لقطة‪ .‬وهذا باتفاق الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي وأبو داود وباقي أصحاب السنن الربعة‪ ،‬وصححه ابن حبان عن أبيض بن حمال‬
‫(نيل الوطار‪.)310/5 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.373- 372/2:‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪.522/5 :‬‬
‫(‪ )4‬والرواية الثانية‪ :‬يملكها لنها خارجة من أرضه المملوكة له‪ ،‬فأشبهت الزرع والمعادن الجامدة‪.‬‬
‫وقد مشى القاضي أبو يعلى في الحكام السلطانية (ص ‪ )220‬على هذه الرواية‪.‬‬

‫( ‪)6/441‬‬

‫صلُ الرّابع‪ :‬حقوق الرتفاق‬


‫ال َف ْ‬
‫الكلم فيها في مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف حق الرتفاق‪ ،‬والفرق بينه وبين حق النتفاع‪ ،‬ووصفه الفقهي‪ ،‬وأحكامه‬
‫العامة‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ أنواع حقوق الرتفاق‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف حق الرتفاق‪ ،‬والفرق بينه وبين حق النتفاع‪ ،‬ووصفه الفقهي أحكامه‬
‫العامة‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف حق الرتفاق‪ :‬الرتفاق في اللغة‪ :‬النتفاع بالشيء‪ .‬وشرعا هو أحد أنواع الملك‬
‫الناقص (‪ . )1‬وهو حق عيني (‪ )2‬قصر على عقار‪ ،‬لمنفعة عقار‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الملك كما هو معروف نوعان‪ :‬ملك تام‪ :‬وهو ملك الرقبة (ذات الشيء) والمنفعة‪ .‬وملك ناقص‪:‬‬
‫وهو ملك المنفعة‪ .‬وملك المنفعة‪ :‬قد يكون حقا شخصيا للمنتفع أي يتبع شخصه‪ ،‬ل العين المملوكة‪،‬‬
‫وقد يكون حقا عينيا‪ ،‬أي تابعا للعين المملوكة دائما‪ ،‬فينتقل من شخص إلى آخر‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحق في اصطلح القانونيين نوعان‪ :‬حق عيني وحق شخصي‪ .‬فالول‪ :‬هو علقة مباشرة بين‬
‫شخص وشيء معين بذاته‪ ،‬مثل حق الملكية وحق الرتفاق‪ .‬وحق شخصي‪ :‬هو علقة شرعية بين‬
‫شخصين‪ ،‬أحدهما يكون مكلفا بعمل‪ ،‬والخر بالمتناع عن عمل‪ ،‬كعلقة الدائن والمدين‪ ،‬يكلف المدين‬
‫بأداء الدين‪ ،‬وهذا عمل‪ ،‬وعلقة المودع بالوديع‪ ،‬فللول حق على الوديع في أل يستعمل الوديعة‪،‬‬
‫وهذا امتناع عن عمل‪.‬‬

‫( ‪)6/442‬‬

‫آخر مملوك لغير الول‪ ،‬أيا كان شخص المالك‪ ،‬كإجراء الماء من أرض الجار‪ ،‬أو تصريف الماء‬
‫الملوث في مصرف معين‪ ،‬أو المرور في أرض الغير‪ ،‬أو البناء فوق دار غيره (حق التعلي)‪ ،‬سواء‬
‫أكانت الرض المرتفق بها مملوكة ملكا عاما أم خاصا‪ ،‬وبقطع النظر عن شخصيةمالك العقار‬
‫المرتفق‪ ،‬والمرتفق به‪ ،‬ولذا وصف حق الرتفاق بأنه «حق عيني» فلو كان العقاران لمالك واحد‪ ،‬لم‬
‫يثبت حق الرتفاق‪.‬‬
‫ثانيا ـ الفرق بين حق الرتفاق وحق النتفاع ‪:‬‬
‫كل من هذين الحقين من أنواع الحقوق العينية ل الشخصية‪ ،‬لكن يظل بينهما فروق (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬إن حق الرتفاق مقرر لعقار‪ .‬وأما حق النتفاع فهو مقرر لشخص‪ .‬فحق المرور من أرض إلى‬
‫أخرى حق مقرر للرض الثانية‪ ،‬فينتفع به كل مالك لها‪ ،‬ول يقتصر النتفاع به على شخص معين‪.‬‬
‫أما حق النتفاع به فإنه خاص بشخص المنتفع‪ ،‬فإذا مات انتهى حقه‪ ،‬سواء أكان ناشئا بين الحياء‬
‫كالجارة والعارة‪ ،‬أم بين ميت وحي كالوصية والوقف‪.‬‬
‫‪ - 2‬يكون حق الرتفاق مقررا دائما على عقار‪ ،‬ولذا تقل به قيمته عن الرض الخالية من مثل هذا‬
‫الحق‪ .‬أما حق النتفاع فقد يتعلق بالعقار‪ ،‬كأرض أعيرت‪ ،‬وقد يتعلق بالمنقول مثل كتاب أعير‪.‬‬
‫‪ - 3‬حق الرتفاق دائم ل ينتهي بوقت‪ ،‬فيورث باتفاق المذاهب‪ .‬أما حق النتفاع فهو مؤقت ينتهي‬
‫بموت شخص المنتفع كالموصى له بمنفعة أرض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع مختصر أحكام المعاملت الشرعية لستاذنا الشيخ علي الخفيف‪ :‬ص ‪.16-15‬‬

‫( ‪)6/443‬‬

‫ثالثا ـ وصفه الفقهي ‪:‬‬


‫حق الرتفاق عند الحنفية ليس مالً‪ ،‬وإنما هو حق مالي يسوغ لمالكه النتفاع به‪ .‬ويترتب على كونه‬
‫ليس مالً عند الحنفية (‪ : )1‬أنه ل يجوز بيعه مستقلً عن الرض‪ ،‬وإنما يباع تبعا لها‪ ،‬ول يجوز‬
‫هبته أو التصدق به؛ لنه تمليك‪ ،‬والحقوق المجردة ل تحتمل التمليك‪ .‬ول يجوز أيضا الصلح عليه في‬
‫دعوى تتعلق بالمال أو الحق في القصاص في النفس وما دونها؛ لن الصلح في معنى البيع أي‬
‫المبادلة المالية‪ ،‬والبيع ل يجوز‪.‬‬
‫ول يصح جعله مهرا في عقد الزواج؛ لنه يترتب عليه التمليك‪ ،‬وحق الرتفاق ل يقبل التمليك‪ ،‬وإنما‬
‫يجب في هذه الحالة مهر المثل‪.‬‬
‫كما ل يصح جعله بدل الخلع‪ ،‬بأن اختلعت المرأة نفسها عليه؛ لن بذل العوض تمليك‪ ،‬والرتفاق ل‬
‫يحتمل التمليك‪ .‬ويجب على المرأة حينئذ رد المأخوذ من المهر‪.‬‬
‫ويترتب على كونه حقا ماليا (‪: )2‬‬
‫أنه يمكن أن يورث؛ لن الرث عند الحنفية يجري في الموال وفي بعض الحقوق كخيار العيب‪.‬‬
‫ويصح أن يوصى بالنتفاع به‪ ،‬كاليصاء لرجل بأن يسقي أرضه مدة معلومة من حق الشرب لفلن‪.‬‬
‫واليصاء كالرث يصح في الموال والحقوق‪ ،‬لكن إذا مات الموصى له تبطل الوصية‪.‬‬
‫ويصح بيع الرض دون حق الرتفاق‪ ،‬ول يدخل حق الرتفاق كحق الشِرْب مثلً في بيع الرض إل‬
‫بالنص عليه صراحة‪ ،‬أو بذكر ما يدل عليه‪ ،‬كأن يقول البائع‪ :‬بعت الرض بحقوقها أو بمرافقها‪ ،‬أو‬
‫كل قليل وكثير حولها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،190-189/6 :‬تبيين الحقائق‪.43/6 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجعان السابقان‪ ،‬الدر المختار‪.316/5 :‬‬

‫( ‪)6/444‬‬
‫رابعا ـ أحكام حق الرتفاق العامة ‪:‬‬
‫لحقوق الرتفاق أحكام عامة وخاصة‪ ،‬أما الخاصة فتذكر مع أنواع الرتفاقات وأما الحكام العامة‬
‫فمنها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يجب أل يؤدي استعمالها إلى الضرار بالغير عملً بقاعدة‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪ ،‬فل يجوز‬
‫للمار بأرض غيره إلحاق الذى بغيره‪ .‬وليس لمن يسقي أرضه بحق الشرب مثلً أن يسرف في الماء‬
‫بحيث يضر بمن تحته من المنتفعين بمجرى الماء‪.‬‬
‫‪ - 2‬إما أن تثبت حقوق الرتفاق على أملك عامة أو خاصة‪ .‬أما الملك العامة‪ :‬فمثل النهار‬
‫الكبيرة كالنيل ودجلة والفرات‪ ،‬أو الطرق والمرافق العامة كالقناطر والجسور التي ل تختص بأحد‪.‬‬
‫وحق الرتفاق المقرر عليها ثابت للناس جميعا‪ ،‬بل إذن من أحد عند غير أبي حنيفة (‪. )1‬‬
‫وأما الملك الخاصة بفرد أو أفراد فل يثبت حق الرتفاق عليها إل بإذن المالك‪.‬‬
‫‪ - 3‬وإذا لم يعرف سبب حق الرتفاق‪ ،‬يترك لصاحبه حق النتفاع به‪ ،‬ويفترض كونه قديما حادثا‬
‫بسبب مشروع عملً بقاعدة «القديم يترك على قدمه» بشرط أل يكون ضارا بالغير كالمسيل القذر‬
‫الذي يلوث ماء بئر الجيران‪ ،‬أو النافذة المنخفضة التي تطل على مقر نساء الجار‪ ،‬فيجب إزالة منشأ‬
‫الضرر‪ ،‬عملً بقاعدة أخرى هي قيد في سابقتها وهي‪« :‬الضرر ل يكون قديما» (‪. )2‬‬
‫المبحث الثاني ـ أنواع حقوق الرتفاق ‪:‬‬
‫حقوق الرتفاق المهمة عند الحنفية تنحصر في ستة‪ :‬هي حق الشّرب‪ ،‬والطريق‪ ،‬والمجرى‪،‬‬
‫والمسيل‪ ،‬والتعلي‪ ،‬والجوار‪ ،‬ول يجوز عند الحنفية إنشاء حقوق ارتفاق أخرى؛ لن في إنشائها تقييدا‬
‫للملكية‪ ،‬والصل فيها أل تقبل تقييدا‪ ،‬وما قيدت به هو استثناء‪ ،‬ل يتوسع فيه‪.‬‬
‫ورأي المالكية أنها غير محصورة فيما ذكر‪ ،‬فيجوز إنشاء حقوق ارتفاق أخرى بالرادة‪ ،‬كأن يلتزم‬
‫شخص أل يقيم في ناحية من أرضه بناء أو يغرس شجرا‪ ،‬أو أل يرتفع إلى ارتفاع معين (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬عبارة الشافعية في ذلك‪ :‬منفعة الشارع المرور‪ ،‬ويجوز الجلوس به لستراحة ومعاملة ونحوهما‬
‫إذا لم يضيق على المارة‪ ،‬ول يشترط إذن المام (المنهاج للنووي مع مغني المحتاج‪.)369/4 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر المدخل الفقهي العام للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪ 596‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحق واللتزام للستاذ الشيخ علي الخفيف‪ :‬ص ‪ ،64‬الموال ونظرية العقد‪ ،‬يوسف موسى‪ :‬ص‬
‫‪ 171‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/445‬‬
‫المطلب الول ـ حق الشرب ‪:‬‬
‫معناه‪ ،‬أنواع المياه‪ ،‬وحكم ملكية كل نوع‪ ،‬الحكام العامة للنتفاع بالمياه‪ ،‬كري النهار‪.‬‬
‫ل ـ معنى حق الشرب‪ :‬الشرب (بكسر الشين) في اللغة‪ :‬النصيب من الماء‪ ،‬قال صالح عليه‬
‫أو ً‬
‫السلم فيما قصه ال في القرآن‪{ :‬هذه ناقة لها شِرْب ولكم شِرْب يوم معلوم} [الشعراء‪.]155/26:‬‬
‫ويطلق أيضا على زمن الشرب‪ .‬ويستعمله الشرعيون في المعنيين‪ .‬فالشرب في الشرع‪ :‬النصيب من‬
‫الماء لسقي الزرع والشجار‪ .‬وهذا عند أكثر الفقهاء‪ .‬وقد يستعمل في نوبة النتفاع بالماء أو زمن‬
‫النتفاع لسقي الشجر أو الزرع‪.‬‬
‫ويلحق به حق الشفة‪ :‬وهو حق الشرب (بضم الشين)‪ :‬وهو ما يخص النسان والحيوان من الماء‬
‫لشربه‪ .‬ويراد به تحقيق حاجة النسان إلى الماء لشربه وشرب دوابه‪.‬‬
‫ثانيا ـ أنواع المياه بالنسبة لحق الشرب والشفة‪ :‬المياه تنقسم باعتبار هذين الحقين إلى أنواع أربعة‪:‬‬
‫الماء المحرز في أوان خاصة‪ ،‬ماء العيون والبار ونحوها‪ ،‬ماء النهار أو الجداول الخاصة‪ ،‬ماء‬
‫النهار العامة‪.‬‬
‫النوع الول ـ الماء المحرز في أوان خاصة‪ :‬هو ما حازه صاحبه في آنية أو ظروف خاصة‬
‫كالجرار والصهاريج والحياض والنابيب‪ ،‬ومنه مياه الشركات في المدن المتخصصة لتأمين ماء‬
‫الدور‪ .‬وهذا الماء ملك خاص لمن أحرزه‪ ،‬بالستيلء عليه ككل مباح يمتلك بإحرازه‪ .‬فليس لحد حق‬
‫النتفاع به إل بإذن صاحبه‪ ،‬ولصاحبه بيعه أو التصرف به كما يشاء (‪ ، )1‬فقد روي عن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم أنه «نهى عن بيع الماء إل ما حمل منه» (‪ . )2‬وخصص حديث المنع من بيع فضل‬
‫الماء (‪ )3‬بالقياس‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 188/6 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،39/6 .‬تكملة الفتح‪ 144/8 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،313-311/5‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،339‬المهذب‪ ،427/1 :‬المغني‪ 536/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪ ،222/4 :‬الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪.97 ،95‬‬
‫(‪ )2‬الموال لبن سلم‪ :‬ص ‪.302‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأصحاب السنن إل ابن ماجه‪ ،‬وصححه الترمذي عن إياس بن عبد‪.‬‬

‫( ‪)6/446‬‬
‫على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب‪ ،‬لحديث الرجل الذي أمره النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫بالحتطاب ليستغني به عن السؤال (‪. )1‬‬
‫وبالرغم من كون هذا الماء مملوكا لصاحبه‪ ،‬فيجوز للمضطر الذي خاف على نفسه الهلك من‬
‫العطش‪ :‬أن يشرب منه أو يأخذ منه حاجته‪ ،‬ولو بالقوة‪ ،‬ليدفع الهلك عن نفسه إذا كان فاضلً عن‬
‫حاجة صاحبه‪ ،‬بأن كان يكفي لحفظ رمقهما‪ ،‬ولم يجد المضطر ماء آخر‪ ،‬ولكن يجب عليه دفع قيمة‬
‫الماء؛ لن «الضطرار ل يبطل حق الغير» أو أن حل الخذ للضطرار ل ينافي الضمان‪ .‬والولى‬
‫أن يقاتله بغير سلح كالعصا؛ لنه ارتكب معصية‪ ،‬فكان ذلك كالتعزير له‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ ماء العيون والبار والحياض‪ :‬وهو الذي يستخرجه الشخص لنفسه‪ :‬وحكمه عند‬
‫الحنفية (‪ : )2‬أنه ليس بمملوك لصاحبه‪ ،‬بل هو مباح في نفسه ولصاحبه حق خاص فيه‪ ،‬سواء أكان‬
‫في أرض مباحة‪ ،‬أو مملوكة؛ لن الماء في الصل مباح لجميع الناس‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«الناس شركاء في ثلث‪ :‬الماء والكل والنار» (‪. )3‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإنه يثبت فيه حق الشفة‪ ،‬دون حق الشرب‪ ،‬فالول ل يختص بشخص دون آخر‪ ،‬فهو‬
‫لمستحقه‪ ،‬ولغيره من الناس‪ ،‬يأخذون منه حاجتهم لشربهم وشرب دوابهم واستعمالهم المنزلي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )3‬روي من حديث رجل عن أبي داود‪ ،‬ومن حديث ابن عباس بإسناد جيد عن ابن ماجه‪ ،‬ومن‬
‫حديث ابن عمر عند الطبراني في معجمه (نصب الراية‪ )294/4 :‬ورواه أحمد أيضا‪ .‬وجاء في حديث‬
‫آخر «ل يُمنع فضل الماء» وهو أن يسقي الرجل أرضه‪ ،‬ثم تبقى من الماء بقية ل يحتاج إليها‪ ،‬فل‬
‫يجوز له أن يبيعها ول يمنع منها أحد ينتفع بها‪ ،‬هذا إن لم يكن الماء مِلكَه‪ ،‬أو على قول من يرى أن‬
‫الماء ل يُملك‪.‬‬

‫( ‪)6/447‬‬

‫فإن أبى صاحبه‪ ،‬كان للمحتاج أخذه جبرا‪ ،‬ولو بالقوة‪ ،‬وله أن يقاتله بسلح؛ لن الماء في البئر مباح‬
‫غير مملوك‪ ،‬ولكن يشترط أل يجد المحتاج ماء آخر قريبا منه‪.‬‬
‫سفْرا وردوا ماء‪ ،‬فطلبوا من أهله السماح لهم بالشرب منه‪ ،‬وبسقي‬
‫والدليل لحق المحتاج‪ :‬أن قوما َ‬
‫دوابهم التي كادت أن تهلك من العطش‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال‪:‬‬
‫«هل وضعتم فيهم السلح» (‪. )1‬‬
‫ويلحظ أن حكم هذين النوعين متشابه تقريبا إل أن الول ملك لصاحبه‪ ،‬والثاني غير مملوك‪،‬‬
‫وللمضطر الذي يخاف الضرر على نفسه أن يأخذ الماء الفائض عن الحاجة‪ ،‬ولو بالقوة‪ ،‬لكن في‬
‫النوع الول بغير سلح‪ ،‬وفي الثاني يجوز استخدام السلح‪ .‬ويتجلى في هذا النوع صفة حق الرتفاق‬
‫بنحو أوضح من غيره‪.‬‬
‫وقال الشافعية في الصح عندهم (‪ : )2‬يملك الشخص ماء البئر المحفورة في الرض الموات للتملك‪،‬‬
‫أو المحفورة في ملك خاص؛ لنه نماء ملكه‪ ،‬كالثمرة واللبن والشجر النابت في ملكه‪.‬‬
‫ول يلزم المالك عند الشافعية بذل مافضل عن حاجته لزرع وشجر‪ ،‬ويجب بذل الفاضل منه عن‬
‫شربه وشرب ماشيته‪ ،‬وزرعه‪ ،‬لشرب غيره من الدميين ولماشية غيره‪ ،‬على الصحيح لحرمة‬
‫الروح‪ ،‬ولخبر الصحيحين‪« :‬ل تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكل» أي من حيث إن الماشية إنما‬
‫ترعى بقرب الماء‪ ،‬فإذا منع من الماء فقد منع من الكل‪ ،‬والمراد‪ :‬هو نفع البئر المباحة‪ ،‬أي ليس لحد‬
‫أن يَغلِب عليه‪ ،‬ويمنع الناس منه‪ ،‬حتى يحوزه في إناء ويملكه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.375/2 :‬‬

‫( ‪)6/448‬‬

‫النوع الثالث ـ ماء النهار الخاصة ‪:‬‬


‫وهو ماء النهار أو الجداول الصغيرة الخاصة المملوكة لبعض الناس‪ ،‬وحكمه كالنوع الثاني (‪: )1‬‬
‫يثبت لكل أحد فيه حق الشفة‪ ،‬ل حق الشرب‪ ،‬فلكل إنسان الحق في النتفاع به لنفسه ودوابه وإن لحق‬
‫به ضرر يسير؛ لن «الضرر الشد يزال بالضرر الخف» ولكن ليس له أن يسقي منه زرعه‬
‫وشجره‪ ،‬إل بإذن صاحبه‪ ،‬فلصاحبه أن يمنع الغير من سقي الزرع والشجار (حق الشرب) لن له‬
‫في مائه حقا خاصا‪.‬‬
‫ول يجوز لصاحبه عند الحنفية بيع حق الشرب منفردا‪ ،‬بأن باع شرب يوم‪ ،‬أو أكثر؛ لنه عبارة عن‬
‫حق الشرب والسقي‪ ،‬والحقوق ل تحتمل عندهم الفراد بالبيع والشراء‪ .‬فلو باع الرض مع الشرب‪،‬‬
‫جاز تبعا للرض‪ ،‬ويجوز أن يجعل الشيء تبعا لغيره‪ ،‬وإن كان ل يجوز بيعه مستقلً عن غيره‪ .‬ول‬
‫يدخل الشرب في بيع الرض ـ كما ذكرت سابقا ـ إل بالتسمية صراحة‪ ،‬أو بذكر ما يدل عليه‪ ،‬بأن‬
‫يقول‪ :‬بعتها بحقوقها أو بمرافقها‪ .‬لكنهم أجازوا بيع الماء المعلوم القدر المحرز أو المملوك‪ ،‬للشرب‪،‬‬
‫ل للشفة (شرب النسان والحيوان)‪.‬‬
‫كذلك أجاز المالكية والشافعية والحنابلة بيع الماء المملوك مستقلً عن الرض‪ ،‬ولكن يستحب لصاحبه‬
‫أن يبذله بغير ثمن‪ .‬ول يجبر على بذله‪ ،‬إل أن يكون قوم اشتد بهم العطش فخافوا الموت‪ ،‬فيجب عليه‬
‫سقيهم (حق الشفة) فإن منعهم‪ ،‬فلهم أن يقاتلوه على منعه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،189/6 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ 311/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،39/6 :‬الخراج‬
‫لبي يوسف‪ :‬ص ‪ ،95‬تكملة الفتح‪ ،145/8 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،339‬المهذب‪ 427/1 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المغني‪ ،536/5 ،79/4 :‬كشاف القناع‪ ،221/4 :‬نهاية المحتاج‪ ،257/4 :‬مغني المحتاج‪.375/2 :‬‬

‫( ‪)6/449‬‬

‫وصرح الشافعية بأنه يشترط في بيع الماء تقديره بكيل أو وزن‪ ،‬ل بريّ الماشية أو الزرع (‪. )1‬‬
‫النوع الرابع ـ ماء النهار العامة ‪:‬‬
‫وهو الذي يجري في مجار عامة غير مملوكة لحد‪ ،‬وإنما هي للجماعة‪ ،‬مثل النيل ودجلة والفرات‬
‫ونحوها من النهار العظيمة‪.‬‬
‫وحكمه (‪ : )2‬أنه ل ملك لحد في هذه النهار‪ ،‬ل في الماء ول في المجرى‪ ،‬بل هو حق للجماعة‬
‫كلها‪ ،‬فلكل واحد حق النتفاع بها‪ ،‬بالشفة (سقي نفسه ودوابه) والشرب (سقي زروعه وأشجاره)‪،‬‬
‫وشق الجداول منها‪ ،‬ونصب اللت عليها لجر الماء لرضه‪ ،‬ونحوها من وسائل النتفاع بالماء‪،‬‬
‫وليس للحاكم منع أحد من النتفاع بكل الوجوه‪ ،‬إذا لم يضر الفعل بالنهر أو بالغير أو بالجماعة‪ .‬كما‬
‫هو الحكم المقرر بالنتفاع في الطرق أو المرافق العامة‪.‬‬
‫فإذا أضر‪ ،‬فلكل واحد من المسلمين منعه أو الحد من تصرفه لزالة الضرر؛ لنه حق لعامة‬
‫المسلمين‪ ،‬وإباحة التصرف في حقهم مشروطة بانتفاء الضرر‪ ،‬كالنتفاع بالمرافق العامة‪ ،‬إذ ل ضرر‬
‫ول ضرار‪ .‬والدليل على كون هذه النهار غير مملوكة لحد‪ ،‬وإنما الحق فيها مشاع للجميع‪ :‬هو قوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نهاية المحتاج‪.257/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،192/6 :‬تبيين الحقائق‪ ،39/6 :‬تكملة الفتح‪ ،144/8 :‬الدر المختار‪ ،211/5 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،339‬المهذب‪ ،428/1 :‬المغني‪ ،531/5 :‬نهاية المحتاج‪ ،205/4 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪.373/2‬‬

‫( ‪)6/450‬‬

‫«الناس شركاء في ثلث‪ :‬في الماء والكل والنار» (‪ )1‬وفي رواية «والملح» وشركة الناس فيها‬
‫شركة إباحة‪ ،‬ل شركة ملك‪ ،‬لعدم إحرازها‪ ،‬فهم سواء في النتفاع بها ومنها الماء العام‪ ،‬فيثبت لهم‬
‫حق الشرب‪.‬‬
‫ثالثا ـ الحكام العامة لحق الشرب أو النتفاع بالمياه ‪:‬‬
‫للنتفاع بالمياه أحكام عامة أهمها ما يأتي (‪: )2‬‬
‫ً‪ 1‬ـ المحافظة على حافة البئر أو العين أو النهر (مجرى الماء مطلقا )‪ :‬فإن لم يفعل كان لصاحب‬
‫المجرى منعه من النتفاع‪ ،‬دفعا للضرر عنه‪ ،‬عملً بالحديث النبوي‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪ .‬ومن‬
‫الضرر تسرب الماء إلى أرض الجار على وجه غير معتاد‪ ،‬وعليه الضمان إذا كان متعديا‪ .‬قال‬
‫الحنفية‪ :‬ول يضمن من مل أرضه ماء‪ ،‬فنزت أرض جاره أو غرقت‪ ،‬أي في حال السقي المعتاد‬
‫الذي تتحمله الرض عادة‪ ،‬لنه متسبب غير متعد‪،‬فإن كان السقي غير معتاد‪ ،‬ضمن وعليه الفتوى (‬
‫‪. )3‬‬
‫ً‪ 2‬ـ يجب على المنتفع إمرار الماء من طريق عام إن وجد‪ ،‬فإن لم يوجد‪ ،‬كان على صاحب الطريق‬
‫الخاص الذن بإمرار الماء‪ ،‬أو إخراج حاجته من الماء‪ ،‬لقول‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراد بالماء‪ :‬ما ليس بمحرز‪ ،‬فإذا أحرز فقد ملك‪ ،‬فخرج من أن يكون مباحا‪ ،‬كالصيد إذا‬
‫أحرز‪ ،‬فل يجوز لحد أن ينتفع به حينئذ إل بإذنه‪ .‬والمراد بالكل‪ :‬الحشيش الذي ينبت بنفسه من غير‬
‫أن ينبته أحد‪ ،‬ومن غير أن يزرعه ويسقيه‪ ،‬فيملكه من قطعه وأحرزه‪ ،‬وإن كان في أرض غيره‪.‬‬
‫والمراد بالنار‪ :‬الستضاءة بضوئها‪ ،‬والصطلء بها‪ ،‬واليقاد من لهبها‪ ،‬وليس لصاحبها أن يمنع من‬
‫ذلك إن كانت في الصحراء‪ ،‬بخلف ما لو أراد غيره أن يأخذ الجمر‪ ،‬لنه ملكه‪ ،‬ويتضرر بذلك‪،‬‬
‫فكان له منعه كسائر أملكه‪ ،‬إل إذا لم يكن له قيمة (تبيين الحقائق‪.)39/6 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر الموال ونظرية العقد في الفقه السلمي للدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪ 175‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬تكملة الفتح‪ ،149/8 :‬الدر المختار‪.317/5 :‬‬
‫( ‪)6/451‬‬

‫سلَمة حينما شكاه الضحاك بن خليفة الذي أراد إمرار ماء من أرض‬
‫عمر رضي ال عنه لمحمد بن مَ ْ‬
‫ابن َمسْلمة‪« :‬وال ‪ ،‬ليمرّن به‪ ،‬ولو على بطنك» (‪. )1‬‬
‫ً‪ 3‬ـ حق الشرب يورث‪ ،‬وتصح الوصية بالنتفاع به‪ ،‬حتى عند الحنفية‪ ،‬الذين يرون عدم توارث‬
‫الحقوق والمنافع إل ما استثني‪ ،‬ويجوز بيعه تبعا للرض‪ ،‬لمستقلً منفردا عنها عند الحنفية‪ ،‬كما‬
‫أوضحت سابقا؛ لنه مجهول الكمية‪ ،‬وبيع المجهول ل يصح لما فيه من الضرر أو الظلم‪ ،‬ولن‬
‫الحقوق عند الحنفية ليست بمال متقوم في ظاهر الرواية‪ ،‬فل تقبل الفراد بالبيع أو الهبة أو الجارة‬
‫أو التصدق بها (‪. )2‬‬
‫والولى الخذ برأي غير الحنفية القائلين بجواز التصرف في الحقوق والمنافع؛ لنها أموال متقومة‪،‬‬
‫في عرف الناس‪.‬‬
‫ً‪ 4‬ـ إذا كان الماء مملوكا لشخص واحد‪ ،‬كان له حق النتفاع به كيفما شاء‪ ،‬فإن كان الماء لجماعة‬
‫مشتركة أو أناس كثيرين‪ ،‬وزع بينهم بالعدل‪ ،‬إما بالمناوبة الزمانية (المهايأة)‪ :‬بأن يستقل واحد بالماء‬
‫في زمن معين‪ .‬وإما بالكوى‪ ،‬أي بفتحات جانبية للماء إلى المزارع والجداول‪ ،‬بما يتناسب ومساحة‬
‫أرض كل منتفع بهذا الماء‪ .‬وهذا رأي الشافعية أيضا (‪ . )3‬ومقتضى العدل في التوزيع‪ :‬أنه إذا كان‬
‫نهر بين قوم‪ ،‬واختصموا في الشرب‪،‬كان الشرب بينهم على قدر مساحة أراضيهم‪ ،‬كما بينت؛ لن‬
‫المقصود هو النتفاع بسقي الراضي‪ ،‬فيقدر حقهم بقدرها‪ ،‬بخلف الطريق؛ لن المقصود منه هو‬
‫المرور‪ ،‬وهو ل يختلف قدره سعة وضيقا‪ ،‬ول عبرة لسعة الدار وضيقها؛ لن المقصود الستطراق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تنوير الحوالك شرح الموطأ‪ 218/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 316/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،43/6 :‬تكملة الفتح‪ ،150/8 :‬البدائع‪.189/6 :‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،428/1 :‬مغني المحتاج‪.375/2 :‬‬

‫( ‪)6/452‬‬

‫كما أن مقتضى العدل أيضا أن يتم تغيير التوزيع برضا الجميع‪ ،‬فليس لمشترك بل رضاهم أن يشق‬
‫جدولً من النهر‪ ،‬أو ينصب عليه رحى‪ ،‬أو آلة نزح‪ ،‬أو جسرا‪ ،‬أو يوسع فم النهر‪ ،‬أو أن يقسم باليام‬
‫بعد أن كانت القسمة بالفتحات أو أن يسوق نصيبه إلى أرض أخرى ليس لها فيه شرب؛ لن القديم‬
‫يترك على قدمه لظهور الحق فيه‪ ،‬ولنه يمنع الضرر بالخرين‪ ،‬وفي التوسعة وغيرها إضرار بهم (‬
‫‪. )1‬‬
‫ً‪ 5‬ـ يصح رفع دعوى الشِرْب بغير أرض استحسانا عند الحنفية (‪ )2‬؛ لن الشرب مرغوب فيه‪،‬‬
‫منتفع به‪ ،‬ويمكن أن يملك بغير أرض بالرث‪ ،‬أو الوصية‪ ،‬ولنه قد تباع الرض دون الشرب فيبقى‬
‫الشرب وحده‪ ،‬فإذا استولى عليه غيره‪ ،‬كان له أن يدفع الظلم عن نفسه‪ ،‬بإثبات حقه بالبينة‪.‬‬
‫ً‪ 6‬ـ ينتفع الناس بماء المطار أو السيول أو النهر الصغير الذي يزدحم الناس فيه‪ :‬بأن يبدأ بالعلى‪،‬‬
‫فيسقي أرضه‪ ،‬حتى يصل إلى الكعب (النهاية)‪ ،‬ثم يرسله إلى من يليه‪ ،‬فيسقي ويحبس الماء حتى‬
‫يصل إلى كعبه‪ ،‬ثم يرسله إلى من يليه‪ ،‬فيفعل كذلك‪ ،‬وهلم جرا إلى آخره (‪ ، )3‬لحديث عبادة‪« :‬أن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في شرب النخل من السيل‪ :‬أن العلى يشرب قبل السفل‪ ،‬ويترك‬
‫الماء إلى الكعبين‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 315/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،42/6 :‬تكملة الفتح‪ 148/8 :‬وما بعدها‪ ،‬نهاية‬
‫المحتاج‪ ،258/4 :‬المهذب‪ ،428/1 :‬المغني‪.536-533/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،314/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،40/6 :‬تكملة الفتح‪.147/8 :‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪،428/1 :‬مغني المحتاج‪ ،373/2 :‬كشاف القناع‪ 219/4 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.531/5 :‬‬

‫( ‪)6/453‬‬

‫ثم يرسل الماء إلى السفل الذي يليه‪ ،‬وكذلك حتى تنقضي الحوائط‪ ،‬أو يفنى الماء» (‪. )1‬وروى عبد‬
‫ال بن الزبير‪ « :‬أن الزبير ورجلً من النصار تنازعا في شراج الحرة (‪ )2‬التي يسقى بها النخل‪،‬‬
‫فقال النصاري للزبير‪ :‬سرّح الماء‪ ،‬فأبى الزبير‪ ،‬فاختصما إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم للزبير‪ :‬اسق أرضك‪ ،‬ثم أرسل الماء إلى أرض جارك‪ .‬فقال‬
‫النصاري‪ :‬أن كان ابن عمتك يا رسول ال ‪ ،‬فتلوّن وجه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫زبير‪ ،‬اسق أرضك‪ ،‬إلى أن يبلغ الجدر» (‪ )3‬أي الجدار قال الزبير‪ :‬فوال ‪ ،‬إني لحسب هذه الية‬
‫نزلت فيه‪{ :‬فل‪ ،‬وربك ل يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم } [النساء‪.]65/4:‬‬
‫وروى مالك في الموطأ أيضا عن عبد ال بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه بلغه‪ :‬أن‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب‪« :‬يمسك حتى الكعبين‪ ،‬ثم يرسل العلى‬
‫على السفل» (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه‪ ،‬وعبد ال بن أحمد‪ .‬ورواه أبو داود بإسناد حسن‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحرة‪ :‬أرض في المدينة ذات حجارة سود‪ .‬والشراج جمع شرج‪ ،‬والشرج‪ :‬نهر صغير‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه في الصحيحين‪ ،‬ورواه مالك في موطئه عن عبد ال بن الزبير (جامع الصول‪:‬‬
‫‪ )565/10‬والمراد بقوله‪« :‬احبس الماء حتى يبلغ الجذر» ‪ :‬أن يصل مبلغ تمام الشرب‪ ،‬من جذر‬
‫الحساب‪ :‬أصل كل شيء‪ .‬وقيل‪ :‬أراد أصل الحائط‪ .‬ويلحظ أن رواية الحديث بالدال‪« :‬يرجع إلى‬
‫الجذر» أي الكعبين‪.‬‬
‫(‪ )4‬تنوير الحوالك‪.217/2 :‬‬

‫( ‪)6/454‬‬

‫رابعا ـ كري النهار التي يكون منها الشرب ‪:‬‬


‫الكري‪ :‬إخراج الطين من أرض النهر‪ ،‬وحفره‪ ،‬وإصلح ضفتيه‪ .‬ويلحق به إصلح الجسور ونحوها‪.‬‬
‫ومؤنة الكري أي نفقته بحسب نوع النهر‪ ،‬والنهار أنواع ثلثة (‪: )1‬‬
‫الول‪ :‬النهر العام غير المملوك لحد‪ ،‬كالفرات والنيل‪ :‬نفقة كريه وإصلحه من بيت مال المسلمين‪،‬‬
‫من الخراج والجزية‪ ،‬دون العشور والصدقات؛ لنه للمصلحة العامة‪ ،‬فيختص بنفقته بيت المال‪ ،‬عملً‬
‫بالحديث النبوي‪« :‬الخراج بالضمان» (‪. )2‬‬
‫فإن لم يكن في بيت المال شيء‪ ،‬أجبر الحاكم الناس على إصلح النهر‪ ،‬إن امتنعوا عنه‪ ،‬دفعا‬
‫للضرر‪ ،‬وتحقيقا للمصلحة العامة‪ .‬قال عمر في مثله‪« :‬لو تركتم‪ ،‬لبعتم أولدكم» ‪.‬‬
‫وتفرض مؤنة الصلح على الغنياء الموسرين الذين ل يطيقون الصلح بأنفسهم‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫في تجهيز الجيوش‪ .‬ويكلف القادرون على العمل بأنفسهم‪ ،‬وتكون نفقتهم على الغنياء‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬النهر العام المملوك لهله الداخل في المقاسم‪ ،‬ويمكن قسمته‪ ،‬ويشترك به جماعة هم أصحاب‬
‫النهر‪ ،‬فهو عام من وجه‪ ،‬وخاص من وجه‪ :‬نفقة إصلحه على أهله؛ لن الحق لهم والمنفعة تعود‬
‫إليهم على الخصوص‪ ،‬فعليهم إصلحه لن الغنم بالغرم‪ .‬ومن أبى منهم يجبر على النفاق‪ ،‬دفعا‬
‫للضرر العام الذي يلحق بقية الشركاء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ 46/8 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 313/5 :‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪ 191/7 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين‬
‫الحقائق‪ 40/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن عائشة وضعفه البخاري (سبل السلم‪.)30/3 :‬‬

‫( ‪)6/455‬‬

‫والمملوك‪ :‬بأن دخل في المقاسم‪ :‬عام وخاص (‪ . )1‬والخاص هو النوع الثالث‪ :‬هو ما يشترك فيه فئة‬
‫محصورة‪ .‬والعام‪ :‬هو المملوك لجماعة غير محصورة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬النهر المملوك‪ ،‬لّهله الخاص بفئة محدودة‪ :‬نفقة إصلحه على أهله أيضا؛ لن نفعه عائد‬
‫إليهم‪ .‬لكن إن امتنع جميعهم عن الصلح‪ ،‬لم يجبرهم الحاكم‪ ،‬كالممتنع عن عمارة أرضه وداره‪ .‬فإن‬
‫امتنع بعضهم دون الخرين‪ ،‬فقيل‪ :‬يجبر البي؛ لن النفع للكل‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يجبر؛ لن في إجباره‬
‫إضرارا به‪ .‬ويمكن دفع الضرر عن شركائه برجوعهم عليه بحصته من النفقة‪ ،‬إذا تم الصلح بأمر‬
‫القاضي‪.‬‬
‫واختلف في كيفية الكري على الشركاء‪ ،‬إذا احتاج النهر في مسيله إلى إصلح منطقة ليست في‬
‫أعله‪ :‬فقال أبو حنيفة‪ :‬مؤنة كري النهر المشترك على الشركاء من أعله‪ ،‬فإذا جازوا أرض رجل‬
‫منهم دون حاجة إلى الكري‪ ،‬برئ من مؤنة الكري؛ لن المقصد من الكري النتفاع بالسقي‪ ،‬وقد‬
‫حصل لصاحب العلى‪ ،‬فل يلزمه نفع غيره‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬الكري على الشركاء جميعهم‪ ،‬من أوله إلى آخره‪ ،‬بحصص الشرب والراضي؛ لن‬
‫لصاحب العلى حقا في السفل‪ ،‬لحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه‪ .‬وهذا الرأي هو المعقول‬
‫في تقديري‪.‬‬
‫واتفق أئمة الحنفية على أن الصلح إذا كان من أعلى النهر‪ ،‬فمؤنة إصلحه على الشركاء جميعا‪،‬‬
‫لتوقف انتفاعهم به على إصلحه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المملوك الداخل في المقاسم‪ :‬عام وخاص‪ .‬والفاصل بينهما‪ :‬أن ما تستحق به الشفعة خاص وهو‬
‫النوع الثالث‪ ،‬وما ل تستحق به الشفعة عام‪ .‬واختلف في تحديد الخاص‪ :‬فقيل‪ :‬هو ماكان لعشرة‪ ،‬أو‬
‫عليه قرية واحدة‪ .‬وقيل‪ :‬لما دون أربعين أو مئة أو ألف‪ .‬والصح‪ :‬تفويضه لرأي المجتهد‪ ،‬فيختار‬
‫أي قول شاء‪.‬‬

‫( ‪)6/456‬‬
‫المطلب الثاني ـ حق الشفة ‪:‬‬
‫يلحق حق الشفة بحق الشرب‪ ،‬وتكاد تكون أحكامهما واحدة مع بعض الفوارق البسيطة‪:‬‬
‫معنى حق الشفة‪ :‬هو حق النتفاع بالماء لشرب النسان والستعمال المنزلي من طبخ وغسل‬
‫ونحوهما‪ ،‬ولسقي البهائم بالشفاه لدفع العطش ونحوه‪ .‬أو هو حاجة النسان إلى الماء لشربه أو لشرب‬
‫دوابه ولنتفاعه المنزلي (‪. )1‬‬
‫وأحكامه تختلف بحسب نوع الماء‪ .‬والمياه أربعة أقسام (‪: )2‬‬
‫الول ـ ماء البحار‪ :‬لكل واحد من الناس فيها حق الشفة وسقي الراضي‪ ،‬والنتفاع بها بأي وجه؛‬
‫لنها غير مملوكة‪ ،‬والنتفاع بماء البحر كالنتفاع بالشمس والقمر والهواء‪.‬‬
‫الثاني ـ ماء النهار العظيمة كالفرات ودجلة والنيل‪ ،‬وسيحون وجيحون ونحوها‪ :‬للناس فيه الشفة‬
‫مطلقا‪ ،‬وحق سقي الراضي؛ لنها مباحة في الصل لكل إنسان شربا وسقيا‪ ،‬ما لم يضر بالجماعة؛‬
‫لن دفع الضرر عنهم واجب‪ ،‬ولن النتفاع بالمباح إنما يجوز إذا لم يضر بأحد‪ ،‬كتخريب النهر أو‬
‫كسر ضفته‪ ،‬فتغرق القرى والراضي‪.‬‬
‫الثالث ـ ماء النهار الصغيرة المملوكة الخاصة بقوم محصورين وهو المسمى عند الفقهاء «ماء‬
‫المقاسم» ‪ :‬حق الشفة ثابت فيه‪ ،‬للضرورة‪ ،‬ولن الصل في الماء اشتراك الناس فيه‪ ،‬لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬الناس شركاء في ثلث‪ :‬الماء‪ ،‬والكل والنار» ولن استصحاب الماء إلى كل مكان‬
‫أمر متعذر‪ ،‬والناس بحاجة إليه‪ ،‬فلو منعوا منه‪ ،‬وقعوا في حرج عظيم‪.‬‬
‫لكن إذا كان ماء النهر أو البئر المملوك لجماعة في أرض مملوكة‪ :‬فلصاحب الرض أن يمنع من‬
‫يريد الشفة من الدخول في ملكه‪ ،‬إذا كان يجد ماء بقربه (‪. )3‬‬
‫فإن لم يجد يقال له‪ :‬إما أن تخرج الماء إليه‪ ،‬أو تتركه‪ ،‬بشرط أل يضر النهر أو البئر كأن يكسر‬
‫ضفته أي جانبه؛ لن للمضطر أو المحتاج حق الشفة في ماء النهر أو البئر أو الحوض عند الحاجة‪.‬‬
‫فلو منعه صاحب الرض‪ ،‬وهو أو دابته في حالة عطش‪ ،‬كان له أن يقاتله بالسلح ليأخذ قدر ما يدفع‬
‫عن نفسه الهلك‪ ،‬لقوله عمر السابق‪« :‬هل وضعتم فيهم السلح؟ » ولنه قصد إتلفه بمنع الشفة‬
‫عنه‪ ،‬وهو حقه؛ لن ماء البئر أو النهر ونحوهما مباح غير مملوك‪.‬‬
‫والصح أن للناس الخذ من هذا الماء ونقله للوضوء وغسل الثياب؛ لن منعه من الدناءة‪ ،‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬إن ال تعالى يحب معالي المور‪،‬ويكره سفسافها» (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مختصر المعاملت الشرعية للشيخ علي الخفيف‪ :‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ )2‬تكملة الفتح‪ 144/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،40/6 :‬البدائع‪ 188/6 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ 311/5‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬حد القرب‪ :‬ميل كما في التيمم‪ ،‬والميل أربعة آلف ذراع‪ ،‬والذراع‪ 61/6 :‬سم‪ ،‬فالميل‪ 1848 :‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبراني عن الحسين بن علي‪ ،‬هو حديث حسن‪.‬‬

‫( ‪)6/457‬‬

‫والصح أن لصاحب الماء منع من أراد الخذ منه لسقي الشجر أو الخضر في داره‪ ،‬بحمله بالجرار‬
‫ونحوها إل بإذنه‪.‬‬
‫كذلك إذا كانت الشفة تأتي على الماء كله‪ ،‬بأن كان جدولً صغيرا‪ ،‬والمواشي الواردة عليه كثيرة‪،‬‬
‫فقال أكثر الفقهاء منهم الحنفية‪ :‬للمالك حق المنع‪ ،‬لنه يلحقه ضرر به‪ ،‬كسقي الرض‪.‬‬
‫الرابع ـ الماء المحرز في الواني‪ :‬مملوك لصاحبه بالحراز‪ ،‬فل يحق لغيره النتفاع به إل بإذن‬
‫صاحبه‪ ،‬ل شربا ول سقيا ول غيره‪.‬‬
‫لكن للمضطر الذي يخاف على نفسه من الهلك بسبب العطش‪ ،‬ولم يجد سوى هذا الماء المحرز‪ :‬أن‬
‫يأخذ هذا الماء من صاحبه‪ ،‬ولو بالقوة‪ ،‬لكن بغير سلح إذا كان الماء فاضلً عن حاجة صاحبه‪ ،‬كما‬
‫تبين في حق الشرب‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ حق المجرى ‪:‬‬
‫تعريفه‪ ،‬وأحكامه‪.‬‬
‫تعريف حق المجرى‪ :‬هو حق صاحب الرض البعيدة عن مجرى الماء‪ ،‬في إجراء الماء إلى أرضه‬
‫لسقيها‪ .‬وقد يكون المجرى نفسه مملوكا لصاحب المجرى‪ ،‬أو لصاحب الرض التي هو فيها وهو‬
‫الكثير‪ ،‬أو لهما معا‪ ،‬أو مشتركا بين كثيرين‪.‬‬
‫أحكامه‪ :‬المبدأ العام في الشرع أنه ليس لصاحب الرض منع جاره من إمرار الماء في أرضه‪ ،‬عملً‬
‫بقول عمر المتقدم‪ ،‬لمن منع جاره من إرسال الماء في أرضه‪« :‬وال ليمرن به‪ ،‬ولو على بطنك» ‪.‬‬

‫( ‪)6/458‬‬

‫وليس لصاحب الرض أيضا أن ينقل المجرى من مكانه إل برضا أصحاب الحق فيه‪ ،‬ولهم الحق في‬
‫ترميمه‪ ،‬ومنع تسرب الماء منه‪ ،‬وتعميقه‪ ،‬وتقوية جانبيه‪ .‬كما أن لصاحب الرض مطالبتهم‬
‫بإصلحه‪ ،‬حتى ل يتسرب الماء منه‪ ،‬فيتلف مزروعاته‪ .‬وإذا كان المجرى مشتركا بين جماعة‪ ،‬فليس‬
‫لحدهم سده إل برضا الجميع على أن يسده كل واحد في نوبته‪ .‬فإن منعوه من سده‪ ،‬كان له رفع‬
‫الماء إلى أرضه بآلة (‪ ، )1‬ودليل اشتراط رضا الجميع بسد المجرى هو قاعدة‪« :‬يتحمل الضرر‬
‫الخاص لدفع ضرر عام» ‪.‬‬
‫وحق المجرى إن كان قديما في أرض الغير يترك على حاله (‪ ، )2‬عملً بقاعدة‪« :‬القديم يترك على‬
‫قدمه» ول يُزال‪ ،‬إل إذا كان فيه ضرر على صاحب الرض‪ ،‬عملً بقاعدة‪« :‬الضرر ل يكون قديما»‬
‫‪.‬‬
‫وإن أريد إحداث مجرى جديد‪ :‬فإن كان في طريق عام‪ ،‬أنشئ بإذن السلطة‪ ،‬لمنع الضرر وتحقيق‬
‫المصلحة العامة‪.‬‬
‫وإن كان في أرض مملوكة لغيره‪ ،‬أحدث بإذن المالك‪ ،‬ولكن ليس للمالك المنع من إحداثه‪ ،‬ما لم يلحق‬
‫ل بقول عمر السابق‪« :‬وال ليمرن به ولو على بطنك» (‪. )3‬‬
‫به ضرر بسببه‪ ،‬عم ً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 190/6 :‬وما بعدها‪ ،‬الموال ونظرية العقد‪ :‬ص ‪ 176‬وما بعدها‪ ،‬مختصر المعاملت‬
‫الشرعية‪ :‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،314/5 :‬الخراج لبي يوسف‪ :‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )3‬والقصة هي‪ :‬روى مالك في موطئه (‪ )218/2‬عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه‪ :‬أن‬
‫الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض‪ ،‬فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة‪ ،‬فأبى‬
‫محمد‪ :‬فقال له الضحاك‪ :‬لم تمنعني‪ ،‬وهو لك منفعة‪ ،‬تشرب به أولً وآخرا‪ ،‬ول يضرك؟ أبى محمد‪،‬‬
‫فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب‪ ،‬فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة‪ ،‬فأمره أن يخلي سبيله‪،‬‬
‫فقال محمد‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬لم تمنع أخاك ما ينفعه‪ ،‬وهو لك نافع‪ ،‬تسقي به أولً وآخرا‪ ،‬وهو ل‬
‫يضرك؟ فقال محمد‪ :‬ل‪ ،‬وال ‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وال ليمرن به‪ ،‬ولو على بطنك‪ .‬فأمره عمر أن يمر به‪،‬‬
‫ففعل الضحاك‪ .‬وانظر الخراج ليحيى بن آدم‪ :‬ص ‪.110‬‬

‫( ‪)6/459‬‬

‫المطلب الرابع ـ حق المسيل ‪:‬‬


‫تعريفه‪ ،‬وأحكامه‪.‬‬
‫حق المسيل‪ :‬هو حق تصريف الماء الزائد عن الحاجة‪ ،‬أو غير الصالح‪ ،‬إلى المصارف والمجاري‬
‫العامة‪ ،‬بواسطة مجرى سطحي أو أنبوب مستور‪ ،‬سواء من أرض أو دار أو مصنع‪.‬‬
‫والفرق بينه وبين حق المجرى‪ :‬هو أن حق المجرى لجلب الماء الصالح للرض‪ ،‬وحق المسيل‬
‫لتصريف الماء غير الصالح عن الرض أو الدار ونحوها‪.‬‬
‫والمسيل قد يكون مملوكا للمنتفع به‪ ،‬أو لصاحب الرض التي يمر فيها‪ ،‬وقد يكون في مرفق عام‪.‬‬
‫وإذا تعينت أرض الجار لحداث المسيل‪ ،‬لم يجز لمالكها المعارضة أو الممانعة فيه‪ ،‬إل إذا ترتب‬
‫عليه ضرر بيّن‪ .‬ويظل هذا الحق قائما‪ ،‬وإن تغيرت صفة الرض المقرر لها‪ ،‬كأن كانت أرضا‬
‫ل أو مصنعا مثلً‪.‬‬
‫زراعية‪ ،‬فصارت منز ً‬
‫وإذا كان حق المسيل قديما‪ ،‬بقي على حاله‪ ،‬ما لم يكن ضارا بالمصلحة العامة أو الخاصة‪ ،‬فيجب‬
‫حينئذ إزالته؛ لن «الضرر يزال» ‪ ،‬ول يحتج بتقادم الضرر؛ لن «الضرر ل يكون قديما» ‪.‬‬
‫وتجب نفقات إصلح المسيل‪ ،‬على المنتفع به‪ ،‬إذا كان في ملكه‪ ،‬أو في ملك غيره‪ .‬فإن كان في‬
‫أرض عامة‪ ،‬فنفقة الصلح على بيت المال (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أملية مختصر المعاملت الشرعية للخفيف‪ :‬ص ‪ 20‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/460‬‬

‫المطلب الخامس ـ حق المرور ‪:‬‬


‫تعريفه‪ ،‬وأحكامه‪.‬‬
‫حق المرور‪ :‬هو حق أن يصل النسان إلى ملكه‪ ،‬دارا أو أرضا‪ ،‬بطريق يمر فيه‪ ،‬سواء أكان من‬
‫طريق عام‪ ،‬أم من طريق خاص مملوك له أو لغيره‪ ،‬أو لهما معا‪.‬‬
‫وحكمه يختلف بحسب نوع الطريق‪:‬‬
‫ً‪ 1‬ـ فإن كان الطريق عاما‪ :‬فلكل إنسان حق النتفاع به‪ ،‬لنه من المباحات‪ ،‬سواء بالمرور‪ ،‬أو بفتح‬
‫نافذة أو طريق فرعي عليه‪ ،‬أو إنشاء شرفة ونحوها‪ ،‬وله إيقاف الدواب أو السيارات أو إنشاء مركز‬
‫للبيع والشراء‪ .‬ول يتقيد إل بشرطين (‪: )1‬‬
‫الول‪ :‬السلمة‪ ،‬وعدم الضرار بالخرين‪ ،‬إذ ل ضرر ول ضرار (‪. )2‬‬
‫الثاني‪ :‬الذن فيه من الحاكم‪.‬‬
‫فإن أضر المار أو المنتفع بالخرين‪ ،‬كأن أعاق المرور‪ ،‬منع‪ .‬وإن لم يترتب على فعله ضرر‪ ،‬جاز‬
‫بشرط إذن الحاكم عند أبي حنيفة‪ ،‬ول يشترط الذن عند الصاحبين‪ ،‬على ما سأبيّن في حق التعلي‪.‬‬
‫كذلك ل يشترط إذن المام عند الشافعية والحنابلة (‪ )3‬كقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من سبق إلى ما‬
‫لم يسبق إليه مسلم‪ ،‬فهو أحق به» ‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬من بنى في طريق المسلمين أو أضاف شيئا من الطريق إلى ملكه‪ ،‬منع منه‬
‫باتفاق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 319/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 142/6 :‬وما بعدها‪ ،‬جامع‬
‫الفصولين‪ ،197/2 :‬تكملة الفتح‪ 330/8 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪.182/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أي ل يضر الرجل أخاه ابتداء ول جزاء‪ ،‬بمعنى أنه ل يجوز إنشاء الضرر‪ ،‬ول مقابلته بمثله‪.‬‬
‫والضرر في الجزاء‪ :‬أن يتعدى المجازي عن قدر حقه في القصاص وغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،369/2 :‬المغني‪.544/5 :‬‬
‫(‪ )4‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.341‬‬

‫( ‪)6/461‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬الطريق النافذ أي الشارع ل يتصرف فيه بما يضر المارّة في مرورهم فيه؛ لن‬
‫الحق فيه للمسلمين كافة‪ ،‬فل يشرع فيه جَناح أي روشن‪ ،‬ول ساباط (أي سقيفة على حائطين‬
‫ل منهما‪.‬‬
‫والطريق بينهما) يضر الناس ك ٌ‬
‫ً‪ 2‬ـ وأما إن كان الطريق خاصا‪ :‬فحق النتفاع به مقصور على صاحبه أو أهله أو المشتركين فيه‪،‬‬
‫فليس لغيرهم أن يفتح عليه بابا أو نافذة إل منهم‪ ،‬ولكل الناس حق المرور فيه عند زحمة الطريق‬
‫العام‪ ،‬وليس لصحابه سده أو إزالته‪ ،‬احتراما لحق العامة فيه‪.‬‬
‫كذلك ليس لحد من أصحاب الحق في الطريق الخاص الرتفاق به على غير الوجه المعروف إل‬
‫بإذن الشركاء كلهم‪ ،‬حتى المشتري من أحدهم بعد الذن‪ ،‬كإحداث غرفة‪ ،‬أو بناء شرفة‪ ،‬أو ميزاب‬
‫ونحوه (‪. )2‬‬
‫المطلب السادس ـ حق التعلي ‪:‬‬
‫تعريفه‪ ،‬وحكم تصرف المالك العلى أو السفل في ملكه‪.‬‬
‫حق التعلي‪ :‬هو حق القرار الدائم أو الستناد لصاحب الطبقة العليا‪ ،‬على الطبقة السفلى‪ ،‬والنتفاع‬
‫بسقوفها‪ ،‬مثل الملكية المشتركة للطوابق الحديثة‪.‬‬
‫وهذا حق دائم ثابت لصاحب العلو‪ ،‬على حساب السفل‪ ،‬فيكون للعلو حق البقاء والقرار على ذلك‬
‫السفل‪ ،‬دون أن يتملك عند الحنفية سقفه‪ ،‬فل يزول الحق بهدمه‪ ،‬أو انهدام السفل‪ ،‬أو هما معا‪،‬ويظل‬
‫هذا الحق قائما‪ ،‬يجري فيه التوارث‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.182/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،320/5 :‬تكملة الفتح‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬القوانين الفقهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،341‬مغني المحتاج‪.184/2 :‬‬

‫( ‪)6/462‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬السقف الذي بين الطابقين لصاحب السفل‪ ،‬وعليه إصلحه وبناؤه إن انهدم‪،‬‬
‫ولصاحب العلو الجلوس عليه‪ ،‬أي كما قال الحنفية‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬السقف مشترك بين صاحب العلو والسفل كالجدار بين ملكين‪ ،‬لشتراكهما في‬
‫النتفاع به‪ ،‬فإنه ساتر لصاحب السفل وأرض لصاحب العلو‪ ،‬فلصاحب العلو الستناد إليه‪ ،‬وليس‬
‫لحدهما دق وتد أو فتح كوة ونحوه مما يضايق إل بإذن الخر‪ .‬ولصاحب العلو النتفاع بالسقف‬
‫بحسب العادة‪ ،‬وإذا انهدم المشترك بين اثنين ليس لحدهما إجبار الخر على العمارة؛ لن الضرر ل‬
‫يزال بالضرر‪ ،‬والممتنع يتضرر بتكليف العمارة‪.‬‬
‫ول يباع حق التعلي عند الحنفية استقللً‪ ،‬فبيعه غير صحيح‪ ،‬لنه ليس بمال‪.‬‬
‫وقال غير الحنفية‪ :‬يجوز بيعه استقللً؛ لن الحقوق أموال عندهم‪ .‬وهذا هو المعقول والصح فقها‬
‫وعرفا وعملً‪.‬‬
‫واختلف أبو حنيفة مع صاحبيه في مدى حق التصرف لكل من صاحب العلو وصاحب السفل (‪: )3‬‬
‫فقال أبو حنيفة‪ :‬الصل في تصرفات المالك في ملكه‪ ،‬إذا تعلق به حق الغير‪ :‬الحظر؛ لنه تصرف‬
‫في محل تعلق به حق محترم للغير‪ ،‬فليس للجار التصرف في ملكه من غير رضا صاحب الحق‪ ،‬وإن‬
‫لم يضره هذا التصرف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.341‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،193/2 :‬روضة الطالبين للنووي‪.226 ،219/4 :‬‬
‫(‪ )3‬تبيين الحقائق‪ ،196-194/4 :‬فتح القدير‪ 502/5 :‬وما بعدها‪ ،506 ،‬البدائع‪ 264/6 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫الدر المختار ورد المحتار‪.377-375/4 :‬‬

‫( ‪)6/463‬‬
‫وبناء عليه‪ :‬ليس لصاحب السفل أن يحدث في بنائه أي تغير‪ ،‬كدق وتد‪ ،‬أو فتح نافذة‪ ،‬أو رفع جدار‪،‬‬
‫إل برضا صاحب العلو‪ ،‬وإن لم يضر به‪ .‬وليس لصاحب العلو زيادة بناء يوهن السفل‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬الصل في تصرف الجار الباحة؛ لنه تصرف في ملكه‪ ،‬والملك يقتضي إطلق‬
‫التصرف‪ ،‬كما يشاء المالك‪ ،‬إل إذا لحق بسببه ضرر بالغير‪ ،‬فيمنع حينئذ المالك منه‪ ،‬وبناء عليه‪:‬‬
‫لصاحب السفل أو الطابق الدنى أن يصنع ما ل يضر بالبناء العلى‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو المعقول‪ ،‬والصح في تقديري‪ ،‬وهو الستحسان المفتى به عند الحنفية (‪. )1‬‬
‫المطلب السابع ـ حق الجوار ‪:‬‬
‫تعريفه‪ ،‬ومدى صلحية الجار أو حق الجار بالتصرف في ملكه‪.‬‬
‫حق الجوار‪ :‬المراد به هو حق الجوار الجانبي‪ :‬وهو الناشئ عن تلصق الحدود وتجاورها‪ ،‬ويكون‬
‫لكل من الجارين الحق في الرتفاق بعقار جاره‪ ،‬على أل يلحق به ضررا بينا فاحشا‪.‬‬
‫والمتناع عما يؤذي الجار واجب ديانة‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل يدخل الجنة من ل يأمن‬
‫جاره بوائقه» (‪ )2‬أي غوائله وشروره‪ ،‬ومع ذلك للفقهاء آراء قضائية في منع الضرر بالجار(‪: ) 3‬‬
‫فقال أبو حنيفة بمقتضى القياس‪ :‬والشافعية والظاهرية‪ :‬لصاحب الملك أن يفعل في ملكه ما يشاء‪،‬‬
‫وهو مطلق التصرف في خالص ملكه‪ ،‬وإن ألحق الضرر بغيره‪ ،‬فله فتح ما شاء من النوافذ‪ ،‬وهدم ما‬
‫شاء من الجدران‪ ،‬وحفر ما رأى من البار‪ ،‬وإنشاء ما يشاء من المصانع‪ ،‬واتخاذ ما أراد من السكنى‬
‫أو المتجر‪.‬‬
‫لكن في الجدار المشترك‪ :‬قال الشافعية في الجديد (‪ : )4‬ليس لحد الشريكين وضع جذوعه عليه بغير‬
‫إذن شريكه‪ ،‬وليس له أن يدق وتدا أو يفتح كوّة أو نحوهما مما يضايق فيه عادة إل بإذن شريكه‪ ،‬ول‬
‫أن يستند إليه ويسند متاعا ل يضر‪ ،‬وله ولغيره مثل هذا النتفاع في جدار الجنبي؛ لنه ل ضرر‬
‫على المالك‪ ،‬فل يضايق فيه‪ ،‬بل له النتفاع‪ ،‬ولو منعه المالك‪.‬‬
‫وقال الصاحبان بمقتضى الستحسان الذي أخذت به المجلة‪ :‬يتقيد استعمال مالك العقار وتصرفه بما ل‬
‫يؤدي إلى ضرر بيّن فاحش بجاره‪ ،‬ولقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪ .‬وهذا هو‬
‫المفتى به عند الحنفية‪.‬‬
‫والضرر البين الفاحش‪ :‬ما يكون سببا لهدم أو سقوط بناء الجار‪ ،‬أو ما يوهن البناء‪ ،‬أو ما يؤذي‬
‫الجار أذىً بالغا على وجه دائم‪ ،‬أو ما يؤدي إلى سلخ حق النتفاع بالكلية‪ :‬وهو ما يمنع من الحوائج‬
‫الصلية‪ ،‬كأن يحول داره إلى فرن أو مصنع للحديد أو مطحنة للحبوب‪ ،‬أو حمام أو تنور أو يبني‬
‫جدارا يمنع به النور عن جاره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الدر المختار‪.375/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 264/6 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،506/5 :‬المبسوط‪ ،21/15 :‬الم‪ 222/3 :‬وما بعدها‪ ،‬ط‬
‫الميرية‪ ،‬المحلى‪ ،241/8 :‬م ‪ ،1355‬مختصر المعاملت الشرعية‪ :‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪.189/2 :‬‬

‫( ‪)6/464‬‬

‫فإن فعل شيئا مما ذكر‪ ،‬منع منه‪ ،‬وأمر بإزالته‪ ،‬وكان ضامنا ما يترتب عليه من تلف بدار جاره‪،‬‬
‫سواء أكان بالمباشرة أم بالتسبب‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة (‪ : )1‬يتقيد استعمال المالك بأل يضر بالخرين‪ ،‬ولو بالنية والقصد‪ ،‬فإ لم تكن‬
‫له مصلحة ظاهرة في التصرف‪ ،‬أو لم يقصد سوى الضرار بالخرين‪ ،‬منع منه؛ لن المسلم ممنوع‬
‫من قصد الضرار‪.‬‬
‫لكن المشهور عند المالكية أن الشخص ل يمنع إذا أراد أن يعلي بنيانا يمنع جاره الضوء والشمس‪،‬‬
‫ويمنع إذا أراد أن يبني بنيانا يمنع الهواء‪ .‬واتفق المالكية على منع أنواع من الضرر المحدث‪ ،‬هي‪:‬‬
‫فتح كوة أو طاقة يكشف منها على جاره‪ ،‬فيؤمر بسدها أو سترها‪ ،‬وأن يبني شخص في داره فرنا أو‬
‫حماما أو كير حداد‪ ،‬أو صائغ‪ ،‬مما يضر بجاره دخانه‪ ،‬فيمنع منه إل إن احتال في إزالة الدخان‪ .‬وأن‬
‫يصرف ماءه على دار جاره أو على سقفه‪ ،‬أو يجري في داره ماء‪ ،‬فيضر بحيطان جاره‪ .‬ومن طرق‬
‫تجنب الضرر‪ :‬كاتم الصوت وعازل الحرارة‪ ،‬وصفاية الدخان‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن التجاه القوى في الفقه السلمي يجيز للمالك أن يتصرف في ملكه بما ل ضرر فيه‬
‫على الجار‪ ،‬أما ما بان ضرره الفاحش‪ ،‬أو أشكل فيه الحال‪ ،‬فإنه ممنوع‪.‬‬
‫وإذا كان الشيء قديما قبل الجوار‪ ،‬يظل قائما‪ ،‬ما لم يكن فيه ضرر بالجار الجديد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموافقات‪ ،349/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.341‬‬

‫( ‪)6/465‬‬

‫صلُ الخامِس‪ :‬عقود استثمار الرض‪ :‬المزارعة والمساقاة و المغارسَة‬


‫ال َف ْ‬
‫العقد الول ـ المزارعة أو المخابرة‬
‫تعريفها‪ ،‬ومشروعيتها‪ ،‬وركنها وصفة العقد‪ ،‬وشرائطها‪ ،‬وأنواعها أو أحوالها‪ ،‬وحكمها وانتهاؤها‬
‫وحالت فسخها‪ ،‬وفيها مباحث خمسة‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف المزارعة ومشروعيتها وركنها وصفة العقد ‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف المزارعة‪ :‬المزارعة لغة‪ :‬مفاعلة من الزرع‪ :‬و هو النبات‪ .‬وشرعا‪ :‬عقد على‬
‫الزرع ببعض الخارج (‪ . )1‬وعرفها المالكية‪ :‬بأنها الشركة في الزرع (‪ . )2‬وعرفها الحنابلة بأنها‪:‬‬
‫دفع الرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها‪ ،‬والزرع بينهما (‪. )3‬‬
‫وتسمى أيضا المخابرة (من الخَبار‪ :‬وهي الرض اللينة)‪ ،‬والمحاقلة‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،175/6 :‬تبيين الحقائق‪ ،278/5 :‬الدر المختار‪ ،193/5 :‬تكملة الفتح‪.32/8 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،372/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.280‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،382/5 :‬كشاف القناع‪.523/3 :‬‬

‫( ‪)6/466‬‬

‫ويسميها أهل العراق‪ :‬القَراح‪ .‬ووصف الشافعية (‪ )1‬المخابرة بأنها‪ :‬عمل الرض ببعض ما يخرج‬
‫منها‪ ،‬والبذر من العامل‪ .‬والمزارعة‪ :‬هي المخابرة‪ ،‬ولكن البذر فيها يكون من المالك‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬المزارعة عقد استثمار أرض زراعية بين صاحب الرض‪ ،‬وآخر يعمل في استثمارها‪،‬‬
‫على أن يكون المحصول مشتركا بينهما بالحصص التي يتفقان عليها‪.‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيتها‪ :‬لم يجز أبو حنيفة وزفر المزارعة‪ ،‬وقال‪ :‬هي فاسدة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬المزارعة‬
‫بالثلث والربع في رأيهما باطلة (‪ . )2‬وكذلك لم يجز الشافعي المزارعة‪ ،‬وإنما تجوز عند الشافعية‬
‫فقط تبعا للمساقاة للحاجة‪ ،‬فلو كان بين النخل بياض صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل‬
‫بشرط اتحاد العامل‪ ،‬وعسر إفراد النخل بالسقي‪ ،‬والبياض بالعمارة‪ :‬وهي الزراعة لنتفاع النخل‬
‫بسقي الرض وتقليبها‪ .‬والصح أنه يشترط‪ :‬أل يفصل العاقدان بين العقدين وإنما يؤتى بهما على‬
‫التصال‪ ،‬وأل يقدم المزارعة على المساقاة‪ ،‬لنها تابعة‪ ،‬والتابع ل يقدم على متبوعه‪ .‬ول تجوز‬
‫المخابرة عند الشافعية تبعا للمساقاة‪ ،‬لعدم ورود مشروعيتها (‪ . )3‬ودليل أبي حنيفة وزفر والشافعي‬
‫على عدم مشروعية المزارعة أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن المخابرة (‪ : )4‬وهي‬
‫المزارعة‪ .‬ولن أجر المزارع‪ :‬وهو مما تخرجه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 323/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬العناية بهامش تكملة الفتح‪ ،32/8 :‬وتقييدهم بالثلث والربع باعتبار العادة في ذلك‪ ،‬ولتقرير محل‬
‫النزاع‪ ،‬إذ لو لم يعين المقدار فسدت اتفاقا‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،324/2 :‬المهذب‪.349/1 :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬وأخرجه أيضا عن ابن عمر‪ :‬أن رافع بن خديج روى أن‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عنه (نصب الراية‪ )180/4 :‬وروى مسلم أيضا عن ثابت بن‬
‫الضحاك‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن المزارعة» وروى أبو داود والنسائي وأحمد‬
‫والبخاري حديث رافع بالنهي عن كراء الرض (نيل الوطار‪.)280 ،275/6 :‬‬

‫( ‪)6/467‬‬

‫الرض إما معدوم لعدم وجوده عند العقد‪ ،‬أو مجهول لجهالة مقدار ما تخرجه الرض‪ ،‬وقد ل تخرج‬
‫شيئا‪ ،‬وكل من الجهالة وانعدام محل العقد مفسد عقد الجارة‪.‬‬
‫وأما معاملة النبي صلّى ال عليه وسلم أهل خيبر ـ كما سيأتي ـ فكان خراج مقاسمة (‪ )1‬كثلث أو‬
‫ربع غلة الرض‪ ،‬بطريق المن والصلح‪ ،‬وهو جائز‪.‬‬
‫ومع هذا قال كثير من فقهاء الشافعية بمشروعية المزارعة استقللً‪ ،‬بدليل معاملة النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم أهل خيبر‪ ،‬واعتبروا المخابرة في معنى المزارعة‪.‬‬
‫وقال صاحبا أبي حنيفة (أبو يوسف ومحمد)‪ ،‬ومالك وأحمد وداود الظاهري‪ ،‬وهو رأي جمهور‬
‫الفقهاء‪ :‬المزارعة جائزة‪ ،‬بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من‬
‫ثمر أو زرع (‪ . )2‬ولنها عقد شركة بين المال والعمل‪ ،‬فتجوز كالمضاربة‪ ،‬لدفع الحاجة‪ ،‬فصاحب‬
‫المال قد ل يحسن الزراعة‪ ،‬والعامل يتقنها‪ ،‬فيتحقق بتعاونهما الخير والنتاج والستثمار‪ .‬والعمل‬
‫والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين‪ ،‬لحاجة الناس إليهم ولتعاملهم‪ .‬وهذا هو الراجح‪ .‬وهي تشبه‬
‫الشركة والجارة‪ ،‬فهي مشاركة في الناتج بين صاحب الرض والمزارع بنسبة متفق عليها كالنصف‬
‫أو الثلث للمزارع‪ .‬وهي كالجارة عن طريق المشاركة في استغلل الرض‪ ،‬والجرة فيها حصة‬
‫معينة من المحصول‪ .‬لكنها تتميز عن الشركة بأن نصيب المالك فيها حصة من نفس المحصول الناتج‬
‫من الرض‪ ،‬وليس من صافي الرباح‪.‬‬
‫وتتميز عن إيجار الرض الزراعية بأن تكون الجرة جزءا من محصول الرض المؤجرة كالربع أو‬
‫الثلث أو النصف‪ ،‬فإن كانت الجرة مقدارا معينا من المحصول كطن قمح أو أرز‪ ،‬فل يكون العقد‬
‫مزارعة‪ ،‬ولكنه إيجار عادي للرض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخراج نوعان‪ :‬خراج وظيفة‪ :‬وهو فرض جزء مقطوع معلوم سنويا على جزء معلوم من‬
‫مساحة الرض المفتوحة‪ .‬وخراج مقاسمة‪ :‬وهو فرض مقدار نسبة محددة من غلة الرض كالنصف‬
‫مثلً (تبيين الحقائق‪.)278/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة (أحمد والئمة الستة) عن ابن عمر‪ ،‬وروي أيضا عن ابن عباس وجابر بن عبد‬
‫ال (نيل الوطار‪.)272/5 :‬‬

‫( ‪)6/468‬‬

‫ثالثا ـ ركن المزارعة وصفة العقد‪ :‬ركن المزارعة عند الحنفية‪ :‬اليجاب والقبول‪ ،‬وهو أن يقول‬
‫صاحب الرض للعامل‪ :‬دفعت إليك هذه الرض مزارعة بكذا‪ ،‬ويقول العامل‪ :‬قبلت‪ ،‬أو رضيت‪ ،‬أو‬
‫ما يدل على قبوله ورضاه‪ ،‬فإذا وجدا تم العقد بينهما (‪. )1‬‬
‫أطرافها ثلثة‪ :‬صاحب الرض أو المالك‪ ،‬والعامل أو المزارع‪ ،‬ومحل العقد‪ ،‬المتردد بين أن يكون‬
‫منفعة الرض أو عمل العامل‪ .‬وهي عند الحنفية‪ :‬عقد إجارة ابتداء‪ ،‬شركة انتهاء‪ ،‬فإن كان البذر من‬
‫العامل فالمعقود عليه منفعة الرض‪ ،‬وإن كان من صاحب الرض فالمعقود عليه منفعة العامل‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬ول تفتقر المزارعة والمساقاة إلى القبول لفظا‪ ،‬بل يكفي الشروع في العمل قبولً‪،‬‬
‫كالوكيل‪.‬‬
‫وأما صفة المزارعة‪ :‬فهي عند الحنفية كبقية الشركات عقد غير لزم‪ .‬وقال المالكية (‪ : )3‬وتلزم‬
‫بالبذر ونحوه أي بإلقاء الحب على الرض لينبت‪ ،‬أو بوضع الزريعة في الرض مما ل بذر لحبه‬
‫كالبصل ونحوه‪ .‬والمعتمد عند المالكية أن شركات الموال تلزم بالصيغة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )4‬المزارعة والمساقاة عقدان غير لزمين‪ ،‬لكل طرف فسخهما‪ ،‬ويبطل العقد بموت‬
‫أحد المتعاقدين‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ شرائط المزارعة ‪:‬‬
‫اشترط الصاحبان من الحنفية (‪ )5‬في المزارعة شرائط‪ :‬في العاقد‪ ،‬وفي الزرع والمزروع‪ ،‬وفي‬
‫الخارج من الزرع‪ ،‬وفي الرض المزروعة‪ ،‬وفي محل العقد‪ ،‬وفي آلة الزراعة‪ ،‬وفي مدة المزارعة‪.‬‬
‫شروط العاقد‪ :‬يشترط شرطان عامان في العقود‪.‬‬
‫أ ـ أن يكون العاقد عاقلً (مميزا)‪ :‬فل تصح مزارعة المجنون والصبي غير المميز؛ لن العقل شرط‬
‫أهلية التصرفات‪.‬‬
‫وأما البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة عند الحنفية‪ ،‬فتجوز مزارعة الصبي المأذون‪ ،‬كالجارة‪.‬‬
‫والمزارعة استئجار ببعض الناتج‪ .‬واشترط الشافعية والحنابلة البلوغ لصحة المزارعة كغيرها من‬
‫العقود‪.‬‬
‫‪ - 2‬أل يكون مرتدا ـ في رأي أبي حنيفة ـ لن تصرفات المرتد موقوفة عنده‪ ،‬فل تصح للحال‪.‬‬
‫ول يشترط هذا الشرط عند الصاحبين‪ ،‬فتعتبر مزارعة المرتد نافذة للحال‪.‬‬
‫أما المرتدة فتصح مزارعتها باتفاق الحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.176/6 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ 528/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬تبيين الحقائق‪ ،278/5 :‬الشرح الصغير‪ 492/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬غاية المنتهى‪.154/2 :‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،180-176/6 :‬تكملة الفتح مع العناية‪ 34/8 :‬وما بعدها‪ ،‬الكتاب مع اللباب‪،230/2 :‬‬
‫تبيين الحقائق‪ ،279/5 :‬الدر المختار‪.193/5 :‬‬

‫( ‪)6/469‬‬

‫شرط الزرع‪ :‬أن يكون معلوما‪ ،‬بأن يبين ما يزرع؛ لن حال المزروع يختلف باختلف الزرع‪،‬‬
‫بالزيادة والنقصان‪ ،‬فرب زرع يزيد في الرض‪ ،‬وآخر ينقصها‪ .‬ومقتضى الستحسان‪ :‬أن بيان ما‬
‫يزرع في الرض ليس بشرط‪ ،‬إذ نص على المزارعة‪ ،‬فإن ما يزرع مفوض للعامل‪.‬‬
‫شرط المزروع‪ :‬أن يكون قابلً لعمل الزراعة‪ :‬وهو أن يؤثر فيه العمل بالزيادة بحسب العادة‪.‬‬
‫شروط الخارج الناتج من الزرع‪ :‬تشترط شروط إذا لم تتحقق فسد العقد وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون معلوما في العقد؛ لنه بمثابة الجرة وجهالتها تفسد الجارة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون مشتركا بين العاقدين‪ :‬فلو شرط تخصصه بأحدهما فسد العقد‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون الناتج معلوم القدر كالنصف والثلث والربع ونحوه؛ لن ترك التقدير يؤدي إلى الجهالة‬
‫المفضية إلى المنازعة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون الناتج جزءا مشاعا بين العاقدين‪ ،‬فلو شرط لحدهما مقدار معلوم كأربعة أمداد أو بقدر‬
‫البذر‪ ،‬لم يصح العقد‪ ،‬لجواز أل ينتج إل ذلك القدر‪.‬‬
‫ول يصح أيضا اشتراط كون الناتج على السواقي أو الجداول لحدهما‪ ،‬لحتمال أل ينبت الزرع إل‬
‫في ذلك الموضع‪.‬‬
‫ول يصح أيضا اشتراط كون التبن لحدهما‪ ،‬وللخر الحب؛ لن الزرع قد تصيبه آفة‪ ،‬فل ينعقد‬
‫الحب‪ ،‬ول يخرج إل التبن‪ .‬واشترط المالكية تساوي العاقدين في قسمة الناتج‪ ،‬وأجاز الشافعية‬
‫والحنابلة كالحنفية تفاوت العاقدين في الخارج الناتج‪.‬‬
‫شروط الرض المزروعة‪ :‬يشترط في الرض المزروعة ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون صالحة للزراعة‪ :‬فلو كانت سبخة أو نزة‪ ،‬ل يجوز العقد؛ لن المزارعة عقد استئجار‬
‫ببعض الناتج‪ ،‬والسبخة والنزة ل تجوز إجارتها‪ ،‬فل تجوز مزارعتها‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن تكون معلومة‪ :‬فإن كانت مجهولة ل تصح المزارعة؛ لنها تؤدي إلى المنازعة‪.‬‬

‫( ‪)6/470‬‬

‫‪ - 3‬التخلية بين الرض والعامل‪ ،‬فتسلم إلى العامل مخلة‪ :‬وهو أن يوجد من صاحب الرض التخلية‬
‫بين الرض وبين العامل‪ ،‬فلو شرط العمل على رب الرض أو عليهما معا‪ ،‬ل تصح المزارعة‪،‬‬
‫لنعدام التخلية‪.‬‬
‫شرط محل العقد‪ :‬أن يكون المعقود عليه في المزارعة مقصودا بحسب العرف والشرع‪ :‬أي من‬
‫العمال الزراعية عرفا وشرعا‪ ،‬من حيث إنها إجارة أحد أمرين‪ :‬إما منفعة عمل العامل‪ :‬بأن كان‬
‫البذر من صاحب الرض‪ .‬وإما منفعة الرض‪ :‬بأن كان البذر من العامل‪.‬‬
‫وإذا اجتمع المران في الستئجار‪ ،‬فسدت المزارعة‪ ،‬وتفسد إذا كان العمل غير زراعي كقطع‬
‫الحجار ونقلها ورصف جوانب الطرقات مثلً بالحجارة؛ لنها ليست من أعمال المزارعة‪.‬‬
‫شرط آلة الزراعة‪ :‬أن تكون اللة من دابة أو آلة حديثة أمرا تابعا في العقد‪ ،‬ل مقصودا‪ ،‬فإن جعلت‬
‫أمرا مقصودا‪ ،‬فسدت المزارعة‪.‬‬
‫شرط مدة المزارعة‪ :‬أن تكون المدة معلومة‪ ،‬فل تصح المز ارعة إل بعد بيان المدة؛ لنها استئجار‬
‫ببعض الناتج‪ ،‬ول تصح الجارة مع جهالة المدة‪ ،‬والمدة متعارفة‪ ،‬فتفسد بما ل يتمكن العامل فيها‪،‬‬
‫وبما ل يعيش إليها أحد العاقدين‪ .‬والمفتى به أن‬

‫( ‪)6/471‬‬
‫المزارع تصح بل بيان مدة‪ ،‬وتقع على أول زرع واحد (‪. )1‬‬
‫وفي الجملة‪ :‬تصح المزارعة عند الصاحبين بشروط ثمانية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أهلية العاقدين ‪ - 2‬وتعيين مدة العقد‪ ،‬والمفتى به أنه ل يشترط ذلك‪ - 3 .‬وصلحية الرض‬
‫للزراعة ‪ - 4‬والتخلية بين الرض والعامل ‪ - 5‬وأن يكون الناتج مشتركا مشاعا بين العاقدين تحقيقا‬
‫لمعنى الشركة ‪ - 6‬وبيان من عليه البذر منعا للمنازعة‪ ،‬وإعلما للمعقود عليه‪ :‬وهو منافع الرض أو‬
‫منافع العامل ‪ -7‬وبيان نصيب كل من العاقدين (‪ )2‬سواء من قدم البذر أو من لم يقدمه ‪ - 8‬وبيان‬
‫جنس ال ِبذْر ليصير الجر معلوما؛ لن الجر جزء من الناتج‪ ،‬فل بد من بيانه‪ ،‬ليعلم أن الناتج من أي‬
‫نوع؛ لنه ربما يعطي بذارا ل يحصل الناتج به إل بعمل كثير‪ .‬والستحسان‪ :‬أن بيان ما يزرع في‬
‫الرض ليس بشرط‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬ل يشترط تقدير المدة في المفتى به عند الحنفية وظاهر كلم أحمد‪ ،‬ويشترط كون المدة‬
‫معلومة غير مجهولة في رأي المالكية والشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.193/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المذكور في الهداية‪ :‬بيان نصيب من ل بذر من قبله‪ ،‬لنه يستحق عوضا بالشرط‪ ،‬فل بد من أن‬
‫يكون معلوما‪ ،‬وما ل يعلم ل يستحق شرطا بالعقد‪ .‬لكن قال قاضي زاده معلقا عليه‪ :‬ل شك أن بيان‬
‫نصيب كل من المتعاقدين مما ل بد منه في عقد المزارعة‪ ،‬فعدّ بيان نصيب من ل بذر من قبله‪ ،‬من‬
‫الشرائط دون بيان نصيب الخر‪ ،‬مما ل يجدي كبير طائل‪ .‬فتأمل (تكملة الفتح‪.)34/8 :‬‬

‫( ‪)6/472‬‬

‫شروط المزارعة عند المالكية (‪: )1‬‬


‫اشترط المالكية ثلثة شروط للمزارعة‪:‬‬
‫‪ - 1‬السلمة من كراء الرض بأجر ممنوع كراؤها به‪ ،‬بأل تقع الرض أو بعضها في مقابلة بذر‪،‬‬
‫أو طعام ولو لم تنبته الرض كعسل‪ ،‬أو ما تنبته ولو غير طعام كقطن وكتان‪ ،‬إل الخشب‪ ،‬أي إنه ل‬
‫بد لصحة المزارعة من كرائها بذهب أو فضة أو عرض تجاري أو حيوان‪ .‬ول بد من كون البذر من‬
‫صاحب الرض والعامل معا‪ ،‬فلو كان البذر من أحدهما والرض للخر‪ ،‬فسدت المزارعة‪.‬‬
‫وسبب اشتراط هذا الشرط‪ :‬ورود النهي في السنة عن كراء الرض بما يخرج منها (‪ . )2‬فل تصح‬
‫في مقابل جزء من الخارج‪.‬‬
‫‪ - 2‬تكافؤ الشريكين أو تساويهما فيما يخرجان أو يقدمان‪ :‬بأن يقابل أجرَ الرض مساوٍ غير بذر‬
‫كعمل حيوان ونحوه‪ ،‬وعلى قدر الربح الواقع بينهما‪ ،‬كأن تكون أجرة الرض مئة‪ ،‬وما يقابلها من‬
‫تقديم حيوان وعمل سوى البذر مئة‪ ،‬والربح بينهما مناصفة‪ ،‬فتصح وإل فسدت‪ .‬ويجوز لحدهما‬
‫التبرع للخر بالزيادة من عمل أو ربح‪ ،‬بعد لزوم الشركة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تماثل البذرين المقدمين من كليهما نوعا كقمح أو شعير أو فول‪ .‬فإن اختلف بذر أحدهما عن‬
‫الخر‪ ،‬كأن أخرج أحدهما من البذر غير ما أخرجه الخر‪ ،‬فسدت المزارعة‪ ،‬ولكل ما أنبته بذره‪.‬‬
‫ومذهب مالك وابن القاسم‪ ،‬وهو الراجح الذي به الفتوى‪ :‬أنه ل يشترط ‪-‬كما في شركة الموال‪ -‬خلط‬
‫البذرين حقيقة ول حكما‪ ،‬بل إذا خرج كل منهما ببذره وكان بذر كل منهما مستقلً عن الخر‪،‬‬
‫فالشركة صحيحة‪.‬‬
‫وبه يتبين أن المالكية يشترطون تقديم البذر من كل العاقدين‪ ،‬وتساويهما فيه نوعا‪ ،‬وتماثلهما في الربح‬
‫وفيما يقدم كل منهما من شيء عيني كالرض‪ ،‬وما يقابلها من منفعة حيوان وعمل‪ ،‬وأل تكون‬
‫المزارعة بجزء ناتج من الرض‪ ،‬وإنما بعوض آخر غير محصول الرض‪ .‬ويلحظ أن هذه‬
‫الشروط شديدة ل تنطبق مع واقع المزارعة القائم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ 372/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 494/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪.280‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والبخاري والنسائي من حديث رافع بن خديج (نيل الوطار‪.)275/5 :‬‬

‫( ‪)6/473‬‬

‫أما الشافعية (‪ : )1‬فلم يشترطوا في المزارعة التي تصح تبعا للمساقاة أن يتساوى العاقدان في الجزء‬
‫المشروط من الثمر والزرع‪ ،‬فيصح أن يشرط للعامل نصف الثمر‪ ،‬وربع الزرع مثلً‪ .‬كذلك حددوا‬
‫محل منع كراء الرض بما يخرج منها بما إذا كان المشروط من خصوص بقعة معينة‪ .‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫المزارعة‪ :‬هي عمل الرض بما يخرج منها‪ ،‬والبذر من المالك‪.‬‬
‫وأما الحنابلة (‪ : )2‬فأجازوا المزارعة ببعض ما يخرج من الرض‪ ،‬ولم يشترطوا تساوي العاقدين‬
‫في الناتج‪ .‬واشترطوا كالشافعية في ظاهر المذهب كون البذر من المالك رب الرض‪ ،‬وروي عن‬
‫أحمد ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل‪ .‬واشترطوا بيان نصيب كل واحد من العاقدين‪،‬‬
‫فإن جهل النصيب فسدت المزارعة‪ ،‬كما اشترطوا أيضا معرفة جنس البذر وقدره؛ لن المزارعة‬
‫معاقدة على عمل‪ ،‬فلم تجز على غير معلوم الجنس والقدر‪ ،‬كالجارة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يجوز تقديم البذر من أحد العاقدين عند الحنفية‪ ،‬ويشترط تقديمه من كل العاقدين عند‬
‫المالكية‪ ،‬ويكون البذر من صاحب الرض والعمل من العامل في رأي الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ أحوال المزارعة ‪:‬‬
‫للمزارعة عند الصاحبين أربعة أحوال‪ ،‬تصح في ثلثة‪ ،‬وتبطل في واحد (‪. )3‬‬
‫الولى‪ :‬أن تكون الرض والبذر من واحد‪ ،‬والعمل والحيوان واسطة الزراعة من آخر‪ :‬تجوز‬
‫المزارعة‪ ،‬وصار صاحب الرض والبذر مستأجرا للعامل‪ ،‬والحيوان المستخدم للحراثة تبعا له؛ لن‬
‫الحيوان آلة العمل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن تكون الرض لواحد‪ ،‬والحيوان والبذر والعمل لواحد‪ :‬جازت المزارعة أيضا‪ ،‬وصار‬
‫العامل مستأجرا للرض ببعض الخارج الناتج‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن تكون الرض والحيوان والبذر لواحد‪ ،‬والعمل لواحد‪ :‬جازت أيضا‪ ،‬وصار رب الرض‬
‫مستأجرا للعامل ببعض الخارج (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.325-323/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،392 ،388 ،382/5 :‬كشاف القناع‪.533/3 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 179/6 :‬ومابعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ 35/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 281/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر‬
‫المختار‪ 195/5 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب شرح الكتاب‪ 229/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬قد نظم بعضهم الصور الثلث الجائزة في بيت‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أرض وبذر‪ ،‬كذا أرض‪ ،‬كذا عمل‪.....‬من واحد ‪،‬ذي ثلث كلها قبلت‬

‫( ‪)6/474‬‬

‫الرابعة‪ :‬إذا كانت الرض والحيوان لواحد‪ ،‬والبذر والعمل لخر‪ :‬فهي فاسدة‪ ،‬في ظاهر الرواية‪ ،‬لنه‬
‫لو قدر العقد إجارة للرض‪ ،‬فاشتراط الحيوان على صاحبها‪ ،‬مفسد للجارة؛ إذ ل يمكن جعل الحيوان‬
‫تبعا للرض‪ ،‬لختلف‬
‫المنفعة‪ ،‬أي إن منفعة الحيوان ليست من جنس منفعة الرض؛ لن الرض للنماء والنبات‪ ،‬والحيوان‬
‫للعمل وشق الرض‪.‬‬
‫ولوقدر العقد إجارة للعامل‪ ،‬فاشتراط البذر عليه مفسد؛ لنه ليس تبعا له‪.‬‬
‫وعليه تفسد المزارعة إذا اشترطت اللة أو الحيوان أو العمل على صاحب الرض‪ ،‬كما تفسد إذا‬
‫اشترط الخارج كله لحد العاقدين‪ ،‬أو اشترط الحصاد والدياس أو الحمل والحفظ على العامل‬
‫المزارع؛ لنه ل يتعلق به صلح الزرع‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ حكم المزارعة الصحيحة والفاسدة ‪:‬‬
‫أولً ـ حكم المزارعة الصحيحة عند الحنفية‪ :‬للمزارعة الصحيحة عند الحنفية (‪ )1‬أحكام هي ما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬كل ما كان من عمل المزارعة مما يحتاج الزرع إليه لصلحه‪ ،‬كنفقة البذر ومؤنة الحفظ‪ ،‬فعلى‬
‫المزارع‪ ،‬لن العقد تناوله‪.‬‬
‫‪ - 2‬كل ما كان نفقة على الزرع‪ ،‬كالسماد وقلع العشاب والحصاد والدياس‪ ،‬فعلى العاقدين على قدر‬
‫نصيبهما من الناتج‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬على العامل بعد الحرث والزرع ما يحتاج الزرع إليه من خدمة وسقي وتنقية وحصاد‬
‫ونقله إلى الندر (البيدر) ودراسته فيه‪ ،‬وتصفيته إلى أن يصير حبا مصفى‪ ،‬فيقسمانه على الكيل (‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 181/6 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،39/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،282/5 :‬الكتاب مع اللباب‪:‬‬
‫‪ 231/2‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪.199/5 :‬‬
‫(‪ )2‬التاج والكليل‪.177/3 :‬‬

‫( ‪)6/475‬‬

‫‪ - 3‬الناتج من الرض يقسم بين العاقدين بحسب الشرط المتفق عليه‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«المسلمون عند شروطهم» (‪ . )1‬فإن لم تخرج الرض شيئا‪ ،‬فل شيء لواحد من العاقدين على‬
‫الخر‪ ،‬أما إنه ل شيء للعامل‪ ،‬فلنه مستأجر ببعض الخارج الناتج‪ ،‬ولم يوجد‪ .‬هذا بخلف المزارعة‬
‫الفاسدة‪ :‬يجب للعامل أجر المثل إن لم تخرج الرض شيئا‪ .‬والفرق أن الواجب في العقد الصحيح هو‬
‫المسمى وهو بعض الخارج‪ ،‬فإذا لم يوجد لم يجب شيء‪ .‬وأما الواجب في المزارعة الفاسدة فهو أجر‬
‫مثل العمل في الذمة ل في الخارج‪ ،‬فعدم الخارج ل يمنع وجوبه في الذمة‪.‬‬
‫‪ - 4‬عقد المزارعة كما تقدم في صفته غير لزم عند الحنابلة‪ ،‬ويلزم بالبذر عند المالكية‪ ،‬وقال‬
‫الحنفية‪ :‬هو عقد غير لزم في جانب صاحب البذر لزم في جانب العاقد الخر‪ .‬ول يجوز له فسخ‬
‫المزارعة إل بعذر كما سيأتي‪ .‬فإذا امتنع صاحب البذر من العمل‪ ،‬لم يجبر عليه‪ .‬وإن امتنع الذي‬
‫ليس من قبله البذر‪ ،‬أجبره الحاكم على العمل؛ لنه ل يلحقه بالعقد ضرر‪ ،‬والعقد لزم بمنزلة الجارة‬
‫إل إذا كان هناك عذر تفسخ به الجارة‪ ،‬فتفسخ به المزارعة‪ .‬وسبب التفرقة بين العاقدين‪ :‬أن صاحب‬
‫البذر ل يمكنه تنفيذ العقد إل بإتلف ملكه وهو البذر‪ ،‬في التراب‪ ،‬فل يكون الشروع فيه ملزما في‬
‫حقه‪ ،‬إذ ل يجبر النسان على إتلف ملكه‪ ،‬أما العاقد الخر فليس من قبله إتلف ملكه‪ ،‬فكان الشروع‬
‫في حقه ملزما‪.‬‬
‫‪ - 5‬الكراب (الحراثة) والسقي‪ :‬إن تم التفاق عليه أو الشتراط يجب الوفاء به على من شرط عليه‪.‬‬
‫وإن لم يتفق عليه يجبر عليه العاقد بحسب الزراعة المعتادة‪ .‬فإن كانت الرض تسقى بماء السماء ل‬
‫يجبر أحد على السقي‪ ،‬وإل فعلى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الحاكم عن أنس وعائشة‪ ،‬وهو حديث صحيح‪ .‬ورواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة‬
‫بلفظ‪« :‬المسلمون على شروطهم» وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف باللفظ‬
‫الخير (نصب الراية‪ ،112/4 :‬الجامع الصغير)‪.‬‬

‫( ‪)6/476‬‬

‫النحو المعتاد‪ .‬فإذا قصر المزارع في عقد المزارعة الصحيحة في سقي الرض حتى هلك الزرع‬
‫بهذا السبب يضمن لوجوب العمل عليه فيها‪ ،‬ويضمن ضمان المانات بالتقصير؛ لن الرض في يده‬
‫أمانة‪ .‬ول يضمن في المزارعة الفاسدة‪.‬‬
‫‪ - 6‬تجوز الزيادة على الشرط المذكور من الخارج الناتج‪ ،‬والحط عنه‪ ،‬والقاعدة فيه‪ :‬هي أنه كلما‬
‫احتمل إنشاء العقد عليه‪ ،‬احتمل الزيادة‪ ،‬وما ل فل‪ ،‬والحط جائز في الحالتين جميعا‪ ،‬كالزيادة في‬
‫الثمن في عقد البيع‪.‬‬
‫فلو زاد العامل المزارع في حصة صاحب الرض بعد الحصاد‪ ،‬وكان البذر منه أي من العامل‪ ،‬لم‬
‫يجز؛ لن الزيادة على الجرة تمت بعد انتهاء عمل المزارعة واستيفاء المعقود عليه وهو المنفعة‪،‬‬
‫وهو ل يجوز‪،‬إذ لو أنشأ العقد بعد الحصاد‪ ،‬ليجوز‪ ،‬فل تجوز الزيادة‪.‬‬
‫وإن كانت الزيادة للمزارع في هذه الحالة من صاحب الرض‪ ،‬جازت؛ لنها حط من الجرة‬
‫المستحقة له‪ ،‬وهو ل يتطلب قيام المعقود عليه‪.‬‬
‫فإن كان البذر من صاحب الرض‪ ،‬فزاد في حصة المزارع بعد الحصاد‪ ،‬فالحكم أنه ل تجوز الزيادة‬
‫من المالك؛ لنها تمت بعد استيفاء المعقود عليه‪ ،‬وتجوز الزيادة من المزارع؛ لنها حط من الجرة‬
‫المستحقة له‪.‬‬
‫أما إن حدثت الزيادة من كل واحد من العاقدين‪ ،‬قبل الحصاد‪ ،‬فيجوز‪.‬‬
‫‪ - 7‬لو مات أحد المتعاقدين قبل إدراك الزرع‪ ،‬ترك إلى الدراك‪ ،‬ول شيء على المزارع لبقاء عقد‬
‫الجارة ههنا ببقاء المدة‪.‬‬

‫( ‪)6/477‬‬

‫والخلصة‪ :‬يلتزم صاحب الرض بالتزامين‪ :‬تسليم الرض مع حقوقها الرتفاقية‪ ،‬وإصلح الدوات‬
‫الزراعية‪ ،‬ويلتزم العامل المزارع بالتزامين آخرين في مواجهة التزامي المالك‪ ،‬وهما العناية بالزراعة‬
‫وتحمل نفقاتها المعتادة وأعمالها المعروفة‪ ،‬من حراثة وعزق وسقي ونحو ذلك‪ ،‬والمحافظة على‬
‫الرض‪ ،‬وصيانة الزرع‪.‬‬
‫حكم المزارعة عند الشافعية‪ :‬عرفنا أنه ل تجوز المزارعة (البذر من المالك) عند الشافعية إل تبعا‬
‫للمساقاة‪ .‬ول يجوز أن يخابر الشخص (البذر من العامل) تبعا للمساقاة‪.‬‬
‫فإن أفردت أرض بالمزارعة‪ ،‬فالغلة للمالك‪ ،‬لنها نماء ملكه‪ ،‬وعليه للعامل أجرة مثل عمله ودوابه‬
‫وآلته‪.‬‬
‫وطريق جعل الغلة للطرفين العاقدين‪ ،‬ول أجرة لحدهما على الخر‪ ،‬يحصل بصورتين إذا كان البذر‬
‫من المالك‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬أن يستأجر المالك العامل بنصف البذر شائعا كنصفه أو ربعه مثلً‪ ،‬أي استئجارا على‬
‫الشيوع ليزرع له النصف الخر في الرض‪ ،‬ويعيره في الوقت نفسه نصف الرض شائعا‪ ،‬فيقوم‬
‫العامل بالعمل في الرض‪ ،‬ويقسم الحاصل أو الناتج بينهما بنسبة ما ملك كل منهما من البذر‪ .‬وهذه‬
‫إجارة وإعارة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يستأجر المالك العامل بنصف البذر شائعا‪ ،‬ونصف منفعة الرض شائعا أيضا‪ ،‬ليزرع له‬
‫النصف الخر من البذر‪ ،‬في النصف الخر من الرض‪.‬‬
‫فيكون الطرفان شريكين في الزرع على المناصفة‪ ،‬ول أجرة لحدهما على الخر؛ لن العامل يستحق‬
‫في منفعة الرض بقدر نصيبه من الزرع‪ ،‬والمالك يستحق من منفعة الرض بقدر نصيبه من الزرع‬
‫(‪ . )1‬وهذه إجارة‪.‬‬
‫فإن كان البذر من العامل‪ :‬استأجر من المالك جزءا شائعا معينا من الرض كالنصف بنصف شائع‬
‫من البذر وبعمله في النصف الخر منها‪ ،‬أو يستأجر نصف الرض بنصف البذر‪ ،‬ويتبرع بالعمل في‬
‫النصف الخر‪ .‬فيملك كل منهما من الغلة بنسبة ما ملك من البذر ومنفعة الرض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.325/2 :‬‬

‫( ‪)6/478‬‬

‫ثانيا ـ حكم المزارعة الفاسدة عند الحنفية‪ :‬للمزارعة الفاسدة أيضا أحكام (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬ل يجب على المزارع شيء من أعمال المزارعة؛ لن إيجابه بالعقد‪ ،‬وهو لم يصح‪.‬‬
‫‪ - 2‬الخارج الناتج كله لصاحب البذر‪ ،‬سواء أكان رب الرض أم المزارع؛ لن الخارج استحقه‬
‫بسبب كونه نماء ملكه‪ ،‬ل بالشرط‪ .‬ويتفق المالكية والحنابلة (‪ )2‬مع الحنفية في هذا الحكم‪ ،‬وهو أن‬
‫العقد إذا فسد لزم كون الزرع لصاحب البذر‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا كان البذر من صاحب الرض‪ ،‬استحق المزارع بسبب فساد المزارعة أجر مثل عمله‪ .‬وإذا‬
‫كان البذر من العامل‪ ،‬كان عليه لصاحب الرض أجر مثل أرضه؛ لن العقد في الحالتين يكون‬
‫استئجارا‪.‬‬
‫وفي الحالة الولى يطيب الخارج كله لصاحب الرض؛ لنه نماء ملكه‪ ،‬وهو البذر في ملكه وهو‬
‫الرض‪ .‬وفي الحالة الثانية‪ :‬ل يطيب كل الخارج للمز ارع‪ ،‬وإنما يأخذ منه قدر بذره وقدر أجر مثل‬
‫الرض‪ ،‬ويتصدق بالفضل الزائد‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجب أجر المثل في المزارعة الفاسدة‪ ،‬وإن لم تخرج الرض شيئا‪ ،‬بعد أن استعملها المزارع؛‬
‫لن المزارعة عقد إجارة‪ ،‬والجرة في الجارة الفاسدة لتجب إل بحقيقة الستعمال‪ ،‬أما في المزارعة‬
‫الصحيحة فل يجب شيء على أحدهما إذا لم تخرج الرض شيئا‪ .‬وقد بينت الفرق في أحكام‬
‫المزارعة الصحيحة رقم ( ‪. )3‬‬
‫‪ - 5‬يجب أجر المثل في المزارعة الفاسدة مقدرا بالمسمى عند أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬عملً برضا‬
‫الطرفين ورعاية للجانبين بالقدر الممكن‪ ،‬وقد رضي العامل سلفا بسقوط الزيادة‪.‬‬
‫وعند محمد‪ :‬يجب أجر المثل تاما مهما بلغ‪ ،‬إذ هو قدر قيمة المنافع المستوفاة‪ ،‬وقد استوفى منافعه‬
‫بعقد فاسد‪ ،‬فيجب عليه قيمتها‪ ،‬إذ ل مثل لها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 182/6 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ 39/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،282/5 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،196/5‬الكتاب مع اللباب‪.231/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،498/3 :‬المغني‪.392/5 :‬‬

‫( ‪)6/479‬‬

‫حكم المزارعة الفاسدة عند المالكية‪ :‬إذا وقع عقد المزارعة فاسدا‪ ،‬وعرف فساده قبل الشروع في‬
‫العمل‪ ،‬وجب فسخه‪ ،‬فإن عرف بعد الشروع فيه‪ ،‬فل يفسخ‪ ،‬ويكون الزرع بين الشريكين بحسب ما‬
‫لكل من الرض والعمل والبذر‪ ،‬إل أن ينفرد أحدهما باثنين منها‪ ،‬فله جميع الزرع‪ ،‬وللخر أجرة ما‬
‫انفرد به إن كان أرضا أو عملً‪،‬ومثله إن كان بذرا (‪. )1‬‬
‫المبحث الخامس ـ انتهاء المزارعة وحالت فسخها ‪:‬‬
‫قد تنقضي المزارعة بتحقق المقصود منها‪ ،‬وقد تنتهي بإنهائها قبل تحقق المقصود منها‪ ،‬وذلك في‬
‫الحوال التالية عند الحنفية‪:‬‬
‫‪ - 1‬انقضاء مدة المزارعة‪ :‬تنتهي المزارعة بانقضاء مدة العقد‪ ،‬فإذا انقضت المدة‪ ،‬فقد انتهى العقد‪،‬‬
‫وهو معنى انفساخ العقد (‪. )2‬‬
‫لكن إذا انتهت المدة‪ ،‬وأدرك الزرع‪ ،‬وقسم المتعاقدان الناتج بحسب التفاق أو الشتراط بينهما‪ ،‬لم‬
‫يحدث إشكال‪ ،‬وينتهي العقد حينئذ‪.‬‬
‫أما إذا انتهت المدة المقررة في العقد أو انقضت مدة المزارعة‪ ،‬والزرع لم يدرك بعد‪ ،‬استمر المزارع‬
‫في عمله‪ ،‬حتى يدرك الزرع ويستحصد‪ ،‬رعاية لمصلحة الجانبين‪ ،‬بقدر المكان‪ ،‬كما في الجارة‪.‬‬
‫وعلى العامل في هذه الحالة أجر مثل نصيبه من الرض‪ ،‬إلى أن يستحصد الزرع‪ ،‬كما في الجارة‪،‬‬
‫لنه استوفى منفعة بعض الرض لتربية حصته فيها إلى وقت الحصاد‪.‬‬
‫وتكون نفقة الزرع ومؤنة الحفظ وكري النهار حينئذ‪ ،‬على المتعاقدين بمقدار حصصهما‪ ،‬لنتهاء‬
‫العقد بانقضاء المدة‪ ،‬وكانت هذه المور على العامل أثناء بقاء مدة العقد‪ ،‬فإذا انتهى العقد ‪ ،‬وجبت‬
‫هذه النفقات عليهما؛ لن الزرع مال مشترك بينهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬شرح مجموع المير‪ ،178/2 :‬التقنين المالكي (م ‪ )464‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.281‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،184/6 :‬تكملة الفتح‪ ،43/8 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،232/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪:‬‬
‫‪.197/5‬‬

‫( ‪)6/480‬‬
‫وهذا بخلف ما لو مات أحد العاقدين قبل إدراك الزرع‪ ،‬يترك الزرع في مكانه إلى أن يدرك ويكون‬
‫العمل ونفقاته على العامل؛ لن الحنفية قرروا حينئذ بقاء عقد الجارة استحسانا‪ ،‬لبقاء مدة الجارة‪،‬‬
‫فيستمر العامل أو وارثه على ما كان عليه من العمل‪ .‬أما في حال انقضاء المدة فل يمكن إبقاء العقد‬
‫لنقضاء المدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬موت أحد العاقدين‪ :‬تنتهى المزارعة أو تنفسخ بموت أحد العاقدين (‪ ، )1‬كما تنفسخ الجارة به‪،‬‬
‫سواء حدث الموت قبل الزراعة أم بعدها‪ ،‬وسواء أدرك الزرع أم لم يدرك بأن كان بقلً أي طريا‪.‬‬
‫وهذا رأي الحنفية والحنابلة‪ ،‬وقال المالكية والشافعية‪ :‬ل تنقضي المزارعة كالجارة بموت أحد‬
‫العاقدين‪.‬‬
‫لكن لو مات رب الرض‪ ،‬والزرع لم يدرك‪ ،‬فإن العامل أو وارثه يظل ملزما بالعمل؛ لن العقد‬
‫يوجب على العامل عملً يحتاج إليه الزرع إلى انتهاء أو نضوج الزرع‪ ،‬ويبقى العقد كما تقدم‬
‫للضرورة استحسانا لنتهاء الزرع إذا مات أحد العاقدين‪،‬وقد نبت الزرع‪ ،‬ويبقى الزرع إلى الحصاد‪،‬‬
‫ول يلزم العامل بأجر للرض‪ ،‬ثم ينتقض العقد فيما بقي من السنين في مدة العقد‪ ،‬لعدم الضرورة؛‬
‫لن في بقاء العقد حتى يستحصد الزرع مراعاة لمصلحة طرفي العقد‪ ،‬فيعمل العامل أو ورثته على‬
‫النحو المتفق عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬فسخ العقد بالعذر ‪:‬‬
‫إذا حدث فسخ العقد قبل اللزوم‪ ،‬انتهت المزارعة‪ .‬ومن المقرر عند الحنفية‪ :‬أن الملتزم بالبذر ل يلتزم‬
‫بالمزارعة بمجرد العقد‪ .‬وعند المالكية‪ :‬ل تلزم المزارعة إل بشروع العامل في العمل‪ ،‬فما لم يشرع‬
‫في عمل المزارعة‪ ،‬له فسخ العقد‪.‬‬
‫ويجوز عند الحنفية فسخ المزارعة بعد لزومها لعذر من العذار‪ ،‬سواء من قبل صاحب الرض‪ ،‬أم‬
‫من قبل العامل‪ ،‬ومن العذار ما يأتي (‪: )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 184/6 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،42/8 :‬الكتاب‪ ،232/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪:‬‬
‫‪ ،198/5‬تبيين الحقائق‪ ،282/5 :‬المغني والشرح الكبير‪.572 ،568/5 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 183/6 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح والعناية‪ ،42/8 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ 196/5 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،282/5 :‬الكتاب مع اللباب‪.232/2 :‬‬

‫( ‪)6/481‬‬
‫‪ )1‬ـ لحوق دين فادح لصاحب الرض‪ ،‬فيحتاج لبيع الرض التي تم التفاق على مزارعتها‪ ،‬ول‬
‫مال له سواها‪ ،‬فيجوز بيعها بسبب هذا الدين الفادح‪ ،‬ويفسخ العقد بهذا العذر‪ ،‬كما في عقد الجارة؛‬
‫لنه ل يمكن المضي في العقد إل بضرر يلحقه‪ ،‬فل يلزمه تحمل الضرر‪ ،‬فيبيع القاضي الرض بدين‬
‫صاحبها أولً‪ ،‬ثم يفسخ المزارعة‪ .‬ول تنفسخ بنفس العذر‪.‬‬
‫هذا‪ ..‬إن أمكن الفسخ بأن كان قبل الزراعة‪ ،‬أو بعدها إذا أدرك الزرع‪ ،‬وبلغ مبلغ الحصاد‪ .‬فإن لم‬
‫يمكن الفسخ‪ ،‬بأن كان الزرع لم يدرك‪ ،‬ولم يبلغ مبلغ الحصاد‪ ،‬ل تباع الرض في الدين‪ ،‬ول يفسخ‬
‫إلى أن يدرك الزرع؛ لن في البيع إبطال حق العامل‪ ،‬وفي النتظار إلى وقت إدراك الزرع تأخير‬
‫حق صاحب الدين‪ ،‬فيؤخر البيع‪ ،‬رعاية لمصلحة الجانبين‪ ،‬لنه الطريق الولى‪.‬‬
‫ثم هناك عند الحنفية ـ من أجل التعويض على العامل قضا ًء ـ صور ثلث للفسخ بعد عقد‬
‫المزارعة وعمل العامل‪:‬‬
‫الولى ـ إذا فسخ العقد‪ ،‬بعدما كَرَب (حرث) المزارع الرض‪ ،‬وحفر النهار‪ ،‬فليس للعامل شيء‬
‫مقابل عمله؛ لن أعماله منافع ل تتقوم على صاحب الرض إل بالعقد‪ ،‬والعقد إنما قوم بالخارج‬
‫الناتج‪ ،‬ولم يخرج‪ ،‬لكن يجب استرضاء العامل ديانة فيما بينه وبين ال تعالى‪.‬‬
‫الثانية ـ إذا كان الزرع قد نبت‪ ،‬ولم يستحصد بعد‪ ،‬لم تبع الرض بالدين‪ ،‬حتى يحصد الزرع؛ لن‬
‫في البيع إبطال حق المزارع‪ ،‬وتأخير تسديد الدين أهون من البطال‪ ،‬فيؤخر كما تقدم‪.‬‬

‫( ‪)6/482‬‬

‫الثالثة ـ إذا أريد فسخ عقد المزارعة‪ ،‬بعد ما زرع العامل الرض‪ ،‬إل أنه لم ينبت الزرع‪ ،‬حتى لحق‬
‫صاحب الرض دين فادح‪ ،‬فهل له أن يبيع الرض؟ فيه اختلف عند مشايخ الحنفية‪ :‬قال بعضهم‪ :‬له‬
‫البيع‪ ،‬لنه ليس لصاحب البذر في الرض عين مال قائم‪ ،‬لن البذر استهلك والمستهلك ليس بمال‪،‬‬
‫فتباع الرض في الحال‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬ليس له البيع‪ ،‬لن البذر استنماء مال‪ ،‬وليس باستهلك‪ ،‬فكان‬
‫للمزارع عين مال قائم‪ ،‬فل تباع الرض حتى الحصاد‪ ،‬كما ل تباع بعد نبات الزرع‪ ،‬ولعل هذا‬
‫اختيار صاحب الهداية‪.‬‬
‫‪ )2‬ـ طروء أعذار للمزارع‪ ،‬مثل المرض؛ لنه معجز عن العمل‪ ،‬والسفر‪ ،‬لنه يحتاج إليه‪ ،‬وترك‬
‫حرفة إلى حرفة‪ ،‬طلبا للكسب الذي يوفر المعيشة‪ ،‬والمانع الذي يمنع من العمل كالتطوع للجهاد في‬
‫سبيل ال ‪ ،‬كما في الجارة‪ ،‬والخيانة بالسرقة ونحوها‪.‬‬
‫وهل يحتاج الفسخ لقضاء القاضي‪ ،‬أو أنه يصح بالتراضي؟ هناك روايتان عند الحنفية‪ :‬في رواية‪ :‬ل‬
‫بد لصحة الفسخ من القضاء أو الرضا‪ ،‬لن المزارعة كالجارة‪ ،‬ول بد فيها لصحة الفسخ من القضاء‬
‫أو الرضا‪ .‬والرواية الراجحة‪ :‬يجوز فسخ المزارعة‪ ،‬ولو بل قضاء ورضا‪.‬‬

‫( ‪)6/483‬‬

‫العقد الثاني ـ المساقاة أو المعاملة ‪:‬‬


‫تعريفها ومشروعيتها وركنها‪ ،‬وموردها‪ ،‬والفرق بينها وبين المزارعة‪ ،‬وشرائطها‪ ،‬وحكم المساقاة‬
‫الصحيحة والفاسدة‪ ،‬وانتهاء المساقاة‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف المساقاة ومشروعيتها وركنها وموردها‪ ،‬والفرق بينها وبين المزارعة ‪ :‬أولً‬
‫ـ تعريف المساقاة ‪:‬‬
‫المساقاة لغة‪ :‬مفاعلة من السقي‪ .‬وتسمى عند أهل المدينة المعاملة‪ :‬مفاعلة من العمل‪ .‬ويفضل اسم‬
‫المساقاة لما فيها من السقي غالبا‪ .‬وشرعا‪ :‬هي معاقدة دفع الشجار إلى من يعمل فيها على أن الثمرة‬
‫بينهما‪ .‬أو هي عبارة عن العقد على العمل ببعض الخارج‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬هي دفع الشجر إلى من‬
‫يصلحه بجزء معلوم من ثمره‪ .‬وهي عند الشافعية‪ :‬أن يعامل غيره على نخل أو شجر عنب فقط‪،‬‬
‫ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة لهما (‪. )1‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيتها‪ :‬المساقاة عند الحنفية كالمزارعة حكما وخلفا وشروطا ممكنة فيها‪ ،‬فل تجوز‬
‫عند أبي حنيفة وزفر‪ ،‬فالمساقاة بجزء من الثمر باطلة عندهما‪ ،‬لنها استئجار ببعض الخارج‪ ،‬وهو‬
‫منهي عنه‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪« :‬من كانت له أرض‪ ،‬فليزرعها‪ ،‬ول يكريها بثلث ول بربع ول‬
‫بطعام مسمى» (‪. )2‬‬
‫وقال الصاحبان وجمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد)‪ :‬تجوز المساقاة بشروط‪ ،‬استدللً‬
‫بمعاملة النبي صلّى ال عليه وسلم أهل خيبر‪ ،‬روي عن ابن عمر‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع» رواه الجماعة‪ ،‬ولحاجة الناس إليها؛ لن‬
‫مالك الشجار قد ل يحسن تعهدها‪ ،‬أو ل يتفرغ له‪ ،‬ومن يحسن ويتفرغ قد ل يملك الشجار‪ ،‬فيحتاج‬
‫الول للعامل‪ ،‬ويحتاج العامل للعمل‪.‬‬
‫والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين‪ ،‬لعمل النبي صلّى ال عليه وسلم وأزواجه والخلفاء‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،284/5 :‬البدائع‪ ،185/6 :‬الدر المختار‪ ،200/5 :‬اللباب‪ ،233/2 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،279‬مغني المحتاج‪ ،322/2 :‬كشاف القناع‪.523/3 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه من حديث رافع بن خديج لكنه حديث مضطرب جدا (المغني‪.)385 ،383/5 :‬‬

‫( ‪)6/484‬‬

‫الراشدين وأهل المدينة‪ ،‬وإجماع الصحابة على إباحة المساقاة (‪ . )1‬قال ابن جُزَي المالكي‪ :‬وهي‬
‫جائزة مستثناة من أصلين ممنوعين‪ ،‬وهما الجارة المجهولة‪ ،‬وبيع ما لم يخلق (‪. )2‬‬
‫ثالثا ـ ركنها‪ :‬ركن المساقاة عند الحنفية‪ :‬اليجاب والقبول‪ ،‬كالمزارعة‪ .‬اليجاب من صاحب الشجر‪،‬‬
‫والقبول من العامل أو المزارع‪ .‬والمعقود عليه‪ :‬هو عمل العامل فقط دون تردد‪ ،‬بخلف المزارعة‪.‬‬
‫وتلزم عند المالكية باللفظ ل بالعمل‪ .‬وذكر الحنابلة أنها كالمزارعة ل تفتقر إلى القبول لفظا‪ ،‬بل يكفي‬
‫الشروع في العمل قبولً‪ ،‬كالوكيل‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬يشترط فيها القبول لفظا دون تفصيل العمال‪،‬‬
‫ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب (‪. )3‬‬
‫وهي عند الجمهور غير الحنابلة من العقود اللزمة‪ ،‬فليس لحد العاقدين فسخها بعد العقد‪ ،‬دون‬
‫الخر‪ ،‬ما لم يتراضيا عليه (‪. )4‬‬
‫رابعا ـ موردها‪ :‬مورد المساقاة عند الحنفية (‪ : )5‬الشجر المثمر‪ ،‬فتصح المساقاة في النخل والشجر‬
‫والكرم والرطاب (الفصة أو البرسيم) وأصول الباذنجان؛ لن الجواز للحاجة وهي تعم الجميع‪ ،‬وأجاز‬
‫متأخرو الحنفية المعاملة على الشجر غير المثمر‪ ،‬كشجر الحور والصفصاف‪ ،‬والشجر المتخذ‬
‫للحطب‪ ،‬لحتياجه إلى السقي والحفظ‪ ،‬فلو لم يحتج ل تجوز المساقاة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،384/5 :‬تكملة الفتح‪ 45/8 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 322/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،279‬بداية المجتهد‪.242/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،185/6 :‬كشاف القناع‪ ،528/3 :‬بداية المجتهد‪ ،247/1 :‬الشرح الصغير‪ ،712/3 :‬مغني‬
‫المحتاج‪.328/ :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪ :‬وحاشية الصاوي عليه‪ ،713/3 :‬تبيين الحقائق‪ ،284/5 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،328/2‬المغني‪ 372/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،186/6 :‬تكملة الفتح‪ ،47/8 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ 200/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين‬
‫الحقائق‪ ،284/5 :‬اللباب‪.234/2 :‬‬

‫( ‪)6/485‬‬
‫ومورد المساقاة عند المالكية (‪ : )1‬على الزروع كالحمص والفاصولياء‪ ،‬وعلى الشجار المثمرة ذات‬
‫الصول الثابتة‪ ،‬مثل كرم العنب والنخيل والتفاح والرمان ونحوها بشرطين‪:‬أحدهما ـ أن تعقد‬
‫المساقاة قبل بدو صلح الثمرة‪ ،‬وجواز بيعها‪ ،‬وبشرط أل يخلف‪ ،‬فإن كان يخلف كالموز والتين‪ ،‬فل‬
‫تصح فيه مساقاة إل تبعا لغيره‪.‬‬
‫الثاني ـ أن تعقد إلى أجل معلوم‪ ،‬ولو لسنين‪ ،‬وتكره فيما طال من السنين‪ .‬ول تجوز المساقاة لمدة‬
‫من السنين كثيرة جدا‪ ،‬وهي المدة التي تتغير فيها الصول عادة بحسب اختلف الشجار والمكنة‪،‬‬
‫لما في ذلك من الضرر قياسا على الجارة‪ ،‬كما ل تجوز إذا اختلف الجزء المساقى به المجعول‬
‫للعامل في السنين‪ ،‬بأن كان في سنة يخالف غيره في أخرى‪.‬‬
‫ويشترط لصحتها عند ابن القاسم أن تكون بلفظ المساقاة‪ ،‬ول تنعقد بلفظ الجارة‪ ،‬وتجوز عنده فيما‬
‫ليس له أصل ثابت كالمقاثي من نحو قثاء وبطيخ‪ ،‬والزرع‪ ،‬بأربعة شروط‪( :‬الشرطان المذكوران) ‪.‬‬
‫والثالث ـ أن تعقد بعد ظهوره من الرض‪.‬‬
‫والرابع ـ أن يعجز عنه صاحبه‪.‬‬
‫ويشترط في الجزء المساقى به من الثمر‪ :‬شيوعه في ثمر البستان‪ ،‬فل يصح بشجر معين ول بكيل‪،‬‬
‫كما يشترط علمه كربع أو ثلث أو أقل أو أكثر‪.‬‬
‫والمساقاة عند الحنابلة (‪ : )2‬ترد على الشجار المثمرة المأكولة فقط‪ ،‬فل تصح في الشجر غير‬
‫المثمر‪ ،‬كالصفصاف والحور والعفص ونحوه‪ ،‬والورد ونحوه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،279‬الشرح الصغير‪ ،718-713/3 :‬بداية المجتهد‪.246-243/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪.523/3 :‬‬

‫( ‪)6/486‬‬

‫وقال الشافعية في المذهب الجديد (‪ : )1‬مورد المساقاة النخل والعنب فقط‪ ،‬أما النخل فلخبر‬
‫الصحيحين السابق‪« :‬أنه صلّى ال عليه وسلم عامل أهل خيبر» وفي رواية‪« :‬دفع إلى يهود خيبر‬
‫نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» والعنب مثل النخل‪ ،‬لنه في معناه‪ ،‬بجامع‬
‫وجوب الزكاة فيهما‪ .‬وجوزها الشافعي في المذهب القديم في سائر الشجار المثمرة‪.‬‬
‫خامسا ـ الفرق بين المساقاة والمزارعة ‪:‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬المساقاة كالمزارعة إل في أربعة أمور (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬إذا امتنع أحد العاقدين في المساقاة عن تنفيذ العقد‪ ،‬يجبر عليه‪ ،‬إذ ل ضرر عليه في بقاء العقد‪،‬‬
‫بخلف المزارعة‪ ،‬فإن رب البذر إذا امتنع قبل اللقاء‪ ،‬ل يجبر عليه‪ ،‬للضرر اللحق به في‬
‫الستمرار‪ ،‬ولن المساقاة عقد لزم عند الجمهور غير الحنابلة‪ .‬وأما المزارعة فل تلزم المتعاقدين إل‬
‫بإلقاء البذر‪ .‬وقال الحنابلة (‪ : )3‬الوكالة والمضاربة والمساقاة والمزارعة والوديعة والجعالة‪ :‬عقود‬
‫جائزة من الطرفين‪ ،‬لكل فسخها‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا انقضت مدة المساقاة تترك‪ ،‬أي يستمر العقد بل أجر‪ ،‬ويعمل العامل بل أجر عليه لصاحب‬
‫الشجر‪ ،‬فللعامل البقاء في عمله إلى انتهاء الثمرة‪ ،‬لكن بل أجر عليه؛ لن الشجر ل يجوز استئجاره‬
‫عند الحنفية‪ ،‬ولن العمل كله على العامل‪ .‬أما في المزارعة فيستمر العامل بأجر مثل نصيبه من‬
‫الرض؛ لن الرض يجوز استئجارها‪ ،‬والعمل عليها‪ ،‬بحسب الملك في الزرع‪ ،‬فيكون العمل على‬
‫العامل وعلى صاحب الرض‪ ،‬وإذا وجب الجر لرب الرض على العامل‪ ،‬لم يجب على العامل‬
‫العمل في نصيب صاحب الرض بعد انتهاء المدة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،323/2 :‬المهذب‪.390/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،201/5 :‬تبيين الحقائق‪.284/5 :‬‬
‫(‪ )3‬غاية المنتهى لبن يوسف الحنبلي‪ ،154/3 :‬كشاف القناع‪ 528/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪372/5 :‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/487‬‬

‫‪ - 3‬إذا استحق النخيل المثمر لغير رب الرض‪ ،‬يرجع العامل بأجر مثله؛ لن أجرته صارت عينا‬
‫أي تمثلت بجزء من الشجر‪ ،‬ومتى صارت عينا واستحقت‪ ،‬رجع بقيمة المنافع‪ .‬ول يرجع بشيء إذا‬
‫لم تخرج النخيل ثمرا‪ .‬أما في المزارعة‪ :‬لو استحقت الرض بعد الزراعة‪ ،‬فيرجع العامل بقيمة‬
‫حصته من الزرع نابتا‪ ،‬ولو استحقت الرض بعد العمل قبل الزراعة ل شيء للمزارع‪.‬‬
‫‪ - 4‬ليس بيان المدة في المساقاة بشرط استحسانا‪ ،‬اكتفاء بعلم وقتها عادة؛ لن لدراك الثمرة وقتا‬
‫معلوما قلما يتفاوت‪ ،‬بخلف الزرع‪ ،‬قد يتقدم الحصاد‪ ،‬وقد يتأخر بحسب التبكير أو التأخر في إلقاء‬
‫البذر‪.‬‬
‫أما في المزارعة فيشترط تعيين المدة في أصل المذهب‪ ،‬لكن المفتى به ـ كما تقدم ـ أنه ل يشترط‪.‬‬
‫وتعتبر المساقاة والمزارعة عند الحنفية والشافعية إجارة ابتداء‪ ،‬شركة انتهاء‪ .‬وألحق الحنابلة المساقاة‬
‫بالمضاربة (‪. )1‬‬
‫المبحث الثاني ـ شروط المساقاة ‪:‬‬
‫يشترط في المساقاة ما يمكن من شروط المزارعة‪ ،‬فل يشترط في المساقاة بيان جنس البذر‪ ،‬وبيان‬
‫صاحبه‪ ،‬وصلحية الرض للزراعة‪ ،‬وبيان المدة‪.‬‬
‫وبقي من شروط المزارعة الثمانية الممكنة في المساقاة‪ :‬أهلية العاقدين‪ ،‬وبيان حصة العامل‪ ،‬والتخلية‬
‫بينه وبين الشجار‪ ،‬والشركة في الخارج الناتج ‪ ،‬ويدخل في الخير‪ :‬كون الجزء المشروط للعامل‬
‫جزءا مشاعا (‪. )2‬‬
‫ويمكن توضيح شروط المساقاة فيما يأتي (‪: )3‬‬
‫‪ - 1‬أهلية العاقدين‪ :‬بأن يكونا عاقلين‪ ،‬فل يجوز عقد من ل يعقل‪ ،‬وهو غير المميز‪ .‬أما البلوغ فليس‬
‫بشرط عند الحنفية‪ ،‬وشرط عند بقية الئمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬محل العقد‪ :‬أن يكون من الشجر الذي فيه ثمرة‪ .‬وقد بينت في بحث مورد المساقاة الخلف فيه‪.‬‬
‫وأن يكون محل العمل وهو الشجر معلوما‪.‬‬
‫‪ - 3‬التسليم إلى العامل‪ :‬وهو التخلية بين العامل وبين الشجر المعقود عليه‪ .‬فلو شرط العمل على‬
‫العاقدين‪ ،‬فسدت المساقاة‪ ،‬لعدم التخلية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.529/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار‪.201/5 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 185/6 :‬ومابعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،47/8 :‬تبيين الحقائق‪.284/5 :‬‬

‫( ‪)6/488‬‬

‫‪ - 4‬أن يكون الناتج شركة بين الثنين‪ ،‬وأن تكون حصة كل واحد منهما جزءا مشاعا معلوم القدر‪،‬‬
‫فلو شرط أن يكون الناتج لحدهما فسدت المساقاة‪،‬ولو شرط جزء معين لحدهما‪ ،‬أو جهل مقدار‬
‫الحصص فسدت المساقاة أيضا‪.‬‬
‫ول يشترط عند الحنفية بيان مدة المساقاة استحسانا‪ ،‬عملً بالمتعارف المتعامل به‪ ،‬وتقع المساقاة على‬
‫أول ثمر يخرج في أول السنة‪ .‬وفي الرّطاب (الفصة أو البرسيم) عند الحنفية تقع المساقاة على الجزة‬
‫الولى‪ ،‬كما في الشجرة المثمرة‪ ،‬فإن لم يخرج في تلك السنة ثمرة‪ ،‬فسدت المساقاة‪.‬‬
‫ولو ذكرت مدة ل تخرج الثمرة فيها عادة‪ ،‬فسدت المساقاة أيضا‪ ،‬لفوات‬
‫المقصود منها وهو الشركة في الثمار‪ ،‬أما إن كان العقد صحيحا‪ ،‬ولم تثمر الشجرة أصلً في المدة‬
‫المتفق عليها‪ ،‬فل شيء لحد العاقدين على صاحبه‪ ،‬ويبقى العقد صحيحا‪.‬‬
‫ولو ذكرت مدة يحتمل فيها بلوغ الثمرة وعدمه‪ ،‬صح العقد‪ ،‬لعدم التيقن بفوات المقصود‪ .‬فلو ظهرت‬
‫الثمرة في الوقت المتفق عليه‪ ،‬قسمت بحسب الشرط المتفق عليه في العقد‪ ،‬وإن لم تظهر في الوقت‬
‫المسمى‪ ،‬فسدت المساقاة‪ ،‬وللعامل أجر المثل لفساد العقد؛ لنه تبين الخطأ في المدة المسماة‪.‬‬
‫أما شروط المساقاة عند المالكية فقد ذكرت في بحث مورد المساقاة المتقدم‪ ،‬والمفهوم منها أنه يشترط‬
‫عندهم كون المساقاة لمدة معلومة كالجارة‪.‬‬
‫أركان المساقاة عند الجمهور ‪:‬‬
‫ذكر الشافعية ومثلهم الحنابلة والمالكية للمساقاة أركانا خمسة‪ :‬وهي العاقدان ومورد العمل‪ ،‬والثمار‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬والصيغة (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،328-323/2 :‬المهذب‪ ،392-390/1 :‬كشاف القناع‪ ،529-523/3 :‬غاية‬
‫المنتهى‪ ،185-183/2 :‬المغني‪ 372 ،368/5 :‬ومابعدها‪.380 ،375 ،‬‬

‫( ‪)6/489‬‬

‫أما الركن الول (العاقدان ) ‪ :‬فيصح من جائز التصرف لنفسه (عاقل بالغ) ؛ لن المساقاة عقد‬
‫معاوضة أو معاملة على مال‪ ،‬كالمضاربة‪ ،‬فيطلب فيها الهلية كالبيع‪ .‬ويمارس الولي عن الصبي‬
‫والمجنون والسفيه هذا العقد‪ ،‬بالولية عليهم‪ ،‬عند المصلحة‪ ،‬للحتياج إليه‪.‬‬
‫والركن الثاني ـ مورد المساقاة‪ :‬أي ما ترد صيغة عقد المساقاة عليه‪ .‬هو عند الشافعية‪ :‬النخل‬
‫والعنب‪ ،‬وعند الحنابلة‪ :‬ما له ثمر مأكول من الشجر‪ ،‬المغروس‬
‫المعلوم بالمشاهدة لمن يعمل عليه‪ ،‬ويقوم بمصلحته بجزء مشاع معلوم من ثمرته‪ ،‬كما تبين في بحث‬
‫موردها‪ .‬ول تجوز المساقاة إل على شجر معلوم‪ ،‬فإن كان مجهولً‪ ،‬لم يصح العقد‪.‬‬
‫والركن الثالث ـ وهو الثمار‪ :‬يشترط فيه تخصيص الثمر بالعاقدين (المالك والعامل)‪ ،‬فل يجوز‬
‫شرط بعضه لغيرهما‪ .‬ويشترط اشتراكهما فيه‪ ،‬فل يجوز شرط كل الثمرة لحدهما‪ ،‬ويشترط العلم‬
‫بالنصيبين (الحصص) بالجزئية‪ ،‬وإن قل‪ ،‬أي كون الحصة مشاعة كالمضاربة‪.‬‬
‫والظهر عند الشافعية‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة‪ :‬صحة المساقاة بعد ظهور الثمر‪ ،‬لكن قبل بدو الصلح‪،‬‬
‫فإن ساقاه على صغار النخل مثلً ليغرسها‪ ،‬ويكون الشجر لهما‪ ،‬لم يجز‪ ،‬إذ لم ترد المساقاة إل على‬
‫أصل ثابت‪ ،‬ولن الغرس ليس من أعمال المساقاة‪.‬‬
‫فلو كان الشجر مغروسا‪ ،‬وشرط المالك للعامل جزءا من الثمر على العمل‪ ،‬فإن قدر له مدة يثمر فيها‬
‫غالبا كخمس سنين‪ ،‬صح العقد‪ ،‬وليضر كون أكثر المدة ل ثمر فيها‪ ،‬كما لو ساقاه خمس سنين‪،‬‬
‫والثمرة يغلب وجودها في الخامسة خاصة‪ .‬فإن لم يثمر الشجر في تلك المدة‪ ،‬لم يستحق العامل شيئا‪،‬‬
‫كما لو ساقاه على أشجار النخيل المثمرة‪ ،‬فلم تثمر‪.‬‬

‫( ‪)6/490‬‬

‫وإن قدر مدة ل يثمر فيه الشجر غالبا لم تصح المساقاة لخلوها عن العوض‪ ،‬كالمساقاة على شجر ل‬
‫يثمر‪ .‬وهذا باتفاق المذاهب‪.‬‬
‫والركن الرابع ـ العمل‪ :‬يشترط فيه أن ينفرد العامل بالعمل‪ ،‬وباليد أي التخلية والتسليم للعامل‪،‬‬
‫ليتمكن العامل من العمل متى شاء‪ ،‬فلو شرط عمل المالك مع العامل‪ ،‬أو كون البستان في يد المالك أو‬
‫في يدهما معا‪ ،‬لم يصح العقد‪ ،‬وفسدت المساقاة‪ .‬ويشترط أل يشرط على العامل ما ليس من جنس‬
‫أعمال المساقاة التي اعتادها الناس‪ ،‬كحفر بئر مثلً‪ ،‬فإن شرطه‪ ،‬لم يصح العقد؛ لنه استئجار بعوض‬
‫مجهول‪ ،‬واشتراط عقد في عقد‪.‬‬
‫ويشترط أيضا عند الشافعية معرفة العمل بتقدير المدة كسنة أو أكثر‪ ،‬وأقلها مدة تبقى فيها الشجار‬
‫غالبا للستغلل‪ ،‬فل تصح على مدة مطلقة ول مؤبدة ول مدة ل يثمر فيها الشجر غالبا؛ لن المساقاة‬
‫عند الشافعية عقد لزم‪ ،‬فيطلب فيها تحديد المدة كالجارة‪ .‬فإن كانت المدة ل يثمر فيها الشجر غالبا‬
‫لم تصح لخلوها عن العوض‪ ،‬كالمساقاة على شجرة ل تثمر‪ .‬ول يجوز في الصح التوقيت بإدراك‬
‫الثمر‪ ،‬لجهالته بالتقدم تارة‪ ،‬والتأخر أخرى‪.‬‬
‫ول يطلب عند الحنابلة تحديد مدة في المساقاة والمزارعة‪ ،‬لنه صلّى ال عليه وسلم لم يحدد لهل‬
‫خيبر مدة‪ ،‬ومشى خلفاؤه على منهجه من بعده‪ ،‬ولن المساقاة ومثلها المزارعة عندهم عقد جائز غير‬
‫لزم كما تقدم‪ ،‬فلكل واحد من العاقدين فسخها متى شاء‪ .‬واختار ابن قدامة الحنبلي أن المساقاة عقد‬
‫لزم‪ ،‬فوجب تقديره بمدة كالجارة‪ .‬ول يقدر أكثر المدة‪ ،‬بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى‬
‫الشجر فيها‪ ،‬وإن طالت‪ ،‬وأقل المدة‪ :‬ما تكمل الثمرة فيها فل يجوز على أقل منها؛ لن المقصود‬
‫الشتراك في الثمرة‪ ،‬ول توجد في أقل من هذه المدة‪.‬‬

‫( ‪)6/491‬‬
‫والركن الخامس ـ الصيغة‪ :‬مثل ساقيتك على هذا النخل بثلث أو ربع ثمره‪ ،‬أو سلمته إليك لتتعهده‪،‬‬
‫أو اعمل في نخيلي أو تعهد نخيلي بكذا من ثمره‪ .‬ولو ساقاه عند الشافعية بلفظ الجارة لم يصح في‬
‫الصح؛ لن لفظ الجارة صريح في عقد آخر‪ .‬وتصح عند الحنابلة بلفظ المساقاة والمعاملة‬
‫والمفالحة‪ ،‬وبلفظ الجارة‪ ،‬كما تصح المزارعة بلفظ الجارة‪ ،‬أي بإجارة أرض بجزء شائع معلوم‪،‬‬
‫مما يخرج منها‪ ،‬لن القصد المعنى‪ ،‬فإذا أتى به بأي لفظ دل عليه‪ ،‬صح العقد‪ ،‬كالبيع‪ .‬وتصح أيضا‬
‫بالمعاطاة‪.‬‬
‫ويشترط عند الشافعية القبول لفظا من الناطق‪ ،‬للزومها كإجارة وغيرها‪ ،‬وتصح بإشارة الخرس‬
‫المفهمة‪ ،‬ككتابته‪ ،‬دون تفصيل العمال فيها‪ ،‬فل يشترط التعرض له في العقد‪ ،‬ويحمل المطلق في كل‬
‫ناحية على العرف الغالب فيها في العمل‪ ،‬إذ المرجع في مثله إلى العرف‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬ل تفتقر المساقاة (ومثلها المزارعة) إلى القبول لفظا‪ ،‬بل يكفي الشروع في العمل قبولً‬
‫كالوكالة‪ ،‬كما تقدم في بحث صيغة المزارعة‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ حكم المساقاة الصحيحة والفاسدة‪ :‬إذا استكملت المساقاة شرائطها‪ ،‬كانت صحيحة‪،‬‬
‫وإذا اختل شرط منها كانت فاسدة‪.‬‬
‫المطلب الول ـ حكم المساقاة الصحيحة ‪:‬‬
‫للمساقاة الصحيحة عند الفقهاء أحكام‪ ،‬وأحكامها عند الحنفية ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬كل ما كان من أعمال المساقاة التي يحتاج إليها الشجر وحقل العنب والرّطاب وأصول‬
‫الباذنجان‪ ،‬من السقي وإصلح النهر‪ ،‬والحفظ والتلقيح‪ ،‬فعلى العامل‪ ،‬لنها من توابع المعقود عليه‪.‬‬
‫وكل ما يحتاجه الشجر ونحوه من النفقة كالسرقين وتقليب الرض‪ ،‬والجذاذ والقطاف‪ ،‬فعلى العاقدين‬
‫على قدر نصيبهما‪ ،‬لن العقد لم يشمله‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الخارج بين الطرفين على الشرط المتفق عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا لم يخرج الشجر شيئا‪ ،‬فل شيء لواحد منهما على الخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.187/6 :‬‬

‫( ‪)6/492‬‬

‫‪ - 4‬العقد لزم للجانبين‪ ،‬فل يملك أحدهما المتناع عن التنفيذ‪،‬أو الفسخ من غير رضا صاحبه‪ ،‬إل‬
‫لعذر‪ ،‬بخلف المزارعة‪ ،‬فإنها غير لزمة في جانب صاحب البذر عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 5‬لصاحب الرض إجبار العامل على العمل إل لعذر‪.‬‬
‫‪ - 6‬تجوز الزيادة على الشرط والحط منه‪ ،‬على وفق القاعدة المقررة في المزارعة وهي‪ :‬كل موضع‬
‫احتمل إنشاء العقد‪ ،‬احتمل الزيادة‪ ،‬وإل فل‪ ،‬والحط جائز في الموضعين‪ .‬فما لم يتناه عظم الثمرة في‬
‫النخيل مثلً‪ ،‬تجوز الزيادة من كل الطرفين‪ ،‬لن إنشاء العقد في هذه الحالة جائز‪ .‬ولو تناهى عظم‬
‫الثمرة‪ ،‬جازت الزيادة من العامل لصاحب الرض‪ ،‬ول تجوز الزيادة من صاحب الرض للعامل؛‬
‫لن زيادة العامل حط من الجرة‪ ،‬ول يشترط فيه احتمال إنشاء العقد‪ ،‬وأما زيادة صاحب الرض‬
‫فهي زيادة في الجرة‪ ،‬والمحل ل يحتمل الزيادة‪.‬‬
‫‪ - 7‬ل يملك العامل مساقاة غيره‪ ،‬إل إذا فوض له صاحب الرض فقال له‪( :‬اعمل فيه برأيك)‪ .‬فلو‬
‫خالف العامل‪ ،‬فعامل غيره على الشجر‪ ،‬كانت الثمرة لصاحب الشجر‪ ،‬ول أجر للعامل الول‪،‬‬
‫وللعامل الثاني أجر مثل عمله على العامل الول‪.‬‬
‫وأحكام المساقاة الصحيحة عند المالكية‪ :‬تتفق في الغالب مع مذهب الحنفية‪ ،‬فقالوا (‪ : )1‬العمل في‬
‫الحائط (بستان الشجر) ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها ـ ما ل يتعلق بالثمرة‪ :‬فل يلزم العامل به بالعقد‪ ،‬ول يجوز أن يشترط عليه‪.‬‬
‫الثاني ـ ما يتعلق بالثمرة‪ ،‬ويبقى بعدها‪ :‬كحفر بئر أو عين أو ساقية‪ ،‬أو بناء بيت لتخزين الثمر‪،‬‬
‫أوغرس شجر‪ ،‬فل يلزم العامل به أيضا‪ ،‬ول يجوز أن يشترط عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،279‬الشرح الصغير‪ 717/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 244/2 :‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/493‬‬

‫الثالث ـ ما يتعلق بالثمرة‪ ،‬ول يبقى‪ :‬فهو على العامل بالعقد‪ ،‬كالتقليم والجذاذ والسقي‪ ،‬وعليه أيضا‬
‫جميع المؤن من اللت والجراء والدواب ونفقتهم من كل ما يلزم الشجر عرفا‪ ،‬وليس على العامل‬
‫تحصين الجدران‪ ،‬وإصلح مجاري المياه إلى الرض‪ ،‬ويجوز اشتراطها عليه‪ ،‬لن المذكور يسير‪.‬‬
‫وأما حق العامل‪ :‬فله جزء من الثمرة كالثلث أو النصف أو غيرهما حسبما يتفقان عليه‪ .‬ويجوز أن‬
‫تكون له كلها‪ ،‬وإذا لم يثمر الشجر‪ ،‬فل شيء لحد العاقدين على الخر‪ ،‬لن انعدام الثمر بسبب آفة‬
‫سماوية‪ ،‬ل بسبب فساد العقد‪.‬‬
‫ول يجوز أن يشترط أحدهما لنفسه منفعة زائدة كدنانير أو دراهم‪.‬‬
‫ويتفق الشافعية والحنابلة مع المالكية في تحديد الملزم بالعمل‪ ،‬وحق العامل‪ ،‬فقالوا في العمل‪ :‬كل‬
‫مايتكرر كل عام فهو على العامل‪ ،‬وما ل يتكرر فهو على رب المال (‪. )1‬‬
‫فعلى العامل ما يحتاج إليه لصلح الثمر‪ ،‬واستزادته‪ ،‬مما يتكرر كل سنة في العمل‪ ،‬ول يقصد به‬
‫حفظ الصل‪ ،‬كسقي‪ ،‬وتنقية نهر وبئر‪ ،‬أي مجرى الماء من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 328/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،392/1 :‬المغني‪ 369/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ 528/3‬وما بعدها‪.531 ،‬‬

‫( ‪)6/494‬‬

‫الطين ونحوه‪ ،‬وإصلح حُفر الشجار التي يجتمع فيها الماء للشرب‪ ،‬وتلقيح النخل (‪ )1‬وإزالة‬
‫الحشائش والقضبان والعشاب الضارة وتعريش الدوالي (‪ ، )2‬وحفظ الثمر وجذاذه (أي قطعه)‪،‬‬
‫وتجفيفه في الصح عند الشافعية‪ ،‬لنه من مصالحه‪.‬‬
‫وأما ما قصد به حفظ الصل (أصل الثمر‪ :‬وهو الشجر)‪ ،‬ول يتكرر كل سنة‪ ،‬كبناء حيطان البستان‪،‬‬
‫وحفر نهر جديد له‪ ،‬وإصلح ما انهار من النهر‪ ،‬وإصلح الدولب والبواب فعلى المالك‪ ،‬عملً‬
‫بالعرف‪ ،‬وعليه أيضا خراج الرض الخراجية‪.‬‬
‫وبه يتبين أن الجذاذ (القطاف) على العامل عند المالكية والشافعية والحنابلة‪ ،‬وعلى المالك والعامل‬
‫بقدر نصيبهما عند الحنفية‪.‬‬
‫والمساقاة عقد لزم من الجانبين‪ ،‬كالجارة عند الشافعية والحنفية‪ ،‬والمالكية (أي الجمهور) وغير‬
‫لزمة عند الحنابلة (‪ )3‬؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم في قصة خيبر ـ فيما رواه مسلم عن ابن‬
‫عباس ‪ -‬قال‪« :‬نقركم على ذلك ما شئنا» ‪ .‬أما المزارعة فهي غير لزمة عند الحنفية والحنابلة‪،‬‬
‫وتلزم بالبذر عند المالكية‪.‬‬
‫وبناء على كونها لزمة‪ ،‬والمزارعة تبعا لها عند الشافعية‪ :‬لو هرب العامل قبل الفراغ من العمل‪،‬‬
‫وأتمه المالك متبرعا بالعمل‪ ،‬بقي استحقاق العامل‪ ،‬كتبرع الجنبي بأداء الدين‪ .‬ولو لم يتبرع المالك‬
‫بالعمل استأجر الحاكم بعد رفع المر إليه‪ ،‬على العامل‪،‬من يتم العمل من مال العامل‪ .‬فإن لم يقدر‬
‫المالك على مراجعة الحاكم لبعد مسافة‪ ،‬أو لعدم تلبية طلب المالك‪ ،‬فليشهد المالك على العمل بنفسه‪،‬أو‬
‫النفاق إن أراد الرجوع بما يعمله أو ينفقه؛ لن الشهاد حال العذر كالحكم ويصرح في الشهاد‬
‫بضرورة الرجوع‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬إن هرب العامل‪ ،‬فلرب المال الفسخ؛ لن المساقاة عقد جائز غير لزم‪.‬‬
‫صفة يد العامل‪ :‬يد العامل في المساقاة والمزارعة والمغارسة يد أمانة‪ ،‬فإذا ادعى هلك شيء من‬
‫الثمر أو الزرع أو الشجر‪ ،‬بغير تقصير ول تعد‪ ،‬كان القول قوله‪ ،‬فيصدق بيمينه‪ ،‬كذلك يصدق بيمينه‬
‫إن اتهمه المالك بخيانة وأنكر هو؛ لنه أمين‪ ،‬والقول قول المين بيمينه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهو وضع شيء من طلع الذكور في طلع الناث‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو أن ينصب أعوادا لكروم العنب ويظللها ويرفع العنب عليها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪ ،713/3 :‬المغني‪ ،376 ،372/5 :‬كشاف القناع‪ ،528/3 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪.247/2‬‬

‫( ‪)6/495‬‬

‫المطلب الثاني ـ حكم المساقاة الفاسدة ‪:‬‬


‫تفسد المساقاة باختلل شرط من شرائطها المطلوبة شرعا‪ ،‬فإذا لم يتوافر شرط صحة مثلً فسد العقد‪.‬‬
‫وأهم حالت الفساد عند الحنفية (‪ )1‬ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اشتراط كون الناتج (الخارج) كله لحد العاقدين‪ ،‬لعدم توافر معنى الشركة به‪.‬‬
‫‪ - 2‬شرط كون جزء معين من الثمرة لحد العاقدين‪ ،‬كنصف قنطار عنب أو تمر‪ ،‬أو شرط جزء‬
‫محدد من غير الثمرة‪ ،‬كمبلغ نقدي؛ لن المساقاة شركة في الثمرة فقط‪.‬‬
‫‪ - 3‬شرط مشاركة المالك في العمل‪ ،‬إذ ل بد من التخلية بين العامل والعمل في الشجر‪ ،‬ومهمة‬
‫العامل الصلية في هذا العقد هي العمل‪.‬‬
‫‪ - 4‬اشتراط الجذاذ أو القطاف على العامل؛ لنه ليس من المساقاة في شيء عندهم‪ ،‬ولعدم التعامل به‬
‫بين الناس؛ لن الصل‪ :‬كل ما كان من عمل قبل الدراك كسقي وتلقيح وحفظ فعلى العامل‪ ،‬وما بعده‬
‫كجذاذ وحفظ‪ ،‬فعلى العاقدين‪.‬‬
‫‪ - 5‬شرط كون الحمل والحفظ بعد القسمة على العامل؛ لنه ليس من أعمال المساقاة‪.‬‬
‫‪ - 6‬اشتراط عمل تبقى منفعته على العامل بعد انقضاء مدة المساقاة‪ ،‬كغرس الشجار‪ ،‬وتقليب‬
‫الرض‪ ،‬ونصب العرايش‪ ،‬ونحوه؛ لنه ل يقتضيه العقد‪ ،‬ول من أعمال المساقاة‪.‬‬
‫‪ - 7‬التفاق على مدة ل يحصل فيها الثمار عادة‪ ،‬لضرار العامل‪ ،‬ولفوات المقصود وهو الشركة‬
‫في الخارج‪ .‬كما أن المساقاة تفسد‪ ،‬إذا كانت الثمرة قد انتهت ونضجت؛ لن العامل إنما يستحق‬
‫بالعمل‪ ،‬ول أثر للعمل بعد الدراك والتناهي‪.‬‬
‫‪ - 8‬المساقاة مع الشريك‪ ،‬كأن يكون بستان مشترك بين اثنين مناصفة‪ ،‬فيدفعه أحدهما للخر مساقاة‪،‬‬
‫على أن له الثلثين‪ ،‬وللشريك المساقي الثلث؛ لن في المساقاة معنى الجارة‪ ،‬ول يجوز كون الشخص‬
‫أجيرا وشريكا‪ ،‬أي مستأجرا من شريكه‪ ،‬وشريك المستأجر؛ لن استئجار الشريك على العمل في‬
‫المشترك ل يصح‪ ،‬إذ يجب أن يكون عمل الجير في خالص ملك المستأجر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،186/6 :‬تكملة الفتح‪ 47/8 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،285/5 :‬الدر المختار ورد‬
‫المحتار‪ ،205 ،202/5 :‬اللباب شرح الكتاب‪.234/2 :‬‬

‫( ‪)6/496‬‬

‫فإذا عمل ل يستحق الجر على شريكه‪ ،‬ويقع عمل العامل لنفسه‪ .‬وهذا‪ ،‬أي الحكم بالفساد اختاره‬
‫الحنابلة من بين وجهين‪ ،‬إذا لم يجعل للعامل شيء في مقابل العمل‪ .‬وأجاز الشافعية العقد إذا شرط‬
‫للعامل زيادة على حصته‪ ،‬أي أن الشافعية والحنابلة يجيزون هذه الصورة‪ ،‬وهي حالة التفاق على‬
‫زيادة حصة العامل مقابل عمله (‪ ، )1‬كأن يكون الشجر بينهما نصفين‪ ،‬فيشترط له ثلثا الثمرة‪ ،‬ليكون‬
‫السدس عوض عمله‪ ،‬فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه‪ ،‬لم يصح‪ ،‬لستحقاقه نصيبه بالملك‪ .‬ويكون‬
‫التفاق بأن يقول الشريك لشريكه‪ :‬ساقيتك على نصيبي‪ ،‬أو أطلق‪ .‬فإذا قال‪ :‬ساقيتك على كل الشجر‪،‬‬
‫لم يصح‪.‬‬
‫ويترتب على فساد المساقاة عند الحنفية الحكام التالية (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬ل يجبر العامل على العمل؛ لن الجبر على العمل بحكم العقد‪ ،‬وهو لم يصح‪.‬‬
‫‪ - 2‬الخارج كله لصاحب الشجر‪ ،‬لكونه نماء ملكه‪ ،‬وأما العامل فل يأخذ منه شيئا؛ لن استحقاقه‬
‫بالشرط في العقد‪ ،‬ولم يصح‪.‬‬
‫‪ - 3‬وإذا فسدت المساقاة‪ ،‬فللعامل أجر مثله‪ ،‬كالجارة الفاسدة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجب أجر المثل عند أبي يوسف في حال الفساد مقدرا بالمسمى‪ ،‬ليتجاوز عنه‪ .‬وعند محمد‪:‬‬
‫يجب أجر المثل تاما بالغا ما بلغ‪.‬‬
‫أثر فساد العقد في المذاهب الخرى‪ :‬قال المالكية (‪ : )3‬إذا وقعت المساقاة فاسدة‪ ،‬فإن عثر عليها قبل‬
‫العمل‪ ،‬فسخت‪ .‬وإن عثر عليها بعد العمل‪ ،‬فسخت في أثنائه‪ ،‬ووجب فيها أجرة المثل إن خرج‬
‫المتعاقدان عن المساقاة إلى إجارة فاسدة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،327/2 :‬المحلي على المنهاج‪ ،63/3 :‬الشرح الكبير مع المغني‪ ،580/5 :‬كشاف‬
‫القناع‪.533/3 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.188/6 :‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،280‬الشرح الصغير‪ 722/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪.248/2 :‬‬

‫( ‪)6/497‬‬

‫أو بيع فاسد؛ لن للعامل فيها أجر ما عمل‪ ،‬قلّ أو كثر‪ ،‬فل ضرر عليه في الفسخ‪ .‬ومثال التحول إلى‬
‫الجارة الفاسدة‪ :‬اشتراط زيادة شيء معين أو عرض تجاري من صاحب البستان للعامل؛ لنه يصبح‬
‫المالك كأنه استأجر العامل على أن يعمل له في بستان بهذه الزيادة وبجزء من ثمرة البستان‪ ،‬وهي‬
‫إجارة فاسدة توجب الرد لجرة مثل أجر العامل ويحسب منها تلك الزيادة‪ ،‬ول شيء للعامل من‬
‫الثمرة‪ ،‬ولو بعد تمام العمل‪ .‬فإن كانت الزيادة من العامل للمالك‪ ،‬فقد خرج العاقدان إلى بيع فاسد‪ :‬هو‬
‫بيع الثمرة قبل بدو صلحها‪ ،‬إذ كأن العامل اشترى الجزء المسمى بما دفعه للمالك من الزيادة‪،‬‬
‫وبأجرة عمله‪ ،‬فوجب له أجرة مثله‪ ،‬وأخذ ما دفعه‪ ،‬ول شيء له من الثمرة‪.‬‬
‫وإن لم يخرج المتعاقدان عن المساقاة لعقد آخر‪ ،‬بأن كان الفساد لضرر‪ ،‬أو لفقد شرط غير الزيادة‬
‫المتقدمة‪ ،‬أو لوجود مانع‪ ،‬أو بسبب الغرر كالمساقاة على حوائط (بساتين) مختلفة‪ ،‬استمرت المساقاة‬
‫بمساقاة المثل‪ ،‬كالمساقاة على ثمر بدا صلحه وآخر لم يبد صلحه‪ ،‬لحتواء العقد على بيع ثمر‬
‫مجهول (وهو الجزء المسمى للعامل) بشيء مجهول (وهو العمل)‪ ،‬وكاشتراط عمل المالك مع العامل‬
‫بجزء من الثمرة أو مجانا‪ ،‬وكاشتراط آلة أو دابة للمالك في بستان صغير‪ ،‬لنه ربما كفاه ذلك‪،‬‬
‫فيصير كأن العامل اشترط جميع العمل على المالك‪ .‬ويجوز اشتراط الدابة على المالك في بستان‬
‫كبير‪ .‬وهذا التفصيل لبن القاسم‪ .‬وقال ابن الماجشون‪ :‬ترد إلى إجارة المثل في كل نوع من أنواع‬
‫الفساد‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬إذا خرج الثمر بعد العمل مستحقا لغير المساقي المالك‪ ،‬كأن أوصى‬
‫بثمر الشجر المساقى عليه‪ ،‬أو خرج الشجر مستحقا‪ ،‬فللعامل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،331 ،327-326/2 :‬المهذب‪ ،393/1 :‬المغني‪ ،392 ،381/5 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.502 ،532/3‬‬
‫( ‪)6/498‬‬

‫على من ساقاه أجرة المثل لعمله‪ ،‬لنه ضيّع عليه منافعه بعوض فاسد‪ ،‬فيرجع ببدلها على المالك‪ ،‬وإذا‬
‫فسدت المساقاة‪ ،‬فللعامل أجرة مثله مقابل عمله‪ ،‬والثمر كله لصاحب الشجر‪ ،‬لنه نماء ملكه‪ .‬وتفسد‬
‫المساقاة بجهالة نصيب كل واحد من العاقدين‪ ،‬أو اشتراط نصيب مجهول‪ ،‬أو دراهم معلومة‪ ،‬أو كمية‬
‫معينة من الثمرة‪ ،‬أو شرط اشتراك المالك في العمل‪ ،‬أو عمل العامل في شيء آخر غير الشجر الذي‬
‫ساقاه عليه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه يجب باتفاق الفقهاء فسخ المساقاة الفاسدة إذا عرف الفساد قبل العمل‪ .‬فإن شرع العامل‬
‫بالعمل ثم اطلع على الفساد‪ ،‬يجب له عند الجمهور أجر المثل‪ .‬كما يجب له الجر عند المالكية إذا‬
‫خرج المتعاقدان إلى عقد آخر‪ ،‬وإن لم يخرجا لعقد آخر‪ ،‬استمرت المساقاة بمساقاة المثل‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ انتهاء المساقاة ‪:‬‬
‫تنقضي المساقاة عند الحنفية كالمزارعة بأحد أمور ثلثة‪ :‬انتهاء المدة المتفق عليها‪ ،‬موت أحد‬
‫المتعاقدين‪ ،‬فسخ العقد إما بالقالة صراحة أو بالعذار‪ ،‬كما تفسخ الجارة (‪. )1‬‬
‫ومن العذار‪ :‬أن يكون العامل سارقا معروفا بالسرقة يخاف منه سرقة الثمر أو الغصان قبل‬
‫الدراك؛ لنه يلزم صاحب الرض ضرر لم يلتزمه‪ ،‬فيفسخ به‪.‬‬
‫ومن العذار أيضا‪ :‬مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل؛ لن في إلزامه استئجار أجراء‪ ،‬زيادة‬
‫ضرر عليه‪ ،‬ولم يلتزمه فيجعل عذرا‪ .‬وفي اعتبار سفر العامل عذرا للفسخ روايتان‪ ،‬الصحيح أنه‬
‫يوفق بينهما‪ ،‬كما في مرض العامل‪ ،‬فهو عذر إذا شرط عليه عمل نفسه‪ ،‬وغير عذر إذا أطلق العقد‬
‫عن الشرط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،188/6 :‬تكملة الفتح‪ ،48/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،268/5 :‬الدر المختار‪ ،204/5 :‬اللباب‪:‬‬
‫‪.234/2‬‬

‫( ‪)6/499‬‬

‫وإذا مات العامل‪ ،‬كان لورثته تعهد الثمر حتى يدرك‪ ،‬وإن كره صاحب الشجر رعاية لمصلحة‬
‫الجانبين‪ .‬وإن مات المالك استمر العامل بعمله كما كان‪ ،‬وإن كره ورثة المالك‪ .‬وإن مات العاقدان‪،‬‬
‫كان الخيار في الستمرار لورثة العامل‪ ،‬فإن أبى ورثة العامل الستمرار في العمل‪ ،‬كان الخيار فيه‬
‫لورثة صاحب الرض‪.‬‬
‫وإذا انقضت مدة المساقاة ولم ينضج الثمر‪ ،‬بأن كان فجا‪ ،‬بقيت المساقاة استحسانا لوقت النضوج‪،‬‬
‫ويخير العامل‪ ،‬إن شاء ترك وإن شاء عمل كما في المزارعة‪ ،‬ولكن بدون أجر‪ ،‬أي ل يجب على‬
‫العامل أن يدفع للمالك أجر حصته إلى أن يدرك الثمر؛ لن الشجر ل يجوز استئجاره‪ ،‬بخلف‬
‫المزارعة‪ ،‬حيث يجب على العامل أجر مثل الرض؛ لن الرض يجوز استئجارها‪ .‬ويكون العمل‬
‫كله في المساقاة على العامل‪ ،‬وفي المزارعة على العاقدين‪ ،‬لنه لما وجب أجر المثل للرض في‬
‫المزارعة بعد انتهاء المدة‪ ،‬لم يستحق العمل على العامل‪ ،‬كما كان يستحق عليه قبل انتهائها‪.‬‬
‫وإن أبى العامل العمل‪ ،‬خير المالك أو ورثته بين أمور ثلثة‪ :‬إما أن يقتسم الثمر على حسب الشرط‪،‬‬
‫وإما أن يعطي العامل قيمة نصيبه من الثمر‪ ،‬وإما أن ينفق على الثمر حتى يبلغ أو ينضج‪ ،‬ثم يرجع‬
‫بالنفقة بقدر حصة العامل من الثمر؛ لنه ليس للعامل إلحاق الضرر بغيره‪.‬‬

‫( ‪)6/500‬‬

‫لكن قال الزيلعي‪ :‬الرجوع على العامل بالنفقة بنسبة حصته فقط‪ :‬فيه إشكال‪ ،‬وكان ينبغي أن يرجع‬
‫عليه بجميع النفقة؛ لن العامل إنما يستحق بالعمل‪ ،‬وكان العمل كله عليه‪ ،‬فلو رجع عليه بحصته‬
‫فقط‪ ،‬أدى الرجوع إلى استحقاق العامل بل عمل في بعض المدة‪ .‬وقال المالكية (‪ : )1‬المساقاة عقد‬
‫موروث‪ ،‬ولورثة المساقي أن يأتوا بأمين يعمل إن لم يكونوا أمناء‪ ،‬وعلى المالك العمل إن أبى ورثة‬
‫العامل من العمل من تركته‪ .‬ول تنفسخ المساقاة إذا كان العامل لصا أو ظالما أو عجز عن العمل‪،‬‬
‫وعلى العامل استئجار من يعمل‪ ،‬أو يستأجر من حظه من الثمر إن لم يكن له شيء؛ لن المساقاة‬
‫عندهم عقد لزم‪ ،‬ل يفسخ بالعذار‪ ،‬فليس لعاقد فسخها بعد العقد‪ ،‬دون الخر ما لم يتراضيا عليه‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬لتنفسخ المساقاة بالعذار‪ ،‬فلو ثبتت خيانة عامل مثلً‪ ،‬ضم إليه مشرف إلى أن‬
‫يتم العمل؛ لن العمل واجب عليه‪ .‬فإن لم يتحفظ عن الخيانة بالمشرف‪ ،‬أزيلت يده بالكلية‪ ،‬واستؤجر‬
‫عليه من مال العامل من يتم العمل‪ ،‬لتعذر استيفاء العمل الواجب عليه منه‪.‬‬
‫وتنتهي المساقاة عند الشافعية بانقضاء المدة‪ ،‬فإذا انقضت المدة كعشر سنين مثلً‪ ،‬ثم ظهرت ثمرة‬
‫السنة العاشرة لم يكن للعامل فيها حق؛ لنها ثمرة حدثت بعد انقضاء العقد‪.‬‬
‫وإذا ظهرت الثمرة‪ ،‬ولم تكتمل‪ ،‬قبل انقضاء المدة كأن صارت طَلْعا (‪ )3‬أو بلحا‪ ،‬تعلق بها حق‬
‫العامل؛ لنها حدثت قبل انقضاء المدة‪ ،‬ويجب على العامل تمام العمل‪.‬‬
‫وتنفسخ المساقاة بموت العامل إذا كانت على عين (ذات) العامل كالجير المعين‪ ،‬ول تنفسخ بموت‬
‫المالك في أثناء المدة‪ ،‬بل يتم العامل العمل ويأخذ نصيبه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،247/2 :‬الشرح الصغير‪.713/3 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،331/2 :‬المهذب‪ 391/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو بدء الحمل بأن يظهر الحمل في النخيل بين غلفين‪.‬‬

‫( ‪)6/501‬‬

‫لكن إذا ساقى المورث من يرثه ثم مات المورث‪ ،‬فإن المساقاة تنفسخ؛ لنه أي الوارث ل يكون عاملً‬
‫لنفسه‪.‬‬
‫وإذا التزم العامل المساقاة في ذمته‪ ،‬ثم مات قبل تمام العمل‪ ،‬وخلّف تركة‪ ،‬أتم الوارث العمل منها‪،‬‬
‫لنه حق وجب على مورثه‪ ،‬فيؤدّى من تركته كغيره من الحقوق‪ .‬وللوارث أن يتم العمل بنفسه أو‬
‫بماله‪ ،‬وعلى المالك تمكينه من العمل إن كان الوارث عارفا بعمل المساقاة أمينا‪ ،‬وإل استأجر الحاكم‬
‫من التركة عاملً كفئا‪ .‬فإن لم يخلف العامل تركة‪ ،‬لم يقترض عليه؛ لن ذمته خربت بالموت‪.‬‬
‫وبه يتبين أن المساقاة في الذمة ل تنتهي عند الشافعية بموت أحد العاقدين‪ ،‬فإذا مات المالك أو العامل‪،‬‬
‫استمر العامل بعمله‪ .‬ول تنتهي المساقاة بخيانة العامل ول بهربه أو حبسه أو مرضه قبل تمام العمل‪،‬‬
‫لكن في حال الخيانة يضم إليه مشرف آخر يراقبه‪ ،‬وفي حال الحبس ونحوه يستأجر عليه الحاكم من‬
‫يتم العمل على حسابه‪ .‬وإذا اختلف المالك والعامل في مقدار الثمرة المشروطة لكل منهما‪ ،‬حلف كل‬
‫منهما يمينا على إثبا ت دعواه ونفي دعوى خصمه‪ ،‬لن كلً منهما منكر لدعوى الخر‪ ،‬فإذا تحالفا‬
‫انفسخ عقد المساقاة‪ ،‬وكان الثمر كله للمالك‪ ،‬وللعامل أجرة مثله‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬المساقاة كالمزارعة عقد جائز غير لزم‪ ،‬فيجوز لكل طرف فيها فسخها‪ .‬فإن‬
‫فسخت المساقاة بعد ظهور الثمرة‪ ،‬كانت الثمرة بينهما (أي بين المالك والعامل) على حسب الشرط‬
‫المتفق عليه في العقد‪ .‬لنها (أي الثمرة) حدثت على ملكهما‪.‬‬
‫ويملك العامل كالمالك حصته من الثمرة بالظهور‪ .‬ويلزم العامل تمام العمل في المساقاة‪ ،‬كما يلزم‬
‫المضارب بيع العروض التجارية إذا فسخت المضاربة‪ .‬وهذا موافق لما قال الشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،377-372/5 :‬كشاف القناع‪.530-528/3 :‬‬

‫( ‪)6/502‬‬
‫ول تنفسخ المساقاة بموت العامل‪ ،‬فإن مات العامل قام وارثه مقامه في الملك والعمل؛ لنه حق ثبت‬
‫للمورث وعليه‪ ،‬فكان لوارثه‪.‬‬
‫فإن أبى الوارث أن يأخذ ويعمل‪ ،‬لم يجبر‪ ،‬ويستأجر الحاكم من التركة من يعمل‪ ،‬فإن لم تكن له‬
‫تركة‪ ،‬أو تعذر الستئجار منها‪ ،‬بيع من نصيب العامل مايحتاج إليه لتكميل العمل واستؤجر من‬
‫يعمله‪.‬‬
‫وإن فسخ العامل‪ ،‬أو هرب قبل ظهور الثمرة‪ ،‬فل شيء له‪ ،‬لنه قد رضي بإسقاط حقه‪ ،‬مثل عامل‬
‫المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح‪ ،‬وعامل الجعالة إذا فسخ قبل تمام عمله‪.‬‬
‫لكن إن فسخ المالك المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعد شروع العامل في العمل‪ ،‬فعليه للعامل أجر مثل‬
‫عمله‪ ،‬بخلف المضاربة؛ لن الربح في المضاربة ل يتولد من المال بنفسه وإنما يتولد من العمل‪ ،‬ولم‬
‫يحصل بعمله ربح‪ ،‬والثمر في المساقاة متولد من عين الشجرة‪ ،‬وقد عمل العامل على الشجر عملً‬
‫مؤثرا في الثمر فكان لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ‪.‬‬
‫وإن مات العامل والمساقاة على عينه (ذاته)‪ ،‬أو جنّ‪ ،‬أو حجر عليه لسفه انفسخت المساقاة‪ ،‬كما قال‬
‫الشافعية‪.‬‬
‫أما لو مات المالك أو جنّ‪ ،‬أو حجر عليه لسفه‪ ،‬فتفسخ المساقاة‪ ،‬خلفا للشافعية‪ .‬وفي حالة العذر عند‬
‫الحنابلة مع عدم الفسخ‪ :‬إن عجز العامل عن العمل لضعفه مع أمانته‪ ،‬ضم إليه غيره‪ ،‬ول ينزع من‬
‫يده‪ ،‬كما قرر الشافعية؛ لن العمل مستحق عليه‪ ،‬ول ضرر في بقاء يده عليه‪ ،‬وإن عجز بالكلية‪ ،‬أقام‬
‫المالك مقامه من يعمل‪ ،‬والجرة عليه في الحالتين لن عليه توفية العمل‪.‬‬
‫وتنتهي المساقاة بمضي المدة المتفق عليها إن قدرت مدة عند الحنابلة أي كما قرر باقي المذاهب‪ ،‬لكن‬
‫إن ساقى المالك إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا‪ ،‬فلم تحمل الثمرة تلك السنة‪ ،‬فل شيء للعامل‪،‬‬
‫كالمضاربة‪.‬‬

‫( ‪)6/503‬‬

‫العقد الثالث ـ المغارسة أو المناصبة ‪:‬‬


‫تعريفها‪ ،‬وحكمها عند الفقهاء‪:‬‬
‫أول ـ تعريف المغارسة‪ :‬هي أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرس فيها شجرا (‪ )1‬وعرفها الشافعية‪:‬‬
‫بأن يسلم إليه أرضا ليغرسها من عنده‪ ،‬والشجر بينهما (‪ . )2‬وتسمى عند أهل الشام المناصبة‪ ،‬أو‬
‫المشاطرة؛ لن الشجيرة الغرسة تسمى عند العامة نصبا‪ ،‬أي منصوبا ‪ ،‬ولن الناتج يقسم بينهما‬
‫مناصفة لكل واحد منهما الشطر‪.‬‬
‫ثانيا ـ حكم المغارسة عند الفقهاء ‪:‬‬
‫المغارسة المختلف فيها بين الفقهاء‪ ،‬هي التي يقسم فيها الشجر والرض نصفين بين المالك والعامل‪،‬‬
‫فمنعها الجمهور وأجازها المالكية بشروط‪ .‬فإن كان‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.281‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.324/2 :‬‬

‫( ‪)6/504‬‬

‫الشتراك فيها في الشجر فقط‪ ،‬فهي جائزة عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬ول تجوز عند المالكية‪ ،‬وممنوعة‬
‫في الحالتين عند الشافعية‪ ،‬لعدم الحاجة إليها‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬من دفع أر ضا بيضاء (أي ل شجر ولزرع فيها) سنين معلومة‪ ،‬يغرس فيها‬
‫شجرا‪ ،‬على أن تكون الرض والشجر بين رب الرض والغارس نصفين‪ ،‬لم يجز‪ ،‬لثلثة أوجه‪:‬‬
‫أولها‪ :‬لشتراط الشركة فيما كان موجودا قبل الشركة‪ ،‬وهو الرض‪ ،‬ل بعمل العامل‪ ،‬فكان ذلك في‬
‫معنى قفيز الطحان (‪ )2‬المنهي عنه (‪ . )3‬وقال صاحب الهداية عن هذا الوجه‪ :‬إنه أصحها‪ ،‬لنه ـ‬
‫كما قال صاحب العناية ـ نظير من استأجر صباغا ليصبغ ثوبه‪ ،‬على أن يكون نصف المصبوغ‬
‫للصباغ‪ ،‬وهو مفسد للعقد‪ ،‬فهو شركة فاسدة‪.‬‬
‫وثاني الوجه التي عللوا بها الفساد‪ :‬أن المالك جعل نصف الرض عوضا عن جميع الغراس‪،‬‬
‫ونصف الخسارة عوضا لعمل العامل‪ ،‬فصار العامل مشتريا نصف الرض بالغراس المجهول‬
‫المعدوم عند العقد‪ ،‬فيفسد العقد‪ .‬وهذا الوجه رجحه ابن عابدين؛ لن كون المغارسة في معنى ( قفيز‬
‫الطحان ) ل يضر‪ ،‬إذ هو جار في معظم مسائل المزارعة والمعاملة (المساقاة)‪ ،‬ولهذا قال المام‬
‫بفسادهما‪ ،‬وترك صاحباه القياس استدللً بمعاملة النبي صلّى ال عليه وسلم أهل خيبر‪ ،‬وهذا هو‬
‫الولى‪ ،‬فهو شراء فاسد‪.‬‬
‫وثالث الوجه‪ :‬أن المالك استأجر أجيرا ليجعل أرضه بستانا مشجرا بآلت الجير‪ ،‬على أن يكون له‬
‫نصف البستان الذي يظهر بعمله‪ ،‬وهو مفسد للعقد؛ لنها إجارة بأجر مجهول وغرر‪ ،‬فهي إجارة‬
‫فاسدة‪.‬‬
‫وإذا فسدت المغارسة‪ ،‬كان جميع الثمر والغرس لصاحب الرض‪ ،‬وللغارس قيمة غرسه يوم الغرس‪،‬‬
‫وأجرة مثله فيما عمل‪.‬‬
‫وحيلة جواز المغارسة عند الحنفية‪ :‬أن يبيع المالك نصف الرض بنصف الغراس‪ ،‬ويستأجر رب‬
‫الرض العامل ثلث سنين مثلً‪ ،‬بشيء قليل‪ ،‬ليعمل في نصيبه‪.‬‬
‫وصحح الحنفية أيضا ـ كما في الفتاوى الخانية ـ كون المغارسة على الشتراك في الشجر والثمر‬
‫فقط‪ ،‬دون الرض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،49/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،286/5 :‬اللباب‪ ،234/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪203/5 :‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمل العامل‪ ،‬وهو نصف البستان‪.‬‬
‫(‪ )3‬روى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال‪« :‬نهي عن عسب الفحل‪ ،‬وعن قفيز الطحان»‬
‫وعسب الفحل‪ :‬أجرة ضرابه‪ ،‬وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك على أنه ل يجوز أن‬
‫تكون الجرة بعض المعمول بعد العمل (نيل الوطار‪ 292/5 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)6/505‬‬

‫وعبارة الشافعية (‪ )1‬في حكم المغارسة‪ :‬ل تصح المغارسة‪ ،‬إذ ل يجوز العمل في الرض ببعض ما‬
‫يخرج منها‪ ،‬ولن الغرس ليس من عمل المساقاة‪ ،‬فضمه إليها يفسده‪ ،‬ويمكن تحقيق المقصود‬
‫بالجارة‪.‬‬
‫أما المساقاة في الشجر‪ ،‬فل يمكن عقد الجارة عليه‪ ،‬فجوزت المساقاة للحاجة‪.‬‬
‫والغرس الحاصل يكون للعامل‪ ،‬ويكون لرب الرض أجرة مثلها على العامل‪ ،‬كما أن من زارع على‬
‫أرض بجزء من الغلة‪ ،‬فعطل بعض الرض‪ ،‬يلزمه أجرة ما عطل منها‪.‬‬
‫وعبارة الحنابلة (‪ : )2‬إن دفع المالك للعامل على أن الرض والشجر بينهما‪ ،‬فالمعاملة فاسدة وجها‬
‫واحدا‪ ،‬لنه شرط اشتراكهما في الصل (الرض والشجر) ففسد‪ ،‬كما لو دفع إليه الشجر أو النخل‪،‬‬
‫ليكون الصل والثمرة بينهما‪ ،‬أو شرط في المزارعة كون الرض والزرع بينهما‪ ،‬وحينئذ يكون‬
‫للعامل أجر المثل‪.‬‬
‫لكن إن ساقاه على شجر يغرسه‪ ،‬ويعمل فيه حتى يحمل‪ ،‬ويكون للعامل جزء من الثمرة معلوم‪ ،‬صح؛‬
‫لنه ليس فيه أكثر من أن عمل العامل يكثر‪ ،‬ونصيبه يقل‪.‬‬
‫هذه أقوال الجمهور (المذاهب الثلثة) المانعة من صحة المغارسة‪ ،‬حفاظا على حقوق العاقدين‪،‬‬
‫ولكثرة الجهالة الناجمة عن انتظار نمو الشجر‪ ،‬وللشتراك في الصل‪ ،‬كاشتراك الشريكين في رأس‬
‫المال في شركة المضاربة‪ ،‬ولن الغرس ليس من أعمال المساقاة‪ ،‬على النحو المشروع في السنة‬
‫النبوية‪ ،‬كما ل تصح المساقاة على صغار الشجر إلى مدة ل يحمل فيها غالبا‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬العمل لنماء الشجر يتم إما بالجارة‪ :‬وهو أن يغرس العامل للمالك بأجرة‬
‫معلومة‪ ،‬وإما بالجعالة‪ :‬وهو أن يغرس له شجرا على أن يكون له نصيب فيما ينبت‪ ،‬وإما بالمغارسة‪.‬‬
‫وتصح المغارسة (وهو أن يغرس العامل على أن يكون له نصيب من الشجر والثمر ومن الرض)‬
‫بخمسة شروط‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يغرس العامل في الرض أشجارا ثابتة الصول‪ ،‬دون الزرع والمقاثي والبقول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،324/2 :‬بجيرمي الخطيب‪ 167/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 380/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.281‬‬

‫( ‪)6/506‬‬

‫‪ - 2‬أن تتفق أصناف الشجر‪ ،‬أو تتقارب‪ ،‬في مدة إطعامها (إثمارها) فإن اختلفت اختلفا بينا ‪ ،‬لم‬
‫يجز‪.‬‬
‫‪ - 3‬أل يكون أجلها إلى سنين كثيرة‪ ،‬فإن حدد لها أجل إلى ما فوق الطعام (إنتاج الثمرة)‪ ،‬لم يجز‪،‬‬
‫وإن كان دون الطعام‪ ،‬جاز‪ ،‬وإن كان إلى الطعام‪ ،‬فقولن‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون للعامل حظه من الرض والشجر‪ ،‬فإن كان له حظه من أحدهما خاصة‪ ،‬لم يجز‪ ،‬إل إن‬
‫جعل له مع الشجر مواضعها على الرض‪ ،‬دون سائر الرض‪.‬‬
‫‪ - 5‬أل تكون المغارسة في أرض محبسة (موقوفة) لن المغارسة كالبيع‪.‬‬
‫ويلحظ أنه يمنع في المغارسة والمساقاة والمزارعة عند المالكية شيئان‪:‬‬
‫الول ـ أن يشترط أحدهما لنفسه شيئا دون الخر‪ ،‬إل اليسير‪.‬‬
‫الثاني ـ اشتراط السلف أو السلَم‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬أسلفت إليك في مئة دينار أن تغرس الغرس أو يأمره‬
‫بقلعه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المغارسة تصح إذا كان للعامل جزء معين من الثمرة فقط‪ ،‬كالمساقاة‪ ،‬كما ذكر‬
‫الحنابلة‪ ،‬وتصح المغارسة أيضا إذا غرس العامل غرسا على أن تكون الغراس والثمار بينهما كما‬
‫أبان الحنفية‪ ،‬ويمكن تصحيح المغارسة على الشتراك في الرض والشجر معا‪ ،‬بواسطة عقدي البيع‬
‫والجارة‪ ،‬كأن يبيع المالك نصف الرض بنصف الغراس‪ ،‬ويستأجر المالك العامل مدة كثلث سنين‬
‫مثلً‪ ،‬بشيء يسير ليعمل في نصيبه‪ ،‬كما ذكر الحنفية‪.‬‬
‫وصحح المالكية المغارسة بشروط‪ ،‬وأبطلها الشافعية لعدم الحاجة إليها‪.‬‬

‫( ‪)6/507‬‬

‫صلُ السّادس‪ :‬اتّفاق القسمة‬


‫ال َف ْ‬
‫وفيه نوعان‪ :‬الول ـ في قسمة العيان‪ ،‬والثاني ـ في قسمة المنافع (المهايأة) وكل منهما يرد على‬
‫الموال المشتركة‪.‬‬
‫النّوع الوّل‪ :‬قسمة العيان أو الرّقاب‬
‫تسمى قسمة العيان أي الذوات قسمة رقاب أيضا‪.‬‬
‫وفيه ستة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف القسمة ومشروعيتها وركنها وصفتها‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ أنواع القسمة‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ شروط القسمة‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ كيفية القسمة‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ القاسم‪.‬‬
‫المبحث السادس ـ أحكام القسمة‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف القسمة ومشروعيتها وركنها وصفتها ‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف القسمة ‪:‬‬
‫القسمة لغة‪ :‬هي إفراز النصيب‪ ،‬أو التفريق‪ .‬وشرعا لها تعاريف متقاربة عند الفقهاء‪ ،‬فقال الحنفية‪:‬‬
‫القسمة‪ :‬جمع نصيب شائع في مكان معيّن‪ ،‬أو مخصوص (‪ ، )1‬وعرفتها المادة (‪ )1114‬مجلة‬
‫بقولها‪« :‬القسمة‪ :‬هي تعيين الحصة الشائعة‪ ،‬يعني إفراز الحصص بعضها من بعض بمقياس ما‬
‫كالذرع والوزن والكيل» أو هي عبارة عن إفراز بعض النصباء عن بعض‪ ،‬ومبادلة بعض ببعض؛‬
‫لن نصيب كل شريك أو ملكه منتشر في جميع أجزاء الشيء المقسوم‪ ،‬فإذا حدثت القسمة‪ ،‬وقع في‬
‫حصته جزء مملوك له‪ ،‬وجزء مملوك لصاحبه شائعا في كل الجزاء‪ ،‬فتتم المبادلة بين الشريكين‬
‫بتنازل كل واحد منهما عن نصف نصيبه بعوض‪ :‬وهو نصف نصيب صاحبه (‪. )2‬‬
‫ومعنى المبادلة أي (أخذ عوض حقه) واضح في القسمة الرضائية‪ ،‬أما القسمة الجبرية فتحدث بناء‬
‫على طلب الشريكين للقاضي‪ ،‬يتضمن رضاهما بالمبادلة‪ .‬فالقسمة تتضمن معنى المبادلة؛ لن ما‬
‫يؤول لحدهما‪ ،‬بعضه كان له‪ ،‬وبعضه كان لصاحبه‪ ،‬فهو يأخذه عوضا عما يبقى من حقه في نصيب‬
‫صاحبه‪ ،‬فكان ذلك مبادلة من وجه‪ ،‬وإفرازا من وجه‪ ،‬والفراز هو الظاهر في المكيلت والموزونات‬
‫لعدم التفاوت‪ ،‬والمبادلة هي الظاهر في غير المكيل والموزون للتفاوت‪ ،‬ويجوز الجبار على المبادلة‬
‫كما في بيع مال المدين‪.‬‬
‫وعرف المالكية القسمة بما يقارب تعريف الحنفية‪ ،‬فقالوا‪ :‬هي تعيين نصيب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،264/5 :‬الدر المختار‪ ،178/5 :‬تكملة الفتح‪ ،2/8 :‬اللباب‪.91/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.17/7 :‬‬

‫( ‪)6/508‬‬

‫كل شريك في مشاع (عقار أو غيره)‪ ،‬ولو كان التعيين باختصاص تصرف فيما عين له‪ ،‬مع‬
‫بقاءالشركة في الذات‪ ،‬وهذا التعريف يشمل عندهم أنواع القسمة الثلثة‪ :‬قسمة المهايأة‪ ،‬وقسمة‬
‫المراضاة‪ ،‬وقسمة القرعة (‪. )1‬‬
‫وعرفها الشافعية والحنابلة (‪ )2‬بأوضح تعريف في تقديري‪ ،‬فقالوا‪ :‬القسمة‪ :‬تمييز بعض النصباء عن‬
‫بعض‪ ،‬وإفرازها عنها‪ ،‬بتجزئة النصباء بالكيل أو غيره‪.‬‬
‫ثانيا ـ مشروعية القسمة ‪:‬‬
‫أجمع العلماء على جواز القسمة لثبوت شرعيتها في القرآن والسنة‪:‬‬
‫أما القرآن فقوله تعالى‪{ :‬ونبئهم أن الماء قسمة بينهم‪ ،‬كل شرب محتضر} [القمر‪ ]28/54:‬يدل على‬
‫جواز قسمة المهايأة‪ ،‬وقوله سبحانه‪{ :‬وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم‬
‫منه} [النساء‪ ]8/4:‬الوارد في قسمة التركة‪ ،‬وقوله سبحانه في قسمة الغنائم‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم من‬
‫شيء فأن ل خمسه وللرسول‪[ }..‬النفال‪ ]41/8:‬ول يعلم هذا الخمس عن الربعة الخماس المستحقة‬
‫للغانمين إل بالقسمة‪.‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقد قسم النبي صلّى ال عليه وسلم غنائم خيبر وحنين بين الغانمين‪ ،‬وقسم المواريث (‬
‫‪ ، )3‬مما يدل على الباحة‪.‬‬
‫ويؤيده حاجة الناس إلى القسمة ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف المستقل في حصته‪،‬‬
‫وليتخلص من سوء المشاركة‪ ،‬وكثرة اليدي (‪. )4‬‬
‫ثالثا ـ ركن القسمة وسببها وشرط لزومها ‪:‬‬
‫ركن القسمة‪ :‬هو الفعل الذي يحصل به الفراز والتمييز بين النصباء‪ ،‬ككيل وذرع‪ ،‬وسببها‪ :‬طلب‬
‫الشركاء أو بعضهم النتفاع بملكه على وجه الخصوص‪ ،‬فلو لم يطلبوا ل تصح القسمة‪ .‬وشرط‬
‫لزومها بطلب أحد الشركاء‪ :‬عدم فوت المنفعة بالقسمة‪ ،‬أي عدم إبطال فائدة الشيء‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 359/3 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الباجوري على ابن قاسم‪ ،351/2 :‬المغني‪ ،114/9 :‬كشاف القناع‪.364/6 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع الحاديث في نصب الراية‪.178/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪.112/9 :‬‬

‫( ‪)6/509‬‬

‫المتعارفة‪ ،‬فل يقسم مثلً الحائط والحمام والبيت الصغير (‪. )1‬‬
‫رابعا ـ صفة القسمة ‪:‬‬
‫تتردد صفة القسمة عند الفقهاء بين وصفين‪ :‬الفراز أو التمييز‪ ،‬والبيع أو المبادلة‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )2‬تشتمل القسمة مطلقا (في المثليات أو القيميات) على وصفين‪ :‬هما الفراز‪ :‬وهو‬
‫أخذ عين حقه‪ ،‬والمبادلة‪ :‬وهو أخذ عوض حقه‪ .‬والسبب في اشتمالها على معنى المبادلة‪ :‬أن ما يأخذه‬
‫كل شريك‪ ،‬بعضه كان له‪ ،‬وبعضه كان لصاحبه‪ ،‬فهو يأخذه عوضا عما يبقى من حقه في حصة‬
‫صاحبه‪ ،‬فتكون القسمة مبادلة من وجه‪ ،‬وإفرازا من وجه‪.‬‬
‫والفراز‪ :‬هو الظاهر الغالب في المثليات‪ ،‬أي المكيلت والموزونات وما في حكمها‪ :‬وهي الذرعيات‬
‫والعدديات المتقاربة كالجوز والبيض‪ ،‬لعدم التفاوت بين أجزائها‪ ،‬حتى كان لحد الشريكين أن يأخذ‬
‫نصيبه حال غيبة صاحبه‪.‬‬
‫والمبادلة‪ :‬هي الظاهر الغالب في غير المثليات أي القيميات كالحيوانات والدور وأصناف العروض‬
‫التجارية‪ ،‬للتفاوت بين أفرادها‪ ،‬حتى ل يكون لحد الشريكين أخذ نصيبه عند غيبة صاحبه (‪. )3‬‬
‫إل أنه إذا كانت الشياء المشتركة متحدة الجنس‪ ،‬جازت القسمة الجبرية‪ ،‬أي يجبر القاضي على‬
‫القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لن فيها معنى الفراز‪ ،‬ويصح الجبر في المبادلة‪ ،‬كما هو المقرر في‬
‫حالة بيع ملك المدين‪ ،‬لوفاء دينه‪.‬‬
‫وإن كانت الشياء المشتركة أجناسا مختلفة‪ ،‬لم تجز القسمة الجبرية‪ ،‬فل يجبر القاضي على القسمة‪،‬‬
‫لتعذر المعادلة‪ .‬وتجوز القسمة الرضائية حينئذ؛ لن الحق للشركاء‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬قسمة المراضاة‪ :‬وهي التي تتم بل قرعة كالبيع‪ ،‬وقسمة القرعة‪ :‬تمييز حق في‬
‫مشاع بين الشركاء‪ ،‬ل بيع‪ ،‬وقسمة المهايأة في المنافع كالجارة‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )5‬القسمة إفراز النصيبين وتمييز الحقين إل إذا كان في القسمة رد‪ ،‬أي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.178/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،178/5 :‬اللباب‪ ،91/4 :‬تكملة الفتح‪ ،2/8 :‬البدائع‪.26/7 :‬‬
‫(‪ )3‬نصت المادة (‪ )1116‬مجلة عن ذلك‪ ،‬فقالت‪« :‬والقسمة من جهة إفراز‪ ،‬ومن جهة مبادلة‪، »..‬‬
‫كما نصت المادة (‪ )1117‬على أن «جهة الفراز في المثليات راجحة‪ »..‬والمادة (‪ )1118‬على أن‬
‫«جهة المبادلة في القيميات راجحة‪ »..‬ونصت المادة (‪ )1119‬على المثليات‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪.664 ،662 ،660/3 :‬‬
‫(‪ )5‬حاشية الباجوري‪ ،354-352/2 :‬المهذب‪.306/2 :‬‬

‫( ‪)6/510‬‬

‫تعويض (أورد مال أجنبي عن المقسوم)‪ ،‬فهي بيع‪ ،‬كأن يكون في أحد جانبي الرض المشتركة بئر‬
‫أو شجر مثلً‪ ،‬ل يمكن قسمته‪ ،‬فيرد من يأخذه بالقسمة بالقرعة قسط قيمة البئر أو الشجر‪ ،‬في المثال‬
‫المذكور‪.‬‬
‫وكذلك تكون القسمة بيعا إذا كانت بالتعديل للسهام (وهي النصباء)‬
‫بالقيمة‪ ،‬كأرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء‪ ،‬وتكون الرض بينهما نصفين‪ ،‬ويساوي‬
‫ثلث الرض مثلً لجودته ثلثيها‪ ،‬فيجعل الثلث سهما‪ ،‬والثلثان سهما‪ .‬وهذا الرأي أدق ما عرفته من‬
‫المذاهب‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬القسمة‪ :‬إفراز حق وتمييز أحد النصيبين من الخر‪ ،‬وليست بيعا؛ لنها ل تفتقر‬
‫إلى لفظ التمليك‪ ،‬ول تجب فيها الشفعة‪ ،‬ويدخلها الجبار‪ ،‬وتلزم بإخراج القرعة‪ ،‬ويتقدر أحد النصيبين‬
‫بقدر الخر‪ ،‬والبيع ل يجوز فيه شيء من ذلك‪ ،‬ولنها تنفرد عن البيع باسمها وأحكامها‪ ،‬فلم تكن بيعا‬
‫كسائر العقود‪.‬‬
‫وفائدة الخلف‪ :‬أنها إذا لم تكن بيعا‪ ،‬جازت قسمة الثمار خرصا‪ ،‬والمكيل وزنا‪ ،‬والموزون كيلً‪،‬‬
‫والتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض في البيع‪ ،‬وإن قلنا‪ :‬هي بيع‪ ،‬انعكست هذه الحكام‪.‬‬
‫لكن إذا كانت القسمة ردا‪ ،‬أي رد عوض عما حصل لشريك من حق شريكه‪ ،‬فتكون بيعا فيما يقابل‬
‫الرد (أي العوض الذي رد من أحدهما على الخر)‪ ،‬وإفرازا في الباقي‪ .‬والخلصة أن القسمة عند‬
‫الحنابلة إفراز‪ ،‬إل إذا كانت قسمة رد‪ ،‬فتكون بيعا فيما يقبل الرد‪.‬‬

‫( ‪)6/511‬‬

‫المبحث الثاني ـ أنواع القسمة ‪:‬‬


‫للقسمة أنواع في المذاهب الفقهية‪ ،‬إذ كل مذهب ينظر إلى القسمة من جانب فقال الحنفية (‪ : )2‬القسمة‬
‫نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬قسمة جبرية‪ :‬وهي التي يتولها القاضي‪ ،‬بطلب أحد الشركاء‪ .‬ولو قسم القاضي أو نائبه‬
‫بالقرعة‪ ،‬فليس لبعض الشركاء الباء بعد خروج بعض السهام (‪. )3‬‬
‫‪ - 2‬قسمة رضائية‪ :‬وهي التي يفعلها الشركاء بالتراضي‪ ،‬وهي تعتبر عقدا من العقود‪ ،‬ركنها ككل‬
‫عقد‪ :‬هو اليجاب والقبول‪ ،‬ومحلها‪ :‬العين المشتركة التي يجوز التفاق على قسمتها (‪. )4‬‬
‫وكل واحد منهما على نوعين‪:‬‬
‫‪ - 1‬قسمة تفريق أو فرد‪ :‬وهي تخصيص كل شريك بحصة جزئية معينة من المال المشترك‪ ،‬كقسمة‬
‫دار كبيرة بين شريكين أو ثلثة‪ ،‬يختص كل واحد منهم بنصف أو بثلث‪ .‬وهي تحدث في كل ما ل‬
‫ضرر في تبعيضه بالشريكين كالمكيل والموزون والعددي المتقارب‪ ،‬سواء قسمة رضا أو قسمة جبر‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقسمة جمع‪ :‬وهي أن يجمع نصيب كل شريك في عين على حدة (‪ ، )5‬كأن يكون الشيء‬
‫المشترك أقطانا بين شريكين‪ ،‬فيتقاسمان‪ ،‬على أن يختص أحدهما بكمية منها والخر بالباقي‪ .‬وهي‬
‫جائزة في جنس واحد‪ ،‬ول تجوز في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،129 ،114/5 :‬كشاف القناع‪.365/6 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.22-19/7 :‬‬
‫(‪ )3‬رد المحتار‪.184/5 :‬‬
‫(‪ )4‬قسمة الرضى في المادة (‪ )1121‬مجلة هي «القسمة التي تجري بين المتقاسمين في الملك‬
‫بالتراضي أو برضا الكل عند القاضي» وقسمة القضاء في المادة (‪ )1122‬هي «تقسيم القاضي الملك‬
‫المشترك جبرا وحكما بطلب بعض المقسوم لهم» ‪.‬‬
‫(‪ )5‬عرفت المادة (‪ )1115‬من المجلة هذين النوعين‪ ،‬فقالت‪ :‬قسمة التفريق‪ :‬هي تعيين الحصص‬
‫الشائعة في العين الواحدة المشتركة في أقسامها‪ ،‬مثل قسمة عرصة ‪ -‬أي ساحة ‪-‬بين اثنين‪ .‬وقسمة‬
‫الجمع‪ :‬هي جمع الحصص الشائعة في كل فرد من أفراد العيان في أقسامها‪ ،‬مثل قسمة ثلثين شاة‬
‫مشتركة بين ثلثة‪ :‬عشرة لكل واحد منهم‪.‬‬

‫( ‪)6/512‬‬

‫جنسين مختلفين‪ ،‬فتصح في المثليات وهي المكيلت والموزونات والعدديات المتقاربة كأصناف‬
‫الحنطة‪ ،‬ول تصح في جنسين من المكيل والموزون والمذروع والعددي كالحنطة والشعير‪ ،‬والقطن‬
‫والحديد‪ ،‬والجوز واللوز‪ ،‬والللئ واليواقيت‪ .‬وتصح بين أفراد البل‪ ،‬أو أفراد البقر‪ ،‬أو أفراد الغنم‪،‬‬
‫أي في ضمن الجنس الواحد‪ ،‬والتفاوت القليل ملحق بالعدم‪.‬‬
‫ول تصح بين خيل وإبل‪ ،‬أو بين بقر وغنم‪ ،‬لختلف الجنس‪ ،‬فيتضرر أحدهما‪.‬‬
‫ول تقسم الدور والراضي المتعددة عند أبي حنيفة قسمة جمع منعا للضرر‪ ،‬لوجود التفاوت الفاحش‬
‫بين دار ودار‪ ،‬وأرض وأرض‪ ،‬بسبب اختلف البناء والبقاع‪ ،‬فتعتبر في حكم جنسين مختلفين‪.‬‬
‫وعند الصاحبين‪ :‬تجوز قسمة الدور والراضي قسمة جمع‪ ،‬ويعدل ما فيها من التفاوت بالقيمة‪ .‬ول‬
‫تقسم الدار والضيعة (الرض)‪ ،‬أو الدار والحانوت المشتركتان قسمة جمع باتفاق الحنفية‪ ،‬بل يقسم كل‬
‫واحد على حدة‪ ،‬لختلف الجنس‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬قسمة الرقاب أو العيان نوعان‪ :‬قسمة مراضاة وقسمة قرعة‪.‬‬
‫أما قسمة المراضاة‪ :‬فهي أن يتراضيا على أن كل واحد يأخذ شيئا مما هو مشترك بين الشريكين‪،‬‬
‫يرضى به بل قرعة‪ .‬وهي كالبيع‪ ،‬فمن رضي بشيء منه‪ ،‬ملك ذاته‪ ،‬وليس له رده إل بتراضيهما‬
‫كالقالة‪ ،‬ول رد فيها بالغبن إل إذا أدخل بينهما مقوما‪ .‬وتصح في متحد الجنس كالثياب‪ ،‬أو في‬
‫مختلف الجنس كثوب ودابة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،664-662/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 284‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/513‬‬

‫وأما قسمة القرعة‪ :‬فهي تمييز حق مشاع بين الشركاء‪ ،‬ل بيع‪ .‬فيرد فيها بالغبن‪ ،‬ول بد فيها من‬
‫مقوم‪ ،‬ويجبر عليها من أباها‪ ،‬ول تكون إل فيما تماثل أو تجانس‪ ،‬ول يجوز فيها الجمع بين حظ‬
‫اثنين‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )1‬القسمة ثلثة أنواع؛ لن المقسوم إن تساوت النصباء منه صورة وقيمة فهو‬
‫الول‪ ،‬وإل‪ ،‬فإن لم يحتج إلى رد شيء فالثاني‪ ،‬وإل فالثالث‪.‬‬
‫‪ - 1‬قسمة الفراز (أو قسمة الجزاء أو قسمة المتشابهات)‪ :‬وهي إفراز حق كل من الشركاء‪ ،‬فهي‬
‫تمييز للحق ل بيع‪ .‬وتحدث فيما ل ضرر فيه‪ ،‬كالمثليات من حبوب ودراهم وأدهان‪ ،‬ودور متفقة‬
‫البنية‪ ،‬وأرض مستوية الجزاء‪ .‬ويجري فيها الجبار‪ ،‬فيلزم الشريك بالقسمة بطلب شريكه‪ ،‬إذ ل‬
‫ضرر عليه فيها‪ ،‬فيجزأ ما يقسم كيلً في المكيل‪ ،‬ووزنا في الموزون‪ ،‬وذرعا في المذروع‪ ،‬وعدّا في‬
‫المعدود بعدد النصباء إن استوت‪ .‬ثم بعدئذ يقرع بين النصباء لتعيين كل نصيب منها لحد الشركاء‪.‬‬
‫‪ - 2‬قسمة التعديل للسهام‪ :‬وهي أن تعدل النصباء المختلفة بالقيمة‪ ،‬لتحقيق المساواة بين الشركاء‪،‬‬
‫كأرض تختلف قيمة أجزائها بسبب قوة إنبات‪ ،‬أو قرب ماء ونحوهما‪ ،‬أو يختلف جنس ما فيها‪،‬‬
‫كبستان بعضه نخل‪ ،‬وبعضه عنب‪ .‬فإذا كانت الرض مناصفة بين شريكين‪ ،‬وكانت قيمة ثلثها‬
‫المشتمل على ما ذكر كقيمة الثلثين الباقيين‪ ،‬فيجعل الثلث سهما‪ ،‬والثلثان سهما‪ ،‬ويقرع بينهما كما‬
‫سبق‪.‬‬
‫ويجري فيها الجبار‪ ،‬فيلزم الشريك بالقسمة بطلب شريكه‪ ،‬كما في النوع الول‪ ،‬فإن أمكن قسم الجيد‬
‫وحده‪ ،‬والرديء وحده‪ ،‬لم يجبر الشريك على التعديل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية الباجوري‪ ،354-352/2 :‬بجيرمي الخطيب‪.344-341/4 :‬‬

‫( ‪)6/514‬‬

‫ويجبر الشريكان على هذه القسمة في منقولت متحدة القيمة‪ ،‬مختلفة الصفة‪ ،‬كثياب من نوع واحد‪،‬‬
‫كما يجبران عليها في نحو دكاكين صغيرة متلصقة‪ ،‬متماثلة العيان أو الذوات‪ ،‬للحاجة إلى القسمة‪،‬‬
‫بخلف نحو الدكاكين الكبيرة‪ ،‬أو الصغيرة غير المتلصقة لشدة اختلف الغراض‪ ،‬أو المقاصد‬
‫باختلف المحالّ والبنية‪.‬‬
‫‪ - 3‬قسمة الرد‪ :‬وهي التي تحتاج إلى رد مال أجنبي عن ذات المقسوم‪ ،‬كأن يكون بأحد جانبي‬
‫الرض المشتركة بئر أو شجر مثلً‪ ،‬ل يمكن قسمته‪ ،‬فيردّ من يأخذه بالقسمة الناتجة عن القرعة قسط‬
‫قيمة البئر أو الشجر‪ .‬فلو كانت قيمة البئر أو الشجر ألفا‪ ،‬وحصته النصف‪ ،‬رد الخذ خمس مئة‪ .‬ول‬
‫يجري فيها الجبار‪.‬‬
‫ويعتبر النوع الول إفرازا للحق‪ ،‬ل بيعا‪ ،‬والنوعان الخران بيعا‪.‬‬
‫وبه يتبين أن القسمة عند الشافعية كغيرهم نوعان رئيسيان‪ :‬قسمة إجبار‪ ،‬وقسمة تراض‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ )1‬كما قال الحنفية‪ :‬القسمة نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬قسمة تراض‪ :‬ل تجوز إل برضا الشركاء كلهم‪ :‬وهي التي فيها ضرر‪ ،‬ورد عوض من أحدهما‬
‫على الخر‪ ،‬كالدور الصغيرة‪ ،‬والحمام والطاحون الصغيرين‪ ،‬والدكاكين اللطاف الضيقة‪ .‬ول إجبار‬
‫فيها‪ ،‬فإن طلب أحد الشريكين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.369 ،364/6 :‬‬

‫( ‪)6/515‬‬

‫قسمة بعضها في مقابلة بعض‪ ،‬لم يجبر الخر؛ لن كل عين منها تختص باسم وصورة‪ .‬وهي تشبه‬
‫قسمة الرد عند الشافعية‪ ،‬بدليل أن الحنابلة قالوا‪ :‬كل ما ل يمكن قَسْمه بالجزاء‪ ،‬أو التعديل‪ ،‬ل يقسم‬
‫بغير رضا الشركاء كلهم‪ .‬وحكم قسمة التراضي كالبيع‪ ،‬أي كما قال الشافعية؛ لن صاحب الزائد بذل‬
‫المال عوضا عما حصل له من حق شريكه‪ ،‬وهذا هو البيع‪ ،‬والبيع محصور فيما يقابل الرد (أي‬
‫العوض الذي رد من أحدهما على الخر) وإفراز في الباقي‪ ،‬كما تبين في صفة القسمة‪.‬وإذا كانت هذه‬
‫القسمة بيعا‪ ،‬فل يجوز فيها ما ل يجوز في البيع‪ ،‬ول يجبر عليها الممتنع منها‪ ،‬لحديث ابن عباس‬
‫مرفوعا‪« :‬ل ضرر ول ضرار» (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬وقسمة الجبار‪ :‬ما ل ضرر فيها على الشريكين‪ ،‬ول على أحدهما‪ ،‬ول رد عوض‪ ،‬كأرض‬
‫واسعة وقريبة‪ ،‬وبستان ودار كبيرة‪ ،‬ودكان واسع ونحوها‪ ،‬سواء أكانت متساوية الجزاء أم ل‪.‬‬
‫وتحدث إن أمكن قسمتها بتعديل السهام من غير شيء يجعل معها‪ ،‬فإن لم يمكن تعديل السهام إل‬
‫بجعل شيء معها‪ ،‬فل إجبار‪ ،‬لنه معاوضة‪ ،‬فل يجبر عليها من امتنع منها‪ ،‬كسائر المعاوضات‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬قسمة مكيل أو موزون من جنس واحد‪ ،‬كدهن من زيت وسيرج وغيرهما‪ ،‬ولبن ودبس‬
‫وخل وتمر وعنب ونحوهما‪ ،‬وسائر الحبوب والثمار المكيلة‪ .‬وإذا طلب أحد الشركاء القسمة في‬
‫المذكورات وأبى الشريك الخر‪ ،‬أجبر الممتنع‪ ،‬ولو كان وليا على صاحب الحصة؛ لنه يتضمن إزالة‬
‫الضرر الحاصل بالشركة‪ ،‬وحصول النفع للشريكين‪ ،‬فيمكنهما التصرف بالحصص‪ ،‬أو الستثمار بأي‬
‫طريق يختاره الشريك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني‪ ،‬قال النووي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وله طرق يقوي بعضها بعضا‪.‬‬

‫( ‪)6/516‬‬

‫المبحث الثالث ـ شروط القسمة ‪:‬‬


‫فيه مطلبان‪ :‬الول ـ في شروط قسمة التراضي‪ ،‬والثاني ـ في شروط قسمة الجبار‪.‬‬
‫المطلب الول ـ شروط قسمة التراضي ‪:‬‬
‫اشترط الحنفية شروطا في قسمة التراضي هي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬أهلية المتقاسمين‪ :‬وهي العقل فقط‪ ،‬فل يجوز قسمة المجنون والصبي الذي ل يعقل (غير‬
‫المميز)؛ لن القسمة عقد متردد بين الضرر والنفع وفيها معنى البيع‪ ،‬فيشترط فيها ما يشترط في‬
‫البيع‪.‬‬
‫ول يشترط البلوغ عند الحنفية‪ ،‬فتجوز قسمة الصبي العاقل (المميز) بإذن وليه‪ ،‬كما ل يشترط السلم‬
‫والذكورة والحرية لجواز القسمة‪ ،‬فتجوز قسمة الذمي والمرأة والعبد المكاتب والمأذون‪ ،‬لجواز البيع‬
‫منهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬الملك أو الولية‪ :‬فل تجوز القسمة بدونهما‪.‬‬
‫أما الملك‪ :‬فهو أن يكون القاسم مالكا عين ما يقسمه وقت القسمة‪ ،‬فيقسمه الشركاء بالتراضي‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن المقسوم مملوكا للقاسم‪ ،‬ل تجوز القسمة؛ لن القسمة إفراز بعض النصباء‪ ،‬ومبادلة البعض‪،‬‬
‫وكل ذلك ل يصح إل في الشيء المملوك (‪ . )2‬وبناء عليه‪ :‬ل تصح عند الحنفية قسمة الديون‬
‫المشتركة قبل القبض؛ لنها ل تملك إل بالقبض؛ لن الدين في حكم المعدوم‪ ،‬ووجوده اعتباري‪،‬‬
‫والمقسوم يشترط فيه كونه عينا‪ .‬ويترتب عليه أيضا أن قسمة الفضولي موقوفة على الجازة قولً أو‬
‫فعلً‪.‬‬
‫وأما الولية‪ :‬فهي ولية القرابة المالية‪ ،‬بأن يكون القاسم ذا ولية مالية على الصغير والمجنون‬
‫والمعتوه‪ ،‬وهو الب ووصيه‪ ،‬والجد ووصيّه‪ .‬والقاعدة في هذه الولية‪ :‬أن كل من له ولية البيع‪ ،‬فله‬
‫ولية القسمة‪ ،‬ومن ل فل‪ ،‬ولهؤلء ولية البيع‪ ،‬فلهم ولية القسمة‪.‬‬
‫وأما وصي الم‪ ،‬ووصي الخ والعم‪ ،‬فيقسم المنقول‪ ،‬دون العقار؛ لن له ولية بيع المنقول‪ ،‬دون‬
‫العقار‪.‬‬
‫ول يقسم وصي الميت على الموصى له‪ ،‬لنعدام وليته عليه‪ ،‬وكذا ل يقسم الورثة عليه‪ ،‬لنعدام‬
‫وليتهم عليهم؛ لن الموصى له كواحد من الورثة‪ .‬وكذا ل يقسم بعض الورثة على بعض‪ ،‬لنعدام‬
‫الولية فيما بينهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.22 ،19 ،18/7 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،24/7 :‬م (‪ )1126 ،1125 ،1123‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/517‬‬

‫‪ - 3‬حضور الشركاء أو نوابهم‪ :‬فل تصح القسمة على غائب‪ ،‬وتنقض القسمة‪ ،‬لو اقتسم الشركاء‪،‬‬
‫وأحدهم غائب‪ .‬هذا في قسمة التراضي‪ .‬أما في قسمة القاضي‪ ،‬فتنفذ القسمة ول تنقض‪.‬‬
‫‪ - 4‬رضا الشركاء فيما يقسمونه بأنفسهم‪ :‬إذا كانوا من أهل الرضا أو رضا من يقوم مقامهم‪ .‬فإن لم‬
‫يوجد الرضا ل تصح القسمة‪ ،‬فلو كان في الورثة صغير ل وصي له‪ ،‬أو كبير غائب‪ ،‬فاقتسموا‬
‫فالقسمة باطلة؛ لن القسمة فيها معنى‬
‫البيع‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬وقسمة الرضا ـ عند الحنفية ـ أشبه بالبيع‪ ،‬وكما ل يصح البيع إل بالتراضي‪ ،‬ل‬
‫تصح القسمة إل به‪.‬‬
‫وإذا لم يكن شريك من أهل الرضا‪ ،‬كالصبي والمجنون‪ ،‬قام وليه أو وصيه مقامه‪ .‬وإذا لم يكن‬
‫للصغير ونحوه ولي ول وصي‪ ،‬كان موقوفا على أمر الحاكم‪ ،‬فينصب وصي من طرف الحاكم ليقسم‬
‫بمعرفته (‪. )1‬‬
‫وكذلك قال الشافعية (‪ : )2‬يشترط في قسمة التراضي بأنواعها من رد وغيره رضا الشركاء حتى بعد‬
‫خروج القرعة‪ ،‬ولو ثبت بحجة غلط أو حيف في قسمة الجبار أو قسمة التراضي التي تكون‬
‫بالفراز‪ ،‬نقضت القسمة بنوعيها‪ ،‬فإن كانت بالتعديل أو بالرد‪ ،‬لم تنقض‪ ،‬لنها بيع‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ شروط قسمة الجبار أو التقاضي ‪:‬‬
‫يشترط لقسمة القضاء أو القسمة الجبرية ما يأتي‪:‬‬
‫الشرط الول ـ طلب أحد الشركاء أو كلهم من القاضي قسمة المشترك‪ :‬فل تجوز القسمة من غير‬
‫طلب أصلً؛ لنها تصرف في ملك الخرين‪ ،‬وهو أمر محظور شرعا (‪ . )3‬وإذا طلب شريك وأبى‬
‫الخر‪ ،‬يقسم الشيء المشترك جبرا بين الشركاء إذا كان قابلً للقسمة (‪ )4‬دفعا للضرر‪ ،‬كالتملك‬
‫بالشفعة دفعا لضرر الشفيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،180/5 :‬م (‪ )1128‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬بجيرمي الخطيب‪.344/4 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،179/5 :‬البدائع‪ ،28 ،22 ،18/7 :‬م (‪ )1130 ،1129‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬قابل القسمة‪ :‬هو المال المشترك الصالح للتقسيم‪ ،‬بحيث ل تفوت المنفعة المقصودة من ذلك المال‬
‫بالقسمة (م ‪ )1131‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/518‬‬

‫فإن لم يكن قابلً للقسمة‪ ،‬تناوب الشركاء في النتفاع بطريق المهايأة‪.‬‬


‫والخلصة‪ :‬أنه تجب القسمة عند الطلب‪ ،‬إل إذا كان الطالب قاصدا الضرر‪ ،‬فل تجب‪ ،‬كما سيبين في‬
‫الشرط الثاني‪.‬‬
‫الشرط الثاني ـ أل يترتب على القسمة ضرر‪ :‬وهذه في قسمة التفريق‪ ،‬لنه إذا كان في القسمة‬
‫ضرر لم تتحقق المنفعة المطلوبة من المال‪.‬‬
‫ويتضح هذا الشرط في معرفة طبيعة المال‪ ،‬والمال في هذا الشأن نوعان (‪: )1‬‬
‫أ ـ إن كان المال مما ل ضرر في تبعيضه أو تجزئته‪ ،‬بل فيه منفعة للشريكين‪ ،‬كالمكيل والموزون‬
‫والعددي المتقارب‪ ،‬فتجوز قسمة التفريق قسمة جبر‪ ،‬ويجبر القاضي من أبى من الشركاء على قبولها‬
‫تحقيقا لمصلحة الطرفين‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان في القسمة ضرر‪ :‬فإن أضرّت بكل واحد من الشريكين لم تجز قسمة الجبر في المال‬
‫المشترك كاللؤلؤ والياقوت والثوب الواحد والسرج والقوس والمصحف الكريم‪ ،‬والخيمة والحائط‪،‬‬
‫والحمام والبيت‪ ،‬أو الحانوت الصغير‪ ،‬والفرس والجمل والشاة والبقرة؛ لن الضرر يلحق بالشريكين‬
‫معا‪ ،‬والقاضي ل يملك الجبر على الضرار‪.‬‬
‫وأما إن أضرّت القسمة بأحد الشريكين دون الخر‪ ،‬كالرض المشتركة بين شريكين ولحدهما حصة‬
‫قليلة‪ ،‬وللخر الكثر‪ ،‬فتجب القسمة إن طلبها صاحب الكثر‪ ،‬إزالة للشيوع ومنعا من الضرر‪ ،‬فهو‬
‫ينتفع بنصيبه‪ ،‬فيجاب طلبه؛ لن الحق ل يبطل بتضرر الغير‪ .‬وإن طلبها صاحب الحصة القليلة‪ :‬ففيه‬
‫رأيان‪:‬‬
‫رأي الحاكم الشهيد في مختصره الكافي‪ :‬إنه يقسم المال المشترك‪ ،‬إذ ل ضرر على صاحب الكثير‪،‬‬
‫بل له فيه منفعة‪ ،‬وصاحب القليل قد رضي بالضرر‪ ،‬حيث طلب القسمة‪ ،‬فيجبر على القسمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،21-19/7 :‬تبيين الحقائق‪ 268/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/519‬‬

‫ورأى القدوري في الكتاب‪ :‬ل يقسم؛ لن صاحب القليل متعنّت في طلب القسمة‪ ،‬لكون القسمة ضررا‬
‫محضا في حقه‪ ،‬فل يعتبر طلبه‪ ،‬وقسمة الجبر لتشرع بدون الطلب‪ .‬وهذا هو الصح‪.‬‬
‫وإن كانت حصة كل من الشريكين قليلة‪ ،‬لم يقسم القاضي بينهما‪ ،‬إل بتراضيهما؛ لن الجبر على‬
‫القسمة لتكميل المنفعة‪ ،‬وفي هذا تفويتها‪ ،‬وإنما تجوز القسمة بتراضيهما؛ لن الحق لهما وهما أعرف‬
‫بشأنهما (‪. )1‬‬
‫ومذهب الشافعية في قسمة الضرر والجبر قريب من مذهب الحنفية‪ ،‬قالوا (‪ : )2‬إن ما عظم ضرر‬
‫قسمته‪ :‬إن بطل نفعه الحالي المقصود منه بالكلية كجوهرة وثوب نفيسين‪ ،‬منعهم الحاكم منها‪،‬‬
‫وانتفعوابه مهايأة‪.‬‬
‫وإن لم يبطل نفعه بالكلية‪ ،‬كأن ينقص نفعه كسيف يكسر‪ ،‬أو أبطل نفعه المقصود‪ ،‬كحمام وطاحونة‬
‫صغيرين‪ ،‬لم يمنعهم ولم يجبهم إلى القسمة‪ ،‬لما فيه من إضاعة المال‪.‬‬
‫ولو كان هناك مال مشترك بين اثنين‪ ،‬لحدهما حصة قليلة‪ ،‬كعشر دار أو حمام‪ ،‬أو أرض‪ ،‬وللخر‬
‫الكثر وهو الباقي‪ ،‬أجبر صاحب القل على القسمة‪ ،‬بطلب الخر ل عكسه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪ 94/4 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪.28/7 :‬‬
‫(‪ )2‬بجيرمي الخطيب‪ 340/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/520‬‬

‫وكذلك قال الحنابلة (‪ : )1‬يجبر الحاكم على القسمة إذا كان المال قابلً للقسمة‪ ،‬وأمكن انتفاع‬
‫الشريكين به مقسوما‪ ،‬أي إنه يشترط لصحة القسمة عندهم أل يكون فيها ضرر‪ ،‬فإن كان فيها ضرر‪،‬‬
‫لم يجبر الممتنع لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪.‬‬
‫والضرر المانع من القسمة عند الشافعي وأحمد‪ :‬هو أن تنقص قيمة نصيب كل شريك بالقسمة عن‬
‫حال الشركة‪ ،‬سواء انتفعوا به مقسوما أم لم ينتفعوا؛ لن نقص قيمته ضرر‪ ،‬والضرر منفي شرعا‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬إن كان الشيء المشترك مما يحتمل القسمة بل ضرر كالرضين وغيرها‪ ،‬أجبر‬
‫على القسمة من أباها‪ ،‬وإما إذا كان المال المشترك غير قابل للقسمة كحانوت وبيت صغير وسيف‪،‬‬
‫فيباع ويوزع ثمنه بين الشريكين بحسب الحصة‪ ،‬ويجبر على البيع من أباه من الشركاء‪ ،‬بشروط‬
‫أربعة وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تنقص حصة مريد البيع لو باعها مفردة عن حصة شريكه‪ ،‬فإن لم تنقص لو بيعت مفردة لم‬
‫يجبر له البي عن البيع‪ ،‬لعدم الضرر‪ ،‬كما ل يجبر فيما يقبل القسمة‪ ،‬أي في المال المثلي‪.‬‬
‫‪ - 2‬أل يلتزم رافض البيع لشريكه بتحمل فرق النقصان‪.‬‬
‫‪ - 3‬أل يملك مريد البيع حصته مفردة‪ :‬فإن ملكها مفردة‪ ،‬وأراد بيعها‪ ،‬وأبى صاحبه من البيع معه‪،‬‬
‫لم يجبر على البيع معه‪ ،‬وعلى هذا فإن تملك الشريكان المال المشترك معا بإرث أو شراء أو‬
‫غيرهما‪ ،‬جاز إجبار الممتنع على البيع‪.‬‬
‫‪ - 4‬أل يكون المال المشترك متخذا للستغلل أي الكراء‪ ،‬أو مشترىً للتجارة فإن كان متخذا للغلة‪،‬‬
‫أو اشتروه للنتفاع في غير غلة ولو للتجارة على المعتمد‪ ،‬لم يجبر البي على البيع‪ ،‬مع من أراد‬
‫البيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 115/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 678/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.285‬‬

‫( ‪)6/521‬‬

‫الشرط الثالث ـ أن تكون القسمة عادلة‪ ،‬غير جائرة‪ ،‬لن القسمة إفراز بعض النصباء‪ ،‬ومبادلة‬
‫البعض بالبعض‪ ،‬ومبنى المبادلت على المراضاة‪ ،‬فإذا وقعت جائرة لم يوجد التراضي‪ ،‬ول إفراز‬
‫النصيب على نحو كامل‪ ،‬لبقاء الشركة في جزء ما‪ ،‬فتعاد (‪. )1‬‬
‫وبناء عليه لو ظهر في القسمة غلط أو غبن فاحش‪ ،‬بطلت القسمة‪.‬‬
‫الشرط الرابع ـ أن يكون المال المشترك في قسمة الجمع (‪ )2‬من جنس واحد‪ ،‬كالمثلي من حنطة أو‬
‫قطن أو جوز‪ .‬فإن كان من أجناس مختلفة كالحنطة والشعير‪ ،‬والقطن والحديد‪ ،‬والجوز واللوز‪،‬‬
‫والللئ واليواقيت‪ ،‬وأنواع الحيوان كالخيل مع البل‪ ،‬لم تجز القسمة؛ لن قسمة الجمع عند اتحاد‬
‫الجنس تقع وسيلةإلى تحقيق المقصود منها‪ ،‬وهو تكميل منافع الملك‪ .‬وعند اختلف الجنس تقع تفويتا‬
‫للمنفعة‪ ،‬ل تكميلً لها‪.‬‬
‫وكذا الدور والراضي والكروم (حقول العنب) ل تقسم قسمة جمع عند أبي حنيفة للتفاوت الفاحش بين‬
‫دار ودار وأرض‪ ،‬بسبب اختلف الدور والراضي في بنائها وموقعها‪ ،‬فتعتبر في حكم جنسين‬
‫مختلفين؛ لن المعتبر والمقصود في الدور والراضي هو المعنى‪ ،‬فتقسم قسمة تفريق (‪ )3‬عنده‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬تقسم الدور ونحوها قسمة جمع‪ ،‬لنها من جنس واحد من حيث الصورة وأصل‬
‫السكنى‪ ،‬وإن كانت أجناسا متعددة من حيث اختلف المقاصد‪ ،‬ويمكن تعديل التفاوت فيها بالقيمة‪،‬‬
‫وينظر القاضي في المر بما يحقق المصلحة‪.‬‬
‫واتفق أئمة الحنفية على أنه يقسم البيتان (الغرفتان) قسمة جمع‪ ،‬سواء أكانا متصلين أم منفصلين (‪)4‬‬
‫‪.‬‬
‫هذا ما يقوله متقدمو الحنفية‪ ،‬وأما في زماننا فإن المنازل والبيوت كالدور تتفاوت تفاوتا فاحشا‪ ،‬فل‬
‫تقسم قسمة جمع‪ ،‬وإنما تقسم قسمة تفريق‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ كيفية القسمة ‪:‬‬
‫أبان الحنفية كيفية القسمة وإجراءاتها التي يتبعها القاسم على النحو التالي (‪ ، )5‬وهو في تقديري‬
‫مجرد اجتهاد يتغير بحسب العصور‪.‬‬
‫‪ - 1‬يمسح القاسم الرض‪ ،‬لحفظ الخريطة‪ ،‬ورفعها للقاضي‪ ،‬ويقوّم البناء ليعرف كل شريك قيمة‬
‫نصيبه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،26/7 :‬م(‪ )1127‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬قسمة الجمع كما تقدم‪ :‬هي أن يجمع نصيب كل واحد من الشريكين في عين على حدة‪.‬‬
‫(‪ )3‬قسمة التفريق‪ :‬أن يقسم كل فرد من أفراد المال المشترك على حدة‪ ،‬ويعين نصيب المتقاسمين‬
‫فيه‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ 21/7 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،270/5 :‬م (‪ )1142-1132‬من المجلة‪.‬‬
‫(‪ )5‬تكملة الفتح‪ 14/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،270/5 :‬اللباب شرح الكتاب‪ 100/4 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫م (‪ )1151‬مجلة‪ .‬وانظر تلك الجراءات في المذاهب الخرى في المهذب‪ 308/2 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المغني‪ ،123/9 :‬الشرح الصغير‪ 675/3 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/522‬‬

‫‪ - 2‬يفرز كل نصيب عن غيره مع ارتفاقاته من طريق ونحوه على حدة‪ ،‬ليتحقق معنى التمييز‬
‫والفراز تمام التحقيق‪ ،‬ويمنع تعلق نصيب كل شريك بنصيب الخر‪.‬‬
‫‪ - 3‬تحدد النصباء بالرقام المتوالية‪ ،‬ويطلق على كل نصيب اسم «السهم» ‪.‬‬
‫‪ - 4‬تسجل أسماء المتقاسمين في أوراق متساوية مستقلة‪ ،‬وتوضع في وعاء أو نحوه‪ ،‬ثم يقرع بينهم‬
‫على سبيل الندب والستحسان‪ ،‬تطييبا للقلوب‪ ،‬وبعدا عن تهمة الميل والتحيز لحد الشركاء‪ ،‬فمن‬
‫خرج اسمه أولً‪ ،‬فله السهم الملقب بالول‪ ،‬ويعطى من خرج اسمه ثانيا السهم الثاني‪ ،‬وهكذا‪ ...‬إذا‬
‫اتحدت مقادير السهام‪.‬‬
‫فلو اختلفت السهام ـ بأن كانت بين ثلثة مثلً‪ ،‬لحدهم عشرة أسهم‪ ،‬ولخر خمسة أسهم‪ ،‬ولخر سهم‬
‫ـ جعلها القاسم ستة عشر سهما‪ ،‬وكتب أسماء الثلثة‪ ،‬فإن خرج أولً اسم صاحب العشرة‪ ،‬أعطاه‬
‫السهم الول‪ ،‬وتسعة متصلة به‪ ،‬لتكون سهامه متصلة مع بعضها‪ ،‬وهكذا حتى يتم التوزيع‪.‬‬
‫والقرعة مندوبة عند الحنفية‪ ،‬فلو عين القاسم لكل شريك نصيبه‪ ،‬من غير اقتراع‪ ،‬جاز؛ لن عمله في‬
‫معنى القضاء‪ ،‬فيملك إلزام كل شريك بنصيبه‪.‬‬
‫‪ - 5‬آلة القسمة‪ :‬نصت المادة (‪ )1147‬مجلة على ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬المال المشترك‪ :‬إن كان من المكيلت‪،‬‬
‫فبالكيل‪ ،‬أو من الموزونات فبالوزن‪ ،‬أو من العدديات فبالعدد‪ ،‬أو من الذرعيات فبالذراع يصير‬
‫تقسيمه‪ .‬ونصت المادة (‪ )1148‬مجلة على أنه‪ :‬حيث كانت العرصة والراضي من الذرعيات‪ ،‬فتقسم‬
‫بالذرع‪ ،‬أما ما عليها من الشجار والبنية‪ ،‬فيقسم بتقدير القيمة‪.‬‬

‫( ‪)6/523‬‬

‫تعديل القسمة بالنقود ‪:‬‬


‫أجاز الشافعية والحنابلة كما تقدم تعديل القسمة بالقيمة والنقود في غير الموال المثلية‪ ،‬مما ل يقبل‬
‫الفراز‪ ،‬كأرض تختلف قيمة أجزائها (‪ ، )1‬وهذا مذهب المالكية أيضا كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫أما الحنفية فلم يجيزوا في قسمة التقاضي قسمة تفريق إدخال النقود (الدراهم والدنانير) في القسمة‪ ،‬إل‬
‫بتراضي الشركاء فيما بينهم؛ لن القسمة تجري في المشترك والمشترك بينهما العقار‪ ،‬ل النقود‪ ،‬فلو‬
‫كان بين اثنين دار‪ ،‬وأراد قسمتها‪ ،‬وكان في أحد الجانبين فضل بناء‪ ،‬فأراد أحدهما أن يكون عوض‬
‫البناء دراهم‪ ،‬وأراد الخر أن يكون عوضه عن الرض‪ ،‬فإنه يجعل عوضه من الرض‪،‬ول يكلف‬
‫الذي وقع البناء في نصيبه أن يرد دراهم بدلً عن الزيادة‪ ،‬إل بالتراضي‪ ،‬لما في القسمة من معنى‬
‫المبادلة‪ ،‬فيجوز دخول الدراهم فيها بالتراضي دون جبر القاضي‪ ،‬إل إذا تعذر‪ ،‬فحينئذ للقاضي‬
‫التعديل بالدراهم‪ ،‬للضرورة (‪. )2‬‬
‫نماذج من القسمة‪ :‬أبان الفقهاء أهم حالت القسمة‪ ،‬وهي كيفية قسمة الدور‪ ،‬والرض والبناء‪ ،‬والدار‬
‫والضيعة (الرض العرصة غير المبنية)‪ ،‬والدار والحانوت والسفل والعلو‪ ،‬والطريق‪.‬‬
‫المطلب الول ـ قسمة الدور ‪:‬‬
‫اتفق الحنفية (‪ : )3‬على أنه إذا كانت الدور المشتركة في بلدين‪ ،‬فل تجتمع في القسمة‪ ،‬وتقسم دار كل‬
‫بلد على حدة‪.‬‬
‫أما إذا كانت الدور المشتركة في بلد واحد‪ ،‬فتقسم أيضا عند أبي حنيفة كل دار على حدة؛ لن الدور‬
‫أجناس مختلفة‪ ،‬لختلف المقاصد باختلف المحالّ (المواقع) والجيران‪ ،‬والقرب من المسجد والماء‬
‫والسوق مثلً‪ ،‬فل يمكن التعديل في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بجيرمي الخطيب‪ ،343/4 :‬كشاف القناع‪.373/6 :‬‬

‫(‪ )2‬تكملة الفتح‪ ،15/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،271/5 :‬اللباب‪ ،101/4 :‬البدائع‪ ،19/7 :‬م(‪ )1149‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تكملة الفتح‪ ،13/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،270/5 :‬البدائع‪ ،22/7 :‬اللباب‪ 98/4 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر‬
‫المختار ورد المحتار‪.184/5 :‬‬

‫( ‪)6/524‬‬

‫القسمة وإنما تقسم قسمة تفريق‪ ،‬ول يضم بعض النصبة إلى بعض‪ ،‬إل إذا تراضوا‪ .‬وهذا هو‬
‫الصحيح عند الحنفية‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬الرأي في هذه القسمة (وهي قسمة التقاضي) إلى القاضي‪ ،‬يفعل ما يراه الصلح‪،‬‬
‫فإن وجد الصلح للشركاء في قسمة جمع‪ ،‬بأن يجمع حصة كل شريك في دار‪ ،‬فعل‪ ،‬وإن وجد‬
‫الصلح في قسمة التفريق بأن يقسم كل دار على حدة‪ ،‬فعل؛ لن الدور ـ في رأيهما ـ من جنس‬
‫واحد من حيث السم والصورة‪ ،‬وأصل السكن‪ ،‬فيفوض المر إلى القاضي لختيار الصلح من‬
‫القسمة‪ :‬إما قسمة الجمع أو قسمة التفريق‪.‬‬
‫وهذا الخلف بين المام وصاحبيه جارٍ في قسمة الدار الواحدة‪ .‬فعند المام‪ :‬ل تقسم قسمة جمع إل‬
‫بالتراضي‪ .‬وعند الصاحبين‪ :‬يفوض المر إلى القاضي‪ ،‬ليحقق المصلحة والعدل في اختيار نوع‬
‫القسمة‪.‬‬
‫وأما البيوت (الغرف) فتقسم باتفاق الحنفية قسمة جمع‪ ،‬سواء أكانت متباينة أم متلصقة‪ ،‬لتقاربها في‬
‫معنى السكنى (‪. )1‬‬
‫والشافعية يرون أن الدار المختلفة البنية تقسم قسمة تعديل بالقيمة‪ ،‬لختلف الغراض باختلف‬
‫المحالّ والبنية (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يتلخص مذهب الحنفية فيما يلي‪ :‬قال في الدرر‪ :‬ههنا أمور ثلثة‪ :‬الدور‪ ،‬والبيوت‪ ،‬والمنازل‪،‬‬
‫فالدور متلزمة كانت أو متفرقة‪ :‬ل تقسم قسمة واحدة إل بالتراضي‪ .‬والبيوت تقسم مطلقا لتقاربها في‬
‫معنى السكنى‪ ،‬والمنازل‪ :‬إن كانت مجتمعة في دار واحدة‪ ،‬متلصقا بعضها ببعض‪ ،‬قسمت قسمة‬
‫واحدة‪ ،‬أي قسمة جمع‪ ،‬وإل فل‪ ،‬لن المنزل أصغر من الدار‪ ،‬وأ كبر من البيت‪ ،‬ففيه بيتان أو ثلثة‪،‬‬
‫والبيت مسقف واحد له دهليز‪ ،‬فألحقت المنازل بالبيوت إذا كانت متلصقة‪ ،‬وبالدور إذا كانت متباينة‪.‬‬
‫وقال الصاحبان في كل ما ذكر‪ :‬ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه‪ ،‬ويمضي على ذلك‪ .‬هذا رأي‬
‫متقدمي الحنفية‪ .‬وقال متأخرو الحنفية‪ :‬لعل هذا في زمانهم‪ ،‬وإل فالمنازل والبيوت‪ ،‬ولو من دار‬
‫واحدة تتفاوت تفاوتا فاحشا في زماننا (رد المحتار‪ ،184/5 :‬اللباب‪.)99/4 :‬‬
‫(‪ )2‬بجيرمي الخطيب‪.344/4 :‬‬

‫( ‪)6/525‬‬

‫وكذلك قال المالكية‪ :‬تقسم الدور بالتراضي‪ ،‬أو بالسهام على أن تعدل بالقيمة (‪. )1‬‬
‫ول تقسم الحمام والبئر والرحى والحائط المشترك إل بتراضي الشركاء‪ ،‬باتفاق الحنفية منعا للضرر‬
‫بكل شريك‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ الرض والبناء ‪:‬‬
‫إذا كان المال المشترك أرضا عليها بناء‪ ،‬ففي كيفية قسمتها أقوال ثلثة عند الحنفية (‪. )2‬‬
‫‪ - 1‬قال أبو حنيفة‪ :‬تقسم الرض بالمساحة‪ ،‬لنه هو الصل في الممسوحات‪ ،‬ثم يردّ من وقع البناء‬
‫في نصيبه‪ ،‬أو من كان نصيبه أجود‪ ،‬دراهم‪ ،‬على الخر‪ ،‬حتى يساويه‪ ،‬فتدخل الدراهم في القسمة‬
‫ضرورة؛ لن قسمة التقاضي جبرا ل يدخل فيها النقود في أصل مذهب الحنفية‪ ،‬وهنا دخلت‬
‫للضرورة‪ ،‬كما في ولية الخ على أخيه الصغير‪ ،‬ليست له عليه ولية مالية‪ ،‬ولكن إذا زوجه‪ ،‬ملك‬
‫تسمية الصداق‪ ،‬لضرورة التزويج‪ .‬وهذا الرأي يتفق مع قسمة الرد عند الشافعية‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال أبو يوسف‪ :‬تقسم الرض والبناء‪ ،‬باعتبار القيمة‪ ،‬لنه ل يمكن اعتبار المعادلة إل بالتقويم‪.‬‬
‫وهذا يتفق مع رأي الشافعية في قسمة التعديل‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال محمد‪ :‬يرد الشريك على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة (الرض) (‪ )3‬وإذا‬
‫بقي فضل‪ ،‬ولم يمكن تحقيق التسوية‪ ،‬بأن كانت العرصة ل تفي بقيمة البناء‪ ،‬فيرد على شريكه دراهم‬
‫بمقدار الفضل (الزيادة)؛ لن الضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬وهي هنا في هذا المقدار‪ ،‬فل يترك الصل‬
‫(وهو التقسيم باعتبار المساحة) إل بمقدار الضرورة الحاصلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪.262/2 :‬‬
‫(‪ )2‬تكملة الفتح‪.15/8 :‬‬
‫(‪ )3‬العرصة‪:‬بسكون الراء‪:‬كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء‪ ،‬أو ساحة الدار‪ ،‬والجمع‬
‫عَرَصات‪.‬‬

‫( ‪)6/526‬‬

‫المطلب الثالث ـ الدار والضيعة‪ ،‬والدار والحانوت ‪:‬‬


‫الضيعة‪ :‬أرض غير مبنية‪ ،‬والحانوت‪ :‬الدكان‪.‬‬
‫ل منها على‬
‫قال الحنفية‪ :‬إذا كان المال المشترك دارا مع ضيعة‪ ،‬أو دارا مع حانوت‪ ،‬قسم القاضي ك ً‬
‫حدة‪ ،‬قسمة تفريق‪ ،‬ل قسمة جمع؛ لنها أجناس مختلفة‪ ،‬أو في حكم الجناس المختلفة‪ .‬ومثل الدور‪:‬‬
‫القرحة جمع قَراح‪ :‬وهي قطعة من الرض على حيالها‪ ،‬ل شجر فيها ول بناء‪ ،‬أي إنها أرض‬
‫مخلة للزرع وليس عليها بناء‪.‬‬
‫وتقسم الرض (العرصة) بالذراع ونحوه‪ ،‬وتقسم الدار بالقيمة (‪. )1‬‬
‫سفْل والعُلْو ‪:‬‬
‫المطلب الرابع ـ ال ُ‬
‫إذا كان الذي يراد قسمته‪ ،‬بعضه سفل ليس فوقه علو‪ ،‬أو فوقه علو للغير‪ ،‬وبعضه علو ل سفل له‪،‬‬
‫بأن كان السفل للغير‪ ،‬وبعضه سفل له علو‪ ،‬وكل ذلك في دار واحدة‪ ،‬أو في دارين‪ ،‬قوّم كل واحد من‬
‫السفل والعلو على حدة‪ ،‬وقسم بواسطة القاضي بالقيمة‪ ،‬ول يعتبر غير ذلك؛ لن كلً منهما يصلح لما‬
‫ل يصلح له الخر‪ ،‬فصارا بمثابة جنسين مختلفين‪ ،‬وهذا يقتضي القسمة بالقيمة‪ ،‬ليتحقق التعديل‪.‬‬
‫وهذا رأي محمد‪ ،‬وهو الذي اختاره المشايخ‪ ،‬وعليه الفتوى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،13/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،270/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،184/5 :‬اللباب‪،99/4 :‬‬
‫البدائع‪ ،22/7 :‬م (‪ )1148‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/527‬‬
‫وقال الشيخان (أبو حنيفة وأبو يوسف)‪ :‬يقسم ذلك بالذّرْع؛ لن السفل والعلو من المذروعات‪ .‬ثم‬
‫اختلفا في كيفية تلك القسمة‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬ذراع من السفل بذراعين من العلو‪ .‬وقال أبو يوسف‪:‬‬
‫ذراع بذراع‪ .‬ثم قيل‪ :‬كل منهما على عادة أهل عصره (‪. )1‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬إن كان بين الشريكين دار لها علو وسفل‪ ،‬فطلب أحدهما قسمها‪ ،‬لحدهما العلو‬
‫وللخر السفل‪ ،‬فل إجبار‪ .‬أو طلب أحد الشريكين قسمة السفل دون العلو أو عكسه‪ ،‬فل إجبار أيضا؛‬
‫لن كل واحد منهما مسكن منفرد‪ ،‬ولن أحدهما قد يتضرر بالقسمة‪.‬‬
‫ولو طلب أحدهما قسمة كل من ا العلو والسفل على حدة ‪ ،‬فل إجبار أيضا‪ ،‬لما فيه من الضرر‪.‬‬
‫ولو طلب أحدهما قسمة العلو والسفل معا‪ ،‬ول ضرر‪ ،‬ول رد عوض‪ ،‬وجب قبول القسمة‪ ،‬وأجبر‬
‫الممتنع‪ ،‬وعدل بالقيمة؛ لنه أحوط؛ أي كما هو المفتى به عند الحنفية‪.‬‬
‫ول يجعل ذراع أسفل بذراعي علو‪ ،‬ول عكسه‪ ،‬ول ذراع بذراع‪ ،‬إل أن يتراضى الشريكان على‬
‫القسمة‪.‬‬
‫المطلب الخامس ـ قسمة الطريق ‪:‬‬
‫قد تثور عدة مشكلت في شأن قسمة الطريق منها‪:‬‬
‫ل ـ مصير الطريق ونحوه من الرتفاقات ‪:‬‬
‫أو ً‬
‫لو قسم القسّام الدار المشتركة بين الشريكين‪ ،‬ولحدهما مسيل ماء في ملك الخر‪ ،‬أو طريق أو نحوه‪،‬‬
‫ولم يتفق على الرتفاق في القسمة (‪: )3‬‬
‫أ ـ فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عن نصيب شريكه‪ ،‬أي الستغناء عنه بوسيلةأخرى‪ ،‬وجب‬
‫التحويل والصرف‪ ،‬فليس له بعدئذ أن يستطرق‪ ،‬ويسيل في نصيب الشريك الخر‪ ،‬لنه أمكن تحقيق‬
‫القسمة من غير ضرر‪.‬‬
‫ب ـ وإن لم يمكن الصرف فسخت القسمة؛ لنها مختلفة‪ ،‬لبقاء الختلط بين الحصص‪ ،‬فتستأنف‬
‫القسمة‪.‬‬
‫ثانيا ـ اختلف الشركاء في إلغاء الطريق ‪:‬‬
‫لو اختلف الشركاء حول إلغاء الطريق بينهم في القسمة‪ ،‬نظر الحاكم في أمره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،17/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،272/5 :‬اللباب‪ ،102/4 :‬الدر المختار‪.185/5 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪.267/6 :‬‬
‫(‪ )3‬تبيين الحقائق‪ 271/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ 15/8 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪ ،102/4 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،185/5‬م (‪ )1167 ،1144-1143‬مجلة‪.‬‬
‫( ‪)6/528‬‬

‫أ ـ فإن كان يستقيم أن يفتح كل واحد منهم طريقا في نصيبه‪ ،‬قسم الحاكم بينهم من غير طريق‬
‫مشترك بينهما‪ ،‬ويلغى الطريق‪ ،‬تكميلً للمنفعة‪ ،‬وتحقيقا للفراز من كل وجه‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان ل يستقيم الفتح‪ ،‬شق طريقا مشتركا بينهم‪ ،‬ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق (‬
‫‪. )1‬‬
‫ثالثا ـ اختلف الشركاء في مقدار الطريق ‪:‬‬
‫إذا اختلف الشركاء في مقدار عرض الطريق‪:‬‬
‫أ ـ ففي طريق الدار‪ :‬يجعل عرض الطريق‪ ،‬بمقدار عرض باب الدار وارتفاعه‪ ،‬حتى يتمكن كل‬
‫واحد منهم من إخراج جناح أو إقامة شُرْفة في نصيبه‪ ،‬إن كان فوق الباب‪ ،‬ل فيما دونه؛ لن في ذلك‬
‫القدر كفاية في الدخول‪ ،‬وفي السلوك‪ ،‬أي المرور‪.‬‬
‫ب ـ وفي الطريق إلى الرض‪ :‬يترك بقدر ما يمر فيه حيوان‪ ،‬لتحقق الكفاية به في المرور (‪. )2‬‬
‫رابعا ـ تبعية الطريق للحصص ‪:‬‬
‫الحق في الطريق بمقدار سهام المقتسمين‪ ،‬كما كان عليه الحال قبل القسمة؛لن القسمة تمت في غير‬
‫الطريق‪ ،‬فبقي الطريق مشتركا كما كان قبل القسمة (‪. )3‬‬
‫خامسا ـ التفاوت في مقدار حصة الطريق ‪:‬‬
‫يجوز التفاق بين الشركاء على أن تتفاوت حصص الشركاء في الطريق‪ ،‬وإن كانت سهامهم في الدار‬
‫أو في الرض متساوية‪ ،‬كأن تكون النسبة في الطريق أثلثا‪ ،‬وفي الدار ونحوها متناصفة؛ لن القسمة‬
‫مع التفاوت أو التفاضل جائزة بالتراضي‪ ،‬في غير الموال الربوية (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،16/8 :‬تبيين الحقائق‪.272/5 :‬‬

‫(‪ )2‬المرجعان السابقان‪ ،‬الدر المختار‪ ،185/5 :‬البدائع‪.29/7 :‬‬


‫(‪ )3‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )4‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)6/529‬‬
‫المبحث الخامس ـ القاسم‬
‫تعيينه‪ ،‬وشروطه‪ ،‬وأجرته‪ ،‬وتعدد القسام‪.‬‬
‫أولً ـ تعيين القاسم‪ :‬القاسم‪ :‬هو الذي يمارس القسمة‪ .‬وقد يتولى الشركاء أنفسهم بالتراضي إجراء‬
‫القسمة إل إذا كان فيهم صغير فيحتاج إلى أمر القاضي‪ ،‬لنه ل ولية لهم عليه‪ ،‬وقد يعينون وكيلً‬
‫عنهم‪ ،‬وهو الغالب‪ ،‬وقد يعينه القاضي‪ .‬ويندب للمام أو للقاضي تعيين قاسم دائم‪ ،‬يُرزق من بيت‬
‫المال‪ ،‬ليقسم بل أخذ أجر‪ ،‬وهو أحب وأولى؛ لنه أرفق بالناس وأبعد عن التهمة‪ ،‬ولن القسمة من‬
‫جنس عمل القضاء‪ ،‬لن به يتم فصل الخصومة وقطع المنازعة‪ ،‬ونفعه يعم الناس‪ ،‬فتكون كفايته في‬
‫مالهم‪ ،‬غرما بالغنم‪.‬‬
‫فإن لم يعين قاسم دائم‪ ،‬عين القاضي قاسما يقسم بأجر المثل على حساب المتقاسمين؛ لن النفع عائد‬
‫لهم على الخصوص‪ ،‬وبقدر أجر مثله‪ ،‬كيل يتحكم بطلب الزيادة عن المثل‪ ،‬كما أنه ل يجبر القاضي‬
‫الناس على قاسم واحد‪ ،‬لنه لو تعين لتحكم أيضا بالزيادة على أجر مثله‪ .‬ول يترك القاضي القسّام‬
‫يشتركون (تكوين شركة مثلً) كيل يتواضعوا على مغالة الجر‪ ،‬فيتضرر الناس (‪ ، )1‬فإن كونوا‬
‫نقابة على النحو الحديث بإشراف الحاكم جاز؛ لن الحاكم يوافق على نظام النقابة‪ ،‬ويمنع المغالة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬شروط القاسم‪ :‬اشترط الحنفية استحبابا وندبا في القاسم شروطا هي مايأتي (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون عدلً أمينا عالما بالقسمة‪ ،‬لنه لو كان غير عدل‪ ،‬خائنا أو جاهلً بأمور القسمة يخاف‬
‫منه الجور في القسمة ل يجوز‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون معينا من القاضي‪ ،‬لن قسمة غيره ل تنفذ على الصغير والغائب‪ ،‬ولنه أجمع لشرائط‬
‫المانة‪.‬‬
‫‪ - 3‬المبالغة في تعديل النصباء‪ ،‬والتسوية بين السهام‪ ،‬بأقصى المكان لئل يدخل القصور في سهم‪.‬‬
‫وينبغي أل يدع القاسم حقا بين شريكين غير مقسوم من الطريق والمسيل والشّرب إل إذا لم يمكن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،5/8 :‬الدر المختار‪ ،179/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،265/5 :‬اللباب‪ 91/4 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابق‪ .‬البدائع‪.26 ،19/7 :‬‬

‫( ‪)6/530‬‬

‫وينبغي أل يضم القاسم نصيب بعض الشركاء إلى بعض‪ ،‬إل إذا رضوا بالضم‪ ،‬لنه يحتاج إلى‬
‫القسمة ثانيا‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يقرع بين الشركاء بعد الفراغ من القسمة‪ ،‬تطييبا للنفوس ولورود السنة بها (‪ ، )1‬ولن‬
‫القرعة أنفى للتهمة‪.‬‬
‫واشترط الشافعية والحنابلة في القاسم المعين من قبل القاضي سبعة شروط وهي (‪: )2‬‬
‫السلم‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والحرية‪ ،‬والذكورة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬وعلم المساحة والحساب؛ لن علمهما آلة‬
‫القسمة‪ .‬وأضاف الشافعية اشتراط السمع والبصر والنطق والضبط‪ ،‬إذ لبد مما ذكر؛ لن للقاسم ولية‬
‫على من يقسم لهم بسبب كون قسمته ملزمة‪ ،‬ومن لم تتوافر فيه هذه الشروط‪ ،‬فليس من أهل الولية‪.‬‬
‫فإن كان القاسم كافرا أو فاسقا أو جاهلً بالقسمة‪ ،‬لم تلزم القسمة إل بتراضي الشركاء بها‪ ،‬كما لو‬
‫اقتسموا بأنفسهم‪.‬‬
‫هذا إذا كان القاسم معينا من قبل القاضي‪ ،‬فإن تراضى الشركاء بمن يقسم بينهم لم تشترط الشروط‬
‫السابقة‪ ،‬إل التكليف‪ ،‬لنه وكيل عنهم‪.‬‬
‫ثالثا ـ تعدد القسّام ‪:‬‬
‫يصح إجراء القسمة بقاسم واحد أو أكثر‪ ،‬وقال المالكية‪ :‬يكفي في قسمة القرعة قاسم واحد؛ لن مهمته‬
‫الخبار عن نتيجة القتراع‪ ،‬كالقائف (العالم بالنساب) والطبيب والمفتي‪.‬‬
‫ويكتفى بقاسم واحد عند المالكية والشافعية والحنابلة إن لم يكن في القسمة تقويم؛ لنه في قسمه‬
‫كالحاكم في حكمه‪.‬‬
‫فإن كان في القسمة تقويم‪ :‬أي تقدير قيمة السلع المشتركة‪ ،‬فل بد فيها من التعدد عند هؤلء الفقهاء‪،‬‬
‫فل تجوز بأقل من اثنين؛ لن التقويم شهادة بالقيمة‪ ،‬ولبد في الشهادة من اثنين (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى أحمد والشيخان عن عائشة‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج سفرا‬
‫أقرع بين أزواجه‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها‪ ،‬خرج بها معه» (نيل الوطار‪.)217/6 :‬‬
‫(‪ )2‬بجيرمي الخطيب‪ 338/4 :‬وما بعدها‪ ،‬حاشية الباجوري‪ ،351/2 :‬كشاف القناع‪،372/6 :‬‬
‫المغني‪.126/9 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،500/3 :‬الشرح الصغير‪ ،665/3 :‬بجيرمي الخطيب‪ ،339/4 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ 373/6‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/531‬‬
‫رابعا ـ أجرة القاسم ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه إذا كان القاسم معينا من قبل القاضي‪ ،‬فأجره (أو رزقه)‬
‫من بيت مال المسلمين‪ ،‬إذا كان فيه سعة‪ ،‬لن القسمة من جنس عمل القاضي‪ ،‬ولن منفعته تعم الناس‬
‫كما بان سابقا‪.‬‬
‫وأما إن كان القاسم باختيار الشركاء في مقابل أجر‪ ،‬فالجر على الشركاء‪.‬‬
‫ويتم توزيع الجرة عند أبي حنيفة ومالك على الشركاء بحسب العدد‪ ،‬أو الرؤوس؛ لن الجرة في‬
‫مقابل العمل‪ ،‬وهو تمييز الحصص‪ ،‬والتمييز عمل واحد؛ لن تمييز القليل من الكثير هو بعينه تمييز‬
‫الكثير من القليل‪ ،‬فيتعلق الحكم بأصل التمييز‪ ،‬وتعب القاسم في تمييز النصيب اليسير كتعبه في‬
‫تمييزه الكبير‪ ،‬وإذا لم يتفاوت العمل‪ ،‬ل تتفاوت الجرة‪.‬وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة‪ :‬يتم‬
‫توزيع الجرة بقدر الحصص أو النصباء؛ لن العمل في الكثير أكثر منه في القليل‪ ،‬ولن الجرة‬
‫كالنفقة التي يحتاجها الملك‪ ،‬فتقدر بقدر الملك‪ ،‬ويؤيده أن أجرة الكيال والوزّان بقدر النصباء إجماعا‪،‬‬
‫وكذا سائر المؤن كأجرة الراعي والحمل والحفظ وغيرها (‪ . )1‬وهذا في تقديري هو الولى‬
‫والصح؛ لنه أعدل وأرفق بالناس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،19/7 :‬تكملة الفتح‪ ،5/8 :‬تبيين الحقائق‪ ،265/5 :‬الدر المختار‪ 179/5 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫اللباب‪ ،92/4 :‬الشرح الكبير‪ ،500/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،286‬بجيرمي الخطيب‪،340/4 :‬‬
‫كشاف القناع‪ ،372/6 :‬المغني‪.126/9 :‬‬

‫( ‪)6/532‬‬

‫المبحث السادس ـ أحكام القسمة‬


‫للقسمة أحكام عامة‪ ،‬وأحكام خاصة في الثبات‪.‬‬
‫المطلب الول ـ أحكام القسمة العامة ‪:‬‬
‫لقسمة العيان أحكام عامة‪ ،‬أهمها ما يأتي‪:‬‬
‫أولً ـ لزوم القسمة ‪:‬‬
‫القسمة من العقود اللزمة باتفاق الفقهاء (‪ ، )1‬ل يجوز نقضها‪ ،‬ول الرجوع فيها إل بالطوارئ كما‬
‫سأبين في حكم نقض القسمة‪ .‬ولكن لبعض المذاهب تفصيل في مبدأ اللزوم‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬تلزم قسمة التراضي وقسمة التقاضي بعد تمامها‪ ،‬فل يجوز الرجوع عنها إذا تمت‪.‬‬
‫أما قبل التمام‪ ،‬فكذلك تلزم قسمة التقاضي‪ ،‬فلو قسم القاضي المال المشترك بين قوم‪ ،‬فخرجت السهام‬
‫كلها بالقرعة‪ ،‬ل يجوز لهم الرجوع‪ ،‬وكذا ل رجوع إذا لم تتم القسمة‪ ،‬كأن خرج بعض السهام دون‬
‫بعض‪.‬‬
‫وأما قسمة التراضي‪ :‬فيجوز للشركاء الرجوع عنها قبل تمامها؛ لن قسمة التراضي ل تتم إل بعد‬
‫خروج السهام كلها‪ ،‬كما هو الشأن في كل عقد كالبيع مثلً‪ ،‬يجوز الرجوع عنه قبل تمامه‪.‬‬
‫إل أنه إذا خرج جميع السهام إل واحدا‪ ،‬لم يجز الرجوع في قسمة التراضي‪ ،‬لصيرورة السهم متعينا‬
‫لمن بقي من الشركاء أو لتعيين نصيب ذلك الواحد‪.‬‬
‫وأطلق المالكية القول باللزوم فقالوا‪ :‬ولزم ما خرج بالقسمة‪ ،‬فليس لحدهم نقضها‪ ،‬وكذا يلزم الشريك‬
‫في قسمة التراضي‪ ،‬فمن أراد الفسخ لم يكن منه (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،28/7 :‬بداية المجتهد‪ ،267/2 :‬المهذب‪ ،309/2 :‬المغني‪ ،125/9 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،676/3‬رد المحتار‪ ،184/5 :‬م (‪ )1157‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،‬رد المحتار‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬م (‪ )1158‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬

‫( ‪)6/533‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬تلزم قسمة الجبار من غير تراضٍ‪ ،‬ومن المعلوم أن قسمة الفراز والتعديل‬
‫فيهما الجبار‪ ،‬وأما قسمة التراضي قسمة رد دون غيرها‪ ،‬فالرجح عندهم أنه ل بد من الرضا بها‬
‫بعد خروج القرعة‪ ،‬ول يلزم حكم القاسم إل برضا الشركاء؛ لنه لما اعتبر الرضا بالقسمة ابتداء‪،‬‬
‫اعتبر بعد خروج القرعة‪.‬‬
‫والحنابلة (‪ )2‬قالوا‪ :‬تلزم عندهم قسمة الجبار‪ ،‬فهم كالشافعية‪ ،‬وفي قسمة التراضي عندهم وجهان‬
‫كالشافعية‪ ،‬لكن الرجح عندهم أنه إذا خرجت القرعة لزمت القسمة؛ لن القاسم كالحاكم‪ ،‬وقرعته‬
‫كالحاكم‪ ،‬لنه مجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق‪ ،‬فوجب أن تلزم قرعته‪.‬‬
‫ثانيا ـ ثبوت حق الخيار في القسمة ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )3‬القسمة ثلثة أنواع‪ :‬قسمة ل يجبر البي‪ ،‬كقسمة الجناس المختلفة‪ ،‬وقسمة يجبر‬
‫البي‪ ،‬في ذوات المثال كالمكيلت والموزونات‪ ،‬وقسمة يجبر البي‪ ،‬في غير المثليات المتحدة‬
‫الجنس‪ ،‬كالثياب من نوع واحد‪ ،‬والبقر والغنم‪.‬‬
‫والخيارات ثلثة‪ :‬خيار شرط‪ ،‬وخيار عيب‪ ،‬وخيار رؤية‪.‬‬
‫‪ - 1‬ففي قسمة الجناس المختلفة‪ ،‬حيث ل يجبر البي بها‪ :‬تثبت الخيارات كلها؛ لنها مبادلة من كل‬
‫وجه‪ ،‬فهي كالبيع‪.‬‬
‫‪ - 2‬وفي قسمة ذوات المثال كالمكيلت والموزونات‪ ،‬حيب يجبر البي عليها‪ ،‬يثبت خيار العيب‪،‬‬
‫دفعا للضرر والجور‪ ،‬دون خيار الشرط والرؤية‪ ،‬إذ ل فائدة في إثباتهما‪ ،‬لعدم الضرر‪.‬‬
‫‪ - 3‬وفي قسمة القيميات‪ ،‬غير المثليات‪ ،‬كالثياب من نوع واحد‪ ،‬وكالبقروالغنم‪ ،‬حيث يجبر البي في‬
‫متحد الجنس‪ ،‬ول يجبر في غير متحد الجنس‪ ،‬كالغنم مع البل‪ :‬يثبت خيار العيب دفعا للضرر‪.‬‬
‫أما خيار الشرط والرؤية‪ ،‬ففي ثبوتهما روايتان‪ ،‬والصحيح منهما والذي عليه الفتوى‪ :‬أنه يثبت‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬تثبت هذه الخيارات الثلثة في تقسيم الجناس المختلفة‪ ،‬وفي قسمة القيميات المتحدة‬
‫الجنس أو المختلفة الجنس‪ ،‬ويثبت خيار العيب دون خيار الشرط والرؤية في قسمة المثليات المتحدة‬
‫الجنس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بجيرمي الخطيب‪ ،344/4 :‬المهذب‪ :‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬كشاف القناع‪.373/6 :‬‬
‫(‪ )3‬حاشية الشلبي على تبيين الحقائق‪ ،265/5 :‬انظر البدائع‪ ،28/7 :‬م (‪ )1155-1153‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/534‬‬

‫وقال المالكية في الرجح (‪ : )1‬يثبت خيار العيب في قسمة المراضاة‪( :‬بأن يتراضيا على أن كل‬
‫واحد يأخذ شيئا مما هو مشترك بينهم‪ ،‬يرضى به بل قرعة) لنها كالبيع‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬إذا ظهر في نصيب أحد الشريكين عيب لم يعلمه قبل القسمة‪،‬فله فسخ القسمة‪ ،‬أو‬
‫الرجوع بأرش العيب؛ لنه نقص في نصيبه‪ ،‬فملكه كالمشتري‪.‬‬
‫واكتفى الشافعية بالنص على أن قسمة الفراز تنقض في حال الحيف أو الغلط‪ .‬وأما قسمة الرد أو‬
‫التعديل فهي بيع (‪ ، )3‬أي يثبت فيها خيار العيب‪.‬‬
‫ثالثا ـ آثار القسمة ‪:‬‬
‫يترتب على القسمة الحكام التالية (‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬يتعين نصيب كل شريك مستقلً عن نصيب غيره‪ ،‬فيملك حصته مستقلً بعد القسمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يملك الشريك المقسوم له جميع التصرفات الثابتة لصاحب الملكية المطلقة‪ ،‬من بيع وإيجار‬
‫ورهن‪ ،‬وبناء وهدم‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫‪ - 3‬ل تثبت الشفعة في القسمة؛ لن حق الشفعة في المبادلة المحضة‪ ،‬والقسمة مبادلة من وجه واحد‪،‬‬
‫فل تحتمل الشفعة‪.‬‬
‫والظاهر أن هذا الحكم متفق عليه في المذاهب (‪. )5‬‬
‫رابعا ـ نقض القسمة ‪:‬‬
‫تنقض القسمة بالقالة أو بالتراضي على فسخها‪.‬‬
‫ويجب نقض القسمة بعد وجودها‪ ،‬وبالرغم من لزومها في حالت هي عند الحنفية ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ظهور دين على الميت‪ :‬إذا وقعت القسمة‪ ،‬ثم ظهر دين على الميت يحيط بالتركة المقسومة‪،‬‬
‫تفسخ القسمة‪ ،‬إذا لم يكن للميت مال سواه‪ ،‬إل إذا قضى الورثة الدين‪ ،‬أو أبرأ الغرماء الدائنون ذمم‬
‫الورثة‪ ،‬أو بقي من التركة ما يفي بالدين لزوال المانع من لزوم القسمة‪ ،‬فتمضي القسمة على ما هي‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 662/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪.267/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 128/9 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.376/6 :‬‬
‫(‪ )3‬بجيرمي الخطيب‪.344/4 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ ،28/7 :‬مادة (‪ )1162‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )5‬المهذب‪ ،306/2 :‬المغني‪.121/9 :‬‬

‫( ‪)6/535‬‬

‫والدليل على مسوغ الفسخ لهذا السبب‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء‪:‬‬
‫‪ ،]11/4‬ولن الدين إذا كان محيطا بالتركة (مستغرقا)‪ ،‬تبين أنه ل ملك للورثة فيها‪ ،‬بل هي ملك‬
‫للميت يتعلق بها حق الغرماء‪ ،‬وقيام ملك الغير في المحل المقسوم‪ ،‬يمنع صحة القسمة‪.‬‬
‫وإذا لم يكن الدين محيطا بالتركة‪ ،‬بقي للغرماء حق الستيفاء ثابتا في قدر الدين من التركة‪ ،‬على‬
‫الشيوع‪ ،‬فيمنع نفاذ القسمة (‪. )1‬‬
‫وهذا الرأي عندي هو الرجح‪ ،‬رعاية لحقوق الدائنين‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬ل تبطل القسمة بظهور دين على الميت؛ لن تعلق الدين بالتركة ل يمنع صحة‬
‫التصرف فيها‪ ،‬لنه تعلق بها بغير رضا الورثة‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )3‬إذا ظهر دين على الميت‪ ،‬فإن قالوا‪ :‬القسمة‪ :‬تمييز الحقين لم تنقض القسمة‪ ،‬وإن‬
‫قالوا‪ :‬إنها بيع‪ :‬ففي نقضها وجهان‪ :‬في وجه إنها تنقض لتعلق حق الغير بالمال‪ .‬وفي وجه‪ :‬ل تنقض‬
‫إذا قضى الوارث الدين‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظهور وارث آخر أو موصى له في قسمة التراضي‪ :‬إذا تمت القسمة‪ ،‬ثم ظهر وارث آخر‪ ،‬أو‬
‫موصى له بالثلث أو الربع مثلً‪ ،‬نقضت القسمة؛ لن الوارث‪ ،‬والموصى له شريك الورثة‪.‬‬
‫ول تنقض قسمة التقاضي في الصح؛ لن القسمة حينئذ محل اجتهاد‪ ،‬وقضاء القاضي إذا صادف‬
‫محل الجتهاد ينفذ ول ينقض (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،30/7 :‬الدر المختار‪ ،187/5 :‬تكملة الفتح‪ ،26/8 :‬م (‪ )1161‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.129/9 :‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،310/2 :‬وانظر‪.327/1 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ ،30/7 :‬رد المحتار‪.187/5 :‬‬

‫( ‪)6/536‬‬

‫‪ - 3‬ظهور غبن فاحش ‪:‬‬


‫إذا حدثت القسمة‪ ،‬ثم تبين فيها غبن فاحش‪ :‬وهو الذي ل يدخل تحت تقويم المقومين‪ ،‬كأن قوّم المال‬
‫بألف وهو ل يساوي خمس مئة‪ ،‬فسخت قسمة التقاضي باتفاق الحنفية؛ لن تصرف القاضي مقيد‬
‫بالعدل ولم يوجد‪ ،‬والغبن حصل بغير رضا المالك فصار كبيع الب والوصي‪ ،‬ينقض بالغبن الفاحش‪.‬‬
‫وتفسخ أيضا قسمة التراضي في الصح؛ لن شرط جوازها المعادلة‪ ،‬ولم توجد‪ ،‬فوجب نقضها‪ .‬وهذا‬
‫هو الصحيح المعتمد المفتى به عند الحنفية كما ذكر ابن عابدين‪ ،‬أي أن قسمة التراضي تفسخ بالغبن‬
‫الفاحش كقسمة التقاضي‪.‬‬
‫وتسمع دعوى الغبن الفاحش إن لم يقر المدعي باستيفاء حقه‪ ،‬فإن أقر باستيفاء حقه ل تسمع دعوى‬
‫الغبن‪ ،‬أو الغلط للتناقض بين القرار والدعاء‪.‬‬
‫ول تسمع دعوى الغبن اليسير الذي يدخل تحت المقومين‪ ،‬ول تقبل بينته (‪. )1‬‬
‫ونقض القسمة بالغبن الفاحش أو الجور متفق عليه بين الفقهاء (‪ ، )2‬إل أن الشافعية فصلوا في‬
‫المر‪ ،‬كما سيذكر في حالة الغلط‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقوع غلط في المال المقسوم ‪:‬‬
‫إذا ادعى أحد الشركاء بعد القسمة أن شيئا من نصيبه وقع في يد صاحبه غلطا‪ ،‬وكان قد أقر أو أشهد‬
‫على نفسه باستيفاء حقه (‪ ، )3‬لم يصدق على الذي يدعيه‪ ،‬إل ببينة (إقرار الخصم أو نكوله)؛ لنه‬
‫يدعي فسخ القسمة بعد وقوعها‪ ،‬فل يصدق إل بحجة‪ ،‬ول يكون متناقضا لنه اعتمد على فعل المين‪،‬‬
‫ثم ظهر غلطه‪.‬‬
‫فإن لم يكن له بينة‪ ،‬استحلف الشركاء‪ ،‬فمن نكل منهم‪ ،‬جمع بين نصيبه ونصيب المدعي‪ ،‬فيقسم بينهما‬
‫على قدر أنصبائهما‪ ،‬لن النكول حجة في حقه خاصة‪ ،‬فيعاملن على زعمهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،187/5 :‬تبيين الحقائق‪ 273/5 :‬وما بعدها‪ ،‬م (‪ )1160‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،677/3 :‬بجيرمي الخطيب‪ ،4//344 :‬المغني‪.127/9 :‬‬
‫(‪ )3‬الستيفاء‪ :‬عبارة عن قبض الحق بكامله‪.‬‬

‫( ‪)6/537‬‬

‫وإن لم يكن قد أقر بالستيفاء‪ ،‬تحالف الشركاء (حلف كل منهم يمينا) وفسخت القسمة؛ لن الختلف‬
‫في مقدار ما حصل له بالقسمة‪ ،‬فصار كالختلف في مقدار المبيع‪.‬‬
‫وإن قال‪( :‬أصابني إلى موضع كذا‪ ،‬فلم تسلم إلي) ولم يشهد على نفسه بالستيفاء‪ ،‬وكذبه شريكه‪،‬‬
‫تحالفا‪ ،‬وفسخت القسمة‪ ،‬لختلفهما في نفس القسمة‪ ،‬فإنهما اختلفا في قدر ما حصل بالقسمة‪ ،‬فأشبه‬
‫الختلف في قدر المبيع‪.‬‬
‫وإن قال ( استوفيت حقي )‪ .‬ثم قال ( أخذت بعضه ) فالقول قول خصمه مع يمينه‪ ،‬لنه يدعي عليه‬
‫الغصب‪ ،‬وهو منكر‪ ،‬فالقول قول المنكر (‪. )1‬‬
‫والقول بنقض القسمة في حال ادعاء الغلط‪ ،‬وإثباته بالبينة‪ ،‬محل اتفاق أيضا بين الفقهاء (‪ . )2‬إل أن‬
‫الشافعية قالوا‪:‬‬
‫لو ثبت بحجة (شاهدي عدل أو رجل وامرأتين‪ ،‬أو شاهد ويمين) غلط أو حيف في قسمة إجبار أو‬
‫قسمة تراض‪ ،‬وهي بالفراز (أو الجزاء)‪ ،‬نقضت القسمة بنوعيها‪.‬‬
‫فإن لم تكن بالجزاء بأن كانت بالتعديل أو الرد‪ ،‬لم تنقض؛ لنها بيع‪ ،‬وإن لم يثبت ذلك‪ ،‬فللمدعي‬
‫تحليف شريكه‪.‬‬
‫‪ - 5‬استحقاق بعض المال المقسوم ‪:‬‬
‫إذا ظهر مستحق في المال المقسوم‪ ،‬أي تبين وجود شريك آخر في المال‪ ،‬فله صور ثلث عند‬
‫الحنفية (‪ )3‬علما بأن الستحقاق ‪ :‬هو أن يدعي شخص ملكية شيء أو بعضه‪ ،‬ويثبت دعواه‪ ،‬ويقضي‬
‫له القاضي بملكيته وانتزاعه من يد آخر كالمشتري أو المقسوم له‪.‬‬
‫أ ـ لو كان المستحق بعضا شائعا في كل المقسوم‪ ،‬كالخمس أو الربع‪ ،‬فسخت القسمة باتفاق الحنفية‪،‬‬
‫لعدم تحقق معنى الفراز والتمييز‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ 20/8 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،186/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،273/5 :‬اللباب‪103/4 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬البدائع‪.26/7 :‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تكملة الفتح‪ 23/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،274/5 :‬الدر المختار‪ 186/5 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،106/4‬م (‪ )1145‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/538‬‬

‫ب ـ ولو كان المستحق بعضا معينا من نصيب أحد الشركاء‪ ،‬لم تفسخ القسمة باتفاق الحنفية؛ لن‬
‫الستحقاق‪ ،‬لما ورد على جزء معين‪ ،‬لم يظهر أن المستحق كان شريكا في المال‪ ،‬فل تبطل القسمة‪،‬‬
‫لكن يرجع المستحق منه على صاحبه بقدر ما يخصه من الجزء المستحق‪ ،‬إذ تبين أنه لم يكن ملكه‪،‬‬
‫فيرده‪.‬‬
‫جـ ـ ولو كان المستحق بعضا شائعا في أحد النصيبين‪ ،‬لم تفسخ القسمة جبرا على المستحق منه‬
‫عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وإنما يخير المستحق منه‪ ،‬بين أن يرجع بحصة البعض في نصيب صاحبه‪،‬‬
‫وبين أن يفسخ؛ لنه بالستحقاق ظهر أن القسمة لم تصح في القدر المستحق فقط‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬تفسخ القسمة؛ لنه بالستحقاق تبين أن للشركاء شريكا آخر‪ ،‬ولو كان هناك شريك‪،‬‬
‫لم تصح القسمة‪ ،‬كما في استحقاق بعض شائع في النصيبين‪.‬‬
‫أما الشافعية والحنابلة‪ ،‬فقالوا (‪ : )1‬إن استحق من حصة أحد الشريكين شيء معين لغيرهما‪ ،‬بأن‬
‫اختص به أحدهما‪ ،‬أو أصابه منه أكثر من نصيب الخر‪ ،‬بطلت القسمة‪ ،‬لحتياج أحدهما إلى الرجوع‬
‫على الخر بسبب عدم تحقق التعديل بين النصباء‪.‬‬
‫وإن كان البعض المستحق مقسوما بين الشريكين بالسوية‪ ،‬كأن اقتسما أرضا‪ ،‬فاستحق من حصتهما‬
‫معا قطعة معينة على السواء في الحصتين‪ ،‬لم تبطل القسمة فيما بقي من الرض؛ لن القسمة إفراز‬
‫حق كل واحد منهما‪ ،‬وقد أفرز‪.‬‬
‫وإن استحق بعض المال المقسوم شائعا في الحصتين أو إحداهما‪ ،‬بطلت القسمة فيه‪ ،‬ل في الباقي عند‬
‫الشافعية في الصح‪ ،‬عملً بمبدأ تفريق الصفقة‪.‬‬
‫وبطلت القسمة في الجميع عند الحنابلة؛ لن المستحق شريك ثالث‪ ،‬وقد اقتسم المال من غير‬
‫حضوره‪ ،‬ول إذنه‪ ،‬وذلك سواء في قسمة التراضي أوالجبار‪ ،‬ولن القصد من القسمة تمييز الحقين‪،‬‬
‫ولم يحصل‪ .‬وهذا رأي أبي يوسف كما تقدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،309/2 :‬بجيرمي الخطيب‪ ،344/4 :‬المغني‪ ،128/9 :‬كشاف القناع‪.376/6:‬‬

‫( ‪)6/539‬‬

‫المطلب الثاني ـ الحكام الخاصة بالثبات ‪:‬‬


‫هناك أحكام خاصة بالقسمة متعلقة بكيفية فض النزاع بين المتقاسمين إذا اختلفوا في بعض المور‪،‬‬
‫مثل الختلف حول الحدود‪ ،‬أو تقويم الغبن‪ ،‬أو بقاء بعض الحق في يد الشريك الخر‪ ،‬حيث‬
‫تعارضت أدلة الثبات‪.‬‬
‫أولً ـ الختلف في الحدود ‪:‬‬
‫إذا اختلف المتقاسمان في الحدود‪ ،‬فادعى كل واحد منهما بيتا في يد صاحبه لدخوله في حده‪ ،‬بعد‬
‫القسمة‪ ،‬وأقام كل منهما البينة على دعواه‪ ،‬قضي لكل واحد بالجزء الذي في يد صاحبه؛ لنه خارج‪،‬‬
‫وبينة الخارج ترجح على بينة ذي اليد‪.‬‬
‫وإن أقام أحدهما بينة على أن بيتا له في يد صاحبه أصابه بالقسمة وأنكر الخر قضي له بالبينة‪ .‬وإن‬
‫لم تقم لحدهما بينة‪ ،‬تحالفا‪ ،‬وترادا كما في البيع (‪ . )1‬وتفسخ القسمة (‪. )2‬‬
‫ثانيا ـ الختلف في تقويم الغبن ‪:‬‬
‫إذا اختلف المتقاسمان في تقويم الغبن‪ ،‬فإما أن يكون يسيرا أو فاحشا‪.‬‬
‫أ ـ فإن كان الغبن يسيرا‪ :‬وهو الذي يدخل تحت تقويم المقومين‪ ،‬لم يلتفت للدعاء‪ ،‬سواء أكانت‬
‫القسمة بالتراضي‪ ،‬أم بقضاء القاضي‪ ،‬لن الحتراز عن مثله عسير جدا‪ .‬ومثل الغبن اليسير‪ :‬أن‬
‫يكون ثمن السلعة عشرة‪ ،‬فيقدره أهل الخبرة بعضهم بعشرة وبعضهم بتسعة‪ ،‬فالواحد يعتبر غبنا‬
‫يسيرا‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان الغبن فاحشا‪ :‬وهو الذي ل يدخل تحت تقويم المقومين (‪ ، )3‬كأن يقدر أهل الخبرة‬
‫سعر السلعة ذات العشرة بثمانية أو سبعة‪ ،‬ول يقدرها أحد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى عبد ال بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده حديثا بلفظ‬
‫«إذا اختلف المبتبايعان‪ ،‬والسلعة قائمة‪ ،‬ول بينة لحدهما‪ ،‬تحالفا» (نيل الوطار‪.)224/5 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،26/7 :‬تكملة الفتح‪ 22/8 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،274/5 :‬ا لدر المختار‪.186/5 :‬‬
‫(‪ )3‬حدد متأخرو الحنفية الغبن الفاحش بما يعادل نصف عشر القيمة في المنقولت (أي ‪ )%5‬والعشر‬
‫(‪ )%10‬في الحيوان‪ ،‬والخمس (‪ )%20‬في العقارات‪.‬‬

‫( ‪)6/540‬‬

‫بعشرة‪ .‬فإن كانت القسمة بقضاء القاضي‪ ،‬فسخت؛ لن الرضا لم يوجد بين المتخاصمين‪ ،‬وتصرف‬
‫القاضي مقيد بالعدل‪ ،‬ولم يوجد‪ .‬وإن كانت القسمة بالتراضي‪ ،‬لم يلتفت للدعاء عند بعض الحنفية؛‬
‫لن القسمة في معنى البيع‪ ،‬ودعوى الغبن فيه من المالك ل توجب نقضه (‪. )1‬‬
‫أما البيع من غير المالك كبيع الب والوصي‪ ،‬فإنه ينقض بالغبن الفاحش (‪. )2‬‬
‫والصح كما تقدم أنه تسمع دعواه وتفسخ قسمة التراضي كقسمة التقاضي بالغبن الفاحش؛ لن شرط‬
‫جواز القسمة المعادلة‪ ،‬ولم توجد‪ ،‬فوجب نقضها‪.‬‬
‫ثالثا ـ الختلف في استيفاء النصيب ‪:‬‬
‫إذا اختلف المتقاسمان بعد القسمة‪ ،‬فأنكر بعض الشركاء استيفاء نصيبه‪ ،‬وادعى أن بعضه في يد‬
‫صاحبه‪ ،‬وأنكر الخر‪.‬‬
‫أ ـ فإن شهد قاسمان أو أكثر باستيفاء المدعي حقه‪ ،‬تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛‬
‫لنهما شهدا على فعل غيرهما‪ ،‬وهو القبض‪ ،‬ل على فعل أنفسهما؛ لن فعلهما هو التمييز‪ ،‬ول حاجة‬
‫للشهادة عليه‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬ل تقبل شهادتهما؛ لنهما يشهدان على فعل أنفسهما؛ لن فعلهما التمييز‪.‬‬
‫ب ـ وإن شهد قاسم واحد باستيفاء الحق‪ ،‬ل تقبل شهادته؛ لن شهادة الفرد الواحد ل تقبل على غيره‬
‫( ‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الغبن الفاحش وحده ل يعيب في معظم الجتهادات الرضا ما لم يصاحبه شيء من الخلبة أو‬
‫التدليس أي أن يخدع أحد العاقدين الخر بوسيلة موهمة قولية أو فعلية تحمله على الرضا بالعقد‪،‬‬
‫ومنه كتمان عيب المبيع‪ ،‬ودليلهم حديث «دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تكملة الفتح والعناية‪ ،22/8 :‬تبيين الحقائق‪ 273/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪ 185/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/541‬‬

‫النّوع الثّاني‪ :‬قسمة المنافع أو المهايأة‬


‫وفيه مباحث خمسة‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف قسمة المهايأة‪ ،‬ومشروعيتها‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ محل المهايأة‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ صفة المهايأة‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ أنواع المهايأة‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ ما يملكه كل شريك من التصرف بعد اتفاق المهايأة‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف المهايأة ومشروعيتها ‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف المهايأة‪ :‬المهايأة في اللغة‪ :‬مفاعلة من الهيئة‪ ،‬وهي الحالة الظاهرة للمتهيء للشيء‪،‬‬
‫فكل من الشريكين يرضى بهيئة واحدة‪ ،‬ويختارها‪ .‬أو أن الشريك الثاني ينتفع بالعين على الهيئة التي‬
‫ينتفع بها الشريك الول‪ ،‬فهي لغة‪ :‬أن يتواضع الشريكان على أمر‪ ،‬ويتراضيا به‪ .‬والمهايأة فقها‪ :‬هي‬
‫عبارة عن قسمة المنافع (‪. )1‬‬
‫وعرفها المالكية (‪ : )2‬بأنها اختصاص كل شريك عن شريكه في شيء متحد كدار‪ ،‬أو متعدد كدارين‪،‬‬
‫بمنفعة شيء متحد أو متعدد في زمن معلوم‪ .‬وبناء عليه‪ :‬تعين الزمن شرط‪ ،‬إذ به يعرف قدر‬
‫النتفاع‪ ،‬وإل فسدت المهايأة‪.‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيتها‪ :‬المهايأة جائزة استحسانا للحاجة إليها‪ ،‬إذ قد يتعذر الجتماع على النتفاع‪.‬‬
‫ومحلها‪ :‬منافع العيان المشتركة التي يمكن النتفاع بها مع بقاء عينها‪ .‬ول تبطل بموت الشريكين‬
‫ول بموت أحدهما‪ .‬ولو طلب أحدهما القسمة أعيانا بطلت (‪. )3‬‬
‫وقسمة العيان أقوى من المهايأة؛ لن الولى جمع المنافع في زمان واحد على الدوام‪ ،‬والتهايؤ جمع‬
‫المنافع على التعاقب بصفة وقتية (‪ . )4‬فإذا طلب أحد الشريكين القسمة‪ ،‬والخر المهايأة‪ ،‬يجيب‬
‫القاضي الول ويقسم‪ .‬واستدلوا على مشروعية المهايأة بالقرآن والسنة‪.‬‬
‫أما القرآن‪ :‬فقوله تعالى حكاية عن قسمة مهايأة ناقة صالح عليه السلم‪{ :‬هذه ناقة لها شِرْب‪،‬ولكم‬
‫شِرْب يوم معلوم} [الشعراء‪ ]155/26:‬وهو المهايأة بعينها‪.‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فوقائع منها‪ :‬أنه صلّى ال عليه وسلم قسم في غزوة بدر كل بعير من البعرة السبعين بين‬
‫ثلثة نفر‪ ،‬وكانوا يتعاقبون على ركوبه (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العناية على شرح الهداية بهامش تكملة الفتح‪ ،27/8 :‬رد المحتار‪ ،189/5 :‬م (‪ )1174‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪.660/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رد االمحتار‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬اللباب‪.106/4 :‬‬
‫(‪ )4‬الهداية مع تكملة الفتح‪.27/8 :‬‬
‫(‪ )5‬سيرة ابن هشام‪.613/1 :‬‬

‫( ‪)6/542‬‬

‫المبحث الثاني ـ محل المهايأة ‪:‬‬


‫محل المهايأة‪ :‬المنافع دون العيان‪ ،‬لنها قسمة المنفعة دون العين‪ ،‬فكان محلها المنفعة دون العين‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬لو اتفق اثنان على أن يسكن أحدهما في قسم من دار‪ ،‬والخر في القسم الباقي‪ ،‬أو على أن‬
‫يسكن أحدهما العلو‪ ،‬والخر السفل‪ ،‬صح‪ ،‬وله إجارته وأخذ غلته‪ .‬وكذا تجوز المهايأة في الراضي‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫أما لو تهايآ في نخل أو شجر بين شريكين‪ ،‬على أن يأخذ كل واحد منهما جزءا يستثمره‪ ،‬ل يجوز؛ أو‬
‫تهايآ في الغنم المشتركة على أن يأخذ كل واحد منهما عددا معينا منهما‪ ،‬وينتفع بألبانها‪ ،‬ل يجوز؛‬
‫لن المهايأة عقد يرد على قسمة المنافع‪ ،‬والثمر واللبن عين‪ ،‬فل يصلح محلً للمهايأة‪ ،‬وهذا متفق‬
‫عليه بين الفقهاء (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬ول تصح قسمة الديون في الذمم ولو بالتراضي‪ ،‬وكل من أخذ منها شيئا ل يختص به‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )1175‬من المجلة على أن «المهايأة ل تجري في المثليات‪ ،‬بل في القيميات ‪ ،‬ليكون‬
‫النقطاع بها ممكنا حال بقاء عينها» ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ صفة المهايأة ‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان في لزوم المهايأة‪ ،‬رأي للجمهور غيرالمالكية بأنها غير لزمة‪ ،‬ورأي للمالكية بأنها‬
‫لزمة‪ .‬وعباراتهم ما يأتي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،32/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،277/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،285‬حاشية الدسوقي على الشرح‬
‫الكبير‪ ،498/3 :‬الشرح الصغير‪ 660/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بجيرمي الخطيب‪ ،345/4 :‬المغني‪،130/9 :‬‬
‫كشاف القناع‪.367/6 :‬‬

‫( ‪)6/543‬‬

‫قال الحنفية (‪ : )1‬المهايأة بالتراضي زمانا أو مكانا عقد غير لزم‪ ،‬فلو طلب أحد الشريكين من‬
‫الحاكم المهايأة‪ ،‬والخر القسمة‪ ،‬يجاب الثاني؛ لن قسمة العين أقوى من قسمة المنفعة؛ لن في الولى‬
‫تجتمع المنافع في وقت واحد على الدوام‪ ،‬وفي الخرى تجتمع على التعاقب (‪. )2‬‬
‫وبناء عليه تكون المهايأة عقدا جائزا محتملً للفسخ‪ ،‬كسائر العقود الجائزة‪ ،‬تفسخ ولو بغير عذر‪ ،‬ول‬
‫تبطل المهايأة بموت أحد الشريكين أو بموتهما‪ ،‬بخلف الجارة‪ ،‬لنها لو بطلت أي المهايأة أعادها‬
‫القاضي للحال أي استأنفها حالً‪ ،‬ول فائدة من الستئناف‪ ،‬كما ل فائدة في النقضاء والبطال‪ ،‬لنه‬
‫يجوز لكل واحد فسخها‪ ،‬بغير رضا الخر‪.‬‬
‫أما المهايأة بالتقاضي‪ :‬فهي عقد لزم‪ ،‬كما أوضح ابن عابدين‪ ،‬فل يجوز لكل من الشريكين نقضها‬
‫بل عذر‪ ،‬ما لم يصطلحا‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )3‬المهايأة عقد غير لزم‪ ،‬لكل من الشريكين الرجوع عنها متى شاء‪ ،‬ول إجبار‬
‫فيها من القاضي‪.‬‬
‫وكذلك قال الحنابلة (‪ : )4‬ل تلزم المهايأة‪ ،‬فمتى رجع أحد الشريكين عنها‪ ،‬انقضت المهايأة‪ ،‬والمهايأة‬
‫معاوضة ل يجبر عليها كالبيع كما قال الشافعية‪ .‬ولو طلب أحدهما القسمة كان له ذلك‪ ،‬وانتقضت‬
‫المهايأة‪ ،‬أي كما قال الحنفية‪.‬‬
‫أما المالكية فقالوا (‪ : )5‬وتلزم المهايأة كالجارة‪ ،‬فهي من العقود اللزمة‪ ،‬فليس لحدهما فسخها‪ ،‬فإذا‬
‫تراضيا على شيء وقعت صحيحة‪ ،‬ل تفسخ إل برضاهما أو برضاهم إن كانوا جماعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،32/7 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،189 ،184/5 :‬تبيين الحقائق‪.276/5 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر المادة (‪ )1182‬مجلة التي نصها في الحاشية التالية‪.‬‬
‫(‪ )3‬بجيرمي الخطيب‪.345/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪.130/9 :‬‬
‫(‪ )5‬بداية المجتهد‪ ،266/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.285‬‬

‫( ‪)6/544‬‬
‫المبحث الرابع ـ أنواع المهايأة ‪:‬‬
‫للمهايأة تقسيمان ـ الول من حيث التراضي والجبر‪ ،‬والثاني ـ من حيث الزمان والمكان‪.‬‬
‫التقسيم الول ـ المهايأة من حيث الرضا والجبر ‪:‬‬
‫تقسم المهايأة بهذا العتبار إلى نوعين‪ :‬مهايأة بالتراضي‪ ،‬ومهايأة بالتقاضي‪.‬‬
‫‪ - 1‬المهايأة بالتراضي‪ :‬هي أن يتفق شخصان على كيفية النتفاع بالشيء المشترك بينهما‪ ،‬على‬
‫طريق التعاقب أو التناوب زمانا أو مكانا‪ .‬وهي جائزة باتفاق الفقهاء‪.‬‬
‫‪ - 2‬المهايأة بالتقاضي‪ :‬هي التي تتم بواسطة القاضي جبرا بناء على طلب أحد الشريكين‪ .‬فيهايئ‬
‫القاضي بينهما جبرا إما بالمناوبة الزمانية مدة معينة بنسبة حصة كل منهما‪ ،‬وإما بالمهايأة المكانية‬
‫بالختصاص بمنفعة بعض المال المشترك بنسبة الحصص‪.‬‬
‫وهي جائزة عند الحنفية (‪ ، )1‬تحقيقا للعدل بين الشركاء‪ ،‬وتوفيرا لمصلحتهم (‪ ، )2‬فللقاضي جبرهم‬
‫في الصح‪ ،‬لحتياج الناس إلى ما هو أعدل وهو القسمة بالقضاء‪ .‬وقد نصت المادة (‪ )1181‬مجلة‬
‫على ما يأتي لبيان أحوال المهايأة الجبرية‪« :‬إذا طلب المهايأة أحد أصحاب الشياء المشتركة‬
‫المتعددة‪ ،‬وامتنع الخر‪ :‬فإن كانت العيان المشتركة متفقة المنفعة‪ ،‬فالمهايأة جبرية‪ .‬وإن كانت‬
‫مختلفة المنفعة فل جبر‪.‬‬
‫مثلً‪ :‬داران مشتركتان طلب أحد الشريكين المهايأة على أن يسكن إحداهما‪ ،‬والخرى للخر‪ .‬أو‬
‫حيوانان على أن يستعمل أحدهما واحدا‪ ،‬والخر الخر‪ ،‬وامتنع شريكه‪ ،‬فالمهايأة جبرية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ :‬المكان السابق‪ ،‬المادة (‪ )1176‬من المجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق‪.276/5 :‬‬

‫( ‪)6/545‬‬

‫أما لو طلب أحدهما المهايأة على سكنى الدار‪ ،‬وللخر إيجار الحمام‪ ،‬أو على سكنى أحدهما في الدار‬
‫وزراعة آخر الراضي‪ ،‬فالمهايأة بالتراضي‪ ،‬وإن لم تكن جائزة‪ ،‬إل أنه إذا امتنع الخر ل يجبر‬
‫عليها (‪. » )1‬‬
‫ول يجبر على المهايأة من أباها عند المالكية والشافعية والحنابلة (‪( )2‬الجمهور)‪ ،‬لنها معاوضة‪ ،‬فل‬
‫يجبر عليها كالبيع‪ ،‬ولن حق كل واحد في المنفعة شيء عاجل‪ ،‬فل يجوز تأخيره بغير رضاه‪،‬‬
‫كالدين‪ ،‬أي فل تجوز المهايأة بالتقاضي عند الجمهور‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ل تجوز قسمة المنافع بالقرعة‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬إذا اتفقوا عليها‪ ،‬وتنازعوا في البداءة‬
‫(بدء المناوبة) أقرع بينهم‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ـ المهايأة من حيث الزمان والمكان ‪:‬‬
‫تنقسم المهايأة بهذا العتبار إلى نوعين‪ :‬مهايأة زمانية‪ ،‬ومهايأة مكانية‪.‬‬
‫فالولى ترجع للزمان‪ ،‬والثانية ترجع للمكان‪ .‬والمهايأة عند المالكية (‪ )3‬قسمان‪ :‬المهايأة بالزمان‪،‬‬
‫والمهايأة بالعيان‪ .‬والولى‪ :‬هي أن ينتفع كل واحد من الشريكين بالعين (الشيء المشترك كله) مدة‬
‫مساوية لمدة انتفاع صاحبه كأن يسكن أحدهما الدار شهرا‪ ،‬ويسكنها الخر شهرا آخر‪ ،‬مثل أن يسكن‬
‫أحدهما الدار شهرا ويسكنها الخر شهرا أخر‪ .‬والثانية‪ :‬هي أن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد‬
‫منهما بما حصل له مدة محدودة‪ ،‬كأن يسكن أحدهما دارا‪ ،‬ويسكن الخر دارا أخرى مدة من الزمان‪،‬‬
‫أو يركب أحدهما فرسا والخر فرسا أخرى مدة معينة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وانظر تبيين الحقائق‪ ،276/5 :‬تكملة الفتح‪.30/8 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،285‬بجيرمي الخطيب‪ ،345/4 :‬المغني‪.130/9 :‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪ ،266/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.285‬‬

‫( ‪)6/546‬‬

‫‪ - 1‬المهايأة الزمانية ‪:‬‬


‫أولً ـ تعريفها‪ :‬هي أن ينتفع كل واحد من الشريكين على التعاقب بجميع العين المشتركة مدة مساوية‬
‫لمدة انتفاع صاحبه‪ ،‬أو بنسبة حصته (‪ . )1‬كأن يتهايأ اثنان على أن يزرعا الرض المشتركة بينهما‪،‬‬
‫هذا سنة‪ ،‬والخر سنة أخرى‪ .‬أو على سكنى الدار بالمناوبة‪ ،‬هذا سنة‪ ،‬والخر سنة‪ .‬أو على استعمال‬
‫كتاب‪ ،‬هذا أسبوعا‪ ،‬والخر مثله‪ .‬وقد نصت المادة (‪ )1187‬مجلة على أنه ل تجوز المهايأة على‬
‫العيان‪ ،‬فل تصلح المهايأة على ثمرة الشجار المشتركة‪ ،‬ول على لبن الحيوانات وصوفها على أن‬
‫يكون لحد الشريكين ثمرة مقدار من هذه الشجار‪ ،‬ولخر ثمرة مقدار منها‪ ،‬أو على لبن قطيع من‬
‫الغنم المشترك أو صوفه لواحد‪ ،‬ولبن قطيع ثان‪ ،‬وصوفه للخر‪.‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيتها‪ :‬وهي جائزة لقوله تعالى حكاية عن مهايأة ناقة صالح عليه السلم في الشّرب‪:‬‬
‫{هذه ناقة لها شرب‪ ،‬ولكم شرب يوم معلوم} [الشعراء‪{ ]155/26:‬ونبئهم أن الماء قسمة بينهم‪ ،‬كل‬
‫شرب محتضر} [القمر‪ ]28/54:‬ولحاجة الناس إليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬المادة (‪ )1176‬من المجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/547‬‬

‫ثالثا ـ تكييفها أو تأصيلها الفقهي‪ :‬المهايأة الزمانية عند الحنفية كقسمة العيان‪ :‬إفراز من وجه‪،‬‬
‫مبادلة من وجه؛ لن المهايئ كالمستقرض لنصيب شريكه‪ ،‬فكان فيها معنى المبادلة من وجه (‪، )1‬‬
‫فتكون منفعة أحد أصحاب الحصص في نوبته مبادلة بمنفعة حصة الخر في نوبته‪ ،‬وبناء على ذلك‬
‫يكون ذكر المدة وتعيينها في المهايأة مثلً كذا يوما أو كذا شهرا‪ ،‬لزما‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬المهايأة معاوضة‪ ،‬فل يجبر عليها كالبيع (‪. )2‬‬
‫وصرح الشافعية‪ :‬أن من استوفى زائدا على حقه‪ ،‬لزمه أجرة ما زاد على قدر حصته من الزائد (‪)3‬‬
‫‪ .‬ويفهم منه أن المهايأة مبادلة‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )1178‬من المجلة على أن «المهايأة زمانا نوع مبادلة‪ ،‬فتكون منفعة أحد أصحاب‬
‫الحصص في نوبته مبادلة بمنفعة حصة الخر في نوبته‪. »..‬‬
‫رابعا ـ تعيين المدة‪ :‬يشترط في المهايأة الزمانية تعيين المدة‪ ،‬بخلف المهايأة المكانية؛ لن تعيين‬
‫الزمان يعرف به قدر النتفاع‪ ،‬فتصير به المنافع معلومة‪ ،‬ول تصير معلومة إل ببيان زمان معلوم‪،‬‬
‫ولن هذه المهايأة مقدرة بالزمان‪ ،‬أما المهايأة المكانية فمقدرة مجموعة بالمكان‪ ،‬ومكان المنفعة معلوم‬
‫(‪ . )4‬وقد رتبت المادة السابقة (‪ )1178‬من المجلة على كون هذه المهايأة نوع مبادلة‪ ،‬فقررت‪:‬‬
‫«وبناء على ذلك ذكر المدة وتعيينها في المهايأة‪ ،‬مثلً كذا يوما‪ ،‬أو كذا شهرا‪ :‬لزم» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪.276/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.130/9 :‬‬
‫(‪ )3‬بجيرمي الخطيب‪.345/4 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.32/7 :‬‬

‫( ‪)6/548‬‬

‫وفصل المالكية (‪ )1‬في مقدار المدة بعد اشتراطهم تعيين الزمن‪ ،‬وانتفاء الغرر‪ ،‬فقالوا‪ :‬تجوز المهايأة‬
‫في المنقولت في المدة اليسيرة‪ ،‬ول تجوز في المدة الكثيرة‪ ،‬فل تصح لزمن طويل في الحيوان‬
‫ونحوه كالثوب‪ .‬وتجوز المهايأة في العقارات كالدار والرض المأمونة (بأن كانت ملكا) لمدة بعيدة‪،‬‬
‫فيسكن أحدهما في الدار مدة معينة‪ ،‬ويسكن الخر مدة أخرى‪ ،‬ويزرع أحدهما الرض عاما‪ ،‬والخر‬
‫عاما مثله‪ .‬أما الرض غير المأمونة (غير المملوكة) كالمعارة‪ ،‬فل يجوز قسمها مهايأة‪ ،‬وإن قلت‬
‫المدة‪ ،‬إذ قد يرجع المستعير في إعارته‪ ،‬فيفوت على الخر الذي لم تأت نوبته حقه من النتفاع‪.‬‬
‫خامسا ـ انتهاؤها‪ :‬ل تبطل المهايأة بموت أحد العاقدين‪ ،‬ول بموتهما؛ لنها ـ كما ذكرت سابقا ـ لو‬
‫بطلت لستأنفها الحاكم‪ ،‬ول فائدة في الستئناف‪ .‬وإنما تنقضي باتفاق الطرفين على إنهائها‪ ،‬ببيع المال‬
‫المشترك (‪. )2‬‬
‫‪ - 2‬المهايأة المكانية ‪:‬‬
‫أولً ـ تعريفها‪ :‬هي أن يخصص كل واحد من الشريكين ببعض المال المشترك بنسبة حصته (‪، )3‬‬
‫فيتم النتفاع معا في وقت واحد‪ .‬ففي المهايأة في دار تجمع منفعة أحدهما في جزء من الدار‪،‬ومنفعة‬
‫الخر في جزء آخر‪.‬‬
‫ثانيا ـ مشروعيتها‪ :‬المهايأة المكانية جائزة؛ لنها نوع من القسمة‪ ،‬مثل قسمة العيان‪ ،‬فلو تهايآ على‬
‫أن يأخذ أحد الشريكين في البنية الطابقية السفل‪ ،‬والخر العلو‪ ،‬جاز‪ ،‬فتكون قسمة المنفعة بالمهايأة‬
‫المكانية جائزة أيضا (‪. )4‬‬
‫وبما أن المهايأة الزمانية جائزة للحاجة عند تعذر اجتماع الشريكين على النتفاع بالعين الواحدة‪،‬‬
‫فكذلك المكانية‪.‬‬
‫ثالثا ـ محلها‪ :‬تجري المهايأة المكانية في المال المشترك الذي يقبل القسمة كالدار الكبيرة‪ .‬أما ما ل‬
‫يقبل القسمة كالسيارة والحيوان والكتاب والبيت الصغير‪ ،‬فل تمكن فيه المهايأة المكانية‪ ،‬وإنما تتعين‬
‫فيه المهايأة الزمانية‪.‬‬
‫المهايأة في الدور ‪:‬‬
‫وبناء عليه تجوز في ظاهر الرواية المهايأة في الدور‪ ،‬سواء أكانت زمانية أم مكانية‪ ،‬للستعمال‬
‫الشخصي أو للستغلل (النتفاع بواسطة الغير بالجرة ونحوها)؛ لن الظاهر عدم التغير في العقار‪،‬‬
‫ولن المهايأة المكانية إفراز لجميع النصباء‪ ،‬والمهايأة الزمانية تتم بالمناوبة أو التعاقب في النتفاع‪،‬‬
‫فكانت كالقرض‪ ،‬ويعتبر كل واحد في نوبته وكيلً عن الخر (‪. )5‬‬
‫المهايأة في الحيوان ‪:‬‬
‫وأما المهايأة في الحيوان كدابتين مثلً‪ ،‬يركب أحدهما إحداهما مدة‪ ،‬والخر مدة أخرى‪ ،‬ل تجوز عند‬
‫ل ول استغللً؛ لن الظاهر التغير في الحيوان‪ ،‬ولن الستعمال يتفاوت بتفاوت‬
‫أبي حنيفة ل استعما ً‬
‫الراكبين حذقا وخرقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،499/3 :‬الشرح الصغير‪ ،661/3 :‬بداية المجتهد‪.266/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،189/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،276/5 :‬تكملة الفتح‪.27/8 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر المادة (‪ )1179‬من المجلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬تبيين الحقائق‪ ،276/5 :‬البدائع ‪ ،31/7‬تكملة الفتح‪.27/8 :‬‬
‫(‪ )5‬تبيين الحقائق‪ 276/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،30/8 :‬الدر المختار‪ ،189/5 :‬م(‪ )1176‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/549‬‬

‫وتجوز المهايأة استعمالً عند الصاحبين في الحيوان والحيوانين‪ ،‬كما تجوز للستغلل في الحيوانين‪،‬‬
‫ول تجوز في الحيوان الواحد؛ لن المعادلة تمكن بين الحيوانين‪ ،‬لتحاد وقتهما‪ ،‬ول تمكن المعادلة في‬
‫الحيوان الواحد؛ لن الظاهر التغير‬
‫في الحيوان‪ ،‬لتوالي أسباب التغير عليه‪ ،‬إذ يكون جهد الحيوان في الزمان الثاني أقل منه في الزمان‬
‫الول (‪. )1‬‬
‫وقد نصت المادة (‪ )1177‬مجلة‪ :‬على جواز المهايأة الستعمالية في الحيوان المشترك لستعماله‬
‫بالمناوبة‪ ،‬وكذلك تجوز في الحيوانين المشتركين‪ ،‬على أن يستعمل أحدهما هذا والخر الخر‪ ،‬وهو‬
‫رأي الصاحبين‪ ،‬وهذا يتفق مع رأي المالكية في قسمة المنافع بالعيان‪.‬‬
‫رابعا ـ تكييفها أو تأصيلها الفقهي ‪:‬‬
‫المهايأة المكانية‪ :‬إفراز لجميع النصبة‪ ،‬وليست مبادلة‪ ،‬إذ لو كانت مبادلة لما صحت؛ لن المبادلة في‬
‫الجنس الواحد نسيئة‪ ،‬ل تجوز لتوافر ربا النسيئة فيها‪ ،‬باعتبار أن اتحاد الجنس وحده كاف عند‬
‫الحنفية في وجود هذا النوع من الربا (‪. )2‬‬
‫خامسا ـ مدتها ‪:‬‬
‫ل يشترط في المهايأة المكانية ذكر المدة وتعيينها‪ ،‬بخلف المهايأة الزمانية؛ لن الزمانية تحتاج إلى‬
‫بيان الوقت لتصير المنافع معلومة‪ ،‬وأما المكانية فل تحتاج لبيان الوقت؛ لن مكان المنفعة معلوم‪،‬‬
‫فصارت المنافع معلومة بمكانها (‪ . )3‬ولكن المالكية قالوا‪ :‬في قسمة المنافع بالعيان يشترط أن تكون‬
‫المدة محدودة‪.‬‬
‫سادسا ـ انقضاؤها ‪:‬‬
‫ل تنقضي المهايأة المكانية كالزمانية بموت أحد الشريكين‪ ،‬ولتنقضي بموتها‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،277/5 :‬تكملة الفتح‪ 30/8 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ، 32/7 :‬الدر المختار‪.190/5 :‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق‪ ،276/5 :‬المادة (‪ )1179‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،32/7 :‬المادة (‪ )1179‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/550‬‬

‫إذ لو بطلت لستؤنفت ول فائدة في الستئناف؛ لن لكل شريك فسخها متى شاء‪ ،‬إنما تنقضي‬
‫بالتراضي على إنهائها‪ ،‬ببيع المال المشترك (‪. )1‬‬
‫المبحث الخامس ـ ما يملكه كل شريك من التصرف بعد المهايأة ‪:‬‬
‫إذا تم التفاق على المهايأة‪ ،‬ملك كل واحد من المتهايئين استعمال الشيء كما يريد‪ ،‬سواء أكانت‬
‫المهايأة مكانية أم زمانية‪ .‬ففي الزمانية‪ :‬يجوز السكنى والركوب ونحوهما‪ ،‬وفي المكانية‪ :‬يجوز‬
‫السكنى ونحوها‪.‬‬
‫ويملك كل متهايئ في المهايأة المكانية حق استغلل (استثمار) الشيء المتهايأ فيه‪ ،‬بالجارة والعارة‬
‫ونحوهما‪ ،‬سواء أكان ذلك مشروطا في العقد‪ ،‬أم غير مشروط‪ ،‬وسواء تهايآ في دار واحدة أو دارين؛‬
‫لن كل متهايئ ملك المنفعة‪ ،‬فيملك التصرف فيها بالتمليك وغيره؛ لن المهايأة المكانية ليست إعارة‪.‬‬
‫وأما في المهايأة الزمانية‪ :‬فل يملك كل من المتهايئين في نوبته استغلل حصته‪ ،‬باتفاق الحنفية‪ ،‬إذ لم‬
‫يشترطا ذلك‪ .‬فإن شرطا في المهايأة حق الستغلل‪ ،‬ففيه اختلف عند الحنفية‪:‬‬
‫أ ـ قال القدوري‪ :‬ل يملك‪ ،‬لن المهايأة الزمانية في معنى العارة‪ ،‬والعارية لتؤجر‪ .‬وهذا‬
‫هوالراجح‪.‬‬
‫ب ـ وقال محمد في الصل‪ :‬يجوز التهايؤ في الدار الواحدة على السكنى والغلة‪ ،‬فلكل متهايئ إيجار‬
‫غيره ما في يده‪ .‬وتأول الحنفية هذا المنقول في (الصل) وهو الغلة بأنه غير الستغلل؛ لن الغلة‬
‫أي الناتج عين‪ ،‬والتهايؤ‪ :‬قسمة المنافع دون العيان (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نصت المادة ‪ 1191‬مجلة على أنه‪« :‬بموت أحد أصحاب الحصص أو كلهم‪ ،‬ل تبطل المهايأة» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 32/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/551‬‬
‫ب والتلف‬
‫ص ُ‬
‫صلُ السّابع‪ :‬ال َغ ْ‬
‫ال َف ْ‬
‫قال الكاساني (‪ : )1‬الجناية في الصل نوعان‪ :‬جناية على البهائم والجمادات‪ ،‬وجناية على الدمي‪.‬أما‬
‫الجناية على البهائم والجمادات فنوعان أيضا‪ :‬غصب وإتلف‪.‬‬
‫وهذان النوعان أو ما يدل عليهما‪ :‬وهو وضع اليد عدوانا أحد أسباب الضمان أو التعويض المالي عن‬
‫العتداء على مال الغير أو حقه‪ .‬ويلحق بهما بحث دفع الصائل لما يترتب على الصيال من إتلف‬
‫وضمان‪ .‬فيكون الكلم في مبحثين‪ :‬الول ـ في الغصب وأحكامه‪ ،‬والثاني ـ في التلف وأحكامه‪.‬‬
‫المبحث الول ـ الغصب وأحكامه ‪:‬‬
‫وفيه مطلبان‬
‫المطلب الول‪ :‬تحريم الغصب‪ ،‬وتعريفه‪ ،‬وأثر اختلف الفقهاء في ضابطه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أحكام الغصب الخروية والدنيوية‪.‬‬
‫الول‪ :‬التأثيم والمؤاخذة‪.‬‬
‫الثاني ـ رد المغصوب ما دام موجودا‪.‬‬
‫الثالث ـ ضمان المغصوب حال هلكه‪ .‬وفيه الموضوعات التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬كيفية الضمان‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقت وجوب الضمان‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما يخرج به الغاصب عن عهدة الضمان‪.‬‬
‫‪ - 4‬تغير العين المغصوبة أو خلطها بغيرها‪.‬‬
‫‪ - 5‬نقصان المغصوب‪.‬‬
‫‪ - 6‬زيادة المغصوب‪ ،‬وحكم البناء والغرس والزرع في الرض المغصوبة‪.‬‬
‫‪ - 7‬منافع المغصوب أو غلته‪.‬‬
‫‪ - 8‬اختلف الغاصب والمغصوب منه‪.‬‬
‫‪ - 9‬غاصب الغاصب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.233/7 :‬‬

‫( ‪)6/552‬‬
‫المطلب الول ـ تحريم الغصب‪ ،‬وتعريفه‪ ،‬وأثر اختلف الفقهاء في ضابطه ‪:‬‬
‫أولً ـ تحريم الغصب‪ :‬ثبت تحريم الغصب في القرآن والسنة والجماع (‪ . )1‬أما القرآن‪ :‬فقول ال‬
‫تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‪ ،‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم}‬
‫[النساء‪{ ]29/4:‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‪ ،‬وتدلوا بها إلى الحكام‪ ،‬لتأكلوا فريقا من أموال الناس‬
‫بالثم‪ ،‬وأنتم تعلمون} [البقرة‪.]188/2:‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في‬
‫شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا» (‪ )2‬وقوله‪« :‬ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب نفسه» (‪« )3‬من أخذ‬
‫شبرا من الرض ظلما‪ ،‬فإنه يطّوقه يوم القيامة من سبع أرضين» (‪« )4‬على اليد ما أخذت حتى‬
‫تؤديه» (‪ )5‬ونحوها من الحاديث‪.‬‬
‫وأجمع المسلمون على تحريم الغصب‪ .‬وهو معصية كبيرة وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة‪.‬‬
‫ثانيا ـ تعريف الغصب‪ :‬الغصب لغة‪ :‬أخذ الشيء ظلما‪ ،‬أو قهرا جهارا‪ .‬وشرعا‪ :‬له عند الفقهاء في‬
‫الجملة حقيقتان تختلفان جذريا عند الحنفية وغيرهم‪.‬‬
‫‪ - 1‬عند الحنفية (‪ : )6‬الغصب‪ :‬هو أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك‪ ،‬على وجه يزيل يده‪.‬‬
‫أخذ المال‪:‬يشمل المغصوب وغيره‪ ،‬وقولهم (متقوم) لخراج غير المتقوم كالخمر والخنزير‪ ،‬وقولهم‬
‫(محترم) احتراز عن مال الحربي فإنه غير محترم‪.‬‬
‫والمراد بغير إذن المالك‪ :‬لخراج المأذون فيه كالموهوب وغيره مما يتم المبادلة عليه بعقد من‬
‫العقود‪ .‬والقيد الخير‪ ( :‬إزالة يد المالك) ل بد منها لتصور معنى الغصب عند الحنفية‪ ،‬فل تعتبر‬
‫زوائد المغصوب كالولد والثمرة مضمونة عندهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،220/5 :‬كشاف القناع‪.83/4 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي ال عنه‪ ،‬ورواه مسلم عن جابر‪ ،‬أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى (سبل السلم‪.)73/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو إسحاق الجوزجاني‪ ،‬ورواه الدارقطني عن أنس‪ ،‬وعن عمرو بن يثربي (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪ ،316/5‬نصب الراية‪.)169/4 :‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه بين أحمد والشيخين عن سعيد بن زيد (نيل الوطار‪.)317/5 :‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة‪ ،‬وصححه الحاكم عن سمرة بن جندب (سبل السلم‪.)67/3 :‬‬
‫(‪ )6‬تكملة فتح القدير مع العناية‪ 361/7 :‬وما بعدها‪ ،‬الكتاب مع اللباب‪.188/2 :‬‬

‫( ‪)6/553‬‬
‫وبناء عليه يعتبر الستخدام والتحميل غصبا؛ لنه تصرف بالمال‪ ،‬ول يعتبر الجلوس على البساط‬
‫مثلً غصبا؛ لن البسط فعل المالك‪ ،‬والجلوس استعمال لم يزل يد المالك عنه‪.‬‬
‫ول بد من زيادة قيدين آخرين على التعريف‪ :‬وهما أولً‪« :‬على سبيل المجاهرة» لخراج السرقة التي‬
‫تكون على سبيل الخفية‪ .‬وثانيا‪« :‬أو يقصر يده إن لم يكن في يده» فيصبح التعريف‪« :‬أخذ مال متقوم‬
‫محترم على سبيل المجاهرة بغير إذن المالك على وجه يزيل يد المالك إن كان في يده‪ ،‬أو يقصر يده‬
‫إن لم يكن في يده» ليشمل الخذ من المستأجر أو من المرتهن أو من الوديع؛ لن الخذ من هؤلء‪،‬‬
‫وإن لم يكن في يد المالك؛ إل أنه يترتب عليه أن الغاصب قصر يد المالك عن ماله‪ ،‬أي أنه قيد يده‬
‫في التصرف بماله‪ ،‬فلم يعد قادرا على التصرف‪.‬‬
‫‪ - 2‬وعرف المالكية (‪ )1‬الغصب بأنه «أخذ مال قهرا تعديا بل حرابة» فكلمة‪« :‬أخذ المال» أي‬
‫الستيلء عليه جنس يشمل الغصب وغيره كأخذ إنسان ماله من وديع أو مدين أو غيرهما‪ .‬وكلمة‬
‫«المال» يراد بها الذوات أي العيان المادية‪ ،‬فخرج بها «التعدي» ‪ :‬وهو الستيلء على المنافع‬
‫كسكنى الدار وركوب الدابة مثلً‪ .‬و «قهرا» لخراج السرقة ونحوها إذ ل قهر فيها حال الخذ‪ ،‬وإن‬
‫أعقبها القهر بعدها‪ ،‬كما أنها أيضا لخراج المأخوذ اختيارا كالمستعار والموهوب‪ ،‬و «تعديا» خرج به‬
‫المأخوذ قهرا بحق كالدين المأخوذ من مدين مماطل أو من غاصب‪ ،‬وأخذ الزكاة كرها من ممتنع عن‬
‫أدائها‪ ،‬ونحوه‪ ،‬والمقصود بقوله «بل حرابة» أي بدون مقاتلة‪ ،‬لخراج المأخوذ بالحرابة؛ لن حقيقتها‬
‫غير حقيقة الغصب‪.‬‬
‫من هذا التعريف يتبين أن الغصب عند المالكية أخص‪ ،‬والتعدي أعم؛ لن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير للدردير‪.459 ،442/3 :‬‬

‫( ‪)6/554‬‬

‫التعدي يكون في الموال والفروج والنفوس والبدان‪ ،‬والتعدي في النفوس والبدان يدخل تحت باب‬
‫الجنايات أو الدماء والقصاص‪ .‬فالغصب‪ :‬هو أخذ ذات الشيء‪ ،‬والتعدي‪ :‬أخذ المنفعة (‪. )1‬‬
‫والتعدي في الموال أربعة أنواع (‪: )2‬‬
‫الول ـ أخذ الرقبة أي ذات الشيء وهو الغصب‪.‬‬
‫والثاني ـ أخذ المنفعة‪ ،‬دون الرقبة‪ ،‬وهو نوع من الغصب‪ ،‬يجب فيه الكراء مطلقا‪.‬‬
‫والثالث ـ الستهلك بإتلف الشيء كقتل الحيوان‪ ،‬أو تحريق الثوب كله أو تخريقه‪ ،‬وقطع الشجر‪،‬‬
‫وكسر الزجاج‪ ،‬وإتلف الطعام والدنانير والدراهم‪ ،‬وشبه ذلك‪.‬‬
‫والرابع ـ التسبب في التلف‪ ،‬من فتح حانوتا لرجل‪ ،‬وتركه مفتوحا‪ ،‬فسرق‪ ،‬أو فتح قفص طائر‬
‫فطار‪ ،‬أو حل رباط دابة فهربت‪ ،‬أو أوقد نارا في يوم ريح‪ ،‬فأحرقت شيئا‪ ،‬أو حفر بئر تعديا‪ ،‬فسقط‬
‫فيه إنسان أو بهيمة‪ ،‬أو مزق وثيقة‪ ،‬فضاع ما فيها من الحقوق‪.‬‬
‫فمن فعل شيئا مما ذكر فهو ضامن لما استهلكه‪ ،‬أو أتلفه‪ ،‬أو تسبب في إتلفه‪ ،‬سواء تم الفعل عمدا أو‬
‫خطأ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهناك فروق أخرى بينهما منها أن الفساد اليسير من الغاصب يوجب للمالك أخذ قيمة المغصوب‬
‫إن شاء‪ ،‬والفساد اليسير من المتعدي ل يوجب إل أخذ أرش النقص الحاصل به‪ .‬ومنها‪ :‬أن المتعدي‬
‫ل يضمن الفة السماوية‪ ،‬والغاصب يضمنها‪ .‬ومنها أن المتعدي يضمن غلة ما عطل كدار أغلقها‬
‫وأرض بورها‪ ،‬ودابة حبسها بخلف الغاصب إنما يضمن غلة ما استعمل (حاشية الدسوقي على‬
‫الشرح الكبير‪ 459/3 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 331‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/555‬‬

‫‪ - 3‬وعرف الشافعية والحنابلة (‪ )1‬الغصب بأنه‪ :‬الستيلء على حق الغير (من مال أو اختصاص)‬
‫عدوانا‪ ،‬أي على وجه التعدي أو القهر بغير حق‪.‬‬
‫وهذا التعريف يشمل أخذ الموال المتقومة والمنافع وسائر الختصاصات كحق التحجر (أي إحياء‬
‫الرض الموات بوضع الحجار على حدودها)‪ ،‬والموال غير المتقومة كخمر الذمي‪ ،‬وما ليس بمال‪،‬‬
‫كالكلب والسرجين وجلد الميتة‪ ،‬وأما أخذ مال الحربي فهو أخذ بحق‪.‬‬
‫ثالثا ـ أثر اختلف الفقهاء في ضابط الغصب ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في ضابط الغصب الذي يتحقق به على رأيين‪:‬‬
‫‪ - 1‬فقال أبو حنيفة وأبو يوسف (‪ : )2‬الغصب‪ :‬هو إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل‬
‫المجاهرة والمغالبة‪ ،‬بفعل في المال‪ ،‬أي أن الغصب ل يتحقق إل بأمرين هما‪ :‬إثبات يد الغاصب‬
‫(وهوأخذ المال) وإزالة يد المالك أي بالنقل والتحويل‪ .‬وعبارتهم فيه‪ :‬الغصب يتحقق بوصفين‪:‬‬
‫إثبات اليد العادِيَة‪ ،‬وإزالة اليد المحقة (‪. )3‬‬
‫‪ - 2‬وقال جمهور الفقهاء ومنهم المذاهب الثلثة‪ ،‬ومحمد وزفر من الحنفية (‪ : )4‬يتحقق الغصب‬
‫بمجرد الستيلء‪ ،‬أي إثبات اليد على مال الغير بغير إذنه‪ ،‬ول يشترط إزالة يد المالك‪.‬وليس المقصود‬
‫من الستيلء أو أخذ مال الغير‪ :‬هو الخذ أو الستيلء الحسي بالفعل‪ ،‬وإنما يكفي الحيلولة بين المال‬
‫وصاحبه‪ ،‬ولو أبقاه بموضعه الذي وضعه فيه‪.‬‬
‫ويظهر أثر الختلف بين الرأيين في غصب العقار وفي زوائد المغصوب وفي منافعه‪ .‬كما يظهر أثر‬
‫الختلف بين الحنفية وغيرهم باشتراط تقوم المال في غصب المال غير المتقوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،275/2 :‬كشاف القناع‪ ،83/4 :‬المغني‪.220/5 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،143/7 :‬تكملة الفتح‪ ،368/7 :‬تبيين الحقائق‪.224/5 :‬‬
‫(‪ )3‬المراد باليد‪ :‬هو القدرة على التصرف‪ .‬وعدم اليد‪ :‬عدم القدرة على التصرف (تبيين الحقائق‪،‬‬
‫المكان السابق)‪ .‬والعادية‪ :‬بتخفيف الياء ل بتشديدها‪ ،‬وهي الضامنة ل المتعدية‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير‪ ،442/3 :‬مغني المحتاج‪ ،275/2 :‬كشاف القناع‪ .83/4 :‬ويفتى برأي محمد وزفر‬
‫في الوقف‪ ،‬وبرأي الشيخين في غير الوقف‪.‬‬

‫( ‪)6/556‬‬

‫‪ ً 1‬ـ غصب العقار‪ :‬ل يتصور الغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف إل في غصب المنقول فقط (‬
‫‪ )1‬؛ لن إزالة يد المالك بالنقل والتحويل التي يتحقق بها معنى الغصب عندهما‪ ،‬ل تتحقق إل في‬
‫المنقولت‪ .‬وأما العقار كالرض والدار‪ ،‬فليتصور وجود الغصب فيه‪ ،‬لعدم إمكان نقله وتحويله‪ ،‬فمن‬
‫غصب عقارا فهلك في يده بآفة سماوية كغلبة سيل‪ ،‬لم يضمنه عندهما‪ ،‬لعدم تحقق الغصب بإزالة‬
‫اليد؛ لن العقار في محله لم ينقل‪ ،‬فصار كما لو حال بين المالك وبين متاعه‪ ،‬فتلف المتاع‪ .‬أما لو‬
‫كان الهلك بفعل الغاصب كأن هدمه‪ ،‬فيضمنه؛ لن الغصب إذا لم يتحقق في العقار‪ ،‬فيعتبر التلف‪.‬‬
‫وقال محمد وزفر من الحنفية وأئمة المذاهب الثلثة (‪ : )2‬يتصور غصب العقار من الراضي‬
‫والدور‪ ،‬ويجب ضمانها على غاصبها؛ لنه يكفي ـ عند غير الحنفية ـ لتوافر معنى الغصب‪ :‬إثبات‬
‫يد الغاصب على الشيء بالسكنى ووضع المتعة وغيرها‪ ،‬ويترتب عليه ضمنا بالضرورة إزالة يد‬
‫المالك‪ ،‬لستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة‪ ،‬ويتحقق أيضا عند محمد وزفر‬
‫مبدؤهما‪ :‬وهو إزالة يد المالك وإثبات يد الغاصب‪ ،‬وتحقق هذين الوصفين هو معنى الغصب‪ ،‬فصار‬
‫العقار كالمنقول في تحقيق الوصفين المطلوبين لتصور الغصب‪.‬‬
‫ولن ما يضمن في التلف يجب أن يضمن في الغصب‪ ،‬فالعقار والمنقول مضمونان على السواء؛‬
‫وما يضمن في البيع يضمن أيضا في الغصب؛ ولن الغاية المطلوبة من الغصب وهي النتفاع على‬
‫وجه التعدي توجد في العقار‪ ،‬كما توجد في المنقول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 45/7 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب شرح الكتاب‪ ،189/2 :‬تكملة الفتح وتبيين الحقائق‪ ،‬المكان‬
‫السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،443/3 :‬بداية المجتهد‪ ،311/2 :‬مغني المحتاج‪ 275/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،223/5‬كشاف القناع‪ 83/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/557‬‬

‫ويؤكدما سبق كله قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من ظلم شبرا من الرض طوقه ال من سبع‬
‫أرضين» (‪ )1‬وفي لفظ «من غصب شبرا من الرض» فإنه يدل على تحقق الغصب في العقار؛ لنه‬
‫سماه غصبا‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو الرجح‪.‬‬
‫‪ ً 2‬ـ زوائد المغصوب أو النماء السماوي‪ :‬ل تضمن زوائد المغصوب إذا هلكت بل تعدّ‪،‬وإنما هي‬
‫أمانة في يد الغاصب في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف (‪ ، )2‬سواء أكانت منفصلة كالولد واللبن‬
‫والثمرة‪ ،‬أم متصلة كالسمن والجمال؛ لن الغصب عندهما هو إثبات يد الغاصب على مال الغير على‬
‫وجه يزيل يد المالك كما تقدم‪ ،‬ويد المالك لم تكن ثابتة على هذه الزيادة حتى يزيلها الغاصب‪،‬أي أن‬
‫عنصر ( إزالة يد المالك ) لم يتحقق هنا‪ ،‬كما لم يتحقق في غصب العقار‪.‬‬
‫فإن تعدّى الغاصب على الزيادة‪ ،‬لن أتلفها أو أكلها أو باعها‪ ،‬أو طلبها مالكها فمنعها عنه‪ ،‬ضمنها؛‬
‫لنه بالتعدي أو المنع صار غاصبا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه بين أحمد والشيخين من رواية عائشة رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،160 ،143/7 :‬الدر المختار‪ ،143/5 :‬تكملة الفتح‪ ،388/7 :‬اللباب شرح الكتاب‪:‬‬
‫‪.194/2‬‬

‫( ‪)6/558‬‬
‫وقال المالكية في الرجح عندهم (‪ : )1‬إذا كانت الزيادة التي بفعل ال متصلة كالسمن والكبر فل‬
‫تكون مضمونة على الغاصب‪ .‬وأما إذا كانت الزيادة منفصلة ولو نشأت من غير استعمال الغاصب‬
‫كاللبن والصوف وثمر الشجر‪ ،‬فهي مضمونة على الغاصب إن تلفت أو استهلكت‪ ،‬ويجب ردها مع‬
‫المغصوب الصلي على صاحبها‪.‬‬
‫وقال محمد من الحنفية‪ ،‬والشافعية والحنابلة (‪ : )2‬تضمن زوائد المغصوب في يد الغاصب‪ ،‬سواء‬
‫أكانت متصلة كالسمن ونحوه‪ ،‬أم منفصلة كثمرة الشجرة وولد الحيوان‪ ،‬متى تلف شيء منه في يد‬
‫الغاصب‪ ،‬لتحقق إثبات اليد العادِيَة (الضامنة)‪ ،‬لنه بإمساك الصل تسبب في إثبات يده على هذه‬
‫الزوائد‪ ،‬وإثبات يده على الصل محظور‪.‬‬
‫‪ ً 3‬ـ منافع المغصوب وغلته ‪:‬‬
‫ل يضمن الغاصب عند الحنفية (‪ )3‬منافع ما غصبه من ركوب الدابة‪ ،‬وسكنى الدار‪ ،‬سواء استوفاها‬
‫أم عطلها؛ لن المنفعة ليست بمال عندهم؛ ولن المنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في‬
‫يد المالك‪ ،‬فلم يتحقق فيها معنى الغصب‪ ،‬لعدم إزالة يد المالك عنها‪.‬‬
‫وهذا فيما عدا ثلثة مواضع يجب فيها أجر المثل‪ ،‬في اختيار متأخري الحنفية‪ ،‬وعليه الفتوى‪ ،‬وهي‬
‫أن يكون المغصوب وقفا‪ ،‬أو ليتيم‪ ،‬أو معدا للستغلل بأن بناه صاحبه أو اشتراه لذلك الغرض‪.‬‬
‫وإن نقص المغصوب أي ذاته باستعمال الغاصب غرم النقصان‪،‬لستهلكه بعض أجزاء العين‬
‫المغصوبة‪ ،‬كما سأبين‪.‬‬
‫وأما غلة المغصوب كما سيأتي بيانه‪ :‬فل تطيب في رأي أبي حنيفة ومحمد للغاصب؛ لنه ل يحل له‬
‫النتفاع بملك الغير‪ .‬وقال أبو يوسف وزفر‪ :‬تطيب له‪.‬‬
‫وقال المالكية في المشهور (‪ : )4‬يضمن الغاصب غلة مغصوب مستعمل‪ ،‬أي أنه يضمن غلة‬
‫المغصوب ذاته الذي استعمله الغاصب‪ ،‬سواء كان المغصوب عقارا من دور أو أرض سكنها أو‬
‫زرعها أو كراها‪ ،‬أم منقولً‪ :‬حيوانا أو غيره‪ ،‬كراه أو استعمله‪ ،‬ول يضمن ما نشأ من غير استعمال‪،‬‬
‫ولو عطّله على صاحبه‪.‬‬
‫هذا في حالة غصب الذات‪ ،‬أما إن قصد الغاصب غصب المنفعة ( وهي حالة التعدي عندهم كما تبين‬
‫) فيلزمه كراء المثل‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الغاصب يضمن فقط غلة ما استعمل‪ ،‬والمتعدي يضمن غلة ما عطل كدار أغلقها‪،‬‬
‫وأرض بورها‪ ،‬ودابة حبسها‪ ،‬كما بان سابقا‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )5‬يضمن الغاصب منفعة المغصوب‪ ،‬وعليه أجر المثل‪ ،‬سواء استوفى‬
‫المنافع‪ ،‬أم تركها تذهب‪ ،‬وسواء أكان المغصوب عقارا كالدار‪ ،‬أم منقولً كالكتاب والدابة ونحوهما؛‬
‫لن المنفعة مال متقوم‪ ،‬فوجب‬
‫ضمانه كالعين المغصوبة ذاتها‪ .‬وهذا الرأي هو المتفق مع العدالة‪ ،‬ومع ظروف العصر الحاضر‬
‫المتجه إلى المادية‪ ،‬وتقويم كل الشياء‪ ،‬حتى النواحي الدبية أو الذهنية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،313/2 :‬الشرح الصغير للدردير‪ ،596/3 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،448/3 :‬شرح‬
‫الرسالة لبن أبي زيد القيرواني‪.220/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،145/7 :‬الدر المختار‪ ،145-144/5 :‬تكملة الفتح‪ ،394/7 :‬اللباب شرح الكتاب‪:‬‬
‫‪ ،195/2‬المهذب‪ ،370/1 :‬المغني والشرح الكبير‪ 399/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،448/3 :‬الشرح الصغير‪ 595/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 315/2 :‬شرح‬
‫الرسالة‪.240/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير‪ ،448/3 :‬الشرح الصغير‪ 595/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 315/2 :‬شرح‬
‫الرسالة‪.240/2 :‬‬
‫(‪ )5‬مغني المحتاج‪ ،486/2 :‬المهذب‪ ،367/1 :‬فتح العزيز‪ ،262/11 :‬المغني‪ 270/5 :‬القواعد لبن‬
‫رجب‪ :‬ص ‪.213‬‬

‫( ‪)6/559‬‬

‫‪ ً 4‬ـ غصب غير المتقوم ‪:‬‬


‫قال الحنفية (‪ : )1‬ل يضمن الغاصب خمر المسلم أو خنزيره إذا غصبه وهلك في يده أو استهلكه أو‬
‫خلل الخمر‪ ،‬سواء أكان الغاصب مسلما أم ذميا؛ لن الخمر ليست بمال متقوم في حق المسلم ويجب‬
‫إراقتها‪ ،‬وكذا الخنزير غير متقوم‪ ،‬لكن لو قام الغاصب بتخليل خمر المسلم ثم استهلكها يضمن خلً‬
‫مثلً ل خمرا؛ لن الغصب حين وجوده لم ينعقد سببا لوجوب الضمان‪ ،‬فإن استهلكه فقد وجد منه‬
‫ل مملوك للمغصوب منه‪ ،‬فيضمن‪ .‬وكذلك يضمن الغاصب جلد الميتة‬
‫سبب الضمان‪ ،‬وهو إتلف خ ّ‬
‫ل متقوما‪.‬‬
‫إذا دبغه‪ ،‬ويجب عليه فقط ما زاد الدباغ فيه؛ لنه بالدبغ صار ما ً‬
‫ل منهما مال عند أهل الذمة‪،‬‬
‫ويضمن المسلم أو الذمي خمر الذمي أو خنزيره إذا استهلكه؛ لن ك ً‬
‫فالخمر عندهم كالخل عندنا‪ ،‬والخنزير عندهم كالشاة عندنا؛ لن لهم ماللمسلمين وعليهم ما على‬
‫المسلمين‪ ،‬ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون (‪ ، )2‬وبه يقرون على بيعها‪ .‬لكن تجب على المسلم قيمة‬
‫الخمر‪ ،‬وإن كان من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 147/7 :‬وما بعدها‪ 162 ،‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،149-147/5 :‬تكملة فتح القدير‪:‬‬
‫‪ ،405-396/7‬اللباب‪ ،195/2 :‬تبيين الحقائق‪.222/5 :‬‬
‫(‪ )2‬هذا مروي عن علي بن أبي طالب كرم ال وجهه حيث قال‪« :‬إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم‬
‫كدمائنا‪ ،‬وأموالهم كأموالنا» ‪« .‬وأمرنا بتركهم وما يدينون» (نصب الراية‪ ،369/4 :‬تكملة فتح القدير‪:‬‬
‫‪.)398/7‬‬

‫( ‪)6/560‬‬

‫المثليات؛ لن المسلم ممنوع من تملكه‪ ،‬وغير المسلم يجوز له تسليم المثل؛ لنه يجوز له تملك الخمر‬
‫وتمليكها بالبيع وغيره‪.‬‬
‫أما الميتة والدم ولو لذمي فل يضمنان بالغصب؛ لنهما ليسا بمال‪ ،‬ول يدين أحد من أهل الديان‬
‫تمولهما‪ .‬كما ل يضمن متروك التسمية عمدا ولو كان مملوكا لمن يبيحه‪.‬‬
‫وكذلك يضمن المسلم قيمة صليب غصبه من نصراني فهلك في يده؛ لنه مقر على ذلك‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ومن كسر لمسلم آلة من آلت اللهو والطرب كالطبل والمزمار والدف ونحوها‪ ،‬فهو‬
‫ضامن؛ لنها أموال لصلحيتها لما يحل من وجوه النتفاع لغير اللهو‪ ،‬وإن استعملت فيما ل يحل‪،‬‬
‫كالمغنية إذا اعتدي عليها‪ ،‬وتضمن قيمة هذه اللت خشبا منحوتا صالحا لغير اللهو‪ ،‬أي تضمن‬
‫قيمتها قبل التصنيع‪.‬‬
‫أما الصاحبان فقال‪ :‬ل تضمن آلت الملهي؛ لن هذه الشياء أعدت للمعصية‪ ،‬فبطل تقومها كالخمر‪،‬‬
‫ولنه يجب شرعا إتلفها‪ ،‬وقد فعل المتلف ما أمر به الشرع‪ ،‬فل ضمان عليه‪ ،‬كما إذا فعل أمرا بإذن‬
‫المام‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ )1‬مثلما قال الحنفية‪ :‬ل تضمن خمر المسلم أو خنزيره‪ ،‬ول آلت الملهي والصنام‪،‬‬
‫لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال تعالى ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام» (‪)2‬‬
‫‪ ،‬ولنه ل قيمة لها‪ ،‬وما ل قيمة له ل يضمن‪.‬‬
‫لكن يضمن الغاصب خمر الذمي لتعديه عليه‪ ،‬ولنها مال محترم عند غير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي‪ ،447/3 ،204/2 :‬الشرح الصغير‪ 592/3 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر يوم الفتح‪.‬‬
‫( ‪)6/561‬‬

‫المسلمين يتمولونها‪ .‬وإذا تخللت الخمر‪ ،‬وكانت لمسلم خير صاحبها بين أخذها خلً‪ ،‬أو مثل عصيرها‬
‫إن علم قدرها‪ ،‬وإل فقيمتها‪.‬أما خمر غير المسلم فيخير صاحبها بين أخذ قيمتها يوم الغصب‪ ،‬أوأخذ‬
‫الخل‪ ،‬على المفتى به عند المالكية‪.‬‬
‫وإن كان المغصوب جلد ميتة لم يدبغ أو دبغ‪ ،‬أو كلبا مأذونا في اتخاذه‪ ،‬مثل كلب صيد أو ماشية أو‬
‫حراسة‪ ،‬فأتلفه الغاصب‪ ،‬فإنه يغرم القيمة‪ ،‬ولو لم يجز بيع الجلد أو الكلب‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬ل تضمن الخمر والخنزيز‪ ،‬سواء أكان متلفها مسلما أم ذميا‪ ،‬وسواء‬
‫أكانت لمسلم أم لذمي‪ ،‬إذ ل قيمة لها كالدم والميتة وسائر العيان النجسة‪ ،‬وما حرم النتفاع به لم‬
‫يضمن ببدل عنه؛ لن الرسول صلّى ال عليه وسلم حرم بيعها‪ ،‬وأمر بإراقتها‪ ،‬فما ليحل بيعه ول‬
‫تملكه‪ ،‬ل ضمان فيه‪.‬‬
‫كذلك ل ضمان عندهم بإتلف الصنام وآلت الملهي‪ ،‬إل أن الشافعية أجازوا ضمانها خشبا منحوتا‬
‫فقط (‪ )2‬كما قال أبو حنيفة‪ ،‬إذا كانت صالحة لمنفعة مباحة‪ ،‬فإن لم تصلح لذاك لم يلزم المتلف شيء‪،‬‬
‫لنه لم يتلف ما له قيمة‪.‬‬
‫لكن إذا كانت خمر الذمي ما زالت باقية عند الغاصب‪ ،‬فيجب ردها عليه؛ لنه يقر على شربها‪ .‬فإن‬
‫غصبها من مسلم لم يلزم عند الحنابلة ردها‪ ،‬يجب إراقتها؛ لنه ل يقر على اقتنائها‪ ،‬ويحرم ردها إلى‬
‫المسلم إذا لم يكن صانع خل (خللً) لنه إعانة له على ما يحرم عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،291 ،285/2 :‬فتح العزيز شرح الوجيز‪ ،258/11 :‬المغني‪،276 ،256/5 :‬‬
‫المهذب‪ ،374/1 :‬كشاف القناع‪ 84/4 :‬وما بعدها‪ ،‬الميزان‪.90/2 :‬‬
‫(‪ )2‬عبارة الشافعية في هذا‪ :‬أن المتلف يلزمه الفرق ما بين قيمة اللة مفككة (مفصلة) ومكسورة‪.‬‬

‫( ‪)6/562‬‬

‫وفصل الشافعية فقالوا‪ :‬ترد الخمر المحترمة (‪ )1‬المغصوبة من مسلم إليه‪ ،‬ول ترد الخمر غير‬
‫المحترمة بل تراق‪.‬‬
‫ولو غصب غاصب عصيرا‪ ،‬فتخمر‪ ،‬ثم تخلل‪ ،‬فالصح عند الشافعية أن الخل للمالك‪ ،‬وعلى الغاصب‬
‫أرش ما نقص من قيمة العصير‪ ،‬إن كان الخل أنقص قيمة من العصير‪ ،‬لحصوله في يده‪ .‬وقال‬
‫الحنابلة‪ :‬إنه يجب عليه مثل العصير‪.‬‬
‫ولو غصب جلد ميتة فدبغه‪ ،‬فالصح عند الشافعية أيضا أن الجلد للمغصوب منه كالخمر التي تخللت‪،‬‬
‫فإذا تلفا في يده ضمنهما‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬إن غصب جلد ميتة نجسة لم يلزم الغاصب رده ولو دبغه؛‬
‫لنه ل يطهر بدبغه عندهم‪ ،‬ول قيمة له؛ لنه ل يصح بيعه‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ أحكام الغصب ‪:‬‬
‫للغصب أحكام ثلثة‪ :‬الثم لمن علم أنه مال الغير‪ ،‬ورد العين المغصوبة مادامت قائمة‪ ،‬وضمانها إذا‬
‫هلكت (‪. )2‬‬
‫الحكم الول ـ الثم‪ :‬وهو استحقاق المؤاخذة في الخرة‪ ،‬إذا فعل الغصب عالما أن المغصوب مال‬
‫الغير؛ لن ذلك معصية‪ ،‬وارتكاب المعصية عمدا موجب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الخمر المحترمة‪ :‬هي التي عصرت من غير قصد الخمرية‪ ،‬سواء عصرت بقصد الخلية أو‬
‫عصرت بغير قصد شيء‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،126/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،330‬مغني المحتاج‪ ،277/2 :‬المغني‪ 259/5 :‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/563‬‬

‫للمؤاخذة (‪ ، )1‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من غصب شبرا من أرض‪ ،‬طوقه ال تعالى من سبع‬
‫أرضين يوم القيامة» ‪.‬‬
‫ويؤدب بالضرب والسجن عند الحنفية والمالكية (‪ )2‬غاصب مميز صغير أو كبير لحق ال تعالى‪،‬‬
‫ولو عفا عنه المغصوب منه‪ ،‬باجتهاد الحاكم لدفع الفساد‪ ،‬وإصلح حاله‪ ،‬وزجره هو وأمثاله‪ .‬أما غير‬
‫المميز من صغير ومجنون فل يعزر‪ .‬كذلك نص الشافعية (‪ )3‬على أنه يعزر الغاصب لحق ال‬
‫تعالى‪ ،‬واستيفاؤه للمام‪.‬‬
‫فإن حدث الغصب ل عن علم بأن ظن أن الشيء ملكه‪ ،‬فل إثم ول مؤاخذة عليه؛ لنه خطأ‪ ،‬والخطأ‬
‫ل مؤاخذة عليه شرعا لقوله تعالى‪{ :‬ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة‪ ]286/2:‬وقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (‪. )4‬‬
‫ولكن في هذه الحالة يبقى الحكمان الخيران وهما‪ :‬رد العين ما دامت قائمة‪ ،‬والغرم إذا صارت‬
‫هالكة‪.‬‬
‫الحكم الثاني ـ رد العين المغصوبة ما دامت قائمة‪ :‬والكلم فيه في مواضع‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬إن أخذ أموال الناس بالباطل له عشرة أنواع كلها حرام‪ ،‬والحكم فيها مختلف‪ :‬الول ـ الحرابة‪،‬‬
‫والثاني ـ الغصب‪ ،‬والثالث ـ السرقة‪ ،‬والرابع ـ الختلس‪ ،‬والخامس ـ الخيانة‪ ،‬والسادس ـ‬
‫الذلل‪ ،‬والسابع ـ الفجور في الخصام بإنكار الحق أو دعوى الباطل‪ ،‬والثامن ـ القمار‪ ،‬كالشطرنج‬
‫والنرد‪ ،‬والتاسع ـ الرشوة‪ ،‬فل يحل أخذها ول عطاؤها‪ ،‬والعاشر ـ الغش والخلبة في البيوع‬
‫(القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ )329‬والحرام‪ :‬ل يجوز قبوله ول الكل منه ول السكنى فيه‪ ،‬لكن يجوز أخذ‬
‫العوض عن التالف عند الغاصب؛ لن دفع العوض واجب مستقل‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪442/3 :‬؛ القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.330‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.277/4 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس بلفظ ‪« :‬إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ‪»...‬‬
‫الحديث‪.‬‬

‫( ‪)6/564‬‬

‫هي سبب وجوب الرد‪ ،‬وشرط الرد ومكانه ومؤنته‪ ،‬وما يصير به المالك مستردا (‪. )1‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه يجب رد العين المغصوبة إلى صاحبها حال قيامها ووجودها بذاتها لقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬على اليد ما أخذت حتى تؤديه» «ل يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا‪ ،‬ول لعبا‪ ،‬وإذا‬
‫أخذ أحدكم عصا أخيه‪ ،‬فليردها عليه» (‪ )2‬وترد إلى مكان الغصب لتفاوت القيم باختلف الماكن‪.‬‬
‫ومؤنة الرد (نفقته) على الغاصب؛ لنها من ضرورات الرد‪ ،‬فإذا وجب عليه الرد‪ ،‬وجب عليه ما هو‬
‫من ضروراته كما في رد العارية‪.‬‬
‫ويصير المالك مستردا للمغصوب‪ :‬بإثبات يده عليه‪ ،‬لنه صار مغصوبا بتفويت يده عنه‪ .‬فإذا أثبت‬
‫يده عليه‪ ،‬فقد أعاده إلى يده‪ ،‬وزالت يد الغاصب عنه‪ ،‬إل أن يغصبه مرة أخرى‪.‬‬
‫ويبرأ الغاصب من الضمان بالرد‪ ،‬سواء علم المالك بحدوث الرد أم لم يعلم؛ لن إثبات اليد على‬
‫الشيء أمر حسي ل يختلف بالعلم أو الجهل بحدوثه‪.‬‬
‫الحكم الثالث ـ ضمان المغصوب إذا هلك‪ :‬والكلم فيه يتناول عدة مواضع هي مايأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬كيفية الضمان ‪:‬‬
‫إذا هلك المغصوب أو تلف أو أتلف عند الغاصب‪ ،‬وكان من المنقولت عند الحنفية (‪ ، )3‬أو من‬
‫العقارات أو المنقولت عند غير الحنفية (‪ ، )4‬بفعله أو بغير فعله‪ ،‬فعليه ضمانه‪ ،‬أي غرامته أو‬
‫تعويضه‪ .‬لكن إن كان الهلك بتعد من غيره‪ ،‬ل بآفة سماوية‪ ،‬رجع الغاصب عليه بما ضمن؛ لنه‬
‫يستقر عليه ضمان الشيء الذي يمكنه أن يتخلص منه برده إلى من كان في يده‪ .‬وعبارتهم فيه‪:‬‬
‫«الغاصب ضامن لما غصبه‪ ،‬سواء تلف بأمر ال ‪ ،‬أو من مخلوق» (‪. )5‬‬
‫وكيفية الضمان أو قاعدته‪ :‬أنه يجب ضمان المثل باتفاق العلماء إذا كان المال مثليا‪ ،‬وقيمته إذا كان‬
‫قيميا‪ ،‬فإن تعذر وجود المثل وجبت القيمة للضرورة‪.‬‬
‫أما ضمان المثل فلقوله تعالى‪{ :‬فمن اعتدى عليكم‪ ،‬فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة‪:‬‬
‫‪{ ]194/2‬وإ ن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل‪{ ]126/16:‬وجزاء سيئة سيئة مثلها}‬
‫[الشورى‪ ]40/42:‬ولن المثل تماما أقرب إلى الصل التالف‪ ،‬فكان اللزام به أعدل وأتم لجبران‬
‫الضرر‪ ،‬والواجب في الضمان القتراب من الصل بقدر المكان تعويضا للضرر‪.‬‬
‫وأما ضمان القيمة فلنه تعذر الوفاء بالمثل تماما صورة ومعنى‪ ،‬فيجب المثل المعنوي وهو القيمة؛‬
‫لنها تقوم مقامه‪ ،‬ويحصل بها مثله‪ ،‬واسمها ينبئ عنه‪.‬‬
‫والمال المثلي‪ :‬هو مايوجد له مثل في السواق بل تفاوت يعتد به‪ .‬أو هو ما تماثلت آحاده أو أجزاؤه‬
‫بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق يعتد به‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،148/7 :‬الدر المختار‪ ،128/5 :‬تكملة الفتح‪ ،367/7 :‬الميزان‪.88/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن السائب بن يزيد عن أبيه (نيل الوطار‪.)316/5 :‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،50/11 :‬البدائع‪ ،168 ،150/7 :‬الدر المختار‪ ،128/5 :‬تبيين الحقائق‪،223/5 :‬‬
‫‪ ،234‬تكملة الفتح‪ ،363/7 :‬اللباب والكتاب‪ 188/4 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير للدردير‪ ،443/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 330‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪،312/2 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،284 ،281/2 :‬فتح العزيز شرح الوجيز‪ 242/11 :‬بهامش المجموع‪ ،‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،258 ،254 ،221/5‬كشاف القناع‪ 116/4 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.331‬‬

‫( ‪)6/565‬‬

‫والموال المثلية أربعة‪ :‬هي المكيلت والموزونات‪ ،‬والعدديات المتقاربة‪ ،‬وبعض أنواع الذرعيات‪.‬‬
‫والمكيلت‪ :‬هي التي تباع بالكيل كالقمح والشعير‪ ،‬وكبعض السوائل التي تباع اليوم بالليتر كالبترول‬
‫والبنزين‪.‬‬
‫والموزونات‪ :‬هي التي تباع بالوزن كالسمن والزيت والسكر‪.‬‬
‫والذرعيات‪ :‬هي التي تباع بالذراع ونحوه كالقطع الكبرى من المنسوجات الصوفية أو القطنية أو‬
‫الحريرية‪.‬‬
‫والعدديات المتقاربة‪ :‬هي التي لتتفاوت آحادها إل تفاوتا بسيطا كالبيض والجوز‪ .‬وكالمصنوعات‬
‫المتماثلة من صنع المعامل كالكؤوس وصحون الخزف والبلور ونحوها من الدفاتر والقلم‬
‫والمطبوعات‪.‬‬
‫والقيمي‪ :‬هو ما ليس له مثل في السواق‪ ،‬أويوجد لكن مع التفاوت المعتد به في القيمة‪ .‬أو هو ما‬
‫تفاوتت أفراده‪ ،‬فل يقوم بعضها مقام بعض بل فرق كالدور والراضي المختلفة المواقع أو المبنية‬
‫والشجار والحيوان والمفروشات والمخطوطات ونحوها (‪. )1‬‬
‫وتجب القيمة في ثلث حالت (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬إذا كان الشيء غير مثلي كالحيوانات والدور والمصوغات‪ ،‬فلكل واحد منها قيمة تختلف عن‬
‫الخرى باختلف الصفات المميزة لكل واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وحاشيته‪ ،173/4 ،130/5 :‬اللباب والكتاب‪ ،188/2 :‬تكملة الفتح‪ ،363/7 :‬تبيين‬
‫الحقائق‪ ،223/5 :‬بداية المجتهد‪ ،312/2 :‬شرح الرسالة‪ ،217/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،330‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،284 ،281/2 :‬كشاف القناع‪ 116/4 :‬ومابعدها‪ ،‬المدخل لنظرية اللتزام العامة في الفقه‬
‫السلمي للستاذ مصطفى الزرقا‪ :‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪.129/5 :‬‬

‫( ‪)6/566‬‬

‫‪ - 2‬إذا كان الشيء خليطا مما هو مثلي بغير جنسه‪ ،‬كالحنطة مع الشعير‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا كان الشيء مثليا تعذر وجود مثله‪ ،‬والتعذر إما حقيقي حسي كانقطاع وجود المثل في السوق‬
‫بعد البحث عنه‪ ،‬وإن وجد في البيوت‪ ،‬أو حكمي‪ :‬كأن لم يوجد إل بأكثر من ثمن المثل‪ ،‬أو شرعي‪:‬‬
‫بالنسبة للضامن كالخمر بالنسبة للمسلم يجب عليه للذمي عند أئمة المذاهب كما أبنت ضمان القيمة‪،‬‬
‫وإن كانت الخمر من المثليات؛ لنه يحرم على المسلم تملكها بالشراء‪.‬‬
‫وبه يتبين أن الواجب الصلي في الضمان (أو التعويض أو الغرامة)‪ :‬هو إزالة الضرر عينا كإصلح‬
‫الحائط‪ ،‬ورد عين المغصوب مادام قائما‪ ،‬ورد الخمر المغصوبة مادامت باقية بالنسبة للمسلم‪ ،‬إذ له‬
‫عند الحنفية إمساكها لتصير خلً‪ ،‬وجبر التلف وإعادته صحيحا كما كان‪ ،‬عند المكان‪ ،‬كإعادة‬
‫المكسور صحيحا‪ .‬فإن تعذرت العادة وجب التعويض‪ :‬المثلي في المثليات‪ ،‬والنقدي أو القيمة في‬
‫القيميات‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقت وجوب الضمان أو وقت تقدير التعويض ‪:‬‬
‫للفقهاء آراء متقاربة في وقت الضمان أو تقدير قيمة التعويض‪ ،‬فقال الحنفية على المختار عندهم (‪)1‬‬
‫والمالكية (‪ : )2‬تقدر قيمة المغصوب يوم الغصب؛ لن الضمان يجب بالغصب‪ ،‬فتقدر قيمة‬
‫المغصوب يوم الغصب‪ ،‬فل يتغير التقدير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا هو رأي أبي يوسف وهو الذي أخذت به المجلة م‪ ،921/‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تجب القيمة وقت‬
‫الخصومة أي المحاكمة‪ ،‬وقال محمد‪ :‬تجب القيمة يوم انقطاع المثل من السواق‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،151/7 :‬الدر المختار‪ ،128/5 :‬تكملة الفتح‪ ،363/7 :‬المبسوط‪ ،50/11 :‬تبيين الحقائق‪:‬‬
‫‪ ،223/5‬اللباب مع الكتاب‪ ،188/2 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،448 ،443/3 :‬بداية المجتهد‪،312/2 :‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.330‬‬

‫( ‪)6/567‬‬

‫بتغير السعار؛ لن سبب الضمان لم يتغير كما لم يتغير محل الضمان‪ ،‬لكن فرق المالكية بين ضمان‬
‫الذات وضمان الغلة‪ ،‬فتضمن الولى يوم الستيلء عليها‪ ،‬وتضمن الغلة من يوم استغللها‪ ،‬وأما‬
‫المتعدي‪ :‬وهو غاصب المنفعة فيضمن المنفعة بمجرد فواتها على صاحبها وإن لم يستعملها‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )1‬الصح أن المعتبر في الضمان هو أقصى قيمة للمغصوب من وقت الغصب في‬
‫بلد الغصب إلى وقت تعذر وجود المثل‪ .‬وإذا كان المثل مفقودا عند التلف‪ ،‬فالصح وجوب الكثر‬
‫قيمة من الغصب إلى التلف‪ ،‬سواء أكان ذلك بتغير السعار‪ ،‬أم بتغير المغصوب في نفسه‪.‬‬
‫وأما المال القيمي‪ :‬فيضمن بأقصى قيمة له من يوم الغصب إلى يوم التلف‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬إن كان المغصوب من المثليات‪ ،‬وفقد المثل‪ ،‬وجبت قيمته يوم انقطاع المثل؛ لن‬
‫القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل‪ ،‬فقُدّرَت القيمة حينئذ كتلف المتقوم‪.‬‬
‫وإن كان المغصوب من القيميات وتلف‪ ،‬فالواجب القيمة أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين‬
‫الرد‪ ،‬إذا كان التغير في المغصوب نفسه من كبر وصغر‪ ،‬وسمن وهزال‪ ،‬ونحوها من المعاني التي‬
‫تزيد بها القيمة وتنقص؛ لن هذه المعاني مغصوبة في الحال التي زادت فيها‪ ،‬والزياد ة لمالكها‬
‫مضمونة على الغاصب‪.‬‬
‫وإن كانت زيادة القيمة لتغير السعار‪ ،‬لم تضمن الزيادة؛ لن نقصان القيمة لهذا السبب ل يضمن إذا‬
‫ردت العين المغصوبة بذاتها‪ ،‬فل يضمن عند تلفها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،283/2 :‬المهذب‪ ،368/1 :‬بجيرمي الخطيب‪ ،136/3 :‬نهاية المحتاج‪-119/4 :‬‬
‫‪.121‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 257/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.117/4 :‬‬

‫( ‪)6/568‬‬

‫‪ - 3‬ما يخرج به الغاصب عن عهدة الضمان ‪:‬‬


‫يخرج الغاصب عن عهدة الضمان بأحد أربعة أمور ‪:‬‬
‫الول ـ رد العين المغصوبة إلى صاحبها ما دامت باقية بذاتها‪ ،‬ولم تشغل بشيء آخر‪.‬‬
‫الثاني ـ أداء الضمان إلى المالك أو من يقوم مقامه؛ لنه المطلوب أصالة‪.‬‬
‫الثالث ـ البراء عن الضمان‪ ،‬إما صراحة مثل‪ :‬أبرأتك عن الضمان أو أسقطته عنك أو وهبته منك‬
‫ونحوه‪ ،‬أو يجري مجرى الصريح‪ :‬وهو أن يختار المالك تضمين أحد الغاصبين‪ ،‬فيبرأ الخر؛ لن‬
‫اختيار تضمين أحدهما إبراء للخر ضمنا (دللة)‪.‬‬
‫الرابع ـ إطعام الغاصب المغصوب لمالكه أو لدابته‪ ،‬وهو يعلم أنه طعامه‪ ،‬أو تسلم الغاصب الشيء‬
‫المغصوب على سبيل المانة كاليداع أو الهبة أو الجارة أو الستئجار على قصارته (تبييضه) أو‬
‫خياطته‪ ،‬وعلم المالك أنه ماله المغصوب منه‪ ،‬أو على وجه ثبوت بدله في ذمته‪ ،‬كالقرض‪ ،‬وعلم أنه‬
‫ماله‪ ،‬فإن لم يعلم بذلك لم يبرأ الغاصب حتى تتغير صفة الغصب (‪. )1‬‬
‫وهل يملك الغاصب الشيء المغصوب بالضمان؟‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬يملك الغاصب الشيء المغصوب بعد ضمانه من وقت وجود الغصب‪ ،‬حتى ل‬
‫يجتمع البدل والمبدل في ملك المالك‪ .‬وينتج عن التملك أن الغاصب لو تصرف في المغصوب بالبيع‬
‫أو الهبة أو الصدقة قبل أداء الضمان‪ ،‬ينفذ تصرفه‪ ،‬كما تنفذ تصرفات المشتري في المشترى شراء‬
‫فاسدا‪ ،‬وكما لو غصب شخص عينا فغيبها (أخفاها) فضمنه المالك قيمتها‪ ،‬ملكها الغاصب؛ لن المالك‬
‫ملك البدل كله‪ ،‬والمبدل قابل للنقل‪ ،‬فيملكه الغاصب لئل يجتمع البدلن في ملك شخص واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،151/7 :‬الشرح الصغير‪ 600/3 :‬ومابعدها‪ ،‬السراج الوهاج شرح المنهاج‪ :‬ص ‪،268‬‬
‫المغني والشرح الكبير‪ ،437/5 :‬كشاف القناع‪ 103/4 :‬ط بيروت‪.‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،15/16 :‬البدائع‪ 152/7 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب شرح الكتاب‪.193/2 :‬‬

‫( ‪)6/569‬‬

‫ولكن في رأي أبي حنيفة ومحمد (‪ : )1‬ل يحل للغاصب النتفاع بالمغصوب بأن يأكله بنفسه أو‬
‫يطعمه غيره قبل أداء الضمان‪ .‬وإذا حصل فيه فضل (أي نماء وزيادة) يتصدق بالفضل استحسانا‪،‬‬
‫ل ل تطيب له؛ لن النبي صلّى ال عليه‬
‫وعليه‪ ،‬إن غلة المغصوب المستفادة من إركاب سيارة مث ً‬
‫وسلم لم يبح النتفاع بالمغصوب قبل إرضاء المالك‪ ،‬روى أبو حنيفة بسنده عن أبي موسى رضي ال‬
‫عنه‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان في ضيافة قوم من النصار‪ ،‬فقدّموا إليه شاة مصلية‬
‫(مشوية)‪ ،‬فأخذ منها لقمة‪ ،‬فجعل يمضغها ول يسيغها‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬إن هذه الشاة‬
‫لتخبرني أنها ذبحت بغير حق‪ ،‬قالوا‪ :‬هذه الشاة لجار لنا‪ ،‬ذبحناها لنرضيه بثمنها‪ ،‬فقال صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أطعموها السارى (‪ » )2‬فقد حرم عليهم النتفاع بها‪ ،‬مع حاجتهم‪ ،‬ولو كانت حللً لطلق‬
‫لهم إباحة النتفاع بها‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )3‬يمنع الغاصب من التصرف في المغصوب برهن أو كفالة خشية ضياع حق‬
‫المالك‪ ،‬ول يجوز لمن وهب له منه شيء قبوله ول الكل منه مثلً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وقال أبو يوسف وزفر‪ :‬يحل له النتفاع ول يلزمه التصدق بالفعل إن كان فيه فضل‪ ،‬لن‬
‫المغصوب مملوك للغاصب من وقت الغصب‪« :‬المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا إلى وقت‬
‫الغصب» أي بأثر رجعي‪ ،‬وعلى هذا فإن غلة المغصوب تطيب للغاصب‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه محمد بن الحسن في كتاب الثار‪ ،‬وأبو داود وأحمد في مسنده والدارقطني في سننه من‬
‫حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من النصار (نصب الراية‪.)168/4 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ 445/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪.586/3 :‬‬

‫( ‪)6/570‬‬
‫ول السكنى فيه مثل أي شيء حرام‪ ،‬لكن لو تلف المغصوب عند الغاصب أو استهلكه (أي فات عنده‬
‫بتعبيرهم)‪ ،‬فالرجح عندهم أنه يجوز للغاصب النتفاع به؛ لنه وجبت عليه قيمته في ذمته‪ ،‬فقد أفتى‬
‫بعض المحققين بجواز الشراء من لحم الغنام المغصوبة إذا باعها الغاصب للجزارين‪ ،‬فذبحوها؛ لنه‬
‫بذبحها ترتبت القيمة في ذمة الغاصب‪ ،‬إل أنهم قالوا‪ :‬ومن اتقاه فقد استبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومعناه أن‬
‫الغاصب يتملك بالضمان الشيء المغصوب من يوم التلف‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬ل يملك الغاصب العين المغصوبة بدفع القيمة؛ لنه ل يصح أن يتملكه‬
‫بالبيع لغيره لعدم القدرة على التسليم‪ ،‬فل يصح أن يتملكه بالتضمين‪ ،‬كالشيء التالف ل يملكه‬
‫بالتلف‪.‬‬
‫وبناء عليه تحرم عندهم تصرفات الغاصب بعقد أو غيره‪ ،‬ول تصح (‪ ، )2‬لحديث‪« :‬من عمل عملً‬
‫ليس عليه أمرنا فهو رد» (‪ )3‬أي مردود‪ ،‬فل يجوز له بيعه أو إجارته‪ ،‬كما ل يجوز له إتلفه‬
‫واستعماله كأكل ولبس وركوب وحمل عليه وسكنى العقار‪ ،‬لحديث «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‬
‫حرام عليكم» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،368/1 :‬مغني المحتاج‪ ،279 ،277/2 :‬كشاف القناع‪ 123 ،120/4 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المغني‪.253-251/5 :‬‬
‫(‪ )2‬وكذلك قال الحنابلة خلفا للجمهور‪ :‬يحرم الحج ول يصح من المال المغصوب وسائر العبادات‬
‫كالصلة بثوب مغصوب‪ ،‬أو في مكان مغصوب‪ ،‬والوضوء من ماء مغصوب‪ ،‬وإخراج زكاته بخلف‬
‫عبادة ل يحتاج فيهاإلى المغصوب كالصوم والذكر والعتقاد (كشاف القناع‪ 123/4 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫وراجع للمؤلف أصول الفقه‪ ، 82/1 :‬ط دار الفكر‪ ،‬طبعة ثانية )‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬

‫( ‪)6/571‬‬

‫‪ - 4‬تغير العين المغصوبة عند الغاصب ‪:‬‬


‫قال الحنفية‪ :‬قد يتغير المغصوب عند الغاصب بنفسه أوبفعل الغاصب‪ ،‬وهذا الخير قد يكون تغيرا في‬
‫الوصف أو تغيرا في السم والذات (‪ . )1‬وكل حالت التغير يكون المغصوب فيها موجودا‪.‬‬
‫أ ـ فإذا تغير المغصوب بنفسه كما لو كان عنبا فأصبح زبيبا‪ ،‬أو رطبا فأصبح تمرا‪ ،‬فيتخير المالك‬
‫بين استرداد عين المغصوب‪ ،‬وبين تضمين الغاصب قيمته‪.‬‬
‫ب ـ وأما تغير وصف المغصوب بفعل الغاصب من طريق الضافة أو الزيادة‪ ،‬كما لو صبغ الثوب‪،‬‬
‫أو خلط الدقيق (السويق) بسمن‪ ،‬أواختلط المغصوب بملك الغاصب بحيث يمتنع تمييزه كخلط البر‬
‫بالبر أو يمكن بحرج كخلط البر بالشعير‪ ،‬فيجب إعطاء الخيار للمالك‪ :‬إن شاء ضمّن الغاصب قيمة‬
‫المغصوب قبل تغييره‪ ،‬وإن شاء أخذه وأعطى الغاصب قيمة الزيادة مثل ما زاد الصبغ في الثوب؛‬
‫لن في التخيير رعاية للجانبين‪.‬‬
‫وهذا مذهب المالكية أيضا (‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )3‬إن أمكن فصل الزيادة من الصباغة أو السمن‪ ،‬أجبر الغاصب عليه في الصح‪،‬‬
‫وإن لم يمكن‪ :‬فإن لم تزد قيمة المغصوب فل شيء للغاصب فيه‪ ،‬وإن نقصت قيمته لزم الغاصب‬
‫أرش النقص؛ لن النقص حصل بفعله‪ ،‬وإن زادت قيمة المغصوب اشترك الغاصب والمالك فيه‬
‫أثلثا‪ :‬ثلثاه للمغصوب منه‪ ،‬وثلثه للغاصب‪ .‬فإن حدث في ملك أحدهما نقص لنخفاض سعره أوزيادة‬
‫لرتفاع سعره عمل به‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة فتح القدير‪ ،384 ،375/7 :‬اللباب مع الكتاب‪ ،193 ،191/2 :‬تبيين الحقائق‪،226/5 :‬‬
‫‪ ،229‬الدر المختار‪ ،138-134/5 :‬البدائع‪ 160/7 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪.454/3 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ 291/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/572‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ )1‬كالشافعية إجمالً‪ :‬إل أنهم قالوا‪ :‬ل يجبر الغاصب على قلع الصبغ من الثوب؛ لن‬
‫فيه إتلفا لملكه وهو الصبغ‪ .‬وإن حدث نقص ضمن الغاصب النقص؛ لنه حصل بتعديه‪ ،‬فضمنه‪،‬‬
‫وإن حصلت زيادة‪ ،‬فالمالك والغاصب شريكان بقدر ملكيهما‪ ،‬فيباع الشيء‪ ،‬ويوزع الثمن على قدر‬
‫القيمتين‪ .‬وبه يظهر أن الفقهاء متفقون على ضمان النقص‪ ،‬وعلى حق الغاصب في الزيادة‪.‬‬
‫جـ ـ وأما تغير ذات المغصوب واسمه بفعل الغاصب بحيث زال أكثر منافعه المقصودة‪ :‬كما لو‬
‫غصب شاة فذبحها وشواها‪ ،‬أو طبخها‪ ،‬أو غصب حنطة فطحنها دقيقا‪ ،‬أو حديدا فاتخذه سيفا‪ ،‬أونحاسا‬
‫فاتخذه آنية‪ ،‬فإنه يزول ملك المغصوب منه عن المغصوب‪ ،‬ويملكه الغاصب‪ ،‬ويضمن بدله‪ :‬المثل في‬
‫المثلي‪ ،‬والقيمة في القيمي‪ .‬ولكن ل يحل له النتفاع به حتى يؤدي بدله استحسانا؛ لن في إباحة‬
‫النتفاع قبل أداء البدل فتح باب الغصب‪ ،‬فيحرم النتفاع قبل إرضاء المالك بأداء البدل أو إبرائه‪،‬‬
‫حسما لمادة الفساد‪.‬‬
‫وكذلك قال المالكية كما بان في فرع (‪ )3‬السابق‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )2‬ل ينقطع حق المالك في ملكه‪ ،‬وله أن يأخذه‪ ،‬وأرش نقصه إن نقص‪،‬‬
‫ول شيء للغاصب في زيادته في الصحيح من مذهب الحنابلة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة (‪ )3‬مثل الشافعية والحنابلة فيمن غصب فضة أو ذهبا‪ ،‬فصكها (ضربها) دراهم أو‬
‫دنانير‪ ،‬أو صنعها آنية‪ ،‬ل يزول ملك مالكها عنها‪ ،‬ول شيء للغاصب؛ لن العين باقية من كل وجه‪،‬‬
‫فاسمها باق‪ ،‬وأحكامها الربعة المتعلقة بالذهب والفضة باقية‪ ،‬وهي (الثمنية‪ ،‬وكونها موزونة‪،‬‬
‫وجريان الربا فيها‪ ،‬ووجوب الزكاة عليها) فلم ينقطع حق المالك بها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ 103 ،86/4 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 266/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ ،369/1 :‬المغني‪.243/5 :‬‬
‫(‪ )3‬تكملة الفتح مع العناية‪ ،379/7 :‬الكتاب مع اللباب‪.192/2 :‬‬

‫( ‪)6/573‬‬

‫وظل الصاحبان في ذلك على أصلهما السابق (‪ : )1‬وهو أنه يملكها الغاصب‪ ،‬وعليه مثلها؛ لنه‬
‫أحدث فيها صنعة معتبرة‪ ،‬صيّر بها حق المالك في حكم الهالك (التالف)‪ ،‬وتغاير الصل مع الحادث‬
‫المصنوع في السم والمعنى‪ ،‬فكان قبل الصنع يسمى تبرا‪ ،‬وبعده سمي دراهم ودنانير أو آنية‪.‬‬
‫‪ - 5‬نقصان المغصوب ‪:‬‬
‫نقص المغصوب في يد الغاصب قد يكون معنويا أو حسيا ماديا‪ ،‬وهو يشمل عند الحنفية صورا أربعا‬
‫هي ما يأتي (‪: )2‬‬
‫أ ـ أن يحدث النقص بسبب هبوط السعار في السواق‪ :‬وهذا ل يكون مضمونا إذا رد العين في‬
‫مكان الغصب؛ لن نقصان السعر ليس نقصا ماديا في المغصوب بفوات جزء من العين‪ ،‬وإنما يحدث‬
‫بسبب فتور الرغبات التي تتأثر بإرادة ال تعالى‪ ،‬ول صنع للعبد فيها‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون النقص بسبب فوات وصف مرغوب فيه‪ ،‬كضعف الحيوان‪ ،‬وزوال سمعه أو بصره‪،‬‬
‫أوطروء الشلل أو العرج أو العور أوسقوط عضو من العضاء‪ ،‬فيجب على الغاصب ضمان النقص‬
‫في غيرمال الربا‪ ،‬ويأخذ المالك العين المغصوبة‪ ،‬لبقاء العين على حالها‪.‬‬
‫فإن كان المغصوب من أموال الربا كتعفن الحنطة‪ ،‬وكسر إناء الفضة‪ ،‬فليس للمالك إل أخذ‬
‫المغصوب بذاته‪ ،‬ول شيء له غيره بسبب النقصان؛ لن الربويات ل يمكنهم فيها ضمان النقصان‪،‬‬
‫مع استرداد الصل؛ لنه يؤدي إلى الربا‪.‬‬
‫جـ ـ أن يكون النقص بسبب فوات معنى مرغوب فيه في العين‪ ،‬مثل الشيخوخة بعد الشباب‪،‬‬
‫والهرب‪ ،‬ونسيان الحرفة‪ ،‬فيجب ضمان النقص في كل الحوال‪.‬‬
‫د ـ أن يكون النقص بفوات (زوال) جزء من العين المغصوبة‪ ،‬كخرق الثوب‪ ،‬فيجب الضمان في‬
‫جميع الحوال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وإطلق نص المجلة (م ‪ )899‬يتمشى مع عموم مذهب الصاحبين‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،155/7 :‬تكملة الفتح‪ ،382/7 :‬تبيين الحقائق‪ 288/5 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب شرح الكتاب‪:‬‬
‫‪ ،190/2‬رد المحتار‪.132/5 :‬‬

‫( ‪)6/574‬‬

‫لكن إن كان النقص يسيرا كالخرق اليسير في الثوب‪ ،‬فليس للمالك سوى تضمين الغاصب مقدار‬
‫النقصان لبقاء العين بذاتها‪.‬‬
‫وإن كان النقص فاحشا كالخرق الكبير في الثوب بحيث يبطل عامة منافعه‪ ،‬فالمالك بالخيار بين أخذه‬
‫وتضمينه النقصان‪ ،‬لتعيبه‪ ،‬وبين تركه للغاصب وأخذ جميع قيمته؛ لنه أصبح مستهلكا له من وجه‪.‬‬
‫والصحيح في ضابط الفرق بين اليسير والفاحش هو مايأتي (‪: )1‬‬
‫اليسير‪ :‬ما ل يفوت به شيء من المنفعة‪ ،‬وإنما يدخل فيه نقصان في المنفعة‪.‬‬
‫والفاحش‪ :‬هو ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة‪ ،‬ويبقى بعض العين وبعض المنفعة‪.‬‬
‫وقدرت المجلة (م ‪ :)900‬اليسير بما لم يكن بالغا ربع قيمة المغصوب‪ .‬والفاحش‪ :‬بما ساوى ربع قيمة‬
‫المغصوب أوأزيد‪.‬‬
‫وإذا وجب ضمان النقصان قوّمت العين صحيحة يوم غصبها‪ ،‬ثم تقوّم ناقصة‪ ،‬فيغرم الغاصب الفرق‬
‫بينهما‪.‬‬
‫وإذا كان العقار مغصوبا‪ ،‬فإنه وإن لم تضمن عينه بهلكه بآفة سماوية عند الحنفية‪ ،‬فإن النقص‬
‫الطارئ عليه بفعل الغاصب أو بسكناه أو بسبب زراعة الرض مضمون‪ ،‬كما ذكرت سابقا؛‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪ ،136/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،229/5 :‬تكملة فتح القدير‪.383/7 :‬‬
‫( ‪)6/575‬‬

‫لنه إتلف وتعد منه (‪. )1‬‬


‫وقال غير الحنفية (‪ : )2‬ل يضمن نقص المغصوب ول زيادته بسبب هبوط السعار‪ ،‬أي كما قال‬
‫الحنفية؛ لن النقص كان بسبب فتور رغبات الناس‪ ،‬وهي لتقابل بشيء‪ ،‬والمغصوب لم تنقص عينه‬
‫ول صفته (‪ ، )3‬لكن الشافعية وأبو ثور قالوا‪ :‬إذا نقصت القيمة بسبب تغير السعار‪ ،‬يلزم الغاصب‬
‫بضمان النقصان‪.‬‬
‫وأما النقص الحاصل في ذات المغصوب أو في صفته‪ ،‬فيكون مضمونا‪ ،‬سواء حصل النقص بآفة‬
‫سماوية أو بفعل الغاصب‪.‬‬
‫إل أن المالكية قالوا في المشهور عندهم‪ :‬إذا كان النقص بأمر من السماء‪ ،‬فليس للمغصوب منه إل أن‬
‫يأخذ المغصوب ناقصا كما هو‪ ،‬أو يُضمن ا لغاصب قيمة المغصوب كله يوم الغصب‪ ،‬ول يأخذ قيمة‬
‫النقص وحدها‪ .‬وإن كان النقص بجناية الغاصب‪ ،‬فالمالك مخير في المذهب بين أن يضمن الغاصب‬
‫القيمة يوم الغصب‪ ،‬أو يأخذه‪ ،‬مع ما نقصته الجناية (أي يأخذ قيمة النقص) يوم الجناية عند ابن‬
‫القاسم‪ ،‬ويوم الغصب عند سحنون‪ .‬ولم يفرق أشهب بين نقص السماء وجناية الغاصب‪.‬‬
‫‪ - 6‬زيادة المغصوب ‪:‬‬
‫عرفنا أن زيادة المغصوب المتصلة أوا لمنفصلة لتضمن عند شيخي الحنفية (أبي حنيفة وأبي يوسف)‬
‫لعدم إزالة يد المالك عنها‪.‬‬
‫وتضمن الزوائد مطلقا عند محمد والشافعية والحنابلة لتولدها من عين مملوكة‪ ،‬وتضمن الزوائد‬
‫المنفصلة فقط دون المتصلة عند المالكية‪ .‬ومما يتصل بزيادة المغصوب ما يأتي وهو‪:‬‬
‫البناء على الرض المغصوبة أو زرعها أو غرسها ‪:‬‬
‫اتفق أئمة المذاهب الربعة ـ من حيث المبدأ ـ على أن الغاصب يلزم برد المغصوب إلى صاحبه‪،‬‬
‫وإزالة ما أحدثه فيه من بناء أو زرع أو غرس‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم «ليس لعرق‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة فتح القدير‪ ،369/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،229/5 :‬م ‪ 905‬من المجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ 312/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ 452/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،331‬مغني المحتاج‪ ،288 ،286/2 :‬المهذب‪ ،369/1 :‬كشاف القناع‪ 99/4 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫المغني‪.241 ،232 ،228/5 :‬‬
‫(‪ )3‬ل اعتبار بتغير السعر في السوق في غصب الذوات‪ .‬أما التعدي‪ :‬وهو غصب المنفعة عند‬
‫المالكية فيتأثر بذلك‪ ،‬فللمالك إلزام الغاصب قيمة الشيء إن تغير سوقها‪ ،‬عما كان يوم التعدي‪ ،‬وله أن‬
‫يأخذ عين شيئه‪ ،‬ول شيء له على المتعدي‪.‬‬

‫( ‪)6/576‬‬

‫ظالم حق» (‪. )1‬‬


‫وتفصيل آراء المذاهب ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال الحنفية (‪ : )2‬من غصب ساجة (خشبة عظيمة تستعمل في أبواب الدور وبنائها) فبنى عليها‬
‫أو حولها‪ ،‬وكانت قيمة البناء أكثر من قيمتها‪ ،‬زال ملك مالكها عنها‪ ،‬ولزم الغاصب قيمتها‪،‬‬
‫لصيرورتها شيئا آخر‪ ،‬وفي القلع ضرر ظاهر لصاحب البناء (الغاصب) من غير فائدة تعود للمالك‪،‬‬
‫وضرر المالك ينجبر بالضمان‪ ،‬ول ضرر في السلم‪ .‬أما إذا كانت قيمة الساجة أكثر من البناء‪ ،‬فلم‬
‫يزل ملك مالكها‪ ،‬لنه يرتكب أخف الضررين وأهون الشرين‪ ،‬كما هو القاعدة‪.‬‬
‫وعقب القاضي زاده في تكملة الفتح على هذه التفرقة‪ ،‬فقال‪ :‬ل فرق في المعنى بين أن تكون قيمة‬
‫البناء أكثر من قيمة الساجة وبين العكس؛ لن ضرر المالك مجبور بالقيمة‪ ،‬وضرر الغاصب ضرر‬
‫محض‪ ،‬ول ريب أن الضرر المجبور دون الضرر المحض‪ ،‬فل يرتكب الضرر العلى عند إمكان‬
‫العمل بالضرر الدنى‪ .‬وهذه مسألة الساجة يعمل فيها بقاعدة «الضرر الشد يزال بالخف» (‪. )3‬‬
‫وأما مسألة الساحة فهي‪ :‬لو غصب غاصب أرضا‪ ،‬فغرس فيها‪ ،‬أو بنى فيها‪ ،‬وكانت قيمة الرض‬
‫(الساحة) أكثر‪ ،‬أجبر الغاصب على قلع الغرس‪ ،‬وهدم البناء‪ ،‬ورد الرض فارغة إلى صاحبها كما‬
‫كانت؛ لن الرض ل تغصب حقيقة عندهم‪ ،‬فيبقى فيهاحق المالك كما كان‪ ،‬والغاصب جعلها مشغولة‬
‫فيؤمر بتفريغها‪ ،‬إذ ليس لعرق ظالم حق‪ .‬فإن كانت قيمة البناء أكثر‪ ،‬فللغاصب أن يضمن للمالك قيمة‬
‫الرض ويأخذها‪.‬‬
‫وإذا كانت الرض تنقص بقلع الغرس منها أو هدم البناء‪ ،‬فللمالك أن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والدارقطني عن عروة بن الزبير بلفظ‪« :‬من أحيا أرضا فهي له‪ ،‬وليس لعرق ظالم‬
‫حق» (نيل الوطار‪.)319/5 :‬‬
‫(‪ )2‬تكملة فتح القدير‪ ،383 ،379/7 :‬الدر المختار‪ ،137-135/5 :‬تبيين الحقائق‪ 228/5 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬اللباب شرح الكتاب‪.192/2 :‬‬
‫(‪ )3‬وطبقوا هذه القاعدة أيضا على فروع كثيرة منها‪ :‬لو ابتلعت دجاجة لؤلؤة أو أدخل البقر رأسه في‬
‫قدر‪ ،‬أو أودع فصيلً (ولد الناقة إذا فصل عن أمه) فكبر في بيت الوديع ولم يمكن إخراجه إل بهدم‬
‫الجدار‪ ،‬أو سقط دينار في محبرة ولم يمكن إخراجه إل بكسرها ونحو ذلك‪ ،‬يضمن صاحب الكثر‬
‫قيمة القل‪ .‬ولو ابتلع إنسان لؤلؤة فمات‪ ،‬ل يشق بطنه لن حرمة الدمي أعظم من حرمة المال‪،‬‬
‫وتكون قيمتها في تركته‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة أيضا‪ ،‬أي في اللؤلؤة‪ .‬وجوزه الشافعي قياسا على الشق‬
‫لخراج الولد (الدر المختار‪.)135/5 :‬‬

‫( ‪)6/577‬‬

‫يضمن للغاصب قيمة البناء والغرس مقلوعا (أنقاضا) رعاية لمصلحة الطرفين ودفعا للضرر عنهما‪،‬‬
‫فتقوم الرض بدون الشجر والبناء‪ ،‬وتقوم وبها شجر وبناء مستحق القلع والهدم‪ ،‬فيضمن الفرق‬
‫بينهما‪.‬‬
‫وإذا زرع الغاصب الرض‪ ،‬فإن كانت الرض ملكا‪ :‬فإن أعدها صاحبها للزراعة‪ ،‬فيكون المر‬
‫مزارعة بين المالك والغاصب‪ ،‬ويحتكم إلى العرف في حصة كل منهما‪ ،‬النصف أو الربع مثلً‪،‬وإن‬
‫كانت معدة لليجار فالناتج للزارع‪ ،‬وعليه أجر مثل الرض‪ .‬وإن لم يكن شيء مما ذكر فعلى‬
‫الغاصب نقصان ما نقص الزرع‪ ،‬وأما إذا كانت الرض وقفا أو مال يتيم‪ ،‬اعتبر العرف إذا كان‬
‫أنفع‪ ،‬وإن لم يكن العرف أنفع وجب أجر المثل لقولهم‪ :‬يفتى بما هو أنفع للوقف‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال المالكية (‪: )1‬‬
‫أ ـ البناء‪ :‬من غصب أرضا أو عمودا أو خشبا‪ ،‬فبنى فيها أو بها‪ ،‬فيخير المالك بين المطالبة بهدم‬
‫البناء على المغصوب‪ ،‬وبين إبقائه على أن يعطي الغاصب قيمة النقاض‪ ،‬بعد طرح أجرة القلع أو‬
‫الهدم‪ ،‬ول يعطيه قيمة التجصيص والتزويق وشبههما مما ل قيمة له‪ ،‬أي أنهم يرجحون مصلحة‬
‫المالك؛ لنه صاحب الحق‪.‬‬
‫ومن غصب سارية أو خشبة فبنى عليها‪ ،‬فلصاحبها أخذها‪ ،‬وإن هدم البنيان وهو قول الشافعية‪.‬‬
‫ب ـ الغرس‪:‬‬
‫ومن غصب أرضا‪ ،‬فغرس فيها أشجارا ل يؤمر بقلعها‪ ،‬وللمغصوب منه أن يعطيه قيمتها بعد طرح‬
‫أجرة القلع كالبنيان‪ .‬فإن غصب أشجارا‪ ،‬فغرسها في أرضه أمر بقلعها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،331‬الشرح الكبير‪ ،448/3 :‬بداية المجتهد‪.319/2 :‬‬

‫( ‪)6/578‬‬
‫جـ ـ الزرع‪:‬‬
‫وإن زرع في الرض المغصوبة زرعا‪ :‬فإن أخذها صاحبها في إبان الزراعة‪ ،‬فهو مخيّر بين أن يقلع‬
‫الزرع أو يتركه للزارع ويأخذ الكراء‪ .‬وإن أخذها بعد إبان الزراعة‪ ،‬فقيل‪ :‬هو مخيّر كما ذكر‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ليس له قلعه وله الكراء‪ ،‬والزرع لزارعه‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال الشافعية (‪ : )1‬يكلف الغاصب بهدم البناء وقلع الغراس على الرض المغصوبة‪ ،‬وأرش‬
‫النقص إن حدث‪ ،‬وإعادة الرض كما كانت‪ ،‬وأجرة المثل في مدة الغصب إن كان لمثلها أجرة إذ ليس‬
‫لعرق ظالم حق‪ ،‬ولو أراد المالك تملكها بالقيمة‪ ،‬أو إبقاءها بأجرة‪ ،‬لم يلزم الغاصب إجابته في‬
‫الصح‪ ،‬لمكان القلع بل أرش‪ ،‬ولو بذر الغاصب بذرا في الرض‪ ،‬فللمالك تكليفه إخراج البذر منها‬
‫وأرش النقص‪ ،‬وإن رضي المالك ببقاء البذر في الرض لم يكن للغاصب إخراجه‪ .‬كما ل يجوز‬
‫للغاصب قلع تزويق الدار المغصوبة إن رضي المالك ببقائه‪ ،‬والخلصة‪ :‬أن للمالك الحق في إزالة‬
‫آثار الغصب بل ضرر عليه‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقال الحنابلة (‪ : )2‬مثل الشافعية تماما في البناء والغرس على الرض المغصوبة عملً بحديث‬
‫«ليس لعرق ظالم حق» ‪ .‬أما في حالة زرع الرض فقالوا‪ :‬يخير المالك بين إبقاء الزرع إلى‬
‫الحصاد‪ ،‬وأخذ أجر الرض وأرش النقص من الغاصب وبين أخذ الزرع له ودفع النفقة للغاصب‬
‫عملً بحديث «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء‪ ،‬وعليه نفقته» (‪ )3‬وفي‬
‫حديث آخر‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،291 ،289/2 :‬الميزان‪ 89/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.371/1 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،245 ،234 ،225-223/5 :‬كشاف القناع‪.94-87/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأصحاب السنن إل النسائي عن رافع بن خديج‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬هو حديث حسن (نيل‬
‫الوطار‪ 319/5 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)6/579‬‬

‫«خذوا زرعكم وردوا عليه نفقته» (‪ )1‬أي للغاصب‪ .‬وهذا أعدل الراء وأكثرها قابلية للتطبيق‪.‬‬
‫‪ - 7‬ضمان غلة المغصوب ومنافعه ‪:‬‬
‫تبين سابقا في بحث منافع المغصوب وغلته‪ :‬أن غلة المغصوب كالجرة المستفادة من إيجار العيان‬
‫المغصوبة ل تطيب في رأي أبي حنيفة ومحمد للغاصب‪ ،‬لن الربح حصل بسبب خبيث‪ :‬وهو‬
‫التصرف في ملك الغير‪ ،‬وسبيله التصدق به‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف وزفر‪ :‬يطيب الربح للغاصب إذا دفع ضمانه‪ ،‬لن المغصوب صار مملوكا له‬
‫بالضمان عملً بالقاعدة المقررة عند الحنفية‪« :‬المضمونات تملك بأداء الضمان مستندا إلى وقت‬
‫الغصب» ‪.‬‬
‫وأما منافع المغصوب من سكنى العقار وركوب السيارة أو الدابة‪ ،‬ولبس الثوب‪ ،‬واستعمال الشيء‬
‫وزراعة الرض‪ ،‬فل تضمن كما ذكر عند الحنفية‪ ،‬إل في ثلث حالت‪:‬‬
‫أن يكون المغصوب وقفا‪ ،‬أو مال يتيم‪ ،‬أو مالً معدا للستغلل‪ ،‬أي الستثمار لن المنفعة ليست بمال‬
‫متقوم عندهم‪ ،‬ول تتقوم إل بورود عقد الجارة عليها‪ ،‬ولن المغصوب لو هلك يضمنه الغاصب عملً‬
‫بحديث «الخراج‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا حديث أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم رأى‬
‫زرعا في أرض ظهير‪ ،‬فأعجبه‪ ،‬فقال‪ :‬ما أحسن زرع ظهير! قالوا‪ :‬إنه ليس لظهير‪ ،‬ولكنه لفلن‪،‬‬
‫قال‪ :‬فخذوا زرعكم‪ ،‬وردوا عليه نفقته» (نيل الوطار‪.)320/5 :‬‬

‫( ‪)6/580‬‬

‫بالضمان» (‪ )1‬أي الغنم بالغرم‪ .‬وحينئذ ليس للقاضي إل الحكم برد المغصوب لصاحبه ما دام قائما‪،‬‬
‫ورد مثله أو قيمته إذا هلك‪.‬‬
‫وقال غير الحنفية كما تقدم‪ :‬تضمن منافع المغصوب؛ لن المنافع أموال متقومة كالعيان ولن‬
‫«الغرض الظهر من جميع الموال هو منفعتها» كما قال العز بن عبد السلم (‪. )2‬‬
‫إل أن المالكية قالوا‪ :‬تضمن منافع الموال من دور وأرض بالستعمال فقط‪ .‬ول تضمن حالة الترك‪،‬‬
‫أي تضمن بالتفويت دون الفوات‪ .‬وهذا إذا غصب ذات الشيء‪ .‬أما إذا غصب المنفعة فقط كأن يغلق‬
‫الدار ويحبس الدابة ونحوهما‪ ،‬فيضمنها بمجرد فواتها على صاحبها وإن لم يستعملها‪.‬‬
‫أما الشافعية والحنابلة فقالوا‪ :‬تضمن منافع الموال التي يستأجر المال من أجلها بالغصب أو التعدي‪،‬‬
‫سواء استوفى الغاصب المنافع‪ ،‬أم تركها حتى ذهبت‪ ،‬أي تضمن بالتفويت أو بالفوات في يد عادية‪،‬‬
‫أي ضامنة معتدية (‪. )3‬‬
‫‪ - 8‬اختلف الغاصب والمغصوب منه ‪:‬‬
‫هناك مظاهر كثيرة لختلف الغاصب والمالك المغصوب منه‪ ،‬لها أثر في تحمل تبعة الضمان‪ ،‬فإن‬
‫صدقنا كلم الغاصب برئ من الضمان‪ ،‬وإن صدقنا كلم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان‬
‫والحاكم وابن القطان‪ ،‬وضعفه البخاري‪ ،‬والخراج‪ :‬هو الغلة والكراء (سبل السلم‪.)30/3 :‬‬
‫(‪ )2‬قواعد الحكام‪ 152/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المقصود بالتفويت‪ :‬استيفاء المنفعة كمطالعة الكتاب وركوب الدابة وشم المسك ولبس الثوب‪.‬‬
‫والمقصود بالفوات في يد عادية‪ :‬هو ترك المنافع تضيع سدى بدون استيفاء كإغلق الدار دون إسكان‬
‫أحد فيها (مغني المحتاج‪.)286/2 :‬‬

‫( ‪)6/581‬‬

‫المالك تحمل الغاصب الضمان‪ .‬وللفقهاء كلم مطول في هذا الشأن نلخصه فيما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ قال الحنفية (‪ : )1‬إذا قال الغاصب‪ :‬هلك المغصوب في يدي (أي قضاء وقدرا) ولم يصدقه‬
‫المغصوب منه‪ ،‬ول بينة للغاصب‪ ،‬فالقاضي يحبس الغاصب مدة يظهر فيها عادة لو كان قائما‪ ،‬ثم‬
‫يقضي عليه بالضمان؛ لن الحكم الصلي للغصب هو ـ كما تقدم ـ وجوب رد عين المغصوب؛‬
‫وأما القيمة فهي بدل (أو خلف) عنه‪ ،‬وإذا لم يثبت العجز عن الصل‪ ،‬ل يُقضى بالقيمة التي هي‬
‫خلَف‪.‬‬
‫ولو اختلف الغاصب والمالك في أصل الغصب‪ ،‬أو في جنس المغصوب ونوعه‪ ،‬أو قدره‪،‬أو صفته‪،‬‬
‫أو قيمته وقت الغصب‪ ،‬فالقول قول الغاصب بيمينه في ذلك كله؛ لن المالك يدعي عليه الضمان‪،‬‬
‫وهو ينكر‪ ،‬فكان القول قوله؛ لن اليمين في الشرع على من أنكر‪.‬‬
‫ولو ادعى الغاصب رد المغصوب إلى المالك‪ ،‬أو ادعى أن المالك هو الذي أحدث العيب في‬
‫المغصوب‪ ،‬فل يصدق الغاصب إل ببينة؛ لن البينة في الشرع على المدعي‪.‬‬
‫ولو تعارضت البينتان‪ ،‬فأقام المالك البينة على أن الدابة أو السيارة مثلً تلفت عند الغاصب من‬
‫ركوبه‪ ،‬وأقام الغاصب البينة على أنه ردها إلى المالك‪ ،‬فتقبل بينة المالك‪ ،‬وعلى الغاصب قيمة‬
‫المغصوب؛ لن بينة الغاصب ل تَدْفع بينة المغصوب منه؛ لنها قامت على رد المغصوب‪ ،‬ومن‬
‫الجائز أنه ردها‪ ،‬ثم غصبها ثانيا وركبها‪ ،‬فتلفت في يده‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 163/7 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،387/7 :‬اللباب مع الكتاب‪.194/2 :‬‬
‫( ‪)6/582‬‬

‫ب ـ والمالكية (‪ )1‬قالوا مثل الحنفية‪ :‬إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في دعوى تلف‬
‫المغصوب‪ ،‬أو في جنسه‪ ،‬أو صفته‪ ،‬أو قدره‪ ،‬ولم يكن لحدهما بينة‪ ،‬فالقول قول الغاصب مع يمينه‪.‬‬
‫جـ ـ وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )2‬إن اختلف الغاصب والمغصوب منه في قيمة المغصوب‪ ،‬بأن‬
‫قال الغاصب‪ :‬قيمته عشرة‪ ،‬وقال المالك‪ :‬اثنا عشر‪ ،‬صدق الغاصب بيمينه؛ لن الصل براءة ذمته‬
‫من الزيادة‪ ،‬وعلى المالك البينة‪.‬‬
‫وإن اختلفا في تلف المغصوب‪ ،‬فقال المغصوب منه‪ :‬هو باق‪ ،‬وقال الغاصب‪ :‬تلف‪ ،‬فالقول قول‬
‫الغاصب مع يمينه؛ لنه يتعذر إقامة البينة على التلف‪.‬‬
‫وكذلك لو اختلفا في قدر المغصوب أو في صناعة فيه‪ ،‬ول بينة لحدهما‪ ،‬فالقول قول الغاصب‬
‫بيمينه؛ لنه منكر لما يدعيه المالك عليه من الزيادة‪.‬‬
‫وإن اختلفا في رد المغصوب‪،‬فقال الغاصب‪ :‬رددته‪ ،‬وأنكره المالك‪ ،‬فالقول للمالك؛ لن الصل معه‬
‫وهو عدم الرد‪ ،‬وكذا لو اختلفا في عيب في المغصوب بعد تلفه؛ بأن قال الغاصب‪ :‬كان مريضا أو‬
‫أعمى مثلً‪ ،‬وأنكره المالك‪ ،‬فالقول للمالك بيمينه؛ لن الصل السلمة من العيوب‪ ،‬وهذا موافق لرأي‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يصدق الغاصب بيمينه حال الختلف بتلف المغصوب وبقائه‪ ،‬والختلف في تقدير قيمة‬
‫المغصوب‪،‬وفي صفة المغصوب أو قدره‪ .‬ويصدق المالك بيمينه في ادعاء رد العين المغصوبة على‬
‫المغصوب منه‪.‬‬
‫وهكذا يلحظ أن المذاهب الربعة متفقة في دعاوى اختلف الغاصب والمالك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ ،456/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.331‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،287/2 :‬المهذب‪ ،376/1 :‬المغني‪ ،272/5 :‬كشاف القناع‪.125/4 :‬‬

‫( ‪)6/583‬‬

‫‪ - 9‬غاصب الغاصب ومن في حكمه ‪:‬‬


‫لو غصب شخص من آخر شيئا‪ ،‬فجاء آخر وغصبه منه‪ ،‬فهلك في يده‪ ،‬فالمالك باتفاق المذاهب‬
‫الربعة (‪ )1‬بالخيار‪ :‬إن شاء ضمن الغاصب الول‪ ،‬لوجود فعل الغصب منه‪ :‬وهو إزالة يد المالك‬
‫عنه‪ ،‬وإن شاء ضمن الغاصب الثاني‪ ،‬أو المتلف‪ ،‬سواء علم بالغصب أم لم يعلم؛ لن الغاصب الثاني‬
‫أزال يد الغاصب الول الذي هو بحكم المالك في أنه يحفظ ماله‪ ،‬ويتمكن من رده عليه (أي على‬
‫المالك)‪ ،‬ولنه أثبت يده على مال الغير بغير إذنه‪ ،‬والجهل غير مسقط للضمان‪ ،‬ولن المتلف أتلف‬
‫الشيء‪ .‬وهذا بمقتضى ما يعرف قانونا بالحق العيني للمالك المغصوب منه الذي من خواصه إثبات‬
‫حق تتبع العين المغصوبة في أي يد وجدت فيها العين‪.‬‬
‫فإن اختار المالك تضمين الول‪ ،‬وكان هلك المغصوب في يد الغاصب الثاني‪ ،‬رجع الغاصب الول‬
‫بالضمان على الثاني؛ لنه بدفعه قيمة الضمان‪ ،‬ملك ـ عند الحنفية ـ الشيء المضمون (أي‬
‫المغصوب) من وقت غصبه‪ ،‬فكان الثاني غاصبا الملك الول‪ .‬وسبب رجوع الغاصب الول على‬
‫الثاني عند غير الحنفية هو أنه غرم المال بدون تسبب منه في هلكه‪.‬‬
‫وإن اختار المالك تضمين الثاني أو المتلف‪ ،‬ل يرجع هذا بالضمان على أحد‪ ،‬ويستقر الضمان في‬
‫ذمته؛ لنه ضمن فعل نفسه‪ :‬وهو إزالة يد المالك‪ ،‬أو استهلكه‪ ،‬وإتلفه‪.‬‬
‫وللمالك أن يأخذ بعض الضمان من شخص‪ ،‬وبعضه الخر من الشخص الخر إل أن الحنفية استثنوا‬
‫من مبدأ تخيير المالك في هذه الحالة‪ :‬الموقوف المغصوب إذا غصب‪ ،‬وكان الغاصب الثاني أمل من‬
‫الول‪ ،‬فإن متولي الوقف يضمن الثاني وحده‪.‬‬
‫والراجح عند الحنفية أن المالك متى اختار تضمين أحدهما (الغاصب الول‪ ،‬أو الثاني) يبرأ الخر‬
‫عن الضمان‪ ،‬بمجرد الختيار‪ ،‬فلو أراد تضمينه بعدئذ‪ ،‬لم يكن له ذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،146 ،144/7 :‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪ 96/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار ورد‬
‫المحتار‪ 126/5 :‬وما بعدها‪ ،139 ،‬الشرح الكبير للدردير‪ ،457/3 :‬مغني المحتاج‪ ،279/2 :‬فتح‬
‫العزيز شرح الوجيز‪ ،252/11 :‬المغني‪ ،252/5 :‬م‪ 910/‬من المجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/584‬‬

‫وإذا رد الغاصب الثاني المغصوب على الول‪ ،‬برئ من الضمان‪ ،‬وإذا رده إلى المالك برئ الثنان (‬
‫‪. )1‬‬
‫الغاصب الول ومن تصرف معه بالرهن ونحوه ‪:‬‬
‫وكذلك للمالك عند الحنفية (‪ )2‬تضمين الغاصب الول أو المرتهن أو المستأجر أو المستعير أو‬
‫المشتري من الغاصب الول‪ ،‬أو الوديع الذي أودعه الغاصب الول الشيء المغصوب‪ ،‬فهلك في يده‪،‬‬
‫فإن ضمن الغاصب الول استقر الضمان عليه‪ ،‬ولم يرجع بشيء على أحد‪ .‬وإن ضمن المرتهن أو‬
‫المستأجر أو الوديع أو المشتري‪ ،‬رجعوا على الغاصب بالضمان‪ ،‬لنهم عملوا له والمشتري إذا ضمن‬
‫القيمة يرجع بالثمن على الغاصب البائع؛ لن البائع ضامن استحقاق المبيع‪ ،‬ورد القيمة كرد العين‪.‬‬
‫وأما المستعير من الغاصب أو الموهوب له‪ ،‬أو المتصدق عليه منه‪ ،‬فيستقر الضمان عليه وإن كان‬
‫ل الغصب؛ لنه يعمل في القبض لنفسه‪.‬‬
‫جاه ً‬
‫أما الشافعية (‪ )3‬فقالوا‪ :‬اليدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع المجلة‪ :‬م‪ ،911/‬الدر المختار‪.138/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار‪.139/5 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.279/2 :‬‬

‫( ‪)6/585‬‬

‫الغصب؛ لنه (أي الواضع) وضع يده على ملك غيره بغير إذنه‪ ،‬والجهل ليس مسقطا للضمان بل‬
‫يسقط الثم فقط‪ ،‬فيطالب المالك من شاء منهما‪ .‬لكن ليستقر الضمان على الخذ من الغاصب إل‬
‫بعلمه بالغصب‪ ،‬حتى يصدق عليه معنى الغصب‪ ،‬أو إن جهل به وكانت يد الواضع في أصلها يد‬
‫ضمان‪ ،‬كالمستعير والمشتري والمقترض والسائم؛ لنه تعامل مع الغاصب على الضمان‪ ،‬فلم يغرّه‪.‬‬
‫أما إن جهل الواضع يده على المغصوب بالغصب‪ ،‬وكانت يده يد أمانة بل اتهاب‪ ،‬كوديع ومضارب‪،‬‬
‫فيستقر الضمان على الغاصب دون الخذ‪ ،‬لنه تعامل مع الغاصب على أن يده نائبة عن يد الغاصب‪.‬‬
‫وأما الموهوب له فقرار الضمان عليه في الظهر؛ لنه وإن كانت يده ليست يد ضمان‪ ،‬إل أن أخذه‬
‫الشيء للتملك‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬في حالة الجهل بالغصب‪ :‬يستقر الضمان عند الحنفية والشافعية على المستعير والموهوب‬
‫له‪ ،‬والمتصدق عليه فقط‪ .‬وأما الوديع والمضارب المعتبر كل منهما أمينا‪ ،‬فيستقر الضمان الذي دفعه‬
‫على الغاصب عند كل من الحنفية والشافعية‪ .‬ول خلف بين الحنفية والشافعية في تضمين الغاصب‬
‫أو الخذ منه في كل الحوال‪.‬‬
‫‪ - 10‬نفقة المغصوب ‪:‬‬
‫تكون نفقة المغصوب أثناء غصبه على الغاصب بسبب ظلمه وتعديه‪ ،‬جاء في كتب المالكية (‪: )1‬‬
‫وما أنفق الغاصب على المغصوب‪ ،‬كعلف الدابة‪ ،‬وسقي الرض وعلجها وخدمة شجر ونحو ذلك‬
‫مما ل بد للمغصوب منه‪ ،‬يكون في نظير الغلة التي استغلها الغاصب من يد المغصوب؛ لنه وإن ظَلَم‬
‫ظلَم‪ ،‬فإن تساوت النفقة مع الغلة فواضح‪ ،‬وإن زادت النفقة على الغلة‪ ،‬فل رجوع للغاصب‬
‫ل يُ ْ‬
‫بالزائد‪ ،‬كما أنه إذا كان ل غلة للمغصوب‪ ،‬فل رجوع له بالنفقة لظلمه‪ ،‬وإن زادت الغلة على النفقة‪،‬‬
‫فللمالك الرجوع على الغاصب بزائدها‪.‬‬
‫وانفرد الحنابلة (‪ )2‬بالقول كما تقدم بأن للغاصب النفقة في حال غصب أرض وزراعتها‪ ،‬واختيار‬
‫المالك أن يكون الزرع له‪ ،‬وأن يدفع للغاصب نفقته‪ ،‬عملً بالحديث المتقدم‪« :‬من زرع في أرض قوم‬
‫بغير إذنهم‪ ،‬فليس له من الزرع شيء‪ ،‬وعليه نفقته (‪ » )3‬والخيار الثاني‪ :‬أن يقر المالك الزرع في‬
‫الرض إلى الحصاد‪ ،‬ويأخذ من الغاصب أجر الرض وأرش نقصها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.598/3 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني والشرح الكبير‪.392/5 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫( ‪)6/586‬‬

‫المبحث الثاني ـ إتلف المال وحكمه‬


‫وفيه مطالب ثلثة‪ ،‬وملحق به‪ ،‬ويبحث التلف المالي عادة بعد الغصب أو معه؛ لنه يأخذ حكمه من‬
‫حيث التضمين‪.‬‬
‫المطلب الول ـ تعريف التلف وكونه سبب الضمان‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ شروط إيجاب الضمان بالتلف‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ كيفية الضمان أو ماهيته‪.‬‬
‫وأبدأ ببحث كل منها فيما يأتي‪:‬‬
‫المطلب الول ـ تعريف التلف وكونه سبب الضمان ‪:‬‬
‫التلف (‪ : )1‬هو إخراج الشيء من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة (‪ )2‬وهو سبب‬
‫موجب للضمان؛ لنه اعتداء وإضرار‪ ،‬وال تعالى يقول‪{ :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما‬
‫اعتدى عليكم} [البقرة‪ ]194/2:‬وقال عليه الصلة والسلم‪« :‬ل ضرر ول ضرار في السلم» وإذا‬
‫وجب الضمان بالغصب فبالتلف أولى؛ لنه اعتداء وإضرار محض‪.‬‬
‫ول فرق بين أن يقع التلف مباشرة‪ :‬وهو إلحاق الضرر من غير واسطة بمحل التلف‪ ،‬أو تسببا‪:‬‬
‫وهو ارتكاب فِعلٍ في محل يفضي إلى تلف غيره‪.‬‬
‫كما ل فرق في ضمان التلف بين العمد والخطأ‪ ،‬ول بين وجود البلوغ أو التمييز أو عدمه‪ ،‬فالمتلف‬
‫عمدا أو خطأ ضامن باتفاق المذاهب الربعة‪ ،‬والكبير أو الصغير أو المجنون أوالنائم المتلف ضامن‬
‫أيضا عند جمهور الفقهاء‪ .‬وفرق المالكية بين الصبي المميز وغيره‪ ،‬فيغرم المميز ما أتلفه إن كان له‬
‫مال‪ ،‬فإن لم يكن له مال‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التلف والفساد والستهلك لها معان متقاربة في اصطلح الفقهاء‪ .‬وهي تدخل تحت مدلول‬
‫أعم وهو الضرر‪ :‬وهو إلحاق مفسدة بالخرين‪ ،‬أو كل نقص يدخل على العيان‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ .164/7 :‬اتبع به‪.‬‬

‫( ‪)6/587‬‬

‫أما غير المميز فل شيء عليه فيما أتلفه من نفس أو مال كالعجماء‪ ،‬ومثله المجنون (‪ . )1‬والمعتمد‬
‫لدى المالكية إطلق الضمان من المميز وغير المميز‪ ،‬جبرا للضرر‪.‬‬
‫إل أن الفقهاء اختلفوا في تقدير وجود السبب في بعض الحالت‪ .‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫أولً ـ فتح الباب أو حل الرباط‪ :‬من فتح باب حانوت‪ ،‬ثم تركه مفتوحا‪ ،‬فسرق‪ ،‬أو دل لصا أو ظالما‬
‫على شيء فأخذه أو فتح قفص طائر‪ ،‬فطار‪ ،‬أو حل رباط دابة فهربت‪ ،‬أو فتح باب الصطبل‬
‫فخرجت‪ ،‬أو حل رباط سفينة‪ ،‬فغرقت أو ذهبت بها الريح‪.‬‬
‫ل يضمن المتسبب في هذه المثلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف (‪ )2‬؛ لن مجرد الفتح ونحوه ليس‬
‫بإتلف مباشرة ول تسببا‪ ،‬لتدخل عنصر آخر من التلف‪ ،‬وهو السرقة أو الطيران أوا لهرب أو الغرق‬
‫ونحوها‪ ،‬والسارق هو المباشر‪ ،‬والطير أو الدابة هو الذي اختار الهرب‪ ،‬والماء أو الريح كان السبب‬
‫في الغراق أو الضياع‪ ،‬فلم يكن مجرد فتح الباب أو حل الرباط سببا محضا‪ ،‬فل حكم له‪.‬‬
‫ويضمن هذا المتسبب عند المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن (‪ )3‬؛ لنه تسبب في التلف‪ ،‬وحدوث‬
‫الضرر أمر متوقع في الطبع أو العادة‪ .‬وهو الرأي المنطقي العادل في تقديري‪ ،‬وقد أخذت به المجلة‪:‬‬
‫م (‪.)922‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،139/6 :‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪ ،77/1 :‬الدر المختار وحاشيته‪،378/5 :‬‬
‫‪ ،415‬بداية المجتهد‪ 404/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،333 ،332‬مغني المحتاج‪،277/2 :‬‬
‫كشاف القناع‪.128/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،166/7 :‬جامع الفصولين‪ 115/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪.148‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير للدردير‪ ،451/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،332‬كشاف القناع‪ 128/4 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫المغني‪ ،282 ،280/5 :‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪.285‬‬

‫( ‪)6/588‬‬

‫وفصل الشافعية في المر (‪ )1‬فقالوا‪ :‬من فتح قفصا عن طائر‪ ،‬وهيجه‪ ،‬فصار في الحال‪ ،‬ضمنه‪ ،‬لنه‬
‫ألجأه إلى الفرار‪ ،‬وإن اقتصر على الفتح‪ ،‬فالظهر أنه إن طار في الحال‪ :‬ضمن؛ لن طيرانه في‬
‫الحال يشعر بتنفيره‪ ،‬وإن وقف ثم طار‪ ،‬فل يضمنه؛ لن طيرانه بعد الوقوف يشعر باختياره‪.‬‬
‫وهذا التفصيل ينطبق على حل رباط بهيمة‪ ،‬أو فتح باب إصطبل ونحوه‪.‬‬
‫وكذلك لو حلّ رباطا عن علف في وعاء‪ ،‬فأكلته بهيمة في الحال‪ ،‬ضمنه‪ ،‬أما من فتح باب حانوت‬
‫فسرقه إنسان‪ ،‬أو دلّ سارقا‪ ،‬فسرق‪ ،‬فل ضمان عليه؛ لنه لم يوجد منه سبب يمكن تعليق الضمان‬
‫عليه به‪.‬‬
‫وإن حلّ رباط سفينة‪ ،‬فغرقت‪ ،‬فإن غرقت في الحال ضمن؛ لنها تلفت بفعله‪ .‬وإن وقفت‪ ،‬ثم غرقت‪:‬‬
‫فإن كان بسبب حادث كريح هبت‪ ،‬لم يضمن لنها غرقت بغير فعله‪ .‬وإن غرقت من غير سبب‬
‫حادث ففيه رأيان‪:‬‬
‫أحدهما ـ ل يضمن كالزّق إذا ثبت بعد فتحه‪ ،‬ثم سقط‪.‬‬
‫والثاني ـ يضمن لن الماء أحد المتلفات‪.‬‬
‫ثانيا ـ فتح وعاء السمن (الزق ) ‪ :‬لو فتح إنسان زقا (ظرفا) فيه زيت أو سمن ونحوهما‪ ،‬فخرج ما‬
‫فيه‪:‬‬
‫فقال أبو حنيفة وأبو يوسف (‪ : )2‬إن كان الزيت ذائبا‪ ،‬فسال منه‪ ،‬ضمن‪ .‬وإن كان السمن جامدا‪،‬‬
‫فذاب بالشمس‪ ،‬وزال‪ ،‬لم يضمن؛ لن المائع يسيل بطبعه إن وجد منفذا بحيث يستحيل استمساكه‬
‫عادة‪ ،‬فكان حل الرباط إتلفا له تسْبيبا‪ ،‬أما الجامد فل يسيل بطبعه‪ ،‬فإن سال بحرارة الشمس‪ ،‬فل يعد‬
‫فاتح الظرف سببا في إتلفه‪ ،‬ول مباشرا له‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن (‪ : )3‬يضمن من شق زق إنسان فيه دهن مائع‪ ،‬فسال‪،‬‬
‫وهلك‪ .‬أو حل وكاء زق جامد‪ ،‬فأذابته الشمس‪ ،‬فاندفق‪ .‬أو بقي الزق بعد حله قاعدا‪ ،‬فألقته ريح‪ ،‬أو‬
‫زلزلة‪ ،‬فاندفق‪ ،‬فخرج ما فيه كله في الحال‪ ،‬أو خرج قليلً قليلً‪ ،‬أو خرج منه شيء بلّ أسفله فسقط‬
‫فاندفق؛ لن المتسبب متعد في جميع ذلك‪ ،‬سواء حدث الضرر عقب فعله أو تراخى عنه‪ .‬وهذا الرأي‬
‫هو المعقول‪.‬‬
‫وفصل الشافعية فقالوا (‪ : )4‬إذا كان الزّق مطروحا على الرض‪ ،‬فخرج ما فيه بالفتح وتلف‪،‬‬
‫يضمن‪ ،‬حتى ولو كان التقاطر بإذابة شمس‪ ،‬أو حرارة‪ ،‬أو ريح‪ ،‬مع مرور الزمن؛ لن التلف ناشئ‬
‫عن فعله‪ ،‬سواء حضر المالك‪ ،‬وأمكنه تدارك المر‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬أم ل‪ .‬وهذا كما قال المالكية ومن‬
‫معهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع‪ 245/11 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،278/2 :‬‬
‫المهذب‪ 374/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،166/7 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪.153 ،148‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،332‬كشاف القناع‪ ،129/4 :‬البدائع‪.166/7 :‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ ،278/2 :‬المهذب‪ ،375/1 :‬نهاية المحتاج‪ 111/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/589‬‬

‫أما إذا كان الزق منصوبا على شيء‪ ،‬ففتحه‪ :‬فإن سقط بالفتح وخرج ما فيه أو بابتلل أسفله منه‪،‬‬
‫ضمن‪ ،‬وإن سقط بسبب ريح‪ ،‬أو نحوها كزلزلة‪ ،‬ووقوع طائر‪ ،‬أو جهل الحال‪ ،‬فلم يعلم سبب‬
‫سقوطه‪ ،‬لم يضمن؛ لن التلف لم يحصل بفعله‪.‬‬
‫ثالثا ـ الترويع‪ :‬إذا بعث الحاكم إلى امرأة يستدعيها إلى مجلس القضاء‪ ،‬فأجهضت جنينها فزعا‪ ،‬أو‬
‫زال عقلها‪:‬‬
‫فقال أبو حنيفة وابن حزم (‪ : )1‬ل ضمان في شيء من ذلك على أحد‪ ،‬إذ ليس السبب متصلً بالنتيجة‬
‫قطعا‪.‬‬
‫وقال جمهور الفقهاء (‪ : )2‬يضمن الحاكم الدية‪ ،‬لحادثة عمر الذي استدعى امرأة فأجهضت‪ ،‬وقد سبق‬
‫الكلم عنها في الجنايات‪.‬‬
‫رابعا ـ الحيلولة والحبس‪ :‬من حبس المالك عن ماله حتى تلف المال‪ ،‬أو عن ماشيته حتى تلفت‪ ،‬فقال‬
‫جمهور الحنفية (‪ : )3‬إن كان المال منقولً ضمن‪ ،‬وإن كان عقارا لم يضمن‪ .‬وهذا هو رأي أبي‬
‫حنيفة وأبي يوسف اللذين يريان إمكان تحقق الغصب في المنقول دون العقار‪ .‬وقال محمد‪ :‬يجري‬
‫الغصب فيهما‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة (‪ : )4‬على من فعل ذلك ضمان ما تلف به؛ لنه سبب هلكه‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )5‬إن قصد المتسبب منع المالك عن ملكه‪ ،‬ضمن‪ ،‬وهو مبدأ الحيلولة‪ :‬وهي أن‬
‫يحول بين الشخص وبين ملكه حائل حتى تلف‪ .‬وإن لم يقصد منعه عن ملكه‪ ،‬ولم يضمن لنه لم‬
‫يتصرف في المال‪ ،‬وإنما تصرف في المالك‪.‬‬
‫وبه يظهر أن الحيلولة بين المالك وملكه سبب رابع من أسباب الضمان بعد (العقد‪ ،‬واليد‪ ،‬والتلف)‬
‫عند جمهور الفقهاء‪ ،‬وعند الحنفية في المنقول دون غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،397/5 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ ،172‬الللئ الدرية في الفوائد الخيرية بهامش‬
‫جامع الفصولين‪ ،112/2 :‬ط الولى بالزهرية‪ :‬المحلى‪ 29/11 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،244/4 :‬المهذب‪ ،192/2 :‬المغني‪ 832/7 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬جامع الفصولين‪ ،117/2 :‬اللباب شرح الكتاب‪.189/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير للدردير‪ ،242/4 :‬المغني‪.834/7 ،223/5 :‬‬
‫(‪ )5‬فتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع‪ ،247/11 :‬نهاية المحتاج‪ ،112/4 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪. 283/2‬‬

‫( ‪)6/590‬‬

‫المطلب الثاني ـ شروط إيجاب الضمان بالتلف ‪:‬‬


‫يشترط ليجاب الضمان بسبب التلف ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الشيء المتلف مالً‪ ،‬فل ضمان بإتلف الميتة وجلدها‪ ،‬والدم‪ ،‬والتراب العادي‪،‬‬
‫والكلب‪ ،‬والسرجين النجس‪ ،‬ونحوها مما ليس بمال عرفا وشرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون متقوّما بالنسبة للمتلف عليه‪ ،‬والمتقوم‪ :‬هو ما يباح النتفاع به شرعا في غير حال‬
‫الضطرار‪ ،‬فل ضمان بإتلف خمر أو خنزير لمسلم‪ ،‬سواء أكان المتلِف مسلما أم ذميا‪ ،‬لعدم تقوم‬
‫الخمر والخنزير في حق المسلم‪ ،‬إذ ليباح له النتفاع بهما شرعا‪ ،‬فل قيمة لهما‪.‬‬
‫أما خمور وخنازير غير المسلم أي الذمي‪ ،‬فيضمنها المتلف مسلما أو غيره‪ ،‬ويلزم المسلم بالقيمة‪،‬‬
‫وغير المسلم بالمثل‪ ،‬عند الحنفية والمالكية‪ ،‬لتعديه عليها‪ ،‬ولنها مال محترم عند غير المسلمين‪.‬‬
‫ول تضمن عند الشافعية والحنابلة؛ إذ ل قيمة لها كالدم والميتة وسائر العيان النجسة‪ ،‬وما حرم‬
‫النتفاع به لم يضمن ببدل عنه‪ ،‬كما بان في غصب غير المتقوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 167/7 :‬وما بعدها‪ ،‬المبسوط‪ ،53/11 :‬درر الحكام‪ ،268/2 :‬تبيين الحقائق‪-233/5 :‬‬
‫‪ ،237‬تكملة الفتح‪ ،397/7 :‬اللباب شرح الكتاب‪ ،195/2 :‬الشرح الكبير‪ ،204/2 :‬القوانين الفقهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،333‬نهاية المحتاج‪ ،111/4 :‬مغني المحتاج‪ ،277/ :‬كشاف القناع‪ 146 ،128/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/591‬‬

‫ول ضمان عند جمهور الفقهاء ومنهم الصاحبان بإتلف الصنام وآلت اللهو والفساد كالمزمار‬
‫والرباب والعود ونحوها من أدوات الموسيقا‪ ،‬لعدم تقوّمها؛ لن منفعتها محرمة ل تقابل بشيء‬
‫باعتبارها أدوات لهو‪ ،‬فل قيمة لها‪ ،‬كما تبين في غصب غير المتقوم‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬تضمن باعتبارها خشبا منحوتا فقط؛ لن هذه اللت كما تصلح للهو‬
‫والفساد‪ ،‬تصلح للنتفاع بها من وجه آخر‪ ،‬فكانت مالً متقوما من تلك الناحية فقط‪.‬‬
‫ول ضمان أيضا بإتلف الموال المباحة التي ليست مملوكة لحد لعدم تقوّمها؛ لن التقوم ينبني على‬
‫كون الشيء عزيز المنال‪ ،‬خطير الهمية‪ ،‬وهذا المعنى ل يتحقق إل بالحراز والستيلء‪.‬‬
‫ول ضمان كذلك بتحريق كتب الفسق والضلل‪ ،‬لشتمالها على الكذب وللحاقها ضررا بعقيدة الناس‬
‫ووحدتهم‪ ،‬فيجب إتلفها وإعدامها‪ ،‬وهي أولى بالتلف من إتلف آلت اللهو والمعازف وإتلف آنية‬
‫الخمر الذي أمر به الرسول صلّى ال عليه وسلم (‪ ، )1‬فإن ضررها أعظم من ضرر هذه‪ ،‬ول‬
‫ضمان فيها كما ل ضمان في كسرأواني الخمر وشق زقاقها (أي ظروفها وأوعيتها)‪ ،‬وقد حرق‬
‫الصحابة جميع المصاحف المخالفة للمصحف الموحد الخط‪ :‬وهو مصحف عثمان‪ ،‬لما خافوا على‬
‫المة من الختلف في التلوة لختلف اللهجات وطرائق النطق (‪. )2‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون التلف (أو الضرر) محققا بنحو دائم‪ :‬فإذا أعيد الشيء إلى الحالة التي كان عليها فل‬
‫ضمان‪ ،‬كأن عولج المرض أو نبتت سن الحيوان في المدة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر نيل الوطار‪ 329/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لبن قيم‪:‬ص ‪ 271‬ومابعدها‪،275 ،‬ط أنصار السنة‬
‫المحمدية‪.‬‬

‫( ‪)6/592‬‬
‫التي بقي فيها الشيء في يد المعتدي؛ لن النقص الحاصل عندما أزيل أو السن عندما نبتت ثانيا‪،‬‬
‫جعل الضرر كأن لم يكن‪ ،‬ويرد على المعتدي ما أخذ منه بسبب النقصان‪ ،‬لنه تبين أن النقصان لم‬
‫يكن موجبا للضمان لعدم تحقق شرط الوجوب وهو العجز عن النتفاع على طريق الدوام‪ .‬وهذا رأي‬
‫أبي حنيفة‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬على الجاني الرش كاملً؛ لن الجناية وقعت موجبة له‪ ،‬والذي نبت نعمة جديدة من‬
‫ال (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون المتلف أهلً لوجوب الضمان‪ :‬فل يضمن ما تتلفه بهيمته من أموال؛ لن فعل العجماء‬
‫جُبَار أي هدر‪ .‬ول يشترط التمييز عند بعض المالكية ليجاب الضمان كما تقدم (‪. )2‬‬
‫‪ - 5‬أن يكون في إيجاب الضمان فائدة‪ :‬حتى يتمكن صاحب الحق من الوصول إلى حقه‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫في التضمين فائدة‪ ،‬أي عدم القدرة على تنفيذ الحكم الصادر بالتعويض‪ ،‬فل ضمان‪.‬‬
‫وعليه فل ضمان على المسلم بإتلف مال الحربي (‪ ، )3‬ول على الحربي بإتلف مال المسلم في دار‬
‫الحرب؛ إذ ليس لحاكم بلد سلطة أو ولية لتنفيذ الحكام على رعايا بلد آخر‪ .‬وليس مال الحربي‬
‫بالنسبة للمسلم وعكسه محترما‪ ،‬أي مصونا يجب الحفاظ عليه‪ ،‬وإنما هو هَدَر‪ .‬لهذا اشترط الفقهاء في‬
‫الضمان أن يكون المال محترما‪ ،‬فمال الحربي في نظر الشرع مباح‪ ،‬فمن أخذه ل يعد غاصبا (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،157 ،155/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،137/6 :‬اللباب شرح الكتاب‪.190/3 :‬‬
‫(‪ )2‬وعلى هذا نصت المجلة‪ :‬م‪.916/‬‬
‫(‪ )3‬الحربي‪ :‬هو بيننا وبين بلده عداوة وحرب‪.‬‬
‫(‪ )4‬نهاية المحتاج‪.111/4 :‬‬

‫( ‪)6/593‬‬

‫ول ضمان أيضا على العادل إذا أتلف مال الباغي‪ ،‬ول على الباغي إذا أتلف مال العادل (‪ ، )1‬لعدم‬
‫إمكان الوصول إلى الضمان لعدم وجود الولية والسلطة‪.‬‬
‫وقيّد غير الحنفية (‪ )2‬عدم اللتزام بالضمان بين العادلين والبغاة بحال الحرابة (أو الحرب أو الخروج‬
‫على المام) لعذر البغاة بالتأويل‪.‬‬
‫وأضاف الشافعية (‪ )3‬على هذه الشروط أن تثبت اليد على المال‪ :‬فل يضمن الشخص طائرا فزع من‬
‫مسيره من غير قصد‪ ،‬فخرج من القفص الذي كان مفتوحا‪ ،‬ول يضمن المشتري مبيعا تلف قبل‬
‫القبض‪.‬‬
‫وأما شروط الضمان في التلف تسبباً فهي ثلثة كما ذكر الحنفية (‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬التعدي‪ :‬أن يحدث تعد من فاعل السبب‪ .‬والتعدي‪ :‬هو تجاوز الحق‪ ،‬أو ما يسمح به الشرع‪ ،‬كأن‬
‫يحفر شخص بئرا في الطريق العام من غير إذن الحاكم‪ ،‬أو في غير ملكه عدوانا‪ ،‬أو ل يتخذ‬
‫الحتياطات الواقية من وقوع الضرر ولو بإذن‪ ،‬فإذا سقط فيه إنسان أو حيوان‪ ،‬فالحافر ضامن‪ .‬ومثله‬
‫أن يؤجج رجل نارا في يوم ريح عاصف‪ ،‬فيتعدى إلى إتلف مال الغير؛ أو يحل وكاء وعاء فيه‬
‫شيء مائع فاندفق؛ أو يمزق وثيقة فضاع ما فيها من الحقوق؛ أو يفتح قفصا عن طائر‪ ،‬فطار في‬
‫رأي غير أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬أو يحمل حملً في الطريق‪ ،‬فيقع على شيء فيتلفه‪ ،‬أو يعثر أحد‬
‫بالحمل‪ ،‬فيضمن في كل تلك الحالت لنه أثر فعله الذي هو تعدي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العادل ضد الباغي‪ ،‬وجمعه بغاة‪ ،‬والبغاة قوم كالخوارج لهم شوكة ومنعة خالفوا جماعة المسلمين‬
‫في بعض الحكام الشرعية بتأويل فاسد لبعض النصوص‪ ،‬وظهروا على بلدة من البلد السلمية‪،‬‬
‫ونظموا عسكرا لهم‪ ،‬ونفذوا أحكامهم الخاصة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،300/4 ،442/3 :‬مغني المحتاج‪ 277/2 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.128/4 :‬‬
‫(‪ )3‬نهاية المحتاج‪.113/4 :‬‬
‫(‪ )4‬جامع الفصولين‪ ،124 ،112 ،116/2 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ ،323‬شرح المجلة للشيخ خالد‬
‫التاسي‪ ،464/3 :‬المادة ‪ 924‬من المجلة‪ ،‬وانظر القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪ 190‬وما بعدها‪ ،‬الفروق‬
‫للقرافي‪ ،208/2 ،27/4 :‬مغني المحتاج‪.278/2 :‬‬

‫( ‪)6/594‬‬

‫‪ - 2‬التعمد‪ :‬وهو أن يصدر الفعل عن قصد وإرادة‪ ،‬كأن يتلف شِرْب (‪ )1‬إنسان بأن يسقي أرضه‬
‫بشرب غيره‪ ،‬أو يسد الماء عن أرض جاره‪ ،‬فتيبس مزروعاته‪ ،‬أو يجذب ثوب إنسان فيسقط منه ما‬
‫يحمله فيه‪ ،‬فيتلف‪ ،‬فيضمن‪ .‬أما إذا لم يكن هناك تعمد‪ ،‬كما لو جفلت دابة من رجل‪ ،‬فهربت وضاعت‪،‬‬
‫فل يضمن‪ ،‬لنه غير متعمد أو غير متعد في الدق‪ .‬والحقيقة أن المراد بالتعمد هو التعدي‪ ،‬سواء‬
‫أكان هناك قصد أم ل‪ ،‬فلو صاح مجنون بدابة شخص‪ ،‬فجفلت ووقع الراكب أو الحمل‪ ،‬فتلف‪ ،‬كان‬
‫ضامنا المال‪ .‬وإن لم يكن عنده قصد الضرار‪ ،‬لكنه متعد‪ .‬وتكون القاعدة؛ «المتسبب ل يضمن إل‬
‫بالتعدي» و «المباشر ضامن وإن لم يتعد» ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يؤدي السبب إلى النتيجة قطعا‪ ،‬دون تدخل سبب آخر بحسب العادة‪ :‬وبعبارة أخرى‪ :‬أل‬
‫يتخلل بين السبب والمسبب فعل شخص آخر‪ ،‬أو أل يكون التلف قد نشأ عن فعل آخر مختار مباشر‪،‬‬
‫فإن تدخل عنصر آخر مختار‪ ،‬نسب الفعل إليه مباشرة‪.‬‬
‫أي إن اشترك المباشر والمتسبب‪ ،‬ضمن المباشر إن كان السبب ل يؤثر في التلف بانفراده عادة‪ ،‬كمن‬
‫حفر بئرا في مكان عدوانا‪ ،‬فجاء غير الحافر‪ ،‬وأردى فيه إنسانا أو حيوانا‪ ،‬فالضمان عليه دون‬
‫الحافر‪ ،‬أما إن تردى فيه بهيمة أو غيرها بنفسها‪ ،‬فالحافر هو الضامن‪.‬‬
‫وإن كان السبب يؤثر بانفراده‪ ،‬فإن المتسبب والمباشر يشتركان في الضمان‪ ،‬كما لو نخس رجل دابة‬
‫آخر بإذنه‪ ،‬فوطئت إنسانا‪ ،‬فالضمان عليهما؛ لن السبب هنا يؤثر بانفراده‪ ،‬كما أوضحت سابقا في‬
‫الجنايات‪.‬‬
‫هذا ‪ ...‬ول يشترط في الضامن التمييز أو كونه بالغا عاقلً عند الفقهاء ‪ ،‬فإن الصبي والمجنون‬
‫يضمنان ما يتلفانه من أموال‪ ،‬كما بان سابقا في تعريف التلف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرب‪ :‬النصيب من الماء لرواء الراضي‪ .‬وحق الشفة‪ :‬هو حق شرب النسان والدواب‪.‬‬

‫( ‪)6/595‬‬

‫ول تكون حالة الضرورة سببا للعفاء من الضمان‪ ،‬فمن اضطرحال الجوع مثلً لتناول مال الغير‪،‬‬
‫فإنه يلزمه ضمانه بالرغم من إباحة التناول حفاظا على النفس من الهلك؛ لن القاعدة تقول‪:‬‬
‫«الضطرار ل يبطل حق الغير» ‪.‬‬
‫ول يصلح الجهل بكون المال المتلف مال الغير سببا أيضا للتخلص من الضمان‪.‬‬
‫فالعلم بكون المتلف مال الغير‪ ،‬ليس بشرط لوجوب الضمان‪ ،‬فمن أتلف مالً ظانا أنه ملكه‪ ،‬ثم تبين‬
‫أنه مملوك لغيره‪ ،‬ضمنه؛ لن التلف واقعة مادية ل يتوقف وجودها على العلم بكون التلف مال‬
‫الغير‪ .‬كل ما في المر أن التلف إذا تم مع العلم‪ ،‬فيوجب الضمان والثم الخروي‪ ،‬وإذا حدث‬
‫جهلً فيوجب الضمان فقط‪ ،‬ويرتفع الثم؛ لن الخطأ مرفوع المؤاخذة شرعا‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا عليه» (‪. )1‬‬
‫المطلب الثالث ـ كيفية الضمان أو ماهيته ‪:‬‬
‫الواجب بالتلفات المالية هو الواجب بالغصب‪ :‬وهو ضمان المثل إن كان المتلف مثليا‪ ،‬وضمان‬
‫القيمة يوم التلف فيما ل مثل له؛ لن ضمان التلف ضمان اعتداء‪ ،‬والعتداء لم يشرع إل بالمثل‪.‬‬
‫فعند المكان يجب العمل بالمثل المطلق (وهو المثل صورة ومعنى)‪ ،‬وعند التعذر يجب المثل معنى‪،‬‬
‫وهو القيمة‪ ،‬كما في الغصب (‪. )2‬‬
‫لكن إن تلف المغصوب المثلي‪ ،‬وفقد مثله‪ ،‬فتجب قيمته يوم انقطاع المثل عند الحنابلة‪ ،‬لن القيمة‬
‫وجبت في الذمة حينئذ (المغني‪.)258/5 :‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،168/7 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،332‬مغني المحتاج‪ ،284/2 :‬غاية المنتهى‪.246/2 :‬‬

‫( ‪)6/596‬‬

‫صلُ الثّامن‪ :‬دَفع الصّائِل‬


‫ال َف ْ‬
‫وحكم ضمان الفعل الدفاعي ـ الدفاع الشرعي‬
‫وفيه مباحث أربعة‪ :‬في مشروعية الدفاع ومراحله وحكمه‪ ،‬وشروطه‪ ،‬وهل هو حق أو واجب‪،‬‬
‫وضمان الفعل‪.‬‬
‫المبحث الول ـ مشروعية الدفاع ومراحله وحكمه ‪:‬‬
‫إذا اعتدى إنسان على غيره في نفس أو مال أو عرض‪ ،‬أوصال عليه يريد ماله أو نفسه ظلما‪ ،‬أو‬
‫يريد امرأة ليزني بها أو صالت عليه بهيمة‪ ،‬فللمعتدى عليه‪ ،‬أو المصول عليه‪ ،‬ولغيره‪ :‬أن يرد‬
‫العدوان بالقدر اللزم لدفع العتداء بحسب تقديره في غالب ظنه‪ ،‬وللغير أن يعاونه في الدفاع‪ ،‬ولو‬
‫عرض اللصوص لقافلة‪ ،‬جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم‪.‬‬
‫ويبتدئ المدافع بالخف فالخف إن أمكن‪ ،‬فإن أمكن دفع المعتدي بكلم واستغاثة بالناس‪ ،‬حرم عليه‬
‫الضرب‪ ،‬وإن أمكن الدفع بضرب اليد‪ ،‬حرم استخدام السوط‪ ،‬وإن أمكن الدفع بالسوط‪ ،‬حرم استعمال‬
‫العصا‪ ،‬وإن أمكن الدفع بقطع عضو‪ ،‬حرم القتل‪ ،‬وإن لم يمكن الدفع إل بالقتل أبيح للمدافع القتل؛ لنه‬
‫من ضرورات الدفع‪ .‬فإن شهر عليه سيفا أبيح للمدافع أن يقتله؛ لنه ل يقدر على الدفع إل بالقتل‪ ،‬إذ‬
‫لو استغاث بالناس لقتله‪ ،‬قبل أن يلحقه الغوث‪ ،‬إذ تأثير السلح فوري‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المدافع إن كان يعلم أن المهاجم ينزجر بصياح أو ضرب بما دون السلح‪ ،‬فعل‪ ،‬وإل‬
‫جاز له استعمال السلح‪ ،‬فالقتل أو السلح جوز للضرورة استثناء من قاعدة «الضرر ل يزال‬
‫بالضرر» ول ضرورة في الثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالسهل‪ .‬ومن المعلوم أن ( الضرورة‬
‫تقدر بقدرها ) حتى إن تمكن المعتدى عليه أو المصول عليه من الهرب أو اللتجاء لحصن أو‬
‫جماعة‪ ،‬فيجب عليه ذلك‪ ،‬كما أوضح الشافعية والمالكية‪ ،‬وفي وجه عند الحنابلة‪ ،‬ويحرم قتال المعتدي‬
‫أو الصائل حينئذ؛ لن المعتدى عليه مأمور بتخليص نفسه بالهون‪ ،‬وبما أن الهرب ونحوه أسهل من‬
‫غيره‪ ،‬فل يلجأ إلى الشد (‪ ، )1‬قال العز بن عبد السلم‪« :‬إذا انكف الصوال عن الصيال حرم قتالهم‬
‫وقتلهم» (‪. )2‬‬
‫وأدلة مشروعية الدفاع كثيرة في القرآن والسنة والمعقول‪:‬‬
‫أما من القرآن فقوله تعالى‪{ :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‪ ،‬واتقوا ال ‪،‬‬
‫واعلموا أن ال مع المتقين} [البقرة‪ ]194/2:‬فالمر بالتقوى دليل على ضرورة التزام مبدأ المماثلة أو‬
‫التدرج في الخذ بالخف فالخف‪.‬‬
‫ومن السنة‪ :‬أحاديث منها «من قتل دون دينه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دمه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون‬
‫ماله فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد» (‪ )3‬فهذا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،93/7 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،197/3 :‬الشرح الكبير‪ ،357/4 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ ،319/2‬مغني المحتاج‪ ،197-196/4 :‬المغني‪.331-329/8 :‬‬
‫(‪ )2‬قواعد الحكام‪.195/1 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أصحاب السنن الربعة وصححه الترمذي عن سعيد بن زيد (سبل السلم‪.)40/4 :‬‬

‫( ‪)6/597‬‬

‫دليل على جواز الدفاع عن الدين والنفس والمال والعرض‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم لما جعل‬
‫المدافع شهيدا‪ ،‬دل على أن له القتل والقتال‪.‬‬
‫وأما جواز الدفاع عن الغير‪ :‬فأساسه الحفاظ على الحرمات مطلقا من نفس أو مال‪ ،‬فلول التعاون‪،‬‬
‫لذهبت أموال الناس وأنفسهم؛ لن قطاع الطرق مثلً إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يُعنه غيره‪ ،‬فإنهم‬
‫يأخذون أموال الكل واحدا واحدا‪ ،‬وكذلك غيرهم‪ .‬وقد قال النبي صلّى ال عليه وسلم «انصر أخاك‬
‫ظالما أو مظلوما‪ ،‬قيل‪ :‬كيف أنصره ظالما؟ قال‪ :‬تحجزه عن الظلم‪ ،‬فإن ذلك نصره» (‪ )1‬وقال أيضا‪:‬‬
‫«من أذل عنده مؤمن‪ ،‬فلم ينصره‪ ،‬وهو يقدر على أن ينصره‪ ،‬أذله ال على رؤوس الشهاد يوم‬
‫القيامة» (‪ )2‬وفي حديث «إن المؤمنين يتعاونون على الفُتّان» (‪. )3‬‬
‫وحكم الدفاع الشرعي‪ :‬هو الباحة‪ ،‬فتكون أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء (‪ ، )4‬فل مسؤولية على‬
‫المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية‪ ،‬إل إذا تجاوز حدود المشروع‪ ،‬فيصبح عمله جريمة يسأل عنها‬
‫مدنيا وجزائيا‪ ،‬وعليه القصاص‪ .‬ول يجوز للمدافع القتل إل إذا ثبت ببينة أن الصائل لم يندفع إل به‪،‬‬
‫كأن يرى الشهود أن الصائل أقبل بسلح مشهور على المدافع‪ ،‬فضربه هذا‪ .‬ول يقبل القول بمجرد‬
‫ادعاء المدافع أنه قد هاجم منزله‪ ،‬فلم يمكنه دفعه إل بالقتل‪ ،‬كما ل يقبل قول الشهود بأنهم رأوا‬
‫الصائل داخلً الدار ولم يذكروا سلحا‪ .‬فإن لم يحضر أحد من الناس يقبل عند المالكية قول المدافع‬
‫بيمينه (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في مسنده والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد في مسنده عن سهل بن حنيف (نيل الوطار‪.)327/5 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود ولفظه «المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر‪ ،‬ويتعاونان على الفتان» أي‬
‫الشيطان‪ .‬وبضم الفاء‪ :‬جمع‪.‬‬
‫(‪ )4‬المراجع السابقة في بدء هذا المطلب‪ ،‬نظرية الضرورة الشرعية للمؤلف‪ :‬ص ‪.142-140‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الكبير للدردير‪ ،357/4 :‬المغني‪.333/8 :‬‬

‫( ‪)6/598‬‬

‫المبحث الثاني ـ شروط دفع الصائل ‪:‬‬


‫يشترط لجواز دفع الصائل أربعة شروط وهي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون هناك اعتداء في رأي جمهور الفقهاء‪ ،‬وعند الحنفية‪ :‬أن يكون العتداء جريمة معاقبا‬
‫عليها‪ .‬وعلى هذا فممارسة حق التأديب من الب أو الزوج أو المعلم‪ ،‬وفعل الجلد ل يوصف بكونه‬
‫اعتداء‪ .‬وفعل الصبي والمجنون وصيال الحيوان ل يوصف بكونه جريمة عند الحنفية‪.‬‬
‫فإذا قتل النسان الجمل الصؤول ونحوه‪ ،‬ضمن قيمته على كل حال عند الحنفية؛ لن الموال تضمن‬
‫حال الضرورة إلى إتلفها‪ ،‬والقاعدة عندهم أن «الضطرار ل يبطل حق الغير» وأن جناية ( العجماء‬
‫جُبَار ) أي هدر‪.‬‬
‫وقال الجمهور عند الحنفية‪ :‬ل غرم ول ضمان على المدافع إذا لم يقدر على المتناع منه إل بضربه‬
‫وقتله‪ ،‬لنه قتله أثناء الدفاع الجائز‪ ،‬ولدفع شره‪ ،‬وقياسا على قتل النسان الصائل‪ ،‬وحرمة النفس‬
‫أعظم من حرمة المال‪ .‬وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد الحرمي إذا صال‪ .‬ويختلف هذا عن حالة‬
‫المضطر إلى طعام الغير‪ ،‬بأن الطعام لم يلجئ المضطر إلى إتلفه‪ ،‬ولم يصدر منه ما يزيل عصمته‬
‫(‪ . )2‬ومذهب غير الحنفية في صيال الحيوان والصبي والمجنون هو المعقول‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون العتداء حالً‪ :‬أي واقعا بالفعل‪ ،‬ل مؤجلً ول مهددا به فقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع التفصيل في التشريع الجنائي السلمي للمرحوم عبد القادر عودة‪ 278/1 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،273/7 :‬بداية المجتهد‪ ،319/2 :‬المغني‪ 328/8 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،225/2 :‬كشاف‬
‫القناع‪ ،143/4 :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪.357/4 :‬‬

‫( ‪)6/599‬‬

‫‪ - 3‬أل يمكن دفع العتداء بطريق آخر‪ ،‬فإذا أمكنه ذلك بوسيلة أخرى كالستغاثة أو الستعانة بالناس‬
‫أو برجال المن‪ ،‬ولم يفعل‪ ،‬فهو معتد‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يدفع العتداء بالقوة اللزمة‪ :‬أي بالقدر اللزم لرد العتداء بحسب ظنه‪ .‬باليسر فاليسر‪،‬‬
‫كما بينت في المطلب الول‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ هل دفع الصائل حق مباح أو واجب؟‬
‫الكلم على هذا المطلب يقتضي التفصيل في كل حالة من حالت الدفاع الشرعي على حدة‪.‬‬
‫حكم الدفاع عن النفس ‪:‬‬
‫إذا هوجم إنسان بقصد العتداء على نفسه‪ ،‬أو عضو من أعضائه‪ ،‬سواء أكان الهجوم من إنسان آخر‬
‫أم من بهيمة‪ ،‬فيجب على المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه في رأي أبي حنيفة والمالكية‪ ،‬والشافعية (‬
‫‪ ، )1‬إل أن الشافعية قيدوا وجوب دفع الصائل في هذه الحالة بما إذا كان الصائل كافرا أو بهيمة؛ لن‬
‫الستسلم للكافر ذل في الدين‪ ،‬والبهيمة تذبح لستبقاء نفس النسان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،110/6 :‬البدائع‪ ،93/7 :‬تكملة فتح القدير‪ ،269/8 :‬الدر المختار ورد المحتار‪:‬‬
‫‪ ،387/5 ،197/2‬الفتاوى الهندية‪ ،51 ،7/6 :‬مواهب الجليل للحطاب‪ ،323/6 :‬الشرح الكبير‬
‫والدسوقي‪ ،357/4 :‬المنتفى على الموطأ‪ ،61/6 :‬تنوير الحوالك شرح الموطأ‪ ،220/2 :‬الفروق‪:‬‬
‫‪ ،185/4‬مغني المحتاج‪ ،195 ،21/4 :‬المهذب‪.225/2 :‬‬

‫( ‪)6/600‬‬

‫وأما إذا كان الصائل مسلما فالظهر عند الشافعية أنه يجوز الستسلم له‪ ،‬بل يسن لخبر أبي داود‪:‬‬
‫«كن خير ابني آدم» يعني قابيل وهابيل‪ ،‬واشتهر ذلك عن الصحابة رضي ال تعالى عنهم‪ ،‬ولم ينكر‬
‫عليه أحد‪ ،‬وأضاف الشافعية بأن الدفع عن نفس غيره في اليجاب وعدمه كالدفع عن نفسه‪.‬‬
‫وقيد المالكية وجوب الدفاع بأن يكون بعد النذار ندبا كالمحارب إن أمكن‪ :‬بأن يقول له‪ :‬ناشدتك ال‬
‫إل ما تركتني ونحوه‪ ،‬فإن لم ينكف أو لم يمكن‪ ،‬جاز له دفعه بالقتل وغيره‪.‬‬
‫ودليل القائلين بإيجاب الدفاع عن النفس قوله تعالى‪{ :‬ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة‪]195/2:‬‬
‫وقوله سبحانه {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال } [الحجرات‪{ ]9/49:‬فمن اعتدى عليكم‬
‫فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة‪{ ]194/2:‬وجزاء سيئةٍ سيئ ٌة مثلها} [الشورى‪]40/42:‬‬
‫وبما أن النسان يجب عليه صيانة نفسه بأكل ما يجده حال الجوع‪ ،‬فيجب عليه الدفاع عن نفسه‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ ، )1‬ورأيهم هو المتفق مع السنة‪ :‬إن دفع الصائل على النفس جائز ل واجب‪ ،‬سواء‬
‫أكان الصائل صغيرا أم كبيرا أم مجنونا‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم في حال الفتنة‪« :‬اجلس في‬
‫ط وجهك» وفي لفظ «تكون فتن‪ ،‬فكن فيها عبد ال‬
‫بيتك‪ ،‬فإن خفت أن يَبهرك شعاع الشمس‪ ،‬فغ ّ‬
‫المقتول‪ ،‬ول تكن القاتل» (‪ )2‬وقد صح أن عثمان رضي ال عنه منع عبيده أن يدافعوا عنه‪ ،‬وكانوا‬
‫أربع مئة‪ ،‬وقال‪« :‬من ألقى سلحه فهو حر» ‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا مخالف لحال المضطر إلى الطعام‪ :‬يلزمه‬
‫الكل منه؛ لن في القتل شهادة‪ ،‬وإحياء نفس غيره‪ ،‬وفي الكل إحياء نفسه من غير مساس بنفس أحد‬
‫غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 329/8 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.143/4 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن أبي خيثمة والدارقطني عن عبد ال بن خباب بن الرت‪ ،‬وأخرجه أحمد نحوه عن‬
‫خالد ابن عرفطة‪.‬‬

‫( ‪)6/601‬‬

‫المبحث الرابع ـ ضمان الفعل ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء (‪ )1‬على أن المعتدى عليه (المدافع) إذا قتل الصائل‪ ،‬فل مسؤولية عليه من الناحيتين‬
‫المدنية والجنائية‪ ،‬فل دية ول قصاص‪ ،‬لقوله عليه السلم‪« :‬من شهر سيفه ثم وضعه ـ ضرب به ـ‬
‫فدمه َهدَر» (‪ ، )2‬ولن الصائل باغ‪ ،‬والمصول عليه كان يؤدي واجبه في الدفاع عن نفسه‪ ،‬ودفع‬
‫الشر (‪. )3‬‬
‫إل أن الحنفية استثنوا مما ذكر‪ :‬ما إذا كان الصائل صبيا أو مجنونا أو دابة‪ ،‬فقتله المصول عليه‪،‬‬
‫فيسأل مدنيا فقط ل جنائيا‪ ،‬فل قصاص عليه‪ ،‬وإنما يدفع الدية عن الصبي والمجنون‪ ،‬ويضمن قيمة‬
‫الدابة كما بينت في المبحث الثاني‪.‬‬
‫وروي عن أبي يوسف‪ :‬أنه يكون مسؤولً مدنيا فقط عن قيمة الحيوان‪ ،‬ولتجب الدية عليه في قتل‬
‫الصبي والمجنون‪.‬‬
‫ودليل الحنفية بالنسبة للدابة قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬العجماء جُرْحها جُبَار» (‪ )4‬أي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي وإسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد ال بن الزبير (نصب الراية‪.)347/4 :‬‬
‫(‪ )3‬قال الحنفية‪« :‬من شهر على رجل سلحا ليلً أو نهارا‪ ،‬أو شهر عصا ليلً في مصر‪ ،‬أو نهارا‬
‫في طريق غير مصر‪ ،‬فقتله المشهور عليه عمدا‪ ،‬فل شيء عليه» (مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪.)166‬‬
‫(‪ )4‬رواه الجماعة عن أبي هريرة رضي ال عنه (نيل الوطار‪.)234/5 :‬‬

‫( ‪)6/602‬‬

‫هَدر‪ .‬وأما فعل الصبي والمجنون فل يوصف بكونه جريمة أو بغيا‪ ،‬فل تسقط به عصمة النفس‪ ،‬ول‬
‫يتوافر بالتالي شرط جواز الدفاع عن النفس؛ لن من شرائطه أن يكون هناك اعتداء أو عدوان‬
‫عندهم‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬ولن الدفاع شرع لدفع الجرائم‪ ،‬ول جريمة ههنا‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬يعد فعل الصبي والمجنون جريمة‪ ،‬بدليل أنه يجب عليهما ضمان المتلفات‪ ،‬إل أنه‬
‫رفع العقاب عنهما لعدم الدراك‪ .‬أما فعل الدابة‪ ،‬فليس جريمة‪ ،‬ول يجب الضمان على ما تتلفه؛ لن‬
‫العجماء جبار والشرط أن يكون العتداء جريمة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن أبا حنيفة ل يرى وجودا لحالة الدفاع في صيال الصبي والمجنون والحيوان‪ ،‬وإنما‬
‫يحق الدفاع على أساس الضرورة‪ ،‬أي فيجب الضمان أو التعويض‪ .‬وأما أبو يوسف فيرى وجود حالة‬
‫الدفاع إذا صال الصبي أو المجنون‪ ،‬كما هو رأي غير الحنفية‪ .‬أما إذا صال الحيوان فيدفع على‬
‫أساس الضرورة‪ ،‬فتجب قيمته بإتلفه‪.‬‬
‫وأما جمهور الفقهاء فيرون توافر حالة الدفاع في كل الحالت المذكورة؛ لن من واجب النسان أن‬
‫يدافع عن النفس والمال عند كل اعتداء‪ ،‬وإن فعل العتداء بذاته ل يحل دم الصائل‪ ،‬ولكنه يوجب أو‬
‫يجيز منع العتداء‪ ،‬على الخلف السابق بينهم على رأيين‪ ،‬فالمطالبة بمنع العتداء هو الذي أحل دم‬
‫الصائل‪ ،‬وليس العتداء ذاته‪ ،‬فليشترط إذن أن يكون العتداء ذاته جريمة معاقبا عليها‪.‬‬

‫( ‪)6/603‬‬
‫ورأي الحنابلة (‪ : )1‬أن من دفع صائلً عن نفسه أو عن ولده ونسائه ومحارمه كأخته وعمته بالقتل‬
‫لم يضمنه‪ ،‬ولو دفعه عن غيره بالقتل ضمنه‪.‬‬
‫حكم العاض‪ :‬وأما من عض يد إنسان‪ ،‬فانتزعها منه‪ ،‬فسقطت أسنانه‪ ،‬فلضمان عليه‪ ،‬أي ل يسأل‬
‫مدنيا بدفع الدية عند غير المالكية‪ ،‬بدليل حديث عمران بن حصين «أن رجلً عض يد رجل‪ ،‬فنزع‬
‫يده من فيه‪ ،‬فوقعت ثنيتاه (‪ ، )2‬فاختصموا إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬يَعضّ أحدكم يد‬
‫أخيه‪ ،‬كما يعض الفَحْل (‪ ، )3‬ل‬
‫دية لك» (‪ )4‬وحديث يعلى بن أمية قال‪« :‬كان لي أجير‪ ،‬فقاتل إنسانا‪ ،‬فعض أحدهما صاحبه‪ ،‬فانتزع‬
‫أصبعه‪ ،‬فأنذر ثنيته (أي أزالها)‪ ،‬فسقطت‪ ،‬فانطلق إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأهدر ثنيته‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أيدع يده في فيك‪ ،‬تقضَمها كما َيقْضَم الفحل» (‪. )5‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إنه يجب الضمان في مثل ذلك‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬في السن خمس من‬
‫البل» (‪ )6‬ولكن قال يحيى بن يعمر وابن بطال‪ :‬لو بلغ مالكا هذا الحديث ـ حديث ابن الحصين‬
‫ويعلى ـ لم يخالفه (‪. )7‬‬
‫حكم الدفاع عن العرض ‪:‬‬
‫إذا أراد فاسق العتداء على شرف امرأة‪ ،‬فيجب عليها باتفاق الفقهاء (‪ )8‬أن تدافع عن نفسها إن‬
‫أمكنها الدفع؛ لن التمكين منها للرجل حرام‪ ،‬وفي ترك الدفاع تمكين منها للمعتدي‪ ،‬ولها قتل الرجل‬
‫المكره‪ ،‬ولو قتلته كان دمه هَدرا‪ ،‬إذا لم يمكن دفعه إل بالقتل‪.‬‬
‫وكذلك يجب على الرجل إذا رأى غيره يحاول العتداء على امرأة أن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.143/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الثنية‪ :‬واحدة الثنايا أي أسنان مقدم الفم‪ ،‬ثنتان من فوق‪ ،‬وثنتان من أسفل‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفحل‪ :‬الذكر من كل حيوان‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة ماعدا أبا داود‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) إل الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وأحمد‪.‬‬
‫(‪ )7‬المغني‪ 333/8 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،197/4 :‬نيل الوطار‪ ،25/7 :‬الميزان للشعراني‪:‬‬
‫‪ ،173/2‬والمهذب‪ .225/2 :‬واشترط الشافعية لعدم ضمان رمي الناظر إلى البيوت‪ :‬عدم وجود‬
‫محرم وزوجة للناظر‪ ،‬فإن كان له شيء من ذلك حرم رميه لن له في النظر شبهة‪.‬‬
‫(‪ )8‬الدر المختار‪ ،397/5 ،197/3 :‬البدائع‪ ،93/7 :‬بداية المجتهد‪ ،319/2 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص‬
‫‪ ،203‬مغني المحتاج‪ 194/4 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،225/2 :‬المغني‪ 331/8 :‬ومابعدها‪ ،‬كشف‬
‫السرار‪ ،1520/4 :‬الشرح الكبير للدردير‪.357/4 :‬‬

‫( ‪)6/604‬‬

‫يدفعه‪ ،‬ولو بالقتل إن أمكنه الدفاع‪ ،‬ولم يخف على نفسه؛ لن العراض حرمات ال في الرض‪ ،‬ل‬
‫سبيل إلى إباحتها بأي حال‪ ،‬سواء عرض الرجل أو عرض غيره‪.‬‬
‫ول يسأل المدافع جنائيا ول مدنيا‪ ،‬فل قصاص ول دية عليه‪ ،‬لظاهرالحديث‪« :‬من قتل دون أهله فهو‬
‫شهيد» (‪ )1‬ولما ذكره المام أحمد من حديث الزهري بسنده عن عبيد بن عمير‪« :‬أن رجلً أضاف‬
‫ناسا من هذيل‪ ،‬فأراد امرأة على نفسها‪ ،‬فرمته بحجر فقتلته‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وال ل يودى أبدا» ‪ ،‬ولنه‬
‫إذا جاز الدفاع عن المال الذي يجوز بذله وإباحته‪ ،‬فدفاع المرأة أو الرجل عن أنفسهم‪ ،‬وصيانتهم عن‬
‫الفاحشة التي لتباح بحال‪ :‬أولى‪.‬‬
‫الزاني بامرأته‪ :‬كذلك لقصاص ول دية في المذاهب الربعة (‪ )2‬على من وجد رجلً يزني بامرأته‪،‬‬
‫فقتله ‪ ،‬لما روي‪« :‬أن عمر رضي ال عنه بينما هو يتغدى يوما‪ ،‬إذ أقبل رجل يعدو‪ ،‬ومعه سيف‬
‫مجرد ملطخ بالدم‪ ،‬فجاء حتى قعد مع عمر‪ ،‬فجعل يأكل‪ ،‬وأقبل جماعة من الناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما يقول هؤلء؟ قال‪ :‬ضرب الخر فخذي‬
‫امرأته بالسيف‪ ،‬فإن كان بينهما أحد‪ ،‬فقد قتله‪ ،‬فقال لهم عمر‪ :‬مايقول؟ قالوا‪ :‬ضرب بسيفه فقطع‬
‫فخذي امرأته‪ ،‬فأصاب وسط الرجل‪ ،‬فقطعه باثنين‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إن عادوا فعد» (‪. )3‬‬
‫وإذا كانت المرأة مطاوعة فل ضمان عليه فيها‪ .‬وإن كانت مكرهة فعليه القصاص‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابقة‪ ،‬المغني‪.332/8 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ‪ ،‬وأخرجه سعيد بن منصور‪.‬‬

‫( ‪)6/605‬‬

‫ول بد من البينة كما تقدم في حكم الدفاع‪ .‬وفي البينة روايتان عند الحنابلة‪ :‬في رواية‪ :‬أنها أربعة‬
‫شهداء‪ ،‬لما روي عن علي رضي ال عنه أنه سئل عن رجل دخل بيته‪ ،‬فإذا مع امرأته رجل‪ ،‬فقتلها‬
‫وقتله‪ ،‬قال علي‪ :‬إن جاء بأربعة شهداء‪ ،‬وإل فليعط برمته أي تضمين ديته‪ .‬ولما روى أبو هريرة‪:‬‬
‫«أن سعد بن عبادة قال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلً أمهله‪ ،‬حتى آتي بأربعة‬
‫شهداء؟ فقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬نعم» (‪. )1‬‬
‫وفي رواية أخرى‪ :‬إنه يكفي شاهدان‪ ،‬لنه البينة تشهد على وجوده على المرأة‪ ،‬وهذا يثبت بشاهدين‪،‬‬
‫وإنما الذي يحتاج إلى أربعة هو الزنا‪ ،‬وهذا ل يحتاج إلى إثبات الزنا‪.‬‬
‫فإن لم تكن بينة فادعى الزوج علم ولي المرأة بالزنا‪ ،‬فالقول قول الولي بيمينه‪ ،‬عند الحنابلة‪.‬‬
‫الطلع على داخل البيوت ‪:‬‬
‫لو اطلع إنسان بدون إذن على بيت إنسان من ثقب أو شق باب أو نحوه‪ ،‬فرماه صاحب البيت بحصاة‬
‫أو طعنه بعود‪ ،‬فقلع عينه‪ ،‬فل مسؤولية عليه جنائيا ول مدنيا‪ ،‬أي ل قصاص ول دية عند الشافعية‬
‫والحنابلة (‪، )2‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لو أن رجلً اطلع عليك بغير إذن‪ ،‬فخذفته (‪ )3‬بحصاة‪،‬‬
‫ففقأت عينه‪ ،‬ما كان عليك جناح» (‪ . )4‬وقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من اطّلع في بيت قوم بغير‬
‫إذنهم‪ ،‬فقد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت ( فتح الباري‪.) 154/12 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 197/4 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،225/2 :‬أعلم الموقعين‪ ،336/2 :‬المغني‪.335/8 :‬‬
‫(‪ )3‬الخذف‪ :‬الرمي بالحصاة‪ ،‬والحذف‪ :‬الرمي بالعصا‪ ،‬ل بالحصا‪.‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة‪.‬‬

‫( ‪)6/606‬‬

‫حل لهم أن يفقؤوا عينه» (‪ )1‬وفي لفظ «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم‪ ،‬ففقؤوا عينه‪ ،‬فل دية له‬
‫ول قصاص» (‪. )2‬‬
‫هذا إذا رماه بشيء خفيف كحصاة‪ .‬أما إذا رمى صاحب الدار الناظر بما يقتله عادة كحجر قاتل‪ ،‬أو‬
‫حديدة ثقيلة‪ ،‬أو نشاب‪ ،‬فيلزم بالقصاص‪ ،‬أو الدية عند العفو عنه؛ لن له ما يقلع به العين المبصرة‬
‫التي حصل الذى منها‪ ،‬دون مايتعدى إلى غيرها‪.‬‬
‫فإن لم يندفع الناظر بالشيء اليسير‪ ،‬جاز ـ كما في الصيال ـ رميه بأشد منه‪ ،‬حتى القتل‪ ،‬سواء‬
‫أكان الناظر في الطريق‪ ،‬أم في ملك نفسه‪ ،‬أم في غيرهما‪ .‬وقد بين النبي صلّى ال عليه وسلم الحكمة‬
‫من منع الطلع على البيوت فقال‪« :‬إنما جعل الستئذان من أجل البصر» (‪. )3‬‬
‫وقال الحنفية والمالكية (‪ : )4‬يسأل جنائيا صاحب الدار في هذه الحالة‪ ،‬فيجب عليه القصاص أو‬
‫الدية‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬في العين نصف الدية» (‪ ، )5‬ولن مجرد النظر بالعين ليبيح‬
‫الجناية على الناظر‪ ،‬كما لو نظر من الباب المفتوح‪ ،‬وكما لو دخل منزله‪ ،‬ونظر فيه‪ ،‬أو نال من‬
‫امرأته ما دون الجماع‪ ،‬لم يجز قلع عينه‪ ،‬فمجرد النظر أولى‪.‬‬
‫ويلحظ أن الختلف بين الرأيين هو فيمن نظر من خارج الدار‪ ،‬أما لو أدخل شخص رأسه‪ ،‬فرماه‬
‫صاحب الدار بحجر‪ ،‬ففقأ عينه‪ ،‬فل يضمن إجماعا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد‪.‬‬
‫(‪ )4‬تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه‪ ،110/6 :‬الفتاوى الهندية‪ ،7/6 :‬رد المحتار على الدر‪:‬‬
‫‪ ،390/5‬تكملة فتح القدير‪ ،269/8 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ ،169‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،351‬رحمة‬
‫المة بهامش الميزان للشعراني‪ ،159/2 :‬ط البابي الحلبي‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أبو داود في المراسيل والنسائي وابن خزيمة‪ ،‬وابن الجارود وابن حبان وأحمد (سبل‬
‫السلم‪.)244/3 :‬‬

‫( ‪)6/607‬‬

‫حكم الدفاع عن المال ‪:‬‬


‫قرر جمهور الفقهاء أن الدفاع عن المال جائز‪ ،‬ل واجب‪ ،‬سواء أكان المال قليلً أم كثيرا‪ ،‬إذا كان‬
‫الخذ بغير حق‪ ،‬ول قصاص على المدافع إن التزم الدفع بالسهل فالسهل‪ ،‬لما رواه أبو هريرة‪ .‬قال‪:‬‬
‫«جاء رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال‪ :‬فل تعطه مالك (وفي‬
‫لفظ‪ :‬قاتل دون مالك)‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن قاتلني؟ قال‪ :‬قاتله‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلني؟ قال‪ :‬فأنت شهيد‪،‬‬
‫قال‪ :‬أرأيت إن قتلتُه؟ قال‪ :‬هو في النار» (‪ )1‬قال العلماء‪ :‬فإن قتله فل ضمان عليه‪ ،‬لعدم التعدي منه‬
‫عليه‪ ،‬والحديث عام لقليل المال وكثيره‪.‬‬
‫وسبب التفرقة بين الدفاع عن المال‪ ،‬والدفاع عن النفس أو العرض عند القائلين بوجوب الدفاع عن‬
‫غير المال‪ :‬هو أن المال مما يباح بالباحة والذن‪ ،‬أما النفس فل تباح بالباحة‪.‬‬
‫وقال بعض المالكية‪ :‬ل يجوز الدفاع عن المال إذا كان شيئا يسيرا‪ .‬ولكن ظاهر الحاديث السابقة‬
‫وعمومها يرد على التفرقة بين القليل والكثير كما تقدم‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬إن المقاتلة عن المال واجبة‪ .‬وهذا رأي المالكية بعد النذار كما أوضحت (‪. )2‬‬
‫وفرق الشافعية (‪ )3‬بين أنواع المال فقالوا‪ :‬ل يجب الدفع عن مال ل روح فيه‪ ،‬لنه يجوز إباحته‬
‫للغير‪ .‬أما ما فيه روح‪ :‬فيجب الدفع عنه إذا قصد إتلفه‪ ،‬ما لم يخش على نفسه أو عرضه‪ ،‬لحرمة‬
‫الروح‪ ،‬حتى لو رأى أجنبي شخصا يتلف حيوان نفسه إتلفا محرما‪ ،‬وجب عليه دفعه على الصح‪.‬‬
‫وكذلك يجب عليه الدفع عن مال متعلق به حق الغير كرهن وإجارة‪.‬‬
‫لكن أضاف الشافعية‪ :‬لو سقطت جرة ولم تندفع عنه إل بكسرها‪ ،‬ضمنها في الصح‪ ،‬إذ ل قصد لها‬
‫ول اختيار‪ ،‬حتى يحال السبب عليها‪ ،‬فصار المدافع عن المال كالمضطر إلى طعام غيره‪ ،‬يأكله‬
‫ويضمنه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وأحمد (نصب الراية‪ 348/4 :‬وما بعدها) قال ابن تيمية في منتهى الخبار‪ :‬فيه من‬
‫الفقه أنه يدفع بالسهل فالسهل (نيل الوطار‪.)326/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار وحاشيته‪ ،388/5 :‬مواهب الجليل‪ ،323/6 :‬الشرح الكبير‪ ،357/4 :‬نيل الوطار‪:‬‬
‫‪ ،326/5‬المغني‪ 329/8 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ 224/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 195/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/608‬‬

‫صلُ التّاسِع‪ :‬اللّقطة واللّقيط‬


‫ال َف ْ‬
‫اللقطة لغة‪ :‬بسكون القاف أو فتحها‪ :‬ما وجد بعد طلب أي ما يلتقط‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فالتقطه آل فرعون}‬
‫[القصص‪ ]8/28:‬وهي بهذا المعنى اللغوي العام تشمل ما يلتقطه النسان من بني آدم أو الموال‪ ،‬أو‬
‫الحيوان‪ .‬واللقَطة بفتح القاف أيضا‪ :‬الكثير اللتقاط‪.‬‬
‫إل أن الحنفية وغيرهم ميزوا في بحوثهم الفقهية بين اللقيط‪ ،‬واللقطة‪ ،‬والضالة‪ .‬لذا أذكر معنى اللقيط‪،‬‬
‫وأحكامه‪ ،‬ومعنى اللقطة وأحكامها‪ ،‬وأبين نوعي اللقطة‪ :‬لقطة الموال‪ ،‬ولقطة الحيوان أي الضالة‪،‬‬
‫وأختم البحث بمعرفة ما يصنع باللقطة‪ .‬ويكون الكلم في مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول ـ حقيقة اللقيط وأحكامه ‪:‬‬
‫اللقيط لغة‪ :‬هو ما يلقط أي يرفع من الرض‪ ،‬وعرفا‪ :‬هو الطفل المفقود المطروح على الرض عادة‪،‬‬
‫خوفا من مسؤولية إعالته‪ ،‬أو فرارا من تهمة الريبة أو الزنا فل يعرف أبوه ول أمه‪ ،‬أو لسبب آخر‪.‬‬
‫أحكامه‪ :‬اللتقاط عند الحنفية مندوب إليه وهو من أفضل العمال؛ لنه يترتب عليه إحياء النفس‪،‬‬
‫ويكون فرض كفاية إن غلب على الظن هلك الولد لو لم يأخذه‪ ،‬كأن وجد في مغارة ونحوها من‬
‫المهالك‪ ،‬لحصول المقصود بالبعض وهو صيانته‪ .‬وقال باقي الئمة‪ :‬التقاط الولد فرض كفاية إل إذا‬
‫خاف هلكه ففرض عين‪.‬‬

‫( ‪)6/609‬‬

‫وهناك أحكام فرعية أخرى تتعلق باللقيط منها (‪: )1‬‬


‫‪ - 1‬إن الملتقط أولى بإمساك اللقيط من غيره‪ :‬فإن شاء تبرع بتربيته والنفاق عليه‪ ،‬وإن شاء رفع‬
‫المر إلى الحاكم‪ ،‬ليأمر أحدا بتربيته على نفقة بيت المال؛ لن بيت المال معدّ لحوائج جميع‬
‫المسلمين‪ ..‬هذا إذا لم يكن للقيط مال‪ ،‬فإن كان له مال‪ ،‬بأن وجد الملتقط معه مالً‪ ،‬فتكون النفقة من‬
‫مال اللقيط؛ لنه غير محتاج إليه‪ ،‬فل يثبت حقه في بيت المال‪،‬وهذا الحكم مجمع عليه بين العلماء (‬
‫‪. )2‬‬
‫ولو أنفق عليه الملتقط من مال نفسه‪ :‬فإن أنفق بإذن القاضي‪ ،‬فله أن يرجع على اللقيط بعد بلوغه‪،‬‬
‫وإن أنفق بغير إذن القاضي يكون متبرعا‪ ،‬ول يرجع على اللقيط بما أنفق عليه بعد استكماله البلوغ‪.‬‬
‫واللقيط كاللقطة أمانة في يد الملتقط‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن الولية على اللقيط في نفسه وماله للقاضي‪ :‬أي بالنسبة للحفظ والتعليم والتربية والتزويج‬
‫والتصرف من ماله‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬السلطان ولي من ل ولي له» (‪ )3‬وليس للملتقط‬
‫ولية التزويج أو التصرف في المال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع المبسوط‪ 209/10 :‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪ 197/6 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،417/4 :‬تبيين‬
‫الحقائق‪ ،297/3 :‬الدر المختار‪ 343/3 :‬وما بعدها‪ ،‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،141‬مجمع الضمانات‪:‬‬
‫ص ‪ 211‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،683/5 :‬بداية المجتهد‪ ،305/2 :‬مغني المحتاج‪.421/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه خمسة من الصحابة‪ :‬عائشة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعبد ال بن عمرو‪ ،‬وجابر‪ ،‬فحديث‬
‫عائشة أخرجه أصحاب الكتب الستة والشافعي وأحمد بلفظ‪« :‬ل نكاح إل بولي‪ ،‬وأيما امرأة نكحت‬
‫بغير إذن وليها‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬باطل‪ ،‬باطل‪ ،‬فإن لم يكن لها ولي‪ ،‬فالسلطان ولي من ل ولي له »‬
‫وحديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه بلفظ‪« :‬ل نكاح إل بولي‪ ،‬والسلطان ولي من ل ولي له»‬
‫وهكذا‪( ..‬راجع تخريج وتحقيق أحاديث تحفة الفقهاء للمؤلف مع الستاذ الكتاني‪ ،510/3 :‬نصب‬
‫الراية‪.)167/3 :‬‬

‫( ‪)6/610‬‬

‫وإذا زوج الحاكم اللقيط فالمهر يدفع من بيت المال‪ ،‬إل إذا كان للقيط مال‪ ،‬فيكون في ماله‪ .‬كذلك يدفع‬
‫للقيط من بيت المال ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة ودواء ونحوها‪ ،‬وهو مروي عن عمر وعلي‬
‫رضي ال عنهما‪ ،‬ولن بيت المال معد للصرف إلى مثله من المحتاجين‪ ،‬كالمقعد الذي ل مال له‪،‬‬
‫ولن ميراثه لبيت المال‪ ،‬والخراج بالضمان أي لبيت المال غنمه أي (ميراثه) وديته‪ ،‬وعليه غرمه‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن اللقيط حر مسلم‪ :‬لن الصل في النسان إنما هو الحرية‪ ،‬والصل بقاء ما كان حتى يوجد ما‬
‫يغيره‪ ،‬ولن الدار دار إسلم ودار حرية‪ ،‬فمن كان فيها يكون حرا بمقتضى الصل العام‪ ،‬إذ هو‬
‫الحكم الغالب والمر الظاهر‪ ،‬ويكون أيضا مسلما تبعا لدار السلم‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬إذا وجد اللقيط مسلم في بلد إسلمي يكون مسلما‪ ،‬حتى لو مات يغسل ويصلى عليه‪،‬‬
‫ويدفن في مقابر المسلمين‪ ،‬أما إذا وجده ذمي أو مسلم في بِيعة (معبد) النصارى أو كنيسة اليهود أو‬
‫في قرية ليس فيها مسلم يكون ذميا تحكيما للظاهر‪ .‬ولو وجده ذمي في بلد إسلمي يكون مسلما‪ ،‬أي‬
‫أن العبرة للمكان‪.‬‬
‫وفي رواية النوادر عند ابن سماعة‪ :‬ينظر إلى حال الواجد من كونه مسلما أو ذميا ول يلتفت إلى‬
‫المكان؛ لن اليد (أي الحيازة) أقوى من المكان‪ ،‬بدليل أن تبعة البوين فوق تبعة الدار‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى يكون اللقيط مسلما بحسب حال الواجد‪ ،‬أو المكان‪.‬‬

‫( ‪)6/611‬‬

‫قال الكاساني‪ :‬والصحيح هذه الرواية‪ ،‬فإذا وجده مسلم في بلد إسلمي كان مسلما تبعا للدار‪ ،‬وإذا‬
‫وجده كافر في دار السلم كان مسلما‪ ،‬أو وجده ذمي أو مسلم في كنيسة كان ذميا (‪. )1‬‬
‫فتكون القوال ثلثة‪ :‬العبرة للمكان‪ ،‬أو العبرة للواجد‪ ،‬أو العبرة للمكان أو الواجد‪ ،‬والقول الثالث هو‬
‫الصح عند الحنفية‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬إذا وجد لقيط بدار السلم فهو مسلم‪ ،‬وإن وجد بدار الكفار فكافر إن لم‬
‫يسكنها مسلم كأسير وتاجر‪،‬فإن سكنها مسلم فهو مسلم في الصح (‪ )2‬تغليبا للسلم‪ ،‬بدليل ما روى‬
‫أحمد والدارقطني‪« :‬السلم يعلو ول يعلى عليه» ‪.‬‬
‫‪ - 4‬حكم النسب‪ :‬يعتبر اللقيط مجهول النسب‪ ،‬حتى لو ادعى إنسان نسبة اللقيط تصح دعوته‪، ،‬ويثبت‬
‫النسب منه‪ .‬وبناء عليه‪ :‬لو ادعى الملتقط أو غيره أن اللقيط ابنه تسمع دعواه من غير بينة‪ ،‬والقياس‬
‫أل تسمع إل ببينة‪.‬‬
‫وجه القياس ظاهر‪ ،‬وهو أنه يدعي أمرا يحتمل الوجود وعدمه‪ ،‬فل بد من ترجيح أحد الجانبين على‬
‫الخر بمرجح‪ ،‬وذلك بالبينة‪ ،‬ولم توجد‪.‬‬
‫ووجه الستحسان‪ :‬أن هذا الدعاء إقرار بما ينفع اللقيط؛ لنه يتشرف بالنسب ويعير بفقده‪ ،‬وتصديق‬
‫المدعي في مثل هذا ل يتطلب البينة‪ .‬لكن لو ادعى نسبه ذمي تقبل دعواه‪ ،‬ويثبت نسبه منه‪ ،‬لكنه‬
‫يكون مسلما؛ لن ادعاء النسب يقبل فيما ينفع اللقيط ل فيما يضره‪ ،‬ول يلزم من كونه ابنا له أن‬
‫يكون كافرا‪ ،‬كما لو أسلمت أمه مثلً‪ ،‬فيلحق الولد خير البوين دينا‪ ،‬كما هو معروف‪.‬‬
‫ولو ادعاه رجلن أنه ابنهما‪ ،‬ول بينة لهما‪ ،‬فإن كان أحدهما مسلما‪ ،‬والخر ذميا‪ ،‬فالمسلم أولى بثبوت‬
‫نسبه منه؛ لنه أنفع للقيط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.198/6 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،422/2 :‬المغني‪.681/5 :‬‬

‫( ‪)6/612‬‬

‫وإن كان المدعيان مسلمين حرين‪ :‬فإن وصف أحدهما علمة في جسد الولد‪ ،‬فهو أحق به عند‬
‫الحنفية؛ لن ذكر العلمة يدل على أنه كان في يده‪ ،‬فالظاهر أنه له‪ ،‬فيترجح بها‪ ،‬بدليل قوله تعالى‬
‫مخبرا عن أهل امرأة عزيز مصر‪{ :‬إن كان قميصه قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين‪ ،‬وإن كان‬
‫قميصه قدّ من دُبُر‪ ،‬فكذبت وهو من الصادقين} [يوسف‪.]27-26/12:‬‬
‫وإن لم يصف أحدهما علمة‪ ،‬أو أقام كل منهما البينة‪ ،‬يحكم بكونه ابنا لهما‪ ،‬إذ ليس أحدهما بأولى من‬
‫الخر‪ ،‬وقد روي عن سيدنا عمر في مثل هذا أنه قال‪ :‬إنه ابنهما يرثهما ويرثاه‪.‬‬
‫وإن ذكر أحدهما بينة‪ ،‬والخر علمة‪ ،‬فصاحب البينة أولى؛ لنه ترجح جانبه بمرجح‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إن ادعى اللقيط اثنان ولم يكن لحدهما بينة‪ ،‬عرض اللقيط على القائف (‪ )1‬فيلحق من‬
‫ألحق به؛ لن في إلحاقه أثرا في النتساب عند الشتباه (‪. )2‬‬
‫وإن ادعت امرأة أن اللقيط ابنها‪ :‬فإن لم يكن لها زوج‪ ،‬ل يصح ادعاؤها؛ لن فيه حمل نسب شخص‬
‫على الغير وهو الزوج‪ ،‬وهو ل يجوز‪ .‬وإن كان لها زوج فصدقها في ادعائها أو شهدت لها القابلة‪،‬‬
‫أو شهد لها شاهدان‪ ،‬ثبت النسب منها‪.‬‬
‫ولو ادعته امرأتان‪ ،‬وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به‪ ،‬وإن أقامت كل منهما البينة‪ ،‬فهو ابنهما عند‬
‫أبي حنيفة‪ .‬وعند أبي يوسف‪ :‬ل يكون لواحدة منهما‪ .‬وعن محمد روايتان‪ :‬في رواية يجعل ابنهما‪،‬‬
‫وفي رواية‪ :‬ل يجعل ابن واحدة منهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القائف جمعه قافة‪ :‬وهم قوم يعرفون النساب بالشبه‪ ،‬والقائف‪ :‬من عرفت منه معرفة النساب‬
‫بالشبه‪ ،‬وتكررت منه الصابة‪ .‬والصل في القائف‪ :‬هو الذي يتبع الثار والشباه ويقفوها‪ ،‬أي يتبعها‪،‬‬
‫فهو المتبع للشيء‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.428/2 :‬‬

‫( ‪)6/613‬‬

‫المبحث الثاني ـ اللقطة وأحكامها ونوعاها وما يصنع بها ‪:‬‬


‫ينقسم هذا المبحث إلى مطالب ثلثة‪:‬‬
‫المطلب الول ـ معنى اللقطة وأحكامها ‪:‬‬
‫اللقطة ـ بضم اللم وفتح القاف أو سكونها‪ ،‬وحكى ابن مالك فيها أربع لغات‪ :‬وهي لقاطة‪ ،‬ولقطة‬
‫بضم اللم وسكون القاف‪ ،‬وبضم اللم وفتح القاف‪ ،‬ولقط بفتح اللم والقاف بل تاء مربوطة‪ .‬وقال‬
‫الخليل بن أحمد‪ :‬هي بفتح القاف وصف مبالغة لسم الفاعل‪ :‬وهو الملتقط‪ ،‬مثل ُهمَزة وُلمَزة‪ ،‬وبسكون‬
‫القاف وصف مبالغة لسم المفعول‪ :‬مثل ضُحْكة للذي يضحك منه‪ ،‬وهُزْأة للذي يهزأ به‪ ،‬وإنما قيل‬
‫للمال الملتقط لقطة؛ لن طباع النفوس في الغالب تبادر إلى التقاطه؛ لنه مال‪.‬‬
‫وهي شرعا كما قال ابن قدامة الحنبلي‪ :‬المال الضائع من ربه يلتقطه غيره‪ .‬وبنحوه في التتارخانية‬
‫من كتب الحنفية‪ :‬هي مال يوجد‪ ،‬ول يعرف مالكه‪ ،‬وليس بمباح كمال الحربي‪.‬‬
‫أحكامها‪ :‬للقطة أحكام من حيث الندب ومن حيث الضمان وغيرهما‪:‬‬
‫‪ - 1‬أما حكمها من حيث الندب وغيره‪ :‬فهو مختلف فيه عند الفقهاء‪ ،‬فقال الحنفية والشافعية‪ :‬الفضل‬
‫اللتقاط؛ لن من واجب المسلم أن يحفظ مال أخيه المسلم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وتعاونوا على البر والتقوى}‬
‫[المائدة‪ ]2/5:‬وقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬وال في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (‪)1‬‬
‫فيكون اللتقاط سبيلً لحفظ المال‪ ،‬ثم رده على صاحبه‪ ،‬لنه ربما وقع في يد إنسان غير مؤتمن‪،‬‬
‫فيأخذه‪ ،‬أما المين فيساعد في رد المال لصاحبه‪ ،‬وكف اليدي الثمة عنه‪ .‬فإن لم يثق بأمانة نفسه‬
‫وخشي استباحته‪ ،‬كره له اللتقاط‪ ،‬وإن علم من نفسه الخيانة‪ ،‬دون الرد على صاحبه‪ ،‬حرم اللتقاط‪،‬‬
‫لقوله صلّى ال عليه وسلم فيما يرويه أحمد عن جرير بن عبد ال‪« :‬ل يأوي الضالة إل ضال‪ ،‬مالم‬
‫يعرّفها» ‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنبلية بكراهية اللتقاط‪ ،‬لقول ابن عمر وابن عباس‪ ،‬ولنه تعريض لنفسه لكل‬
‫الحرام‪ ،‬ولما يخاف أيضا من التقصير فيما يجب لها من تعريفها وردها لصاحبها وترك التعدي عليها‬
‫( ‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم عن أبي هريرة (شرح مسلم‪.)21/17 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع البدائع‪ ،200/6 :‬فتح القدير‪ ،423/4 :‬الدر المختار‪ ،406/3 :‬بداية المجتهد‪ 299/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،406/2 :‬المغني‪.630/5 :‬‬

‫( ‪)6/614‬‬

‫هذا هو الحكم العام‪ ،‬ثم فصل علماء كل مذهب تفصيلت مذهبية‪ ،‬المهم منها الشارة إلى مذهب‬
‫الحنفية‪ ،‬ومثلهم الشافعية‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬يستحب اللتقاط لواثق بأمانة نفسه إذا خاف ضياع اللقطة لئل‬
‫يأخذها فاسق‪ ،‬فإن لم يخف ضياعها فالتقاطها مباح‪ ،‬وإن علم من نفسه الخيانة بأن يأخذ اللقطة لنفسه‪،‬‬
‫ل لصاحبها‬
‫فيحرم اللتقاط‪ ،‬لما روي عن رسول ال صلّى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬ل يأوي الضالة إل ضال» (‬
‫‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬وأما حكمها من حيث الضمان وعدمه‪ :‬فقال الحنفية‪ :‬اللقطة أمانة في يد الملتقط ل يضمنها إل‬
‫بالتعدي عليها‪ ،‬أو بمنع تسليمها لصاحبها عند الطلب‪ ،‬وذلك إذا أشهد الملتقط على أنه يأخذها ليحفظها‬
‫ويردها إلى صاحبها؛ لن الخذ على هذا الوجه مأذون فيه شرعا‪ ،‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من‬
‫وجد لقطة فليشهد ذوي عدل» (‪ . )2‬وهو أمر يقتضي الوجوب‪ ،‬ولنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه‬
‫أخذها لنفسه‪ ،‬ويكفيه للشهاد أن يقول‪ :‬من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه علي‪.‬‬
‫وكذلك تكون أمانة إذا تصادق صاحب اللقطة والملتقط أنه التقطها ليحفظها للمالك‪.‬‬
‫فإن لم يشهد الملتقط ولم يتصادقا‪ ،‬وإنما قال الخذ‪ :‬أخذتها للمالك وكذبه المالك يضمن اللقطة عند أبي‬
‫حنيفة ومحمد؛ لن الظاهر أنه أخذ اللقطة لنفسه‪ ،‬ل للمالك‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية والحنابلة‪ :‬اللقطة أ مانة‪ ،‬ولكن ل يشترط الشهاد على اللقطة وإنما يستحب‬
‫فقط‪ ،‬وإذا لم يشهد الخذ فل يضمن عندهم وعند أبي يوسف أيضا؛ لن اللقطة وديعة‪ ،‬فل ينقلها ترك‬
‫الشهاد من المانة إلى الضمان‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وأحمد عن زيد بن خالد بلفظ‪« :‬ل يأوي الضالة إل ضال ما لم يعرّفها » ورواه أحمد‬
‫وأبو داود وابن ماجه بلفظ «ل يأوي الضالة إل ضال» (نيل الوطار‪ ،344 ،338/5 :‬سبل السلم‪:‬‬
‫‪.)94/3‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وابن ماجه عن عياض بن حمار‪ ،‬ورواه أيضا أبو داود والنسائي والبيهقي والطبراني‬
‫وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان (نيل الوطار‪ ،338/5 :‬نصب الراية‪ ،466/3 :‬سبل‬
‫السلم‪ ،96/3 :‬اللمام‪ :‬ص ‪.)370‬‬

‫( ‪)6/615‬‬

‫بدليل ما جاء من حديث سليمان بن بلل وغيره أنه قال‪« :‬إن جاء صاحبها‪ ،‬وإل فلتكن وديعة عندك»‬
‫( ‪. )1‬‬
‫وأما عدم اشتراط الشهاد‪ ،‬فلن الرسول صلّى ال عليه وسلم أمر زيد بن خالد وأبي بن كعب‬
‫بتعريف اللقطة فقط دون الشهاد (‪ ، )2‬ومن المعلوم أنه ل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‪ ،‬فلو‬
‫كان الشهاد واجبا لبينه النبي صلّى ال عليه وسلم حينما سئل عن حكم اللقطة‪ ،‬وحينئذ تعين حمل‬
‫المر بالشهاد في حديث عياض الذي استدل به الحنفية على الندب والستحباب فقط (‪. )3‬‬
‫أ ـ وبناء على رأي أبي حنيفة ومحمد‪ :‬لو أخذ الشخص اللقطة ثم ردها إلى مكانها الذي أخذها منه‪،‬‬
‫ل ضمان عليه في ظاهر الرواية؛ لنه أخذها محتسبا متبرعا ليحفظها على صاحبها‪ ،‬فإذا ردها إلى‬
‫مكانها فقد فسخ التبرع‪ .‬فصار كأنه لم يأخذها أصلً‪ .‬هذا إذا كان المالك قد صدق الملتقط أنه أخذها‬
‫ليحفظها‪ ،‬أو كان الملتقط قد أشهد على ذلك ثم ضاعت‪ .‬فإن كان لم يشهد يجب عليه الضمان عند أبي‬
‫حنيفة ومحمد‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف‪ :‬ل يجب الضمان‪ ،‬سواء أشهد أم لم يشهد‪ ،‬ويكون القول قول الملتقط بيمينه أنه‬
‫أخذها ليحفظها لصاحبها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث سليمان رواه مسلم (نيل الوطار‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ ،341‬اللمام بأحاديث الحكام‪:‬‬
‫ص ‪ ،371‬شرح مسلم‪.)25/12 :‬‬
‫(‪ )2‬حديث زيد رواه البخاري ومسلم وأحمد كما ذكرت سابقا‪ ،‬وحديث أبي بن كعب رواه مسلم وأحمد‬
‫والترمذي (نيل الوطار‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ 338‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،12/11 :‬فتح القدير‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬البدائع‪ ،201/6 :‬تبيين الحقائق‪ ،301/2 :‬مجمع‬
‫الضمانات‪ :‬ص ‪ 209‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 303/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،121/4 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،342‬مغني المحتاج‪ ،407/2 :‬المغني‪ ،647 ،644/5 :‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪.53‬‬

‫( ‪)6/616‬‬

‫وقال مالك‪ :‬ل ضمان على من رد اللقطة إلى موضعها‪ ،‬لما روي عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيرا‪:‬‬
‫«أرسله حيث وجدته» ‪ .‬ولكن المشهور في مذهب المالكية أن الملتقط يضمن اللقطة إذا ردها‬
‫لموضعها أو لغيره بعد أخذها للحفظ‪.‬‬
‫ورأى الشافعية والحنابلة‪ :‬أنه إذا أخذ اللقطة إنسان‪ ،‬ثم ردها إلى موضعها ضمنها؛ لنها أمانة صارت‬
‫في يده‪ ،‬فلزمه حفظها‪ ،‬فإذا ضيعها لزمه ضمانها كما لو ضيع الوديعة‪.‬‬
‫فصار رأي الجمهور هو وجوب الضمان برد اللقطة إلى مكانها‪.‬‬
‫ب ـ ويضمن الملتقط اللقطة إذا دفعها إلى غيره بغير إذن القاضي؛ لنه يجب عليه حفظها بنفسه‪،‬‬
‫بالتزامه الحفظ باللتقاط‪.‬‬
‫جـ ـ فإن هلكت اللقطة في يد الملتقط‪ :‬فإن أشهد على اللقطة‪ ،‬بأن قال للناس‪:‬‬
‫( إني وجدت لقطة‪ ،‬فمن طلبها فدلوه علي )‪ :‬فإنه ل يضمن‪ .‬وإن لم يشهد فعند أبي حنيفة ومحمد‪:‬‬
‫يضمن‪ .‬وعند أبي يوسف‪ :‬ل يضمن إذا كان قد أخذ اللقطة ليردها إلى صاحبها‪ ،‬ويحلف على فعله إن‬
‫لم يصدقه صاحبها‪ ،‬كما ذكرت قريبا‪.‬‬
‫د ـ ولو أقر الملتقط أنه كان قد أخذ اللقطة ليمتلكها لنفسه‪ ،‬ل يبرأ عن الضمان إل بالرد على المالك؛‬
‫لنه ظهر أنه أخذها غصبا‪ ،‬فكان الواجب عليه الرد إلى المالك (‪ )1‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع البدائع‪ ،201/6 :‬المبسوط‪ ،13 ،11/11 :‬بداية المجتهد‪ ،304/2 :‬المغني‪ ،694/5 :‬مغني‬
‫المحتاج‪.411/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن الحسن بن سمرة‪ ،‬وصححه الحاكم (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪ ،298/5‬نصب الراية‪.)167/4 :‬‬
‫( ‪)6/617‬‬

‫المطلب الثاني ـ نوع اللقطة وما يصنع بها ‪:‬‬


‫اللقطة نوعان‪ :‬لقطة غير الحيوان‪ :‬وهو المال الساقط الذي ل يعرف مالكه‪ ،‬ولقطة الحيوان‪ :‬وهو‬
‫الضالة من البل والبقر والغنم من البهائم‪.‬‬
‫وحكم لقطة الحيوان‪ :‬أنه يجوز التقاطها عند الحنفية والشافعية في الصح عندهم‪ ،‬لحفظها لصاحبها‬
‫صيانة لموال الناس ومنعا من ضياعها ووقوعها في يد خائنة‪.‬‬
‫وقال مالك وأحمد‪ :‬يكره التقاط ضالة الحيوان‪ ،‬ولقطة المال أيضا (‪ ، )1‬لما رواه أصحاب الكتب‬
‫الستة عن زيد بن خالد الجهني‪ ،‬قال‪« :‬سئل رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق‬
‫(‪ ، )2‬فقال اعرف وكاءها‪ ،‬وعفاصها (‪ ، )3‬ثم عرّفها سنة‪ ،‬فإن لم تعرف فاستنفقها (‪ ، )4‬ولتكن‬
‫وديعة عندك‪ ،‬فإن جاء طالبها يوما من الدهر‪ ،‬فأدّها إليه» ‪ .‬وسأله رجل عن ضالة البل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«مالك ولها‪ ،‬دعها‪ ،‬فإن معها حذاءها وسقاءها (‪ )5‬ترد الماء‪ ،‬وتأكل الشجر حتى يجدها ربها‪ .‬وسأله‬
‫عن الشاة فقال‪ :‬خذها فإنما هي لك‪ ،‬أو لخيك أو للذئب» (‪ )6‬أي أن لقطة البل غير جائزة‪ ،‬ولقطة‬
‫الموال الخرى جائزة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ ،11/11 :‬البدائع‪ ،200/6 :‬فتح القدير‪ ،428/4 :‬تبيين الحقائق‪ ،305/3 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ 299/2‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،409/2 :‬المغني‪ 630/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الورق ـ بفتح الواو وكسر الراء هو الفضة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الوكاء‪ :‬الخيط الذي يشد به الوعاء الذي تكون فيه النفقة‪ ،‬والعفاص بكسر العين وتخفيف الفاء‪:‬‬
‫هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو غيره‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي إما أن تستهلكها وتغرم بدلها‪ ،‬وأما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها‬
‫فتعطيها إياه‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحذاء‪ :‬أي الخف‪ ،‬والسقاء أي الجوف‪ ،‬وقيل‪ :‬العنق‪ ،‬والمراد أنها تستغني عن الحفظ‪.‬‬
‫(‪ )6‬راجع نصب الراية‪ ،468/4 :‬نيل الوطار‪ ،338/5 :‬شرح مسلم‪.20/12 :‬‬

‫( ‪)6/618‬‬
‫وروى أبو داود وأحمد وابن ماجه عن جرير بن عبد ال أنه أمر بطرد بقرة لحقت ببقرة حتى‬
‫توارت‪ ،‬فقال‪ :‬سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول‪« :‬ل يأوي الضالة إل ضال» (‪ )1‬وقال‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ضالة المسلم حرق النار» (‪ )2‬أي تؤدي به إلى النار إذا تملكها‪.‬‬
‫وأخرج مسلم وأحمد والترمذي عن أبي بن كعب في حديث اللقطة أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«عرفها فإن جاء أحد يخبرك بعدّتها ووعائها ووكائها‪ ،‬فأعطها إياه‪ ،‬وإل فاستمتع بها» (‪. )3‬‬
‫وأجاب الفريق الول عن الحاديث بأن حكمها كان في الماضي حين غلبة أهل الصلح والمانة‪ ،‬فل‬
‫تصل إليها يد خائنة‪ ،‬أما في زماننا فنظرا لكثرة الخيانة يكون في أخذها حفظها على صاحبها‪.‬‬
‫وهذا كله ما عدا لقطة الحج‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أنه ل يجوز التقاطها لنهيه عليه السلم عن ذلك‬
‫(‪ ، )4‬ول يجوز لقطة مكة أيضا‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم في بلد مكة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬في رواية‪« :‬ل يأوي» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (راجع نيل الوطار‪ ،‬المرجع السابق‪:‬‬
‫ص ‪ ،344‬سبل السلم‪.)94/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني في كبيره عن عصمة‪ ،‬وفيه أحمد بن راشد وهو ضعيف‪ ،‬وأخرجه أحمد وابن‬
‫ماجه والطحاوي وابن حبان وغيرهم عن عبد ال بن الشخّير ( مجمع الزوائد‪ ،167/4 :‬سبل السلم‪:‬‬
‫‪.)94/3‬‬
‫(‪ )3‬نصب الراية‪ ،467/3 :‬نيل الوطار‪ ،339/5 :‬الوعاء‪ :‬ما يجعل فيه المتاع‪ ،‬والوكاء‪ :‬الخيط الذي‬
‫يشد به الصرة والكيس ونحوهما‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد ومسلم عن عبد الرحمن بن عثمان قال‪ :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن لقطة‬
‫الحج (شرح مسلم‪ ،28/12 :‬سبل السلم‪.)96/3 :‬‬

‫( ‪)6/619‬‬

‫يوم الفتح‪« :‬ول تحل لقطتها إل لمعرّف» وفي لفظ‪« :‬ول تحل ساقطتها إل لمنشد» (‪. )1‬‬
‫وأما ما يصنع باللقطة‪ :‬فهو أن الملتقط يعرفها‪ ،‬لما روى البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني‪،‬‬
‫قال‪« :‬سأل رجل رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن اللقطة‪ ،‬فقال‪ :‬عرفها سنة» وقال عليه الصلة‬
‫والسلم أيضا‪« :‬ل تحل اللقطة‪ ،‬فمن التقط شيئا فليعرّف سنة» الحديث (‪. )2‬‬
‫والكلم عن تعريف اللقطة يستتبع بحث كيفية التعريف‪ ،‬ومدة التعريف‪ ،‬ومكان التعريف‪ ،‬ونفقات‬
‫التعريف‪ ،‬وما تحتاجه الضالة‪ ،‬وشرط ردّ اللقطة إلى صاحبها‪ ،‬وحكم تملكها‪:‬‬
‫‪ - 1‬كيفية تعريف اللقطة وحكم بيان المعرّف‪ :‬المراد بتعريف اللقطة‪ :‬هو المناداة عليها‪ ،‬أو العلن‬
‫عنها حيث وجدها‪ ،‬وفي المجتمعات العامة كالسواق وأبواب المساجد‪ ،‬والمقاهي‪ ،‬ونحوها‪ .‬وتعريفها‪:‬‬
‫يكون بذكر بعض أوصافها كأن يذكر جنسها‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫( من ضاع له نقود‪ ،‬أو ثياب ) ونحوه‪ ،‬وأن يبين وعاءها أو وكاءها الذي يربط به كيسها‪ ،‬ول يصف‬
‫ل على ملكها‪.‬‬
‫أوصافها التفصيلية لنه لو وصفها‪ ،‬لعلم صفتها من يسمعها‪ ،‬فل تبقى صفتها دلي ً‬
‫ويجب على الملتقط عند الجمهور تعريف اللقطة؛ لن ظاهر أمر الرسول صلّى ال عليه وسلم لزيد‬
‫بن خالد في قوله‪« :‬عرفها سنة» يقتضي الوجوب‪ ،‬إذ ظاهر المر للوجوب‪ ،‬كما هو معروف عند‬
‫علماء الصول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ‪« :‬ول تلتقط لقطة إل من عرفها» وفي لفظ «إل‬
‫لمعرف» وأخرجها أيضا عن أبي هريرة بلفظ‪« :‬ول تحل ساقطتها إل لمنشد» (راجع نصب الراية‪:‬‬
‫‪ ،467/3‬نيل الوطار‪.)24/5 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزار في مسنده والدارقطني في سننه عن أبي هريرة (راجع في هذا وما قبله الذي سبق‬
‫تخريجه‪ :‬نصب الراية‪ ،466/3 :‬نيل الوطار‪ ،338/5 :‬سبل السلم‪ ،94/3 :‬شرح مسلم‪.)26/12 :‬‬

‫( ‪)6/620‬‬

‫وقال أكثر الشافعية‪ :‬ل يجب تعريفها لمن أراد حفظها لصاحبها؛ لن الشرع إنما أوجب التعريف إذا‬
‫كان بقصد التملك‪ ،‬لكن المعتمد عندهم وجوب التعريف‪ .‬وبه اتفقت المذاهب الربعة على وجوب‬
‫العلن عن اللقطة أو تعريفها‪.‬‬
‫وللملتقط أن يتولى تعريفها بنفسه‪ ،‬أو يستنيب عنه أحدا يقوم بالتعريف (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬مدة التعريف‪ :‬اتفق العلماء على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر البعيد عن العمران أن‬
‫يأكلها‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم في الشاة‪« :‬هي لك أو لخيك أو للذئب» ‪ .‬واختلفوا هل يضمن‬
‫قيمتها لصاحبها أو ل؟‪.‬‬
‫قال جمهور العلماء‪ :‬إنه يضمن قيمتها‪ ،‬إذ ل يحل مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس منه (‪. )2‬‬
‫وقال مالك في أشهر أقواله‪ :‬إنه ل يضمن أخذا بظاهر هذا الحديث‪.‬‬
‫وأما غير ضالة الغنم‪ :‬فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها له أهمية وشأن مدة سنة؛ لن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم أمر بتعريف اللقطة سنة واحدة كما عرفنا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،350/3 :‬فتح القدير‪ ،426/4 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،120/4 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،413 ،411/2‬المهذب‪ ،429/1 :‬المغني‪ 633 ،631/5 :‬ومابعدها‪ ،‬نيل الوطار‪ ،340/5 :‬نهاية‬
‫المحتاج للرملي‪.362/4 :‬‬
‫(‪ )2‬هذا حديث رواه الحاكم وابن حبان في صحيحه وأحمد والبزار بلفظ مقارب عن أبي حميد‬
‫الساعدي‪ ،‬ورواه أحمد أيضا بهذا اللفظ عن عمرو بن يثربي‪ ،‬وفي معناه أحاديث كثيرة (سبل السلم‪:‬‬
‫‪ 60/3‬وما بعدها‪ ،‬مجمع الزوائد‪.)171/4 :‬‬

‫( ‪)6/621‬‬

‫وما رواه البخاري ومسلم في حديث أبي من تعريف اللقطة ثلثة أحوال (أعوام) أو أربعة أو عشرة‪،‬‬
‫هو غلط من بعض الرواة كما حقق ابن الجوزي‪ ،‬أو هو محمول على مريد الورع عن التصرف في‬
‫اللقطة (‪. )1‬‬
‫وأما الشيء الحقير‪ :‬فقال الشافعية‪ :‬الصح أن الشيء الحقير‪ ،‬أي القليل المتمول وهو بقدر الدينار أو‬
‫الدرهم ل يعرّف سنة‪ ،‬لقول عائشة‪« :‬ل بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به» وقدر بما ل تقطع به يد‬
‫السارق وهو ربع دينار عند الجمهور‪ ،‬وعشرة دراهم عند الحنفية‪ ،‬بل يعرف زمنا يظن أن فاقده‬
‫يعرض عنه غالبا‪ ،‬وهذا هو الراجح عند المالكية‪ .‬وفي رواية عن أبي حنيفة‪ :‬مضمونها إن كانت قيمة‬
‫الشيء أقل من عشرة دراهم ( أي دينار ) يعرّفه أياما بحسب ما يرى‪ ،‬وإن كانت عشرة دراهم‬
‫فصاعدا عرّفها حولً‪ ،‬إل أن هذه الرواية ليست هي ظاهر الرواية عند الحنفية فقد قال الطحاوي‪ :‬وإذا‬
‫التقط لقطة فإنه يعرفها سنة‪ ،‬سواء أكان الشيء نفيسا أم خسيسا في ظاهر الرواية‪.‬‬
‫وظاهر الرواية عند الحنفية هو ظاهر المذهب عند الحنابلة (‪. )2‬‬
‫وأما الشيء التافه فقد قال الفقهاء‪ :‬ل خلف في إباحة أخذ اليسير من الشياء والنتفاع به من غير‬
‫تعريف كالتمرة والكسرة والخرقة؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث‬
‫أكلها بل قال له‪« :‬لو لم تأتها لتتك» ورأى النبي صلّى ال عليه وسلم تمرة فقال‪« :‬لول أني أخاف أن‬
‫تكون من الصدقة لكلتها» (‪ )3‬ويلحظ أن المر بإكمال مدة التعريف إذا كانت اللقطة مما ل يتسارع‬
‫إليها الفساد‪ ،‬فإن كانت مما يتسارع بها تصدق بها أو أنفقها على نفسه عند الحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع نصب الراية‪ ،467/3 :‬نيل الوطار‪ 340/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،303 ،301‬الشرح الكبير‪ ،120/4 :‬المغني‪ ،634 ،632/5 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،430/1‬مغني المحتاج‪ ،415/2 :‬البدائع‪ ،202/6 :‬تبيين الحقائق‪ 302/3 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪:‬‬
‫‪ 424/4‬وما بعدها‪ ،‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪.139‬‬
‫(‪ )3‬ذكر ابن قدامة الحنبلي هذين الحديثين (راجع المغني‪ )634/5 :‬روى الثاني منهما البخاري‬
‫ومسلم عن أنس (سبل السلم‪ ،93/3 :‬اللمام‪ :‬ص ‪.)373‬‬

‫( ‪)6/622‬‬

‫وعند الشافعية‪ :‬يتخير الملتقط بين أن يبيعها ليمتلك ثمنها بعد التعريف‪ ،‬أو يتملكها في الحال ويأكلها‬
‫ويغرم قيمتها‪.‬‬
‫‪ - 3‬مكان التعريف‪ :‬تعرّف اللقطة في السواق وأبواب المساجد ومجامع الناس؛ لن المقصود إشاعة‬
‫خبرها وإظهارها ليعلم بها صاحبها‪ ،‬ول ينشدها في المسجد؛ لن المسجد لم يبن لهذا‪ ،‬قال النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬من سمع رجلً ينشد ضالة في المسجد‪ ،‬فليقل‪ :‬ل ردّها ال إليه‪ ،‬فإن المساجد لم تبن‬
‫لهذا» (‪ . )1‬وأمر سيدنا عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد‪ .‬وأجاز الشافعية استثناء مما‬
‫سبق المسجد الحرام‪ ،‬فإنه يجوز فيه العلن عن فقد الشياء الضائعة‪ ،‬لن تعريفها لمصلحة مالكها؛‬
‫لن الملتقط ليس له تملكها‪ .‬أما من ينشد اللقطة في غير المسجد الحرام‪ ،‬فهو متهم أنه يفعل ذلك‬
‫ليتملك اللقطة بعد تعريفها‪ .‬وأرى أن الستعانة بمكبرات الصوت على المآذن للعلن عن اللقطة أمر‬
‫ل بأس به في غير أوقات الصلة‪ ،‬منعا من التشويش على المصلين‪ ،‬ولن الحاجة داعية لذلك بسبب‬
‫ازدحام المدن واتساع مناطق السكان‪ ،‬والولى كتابة إعلنات وإلصاقها على أبواب المساجد وغيرها‪،‬‬
‫فتتحقق الغاية المطلوبة من التعريف‪،‬وقد أصبح هذا مألوفا في عصرنا‪ .‬كما يمكن التعريف بالجرائد‬
‫والصحف اليومية‪.‬‬
‫وأبان الشافعية طريق التعريف في أثناء السنة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يعرّف اللقطة‪ ،‬في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة ورواه البزار عن سعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وابن‬
‫مسعود (راجع مجمع الزوائد‪ ،170/4 :‬التاج‪.)215/1 :‬‬

‫( ‪)6/623‬‬
‫أول السنة كل يوم مرتين في طرفي النهار‪ ،‬ثم يعرف في كل يوم مرة‪ ،‬ثم كل أسبوع مرة أو مرتين‪،‬‬
‫ثم كل شهر مرة تقريبا (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬نفقات التعريف وما تحتاجه الضالة‪ :‬إذا احتاج تعريف اللقطة إلى نفقة كأجور العلن في‬
‫الصحف في عصرنا الحاضر مثلً‪ ،‬فقد قال الحنفية والحنابلة‪ :‬تكون تلك النفقة على الملتقط؛ لن هذا‬
‫أجر واجب على المعرف نفسه‪ ،‬فكان عليه كما لو قصد تملك اللقطة‪ ،‬ولنه لو تولى الملتقط تعريف‬
‫اللقطة بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها‪ ،‬فكذلك إذا استأجر على التعريف ل يلزم صاحبها بشيء‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إن أنفق الملتقط على اللقطة شيئا من عنده‪ ،‬فيخير صاحبها بين أن يفتديها من الملتقط‬
‫بدفع نفقتها‪ ،‬أو يسلم اللقطة لملتقطها مقابل نفقتها (‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬بما أن تعريف اللقطةواجب على الملتقط‪ ،‬على ما هو المعتمد‪ ،‬فإن الملتقط ل يلزم‬
‫بمؤنة التعريف إن أخذ اللقطة بقصد حفظها لمالكها‪ ،‬وإنما يرتبها القاضي من بيت المال (‪ ، )3‬أو‬
‫يقترض على المالك‪.‬‬
‫أما إن أخذ اللقطة لتملكها‪ ،‬فيلزمه مؤنة التعريف‪ ،‬سواء أتملكها أم ل‪ .‬وهذا هو الرأي المعقول‪.‬‬
‫أما ما تحتاجه الضالة أو اللقطة من نفقة‪ :‬فقال المالكية‪ :‬للملتقط الرجوع بالنفقة على صاحب اللقطة‪،‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬ملتقط اللقطة متطوع بحفظها‪ ،‬فل يرجع بشيء من النفقة على صاحب‬
‫اللقطة‪ ،‬إل أن الشافعية قالوا‪ :‬فإن أراد الرجوع استأذن الحاكم‪ ،‬فإن لم يجده أشهد على النفقة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،202/6 :‬رد المحتار على الدر المختار‪ ،350/3 :‬مغني المحتاج‪ ،413/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،633/5‬الشرح الكبير للدردير‪ ،120/4 :‬نيل الوطار‪.340/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي‪.123/4 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ 413/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/624‬‬

‫وكذلك قال الحنفية‪ :‬إن أنفق الملتقط على اللقطة بغير إذن الحاكم فهو متبرع‪ ،‬لنه ل ولية له على‬
‫ذمة المالك في أن يشغلها بالدين بدون أمره‪ ،‬وإن أنفق عليها بإذن الحاكم‪ ،‬كان ما ينفقه دينا على‬
‫المالك؛ لن للقاضي ولية في مال الغائب رعاية لمصالحه‪ ،‬فإذا رفع المر إلى القاضي ينظر في‬
‫المر‪ :‬فإن كان للبهيمة منفعة‪ ،‬وهناك من يستأجرها أجَرَها وأنفق عليها من أجرتها؛ لن في إجارتها‬
‫رعاية لمصلحة المالك‪ ،‬وإن كانت البهيمة ل منفعة لها بطريق الجارة وخاف أن تستغرق النفقة‬
‫قيمتها‪ ،‬أمر القاضي الملتقط ببيعها وحفظ ثمنها‪.‬‬
‫وإن رأى الصلح أل يبيعها‪ ،‬بل ينفق عليها‪ ،‬أذن له في النفقة وجعل النفقة دينا على مالكها‪ ،‬فإذا‬
‫حضر المالك فللملتقط أن يحبس اللقطة عنده حتى يحضر النفقة‪ ،‬وإن أبى أن يؤدي النفقة باعها‬
‫القاضي‪ ،‬ودفع للملتقط قدر النفقات التي أنفقها (‪. )1‬‬
‫‪ - 5‬شرط رد اللقطة إلى صاحبها‪ :‬يشترط لرد اللقطة إلى صاحبها أن يذكر علمة يميزها عن‬
‫غيرها‪ ،‬أو يثبت أنها له بالبينة‪ ،‬أي بشهادة شاهدين‪ ،‬فإذا أثبت كونها له أو ذكر علمة تميزها‪ ،‬كأن‬
‫يصف عفاصها (وعاءها) ووكاءها (ما تربط به من الخيول وغيرها) ووزنها وعددها‪ ،‬فيحل حينئذ‬
‫للملتقط أن يدفعها إليه‪ ،‬وإن شاء أخذ منه كفيلً؛ لن ردها إليه بالعلمة مما قد ورد به الشرع‪ .‬وهذا‬
‫باتفاق العلماء‪ ،‬لكن هل يجبر الملتقط قضاء على رد اللقطة بمجرد وصف العلمة المميزة لها‪ ،‬أو‬
‫لبد من البينة؟ خلف بين العلماء (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،304/2 :‬مغني المحتاج‪ ،410/2 :‬البدائع‪ ،203/6 :‬فتح القدير‪ 428/4 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،305/3 :‬المهذب‪ ،432/1 :‬المبسوط‪ ،9/11 :‬المغني‪ 633/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،431/4 :‬المبسوط‪ ،8/11 :‬البدائع‪ ،202/6 :‬تبيين الحقائق‪ ،306/3 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،353/3‬بداية المجتهد‪ ،302/2 :‬مغني المحتاج‪ ،416/2 :‬المهذب‪ ،431/1 :‬المغني‪ 644/5 :‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/625‬‬

‫قال الحنفية‪ ،‬والشافعية على المذهب عندهم‪ :‬ل يجبر الملتقط على تسليم اللقطة إلى من يدعيها بل‬
‫بينة‪ ،‬لنه مدع‪ ،‬فيحتاج إلى بينة كغيره‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لو يعطى الناس بدعواهم‬
‫لدعى رجال أموال قوم ودماءهم‪ ،‬لكن البينة على المدعي‪ ،‬واليمين على من أنكر» (‪ . )1‬ولن‬
‫اللقطة مال للغير‪ ،‬فل يجب تسليمه بالوصف كالوديعة‪ ،‬لكن يحل للملتقط دفع اللقطة لمن يدعيها عند‬
‫إصابة العلمة عند الحنفية‪ ،‬أو إذا غلب على ظن الملتقط صدق المدعي عند الشافعية‪ ،‬عملً بقول‬
‫الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬فإن جاء صاحبها‪ ،‬وعرّف عفاصها‪ ،‬ووكاءها‪ ،‬وعددها فأعطها إياه‪،‬‬
‫وإل فهي لك» ‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة‪ :‬يجبر الملتقط على تسليم اللقطة لصاحبها إذا وصفها بصفاتها المذكورة‪ ،‬سواء‬
‫غلب على ظنه صدقه أم لم يغلب‪ ،‬ول يحتاج إلى بينة‪ ،‬عملً بظاهر قول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«فإن جاء أحد يخبرك بعددها‪ ،‬ووعائها‪ ،‬ووكائها‪ ،‬فادفعها إليه» ‪.‬‬
‫وفي حديث زيد السابق‪« :‬اعرف وكاءها وعفاصها‪ ،‬ثم عرفها سنة فإن لم تعرف‪ ،‬فاستنفقها‪ ،‬وإن جاء‬
‫طالبها يوما من الدهر‪ ،‬فأدّها إليه» يعني إذا ذكر صفاتها؛ لن هذا هو المذكور في صدر الحديث‪ ،‬ولم‬
‫يذكر البينة في شيء من الحديث‪ ،‬ولو كانت شرطا للدفع لم يجز الخلل به‪ ،‬ول أمر بالدفع بدونه‪،‬‬
‫ولن إقامة البينة على اللقطة متعذر؛ لنها ضاعت حال الغفلة والسهو‪ .‬وقول النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم‪« :‬البينة على المدعي» يعني إذا كان هناك منكر‪ ،‬ول منكر ههنا‪ .‬وهذا هو الرأي الرجح حقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث حسن رواه البيهقي وأحمد هكذا‪ ،‬وهو في الصحيحين بلفظ آخر من حديث ابن عباس‬
‫(نصب الراية‪ ،95/4 :‬نيل الوطار‪ ،305/8 :‬سبل السلم‪ ،132/4 :‬اللمام‪ :‬ص ‪ ،521‬شرح مسلم‪:‬‬
‫‪.)2/12‬‬

‫( ‪)6/626‬‬

‫‪ - 6‬حكم تملك اللقطة‪ :‬اختلف فقهاؤنا في حكم اللقطة بعد تعريفها سنة على رأيين‪ :‬رأي يجيز تملكها‬
‫للفقير دون الغني‪ ،‬ورأي يجيز تملكها مطلقا‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬إذا كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع باللقطة‪ ،‬وإنما يتصدق بها على الفقراء‪،‬‬
‫سواء أكانوا أجانب أم أقارب‪ ،‬ولو أبوين أو زوجة أو ولدا‪ ،‬لنه مال الغير‪ ،‬فل يجوز النتفاع به‬
‫بدون رضاه‪ ،‬لطلق النصوص من قرآن وسنة‪ ،‬مثل قوله تعالى‪{ :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}‬
‫[البقرة‪ ،]188/2:‬وقوله‪{ :‬ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين} [البقرة‪ ]190/2:‬وقوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪« :‬ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب نفس منه» ‪.‬‬
‫ولقوله صلّى ال عليه وسلم من حديث أبي هريرة‪« :‬ل تحل اللقطة‪ ،‬فمن التقط شيئا فليعرّف سنة‪ ،‬فإن‬
‫جاء صاحبها‪ ،‬فليردها عليه‪ ،‬وإن لم يأت فليتصدق» (‪. )2‬‬
‫وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي‪« :‬من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل‪ ،‬ول يكتم‬
‫ول يغيب‪ ،‬فإن وجد صاحبها فليردها إليه‪ ،‬وإل فهي مال ال يؤتيه من يشاء» ‪.‬‬
‫وأما إذا كان الملتقط فقيرا فيجوز له النتفاع باللقطة بطريق التصدق‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫«فليتصدق بها» ‪.‬‬
‫فإن عرف صاحبها بعد التصدق بها أو النتفاع بها‪ ،‬فهو بالخيار‪ :‬إن شاء‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ 4/11 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 432/4 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،307/3 :‬البدائع‪:‬‬
‫‪ ،202/6‬الدر المختار‪.351/3 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزار والدارقطني عن أبي هريرة (نصب الراية‪ )466/3 :‬ورواه الطبراني من حديث‬
‫يعلى بن مرة مرفوعا‪ ،‬وفيه ضعيف‪ ،‬بلفظ‪« :‬فإن جاء صاحبها‪ ،‬وإل فليتصدق بها» (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)337/5‬‬

‫( ‪)6/627‬‬

‫أمضى الصدقة‪ ،‬وله ثوابها‪ ،‬وإن شاء ضمن الملتقط‪ ،‬وإن شاء أخذها من الفقير المتصدق عليه بها إن‬
‫وجده‪ ،‬وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه‪.‬‬
‫وقال جمهور الفقهاء‪ :‬يجوز للملتقط أن يتملك اللقطة‪ ،‬وتكون كسائر أمواله سواء أكان غنيا أم فقيرا؛‬
‫لنه مروي عن جماعة من الصحابة كعمر وابن مسعود وعائشة وابن عمر‪ ،‬وهو ثابت بقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم في حديث زيد بن خالد‪« :‬فإن لم تعْرَف فاستنفقها» وفي لفظ «فشأنك بها» وفي حديث‬
‫أبي بن كعب‪« :‬فاستنفقها» ‪ ،‬وفي لفظ «فاستمتع بها» وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫وحديث الحنفية عن أبي هريرة لم يثبت‪ ،‬ول نقل في كتاب يوثق به‪ ،‬ودعواهم في حديث عياض أن‬
‫ما يضاف إلى ال ل يتملكه إل من يستحق الصدقة‪ ،‬ل برهان لها ول دليل عليها‪ ،‬وبطلنها ظاهر‪،‬‬
‫فإن الشياء كلها تضاف إلى ال تعالى خلقا وملكا‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وآتوهم من مال ال الذي آتاكم}‬
‫[النور‪.]33/24:‬‬
‫أما طريق التملك عند الجمهور فمختلف فيه‪ :‬قال الحنابلة‪ :‬تدخل اللقطة في ملك الملتقط عند تمام‬
‫التعريف حكما كالميراث‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬فإذا جاء صاحبها‪ ،‬وإل فهي كسبيل‬
‫مالك» ولقوله‪« :‬فاستنفقها» ولو توقف ملكها على تملكها لبين الرسول صلّى ال عليه وسلم له‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يملكها الملتقط بأن ينوي تملكها‪ ،‬أي تجديد قصد التملك‪ ،‬لعدم اليجاب من الغير‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يملكها الملتقط باختياره بلفظ من ناطق يدل عليه مثل‪ :‬تملكت ما التقطته؛ لن تملكها‬
‫تمليك ببدل‪ ،‬فافتقر إلى اختيار التملك‪ ،‬كما يتملك الشفيع بالشفعة‪.‬‬

‫( ‪)6/628‬‬
‫واتفق العلماء إل أهل الظاهر على أن الملتقط إذا أكل اللقطة‪ ،‬ضمنها لصاحبها (‪. )1‬‬
‫لقطة الحل والحرم‪ :‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحكام المذكورة في تعريف اللقطة تنطبق على ما‬
‫إذا كانت اللقطة في مكة وغيرها من البلدان؛ لن اللقطة أمانة‪ ،‬فلم يختلف حكمها بالحل والحرم‬
‫كالوديعة‪ ،‬ولن الحاديث الواردة في اللقطة لم تفرق بين الحل والحرم‪ ،‬مثل قوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪« :‬اعرف عفاصها ووكاءها‪ ،‬ثم عرّفها سنة» وغيره‪.‬‬
‫وأما الحديث الوارد بتخصيص تعريف لقطة مكة‪ ،‬فالمقصود به دفع توهم بعض الناس أنه ل حاجة‬
‫لتعريف لقطة مكة‪،‬لعدم الفائدة باعتبارها مكان الغرباء (‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية على الصحيح المنصوص عندهم‪ :‬يجب تعريف لقطة الحرم أبدا‪ ،‬إذ ل تحل لقطة الحرم‬
‫للتملك‪ ،‬بل للحفظ أبدا‪ ،‬لخبر الصحيحين‪« :‬إن هذا البلد حرمه ال ‪ ،‬ل يلتقط لقطته إل من عرفها» ‪.‬‬
‫وفي رواية للبخاري «ل تحل لقطة الحرم إل لمنشد» قال الشافعي رضي ال عنه‪ :‬أي لمعرّف‪ ،‬ففرق‬
‫صلّى ال عليه وسلم بينها وبين غيرها‪ ،‬وأخبر أنها ل تحل إل للتعريف ولم يؤقت التعريف بسنة‬
‫كغيرها‪ ،‬فدل على أنه أراد التعريف على الدوام‪ ،‬وإل فل فائدة من التخصيص‪ ،‬والمعنى فيه‪ :‬أن حرم‬
‫مكة شرفه ال تعالى مثابة للناس يعودون إليه‪ ،‬المرة بعد الخرى‪ ،‬فربما يعود مالكها من أجلها‪ ،‬أو‬
‫يبعث في طلبها‪ ،‬فكأنه جعل ماله به محفوظا عليه‪ ،‬كما غلظت الدية فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه‪ ،121/4 :‬بداية المجتهد‪ ،301/2 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،415/2‬المهذب‪ ،430/1 :‬المغني‪ 636/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،430/4 :‬تبيين الحقائق‪ ،301/3 :‬البدائع‪ ،202/6 :‬الشرح الكبير للدردير‪،121/4 :‬‬
‫الغني لبن قدامة‪.642/5 :‬‬

‫( ‪)6/629‬‬

‫صلُ العَاشِر‪ :‬المفقود‬


‫ال َف ْ‬
‫الكلم فيه عن معنى المفقود‪ ،‬وكيفية اعتبار حاله‪ ،‬وما يقوم به القاضي نحو ماله وأهله ووقت الحكم‬
‫بموته وأثر ذلك (‪. )1‬‬
‫من المفقود؟ هو الشخص الذي غاب عن بلده بحيث ل يعرف أثره‪ ،‬ومضى على فقده زمان بحيث ل‬
‫يعرف أنه حي أو ميت‪.‬‬
‫كيف نعتبر حال المفقود حياة أو موتا؟ يعتبر المفقود حيا في حق نفسه‪ ،‬ميتا في حق غيره‪ ،‬فتثبت له‬
‫عند الحنفية الحقوق السلبية دون اليجابية‪ ،‬فبالنسبة له ل يورث ماله‪ ،‬ول تبين منه امرأته‪ ،‬كأنه حي‪.‬‬
‫وبالنسبة لغيره‪ :‬ل يرث أحدا من أقاربه كأنه ميت‪ ،‬وكذلك لو أوصى أحد للمفقود ومات الموصي ل‬
‫يستحق الموصى به‪ ،‬وإنما يوقف نصيبه من الرث أو الوصية إلى أن يظهر حاله أنه حي أو ميت‪.‬‬
‫ووافقهم الشافعية في أن الزوجة ل يحق لها فسخ الزواج‪ ،‬وتنتظر حتى يعلم موت زوجها‪.‬‬
‫وقال المامان مالك وأحمد‪ :‬إذا مضى أربع سنوات يفرق القاضي بين المفقود وبين امرأته‪ ،‬وتعتد عدة‬
‫الوفاة‪ ،‬ثم تتزوج من شاءت؛ لن عمر رضي ال عنه قضى بذلك في مفقود‪.‬‬
‫صلحيات القاضي في مال المفقود وأهله‪ :‬للقاضي صلحيات على مال المفقود وأهله وهي عند‬
‫الحنفية ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬يعين القاضي أمينا يحفظ مال المفقود‪ ،‬ويشرف على شؤونه ويستثمره‪ ،‬ويستوفي حقوقه العائدة‬
‫إليه‪ ،‬كالقيّم على مال الصبي والمجنون‪.‬‬
‫‪ - 2‬يبيع من ماله ما يتسارع إليه الفساد ويحفظ ثمنه؛ لن البيع من مقتضيات الحفظ‪ .‬وإذا كان له‬
‫ودائع يتركها في يد الوديع ليحفظها؛ لن يده يد نيابة عن المفقود في الحفظ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ينفق من مال المفقود على زوجته إن كان يعلم بقاء الزوجية‪ ،‬وكذا ينفق من ماله على أولده‬
‫الصغار الذكور والناث‪ ،‬وعلى أولده الفقراء الزمنى من الذكور والناث‪.‬‬
‫وإن لم يكن له مال وله ودائع‪ ،‬فإنه ينفق منها‪ ،‬إذا كانت من الطعام والثياب والدراهم والدنانير‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع البدائع‪،196/6 :‬فتح القدير‪ ،440/4 :‬تبيين الحقائق‪ ،310/3 :‬الدر المختار‪،360/3 :‬‬
‫الشرح الصغير‪ 694/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،146/2 :‬كشاف القناع‪ 487/5 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/630‬‬

‫فإن كان مال المفقود من غير الدراهم والدنانير أو الطعام والثياب‪ ،‬كأن كان له عروض تجارة أو‬
‫عقارات‪ ،‬فل ينفق منه القاضي على هؤلء؛ لنه ل يمكن النفاق إل بالبيع‪ ،‬وليس للقاضي أن يبيع‬
‫العقار والعروض على الغائب؛ ولكن للب أن يبيع العروض في نفقته؛ لن للب ولية التصرف في‬
‫مال البن في الجملة‪ ،‬بخلف القاضي‪ ،‬أما العقار فليس للب أن يبيعه في نفقة الغائب إل بإذن‬
‫القاضي‪.‬‬
‫متى يحكم بموت المفقود وما أثر ذلك؟ إذا مضت مدة طويلة على المفقود من وقت ولدته‪ ،‬بحيث ل‬
‫يعيش مثله إلى تلك المدة يقينا أو غائبا‪ ،‬يحكم بموته‪ ،‬وتقع الفرقة بينه وبين نسائه‪ ،‬ويقسم ماله بين‬
‫ورثته الحياء‪ ،‬ول يرث هو من أحد‪.‬‬
‫والمدة التي نقدرها لحياة المفقود ليس في ظاهر الرواية تقدير محدد فيها‪ ،‬وإنما يقدر بموت القران‪.‬‬
‫وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قدر تلك المدة بمئة وعشرين سنة من وقت الولدة‪ .‬والرفق‬
‫أن يقدر بتسعين عاما‪.‬‬

‫( ‪)6/631‬‬

‫صلُ الحادي عشر‪ :‬المسابقة والمناضلة‬


‫ال َف ْ‬
‫المبحث الول ـ السّبْق (‪ )1‬أو المسابقة أو الرهان ‪:‬‬
‫وفيه بيان تعريف المسابقة ومشروعيتها‪.‬‬
‫شروط جواز المسابقة‪.‬‬
‫تعريف المسابقة ومشروعيتها ‪:‬‬
‫السبق‪ :‬بسكون الباء مصدر سبق أن تقدم‪ ،‬وبتحريك الباء‪ :‬المال الموضوع بين أهل السباق‪ ،‬أي‬
‫الجائزة أو الرهن‪ ،‬أوالخطر في اصطلح المتقدمين‪ :‬وهو الشيء الذي يسابق عليه‪ ،‬فمن سبق أخذه‪.‬‬
‫والسباق‪ :‬هو أن يسابق الرجل صاحبه في الخيل أو البل ونحوها‪.‬‬
‫والمسابقة جائزة بالسنة والجماع‪ .‬أما السنة فهو أن النبي صلّى ال عليه وسلم سابق بين الخيل‬
‫المضمّرة وبين التي لم تضّمر (‪ . )2‬وأجمع المسلمون على جواز المسابقة‪.‬‬
‫والمسابقة مستثناة من ثلثة أمور ممنوعة‪ :‬هي القمار‪ ،‬وتعذيب الحيوان لغير الكل‪ ،‬وحصول‬
‫العوض والمعوض عنه لشخص واحد‪ ،‬وذلك إذا قدم العوض كل المتسابقين ليأخذه السابق (‪.)3‬‬
‫وهي نوعان‪ :‬مسابقة بغير عوض‪ ،‬ومسابقة بعوض‪.‬‬
‫أما المسابقة بغير عوض‪ :‬فتجوز مطلقا من غير تقييد بشيء معين كالمسابقة على القدام والسفن‬
‫والطيور والبغال والحمير والفيلة‪ .‬وكذلك تجوز المصارعة ورفع الحجر ليعرف الشد‪ ،‬بدليل ماقالت‬
‫عائشة رضي ال عنها‪« :‬سابقني رسول ال صلّى ال عليه وسلم فسبقته‪ ،‬فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم‬
‫سابقني‪ ،‬فسبقني‪ ،‬فقال‪ :‬هذه بتلك» (‪ )4‬وسابق سلمة ابن الكوع رجلً من النصار بين يدي النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فسبقه سلمة (‪ ، )5‬وصارع النبي صلّى ال عليه وسلم رُكانة‪ ،‬فصرعه النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم (‪ . )6‬ومر الرسول صلّى ال عليه وسلم بقوم يرفعون حجرا ليعرفوا الشد‬
‫منهم‪ ،‬فلم ينكر عليهم‪ .‬وتقاس بقية أنواع المسابقة على المذكور‪.‬‬
‫وأما المسابقة بعوض‪ :‬فل تجوز عند الحنفية إل في أربعة أشياء‪ :‬في النصل‪ ،‬والحافر‪ ،‬والخف (‪، )7‬‬
‫والقدم؛ لن الثلثة الولى آلت الحرب المأمور بتعلمها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من‬
‫قوة} [النفال‪ ]60/8:‬فسر النبي صلّى ال عليه وسلم القوة بالرمي (‪ . )8‬وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫« ليس من اللهو إل ثلث‪ :‬تأديب الرجل فرسه‪ ،‬وملعبته أهله‪ ،‬ورميه بقوسه ونبله‪ ،‬فإنهن من‬
‫الحق» (‪. )9‬‬
‫ودليل المسابقة على القدام والمصارعة‪ ،‬ما ذكر أن النبي صلّى ال عليه وسلم سابق عائشة‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬السبق‪ :‬بسكون الباء بمعنى المسابقة‪ ،‬والسبق بفتح الباء‪ :‬الجعل أو العوض المخصص في‬
‫المسابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر (سبل السلم‪ ،70/4 :‬اللمام‪ :‬ص ‪.)358‬‬
‫(‪ )3‬الدسوقي‪.209/2 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وأبو داود والشافعي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن عروة عن أبيه عن‬
‫عائشة (نيل الوطار‪ 91/8 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم وأحمد عن سلمة بن الكوع (نيل الوطار‪ ،‬المرجع السابق)‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود عن محمد بن علي بن ركانة (نيل الوطار‪ ،‬المرجع نفسه)‪.‬‬
‫(‪ )7‬المراد بالنصل‪ :‬السهم ذو النصل أو الرمح‪ ،‬والحافر‪ :‬الفرس والحمار والبغل‪ ،‬والخف‪ :‬البعير‬
‫والبقر ونحوها‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم وأحمد عن عقبة بن عامر (نيل الوطار‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ ،85‬سبل السلم‪:‬‬
‫‪.)71/4‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو داود والترمذي عن عقبة بن عامر ( راجع تخريج أحاديث تحفة الفقهاء للمؤلف مع‬
‫الستاذ الكتاني‪.)500/3 :‬‬

‫( ‪)6/632‬‬

‫وصارع ُركَانة‪ ،‬ولن المشي بالقدم والمصارعة مما يحتاج للكر والفر في الجهاد وضرب العدو‪ .‬قال‬
‫الشافعية‪ :‬المسابقة والمناضلة على السهام سنة بالجماع‪ ،‬ويحل أخذ عوض عليهما؛ لن فيهما ترغيبا‬
‫للستعداد للجهاد‪.‬‬
‫وقال الجمهور غير الحنفية‪ :‬ل يجوز السباق بعوض إل في النصل والخف والحافر‪ ،‬أي في التدرب‬
‫على حمل السلح وفي أعمال الفروسية‪ ،‬لقول الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل سَبَق إل في خف‬
‫أو حافر أو نصل» (‪ )1‬والسبق بفتحتين‪( :‬هو ما يجعل للسابق على السبق من جعل) ولن هذه‬
‫المور آلت القتال‪ ،‬فيجوز التسابق إذن على كل ما هو نافع في الحرب‪.‬‬
‫أما المسابقة على القدام والمصارعة‪ ،‬فل تجوز بعوض؛ لنها ل تنفع في الحرب وكانت مصارعة‬
‫الرسول ل ُركَانة على شياه‪ ،‬كما روى أبو داود في مراسيله‪ ،‬أو أن الغرض من مصارعته أن يريه‬
‫شدته ليسلم‪ ،‬وقد أسلم فعلً (‪. )2‬‬
‫فإن كانت المسابقة بغير عوض جازت مطلقا في الخيل وغيرها من الدواب والسفن وبين الطير‬
‫ليصال الخبر بسرعة‪ ،‬وتجوز هذه المسابقة على القدام وفي رمي الحجار والمصارعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والشافعي والحاكم وابن ماجه وأحمد وابن حبان‬
‫وصححه هو وابن القطان وابن دقيق العيد عن أبي هريرة رضي ال عنه (تخريج أحاديث التحفة‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬نيل الوطار‪ ،77/8 :‬سبل السلم‪ ،71/4 :‬مجمع الزوائد‪.)263/5 ،‬‬
‫(‪ )2‬راجع البدائع‪ ،206/6 :‬المهذب‪ 412/1 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 311/4 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪:‬‬
‫‪ 651/8‬وما بعدها‪ ،172/9 ،‬الشرح الكبير‪ ،209/2 :‬شرح الرسالة‪.417/2 :‬‬

‫( ‪)6/633‬‬

‫شروط جواز المسابقة ‪:‬‬


‫يشترط لجواز المسابقة والرمي بعوض شروط أهمها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون المسابقة في النواع النافعة في الجهاد وهي النواع الربعة عند الحنفية‪ :‬النصل‬
‫والخف والحافر والقدم‪ .‬وعند الجمهور‪ :‬النواع الثلثة الولى‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون العوض من أحد الجانبين المتسابقين أو من شخص ثالث‪ ،‬كأن يقول أحدهما لصاحبه‪:‬‬
‫إن سبقتني فلك علي كذا‪ ،‬وإن سبقتك فل شيء عليك‪ ،‬أو يقول ولي المر أو شخص ثالث‪ :‬من سبق‬
‫منكما فله في بيت المال أو فله علي كذا؛ لنه في هذه الحالت ل يوجد قمار محرم؛ وإنما يكون دفع‬
‫العوض على سبيل المكافأة أو الجعالة والتحريض على الستعداد لتقان فنون الجهاد‪.‬‬
‫فإن كان العوض من الجانبين وهو الرهان‪ :‬فل يصح الرهان إل بمحلّل (‪ )1‬كأن يتفقا على أن‬
‫يخصص كل منهما عشر ليرات (‪ )2‬أو أحدهما عشرة والخر ثمانية‪ ،‬يدفعها كل منهما لشخص آخر‬
‫يكون فرسه أو بعيره مكافئا لفرسيهما أو بعيرهما مثلً‪ ،‬وذلك إذا سبقهما‪ ،‬فإن سبقهما جميعا أخذ‬
‫الغنم‪ ،‬وإن سبق أحدهما لم يغرم هو شيئا‪ ،‬ول يأخذ أحدهم شيئا‪ ،‬بدليل ما روي أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬من أدخل فرسا بين فرسين‪ ،‬وهو ل يأمن أن يُسبَق‪ ،‬فليس بقمار‪ .‬ومن أدخل فرسا‬
‫بين فرسين وقد أمن أن يَسبِق فهو قمار» (‪ )3‬أي أنه يشترط أن يكون فرس المحلل مكافئا لفرسي‬
‫الشخصين اللذين جعل العوض منهما‪ ،‬فلو كان ضعيفا عنهما أو أقوى منهما‪ ،‬فإنه ل يصح؛ لن‬
‫الواضح من الحديث أنه جعل القمار متحققا إذا أمن الثالث أن يَسبق‪ ،‬وإذا لم يأمن أن يَسبق لم يكن‬
‫قمارا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المحلل ـ بكسر اللم ـ مشتق من أحل‪ :‬جعل الممتنع حلً‪ ،‬لنه يحل العقد ويخرجه عن صورة‬
‫جعْل بدخوله بين المتسابقين‪.‬‬
‫القمار المحرم‪ ،‬فهو قد حلل ال ُ‬
‫(‪ )2‬هذا المبلغ هو المسمى بالسبق بتحريك الباء أو الخطر أو الندب أو القرع أو الرهن‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة‪ ،‬وإسناده ضعيف عند بعضهم‪ ،‬ولئمة الحديث‬
‫في صحته إلى أبي هريرة كلم كثير‪ ،‬وقد أخرجه أيضا الحاكم وصححه‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وابن حزم‬
‫وصححه (نيل الوطار‪ ،80/8 :‬سبل السلم‪ ،71/4 :‬اللمام‪ :‬ص ‪.) 360‬‬

‫( ‪)6/634‬‬

‫وأما إن كان العوض من الجانبين بدون محلل‪ ،‬فيحرم السباق‪ ،‬كما إذا قال شخصان‪ :‬من سبق منا فله‬
‫على الخر كذا؛ لن هذا من القمار المحرم‪.‬‬
‫وهكذا تكون صور السباق أربعا‪ :‬ثلث منها حلل‪ ،‬وواحدة منها حرام لها حكم الميسر (القمار)‪ ،‬أما‬
‫الصور الحلل‪:‬‬
‫فأولها‪ :‬أن يكون العوض من السلطان أو أحد الرؤساء أو شخص ثالث‪ ،‬يأخذه السابق‪ ،‬وهذا جائز‬
‫اتفاقا‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن يكون العوض من أحد الجانبين يؤخذ منه إذا سبقه الخر‪ ،‬وهذا جائز اتفاقا‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن يكون العوض من المتسابقين أو من الجماعة‪ ،‬ومعهم محلل يأخذ العوض إن سَبَق‪ ،‬ول‬
‫يغرم إن سَبَقه غيره؛ لنهما لم يقصدا القمار‪ ،‬وإنما قصدا التقوي على الجهاد‪ ،‬وهذا جائز عند‬
‫الجمهور‪ .‬ومنعه المام مالك لجواز عود الجعل لمن قدمه إذا سبَق‪.‬‬
‫وأما الصورة الحرام اتفاقا‪ :‬فهي أن يكون العوض من كل واحد‪ ،‬على أنه إن سَبَق فله العوض‪ ،‬وإن‬
‫سُبق فيغرم لصاحبه مثله‪.‬وبه يتبين أن السباق يحرم حينما يكون هناك احتمال الخذ والعطاء من‬
‫الطرفين‪ ،‬بأن يقال‪ :‬السابق يأخذ‪ ،‬والخاسر يغرم أو يدفع‪ .‬وهذا معنى الميسر أو القمار المحرم شرعا‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تكون المسابقة فيما يحتمل أن يسبق أحدهما‪ ،‬ويسبق الخر‪ ،‬فإن كانت فيما يعلم غالبا أنه‬
‫يسبق غيره‪ ،‬فل يجوز‪ ،‬لن معنى التحريض في هذه الصورة ل يتحقق‪ ،‬فصار الرهان التزام المال‬
‫للغير بشرط ل منفعة له فيه‪.‬‬
‫‪ - 4‬العلم بالمال المشروط‪ ،‬ومعرفة نقطة البدء والنهاية‪ ،‬وتعيين الفرسين مثلً‪ ،‬كما قرر الشافعية (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫تبين من هذا أن السباق الذي يجري الن على رهان من المتسابقين ل من طرف ثالث محايد هو‬
‫حرام؛ لنه قمار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬مغني المحتاج‪ 313/4 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ 415/1 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المغني‪ 654/8 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 157‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪:‬‬
‫‪.211-208/2‬‬

‫( ‪)6/635‬‬

‫المبحث الثاني ـ المناضلة ‪:‬‬


‫تعريفها وأنواعها ولزومها وحكمها وشروطها (‪: )1‬‬
‫تعريف المناضلة ومشروعيتها‪ :‬المناضلة لغة بمعنى المغالبة‪ ،‬قال الزهري‪ :‬النضال في الرمي‪،‬‬
‫والرهان في الخيل‪ ،‬والسباق يكون في الخيل والرمي‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ { :‬إنا ذهبنا نستبق }‬
‫[يوسف‪ ]17/12:‬وعليه تكون المسابقة على الخيل ونحوها‪ ،‬من السلح‪.‬‬
‫وهذا الموضوع المتعلق بالمسابقة والمناضلة لم يسبق الشافعيَ رضي ال تعالى عنه أحد إلى تصنيفه‬
‫كما قال المزني رحمه ال ‪.‬‬
‫والمناضلة أو الرمي‪ :‬التدرب على استعمال السلح والتنافس على التفوق بإصابة الهدف على مال‬
‫بشروط مخصوصة‪ .‬وكل من المناضلة والمسابقة للرجال المسلمين غير ذوي العذار سنة جائزة‬
‫بالجماع‪ ،‬ولقوله تعالى‪ { :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } [النفال‪ ]60/8:‬روى مسلم عن عقبة بن‬
‫عامر رضي ال عنه‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم فسّر القوة بالرمي‪ ،‬فقال‪ :‬أل إن القوة الرمي‪ ،‬أل‬
‫إن القوة الرمي‪ ،‬أل إن القوة الرمي‪.‬‬
‫وقد حث النبي صلّى ال عليه وسلم على الرمي‪ ،‬روى أحمد والبخاري عن سلمة بن الكوع‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.319-311/4 :‬‬

‫( ‪)6/636‬‬

‫قال‪« :‬مرّ رسول ال صلّى ال عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون (‪ )1‬بالسوق‪ ،‬فقال‪ :‬ارموا يا‬
‫بني إسماعيل‪ ،‬فإن أباكم كان راميا‪ ،‬ارموا وأنا مع بني فلن‪ ،‬قال‪ :‬فأمسك أحد الفريقين بأيديهم‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬ما لكم ل ترمون؟ قالوا‪ :‬كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال ارموا وأنا‬
‫معكم كلّكم» ‪.‬‬
‫وروى الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن عقبة بن عامر عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬إن‬
‫ال يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر الجنة‪ :‬صانعَه الذي يحتسب في صنعته الخير‪ ،‬والذي يجهّز به في‬
‫سبيل ال ‪ ،‬والذي يرمي به في سبيل ال ‪ ،‬وقال‪ :‬ارموا واركبوا‪ ،‬فإن ترموا خير من أن تركبوا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إل ثلثا‪ :‬رميه عن قوسه‪ ،‬وتأديبه فرسه‪ ،‬وملعبته أهله‬
‫فإنهن من الحق» ‪.‬‬
‫أنواعها‪ :‬تصح المناضلة على سهام ورماح ورمي بأحجار بمقلع أو يد‪ ،‬ومنجنيق وكل نافع في‬
‫الحرب كالرمي بالمسلّت والبر والتردد بالسيوف والرماح‪.‬‬
‫ول تصح المسابقة بعوض على الكرة بأنواعها المختلفة‪ ،‬ول على البندق الذي يرمى به إلى حفرة‬
‫ونحوها (‪ ، )2‬ول على السباحة في الماء‪ ،‬ول على الشطرنج‪ ،‬ول على خاتم‪ ،‬ول على وقوف على‬
‫ِرجْل‪ ،‬ول على معرفة ما في يده من شفع ووتر‪ ،‬ول على سائر أنواع اللعب كالمسابقة على القدام‬
‫(الركض) وبالسفن والزوارق؛ لن هذه المور ل تنفع في الحرب‪.‬‬
‫هذا إذا عقد عليها بعوض‪ ،‬فإن كانت بغير عوض فمباح كما يرى الشافعية‪ .‬وقال القرطبي‪ :‬ل خلف‬
‫في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب‪ ،‬وعلى القدام‪ ،‬وكذا الرمي بالسهام واستعمال‬
‫السلحة‪ ،‬ما في ذلك من التدرب على الجري‪ .‬ودليله‪ :‬ما رواه أحمد وأبو داود أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم تسابق مع عائشة على القدام‪ ،‬وروى أحمد والشيخان‪ :‬أن الحباش لعبوا بالحراب عند‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم في المسجد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ينتضلون أي يترامون‪ ،‬والنضال‪ :‬الترامي للسبق‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكر الماوردي في الحاوي القول بالجواز‪ ،‬خلفا لما قرره النووي في الروضة وأصلها‪.‬‬
‫( ‪)6/637‬‬

‫صفة عقد المسابقة والمناضلة‪ :‬الظهر عند الشافعية أن كلً من هذين العقدين إذا تم على مال مشروط‬
‫لزم ل جائز‪ ،‬فليس لحد الطرفين إذا التزما المال وبينهما محلّل فسخه‪ ،‬كما هو شأن العقود اللزمة‪،‬‬
‫ول ترك العمل قبل الشروع فيه ول بعده‪،‬إل إذا فسخ الطرفان العقد الول‪ ،‬واستأنفا عقدا جديدا إن‬
‫وافقهما المحلّل‪.‬‬
‫حكم المناضلة‪ :‬حكم المناضلة والمسابقة واحد‪ ،‬ثلث صور منها حلل‪ ،‬وصورة رابعة منها حرام؛‬
‫لنه ميسر أو قمار‪ ،‬وهي أن يتراهن المتناضلن على أن يتعهد كل منهما للخر دفع عوض معين إن‬
‫فاز بالصابة‪ .‬فإن كان العوض من المام من بيت المال‪ ،‬أو أحد الرعية الثرياء‪ ،‬أو أحد المتناضلين‬
‫أو كليهما جاز‪ ،‬فيقول المام أو أحد الرعية‪ :‬ارميا كذا‪ ،‬فمن أصاب من كذا فله في بيت المال‪ ،‬أو‬
‫عليّ كذا‪ ،‬أو يقول أحدهما‪ :‬نرمي كذا‪ ،‬فإن أصبت أنت منها كذا فلك علي كذا‪ ،‬وإن أصبتها أنا فل‬
‫شيء لي عليك‪.‬‬
‫أما إن شرط كل منهما على صاحبه عوضا‪ ،‬فل تصح المناضلة إل بمحلّل‪ ،‬أي شخص ثالث وسيط‪،‬‬
‫يكون رميه كرميهما في القوة والعدد المشروط‪ ،‬يأخذ مالهما إن غلبهما‪ ،‬ول يغرم إن غُلب‪.‬‬
‫شروط صحة المناضلة‪ :‬يشترط لصحة المناضلة ما يأتي ‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬تعيين الرماة والهدف المطلوب وتعيين الموقف الذي يقفان فيه وتحديدمسافة (‪ ، )1‬ومقدار‬
‫الغرض طولً وعرضا وسمكا وارتفاعا من الرض‪ ،‬وتعيين العدد المطلوب من الصابة أو الرميات‬
‫لينضبط العمل؛ لن المناضلة كالميدان في المسابقة‪ .‬ويشترط إمكان الصابة والخطأ‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬اتحاد جنس السلح من مسدس أو بندقية أو مدفع ونحوها‪ ،‬فل تصح المناضلة بسلحين مختلفي‬
‫الجنس‪ ،‬ولو رضي الطرفان بذلك‪.‬‬
‫خسْق أو مَرْق (‪ )2‬إذا كان النضال‬
‫ً‪ - 3‬بيان مقدار الصابة وصفة الرمي من قَرْع أو خَزْق أو َ‬
‫بالسهام ونحوها‪ ،‬بأن يتفق المتناضلن على كون الرمي المطلوب مجرد قَرْع أو إصابة للهدف أو‬
‫خَزْق له‪ ،‬فإن أطلقا ولم يبينا‪ ،‬حمل الرمي المطلوب على القرع‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬العلم بالمال وقدره‪ ،‬ووجود المحلل إن كانت المناضلة من النوع المحرم المذكور في المسابقة‬
‫وفيما تقدم هنا‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬والظهر اشتراط بيان البادئ من المتناضلين بالرمي‪ ،‬لشتراط الترتيب بينهما فيه‪ ،‬حذرا من‬
‫اشتباه المصيب بالمخطئ‪ ،‬كما لو رميا معا‪ ،‬فإن لم يبيناه فسد العقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مسافة الرمي‪ :‬هي ما بين موقف الرامي والغرض‪ ،‬وتحديدها لختلف الغرض بها‪ ،‬وبيانها إما‬
‫بالذرعان أو المشاهدة‪ .‬والغرض‪ :‬ما يرمى إليه من خشب أو جلد أو قرطاس‪ ،‬والهدف‪ :‬ما يرفع‬
‫ويوضع عليه الغرض‪ .‬والرقعة‪ :‬عظم ونحوه يجعل وسط الغرض‪ .‬والدارة‪ :‬نقش مستدير كالقمر قبل‬
‫استكماله‪.‬‬
‫(‪ )2‬القَرْع‪ :‬مجرد إصابة الغرض أو الهدف بل خدش له‪ ،‬والخزق‪ :‬هو أن يثقبه السهم ول يثبت فيه‬
‫بأن يعود‪ .‬والخَسْق‪ :‬هو أن يثبت السهم في الهدف‪ .‬والمَرْق‪ :‬هو أن ينفذ السهم ويخرج من الجانب‬
‫الخر‪.‬‬

‫( ‪)6/638‬‬

‫عشَر‪ :‬الشّفعة‬
‫صلُ الثّاني َ‬
‫ال َف ْ‬
‫تبحث الشفعة في المباحث الثمانية التية‪:‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف الشفعة‪ ،‬ودليلها وحكمتها‪ ،‬وركنها وعناصرها‪ ،‬وسببها‪ ،‬وحكمها وصفتها‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ محل الشفعة (المشفوع فيه‪ ،‬أو ما تجب فيه الشفعة وما ل تجب)‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ الشفيع‪ ،‬مراتب الشفعة (أو أسباب استحقاقها) تزاحم الشفعاء (أي تعددهم) غيبة‬
‫بعض الشفعاء‪ ،‬إسقاط بعض الشفعاء حقه‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ أحكام الشفعة‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ شروط الشفعة‪.‬‬
‫المبحث السادس ـ إجراءات الشفعة (طلب الشفعة)‪.‬‬
‫المبحث السابع ـ مايطرأ على المشفوع فيه بيد المشتري من تصرفات أو نماء أو نقص‪.‬‬
‫المبحث الثامن ـ مسقطات الشفعة‪.‬‬
‫وبحثها على ترتيبها المذكور‪.‬‬

‫( ‪)6/639‬‬

‫المبحث الول ـ تعريف الشفعة‪ ،‬ودليلها وحكمتها‪ ،‬وركنها وأطرافها‪ ،‬وحكمها وصفتها ‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف الشفعة‪ :‬الشفعة لغة‪ :‬مأخوذة من الشفع بمعنى الضمّ أو الزيادة والتقوية‪ ،‬تقول‪ :‬شفعت‬
‫الشيء‪ :‬ضممته‪ ،‬سميت شفعة؛ لن الشفيع يضم مايتملكه بهذا الحق إلى نصيبه أو ملكه‪ ،‬فيزيده عليه‪،‬‬
‫ويتقوى به‪ ،‬فقد كان الشفيع منفردا في ملكه‪ ،‬فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه‪ ،‬فصار شفعا ضد الوتر‪.‬‬
‫وفي الصطلح الفقهي‪ :‬هي حق تملك العقار المبيع جبرا عن المشتري‪ ،‬بما قام عليه‪ ،‬من ثمن‬
‫وتكاليف (أي النفقات التي أنفقها) لدفع ضرر الشريك الدخيل أو الجوار‪ .‬وهذا عند الحنفية (‪ )1‬؛ لن‬
‫الشفعة تثبت عندهم للشريك والجار‪.‬‬
‫وعرفها الجمهور غير الحنفية‪ :‬بأنها استحقاق شريك أخذ ما عاوض به شريكه‪ ،‬من عقار‪ ،‬بثمنه أو‬
‫قيمته‪ ،‬بصيغة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬هي حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث‪ ،‬فيما ملك‬
‫بعوض (‪ . )2‬وهذا لن الشفعة حق للشريك فقط دون الجار عند الجمهور‪.‬‬
‫ويلحظ أن المذاهب الربعة حصروا الشفعة في العقار‪ .‬أما الظاهرية فقد أجازوها أيضا في المنقول‪،‬‬
‫كالحيوان ونحوه (‪. )3‬‬
‫ثانيا ـ دليلها وحكمة مشروعيتها ‪:‬‬
‫الدليل على مشروعية الشفعة هو السنة والجماع‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدرالمختار‪ ،152/5 :‬تكملة الفتح‪ ،406/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،239/5 :‬اللباب‪.106/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،630/3 :‬الشرح الكبير‪ ،473/3 :‬مغني المحتاج‪ ،296/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،196/4‬المغني‪.284/5 :‬‬
‫(‪ )3‬المحلى‪ ،101/9 :‬م ‪.1594‬‬

‫( ‪)6/640‬‬

‫أما السنة‪ ،‬فأحاديث كثيرة‪ :‬منها حديث جابر رضي ال عنه‪« :‬قضى رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫بالشفعة فيما لم يقسم‪ ،‬فإذا وقعت الحدود‪ ،‬وصُرّفت الطرق‪ ،‬فل شفعة» (‪ )1‬وفي رواية «في أرض‪،‬‬
‫أو رَبْع‪ ،‬أو حائط» والربع‪ :‬المنزل‪ ،‬والحائط‪ :‬البستان‪.‬‬
‫ومنها حديث آخر لجابر‪« :‬الجار أحق بشفعة جاره يُنتظر بها‪،‬وإن كان غائبا‪ ،‬إذا كان طريقهما‬
‫واحدا» (‪. )2‬‬
‫ومنها حديث سمرة‪« :‬جار الدار أحق بالدار من غيره» (‪. )3‬‬
‫ومنها حديث أبي رافع‪« :‬الجار أحق بسقبه» أو «بصقبه» (‪ )4‬أي أحق بقربه وبشفعته؛ لن السقب أو‬
‫الصقب‪ :‬ما قرب من الدار‪.‬‬
‫وأما الجماع‪ :‬فقال ابن المنذر‪ :‬أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم‪ ،‬فيما بيع‬
‫من أرض أو دار أو حائط‪ ..‬ول نعلم أحدا خالف هذا إل الصم‪ ،‬فإنه قال‪:‬ل تثبت الشفعة؛ لن في‬
‫ذلك إضرارا بأرباب الملك‪ ،‬فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه‪ ،‬ويتقاعد الشريك‬
‫عن الشراء‪،‬فسيتضر المالك؛أي أن الشفعة تصادم مبدأ حرية المتعاقد في التصرف‪.‬ورد عليه‪ :‬بأن‬
‫قوله ليس بشيء لمخالفته الثار الثابتة والجماع المنعقد قبله (‪. )5‬‬
‫وحكمتها‪ :‬دفع ضرر الدخيل الجنبي الذي يأتي على الدوام‪ ،‬بسبب سوء المعاشرة والمعاملة‪ ،‬في‬
‫استعمال أواستحداث المرافق المشتركة‪ ،‬أو إعلء الجدار‪ ،‬أو إيقاد النار‪ ،‬أو منع ضوء النهار‪ ،‬وإثارة‬
‫الغبار‪ ،‬وإيقاف الدواب‪ ،‬ولعب الولد‪ ،‬لسيما إذا كان خصما أو ضدا‪.‬‬
‫وقد تكون الحكمة‪ :‬دفع ضرر مؤنة القسمة‪ ،‬كما قال المالكية والشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫وكل ما ذكر مظاهر للضرر‪ ،‬والمقرر في السلم أنه «ل ضرر ول ضرار» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه‪ ،‬وهو صحيح‪ .‬وصرفت‪ :‬بتخفيف الراء‪ ،‬وقيل‬
‫بتشديدها‪ ،‬أي بينت مصارفها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‪ ،‬والبيهقي والطبراني والضياء‪ ،‬لكن في إسناده كلم‬
‫واضطراب‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري (راجع الحاديث في نصب الراية‪ ،175-172/4 :‬نيل الوطار‪-331/5 :‬‬
‫‪.)336‬‬
‫(‪ )5‬المغني‪.284/5 :‬‬

‫( ‪)6/641‬‬

‫كما أن حسن العشرة يقتضي رعاية مصلحة الشريك أو الجار‪ ،‬ورعاية المصلحة أمر مطلوب شرعا‬
‫أيضا (‪. )1‬‬
‫وهذه المعاني كما هي متوقعة بين الناس بسبب الشركة‪ ،‬أو الخلطة في المنافع‪ ،‬كذلك هي متوقعة ـ‬
‫في رأي الحنفية ـ بسبب الجوار‪.‬‬
‫ثالثا ـ ركنها وعناصرها وسببها (سبب الخذ ) ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬ركن الشفعة‪ :‬أخذ الشفيع من أحد المتعاقدين عند وجود سببها وشرطها‪ .‬ويسمى‬
‫العقار الذي بسببه تطلب الشفعة‪ :‬المشفوع به‪ ،‬والعقار الذي يتملك بالشفعة‪ :‬المشفوع فيه‪ ،‬ومشتري‬
‫العقار‪ :‬هو المشفوع عليه‪ ،‬والمطالب بالشفعة‪ :‬هو الشفيع‪.‬‬
‫وسببها‪ :‬اتصال ملك الشفيع بالمشتري بشركة أو جوار‪.‬‬
‫وشرطها‪ :‬أن يكون المحل المبيع عقارا‪ ،‬سفلً كان أو علوا‪ .‬وقال المالكية (‪ : )4‬للشفعة أركان أربعة‪:‬‬
‫آخذ (شافع)‪ ،‬ومأخوذ منه (مشفوع عليه) ومشفوع فيه‪ ،‬وصيغة‪ .‬والمراد بالصيغة‪ :‬ما يدل على‬
‫الخذ‪ ،‬لفظا أو غيره‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )5‬أركان الشفعة ثلثة‪ :‬آخذ‪ ،‬ومأخوذ منه‪ ،‬ومأخوذ‪ .‬وأما الصيغة فتجب‬
‫في التمليك‪ ،‬فيشترط لفظ من الشفيع‪ ،‬مثل تملكت‪ ،‬أو أخذت بالشفعة‪.‬‬
‫رابعا ـ حكمها وصفتها‪ :‬إن الخذ بها بمنزلة شراء مبتدأ (جديد)‪ ،‬قال الحنفية (‪ : )6‬حكمها‪ :‬جواز‬
‫الطلب عند تحقق السبب‪ ،‬ولو بعد سنين‪ ،‬أي إذا لم يعلم بها‪ .‬وصفتها‪ :‬أن الخذ بها بمنزلة شراء‬
‫مبتدأ‪ ،‬يستحقها الشفيع بعد البيع‪ ،‬فيثبت بها ما يثبت بالشراء‪ ،‬كالرد بخيار الرؤية‪ ،‬والعيب‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ محل الشفعة (المشفوع فيه‪ ،‬أو ما تجب فيه الشفعة وما ل تجب)‪ :‬اتفق المسلمون‬
‫على أن الشفعة حق في العقار من دور وأرضين وبساتين وبئر‪ ،‬وما يتبعها من بناء وشجر‪ ،‬واختلفوا‬
‫فيما عداها‪.‬‬
‫قررت المذاهب الربعة أنه ل شفعة في منقول كالحيوان والثياب والعروض التجارية للحديث السابق‪:‬‬
‫«قضى رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالشفعة في أرض أو ربَعْ أو حائط‪ »..‬ورواية الحديث عند‬
‫مسلم والنسائي وأبي داود‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،239/5 :‬مغني المحتاج‪ ،296/2 :‬أعلم الموقعين‪ ،120/2 :‬المغني‪،284/5 :‬‬
‫حاشية الدسوقي على الدردير‪.476/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 152/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪ 630/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪.253/2 :‬‬
‫(‪ )5‬مغني المحتاج‪ ،300 ،296/2 :‬المغني‪ ،297/5 :‬كشاف القناع‪.158/4 :‬‬
‫(‪ )6‬الدرالمختار‪ 153/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬

‫( ‪)6/642‬‬

‫بالشفعة في كل شركة لم تقسم‪ ،‬ربعة أو حائط‪ »..‬ولن الشفعة شفعت لدفع ضرر سوء الشركة‬
‫بالتفاق‪ ،‬أو الجوار عند الحنفية‪ ،‬بسبب الستمرار والدوام‪ ،‬والمنقول ل يدوم‪ ،‬بخلف العقار‪ ،‬فيتأبد‬
‫فيه ضرر المشاركة؛ ولن الشفعة تملك بالقهر‪ ،‬فهي كما بينت «استحقاق الشريك ـ عند الحنفية ـ‬
‫انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه‪ ،‬من يد من انتقلت إليه» ‪ ،‬فناسب أن تكون عند شدة الضرر‪،‬‬
‫وإطلقا لحرية التصرف والبيع (‪. )1‬‬
‫سفْل‪ :‬ألحق الحنفية بالعقار‪ :‬ما في حكمه كالعلو‪ ،‬وإن لم يكن طريقه في السفل؛ لنه التحق‬
‫اِلعُ ْلوُ وال ُ‬
‫بالعقار بماله من حق القرار‪ ،‬فل فرق في العقار بين كونه سفلً أو علوا (‪ ، )2‬وهذا هو المعقول‪.‬‬
‫ولم يجز الشافعية في الصح والحنابلة الشفعة في العلو‪ ،‬لن البناء يرتكز على السقف‪ ،‬والسقف الذي‬
‫هو أرض البناء ل ثبات له‪ ،‬فكان كالمنقولت (‪. )3‬‬
‫وسواء عند الحنفية أكان العقار مما يحتمل القسمة‪ ،‬أم ل يحتملها‪ ،‬كالدار الصغيرة والحمام والطاحون‬
‫والبئر؛ لن علة الشفعة عندهم دفع ضرر الشركة أو الجوار مطلقا‪ ،‬وهو يتحقق فيما ل يقبل القسمة‪.‬‬
‫واشترط الجمهور غير الحنفية‪ ،‬في المشهور عند المالكية‪ ،‬وفي ظاهر مذهب الحنابلة‪ ،‬وفي الصح‬
‫عند الشافعية‪ :‬أن يكون العقار قابلً للقسمة‪ ،‬استدللً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،153/5 :‬تكملة الفتح‪ ،435/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،239/5 :‬البدائع‪ ،12/5 :‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،109/2‬بداية المجتهد‪ ،254/2 :‬الشرح الكبير‪ ،482/3 :‬الشرح الصغير‪ ،634/3 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،296/2‬المهذب‪ ،376/1 :‬المغني‪ ،287/5 :‬كشاف القناع‪.155-153/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار واللباب‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬تكملة الفتح‪.435/7 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،297/2 :‬كشاف القناع‪.155/4 :‬‬

‫( ‪)6/643‬‬

‫بدليل الخطاب في حديث جابر السابق‪« :‬الشفعة فيما لم يقسم‪ »...‬فكأنه قال‪ :‬الشفعة فيما تمكن فيه‬
‫القسمة‪ ،‬ما دام لم يقسم‪ .‬وقد أجمع عليه في هذا الموضوع فقهاء المصار‪ ،‬مع اختلفهم في صحة‬
‫الستدلل به؛ ولن علة مشروعية الشفعة عندهم هو دفع ضرر القسمة‪ ،‬ومال ينقسم ل تتيسر القسمة‬
‫فيه‪ ،‬فل حاجة للشفعة فيه‪ ،‬فل يترتب فيه ضرر الشريك بعدم الشفعة (‪. )1‬‬
‫حقوق الرتفاق‪ :‬تثبت الشفعة عند الحنفية (‪ )2‬في حقوق العقار‪ ،‬كالشّرْب (النصيب من الماء في نوبة‬
‫مالك الرض) (‪ )3‬والطريق الخاصين‪ .‬فإن لم يكونا خاصين‪ ،‬فل يستحق بهما الشفعة‪ .‬والطريق‬
‫الخاص‪ :‬أن يكون غير نافذ‪ ،‬فإن كان نافذا فليس بخاص‪.‬‬
‫فلو كان هناك شِرْب نهر صغير مشترك بين قوم‪ ،‬تسقى أراضيهم منه‪ ،‬فبيعت أرض منها‪ ،‬فلكل أهل‬
‫الشّرْب من ذلك النهر الخاص الشفعة‪ .‬أما لو كان النهر عاما‪ ،‬فالشفعة فقط للجار الملصق‪ .‬ومثله‬
‫الطريق الخاص‪ ،‬فكل أهله شفعاء‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬ل شفعة في الطريق (أي المجاز الذي يتوصل منه إلى ساحة الدار) إذا قسم بين‬
‫الشريكين أو الشركاء متبوعُهما من البيوت إذا بقي الممر مشتركا بينهما؛ لنه لما كان تابعا لما ل‬
‫شفعة فيه‪ ،‬وهو البيوت المنقسمة‪ ،‬كان ل شفعة فيه‪.‬‬
‫وكذلك العَرْصة (ساحة الدار التي بين بيوتها‪ ،‬تسمى في عرف العامة بالحوش) ل شفعة فيها إذا قسم‬
‫متبوعها‪ ،‬كحكم الطريق السابق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،255/2 :‬حاشية الدسوقي على الدردير‪ ،476/3 :‬الشرح الصغير‪634/3 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،297/2 :‬المهذب‪ ،377/1 :‬المغني‪.289/5 :‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق‪ 239/5 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،154/5 :‬اللباب‪.106/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرب‪ :‬هو نوبة النتفاع بسقي الحيوان والزرع (م ‪ )1262‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير‪ ،482/3 :‬الشرح الصغير‪ ،640/3 :‬بداية المجتهد‪.255/2 :‬‬

‫( ‪)6/644‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬ل شفعة قطعا في ممر الدار المبيعة من الدرب النافذ؛ لنه غير مملوك‪ .‬وأما‬
‫الدرب غير النافذ‪ ،‬فالصحيح ثبوت الشفعة في الممر‪ ،‬بما يخصه من الثمن‪ ،‬إن كان لمشتري الممر‬
‫الخاص المشترك طريق آخر لداره‪ ،‬أو أمكن من غير مؤنة وضرر عليه الوصول لداره من طريق‬
‫آخر‪ ،‬بفتح باب إلى شارع عام مثلً‪ ،‬فل تثبت الشفعة في الممر‪ ،‬لما فيها من ضرر المشتري‪،‬‬
‫والشفعة شرعت لدفع الضرر‪ ،‬فل يزال ضرر بآخر؛ لن الضرر ل يزال بالضرر‪.‬‬
‫والحنابلة كالشافعية قالوا (‪ : )2‬إذا بيعت الدار‪ ،‬ولها طريق في شارع أو درب نافذ‪ ،‬فل شفعة في تلك‬
‫الدار‪ ،‬ول في الطريق؛ لنه ل شركة لحد فيهما‪.‬‬
‫وإن كان الطريق في درب غير نافذ‪ ،‬ول طريق للدار سوى ذ لك الطريق‪ ،‬فل شفعة أيضا؛ لن‬
‫إثباتها يضر بالمشتري؛ لن الدار تبقى ل طريق لها‪.‬‬
‫وإن كان للدار باب آخر يستطرق منه‪ ،‬أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى طريق نافذ‪ ،‬نظرنا‬
‫في الطريق المبيع مع الدار‪:‬‬
‫فإن كان ممرا ل تمكن قسمته‪ ،‬فل شفعة فيه‪.‬‬
‫وإن كان تمكن قسمته‪ ،‬وجبت الشفعة فيه؛ لنه أرض مشتركة‪ ،‬تحتمل القسمة‪ ،‬فوجبت فيه الشفعة‬
‫كغير الطريق‪.‬‬
‫الشفعة في السفن‪ :‬ل تثبت الشفعة في السفن عند فقهاء المذاهب (‪ )3‬لنها كالعروض التجارية من‬
‫المنقولت‪ ،‬والشفعة مشروعة في الرض التي تبقى على الدوام‪ ،‬ويدوم ضررها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نهاية المحتاج‪ ،145/4 :‬مغني المحتاج‪.298/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،154/4 :‬المغني‪.290/5 :‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب مع اللباب‪ ،190/2 :‬المهذب‪ ،376/1 :‬مغني المحتاج‪ ،296/2 :‬كشاف القناع‪.155/4 :‬‬

‫( ‪)6/645‬‬

‫ونقل الكاساني (‪ )1‬عن المام مالك‪ :‬أنه يرى الشفعة في السفن؛ لن السفينة أحد المسكنين‪ ،‬فتجب‬
‫فيها الشفعة‪ ،‬كما تجب في المسكن الخر‪ ،‬وهو العقار‪ ،‬لكن هذا لم يصح عن مالك‪ ،‬كما حقق ابن عبد‬
‫السلم‪ .‬وبه يتبين أن المذاهب الربعة متفقة على عدم الشفعة في السفن‪.‬‬
‫الشفعة في الزرع والثمر والشجر‪ :‬ل شفعة عند الجمهور (غير المالكية) (‪ )2‬فيما ليس بعقار كالبناء‬
‫والشجر المفرد عن الرض‪ ،‬فإن كان تبعا في البيع للرض‪ ،‬وجبت الشفعة فيه (‪. )3‬‬
‫ومما يتبع الرض عند الشافعية في الصح‪ :‬ثمر لم يؤبر؛ لنه يتبع الصل في البيع‪ ،‬فيتبعه في‬
‫الخذ‪ ،‬قياسا على البناء والغراس‪.‬‬
‫واقتصر الحنابلة على إتباع الغراس والبناء للرض؛ لنهما يؤخذان تبعا للرض‪ ،‬ففيهما الشفعة تبعا‪.‬‬
‫ولم يتبعوا الزرع والثمرة للرض؛ لن من شروط وجوب الشفعة أن يكون المبيع أرضا؛ لنها هي‬
‫التي تبقى على الدوام‪ ،‬ويدوم ضررها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ .12/5 :‬ولم أر في كتب المالكية التي اطلعت عليها تصريحا لهم بالشفعة في السفينة‪،‬‬
‫وإنما يوجبونها في العقار فقط‪ .‬قال ابن عبد السلم من المالكية‪ :‬ما نقله بعض الحنفية عن مالك في‬
‫السفينة‪ :‬ل يصح (شرح التنوخي لرسالة القيرواني‪.)193/2 :‬‬
‫(‪ )2‬تكملة الفتح‪ ،435/7 :‬مغني المحتاج‪ 296/2 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.155/4 :‬‬
‫(‪ )3‬نصت المادة (‪ )1019‬مجلة على أنه ل تجري الشفعة في الشجار والبنية في أرض الوقف‪.‬‬

‫( ‪)6/646‬‬
‫ل منهما‬
‫وأجاز المالكية (‪ )1‬الشفعة في البناء والشجر إذا بيع أحدهما مستقلً عن الرض؛ لن ك ً‬
‫عندهم عقار‪ ،‬والعقار‪ :‬هو الرض وما اتصل بها من بناء وشجر‪ ،‬فل شفعة في حيوان أو عرض‬
‫تجاري إل إذا بيع تبعا للرض‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬الشجر أو البناء في أرض موقوفة (محبّسة) أو معارة‪ :‬بأن اقتضت المصلحة إجارة الرض‬
‫الموقوفة‪ ،‬سنين‪ ،‬ثم بنى فيها المستأجر أو غرس بإذن ناظرها‪ ،‬على أن ذلك له‪ ،‬فإذا كان المستأجر‬
‫متعددا‪ ،‬وباع أحدهم‪ ،‬فللخر الشفعة‪.‬‬
‫وأجاز المالكية أيضا الشفعة في الثمار (‪( )2‬الفاكهة) والخضر‪ ،‬كالقِثّاء‪ ،‬والبطيخ بنوعيه الخضر‬
‫والصفر‪ ،‬والخيار‪ ،‬والباذنجان والفول الخضر‪ ،‬ونحوه مما له أصل تجنى ثمرته‪ ،‬ويبقى في الرض‬
‫وقتا ما‪ ،‬فإذا باع أحد الشريكين نصيبه منها‪ ،‬ولو مفردا عن أصله‪ ،‬فللخر أخذه بالشفعة‪.‬‬
‫واشترطوا في الثمرة المأخوذة بالشفعة منفردة‪ :‬أن تكون موجودة حين الشراء‪ ،‬بشرط كونها مؤبرة‪.‬‬
‫ولم يجز المالكية الشفعة في زرع كقمح وكتان وبرسيم‪ ،‬ول في َبقْل مما ينزع أصله كفجل وجزر‬
‫وبصل وقلقاس‪ ،‬وملوخية‪ .‬فلو بيع الزرع أو البقل مع أرضه‪ ،‬فل شفعة فيه‪ ،‬وإنما هي في الرض‬
‫فقط‪ ،‬بما ينو بها من الثمن‪.‬‬
‫وأما الظاهرية‪ :‬فقد توسعوا في إيجاب حق الشفعة للشفيع أكثر من سائر المذاهب الخرى‪ ،‬فأجازوا‬
‫ل بالعقار أم ل‪ ،‬وسواء أكان الشيء‬
‫الشفعة في كل مبيع‪ ،‬عقارا أو منقولً‪ ،‬سواء أكان المنقول متص ً‬
‫المبيع مما ينقسم‪ ،‬أم مما ل ينقسم‪ ،‬من أرض أو شجرة واحدة فأكثر‪ ،‬أو ثوب‪ ،‬أو سيف أوطعام أو‬
‫حيوان‪ ،‬أو أي شيء بيع‪ ،‬فل يحل لمن له الجزء‪ ،‬أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه (‬
‫‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ 479/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،639-638 ،634/3 :‬بداية المجتهد‪254/2 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،286‬شرح الرسالة‪.192/2 :‬‬
‫(‪ )2‬قال مالك عن الشفعة في الثمرة‪ :‬ما علمت أحدا من أهل العلم قاله قبلي‪ ،‬ولكني استحسنته (شرح‬
‫التنوخي لرسالة ابن أبي زيد القيرواني‪.)192/2 :‬‬
‫(‪ )3‬المحلى‪ ،101/9 :‬م ‪.1594‬‬

‫( ‪)6/647‬‬
‫المبحث الثالث ـ الشفيع‬
‫أولً ـ من الشفيع؟‬
‫للفقهاء رأيان فيمن يحق له الخذ بالشفعة‪ :‬رأي للحنفية‪ :‬في أن الشفيع‪ :‬هو الشريك‪ ،‬أو الجار‪ .‬ورأي‬
‫للجمهور‪ :‬في أن الشفيع هو الشريك فقط‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬تثبت الشفعة للشريك (الخليط) في المبيع نفسه‪ ،‬أو في حق من حقوق الرتفاق‬
‫الخاصة‪ ،‬كالشّرب (النصيب من الماء)‪ ،‬والطريق الخاصين‪ ،‬كما تثبت للجار الملصق للمبيع‪ ،‬ولو‬
‫كان باب داره من سكة أخرى‪ .‬والملصق من جانب واحد ولو بشبر‪ ،‬كالملصق من ثلثة جوانب‪،‬‬
‫وواضع جذع على حائط‪ ،‬وشريك في خشبة على حائط‪ :‬جار ل شِريك؛ لن وضع الجذوع على‬
‫الحائط ل يصير صاحبه شريكا في الدار‪ ،‬والشفعة تثبت في العقار دون المنقول‪ ،‬والخشبة منقول‪ .‬ول‬
‫فرق بين مسلم وذمي في استحقاق الشفعة‪ ،‬لعموم أدلة مشروعيتها‪ ،‬ولتساويهما في سبب الشفعة‬
‫وحكمتها‪ ،‬فيتساويان في الستحقاق‪.‬‬
‫ودليلهم الحاديث السابقة في مشروعية الشفعة‪ ،‬والتي منها‪« :‬جار الدار أحق بسقبه» (‪ )2‬و «جار‬
‫الدار أحق بدار الجار‪ ،‬والرض» (‪ )3‬و «الجار أحق بشفعته» (‪ . )4‬ويؤكده أن العلة الموجب‬
‫للشفعة هو دفع الضرر الدائم‪ ،‬الذي يلحق المرء بسبب سوء العشرة على الدوام‪ .‬وهذا يتحقق في‬
‫الجار‪ ،‬كما يتحقق في الشريك‪ ،‬فتكون حكمة مشروعية الشفعة ظاهرة فيهما‪ ،‬وهو دفع الضرر عنهما‪.‬‬
‫وقال الجمهور (غير الحنفية) (‪ : )5‬ل شفعة إل لشريك في ذات المبيع‪ ،‬لم يقاسم (أي أن حقه مشاع‬
‫لم يقسم) فل شفعة عندهم لشريك مقاسم‪ ،‬ول لشريك في حق من حقوق الرتفاق الخاصة بالمبيع‪ ،‬ول‬
‫للجار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،4/5 :‬تكملة الفتح‪ ،436 ،414 ،406/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،241-239/5 :‬اللباب‪،106/2 :‬‬
‫الدر المختار‪.155/5 :‬‬
‫(‪ )2‬سبق تخريجه‪ ،‬أخرجه البخاري عن أبي رافع مولى النبي صلّى ال عليه وسلم (نصب الراية‪:‬‬
‫‪.)174/4‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي‪ ،‬وأحمد في مسنده‪ ،‬والطبراني في معجمه‪ ،‬وابن أبي شيبة‬
‫في مصنفه‪ ،‬وابن حبان في صحيحه‪ ،‬وقال عنه الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬من حديث الحسن عن‬
‫سمرة (نصب الراية‪.)172/4 :‬‬
‫(‪ )4‬من حديث جابر عند الترمذي‪.‬‬
‫(‪ )5‬بداية المجتهد‪ ،253/2 :‬الشرح الكبير‪ ،473/3 :‬الشرح الصغير‪ ،631/3 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،297/2‬المهذب‪ 377/1 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 285/5 :‬وما بعدها‪ ،357 ،‬كشاف القناع‪،149/4 :‬‬
‫‪ ،182‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،286‬المحلى‪ ،115/9 :‬م ‪.1598‬‬

‫( ‪)6/648‬‬

‫وتثبت الشفعة عند المالكية والشافعية والظاهرية للذمي الكافر على المسلم‪ ،‬كما قال الحنفية‪ .‬ول تثبت‬
‫للكافر عند الحنابلة في بيع عقار لمسلم‪ ،‬للحديث النبوي‪« :‬ل شفعة لنصراني» (‪ )1‬فهو يخص عموم‬
‫ما احتجوا به‪ ،‬ولن الخذ بالشفعة يختص به العقار فأشبه الستعلء في البنيان‪ ،‬والكافر ممنوع من‬
‫ذلك بالنسبة للمسلم‪ ،‬ولن في شركته ضررا بالمسلم‪ .‬ولكن رأي الجمهور في هذا أرجح‪ ،‬بسبب‬
‫ضعف الحديث الذي احتج به الحنابلة‪.‬‬
‫واتفق الفقهاء ماعدا الحنابلة على أن الشفعة تثبت للذمي على الذمي‪ ،‬لعموم الخبار الواردة في‬
‫الشفعة‪ ،‬ولنهما تساويا في الدين والحرمة‪ ،‬فتثبت لحدهما على الخر كالمسلم على المسلم‪ .‬وتثبت‬
‫الشفعة لهل البدع الذين حكم بإسلمهم؛ لن عموم الدلة يقتضي ثبوتها لكل شريك‪ .‬وأما أصحاب‬
‫البدع الذين حكم بكفرهم فل شفعة لهم على مسلم عند الحنابلة‪ ،‬بخلف الجمهور (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني في كتاب العلل بإسناده عن أنس‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬لكن في إسنادهما بابل بن نجيج‪،‬‬
‫ضعفه الدارقطني وابن عدي‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 358/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.183/4 :‬‬

‫( ‪)6/649‬‬

‫وأدلة الجمهور‪ :‬حديث جابر السابق‪« :‬قضى رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم‬
‫ُيقْسم‪ ،‬فإذا وقعت الحدود‪ ،‬وصرّفت الطرق‪ ،‬فل شفعة» وحديث سعيد بن المسيب‪« :‬إذا قسمت‬
‫الرض‪ ،‬وحُدّت‪ ،‬فل شفعة فيها» (‪ ، )1‬فإذا كانت الشفعة غير واجبة للشريك المقاسم‪ ،‬فهي أحرى أل‬
‫تكون واجبة للجار‪ ،‬والشريك المقاسم إذا قاسم‪ :‬جارٌ‪.‬‬
‫ولن الشفعة تثبت على خلف الصل‪ ،‬فيقتصر فيها على مورد النص‪.‬‬
‫وأما حديث أبي رافع‪« :‬الجار أحق بصقبه» فليس بصريح في الشفعة‪ ،‬فيحتمل أنه أراد بالصقب‪:‬‬
‫إحسان جاره وصلته وعيادته ونحوها‪ .‬وخبر جابر صريح صحيح‪ ،‬فيقدم‪ .‬وبقية الحاديث في‬
‫أسانيدها مقال‪ ،‬فحديث سمرة يرويه عنه الحسن‪ ،‬ولم يسمع منه إل حديث العقيقة‪ .‬ويتعين حمل‬
‫أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة‪ ،‬فيكون لفظ الجار مرادا به‬
‫الشريك‪ .‬وهذا الرأي في تقديري أولى؛ لن الشفعة تثير مشكلت متعددة‪ ،‬والصل المقرر في‬
‫الشريعة هو حرية التعاقد‪ ،‬فيقتصر فيها على حالة الشركة فقط‪.‬‬
‫وقد توسط ابن القيم بين الرأيين‪ ،‬فقرر ثبوت الشفعة للجار إذا كان شريكا مع جاره في حق من حقوق‬
‫الرتفاق الخاصة‪ ،‬مثل الطريق أو الشرب‪ ،‬وإل فل شفعة له (‪. )2‬‬
‫وارتأى الشوكاني وبعض الشافعية هذا الحل الوسط عملً بلفظ في حديث جابر‪« :‬إذا كان طريقهما‬
‫واحدا» (‪)3‬‬
‫ثانيا ‪ -‬مراتب الشفعة (أو أسباب استحقاقها) وكيفية التوزيع عند تزاحم الشفعاء‪ :‬قال الحنفية (‪: )4‬‬
‫الشفعة واجبة للخليط (الشريك) في نفس المبيع‪ ،‬ثم إذا لم يكن‪ ،‬أو كان وسَلّم (تنازل عن الشفعة) تثبت‬
‫للشريك في حق من حقوق الرتفاق الخاصة بالمبيع‪ :‬وهو الذي قاسم وبقيت له شركة في حق العقار‬
‫الخاص‪ ،‬كالشّرب والطريق الخاصين‪ ،‬ثم تثبت الشفعة لجار ملصق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪ ،‬ومالك مرسلً‪ ،‬عن أبي سلمة بن عبد الرحمن‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع أعلم الموقعين‪ ، 132-123/2 :‬تحقيق عبد الحميد‪.‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪.333/5 :‬‬
‫(‪ )4‬تكملة الفتح‪ 412 ،406/7 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار‪ 154/5 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪:‬‬
‫‪ ،9-8/5‬تبيين الحقائق‪ ،239/5 :‬اللباب‪ 106/2 :‬وما بعدها‪ ،‬م (‪ )1008‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/650‬‬

‫ول فرق في ثبوت حق الشفعة لصاحب حق الرتفاق بين الرض المجاورة للمبيع والبعيدة عنه‪ ،‬ول‬
‫بين التي تسقى من المجرى الخاص مباشرة‪ ،‬أو من جدول مأخوذ منه‪ ،‬ما دام أن الكل يشرب من‬
‫المجرى‪ ،‬وأن سبب الستحقاق واحد‪ :‬وهو الشتراك في المرفق الخاص‪.‬‬
‫والمقصود من الشّرب الخاص عند أبي حنيفة ومحمد (‪ : )1‬شرب نهر صغير‪ :‬وهو الذي ل يجري‬
‫فيه أصغر السفن‪ ،‬وما تجري فيه السفن فهو عام‪ ،‬وعامة المشايخ على أن الشركاء في النهر إن كانوا‬
‫يحصون‪ ،‬فصغير‪ ،‬وإل فكبير‪ .‬وما ل يحصى‪ :‬قيل‪ :‬أربعون‪ ،‬وقيل‪ :‬خمس مئة‪ ،‬وقيل‪ :‬الصح‬
‫تفويضه إلى رأي كل مجتهد في زمان‪.‬‬
‫والمقصود بالطريق الخاص‪ :‬هو الذي ل يكون نافذا‪ ،‬فكل أهله شفعاء‪ .‬فإن كان الشرب والطريق‬
‫عامين‪ ،‬فل شفعة بهما‪ .‬والمراد بعدم نفاذ الطريق‪ :‬أن يكون بحيث يمنع أهله من أن يستطرقه‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫وتصور الشفعة بسبب الشرب مثلً‪ :‬إذا بيعت أرض لها حق الشرب في مجرى نهر خاص مشترك‬
‫بين قوم تسقى أراضيهم منه‪ ،‬فلكل أهل الشرب الشفعة‪ ،‬سواء أكانت أراضيهم المجاورة للنهر‬
‫ملصقة له‪ ،‬أم بعيدة عنه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وقال أبو يوسف‪ :‬الشرب الخاص‪ :‬أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلثة‪ ،‬وما زاد على ذلك‬
‫فهو عام (اللباب‪ )107/2 :‬والقراح‪ :‬المزرعة التي ليس عليها بناء ول فيها شجر‪.‬‬

‫( ‪)6/651‬‬

‫ودليل الحنفية على ترتيب الشفعاء على النحو المذكور (الشريك في المبيع‪ ،‬ثم شريك الرتفاق‪ ،‬ثم‬
‫الجار) هو قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬الشريك أحق من الخليط‪ ،‬والخليط أحق من الشفيع» (‪ )1‬ولن‬
‫التصال في المبيع أقوى من غيره‪ ،‬والتصال في حق الرتفاق أقوى من الجار؛ لنه اشتراك في‬
‫مرافق الملك‪ ،‬والترجيح يكون بقوة السبب؛ ولن دفع ضرر مؤنة القسمة‪ ،‬وإن لم يصلح علة عند‬
‫الحنفية لستحقاق الشفعة‪ ،‬صلح مرجحا للخذ عند تزاحم الشفعاء‪.‬‬
‫كيفية التوزيع عند تزاحم الشفعاء ‪:‬‬
‫يتبين مما سبق كيفية توزيع حق الشفعة عند تزاحم الشفعاء‪ ،‬بأن كانوا أكثر من واحد‪ ،‬وكل منهم‬
‫يطلب الشفعة‪.‬‬
‫أ ـ فإن لم يكونوا من مرتبة واحدة‪ :‬بأن كان أحدهم شريكا في المبيع‪ ،‬والخر شريكا في حق‬
‫الرتفاق‪ ،‬والخر جارا ملصقا‪ ،‬فيقدم الشريك في المبيع أولً‪ ،‬ثم الشريك في حق المبيع (حق‬
‫الرتفاق)‪ ،‬ثم الجار (م ‪ )1009‬مجلة‪.‬‬
‫والمشارك في حائط الدار في حكم المشارك في الدار نفسها‪ .‬وأما صاحب الخشاب الممتدة على‬
‫حائط جاره‪ ،‬فيعد جارا ملصقا‪ ،‬ل شريكا (م ‪ )1012‬مجلة‪.‬‬
‫وكل من صاحب الطابق العلى والسفل‪ :‬جار ملصق (م ‪ )1011‬مجلة‪ .‬وحق الشرب مقدم على‬
‫حق الطريق (م ‪ )1016‬مجلة‪ .‬وإذا باع صاحب حق الشرب أو الطريق الخاص أرضه فقط‪ ،‬دون‬
‫حق الرتفاق‪ ،‬فليس للشركاء في الرتفاق شفعة (م ‪ )1015‬مجلة‪.‬‬
‫وإذا اجتمع صنفان من الشركاء يقدم الخص على العم‪ ،‬فالمشترك في شرب من جدول من الشرب‬
‫أولى من المشترك في الشرب (م ‪.)1014‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال عنه الزيلعي‪ :‬غريب‪ :‬وقال عنه ابن الجوزي‪ :‬إنه حديث ل يعرف‪ .‬وقال شريح‪« :‬الخليط‬
‫أحق من الجار‪ ،‬والجار أحق من غيره» وقال إبراهيم النخعي‪ :‬الشريك أحق بالشفعة‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫شريك‪ ،‬فالجار‪ ،‬والخليط أحق من الشفيع‪ ،‬والشفيع أحق ممن سواه» (نصب الراية‪.)176/4 :‬‬

‫( ‪)6/652‬‬

‫ب ـ وإن كان الشفعاء من مرتبة واحدة‪ ،‬كالشركاء في المبيع‪ ،‬قسم العقار المشفوع فيه بين الطالبين‬
‫جميعا‪ ،‬بالتساوي بحسب عدد الرؤوس‪ ،‬ل بمقدار الملك أو السهام‪ ،‬عند الحنفية (‪ )1‬والظاهرية (‪، )2‬‬
‫لستوائهم في سبب استحقاق الشفعة‪ ،‬وهو التصال بالشركة أو الجوار‪ ،‬أي لنهم متساوون في أصل‬
‫الملك‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪( )3‬غير الحنفية والظاهرية)‪ :‬يقسم العقار المشفوع فيه بين الشفعاء على قدر‬
‫حصصهم أو أنصبائهم في الملك‪ ،‬ل على الرؤوس؛ لن الشفعة حق ناشئ بسبب الملك‪ ،‬فكان على‬
‫قدر الملك‪ ،‬كالغلة والثمرة والجرة المستفادة من الملك‪ ،‬وكالربح في شركة الموال‪ ،‬فيأخذ كل واحد‬
‫من الشركاء الشفعاء بقدر ما يملكه في العقار (المشفوع به وفيه)‪.‬‬
‫فلو كانت الرض بين ثلثة‪ ،‬لواحد نصفها‪ ،‬ولخر ثلثها‪ ،‬ولخر سدسها‪ ،‬فباع الول حصته‪ ،‬أخذ‬
‫الثاني سهمين‪ ،‬والثالث سهما‪ .‬ولن الشفعة شرعت لزالة الضرر‪ ،‬والضرر داخل على كل واحد من‬
‫الشركاء بحسب نسبة ما يملكه‪ ،‬ل بحسب التساوي‪ ،‬فوجب أن يكون استحقاقهم لدفع الضرر على تلك‬
‫النسبة من الحصص‪.‬وقال المالكية في تزاحم الشركاء الشفعاء (‪ : )4‬يقدم في الخذ بالشفعة الخص‬
‫في الشركة على غيره‪ ،‬وهو المشارك في السهم أي الفرض‪ ،‬فلو مات ذو عقار عن جدتين وزوجتين‬
‫وأختين‪ ،‬فباعت إحداهن نصيبها‪ ،‬فالشفعة لمن شاركها في السهم‪ ،‬دون بقية الورثة‪ ،‬حتى ولو كان‬
‫المشارك في السهم أختا لب مع أخت شقيقه‪ ،‬أو بنتَ ابن مع بنت‪ ،‬فإذا باعت الشقيقة أو البنت‬
‫نصيبها‪ ،‬فللخت لب أو لبنت البن الخذ بالشفعة‪ ،‬دون العاصب‪.‬‬
‫ويدخل الخص (‪ )5‬من ذوي السهام (الفروض) على العم‪ ،‬وهو غير المشارك في السهم‪،‬أي غير‬
‫ذوي الفروض وهو غير القوى في القرابة‪ ،‬كالعاصب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،6/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،241/5 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،116/2 :‬الدر المختار‪ ،154/5 :‬تكملة‬
‫الفتح‪ ،414/7 :‬م ‪ 1013‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحلى‪ ،120/9 :‬م ‪.1609‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪ ،646/3 :‬الشرح الكبير‪ 486/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،257/2 :‬القوانين‬
‫الفقهية ص ‪ ،287‬مغني المحتاج‪ ،305/2 :‬المهذب‪ ،335/5 ،381/1 :‬كشاف القناع‪.164/4 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير‪ ،492/3 :‬الشرح الصغير‪ 650/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬الخص‪ :‬أي القوى والزيد في القرب‪.‬‬

‫( ‪)6/653‬‬

‫وغيره‪ ،‬فإذا مات شخص عن بنت فأكثر‪ ،‬وعن أخوين أو عمين‪ ،‬فباع أحد الخوين‪ ،‬فإن البنات‬
‫يدخلن في الشفعة‪ ،‬ول يختص الحق بالخ أو العم الذي لم يبع‪ .‬وإذا مات شخص عن ثلث بنات‪ ،‬ثم‬
‫ماتت إحداهن عن بنتين‪ ،‬فباعت إحدى أخوات الميتة حصتها‪ ،‬فأولد الميتة يدخلن على خالتهن‪ ،‬إذ‬
‫الطبقة السفلى أخص؛ لنهن أقرب للميت الثاني‪ ،‬والعليا أعم‪ .‬ويدخل الوارث ذو الفرض أو العاصب‬
‫على الموصى لهم بعقار‪ ،‬باع أحدهم حصته‪ ،‬فل يختص بالشفعة بقية الموصى لهم‪ ،‬بل يدخل معه‬
‫الوارث‪.‬‬
‫ثم يقدم الوارث مطلقا‪ ،‬سواء أكان ذا فرض أم عاصبا‪ ،‬على أجنبي‪.‬‬
‫ثم يقدم الجنبي‪ ،‬إن أسقط الوارث حقه‪.‬‬
‫ثالثا ـ غيبة بعض الشفعاء ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬لو كان بعض الشفعاء حين البيع وطلب الشفعة غائبا‪ ،‬فطلبها الحاضر‪ ،‬يقضى له‬
‫بالشفعة؛ لن الحاضر ثابت بيقين‪ ،‬والغائب مشكوك في طلبه الشفعة‪ ،‬فل يؤخر الحاضر؛ لن‬
‫المشكوك فيه ل يزاحم المتيقن‪ ،‬لحتمال عدم طلب الغائب‪ ،‬فل يؤخر بالشك‪.‬‬
‫ثم إذا جاء الغائب وطلب الشفعة‪ ،‬وكان مع الحاضر في مرتبة واحدة‪ ،‬قاسم الحاضر فيما أخذ‪ ،‬أي‬
‫تنقض القسمة الولى‪ ،‬ويعاد تقسيم العقار‪.‬‬
‫وإن لم يكن الغائب في مرتبة واحدة مع الحاضر الذي أخذ بالشفعة ـ وهذا ل يتصور إل عند الحنفية‬
‫ـ كالشريك والجار‪ ،‬فإن كان الغائب فوق الحاضر (أعلى منه) كالشريك مع الجار قضي له بكل‬
‫المشفوع فيه‪ ،‬وإن كان دونه كالجار مع الشريك منع من الشفعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،6/5 :‬الدر المختار‪ ،156/5 :‬تبيين الحقائق‪.242/5 :‬‬
‫( ‪)6/654‬‬

‫ويتفق المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية (‪ )1‬مع الحنفية في ثبوت حق الشفعة للغائب‪ ،‬لعموم‬
‫قوله عليه السلم‪« :‬الشفعة فيما لم يقسم» ولن الشفعة حق مالي‪ ،‬وجد سببه بالنسبة إلى الغائب‪،‬‬
‫فيثبت له‪ ،‬كالرث‪ ،‬ولن الغائب شريك لم يعلم بالبيع‪ ،‬فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر‪ ،‬إذا كتم‬
‫عنه البيع‪ ،‬ويندفع ضرر المشتري المشفوع عليه بدفع القيمة له‪.‬‬
‫رابعا ـ إسقاط بعض الشفعاء حقه ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬إذ أسقط بعض الشفعاء حقه‪:‬‬
‫أ ـ فإن كان قبل أن يقضى لهم‪ ،‬فلمن بقي أخذ كل المشفوع فيه‪ ،‬لزوال المزاحمة‪.‬‬
‫ب ـ وأما إن أسقط حقه بعد القضاء بالشفعة‪ ،‬فليس لمن بقي أخذ نصيب التارك؛ لنه بالقضاء قطع‬
‫حق كل واحد منهم في نصيب الخر‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ ،‬والشافعية في الصح‪ ،‬والحنابلة (‪ : )3‬إذا أسقط بعض الشفعاء حقه في الشفعة‪ ،‬بأن‬
‫عفا‪ ،‬سقط حقه‪ ،‬كسائر الحقوق المالية‪ ،‬وتخير الخر بين أخذ جميع المشفوع فيه‪ ،‬أو تركه كله‪ ،‬وليس‬
‫له أخذ حقه فقط‪ ،‬أو القتصار على حصته‪ ،‬لن الشفيع الواحد إذا أسقط بعض حقه‪ ،‬سقط كله‬
‫كالقصاص‪ ،‬لئل تتبعض الصفقة على المشتري‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من أحفظ عنه من أهل‬
‫العلم هذا؛ لن في أخذ البعض إضرارا بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه‪ ،‬والضرر ل يزال بالضرر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ ،490/3 :‬مغني المحتاج‪ ،306/2 :‬المغني‪ 305/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،164/4‬المحلى‪ ،115/9 :‬م ‪ ،1598‬الشرح الصغير‪.644/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،156/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،241/5 :‬م ‪ 1043‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،490/3 :‬مغني المحتاج‪ ،306/2 :‬كشاف القناع‪ ،164/4 :‬المغني‪.338/5 :‬‬

‫( ‪)6/655‬‬

‫المبحث الرابع ـ أحكام الشفعة ‪:‬‬


‫أولً ـ طريق التملك بالشفعة ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬الشفعة تجب بعقد البيع أي تستحق بعد البيع‪ ،‬حتى ولو كان البيع فاسدا وسقط الفسخ‬
‫بوجه ما‪ ،‬أو كان مشتملً على خيار للمشتري‪ ،‬ول شفعة بمجرد الشراء الفاسد لنه مستحق الفسخ‬
‫شرعا‪ ،‬وفي إثبات حق الشفعة تقرير الفساد‪ ،‬فل يجوز‪ ،‬فإن سقط الفسخ بوجه من الوجوه كالتصرف‬
‫بالمبيع أو البناء عليه‪ ،‬وجبت الشفعة لزوال المانع‪ .‬كما ل شفعة إذا كان الخيار للبائع؛ لنه يمنع‬
‫زوال الملك عن البائع‪ ،‬أما خيار المشتري فل يمنع زوال الملك عن البائع‪ ،‬والشفعة تبتنى عليه‪.‬‬
‫ول بد من طلب المواثبة (أي طلب الشفعة كما سمع‪ ،‬على وجه السرعة)‪ ،‬وتستقر بالشهاد بعد‬
‫الطلب‪ ،‬أي بالطلب الثاني‪ :‬وهو طلب التقرير‪ ،‬وتملك بالخذ بالتراضي‪ ،‬أو بقضاء القاضي‪.‬‬
‫أي أن طريق التملك بالشفعة للشفيع يكون بأحد طريقين‪ :‬إما بتسليم المشتري المبيع للشفيع بالتراضي‪،‬‬
‫وإما بقضاء القاضي أي بحكم الحاكم من غير أخذ؛ لن الملك للمشتري قد تم بالشراء‪ ،‬فل ينتقل إلى‬
‫الشفيع إل بالتراضي‪ ،‬أو قضاء القاضي‪ ،‬كما في الرجوع في الهبة؛ لن للحاكم ولية عامة‪ ،‬فيقدر‬
‫على القضاء في ضمن الحكم بالحق‪.‬‬
‫ويترتب عليه‪ :‬أنه ل يثبت للشفيع في شفعته شيء من أحكام الملك قبل تملكه بأحد المرين‬
‫المذكورين‪ ،‬فل تورث عنه عند الحنفية إذا مات في هذه الحالة‪ ،‬وتبطل شفعته إذا باع داره التي يشفع‬
‫بها‪ ،‬ولو بيعت دار بجنبها في هذه الحالة ل يستحقها بالشفعة لعدم ملكه فيها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 23/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،417/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،254 ،242/5 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،154/5‬اللباب‪ ،114 ،107/2 :‬م ‪ 1038 ،1036‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/656‬‬

‫والتملك بأحد هذين الطريقين متفق عليه بين المذاهب (‪ ، )1‬لكن قال المالكية‪ :‬تملك الشفعة بأحد أمور‬
‫ثلثة‪ :‬بحكم من حاكم‪ ،‬أو دفع ثمن للمشتري‪ ،‬أو إشهاد بالخذ بالشفعة ولو في غيبة المشتري‪.‬‬
‫ول شفعة عند غير الحنفية في بيع فاسد؛ لنه باطل عندهم أي منعدم شرعا‪ .‬واستثنى المالكية حالة‬
‫تصرف المشتري بشراء فاسد بالشيء إلى غيره ببيع صحيح‪ ،‬فللشفيع أن يأخذه من المشتري الثاني‬
‫بما دفعه من الثمن‪ .‬فإن طرأ في يد المشتري على المبيع بيعا فاسدا ما يغير ذاته كالهدم مثلً‪ ،‬فللشفيع‬
‫الخذ بما لزم المشتري‪ :‬وهو القيمة إن كان الفساد متفقا عليه‪ ،‬والثمن إن كان الفساد مختلفا فيه‪.‬‬
‫وتملك العقار بالشفعة هو بمنزلة شراء جديد مبتدأ‪ ،‬فيثبت للشفيع حق الرد بخيار الرؤية وخيار العيب‬
‫(‪ ، )2‬كما هو مقرر في كل عقد بيع‪.‬‬
‫والذي يتملكه الشفيع بالشفعة‪ :‬هو الذي ملكه المشتري بالشراء‪ ،‬سواء ملكه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،647 ،640/3 :‬مغني المحتاج‪ ،300/2 :‬كشاف القناع‪ ،177/4 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ 346/5‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪.487/3 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،24/5 :‬م ‪ 1037‬مجلة‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 246/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/657‬‬

‫أصلً‪ ،‬أو تبعا لغيره إذا كان متصلً به وقت التملك بالشفعة‪ ،‬كالبناء والغرس والزرع والثمر‪ .‬وهذا‬
‫استحسان عند الحنفية؛ لن الحق إذا ثبت في العقار‪ ،‬ثبت فيما هو تبع له إن كان منقولً متصلً به؛‬
‫لن حكم التبع حكم الصل (‪. )1‬‬
‫ثانيا ـ ما يلزم الشفيع دفعه أو ما يؤخذ به المشفوع ‪:‬‬
‫‪ )1‬ـ الثمن الواجب دفعه ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الشفيع يأخذ المبيع بالثمن‪ ،‬أو العوض الذي ملك به‪ ،‬أوبمثل الثمن الذي تملك به‬
‫المشتري‪ ،‬ل بمثل المبيع الذي يملكه المشتري؛ لن الشرع أثبت للشفيع ولية التملك على المشتري‬
‫بمثل ما يملك به (‪ )2‬قدرا وجنسا‪ ،‬لحديث جابر «فهو أحق به بالثمن» (‪ ، )3‬كما يلزم بما أنفقه‬
‫المشتري كأجرة دلل وكاتب ورسوم‪ ،‬فإن كان الثمن مثليا كالمكيل والموزون‪ ،‬أخذه الشفيع بقيمته‬
‫(أي قيمة الثمن)؛ لنها بدله في القرض والتلف‪ ،‬وقت لزوم العقد؛ لنه حين استحقاق الخذ‪.‬‬
‫وإن بيع عقار بعقار (مقايضة) وكان شفيعهما واحدا‪ ،‬أخذ الشفيع كل واحد من العقارين بقيمة الخر‪،‬‬
‫لنه بدله‪ ،‬وهو من ذوات القيم (القيميات)‪ ،‬فيأخذه بقيمته‪.‬وإن اختلف شفيعهما‪ ،‬يأخذ شفيع كل منهما‬
‫ماله فيه الشفعة بقيمة الخر‪.‬‬
‫وإن اشترى ذمي دارا بخمر أو خنزير‪ ،‬وكان الشفيع ذميا‪ ،‬أخذها بمثل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 27/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬تكملة الفتح‪ ،427/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،249/5 :‬اللباب‪ ،115-114/2 :‬الشرح الصغير‪،635/3 :‬‬
‫‪ ،637‬مغني المحتاج‪ ،301/2 :‬المهذب‪ 378/1 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،322/5 :‬كشاف القناع‪،177/4 :‬‬
‫بداية المجتهد‪.256/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المتر جم‪.‬‬

‫( ‪)6/658‬‬
‫الخمر‪ ،‬وقيمة الخنزير‪ ،‬وإن كان الشفيع مسلما أخذها عند غير الحنابلة بقيمة الخمر والخنزير‪ .‬أما‬
‫الخنزير فظاهر أنه مال قيمي‪ ،‬وأما الخمر فلمنع المسلم عن التصرف فيه‪ ،‬فالتحق بغير المثلي‪.‬‬
‫وتحسب قيمة الشيء المبيع يوم البيع‪ ،‬ل يوم الخذ بالشفعة‪ ،‬باتفاق الفقهاء‪ ،‬لنه وقت إثبات العوض‪،‬‬
‫واستحقاق الشفعة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬ل شفعة فيما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير‪ ،‬لنهما ليسا بمال‪.‬‬
‫‪ )2‬ـ الحط من الثمن أو الزيادة عليه ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬إذا حط البائع عن المشتري بعض الثمن سواء قبل الخذ بالشفعة أم بعدها‪ ،‬سقط‬
‫قدر المحطوط عن الشفيع؛ لن حط البعض يلتحق بأصل العقد‪ ،‬فيظهر ذلك في حق الشفيع؛ لنه يأخذ‬
‫الشفعة بالثمن‪ ،‬والثمن هو الباقي المستقر عليه‪.‬‬
‫أما إن حط البائع عن المشتري جميع الثمن‪ ،‬لم يسقط عن الشفيع منه شيء؛ لن حط الكل ل يلتحق‬
‫بأصل العقد بحال‪ ،‬لخروج العقد عن موضوعه‪ ،‬فيصبح هبة‪ ،‬ولم يبق ما يعد ثمنا‪.‬‬
‫جدّد العقد بأكثر من الثمن الول‪ ،‬لم تلزم تلك الزيادة الشفيع‪،‬‬
‫وإذا زاد المشتري البائع في الثمن‪ ،‬أو َ‬
‫لن في الزيادة ضررا به‪ ،‬لستحقاقه الخذ بالثمن الول الصلي‪ ،‬بخلف مسألة الحط من الثمن‪ ،‬لن‬
‫فيه منفعة له‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه يثبت في حق الشفيع الحط أو النقص من الثمن دون الزيادة‪.‬‬
‫واتفق بقية الفقهاء مع الحنفية على أنه لو حط البائع جميع الثمن‪ ،‬فل شفعة‪ ،‬لنتفاء البيع‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )3‬لو حط بعض الثمن عن المشتري أو زيد قبل لزوم العقد أي في مدة‬
‫الخيار‪ ،‬انحط عن الشفيع مقدار النقص‪ ،‬ويلزم بالزيادة؛ لن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد‪ ،‬وزال‬
‫الخيار‪ ،‬والتغيير يلحق العقد‪ .‬فأما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد‪ ،‬فحط أو زيد في الثمن‪ ،‬لم يلحق‬
‫بالعقد؛ لن النقص حينئذ إبراء مبتدأ جديد‪ ،‬ول يثبت ذلك في حق الشفيع‪ ،‬والزيادة بعد مدة الخيار‬
‫هبة‪ ،‬تطبق عليها شروط الهبة‪.‬‬
‫‪ )3‬ـ تأجيل الثمن ‪:‬‬
‫قال الحنفية ما عدا زفر‪ ،‬والشافعية في الظهر من أقوال الشافعي في الجديد (‪ : )4‬إذا أجل الثمن كله‬
‫أو بعضه‪ ،‬ليس للشفيع الستفادة من هذا الجل الممنوح للمشتري‪ ،‬وإنما يكون الشفيع بالخيار بين أن‬
‫يعجل (يدفع الثمن حالً) ويأخذ المبيع (أو الشقص أي الحصة) في الحال‪ ،‬أو يصبر حتى ينقضي‬
‫الجل‪ ،‬ول يسقط حقه بتأخيره إلى حلول الجل‪ ،‬لعذره‪ ،‬لكن يجب عليه طلب الشفعة في حينها‪ ،‬وإل‬
‫سقط حقه فيها؛ لن العقد هو شرط ثبوتها‪ ،‬وقد وجد‪.‬‬
‫والسبب في عدم إفادته من الجل‪ :‬هو أن الشفعة ليست تحويل الصفقة بصفتها للشفيع من المشتري‪،‬‬
‫وإنما هي نقض العقد الذي تم بين البائع والمشتري‪ ،‬ثم انعقاد بيع آخر للشفيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.152/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،107/14 :‬الكتاب مع اللباب‪ 115/2 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،427/7 :‬تبيين الحقائق‪:‬‬
‫‪ 248/5‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪.27/5 :‬‬
‫(‪ )3‬نهاية المحتاج‪ ،149/4 :‬المغني‪ ،322/5 :‬كشاف القناع‪.177/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المبسوط‪ ،103/14 :‬البدائع‪ ،27 ،24/5 :‬تكملة الفتح‪ ،428/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،249/5 :‬نهاية‬
‫المحتاج‪ ،150/4 :‬مغني المحتاج‪ ،301/2 :‬الفصاح لبن هبيرة‪ :‬ص ‪.277‬‬

‫( ‪)6/659‬‬

‫وقال زفر‪ :‬للشفيع الستفادة من الجل؛ لن الجل وصف في الثمن كالزيافة‪ ،‬والخذ بالشفعة يكون‬
‫بالثمن‪ ،‬فيأخذه به وصفا وأصلً‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة (‪ : )1‬للشفيع الستفادة من تأجيل الثمن الذي تم به العقد‪ ،‬إذا كان مليئا ثقة‪ ،‬أو‬
‫كفله مليء ثقة‪ .‬فإن لم يكن موسرا‪ ،‬ول ضمنه مليء‪ ،‬وجب عليه دفع الثمن حالً‪ ،‬رعاية للمشتري‪.‬‬
‫وهذا الرأي أولى بالتباع ضمانا لمصلحة المشتري الذي فقد الصفقة بسبب الشفعة‪.‬‬
‫‪ )4‬ـ هل يتوقف القضاء بالشفعة على دفع الشفيع الثمن؟‬
‫قال الحنفية في ظاهر الرواية‪ ،‬والشافعية والمالكية والحنابلة (‪ : )2‬ل يشترط في التملك بالشفعة حكم‬
‫الحاكم‪ ،‬ول إحضار الثمن‪ ،‬ول حضور المشتري‪ ،‬فل يتوقف صدور الحكم القضائي بالشفعة على‬
‫إحضار الشفيع الثمن إلى مجلس القضاء؛ لن حقه ثبت بمجرد البيع لجنبي دفعا للضرر عنه‪ ،‬فصار‬
‫كما لو صدر الشراء له من البائع من أول المر‪ ،‬أو لن الشفيع يصير متملكا المشفوع فيه بمقتضى‬
‫القضاء بالشفعة‪ ،‬فكأنه اشتراه من البائع‪ ،‬والتملك بالشراء ل يتوقف على إحضار الثمن‪ ،‬كالشراء أو‬
‫البيع المبتدأ بجامع أنه تملك بعوض‪.‬‬
‫لكن قال المالكية‪ :‬إن قال الشفيع‪ :‬أنا آخذ الشفعة‪ ،‬أجل ثلثة أيام لحضار الثمن‪ ،‬فإن أتى به فيها وإل‬
‫سقطت شفعته‪.‬‬
‫وقال محمد بن الحسن‪ :‬ل يقضي القاضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع الثمن‪ ،‬دفعا للضرر عن‬
‫المشتري؛ لن الشفيع ربما يكون مفلسا‪ ،‬فيتوقف القضاء على إحضار الثمن‪ ،‬ويؤجله القاضي يومين‬
‫أو ثلثة تمكينا له من نقد الثمن‪ ،‬إذ ل يصح دفع الضرر عن الشفيع بإضرار غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،637/3 :‬بداية المجتهد‪ ،256/2 :‬المغني‪ ،323/5 :‬كشاف القناع‪.179/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،119/14 :‬تبيين الحقائق‪ ،245/5 :‬تكملة الفتح‪ ،422/7 :‬اللباب‪ ،112/2 :‬البدائع‪:‬‬
‫‪ 24/5‬وما بعدها ‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،300/2 :‬الشرح الصغير‪ ،649-647/3 :‬كشاف القناع‪.177/4 :‬‬

‫( ‪)6/660‬‬

‫لكن ما يخشاه محمد من هذا المحذور يمكن دفعه‪ ،‬كما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف‪ ،‬بأن للمشتري‬
‫حبس العين في يده‪ ،‬حتى يدفع الشفيع الثمن‪.‬‬
‫ووفق الكاساني بين الرأيين‪ ،‬فقال‪ :‬هذا عندي ليس باختلف على الحقيقة‪ ،‬وللقاضي أن يقضي بالشفعة‬
‫قبل إحضار الثمن بل خلف؛ لن لفظ محمد رحمه ال ‪« :‬ليس ينبغي للقاضي أن يقضي بالشفعة‪،‬‬
‫حتى يحضر الشفيع المال» ل يدل على أنه ليس له أن يقضي‪ ،‬بل هو إشارة إلى نوع احتياط‪ ،‬ولهذا‬
‫لو قضى جاز‪ ،‬ونفذ قضاؤه‪ ،‬نص عليه محمد‪.‬‬
‫‪ )5‬ـ استحقاق المشفوع فيه ‪:‬‬
‫إذا استحق المشفوع فيه فمن الذي يتحمل العهدة وضمان الثمن؟ المر مختلف فيه على رأيين‪.‬‬
‫والمراد بالعهدة‪ :‬رجوع من انتقل الملك إليه وهو الشفيع على من انتقل الملك عنه من بائع أو مشتر‬
‫بالثمن عند الستحقاق أو الرش (التعويض) عند ظهور عيب من العيوب‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )1‬إن ضمان الثمن عند الستحقاق يكون على المشتري‪ ،‬إن أخذ الشفيع المبيع منه‪،‬‬
‫ونقده الثمن؛ لنه هو الذي قبض الثمن‪ ،‬ولن المبيع قد انتقل منه إلى الشفيع‪ .‬وهذا هو الغالب‪.‬‬
‫وقد يكون على البائع‪ ،‬إذا كان الشفيع قد أخذ المبيع منه قبل تسليمه إلى المشتري؛ لنه هو الذي قبض‬
‫الثمن‪ ،‬وانتقل المبيع منه إلى الشفيع‪.‬‬
‫وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) (‪ : )2‬إذا أخذ الشفيع الشقص (الجزء المبيع المشترك‬
‫فيه) فظهر مستحقا أو معيبا‪ ،‬فيرجع بالثمن أو الرش (التعويض) على المشتري‪ ،‬ويرجع المشتري‬
‫على البائع؛ لن الشفيع أخذ المبيع من المشتري على أنه ملكه‪ ،‬فيرجع بالعهدة عليه كما لو اشتراه‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ )6‬ـ اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن ‪:‬‬
‫إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن‪ ،‬فادعى المشتري ـ بطبيعة الحال ـ الكثر‪ ،‬وادعى‬
‫الشفيع القل‪ ،‬فمن الذي يصدق قوله؟‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،433/7 :‬الدر المختار‪ ،160/5 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،119/2 :‬البدائع‪.30/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،493/3 :‬المهذب‪ ،383/1 :‬المغني‪ 344/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.182/4 :‬‬

‫( ‪)6/661‬‬

‫يرى جمهور الفقهاء ( في المذاهب الربعة وغيرها ) (‪ : )1‬أن الشفيع والمشتري إذا اختلفا في قدر‬
‫الثمن‪ ،‬فقال المشتري‪ :‬اشتريته بمئة‪ ،‬وقال الشفيع‪ :‬بل بخمسين‪ ،‬فالقول قول المشتري بيمينه؛ لنه‬
‫أعلم بما باشره من الشفيع‪ ،‬ولن الشفيع مدع القل‪ ،‬والمشفوع عليه مدعى عليه‪ ،‬ينكر ذلك‪ ،‬والقول‬
‫قول المنكر مع يمينه‪.‬‬
‫إل أن المالكية قيدوا الخذ بقول المشتري بقيد‪ ،‬فقرروا أن القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه تقدير‬
‫المقدرين‪ ،‬أو ثمن المثل‪ ،‬وإل أي إن أتى بما ل يشبه تقديرهم‪ ،‬بأن ادعى ما شأنه أل يكون ثمنا‪،‬‬
‫فالقول قول الشفيع إن أتى بما يشبه التقدير المعقول‪.‬‬
‫فإن لم يكن قول كل من المشتري والشفيع مشبها التقدير المعقول‪ ،‬حُلّف كل منهما على مقتضى‬
‫دعواه‪ ،‬ورد دعوى صاحبه‪ ،‬ورد الثمن إلى القيمة الوسط بين الناس وهي قيمة الحصة يوم البيع‪ ،‬كما‬
‫لو نكل معا عن حلف اليمين‪.‬‬
‫وأضاف الحنفية (‪ )2‬أن القول قول المشتري إذا اختلف مع الشفيع في جنس الثمن أو في صفته‪ ،‬مثال‬
‫الول‪ :‬أن يقول المشتري‪ :‬اشتريت بمئة دينار‪ ،‬وقال الشفيع‪ :‬ل‪ ،‬بل بألف درهم‪ ،‬فالقول قول‬
‫المشتري؛ لن الشفيع يدعي عليه التملك بهذا الجنس‪ ،‬وهو ينكر‪ ،‬والقول قول المنكر مع يمينه‪ ،‬ولن‬
‫المشتري أعرف بجنس الثمن من الشفيع؛ لن الشراء وجد منه‪ ،‬ل من الشفيع‪ ،‬فكان أعرف به من‬
‫الشفيع‪ ،‬فيرجع في معرفة الجنس إليه‪.‬‬
‫ومثال الختلف في صفة الثمن‪ :‬أن يقول المشتري‪ :‬اشتريت بثمن معجل‪ ،‬وقال الشفيع‪ :‬ل‪ ،‬بل‬
‫اشتريته بثمن مؤجل‪ ،‬فالقول قول المشتري؛ لن الحلول في الثمن أصل‪ ،‬والجل عارض‪ ،‬والمشتري‬
‫يتمسك بالصل‪ ،‬فيكون القول قوله بيمينه‪ ،‬ولن العاقد أعرف بصفة الثمن من غيره‪ ،‬ولن الجل‬
‫يثبت بالشرط‪ ،‬والشفيع يدعي عليه شرط التأجيل‪ ،‬وهو ينكر‪ ،‬فكان القول قوله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،32-30/5 :‬تكملة الفتح‪ ،424/7 :‬اللباب مع الكتاب‪ ،115/2 :‬بداية المجتهد‪،261/2 :‬‬
‫الشرح الصغير‪ ،656/3 :‬مغني المحتاج‪ ،304/2 :‬المغني‪.333 ،328/5 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.32 - 30/5 :‬‬

‫( ‪)6/662‬‬

‫المبحث الخامس ـ شروط الشفعة ‪:‬‬


‫للخذ بالشفعة شروط‪ ،‬وقع في بعضها اختلف بين الفقهاء‪ ،‬وهي ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬خروج العقار عن ملك صاحبه خروجا باتا ل خيار فيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون العقد عقد معاوضة وهو البيع وما في معناه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون العقد صحيحا‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون الشفيع مالكا وقت الشراء وإلى القضاء له بالشفعة‪( :‬شرط ملك الشفيع)‪.‬‬
‫‪ - 5‬عدم رضا الشفيع بالبيع‪.‬‬
‫واشترط الجمهور غير الحنفية أن يكون الشفيع شريكا‪ ،‬فل شفعة لجار عندهم‪ ،‬وقد ذكر في بحث‬
‫الشفيع‪ ،‬كما اشترطوا أن يكون المبيع شقصا (جزءا) مشاعا مع شريك قابلً لقسمة الجبار‪ ،‬وقد ذكر‬
‫في بحث المشفوع فيه‪ ،‬ولم يشترطه الحنفية‪.‬‬
‫واشترط كل الفقهاء أن يأخذ الشريك جميع الشقص المبيع‪ ،‬لئل يتضرر المشتري بتبعيض الصفقة في‬
‫حقه‪ ،‬بأخذ بعض المبيع‪ ،‬وترك البعض الخر؛ لن الضرر ل يزال بالضرر‪ ،‬فإن أخذ البعض وترك‬
‫البعض سقطت شفعته‪.‬‬
‫ولم أجد حاجة للكلم عن اشتراط كون المشفوع فيه عقارا‪ ،‬لن الكلم عنه في بحث مستقل في‬
‫المبحث الثاني‪.‬‬
‫كما ل داعي للبحث في اشتراط عدم كون المشفوع فيه ملكا للشفيع وقت البيع‪ ،‬فإن كان ملكا له لم‬
‫تجب الشفعة‪ ،‬لستحالة تملك النسان مال نفسه‪ .‬فهذا مفهوم بداهة‪ ،‬إذ ل يثير نزاعا يؤدي إلى اللجوء‬
‫إلى الشفعة‪ .‬وأما اشتراط المبادرة إلى طلب الشفعة بالتراضي أو بالتقاضي‪ ،‬فمحله بحث مستقل في‬
‫إجراءات الشفعة‪.‬‬

‫( ‪)6/663‬‬

‫الشرط الول ـ خروج العقار عن ملك صاحبه خروجا باتا ‪:‬‬


‫يجب أن يزول ملك البائع عن العقار المبيع‪ ،‬من طريق البيع البات النهائي اللزم الذي ل خيار فيه‪،‬‬
‫فل تستحق الشفعة في العقار إذا بيع بشرط الخيار‪ .‬وهذا شرط متفق عليه بين المذاهب الربعة‪ ،‬فقد‬
‫اتفق فقهاؤهم على أن البيع المشتمل على خيار فيه للبائع‪ ،‬ل شفعة فيه‪ ،‬حتى يجب البيع أو يلزم‪.‬‬
‫وعلى هذا لو كان الخيار لكل من العاقدين‪ ،‬فل شفعة‪ ،‬لجل خيار البائع‪.‬‬
‫واختلفوا في البيع المشتمل على خيار للمشتري‪ ،‬فقال الحنفية‪ ،‬والشافعية في الظهر الراجح عندهم (‬
‫‪ : )1‬لو كان الخيار للمشتري‪ ،‬تجب الشفعة؛ لن خياره عند الحنفية ل يمنع زوال المبيع عن ملك‬
‫البائع‪ ،‬ولن المبيع في زمن الخيار للمشتري على الراجح عند الشافعية‪ .‬هذا في خيار الشرط‪.‬‬
‫أما خيار العيب والرؤية‪ ،‬فل يمنع وجوب الشفعة؛ لنه ل يمنع زوال ملك البائع‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة (‪ : )2‬ل تثبت الشفعة في بيع الخيار قبل انقضائه‪ ،‬سواء أكان الخيار لكل من‬
‫البائع والمشتري‪ ،‬أم لحدهما‪ ،‬فوجود الخيار للمشتري يمنع‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،13/5 :‬الهداية مع تكملة الفتح‪ ،438/7 :‬تبيين الحقائق‪ 253/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،167 ،160/5‬الكتاب مع اللباب‪ ،114/2 :‬مغني المحتاج‪.299/2 :‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،256/2 :‬الشرح الصغير‪ ،633/3 :‬المغني‪ ،294/5 :‬كشاف القناع‪.181 4/ :‬‬

‫( ‪)6/664‬‬

‫الشفعة؛ لن الخذ بالشفعة يلزم المشتري بالعقد بغير رضاه‪ ،‬ويوجب العهدة (‪ )1‬عليه‪ ،‬ويفوت حقه‬
‫من الرجوع في عين الثمن‪ ،‬فلم يجز‪ ،‬كما لو كان الخيار للبائع‪.‬‬
‫الشرط الثاني ـ أن يكون العقد عقد معاوضة ‪:‬‬
‫ل يثبت الحق في الشفعة إل إذا خرج العقار عن ملك صاحبه بعقد معاوضة‪ ،‬وهو البيع‪ ،‬أو ما في‬
‫معناه كالهبة بشرط العوض إن تقابضا‪ ،‬والصلح عن مال لنه معاوضة‪ ،‬سواء أكان العقار المبيع وقفا‬
‫أم غير وقف‪.‬‬
‫ففي البيع تجب الشفعة‪ ،‬لنتقال المبيع إلى المشتري بعوض‪ ،‬لحديث جابر السابق‪« :‬فإن باعه‪ ،‬ولم‬
‫يؤذنه‪ ،‬فهو أحق به» ‪ .‬وفي الهبة بعوض تجب الشفعة عند الحنفية إن تقابضا‪ ،‬لوجود معنى‬
‫المعاوضة‪ ،‬عند التقابض؛ لن الهبة ل تثبت إل بالقبض‪ ،‬فإن قبض أحدهما دون الخر‪ ،‬فل شفعة عند‬
‫أئمة الحنفية الثلثة (أبي حنيفة وصاحبيه)‪ .‬وعند زفر‪ :‬تجب الشفعة بنفس العقد؛ لن الهبة بشرط‬
‫العوض عند الثلثة‪ :‬تقع تبرعا ابتداء‪ ،‬معاوضة انتهاء‪ ،‬وبناء عليه‪ :‬يشترط أل يكون الموهوب ول‬
‫عوضه شائعا‪ ،‬لنه هبة ابتداء‪ .‬وعند زفر‪ :‬تقع معاوضة ابتداء وانتهاء‪.‬‬
‫ولم يشترط التقابض عند الجمهور غير الحنفية في الهبة بشرط العوض (الثواب)؛ لن الهبة عندهم‬
‫عقد لزم‪ ،‬ولن الموهوب له يملك الموهوب بعوض هو مال‪ ،‬فلم يفتقر إلى القبض في استحقاق‬
‫الشفعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراد بالعهدة هنا‪ :‬رجوع من انتقل الملك إليه من شفيع أو مشتر على من انتقل عنه الملك من‬
‫بائع أو مشتر بالثمن أو الرش عند استحقاق الشقص ( الحصة من المبيع ) أو عيبه ( كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.)182/4‬‬

‫( ‪)6/665‬‬

‫وتجب الشفعة في الدار التي هي بدل الصلح‪ ،‬سواء أكان الصلح على الدار عند الحنفية عن إقرار أم‬
‫إنكار‪ ،‬أم سكوت‪ ،‬لوجود معنى المعاوضة‪.‬‬
‫وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء في المشهور عن مالك (‪ ، )1‬فل شفعة بناء عليه إذا زالت ملكية‬
‫البائع عن ملكه بل عوض مطلقا‪ ،‬كالهبة بغير شرط العوض‪ ،‬والوقف‪ ،‬والوصية والميراث؛ لن‬
‫الشفعة حق تملك جبري‪ ،‬يملك به المبيع جبرا عن المشتري بمثل ما ملك ( أي بالثمن والتكاليف التي‬
‫دفعها )‪ .‬وهذه التصرفات تؤدي إلى نقل الملكية بغير عوض أي بالمجان‪ ،‬فل يتأتى تحقق شرط‬
‫الشارع في تملك الشفعة وهو البيع بمعاوضة وما في معناه‪.‬‬
‫لكن الفقهاء اختلفوا في التملك بعوض غير مالي‪ ،‬كالمهر‪ ،‬وبدل الخلع‪ ،‬أو أجر طبيب أو محام مثلً‪،‬‬
‫أو أجرة دار‪ ،‬أو عوض في الصلح عن دم عمد‪.‬‬
‫فقال الحنفية والحنابلة (‪ : )2‬يشترط أن يكون عقد المعاوضة مال بمال‪ ،‬فل شفعة إذا كان العوض‬
‫غيرمال‪ ،‬كما في هذه الحوال‪ ،‬لن الشيء في المعاوضة غير المالية يشبه الموهوب والموروث‪،‬‬
‫ولن هذه العواض ل مثل لها‪ ،‬حتى يأخذ الشفيع الشيء بمثلها‪ ،‬فل يمكن مراعاة شرط الشرع فيه‪،‬‬
‫وهو التملك بما تملك به المشتري‪ ،‬فلم يكن مشروعا‪ .‬وأوضح الحنابلة أنه ل تجب الشفعة بفسخ يرجع‬
‫به المبيع إلى البائع‪ ،‬كرده بعيب أو إقالة‪ .‬وقال الحنفية‪ :‬إذا اقتسم الشركاء العقار المشترك بينهم فل‬
‫شفعة لجارهم بالقسمة‪ ،‬لنها ليست بمعاوضة مطلقا‪ ،‬ولن‬
‫الشريك أولى من الجار‪ .‬وإذا سلّم ( أي تنازل ) الشفيع الشفعة‪ ،‬ثم رد المشتري ما اشتراه بخيار رؤية‬
‫أو شرط أو عيب بقضاء قاض‪ ،‬فل شفعة للشفيع؛ لن هذا الرد فسخ تام‪ ،‬فعاد المبيع لقديم ملكه‪،‬‬
‫والشفعة تكون في حالة إنشاء العقد‪ .‬وإن كان الرد للمبيع بغير قضاء‪ ،‬أو تقايل (فسخا) البيع‪ ،‬فللشفيع‬
‫الشفعة؛ لن الرد فسخ في حق الطرفين‪ ،‬وبيع جديد في حق شخص‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،11/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،252 ،239/5 :‬الهداية مع التكملة‪ ،438-436/7 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،165 ،157/5‬الكتاب مع اللباب‪ ،110/2 :‬بداية المجتهد‪ 255/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،287‬الشرح الصغير‪ 633/3 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،298/2 :‬المهذب‪ 376/1 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المغني‪ ،291/5 :‬كشاف القناع‪.152/4 :‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق‪ ،253-252 ،229/5 :‬المغني‪.292/5 :‬‬

‫( ‪)6/666‬‬

‫ثالث‪ ،‬لوجود معنى البيع (وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي) والشفيع هنا هو الثالث (‪. )1‬‬
‫وقال المالكية والشافعية (‪ : )2‬يكفي أن يكون العقد عقد معاوضة‪ ،‬سواء أكانت بمال أم غير مال‪،‬‬
‫فتثبت الشفعة بالمعاوضة على غير مال؛ لن الغرض من الشفعة دفع ضرر الدخيل‪ ،‬وهذا متحقق‬
‫هنا‪ ،‬ولنه عقار مملوك بعقد معاوضة‪ ،‬فأشبه البيع‪ ،‬ويطالب الشفيع حينئذ بدفع قيمة البدل‪ ،‬كما لو‬
‫باعه بعرض تجاري؛ لن هذه العواض أموال متقومة عندهم‪ ،‬فيؤخذ الشيء بقيمته عند تعذر الخذ‬
‫بالمثل‪ ،‬فيدفع الشفيع مهر المثل‪ ،‬وعوض الخلع‪.‬‬
‫الشرط الثالث ـ أن يكون العقد صحيحاً ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على هذا الشرط (‪، )3‬لن المطلوب هو زوال حق البائع في المبيع‪ ،‬فل تثبت الشفعة في‬
‫المشترى شراء فاسدا؛ لن هذا العقد يجب دينا نقضه‪ ،‬ورد المبيع إلى ملك بائعه‪ ،‬للتخلص من الفساد‪،‬‬
‫فل يكون البيع لزما‪ ،‬لحتمال فسخه من كل العاقدين‪ ،‬وفي إثبات الشفعة تقرير الفساد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب‪ 120/2 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 152/4 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،255/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،287‬مغني المحتاج‪.298/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،13/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،254/5 :‬اللباب‪ ،114/2 :‬الشرح الصغير‪ ،640/3 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،298/2 :‬المغني‪.291/5 :‬‬

‫( ‪)6/667‬‬
‫لكن لو سقط حق فسخ البيع الفاسد بأسباب مسقطة للفسخ‪ ،‬كزيادة المبيع‪ ،‬وزوال ملك المشتري‬
‫بالتصرف في المشترى إلى غيره‪ ،‬كان للشفيع عند الحنفية والمالكية (‪ )1‬أن يأخذ بالشفعة؛ لن المانع‬
‫قيام احتمال الفسخ ولقد زال المانع‪ ،‬كما لو باع شخص بشرط الخيار له‪ ،‬ثم أسقط الخيار‪ ،‬وجبت‬
‫الشفعة لزوال المانع من ثبوت الحق‪ ،‬وهو الخيار‪ ،‬فكذا هو‪.‬‬
‫وفي حالة بيع المشتري الشيء المشترى شراء فاسدا‪ ،‬يكون الشفيع عند الحنفية بالخيار‪ ،‬إن شاء أخذ‬
‫الشفعة بالبيع الول‪ ،‬وإن شاء أخذها بالبيع الثاني؛ لن حق الشفيع ثابت عند كل من البيعين‪ ،‬غير أنه‬
‫إن أخذ بالبيع الثاني أخذ بالثمن‪ ،‬وإن أخذ بالبيع الول‪ ،‬أخذ بقيمة المبيع يوم القبض؛ لن البيع الفاسد‬
‫يفيد الملك بقيمة المبيع ل بالثمن‪ .‬وإنما تقدر القيمة يوم القبض؛ لن المبيع بيعا فاسدا مضمون‬
‫بالقبض‪ ،‬كالمغصوب‪.‬‬
‫ورأي المالكية قريب من هذا‪ ،‬كما ظهر في مبدأ الكلم عن المبحث الرابع‪.‬‬
‫الشرط الرابع ـ ملك الشفيع المشفوع به وقت البيع ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على شرط كون الشفيع مالكا ما يشفع به قبل البيع‪ ،‬واختلفوا في استمرار الملك حتى‬
‫القضاء بالشفعة على رأيين‪:‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )2‬يشترط استمرار ملك الشفيع حتى يقضى له بالشفعة‪ ،‬فلو بيع عقار‪ ،‬فطلبه الشريك‬
‫أو الجار بالشفعة‪ ،‬ثم باع ما يشفع به‪ ،‬سقط حقه فيها؛ لن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع‬
‫(الشريك أو الجار عندهم) ول ضرر يصيبه من المشتري بعد بيع ملكه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،‬والشرح الصغير‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،14/5 :‬تكلمة الفتح‪ ،446/7 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،113/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪:‬‬
‫‪.170 ،157/5‬‬

‫( ‪)6/668‬‬

‫وكذا لو باع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة‪ ،‬سقط حقه‪ ،‬سواء أكان عالما ببيع الدار‬
‫المشفوع فيها‪ ،‬أم لم يعلم‪.‬‬
‫وقال جمهور الفقهاء (غير الحنفية) (‪ : )1‬يشترط ثبوت ملك الشفيع وقت البيع فقط‪ ،‬وليشترط‬
‫استمرار الملك إلى وقت القضاء بالشفعة‪ .‬وعليه نص الشافعية فقالوا‪ :‬لو باع الشفيع حصته‪ ،‬أو‬
‫أخرجها عن ملكه بغير البيع كالهبة‪ ،‬جاهلً بالشفعة‪ ،‬فالصح بطلنها‪ ،‬لزوال سببها‪ ،‬وهو الشركة أي‬
‫حين البيع‪.‬‬
‫أ ـ ويترتب على هذا الشرط بالتفاق أنه ل شفعة لشخص بدار يسكنها بالجارة‪ ،‬أو العارة‪ ،‬ول‬
‫بدار باعها قبل بيع المشفوع فيه‪ ،‬ول بدار جعلها مسجدا‪ ،‬ول بدار جعلها وقفا‪ ،‬فل شفعة للوقف ‪،‬أي‬
‫ليس لناظر الوقف أن يطلب تملك العقار المبيع بجوار الراضي الموقوفة‪ ،‬إذ ل مالك للوقف‪.‬‬
‫أما إذا بيع الوقف عند الحنفية القائلين بجواز الستبدال بالعين الموقوفة للضرورة أو للحاجة‬
‫والمصلحة‪ ،‬فيثبت حق الشفعة للجار؛ لنه بالبيع يصبح غير موقوف‪ ،‬فيجوز أخذه بالشفعة‪.‬‬
‫كذلك تثبت الشفعة عند الحنفية في حالة بيع العقار الموقوف غير المحكوم به (‪ ، )2‬كما تثبت في بيع‬
‫الراضي العشرية والخراجية لنها مملوكة‪ ،‬بخلف الراضي السلطانية‪ ،‬فإنه ل شفعة فيها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،260/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،287‬مغني المحتاج‪ 308 ،303 ،298/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬نهاية المحتاج‪ ،308/4 :‬المهذب‪ ،383/1 :‬المغني‪ ،346 ،317/5 :‬غاية المنتهى‪،263/2 :‬‬
‫كشاف القناع‪ ،176 ،158 ،153/4 :‬الشرح الصغير للدردير‪ ،645/3 :‬الشرح الكبير‪،474/3 :‬‬
‫‪.487‬‬
‫(‪ )2‬يرى أبو حنيفة أن الوقف ل يلزم ويزول ملك الواقف عنه إل إذا حكم به الحاكم‪ ،‬أو علقه الواقف‬
‫بموته (الهداية‪.)10/3 :‬‬

‫( ‪)6/669‬‬

‫وأجاز المالكية (‪ )1‬ل للسلطان الخذ بالشفعة لبيت المال‪ ،‬كما إذا مات أحد الشريكين‪ ،‬ول وارث له‪،‬‬
‫فأخذ السلطان نصيبه لبيت المال‪ ،‬ثم باع الشريك الخر حصته‪ ،‬فللسلطان الخذ بالشفعة لبيت المال‪.‬‬
‫وكما لو مات إنسان عن بنت مثلً‪ ،‬فأخذت النصف‪ ،‬ثم باعته‪ ،‬كان للسلطان الخذ من المشتري لبيت‬
‫المال‪.‬‬
‫ب ـ ويتفرع على الخلف السابق بين الفقهاء في شرط استمرار ملك المشفوع به‪ :‬إرث حق الشفعة‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬ل يثبت للوارث حق الخذ بالشفعة إذا مات الشفيع بعد طلب الشفعة قبل القضاء‪ ،‬فليس‬
‫للوارث الشفعة في عقار بيع في حياة مورثه؛ لن الوارث لم يكن مالكا ما ورثه وقت العقد‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬يثبت حق الشفعة للوارث‪ ،‬إذا طالب به الشفيع المورث بعد البيع قبل موته‪ ،‬بخلف ما‬
‫إذا مات قبل الطلب؛ لن الوارث خليفة المورث‪ ،‬فله كل حقوق مورثه‪ ،‬ومنها حق الشفعة‪ ،‬دفعا‬
‫لضرر الدخيل عن نفسه‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف في هذه المسألة كالخلف في إرث خيار الشرط‪ :‬هو هل تورث الحقوق كما تورث‬
‫الموال؟ عند أبي حنيفة‪ :‬ل تورث‪ ،‬وعند الجمهور‪ :‬تورث (‪. )2‬‬
‫الشرط الخامس ـ عدم رضا الشفيع بالبيع وحكمه ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على اشتراط أل يصدر من الشفيع ما يدل على رضاه ببيع العقار المشفوع فيه‪ ،‬فإن‬
‫رضي بالبيع أو بحكمه قولً‪ ،‬أو فعلً بأن باع الشفيع المشفوع به أو سكت مدة طويلة من غير عذر‪،‬‬
‫سقط حقه في طلب الشفعة؛ لن الشفيع بالخيار بين الخذ والترك؛ لن الشفعة حق ثبت له لدفع‬
‫الضرر عنه‪ ،‬فيخير بين أخذه وتركه‪.‬‬
‫وقدر المالكية مدة السكوت فقالوا‪ :‬أل يظهر من الشفيع ما يدل على إسقاط الشفعة من قول أو فعل أو‬
‫سكوت مدة سنة كاملة بعد العقد فأكثر بل مانع‪ ،‬مع علمه وحضوره‪.‬‬
‫لكن يشترط لسقوط هذا الحق‪ :‬أل يكون هناك تدليس أو خديعة للشفيع لسقاط الشفعة‪ ،‬من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،632/3 :‬الشرح الكبير‪.474/3 :‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪.116/14 :‬‬

‫( ‪)6/670‬‬

‫طريق المشتري‪ ،‬أو الثمن‪ ،‬أو قدر المبيع نفسه (‪. )1‬‬
‫فإذا أخبر أن المشتري فلن‪ ،‬وكان المشتري بالفعل غيره؛ أو أن الثمن كذا‪ ،‬وكان الثمن بالفعل أقل أو‬
‫من جنس أو نوع أو وصف آخر‪ ،‬أو أن المبيع جزء معين‪ ،‬وكان المبيع بالفعل جزءا و أكثر أو كل‬
‫المبيع‪ ،‬فسلم الشفعة أي أعرض عنها‪ ،‬ثم تبين الحقيقة والوافع‪ ،‬بقي حقه‪ ،‬وكان له الشفعة؛ لنه إنما‬
‫تركها لغرض بان خلفه ولم يتركه رغبة عنه‪.‬‬
‫لكن لو كان المر على عكس بعض هذه الحالت الثلث السابقة‪ ،‬كأن أخبر بأن الثمن ألف‪ ،‬فبان أكثر‬
‫من ألف‪ ،‬أو أن المبيع كله‪ ،‬فبان بعضه‪ ،‬أو أن الثمن مؤجل‪ ،‬فبان حالً نقدا‪ ،‬سقط حقه في الشفعة‪،‬‬
‫لنه إذا لم يرغب فيه بالقل‪ ،‬أو بالمؤجل‪ ،‬فبالكثر‪ ،‬أو المعجل أولى‪ .‬ومن رغب عن شراء الكل‪،‬‬
‫رغب عن شراء البعض بالولى‪ ،‬خوف ضرر الشركة‪ .‬والحالة الخيرة هي الرواية المشهورة‬
‫(ظاهر الرواية) عند الحنفية‪ ،‬وهي مذهب المالكية‪ ،‬أي أن الشفعة تسقط إذا أخبر الشفيع أن شريكه‬
‫باع الكل‪ ،‬فترك الشفعة‪ ،‬ثم تبين أنه لم يبع إل النصف مثلً‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف والحنابلة‪ :‬إن للشفيع في الحالة الخيرة؛ لنه قد يعجز عن ثمن الكل ويقدر على ثمن‬
‫النصف مثلً‪ ،‬وقد تكون حاجته إلى النصف لتمام مرافق ملكه‪ ،‬ول يحتاج إلى الكل‪.‬‬
‫والخلصة عند الجمهور‪ :‬أن الشفيع إذا أخبر بما هو النفع له‪ ،‬فترك الخذ بالشفعة‪ ،‬بطل حقه‪ ،‬وإل‬
‫فل‪.‬‬
‫الحتيال لسقاط الشفعة ‪:‬‬
‫اتفق الحنفية على كراهية الحيلة تحريما لسقاط الشفعة بعد ثبوتها أي بعد البيع‪ ،‬أما الحيلة لدفع ثبوت‬
‫الشفعة قبل البيع‪ ،‬فيروى عن أبي يوسف‪ ،‬وبقوله يفتى‪ :‬أنه ل تكره‪ ،‬إذا كان الجار غير محتاج‬
‫للمشفوع فيه؛ لنها منع عن إثبات الحق‪ ،‬فل يعد ضررا‪ .‬وتكره عند محمد؛ لن الشفعة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،20-19 ،15/5 :‬المبسوط‪ ،111 ،105/14 :‬الدر المختار ورد المحتار‪،173/5 :‬‬
‫اللباب‪ ،118/2 :‬الشرح الصغير‪ 643/3 :‬وما بعدها‪ ،‬نهاية المحتاج‪ ،159/4 :‬المهذب‪،379/1 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،308/2 :‬المغني‪ ،302/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.286‬‬

‫( ‪)6/671‬‬

‫إنما وجدت لدفع الضرر‪ ،‬ولو أبحنا الحيلة لما تحقق دفع الضرر (‪. )1‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المقرر عند الحنفية ومثلهم الشافعية‪ :‬أنه يجوز الحتيال لسقاط الشفعة‪ ،‬كأن يقر له‬
‫ببعض الملك ثم يبيعه الباقي‪.‬‬
‫أما الحنابلة والمالكية‪ :‬فقد حرموا صراحة الحتيال لسقاط الشفعة‪ ،‬وإن فعل لم تسقط؛ لنها شرعت‬
‫لدفع الضرر‪ ،‬فلو سقطت بالتحيل لترتب الضرر (‪. )2‬‬
‫المبحث السادس ـ إجراءات الشفعة‬
‫بما أن الشفعة حق ضعيف كما يقول الفقهاء‪ ،‬فل تكون سبيلً للتملك بها إل باتخاذ إجراءات خاصة‬
‫بطلبها من الشفيع بمجرد العلم بالبيع‪ ،‬حتى يحكم له بها‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬يلزم في الشفعة طلبات ثلثة‪ :‬هي طلب المواثبة‪ ،‬وطلب التقرير والشهاد‪ ،‬وطلب‬
‫الخصومة والتملك (‪ . )3‬ويحسن قبل الكلم عن هذه الجراءات بيان اختلف الفقهاء حول وقت‬
‫وجوب الشفعة‪.‬‬
‫وقت وجوب الشفعة‪ :‬اشترط الحنفية طلب الشفعة فور العلم بالبيع؛ لنها حق ضعيف‪ ،‬فيتقوى بالطلب‬
‫الفوري بحسب المعتاد‪.‬‬
‫ولم يشترط المام مالك المطالبة بالشفعة على الفور‪ ،‬وإنما وقت وجوب الخذ بالشفعة عنده متسع‪،‬‬
‫وهو في حدود السنة بعد العقد‪ ،‬على أشهر القوال عنه (‪. )4‬‬
‫واشترط الشافعية على الظهر (‪ : )5‬المبادرة إلى طلب الشفعة على الفور ‪ ،‬أي بعد علم الشفيع‬
‫بالبيع؛ لنها حق ثبت لدفع الضرر‪ ،‬فكان على الفور كالرد بالعيب‪ ،‬فإذا علم الشفيع بالبيع‪ ،‬فليبادر‬
‫على العادة‪ ،‬فلو كان الشفيع في الصلة أو في الحمام أو في حال قضاء الحاجة‪ ،‬لم يكلف قطع ما هو‬
‫فيه‪ ،‬وإنما له التأخير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الهداية مع تكملة الفتح‪ ،450/7 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،173/5 :‬اللباب‪.118/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 326/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 149/4 :‬وما بعدها‪ ،‬الفصاح‪ :‬ص ‪.276‬‬
‫(‪ )3‬م ‪ 1028‬مجلة‪ ،‬البدائع‪ ،17/5 :‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ 120‬وما بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪،416/7 :‬‬
‫‪ 418‬وما بعدها ‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،242/5 :‬الدر المختار‪ 157/5 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪.112 ،107/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير‪ 487/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،645 ،639/3 :‬بداية المجتهد‪.259/2 :‬‬
‫(‪ )5‬المهذب‪ ،380/1 :‬مغني المحتاج‪ ،307/2 :‬حاشية الباجوري‪ ،19/2 :‬المحلي على المنهاج مع‬
‫حاشية قليوبي وعميرة‪.50/3 :‬‬

‫( ‪)6/672‬‬

‫إلى الفراغ مما هو فيه‪.‬والضابط فيه‪:‬أن ما عد توانيا في طلب الشفعة أسقطها‪ ،‬وإل فل‪.‬‬
‫وإن كان مريضا أو غائبا عن بلد المشتري‪ ،‬أو خائفا من عدو‪ ،‬فليوكل إن قدر‪ ،‬وإل بأن عجز عن‬
‫التوكيل‪ ،‬فليشهد على طلب الشفعة رجلين عدلين أو عدلً وامرأتين‪ .‬فإن ترك الشفيع المقدور عليه من‬
‫التوكيل والشهاد‪ ،‬بطل حقه في الظهر‪.‬‬
‫والحنابلة كالشافعية قالوا (‪ : )1‬يشترط المطالبة بالشفعة على الفور بمجرد العلم بالبيع‪ ،‬بأن يشهد‬
‫الشفيع على طلب الشفعة‪ ،‬حين يعلم بالبيع‪ ،‬إن لم يكن له عذر يمنعه من الطلب‪ .‬ثم إذا أشهد على‬
‫الطلب له أن يخاصم المشتري‪ ،‬ولو بعد أيام أو أشهر أو سنين‪.‬‬
‫وبه يتبين أن الجمهور يقولون‪ :‬إن الشفعة على الفور‪ ،‬للحديث النبوي‪« :‬الشفعة كحل العقال» (‪، )2‬‬
‫ولن ثبوتها على التراخي ربما أضر بالمشتري لعدم استقرار ملكه‪.‬‬
‫وأما المالكية‪ :‬فلم يشترطوا الفورية‪ ،‬فلو سكت الشفيع بل مانع سنة كاملة بعد العقد‪ ،‬فما دونها‪ ،‬أو‬
‫غاب وعاد في أثناء السنة‪ ،‬ثم طلب الشفعة‪ ،‬أخذها؛ لن السكوت ل يبطل حق امرئ مسلم ما لم‬
‫يظهر من قرائن الحوال ما يدل على إسقاطه‪ .‬لكن يحق للمشتري المطالبة عند الحاكم للشفيع بعد‬
‫الشراء بأن يحدد موقفه‪ ،‬إما بالخذ بالشفعة أو الترك‪ ،‬فإن أجاب بواحد منهما فظاهر‪ ،‬وإل أسقط‬
‫الحاكم شفعته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،156/4 :‬المغني‪ 306 ،299/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ويروى «كنشطة العقال» رواه ابن ماجه‪ ،‬والبزار وابن عدي من حديث ابن عمر‪ ،‬وهو ضعيف‬
‫(نصب الراية‪ 176/4 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)6/673‬‬

‫مراحل طلب الشفعة‪ :‬يبدأ الشفيع بطلب الشفعة عند الحنفية كما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬طلب المواثبة‪ :‬أي المبادرة والسرعة‪ ،‬وهو أن يطلب الشفيع في مجلس علمه بالبيع الخذ‬
‫بالشفعة‪ ،‬بلفظ يفهم منه طلبها مثل‪ :‬أطلب الشفعة أو أنا طالبها‪ ،‬أو أنا شفيع المبيع وأطلبه بالشفعة‬
‫ونحوه (‪ ، )1‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الشفعة لمن واثبها» (‪ )2‬ول يلزم الشهاد من الشفيع على‬
‫هذا الطلب‪ ،‬وإنما هو أفضل‪ ،‬لمخافة جحود أو إنكار الخصم (المشتري) الطلب في ساحة القضاء‪.‬‬
‫فالمعتبر هو الطلب‪ ،‬وإنما الشهاد ليثبت الطلب بالشهادة عند النكار‪ ،‬كالطلب والشهاد لهدم الحائط‬
‫المائل‪ ،‬ل يشترط الشهاد للضمان‪ ،‬وإنما لثبات سبب الضمان‪.‬‬
‫ويلحظ أن أصح الروايتين عند الحنفية‪ :‬هو بقاء الحق في الطلب ما دام الشفيع في مجلس العلم‬
‫بالبيع‪ ،‬مهما امتد‪.‬‬
‫والظهر عند الشافعية كما تقدم أن هذا الطلب على الفور‪.‬‬
‫وكذلك قال الحنابلة‪ :‬الشفعة بالمواثبة ساعة العلم بالبيع أي على الفور ‪.‬‬
‫وأما المالكية‪ :‬فوقت الطلب عندهم كما تبين على التراخي‪ ،‬لمدة سنة‪ ،‬على أشهر أقوال مالك‪.‬‬
‫‪ - 2‬طلب التقرير‪ :‬وهو أن يتقدم الشفيع بطلب آخر يؤكد به طلبه الول‪ .‬إذ قد يكون الطلب الول‬
‫عن رغبة عارضة من الشفيع‪ ،‬ثم يتبين أمره وظروفه وإمكاناته المادية‪ ،‬فل بد من هذا الطلب لتأكيد‬
‫وتقرير الطلب الول (‪. )3‬‬
‫ويشترط في هذا الطلب‪ :‬أن يكون على فور الطلب الول‪ ،‬والشهاد عليه‪ ،‬بأن يشهد الشفيع على‬
‫رغبته بالشفعة رجلين أو رجل وامرأتين‪ ،‬ومدة هذا الطلب ليست على فور المجلس في الكثر‪ ،‬بل‬
‫هي مقدرة بمدة التمكن من الشهاد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬م (‪ )1029‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الفقهاء في كتبهم‪ ،‬وهو كما قال الزيلعي عنه‪ :‬غريب‪ ،‬وأخرجه عبد الرزاق من قول شريح‪:‬‬
‫«إنما الشفعة لمن واثبها » فهو أثر‪ ،‬وليس بحديث ( نصب الراية‪.)176/4 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،19-18/5 :‬تكملة الفتح‪ 419/7 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،158/5 :‬تبيين‬
‫الحقائق‪ 243/5 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪ ،109-108/2 :‬م (‪ )1020‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/674‬‬

You might also like