Professional Documents
Culture Documents
والشهاد يكون على البائع إن كان المبيع في يده ،أو على المشتري ،وإن لم يكن قد تسلم المبيع؛ لنه
مالك؛ أوعند العقار لتعلق الحق به .وصورة الشهاد والطلب :أن يقول الشفيع :إن فلنا اشترى هذه
الدار ،وأنا شفيعها ،وقد كنت طلبت الشفعة ،وأطلبها الن ،فاشهدوا على ذلك ،أو نحوه.
ويلحظ أن الشهاد على هذا الطلب ليس بشرط لصحته ،كما ليس بشرط لصحة طلب المواثبة ،وإنما
هو لتوثيقه عند إنكار الخصم.
وإن كان الشفيع في محل بعيد ،ولم يمكنه طلب التقرير والشهاد بهذا الوجه ،يوكل آخر ،وإن لم يجد
وكيلً أرسل مكتوبا.
وإذا كان الشفيع قد تقدم بطلب المواثبة أمام شهود ،عند البائع إذا كان المبيع في يده ،أو عند
المشتري ،أو عند المبيع نفسه ،كفاه ذلك عن طلب التقرير ،لحصول المقصود ،وهو إظهار كونه
مصرا على طلب الشفعة.
حكم الطلب :إذا فعل الشفيع طلب التقرير ،استقرت شفعته أي حقه ،ولم تسقط بعده بالتأخير عند أبي
حنيفة وفي رواية عن أبي يوسف ،وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى؛ لن الحق متى ثبت واستقر ل
يسقط إل بالسقاط.
وقال محمد :إن تركها شهرا بعد الشهاد من غير عذر ،بطلت شفعته ،لئل يتضرر المشتري
بالتأخير .وقد قال بعض الحنفية :والفتوى اليوم على قول محمد ،لتغير أحوال الناس في قصد
الضرار ،وقد أخذت المجلة بهذا الرأي في المادة ( .)1034وقال الحنابلة :إذا حدث الشهاد على
الطلب ،فللشفيع مخاصمة المشتري ولو بعد سنين .وحدد المالكية لطلب الشفعة الول مدة سنة تامة،
فإذا سكت بل مانع سنة كاملة بعد العقد ،أو سكت بل مانع مع علمه بهدم أو بناء سقطت شفعته ،لن
سكوته دليل العراض عن أخذه بالشفعة.
( )6/675
- 3طلب الخصومة والتملك :وهو أن يقدم الشفيع طلبا للقضاء يطلب فيه الحكم بالشفعة وتسليم
المبيع ،بأن يقول :اشترى فلن دار كذا ،وأنا شفيعها بدار كذا لي ،أو أنا شريكه فيها ،فأطلب منه
تسليم الدار إلي (. )1
جزاء التأخر في هذه الطلبات :
لو أخر الشفيع طلب المواثبة عن مجلس علمه بالبيع بدون عذر ،كأن اشتغل بأمر آخر ،أو بحث في
أمر آخر ،أو قام من المجلس من دون أن يطلب الشفعة ،سقط حقه في الشفعة .فإن وجد عذر مانع
من المبادرة بالطلب كوجود حائل مخيف من وحش أو سيل مثلً ،ل تبطل شفعته حتى يزول المانع (
. )2
ولو أخر الشفيع طلب التقرير والشهاد ،مدة يمكن إجراؤها فيها ،ولو بإرسال مكتوب ،يسقط حق
شفعته (م )1033مجلة.
ولو أخر الشفيع طلب الخصومة بعد طلب التقرير والشهاد شهرا ،من دون عذر شرعي ،ككونه في
ديار أخرى ،يسقط حق شفعته (م )1034مجلة.
طالب الشفعة للمحجور :للصغير الخذ بالشفعة عند أكثر الفقهاء .وطلب الولي حق شفعة الصغير
ونحوه من المحجورين ،فاعلً ما يراه المصلحة للصغير في الخذ بها ،مثل كون ثمن المبيع رخيصا
أو بثمن المثل ،وللصغير مال لشراء العقار .فإذا أخذ الولي بالشفعة لم يملك الصغير نقضها بعد
البلوغ باتفاق المذاهب الربعة.
وإن لم يطلب الولي حق شفعة الصغير ،فل تبقى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف صلحية طلب حق
الشفعة بعد البلوغ؛ لن من ملك الخذ بها ،ملك العفو عنها ،كالمالك.
وقال المالكية والشافعية :ليس للصغير إذا بلغ المطالبة بالشفعة إذا عفا عنها وليه لمصلحة رآها
للصغير ،أو لم يكن للصغير ما يأخذها به ،فتسقط الشفعة؛ لن الولي فعل ماله فعله ،فلم يجز للصبي
نقضه كالرد بالبيع ،ولنه فعل ما فيه الحظ للصبي .فإن أسقط الولي الشفعة بل نظر ول تقدير
للمصلحة ،لم تسقط ،ويكون للصغير الحق فيها إذا بلغ.
-------------------------------
( )1الدر المختار 158/5 :وما بعدها.
( )2البدائع ،18/5 :م ( )1032مجلة.
( )6/676
وقال الحنابلة ،وزفر ومحمد من الحنفية :للصغير إذا بلغ المطالبة بالشفعة ،سواء عفا عنها الولي أو
لم يعف ،وسواء أكان في الخذ بها أم في تركها مصلحة ،أم ل؟ لن المستحق للشفعة يملك الخذ بها،
سواء أكان له فيها الحظ ،أم لم يكن ،فهي حق ثابت للصغير ،ل يملك الولي إبطاله ،فلم يسقط بترك
غير الصغير له ،كالغائب إذا ترك وكيله الخذ بها (. )1
نظر القاضي في طلب الشفعة وإثبات الدعاوى :
إذا تقدم الشفيع ليأخذ بالشفعة ،وادعى شراء الدار المشفوعة ،سأل القاضي ( )2أولً الشفيع عن
موضع الدار وحدودها ،لدعواه فيها حقا .ثم هل قبض المشتري الدار؛ إذ لو لم يقبض لم تصح دعواه
على المشتري ما لم يحضر البائع.
ثم يسأل القاضي عن سبب شفعة الشفيع وحدود ما يشفع به ،إذ قد تكون دعواه بسبب غير صالح ،ثم
يسأل عن طلب التقرير كيف كان وعند من أشهد .فإذا تحقق ذلك كله صحت الدعوى.
ثم سأل القاضي المدعى عليه عن مالكية الشفيع لما يشفع به ،فإن أقر بملكية الشفيع ما يشفع به ،فبها،
وإن أنكر تلك الملكية ،كلف القاضي الشفيع إقامة البينة على ملكه؛ لن ظاهر اليد (أو الحيازة) ل
يكفي لثبات الستحقاق.
فإن عجز الشفيع عن البينة ،استحلف ـ بطلب الشفيع ـ المشتري ،بال ما يعلم أن الشفيع مالك لما
ذكره ،مما يشفع به.
فإن نكل المشتري عن اليمين ،أو قامت بينة للشفيع ،ثبت ملكه الدار التي يشفع بها ،وثبت له حق
الشفعة.
ثم يسأل القاضي المدعى عليه أيضا :هل اشترى (ابتاع) الدار المشفوعة ،أو ل؟ فإن أقر فبها ،وإن
أنكر البتياع ،قيل للشفيع :أقم البينة على شرائه؛ لن الشفعة ل تثبت إل بعد ثبوت البيع بالحجة.
-------------------------------
( )1تكملة الفتح ،451 ،436/7 :تبيين الحقائق ،263/5 :م ( )1035مجلة ،الشرح الصغير،645/3 :
الشرح الكبير ،486/3 :المغني ،314-313/5 :كشاف القناع 161/4 :وما بعدها.
( )2الدر المختار ورد المحتار ،159/5 :تكملة الفتح ،421/7 :اللباب ،111/2 :تبيين الحقائق:
244/5وما بعدها.
( )6/677
فإن عجز عنها ،استحلف المشتري بال ،ما ابتاع هذه الدار ،أو بال ،ما يستحق عليّ في هذه الدار
شفعة ،من الوجه الذي ذكره الشفيع .
فإن نكل المشتري عن اليمين ،أو أقر بالشراء ،أو بَرْهن الشفيع على مايدعي ،قضي له بها ،إذا لم
ينكر المشتري طلب الشفيع الشفعة :فإن أنكر ،فالقول له (للمشتري) بيمينه ( . )1فإن أنكر طلب
المواثبة حلف على العلم أي ما يعلم به؛ وإن أنكر طلب التقرير ،حلف على البتات ،أي الحزم بأنه لم
يحصل.
ويلحظ أن الخصم للشفيع :هو المشتري مطلقا ،سواء تسلم المبيع أم ل؛ لنه مالك ،والبائع قبل
التسليم لقيام يده (حيازته).
لكن ل تسمع البينة على البائع ،حتى يحضر المشتري؛ لنه المالك ،ويفسخ بحضوره .فإن سلم المبيع
للمشتري،ل يلزم حضور البائع ،لزوال الملك واليد عنه (. )2
المبحث السابع ـ ما يطرأ على المشفوع فيه بيد المشتري :
قد يطرأ على المشفوع فيه في يد المشتري قبل القضاء بالشفعة للشفيع بعض التغيرات من عقود
وتصرفات ناقلة للملكية كالبيع والهبة ،أو مرتبة لحق انتفاع وغيره كالجارة والعارة ،أو حدوث
زيادة كبناء وغرس ،أو نقص كهلك وهدم أو نقض .فما أثر هذه التغيرات الطارئة على حق الشفيع،
وهل تسقط شفعته؟
أولً ـ العقود والتصرفات :
قد تصدر تصرفات من المشتري في الشيء المشترى قبل أن يقضى للشفيع بالشفعة .وتلك
التصرفات:
-------------------------------
( )1هذا محمول على ما إذا قال الشفيع :علمت أمس بالبيع ،وطلبت الشفعة ،فيكلف إقامة البينة ،فإن
عجز قبلت يمين المشتري .أما لو قال الشفيع :طلبت حين علمت ،فالقول قوله بيمينه (رد المحتار:
.)160 ،158/5
( )2الدر المختار.160/5 :
( )6/678
إما ناقلة للملكية كالبيع والهبة مع التسليم والوقف ،وجعل المبيع مهرا في زواج.
وإما مرتبة لحق انتفاع ،أو حبس كالجارة والعارة ،والرهن.
وقد اتفقت المذاهب الربعة ( )1على جواز نقض بعض التصرفات الناقلة للملكية وهو البيع ،بعد حكم
القاضي بالشفعة لمستحقها ،لتعلق حق الغير في المبيع .كما اتفقوا على جواز نقض الرهن والجارة
والعارة ،مما ل شفعة فيه ابتداء.
وفي حالة البيع :يخير الشفيع بين أن يأخذ العقار المبيع بالثمن الذي تم به الشراء الول ،أو الثاني؛
لن كل واحد من العقدين سبب تام لثبوت حق الخذ له بالشفعة كما قال السرخسي ،ولن حق الشفيع
سابق على هذا التصرف ،فل يبطل به.
واتفق الحنفية والشافعية والمالكية على جواز نقض ما ل شفعة فيه ابتداء ،كالوقف وجعله مسجدا أو
مقبرة ،والهبة له ،والوصية به.
وقال الحنابلة :تسقط الشفعة إذا تصرف المشتري بالمبيع قبل طلب الشفعة بهبة أو صدقة ،أو وقف
على معين كمسجد كذا ،أو على الفقراء أو المجاهدين ،أو جعله عوضا عن طلق أو خلع أو صلح
عن دم عمد ونحوه ،مما ل شفعة فيه ابتداء؛ لن في الشفعة إضرارا بالموقوف عليه ،والموهوب له،
والمتصدق عليه ونحوه ،بسبب زوال ملكه يزول عنه بغير عوض؛ لن الثمن إنما يأخذه المشتري،
والضرر ل يزال بالضرر .ول يصح عند الحنابلة تصرف المشتري بعد طلب الشفيع الشفعة ،لنتقال
الملك إلى الشفيع بالطلب في الصح .ولو أوصى المشتري بالشقص المشترى (الحصة المبيعة) فإن
أخذه الشفيع قبل القبول بطلت الوصية ،واستقر الخذ للشفيع ،لسبق حقه على حق الموصى له،
والوصية قبل القبول بعد الموت جائزة ،ل لزمة.
-------------------------------
( )1المبسوط 108/14 :وما بعدها ،الدرا لمختار ،164/5 :الشرح الصغير ،652/3 :القوانين
الفقهية :ص ،287الشرح الكبير ،493/3 :مغني المحتاج 303/2 :وما بعدها ،المهذب،382/1 :
كشاف القناع 169/4 :وما بعدها.
( )6/679
( )6/680
( )6/681
ب ـ وأما في حالة البناء والغرس :فللشفيع الخذ بالشفعة أيضا ،لكن الفقهاء اختلفوا فيما يجب عليه
من دفع قيمة البناء والغراس.
قال الحنفية في ظاهر الرواية ( : )1إذا بنى المشتري أو غرس فيما اشتراه ،ثم قضي للشفيع بالشفعة،
كان للشفيع الخيار:إن شاء كلف المشتري بالقلع وتخلية الرض مما أحدث فيها؛ لنه وضعه في محل
تعلق به حق متأكد للغير من غير إذن ،وتكون النقاض للمشتري ،ل للشفيع ،لزوال التبعية
بالنفصال.
وإن شاء أخذ الرض بالثمن الذي دفعه المشتري ،على أن يدفع قيمة البناء والغرس مقلوعا أي
مس َتحَق القلع أنقاضا.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) ( ، )2ورأيهم هو العدل :إن اختار المشتري قلع
الغراس والبناء ،لم يمنع إذا لم يكن فيه ضرر؛ إذ ل ضرر ول ضرار؛لنه ملكه ،فيملك إزالته ونقله،
ول يلزمه تسوية الرض؛ لنه غير متعد.
وإن لم يختر المشتري القلع ،فالشفيع بالخيار بين ترك الشفعة ،وبين دفع قيمة البناء والغراس مس َتحَق
البقاء.
وهذا هو رأي أبي يوسف أيضا.
والسبب في اختلف الرأيين كما قال ابن رشد الحفيد الفيلسوف في بداية المجتهد :تردد تصرف
المشفوع عليه ،العالم بوجوب الشفعة عليه بين شبهة تصرف الغاصب ،وتصرف المشتري الذي يطرأ
عليه الستحقاق ،عندما بنى في الرض أو غرس .فمن غلب على فعله شَبَه الستحقاق وهم
الجمهور ،قرر أنه ل بد للمشتري من أن يأخذ القيمة .ومن غلب على فعله شَبَه التعدي قال وهم
الحنفية :للشفيع أن يعطي قيمة البناء والغراس منقوضا.
ثالثا ـ نقص المشفوع فيه :
للفقهاء حول هذا الموضوع رأيان متعارضان :رأي الحنفية وقريب منه مذهب المالكية ،ورأي
الشافعية والحنابلة.
قال الحنفية ( : )3قد يكون النقص جزءا من توابع الرض ،أو متصلً بالرض ،أو بعضا من
الرض نفسها.
أ ـ فإن كان النقص جزءا من توابع الرض ،مثل قطف الثمر ،وهلك اللت الزراعية أو
الصناعية ،ثم حكم بالشفعة للشفيع ،سقط من الثمن قيمة هذه الثمار واللت ،سواء أكان النقص بفعل
المشتري؛ لنها مقصودة بالبيع ،وقد أخذها المشتري ،أم كان الهلك بآفة سماوية؛ لنها كانت بعض
المعقود عليه ،ودخلت في البيع مقصودة ،فيقابلها حصتها من الثمن.
ب ـ وإن كان النقص جزءا متصلً بالرض ،مثل يبس الشجر أو جفافه ،وانهدام البناء ،واحتراقه،
ونقضه ،ثم قضي للشفيع بالشفعة ،فإن كان ذلك بصنع المشتري أو غيره ،نقص من الثمن قيمة ما
زال ،كالحالة الولى ،فتقوّم الرض بدون شجر وبناء ،وتقوّم وفيها البناء والشجر ،ويسقط عن الشفيع
مقدار التفاوت أو الفرق بينهما ،لوجود التعدي والتلف ،فيقابله شيء من الثمن .وتكون النقاض
حينئذ للمشتري.
-------------------------------
( )1البدائع ،29/5 :تبيين الحقائق ،250/5 :المبسوط ،114/14 :الدر المختار ،164/5 :اللباب:
118/2وما بعدها.
( )2بداية المجتهد ،260/2 :نهاية المحتاج ،ومغني المحتاج :المكان السابق ،المغني 317/5 :وما
بعدها ،كشاف القناع.175/4 :
( )3المبسوط ،115/14 :تبيين الحقائق 251/5 :وما بعدها ،الدرالمختار ورد المحتار 164/5 :وما
بعدها ،تكملة الفتح ،434/7 :اللباب ،119/2 :الموال ونظرية العقد في الفقه السلمي لستاذنا
المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى :ص 236وما بعدها.
( )6/682
وأما إن حدث ذلك بل تعد من أحد ،وإنما بآفة سماوية ،كزلزال أو صقيع أو ريح عاتية ،كان على
الشفيع دفع الثمن كله ،ول يسقط منه شيء مقابل الجزء التالف أو الضائع؛ لن النقص ليس بجناية
أحد ،ولن الشجر والبناء تابعان للرض ،حتى إنهما يدخلن في عقد البيع بدون ذكر ،فل يقابلهما
شيء من الثمن؛ لن الصل أن الثمن يقابل الصل ل الوصف.
وأما مصير النقاض من أحجار وأخشاب :فإن لم يبق منها شيء ،فل إشكال .وإ ن بقي منها شيء،
وأخذه المشتري لنفصاله من الرض وعدم تبعيته لها ،سقطت حصته من الثمن ،بقيمته يوم الخذ.
وأما الدار فتقوم يوم العقد ،ويوزع الثمن بين الدار والنقاض بحسب قيمتها على النحو المذكور.
وإن لم يأخذ المشتري النقاض ،كأن هلكت بعد انفصالها ،لم يسقط شيء من الثمن ،لعدم حبس
النقاض من قبله ،ولنها من التوابع ،والتوابع ل يقابلها شيء من الثمن ،وبالخذ بالشفعة تحولت
الصفقة إلى الشفيع.
جـ ـ وأما إن كان النقص في الرض نفسها ،ل فيما عليها من شجر أو بناء ،كأن أغرقها السيل،
فأزال بعضها ،كان للشفيع الخيار بين ترك الشفعة ،وبين أخذ الباقي بحصته من الثمن؛ لن حقه ثابت
في الكل ،وقد تمكن من أخذ البعض ،فيأخذه بحصته من الثمن ،لهلك بعض الصل.
ومذهب المالكية إجمالً كالحنفية ،فإنهم قالوا ( : )1ل يضمن المشتري نقص الشقص (الجزء المشفوع
فيه) إذا طرأ عليه بسب سماوي ،أو بسبب من المشتري لمصلحة ،كأن هدم ليبني أو لجل توسعة.
فإن كان النقص بسبب من المشتري ،كأن هدم ل لمصلحة ،ضمن.
فإن هدم وبنى ،فللمشتري قيمته يوم البناء على الشفيع قائما ،لعدم تعديه.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،654/3 :الشرح الكبير.494/3 :
( )6/683
وتحسب للشفيع من الثمن قيمة النقاض يوم الشراء ،فيحط عنه من الثمن ،ويغرم ما بقي مع قيمة
البناء قائما.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )1إن تلف الشقص (الجزء المشفوع فيه) أو بعضه ،في يد المشتري ،فهو
من ضمانه ،لنه ملكه ،تلف في يده.
ثم إن أراد الشفيع الخذ بعد تلف بعض المشفوع فيه ،أخذ الموجود بحصته من الثمن ،سواء أكان
التلف بفعل ال تعالى ،أم بفعل آدمي ،وسواء تلف باختيار المشتري كنقضه البناء ،أو بغير اختياره
كانهدام البناء نفسه.
والنقاض إن كانت موجودة أخذها الشفيع مع الرض بحصتها من الثمن ،وإن كانت معدومة أخذ
الرض وما بقي من البناء.
المبحث الثامن ـ مسقطات الشفعة :
تعرف السباب التي تؤدي إلى إسقاط حق الشفعة ،عند الكلم على شروط الخذ بالشفعة ،لذا أوجز
الكلم في بيان ما تسقط به الشفعة فيما يأتي ،مع ملحظة أن بعض الحالت متفق عليها ،وبعضها
مختلف فيها:
- 1بيع الشفيع ما يشفع به من عقار قبل أن يقضى له بالشفعة :إذا باع الشفيع ما يشفع به قبل العلم
بالشفعة ،أو بعد العلم بالشفعة ،وقبل الحكم بها ،سقطت شفعته ،باتفاق الفقهاء ما عدا ابن حزم
الظاهري ،لزوال السبب الذي يستحق به الشفعة ،وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه .فبطلن هذه
الشفعة أمر منطقي بدهي ،لنتفاء الضرر عن الشفيع الذي شرعت الشفعة من أجل دفعه عن الشريك
باتفاق الفقهاء .أو عن الجار عند الحنفية (. )2
-------------------------------
( )1المغني.320/5 :
( )2الهداية مع تكملة الفتح ،446/7 :تبيين الحقائق ،258/5 :الدر المختار ،170/5 :الكتاب مع
اللباب ،113/2 :المهذب ،381/1 :كشاف القناع ،169/4 :المحلى ،116/9 :م ،1601الشرح
الصغير.642/3 :
( )6/684
- 2تسليم الشفعة أو الرغبة عنها بعد البيع :سواء أكان عالما بحقه فيها ،أم غير عالم ،صراحة ،أم
دللة وضمنا؛ لن الشفعة حق ضعيف يسقط بأوهى السباب ،وذلك في المذاهب الربعة (. )1
أما تسليم الشفعة صراحة :فمثل أن يقول الشفيع :ل أرغب فيها ،أو ل أريدها ،أو أسقطتها أو أبطلتها،
أو أبرأتك عنها أو عفوت عنها أو سلمتها ،ونحوها على أن يكون تسليمها بعد البيع وقبل الحكم بها؛
لنه ل حق له قبل البيع فيسقطه ،ولنه بعد الحكم ل يملك إسقاطها إل بعقد ناقل للملكية.
وأما تسليم الشفعة دللة :فهو أن يوجد من الشفيع ما يدل على رضاه بالعقد وحكمه للمشتري ،وهو
ثبوت الملك له ،مثل ترك طلب المواثبة أو طلب التقرير بعد العلم بالبيع مع القدرة عليه بأن يترك
الطلب على الفور من غير عذر ،أو قام عن المجلس الذي علم فيه بالبيع ،أو تشاغل عن الطلب بعمل
آخر؛ لن ترك الطلب مع القدرة عليه دليل الرضا بالعقد وحكمه للمشتري الدخيل.
ومثل :أن يساوم الشفيع المشتري على شراء ما اشتراه أو إيجاره له ،لن مساومته دليل على
إعراضه عن الخذ بالشفعة.
ومثل أن يكون الشفيع وكيلً عن البائع فيما باعه؛ لنه يسعى في نقض ما تم من جهته .أما إذا كان
الشفيع وكيل المشتري فيما ابتاع أي اشترى لموكله ،فله الشفعة ،لنه ل ينتقض شراؤه بالخذ بها (أي
الشفعة)؛ لنها مثل الشراء .وهذا التفصيل عند الحنفية ،وبعض الحنابلة وبعض الشافعية.
-------------------------------
( )1المبسوط 154/14 :وما بعدها ،البدائع ،20-19/5 :تبيين الحقائق ،257/5 :الهداية مع التكملة:
،445-442/7الدر المختار 168/5 :وما بعدها ،الكتاب مع اللباب ،113-112/2 :الشرح الصغير:
،645 ،642/3المهذب ،380/1 :مغني المحتاج ،306/2 :المغني 349/5 :وما بعدها ،بداية
المجتهد ،259/2 :القوانين الفقهية :ص .286
( )6/685
وقال الشافعية والحنابلة في الرجح ( : )1إذا وكل الشفيع في البيع ،لم تسقط شفعته بالتوكيل ،سواء
أكان وكيل البائع أم وكيل المشتري ،لنه وكيل فل تسقط شفعته كالخر .أما التهمة فل تؤثر؛ لن
الموكل وكله مع علمه بثبوت شفعته راضيا بتصرفه مع ذلك ،فل يؤثر ،كما لو أذن لوكيل في الشراء
من نفسه.
وهناك أمران في تسليم الشفعة :وهما تسليم الولي شفعة الصبي ،والصلح عن الشفعة.
أ ـ تسليم الشفعة من الولي :أوضحت هذا الموضوع في بحث طلب الشفعة ،وأشير إليه هنا بإيجاز
يتصل بأمر سقوط الشفعة.
قال الشيخان (أبو حنيفة وأبو يوسف) ( : )2تسليم الب والوصي الشفعة على الصغير جائز ،فيسقط
حقه فيها حينئذٍ؛ لن الخذ بالشفعة في معنى التجارة ،بل عين التجارة؛ لنه مبادلة المال بالمال،
وترك الخذ بها ترك التجارة ،فيملكه الولي ،كما يملك ترك التجارة برد بيع شيء للصبي ،عندما يقال
للب مثلِ :بعتك هذا المال لبنك الصغير؛ ولنه أي الخذ بالشفعة تصرف دائر بين النفع والضرر،
وقد تكون المصلحة في ترك الشراء للصبي ،رعاية لمصلحته ،ليبقى الثمن على ملكه ،والولية :نظر
بحسب المصلحة.
وفصل المالكية في المر ( : )3فقالوا :إن كان ترك الشفعة لمصلحة القاصر ،صح إسقاطها من الب
أو الوصي ،وإل فل يصح ،وللقاصر حينئذ طلبها متى بلغ.
-------------------------------
( )1المغني.351/5 :
( )2تبيين الحقائق ،263/5 :تكملة الفتح ،451/7 :م ( )1035مجلة.
( )3الشرح الكبير ،486/3 :الشرح الصغير.645/3 :
( )6/686
وقال زفر ومحمد والحنابلة ( : )1ليس للولي إسقاط شفعة الصغير ،سواء لمصلحة أو لغير مصلحة،
ويظل الصغير على شفعته متى بلغ؛ لن هذا حق ثابت للصغير ،فل يملك الولي إبطاله ،كالتنازل عن
ديته ،و َقوَده (حقه في القصاص) ولنه شرع لدفع الضرر ،فكان إبطاله إضرارا به.
ويجري هذا الخلف عند الحنفية في تسليم الوكيل طلب الشفعة عن موكله .عند أبي حنيفة :يصح منه
تسليمها في مجلس القاضي؛ لن الوكيل قائم مقام الموكل في الخصومة ومحلها مجلس القاضي.
وعند أبي يوسف :يصح للوكيل تسليم الشفعة في مجلس القاضي وفي غيره ،لكونه نائبا عن الموكل
مطلقا.
وعند محمد وزفر :ل يصح من الوكيل تسليم الشفعة أصلً.
ب ـ الصلح عن الشفعة :قال الحنفية ( : )2إن صالح الشفيع عن حقه في الشفعة بأخذ عوض عنه،
سقطت شفعته لتضمن فعله العراض عن الشفعة ،وعليه رد العوض الذي أخذه ،لبطلن الصلح وبيع
الحق؛ لن الشفعة مجرد حق في التملك ،وقد شرعت لدفع الضرر عن الشفيع ،فل تصح المعاوضة
عن هذا الحق ،ويكون العتياض عنه رشوة.
والخلصة :أن الصلح وإن لم يصح ،فإسقاط حق الشفعة صحيح؛ لن صحته ل تتوقف على العوض،
بل هو شيء من الحقوق المالية ل تصح المعاوضة عنه ،فصار الشفيع كأنه سلّم الشفعة بل عوض.
-------------------------------
( )1المغني ،313/5 :كشاف القناع 161/4 :وما بعدها.
( )2البدائع ،20/5 :تكملة الفتح ،443/7 :تبيين الحقائق ،257/5 :الكتاب مع اللباب ،113/2 :الدر
المختار.169/5 :
( )6/687
- 3ضمان الدّرَك :تسقط الشفعة عند الحنفية ( )1إذا ضمن الشفيع الدرك عن المشتري للبائع أي
ضمن له الثمن عند المشتري؛ لن هذا دليل على الرضا بالبيع الحادث للمشتري.
كما أن البائع إذا شرط الخيار للشفيع في إمضاء البيع أو عدم إمضائه ،فأمضى المشروط له الخيار
(وهو الشفيع) البيع؛ لن البيع تم بإمضائه ،وهذا في تقديري هو الحق بالتباع.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )2ل تسقط الشفعة إن ضمن الشفيع العهدة (المطالبة بالثمن عند استحقاق
المبيع أو عيبه) للمشتري ،أو شرط له الخيار ،فاختار إمضاء العقد ،لم تسقط شفعته؛ لن المسقط لها
هو الرضا بتركها بعد وجوبها بالبيع ،وهذا لم يوجد ،فإنه سبب سَبَق وجوب الشفعة ،فلم تسقط به
الشفعة ،كالذن بالبيع ،والعفو عن الشفعة قبل تمام البيع.
- 4تجزئة المشفوع فيه :اتفق الفقهاء ( )3على أن الشفعة حق ل يقبل التجزئة ،فإذا تنازل (سلم)
الشفيع عن بعض المشفوع فيه كالنصف مثلً ،سقط حقه في كل المبيع؛ لنه لما سلّم في النصف بطل
حقه فيه بصريح السقاط ،وبطل حقه في الباقي؛ لنه ل يملك حق تفريق الصفقة على المشتري،
فسقطت شفعته في الكل ،منعا من إضرار المشتري في تفريق الصفقة عليه ،والضرر ل يزال
بالضرر ،لكن كما لو قال أبو يوسف ،ورأيه هو الراجح عند الحنفية :ل تسقط الشفعة في حال طلب
نصف المشفوع فيه ويظل الحق للشفيع في أخذ الكل أو ترك الكل.
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق ،258/5 :الهداية مع التكملة ،447/7 :اللباب.113/2 :
( )2المغني ،351/5 :كشاف القناع.182/4 :
( )3البدائع ،21/5 :بداية المجتهد ،258/2 :مغني المحتاج ،306/2 :المهذب ،381/1 :كشاف القناع:
،164/4المحلى ،118/9 :م .1604
( )6/688
وإذا تعدد الشفعاء ،فليس لبعضهم أن يهب حصته لبعض ،وإن فعل أحدهم أسقط حق شفعته م (
)1042مجلة (. )1
وإن أسقط أحد الشفعاء حقه قبل حكم الحاكم ،فللشفيع الخر أن يأخذ تمام العقار المشفوع .وإن أسقطه
بعد حكم الحاكم ،فليس للخر أن يأخذ حقه م ( )1043مجلة.
- 5وفاة الشفيع :تسقط الشفعة عند الحنفية ( )2بوفاة الشفيع ،سواء بعد الطلب (أي طلبي المواثبة
والتقرير) أو قبله ،قبل الخذ بالقضاء له أو تسليم المشتري إليه؛ لن حق الشفعة ل يورث كخيار
الشرط ،إذ الحقوق ل تورث عندهم ،ولنه بالموت يزول ملك الشفيع عن داره ويثبت الملك للوارث
بعد البيع ،والمطلوب تحقق الملك وقت البيع.
ول تبطل الشفعة بموت المشتري لبقاء المستحق ،أي أن المستحق باق ،ولم يتغير سبب حقه.
وفصل الظاهرية والحنابلة في المر ( ، )3فقالوا :إن مات الشفيع قبل أن يطلب الشفعة ،سقطت
شفعته ( ، )4ول حق لورثته في الخذ بالشفعة أصلً؛ لن ال تعالى إنما جعل الحق له ،ل لغيره،
والخيار ل يورث.
وتورث الشفعة إن أشهد الشفيع على مطالبته ،ثم مات ،وللورثة المطالبة بها؛ لن الشهاد على الطلب
عند العجز عنه يقوم مقامه.
-------------------------------
( )1المهذب :المكان السابق ،البدائع 5/5 :وما بعدها ،الدر المختار.173/5 :
( )2الدر المختار ،170/5 :تكملة الفتح ،446/7 :تبيين الحقائق ،257/5 :اللباب ،113/2 :البدائع:
،22/5م ( )1038مجلة.
( )3المحلى ،117/9 :م ،1603المغني ،346/5 :كشاف القناع.176/4 :
( )4قال المام أحمد :الموت يبطل به ثلثة أشياء :الشفعة ،والحد إذا مات المقذوف ،والخيار إذا مات
الذي اشترط الخيار.
( )6/689
وهذا التفصيل يؤدي إلى التفاق مع مذهب الحنفية في عدم إرث الشفعة قبل الطلب.
وقال المالكية والشافعية ( : )1يورث حق الشفعة ،إذا مات الشفيع بعد الطلب قبل الخذ ،فالشفعة
موروثة عندهم؛ لنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال ،فيورث كخيار العيب.
والظاهر مما نقل عن هذين المدهبين في كتب غيرهم أن حق الشفعة يورث ،ولو قبل طلبها من
الشفيع أيضا ،لطلق عباراتهم .لكن الحق أنه ل بد عند الشافعية من الطلب وإل سقط حق الشفيع
نفسه فيكون مذهبهم كالحنابلة (. )2
والخلصة :أن الشفعة ل تورث عند الحنفية بعد الطلب ،وتورث بعد الطلب في المذاهب الثلثة وعند
الظاهرية.
والخلف محصور فيما إذا مات الشفيع قبل القضاء بالشفعة له ،فإذا مات بعد القضاء قبل نقد الثمن
وقبض المبيع ،فالبيع لزم لورثته بالتفاق.
ومن الكلم في مسقطات الشفعة يتبين لنا الحقائق التالية (: )3
- 1الشفعة حق ضعيف ،يجب أن يتقوى ويتأكد بالطلب.
- 2الشفعة شرعت لدفع الضرر عن صاحبها وهو الشريك باتفاق الفقهاء ،والجار عند الحنفية.
- 3ل يصح أن تكون الشفعة سببا لضرر المشتري بتفريق الصفقة عليه ،إذا طلب الشفيع أخذ بعض
المبيع فقط.
انتهى الجزء السادس ويتبعه
الجزء السابع :الفقه العام -معالم النظام القتصادي -الحدود والجنايات
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،260/2 :القوانين الفقهية :ص ،287المهذب ،383/1 :نهاية المحتاج.158/4 :
( )2أما المالكية فقد أثبتوا للشفيع حق الخذ بالشفعة مدة سنة ،فإذا مات قبل الطلب فيورث عنه هذا
الحق ،ما لم يكن الحاكم قد أسقط شفعته إذا لم يحدد رغبته إما بالخذ أو بالترك ،بناء على طلب
المشتري.
( )3الموال ونظرية العقد للمرحوم موسى :ص .238
( )6/690
( )7/1
وإذا كان هذا هو شأن القتصاد وتأثيره في العالم ،فل بد من أن يكون للسلم خطة واضحة في
القضايا القتصادية ،إذ إنه شريعة الخلود الدائمة التي تقدر تماما ما للوضع القتصادي من تأثير كبير
في حياة المة ،والتي تتجاوب مع مقتضيات التطوروالتبدل الذي يمر على البشرية .وليس من
المعقول أل يكون هناك أساس اقتصادي للحضارة السلمية التي سادت العالم عدة قرون من الزمان،
وكان الرفاه والرخاء يعم الوساط السلمية ،حتى إنه ليكاد يجد الغني أحدا من الفقراء يعطيه زكاة
أمواله في بعض عهود الدولة السلمية الزاهرة.
لذا فإني أذكر أهم معالم النظام القتصادي السلمي ،تلك المعالم التي لم يستغرب المرء منها أن
تكون أساسا صالحا للمجتمعات المتحضرة في مختلف مراحل التطور البشري؛ لنها تتلءم مع
الفطرة النسانية ،وتلتقي مع العدالة والحرية والرحمة ،وتصدر عن تخطيط إلهي أو عن تنظيم
اقتصادي مستقل ،مجرد عن النزعات والهواء الخاصة .وأسس هذا النظام القتصادي السلمي
تجمع بين ما هو معروف في مجال الفكر القتصادي بصفة عامة من (السياسة القتصادية) و(المذهب
القتصادي) والمقصود بالسياسة القتصادية :هو ذلك النوع من الفكر القتصادي الذي يحاول حل
المشكلت القتصادية الطارئة على المجتمع .وموضوع هذه السياسة دراسة خير السبل والوسائل التي
يجب أن تتبعها السلطات العامة للوصول إلى هدف معين أو غاية محدودة .وأما المقصود بالمذهب
القتصادي :فهو المرحلة الثانية من مراحل التفكير القتصادي الذي يحاول فيه الباحث أن يتخذ موقفا
معينا بالحكم التقييمي على نظام اقتصادي معين ،فيحبّذ قبوله أو رفضه ،ويدافع عن الخذ به أو
العدول عنه .وبعبارة أخرى :هو الطريق التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته القتصادية وحل
مشكلتها العملية.
ولقد تضمن النظام السلمي أحكاما تتعلق بموضوع السياسة القتصادية ،كما أن هذه الحكام حددت
رأيا مذهبيا واضحا تجاه القضايا القتصادية حسبما يتطابق مع المثل العليا التي يجب أن تكون عليها
الحياة النسانية .وأبدأ بما يأتي:
( )7/2
( )7/3
وقد انتقد هذا النظام كما تقدم؛ لنه يؤدي إلى اختلل التوازن في توزيع الثروة بين الفراد ،وانقسام
المجتمع إلى طبقتين :طبقة الرأسمالية القطاعية ،وطبقة ذوي الدخل المحدود من العمال والفلحين
وغيرهم ،كما أن هذا النظام يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة مستبدة ،وإلى انتشارا لبطالة،
والحتكارات الطبيعية والصناعية التي تتكون وتستغل المستهلك والطبقات الضعيفة .ومن أخطر
عيوب هذا النظام :استعمار الشعوب الذي ترتكز عليه سياسة الدول الرأسمالية النامية ،فكان من نتيجة
كل ذلك فشل النظام الرأسمالي في تحقيق الستقرار القتصادي ،وضمان الحياة الرغد ة للبشرية،
وبالتالي انهيار مذهب الحرية القتصادية المطلقة .وهذا ما جعل أنصار المذهب الرأسمالي ينادون
بضرورة تدخل الدولة لتنظيم الحريات القتصادية ،وعلى الدول أن تقوم بنفسها بجمع المشاريع
القتصادية التي يحتاجها المجتمع...
وأما النظام الشتراكي
فإنه كما تقدم يقوم على أساس امتلك الدولة لمختلف وسائل النتاج من صناعة وزراعة وثروة
طبيعية وخدمات عامة ،فل وجود للملكية الفردية ،ول مجال للحرية القتصادية إل بقدر ما يمنحه
المجتمع للفرد ،وتطالب المذاهب الشتراكية من الناحية الجتماعية بتحقيق المساواة بين الفراد ،أي
بإلغاء الفوارق بين الطبقات ،ول يقصد من ذلك تحقيق المساواة التامة الكاملة ،وإنما إلغاء الفوارق
التي ل يكون مردها الكفاءة في النتاج أو العلم ،أو العمل لصالح المجموع .فالشتراكية تكافئ كل
فرد بحسب عمله مع مراعاة ظروفه ومواهبه الشخصية على أن يتحقق أولً إشباع الحاجات
الضرورية لكل إنسان.
( )7/4
وقد انتقد هذا النظام كما تقدم بأنه يصادم ما استقر في فطرة النسان من حبه التملك الفردي،
واستئثاره بثمرات جهوده التي يبذلها كاملة وبإضراره بمصلحة النتاج العام لنعدام روح المنافسة
الشرعية ،كما أن النظرية الماركسية التي تجعل قيمة أي سلعة بحسب ما يبذل في إنتاجها من عمل
منتقدة أيضا؛ لن عنصر العمل ليس هو العنصر النتاجي الوحيد ،وإنما هناك عناصر إنتاج أخرى
من طبيعة ورأس مال ل يمكن ردها إلى العمل .وكذلك مبدأ التوزيع القائل ( :من كل حسب طاقته،
ولكل حسب عمله) يخلق لونا جديدا من الطبقية :طبقة القيادة الحاكمة ،وغيرها من الطبقات ،كالتي
تنشأ بين العمال مثلً بحسب اختلف مواهبهم وكفاءاتهم ونوعية العمل ودرجة تعقيده ،فيظهر مثلً
الصراع بين العمال الفنيين والعمال اليدويين.
وهذه النتقادات دفعت الشتراكيين في روسيا إلى التزام جانب العتدال فاعترفوا بالملكية الخاصة
بالموال الستهلكية من أدوات منزلية ونقود وسلع ودخول ومدخرات متأتية من العمل ويحترم
ميراث هذه الشياء .كما أن الروس سمحوا بملكية خاصة لموال النتاج عن طريق قيام مشاريع
زراعية صغيرة خاصة بالفلحين ومشروعات حرفية للصناع ،وكذلك أجازو للفراد مزاولة المهن
الحرة كالطب والكتابة والفن ،وبالرغم من محاولت إصلح هذا النظام وتدارك سلبياته وعيوبه ،فلم
يكتب له النجاح ،حتى أدى أخيرا إلى سقوطه كنظام اقتصادي شامل في عهد جورباتشوف رئيس
جمهوريات التحاد السوفييتي عام 1989م في خطته المسماة بالبيروستريكا أي إعادة البناء
والصلح.
( )7/5
( )7/6
ل ـ أوضح سلطان جالييف أنه ل علقة بين المادية والشتراكية ،وأن محاولة الربط بين التفسير
أو ً
المادي للكون الذي يرفض الدين بالضرورة وبين الشتراكية هي محاولة ل ضرورة لها ول محل
لها ،فقد يكون المادي (الملحد) اشتراكيا وقد يكون غير اشتراكي .كما أن الشتراكي قد يكون ماديا أو
غير مادي .ثم إن التصور المادي للوجود والقول بأن المادة هي سبب كل موجود هو من قبيل
التصورات الميتافيزيقية ،وهو على هذا النحو نوع من عملية الستبدال بإله حقيقي هو ال إلها آخر
هو المادة .وقد بدأ كثير من الماركسيين يسلمون بهذه الحقيقة.
ثانيا ـ وأظهر سلطان جالييف أن إلغاء الملكية الخاصة والتأميم الكامل ليس هدفا في ذاته ،وليس هو
السبيل الوحيد للشتراكية ،وإنما المهم هو سيطرة الشعب على أدوات النتاج .وقد اعتنق هذا التجاه
المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي سنة .1956
ثالثا ـ أبرز سلطان جالييف أنه بعد انتصار الثورة البلشفية ،لم يعد هناك محل لفكرة صراع الطبقات
أو الكراهية ،كما لم يعد هناك محل لتمييز العمال على الفلحين ،أو إقامة دكتاتورية الطبقة الواحدة.
وحل محل كل ذلك فكرة تعاون أفراد المجتمع ،وإقامة تحالف قوى الشعب العاملة .وقد أخذت بذلك
دول أوربا الشرقية.
رابعا ـ يرى سلطان جالييف أن المجال الحيوي لثورة أكتوبر البلشفية هو الشرق وليس الغرب ()1
.
-------------------------------
( )1من مقال الدكتور محمد شوقي الفنجري في مجلة العربي عدد 180سنة 1973م.
( )7/7
ثانيا ـ وظيفة المال وحق الملكية الفردية والقيود الواردة عليه في السلم :المال في الحقيقة ل
سبحانه وتعالى كما قال{ :ل ملك السموات والرض وما فيهن} [المائدة ]120/5:والناس جميعا عباد
ال ،فهم شركاء في توزيع المال ،سواء تمثّل هذا المال في سلعة اقتصادية أو في سلعة حرة ،وتملك
النسان للمال يعتبر تملكا مجازيا ،أي إنه مؤتمن على المال ومستخلف فيه ونائب أو خليفة عن ال
فيه لقوله تعالى{ :وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد{ ]7/57:هو أنشأكم من الرض
واستعمركم فيها} [هود{ ]61/11:وهو الذي جعلكم خلئف الرض ،ورفع بعضكم فوق بعض درجات
ليبلوكم فيما آتاكم} [النعام{ ]165/6:هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعا} [البقرة.]29/2:
ويترتب على هذا التصور للمال واستخلف النسان فيه ،أو وكالته عليه أنه يجب التقيد بأوامر ال
تعالى ،في التملك حسبما يريد صاحب الملك الحقيقي .والناس على السواء لهم حق في تملك خيرات
الرض ،والمال ليس غاية مقصودة لذاتها ،وإنما هو وسيلة للنتفاع بالمنافع وتأمين الحاجات ،وإذا
كانت الخلفة عن ال في المال للجماعة ،فإن الملكية الخاصة تعتبر أسلوبا من أساليب قيام الجماعة
بمهمتها في الخلفة ،وإن لها صفة اجتماعية ،ل صفة حق مطلق وسيطرة واستبداد .وللجماعة حق
مراقبة ذوي الملكيات الخاصة لستخدامها في سبيل الصالح العام ،فيعتبر صاحب المال حينئذ مسؤولً
أمام ال عن ماله ،ومسؤولً أمام الجماعة أيضا.
وليس المال مقياسا للحترام والتعظيم ،ول لحتكار النفوذ ،فمن قواعد فقهنا« :من عظم غنيا لماله
وغناه فقد كفر» .
بهذه النظرة السلمية إلى المال بأنه وسيلة ل غاية مقصودة لذاتها ،ول للتجميع والتكديس ،يدق
السلم أول معول في هدم الرأسمالية الظالمة.
( )7/8
وأما حق الملكية في السلم فهو نزعة فطرية وحق شخصي أقرته الشريعة وصانته الديانات
السماوية ،لقوله تعالى { :زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب
والفضة} [آل عمران{ ]14/3:يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ،إل أن تكون تجارة
عن تراض منكم} [النساء{ ]29/4:والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} [المعارج-24/70:
.]25
وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم» «كل المسلم على المسلم حرام:
دمه وماله وعرضه» «ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب نفس منه» (. )1
إل أن هذا الحق الشخصي مقيد بقيود كثيرة ستذكر قريبا ،ومن أهمها عدم جواز الضرار بالغير،
مما يدل على أن لحق الملكية الفردية في تقدير السلم صفتين مزدوجتين :صفة الفردية وصفة
الجماعية العامة في وقت واحد.
أما الصفة الفردية :فلن الحق ليس في أصله وظيفة ،بل هو ميزة تمنح صاحبها الحق في النتفاع
بثمرات ملكه والتصرف فيه ،ولكن ل تعتبر هذه الملكية الخاصة هي الصل العام الذي يسمح للفراد
وحدهم بتملك أموال الثروة في البلد وبحسب النشاط والظروف ،وإن الملكية العامة أمر استثنائي
تقتضيه الظروف الجتماعية ،كما هو مقرر في النظام الرأسمالي .وعلى هذا فل يمكن أن يعتبر
المجتمع السلمي مجتمعا رأسماليا ،وإن اعترف بالملكية الخاصة.
ل إلى
وأما صفة الحق الجماعية العامة فتتجلى في تقييد حق الملكية الخاصة بمنع اتخاذها سبي ً
الضرار بالخرين ،وأنه يمكن أن تقوم ملكيات عامة للجماعة أو الدولة ،كالحمى والوقف والموال
العامة بجوار الملكية الخاصة .وعلى هذا فل يعتبر النظام السلمي وإن أخذ بنظام الملكية العامة أو
ملكية الدولة لبعض الثروات
-------------------------------
( )1الحديث الول أخرجه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي ال عنه ،والحديث الثاني أخرجه
مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه .والحديث الثاني أخرجه الدارقطني عن أنس بن مالك رضي ال
عنه.
( )7/9
ورؤوس الموال متطابقا مع النظام الشتراكي الذي يعتبر الملكية الجماعية هي المبدأ العام ،ومع هذا
فإن الحمى الذي قرره عمر رضي ال عنه إنما كان (تأميمه) صريحا وبدون مقابل ،فقد كانت
الرض التي حماها مملوكة لبني ثعلبة ،فلما اعترضوا عليه قال :إنه فعل ذلك في سبيل ال .
والخلصة :إن حق الملكية في السلم حق مزدوج يقوم على ركيزتين :الصفة الفردية والصفة
الجماعية ،وإن الملكية نوعان :ملكية خاصة وملكية عامة .ويكون لحق الملكية الفردية وظيفة
اجتماعية ،يوجه الحق بمقتضاها نحو البر والخير والصالح العام،وليس هو بذاته وظيفة اجتماعية
يمنحها المجتمع له ويقبل الزوال؛ لن هذا المعنى يؤدي في النتيجة إلى إلغاء فكرة الحق من أصلها.
وأما القيود الواردة على الملكية الفردية في السلم فهي كثيرة:
منها قيود سلبية ومنها قيود إيجابية .أما القيود اليجابية فسأذكرها في بحث وسائل تحقيق العدالة
الجتماعية ومبدأ تدخل الدولة.
وأما القيود السلبية فهي ما يأتي:
- 1منع الضرار بالخرين :
إن حق الفرد في التملك أو النتفاع بالملك ينظر إليه في السلم على أن الفرد عضو في الجماعة
المستخلفة عن ال في الموال ،فل يصح بداهة أن يكون التملك أو استعمال الملك طريقا للضرار
بالجماعة أو أن يكون مصدر قلق أو اضطراب ومنازعة وسيطرة ،لذا فإن المالك يمنع أثناء استعمال
ماله من إضرارغيره ،لقول الرسول صلّى ال عليه وسلم « :ل ضرر ول ضرار» ( )1فل يصح
اعتبار المال وسيلة ضارة أو طريقا للتسلط واليذاء ،سواء أكان الضرر خاصا أم عاما.
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس رضي ال عنهما.
( )7/10
( )7/11
وأما القمار بمختلف أنواعه ومنه اليانصيب فقد حرمه السلم؛ لنه مرض فتاك خبيث يهدد طاقة
النسان الجسدية والفكرية من دون فائدة مشروعة ،ويعوّد النسان على الخمول والكسل؛ لنه محاولة
للتوصل إلى كسب بل جهد ول عمل ،وفضلً عن ذلك فإنه يولّد بين الناس أحقادا عميقة الجذور،
ويثير شرارات نارية من المنازعات والختلفات التي ل تنتهي ذيولها ،حتى وصفه القرآن الكريم
بأنه رجس من عمل الشيطان.
وأما الغش في المعاملت :فهو ممنوع منعا مطلقا لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من غشنا فليس منا
» ( )1إذ يهدم الثقة بين المتعاملين ،ويجعل الحياة التجارية في اضطراب .ويشمل الغش كل أنواع
الخلبة (أي خديعة المشتري) من خيانة (كذب في مقدار الثمن) ..وتناجش (إيهام الغير برغبة الشراء
إغراء له به) وتغرير (إغراء بوسيلة كاذبة للترغيب في العقد) وتدليس العيب (كتمان عيب خفي في
المعقود عليه) وغبن فاحش (وهو الضرار بما يعادل نصف عشر القيمة في المنقولت والعشر في
الحيوان ،والخمس في العقارات) ومن صور الغبن :حالة تلقي الركبان ،أي تلقي ابن المدينة قوافل
الباعة الواردة من القرى والبوادي ،وشراؤها بأقل من سعر السوق بغبن فاحش.
وأما الحتكار فقد حرمه السلم تحريما عاما في كل ما يضرّ بالناس حبسه ومنعه ،وبخاصة السلع
الغذائية وضروريات الناس الستهلكية ؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم « :الجالب مرزوق والمحتكر
ملعون» ( )2لن الحتكار أمر لصيق بتنظيم السوق ،ولن فيه من المخاطر التي يعاني منها النظام
الرأسمالي ،والسبب في تحريم الحتكار أمر واضح وهو منع استغلل المحتكر للمستهلكين بمغالته
في الثمن،
-------------------------------
( )1أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي ال عنه ،وهو حديث صحيح.
( )2أخرجه ابن ماجه عن عمر رضي ال عنه ،لكنه ضعيف.
( )7/12
ومنع السلعة أحيانا من السوق لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من احتكر طعاما يريد أن يغلي بها على
المسلمين ،فهو خاطئ ،وقد برئت منه ذمة ال ورسوله» (. )1
وهكذا حرّم السلم كل أوجه الكسب غير المشروع مثل ما ذكر ،ونحوه من الرشوة والختلس
وابتزاز أموال الغير بالباطل واستغلل الحاكم أو الموظف لمنصبه ليقتنص أموال الناس ظلما
وعدوانا .والقصد من تحريم ذلك هو دفع النسان إلى العمل وإبعاده عن البطالة والكسل .وبهذا كله
أوصد السلم الباب أمام تضخم الثروات؛ لن الطرق غير المشروعة تؤدي عادة إلى ربح عظيم:
قال عليه الصلة والسلم « :الدنيا خضرة حلوة .من اكتسب فيها مالً من حِلّه ،وأنفقه في حقه ،أثابه
ال عليه ،وأورده جنته ،ومن اكتسب فيها مالً من غير حِلّه ،وأنفقه في غير حقه ،أحله ال دار
الهوان ،ورب متخوض في مال ال ورسوله ،له النار يوم القيامة» (. )2
- 3منع السراف والتقتير :
أوجب السلم العتدال في النفقة لقوله تعالى{ :ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل
البسط ،فتقعد ملوما محسورا} [السراء ]29/17:فل يكون التقتير مقبولً لما يترتب عليه من اكتناز
الثروات الضخمة الذي يحول بدوره دون توفر نشاط تداول الموال ،الذي هو أمر ضروري لنتعاش
الحياة القتصادية في كل مجتمع ،فحبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين النتاج وتهيئة وسائل
العمل للعاملين ،قال ال سبحانه وتعالى{ :والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال
فبشّرهم بعذاب أليم} [التوبة.]34/9:
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والحاكم عن أبي هريرة ،وهو حديث حسن.وفي رواية « :ليحتكر إل خاطئ »
عند مسلم وأحمد وأبي داود والترمذي (الترغيب والترهيب )582/2والخاطئ :الثم.
( )2أخرجه البيهقي في شعب اليمان عن ابن عمر رضي ال عنهما ،وهو صحيح.
( )7/13
وكذلك يحرم السلم السراف وتبذير الموال من دون وجه مشروع أو يؤدي إلى الضرر ولو في
سبيل الخير ،قال ال تعالى{ :إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} [السراء ]27/17:فالتبذير طريق
الفقر الذي يصبح به المبذر في النهاية عالة على المجتمع ،مما ينذر بمخاطر اجتماعية سيئة ،فضلً
عن أن التبذير سبيل لغرس الحقاد والبغضاء بين الناس والمحرومين ،وهكذا أوضح السلم مبدأ
سياسة العتدال في الستهلك والدخار ،فقال ال سبحانه{ :وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب
المسرفين} [العراف.]31/7:
- 4ليس المال سبيلً إلى الجاه والسلطان :
حظر السلم على أرباب الموال استخدامها في هضم الحقوق عن طريق الرشوة أو للتوصل إلى
منصب سياسي أو جاه أو وظيفة ليس أهلً لها ،قال ال تعالى { :ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالثم وأنتم تعلمون} [البقرة ]188/2:وفي هذا
إيصاد الباب أمام ما تفعله التكتلت الحتكارية والشركات العالمية في التأثير على السياسة الداخلية
والخارجية في الدول الرأسمالية..
- 5توزيع المال بعد الوفاة مقيّدٌ بنظام الرث :
ليس المرء حرا بالتصرف في ماله بعد وفاته حسبما يشاء كما هو مقرر في النظام الرأسمالي ،وإنما
هو مقيد بنظام الرث الذي يعتبر في السلم من قواعد النظام اللهي العام التي ل يجوز للفراد
التفاق على خلفها ،فالرث حق جبري ،ول يجوز اليصاء بأكثر من ثلث المال ،ول يصح تفضيل
بعض الورثة على حساب الخرين ،أو حرمان وارث أو الضرار بالدائنين ،وللسلطة القضائية الحق
ل مهما من عوامل
في إبطال التصرفات غير الشرعية في الرث والوصية ،فيكون تشريع الرث عام ً
تفتيت الثروات الضخمة ،وتوزيع الملكيات والقضاء على التفاوت الفاحش بين الطبقات.
( )7/14
( )7/15
كما أن هذا المبدأ مقيد بالرقابة الحازمة للدولة وإشراف الحاكم على النشاط العام ،وتوجيهه وجهة
تتمشى مع حفظ المصالح العامة ،ومنع الضرر عن الجماعة ،حسبما يقدر القتصاديون
المتخصصون ،قال ال تعالى { :ياأيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم }
[النساء ]59/4:وأولو المر :هم الحكام والعلماء المختصون ،فما يقرره أهل الخبرة واجب الطاعة
لحماية المة ،وللحفاظ على كيان الدولة ،ولتحقيق مبدأ التوازن الجتماعي السلمي على وفق ما
تقرره الشريعة.
رابعا -قيمة العمل ودوره في الحياة القتصادية وأثره على أثمان الشياء :
العمل شرف ومجد وفريضة على كل قادر عليه ،ولقد حث السلم عليه ،وحارب الكسل والخمول
والبطالة والتسول؛ لن الفقر مذلة ومرض اجتماعي خطير ،وتنفير السلم منه لنه يضر بالمصلحة
العامة ،فالمة قوية بقوة أفرادها ،ضعيفة بضعف أبنائها ،قال عليه الصلة والسلم « :كاد الفقر أن
يكون كفرا » ( )1واعتبر السلم العمل هو الوسيلة المفضلة الغلبية للتملك ،وأن لعمل من غير
أجر ،وأن الجر على قدر العمل ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :أطيب الكسب كسب الرجل من
عمل يده » ( « ، )2ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ،وإن نبي ال داود كان
يأكل من عمل يده» ( « )3من أمسى كاّل ـ أي متعبا ـ من عمل يده أمسى مغفورا له » ( « )4إن
ال يحب العبد المحترف » ( « )5طلب الحلل فريضة
-------------------------------
( )1أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس ،وسكت عنه السيوطي.
( )2أخرجه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع أن النبي صلّى ال عليه وسلم سئل « :أي
الكسب أطيب؟ قال :عمل الرجل بيده ،وكل بيع مبرر » .
( )3أخرجه أحمد والبخاري عن المقدام بن معد يكرب رضي ال عنه.
( )4أخرجه الطبراني في الوسط عن ابن عباس رضي ال عنهما ،لكنه ضعيف.
( )5أخرجه الحكيم الترمذي والطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي ال عنهما ،لكنه ضعيف.
( )7/16
بعد الفريضة » ( « )1إن من الذنوب ذنوبا ليكفّرها الصلة ول الصيام ول الحج ول العمرة ،يكفرها
الهموم في طلب المعيشة » ( « )2إن أطيب ماأكلتم من كسبكم ،وإن أولدكم من كسبكم» (... )3
وقال عمر رضي ال عنه « وال لئن جاءت العاجم بالعمال وجئنا بغير عمل ،فهم أولى بمحمد منا
يوم القيامة ،فإن من قصّر به عمله لم يسرع به نسبه » وهذه الحاديث النبوية مستمدة من القرآن
الكريم وملتقية معه .قال ال تعالى { :ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا وليوفيهم أعمالهم ،وهم ليُظلمون }
[الحقاف { ]19/46:ول تبخسوا الناس أشياءهم } [هود { ]85/11:فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه
وإليه النشور } [الملك{ ]15/67:فابتغوا عند ال الرزق} [العنكبوت.]17/29:
وعقد النبي صلّى ال عليه وسلم موازنة بين العمل والستجداء فقال « :لن يأخذ أحدكم حَبْله ،فيذهب
به إلى الجبل ،ثم يأتي به فيحمله على ظهره ،فيأكل ،خير له من أن يسأل الناس» ( « )4لتزال
المسألة بأحدكم حتى يلقى ال تعالى ،وليس في وجهه مُزْعة لحم » ( « )5اليد العليا خير من اليد
السفلى » ( « )6اطلبوا الحوائج بعزة النفس فإن المور تجري بالمقادير » ( « )7لتحل الصدقة
لغني ول لذي مِرّة سوي » (. )8
كل هذه اليات والحاديث النبوية تدل على تقديس السلم للعمل وتقدير
-------------------------------
( )1أخرجه الطبراني عن ابن مسعود ،لكنه ضعيف.
( )2أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة رضي ال عنه.
( )3أخرجه الخمسة ( أحمد وأصحاب السنن ) عن عائشة رضي ال عنها.
( )4أخرجه أحمد بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي ال عنه.
( )5أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر رضي ال عنهما.
( )6أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي ال عنهما ،وهو حديث صحيح.
( )7أخرجه أبو الشيخ ابن حبان وفي مسند الفردوس للديلمي عن أنس رضي ال عنه ،لكنه ضعيف.
( )8أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن العاص رضي ال عنه ،والمرة :القوي ،والسوي:
المستوي الخلق ،التام العضاء.
( )7/17
تأثيره في الحياة القتصادية ،وإن من حق العمال أن يتقاضوا من الجور بقدر مايبذلونه من جهود،
وبما يتفق مع خبراتهم ومواهبهم ،فالكفاية وحدها ،والمقدرة وحدها ،هما معيار أهلية الفرد ،وبذلك
كفل السلم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الناس كافة في السعي ،والجد المشروع في اكتساب
المعاش والتماس الرزق ،ولكن لتشترط المساواة في ثمار هذا السعي؛ لن السلم ليقول بالمساواة
في الرزق نفسه ،وليعقل بل من الظلم الفاحش عدم العتراف بالتفاوت الفطري بين الفراد في
المكانات والمواهب والجهود ،قال ال تعالى{ :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ،ورفعنا
بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف{ ]32/43:وال فضّل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل:
.]71/16
إن العمل في تقدير السلم سبب لملكية العامل نتيجة عمله .وتكون القاعدة في السلم ( :أن العمل
سبب الملكية ) ل قاعدة ( أن العمل سبب لتملك المجتمع ل الفرد ) أو قاعدة (أن العمل سبب لقيمة
المادة ،وبالتالي سبب تملك العامل لها) .ويشترك العمل أحيانا مع رأس المال المستثمر في كسب
الملكية كما في شركة المضاربة ،وكما تقرر نظرية كينز ،فالعامل يتملك الربح بسبب عمله في
المضاربة ورب المال يستثمر ماله ويشغله ،فيكون ربح العامل بسبب جهده ،وربح رب المال بسبب
رأسماله الذي يحرك عجلة التجارة ،كما أن ماله سبب في انتعاش السوق القتصادية ،وفي ربح
العامل بدون مشاركة في الخسارة ،وإنما رب المال يتحمل وحده الخسارة التي هي حالة اضطرارية
وغير غالبة.
( )7/18
وإذا كان ابن خلدون مؤسس علم القتصاد ومن بعده ريكاردو وما ركس واضع نظرية الشتراكية
العلمية يرون أن العمل أساس القيمة ،أي أن قيمة السلع والشياء تتحدد بقيمة العمل الداخل فيها أو
ساعات العمل التي بذلت في صنعها ،فإن النظرية السلمية تجعل قيمة السلعة تتحدد بحسب العرض
والطلب الواقعين عليها مع التزام مبدأ السعر العادل ،وفي ظل من رقابة الدولة على تطبيق العدالة،
أي أن قيمة الشياء تتدخل فيها اعتبارات الندرة في المال ،وسعر السوق النسبي ،بحسب حاجة
الشخص للسلعة وهو ما يريده الفقهاء من سعر المثل .وإذا كان مبدأ الشتراكية في التوزيع (من كل
حسب طاقته ولكل حسب عمله) فإن مبدأ السلم (لكل حسب عمله ،أو حسب حاجته) إذ قد يعجز
النسان عن العمل ،فتلتزم الجماعة بإغنائه وتوفير حاجياته رحمةً به ،وتكريما لنسانيته.
خامسا ـ مبدأ تدخل الدولة في النشاط القتصادي للفراد :
الكلم في تدخل الدولة وحدود هذا التدخل يتضح فيما يأتي:
- 1رقابة الدولة على أعمال الفراد :
يقول الرسول صلّى ال عليه وسلم « :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ( )1في هذا الحديث
دللة واضحة على أن الدولة مسؤولة عن كل شيء يجري في داخلها .فلها الشراف على نشاط
الفراد العام ،ولها حق التدخل بالمصالح الخاصة لحماية المصالح العامة وكفالة تطبيق وتنفيذ
الشريعة ،ولها محاسبة الموظفين وأصحاب الولية والسلطة في نواحي الدولة .ويمكنها أن تحاكمهم
على أساس المبدأ القائل( :من أين لك هذا) .ليتبين الوجه المشروع لكسب المال .ولقد كان سيدنا عمر
رضي ال عنه يحاسب ولته ويشاطر عماله كما فعل مع عمرو بن العاص عامله على مصر ،حينما
شك في ماله وكسبه وطريقة إنمائه ،وشاطر خالد بن الوليد أمواله ،حتى زوجي نعله ،وللدولة أن
تراقب أرباب الموال في كيفية استثمار أموالهم ،فإذا جنحوا إلى تعطيل استثمار المال ،جاز اتخاذ
التدابير التي تحمي المصلحة
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي ال عنهما.
( )7/19
العامة ،فإذا وضع امرؤ يده على أرض موات بقصد إحيائها وتعميرها واستصلحها وهو ما يعرف
بالحتجار ،ثم لم يقم بواجبه جاز سلخها عنه وإعطاؤها لغيره ،قال صلّى ال عليه وسلم « :من أحيا
أرضا ميتة فهي له» ( « )1ليس لمحتجر حق بعد ثلث سنين» ( )2لنه ل بد من مداومة استثمار
المال ،حتى ل يؤدي الهمال إلى فقر المال والضرار بمصالح المجتمع وإفقار المة وخسارة الدخل
القومي العام وضآلة النتاج.
وإذا حاول الناس تركيز استثمار أموالهم في نشاط اقتصادي معين ،كان لولي المر حق التدخل بما
يراه من إجراءات لتوزيع الناس أموالهم بين مختلف مصادر النتاج ( وهي الرض والعمل
والمال ) ،وعندئذ تضمن الدولة الحد الدنى من إنتاج السلع الضرورية ،والحد العلى الذي ل يجوز
التجاوز عنه .وإذا تضخمت الثروة في أيدي فئة قليلة من المواطنين ،ثم ثبت عجز أصحابها عن
استثمارها ،كان للحاكم أن يتدخل في استثمار الموال أو وضعها تحت ولية الدولة بما يدرأ الضرر
العام عن المجتمع ،كإلزامهم باتباع الساليب الرشيدة في استثمار الموال ،ووضعها تحت ولية
الدولة لضمان تشغيلها بما ينفع البلد.
- 2إقرار الملكية الجماعية :
قال الرسول صلّى ال عليه وسلم « :الناس شركاء في ثلث» وفي رواية« :في أربع :الماء والكل
والنار والملح» ( )3والنص على هذه المور فقط لنها كانت من ضروريات
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والترمذي وصححه عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه.
( )2أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب رحمه ال ،ولكنه ضعيف.
( )3أخرجه أحمد وأبو داود ،وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس رضي ال عنهما ،وأخرجه الطبراني
عن ابن عمر.
( )7/20
الحياة في بيئة العرب ،فهي مباحة لجميع الناس ،والدولة هي التي تمثل مصالح الجماعة ،فلها وضع
اليد عليها ،وعلى كل الشياء الضرورية التي تعتبر من قبل الثروات الطبيعية الخام ،والصناعات
الستخراجية وإنتاج المواد الولية ،والستيلء على المرافق العامة والتي تتغير وتتبدل وتتطور
بحسب البيئات والعصور ،مثل مختلف النهار العامة ،والمعادن والنفط ولو وجدت في أرض مملوكة
ملكية خاصة ،والكهرباء ،والمنشآت العامة ونحوها من المرافق الحيوية الساسية لمصلحة الجماعة.
ومما يؤيد وجود الملكية الجماعية :أن النبي صلّى ال عليه وسلم والخلفاء الراشدين قد اعتبروا بعض
الراضي كالنقيع والرّبذَة (موضعين قرب المدينة) حمىً في سبيل ال لترعى فيها خيل المسلمين ،أي
من أجل الصالح العام وهو المعروف بـ (الحمى) قال عليه الصلة والسلم« :لحمى إل ل
ولرسوله» ( )1أي ل حمى لحد الشخاص العاديين.
- 3التأميم أو نزع الملكية الخاصة :
إذا كان المبدأ العام في السلم هو العتراف بالملكية الفردية وبالحرية القتصادية كما أوضحت ،فإنه
ل مانع من تدخل الدولة لحماية مصلحة المة في وقت معين ،بأن تتخذ من التدابير ماتجده محققا
للصالح العام ،بناء على المبدأ المعروف في السلم بالستحسان والمصالح المرسلة ،وقواعد دفع
الضرر العام ،وأنه يتحمل الضرر الخاص من أجل دفع الضرر العام ،وأنه يجب على الجماعة كفاية
الجائع والعريان عملً بالمبدأ الشرعي القائل( :إذا بات مؤمن جائعا فل مال لحد) ولكن بشرط دفع
الثمن .وقال عمر قبيل وفاته « :لو استقبلت من أمري ما استدبرت لخذت فضول أموال الغنياء
فرددتها على الفقراء » :وهذا ما
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود عن الصعب بن جثّامة رضي ال عنه.
( )7/21
يجعل النظام القتصادي السلمي أبعد عن النظام الرأسمالي القائم في أصله على أساس من الحرية
الفردية المطلقة.
لذا فإنه يحق للدولة التدخل في الملكيات غير المشروعة ،كالملكية الحادثة بالسلب والقهر أو
الغتصاب ،فترد الموال إلى أصحابها أو تصادرها ،وتستولي عليها بغير تعويض ،سواء أكانت
منقولة أم عقارية ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ( )1وقوله« :ليس
لع ْرقٍ ظالمٍ حق» ( ، )2وقوله« :من زرع أرض قوم بغير إذنهم ،فليس له من الزرع شيء وله
نفقته» (. )3
وكان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يشاطر بعض ولته الذين وردوا عليه من ولياتهم بأموال لم
تكن لهم ،استجابة لمصلحة عامة ،وهو البعد بالملكية عن الشبهات ،وعن اتخاذها وسيلة للثراء غير
المشروع ،وكذلك يحق للدولة التدخل في الملكيات الخاصة المشروعة لتحقيق العدل في التوزيع،
سواء في حق أصل الملكية ،أو منع المباح ،أو في تقييد حرية التملك الذي هو من باب تقييد المباح،
والملكية من المباحات قبل السلم وبعده إذا أدى استعمال الملك إلى ضرر عام .وعلى هذا فيحق
لولي المر العادل أن يفرض قيودا على الملكية الزراعية ،فيحددها بمقدار مساحة معينة ،أو ينتزعها
من أصحابها إذا عطلها أو أهملها حتى خربت ،أو ينزع ملكيتها من أي شخص مع دفع تعويض عادل
عنها ،إذا اقتضت المصلحة العامة أو النفع العام ذلك.
كماحدث في وقتنا الحاضر من تأميم المصارف والشركات الكبرى ،وكما فعل عمر بن الخطاب في
سبيل توسعة المسجد الحرام حينما ضاق على الناس،
-------------------------------
( )1أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) والحاكم عن سمرة بن جندب رضي ال عنه.
( )2أخرجه أبو داود والدارقطني عن عروة بن الزبير رحمه ال تعالى.
( )3أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي عن رافع بن خديج رضي ال عنه.
( )7/22
فأجبر الناس المجاورين للمسجد على بيع دورهم المحيطة به ،وقال لهم« :إنما أنتم الذين نزلتم على
الكعبة ،ولم تنزل الكعبة عليكم» .وكذلك فعل عثمان بن عفان رضي ال عنه هذا الفعل مرة أخرى
وقال « :إنما جرأكم علي حلمي ،فقد فعل عمر بكم ذلك فلم تتكلموا» ثم أمر بحبسهم لمدة ،مما يدل
على جواز نزع الملكية الفردية لمصلحة المرافق العامة كتوسيع الطرق والمقابر وإقامة المساجد
وإنشاء الحصون والمرافئ والمؤسسات العامة كالمشافي والمدارس والملجئ ونحوها؛ لن المصلحة
العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
ثم إن فقهاء المذاهب قرروا أن لولي المر أن ينهي إباحة الملكية بحظر يصدر منه لمصلحة تقتضيه،
فيصبح ما تجاوزه أمرا محظورا ،فإذا منع من فعل مباح صار حراما ،وإذا أمر به صار واجبا.
والدليل على إعطاء ولي المر مثل هذه الصلحيات في غير المنصوص على حكمه صراحة هو قوله
تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم} [النساء ]59/4:وأولو
المر في السياسة والحكم :هم المراء والحكام والعلماء ،كما تبين سابقا.
ولكن ليس كل مايتوهم من ضرر ،أو يتخيل من مصلحة يكون مسوغا لتقييد الملكية أو مصادرتها
بالتعويض ،وإنما ينبغي أن تكون المصلحة العامة محققة الحدوث ،أو الضرر العام محقق الوقوع ،أو
غالب الوقوع ،ل نادرا ول محتملً ،ويكفي عند فقهاء المالكية والحنابلة أن يكون احتمال وقوع
الضرر مسوغا لمنع الفعل أخذا بقاعدة« :دفع المضار والمفاسد مقدم على جلب المصالح» .
ويلحظ أن مبدأ تقدير الضرر مقيد بثلثة أمور:
أولً ـ أن كل ضرر يلحق الناس كافة هو ممنوع.
ثانيا ـ ل ينظر في الضرار العامة إلى قصد الضرر أو عدم قصده وإنما ينظر إلى النتائج المترتبة
في الواقع..
( )7/23
ثالثا ـ ل يعتبر الضرر الواقع بآحاد الناس إل إذا قصد الشخص إضرار غيره بالفعل بأن يتعسف في
استعمال حقه ،أو يستعمله استعمالً غير عادي.
ومن هنا يمكن أن يعتبر مسوغا لتنظيم الملكية أو تقييدها :كون صاحبها مانعا لحقوق ال فيها ،أو
اتخاذها طريقا للتسلط والظلم والطغيان أو للتبذير والسراف ،أو لشعال نار الفتن والضطرابات
الداخلية أو للحتكار والتلعب بأسعار الشياء ،ومحاولة تهريب الموال إلى خارج البلد ،أو لتأمين
متطلبات الدفاع عن البلد ،أو لدفع ضرر فقر مدقع ألم بفئة من الناس على أن يكون كل هذا إجراء
استثنائيا بحسب الحاجة وبشرط عدم استئصال أصل رأس المال ،مع دفع العوض .ولقد قرر دارسو
الوضاع القتصادية في البلد العربية أن تركز أكثر الثروة القومية في أيدي فئة قليلة من الغنياء
ينشأ عنه ضرر عام جسيم بمصلحة البلد ،على عكس ما يتطلبه القرآن الكريم الذي يطالب بتداول
الموال في المجتمع في قوله تعالى { :كيل يكون دولة بين الغنياء منكم } [الحشر ]7/59:ومما ل
شك فيه أن تأميم المرافق العامة التي تقدم خدمات للشعب كالمواصلت والكهرباء والماء يرفع الحرج
عن الناس ،ومثل ذلك تحديد ملكية الراضي الزراعية برفع الحرج عن الناس ،وأما تأميم المصانع
والشركات المملوكة للفراد ،فيتطلب وجود مصلحة عامة فيه.
ومن أدلة منع الضرر :الحديث النبوي السابق ذكره « :ل ضرر ول ضرار» ( )1وحديث « ل يمنع
جار جاره أن يغرز خشبة في جداره » ( )2ومن الوقائع التاريخية
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس رضي ال عنهما.
( )2أخرجه الجماعة إل النسائي عن أبي هريرة رضي ال عنه.
( )7/24
لتدخل الحاكم المسلم في ملكيات الفراد في دائرة منع الضرر « :أنه كان لسمرة بن جندب نخل في
بستان رجل من النصار ،وكان يدخل هووأهله فيؤذي صاحب الرض ،فشكا النصاري ذلك إلى
رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقال الرسول لصاحب النخل :بعه :فأبى :فقال الرسول صلّى ال
عليه وسلم فاقطعه ،فأبى ،قال :فهبه ولك مثله في الجنة فأبى ،فالتفت رسول إليه ،وقال :أنت مضار،
ثم التفت إلى النصاري ،وقال ،اذهب فاقلع نخله » ( )1ففي هذه الحادثة مايدل على أن النبي صلّى
ال عليه وسلم لم يحترم الملكية المعتدية.
ومن المثلة أيضا ( :أن رجلً اسمه الضحاك بن خليفة أراد أن يمر بماء له في أرض محمد بن
مَسْلمة ،فأبى ،فاشتكى الضحاك إلى عمر فدعا محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيل جاره ،فقال
محمد :ل ،فقال عمر :لم تمنع أخاك ماينفعه ،وهو لك نافع ،تسقي به أولً وآخرا وهو ليضرك ،فقال
محمد :ل وال ،فقال عمر :وال ليمرن به ولو على بطنك ) ( )2ففي هذه الواقعة مايدل على أنه
ليكفي المتناع عن الضرر ،بل يجب على المسلم في ملكه أن يقوم بما ينفع غيره ،مادام لضرر
عليه فيه..
وعندما حمى عمر رضي ال عنه أرضا بالرّبَذَة قرب المدينة ،قال« :المال مال ال والعباد عباد ال ،
وال لول ما أحمل في سبيل ال ما حميت من الرض شبرا في شبر» فهذا يدل على أن تخصيص
بعض الراضي للمصلحة العامة أمر جائز ،وأن نزع الملكية لضرورة المصلحة العامة للجماعة أو
لدفع الحرج عن الناس ل مانع منه شرعا..
-------------------------------
( )1رواه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين.
( )2أخرجه المام مالك في الموطأ.
( )7/25
هذا ..وقد حدد الفقهاء أربع حالت يجوز فيها شرعا أن تنزع الملك وهي:
الحالة الولى :أن تنزع الملكية للمنافع العامة كفتح الطرق وتوسيع المساجد والمقابر ونحوها ،ولم
يوجد عنه بديل ،ودليل ذلك فعل الصحابة رضي ال عنهم ،فإنهم أجازوا توسيع المسجد الحرام مرتين
في عهد عمر وفي عهد عثمان.
الحالة الثانية :أن يترتب على صاحب الملك دين من نفقة أو خراج أو معاملة أو غير ذلك ،ويمتنع
عن أدائه ،فيحكم القاضي بالبيع جبرا لوفاء الدين ،فيبدأ بما بيعه أهون .وقد نصت على ذلك المادة
998من المجلة.
الحالة الثالثة :أن تنزع الملكية منعا من الحتكار .وذلك كما إذا احتكرت طائفة من التجار أقوات
الناس وحصل بذلك ضرر ،فإنه يجوز للحاكم أن يمنعه ببيع أو تسعير دفعا للضرر؛ لن الرسول
صلّى ال عليه وسلم «نهى عن احتكار الطعام» وقد بيّن ابن قدامة في المغني 198/4 :شروط
الحتكار المحرم.
الحالة الرابعة :حالة الخذ بالشفعة للشريك ،وذلك مراعاة لحق المالك القديم على الجديد .وما عدا
ذلك ل يؤخذ ملك أحد إل برضاه لقوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل
أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء ]29/4:وحديث سابق« :إن دماءكم وأموالكم علي حرام» .
- 4تحقيق التوازن القتصادي :
إذا كان السلم يسمح بقيام ودوام الملكية الشخصية ،فل يدل ذلك أنه يجيز ما يعرف في النظام
الرأسمالي بنظام الطبقات الذي يسمح لطبقة معينة تملك المال أن تملك السلطات ووسائل التشريع
مباشرة ،أو بطريقة غير مباشرة ،فطبيعة نظام
( )7/26
كم التشريع السلمي الذي يمنع من اكتناز النقود ،ويحرم الفائدة المصرفية في غير حال الضرورة
القصوى ،ويفتت الملكية عن طريق الرث ،ويلغي الستثمار الرأسمالي للثروات الطبيعية الخام ،كل
ذلك يؤدي إلى إذابة الفوارق بين الطبقات ،ويقلل التفاوت الصارخ بين الفراد في تملك الموال.
وهكذا جفف السلم كل المنابع التي تؤدي إلى الطبقية ،كما أن لولي المر صلحيات واسعة النطاق
في تحقيق العدالة ومنع الضرر والتعسف في استعمال الحق ،مما يوجد نوعا من التوازن القتصادي.
ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلّى ال عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة آخى بين المهاجرين الفقراء
وبين النصار ،فكان يقاسم المهاجري مال النصاري ،وكان أبو بكر الصديق يسوي في العطاء من
الغنائم بين الناس ،وحينما اتسعت الفتوحات السلمية ،أجمع الصحابة بقيادة عمر بن الخطاب على
عدم توزيع الراضي بين الفاتحين ،وإنما تركت في أيدي أهلها حفاظا على مبدأ التوازن القتصادي
بين الرعية جميعا ،سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ،قال ال تعالى{ :ما أفاء ال على رسوله من
أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ،كيل يكون دُولة بين الغنياء
منكم} [الحشر ]7/59:أي إن أموال الفيء والراضي ملك للجميع.
سادسا ـ أسس العدالة الجتماعية في السلم :
مبدأ العدالة الجتماعية هو الركن الثالث من أركان النظام القتصادي السلمي ،ولقد استطاع
المسلمون أن يترجموا هذا المبدأ إلى واقع فعلي فعّال ،جعل المجتمع السلمي مجتمعا متراحما
متعاونا متآخيا متحابا ،متناصرا متضامنا وقت اليسار والعسار .وتلك هي صفات المجتمع النساني
الفضل ،ذلك المجتمع الذي صانه السلم من مختلف العيوب الخلقية والجتماعية والقتصادية ،فقرر
ضرورة القضاء على الفقر و الجهل والمرض والبطالة والتخلف القتصادي والضعف العسكري
والخضوع السياسي أو الذلل المدني.
والكلم عن العدالة الجتماعية في السلم كثير معروف يهمنا الشارة فقط إلى أمرين:
أولهما ـ واجب الدولة في تحقيق مبدأ الضمان الجتماعي.
ثانيا ـ القيود اليجابية الواردة على حق الفراد في الملكية الخاصة.
( )7/27
أما المر الول ـ وهو واجب الدولة في تحقيق مبدأ الضمان الجتماعي :فإنه يستمد وجوده من
اعتبار الدولة مسؤولة عن رعاياها ،وأن المسلمين جميعا يكفل بعضهم بعضا .فالسلم ألزم الدولة
بضمان معيشة أفرادها ،وعليها أن تهيء لهم سبل الكسب المشروع ووسائل العمل الشريف ،وفرصة
المساهمة في أوجه النشاط القتصادي المختلفة التي تعود عليهم بالخير والثمار اليانعة بما يحقق لهم
أولً إشباع الحاجات الساسية من مأكل وملبس ومسكن ،ثم الحاجات الكمالية بقدر المستطاع ،قال
عليه الصلة والسلم« :من أصبح منكم آمنا في سِرْبه ،معافىً في جسده ،عنده قوت يومه ،فكأنما
حِيزت له الدنيا بحذافيرها» ( ، )1هذا يدل على أن الحاجات الساسية هي المأكل والملبس والمسكن،
وما عداها فهو من الحاجات الكمالية ،وإذا أصبح المرء عاجزا عن العمل ،ومحتاجا إلى النفقة فعلى
الدولة كفايته وتأمين حاجياته وسد عوزه ليعيش عيشة حرة كريمة تليق بعزة النسان ،وتستطيع
الدولة تأمين المال اللزم لهذه الغاية السامية ،مما يساهم به الفراد ،ويلتزمون بدفعه من التكاليف
المالية التية وهي موضوع المر الثاني.
-------------------------------
( )1أخرجه البخاري في الدب والترمذي وابن ماجه عن عبيد ال بن محصن رضي ال عنه ،وهو
حديث حسن.
( )7/28
والمر الثاني ـ هو القيود اليجابية المفروضة على أصحاب الملكيات الخاصة :فرض السلم طائفة
من القيود المتعددة على حق الملكية الفردية لتحقيق العدل والمصلحة العامة ،منها قيود سلبية ذكرت
أهمها ،كمنع الحتكار والتسعير الجبري ،وعدم الضرر بالخرين ،ومنع تملك المباح إذا أفضى
استعماله إلى ضرر عام .ومنها قيود إيجابية تجعل حق الملكية ذا هدف أو معنى اجتماعي أو ذا
وظيفة اجتماعية تبعد فكرة الحق عن معنى السلطة المطلقة ،أو حب الذات وتخفف من وجود الملكيات
الكبيرة ،وتقيم بناء التكافل الجتماعي بين الفراد في السلم على أمتن السس وأقوى الدعائم الدينية
والخلقية والتشريعية من أجل رفع مستوى المعيشة العامة ورعاية مصالح الفقراء ،وليؤخذ بأيديهم
نحو الكسب المستقل ،وأهم هذه القيود اليجابية هي:
( )7/29
( )7/30
( )7/31
الزكاة» ( )1بل إن مبدأ كفاية الفقراء للعاجزين على العمل يتجلى في أصدق صورة في قوله عليه
الصلة والسلم« :إن ال فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم؛ ولن يُجهد
الفقراء إذا جاعوا أو عروا إل بما يصنع أغنياؤهم ،أل وإن ال يحاسبهم حسابا شديدا ،ويعذبهم عذابا
أليما » ( )2هذا بالضافة إلى حث السلم على تقديم الصدقات المستحبة تقربا إلى ال عز وجل كما
هو معروف ،يقول عليه الصلة والسلم « :من كان له فضل ظهر فليعد به على من ل ظهر له،
ومن كان له فضل زاد فليعد به على من ل زاد له » (. )3
وكذلك يجب على النسان تقديم النفقات لكفاية أقاربه الفقراء المحتاجين كالباء والجداد والبناء
وفروعهم.
- 3النفاق في سبيل ال :
أوجب السلم على المسلمين السهام بالنفاق في سبيل ال ،والمقصود به النفاق على كل مايتطلبه
المجتمع من مصالح ضرورية كالدفاع عن البلد ،وتزويد الجيش العامل بالمؤن والسلح ،وبناء
المؤسسات الخيرية العامة التي لغنى لي بلد متحضر عنها .وللحاكم كيفية تنظيم الحصول على هذه
الموارد الكافية لسد العجز في موازنة الخزينة العامة ،من طريق وضع نظام ضريبي عادل يلتزم
خطة التصاعد بحيث يرتفع سعر الضريبة كلما زاد دخل المكلف ،وبحسب درجة الغنى واليسار ،و
نص فقهاء السلم كالغزالي والشاطبي والقرطبي على مشروعية طرح ضرائب
-------------------------------
( )1أخرجه الترمذي عن فاطمة بنت قيس رضي ال عنها .وأما حديث « :ليس في المال حق سوى
الزكاة» فهو ضعيف أخرجه ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس.
( )2أخرجه الطبراني عن علي رضي ال عنه.
( )3أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه.
( )7/32
جديدة على الغنياء والغلت والثمار وغيرها بقدر مايكفي حاجات البلد العامة ،وأقر ذلك مجمع
البحوث السلمية في مؤتمره الول المنعقد سنة 1964م في قراره الخامس (. )1
والخلصة :إن الشريعة السلمية قيدت المالك في استعمال سلطاته على ملكيته ،وفي حق التملك ذاته
بقيود كثيرة ،تحقيقا لمبادئ المصلحة والعدل والمساواة بقدر المكان.
سابعا ـ موقف السلم من تعارض مصلحتي الفرد والجماعة :
إن النظام الرأسمالي يقدس حرية الفرد ومصلحته ،ويعتبر مصلحة الجماعة هي حصيلة المصالح
الفردية ،وإن النظام الشتراكي يلغي دور الفرد ويقدس مصلحة الجماعة ويفضلها على مصلحة الفرد.
ويعتبر التضامن الجتماعي هو الساس الوحيد لحياة الجماعة .والفرد مسخر لخدمة مصالحها .وأما
السلم فقد راعى مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ،وأقام توازنا فعالً بين المصلحتين على وجه
يحقق التضامن والتكافل الجتماعي ،فلم يسمح في الحالت العادية للفرد أن يطغى على حساب
المجموع ،ول للجماعة أن تسحق مصلحة الفرد لحساب المجتمع ،وذلك منعا من الخلل بميزان
العدالة ،ورعاية للحقين معا بقدر المكان ،فإذا تعارضت المصلحتان في ظرف استثنائي مثلً ،وتعذر
التوفيق بينهما ،قدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة دفعا للضرر العام ،ولكن مع المحافظة
على حق الفرد في التعويض.
-------------------------------
( )1واشترط لجواز فرض الضريبة أربعة شروط :الول :أن تكون هناك حاجة حقيقية بالدولة إلى
المال ،ول يوجد مورد آخر لتحقيق الهداف وإقامة المصالح دون إرهاق الناس بالتكاليف .الثاني :أن
توزع أعباء الضرائب بالعدل بحيث ل يرهق فريق من الرعية لحساب فريق آخر ،ول تحابى طائفة
وتكلف أخرى .الثالث :أن تصرف الضريبة في المصالح العامة للمة .الرابع :موافقة أهل الشورى
والرأي في المة .لن الصل في أموال الفراد الحرمة ،والصل أيضا براءة الذمة من العباء
والتكاليف.
هذا ..وهناك رأي آخر يقرر تحريم فرض الضرائب ،لنه ل حق في المال سوى الزكاة ،ولن
السلم احترم الملكية وحرم الموال كما حرم الدماء والعراض .والضرائب مهما قيل في تسويغها
فهي مصادرة لجزء من المال يؤخذ كرها عن مالكيه ،ولن الحاديث النبوية قد جاءت بذم المكس
ومنع العشور.
( )7/33
وعلى أساس هذه النظرة المتوازنة ،نظر السلم إلى المال ،فاعترف بمصلحة الفرد فيه وبحقه في
تملكه ،كما أنه اعترف بمصلحة الجماعة وبحقها في التملك ،وحينئذ تتجاور في الوجود السلمي
الملكية الخاصة مع الملكية العامة وملكية الدولة ،ويكون للسلم عندئذ غاية مزدوجة رسم لها الشرع
حدودا معينة واضحة ،فهو حين يبيح الملكية الفردية من حيث المبدأ فإنه يضع لها حدودا وقيودا تمنع
اتخاذها سبيلً للضرر كما ذكرت ،ويسخرها نحو مصلحة المجتمع ،وللمجتمع استرداد هذه الملكية أو
تعديلها إذا وجد فيما يفعل مصلحة عامة ،وذلك كله حماية للمصالح الساسية التي شرعت من أجلها
الحقوق ،ودرءا للتعسف والظلم .وبه يتبين أنه ل خطورة في تشريع السلم في اعترافه بالملكية
الفردية مادام يملك إلغاءها أو تعديلها.
وبإيجاد هذا النوع من التوازن القتصادي بين مصلحتي الفرد والجماعة على أسس من العدل،
وحسبما تقتضي المصلحة ،استطاع السلم حل المشكلة القتصادية التي يثيرها القتصاديون وهي:
كيف يستطيع المجتمع تأمين إشباع الحاجات الكثيرة المتعددة بموارد الطبيعة المحدودة لديه؟
إن إجابة السلم عن هذه المشكلة هي أن الطبيعة ليست بخيلة ول عاجزة عن تلبية حاجات النسان،
فهي من صنع ال الذي تكفل بالرزق .لجميع مخلوقاته ،وإنما المشكلة تتجسد في النسان نفسه ،فظلم
النسان في حياته العملية في توزيع الثروة ،وعدم استثماره واستغلله موارد الطبيعة هما السببان
المزدوجان للمشكلة التي يعانيها النسان منذ القدم ،فمتى انمحى الظلم في التوزيع ،وجنّد النسان كل
طاقاته للستفادة من الطبيعة المخلوقة المتجددة زالت المشكلة القتصادية.
( )7/34
ثامنا ـ أثر الدين والخلق والتزام كل مبادئ السلم في تكوين مذهبنا القتصادي :
ل يمكن الحكم على نجاح المذهب القتصادي السلمي إل بتطبيق كل أنظمة السلم السياسية
والجتماعية والمالية؛ لن السلم كل ل يتجزأ ،ووحدة متكاملة مترابطة ل يمكن تجزئة بعضه عن
بعض ،والقتصاد السلمي يعتمد في الدرجة الولى على الطار العام من الدين أو العقيدة ،والخلق
أو السلوك ،والمفهوم الشامل عن الكون والحياة.
العقيدة السلمية في قلب المسلم ووجدانه هي الدافع المحرك لحترام النظام القتصادي واليمان به
والذعان لتعاليمه.
والقيم الخلقية في السلم ل تقل أهمية عن النصوص التشريعية الملزمة في توجيه سلوك الفرد
بالنسبة لغيره ،واحترامه حقوق الخرين ،ورعايته لمصلحة الجماعة ،وغيرته على حرمات بلده
والحفاظ عليها بطواعية واختيار ودافع ذاتي ورقابة داخلية للنفس على ذاتها ،فالبر والحسان
والرحمة والخاء العام والتضحية واليثار والمحبة والتناصر والتعاون على البر والتقوى ،كل تلك
العواطف التي هي من صميم الدين تؤثر تأثيرا واضحا في تكييف الحياة القتصادية ،وتساند المذهب
فيما ينشده من غايات ،وتسمو بالنسان دائما إلى مواطن الخير ،وتبعده عن عوامل الشر ،وتُسهم في
إيجاد قاعدة عتيدة من التكافل والتضامن الجتماعي بين جميع الفراد ،فالمؤمن المخلص التقي هو
الذي يرعى مصالح غيره ،كما يرعى مصالح نفسه ،وهذه هي مقومات المجتمع النساني الفاضل.
ومفهوم النسان عن الكون والحياة والعلقات الجتماعية في أن الدنيا مزرعة الخرة ،وأن ال هو
القابض والباسط والرازق والمتصرف ،وأن المال مال ال ،والنسان خليفة ووكيل عن ال في ملكه،
وأن المال وسيلة ل غاية ،فهو خير إن استعمله صاحبه في الخير ،وشر إن أدى إلى الشر والضرر،
قال صلّى ال عليه وسلم « :نعم المال الصالح للرجل الصالح» (. )1
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد وابن مَنيع عن عمرو بن العاص رضي ال عنه.
( )7/35
وإن الملكية الخاصة لها طابع ووظيفة اجتماعية ،وإنها نعمة كبرى يجب صيانتها ،والتوصل إليها من
طرق حلل ،وأن الربح المعقول هو الخالد الدائم والذي يصون التجارة ومصلحة التاجر ،وأن العدو
يجب جهاده ،وأن الحاكم عادل أمين على مصالح الرعية ،كل هذه المفاهيم ونحوها تؤثر في الحقل
القتصادي تأثيرات بعيدة المدى.
تاسعا ـ خلصة هذا المبحث :
إن السلم ـ كشأنه في كل ما جاء به ـ هو شريعة التوسط والتوازن والعتدال ،وإنه نظام فريد
مستقل بنفسه ،قائم بذاته ،له خصائص ومزايا تميزه عن كل ما عداه من النظم الخرى في السياسة
والقتصاد والجتماع والتشريع ،وإنه ل قصور فيه عن معالجة المشكلت والوضاع الحديثة.
لذا فإنه يلتقي مع أحسن ما في النظامين الحاضرين :الشتراكي والرأسمالي من مزايا وصفات،
ويتجنب ما فيهما من مغالة وانحراف عن سنن الفطرة النسانية ،ويسير بأبنائه إذا التزموا مبادئه
نحو السعادة الحقيقية التي من أبرز مظاهرها شعور النسان بالستقرار المادي ،والطمئنان النفسي
والثقة بالذات ،والتمتع بالحرية والكرامة.
وليست فلسفة السلم في بناء الحضارة النسانية قائمة على مجرد إشباع البطون؛ لن النسان جسم
وروح ،ل مجرد آلة ،وإنما هو يفيض بمشاعر المال واللم ،ويحس في قرارة نفسه العجز في يوم
ما ،والناس يتفاوتون عادة في قدراتهم النتاجية بحسب تفاوت استعدادهم الفطري وقواهم الفكرية
والجسدية ،وليس من العدل ول من المعقول حرمان إنسان من ثمرات عمله أو الحد منها ما دامت
مشروعة.
ولقد حارب السلم الثالوث الهدّام المخيف (وهو الفقر والجهل والمرض) وقاوم كل عوامل التخلف
القتصادي :وهي البطالة ووسائل الكسب غيرالمشروع وإضعاف النتاج الزراعي والصناعي
والتجاري ،كما أنه حقق في الواقع التاريخي مبادئه في التكافل الجتماعي.
( )7/36
المبحث الثاني ـ المعالم الكبرى لشتراكية السلم :
تمهيد حول مصطلح الشتراكية :
شاعت كلمة ( الشتراكية ) في عصرنا الحاضر بدءا من القرن التاسع عشر ،وتحمس لها الناس لنها
نشأت كرد فعل لظلم الرأسمالية ،ولنهم وجدوا فيها ملمح النسانية والعدل والرفاه والمساواة،
باعتبار أن النظام الشتراكي يتضمن السس اللزمة لسعاد النسان سعادة عادلة ،ومنع استغلل
النسان لغيره فردا أو جماعة ،سواء أكان استغللً اقتصاديا أم اجتماعيا أم سياسيا .وتتفاوت أنواع
الشتراكية تطرفا واعتدالً ،بمقدار تنازل أفراد المجتمع للدولة عن الحريات السياسية والمالية .فكلما
كان ذلك القدر المتنازل عنه أبعد عن محو شخصية الفرد ومسؤليته ،كان أقرب إلى الوضع الطبيعي
للنسان.
ولكن الوسط الديني السلمي والمسيحي وأي دين نفر مما صاحب الشتراكية السائدة من إلحاد
وجحود لوجود ال وأصول الدين وعقيدة البعث بالذات بقصد إنصاف الطبقة الكادحة ،مع أن هذا
الجحود يذوب أمام براهين إثبات الله المعروفة ،بل ول حاجة إليه إطلقا في ميدان العقل والتجربة
لنصاف تلك الطبقات المظلومة أو الكادحة ،وإنما على العكس يقتضي العقل والتجربة أن تكون
الدعوة لنصاف هذه الطبقات أجدى فيما إذا اعتمدت على اليمان بوجود ال وبالحساب يوم الجزاء.
ونتيجة لهذه النفرة مما اقترنت به الشتراكية من إلحاد أو شيوع في الموال والعراض ،فضّل كثير
من كتاب السلم استخدام كلمة أخرى بديلة عنها وهي (العدالة الجتماعية) أو (التكافل الجتماعي)
أو الضمان الجتماعي :أي أن يكون كل فرد في الدولة في حمايتها ورعايتها بوصفها ممثلة للجماعة.
وعندئذ يتحقق الضمان لحاد الناس حين يجدون من المجتمع حماية وأمنا واستقرارا.
( )7/37
والحقيقة أن اللغة العربية ل تمنع قبول هذا المصطلح الذي ينبئ عن الشتراك في الملكيات ،كما أن
فقه السلم الذي يقرر العتماد على المقاصد والمعاني ل ينفر من هذه الكلمة فيما تستهدفه من
غايات إنسانية ،مجردة من العيوب التي صاحبتها ،وقد قال النبي صلّى ال عليه وسلم عن اشتراك
الناس في مصادر النتاج الساسية والموال الضرورية« :الناس شركاء في ثلث :الماء والكل
والنار» ( . )1وكان الهدف الجوهري من رسالت السماء هو إقامة المجتمع الفاضل القائم على
أساس من المحبة واليثار والمساواة بين الفراد والتزام الحق والعدل ومنع الظلم بمختلف أشكاله.
فالشتراكية في جوهرها النساني وغاياتها النبيلة قديمة منذ المجتمعات البدائية ،ول يضيرنا العتزاز
بالسلم والعتراف بسموه وذاتيته واستقلله عن النظمة الخرى أن نعرف موقفه من نظام
(الشتراكية) الحالي ،بل ونتعرف مبادئه وأسبقيته في الخذ بأحسن ما ينشده هذا النظام ،وإصلح
عيوبه وتجريد أخطائه ،مما يؤدي إلى إعلن هذه الحقيقة وهي القول بـ (اشتراكية السلم).
معالم اشتراكية السلم :
للنسان منذ القدم مشكلة مثلثة تتطلب حلً مناسبا في كل عصر ،وهي تتكون أولً من حاجاته البدنية
الطبيعية المتنوعة كالغذاء والكساء والمسكن والثقافة والعلج ونحوها ،وثانيا غرائزه المتعارضة التي
من أهمها غريزة التملك ،وغريزة الجتماعية أي العيش في مجتمع ،وثالثا حبه الحرية المطلقة في
السلوك والتصرفات.
وقد أجاب السلم عن هذه المشكلة بوضع المبادئ التالية:
أولً ـ التكافل الجتماعي :
أبنت في المبحث الول أسس العدالة الجتماعية ،وأوضح بعض جوانبها هنا.
-------------------------------
( )1سبق تخريجه.
( )7/38
( )7/39
والضعيف يشمل ضعف الجسد وضعف الفقر والعذر والحاجة .وابغوني :أي اطلبوا إلي ضعفاءكم.
ويتم تنفيذ هذا الواجب عن طريق الزكاة التي هي التزام مدني واجب على الغني ،ل مجرد التزام
ديني ،ويجب على الدولة جبايته ،فإن لم تكف الزكوات جاز فرض ضرائب أخرى على الغنياء
لتحقيق كفاية الفقراء كما بان سابقا .ويسأل كل حاكم مباشرة عن أي فرد من أفراد الفقراء كما ذكر
سابقا .ويسأل كل حاكم مباشرة عن أي فرد من أفراد الرعية ،كما بدا ذلك واضحا في إحساس الخلفاء
الراشدين بهذه المسؤولية .وفي عهد عمر تكافل المسلمون جميعا لدفع غائلة المجاعة عام الرمادة،
وقال عمر وقتذاك « :لو أصابت الناس الشدة لدخلت على أهل كل بيت مثلهم ،فإن الناس ل يهلكون
على أنصاف بطونهم» .
- 3توفير العمل والحث عليه :
على المجتمع ممثلً بالدولة تهيئة فرص العمل المناسب لكل قادر عليه ( ، )1ومقاومة كل أسباب
التعطل والبطالة ،حتى ل يثقل كاهل بيت المال بتأمين حاجات العاطلين .ويراعى في كل عمل مدى
حاجة المجتمع إليه ،وما يتطلبه العامل من حماية وتأمين وعدالة في التوزيع وراحة مناسبة .وعلى
رب العمل إيفاء حق العامل بمجرد الفراغ من عمله لقوله عليه الصلة والسلم « :أعطوا الجير
أجره قبل أن يجف عرقه» ( )2وعليه أل يكلفه ما ل يطيق ،وأن يعاونه عليه إن كان
-------------------------------
( )1روى الترمذي أن النبي صلّى ال عليه وسلم أرشد أنصاريا إلى أن يعمل بالحتطاب ،وساعده
بأن أعدّ له فأسا بيده الشريفة .وروى المام أحمد أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :من ولي لنا
عملً وليس له منزل فليتخذ منزلً ،أو ليست له امرأة فليتزوج ،أو ليست له دابة فليتخذ دابة» وهذا
بل ريب من بيت مال المسلمين.
( )2أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر رضي ال عنهما ،وهو ضعيف.
( )7/40
مرهقا .وعلى الدولة العناية بالستثمار والستغلل المشروع والتنمية أكثر من اهتمامها بجباية
ضرائب النتاج في الزراعة ونحوها ،قال علي رضي ال عنه لحد ولته« :وليكن نظرك في
عمارةالرض (أي النتاج) أبلغ من نظرك في استجلب الخراج (أي من فرض الضرائب)؛ لن ذلك
ل يدرك إل بالعمارة .ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلد وأهلك العباد ،ولم يستقم أمره إل
قليلً» .وحث السلم في آيات وأحاديث متعددة كما عرفنا على العمل ،واعتبره من أفضل موارد
الكسب المشروع ،ورأس وسائل النتاج .كما أنه هو أساس التفاضل بين الفراد ومعيار تقييم الناس:
«قيمة كل امرئ ما يحسنه» وقال سيدنا عمر« :إني لرى الرجل فيعجبني ،فإذا قيل :ل عمل له سقط
من عيني» .ومن هذا وجب إتقان العمال وتحسينها ،قال عليه الصلة والسلم« :إن ال يحب إذا
عمل أحدكم عملً أن يتقنه» ( . )1وينبغي التجاه إلى الكسب والعمل المنتج بدافع أو حافز داتي لقوله
صلّى ال عليه وسلم «اليد العليا خير من اليد السفلى» (. )2
- 4كفالة القاصرين والعجزة عن العمل :
يجب على الب كفاية ولده حتى البلوغ ،وعلى الغني الموسر كفالة قريبه المعسر والنفاق عليه إذا
كان من الصول والفروع .وأوجب بعض الفقهاء وهم الحنفية النفقة للمحارم كالخوة والعمام
والعمات والخوال والخالت .وجعل المذهب الحنبلي وجوب النفقة مع قاعدة الميراث ،فإذا لم يكن
للولد أو العاجز عن العمل أو الشيخ الهرم أحد يكفيه من أقاربه ،وجبت كفايته من بيت المال.
وكان عمر رضي ال عنه يرتب نفقة للطفل منذ فطامه ،ثم جعله منذ الولدة
-------------------------------
( )1أخرجه البيهقي عن عائشة رضي ال عنها ،لكنه ضعيف.
( )2أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي ال عنه وهو حديث صحيح ،وقد سبق تخريجه.
( )7/41
بمقدار مئة درهم ،حتى ل تعجل المهات فطام أولدهن ،ثم إذا ترعرع جعلها مئتين .وفرض عمر
أيضا نفقة لشيخ من أهل الذمة حينما وجده يسأل الناس بسبب الحاجة والسن وأداء الجزية .ومثل الولد
والشيخ الهرم :كل عاجز عن العمل بسبب الصابة في عمله أو بسبب آفة صحية أو عقلية تمنع من
التكسب ،أو بسبب فقد العائل أو بسبب كارثة مؤقتة كغرق أو حريق .وقد ذكرت مبدأ (كفاية الفقراء)
في المبحث الول ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :إن في المال حقا سوى الزكاة» (« )1ما آمن
بي من بات شبعان ،وجاره جائع إلى جنبه ،وهو يعلم به» (« )2أيما أهل عَرْصة ـ أي بقعة ـ
أصبح فيهم امرؤ جائعا ،فقد برئت منهم ذمة ال تبارك وتعالى» (. )3
وإذا كان الصحابة كما لحظنا قرروا صورا من التكافل لمطلق المصلحة والعدل ،فإن كل ما تسنه
الدولة من قوانين للتأمين الجتماعي أو للتقاعد أو للمساعدات لفئة من المواطنين نقدا أو عينا كرعاية
الطفولة أو إصلحيات المنحرفين من الحداث ونحوها بحسب الحاجة وتطور الزمن :يكون مقبولً
ل من أصول الشريعة .قال مجاهد« :ثلثة من الغارمين :رجل ذهب السيل
بشرط أل يخالف أص ً
بماله ،ورجل أصابه حرق فذهب بماله ،ورجل معه عيال وليس معه مال» وقد طلب النبي صلّى ال
عليه وسلم إلى المسلمين أن يتصدقوا على من أصابته جائحة.
- 5التعاون في درء الخطار :
أبنت سابقا أن للدولة الحق في فرض الضرائب على الغنياء في حالة فقر بيت المال ،وتهديد
المجتمع بأي خطر كالمجاعة والوباء والحرب إذ «يتحمل الضرر
-------------------------------
( )1سبق تخريجه.
( )2أخرجه الطبراني عن أنس رضي ال عنه.
( )3أخرجه الحاكم وأحمد ،وفيه شخص مختلف فيه.
( )7/42
الخاص لدفع الضرر العام» ويجوز للجائع حال الضرورة أخذ الطعام من الخرين ،لنقاذ نفسه من
الهلك ،على أن يدفع ثمنه لن (الضطرار ل يبطل حق الغير) .وعلى مالك الطعام أن يدفعه إلى
المحتاج إليه ،وإل كان آثما ،ويجوز للمضطر إليه مقاتلته ،كما له أن يقاتل صاحب الماء الذي يمنعه
عن العطشان ،فإن قتل الجائع وجب القصاص على القاتل.وقد نوه سيدنا عمر بهذا المبدأ وما قبله
فقال« :لو استقبلت من أمري مااستدبرت لخذت فضول أموال الغنياء ،فرددتها على الفقراء» وقال
ابن حزم الظاهري« :فرض على الغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائها ،ويجبرهم السلطان على ذلك
إن لم تقم الزكوات بهم ول في سائر أموال المسلمين ،فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي ل بد منه،
ومن اللباس في الشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف والشمس وعيون
المارة» .
وهكذا يظهر لنا أن هناك تضامنا فعالً بين الفرد والجماعة الممثلة بالدولة لتحقيق السعادة والرفاه،
فكما أن الدولة مسؤولة عن رعاياها (مجتمعها) يعتبر كل فرد في المجتمع مسؤولً عن أي فرد آخر،
وهذا ليس مجرد تكافل أخلقي ،وإنما هو تكافل قانوني إلزامي ،وإن لم يوجد جزاء أو عقاب دنيوي
على تقصير النسان بواجبه فيه .وعليه تكون الدولة في النظام السلمي أشبه بدولة اشتراكية ،وكل
فرد فيها أقرب إلى أنه عضو اشتراكي فعال يساهم في تحمل المسؤولية الشتراكية على وفق ترتيب
منطقي وهو« :وابدأ بمن تعول» ( )1أي ابدأ بنفسك ثم بمن تجب عليك نفقتهم من الهل ،ثم العناية
بشأن الجار ،والضيف ،ثم كل محتاج ،ثم التعاون في استغلل موارد الطبيعة .ول يقتصر المر على
جانب القتصاد ،بل ل
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي ال عنه ،ومطلع الحديث« :اليد العليا خير من اليد
السفلى» .
( )7/43
بد من المشاركة في نواحي الحياة الخرى من تربية وتعليم ،وممارسة أصول الحياة السياسية والمدنية
كالحرية والكرامة والعدالة والشورى وتكافؤ فرص الحياة السياسية.
ثانيا ـ الملكية الخاصة ووظيفتها الجتماعية :
)1ـ إقرار الملكية الفردية :أوضحت سابقا أن السلم يقر الملكية الفردية ويحترمها ،تجاوبا مع
فطرة النسان وغريزة التملك والقتناء ،فطلب الغنى ليس محرما في ذاته ،ولكن يشترط أن يتخذ
النسان وسائل الكسب المشروعة له ،ومن أهمها وأشرفها العمل ،ومن أفضل العمال إحياء الرض
الموات التي ل مالك لها واستثمارها.
وإذ يجيز السلم التملك بدون عمل عن طريق الرث أو الوصية أو الهبة ،فما ذلك إل لن الوارث
امتداد لشخصية المورث ،وأما الوصية أو الهبة ونحوهما من التبرعات فهي أثر لحرية النسان في
التصرف ،وتشجيع على أعمال البر والخير وعمل المعروف الذي يدعم فريضة الزكاة ،ويغطي
نواحي الحاجة والنقص أو الحالت التي ل تصرف فيها الزكاة ،مع توافر بعض المقتضيات النسانية
لها.
( )7/44
)2ـ قيود الملكية :عرفنا أيضا أن إقرار الملكية الخاصة ليس بصفة مطلقة ،وإنما هي مقيدة بقيود
كثيرة تجعل للملكية وظيفة اجتماعية وطابعا إنسانيا كريما .وهذه القيود منها عام يرتبط بالنظام اللهي
العام للسلم كتحريم المعاملت الربوية أو القمار أو التجار بالخمر وسائر ما حرمه ال ،ومنها
خاص يمس النشاط الفردي ويجعله ذا طابع أو اتجاه اشتراكي معتدل ،كتحريم الستغلل الممنوع
والحتكار والغش ،وكراهية تكدس الثروات المالية .وتحريم الستغلل شامل استغلل رب العمل فقر
العامل فيظلمه ،واستغلل التاجر حاجة المستهلك ،فيغلي قيمة السلعة ،أو جهل المنتج أو المصدر،
فيشتري بضاعته بثمن بخس (تلقي الركبان) ،أو سذاجة البدوي فيبيعه السلعة بأزيد من ثمنها (بيع
الحاضر للبادي) واستغلل النفوذ بسبب الولية أو القرابة أو الحسب والنسب.
والحتكار محرم لنه يمنع تداول الثروة ،ويؤدي إلى السيطرة والستغلل ،وقد يعطل الستثمار،
كمافي حال احتجار الرض بغير استثمار مما يوجب سلبها من محتجرها بعد ثلث سنين ،كما تقدم.
وتكدس الثروات المكروه في السلم ،وإن لم يصل إلى درجة التحريم ،فهو ممقوت ل يتفق مع
الهدف المثل للشريعة ،وللدولة أن تتخذ السياسة التي تمنعه ،لما يؤدي إليه من ترف وفساد وسيطرة،
كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم من إقرار التوازن القتصادي بين المهاجرين والنصار ،وسار
على نهجه الخلفاء الراشدون ،فترك سيدنا عمر الراضي المفتوحة في العراق والشام ومصر بيد
أهلها ،ولم يقسمها بين الفاتحين ،حتى ل تنحصر الثروة بأيديهم ،ول يبقى شيء لمن يأتي بعدهم،
واستدل على صحة فعله الذي وافقه عليه الصحابة بقوله تعالى{ :ما أفاء ال على رسوله من أهل
القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيل يكون دُولة بين الغنياء
منكم} اليات [الحشر. ]10-7/59:
( )7/45
وكان النبي حريصا على عدم اتساع الملكيات الزراعية ،فنهى عن كراء الرض ،كما سيتضح في
بحثه المخصص له .ويعتبر نظام الرث في الشريعة من أكبر العوامل على تفتيت الثروة ومنع
تركيزها في أيدي فئة قليلة.
وقد أوردت أهم القيود التي تقيد حق الملكية الفردية ،والتي تجعلها ذات وظيفة اجتماعية يمارسها
صاحبها لمصلحة المجموع ،ودون تمسك بأنها حق مطلق ،باعتبار أن المالك الحقيقي للموال هو ال
تعالى ،والناس لهم عليها حق الستخلف ،قال ال تعالى{ :وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } [الحديد:
]7/57وهذه القيود الشرعية الواردة على الملكية الخاصة :هي أل تؤدي الملكية إلى الضرار بالغير،
وأن يخرج مالكها منها الزكاة والنفقات الواجبة على الغني الموسر لقريبه المعسر ،سواء أكان من
الصول أم الفروع أم الحواشي أم الزوجات .وأن تستخدم الملكية في صالح النفع العام ،أي أنه يجوز
تحديدها أو انتزاعها من مالكها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك بشرط دفع ثمنها لصاحبها.
وأما إنه لم يحدث في تاريخ السلم أن أخذ مال غني بغير رضاه ،وأعطي لفقير ،فذلك صحيح ،ل
يتنافى مع مبدأ مشروعية التأميم في أحوال استثنائية فقط؛ لن واقع المجتمع قد تغير عما كان عليه
حال المسلمين في صدر السلم ،فقد كان أغنياء المسلمين يبذلون أموالهم في سبل الخيرالعامة عن
طواعية واختيار ،عملً بما ندبهم إليه السلم ورسوله ،والقيام بالواجب بدافع ذاتي أفضل وأكرم بل
شك من القهر عليه.
واشتكى أحد الولة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه ال من تكدس الموال في بيت المال،
دون أن يجد فقيرا يعطيه ،فأمر عمر بصرفه في قضاء ديون الغرماء المدينين ،وكان الفقراء يتعففون
من أخذ الزكوات ،حتى نشأت مشكلة البحث عنهم في عهد عمر بن الخطاب ،مما اضطره إلى إحداث
نظام الخفراء (أو العَسس) في الليل للبحث عن المحتاجين لعطائهم حقهم من بيت المال.
( )7/46
وبما أنه قد تغيرت ظروف المجتمع اليوم ،وساءت أحوال المسلمين وضنّ الناس بما عندهم وقصروا
في أداء واجبهم ،فل مانع من اتخاذ بعض الجراءات الستثنائية المرهونة بوقت الحاجة لتصحيح
بعض الوضاع الفاسدة ،وإجبار الغنياء على إعطاء حق الفقراء ،أو تأميم بعض أموالهم ليقوم الفقير
باستثمارها ،بعد أن منعوا الزكاة ونحوها من الواجبات المفروضة .قال النبي صلّى ال عليه وسلم عن
مانع الزكاة« :ومن منعها ـ أي الزكاة ـ فإنا آخذوها وشطر ماله ،عَزْمة من عزمات ربنا عز
وجل» ( . )1هذا بالضافة إلى أن بعض ملكيات القطاعيين الكبيرة كانت قد اكتسبت بوسائل غير
مشروعة ،إما بخدمة المستعمر ،أو الحاكم الظالم .ول شك بأنه يجوز مصادرة الراضي والموال
المكتسبة بوسيلة غير شرعية كما عرفنا سابقا .كما أنه إذا لم تتحقق كفاية الفقراء ،ل مانع شرعا من
فرض الكفاية اللزمة على الغنياء عملً بالمبدأ الشرعي« :إذا بات مؤمن جائعا فل مال لحد» .
)3ـ مبدأ المساواة الجتماعية في السلم :
من البدهيات المسلمة المعروفة أن السلم دين المساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع
المسلم ،فل تمييز بين الناس بسبب الجنس أو اللون ،أو الحسب والنسب ،أو الغنى والفقر ،وإنما الكل
أمام ال تعالى ،وفي المنزلة الجتماعية سواء ،حتى يقضى على كل بواعث الجرائم التي يدفع إليها
وجود المتياز المادي والدبي .وحينئذ فل يسمح السلم بوجود طبقات اجتماعية تتفاوت في الدرجة
الجتماعية ،وإن كان هناك تفاوت مادي بين غني وفقير ،في حدود كفاية الفقير ،وعدم اكتناز المال
لدى الغني ،قال ال تعالى{ :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض
درجات} [الزخرف{ ]32/43:والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب
أليم} [التوبة ]34/9:والية الولى ل تعني وجود مجتمع طبقي في نظام السلم ،إذ ليس في
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
( )7/47
السلم طبقات ذات امتيازات اجتماعية ،وإنما يقر السلم وجود تفاوت مادي بين السلم؛ لن الغنى
والفقر كل منهما محل مسؤولية وابتلء واختبار ،فل طبقية إذن ،وإنما هي مسؤولية على كل منهما،
الغني في استغلل ماله ،والفقير في اختبار صبره ومدى جهاده في الحياة.
والتفاوت المادي ل عيب فيه؛ لنه يتمشى مع الفطرة النسانية في حب التملك والقتناء ،ويولد
عنصر المنافسة الحرة الشريفة ،وتقتضيه طبيعة الناس بحسب تفاوتهم في العلم والعمل والقدرة على
الكفاح والنتاج .وهذا يعطينا الدليل لتوزيع العمال والكفايات بين الفراد .وبذلك تكون أسباب
التفاوت المحدودة في المجتمع السلمي محصورة في سببين :العمل والعلم .فبالعمل تشتد المنافسة في
النتاج ،وبالتالي في الحفاظ على ثمرات الكسب والغنى واليسار .وبالعلم تتقدم المم ،ويستفيد العالم
من ثمرات علمه لنفع المجتمع وإعلء كلمة الحق وإبداء النصيحة والرشاد إلى الخير .والتفاوت في
المقدرة والنشاط والعلم ليخلق طبقية اجتماعية لها امتياز أو استعلء ،وإنما هومسؤولية أمام ال ،
ومسؤولية أمام المجتمع ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع:
عن عمره فيم أفناه ،وعن شبابه فيم أبله ،وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ،وماذا عمل فيما علم»
( . )1
ثالثا ـ الحرية الشتراكية في السلم :
الناس جميعا أحرار في ميزان السلم ،ول خضوع إل ل وحده ،ول يخضع إنسان لغيره إل بالحق
والمعروف ،إذ ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
-------------------------------
( )1أخرجه الترمذي عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه.
( )7/48
فمن هذا المبدأ تتأصل الحرية والكرامة للنسان .فهي شيء ينبع من ذات النسان وتكوينه ،ل أنها
منحة من المجتمع للنسان .والحرية تكون مصدر العتزاز بالشخصية ،والشجاعة الدبية في إعلء
كلمة الحق ،ومجابهة الصعاب وعدم خشية أحد إل ال قال عليه الصلة والسلم« :أفضل الجهاد كلمة
حق عند سلطان جائر» ( )1وحرية الفرد تستتبع حرية الجماعة السياسية والقتصادية.
غير أن هذه الحرية ليست مطلقة ،وإنما هي مقيدة بالمعيار الشتراكي الذي يقوم على تكافل أفراد
المجتمع ،سواء في ذلك الحاكم والمحكومون .فالحاكم الذي ترشحه المة وتبايعه مقيد بالعمل بنظام
الشريعة ،وبمشاورة أهل الخبرة والختصاص (أهل الحل والعقد) قال ال تعالى آمرا نبيه{ :وشاورهم
في المر} [آل عمران ]159/3:والمحكومون من الرعية مطالبون بالطاعة في المعروف ،وبالنصرة،
إذ «ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ( )2وقال ال تعالى{ :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء
بعض} [التوبة ]71/9:أي ،متناصرون ،ولهم إبداء الرأي في تصرفات الحاكم كما طالب بذلك أبو
بكر في خطبته المعروفة ،والدولة السلمية مقيدة في علقتها مع الدول الخرى بعدم العتداء ،لقوله
تعالى { :ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين} [البقرة.]190/2:
رابعا ـ القيم الخلقية في النظام الشتراكي السلمي :
أشرت سابقا إلى دور الخلق في بناء الفرد والجماعة ،وأضيف هنا أن أفضل أنواع الشتراكية هي
التي ل تفرض بالحديد والنار وبالمجازر الدموية
-------------------------------
( )1أخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه.
( )2حديث نبوي أخرجه أحمد والحاكم عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري رضي ال
عنهما.
( )7/49
والصراع الحاد بين الطبقات ،وإنما التي تنبع من الذات المؤمنة السامية والضمير النساني اليقظ
والمثل الدينية العليا .فالشتراكية السياسية والقتصادية الوطيدة الركان هي التي تقوم على القتناع
بضرورة التنازل عن شيء من المصالح الفردية في سبيل تحقيق مصلحة المجموع ،وهذا القتناع
يحتاج إلى تذوق خلقي للعلقات النسانية بين أفراد المجتمع ،والفهم الخلقي يحتاج إلى قوة دافعة من
العقيدة السامية التي قررتها الديان ،وتبلورت ـ أخيرا في السلم ،لن الدين سند الخلق وحارسها
وحافظها من الضعف والنهيار أثناء الزمات.
ومن أهم الخلق الشتراكية :الحساس المرهف بالمسؤولية والسمو البشري في التعاطف والتعامل
وحب الخير والحق واليثار .أما الحساس بالمسؤولية فموزع على الحكام والفراد ،قال صلّى ال
عليه وسلم « :كلكم راع ،وكلكم مسؤول عن رعيته ،فالمام راع وهو مسؤول عن رعيته ،والرجل
راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ،والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها» (
)1وقد بلغ الحساس بالمسؤولية عند الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان درجة عالية انعكست على
كل الولة والعمال في الدولة ،بل على سائر أفراد المسلمين ،إذ كان الواحد يندفع إلى تلبية الواجب
وتنفيذ أوامر السلم من دون حاجة إلى مراسيم وقوانين وأوامر متتابعة ومتراكمة من الخليفة
والحكام بحيث يزحم بعضها بعضا ،وقد ينقض واحد منها الخر.
وكان أخطر أنواع المسؤولية :هو توزيع الحقوق المالية على الناس في أجزاء البلد ،وقيام الحاكم
بواجبه نحو الرعية ،وهو الذي أحس به سيدنا عمر حينما قال« :لئن عشت إلى قابل ليبلغنّ الراعيَ
في صنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في
-------------------------------
( )1سبق تخريجه.
( )7/50
وجهه» وقال أيضا « :لئن ضلت شاة على شاطئ الفرات لخشيت أن يسألني ال عنها يوم القيامة» .
وأما التعاطف بين أبناء المجتمع فهو السمة البارزة لشتراكية السلم القائمة على المحبة واليثار،
والخوة والتضامن والسعي في سبل الخير ،قال ال تعالى{ :إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات]10/49:
{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر ]9/59:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :ل
يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه» (« )1الخلق كلهم عيال ال ،فأحبهم إلى ال أنفعهم
لعياله» (« )2عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به» (« )3تحب للناس ما تحب لنفسك ،وتكره لهم ما
تكره لنفسك» (. )4
وهناك أحاديث نبوية كثيرة ترغّب في فعل الخير وعمل المعروف وبذل المال ،ومساعدة المحتاج،
وتقديم القربات ،مثل قوله عليه الصلة والسلم« :من كان له فضل ظهر فليعد به على من ل ظهر
له ،ومن كان له فضل زاد فليعد به على من ل زاد له» (« )5يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير
لك ،وإن تمسكه شر لك ،ول تلم على كفاف ،وابدأ بمن تعول ،واليد العليا خير من اليد السفلى» ()6
.
بهده الصول الخلقية قامت اشتراكية السلم ،وبها وحدها تم التوصل لحل مشكلة النسان المعقّدة
المثلثة ،فتحقق التقاء الفرد والمجتمع ،والتوافق بين غرائز النسان الذاتية الخاصة ومصلحة المجموع،
وأثبت التطبيق العملي للشتراكية بالعتماد على القيم الخلقية أن القوانين والنظمة أو السلطة والقهر
ل تكفي لنجاح الشتراكية في إسعاد النسان ،بل ولن يكتب لها الدوام والستمرار .وهذه مقولة أعلنتُ
عنها منذ عام 1965م قبل انهيار التحاد السوفييتي.
-------------------------------
( )1أخرجه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن أنس بن مالك رضي ال عنه.
( )2أخرجه أبو يعلى والبزار عن أنس ،والطبراني عن ابن مسعود ،لكنه ضعيف.
( )3الثابت في السنة« :وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا» .
( )4أخرجه أحمد عن معاذ بن أنس رضي ال عنه (الترغيب والترهيب.)23/4 :
( )5سبق تخريجه.
( )6أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي أمامة رضي ال عنه (الفتح الكبير.)376/3 :
( )7/51
( )7/52
في عصر التابعين والمالكية والحنابلة ومتأخري الزيدية بجواز تسعير السلع ،حينما استبد الجشع
والطمع ببعض الناس ،وتغالوا في قيم البضائع ( ، )1وذلك عملً بالمصلحة المرسلة مما أوجب القول
بتدخل الحاكم لرد التجار إلى مبدأ السعر العادل (أو قيمة المثل) الذي ل يشتمل على غبن فاحش ()2
.وعلى هذا فإن أسعار البضائع المصنوعة الن يدخل العمل أساسا في تقدير أثمانها ،ويراعى في
ذلك المصلحة العامة ،والعدالة في التقييم.
المبحث الرابع ـ كراء الرض في السلم :
قبل أن أذكر اختلف العلماء الكثير في موضوع كراء الرض ،أبيّن اتجاهات السلم وغاياته العامة
وروحه التشريعية ومبادئ اشتراكية السلم التي أشرت إليها.
إن السلم بل شك يرغب ترغيبا أكيدا في استثمار خيرات الطبيعة واستخراج كنوزها ،ويكره تعطيل
المال وإضاعته ،كما يكره بطالة العامل ،ومن هنا كره بعض العلماء تعطيل الرض عن الزراعة،
لن فيه تضييع المال.
ويحرص السلم أيضا على تعميم الرفاه والرخاء على الناس وقصد النفع العام ،وتوزيع
الملكيات،وعدم اتساع الملكيات الزراعية بالذات خشية العجز عن استثمارها ،ويكره تكدس الثروات
واحتكار ملكية الراضي ،وحرمان الغلبية من تملكها؛ لن الرض ل ،وال يحب العدالة في
التوزيع.
-------------------------------
( )1وقال جمهور الفقهاء بحرمة التسعير إل إذا حصل تعدٍ فاحش في قيمة السلع استنادا إلى قول
النبي صلّى ال عليه وسلم فيما أخرجه الخمسة إل النسائي عن أنس « :إن ال هو القابض الباسط
الرازق المسعّر» ولن الثمن حق البائع ،فكان إليه تقديره ،فل ينبغي للمام أن يتعرض لحقه .وهذا
صحيح في عصر النبي حيث كان يسود الورع.
( )2قال ابن القيم :يجوز التسعير في العمال ،فإذا احتاج الناس إلى أرباب الصناعات كالفلحين
وغيرهم ،أجبروا على ذلك بأجرة المثل .وهذا من التسعير الواجب ،فهذا تسعير في العمال.
( )7/53
ويفضل السلم أن يكون مورد النسان من طريق العمل ،ويمقت بصفة عامة كون اليراد بدون
عمل ،ومن هنا حرم الربا والقمار والتدليس والغبن والستغلل والحتكار .وتأثر بعض العلماء بهذا
التجاه التشريعي ،فحرم أيضا إجارة الرض ،وتمسك برأيه القائلون بجواز التأميم أو تحديد الملكية.
ل القهر
واشتراكية السلم ينبغي أن تنبع كما بينت من الباعث الذاتي والدافع الخلقي ،وتكره إجما ً
والجبر وفرض المر على الناس بالقوانين الرادعة والزواجر الصارمة ما لم يضطر الحاكم إليها
ويقصر الناس بواجباتهم ،حتى يكون احترام الحكم قائما على الرضا والطواعية والختيار ،وليتوفر له
الخلود والدوام والبقاء وتمتنع الشحناء والبغضاء والحقد بين الفراد .ومن هذه الروح أجاز جمهور
العلماء كراء الرض ،ولم يجبروا مالكها على استثمارها أو إعارتها للخرين أو بذلها مجانا لمن
يحرثها ،عملً بمبدأ الحرية القتصادية ،أي أن كل مالك حر التصرف بماله.
فمن هذه التجاهات اختلف الفقهاء في حكم كراء الرض من أجل زراعتها على رأيين :رأي يمنع
ذلك إطلقا ،ورأي يجيز .ثم إن المجيزين لكراء الرض اختلفوا فيما بينهم اختلفات جزئية يحسن
ذكرها.
أما الفريق الول الذي يمنع كراء الرض وهم القل فهم بعض التابعين :طاوس وأبو بكر بن عبد
الرحمن وطائفة قليلة ،وأخذ برأيهم ابن حزم الظاهري ،قالوا :ل يجوز كراء الرض مطلقا ،ل بجزء
من ثمرها أو طعامها من الحبوب ونحوها ،ول بشيء من النقود ذهبا أو فضة ،ول بغير ذلك.
واستدلوا على رأيهم بدليلين:
أ ـ دليل عقلي :وهو أن مثل هذا الكراء يتضمن الغرر ،أي احتمال إضرار المكتري وهو الفلح؛
لنه يمكن أن يصاب الزرع بآفة سماوية أو جائحة من نار أو قحط ،أو غرق ،فتلزمه الجرة أو
الكراء من غير أن ينتفع من ذلك بشيء.
( )7/54
ب ـ دليل نقلي من السنة النبوية :وردت أحاديث صحيحة عن النبي صلّى ال عليه وسلم تنهى عن
كراء المزارع .منها :مارواه مالك عن رافع بن خديج :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن
كراء المزارع .وروي عن رافع بن خديج عن أبيه قال :نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن
إجارة الرضين (. )1
وعن جابر قال « :خطبنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم فقال :من كانت له أرض فليزرعها ،أو
ليُحرثها أخاه وإل فليدعها » (. )2
وعن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :من كانت له أرض فليزرعها ،أو
ليُحرثها أخاه ،فإن أبى فليمسك أرضه» ( )3ومعنى « فليُحرثها » أي يجعلها مزرعة لخيه بل
عوض ،وذلك بأن يعيره إياها ،بدليل ماروى ابن عباس أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال « :لن
يمنح أحدكم أخاه -أي أرضا -خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما » ( . )4فهذه الحاديث
تدل صراحة على أن كل مالك مكلف بزراعة أرضه بنفسه ،فإن لم يستطع زراعتها كلها أو بعضها،
منحها أو منح الجزء الزائد عن طاقته لبعض إخوانه بدون مقابل.
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والبخاري والنسائي.
( )2أخرجه أحمد ومسلم عن جابر رضي ال عنه.
( )3أخرجه البخاري ومسلم.
( )4أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود ( نيل الوطار .) 279/5وقوله« :لن يمنح»..
أي يجعلها منحة له ،والمنحة :العارية.
( )7/55
وأما الفريق الثاني وهم الجمهور المجيزون لكراء الرض مبدئياً فقد اختلفوا اختلفات تتعلق بنوع
الجرة منشؤها ضرورة رعاية بعض قواعد الشريعة الخرى التي تحرم الربا والغرر .وينحصر
اختلفهم في جواز كراء الرض بجزء مما يخرج منها:
- ً 1مذهب بعض التابعين :ربيعة وسعيد بن المسيب :ليجوز كراء الرض إل بالدراهم والدنانير
فقط ،بدليل ماروى رافع بن خديج عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال« :نهى رسول ال صلّى ال
عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة ،وقال :إنما يزرع ثلثة :رجل له أرض ،ورجل مُنح أرضا فهو
يزرع مامُنح ،ورجل اكترى بذهب أو فضة» ( ، )1قالوا :فهذا تصنيف لمستثمري الرض ،وليجوز
تعدي مافي هذا الحديث.
وأما الحاديث الخرى فهي مطلقة الكلم ،وهذا الحديث مقيد ،فيحمل المطلق على المقيد ،أي أنها
تفهم وتفسر بحسب مادل عليه هذا الحديث ،أو أن النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على
حالة اشتمال العقد على الجهالة والغرر ،أو يحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا .قال ابن حجر في فتح
الباري :إن النهي عن المزارعة محمول عند الجمهور على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة ،ل
عن كرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة.
- 2مذهب المالكية على المشهور :يجوز كراء الرض بكل شيء من النقود والمعادن والحيوان
وعروض التجارة ومنافع الموال ماعدا شيئين :الطعام سواء أكان خارجا من الرض أم لم يكن،
وماتنبته الرض سواء أكان طعاما أم غيره سوى الخشب والحطب والقصب ونحوها من كل ما
يطول مكثه في الرض حتى يعد كأنه أجنبي عنها.
فالطعام المستثنى يشمل كل ما أنبتته الرض كالقمح ،وما لم تنبته كاللبن والعسل .وغير الطعام الذي
تنبته الرض،ول يجوز الكراء به مثل القطن والكتان والعصفر والزعفران.
-------------------------------
( )1أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح ( نيل الوطار.) 276/5 :
( )7/56
والسبب في استثناء الطعام هو عدم الوقوع في الربا ببيع الطعام بالطعام لجل .وأما استثناء غير
الطعام مما تنبته الرض فسببه وجود الغرر في هذا العقد (أي احتمال أن تخرج الرض قدر ما
أكرى به المكتري أو أقل أو أكثر) ووجود الجهالة أيضا أي العقد على معلوم هو الرض بمجهول
وهو ما يخرج منها .وكل من الغرر والجهالة يوجب المشاجرة .وعلى هذا فإن المساقاة والمزارعة
جائزة عند المالكية .أما المساقاة فهي عقد بين صاحب الرض والعامل على القيام بخدمة أو مؤنة
شجر مثمر كنخل أو كرم عنب بجزء معلوم من الثمرة للجير .ويجوز أن يضم إليه تباعا استثمار
جزء من الرض بشرط أن يكون قليلً بأن تكون أجرته بالنسبة للجرة الكلية من الثمرة الثلث فأقل.
والمزارعة :هي المعاملة على استغلل الرض ببعض مايخرج منها ،وتجوز عند المالكية بشرط
خلوها من كراء الرض بممنوع بأن لتقع الرض أو بعضها في مقابلة بذر ،أو طعام ولو لم تنبته،
أو ماتنبته ولو غير طعام ،كما تقدم .ولم يجز أبو حنيفة المزارعة ،ويرى الشافعية عدم صحة
المزارعة إل تبعا للمساقاة ،وتعسر إفراد الشجر بالسقي وبياض الرض التي لزرع فيها بالعمارة،
أي الستثمار.
ودليل المالكية على ماذهبوا إليه :ما رواه رافع بن خديج قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :
« من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ،وليكرها بثلث ول بربع ول بطعام معين » ()1
واستكراء الرض بالحنطة يعرف بالمحاقلة وقد نهى عنها النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث آخر،
وهذا دليلهم على منع كراء الرض بالطعام .أما حجتهم على منع كراء الرض
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي.
( )7/57
مما تنبت فهو ماورد من نهيه صلّى ال عليه وسلم عن المخابرة ( : )1وهي كراء الرض مما يخرج
منها.
- 3مذهب أبي يوسف ومحمد من الحنفية ،والحنابلة ،والثوري والليث وابن أبي ليلى والوزاعي
وجماعة :يجوز كراء الرض بكل شيء ،ولو بجزء مما يخرج منها .وهذا ما عليه المسلمون في كل
مكان ،لن ذلك كراء منفعة معلومة (وهي العمل في الرض) بشيء معلوم ( وهو الجرة ) ،فجاز
قياسا على إجارة سائر المنافع مثل سكنى الدور واستعمال الحوانيت ونحوها .ويؤكد ذلك من ناحية
الثر حديث ابن عمر الثابت « :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر مايخرج
منها من ثمر أو زرع » ( ، )2أي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من
أموالهم على نصف ماتخرجه الرض والثمرة .ورويت أحاديث أخرى بمعناه عن ابن عباس وأبي
هريرة ،وكان كل المهاجرين في المدينة يزرعون على ثلث أو ربع إنتاج الرض ،وقد زارع علي
كرم ال وجهه وسعد بن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل
علي وآل عمر ،ومعاذ بن جبل في عهد النبي والخلفاء الراشدين.
ورد هؤلء على أحاديث غيرهم بأن أحاديث رافع ضعيفة لنها مضطربة المتون أي متغايرة اللفاظ.
وإن فرض كونها صحيحة فهي محمولة على الكراهية ل الحظر أو الحرمة ،بدليل ما أخرجه
البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال « :إن النبي صلّى ال عليه وسلم لم ينه عنها » ولكن قال« :
إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيرا له من أن يأخذ
-------------------------------
( )1أخرجه أبو داود عن زيد بن ثابت رضي ال عنه.
( )2أخرجه الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) عن ابن عمر رضي ال عنه ( نيل الوطار:
.) 272/5
( )7/58
منه شيئا » أو إن النهي عن كراء الرض محمول على ما إذا كانت الجرة مجهولة أو مضمونة من
إنتاج مكان معين من الرض ،مثل اشتراط صاحب الرض ناحية منها ،أو اشتراط ماينبت على حفة
النهر لصاحب الرض ،لما فيه من الغرر والجهالة .فدل ذلك على أن الحاديث التي تمنع من كراء
الرض محمولة على الندب والستحباب ،والفضل بذلها مجانا للفلحين والعمال ،بدليل إجماع
الصحابة على أن الجارة جائزة ،ولتجب العارة بالجماع.
المبحث الخامس -الجر في السلم :
الجارة نوعان :إجارة على المنافع بأن يكون المعقود عليه هو المنفعة ،وإجارة على العمال بأن
يكون المعقود عليه هو العمل .ومثال النوع الول :إجارة العقارات والدور والمنازل والحوانيت
والضياع ،والدواب للركوب والحمل ،والثياب والحلي للبس ،والواني والظروف للستعمال ،ونحو
ذلك بشرط أن تكون المنافع مباحة ،فإن كانت محرمة كالميتة والدم وأجر النوائح وأجر المغنيات فل
تصح الجارة عليها .ومثال النوع الثاني :وهي التي تعقد على عمل معلوم :الستئجار من أجل البناء
والخياطة والحمل إلى موضع معين وصباغة ثوب وإصلح حذاء ،ونحو ذلك من كل مايباح
الستئجار عليه ،روي عن رافع بن رفاعة ،قال « :نهانا النبي صلّى ال عليه وسلم عن كسب المة
إل ماعملت بيديها ،وقال :هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنفش » ( )1أي عجن العجين وخبزه،
وغزل الصوف والقطن والكتان والشعر ،أو نفشه وندفه ،وفي رواية ( النقش ) وهو التطريز.
والجارة بنوعيها مشروعة مباحة بالقرآن والسنة والجماع ،قال ال تعالى:
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد وأبو داود ( نيل الوطار 282/5ومابعدها).
( )7/59
{فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } [الطلق { ، ]6/65:يا أبت استأجره ،إن خير من استأجرت
القوي المين } [القصص ]26/28:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :أعطوا الجير أجره قبل أن
يجف عرقه » (« ، )1من استأجر أجيرا فليسمّ له أجرته» ( . )2وأجمعت المة في زمن الصحابة
على جواز الجارة ،لحاجة الناس إلى المنافع مثل حاجتهم إلى أعيان الشياء.
لكن أحاط الشرع حق الجير بضمانات متعددة :وهي الرضا ،والعدالة أو الكفاءة ،والعرف .فينبغي
أن يكون الجر عادلً متمشيا مع العرف السائد ومراعى فيه نوع الخبرة ،ومعتمدا في التقدير على
الحرية والرضا والطواعية ،فل يجوز الكراه على العمل ،ول إلحاق الظلم بالجير ،ول منعه حقه أو
المماطلة في أدائه ،أو استيفاء منفعة منه بغير عوض ،إذ إن من استخدم عاملً بغير أجرة فكأنه
استعبده ،كما قال فقهاء السلم أخذا من حديث نبوي اعتبر آكل جهد العامل بمثابة من باع حرا وأكل
ثمنه ،عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :قال ال عز وجل :ثلثة أنا
خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته :رجل أعطى بي ثم غدر ،ورجل باع حرا وأكل ثمنه،
ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره» ( )3قال ابن التين :هو سبحانه وتعالى خصم
لجميع الظالمين ،إل أنه أراد التشديد على هؤلء بالتصريح .وأكد النبي صلّى ال عليه وسلم في
أحاديث أخرى على ضرورة إيفاء حق العامل ،كما ذكرت ،وكما في قوله « :ولكن العامل إنما يوفى
أجره إذا قضى عمله » (. )4
-------------------------------
( )1أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر ،وأبو يعلى عن أبي هريرة ،والطبراني في الوسط عن جابر،
والحكيم الترمذي عن أنس ،وهو ضعيف.
( )2أخرجه البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة
غير مرفوع بهذا اللفظ عند بعضهم .وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال« :نهى رسول ال صلّى
ال عليه وسلم عن استئجار الجير حتى يبين له أجره » ( نيل الوطار.) 293 ،292/5 :
( )3أخرجه أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه ( ،نيل الوطار.)295/5 :
( )4أخرجه أحمد عن أبي هريرة رضي ال عنه ( نيل الوطار.) 295/5 :
( )7/60
وحرصا من الشريعة على حقوق العامل والعمال ،ومن أخصها الجور اشترطت شروط معينة عند
ل متقوما معلوما قدره للعامل جنسا وقدرا
التفاق على عقد الستئجار ،منها :أن تكون الجرة ما ً
وصفة كالثمن في البيع ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم المتقدم« :من استأجر أجيرا فليسمّ له أجرته»
والعلم بالجرة ل يحصل إل بالشارة والتعيين ،أو بالبيان الصريح .ويشترط أيضا أن تكون المنفعة
المؤجرعليها معلومة القدر ،وذلك إما بغايتها مثل خياطة الثوب وعمل الباب ونحوهما من إجارة
العمال ،وإما بتحديد الجل إذا لم تكن هناك غاية معروفة ،مثل خدمة الجير مياومة أو مشاهرة أو
سنويا ،وذلك إما بالزمان إن كان المأجور عليه عملً واستيفاء منفعة متصلة الوجود متتابعة
التحصيل ،مثل كراء الدور والحوانيت ،وإما بالمكان إن كان المطلوب مشيا مثل كراء الرواحل ،أي
وسائط النقل من مكان إلى مكان آخر.
واستحقاق تسلم الجرة يكون بالعمل أو إنجاز المطلوب من العامل ،للحديث السابق« :ولكن العامل
إنما يوفى أجره إذا قضى عمله» فإذا لم يكمل عمله ،يلزم المستأجر قدر عمل الجير.
( )7/61
أما ثبوت حق العامل في تملك الجرة ففيه رأيان للفقهاء :قال الشافعية والحنابلة :تثبت الملكية في
الجرة بمجرد انعقاد العقد ،أي بنفس عقد الجارة ،لنه عقد معاوضة ،والمعاوضة تقتضي الملك في
العوضين عقب العقد ،كما يملك البائع الثمن بالبيع .وبناء عليه إذا كانت الجارة في الذمة ،أي تعهد
شيء كخياطة أو بناء في ذمة العامل ،يلزم تسليم الجرة في مجلس العقد .وإن كانت الجارة واردة
على شيء معين كعقار معين بذاته أو دابة معينة بذاتها ،ملكت الجرة في الحال ويجب تعجيلها إل إذا
وجد شرط يقتضي التأجيل .وقال المالكية والحنفية :تجب الجرة باستيفاء المنفعة فعلً أو بالتمكين من
الستيفاء ،ول تملك الجرة بالعقد نفسه؛ لن المستأجر يملك حينئذ الشيء المأجور عليه ،فيملك
الجير العوض المستحق تحقيقا لمبدأ المساواة المطلوبة العاقدين .وذلك إل إذا اشترط تعجيل الجرة
بالعقد نفسه ،أو عجلت فعلً من غير شرط أو تم التفاق على تأجيل الجرة .وبناء عليه :يستحق
الجير أجرته شيئا فشيئا بحسب المنفعة التي قدمها للمستأجر وملكها شيئا فشيئا على ممر الزمان.
وبعبارة أخرى :يلزم المكري دفع الكراء جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع ،إل إذا وجد شرط
خلفه ،أو كان هناك ما يقتضي التقديم ،مثل أن يكون الكراء عوضا معينا بذاته ،أو يكون كراء في
الذمة.
( )7/62
والخلصة :إن العلقة بين رب العمل والعامل تقوم في السلم على أساس النسانية والرحمة
والتعاون ،والعدالة أو الكفاءة والرضا والعرف .ويرغّب السلم أيضا في إكرام العامل زيادة على
أجره؛ لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :خيركم أحسنكم قضاء» ( )1ويتحدد قدر الشيء المقابل
بحسب ما يتعارفه الناس في مثله إذا لم يكن هناك اتفاق صريح على التقدير ،أو فوض شخص بأداء
شيء لخر ولم يقدر حدود الشيء المدفوع .ويلزم رب العمل بتعويض العامل عما قد يصيبه من
أضرار اللة والعمل منعا من الضرر ،وللحكومة أن تتدخل في علقات أرباب العمل والعمال بأن
تقرر أن تكون أجور العمال متفقة مع مشقة العمل ،ول تجحف بمصلحة الملك ،منعا لستغلل حاجة
العمال ،ومحافظة على نمو رأس المال للمة.
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد والشيخان عن أ بي هريرة بلفظ «إن خيركم أحسنكم قضاء» وأخرجه أحمد
والترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي ال بلفظ «خياركم أحاسنكم قضاء» وأخرجه الجماعة إل
البخاري عن أبي رافع بلفظ «فإن من خير الناس أحسنهم قضاء» (نيل الوطار 230/5 :ومابعدها).
( )7/63
( )7/64
أ ـ العمليات الشرطية البسيطة :وهي التي يكون فيها الخيار للمضارب بين فسخ العقد في ميعاد
التصفية أو قبله ،أو تنفيذ العملية إذا رأى تقلب السعار لصالحه ،على أن يدفع تعويضا متفقا عليه
سلفا.
ب ـ العمليات الشرطية المركبة :وهي التي يكون فيها الخيار للمضارب بين أن يكون مشتريا أو
بائعا ،وأن يفسخ العقد ،إذا رأى مصلحة له في ذلك عند التصفية أو قبلها ،مقابل تعويض أكبر مما
يدفع في العمليات البسيطة ،يدفعه لصاحبه.
جـ ـ العمليات المضاعفة :وهي التي يكون فيها الحق للمضارب في مضاعفة الكمية التي اشتراها
أو باعها ،بسعر التعاقد ،إذا رأى مصلحة في التصفية ،على أن يدفع تعويضا مناسبا متفقا عليه،
يختلف بنسبة الكمية المضاعفة.
ويختلف معنى المضاربة في البورصة عن معناها الشرعي ،فمضاربة البورصة :هي المخاطرة على
سعر السلعة في البورصة في تصفية معينة .وهي إما مضاربة على الصعود :وهي أن المضارب
يشتري السلعة بسعر ،وهو يخاطر في أنه سيرتفع ،فيبيع حالً ما اشتراه مؤجلً بالسعر المرتفع،
ويقبض الفرق .وإما مضاربة على الهبوط :وهي أن يبيع الشخص سلعة بسعر ،وهو يخاطر في أنه
سينخفض يوم التصفية ،حيث يبيع بالثمن الحال ،ويشتري ما اتفق عليه مؤجلً ،ويقبض الربح.
وفي كلتا الحالتين قد يحدث خلف المتوقع فيخسر المضارب ،ويتم البيع على المكشوف ،فل تكون
السلعة في حيازة البائع ،ول الثمن في حيازة المشتري وقت التعاقد ،ول يتم تسليم أو تسلم إل يوم
التصفية .وهذا كله حرام شرعا.
أما المضاربة الشرعية أو القراض فهي عقد يقوم على تقديم المال من أحد طرفي العقد ،والعمل من
الطرف الخر.
( )7/65
خطة البحث :يتضمن البحث قسمين :الول :أحكام بورصة الوراق المالية.
والثاني :أحكام بورصة العقود «الكونتراتات» .
القسم الول ـ أحكام بورصة الوراق المالية :
الوراق المالية :هي السهم والسندات.
أما السهم :فهي حصص الشركاء في الشركات المساهمة ،فيقسم رأس مال الشركة إلى أجزاء
متساوية ،يسمى كل منها سهما ،والسهم :جزء من رأس مال الشركة المساهمة ،وهو يمثل حق
المساهم مقدرا بالنقود ،لتحديد مسؤوليته ونصيبه في ربح الشركة أو خسارتها .فإذا ارتفعت أرباح
الشركة ارتفع بالتالي ثمن السهم إذا أراد صاحبه بيعه ،وإذا خسرت انخفض بالتالي سعره إذا أراد
صاحبه بيعه.
ويجوز شرعا وقانونا بيع السهم ،بسعر بات ،أما إذا كان السعر مؤجلً لوقت التصفية فل يجوز البيع
لجهالة الثمن ،لن العلم بالثمن شرط لصحة البيع عند جماهير العلماء .وأجاز المام أحمد وابن تيمية
وابن القيم البيع بما ينقطع عليه السعر ،قياسا على القول بمهر المثل في الزواج ،وأجر المثل في
الجارة ،وثمن المثل في البيع ،وعملً بالمتعارف ،وبما يحقق مصالح الناس.
أما بيع السهم على المكشوف ،أي إذا كان البائع ل يملكها في أثناء التعاقد ،فل يجوز ،للنهي الثابت
شرعا عن بيع ما ل يملك النسان.
أما السندات :فهي أوراق مالية ،ضمانا لدين على الدولة ،أو على إحدى الشركات ،ويقدر لها فائدة
ثابتة أو ربح ثابت ،كما يكون هناك خصم في إصدار السندات بمعنى أن يدفع المكتتب أقل من القيمة
السمية على أن يسترد القيمة السمية كاملة عند الستحقاق ،علوة على الفوائد السنوية ،والخلصة:
أنها قرض بفائدة سنوية ،ل تتبع الربح والخسارة.
( )7/66
والرأي الراجح المتعين في حكم هذه السندات أنها حرام شرعا ،ول يجوز التعامل بها بيعا أو شراء،
لن كل قرض جر نفعا فهو ربا ،وهذا قرض جر نفعا ،فهو من الربا الواضح .والبديل لستمرار
الشركات التي تصدرها أن تتحول هذه السندات إلى أسهم ،وأن تباع أو تشترى بعقد حالّ ،بحيث
يشارك حاملوها في الربح والخسارة ،وهذا يناقض المبدأ الشرعي« :ل ضرر ول ضرار» ويناقض
قاعدة «الغنم بالغرم» وتكون المساهمة في الربح والخسارة عدلً ،والعدل واجب ،وغيره ظلم ،والظلم
ل وعرفا وقانونا ،ولن التعامل بالسندات يعتمد على الفكر الربوي الرأسمالي وهو
حرام شرعا وعق ً
أن المال يولد المال ،أما الفكر السلمي فهو أن العمل هو الذي يثمر المال.
أما الذين أجازوا التعامل بالسندات من المعاصرين كالشيخ محمد عبده والستاذ عبد الوهاب خلف
بالعتماد على أن تحديد الفائدة أو الربح أصبح ضروريا بعد فساد ذمم الكثير من الناس ،فإنهم
يصادمون صراحة النصوص التي تحرّم الفائدة الثابتة أو الربا ،ويعتمدون على مصالح تصادم النص،
فل تعتبر كما أنه ل تتوافر ضوابط الضرورة الشرعية التي تسوغ الستثناء.
القسم الثاني ـ أحكام بورصة العقود ( الكونتراتات )
الكلم في هذا القسم يتناول حكم بيع النسان مال يملك ،وبيع الشيء قبل القبض ،والعقد دون تحديد
السعر ،والعمليات الجلة الشرطية البسيطة ،والعمليات الجلة الشرطية المركبة ،والعمليات
المضاعفة ،وحكم بدل التأجيل للتسليم والتسلم ،وبيع الدين بالدين ،وعمولت المصارف مقابل
الخدمات أو الضمانات.
( )7/67
أولً :حكم بيع النسان مال يملك (بيع المعدوم وبيع معجوز التسليم في الحال وبيع الغرر ) :
اشترط جمهور العلماء لنعقاد العقد أن يكون محل العقد موجودا وقت التعاقد ،فل يصح التعاقد على
معدوم ،كبيع الزرع قبل ظهوره لحتمال عدم نباته ،ول على ماله خطر العدم ،أي احتمال عدم
الوجود كبيع الحمل في بطن أمه ،لحتمال ولدته ميتا ،وكبيع اللبن في الضرع ،لحتمال عدمه بكونه
انتفاخا ،وكبيع اللؤلؤ في الصدف ،ول يصح التعاقد على مستحيل الوجود في المستقبل ،كالتعاقد مع
طبيب على علج مريض توفي ،فإن الميت ل يصلح محلً للعلج ،وكالتعاقد مع عامل على حصاد
زرع احترق ،فكل هذه العقود باطلة.
هذا الشرط مطلوب عند الحنفية والشافعية ( ، )1سواء أكان التصرف من عقود المعاوضات أم من
عقود التبرعات ،فالتصرف بالمعدوم باطل ،سواء بالبيع أو الهبة أو الرهن ،لنهي النبي صلّى ال عليه
وسلم عن بيع حبل الحبلة ( )2ونهيه عن بيع المضامين والملقيح ( )3وعن بيع ما ليس عند النسان
فيما رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن عبد ال بن عمرو أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال:
«ل يحل سلف وبيع ،ول شرطان في بيع ،ول ربح ما لم يضمن ،ول بيع ما ليس عند ك» .
-------------------------------
( )1المبسوط ،194/12 :البدائع ،138/5 :فتح القدير ،192/5 :مغني المحتاج ،30/2 :المهذب:
.262/1
( )2أي بيع ولد ولد الناقة أو بيع ولد الناقة ،والحديث رواه أحمد ومسلم والترمذي عن ابن عمر.
( )3المضامين :ما في أصلب البل ،والملقيح :ما في بطون النوق ،والحديث رواه عبد الرزاق في
مصنفه عن ابن عمر.
( )7/68
واستثنى هؤلء الفقهاء من قاعدة المنع من التصرف بالمعدوم عقود السلم والجارة والمساقاة
والستصناع ،مع عدم وجود المحل المعقود عليه حين إنشاء العقد ،استحسانا ،مراعاة لحاجة الناس
إليها ،وتعارفهم عليها ،وإذن الشرع في السلم والجارة والمساقاة ونحوها.
واكتفى المالكية باشتراط هذا الشرط في المعاوضات المالية ،دون التبرعات كالهبة والوقف والرهن (
. )1
ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط ،واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع ،كبيع
الحمل في البطن دون الم ،وبيع اللبن في الضرع ،والصوف على ظهر الغنم ،وأجازوا فيما عدا ذلك
بيع المعدوم عند العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة ،كبيع الدار على الهيكل أو
الخريطة ،لنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم ،ل في الكتاب ول في السنة ول في كلم الصحابة،
وإنما ورد النهي عن بيع الغرر :وهو ما ل يقدر على تسليمه ،سواء أكان موجودا أم معدوما ،كبيع
الفرس الهارب والجمل الشارد ،فليست العلة في المنع ،ل العدم ول الوجود ،فبيع المعدوم إذا كان
مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر ،ل للعدم .بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض
المواضع ،فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدء صلحه ،والحب بعد اشتداده ،والعقد في هذه الحالة ورد على
الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد .وأما حديث النهي عن بيع ما ليس عند النسان المتقدم ،فالسبب
فيه هو الغرر ،لعدم القدرة على التسليم ،ل أنه معدوم (. )2
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،305/3 :القوانين الفقهية :ص .367
( )2المغني ،208 ،200/4 :نظرية العقد لبن تيمية :ص ،224أعلم الموقعين.8/2 :
( )7/69
وعلى أي حال فقد اتفقت المذاهب الثمانية ( )1وجميع الفقهاء ،ومنهم ابن حزم وابن تيمية وابن القيم
على أن بيع النسان ما ل يملك ل يجوز ،إما لنه معدوم أثناء العقد عند الغلبية الساحقة ،وإما لنه
غرر عند الحنابلة للحاديث الثلثة التالية:
- 1حديث حكيم بن حزام الذي أخرجه أصحاب السنن قال« :قلت :يا رسول ال ،يأتيني الرجل،
فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه ،ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال :ل تبع ما ليس عندك» .
- 2حديث عبد ال بن عمرو المتقدم الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن الربعة والدارمي قال :قال
رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :ل يحل سلف وبيع ،ول ربح ما لم يضمن ،ول بيع ما ليس
عندك» .
- 3حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن« :نهى رسول ال صلّى ال عليه
وسلم عن بيع الغرر ،وعن بيع الحصاة» .
واتفقت المذاهب الربعة على بطلن بيع معجوز التسليم ،أي ما ل يقدر على تسليمه كالطير في
الهواء ،والسمك في الماء والجمل الشارد والفرس الهارب والمال المغصوب في يد الغاصب ،وكبيع
الدار أو الرض تحت يد العدو ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم ـ كما تقدم ـ نهى عن بيع الحصاة
وعن بيع الغرر ،وهذا غرر (. )2
واتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر ،كبيع اللبن في الضرع ،والصوف
-------------------------------
( )1فتح القدير والبدائع ،المكان السابق ،المقدمات الممهدات ،202/3 :الشرح الصغير والقوانين
الفقهية ،المكان السابق ،مغني المحتاج والمهذب ،المكان السابق ،المغني ،المكان السابق ،المحلى:
،363/9منهاج الصالحين عند الزيدية ،24/2 :البحر الزخار.291/3 :
( )2البدائع ،295/5 :بداية المجتهد ،156/2 :المهذب ،263/1 :المغني.202/4 :
( )7/70
على الظهر ،واللؤلؤ في الصدف ،والحمل في البطن ،والسمك في الماء ،والطير في الهواء قبل
صيدهما ،وبيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه قبل ملكه له ،لن البائع باع ما ليس بمملوك له في
الحال ،سواء أكان السمك في البحر أم في النهر ،أي في حظيرة ل يؤخذ منها إل باصطياد ،وسواء
أكان الغرر في المبيع أم في الثمن (. )1
ثانيا :بيع الشيء المملوك قبل قبضه من آخر :
اتفق الفقهاء من حيث المبدأ على عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه من مالك آخر ،ولكنهم اختلفوا في
مدى عموم الحكم وإطلقه وتقييده ،لختلف روايات الحاديث المانعة منه ،أو بسبب تأويل معنى
الحديث ،أو للعمل بظاهر الحديث فقط.
منهم كالشافعية ،ومحمد وزفر من الحنفية من منع التصرف في المبيع قبل قبضه مطلقا .ومنهم من
منع منه في المنقولت دون العقارات وهو مذهب الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف ،ومنهم من جوزه
في غير الطعام وهم المالكية ،ومنهم من جوزه في غير المعدود والموزون والمكيل من الطعام (أي
غير المقدرات) وهم الحنابلة ،وقريب منهم المامية والزيدية ،ومنهم من جوزه في غير القمح خاصة
وهم الظاهرية.
وأما الشافعية ومحمد بن الحسن وزفر فقالوا :ل يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه مطلقا قبل قبضه،
عقارا كان أو منقولً ،لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض ،في حديث أحمد وغيره المتقدم عن حكيم بن
حزام« :ل يحل سلف وبيع ،ول
-------------------------------
( )1المجموع للنووي ،280/9 :قواعد الحكام للعز بن عبد السلم ،76/2 :نيل الوطار.148/5 :
( )7/71
ربح ما لم يضمن ،ول بيع ما ليس عند ك» وهذا من باب ما لم يضمن ،ومعناه :مالم يقبض ،لن
السلعة قبل تلفها ليست في ضمان المشتري ،لنه ربما هلك ،فانفسخ العقد ،وفيه غرر من غير حاجة،
فلم يجز ،فالعلة في منع البيع هي الغرر (. )1
وأما المعتمد عند الحنفية وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف فهو التفصيل ،وهو أنه ل يجوز
التصرف في المبيع المنقول قبل القبض ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض،
والنهي يوجب فساد المنهي عنه ،ولنه بيع فيه غرر النفساخ بهلك المعقود ،أي إنه يحتمل الهلك،
فل يدري المشتري :هل يبقى المبيع أو يهلك قبل القبض ،فيبطل البيع الول ،وينفسخ الثاني ،وقد نهى
رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن بيع فيه غرر ،كما تقدم.
ل بعمومات البيع من غير
وأما العقار :كالراضي والدور ،فيجوز بيعه قبل القبض ،استحسانا استدل ً
تخصيص ،ول يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد ،ول غرر في العقار ،إذ ل يتوهم هلك
العقار ،ول يخاف تغيره غالبا بعد وقوع البيع وقبل القبض ،أي إن تلف العقار غير محتمل ،فل
يتقرر الغرر ( . )2والخلصة :أن العلة في مذهب الحنفية في عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه هي
الغرر ،كما قال الشافعية.
وبما أن السلع التي تباع في البورصة ( بيع الكنتراتات ) هي منقولت لها مقدرات مثلية ،وليست
عقارات ،فل يجوز بيعها قبل قبضها عند الحنفية والشافعية.
ويكون البيع فاسدا عند الحنفية باطلً عند الشافعية ،لنه يتم فيه البيع قبل القبض وبثمن مختلف.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،68/2 :المهذب.264/1 :
( )2فتح القدير ،193/4 :البدائع.139/5 :
( )7/72
أما المالكية :فإنهم قصروا المنع في بيع الشيء قبل قبضه على بيع الطعام ( )1خاصة ،إذا بيع بالكيل
أو الوزن أو العد ،أما غير الطعام أو الطعام المبيع جزافا :فيجوز بيعه قبل قبضه ،لغلبة تغير الطعام
بخلف ما سواه ،ولمفهوم حديث ابن عمر الذي رواه أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه أن
رسول ل صلّى ال عليه وسلم قال« :من ابتاع طعاما ،فل يبعه حتى يقبضه» .والعلة في منع بيع
الطعام قبل قبضه عندهم :هي أنه قد يتخذ ذريعة للتوصل إلى ربا النسيئة ،فهو شبيه ببيع الطعام
بالطعام نسيئة ،فيحرم سد ا للذرائع (. )2
ل أو موزونا أو معدودا أي المقدرات،
وأما الحنابلة :فقالوا :ل يجوز بيع الشيء قبل قبضه إذا كان كي ً
لسهولة قبض المكيل والموزون والمعدود عادة ،فل يتعذر عليه القبض ،واستدللً بمفهوم حديث
الطعام السابق ،فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه ،يدل على إباحة البيع فيما سواه ،ولم
يصح غيره من الحاديث .واشتراط الكيل أو الوزن أو العد ،لن المكيل والموزون والمعدود ل
يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إل بالكيل أو الوزن أو العدد ،وقد نهى الرسول صلّى
ال عليه وسلم عن بيع ما لم يضمن .فالعلة في منع البيع عندهم هي الغرر كما قال الحنفية (. )3
وأما غير المكيل والموزون والمعدود ،أي غير المقدرات ،فيصح عند الحنابلة بيعه قبل قبضه.
وبناء عليه يصح عند المالكية للمشتري التصرف في المبيع قبل قبضه ،سواء كان البيع أعيانا منقولة
أو أعيانا ثابتة كالرض والنخيل ونحوها إل الطعام المكيل أو الموزون أو المعدود .ويصح عند
الحنابلة بيع غير المكيل أو الموزون أوالمعدود .فما يجري داخل البورصة من بيع العقود قبل قبضها
يصح في هذين المذهبين بالتخلية ،أي بتسليم البائع المبيع وقبض المشتري برفع الحوائل وإزالة
المانع.
وأما الظاهرية :فأجازوا بيع الشيء قبل قبضه إل القمح خاصة ،سواء بيع كيلً أو وزنا أوجزافا،
عملً بظاهر النهي في الحديث ،والطعام عندهم ل يكون إل في القمح .ومعنى القبض :أن يطلق
-------------------------------
( )1يشمل الطعام عنده كل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والدم بجميع أنواعهاكالزيت والعسل
ونحوها.
( )2المنتقى على الموطأ ،279/4 :بداية المجتهد.142/2 :
( )3المغني 113 ،110/4 :وما بعدها.
( )7/73
( )7/74
ثالثا ـ البيع دون تحديد السعر (أو البيع بما ينقطع عليه السعر ) :
اتفقت المذاهب الثمانية على اشتراط معرفة الثمن في عقد البيع حال العقد أو قبله ،فل يجوز البيع
بثمن مجهول ،ول بد من بيان جنس الثمن وقدره وصفته ( . )1وعليه فل يصح عندهم البيع بما
ينقطع عليه السعر أو بسعر السوق في يوم معين أو في فترة محددة.
لكن روي عن المام أحمد جواز البيع بما ينقطع عليه السعر في المستقبل بتاريخ معين من غير تقدير
الثمن أو تحديده وقت العقد ،لتعارف الناس ،ولتعاملهم به في كل زمان ومكان .وقد رجح ابن تيمية
وابن القيم هذا الرأي ،وأرادوا به سعر السوق وقت البيع ،ل أي سعر في المستقبل (. )2
وبه يتبين أن جميع المذاهب ل تجيز البيع الحالي في البورصة حيث تباع السلع الحاضرة بثمن
السوق في يوم محدد أو في خلل فترة محددة هي فترة التصفية ،حتى عند ابن تيمية وابن القيم
ورواية عن أحمد الذين يجيزون البيع بما ينقطع عليه السعر ،فإنهم أرادوا كما تقدم سعر السوق وقت
البيع ،ل أي سعر في المستقبل ،كمن يشتري شيئا من خباز أو لحام أو سمّان أو غيرهم ،بسعر يومه،
ثم يحاسبه في نهاية الشهر ويعطيه ثمنه ،وهذا ما يسمى ببيع الستجرار.
وقد تورط بعض الساتذة المعاصرين برأي بعض الحنابلة ،فأجازوا البيع بسعر السوق يوم كذا ،أو
بسعر القفال في بورصة كذا ،لرضا المتعاقدين بذلك ،ولن جهالة الثمن حينئذ ل تؤدي إلى
المنازعة ،واحتجاجا بقول ابن تيمية بأنه عمل الناس في كل عصر ومصر ،وقوله :هو أطيب لقلب
المشتري من المساومة ،يقول :لي أسوة بالناس.
وكل ذلك في رأيي محل نظر وتأمل ،فإن ما أراده ابن تيمية غير ما يحدث في بورصة العقود
الحالية ،كما أن بيع الستجرار ونحوه روعي فيه حاجة بعض الناس ،وأين مثل هذه الحاجة في
البورصة؟!
-------------------------------
( )1المبسوط ،49/13 :البدائع ،158/5:فتح القدير ،113/5 :رد المحتار ،30/4 :الشرح الكبير
للدردير ،15/3 :القوانين الفقهية :ص ،257مغني المحتاج ،17/2 :المهذب ،266/1 :المغني:
،187/4المحلى ،19/9 :المختصر النافع :ص ،143منهاج الصالحين.25/2 :
( )2غاية المنتهى ،26 ،14/2 :نظرية العقد لبن تيمية :ص ،220أعلم الموقعين.6-5/4 :
( )7/75
( )7/76
خلبة ( ، )1ولي الخيار ثلثة أيام» .
وأجاز أبو يوسف ومحمد والحنابلة والمامية والزيدية اشتراط مدة الخيار حسبما يتفق عليه البائع
والمشتري من المدة المعلومة ،قلت مدته أو كثرت ،لن الخيار يعتمد الشرط ،فيرجع في تقديره إلى
مشترطه كالجل.
وأجاز المالكية الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة .ويختلف ذلك باختلف الحوال ،فخيار الشرط في
الفاكهة يوم ،وفي الثياب والدابة ثلثة أيام ،وفي الرض أ كثر من ثلثة أيام ،وفي الدار ونحوها مدة
شهر.
وبناء على هذا الرأي للمالكية والحنابلة ومن وافقهم ،تجوز العمليات الجلة الشرطية البسيطة إذا
كانت مدة استعمال حق الخيار معلومة على النحو المذكور ،ومدة الخيار في هذه العمليات معلومة
وهي الفترة ما بين وقت العقد إلى وقت أقرب تصفية .ويجوز دفع المال بشرط متفق عليه أو التبرع
به لستعمال حق الخيار ،لن المسلمين على شروطهم ،ولن دفع المال يؤيد ما شرعه الشرع من حق
الخيار .لكن ل يجوز التفاق على إسقاط حق الخيار بعوض ،فقد نص فقهاؤنا على أنه لو صالح
شخص بعوض عن خيار في بيع أو إجارة ،لم يصح الصلح ،لن الخيار لم يشرع لستفادة مال ،وإنما
شرع للنظر في الحظ ،فلم يصح العتياض عنه (. )2
-------------------------------
( )1أي ل خديعة ول غبن ،والمعنى :ل يحل لك خديعتي ،أو ل تلزمني خديعتك.
( )2العقود المسماة في القانونين الماراتي والردني للباحث :ص ،205التقنين الحنبلي (م )264
كشاف القناع.387/3 :
( )7/77
( )7/78
للمشتري :بعني هذا الشيء إلى أجل آخر بزيادة شيء ،فيبيعه ،ول يجري بينهما تقابض ،فيكون هذا
ربا حراما تطبيقا لقاعدة« :زدني في الجل ،وأزيدك في القدر» كما تقدم في النوع السابق :سابعا.
ومثال بيع الدين لغير الدين :أن يقول رجل لغيره :بعتك السلعة التي لي عند فلن بكذا تدفعها لي بعد
شهر .وهذا أيضا حرام.
وإذا كانت أغلب عمليات البورصة تتم في صورة بيع الدين بالدين دون تسليم ول تسلم كما هو
ملحظ ،فل تجوز هذه العمليات ،ول بد من تعجيل تنفيذ الصفقة دون تأخير.
أما بيع الدين نقدا في الحال :فمختلف فيه ،فقد أجاز جمهور الفقهاء غيرالظاهرية بيع الدين لمن عليه
الدين أو هبته له ،ولم يجز الجمهور غير المالكية بيع الدين لغير المدين،وأجازه المالكية بشروط
ثمانية تبعده عن الغرر والربا وأي محظور آخر كبيع الطعام قبل قبضه ( . )1ول داعي لتفصيل
الكلم في هذا النوع من البيع في الحال ،لنه غير موجود في البورصة ،لعتماد أغلب العمليات فيها
على التأجيل.
تاسعا ـ عمولت المصارف (البنوك) مقابل الخدمات أو الضمانات :
إن ما يأخذه المصرف (البنك) مقابل خدمات الحراسة ،واستئجار الرض ،واستعمال المخازن
(التخزين) وأجرة إعداد الفواتير وكتابة الحسابات ،جائز مشروع ل شبهة فيه ،لنه مقابل منفعة،
وإجارة المنافع والعمال جائزة شرعا.
-------------------------------
( )1البدائع ،148/5 :تكملة ابن عابدين ،326/2 :الشرح الكبير للدردير ،63/3 :بداية المجتهد:
،146/2المهذب ،262/1 :المغني ،30 ،120/4 :غاية المنتهى ،80/2 :كشاف القناع،237/4 :
المحلى ،7/9 :أصول البيوع الممنوعة للشيخ عبد السميع إمام :ص ،19الغرر وأثره في العقود
للدكتور الصديق محمد الضرير :ص .315
( )7/79
أما ما يأخذه المصرف من الفوائد على المال المودع زيادة على الخدمات ،أو مقابل القروض أو
الضمانات غير المغطاة فعلً ،فهو غير مشروع ،إل إذا دخل البنك مع المضارب في شركة صحيحة،
أو مضاربة شرعية ،في الحالت التي ل يجوز فيها البيع أو الشراء داخل البورصة وهي حالت البيع
الحال أو الشراء الحال .أما المؤجل فقد بينت عدم جوازه للغرر والتصرف فيما ل يملك ،وبيع الشيء
قبل القبض (. )1
والخلصة :إن حكم عمليات العقود داخل السوق المالية أو البورصة ما يلي:
- 1إذا كانت البضاعة حاضرة (أي وجود عيّنة) والسعر بات ،فهذا حلل.
- 2إذا كانت البضاعة حاضرة ،والسعر مؤجل ليوم التصفية ،فهذا غير جائز عند جماهير العلماء،
وأجازه بعض المعاصرين عملً برأي المام أحمد وابن تيمية وابن القيم في البيع بما ينقطع عليه
السعر.
- 3العقود المؤجلة :وهي الحاصلة في بعض عمليات البورصة ،فهذه غير جائزة ،لنها بيع النسان
ما ليس عنده ،وهو غير جائز بسبب وجود الغرر فيه ،ولنها بيع للشيء قبل قبضه ،وهو الرأي الذي
رجحته من مذهب الشافعية ومن وافقهم ،وهي بيع دين بدين.
والبديل الشرعي عن العقود المؤجلة هو عقد السلم الجائز شرعا ،وهو بيع آجل بعاجل ،أو بيع شيء
موصوف في الذمة ببدل عاجل يجب قبضه عند الجمهور في مجلس العقد ،ويجوزتأخيره مدة قليلة
كيوم أو ثلثة أيام عند المالكية ،ويصح عقد السلم بلفظ البيع ،ول يشترط كون المعقود
-------------------------------
( )1الموسوعة السابقة.426/5 :
( )7/80
عليه موجودا عند التعاقد ،ول أن يكون في ملك البائع المسلم إليه ،وإنما يكفي وجوده عند التسليم،
وإنما يشترط فيه أل يكون العقد مشتملً على ربا النسيئة ،أي أل يكون مطعوما أو نقدا في مقابل
مطعوم أو نقد ،ويصح أن يكون مطعوما مؤجلً في مقابل نقود.
المبحث السابع -عائد الستثمار :
تمهيد :
التنمية أو المزيد من استثمار الموال من قواعد السلم وثوابته القتصادية ،لن في ذلك إنعاش
القتصاد ،والسهام في تنشيط الحركة التجارية ،وتحقيق الرخاء أو الرفاه الذي يستفيد منه أكبر
مجموعة من الناس.
( )7/81
لذا رغب السلم في التجارة وحث عليها لكسب المعاش ،وبارك ال فيها لتحصيل الربح ،وتنمية
النتاج ،وجعل السلم العمل هو أساس السترباح ،والعقود المشروعة هي أعمال تتطلب خبرة
وجهدا ،فقال ال تعالى { :وأحل ال البيع وحرم الربا } [البقرة ، ]275/2:فالبيع التجاري طريق
للكسب المشروع،فهو حلل ،والربا أو الفائدة حرام ،لن النقود ل تولد النقود ،فالكسب الحاصل
بالمراباة حرام؛ لنه من غير جهد ول عمل ،وإنما هو ظلم واستغلل ،ومن أهم عوامل التضخم
النقدي ،وانتشار الحتكارات ،ووجود التفاوت الصارخ بين فئة الغنياء المترفين ،والفقراء
المستضعفين والمعدِمين .بل إن السلم حرم كل المكاسب الخبيثة كالغصب والرشوة والسرقة والنهب
والغش ،قال ال تعالى{ :ياأيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن
ض منكم} [النساء .]29/4:وجاءت آيات قرآنية أخرى تؤيد كسب العمل والتجارة والحتراف ،مثل
ترا ٍ
قوله تعالى { :فإذا قضيت الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل ال } [الجمعة]10/62:
وقوله سبحانه { :هو الذي جعل لكم الرض ذَلولً ،فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ،وإليه
النشور } [الملك .]15/67:وقوله عز وجل على سبيل تزكية التجارة المباحة المبارك فيها { :يرجون
تجارةً لن تبور } [فاطر .]29/35:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم حينما سئل عن أي الكسب أطيب:
« عمل الرجل بيده ،وكل بيع مبرور » ( )1أي ل غش فيه ول خيانة ،وقال عليه الصلة والسلم
أيضا « :تسعة أعشار الرزق في التجارة » (. )2
-------------------------------
( )1رواه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع ( سبل السلم.) 4/3 :
( )2حديث حسن عن نعيم بن عبد الرحمن الزدي ويحيى بن جابر الطائي مرسلً (الجامع الصغير
للسيوطي .)130/1
( )7/82
وفي الحياة القتصادية الحديثة وجدت استثمارات مشروعة تختلف عن الحوال الضيقة ذات الصبغة
المنفردة ( المضاربة الخاصة) بين عاقدين فأكثر ،متمثلة في ( المضاربة المشتركة ) حيث يتعدد
أرباب المال وهم جماعة المستثمرين ،الذين يقدمون المال بصورة انفرادية ليعمل به مضاربة ،ويتلقاه
جماعة المضاربين في صورة مصرف (بنك) شركة أو جماعة ،وهم الذين يأخذون المال منفردين
أيضا ،ويقومون بتشغيله لدى شخص أو جهة للعمل فيه بالمضاربات المعقودة مع كل منهم على
انفراد.
وأصبح هذا اللون من الستثمار أكثر رغبة واجتذابا لرؤوس الموال المكدسة لتوافر قدر أكبر من
الثقة والئتمان.
خطة البحث :
-ماهو المراد من العائد ،وما الفرق بينه وبين الربح؟
-ماهي أنواع العوائد وما حكم كل منها؟
-ماهي الطريقة السائغة شرعا لتحديد العائد على الستثمار؟
-في الحالت التي يتغير فيها المستثمرون ( المودعون ) هل يجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية
محسوبة على اعتبار ماسيقع من الرباح أو العائد؟
-وإذا وافق جميع المستثمرين على هذه الطريقة السابقة ،فهل تكون جائزة؟
-وفي الحالت التي ليمكن فيها الرجوع على عميل قبض حصته ،ثم يظهر أن الربح لم يتحقق في
نهاية المدة ،كيف تكون المحاسبة؟ ومن يتحمل الفرق ،الشركة أم المستثمر ،أم غير ذلك؟
-إذا أنشأ البنك حافظة استثمارية ( صندوق ) مقسمة إلى حصص يقوم بإدارتها نيابة عن
المستثمرين ،فهل يجوز له اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح؟ وهل يجوز أن يكون مبلغا
محددا مقطوعا؟ وهل يجب على البنك أن يوضح هذا؟
-ماهي التكاليف التي يجوز تحميلها للشركة في عقد المضاربة؟
-إذا كان العامل في المضاربة شركة ( شخصية معنوية مستقلة ) فهل تعتبر جميع رواتب الموظفين
والدارة من ضمن التكاليف؟
-هل يجوز تنازل المستثمرين عن كل حق في التدخل في الدارة؟
-هل يجوز حساب العائد يوميا؟
وأبدأ ببحث هذه العناصر:
( )7/83
( )7/84
والربح يعتبر بعد الجر ( )1النوع الثاني من الدخول ( جمع دخل ) التي يقرها القتصاد السلمي،
ويستحق شرعا لكل من قام بإنفاق عمل في سبيل إنتاج سلعة أو التجار بها ،سواء كان إنفاق العمل
في السابق أو في الحال.
والربح عائد للتنظيم ،أي أن رب العمل المنظم الذي يقوم على المشروع يستحق الناتج أو الربح
المتأتي من العملية النتاجية كعوص عن إسهامه في هذه العملية .وقد يشترك معه آخرون من مديرين
وموظفين وعمال .أما رأس المال التجاري فل يتقاضى أجرا مقابل إسهامه في العملية النتاجية ،إنما
يتقاضى نصيبا في الرباح مقابل إسهامه في أعباء العملية النتاجية ،وإذا دفعه صاحب رأس المال
إلى غيره ليتجر به ،تحمل وحده الخسارة ،وإذا حدث ربح يقتسم بين صاحب رأس المال التجاري
وبين العامل المنظّم بالنّسَب المتفق عليها (. )2
ودور المنظّم في التوصل للربح إما أن يكون في مال النسان الخاص ،فيكون صافي الناتج من
المشروع الذي نهض به ( عمل +تنظيم ) وإما أن يكون في مال الغير من طريق الشركة ،ومنها
المضاربة (. )3
إن الحصول على الربح يكون إذن إما بالجر أو من طريق المغامرة بالدخول في عمل غير مضمون
العائد ،بدلً من العمل بأسلوب الجر التعاقدي .وإذا فعل ذلك وحصل على رأس مال نقدي أو عيني
من شخص آخر ،أو من مؤسسة من المؤسسات ،على أساس اقتسام الربح ،فإنه في هذه الحالة يسمى
( منظّما ) أو مستحدثا .ويمكن اشتراك العمال في شراكة في عمل واحد كالخياطة أو الغسيل أو
-------------------------------
( )1الجر يعتبر النوع الول من الدخول ،وهو مكافأة العامل مقابل إسهامه في العملية النتاجية
( عنصر العمل ) أو مكافأة عنصر الطبيعة المملوك ملكية خاصة كالرض ،وعنصر رأس المال .
( )2اقتصادنا في ضوء القرآن والسنة للدكتور حسن أبو يحيى :ص .214
( )3النظرية القتصادية في السلم للستاذ أحمد نعمان :ص 256ومابعدها.
( )7/85
غير ذلك ،ثم يقتسمان صافي الربح بطريقة يتفقان عليها ،كما يمكن للمتخصصين من محامين
ومهندسين وأطباء وغيرهم التجمع في مؤسسة تقدم الخدمات الستشارية ليقتسموا أيضا الرباح على
وفق نسب متفق عليها .ويختلف هذا النوع من الدخول عن الجور؛ لن الحصول عليه ليتم عن
طريق التعاقد الثابت ،فهو أقرب في طبيعته إلى الربح ،لشتماله على احتمال الخسارة (. )1
ل منهما غير مضمون،
ويشترك عائد الستثمار والربح في أغلب الخصائص والضوابط ،فإن ك ً
بعكس الفائدة الربوية فإنها مضمونة ،وقد يصبح عائد الستثمار مضمونا كله لرب المال في حال دفع
العامل المضارب رأس المال كله أو بعضه إلى مضارب ثان ،والعمل به عند الحنفية ،أو في حال
خلط مال المضاربة بمال المضارب نفسه أو بمال قراض ( مضاربة ) عنده؛ لن المضاربة تكون
حينئذ فاسدة .وفي حال فساد المضاربة يكون الربح كله لرب المال ،وللعامل أجر المثل عند الجمهور
( الحنفية والشافعية والحنابلة) ( . )2ويزول فساد المضاربة المشتركة بإذن المودعين المستثمرين في
خلط أموالهم مع غيرها ،كما هو حاصل الن في هذه المعاملة.
ويرد العامل عند المالكية ( )3في جميع أحكام المضاربة الفاسدة إلى قراض مثله في الربح والخسارة
في أحوال معدودة ( ، )4وله أجر مثل عمله في غيرها من
-------------------------------
( )1بحث الدكتور محمد نجاة صدّيقي في مجلة القتصاد السلمي بجامعة الملك عبد العزيز :ص
.133
( )2المبسوط ،22/22 :البدائع ،108/6 :تكملة فتح القدير ،58/7مختصر الطحاوي :ص ،124
مجمع الضمانات :ص ،311مغني المحتاج ،315/2غاية المنتهى.179/2 :
( )3الشرح الكبير للدردير 519/3ومابعدها ،الخرشي ،208 - 205/6 :بداية المجتهد،240/3 :
القوانين الفقهية :ص .282
( )4أهم هذه الحالت :حالة القراض بالعروض ،وحالة جهالة الربح دون وجود عادة يحتكم إليها،
وحالة توقيت القراض كسنة مثل ،وإضافة القراض للمستقبل ،وحالة اشتراط ضمان رأس المال على
العامل ،وحالة الختلف بين العاقدين بعد العمل على جزء الربح .وأهم حالت وجوب أجرة المثل
في ذمة رب المال سواء حصل ربح أم ل :وقوع القراض بدين لرب المال على العامل قبل قبضه
منه ،أو بوديعة له عند العامل ،واشتراط يد رب المال مع العامل في البيع والشراء والخذ والعطاء،
واشتراط مشاورته عند البيع والشراء ،أو اشتراط أمين مع العامل يراقبه ،أو مشاركة الغير في مال
القراض أو خلط أموال المضاربة.
( )7/86
الحالت .فإذا حدث ربح في الحوال المعدودة يثبت حق المضارب في الربح نفسه ،ل في ذمة رب
المال ،حتى إذا هلك المال ،لم يكن للمضارب شيء ،وإذا لم يكن ربح فل شيء له.
والفرق عند المالكية بين قراض المثل وأجره المثل :أن الجرة تتعلق بذمة رب المال ،سواء كان في
المال ربح أو لم يكن ،وقراض المثل :هو على سنة القراض ،إن كان فيه ربح كان للعامل منه ،وإل
فل شيء له (. )1
ويشترط في عائد الستثمار والربح كون كل منهما معلوم القدر ،وجزءا شائعا من الجملة ،والربح
حينئذ بالمقاسمة بحسب التفاق ،فإذا كان هناك جهالة في المقدار ،فسد العقد ،وإذا شُرط ربح أو عائد
مقطوع لحد العاقدين،مثل كل شهر كذا درهما فسد العقد أيضا ،وإذا لم يكن ربح ،فصاحب المال
عطّل ماله ،والعامل خسر جهده (. )2
والفرق بين الربح وعائد الستثمار يظهر في حال قسمة الربح ،والمر يختلف بين المضاربة
الخاصة ،والمضاربة المشتركة ،ففي حال المضاربة الخاصة :ليكون الربح إل بعد تنضيض رأس
المال ( أي تحويله من أعيان إلى نقود ) وذلك
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،241/2 :المقدمات الممهدات.14/3 :
( )2البدائع ،85/6 :تبيين الحقائق 55/5 :ومابعدها ،الدر المختار ،505/4 :الخرشي ،209/6 :بداية
المجتهد ،234/2 :مغني المحتاج ،313/2المهذب ،385/1المغني ،30/5 :نهاية المحتاج.162/4 :
( )7/87
ليتم إل بعد التصفية الكاملة للعملية ،ووجود الربح الفعلي ،والغاية من ذلك :هي أن يعود رأس المال
نقودا كما كان ،حتى يتمكن رب المال من استرداد رأس ماله أولً ،ثم تجري قسمة الربح المتبقي بعد
ذلك السترداد؛ لن الصل في الربح أنه وقاية لرأس المال ،فل ربح إل بعد سلمة رأس المال
لصاحبه.
أما عائد الستثمار فيكون بسبب الستثمار الجماعي المشترك أو المضاربة المشتركة ،وهذا الستثمار
يقوم على فكرة استمرار الستثمار من ناحية ،وإجراء توزيع للرباح في فترات دورية من الناحية
الخرى ،حيث يتعذر إجراء التصفية الكلية في نهاية كل فترة يوزع فيها الربح على المستثمرين.
ويكون المضارب المشترك بمثابة الجير المشترك ،والمضاربة المشتركة مستمرة بطبيعتها لتتوقف
أو تصفى إل إذا صفّي العمل بكامله.
ولمجال للقول بالربح المقدر أو المفترض لمعرفة عائد الستثمار ،مع استمرار المضاربة المشتركة؛
لن الربح ليستقر إل بالقسمة ،والقسمة لتصح إل بعودة رأس المال نقودا كما كان ،لكي يقبضه
المضارب المشترك الذي هو ممثل المالك بالنسبة للمضاربين.
واستمرار المضاربة إلى أجل غير محدد يلجئنا إلى أن نجري القسمة سنويا كما تفعل الشركات
المساهمة ،بقصد تحقيق نوع من النتظام ،وإيجاد طريقة لتأدية عائد دوري للمستثمرين في مواعيد
محددة .ففي نهاية كل عام تحصى الرباح المتحققة حتى يجري تقسيمها بنسبة الموال المخصصة
للستثمار ،سواء أكانت أموالً للمستثمرين وحدهم ،أم كانت مشتركة بينهم وبين المضارب المشترك
الذي هو المصرف اللربوي أو أية مؤسسة مالية عاملة في مجال الستثمار بهذا السلوب الجديد ()1
.
-------------------------------
( )1تطوير العمال المصرفية للدكتور سامي حمود :ص .455 - 453 ،425 - 424
( )7/88
وحساب عائد الستثمار على هذا النحو يجعله مختلفا عن حساب الربح الفعلي في المضاربة الخاصة.
والخلصة :إن عائد الستثمار نوع خاص من الربح ،له طريقة حسابية معينة تختلف عن الطريقة
العادية في حساب الربح من المضاربة الخاصة القائمة بين رب المال والعامل المضارب ،تعتمد على
استثمار النقود على أساس تعاقدي بين من يملك مالً ،وبين من يعمل في ذلك المال .وإنما تعتمد على
المضاربة المشتركة كنظام جماعي للستثمار وهي تختلف عن المضاربة الخاصة في أشخاصها،
باعتبار أن المضاربة الخاصة -وإن تعدد الشخاص المتعاملون فيها -مقصورة على علقة ثنائية
بين مالك المال والعامل فيه ،أما المضاربة المشتركة فإنها تضم ثلث علقات مترابطة ،تمثل مالكي
المال ،والعاملين فيه وهم جماعة المضاربين ،والجهة الوسيطة بين الفريقين لتحقيق التوافق والنتظام
في توارد الموال ،وإعطائها للراغبين من الفريق الثاني للعمل فيها بالمضاربات المعقودة مع كل
منهم على انفراد .كما تنفرد المضاربة المشتركة -كنظام جماعي -بعدد من المزايا يتعذر تحقيقها
في نطاق المضاربة الخاصة ومايذكر فيها من قيود ،مجملها مباراة النظام المصرفي الحديث في
تجميع المدخرات واستثمارها ،حيث ل حاجة للبحث في السوق عن شخص أمين مستقيم خبير
بالتجارة الرابحة ،ويستطيع المستثمر استرداد نقوده المستثمرة قبل إجراء التصفية والمحاسبة ،ويجد
المضاربون لدى المضارب المشترك -كما يجد المقترضون عند المصرف الحديث -استعدادا لتلبية
طلباتهم من غير تعرض لحساسيات وانفعالت شخصية يتعرضون لها في حال المضاربة الخاصة مع
المستثمرين المنفردين (. )1
-------------------------------
( )1تطوير العمال المصرفية للدكتور سامي حمود :ص .437-434
( )7/89
( )7/90
مستحقاتها والحقوق المترتبة عليها ،وحفظ جميع المعادن الثمينة والمستندات وإيجار الخزائن الخاصة،
والقيام بأعمال أمناء الستثمار والوكلء ،وإصدار السهم لحساب المؤسسات والشركات ومعاونتها في
عمليات الكتتاب عند تأسيسها أو زيادة رؤوس أموالها .وهذه كلها أعمال مشروعة في السلم إذا
التزمت الشروط والحكام السلمية.
- 3في مجال التكافل الجتماعي :بإيتاء الزكاة ،وصناديق التأمين ضد المخاطر ،والقروض
الجتماعية :قروض المرضى،وقروض المسنّين وصغار الحرفيين والطلبة .وهذا المجال ليحقق
عوائد استثمار فيما عدا استثمار أموال التأمين التعاوني المشروع في السلم.
ويلحظ أن أهم حالت الستثمار والمشاركة :هي المضاربة على النحو المذكور سابقا ،والمضاربة
مشروعة في السلم بالجماع ،وكذلك بيع المرابحة للمر بالشراء ،وهو مشروع كما ذكر المام
الشافعي في كتابه الم ( )1حيث قال ...« :وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة ،فقال :اشتر هذه وأربحك
فيها كذا ،فاشتراها الرجل ،فالشراء جائز ،والذي قال :أربحك فيها بالخيار ،إن شاء أحدث فيها بيعا،
وإن شاء تركه » ..وهذه المعاملة ليست من قبيل بيع النسان ماليس عنده؛ لن المصرف ليعرض
أن يبيع شيئا ولكنه يتلقى أمرا بالشراء ،وهو ليبيع حتى يملك ماهو مطلوب ويعرضه على المشتري
المر ،ليرى ما إذا كان مطابقا لما وصف .كما أن هذه العملية لتنطوي على ربح مالم َيضْمن؛ لن
المصرف قد اشترى ،فأصبح مالكا ،يتحمل تبعة الهلك ،فلو عطبت الجهزة المشتراة أو تكسرت قبل
تسليمها لطالبها الذي أمر بشرائها ،فإنها تهلك على حساب المصرف ،وليس على حساب المر (. )2
-------------------------------
( )1الم.29/3 :
( )2تطوير العمال المصرفية :ص .479
( )7/91
( )7/92
مقابل الغرم أو الخراج بالضمان ،أي مستحق بسببه ( . )1فإذا صار الشريك ضامنا بسبب ما ،كان
جميع الربح له لضمانه إياه ،لنه خراج المال.
وبما أن الستثمار اللربوي استثمار إنتاجي يعتمد على الربح الفعلي الذي ليتحقق بالسرعة التي يبدأ
فيها الستثمار المصرفي حركة الحساب في ميدان الفوائد ،فإن الطريقة الحسابية المصرفية في البنوك
السلمية تكون المدة فيها على أساس الشهور بدل اليام .فمن يدفع ألف دينار للستثمار السنوي
ليتساوى مع من يدفع نفس اللف في منتصف العام ،أي الستثمار لمدة ستة أشهر فقط ،ويكون عائد
الستثمار السنوي أكثر بنسبة %9مثلً ،وعائد الستثمار النصف سنوي ،%7فإن اقتصر الستثمار
على نصف سنة فقط ،فتكون النسبة نصف نسبة العائد السنوي.
وذكر الدكتور أحمد النجار :أن وحدة المدة إما اليوم أو السبوع أو الشهر وفقا لما تقرره اللوائح
التنظيمية المعتمدة للبنك ،وتكون معلنة للمستثمرين ( . )2وهذا مقبول من حيث المبدأ ،إن تحقق الربح
كما سيأتي بيانه.
وأضاف الدكتور النجار :أنه في حالت تغير مبلغ المستثمر الواحد خلل السنة ،بأن تتناولها الضافة
أو السحب ،يكون حساب النّمر على أساس أرصدة الستثمار عقب كل تعديل ،مابين تاريخ التعديل
وتاريخ إنهاء الستثمار ،أو نهاية السنة المالية أيهما أقرب .كما يمكن -كطريق آخر -أخذ الفرق
بين نمر المبالغ المضافة للستثمار ،ونمر المبالغ المسحوبة محسوبة من تاريخ الضافة ومن تاريخ
السحب إلى تاريخ إنهاء الستثمار أو تاريخ انتهاء السنة المالية أيهما أقرب ،وإن اتباع أي من
الطريقين يعطي نفس النمر التي تعطيها الطريقة الخرى.
-------------------------------
( )1البدائع.77/6 :
( )2المدخل إلى النظرية القتصادية :ص .177
( )7/93
-في الحالت التي يتغير فيها المستثمرون ( المودعون ) هل يجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية
محسوبة على اعتبار ماسيقع من الرباح أو العائد؟.
الصل العام المقرر في المضاربة الخاصة :أن كل تعاقد ثنائي قائم بذاته ،تصفى فيه الرباح بعد
وفاء رأس المال إلى المالك ،وليوزع الربح وليعرف الحظ منه إل بعد تنضيض جميع رأس المال،
أي تحويله إلى نقود (. )1
وأرباح المضاربات المشتركة يجب أن تبقى قائمة على السس التي أبانها الفقهاء ،وفقا لصول
المحاسبة التامة ،حيث يسترد رأس المال ،وتقسم الرباح الفاضلة ،بحسب التفاق .وبناء عليه ،ل
مجال للقول بالربح المقدر أو المفترض مع استمرار المضاربة؛ لن الربح ليستقر إل بالقسمة،
والقسمة لتصح إل بعودة رأس المال نقودا كما كان (. )2
وهذا يرشدنا إلى أنه ليجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية محسوبة على اعتبار ماسيقع من الرباح
أو العائد.
ويتبع بنك ناصر الجتماعي طريقة محاسبية في تقدير الربح ،على أساس الفتراض المبني على
دراسة ميدانية للمشروع الذي يقدم له البنك قرض المشاركة بالرباح .وعقب على ذلك الدكتور سامي
حمود بقوله :إننا نرى أن هذا التطبيق ليتفق مع السس الفقهية المقررة من ناحية مسألة تحقق الربح.
وهذا السلوب المتبع ليعدو في نظرنا أن يكون أسلوبا من أساليب القراض الربوي .وإنني أؤيده
تأييدا تاما في هذا الرأي -فهو محق ،وأما طريقة الفتراض فهي غير سائغة شرعا ،منعا من الغرر
والظلم ،فكثيرا مايكون الواقع خلف المر المفترض.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،237/2 :قال ابن رشد :ول خلف بينهم أن المقارض إنما يأخذ حظه من الربح،
بعد أن ينض جميع رأس المال ،وأنه إن خسر ثم اتجر ،ثم ربح ،جبر الخسران من الربح.
( )2تطوير العمال المصرفية ،د .حمود :ص .453
( )7/94
-وإذا وافق جميع المستثمرين على هذه الطريقة السابقة ،فهل تكون جائزة؟
الوضع في الشريعة يختلف عن القوانين الوضعية التي تقرر أن « العقد شريعة المتعاقدين» أما في
الشريعة فهذا المبدأ مقيد بما تقرره أحكام شرع ال التي تسمو على النظرة الضيقة أو المحدودة،
ولتقر الظلم أو الغبن أو الستغلل أو أكل أموال الناس بالباطل ،كما ذكرت في مقدمة البحث.
فل قيمة مثلً لتفاق المتراهنين على الرهان ،أو العاقدين في البيع أو القرض على الربا ،فهذا اتفاق
مصادم لصول الشريعة ،فيكون باطلً ،وإن تراضى عليه الطرفان؛ لن شرع ال عادل يحمي
مصالح الناس على الدوام ،ويقيهم من سوء تصرفاتهم وتورطهم فيما يضرهم ولينفعهم في نهاية
المر ،وإن تراءى لهم أن هناك مصلحة موقوتة ،أو تسوية سريعة لوضاع تجارية متشابكة ،لكنها
تتجاوز الحق ،وتوقع الناس في الباطل.
-وفي الحالت التي ليمكن فيها الرجوع على عميل قبض حصته ،ثم يظهر أن الربح لم يتحقق في
نهاية المدة ،كيف تكون المحاسبة؟ ومن يتحمل الفرق ،الشركة أم المستثمر أم غير ذلك؟.
الصل المقرر في شركات المضاربة أن الخسارة على رب المال ،ويكفي العامل أنه خسر جهده،
وحينئذ يتحمل المودعون ( المستثمرون ) الخسارة الواقعة .وإذا تعذر الرجوع على عميل قبض
حصته ،وهذا خطأ من إدارة شركة المضاربة المشتركة ،فإن هذه الدارة تتحمل تَ ِبعَة الخطأ الصادر
منها ،وهو الفرق الحاصل بسبب المدفوع خطأ ،أي تضمن ما دفع لعميل من غير حق ،وتوزع بقية
الخسارة على المستثمرين بنسبة ودائعهم الستثمارية؛ لن القاعدة الشرعية في شركات العنان وغيرها
هي « :الربح على ماشرطا ،والوضيعة على قدر المالين » ( )1أي أن الخسارة في الشركة على كل
شريك بقدر ماله .وليتحمل شيئا من الخسارة أحد غير ماذكر على النحو السابق إل إذا كان متبرعا
بالضمان ،لنه يجوز لشخص آخر غير العاقدين اللتزام بهذا الضمان تبرعا وإحسانا ،لنقاذ سمعة
شركة مضاربة معينة.
( )7/95
-إذا أنشأ البنك حافظة استثمارية ( صندوق ) مقسمة إلى حصص يقوم بإدارتها نيابة عن
المستثمرين ،فهل يجوز له اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح ،وهل يجوز أن يكون مبلغا
محددا مقطوعا ،وهل يجب على البنك أن يوضح هذا؟
يعتبر البنك مضاربا بالنسبة للمستثمرين ( وهم أصحاب الموال ) فيقوم بالدارة والعمل نيابة عن
المستثمرين ،ومن قواعد الربح أو ضوابطه كما تقدم :أن يكون جزءا شائعا مقسوما بين العاقدين ،فإذا
عين المتعاقدان مقدارا مقطوعا محددا لحدهما ،فل يصح هذا الشرط ،والمضاربة فاسدة؛ لن
المضاربة تقتضي الشتراك في الربح ،وهذا الشرط يمنع الشتراك في الربح ،لحتمال أل يربح
المضارب إل هذا القدر ،فيكون الربح لحدهما دون الخر ،فل تتحقق الشركة ،وليكون التصرف
مضاربة .قال ابن المنذر :أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض ،أي المضاربة
إذا شرط أحدهما أو كلهما لنفسه دراهم معلومة (. )2
-------------------------------
( )1يذكر الفقهاء هذا النص حديثا عادة ،ولكنه في الواقع هو قاعدة وليس حديثا ،قال الحافظ الزيلعي
عنه :غريب جدا ( أي ل أصل له ) ويوجد في بعض كتب الفقهاء من قول علي (نصب الراية:
.)475/3
( )2المغني لبن قدامة.34/5 :
( )7/96
وذكر ابن قدامة علة عدم جواز أن يجعل لحد الشركاء فضل دراهم ،قائلً ( ، )1وإنما لم يصح ذلك
لمعنيين:
أحدهما :أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن ليربح غيرها ،فيحصل على جميع الربح ،واحتمل أن
ليربحها ،فيأخذ من رأس المال جزءا ،وقد يربح كثيرا ،فيستضرر من شرطت له الدراهم.
والثاني :أن حصة العامل المضارب ينبغي أن تكون معلومة بالجزاء ،لما تعذر كونها معلومة
بالقدر .فإذا جهلت الجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به .ولن العامل
متى شرط لنفسه دراهم معلومة ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره،
بخلف ما إذا كان له جزء من الربح.
وإذا أخذ المضارب شيئا من العائد قبل القسمة أو الستحقاق على أن يحتسب من حصته ،جاز ذلك
موقوفا على القسمة ،قال البغدادي في مجمع الضمانات (: )2
قسمة الربح قبل قبض رب المال رأس ماله موقوفة :إن قبض رأس المال صحت القسمة وإل بطلت؛
لن الربح فضْل على رأس المال ،وليتحقق الفضل إل بعد سلمة الصل ،وما هلك من مال
المضاربة ،فهو من الربح دون رأس المال بقسمته ،حتى لو اقتسما الربح قبل قبض رب المال رأس
المال ،ثم هلك في يد المضارب ،فالقسمة باطلة.
يتبين مما ذكر أمران:
-------------------------------
( )1المرجع والمكان السابق.
( )2ص .311
( )7/97
الول -ليجوز للبنك اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح ،وليجوز أن يكون أجره مبلغا
محددا مقطوعا ،سواء أوضح هذا للعملء ،أم ل.
الثاني -ليجوز حصول المضارب على حصة من ربح المضاربة إضافة إلى مايناله من أجر ثابت (
أجير +شريك ) ( . )1ول عبرة لرضا حملة الصكوك بهذا الجر ،ول إلى معقولية أجر المضارب
( المؤلف من عنصرين :ثابت ومتغير ).
-ماهي التكاليف التي يجوز تحميلها للشركة في عقد المضاربة؟
بحث فقهاؤنا في نطاق المضاربة الخاصة مسألة التكاليف أو النفقات التي يجوز للمضارب أخذها من
مال المضاربة ،والشركة الن كالمضارب الخاص.
ولهم في ذلك اتجاهان:
-اتجاه ليجيز للعامل المضارب اقتطاع النفقة من مال المضاربة.
-واتجاه يجيز ذلك بقيود.
أما التجاه الول :فهو للظاهرية والشافعية ( ، )2أما الظاهرية فيقولون :ليحل للعامل أن يأكل من
مال المضاربة شيئا ،ول أن يلبس منه شيئا ل في سفر ول حضر.
وأما الشافعية فقالوا في الظهر من قولي المام الشافعي :ل نفقة للمضارب على نفسه من مال
المضاربة ،ل حضرا ول سفرا ،إل أن يأذن له رب المال؛ لن للمضارب نصيبا من الربح ،فل
يستحق شيئا آخر ،ويكون المأخوذ زيادة منفعة في المضاربة ،ولن النفقة قد تكون قدر الربح ،فيؤدي
أخذه إلى انفراده به ،وقد تكون أكثر ،فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال ،وهذا ينافي مقتضى
العقد ،فلو شرطت النفقة للمضارب في العقد فسد.
وأما التجاه الثاني فهو لجمهور الفقهاء ومنهم الزيدية والمامية .أما الحنفية ومثلهم الزيدية
-------------------------------
( )1هذا جواب تساؤل في بحث « طلئع البنوك السلمية » في « دراسات في القتصاد السلمي
» -جامعة الملك عبد العزيز :ص .202
( )2المحلى ،248/8 :المهذب ،387/1 :مغني المحتاج.317/2 :
( )7/98
والمامية ( )1فأجازوا للمضارب أن ينفق من مال المضاربة في السفر دون الحضر ،وهي النفقة
الخاصة بحاجة الطعام والشراب والدام والكسوة والتنقل وأجر الجير وأجرة الحمام ودهن السراج
والحطب ،وعلف الدابة ،والفراش الذي ينام عليه وغسل الثياب ونحو ذلك مما لبد في السفر منه
عادة.
وأما المالكية ( : )2فأجازوا للعامل النفقة من مال القراض في السفر ل في الحضر ،إن كان المال
يحمل ذلك ،إل إذا كانت المضاربة في القامة ( الحضر ) تشغله عن الوجوه التي يقتات منها ،فله
حينئذ النفاق من مال المضاربة.
وأما الحنابلة ( : )3فأجازوا النفقة للمضارب في الحضر أو في السفر إذا اشترطت ،فهم كالشافعية؛
لن الذن أو الشرط في النتيجة شيء واحد ،وإن كان الشافعية ليجيزون الشتراط كما تقدم.
أما في نطاق المضاربة المشتركة :فذهب الدكتور محمد عبد ال العربي إلى جواز خصم (حسم) البنك
السلمي مصاريفه العمومية بما فيها أجور موظفيه وعماله (. )4
وجاء في نظام الشركة السلمية للستثمار الخليجي بالشارقة التي طرحت «صكوك المضاربة
والقروض السلمية» مايلي :تتحمل شركة المضاربة مصاريفها الفعلية الخاصة بها تحت إشراف
مراقب الستثمار وموافقته .وتشمل هذه المصاريف العباء الدارية العامة والمباشرة للمضارب
وتكاليف إدارة أموال شركة المضاربة ..على أن لتتجاوز كل هذه المصروفات سنويا دولرين عن
كل 100دولر أمريكي من أصول شركة المضاربة ،ويتحمل المضارب المصاريف الزائدة من
نصيبه في الرباح إذا وجدت .وحامل الصك ينيب المضارب في سداد الزكاة المستحقة عليه شرعا
تحت إشراف هيئة الرقابة الشرعية (. )5
وذهب الدكتور سامي حمود ( )6إلى أن حكم التكاليف أو النفقات تختلف فيه المضاربة المشتركة عن
المضاربة الخاصة ،باعتبار أن المضارب المشترك ليتقيد بطبيعة عمله بالشروط التي يمكن أن يتقيد
بها المضارب الخاص ،فليس له أن يشترط النفقة للعتبارات التالية:
- 1إن النفقة التي أجاز الفقهاء تحميلها على المال المضارب به هي النفقة الطارئة بمناسبة السفر،
وليست النفقة العادية.
- 2إن النفقة التي أجازها الحنفية محصورة في حوائج السفر ،والتي أجازها الحنابلة محددة بالطعام
والكسوة وهي نفقة منضبطة بحسب العرف.
-------------------------------
( )1المبسوط ،63/22 :تكملة فتح القدير ،81/7 :المنتزع المختار ،333/5 :فقه المام جعفر الصادق
للشيخ محمد جواد مغنية.162/4 :
( )2بداية المجتهد ،238/2 :القوانين الفقهية :ص ،283الخرشي ،217/6ط ثانية
( )3المغني ،64/5كشاف القناع .265/2
( )4بحثه « المعاملت المصرفية ورأى السلم فيها » الذي قدمه للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث
السلمية في القاهرة :1965/1385ص .103
( )5دراسات في القتصاد السلمي ،جامعة الملك عبد العزيز :ص 201
( )6تطوير العمال المصرفية :ص .494-492
( )7/99
- 3إن النفقة بالنسبة للعمل المصرفي ،سواء بالنسبة لجور الموظفين والعمال أو المصاريف
الدارية والعمومية ،تعتبر من المستويات العالية في النفاق ،وهي حالت لتدخل في حسبان الشخص
العادي بالنسبة لما يراه في تقديره أمرا معقولً ،وهذا بخلف ما راعاه الفقهاء حيث اعتبروا أن لنفقة
شخص المضارب حدودا -قابلة للتوقع -في الطعام والكساء والنتقال من مكان إلى مكان.
وبالنظر للواقع فإن تحميل الرباح مصاريف البنك وأجور عماله وموظفيه ،قد يؤدي إلى أن تأكل هذه
المصاريف والجور كل الرباح المتحققة ،ولسيما في السنوات الولى من بدء العمل.
لذا فل تتحمل الرباح أية نفقات سوى مايتعلق بعمل المضاربة نفسه من سجلت ومطبوعات خاصة
بالعمل الستثماري .أما أجور العمال والموظفين ومصاريف البنك والدارة ،فهي من حصة البنك في
الربح باعتباره مضاربا مشتركا .فإذا لم يكن ربح ،تحمل البنك خسران مصاريفه ،كما يتحمل
المستثمرون عدم الحصول على أرباح طوال العام.
أما المضاربون الذين يعملون مع البنك ،فتكون النفقة بحسب التفاق المحدد لكل حالة بظروفها.
وإني أؤيد رأي الدكتور سامي حمود ،مع إضافة شيء من التعديل عليه :وهو أن الموظف الذي يبعثه
البنك لدولة أجنبية من أجل استيراد سلع معينة لحساب المضاربة تكون نفقاته في السفر على حساب
مال المضاربة.
-إذا كان العامل في المضاربة شركة ( شخصية معنوية ) فهل تعتبر جميع رواتب الموظفين
والدارة من ضمن التكاليف؟
تبين مما سبق أنه يصعب الفتاء بمثل هذا ،فل يجوز صرف شيء من رواتب الموظفين والدارة من
مال المضاربة؛ لن هؤلء مقيمون في مراكز تجارية ،وهم ذوو كفاءات عالية لتحسين مستوى
الخدمة والداء ،ولكسب العملء وزيادة حجم العمل في المستقبل.
( )7/100
وقد عرفنا في البحث السابق أن الفقهاء إما مانعون لخذ شيء من النفقات من مال المضاربة ،وإما
مقيّدون لتلك النفقة في السفر ل في الحضر .إل أن إبراهيم النخعي والحسن البصري أجازا للمضارب
أخذ نفقته حضرا وسفرا في باب المضاربة الخاصة.
وقد لحظنا أن ظروف عمل المؤسسات المصرفية في نطاق المضاربة المشتركة لتتفق مع أوضاع
المضاربة الخاصة ،فل يحق حينئذ للبنك صرف الرواتب والنفقات الدارية من مال المضاربة ،ماعدا
ما ذكرته سابقا وهو نفقات التسجيل والطباعة أو الكتابة والتوثيق ونحو ذلك.
-هل يجوز تنازل المستثمرين عن كل حق في التدخل في الدارة؟ .
من المعلوم أن إدارة المضاربة الخاصة والمشتركة للمضارب ليتمكن من استثمار الموال بحسب
خبرته وبمقتضى ضرورات وحاجات التجارة وغيرها .وأرباب المال في المضاربة ليستطيعون
التدخل في أعمال الشركة ،وإن كانوا يستطيعون المراقبة طبعا.
ويترتب عليه أن ليس للمستثمرين الحق في التدخل في شؤون الدارة ،وإذا لم يكن لهم الحق في ذلك،
فل يملكون شيئا يتنازلون عنه .أما حق الرقابة فهو حق طبيعي شرعي ليتنازل عنه إل بالتراضي،
ومن له حق مقرر يثبت له حق التنازل عنه .ومن أهم عناصر الدارة التي شرطها جمهور فقهائنا (
: )1أن يسلّم رأس المال إلى العامل المضارب ،ولتصح المضاربة مع بقاء يد رب المال على
المال ،لعدم تحقق التسليم مع بقاء يده ،فلو شرط بقاء يد المالك على المال أو مشاركة المالك في عمل
المضاربة ،فسدت المضاربة.
أما الحنابلة ( )2فأجازوا اشتراط بقاء يد المالك على المال ،ويقتضي هذا جواز مشاركة المالك في
إدارة أعمال المضاربة.
( )7/101
( )7/102
( )7/103
القَرارات والتوصيَات
جمَع الفقه السلمي
الدّورَة الثانية لمجلس م ْ
جدة 16-10 :ربيع الثاني هـ 28-22/ديسمبر 1985م
بسم ال الرّحمن الرّحيم
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم ()1
بشأن
زكاة الديون
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني
بجدة من 16-10ربيع الثاني 1406هـ 28-/22/ديسمبر ( كانون الول ) 1985م.
بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول «زكاة الديون» وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت
الموضوع من جوانبه المختلفة تبين - 1 :أنه لم يرد نص من كتاب ال تعالى أو سنة رسوله صلّى
ال عليه وسلم يُفصل زكاة الديون.
- 2أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان ال عليهم من وجهات نطر في طريقة إخراج
زكاة الديون.
- 3أنه قد اختلفت المذاهب السلمية بناءً على ذلك اختلفا بينا.
- 4أن الخلف قد انبنى على الختلف في قاعدة :هل يعطى المال الممكّن من الحصول عليه صفة
الحاصل؟.
وبناء على ذلك قرر:
- 1أنه تجب زكاة ـالدين على رب الدين عن كل سنة إذا كان المدين مليئا باذلً.
- 2أنه تجب الزكاة على رب الدين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسرا أو
مماطلً.
وال أعلم ..قرار رقم ()2
بشأن
زكاة العقارات والراضي المأجورة غير الزراعية
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني
من 16-10ربيع الثاني 1406هـ 22-18/ديسمبر 1985م.
بعد أن استمع المجلس لما أعد من دراسات في موضوع «زكاة العقارات والراضي المأجورة غير
الزراعية» .
وبعد أن ناقش الموضوع مناقشة وافية ومعمقة ،تبين:
أولً :أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات والراضي المأجورة.
ثانيا :أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات والراضي المأجورة غير
الزراعية.
ولذلك قرر:
أولً :أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والراضي المأجورة.
ثانيا :أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توافر
شروط الزكاة ،وانتفاء الموانع.
وال أعلم
( )7/104
( )7/105
وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد من أن (ميرزا غلم أحمد) قد
ادعى النبوة بأنه نبي مرسل يوحى إليه وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل
عليه وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوى ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله العتقاد بنبوته ورسالته،
كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد .وبعد أن اطلع المجمع (أيضا) على ما
صدر عن (المجمع الفقهي بمكة المكرمة) في الموضوع نفسه.
قرر ما يلي:
- 1أن ما ادعاه (ميرزا غلم أحمد) من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت
من الدين بالضرورة ثبوتا قطعيا يقينيّا من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد صلّى ال عليه وسلم،
وأنه ل ينزل وحي على أحد بعده .وهذه الدعوى من (ميرزا غلم أحمد) تجعله وسائر من يوافقونه
عليها مرتدين خارجين عن السلم .وأما (اللهورية) فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم بالردة ،بالرغم
من وصفهم (ميرزا غلم أحمد) بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلّى ال عليه وسلم.
- 2ليس لمحكمة غير إسلمية ،أو قاض غير مسلم ،أن يصدر الحكم بالسلم أو الردة ،ول سيما
فيما يخالف ما أجمعت عليه المة السلمية من خلل مجامعها وعلمائها ،وذلك لن الحكم بالسلم
أو الردة ،ل يقبل إل إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في السلم ،أو الخروج منه
بالردة ،ومدرك لحقيقة السلم أو الكفر ،ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والجماع ،فحكم مثل هذه
المحكمة باطل.
وال أعلم
( )7/106
( )7/107
( )7/108
بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء المشاركين في الدورة حول موضوع «التأمين وإعادة
التأمين» .
وبعد أن ناقش الدراسات المقدمة.
وبعد تعمق البحث في سائر صوره وأنواعه ،والمبادئ التي يقوم عليها والغايات التي يهدف إليها.
وبعد النظر فيما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية بهذا الشأن .قرر:
- 1أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر
كبير مفسد للعقد .ولذا فهو حرام شرعا.
- 2أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل السلمي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس
التبرع والتعاون .وكذلك الحال بالنسبة لعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني.
- 3دعوة الدول السلمية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني وكذلك مؤسسات تعاونية
لعادة التأمين ،حتى يتحرر القتصاد السلمي من الستغلل ومن مخالفة النظام الذي يرضاه ال
لهذه المة.
وال أعلم
قرار رقم ()10
بشأن
حكم التعامل المصرفي بالفوائد
وحكم التعامل مع المصارف السلمية
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني
بجدة من 16-10ربيع الثاني 1406هـ 28-22/ديسمبر 1985م .بعد أن عرضت عليه بحوث
مختلفة في التعامل المصرفي المعاصر.
وبعد التأمل فيما قدم ومناقشته مناقشة مركزة أبرزت الثار السيئة لهذا التعامل على النظام القتصادي
العالمي ،وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث.
وبعد التأمل فيما جره هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب ال من تحريم الربا
جزئيا وكليا تحريما واضحا بدعوته إلى التوبة منه ،وإلى القتصار على استعادة رؤوس أموال
القروض دون زيادة ول نقصان قل أو كثر ،وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من ال ورسوله
للمرابين.
قرر:
( )7/109
أولً :أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله،
وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد! هاتان الصورتان ربا محرم شرعا.
ثانيا :أن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط القتصادي حسب الصورة التي
يرتضيها السلم ،هو التعامل وفقا للحكام الشرعية.
ثالثا :قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات السلمية إلى تشجيع المصارف التي تعمل بمقتضى
الشريعة السلمية ،والتمكين لقامتها في كل بلد إسلمي لتغطي حاجة المسلمين كيل يعيش المسلم في
تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته.
وال أعلم قرار رقم ( )11
بشأن
توحيد بدايات الشهور القمرية
أما بعد
فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني
بجدة من 16-10ربيع الثاني 1406هـ 28-22/ديسمبر 1985م.
بعد أن استعرض البحوث المقدمة إليه من العضاء والخبراء حول توحيد بدايات الشهور القمرية.
وبعد أن ناقش الحاضرون العروض المقدمة في الموضوع مناقشة مستفيضة واستمعوا لعديد من
الراء حول اعتماد الحساب في إثبات دخول الشهور القمرية.
قرر:
- 1تكليف المانة العامة لمجمع الفقه السلمي بتوفير الدراسات العلمية الموثقة من خبراء أمناء في
الحساب الفلكي والرصاد الجوية.
- 2تسجيل موضوع توحيد بدايات الشهور القمرية في جدول أعمال الجلسة القادمة لستيفاء البحث
فيه من الناحيتين الفنية والفقهية الشرعية.
- 3تكليف المانة العامة باستقدام عدد كاف من الخبراء المذكورين وذلك لمشاركة الفقهاء في
تصوير جوانب الموضوع كلها تصويرا واضحا يمكن اعتماده لبيان الحكم الشرعي.
وال الموفق
( )7/110
قرار رقم ()12بشأن
خطاب الضمان
أما بعد
فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني
بجدة من 16-10ربيع الثاني 1406هـ 28-22/ديسمبر 1985م.
بحث مسألة خطاب الضمان :وبعد النظر فيما أعد في ذلك من بحوث ودراسات وبعد المداولت
والمناقشات المستفيضة تبين ما يلي:
- 1أن خطاب الضمان بأنواعه البتدائي والنتهائي ل يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه ،فإن كان
بدون غطاء ،فهو :ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حال أو مآلً ،وهذه هي حقيقة ما يعنى
في الفقه السلمي باسم( :الضمان) أو (الكفالة).
وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدّره هي (الوكالة)
والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له).
- 2إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد للرفاق والحسان .وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على
الكفالة ،لنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض ،وذلك
ممنوع شرعا .ولذلك فإن المجمع قرر ما يلي:
أولً :أن خطاب الضمان ل يجوز أخذ الجر عليه لقاء عملية الضمان (والتي يراعى فيها عادة مبلغ
الضمان ومدته) سواء أكان بغطاء أم بدونه.
ثانيا :أما المصاريف الدارية لصدار خطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعا ،مع مراعاة عدم الزيادة
على أجر المثل ،وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي ،يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف
لصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لداء ذلك الغطاء.
وال أعلم
( )7/111
القَرارَات وَالتوصيَات
الدّورة الثالثة لمجلس مجمع الفقه السلمي
عمّآن 13-8 :صفر 1407هـ 16-11/اكتوبر 1986م
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
قرار رقم ()1
بشأن
استفسارات البنك السلمي للتنمية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
ـ بعد دراسة مستفيضة ومناقشات واسعة لجميع الستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع ،انتهى
إلى ما يلي:
(أ) بخصوص أجور خدمات القروض في البنك السلمي للتنمية :
قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية - 1 :جواز أخذ أجور عن خدمات القروض.
- 2أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
- 3كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لنها من الربا المحرم شرعا.
(ب) بخصوص عمليات اليجار :
قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها:
المبدأ الول:
أن الوعد من البنك السلمي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.
المبدأ الثاني:
أن توكيل البنك السلمي للتنمية أحد عملئه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها
مما هو محدد الوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الشياء بعد حيازة الوكيل لها
هو توكيل مقبول شرعا .والفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
المبدأ الثالث:
أن عقد اليجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة
والوعد.
المبدأ الرابع:
أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الجارة جائز بعقد منفصل .المبدأ الخامس:
أن تبعة الهلك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكا للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من
المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه.
المبدأ السادس:
أن نفقات التأمين لدى الشركات السلمية كلما أمكن ذلك،يتحملها البنك.
(جـ) بخصوص عمليات البيع بالجل مع تقسيط الثمن :
قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها:
المبدأ الول:
أن الوعد من البنك السلمي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.
المبدأ الثاني:
( )7/112
أن توكيل البنك أحد عملئه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد
الوصاف والثمن لحساب البنك ،بغية أن يبيعه البنك تلك الشياء بعد وصولها وحصولها في يد
الوكيل ،هو توكيل مقبول شرعا .والفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر
ذلك.
المبدأ الثالث:
أن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض له ،وأن يبرم بعقد منفصل( .د)
بخصوص عمليات تمويل التجارة الخارجية :
قرر مجلس المجمع أنه ينطبق على هذه العمليات المبادئ المطبقة على عمليات البيع بالجل مع
تقسيط الثمن.
(هـ) بخصوص التصرف في فوائد الودائع التي يضطر البنك السلمي للتنمية ليداعها في
المصارف الجنبية :
قرر مجلس المجمع بشأن ذلك ما يلي:
يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لمواله من آثار تذبذب العملت بواسطة الفوائد المنجرة من
إيداعاته .ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث وتوفير وسائل
الغاثة ،وتوفير المساعدات المالية للدول العضاء وتقديم المساعدة الفنية لها ،وكذلك للمؤسسات
العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة السلمية.
وال أعلم
قرار رقم ()2
بشأن
زكاة السهم في الشركات
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م .ـ بعد مناقشته لموضوع «زكاة
السهم في الشركات» من جميع جوانبه والطلع على البحوث المقدمة بخصوصه.
قرر:
تأجيل إصدار القرار الخاص به إلى الدورة الرابعة للمجلس ،وال الموفق.
قرار رقم ()3
بشأن
توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي للمستحق
أما بعد:
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
( )7/113
بعد اطلعه على البحوث المقدمة في موضوع «توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي
للمستحق» وبعد استماعه لراء العضاء والخبراء فيه.
قرر:
يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الستحقاق
للزكاة ،أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها ،على أن تكون بعد تلبية
الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر.
وال أعلم قرار رقم ()4
بشأن
أطفال النابيب
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي «أطفال النابيب» وذلك بالطلع على البحوث المقدمة
والستماع لشرح الخبراء والطباء.
وبعد التداول.
تبين للمجلس:
أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه اليام هي سبع:
الولى :أن يجري تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع
اللقيحة في رحم زوجته.
الثانية :أن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم
الزوجة.
الثالثة :أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.
الرابعة :أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في
رحم الزوجة.
الخامسة :أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الخرى.
السادسة :أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم
الزوجة.
السابعة :أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليا.
وقرر:
أن الطرق الخمسة الولى كلها محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلط
النساب وضياع المومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
( )7/114
أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه ل حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع
التأكيد على ضرورة أخذ كل الحتياطات اللزمة.
وال أعلم قرار رقم ()5
بشأن
أجهزة النعاش
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع «أجهزة النعاش» واستماعه إلى شرح
مستفيض من الطباء المختصين.
قرر ما يلي:
يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه
إحدى العلمتين التاليتين:
- 1إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تاما وحكم الطباء بأن هذا التوقف ل رجعة فيه.
- 2إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلً نهائيا ،وحكم الطباء الختصاصيون الخبراء بأن هذا
التعطل ل رجعة فيه ،وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة النعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض العضاء كالقلب
ل ل يزال يعمل آليا بفعل الجهزة المركبة.
مث ً
وال أعلم قرار رقم ()6
بشأن
«توحيد بدايات الشهور القمرية»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد استعراضه في قضية «توحيد بدايات الشهور القمرية» مسألتين:
الولى :مدى تأثير اختلف المطالع على توحيد بداية الشهور
الثانية :حكم إثبات أوائل الشهور القمرية بالحساب الفلكي.
وبعد استماعه إلى الدراسات المقدمة من العضاء والخبراء حول هذه المسألة .قرر:
- 1في المسألة الولى:
إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين اللتزام بها ول عبرة لختلف المطالع لعموم الخطاب
بالمر بالصوم والفطار.
- 2في المسألة الثانية:
( )7/115
وجوب العتماد على الرؤية ،ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للحاديث النبوية والحقائق
العلمية.
وال أعلم قرار رقم ()7
بشأن
«الحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة بخصوص موضوع «الحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة
والباخرة» .
قرر:
أن المواقيت المكانية التي حددتها السنة النبوية يجب الحرام منها لمريد الحج أو العمرة ،للمار عليها
أو للمحاذي لها أرضا أو جوا أو بحرا لعموم المر بالحرام منها في الحاديث النبوية الشريفة.
وال أعلم قرار رقم ()8
بشأن
«صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن السلمي»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد استماعه لبيان المين العام المساعد لمنظمة المؤتمر السلمي حول أنشطة صندوق التضامن
السلمي وحاجته الماسة إلى الدعم المادي ،واقتراحه أن يكون مصرفا من مصارف الزكاة.
قرر:
تكليف المانة العامة بالتعاون مع صندوق التضامن السلمي بإعداد الدراسات اللزمة لبحث
الموضوع وعرضها على مجلس المجمع في دورته القادمة.
وال الموفق قرار رقم ()9
بشأن
«أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «أحكام النقود الورقية وتغير قيمة
العملة» .
قرر:
أولً :بخصوص أحكام العملت الورقية:
( )7/116
أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ولها الحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث
أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما.
ثانيا :بخصوص قيمة العملة:
تأجيل النظر في هذه المسألة حتى تستوفى دراسة كل جوانبها لتنظر في الدورة الرابعة للمجلس.
وال الموفق قرار رقم ()10
بشأن
«سندات المقارضة وسندات التنمية والستثمار»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد اطلعه على البحث المقدم في موضوع «سندات المقارضة وسندات التنمية والستثمار»
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وجريا على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في الموضوع الواحد.
ونظرا لهمية هذا الموضوع وضرورة بحث استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته والتعرف
على جميع الراء فيه.
قرر:
أن تقوم المانة العامة للمجمع بتكليف من تراه لعداد عدد من البحوث فيه ليتمكن المجمع من اتخاذ
القرار المناسب في دورته الرابعة.
وال الموفق قرار رقم ()11
بشأن
«استفسارات المعهد العالمي للفكر السلمي بواشنطن»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد اطلعه على الستفسارات التي عرضها «المعهد العالمي للفكر السلمي بواشنطن» وما أعد من
إجابات عليها من بعض العضاء والخبراء.
قرر:
تكليف المانة العامة للمجمع بتبليغ المعهد المذكور بما أقره المجلس من إجابات.
بسم ال الرحمن الرحيم ،صلى ال على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ما أقره المجمع من أجوبة على الستفسارات (. )1
السؤال الثالث :
ما حكم زواج المسلمة بغير المسلم خاصة إذا طمعت في إسلمه بعد الزواج
-------------------------------
( )1أرجئ اتخاذ القرار بالنسبة للسئلة .22 ،15 ،7 ،2 ،1
( )7/117
حيث تدعي مسلمات كثيرات أنه ل يتوفر لهن الكفاء من المسلمين في غالب الحيان ،وأنهن مهددات
بالنحراف أو يعشن في وضع شديد الحرج؟
الجواب :
زواج المسلمة بغير المسلم ممنوع شرعا بالكتاب والسنة والجماع .وإذا وقع فهو باطل ،ول تترتب
عليه الثار الشرعية المترتبة على النكاح ،والولد المولودون عن هذا الزواج أولد غير شرعيين.
ورجاء إسلم الرجال ل يغير من هذا الحكم شيئا.
السؤال الرابع :
ما حكم استمرار الزوجية والمعاشرة بين زوجة دخلت السلم وبقي زوجها على الكفر ولها منه أولد
تخشى عليهم الضياع والنحراف ،ولها طمع في أن يهتدي زوجها إلى السلم لو استمرت العلقة
الزوجية بينها وبينه.
وما الحكم فيما إذا لم يكن هناك طمع في إسلمه ،ولكنه يحسن معاشرتها وتخشى لو تركته أل تعثر
على زوج مسلم؟
الجواب :
بمجرد إسلم المرأة وأبى الزوج السلم ينفسخ نكاحهما ،فل تحل معاشرته لها ،ولكنها تنتظر مدة
العدة ،فإن أسلم خللها عادت إليه بعقدهما السابق.
أما إذا انقضت عدتها ولم يسلم فقد انقطع ما بينهما فإن أسلم ـ بعد ذلك ـ ورغب للعودة إلى
زواجهما عاد بعقد جديد .ول تأثير لما يسمى بحسن المعاشرة في إباحة استمرار الزوجية .السؤال
الخامس :
ما حكم دفن المسلم في مقابر غير المسلمين ،حيث ل يسمح للدفن خارج المقابر المعدة لذلك ول توجد
مقابر خاصة بالمسلمين في معظم الوليات المريكية والقطار الوربية؟
الجواب :
إن دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في بلد غير إسلمية جائز للضرورة.
السؤال السادس :
( )7/118
ماحكم بيع المسجد «إذا انتقل المسلمون عن المنطقة التي هو فيها وخيف تلفه أو الستيلء عليه» .
فكثيرا ما يشتري المسلمون منزلً ويحولونه مسجدا فإذا انتقلت غالبية المسلمين من المنطقة لظروف
العمل هجر المسجد أو أهمل ،وقد يستولي عليه آخرون .ومن الممكن بيعه واستبداله بمسجد يؤسس
في مكان فيه مسلمون .فما حكم هذا البيع أو الستبدال؟ وإذا لم تتيسر فرصة استبداله بمسجد آخر فما
أقرب الوجوه التي يجوز صرف ثمن المسجد فيها؟
الجواب :
يجوز بيع المسجد الذي تعطل النتفاع به ،أو هجر المسلمون المكان الذي هو فيه أو خيف استيلء
الكفار عليه ،على أن يشترى بثمنه مكانا آخر يتخذ مسجدا.
السؤال الثامن :
بعض النساء أو الفتيات تضطرهن ظروف العمل أو الدراسة إلى القامة بمفردهن ،أو مع نسوة غير
مسلمات ،فما حكم هذه القامة؟
الجواب :
ل يجوز للمرأة المسلمة أن تقيم وحدها شرعا في بلد الغربة .السؤال التاسع :كثيرات من النساء هنا،
يذكرن أن أقصى ما بإمكانهن ستره من أجسادهن هو ما عدا الوجه والكفين ،وبعضهن تمنعهنّ جهات
العمل من ستر رؤوسهن فما أقصى ما يمكن السماح بكشفه من أجزاء جسم المرأة بين الجانب في
محلت العمل أو الدراسة؟
الجواب :
إن حجاب المرأة المسلمة ـ عند جمهور العلماء ـ ستر جميع بدنها عدا الوجه والكفين إذا لم تخش
فتنة ،فإن خيفت فتنة يجب سترهما أيضا.
السؤال العاشر والسؤال الحادي عشر :
ـ يضطر الكثير من الطلب المسلمين إلى العمل في هذه البلد لتغطية نفقات الدراسة والمعيشة لن
كثيرا منهم ل يكفيه ما يرده من ذويه مما يجعل العمل ضرورة له ل يمكن أن يعيش بدونه ،وكثيرا ما
ل يجد عملً إل في مطاعم تبيع الخمور أو تقدم وجبات فيها لحم الخنزير وغيره من المحرمات فما
حكم عمله في هذه المحلت؟
( )7/119
ـ وما حكم بيع المسلم للخمور والخنازير ،أو صناعة الخمور وبيعها لغير المسلمين؟ علما بأن بعض
المسلمين في هذه البلدان قد اتخذوا من ذلك حرفة لهم.
الجواب :
للمسلم إذا لم يجد عمل مباحا شرعا ،العمل في مطاعم الكفار بشرط أل يباشر بنفسه سقي الخمر أو
حملها أو صناعتها أو التجار بها ،وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم الخنازير ونحوها من المحرمات.
السؤال الثاني عشر :
هناك كثير من الدوية تحوي كميات مختلفة من الكحول تترواح بين %01و %25ومعظم هذه
الدوية من أدوية الزكام واحتقان الحنجرة والسعال وغيرها من المراض السائدة .وتمثل هذه الدوية
الحاوية للكحول ما قارب %95من الدوية في هذا المجال مما يجعل الحصول على الدوية الخالية
من الكحول عملية صعبة أو متعذرة ،فما حكم تناول هذه الدوية؟
الجواب :
للمريض المسلم تناول الدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسر دواء خال منها ،ووصف
ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته.
السؤال الثالث عشر :
هناك الخمائر والجلتين توجد فيها عناصر مستخلصة من الخنزير بنسب ضئيلة جدا ،فهل يجوز
استعمال هذه الخمائر والجلتين؟
الجواب :
ل يحل للمسلم استعمال الخمائر والجلتين المأخوذة من الخنازير في الغذية ،وفي الخمائر والجلتين
المتخذة من النباتات أو الحيوانات المذكاة شرعا غُنية عن ذلك.
السؤال الرابع عشر :
اضطر معظم المسلمين إلى إقامة حفلت الزفاف لبناتهم في مساجدهم ،وكثيرا ما يتخلل هذه الحفلت
رقص وإنشاد أو غناء ،ول تتوفر لهن أماكن تتسع لمثل هذه الحفلت فما حكم إقامة هذه الحفلت في
المساجد؟ الجواب :
يندب عقد النكاح في المساجد ،ول تجوز إقامة الحفلت فيها إذا اقترنت بمحظور شرعي كاختلط
الرجال بالنساء وتبرجهن والرقص والغناء.
السؤال السادس عشر :
( )7/120
ما حكم زواج الطالب أو الطالبة المسلمة زواجا ل ينوي استدامته بل النية منعقدة عنده على إنهائه
بمجرد انتهاء الدراسة والعزم على العودة إلى مكان القامة الدائم ،ولكن العقد يكون ـ عادة ـ عقدا
عاديا بالصيغة نفسها التي يعقد بها الزواج المؤبد ،فما حكم هذا الزواج؟
الجواب :
الصل في الزواج الستمرار والتأبيد وإقامة أسرة مستقرة ما لم يطرأ عليه ما ينهيه.
السؤال السابع عشر :
ما حكم ظهور المرأة في محلت العمل أو الدراسة بعد أن تأخذ من شعر حاجبيها وتكتحل؟
الجواب :
الكتحال للرجال والنساء جائز شرعا .أما نتف بعض الحاجبين فل يجوز إل إذا كان الشعر مشوها
لخلقة المرأة.
السؤال الثامن عشر :
بعض المسلمات يجدن حرجا في عدم مصافحتهن للجانب الذين يرتادون الماكن التي يعملن أو
يدرسن فيها ،فيصافحن الجانب دفعا للحرج ،فما حكم هذه المصافحة؟
وكذلك الحال بالنسبة لكثير من المسلمين الذين تتقدم إليهم نساء أجنبيات مصافحات ،وامتناعهم عن
مصافحتهن يوقعهم في شيء من الحرج على حد ما يذكرون ويذكرن؟
الجواب :
مصافحة الرجل المرأة الجنبية البالغة ممنوعة شرعا وكذلك العكس.
السؤال التاسع عشر :
ما حكم استئجار الكنائس أماكن لقامة الصلوات الخمس أو صلة الجمعة والعيدين ،مع وجود التماثيل
وما تحتويه الكنائس عادة ..علما بأن الكنائس ـ في الغالب ـ أرخص الماكن التي يمكن استئجارها
من النصارى وبعضها تقدمه الجامعات أو الهيئات الخيرية للستفادة منه في هذه المناسبات دون
مقابل؟
الجواب :
استئجار الكنائس للصلة ل مانع منه شرعا عند الحاجة ،وتجتنب الصلة إلى التماثيل والصور وتستر
بحائل إذا كانت باتجاه القبلة.
السؤال العشرون :
ما حكم ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى وما يقدمونه من طعام في مطاعمهم مع عدم العلم
بالتسمية عليها؟ الجواب :
( )7/121
ذبائح الكتابيين جائزة شرعا إذا ذكيت بالطريقة المقبولة شرعا ،ولم يذكر اسم ال عليها ،ويوصي
المجمع بدراسة متعمقة للموضوع في دورته القادمة.
السؤال الحادي والعشرون :
كثير من المناسبات العامة التي يدعى المسلمون لحضورها تقدم فيها الخمور ويختلط فيها النساء
والرجال ،واعتزال المسلمين لبعض هذه المناسبات قد يؤدي إلى عزلهم عن بقية أبناء المجتمع،
وفقدانهم لبعض الفوائد.
فما حكم حضور هذه الحفلت من غير مشاركة لهم في شرب الخمر أو الرقص أو تناول الخنزير؟
الجواب :
في حضور حفلت تقدم فيها الخمور ل يجوز للمسلم أو المسلمة حضور مجالس المعاصي
والمنكرات.
السؤال الثالث والعشرون :
في كثير من الوليات المريكية وكذلك القطار الوربية تصعب أو تتعذر رؤية هلل رمضان أو
شوال ،والتقدم العلمي الموجود في كثير من هذه البلدان يمكن من معرفة ولدة الهلل بشكل دقيق
بطريق الحساب ،فهل يجوز اعتماد الحساب في هذه البلدان؟
وهل تجوز الستعانة بالمراصد وقبول قول الكفار المشرفين عليها علما أن الغالب على الظن صدق
قولهم في هذه المور؟ ومما يجدر بالملحظة أن اتباع المسلمين في أمريكا وأوربا لبعض البلدان
السلمية المشرقية في صيامها أو إفطارها قد أثار بينهم اختلفات كثيرة ،غالبا ما تذهب بأهم فوائد
العياد ،وتثير مشكلت شبه دائمة ،وفي الخذ بالحساب ما قد يقضي على هذا في نظر البعض أو
يكاد.
الجواب :
يجب العتماد على الرؤية ،ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للحاديث النبوية والحقائق
العلمية.
وإذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين اللتزام بها ول عبرة لختلف المطالع لعموم الخطاب
بالمر بالصوم والفطار.
السؤال الرابع والعشرون :
ما حكم عمل المسلم في دوائر ووزارات الحكومة المريكية أو غيرها من حكومات البلد الكافرة،
خاصة في مجالت هامة كالصناعات الذرية أو الدراسات الستراتيجية ونحوها؟
الجواب :
( )7/122
يجوز للمسلم العمل المباح شرعا في دوائر ومؤسسات حكومات غير إسلمية إذا لم يؤد عمله ذلك
إلى إلحاق ضرر بالمسلمين.
السؤال الخامس والعشرون والسؤال السادس والعشرون :
ـ ما حكم تصميم المهندس المسلم لمباني النصارى كالكنائس وغيرها علما بأن هذا هو جزء من
عمله في الشركة الموظفة له ،وفي حالة امتناعه قد يتعرض للفصل من العمل؟ ـ ما حكم تبرع
المسلم فردا كان أو هيئة لمؤسسات تعليمية أو تنصيرية أو كنَسِية؟
الجواب :
ل يجوز للمسلم تصميم أو بناء معابد الكفار أو السهام في ذلك ماليا أو فعليا.
السؤال السابع والعشرون :
كثير من العائلت المسلمة يعمل رجالها في بيع الخمور والخنزير وما شابه ذلك ،وزوجاتهم وأولدهم
كارهون لذلك علما بأنهم يعيشون بمال الرجل ،فهل عليهم من حرج في ذلك؟
الجواب :
للزوجة والولد غير القادرين على الكسب الحلل أن يأكلوا للضرورة من كسب الزوج المحرم
شرعا ،كبيع الخمر والخنزير وغيرهما من المكاسب الحرام بعد بذل الجهد في إقناعه بالكسب الحلل
والبحث عن عمل.
السؤال الثامن والعشرون :
ما حكم شراء منزل السكنى وسيارة الستعمال الشخصي وأثاث المنزل بواسطة البنوك والمؤسسات
التي تفرض ربحا محددا على تلك القروض لقاء رهن تلك الصول ،علما بأنه في حالة البيوت
والسيارات والثاث عموما ،يعتبر البديل عن البيع هو اليجار بقسط شهري يزيد في الغالب عن قسط
الشراء الذي تستوفيه البنوك؟
الجواب :ل يجوز شرعا.
وال أعلم قرار رقم ()12
بشأن
«المشاريع العلمية للمجمع»
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية
الهاشمية من 13-8صفر 1407هـ 11/إلى 16أكتوبر 1986م.
بعد دراسة تقرير شعبة التخطيط عن اجتماعها يومي 8و 9صفر 1407هـ 12-11أكتوبر 1986
م ،والذي بحثت فيه عددا من المور المدرجة على جدول أعمالها.
قرر:
أولً :الموافقة على المشاريع التالية بعد أن أدخل عليها بعض التعديلت:
- 1الموسوعة الفقهية.
- 2معجم المصطلحات الفقهية.
- 3معلمة القواعد الفقهية.
- 4مدونة أدلة الحكام الفقهية.
- 5إحياء التراث الفقهي.
- 6اللئحة المالية للموسوعة الفقهية.
- 7اللئحة المالية لمعجم المصطلحات الفقهية.
- 8اللئحة المالية لحياء التراث الفقهي.
- 9منهج سير عمل ومناقشات وإدارة جلسات المجلس.
ثانيا :تأليف لجنة علمية رباعية لوضع منهج لكل من مشروعي معلمة القواعد الفقهية ومدونة أدلة
الحكام الفقهية بالتشاور بين رئيس المجلس والمين العام.
وال الموفق
( )7/123
( )7/124
أولً :ضرورة تبني برنامج إسلمي واسع للغاثة ينفق عليه من صندوق مستقل ينشأ لهذا الغرض
ويمول من أموال الزكاة والتبرعات والوقاف الخيرية.
ثانيا:
مناشدة المة السلمية شعوبا وحكومات أن تعمل جهدها لستنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين
الشريفين وتحرير الرض المحتلة بحشد طاقاتها وبناء ذاتها وتوحيد صفوفها والتسامي على كل
أسباب الختلف بينها وتحكيم شريعة ال سبحانه في حياتها الخاصة والعامة.
ثالثا:
الهتمام بأعمال المجمع في مجالت الدراسات والبحوث والفتوى والمشاريع ،وبالقضايا الهامة
للمسلمين والتي تتصل بحياتهم الجتماعية والقتصادية وتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وتحقيق أسباب
التكافل والتضامن بينهم وتمكينهم من مواجهة كل التحديات ومن إقامة حياتهم على هدي من شريعة
ال سبحانه.
رابعا:
التمييز بين قضايا الدراسات والبحوث وموضوعات الفتوى وذلك بالتركيز في البحوث والدراسات
بصفة خاصة على الندوات العلمية واليام الدراسية وفق خطة تعدها شعبة التخطيط في المجمع
لتعرض على المجلس.
وال الموفق
( )7/125
القَرارَات وَالتوصيَات
الدّورَة الرابعة لمجلس مجْمع الفقه السلمي
جدة 23 - 18 :جمادى الخرة 1408هـ 11-6 /فبراير 1988م
القرارات
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
قرار رقم ()1
بشأن
انتفاع النسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيا كانَ أو ميتا
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد اطلعه على البحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «انتفاع النسان
بأعضاء جسم إنسان آخر حيا أو ميتا» .
وفي ضوء المناقشات التي وجهت النظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي
والطبي ،وظهرت نتائجه اليجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الحيان بالضرار النفسية
والجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة النسان،
ومع مراعاة مقاصد الشريعة السلمية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد
والجماعة ،والداعية إلى التعاون والتراحم واليثار.
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره
وحالته التي يختلف الحكم تبعا لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم :
أولً :يقصد هنا بالعضو :أي جزء من النسان ،من أنسجة وخليا ودماء ونحوها ،كقرنية العين،
سواء أكان متصلً به ،أم انفصل عنه.
ثانيا :النتفاع الذي هو محل البحث ،هو استفادة دعت إلىها ضرورة المستفيد لستبقاء أصل الحياة،
أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه.
على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعا.
ثالثا :تنقسم صور النتفاع هذه إلى القسام التالية:
- 1نقل العضو من حي
- 2نقل العضو من ميت
-3النقل من الجنّة
الصورة الولى :وهي نقل العضو من حي ،تشمل الحالت التالية:
أ ـ نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه ،كنقل الجلد والغضاريف والعظام
والوردة والدم ونحوها.
ب ـ نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر.وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما
تتوقف عليه الحياة وما ل تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة ،فقد يكون فرديا ،وقد يكون غير فردي ،فالول كالقلب والكبد ،والثاني
كالكلية والرئتين.
( )7/126
وأما ما ل تتوقف عليه الحياة ،فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما ل يقوم بها .ومنه ما
يتجدد تلقائيا كالدم ،ومنه ما ل يتجدد ،ومنه ما له تأثير على النساب والموروثات ،والشخصية
العامة ،كالخصية والمبيض وخليا الجهاز العصبي ،ومنه ما ل تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية :وهي نقل العضو من ميت :
ويلحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الولى :موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلً نهائيا ل رجعة فيه طبيا.
الحالة الثانية :توقف القلب والتنفس معا توقفا تاما ل رجعة فيه طبيا.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة :وهي النقل من الجنة ،وتتم الستفادة منها في ثلث حالت :
حالة الجنة التي تسقط تلقائيا.
حالة الجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة «اللقائح المستنبتة خارج الرحم» .من حيث الحكام الشرعية :
أولً :يجوز نقل العضو من مكان من جسم النسان إلى مكان آخر من جسمه ،مع مراعاة التأكد من
أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها ،وبشرط أن يكون ذلك ليجاد
عضو مفقود أو لعادة شكله أو وظيفته المعهودة له ،أو لصلح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص
أذى نفسيا أو عضويا.
ثانيا :يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر ،إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيا ،كالدم
والجلد ،ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الهلية ،وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثا :تجوز الستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر،
كأخذ قرنية العين لنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعا :يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
( )7/127
خامسا :يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلمة
أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما ،أما إن كان النقل يعطل جزءا من وظيفة أساسية فهو
محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادسا :يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو ،أو تتوقف سلمة وظيفة
أساسية فيه على ذلك .بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته ،أو بشرط موافقة وليّ المسلمين إن
كان المتوفى مجهول الهوية أو ل ورثة له .سابعا :وينبغي ملحظة أن التفاق على جواز نقل
العضو في الحالت التي تم بيانها ،مشروط بأن ل يتم ذلك بوساطة بيع العضو .إذ ل يجوز إخضاع
أعضاء النسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد ،ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريما،
فمحل اجتهاد ونظر.
ثامنا :كل ما عدا الحالت والصور المذكورة ،مما يدخل في أصل الموضوع ،فهو محل بحث ونظر،
ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة ،على ضوء المعطيات الطبية والحكام الشرعية.
وال أعلم قرار رقم ()2
بشأن
صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن السلمي
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد اطلعه على المذكرة التفسيرية بشأن «صندوق التضامن السلمي ووقفيته» المقدمة إلى الدورة
الثالثة للمجمع ،وعلى البحاث الواردة إلى المجمع في دورته الحالية بخصوص موضوع «صرف
الزكاة لصالح صندوق التضامن السلمي» .
يوصي :
( )7/128
ـ عملً على تمكين صندوق التضامن السلمي من تحقيق أهدافه الخيرة (المبينة في نظامه
الساسي) والتي أنشئ من أجلها ،والتزاما بقرار القمة السلمي الثاني الذي نص على إنشاء هذا
الصندوق وتمويله من مساهمات الدول العضاء ،ونظرا لعدم انتظام بعض الدول في تقديم مساعداتها
الطوعية له ،يناشد المجمع الدول والحكومات والهيئات والموسرين المسلمين القيام بواجبهم في دعم
موارد الصندوق بما يمكنه من تحقيق مقاصده النبيلة في خدمة المة السلمية.
ويقرر :أولً :ل يجوز صرف أموال الزكاة لدعم وقفية صندوق التضامن السلمي ،لن في ذلك
حبسا للزكاة عن مصارفها الشرعية المحددة في الكتاب الكريم.
ثانيا :لصندوق التضامن السلمي أن يكون وكيلً عن الشخاص والهيئات في صرف الزكاة في
وجوهها الشرعية بالشروط التالية:
أ ـ أن تتوافر شروط الوكالة الشرعية بالنسبة للموكل والوكيل.
ب ـ أن يدخل الصندوق على نظامه الساسي ،وأهدافه ،التعديلت المناسبة التي تمكنه من القيام بهذا
النوع من التصرفات.
جـ ـ أن يخصص صندوق التضامن حسابا خاصا بالموال الواردة من الزكاة بحيث ل تختلط
بالموارد الخرى التي تنفق في غير مصارف الزكاة الشرعية ،كالمرافق العامة ونحوها.
د ـ ل يحق للصندوق صرف شيء من هذه الموال الواردة للزكاة في النفقات الدارية ومرتبات
الموظفين وغيرها من النفقات التي ل تندرج تحت مصارف الزكاة الشرعية.
هـ ـ لدافع الزكاة أن يشترط على الصندوق دفع زكاته فيما يحدده من مصارف الزكاة الثمانية،
وعلى الصندوق ـ في هذه الحالة ـ أن يتقيد بذلك.
و ـ يلتزم الصندوق بصرف هذه الموال إلى مستحقيها في أقرب وقت ممكن حتى يتيسر لمستحقيها
النتفاع بها ،وفي مدة أقصاها سنة.
وال أعلم
( )7/129
( )7/130
فإن كان ساهم في الشركة بقصد الستفادة من ريع السهم السنوي ،وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها
زكاة المستغلت .وتمشّيا مع ما قرره مجمع الفقه السلمي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات
والراضي المأجورة غير الزراعية ،فإن صاحب هذه السهم ل زكاة عليه في أصل السهم ،وإنما
تجب الزكاة في الريع ،وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر
شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
وإن كان المساهم قد اقتنى السهم بقصد التجارة ،زكاها زكاة عروض التجارة ،فإذا جاء حول زكاته
وهي في ملكه ،زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق ،زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة ،فيخرج
ربع العشر %2.5من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للسهم ربح.
رابعا:إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته.
أما المشتري فيزكي السهم التي اشتراها على النحو السابق.
وال أعلم قرار رقم ()4
بشأن
انتزاع الملكية للمصلحة العامة
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد الطلع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «انتزاع الملك للمصلحة العامة» .
وفي ضوء ما هو مسلّم في أصول الشريعة ،من احترام الملكية الفردية ،حتى أصبح ذلك من قواطع
الحكام المعلومة من الدين بالضرورة ،وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من
مقاصد الشريعة رعايتها وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها ،مع استحضار
ما ثبت بدللة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي ال عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار
للمصلحة العامة ،تطبيقا لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح وتنزيل الحاجة العامة منزلة
الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام.
قرر ما يلي :
( )7/131
أولً :يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها ،ول يجوز تضييق نطاقها أو الحد
منها ،والمالك مسلط على ملكه ،وله -في حدود المشروع -التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع
النتفاعات الشرعية .ثانيا :ل يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إل بمراعاة الضوابط والشروط
الشرعية التالية:
- 1أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما ل يقل عن ثمن المثل.
- 2أن يكون نازعه ولي المر أو نائبه في ذلك المجال.
- 3أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها
كالمساجد والطرق والجسور.
- 4أن ل يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الستثمار العام أو الخاص ،وأل يعجل
نزع ملكيته قبل الوان.
فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الرض والغصوب التي نهى
ال تعالى عنها ورسوله صلّى ال عليه وسلم.
على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية
استرداده لمالكه الصلي ،أو لورثته بالتعويض العادل.
وال أعلم
( )7/132
( )7/133
ول بد أن تشتمل نشرة الصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض (المضاربة) من
حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الصدار على أن تتفق
جميع الشروط مع الحكام الشرعية .العنصر الثالث :
أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه
من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ ـ إذا كان مال القراض المتجمع بعد الكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودا ،فإن
تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب ـ إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
ج ـ إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والعيان والمنافع ،فإنه يجوز
تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه ،على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا
ومنافع .أما إذا كان الغالب نقودا أو ديونا فتراعى في التداول الحكام الشرعية التي ستبينها لئحة
تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.
وفي جميع الحوال يتعين تسجيل التداول أصوليا في سجلت الجهة المصدّرة.
العنصر الرابع :
أن من يتلقى حصيلة الكتتاب في الصكوك لستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب ،أي عامل
المضاربة ول يملك من المشروع إل بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما
أسهم به بالضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة
الصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة ل
يضمن إل بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
- 3مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:
( )7/134
يجوز تداول سندات المقارضة في أسواق الوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقا
لظروف العرض والطلب ويخضع لرادة العاقدين .كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في
فترات دورية معينة بإعلن أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلل مدة محددة بشراء هذه
الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين ،ويحسن أن يستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا
لظروف السوق والمركز المالي للمشروع .كما يجوز العلن عن اللتزام بالشراء من غير الجهة
المصدرة من مالها الخاص ،على النحو المشار إليه.
- 4ل يجوز أن تشتمل نشرة الصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة
رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال ،فإن وقع النص على ذلك صراحة أو
طلَ شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.
ضمنا بَ َ
- 5ل يجوز أن تشتمل نشرة الصدار ول صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع
ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل .وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا بالبيع .وفي هذه
الحالة ل يتم البيع إل بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضى الطرفين.
- 6ل يجوز أن تتضمن نشرة الصدار ول الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال
قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلً .ويترتب على ذلك:
أ ـ عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الصدار وصكوك
المقارضة الصادرة بناء عليها.
ب ـ أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي ،وهو الزائد عن رأس المال وليس اليراد أو الغلة.
ويعرف مقدار الربح ،إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد ،وما زاد عن رأس المال عند
التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة ،وفقا لشروط العقد.
ج ـ أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك.
( )7/135
- 7يستحق الربح بالظهور ،ويملك بالتنضيض أو التقويم ول يلزم إل بالقسمة .وبالنسبة للمشروع
الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته .وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض
(التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
- 8ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل
دورة ،إما من حصة حملة الصكوك في الرباح في حالة وجود تنضيض دوري ،وإما من حصصهم
في اليراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة
رأس المال.
- 9ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف
ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر
الخسران في مشروع معين ،على أن يكون التزاما مستقلً عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء
بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو
عامل المضاربة الدفع ببطلن المضاربة أو المتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام
المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا اللتزام كان محل اعتبار في العقد.
ثانيا:
استعرض مجلس المجمع أربع صيغ أخرى اشتملت عليها توصيات الندوة التي أقامها المجمع ،وهي
مقترحة للستفادة منها في إطار تعمير الوقف واستثماره دون الخلل بالشروط التي يحافظ فيها على
تأبيد الوقف وهي:
أ -إقامة شركة بين جهة الوقف بقيمة أعيانه وبين أرباب المال بما يوظفونه لتعمير الوقف.
ب ـ تقديم أعيان الوقف ( كأصل ثابت ) إلى من يعمل فيها بتعميرها من ماله بنسبة من الريع.
ج ـ تعمير الوقف بعقد الستصناع مع المصاريف السلمية لقاء بدل من الريع.
د ـ إيجار الوقف بأجرة عينية هي البناء عليها وحده ،أو مع أجرة يسيرة.
وقد اتفق رأي مجلس المجمع مع توصية الندوة بشأن هذه الصيغ من حيث حاجتها إلى مزيد من
البحث والنظر ،وعهد إلى المانة العامة الستكتاب فيها ،مع البحث عن صيغ شرعية أخرى
للستثمار ،وعقد ندوة لهذه الصيغ لعرض نتائجها على المجمع في دورته القادمة.
وال أعلم
( )7/136
قرار رقم()6
بشأن
بدل الخلو
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد اطلعه على البحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه.
قرر ما يلي:
أولً :تنقسم صور التفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:
- 1أن يكون التفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
- 2أن يكون التفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الجارة أو بعد انتهائها.
- 3أن يكون التفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد ،في أثناء مدة عقد الجارة أو بعد انتهائها.
- 4أن يكون التفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الول قبل انتهاء المدة ،أو
بعد انتهائها .ثانيا :إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن
الجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلد خلوا) ،فل مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع
على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها ،وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الجرة.
ثالثا :إذا تم التفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر
مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة ،فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا،
لنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
( )7/137
أما إذا انقضت مدة الجارة ،ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب
الصيغة المفيدة له ،فل يحل بدل الخلو ،لن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعا :إذا تم التفاق بين المستأجر الول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الجارة على التنازل عن
بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الجرة الدورية ،فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا ،مع مراعاة مقتضى
عقد الجارة المبرم بين المالك والمستأجر الول ،ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة
للحكام الشرعية.
على أنه في الجارات الطويلة المدة خلفا لنص عقد الجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين ل يجوز
للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر ،ول أخذ بدل الخلو فيها إل بموافقة المالك.
أما إذا تم التفاق بين المستأجر الول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فل يحل بدل الخلو،
لنقضاء حق المستأجر الول في منفعة العين.
وال أعلم قرار رقم()7
بشأن
بيع السم التجاري والترخيص
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد اطلعه على البحاث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «بيع السم التجاري والترخيص»
والتي تفاوتت في تناولها للموضوع واختلفت المصطلحات المستخدمة فيها تبعا للصول اللغوية التي
ترجمت عنها تلك الصيغ العصرية ،بحيث لم تتوارد البحاث على موضوع واحد وتباينت وجهات
النظر.
قرر ما يلي :
أولً :تأجيل النظر في هذا الموضوع إلى الدورة الخامسة للمجلس حتى تستوفى دراسته من كل
جوانبه مع مراعاة المور التالية:
(أ) اتباع منهجية متقاربة في البحث تبدأ من مقدماته التي يتم فيها تحرير المسألة وتحديد نطاق البحث
مع تناول جميع المصطلحات المتداولة في البحاث الحقوقية مع مرادفاتها.
( )7/138
(ب) الشارة إلى السوابق التاريخية للموضوع وما طرح فيه من أنظار شرعية أوحقوقية لها أثر في
إيضاح التصور وأحكام التقسيم .ثانيا :محاولة إدراج موضوع (بيع السم التجاري والترخيص) تحت
موضوع عام لتكون الدراسة أحكم والفائدة أعم وأوسع ،وذلك تحت عنوان (الحقوق المعنوية) لكي
تستوفي المفردات الخرى من مثل (حق التأليف ـ حق الختراع أو البتكار ـ حق الرسالة ـ حق
الرسوم والنماذج الصناعية والتجارية من علمات وبيانات ..إلخ).
ثالثا :يمكن للباحثين أن يركزوا على مفردة معينة من الحقوق المشار إليها ،كما يمكنهم توسيع نطاق
أبحاثهم لتشمل المفردات المتقاربة في هيكل الموضوع العام.
وال الموفق قرار رقم ()8
بشأن
التأجير المنتهي بالتمليك
والمرابحة للمر بالشراء وتغير قيمة العملة
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
قرر مايلي :
أولً :تأجيل النظر في كل من موضوع «التأجير المنتهي بالتمليك» وموضوع «المرابحة للمر
بالشراء» وكذلك تأجيل البت في موضوع «تغير قيمة النقد» للحاجة لستيفاء جوانبه إلى الدورة
القادمة.
ثانيا :تكليف المانة العامة استيفاء دراسة الموضوعين واستحضار ما قدم من أبحاث في موضوع
«التأجير المنتهي بالتمليك» وما صدر فيه من قرارات عن الندوة الفقهية الولى لبيت التمويل الكويتي
التي عقدت عام 1407هـ ( 1987م) .وما قدم من أبحاث في موضوع «المرابحة للمر بالشراء»
في ندوة استراتيجية الستثمار في المصارف السلمية التي أقيمت في عمان عام 1407هـ1987/
م بالتعاون بين المعهد السلمي للبحوث والتدريب للبنك السلمي للتنمية ،والمجمع الملكي لبحوث
الحضارة السلمية.
وال الموفق
( )7/139
( )7/140
بوجوب تصدي الهيئات السلمية في كافة أنحاء العالم بما لديها من إمكانات لمخاطر هذه النزعة
الملحدة التي تستهدف النيل من السلم عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.
ويقرر :
اعتبار أن ما ادعاه البهاء من الرسالة ونزول الوحي عليه ونسخ الكتب التي أنزلت عليه للقرآن
الكريم ،وإدخاله تغييرات على فروع شرعية ثابتة بالتواتر ،هو إنكار لما هو معلوم من الدين
بالضرورة ،ومنكر ذلك تنطبق عليه أحكام الكفار بإجماع المسلمين.
وال أعلم قرار رقم ()10
بشأن
مشروع تيسير الفقه
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد دراسة التقرير المعد عن مشروع تيسير الفقه والمشتمل على الخطة المقترحة للمشروع كما
وردت من اللجنة المكلفة بالشراف عليه.
وبعد اطلعه على تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع تيسير
الفقه وتوصيتها باعتماد الخطة المشار إليها وتكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه.
قرر ما يلي :
اعتماد الخطة الواردة في تقرير اللجنة المشرفة على مشروع تيسير الفقه وفق التعديل المقترح منها،
وتكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه.
وال الموفق قرار رقم ()11
بشأن
مشروع الموسوعة الفقهية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
بعد دراسة التقرير المعد من اللجنة المكلفة بإعداد الخطة التنفيذية لمشروع الموسوعة الفقهية،
والمشتمل على الخطوات المقترحة للتنفيذ ،وهيكل الزمرة المرشحة للبدء بها (زمرة المشاركات)،
وخطط مقرراتها.
( )7/141
وبعد اطلعه على تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع
الموسوعة الفقهية وتوصياتها باعتماد الخطة التنفيذية للمشروع وفق التعديل المقترح منها ،والجوانب
المقترح إدخالها على خطط الموضوعات والمراجع المضافة إلى قائمة المراجع.
قرر ما يلي :
اعتماد الخطة التنفيذية الواردة في تقرير اللجنة المكلفة بإعدادها وفق القتراحات المقترحة من اللجنة
الفرعية ،وتكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه.
وال الموفق قرار رقم ( )12بشأن
مشروع موسوعة القواعد الفقهية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-18جمادى الخرة 1408هـ ،الموافق 11-6فبراير 1988م.
وبعد دراسة التقرير المعد عن مشروع معلمة القواعد الفقهية واطلعه على تقرير اللجنة المكونة في
أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع موسوعة القواعد الفقهية ومراحل السير فيه ،والمشتمل على
الصياغة النهائية للمشروع ثم المراحل السبع المقترحة لعداد الموسوعة وما في المرحلة الولى
والخامسة من تعدد الرأي.
قرر مايلي :
أولً :اعتماد الصياغة النهائية لمشروع موسوعة القواعد الفقهية والمراحل المتفق على اقتراحها من
لجنة المشروع.
ثانيا :تكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذ ما يترك لها واختيار ما تراه مناسبا من الرأيين
المطروحين من لجنة المشروع بالنسبة للمرحلة الولى والخامسة من مراحل إعداده.
وال الموفق
( )7/142
( )7/143
جـ ـ وضع الخطط العملية للمحافظة على الصالة السلمية والتراث السلمي والقضاء على كل
محاولت التغريب والتشبه واستلب الشخصية السلمية والوقوف أمام كل أشكال الغزو الفكري
والثقافي الذي يتعارض مع المبادئ والخلق السلمية.
وأن توجد رقابة إسلمية صارمة على النشطة السياحية والبتعاث إلى الخارج حتى ل تتسبب في
هدم مقومات الشخصية السلمية وأخلقها.
د ـ توجيه التعليم وجهة إسلمية وتدريس كل العلوم من منطلق إسلمي وجعل المواد الدينية مواد
أساسية في كل المراحل والتخصصات مما يقوي العقيدة السلمية ويؤصل الخلق السلمية في
النفوس .كما يجب أن تحرص المة أن تكون رائدة في مجالت العلم المتعددة.
هـ ـ بناء السرة السلمية بناء صحيحا وتيسير الزواج والحث عليه وحث الباء والمهات على
تنشئة البنين والبنات تنشئة صحيحة حتى يكونوا جيلً قويا يعبد ال على حق ويتولى المهمة الدائمة
لنشر السلم والدعوة إليه .وأن تهيأ المرأة لتقوم بدورها أمّا وربة بيت حسبما تقضي به الشريعة
السلمية والقضاء على ظاهرة انتشار استخدام المربيات الجنبيات خاصة غير المسلمات.
و ـ تهيئة جميع الوسائل التي تحقق تربية النشء تربية إسلمية بحيث يلتزم بأركان السلم
وسلوكياته ويدرك واجباته تجاه ربه وأمته ويتخلص من الخواء الروحي الذي يتسبب في تعاطي
المخدرات والمسكرات والتفسخ الخلقي بأشكاله المتعددة وإشغال الشباب بمهمات المور وإعطائه
المسؤوليات كل حسب قدرته وكفاءته وإشغال أوقات الفراغ لديهم بما هو مفيد وإيجاد وسائل الترفيه
والرياضيات والمسابقات البريئة الطاهرة وأن توجه وجهة إسلمية كاملة.
ثانيا:
( )7/144
بعد الطلع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع (مجالت الوحدة السلمية وسبل الستفادة
منها) وانطلقا من أولوية رابطة السلم بين شعوب المة السلمية وهي رابطة ل انفصام لها،
وأساس متين للتضامن المنشود وقاعدة ثابتة لكل بناء حضاري يرمي إلى توحيد صفوفها وإلى التأليف
بين الجهود المبذولة في مجابهة التحديات المعاصرة وتحقيق العزة والتقدم.
وبما أن في رابطة السلم حافزا قويا وعاملً باقيا لحكام التوجه ولتنسيق سياسات الدول السلمية
في مختلف ميادين التنمية القتصادية والجتماعية ولتوثيق علقات التناصر والتعاون والمرحمة بين
شعوب المة في رفع ما يعوق سيرها من ألوان التبعية ويجابهها من التحديات المعاصرة وفي بلوغ
ما تسعى لتحقيقه من رقي ومنعة وازدهار.
يوصي أيضا بما يلي :
أ ـ الذود عن العقيدة السلمية ،وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب ،والتحذير من كل ما يؤدي
إلى هدمها أو التشكيك في أصولها ،ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين.
ب ـ تأكيد عناية مجمع الفقه السلمي بالبحاث والدراسات الفقهية التي ترمي إلى مجابهة التحديات
الفكرية الناشئة عن مقتضيات المعاصرة واهتمام الفقه السلمي بمشكلت المجتمع واعتماده كعنصر
أساسي في النهضة الفكرية للمة وتوسيع دائرة اعتماده فيما تسنه الدول السلمية من تشاريع
وقوانين في عامة شؤون المجتمع.
جـ ـ وجوب التناسق الوثيق في ميدان التربية والتعليم مضمونا ومنهاجا على السبيل القويمة
للحضارة الفكرية التي بناها السلم بغية تكوين أجيال من المسلمين متوحدين في المرجع التعبدي
متقاربين في التوجه الفكري متشاركين في العتزاز بالنتساب الحضاري.
د ـ إعطاء درجة عالية من الولوية للبحث العلمي في مختلف ميادين المعرفة وتخصيص نسبة %1
من الناتج الجمالي لتمويل البرامج البحثية وإنشاء المخابر العلمية على أساس وثيق من التكامل
والتعاون بين الجامعات السلمية.
( )7/145
هـ ـ العمل مع الجامعات السلمية على ضبط برنامج دراسي يتألف من عدد من المحاور الكبرى
تكون غرضا للبحث الفقهي ،و إنشاء لجنة عليا من المفكرين المسلمين لمتابعة هذه البحاث وإجازتها،
وتخصيص جائزة تفوق لمكافأة أحسنها.
و ـ أن يكون العلم في بلد المسلمين بكل أنواعه المسموعة والمقروءة والمرئية إعلما هادفا إلى
تحقيق العبودية ل في أرضه ،وبث الخير ونشر الفضيلة والتحرر من المبادئ الهدامة للفكر والخلق،
والملحدة في دين ال ،والمنحرفة عن الصراط المستقيم .ودعم جهود توحيده.
ز ـ إقامة اقتصاد إسلمي ل شرقي ول غربي ،بل اقتصاد إسلمي خالص مع إقامة سوق إسلمية
مشتركة ،يتعاون فيها المسلمون على النتاج وتسويقه دون الحاجة إلى غيرهم؛ لن القتصاد ركن
مهم من أركان قيام المجتمعات ،وتكامله سبيل للوحدة بين شعوب المة السلمية .ثالثا:
انطلقا من أن (إسلمية التعليم) في الديار السلمية اليوم ضرورة ل مناص منها لبناء الجيال
السلمية بناء سويا متكاملً في الفكر والتصور والسلوك والعمل .وذلك بجعل جميع العلوم محكومة
بالسلم في المنطلقات والهداف ،وأن يكون السلم بنظمه وضوابطه إطارا لهذا العلوم ،وأن تكون
العقيدة السلمية قاعدة وأصلً في بناء المنهج التربوي والتعليمي .وتتلخص أهم معالم المنهج المنشود
في (إسلمية التعليم) فيما يلي:
أ ـ جعل العقيدة السلمية قاعدة التصور السلمي الكبير الذي يعطي نظرة كلية شاملة للكون
والنسان والحياة ،كما تعرّف النسان بخالق الحياة وعلقته بالكون ،وعلقة النسان بخالقه،
وبمجتمعه.
ب ـ اتخاذ السلم محورا للعلوم الجتماعية والنسانية والقتصادية والسياسية وإبراز نظرياته
النسانية وتعلقها بخالق الكون والنسان والحياة بالتنسيق مع المنظمات السلمية العاملة في هذا
المجال كالمنظمة السلمية للعلوم الطبية والمنظمة السلمية للتربية والثقافة والعلوم.
( )7/146
جـ ـ العمل على إظهار فساد ما يخالف العقيدة السلمية من علوم مادية وملحدة وأخرى مضللة
كالكهانة والسحر والتنجيم والتحذير من العلوم التي ذمها وحرمها السلم وكذلك العلوم التي تقوم
على الفسق والفجور.
د ـ إعادة كتابة تاريخ العلوم والمعارف وبيان تطورها وإسهامات المسلمين في كل منها وتنقيتها مما
دس فيهامن نظريات استشراقية وتغريبية تحرّف المسار التاريخي الحق ،وإعادة النظر في تصنيف
العلوم ومناهج البحث وفق النظرة السلمية من خلل أنشطة مراكز ومعاهد البحث العلمي ومراكز
القتصاد السلمي في شتى البلد السلمية .هـ ـ إعادة الوشائج بين العلوم التي تبحث في الكون
والنسان والحياة وبين خالقها ،فإن العالم الباحث في هذه المجالت يجب أن ينظر فيها على أنها تمثل
البداع اللهي ،والصنعة الربانية المحكمة.
و ـ وضع الضوابط والقواعد المستخلصة من الدين السلمي أو المنسقة مع أهدافه وغاياته لن
تكون مبادئ لجميع العلوم أو لعلم واحد منها وإبراز عيوب المناهج الغربية التي أقامت فصاما
موهوما بين الدين والعلم ،أو بنت العلوم بناء خاطئا كعلم التاريخ والقتصاد والجتماع.
وينبغي أن يؤخذ في العتبار أن هناك مشروعا يشكل ظهيرا لسلمية التعليم بل ربما كان من
الوسائل الضرورية له وهو مشروع (إسلمية المعرفة) وينهض (المعهد العالمي للفكر السلمي)
بمتطلباته من حيث التخطيط ورسم سبل التنفيذ من خلل مقالت ومؤلفات وندوات.
وال الموفق
( )7/147
القرَارات وَالتوصيَات
جمَع الفقه السلمي
الدّورَة الخامسَة لمجلس م ْ
الكويت 6-1 :جمادى الولى 1409هـ 15-10/ديسمبر 1988م
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبييين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم ()1
بشأن
تنظيم النسل
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) واستماعه
للمناقشات التي دارت حوله.
وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة السلمية النجاب والحفاظ على النوع النساني وأنه ل
يجوز إهدار هذا المقصد ،لن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل
والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.
قرر مايلي :
أولً :ل يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في النجاب.
ثانيا :يحرم استئصال القدرة على النجاب في الرجل أو المرأة ،وهو ما يعرف بـ (العقام) أو
(التعقيم) ،ما لم تدع إلى ذلك ضرورة بمعاييرها الشرعية.
ثالثا :يجوز التحكم المؤقت في النجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل ،أو إيقافه لمدة معينة من
الزمان ،إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض ،بشرط
أن ل يترتب على ذلك ضرر ،وأن تكون الوسيلة مشروعة ،وأن ل يكون فيها عدوان على حمل قائم.
وال أعلم قرار رقم ()2،3
بشأن
الوفاء بالوعد ،والمرابحة للمر بالشراء
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (الوفاء بالوعد ،والمرابحة
للمر بالشراء) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما.
قرر :
( )7/148
أولً :أن بيع المرابحة للمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور ،وحصول
القبض المطلوب شرعا ،هو بيع جائز ،طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم،
وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم ،وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
ثانيا :الوعد (وهو الذي يصدر من المر أو المأمور على وجه النفراد) يكون ملزما للواعد ديانة إل
لعذر ،وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد .ويتحدد أثر
اللزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد ،وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلً بسبب عدم الوفاء
بالوعد بل عذر.
ثالثا :المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين
كليهما أو أحدهما ،فإذا لم يكن هناك خيار فإنها ل تجوز ،لن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه
البيع نفسه ،حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى ل تكون هناك مخالفة لنهي النبي
صلّى ال عليه وسلم من بيع النسان ما ليس عنده.
ويوصي المؤتمر :
في ضوء ما لحظه من أن أكثر المصارف السلمية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق
المرابحة للمر بالشراء.
يوصي بما يلي :
أولً :أن يتوسع نشاط جميع المصارف السلمية في شتى أساليب تنمية القتصاد ول سيما إنشاء
المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.
ثانيا :أن تدرس الحالت العملية لتطبيق (المرابحة للمر بالشراء) لدى المصارف السلمية ،لوضع
أصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الحكام الشرعية العامة أو الخاصة
ببيع المرابحة للمر بالشراء.
وال أعلم قرار رقم ()4
بشأن
تغير قيمة العملة
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
( )7/149
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تغير قيمة العملة) واستماعه
للمناقشات التي دارت حوله.
وبعد الطلع على قرار المجمع رقم ( )9في الدورة الثالثة بأن العملت الورقية نقود اعتبارية فيها
صفة الثمنية كاملة ،ولها الحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة
والسلم وسائر أحكامهما.
قرر مايلي :
ـ العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لن الديون تقضى بأمثالها فل
يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا كان مصدرها بمستوى السعار.
وال أعلم .قرار رقم ()5
بشأن
الحقوق المعنوية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) واستماعه
للمناقشات التي دارت حوله.
قرر :
أولً :السم التجاري ،والعنوان التجاري ،والعلمة التجارية ،والتأليف والختراع أو البتكار هي
حقوق خاصة لصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها .وهذه
الحقوق يعتد بها شرعا فل يجوز العتداء عليها.
ثانيا :يجوز التصرف في السم التجاري أو العنوان التجاري أو العلمة التجارية ونقل أي منها
بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقا ماليا.
ثالثا :حقوق التأليف والختراع أو البتكار مصونة شرعا ،ولصحابها حق التصرف فيها ،ول يجوز
العتداء عليها.
وال أعلم قرار رقم ()6
بشأن
اليجار المنتهي بالتمليك
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (اليجار المنتهي بالتمليك)
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
( )7/150
وبعد الطلع على قرار المجمع رقم ( )1في الدورة الثالثة بشأن الجابة عن استفسارات البنك
السلمي للتنمية فقرة (ب) بخصوص عمليات اليجار.
قرر :
أولً :الولى الكتفاء عن صور اليجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلن التاليان:
(الول) :البيع بالقساط مع الحصول على الضمانات الكافية.
(الثاني) :عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد النتهاء من وفاء جميع القساط اليجارية
المستحقة خلل المدة في واحد من المور التالية:
ـ مد مدة الجارة .ـ إنهاء عقد الجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
ـ شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الجارة.
ثانيا :هناك صور مختلفة لليجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة بعد تقديم
نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملبسات وقيود بالتعاون مع المصارف السلمية لدراستها
وإصدار القرار في شأنها.
وال أعلم
قرار رقم ()7
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد عرض موضوع (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها).
قرر :
تأجيل النظر في موضوع ( التمويل العقاري لبناء المساكن ) لصدار القرار الخاص به إلى الدورة
السادسة ،من أجل مزيد من الدراسة والبحث.
وال الموفق قرار رقم ()8
بشأن
تحديد أرباح التجار
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تحديد أرباح التجار)
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر :
( )7/151
أولً :الصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحرارا في بيعهم وشرائهم
وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة السلمية الغراء وضوابطها عملً بمطلق
قول ال تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض
منكم} [.البقرة]2/188:
ثانيا :ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملتهم ،بل ذلك متروك لظروف
التجارة عامة وظروف التاجر والسلع ،مع مراعاة ما تقضي به الداب الشرعية من الرفق والقناعة
والسماحة والتيسير.
ثالثا :تضافرت نصوص الشريعة السلمية على وجوب سلمة التعامل من أسباب الحرام وملبساته
كالغش ،والخديعة ،والتدليس ،والستغفال وتزييف حقيقة الربح ،والحتكار ،الذي يعود بالضرر على
العامة والخاصة .رابعا :ل يتدخل ولي المر بالتسعير إل حيث يجد خللً واضحا في السوق
والسعار ناشئا من عوامل مصطنعة ،فإن لولي المر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي
تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلء والغبن الفاحش.
وال أعلم
قرار رقم ()9
بشأن
العرف
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (العرف) واستماعه للمناقشات
التي دارت حوله.
قرر :
أولً :يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ،وقد يكون معتبرا شرعا أو
غير معتبر.
ثانيا :العرف إن كان خاصا فهو معتبر عند أهله وإن كان عاما فهو معتبر في حق الجميع .ثالثا:
العرف المعتبر شرعا هو ما استجمع الشروط التية:
أ ـ أن ل يخالف الشريعة ،فإن خالف العرف نصا شرعيا أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف
فاسد.
ب ـ أن يكون العرف مطردا (مستمرا) أو غالبا.
( )7/152
( )7/153
ب ـ التنسيق بين المجمع وبين المؤسسات العلمية الخرى التي تهتم بموضوع تطبيق الشريعة
السلمية وتعد الخطط والوسائل والدراسات الكفيلة بإزالة العقبات والشبهات التي تعوق تطبيق
الشريعة في البلد السلمية .ج ـ تجميع مشروعات القوانين السلمية التي تم إعدادها في مختلف
البلد السلمية ودراستها للستفادة منها.
د ـ الدعوة إلى إصلح مناهج التربية والتعليم ووسائل العلم المختلفة ،وتوظيفها للعمل على تطبيق
الشريعة السلمية ،وإعداد جيل مسلم يحتكم إلى شرع ال تعالى.
هـ ـ التوسع في تأهيل الدارسين والخريجين من قضاة ووكلء نيابة ومحامين لعداد الطاقات
اللزمة لتطبيق الشريعة السلمية.
وال الموفق قرار رقم ()13
بشأن
اللجنة السلمية الدولية للقانون
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1إلى 6جمادى
الولى 1409هـ 10/إلى 15كانون الول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلعه على المذكرة المتعلقة بمشروع النظام الساسي للجنة السلمية الدولية للقانون المحال
إليه من المؤتمر السابع عشر لوزراء الخارجية السلمية المنعقد بعمان ـ بالمملكة الردنية الهاشمية
بالقرار رقم 17/45س.
قرر :
الموافقة على دراسة مشروع النظام الساسي للجنة السلمية الدولية للقانون وتسلم المهام الموكلة إلى
اللجنة لتكون من ضمن نشاطات المجمع.
وال الموفق
( )7/154
القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السادس
المنعقد في جدة (المملكة العربية بالسعودية)
23- 17شعبان 1410هـ 20-14/مارس 1990م)
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
قرار رقم ()6/1/52
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23 -17شعبان 1410هـ الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :التمويل العقاري لبناء المساكن
وشرائها)
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر :
- 1أن المسكن من الحاجات الساسية للنسان ،وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلل ،وأن
الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والسكانية ونحوها ،من القراض بفائدة قلت أو كثرت ،هي
طريقة محرمة شرعا لما فيها من التعامل بالربا.
- 2هناك طرق مشروعة يستغنى بها عن الطريقة المحرمة ،لتوفير المسكن بالتملك (فضلً عن
إمكانية توفيره باليجار) منها:
أ ـ أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن قروضا مخصصة لنشاء المساكن ،تستوفيها بأقساط
ملئمة بدون فائدة سواء أكانت الفائدة صريحة أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة) على أنه إذا دعت
الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها وجب أن يقتصر فيها على التكاليف
الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم ( )1للدورة الثالثة لهذا المجمع.
ب ـ أن تتولى الدول القادرة إنشاء المساكن وتبيعها للراغبين في تملك مساكن بالجل والقساط
بالضوابط الشرعية المبينة في القرار ( )6/2/53لهذه الدورة.
جـ ـ أن يتولى المستثمرون من الفراد أو الشركات بناء مساكن تباع بالجل.
د ـ أن تملك المساكن عن طريق عقد الستصناع ـ على أساس اعتباره لزما ـ وبذلك يتم شراء
المسكن قبل بنائه ،بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع ،دون وجوب تعجيل جميع
الثمن ،بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها ،مع مراعاة الشروط والحوال المقررة لعقد الستصناع
لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم.
ويوصي :
بمواصلة النظر ليجاد طرق أخرى مشروعة توفر تملك المساكن للراغبين في ذلك .قرار رقم (
)6/2/53
( )7/155
بشأن
(البيع بالتقسيط )
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23 -17شعبان 1410هـ الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع:
البيع بالتقسيط
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر :
- 1تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال .كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدا وثمنه بالقساط
لمدد معلومة .ول يصح البيع إل إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل .فإن وقع البيع مع التردد بين النقد
والتأجيل بأن لم يحصل التفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعا.
- 2ل يجوز شرعا في بيع الجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال
بحيث ترتبط بالجل ،سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة - 3 .إذا تأخر
المشتري المدين في دفع القساط عن الموعد المحدد فل يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط
سابق أو بدون شرط لن ذلك ربا محرم.
- 4يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من القساط ومع ذلك ل يجوز شرعا
اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الداء.
- 5يجوز شرعا أن يشترط البائع بالجل حلول القساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين في أداء
بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
-6ل حق للبائع في الحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ،ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري
رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء القساط المؤجلة.
ويوصي :
بدراسة بعض المسائل المتصلة ببيع التقسيط للبت فيها إلى ما بعد إعداد دراسات وأبحاث كافية فيها،
ومنها:
أ ـ حسم (خصم) البائع كمبيالت القساط المؤجلة لدى البنوك.
ب ـ تعجيل الدين مقابل إسقاط بعضه وهي مسألة (ضع وتعجل).
جـ ـ أثر الموت في حلول القساط المؤجلة.
( )7/156
قرار رقم ()6/3/54
بشأن
إجراء العقود بآلت التصال الحديثة
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23 -17شعبان 1410هـ الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع:
إجراء العقود بآلت التصال الحديثة،
ونظرا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل التصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة
إنجاز المعاملت المالية والتصرفات.
وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالشارة وبالرسول ،وما
تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس (عدا الوصية واليصاء والوكالة)
وتطابق اليجاب والقبول ،وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد ،والموالة بين
اليجاب والقبول بحسب العرف:
قرر :
- 1إذا تم التعاقد بين غائبين ل يجمعهما مكان واحد ،ول يرى أحدهما الخر معاينة ،ول يسمع
كلمه ،وكانت وسيلة التصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ،وينطبق ذلك على
البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب اللي (الكومبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول
اليجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
- 2إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين ،وينطبق هذا على الهاتف
واللسلكي ،فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الحكام الصلية
المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
- 3إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابا محدد المدة يكون ملزما بالبقاء على إيجابه خلل تلك
المدة ،وليس له الرجوع عنه.
- 4أن القواعد السابقة ل تشمل النكاح لشتراط الشهاد فيه ،ول الصرف لشتراط التقابض ،ول
السلم لشتراط تعجيل رأس المال.
- 5ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للثبات.
( )7/157
قرار رقم ()6/4/55
بشأن
القبض :صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23 -17شعبان 1410هـ الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع:
القبض :صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر :
أولً :قبض الموال كما يكون حسيا في حالة الخذ باليد ،أو الكيل أو الوزن في الطعام ،أو النقل
والتحويل إلى حوزة القابض ،يتحقق اعتبارا وحكما بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد
القبض حسا ،وتختلف كيفية قبض الشياء بحسب حالها واختلف العراف فيما يكون قبضا لها.
ثانيا :أن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعا وعرفا:
)1القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالت التالية:
أ -إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية .ب ـ إذا عقد العميل عقد
صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
ج ـ إذا اقتطع المصرف ـ بأمر العميل ـ مبلغا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى ،في
المصرف نفسه أو غيره ،لصالح العميل أو لمستفيد آخر .وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد
الصرف في الشريعة السلمية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي ،للمدد المتعارف
عليها في أسواق التعامل .على أنه ل يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلل المدة المغتفرة إل
بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
)2تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه ،وحجزه للمصرف.
قرار رقم ()6/5/56
بشأن
(زراعة خليا المخ والجهاز العصبي )
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-17شعبان 1410هـ ،الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
( )7/158
بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة
الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 26-23ربيع الول 1410هـ ،الموافق -23
1989/10/26م ،بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية.
وفي ضوء ما انتهت إليه الندوة المشار إليها من أنه ل يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر،
وإنما الغرض من هذه الزراعة علج قصور خليا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو
الهرمونية بالقدر السوي فتودع في موطنها خليا مثيلة من مصدر آخر ،أو علج فجوة في الجهاز
العصبي نتيجة بعض الصابات.
قرر :
- 1إذا كان المصدر للحصول على النسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول
المناعي لن الخليا من الجسم نفسه ،فل بأس من ذلك شرعا.
- 2إذا كان المصدر هوأخذها من جنين حيواني ،فل مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم
يترتب على ذلك محاذير شرعية .وقد ذكر الطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من
الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الحتياطات الطبية اللزمة لتفادي الرفض المناعي.
- 3إذا كان المصدر للحصول على النسجة هو خليا حية من مخ جنين باكر (في السبوع العاشر
أو الحادي عشر) فيختلف الحكم على النحو التالي:
أ ـ الطريقة الولى :
أخذها مباشرة من الجنين النساني في بطن أمه ،بفتح الرحم جراحيا وتستتبع هذه الطريقة إماتة
الجنين بمجرد أخذ الخليا من مخه ،ويحرم ذلك شرعا إل إذا كان بعد إجهاض طبيعي غير متعمد أو
إجهاض مشروع لنقاذ حياة الم وتحقق موت الجنين ،مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع
الستفادة من الجنة في القرار رقم ( )6/8/59لهذه الدورة.
ب -الطريقة الثانية :
( )7/159
وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خليا المخ في مزارع للفادة منها ول
بأس في ذلك شرعا إذا كان المصدر للخليا المستزرعة مشروعا ،وتم الحصول عليها على الوجه
المشروع.
- 4المولود اللدماغي :
طالما ولد حيا ،ل يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه،
ول فرق بينه وبين غيره من السوياء في هذا الموضوع ،فإذا مات فإن الخذ من أعضائه تراعى فيه
الحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الذن المعتبر ،وعدم وجود البديل وتحقق
الضرورة وغيرها مماتضمنه القرار رقم ( )1من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع .ول مانع
شرعا من إبقاء هذا المولود اللدماغي على أجهزة النعاش إلى ما بعد موت جذع المخ (والذي يمكن
تشخيصه) للمحافظة على حيوية العضاء الصالحة للنقل توطئة للستفادة منها بنقلها إلى غيره
بالشروط المشار إليها.
قرار رقم ()6/6/57
بشأن
البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23 -17شعبان 1410هـ الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة
الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 26-23ربيع الول 1410هـ ،الموافق -23
1980/10/26م ،بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية،
وبعد الطلع على التوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها
المنظمة السلمية للعلوم الطبية في الكويت 23-20شعبان 1407هـ 1987/4/21-18/م بشأن
مصير البييضات الملقحة والتوصية الخامسة للندوة الولى للمنظمة السلمية للعلوم الطبية المنعقدة
في الكويت 14-11شعبان 1403هـ 1982/5/27-24/م في الموضوع نفسه.
قرر :
( )7/160
- 1في ضوء ما تحقق علميا من إمكان حفظ البييضات غير ملقحة للسحب منها ،يجب عند تلقيح
البييضات القتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة ،تفاديا لوجود فائض من البييضات
الملقحة.
- 2إذا حصل فائض من البييضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن
تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي.
- 3يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى ،ويجب اتخاذ الحتياطات الكفيلة بالحيلولةدون
استعمال البييضة الملقحة في حمل غير مشروع.
قرار رقم ()6/7/58
بشأن
استخدام الجنة مصدرا لزراعة العضاء
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23 -17شعبان 1410هـ الموافق 20-14آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة
الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 26-23ربيع الول 1410هـ ،الموافق -23
1989/10/26م ،بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية.
قرر :
- 1ل يجوز استخدام الجنة مصدرا للعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إل في حالت
بضوابط لبد من توافرها:
أ ـ ل يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر ،بل يقتصر
الجهاض على الجهاض الطبيعي غير المتعمد والجهاض للعذر الشرعي ول يلجأ لجراء العملية
الجراحية لستخراج الجنين إل إذا تعينت لنقاذ حياة الم.
ب ـ إذا كان الجنين قابلً لستمرار الحياة فيجب أن يتجه العلج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة
عليها ،ل إلى استثماره لزراعة العضاء وإذا كان غير قابل لستمرار الحياة فل يجوز الستفادة منه
إل بعد موته بالشروط الواردة في القرار رقم ( )1للدورة الرابعة لهذا المجمع.
- 2ل يجوز أن تخضع عمليات زرع العضاء للغراض التجارية على الطلق.
( )7/161
- 3ل بد أن يسند الشراف على عمليات زراعة العضاء إلى هيئة متخصصة موثوقة .قرار رقم (
)6/8/59بشأن
زراعة العضاء التناسلية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-17شعبان 1410هـ،الموافق 20-14آذار/مارس 1990م.
بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة
الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 26-23ربيع الول 1410هـ ،الموافق -23
1989/10/26م ،بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية.
قرر :
- 1زرع الغدد التناسلية :
بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه
حتى بعد زرعهما في متلق جديد ،فإن زرعهما محرم شرعا.
- 2زرع أعضاء الجهاز التناسلي :
زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي ل تنقل الصفات الوراثية ـ ما عدا العورات المغلظة ـ
جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم ( )1للدورة الرابعة
لهذا المجمع .قرار رقم ()6/9/60
بشأن
زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-17شعبان 1410هـ،الموافق 20-14آذار/مارس 1990م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع:
( زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص )
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد من أجل الزجر والردع والنكال ،وإبقاء للمراد من العقوبة
بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة ،ونظرا إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية
في عرف الطب الحديث ،فل يكون ذلك إل بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبئ عن التهاون في جدية
إقامة الحد وفاعليته.
قرر :
( )7/162
ل للعقوبة
- 1ل يجوز شرعا إعادة العضو المقطوع تنفيذا للحد لن في بقاء أثر الحد تحقيقا كام ً
المقررة شرعا ،ومنعا للتهاون في استيفائها ،وتفاديا لمصادمة حكم الشرع في الظاهر - 2 .بما أن
القصاص قد شرع لقامة العدل وإنصاف المجني عليه ،وصون حق الحياة للمجتمع ،وتوفير المن
والستقرار ،فإنه ل يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذا للقصاص ،إل في الحالت التالية:
أ ـ أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع.
ب ـ أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه.
- 3يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ .قرار
رقم ()6/10/61
بشأن
السواق المالية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية
من 23-17شعبان 1410هـ،الموافق 20-14آذار/مارس 1990م.
بعد اطلعه على البحاث والتوصيات والنتائج المقدمة من ندوة (السواق المالية) المنعقدة في الرباط
24-20ربيع الثاني 1410هـ 1989/10/24-20 ،م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد السلمي
للبحوث والتدريب بالبنك السلمي للتنمية ،وباستضافة وزارة الوقاف والشؤون السلمية بالمملكة
المغربية.
وفي ضوء ما هو مقرر في الشريعة السلمية من الحث على الكسب الحلل واستثمار المال وتنمية
المدخرات على أسس الستثمار السلمي القائم على المشاركة في العباء وتحمل المخاطر ،ومنها
مخاطر المديونية.
( )7/163
ولما للسواق المالية من دور في تداول الموال وتنشيط استثمارها ،ولكون الهتمام بها والبحث عن
أحكامها يلبي حاجة ماسة لتعريف الناس بفقه دينهم في المستجدات العصرية ويتلقى مع الجهود
الصيلة للفقهاء في بيان أحكام المعاملت المالية وبخاصة أحكام السوق ونظام الحسبة على السواق،
وتشمل الهمية السواق الثانوية التي تتيح للمستثمرين أن يعاودوا دخول السوق الولية وتشكل فرصة
للحصول على السيولة وتشجع على توظيف المال ثقة بإمكان الخروج من السوق عند الحاجة.
وبعد الطلع على ما تناولته البحوث المقدمة بشأن نظم وقوانين السواق المالية القائمة وآلياتها
وأدواتها.
قرر :
- 1أن الهتمام بالسواق المالية هو من تمام إقامة الواجب في حفظ المال وتنميته باعتبار ما
يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية.
- 2إن هذه السواق المالية ـ مع الحاجة إلى أصل فكرتها ـ هي في حالتها الراهنة ليست النموذج
المحقق لهداف تنمية المال واستثماره من الوجهة السلمية .وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية
مشتركة من الفقهاء والقتصاديين لمراجعة ما تقوم عليه من أنظمة ،وما تعتمده من آليات وأدوات،
وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة السلمية.
- 3إن فكرة السواق المالية تقوم على أنظمة إدارية وإجرائية ،ولذا يستند اللتزام بها إلى تطبيق
قاعدة المصالح المرسلة فيما يندرج تحت أصل شرعي عام ول يخالف نصا أو قاعدة شرعية ،وهي
لذلك من قبيل التنظيم الذي يقوم به ولي المر في الحرف والمرافق الخرى وليس لحد مخالفة
تنظيمات ولي المر أو التحايل عليها ما دامت مستوفية الضوابط والصول الشرعية.
ويوصي :
باستكمال النظر في الدوات والصيغ المستخدمة في السواق المالية بكتابة الدراسات والبحاث الفقهية
والقتصادية الكافية.
( )7/164
( )7/165
القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السابع
المنعقد في جدة -المملكة العربية السعودية
في 12-7 :ذو القعدة 1412هـ
( )9-14مايو 1992م)
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم
قرار رقم 7/1/64
بشأن السواق المالية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 7إلى 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 14-9مايو (أيار) 1992م .بعد اطلعه على البحوث
الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :السواق المالية) السهم ،الختيارات ،السلع ،بطاقة
الئتمان،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر:
أولً :السهم
- 1السهام في الشركات :
أ ـ بما أن الصل في المعاملت الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة
أمر جائز.
ب ـ ل خلف في حرمة السهام في شركات غرضها الساسي محرم ،كالتعامل بالربا أو إنتاج
المحرمات أو المتاجرة بها.
( )7/166
ج ـ الصل حرمة السهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات ،بالربا ونحوه ،بالرغم من أن
أنشطتها الساسية مشروعة.
د ـ أما المساهمة في الشركات التي تتعامل أحيانا بالمحرمات ،فيرى المجلس تأجيل النظر فيها إلى
دورة قادمة لمزيد من الدراسة والبحث.
- 2ضمان الصدار:
ضمان الصدار :هو التفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الصدار من السهم ،أو
جزء من ذلك الصدار ،وهو تعهد من الملتزم بالكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره ،وهذا
ل مانع منه شرعا إذا كان تعهد الملتزم بالكتتاب بالقيمة السمية بدون مقابل لقاء التعهد ،ويجوز أن
يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه ـ غير الضمان ـ مثل إعداد الدراسات أو تسويق السهم.
- 3تقسيط سداد قيمة السهم عند الكتتاب :
ل مانع شرعا من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه وتأجيل سداد بقية القساط ،لن ذلك يعتبر
من الشتراك بما عجل دفعه ،والتواعد على زيادة رأس المال ،ول يترتب على ذلك محذور لن هذا
يشمل جميع السهم ،وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير ،لنه هو القدر
الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
- 4السهم لحامله :
بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة
لثبات هذا الستحقاق في الحصة فل مانع شرعا من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها.
- 5محل العقد في بيع السهم :
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصل الشركة ،وشهادة السهم عبارة عن
وثيقة للحق في تلك الحصة.
- 6السهم الممتازة :
ل يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من
الربح أو تقديمها عند التصفية ،أو عند توزيع الرباح .ويجوز إعطاء بعض السهم خصائص تتعلق
بالمور الجرائية أو الدارية.
- 7التعامل في السهم بطرق ربوية :
( )7/167
أ ـ ل يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم ،لما في
ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من العمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله
وكاتبه وشاهديه.
ب ـ ل يجوز أيضا بيع سهم ل يملكه البائع وإنما يتلقى وعدا من السمسار بإقراضه السهم في موعد
التسليم؛ لنه من بيع ما ل يملك البائع ،ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به
بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل القراض.
- 8بيع السهم أو رهنه :
يجوز بيع السهم ،أو رهنه مع مراعاة ما يقتضي به نظام الشركة ،كما لو تضمن النظام تسويغ البيع
مطلقا أو مشروطا بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء ،وكذلك يعتبر النص في النظام على
إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
- 9إصدار أسهم مع رسوم إصدار :
إن إضافة نسبة معينة تدفع مع قيمة السهم ،لتغطية مصاريف الصدار ،ل مانع منها شرعا ما دامت
هذه النسبة مقدرة تقديرا مناسبا.
- 10إصدار أسهم بعلوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار :
يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للسهم القديمة (حسب
تقويم الخبراء لصول الشركة) أو بالقيمة السوقية - 11 .ضمان الشركة شراء السهم :
يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذا الموضوع لدورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
- 12تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة :
ل مانع شرعا من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها ،لن ذلك معلوم للمتعاملين
مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرور عمن يتعامل مع الشركة.
كما ل مانع شرعا من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل
لقاء هذا اللتزام ،وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.
- 13حصر تداول السهم بسماسرة مرخصين ،واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها :
( )7/168
للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض السهم بأن ل يتم إل بواسطة سماسرة مخصوصين
ومرخصين بذلك العمل ،لن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في السواق المالية لن هذا من المور التنظيمية
المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة ،وذلك لتغطية النفقات أو لجباية ضريبة غير مباشرة - 14 .حق
الولوية :
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
- 15شهادة حق التملك :
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
ثانيا :بيع الختيارات:
صورة العقد :
إن المقصود بعقود الختيارات العتياض عن اللتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر
محدد خلل فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلل هيئة ضامنة لحقوق
الطرفين.
حكمه الشرعي :
إن عقود الختيارات ـ كما تجري اليوم في السواق المالية العالمية ـ ل تنضوي تحت أي عقد من
العقود الشرعية المسماة ،فهي عقود مستحدثة.
وبما أن المعقود عليه ليس مالً ول منفعة ول حقا ماليا يجوز العتياض عنه فإنه عقد غير جائز
شرعا.
وبما أن هذه العقود ل تجوز ابتداء فل يجوز تداولها.
ثالثا :التعامل بالسلع والعملت والمؤشرات في السواق المنظمة:
- 1السلع :
يتم التعامل بالسلع في السواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية:
الطريقة الولى :
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالت ممثلة لها في
ملك البائع وقبضه.
وهذا العقد جائز شرعا بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية :
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعا بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة :
( )7/169
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن
يتضمن شرطا يقتضي أن ينتهي فعلً بالتسليم والتسلم.
وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين ،ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة ،فإذا استوفى
شروط السلم جاز.
وكذلك ل يجوز بيع السلعة المشتراة سلما قبل قبضها .الطريقة الرابعة :
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن
يتضمن العقد شرط أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين بل يمكن تصفيته بعقد معاكس.
وهذا هو النوع الكثر شيوعا في أسواق السلع وهذا العقد غير جائز أصلً.
- 2التعامل بالعملت :
يتم التعامل بالعملت في السواق المنظمة بإحدى الطرق الربعة المذكورة في التعامل بالسلع.
ول يجوز شراء العملت وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة.
أما الطريقتان الولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملت وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف
المعروفة.
- 3التعامل بالمؤشر :
المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق
معينة ،وتجري عليه مبايعات في بعض السواق العالمية.
ول يجوز بيع وشراء المؤشر لنه مقامرة بحتة وهو بيع شيء خيالي ل يمكن وجوده.
- 4البديل الشرعي للمعاملت المحرمة في السلع والعملت :
ينبغي تنظيم سوق إسلمية للسلع والعملت على أساس المعاملت الشرعية وبخاصة بيع السلم
والصرف والوعد بالبيع في وقت آجل والستصناع وغيرها .ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة
وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلمية منظمة.
( )7/170
( )7/171
- 5يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر القساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من
القساط المستحقة عليه مالم يكن معسرا.
- 6إذا اعتبر الدين حال لموت المدين أو إفلسه أو مماطلته ،فيجوز في جميع هذه الحالت الحط
منه للتعجيل بالتراضي ،ويجب هذا الحط من الدين لتعجيله إذا كان قد زيد فيه لتأجيله.
- 7ضابط العسار الذي يوجب النظار :أل يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الصلية يفي بدينه
نقدا أو عينا.
وال أعلم قرار رقم 7/3/66
بشأن
عقد الستصناع
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 17إلى 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 14-9مايو 1992م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :عقد الستصناع)،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ،ومراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية
في العقود والتصرفات ،ونظرا لن عقد الستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة ،وفي فتح
مجالت واسعة للتمويل والنهوض بالقتصاد السلمي.
قرر :
- 1أن عقد الستصناع ـ هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ـ ملزم للطرفين إذا توافرت
فيه الركان والشروط.
- 2يشترط في عقد الستصناع ما يلي:
أ ـ بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة .ب ـ أن يحدد فيه الجل.
- 3يجوز في عقد الستصناع تأجيل الثمن كله ،أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لجال محددة.
- 4يجوز أن يتضمن عقد الستصناع شرطا جزائيا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك
ظروف قاهرة.
وال أعلم قرار رقم 7/4/67
بشأن بيع الوفاء
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 17إلى 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 14-9مايو 1992م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :بيع الوفاء).
( )7/172
واستماعه إلى المناقشات التي دارت حول بيع الوفاء ،وحقيقته« :بيع المال بشرط أن البائع متى رد
الثمن يرد المشتري إليه المبيع» .
قرر :
- 1أن حقيقة هذا البيع «قرض جر نفعا» فهو تحايل على الربا ،وبعدم صحته قال جمهور العلماء.
-2يرى المجمع أن يبقى هذا العقد غير جائز شرعا.
وال أعلم قرار رقم 7/5/68
بشأن العلج الطبي
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 17إلى 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 14-9مايو 1992م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :العلج الطبي)،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولً :التداوي
الصل في حكم التداوي أنه مشروع ،لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والعملية،
ولما فيه من (حفظ النفس) الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع.
وتختلف أحكام التداوي باختلف الحوال والشخاص:
ـ فيكون واجبا على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه ،أو كان
المرض ينتقل ضرره إلى غيره ،كالمراض المعدية.
ـ ويكون مندوبا إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ول يترتب عليه ما سبق في الحالة الولى.
ـ ويكون مباحا إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
ـ ويكون مكروها إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها.
ثانيا :علج الحالت الميئوس منها :
أ ـ مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد ال عز وجل ،وأن التداوي والعلج أخذ
بالسباب التي أودعها ال تعالى في الكون وأنه ل يجوز اليأس من روح ال أو القنوط من رحمته ،بل
ينبغي بقاء المل في الشفاء بإذن ال .وعلى الطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض ،والدأب
في رعايته وتخفيف آلمه النفسية والبدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه.
( )7/173
ب ـ إن ما يعتبر حالة ميئوسا من علجها هو بحسب تقدير الطباء وإمكانات الطب المتاحة في كل
زمان ومكان وتبعا لظروف المرضى.
ثالثا :إذن المريض :
أ ـ يشترط إذن المريض للعلج إذا كان تام الهلية ،فإذا كان عديم الهلية أو ناقصها اعتبر إذن
وليه ،حسب ترتيب الولية الشرعية ووفقا لحكامها التي تحصر تصرف الولي فيما فيه منفعة المولى
عليه ومصلحته ورفع الذى عنه.
على أنه ل عبرة بتصرف الولي في عدم الذن إذا كان واضح الضرر بالمولى عليه ،وينتقل الحق
إلى غيره من الولياء ثم إلى ولي المر .ب ـ لولي المر اللزام بالتداوي في بعض الحوال،
كالمراض المعدية والتحصينات الوقائية.
ج ـ في حالت السعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر ل يتوقف العلج على الذن.
د ـ ل بد في إجراء البحاث الطبية من موافقة الشخص التام الهلية بصورة خالية من شائبة الكراه
(كالمساجين) أو الغراء المادي (كالمساكين) .ويجب أن ل يترتب على إجراء تلك البحاث ضرر.
ول يجوز إجراء البحاث الطبية على عديمي الهلية أو ناقصيها ولو بموافقة الولياء
ويوصي مجلس المجمع :
المانة العامة للمجمع بالستكتاب في الموضوعات الطبية التالية لطرحها على دورات المجمع
القادمة:
ـ العلج بالمحرمات وبالنجس ،وضوابط استعمال الدوية.
ـ العلج التجميلي.
ـ ضمان الطبيب.
ـ معالجة الرجل للمرأة ،وعكسه ،ومعالجة غير المسلمين للمسلمين.
ـ العلج بالرقى (العلج الروحي).
ـ أخلقيات الطبيب (مع توزيعها على أكثر من دورة إن اقتضى المر).
ـ التزاحم في العلج وترتيب الولوية فيه.
وال أعلم قرار رقم 7/6/69
بشأن
الحقوق الدولية في نظر السلم
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 17إلى 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 14-9مايو 1992م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع(:الحقوق الدولية في نظر السلم)،
( )7/174
واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ،رأى المجلس ما يلي:
أولً:
يثني المجلس على الجهود المشكورة في البحوث التي قدمت ونوقشت في دورته السابعة حول هذا
الموضوع ،وقد رأى أن الموضوع من الهمية والسعة بحيث يدعو إلى مزيد من البحث والدراسة في
الجوانب المتعددة التي ما زال الموضوع في حاجة إليها.
ثانيا:
يقترح المجلس تشكيل لجنة تحضيرية لعداد ورقة عمل لندوة متخصصة تعقد لمعالجة تفاصيل هذا
الموضوع والخروج بمشروع لئحة للحقوق الدولية في السلم تعرض على المجلس في دورته
القادمة .ثالثا:
يقترح المجلس أيضا أن يكون من محاور ورقة العمل ما يلي:
- 1مصادر القانون الدولي السلمي والعلقات الدولية وهي :القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
والتطبيقات العملية عند الخلفاء الراشدين ،كما يستفاد من اجتهادات الفقهاء في هذا.
- 2المقاصد والخصائص العامة للشريعة السلمية ،والتي تترك أثرها العملي على المواقف كلها:
أ ـ المقاصد الشرعية.
ب ـ الخصائص العامة.
- 3مفهوم المة ووحدتها في السلم.
- 4مذاهب الفقهاء في أقسام الديار.
- 5الجذور التاريخية للحالة القائمة في العالم السلمي.
- 6علقات الدولة السلمية في داخلها (الشعب والقليات).
- 7علقات الدولة السلمية بالدول الخرى.
- 8موقف الدولة السلمية من المواثيق والمعاهدات والمنظمات الدولية.
رابعا:
يقترح المجلس على اللجنة التحضيرية أن تقوم بوضع أوراق شارحة يسترشد بها الباحثون في تفصيل
هذه المحاور وأن يكون ذلك في خلل الشهر القادمة.
وال ولي التوفيق
( )7/175
قرار رقم 7/7/70
بشأن
الغزو الفكري
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية
من 7إلى 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 14-9مايو 1992م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :الغزو الفكري) والتي بينت بداية
هذا الغزو وخطورته وأبعاده وما حققه من نتائج في بلد العرب والمسلمين ،واستعرضت صورا مما
أثار من شبه ومطاعن ،ونفذ من خطط وممارسات ،استهدفت زعزعة المجتمع المسلم ووقف انتشار
الدعوة السلمية ،كما بينت هذه البحوث الدور الذي قام به السلم في حفظ المة وثباتها في وجه
هذا الغزو وكيف أحبط كثيرا من خططه ومؤامراته.
وقد اهتمت هذه البحوث ببيان سبل مواجهة هذا الغزو وحماية المة من كل آثاره في جميع المجالت
وعلى كل الصعدة.
وبعد استماعه للمناقشات التي دارت حول هذه البحوث.
يوصي بضرورة مايلي:
- 1العمل على تطبيق الشريعة السلمية واتخاذها منهجا في رسم علقتنا السياسية المحلية منها
والعالمية - 2 .الحرص على تنقية مناهج التربية والتعليم والنهوض بها بهدف بناء الجيال على
أسس تربوية إسلمية معاصرة وبشكل يعدهم العداد المناسب الذي يبصرهم بدينهم ويحميهم من كل
مظاهر الغزو الثقافي .
- 3تطوير مناهج إعداد الدعاة من أجل إدراكهم لروح السلم ومنهجه في بناء الحياة النسانية
بالضافة إلى اطلعهم على ثقافة العصر ليكون تعاملهم مع المجتمعات المعاصرة عن وعي
وبصيرة.
- 4إعطاء المسجد دوره التربوي المتكامل في حياة المسلمين لمواجهة كل مظاهر الغزو الثقافي
وآثاره وتعريف المسلمين بدينهم التعريف السليم الكامل.
- 5رد الشبهات التي أثارها أعداء السلم بطرق علمية سليمة و بثقة المؤمن بكمال هذا الدين دون
اللجوء إلى أساليب الدفاع التبريري الضعيف.
- 6الهتمام بدراسة الفكار الوافدة والمبادئ المستوردة والتعريف بمظاهر قصورها ونقصها بأمانة
وموضوعية.
( )7/176
- 7الهتمام بالصحوة السلمية ودعم المؤسسات العاملة في مجالت الدعوة والعمل السلمي لبناء
الشخصية السلمية السوية التي تقدم للمجتمع النساني صورة مشرقة للتطبيق السلمي على
المستوى الفردي والجماعي وفي كل مجالت الحياة السياسية والجتماعية والثقافية والقتصادية.
- 8الهتمام باللغة العربية والعمل على نشرها ودعم تعليمها في جميع أنحاء العالم باعتبارها لغة
القرآن الكريم واتخاذها لغة التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات في البلد العربية والسلمية.
- 9الحرص على بيان سماحة السلم وأنه جاء لخير النسان وسعادته في الدنيا والخرة ،وبحيث
يكون ذلك على المستوى العالمي وباللغات الحية جميعها.
- 10الستفادة الفعالة والمدروسة من الساليب المعاصرة في العلم مما يمكن من إيصال كلمة
الحق والخير إلى جميع أنحاء الدنيا ودون إهمال لكل وسيلة متاحة.
- 11الهتمام بمواجهة القضايا المعاصرة بحلول إسلمية والعمل على نقل حلول السلم لهذه
المشكلت إلى التنفيذ والممارسة لن التطبيق الناجح هو أفعل طرق الدعوة والبيان.
- 12العمل على تأكيد مظاهر وحدة المسلمين وتكاملهم على كل الصعدة وحل خلفاتهم ومنازعاتهم
فيما بينهم وبالطرق السلمية وفق أحكام الشريعة المعروفة إفسادا لمخططات الغزو الثقافي في تفتيت
وحدة المسلمين وزرع الخلفات والمنازعات بينهم.
- 13العمل على بناء قوة المسلمين واكتفائهم الذاتي اقتصاديا وعسكريا.
- 14مناشدة الدول العربية والسلمية مناصرة المسلمين الذين يتعرضون للضطهاد في شتى بقاع
الرض ودعم قضاياهم ودرء العدوان عنهم بشتى الوسائل المتاحة.
كما يوصي المجلس أيضا المانة العامة للمجمع باستمرار الهتمام بطرح أهم قضايا الموضوع في
لقاءات المجمع وندواته القادمة نظرا لهمية موضوع الغزو الفكري وضرورة وضع استراتيجية
متكاملة لمجابهة مظاهره ومستجداته ويمكن البدء بقضيتي التبشير والستشراق في الدورة القادمة.
وال ولي التوفيق.
( )7/177
القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن
المنعقد ببندر سري بجاون ( بروناي دار السلم )
7 - 1محرم 1414هـ 27 - 21 /يونيو 1993م
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل رب العالمين ،والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم/1/74 :د 8
بشأن
الخذ بالرخصة وحكمه
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع « :الخذ بالرخصة وحكمه » .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر مايلي :
- 1الرخصة الشرعية :هي ماشرع من الحكام لعذر ،تخفيفا عن المكلفين ،مع قيام السبب الموجب
للحكم الصلي.
ول خلف في مشروعية الخذ بالرخص الشرعية إذا وجدت أسبابها ،بشرط التحقق من دواعيها،
والقتصار على مواضعها ،مع مراعاة الضوابط الشرعية المقررة للخذ بها.
- 2المراد بالرخص الفقهية :ماجاء من الجتهادات المذهبية مبيحا لمر في مقابلة اجتهادات أخرى
تحظره.
والخذ برخص الفقهاء :بمعنى اتباع ماهو أخف من أقوالهم ،جائز شرعا بالضوابط التية في ( البند
.) 4
- 3الرخص في القضايا العامة تعامل معاملة المسائل الفقهية الصلية إذا كانت محققة لمصلحة
معتبرة شرعا ،وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الختيار ويتصفون بالتقوى
والمانة العلمية.
( )7/178
- 4ليجوز الخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى ،لن ذلك يؤدي إلى التحلل من التكليف،
وإنما يجوز الخذ بالرخص بمراعاة الضوابط التالية:
أ ـ أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعا ولم توصف بأنها من شواذ القوال.
ب ـ أن تقوم الحاجة إلى الخذ بالرخصة ،دفعا للمشقة سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم
فردية .ج ـ أن يكون الخذ بالرخص ذا قدرة على الختيار ،أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
د -أل يترتب على الخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع التي بيانه في (البند .) 6
هـ ـ أل يكون الخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.
و ـ أن تطمئن نفس المترخص للخذ بالرخصة.
- 5حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب :هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر
بكيفية ل يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.
- 6يكون التلفيق ممنوعا في الحوال التالية:
أ ـ إذا أدى إلى الخذ بالرخص لمجرد الهوى ،أو الخلل بأحد الضوابط المبينة في مسألة الخذ
بالرخص.
ب ـ إذا أدى إلى نقض حكم القضاء.
ج ـ إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدا في واقعة واحدة.
د ـ إذا أدى إلى مخالفة الجماع أو ما يستلزمه.
هـ ـ إذا أدى إلى حالة مركبة ل يقرها أحد من المجتهدين.
وال أعلم قرار رقم/2/75 :د 8
بشأن
حوادث السير
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع« :حوادث السير» .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
( )7/179
وبالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم ،واقتضاء المصلحة
سَنّ النظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط المن كسلمة الجهزة وقواعد نقل الملكية
ورخص القيادة والحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية
والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة.
قرر ما يلي :
- 1أ -إن اللتزام بتلك النظمة التي ل تخالف أحكام الشريعة السلمية واجب شرعا،لنه من
طاعة ولي المر فيما ينظمه من إجراءات بناء على دليل المصالح المرسلة .وينبغي أن تشتمل تلك
النظمة على الحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.
ب ـ مما تقتضيه المصلحة أيضا سَنّ النظمة الزاجرة بأنواعها ،ومنها التعزير المالي ،لمن يخالف
تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والسواق من
أصحاب المركبات ووسائل النقل الخرى أخذا بأحكام الحسبة المقررة.
- 2الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة
السلمية وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ .والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار سواء
في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ،ول يعفى من هذه المسؤولية إل في
الحالت التية:
أ ـ إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة ل يستطيع دفعها وتعذر عليه الحتراز منها ،وهي كل أمر
عارض خارج عن تدخل النسان.
ب ـ إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة.
ج ـ إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.
- 3ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الضرار التي تنجم عن فعلها إن
كانوا مقصرين في ضبطها ،والفصل في ذلك إلى القضاء.
( )7/180
- 4إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من
الخر من نفس أو مال.
- 5أ ـ مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل ،فإن الصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعديا ،وأما
المتسبب فل يضمن إل إذا كان متعديا أو مفرطا.
ب ـ إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إل إذا كان المتسبب
متعديا والمباشر غير متعد.
ج ـ إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر ،فعلى كل واحد من المتسببين
المسئولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر .وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة
عليهما على السواء.
وال أعلم .قرار رقم/3/76 :د 8
بشأن
بيع العربون
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع« :بيع العربون» .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر مايلي :
- 1المراد ببيع العربون :بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغا من المال إلى البائع على أنه إن أخذ
السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.
ويجري مجرى البيع الجارة ،لنها بيع المنافع .ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد
البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الموال الربوية والصرف) ول يجري في
المرابحة للمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.
- 2يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة النتظار بزمن محدود .ويحتسب العربون جزءا من الثمن إذا
تم الشراء ،ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء.
( )7/181
( )7/182
ب ـ أن يتظاهر من ل يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ،ويمدحها ليغر المشتري فيرفع
ثمنها .ج ـ أن يدعي صاحب السلعة ،أو الوكيل ،أو السمسار ،ادعاء كاذبا أنه دفُع فيها ثمن معين
ليدلس على من يسوم.
د ـ ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعا اعتماد الوسائل السمعية ،والمرئية ،والمقروءة،
التي تذكر أوصافا رفيعة ل تمثل الحقيقة ،أو ترفع الثمن لتغر المشتري ،وتحمله على التعاقد.
وال أعلم.
قرار رقم/5/78 :د 8
بشأن
تطبيقات شرعية لقامة السوق السلمية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :تطبيقات شرعية لقامة السوق
ل لموضوعات السواق المالية ،والوراق المالية السلمية التي سبق
السلمية) التي كانت استكما ً
بحثها في الدورات السابقة ،ولسيما في دورة مؤتمره السابع بجدة ،وفي الندوات التي أقامها لهذا
الغرض للوصول إلى مجموعة مناسبة من الدوات المشروعة لسوق المال ،حيث إنها الوعاء الذي
يستوعب السيولة المتوافرة في البلد السلمية ،ويحقق الهداف التنموية ،والتكافل والتوازن،
والتكامل للدول السلمية.
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول كيفية الفادة من الصيغ التي بها تكتمل السوق
السلمية ،وهي السهم ،والصكوك والعقود الخاصة لقامة السوق السلمية على أسس شرعية.
قرر مايلي:
- 1السهم :
أصدر مجمع الفقه السلمي قراره رقم /1/65د ،7بشأن السواق المالية :السهم ،والختيارات،
والسلع ،والعملت ،وبين أحكامها مما يمكن الفادة منها لقامة سوق المال السلمية.
- 2الصكوك ( السندات ) :
أ -سندات المقارضة وسندات الستثمار:
أصدر مجمع الفقه السلمي قراره رقم 5/د 4بشأن صكوك المقارضة.
( )7/183
ب -صكوك التأجير ،أو اليجار المنتهي بالتمليك .وقد صدر بخصوصها قرار المجمع رقم /6د ،5
وبذلك تؤدي هذه الصكوك دورا طيبا في سوق المال السلمية في نطاق المنافع.
- 3عقد السلم :
بما أن عقد السلم -بشروطه -واسع المجال إذ أن المشتري يستفيد منه في استثمار فائض أمواله
لتحقيق الربح ،والبائع يستفيد من الثمن في النتاج ،فهو أداة فعالة لقامة سوق مال إسلمية في مجال
بيع شيء موصوف في الذمة .مع التأكيد على قرار المجمع رقم /1/64د 7بشأن عدم جواز بيع
المسلم فيه قبل قبضه ونصه « :ليجوز بيع السلعة المشتراة سلما قبل قبضها » .
- 4عقد الستصناع :
أصدر المجمع قراره رقم /3/66د 7بشأن عقد الستصناع.
- 5البيع الجل :
البيع الجل صيغة تطبيقية أخرى من صيغ الستثمار،تيسر عمليات الشراء ،حيث يستفيد المشتري
من توافر الحصول على السلع حالً ،ودفع الثمن بعد أجل ،كما يستفيد البائع من زيادة الثمن ،وتكون
النتيجة اتساع توزيع السلع ورواجها في المجتمع.
- 6الوعد والمواعدة :
أصدر المجمع قراره رقم /3-2د 5بشأن الوعد ،والمواعدة في المرابحة للمر بالشراء.
- 7يدعو المجمع الباحثين من الفقهاء والقتصاديين لعداد بحوث ودراسات في الموضوعات التي
لم يتم بحثها بصورة معمقة ،لبيان مدى إمكانية تنفيذها ،والستفادة منها شرعا في سوق المال
السلمية وهي:
أ ـ صكوك المشاركة بكل أنواعها.
ب ـ صياغة صكوك من اليجار أو التأجير المنتهي بالتمليك.
ج ـ العتياض عن دين السلم ،والتولية والشركة فيه ،والحطيطة عنه والمصالحة عليه ونحو ذلك.
د ـ المواعدة في غير بيع المرابحة ،وبالخص المواعدة في الصرف.
هـ ـ بيع الديون.
و ـ الصلح في سوق المال (معاوضة أو نحوها).
ز ـ المقاصة.
وال أعلم.
( )7/184
( )7/185
- 4الدين الحاصل بعملة معينة ل يجوز التفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك
العملة من الذهب أو من عملة أخرى ،على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة
الخرى المتفق على الداء بها.
- 5تأكيد القرار رقم (/4د )5الصادر عن المجمع بشأن تغير قيمة العملة.
- 6يدعو مجلس المجمع المانة العامة لتكليف ذوي الكفاءة من الباحثين الشرعيين والقتصاديين من
الملتزمين بالفكر السلمي بإعداد الدراسات المعمقة للموضوعات الخرى المتعلقة بقضايا العملة،
لتناقش في دورات المجمع القادمة إن شاء ال ،ومن هذه الموضوعات ما يلي:
أ ـ إمكان استعمال عملة اعتبارية مثل الدينار السلمي وبخاصة في معاملت البنك السلمي
للتنمية ليتم على أساسها تقديم القروض واستيفاؤها ،وكذلك تثبيت الديون الجلة ليتم سدادها بحسب
سعر التعادل القائم بين تلك العملة العتبارية بحسب قيمتها ،وبين العملة الجنبية المختارة للوفاء
كالدولر المريكي.
ب ـ السبل الشرعية البديلة عن الربط للديون الجلة بمستوى المتوسط القياسي للسعار.
ج ـ مفهوم كساد النقود الورقية وأثره في تعيين الحقوق واللتزامات الجلة.
د ـ حدود التضخم التي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودا كاسدة.
قرار رقم/7/80 :د 8
بشأن
مشاكل البنوك السلمية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع(:مشاكل البنوك السلمية)
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
وبعد استعراض مجلس المجمع ما جاء في الوراق المقدمة بشأن مشاكل البنوك السلمية،
والمتضمنة مقترحات معالجة تلك المشاكل بأنواعها من شرعية وفنية وإدارية ومشاكل علقاتها
بالطراف المختلفة وبعد الستماع إلى المناقشات التي دارت حول تلك المشكلت.
قرر :
( )7/186
- 1عرض القائمة التالية المصنفة على أربعة محاور على المانة العامة للمجمع لستكتاب
المختصين فيها وعرضها في دورات المجمع القادمة بحسب الولوية التي تراها لجنة التخطيط:
المحور الول :الودائع وما يتعلق بها :
أ ـ ضمان ودائع الستثمار بطرق تتلءم مع أحكام المضاربة الشرعية.
ب ـ تبادل الودائع بين البنوك على غيرأساس الفائدة.
ج ـ التكييف الشرعي للودائع والمعالجة المحاسبية لها.
د ـ إقراض مبلغ لشخص بشرط التعامل به مع البنك عموما أوفي نشاط محدد.
هـ ـ مصاريف المضاربة ومن يتحملها (المضارب أو وعاء المضاربة).
و ـ تحديد العلقة بين المودعين والمساهمين.
ز ـ الوساطة في المضاربة والجارة والضمان.
ح ـ تحديد المضارب في البنك السلمي (المساهمون أو مجلس الدارة ،أو الدارة التنفيذية).
ط ـ البديل السلمي للحسابات المكشوفة.
ي ـ الزكاة في البنوك السلمية لموالها وودائعها.
المحور الثاني :المرابحة :
أ ـ المرابحة في السهم.
ب ـ تأجيل تسجيل الملكية في بيوع المرابحة لبقاء حق البنك مضمونا في السداد.
ج ـ المرابحة المؤجلة السداد مع توكيل المر بالشراء واعتباره كفيلً .د ـ المماطلة في تسديد
الديون الناشئة عن المرابحة أو المعاملت الجلة.
هـ ـ التأمين على الديون.
و ـ بيع الديون.
المحور الثالث :التأجير :
أ ـ إعادة التأجير لمالك العين المأجورة أو لغيره.
ب ـ استئجار خدمات الشخاص وإعادة تأجيرها.
ج ـ إجارة السهم أو إقراضها أو رهنها.
د ـ صيانة العين المأجورة.
هـ ـ شراء عين من شخص بشرط استئجاره لها.
و ـ الجمع بين الجارة والمضاربة.
المحور الرابع :العقود :
أ ـ الشرط التفاقي على حق البنك في الفسخ في حال التخلف عن سداد القساط.
ب ـ الشرط التفاقي على تحويل العقد من صيغة إلى صيغة أخرى عند التخلف عن سداد القساط.
ويوصي مجلس المجمع بما يلي :
( )7/187
- 1مواصلة البنوك السلمية الحوار مع البنوك المركزية في الدول السلمية لتمكين البنوك
السلمية من أداء وظائفها في استثمار أموال المتعاملين معها في ضوء المبادئ الشرعية التي تحكم
أنشطة البنوك وتلئم طبيعتها الخاصة .وعلى البنوك المركزية أن تراعي متطلبات نجاح البنوك
السلمية للقيام بدورها الفعال في التنمية الوطنية ضمن قواعد الرقابة بما يلئم خصوصية العمل
المصرفي السلمي ودعوة منظمة المؤتمر السلمي والبنك السلمي للتنمية لستئناف اجتماعات
البنوك المركزية للدول السلمية ،مما يتيح الفرصة لتنفيذ متطلبات هذه التوصية.
- 2اهتمام البنوك السلمية بتأهيل القيادات والعاملين فيها بالخبرات الوظيفية الواعية لطبيعة العمل
المصرفي السلمي ،وتوفير البرامج التدريبية المناسبة بالتعاون مع المعهد السلمي للبحوث
والتدريب وسائر الجهات المعنية بالتدريب المصرفي السلمي.
- 3العناية بعقدي السلم والستصناع ،لما يقدمانه من بديل شرعي لصيغ التمويل النتاجي التقليدية.
- 4التقليل ما أمكن من استخدام أسلوب المرابحة للمر بالشراء وقصرها على التطبيقات التي تقع
تحت رقابة المصرف ويؤمن فيها وقوع المخالفة للقواعد الشرعية التي تحكمها .والتوسع في مختلف
الصيغ الستثمارية الخرى من المضاربة والمشاركات والتأجير مع الهتمام بالمتابعة والتقويم
الدوري ،وينبغي الستفادة من مختلف الحالت المقبولة في المضاربة مما يتيح ضبط عمل المضاربة
ودقة المحاسبة لنتائجها.
- 5إيجاد السوق التجارية لتبادل السلع بين البلد السلمية بديلً عن سوق السلع الدولية التي لتخلو
من المخالفات الشرعية.
- 6توجيه فائض السيولة لخدمة أهداف التنمية في العالم السلمي ،وذلك بالتعاون بين البنوك
السلمية لدعم صناديق الستثمار المشتركة وإنشاء المشاريع المشتركة.
( )7/188
- 7السراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلميا الذي يكون بديلً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في
تحديد هامش الربح في المعاملت.
- 8توسيع القاعدة الهيكلية للسوق المالية السلمية عن طريق قيام البنوك السلمية فيما بينها،
وبالتعاون مع البنك السلمي للتنمية ،للتوسع في ابتكار وتداول الدوات المالية السلمية في مختلف
الدول السلمية.
- 9دعوة الجهات المنوط بها سن النظمة لرساء قواعد التعامل الخاصة بصيغ الستثمار
السلمية ،كالمضاربة والمشاركة والمزارعة والمساقاة والسلم والستصناع واليجار.
- 10دعوة البنوك السلمية لقامة قاعدة معلومات تتوافر فيها البيانات الكافية عن المتعاملين مع
البنوك السلمية ورجال العمال ،وذلك لتكون مرجعا للبنوك السلمية وللستفادة منها في تشجيع
التعامل مع الثقات المؤتمنين والبتعاد عن سواهم.
- 11دعوة البنوك السلمية إلى تنسيق نشاط هيئات الرقابة الشرعية لديها ،سواء بتجديد عمل الهيئة
العليا للرقابة الشرعية للبنوك السلمية أم عن طريق إيجاد هيئة جديدة بما يكفل الوصول إلى معايير
موحدة لعمل الهيئات الشرعية في البنوك السلمية.
وال أعلم.
قرار رقم/8/81 :د 8
بشأن
المشاركة في أسهم الشركات المساهمة المتعاملة بالربا
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على توصيات الندوة القتصادية حول حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمة
المتعاملة بالربا ،والبحاث المعدة في تلك الندوة.
ونظرا لهمية هذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته والتعرف إلى
جميع الراء فيه.
قرر :
أن تقوم المانة العامة للمجمع باستكتاب المزيد من البحوث فيه ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار
المناسب في دورة قادمة.
وال أعلم.
( )7/189
( )7/190
- 2تستثنى من وجوب كتمان السر حالت يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة
لصاحبه ،أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه ،وهذه الحالت على ضربين:
أ ـ حالت يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة ارتكاب أهون الضررين لتفويت أشدهما ،وقاعدة
تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه.
وهذه الحالت نوعان:
ـ ما فيه درء مفسدة عن المجتمع.
ـ وما فيه درء مفسدة عن الفرد.
ب ـ حالت يجوز فيها إفشاء السر لما فيه:
ـ جلب مصلحة للمجتمع.
ـ أو درء مفسدة عامة.
وهذه الحالت يجب اللتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل
والنسل والمال.
ج ـ الستثناءات بشأن مواطن وجوب الفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في نظام مزاولة
المهن الطبية وغيره من النظمة ،موضحة ومنصوصا عليها على سبيل الحصر ،مع تفصيل كيفية
الفشاء ،ولمن يكون ،وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن.
- 3يوصي المجمع نقابات المهن الطبية ووزارات الصحة وكليات العلوم الصحية بإدراج هذا
الموضوع ضمن برامج الكليات والهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال بهذا الموضوع .ووضع
المقررات المتعلقة به ،مع الستفادة من البحاث المقدمة في هذا الموضوع.
وال أعلم.
قرار رقم/11/84 :د 8
بشأن
أخلق الطبيب :مسؤوليته وضمانه
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع« :أخلقيات الطبيب :مسؤوليته
وضمانه»
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي :
( )7/191
- 1تأجيل إصدار قرار في موضوع أخلقيات الطبيب :مسؤوليته وضمانه وموضوع التداوي
بالمحرمات ،والنظر في دستور المهنة الطبية المعد من المنظمة السلمية للعلوم الطبية بالكويت ،
والطلب إلى المانة العامة لستكتاب المزيد من البحاث في تلك الموضوعات لعرضها في دورة
قادمة للمجمع.
وال أعلم .قرار رقم/12/85 :د 8
بشأن
مداواة الرجل للمرأة
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع(:مداواة الرجل للمرأة)
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي :
- 1الصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر
ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة ،فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم ،وإن لم يتوافر طبيب
مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم .على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في
تشخيص المرض ومداواته وأل يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته ،وأن تتم معالجة
الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
- 2يوصي المجمع أن تولي السلطات الصحية جل جهدها لتشجيع النساء على النخراط في مجال
العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها ،وخاصة أمراض النساء والتوليد ،نظرا لندرة النساء في
هذه التخصصات الطبية ،حتى ل نضطر إلى قاعدة الستثناء.
وال أعلم .قرار رقم/13/86 :د 8
بشأن
مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز )
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع« :مرض نقص المناعة المكتسب
(اليدز) »
وبعد استماعها إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي :
( )7/192
- 1بما أن ارتكاب فاحشتي الزنا واللواط أهم سبب للمراض الجنسية التي أخطرها اليدز (متلزمة
العوز المناعي المكتسب) ،فإن محاربة الرذيلة وتوجيه العلم والسياحة وجهة صالحة تعتبر عوامل
مهمة في الوقاية منها .ول شك أن اللتزام بتعاليم السلم الحنيف ومحاربة الرذيلة وإصلح أجهزة
العلم ومنع الفلم والمسلسلت الخليعة ومراقبة السياحة تعتبر من العوامل الساسية للوقاية من
هذه المراض.
ويوصي مجلس المجمع الجهات المختصة في الدول السلمية باتخاذ كافة التدابير للوقاية من اليدز
ومعاقبة من يقوم بنقل اليدز إلى غيره متعمدا .كما يوصي حكومة المملكة العربية السعودية بمواصلة
تكثيف الجهود لحماية ضيوف الرحمن واتخاذ ما تراه من إجراءات كفيلة بوقايتهم من احتمال الصابة
بمرض اليدز.
- 2في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض ،فإن عليه أن يخبر الخر وأن يتعاون معه في
إجراءات الوقاية كافة.
ويوصي المجمع بتوفير الرعاية للمصابين بهذا المرض .ويجب على المصاب أو حامل الفيروس أن
يتجنب كل وسيلة يعدي بها غيره ،كما ينبغي توفير التعليم للطفال الذين يحملون فيروس اليدز
بالطرق المناسبة.
- 3يوصي مجلس المجمع المانة العامة باستكتاب الطباء والفقهاء في الموضوعات التالية،
لستكمال البحث فيها وعرضها في دورات قادمة:
أ ـ عزل حامل فيروس اليدز ومريضه.
ب ـ موقف جهات العمل من المصابين باليدز.
ج ـ إجهاض المرأة الحامل المصابة بفيروس اليدز.
د ـ إعطاء حق الفسخ لمرأة المصاب بفيروس اليدز.
هـ ـ هل تعتبر الصابة بمرض اليدز من قبيل مرض الموت من حيث تصرفات المصاب؟
و ـ أثر إصابة الم باليدز على حقها في الحضانة.
ز ـ ما الحكم الشرعي فيمن تعمد نقل مرض اليدز إلى غيره؟
ح ـ تعويض المصابين بفيروس اليدز عن طريق نقل الدم أو محتوياته أو نقل العضاء.
ط ـ إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لتجنب مخاطر المراض المعدية وأهمها اليدز.
وال أعلم.
قرار رقم/14/87 :د 8
بشأن
تنظيم استكتاب البحاث ومناقشتها في دورات المجمع
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون ،بروناي دار
السلم من 1إلى 7محرم 1414هـ الموافق 27 - 21يونيو 1993م.
بعد اطلعه على قواعد النشر لبحاث المجمع ،والشروط المطلوب توافرها في البحوث.
وبعد استماعه إلى الملبسات التي تحصل في عملية الستكتاب وتحديد أجل معين لتسلم البحاث
بحيث تتمكن المانة العامة للمجمع من تقويم البحوث في ضوء قواعد النشر المشار إليها.
قرر ما يلي :
- 1في حالة انتهاء الجل المحدد لتلقي البحوث يحق للمانة العامة القتصار على البحاث الواردة
خلل الجل دون أي التزام تجاه ما تأخر عنه.
- 2ل تستقبل المانة العامة للمجمع أي بحوث يتطوع أصحابها بإعدادها دون استكتاب من المانة
العامة.
- 3تقتصر المناقشة في الدورة القادمة على من تمت استضافتهم من أعضاء المجمع وخبرائه
وباحثيه.
وال أعلم.
( )7/193
( )7/194
ب-تأكيد ماذهب إليه عامة الفقهاءمن عدم جوازمبادلة الذهب المصوغ بذهب مصوغ أكثر مقدارا
منه ،لنه ل عبرة في مبادلة الذهب بالذهب بالجودة أو الصياغة ،لذا يرى المجمع عدم الحاجة للنظر
في هذه المسألة ،مراعاة لكون هذه المسألة ،لم يبق لها مجال في التطبيق العملي ،لعدم التعامل
بالعملت الذهبية بعد حلول العملت الورقية محلها ،وهي إذا قوبلت بالذهب تعتبر جنسا آخر.
جـ -تجوز المبادلة بين مقدار من الذهب ومقدار آخر أقل منه مضموم إليه جنس آخر ،وذلك على
اعتبار أن الزيادة في أحد العوضين مقابلة بالجنس الخر في العوض الثاني.
د -بما أن المسائل التالية تحتاج إلى مزيد من التصورات والبحوث الفنية والشرعية عنها ،فقد أرجئ
اتخاذ قرارات فيها ،بعد إثبات البيانات التي يقع بها التمييز بينها وهي:
-شراء أسهم شركة تعمل في استخراج الذهب أو الفضة.
-تملّك وتمليك الذهب من خلل تسليم وتسلّم شهادات ،تمثّل مقادير معينة منه ،موجودة في خزائن
مصدّر الشهادات ،بحيث يتمكن بها من الحصول على الذهب ،أو التصرف فيه متى شاء.
قرر ثانيا بشأن الحلول الشرعية لجتماع الصرف والحوالة مايلي :
أ -الحوالت التي تقدم مبالغها بعملة ما ،ويرغب طالبها تحويلها بالعملة نفسها جائزة شرعا ،سواء
أكان بدون مقابل أم بمقابل في حدود الجر الفعلي ،فإذا كانت بدون مقابل ،فهي من قبيل الحوالة
المطلقة عند من لم يشترط مديونية المحال إليه ،وهم الحنفية ،وهي عند غيرهم سفتجة ،وهي إعطاء
شخص مالً لخر لتوفيته للمعطي أو لوكيله في بلد آخر .وإذا كانت بمقابل فهي وكالة بأجر ،وإذا
كان القائمون بتنفيذ الحوالت يعملون لعموم الناس ،فإنهم ضامنون للمبالغ ،جريا على تضمين الجير
المشترك.
( )7/195
ب-إذا كان المطلوب في الحوالة دفعهابعملة مغايرة للمبالغ المقدمة من طالبها ،فإن العملية تتكون من
صرف وحوالة بالمعنى المشار إليه في الفقرة (أ) ،وتجري عملية الصرف قبل التحويل ،وذلك بتسليم
العميل المبلغ للبنك ،وتقييد البنك له في دفاتره بعد التفاق على سعر الصرف المثبت في المستند
المسلّم للعميل ،ثم تجري الحوالة بالمعنى المشار إليه.
قرار رقم/ 2/89 :د 9
بشأن « السلم وتطبيقاته المعاصرة »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6-1أبريل 1995م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع « :السلم وتطبيقاته المعاصرة » .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر أولً بشأن ( السلم ) مايلي :
أ -السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل مايجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت دينا في
الذمة ،سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات.
ب -يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم ،إما بتاريخ معين ،أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع ،ولو كان
ميعاد وقوعه يختلف اختلفا يسيرا ،ل يؤدي للتنازع كموسم الحصاد.
جـ -الصل تعجيل قبض رأسمال السلم في مجلس العقد ،ويجوز تأخيره ليومين أو ثلثة ولو
بشرط ،على أن لتكون مدة التأخير مساوية ،أو زائدة عن الجل المحدد للسلم .د -ل مانع شرعا
من أخذ المسلم ( المشتري ) رهنا أو كفيلً من المسلَم إليه (البائع).
هـ -يجوز للمسلم (المشتري) مبادلة المسلم فيه بشيء آخر -غير النقد -بعد حلول الجل ،سواء
كان الستبدال بجنسه أم بغير جنسه .حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ول إجماع ،وذلك بشرط
أن يكون البدل صالحا لن يجعل مسلما فيه برأس مال السلم.
( )7/196
و -إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الجل ،فإن المسلم (المشتري) يخير بين
النتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله ،وإذا كان عجزه عن إعسار ،فنظِرة
إلى ميسرة.
ز -ليجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه ،لنه عبارة عن دين ،وليجوز اشتراط
الزيادة في الديون عند التأخير.
ح -ليجوز جعل الدين رأس مال للسلم؛ لنه من بيع الدين بالدين.
قرر ثانيا بشأن ( التطبيقات المعاصرة للسلم ):
يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في القتصاد السلمي وفي نشاطات
المصارف السلمية ،من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة ،سواء أكان تمويلً
قصير الجل أم متوسطة أم طويلة ،واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملء ،سواء
أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار ،واستجابتها لتمويل نفقات
التشغيل والنفقات الرأسمالية الخرى.
ولهذا تعددت مجالت تطبيق عقد السلم ،ومنها مايلي:
أ -يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة ،حيث يتعامل المصرف السلمي مع
المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم ،أو محاصيل غيرهم التي
يمكن أن يشتروها ويسلّموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم ،فَ ُيقَدّم ُ لهم بهذا التمويل نفعا بالغا،
ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.
ب -يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي ،ولسيما تمويل المراحل
السابقة لنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة ،وذلك بشرائها سَلَما ،وإعادة تسويقها بأسعار
مجزية.
جـ -يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين ،عن
طريق إمدادهم بمستلزمات النتاج في صورة معدات وآلت أو مواد أولية كرأس مال سلم ،مقابل
الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.
( )7/197
ويوصي المجلس باستكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة.
قرار رقم / 3 / 90 :د 9
بشأن « الودائع المصرفية ( حسابات المصارف ) »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6-1أبريل 1995م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع« :الودائع المصرفية ( حسابات
المصارف ) » .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر مايلي :
أولً -الودائع تحت الطلب ( الحسابات الجارية ) سواء أكانت لدى البنوك السلمية أو البنوك
الربوية :هي قروض بالمنظور الفقهي ،حيث إن المصرف المتسلّم لهذه الودائع يده يد ضمان لها،
وهو ملزم شرعا بالرد عند الطلب .وليؤثر على حكم القرض كون البنك ( المقترض) مليئا.
ثانيا -إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي:
أ -الودائع التي تدفع لها فوائد ،كما هو الحال في البنوك الربوية :هي قروض ربوية محرمة ،سواء
أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع لجل ،أم الودائع بإشعار ،أم
حسابات التوفير.
ب -الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليا بأحكام الشريعة السلمية بعقد استثماري على حصة من
الربح :هي رأس مال مضاربة ،وتطبق عليها أحكام المضاربة ( القراض ) في الفقه السلمي التي
منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة.
ثالثا -إن الضمان في الودائع تحت الطلب ( الحسابات الجارية ) هو على المقترضين لها
( المساهمين في البنوك ) ماداموا ينفردون بالرباح المتولدة من استثمارها ،وليشترك في ضمان تلك
الحسابات الجارية المودعون في حسابات الستثمار ،لنهم لم يشاركوا في اقتراضها ول استحقاق
أرباحها.
( )7/198
رابعا -إن رهن الودائع جائز ،سواء أكانت من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع
الستثمارية ،وليتم الرهن على مبالغها إل بإجراء يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة
الرهن .وإذا كان البنك الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن ،لزم نقل المبالغ إلى حساب
استثماري ،بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض ( المضاربة ) ويستحق أرباح
الحساب صاحبه تجنبا لنتفاع المرتهن ( الدائن ) بنماء الرهن.
خامسا -يجوز الحجز من الحسابات إذا كان متفقا عليه بين البنك والعميل .سادسا -الصل في
مشروعية التعامل :المانة والصدق بالفصاح عن البيانات بصورة تدفع اللبس أو اليهام ،وتطابق
الواقع ،وتنسجم مع المنظور الشرعي ،ويتأكد ذلك بالنسبة للبنوك تجاه مالديها من حسابات لتصال
عملها بالمانة المفترضة ودفعا للتغرير بذوي العلقة.
قرار رقم/ 4 / 91 :د 9
بشأن « الستثمار في السهم والوحدات الستثمارية »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ الموافق 6-1أبريل 1995م.
بعد اطلعه على البحاث الثلثة الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع« :الستثمار في السهم
والوحدات الستثمارية » التي تبين منها أن الموضوع تضمن بين عناصره مسألة شراء أسهم
الشركات التي غرضها وأنشطتها الساسية مشروعة ،لكنها تقترض أو تودع أموالها بالفائدة ،وهي لم
يقع البتّ في أمرها ،بالرغم من عقد ندوتين لبحثها ،وصدور قرار مبدئي فيها للمجمع في دورته
السابعة ،ثم قرار لحق في دورته الثامنة بأن تقوم المانة العامة باستكتاب المزيد من البحوث في هذا
الموضوع ،ليتمكن من اتخاذ القرار المناسب في دورة قادمة.
( )7/199
وبعد الشروع في المناقشات التي دارت حوله ،تبين أن الموضوع يحتاج إلى الدراسات المتعددة
المعمّقة ،لوضع الضوابط المتعلقة بهذا النوع من الشركات الذي هو الكثر وقوعا داخل البلد
السلمية وخارجها.
قرر مايلي :
أولً -تأجيل النظر في هذا الموضوع على أن يعدّ فيه مزيد من الدراسات والبحاث بخصوصه،
وتستوعب فيه الجوانب الفنية والشرعية .وذلك ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار المناسب فيه حسب
توصية الدورة الثامنة (قرار /8/81د .)8
ثانيا -الستفادة مما تضمنته البحاث الثلثة عن الصناديق والصدارات الستثمارية لعداد اللئحة
الموصى بوضعها في القرار ( )5للدورة الرابعة (بند أولً 2/في العنصر الرابع).
قرار رقم/5/92 :د 9
بشأن « المناقصات »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6 - 1أبريل 1995م.
بعد اطلعه على البحثين الواردين إلى المجمع بخصوص موضوع« :المناقصات» ،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
وجريا على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في كل موضوع لستقصاء التصورات
الفنية له ،واستيعاب التجاهات الفقهية فيه،
قرر مايلي :
أولً -تأجيل إصدار القرار الخاص بالنقاط التي درست في هذا الموضوع ،نظرا لهميته ،وضرورة
استكمال بحث جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته ،والتعرف على جميع الراء فيه ،واستيفاء
المجالت التي تجري المناقصات من أجلها ،ولسيما ماهو حرام منها كالوراق المالية الربوية
وسندات الخزانة .ثانيا -أن يقوم أعضاء المجمع وخبراؤه بموافاة المانة العامة -قبل انتهاء الدورة
إن أمكن أو خلل فترة قريبة بعدها -بما لديهم من نقاط فنية أو شرعية تتعلق بموضوع «
المناقصات » سواء تعلقت بالجراءات ،أم بالصيغ والعقود التي تقام المناقصة لبرامها.
( )7/200
ثالثا -استكتاب أبحاث أخرى في موضوع ( المناقصات ) يسهم فيها أهل الخبرات الفنية والفقهية
والعملية في هذا الموضوع.
قرار رقم/ 6 /93 :د 9
بشأن « قضايا العملة »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6-1أبريل 1995م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع « :قضايا العملة » ،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دلت على أن هناك اتجاهات عديدة بشأن معالجة حالت التضخم
الجامح الذي يؤدي إلى النهيار الكبير للقوة الشرائية لبعض العملت منها:
أ -أن تكون هذه الحالت الستثنائية مشمولة أيضا بتطبيق قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة،
ونصه « العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ماهي بالمثل وليس بالقيمة؛ لن الديون تقضى بأمثالها،
فل يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا كان مصدرها بمستوى السعار » .
ب -أن يطبق في تلك الحوال الستثنائية مبدأ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة (مراعاة القوة الشرائية
للنقود ) .جـ -أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب ( مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند
نشوء اللتزام ).
د -أن يؤخذ في مثل هذه الحالت بمبدأ الصلح الواجب ،بعد تقرير أضرار الطرفين ( الدائن والمدين
).
هـ -التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العرض والطلب في السوق ،وبين تخفيض الدولة
عملتها ،بإصدار قرار صريح في ذلك ،بما قد يؤدي إلى تغير اعتبار قيمة العملت الورقية التي
أخذت قوتها بالعتبار والصطلح.
و -التفرقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود الذي يكون ناتجا عن سياسات تتبناها الحكومات ،وبين
النخفاض الذي يكون بعوامل خارجية.
ز -الخذ في هذه الحوال الستثنائية بمبدأ ( وضع الجوائح ) الذي هو من قبيل مراعاة الظروف
الطارئة.
وفي ضوء هذه التجاهات المتباينة المحتاجة للبحث والتمحيص.
قرر مايلي :
( )7/201
أولً -أن تعقد المانة العامة للمجمع -بالتعاون مع إحدى المؤسسات المالية السلمية -ندوة
متخصصة يشارك فيها عدد من ذوي الختصاص في القتصاد والفقه ،وتضم بعض أعضاء وخبراء
المجمع ،وذلك للنظر في الطريق القوم والصلح الذي يقع التفاق عليه للوفاء بما في الذمة من
الديون واللتزامات في الحوال الستثنائية المشار إليها أعله.
ثانيا -أن يشتمل جدول الندوة على:
أ -دراسة ماهية التضخم وأنواعه وجميع التصورات الفنية المتعلقة به.
ب -دراسة آثار التضخم القتصادية والجتماعية وكيفية معالجتها اقتصاديا.
جـ -طرح الحلول الفقهية لمعالجة التضخم من مثل ماسبقت الشارة إليه في ديباجة القرار .ثالثا -
ترفع نتائج الندوة -مع أوراقها ومناقشاتها -إلى مجلس المجمع في الدورة القادمة.
قرار رقم / 7 /94 :د 9
بشأن « مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) والحكام الفقهية المتعلقة به »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6 - 1أبريل 1995م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع « :مرض نقص المناعة المكتسب
( اليدز ) والحكام المتعلقة به » .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
اعتبر الموضوعات المطروحة على الدورة ذات صبغتين:
الولى تناولت الجوانب الطبية لمرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) من حيث أسبابه وطرق
انتقاله وخطورته.
والثانية تناولت الجوانب الفقهية ،وتشتمل هذه على:
- 1حكم عزل مريض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ).
- 2حكم تعمد نقل العدوى.
- 3حقوق الزوج المصاب وواجباته.
أ -حكم إجهاض الم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز).
ب -حكم حضانة الم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) لوليدها السليم وإرضاعه.
( )7/202
جـ -حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة
المكتسب ( اليدز ).
هـ -حق المعاشرة الزوجية.
- 4اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) مرض موت.
أولً -عزل المريض :
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري مرض نقص
المناعة المكتسب ( اليدز ) لتحدث عن طريق المعايشة أو الملمسة أو التنفس أو الحشرات أو
الشتراك في الكل والشرب أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام ،ونحو ذلك من أوجه
المعايشة في الحياة اليومية العادية ،وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
- 1التصال الجنسي بأي شكل كان.
- 2نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
- 3استعمال البر الملوثة ،ولسيما بين متعاطي المخدرات ،وكذلك أمواس الحلقة.
- 4النتقال من الم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولدة.
وبناء على ماتقدم فإن عزل المصابين إذا لم تخش منه العدوى ،عن زملئهم الصحاء غير واجب
شرعا ،ويتم التصرف مع المرضى وفق الجراءات الطبية المعتمدة.
ثانيا -تعمد نقل العدوى :
تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد
عمل محرم ،ويعد من كبائر الذنوب والثام ،كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية ،وتتفاوت هذه العقوبة
بقدر جسامة الفعل وأثره على الفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع ،فعمله هذا يعد نوعا من الحرابة
والفساد في الرض ،ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة ( سورة المائدة -
آية .) 33
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد،
عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة ،وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه.
( )7/203
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى ،فإنه يعاقب
عقوبة تعزيرية.
ثالثا -إجهاض الم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز ) :
نظرا لن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) إلى جنينها ل
تحدث غالبا إل بعد تقدم الحمل ( نفخ الروح في الجنين ) أو أثناء الولدة ،فل يجوز إجهاض الجنين
شرعا.
رابعا -حضانة الم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) لوليدها السليم وإرضاعه :
أ -لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الم
المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) لوليدها السليم ،وإرضاعها له ،شأنها في
ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية ،فإنه لمانع شرعا من أن تقوم الم بحضانته ورضاعته مالم
يمنع من ذلك تقرير طبي .خامسا -حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب
بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) مرض
ُمعْد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالتصال الجنسي.
سادسا -اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) مرض موت :
يعد مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) مرض موت شرعا إذا اكتملت أعراضه ،وأقعد المريض
عن ممارسة الحياة العادية ،واتصل به الموت.
سابعا -حق المباشرة الزوجية :
تؤجل لستكمال بحثها.
ويوصي مجلس المجمع بضرورة الستمرار على التأكد في موسم الحج من خلو الحجاج من
المراض الوبائية ،وبخاصة مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) .
قرار رقم / 8 / 95د 9
بشأن « مبدأ التحكيم في الفقه السلمي »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6-1أبريل 1995م.
( )7/204
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع « :مبدأ التحكيم في الفقه السلمي
».
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر مايلي :أولً -التحكيم :اتفاق بين طرفي خصومة معينة ،على تولية من يفصل في منازعة
بينهما ،بحكم ملزم ،يطبق الشريعة السلمية.
وهو مشروع ،سواء أكان بين الفراد أم في مجال المنازعات الدولية.
ثانيا -التحكيم :عقد غير لزم لكل من الطرفين المحتكمين والحكَم ،فيجوز لكل من الطرفين الرجوع
فيه مالم يشرع الحكَم في التحكيم ،ويجوز للحكَم أن يعزل نفسه -ولو بعد قبوله -مادام لم يصدر
حكمه ،وليجوز له أن يستخلف غيره دون إذن الطرفين ،لن الرضا مرتبط بشخصه.
ثالثا -ليجوز التحكيم في كل ماهو حق ل تعالى كالحدود ،ول فيما استلزم الحكم ُفيه إثبات حكم أو
حكَم عليه ،كاللعان ،لتعلق حق الولد به ،ول فيما ينفرد
نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن ل ولية لل َ
القضاء دون غيره بالنظر فيه.
فإذا قضى الحكَم فيما ليجوز فيه التحكيم ،فحكمه باطل ولينفذ.
رابعا -يشترط في الحكَم بحسب الصل توافر شروط القضاء.
خامسا -الصل أن يتم تنفيذ حكم المُحكّم طواعية ،فإن أبى أحد المحتكمين ،عرض المر على
القضاء لتنفيذه ،وليس للقضاء نقضه مالم يكن جورا بيّنا أو مخالفا لحكم الشرع.
سادسا -إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلمية يجوز احتكام الدول أو المؤسسات السلمية إلى
محاكم دولية غير إسلمية توصلً لما هو جائز شرعا.
سابعا -دعوة الدول العضاء في منظمة المؤتمر السلمي إلى استكمال الجراءات اللزمة لقامة
محكمة العدل السلمية الدولية ،وتمكينها من أداء مهامها المنصوص عليها في نظامها .قرار رقم:
/ 9 / 96د 9
بشأن « سدّ الذرائع »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6-1أبريل 1995م.
( )7/205
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع « :سد الذرائع » ،
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر مايلي :
- 1سدّ الذرائع أصل من أصول الشريعة السلمية ،وحقيقته :منع المباحات التي يتوصل بها إلى
مفاسد أو محظورات.
- 2سدّ الذرائع ليقتصر على مواضع الشتباه والحتياط ،وإنما يشمل كل مامن شأنه التوصل به
إلى الحرام.
- 3سد الذرائع يقتضي منع الحيل إلى إتيان المحظورات أو إبطال شيء من المطلوبات الشرعية،
غير أن الحيلة تفترق عن الذريعة باشتراط وجود القصد في الولى دون الثانية.
- 4والذرائع أنواع:
(الولى ) مجمع على منعها :وهي المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أو
المؤدية إلى المفسدة قطعا أو كثيرا غالبا ،سواء أكانت الوسيلة مباحة أم مندوبة أم واجبة .ومن هذا
النوع العقود التي يظهر منها القصد إلى الوقوع في الحرام بالنص عليه في العقد( .والثانية ) مجمع
على فتحها :وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة.
(والثالثة) مختلف فيها :وهي التصرفات التي ظاهرها الصحة ،لكن تكتنفها تهمة التوصل بها إلى
باطن محظور ،لكثرة قصد ذلك منها.
- 5وضابط إباحة الذريعة :أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادرا ،أو أن تكون مصلحة الفعل أرجح
من مفسدته.
وضابط منع الذريعة :أن تكون من شأنها الفضاء إلى المفسدة ل محالة (قطعا) أو كثيرا ،أو أن تكون
مفسدة الفعل أرجح مما قد يترتب على الوسيلة من المصلحة.
قرار رقم / 10 / 97 :د 9
بشأن « معلمة القواعد الفقهية »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6-1أبريل 1995م.
بعد استحضار القرار المتخذ في الدورة الثالثة بإصدار معلمة القواعد الفقهية،
( )7/206
وبعد اطلعه على المذكّرة المعدة من المانة العامة عن المشروع المتضمنة بيان محتويات المعلمة،
ومصادرها من الكتب المفردة للقواعد ومتعلقاتها أو المدونات الفقهية والصولية ،والخطة العملية
المقترحة للشروع في إعداد المعلمة والنموذج المقترح للبطاقات المستخدمة في العداد ،لضمان توفية
كل قاعدة حقها من البيانات ،ومنهج إعداد المعلمة ومراحل العداد ،مع تفصيل المرحلة الولى
والتجهيزات التقنية ،باستخدام الحاسوب ( الكومبيوتر ) لختصار الوقت اللزم للعداد والتحقق من
الستقصاء والتناسق.
قرر مايلي :
أولً -المضي في الخطوات التنفيذية لعداد معلمة القواعد الفقهية وفق المنهج المقترح من المانة
العامة بالتعاون مع اللجنة المكونة منها لهذا المشروع.
ثانيا -الستفادة من خدمات الحاسوب للطمئنان إلى استيعاب ماجاء في الكتب المتخصصة والكتب
الفقهية والصولية العامة ،بصورة شاملة لكل من القواعد والضوابط والمقاصد العامة للتشريع.
ثالثا -موافاة العضاء والخبراء المانة العامة في أقرب وقت بما يبدو لهم من ملحظات أو
مقترحات حول المرحلة الولى من العداد ،للستفادة منها قبل الشروع في التكليف باستخراج
البيانات.
قرار رقم /11/ 98 :د 9
بشأن « المراحل المنجزة من مشروع الموسوعة الفقهية القتصادية »
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبوظبي بدولة المارات العربية
المتحدة من 1إلى 6ذي القعدة 1415هـ ،الموافق 6 - 1أبريل 1995م.
بعد استحضار القرار المتخذ في الدورة الثالثة بإصدار الموسوعة الفقهية القتصادية.
( )7/207
وبعد اطلعه على المذكرة المعدة من المانة العامة عن المشروع المتضمنة بيان الخطوات
والجراءات التي قامت بها المانة العامة في هذا الصدد من عقد جلسات عمل ،وتشكيل لجنة فنية
لعداد الخطة التنفيذية ،واستخلص قائمة بالموضوعات الساسية للموسوعة ،وقد تضمنت المذكرة
الخطة التفصيلية بعدة زمر منها ،مع الستكتاب المشترك للمختصين من القتصاديين والفقهاء في
موضوعات الزمرة الولى منها:
قرر مايلي :
أولً -مواصلة العمل في إنجاز الموسوعة الفقهية القتصادية وفق المنهج المعد من المانة العامة
بالتعاون مع اللجنة المكونة منها لهذا المشروع.
ثانيا -العمل على نشر ماينجز من موضوعات الموسوعة طبعة تمهيدية ( كل بحث على حدة )
لوضع نماذج تساعد على النجاز ،وتمكن المختصين من تقديم ملحظاتهم واقتراحاتهم بشأن هذا
الموضوع.
توصيات الندوة الثامنة للمنظمة السلمية للعلوم الطبية بالكويت
من 1415/12/24-22هـ الموافق لـ 1995/5/24-22م
استمرارا لمسيرة المنظمة السلمية للعلوم الطبية في تصديها للمشاكل الطبية والصحية من خلل
رؤية إسلمية والتي تمثلت في العديد من ندواتها المتتابعة.
ولما كانت الحاجة تدعو لستخدام الترقيع الجلدي وسبله لنقاذ حياة من يتعرض لحروق نسبتها
كبيرة ،فقد رأت المنظمة أن تعرض هذا الموضوع في ندوتها التالية.
كما أن المنظمة رأت ضرورة بحث « المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء» نظرا للتوسع
الكبير في تكنولوجيا الغذاء والدواء واستخدام مواد فيها شبهة الحرمة والنجاسة.
فقد تم بفضل من ال وعونه عقد الندوة الثامنة ،وموضوعها « رؤية إسلمية لبعض المشاكل
الصحية» وذلك بمشاركة الزهر الشريف ،ومجمع الفقه السلميبجدة ،والمكتب القليمي لمنظمة
الصحة العالمية بالسكندرية ،ووزارة الصحة بدولة الكويت ،وذلك في الفترة من 24-22من شهر
ذي الحجة 1415هـ الذي يوافقه 24-22من شهر مايو 1995م.
( )7/208
التوصيات الخاصة
أولً -الترقيع الجلدي :
-1للدمي مسلما وغير مسلم حرمة ذاتية .وتكريم الدمي والحفاظ على حرمته مقصد من مقاصد
الشريعة ،لذا فإن عمليات الترقيع الجلدي الجائزة بالشروط المبينة فيما يلي ،ل تتنافى مع هذا المقصد
بل تحققه وترسخه.
- 2الجلد عضو حي ينطبق عليه من حيث النقل ماينطبق على نقل العضاء وزرعها طبقا لما
قررته المجامع الفقهية.
- 3عمليات الترقيع الجلدي برقعة من مصدر آدمي ربما تكون ضرورة شرعية تخضع في أحكامها
للشروط العامة للضرورة.
- 4الرقعة الجلدية المأخوذة من مصدر آدمي حي أو ميت ،ذاتية ( من الشخص لنفسه) ،أو مثلية
( من آدمي لدمي ) ،طاهرة شرعا.
- 5يتوقف جواز عمليات الترقيع الجلدي برقعة من مصدر آدمي على توافر الشروط التالية:
أ -أن يكون الترقيع الجلدي هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لعلج المريض.
ب -أن ليتسبب نزع الجلد في حالة التبرع من الحي في ضرر يماثل ضرر المتبرع له أو يفوقه.
ج -أن يبلغ نجاح عملية الترقيع حد غلبة الظن.
د -أن يكون الحصول على الجلد الدمي عن غير طريق البيع أو الكراه أو التغرير ،ول مانع من
بذل المال من قبل المحتاج من أجل الحصول على الجلد اللزم إذا لم يجد متبرعا.
- 6ال ّرقَع الجلدية المأخوذة من حيوان طاهر مذكىً حسب الشروط الشرعية مصدر يبيحه الشرع.
- 7ال ّرقَع الجلدية المأخوذة من حيوان غير مأكول ( باستثناء الكلب والخنزير) يجوز الترقيع بها إن
ذكيّ تذكية شرعية.
- 8الرقع الجلدية المأخوذة من الميتة أو من حيوان حي ،نجسة ليجوز استخدامها إل عند
الضرورة.
- 9الرقع الجلدية المأخوذة من الكلب أو الخنزير ليجوز استخدامها إل عند عدم وجود البديل الجائز
شرعا وعند الضرورة ،شريطة أن تكون مؤقتة.
- 10يجوز إنشاء بنك لحفظ الجلد الدمي مع مراعاة مايلي:
أ -أن يكون البنك بيد الدولة أو هيئة مؤتمنة تحت إشراف الدولة.
( )7/209
ب -أن يكون الختزان للجلود الدمية على قدر الحاجة الواقعية والمتوقعة.
ب الفضلت.
ج -أن تحترم قطع الجلد التي يستغنى عنها ،فتدفن ،ول تلقى في مص ّ
ثانيا -المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء :
المبادئ العامة
- 1يجب على كل مسلم اللتزام بأحكام الشريعة السلمية ،وبخاصة في مجال الغذاء والدواء ،وذلك
محقق لطيب مطعمه ومشربه وعلجه ،وإن من رحمة ال بعباده ،وتيسير سبيل التباع لشرعه
مراعاة حال الضرورة والحاجة العامة إلى مبادئ شرعية مقررة ،منها :أن الضرورات تبيح
المحظورات ،وأن الحاجة تنزّل منزلة الضرورة مادامت متعينة ،وأن الصل في الشياء الباحة مالم
يقم دليل معتبر على الحرمة ،كما أن الصل في الشياء كلها الطهارة مالم يقم دليل معتبر على
النجاسة .وليعتبر تحريم أكل الشيء أو شربه حكما بنجاسته شرعا.
- 2مادة الكحول غير نجسة شرعا ،بناء على ماسبق تقريره من أن الصل في الشياء الطهارة،
سواء كان الكحول صرفا أم مخففا بالماء ترجيحا للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية
غير حسية ،لعتبارها رجسا من عمل الشيطان.
وعليه ،فل حرج شرعا من استخدام الكحول طبيا كمطهر للجلد والجروح والدوات وقاتل للجراثيم،
أو استعمال الروائح العطرية ( ماء الكولونيا ) التي يستخدم الكحول فيها كمذيب للمواد العطرية
الطيارة ،أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها .ول ينطبق ذلك على الخمر لحرمة النتفاع
به.
- 3لما كان الكحول مادة مسكرة فيحرم تناولها ،وريثما يتحقق مايتطلع إليه المسلمون من تصنيع
أدوية ليدخل الكحول في تركيبها ولسيما أدوية الطفال والحوامل ،فإنه ل مانع شرعا من تناول
الدوية التي تصنع حاليا ويدخل في تركيبها نسبة ضئيلة من الكحول ،لغرض الحفظ ،أو إذابة بعض
المواد الدوائية التي لتذوب في الماء على أل يستعمل الكحول فيها كمهدئ ،وهذا حيث ليتوافر بديل
عن تلك الدوية.
( )7/210
- 4ليجوز تناول المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة من الخمور مهما كانت ضئيلة ،ولسيما
الشائعة في البلد الغربية كبعض الشوكولته وبعض أنواع المثلجات ( اليس كريم ،الجيلتي ،البوظة
) وبعض المشروبات الغازية ،اعتبارا للصل الشرعي في أن ما أسكركثيره فقليله حرام ،ولعدم قيام
موجب شرعي استثنائي للترخيص فيها.
- 5المواد الغذائية التي يستعمل في تصنيعها نسبة ضئيلة من الكحول لذابة بعض المواد التي
لتذوب بالماء من ملونات وحافظات وما إلى ذلك ،يجوز تناولها لعموم البلوى ولتبخر معظم الكحول
المضاف أثناء تصنيع الغذاء.
- 6المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه مثل بعض الجبان
وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد وبعض أنواع البسكويت والشوكولته واليس كريم ،هي
محرمة وليحل أكلها مطلقا ،اعتبارا لجماع أهل العلم على نجاسة شحم الخنزير وعدم حل أكله،
ولنتفاء الضطرار إلى تناول هذه المواد.
- 7النسولين الخنزيري المنشأ يباح لمرضى السكري التداوي به للضرورة بضوابطها الشرعية.
- 8الستحالة التي تعني انقلب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها تحوّل المواد النجسة أو
المتنجسة إلى مواد طاهرة ،وتحول المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعا.
وبناءً على ذلك:
أ -الجيلتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره :طاهر وأكله حلل.
ب -الصابون الذي ينتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصيرطاهرا بتلك الستحالة ويجوز
استعماله.
ج -الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم طاهر ،ويجوز تناوله.
د -المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير ليجوز استعمالها إل إذا
تحققت فيها استحالة الشحم وانقلب عينه .أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة.
- 9المواد المخدرة محرمة ليحل تناولها إل لغرض المعالجة الطبية المتعينة ،وبالمقادير التي يحددها
الطباء وهي طاهرة العين.
ول حرج في استعمال جوزة الطيب ونحوها في إصلح نكهة الطعام بمقادير قليلة لتؤدي إلى التفتير
أو التخدير.
التوصيات العامة
- 1توصي الندوة بضرورة الستفادة من جلود وعظام الحيوانات المذكاة لستخراج مادة الجيلتين
التي تستخدم في الغذاء والدواء ،وذلك حفاظا على الثروة الوطنية وتجنبا لشبهات استعمال مواد من
مصادر غير مقبولة شرعا.
- 2توصي الندوة المسؤولين في البلد السلمية بأن تراعى في الصناعة الدوائية والغذائية الشروط
والمواصفات المقبولة شرعا من حيث المواد الخام وطرق التحضير.
- 3توصي اللجنة المسؤولين في البلد السلمية بإلزام الشركات المنتجة والمستوردة للمواد الغذائية
المحفوظة ببيان التركيب التفصيلي لجميع مقومات كل عبوة بشكل واضح وباللغة الوطنية.
( )7/211
( )7/212
تمهيد
هدفنا :كلما نقب النسان في آفاق الفقه وكتب الفقهاء المسلمين ،ازداد إيمانا بخلود شريعة السلم في
تنظيم الحياة ،وسلمة الفكر السلمي ،وعبقرية الفقهاء ،وعظمة الفقه ،الذي ل تقتصر أحكامه على
الدليل النقلي من القرآن والسنة فحسب ،وإنما تتغلغل في أعماق الوجدان والعقل النساني لتجد لها ما
يؤيدها ويدعمها حتى اليوم ،ويساندها من أجل التطبيق العملي ،ويشد أزرها للنهوض من جديد في
حكم العلقات الجتماعية والمعاملت المتكررة يوميا بين الفراد ،وفي العلقات الدولية أيضا.
والهدف من الخذ بأحكام السلم هو إقامة مجتمع إسلمي عزيز كريم نظيف آمن مطمئن ،ل محل
فيه لعطاء الدنية أو الستسلم للعدو ،ول قرار فيه للجريمة والفوضى ،ول اعتبار للشذوذ
والنحراف ،والفساد أو المنكر والمعصية ،وذلك بقدر المكان ،وضمن مبادئ السلم التي من أهمها
مبدأ الستر على المعصية الخفية غير المعلنة ،ومبدأ درء الحدود ـ ل التعزيرات ـ بالشبهات.
( )7/213
ومما يشدنا إلى إسلمنا بحق أن الناس جربوا في عصرنا المستورد من القوانين والنظمة ،والفكار
والثقافات والمعارف المتعددة ،المصطبغة كلها بصبغة مادية ضيقة أو بحتة ،وآب الواعون في النهاية
إلى حظيرة السلم ليجدوا فيه الحل الفضل ،بعد أن أفلست البضاعة المستوردة ،في تقدم الفرد
والجماعة ،وانكشف طلؤها المزيف بزيف الحضارة ،التي أخذنا منها الساقط الحقير ،وتركنا الجوهر
أو النافع المفيد ،فنقم الناس على تلك النظمة والثقافات ،لما أدت إليه من إفساد الضمائر والفكار،
وزرع الشك وعدم الثقة بالنفس ،واهتزاز القيم والفضائل والخلق ،ولم تفلح في النهاية إل في إبقائنا
ضعفاء عالة على الغير ،مجهولي الهوية ،ليست لنا ذاتية مستقلة ،إسلما أو عروبة ،شرقا أو غربا.
وبدافع قوي من الشعور أو اللشعور اتجه المجتمع إلى السلم ـ طريق الخلص ،ولكنهم ظلوا في
فلك العبادات وحدها يعملون ،فأصبحت نظم الحياة في جانب ،والعبادة في جانب ،فصاروا في
ازدواجية وترنح وتناقض ،وحيرة وملل ،واضطراب جديد أقل سوءا من البعد النهائي عن السلم.
ول نجاة من تلك الزدواجية إل بتطبيق كامل لشرعة ال في المعاملت والجنايات والحدود وغيرها،
وتغيير القوانين الوضعية .وبالفعل برقت آمال في اتجاهات صادقة نحو قوانين الشريعة في دنيا
العرب والسلم لتطهير المجتمع من الرذيلة والنحراف ،وإثبات الذات ،ومعالجة شؤون الحياة بفكر
السلم السياسي والقتصادي والجتماعي والعسكري ،ولتحطيم قيود الذل والهوان ،ودحر العدوان
بمختلف أشكاله ،ومحاربة الستغلل بكل أصنافه ،والعتماد على النفس ،وجمع المسلمين تحت راية
القرآن ،وسنة الرسول عليه الصلة والسلم ،والفادة من فقه الشريعة الذي ل يخرج عن هذين
المصدرين.
( )7/214
وأحسّ كل مسلم أن سبيل العزة ،ورد العدوان ،وتخليص الراضي والحقوق المغتصبة ،هو بالنضمام
تحت راية الجهاد المقدس لعلء كلمة ال تعالى ،على النحو الذي وُجد به العدو ،وجمّع قواته ،وقاتلنا
تحت شعار مذهبه العنصري البغيض.
ومعرفة أحكام العقود ،كما بان سابقا ،وتنظيم الجهاد في الفقه ،وتفصيل الكلم عن الحدود والجنايات،
والقضاء السلمي العادل ،ومبادئ الحكم السلمي ،فرع من تلك الدوحة العظيمة والثروة الكبرى
لفقهنا الذي له من المكانة العالية عند كل رجال التشريع والفقه والقضاء في العالم.
ومع السف الشديد وصف بعض الجاهلين هذا الفقه الخصب بأنه «مجرد ركام» تأثرا منهم بحب
الغرب ،وشعورا منهم بالنقص ،وعدم الثقة بالنفس ،وجهلً فاضحا بما تتطلبه الحياة من فرضيات
واحتمالت كثيرة موجودة في ظل تطبيق القوانين الحالية ،ويحلو لهم بعدها التطفل على موائد الغرب،
وترديد ما قال ( المسيو فلن والمستر فلن ) متجاهلين أو تاركين عمدا ما قاله شيوخ السلم
العظام ،الذين ما زالت أفكارهم ونظرياتهم وجهودهم مرقى العظماء ،ومطمح العلماء ،ومأوى
الفلسفة والمفكرين.
فإلى فقه السلم يا جيلنا ،وإلى ثروته الخصبة ،وإلى ينابيعه العذبة لتغترف منها ما تراه مناسبا
لعصرك ،فال يسّر لك الطريق باختيار السمح السهل من الحكام ،وزودك باليقين الصادق والعقل
الناضج والحس المرهف لخذ الصالح ،وكشف الحق في مهاده ،وقمع الباطل في وهاده .وحينئذ تعلم
أن رفع راية السلم تتطلب تهيئة أرضية صلبة لها ،من الواقع العملي المتمثل بالفقه السلمي،
والفكر السلمي ،والدعوة السلمية البناءة؛ لن الدعوة ليست مجرد عاطفة تؤجج ،أو هيكل فارغ
المضمون والمحتوى والمنهج .وإعداد هذه الرضية إنما هو من أجل ضمان بقاء هذه الدعوة ،حتى ل
تهتز أمام تحرك العواصف الهوجاء ،أو تدابير العداء.
( )7/215
ففي فقه السلم بكل مذاهبه إذن دليل على صلحية السلم للتطبيق في كل عصر ،وطريق لتحقيق
تماسك الشخصية السلمية ،فهو عامل بناء وتجميع وتوحيد ل تفريق وتمزيق كما يرى السطحيون،
وأما اختلف الفقهاء فليس إل في الفروع والجزئيات الجتهادية ل في الصول والغايات ،لكن ما أشد
الحاجة حينئذ لعرض الفقه بأسلوب سهل حديث مدعم بالدليل الصحيح ،لموازنة الراء الفقهية،
وتعرف سبل الترجيح بينها ،أو اختيار الصلح المناسب للزمن منها.
وهذا ما حاولت فعله في إعداد هذا الكتاب ،بعد بذل جهود ـ ال أعلم بها ـ لتحقيق كل رأي فقهي،
ومعرفة حكم كل مسألة في متاهات الكتب القديمة ،رجاء تحقيق النفع به والفادة منه.
تعريف الحد :
الحد في اللغة :المنع ،ولذا سمي البواب حدادا لمنعه الناس عند الدخول ،وسميت العقوبات حدودا،
لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها ،وحدود ال :محارمه؛ لنها ممنوعة ،بدليل قوله تعالى{ :تلك حدود
ال فل تقربوها} [البقرة ]187/2:وحدود ال أيضا :أحكامه أي ما حده وقدره ،فل يجوز أن يتعداه
النسان ،وسميت حدودا؛ لنها تمنع عن التخطي إلى ما وراءها ،بدليل قوله تعالى{ :تلك حدود ال فل
تعتدوها} [البقرة.]229/2:
والحد في الشرع في اصطلح الحنفية :عقوبة مقدرة واجبة حقا ل تعالى ،فل يسمى التعزير حدا؛
لنه ليس بمقدر ،ول يسمى القصاص أيضا حدا؛ لنه وإن كان مقدرا ،لكنه حق العباد ،فيجري فيه
العفو والصلح ،وسميت هذه العقوبات حدودا؛ لنها تمنع من الوقوع في مثل الذنب.
والمراد من كونها حقا ل تعالى :أنها شرعت لصيانة العراض والنساب والموال والعقول والنفس
عن التعرض لها ( . )1غير أن بعض هذه الحدود كحد
-------------------------------
( )1المبسوط للسرخسي 9 :ص ،36فتح القدير 4 :ص ،112البدائع 7 :ص ،33تبيين الحقائق
للزيلعي 3 :ص ،163حاشية ابن عابدين 3 :ص ،154مغني المحتاج 4 :ص .155
( )7/216
الزنا وشرب الخمر حق خالص ل تعالى ،أي حق للمجتمع ،وبعضها الخر مثل حد القذف فيه حق ل
،وحق للعبد ،أي أنه يشترك فيه الحق الشخصي والحق العام (. )1
والحد في اصطلح الجمهور غير الحنفية :عقوبة مقدرة شرعا ،سواء أكانت حقا ل أم للعبد.
والحدود أنواع :حد الزنا وحد القذف وحد السرقة وحد الحرابة أو قطع الطريق وحد شرب الخمر
سكْر وحد القذف (
ونحوه ،قال الحنفية :الحدود خمسة :وهي حد السرقة وحد الزنا وحد الشرب وحد ال ُ
. )2أما قطع الطريق فهو داخل تحت مفهوم السرقة بالمعنى العم ،ويضاف إليها لدى غير الحنفية
حدان آخران وهما حد القصاص وحد الردة،فيصبح مجموع الحدود سبعة في رأي هؤلء باعتبار أن
الحد هو عقوبة مقدرة حدها ال تعالى وقدرها ،فل يجوز لحد أن يتجاوزها ،وباعتبار أن الحد يشمل
في الصح ما كان من حقوق ال تعالى ،وما كان من حقوق الناس ،ومنها القصاص.
وعلى هذا يكون لدينا اصطلحان في الحدود:
أولهما ـ مذهب الحنفية المشهور :وهو تخصيص الحد بالعقوبة المقدرة المقررة حقا ل تعالى ،أي
لصالح الجماعة ،وهي خمسة أنواع ذكرتها ،بإدخال حد الحرابة في حد السرقة ،والتفرقة بين حد
الخمر (ماء العنب النيء المتخمر) وحد السكر للشربة المسكرة المتخذة من غير العنب كالشعير
والذرة والعسل ونحوها.
وثانيهما ـ مذهب الجمهور غير الحنفية :وهو إطلق لفظ الحد على كل عقوبة
-------------------------------
( )1الجريمة والعقوبة لستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة :ص 64ومابعدها.
( )2البدائع ،المرجع السابق.
( )7/217
مقدرة ،سواء أكانت مقررة رعاية لحق ال تعالى أم لحق الفراد ،وهي سبعة أنواع ،منها القصاص
وحد الردة.وسأذكر هذه النواع السبعة مبينا أن جرائم الحدود ثمانية :وهي الزنا ،والقذف ،وشرب
المسكر ،والسرقة ،والحرابة ،والبغي ،والردة ،والقتل العمد الموجب للقصاص ،على أساس أن
عقوباتها جميعا مقدرة شرعا.وقال ابن جزي المالكي ( : )1الجنايات أي الجرائم الموجبة للعقوبة
ثلث عشرة وهي :القتل والجرح ،والزنى ،والقذف ،وشرب الخمر ،والبغي ،والحرابة ،والردة،
والزندقة ،وسب ال ،وسب النبياء والملئكة ،وعمل السحر ،وترك الصلة والصيام.
ويلحظ أن الجناية هي الجريمة في اصطلح الفقه السلمي .قال الماوردي ( : )2الجرائم
محظورات شرعية زجر ال تعالى عنها بحد أو تعزير ،كما يلحظ أن عقوبة الزندقة والمذكور بعدها
هنا هي القتل ،كعقوبة الردة .وقد أفردت الجنايات ببحث مستقل؛ لن الكلم عنها لدى فقهائنا ل
يقتصر على ما يوجب القصاص الذي هو حدٌ عند الجمهور ،وإنما يشمل بحث الديات والعتداء على
الحيوان ،وكيفية التعويض عن الضرار الناجمة من سقوط الحائط أو البناء ،وطرق إثبات الجناية.
الحكمة من تشريع الحدود :
إن الحكمة من هذه الحدود أو العقوبات :هي زجر الناس وردعهم عن اقتراف تلك الجرائم ،وصيانة
المجتمع عن الفساد ،والتطهر من الذنوب ،قال ابن تيمية« :من رحمة ال سبحانه وتعالى أن شرع
العقوبات في الجنايات الواقعة بين
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،344ط فاس.
( )2الحكام السلطانية :ص .211
( )7/218
الناس بعضهم على بعض في النفوس والبدان والعراض والموال والقتل والجراح والقذف
والسرقة ،فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الحكام ،وشرعها على
أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر ،مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع ،فلم
يشرع في الكذب قطع اللسان ول القتل ،ول في الزنا الخصاء ،ول في السرقة إعدام النفس ،وإنما
شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ،ولطفه وإحسانه وعدله ،لتزول
النوائب وتنقطع الطماع عن التظالم والعدوان ،ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه ،فل يطمع في
استلب غيره حقه» (. )1
وتطبيق الحدود يتطلب أمورا أربعة:
أولها ـ اليمان بالسلم عقيدة وشريعة ومنهاجا .
وثانيها ـ تطبيق شريعة ال في جميع أحكامها السياسية والقتصادية والجتماعية.
وثالثها ـ الدراك العقلي والتجريبي بفائدة الحدود.
ورابعها ـ الحرص على مصلحة الجماعة وتفضيلها على مصلحة الفرد.
هل في قطع اليد تعذيب وقسوة وتنكيل؟ إن في تطبيق عقوبة القطع زجرا مناسبا للمجرم ولمثاله في
المجتمع ،فهو رحمة بالناس عامة ،وقد جاء في المذكرة اليضاحية لقانون حدي السرقة والحرابة رقم
148لسنة 1972م الصادر في ليبيا ما يأتي :ولقد يحلو لبعض المرتابين والمتشككين أن يصفوا
عقوبة القطع (أي في حدي السرقة والحرابة) بأنها ل تتفق مع المدنية والتقدم ،ويرمونها بالعنف
والغلظة .وهؤلء يركزون النظر على شدة العقوبة ويتناسون فظاعة الجريمة وآثارها الخطيرة على
المجتمع ،إنهم يتباكون على يد سارق أثيم تقطع ،ول تهولهم جريمة
-------------------------------
( )1راجع رسالته في القياس :ص ،85والسياسة الشرعية له :ص ،98وانظر مثل ذلك في قواعد
الحكام للعز بن عبد السلم 165-163/1 :ومثله أيضا قول ابن القيم في أعلم الموقعين،95/2 :
107وما بعدها.
( )7/219
السرقة ومضاعفاتها الخطيرة ،كم من جرائم ارتكبت في سبيل السرقة ،كم من جرائم اعتداء على
الشخاص وإحداث عاهات جسام وقعت على البرياء بسبب السرقة ،كم من أموال اغتصبت وثروات
سلبت وأناس تشردوا بسبب السطو على أموالهم ومصدر رزقهم ،كل ذلك ل يخطر ببال المشفقين
على أيد قليلة في سبيل أمن المجموع واستقراره ،فيكون الهدف من إقامة الحدود توفير سلمة
المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره ومنع كل ما يهدد المصالح الكبرى للمة.
أل يتساءل هؤلء ،أيهما أهون على المجتمع :أن تقطع يد أو يدان في كل عام ،وتختفي السرقة ،ول
تكاد تقطع يد بعد ذلك ،ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم ،أم يحبس ويسجن ويحكم
بالشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة في جريمة السرقة وحدها ،في أغلب الدول ،عشرات اللف كل
عام ،ثم ل تنقضي السرقة ،بل تزداد وتتنوع وتستفحل ،فما زلنا نسمع عن مصارف بأسرها تسرق،
وقطارات تنهب في وضح النهار ،وخزائن تسلب ،وجرائم على الموال تصحبها جرائم على
الشخاص والعراض ل تقع تحت حصر ،ول يكاد يلحقها علم ول فن ول سلطة.
( )7/220
ثم إن الجرائم الخطيرة ل يفلح في صدها ومقاومة أخطارها إل عقوبات شديدة فعالة ،فاسم العقوبة
مشتق من العقاب ،ول يكون العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف .والعقاب الناجح هو
ذلك الذي ينتصر على الجريمة ،وليس ذلك الذي تنتصر عليه الجريمة .ثم إن المشرعين الوضعيين لم
يستغلظوا عقوبة العدام بالنسبة إلى بعض الجرائم الخطيرة ،وما من شك في أن هذه العقوبة أشد من
عقوبة القطع في السرقة والحرابة ،فالعبرة إذن بالعقوبة المناسبة والفعالة في مقاومة الجريمة.
والحقيقة التي ل مراء فيها أن قطع يد سارق أو عدو معدود من السراق أهون كثيرا من ترك السرقة
ترتع في المجتمع تروع المنين بما تفضي إليه من العديد من الجرائم والمنكرات.
ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع السلمي عندما طبق الحدود ،عاش آمنا مطمئنا على أمواله وأعراضه
ونظامه ،حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لقامة الحد عليه ،رغبة في تطهير نفسه ،والتكفير عن
ذنبه .وقد كانت الحجاز ـ بل وسائر الجزيرة العربية ـ مرتعا خصبا لشنع جرائم السرقة وقطع
الطريق ،حتى على حجاج بيت ال الحرام رجالً ونساء ،فلم يكن يعود إلى بلده منهم إل النزر اليسير.
فما أن طبقت الحجاز ـ أي الدولة السعودية ـ هذين الحدين حتى استتب المن وانقطعت السرقات،
وانهارت عصابات قطع الطريق ،حتى أصبحت البلد مضرب المثل المستغرب في انقطاع دابر
جريمتي السرقة وقطع الطريق ،بالرغم من أن ما قطع من اليدي منذ تطبيق الحدود ل يمثل إل عددا
ضئيلً جدا ل يوازي ما كان يقطعه قطاع الطريق من رقاب البرياء في هجمة واحدة .ويذكر أن
عدد اليدي التي قطعت في المملكة السعودية ستة عشر يدا خلل أربعة وعشرين عاما.
( )7/221
ومما تقدم جميعه يتضح أن القسوة التي تتسم بها عقوبة القطع في السرقة والحرابة ،هي في الواقع
رحمة عامة بالمجتمع في مجموعه حتى يتخلص من شرور هاتين الجريمتين ،وأخطارهما الوبيلة،
فإن التضحية بعدد محدود جدا من اليدي والرجل بالنسبة لناس آثمين خارجين على حكم ال ،
أهون كثيرا من ترك الجريمة تفتك بآلف البرياء في أرواحهم وأبدانهم وثرواتهم.
بل إن شدة العقوبة ذاتها رحمة بمن توسوس لهم أنفسهم بالجرام حيث تمنعهم تلك الشدة من القدام
على الجريمة ،فتحول بينهم وبين التردي في مهاوي الجرام ،فهي شدة في نطاق محدود ،تفضي إلى
رحمة واسعة شاملة بالنسبة إلى المجتمع الواسع العريض ،كيف ل ،وشريعة السلم هي شريعة
الرحمة ،أليس ال هو القائل{ :كتب ربكم على نفسه الرحمة} [النعام ]54/6:وهو الرحمن الرحيم
حيث نذكر ال في كل وقت وحين .والرسول يقول« :الراحمون يرحمهم الرحمن» ( ، )1بل أمرنا
بالشفقة على الحيوان .وشريعة هذا شأنها ل يمكن أن تحمل أحكامها في الحدود على محمل الشدة
والقسوة ،وإنما هي رحمة بالناس في مجموعهم .والنظر إلى أثر الحدود على القلة التي تتعرض لها
دون نظر إلى أثرها في المجتمع ككل ،هو نظر مقلوب ومعكوس .ويكاد أن يكون نظرا مغرضا
ومريبا؛ لن العبرة بمصلحة الناس في مجموعهم ،وليست بمصلحة مجرمين ثبت جرمهم ،ولم يدرأ
عنهم الحد شبهة.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي عن عبد ال بن عمرو بلفظ «الراحمون يرحمهم الرحمن ،ارحموا من
في الرض يرحمكم من في السماء ،والرحمة شجنة من الرحمن ،فمن وصلها وصله ال ،ومن
قطعها قطعه ال » وشجنة :عروق الشجر المشتبكة.
( )7/222
ومع ذلك فل يغرب عن البال أن السلم حريص كل الحرص على أل يقام الحد ،إل حيث يتبين على
وجه اليقين ثبوت ارتكاب الجرم ،وذلك بتشدده في وسائل الثبات .ثم إنه بعدئذ يدرأ الحد بالشبهات،
كل هذا تفاديا لتوقيع الحدود إل في حالت استثنائية محضة ،ويكفي توقيعها في هاتيك الحالت حتى
يتحقق أثرها الفعال في منع الجريمة وتضييق الخناق عليها إلى أقصى حد ممكن .بل إن تطبيق بعض
الحدود كالجلد ـ بأصوله الشرعية ـ أحب إلى كثير من العصاة من الحبس في غياهب السجون مدة
من الزمن ،قلت أم كثرت .وأما الرجم فهو مجرد قتل بوسيلة إعلمية زاجرة تمثل انتقام المجتمع ممن
سطا على العراض.
ومما يجب النتباه له أن السلم قبل تشريع الحدود ،شرع تشريعات واقية من
الوقوع في الجريمة ،فأمر بالستر والحجاب ونهى عن الختلط والخلوة بالمرأة ،وأمر بالتبكير في
الزواج ،ومنع كل وسائل الغراء والفتنة ،ووفر للنسان حاجياته بتهيئة فرص العمل ،وتكافل
المجتمع عند العجز والتعطل ورغّب في العمل ،وجعل التكافل سبيلً للتوجه نحو العمل والنتاج ،ل
البقاء في دائرة العوز والكسل والعتماد على الخرين.
الفرق بين الحدود والتعازير :
ذكر القرافي المالكي عشرة فروق بين الحدود والتعازير وهي ما يأتي (: )1
- ً 1التقدير :إن عقوبات الحدود والقصاص مقدرة مقدما في الشرع للجرائم الموجبة لها ،وليس
للقاضي تقدير العقوبة بحسب ظروف المجرم أو ظروف الجريمة .أما عقوبات التعزير فمفوض
تقديرها إلى القاضي ،يختار العقوبة المناسبة بحسب ظروف المتهم وشخصيته وسوابقه ودرجة تأثره
بالعقوبة ،ودرجة ظروف الجريمة وأثرها في المجتمع.
-------------------------------
( )1الفروق.183-177/4 :
( )7/223
لكن يلحظ أن إعطاء هذه السلطة التقديرية للقاضي في التعزير مقيد بضوابط أهمها اختيار ما يراه
مناسبا من العقوبات المشروعة في التعزير ،للحالت التي تعرض عليه ،وتعتبر من المعاصي .فضلً
عن أن القاضي المسلم يجب أن يكون في غاية العدالة والورع ،وينبغي أن يكون عند المالكية
والشافعية والحنابلة بالغا رتبة الجتهاد .وبه يتبين أن سلطته ليست تحكمية ل ضابط لها ،أو ليس فيها
ضمانات للمتهمين ،أو أن المتهم قد يضار بها ،حتى بخطأ القاضي أو بجهله ،إن لم يكن بميله وظلمه
( . )1ومع ذلك فل بأس بتقنين العقوبات واعتماد الدولة نظاما محددا للجرائم والعقوبات التعزيرية،
فإن أصل التفويض في تقدير التعزير هو للمام أي رئيس الدولة إذا كان مجتهدا ،وتصدى للقضاء،
فإذا ناب عنه قضاة متخصصون ،تقيدوا بما يقيدهم به من أنظمة وقواعد.
هذا وقد اتفق الفقهاء على عدم تحديد أقل التعزير ،ولكنهم اختلفوا في تحديد أكثره ،فقال المالكية :هو
غير محدود ،بدليل إجماع الصحابة على أن معن بن زائدة ( )1زوركتابا على عمر رضي ال عنه،
ونقش خاتما مثل خاتمه ،فجلده مئة ،فشفع فيه قوم ،فقال :أذكروني الطعن ،وكنت ناسيا ،فجلده مئة
أخرى ،ثم جلده بعد ذلك مئة أخرى ،ولن الصل مساواة العقوبات للجنايات ،ولن الخليفة عمر ابن
عبد العزيز رحمه ال قال :تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور.
وقال أبو حنيفة :ل يجاوز بالتعزير أقل الحدود ،وهو أربعون جلدة (حد العبد في الخمر والقذف) بل
ينقص منه سوط واحد.
-------------------------------
( )1رسالة التعزير للدكتور عبد العزيز عامر :ص .50
( )2يظهر أنه معن بن أوس ،وهو غير معن المشهور بحلمه ،وهوغير صحابي أيضا.
( )7/224
وللشافعي قولن :أصحهما كرأي أبي حنيفة .وسأوضحه في بحثه أيضا ،ودليلهم خبر في الصحيحين:
أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال« :ل تجلدوا فوق عشر ،في غير حدود ال تعالى» ( )1وقد
أجيب عن هذا الحديث بسبب تقرير هؤلء الفقهاء الزيادة على عشرة أسواط بأنه محمول على التأديب
للمصالح ،الصادر من غير الولة كالسيد يضرب عبده ،والزوج يضرب زوجته ،والب يضرب ولده.
أو أن المراد به جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين والبهائم.
وقال الحنابلة ( : )2ل يبلغ بتعزير الحر أدنى حدوده ،إل فيما سببه الوطء ،فيجوز أن يبلغ بالتعزير
عليه في حق الحر مئة جلدة بدون نفي .وقيل :ل يبلغ المئة ،بل ينقص منه سوطا ،ويجوز النقص منه
على ما يراه السلطان.
ً - 2وجوب التنفيذ :الحدود ،والقصاص إذا لم يكن عفو من ولي الدم واجبة التنفيذ على ولة المر،
فليس فيها عفو ول إبراء ول شفاعة ول إسقاط لي سبب من السباب.
وأما التعزير فمختلف فيه ،فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد (الجمهور) :إن كان التعزير لحق ال تعالى
وجب تنفيذه كالحدود ،إل أن يغلب على ظن المام أن غير الضرب من الملمة والكلم يحقق
المصلحة ،أي أن التعزير ،إذا كان من حق ال تعالى ،ل يجوز للمام تركه ،لكن يجوز فيه العفو
والشفاعة إن رئيت في ذلك المصلحة ،أو كان الجاني قد انزجر بدونه.
أما التعزير الذي يجب حقا للفراد ،فإن لصاحب الحق فيه أن يتركه بالعفو أو بغيره ،وهو يتوقف
على رفع الدعوى إلى القضاء ،لكن إذا طلبه صاحبه ل يكون لولي المر فيه عفو ول شفاعة ول
إسقاط.
وقال الشافعي :التعزير غير واجب على المام ،إن شاء أقامه ،وإن شاء تركه ،بدليل ما ثبت في
الصحيح أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم لم يعزر النصاري الذي قال له في حق الزبير في أمر
السقي :أن كان ابن عمتك؟! يعني فسامحته ( ، )3ولن
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل النسائي عن أبي بردة بلفظ« :ل يجلد فوق عشرة أسواط ،إل في حد من حدود
ال تعالى» (نيل الوطار.)149/7 :
( )2القواعد لبن رجب :ص ،311المغني.324/8 :
( )3راجع نيل الوطار ،307/5 :أعلم الموقعين ،99/2 :جامع الصول ،565/9 :والحديث رواه
البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد ال بن الزبير.
( )7/225
التعزير غير مقدر ،فل يجب كضرب الب والمعلم والزوج (. )1
وأساس الخلف بين الحدود والتعازير في هذا :أن الحدود خالصة ل تعالى ،وأن القصاص من حق
الفراد ،فيجوز لهم العفو عنه ،وأن التعزير منه ما هو من حق ال تعالى ،ومنه ما هو من حق
الفراد.
- ً 3التفاق مع الصل أو القاعدة العامة :إن التعزير موافق الصل أو القاعدة العامة التي تقرر
ضرورة اختلف العقوبة باختلف الجريمة .أما الحدود فل تختلف باختلف جسامة الجريمة ،بدليل
تسوية الشرع في السرقة بين سرقة القليل كدينار ،وسرقة الكثير كألف دينار ،وفي شرب الخمر سوّى
الشرع في الحد بين شارب القطرة ،وشارب الجرة مثلً .وفي القصاص سوى بين قتل الرجل العالم
الصالح التقي الشجاع البطل وقتل الوضيع ،وهكذا.
- ً 4وصف الجريمة بالمعصية وعدمها :إن التعزير تأديب يتبع المفاسد ،وقد ل يصحبها العصيان
في كثير من الصور كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلحا لهم ،مع عدم المعصية.
أما الحدود المقدرة فلم توجد في الشرع إل في معصية ،عملً بالستقراء.
- ً 5سقوط العقوبة :إن التعزير قد يسقط ،وإن قلنا بوجوبه ،كما إذا كان الجاني من الصبيان ،أوا
لمكلفين إذا جنى جناية حقيرة ،ل تحقق العقوبة فيها المقصود ،لعدم كون العقوبة الخفيفة رادعة،
ولعدم إيجاب العقوبة الشديدة ،أما الحد فل يسقط بعد وجوبه بأي حال.
-------------------------------
( )1ورد على الستدلل بالحديث بأن التعزير حق لرسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فله تركه،
بخلف حق ال تعالى ليجوز تركه ،وكذلك رد على الستدلل بأنه غير مقدر :بأن غيرالمقدر قد
يجب كنفقات الزوجات والقارب ونصيب النسان في بيت المال.
( )7/226
- ً 6أثر التوبة :إن التعزير يسقط بالتوبة ،دون أن يعلم فيه خلف .أما الحد كما سأبين فليسقط
بالتوبة على الصحيح عند جمهور العلماء غيرالحنابلة ،إل الحرابة لقوله تعالى{ :إل الذين تابوا من
قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة.]34/5:
- ً 7التخيير :التخيير يدخل في التعازير مطلقا ،ول يدخل في الحدود ،إل في الحرابة.
- ً 8مراعاة الظروف المخففة :إن التعزير يختلف باختلف الفاعل والمفعول معه ،والجناية ،أي أنه
يختلف باختلف الشخاص والجريمة ،فل بد في عقوبة التعزير من اعتبار مقدار الجناية والجاني
والمجني عليه .أما الحدود فل تختلف باختلف فاعلها ،وليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم
الحدود والقصاص .ويلحظ أن هذا متمم للفرق الول.
- ً 9مراعاة مكان الجريمة وزمانها :إن التعزير يختلف باختلف العصار والمصار ،فرب تعزير
في بلد يكون إكراما في بلد آخر.
- ً 10حق ال وحق العبد :يتنوع التعزير نوعين :فمنه ما هو مقرر ،رعاية لحق ال تعالى،
كالعتداء على الصحابة أو القرآن ونحوه من انتهاك الحرمات الدينية .ومنه ما هو مقرر رعاية لحق
العبد ،أي الحق الشخصي ،كشتم فلن وضربه ونحوه.
أما الحدود فكلها عند أئمة المذاهب حق ل تعالى ،إل القذف ففيه خلف ،كما سيأتي بيانه .ومن
الفروق عند الشافعي بين الحد والتعزير :أن ما يحدث عن الحد من التلف هدر ،لكن إن حصل تلف
من التعزير فإنه يوجب الضمان بدليل فعل عمر حينما استدعى امرأة حاملً فخافت منه فألقت جنينا
ميتا ،فشاور عليا في المر فألزمه بدية الجنين ،قيل :على عاقلة ولي المر .وقيل :إنها تكون في
بيت المال.
وأما عند أبي حنيفة ومالك وأحمد ،فل ضمان مطلقا ،فمن حده المام أو عزره فمات من ذلك ،فدمه
هدر؛ لن المام في الحالتين مأمور بالحد والتعزير ،وفعل المأمور ل يتقيد بشرط السلمة (. )1
-------------------------------
( )1الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي ،355/4 :رد المحتار لبن عابدين 196/3 :وراجع
رسالة التعزير :ص 51ومابعدها.
( )7/227
( )7/228
( )7/229
أولً -مفاهيم عامة عن الجريمة وأوضاعها في العصر الحاضر بسبب غيبة الوازع الديني :
الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة ومستمرة ومتطورة ،ولها تأثيرات ضارة ومؤذية وهي في مفهوم
الناس سلوك شاذ يحظره قانون الدولة ،ويرتب له جزاء ،أو هي الخروج على أوامر قانون العقوبات
ونواهيه ( . )1ويتطور مفهوم الجريمة من زمن لخر ،ومن مجتمع لخر في الزمن الواحد.
والجريمة هي الجناية بالمعنى الخاص في اصطلح الفقه السلمي ،قال القاضي الماوردي :الجرائم
محظورات شرعية زجر ال تعالى عنها بحد أو تعزير ( . )2والمحظور إما إتيان منهي عنه أو ترك
مأمور به .والجناية بالمعنى العام :هي كل فعل محرّم شرعا ،سواء وقع الفعل على نفس أو مال
أوغيرهما .وهذا هو معنى الجريمة عند أغلب القانونيين ،فإنهم صوروها بأنها كل فعل ينهى عنه
القانون ويفرض له عقوبة.
والظاهرة الجرامية إحدى سمات المجتمعات بسبب الصراع على إشباع حاجات الفراد غير
المتناهية .ووجدت فكرة الجزاء بالفطرة في كل جماعة إنسانية ،وإن اختلفت صورته ،أو تباينت
وجهات النظر في تحديد أهداف العقوبة
-------------------------------
( )1الجريمة والتنمية للدكتور حسني درويش عبد الحميد :ص ،15 ،13قانون العقوبات القسم العام
للدكتور عمر السعيد رمضان :ص .35
( )2الحكام السلطانية :ص ،211ط صبيح.
( )7/230
بالنتقام من الجاني ،أو تطبيق العدالة ،أوإصلح المتهم وتهذيبه ( . )1والواقع أن الهدف من العقوبة
مجموع هذه المور ،فإن الجزاء للردع والتخويف ،وللصلح والتهذيب معا ،ولرضاء الشعور
بالعدالة في ضمير المجتمع ،وقد أدى التطور أخيرا إلى اعتبار العقوبة وسيلة دفاع عن المجتمع من
خطر الجريمة ،فالعقوبة بمعناها الحديث تؤدي وظيفتها الدفاعية عن المجتمع في لحظات ثلث:
اللحظة التشريعية :أي عند سن قانون العقوبات لظهار الخشية من العقاب ،واللحظة القضائية :أي
عند إصدار الحكم بالعقوبة ،لحماية المجتمع من جرائم جديدة تحدث فيه لو لم تلق الجريمة جزاءها،
واللحظة التنفيذية :أي عند توقيع العقوبة المحكوم بها لصلح الجاني عن طريق إيلمه ،حتى ل
يعود إلى الجريمة مرة أخرى ،وللجرائم أنواع كثيرة من الناحية الجتماعية ،فهناك جرائم ضد
الممتلكات كالسرقة وتسميم الماشية ،والحريق ،وجرائم ضد النفوس والفراد ،كالضرب والقتل وهتك
العرض ،وجرائم ضد النظام العام ،كجرائم أمن الدولة والتخريب والتجسس ،وجرائم على الدين وأهله
كالعتداء على أماكن العبادة وعلى المصلين ،وجرائم على السرة كإهمال الطفال والزنا والخيانة
الزوجية ،وجرائم ضد الخلق كالفعال الفاضحة الجارحة للحياء في الماكن العامة (. )2
وتنوعت الجرائم وتفنن المجرمون فيها في العصر الحاضر ،فارتكبوا جرائم لتكاد تخطر على بال،
كاغتصاب المرأة وهي تسير في شارع عام ،وخطف الطفال والنساء للبيع ،وهو الرقيق البيض،
ذكرت وكالة رويتر أن ضابطا كبيرا في قوة حرس الحدود في بنغلديش قال :إن أفراد الحرس أنقذوا
ل وامرأة وطفلً من البيع خارج البلد للعمل في البغاء واستخدامهم كمصادر
حوالي ( )60رج ً
-------------------------------
( )1الجرام والعقاب في مصر للدكتور حسن المرصفاوي :ص .231
( )2الجريمة والتنمية ،المرجع السابق :ص .22-21
( )7/231
لعمليات زرع العضاء البشرية .وقد تقدمت الحكومة في ( ) 1988/7/1بمشروع قانون إلى
البرلمان يقضي بإعدام بائعي بنات حواء ( . )1وتصاعدت عملية التجار بالطفال ،فهناك مليون
طفل يخطفون ويباعون سنويا في العالم ( ، )2ويوجد في الكيان الصهيوني اليوم 2000طفل برازيلي
مخطوفين،تزودهم لسرائيل ( )16عصابة تقوم بدراسة عمليات خطف الطفال .وتعيش فرنسا من
عدة أشهر في عامي ( ) 1988 (،) 87ظاهرة اجتماعية خطيرة هي ظاهرة خطف الفتيات دون
العاشرة من الماكن العامة لغتصابهن ثم قتلهن بصورة وحشية ( ، )3وبدأت فئات كثيرة تنادي
بإعادة عقوبة العدام.
وكثر تعاطي المخدرات والدمان عليها ،حتى ارتفع عدد ضحاياها في إيطاليا مثلً إلى ( )500قتيل
من جراء الدمان ،وكشفت إحصائية لمنظمة الصحة العالمية في عام ( )1985عن وجود ( )32مليون
مدمن في العالم ،وطالب مفتي مصر بإعدام تجار المخدرات علنية أمام الشعب في الساحات
العامة،للعظة والعبرة والزجر بسبب شيوع المخدرات في مصر (. )4
وتزايدت نسبة الجرائم في بريطانيا ،وكذا في المجتمع المريكي من قتل وسرقة واغتصاب واعتداء،
حتى بلغت في أمريكا أكثر من عشرة أضعاف ما كانت عليه بين ( ) 1964 ، 1950بسبب الرخاء
والزدهار القتصادي في كل من مدينة نيويورك وأطلنطا وبوسطن ،وتفشت ظاهرة المخدرات في
أوربا وآسيا وأفريقيا ،وكثر المصابون باليدز أو الشذوذ الجنسي ،حتى بلغ عددهم في العالم
-------------------------------
( )1جريدة البيان في المارات بتاريخ 1988/7/2م.
( )2جريدة التحاد في المارات بتاريخ 1988/6/23م.
( )3جريدة التحاد المرجع السابق بتاريخ ،88/4/30و 1988/10/3م.
( )4جريدة الفجر في المارات بتاريخ 1988/9/22م ،التحاد 1988/10/8م.
( )7/232
أكثر من عشرة مليين من الذكور والناث ( . )1وزادت نسبة جرائم النهب والسلب في بريطانيا في
عام ( ) 1987بنسبة ( )%12وبلغت ( ) 000،45جريمة ،بسبب زيادة معدل الرخاء ،وغيبة الوازع
الديني ،فإن المدنية الحديثة البعيدة عن هدي ال والدين وتعاليمه أفرزت مثل هذه الظواهر الجرامية
الشاذة ،كما أفرزت فلسفات مادية منحدرة ،وكلها تؤذن بتدمير وتخريب معالم الحضارة الحديثة
القائمة على مجرد المادة ،وتغفل جانب الخلق والدين والقيم النسانية ،والخروج عن مبادئ العدالة
والمساواة .ومثال ذلك :يعتبر عدد السجناء الذين ينتظرون الموت في الوليات المتحدة المريكية
أعلى رقم سجل في ذلك البلد عام ( ،)1986ويتزايد معدل تنفيذ العدام بصورة مستمرة ،وتشير
الدلة إلى أن استخدام عقوبة العدام في أمريكا يقوم على أساس تعسفي ومتحيز عنصريا وغير
عادل ،ويشمل من ينتظرون الموت رجالً ونساء ،مرضى عقليين أو متخلفين عقليا ،وأشخاصا ما
زالت أعمارهم أقل من( 18عاما ) ،أو كانت أعمارهم أقل من( 18عاما ) عندما ارتكبوا جرائمهم،
ونصف هؤلء تقريبا من السود ،والكثير منهم قد أدين بموجب سلطات قضائية ،وجسدت الدراسات
أن تطبيق عقوبة العدام فيها قائمة على التمييز العنصري (. )2
وتقدم العلوم والفنون لم يكن سببا لمنع الجرائم؛ لن الغالب على العلوم المعاصرة الصبغة المادية
المحضة ،البعيدة في الكثر عن النزعة النسانية ،أما العلوم النسانية فهي التي تهذب المشاعر،
وتقوّم الطبائع ،وتقلّل الجرائم ،ولكن دورها في الحياة الحاضرة والحضارة المادية الحديثة ضعيف
التأثير في الغالب ،مع أن الشأن في العلم أو المعرفة أن يكون طريقا لنخفاض معدل الجرائم ،وإذا
وجد الجهل ارتفعت نسبة الجرائم.
-------------------------------
( )1المجلة العربية للدراسات المنية في الرياض ،شهر ذي الحجة 1406هـ الموافق شهر آب
«أغسطس» عام 1986م .ص .106
( )2نشرة منظمة العفو الدولية عام :1986ص .1
( )7/233
ثانيا -أصول السياسة العقابية أوالجنائية السلمية :
إن استراتيجية منع الجريمة وقيامها بوظيفتها تتطلب في رأي فلسفة القوانين الوضعية تحقيق أهداف
السياسة الجنائية ،وضرورة تميزها بالخصائص التالية:
- 1الشمول :بمعنى أن تطبيق الستراتيجية على جميع مجالت السياسة الجنائية بالتجريم والعقاب
والمنع.
- 2متكاملة :بمعنى أن تتفق مع الهداف السياسية والجتماعية والقتصادية.
- 3عملية :بمعنى قيام الستراتيجية على منهج عملي ،فينظر مثلً في مدى فاعلية العقوبات السالبة
للحرية من حبس وسجن مع الشغال الشاقة في تحقيق غاية معينة هي تأهيل المجرم للحياة
الجتماعية (. )1
ونحن نلحظ أن هذه الخصائص كلها مرعية في نظام السياسة العقابية في السلم ،أما الشمول فكل
المجالت الجنائية للحياة المعاصرة تستوعبها أنظمة التحريم والحظر والمنع والتجريم والعقاب ،فما
من أمر ضا ّر بمصلحة الفرد والجماعة إل وقد حرّمته الشريعة وعاقبت عليه إما بعقاب أخروي أو
دنيوي .وأما التكامل ،فإن أنظمة التجريم والعقاب في السلم تحقق جميع الهداف المرجوة السياسية
والجتماعية والقتصادية ،مثل عقوبات البغاة وقطاع الطرق والزنى والقذف والعتداء على الموال
والشخاص بالسرقة والخطف والغتصاب والختلس والنهب والحريق ونحو ذلك.
-------------------------------
( )1الجريمة والتنمية ،د /حسني درويش :ص .89
( )7/234
وأما الهدف العملي من العقوبة فواضح من خلل تطبيقها إذا التزمت ضوابط الشريعة وآدابها في
التنفيذ والرقابة والرعاية والتوجيه ،ومحاولت الصلح المتكررة في السجون بأساليب مختلفة تشمل
الوعظ والرشاد ،والتشغيل وإيقاظ الضمير ،والحساس بمخاطر الجريمة ،فإن كثيرا من السجناء ما
عدا زمرة شاذة كان السجن مثلً في الجرائم التعزيرية وسيلة لصلحهم وعودتهم أسوياء ومواطنين
صالحين ،استقاموا على منهج الحياة الصحيحة.
وفضلً عن ذلك فإن للسياسة الجنائية السلمية مجالً آخر يتمثل في أسلوب المنع والوقاية من
الجريمة قبل وقوعها ،بواسطة نظام الحسبة وهي المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،في جميع
مرافق الحياة ،وبخاصة في السواق العامة ،كما أن اتباع أساليب الدين وأحكامه الشرعية والهتداء
بهديها في العبادات والمعاملت والخلق ،ووعظ الناس بتعاليم دينهم ،وإرشادهم إلى الطريق السوي،
والعتماد على عناصر الترغيب والترهيب بآي القرآن الكريم والحاديث النبوية ،كل ذلك سيؤدي
حتما إلى صلح المجتمع والفراد ،ويقلل من عدد الجرائم المرتكبة ،لما له من أثر ملحوظ في
التربية والثقافة والتهذيب الخلقي والجتماعي ،وتقويم النحراف ،والدفع اليجابي إلى حياة أفضل
وأقوم.
( )7/235
( )7/236
وعدم العقاب الدنيوي ل يعني الباحة أو الحل ،فإن العقاب الخروي أشد وأنكى ،وأخطر وأدوم،
فيكون تحريم الحرام أمرا وقائيا لتجنب الوقوع في المخاطر والمضار والمفاسد والشرور
والمنازعات ،والتأمل في ذلك يدفع المرء إلى التزام جادة الستقامة ،والبعد عن كل ما حرمه الشرع،
لئل يؤدي اقترافه الحرام إلى جريمة ،وهذا من خصائص الشريعة والدين السماوي الذي يميزه عن
أي نظام قانوني وضعي ل يهتم بالممنوع إل إذا أدى إلى المساس بالعلقات الجتماعية .وقد يشمل
المنع دائرة المشتبهات خشية التورط في الحرام والممنوع ،فيكون اجتناب المشتبه فيه أولى وأسلم،
لئل يقع النسان في جريمة ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :الحلل بيّن ،والحرام بيّن ،وبينهما
أمور مشتبهات ،ل يعلمهن كثير من الناس ،فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وقع
في الشبهات ،وقع في الحرام ،كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،أل وإن لكل ملك
حمى ،أل إن حمى ال محارمه. )1( »..
فهذه الحكام الحاظرة أو المانعة أحكام وقائية ذات أثر تربوي واضح ،تعمل على منع الجريمة
واقترافها.
ومن أهم الحكام الوقائية كما تقدم نظام المر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يطلب من كل مسلم
في صريح كثير من اليات القرآنية ،والحاديث النبوية ،ويتكرر التذكير به أيام الجمعة والعياد ،قال
ال عز وجل{ :ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،وأولئك
هم المفلحون} [آل عمران .]104/3:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :من رأى منكم منكرا ،فليغيره
بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اليمان» ( . )2وفي حديث آخر
أخرجه الترمذي عن أبي هريرة« :من غشنا فليس منا» .
وقام على أساس هذه الوامر نظام الحسبة الذي يقي الفراد والمجتمع من غائلة الجريمة .والحسبة
كما تقدم :أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ،ونهي عن منكر إذا
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي ال عنه.
( )2أخرجه المام أحمد ومسلم وأصحاب السنن الربعة عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه.
( )7/237
ظهر فعله ( . )1أو هي وظيفة دينية من باب المر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،كما قال ابن
خلدون (. )2
والحسبة وإن كانت واجبا عاما على كل مسلم ،إل أنها إذا أصبحت نظاما أو وظيفة صارت فرض
عين على المحتسب بحكم وليته أو وظيفته المأجورة .ويتولى المحتسب وظائف لها صلة بالقضاء
والمظالم والشرطة ،فهو ينظر في المنازعات الظاهرة التي تحتاج إلى أدلة إثباتية ،كدعاوى الغش،
والتدليس والتطفيف ،فهو بهذا كالقاضي ،ويؤدب مرتكبي المعاصي التي ترتكب جهرا ،أو تخل بآداب
السلم ،فهو بهذا كناظر المظالم يرعى النظام العام والداب والمن في الشوارع والسواق مما ل
تجوز مخالفته ،فيكون بذلك كالشرطة أوالنيابة العامة (. )3
ويشمل قيامه بواجبه في نطاق المر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يتعلق بالجماعة أو الفراد
كترك الواجبات الدينية العامة ،الشعائر وغيرها ،وتعطل مرافق البلد العامة من مساجد وشوارع،
ومماطلة في أداء الحقوق والديون ،وكفالة الصغار والمطالبة بترويج الفتيان والفتيات .وفي
المحظورات يمنع الناس من مواقف الريب ومظان التهمة ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :دع ما يريبك
إلى ما ل يريبك» ( )4مثل اختلط النساء بالرجال في المساجد والماكن العامة ،والمجاهرة بإظهار
المسكرات والملهي المحرمة .ويمنع المعاملت المنكرة كالربا والبيوع الفاسدة وما منع الشرع منه
كالغش والتدليس وبخس الكيل والميزان.
-------------------------------
( )1الحكام السلطانية للماوردي :ص .231
( )2مقدمة ابن خلدون :ص .576
( )3المرجعان السابقان.
( )4رواه الترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي ال عنهما.
( )7/238
وأما المؤيدات فهي إما مدنية أو جزائية،والمؤيدات المدنية أربعة :هي البطلن والفساد والتوقف (عدم
النفاذ) وعدم اللزوم ،فكل عقد لم تكتمل أركانه أو شرائطه ،فهو إما باطل أو فاسد أو موقوف أو غير
لزم .والمؤيدات الجزائية هي العقوبات الرادعة ،وهي الحدود والتعزيرات .والمؤيدات بقسميها
شرعت لحماية أحكام الشريعة الصلية ،فيكون لحكام الشريعة إما دور وقائي ،أو علجي ،وكل من
الوقاية والعلج سبب للصلح ومنع الجرام والنحراف ،كما سيأتي بيانه.
رابعا -أنواع العقوبات في السلم وأثرها في منع الجريمة :
الجزاء أو العقاب في شرعة السلم إما أخروي وإما دنيوي ،والعقاب الخروي مردّه إلى ال تعالى،
إن شاء عذب العاصي أو المجرم ،وإن شاء غفر ورحم ،وال غفور رحيم ،وهو شديد العقاب،
والمؤمن الحق يخشى من عقاب الخرة وعذاب النار أكثر من عقاب الدنيا.
والعقوبة الخروية :يمليها قانون الحق والعدل ،قال ال تعالى{ :أم نجعل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات كالمفسدين في الرض ،أم نجعل المتقين كالفجار} [ص ]28/38:وقال سبحانه{ :أفنجعل
المسلمين كالمجرمين ،ما لكم كيف تحكمون} [القلم .]36-35/68:فليس عدلً أبدا ول منطقا وعقلً أن
يتساوى العاصي مع الطائع ،والمنحرف مع المستقيم ،لذا كان يوم الدين أو يوم القيامة يوم الجزاء
الفاصل هو أمل المعذبين والمظلومين في الدنيا .روى المام مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت
رضي ال عنه ،قال :كنا مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم في مجلس :فقال« :تبايعوني على أن ل
تشركوا بال شيئا ول تزنوا ،ول تسرقوا ،ول تقتلوا النفس التي حرّم ال إل بالحق ،فمن وفّى منكم
فأجره على ال ،ومن أصاب شيئا من ذلك ،فعوقب به ،فهو كفارة له ،ومن أصاب شيئا من ذلك،
فستره ال عليه ،فأمره إلى ال :إن شاء عفا عنه ،وإن شاء عذبه» .
( )7/239
وما أكثر اليات القرآنية المعبرة عن مبدأ النصاف المطلق المذكور ،وعن عدالة ال الشاملة في
عباده الذين امتثلوا ،أوخالفوا وقصروا ،أو كانوا رسل خير وهداية وإصلح أو دعاة شر وضلل
وفساد ،ليكون ذلك مبعث الستقامة ،وتهديدا وترهيبا للجناة والمجرمين ،قال ال تعالى{ :ولتكن منكم
أمةٌ يَدعون إلى الخير ،ويأمرون بالمعروف ،ويَنْهون عن المنكر ،وأولئك هم المفلحون .ولتكونوا
كالذين تفرّقوا واختلفوا ،من بعد ما جاءهم البيّنات ،وأولئك لهم عذاب عظيم .يوم تبْ َيضّ وجوه،
وتسوّد وجوه ،فأما الذين اسوّدت وجوههم ،أكفرتم بعد إيمانكم ،فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون .وأما
الذين ابيضت وجوههم ،ففي رحمة ال هم فيها خالدون .تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق ،وما ال
يريد ظلما للعالمين} [آل عمران.]108-104/3:
وأما العقوبات الدنيوية في السلم ،فهي نوعان:
1ـ الحدود :وهي العقوبات المقدرة من الشارع نوعا ومقدارا بالنصوص الصريحة ( ، )1وهي
محدودة جدا ،وعددها خمسة أنواع في رأي الحنفية :حد الزنا ،وحد القذف ،وحد السرقة ،ويشمل حد
الحرابة أو قطع اليد ،وحد شرب الخمر ،وحد المسكر ،وقد قصروها على ما شرع حقا ل تعالى ،أي
مراعاة للصالح أو النفع العام ،ولم يجعلوا القصاص من الحدود ،لن المقصود به والغالب فيه مراعاة
حق العبد أو النسان.
-------------------------------
( )1المبسوط للسرخسي ،36/9 :فتح القدير ،112/4 :البدائع ،33/7 :تبيين الحقائق للزيلعي:
،163/3رد المحتار لبن عابدين على الدر المختار ،154/3 :اللباب شرح الكتاب.72/2 :
( )7/240
والحدود عند جمهور العلماء ( )1غير الحنفية سبعة :هي حد الزنا ،وحد القذف ،وحد السرقة ،وحد
الحرابة ،وحد المسكرات الشامل للخمر وجميع النبذة المسكرة ،وحد القصاص ،وحد الردة ،باعتبار
أن الحد عقوبة مقدرة حدّها ال تعالى وقدرها ،فل يجوز لحد أن يتجاوزها ،سواء أكان المقصود
منها مراعاة حقوق ال تعالى ،أي الحق العام أو مصلحة المجتمع ،أم مراعاة حقوق الناس الخاصة،
ومنها القصاص .وسميت هذه العقوبات حدودا ،لنها تمنع من الوقوع في الجرم أو الذنب.
ويقصد بالحدود كلها مراعاة حق المجتمع في أصل العقاب للتأديب والنزجار عما يتضرر به الناس،
وتحقيقا لمصلحة المن والستقرار ،والحفاظ على حرمات الحياة وصيانة العراض والنفوس والعقول
والموال عن التعرض لها ( ، )2ويراعى فيها أيضا حق الشرع في نوع العقوبة المقدرة المنصوص
عليها إما في القرآن الكريم :وهي حدود الزنا والقذف والسرقة والحرابة والقصاص ،وإما في السنة
النبوية وهي حد المسكرات والرجم.
والقصد من النص على هذه الحدود بالذات تقدير الشرع مالجرائمها من خطورة بالغة ،تمس أصول
القيم النسانية ،وهي الحفاظ على حق الحياة (النفس) والفكر النساني (العقل) والعرض (حد الزنا
والقذف) والمال (السرقة والحرابة) والدين أو العقيدة الذي هو أسمى شيء في الوجود.
وتطبيق هذه الحدود الشرعية بضوابطها وشرائطها المقررة شرعا ،وهي كثيرة
-------------------------------
( )1مواهب الجليل للحطاب ،277/6 :التاج والكليل للمواق 277/6 :الطبعة الولى ،مغني المحتاج:
،155/4حاشية البجيرمي علي الخطيب ،140/4 :ط بيروت كشاف القناع ،77/6 :ط بيروت.
( )2المراجع السابقة.
( )7/241
جدا ،مما يجعل احتمال تطبيق الحد نادرا ،كفيل بمنع هذه الجرائم الخطيرة ،والواقع أصدق شاهد في
البلد التي تطبق فيها الحدود كالسعودية.
وجرائم الحدود عند الجمهور ثمانٍ :هي الزنا ،والقذف ،وشرب المسكر ،والسرقة ،والحرابة ،والبغي،
والردة ،والقتل العمد الموجب للقصاص ،على أساس أن عقوباتها جميعا مقدرة شرعا .وقال ابن جزي
المالكي :الجنايات أي الجرائم الموجبة للعقوبة ثلث عشرة :وهي القتل والجرح ،والزنا ،والقذف،
وشرب الخمر ـ علما بأن كل مسكر خمر ـ والسرقة ،والبغي ،والحرابة ،والردة ،والزندقة ،وسب
ال ،وسب النبياء والملئكة ،وعمل السحر ،وترك الصلة والصيام (. )1
وزيادة العدد في تقدير ابن جزي منشؤه ضم عقوبات تعزيرية ليس منصوصا عليها صراحة في
القرآن والسنة ،وإنما باجتهاد الفقهاء إجماعا ،أو بالكثرية ،علما بأن العقوبة واحدة وهي القتل في
القصاص ،وفي الزندقة والسب والسحر وترك الصلة والصيام.
- 2التعزيرات :وهي العقوبات غير المقدرة شرعا ،وإنما فوض الشرع النظر في نوعها ومقدارها
إلى ولي المر (الدولة) لمعاقبة المجرم بما يكافئ جريمته ،ويقمع عدوانه ،ويحقق الزجروالصلح،
ويراعي أحوال الشخص والزمان والمكان والتطور ،وذلك يختلف باختلف درجة الرقي وتحضر
المجتمعات ،وتهذيب الجماعات وأحوال الناس في مختلف الزمنة والمكنة.
وأغلب العقوبات في القوانين الوضعية من قبيل التعزير ،لنها مجرد تنظيم يراعى فيه ما يلئم
الجريمة وحال المجرم للزجر والصلح والتقويم والتهذيب ،وتحقيق المن والستقرار.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،344ط فاس.
( )7/242
والتعزير يكون في كل جريمة ل حد فيها ول كفارة ،سواء أكانت اعتداء على حق ال تعالى ،كالكل
في نهار رمضان بغير عذر ،وترك الصلة في رأي الجمهور ،والربا وطرح النجاسة وأنواع الذى
في طريق الناس ،أم على حق الفراد أو العباد ،كتقبيل الجنبية أو المفاخذة ،وسرقة ما دون النصاب
الشرعي (دينار أوعشرة دراهم في رأي الحنفية) والسرقة من غير حرز ،وخيانة المانة ،والرشوة،
والقذف والسب واليذاء بغير ألفاظ القذف.
قال ابن القيم :إن المعاصي ثلثة أنواع :نوع فيه الحد ول كفارة فيه ،كالسرقة والشّرب والزنا
والقذف ،فالحد فيه مغنٍ عن التعزير .ونوع فيه الكفارة ول حد فيه كالوطء في نهار رمضان عند
الشافعية والحنابلة بعكس الحنفية والمالكية ،والوطء في الحرام .ونوع ثالث ل حد فيه ول كفارة،
مثل قبلة الجنبية والخلوة بها ،ودخول الحمام بغير مئزر ،وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير ،ونحو
ذلك ،وهذا النوع فيه التعزير ،ول يجوز للمام تركه في قول الجمهور ،وقال الشافعية :إنه راجع إلى
اجتهاد المام في إقامته وتركه ،كما يرجع إلى اجتهاده في قدره (. )1
والعقوبات التعزيرية كالتوبيخ ،والحبس ،والضرب ،والتغريم بالمال ،والقتل سياسةً لمعتادي الجرام
وفي جرائم أمن الدولة والتجسس واللواط وسب النبي صلّى ال عليه وسلم ،ونحو ذلك مما يراه
الحاكم ولي المر رادعا للشخص ،بحسب اختلف حالت الناس والزمان والمكان ودرجة الرقي
والحضارة.
وتطبيق هذه العقوبات دون إفساح المجال للتحايل والشفاعة والرشوة يؤدي إلى القلل من الجريمة أو
منعها.
والخلصة :أن تطبيق الحدود الشرعية بمعاييرها وضوابطها وشرائطها والتعازير دون تلكؤ ول
مجاملة ،ومراعاة التفاوت بين موجب الحد وموجب التعزير ،يؤدي إلى تحقيق سلمة المجتمع ،وأمن
الناس واستقرارهم ،والقضاء على ظاهرة الجرام تدريجيا.
-------------------------------
( )1أعلم الموقعين.99/2 :
( )7/243
( )7/244
لذا قدم ال سبحانه للناس جميعا كل وسائل القناع ،والبراهين العقلية والحسية ،والرشاد إلى اليمان
الصحيح وتوحيد ال ،ونبذ كل هياكل الوثنية والشرك ،ثم أرشدهم إلى ما فيه السعادة في الدنيا
والخرة ،ودلهم على طرق الخير والبر والحسان ،ونوّع الساليب ،وألقى المواعظ والعبر ،وضرب
المثال من قصص المم الغابرة ،وشد النظار نحو التأمل في الكون ،ونبّه العقول والفكار ،وأيقظ
الضمير والوجدان ،وأهاب باستقلل الشخصية عن الخرين ،وحارب الموروثات السيئة والتقليد
العمى للباء والجداد ،من أجل تغيير العقيدة الفاسدة أو المشوهة أو المنعدمة وإصلح الخلق،
ووضع النظمة الصالحة للحياة الهانئة السعيدة المستقرة ،والتخلص من فوضى الجاهلية ،والوثنية
الدينية.
التدرج في الصلح :في حال البيان السابق تدرج القرآن في خطوات الصلح الجتماعي والفردي،
ولم يفاجئ الناس بجميع بنود التغيير والصلح ،وإنما روّضهم على تقبل أحكام الشريعة ببطء
وانتظار وقت غير قصير ،فلما استحكم العناد بالزعماء والقادة والكبراء ،واستكبروا عن سماع الحق،
والصغاء للفضل ،وتكررت منهم محاولت العتداء على أهل القرآن واليمان ،وتعذيب
المستضعفين ،وفتنة التباع الضعفاء لمدة ثلثة عشر عاما في مكة ،بعد أن حصل منهم كل هذا
وغيره ،تنزلت آيات الوحي ملى بالزجر والقوة والتهديد والوعيد ،والنذار بالعقاب والتحذير من
تعجيل العذاب الشديد ،فأعذر الحق سبحانه وتعالى نفسه من هؤلء المعاندين المعرضين علوا في
الرض واستكبارا ومكرا سيئا ،وحفاظا على الزعامات والرياسات والمصالح المادية ،وتبين للناس
قاطبة أن شيئا سيحدث ،وأن المقصرين والمعرضين عن إجابة نداء الوحي والقرآن بالصلح
والقلع عن الجريمة جديرون بالتأديب مستحقون للعقاب.
( )7/245
أدلة وجوب البيان السابق :تم العلن الشهير في آي القرآن عن قبح العقاب بل بيان ،فقال ال تعالى:
{رسلً مبشرين ومنذرين ،لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل} [النساء ]165/4:ثم أوضح
القرآن كل ما يقطع العذار والمهال والتراخي في الستجابة لرسالة الصلح ،فقال تعالى{ :ولو أنا
أهلكناهم بعذاب من قَبْله ،لقالوا :ربّنا لول أرسلت إلينا رسولً ،فنتّبِع آياتِك من قبل أن َنذِل و َنخْزَى}
[طه ]134/20:وقدّم سبحانه العذر قبل مفاجأة العذاب الخروي ،فقال{ :كلما ألقي فيها فوج ،سألهم
خزنتها :ألم يأتكم نذير؟ قالوا :بلى قد جاءنا نذير فكذّبنا وقُلْنا :مانزّل ال من شيء ،إن أنتم إل في
ضلل كبير} [المُلك ]9-8/67:ونفى القرآن الكريم احتمال تطبيق العقاب قبل بعثة الرسل المزوّدين
بأنواع الهداية ،والتعريف بأصول الحياة المستقيمة والزدهار والحضارة والرشاد إلى أرقى النظمة،
فقال ال تعالى{ :وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولً} [السراء.]15/17:
وسواء قلنا :إن الرسول :هو المرسل بهداية إلهية ومواعظ سماوية وأحكام تشريعية ،وهو الحق
المتبادر إلى الذهن ،وهوقول جمهور المسلمين ،أو إن الرسول هو العقل ،كما يقول المعتزلة ،فإن
العقل ل يعدو أن يكون أحد وسائل الهداية اللهية؛ لن الهداية أنواع :هداية ال وتوفيقه وعونه،
وهداية الحواس من السمع والبصر والفؤاد وهداية العقل والفكر ،وكل هذه النواع مقدمة على
الحساب والعقاب والتكليف وتنفيذ النظام أو القانون اللهي.
( )7/246
أدلة التسامح في العقاب :مما يدل على عدم الحرص الشديد في الشريعة على تطبيق العقاب كما ذكر
سابقا :أن القرآن في مجال تبيان مهام النبياء والرسل جعل العقوبة أو القوة آخر ما يلجأ إليه في
أساليب الحكم في السلم ،فقال ال تعالى{ :لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات ،وأنزلنا معهم الكتاب والميزانَ،
ليقوم الناسُ بالقِسْط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافعُ للناس ،وليعلمَ ال من ينصره ورسله بالغيب
إن ال قويّ عزيز} [الحديد ]25/57:قرن ال سبحانه إنزال الكتب والمر بالعدل بإنزال الحديد ،إشارة
إلى أن الكتاب يمثل القوة التشريعية ،والعدل يمثل القوة القضائية ،وإنزال الحديد ،وهو آخر السس،
يمثل القوة التنفيذية المؤيدة للحكام التشريعية ،سواء بعقوبة المجرمين في داخل الدولة السلمية أو
بعقوبة المعتدين غير المسلمين خارج حدود الدولة بالجهاد واستخدام السلح ،والستعداد للقتال ،لن
الستعداد للحرب يمنع الحرب في العرف الشائع ،قال المام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين في
تفسيره المشهور عند هذه الية :يقول ال تعالى في الية السالفة :لقد أرسلنا رسلنا بالمفصّلت من
البيان والدلئل وهذا هو الول ،وأنزلنا معهم الكتاب بالحكام والشرائع ،وهذا هو الثاني ،والميزان
بالعدل ،وهذا هو الثالث ،وأنزلنا الحديد ،وهذا هو الرابع ،لما فيه من قوة شديدة ومنافع للناس ،وذلك
ما ينتفعون به عند لقائهم العدو ،وغير ذلك من منافعه.
( )7/247
التوبة :كما أن هداية ال سبقت إنذاراته وتهديداته وعقوباته ،كذلك بعد ارتكاب الجرم أو الذنب سبقت
رحمته غضبه وسخطه ،ولم يكن السلم في كل تشريعاته حريصا على إنزال العقوبة الصارمة فورا
بالمخطئين ،وإنما ترك لهم فرصة للصلح الداخلي النابع من القناعة الذاتية ،والرضا بالقلع عن
الجريمة ،والندم والتوبة المكفّرة للذنوب ،حتى إن التوبة في رأي فقهاء الحنابلة ،وعلى رأسهم المام
أحمد رحمه ال تسقط جميع العقوبات من الحدود وغيرها،من غير اشتراط مضي زمان؛ لقوله صلّى
ال عليه وسلم « :التائب من الذنب كمن ل ذنب له» ( )1وقوله عليه الصلة والسلم« :التوبة تجبّ
ما قبلها» ( )2ولن في إسقاط الحد ترغيبا في التوبة ،وذلك ما عدا حد القذف ،فإنه ل يسقط ،لنه
حق آدمي ،أو حق شخصي .ول خلف بين العلماء في أن المحاربين أو قطاع الطرق إن تابوا قبل
القدرة عليهم ،وإلقاء سلطة القبض عليهم ،تسقط عنهم حدود ال تعالى من قتل ،وقطع يد ورجل من
خلف ،ونفي وصلب؛ لقوله تعالى في آية المحاربين{ :إل الذين تابوا من قبل أن َتقْدِروا عليهم
فاعلموا أن ال غفورٌ رحيمٌ} [المائدة.]34/5:
ولقد اشتد غضب النبي صلّى ال عليه وسلم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر أمامه بالزنا،
وأعرض عنه ثلث مرات ،وأظهر الكراهية من قوله ،بل لقنه الرجوع عن القرار بالزنا بقوله:
«لعلك مسستها ،لعلك قبّلتها!» وقال لصحابه حينما هرب ماعز أثناء رجمه ،فاتبعوه« :هل تركتموه،
لعله أن يتوب ،فيتوب ال عليه» (. )3
الشبهة :إن الشبهة بأنواعها العديدة في الجريمة ،سواء أكانت شبهة في الفعل ،أم شبهة في الفاعل ،أم
شبهة في المحل ،تدرأ الحدود وتسقطها ( )4؛ لقوله
-------------------------------
( )1أخرجه ابن ماجه ،والطبراني في الكبير والبيهقي عن ابن مسعود رضي ال عنه.
( )2المعروف أن التوبة تصح بالسلم ،والسلم يجب ماكان قبله كما في الحديث الذي رواه ابن
سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم ،وضعفه السيوطي ،أما حديث « التوبة تجب ماقبلها » فهو
مذكور في مغني المحتاج للخطيب ،184/4 :والمغني لبن قدامة ،201/9 :وتؤيده أحاديث في معناه
في مجمع الزوائد 199/10 ،31/1 :ومابعدها ،منها حديث « الندم توبة » رواه الطبراني في الصغير
عن أبي هريرة ،ورجاله وثقوا ،وفيهم خلف.
( )3رواه أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه ،ورواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة.
( )4فتح القدير ،147 ،140/4 :البدائع ،36/7 :حاشية ابن عابدين.165/3 :
( )7/248
صلّى ال عليه وسلم « :ادرأوا الحدود بالشبهات ،ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم» (. )1
«ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيله ،فإن المام لن
يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» ( . )2قال ابن المنذر :أجمع كل من نحفظ عنه من
أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات ،فمن زنى أو سرق أو شرب خمرا جاهلً بالتحريم بأن أسلم
حديثا أو نشأ في بلد بعيد عن العلما ء أو سرق الدائن من مدينه مايعادل دينه ،ولو كان الدين مؤجلً،
أو سرق الضيف من مضيفه ،أو سرق أحد الزوجين من الخر ،أو سرق الشخص من أحد أقاربه
المحارم ،أو ادعى المتهم وجود زوجية بينه وبين امرأة ،فل يقام عليه الحد؛ لن الشبهة تجعل له
معذرة.
-------------------------------
( )1أخرجه ابن عدي عن ابن عباس ،وأخرجه مسدّد في مسنده موقوفا على ابن مسعود ،وهو حسن،
وأخرجه آخرون مرفوعا مرسلً.
( )2أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة وغيرها ،وفيه ضعيف ،لكن له طرق يقوي بعضها
بعضا ،قال البيهقي :الموقوف أقرب إلى الصواب.
( )7/249
تقدير المخاوف والمخاطر :هناك بواعث داخلية نفسية ودينية كثيرة تبعث النفس على القلع عن
الخطيئة ،وهي مقبولة عرفا وقضاءً ،أهمها الشعور بالندم ،والخوف من عقاب ال وعذابه في الخرة،
وخشية ال في السر والعلن ،والحياء من ال ومن الناس ،ومن رقابة السلطة أو الدولة ،وتقدير مخاطر
الزج في قيعان السجون والتشهير وتشويه السمعة بالمثول أمام القضاء ،ومحاكم الجنايات والجرائم،
والتأثير على مورد المعيشة بالفصل من العمل أو الوظيفة مثلً ،وسقوط العتبار وسوء السمعة بين
الناس ،وغير ذلك من المثبّطات التي تضعف روح القدام على الجريمة ،وكلها من الدواعي
والسباب المانعة من الجرام .كما أن تنمية الوازع الديني وإذكاء العاطفة والحرارة الدينية ،والتربية
الخلقية التي يغرسها
السلم في نفوس المؤمنين ،كلها عوامل أيضا لضغاف بواعث القدام على الجريمة ،والصد عن
اقتراف المعصية حتى يكاد ذلك كله يمنع النحراف ،وليس أدل على ذلك من أن نسبة الجرائم في
البلد السلمية أقل عددا ،وأخف خطرا ،وأرقى نوعا مما نسمعه ونشاهده من جرائم عديدة ومتنوعة
في البلد المتطورة أو المتقدمة المتمدنة حديثا كما سبق بيانه.
( )7/250
المل في العفو :هناك آمال معقودة في القضاء يقرها الشرع عند النظر في التهمة ،بإصدار الحكم
بالبراءة لعدم ثبوت أو كفاية الدلة ،أو العفو من الحاكم أو رئيس الدولة ،أو بإسقاط المدعي حقه
الشخصي ،أو بحكم القاضي بوقف التنفيذ أو تأجيل تنفيذ الحكم الجزائي ،أو بإعطاء القاضي سلطة
تقديرية مرنة في اللجوء إلى أخف العقوبات ،أو العفو عنها في نطاق التعزيرات «أي العقوبات
المفوضة إلى رأي القضاة نوعا ومقدارا» في غير دائرة الحدود أو بالتخيير بين حدين أدنى وأعلى،
وهي دائرة واسعة تشمل أكثر الجرائم ،وتكاد تكون عقوبات القوانين الجزائية كلها والمطبقة في البلد
العربيةوالسلمية ،تدخل تحت اسم التعزيرات ،كما أن احتمالت العفو من صاحب الحق الشخصي
كثيرة ،لترغيب القرآن الكريم بالعفو والصفح ،قال ال تعالى{ :والكاظمين الغيظ ،والعافين عن الناس،
وال يحب المحسنين} [آل عمران ]134/3:وقال تعالى{ :وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة.]237/2:
حكمة تنوع العقاب :اقتضت الحكمة اللهية كما تقدم أن يكون العقاب في السلم نوعين :العقاب
الخروي ،والعقاب الدنيوي.
( )7/251
الول :الذي هو أشد وأنكى وأدوم وأخطر مؤجل أو مرجأ لنهاية الحياة النسانية ،كما عرفنا ،لعطاء
الفرصة الكافية أمام البشر عبر مسيرة حياتهم لتدارك ما قصروا فيه ،وإصلح ما أفسدوه،وتصحيح
ما أخطؤوا فيه ،والقلع عن كل مخالفة تغضب ال عز وجل .ولعل أخطر ما تجب ملحظته أن
أخطر الجرائم في السلم من شرك أو كفر أو نفاق ،ل تعجل عقوبته في الدنيا ،كما عرفنا ،وإنما
أرجأ ال الفصل في أمره إلى عالم الخرة ،جريا على سنة ال تعالى في خلقه ،قال ال تعالى{ :وربّك
الغفور ذو الرّحْمة ،لو يؤاخذهم بما كَسَبوا ،لعجّل لهم العذابَ ،بل لهم موعدٌ ،لن يجدوا من دونه
َموْئلً ،وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ،وجعلنا ِل َمهِْلكِهم موعدا} [الكهف .]59-58/18:وهذا دليل
واضح على أنه ليس العدل فوق الرحمة أو على العكس ،وإنما العدل والرحمة قرينان ،لكن الرحمة
س َعتْ كلّ شيء[ }...العراف:
فوق القوة ،ورحمة ال وسعت كل شيء ،قال ال تعالى{ :ورحمتي و ِ
ت كلّ شيء رحمة ً وعلما[ }...غافر.]7/40:
س َع ْ
]156/7وقال سبحانه{ :ربّنَا وَ ِ
( )7/252
وبالرغم من ترك العقاب الدنيوي على الشرك ما لم يقترن بالعدوان أو الشاعة والترويج بين الناس،
فإن ال سبحانه إعذارا وإنذارا وإبعادا للوم والعقاب ،حذر تحذيرا شديدا من الشرك ،وجعله قمة
الجرائم ورأس الكفر وذروة الكفر وذروة الطغيان ،وسمى القرآن أداة الشرك وهي الصنام والشيطان
طاغوتا ،فقال ال تعالى{ :إن ال َ ل َي ْغفِرُ أن يُشْ َركَ به و ِيغْفِرُ ما دُون ذلك لمن يشاء ُ ،ومن ُيشْ ِركْ
بال ،فقد افترى إثما عظيما} [النساء ]48/4:وقال سبحانه{ :ل إكراهَ في الدّين قد تبيّن الرشدُ من
الغيّ ،فمن يكفرْ بالطاغوت ،ويؤمنْ بال ،فقد استمسك بالعُرْوةِ الوثقى ،ل انفصامَ لها ،وال ُ سميعٌ
عليم} [البقرة ]256/2:وقال عزّ وجل{ :والذين كفروا أولياؤهم الطاغوتُ[ }..البقرة ]257/2:وقال
سبحانه {الذين آمنوا يُقاتِلون في سبيلِ ال ،والذين كفَروا يقاتلون في سبيل الطاغوت[ }..النساء:
:]76/4والطاغوت :كل ماعبد من دون ال .والنفاق كالشرك جرم عظيم ،لذا أنذر الحق سبحانه
جماعة المنافقين بما ينتظرهم من أشد العذاب ،فقال{ :إن المنافقين في الدَرْك السفل من النار ،ولن
تجدَ لهم نصيرا} [النساء.]145/4:
وكذلك العقاب على كثير من الرذائل الخلقية المشينة والموقعة في أشرار كثيرة مؤجل تنفيذه إلى ا
لخرة ،مثل الحسد والحقد والنميمة والسعاية بالفساد بين الناس أو إلى الحاكم ظلما ،والغيبة ،وعقوق
الوالدين ،وشهادة الزور التي لم يكشف أمرها ونحو ذلك ،كما تقدم.
( )7/253
وأما العقاب الدنيوي :فليس مرادا به التنكيل والتشفي وإلحاق الضرر بالبنية النسانية ،وإنما يستهدف
الزجر والتهديد والصلح والتنفير من الجريمة ،بل إن ال تعالى لم يوقع عقوبة دنيوية على المنافقين
بالرغم من أخطارهم الشديدة على الدولة والمجتمع ،وبخاصة وقت الزمات والحروب .وما أحسن ما
قاله الجصاص الرازي عند بيان عقوبة المنافقين الخروية في الية التي هي{ :إن المنافقين في الدّرك
السفل من النار} [النساء:]145/4:
ومع ما أخبر بذلك من عقابهم وما يستحقونه في الخرة ،خالف بين أحكامهم وأحكام سائر المظهرين
للشرك،في رفع القتل عنهم ،بإظهارهم اليمان ،وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث وغير ذلك،
فثبت أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الجرام ،وإنما هي على ما يعلم ال من المصالح
فيها ،وعلى هذا أجرى ال تعالى أحكامه ،فأوجب رجم الزاني المحصن ،ولم يزل عنه الرجم بالتوبة،
أل ترى إلى قوله عليه الصلة والسلم في ما عز بعد رجمه ،وفي الغامدية بعد رجمها« :لقد تاب
توبة لو تابها صاحب مكس ـ جمارك ظالمة ـ لغفر له» .والكفر أعظم من الزنا ،ولو كفر رجل ،
سلَف} [.النفال.]38/8:
ثم تاب قبلت توبته ،وقال تعالى{ :قل للذين كفروا ،إن ينتهوا ُيغْفَرْ لهم ما قد َ
وحكم في القاذف بالزنا بجلد ثمانين ،ولم يوجب على القاذف بالكفر الحد ،وهو أعظم من الزنا.
وأوجب على شارب الخمر الحد ،ولم يوجبه على شارب الدم وآكل الميتة ،فثبت بذلك أن عقوبات
الدنيا غير موضوعة على مقادير الجرام ،ولنه لما كان جائزا في العقل أل يوجب في الزنا والقذف
والسرقة حدا رأسا ،ويكل أمرهم إلى عقوبات الخرة ،جاز أن يخالف بينها ،فيوجب في بعضها أغلظ
ما يوجب في بعض ،ولذلك قال أصحابنا (أي الحنفية)« :ل يجوز إثبات الحدود من طريق المقاييس،
وإنما طريق إثباتها التوقيف أو التفاق» أي أن العقوبة ل تثبت إل بالنص عليها ل بالجتهاد (. )1
-------------------------------
( )1أحكام القرآن للجصاص.27-26/1 :
( )7/254
( )7/255
من رحمة ال سبحانه وتعالى :أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض،
في النفوس والبدان والعراض والموال والقتل والجرح والقذف والسرقة ،فأحكم سبحانه وتعالى
وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة
الردع والزجر ،مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع ،فلم يشرع في الكذب قطع اللسان،
ول القتل ،ول في الزنا الخصاء ،ول في السرقة إعدام النفس ،وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب
أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ،ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب ،وتنقطع الطماع عن
التظالم والعدوان ،ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه ،فل يطمع في استلب غيره حقه (. )1
-------------------------------
( )1السياسة الشرعية لبن تيمية :ص ،98ورسالته في القياس :ص .85ولبن القيم قول مشابه لهذا
في أعلم الموقعين 107 ،95/2 :وما بعدها ،وكذا لعز الدين بن عبد السلم شيخ السلم في قواعد
الحكام.165-163/1 :
( )7/256
يمكننا في ضوء ما تقدم بيان أهداف أو غايات العقوبة في شريعة ال تعالى بإيجاز فيما يلي:
- 1الزجر والردع :إن في تطبيق العقوبة الشرعية زجرا للمتهم ولمثاله من القدام على الجريمة
مرة أخرى ،وذلك يساهم إلى حد كبير في إضعاف وتقليل نسبة الجريمة؛ لن الحكمة من العقوبات أو
الحدود الشرعية كما تبين هي زجر الناس ،وردعهم عن اقتراف الجرائم الموجبة لها ،وصيانة
المجتمع عن ممارسة ألوان الفساد ،والتخلص من ظاهرة الجرام بقدر المكان.
- 2الصلح والتهذيب والتقويم :إن من أهداف العقوبة أيضا هو إصلح النفوس ،وتهذيب الحواس،
وإقناع المتهم بخطئه ،وحماية الجماعة من طبائع النفوس الشريرة ،وليس تأديب المجرم بقصد النتقام
أو التشفي منه ،قال الماوردي عن الحدود« :الحدود زواجر وضعها ال تعالى للردع عن ارتكاب ما
حظر ،وترك ما أمر» ( . )1وقال عن التعازير (العقوبات المفوضة للحاكم) وعن الحدود أيضا« :إنها
تأديب واستصلح وزجر ،يختلف بحسب اختلف الذنب» (. )2
- 3محاربة الجريمة في ذاتها :الجريمة في واقعها ضرر بالنفس وبالمال وبالجماعة ،فهي وباء فتاك
أو نار تقتضي الحصر في أضيق نطاق ممكن للحد من آثارها الفاحشة ،وعدم إشاعتها ،حتى ل يتجرأ
الناس على اقتحامها ،ويستسهلوا أمر اقترافها أو ارتكابها ويستمرئوا فعلها.
لذا كان العقاب عليها أمرا لزما ،لستئصالها من جنبات المجتمع ،قال الماوردي :الجرائم محظورات
شرعية ،زجر ال تعالى عنها بحد أو تعزير ،ولها
-------------------------------
( )1الحكام السلطانية :ص .213
( )2المرجع السابق :ص .223
( )7/257
عند التهمة حال استبراء تقتضيه السياسة الدينية ،ولها عند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجبه الحكام
الشرعية (. )1
- 4منع عادة الخذ بالثأر ،وإطفاء نار الغيظ لدى المعتدى عليه أو أقاربه :إن عادة النتقام أو الخذ
بالثأر التي كانت سائدة في الجاهلية ،والتي هي من طبائع النفوس ،عادة قبيحة توسع من رقعة انتشار
الجريمة ،وتطول غير المجرم غالبا .لذا كان من حكمة السلم المبادرة إلى تطبيق العقوبة على
المجرمين ،منعا من التورط في تلك العادة الذميمة ،وإطفاءً لنار الحقد والغيظ المضطرمة في نفس
المعتدى عليه أو أقاربه.
ومن الحكمة أن تكون العقوبة من جنس الجريمة كالقصاص ،أو أشد منها تحقيقا للمصلحة العامة
بالحفاظ على الموال والعراض والدماء والعقول ،فل تكون المطالبة بإلغاء عقوبة العدام في
مصلحة أحد سواء المجتمع أو أقارب المجني عليه.
سادسا ـ مبادئ العقاب في الشريعة وما لها من أثر في تخفيف الجريمة :
اشتملت الشريعة السلمية على مبادئ كثيرة تبدد المخاوف من تطبيقها في جانب العقوبات ،وتقتلع
من بعض النفوس في ديار العرب والسلم وفي العالم الخارجي التهمة بقسوة أحكام الشريعة ،وما
فيها من تنكيل وتعذيب تتنافى مع النسانية وأوضاع الحضارة الحديثة ،وتعد هذه المبادئ صمّام أمان
لحقوق الناس الجتماعية ،وقيودا على الحرية بمعناها المطلق ،وحاجزا منيعا من الجريمة.
وهذه المبادئ التي تنطلق منها أنواع العقاب في الشريعة تلزم وجدان القاضي وضميره وشعوره
وأصوله في القضاء ،وهي الرحمة والعدالة وحماية الكرامة النسانية ،ورعاية المصالح العامة
والخاصة أو حقوق المجتمع والشخص معا ،والمساواة بين الجريمة والعقوبة ،وعدم الحرص على
توقيع العقوبة في ظل مبدأ الستر حيث ل مجاهرة ول إعلن بالفسق ،والعفو عن المتهم في حالت
كثيرة ،ودرء الحد بالشبهة ،والتركيز على العقوبة في حال المجاهرة والعلن والمفاخرة بالمعصية،
والستخفاف بالقيم النسانية ،وتحدي مشاعر المجتمع وإحساسه ونظامه العام وآدابه العامة.
أما مبدأ الرحمة :فمراعى أصلً من الشرع حين وضع العقوبات ،لن ال رحيم حقا بعباده ،قال ال
تعالى{ :كتب ربّكم على نفسه الرحمةَ} [النعام ]6/54:وقال جل جلله{ :ورحمتي وسعت كلّ شيء}
[العراف.]156/7:
ووصف ال تعالى مهمة أو وظيفة نبيه محمد صلّى ال عليه وسلم بأنها رسالة الرحمة والهداية ،فقال:
{وما أرسلناك إل رحمة للعالمين} [النبياء.]107/21:
-------------------------------
( )1المرجع السابق :ص .211
( )7/258
والمقصود من الرحمة المرعية في العقاب والتطبيق القضائي :الرحمة العامة بالجماعة ،فينظر إلى
المصلحة العامة من ناحية المبدأ والحكم المطبق ،بقطع النظر عن مصلحة كل شخص بعينه .أما
التسامح الخاص والشفقة والرفق بالم بعينه ،أو ما يسمى بالرأفة بالمتهم الذي ثبتت عليه الجريمة ،فل
ينظر إليه ،وتستبعد مراعاته ومحاولة إعفاء الجاني من العقوبة ،لذا قال ال تعالى في تطبيق الحد
على الزناة{ :ول تأخذْكم بهما رأفةٌ في دينِ ال } [النور ]2/24:فإذا ثبت الجرم وبلغ اللى الحاكم أو
القضاء فل مجال لترك العقوبه عليه .أما في مجال التعاون العام من أجل الخير المشترك ،والتضامن
في سبيل الصالح العام ،والدفاع عن المة في مواجهة العدو الخارجي ،فإن المجتمع السلمي مجتمع
متراحم متعاون ،كما قال
مر إتهموما أرسل ال تعالى{ :محمدٌ رسول ُال ،والذين معه أشدّاء على الكفّارُ ،رحَماء ُ بينهم}...
[الفتح ]29/48:وسمة المسلم وشأنه وخاصيته الرحمة بالخرين ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم :
«الراحمون يرحمهم الرحمن ،ارحموا من في الرض ،يرحمْكم من في السماء» ( )1وقال أيضا،
«من ل يرحم الناس ل يرحمه ال » ( )2وفي حديث آخر « :ل تنزع الرحمة إل من شقي » (. )3
قال ابن تيمية رحمه ال :إن إقامة الحد من العبادات ،كالجهاد في سبيل ال ،فينبغي أن يعرف أن
إقامة الحدود رحمة من ال بعباده ،فيكون الوالي شديدا في إقامة الحد ،ل تأخذه رأفة في دين ال
فيعطله ،ويكون قصده رحمة الخلق ،بكف الناس عن المنكرات لشفاء غيظه ،وإرادة العلو على
الخلق ،بمنزلة الوالد إذا أدّب ولده فإنه لو كف عن تأديب ولده ،كما تشير به الم رقة ورأفة ،لفسد
الولد ،وإنما يؤدبه رحمة به ،وإصلحا لحاله ،مع أنه يود ويؤثر أل يحوجه إلى تأديب (. )4
-------------------------------
( )1أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي ال عنه وهوصحيح.
( )2أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن جرير بن عبد ال رضي ال عنه وهو صحيح.
( )3أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي ال عنه وهو حسن.
( )4السياسة الشرعية لبن تيمية :ص .98
( )7/259
وأما العدالة :فتقتضيها موازين العقوبات العامة ،ويوجبها إلزام السلطة الحاكمة بالعدل ،حتى ل
تضطرب الموازين ،ولئل يتجرأ المفسدون في الرض على متابعة فسادهم دون رقيب ول عتيد،
ولن مبدأ السلم أن كل إنسان مجزي بعمله ،إن خيرا فخير ،وإن شرا فشر ،قال ال تعالى مبينا
مهام النبياء والمرسلين ووظائفهم العامة{ :لقد أرسلنا رُسلنا بالبيّنات ،وأنزلنا معهم الكتابَ والميزانَ،
ليقوم الناسُ بالقِسْط ،وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ ،ومنافعُ للناس} [الحديد.]25/57:
والعدل و القسط بين الناس ملزم للرحمة الشاملة ،كما تقدم ،فليست الرحمة فوق العدل ،ول العدل
فوق الرحمة ،كما ذكر سابقا ،بدليل قول الحق سبحانه وتعالى{ :وربّك الغفورُ ذو الرحمةِ ،لو يؤاخذُهم
بما كَسَبوا ،لعجّل لهم العذابَ ،بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلً} [الكهف.]58/18:
وحماية كرامة النسان :أصل من أصول العقاب في السلم ،فليس في الشريعة ما ينافي الكرامة ،ول
تسمح الشريعة للحاكم باتخاذ عقوبات تخل بالشرف والمروءة والكرامة ،فل يجوز ضرب العضاء
الحساسة المخوفة التي قد تؤدي إصابتها إلى القتل ،كالوجه والرأس والصدر والبطن والفرج
والعضاء التناسلية ،لما روي عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه أنه قال« :ليس في هذه المة مدٌ
ول تجريد ول غَل ول صفد » ( )1وجلد أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فلم ينقل عن أحد
منهم م ّد ول تجريد ،ول ينزع عن المجلود ثيابه ،بل يكون عليه الثوب والثوبان (. )2
ومن مظاهر حماية الكرامة النسانية تحريم التمثيل أو الممثلة بالقتيل ،ولو كان من العداء ،قال ال
تعالى{ :ولقد كرّمنا بني آدم[ }...السراء .]70/17:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :إن ال كتب
الحسانَ على كل شيء )3( »...ونهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن المُثْلة والنهبى ،وفي وصية أبي
بكر الصديق رضي ال عنه ليزيد بن أبي سفيان« :ول تمثّلوا» .
-------------------------------
( )1رواه الطبراني ،قال الهيثمي :وهو منقطع السناد ،وفيه جويبر ،وهو ضعيف (مجمع الزوائد:
.)253/6والغل بالفتح :شد العنق بحبل أو غيره ،والصفد بالتحريك :القيد وهو الغل في العنق أيضا.
( )2المهذب ،270/2 :ومغني المحتاج ،190/4 :المغني 313/8 :وما بعدها.
( )3أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الربعة عن شداد بن أوس رضي ال عنه.
( )7/260
ورعاية المصالح العامة والخاصة أو حقوق الجماعة والفراد معاً :هي ميزان السلم في كل ما
شرع وحكم ،فحفظ النظام للجماعة واجب أساسي ل يجوز للفراد إسقاطه أو العفو عنه ،أو إهمال
إقامته ،كما أنه ليس للجماعة الحق في مصادرة حقوق الفراد الخاصة كالملكية الشخصية والحرية
المنظمة.
وتعتبر الحدود على الجرائم الخطيرة كالزنا والسرقة والقذف وشرب المسكرات ،كما تقدم ،من
مقومات المصلحة أو حقوق الجماعة أو حقوق ال ،مثل الصلة والصوم والزكاة؛ لن المقصود بها
إقامة الدين ،والدين في تشريع السلم أساس نظام الجماعة العام؛ لن المصالح التي لحظها السلم
هي الصول الخمسة الكلية الضرورية لكل مجتمع ،وهي مقاصد الشريعة المعروفة وهي حفظ الدين
أو العقيدة ،وحفظ النفس (أو حق الحياة) وحفظ العقل وحفظ النسل أو العرض ،وحفظ المال
والممتلكات ،فل تتوافر الحياة النسانية الصحيحة إل بها.
( )7/261
والمساواة بين الجريمة والعقوبة :أساس تشريع العقوبات السلمية ،فل تجاوز عن الحدود المقررة
شرعا ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :من بلغ حدا في غير حد ،فهو من المعتدين» ( . )1ومن
مبادئ السلم أنه ل افتئات فيه على أحد بجرم لم يصدر عنه ،وأن الصل في المتهم البراءة حتى
تثبت إدانته .والقصاص أو إمكان المماثلة بين الجناية والعقوبة شرط جوهري في العقوبة ،حتى
يطمئن الناس إلى عدالة الحكم القضائي ،ولتسهم العقوبة في توفير عنصر الرهبة والزجر المانع في
الغالب من القدام على الجريمة دون إثارة ول تشنيع ول نقد ،لذا قال ال تعالى{ :ولكم في القصاص
حياة يا أولي اللباب} [البقرة.]179/2:
وعدم الحرص من المشرع السلمي على إيقاع العقوبة :ليترك المجال للنسان لصلح عيوب نفسه
وأخطائه بنفسه ،لذا أمر الشرع بالستر على المخطئ غير المجاهر ،جاء في الحديث
-------------------------------
( )1رواه الطبراني بلفظ «من جلد حدا »..وفيه شخصان غير معروفين للهيثمي كما قال ،ورواه
البيهقي عن النعمان بن بشير ،وقال :المحفوظ المرسل ،ورواه ابن ناجية في فوائده ،ورواه محمد بن
الحسن مرسلً (نصب الراية ،354/3 :مجمع الزوائد.)281/6 :
( )7/262
الصحيح« :ومن ستر مسلما ستره ال في الدنيا والخرة» ( )1وفي حديث آخر« :من ستر عورة
أخيه المسلم ،ستر ال عورته يوم القيامة ،ومن كشف عورة أخيه ،كشف ال عورته حتى يفضحه في
بيته» (. )2
وتجوز الشفاعة في الحدود قبل بلوغها إلى الحاكم ،ترغيبا في الستر ومنع إشاعة الفاحشة ،وتحرم
الشفاعة وقبولها في حدود ال بعد أن تبلغ الحاكم؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من حالت شفاعته
دون حد من حدود ال ،فهو مضادٌ ال في أمره» ( . )3وقصة إنكار النبي صلّى ال عليه وسلم على
أسامة بن زيد شفاعته في حد السرقة على المرأة المخزومية معروفة مشهورة (. )4
ول توقع العقوبة أو يحكم بها إل بعد انتفاء الشبهات المقررة فقها وشرعا ،لقوله صلّى ال عليه وسلم
في الحديث السابق عند ابن عدي عن ابن عباس« :ادرؤوا الحدود بالشبهات» .
ولصاحب الحق الخاص العفو عن القاتل أوالمخطئ؛ لقوله تعالى{ :وجزاء ُ سيئة سيئةٌ مِثْلها ،فمن عفا
وأصلح فأجرهُ على ال } [الشورى ]40/42:وقوله سبحانه في القصاص{ :فمن عُفي له من أخيه
شيء ،فاتباعٌ بالمعروف ،وأداءٌ إليه بإحسان} [البقرة .]178/2:والعفو كثيرا ما يلجأ إليه في الوساط
السلمية بسبب محاولت الصلح والتسوية الودية والتقاليد المتبعة بين القبائل والعشائر وفي الرياف.
وهذا سبيل رحب للتخلص من العقوبة ،والدفع إلى الستحياء من الجريمة حتى في القتل ،والعفو
يكون بالختيار والرضا والطواعية ل بالكراه أو بإلغاء العقوبة من القوانين.
-------------------------------
( )1أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه ،وأخرجه أيضا الترمذي والحاكم.
( )2أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا رضي ال عنه.
( )3أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي ال عنه.
( )4أخرج الحديث أحمد ومسلم والنسائي عن عائشة رضي ال عنها.
( )7/263
والحالة التي ل بد فيها من العقاب :هي حالة المجاهرة بالمعصية وإشاعة الفاحشة ،والصرار على
القرار أمام القاضي ،وإعلن الردة عن السلم المتضمن الخروج عن نظام الجماعة ،والكيد للمجتمع
وحرماته والعمل على تقويض أركان العقيدة السلمية بالترويج للشكوك والشبهات ،جاء في الحديث
الثابت« :أيها الناس من ارتكب من هذه القاذورات ،فاستتر ،فهو في ستر ال ،ومن أبدى صفحته،
أقمنا عليه الحد» .وقد وصف ال تعالى الذين يعلنون الجرائم ويكذبون على الناس ويرمونهم بالتهم
الباطلة ويفترون عليهم ،بأنهم أعداء المؤمنين ،فقال ال تعالى{ :إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشةُ في
الذين آمنوا ،لهم عذاب أليم في الدنيا والخرة ،وال يعلم وأنتم ل تعلمون} [النور.]19/24:
وإن رقابة ال في السر والعلن :أو تكوين وازع الدين ،وإيقاظ سلطان الضمير هو كما تقدم من أهم
عوامل منع الجريمة والجرام ،وهو العنصر الساسي المساعد للقاضي في الحكم على المتهم،
وإصدار الحكم بالعقاب تخفيفا أو تشديدا عليه؛ لن من ل يصلح حاله بنفسه ،صعب على الدولة أو
المجتمع إصلحه.
وإذا كانت الغاية من العقاب كما عرفنا إصلح النسان ،فبالولى أن يكون تجنب كل ما يوقع في
الجرائم بوازع الدين للصلح ،لن الدفع أو المنع أولى من الرفع «ودرء المفاسد مقدم على جلب
المصالح» كما جاء في القواعد الشرعية الكلية.
ولقد بلغ من شدة الخوف من ال ومن قوة ضمير المسلم أن كان المؤمن الصادق اليمان يقدم على
الموت بل تردد ول وجل من أجل تطهير نفسه ،وإرضاء ربه ،فهل لهذا مثيل في قوانين الدين أو
عادات الشعوب؟!.
والخلصة :أن هذه المبادئ أو القواعد الشرعية تساهم مساهمة فعالة في منع الجريمة أو التخفيف
منها أو توجيهها الوجهة الصالحة.
( )7/264
سابعا -الحدود الشرعية وحكمتها وأثر تطبيقها في منع الجريمة في عصرنا :
ل شك بأن حقيقة الحد الشرعي قاسية ،ولكن القسوة تفيد أحيانا في الزجر والردع والصلح ،وهي
أفعل وأمضى وأنفذ من العقوبات التعزيرية كالحبس والضرب البسيط ،وليس أدل على أثرها في منع
الجريمة من تطبيقها في البلد السعودية ،حيث استتب المن ،وانقطعت السرقات ،وانتهت عصابات
قطع الطريق أو المحاربين ،بالرغم من أن قطع اليد في ربع قرن فأكثر ل يزيد عن ستة عشر يدا.
وكذلك عندما طبقت الحدود في السودان في عام ( ،)1983قلّت الجرائم ،وعندما جمدت وأوقفت
كثرت وانتشرت.
فالعقوبةالحدية أداة زجر وإصلح معا ،ووسيلة تهذيب وتقويم فعال ،لكني ألحظ أن البدء في تطبيق
الشريعة السلمية بأقسى ما فيها من عقوبات الحدود وما يصحبها من تصورات مغلوطة وأوهام
فاسدة ومبالغات مسرفة ،ليس منهجا صحيحا ولربما أدى عند تغير السلطة ورئاسة الدولة إلى ردود
فعل عنيفة تسيء إلى السلم دينا وعقيدة ونظام حياة ،كما حدث في السودان في أواسط الثمانينات في
رجب سنة ( 1406هـ ) الموافق ( )1985بعد تطبيق الحدود سنة ( ) 1983وحدث عام (1409
هـ) في الباكستان بعد أن فجرت طائرة الرئيس ضياء الحق الذي طبق الشريعة ،لن شريعة السلم
منهج متكامل وكل ل يتجزأ ،يشمل آفاق الحياة المختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
وطريقة السلم أو أسلوبه في الصلح يبدأ أولً بالتوجيه والقناع ،والبرهان والبيان ،والدعوة
بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ،والرشاد الهادئ غير الثائر في الداخل ،المعتمد على القناع
ومناقشة أولئك الذي ألفوا تطبيق القوانين الغربية البعيدة عن فلسفة السلم وتصوراته.
( )7/265
وبالحكمة ونشر تعاليم السلم في أوساط الناس يمكن تحويل المجتمع بما فيه من طاقات خيّرة عن
تقاليده وموروثاته الستعمارية ،وتصوراته الغربية الدنيوية ،إلى عدل السلم ورحمته الشاملة ويسره
وإسعاده الفرد والجماعة في عالمه القائم .ول بد أيضا من إصلح أنظمة الحكم القتصادية
والجتماعية والسياسية ،بجعل الشورى أصلً للحكم ،والعدل والنصاف رائدا للقضاء والسياسة فعلً،
ل مجرد شعار ،والعمل بقدر المكان على تحقيق الرخاء أو الرفاه القتصادي للجميع ،وتوزيع الثروة
العامة بالعدل ،ومحاولة إنهاء مشكلة الفقر والبطالة ومحو المية ،وتغيير معالم المجتمع الجاهلية،
وإصلح مناهج التربية والتعليم ووسائل العلم المرئية والمسموعة ،وإزالة كل ما فيها من تناقضات
وإشكالت ،حتى تزول الضطرابات الفكرية ،وتستأصل ال ُعقَد لدى الشباب ،وتبدد الشبهات
والمشكلت الطارئة في الوساط العامة ،بتأثير بعض النظريات المادية الخالية من تفسير ظواهر
الكون تفسيرا دينيا مقبولً ،فإذا ما توافرت القاعدة السلمية ،واستعد المجتمع نسبيا للعمل بالسلم،
وساد الحترام لمبادئه وأحكامه ،سهل حينئذ البدء بتطبيق أحكام السلم وشرعه المتكامل الشامل،
ووضع خطة شاملة لتنفيذ جميع أحكامه فور العمل بشريعة ال عز وجل ،ودون تدرج.
( )7/266
أما أن تصدر قوانين الحدود شكلً واسما ،ويعلّق أو يجمد تطبيقها فعلً أو أن نقتصر من تطبيق
السلم على الحدود الشرعية ،وترك الناس في متاهة أو جهالة أو مجاعة أو غليان داخلي بسبب
الحاجة والفقر ،فذلك ليس من شرع ال ودينه الذي يراد له الهيمنة على كل شؤون الحياة ،وربما كان
القتصار على تطبيق الحدود الشرعية فقط وسيلة لتنفير الناس من السلم ،وإظهار فشله وعدم
صلحيته أو العمل على تجزئة أحكامه ،قال ال تعالى{ :أفتؤمنون ببعض الكتاب ،وتكفرون ببعض،
فما جزاء ُمن يفعل ُذلك منكم إل خزيٌ في الحياة الدنيا ويومَ القيامة يُرَدّون إلى أشدّ العذاب ،وما ال ُ
بغافلٍ عما تعملون} [البقرة.]85/2:
ثامنا -العقوبات الشرعية وحقوق النسان في السلم :
ترى بعض الجهات العلمية والجتماعية في أوساط الغرب أن الحدود الشرعية تتنافى مع حقوق
النسان في الحياة والحرية والكرامة النسانية .وتطالب منظمة العفو الدولية بإلغاء عقوبة العدام من
قوانين العقوبات في الدول المعاصرة ،وقد استجابت بعض الدول الغربية لهذا التجاه ،كفرنسا وإيطاليا
وألمانيا وبعض الوليات المتحدة المريكية التي ألغت هذه العقوبة ،وبعضها أو أكثرها لم تلغها.
ويردد بعض رجال القانون الوضعي في البلد العربية مثل هذه الفكار واصفين العقوبات الشرعية أو
الشريعة السلمية بأوصاف غير لئقة ،ربما أدت بهم إلى الكفر .وتروّج بعض أجهزة العلم من
صحف وإذاعات ،في طليعتها إذاعة لندن بالقسم العربي ،الشاعات المغرضة من جراء تطبيق أحكام
الشريعة ،ويكثر الحديث في بلد الغرب عما سمي بحركة الصوليين السلميين ،ويتهمون كل من
يطالب بتطبيق الشريعة السلمية بأنهم متزمتون متشددون متعصبون ،مع أنهم هم المتعصبون ضد
السلم وأهله ،أو هم الجاهلون السطحيون الذين لم يعرفوا حقيقة السلم ،ولديهم استعداد لفهم
السلم خطأ بسبب الدعايات المغرضة والفكار الشائعة المشوهة.
( )7/267
ويعلن في أديس أبابا عاصمة الحبشة اتفاق يوم الثلثاء الواقع في ( )1988/11/16بين رئيس الحزب
التحادي الديمقراطي السوداني السيد محمد عثمان الميرغني والعقيد جون قرنق زعيم حركة التمرد
لتحقيق السلم في جنوب السودان ،مقابل تجميد تطبيق الشريعة السلمية في السودان (. )1
ومصدر جميع هذه التجاهات المشبوهة شيء واحد هو التعصب ضد السلم ومقاومة التجاه
السلمي ،ودوافع ذلك وبواعثه معروفة يقصد بها تشويه أحكام الشريعة بسبب الجهل البيّن بالحكم
الشرعي ومسوغاته وحقيقته ،أو عدم الربط بين الوسائل والغايات التشريعية ،أو تجزئة أحكام
الشريعة والنظر إلى جانب واحد منها دون إلمام باتجاهها العام ومراعاة بقية أحكامها .فمن نظر إلى
حكم إسلمي ما من زاوية الوسيلة وحدها دون ربطه بالهدف التشريعي العام ،بدا له وجه من النقد في
تقديره الشخصي من خلل البيئة التي يعيش فيها ،والغريبة عن الوسط السلمي ،وحينئذ يتهم
الشريعة بعدم صلحيتها للمجتمع المتمدن المعاصر ذي النزعة الفردية المتحيزة لواحد من الناس،
ويصف عقوباتها بالقسوة والعنف ،أو التنكيل والتعذيب والوحشية في زعمه وتصوره القاصر.
-------------------------------
( )1اتفق الجانبان على تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 198
،3وأل تصدر أية قوانين تحتوي عى مثل تلك المواد ،وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر القومي
الدستوري والفصل نهائيا في مسألة القوانين (جريدة التحاد في المارات 8ربيع الثاني 1409هـ
الموافق 17نوفمبر )1988ثم أعلنت إذاعة لندن في مساء الثلثاء 11جمادى الولى 1409الموافق
20ديسمبر ،1988وتبعتها جريدة التحاد السابقة في اليوم التالي أن الجمعية التأسيسية لم توافق في
يوم الثلثاء المذكور على هذا التفاق.
( )7/268
والواقع أن الدعاء بوجود التعارض والمنافاة بين حقوق النسان وبين الحدود الشرعية أمر باطل
للسباب التالية:
أولً :إن ال سبحانه وتعالى الذي شرع الحدود في الشريعة اللهية هو أرحم بعباده وبالناس جميعا
من أنفسهم ،وهو أدرى وأعلم بما يصلحهم وينفعهم ،ويحقق الخير والنفع والمن والطمأنينة لهم.
ثانيا :إن الجاني الذي يرتكب جريمة موجبة للحد الشرعي قد خرج عن الحدود النسانية الصحيحة،
وشذ شذوذا واضحا عن معاير الحياة السوية ،وطعن المجتمع في أقدس مقدساته ،وإن شوهت معالم
ل مفقودا من المفاهيم الخلقية
التقديس في الوساط الغربية ،فأصبح ما يسمى لدينا بالعِرْض مث ً
العامة والخاصة عند الغربيين ،ومثل هذا المعتدي على حرمات المجتمع الجوهرية بمقتضى النظرة
الصحيحة ،لم يعد يردعه إل مثل هذه العقوبة الشرعية المقررة في شرع ال ودينه.
ثالثا :إن العقوبات البديلة عن الحدود الشرعية في القوانين الوضعية لم تحقق الهدف المطلوب،
فانتشرت ظاهرة الجريمة ،وكثر المجرمون ،وتفننوا في ابتكار عجائب وألوان الجرام مما ل يكاد
يصدّق به عقل.
رابعا :إن القرآن الكريم واضح الدللة في العلن عن حقوق النسان في قوله تعالى{ :ولقد كرمنا
بني آدم} [السراء ]70/17:وإن الفقهاء المسلمين أشد العلماء حرصا على رعاية كرامة النسان فيما
استنبطوه من أحكام شرعية ،فقرروا ضوابط كثيرة وشرطوا شرائط عديدة لتطبيق الحدود ،وقد عرفنا
أنه ل غل ول تجريد ول تصفيد ول تمثيل في السلم ،وأن للسجين الحق على الدولة في الغذاء
والكساء ( )1والمأوى الملئم،ومنع التعذيب الوحشي وغير ذلك من أصول الحفاظ على الكرامة
النسانية.
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق للزيلعي ،182/4 :ط بولق سنة 1315هـ.
( )7/269
خامسا :إن دعاة حقوق النسان أخطؤوا حينما رأوا أن تطبيق العقوبة الشرعية بشرائطها وضوابطها
وموازينها العادلة يتنافى مع حقوق النسان ،كما أخطؤوا أيضا في محاولة الرأفة بشخص معين لذاته،
وليس هو في الواقع أهلً للرأفة ،وإنما مراعاة للمصلحة الشخصية ،وإهدار مصلحة الجماعة،
والعتداء على المصلحة العامة ،وما يؤدي إليه من فقد المن والستقرار ،وانتشار ظاهرة القلق
والخوف وعدم الطمئنان على حق الحياة المقدس والحرية والموال والممتلكات.
والخلصة :إن العقوبات الشرعية أدوات فعالة في القضاء على الجريمة والمجرمين ،ووسائل بناءة
نفاذه في نشر المن والسلم واستئصال نزعة الجرام بدليل الفارق الواضح والواقع المرّ الليم في
أرقى دول العالم تحضرا كأمريكا زعيمة العالم الحر وبريطانيا وغيرها ،حيث تزداد نسبة الجريمة
والعتداء على الشخاص والموال ،مما ل يردع المجرمين غير الحكم بشرع ال أحكم الحاكمين
وأعدل القضاة.
قال ال تعالى عن القرآن الكريم{ :قد جاءكم من ال ِ نو ٌر وكتابٌ مبين ،يهدي به ال ُ من اتبّع
رضوانَه س ُبلَ السلم ويخرجُهم من الظلُمات إلى النور بإذنه ،ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم} [المائدة:
]16-15/5وقال سبحانه{ :وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتقوا لعلكم تُ ْرحَمون} [النعام]155/6:
وهذا بل شك يحتاج إلى إيمان برسالة السماء وهدي ال تعالى.
( )7/270
تاسعا -شرعية الجريمة والعقوبة ،أو مبدأ (ل جريمة ول عقوبة إل بنص) ،وتأثير ذلك على ظاهرة
الجرام :
إن التصور السابق للجريمة المنصوص على تجريمها في قوانين الدولة العقابية ،ومعرفة نوع العقوبة
المقررة قانونا في تقنين منشور متداول ،يعد حاجزا قويا ما نعا من الجرام والتفكير بالجريمة
والتخطيط لها.
لذا ظلت النظم الديمقراطية تحترم مبدأ قانونية أو شرعية الجرائم والعقوبات ،بمعنى تركيز سلطة
التجريم في يد الشارع أو من يفوضه في ذلك ضمن حدود معلومة ،وقد أعلنت هذا المبدأ الثورة
الفرنسية ونصت عليه وثيقة «إعلن حقوق النسان والمواطن عام (1789م) في المادة الثامنة،
استجابة لصيحات الفلسفة والمفكرين الذين حملوا على ما كان عليه القضاة من سلطة تحكمية أدت
إلى إسراف في العقاب وعسف بحريات الفراد ،ونص عليه في المادة الرابعة من قانون العقوبات
الذي أصدره نابليون سنة (1810م) ،ثم انتقل إلى الشرائع الخرى ،وصاغه العرف القانوني بعبارة
موجزة هي «ل جريمة ول عقوبة بغير نص» .والحكمة منه كفالة حقوق الفراد وحريتهم في
أفعالهم وتصرفاتهم ،إذ لو ترك أمر التجريم للقاضي ،لضحى الفراد في حيرة من أمرهم ،ثم إن
العدالة والمنطق يقضيان به حتى ل تواجه الدولة الفراد بعقاب ل علم لهم به.
وبما أن هذا المبدأ يؤدي إلى جمود التشريع الجنائي وتخلفه عن مسايرة التطورات الحديثة ،فقد اتجه
الفقه والقضاء عامة إلى ضرورة التخفيف من حدته ،وتوسيع سلطة القاضي في تقرير العقوبة أو
إيقاف تنفيذها أحيانا ،ولكن دون إخلل بأصل المبدأ ،وهو حرمان القاضي من سلطة التجريم.
( )7/271
وفي هذا المجال أيضا نجد بعض رجال القانون الوضعي يتهمون الشريعة السلمية جهلً وغلطا
وظلما وتعصبا ضدها بأنها تترك أمر التجريم للقاضي .ومنشأ التهام راجع في تقديرنا إلى ناحية
تنظيمية :هي عدم وجود تقنين خاص بالجرائم والعقوبات عند الفقهاء الشرعيين المعاصرين ،مع أن
المر سهل جدا ،إذ ل مانع شرعا من وجود مثل هذا التقنين ،ومن اليسير على فقهاء الشريعة إيجاده
وصياغته في أشهر معدودة ،إذا أظهرت السلطة الحاكمة استعدادها لتطبيق وإنفاذ العمل به ،وقد وجد
فعلً بعض هذه التشريعات في ليبيا والسودان والمارات .ولكن ل يعني عدم التقنين أن القاضي حر
التصرف بالعقاب حرية مطلقة ،وإنما المر في شأن التعازير (العقوبات غير المنصوص صراحة
على نوعها ومقدارها) راجع شرعا وفقها لتقدير ولي المر الحاكم أي الدولة ،فالدولة تضع للقضاة
من النظمة والقوانين الجزائية ما يناسب العصر ،وعلى وفق ما تراه اللجان المتخصصة المكونة
عادة من العلماء والفقهاء ،بحسب متطلبات المصلحة العامة ،ومقتضيات الزمان وتطور الحداث.
لذا كان ينبغي أن يعرف هؤلء القانونيون أن مبدأ التفويض لولي المر في تقدير العقوبات التعزيرية
في السلم ،هو في الصل مبدأ دستوري تمارسه الدولة مقيدة بأحكام الشريعة ،كما هو الشأن في أن
كل دولة لها الحق في وضع القوانين الداخلية التي تريدها.
( )7/272
وعليهم أن يعرفوا أن السلم يفترض في كل مسلم ومسلمة تعلم أحكام شريعته ،ومعرفة الفرائض
والحلل والحرام ،والمعاصي والعقوبات أو الجزاءات المقررة في السلم؛ لن من الفرائض
الشرعية العينية المطلوبة من كل المسلمين تعلم الحد الدنى المفروض العلم به من الشريعة ،فل
يصلح الحتجاج بتقصير المسلمين في التعلم سببا للقول بأن الفراد ل يعلمون ما هو ممنوع ول
أنواع العقوبات ،حتى توجد التقنينات .ثم إن كتب الشريعة ،سواء القرآن والسنة ومصنفات الفقهاء
المطولة والموجزة ،فيها البيان الواضح المفصل لكل المعاصي والمخالفات ،والكبائر والصغائر،
والتحذير من مخاطرها وبيان مدى ضررها ،والتصريح بالعقوبات الدنيوية والخروية المقررة لها.
والقاضي ل يملك في الشريعة سلطة التجريم وتحديد أصل العقاب بحسب رغبته وهواه ،كما يفهم
خطأ ،وإنما هو مقيد في ذلك بأحكام الشريعة ،وبما تضعه له الدولة من نظام ،إذ ليس لي مسلم
سلطة التشريع ،وإنما السلطان في الحكام إنشاء ووضعا للشريعة والمشرع وهو ال تعالى ،كل ما في
المر هو أن للقاضي سلطات تقديرية في التطبيق فقط ،حسبما يرى ملئما لظروف الجريمة والجاني
ولكن في غير دائرة الحدود والقصاص المنصوص على أحكامها صراحة ،وإنما في مجال التعزيرات
التي يمكن إدخال أغلب نصوص القوانين الجزائية الحديثة في مضمونها.
( )7/273
ويوضح ذلك أن الشريعة ـ كما هو معروف ـ جاءت حربا على الهواء الشخصية والنزعات
والميول الفردية ،كما دل على ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى{ :ول َت ْقفُ ما ليس
لك به علم} [السراء ]36/17:وقوله سبحانه{ :إن يتّبعون إل الظن ،وما تهوى النفس ،ولقد جاءهم
من ربهم الهدى} [النجم ]23/53:وقوله عز وجل{ :وما لهم به من علم ،إن يتّبعون إل الظن ،وإن
الظنّ ل ُيغْني من الحق شيئا ،فأعرضْ عمن تولّى عن ِذكْرنا ،ولم ي ِردْ إل الحياة الدنيا} [النجم:
]29-28/35وقوله جل جلله{ :ولو اتّبعَ الحقّ أهواءهم ،لفسدت السموات والرضُ ومن فيهن ،بل
أتيناهم ِب ِذكْرهم ،فهم عن ِذكْرهم ُمعْرضون} [المؤمنون .]23/71:لذا وضعت الشريعة نظاما تشريعيا
متكاملً ودقيقا للحياة ،وسبق الفقهاء المسلمون إلى معرفة قاعدة «ل جريمة ول عقوبة إل بنص» كما
يتضح من القاعدتين الصوليتين التاليتين:
« - 1ل حكم لفعال العقلء قبل ورود النص» .
« - 2الصل في الشياء والفعال والقوال :الباحة» .
ومصدر هاتين القاعدتين قول ال تبارك وتعالى{ :وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولً} [السراء:
]15/17وقوله سبحانه{ :وما كان ربّك ُمهِْلكَ القرى حتى يبعثَ في أمّها رسولً يتلو عليهم آياتنا }
[القصص ]59/28:وأمها :أصلها وعاصمتها ومركزها ،وقوله جل وعز { :رسلً مبشرّين ومنذِرِين ،
سلِ} [النساء.]165/4:
لئل يكون للناس على ال حجةٌ بعد الر ُ
هذه النصوص الشريفة قاطعة بأن ل جريمة إل بعد بيان ،ول عقوبة إل بعد إنذار.
وترتب على هذا المبدأ أن فترة الجاهلية عند جمهور المسلمين ل عقاب على الجرائم التي حدثت
أثناءها ،سواء أكانت إراقة دم حرام أم غيرها من الربا والزنا والنهب والغصب والمنكرات.
( )7/274
ويمكن القول إجمالً :إن الشريعة والقانون الوضعي الجنائي يلتقيان في أنه إذا لم يكن هناك نص مانع
من شيء ،فهو مباح ،بيد أن المنصوص عليه قانونا صريح محصور في دائرة التقنين الموضوع ،أما
المنصوص عليه شرعا فهو غير مقنن في مجموعة قانونية محدودة وموحدة بين المذاهب ،وليس ذلك
بعسير علينا عند الطلب ،فقد يكون التحريم أو التجريم والعقاب مأخوذا من نص القرآن الكريم أو
السنة النبوية ،أو من إجماع المة ،أو من اجتهاد المجتهدين في ضوء النصوص ،وروح التشريع
السلمي.والنص الحاظر شرعا أو المانع من فعل قد يكون صريحا ،كما هو الشأن في الحدود
(العقوبات المقدرة نوعا ومقدارا) وقد يفهم دللة وضمنا من طريق اجتهاد علماء السلم الثقات.
ودور العلماء في الحقيقة مجرد كاشف ومظهر لحكم ال في الحادثة ،ومبيّن للقيود والشروط
والوصاف .أما أصل الحكم حظرا وعقابا ،فمرده إلى الحكم اللهي ،إذ ل بد لصحة الجتهاد من
مستند شرعي يعتمد عليه في الستنباط.
ثم إن المحذور الذي يخشى منه القانونيون من مخالفة قاعدة« :ل جريمة ول عقوبة إل بنص» وهو
أن يلجأ القاضي فيما ل نص بتجريمه إلى الخذ بالقياس،هذا المحذور قد فرغ من بحثه علماء
الصول من الحنفية ومن وافقهم الذين قرروا بصراحة عدم جواز القياس في الحدود والمقدرات
الشرعية ،سواء بالنسبة للمجتهد الفقيه أم للقاضي ،وقرروا عدم جواز القياس في الحدود والكفارات
والرخص والتقديرات؛ لن القياس إنما يفيد الظن ،والظن سبيل الخطأ ،فكان في سلوكه شبهة ،فل
يثبت من طريقه عقاب أو تجريم لحادثة ل نص فيها؛ لن «الحدود تدرأ بالشبهات» وفي هذا التقعيد
الصولي ضمانة كافية أكيدة لحقوق وحريات الفراد في تصرفاتهم وأفعالهم.
( )7/275
والقائلون بالقياس في الحدود كالمالكية والشافعية ل ينشئون حكما جديدا بناء على تحريم حادثة ،وإنما
يطبقون النص المذكور في حادثة على حادثة مشابهة تماما ،مساوية للواقعة المنصوص عليها ،فيكون
عملهم من قبيل تطبيق النص على الوقائع ،إذ ليست الوقائع كلها منصوصا عليها حتى في القوانين
النافذة الن ،ويكون القياس المنفي قانونا في التجريم والعقاب معمولً به شرعا باتفاق الفقهاء ،إذ ليس
للمجتهد سلطة التشريع ،أو إنشاء ووضع أحكام جديدة بالمنع والعقاب فيما لم يأذن به الشرع.
وتوضيحا لذلك يحسن بيان مضمون التشريع السلمي في مجال العقوبات:
إن الجرائم والعقوبات محددة بذاتها ونوعها ،معروفة تماما في السلم ،وهي كل ما نهى عنه القرآن
الكريم أو السنة النبوية أو أبانه الفقهاء ،والعقوبات السلمية منها كما تقدم ما هو مستوجب للثم
والعقاب الخروي فقط ،ومنها ما يجتمع فيه الوصفان :العقاب في الدنيا ،والعقاب في الخرة.
والعقوبات الدنيوية تكون على فعل محرّم أو ترك واجب ،وهي كما عرفنا نوعان :عقوبة مقدّرة،
وعقوبة غير مقدّرة الكمّ شرعا ،والمقدّرة تختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلف أحوال الجرائم
وكبرها وصغرها ،وبحسب حال العاصي أو المذنب أو المجرم نفسه ،كما أبان ابن تيمية وابن القيم
رحمهما ال .
( )7/276
والعقوبات المقدرة نوعا ومقدارا وهي الحدود الشرعية الخمسة أو السبعة كما تبين سابقا لدى الفقهاء
قد نص عليها القرآن الكريم أو السنة النبوية صراحة ،ثم أجمع عليها الصحابة الكرام والفقهاء من
بعدهم .والسبب في نص الشرع عليها :هو حرصه على إقامة ركائز وحصون أساسية في حياة
المجتمع ،تعد بمثابة القواعد الصلبة ،لتوفير المن والستقرار والطمأنينة في النفس والموال
والعراض والعقول وإقرار دين التوحيد الحق ،ومنع الرذيلة ،ودرء المفسدة ،واستئصال نزعة الشر،
وبتْر أسباب المنازعات والمراض والفوضى الخلقية عن الناس في أخطر ما يمس جوهر حياتهم
الجتماعية التي ل بد لها من وجود نظام ثابت صحيح ،غير ِم ْعوَج .وليس للقاضي بداهة مخالفة
النصوص في تجريم وعقاب هذه الجرائم التي قدر لها الشرع نوعا ومقدارا معينا من العقوبات ،ولم
يجز الشرع في العقوبات المقدرة عدا القصاص العفو عنها ،ول الشفاعة فيها ،ول الصلح والتنازل
عنها ،ول إسقاطها والبراء عنها ،ول المعاوضة عنها ،بعد رفع المر فيها إلى القاضي ،صونا لحق
الجماعة العام فيها وفي تطبيقها .ول يملك القاضي التدخل في شأن هذه العقوبات إل بإصدار الحكم
فيها بعد ثبوت الجريمة ،بطرق الثبات الشرعية المقبولة ،لنها تمس النظام العام للمجتمع :وهو
المحافظة على مقاصد الشريعة أو أصولها الكلية الخمسة ،وهي الدين والنفس والعرض أو النسب
والعقل والمال.
( )7/277
وأما العقوبات غير المقدرة نوعا ومقدارا وهي التعزيرات ،فهي أيضا معروفة لدى كل مسلم ،ويجب
عليه تعلم أحكام شرعه ،والتعزير :هو العقوبة المشروعة على معصية أو جناية (جريمة) ل حد فيها
ول كفارة ،سواء أكانت الجريمة على حق ال تعالى ،أي حق المجتمع ،كالكل في نهار رمضان
عمدا ،والخلل بأمن الدولة ،والتجسس ،وترك الصلة ،وطرح النجاسة ونحوها في طريق الناس ،أو
على حق الفراد ،كمباشرة المرأة الجنبية (غير القريبة قرابة رحم محرم) فيما دون الجماع،والتقبيل
واللمس ،والنظر والخلوة المحرمة ونحوها ،وسرقة الشيء القليل الذي هو دون النصاب الشرعي
الموجب للحد (دينار أو ربع دينار على الخلف بين الفقهاء) والسرقة من غير حرز حافظ للمال،
والقذف بغير لفظ الزنا ونحوه من أنواع السب ،والضرب واليذاء بأي وجه ،كالقول :يا فاسق ،يا
خبيث ،يا سارق ،يا فاجر ،يا زنديق ،يا آكل الربا ،يا شارب الخمر أو يا حمار ،أو بغل أو ثور ،في
رأي الكثرين ،وخيانة المانة من الحكام وولة الوقف ونظّار الوقاف ،وتبديد أموال اليتام ،وإهمال
الوكلء والشركاء ،والغش في المعاملة ،وتطفيف المكيال والميزان (النقص من البائع والزيادة من
المشتري) وشهادة الزور التي كشف أمرها ،والرشوة ،والحكم بغير ما أنزل ال تهاونا ،والعتداء
على الرعية ،والدعاء بدعوة الجاهلية وعصبيتها ونحو ذلك (. )1
ويمكن وضع ضابط عام للتعزير بمثابة تقنين أو تعريف عام :وهو كل ما فيه اعتداء على النفس أو
المال أو العرض أو العقل أو الدين مما ل حدّ فيه ،وذلك يشمل كل الجرائم التي هي ترك واجب ديني
أو دنيوي ،أو فعل محرم محظور شرعا للمصلحة العامة أو الخاصة بالشخص.
وذكر فقهاء الحنفية ضابطا مختصرا لجرائم التعزير وهو :يعزر كل مرتكب منكر ـ خطيئة ل حد
فيها ـ أو معصية ليس فيها حد مقدر أو مؤذي مسلم أو غير مسلم بغير حق ،بقول أو فعل أو إشارة
بالعين أو باليد ( . )2أو بعبارة أخرى :إن ضابط موجب التعزير :هو كل من ارتكب منكرا أو آذى
غيره بغير حق بقول أو فعل أو إشارة ،سواء أكان المعتدى عليه مسلما أم كافرا (. )3
-------------------------------
( )1البحر الرائق ،240/8 :تكملة المجموع.361/18 :
( )2رد المحتار على الدر المختار 195/3 :وما بعدها.
( )3البدائع.63/7 :
( )7/278
وهذا الضابط ،وإن كان فيه عموم وإجمال ،خلفا لما تتطلبه قوانين العصر من النص صراحة على
كل جريمة بعينها وعقوبتها ،إل أنه بمثابة القاعدة الفقهية الكلية المفيدة في التفقيه ووضع الطار العام
للجرائم غير الحدية ،ويمكن بسهولة إفراد كل جريمة بالبيان ،لن مرجع القاضي في التجريم ـ كما
تقدم ـ إنما هو الشرع ،وليس هو العقل والهوى الشخصي ،الذي ليس له أثر في شرع ال بإنشاء
الحكام ،وما على القاضي إل أن يتقيد في كل تجريم بأوامر الشرع ونواهيه في القرآن والسنة،
ويهتدى بما أجله الفقهاء تماما في هذا الشأن ،فما قبّحه الشرع أو منعه فهو قبيح ممنوع ،وما حسّنه
الشرع أو طلبه ،فهو حسن مطلوب أو مباح ،كما
يقول الصوليون غير المعتزلة .وحكم الشرع دائما مقيد بالمصلحة العامة ،ودفع الضرر العام .فإن لم
تكن هناك مصلحة عامة أو ضرر عام ،روعيت المصلحة الشخصية ،دون إضرار بالخرين .ويقسم
ابن تيمية رحمه ال الجرائم التعزيرية ،من ناحية أصل التكليف إلى قسمين:
الول :ما تكون العقوبة فيه على إتيان فعل نهى ال عنه كالغش ،والتزوير ،وشهادة الزور (أي التي
ظهر أمرها للقاضي) وخيانة المانة ،والتدليس...الخ.
( )7/279
الثاني :ما تكون العقوبة فيه على ترك واجب أو على المتناع من أداء حق ،وتكون هذه العقوبة
بقصد حمل الشخص على أداء الواجب أو الحق ،كعقوبة تارك الزكاة ،فهي للحمل على الداء وليست
على ترك الزكاة ،فإن أداها التارك فل عقاب .وكذلك الحال بالنسبة لحبس المرتد ،فإن تاب فل
عقاب ،وحبس المدين المماطل ،فإن وفى الدين فل عقاب (. )1
والعقوبات التعزيرية :هي التوبيخ أو الزجر بالكلم ،والحبس ،والنفي عن الوطن ،والضرب .وقد
يكون التعزير بالقتل سياسة في رأي الحنفية وبعض المالكية ،وبعض الشافعية إذا كانت الجريمة
خطيرة تمس أمن الدولة أو النظام العام في السلم ،مثل قتل المفرّق جماعة المسلمين ،أو الداعي إلى
غير كتاب ال وسنة رسوله صلّى ال عليه وسلم ،أو التجسس ،أو انتهاك عرض امرأة بالكراه ،إذا
لم يكن هناك وسيلة أخرى لقمعه وزجره (. )2
-------------------------------
( )1الجريمة والعقوبة في الفقه السلمي للستاذ المرحوم محمد أبو زهرة.122/1 :
( )2الفروق للقرافي ،79/4 :العتصام للشاطبي ،120/2 :الطرق الحكيمة لبن القيم :ص 101وما
بعدها ،أحكام القرآن للجصاص ،412/2 :تبيين الحقائق ،207/2 :المغني ،328/9 :رد المحتار:
،196/3الشرح الكبير للدردير ،355/4 :المهذب ،242/2 :غاية المنتهى ،334/3 :السياسة الشرعية
لبن تيمية :ص ،114الحسبة لبن تيمية :ص .48
( )7/280
يدل هذا على أن العقوبات التعزيرية معروفة أيضا في الشريعة ،وقد أوضحها الفقهاء في كتبهم ،لكنهم
قد يذكرونها إجمالً ،ويتركون اختيار إحداها للقاضي يفعل ما يراه محققا للمصلحة من العقاب ،وفي
هذا مرونة ومنح للقاضي شيئا من الحرية ،وإعطاؤه سلطة تقديرية ،وقد يحدد الفقهاء العقوبة الخاصة
بكل جريمة على حدة ،فتكون الكتب الفقهية بمثابة التقنينات ،وإن كان ينقصها الجمع والتنظيم
واليجاز وحسن التبويب والتفصيل ،لتعرف عقوبة كل جريمة بعينها .وليس للقاضي أصلً الحكم
بعقوبة غير مألوفة شرعا ،أما إن لم يكن في الكتب أحيانا تقدير محدد لعقوبة كل جريمة بذاتها،
فحينئذ يتمكن القاضي من اختيار نوع العقوبة الملئم قدرها للجريمة ،ومراعاة ظروف الجاني
وأحواله تغليظا أو تخفيفا ،لن المقصود من التعزير :هو الزجر ،والناس يتفاوتون بتفاوت مراتبهم
فيما يحقق الهدف المقصود من العقاب ،ولنه قد تحدث جرائم لم يألفها الناس ،حسبما تقتضي طبيعة
التطورات الجتماعية والقتصادية ،وقد يتفنن المجرمون في ابتكار ألوان مختلفة لجريمة واحدة ،كما
قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه ال« :سيحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من
الفجور» (. )1
وإذا حكم القاضي بالضرب ،فليس لقله حد معين ،فهو سوط فأكثر ،ويفعل ما يراه محققا للمصلحة
والزجر .وأما أقصى الضرب فهو مقيد بأل يتجاوز مقدارا معينا ،وهو ما دون أقل الحدود الشرعية،
للحديث المتقدم« :من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» .
-------------------------------
( )1انظر كتاب الخليفة الراشد العادل عمر بن عبد العزيز رحمه ال للكاتب صاحب البحث.
( )7/281
لكن اختلف الفقهاء في أكثر الضرب ،فقال أبو حنيفة ومحمد والشافعية والحنابلة :ل يبلغ بالتعزير
أدنى الحدود الشرعية ،وهو أربعون جلدة ،وإنما ينقص
منه سوط واحد ،فل يتجاوز الحكم تسعة وثلثين سوطا ،باعتبار أن أقل الحدود للعبيد أربعون جلدة.
وقال أبو يوسف :ل يبلغ بالحد ثمانين جلدة ،وينقص منه خمسة أسواط ،فل يتجاوز خمسة وسبعين
سوطا ،باعتبار أن أقل حد الحرار ثمانون جلدة (. )1
وقال المالكية :يجوز التعزير بمثل الحدود فأقل وأكثر بحسب الجتهاد (. )2
وتقدير مدد الحبس أو السجن متروك للقاضي .وعلى كل حال يمكن إصدار نظام أو قانون عام يحدد
الحدود الدنيا والقصوى لكل عقوبة ،ويبين مدى سلطة القاضي ،فهذا متروك لجتهاد ولة المور ،ول
حظر فيه شرعا ،أو عقل ،وإنما هو مستحسن بحسب العراف المعاصرة ،ويمكننا بسهولة وضع
تقنين شرعي يتناسب مع ظروف العصر ،وقد حدث هذا فعلً في القوانين الجنائية المستمدة من
الشريعة السلمية كما تقدم.
ومن صفات التعزير عند الحنفية والشافعية :أنه ليس واجبا على القاضي الحكم به ،وإنما يجوز له
العفو عنه وتركه ،إذ ا لم يتعلق به حق شخصي لنسان معين ( ، )3لما روي أن النبي قال« :أقيلوا
ذوي الهيئات عثراتهم إل في الحدود» ( . )4وهذا يدل على أنه يراعى في التعزير مصلحة المتهم،
ويسلك معه مسلك التخفيف.
-------------------------------
( )1البدائع ،64/7 :فتح القدير ،214/4 :تبيين الحقائق ،209/3 :نهاية المحتاج ،175/7 :المهذب:
،288/2المغني ،324/8 :غاية المنتهى ،335 - 333/3 :السياسة الشرعية لبن تيمية :ص ،112
الطرق الحكمية :ص .265
( )2الشرح الكبير وحاشية الدسوقي.355/4 :
( )3البدائع ،64/7 :حاشية ابن عابدين ،204/3 :مغني المحتاج ،193/4 :قواعد الحكام للعز:
،158/1المهذب.288/2 :
( )4رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن عدي والعقيلي عن عائشة ،وصححه ابن حبان.
( )7/282
يتجلى مما سبق أن العقوبات التعزيرية تتصف بصفة المرونة في التطبيق ،فيترك فيها للقاضي
الحرية في اختيار نوع العقاب الملئم ،أو العفاء من العقوبة أو التفاوت بين المجرمين بحسب
الظروف والحوال ،وليس للقاضي أصلً سلطة في التجريم والعقاب كيفما يشاء ،وإنما هو مقيد في
حكمه بأوامر الشرع وقيوده وقواعده ،ويستأنس بتصنيف الفقهاء للعقوبات .وهذا كله يساعد في
إصلح المجرم وبالتالي القلل من الجريمة ومنعها ،بسبب رهبته من العقاب المحدد مطلقا ،وهو
أسمى ما ينشده رجال القانون للتخفيف من حدة مبدأ قانونية الجرائم ،وإعطاء سلطات تقديرية للقاضي
في العقاب ،مثل ترتيب العقوبة بين حد أقصى وحد أدنى يتراوح بينهما تقديره ،أو ائتمانه على تطبيق
نظام الظروف المخففة ،أو تخويله سلطة المر بإيقاف تنفيذ العقوبة في بعض الحوال .وبذلك بدأت
الشريعة السلمية في العقوبات التعزيرية بما انتهت إليه القوانين الحديثة في أفضل وأسمى نظرياتها.
( )7/283
عاشرا ـ موانع العقاب أو موانع المسؤولية ،وأسباب الباحة وإنسانية العقوبة :
قد يمتنع تطبيق العقوبة لسباب إنسانية تؤدي إلى منع الجريمة وحماية المجتمع من تكرار وقوع
الجريمة وهي نوعان:
- 1موانع العقاب أو موانع المسؤولية :هي أسباب شخصية ترجع إلى تخلف الركن المعنوي للجريمة
وهو القصد الجنائي (أو الرادة الثمة) إما لنعدام أهلية الفاعل وهو عذر صغر السن أو عدم التمييز
والجنون ،وإما بسبب انتفاء التكوين الطبيعي للرادة وهو عذر الكراه.
- 2أسباب الباحة :هي أسباب موضوعية ترجع إلى ظروف خارجة عن شخص الفاعل تمنع توافر
علة التجريم ،وتؤدي إلى عدم تطبيق العقوبة على من يرتكب فعلً يعد في الصل جريمة ،مثل
ممارسة حق الدفاع الشرعي واستعمال الحق ،فتعتبر أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء ،فل مسؤولية
على المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية ،إل إذا تجاوز حدود الدفاع المشروع ،فيصبح عمله
جريمة يسأل عنها مدنيا وجزائيا .والدفاع عامل مهم من عوامل منع الجريمة .واستعمال الحق مثل
رضاء المجني عليه يسقط القصاص للشبهة ،ورفع العقاب عن المكره ومثله المضطر في الشريعة
يتمشى مع مراعاة الوظيفة النسانية للعقوبة ،فل قصاص في رأي الحنفية والظاهرية على المستكره
على القتل ،ول عقاب عند جمهور الفقهاء على المرأة المستكرهة على الزنا ،لقوله تعالى{ :ول
ُتكْرِهُوا فتياتِكم على ال ِبغَاءِ إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ،ومَنْ يكرِههن ،فإنّ ال من
بعد إكرا ِههِن غفورٌ رحيمُ} [النور ]33/24:وكذا ل عقاب على الرجل المكره على الزنا في مذهبي
الحنفية والشافعية ،لن الكراه يوّرث شبهة ،والحدود تدرأ بالشبهات (. )1
والمضطر ل عقاب عليه ،لن عمر رضي ال عنه أوقف قطع يد السارق عام الرمادة أو المجاعة
العامة بالناس ،وقال« :ل أقطع في عام سنة» ( . )2وذكر ابن القيم أن عمر رضي ال عنه أتي
بامرأة جهدها العطش ،فمرت على راع فاستقت ،فأبى أن يسقيها إل أن تمكنه من نفسها ،ففعلت،
فشاور الناس في رجمها ،فقال علي رضي ال عنه :هذه مضطرة أرى أن يخلى سبيلها{ :فمن اضْطُرّ
غير باغ ول عاد فل إثمَ عليه} [النعام ]145/6:فخلى عمر سبيلها ( . )3وهذا يتفق أيضا مع مبدأ
انتفاء القصد الجنائي ،وتطبيق قاعدة رفع الحرج ،ودرء الحدود بالشبهات.
-------------------------------
( )1البدائع 175/7 :وما بعدها ،بداية المجتهد ،389/2 :الشرح الكبير للدردير ،444/3 :الفروق
للقرافي ،208/2 :قواعد الحكام ،132/2 :القواعد لبن رجب :ص 286وما بعدها ،كشاف القناع:
،98/4المغني ،645/ :أعلم الموقعين ،183/4 :بتحقيق عبد الحميد.
( )2أعلم الموقعين ،33/3 :مطبعة النيل بمصر.
( )3المرجع السابق.
( )7/284
( )7/285
الستر على غير المجاهر بالمعصية ،ودرء الحدود بالشبهات الكثيرة يؤديان إلى ندرة العقوبة وعدم
الحرص الشديد على تطبيقها.
- 3منع الجريمة أو التخفيف منها :ل يمكن في الغالب استئصال الجريمة في أي مجتمع ولكن يمكن
إضعافها وتقليل نسبتها باتباع نظام صحيح يحقق الهدف من العقوبة وهو صيانة المن ،واستتباب
النظام ،ومنع الفوضى وجعل احتمال الجريمة أمرا بعيد الحصول.
- 4إصلح المجرم وتقويمه واستقامته :إن كل إنسان يشعر ذاتيا بفداحة المسؤولية والعقاب ،ويحس
بضرر ذلك على سمعته وشرفه واعتباره ،فإذا عوقب مرة ،دفعه ذلك في الغالب إلى العزم على عدم
العود إلى جرم آخر ،وصلح حاله واستقام أمره.
- 5نظافة المجتمع وطهره وحمايته من ظاهرة الجرام :وهذا هدف أساسي في سياسة العقاب في
السلم ،لن أمن الفرد من أمن الجماعة ،والعيش في سلم هو غاية كل إنسان ،فيكون توقيع العقوبة
المناسبة أدعى إلى صون مصلحة المجتمع أكثر من رعاية مصلحة فرد أو إنسان معين.
- 6تقدير المخاطر ،والتوعية بأن الوقاية خير من العلج :إن تطبيق العقوبة في السلم أمر علني
لينزجر الناس ،ويحاسبوا أنفسهم،ويقدروا ما قد يقعون فيه من الحساب العسير والعقاب الصارم؛ لن
كل امرئ بما كسب رهين ،والوقاية خير من العلج ،وسد الذرائع المؤدية إلى الفساد أمر واجب،
ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
( )7/286
- 7نشر ظاهرة الخوف من العقاب الدنيوي والخروي يحقق مصالح عامة كثيرة أهمها صون أمن
المجتمع ،والتوجه نحو التنمية والنتاج وتوفير الطاقات ،وتقليل النفاق على مقاومة الجريمة ،فهناك
خسائر تلحق بالممتلكات ومصادر الثروة كالسرقة والنصب والختلس ،وتهريب الموال ،وخسائر
في الرواح بسبب القتل أو الصابة بالعجز الكلي أو الجزئي ،وتعطيل جزء من الطاقة بإيداع
المجرمين في السجون ،وإن صارت السجون الن طاقة إنتاجية من خلل التدريب وتأهيل المسجونين
ليتعلموا حرفة أو مهنة يتعيشون منها بعد إطلق سراحهم من السجون .وهناك نفقات طائلة تنفقها
الدولة في مكافحة الجريمة ،كمرتبات رجال الشرطة والقضاء ،ونفقات السجون ودور القضاء
والموظفين في هذه المؤسسات وغير ذلك.
- 8تحقيق المن والستقرار الدائم :إن ظاهرة الجريمة تحدث قلقا بالغا واضطرابا شديدا وغليانا ل
يهدأ إل بالعقوبة الصارمة.
- 9بقاء العالم :إن في تطبيق العقوبة كالقصاص (أو العدام) صونا لحياة العالم وأرواح الناس،
وبقاء النوع النساني ،لن القاتل إذا علم أنه سيقتل إذا قتل ،ارتدع وانزجر ،فأحيا نفسه ،وأحيا غيره،
قال ال تعالى{ :ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي اللبابِ ،لعلكم تتقون} [البقرة .]179/2:لذا كانت
المطالبة بمنع عقوبة العدام خطأ بينا ل يتفق مع المصلحة العامة والخاصة في شيء أبدا.
( )7/287
- 10حصر الجريمة في أضيق نطاق ممكن :وهذا من مقاصد التشريع وأصول العقاب في السلم،
ويتمثل هذا بالترهيب من إشاعة الفاحشة في المجتمع ،قال ال تعالى{ :إن الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} [النور .]19/24:وإذا شاعت الفاحشة تجرأ الناس على
ارتكابها وهان عليهم اقترافها ،ويتمثل أيضا بمبدأ تفريد العقاب القضائي في نطاق التعازير (أي
إصدار العقوبة الملئمة لكل فرد على حدة حسبما يلئمه ويزجره ،فيحقق فكرة السلطة التقديرية
للقاضي ويساير التطور) وكذا المسؤولية الشخصية ،قال تعالى{ :ول تزر وازرة وزر أخرى}
[النعام .]164/6:ثم إن العقوبة واجبة التطبيق عند جمهور الفقهاء غير أبي حنيفة ،ولو وقعت خارج
دار السلم ،لن الممنوع أو الحرام ل تتغير صفته في أي مكان.
- 11الدفاع عن المجتمع ضد الجريمة :لقد حرص السلم على هذا المعنى ،وأقام مبدأ التكافل
الجتماعي ضد الجريمة ،أو المسؤولية الجماعية المفروضة على كل فرد أن يرعى مصالح الجماعة،
كأنه حارس لها أو موكل بها ،وهذا ما صوره الرسول صلّى ال عليه وسلم في حديث السفينة بقوله:
«مثل القائم على حدود ال ،والواقع فيها ،كمثل قوم استهموا في سفينة ،فأصاب بعضهم أعلها،
وأصاب بعضهم أسفلها ،فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مرّوا على من فوقهم ،فقالوا :لو أنا خرقنا
في نصيبنا خرقا ،ولم نؤذ من فوقنا ،فإن تركوهم وما أرادوا ،هلكوا جميعا ،وإن أخذوا على أيديهم
نجوا ونجوا جميعا» (. )1
- 12الحفاظ على المقاصد العامة للتشريع أو الصول الخمس الكلية :تقوم خطة الشريعة في التجريم
والعقاب على أساس الحفاظ على المصالح الساسية المعتبرة في السلم ،وهي الدين ،والنفس،
والعقل ،والنسل ،والمال ،وهي المصالح التي ل تستقيم الحياة النسانية إل بوجودها وصيانتها من
العتداء ،فيكون العتداء عليها جريمة يعاقب عليها المعتدى بما يتناسب مع جسامة الجرم وخطورته
( . )2
والخلصة :إن العقوبات السلمية أدوات فعالة في القضاء على الجريمة والمجرمين ،ووسائل نفّاذة
في نشر المن والسلم واستئصال الجريمة ،والدليل على ذلك واقع البيئة التي تطبق فيها ،وحينئذ ل
يلتفت إلى أي نقد أو اعتراض أو تشويه لمعنى العقوبة وأساليبها وأنواعها في شريعة ال تعالى ،فتلك
المزاعم باطلة ،وأفكار مروجيها خطأ ،ومصدرها الجهل بحقيقة المور في الشريعة ،ومراعاة
مصلحة شخص على حساب الجماعة كلها.
-------------------------------
( )1أخرجه البخاري في صحيحه.
( )2التعزير والتجاهات الجنائية المعاصرة للدكتور عبد الفتاح خضر :ص .9
( )7/288
صلُ الوّل :حَدّ الزّنا
ال َف ْ
تمهيد :
الزنا حرام وفاحشة عظيمة ،وهو من الكبائر العظام ،واتفق أهل الملل على تحريمه ولم يحل في ملة
قط ،ولهذا كان حده أشد الحدود؛ لنه جناية على العراض والنساب ،قال ال تعالى{ :ول تقربوا
الزنى ،إنه كان فاحشة وساء سبيلً} [السراء ]32/17:وقال سبحانه{ :والذين ل يدعون مع ال إلها
آخر ،ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق ،ول يزنون ،ومن يفعل ذلك يلق أثاما ،يضاعف له
العذاب يوم القيامة ،ويخلد فيه مهانا} [الفرقان.]69-68/25:
والصل في مشروعية حد الزنا للبكر قوله عز وجل{ :الزانية والزاني ،فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة
جلدة} [النور .]2/24:وأما الرجم للمحصن فقد ثبت في السنة ،فإن الرسول صلّى ال عليه وسلم رجم
ماعزا وامرأة من بني غامد ،بأخبار بعضها متواتر ،كما أثبتنا في تخريج أحاديث تحفة الفقهاء (، )1
وأجمع الصحابة على مشروعية الرجم.
وحد الزنا من حقوق ال تعالى الخالصة له ،أي من حقوق المجتمع ،لما يترتب على الزنا من اعتداء
على السرة والنسل ونظام المجتمع.
-------------------------------
( )1راجع تحفة الفقهاء 192 ،188/3 :وسيأتي تخريج الحديث بإيجاز.
( )7/289
واتفق أئمة المذاهب على أنه ل يجب الحد على الصبي والمجنون ،لقوله صلّى ال عليه وسلم «رفع
القلم عن ثلث :عن الصبي حتى يكبر ،وعن النائم حتى يستيقظ ،وعن المجنون حتى يُفيق» (. )1
وكما أن الزنا حرام ،اللواط محرم أيضا ،بل هو أفحش من الزنا ،لقوله عز وجل{ :ولوطا إذ قال
لقومه :أتأتون الفاحشة ،ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [العراف ]80/7:فسماه الحق تعالى
فاحشة ،وقال{ :ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [النعام .]151/6:وقد عذب ال عز وجل
قوم لوط بما لم يعذب به أحدا من الناس .وقال صلّى ال عليه وسلم « :من وجدتموه يعمل عمل قوم
لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» ( . )2وروى البيهقي عن أبي موسى :أن النبي صلّى ال عليه وسلم
قال« :إذا أتى الرجل ُالرجلَ فهما زانيان» .
والسحاق( :وهو فعل النساء بعضهن ببعض) حرام أيضا ،ويعزر فاعل المساحقة ولو كان ذلك بين
رجل وامرأة ،أو بين رجلين .وروى البيهقي عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه أن النبي صلّى
ال عليه وسلم قال« :إذا أتى الرجل ُالرجل فهما
-------------------------------
( )1أخرجه البزار في مسنده بهذا اللفظ عن أبي هريرة .قال الهيثمي :وفيه عبد الرحمن بن عبد ال
بن عمر بن حفص وهو متروك ا هـ .إل أنه روي عن صحابة آخرين بألفاظ مختلفة :منها ـ ما
رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة إل الترمذي وصححه الحاكم ،وأخرجه ابن حبان ،ولفظه« :رفع
القلم عن ثلثة :عن النائم حتى يستيقظ ،وعن الصغير حتى يكبر ،وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق»
وروي أيضا عن علي بن أبي طالب وأبي قتادة وثوبان وشداد بن أوس.
(راجع نصب الراية 161/4 :وما بعدها ،جامع الصول ،349 ،271/4 :مجمع الزوائد،251/6 :
سبل السلم.)180/3 :
( )2أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي عن ابن عباس ،ورواه البزار في
مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وإسناده أضعف من الول (راجع نصب
الراية 339/3 :وما بعدها ،جامع الصول ،271 ،305/4 :التلخيص الحبير :ص .)351
( )7/290
زانيان ،وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» ( . )1وعن واثلة قال :قال رسول ال صلّى ال عليه
وسلم« :سحاق النساء بينهن زنا» (. )2
وفي الجملة :إن العين بريد الزنا ،قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :العينان تزنيان واليدان تزنيان،
والرجلن تزنيان ،ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه» ( )3مما يدل على أن غض البصر واجب
شرعا .قال تعالى{ :قل للمؤمنين :يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور{ ]30/24:وقل
للمؤمنات :يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور ]31/24:فمن حرمت مباشرته في الفرج
بحكم الزنا أو اللواط ،حرمت مباشرته فيما دون الفرج بشهوة ،لقوله تعالى{ :والذين هم لفروجهم
حافظون ،إل على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم ،فإنهم غير ملومين} [المؤمنون.]6-5/23:
-------------------------------
( )1رواه البيهقي عن أبي موسى .قال ابن حجر « :وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري كذبه أبو
حاتم ،ورواه أبو الفتح الزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى ،وفيه
بشر بن الفضل البجلي ،وهو مجهول .وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه» ( .راجع
التلخيص الحبير :ص .)352
( )2رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ،ورواه الطبراني أيضا بلفظ «السحاق بين النساء زنا بينهن» .
(راجع مجمع الزوائد.)256/6 :
( )3رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :كتب على ابن آدم نصيبه من
الزنا ،مدرك ذلك ل محالة ،فالعينان زناهما النظر ،والذنان زناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم،
واليدان تزنيان ،وزناهما البطش ،والرجلن تزنيان وزناهما المشي ،والقلب يهوى ويتمنى ،ويصدق
ذلك الفرج أو يكذبه» وأخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ آخر ،ورواه أحمد وأبو يعلى،
والبزار والطبراني وإسنادهما جيد عن ابن مسعود بلفظ« :العينان تزنيان والرجلن تزنيان واليدان
تزنيان والفرج يزني» ( .راجع نصب الراية ،248/4 :التلخيص الحبير :ص ،324مجمع الزوائد:
)256/6والمقصود من كتابة الزنا على ابن آدم :تقرير الواقع من النسان بحسب علم ال المحيط
بكل الحداث والتصرفات ،ل بمعنى الفرض واللزام ،ول بد من أن يقع تصرف النسان مطابقا لما
في علم ال ؛ لن علمه ل يتغير.
( )7/291
ويحرم الستمناء لقوله عز وجل{ :والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم ،فإنهم غير ملومين} [المؤمنون ،]6-5/23:ولنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل ،فإن فعل
عزر ولم يحد؛ لنها مباشرة محرمة من غير إيلج ،فأشبهت مباشرة الجنبية فيما دون الفرج .ويحرم
إتيان الميتة والبهيمة للية السابقة ( . )1وسنعرف حكم الحد فيه.
خطة الموضوع :
الكلم في حد الزنافي المباحث الخمسة التية:
المبحث الول ـ سبب حد الزنا «الجريمة» وتعريف الزنا.
المبحث الثاني ـ شروط الحد.
المبحث الثالث ـ عقوبة الزنا «الحد» .
المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي.
المبحث الخامس ـ إقامة الحد (كيفيته ،حالة المحدود ،مكان القامة).
ويلحق بها بيان حكم اللواط ،ووطء البهيمة ،ووطء الميتة.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين ،171/3 :المهذب 268/2 :ومابعدها ،حاشية الدسوقي ،316/4 :المغني:
،187/8غاية المنتهى.334/3 :
( )7/292
الحرام :أي الوطء الحاصل من الشخص المكلف (أي العاقل البالغ) .أما وطء غير المكلف كالصبي
والمجنون فل يعتبر زنا موجبا للحد؛ لن فعلهما ل يوصف بالحرمة ،لكونهما غير مكلفين ،بقوله عليه
الصلة والسلم« :رفع القلم عن ثلث :عن الصبي حتى يبلغ ( ، )1وعن النائم حتى يستيقظ ،وعن
المجنون حتى يُفيق» السابق ذكره.
في قبل :أخرج بذلك الوطء في الدبر في النثى أو الذكر ،فإنه ليسمى زنا عند المام أبي حنيفة،
بخلف الصاحبين والشافعية والحنابلة والمالكية.
المرأة :أخرج وطء البهيمة؛ لنه أمر نادر ينفر منه الطبع السليم كما تقدم.
الحية :أخرج وطء الميتة؛ لنه أمر نادر ،كما ذكر.
المشتهاة :ل يحد واطئ غير المشتهاة كالصغيرة التي لم تبلغ حدا يشتهى؛ لن الطبع السليم ل يقبل
هذا.
حالة الختيار :يجب أن يكون الواطئ مختارا ،سواء أكان رجلً أم امرأة موطوءة ،فل يحد المكرَه
على الزنا .وقد اتفق العلماء على أنه ل حد على المرأة المكرهة على التمكين من الزنا ،لقوله عليه
الصلة والسلم« :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ومااستكرهوا عليه» (. )2
وأما الرجل المكرَه على الزنا ،فل حد ولتعزير عليه أيضا عند الشافعية ،وهو المختار عند محققي
المالكية ،للحديث السابق ولقيام عذره بالكراه.
وقال الحنابلة :يحد؛ إذ أنه ما دام قد حصل النتشار منه ،دل على انتفاء الكراه.
-------------------------------
( )1هذا اللفظ أخرجه أبو داود عن علي بن أبي طالب .وهناك روايات أخرى مثل «حتى يحتلم» أو
«حتى يكبر» وقد تقدم تخريج الحديث (انظر نصب الراية.)163/4 :
( )2أخرجه الطبراني عن ثوبان ،وله لفظ آخر« :إن اال تجاوز عن أمتي ثلثة :الخطأ والنسيان وما
أكرهوا عليه» قال النووي :حديث حسن ،وصححه السيوطي ،وهو غير صحيح ،فقد تعقبه الهيثمي
بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف ،ورواه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني
والبيهقي والحاكم في المستدرك من حديث الوزاعي ،واختلف عليه ،فقيل :عن ابن عباس بلفظ« :إن
ال وضع» وللحاكم والدارقطني والطبراني بلفظ« :تجاوز» ( .راجع التلخيص الحبير :ص ،109
الجامع الصغير ،24/2 :فيض القدير ،34/4 :مجمع الزوائد.)250/6 :
( )7/294
وقال أبو حنيفة أولً :إن أكرهه السلطان فل حد عليه ،وإن أكرهه غير السلطان حد استحسانا؛ لن
الكراه ل يتحقق في رأيه إل من السلطان.
وأما وقوع الزنا بإكراه غير السلطان ،فإنه يدل على عدم تحقق معنى الكراه ،لوجود الطواعية
والرضا من الفاعل ،بدللة الحال وحصول النتشار والشهوة.
ثم استقر رأي أبي حنيفة على أنه ل يحد المستكره؛ لن النتشار قد يكون دليل الفحولية ل دليل
الختيار.
وقال الصاحبان :ل يحد المكره في الحالتين وهو المعتمد في الفتوى .وقال زفر :يحد فيهما جميعا ()1
.
في دار العدل :أي في دار السلم؛ إذ ل ولية لولي المر على دار الحرب أو دار البغي.
ممن التزم أحكام السلم :أي المسلم أو الذمي وهو احتراز عن الحربي ،فإنه لم يلتزم أحكام السلم.
-------------------------------
( )1راجع البدائع ،180 ،34/7 :حاشية ابن عابدين ،172/3 :مغني المحتاج ،145/4 :المهذب:
،267/2حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ،318/4 :بداية المجتهد ،431/2 :المغني لبن
قدامة.205 ،187/8 :
( )7/295
الخالي عن حقيقة الملك :هذا القيد لخراج وطء المملوكة بملك اليمين ،مثل وطء الجارية المشتركة
والمجوسية ( )1والمرتدة والمكاتبة والمحرمة برضاع أو صهرية أو جمع ( ، )2حتى وإن كان الوطء
حراما وعلم بالحرمة ( . )3والصحيح عند الشافعية أن من ملك ذات رحم محرم ،فوطئها ،ل حد
عليه؛ لنه وطء في ملك ،فلم يجب به الحد ،كوطء أمته الحائض .وكذا من وطئ جارية مشتركة بينه
وبين غيره ،ل يجب عليه الحد.
الخالي عن حقيقة النكاح :هذا قيد آخر لخراج وطء المرأة بملك النكاح ،مثل وطء الزوجة الحائض
أو النفساء ،أو الصائمة ،أو المُحرمة في الحج ،أو التي ظاهر منها زوجها أو آلى منها ،فل يجب الحد
وإن كان الوطء حراما ،لقيام ملك النكاح (. )4
شبهة الملك :إذا قامت شبهة في ملك أو نكاح ،فل يجب الحد؛ لقوله عليه السلم« :ادرؤوا الحد
بالشبهات» ( )5وهذا الحديث وإن كان موقوفا ،فله حكم
-------------------------------
( )1من المعلوم أنه ل يجوز نكاح المجوسية (عابدة النار) ول الوثنية ،ول وطؤها بملك يمين (حاشية
ابن عابدين.)398/2 :
( )2ل يعتق بالملك إل عمودا النسب :وهم الباء والمهات وإن علوا ،والولد وإن سفلوا.
( )3فتح القدير ،140/4 :البدائع.35/7 :
( )4البدائع ،35/7 :فتح القدير.140/4 :
( )5قال الزيلعي :غريب بهذا اللفظ ورواه البيهقي عن علي موقوفا ،وتمامه «ول ينبغي للمام أن
يعطل الحدود» إل أن فيه المختار بن نافع قال البخاري عنه :وهو منكر الحديث ،قال :وأصح ما فيه
حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد ال بن مسعود قال« :ادرؤوا الحدود
بالشبهات ،ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم» أخرجه ابن عدي ومسدد في مسنده موقوفا على
ابن مسعود ،وهو حسن ،وأخرجه آخرون مرفوعا ومرسلً .وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا
موقوفا ،وروي منقطعا وموقوفا على عمر .وفي مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ
(ادرؤوا الحدود بالشبهات) ورواه ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة بلفظ( :ادفعوا الحدود ما
وجدتم لها مدفعا) وأخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة بلفظ« :ادرؤوا الحدود عن المسلمين
ما استطعتم» ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما قال الترمذي ،ورواه الدارقطني ثم
البيهقي في سننيهما مرفوعا ،وقال البيهقي :الموقوف أقرب إلى الصواب .والحديث الصحيح هو ما
أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة بلفظ «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما
استطعتم ،فإن وجدتم للمسلم مخرجا ،فخلوا سبيله ،فإن المام لن يخطئ في العفو ،خير من أن
يخطئ في العقوبة» ( .راجع نصب الراية ،333 ،309/3 :التلخيص الحبير :ص ،352نيل
الوطار ،104/7 :سبل السلم ،15/4 :جامع الصول ،343/4 :مجمع الزوائد ،248/6 :فيض
القدير ،227/1 :الجامع الصغير.)14/1 :
( )7/296
المرفوع ،ولن الحدود عقوبة كاملة فتستدعي جناية كاملة ،ووجود الشبهة ينفي تكامل الجناية ،مثل
وطء الب جارية ابنه ،فإن فيه شبهة ملك أو حق ،لقوله عليه الصلة والسلم« :أنت ومالك لبيك» (
)1؛ ووطء جارية العبد المكاتب؛ لن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ،فيملك السيد الرقبة ،فيورث
ملكها شبهة في ملك الكسب؛ ووطء جارية العبد المأذون ،سواء أكان عليه دين أم لم يكن ،فإذا لم يكن
عليه دين ،فتكون الجارية ملك السيد ،وإن كان عليه دين ،فتكون رقبة المأذون مملوكة للسيد ،وملك
الرقبة يقتضي ملك الكسب ،لكن توجد شبهة بسبب كون المكاتب والمأذون يملكان التصرف في
الجارية.
ومثل وطء الجارية من المغنم في دار الحرب أو بعد الحراز في دار السلم ،ولكن قبل القسمة
لثبوت حق الستيلء.
-------------------------------
( )1روي من حديث جابر وعائشة وسمرة بن جندب ،وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر،
فحديث جابر رواه ابن ماجه وإسناده صحيح .وحديث عائشة رواه ابن حبان في صحيحه ،وحديث
سمرة أخرجه البزار والطبراني ،وحديث عمر أخرجه البزار ،وحديث ابن مسعود أخرجه الطبراني،
وحديث ابن عمر رواه أبو يعلى الموصلي( .راجع نصب الراية 337/3 :وما بعدها) .إل أن الملك
هنا على سبيل الدب والبر ،ل على سبيل الحقيقة؛ لن ملك الب مستقل عن ملك البن.
( )7/297
فل يجب الحد في هذه الحالت لوجود شبهة الملك وإن علم أن الوطء حرام (. )1
شبهة النكاح :أي شبهة العقد بأن وطئ الرجل امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي ،أو بنكاح
مؤقت وهو نكاح المتعة ،فل يجب الحد وإن كان الواطئ يعتقد التحريم ،لختلف العلماء في جواز
عقد النكاح بغير شهود ،أو بغير ولي ،أو تأقيت العقد ،والختلف يورث شبهة .وإذا تزوج إنسان من
محارمه بسبب نسب أو رضاع أوصهارة موجبة لتحريم مؤبد ،أو جمع بين أختين أو عقد على خمس
أو تزوج معتدة الغير ،وحصل وطء بموجب العقد ،فل حد عليه عند أبي حنيفة والثوري وإن علم
بالحرمة ،لكن عليه التعزير؛ لنه وطء تمكنت الشبهة منه بسبب وجود صورة المبيح ،وهو عقد
النكاح ،فلم يوجب الوطء حدا.
وقال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية :يجب الحد في كل وطء
حرام على التأبيد؛ لن النكاح باطل بالجماع ،ول عبرة بشبهته؛ لنها شبهة فاسدة ،وما ليس بحرام
على التأبيد ،كالمحرم بالصهرية مثل أخت الزوجة ،أو المختلف في تحريمه ،كالنكاح بغير شهود :ل
يوجب الحد.
لكن قيد المالكية وجوب الحد بوطء ذات الرحم المحرم أو ذات الرضاع أو الزوجة الخامسة بأن كان
الواطئ عالما بالحرمة ،فإن لم يعلم بالحرمة ،فل يحد.
وكذلك ل يحد عند الشافعية حال الجهل بالتحريم ،أو بكون المرأة من المحارم.
ومنشأ الخلف :أن الصل عند أبي حنيفة أن النكاح إذا وجد من أهل له ،في محل قابل لمقاصد
النكاح ،يمنع وجوب الحد ،سواء أكان هذا النكاح حللً أم حراما ،وسواء أكان التحريم مختلفا فيه أم
مجمعا عليه ،وسواء ظن الحل فادعى الشتباه أم علم بالحرمة.
-------------------------------
( )1البدائع :المرجع السابق ،فتح القدير.141/4 :
( )7/298
والصل عند الصاحبين والجمهور :أن النكاح إذا كان محرما على التأبيد ،أو كان تحريمه مجمعا
عليه ،يجب الحد؛ لن الوطء فيه صادف محلً ليس فيه شبهة ،وهو مقطوع بتحريمه .وإن لم يكن
محرما على التأبيد أو كان تحريمه مختلفا فيه ل يجب الحد (. )1
وقول الصاحبين هو الظهر ،وعليه الفتوى عند الحنفية ،لكن قال صاحب الدر المختار« :لكن
المرجح في جميع الشروح قول المام ،فكان الفتوى عليه أولى» (. )2
وذكر الشافعية أن من استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها ،أو تزوج ذات رحم محرم وهو يعتقد
تحريمها ،وجب عليه الحد؛ لنه ل تأثير للعقد في إباحة وطئها ،فكان وجوده كعدمه.
شبهة الشتباه:
الشبهة :هي ما يشبه الثابت وليس بثابت ،وهي إما شبهة في الفعل ،وتسمى شبهة اشتباه ،أي أنها
شبهة في حق من اشتبه عليه ،وليست بشبهة في حق من لم يشتبه عليه ،حتى لو قال :علمت أنها
تحرم علي ،حد.
أو شبهة في المحل ،وتسمى شبهة حكمية وهي تتحقق بقيام دليل على نفي الحرمة ،سواء ظن الحل أو
علم الحرمة.
-------------------------------
( )1راجع البدائع 35/7 :وما بعدها ،مغني المحتاج ،146 ،145/4 :المهذب ،268/2 :الميزان
للشعراني ،157/2 :حاشية الدسوقي ،314/4 ،251/3 :المغني ،182/8 :الفروق ،174/4 :رحمة
المة.136/2 :
( )2حاشية ابن عابدين.168/3 :
( )7/299
( )7/300
وأما شبهة المحل فتتحقق في ستة مواضع ،سواء ظن الواطئ الحل ،أو قال :علمت أنها علي حرام،
وهذه المواضع هي:
- 1المرأة المطلقة طلقا بائنا بالكنايات ،مثل :أنت بائن ،أنت بتة ،أنت بتلة،فل يحد الواطئ،
لختلف الصحابة في كون هذه المرأة رجعية أو بائنة (. )1
وأما شبهة الفاعل :فتظهر فيما لو رأى إنسان ليلً على فراشه امرأة ،فظنها زوجته ،فوطئها ،أو نادى
أعمى زوجته فأجابته امرأة أجنبية فوطئها ،وهو يظنها زوجته ،ثم بانت الموطوءة أنها أجنبية ،فل حد
عليه عند المالكية والشافعية وزفر من الحنفية ،لقيام عذره بالظن المجوز للقدام على الوطء في
الجملة .وذلك مثل المرأة التي زفت إلى رجل ،وقالت النساء :إنها زوجتك مع أنها لم تكن امرأته،
فوطئها ،فل حد عليه ،وعليه المهر (. )2
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والحنابلة :يحد الشخص في الحالتين؛ لن الظن ل يسوغ له القدام على
الوطء ،فكان الواجب عليه التربص حتى يعلم أنها
-------------------------------
( )1وبقية المواضع هي:
- 1جارية البن وإن سفل ،لقيام المقتضي للملك وهو قوله عليه الصلة والسلم( :أنت ومالك لبيك)
- 2والجارية المبيعة إذا وطئها البائع قبل القبض أو التسليم؛ لن ملك اليد قائم فيورث شبهة ،وإن
زال ملك الرقبة بالبيع.
- 3الجارية التي جعلت مهرا في عقد زواج ،ثم وطئها الزوج قبل التسليم :لن ملك اليد قائم فيورث
شبهة ،وإن زال ملك الرقبة بالنكاح.
- 4الجارية بين الشريكين ،لقيام الملك في النصف.
- 5الجارية المرهونة في الرواية المذكورة في كتاب الرهن؛ لنه انعقد له فيها سبب الملك ،فل يجب
عليه الحد ،اشتبه عليه أو لم يشتبه ،قياسا على ما لو وطئ جارية اشتراها على أن البائع بالخيار
(راجع العناية على الهداية في فتح القدير.)142/4 :
( )2راجع فتح القدير.146/4 :
( )7/301
زوجته ،ول شبهة هنا سوى وجود المرأة على فراش الرجل ،وهو ل يصلح شبهة مسقطة للحد (. )1
وقال محمد :إذا دعا الزوج العمى امرأته فقال :يافلنة ،فأجابت امرأة بقولها ( :أنا فلنة امرأتك )
فوطئها ،ل حد عليه؛ لنه ل سبيل للعمى إلى أن يعرف أنها امرأته إل بذلك الطريق ،فكان معذورا.
أما إذا أجابته ولم تقل ( :أنا فلنة ) فيجب الحد؛ لنه في وسعه أن يتثبت بأكثر من هذا الجواب ،فل
يصير شبهة (. )2
وقال الشافعية والمالكية ( : )3الشبهات دارئة للحدود ،وهي ثلثة:
- 1شبهة في الفاعل :وهو ظن حل الوطء إذا وطئ امرأة يظنها زوجته أو مملوكته.
- 2شبهة في الموطوءة :كوطء الشركاء الجارية المشتركة.
- 3شبهة في السبب المبيح للوطء ،كالنكاح المختلف فيه ،كنكاح المتعة والشغار (مبادلة فتاة
بأخرى ) والتحليل والنكاح بل ولي ول شهود ،ونكاح الخت في عدة أختها البائن ،ونكاح الخامسة
في عدة الرابعة البائن ،ونكاح المجوسية .قال ابن قدامة الحنبلي :وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لن
الختلف في إباحة الوطء فيه شبهة ،والحدود تدرأ بالشبهات .قال ابن المنذر :أجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات (. )4
-------------------------------
( )1البدائع ،37/7 :فتح القدير ،147/4 :المغني.184/8 :
( )2المرجعان السابقان.
( )3قواعد الحكام للعز بن عبد السلم ،137/2 :الفروق.172/4 :
( )4المغني.184/8 :
( )7/302
ووافق الحنابلة على اعتبار الشبهة الثانية والثالثة دارئة الحد ،أما شبهة الفاعل فل تدرأ الحد (. )1
أما الشبهة الولى عند الشافعية والمالكية فدرأت الحد؛ لن الفاعل غير آثم لعتقاده الباحة ،والنسب
لحق به ،والعدة واجبة على الموطوءة ،والمهر واجب عليه.
أما الشبهة الثانية :فدرأت الحد؛ لن ما فيها له من ملك يقتضي الباحة ،وما فيها من ملك غيره
يقتضي التحريم ،فل تكون المفسدة فيه كمفسدة الزنا المحض ،فيحصل الشتباه بسبب عدم وجود
مقتض للحد في حقه ،وإن وجد موجب الحد بسبب ملك غيره.
وأما الشبهة الثالثة ،فليس اختلف العلماء هو الشبهة ،وإنما الشبهة ناجمة عن التعارض بين أدلة
التحريم والتحليل ،فإن الحلل :ما قام دليل تحليله ،والحرام :ما قام دليل تحريمه ،وليس أحدهما أولى
من الخر ،كما أن ملك أحد الشريكين يقتضي التحليل ،وملك الخر يقتضي التحريم.
وإنما غلب درء الحد مع تحقق الشبهة؛ لن المصلحة العظمى في استيفاء النسان عبادة ال الديان،
والحدود أسباب محظرة ل تثبت إل عند كمال المفسدة وتمحضها.
الجهل بتحريم الزنا :يعذر الجاهل بالتحريم إن كان قريب العهد بالسلم ،أو نشأ في بادية بعيدة عن
العلماء ،أو كان مجنونا فأفاق وزنى قبل أن يعلم الحكام (. )2
-------------------------------
( )1المغني.184-181/8 :
( )2المهذب.268/2 :
( )7/303
( )7/304
التاسع ـ أن تكون المرأة غير حربية في دار الحرب أو دار البغي ،وهذا عند الحنفية كما تقدم ،أما
المذاهب الخرى ،فيحد من وطئ حربية ببلد الحرب أو دخلت عندنا بأمان.
العاشر ـ أن تكون المرأة حية فل يحد عند الجمهور واطئ الميتة ويحد في المشهور عند المالكية،
كما سيأتي بيانه.
ويشترط أيضا تحقيق معنى الزنا وهو تغييب حشفة أصلية في قبل امرأة كما تقدم ،أما الوطء في
الدبر أو اللواط ،فل يوجب الحد وإنما يوجب التعزير عند أبي حنيفة ،ويوجب الحد كحد الزنا مكررا
أو محصنا عند سائر المذاهب ومنهم الصاحبان ،لكن يرجم اللئط والملوط به مطلقا بشرط التكليف
عند المالكية ( . )1وأما من وطئ أجنبية غير محرم فيما دون الفرج ،كتفخيذ وتبطين ،فيعزر اتفاقا؛
لنه فعل منكر ليس فيه شيء مقدر شرعا .ويشترط كذلك أن يكون الوطء في دار السلم ،فل حد
على من وطئ في دار الحرب ،كما تقدم.
ول يقام حد الزنا إل بعد ثبوت الزنى بإقرار أو ببينة أربعة شهود عدول ،كما سيأتي بيانه.
المبحث الثالث ـ عقوبة الزنا :
الزاني إما محصن فيجب عليه حد الرجم ،أو غير محصن ،فيجب عليه حد الجلد.
- 1حد الزاني البكر غير المحصن :
حد الزاني البكر هو الجلد ،لقوله تعالى{ :الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور:
.]2/24وقال المالكية :ل يحد الكافر الذمي والحربي حد الزنا؛ لن وطأه ل يسمى زنا شرعا ،فيكون
السلم شرطا عندهم لهذا الحد،
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،456/4 :مغني المحتاج ،144/4 :كشاف القناع .94/6 :كما تقدم.
( )7/305
واختلف العلماء في النفي ،فهل يجمع بين الجلد والتغريب على الزاني البكر (. )1
قال الحنفية :ل يضم التغريب أي النفي إلى الجلد؛ لن ال تعالى جعل الجلد جميع حد الزنا ،فلو
أوجبنا معه التغريب .كان الجلد بعض الحد ،فيكون زيادة على النص ،والزيادة عليه نسخ ،ول يجوز
نسخ النص بخبر الواحد ،ولن التغريب تعريض للمغرّب على الزنا ،لعدم استحيائه من معارفه
وعشيرته.
فالنفي عندهم ليس بحد ،وإنما هو موكول إلى رأي المام ،إن رأى مصلحة في النفي فعل ،كما أن له
حبسه حتى يتوب.
وقال الشافعية والحنابلة :يجمع بين الجلد والنفي أو التغريب عاما ،لمسافة تقصر فيها الصلة ،لقوله
عليه الصلة والسلم« :خذوا عني قد جعل ال لهن سبيلً :البكر بالبكر جلد مئة ،وتغريب عام،
والثيب بالثيب جلد مئة والرجم» ( )2إل أن الشق الثاني من هذا الحديث غير معمول به عند هؤلء
وغيرهم ،بل الواجب على المحصن الرجم فقط للحاديث التية الواردة في الرجم،ولكن ل تغرب
المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم لخبر« :ل تسافر المرأة إل ومعها زوج أو محرم» (. )3
-------------------------------
( )1راجع المبسوط للسرخسي ،44/9 :البدائع ،39/7 :فتح القدير ،136 ،134/4 :مختصر الطحاوي
ص ،262مغني المحتاج ،147/4 :المهذب ،271 ،267/2 :حاشية الدسوقي ،322 ،313/4 :بداية
المجتهد ،427/2 :المنتقى على الموطأ ،137/7 :القوانين الفقهية :ص ،354الشرح الصغير:
،447/4المغني لبن قدامة ،166/8 :كشاف القناع.90/6 :
( )2رواه أحمد والموطأ وأصحاب الكتب الستة إل البخاري والنسائي عن عبادة بن الصامت (راجع
جامع الصول ،264/4 :مجمع الزوائد ،264/6 :نصب الراية ،330/3 :نيل الوطار ،87/7 :سبل
السلم ،45/4 :التلخيص الحبير :ص .)350
( )3أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا « :ل تسافر المرأة يومين إل ومعها
زوجها أو ذو محرم منها» وفي لفظ مسلم« :ثلثا» وفي لفظ «فوق ثلث» وفي لفظ له «ثلثة أيام
فصاعدا» وأخرجه الدارقطني عن أبي أمامة الباهلي موفوعا« :ل تسافر امرأة سفر ثلثة أيام ،أو
تحج إل ومعها زوجها» ورواه البخاري ومسلم بألفاظ أخرى عن ابن عمر وأبي هريرة (راجع نصب
الراية ،11/3 :سبل السلم ،183/2 :الجامع الصغير ،200/2 :التلخيص الحبير :ص .)351
( )7/306
ويؤكده قصة العسيف التي رواها الجماعة عن أبي هريرة وزيد بن خالد ،والتي قضى فيها النبي
صلّى ال عليه وسلم على الولد الجير بجلد مئة وتغريب عام ،وعلى المرأة بالرجم.
وقال المالكية :يغرب الرجل سنة ،أي يسجن في البلد التي غرب إليها ،ول تغرب المرأة خشية عليها
من الوقوع في الزنا مرة أخرى بسبب التغريب.
قال الشوكاني ( : )1والحاصل أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما
ورد من السنة زائدا عن القرآن ،فليس لهم معذرة عنها بذلك ،وقد عملوا بما هو دونها بمراحل.
وبهذا يظهر أنه ل يجمع بين الجلد والرجم بالتفاق بين المذاهب الربعة.
وقال الظاهرية :يجمع بين الجلد والرجم لظاهر حديث« :والثيب بالثيب جلد مئة ،ورجم بالحجارة» .
- 2حد الزاني المحصن :
اتفق العلماء ما عدا الخوارج على أن حد الزاني المحصن هو الرجم ،بدليل ما ثبت في السنة
المتواترة وإجماع المة ،والمعقول (. )2
-------------------------------
( )1نيل الوطار.89/7 :
( )2المبسوط ،37/9 :مغني المحتاج ،146/4 :فتح القدير ،121/4 :المنتقى على الموطأ132/7 :
وما بعدها ،نيل الوطار ،86/7 :القوانين الفقهية :ص 354وما بعدها.
( )7/307
أما السنة فكثير من الحاديث :منها قوله عليه الصلة والسلم« :ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى
ثلث :الثيب الزاني ،والنفس بالنفس ،والتارك لدينه المفارق للجماعة» ( )1ومنها قصة العسيف الذي
زنى بامرأة ،فقال الرسول عليه الصلة والسلم لرجل من أسلم« :واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ،فإن
اعترفت فارجمها» (. )2
وقصة ماعز التي وردت من جهات مختلفة ،فقد اعترف بالزنا فأمر الرسول عليه السلم برجمه ()3
.وقصة الغامدية التي أقرت بالزنا فرجمها الرسول صلّى ال عليه وسلم بعد أن وضعت (. )4
وأجمعت المة على مشروعية الرجم ،ولن المعقول يوجب مثل هذا العقاب؛ لن زنا المحصن غاية
في القبح ،فيجازى بما هو غاية من العقوبات الدنيوية (. )5
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود ،وروي بألفاظ أخرى عن عثمان وعائشة وأبي هريرة
وجابر وعمار بن ياسر (راجع نصب الراية ،317/3 :ومجمع الزوائد ،252/6 :الربعين النووي:
ص .)38
( )2أخرجه البخاري ومسلم والموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وزيد بن
خالد الجهني (راجع نصب الراية ،314/3 :جامع الصول ،296/4 :التلخيص الحبير :ص ،522
سبل السلم 2/4 :وما بعدها) .والعسيف :الجير.
( )3روى الحديث مسلم وأبو داود عن بريدة .ورواه أحمد والشيخان والترمذي وأبو داود عن أبي
هريرة .ورواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي عن جابر بن سمرة ،وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم
وأبو داود والترمذي وصححه عن ابن عباس ،وأخرجه أحمد عن أبي بكر الصديق وبريدة ،وأخرجه
أيضا أبو يعلى والبزار والطبراني عن أبي بكر .وفي الجملة :إن قصة ماعز قد رواها جماعة من
الصحابة وهي متواترة (راجع جامع الصول 279/4 :وما بعدها ،نيل الوطار ،109 ،95/7 :مجمع
الزوائد ،266/6 :نصب الراية 314/3 :وما بعدها ،سبل السلم ،6/4 :التلخيص الحبير :ص ،350
النظم المتناثر من الحديث المتواتر :ص .)18
( )4رويت القصة في صحيح مسلم عن بريدة ،كما رواها أحمد وأبو داود (راجع المراجع السابقة،
نيل الوطار.)109/7 :
( )5العقوبات الشرعية وأسبابها لستاذنا علي قراعة :ص .3
( )7/308
شرط الرجم ـ الحصان :يشترط لقامة حد الرجم توافر الحصان ،والحصان لغة :المنع ،وشرعا
جاء بمعنى السلم والبلوغ والعقل والحرية والعفة والتزويج ،ووطء المكلف الحر في نكاح صحيح.
والمراد هنا هو المعنى الخير عند الشافعية (. )1
وقال الحنفية :الحصان نوعان :إحصان الرجم وإحصان القذف ،أما إحصان الرجم :فهو عبارة في
الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم ،وهي سبعة :العقل والبلوغ ،والحرية،
والسلم والنكاح الصحيح ،والدخول في النكاح الصحيح على وجه يوجب الغسل ،ولو من غير
إنزال ،وكون الزوجين جميعا على هذه الصفات وقت الدخول ( . )2فإذا اختل شرط من هذه
الشروط ،وجب الجلد ،لقوله تعالى{ :فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور.]2/24:
وقد ترتب على اشتراط الشرط الخير :أنه لو دخل الزوج البالغ العاقل الحر المسلم بزوجته وهي
صبية أو مجنونة أو أمة ،ل يصير محصنا ما لم يوجد دخول آخر بعد زوال هذه العوارض؛ لن
اجتماع هذه الصفات في الزوجين معا يشعر بكمال حالهما ،وهذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة من
الجانبين.
و روي عن أبي يوسف :أنه لم يشترط هذا الشرط الخير ،فيصير المسلم محصنا إذا وطئ كافرة
مثلً .وهو رأي الشافعية ( ، )3فإنهم قالوا :لو كان أحد الشريكين في الوطء صغيرا ،والخر بالغا،
أو أحدهما مستيقظا والخر نائما ،أو
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.146/4 :
( )2البدائع ،37/4 :حاشية ابن عابدين ،163/3 :فتح القدير ،130/4 :المبسوط.39/9 :
( )3المهذب.268/2 :
( )7/309
أحدهما عاقلً والخر مجنونا ،أو أحدهما عالما بالتحريم والخر جاهلً ،أو أحدهما مختارا والخر
مستكرها ،أو أحدهما مسلما والخر مستأمنا ،وجب الحد على من هو من أهل الحد ،ولم يجب على
الخر؛ لن أحدهما انفرد بما يوجب الحد ،وانفرد الخر بما يسقط الحد ،فوجب الحد على أحدهما،
وسقط عن الخر .وإن كان أحدهما محصنا ،والخر غير محصن ،وجب على المحصن الرجم،
وعلى غير المحصن الجلد والتغريب؛ لن أحدهما انفرد بسبب الرجم ،والخر انفرد بسبب الجلد
والتغريب.
اختلف العلماء في اشتراط السلم للحصان :
قال أبو حنيفة ومالك :السلم من شروط الحصان ،فل يرجم الذمي إذا تحاكم إلينا ،ول تحصن
الذمية مسلما؛ لن الرجم تطهير ،والذمي ليس من أهل التطهير ،بل ل يطهر إل بحرقه في الخرة
بالنار ،بدليل قوله عليه الصلة والسلم« :من أشرك بال فليس بمحصن» (. )1
وقال صلّى ال عليه وسلم لكعب بن مالك حين أراد أن يتزوج يهودية« :دعها فإنها ل تحصنك» ()2
.قالوا :وأما رجمه اليهوديين ( )3فكان بحكم التوراة قبل نزول آية
-------------------------------
( )1رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عمر ،رفعه مرة فقال :عن رسول ال صلّى ال عليه
وسلم ،ووقفه مرة .ومن طريق إسحاق بن راهويه رواه الدارقطني في سننه ،ثم قال« :لم يرفعه غير
إسحاق ،ويقال :إنه رجع عن ذلك والصواب موقوف» ( .راجع نصب الراية ،327/3 :التلخيص
الحبير :ص .)351
( )2رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ،ومن طريقه في معجمه والدارقطني في سننه وابن عدي في
الكامل من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة عن كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج
يهودية ،فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم « :ل تتزوجها فإنها ل تحصنك» قال الدارقطني :وأبو
بكر بن أبي مريم ضعيف ،وعلي بن أبي طلحة لم يدركا كعبا (راجع نصب الراية.)328/3 :
( )3رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة عن ابن عمر مختصرا ،ومطولً .ورواه أبو داود عن أبي
هريرة وفيه رجل مجهول ،ورواه الحاكم من حديث ابن عباس ،ورواه البيهقي من حديث عبد ال بن
الحارث الزبيدي ،وإسناده ضعيف ،ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر (راجع نصب الراية:
،326/3التلخيص الحبير :ص ،351نيل الوطار.)92/7 :
( )7/310
( )7/311
والخلصة :إن الفقهاء اتفقوا على خمسة شروط في الحصان المشترط للرجم ،وهي البلوغ والعقل
والحرية ،وتغييب الحشفة ،وتقدم الوطء بنكاح صحيح :وهو أن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في
الفرج بتزويج صحيح ،فل يحصن زنا متقدم ،ول وطء بملك اليمين ،ول وطء فيما دون الفرج ،ول
وطء بنكاح فاسد أو شبهة ،ول وطء في صيام أو حيض أو اعتكاف أو إحرام ،ول وطء نكاح في
الشرك ،ول بعد عقد نكاح دون وطء .واختلفوا في اشتراط السلم على رأيين ،منها تحقق هذه
الشروط في كل الزوجين.
صفة حد الزنا :حد الزنا حق خالص ال تعالى ،أي حق للمجتمع؛ لنه وجب صيانة للعراض عن
التعرض لها ،ومحافظة على المصالح العامة ،وهي دفع الفساد الراجح إليهم ،ويترتب عليه ما يلي:
- 1إنه حد ل يحتمل العفو والصلح والبراء عنه ،بعد ما ثبت بالحجة ،لنه كما تقدم حق خالص ل
تعالى ،ل حق للعبد فيه ،فل يملك أحد إسقاطه.
- 2إنه يجري فيه التداخل ( ، )1حتى لو زنى مرارا ل يجب عليه إل حد واحد؛ لن المقصود من
إقامة الحد ،هو الزجر ،وإنه يحصل بحد واحد ،لكنه لو زنى فحد ،ثم زنى ثانيا حد ثانيا؛ لنه تبين أن
المقصود وهو الزجر لم يحصل بالحد الول ،بدليل وقوعه منه ثانية ،فيحد مرة أخرى ،رجاء أن
يحصل به الزجر المطلوب (. )2
الفرق بين حق ال تعالى وحق الدمي :
حق ال :أمره ونهيه .وحق العبد :مصالحه وتكاليفه ،وهو كل ما للعبد إسقاطه .أما حق ال :فهو
كل ما ليس للعبد إسقاطه.
وتكاليف الشريعة ثلثة أقسام بالنسبة لهذه القسمة (. )3
-------------------------------
( )1معنى التداخل :أن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها في بعض بحيث يعاقب على
جميع الجرائم بعقوبة واحدة.
( )2انظر البدائع 55/7 :وما بعدها.
( )3الفروق 141/1 :وما بعدها ،وانظر قواعد الحكام للعز بن عبد السلم.66/2 :
( )7/312
( )7/313
فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما هو مشتمل على مصالح العباد :حق ال تعالى؛ لنها ل
تسقط بالسقاط ،وهي مشتملة على حقوق العباد ،لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم .وأكثر
الشريعة من هذا النوع كالرضا بولية الفسقة وشهادة الراذل ونحوها ،فحجر الرب تعالى على العبد
في هذه المواطن لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى.
هل يجب الحد والمهر على الرجل المكرَه على الزنا؟ :
الرأي الذي استقر عليه أبو حنيفة أخيرا ،ورأي الصاحبين :أنه ل يحد المستكره على الزنا،وإنما عليه
الصداق؛ لنه حيث سقط الحد ،يجب المهر للمرأة.
وقال الحنابلة وبعض المالكية :عليه الصداق والحد جميعا .وقال الشافعية ومحققو المالكية :عليه
الصداق فقط ،وليس عليه الحد لوجود الشبهة ( )1ولحديث« :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ،وما
استكرهوا عليه» ( . )2والخلصة :أن الجمهور على الرجح يرون الصداق على المستكره وليس
عليه العقوبة ،وأن الحنابلة يوجبون عليه الصداق والعقوبة معا.
المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي :
أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالقرار أو بالشهادة ،ول تثبت حدود ال تعالى كالزنا والسرقة
والمحاربة والشرب بعلم القاضي حالة القضاء أو قبل القضاء؛ لنها تدرأ بالشبهات ويندب سترها ()3
.
أما الحكمة من اشتراط الحجة ليقاع العقوبة فواضحة ،وهي أن من تمام حكمة ال ورحمته أنه لم
يأخذ الجناة بغير حجة ،كما لم يعذبهم في الخرة إل بعد إقامة الحجة عليهم ،وجعل الحجة التي
يأخذهم بها إما منهم :وهي القرار أو ما يقوم مقامه من إقرار الحال ،وهو أبلغ وأصدق من إقرار
اللسان ،فإن من قامت
-------------------------------
( )1راجع بداية المجتهد ،319/2 :البدائع ،180/7 :حاشية ابن عابدين ،172/3 :المهذب.267/2 :
( )2أخرجه الطبراني عن ثوبان.
( )3مغني المحتاج ،149 ،398/4 :الميزان للشعراني ،154/2 :المغني ،209/8 :البدائع.52/7 :
( )7/314
عليه شواهد الحال بالجناية كرائحة الخمر وقيئها ،ووجود المسروق في دار السارق ،وتحت ثيابه،
أولى بالعقوبة ،ممن قامت عليه شهادة على إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب .وهذا متفق
عليه بين الصحابة ،وإن نازع فيه بعض الفقهاء.
وإما أن تكون الحجة من غير الجناة :وهي البينة ،واشترط فيها العدالة ،وعدم التهمة .وهما شرطان
توجبهما العقول والفطر السليمة ويحققان المصلحة (. )1
وجعل الصحابة الحمل علمة على الزنا ( )2وقد أخذ بذلك المالكية وابن القيم ،أما الحنابلة فقالوا:
تحد الحامل بالزنا ،وزوجها بعيد عنها ،إذا لم تدّع شبهة ،ول يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية ل
زوج لها .ولم يأخذ الحنفية والشافعية بإثبات الزنا بالقرائن.
أما البينة :فهي شهادة أربعة رجال ،ذكور ،عدول ،أحرار ،مسلمين ،على الزنا بأن يقولوا :رأيناه
وطئها في فرجها ،كالميل في المُكحُلة ،على حد تعبير الفقهاء.
يفهم مما ذكر ومما قرره الحنفية أنه يشترط في البينة شروط :بعضها وهي البلوغ والعقل والذكورة
والحرية والعدالة والصالة يعم كل الحدود ،وبعضها وهو عدم التقادم يخص الزنا والسرقة وشرب
الخمر .والباقي خاص بالزنا (. )3
-------------------------------
( )1أعلم الموقعين.100/2 :
( )2الطرق الحكمية :ص ،214 ،97الشرح الكبير للدردير ،المنتقى على الموطأ :باب حد الزنا،
المهذب ،266/2 :القوانين الفقهية :ص ،356مطالب أولي النهي.193/6 :
( )3انظر البدائع 46/7 :ومابعدها ،فتح القدير ،177-161 ،114/4 :تبيين الحقائق للزيلعي:
.164/3
( )7/315
- 1عدد الربع في الشهود في حد الزنا لقوله تعالى{ :واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا
عليهن أربعة منكم} [النساء ]15/4:وقوله عز اسمه{ :لول جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور]13/24:
وقوله سبحانه في حد القذف{ :والذين يرمون المحصنات ،ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور.]4/24:
فإذا شهد ثلثة ،وقال الرابع :رأيتهما في لحاف واحد ،ولم يزد عليه :يحد الثلثة عند الحنفية حد
القذف ،ول حد على الرابع؛ لنه لم يقذف .وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بزنا حدوا
بالتفاق حد القذف؛ لن عمر حد الثلثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا (. )1
- 2التكليف :أي البلوغ والعقل ،فل تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
- 3الذكورة :فل تقبل شهادة النساء بحال ،تكريما لهن؛ لن الزنا فاحشة.
وأما الحصان فيثبت بشهادة الرجال مع النساء عند الحنفية ما عدا زفر.
- 4العدالة :فل تقبل شهادة الفاسق ول مستور الحال الذي ل تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقا .فإن
شهد أربعة بالزنا وهم فساق ،أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا حد القذف؛ لن الفاسق من أهل الداء
والتحمل ،وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق.
- 5الحرية :فل تقبل شهادة العبيد.
- 6السلم :فل تقبل شهادة أهل الذمة لعدم تحقق عدالتهم.
- 7الصالة :فل تقبل الشهادة على الشهادة ،ول كتاب القاضي إلى القاضي ،لتمكن الشبهة في وقوع
الجريمة ،والحدود ل تثبت مع الشبهات.
- 8اتحاد المشهود به :وهو أن يجمع الشهود الربعة على فعل واحد ،في مكان واحد وزمان واحد.
-------------------------------
( )1ذكره البخاري في صحيحه.
( )7/316
- 9اتحاد المجلس :أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة .فإن جاؤوا
متفرقين واحدا بعد واحد ل تقبل شهادتهم ،ويحدون حد القذف ،لقول عمر رضي ال عنه« :لو جاؤوا
مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم» أي أن المراد اتحاد المجلس عند أداء الشهادة .وهذا عند الحنفية،
وأما بقية الفقهاء فلم يقولوا بهذا الشرط.
- 10أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء ،فلو كان مجبوبا لتقبل شهادتهم،
ويحدون حد القذف.
- 11أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة ،فإن كان أخرس ،لم تقبل شهادتهم،
إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادرا.
- 12عدم التقادم من غير عذر ظاهر :وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم.
ومعناه أل تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة ،منعا من التهمة وإثارة الفتنة ،إذ أن أداء
الشهادة بعد مضي مدة من غير عذر ظاهر ،يدل على أن الضغينة هي الحاملة على الشهادة ،كما قال
سيدنا عمر رضي ال عنه« :أيما قوم شهدوا على حد ،لم يشهدوا عند حضرته ،فإنما شهدوا عن
ضغن ،ول شهادة لهم» .
فإذا كان التقادم لعذر ظاهر ،كعدم وجود حاكم في موضع أو بُعد مسافة خوف طريق ،فل يمنع من
قبول الشهادة.
ومدة التقادم متروك تقديرها إلى اجتهاد القاضي عند أبي حنيفة ،لختلف أعذار الناس في كل زمان
وبيئة .وقال الصاحبان :مدة التقادم شهر أو أكثر ،فإن كان دون شهر فليس بمتقادم؛ لن الشهر أدنى
الجل ،فكان ما دونه في حكم العاجل.
( )7/317