You are on page 1of 285

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬الفِقْ ُه السلميّ وأدلّتُهُ‬


‫الشّامل للدلّة الشّرعيّة والراء المذهبيّة وأهمّ النّظريّات الفقهيّة وتحقيق الحاديث‬
‫النّبويّة وتخريجها‬
‫المؤلف ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وَهْبَة الزّحَيِْليّ‬
‫ي وأصوله‬
‫أستاذ ورئيس قسم الفقه السلم ّ‬
‫بجامعة دمشق ‪ -‬كلّيّة الشّريعة‬
‫الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬سوريّة ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬الطّبعة الرّابعة المنقّحة المعدّلة بالنّسبة لما سبقها‪ ،‬وهي الطّبعة الثّانية‬
‫عشرة لما تقدّمها من طبعات مصوّرة؛ لنّ الدّار النّاشرة دار الفكر بدمشق لتعتبر‬
‫التّصوير وحده مسوّغا لتعدّد الطّبعات مالم يكن هناك إضافات ملموسة‪.‬‬
‫عدد الجزاء ‪10 :‬‬
‫ـ الكتاب مقابل على المطبوع ومرقّم آليّا ترقيما غير موافق للمطبوع‪.‬‬
‫ـ مذيّل بالحواشي دون نقصان‪.‬‬
‫نال شرف فهرسته وإعداده للشّاملة‪ :‬أبو أكرم الحلبيّ من أعضاء ملتقى أهل الحديث‬
‫ل تنسونا من دعوة في ظهر الغيب ‪...‬‬

‫والشهاد يكون على البائع إن كان المبيع في يده‪ ،‬أو على المشتري‪ ،‬وإن لم يكن قد تسلم المبيع؛ لنه‬
‫مالك؛ أوعند العقار لتعلق الحق به‪ .‬وصورة الشهاد والطلب‪ :‬أن يقول الشفيع‪ :‬إن فلنا اشترى هذه‬
‫الدار‪ ،‬وأنا شفيعها‪ ،‬وقد كنت طلبت الشفعة‪ ،‬وأطلبها الن‪ ،‬فاشهدوا على ذلك‪ ،‬أو نحوه‪.‬‬
‫ويلحظ أن الشهاد على هذا الطلب ليس بشرط لصحته‪ ،‬كما ليس بشرط لصحة طلب المواثبة‪ ،‬وإنما‬
‫هو لتوثيقه عند إنكار الخصم‪.‬‬
‫وإن كان الشفيع في محل بعيد‪ ،‬ولم يمكنه طلب التقرير والشهاد بهذا الوجه‪ ،‬يوكل آخر‪ ،‬وإن لم يجد‬
‫وكيلً أرسل مكتوبا‪.‬‬
‫وإذا كان الشفيع قد تقدم بطلب المواثبة أمام شهود‪ ،‬عند البائع إذا كان المبيع في يده‪ ،‬أو عند‬
‫المشتري‪ ،‬أو عند المبيع نفسه‪ ،‬كفاه ذلك عن طلب التقرير‪ ،‬لحصول المقصود‪ ،‬وهو إظهار كونه‬
‫مصرا على طلب الشفعة‪.‬‬
‫حكم الطلب‪ :‬إذا فعل الشفيع طلب التقرير‪ ،‬استقرت شفعته أي حقه‪ ،‬ولم تسقط بعده بالتأخير عند أبي‬
‫حنيفة وفي رواية عن أبي يوسف‪ ،‬وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى؛ لن الحق متى ثبت واستقر ل‬
‫يسقط إل بالسقاط‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬إن تركها شهرا بعد الشهاد من غير عذر‪ ،‬بطلت شفعته‪ ،‬لئل يتضرر المشتري‬
‫بالتأخير‪ .‬وقد قال بعض الحنفية‪ :‬والفتوى اليوم على قول محمد‪ ،‬لتغير أحوال الناس في قصد‬
‫الضرار‪ ،‬وقد أخذت المجلة بهذا الرأي في المادة (‪ .)1034‬وقال الحنابلة‪ :‬إذا حدث الشهاد على‬
‫الطلب‪ ،‬فللشفيع مخاصمة المشتري ولو بعد سنين‪ .‬وحدد المالكية لطلب الشفعة الول مدة سنة تامة‪،‬‬
‫فإذا سكت بل مانع سنة كاملة بعد العقد‪ ،‬أو سكت بل مانع مع علمه بهدم أو بناء سقطت شفعته‪ ،‬لن‬
‫سكوته دليل العراض عن أخذه بالشفعة‪.‬‬

‫( ‪)6/675‬‬

‫‪ - 3‬طلب الخصومة والتملك‪ :‬وهو أن يقدم الشفيع طلبا للقضاء يطلب فيه الحكم بالشفعة وتسليم‬
‫المبيع‪ ،‬بأن يقول‪ :‬اشترى فلن دار كذا‪ ،‬وأنا شفيعها بدار كذا لي‪ ،‬أو أنا شريكه فيها‪ ،‬فأطلب منه‬
‫تسليم الدار إلي (‪. )1‬‬
‫جزاء التأخر في هذه الطلبات ‪:‬‬
‫لو أخر الشفيع طلب المواثبة عن مجلس علمه بالبيع بدون عذر‪ ،‬كأن اشتغل بأمر آخر‪ ،‬أو بحث في‬
‫أمر آخر‪ ،‬أو قام من المجلس من دون أن يطلب الشفعة‪ ،‬سقط حقه في الشفعة‪ .‬فإن وجد عذر مانع‬
‫من المبادرة بالطلب كوجود حائل مخيف من وحش أو سيل مثلً‪ ،‬ل تبطل شفعته حتى يزول المانع (‬
‫‪. )2‬‬
‫ولو أخر الشفيع طلب التقرير والشهاد‪ ،‬مدة يمكن إجراؤها فيها‪ ،‬ولو بإرسال مكتوب‪ ،‬يسقط حق‬
‫شفعته (م ‪ )1033‬مجلة‪.‬‬
‫ولو أخر الشفيع طلب الخصومة بعد طلب التقرير والشهاد شهرا‪ ،‬من دون عذر شرعي‪ ،‬ككونه في‬
‫ديار أخرى‪ ،‬يسقط حق شفعته (م ‪ )1034‬مجلة‪.‬‬
‫طالب الشفعة للمحجور‪ :‬للصغير الخذ بالشفعة عند أكثر الفقهاء‪ .‬وطلب الولي حق شفعة الصغير‬
‫ونحوه من المحجورين‪ ،‬فاعلً ما يراه المصلحة للصغير في الخذ بها‪ ،‬مثل كون ثمن المبيع رخيصا‬
‫أو بثمن المثل‪ ،‬وللصغير مال لشراء العقار‪ .‬فإذا أخذ الولي بالشفعة لم يملك الصغير نقضها بعد‬
‫البلوغ باتفاق المذاهب الربعة‪.‬‬
‫وإن لم يطلب الولي حق شفعة الصغير‪ ،‬فل تبقى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف صلحية طلب حق‬
‫الشفعة بعد البلوغ؛ لن من ملك الخذ بها‪ ،‬ملك العفو عنها‪ ،‬كالمالك‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية‪ :‬ليس للصغير إذا بلغ المطالبة بالشفعة إذا عفا عنها وليه لمصلحة رآها‬
‫للصغير‪ ،‬أو لم يكن للصغير ما يأخذها به‪ ،‬فتسقط الشفعة؛ لن الولي فعل ماله فعله‪ ،‬فلم يجز للصبي‬
‫نقضه كالرد بالبيع‪ ،‬ولنه فعل ما فيه الحظ للصبي‪ .‬فإن أسقط الولي الشفعة بل نظر ول تقدير‬
‫للمصلحة‪ ،‬لم تسقط‪ ،‬ويكون للصغير الحق فيها إذا بلغ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 158/5 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،18/5 :‬م (‪ )1032‬مجلة‪.‬‬

‫( ‪)6/676‬‬

‫وقال الحنابلة‪ ،‬وزفر ومحمد من الحنفية‪ :‬للصغير إذا بلغ المطالبة بالشفعة‪ ،‬سواء عفا عنها الولي أو‬
‫لم يعف‪ ،‬وسواء أكان في الخذ بها أم في تركها مصلحة‪ ،‬أم ل؟ لن المستحق للشفعة يملك الخذ بها‪،‬‬
‫سواء أكان له فيها الحظ‪ ،‬أم لم يكن‪ ،‬فهي حق ثابت للصغير‪ ،‬ل يملك الولي إبطاله‪ ،‬فلم يسقط بترك‬
‫غير الصغير له‪ ،‬كالغائب إذا ترك وكيله الخذ بها (‪. )1‬‬
‫نظر القاضي في طلب الشفعة وإثبات الدعاوى ‪:‬‬
‫إذا تقدم الشفيع ليأخذ بالشفعة‪ ،‬وادعى شراء الدار المشفوعة‪ ،‬سأل القاضي (‪ )2‬أولً الشفيع عن‬
‫موضع الدار وحدودها‪ ،‬لدعواه فيها حقا‪ .‬ثم هل قبض المشتري الدار؛ إذ لو لم يقبض لم تصح دعواه‬
‫على المشتري ما لم يحضر البائع‪.‬‬
‫ثم يسأل القاضي عن سبب شفعة الشفيع وحدود ما يشفع به‪ ،‬إذ قد تكون دعواه بسبب غير صالح‪ ،‬ثم‬
‫يسأل عن طلب التقرير كيف كان وعند من أشهد‪ .‬فإذا تحقق ذلك كله صحت الدعوى‪.‬‬
‫ثم سأل القاضي المدعى عليه عن مالكية الشفيع لما يشفع به‪ ،‬فإن أقر بملكية الشفيع ما يشفع به‪ ،‬فبها‪،‬‬
‫وإن أنكر تلك الملكية‪ ،‬كلف القاضي الشفيع إقامة البينة على ملكه؛ لن ظاهر اليد (أو الحيازة) ل‬
‫يكفي لثبات الستحقاق‪.‬‬
‫فإن عجز الشفيع عن البينة‪ ،‬استحلف ـ بطلب الشفيع ـ المشتري‪ ،‬بال ما يعلم أن الشفيع مالك لما‬
‫ذكره‪ ،‬مما يشفع به‪.‬‬
‫فإن نكل المشتري عن اليمين‪ ،‬أو قامت بينة للشفيع‪ ،‬ثبت ملكه الدار التي يشفع بها‪ ،‬وثبت له حق‬
‫الشفعة‪.‬‬
‫ثم يسأل القاضي المدعى عليه أيضا ‪ :‬هل اشترى (ابتاع) الدار المشفوعة‪ ،‬أو ل؟ فإن أقر فبها‪ ،‬وإن‬
‫أنكر البتياع‪ ،‬قيل للشفيع‪ :‬أقم البينة على شرائه؛ لن الشفعة ل تثبت إل بعد ثبوت البيع بالحجة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة الفتح‪ ،451 ،436/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،263/5 :‬م (‪ )1035‬مجلة‪ ،‬الشرح الصغير‪،645/3 :‬‬
‫الشرح الكبير‪ ،486/3 :‬المغني‪ ،314-313/5 :‬كشاف القناع‪ 161/4 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،159/5 :‬تكملة الفتح‪ ،421/7 :‬اللباب‪ ،111/2 :‬تبيين الحقائق‪:‬‬
‫‪ 244/5‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/677‬‬

‫فإن عجز عنها‪ ،‬استحلف المشتري بال ‪ ،‬ما ابتاع هذه الدار‪ ،‬أو بال ‪ ،‬ما يستحق عليّ في هذه الدار‬
‫شفعة‪ ،‬من الوجه الذي ذكره الشفيع ‪.‬‬
‫فإن نكل المشتري عن اليمين‪ ،‬أو أقر بالشراء‪ ،‬أو بَرْهن الشفيع على مايدعي‪ ،‬قضي له بها‪ ،‬إذا لم‬
‫ينكر المشتري طلب الشفيع الشفعة‪ :‬فإن أنكر‪ ،‬فالقول له (للمشتري) بيمينه (‪ . )1‬فإن أنكر طلب‬
‫المواثبة حلف على العلم أي ما يعلم به؛ وإن أنكر طلب التقرير‪ ،‬حلف على البتات‪ ،‬أي الحزم بأنه لم‬
‫يحصل‪.‬‬
‫ويلحظ أن الخصم للشفيع‪ :‬هو المشتري مطلقا‪ ،‬سواء تسلم المبيع أم ل؛ لنه مالك‪ ،‬والبائع قبل‬
‫التسليم لقيام يده (حيازته)‪.‬‬
‫لكن ل تسمع البينة على البائع‪ ،‬حتى يحضر المشتري؛ لنه المالك‪ ،‬ويفسخ بحضوره‪ .‬فإن سلم المبيع‬
‫للمشتري‪،‬ل يلزم حضور البائع‪ ،‬لزوال الملك واليد عنه (‪. )2‬‬
‫المبحث السابع ـ ما يطرأ على المشفوع فيه بيد المشتري ‪:‬‬
‫قد يطرأ على المشفوع فيه في يد المشتري قبل القضاء بالشفعة للشفيع بعض التغيرات من عقود‬
‫وتصرفات ناقلة للملكية كالبيع والهبة‪ ،‬أو مرتبة لحق انتفاع وغيره كالجارة والعارة‪ ،‬أو حدوث‬
‫زيادة كبناء وغرس‪ ،‬أو نقص كهلك وهدم أو نقض‪ .‬فما أثر هذه التغيرات الطارئة على حق الشفيع‪،‬‬
‫وهل تسقط شفعته؟‬
‫أولً ـ العقود والتصرفات ‪:‬‬
‫قد تصدر تصرفات من المشتري في الشيء المشترى قبل أن يقضى للشفيع بالشفعة‪ .‬وتلك‬
‫التصرفات‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا محمول على ما إذا قال الشفيع‪ :‬علمت أمس بالبيع‪ ،‬وطلبت الشفعة‪ ،‬فيكلف إقامة البينة‪ ،‬فإن‬
‫عجز قبلت يمين المشتري‪ .‬أما لو قال الشفيع‪ :‬طلبت حين علمت‪ ،‬فالقول قوله بيمينه (رد المحتار‪:‬‬
‫‪.)160 ،158/5‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪.160/5 :‬‬

‫( ‪)6/678‬‬

‫إما ناقلة للملكية كالبيع والهبة مع التسليم والوقف‪ ،‬وجعل المبيع مهرا في زواج‪.‬‬
‫وإما مرتبة لحق انتفاع‪ ،‬أو حبس كالجارة والعارة‪ ،‬والرهن‪.‬‬
‫وقد اتفقت المذاهب الربعة (‪ )1‬على جواز نقض بعض التصرفات الناقلة للملكية وهو البيع‪ ،‬بعد حكم‬
‫القاضي بالشفعة لمستحقها‪ ،‬لتعلق حق الغير في المبيع‪ .‬كما اتفقوا على جواز نقض الرهن والجارة‬
‫والعارة‪ ،‬مما ل شفعة فيه ابتداء‪.‬‬
‫وفي حالة البيع‪ :‬يخير الشفيع بين أن يأخذ العقار المبيع بالثمن الذي تم به الشراء الول‪ ،‬أو الثاني؛‬
‫لن كل واحد من العقدين سبب تام لثبوت حق الخذ له بالشفعة كما قال السرخسي‪ ،‬ولن حق الشفيع‬
‫سابق على هذا التصرف‪ ،‬فل يبطل به‪.‬‬
‫واتفق الحنفية والشافعية والمالكية على جواز نقض ما ل شفعة فيه ابتداء‪ ،‬كالوقف وجعله مسجدا أو‬
‫مقبرة‪ ،‬والهبة له‪ ،‬والوصية به‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬تسقط الشفعة إذا تصرف المشتري بالمبيع قبل طلب الشفعة بهبة أو صدقة‪ ،‬أو وقف‬
‫على معين كمسجد كذا‪ ،‬أو على الفقراء أو المجاهدين‪ ،‬أو جعله عوضا عن طلق أو خلع أو صلح‬
‫عن دم عمد ونحوه‪ ،‬مما ل شفعة فيه ابتداء؛ لن في الشفعة إضرارا بالموقوف عليه‪ ،‬والموهوب له‪،‬‬
‫والمتصدق عليه ونحوه ‪ ،‬بسبب زوال ملكه يزول عنه بغير عوض؛ لن الثمن إنما يأخذه المشتري‪،‬‬
‫والضرر ل يزال بالضرر‪ .‬ول يصح عند الحنابلة تصرف المشتري بعد طلب الشفيع الشفعة‪ ،‬لنتقال‬
‫الملك إلى الشفيع بالطلب في الصح‪ .‬ولو أوصى المشتري بالشقص المشترى (الحصة المبيعة) فإن‬
‫أخذه الشفيع قبل القبول بطلت الوصية‪ ،‬واستقر الخذ للشفيع‪ ،‬لسبق حقه على حق الموصى له‪،‬‬
‫والوصية قبل القبول بعد الموت جائزة‪ ،‬ل لزمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ 108/14 :‬وما بعدها‪ ،‬الدرا لمختار‪ ،164/5 :‬الشرح الصغير‪ ،652/3 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،287‬الشرح الكبير‪ ،493/3 :‬مغني المحتاج‪ 303/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪،382/1 :‬‬
‫كشاف القناع‪ 169/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/679‬‬

‫ثانيا ـ نماء المشفوع فيه وزيادته ‪:‬‬


‫قد يَحْدث نمو طبيعي في العقار المشفوع فيه‪ ،‬وقد يُحدث المشتري فيه زيادة بالبناء أو الغراس‪،‬قبل‬
‫الحكم بالشفعة لصاحبها‪ ،‬فمن الحق بذلك‪ ،‬الشفيع أم المشتري‪ ،‬وإذا كان المستحق هو المشتري‪ ،‬فهل‬
‫يعوض عن حقه‪ ،‬وما التعويض؟‬
‫‪ - 1‬النماء الطبيعي ‪:‬‬
‫إذا نما المبيع في يد المشتري‪ ،‬كأن أثمر الشجر في يده بعد الشراء‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬القياس أل يكون للشفيع‪ ،‬لنه نما على ملك المشتري وبعلمه‪ .‬والستحسان أنه‬
‫للشفيع؛ لن الثمر متصل خلقه بالشجر‪ ،‬فكان تبعا له‪ ،‬ولنه متولد من المبيع‪ ،‬فيسري إليه الحق‬
‫الثابت في الصل (الشجر) الحادث قبل الخذ‪ ،‬كالمبيعة إذا ولدت قبل القبض‪ ،‬فإن المشتري يملك‬
‫الولد تبعا للم‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه يأخذه الشفيع؛ لنه مبيع تبعا لصله‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬الغلة قبل الشفعة للمشتري؛ لن الضمان عليه‪ ،‬والغلة (أو الخراج) بالضمان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،251/5 :‬تكملة الفتح‪ ،434/7 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،119/2 :‬الدر المختار ورد‬
‫المحتار‪.165-164/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪.654/3 :‬‬

‫( ‪)6/680‬‬

‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬للنماء حالتان‪:‬‬


‫أ ـ إذا كان نماء متصلً‪ ،‬كالثمرة غير الظاهرة‪ ،‬والشجر إذا تكاثر‪ ،‬فهو للشفيع‪ ،‬يأخذ المبيع مع‬
‫زيادته‪ ،‬لن مال يتميز يتبع الصل في الملك‪ ،‬كما يتبعه في حالة الرد بالعيب أو الخيار أو القالة‪.‬‬
‫ب ـ وإذا كان نماء منفصلً‪ ،‬كالثمرة الظاهرة‪ ،‬والطلع المؤبر‪ ،‬والغلة والجرة‪ ،‬فهي للمشتري لحق‬
‫للشفيع فيها عند الحنابلة‪ ،‬وفي المذ هب الجديد للشافعي؛ لنها حدثت في ملك المشتري‪ ،‬فل تتبع‬
‫المبيع‪ ،‬فل يؤخذ به إل ما دخل بالعقد‪ ،‬ول يستحق شيء بغير تراض‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن هذين المذهبين يلتقيان مع مقتضى القياس عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الزيادة المحدثة‪:‬‬
‫إذا أحدث المشتري زيادة في المبيع‪ ،‬بالبناء أو الغرس أو الزرع‪.‬‬
‫أ ـ ففي حالة الزرع الذي له نهاية معلومة‪ :‬اتفق الفقهاء على أن للشفيع الخذ بالشفعة‪ ،‬ويكون الزرع‬
‫للمشتري على أن يبقى في الرض إلى أوان الحصاد‪ ،‬وعليه الجرة عند الحنفية عن المدة التي‬
‫تمضي بين القضاء بالشفعة وبين الحصاد (‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يبقى الزرع بل أجر على المشتري‪ ،‬لنه زرعه في ملكه (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،382/1 :‬المغني‪ 319/5 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.174/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،115/14 :‬البدائع‪ 27/5 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،164/5 :‬تبيين‬
‫الحقائق‪.250/5 :‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،319/5 :‬نهاية المحتاج‪ ،154/4:‬مغني المحتاج‪ ،304/2 :‬كشاف القناع‪.174/4 :‬‬

‫( ‪)6/681‬‬

‫ب ـ وأما في حالة البناء والغرس‪ :‬فللشفيع الخذ بالشفعة أيضا‪ ،‬لكن الفقهاء اختلفوا فيما يجب عليه‬
‫من دفع قيمة البناء والغراس‪.‬‬
‫قال الحنفية في ظاهر الرواية (‪ : )1‬إذا بنى المشتري أو غرس فيما اشتراه‪ ،‬ثم قضي للشفيع بالشفعة‪،‬‬
‫كان للشفيع الخيار‪:‬إن شاء كلف المشتري بالقلع وتخلية الرض مما أحدث فيها؛ لنه وضعه في محل‬
‫تعلق به حق متأكد للغير من غير إذن‪ ،‬وتكون النقاض للمشتري‪ ،‬ل للشفيع‪ ،‬لزوال التبعية‬
‫بالنفصال‪.‬‬
‫وإن شاء أخذ الرض بالثمن الذي دفعه المشتري‪ ،‬على أن يدفع قيمة البناء والغرس مقلوعا أي‬
‫مس َتحَق القلع أنقاضا‪.‬‬
‫وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) (‪ ، )2‬ورأيهم هو العدل‪ :‬إن اختار المشتري قلع‬
‫الغراس والبناء‪ ،‬لم يمنع إذا لم يكن فيه ضرر؛ إذ ل ضرر ول ضرار؛لنه ملكه‪ ،‬فيملك إزالته ونقله‪،‬‬
‫ول يلزمه تسوية الرض؛ لنه غير متعد‪.‬‬
‫وإن لم يختر المشتري القلع‪ ،‬فالشفيع بالخيار بين ترك الشفعة‪ ،‬وبين دفع قيمة البناء والغراس مس َتحَق‬
‫البقاء‪.‬‬
‫وهذا هو رأي أبي يوسف أيضا‪.‬‬
‫والسبب في اختلف الرأيين كما قال ابن رشد الحفيد الفيلسوف في بداية المجتهد‪ :‬تردد تصرف‬
‫المشفوع عليه‪ ،‬العالم بوجوب الشفعة عليه بين شبهة تصرف الغاصب‪ ،‬وتصرف المشتري الذي يطرأ‬
‫عليه الستحقاق‪ ،‬عندما بنى في الرض أو غرس‪ .‬فمن غلب على فعله شَبَه الستحقاق وهم‬
‫الجمهور‪ ،‬قرر أنه ل بد للمشتري من أن يأخذ القيمة‪ .‬ومن غلب على فعله شَبَه التعدي قال وهم‬
‫الحنفية‪ :‬للشفيع أن يعطي قيمة البناء والغراس منقوضا‪.‬‬
‫ثالثا ـ نقص المشفوع فيه ‪:‬‬
‫للفقهاء حول هذا الموضوع رأيان متعارضان‪ :‬رأي الحنفية وقريب منه مذهب المالكية‪ ،‬ورأي‬
‫الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )3‬قد يكون النقص جزءا من توابع الرض‪ ،‬أو متصلً بالرض‪ ،‬أو بعضا من‬
‫الرض نفسها‪.‬‬
‫أ ـ فإن كان النقص جزءا من توابع الرض‪ ،‬مثل قطف الثمر‪ ،‬وهلك اللت الزراعية أو‬
‫الصناعية‪ ،‬ثم حكم بالشفعة للشفيع‪ ،‬سقط من الثمن قيمة هذه الثمار واللت‪ ،‬سواء أكان النقص بفعل‬
‫المشتري؛ لنها مقصودة بالبيع‪ ،‬وقد أخذها المشتري‪ ،‬أم كان الهلك بآفة سماوية؛ لنها كانت بعض‬
‫المعقود عليه‪ ،‬ودخلت في البيع مقصودة‪ ،‬فيقابلها حصتها من الثمن‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان النقص جزءا متصلً بالرض‪ ،‬مثل يبس الشجر أو جفافه‪ ،‬وانهدام البناء‪ ،‬واحتراقه‪،‬‬
‫ونقضه‪ ،‬ثم قضي للشفيع بالشفعة‪ ،‬فإن كان ذلك بصنع المشتري أو غيره‪ ،‬نقص من الثمن قيمة ما‬
‫زال‪ ،‬كالحالة الولى‪ ،‬فتقوّم الرض بدون شجر وبناء‪ ،‬وتقوّم وفيها البناء والشجر‪ ،‬ويسقط عن الشفيع‬
‫مقدار التفاوت أو الفرق بينهما‪ ،‬لوجود التعدي والتلف‪ ،‬فيقابله شيء من الثمن‪ .‬وتكون النقاض‬
‫حينئذ للمشتري‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،29/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،250/5 :‬المبسوط‪ ،114/14 :‬الدر المختار‪ ،164/5 :‬اللباب‪:‬‬
‫‪ 118/2‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،260/2 :‬نهاية المحتاج‪ ،‬ومغني المحتاج‪ :‬المكان السابق‪ ،‬المغني‪ 317/5 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.175/4 :‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،115/14 :‬تبيين الحقائق‪ 251/5 :‬وما بعدها‪ ،‬الدرالمختار ورد المحتار‪ 164/5 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬تكملة الفتح‪ ،434/7 :‬اللباب‪ ،119/2 :‬الموال ونظرية العقد في الفقه السلمي لستاذنا‬
‫المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪ 236‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)6/682‬‬

‫وأما إن حدث ذلك بل تعد من أحد‪ ،‬وإنما بآفة سماوية‪ ،‬كزلزال أو صقيع أو ريح عاتية‪ ،‬كان على‬
‫الشفيع دفع الثمن كله‪ ،‬ول يسقط منه شيء مقابل الجزء التالف أو الضائع؛ لن النقص ليس بجناية‬
‫أحد‪ ،‬ولن الشجر والبناء تابعان للرض‪ ،‬حتى إنهما يدخلن في عقد البيع بدون ذكر‪ ،‬فل يقابلهما‬
‫شيء من الثمن؛ لن الصل أن الثمن يقابل الصل ل الوصف‪.‬‬
‫وأما مصير النقاض من أحجار وأخشاب‪ :‬فإن لم يبق منها شيء‪ ،‬فل إشكال‪ .‬وإ ن بقي منها شيء‪،‬‬
‫وأخذه المشتري لنفصاله من الرض وعدم تبعيته لها‪ ،‬سقطت حصته من الثمن‪ ،‬بقيمته يوم الخذ‪.‬‬
‫وأما الدار فتقوم يوم العقد‪ ،‬ويوزع الثمن بين الدار والنقاض بحسب قيمتها على النحو المذكور‪.‬‬
‫وإن لم يأخذ المشتري النقاض‪ ،‬كأن هلكت بعد انفصالها‪ ،‬لم يسقط شيء من الثمن‪ ،‬لعدم حبس‬
‫النقاض من قبله‪ ،‬ولنها من التوابع‪ ،‬والتوابع ل يقابلها شيء من الثمن‪ ،‬وبالخذ بالشفعة تحولت‬
‫الصفقة إلى الشفيع‪.‬‬
‫جـ ـ وأما إن كان النقص في الرض نفسها‪ ،‬ل فيما عليها من شجر أو بناء‪ ،‬كأن أغرقها السيل‪،‬‬
‫فأزال بعضها‪ ،‬كان للشفيع الخيار بين ترك الشفعة‪ ،‬وبين أخذ الباقي بحصته من الثمن؛ لن حقه ثابت‬
‫في الكل‪ ،‬وقد تمكن من أخذ البعض‪ ،‬فيأخذه بحصته من الثمن‪ ،‬لهلك بعض الصل‪.‬‬
‫ومذهب المالكية إجمالً كالحنفية‪ ،‬فإنهم قالوا (‪ : )1‬ل يضمن المشتري نقص الشقص (الجزء المشفوع‬
‫فيه) إذا طرأ عليه بسب سماوي‪ ،‬أو بسبب من المشتري لمصلحة‪ ،‬كأن هدم ليبني أو لجل توسعة‪.‬‬
‫فإن كان النقص بسبب من المشتري‪ ،‬كأن هدم ل لمصلحة‪ ،‬ضمن‪.‬‬
‫فإن هدم وبنى‪ ،‬فللمشتري قيمته يوم البناء على الشفيع قائما‪ ،‬لعدم تعديه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،654/3 :‬الشرح الكبير‪.494/3 :‬‬

‫( ‪)6/683‬‬
‫وتحسب للشفيع من الثمن قيمة النقاض يوم الشراء‪ ،‬فيحط عنه من الثمن‪ ،‬ويغرم ما بقي مع قيمة‬
‫البناء قائما‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬إن تلف الشقص (الجزء المشفوع فيه) أو بعضه‪ ،‬في يد المشتري‪ ،‬فهو‬
‫من ضمانه‪ ،‬لنه ملكه‪ ،‬تلف في يده‪.‬‬
‫ثم إن أراد الشفيع الخذ بعد تلف بعض المشفوع فيه‪ ،‬أخذ الموجود بحصته من الثمن‪ ،‬سواء أكان‬
‫التلف بفعل ال تعالى‪ ،‬أم بفعل آدمي‪ ،‬وسواء تلف باختيار المشتري كنقضه البناء‪ ،‬أو بغير اختياره‬
‫كانهدام البناء نفسه‪.‬‬
‫والنقاض إن كانت موجودة أخذها الشفيع مع الرض بحصتها من الثمن‪ ،‬وإن كانت معدومة أخذ‬
‫الرض وما بقي من البناء‪.‬‬
‫المبحث الثامن ـ مسقطات الشفعة ‪:‬‬
‫تعرف السباب التي تؤدي إلى إسقاط حق الشفعة‪ ،‬عند الكلم على شروط الخذ بالشفعة‪ ،‬لذا أوجز‬
‫الكلم في بيان ما تسقط به الشفعة فيما يأتي‪ ،‬مع ملحظة أن بعض الحالت متفق عليها‪ ،‬وبعضها‬
‫مختلف فيها‪:‬‬
‫‪ - 1‬بيع الشفيع ما يشفع به من عقار قبل أن يقضى له بالشفعة‪ :‬إذا باع الشفيع ما يشفع به قبل العلم‬
‫بالشفعة‪ ،‬أو بعد العلم بالشفعة‪ ،‬وقبل الحكم بها‪ ،‬سقطت شفعته‪ ،‬باتفاق الفقهاء ما عدا ابن حزم‬
‫الظاهري‪ ،‬لزوال السبب الذي يستحق به الشفعة‪ ،‬وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه‪ .‬فبطلن هذه‬
‫الشفعة أمر منطقي بدهي‪ ،‬لنتفاء الضرر عن الشفيع الذي شرعت الشفعة من أجل دفعه عن الشريك‬
‫باتفاق الفقهاء‪ .‬أو عن الجار عند الحنفية (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.320/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الهداية مع تكملة الفتح‪ ،446/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،258/5 :‬الدر المختار‪ ،170/5 :‬الكتاب مع‬
‫اللباب‪ ،113/2 :‬المهذب‪ ،381/1 :‬كشاف القناع‪ ،169/4 :‬المحلى‪ ،116/9 :‬م ‪ ،1601‬الشرح‬
‫الصغير‪.642/3 :‬‬

‫( ‪)6/684‬‬

‫‪ - 2‬تسليم الشفعة أو الرغبة عنها بعد البيع‪ :‬سواء أكان عالما بحقه فيها‪ ،‬أم غير عالم‪ ،‬صراحة‪ ،‬أم‬
‫دللة وضمنا؛ لن الشفعة حق ضعيف يسقط بأوهى السباب‪ ،‬وذلك في المذاهب الربعة (‪. )1‬‬
‫أما تسليم الشفعة صراحة‪ :‬فمثل أن يقول الشفيع‪ :‬ل أرغب فيها‪ ،‬أو ل أريدها‪ ،‬أو أسقطتها أو أبطلتها‪،‬‬
‫أو أبرأتك عنها أو عفوت عنها أو سلمتها‪ ،‬ونحوها على أن يكون تسليمها بعد البيع وقبل الحكم بها؛‬
‫لنه ل حق له قبل البيع فيسقطه‪ ،‬ولنه بعد الحكم ل يملك إسقاطها إل بعقد ناقل للملكية‪.‬‬
‫وأما تسليم الشفعة دللة‪ :‬فهو أن يوجد من الشفيع ما يدل على رضاه بالعقد وحكمه للمشتري‪ ،‬وهو‬
‫ثبوت الملك له‪ ،‬مثل ترك طلب المواثبة أو طلب التقرير بعد العلم بالبيع مع القدرة عليه بأن يترك‬
‫الطلب على الفور من غير عذر‪ ،‬أو قام عن المجلس الذي علم فيه بالبيع‪ ،‬أو تشاغل عن الطلب بعمل‬
‫آخر؛ لن ترك الطلب مع القدرة عليه دليل الرضا بالعقد وحكمه للمشتري الدخيل‪.‬‬
‫ومثل‪ :‬أن يساوم الشفيع المشتري على شراء ما اشتراه أو إيجاره له‪ ،‬لن مساومته دليل على‬
‫إعراضه عن الخذ بالشفعة‪.‬‬
‫ومثل أن يكون الشفيع وكيلً عن البائع فيما باعه؛ لنه يسعى في نقض ما تم من جهته‪ .‬أما إذا كان‬
‫الشفيع وكيل المشتري فيما ابتاع أي اشترى لموكله‪ ،‬فله الشفعة‪ ،‬لنه ل ينتقض شراؤه بالخذ بها (أي‬
‫الشفعة)؛ لنها مثل الشراء‪ .‬وهذا التفصيل عند الحنفية‪ ،‬وبعض الحنابلة وبعض الشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ 154/14 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،20-19/5 :‬تبيين الحقائق‪ ،257/5 :‬الهداية مع التكملة‪:‬‬
‫‪ ،445-442/7‬الدر المختار‪ 168/5 :‬وما بعدها‪ ،‬الكتاب مع اللباب‪ ،113-112/2 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،645 ،642/3‬المهذب‪ ،380/1 :‬مغني المحتاج‪ ،306/2 :‬المغني‪ 349/5 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،259/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.286‬‬

‫( ‪)6/685‬‬

‫وقال الشافعية والحنابلة في الرجح (‪ : )1‬إذا وكل الشفيع في البيع‪ ،‬لم تسقط شفعته بالتوكيل‪ ،‬سواء‬
‫أكان وكيل البائع أم وكيل المشتري‪ ،‬لنه وكيل فل تسقط شفعته كالخر‪ .‬أما التهمة فل تؤثر؛ لن‬
‫الموكل وكله مع علمه بثبوت شفعته راضيا بتصرفه مع ذلك‪ ،‬فل يؤثر‪ ،‬كما لو أذن لوكيل في الشراء‬
‫من نفسه‪.‬‬
‫وهناك أمران في تسليم الشفعة‪ :‬وهما تسليم الولي شفعة الصبي‪ ،‬والصلح عن الشفعة‪.‬‬
‫أ ـ تسليم الشفعة من الولي‪ :‬أوضحت هذا الموضوع في بحث طلب الشفعة‪ ،‬وأشير إليه هنا بإيجاز‬
‫يتصل بأمر سقوط الشفعة‪.‬‬
‫قال الشيخان (أبو حنيفة وأبو يوسف) (‪ : )2‬تسليم الب والوصي الشفعة على الصغير جائز‪ ،‬فيسقط‬
‫حقه فيها حينئذٍ؛ لن الخذ بالشفعة في معنى التجارة‪ ،‬بل عين التجارة؛ لنه مبادلة المال بالمال‪،‬‬
‫وترك الخذ بها ترك التجارة‪ ،‬فيملكه الولي‪ ،‬كما يملك ترك التجارة برد بيع شيء للصبي‪ ،‬عندما يقال‬
‫للب مثلِ‪ :‬بعتك هذا المال لبنك الصغير؛ ولنه أي الخذ بالشفعة تصرف دائر بين النفع والضرر‪،‬‬
‫وقد تكون المصلحة في ترك الشراء للصبي‪ ،‬رعاية لمصلحته‪ ،‬ليبقى الثمن على ملكه‪ ،‬والولية‪ :‬نظر‬
‫بحسب المصلحة‪.‬‬
‫وفصل المالكية في المر (‪ : )3‬فقالوا‪ :‬إن كان ترك الشفعة لمصلحة القاصر‪ ،‬صح إسقاطها من الب‬
‫أو الوصي‪ ،‬وإل فل يصح‪ ،‬وللقاصر حينئذ طلبها متى بلغ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.351/5 :‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق‪ ،263/5 :‬تكملة الفتح‪ ،451/7 :‬م (‪ )1035‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،486/3 :‬الشرح الصغير‪.645/3 :‬‬

‫( ‪)6/686‬‬

‫وقال زفر ومحمد والحنابلة (‪ : )1‬ليس للولي إسقاط شفعة الصغير‪ ،‬سواء لمصلحة أو لغير مصلحة‪،‬‬
‫ويظل الصغير على شفعته متى بلغ؛ لن هذا حق ثابت للصغير‪ ،‬فل يملك الولي إبطاله‪ ،‬كالتنازل عن‬
‫ديته‪ ،‬و َقوَده (حقه في القصاص) ولنه شرع لدفع الضرر‪ ،‬فكان إبطاله إضرارا به‪.‬‬
‫ويجري هذا الخلف عند الحنفية في تسليم الوكيل طلب الشفعة عن موكله‪ .‬عند أبي حنيفة‪ :‬يصح منه‬
‫تسليمها في مجلس القاضي؛ لن الوكيل قائم مقام الموكل في الخصومة ومحلها مجلس القاضي‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف‪ :‬يصح للوكيل تسليم الشفعة في مجلس القاضي وفي غيره‪ ،‬لكونه نائبا عن الموكل‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫وعند محمد وزفر‪ :‬ل يصح من الوكيل تسليم الشفعة أصلً‪.‬‬
‫ب ـ الصلح عن الشفعة‪ :‬قال الحنفية (‪ : )2‬إن صالح الشفيع عن حقه في الشفعة بأخذ عوض عنه‪،‬‬
‫سقطت شفعته لتضمن فعله العراض عن الشفعة‪ ،‬وعليه رد العوض الذي أخذه‪ ،‬لبطلن الصلح وبيع‬
‫الحق؛ لن الشفعة مجرد حق في التملك‪ ،‬وقد شرعت لدفع الضرر عن الشفيع‪ ،‬فل تصح المعاوضة‬
‫عن هذا الحق‪ ،‬ويكون العتياض عنه رشوة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الصلح وإن لم يصح‪ ،‬فإسقاط حق الشفعة صحيح؛ لن صحته ل تتوقف على العوض‪،‬‬
‫بل هو شيء من الحقوق المالية ل تصح المعاوضة عنه‪ ،‬فصار الشفيع كأنه سلّم الشفعة بل عوض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،313/5 :‬كشاف القناع‪ 161/4 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،20/5 :‬تكملة الفتح‪ ،443/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،257/5 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،113/2 :‬الدر‬
‫المختار‪.169/5 :‬‬

‫( ‪)6/687‬‬

‫‪ - 3‬ضمان الدّرَك‪ :‬تسقط الشفعة عند الحنفية (‪ )1‬إذا ضمن الشفيع الدرك عن المشتري للبائع أي‬
‫ضمن له الثمن عند المشتري؛ لن هذا دليل على الرضا بالبيع الحادث للمشتري‪.‬‬
‫كما أن البائع إذا شرط الخيار للشفيع في إمضاء البيع أو عدم إمضائه‪ ،‬فأمضى المشروط له الخيار‬
‫(وهو الشفيع) البيع؛ لن البيع تم بإمضائه‪ ،‬وهذا في تقديري هو الحق بالتباع‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )2‬ل تسقط الشفعة إن ضمن الشفيع العهدة (المطالبة بالثمن عند استحقاق‬
‫المبيع أو عيبه) للمشتري‪ ،‬أو شرط له الخيار‪ ،‬فاختار إمضاء العقد‪ ،‬لم تسقط شفعته؛ لن المسقط لها‬
‫هو الرضا بتركها بعد وجوبها بالبيع‪ ،‬وهذا لم يوجد‪ ،‬فإنه سبب سَبَق وجوب الشفعة‪ ،‬فلم تسقط به‬
‫الشفعة‪ ،‬كالذن بالبيع‪ ،‬والعفو عن الشفعة قبل تمام البيع‪.‬‬
‫‪ - 4‬تجزئة المشفوع فيه‪ :‬اتفق الفقهاء (‪ )3‬على أن الشفعة حق ل يقبل التجزئة‪ ،‬فإذا تنازل (سلم)‬
‫الشفيع عن بعض المشفوع فيه كالنصف مثلً‪ ،‬سقط حقه في كل المبيع؛ لنه لما سلّم في النصف بطل‬
‫حقه فيه بصريح السقاط‪ ،‬وبطل حقه في الباقي؛ لنه ل يملك حق تفريق الصفقة على المشتري‪،‬‬
‫فسقطت شفعته في الكل‪ ،‬منعا من إضرار المشتري في تفريق الصفقة عليه‪ ،‬والضرر ل يزال‬
‫بالضرر‪ ،‬لكن كما لو قال أبو يوسف‪ ،‬ورأيه هو الراجح عند الحنفية‪ :‬ل تسقط الشفعة في حال طلب‬
‫نصف المشفوع فيه ويظل الحق للشفيع في أخذ الكل أو ترك الكل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ ،258/5 :‬الهداية مع التكملة‪ ،447/7 :‬اللباب‪.113/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،351/5 :‬كشاف القناع‪.182/4 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،21/5 :‬بداية المجتهد‪ ،258/2 :‬مغني المحتاج‪ ،306/2 :‬المهذب‪ ،381/1 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،164/4‬المحلى‪ ،118/9 :‬م ‪.1604‬‬

‫( ‪)6/688‬‬
‫وإذا تعدد الشفعاء‪ ،‬فليس لبعضهم أن يهب حصته لبعض‪ ،‬وإن فعل أحدهم أسقط حق شفعته م (‬
‫‪ )1042‬مجلة (‪. )1‬‬
‫وإن أسقط أحد الشفعاء حقه قبل حكم الحاكم‪ ،‬فللشفيع الخر أن يأخذ تمام العقار المشفوع‪ .‬وإن أسقطه‬
‫بعد حكم الحاكم‪ ،‬فليس للخر أن يأخذ حقه م (‪ )1043‬مجلة‪.‬‬
‫‪ - 5‬وفاة الشفيع‪ :‬تسقط الشفعة عند الحنفية (‪ )2‬بوفاة الشفيع‪ ،‬سواء بعد الطلب (أي طلبي المواثبة‬
‫والتقرير) أو قبله‪ ،‬قبل الخذ بالقضاء له أو تسليم المشتري إليه؛ لن حق الشفعة ل يورث كخيار‬
‫الشرط‪ ،‬إذ الحقوق ل تورث عندهم‪ ،‬ولنه بالموت يزول ملك الشفيع عن داره ويثبت الملك للوارث‬
‫بعد البيع‪ ،‬والمطلوب تحقق الملك وقت البيع‪.‬‬
‫ول تبطل الشفعة بموت المشتري لبقاء المستحق‪ ،‬أي أن المستحق باق‪ ،‬ولم يتغير سبب حقه‪.‬‬
‫وفصل الظاهرية والحنابلة في المر (‪ ، )3‬فقالوا‪ :‬إن مات الشفيع قبل أن يطلب الشفعة‪ ،‬سقطت‬
‫شفعته (‪ ، )4‬ول حق لورثته في الخذ بالشفعة أصلً؛ لن ال تعالى إنما جعل الحق له‪ ،‬ل لغيره‪،‬‬
‫والخيار ل يورث‪.‬‬
‫وتورث الشفعة إن أشهد الشفيع على مطالبته‪ ،‬ثم مات‪ ،‬وللورثة المطالبة بها؛ لن الشهاد على الطلب‬
‫عند العجز عنه يقوم مقامه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ :‬المكان السابق‪ ،‬البدائع‪ 5/5 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪.173/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،170/5 :‬تكملة الفتح‪ ،446/7 :‬تبيين الحقائق‪ ،257/5 :‬اللباب‪ ،113/2 :‬البدائع‪:‬‬
‫‪ ،22/5‬م (‪ )1038‬مجلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬المحلى‪ ،117/9 :‬م ‪ ،1603‬المغني‪ ،346/5 :‬كشاف القناع‪.176/4 :‬‬
‫(‪ )4‬قال المام أحمد‪ :‬الموت يبطل به ثلثة أشياء‪ :‬الشفعة‪ ،‬والحد إذا مات المقذوف‪ ،‬والخيار إذا مات‬
‫الذي اشترط الخيار‪.‬‬

‫( ‪)6/689‬‬

‫وهذا التفصيل يؤدي إلى التفاق مع مذهب الحنفية في عدم إرث الشفعة قبل الطلب‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية (‪ : )1‬يورث حق الشفعة‪ ،‬إذا مات الشفيع بعد الطلب قبل الخذ‪ ،‬فالشفعة‬
‫موروثة عندهم؛ لنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال‪ ،‬فيورث كخيار العيب‪.‬‬
‫والظاهر مما نقل عن هذين المدهبين في كتب غيرهم أن حق الشفعة يورث‪ ،‬ولو قبل طلبها من‬
‫الشفيع أيضا‪ ،‬لطلق عباراتهم‪ .‬لكن الحق أنه ل بد عند الشافعية من الطلب وإل سقط حق الشفيع‬
‫نفسه فيكون مذهبهم كالحنابلة (‪. )2‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الشفعة ل تورث عند الحنفية بعد الطلب‪ ،‬وتورث بعد الطلب في المذاهب الثلثة وعند‬
‫الظاهرية‪.‬‬
‫والخلف محصور فيما إذا مات الشفيع قبل القضاء بالشفعة له‪ ،‬فإذا مات بعد القضاء قبل نقد الثمن‬
‫وقبض المبيع‪ ،‬فالبيع لزم لورثته بالتفاق‪.‬‬
‫ومن الكلم في مسقطات الشفعة يتبين لنا الحقائق التالية (‪: )3‬‬
‫‪ - 1‬الشفعة حق ضعيف‪ ،‬يجب أن يتقوى ويتأكد بالطلب‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشفعة شرعت لدفع الضرر عن صاحبها وهو الشريك باتفاق الفقهاء‪ ،‬والجار عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ل يصح أن تكون الشفعة سببا لضرر المشتري بتفريق الصفقة عليه‪ ،‬إذا طلب الشفيع أخذ بعض‬
‫المبيع فقط‪.‬‬
‫انتهى الجزء السادس ويتبعه‬
‫الجزء السابع‪ :‬الفقه العام ‪ -‬معالم النظام القتصادي ‪ -‬الحدود والجنايات‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،260/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،287‬المهذب‪ ،383/1 :‬نهاية المحتاج‪.158/4 :‬‬
‫(‪ )2‬أما المالكية فقد أثبتوا للشفيع حق الخذ بالشفعة مدة سنة‪ ،‬فإذا مات قبل الطلب فيورث عنه هذا‬
‫الحق‪ ،‬ما لم يكن الحاكم قد أسقط شفعته إذا لم يحدد رغبته إما بالخذ أو بالترك‪ ،‬بناء على طلب‬
‫المشتري‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموال ونظرية العقد للمرحوم موسى‪ :‬ص ‪.238‬‬

‫( ‪)6/690‬‬

‫‪.......................................‬ال ِفقْهُ السلميّ وأدلُّتهُ‪...............................‬‬


‫‪...........................................‬الجزء السابع‪....................................‬‬
‫معالم النظام القتصادي في السلم‬
‫الكلم في موضوع القتصاد يحتاج إلى بحث طويل وتخصص وتعمق‪ ،‬ول يمكن الحاطة بمضمون‬
‫نظرية اقتصادية إل بعد دراسة مستفيضة لها‪ ،‬والحق أن النظريات القتصادية الحديثة يصعب أن نجد‬
‫ل مفصلً عند فقهاء السلم وكل مالدينا هو مبادئ وخطط عامة في القتصاد‪ ،‬يمكن التماسها‬
‫لها مثي ً‬
‫والسير في هديها لمعرفة مدى مطابقتها أو مغايرتها إجمالً لما هو سائد اليوم في عالم القتصاد‪.‬‬
‫وهكذا يمكننا رسم معالم السياسة القتصادية في السلم من عدة وجوه منها ما يأتي من البحوث‪:‬‬
‫المبحث الول ـ القتصاد السلمي ومعالمه الكبرى ‪:‬‬
‫تمهيد‪ :‬إن القتصاد في الماضي والحاضر والمستقبل هو عصب الحياة النابض وشريانها المتدفق‬
‫حيوية وغزارة وفاعلية‪ ،‬لذا فإنه يؤثّر في النسان تأثيرا مباشرا في جميع أحواله الفكرية والدينية‬
‫والسلوكية‪ ،‬ويؤثّر في المة من جميع نواحيها العسكرية والسياسية والقانونية والجتماعية‪ ،‬فالقتصاد‬
‫القوي عنوان المجد والقوة والسيادة‪ ،‬والقتصاد الضعيف رمز التخلف والتأخر والنحطاط‪ ،‬ولقد كانت‬
‫الحروب والمنازعات على الصعيدين القبلي والدولي ترجع في أغلبها إلى أسباب اقتصادية‪ .‬وما زال‬
‫الناس أفرادا وجماعات منذ فجر التاريخ مهتمين بوسائل المعاش ومتاع الحياة‪ ،‬وينعكس أثر القتصاد‬
‫على السياسة الدولية بشكل واضح‪ ،‬فما الستعمار وآثامه‪ ،‬والمؤتمرات الدولية التي يتكررا انعقادها‬
‫في المناسبات والزمات والسواق الدولية المشتركة سوى انعكاس لقتصاد الدولة‪ ،‬وتخطيط سياستها‬
‫المالية‪ ،‬والتنمية المطلوبة لديها‪.‬‬

‫( ‪)7/1‬‬

‫وإذا كان هذا هو شأن القتصاد وتأثيره في العالم‪ ،‬فل بد من أن يكون للسلم خطة واضحة في‬
‫القضايا القتصادية‪ ،‬إذ إنه شريعة الخلود الدائمة التي تقدر تماما ما للوضع القتصادي من تأثير كبير‬
‫في حياة المة‪ ،‬والتي تتجاوب مع مقتضيات التطوروالتبدل الذي يمر على البشرية‪ .‬وليس من‬
‫المعقول أل يكون هناك أساس اقتصادي للحضارة السلمية التي سادت العالم عدة قرون من الزمان‪،‬‬
‫وكان الرفاه والرخاء يعم الوساط السلمية‪ ،‬حتى إنه ليكاد يجد الغني أحدا من الفقراء يعطيه زكاة‬
‫أمواله في بعض عهود الدولة السلمية الزاهرة‪.‬‬
‫لذا فإني أذكر أهم معالم النظام القتصادي السلمي‪ ،‬تلك المعالم التي لم يستغرب المرء منها أن‬
‫تكون أساسا صالحا للمجتمعات المتحضرة في مختلف مراحل التطور البشري؛ لنها تتلءم مع‬
‫الفطرة النسانية‪ ،‬وتلتقي مع العدالة والحرية والرحمة‪ ،‬وتصدر عن تخطيط إلهي أو عن تنظيم‬
‫اقتصادي مستقل‪ ،‬مجرد عن النزعات والهواء الخاصة‪ .‬وأسس هذا النظام القتصادي السلمي‬
‫تجمع بين ما هو معروف في مجال الفكر القتصادي بصفة عامة من (السياسة القتصادية) و(المذهب‬
‫القتصادي) والمقصود بالسياسة القتصادية‪ :‬هو ذلك النوع من الفكر القتصادي الذي يحاول حل‬
‫المشكلت القتصادية الطارئة على المجتمع‪ .‬وموضوع هذه السياسة دراسة خير السبل والوسائل التي‬
‫يجب أن تتبعها السلطات العامة للوصول إلى هدف معين أو غاية محدودة‪ .‬وأما المقصود بالمذهب‬
‫القتصادي‪ :‬فهو المرحلة الثانية من مراحل التفكير القتصادي الذي يحاول فيه الباحث أن يتخذ موقفا‬
‫معينا بالحكم التقييمي على نظام اقتصادي معين‪ ،‬فيحبّذ قبوله أو رفضه‪ ،‬ويدافع عن الخذ به أو‬
‫العدول عنه‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬هو الطريق التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته القتصادية وحل‬
‫مشكلتها العملية‪.‬‬
‫ولقد تضمن النظام السلمي أحكاما تتعلق بموضوع السياسة القتصادية‪ ،‬كما أن هذه الحكام حددت‬
‫رأيا مذهبيا واضحا تجاه القضايا القتصادية حسبما يتطابق مع المثل العليا التي يجب أن تكون عليها‬
‫الحياة النسانية‪ .‬وأبدأ بما يأتي‪:‬‬

‫( ‪)7/2‬‬

‫أولً ـ لمحة عابرة عن خصائص النظامين الشتراكي والرأسمالي ‪:‬‬


‫أما النظام الرأسمالي‪ :‬فإنه كما تقدم يقوم على أساس العتراف بمبدأ الملكية الفردية‪ ،‬فللفراد الحق‬
‫في تملك أموال الستهلك والنتاج‪ ،‬ويمكن توارث ذلك عنهم‪ ،‬إل أن الدولة تتدخل دائما لنتزاع جزء‬
‫كبير من ثروة المتوفى‪ .‬وتعتبر حرية التعاقد والتبادل من ركائز هذا النظام فهو يعتبر دائما نظام‬
‫سوق‪ ،‬كما أنه يقوم على مبدأ الحرية القتصادية للفراد‪ ،‬دون تدخل من الدولة لوضع قيود على‬
‫النتاج أو الستهلك‪ ،‬فالحرية القتصادية تقتضي ترك تحديد النتاج‪ ،‬وأن الفرد حر في التصرف في‬
‫ثروته استهلكا وادخارا‪ ،‬ويكون السعي للحصول على أكبر كسب نقدي هو الدافع المحرّك للنشاط‬
‫القتصادي في ظل النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫( ‪)7/3‬‬

‫وقد انتقد هذا النظام كما تقدم؛ لنه يؤدي إلى اختلل التوازن في توزيع الثروة بين الفراد‪ ،‬وانقسام‬
‫المجتمع إلى طبقتين‪ :‬طبقة الرأسمالية القطاعية‪ ،‬وطبقة ذوي الدخل المحدود من العمال والفلحين‬
‫وغيرهم‪ ،‬كما أن هذا النظام يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة مستبدة‪ ،‬وإلى انتشارا لبطالة‪،‬‬
‫والحتكارات الطبيعية والصناعية التي تتكون وتستغل المستهلك والطبقات الضعيفة‪ .‬ومن أخطر‬
‫عيوب هذا النظام‪ :‬استعمار الشعوب الذي ترتكز عليه سياسة الدول الرأسمالية النامية‪ ،‬فكان من نتيجة‬
‫كل ذلك فشل النظام الرأسمالي في تحقيق الستقرار القتصادي‪ ،‬وضمان الحياة الرغد ة للبشرية‪،‬‬
‫وبالتالي انهيار مذهب الحرية القتصادية المطلقة‪ .‬وهذا ما جعل أنصار المذهب الرأسمالي ينادون‬
‫بضرورة تدخل الدولة لتنظيم الحريات القتصادية ‪ ،‬وعلى الدول أن تقوم بنفسها بجمع المشاريع‬
‫القتصادية التي يحتاجها المجتمع‪...‬‬
‫وأما النظام الشتراكي‬
‫فإنه كما تقدم يقوم على أساس امتلك الدولة لمختلف وسائل النتاج من صناعة وزراعة وثروة‬
‫طبيعية وخدمات عامة‪ ،‬فل وجود للملكية الفردية‪ ،‬ول مجال للحرية القتصادية إل بقدر ما يمنحه‬
‫المجتمع للفرد‪ ،‬وتطالب المذاهب الشتراكية من الناحية الجتماعية بتحقيق المساواة بين الفراد‪ ،‬أي‬
‫بإلغاء الفوارق بين الطبقات‪ ،‬ول يقصد من ذلك تحقيق المساواة التامة الكاملة‪ ،‬وإنما إلغاء الفوارق‬
‫التي ل يكون مردها الكفاءة في النتاج أو العلم‪ ،‬أو العمل لصالح المجموع‪ .‬فالشتراكية تكافئ كل‬
‫فرد بحسب عمله مع مراعاة ظروفه ومواهبه الشخصية على أن يتحقق أولً إشباع الحاجات‬
‫الضرورية لكل إنسان‪.‬‬

‫( ‪)7/4‬‬

‫وقد انتقد هذا النظام كما تقدم بأنه يصادم ما استقر في فطرة النسان من حبه التملك الفردي‪،‬‬
‫واستئثاره بثمرات جهوده التي يبذلها كاملة وبإضراره بمصلحة النتاج العام لنعدام روح المنافسة‬
‫الشرعية‪ ،‬كما أن النظرية الماركسية التي تجعل قيمة أي سلعة بحسب ما يبذل في إنتاجها من عمل‬
‫منتقدة أيضا؛ لن عنصر العمل ليس هو العنصر النتاجي الوحيد‪ ،‬وإنما هناك عناصر إنتاج أخرى‬
‫من طبيعة ورأس مال ل يمكن ردها إلى العمل‪ .‬وكذلك مبدأ التوزيع القائل‪ ( :‬من كل حسب طاقته‪،‬‬
‫ولكل حسب عمله) يخلق لونا جديدا من الطبقية‪ :‬طبقة القيادة الحاكمة‪ ،‬وغيرها من الطبقات ‪،‬كالتي‬
‫تنشأ بين العمال مثلً بحسب اختلف مواهبهم وكفاءاتهم ونوعية العمل ودرجة تعقيده‪ ،‬فيظهر مثلً‬
‫الصراع بين العمال الفنيين والعمال اليدويين‪.‬‬
‫وهذه النتقادات دفعت الشتراكيين في روسيا إلى التزام جانب العتدال فاعترفوا بالملكية الخاصة‬
‫بالموال الستهلكية من أدوات منزلية ونقود وسلع ودخول ومدخرات متأتية من العمل ويحترم‬
‫ميراث هذه الشياء‪ .‬كما أن الروس سمحوا بملكية خاصة لموال النتاج عن طريق قيام مشاريع‬
‫زراعية صغيرة خاصة بالفلحين ومشروعات حرفية للصناع‪ ،‬وكذلك أجازو للفراد مزاولة المهن‬
‫الحرة كالطب والكتابة والفن‪ ،‬وبالرغم من محاولت إصلح هذا النظام وتدارك سلبياته وعيوبه‪ ،‬فلم‬
‫يكتب له النجاح‪ ،‬حتى أدى أخيرا إلى سقوطه كنظام اقتصادي شامل في عهد جورباتشوف رئيس‬
‫جمهوريات التحاد السوفييتي عام ‪1989‬م في خطته المسماة بالبيروستريكا أي إعادة البناء‬
‫والصلح‪.‬‬

‫( ‪)7/5‬‬

‫الفروق الساسية بين الفكر السلمي والفكر الماركسي ‪:‬‬


‫من أهم هذه الفروق مايأتي‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬إن الفكر الماركسي فكر ملحد يقوم على أساس المادة‪ ،‬وأن المادة وتطور قوى النتاج هو‬
‫الذي يحدد علقات الفراد ويصنع تطور المجتمع‪ .‬بخلف المر في السلم فهو فكر مؤمن بال‬
‫وحساب اليوم الخر‪ ،‬وإن خشية ال تعالى وابتغاء مرضاته والتزام تعاليم السلم‪ ،‬هي التي تصوغ‬
‫علقات الفراد بعضهم ببعض وتحدد مسار المجتمع‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬إن الفكر الماركسي يستهدف إلغاء الملكية الخاصة‪ ،‬لتحل محلها الملكية العامة أيا كانت‬
‫صورتها‪ :‬ملكية الدولة ( قطاع عام ) أو ملكية الجماعة (ملكية جماعية أو تعاونية) بخلف المر في‬
‫السلم‪ ،‬فالتأميم ليس هدفا‪ ،‬وإنما هو وسيلة‪ .‬وتبدو أهمية هذا الفارق في أن الملكية العامة في‬
‫القتصاد الماركسي هو الصل‪ ،‬والملكية الخاصة هي استثناء‪ ،‬أما في القتصاد السلمي فالملكية‬
‫الخاصة والملكية العامة كلهما على السواء أصل‪ .‬فإن السلم أقر الملكية الخاصة‪ ،‬وفرض عليها‬
‫عدة قيود‪ ،‬كما أنه أوجد منذ أربعة عشر قرنا الملكية العامة بالقدر الذي تتطلبه احتياجات المجتمع‬
‫وقتئذ ودرجة تطوره القتصادي‪ ،‬ومن قبيل ذلك أرض الحمى للرعي‪ ..‬والوقف الخيري‪ ..‬ومؤسسات‬
‫المساجد‪ ،‬وانتزاع الملكية الخاصة من أجل توسيعها‪ ..‬وموقف عمر من الراضي المفتوحة ورفض‬
‫تمليكها للفاتحين‪ ،‬وتحويلها إلى ملكية جماعية‪ .‬ويمكن فقها التوسيع من دائرة أي نوع من الملكية‬
‫بحسب ظروف الزمان والمكان‪.‬‬
‫ثالثا ـ إن الفكر الماركسي يقوم على أساس الصراع بين الطبقات‪ ،‬وإقامة دكتاتورية الطبقة الواحدة‬
‫وهي طبقة البروليتاريا (العمال)‪ .‬وفي حين إن الفكر السلمي يقوم على أساس تعاون جميع أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬وإقامة تحالف قوى الشعب العاملة‪.‬‬
‫وقد استطاع المسلمون الروس مثل سلطان جالييف وحنفي مظهر التوفيق بقدر المكان بين الشتراكية‬
‫والسلم‪ ،‬وحاولوا إقناع القادة الروس بما يعارض السلم‪.‬‬

‫( ‪)7/6‬‬
‫ل ـ أوضح سلطان جالييف أنه ل علقة بين المادية والشتراكية‪ ،‬وأن محاولة الربط بين التفسير‬
‫أو ً‬
‫المادي للكون الذي يرفض الدين بالضرورة وبين الشتراكية هي محاولة ل ضرورة لها ول محل‬
‫لها‪ ،‬فقد يكون المادي (الملحد) اشتراكيا وقد يكون غير اشتراكي‪ .‬كما أن الشتراكي قد يكون ماديا أو‬
‫غير مادي‪ .‬ثم إن التصور المادي للوجود والقول بأن المادة هي سبب كل موجود هو من قبيل‬
‫التصورات الميتافيزيقية‪ ،‬وهو على هذا النحو نوع من عملية الستبدال بإله حقيقي هو ال إلها آخر‬
‫هو المادة‪ .‬وقد بدأ كثير من الماركسيين يسلمون بهذه الحقيقة‪.‬‬
‫ثانيا ـ وأظهر سلطان جالييف أن إلغاء الملكية الخاصة والتأميم الكامل ليس هدفا في ذاته‪ ،‬وليس هو‬
‫السبيل الوحيد للشتراكية‪ ،‬وإنما المهم هو سيطرة الشعب على أدوات النتاج‪ .‬وقد اعتنق هذا التجاه‬
‫المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي سنة ‪.1956‬‬
‫ثالثا ـ أبرز سلطان جالييف أنه بعد انتصار الثورة البلشفية‪ ،‬لم يعد هناك محل لفكرة صراع الطبقات‬
‫أو الكراهية‪ ،‬كما لم يعد هناك محل لتمييز العمال على الفلحين‪ ،‬أو إقامة دكتاتورية الطبقة الواحدة‪.‬‬
‫وحل محل كل ذلك فكرة تعاون أفراد المجتمع‪ ،‬وإقامة تحالف قوى الشعب العاملة‪ .‬وقد أخذت بذلك‬
‫دول أوربا الشرقية‪.‬‬
‫رابعا ـ يرى سلطان جالييف أن المجال الحيوي لثورة أكتوبر البلشفية هو الشرق وليس الغرب (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬من مقال الدكتور محمد شوقي الفنجري في مجلة العربي عدد ‪ 180‬سنة ‪1973‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/7‬‬

‫ثانيا ـ وظيفة المال وحق الملكية الفردية والقيود الواردة عليه في السلم‪ :‬المال في الحقيقة ل‬
‫سبحانه وتعالى كما قال‪{ :‬ل ملك السموات والرض وما فيهن} [المائدة‪ ]120/5:‬والناس جميعا عباد‬
‫ال ‪ ،‬فهم شركاء في توزيع المال‪ ،‬سواء تمثّل هذا المال في سلعة اقتصادية أو في سلعة حرة‪ ،‬وتملك‬
‫النسان للمال يعتبر تملكا مجازيا‪ ،‬أي إنه مؤتمن على المال ومستخلف فيه ونائب أو خليفة عن ال‬
‫فيه لقوله تعالى‪{ :‬وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد‪{ ]7/57:‬هو أنشأكم من الرض‬
‫واستعمركم فيها} [هود‪{ ]61/11:‬وهو الذي جعلكم خلئف الرض‪ ،‬ورفع بعضكم فوق بعض درجات‬
‫ليبلوكم فيما آتاكم} [النعام‪{ ]165/6:‬هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعا} [البقرة‪.]29/2:‬‬
‫ويترتب على هذا التصور للمال واستخلف النسان فيه‪ ،‬أو وكالته عليه أنه يجب التقيد بأوامر ال‬
‫تعالى‪ ،‬في التملك حسبما يريد صاحب الملك الحقيقي‪ .‬والناس على السواء لهم حق في تملك خيرات‬
‫الرض‪ ،‬والمال ليس غاية مقصودة لذاتها‪ ،‬وإنما هو وسيلة للنتفاع بالمنافع وتأمين الحاجات‪ ،‬وإذا‬
‫كانت الخلفة عن ال في المال للجماعة‪ ،‬فإن الملكية الخاصة تعتبر أسلوبا من أساليب قيام الجماعة‬
‫بمهمتها في الخلفة‪ ،‬وإن لها صفة اجتماعية‪ ،‬ل صفة حق مطلق وسيطرة واستبداد‪ .‬وللجماعة حق‬
‫مراقبة ذوي الملكيات الخاصة لستخدامها في سبيل الصالح العام‪ ،‬فيعتبر صاحب المال حينئذ مسؤولً‬
‫أمام ال عن ماله‪ ،‬ومسؤولً أمام الجماعة أيضا‪.‬‬
‫وليس المال مقياسا للحترام والتعظيم‪ ،‬ول لحتكار النفوذ ‪ ،‬فمن قواعد فقهنا‪« :‬من عظم غنيا لماله‬
‫وغناه فقد كفر» ‪.‬‬
‫بهذه النظرة السلمية إلى المال بأنه وسيلة ل غاية مقصودة لذاتها‪ ،‬ول للتجميع والتكديس‪ ،‬يدق‬
‫السلم أول معول في هدم الرأسمالية الظالمة‪.‬‬

‫( ‪)7/8‬‬

‫وأما حق الملكية في السلم فهو نزعة فطرية وحق شخصي أقرته الشريعة وصانته الديانات‬
‫السماوية‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب‬
‫والفضة} [آل عمران‪{ ]14/3:‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‪ ،‬إل أن تكون تجارة‬
‫عن تراض منكم} [النساء‪{ ]29/4:‬والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} [المعارج‪-24/70:‬‬
‫‪.]25‬‬
‫وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم» «كل المسلم على المسلم حرام‪:‬‬
‫دمه وماله وعرضه» «ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيب نفس منه» (‪. )1‬‬
‫إل أن هذا الحق الشخصي مقيد بقيود كثيرة ستذكر قريبا‪ ،‬ومن أهمها عدم جواز الضرار بالغير‪،‬‬
‫مما يدل على أن لحق الملكية الفردية في تقدير السلم صفتين مزدوجتين‪ :‬صفة الفردية وصفة‬
‫الجماعية العامة في وقت واحد‪.‬‬
‫أما الصفة الفردية‪ :‬فلن الحق ليس في أصله وظيفة‪ ،‬بل هو ميزة تمنح صاحبها الحق في النتفاع‬
‫بثمرات ملكه والتصرف فيه‪ ،‬ولكن ل تعتبر هذه الملكية الخاصة هي الصل العام الذي يسمح للفراد‬
‫وحدهم بتملك أموال الثروة في البلد وبحسب النشاط والظروف‪ ،‬وإن الملكية العامة أمر استثنائي‬
‫تقتضيه الظروف الجتماعية‪ ،‬كما هو مقرر في النظام الرأسمالي‪ .‬وعلى هذا فل يمكن أن يعتبر‬
‫المجتمع السلمي مجتمعا رأسماليا‪ ،‬وإن اعترف بالملكية الخاصة‪.‬‬
‫ل إلى‬
‫وأما صفة الحق الجماعية العامة فتتجلى في تقييد حق الملكية الخاصة بمنع اتخاذها سبي ً‬
‫الضرار بالخرين‪ ،‬وأنه يمكن أن تقوم ملكيات عامة للجماعة أو الدولة‪ ،‬كالحمى والوقف والموال‬
‫العامة بجوار الملكية الخاصة‪ .‬وعلى هذا فل يعتبر النظام السلمي وإن أخذ بنظام الملكية العامة أو‬
‫ملكية الدولة لبعض الثروات‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحديث الول أخرجه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي ال عنه‪ ،‬والحديث الثاني أخرجه‬
‫مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ .‬والحديث الثاني أخرجه الدارقطني عن أنس بن مالك رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/9‬‬

‫ورؤوس الموال متطابقا مع النظام الشتراكي الذي يعتبر الملكية الجماعية هي المبدأ العام‪ ،‬ومع هذا‬
‫فإن الحمى الذي قرره عمر رضي ال عنه إنما كان (تأميمه) صريحا وبدون مقابل‪ ،‬فقد كانت‬
‫الرض التي حماها مملوكة لبني ثعلبة‪ ،‬فلما اعترضوا عليه قال‪ :‬إنه فعل ذلك في سبيل ال ‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن حق الملكية في السلم حق مزدوج يقوم على ركيزتين‪ :‬الصفة الفردية والصفة‬
‫الجماعية‪ ،‬وإن الملكية نوعان‪ :‬ملكية خاصة وملكية عامة‪ .‬ويكون لحق الملكية الفردية وظيفة‬
‫اجتماعية‪ ،‬يوجه الحق بمقتضاها نحو البر والخير والصالح العام‪،‬وليس هو بذاته وظيفة اجتماعية‬
‫يمنحها المجتمع له ويقبل الزوال؛ لن هذا المعنى يؤدي في النتيجة إلى إلغاء فكرة الحق من أصلها‪.‬‬
‫وأما القيود الواردة على الملكية الفردية في السلم فهي كثيرة‪:‬‬
‫منها قيود سلبية ومنها قيود إيجابية‪ .‬أما القيود اليجابية فسأذكرها في بحث وسائل تحقيق العدالة‬
‫الجتماعية ومبدأ تدخل الدولة‪.‬‬
‫وأما القيود السلبية فهي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬منع الضرار بالخرين ‪:‬‬
‫إن حق الفرد في التملك أو النتفاع بالملك ينظر إليه في السلم على أن الفرد عضو في الجماعة‬
‫المستخلفة عن ال في الموال‪ ،‬فل يصح بداهة أن يكون التملك أو استعمال الملك طريقا للضرار‬
‫بالجماعة أو أن يكون مصدر قلق أو اضطراب ومنازعة وسيطرة‪ ،‬لذا فإن المالك يمنع أثناء استعمال‬
‫ماله من إضرارغيره‪ ،‬لقول الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل ضرر ول ضرار» (‪ )1‬فل يصح‬
‫اعتبار المال وسيلة ضارة أو طريقا للتسلط واليذاء ‪ ،‬سواء أكان الضرر خاصا أم عاما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)7/10‬‬

‫‪ - 2‬عدم جواز تنمية المال بالوسائل غير المشروعة ‪:‬‬


‫أوجب السلم استثمار المال وتنميته بالطرق المشروعة من زراعة وصناعة وتجارة ونحوها‪ ،‬وحرم‬
‫كل الوسائل التي ل تتفق مع النسانية الحقة الرحيمة مما هو جاثم في بلدان الحضارة المادية‬
‫والرأسمالية الغاشمة‪ .‬وأخطرها الربا أو الفائدة‪ ،‬والقمار‪ ،‬والغش‪ ،‬والحتكار والتدليس‪ ،‬وبذلك هدم‬
‫السلم صرح الرأسمالية التي يمتص فيها الغني دماء الفقراء والطبقة العاملة‪ ،‬كما أنه قضى على‬
‫مفاسد الرأسمالية والملكية الفردية‪ ،‬كما يظهر فيما يلي‪:‬‬
‫أما الربا فقد شن السلم عليه حربا شعواء ل هوادة فيها لستئصاله من جذوره مهما كانت أشكاله‪،‬‬
‫سواء أكان في القروض الستهلكية والنتاجية أم في عقود المبادلت الخرى التي يتفق فيها على‬
‫بيع سلعة بسلعة من النوع نفسه الذي يعتبر من القوات الضرورية أو السلع الساسية للمجتمع‬
‫كالحبوب والقطان والمعادن‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وأحل ال البيع وحرم الربا} [البقرة‪{ ]275/2:‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‪ ،‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ال‬
‫ورسوله‪ ،‬وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل تَظْلمون ول تُظْلمون} [البقرة‪ ]279-278/2:‬ومن المعلوم‬
‫أن مهاجمة الربا في السلم دليل على محاربة مختلف أشكال النظم الرأسمالية التي تتحكم فيها‬
‫مصالح المرابين‪ ،‬وذلك حتى يكون المجتمع السلمي مجتمعا متراحما ومتعاونا على الخير‪ ،‬ل‬
‫يستغل القوي فيه حاجة الضعيف‪ ،‬ول تتكون فيه طبقة تعيش على حساب رأسمالها دون بذل جهد من‬
‫عمل ول كسب‪ ،‬أو دون أن تتعرض هذه الفئة كبقية المشروعات القتصادية لحتمالت الربح أو‬
‫الخسارة‪.‬‬

‫( ‪)7/11‬‬

‫وأما القمار بمختلف أنواعه ومنه اليانصيب فقد حرمه السلم؛ لنه مرض فتاك خبيث يهدد طاقة‬
‫النسان الجسدية والفكرية من دون فائدة مشروعة‪ ،‬ويعوّد النسان على الخمول والكسل؛ لنه محاولة‬
‫للتوصل إلى كسب بل جهد ول عمل‪ ،‬وفضلً عن ذلك فإنه يولّد بين الناس أحقادا عميقة الجذور‪،‬‬
‫ويثير شرارات نارية من المنازعات والختلفات التي ل تنتهي ذيولها‪ ،‬حتى وصفه القرآن الكريم‬
‫بأنه رجس من عمل الشيطان‪.‬‬
‫وأما الغش في المعاملت‪ :‬فهو ممنوع منعا مطلقا لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬من غشنا فليس منا‬
‫» (‪ )1‬إذ يهدم الثقة بين المتعاملين‪ ،‬ويجعل الحياة التجارية في اضطراب‪ .‬ويشمل الغش كل أنواع‬
‫الخلبة (أي خديعة المشتري) من خيانة (كذب في مقدار الثمن)‪ ..‬وتناجش (إيهام الغير برغبة الشراء‬
‫إغراء له به) وتغرير (إغراء بوسيلة كاذبة للترغيب في العقد) وتدليس العيب (كتمان عيب خفي في‬
‫المعقود عليه) وغبن فاحش (وهو الضرار بما يعادل نصف عشر القيمة في المنقولت والعشر في‬
‫الحيوان‪ ،‬والخمس في العقارات) ومن صور الغبن‪ :‬حالة تلقي الركبان‪ ،‬أي تلقي ابن المدينة قوافل‬
‫الباعة الواردة من القرى والبوادي‪ ،‬وشراؤها بأقل من سعر السوق بغبن فاحش‪.‬‬
‫وأما الحتكار فقد حرمه السلم تحريما عاما في كل ما يضرّ بالناس حبسه ومنعه‪ ،‬وبخاصة السلع‬
‫الغذائية وضروريات الناس الستهلكية ؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الجالب مرزوق والمحتكر‬
‫ملعون» (‪ )2‬لن الحتكار أمر لصيق بتنظيم السوق‪ ،‬ولن فيه من المخاطر التي يعاني منها النظام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬والسبب في تحريم الحتكار أمر واضح وهو منع استغلل المحتكر للمستهلكين بمغالته‬
‫في الثمن‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه عن عمر رضي ال عنه‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/12‬‬

‫ومنع السلعة أحيانا من السوق لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من احتكر طعاما يريد أن يغلي بها على‬
‫المسلمين‪ ،‬فهو خاطئ‪ ،‬وقد برئت منه ذمة ال ورسوله» (‪. )1‬‬
‫وهكذا حرّم السلم كل أوجه الكسب غير المشروع مثل ما ذكر‪ ،‬ونحوه من الرشوة والختلس‬
‫وابتزاز أموال الغير بالباطل واستغلل الحاكم أو الموظف لمنصبه ليقتنص أموال الناس ظلما‬
‫وعدوانا‪ .‬والقصد من تحريم ذلك هو دفع النسان إلى العمل وإبعاده عن البطالة والكسل‪ .‬وبهذا كله‬
‫أوصد السلم الباب أمام تضخم الثروات؛ لن الطرق غير المشروعة تؤدي عادة إلى ربح عظيم‪:‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪ « :‬الدنيا خضرة حلوة‪ .‬من اكتسب فيها مالً من حِلّه‪ ،‬وأنفقه في حقه‪ ،‬أثابه‬
‫ال عليه‪ ،‬وأورده جنته‪ ،‬ومن اكتسب فيها مالً من غير حِلّه‪ ،‬وأنفقه في غير حقه‪ ،‬أحله ال دار‬
‫الهوان‪ ،‬ورب متخوض في مال ال ورسوله‪ ،‬له النار يوم القيامة» (‪. )2‬‬
‫‪ - 3‬منع السراف والتقتير ‪:‬‬
‫أوجب السلم العتدال في النفقة لقوله تعالى‪{ :‬ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل‬
‫البسط‪ ،‬فتقعد ملوما محسورا} [السراء‪ ]29/17:‬فل يكون التقتير مقبولً لما يترتب عليه من اكتناز‬
‫الثروات الضخمة الذي يحول بدوره دون توفر نشاط تداول الموال‪ ،‬الذي هو أمر ضروري لنتعاش‬
‫الحياة القتصادية في كل مجتمع‪ ،‬فحبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين النتاج وتهيئة وسائل‬
‫العمل للعاملين‪ ،‬قال ال سبحانه وتعالى‪{ :‬والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال‬
‫فبشّرهم بعذاب أليم} [التوبة‪.]34/9:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والحاكم عن أبي هريرة‪ ،‬وهو حديث حسن‪.‬وفي رواية‪ « :‬ليحتكر إل خاطئ »‬
‫عند مسلم وأحمد وأبي داود والترمذي (الترغيب والترهيب ‪ )582/2‬والخاطئ‪ :‬الثم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي في شعب اليمان عن ابن عمر رضي ال عنهما‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬

‫( ‪)7/13‬‬

‫وكذلك يحرم السلم السراف وتبذير الموال من دون وجه مشروع أو يؤدي إلى الضرر ولو في‬
‫سبيل الخير‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} [السراء‪ ]27/17:‬فالتبذير طريق‬
‫الفقر الذي يصبح به المبذر في النهاية عالة على المجتمع‪ ،‬مما ينذر بمخاطر اجتماعية سيئة‪ ،‬فضلً‬
‫عن أن التبذير سبيل لغرس الحقاد والبغضاء بين الناس والمحرومين‪ ،‬وهكذا أوضح السلم مبدأ‬
‫سياسة العتدال في الستهلك والدخار‪ ،‬فقال ال سبحانه‪{ :‬وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب‬
‫المسرفين} [العراف‪.]31/7:‬‬
‫‪ - 4‬ليس المال سبيلً إلى الجاه والسلطان ‪:‬‬
‫حظر السلم على أرباب الموال استخدامها في هضم الحقوق عن طريق الرشوة أو للتوصل إلى‬
‫منصب سياسي أو جاه أو وظيفة ليس أهلً لها‪ ،‬قال ال تعالى‪ { :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‬
‫وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالثم وأنتم تعلمون} [البقرة‪ ]188/2:‬وفي هذا‬
‫إيصاد الباب أمام ما تفعله التكتلت الحتكارية والشركات العالمية في التأثير على السياسة الداخلية‬
‫والخارجية في الدول الرأسمالية‪..‬‬
‫‪ - 5‬توزيع المال بعد الوفاة مقيّدٌ بنظام الرث ‪:‬‬
‫ليس المرء حرا بالتصرف في ماله بعد وفاته حسبما يشاء كما هو مقرر في النظام الرأسمالي‪ ،‬وإنما‬
‫هو مقيد بنظام الرث الذي يعتبر في السلم من قواعد النظام اللهي العام التي ل يجوز للفراد‬
‫التفاق على خلفها‪ ،‬فالرث حق جبري‪ ،‬ول يجوز اليصاء بأكثر من ثلث المال‪ ،‬ول يصح تفضيل‬
‫بعض الورثة على حساب الخرين‪ ،‬أو حرمان وارث أو الضرار بالدائنين‪ ،‬وللسلطة القضائية الحق‬
‫ل مهما من عوامل‬
‫في إبطال التصرفات غير الشرعية في الرث والوصية‪ ،‬فيكون تشريع الرث عام ً‬
‫تفتيت الثروات الضخمة‪ ،‬وتوزيع الملكيات والقضاء على التفاوت الفاحش بين الطبقات‪.‬‬

‫( ‪)7/14‬‬

‫ثالثا ـ مبدأ الحرية القتصادية ‪:‬‬


‫إذا كان مبدأ العتراف بالملكية المزدوجة (الخاصة والجماعة) وبمبدأ الملكية الفردية المقيدة بقيود‬
‫كثيرة هو الركن الول من أركان القتصاد السلمي كما تقدم‪ ،‬فإن مبدأ الحرية القتصادية المقيدة في‬
‫حدود معينة هو الركن الثاني من أركان هذا النظام‪ ،‬وليست هذه الحرية مطلقة غير محدودة كما في‬
‫النظام الرأسمالي‪ ،‬ول هي غير موجودة كما في النظام الشتراكي‪ ،‬وإنما هي مقررة ضمن حدود‬
‫معينة‪ ،‬بقول الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض» (‪. )1‬‬
‫ولقد نادى ابن خلدون بمبدأ القتصاد الحر‪ ،‬وحبّذ السلم نظام المنافسة الكاملة الشريفة الذي يمنع فيه‬
‫الحتكار‪ ،‬والذي يتحدد فيه ثمن السلع طبقا لمساومات البائعين والمشترين دون تدخل من جانب‬
‫الدولة‪ ،‬إل أن هذا كان في عصر صدر السلم حيث كانت صفات الورع والتقوى والتدين لها‬
‫السيطرة المطلقة على النفوس‪ ،‬ثم أفتى الفقهاء السبعة في المدينة بجوار تدخل الدولة لتسعير‬
‫الحاجيات ووضع حد لجشع التجار‪ ،‬ومنع الغبن‪ ،‬لنه يجب أن يكون الثمن عادلً غير مجحف بالبائع‬
‫والمشتري‪ .‬وبه يتبين أن مبدأ الحرية القتصادية أصبح مقيدا فيما يجيزه تشريع السلم من نشاط‬
‫اقتصادي اجتماعي للفراد‪ ،‬وليجوز للنسان الخروج عليه كالتعامل بالربا والحتكار ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) إل البخاري عن جابر رضي ال عنه بلفظ‪« :‬‬
‫ليبيع حاضر لباد‪ ،‬دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض » ‪.‬‬

‫( ‪)7/15‬‬

‫كما أن هذا المبدأ مقيد بالرقابة الحازمة للدولة وإشراف الحاكم على النشاط العام‪ ،‬وتوجيهه وجهة‬
‫تتمشى مع حفظ المصالح العامة‪ ،‬ومنع الضرر عن الجماعة‪ ،‬حسبما يقدر القتصاديون‬
‫المتخصصون‪ ،‬قال ال تعالى‪ { :‬ياأيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم }‬
‫[النساء‪ ]59/4:‬وأولو المر‪ :‬هم الحكام والعلماء المختصون‪ ،‬فما يقرره أهل الخبرة واجب الطاعة‬
‫لحماية المة‪ ،‬وللحفاظ على كيان الدولة‪ ،‬ولتحقيق مبدأ التوازن الجتماعي السلمي على وفق ما‬
‫تقرره الشريعة‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬قيمة العمل ودوره في الحياة القتصادية وأثره على أثمان الشياء ‪:‬‬
‫العمل شرف ومجد وفريضة على كل قادر عليه‪ ،‬ولقد حث السلم عليه‪ ،‬وحارب الكسل والخمول‬
‫والبطالة والتسول؛ لن الفقر مذلة ومرض اجتماعي خطير‪ ،‬وتنفير السلم منه لنه يضر بالمصلحة‬
‫العامة‪ ،‬فالمة قوية بقوة أفرادها‪ ،‬ضعيفة بضعف أبنائها ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪ « :‬كاد الفقر أن‬
‫يكون كفرا » (‪ )1‬واعتبر السلم العمل هو الوسيلة المفضلة الغلبية للتملك‪ ،‬وأن لعمل من غير‬
‫أجر‪ ،‬وأن الجر على قدر العمل‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬أطيب الكسب كسب الرجل من‬
‫عمل يده » (‪ « ، )2‬ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده‪ ،‬وإن نبي ال داود كان‬
‫يأكل من عمل يده» (‪ « )3‬من أمسى كاّل ـ أي متعبا ـ من عمل يده أمسى مغفورا له » (‪ « )4‬إن‬
‫ال يحب العبد المحترف » (‪ « )5‬طلب الحلل فريضة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس‪ ،‬وسكت عنه السيوطي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع أن النبي صلّى ال عليه وسلم سئل‪ « :‬أي‬
‫الكسب أطيب؟ قال‪ :‬عمل الرجل بيده‪ ،‬وكل بيع مبرر » ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد والبخاري عن المقدام بن معد يكرب رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبراني في الوسط عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الحكيم الترمذي والطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي ال عنهما‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/16‬‬

‫بعد الفريضة » (‪ « )1‬إن من الذنوب ذنوبا ليكفّرها الصلة ول الصيام ول الحج ول العمرة‪ ،‬يكفرها‬
‫الهموم في طلب المعيشة » (‪ « )2‬إن أطيب ماأكلتم من كسبكم‪ ،‬وإن أولدكم من كسبكم» (‪... )3‬‬
‫وقال عمر رضي ال عنه « وال لئن جاءت العاجم بالعمال وجئنا بغير عمل‪ ،‬فهم أولى بمحمد منا‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فإن من قصّر به عمله لم يسرع به نسبه » وهذه الحاديث النبوية مستمدة من القرآن‬
‫الكريم وملتقية معه‪ .‬قال ال تعالى‪ { :‬ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا وليوفيهم أعمالهم‪ ،‬وهم ليُظلمون }‬
‫[الحقاف‪ { ]19/46:‬ول تبخسوا الناس أشياءهم } [هود‪ { ]85/11:‬فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه‬
‫وإليه النشور } [الملك‪{ ]15/67:‬فابتغوا عند ال الرزق} [العنكبوت‪.]17/29:‬‬
‫وعقد النبي صلّى ال عليه وسلم موازنة بين العمل والستجداء فقال‪ « :‬لن يأخذ أحدكم حَبْله‪ ،‬فيذهب‬
‫به إلى الجبل‪ ،‬ثم يأتي به فيحمله على ظهره‪ ،‬فيأكل‪ ،‬خير له من أن يسأل الناس» (‪ « )4‬لتزال‬
‫المسألة بأحدكم حتى يلقى ال تعالى‪ ،‬وليس في وجهه مُزْعة لحم » (‪ « )5‬اليد العليا خير من اليد‬
‫السفلى » (‪ « )6‬اطلبوا الحوائج بعزة النفس فإن المور تجري بالمقادير » (‪ « )7‬لتحل الصدقة‬
‫لغني ول لذي مِرّة سوي » (‪. )8‬‬
‫كل هذه اليات والحاديث النبوية تدل على تقديس السلم للعمل وتقدير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني عن ابن مسعود‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الخمسة ( أحمد وأصحاب السنن ) عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي ال عنهما‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه أبو الشيخ ابن حبان وفي مسند الفردوس للديلمي عن أنس رضي ال عنه‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن العاص رضي ال عنه‪ ،‬والمرة‪ :‬القوي ‪ ،‬والسوي‪:‬‬
‫المستوي الخلق‪ ،‬التام العضاء‪.‬‬

‫( ‪)7/17‬‬

‫تأثيره في الحياة القتصادية‪ ،‬وإن من حق العمال أن يتقاضوا من الجور بقدر مايبذلونه من جهود‪،‬‬
‫وبما يتفق مع خبراتهم ومواهبهم‪ ،‬فالكفاية وحدها‪ ،‬والمقدرة وحدها‪ ،‬هما معيار أهلية الفرد‪ ،‬وبذلك‬
‫كفل السلم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الناس كافة في السعي‪ ،‬والجد المشروع في اكتساب‬
‫المعاش والتماس الرزق‪ ،‬ولكن لتشترط المساواة في ثمار هذا السعي؛ لن السلم ليقول بالمساواة‬
‫في الرزق نفسه‪ ،‬وليعقل بل من الظلم الفاحش عدم العتراف بالتفاوت الفطري بين الفراد في‬
‫المكانات والمواهب والجهود‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا‪ ،‬ورفعنا‬
‫بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف‪{ ]32/43:‬وال فضّل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل‪:‬‬
‫‪.]71/16‬‬
‫إن العمل في تقدير السلم سبب لملكية العامل نتيجة عمله‪ .‬وتكون القاعدة في السلم‪ ( :‬أن العمل‬
‫سبب الملكية ) ل قاعدة ( أن العمل سبب لتملك المجتمع ل الفرد ) أو قاعدة (أن العمل سبب لقيمة‬
‫المادة‪ ،‬وبالتالي سبب تملك العامل لها)‪ .‬ويشترك العمل أحيانا مع رأس المال المستثمر في كسب‬
‫الملكية كما في شركة المضاربة‪ ،‬وكما تقرر نظرية كينز‪ ،‬فالعامل يتملك الربح بسبب عمله في‬
‫المضاربة ورب المال يستثمر ماله ويشغله‪ ،‬فيكون ربح العامل بسبب جهده‪ ،‬وربح رب المال بسبب‬
‫رأسماله الذي يحرك عجلة التجارة‪ ،‬كما أن ماله سبب في انتعاش السوق القتصادية‪ ،‬وفي ربح‬
‫العامل بدون مشاركة في الخسارة‪ ،‬وإنما رب المال يتحمل وحده الخسارة التي هي حالة اضطرارية‬
‫وغير غالبة‪.‬‬

‫( ‪)7/18‬‬

‫وإذا كان ابن خلدون مؤسس علم القتصاد ومن بعده ريكاردو وما ركس واضع نظرية الشتراكية‬
‫العلمية يرون أن العمل أساس القيمة‪ ،‬أي أن قيمة السلع والشياء تتحدد بقيمة العمل الداخل فيها أو‬
‫ساعات العمل التي بذلت في صنعها‪ ،‬فإن النظرية السلمية تجعل قيمة السلعة تتحدد بحسب العرض‬
‫والطلب الواقعين عليها مع التزام مبدأ السعر العادل‪ ،‬وفي ظل من رقابة الدولة على تطبيق العدالة‪،‬‬
‫أي أن قيمة الشياء تتدخل فيها اعتبارات الندرة في المال‪ ،‬وسعر السوق النسبي‪ ،‬بحسب حاجة‬
‫الشخص للسلعة وهو ما يريده الفقهاء من سعر المثل‪ .‬وإذا كان مبدأ الشتراكية في التوزيع (من كل‬
‫حسب طاقته ولكل حسب عمله) فإن مبدأ السلم (لكل حسب عمله‪ ،‬أو حسب حاجته) إذ قد يعجز‬
‫النسان عن العمل‪ ،‬فتلتزم الجماعة بإغنائه وتوفير حاجياته رحمةً به‪ ،‬وتكريما لنسانيته‪.‬‬
‫خامسا ـ مبدأ تدخل الدولة في النشاط القتصادي للفراد ‪:‬‬
‫الكلم في تدخل الدولة وحدود هذا التدخل يتضح فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬رقابة الدولة على أعمال الفراد ‪:‬‬
‫يقول الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (‪ )1‬في هذا الحديث‬
‫دللة واضحة على أن الدولة مسؤولة عن كل شيء يجري في داخلها‪ .‬فلها الشراف على نشاط‬
‫الفراد العام‪ ،‬ولها حق التدخل بالمصالح الخاصة لحماية المصالح العامة وكفالة تطبيق وتنفيذ‬
‫الشريعة‪ ،‬ولها محاسبة الموظفين وأصحاب الولية والسلطة في نواحي الدولة‪ .‬ويمكنها أن تحاكمهم‬
‫على أساس المبدأ القائل‪( :‬من أين لك هذا)‪ .‬ليتبين الوجه المشروع لكسب المال‪ .‬ولقد كان سيدنا عمر‬
‫رضي ال عنه يحاسب ولته ويشاطر عماله كما فعل مع عمرو بن العاص عامله على مصر‪ ،‬حينما‬
‫شك في ماله وكسبه وطريقة إنمائه‪ ،‬وشاطر خالد بن الوليد أمواله‪ ،‬حتى زوجي نعله‪ ،‬وللدولة أن‬
‫تراقب أرباب الموال في كيفية استثمار أموالهم‪ ،‬فإذا جنحوا إلى تعطيل استثمار المال‪ ،‬جاز اتخاذ‬
‫التدابير التي تحمي المصلحة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)7/19‬‬

‫العامة‪ ،‬فإذا وضع امرؤ يده على أرض موات بقصد إحيائها وتعميرها واستصلحها وهو ما يعرف‬
‫بالحتجار‪ ،‬ثم لم يقم بواجبه جاز سلخها عنه وإعطاؤها لغيره‪ ،‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أحيا‬
‫أرضا ميتة فهي له» (‪ « )1‬ليس لمحتجر حق بعد ثلث سنين» (‪ )2‬لنه ل بد من مداومة استثمار‬
‫المال‪ ،‬حتى ل يؤدي الهمال إلى فقر المال والضرار بمصالح المجتمع وإفقار المة وخسارة الدخل‬
‫القومي العام وضآلة النتاج‪.‬‬
‫وإذا حاول الناس تركيز استثمار أموالهم في نشاط اقتصادي معين‪ ،‬كان لولي المر حق التدخل بما‬
‫يراه من إجراءات لتوزيع الناس أموالهم بين مختلف مصادر النتاج ( وهي الرض والعمل‬
‫والمال )‪ ،‬وعندئذ تضمن الدولة الحد الدنى من إنتاج السلع الضرورية‪ ،‬والحد العلى الذي ل يجوز‬
‫التجاوز عنه‪ .‬وإذا تضخمت الثروة في أيدي فئة قليلة من المواطنين‪ ،‬ثم ثبت عجز أصحابها عن‬
‫استثمارها‪ ،‬كان للحاكم أن يتدخل في استثمار الموال أو وضعها تحت ولية الدولة بما يدرأ الضرر‬
‫العام عن المجتمع‪ ،‬كإلزامهم باتباع الساليب الرشيدة في استثمار الموال‪ ،‬ووضعها تحت ولية‬
‫الدولة لضمان تشغيلها بما ينفع البلد‪.‬‬
‫‪ - 2‬إقرار الملكية الجماعية ‪:‬‬
‫قال الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الناس شركاء في ثلث» وفي رواية‪« :‬في أربع‪ :‬الماء والكل‬
‫والنار والملح» (‪ )3‬والنص على هذه المور فقط لنها كانت من ضروريات‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والترمذي وصححه عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب رحمه ال ‪ ،‬ولكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد وأبو داود‪ ،‬وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬وأخرجه الطبراني‬
‫عن ابن عمر‪.‬‬

‫( ‪)7/20‬‬

‫الحياة في بيئة العرب‪ ،‬فهي مباحة لجميع الناس‪ ،‬والدولة هي التي تمثل مصالح الجماعة‪ ،‬فلها وضع‬
‫اليد عليها‪ ،‬وعلى كل الشياء الضرورية التي تعتبر من قبل الثروات الطبيعية الخام‪ ،‬والصناعات‬
‫الستخراجية وإنتاج المواد الولية‪ ،‬والستيلء على المرافق العامة والتي تتغير وتتبدل وتتطور‬
‫بحسب البيئات والعصور‪ ،‬مثل مختلف النهار العامة‪ ،‬والمعادن والنفط ولو وجدت في أرض مملوكة‬
‫ملكية خاصة‪ ،‬والكهرباء‪ ،‬والمنشآت العامة ونحوها من المرافق الحيوية الساسية لمصلحة الجماعة‪.‬‬
‫ومما يؤيد وجود الملكية الجماعية‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم والخلفاء الراشدين قد اعتبروا بعض‬
‫الراضي كالنقيع والرّبذَة (موضعين قرب المدينة) حمىً في سبيل ال لترعى فيها خيل المسلمين‪ ،‬أي‬
‫من أجل الصالح العام وهو المعروف بـ (الحمى) قال عليه الصلة والسلم‪« :‬لحمى إل ل‬
‫ولرسوله» (‪ )1‬أي ل حمى لحد الشخاص العاديين‪.‬‬
‫‪ - 3‬التأميم أو نزع الملكية الخاصة ‪:‬‬
‫إذا كان المبدأ العام في السلم هو العتراف بالملكية الفردية وبالحرية القتصادية كما أوضحت‪ ،‬فإنه‬
‫ل مانع من تدخل الدولة لحماية مصلحة المة في وقت معين‪ ،‬بأن تتخذ من التدابير ماتجده محققا‬
‫للصالح العام‪ ،‬بناء على المبدأ المعروف في السلم بالستحسان والمصالح المرسلة‪ ،‬وقواعد دفع‬
‫الضرر العام‪ ،‬وأنه يتحمل الضرر الخاص من أجل دفع الضرر العام‪ ،‬وأنه يجب على الجماعة كفاية‬
‫الجائع والعريان عملً بالمبدأ الشرعي القائل‪( :‬إذا بات مؤمن جائعا فل مال لحد) ولكن بشرط دفع‬
‫الثمن‪ .‬وقال عمر قبيل وفاته‪ « :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت لخذت فضول أموال الغنياء‬
‫فرددتها على الفقراء » ‪ :‬وهذا ما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود عن الصعب بن جثّامة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/21‬‬

‫يجعل النظام القتصادي السلمي أبعد عن النظام الرأسمالي القائم في أصله على أساس من الحرية‬
‫الفردية المطلقة‪.‬‬
‫لذا فإنه يحق للدولة التدخل في الملكيات غير المشروعة‪ ،‬كالملكية الحادثة بالسلب والقهر أو‬
‫الغتصاب‪ ،‬فترد الموال إلى أصحابها أو تصادرها‪ ،‬وتستولي عليها بغير تعويض‪ ،‬سواء أكانت‬
‫منقولة أم عقارية‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (‪ )1‬وقوله‪« :‬ليس‬
‫لع ْرقٍ ظالمٍ حق» (‪ ، )2‬وقوله‪« :‬من زرع أرض قوم بغير إذنهم ‪ ،‬فليس له من الزرع شيء وله‬
‫نفقته» (‪. )3‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يشاطر بعض ولته الذين وردوا عليه من ولياتهم بأموال لم‬
‫تكن لهم‪ ،‬استجابة لمصلحة عامة‪ ،‬وهو البعد بالملكية عن الشبهات‪ ،‬وعن اتخاذها وسيلة للثراء غير‬
‫المشروع‪ ،‬وكذلك يحق للدولة التدخل في الملكيات الخاصة المشروعة لتحقيق العدل في التوزيع‪،‬‬
‫سواء في حق أصل الملكية‪ ،‬أو منع المباح‪ ،‬أو في تقييد حرية التملك الذي هو من باب تقييد المباح‪،‬‬
‫والملكية من المباحات قبل السلم وبعده إذا أدى استعمال الملك إلى ضرر عام‪ .‬وعلى هذا فيحق‬
‫لولي المر العادل أن يفرض قيودا على الملكية الزراعية ‪ ،‬فيحددها بمقدار مساحة معينة‪ ،‬أو ينتزعها‬
‫من أصحابها إذا عطلها أو أهملها حتى خربت‪ ،‬أو ينزع ملكيتها من أي شخص مع دفع تعويض عادل‬
‫عنها‪ ،‬إذا اقتضت المصلحة العامة أو النفع العام ذلك‪.‬‬
‫كماحدث في وقتنا الحاضر من تأميم المصارف والشركات الكبرى‪ ،‬وكما فعل عمر بن الخطاب في‬
‫سبيل توسعة المسجد الحرام حينما ضاق على الناس‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) والحاكم عن سمرة بن جندب رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود والدارقطني عن عروة بن الزبير رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي عن رافع بن خديج رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/22‬‬

‫فأجبر الناس المجاورين للمسجد على بيع دورهم المحيطة به‪ ،‬وقال لهم‪« :‬إنما أنتم الذين نزلتم على‬
‫الكعبة‪ ،‬ولم تنزل الكعبة عليكم» ‪ .‬وكذلك فعل عثمان بن عفان رضي ال عنه هذا الفعل مرة أخرى‬
‫وقال ‪ « :‬إنما جرأكم علي حلمي‪ ،‬فقد فعل عمر بكم ذلك فلم تتكلموا» ثم أمر بحبسهم لمدة‪ ،‬مما يدل‬
‫على جواز نزع الملكية الفردية لمصلحة المرافق العامة كتوسيع الطرق والمقابر وإقامة المساجد‬
‫وإنشاء الحصون والمرافئ والمؤسسات العامة كالمشافي والمدارس والملجئ ونحوها؛ لن المصلحة‬
‫العامة مقدمة على المصلحة الخاصة‪.‬‬
‫ثم إن فقهاء المذاهب قرروا أن لولي المر أن ينهي إباحة الملكية بحظر يصدر منه لمصلحة تقتضيه‪،‬‬
‫فيصبح ما تجاوزه أمرا محظورا‪ ،‬فإذا منع من فعل مباح صار حراما‪ ،‬وإذا أمر به صار واجبا‪.‬‬
‫والدليل على إعطاء ولي المر مثل هذه الصلحيات في غير المنصوص على حكمه صراحة هو قوله‬
‫تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم} [النساء‪ ]59/4:‬وأولو‬
‫المر في السياسة والحكم‪ :‬هم المراء والحكام والعلماء‪ ،‬كما تبين سابقا‪.‬‬
‫ولكن ليس كل مايتوهم من ضرر‪ ،‬أو يتخيل من مصلحة يكون مسوغا لتقييد الملكية أو مصادرتها‬
‫بالتعويض‪ ،‬وإنما ينبغي أن تكون المصلحة العامة محققة الحدوث‪ ،‬أو الضرر العام محقق الوقوع‪ ،‬أو‬
‫غالب الوقوع‪ ،‬ل نادرا ول محتملً‪ ،‬ويكفي عند فقهاء المالكية والحنابلة أن يكون احتمال وقوع‬
‫الضرر مسوغا لمنع الفعل أخذا بقاعدة‪« :‬دفع المضار والمفاسد مقدم على جلب المصالح» ‪.‬‬
‫ويلحظ أن مبدأ تقدير الضرر مقيد بثلثة أمور‪:‬‬
‫أولً ـ أن كل ضرر يلحق الناس كافة هو ممنوع‪.‬‬
‫ثانيا ـ ل ينظر في الضرار العامة إلى قصد الضرر أو عدم قصده وإنما ينظر إلى النتائج المترتبة‬
‫في الواقع‪..‬‬

‫( ‪)7/23‬‬

‫ثالثا ـ ل يعتبر الضرر الواقع بآحاد الناس إل إذا قصد الشخص إضرار غيره بالفعل بأن يتعسف في‬
‫استعمال حقه‪ ،‬أو يستعمله استعمالً غير عادي‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن أن يعتبر مسوغا لتنظيم الملكية أو تقييدها‪ :‬كون صاحبها مانعا لحقوق ال فيها‪ ،‬أو‬
‫اتخاذها طريقا للتسلط والظلم والطغيان أو للتبذير والسراف‪ ،‬أو لشعال نار الفتن والضطرابات‬
‫الداخلية أو للحتكار والتلعب بأسعار الشياء‪ ،‬ومحاولة تهريب الموال إلى خارج البلد‪ ،‬أو لتأمين‬
‫متطلبات الدفاع عن البلد‪ ،‬أو لدفع ضرر فقر مدقع ألم بفئة من الناس على أن يكون كل هذا إجراء‬
‫استثنائيا بحسب الحاجة وبشرط عدم استئصال أصل رأس المال‪ ،‬مع دفع العوض‪ .‬ولقد قرر دارسو‬
‫الوضاع القتصادية في البلد العربية أن تركز أكثر الثروة القومية في أيدي فئة قليلة من الغنياء‬
‫ينشأ عنه ضرر عام جسيم بمصلحة البلد‪ ،‬على عكس ما يتطلبه القرآن الكريم الذي يطالب بتداول‬
‫الموال في المجتمع في قوله تعالى‪ { :‬كيل يكون دولة بين الغنياء منكم } [الحشر‪ ]7/59:‬ومما ل‬
‫شك فيه أن تأميم المرافق العامة التي تقدم خدمات للشعب كالمواصلت والكهرباء والماء يرفع الحرج‬
‫عن الناس‪ ،‬ومثل ذلك تحديد ملكية الراضي الزراعية برفع الحرج عن الناس‪ ،‬وأما تأميم المصانع‬
‫والشركات المملوكة للفراد‪ ،‬فيتطلب وجود مصلحة عامة فيه‪.‬‬
‫ومن أدلة منع الضرر‪ :‬الحديث النبوي السابق ذكره‪ « :‬ل ضرر ول ضرار» (‪ )1‬وحديث « ل يمنع‬
‫جار جاره أن يغرز خشبة في جداره » (‪ )2‬ومن الوقائع التاريخية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الجماعة إل النسائي عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/24‬‬

‫لتدخل الحاكم المسلم في ملكيات الفراد في دائرة منع الضرر‪ « :‬أنه كان لسمرة بن جندب نخل في‬
‫بستان رجل من النصار‪ ،‬وكان يدخل هووأهله فيؤذي صاحب الرض‪ ،‬فشكا النصاري ذلك إلى‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال الرسول لصاحب النخل‪ :‬بعه‪ :‬فأبى‪ :‬فقال الرسول صلّى ال‬
‫عليه وسلم فاقطعه‪ ،‬فأبى ‪ ،‬قال‪ :‬فهبه ولك مثله في الجنة فأبى‪ ،‬فالتفت رسول إليه‪ ،‬وقال‪ :‬أنت مضار‪،‬‬
‫ثم التفت إلى النصاري‪ ،‬وقال‪ ،‬اذهب فاقلع نخله » (‪ )1‬ففي هذه الحادثة مايدل على أن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم لم يحترم الملكية المعتدية‪.‬‬
‫ومن المثلة أيضا‪ ( :‬أن رجلً اسمه الضحاك بن خليفة أراد أن يمر بماء له في أرض محمد بن‬
‫مَسْلمة‪ ،‬فأبى‪ ،‬فاشتكى الضحاك إلى عمر فدعا محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيل جاره‪ ،‬فقال‬
‫محمد‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬لم تمنع أخاك ماينفعه‪ ،‬وهو لك نافع‪ ،‬تسقي به أولً وآخرا وهو ليضرك‪ ،‬فقال‬
‫محمد‪ :‬ل وال‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وال ليمرن به ولو على بطنك ) (‪ )2‬ففي هذه الواقعة مايدل على أنه‬
‫ليكفي المتناع عن الضرر‪ ،‬بل يجب على المسلم في ملكه أن يقوم بما ينفع غيره‪ ،‬مادام لضرر‬
‫عليه فيه‪..‬‬
‫وعندما حمى عمر رضي ال عنه أرضا بالرّبَذَة قرب المدينة‪ ،‬قال‪« :‬المال مال ال والعباد عباد ال ‪،‬‬
‫وال لول ما أحمل في سبيل ال ما حميت من الرض شبرا في شبر» فهذا يدل على أن تخصيص‬
‫بعض الراضي للمصلحة العامة أمر جائز‪ ،‬وأن نزع الملكية لضرورة المصلحة العامة للجماعة أو‬
‫لدفع الحرج عن الناس ل مانع منه شرعا‪..‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه المام مالك في الموطأ‪.‬‬
‫( ‪)7/25‬‬

‫هذا ‪ ..‬وقد حدد الفقهاء أربع حالت يجوز فيها شرعا أن تنزع الملك وهي‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن تنزع الملكية للمنافع العامة كفتح الطرق وتوسيع المساجد والمقابر ونحوها‪ ،‬ولم‬
‫يوجد عنه بديل‪ ،‬ودليل ذلك فعل الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬فإنهم أجازوا توسيع المسجد الحرام مرتين‬
‫في عهد عمر وفي عهد عثمان‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يترتب على صاحب الملك دين من نفقة أو خراج أو معاملة أو غير ذلك‪ ،‬ويمتنع‬
‫عن أدائه‪ ،‬فيحكم القاضي بالبيع جبرا لوفاء الدين‪ ،‬فيبدأ بما بيعه أهون‪ .‬وقد نصت على ذلك المادة‬
‫‪ 998‬من المجلة‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬أن تنزع الملكية منعا من الحتكار‪ .‬وذلك كما إذا احتكرت طائفة من التجار أقوات‬
‫الناس وحصل بذلك ضرر‪ ،‬فإنه يجوز للحاكم أن يمنعه ببيع أو تسعير دفعا للضرر؛ لن الرسول‬
‫صلّى ال عليه وسلم «نهى عن احتكار الطعام» وقد بيّن ابن قدامة في المغني‪ 198/4 :‬شروط‬
‫الحتكار المحرم‪.‬‬
‫الحالة الرابعة ‪ :‬حالة الخذ بالشفعة للشريك‪ ،‬وذلك مراعاة لحق المالك القديم على الجديد‪ .‬وما عدا‬
‫ذلك ل يؤخذ ملك أحد إل برضاه لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل‬
‫أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء‪ ]29/4:‬وحديث سابق‪« :‬إن دماءكم وأموالكم علي حرام» ‪.‬‬
‫‪ - 4‬تحقيق التوازن القتصادي ‪:‬‬
‫إذا كان السلم يسمح بقيام ودوام الملكية الشخصية‪ ،‬فل يدل ذلك أنه يجيز ما يعرف في النظام‬
‫الرأسمالي بنظام الطبقات الذي يسمح لطبقة معينة تملك المال أن تملك السلطات ووسائل التشريع‬
‫مباشرة‪ ،‬أو بطريقة غير مباشرة‪ ،‬فطبيعة نظام‬

‫( ‪)7/26‬‬

‫كم التشريع السلمي الذي يمنع من اكتناز النقود‪ ،‬ويحرم الفائدة المصرفية في غير حال الضرورة‬
‫القصوى‪ ،‬ويفتت الملكية عن طريق الرث‪ ،‬ويلغي الستثمار الرأسمالي للثروات الطبيعية الخام‪ ،‬كل‬
‫ذلك يؤدي إلى إذابة الفوارق بين الطبقات‪ ،‬ويقلل التفاوت الصارخ بين الفراد في تملك الموال‪.‬‬
‫وهكذا جفف السلم كل المنابع التي تؤدي إلى الطبقية‪ ،‬كما أن لولي المر صلحيات واسعة النطاق‬
‫في تحقيق العدالة ومنع الضرر والتعسف في استعمال الحق‪ ،‬مما يوجد نوعا من التوازن القتصادي‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلّى ال عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة آخى بين المهاجرين الفقراء‬
‫وبين النصار‪ ،‬فكان يقاسم المهاجري مال النصاري‪ ،‬وكان أبو بكر الصديق يسوي في العطاء من‬
‫الغنائم بين الناس‪ ،‬وحينما اتسعت الفتوحات السلمية‪ ،‬أجمع الصحابة بقيادة عمر بن الخطاب على‬
‫عدم توزيع الراضي بين الفاتحين‪ ،‬وإنما تركت في أيدي أهلها حفاظا على مبدأ التوازن القتصادي‬
‫بين الرعية جميعا‪ ،‬سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬ما أفاء ال على رسوله من‬
‫أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل‪ ،‬كيل يكون دُولة بين الغنياء‬
‫منكم} [الحشر‪ ]7/59:‬أي إن أموال الفيء والراضي ملك للجميع‪.‬‬
‫سادسا ـ أسس العدالة الجتماعية في السلم ‪:‬‬
‫مبدأ العدالة الجتماعية هو الركن الثالث من أركان النظام القتصادي السلمي‪ ،‬ولقد استطاع‬
‫المسلمون أن يترجموا هذا المبدأ إلى واقع فعلي فعّال‪ ،‬جعل المجتمع السلمي مجتمعا متراحما‬
‫متعاونا متآخيا متحابا‪ ،‬متناصرا متضامنا وقت اليسار والعسار‪ .‬وتلك هي صفات المجتمع النساني‬
‫الفضل‪ ،‬ذلك المجتمع الذي صانه السلم من مختلف العيوب الخلقية والجتماعية والقتصادية‪ ،‬فقرر‬
‫ضرورة القضاء على الفقر و الجهل والمرض والبطالة والتخلف القتصادي والضعف العسكري‬
‫والخضوع السياسي أو الذلل المدني‪.‬‬
‫والكلم عن العدالة الجتماعية في السلم كثير معروف يهمنا الشارة فقط إلى أمرين‪:‬‬
‫أولهما ـ واجب الدولة في تحقيق مبدأ الضمان الجتماعي‪.‬‬
‫ثانيا ـ القيود اليجابية الواردة على حق الفراد في الملكية الخاصة‪.‬‬

‫( ‪)7/27‬‬

‫أما المر الول ـ وهو واجب الدولة في تحقيق مبدأ الضمان الجتماعي‪ :‬فإنه يستمد وجوده من‬
‫اعتبار الدولة مسؤولة عن رعاياها‪ ،‬وأن المسلمين جميعا يكفل بعضهم بعضا‪ .‬فالسلم ألزم الدولة‬
‫بضمان معيشة أفرادها‪ ،‬وعليها أن تهيء لهم سبل الكسب المشروع ووسائل العمل الشريف‪ ،‬وفرصة‬
‫المساهمة في أوجه النشاط القتصادي المختلفة التي تعود عليهم بالخير والثمار اليانعة بما يحقق لهم‬
‫أولً إشباع الحاجات الساسية من مأكل وملبس ومسكن‪ ،‬ثم الحاجات الكمالية بقدر المستطاع‪ ،‬قال‬
‫عليه الصلة والسلم‪« :‬من أصبح منكم آمنا في سِرْبه‪ ،‬معافىً في جسده‪ ،‬عنده قوت يومه‪ ،‬فكأنما‬
‫حِيزت له الدنيا بحذافيرها» (‪ ، )1‬هذا يدل على أن الحاجات الساسية هي المأكل والملبس والمسكن‪،‬‬
‫وما عداها فهو من الحاجات الكمالية‪ ،‬وإذا أصبح المرء عاجزا عن العمل‪ ،‬ومحتاجا إلى النفقة فعلى‬
‫الدولة كفايته وتأمين حاجياته وسد عوزه ليعيش عيشة حرة كريمة تليق بعزة النسان‪ ،‬وتستطيع‬
‫الدولة تأمين المال اللزم لهذه الغاية السامية‪ ،‬مما يساهم به الفراد‪ ،‬ويلتزمون بدفعه من التكاليف‬
‫المالية التية وهي موضوع المر الثاني‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في الدب والترمذي وابن ماجه عن عبيد ال بن محصن رضي ال عنه‪ ،‬وهو‬
‫حديث حسن‪.‬‬

‫( ‪)7/28‬‬

‫والمر الثاني ـ هو القيود اليجابية المفروضة على أصحاب الملكيات الخاصة‪ :‬فرض السلم طائفة‬
‫من القيود المتعددة على حق الملكية الفردية لتحقيق العدل والمصلحة العامة‪ ،‬منها قيود سلبية ذكرت‬
‫أهمها‪ ،‬كمنع الحتكار والتسعير الجبري‪ ،‬وعدم الضرر بالخرين‪ ،‬ومنع تملك المباح إذا أفضى‬
‫استعماله إلى ضرر عام‪ .‬ومنها قيود إيجابية تجعل حق الملكية ذا هدف أو معنى اجتماعي أو ذا‬
‫وظيفة اجتماعية تبعد فكرة الحق عن معنى السلطة المطلقة‪ ،‬أو حب الذات وتخفف من وجود الملكيات‬
‫الكبيرة ‪ ،‬وتقيم بناء التكافل الجتماعي بين الفراد في السلم على أمتن السس وأقوى الدعائم الدينية‬
‫والخلقية والتشريعية من أجل رفع مستوى المعيشة العامة ورعاية مصالح الفقراء‪ ،‬وليؤخذ بأيديهم‬
‫نحو الكسب المستقل‪ ،‬وأهم هذه القيود اليجابية هي‪:‬‬

‫( ‪)7/29‬‬

‫‪ - 1‬فريضة الزكاة ‪:‬‬


‫تعتبر الزكاة كما هو معلوم ـ من أركان السلم‪ ،‬فهي تشريع مدني إلزامي يجب على الغنياء القيام‬
‫بتنفيذه وإعطائه لمستحقيه من الفقراء‪ ،‬وتقوم الدولة في الصل بجباية الزكوات من أصحاب رؤوس‬
‫الموال وتجبرهم على أدائها‪ ،‬فليست الزكاة كما يظن بعض الناس مجرد صدقة مستحبة‪ ،‬كما أنها‬
‫ليست طريقا لذلل الفقير وإنما هي حق مستقيم واجب الداء‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬والذين في أموالهم حق‬
‫معلوم‪ ،‬للسائل والمحروم} [المعارج‪ ]25-24/70:‬والهدف منها أن يؤخذ بيد الضعيف‪ ،‬ويتجه إلى‬
‫العتماد على نفسه من طريق الكسب الحر‪ ،‬فهو علج مؤقت لحالة كل فقير‪ ،‬وليست طعمة دائمة إل‬
‫للعاجزين عن العمل‪ ،‬وتستوفى الزكاة كما هو معروف من ثلثة أنواع من الموال‪ :‬هي النقود‬
‫المتداولة والسلع التجارية بنسبة ‪ ، %25‬والبل والبقر والغنم السائمة (أي التي ترعى الكل المباح)‬
‫بنسب تصاعدية‪ ،‬والزروع والثمار بنسبة العشر فيما يعتمد على المطار والنهار العامة‪ ،‬ونصف‬
‫العشر فيما يسقى بآلة ونحوها‪.‬‬
‫وإذا لم تكف حصيلة زكاة هذه الموال‪ ،‬فل مانع شرعا في رأي فقهاء العصر من إيجابها على‬
‫أصناف الموال المستحدثة في زمننا وهي اللت الصناعية‪ ،‬الوراق المالية (كالسهم والسندات)‬
‫وكسب العمل والمهن الحرة‪ ،‬والدور والماكن المستغلة عن طريق اليجارات‪ .‬غير أن قرار مجمع‬
‫الفقه السلمي في جدة لم يوجب الزكاة على المستغلت العقارية ونحوها إل بعد حولن الحول على‬
‫الموال المدخرة‪.‬‬
‫والعلماء يطالبون المسؤولين بالعودة إلى جباية فريضة الزكاة في وقتنا الحاضر كما فعلت بعض‬
‫الدول السلمية والعربية بقانونها الحديث؛ لنه مبدأ حيوي يحل كثيرا من المشكلت الجتماعية‪.‬‬

‫( ‪)7/30‬‬

‫‪ - 2‬كفاية الفقراء ‪:‬‬


‫للدولة أيضا أن تطالب الغنياء بإغناء الفقراء‪ ،‬فهي المسؤولة عن رعاية مصالحهم؛ لن السلم‬
‫يجعل العلقات الجتماعية قائمة على أساس من التراحم والتعاطف والتوادد‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬كاد الفقر أن يكون كفرا» (‪ . )1‬وقال صلّى ال عليه وسلم لعلج ذلك‪« :‬مثل المؤمنين في‬
‫توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»‬
‫(‪ )2‬ولقد أوجب الدين الحنيف أيضا تكليفا في المال غير الزكاة‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪« :‬إن في‬
‫المال حقا سوى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/31‬‬

‫الزكاة» (‪ )1‬بل إن مبدأ كفاية الفقراء للعاجزين على العمل يتجلى في أصدق صورة في قوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬إن ال فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم؛ ولن يُجهد‬
‫الفقراء إذا جاعوا أو عروا إل بما يصنع أغنياؤهم ‪ ،‬أل وإن ال يحاسبهم حسابا شديدا‪ ،‬ويعذبهم عذابا‬
‫أليما » (‪ )2‬هذا بالضافة إلى حث السلم على تقديم الصدقات المستحبة تقربا إلى ال عز وجل كما‬
‫هو معروف‪ ،‬يقول عليه الصلة والسلم‪ « :‬من كان له فضل ظهر فليعد به على من ل ظهر له‪،‬‬
‫ومن كان له فضل زاد فليعد به على من ل زاد له » (‪. )3‬‬
‫وكذلك يجب على النسان تقديم النفقات لكفاية أقاربه الفقراء المحتاجين كالباء والجداد والبناء‬
‫وفروعهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬النفاق في سبيل ال ‪:‬‬
‫أوجب السلم على المسلمين السهام بالنفاق في سبيل ال‪ ،‬والمقصود به النفاق على كل مايتطلبه‬
‫المجتمع من مصالح ضرورية كالدفاع عن البلد‪ ،‬وتزويد الجيش العامل بالمؤن والسلح‪ ،‬وبناء‬
‫المؤسسات الخيرية العامة التي لغنى لي بلد متحضر عنها‪ .‬وللحاكم كيفية تنظيم الحصول على هذه‬
‫الموارد الكافية لسد العجز في موازنة الخزينة العامة‪ ،‬من طريق وضع نظام ضريبي عادل يلتزم‬
‫خطة التصاعد بحيث يرتفع سعر الضريبة كلما زاد دخل المكلف‪ ،‬وبحسب درجة الغنى واليسار‪ ،‬و‬
‫نص فقهاء السلم كالغزالي والشاطبي والقرطبي على مشروعية طرح ضرائب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي عن فاطمة بنت قيس رضي ال عنها‪ .‬وأما حديث‪ « :‬ليس في المال حق سوى‬
‫الزكاة» فهو ضعيف أخرجه ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني عن علي رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/32‬‬

‫جديدة على الغنياء والغلت والثمار وغيرها بقدر مايكفي حاجات البلد العامة‪ ،‬وأقر ذلك مجمع‬
‫البحوث السلمية في مؤتمره الول المنعقد سنة ‪1964‬م في قراره الخامس (‪. )1‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الشريعة السلمية قيدت المالك في استعمال سلطاته على ملكيته‪ ،‬وفي حق التملك ذاته‬
‫بقيود كثيرة‪ ،‬تحقيقا لمبادئ المصلحة والعدل والمساواة بقدر المكان‪.‬‬
‫سابعا ـ موقف السلم من تعارض مصلحتي الفرد والجماعة ‪:‬‬
‫إن النظام الرأسمالي يقدس حرية الفرد ومصلحته‪ ،‬ويعتبر مصلحة الجماعة هي حصيلة المصالح‬
‫الفردية‪ ،‬وإن النظام الشتراكي يلغي دور الفرد ويقدس مصلحة الجماعة ويفضلها على مصلحة الفرد‪.‬‬
‫ويعتبر التضامن الجتماعي هو الساس الوحيد لحياة الجماعة‪ .‬والفرد مسخر لخدمة مصالحها‪ .‬وأما‬
‫السلم فقد راعى مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة‪ ،‬وأقام توازنا فعالً بين المصلحتين على وجه‬
‫يحقق التضامن والتكافل الجتماعي‪ ،‬فلم يسمح في الحالت العادية للفرد أن يطغى على حساب‬
‫المجموع‪ ،‬ول للجماعة أن تسحق مصلحة الفرد لحساب المجتمع‪ ،‬وذلك منعا من الخلل بميزان‬
‫العدالة‪ ،‬ورعاية للحقين معا بقدر المكان‪ ،‬فإذا تعارضت المصلحتان في ظرف استثنائي مثلً‪ ،‬وتعذر‬
‫التوفيق بينهما‪ ،‬قدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة دفعا للضرر العام‪ ،‬ولكن مع المحافظة‬
‫على حق الفرد في التعويض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬واشترط لجواز فرض الضريبة أربعة شروط‪ :‬الول‪ :‬أن تكون هناك حاجة حقيقية بالدولة إلى‬
‫المال‪ ،‬ول يوجد مورد آخر لتحقيق الهداف وإقامة المصالح دون إرهاق الناس بالتكاليف‪ .‬الثاني‪ :‬أن‬
‫توزع أعباء الضرائب بالعدل بحيث ل يرهق فريق من الرعية لحساب فريق آخر‪ ،‬ول تحابى طائفة‬
‫وتكلف أخرى‪ .‬الثالث‪ :‬أن تصرف الضريبة في المصالح العامة للمة‪ .‬الرابع‪ :‬موافقة أهل الشورى‬
‫والرأي في المة‪ .‬لن الصل في أموال الفراد الحرمة‪ ،‬والصل أيضا براءة الذمة من العباء‬
‫والتكاليف‪.‬‬
‫هذا ‪ ..‬وهناك رأي آخر يقرر تحريم فرض الضرائب‪ ،‬لنه ل حق في المال سوى الزكاة‪ ،‬ولن‬
‫السلم احترم الملكية وحرم الموال كما حرم الدماء والعراض‪ .‬والضرائب مهما قيل في تسويغها‬
‫فهي مصادرة لجزء من المال يؤخذ كرها عن مالكيه‪ ،‬ولن الحاديث النبوية قد جاءت بذم المكس‬
‫ومنع العشور‪.‬‬

‫( ‪)7/33‬‬

‫وعلى أساس هذه النظرة المتوازنة‪ ،‬نظر السلم إلى المال‪ ،‬فاعترف بمصلحة الفرد فيه وبحقه في‬
‫تملكه‪ ،‬كما أنه اعترف بمصلحة الجماعة وبحقها في التملك‪ ،‬وحينئذ تتجاور في الوجود السلمي‬
‫الملكية الخاصة مع الملكية العامة وملكية الدولة‪ ،‬ويكون للسلم عندئذ غاية مزدوجة رسم لها الشرع‬
‫حدودا معينة واضحة‪ ،‬فهو حين يبيح الملكية الفردية من حيث المبدأ فإنه يضع لها حدودا وقيودا تمنع‬
‫اتخاذها سبيلً للضرر كما ذكرت‪ ،‬ويسخرها نحو مصلحة المجتمع‪ ،‬وللمجتمع استرداد هذه الملكية أو‬
‫تعديلها إذا وجد فيما يفعل مصلحة عامة‪ ،‬وذلك كله حماية للمصالح الساسية التي شرعت من أجلها‬
‫الحقوق‪ ،‬ودرءا للتعسف والظلم‪ .‬وبه يتبين أنه ل خطورة في تشريع السلم في اعترافه بالملكية‬
‫الفردية مادام يملك إلغاءها أو تعديلها‪.‬‬
‫وبإيجاد هذا النوع من التوازن القتصادي بين مصلحتي الفرد والجماعة على أسس من العدل‪،‬‬
‫وحسبما تقتضي المصلحة‪ ،‬استطاع السلم حل المشكلة القتصادية التي يثيرها القتصاديون وهي‪:‬‬
‫كيف يستطيع المجتمع تأمين إشباع الحاجات الكثيرة المتعددة بموارد الطبيعة المحدودة لديه؟‬
‫إن إجابة السلم عن هذه المشكلة هي أن الطبيعة ليست بخيلة ول عاجزة عن تلبية حاجات النسان‪،‬‬
‫فهي من صنع ال الذي تكفل بالرزق‪ .‬لجميع مخلوقاته‪ ،‬وإنما المشكلة تتجسد في النسان نفسه‪ ،‬فظلم‬
‫النسان في حياته العملية في توزيع الثروة‪ ،‬وعدم استثماره واستغلله موارد الطبيعة هما السببان‬
‫المزدوجان للمشكلة التي يعانيها النسان منذ القدم‪ ،‬فمتى انمحى الظلم في التوزيع‪ ،‬وجنّد النسان كل‬
‫طاقاته للستفادة من الطبيعة المخلوقة المتجددة زالت المشكلة القتصادية‪.‬‬

‫( ‪)7/34‬‬

‫ثامنا ـ أثر الدين والخلق والتزام كل مبادئ السلم في تكوين مذهبنا القتصادي ‪:‬‬
‫ل يمكن الحكم على نجاح المذهب القتصادي السلمي إل بتطبيق كل أنظمة السلم السياسية‬
‫والجتماعية والمالية؛ لن السلم كل ل يتجزأ‪ ،‬ووحدة متكاملة مترابطة ل يمكن تجزئة بعضه عن‬
‫بعض‪ ،‬والقتصاد السلمي يعتمد في الدرجة الولى على الطار العام من الدين أو العقيدة‪ ،‬والخلق‬
‫أو السلوك‪ ،‬والمفهوم الشامل عن الكون والحياة‪.‬‬
‫العقيدة السلمية في قلب المسلم ووجدانه هي الدافع المحرك لحترام النظام القتصادي واليمان به‬
‫والذعان لتعاليمه‪.‬‬
‫والقيم الخلقية في السلم ل تقل أهمية عن النصوص التشريعية الملزمة في توجيه سلوك الفرد‬
‫بالنسبة لغيره‪ ،‬واحترامه حقوق الخرين‪ ،‬ورعايته لمصلحة الجماعة‪ ،‬وغيرته على حرمات بلده‬
‫والحفاظ عليها بطواعية واختيار ودافع ذاتي ورقابة داخلية للنفس على ذاتها‪ ،‬فالبر والحسان‬
‫والرحمة والخاء العام والتضحية واليثار والمحبة والتناصر والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬كل تلك‬
‫العواطف التي هي من صميم الدين تؤثر تأثيرا واضحا في تكييف الحياة القتصادية‪ ،‬وتساند المذهب‬
‫فيما ينشده من غايات‪ ،‬وتسمو بالنسان دائما إلى مواطن الخير‪ ،‬وتبعده عن عوامل الشر‪ ،‬وتُسهم في‬
‫إيجاد قاعدة عتيدة من التكافل والتضامن الجتماعي بين جميع الفراد‪ ،‬فالمؤمن المخلص التقي هو‬
‫الذي يرعى مصالح غيره‪ ،‬كما يرعى مصالح نفسه‪ ،‬وهذه هي مقومات المجتمع النساني الفاضل‪.‬‬
‫ومفهوم النسان عن الكون والحياة والعلقات الجتماعية في أن الدنيا مزرعة الخرة‪ ،‬وأن ال هو‬
‫القابض والباسط والرازق والمتصرف‪ ،‬وأن المال مال ال‪ ،‬والنسان خليفة ووكيل عن ال في ملكه‪،‬‬
‫وأن المال وسيلة ل غاية‪ ،‬فهو خير إن استعمله صاحبه في الخير‪ ،‬وشر إن أدى إلى الشر والضرر‪،‬‬
‫قال صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬نعم المال الصالح للرجل الصالح» (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وابن مَنيع عن عمرو بن العاص رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/35‬‬

‫وإن الملكية الخاصة لها طابع ووظيفة اجتماعية‪ ،‬وإنها نعمة كبرى يجب صيانتها‪ ،‬والتوصل إليها من‬
‫طرق حلل‪ ،‬وأن الربح المعقول هو الخالد الدائم والذي يصون التجارة ومصلحة التاجر‪ ،‬وأن العدو‬
‫يجب جهاده‪ ،‬وأن الحاكم عادل أمين على مصالح الرعية‪ ،‬كل هذه المفاهيم ونحوها تؤثر في الحقل‬
‫القتصادي تأثيرات بعيدة المدى‪.‬‬
‫تاسعا ـ خلصة هذا المبحث ‪:‬‬
‫إن السلم ـ كشأنه في كل ما جاء به ـ هو شريعة التوسط والتوازن والعتدال‪ ،‬وإنه نظام فريد‬
‫مستقل بنفسه‪ ،‬قائم بذاته‪ ،‬له خصائص ومزايا تميزه عن كل ما عداه من النظم الخرى في السياسة‬
‫والقتصاد والجتماع والتشريع‪ ،‬وإنه ل قصور فيه عن معالجة المشكلت والوضاع الحديثة‪.‬‬
‫لذا فإنه يلتقي مع أحسن ما في النظامين الحاضرين‪ :‬الشتراكي والرأسمالي من مزايا وصفات‪،‬‬
‫ويتجنب ما فيهما من مغالة وانحراف عن سنن الفطرة النسانية‪ ،‬ويسير بأبنائه إذا التزموا مبادئه‬
‫نحو السعادة الحقيقية التي من أبرز مظاهرها شعور النسان بالستقرار المادي‪ ،‬والطمئنان النفسي‬
‫والثقة بالذات‪ ،‬والتمتع بالحرية والكرامة‪.‬‬
‫وليست فلسفة السلم في بناء الحضارة النسانية قائمة على مجرد إشباع البطون؛ لن النسان جسم‬
‫وروح‪ ،‬ل مجرد آلة‪ ،‬وإنما هو يفيض بمشاعر المال واللم‪ ،‬ويحس في قرارة نفسه العجز في يوم‬
‫ما ‪ ،‬والناس يتفاوتون عادة في قدراتهم النتاجية بحسب تفاوت استعدادهم الفطري وقواهم الفكرية‬
‫والجسدية‪ ،‬وليس من العدل ول من المعقول حرمان إنسان من ثمرات عمله أو الحد منها ما دامت‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫ولقد حارب السلم الثالوث الهدّام المخيف (وهو الفقر والجهل والمرض) وقاوم كل عوامل التخلف‬
‫القتصادي‪ :‬وهي البطالة ووسائل الكسب غيرالمشروع وإضعاف النتاج الزراعي والصناعي‬
‫والتجاري‪ ،‬كما أنه حقق في الواقع التاريخي مبادئه في التكافل الجتماعي‪.‬‬

‫( ‪)7/36‬‬
‫المبحث الثاني ـ المعالم الكبرى لشتراكية السلم ‪:‬‬
‫تمهيد حول مصطلح الشتراكية ‪:‬‬
‫شاعت كلمة ( الشتراكية ) في عصرنا الحاضر بدءا من القرن التاسع عشر‪ ،‬وتحمس لها الناس لنها‬
‫نشأت كرد فعل لظلم الرأسمالية‪ ،‬ولنهم وجدوا فيها ملمح النسانية والعدل والرفاه والمساواة‪،‬‬
‫باعتبار أن النظام الشتراكي يتضمن السس اللزمة لسعاد النسان سعادة عادلة‪ ،‬ومنع استغلل‬
‫النسان لغيره فردا أو جماعة‪ ،‬سواء أكان استغللً اقتصاديا أم اجتماعيا أم سياسيا‪ .‬وتتفاوت أنواع‬
‫الشتراكية تطرفا واعتدالً‪ ،‬بمقدار تنازل أفراد المجتمع للدولة عن الحريات السياسية والمالية‪ .‬فكلما‬
‫كان ذلك القدر المتنازل عنه أبعد عن محو شخصية الفرد ومسؤليته‪ ،‬كان أقرب إلى الوضع الطبيعي‬
‫للنسان‪.‬‬
‫ولكن الوسط الديني السلمي والمسيحي وأي دين نفر مما صاحب الشتراكية السائدة من إلحاد‬
‫وجحود لوجود ال وأصول الدين وعقيدة البعث بالذات بقصد إنصاف الطبقة الكادحة‪ ،‬مع أن هذا‬
‫الجحود يذوب أمام براهين إثبات الله المعروفة‪ ،‬بل ول حاجة إليه إطلقا في ميدان العقل والتجربة‬
‫لنصاف تلك الطبقات المظلومة أو الكادحة‪ ،‬وإنما على العكس يقتضي العقل والتجربة أن تكون‬
‫الدعوة لنصاف هذه الطبقات أجدى فيما إذا اعتمدت على اليمان بوجود ال وبالحساب يوم الجزاء‪.‬‬
‫ونتيجة لهذه النفرة مما اقترنت به الشتراكية من إلحاد أو شيوع في الموال والعراض‪ ،‬فضّل كثير‬
‫من كتاب السلم استخدام كلمة أخرى بديلة عنها وهي (العدالة الجتماعية) أو (التكافل الجتماعي)‬
‫أو الضمان الجتماعي‪ :‬أي أن يكون كل فرد في الدولة في حمايتها ورعايتها بوصفها ممثلة للجماعة‪.‬‬
‫وعندئذ يتحقق الضمان لحاد الناس حين يجدون من المجتمع حماية وأمنا واستقرارا‪.‬‬

‫( ‪)7/37‬‬

‫والحقيقة أن اللغة العربية ل تمنع قبول هذا المصطلح الذي ينبئ عن الشتراك في الملكيات‪ ،‬كما أن‬
‫فقه السلم الذي يقرر العتماد على المقاصد والمعاني ل ينفر من هذه الكلمة فيما تستهدفه من‬
‫غايات إنسانية‪ ،‬مجردة من العيوب التي صاحبتها‪ ،‬وقد قال النبي صلّى ال عليه وسلم عن اشتراك‬
‫الناس في مصادر النتاج الساسية والموال الضرورية‪« :‬الناس شركاء في ثلث‪ :‬الماء والكل‬
‫والنار» (‪ . )1‬وكان الهدف الجوهري من رسالت السماء هو إقامة المجتمع الفاضل القائم على‬
‫أساس من المحبة واليثار والمساواة بين الفراد والتزام الحق والعدل ومنع الظلم بمختلف أشكاله‪.‬‬
‫فالشتراكية في جوهرها النساني وغاياتها النبيلة قديمة منذ المجتمعات البدائية‪ ،‬ول يضيرنا العتزاز‬
‫بالسلم والعتراف بسموه وذاتيته واستقلله عن النظمة الخرى أن نعرف موقفه من نظام‬
‫(الشتراكية) الحالي‪ ،‬بل ونتعرف مبادئه وأسبقيته في الخذ بأحسن ما ينشده هذا النظام‪ ،‬وإصلح‬
‫عيوبه وتجريد أخطائه‪ ،‬مما يؤدي إلى إعلن هذه الحقيقة وهي القول بـ (اشتراكية السلم)‪.‬‬
‫معالم اشتراكية السلم ‪:‬‬
‫للنسان منذ القدم مشكلة مثلثة تتطلب حلً مناسبا في كل عصر‪ ،‬وهي تتكون أولً من حاجاته البدنية‬
‫الطبيعية المتنوعة كالغذاء والكساء والمسكن والثقافة والعلج ونحوها‪ ،‬وثانيا غرائزه المتعارضة التي‬
‫من أهمها غريزة التملك‪ ،‬وغريزة الجتماعية أي العيش في مجتمع‪ ،‬وثالثا حبه الحرية المطلقة في‬
‫السلوك والتصرفات‪.‬‬
‫وقد أجاب السلم عن هذه المشكلة بوضع المبادئ التالية‪:‬‬
‫أولً ـ التكافل الجتماعي ‪:‬‬
‫أبنت في المبحث الول أسس العدالة الجتماعية‪ ،‬وأوضح بعض جوانبها هنا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫( ‪)7/38‬‬

‫‪ - 1‬المسلمون كالجسد الواحد (المشاركة الوجدانية والعملية ) ‪:‬‬


‫ل تتحقق سعادة الفرد في السلم إل بسعادة الجماعة‪ ،‬فكل فرد يكمل الفرد الخر لقامة بنيان واحد‪،‬‬
‫دل على ذلك أحاديث نبوية كثيرة مثل‪« :‬ذمة المسلمين واحدة‪ ،‬تتكافأ بها دماؤهم‪ ،‬وهم يد على من‬
‫سواهم» (‪« )1‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» (‪« )2‬مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم‬
‫وتعاطفهم كمثل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (‪ )3‬وهكذا تنمي‬
‫الشريعة في نفس كل مسلم الشعور بالمسؤولية الجماعية‪ ،‬وتدفعه إلى المشاركة العملية بباعث‬
‫المشاركة الوجدانية أو اليمان الذي يربطه بإخوته في العقيدة برباط متين ل تنفصم عراه‪ .‬فيتضامن‬
‫جميع الفراد في سبيل تحقيق سعادة المجموع‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة‪:‬‬
‫‪.]2/5‬‬
‫‪ - 2‬كفالة المجتمع الحاجات الساسية لكل إنسان فيه ‪:‬‬
‫يترتب على مبدأ التكافل الجتماعي‪ :‬كفالة الحاجات الضرورية لكل عضو في المجتمع‪ ،‬ل على أن‬
‫ذلك مجرد صدقة‪ ،‬وإنما قياما بحق يمنح صاحبه حق الدعاء به أمام القاضي حتى يستوفي ما يكفيه‬
‫من بيت المال‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ما من مؤمن إل وأنا أولى به في الدنيا والخرة‪..‬‬
‫ومن ترك دينا أو ضياعا (‪ )4‬فليأتني فأنا موله» «ابغوني في ضعفائكم‪ ،‬إنما تنصرون وترزقون‬
‫بضعفائكم» (‪)5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه عن علي بن أبي طالب كرم ال وجهه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )4‬الضَياع‪ :‬هو ضياع الطفال بموت عائلهم (عمدة القاري‪ )235/12 :‬والحديث رواه أحمد وأبو‬
‫داود والنسائي عن جابر‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه عن أبي الدرداء رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/39‬‬

‫والضعيف يشمل ضعف الجسد وضعف الفقر والعذر والحاجة‪ .‬وابغوني‪ :‬أي اطلبوا إلي ضعفاءكم‪.‬‬
‫ويتم تنفيذ هذا الواجب عن طريق الزكاة التي هي التزام مدني واجب على الغني‪ ،‬ل مجرد التزام‬
‫ديني‪ ،‬ويجب على الدولة جبايته‪ ،‬فإن لم تكف الزكوات جاز فرض ضرائب أخرى على الغنياء‬
‫لتحقيق كفاية الفقراء كما بان سابقا‪ .‬ويسأل كل حاكم مباشرة عن أي فرد من أفراد الفقراء كما ذكر‬
‫سابقا‪ .‬ويسأل كل حاكم مباشرة عن أي فرد من أفراد الرعية‪ ،‬كما بدا ذلك واضحا في إحساس الخلفاء‬
‫الراشدين بهذه المسؤولية‪ .‬وفي عهد عمر تكافل المسلمون جميعا لدفع غائلة المجاعة عام الرمادة‪،‬‬
‫وقال عمر وقتذاك‪ « :‬لو أصابت الناس الشدة لدخلت على أهل كل بيت مثلهم‪ ،‬فإن الناس ل يهلكون‬
‫على أنصاف بطونهم» ‪.‬‬
‫‪ - 3‬توفير العمل والحث عليه ‪:‬‬
‫على المجتمع ممثلً بالدولة تهيئة فرص العمل المناسب لكل قادر عليه (‪ ، )1‬ومقاومة كل أسباب‬
‫التعطل والبطالة‪ ،‬حتى ل يثقل كاهل بيت المال بتأمين حاجات العاطلين‪ .‬ويراعى في كل عمل مدى‬
‫حاجة المجتمع إليه‪ ،‬وما يتطلبه العامل من حماية وتأمين وعدالة في التوزيع وراحة مناسبة‪ .‬وعلى‬
‫رب العمل إيفاء حق العامل بمجرد الفراغ من عمله لقوله عليه الصلة والسلم‪ « :‬أعطوا الجير‬
‫أجره قبل أن يجف عرقه» (‪ )2‬وعليه أل يكلفه ما ل يطيق‪ ،‬وأن يعاونه عليه إن كان‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روى الترمذي أن النبي صلّى ال عليه وسلم أرشد أنصاريا إلى أن يعمل بالحتطاب‪ ،‬وساعده‬
‫بأن أعدّ له فأسا بيده الشريفة‪ .‬وروى المام أحمد أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬من ولي لنا‬
‫عملً وليس له منزل فليتخذ منزلً‪ ،‬أو ليست له امرأة فليتزوج‪ ،‬أو ليست له دابة فليتخذ دابة» وهذا‬
‫بل ريب من بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر رضي ال عنهما‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/40‬‬

‫مرهقا‪ .‬وعلى الدولة العناية بالستثمار والستغلل المشروع والتنمية أكثر من اهتمامها بجباية‬
‫ضرائب النتاج في الزراعة ونحوها‪ ،‬قال علي رضي ال عنه لحد ولته‪« :‬وليكن نظرك في‬
‫عمارةالرض (أي النتاج) أبلغ من نظرك في استجلب الخراج (أي من فرض الضرائب)؛ لن ذلك‬
‫ل يدرك إل بالعمارة‪ .‬ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلد وأهلك العباد‪ ،‬ولم يستقم أمره إل‬
‫قليلً» ‪ .‬وحث السلم في آيات وأحاديث متعددة كما عرفنا على العمل‪ ،‬واعتبره من أفضل موارد‬
‫الكسب المشروع‪ ،‬ورأس وسائل النتاج‪ .‬كما أنه هو أساس التفاضل بين الفراد ومعيار تقييم الناس‪:‬‬
‫«قيمة كل امرئ ما يحسنه» وقال سيدنا عمر‪« :‬إني لرى الرجل فيعجبني‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬ل عمل له سقط‬
‫من عيني» ‪ .‬ومن هذا وجب إتقان العمال وتحسينها‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم‪« :‬إن ال يحب إذا‬
‫عمل أحدكم عملً أن يتقنه» (‪ . )1‬وينبغي التجاه إلى الكسب والعمل المنتج بدافع أو حافز داتي لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم «اليد العليا خير من اليد السفلى» (‪. )2‬‬
‫‪ - 4‬كفالة القاصرين والعجزة عن العمل ‪:‬‬
‫يجب على الب كفاية ولده حتى البلوغ‪ ،‬وعلى الغني الموسر كفالة قريبه المعسر والنفاق عليه إذا‬
‫كان من الصول والفروع‪ .‬وأوجب بعض الفقهاء وهم الحنفية النفقة للمحارم كالخوة والعمام‬
‫والعمات والخوال والخالت‪ .‬وجعل المذهب الحنبلي وجوب النفقة مع قاعدة الميراث‪ ،‬فإذا لم يكن‬
‫للولد أو العاجز عن العمل أو الشيخ الهرم أحد يكفيه من أقاربه‪ ،‬وجبت كفايته من بيت المال‪.‬‬
‫وكان عمر رضي ال عنه يرتب نفقة للطفل منذ فطامه‪ ،‬ثم جعله منذ الولدة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي عن عائشة رضي ال عنها‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي ال عنه وهو حديث صحيح‪ ،‬وقد سبق تخريجه‪.‬‬

‫( ‪)7/41‬‬
‫بمقدار مئة درهم‪ ،‬حتى ل تعجل المهات فطام أولدهن‪ ،‬ثم إذا ترعرع جعلها مئتين‪ .‬وفرض عمر‬
‫أيضا نفقة لشيخ من أهل الذمة حينما وجده يسأل الناس بسبب الحاجة والسن وأداء الجزية‪ .‬ومثل الولد‬
‫والشيخ الهرم‪ :‬كل عاجز عن العمل بسبب الصابة في عمله أو بسبب آفة صحية أو عقلية تمنع من‬
‫التكسب‪ ،‬أو بسبب فقد العائل أو بسبب كارثة مؤقتة كغرق أو حريق ‪ .‬وقد ذكرت مبدأ (كفاية الفقراء)‬
‫في المبحث الول‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن في المال حقا سوى الزكاة» (‪« )1‬ما آمن‬
‫بي من بات شبعان‪ ،‬وجاره جائع إلى جنبه‪ ،‬وهو يعلم به» (‪« )2‬أيما أهل عَرْصة ـ أي بقعة ـ‬
‫أصبح فيهم امرؤ جائعا‪ ،‬فقد برئت منهم ذمة ال تبارك وتعالى» (‪. )3‬‬
‫وإذا كان الصحابة كما لحظنا قرروا صورا من التكافل لمطلق المصلحة والعدل‪ ،‬فإن كل ما تسنه‬
‫الدولة من قوانين للتأمين الجتماعي أو للتقاعد أو للمساعدات لفئة من المواطنين نقدا أو عينا كرعاية‬
‫الطفولة أو إصلحيات المنحرفين من الحداث ونحوها بحسب الحاجة وتطور الزمن‪ :‬يكون مقبولً‬
‫ل من أصول الشريعة‪ .‬قال مجاهد‪« :‬ثلثة من الغارمين‪ :‬رجل ذهب السيل‬
‫بشرط أل يخالف أص ً‬
‫بماله‪ ،‬ورجل أصابه حرق فذهب بماله‪ ،‬ورجل معه عيال وليس معه مال» وقد طلب النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم إلى المسلمين أن يتصدقوا على من أصابته جائحة‪.‬‬
‫‪ - 5‬التعاون في درء الخطار ‪:‬‬
‫أبنت سابقا أن للدولة الحق في فرض الضرائب على الغنياء في حالة فقر بيت المال‪ ،‬وتهديد‬
‫المجتمع بأي خطر كالمجاعة والوباء والحرب إذ «يتحمل الضرر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني عن أنس رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الحاكم وأحمد‪ ،‬وفيه شخص مختلف فيه‪.‬‬

‫( ‪)7/42‬‬

‫الخاص لدفع الضرر العام» ويجوز للجائع حال الضرورة أخذ الطعام من الخرين‪ ،‬لنقاذ نفسه من‬
‫الهلك‪ ،‬على أن يدفع ثمنه لن (الضطرار ل يبطل حق الغير)‪ .‬وعلى مالك الطعام أن يدفعه إلى‬
‫المحتاج إليه‪ ،‬وإل كان آثما‪ ،‬ويجوز للمضطر إليه مقاتلته‪ ،‬كما له أن يقاتل صاحب الماء الذي يمنعه‬
‫عن العطشان‪ ،‬فإن قتل الجائع وجب القصاص على القاتل‪.‬وقد نوه سيدنا عمر بهذا المبدأ وما قبله‬
‫فقال‪« :‬لو استقبلت من أمري مااستدبرت لخذت فضول أموال الغنياء‪ ،‬فرددتها على الفقراء» وقال‬
‫ابن حزم الظاهري‪« :‬فرض على الغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائها‪ ،‬ويجبرهم السلطان على ذلك‬
‫إن لم تقم الزكوات بهم ول في سائر أموال المسلمين‪ ،‬فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي ل بد منه‪،‬‬
‫ومن اللباس في الشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف والشمس وعيون‬
‫المارة» ‪.‬‬
‫وهكذا يظهر لنا أن هناك تضامنا فعالً بين الفرد والجماعة الممثلة بالدولة لتحقيق السعادة والرفاه‪،‬‬
‫فكما أن الدولة مسؤولة عن رعاياها (مجتمعها) يعتبر كل فرد في المجتمع مسؤولً عن أي فرد آخر‪،‬‬
‫وهذا ليس مجرد تكافل أخلقي‪ ،‬وإنما هو تكافل قانوني إلزامي‪ ،‬وإن لم يوجد جزاء أو عقاب دنيوي‬
‫على تقصير النسان بواجبه فيه‪ .‬وعليه تكون الدولة في النظام السلمي أشبه بدولة اشتراكية‪ ،‬وكل‬
‫فرد فيها أقرب إلى أنه عضو اشتراكي فعال يساهم في تحمل المسؤولية الشتراكية على وفق ترتيب‬
‫منطقي وهو‪« :‬وابدأ بمن تعول» (‪ )1‬أي ابدأ بنفسك ثم بمن تجب عليك نفقتهم من الهل‪ ،‬ثم العناية‬
‫بشأن الجار‪ ،‬والضيف‪ ،‬ثم كل محتاج‪ ،‬ثم التعاون في استغلل موارد الطبيعة‪ .‬ول يقتصر المر على‬
‫جانب القتصاد‪ ،‬بل ل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي ال عنه‪ ،‬ومطلع الحديث‪« :‬اليد العليا خير من اليد‬
‫السفلى» ‪.‬‬

‫( ‪)7/43‬‬

‫بد من المشاركة في نواحي الحياة الخرى من تربية وتعليم‪ ،‬وممارسة أصول الحياة السياسية والمدنية‬
‫كالحرية والكرامة والعدالة والشورى وتكافؤ فرص الحياة السياسية‪.‬‬
‫ثانيا ـ الملكية الخاصة ووظيفتها الجتماعية ‪:‬‬
‫‪ )1‬ـ إقرار الملكية الفردية‪ :‬أوضحت سابقا أن السلم يقر الملكية الفردية ويحترمها‪ ،‬تجاوبا مع‬
‫فطرة النسان وغريزة التملك والقتناء‪ ،‬فطلب الغنى ليس محرما في ذاته‪ ،‬ولكن يشترط أن يتخذ‬
‫النسان وسائل الكسب المشروعة له‪ ،‬ومن أهمها وأشرفها العمل‪ ،‬ومن أفضل العمال إحياء الرض‬
‫الموات التي ل مالك لها واستثمارها‪.‬‬
‫وإذ يجيز السلم التملك بدون عمل عن طريق الرث أو الوصية أو الهبة‪ ،‬فما ذلك إل لن الوارث‬
‫امتداد لشخصية المورث‪ ،‬وأما الوصية أو الهبة ونحوهما من التبرعات فهي أثر لحرية النسان في‬
‫التصرف‪ ،‬وتشجيع على أعمال البر والخير وعمل المعروف الذي يدعم فريضة الزكاة‪ ،‬ويغطي‬
‫نواحي الحاجة والنقص أو الحالت التي ل تصرف فيها الزكاة‪ ،‬مع توافر بعض المقتضيات النسانية‬
‫لها‪.‬‬

‫( ‪)7/44‬‬

‫‪ )2‬ـ قيود الملكية‪ :‬عرفنا أيضا أن إقرار الملكية الخاصة ليس بصفة مطلقة‪ ،‬وإنما هي مقيدة بقيود‬
‫كثيرة تجعل للملكية وظيفة اجتماعية وطابعا إنسانيا كريما‪ .‬وهذه القيود منها عام يرتبط بالنظام اللهي‬
‫العام للسلم كتحريم المعاملت الربوية أو القمار أو التجار بالخمر وسائر ما حرمه ال ‪ ،‬ومنها‬
‫خاص يمس النشاط الفردي ويجعله ذا طابع أو اتجاه اشتراكي معتدل‪ ،‬كتحريم الستغلل الممنوع‬
‫والحتكار والغش‪ ،‬وكراهية تكدس الثروات المالية‪ .‬وتحريم الستغلل شامل استغلل رب العمل فقر‬
‫العامل فيظلمه‪ ،‬واستغلل التاجر حاجة المستهلك‪ ،‬فيغلي قيمة السلعة‪ ،‬أو جهل المنتج أو المصدر‪،‬‬
‫فيشتري بضاعته بثمن بخس (تلقي الركبان)‪ ،‬أو سذاجة البدوي فيبيعه السلعة بأزيد من ثمنها (بيع‬
‫الحاضر للبادي) واستغلل النفوذ بسبب الولية أو القرابة أو الحسب والنسب‪.‬‬
‫والحتكار محرم لنه يمنع تداول الثروة‪ ،‬ويؤدي إلى السيطرة والستغلل‪ ،‬وقد يعطل الستثمار‪،‬‬
‫كمافي حال احتجار الرض بغير استثمار مما يوجب سلبها من محتجرها بعد ثلث سنين‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وتكدس الثروات المكروه في السلم‪ ،‬وإن لم يصل إلى درجة التحريم‪ ،‬فهو ممقوت ل يتفق مع‬
‫الهدف المثل للشريعة‪ ،‬وللدولة أن تتخذ السياسة التي تمنعه‪ ،‬لما يؤدي إليه من ترف وفساد وسيطرة‪،‬‬
‫كما فعل النبي صلّى ال عليه وسلم من إقرار التوازن القتصادي بين المهاجرين والنصار‪ ،‬وسار‬
‫على نهجه الخلفاء الراشدون‪ ،‬فترك سيدنا عمر الراضي المفتوحة في العراق والشام ومصر بيد‬
‫أهلها‪ ،‬ولم يقسمها بين الفاتحين‪ ،‬حتى ل تنحصر الثروة بأيديهم‪ ،‬ول يبقى شيء لمن يأتي بعدهم‪،‬‬
‫واستدل على صحة فعله الذي وافقه عليه الصحابة بقوله تعالى‪{ :‬ما أفاء ال على رسوله من أهل‬
‫القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيل يكون دُولة بين الغنياء‬
‫منكم} اليات [الحشر‪. ]10-7/59:‬‬

‫( ‪)7/45‬‬

‫وكان النبي حريصا على عدم اتساع الملكيات الزراعية‪ ،‬فنهى عن كراء الرض‪ ،‬كما سيتضح في‬
‫بحثه المخصص له‪ .‬ويعتبر نظام الرث في الشريعة من أكبر العوامل على تفتيت الثروة ومنع‬
‫تركيزها في أيدي فئة قليلة‪.‬‬
‫وقد أوردت أهم القيود التي تقيد حق الملكية الفردية‪ ،‬والتي تجعلها ذات وظيفة اجتماعية يمارسها‬
‫صاحبها لمصلحة المجموع‪ ،‬ودون تمسك بأنها حق مطلق‪ ،‬باعتبار أن المالك الحقيقي للموال هو ال‬
‫تعالى‪ ،‬والناس لهم عليها حق الستخلف‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } [الحديد‪:‬‬
‫‪ ]7/57‬وهذه القيود الشرعية الواردة على الملكية الخاصة‪ :‬هي أل تؤدي الملكية إلى الضرار بالغير‪،‬‬
‫وأن يخرج مالكها منها الزكاة والنفقات الواجبة على الغني الموسر لقريبه المعسر‪ ،‬سواء أكان من‬
‫الصول أم الفروع أم الحواشي أم الزوجات‪ .‬وأن تستخدم الملكية في صالح النفع العام‪ ،‬أي أنه يجوز‬
‫تحديدها أو انتزاعها من مالكها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك بشرط دفع ثمنها لصاحبها‪.‬‬
‫وأما إنه لم يحدث في تاريخ السلم أن أخذ مال غني بغير رضاه‪ ،‬وأعطي لفقير‪ ،‬فذلك صحيح‪ ،‬ل‬
‫يتنافى مع مبدأ مشروعية التأميم في أحوال استثنائية فقط؛ لن واقع المجتمع قد تغير عما كان عليه‬
‫حال المسلمين في صدر السلم‪ ،‬فقد كان أغنياء المسلمين يبذلون أموالهم في سبل الخيرالعامة عن‬
‫طواعية واختيار‪ ،‬عملً بما ندبهم إليه السلم ورسوله‪ ،‬والقيام بالواجب بدافع ذاتي أفضل وأكرم بل‬
‫شك من القهر عليه‪.‬‬
‫واشتكى أحد الولة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه ال من تكدس الموال في بيت المال‪،‬‬
‫دون أن يجد فقيرا يعطيه‪ ،‬فأمر عمر بصرفه في قضاء ديون الغرماء المدينين‪ ،‬وكان الفقراء يتعففون‬
‫من أخذ الزكوات‪ ،‬حتى نشأت مشكلة البحث عنهم في عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬مما اضطره إلى إحداث‬
‫نظام الخفراء (أو العَسس) في الليل للبحث عن المحتاجين لعطائهم حقهم من بيت المال‪.‬‬

‫( ‪)7/46‬‬

‫وبما أنه قد تغيرت ظروف المجتمع اليوم‪ ،‬وساءت أحوال المسلمين وضنّ الناس بما عندهم وقصروا‬
‫في أداء واجبهم‪ ،‬فل مانع من اتخاذ بعض الجراءات الستثنائية المرهونة بوقت الحاجة لتصحيح‬
‫بعض الوضاع الفاسدة‪ ،‬وإجبار الغنياء على إعطاء حق الفقراء‪ ،‬أو تأميم بعض أموالهم ليقوم الفقير‬
‫باستثمارها‪ ،‬بعد أن منعوا الزكاة ونحوها من الواجبات المفروضة‪ .‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم عن‬
‫مانع الزكاة‪« :‬ومن منعها ـ أي الزكاة ـ فإنا آخذوها وشطر ماله‪ ،‬عَزْمة من عزمات ربنا عز‬
‫وجل» (‪ . )1‬هذا بالضافة إلى أن بعض ملكيات القطاعيين الكبيرة كانت قد اكتسبت بوسائل غير‬
‫مشروعة‪ ،‬إما بخدمة المستعمر‪ ،‬أو الحاكم الظالم‪ .‬ول شك بأنه يجوز مصادرة الراضي والموال‬
‫المكتسبة بوسيلة غير شرعية كما عرفنا سابقا‪ .‬كما أنه إذا لم تتحقق كفاية الفقراء‪ ،‬ل مانع شرعا من‬
‫فرض الكفاية اللزمة على الغنياء عملً بالمبدأ الشرعي‪« :‬إذا بات مؤمن جائعا فل مال لحد» ‪.‬‬
‫‪ )3‬ـ مبدأ المساواة الجتماعية في السلم ‪:‬‬
‫من البدهيات المسلمة المعروفة أن السلم دين المساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع‬
‫المسلم‪ ،‬فل تمييز بين الناس بسبب الجنس أو اللون‪ ،‬أو الحسب والنسب‪ ،‬أو الغنى والفقر‪ ،‬وإنما الكل‬
‫أمام ال تعالى‪ ،‬وفي المنزلة الجتماعية سواء‪ ،‬حتى يقضى على كل بواعث الجرائم التي يدفع إليها‬
‫وجود المتياز المادي والدبي‪ .‬وحينئذ فل يسمح السلم بوجود طبقات اجتماعية تتفاوت في الدرجة‬
‫الجتماعية‪ ،‬وإن كان هناك تفاوت مادي بين غني وفقير‪ ،‬في حدود كفاية الفقير‪ ،‬وعدم اكتناز المال‬
‫لدى الغني‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض‬
‫درجات} [الزخرف‪{ ]32/43:‬والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهم بعذاب‬
‫أليم} [التوبة‪ ]34/9:‬والية الولى ل تعني وجود مجتمع طبقي في نظام السلم‪ ،‬إذ ليس في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده‪.‬‬

‫( ‪)7/47‬‬

‫السلم طبقات ذات امتيازات اجتماعية‪ ،‬وإنما يقر السلم وجود تفاوت مادي بين السلم؛ لن الغنى‬
‫والفقر كل منهما محل مسؤولية وابتلء واختبار‪ ،‬فل طبقية إذن‪ ،‬وإنما هي مسؤولية على كل منهما‪،‬‬
‫الغني في استغلل ماله‪ ،‬والفقير في اختبار صبره ومدى جهاده في الحياة‪.‬‬
‫والتفاوت المادي ل عيب فيه؛ لنه يتمشى مع الفطرة النسانية في حب التملك والقتناء‪ ،‬ويولد‬
‫عنصر المنافسة الحرة الشريفة‪ ،‬وتقتضيه طبيعة الناس بحسب تفاوتهم في العلم والعمل والقدرة على‬
‫الكفاح والنتاج‪ .‬وهذا يعطينا الدليل لتوزيع العمال والكفايات بين الفراد‪ .‬وبذلك تكون أسباب‬
‫التفاوت المحدودة في المجتمع السلمي محصورة في سببين‪ :‬العمل والعلم‪ .‬فبالعمل تشتد المنافسة في‬
‫النتاج‪ ،‬وبالتالي في الحفاظ على ثمرات الكسب والغنى واليسار‪ .‬وبالعلم تتقدم المم‪ ،‬ويستفيد العالم‬
‫من ثمرات علمه لنفع المجتمع وإعلء كلمة الحق وإبداء النصيحة والرشاد إلى الخير‪ .‬والتفاوت في‬
‫المقدرة والنشاط والعلم ليخلق طبقية اجتماعية لها امتياز أو استعلء‪ ،‬وإنما هومسؤولية أمام ال ‪،‬‬
‫ومسؤولية أمام المجتمع‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع‪:‬‬
‫عن عمره فيم أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيم أبله‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‪ ،‬وماذا عمل فيما علم»‬
‫( ‪. )1‬‬
‫ثالثا ـ الحرية الشتراكية في السلم ‪:‬‬
‫الناس جميعا أحرار في ميزان السلم‪ ،‬ول خضوع إل ل وحده‪ ،‬ول يخضع إنسان لغيره إل بالحق‬
‫والمعروف‪ ،‬إذ ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/48‬‬

‫فمن هذا المبدأ تتأصل الحرية والكرامة للنسان‪ .‬فهي شيء ينبع من ذات النسان وتكوينه‪ ،‬ل أنها‬
‫منحة من المجتمع للنسان‪ .‬والحرية تكون مصدر العتزاز بالشخصية‪ ،‬والشجاعة الدبية في إعلء‬
‫كلمة الحق‪ ،‬ومجابهة الصعاب وعدم خشية أحد إل ال قال عليه الصلة والسلم‪« :‬أفضل الجهاد كلمة‬
‫حق عند سلطان جائر» (‪ )1‬وحرية الفرد تستتبع حرية الجماعة السياسية والقتصادية‪.‬‬
‫غير أن هذه الحرية ليست مطلقة‪ ،‬وإنما هي مقيدة بالمعيار الشتراكي الذي يقوم على تكافل أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬سواء في ذلك الحاكم والمحكومون‪ .‬فالحاكم الذي ترشحه المة وتبايعه مقيد بالعمل بنظام‬
‫الشريعة‪ ،‬وبمشاورة أهل الخبرة والختصاص (أهل الحل والعقد) قال ال تعالى آمرا نبيه‪{ :‬وشاورهم‬
‫في المر} [آل عمران‪ ]159/3:‬والمحكومون من الرعية مطالبون بالطاعة في المعروف‪ ،‬وبالنصرة‪،‬‬
‫إذ «ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (‪ )2‬وقال ال تعالى‪{ :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء‬
‫بعض} [التوبة‪ ]71/9:‬أي ‪ ،‬متناصرون‪ ،‬ولهم إبداء الرأي في تصرفات الحاكم كما طالب بذلك أبو‬
‫بكر في خطبته المعروفة‪ ،‬والدولة السلمية مقيدة في علقتها مع الدول الخرى بعدم العتداء‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى ‪{ :‬ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين} [البقرة‪.]190/2:‬‬
‫رابعا ـ القيم الخلقية في النظام الشتراكي السلمي ‪:‬‬
‫أشرت سابقا إلى دور الخلق في بناء الفرد والجماعة‪ ،‬وأضيف هنا أن أفضل أنواع الشتراكية هي‬
‫التي ل تفرض بالحديد والنار وبالمجازر الدموية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث نبوي أخرجه أحمد والحاكم عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬

‫( ‪)7/49‬‬
‫والصراع الحاد بين الطبقات‪ ،‬وإنما التي تنبع من الذات المؤمنة السامية والضمير النساني اليقظ‬
‫والمثل الدينية العليا‪ .‬فالشتراكية السياسية والقتصادية الوطيدة الركان هي التي تقوم على القتناع‬
‫بضرورة التنازل عن شيء من المصالح الفردية في سبيل تحقيق مصلحة المجموع‪ ،‬وهذا القتناع‬
‫يحتاج إلى تذوق خلقي للعلقات النسانية بين أفراد المجتمع‪ ،‬والفهم الخلقي يحتاج إلى قوة دافعة من‬
‫العقيدة السامية التي قررتها الديان‪ ،‬وتبلورت ـ أخيرا في السلم‪ ،‬لن الدين سند الخلق وحارسها‬
‫وحافظها من الضعف والنهيار أثناء الزمات‪.‬‬
‫ومن أهم الخلق الشتراكية‪ :‬الحساس المرهف بالمسؤولية والسمو البشري في التعاطف والتعامل‬
‫وحب الخير والحق واليثار‪ .‬أما الحساس بالمسؤولية فموزع على الحكام والفراد‪ ،‬قال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬كلكم راع ‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬فالمام راع وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل‬
‫راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها» (‬
‫‪ )1‬وقد بلغ الحساس بالمسؤولية عند الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان درجة عالية انعكست على‬
‫كل الولة والعمال في الدولة‪ ،‬بل على سائر أفراد المسلمين‪ ،‬إذ كان الواحد يندفع إلى تلبية الواجب‬
‫وتنفيذ أوامر السلم من دون حاجة إلى مراسيم وقوانين وأوامر متتابعة ومتراكمة من الخليفة‬
‫والحكام بحيث يزحم بعضها بعضا‪ ،‬وقد ينقض واحد منها الخر‪.‬‬
‫وكان أخطر أنواع المسؤولية‪ :‬هو توزيع الحقوق المالية على الناس في أجزاء البلد‪ ،‬وقيام الحاكم‬
‫بواجبه نحو الرعية‪ ،‬وهو الذي أحس به سيدنا عمر حينما قال‪« :‬لئن عشت إلى قابل ليبلغنّ الراعيَ‬
‫في صنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫( ‪)7/50‬‬

‫وجهه» وقال أيضا ‪« :‬لئن ضلت شاة على شاطئ الفرات لخشيت أن يسألني ال عنها يوم القيامة» ‪.‬‬
‫وأما التعاطف بين أبناء المجتمع فهو السمة البارزة لشتراكية السلم القائمة على المحبة واليثار‪،‬‬
‫والخوة والتضامن والسعي في سبل الخير‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات‪]10/49:‬‬
‫{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر‪ ]9/59:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل‬
‫يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه» (‪« )1‬الخلق كلهم عيال ال‪ ،‬فأحبهم إلى ال أنفعهم‬
‫لعياله» (‪« )2‬عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به» (‪« )3‬تحب للناس ما تحب لنفسك‪ ،‬وتكره لهم ما‬
‫تكره لنفسك» (‪. )4‬‬
‫وهناك أحاديث نبوية كثيرة ترغّب في فعل الخير وعمل المعروف وبذل المال‪ ،‬ومساعدة المحتاج‪،‬‬
‫وتقديم القربات‪ ،‬مثل قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من كان له فضل ظهر فليعد به على من ل ظهر‬
‫له‪ ،‬ومن كان له فضل زاد فليعد به على من ل زاد له» (‪« )5‬يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير‬
‫لك‪ ،‬وإن تمسكه شر لك‪ ،‬ول تلم على كفاف‪ ،‬وابدأ بمن تعول‪ ،‬واليد العليا خير من اليد السفلى» (‪)6‬‬
‫‪.‬‬
‫بهده الصول الخلقية قامت اشتراكية السلم‪ ،‬وبها وحدها تم التوصل لحل مشكلة النسان المعقّدة‬
‫المثلثة‪ ،‬فتحقق التقاء الفرد والمجتمع‪ ،‬والتوافق بين غرائز النسان الذاتية الخاصة ومصلحة المجموع‪،‬‬
‫وأثبت التطبيق العملي للشتراكية بالعتماد على القيم الخلقية أن القوانين والنظمة أو السلطة والقهر‬
‫ل تكفي لنجاح الشتراكية في إسعاد النسان‪ ،‬بل ولن يكتب لها الدوام والستمرار‪ .‬وهذه مقولة أعلنتُ‬
‫عنها منذ عام ‪1965‬م قبل انهيار التحاد السوفييتي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن أنس بن مالك رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو يعلى والبزار عن أنس‪ ،‬والطبراني عن ابن مسعود‪ ،‬لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬الثابت في السنة‪« :‬وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا» ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد عن معاذ بن أنس رضي ال عنه (الترغيب والترهيب‪.)23/4 :‬‬
‫(‪ )5‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي أمامة رضي ال عنه (الفتح الكبير‪.)376/3 :‬‬

‫( ‪)7/51‬‬

‫المبحث الثالث ـ نظرية القيمة في السلم ‪:‬‬


‫تكلمت في المبحث الول عن هذه النظرية‪ ،‬وبينت أن السلم حض على العمل‪ ،‬وطالب القرآن‬
‫باستخراج خيرات الطبيعة لقوله تعالى‪{ :‬هو الذي خلق لكم ما في الرض جميعا} [البقرة‪ ]29/2:‬لن‬
‫العمل في الحقيقة أساس التقدم وبناء الكون كله‪ .‬وبه يتم التفاضل بين الناس في الدنيا والخرة‪ ،‬أما‬
‫العمل في الدنيا‪ :‬فهو كل جهد يؤدي إلى جلب نفع عام أو خاص‪ ،‬أو منع أذى خاص أو عام‪ ،‬أو‬
‫ازدهار صناعة مفيدة‪ ،‬أو زيادة طيبات الحياة‪ ،‬أو انتشار عمران‪.‬‬
‫وأما العمل للخرة‪ :‬فهو أداء الفروض الدينية فكرا وتعلما وعملً وامتناعا عن الشر ومختلف أنواع‬
‫الجرائم‪ .‬ويشمل أيضا النية الطيبة في إنجاز العمال الدنيوية‪.‬‬
‫والمهم الن تكرار ما قلته من أن العمل وإ ن كان هو الساس الول للقيمة القتصادية للسلع وللقيمة‬
‫الجتماعية للفرد وللتنمية القتصادية‪ ،‬ولستغلل الثروة الطبيعية‪ ،‬فإن قيمة السلعة تتحدد بحسب‬
‫العرض والطلب الواقعين عليها‪ ،‬مع التزام مبدأ السعر العادل‪ ،‬وفي ظل من رقابة الدولة‪ .‬بدليل قول‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض» (‪ )1‬ويضم إليه إفتاء فقهاء‬
‫المدينة السبعة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق تخريجه‪.‬‬

‫( ‪)7/52‬‬

‫في عصر التابعين والمالكية والحنابلة ومتأخري الزيدية بجواز تسعير السلع‪ ،‬حينما استبد الجشع‬
‫والطمع ببعض الناس‪ ،‬وتغالوا في قيم البضائع (‪ ، )1‬وذلك عملً بالمصلحة المرسلة مما أوجب القول‬
‫بتدخل الحاكم لرد التجار إلى مبدأ السعر العادل (أو قيمة المثل) الذي ل يشتمل على غبن فاحش (‪)2‬‬
‫‪ .‬وعلى هذا فإن أسعار البضائع المصنوعة الن يدخل العمل أساسا في تقدير أثمانها‪ ،‬ويراعى في‬
‫ذلك المصلحة العامة‪ ،‬والعدالة في التقييم‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ كراء الرض في السلم ‪:‬‬
‫قبل أن أذكر اختلف العلماء الكثير في موضوع كراء الرض‪ ،‬أبيّن اتجاهات السلم وغاياته العامة‬
‫وروحه التشريعية ومبادئ اشتراكية السلم التي أشرت إليها‪.‬‬
‫إن السلم بل شك يرغب ترغيبا أكيدا في استثمار خيرات الطبيعة واستخراج كنوزها‪ ،‬ويكره تعطيل‬
‫المال وإضاعته‪ ،‬كما يكره بطالة العامل‪ ،‬ومن هنا كره بعض العلماء تعطيل الرض عن الزراعة‪،‬‬
‫لن فيه تضييع المال‪.‬‬
‫ويحرص السلم أيضا على تعميم الرفاه والرخاء على الناس وقصد النفع العام‪ ،‬وتوزيع‬
‫الملكيات‪،‬وعدم اتساع الملكيات الزراعية بالذات خشية العجز عن استثمارها‪ ،‬ويكره تكدس الثروات‬
‫واحتكار ملكية الراضي‪ ،‬وحرمان الغلبية من تملكها؛ لن الرض ل ‪ ،‬وال يحب العدالة في‬
‫التوزيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وقال جمهور الفقهاء بحرمة التسعير إل إذا حصل تعدٍ فاحش في قيمة السلع استنادا إلى قول‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم فيما أخرجه الخمسة إل النسائي عن أنس‪ « :‬إن ال هو القابض الباسط‬
‫الرازق المسعّر» ولن الثمن حق البائع‪ ،‬فكان إليه تقديره‪ ،‬فل ينبغي للمام أن يتعرض لحقه‪ .‬وهذا‬
‫صحيح في عصر النبي حيث كان يسود الورع‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن القيم‪ :‬يجوز التسعير في العمال‪ ،‬فإذا احتاج الناس إلى أرباب الصناعات كالفلحين‬
‫وغيرهم‪ ،‬أجبروا على ذلك بأجرة المثل‪ .‬وهذا من التسعير الواجب‪ ،‬فهذا تسعير في العمال‪.‬‬

‫( ‪)7/53‬‬

‫ويفضل السلم أن يكون مورد النسان من طريق العمل‪ ،‬ويمقت بصفة عامة كون اليراد بدون‬
‫عمل‪ ،‬ومن هنا حرم الربا والقمار والتدليس والغبن والستغلل والحتكار‪ .‬وتأثر بعض العلماء بهذا‬
‫التجاه التشريعي‪ ،‬فحرم أيضا إجارة الرض‪ ،‬وتمسك برأيه القائلون بجواز التأميم أو تحديد الملكية‪.‬‬
‫ل القهر‬
‫واشتراكية السلم ينبغي أن تنبع كما بينت من الباعث الذاتي والدافع الخلقي‪ ،‬وتكره إجما ً‬
‫والجبر وفرض المر على الناس بالقوانين الرادعة والزواجر الصارمة ما لم يضطر الحاكم إليها‬
‫ويقصر الناس بواجباتهم‪ ،‬حتى يكون احترام الحكم قائما على الرضا والطواعية والختيار‪ ،‬وليتوفر له‬
‫الخلود والدوام والبقاء وتمتنع الشحناء والبغضاء والحقد بين الفراد‪ .‬ومن هذه الروح أجاز جمهور‬
‫العلماء كراء الرض‪ ،‬ولم يجبروا مالكها على استثمارها أو إعارتها للخرين أو بذلها مجانا لمن‬
‫يحرثها‪ ،‬عملً بمبدأ الحرية القتصادية‪ ،‬أي أن كل مالك حر التصرف بماله‪.‬‬
‫فمن هذه التجاهات اختلف الفقهاء في حكم كراء الرض من أجل زراعتها على رأيين‪ :‬رأي يمنع‬
‫ذلك إطلقا‪ ،‬ورأي يجيز‪ .‬ثم إن المجيزين لكراء الرض اختلفوا فيما بينهم اختلفات جزئية يحسن‬
‫ذكرها‪.‬‬
‫أما الفريق الول الذي يمنع كراء الرض وهم القل فهم بعض التابعين‪ :‬طاوس وأبو بكر بن عبد‬
‫الرحمن وطائفة قليلة‪ ،‬وأخذ برأيهم ابن حزم الظاهري‪ ،‬قالوا‪ :‬ل يجوز كراء الرض مطلقا‪ ،‬ل بجزء‬
‫من ثمرها أو طعامها من الحبوب ونحوها‪ ،‬ول بشيء من النقود ذهبا أو فضة‪ ،‬ول بغير ذلك‪.‬‬
‫واستدلوا على رأيهم بدليلين‪:‬‬
‫أ ـ دليل عقلي‪ :‬وهو أن مثل هذا الكراء يتضمن الغرر‪ ،‬أي احتمال إضرار المكتري وهو الفلح؛‬
‫لنه يمكن أن يصاب الزرع بآفة سماوية أو جائحة من نار أو قحط‪ ،‬أو غرق‪ ،‬فتلزمه الجرة أو‬
‫الكراء من غير أن ينتفع من ذلك بشيء‪.‬‬

‫( ‪)7/54‬‬
‫ب ـ دليل نقلي من السنة النبوية‪ :‬وردت أحاديث صحيحة عن النبي صلّى ال عليه وسلم تنهى عن‬
‫كراء المزارع‪ .‬منها‪ :‬مارواه مالك عن رافع بن خديج‪ :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن‬
‫كراء المزارع‪ .‬وروي عن رافع بن خديج عن أبيه قال‪ :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن‬
‫إجارة الرضين (‪. )1‬‬
‫وعن جابر قال‪ « :‬خطبنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم فقال‪ :‬من كانت له أرض فليزرعها‪ ،‬أو‬
‫ليُحرثها أخاه وإل فليدعها » (‪. )2‬‬
‫وعن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من كانت له أرض فليزرعها‪ ،‬أو‬
‫ليُحرثها أخاه‪ ،‬فإن أبى فليمسك أرضه» (‪ )3‬ومعنى « فليُحرثها » أي يجعلها مزرعة لخيه بل‬
‫عوض‪ ،‬وذلك بأن يعيره إياها‪ ،‬بدليل ماروى ابن عباس أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪ « :‬لن‬
‫يمنح أحدكم أخاه ‪ -‬أي أرضا ‪ -‬خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما » (‪ . )4‬فهذه الحاديث‬
‫تدل صراحة على أن كل مالك مكلف بزراعة أرضه بنفسه‪ ،‬فإن لم يستطع زراعتها كلها أو بعضها‪،‬‬
‫منحها أو منح الجزء الزائد عن طاقته لبعض إخوانه بدون مقابل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والبخاري والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد ومسلم عن جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود ( نيل الوطار ‪ .) 279/5‬وقوله‪« :‬لن يمنح‪»..‬‬
‫أي يجعلها منحة له‪ ،‬والمنحة‪ :‬العارية‪.‬‬

‫( ‪)7/55‬‬

‫وأما الفريق الثاني وهم الجمهور المجيزون لكراء الرض مبدئياً فقد اختلفوا اختلفات تتعلق بنوع‬
‫الجرة منشؤها ضرورة رعاية بعض قواعد الشريعة الخرى التي تحرم الربا والغرر‪ .‬وينحصر‬
‫اختلفهم في جواز كراء الرض بجزء مما يخرج منها‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬مذهب بعض التابعين‪ :‬ربيعة وسعيد بن المسيب‪ :‬ليجوز كراء الرض إل بالدراهم والدنانير‬
‫فقط‪ ،‬بدليل ماروى رافع بن خديج عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة‪ ،‬وقال‪ :‬إنما يزرع ثلثة‪ :‬رجل له أرض‪ ،‬ورجل مُنح أرضا فهو‬
‫يزرع مامُنح‪ ،‬ورجل اكترى بذهب أو فضة» (‪ ، )1‬قالوا‪ :‬فهذا تصنيف لمستثمري الرض‪ ،‬وليجوز‬
‫تعدي مافي هذا الحديث‪.‬‬
‫وأما الحاديث الخرى فهي مطلقة الكلم‪ ،‬وهذا الحديث مقيد‪ ،‬فيحمل المطلق على المقيد‪ ،‬أي أنها‬
‫تفهم وتفسر بحسب مادل عليه هذا الحديث‪ ،‬أو أن النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على‬
‫حالة اشتمال العقد على الجهالة والغرر‪ ،‬أو يحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا‪ .‬قال ابن حجر في فتح‬
‫الباري‪ :‬إن النهي عن المزارعة محمول عند الجمهور على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة‪ ،‬ل‬
‫عن كرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة‪.‬‬
‫‪ - 2‬مذهب المالكية على المشهور‪ :‬يجوز كراء الرض بكل شيء من النقود والمعادن والحيوان‬
‫وعروض التجارة ومنافع الموال ماعدا شيئين‪ :‬الطعام سواء أكان خارجا من الرض أم لم يكن‪،‬‬
‫وماتنبته الرض سواء أكان طعاما أم غيره سوى الخشب والحطب والقصب ونحوها من كل ما‬
‫يطول مكثه في الرض حتى يعد كأنه أجنبي عنها‪.‬‬
‫فالطعام المستثنى يشمل كل ما أنبتته الرض كالقمح‪ ،‬وما لم تنبته كاللبن والعسل‪ .‬وغير الطعام الذي‬
‫تنبته الرض‪،‬ول يجوز الكراء به مثل القطن والكتان والعصفر والزعفران‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح ( نيل الوطار‪.) 276/5 :‬‬

‫( ‪)7/56‬‬

‫والسبب في استثناء الطعام هو عدم الوقوع في الربا ببيع الطعام بالطعام لجل‪ .‬وأما استثناء غير‬
‫الطعام مما تنبته الرض فسببه وجود الغرر في هذا العقد (أي احتمال أن تخرج الرض قدر ما‬
‫أكرى به المكتري أو أقل أو أكثر) ووجود الجهالة أيضا أي العقد على معلوم هو الرض بمجهول‬
‫وهو ما يخرج منها‪ .‬وكل من الغرر والجهالة يوجب المشاجرة‪ .‬وعلى هذا فإن المساقاة والمزارعة‬
‫جائزة عند المالكية‪ .‬أما المساقاة فهي عقد بين صاحب الرض والعامل على القيام بخدمة أو مؤنة‬
‫شجر مثمر كنخل أو كرم عنب بجزء معلوم من الثمرة للجير‪ .‬ويجوز أن يضم إليه تباعا استثمار‬
‫جزء من الرض بشرط أن يكون قليلً بأن تكون أجرته بالنسبة للجرة الكلية من الثمرة الثلث فأقل‪.‬‬
‫والمزارعة‪ :‬هي المعاملة على استغلل الرض ببعض مايخرج منها‪ ،‬وتجوز عند المالكية بشرط‬
‫خلوها من كراء الرض بممنوع بأن لتقع الرض أو بعضها في مقابلة بذر‪ ،‬أو طعام ولو لم تنبته‪،‬‬
‫أو ماتنبته ولو غير طعام‪ ،‬كما تقدم‪ .‬ولم يجز أبو حنيفة المزارعة‪ ،‬ويرى الشافعية عدم صحة‬
‫المزارعة إل تبعا للمساقاة‪ ،‬وتعسر إفراد الشجر بالسقي وبياض الرض التي لزرع فيها بالعمارة‪،‬‬
‫أي الستثمار‪.‬‬
‫ودليل المالكية على ماذهبوا إليه‪ :‬ما رواه رافع بن خديج قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫« من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه‪ ،‬وليكرها بثلث ول بربع ول بطعام معين » (‪)1‬‬
‫واستكراء الرض بالحنطة يعرف بالمحاقلة وقد نهى عنها النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث آخر‪،‬‬
‫وهذا دليلهم على منع كراء الرض بالطعام‪ .‬أما حجتهم على منع كراء الرض‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي‪.‬‬

‫( ‪)7/57‬‬

‫مما تنبت فهو ماورد من نهيه صلّى ال عليه وسلم عن المخابرة (‪ : )1‬وهي كراء الرض مما يخرج‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ - 3‬مذهب أبي يوسف ومحمد من الحنفية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والثوري والليث وابن أبي ليلى والوزاعي‬
‫وجماعة‪ :‬يجوز كراء الرض بكل شيء‪ ،‬ولو بجزء مما يخرج منها‪ .‬وهذا ما عليه المسلمون في كل‬
‫مكان‪ ،‬لن ذلك كراء منفعة معلومة (وهي العمل في الرض) بشيء معلوم ( وهو الجرة )‪ ،‬فجاز‬
‫قياسا على إجارة سائر المنافع مثل سكنى الدور واستعمال الحوانيت ونحوها‪ .‬ويؤكد ذلك من ناحية‬
‫الثر حديث ابن عمر الثابت‪ « :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر مايخرج‬
‫منها من ثمر أو زرع » (‪ ، )2‬أي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من‬
‫أموالهم على نصف ماتخرجه الرض والثمرة‪ .‬ورويت أحاديث أخرى بمعناه عن ابن عباس وأبي‬
‫هريرة‪ ،‬وكان كل المهاجرين في المدينة يزرعون على ثلث أو ربع إنتاج الرض‪ ،‬وقد زارع علي‬
‫كرم ال وجهه وسعد بن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل‬
‫علي وآل عمر‪ ،‬ومعاذ بن جبل في عهد النبي والخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫ورد هؤلء على أحاديث غيرهم بأن أحاديث رافع ضعيفة لنها مضطربة المتون أي متغايرة اللفاظ‪.‬‬
‫وإن فرض كونها صحيحة فهي محمولة على الكراهية ل الحظر أو الحرمة‪ ،‬بدليل ما أخرجه‬
‫البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال‪ « :‬إن النبي صلّى ال عليه وسلم لم ينه عنها » ولكن قال‪« :‬‬
‫إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيرا له من أن يأخذ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود عن زيد بن ثابت رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) عن ابن عمر رضي ال عنه ( نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.) 272/5‬‬

‫( ‪)7/58‬‬

‫منه شيئا » أو إن النهي عن كراء الرض محمول على ما إذا كانت الجرة مجهولة أو مضمونة من‬
‫إنتاج مكان معين من الرض‪ ،‬مثل اشتراط صاحب الرض ناحية منها‪ ،‬أو اشتراط ماينبت على حفة‬
‫النهر لصاحب الرض‪ ،‬لما فيه من الغرر والجهالة‪ .‬فدل ذلك على أن الحاديث التي تمنع من كراء‬
‫الرض محمولة على الندب والستحباب‪ ،‬والفضل بذلها مجانا للفلحين والعمال‪ ،‬بدليل إجماع‬
‫الصحابة على أن الجارة جائزة‪ ،‬ولتجب العارة بالجماع‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ -‬الجر في السلم ‪:‬‬
‫الجارة نوعان‪ :‬إجارة على المنافع بأن يكون المعقود عليه هو المنفعة‪ ،‬وإجارة على العمال بأن‬
‫يكون المعقود عليه هو العمل‪ .‬ومثال النوع الول‪ :‬إجارة العقارات والدور والمنازل والحوانيت‬
‫والضياع‪ ،‬والدواب للركوب والحمل‪ ،‬والثياب والحلي للبس‪ ،‬والواني والظروف للستعمال‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك بشرط أن تكون المنافع مباحة‪ ،‬فإن كانت محرمة كالميتة والدم وأجر النوائح وأجر المغنيات فل‬
‫تصح الجارة عليها‪ .‬ومثال النوع الثاني‪ :‬وهي التي تعقد على عمل معلوم‪ :‬الستئجار من أجل البناء‬
‫والخياطة والحمل إلى موضع معين وصباغة ثوب وإصلح حذاء‪ ،‬ونحو ذلك من كل مايباح‬
‫الستئجار عليه‪ ،‬روي عن رافع بن رفاعة‪ ،‬قال‪ « :‬نهانا النبي صلّى ال عليه وسلم عن كسب المة‬
‫إل ماعملت بيديها‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنفش » (‪ )1‬أي عجن العجين وخبزه‪،‬‬
‫وغزل الصوف والقطن والكتان والشعر‪ ،‬أو نفشه وندفه‪ ،‬وفي رواية ( النقش ) وهو التطريز‪.‬‬
‫والجارة بنوعيها مشروعة مباحة بالقرآن والسنة والجماع‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وأبو داود ( نيل الوطار ‪ 282/5‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)7/59‬‬

‫{فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } [الطلق‪ { ، ]6/65:‬يا أبت استأجره‪ ،‬إن خير من استأجرت‬
‫القوي المين } [القصص‪ ]26/28:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أعطوا الجير أجره قبل أن‬
‫يجف عرقه » (‪« ، )1‬من استأجر أجيرا فليسمّ له أجرته» (‪ . )2‬وأجمعت المة في زمن الصحابة‬
‫على جواز الجارة‪ ،‬لحاجة الناس إلى المنافع مثل حاجتهم إلى أعيان الشياء‪.‬‬
‫لكن أحاط الشرع حق الجير بضمانات متعددة‪ :‬وهي الرضا‪ ،‬والعدالة أو الكفاءة‪ ،‬والعرف‪ .‬فينبغي‬
‫أن يكون الجر عادلً متمشيا مع العرف السائد ومراعى فيه نوع الخبرة‪ ،‬ومعتمدا في التقدير على‬
‫الحرية والرضا والطواعية‪ ،‬فل يجوز الكراه على العمل‪ ،‬ول إلحاق الظلم بالجير‪ ،‬ول منعه حقه أو‬
‫المماطلة في أدائه‪ ،‬أو استيفاء منفعة منه بغير عوض‪ ،‬إذ إن من استخدم عاملً بغير أجرة فكأنه‬
‫استعبده‪ ،‬كما قال فقهاء السلم أخذا من حديث نبوي اعتبر آكل جهد العامل بمثابة من باع حرا وأكل‬
‫ثمنه‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬قال ال عز وجل‪ :‬ثلثة أنا‬
‫خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته‪ :‬رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع حرا وأكل ثمنه‪،‬‬
‫ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره» (‪ )3‬قال ابن التين‪ :‬هو سبحانه وتعالى خصم‬
‫لجميع الظالمين‪ ،‬إل أنه أراد التشديد على هؤلء بالتصريح‪ .‬وأكد النبي صلّى ال عليه وسلم في‬
‫أحاديث أخرى على ضرورة إيفاء حق العامل‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬وكما في قوله‪ « :‬ولكن العامل إنما يوفى‬
‫أجره إذا قضى عمله » (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر‪ ،‬وأبو يعلى عن أبي هريرة‪ ،‬والطبراني في الوسط عن جابر‪،‬‬
‫والحكيم الترمذي عن أنس‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة‬
‫غير مرفوع بهذا اللفظ عند بعضهم‪ .‬وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم عن استئجار الجير حتى يبين له أجره » ( نيل الوطار‪.) 293 ،292/5 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ( ،‬نيل الوطار‪.)295/5 :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أحمد عن أبي هريرة رضي ال عنه ( نيل الوطار‪.) 295/5 :‬‬

‫( ‪)7/60‬‬

‫وحرصا من الشريعة على حقوق العامل والعمال‪ ،‬ومن أخصها الجور اشترطت شروط معينة عند‬
‫ل متقوما معلوما قدره للعامل جنسا وقدرا‬
‫التفاق على عقد الستئجار‪ ،‬منها‪ :‬أن تكون الجرة ما ً‬
‫وصفة كالثمن في البيع‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم المتقدم‪« :‬من استأجر أجيرا فليسمّ له أجرته»‬
‫والعلم بالجرة ل يحصل إل بالشارة والتعيين‪ ،‬أو بالبيان الصريح‪ .‬ويشترط أيضا أن تكون المنفعة‬
‫المؤجرعليها معلومة القدر‪ ،‬وذلك إما بغايتها مثل خياطة الثوب وعمل الباب ونحوهما من إجارة‬
‫العمال‪ ،‬وإما بتحديد الجل إذا لم تكن هناك غاية معروفة‪ ،‬مثل خدمة الجير مياومة أو مشاهرة أو‬
‫سنويا‪ ،‬وذلك إما بالزمان إن كان المأجور عليه عملً واستيفاء منفعة متصلة الوجود متتابعة‬
‫التحصيل‪ ،‬مثل كراء الدور والحوانيت‪ ،‬وإما بالمكان إن كان المطلوب مشيا مثل كراء الرواحل‪ ،‬أي‬
‫وسائط النقل من مكان إلى مكان آخر‪.‬‬
‫واستحقاق تسلم الجرة يكون بالعمل أو إنجاز المطلوب من العامل‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬ولكن العامل‬
‫إنما يوفى أجره إذا قضى عمله» فإذا لم يكمل عمله‪ ،‬يلزم المستأجر قدر عمل الجير‪.‬‬

‫( ‪)7/61‬‬

‫أما ثبوت حق العامل في تملك الجرة ففيه رأيان للفقهاء‪ :‬قال الشافعية والحنابلة‪ :‬تثبت الملكية في‬
‫الجرة بمجرد انعقاد العقد‪ ،‬أي بنفس عقد الجارة‪ ،‬لنه عقد معاوضة‪ ،‬والمعاوضة تقتضي الملك في‬
‫العوضين عقب العقد‪ ،‬كما يملك البائع الثمن بالبيع‪ .‬وبناء عليه إذا كانت الجارة في الذمة‪ ،‬أي تعهد‬
‫شيء كخياطة أو بناء في ذمة العامل‪ ،‬يلزم تسليم الجرة في مجلس العقد‪ .‬وإن كانت الجارة واردة‬
‫على شيء معين كعقار معين بذاته أو دابة معينة بذاتها‪ ،‬ملكت الجرة في الحال ويجب تعجيلها إل إذا‬
‫وجد شرط يقتضي التأجيل‪ .‬وقال المالكية والحنفية‪ :‬تجب الجرة باستيفاء المنفعة فعلً أو بالتمكين من‬
‫الستيفاء‪ ،‬ول تملك الجرة بالعقد نفسه؛ لن المستأجر يملك حينئذ الشيء المأجور عليه‪ ،‬فيملك‬
‫الجير العوض المستحق تحقيقا لمبدأ المساواة المطلوبة العاقدين‪ .‬وذلك إل إذا اشترط تعجيل الجرة‬
‫بالعقد نفسه‪ ،‬أو عجلت فعلً من غير شرط أو تم التفاق على تأجيل الجرة‪ .‬وبناء عليه‪ :‬يستحق‬
‫الجير أجرته شيئا فشيئا بحسب المنفعة التي قدمها للمستأجر وملكها شيئا فشيئا على ممر الزمان‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬يلزم المكري دفع الكراء جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع‪ ،‬إل إذا وجد شرط‬
‫خلفه‪ ،‬أو كان هناك ما يقتضي التقديم‪ ،‬مثل أن يكون الكراء عوضا معينا بذاته‪ ،‬أو يكون كراء في‬
‫الذمة‪.‬‬

‫( ‪)7/62‬‬

‫والخلصة ‪ :‬إن العلقة بين رب العمل والعامل تقوم في السلم على أساس النسانية والرحمة‬
‫والتعاون‪ ،‬والعدالة أو الكفاءة والرضا والعرف‪ .‬ويرغّب السلم أيضا في إكرام العامل زيادة على‬
‫أجره؛ لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬خيركم أحسنكم قضاء» (‪ )1‬ويتحدد قدر الشيء المقابل‬
‫بحسب ما يتعارفه الناس في مثله إذا لم يكن هناك اتفاق صريح على التقدير‪ ،‬أو فوض شخص بأداء‬
‫شيء لخر ولم يقدر حدود الشيء المدفوع‪ .‬ويلزم رب العمل بتعويض العامل عما قد يصيبه من‬
‫أضرار اللة والعمل منعا من الضرر‪ ،‬وللحكومة أن تتدخل في علقات أرباب العمل والعمال بأن‬
‫تقرر أن تكون أجور العمال متفقة مع مشقة العمل‪ ،‬ول تجحف بمصلحة الملك‪ ،‬منعا لستغلل حاجة‬
‫العمال‪ ،‬ومحافظة على نمو رأس المال للمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد والشيخان عن أ بي هريرة بلفظ «إن خيركم أحسنكم قضاء» وأخرجه أحمد‬
‫والترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي ال بلفظ «خياركم أحاسنكم قضاء» وأخرجه الجماعة إل‬
‫البخاري عن أبي رافع بلفظ «فإن من خير الناس أحسنهم قضاء» (نيل الوطار‪ 230/5 :‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)7/63‬‬

‫المبحث السادس ـ السوق المالية ‪:‬‬


‫تمهيد‪ :‬هذا بحث يتناول حكم السلم في أهم المعاملت المعاصرة التي تتم فيما يسمى بالبورصة أو‬
‫السوق المالية‪.‬‬
‫والمقصود بالبورصة هنا‪ :‬مجموعة العمليات التي تتم في مكان معين بين مجموعة من الناس لبرام‬
‫صفقات تجارية حول منتجات زراعية أو صناعية أو أوراق مالية‪ ،‬سواء أكان محل الصفقة حاضرا‬
‫ـ وجود نموذج أو عينة منه ـ أو غائبا عن مكان العقد‪ ،‬أو حتى ل وجود له أثناء التعاقد ( معدوم )‬
‫لكن يمكن أن يوجد (‪ ، )1‬فيكون التعامل به أمرا احتماليا‪ ،‬أو ما يسمى في فقهنا غررا‪.‬‬
‫وليست البورصة في الحقيقة سوقا بالمعنى الشائع من كلمة السوق‪ ،‬لن البورصة تختلف عن السوق‬
‫في ثلثة أمور‪:‬‬
‫‪ - 1‬تتم الصفقات في السواق على أشياء موجودة بالفعل‪ ،‬أما في البورصة فيتم التعامل بالنموذج‬
‫(عينة) أو بالوصف الشامل لسلعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعامل في السوق يحدث في جميع السلع‪ ،‬أما في البورصة فل بد من أن تتوافر في السلعة‪:‬‬
‫القابلية للدخار‪ ،‬وأن تكون من المثليات وتكرار التعامل‪ ،‬وكون أثمانها عرضة للتغير في فترة زمنية‬
‫معينة بسبب ظروف العرض والطلب أو الحوال المناخية‪.‬‬
‫‪ - 3‬تكون السعار في السواق ثابتة ل تؤثر السواق فيها لقلتها‪ ،‬بينما تؤثر البورصات على مستوى‬
‫السعار‪ ،‬لكثرة ما يعقد فيها من صفقات ‪،‬ولذلك وصفت البورصة بأنها كجهنم‪.‬‬
‫ومن أهم وظائف البورصة‪ :‬المضاربة‪ ،‬أي المخاطرة بالبيع أو الشراء بناء على التنبؤ بتقلبات‬
‫السعار بغية الحصول على فارق السعار‪ ،‬والبورصة ثلثة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬بورصة البضاعة الحاضرة‪ :‬وهي التي يتم التعامل فيها بناء على عيّنة‪ ،‬ثم يدفع غالب الثمن عند‬
‫التعاقد‪ ،‬والباقي عند التسليم‪.‬‬
‫‪ - 2‬بورصة الوراق المالية‪ :‬وهي التي تباع فيها أسهم الشركات المختلفة‪ ،‬أو السندات بسعر بات أو‬
‫بسعر البورصة في تصفية محددة بتاريخ معين‪ .‬وهذه الوراق قد تكون حاضرة‪ ،‬وقد تكون على‬
‫المكشوف‪ ،‬أي ل يملكها بائعها‪.‬‬
‫‪ - 3‬بورصة العقود أو بورصة ( الكونتراتات ) ‪ :‬وهي التي يتم البيع فيها لسلع غائبة غير حاضرة‬
‫بسعر بات أو بسعر معلق على سعر البورصة في تصفية محددة‪ ،‬ويكون البيع فيها على المكشوف‪،‬‬
‫أي بيع مقدور التسليم في المستقبل ل في الحال‪.‬‬
‫وعمليات البورصة ذات أشكال ثلثة هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬العمليات العاجلة‪ :‬ويلجأ إليها الراغبون في استثمار أموالهم بشراء أوراق مالية‪ ،‬ويتم بيعها عند‬
‫توافر فرصة للربح‪ ،‬أو وجود أمل في الحصول على الجوائز التي تعطى لبعض السندات بطريق‬
‫السحب للرقام‪.‬‬
‫‪ - 2‬العمليات الجلة‪ :‬وهي نوعان‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموسوعة العلمية والعملية للبنوك السلمية‪. 391/5 :‬‬

‫( ‪)7/64‬‬

‫أ ـ العمليات الشرطية البسيطة‪ :‬وهي التي يكون فيها الخيار للمضارب بين فسخ العقد في ميعاد‬
‫التصفية أو قبله‪ ،‬أو تنفيذ العملية إذا رأى تقلب السعار لصالحه‪ ،‬على أن يدفع تعويضا متفقا عليه‬
‫سلفا‪.‬‬
‫ب ـ العمليات الشرطية المركبة‪ :‬وهي التي يكون فيها الخيار للمضارب بين أن يكون مشتريا أو‬
‫بائعا‪ ،‬وأن يفسخ العقد‪ ،‬إذا رأى مصلحة له في ذلك عند التصفية أو قبلها‪ ،‬مقابل تعويض أكبر مما‬
‫يدفع في العمليات البسيطة‪ ،‬يدفعه لصاحبه‪.‬‬
‫جـ ـ العمليات المضاعفة‪ :‬وهي التي يكون فيها الحق للمضارب في مضاعفة الكمية التي اشتراها‬
‫أو باعها‪ ،‬بسعر التعاقد‪ ،‬إذا رأى مصلحة في التصفية‪ ،‬على أن يدفع تعويضا مناسبا متفقا عليه‪،‬‬
‫يختلف بنسبة الكمية المضاعفة‪.‬‬
‫ويختلف معنى المضاربة في البورصة عن معناها الشرعي‪ ،‬فمضاربة البورصة‪ :‬هي المخاطرة على‬
‫سعر السلعة في البورصة في تصفية معينة‪ .‬وهي إما مضاربة على الصعود‪ :‬وهي أن المضارب‬
‫يشتري السلعة بسعر‪ ،‬وهو يخاطر في أنه سيرتفع‪ ،‬فيبيع حالً ما اشتراه مؤجلً بالسعر المرتفع‪،‬‬
‫ويقبض الفرق‪ .‬وإما مضاربة على الهبوط‪ :‬وهي أن يبيع الشخص سلعة بسعر‪ ،‬وهو يخاطر في أنه‬
‫سينخفض يوم التصفية‪ ،‬حيث يبيع بالثمن الحال‪ ،‬ويشتري ما اتفق عليه مؤجلً‪ ،‬ويقبض الربح‪.‬‬
‫وفي كلتا الحالتين قد يحدث خلف المتوقع فيخسر المضارب‪ ،‬ويتم البيع على المكشوف‪ ،‬فل تكون‬
‫السلعة في حيازة البائع‪ ،‬ول الثمن في حيازة المشتري وقت التعاقد‪ ،‬ول يتم تسليم أو تسلم إل يوم‬
‫التصفية‪ .‬وهذا كله حرام شرعا‪.‬‬
‫أما المضاربة الشرعية أو القراض فهي عقد يقوم على تقديم المال من أحد طرفي العقد‪ ،‬والعمل من‬
‫الطرف الخر‪.‬‬

‫( ‪)7/65‬‬

‫خطة البحث‪ :‬يتضمن البحث قسمين‪ :‬الول ‪ :‬أحكام بورصة الوراق المالية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أحكام بورصة العقود «الكونتراتات» ‪.‬‬
‫القسم الول ـ أحكام بورصة الوراق المالية ‪:‬‬
‫الوراق المالية‪ :‬هي السهم والسندات‪.‬‬
‫أما السهم‪ :‬فهي حصص الشركاء في الشركات المساهمة‪ ،‬فيقسم رأس مال الشركة إلى أجزاء‬
‫متساوية‪ ،‬يسمى كل منها سهما‪ ،‬والسهم‪ :‬جزء من رأس مال الشركة المساهمة‪ ،‬وهو يمثل حق‬
‫المساهم مقدرا بالنقود‪ ،‬لتحديد مسؤوليته ونصيبه في ربح الشركة أو خسارتها‪ .‬فإذا ارتفعت أرباح‬
‫الشركة ارتفع بالتالي ثمن السهم إذا أراد صاحبه بيعه‪ ،‬وإذا خسرت انخفض بالتالي سعره إذا أراد‬
‫صاحبه بيعه‪.‬‬
‫ويجوز شرعا وقانونا بيع السهم‪ ،‬بسعر بات‪ ،‬أما إذا كان السعر مؤجلً لوقت التصفية فل يجوز البيع‬
‫لجهالة الثمن‪ ،‬لن العلم بالثمن شرط لصحة البيع عند جماهير العلماء‪ .‬وأجاز المام أحمد وابن تيمية‬
‫وابن القيم البيع بما ينقطع عليه السعر‪ ،‬قياسا على القول بمهر المثل في الزواج‪ ،‬وأجر المثل في‬
‫الجارة‪ ،‬وثمن المثل في البيع‪ ،‬وعملً بالمتعارف‪ ،‬وبما يحقق مصالح الناس‪.‬‬
‫أما بيع السهم على المكشوف‪ ،‬أي إذا كان البائع ل يملكها في أثناء التعاقد‪ ،‬فل يجوز‪ ،‬للنهي الثابت‬
‫شرعا عن بيع ما ل يملك النسان‪.‬‬
‫أما السندات‪ :‬فهي أوراق مالية‪ ،‬ضمانا لدين على الدولة‪ ،‬أو على إحدى الشركات‪ ،‬ويقدر لها فائدة‬
‫ثابتة أو ربح ثابت‪ ،‬كما يكون هناك خصم في إصدار السندات بمعنى أن يدفع المكتتب أقل من القيمة‬
‫السمية على أن يسترد القيمة السمية كاملة عند الستحقاق‪ ،‬علوة على الفوائد السنوية‪ ،‬والخلصة‪:‬‬
‫أنها قرض بفائدة سنوية‪ ،‬ل تتبع الربح والخسارة‪.‬‬

‫( ‪)7/66‬‬

‫والرأي الراجح المتعين في حكم هذه السندات أنها حرام شرعا‪ ،‬ول يجوز التعامل بها بيعا أو شراء‪،‬‬
‫لن كل قرض جر نفعا فهو ربا‪ ،‬وهذا قرض جر نفعا‪ ،‬فهو من الربا الواضح‪ .‬والبديل لستمرار‬
‫الشركات التي تصدرها أن تتحول هذه السندات إلى أسهم‪ ،‬وأن تباع أو تشترى بعقد حالّ‪ ،‬بحيث‬
‫يشارك حاملوها في الربح والخسارة‪ ،‬وهذا يناقض المبدأ الشرعي‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ويناقض‬
‫قاعدة «الغنم بالغرم» وتكون المساهمة في الربح والخسارة عدلً‪ ،‬والعدل واجب‪ ،‬وغيره ظلم‪ ،‬والظلم‬
‫ل وعرفا وقانونا‪ ،‬ولن التعامل بالسندات يعتمد على الفكر الربوي الرأسمالي وهو‬
‫حرام شرعا وعق ً‬
‫أن المال يولد المال‪ ،‬أما الفكر السلمي فهو أن العمل هو الذي يثمر المال‪.‬‬
‫أما الذين أجازوا التعامل بالسندات من المعاصرين كالشيخ محمد عبده والستاذ عبد الوهاب خلف‬
‫بالعتماد على أن تحديد الفائدة أو الربح أصبح ضروريا بعد فساد ذمم الكثير من الناس‪ ،‬فإنهم‬
‫يصادمون صراحة النصوص التي تحرّم الفائدة الثابتة أو الربا‪ ،‬ويعتمدون على مصالح تصادم النص‪،‬‬
‫فل تعتبر كما أنه ل تتوافر ضوابط الضرورة الشرعية التي تسوغ الستثناء‪.‬‬
‫القسم الثاني ـ أحكام بورصة العقود ( الكونتراتات )‬
‫الكلم في هذا القسم يتناول حكم بيع النسان مال يملك‪ ،‬وبيع الشيء قبل القبض‪ ،‬والعقد دون تحديد‬
‫السعر‪ ،‬والعمليات الجلة الشرطية البسيطة‪ ،‬والعمليات الجلة الشرطية المركبة‪ ،‬والعمليات‬
‫المضاعفة‪ ،‬وحكم بدل التأجيل للتسليم والتسلم‪ ،‬وبيع الدين بالدين‪ ،‬وعمولت المصارف مقابل‬
‫الخدمات أو الضمانات‪.‬‬

‫( ‪)7/67‬‬

‫أولً‪ :‬حكم بيع النسان مال يملك (بيع المعدوم وبيع معجوز التسليم في الحال وبيع الغرر ) ‪:‬‬
‫اشترط جمهور العلماء لنعقاد العقد أن يكون محل العقد موجودا وقت التعاقد‪ ،‬فل يصح التعاقد على‬
‫معدوم‪ ،‬كبيع الزرع قبل ظهوره لحتمال عدم نباته‪ ،‬ول على ماله خطر العدم‪ ،‬أي احتمال عدم‬
‫الوجود كبيع الحمل في بطن أمه‪ ،‬لحتمال ولدته ميتا‪ ،‬وكبيع اللبن في الضرع‪ ،‬لحتمال عدمه بكونه‬
‫انتفاخا‪ ،‬وكبيع اللؤلؤ في الصدف‪ ،‬ول يصح التعاقد على مستحيل الوجود في المستقبل‪ ،‬كالتعاقد مع‬
‫طبيب على علج مريض توفي‪ ،‬فإن الميت ل يصلح محلً للعلج‪ ،‬وكالتعاقد مع عامل على حصاد‬
‫زرع احترق‪ ،‬فكل هذه العقود باطلة‪.‬‬
‫هذا الشرط مطلوب عند الحنفية والشافعية (‪ ، )1‬سواء أكان التصرف من عقود المعاوضات أم من‬
‫عقود التبرعات‪ ،‬فالتصرف بالمعدوم باطل‪ ،‬سواء بالبيع أو الهبة أو الرهن‪ ،‬لنهي النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم عن بيع حبل الحبلة (‪ )2‬ونهيه عن بيع المضامين والملقيح (‪ )3‬وعن بيع ما ليس عند النسان‬
‫فيما رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن عبد ال بن عمرو أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«ل يحل سلف وبيع‪ ،‬ول شرطان في بيع‪ ،‬ول ربح ما لم يضمن‪ ،‬ول بيع ما ليس عند ك» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ ،194/12 :‬البدائع‪ ،138/5 :‬فتح القدير‪ ،192/5 :‬مغني المحتاج‪ ،30/2 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪.262/1‬‬
‫(‪ )2‬أي بيع ولد ولد الناقة أو بيع ولد الناقة‪ ،‬والحديث رواه أحمد ومسلم والترمذي عن ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬المضامين‪ :‬ما في أصلب البل‪ ،‬والملقيح‪ :‬ما في بطون النوق‪ ،‬والحديث رواه عبد الرزاق في‬
‫مصنفه عن ابن عمر‪.‬‬

‫( ‪)7/68‬‬

‫واستثنى هؤلء الفقهاء من قاعدة المنع من التصرف بالمعدوم عقود السلم والجارة والمساقاة‬
‫والستصناع‪ ،‬مع عدم وجود المحل المعقود عليه حين إنشاء العقد‪ ،‬استحسانا‪ ،‬مراعاة لحاجة الناس‬
‫إليها‪ ،‬وتعارفهم عليها‪ ،‬وإذن الشرع في السلم والجارة والمساقاة ونحوها‪.‬‬
‫واكتفى المالكية باشتراط هذا الشرط في المعاوضات المالية‪ ،‬دون التبرعات كالهبة والوقف والرهن (‬
‫‪. )1‬‬
‫ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط‪ ،‬واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع‪ ،‬كبيع‬
‫الحمل في البطن دون الم‪ ،‬وبيع اللبن في الضرع‪ ،‬والصوف على ظهر الغنم‪ ،‬وأجازوا فيما عدا ذلك‬
‫بيع المعدوم عند العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة‪ ،‬كبيع الدار على الهيكل أو‬
‫الخريطة‪ ،‬لنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم‪ ،‬ل في الكتاب ول في السنة ول في كلم الصحابة‪،‬‬
‫وإنما ورد النهي عن بيع الغرر‪ :‬وهو ما ل يقدر على تسليمه‪ ،‬سواء أكان موجودا أم معدوما‪ ،‬كبيع‬
‫الفرس الهارب والجمل الشارد‪ ،‬فليست العلة في المنع‪ ،‬ل العدم ول الوجود‪ ،‬فبيع المعدوم إذا كان‬
‫مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر‪ ،‬ل للعدم‪ .‬بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض‬
‫المواضع‪ ،‬فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدء صلحه‪ ،‬والحب بعد اشتداده‪ ،‬والعقد في هذه الحالة ورد على‬
‫الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد‪ .‬وأما حديث النهي عن بيع ما ليس عند النسان المتقدم‪ ،‬فالسبب‬
‫فيه هو الغرر‪ ،‬لعدم القدرة على التسليم‪ ،‬ل أنه معدوم (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،305/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.367‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،208 ،200/4 :‬نظرية العقد لبن تيمية‪ :‬ص ‪ ،224‬أعلم الموقعين‪.8/2 :‬‬

‫( ‪)7/69‬‬

‫وعلى أي حال فقد اتفقت المذاهب الثمانية (‪ )1‬وجميع الفقهاء‪ ،‬ومنهم ابن حزم وابن تيمية وابن القيم‬
‫على أن بيع النسان ما ل يملك ل يجوز‪ ،‬إما لنه معدوم أثناء العقد عند الغلبية الساحقة‪ ،‬وإما لنه‬
‫غرر عند الحنابلة للحاديث الثلثة التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث حكيم بن حزام الذي أخرجه أصحاب السنن قال‪« :‬قلت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬يأتيني الرجل‪،‬‬
‫فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه‪ ،‬ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال‪ :‬ل تبع ما ليس عندك» ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حديث عبد ال بن عمرو المتقدم الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن الربعة والدارمي قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل يحل سلف وبيع‪ ،‬ول ربح ما لم يضمن‪ ،‬ول بيع ما ليس‬
‫عندك» ‪.‬‬
‫‪ - 3‬حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم عن بيع الغرر‪ ،‬وعن بيع الحصاة» ‪.‬‬
‫واتفقت المذاهب الربعة على بطلن بيع معجوز التسليم‪ ،‬أي ما ل يقدر على تسليمه كالطير في‬
‫الهواء‪ ،‬والسمك في الماء والجمل الشارد والفرس الهارب والمال المغصوب في يد الغاصب‪ ،‬وكبيع‬
‫الدار أو الرض تحت يد العدو‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم ـ كما تقدم ـ نهى عن بيع الحصاة‬
‫وعن بيع الغرر‪ ،‬وهذا غرر (‪. )2‬‬
‫واتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر‪ ،‬كبيع اللبن في الضرع‪ ،‬والصوف‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير والبدائع‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬المقدمات الممهدات‪ ،202/3 :‬الشرح الصغير والقوانين‬
‫الفقهية‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬مغني المحتاج والمهذب‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬المغني‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬المحلى‪:‬‬
‫‪ ،363/9‬منهاج الصالحين عند الزيدية‪ ،24/2 :‬البحر الزخار‪.291/3 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،295/5 :‬بداية المجتهد‪ ،156/2 :‬المهذب‪ ،263/1 :‬المغني‪.202/4 :‬‬

‫( ‪)7/70‬‬

‫على الظهر‪ ،‬واللؤلؤ في الصدف‪ ،‬والحمل في البطن‪ ،‬والسمك في الماء‪ ،‬والطير في الهواء قبل‬
‫صيدهما‪ ،‬وبيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه قبل ملكه له‪ ،‬لن البائع باع ما ليس بمملوك له في‬
‫الحال‪ ،‬سواء أكان السمك في البحر أم في النهر‪ ،‬أي في حظيرة ل يؤخذ منها إل باصطياد‪ ،‬وسواء‬
‫أكان الغرر في المبيع أم في الثمن (‪. )1‬‬
‫ثانيا‪ :‬بيع الشيء المملوك قبل قبضه من آخر ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء من حيث المبدأ على عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه من مالك آخر‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في‬
‫مدى عموم الحكم وإطلقه وتقييده‪ ،‬لختلف روايات الحاديث المانعة منه‪ ،‬أو بسبب تأويل معنى‬
‫الحديث‪ ،‬أو للعمل بظاهر الحديث فقط‪.‬‬
‫منهم كالشافعية‪ ،‬ومحمد وزفر من الحنفية من منع التصرف في المبيع قبل قبضه مطلقا‪ .‬ومنهم من‬
‫منع منه في المنقولت دون العقارات وهو مذهب الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬ومنهم من جوزه‬
‫في غير الطعام وهم المالكية‪ ،‬ومنهم من جوزه في غير المعدود والموزون والمكيل من الطعام (أي‬
‫غير المقدرات) وهم الحنابلة‪ ،‬وقريب منهم المامية والزيدية‪ ،‬ومنهم من جوزه في غير القمح خاصة‬
‫وهم الظاهرية‪.‬‬
‫وأما الشافعية ومحمد بن الحسن وزفر فقالوا‪ :‬ل يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه مطلقا قبل قبضه‪،‬‬
‫عقارا كان أو منقولً‪ ،‬لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض‪ ،‬في حديث أحمد وغيره المتقدم عن حكيم بن‬
‫حزام‪« :‬ل يحل سلف وبيع‪ ،‬ول‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المجموع للنووي‪ ،280/9 :‬قواعد الحكام للعز بن عبد السلم‪ ،76/2 :‬نيل الوطار‪.148/5 :‬‬

‫( ‪)7/71‬‬

‫ربح ما لم يضمن‪ ،‬ول بيع ما ليس عند ك» وهذا من باب ما لم يضمن‪ ،‬ومعناه‪ :‬مالم يقبض ‪ ،‬لن‬
‫السلعة قبل تلفها ليست في ضمان المشتري‪ ،‬لنه ربما هلك‪ ،‬فانفسخ العقد‪ ،‬وفيه غرر من غير حاجة‪،‬‬
‫فلم يجز‪ ،‬فالعلة في منع البيع هي الغرر (‪. )1‬‬
‫وأما المعتمد عند الحنفية وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف فهو التفصيل‪ ،‬وهو أنه ل يجوز‬
‫التصرف في المبيع المنقول قبل القبض‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض‪،‬‬
‫والنهي يوجب فساد المنهي عنه‪ ،‬ولنه بيع فيه غرر النفساخ بهلك المعقود‪ ،‬أي إنه يحتمل الهلك‪،‬‬
‫فل يدري المشتري‪ :‬هل يبقى المبيع أو يهلك قبل القبض‪ ،‬فيبطل البيع الول‪ ،‬وينفسخ الثاني‪ ،‬وقد نهى‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن بيع فيه غرر‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ل بعمومات البيع من غير‬
‫وأما العقار‪ :‬كالراضي والدور‪ ،‬فيجوز بيعه قبل القبض‪ ،‬استحسانا استدل ً‬
‫تخصيص‪ ،‬ول يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد‪ ،‬ول غرر في العقار‪ ،‬إذ ل يتوهم هلك‬
‫العقار‪ ،‬ول يخاف تغيره غالبا بعد وقوع البيع وقبل القبض‪ ،‬أي إن تلف العقار غير محتمل‪ ،‬فل‬
‫يتقرر الغرر (‪ . )2‬والخلصة‪ :‬أن العلة في مذهب الحنفية في عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه هي‬
‫الغرر‪ ،‬كما قال الشافعية‪.‬‬
‫وبما أن السلع التي تباع في البورصة ( بيع الكنتراتات ) هي منقولت لها مقدرات مثلية‪ ،‬وليست‬
‫عقارات‪ ،‬فل يجوز بيعها قبل قبضها عند الحنفية والشافعية‪.‬‬
‫ويكون البيع فاسدا عند الحنفية باطلً عند الشافعية‪ ،‬لنه يتم فيه البيع قبل القبض وبثمن مختلف‪.‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،68/2 :‬المهذب‪.264/1 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،193/4 :‬البدائع‪.139/5 :‬‬

‫( ‪)7/72‬‬

‫أما المالكية‪ :‬فإنهم قصروا المنع في بيع الشيء قبل قبضه على بيع الطعام (‪ )1‬خاصة‪ ،‬إذا بيع بالكيل‬
‫أو الوزن أو العد‪ ،‬أما غير الطعام أو الطعام المبيع جزافا‪ :‬فيجوز بيعه قبل قبضه‪ ،‬لغلبة تغير الطعام‬
‫بخلف ما سواه‪ ،‬ولمفهوم حديث ابن عمر الذي رواه أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه أن‬
‫رسول ل صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬من ابتاع طعاما‪ ،‬فل يبعه حتى يقبضه» ‪ .‬والعلة في منع بيع‬
‫الطعام قبل قبضه عندهم‪ :‬هي أنه قد يتخذ ذريعة للتوصل إلى ربا النسيئة‪ ،‬فهو شبيه ببيع الطعام‬
‫بالطعام نسيئة‪ ،‬فيحرم سد ا للذرائع (‪. )2‬‬
‫ل أو موزونا أو معدودا أي المقدرات‪،‬‬
‫وأما الحنابلة‪ :‬فقالوا‪ :‬ل يجوز بيع الشيء قبل قبضه إذا كان كي ً‬
‫لسهولة قبض المكيل والموزون والمعدود عادة‪ ،‬فل يتعذر عليه القبض‪ ،‬واستدللً بمفهوم حديث‬
‫الطعام السابق‪ ،‬فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه‪ ،‬يدل على إباحة البيع فيما سواه‪ ،‬ولم‬
‫يصح غيره من الحاديث‪ .‬واشتراط الكيل أو الوزن أو العد‪ ،‬لن المكيل والموزون والمعدود ل‬
‫يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إل بالكيل أو الوزن أو العدد‪ ،‬وقد نهى الرسول صلّى‬
‫ال عليه وسلم عن بيع ما لم يضمن‪ .‬فالعلة في منع البيع عندهم هي الغرر كما قال الحنفية (‪. )3‬‬
‫وأما غير المكيل والموزون والمعدود‪ ،‬أي غير المقدرات‪ ،‬فيصح عند الحنابلة بيعه قبل قبضه‪.‬‬
‫وبناء عليه يصح عند المالكية للمشتري التصرف في المبيع قبل قبضه‪ ،‬سواء كان البيع أعيانا منقولة‬
‫أو أعيانا ثابتة كالرض والنخيل ونحوها إل الطعام المكيل أو الموزون أو المعدود‪ .‬ويصح عند‬
‫الحنابلة بيع غير المكيل أو الموزون أوالمعدود‪ .‬فما يجري داخل البورصة من بيع العقود قبل قبضها‬
‫يصح في هذين المذهبين بالتخلية‪ ،‬أي بتسليم البائع المبيع وقبض المشتري برفع الحوائل وإزالة‬
‫المانع‪.‬‬
‫وأما الظاهرية‪ :‬فأجازوا بيع الشيء قبل قبضه إل القمح خاصة‪ ،‬سواء بيع كيلً أو وزنا أوجزافا‪،‬‬
‫عملً بظاهر النهي في الحديث‪ ،‬والطعام عندهم ل يكون إل في القمح‪ .‬ومعنى القبض‪ :‬أن يطلق‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يشمل الطعام عنده كل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والدم بجميع أنواعهاكالزيت والعسل‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المنتقى على الموطأ‪ ،279/4 :‬بداية المجتهد‪.142/2 :‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ 113 ،110/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)7/73‬‬

‫البائع يد المشتري في المبيع‪ ،‬بأل يحول بينه وبينه (‪. )1‬‬


‫وأما المامية‪ :‬فقالوا‪ :‬ل بأس ببيع ما لم يقبض‪ ،‬ويكره فيما يكال أو يوزن‪ ،‬وتتأكد الكراهية في‬
‫الطعام‪ ،‬وقيل‪ :‬يحرم (‪. )2‬‬
‫وأما الزيدية‪ :‬فأجازوا بيع الشيء قبل القبض إن كان مما ل يكال ول يوزن‪ ،‬ومنعوا في الظهر البيع‬
‫بالربح فيما يكال أو يوزن قبل القبض (‪. )3‬‬
‫والظاهر رجحان رأي الشافعية‪ ،‬لعموم النهي عن بيع الشيء قبل قبضه في حديث حكيم بن حزام‪،‬‬
‫دون قصره على الطعام‪ ،‬ويكون حديث النهي عن الطعام في حالة من حالت النهي ل تمنع غيرها‪،‬‬
‫وهو احتجاج بالمفهوم المخالف من الحديث‪ ،‬والمنطوق في حديث حكيم بن حزام مقدم عليه‪ ،‬ويؤيده‬
‫حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى أن تباع‬
‫السلع حيث تبتاع‪ ،‬حتى يحوزها التجار إلى رحالهم‪ ،‬ثم إن الملكية في الشيء قبل القبض ضعيفة‪،‬‬
‫وفيها غرر أي احتمال الحصول وعدم الحصول‪ ،‬ويترجح عدم الحصول في حال احتكار المنتجين‬
‫للسلع وإيقاع البائعين على المكشوف في حرج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المحلى‪.297 ،292/1 :‬‬
‫(‪ )2‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪.148‬‬
‫(‪ )3‬منهاج الصالحين‪.51/2 :‬‬

‫( ‪)7/74‬‬

‫ثالثا ـ البيع دون تحديد السعر (أو البيع بما ينقطع عليه السعر ) ‪:‬‬
‫اتفقت المذاهب الثمانية على اشتراط معرفة الثمن في عقد البيع حال العقد أو قبله‪ ،‬فل يجوز البيع‬
‫بثمن مجهول‪ ،‬ول بد من بيان جنس الثمن وقدره وصفته (‪ . )1‬وعليه فل يصح عندهم البيع بما‬
‫ينقطع عليه السعر أو بسعر السوق في يوم معين أو في فترة محددة‪.‬‬
‫لكن روي عن المام أحمد جواز البيع بما ينقطع عليه السعر في المستقبل بتاريخ معين من غير تقدير‬
‫الثمن أو تحديده وقت العقد‪ ،‬لتعارف الناس‪ ،‬ولتعاملهم به في كل زمان ومكان‪ .‬وقد رجح ابن تيمية‬
‫وابن القيم هذا الرأي‪ ،‬وأرادوا به سعر السوق وقت البيع‪ ،‬ل أي سعر في المستقبل (‪. )2‬‬
‫وبه يتبين أن جميع المذاهب ل تجيز البيع الحالي في البورصة حيث تباع السلع الحاضرة بثمن‬
‫السوق في يوم محدد أو في خلل فترة محددة هي فترة التصفية‪ ،‬حتى عند ابن تيمية وابن القيم‬
‫ورواية عن أحمد الذين يجيزون البيع بما ينقطع عليه السعر‪ ،‬فإنهم أرادوا كما تقدم سعر السوق وقت‬
‫البيع‪ ،‬ل أي سعر في المستقبل‪ ،‬كمن يشتري شيئا من خباز أو لحام أو سمّان أو غيرهم‪ ،‬بسعر يومه‪،‬‬
‫ثم يحاسبه في نهاية الشهر ويعطيه ثمنه‪ ،‬وهذا ما يسمى ببيع الستجرار‪.‬‬
‫وقد تورط بعض الساتذة المعاصرين برأي بعض الحنابلة‪ ،‬فأجازوا البيع بسعر السوق يوم كذا‪ ،‬أو‬
‫بسعر القفال في بورصة كذا‪ ،‬لرضا المتعاقدين بذلك‪ ،‬ولن جهالة الثمن حينئذ ل تؤدي إلى‬
‫المنازعة‪ ،‬واحتجاجا بقول ابن تيمية بأنه عمل الناس في كل عصر ومصر‪ ،‬وقوله‪ :‬هو أطيب لقلب‬
‫المشتري من المساومة‪ ،‬يقول‪ :‬لي أسوة بالناس‪.‬‬
‫وكل ذلك في رأيي محل نظر وتأمل‪ ،‬فإن ما أراده ابن تيمية غير ما يحدث في بورصة العقود‬
‫الحالية‪ ،‬كما أن بيع الستجرار ونحوه روعي فيه حاجة بعض الناس‪ ،‬وأين مثل هذه الحاجة في‬
‫البورصة؟!‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ ،49/13 :‬البدائع‪ ،158/5:‬فتح القدير‪ ،113/5 :‬رد المحتار‪ ،30/4 :‬الشرح الكبير‬
‫للدردير‪ ،15/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،257‬مغني المحتاج‪ ،17/2 :‬المهذب‪ ،266/1 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،187/4‬المحلى‪ ،19/9 :‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪ ،143‬منهاج الصالحين‪.25/2 :‬‬
‫(‪ )2‬غاية المنتهى‪ ،26 ،14/2 :‬نظرية العقد لبن تيمية‪ :‬ص ‪ ،220‬أعلم الموقعين‪.6-5/4 :‬‬

‫( ‪)7/75‬‬

‫رابعا ‪ :‬العمليات الجلة الشرطية البسيطة ‪:‬‬


‫وهي كما عرفنا أن يكون من حق المضارب فسخ العقد في ميعاد التصفية أو قبله إذا أحس بانقلب‬
‫السعار في غير صالحه‪ ،‬على أن يدفع أولً تعويضا للطرف الخر‪ ،‬ول يرد إليه‪ ،‬ويسمى هذا‬
‫بالشرط البسيط‪.‬‬
‫ويمكن معرفة حكم هذه العمليات في ضوء ما يعرف في فقهنا بشرط الخيار‪ ،‬وقد أجاز جميع الفقهاء‬
‫ما عدا الظاهرية خيار الشرط (‪ ، )1‬ولكنهم اختلفوا في مدة الخيار المشروع‪:‬‬
‫فقال أبو حنيفة وزفر والشافعي‪ :‬يجوز شرط الخيار في مدة معلومة ل تزيد على ثلثة أيام‪ ،‬عملً‬
‫بحديث حبان بن منقذ الذي أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن عمر‪ ،‬فقد‬
‫شكا أنه يغبن في البياعات إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪« :‬إذا بايعت فقل؛ ل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ ،40/12 :‬البدائع‪ ،174/5 :‬المدونة‪ ،223/3 :‬المنتقى على الموطأ‪ ،108/5 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،258/1‬مغني المحتاج‪ ،47/2 :‬المغني‪ ،585/3 :‬غاية المنتهى‪ ،30/2 :‬بداية المجتهد‪،207/2 :‬‬
‫الدردير والدسوقي‪ ،95 ،91/3 :‬المحلى‪ ،328/9 :‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪ ،145‬منهاج الصالحين‪:‬‬
‫‪ ،32/2‬البحر الزخار‪.349/3 :‬‬

‫( ‪)7/76‬‬
‫خلبة (‪ ، )1‬ولي الخيار ثلثة أيام» ‪.‬‬
‫وأجاز أبو يوسف ومحمد والحنابلة والمامية والزيدية اشتراط مدة الخيار حسبما يتفق عليه البائع‬
‫والمشتري من المدة المعلومة‪ ،‬قلت مدته أو كثرت‪ ،‬لن الخيار يعتمد الشرط‪ ،‬فيرجع في تقديره إلى‬
‫مشترطه كالجل‪.‬‬
‫وأجاز المالكية الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة‪ .‬ويختلف ذلك باختلف الحوال‪ ،‬فخيار الشرط في‬
‫الفاكهة يوم‪ ،‬وفي الثياب والدابة ثلثة أيام‪ ،‬وفي الرض أ كثر من ثلثة أيام‪ ،‬وفي الدار ونحوها مدة‬
‫شهر‪.‬‬
‫وبناء على هذا الرأي للمالكية والحنابلة ومن وافقهم‪ ،‬تجوز العمليات الجلة الشرطية البسيطة إذا‬
‫كانت مدة استعمال حق الخيار معلومة على النحو المذكور‪ ،‬ومدة الخيار في هذه العمليات معلومة‬
‫وهي الفترة ما بين وقت العقد إلى وقت أقرب تصفية‪ .‬ويجوز دفع المال بشرط متفق عليه أو التبرع‬
‫به لستعمال حق الخيار‪ ،‬لن المسلمين على شروطهم‪ ،‬ولن دفع المال يؤيد ما شرعه الشرع من حق‬
‫الخيار‪ .‬لكن ل يجوز التفاق على إسقاط حق الخيار بعوض‪ ،‬فقد نص فقهاؤنا على أنه لو صالح‬
‫شخص بعوض عن خيار في بيع أو إجارة‪ ،‬لم يصح الصلح‪ ،‬لن الخيار لم يشرع لستفادة مال‪ ،‬وإنما‬
‫شرع للنظر في الحظ‪ ،‬فلم يصح العتياض عنه (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أي ل خديعة ول غبن‪ ،‬والمعنى‪ :‬ل يحل لك خديعتي‪ ،‬أو ل تلزمني خديعتك‪.‬‬
‫(‪ )2‬العقود المسماة في القانونين الماراتي والردني للباحث‪ :‬ص ‪ ،205‬التقنين الحنبلي (م ‪)264‬‬
‫كشاف القناع‪.387/3 :‬‬

‫( ‪)7/77‬‬

‫خامسا ‪ :‬العمليات الشرطية المركبة ‪:‬‬


‫وهي العمليات التي يكون للبائع الحق فيها في أن يتحول إلى مشتر وأن يفسخ العقد‪ ،‬أو أن يظل بائعا‬
‫حسبما يتراءى له من تقلبات السعار عند التصفية أو قبلها‪ ،‬مقابل تعويض أكبر مما يدفع في العمليات‬
‫البسيطة يدفعه لصاحبه‪.‬‬
‫وهي جائزة كالعمليات الشرطية البسيطة (‪ ، )1‬عملً بما يراه الجهور من اشتراط مدة في خيار‬
‫الشرط بحسب الحاجة أو الحوال‪.‬‬
‫سادسا ـ العمليات المضاعفة ‪:‬‬
‫وهي التي يكون فيها الحق لحد العاقدين‪ :‬البائع أو المشتري في مضاعفة الكمية التي باعها أو‬
‫اشتراها‪ ،‬بسعر يوم التعاقد‪ ،‬مقابل تعويض يدفعه الراغب في المضاعفة عند اتضاح السعار‪ ،‬ول يرد‬
‫إليه‪ ،‬وتختلف قيمة التعويض بحسب كمية الزيادة وموضوع التخزين‪ .‬وهذا أيضا جائز إذا كانت‬
‫الكمية المضاعفة معلومة (‪ ، )2‬لنه ل يجوز تعديل العقد بشرط إضافي‪ ،‬ويعتبر التعويض مضافا إلى‬
‫أصل الثمن‪ ،‬والمسلمون عند شروطهم‪.‬‬
‫سابعا ـ حكم بدل التأجيل ‪:‬‬
‫إذا تم تسليم المبيع والثمن في وقت التسليم‪ ،‬فل إشكال وتنتهي الصفقة‪ ،‬أما إذا اتفق العاقدان على‬
‫تأجيل التسليم والتسلم لوقت لحق هو وقت التصفية القادمة مقابل تعويض يدفعه إلى الخر الذي يقبل‬
‫نقل الصفقة إليه‪ ،‬وهو شخص آخر غير العاقدين‪ ،‬فهذا ربا واضح‪ ،‬لنه يبيع دينا حالً بثمن مؤجل مع‬
‫زيادة‪ ،‬كربا الجاهلية‪ :‬إما أن تدفع أو تربي‪ ،‬لن مشتري الصفقة الذي يحل محل المشتري‪ ،‬إنما يأخذ‬
‫فائدة المبلغ الذي سيدفعه إليه العاقد الصلي‪ ،‬وهذا ربا محقق‪ ،‬لن دافع التعويض يدفعه مضطرا لنقل‬
‫تصفية صفقته إلى وقت مؤجل‪ ،‬يأمل فيه تغير السعار لمصلحته‪ ،‬ولم يدفعه متبرعا كالعمليات الثلث‬
‫السابقة‪ ،‬كما أن الخذ لم يأخذ التعويض مقابل حق تنازل عنه كما هو الحال في العمليات المتقدمة‪.‬‬
‫ثامنا ـ بيع الدين بالدين ‪:‬‬
‫الدين هو الشيء الثابت في الذمة‪ ،‬كثمن مبيع‪ ،‬وبدل قرض‪ ،‬وأجرة مقابل منفعة‪ ،‬وغرامة متلف‪،‬‬
‫ومسلم فيه في عقد السلم (بيع آجل بعاجل)‪.‬‬
‫وبيع الدين‪ :‬إما أن يكون لمن في ذمته الدين‪ ،‬أو لغير من عليه الدين‪ ،‬وفي كل من الحالين إما أن‬
‫يباع الدين في الحال‪ ،‬أو نسيئة مؤجلً‪.‬‬
‫وبيع الدين نسيئة‪ :‬هو ما يعرف ببيع الكالئ بالكالئ‪ ،‬أي بيع الدين بالدين‪ ،‬وهو بيع ممنوع شرعا‪ ،‬لن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم فيما يرويه الدارقطني عن ابن عمر‪ ،‬والطبراني عن رافع بن خديج نهى‬
‫عن بيع الكالئ بالكالئ (‪ . )3‬ومع أن الحديث ضعيف لكن أجمع الناس على أنه ل يجوز بيع دين‬
‫بدين‪ ،‬سواء أكان البيع للمدين‪ ،‬أم لغير المدين‪.‬‬
‫مثال الول ـ وهو بيع الدين للمدين‪ :‬أن يقول شخص لخر‪ :‬اشتريت منك هذه السلعة بدينار على أن‬
‫يتم تسليم العوضين بعد شهر مثلً‪ ،‬أو أن يشتري شخص شيئا إلى أجل‪ ،‬فإذا حل الجل‪ ،‬لم يجد البائع‬
‫ما يقضي به دينه‪ ،‬فيقول‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموسوعة العلمية والعملية للبنوك السلمية‪.425/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬إل أنه حديث ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/78‬‬

‫للمشتري‪ :‬بعني هذا الشيء إلى أجل آخر بزيادة شيء‪ ،‬فيبيعه‪ ،‬ول يجري بينهما تقابض‪ ،‬فيكون هذا‬
‫ربا حراما تطبيقا لقاعدة‪« :‬زدني في الجل‪ ،‬وأزيدك في القدر» كما تقدم في النوع السابق‪ :‬سابعا‪.‬‬
‫ومثال بيع الدين لغير الدين‪ :‬أن يقول رجل لغيره‪ :‬بعتك السلعة التي لي عند فلن بكذا تدفعها لي بعد‬
‫شهر‪ .‬وهذا أيضا حرام‪.‬‬
‫وإذا كانت أغلب عمليات البورصة تتم في صورة بيع الدين بالدين دون تسليم ول تسلم كما هو‬
‫ملحظ‪ ،‬فل تجوز هذه العمليات‪ ،‬ول بد من تعجيل تنفيذ الصفقة دون تأخير‪.‬‬
‫أما بيع الدين نقدا في الحال‪ :‬فمختلف فيه‪ ،‬فقد أجاز جمهور الفقهاء غيرالظاهرية بيع الدين لمن عليه‬
‫الدين أو هبته له‪ ،‬ولم يجز الجمهور غير المالكية بيع الدين لغير المدين‪،‬وأجازه المالكية بشروط‬
‫ثمانية تبعده عن الغرر والربا وأي محظور آخر كبيع الطعام قبل قبضه (‪ . )1‬ول داعي لتفصيل‬
‫الكلم في هذا النوع من البيع في الحال‪ ،‬لنه غير موجود في البورصة‪ ،‬لعتماد أغلب العمليات فيها‬
‫على التأجيل‪.‬‬
‫تاسعا ـ عمولت المصارف (البنوك) مقابل الخدمات أو الضمانات ‪:‬‬
‫إن ما يأخذه المصرف (البنك) مقابل خدمات الحراسة‪ ،‬واستئجار الرض‪ ،‬واستعمال المخازن‬
‫(التخزين) وأجرة إعداد الفواتير وكتابة الحسابات‪ ،‬جائز مشروع ل شبهة فيه‪ ،‬لنه مقابل منفعة‪،‬‬
‫وإجارة المنافع والعمال جائزة شرعا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،148/5 :‬تكملة ابن عابدين‪ ،326/2 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،63/3 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ ،146/2‬المهذب‪ ،262/1 :‬المغني‪ ،30 ،120/4 :‬غاية المنتهى‪ ،80/2 :‬كشاف القناع‪،237/4 :‬‬
‫المحلى‪ ،7/9 :‬أصول البيوع الممنوعة للشيخ عبد السميع إمام‪ :‬ص ‪ ،19‬الغرر وأثره في العقود‬
‫للدكتور الصديق محمد الضرير‪ :‬ص ‪.315‬‬

‫( ‪)7/79‬‬

‫أما ما يأخذه المصرف من الفوائد على المال المودع زيادة على الخدمات‪ ،‬أو مقابل القروض أو‬
‫الضمانات غير المغطاة فعلً‪ ،‬فهو غير مشروع‪ ،‬إل إذا دخل البنك مع المضارب في شركة صحيحة‪،‬‬
‫أو مضاربة شرعية‪ ،‬في الحالت التي ل يجوز فيها البيع أو الشراء داخل البورصة وهي حالت البيع‬
‫الحال أو الشراء الحال‪ .‬أما المؤجل فقد بينت عدم جوازه للغرر والتصرف فيما ل يملك‪ ،‬وبيع الشيء‬
‫قبل القبض (‪. )1‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن حكم عمليات العقود داخل السوق المالية أو البورصة ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا كانت البضاعة حاضرة (أي وجود عيّنة) والسعر بات‪ ،‬فهذا حلل‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كانت البضاعة حاضرة‪ ،‬والسعر مؤجل ليوم التصفية‪ ،‬فهذا غير جائز عند جماهير العلماء‪،‬‬
‫وأجازه بعض المعاصرين عملً برأي المام أحمد وابن تيمية وابن القيم في البيع بما ينقطع عليه‬
‫السعر‪.‬‬
‫‪ - 3‬العقود المؤجلة‪ :‬وهي الحاصلة في بعض عمليات البورصة‪ ،‬فهذه غير جائزة‪ ،‬لنها بيع النسان‬
‫ما ليس عنده‪ ،‬وهو غير جائز بسبب وجود الغرر فيه‪ ،‬ولنها بيع للشيء قبل قبضه‪ ،‬وهو الرأي الذي‬
‫رجحته من مذهب الشافعية ومن وافقهم‪ ،‬وهي بيع دين بدين‪.‬‬
‫والبديل الشرعي عن العقود المؤجلة هو عقد السلم الجائز شرعا‪ ،‬وهو بيع آجل بعاجل‪ ،‬أو بيع شيء‬
‫موصوف في الذمة ببدل عاجل يجب قبضه عند الجمهور في مجلس العقد‪ ،‬ويجوزتأخيره مدة قليلة‬
‫كيوم أو ثلثة أيام عند المالكية‪ ،‬ويصح عقد السلم بلفظ البيع‪ ،‬ول يشترط كون المعقود‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموسوعة السابقة‪.426/5 :‬‬

‫( ‪)7/80‬‬

‫عليه موجودا عند التعاقد ‪،‬ول أن يكون في ملك البائع المسلم إليه‪ ،‬وإنما يكفي وجوده عند التسليم‪،‬‬
‫وإنما يشترط فيه أل يكون العقد مشتملً على ربا النسيئة‪ ،‬أي أل يكون مطعوما أو نقدا في مقابل‬
‫مطعوم أو نقد‪ ،‬ويصح أن يكون مطعوما مؤجلً في مقابل نقود‪.‬‬
‫المبحث السابع ‪ -‬عائد الستثمار ‪:‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫التنمية أو المزيد من استثمار الموال من قواعد السلم وثوابته القتصادية‪ ،‬لن في ذلك إنعاش‬
‫القتصاد‪ ،‬والسهام في تنشيط الحركة التجارية‪ ،‬وتحقيق الرخاء أو الرفاه الذي يستفيد منه أكبر‬
‫مجموعة من الناس‪.‬‬

‫( ‪)7/81‬‬
‫لذا رغب السلم في التجارة وحث عليها لكسب المعاش‪ ،‬وبارك ال فيها لتحصيل الربح‪ ،‬وتنمية‬
‫النتاج‪ ،‬وجعل السلم العمل هو أساس السترباح‪ ،‬والعقود المشروعة هي أعمال تتطلب خبرة‬
‫وجهدا‪ ،‬فقال ال تعالى‪ { :‬وأحل ال البيع وحرم الربا } [البقرة‪ ، ]275/2:‬فالبيع التجاري طريق‬
‫للكسب المشروع‪،‬فهو حلل‪ ،‬والربا أو الفائدة حرام‪ ،‬لن النقود ل تولد النقود‪ ،‬فالكسب الحاصل‬
‫بالمراباة حرام؛ لنه من غير جهد ول عمل‪ ،‬وإنما هو ظلم واستغلل‪ ،‬ومن أهم عوامل التضخم‬
‫النقدي‪ ،‬وانتشار الحتكارات‪ ،‬ووجود التفاوت الصارخ بين فئة الغنياء المترفين‪ ،‬والفقراء‬
‫المستضعفين والمعدِمين‪ .‬بل إن السلم حرم كل المكاسب الخبيثة كالغصب والرشوة والسرقة والنهب‬
‫والغش‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬ياأيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن‬
‫ض منكم} [النساء‪ .]29/4:‬وجاءت آيات قرآنية أخرى تؤيد كسب العمل والتجارة والحتراف‪ ،‬مثل‬
‫ترا ٍ‬
‫قوله تعالى‪ { :‬فإذا قضيت الصلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل ال } [الجمعة‪]10/62:‬‬
‫وقوله سبحانه‪ { :‬هو الذي جعل لكم الرض ذَلولً‪ ،‬فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه‪ ،‬وإليه‬
‫النشور } [الملك‪ .]15/67:‬وقوله عز وجل على سبيل تزكية التجارة المباحة المبارك فيها‪ { :‬يرجون‬
‫تجارةً لن تبور } [فاطر‪ .]29/35:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم حينما سئل عن أي الكسب أطيب‪:‬‬
‫« عمل الرجل بيده‪ ،‬وكل بيع مبرور » (‪ )1‬أي ل غش فيه ول خيانة‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‬
‫أيضا‪ « :‬تسعة أعشار الرزق في التجارة » (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع ( سبل السلم‪.) 4/3 :‬‬
‫(‪ )2‬حديث حسن عن نعيم بن عبد الرحمن الزدي ويحيى بن جابر الطائي مرسلً (الجامع الصغير‬
‫للسيوطي ‪.)130/1‬‬

‫( ‪)7/82‬‬

‫وفي الحياة القتصادية الحديثة وجدت استثمارات مشروعة تختلف عن الحوال الضيقة ذات الصبغة‬
‫المنفردة ( المضاربة الخاصة) بين عاقدين فأكثر‪ ،‬متمثلة في ( المضاربة المشتركة ) حيث يتعدد‬
‫أرباب المال وهم جماعة المستثمرين‪ ،‬الذين يقدمون المال بصورة انفرادية ليعمل به مضاربة‪ ،‬ويتلقاه‬
‫جماعة المضاربين في صورة مصرف (بنك) شركة أو جماعة‪ ،‬وهم الذين يأخذون المال منفردين‬
‫أيضا‪ ،‬ويقومون بتشغيله لدى شخص أو جهة للعمل فيه بالمضاربات المعقودة مع كل منهم على‬
‫انفراد‪.‬‬
‫وأصبح هذا اللون من الستثمار أكثر رغبة واجتذابا لرؤوس الموال المكدسة لتوافر قدر أكبر من‬
‫الثقة والئتمان‪.‬‬
‫خطة البحث ‪:‬‬
‫‪ -‬ماهو المراد من العائد‪ ،‬وما الفرق بينه وبين الربح؟‬
‫‪ -‬ماهي أنواع العوائد وما حكم كل منها؟‬
‫‪ -‬ماهي الطريقة السائغة شرعا لتحديد العائد على الستثمار؟‬
‫‪ -‬في الحالت التي يتغير فيها المستثمرون ( المودعون ) هل يجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية‬
‫محسوبة على اعتبار ماسيقع من الرباح أو العائد؟‬
‫‪-‬وإذا وافق جميع المستثمرين على هذه الطريقة السابقة‪ ،‬فهل تكون جائزة؟‬
‫‪ -‬وفي الحالت التي ليمكن فيها الرجوع على عميل قبض حصته‪ ،‬ثم يظهر أن الربح لم يتحقق في‬
‫نهاية المدة‪ ،‬كيف تكون المحاسبة؟ ومن يتحمل الفرق‪ ،‬الشركة أم المستثمر‪ ،‬أم غير ذلك؟‬
‫‪ -‬إذا أنشأ البنك حافظة استثمارية ( صندوق ) مقسمة إلى حصص يقوم بإدارتها نيابة عن‬
‫المستثمرين‪ ،‬فهل يجوز له اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح؟ وهل يجوز أن يكون مبلغا‬
‫محددا مقطوعا؟ وهل يجب على البنك أن يوضح هذا؟‬
‫‪ -‬ماهي التكاليف التي يجوز تحميلها للشركة في عقد المضاربة؟‬
‫‪-‬إذا كان العامل في المضاربة شركة ( شخصية معنوية مستقلة ) فهل تعتبر جميع رواتب الموظفين‬
‫والدارة من ضمن التكاليف؟‬
‫‪ -‬هل يجوز تنازل المستثمرين عن كل حق في التدخل في الدارة؟‬
‫‪ -‬هل يجوز حساب العائد يوميا؟‬
‫وأبدأ ببحث هذه العناصر‪:‬‬

‫( ‪)7/83‬‬

‫‪ -‬ما المراد من العائد‪ ،‬وما الفرق بينه وبين الربح؟ ‪:‬‬


‫عائد الستثمار‪ :‬هو ربح الستثمار المشروع الذي يوزع من باقي الربح على العضاء المستثمرين ‪-‬‬
‫بعد احتجاز الحتياطي ومايخصص للخدمات العامة ‪ -‬بنسبة المعاملت التي أبرمها كل منهم مع‬
‫المصرف ( البنك ) أو الجمعية التعاونية (‪. )1‬‬
‫إن القدر المخصص لفئة من المستثمرين يوزع بينهم بنسبة تعاملهم مع البنك السلمي‪ ،‬وهذا التعامل‬
‫امتزاج بين المال المودع بالبنك لستثماره‪ ،‬وبين الزمن‪ ،‬أي المدة التي ظل فيها المال مستثمرا‬
‫بالبنك‪.‬‬
‫ويكون التوزيع العادل لحصة المستثمرين فيما بينهم على أساس حواصيل ضرب المبالغ المستثمرة‬
‫في المدد التي بقيت في الستثمار‪ ،‬وهذه الحواصل هي المتعارف عليها في أعمال البنوك باسم‬
‫( النّمر ) أو العداد‪.‬‬
‫وعائد الستثمار يحدث بسبب الستثمار التعاقدي للنقود وهو المضاربة ( أو القراض ) وغيرها‬
‫كالمرابحة للمر بالشراء‪ .‬والمقصود المضاربة المشتركة كنظام جماعي للستثمار‪.‬‬
‫أما الربح‪ :‬فهو كما قال ابن قدامة‪ :‬الفاضل عن رأس المال‪ ،‬ومالم يفضل فليس بربح‪ ،‬ولنعلم في هذا‬
‫خلفا (‪ . )2‬وكما قال الزيلعي‪ :‬الربح تابع لرأس المال‪ ،‬فل يسلم الربح بدون سلمة الصل (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل إلى النظرية القتصادية للدكتور أحمد النجّار‪ :‬ص ‪.176‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.51/5 :‬‬
‫(‪ )3‬تبيين الحقائق‪.67/5 :‬‬

‫( ‪)7/84‬‬

‫والربح يعتبر بعد الجر (‪ )1‬النوع الثاني من الدخول ( جمع دخل ) التي يقرها القتصاد السلمي‪،‬‬
‫ويستحق شرعا لكل من قام بإنفاق عمل في سبيل إنتاج سلعة أو التجار بها‪ ،‬سواء كان إنفاق العمل‬
‫في السابق أو في الحال‪.‬‬
‫والربح عائد للتنظيم‪ ،‬أي أن رب العمل المنظم الذي يقوم على المشروع يستحق الناتج أو الربح‬
‫المتأتي من العملية النتاجية كعوص عن إسهامه في هذه العملية‪ .‬وقد يشترك معه آخرون من مديرين‬
‫وموظفين وعمال‪ .‬أما رأس المال التجاري فل يتقاضى أجرا مقابل إسهامه في العملية النتاجية‪ ،‬إنما‬
‫يتقاضى نصيبا في الرباح مقابل إسهامه في أعباء العملية النتاجية‪ ،‬وإذا دفعه صاحب رأس المال‬
‫إلى غيره ليتجر به‪ ،‬تحمل وحده الخسارة‪ ،‬وإذا حدث ربح يقتسم بين صاحب رأس المال التجاري‬
‫وبين العامل المنظّم بالنّسَب المتفق عليها (‪. )2‬‬
‫ودور المنظّم في التوصل للربح إما أن يكون في مال النسان الخاص‪ ،‬فيكون صافي الناتج من‬
‫المشروع الذي نهض به ( عمل ‪ +‬تنظيم ) وإما أن يكون في مال الغير من طريق الشركة‪ ،‬ومنها‬
‫المضاربة (‪. )3‬‬
‫إن الحصول على الربح يكون إذن إما بالجر أو من طريق المغامرة بالدخول في عمل غير مضمون‬
‫العائد‪ ،‬بدلً من العمل بأسلوب الجر التعاقدي‪ .‬وإذا فعل ذلك وحصل على رأس مال نقدي أو عيني‬
‫من شخص آخر‪ ،‬أو من مؤسسة من المؤسسات‪ ،‬على أساس اقتسام الربح‪ ،‬فإنه في هذه الحالة يسمى‬
‫( منظّما ) أو مستحدثا‪ .‬ويمكن اشتراك العمال في شراكة في عمل واحد كالخياطة أو الغسيل أو‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجر يعتبر النوع الول من الدخول‪ ،‬وهو مكافأة العامل مقابل إسهامه في العملية النتاجية‬
‫( عنصر العمل ) أو مكافأة عنصر الطبيعة المملوك ملكية خاصة كالرض‪ ،‬وعنصر رأس المال ‪.‬‬
‫(‪ )2‬اقتصادنا في ضوء القرآن والسنة للدكتور حسن أبو يحيى‪ :‬ص ‪.214‬‬
‫(‪ )3‬النظرية القتصادية في السلم للستاذ أحمد نعمان‪ :‬ص ‪ 256‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)7/85‬‬

‫غير ذلك‪ ،‬ثم يقتسمان صافي الربح بطريقة يتفقان عليها‪ ،‬كما يمكن للمتخصصين من محامين‬
‫ومهندسين وأطباء وغيرهم التجمع في مؤسسة تقدم الخدمات الستشارية ليقتسموا أيضا الرباح على‬
‫وفق نسب متفق عليها‪ .‬ويختلف هذا النوع من الدخول عن الجور؛ لن الحصول عليه ليتم عن‬
‫طريق التعاقد الثابت‪ ،‬فهو أقرب في طبيعته إلى الربح‪ ،‬لشتماله على احتمال الخسارة (‪. )1‬‬
‫ل منهما غير مضمون‪،‬‬
‫ويشترك عائد الستثمار والربح في أغلب الخصائص والضوابط‪ ،‬فإن ك ً‬
‫بعكس الفائدة الربوية فإنها مضمونة‪ ،‬وقد يصبح عائد الستثمار مضمونا كله لرب المال في حال دفع‬
‫العامل المضارب رأس المال كله أو بعضه إلى مضارب ثان‪ ،‬والعمل به عند الحنفية‪ ،‬أو في حال‬
‫خلط مال المضاربة بمال المضارب نفسه أو بمال قراض ( مضاربة ) عنده؛ لن المضاربة تكون‬
‫حينئذ فاسدة‪ .‬وفي حال فساد المضاربة يكون الربح كله لرب المال‪ ،‬وللعامل أجر المثل عند الجمهور‬
‫( الحنفية والشافعية والحنابلة) (‪ . )2‬ويزول فساد المضاربة المشتركة بإذن المودعين المستثمرين في‬
‫خلط أموالهم مع غيرها‪ ،‬كما هو حاصل الن في هذه المعاملة‪.‬‬
‫ويرد العامل عند المالكية (‪ )3‬في جميع أحكام المضاربة الفاسدة إلى قراض مثله في الربح والخسارة‬
‫في أحوال معدودة (‪ ، )4‬وله أجر مثل عمله في غيرها من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بحث الدكتور محمد نجاة صدّيقي في مجلة القتصاد السلمي بجامعة الملك عبد العزيز‪ :‬ص‬
‫‪.133‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،22/22 :‬البدائع‪ ،108/6 :‬تكملة فتح القدير ‪ ،58/7‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪،124‬‬
‫مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ ،311‬مغني المحتاج ‪ ،315/2‬غاية المنتهى‪.179/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير للدردير ‪ 519/3‬ومابعدها‪ ،‬الخرشي‪ ،208 - 205/6 :‬بداية المجتهد‪،240/3 :‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.282‬‬
‫(‪ )4‬أهم هذه الحالت‪ :‬حالة القراض بالعروض‪ ،‬وحالة جهالة الربح دون وجود عادة يحتكم إليها‪،‬‬
‫وحالة توقيت القراض كسنة مثل‪ ،‬وإضافة القراض للمستقبل‪ ،‬وحالة اشتراط ضمان رأس المال على‬
‫العامل‪ ،‬وحالة الختلف بين العاقدين بعد العمل على جزء الربح‪ .‬وأهم حالت وجوب أجرة المثل‬
‫في ذمة رب المال سواء حصل ربح أم ل‪ :‬وقوع القراض بدين لرب المال على العامل قبل قبضه‬
‫منه‪ ،‬أو بوديعة له عند العامل‪ ،‬واشتراط يد رب المال مع العامل في البيع والشراء والخذ والعطاء‪،‬‬
‫واشتراط مشاورته عند البيع والشراء‪ ،‬أو اشتراط أمين مع العامل يراقبه‪ ،‬أو مشاركة الغير في مال‬
‫القراض أو خلط أموال المضاربة‪.‬‬

‫( ‪)7/86‬‬

‫الحالت‪ .‬فإذا حدث ربح في الحوال المعدودة يثبت حق المضارب في الربح نفسه‪ ،‬ل في ذمة رب‬
‫المال‪ ،‬حتى إذا هلك المال‪ ،‬لم يكن للمضارب شيء‪ ،‬وإذا لم يكن ربح فل شيء له‪.‬‬
‫والفرق عند المالكية بين قراض المثل وأجره المثل‪ :‬أن الجرة تتعلق بذمة رب المال‪ ،‬سواء كان في‬
‫المال ربح أو لم يكن‪ ،‬وقراض المثل‪ :‬هو على سنة القراض‪ ،‬إن كان فيه ربح كان للعامل منه‪ ،‬وإل‬
‫فل شيء له (‪. )1‬‬
‫ويشترط في عائد الستثمار والربح كون كل منهما معلوم القدر‪ ،‬وجزءا شائعا من الجملة‪ ،‬والربح‬
‫حينئذ بالمقاسمة بحسب التفاق‪ ،‬فإذا كان هناك جهالة في المقدار‪ ،‬فسد العقد‪ ،‬وإذا شُرط ربح أو عائد‬
‫مقطوع لحد العاقدين‪،‬مثل كل شهر كذا درهما فسد العقد أيضا‪ ،‬وإذا لم يكن ربح‪ ،‬فصاحب المال‬
‫عطّل ماله‪ ،‬والعامل خسر جهده (‪. )2‬‬
‫والفرق بين الربح وعائد الستثمار يظهر في حال قسمة الربح‪ ،‬والمر يختلف بين المضاربة‬
‫الخاصة‪ ،‬والمضاربة المشتركة‪ ،‬ففي حال المضاربة الخاصة‪ :‬ليكون الربح إل بعد تنضيض رأس‬
‫المال ( أي تحويله من أعيان إلى نقود ) وذلك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،241/2 :‬المقدمات الممهدات‪.14/3 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،85/6 :‬تبيين الحقائق‪ 55/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،505/4 :‬الخرشي‪ ،209/6 :‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،234/2 :‬مغني المحتاج ‪ ،313/2‬المهذب ‪ ،385/1‬المغني‪ ،30/5 :‬نهاية المحتاج‪.162/4 :‬‬

‫( ‪)7/87‬‬

‫ليتم إل بعد التصفية الكاملة للعملية‪ ،‬ووجود الربح الفعلي‪ ،‬والغاية من ذلك‪ :‬هي أن يعود رأس المال‬
‫نقودا كما كان‪ ،‬حتى يتمكن رب المال من استرداد رأس ماله أولً‪ ،‬ثم تجري قسمة الربح المتبقي بعد‬
‫ذلك السترداد؛ لن الصل في الربح أنه وقاية لرأس المال‪ ،‬فل ربح إل بعد سلمة رأس المال‬
‫لصاحبه‪.‬‬
‫أما عائد الستثمار فيكون بسبب الستثمار الجماعي المشترك أو المضاربة المشتركة‪ ،‬وهذا الستثمار‬
‫يقوم على فكرة استمرار الستثمار من ناحية‪ ،‬وإجراء توزيع للرباح في فترات دورية من الناحية‬
‫الخرى ‪ ،‬حيث يتعذر إجراء التصفية الكلية في نهاية كل فترة يوزع فيها الربح على المستثمرين‪.‬‬
‫ويكون المضارب المشترك بمثابة الجير المشترك‪ ،‬والمضاربة المشتركة مستمرة بطبيعتها لتتوقف‬
‫أو تصفى إل إذا صفّي العمل بكامله‪.‬‬
‫ولمجال للقول بالربح المقدر أو المفترض لمعرفة عائد الستثمار‪ ،‬مع استمرار المضاربة المشتركة؛‬
‫لن الربح ليستقر إل بالقسمة‪ ،‬والقسمة لتصح إل بعودة رأس المال نقودا كما كان‪ ،‬لكي يقبضه‬
‫المضارب المشترك الذي هو ممثل المالك بالنسبة للمضاربين‪.‬‬
‫واستمرار المضاربة إلى أجل غير محدد يلجئنا إلى أن نجري القسمة سنويا كما تفعل الشركات‬
‫المساهمة‪ ،‬بقصد تحقيق نوع من النتظام‪ ،‬وإيجاد طريقة لتأدية عائد دوري للمستثمرين في مواعيد‬
‫محددة‪ .‬ففي نهاية كل عام تحصى الرباح المتحققة حتى يجري تقسيمها بنسبة الموال المخصصة‬
‫للستثمار‪ ،‬سواء أكانت أموالً للمستثمرين وحدهم‪ ،‬أم كانت مشتركة بينهم وبين المضارب المشترك‬
‫الذي هو المصرف اللربوي أو أية مؤسسة مالية عاملة في مجال الستثمار بهذا السلوب الجديد (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تطوير العمال المصرفية للدكتور سامي حمود‪ :‬ص ‪.455 - 453 ،425 - 424‬‬

‫( ‪)7/88‬‬
‫وحساب عائد الستثمار على هذا النحو يجعله مختلفا عن حساب الربح الفعلي في المضاربة الخاصة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن عائد الستثمار نوع خاص من الربح‪ ،‬له طريقة حسابية معينة تختلف عن الطريقة‬
‫العادية في حساب الربح من المضاربة الخاصة القائمة بين رب المال والعامل المضارب‪ ،‬تعتمد على‬
‫استثمار النقود على أساس تعاقدي بين من يملك مالً‪ ،‬وبين من يعمل في ذلك المال‪ .‬وإنما تعتمد على‬
‫المضاربة المشتركة كنظام جماعي للستثمار وهي تختلف عن المضاربة الخاصة في أشخاصها‪،‬‬
‫باعتبار أن المضاربة الخاصة ‪ -‬وإن تعدد الشخاص المتعاملون فيها ‪ -‬مقصورة على علقة ثنائية‬
‫بين مالك المال والعامل فيه‪ ،‬أما المضاربة المشتركة فإنها تضم ثلث علقات مترابطة‪ ،‬تمثل مالكي‬
‫المال‪ ،‬والعاملين فيه وهم جماعة المضاربين‪ ،‬والجهة الوسيطة بين الفريقين لتحقيق التوافق والنتظام‬
‫في توارد الموال‪ ،‬وإعطائها للراغبين من الفريق الثاني للعمل فيها بالمضاربات المعقودة مع كل‬
‫منهم على انفراد‪ .‬كما تنفرد المضاربة المشتركة ‪ -‬كنظام جماعي ‪ -‬بعدد من المزايا يتعذر تحقيقها‬
‫في نطاق المضاربة الخاصة ومايذكر فيها من قيود‪ ،‬مجملها مباراة النظام المصرفي الحديث في‬
‫تجميع المدخرات واستثمارها‪ ،‬حيث ل حاجة للبحث في السوق عن شخص أمين مستقيم خبير‬
‫بالتجارة الرابحة‪ ،‬ويستطيع المستثمر استرداد نقوده المستثمرة قبل إجراء التصفية والمحاسبة‪ ،‬ويجد‬
‫المضاربون لدى المضارب المشترك ‪ -‬كما يجد المقترضون عند المصرف الحديث ‪ -‬استعدادا لتلبية‬
‫طلباتهم من غير تعرض لحساسيات وانفعالت شخصية يتعرضون لها في حال المضاربة الخاصة مع‬
‫المستثمرين المنفردين (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تطوير العمال المصرفية للدكتور سامي حمود‪ :‬ص ‪.437-434‬‬

‫( ‪)7/89‬‬

‫‪ -‬ماهي أنواع العوائد وما حكم كل منها؟‬


‫إن أنواع عوائد الستثمار في البنوك السلمية (‪ )1‬كثيرة ومتنوعة‪ ،‬فالبنك السلمي يقوم بالعمل في‬
‫التجاهات أو المجالت الثلثة التية (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬في مجال الستثمار والمشا ركات‪ ،‬ويشمل الستثمار المباشر وغير المباشر في مجال الزراعة‬
‫والصناعة والتجارة والخدمات‪ ،‬ويشمل أيضا العمليات التجارية ذات الجال القصيرة وهي شراء‬
‫السلع وغيرها من الموال المنقولة‪ ،‬وعمليات الستيراد والتصدير لكافة السلع‪ ،‬وتخزين السلع‬
‫والمحاصيل والمنقولت‪ ،‬وتخليص بوالص الشحن والمستندات الخرى ‪ .‬وكذلك يشمل المشاركات في‬
‫الستثمار لجال طويلة المدى‪ ،‬والمشاركات في العمليات التجارية لجال قصيرة نسبيا‪ .‬وهذه كلها‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬في مجال العمال والخدمات المصرفية الخرى التي ل تعارض الطبيعة السلمية‪ ،‬وهي قبول‬
‫الودائع‪ :‬ودائع تحت الطلب ( الحسابات الجارية ) وودائع التوفير‪ ،‬وودائع مع التفويض في الستثمار‪،‬‬
‫وتحصيل الشيكات لحساب العملء بالعملت المحلية والجنبية‪ ،‬وتحويل الموال‪ ،‬وإصدار خطابات‬
‫ضمان أو فتح اعتمادات مستندية‪ ،‬وخطابات الضمان تشمل البتدائية‪ ،‬والنهائية لضمان تنفيذ عمليات‬
‫مشاركة أو عن دفعات مقدمة‪ .‬وتحصيل كمبيالت خاصة بعملء لتتضمن فوائد‪ ،‬ومقابل أتعاب معينة‬
‫للبنك‪ ،‬وشراء وبيع أوراق مالية باسم العملء‪ ،‬لتتضمن سندات أو فوائد بشكل عام‪ ،‬وحفظ الوراق‬
‫المالية وتحصيل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البنك السلمي‪ :‬مؤسسة مالية تقوم بجميع العمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال‬
‫الستثمار وإنشاء مشروعات التصنيع والتنمية القتصادية والعمران والمساهمة فيها في الداخل‬
‫والخارج (انظر‪ 100 :‬سؤال و ‪ 100‬جواب في البنوك السلمية للدكتور أحمد النجار‪ :‬ص ‪.) 127‬‬
‫(‪ )2‬الموسوعة العلمية والعملية للبنوك السلمية‪.242-239/3 :‬‬

‫( ‪)7/90‬‬

‫مستحقاتها والحقوق المترتبة عليها‪ ،‬وحفظ جميع المعادن الثمينة والمستندات وإيجار الخزائن الخاصة‪،‬‬
‫والقيام بأعمال أمناء الستثمار والوكلء‪ ،‬وإصدار السهم لحساب المؤسسات والشركات ومعاونتها في‬
‫عمليات الكتتاب عند تأسيسها أو زيادة رؤوس أموالها‪ .‬وهذه كلها أعمال مشروعة في السلم إذا‬
‫التزمت الشروط والحكام السلمية‪.‬‬
‫‪ - 3‬في مجال التكافل الجتماعي‪ :‬بإيتاء الزكاة‪ ،‬وصناديق التأمين ضد المخاطر‪ ،‬والقروض‬
‫الجتماعية‪ :‬قروض المرضى‪،‬وقروض المسنّين وصغار الحرفيين والطلبة‪ .‬وهذا المجال ليحقق‬
‫عوائد استثمار فيما عدا استثمار أموال التأمين التعاوني المشروع في السلم‪.‬‬
‫ويلحظ أن أهم حالت الستثمار والمشاركة‪ :‬هي المضاربة على النحو المذكور سابقا‪ ،‬والمضاربة‬
‫مشروعة في السلم بالجماع‪ ،‬وكذلك بيع المرابحة للمر بالشراء‪ ،‬وهو مشروع كما ذكر المام‬
‫الشافعي في كتابه الم (‪ )1‬حيث قال‪ ...« :‬وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة‪ ،‬فقال‪ :‬اشتر هذه وأربحك‬
‫فيها كذا‪ ،‬فاشتراها الرجل‪ ،‬فالشراء جائز‪ ،‬والذي قال‪ :‬أربحك فيها بالخيار‪ ،‬إن شاء أحدث فيها بيعا‪،‬‬
‫وإن شاء تركه‪ » ..‬وهذه المعاملة ليست من قبيل بيع النسان ماليس عنده؛ لن المصرف ليعرض‬
‫أن يبيع شيئا ولكنه يتلقى أمرا بالشراء‪ ،‬وهو ليبيع حتى يملك ماهو مطلوب ويعرضه على المشتري‬
‫المر‪ ،‬ليرى ما إذا كان مطابقا لما وصف‪ .‬كما أن هذه العملية لتنطوي على ربح مالم َيضْمن؛ لن‬
‫المصرف قد اشترى‪ ،‬فأصبح مالكا‪ ،‬يتحمل تبعة الهلك‪ ،‬فلو عطبت الجهزة المشتراة أو تكسرت قبل‬
‫تسليمها لطالبها الذي أمر بشرائها‪ ،‬فإنها تهلك على حساب المصرف‪ ،‬وليس على حساب المر (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الم‪.29/3 :‬‬
‫(‪ )2‬تطوير العمال المصرفية‪ :‬ص ‪.479‬‬

‫( ‪)7/91‬‬

‫‪ -‬ماهي الطريقة السائغة شرعا لتحديد العائد على الستثمار ‪:‬‬


‫يتحدد عائد الستثمار في المصارف السلمية على النحو الذي يجري في الشركات المساهمة‪ ،‬في‬
‫خلل فترة زمنية معينة‪ ،‬وهي سنة مالية‪ ،‬نظرا لستمرار المضاربة المشتركة‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإن الربح المعلن في نهاية كل سنة مالية‪ ،‬ليتقرر إل للمبلغ الذي يبقى من أول السنة إلى‬
‫نهايتها‪ .‬فإذا استرد المستثمر في المضاربة المشتركة كامل مبلغه أو جزءا منه قبل انتهاء السنة‪ ،‬حيث‬
‫ليكون هناك إعلن للربح‪ ،‬فإن هذا المبلغ المسترد ليكون له نصيب من الربح الذي يجري حسابه‬
‫وإعلنه للتوزيع في نهاية تلك السنة (‪. )1‬‬
‫ولهذا نظير مماثل في المضاربة الخاصة المقرر أحكامها لدى فقهائنا‪ ،‬ذكر الرملي في نهاية المحتاج‪:‬‬
‫أنه إذا استرد المالك بعض مال القراض قبل ظهور ربح أو خسارة‪ ،‬فإن المال المضارب به يرجع‬
‫إلى الباقي‪ ،‬لن مالك المال لم يترك في يد المضارب غيره‪ ،‬فصار كما لو اقتصر في البتداء على‬
‫إعطائه (‪. )2‬‬
‫ويعرف العائد بضرب المبلغ المستثمر في المدة التي بقي فيها في الستثمار‪ ،‬والحاصل هو المعروف‬
‫في أعمال البنوك الربوية بنظام العداد أو النّمر (‪ : )3‬وهو ضرب الرصيد اليومي في عدد اليام‬
‫التي مكثها هذا الرصيد‪ .‬والعدد الناتج هو مقدار الفائدة لمدة يوم واحد‪ .‬علما بأن الربح يكون بالمال‪،‬‬
‫أو بالعمل حسب التفاق‪ ،‬أو بضمان العمل كما في شركة العمال‪ ،‬وتضمين الغاصب؛ لن الغنم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.460-458‬‬
‫(‪ )2‬نهاية المحتاج‪.176/4 :‬‬
‫(‪ )3‬وهو طريقة حسابية لتحديد فائدة المبلغ الذي يتحرك زيادة أو نقصانا بشكل يومي غالبا‪.‬‬

‫( ‪)7/92‬‬

‫مقابل الغرم أو الخراج بالضمان‪ ،‬أي مستحق بسببه (‪ . )1‬فإذا صار الشريك ضامنا بسبب ما ‪ ،‬كان‬
‫جميع الربح له لضمانه إياه‪ ،‬لنه خراج المال‪.‬‬
‫وبما أن الستثمار اللربوي استثمار إنتاجي يعتمد على الربح الفعلي الذي ليتحقق بالسرعة التي يبدأ‬
‫فيها الستثمار المصرفي حركة الحساب في ميدان الفوائد‪ ،‬فإن الطريقة الحسابية المصرفية في البنوك‬
‫السلمية تكون المدة فيها على أساس الشهور بدل اليام‪ .‬فمن يدفع ألف دينار للستثمار السنوي‬
‫ليتساوى مع من يدفع نفس اللف في منتصف العام‪ ،‬أي الستثمار لمدة ستة أشهر فقط‪ ،‬ويكون عائد‬
‫الستثمار السنوي أكثر بنسبة ‪ %9‬مثلً‪ ،‬وعائد الستثمار النصف سنوي ‪ ،%7‬فإن اقتصر الستثمار‬
‫على نصف سنة فقط‪ ،‬فتكون النسبة نصف نسبة العائد السنوي‪.‬‬
‫وذكر الدكتور أحمد النجار‪ :‬أن وحدة المدة إما اليوم أو السبوع أو الشهر وفقا لما تقرره اللوائح‬
‫التنظيمية المعتمدة للبنك‪ ،‬وتكون معلنة للمستثمرين (‪ . )2‬وهذا مقبول من حيث المبدأ‪ ،‬إن تحقق الربح‬
‫كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫وأضاف الدكتور النجار‪ :‬أنه في حالت تغير مبلغ المستثمر الواحد خلل السنة‪ ،‬بأن تتناولها الضافة‬
‫أو السحب‪ ،‬يكون حساب النّمر على أساس أرصدة الستثمار عقب كل تعديل‪ ،‬مابين تاريخ التعديل‬
‫وتاريخ إنهاء الستثمار‪ ،‬أو نهاية السنة المالية أيهما أقرب‪ .‬كما يمكن ‪ -‬كطريق آخر ‪ -‬أخذ الفرق‬
‫بين نمر المبالغ المضافة للستثمار‪ ،‬ونمر المبالغ المسحوبة محسوبة من تاريخ الضافة ومن تاريخ‬
‫السحب إلى تاريخ إنهاء الستثمار أو تاريخ انتهاء السنة المالية أيهما أقرب‪ ،‬وإن اتباع أي من‬
‫الطريقين يعطي نفس النمر التي تعطيها الطريقة الخرى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.77/6 :‬‬
‫(‪ )2‬المدخل إلى النظرية القتصادية‪ :‬ص ‪.177‬‬

‫( ‪)7/93‬‬
‫‪ -‬في الحالت التي يتغير فيها المستثمرون ( المودعون ) هل يجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية‬
‫محسوبة على اعتبار ماسيقع من الرباح أو العائد؟‪.‬‬
‫الصل العام المقرر في المضاربة الخاصة‪ :‬أن كل تعاقد ثنائي قائم بذاته‪ ،‬تصفى فيه الرباح بعد‬
‫وفاء رأس المال إلى المالك‪ ،‬وليوزع الربح وليعرف الحظ منه إل بعد تنضيض جميع رأس المال‪،‬‬
‫أي تحويله إلى نقود (‪. )1‬‬
‫وأرباح المضاربات المشتركة يجب أن تبقى قائمة على السس التي أبانها الفقهاء‪ ،‬وفقا لصول‬
‫المحاسبة التامة‪ ،‬حيث يسترد رأس المال‪ ،‬وتقسم الرباح الفاضلة‪ ،‬بحسب التفاق‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬ل‬
‫مجال للقول بالربح المقدر أو المفترض مع استمرار المضاربة؛ لن الربح ليستقر إل بالقسمة‪،‬‬
‫والقسمة لتصح إل بعودة رأس المال نقودا كما كان (‪. )2‬‬
‫وهذا يرشدنا إلى أنه ليجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية محسوبة على اعتبار ماسيقع من الرباح‬
‫أو العائد‪.‬‬
‫ويتبع بنك ناصر الجتماعي طريقة محاسبية في تقدير الربح‪ ،‬على أساس الفتراض المبني على‬
‫دراسة ميدانية للمشروع الذي يقدم له البنك قرض المشاركة بالرباح‪ .‬وعقب على ذلك الدكتور سامي‬
‫حمود بقوله‪ :‬إننا نرى أن هذا التطبيق ليتفق مع السس الفقهية المقررة من ناحية مسألة تحقق الربح‪.‬‬
‫وهذا السلوب المتبع ليعدو في نظرنا أن يكون أسلوبا من أساليب القراض الربوي‪ .‬وإنني أؤيده‬
‫تأييدا تاما في هذا الرأي ‪ -‬فهو محق‪ ،‬وأما طريقة الفتراض فهي غير سائغة شرعا‪ ،‬منعا من الغرر‬
‫والظلم‪ ،‬فكثيرا مايكون الواقع خلف المر المفترض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،237/2 :‬قال ابن رشد‪ :‬ول خلف بينهم أن المقارض إنما يأخذ حظه من الربح‪،‬‬
‫بعد أن ينض جميع رأس المال‪ ،‬وأنه إن خسر ثم اتجر‪ ،‬ثم ربح‪ ،‬جبر الخسران من الربح‪.‬‬
‫(‪ )2‬تطوير العمال المصرفية‪ ،‬د‪ .‬حمود‪ :‬ص ‪.453‬‬

‫( ‪)7/94‬‬

‫‪ -‬وإذا وافق جميع المستثمرين على هذه الطريقة السابقة‪ ،‬فهل تكون جائزة؟‬
‫الوضع في الشريعة يختلف عن القوانين الوضعية التي تقرر أن « العقد شريعة المتعاقدين» أما في‬
‫الشريعة فهذا المبدأ مقيد بما تقرره أحكام شرع ال التي تسمو على النظرة الضيقة أو المحدودة‪،‬‬
‫ولتقر الظلم أو الغبن أو الستغلل أو أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬كما ذكرت في مقدمة البحث‪.‬‬
‫فل قيمة مثلً لتفاق المتراهنين على الرهان‪ ،‬أو العاقدين في البيع أو القرض على الربا‪ ،‬فهذا اتفاق‬
‫مصادم لصول الشريعة‪ ،‬فيكون باطلً‪ ،‬وإن تراضى عليه الطرفان؛ لن شرع ال عادل يحمي‬
‫مصالح الناس على الدوام ‪ ،‬ويقيهم من سوء تصرفاتهم وتورطهم فيما يضرهم ولينفعهم في نهاية‬
‫المر‪ ،‬وإن تراءى لهم أن هناك مصلحة موقوتة‪ ،‬أو تسوية سريعة لوضاع تجارية متشابكة‪ ،‬لكنها‬
‫تتجاوز الحق‪ ،‬وتوقع الناس في الباطل‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الحالت التي ليمكن فيها الرجوع على عميل قبض حصته‪ ،‬ثم يظهر أن الربح لم يتحقق في‬
‫نهاية المدة‪ ،‬كيف تكون المحاسبة؟ ومن يتحمل الفرق‪ ،‬الشركة أم المستثمر أم غير ذلك؟‪.‬‬
‫الصل المقرر في شركات المضاربة أن الخسارة على رب المال‪ ،‬ويكفي العامل أنه خسر جهده‪،‬‬
‫وحينئذ يتحمل المودعون ( المستثمرون ) الخسارة الواقعة‪ .‬وإذا تعذر الرجوع على عميل قبض‬
‫حصته‪ ،‬وهذا خطأ من إدارة شركة المضاربة المشتركة‪ ،‬فإن هذه الدارة تتحمل تَ ِبعَة الخطأ الصادر‬
‫منها‪ ،‬وهو الفرق الحاصل بسبب المدفوع خطأ‪ ،‬أي تضمن ما دفع لعميل من غير حق‪ ،‬وتوزع بقية‬
‫الخسارة على المستثمرين بنسبة ودائعهم الستثمارية؛ لن القاعدة الشرعية في شركات العنان وغيرها‬
‫هي‪ « :‬الربح على ماشرطا‪ ،‬والوضيعة على قدر المالين » (‪ )1‬أي أن الخسارة في الشركة على كل‬
‫شريك بقدر ماله‪ .‬وليتحمل شيئا من الخسارة أحد غير ماذكر على النحو السابق إل إذا كان متبرعا‬
‫بالضمان‪ ،‬لنه يجوز لشخص آخر غير العاقدين اللتزام بهذا الضمان تبرعا وإحسانا‪ ،‬لنقاذ سمعة‬
‫شركة مضاربة معينة‪.‬‬

‫( ‪)7/95‬‬

‫‪ -‬إذا أنشأ البنك حافظة استثمارية ( صندوق ) مقسمة إلى حصص يقوم بإدارتها نيابة عن‬
‫المستثمرين‪ ،‬فهل يجوز له اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح‪ ،‬وهل يجوز أن يكون مبلغا‬
‫محددا مقطوعا‪ ،‬وهل يجب على البنك أن يوضح هذا؟‬
‫يعتبر البنك مضاربا بالنسبة للمستثمرين ( وهم أصحاب الموال ) فيقوم بالدارة والعمل نيابة عن‬
‫المستثمرين‪ ،‬ومن قواعد الربح أو ضوابطه كما تقدم‪ :‬أن يكون جزءا شائعا مقسوما بين العاقدين‪ ،‬فإذا‬
‫عين المتعاقدان مقدارا مقطوعا محددا لحدهما‪ ،‬فل يصح هذا الشرط‪ ،‬والمضاربة فاسدة؛ لن‬
‫المضاربة تقتضي الشتراك في الربح‪ ،‬وهذا الشرط يمنع الشتراك في الربح‪ ،‬لحتمال أل يربح‬
‫المضارب إل هذا القدر‪ ،‬فيكون الربح لحدهما دون الخر‪ ،‬فل تتحقق الشركة‪ ،‬وليكون التصرف‬
‫مضاربة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض‪ ،‬أي المضاربة‬
‫إذا شرط أحدهما أو كلهما لنفسه دراهم معلومة (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يذكر الفقهاء هذا النص حديثا عادة‪ ،‬ولكنه في الواقع هو قاعدة وليس حديثا‪ ،‬قال الحافظ الزيلعي‬
‫عنه‪ :‬غريب جدا ( أي ل أصل له ) ويوجد في بعض كتب الفقهاء من قول علي (نصب الراية‪:‬‬
‫‪.)475/3‬‬
‫(‪ )2‬المغني لبن قدامة‪.34/5 :‬‬

‫( ‪)7/96‬‬

‫وذكر ابن قدامة علة عدم جواز أن يجعل لحد الشركاء فضل دراهم‪ ،‬قائلً (‪ ، )1‬وإنما لم يصح ذلك‬
‫لمعنيين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن ليربح غيرها‪ ،‬فيحصل على جميع الربح‪ ،‬واحتمل أن‬
‫ليربحها‪ ،‬فيأخذ من رأس المال جزءا‪ ،‬وقد يربح كثيرا‪ ،‬فيستضرر من شرطت له الدراهم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن حصة العامل المضارب ينبغي أن تكون معلومة بالجزاء ‪ ،‬لما تعذر كونها معلومة‬
‫بالقدر‪ .‬فإذا جهلت الجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به‪ .‬ولن العامل‬
‫متى شرط لنفسه دراهم معلومة ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره‪،‬‬
‫بخلف ما إذا كان له جزء من الربح‪.‬‬
‫وإذا أخذ المضارب شيئا من العائد قبل القسمة أو الستحقاق على أن يحتسب من حصته‪ ،‬جاز ذلك‬
‫موقوفا على القسمة‪ ،‬قال البغدادي في مجمع الضمانات (‪: )2‬‬
‫قسمة الربح قبل قبض رب المال رأس ماله موقوفة‪ :‬إن قبض رأس المال صحت القسمة وإل بطلت؛‬
‫لن الربح فضْل على رأس المال‪ ،‬وليتحقق الفضل إل بعد سلمة الصل‪ ،‬وما هلك من مال‬
‫المضاربة‪ ،‬فهو من الربح دون رأس المال بقسمته‪ ،‬حتى لو اقتسما الربح قبل قبض رب المال رأس‬
‫المال‪ ،‬ثم هلك في يد المضارب‪ ،‬فالقسمة باطلة‪.‬‬
‫يتبين مما ذكر أمران‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المرجع والمكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬ص ‪.311‬‬

‫( ‪)7/97‬‬
‫الول ‪ -‬ليجوز للبنك اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح‪ ،‬وليجوز أن يكون أجره مبلغا‬
‫محددا مقطوعا‪ ،‬سواء أوضح هذا للعملء‪ ،‬أم ل‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬ليجوز حصول المضارب على حصة من ربح المضاربة إضافة إلى مايناله من أجر ثابت (‬
‫أجير ‪ +‬شريك ) (‪ . )1‬ول عبرة لرضا حملة الصكوك بهذا الجر‪ ،‬ول إلى معقولية أجر المضارب‬
‫( المؤلف من عنصرين‪ :‬ثابت ومتغير )‪.‬‬
‫‪ -‬ماهي التكاليف التي يجوز تحميلها للشركة في عقد المضاربة؟‬
‫بحث فقهاؤنا في نطاق المضاربة الخاصة مسألة التكاليف أو النفقات التي يجوز للمضارب أخذها من‬
‫مال المضاربة‪ ،‬والشركة الن كالمضارب الخاص‪.‬‬
‫ولهم في ذلك اتجاهان‪:‬‬
‫‪ -‬اتجاه ليجيز للعامل المضارب اقتطاع النفقة من مال المضاربة‪.‬‬
‫‪ -‬واتجاه يجيز ذلك بقيود‪.‬‬
‫أما التجاه الول‪ :‬فهو للظاهرية والشافعية (‪ ، )2‬أما الظاهرية فيقولون‪ :‬ليحل للعامل أن يأكل من‬
‫مال المضاربة شيئا‪ ،‬ول أن يلبس منه شيئا ل في سفر ول حضر‪.‬‬
‫وأما الشافعية فقالوا في الظهر من قولي المام الشافعي‪ :‬ل نفقة للمضارب على نفسه من مال‬
‫المضاربة‪ ،‬ل حضرا ول سفرا‪ ،‬إل أن يأذن له رب المال؛ لن للمضارب نصيبا من الربح‪ ،‬فل‬
‫يستحق شيئا آخر‪ ،‬ويكون المأخوذ زيادة منفعة في المضاربة‪ ،‬ولن النفقة قد تكون قدر الربح‪ ،‬فيؤدي‬
‫أخذه إلى انفراده به‪ ،‬وقد تكون أكثر‪ ،‬فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال‪ ،‬وهذا ينافي مقتضى‬
‫العقد‪ ،‬فلو شرطت النفقة للمضارب في العقد فسد‪.‬‬
‫وأما التجاه الثاني فهو لجمهور الفقهاء ومنهم الزيدية والمامية‪ .‬أما الحنفية ومثلهم الزيدية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا جواب تساؤل في بحث « طلئع البنوك السلمية » في « دراسات في القتصاد السلمي‬
‫» ‪ -‬جامعة الملك عبد العزيز‪ :‬ص ‪.202‬‬
‫(‪ )2‬المحلى‪ ،248/8 :‬المهذب‪ ،387/1 :‬مغني المحتاج‪.317/2 :‬‬

‫( ‪)7/98‬‬

‫والمامية (‪ )1‬فأجازوا للمضارب أن ينفق من مال المضاربة في السفر دون الحضر‪ ،‬وهي النفقة‬
‫الخاصة بحاجة الطعام والشراب والدام والكسوة والتنقل وأجر الجير وأجرة الحمام ودهن السراج‬
‫والحطب‪ ،‬وعلف الدابة‪ ،‬والفراش الذي ينام عليه وغسل الثياب ونحو ذلك مما لبد في السفر منه‬
‫عادة‪.‬‬
‫وأما المالكية (‪ : )2‬فأجازوا للعامل النفقة من مال القراض في السفر ل في الحضر‪ ،‬إن كان المال‬
‫يحمل ذلك‪ ،‬إل إذا كانت المضاربة في القامة ( الحضر ) تشغله عن الوجوه التي يقتات منها‪ ،‬فله‬
‫حينئذ النفاق من مال المضاربة‪.‬‬
‫وأما الحنابلة (‪ : )3‬فأجازوا النفقة للمضارب في الحضر أو في السفر إذا اشترطت‪ ،‬فهم كالشافعية؛‬
‫لن الذن أو الشرط في النتيجة شيء واحد‪ ،‬وإن كان الشافعية ليجيزون الشتراط كما تقدم‪.‬‬
‫أما في نطاق المضاربة المشتركة‪ :‬فذهب الدكتور محمد عبد ال العربي إلى جواز خصم (حسم) البنك‬
‫السلمي مصاريفه العمومية بما فيها أجور موظفيه وعماله (‪. )4‬‬
‫وجاء في نظام الشركة السلمية للستثمار الخليجي بالشارقة التي طرحت «صكوك المضاربة‬
‫والقروض السلمية» مايلي‪ :‬تتحمل شركة المضاربة مصاريفها الفعلية الخاصة بها تحت إشراف‬
‫مراقب الستثمار وموافقته‪ .‬وتشمل هذه المصاريف العباء الدارية العامة والمباشرة للمضارب‬
‫وتكاليف إدارة أموال شركة المضاربة‪ ..‬على أن لتتجاوز كل هذه المصروفات سنويا دولرين عن‬
‫كل ‪ 100‬دولر أمريكي من أصول شركة المضاربة‪ ،‬ويتحمل المضارب المصاريف الزائدة من‬
‫نصيبه في الرباح إذا وجدت‪ .‬وحامل الصك ينيب المضارب في سداد الزكاة المستحقة عليه شرعا‬
‫تحت إشراف هيئة الرقابة الشرعية (‪. )5‬‬
‫وذهب الدكتور سامي حمود (‪ )6‬إلى أن حكم التكاليف أو النفقات تختلف فيه المضاربة المشتركة عن‬
‫المضاربة الخاصة‪ ،‬باعتبار أن المضارب المشترك ليتقيد بطبيعة عمله بالشروط التي يمكن أن يتقيد‬
‫بها المضارب الخاص‪ ،‬فليس له أن يشترط النفقة للعتبارات التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن النفقة التي أجاز الفقهاء تحميلها على المال المضارب به هي النفقة الطارئة بمناسبة السفر‪،‬‬
‫وليست النفقة العادية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن النفقة التي أجازها الحنفية محصورة في حوائج السفر‪ ،‬والتي أجازها الحنابلة محددة بالطعام‬
‫والكسوة وهي نفقة منضبطة بحسب العرف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ ،63/22 :‬تكملة فتح القدير‪ ،81/7 :‬المنتزع المختار‪ ،333/5 :‬فقه المام جعفر الصادق‬
‫للشيخ محمد جواد مغنية‪.162/4 :‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،238/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،283‬الخرشي ‪ ،217/6‬ط ثانية‬
‫(‪ )3‬المغني ‪ ،64/5‬كشاف القناع ‪.265/2‬‬
‫(‪ )4‬بحثه « المعاملت المصرفية ورأى السلم فيها » الذي قدمه للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث‬
‫السلمية في القاهرة ‪ :1965/1385‬ص ‪.103‬‬
‫(‪ )5‬دراسات في القتصاد السلمي‪ ،‬جامعة الملك عبد العزيز‪ :‬ص ‪201‬‬
‫(‪ )6‬تطوير العمال المصرفية‪ :‬ص ‪.494-492‬‬

‫( ‪)7/99‬‬

‫‪ - 3‬إن النفقة بالنسبة للعمل المصرفي‪ ،‬سواء بالنسبة لجور الموظفين والعمال أو المصاريف‬
‫الدارية والعمومية‪ ،‬تعتبر من المستويات العالية في النفاق‪ ،‬وهي حالت لتدخل في حسبان الشخص‬
‫العادي بالنسبة لما يراه في تقديره أمرا معقولً‪ ،‬وهذا بخلف ما راعاه الفقهاء حيث اعتبروا أن لنفقة‬
‫شخص المضارب حدودا ‪-‬قابلة للتوقع‪ -‬في الطعام والكساء والنتقال من مكان إلى مكان‪.‬‬
‫وبالنظر للواقع فإن تحميل الرباح مصاريف البنك وأجور عماله وموظفيه‪ ،‬قد يؤدي إلى أن تأكل هذه‬
‫المصاريف والجور كل الرباح المتحققة‪ ،‬ولسيما في السنوات الولى من بدء العمل‪.‬‬
‫لذا فل تتحمل الرباح أية نفقات سوى مايتعلق بعمل المضاربة نفسه من سجلت ومطبوعات خاصة‬
‫بالعمل الستثماري‪ .‬أما أجور العمال والموظفين ومصاريف البنك والدارة‪ ،‬فهي من حصة البنك في‬
‫الربح باعتباره مضاربا مشتركا‪ .‬فإذا لم يكن ربح‪ ،‬تحمل البنك خسران مصاريفه‪ ،‬كما يتحمل‬
‫المستثمرون عدم الحصول على أرباح طوال العام‪.‬‬
‫أما المضاربون الذين يعملون مع البنك‪ ،‬فتكون النفقة بحسب التفاق المحدد لكل حالة بظروفها‪.‬‬
‫وإني أؤيد رأي الدكتور سامي حمود‪ ،‬مع إضافة شيء من التعديل عليه‪ :‬وهو أن الموظف الذي يبعثه‬
‫البنك لدولة أجنبية من أجل استيراد سلع معينة لحساب المضاربة تكون نفقاته في السفر على حساب‬
‫مال المضاربة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان العامل في المضاربة شركة ( شخصية معنوية ) فهل تعتبر جميع رواتب الموظفين‬
‫والدارة من ضمن التكاليف؟‬
‫تبين مما سبق أنه يصعب الفتاء بمثل هذا‪ ،‬فل يجوز صرف شيء من رواتب الموظفين والدارة من‬
‫مال المضاربة؛ لن هؤلء مقيمون في مراكز تجارية‪ ،‬وهم ذوو كفاءات عالية لتحسين مستوى‬
‫الخدمة والداء‪ ،‬ولكسب العملء وزيادة حجم العمل في المستقبل‪.‬‬

‫( ‪)7/100‬‬
‫وقد عرفنا في البحث السابق أن الفقهاء إما مانعون لخذ شيء من النفقات من مال المضاربة‪ ،‬وإما‬
‫مقيّدون لتلك النفقة في السفر ل في الحضر‪ .‬إل أن إبراهيم النخعي والحسن البصري أجازا للمضارب‬
‫أخذ نفقته حضرا وسفرا في باب المضاربة الخاصة‪.‬‬
‫وقد لحظنا أن ظروف عمل المؤسسات المصرفية في نطاق المضاربة المشتركة لتتفق مع أوضاع‬
‫المضاربة الخاصة‪ ،‬فل يحق حينئذ للبنك صرف الرواتب والنفقات الدارية من مال المضاربة‪ ،‬ماعدا‬
‫ما ذكرته سابقا وهو نفقات التسجيل والطباعة أو الكتابة والتوثيق ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬هل يجوز تنازل المستثمرين عن كل حق في التدخل في الدارة؟ ‪.‬‬
‫من المعلوم أن إدارة المضاربة الخاصة والمشتركة للمضارب ليتمكن من استثمار الموال بحسب‬
‫خبرته وبمقتضى ضرورات وحاجات التجارة وغيرها‪ .‬وأرباب المال في المضاربة ليستطيعون‬
‫التدخل في أعمال الشركة‪ ،‬وإن كانوا يستطيعون المراقبة طبعا‪.‬‬
‫ويترتب عليه أن ليس للمستثمرين الحق في التدخل في شؤون الدارة‪ ،‬وإذا لم يكن لهم الحق في ذلك‪،‬‬
‫فل يملكون شيئا يتنازلون عنه‪ .‬أما حق الرقابة فهو حق طبيعي شرعي ليتنازل عنه إل بالتراضي‪،‬‬
‫ومن له حق مقرر يثبت له حق التنازل عنه‪ .‬ومن أهم عناصر الدارة التي شرطها جمهور فقهائنا (‬
‫‪ : )1‬أن يسلّم رأس المال إلى العامل المضارب‪ ،‬ولتصح المضاربة مع بقاء يد رب المال على‬
‫المال‪ ،‬لعدم تحقق التسليم مع بقاء يده‪ ،‬فلو شرط بقاء يد المالك على المال أو مشاركة المالك في عمل‬
‫المضاربة‪ ،‬فسدت المضاربة‪.‬‬
‫أما الحنابلة (‪ )2‬فأجازوا اشتراط بقاء يد المالك على المال‪ ،‬ويقتضي هذا جواز مشاركة المالك في‬
‫إدارة أعمال المضاربة‪.‬‬

‫( ‪)7/101‬‬

‫‪ -‬هل يجوز حساب العائد يوميا؟‬


‫عرفنا فيما سبق أن نظام المضاربة اللربوي يعتمد على الربح الفعلي‪ ،‬والطريقة الحسابية المصرفية‬
‫سهُل في نظام المضاربة المشتركة تحقيقها أو الخذ بها على أساس‬
‫المعروفة بنظام العداد أو النّمر يَ ْ‬
‫الشهور بدل اليام‪ ،‬نظرا لن الستثمار اللربوي استثمار إنتاجي يعتمد على الربح الفعلي الذي‬
‫ليتحقق بالسرعة التي يبدأ فيها الستثمار المصرفي الربوي حركة الحساب في ميدان الفوائد (‪. )3‬‬
‫وبناء عليه ليجوز حساب العائد يوميا؛ لن حساب الفوائد الربوية يعتمد على عنصر الزمن‪ ،‬وحساب‬
‫الرباح أو العوائد الستثمارية في الشريعة يعتمد على وجود الربح فعلً‪.‬‬
‫فإذا كانت عجلة النتاج دائمة والربح دوريا‪ ،‬فيجوز حساب العائد يوميا‪ ،‬وهذا متروك لطبيعة العمل‬
‫القتصادي وتقدير المضارب وإشرافه على النشاط التجاري وغيره بالنيابة عن المستثمرين‪ ،‬فهو‬
‫أدرى بظروف العمل ومردوده‪.‬‬
‫ويقوم البنك عادة بتسوية حسابات المضاربة في نهاية كل ربع سنة‪ ،‬فيقوم بإعداد بيان عن جميع‬
‫أنشطته‪ ،‬ويقوم كذلك بتحديد إجمالي الربح والخسارة‪ ،‬وفي ضوئها يقوم البنك بتحديد قيمة حساب‬
‫المضاربة‪ .‬ولينبغي تخمين ربح وخسارة المشروع قبل انتهائه‪ .‬واختيار مدة ربع السنة ليست لها‬
‫أهمية خاصة‪ ،‬إذ يمكن اقتراح فترات أقصر أو أطول كما قال البروفيسور نجاة صديقي (‪. )4‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن المهم معرفة الربح‪ ،‬فإذا عرف جاز اقتسام وحداته‪ ،‬سواء في اليوم أو السبوع أو‬
‫الشهر ونحوه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ‪ ،506/4‬الشرح الكبير للدردير‪ 520/3 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪.310/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع ‪.262/2 :‬‬
‫(‪ )3‬تطوير العمال المصرفية‪ ،‬الدكتور سامي حمود‪ ،‬ص ‪.460‬‬
‫(‪ )4‬النظام المصرفي اللربوي‪ ،‬البروفيسور محمد نجاة ال صديقي‪ :‬ص ‪.31 - 28‬‬

‫( ‪)7/102‬‬

‫‪...............................‬قرارات مجمع الفقه السلمي‪...............................‬‬


‫‪................................‬في مقره الصلي ـ جدّة‪..................................‬‬
‫‪..............................‬التابع لمنظمة المؤتمر السلمي‪................................‬‬
‫نظرا لهمية هذه القرارات البناءة والتي هي ثمرة بحوث واجتهاد جماعي ومناقشات طويلة لمدة‬
‫أسبوع في كل دورة‪ ،‬ونظرا لكثرة سؤال الناس عنها‪ ،‬وتمكينهم من معرفتها‪ ،‬رأيت إضافة هذه‬
‫القرارات ليسهل الطلع عليها وهي ول الحمد موفقة وموضوعية ومعتدلة‪ ،‬لقيت القبول والستحسان‬
‫من الجميع‪.‬‬
‫علما بأنني أحد ثلثة أسهموا في وضع منهج وخطة عمل هذا المجمع‪ ،‬ورسم سياسته‪ ،‬وتطلعاته‪.‬‬
‫وكنت في دورتين أوليين ممثلً لسورية‪ ،‬وأصبحت بعدهما خبيرا علميا فيه‪ ،‬شاركت في جميع دوراته‬
‫ببحث أو أكثر‪ ،‬وقمت مع لجنة الصياغة بصياغة كثير من قراراته‪.‬‬
‫وأبدأ بإيراد قرار حقوق التأليف في طليعة القرارات‪.‬‬
‫( حقوق التأليف مصونة شرعا ل يجوز العتداء عليها)‬
‫قرار مجمع الفقه السلمي‬
‫لمنظمة المؤتمر السلمي‬
‫القرار رقم (‪ )5‬د ‪88/09/5‬‬
‫بشأن الحقوق المعنوية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 10/1409‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) واستماعه‬
‫للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬السم التجاري‪ ،‬والعنوان التجاري‪ ،‬والعلمة التجارية‪ ،‬والتأليف والختراع أو البتكار هي‬
‫حقوق خاصة لصحابها‪ ،‬أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها‪ .‬وهذه‬
‫الحقوق يعتد بها شرعا فل يجوز العتداء عليها‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬يجوز التصرف في السم التجاري أو العنوان التجاري أو العلمة التجارية ونقل أي منها‬
‫بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقا ماليا‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حقوق التأليف والختراع أو البتكار مصونة شرعا‪ ،‬ولصحابها حق التصرف فيها‪ ،‬ول يجوز‬
‫العتداء عليها‪.‬‬
‫وال أعلم‪..‬‬

‫( ‪)7/103‬‬

‫القَرارات والتوصيَات‬
‫جمَع الفقه السلمي‬
‫الدّورَة الثانية لمجلس م ْ‬
‫جدة‪ 16-10 :‬ربيع الثاني هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‬
‫بسم ال الرّحمن الرّحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)1‬‬
‫بشأن‬
‫زكاة الديون‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-/22/‬ديسمبر ( كانون الول ) ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول «زكاة الديون» وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت‬
‫الموضوع من جوانبه المختلفة تبين‪ - 1 :‬أنه لم يرد نص من كتاب ال تعالى أو سنة رسوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم يُفصل زكاة الديون‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان ال عليهم من وجهات نطر في طريقة إخراج‬
‫زكاة الديون‪.‬‬
‫‪ - 3‬أنه قد اختلفت المذاهب السلمية بناءً على ذلك اختلفا بينا‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن الخلف قد انبنى على الختلف في قاعدة‪ :‬هل يعطى المال الممكّن من الحصول عليه صفة‬
‫الحاصل؟‪.‬‬
‫وبناء على ذلك قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬أنه تجب زكاة ـالدين على رب الدين عن كل سنة إذا كان المدين مليئا باذلً‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنه تجب الزكاة على رب الدين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسرا أو‬
‫مماطلً‪.‬‬
‫وال أعلم‪ ..‬قرار رقم (‪)2‬‬
‫بشأن‬
‫زكاة العقارات والراضي المأجورة غير الزراعية‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 22-18/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد أن استمع المجلس لما أعد من دراسات في موضوع «زكاة العقارات والراضي المأجورة غير‬
‫الزراعية» ‪.‬‬
‫وبعد أن ناقش الموضوع مناقشة وافية ومعمقة‪ ،‬تبين‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات والراضي المأجورة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات والراضي المأجورة غير‬
‫الزراعية‪.‬‬
‫ولذلك قرر‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والراضي المأجورة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توافر‬
‫شروط الزكاة‪ ،‬وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/104‬‬

‫قرار رقم (‪)3‬‬


‫بشأن‬
‫أجوبة استفسارات المعهد العالمي‬
‫للفكر السلمي بواشنطن‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني من‬
‫‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ ‪ 28-/22‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫إذ ألف لجنة من أعضاء المجمع للنظر في السئلة الواردة من المعهد العالمي للفكر السلمي‬
‫بواشنطن‪.‬‬
‫وبعد التأمل فيما قدم في المر من إجابات تبين منها‪:‬‬
‫ـ أن الجابات قد صيغت بطريقة مختصرة جدا ل يحصل معها القتناع وقطع دابر الخلف أو‬
‫الرفض‪.‬‬
‫ـ أنه ل بد من قيام المجمع بإزاحة الشكالت الحاصلة لخواننا المسلمين في الغرب‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬تكليف المانة العامة بإحالة هذه السئلة على من تراه من العضاء أو الخبراء لعداد إجابات‬
‫معللة عن تلكم السئلة مستندة إلى الدلة الشرعية‪ .‬وأقوال من تقدم من فقهاء المسلمين وإبرازها في‬
‫صورة مقنعة بينة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تكليف المانة العامة برفع ما تتحصل عليه إلى الدورة الثالثة‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)4‬‬
‫بشأن‬
‫القاديانية‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد أن نظر في الستفتاء المعروض عليه من «مجلس الفقه السلمي في كيبتاون بجنوب أفريقيا»‬
‫بشأن الحكم في كل من (القاديانية) والفئة المتفرعة عنها التي تدعى (اللهورية) من حيث اعتبارهما‬
‫في عداد المسلمين أو عدمه‪ ،‬وبشأن صلحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية‪.‬‬
‫وفي ضوء ما قدم لعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن (ميرزا غلم أحمد‬
‫القادياني) الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإليه تنسب نحلة القاديانية واللهورية‪.‬‬

‫( ‪)7/105‬‬

‫وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد من أن (ميرزا غلم أحمد) قد‬
‫ادعى النبوة بأنه نبي مرسل يوحى إليه وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل‬
‫عليه وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوى ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله العتقاد بنبوته ورسالته‪،‬‬
‫كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد‪ .‬وبعد أن اطلع المجمع (أيضا) على ما‬
‫صدر عن (المجمع الفقهي بمكة المكرمة) في الموضوع نفسه‪.‬‬
‫قرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن ما ادعاه (ميرزا غلم أحمد) من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت‬
‫من الدين بالضرورة ثبوتا قطعيا يقينيّا من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد صلّى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وأنه ل ينزل وحي على أحد بعده‪ .‬وهذه الدعوى من (ميرزا غلم أحمد) تجعله وسائر من يوافقونه‬
‫عليها مرتدين خارجين عن السلم‪ .‬وأما (اللهورية) فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم بالردة‪ ،‬بالرغم‬
‫من وصفهم (ميرزا غلم أحمد) بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلّى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬ليس لمحكمة غير إسلمية‪ ،‬أو قاض غير مسلم‪ ،‬أن يصدر الحكم بالسلم أو الردة‪ ،‬ول سيما‬
‫فيما يخالف ما أجمعت عليه المة السلمية من خلل مجامعها وعلمائها‪ ،‬وذلك لن الحكم بالسلم‬
‫أو الردة‪ ،‬ل يقبل إل إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في السلم‪ ،‬أو الخروج منه‬
‫بالردة‪ ،‬ومدرك لحقيقة السلم أو الكفر‪ ،‬ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬فحكم مثل هذه‬
‫المحكمة باطل‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/106‬‬

‫قرار رقم (‪)5‬‬


‫بشأن‬
‫أطفال النابيب‬
‫أما بعد‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫إذ استعرض البحوث المقدمة من السادة الفقهاء والطباء الذين عرضوا موضوع «أطفال النابيب»‬
‫من جانبيه الفقهي والفني الطبي‪ ،‬ناقش ما قدم من دراسات وافية‪ ،‬وما أثير من جوانب مختلفة‬
‫لستيضاح الموضوع‪.‬‬
‫وإذ تبين له أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسة طبيا وفقهيا‪ ،‬وإلى مراجعة الدراسات والبحوث‬
‫السابقة‪ ،‬واستيفاء التصور من جميع جوانبه‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬تأجيل البت في هذا الموضوع إلى الدورة القادمة للمجمع‪.‬‬
‫‪ - 2‬يعهد لفضيلة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد ـ رئيس المجمع ـ بإعداد دراسة وافية في الموضوع‬
‫تلم بكل المعطيات الفقهية والطبية‪.‬‬
‫‪ - 3‬توجيه المانة ما يصل إليها إلى جميع العضاء قبل انعقاد الدورة القادمة بثلثة أشهر على‬
‫القل‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)6‬‬
‫بشأن‬
‫بنوك الحليب‬
‫أما بعد‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد أن عرض على المجمع دراسة فقهية‪ ،‬ودراسة طبية حول بنوك الحليب‪:‬‬
‫وبعد التأمل‪ :‬فيما جاء في الدراستين ومناقشة كل منهما مناقشة مستفيضة شملت مختلف جوانب‬
‫الموضوع تبين‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن بنوك الحليب تجربة قامت بها المم الغربية‪ ،‬ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية‬
‫والعلمية فيها فانكمشت وقل الهتمام بها‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن السلم يعتبر الرضاع لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب‪ ،‬وبنوك الحليب مؤدية إلى الختلط أو الريبة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن العلقات الجتماعية في العالم السلمي توفر للمولود الخداج أو ناقص الوزن أو المحتاج‬
‫إلى اللبن البشري في الحالت الخاصة ما يحتاج إليه من السترضاع الطبيعي‪ ،‬المر الذي يغني عن‬
‫بنوك الحليب‪ .‬وبناء على ذلك قرر‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬منع إنشاء بنوك حليب المهات في العالم السلمي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حرمة الرضاع منها‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/107‬‬

‫قرار رقم (‪)7‬‬


‫بشأن‬
‫أجهزة النعاش‬
‫أما بعد‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد أن نظر فيما قدم من دراسات فقهية وطبية في موضوع «أجهزة النعاش» ‪.‬‬
‫وبعد المناقشات المستفيضة‪ ،‬وإثارة متنوع السئلة‪ ،‬وخاصة حول الحياة والموت نظرا لرتباط فك‬
‫أجهزة النعاش بانتهاء حياة المنعش‪.‬‬
‫ونظرا لعدم وضوح كثير من الجوانب‪.‬‬
‫ونظرا لما قدمت به جمعية الطب السلمي في الكويت من دراسة وافية لهذا الموضوع‪ ،‬يكون من‬
‫الضروري الرجوع إليها‪ .‬قرر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تأخير البت في هذا الموضوع إلى الدورة القادمة للمجمع‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تكليف المانة العامة بجمع دراسات وقرارات مؤتمر الطب السلمي في الكويت وموافاة‬
‫العضاء بخلصة محددة واضحة له‪.‬‬
‫وال الموفق‬
‫قرار رقم (‪)8‬‬
‫بشأن‬
‫استفسارات البنك السلمي للتنمية‬
‫أما بعد‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد استماعه إلى عرض البنك السلمي للتنمية لجملة من السئلة والستفسارات قصد الفتاء بشأنها‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى تقرير اللجنة الفرعية التي تألفت أثناء الدورة من أصحاب الفضيلة العضاء الذي‬
‫تقدموا بردود عن المسائل المستفسر عنها ومن انضم إليهم‪.‬‬
‫ولكون الموضوع يحتاج إلى دراسة أوسع وأكمل تقتضي التصال بالبنك وتداول النظر معه في‬
‫مختلف جزئياته في لجنة مكونة من طرفه‪ .‬وبناء على ذلك قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬إرجاء هذا الموضوع للدورة القادمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬مطالبة البنك بتقديم تقرير من هيئته العلمية الشرعية‪.‬‬
‫وال الموفق‬
‫قرار رقم (‪)9‬‬
‫بشأن‬
‫التأمين وإعادة التأمين‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/108‬‬
‫بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء المشاركين في الدورة حول موضوع «التأمين وإعادة‬
‫التأمين» ‪.‬‬
‫وبعد أن ناقش الدراسات المقدمة‪.‬‬
‫وبعد تعمق البحث في سائر صوره وأنواعه‪ ،‬والمبادئ التي يقوم عليها والغايات التي يهدف إليها‪.‬‬
‫وبعد النظر فيما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية بهذا الشأن‪ .‬قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر‬
‫كبير مفسد للعقد‪ .‬ولذا فهو حرام شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل السلمي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس‬
‫التبرع والتعاون‪ .‬وكذلك الحال بالنسبة لعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني‪.‬‬
‫‪ - 3‬دعوة الدول السلمية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني وكذلك مؤسسات تعاونية‬
‫لعادة التأمين‪ ،‬حتى يتحرر القتصاد السلمي من الستغلل ومن مخالفة النظام الذي يرضاه ال‬
‫لهذه المة‪.‬‬
‫وال أعلم‬
‫قرار رقم (‪)10‬‬
‫بشأن‬
‫حكم التعامل المصرفي بالفوائد‬
‫وحكم التعامل مع المصارف السلمية‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪ .‬بعد أن عرضت عليه بحوث‬
‫مختلفة في التعامل المصرفي المعاصر‪.‬‬
‫وبعد التأمل فيما قدم ومناقشته مناقشة مركزة أبرزت الثار السيئة لهذا التعامل على النظام القتصادي‬
‫العالمي‪ ،‬وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث‪.‬‬
‫وبعد التأمل فيما جره هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب ال من تحريم الربا‬
‫جزئيا وكليا تحريما واضحا بدعوته إلى التوبة منه‪ ،‬وإلى القتصار على استعادة رؤوس أموال‬
‫القروض دون زيادة ول نقصان قل أو كثر‪ ،‬وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من ال ورسوله‬
‫للمرابين‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫( ‪)7/109‬‬

‫أولً‪ :‬أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله‪،‬‬
‫وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد! هاتان الصورتان ربا محرم شرعا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط القتصادي حسب الصورة التي‬
‫يرتضيها السلم‪ ،‬هو التعامل وفقا للحكام الشرعية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات السلمية إلى تشجيع المصارف التي تعمل بمقتضى‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬والتمكين لقامتها في كل بلد إسلمي لتغطي حاجة المسلمين كيل يعيش المسلم في‬
‫تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم ( ‪)11‬‬
‫بشأن‬
‫توحيد بدايات الشهور القمرية‬
‫أما بعد‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫بعد أن استعرض البحوث المقدمة إليه من العضاء والخبراء حول توحيد بدايات الشهور القمرية‪.‬‬
‫وبعد أن ناقش الحاضرون العروض المقدمة في الموضوع مناقشة مستفيضة واستمعوا لعديد من‬
‫الراء حول اعتماد الحساب في إثبات دخول الشهور القمرية‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬تكليف المانة العامة لمجمع الفقه السلمي بتوفير الدراسات العلمية الموثقة من خبراء أمناء في‬
‫الحساب الفلكي والرصاد الجوية‪.‬‬
‫‪ - 2‬تسجيل موضوع توحيد بدايات الشهور القمرية في جدول أعمال الجلسة القادمة لستيفاء البحث‬
‫فيه من الناحيتين الفنية والفقهية الشرعية‪.‬‬
‫‪ - 3‬تكليف المانة العامة باستقدام عدد كاف من الخبراء المذكورين وذلك لمشاركة الفقهاء في‬
‫تصوير جوانب الموضوع كلها تصويرا واضحا يمكن اعتماده لبيان الحكم الشرعي‪.‬‬
‫وال الموفق‬

‫( ‪)7/110‬‬
‫قرار رقم (‪)12‬بشأن‬
‫خطاب الضمان‬
‫أما بعد‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه السلمي المنبثق عن منظمة المؤتمر السلمي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني‬
‫بجدة من ‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ‪ 28-22/‬ديسمبر ‪ 1985‬م‪.‬‬

‫بحث مسألة خطاب الضمان‪ :‬وبعد النظر فيما أعد في ذلك من بحوث ودراسات وبعد المداولت‬
‫والمناقشات المستفيضة تبين ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن خطاب الضمان بأنواعه البتدائي والنتهائي ل يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه‪ ،‬فإن كان‬
‫بدون غطاء‪ ،‬فهو‪ :‬ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حال أو مآلً‪ ،‬وهذه هي حقيقة ما يعنى‬
‫في الفقه السلمي باسم‪( :‬الضمان) أو (الكفالة)‪.‬‬
‫وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدّره هي (الوكالة)‬
‫والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له)‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد للرفاق والحسان‪ .‬وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على‬
‫الكفالة‪ ،‬لنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض‪ ،‬وذلك‬
‫ممنوع شرعا‪ .‬ولذلك فإن المجمع قرر ما يلي‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬أن خطاب الضمان ل يجوز أخذ الجر عليه لقاء عملية الضمان (والتي يراعى فيها عادة مبلغ‬
‫الضمان ومدته) سواء أكان بغطاء أم بدونه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أما المصاريف الدارية لصدار خطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعا‪ ،‬مع مراعاة عدم الزيادة‬
‫على أجر المثل‪ ،‬وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي‪ ،‬يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف‬
‫لصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لداء ذلك الغطاء‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/111‬‬

‫القَرارَات وَالتوصيَات‬
‫الدّورة الثالثة لمجلس مجمع الفقه السلمي‬
‫عمّآن‪ 13-8 :‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 16-11/‬اكتوبر ‪ 1986‬م‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)1‬‬
‫بشأن‬
‫استفسارات البنك السلمي للتنمية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫ـ بعد دراسة مستفيضة ومناقشات واسعة لجميع الستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع‪ ،‬انتهى‬
‫إلى ما يلي‪:‬‬
‫(أ) بخصوص أجور خدمات القروض في البنك السلمي للتنمية ‪:‬‬
‫قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية‪ - 1 :‬جواز أخذ أجور عن خدمات القروض‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية‪.‬‬
‫‪ - 3‬كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لنها من الربا المحرم شرعا‪.‬‬
‫(ب) بخصوص عمليات اليجار ‪:‬‬
‫قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها‪:‬‬
‫المبدأ الول‪:‬‬
‫أن الوعد من البنك السلمي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا‪.‬‬
‫المبدأ الثاني‪:‬‬
‫أن توكيل البنك السلمي للتنمية أحد عملئه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها‬
‫مما هو محدد الوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الشياء بعد حيازة الوكيل لها‬
‫هو توكيل مقبول شرعا‪ .‬والفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك‪.‬‬
‫المبدأ الثالث‪:‬‬
‫أن عقد اليجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة‬
‫والوعد‪.‬‬
‫المبدأ الرابع‪:‬‬
‫أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الجارة جائز بعقد منفصل‪ .‬المبدأ الخامس‪:‬‬
‫أن تبعة الهلك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكا للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من‬
‫المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه‪.‬‬
‫المبدأ السادس‪:‬‬
‫أن نفقات التأمين لدى الشركات السلمية كلما أمكن ذلك‪،‬يتحملها البنك‪.‬‬
‫(جـ) بخصوص عمليات البيع بالجل مع تقسيط الثمن ‪:‬‬
‫قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها‪:‬‬
‫المبدأ الول‪:‬‬
‫أن الوعد من البنك السلمي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا‪.‬‬
‫المبدأ الثاني‪:‬‬

‫( ‪)7/112‬‬

‫أن توكيل البنك أحد عملئه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد‬
‫الوصاف والثمن لحساب البنك‪ ،‬بغية أن يبيعه البنك تلك الشياء بعد وصولها وحصولها في يد‬
‫الوكيل‪ ،‬هو توكيل مقبول شرعا‪ .‬والفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر‬
‫ذلك‪.‬‬
‫المبدأ الثالث‪:‬‬
‫أن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض له‪ ،‬وأن يبرم بعقد منفصل‪( .‬د)‬
‫بخصوص عمليات تمويل التجارة الخارجية ‪:‬‬
‫قرر مجلس المجمع أنه ينطبق على هذه العمليات المبادئ المطبقة على عمليات البيع بالجل مع‬
‫تقسيط الثمن‪.‬‬
‫(هـ) بخصوص التصرف في فوائد الودائع التي يضطر البنك السلمي للتنمية ليداعها في‬
‫المصارف الجنبية ‪:‬‬
‫قرر مجلس المجمع بشأن ذلك ما يلي‪:‬‬
‫يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لمواله من آثار تذبذب العملت بواسطة الفوائد المنجرة من‬
‫إيداعاته‪ .‬ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث وتوفير وسائل‬
‫الغاثة‪ ،‬وتوفير المساعدات المالية للدول العضاء وتقديم المساعدة الفنية لها‪ ،‬وكذلك للمؤسسات‬
‫العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة السلمية‪.‬‬
‫وال أعلم‬
‫قرار رقم (‪)2‬‬
‫بشأن‬
‫زكاة السهم في الشركات‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪ .‬ـ بعد مناقشته لموضوع «زكاة‬
‫السهم في الشركات» من جميع جوانبه والطلع على البحوث المقدمة بخصوصه‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫تأجيل إصدار القرار الخاص به إلى الدورة الرابعة للمجلس‪ ،‬وال الموفق‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)3‬‬
‫بشأن‬
‫توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي للمستحق‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/113‬‬

‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة في موضوع «توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بل تمليك فردي‬
‫للمستحق» وبعد استماعه لراء العضاء والخبراء فيه‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الستحقاق‬
‫للزكاة‪ ،‬أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها‪ ،‬على أن تكون بعد تلبية‬
‫الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)4‬‬
‫بشأن‬
‫أطفال النابيب‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي «أطفال النابيب» وذلك بالطلع على البحوث المقدمة‬
‫والستماع لشرح الخبراء والطباء‪.‬‬
‫وبعد التداول‪.‬‬
‫تبين للمجلس‪:‬‬
‫أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه اليام هي سبع‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يجري تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع‬
‫اللقيحة في رحم زوجته‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم‬
‫الزوجة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في‬
‫رحم الزوجة‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الخرى‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم‬
‫الزوجة‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليا‪.‬‬
‫وقرر‪:‬‬
‫أن الطرق الخمسة الولى كلها محرمة شرعا وممنوعة منعا باتا لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلط‬
‫النساب وضياع المومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية‪.‬‬

‫( ‪)7/114‬‬

‫أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه ل حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع‬
‫التأكيد على ضرورة أخذ كل الحتياطات اللزمة‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)5‬‬
‫بشأن‬
‫أجهزة النعاش‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع «أجهزة النعاش» واستماعه إلى شرح‬
‫مستفيض من الطباء المختصين‪.‬‬
‫قرر ما يلي‪:‬‬
‫يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه‬
‫إحدى العلمتين التاليتين‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تاما وحكم الطباء بأن هذا التوقف ل رجعة فيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلً نهائيا‪ ،‬وحكم الطباء الختصاصيون الخبراء بأن هذا‬
‫التعطل ل رجعة فيه‪ ،‬وأخذ دماغه في التحلل‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة النعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض العضاء كالقلب‬
‫ل ل يزال يعمل آليا بفعل الجهزة المركبة‪.‬‬
‫مث ً‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)6‬‬
‫بشأن‬
‫«توحيد بدايات الشهور القمرية»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد استعراضه في قضية «توحيد بدايات الشهور القمرية» مسألتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬مدى تأثير اختلف المطالع على توحيد بداية الشهور‬
‫الثانية‪ :‬حكم إثبات أوائل الشهور القمرية بالحساب الفلكي‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى الدراسات المقدمة من العضاء والخبراء حول هذه المسألة‪ .‬قرر‪:‬‬
‫‪ - 1‬في المسألة الولى‪:‬‬
‫إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين اللتزام بها ول عبرة لختلف المطالع لعموم الخطاب‬
‫بالمر بالصوم والفطار‪.‬‬
‫‪ - 2‬في المسألة الثانية‪:‬‬

‫( ‪)7/115‬‬

‫وجوب العتماد على الرؤية‪ ،‬ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للحاديث النبوية والحقائق‬
‫العلمية‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)7‬‬
‫بشأن‬
‫«الحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة بخصوص موضوع «الحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة‬
‫والباخرة» ‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫أن المواقيت المكانية التي حددتها السنة النبوية يجب الحرام منها لمريد الحج أو العمرة‪ ،‬للمار عليها‬
‫أو للمحاذي لها أرضا أو جوا أو بحرا لعموم المر بالحرام منها في الحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)8‬‬
‫بشأن‬
‫«صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن السلمي»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد استماعه لبيان المين العام المساعد لمنظمة المؤتمر السلمي حول أنشطة صندوق التضامن‬
‫السلمي وحاجته الماسة إلى الدعم المادي‪ ،‬واقتراحه أن يكون مصرفا من مصارف الزكاة‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫تكليف المانة العامة بالتعاون مع صندوق التضامن السلمي بإعداد الدراسات اللزمة لبحث‬
‫الموضوع وعرضها على مجلس المجمع في دورته القادمة‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)9‬‬
‫بشأن‬
‫«أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «أحكام النقود الورقية وتغير قيمة‬
‫العملة» ‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬بخصوص أحكام العملت الورقية‪:‬‬

‫( ‪)7/116‬‬

‫أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ولها الحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث‬
‫أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بخصوص قيمة العملة‪:‬‬
‫تأجيل النظر في هذه المسألة حتى تستوفى دراسة كل جوانبها لتنظر في الدورة الرابعة للمجلس‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)10‬‬
‫بشأن‬
‫«سندات المقارضة وسندات التنمية والستثمار»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحث المقدم في موضوع «سندات المقارضة وسندات التنمية والستثمار»‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫وجريا على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في الموضوع الواحد‪.‬‬
‫ونظرا لهمية هذا الموضوع وضرورة بحث استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته والتعرف‬
‫على جميع الراء فيه‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫أن تقوم المانة العامة للمجمع بتكليف من تراه لعداد عدد من البحوث فيه ليتمكن المجمع من اتخاذ‬
‫القرار المناسب في دورته الرابعة‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)11‬‬
‫بشأن‬
‫«استفسارات المعهد العالمي للفكر السلمي بواشنطن»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على الستفسارات التي عرضها «المعهد العالمي للفكر السلمي بواشنطن» وما أعد من‬
‫إجابات عليها من بعض العضاء والخبراء‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫تكليف المانة العامة للمجمع بتبليغ المعهد المذكور بما أقره المجلس من إجابات‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬صلى ال على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ما أقره المجمع من أجوبة على الستفسارات (‪. )1‬‬
‫السؤال الثالث ‪:‬‬
‫ما حكم زواج المسلمة بغير المسلم خاصة إذا طمعت في إسلمه بعد الزواج‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أرجئ اتخاذ القرار بالنسبة للسئلة ‪.22 ،15 ،7 ،2 ،1‬‬

‫( ‪)7/117‬‬

‫حيث تدعي مسلمات كثيرات أنه ل يتوفر لهن الكفاء من المسلمين في غالب الحيان‪ ،‬وأنهن مهددات‬
‫بالنحراف أو يعشن في وضع شديد الحرج؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫زواج المسلمة بغير المسلم ممنوع شرعا بالكتاب والسنة والجماع‪ .‬وإذا وقع فهو باطل‪ ،‬ول تترتب‬
‫عليه الثار الشرعية المترتبة على النكاح‪ ،‬والولد المولودون عن هذا الزواج أولد غير شرعيين‪.‬‬
‫ورجاء إسلم الرجال ل يغير من هذا الحكم شيئا‪.‬‬
‫السؤال الرابع ‪:‬‬
‫ما حكم استمرار الزوجية والمعاشرة بين زوجة دخلت السلم وبقي زوجها على الكفر ولها منه أولد‬
‫تخشى عليهم الضياع والنحراف‪ ،‬ولها طمع في أن يهتدي زوجها إلى السلم لو استمرت العلقة‬
‫الزوجية بينها وبينه‪.‬‬
‫وما الحكم فيما إذا لم يكن هناك طمع في إسلمه‪ ،‬ولكنه يحسن معاشرتها وتخشى لو تركته أل تعثر‬
‫على زوج مسلم؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بمجرد إسلم المرأة وأبى الزوج السلم ينفسخ نكاحهما‪ ،‬فل تحل معاشرته لها‪ ،‬ولكنها تنتظر مدة‬
‫العدة‪ ،‬فإن أسلم خللها عادت إليه بعقدهما السابق‪.‬‬
‫أما إذا انقضت عدتها ولم يسلم فقد انقطع ما بينهما فإن أسلم ـ بعد ذلك ـ ورغب للعودة إلى‬
‫زواجهما عاد بعقد جديد‪ .‬ول تأثير لما يسمى بحسن المعاشرة في إباحة استمرار الزوجية‪ .‬السؤال‬
‫الخامس ‪:‬‬
‫ما حكم دفن المسلم في مقابر غير المسلمين‪ ،‬حيث ل يسمح للدفن خارج المقابر المعدة لذلك ول توجد‬
‫مقابر خاصة بالمسلمين في معظم الوليات المريكية والقطار الوربية؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫إن دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في بلد غير إسلمية جائز للضرورة‪.‬‬
‫السؤال السادس ‪:‬‬

‫( ‪)7/118‬‬

‫ماحكم بيع المسجد «إذا انتقل المسلمون عن المنطقة التي هو فيها وخيف تلفه أو الستيلء عليه» ‪.‬‬
‫فكثيرا ما يشتري المسلمون منزلً ويحولونه مسجدا فإذا انتقلت غالبية المسلمين من المنطقة لظروف‬
‫العمل هجر المسجد أو أهمل‪ ،‬وقد يستولي عليه آخرون‪ .‬ومن الممكن بيعه واستبداله بمسجد يؤسس‬
‫في مكان فيه مسلمون‪ .‬فما حكم هذا البيع أو الستبدال؟ وإذا لم تتيسر فرصة استبداله بمسجد آخر فما‬
‫أقرب الوجوه التي يجوز صرف ثمن المسجد فيها؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫يجوز بيع المسجد الذي تعطل النتفاع به‪ ،‬أو هجر المسلمون المكان الذي هو فيه أو خيف استيلء‬
‫الكفار عليه‪ ،‬على أن يشترى بثمنه مكانا آخر يتخذ مسجدا‪.‬‬
‫السؤال الثامن ‪:‬‬
‫بعض النساء أو الفتيات تضطرهن ظروف العمل أو الدراسة إلى القامة بمفردهن‪ ،‬أو مع نسوة غير‬
‫مسلمات‪ ،‬فما حكم هذه القامة؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ل يجوز للمرأة المسلمة أن تقيم وحدها شرعا في بلد الغربة‪ .‬السؤال التاسع ‪:‬كثيرات من النساء هنا‪،‬‬
‫يذكرن أن أقصى ما بإمكانهن ستره من أجسادهن هو ما عدا الوجه والكفين‪ ،‬وبعضهن تمنعهنّ جهات‬
‫العمل من ستر رؤوسهن فما أقصى ما يمكن السماح بكشفه من أجزاء جسم المرأة بين الجانب في‬
‫محلت العمل أو الدراسة؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫إن حجاب المرأة المسلمة ـ عند جمهور العلماء ـ ستر جميع بدنها عدا الوجه والكفين إذا لم تخش‬
‫فتنة‪ ،‬فإن خيفت فتنة يجب سترهما أيضا‪.‬‬
‫السؤال العاشر والسؤال الحادي عشر ‪:‬‬
‫ـ يضطر الكثير من الطلب المسلمين إلى العمل في هذه البلد لتغطية نفقات الدراسة والمعيشة لن‬
‫كثيرا منهم ل يكفيه ما يرده من ذويه مما يجعل العمل ضرورة له ل يمكن أن يعيش بدونه‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫ل يجد عملً إل في مطاعم تبيع الخمور أو تقدم وجبات فيها لحم الخنزير وغيره من المحرمات فما‬
‫حكم عمله في هذه المحلت؟‬

‫( ‪)7/119‬‬

‫ـ وما حكم بيع المسلم للخمور والخنازير‪ ،‬أو صناعة الخمور وبيعها لغير المسلمين؟ علما بأن بعض‬
‫المسلمين في هذه البلدان قد اتخذوا من ذلك حرفة لهم‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫للمسلم إذا لم يجد عمل مباحا شرعا‪ ،‬العمل في مطاعم الكفار بشرط أل يباشر بنفسه سقي الخمر أو‬
‫حملها أو صناعتها أو التجار بها‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم الخنازير ونحوها من المحرمات‪.‬‬
‫السؤال الثاني عشر ‪:‬‬
‫هناك كثير من الدوية تحوي كميات مختلفة من الكحول تترواح بين ‪ %01‬و ‪ %25‬ومعظم هذه‬
‫الدوية من أدوية الزكام واحتقان الحنجرة والسعال وغيرها من المراض السائدة‪ .‬وتمثل هذه الدوية‬
‫الحاوية للكحول ما قارب ‪ %95‬من الدوية في هذا المجال مما يجعل الحصول على الدوية الخالية‬
‫من الكحول عملية صعبة أو متعذرة‪ ،‬فما حكم تناول هذه الدوية؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫للمريض المسلم تناول الدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسر دواء خال منها‪ ،‬ووصف‬
‫ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته‪.‬‬
‫السؤال الثالث عشر ‪:‬‬
‫هناك الخمائر والجلتين توجد فيها عناصر مستخلصة من الخنزير بنسب ضئيلة جدا‪ ،‬فهل يجوز‬
‫استعمال هذه الخمائر والجلتين؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ل يحل للمسلم استعمال الخمائر والجلتين المأخوذة من الخنازير في الغذية‪ ،‬وفي الخمائر والجلتين‬
‫المتخذة من النباتات أو الحيوانات المذكاة شرعا غُنية عن ذلك‪.‬‬
‫السؤال الرابع عشر ‪:‬‬
‫اضطر معظم المسلمين إلى إقامة حفلت الزفاف لبناتهم في مساجدهم‪ ،‬وكثيرا ما يتخلل هذه الحفلت‬
‫رقص وإنشاد أو غناء‪ ،‬ول تتوفر لهن أماكن تتسع لمثل هذه الحفلت فما حكم إقامة هذه الحفلت في‬
‫المساجد؟ الجواب ‪:‬‬
‫يندب عقد النكاح في المساجد‪ ،‬ول تجوز إقامة الحفلت فيها إذا اقترنت بمحظور شرعي كاختلط‬
‫الرجال بالنساء وتبرجهن والرقص والغناء‪.‬‬
‫السؤال السادس عشر ‪:‬‬

‫( ‪)7/120‬‬

‫ما حكم زواج الطالب أو الطالبة المسلمة زواجا ل ينوي استدامته بل النية منعقدة عنده على إنهائه‬
‫بمجرد انتهاء الدراسة والعزم على العودة إلى مكان القامة الدائم‪ ،‬ولكن العقد يكون ـ عادة ـ عقدا‬
‫عاديا بالصيغة نفسها التي يعقد بها الزواج المؤبد‪ ،‬فما حكم هذا الزواج؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الصل في الزواج الستمرار والتأبيد وإقامة أسرة مستقرة ما لم يطرأ عليه ما ينهيه‪.‬‬
‫السؤال السابع عشر ‪:‬‬
‫ما حكم ظهور المرأة في محلت العمل أو الدراسة بعد أن تأخذ من شعر حاجبيها وتكتحل؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الكتحال للرجال والنساء جائز شرعا‪ .‬أما نتف بعض الحاجبين فل يجوز إل إذا كان الشعر مشوها‬
‫لخلقة المرأة‪.‬‬
‫السؤال الثامن عشر ‪:‬‬
‫بعض المسلمات يجدن حرجا في عدم مصافحتهن للجانب الذين يرتادون الماكن التي يعملن أو‬
‫يدرسن فيها‪ ،‬فيصافحن الجانب دفعا للحرج‪ ،‬فما حكم هذه المصافحة؟‬
‫وكذلك الحال بالنسبة لكثير من المسلمين الذين تتقدم إليهم نساء أجنبيات مصافحات‪ ،‬وامتناعهم عن‬
‫مصافحتهن يوقعهم في شيء من الحرج على حد ما يذكرون ويذكرن؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫مصافحة الرجل المرأة الجنبية البالغة ممنوعة شرعا وكذلك العكس‪.‬‬
‫السؤال التاسع عشر ‪:‬‬
‫ما حكم استئجار الكنائس أماكن لقامة الصلوات الخمس أو صلة الجمعة والعيدين‪ ،‬مع وجود التماثيل‬
‫وما تحتويه الكنائس عادة‪ ..‬علما بأن الكنائس ـ في الغالب ـ أرخص الماكن التي يمكن استئجارها‬
‫من النصارى وبعضها تقدمه الجامعات أو الهيئات الخيرية للستفادة منه في هذه المناسبات دون‬
‫مقابل؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫استئجار الكنائس للصلة ل مانع منه شرعا عند الحاجة‪ ،‬وتجتنب الصلة إلى التماثيل والصور وتستر‬
‫بحائل إذا كانت باتجاه القبلة‪.‬‬
‫السؤال العشرون ‪:‬‬
‫ما حكم ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى وما يقدمونه من طعام في مطاعمهم مع عدم العلم‬
‫بالتسمية عليها؟ الجواب ‪:‬‬

‫( ‪)7/121‬‬

‫ذبائح الكتابيين جائزة شرعا إذا ذكيت بالطريقة المقبولة شرعا‪ ،‬ولم يذكر اسم ال عليها ‪ ،‬ويوصي‬
‫المجمع بدراسة متعمقة للموضوع في دورته القادمة‪.‬‬
‫السؤال الحادي والعشرون ‪:‬‬
‫كثير من المناسبات العامة التي يدعى المسلمون لحضورها تقدم فيها الخمور ويختلط فيها النساء‬
‫والرجال‪ ،‬واعتزال المسلمين لبعض هذه المناسبات قد يؤدي إلى عزلهم عن بقية أبناء المجتمع‪،‬‬
‫وفقدانهم لبعض الفوائد‪.‬‬
‫فما حكم حضور هذه الحفلت من غير مشاركة لهم في شرب الخمر أو الرقص أو تناول الخنزير؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫في حضور حفلت تقدم فيها الخمور ل يجوز للمسلم أو المسلمة حضور مجالس المعاصي‬
‫والمنكرات‪.‬‬
‫السؤال الثالث والعشرون ‪:‬‬
‫في كثير من الوليات المريكية وكذلك القطار الوربية تصعب أو تتعذر رؤية هلل رمضان أو‬
‫شوال‪ ،‬والتقدم العلمي الموجود في كثير من هذه البلدان يمكن من معرفة ولدة الهلل بشكل دقيق‬
‫بطريق الحساب‪ ،‬فهل يجوز اعتماد الحساب في هذه البلدان؟‬
‫وهل تجوز الستعانة بالمراصد وقبول قول الكفار المشرفين عليها علما أن الغالب على الظن صدق‬
‫قولهم في هذه المور؟ ومما يجدر بالملحظة أن اتباع المسلمين في أمريكا وأوربا لبعض البلدان‬
‫السلمية المشرقية في صيامها أو إفطارها قد أثار بينهم اختلفات كثيرة‪ ،‬غالبا ما تذهب بأهم فوائد‬
‫العياد‪ ،‬وتثير مشكلت شبه دائمة‪ ،‬وفي الخذ بالحساب ما قد يقضي على هذا في نظر البعض أو‬
‫يكاد‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫يجب العتماد على الرؤية‪ ،‬ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للحاديث النبوية والحقائق‬
‫العلمية‪.‬‬
‫وإذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين اللتزام بها ول عبرة لختلف المطالع لعموم الخطاب‬
‫بالمر بالصوم والفطار‪.‬‬
‫السؤال الرابع والعشرون ‪:‬‬
‫ما حكم عمل المسلم في دوائر ووزارات الحكومة المريكية أو غيرها من حكومات البلد الكافرة‪،‬‬
‫خاصة في مجالت هامة كالصناعات الذرية أو الدراسات الستراتيجية ونحوها؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫( ‪)7/122‬‬

‫يجوز للمسلم العمل المباح شرعا في دوائر ومؤسسات حكومات غير إسلمية إذا لم يؤد عمله ذلك‬
‫إلى إلحاق ضرر بالمسلمين‪.‬‬
‫السؤال الخامس والعشرون والسؤال السادس والعشرون ‪:‬‬
‫ـ ما حكم تصميم المهندس المسلم لمباني النصارى كالكنائس وغيرها علما بأن هذا هو جزء من‬
‫عمله في الشركة الموظفة له‪ ،‬وفي حالة امتناعه قد يتعرض للفصل من العمل؟ ـ ما حكم تبرع‬
‫المسلم فردا كان أو هيئة لمؤسسات تعليمية أو تنصيرية أو كنَسِية؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ل يجوز للمسلم تصميم أو بناء معابد الكفار أو السهام في ذلك ماليا أو فعليا‪.‬‬
‫السؤال السابع والعشرون ‪:‬‬
‫كثير من العائلت المسلمة يعمل رجالها في بيع الخمور والخنزير وما شابه ذلك‪ ،‬وزوجاتهم وأولدهم‬
‫كارهون لذلك علما بأنهم يعيشون بمال الرجل‪ ،‬فهل عليهم من حرج في ذلك؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫للزوجة والولد غير القادرين على الكسب الحلل أن يأكلوا للضرورة من كسب الزوج المحرم‬
‫شرعا‪ ،‬كبيع الخمر والخنزير وغيرهما من المكاسب الحرام بعد بذل الجهد في إقناعه بالكسب الحلل‬
‫والبحث عن عمل‪.‬‬
‫السؤال الثامن والعشرون ‪:‬‬
‫ما حكم شراء منزل السكنى وسيارة الستعمال الشخصي وأثاث المنزل بواسطة البنوك والمؤسسات‬
‫التي تفرض ربحا محددا على تلك القروض لقاء رهن تلك الصول‪ ،‬علما بأنه في حالة البيوت‬
‫والسيارات والثاث عموما‪ ،‬يعتبر البديل عن البيع هو اليجار بقسط شهري يزيد في الغالب عن قسط‬
‫الشراء الذي تستوفيه البنوك؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل يجوز شرعا‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)12‬‬
‫بشأن‬
‫«المشاريع العلمية للمجمع»‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد دراسة تقرير شعبة التخطيط عن اجتماعها يومي ‪ 8‬و ‪ 9‬صفر ‪ 1407‬هـ ‪ 12-11‬أكتوبر ‪1986‬‬
‫م‪ ،‬والذي بحثت فيه عددا من المور المدرجة على جدول أعمالها‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الموافقة على المشاريع التالية بعد أن أدخل عليها بعض التعديلت‪:‬‬
‫‪ - 1‬الموسوعة الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 2‬معجم المصطلحات الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 3‬معلمة القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 4‬مدونة أدلة الحكام الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 5‬إحياء التراث الفقهي‪.‬‬
‫‪ - 6‬اللئحة المالية للموسوعة الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 7‬اللئحة المالية لمعجم المصطلحات الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 8‬اللئحة المالية لحياء التراث الفقهي‪.‬‬
‫‪ - 9‬منهج سير عمل ومناقشات وإدارة جلسات المجلس‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تأليف لجنة علمية رباعية لوضع منهج لكل من مشروعي معلمة القواعد الفقهية ومدونة أدلة‬
‫الحكام الفقهية بالتشاور بين رئيس المجلس والمين العام‪.‬‬
‫وال الموفق‬

‫( ‪)7/123‬‬

‫توصيات الدورة الثالثة لمجلس مجمع الفقه السلمي‬


‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنية‬
‫الهاشمية من ‪ 13-8‬صفر ‪ 1407‬هـ‪ 11/‬إلى ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫بعد استماعه إلى بيان سمو ولي عهد المملكة الردنية الهاشمية المير الحسن ابن طلل‪ ،‬حول‬
‫المشكلت الملحة التي يعاني منها المسلمون في مجالت التنمية القتصادية والجتماعية‪ ،‬وضرورة‬
‫التوجه لتلبية الحاجات الملحة للمسلمين في مواجهة آثار الفقر والمرض والجهل‪ ،‬وتحقيق الحياة‬
‫الكريمة للنسان‪.‬‬
‫وبعد اطلعه على نداء سمو ولي عهد المملكة الردنية الهاشمية الموجه إلى العالم العربي والسلمي‬
‫لغاثة السودان‪.‬‬
‫وبعد استشعاره وهو ينعقد على مقربة من المسجد القصى المبارك بضرورة مضاعفة الجهد من أجل‬
‫استنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين‪.‬‬
‫وفي ضوء قناعته بضرورة الهتمام بالدرجة الولى بالقضايا التي تتصل بحياة المسلمين الجتماعية‬
‫والقتصادية والتضامنية‪ ،‬وبضرورة تعميق الدراسة والبحث فيها بالتركيز على الندوات العلمية‬
‫واليام الدراسية ونحوها‪.‬‬
‫يوصي بما يلي‪:‬‬

‫( ‪)7/124‬‬

‫أولً‪ :‬ضرورة تبني برنامج إسلمي واسع للغاثة ينفق عليه من صندوق مستقل ينشأ لهذا الغرض‬
‫ويمول من أموال الزكاة والتبرعات والوقاف الخيرية‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫مناشدة المة السلمية شعوبا وحكومات أن تعمل جهدها لستنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين‬
‫الشريفين وتحرير الرض المحتلة بحشد طاقاتها وبناء ذاتها وتوحيد صفوفها والتسامي على كل‬
‫أسباب الختلف بينها وتحكيم شريعة ال سبحانه في حياتها الخاصة والعامة‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫الهتمام بأعمال المجمع في مجالت الدراسات والبحوث والفتوى والمشاريع‪ ،‬وبالقضايا الهامة‬
‫للمسلمين والتي تتصل بحياتهم الجتماعية والقتصادية وتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وتحقيق أسباب‬
‫التكافل والتضامن بينهم وتمكينهم من مواجهة كل التحديات ومن إقامة حياتهم على هدي من شريعة‬
‫ال سبحانه‪.‬‬
‫رابعا‪:‬‬
‫التمييز بين قضايا الدراسات والبحوث وموضوعات الفتوى وذلك بالتركيز في البحوث والدراسات‬
‫بصفة خاصة على الندوات العلمية واليام الدراسية وفق خطة تعدها شعبة التخطيط في المجمع‬
‫لتعرض على المجلس‪.‬‬
‫وال الموفق‬

‫( ‪)7/125‬‬

‫القَرارَات وَالتوصيَات‬
‫الدّورَة الرابعة لمجلس مجْمع الفقه السلمي‬
‫جدة‪ 23 - 18 :‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ 11-6 /‬فبراير ‪1988‬م‬
‫القرارات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه‬
‫قرار رقم (‪)1‬‬
‫بشأن‬
‫انتفاع النسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيا كانَ أو ميتا‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «انتفاع النسان‬
‫بأعضاء جسم إنسان آخر حيا أو ميتا» ‪.‬‬
‫وفي ضوء المناقشات التي وجهت النظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي‬
‫والطبي‪ ،‬وظهرت نتائجه اليجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الحيان بالضرار النفسية‬
‫والجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة النسان‪،‬‬
‫ومع مراعاة مقاصد الشريعة السلمية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد‬
‫والجماعة‪ ،‬والداعية إلى التعاون والتراحم واليثار‪.‬‬
‫وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره‬
‫وحالته التي يختلف الحكم تبعا لها‪.‬‬
‫قرر ما يلي‪:‬‬
‫من حيث التعريف والتقسيم ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬يقصد هنا بالعضو‪ :‬أي جزء من النسان‪ ،‬من أنسجة وخليا ودماء ونحوها‪ ،‬كقرنية العين‪،‬‬
‫سواء أكان متصلً به‪ ،‬أم انفصل عنه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬النتفاع الذي هو محل البحث‪ ،‬هو استفادة دعت إلىها ضرورة المستفيد لستبقاء أصل الحياة‪،‬‬
‫أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه‪.‬‬
‫على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعا‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تنقسم صور النتفاع هذه إلى القسام التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬نقل العضو من حي‬
‫‪ - 2‬نقل العضو من ميت‬
‫‪ -3‬النقل من الجنّة‬
‫الصورة الولى‪ :‬وهي نقل العضو من حي‪ ،‬تشمل الحالت التالية‪:‬‬
‫أ ـ نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه‪ ،‬كنقل الجلد والغضاريف والعظام‬
‫والوردة والدم ونحوها‪.‬‬
‫ب ـ نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر‪.‬وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما‬
‫تتوقف عليه الحياة وما ل تتوقف عليه‪.‬‬
‫أما ما تتوقف عليه الحياة‪ ،‬فقد يكون فرديا‪ ،‬وقد يكون غير فردي‪ ،‬فالول كالقلب والكبد‪ ،‬والثاني‬
‫كالكلية والرئتين‪.‬‬

‫( ‪)7/126‬‬

‫وأما ما ل تتوقف عليه الحياة‪ ،‬فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما ل يقوم بها‪ .‬ومنه ما‬
‫يتجدد تلقائيا كالدم‪ ،‬ومنه ما ل يتجدد‪ ،‬ومنه ما له تأثير على النساب والموروثات‪ ،‬والشخصية‬
‫العامة‪ ،‬كالخصية والمبيض وخليا الجهاز العصبي‪ ،‬ومنه ما ل تأثير له على شيء من ذلك‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬وهي نقل العضو من ميت ‪:‬‬
‫ويلحظ أن الموت يشمل حالتين‪:‬‬
‫الحالة الولى‪ :‬موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلً نهائيا ل رجعة فيه طبيا‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬توقف القلب والتنفس معا توقفا تاما ل رجعة فيه طبيا‪.‬‬
‫فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬وهي النقل من الجنة‪ ،‬وتتم الستفادة منها في ثلث حالت ‪:‬‬
‫حالة الجنة التي تسقط تلقائيا‪.‬‬
‫حالة الجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي‪.‬‬
‫حالة «اللقائح المستنبتة خارج الرحم» ‪ .‬من حيث الحكام الشرعية ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬يجوز نقل العضو من مكان من جسم النسان إلى مكان آخر من جسمه‪ ،‬مع مراعاة التأكد من‬
‫أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها‪ ،‬وبشرط أن يكون ذلك ليجاد‬
‫عضو مفقود أو لعادة شكله أو وظيفته المعهودة له‪ ،‬أو لصلح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص‬
‫أذى نفسيا أو عضويا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر‪ ،‬إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيا‪ ،‬كالدم‬
‫والجلد‪ ،‬ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الهلية‪ ،‬وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تجوز الستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر‪،‬‬
‫كأخذ قرنية العين لنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر‪.‬‬

‫( ‪)7/127‬‬

‫خامسا ‪ :‬يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلمة‬
‫أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما‪ ،‬أما إن كان النقل يعطل جزءا من وظيفة أساسية فهو‬
‫محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو‪ ،‬أو تتوقف سلمة وظيفة‬
‫أساسية فيه على ذلك‪ .‬بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته‪ ،‬أو بشرط موافقة وليّ المسلمين إن‬
‫كان المتوفى مجهول الهوية أو ل ورثة له‪ .‬سابعا ‪ :‬وينبغي ملحظة أن التفاق على جواز نقل‬
‫العضو في الحالت التي تم بيانها‪ ،‬مشروط بأن ل يتم ذلك بوساطة بيع العضو‪ .‬إذ ل يجوز إخضاع‬
‫أعضاء النسان للبيع بحال ما‪.‬‬
‫أما بذل المال من المستفيد‪ ،‬ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريما‪،‬‬
‫فمحل اجتهاد ونظر‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬كل ما عدا الحالت والصور المذكورة‪ ،‬مما يدخل في أصل الموضوع‪ ،‬فهو محل بحث ونظر‪،‬‬
‫ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة‪ ،‬على ضوء المعطيات الطبية والحكام الشرعية‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)2‬‬
‫بشأن‬
‫صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن السلمي‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على المذكرة التفسيرية بشأن «صندوق التضامن السلمي ووقفيته» المقدمة إلى الدورة‬
‫الثالثة للمجمع‪ ،‬وعلى البحاث الواردة إلى المجمع في دورته الحالية بخصوص موضوع «صرف‬
‫الزكاة لصالح صندوق التضامن السلمي» ‪.‬‬
‫يوصي ‪:‬‬

‫( ‪)7/128‬‬

‫ـ عملً على تمكين صندوق التضامن السلمي من تحقيق أهدافه الخيرة (المبينة في نظامه‬
‫الساسي) والتي أنشئ من أجلها‪ ،‬والتزاما بقرار القمة السلمي الثاني الذي نص على إنشاء هذا‬
‫الصندوق وتمويله من مساهمات الدول العضاء‪ ،‬ونظرا لعدم انتظام بعض الدول في تقديم مساعداتها‬
‫الطوعية له‪ ،‬يناشد المجمع الدول والحكومات والهيئات والموسرين المسلمين القيام بواجبهم في دعم‬
‫موارد الصندوق بما يمكنه من تحقيق مقاصده النبيلة في خدمة المة السلمية‪.‬‬
‫ويقرر ‪ :‬أولً‪ :‬ل يجوز صرف أموال الزكاة لدعم وقفية صندوق التضامن السلمي‪ ،‬لن في ذلك‬
‫حبسا للزكاة عن مصارفها الشرعية المحددة في الكتاب الكريم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لصندوق التضامن السلمي أن يكون وكيلً عن الشخاص والهيئات في صرف الزكاة في‬
‫وجوهها الشرعية بالشروط التالية‪:‬‬
‫أ ـ أن تتوافر شروط الوكالة الشرعية بالنسبة للموكل والوكيل‪.‬‬
‫ب ـ أن يدخل الصندوق على نظامه الساسي‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬التعديلت المناسبة التي تمكنه من القيام بهذا‬
‫النوع من التصرفات‪.‬‬
‫جـ ـ أن يخصص صندوق التضامن حسابا خاصا بالموال الواردة من الزكاة بحيث ل تختلط‬
‫بالموارد الخرى التي تنفق في غير مصارف الزكاة الشرعية‪ ،‬كالمرافق العامة ونحوها‪.‬‬
‫د ـ ل يحق للصندوق صرف شيء من هذه الموال الواردة للزكاة في النفقات الدارية ومرتبات‬
‫الموظفين وغيرها من النفقات التي ل تندرج تحت مصارف الزكاة الشرعية‪.‬‬
‫هـ ـ لدافع الزكاة أن يشترط على الصندوق دفع زكاته فيما يحدده من مصارف الزكاة الثمانية‪،‬‬
‫وعلى الصندوق ـ في هذه الحالة ـ أن يتقيد بذلك‪.‬‬
‫و ـ يلتزم الصندوق بصرف هذه الموال إلى مستحقيها في أقرب وقت ممكن حتى يتيسر لمستحقيها‬
‫النتفاع بها‪ ،‬وفي مدة أقصاها سنة‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/129‬‬

‫قرار رقم (‪)3‬‬


‫بشأن‬
‫زكاة السهم في الشركات‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «زكاة أسهم الشركات» ‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬تجب زكاة السهم على أصحابها‪ ،‬وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها‬
‫الساسي على ذلك‪ ،‬أو صدر به قرار من الجمعية العمومية‪ ،‬أو كان قانون الدولة يلزم الشركات‬
‫بإخراج الزكاة‪ ،‬أو حصل تفويض من صاحب السهم لخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تخرج إدارة الشركة زكاة السهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله‪ ،‬بمعنى أن تعتبر‬
‫جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا العتبار من حيث نوع‬
‫المال الذي تجب فيه الزكاة‪ ،‬ومن حيث النصاب‪ ،‬ومن حيث المقدار الذي يؤخذ‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫يراعى في زكاة الشخص الطبيعي‪ ،‬وذلك أخذا بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع‬
‫الموال‪ .‬ويطرح نصيب السهم التي ل تجب فيها الزكاة‪ ،‬ومنها أسهم الخزانة العامة‪ ،‬وأسهم الوقف‬
‫الخيري‪ ،‬وأسهم الجهات الخيرية‪ ،‬وكذلك أسهم غير المسلمين‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إذا لم تزك الشركة أموالها لي سبب من السباب‪ ،‬فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم‪ ،‬فإذا‬
‫استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها‬
‫على النحو المشار إليه‪ ،‬زكى أسهمه على هذا العتبار‪ ،‬لنه الصل في كيفية زكاة السهم‪.‬‬
‫وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك‪:‬‬

‫( ‪)7/130‬‬

‫فإن كان ساهم في الشركة بقصد الستفادة من ريع السهم السنوي‪ ،‬وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها‬
‫زكاة المستغلت‪ .‬وتمشّيا مع ما قرره مجمع الفقه السلمي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات‬
‫والراضي المأجورة غير الزراعية‪ ،‬فإن صاحب هذه السهم ل زكاة عليه في أصل السهم‪ ،‬وإنما‬
‫تجب الزكاة في الريع‪ ،‬وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر‬
‫شروط الزكاة وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫وإن كان المساهم قد اقتنى السهم بقصد التجارة‪ ،‬زكاها زكاة عروض التجارة‪ ،‬فإذا جاء حول زكاته‬
‫وهي في ملكه‪ ،‬زكى قيمتها السوقية وإذا لم يكن لها سوق‪ ،‬زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة‪ ،‬فيخرج‬
‫ربع العشر ‪ %2.5‬من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للسهم ربح‪.‬‬
‫رابعا‪:‬إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته‪.‬‬
‫أما المشتري فيزكي السهم التي اشتراها على النحو السابق‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)4‬‬
‫بشأن‬
‫انتزاع الملكية للمصلحة العامة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد الطلع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «انتزاع الملك للمصلحة العامة» ‪.‬‬
‫وفي ضوء ما هو مسلّم في أصول الشريعة‪ ،‬من احترام الملكية الفردية‪ ،‬حتى أصبح ذلك من قواطع‬
‫الحكام المعلومة من الدين بالضرورة‪ ،‬وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من‬
‫مقاصد الشريعة رعايتها وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها‪ ،‬مع استحضار‬
‫ما ثبت بدللة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي ال عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار‬
‫للمصلحة العامة‪ ،‬تطبيقا لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح وتنزيل الحاجة العامة منزلة‬
‫الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬

‫( ‪)7/131‬‬

‫أولً‪ :‬يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها‪ ،‬ول يجوز تضييق نطاقها أو الحد‬
‫منها‪ ،‬والمالك مسلط على ملكه‪ ،‬وله ‪ -‬في حدود المشروع‪ -‬التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع‬
‫النتفاعات الشرعية‪ .‬ثانيا‪ :‬ل يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إل بمراعاة الضوابط والشروط‬
‫الشرعية التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما ل يقل عن ثمن المثل‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون نازعه ولي المر أو نائبه في ذلك المجال‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها‬
‫كالمساجد والطرق والجسور‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن ل يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الستثمار العام أو الخاص‪ ،‬وأل يعجل‬
‫نزع ملكيته قبل الوان‪.‬‬
‫فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الرض والغصوب التي نهى‬
‫ال تعالى عنها ورسوله صلّى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية‬
‫استرداده لمالكه الصلي‪ ،‬أو لورثته بالتعويض العادل‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/132‬‬

‫قرار رقم (‪)5‬‬


‫بشأن‬
‫سندات المقارضة وسندات الستثمار‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث المقدمة في موضوع «سندات المقارضة وسندات الستثمار» والتي كانت‬
‫حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد السلمي للبحوث والتدريب بالبنك السلمي‬
‫للتنمية بتاريخ ‪ 9-6‬محرم ‪ 1408‬هـ‪ 1987/9/2-8/30/‬م تنفيذا لقرار رقم (‪ )10‬المتخذ في الدورة‬
‫الثالثة للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز‬
‫العلمية والقتصادية وذلك للهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه‪ ،‬وللدور‬
‫الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرة على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل‪.‬‬
‫وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة ومناقشتها في ضوء البحاث المقدمة في‬
‫الندوة وغيرها‪.‬‬
‫قرر ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬من حيث الصيغة المقبولة شرعا لصكوك المقارضة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار‬
‫صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها‬
‫باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه‪ ،‬بنسبة ملكية كل منهم فيه‪.‬‬
‫ويفضل تسمية هذه الدلة الستثمارية (صكوك المقارضة)‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصورة المقبولة شرعا لسندات المقارضة بوجه عام ل بد أن تتوافر فيها العناصر التالية‪:‬‬
‫العنصر الول ‪:‬‬
‫أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لنشائه أو تمويله‪ ،‬وتستمر‬
‫هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته‪.‬‬
‫وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث‬
‫وغيرها‪ ،‬مع ملحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة‪.‬‬
‫العنصر الثاني ‪:‬‬
‫يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الصدار) وأن‬
‫(اليجاب) يعبر عنه (الكتتاب) في هذه الصكوك‪ ،‬وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدّرة‪.‬‬

‫( ‪)7/133‬‬

‫ول بد أن تشتمل نشرة الصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض (المضاربة) من‬
‫حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الصدار على أن تتفق‬
‫جميع الشروط مع الحكام الشرعية‪ .‬العنصر الثالث ‪:‬‬
‫أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه‬
‫من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية‪:‬‬
‫أ ـ إذا كان مال القراض المتجمع بعد الكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودا‪ ،‬فإن‬
‫تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف‪.‬‬
‫ب ـ إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون‪.‬‬
‫ج ـ إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والعيان والمنافع‪ ،‬فإنه يجوز‬
‫تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه‪ ،‬على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا‬
‫ومنافع‪ .‬أما إذا كان الغالب نقودا أو ديونا فتراعى في التداول الحكام الشرعية التي ستبينها لئحة‬
‫تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة‪.‬‬
‫وفي جميع الحوال يتعين تسجيل التداول أصوليا في سجلت الجهة المصدّرة‪.‬‬
‫العنصر الرابع ‪:‬‬
‫أن من يتلقى حصيلة الكتتاب في الصكوك لستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب‪ ،‬أي عامل‬
‫المضاربة ول يملك من المشروع إل بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما‬
‫أسهم به بالضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة‬
‫الصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الساس‪.‬‬
‫وأن يد المضارب على حصيلة الكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة ل‬
‫يضمن إل بسبب من أسباب الضمان الشرعية‪.‬‬
‫‪ - 3‬مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول‪:‬‬

‫( ‪)7/134‬‬

‫يجوز تداول سندات المقارضة في أسواق الوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقا‬
‫لظروف العرض والطلب ويخضع لرادة العاقدين‪ .‬كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في‬
‫فترات دورية معينة بإعلن أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلل مدة محددة بشراء هذه‬
‫الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين‪ ،‬ويحسن أن يستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا‬
‫لظروف السوق والمركز المالي للمشروع‪ .‬كما يجوز العلن عن اللتزام بالشراء من غير الجهة‬
‫المصدرة من مالها الخاص‪ ،‬على النحو المشار إليه‪.‬‬
‫‪ - 4‬ل يجوز أن تشتمل نشرة الصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة‬
‫رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال‪ ،‬فإن وقع النص على ذلك صراحة أو‬
‫طلَ شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل‪.‬‬
‫ضمنا بَ َ‬
‫‪ - 5‬ل يجوز أن تشتمل نشرة الصدار ول صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع‬
‫ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل‪ .‬وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا بالبيع‪ .‬وفي هذه‬
‫الحالة ل يتم البيع إل بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضى الطرفين‪.‬‬
‫‪ - 6‬ل يجوز أن تتضمن نشرة الصدار ول الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال‬
‫قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلً‪ .‬ويترتب على ذلك‪:‬‬
‫أ ـ عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الصدار وصكوك‬
‫المقارضة الصادرة بناء عليها‪.‬‬
‫ب ـ أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي‪ ،‬وهو الزائد عن رأس المال وليس اليراد أو الغلة‪.‬‬
‫ويعرف مقدار الربح‪ ،‬إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد‪ ،‬وما زاد عن رأس المال عند‬
‫التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة‪ ،‬وفقا لشروط العقد‪.‬‬
‫ج ـ أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك‪.‬‬

‫( ‪)7/135‬‬

‫‪ - 7‬يستحق الربح بالظهور‪ ،‬ويملك بالتنضيض أو التقويم ول يلزم إل بالقسمة‪ .‬وبالنسبة للمشروع‬
‫الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته‪ .‬وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض‬
‫(التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب‪.‬‬
‫‪ - 8‬ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل‬
‫دورة‪ ،‬إما من حصة حملة الصكوك في الرباح في حالة وجود تنضيض دوري‪ ،‬وإما من حصصهم‬
‫في اليراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة‬
‫رأس المال‪.‬‬
‫‪ - 9‬ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف‬
‫ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر‬
‫الخسران في مشروع معين‪ ،‬على أن يكون التزاما مستقلً عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء‬
‫بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو‬
‫عامل المضاربة الدفع ببطلن المضاربة أو المتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام‬
‫المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا اللتزام كان محل اعتبار في العقد‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫استعرض مجلس المجمع أربع صيغ أخرى اشتملت عليها توصيات الندوة التي أقامها المجمع‪ ،‬وهي‬
‫مقترحة للستفادة منها في إطار تعمير الوقف واستثماره دون الخلل بالشروط التي يحافظ فيها على‬
‫تأبيد الوقف وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إقامة شركة بين جهة الوقف بقيمة أعيانه وبين أرباب المال بما يوظفونه لتعمير الوقف‪.‬‬
‫ب ـ تقديم أعيان الوقف ( كأصل ثابت ) إلى من يعمل فيها بتعميرها من ماله بنسبة من الريع‪.‬‬
‫ج ـ تعمير الوقف بعقد الستصناع مع المصاريف السلمية لقاء بدل من الريع‪.‬‬
‫د ـ إيجار الوقف بأجرة عينية هي البناء عليها وحده‪ ،‬أو مع أجرة يسيرة‪.‬‬
‫وقد اتفق رأي مجلس المجمع مع توصية الندوة بشأن هذه الصيغ من حيث حاجتها إلى مزيد من‬
‫البحث والنظر‪ ،‬وعهد إلى المانة العامة الستكتاب فيها‪ ،‬مع البحث عن صيغ شرعية أخرى‬
‫للستثمار‪ ،‬وعقد ندوة لهذه الصيغ لعرض نتائجها على المجمع في دورته القادمة‪.‬‬
‫وال أعلم‬

‫( ‪)7/136‬‬

‫قرار رقم(‪)6‬‬
‫بشأن‬
‫بدل الخلو‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه‪.‬‬
‫قرر ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تنقسم صور التفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون التفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون التفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الجارة أو بعد انتهائها‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون التفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد‪ ،‬في أثناء مدة عقد الجارة أو بعد انتهائها‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون التفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الول قبل انتهاء المدة‪ ،‬أو‬
‫بعد انتهائها‪ .‬ثانيا‪ :‬إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن‬
‫الجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلد خلوا)‪ ،‬فل مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع‬
‫على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها‪ ،‬وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الجرة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إذا تم التفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر‬
‫مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة‪ ،‬فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا‪،‬‬
‫لنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك‪.‬‬

‫( ‪)7/137‬‬

‫أما إذا انقضت مدة الجارة‪ ،‬ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب‬
‫الصيغة المفيدة له‪ ،‬فل يحل بدل الخلو‪ ،‬لن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إذا تم التفاق بين المستأجر الول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الجارة على التنازل عن‬
‫بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الجرة الدورية‪ ،‬فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا‪ ،‬مع مراعاة مقتضى‬
‫عقد الجارة المبرم بين المالك والمستأجر الول‪ ،‬ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة‬
‫للحكام الشرعية‪.‬‬
‫على أنه في الجارات الطويلة المدة خلفا لنص عقد الجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين ل يجوز‬
‫للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر‪ ،‬ول أخذ بدل الخلو فيها إل بموافقة المالك‪.‬‬
‫أما إذا تم التفاق بين المستأجر الول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فل يحل بدل الخلو‪،‬‬
‫لنقضاء حق المستأجر الول في منفعة العين‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم(‪)7‬‬
‫بشأن‬
‫بيع السم التجاري والترخيص‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «بيع السم التجاري والترخيص»‬
‫والتي تفاوتت في تناولها للموضوع واختلفت المصطلحات المستخدمة فيها تبعا للصول اللغوية التي‬
‫ترجمت عنها تلك الصيغ العصرية‪ ،‬بحيث لم تتوارد البحاث على موضوع واحد وتباينت وجهات‬
‫النظر‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تأجيل النظر في هذا الموضوع إلى الدورة الخامسة للمجلس حتى تستوفى دراسته من كل‬
‫جوانبه مع مراعاة المور التالية‪:‬‬
‫(أ) اتباع منهجية متقاربة في البحث تبدأ من مقدماته التي يتم فيها تحرير المسألة وتحديد نطاق البحث‬
‫مع تناول جميع المصطلحات المتداولة في البحاث الحقوقية مع مرادفاتها‪.‬‬

‫( ‪)7/138‬‬

‫(ب) الشارة إلى السوابق التاريخية للموضوع وما طرح فيه من أنظار شرعية أوحقوقية لها أثر في‬
‫إيضاح التصور وأحكام التقسيم‪ .‬ثانيا‪ :‬محاولة إدراج موضوع (بيع السم التجاري والترخيص) تحت‬
‫موضوع عام لتكون الدراسة أحكم والفائدة أعم وأوسع‪ ،‬وذلك تحت عنوان (الحقوق المعنوية) لكي‬
‫تستوفي المفردات الخرى من مثل (حق التأليف ـ حق الختراع أو البتكار ـ حق الرسالة ـ حق‬
‫الرسوم والنماذج الصناعية والتجارية من علمات وبيانات‪ ..‬إلخ)‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يمكن للباحثين أن يركزوا على مفردة معينة من الحقوق المشار إليها‪ ،‬كما يمكنهم توسيع نطاق‬
‫أبحاثهم لتشمل المفردات المتقاربة في هيكل الموضوع العام‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)8‬‬
‫بشأن‬
‫التأجير المنتهي بالتمليك‬
‫والمرابحة للمر بالشراء وتغير قيمة العملة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تأجيل النظر في كل من موضوع «التأجير المنتهي بالتمليك» وموضوع «المرابحة للمر‬
‫بالشراء» وكذلك تأجيل البت في موضوع «تغير قيمة النقد» للحاجة لستيفاء جوانبه إلى الدورة‬
‫القادمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تكليف المانة العامة استيفاء دراسة الموضوعين واستحضار ما قدم من أبحاث في موضوع‬
‫«التأجير المنتهي بالتمليك» وما صدر فيه من قرارات عن الندوة الفقهية الولى لبيت التمويل الكويتي‬
‫التي عقدت عام ‪ 1407‬هـ (‪ 1987‬م)‪ .‬وما قدم من أبحاث في موضوع «المرابحة للمر بالشراء»‬
‫في ندوة استراتيجية الستثمار في المصارف السلمية التي أقيمت في عمان عام ‪ 1407‬هـ‪1987/‬‬
‫م بالتعاون بين المعهد السلمي للبحوث والتدريب للبنك السلمي للتنمية‪ ،‬والمجمع الملكي لبحوث‬
‫الحضارة السلمية‪.‬‬
‫وال الموفق‬

‫( ‪)7/139‬‬

‫قرار رقم (‪)9‬‬


‫بشأن‬
‫البهائية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫ـ انطلقا من قرار مؤتمر القمة السلمي الخامس المنعقد بدولة الكويت من ‪ 26‬إلى ‪ 29‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1407‬هـ (الموافق ‪ 26‬إلى ‪ 29‬يناير ‪ 1987‬م)‪ ،‬والقاضي بإصدار مجمع الفقه السلمي‬
‫رأيه في المذاهب الهدامة التي تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة‪.‬‬
‫ـ واعتبارا لما تشكله البهائية من أخطار على الساحة السلمية وما تلقاه من دعم من قبل الجهات‬
‫المعادية للسلم‪.‬‬
‫ـ وبعد التدبر العميق في معتقدات هذه الفئة والتأكد من أن البهاء مؤسس هذه الفرقة يدعي الرسالة‬
‫ويزعم أن مؤلفاته وحي منزل‪ ،‬ويدعو الناس أجمعين إلى اليمان برسالته‪ ،‬وينكر أن رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم هو خاتم المرسلين ويقول‪ :‬إن الكتب المنزلة عليه ناسخة للقرآن الكريم‪ ،‬كما يقول‬
‫بتناسخ الرواح‪.‬‬
‫ـ وفي ضوء ما عمد إليه البهاء في كثير من فروع الفقه بالتغيير والسقاط‪ ،‬ومن ذلك تغييره لعدد‬
‫الصلوات المكتوبة وأوقاتها إذ جعلها تسعا تؤدى على ثلث كرات‪ ،‬في البكورة مرة‪ ،‬وفي الصال‬
‫مرة‪ ،‬وفي الزوال مرة‪ ،‬وغير التيمم فجعله يتمثل في أن يقول البهائي «بسم ال الطهر الطهر»‬
‫وجعل الصيام تسعة عشر يوما تنتهي في عيد النيروز في الواحد والعشرين من مارس في كل‬
‫عام‪،‬وحول القبلة إلى بيت البهاء في عكا بفلسطين المحتلة‪ ،‬وحرم الجهاد وأسقط الحدود‪ ،‬وسوى بين‬
‫الرجل والمرأة في الميراث وأحل الربا‪.‬‬
‫وبعد الطلع على البحوث المقدمة في موضوع (مجالت الوحدة السلمية) المتضمنة التحذير من‬
‫الحركات الهدامة التي تفرق المة وتهز وحدتها وتجعلها شيعا وأحزابا وتؤدي إلى الردة والبعد عن‬
‫السلم‪.‬‬
‫يوصي ‪:‬‬

‫( ‪)7/140‬‬

‫بوجوب تصدي الهيئات السلمية في كافة أنحاء العالم بما لديها من إمكانات لمخاطر هذه النزعة‬
‫الملحدة التي تستهدف النيل من السلم عقيدة وشريعة ومنهاج حياة‪.‬‬
‫ويقرر ‪:‬‬
‫اعتبار أن ما ادعاه البهاء من الرسالة ونزول الوحي عليه ونسخ الكتب التي أنزلت عليه للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وإدخاله تغييرات على فروع شرعية ثابتة بالتواتر‪ ،‬هو إنكار لما هو معلوم من الدين‬
‫بالضرورة‪ ،‬ومنكر ذلك تنطبق عليه أحكام الكفار بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)10‬‬
‫بشأن‬
‫مشروع تيسير الفقه‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد دراسة التقرير المعد عن مشروع تيسير الفقه والمشتمل على الخطة المقترحة للمشروع كما‬
‫وردت من اللجنة المكلفة بالشراف عليه‪.‬‬
‫وبعد اطلعه على تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع تيسير‬
‫الفقه وتوصيتها باعتماد الخطة المشار إليها وتكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫اعتماد الخطة الواردة في تقرير اللجنة المشرفة على مشروع تيسير الفقه وفق التعديل المقترح منها‪،‬‬
‫وتكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)11‬‬
‫بشأن‬
‫مشروع الموسوعة الفقهية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد دراسة التقرير المعد من اللجنة المكلفة بإعداد الخطة التنفيذية لمشروع الموسوعة الفقهية‪،‬‬
‫والمشتمل على الخطوات المقترحة للتنفيذ‪ ،‬وهيكل الزمرة المرشحة للبدء بها (زمرة المشاركات)‪،‬‬
‫وخطط مقرراتها‪.‬‬

‫( ‪)7/141‬‬

‫وبعد اطلعه على تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع‬
‫الموسوعة الفقهية وتوصياتها باعتماد الخطة التنفيذية للمشروع وفق التعديل المقترح منها‪ ،‬والجوانب‬
‫المقترح إدخالها على خطط الموضوعات والمراجع المضافة إلى قائمة المراجع‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫اعتماد الخطة التنفيذية الواردة في تقرير اللجنة المكلفة بإعدادها وفق القتراحات المقترحة من اللجنة‬
‫الفرعية‪ ،‬وتكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪ )12‬بشأن‬
‫مشروع موسوعة القواعد الفقهية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫وبعد دراسة التقرير المعد عن مشروع معلمة القواعد الفقهية واطلعه على تقرير اللجنة المكونة في‬
‫أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع موسوعة القواعد الفقهية ومراحل السير فيه‪ ،‬والمشتمل على‬
‫الصياغة النهائية للمشروع ثم المراحل السبع المقترحة لعداد الموسوعة وما في المرحلة الولى‬
‫والخامسة من تعدد الرأي‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬اعتماد الصياغة النهائية لمشروع موسوعة القواعد الفقهية والمراحل المتفق على اقتراحها من‬
‫لجنة المشروع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تكليف المانة العامة للمجمع متابعة تنفيذ ما يترك لها واختيار ما تراه مناسبا من الرأيين‬
‫المطروحين من لجنة المشروع بالنسبة للمرحلة الولى والخامسة من مراحل إعداده‪.‬‬
‫وال الموفق‬
‫( ‪)7/142‬‬

‫قرار رقم (‪)13‬‬


‫بشأن‬
‫ميزان المجمع‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-18‬جمادى الخرة ‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫بعد الحاطة بما أفادته أمانة المجمع من أن تأخر عقد هذه الدورة اقتضى قيامها بنظر (الميزان)‪ ،‬ثم‬
‫قامت بفحص بنوده لجنة الرقابة التابعة لمنظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬ثم قدم إلى اللجنة المالية الدائمة‬
‫التابعة للمنظمة التي أقرته وستدرجه في أعمال مؤتمر وزراء خارجية الدول السلمية‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫اعتماد الجراء الذي قامت به المانة العامة‪ ،‬واعتماد ميزان المجمع‪.‬‬
‫وال الموفق توصيات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه السلمي‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة من ‪ 23-18‬جمادى الخرة‬
‫‪ 1408‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 11-6‬فبراير ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫أولً‪:‬‬
‫بعد الطلع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع «كيفية مكافحة المفاسد الخلقية» والتي‬
‫أوضحت ما يعانيه العالم بأسره من المفاسد الخلقية التي أخذت تنتشر في عالمنا السلمي بصورة‬
‫ل ترضي ال تعالى ول تتوافق مع الدور القيادي المنوط بهذه المة في قيادة البشرية نحو الطهر‬
‫العقدي والخلقي والسلوكي‪.‬‬
‫وانسجاما مع خصائص السلم المتكاملة وكون الجانب الخلقي من أهم جوانب الدين ول تتحقق‬
‫الثمار الكاملة للنتماء إلى السلم إل بتطبيق الشريعة السلمية بجميع مبادئها وأحكامها وفي شتى‬
‫مرافق الحياة‪.‬‬
‫يوصي ‪:‬‬
‫أ ـ العمل على تصحيح وتقوية الوازع العقدي عبر القيام بتوعية شاملة وتحسيس بآثار العقيدة‬
‫الصحيحة في النفوس‪.‬‬
‫ب ـ السعي إلى تطهير العلم المقروء‪ ،‬والمرئي والمسموع والعلنات التجارية في عالمنا‬
‫السلمي من كل ما يشكل معصية ل تعالى وتنقيته تماما من كل ما يثير الشهوة أو يسبب النحراف‬
‫ويوقع في المفاسد الخلقية‪.‬‬

‫( ‪)7/143‬‬

‫جـ ـ وضع الخطط العملية للمحافظة على الصالة السلمية والتراث السلمي والقضاء على كل‬
‫محاولت التغريب والتشبه واستلب الشخصية السلمية والوقوف أمام كل أشكال الغزو الفكري‬
‫والثقافي الذي يتعارض مع المبادئ والخلق السلمية‪.‬‬
‫وأن توجد رقابة إسلمية صارمة على النشطة السياحية والبتعاث إلى الخارج حتى ل تتسبب في‬
‫هدم مقومات الشخصية السلمية وأخلقها‪.‬‬
‫د ـ توجيه التعليم وجهة إسلمية وتدريس كل العلوم من منطلق إسلمي وجعل المواد الدينية مواد‬
‫أساسية في كل المراحل والتخصصات مما يقوي العقيدة السلمية ويؤصل الخلق السلمية في‬
‫النفوس‪ .‬كما يجب أن تحرص المة أن تكون رائدة في مجالت العلم المتعددة‪.‬‬
‫هـ ـ بناء السرة السلمية بناء صحيحا وتيسير الزواج والحث عليه وحث الباء والمهات على‬
‫تنشئة البنين والبنات تنشئة صحيحة حتى يكونوا جيلً قويا يعبد ال على حق ويتولى المهمة الدائمة‬
‫لنشر السلم والدعوة إليه‪ .‬وأن تهيأ المرأة لتقوم بدورها أمّا وربة بيت حسبما تقضي به الشريعة‬
‫السلمية والقضاء على ظاهرة انتشار استخدام المربيات الجنبيات خاصة غير المسلمات‪.‬‬
‫و ـ تهيئة جميع الوسائل التي تحقق تربية النشء تربية إسلمية بحيث يلتزم بأركان السلم‬
‫وسلوكياته ويدرك واجباته تجاه ربه وأمته ويتخلص من الخواء الروحي الذي يتسبب في تعاطي‬
‫المخدرات والمسكرات والتفسخ الخلقي بأشكاله المتعددة وإشغال الشباب بمهمات المور وإعطائه‬
‫المسؤوليات كل حسب قدرته وكفاءته وإشغال أوقات الفراغ لديهم بما هو مفيد وإيجاد وسائل الترفيه‬
‫والرياضيات والمسابقات البريئة الطاهرة وأن توجه وجهة إسلمية كاملة‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬

‫( ‪)7/144‬‬

‫بعد الطلع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع (مجالت الوحدة السلمية وسبل الستفادة‬
‫منها) وانطلقا من أولوية رابطة السلم بين شعوب المة السلمية وهي رابطة ل انفصام لها‪،‬‬
‫وأساس متين للتضامن المنشود وقاعدة ثابتة لكل بناء حضاري يرمي إلى توحيد صفوفها وإلى التأليف‬
‫بين الجهود المبذولة في مجابهة التحديات المعاصرة وتحقيق العزة والتقدم‪.‬‬
‫وبما أن في رابطة السلم حافزا قويا وعاملً باقيا لحكام التوجه ولتنسيق سياسات الدول السلمية‬
‫في مختلف ميادين التنمية القتصادية والجتماعية ولتوثيق علقات التناصر والتعاون والمرحمة بين‬
‫شعوب المة في رفع ما يعوق سيرها من ألوان التبعية ويجابهها من التحديات المعاصرة وفي بلوغ‬
‫ما تسعى لتحقيقه من رقي ومنعة وازدهار‪.‬‬
‫يوصي أيضا بما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ الذود عن العقيدة السلمية‪ ،‬وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب‪ ،‬والتحذير من كل ما يؤدي‬
‫إلى هدمها أو التشكيك في أصولها‪ ،‬ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين‪.‬‬
‫ب ـ تأكيد عناية مجمع الفقه السلمي بالبحاث والدراسات الفقهية التي ترمي إلى مجابهة التحديات‬
‫الفكرية الناشئة عن مقتضيات المعاصرة واهتمام الفقه السلمي بمشكلت المجتمع واعتماده كعنصر‬
‫أساسي في النهضة الفكرية للمة وتوسيع دائرة اعتماده فيما تسنه الدول السلمية من تشاريع‬
‫وقوانين في عامة شؤون المجتمع‪.‬‬
‫جـ ـ وجوب التناسق الوثيق في ميدان التربية والتعليم مضمونا ومنهاجا على السبيل القويمة‬
‫للحضارة الفكرية التي بناها السلم بغية تكوين أجيال من المسلمين متوحدين في المرجع التعبدي‬
‫متقاربين في التوجه الفكري متشاركين في العتزاز بالنتساب الحضاري‪.‬‬
‫د ـ إعطاء درجة عالية من الولوية للبحث العلمي في مختلف ميادين المعرفة وتخصيص نسبة ‪%1‬‬
‫من الناتج الجمالي لتمويل البرامج البحثية وإنشاء المخابر العلمية على أساس وثيق من التكامل‬
‫والتعاون بين الجامعات السلمية‪.‬‬

‫( ‪)7/145‬‬

‫هـ ـ العمل مع الجامعات السلمية على ضبط برنامج دراسي يتألف من عدد من المحاور الكبرى‬
‫تكون غرضا للبحث الفقهي‪ ،‬و إنشاء لجنة عليا من المفكرين المسلمين لمتابعة هذه البحاث وإجازتها‪،‬‬
‫وتخصيص جائزة تفوق لمكافأة أحسنها‪.‬‬
‫و ـ أن يكون العلم في بلد المسلمين بكل أنواعه المسموعة والمقروءة والمرئية إعلما هادفا إلى‬
‫تحقيق العبودية ل في أرضه‪ ،‬وبث الخير ونشر الفضيلة والتحرر من المبادئ الهدامة للفكر والخلق‪،‬‬
‫والملحدة في دين ال‪ ،‬والمنحرفة عن الصراط المستقيم‪ .‬ودعم جهود توحيده‪.‬‬
‫ز ـ إقامة اقتصاد إسلمي ل شرقي ول غربي‪ ،‬بل اقتصاد إسلمي خالص مع إقامة سوق إسلمية‬
‫مشتركة‪ ،‬يتعاون فيها المسلمون على النتاج وتسويقه دون الحاجة إلى غيرهم؛ لن القتصاد ركن‬
‫مهم من أركان قيام المجتمعات‪ ،‬وتكامله سبيل للوحدة بين شعوب المة السلمية‪ .‬ثالثا‪:‬‬
‫انطلقا من أن (إسلمية التعليم) في الديار السلمية اليوم ضرورة ل مناص منها لبناء الجيال‬
‫السلمية بناء سويا متكاملً في الفكر والتصور والسلوك والعمل‪ .‬وذلك بجعل جميع العلوم محكومة‬
‫بالسلم في المنطلقات والهداف‪ ،‬وأن يكون السلم بنظمه وضوابطه إطارا لهذا العلوم‪ ،‬وأن تكون‬
‫العقيدة السلمية قاعدة وأصلً في بناء المنهج التربوي والتعليمي‪ .‬وتتلخص أهم معالم المنهج المنشود‬
‫في (إسلمية التعليم) فيما يلي‪:‬‬
‫أ ـ جعل العقيدة السلمية قاعدة التصور السلمي الكبير الذي يعطي نظرة كلية شاملة للكون‬
‫والنسان والحياة‪ ،‬كما تعرّف النسان بخالق الحياة وعلقته بالكون‪ ،‬وعلقة النسان بخالقه‪،‬‬
‫وبمجتمعه‪.‬‬
‫ب ـ اتخاذ السلم محورا للعلوم الجتماعية والنسانية والقتصادية والسياسية وإبراز نظرياته‬
‫النسانية وتعلقها بخالق الكون والنسان والحياة بالتنسيق مع المنظمات السلمية العاملة في هذا‬
‫المجال كالمنظمة السلمية للعلوم الطبية والمنظمة السلمية للتربية والثقافة والعلوم‪.‬‬

‫( ‪)7/146‬‬

‫جـ ـ العمل على إظهار فساد ما يخالف العقيدة السلمية من علوم مادية وملحدة وأخرى مضللة‬
‫كالكهانة والسحر والتنجيم والتحذير من العلوم التي ذمها وحرمها السلم وكذلك العلوم التي تقوم‬
‫على الفسق والفجور‪.‬‬
‫د ـ إعادة كتابة تاريخ العلوم والمعارف وبيان تطورها وإسهامات المسلمين في كل منها وتنقيتها مما‬
‫دس فيهامن نظريات استشراقية وتغريبية تحرّف المسار التاريخي الحق‪ ،‬وإعادة النظر في تصنيف‬
‫العلوم ومناهج البحث وفق النظرة السلمية من خلل أنشطة مراكز ومعاهد البحث العلمي ومراكز‬
‫القتصاد السلمي في شتى البلد السلمية‪ .‬هـ ـ إعادة الوشائج بين العلوم التي تبحث في الكون‬
‫والنسان والحياة وبين خالقها‪ ،‬فإن العالم الباحث في هذه المجالت يجب أن ينظر فيها على أنها تمثل‬
‫البداع اللهي‪ ،‬والصنعة الربانية المحكمة‪.‬‬
‫و ـ وضع الضوابط والقواعد المستخلصة من الدين السلمي أو المنسقة مع أهدافه وغاياته لن‬
‫تكون مبادئ لجميع العلوم أو لعلم واحد منها وإبراز عيوب المناهج الغربية التي أقامت فصاما‬
‫موهوما بين الدين والعلم‪ ،‬أو بنت العلوم بناء خاطئا كعلم التاريخ والقتصاد والجتماع‪.‬‬
‫وينبغي أن يؤخذ في العتبار أن هناك مشروعا يشكل ظهيرا لسلمية التعليم بل ربما كان من‬
‫الوسائل الضرورية له وهو مشروع (إسلمية المعرفة) وينهض (المعهد العالمي للفكر السلمي)‬
‫بمتطلباته من حيث التخطيط ورسم سبل التنفيذ من خلل مقالت ومؤلفات وندوات‪.‬‬
‫وال الموفق‬

‫( ‪)7/147‬‬

‫القرَارات وَالتوصيَات‬
‫جمَع الفقه السلمي‬
‫الدّورَة الخامسَة لمجلس م ْ‬
‫الكويت‪ 6-1 :‬جمادى الولى ‪ 1409‬هـ‪ 15-10/‬ديسمبر ‪ 1988‬م‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبييين وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)1‬‬
‫بشأن‬
‫تنظيم النسل‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تنظيم النسل) واستماعه‬
‫للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة السلمية النجاب والحفاظ على النوع النساني وأنه ل‬
‫يجوز إهدار هذا المقصد‪ ،‬لن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل‬
‫والحفاظ عليه والعناية به باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ل يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في النجاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يحرم استئصال القدرة على النجاب في الرجل أو المرأة‪ ،‬وهو ما يعرف بـ (العقام) أو‬
‫(التعقيم)‪ ،‬ما لم تدع إلى ذلك ضرورة بمعاييرها الشرعية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يجوز التحكم المؤقت في النجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل‪ ،‬أو إيقافه لمدة معينة من‬
‫الزمان‪ ،‬إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض‪ ،‬بشرط‬
‫أن ل يترتب على ذلك ضرر‪ ،‬وأن تكون الوسيلة مشروعة‪ ،‬وأن ل يكون فيها عدوان على حمل قائم‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)2،3‬‬
‫بشأن‬
‫الوفاء بالوعد‪ ،‬والمرابحة للمر بالشراء‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (الوفاء بالوعد‪ ،‬والمرابحة‬
‫للمر بالشراء) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬

‫( ‪)7/148‬‬

‫أولً‪ :‬أن بيع المرابحة للمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور‪ ،‬وحصول‬
‫القبض المطلوب شرعا‪ ،‬هو بيع جائز‪ ،‬طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم‪،‬‬
‫وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم‪ ،‬وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الوعد (وهو الذي يصدر من المر أو المأمور على وجه النفراد) يكون ملزما للواعد ديانة إل‬
‫لعذر‪ ،‬وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد‪ .‬ويتحدد أثر‬
‫اللزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد‪ ،‬وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلً بسبب عدم الوفاء‬
‫بالوعد بل عذر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين‬
‫كليهما أو أحدهما‪ ،‬فإذا لم يكن هناك خيار فإنها ل تجوز‪ ،‬لن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه‬
‫البيع نفسه‪ ،‬حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى ل تكون هناك مخالفة لنهي النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم من بيع النسان ما ليس عنده‪.‬‬
‫ويوصي المؤتمر ‪:‬‬
‫في ضوء ما لحظه من أن أكثر المصارف السلمية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق‬
‫المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫يوصي بما يلي ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن يتوسع نشاط جميع المصارف السلمية في شتى أساليب تنمية القتصاد ول سيما إنشاء‬
‫المشاريع الصناعية أو التجارية بجهود خاصة أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن تدرس الحالت العملية لتطبيق (المرابحة للمر بالشراء) لدى المصارف السلمية‪ ،‬لوضع‬
‫أصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق وتعين على مراعاة الحكام الشرعية العامة أو الخاصة‬
‫ببيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)4‬‬
‫بشأن‬
‫تغير قيمة العملة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/149‬‬

‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تغير قيمة العملة) واستماعه‬
‫للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫وبعد الطلع على قرار المجمع رقم (‪ )9‬في الدورة الثالثة بأن العملت الورقية نقود اعتبارية فيها‬
‫صفة الثمنية كاملة‪ ،‬ولها الحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة‬
‫والسلم وسائر أحكامهما‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫ـ العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لن الديون تقضى بأمثالها فل‬
‫يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا كان مصدرها بمستوى السعار‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬قرار رقم (‪)5‬‬
‫بشأن‬
‫الحقوق المعنوية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) واستماعه‬
‫للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬السم التجاري‪ ،‬والعنوان التجاري‪ ،‬والعلمة التجارية‪ ،‬والتأليف والختراع أو البتكار هي‬
‫حقوق خاصة لصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها‪ .‬وهذه‬
‫الحقوق يعتد بها شرعا فل يجوز العتداء عليها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يجوز التصرف في السم التجاري أو العنوان التجاري أو العلمة التجارية ونقل أي منها‬
‫بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقا ماليا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حقوق التأليف والختراع أو البتكار مصونة شرعا‪ ،‬ولصحابها حق التصرف فيها‪ ،‬ول يجوز‬
‫العتداء عليها‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم (‪)6‬‬
‫بشأن‬
‫اليجار المنتهي بالتمليك‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (اليجار المنتهي بالتمليك)‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬

‫( ‪)7/150‬‬

‫وبعد الطلع على قرار المجمع رقم (‪ )1‬في الدورة الثالثة بشأن الجابة عن استفسارات البنك‬
‫السلمي للتنمية فقرة (ب) بخصوص عمليات اليجار‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الولى الكتفاء عن صور اليجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلن التاليان‪:‬‬
‫(الول)‪ :‬البيع بالقساط مع الحصول على الضمانات الكافية‪.‬‬
‫(الثاني)‪ :‬عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد النتهاء من وفاء جميع القساط اليجارية‬
‫المستحقة خلل المدة في واحد من المور التالية‪:‬‬
‫ـ مد مدة الجارة‪ .‬ـ إنهاء عقد الجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها‪.‬‬
‫ـ شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الجارة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هناك صور مختلفة لليجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة بعد تقديم‬
‫نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملبسات وقيود بالتعاون مع المصارف السلمية لدراستها‬
‫وإصدار القرار في شأنها‪.‬‬
‫وال أعلم‬
‫قرار رقم (‪)7‬‬
‫بشأن‬
‫التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد عرض موضوع (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها)‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫تأجيل النظر في موضوع ( التمويل العقاري لبناء المساكن ) لصدار القرار الخاص به إلى الدورة‬
‫السادسة‪ ،‬من أجل مزيد من الدراسة والبحث‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)8‬‬
‫بشأن‬
‫تحديد أرباح التجار‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تحديد أرباح التجار)‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬

‫( ‪)7/151‬‬

‫أولً‪ :‬الصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحرارا في بيعهم وشرائهم‬
‫وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة السلمية الغراء وضوابطها عملً بمطلق‬
‫قول ال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض‬
‫منكم} ‪[.‬البقرة‪]2/188:‬‬
‫ثانيا‪ :‬ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملتهم‪ ،‬بل ذلك متروك لظروف‬
‫التجارة عامة وظروف التاجر والسلع‪ ،‬مع مراعاة ما تقضي به الداب الشرعية من الرفق والقناعة‬
‫والسماحة والتيسير‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تضافرت نصوص الشريعة السلمية على وجوب سلمة التعامل من أسباب الحرام وملبساته‬
‫كالغش‪ ،‬والخديعة‪ ،‬والتدليس‪ ،‬والستغفال وتزييف حقيقة الربح‪ ،‬والحتكار‪ ،‬الذي يعود بالضرر على‬
‫العامة والخاصة‪ .‬رابعا‪ :‬ل يتدخل ولي المر بالتسعير إل حيث يجد خللً واضحا في السوق‬
‫والسعار ناشئا من عوامل مصطنعة‪ ،‬فإن لولي المر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي‬
‫تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلء والغبن الفاحش‪.‬‬
‫وال أعلم‬
‫قرار رقم (‪)9‬‬
‫بشأن‬
‫العرف‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (العرف) واستماعه للمناقشات‬
‫التي دارت حوله‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك‪ ،‬وقد يكون معتبرا شرعا أو‬
‫غير معتبر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العرف إن كان خاصا فهو معتبر عند أهله وإن كان عاما فهو معتبر في حق الجميع‪ .‬ثالثا‪:‬‬
‫العرف المعتبر شرعا هو ما استجمع الشروط التية‪:‬‬
‫أ ـ أن ل يخالف الشريعة‪ ،‬فإن خالف العرف نصا شرعيا أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف‬
‫فاسد‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون العرف مطردا (مستمرا) أو غالبا‪.‬‬

‫( ‪)7/152‬‬

‫ج ـ أن يكون العرف قائما عند إنشاء التصرف‪.‬‬


‫د ـ أن ل يصرح المتعاقدان بخلفه‪ ،‬فإن صرحا بخلفه فل يعتد به‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ليس للفقيه ـ مفتيا كان أو قاضيا ـ الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير مراعاة‬
‫تبدل العراف‪.‬‬
‫وال أعلم‬
‫قرار رقم (‪)10‬‬
‫بشأن‬
‫تطبيق أحكام الشريعة السلمية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة من العضاء والخبراء في موضوع (تطبيق أحكام الشريعة‬
‫السلمية) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪ .‬وبمراعاة أن مجمع الفقه السلمي الذي انبثق عن‬
‫إرادة خيّرة من مؤتمر القمة السلمية الثالثة بمكة المكرمة‪ ،‬بهدف البحث عن حلول شرعية‬
‫لمشكلت المة السلمية وضبط قضايا حياة المسلمين بضوابط الشريعة السلمية‪ ،‬وإزالة سائر‬
‫العوائق التي تحول دون تطبيق شريعة ال وتهيئة جميع السبل اللزمة لتطبيقها‪ ،‬إقرارا بحاكمية ال‬
‫تعالى‪ ،‬وتحقيقا لسيادة شريعته‪ ،‬وإزالة للتناقض القائم بين بعض حكام المسلمين وشعوبهم وإزالة‬
‫لسباب التوتر والتناقض والصراع في ديارهم وتوفيرا للمن في بلد المسلمين‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أن أول واجب على من يلي أمور المسلمين تطبيق شريعة ال فيهم‪ ،‬ويناشد جميع الحكومات في بلد‬
‫المسلمين المبادرة إلى تطبيق الشريعة السلمية وتحكيمها تحكيما تاما كاملً مستقرا في جميع‬
‫مجالت الحياة‪ ،‬ودعوة المجتمعات السلمية أفرادا وشعوبا ودولً لللتزام بدين ال تعالى وتطبيق‬
‫شريعته باعتبار هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكا ونظام حياة‪.‬‬
‫ويوصي بما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ مواصلة المجمع البحاث والدراسات المتعمقة في الجوانب المختلفة لموضوع تطبيق الشريعة‬
‫السلمية ومتابعة ما يتم تنفيذه بهذا الشأن في البلد السلمية‪.‬‬

‫( ‪)7/153‬‬

‫ب ـ التنسيق بين المجمع وبين المؤسسات العلمية الخرى التي تهتم بموضوع تطبيق الشريعة‬
‫السلمية وتعد الخطط والوسائل والدراسات الكفيلة بإزالة العقبات والشبهات التي تعوق تطبيق‬
‫الشريعة في البلد السلمية‪ .‬ج ـ تجميع مشروعات القوانين السلمية التي تم إعدادها في مختلف‬
‫البلد السلمية ودراستها للستفادة منها‪.‬‬
‫د ـ الدعوة إلى إصلح مناهج التربية والتعليم ووسائل العلم المختلفة‪ ،‬وتوظيفها للعمل على تطبيق‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬وإعداد جيل مسلم يحتكم إلى شرع ال تعالى‪.‬‬
‫هـ ـ التوسع في تأهيل الدارسين والخريجين من قضاة ووكلء نيابة ومحامين لعداد الطاقات‬
‫اللزمة لتطبيق الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وال الموفق قرار رقم (‪)13‬‬
‫بشأن‬
‫اللجنة السلمية الدولية للقانون‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1409‬هـ‪ 10/‬إلى ‪ 15‬كانون الول (ديسمبر) ‪1988‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على المذكرة المتعلقة بمشروع النظام الساسي للجنة السلمية الدولية للقانون المحال‬
‫إليه من المؤتمر السابع عشر لوزراء الخارجية السلمية المنعقد بعمان ـ بالمملكة الردنية الهاشمية‬
‫بالقرار رقم ‪ 17/45‬س‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫الموافقة على دراسة مشروع النظام الساسي للجنة السلمية الدولية للقانون وتسلم المهام الموكلة إلى‬
‫اللجنة لتكون من ضمن نشاطات المجمع‪.‬‬
‫وال الموفق‬

‫( ‪)7/154‬‬

‫القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السادس‬
‫المنعقد في جدة (المملكة العربية بالسعودية)‬
‫‪ 23- 17‬شعبان ‪ 1410‬هـ‪ 20-14/‬مارس ‪ 1990‬م)‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)6/1/52‬‬
‫بشأن‬
‫التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23 -17‬شعبان ‪ 1410‬هـ الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬التمويل العقاري لبناء المساكن‬
‫وشرائها)‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن المسكن من الحاجات الساسية للنسان‪ ،‬وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلل‪ ،‬وأن‬
‫الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والسكانية ونحوها‪ ،‬من القراض بفائدة قلت أو كثرت‪ ،‬هي‬
‫طريقة محرمة شرعا لما فيها من التعامل بالربا‪.‬‬
‫‪ - 2‬هناك طرق مشروعة يستغنى بها عن الطريقة المحرمة‪ ،‬لتوفير المسكن بالتملك (فضلً عن‬
‫إمكانية توفيره باليجار) منها‪:‬‬
‫أ ـ أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن قروضا مخصصة لنشاء المساكن‪ ،‬تستوفيها بأقساط‬
‫ملئمة بدون فائدة سواء أكانت الفائدة صريحة أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة) على أنه إذا دعت‬
‫الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها وجب أن يقتصر فيها على التكاليف‬
‫الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم (‪ )1‬للدورة الثالثة لهذا المجمع‪.‬‬
‫ب ـ أن تتولى الدول القادرة إنشاء المساكن وتبيعها للراغبين في تملك مساكن بالجل والقساط‬
‫بالضوابط الشرعية المبينة في القرار (‪ )6/2/53‬لهذه الدورة‪.‬‬
‫جـ ـ أن يتولى المستثمرون من الفراد أو الشركات بناء مساكن تباع بالجل‪.‬‬
‫د ـ أن تملك المساكن عن طريق عقد الستصناع ـ على أساس اعتباره لزما ـ وبذلك يتم شراء‬
‫المسكن قبل بنائه‪ ،‬بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع‪ ،‬دون وجوب تعجيل جميع‬
‫الثمن‪ ،‬بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها‪ ،‬مع مراعاة الشروط والحوال المقررة لعقد الستصناع‬
‫لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم‪.‬‬
‫ويوصي ‪:‬‬
‫بمواصلة النظر ليجاد طرق أخرى مشروعة توفر تملك المساكن للراغبين في ذلك‪ .‬قرار رقم (‬
‫‪)6/2/53‬‬

‫( ‪)7/155‬‬
‫بشأن‬
‫(البيع بالتقسيط )‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23 -17‬شعبان ‪ 1410‬هـ الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪:‬‬
‫البيع بالتقسيط‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال‪ .‬كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدا وثمنه بالقساط‬
‫لمدد معلومة‪ .‬ول يصح البيع إل إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل‪ .‬فإن وقع البيع مع التردد بين النقد‬
‫والتأجيل بأن لم يحصل التفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬ل يجوز شرعا في بيع الجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال‬
‫بحيث ترتبط بالجل‪ ،‬سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة‪ - 3 .‬إذا تأخر‬
‫المشتري المدين في دفع القساط عن الموعد المحدد فل يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط‬
‫سابق أو بدون شرط لن ذلك ربا محرم‪.‬‬
‫‪ - 4‬يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من القساط ومع ذلك ل يجوز شرعا‬
‫اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الداء‪.‬‬
‫‪ - 5‬يجوز شرعا أن يشترط البائع بالجل حلول القساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين في أداء‬
‫بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد‪.‬‬
‫‪ -6‬ل حق للبائع في الحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع‪ ،‬ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري‬
‫رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء القساط المؤجلة‪.‬‬
‫ويوصي ‪:‬‬
‫بدراسة بعض المسائل المتصلة ببيع التقسيط للبت فيها إلى ما بعد إعداد دراسات وأبحاث كافية فيها‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫أ ـ حسم (خصم) البائع كمبيالت القساط المؤجلة لدى البنوك‪.‬‬
‫ب ـ تعجيل الدين مقابل إسقاط بعضه وهي مسألة (ضع وتعجل)‪.‬‬
‫جـ ـ أثر الموت في حلول القساط المؤجلة‪.‬‬

‫( ‪)7/156‬‬
‫قرار رقم (‪)6/3/54‬‬
‫بشأن‬
‫إجراء العقود بآلت التصال الحديثة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23 -17‬شعبان ‪ 1410‬هـ الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪:‬‬
‫إجراء العقود بآلت التصال الحديثة‪،‬‬
‫ونظرا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل التصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة‬
‫إنجاز المعاملت المالية والتصرفات‪.‬‬
‫وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالشارة وبالرسول‪ ،‬وما‬
‫تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس (عدا الوصية واليصاء والوكالة)‬
‫وتطابق اليجاب والقبول‪ ،‬وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد‪ ،‬والموالة بين‬
‫اليجاب والقبول بحسب العرف‪:‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا تم التعاقد بين غائبين ل يجمعهما مكان واحد‪ ،‬ول يرى أحدهما الخر معاينة‪ ،‬ول يسمع‬
‫كلمه‪ ،‬وكانت وسيلة التصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)‪ ،‬وينطبق ذلك على‬
‫البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب اللي (الكومبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول‬
‫اليجاب إلى الموجه إليه وقبوله‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين‪ ،‬وينطبق هذا على الهاتف‬
‫واللسلكي‪ ،‬فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الحكام الصلية‬
‫المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابا محدد المدة يكون ملزما بالبقاء على إيجابه خلل تلك‬
‫المدة‪ ،‬وليس له الرجوع عنه‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن القواعد السابقة ل تشمل النكاح لشتراط الشهاد فيه‪ ،‬ول الصرف لشتراط التقابض‪ ،‬ول‬
‫السلم لشتراط تعجيل رأس المال‪.‬‬
‫‪ - 5‬ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للثبات‪.‬‬

‫( ‪)7/157‬‬
‫قرار رقم (‪)6/4/55‬‬
‫بشأن‬
‫القبض‪ :‬صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23 -17‬شعبان ‪ 1410‬هـ الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪:‬‬
‫القبض‪ :‬صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها‪،‬‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬قبض الموال كما يكون حسيا في حالة الخذ باليد‪ ،‬أو الكيل أو الوزن في الطعام‪ ،‬أو النقل‬
‫والتحويل إلى حوزة القابض‪ ،‬يتحقق اعتبارا وحكما بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد‬
‫القبض حسا‪ ،‬وتختلف كيفية قبض الشياء بحسب حالها واختلف العراف فيما يكون قبضا لها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعا وعرفا‪:‬‬
‫‪ )1‬القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالت التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية‪ .‬ب ـ إذا عقد العميل عقد‬
‫صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل‪.‬‬
‫ج ـ إذا اقتطع المصرف ـ بأمر العميل ـ مبلغا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى‪ ،‬في‬
‫المصرف نفسه أو غيره‪ ،‬لصالح العميل أو لمستفيد آخر‪ .‬وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد‬
‫الصرف في الشريعة السلمية‪.‬‬
‫ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي‪ ،‬للمدد المتعارف‬
‫عليها في أسواق التعامل‪ .‬على أنه ل يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلل المدة المغتفرة إل‬
‫بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي‪.‬‬
‫‪ )2‬تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه‪ ،‬وحجزه للمصرف‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)6/5/56‬‬
‫بشأن‬
‫(زراعة خليا المخ والجهاز العصبي )‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-17‬شعبان ‪ 1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫( ‪)7/158‬‬

‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة‬
‫الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من ‪ 26-23‬ربيع الول ‪ 1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪-23‬‬
‫‪1989/10/26‬م‪ ،‬بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية‪.‬‬
‫وفي ضوء ما انتهت إليه الندوة المشار إليها من أنه ل يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر‪،‬‬
‫وإنما الغرض من هذه الزراعة علج قصور خليا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو‬
‫الهرمونية بالقدر السوي فتودع في موطنها خليا مثيلة من مصدر آخر‪ ،‬أو علج فجوة في الجهاز‬
‫العصبي نتيجة بعض الصابات‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا كان المصدر للحصول على النسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول‬
‫المناعي لن الخليا من الجسم نفسه‪ ،‬فل بأس من ذلك شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كان المصدر هوأخذها من جنين حيواني‪ ،‬فل مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم‬
‫يترتب على ذلك محاذير شرعية‪ .‬وقد ذكر الطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من‬
‫الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الحتياطات الطبية اللزمة لتفادي الرفض المناعي‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا كان المصدر للحصول على النسجة هو خليا حية من مخ جنين باكر (في السبوع العاشر‬
‫أو الحادي عشر) فيختلف الحكم على النحو التالي‪:‬‬
‫أ ـ الطريقة الولى ‪:‬‬
‫أخذها مباشرة من الجنين النساني في بطن أمه‪ ،‬بفتح الرحم جراحيا وتستتبع هذه الطريقة إماتة‬
‫الجنين بمجرد أخذ الخليا من مخه‪ ،‬ويحرم ذلك شرعا إل إذا كان بعد إجهاض طبيعي غير متعمد أو‬
‫إجهاض مشروع لنقاذ حياة الم وتحقق موت الجنين‪ ،‬مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع‬
‫الستفادة من الجنة في القرار رقم (‪ )6/8/59‬لهذه الدورة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الطريقة الثانية ‪:‬‬

‫( ‪)7/159‬‬

‫وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خليا المخ في مزارع للفادة منها ول‬
‫بأس في ذلك شرعا إذا كان المصدر للخليا المستزرعة مشروعا‪ ،‬وتم الحصول عليها على الوجه‬
‫المشروع‪.‬‬
‫‪ - 4‬المولود اللدماغي ‪:‬‬
‫طالما ولد حيا‪ ،‬ل يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه‪،‬‬
‫ول فرق بينه وبين غيره من السوياء في هذا الموضوع‪ ،‬فإذا مات فإن الخذ من أعضائه تراعى فيه‬
‫الحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الذن المعتبر‪ ،‬وعدم وجود البديل وتحقق‬
‫الضرورة وغيرها مماتضمنه القرار رقم (‪ )1‬من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع‪ .‬ول مانع‬
‫شرعا من إبقاء هذا المولود اللدماغي على أجهزة النعاش إلى ما بعد موت جذع المخ (والذي يمكن‬
‫تشخيصه) للمحافظة على حيوية العضاء الصالحة للنقل توطئة للستفادة منها بنقلها إلى غيره‬
‫بالشروط المشار إليها‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)6/6/57‬‬
‫بشأن‬
‫البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23 -17‬شعبان ‪ 1410‬هـ الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة‬
‫الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من ‪ 26-23‬ربيع الول ‪ 1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪-23‬‬
‫‪ 1980/10/26‬م‪ ،‬بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية‪،‬‬
‫وبعد الطلع على التوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها‬
‫المنظمة السلمية للعلوم الطبية في الكويت ‪ 23-20‬شعبان ‪ 1407‬هـ‪ 1987/4/21-18/‬م بشأن‬
‫مصير البييضات الملقحة والتوصية الخامسة للندوة الولى للمنظمة السلمية للعلوم الطبية المنعقدة‬
‫في الكويت ‪ 14-11‬شعبان ‪ 1403‬هـ‪ 1982/5/27-24/‬م في الموضوع نفسه‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬

‫( ‪)7/160‬‬

‫‪ - 1‬في ضوء ما تحقق علميا من إمكان حفظ البييضات غير ملقحة للسحب منها‪ ،‬يجب عند تلقيح‬
‫البييضات القتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة‪ ،‬تفاديا لوجود فائض من البييضات‬
‫الملقحة‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا حصل فائض من البييضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن‬
‫تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي‪.‬‬
‫‪ - 3‬يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى‪ ،‬ويجب اتخاذ الحتياطات الكفيلة بالحيلولةدون‬
‫استعمال البييضة الملقحة في حمل غير مشروع‪.‬‬
‫قرار رقم (‪)6/7/58‬‬
‫بشأن‬
‫استخدام الجنة مصدرا لزراعة العضاء‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23 -17‬شعبان ‪ 1410‬هـ الموافق ‪ 20-14‬آذار (مارس) ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة‬
‫الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من ‪ 26-23‬ربيع الول ‪ 1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪-23‬‬
‫‪1989/10/26‬م‪ ،‬بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ل يجوز استخدام الجنة مصدرا للعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إل في حالت‬
‫بضوابط لبد من توافرها‪:‬‬
‫أ ـ ل يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر‪ ،‬بل يقتصر‬
‫الجهاض على الجهاض الطبيعي غير المتعمد والجهاض للعذر الشرعي ول يلجأ لجراء العملية‬
‫الجراحية لستخراج الجنين إل إذا تعينت لنقاذ حياة الم‪.‬‬
‫ب ـ إذا كان الجنين قابلً لستمرار الحياة فيجب أن يتجه العلج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة‬
‫عليها‪ ،‬ل إلى استثماره لزراعة العضاء وإذا كان غير قابل لستمرار الحياة فل يجوز الستفادة منه‬
‫إل بعد موته بالشروط الواردة في القرار رقم (‪ )1‬للدورة الرابعة لهذا المجمع‪.‬‬
‫‪ - 2‬ل يجوز أن تخضع عمليات زرع العضاء للغراض التجارية على الطلق‪.‬‬

‫( ‪)7/161‬‬

‫‪- 3‬ل بد أن يسند الشراف على عمليات زراعة العضاء إلى هيئة متخصصة موثوقة‪ .‬قرار رقم (‬
‫‪)6/8/59‬بشأن‬
‫زراعة العضاء التناسلية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-17‬شعبان ‪ 1410‬هـ‪،‬الموافق ‪ 20-14‬آذار‪/‬مارس ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة‬
‫الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من ‪ 26-23‬ربيع الول ‪ 1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪-23‬‬
‫‪ 1989/10/26‬م‪ ،‬بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة السلمية للعلوم الطبية‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬زرع الغدد التناسلية ‪:‬‬
‫بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه‬
‫حتى بعد زرعهما في متلق جديد‪ ،‬فإن زرعهما محرم شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬زرع أعضاء الجهاز التناسلي ‪:‬‬
‫زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي ل تنقل الصفات الوراثية ـ ما عدا العورات المغلظة ـ‬
‫جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم (‪ )1‬للدورة الرابعة‬
‫لهذا المجمع‪ .‬قرار رقم (‪)6/9/60‬‬
‫بشأن‬
‫زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-17‬شعبان ‪ 1410‬هـ‪،‬الموافق ‪ 20-14‬آذار‪/‬مارس ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪:‬‬
‫( زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص )‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد من أجل الزجر والردع والنكال‪ ،‬وإبقاء للمراد من العقوبة‬
‫بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة‪ ،‬ونظرا إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية‬
‫في عرف الطب الحديث‪ ،‬فل يكون ذلك إل بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبئ عن التهاون في جدية‬
‫إقامة الحد وفاعليته‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬

‫( ‪)7/162‬‬
‫ل للعقوبة‬
‫‪ - 1‬ل يجوز شرعا إعادة العضو المقطوع تنفيذا للحد لن في بقاء أثر الحد تحقيقا كام ً‬
‫المقررة شرعا‪ ،‬ومنعا للتهاون في استيفائها‪ ،‬وتفاديا لمصادمة حكم الشرع في الظاهر‪ - 2 .‬بما أن‬
‫القصاص قد شرع لقامة العدل وإنصاف المجني عليه‪ ،‬وصون حق الحياة للمجتمع‪ ،‬وتوفير المن‬
‫والستقرار‪ ،‬فإنه ل يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذا للقصاص‪ ،‬إل في الحالت التالية‪:‬‬
‫أ ـ أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ ‪ .‬قرار‬
‫رقم (‪)6/10/61‬‬
‫بشأن‬
‫السواق المالية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-17‬شعبان ‪ 1410‬هـ‪،‬الموافق ‪ 20-14‬آذار‪/‬مارس ‪ 1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات والنتائج المقدمة من ندوة (السواق المالية) المنعقدة في الرباط‬
‫‪ 24-20‬ربيع الثاني ‪ 1410‬هـ‪ 1989/10/24-20 ،‬م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد السلمي‬
‫للبحوث والتدريب بالبنك السلمي للتنمية‪ ،‬وباستضافة وزارة الوقاف والشؤون السلمية بالمملكة‬
‫المغربية‪.‬‬
‫وفي ضوء ما هو مقرر في الشريعة السلمية من الحث على الكسب الحلل واستثمار المال وتنمية‬
‫المدخرات على أسس الستثمار السلمي القائم على المشاركة في العباء وتحمل المخاطر‪ ،‬ومنها‬
‫مخاطر المديونية‪.‬‬

‫( ‪)7/163‬‬

‫ولما للسواق المالية من دور في تداول الموال وتنشيط استثمارها‪ ،‬ولكون الهتمام بها والبحث عن‬
‫أحكامها يلبي حاجة ماسة لتعريف الناس بفقه دينهم في المستجدات العصرية ويتلقى مع الجهود‬
‫الصيلة للفقهاء في بيان أحكام المعاملت المالية وبخاصة أحكام السوق ونظام الحسبة على السواق‪،‬‬
‫وتشمل الهمية السواق الثانوية التي تتيح للمستثمرين أن يعاودوا دخول السوق الولية وتشكل فرصة‬
‫للحصول على السيولة وتشجع على توظيف المال ثقة بإمكان الخروج من السوق عند الحاجة‪.‬‬
‫وبعد الطلع على ما تناولته البحوث المقدمة بشأن نظم وقوانين السواق المالية القائمة وآلياتها‬
‫وأدواتها‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الهتمام بالسواق المالية هو من تمام إقامة الواجب في حفظ المال وتنميته باعتبار ما‬
‫يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن هذه السواق المالية ـ مع الحاجة إلى أصل فكرتها ـ هي في حالتها الراهنة ليست النموذج‬
‫المحقق لهداف تنمية المال واستثماره من الوجهة السلمية‪ .‬وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية‬
‫مشتركة من الفقهاء والقتصاديين لمراجعة ما تقوم عليه من أنظمة‪ ،‬وما تعتمده من آليات وأدوات‪،‬‬
‫وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة السلمية‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن فكرة السواق المالية تقوم على أنظمة إدارية وإجرائية‪ ،‬ولذا يستند اللتزام بها إلى تطبيق‬
‫قاعدة المصالح المرسلة فيما يندرج تحت أصل شرعي عام ول يخالف نصا أو قاعدة شرعية‪ ،‬وهي‬
‫لذلك من قبيل التنظيم الذي يقوم به ولي المر في الحرف والمرافق الخرى وليس لحد مخالفة‬
‫تنظيمات ولي المر أو التحايل عليها ما دامت مستوفية الضوابط والصول الشرعية‪.‬‬
‫ويوصي ‪:‬‬
‫باستكمال النظر في الدوات والصيغ المستخدمة في السواق المالية بكتابة الدراسات والبحاث الفقهية‬
‫والقتصادية الكافية‪.‬‬

‫( ‪)7/164‬‬

‫قرار رقم (‪)6/11/62‬‬


‫بشأن‬
‫السندات‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 23-17‬شعبان ‪1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 20-14‬آذار‪/‬مارس ‪1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (السواق المالية) المنعقدة في الرباط‬
‫‪ 24-20‬ربيع الثاني ‪1410‬هـ‪1989/10/24-20/‬م‪ ،‬بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد السلمي‬
‫للبحوث والتدريب بالبنك السلمي للتنمية‪ ،‬وباستضافة وزارة الوقاف والشؤون السلمية بالمملكة‬
‫المغربية‪.‬‬
‫وبعد الطلع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة السمية عند‬
‫الستحقاق‪ ،‬مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة السمية للسند‪ ،‬أو ترتيب نفع مشروط سواء‬
‫أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعا أم حسما (خصما)‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعا‬
‫من حيث الصدار أو الشراء أم التداول‪ ،‬لنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة‬
‫أم عامة ترتبط بالدولة ول أثر لتسميتها شهادات أو صكوكا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة‬
‫الربوية الملتزم بها ربحا أو ريعا أو عمولة أو عائدا‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضا يجري بيعها بأقل من قيمتها‬
‫السمية‪ ،‬ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسما (خصما) لهذه السندات‪.‬‬
‫‪ - 3‬كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة‬
‫لمجموع المقرضين‪ ،‬أو لبعضهم ل على التعيين‪ ،‬فضلً عن شبهة القمار‪.‬‬
‫‪ - 4‬من البدائل للسندات المحرمة ‪ -‬إصدارا أو شراءً أو تداولً ‪ -‬السندات أو الصكوك القائمة على‬
‫أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين‪ ،‬بحيث ليكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع‪،‬‬
‫وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر مايملكون من هذه السندات أو الصكوك ولينالون‬
‫هذا الربح إل إذا تحقق فعلً‪ .‬ويمكن الستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم (‪)5‬‬
‫للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة‪.‬‬
‫يوصي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬بمراعاة هذه المقترحات‪ ،‬مع تفويض المانة العامة للختيار منها بحسب ماتقدره من مقتضيات‬
‫المصلحة‪ ،‬وبخاصة ما اقترح درسه في الدورة السابقة‪.‬‬
‫‪ - 2‬قيام المانة العامة بالعداد لعقد الندوات المقترحة مع إعطاء الولوية للموضوعات التي طرحت‬
‫في الدورات حسب الظروف والمكانات المتاحة‪.‬‬

‫( ‪)7/165‬‬

‫القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السابع‬
‫المنعقد في جدة ‪ -‬المملكة العربية السعودية‬
‫في‪ 12-7 :‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ‬
‫(‪ )9-14‬مايو ‪ 1992‬م)‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫قرار رقم ‪7/1/64‬‬
‫بشأن السواق المالية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 7‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو (أيار) ‪1992‬م‪ .‬بعد اطلعه على البحوث‬
‫الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬السواق المالية) السهم‪ ،‬الختيارات‪ ،‬السلع‪ ،‬بطاقة‬
‫الئتمان‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬السهم‬
‫‪ - 1‬السهام في الشركات ‪:‬‬
‫أ ـ بما أن الصل في المعاملت الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة‬
‫أمر جائز‪.‬‬
‫ب ـ ل خلف في حرمة السهام في شركات غرضها الساسي محرم‪ ،‬كالتعامل بالربا أو إنتاج‬
‫المحرمات أو المتاجرة بها‪.‬‬

‫( ‪)7/166‬‬

‫ج ـ الصل حرمة السهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات‪ ،‬بالربا ونحوه‪ ،‬بالرغم من أن‬
‫أنشطتها الساسية مشروعة‪.‬‬
‫د ـ أما المساهمة في الشركات التي تتعامل أحيانا بالمحرمات‪ ،‬فيرى المجلس تأجيل النظر فيها إلى‬
‫دورة قادمة لمزيد من الدراسة والبحث‪.‬‬
‫‪ - 2‬ضمان الصدار‪:‬‬
‫ضمان الصدار‪ :‬هو التفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الصدار من السهم‪ ،‬أو‬
‫جزء من ذلك الصدار‪ ،‬وهو تعهد من الملتزم بالكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره‪ ،‬وهذا‬
‫ل مانع منه شرعا إذا كان تعهد الملتزم بالكتتاب بالقيمة السمية بدون مقابل لقاء التعهد‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه ـ غير الضمان ـ مثل إعداد الدراسات أو تسويق السهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬تقسيط سداد قيمة السهم عند الكتتاب ‪:‬‬
‫ل مانع شرعا من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه وتأجيل سداد بقية القساط‪ ،‬لن ذلك يعتبر‬
‫من الشتراك بما عجل دفعه‪ ،‬والتواعد على زيادة رأس المال‪ ،‬ول يترتب على ذلك محذور لن هذا‬
‫يشمل جميع السهم‪ ،‬وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير‪ ،‬لنه هو القدر‬
‫الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة‪.‬‬
‫‪ - 4‬السهم لحامله ‪:‬‬
‫بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة‬
‫لثبات هذا الستحقاق في الحصة فل مانع شرعا من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها‪.‬‬
‫‪ - 5‬محل العقد في بيع السهم ‪:‬‬
‫إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصل الشركة‪ ،‬وشهادة السهم عبارة عن‬
‫وثيقة للحق في تلك الحصة‪.‬‬
‫‪ - 6‬السهم الممتازة ‪:‬‬
‫ل يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من‬
‫الربح أو تقديمها عند التصفية‪ ،‬أو عند توزيع الرباح‪ .‬ويجوز إعطاء بعض السهم خصائص تتعلق‬
‫بالمور الجرائية أو الدارية‪.‬‬
‫‪ - 7‬التعامل في السهم بطرق ربوية ‪:‬‬

‫( ‪)7/167‬‬

‫أ ـ ل يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم‪ ،‬لما في‬
‫ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من العمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله‬
‫وكاتبه وشاهديه‪.‬‬
‫ب ـ ل يجوز أيضا بيع سهم ل يملكه البائع وإنما يتلقى وعدا من السمسار بإقراضه السهم في موعد‬
‫التسليم؛ لنه من بيع ما ل يملك البائع‪ ،‬ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به‬
‫بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل القراض‪.‬‬
‫‪ - 8‬بيع السهم أو رهنه ‪:‬‬
‫يجوز بيع السهم‪ ،‬أو رهنه مع مراعاة ما يقتضي به نظام الشركة‪ ،‬كما لو تضمن النظام تسويغ البيع‬
‫مطلقا أو مشروطا بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء‪ ،‬وكذلك يعتبر النص في النظام على‬
‫إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة‪.‬‬
‫‪ - 9‬إصدار أسهم مع رسوم إصدار ‪:‬‬
‫إن إضافة نسبة معينة تدفع مع قيمة السهم‪ ،‬لتغطية مصاريف الصدار‪ ،‬ل مانع منها شرعا ما دامت‬
‫هذه النسبة مقدرة تقديرا مناسبا‪.‬‬
‫‪ - 10‬إصدار أسهم بعلوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار ‪:‬‬
‫يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للسهم القديمة (حسب‬
‫تقويم الخبراء لصول الشركة) أو بالقيمة السوقية‪ - 11 .‬ضمان الشركة شراء السهم ‪:‬‬
‫يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذا الموضوع لدورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة‪.‬‬
‫‪ - 12‬تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة ‪:‬‬
‫ل مانع شرعا من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها‪ ،‬لن ذلك معلوم للمتعاملين‬
‫مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرور عمن يتعامل مع الشركة‪.‬‬
‫كما ل مانع شرعا من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل‬
‫لقاء هذا اللتزام‪ ،‬وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية‪.‬‬
‫‪ - 13‬حصر تداول السهم بسماسرة مرخصين‪ ،‬واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها ‪:‬‬

‫( ‪)7/168‬‬

‫للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض السهم بأن ل يتم إل بواسطة سماسرة مخصوصين‬
‫ومرخصين بذلك العمل‪ ،‬لن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة‪.‬‬
‫وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في السواق المالية لن هذا من المور التنظيمية‬
‫المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة‪ ،‬وذلك لتغطية النفقات أو لجباية ضريبة غير مباشرة‪ - 14 .‬حق‬
‫الولوية ‪:‬‬
‫يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة‪.‬‬
‫‪ - 15‬شهادة حق التملك ‪:‬‬
‫يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بيع الختيارات‪:‬‬
‫صورة العقد ‪:‬‬
‫إن المقصود بعقود الختيارات العتياض عن اللتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر‬
‫محدد خلل فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلل هيئة ضامنة لحقوق‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫حكمه الشرعي ‪:‬‬
‫إن عقود الختيارات ـ كما تجري اليوم في السواق المالية العالمية ـ ل تنضوي تحت أي عقد من‬
‫العقود الشرعية المسماة‪ ،‬فهي عقود مستحدثة‪.‬‬
‫وبما أن المعقود عليه ليس مالً ول منفعة ول حقا ماليا يجوز العتياض عنه فإنه عقد غير جائز‬
‫شرعا‪.‬‬
‫وبما أن هذه العقود ل تجوز ابتداء فل يجوز تداولها‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التعامل بالسلع والعملت والمؤشرات في السواق المنظمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬السلع ‪:‬‬
‫يتم التعامل بالسلع في السواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية‪:‬‬
‫الطريقة الولى ‪:‬‬
‫أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالت ممثلة لها في‬
‫ملك البائع وقبضه‪.‬‬
‫وهذا العقد جائز شرعا بشروط البيع المعروفة‪.‬‬
‫الطريقة الثانية ‪:‬‬
‫أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق‪.‬‬
‫وهذا العقد جائز شرعا بشروط البيع المعروفة‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة ‪:‬‬

‫( ‪)7/169‬‬

‫أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن‬
‫يتضمن شرطا يقتضي أن ينتهي فعلً بالتسليم والتسلم‪.‬‬
‫وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين‪ ،‬ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة‪ ،‬فإذا استوفى‬
‫شروط السلم جاز‪.‬‬
‫وكذلك ل يجوز بيع السلعة المشتراة سلما قبل قبضها‪ .‬الطريقة الرابعة ‪:‬‬
‫أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن‬
‫يتضمن العقد شرط أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين بل يمكن تصفيته بعقد معاكس‪.‬‬
‫وهذا هو النوع الكثر شيوعا في أسواق السلع وهذا العقد غير جائز أصلً‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعامل بالعملت ‪:‬‬
‫يتم التعامل بالعملت في السواق المنظمة بإحدى الطرق الربعة المذكورة في التعامل بالسلع‪.‬‬
‫ول يجوز شراء العملت وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة‪.‬‬
‫أما الطريقتان الولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملت وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التعامل بالمؤشر ‪:‬‬
‫المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق‬
‫معينة‪ ،‬وتجري عليه مبايعات في بعض السواق العالمية‪.‬‬
‫ول يجوز بيع وشراء المؤشر لنه مقامرة بحتة وهو بيع شيء خيالي ل يمكن وجوده‪.‬‬
‫‪ - 4‬البديل الشرعي للمعاملت المحرمة في السلع والعملت ‪:‬‬
‫ينبغي تنظيم سوق إسلمية للسلع والعملت على أساس المعاملت الشرعية وبخاصة بيع السلم‬
‫والصرف والوعد بالبيع في وقت آجل والستصناع وغيرها‪ .‬ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة‬
‫وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلمية منظمة‪.‬‬

‫( ‪)7/170‬‬

‫رابعا ‪ :‬بطاقة الئتمان‪:‬‬


‫تعريفها ‪:‬‬
‫بطاقة الئتمان هي مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري ـ بناء على عقد بينهما ـ‬
‫يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالً لتضمنه التزام المصدر‬
‫بالدفع‪ .‬ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف‪ ،‬ولبطاقات الئتمان صور‪:‬‬
‫ـ منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر‬
‫فتكون بذلك مغطاة‪ ،‬ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية‪.‬‬
‫ـ ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلل فترة محددة من تاريخ‬
‫المطالبة‪ ،‬ومنها ما ل يفرض فوائد‪.‬‬
‫ـ وأكثرها يفرض رسما سنويا على حاملها ومنها ما ل يفرض فيه المصدر رسما سنويا‪.‬‬
‫وبعد التداول قرر المجلس تأجيل البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة‬
‫لمزيد من البحث والدراسة‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم ‪7/2/65‬‬
‫بشأن‬
‫البيع بالتقسيط‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪17‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو ‪1992‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬البيع بالتقسيط)‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬البيع بالتقسيط جائز شرعا‪ ،‬ولو زاد فيه الثمن المؤجل على المعجّل‪.‬‬
‫‪ - 2‬الوراق التجارية (الشيكات ـ السندات لمر ـ سندات السحب) من أنواع التوثيق المشروع‬
‫للدين بالكتابة‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن حسم (خصم) الوراق التجارية غير جائز شرعا‪ ،‬لنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحطيطة من الدين المؤجل‪ ،‬لجل تعجيله‪ ،‬سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل)‬
‫جائزة شرعا‪ ،‬ل تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق سابق‪ ،‬وما دامت العلقة بين الدائن‬
‫والمدين ثنائية‪ ،‬فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز‪ ،‬لنها تأخذ عندئذ حكم حسم الوراق التجارية‪.‬‬

‫( ‪)7/171‬‬

‫‪ - 5‬يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر القساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من‬
‫القساط المستحقة عليه مالم يكن معسرا‪.‬‬
‫‪ - 6‬إذا اعتبر الدين حال لموت المدين أو إفلسه أو مماطلته‪ ،‬فيجوز في جميع هذه الحالت الحط‬
‫منه للتعجيل بالتراضي‪ ،‬ويجب هذا الحط من الدين لتعجيله إذا كان قد زيد فيه لتأجيله‪.‬‬
‫‪ - 7‬ضابط العسار الذي يوجب النظار‪ :‬أل يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الصلية يفي بدينه‬
‫نقدا أو عينا‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم ‪7/3/66‬‬
‫بشأن‬
‫عقد الستصناع‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪17‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو ‪1992‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬عقد الستصناع)‪،‬‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله‪ ،‬ومراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية‬
‫في العقود والتصرفات‪ ،‬ونظرا لن عقد الستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة‪ ،‬وفي فتح‬
‫مجالت واسعة للتمويل والنهوض بالقتصاد السلمي‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن عقد الستصناع ـ هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة ـ ملزم للطرفين إذا توافرت‬
‫فيه الركان والشروط‪.‬‬
‫‪ - 2‬يشترط في عقد الستصناع ما يلي‪:‬‬
‫أ ـ بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة‪ .‬ب ـ أن يحدد فيه الجل‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجوز في عقد الستصناع تأجيل الثمن كله‪ ،‬أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لجال محددة‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجوز أن يتضمن عقد الستصناع شرطا جزائيا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك‬
‫ظروف قاهرة‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم ‪7/4/67‬‬
‫بشأن بيع الوفاء‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪17‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو ‪1992‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬بيع الوفاء)‪.‬‬

‫( ‪)7/172‬‬

‫واستماعه إلى المناقشات التي دارت حول بيع الوفاء‪ ،‬وحقيقته‪« :‬بيع المال بشرط أن البائع متى رد‬
‫الثمن يرد المشتري إليه المبيع» ‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن حقيقة هذا البيع «قرض جر نفعا» فهو تحايل على الربا‪ ،‬وبعدم صحته قال جمهور العلماء‪.‬‬
‫‪ -2‬يرى المجمع أن يبقى هذا العقد غير جائز شرعا‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم ‪7/5/68‬‬
‫بشأن العلج الطبي‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪17‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو ‪1992‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬العلج الطبي)‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪.‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫أولً‪ :‬التداوي‬
‫الصل في حكم التداوي أنه مشروع‪ ،‬لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والعملية‪،‬‬
‫ولما فيه من (حفظ النفس) الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع‪.‬‬
‫وتختلف أحكام التداوي باختلف الحوال والشخاص‪:‬‬
‫ـ فيكون واجبا على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه‪ ،‬أو كان‬
‫المرض ينتقل ضرره إلى غيره‪ ،‬كالمراض المعدية‪.‬‬
‫ـ ويكون مندوبا إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ول يترتب عليه ما سبق في الحالة الولى‪.‬‬
‫ـ ويكون مباحا إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين‪.‬‬
‫ـ ويكون مكروها إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬علج الحالت الميئوس منها ‪:‬‬
‫أ ـ مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد ال عز وجل‪ ،‬وأن التداوي والعلج أخذ‬
‫بالسباب التي أودعها ال تعالى في الكون وأنه ل يجوز اليأس من روح ال أو القنوط من رحمته‪ ،‬بل‬
‫ينبغي بقاء المل في الشفاء بإذن ال‪ .‬وعلى الطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض‪ ،‬والدأب‬
‫في رعايته وتخفيف آلمه النفسية والبدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه‪.‬‬

‫( ‪)7/173‬‬

‫ب ـ إن ما يعتبر حالة ميئوسا من علجها هو بحسب تقدير الطباء وإمكانات الطب المتاحة في كل‬
‫زمان ومكان وتبعا لظروف المرضى‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إذن المريض ‪:‬‬
‫أ ـ يشترط إذن المريض للعلج إذا كان تام الهلية‪ ،‬فإذا كان عديم الهلية أو ناقصها اعتبر إذن‬
‫وليه‪ ،‬حسب ترتيب الولية الشرعية ووفقا لحكامها التي تحصر تصرف الولي فيما فيه منفعة المولى‬
‫عليه ومصلحته ورفع الذى عنه‪.‬‬
‫على أنه ل عبرة بتصرف الولي في عدم الذن إذا كان واضح الضرر بالمولى عليه‪ ،‬وينتقل الحق‬
‫إلى غيره من الولياء ثم إلى ولي المر‪ .‬ب ـ لولي المر اللزام بالتداوي في بعض الحوال‪،‬‬
‫كالمراض المعدية والتحصينات الوقائية‪.‬‬
‫ج ـ في حالت السعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر ل يتوقف العلج على الذن‪.‬‬
‫د ـ ل بد في إجراء البحاث الطبية من موافقة الشخص التام الهلية بصورة خالية من شائبة الكراه‬
‫(كالمساجين) أو الغراء المادي (كالمساكين)‪ .‬ويجب أن ل يترتب على إجراء تلك البحاث ضرر‪.‬‬
‫ول يجوز إجراء البحاث الطبية على عديمي الهلية أو ناقصيها ولو بموافقة الولياء‬
‫ويوصي مجلس المجمع ‪:‬‬
‫المانة العامة للمجمع بالستكتاب في الموضوعات الطبية التالية لطرحها على دورات المجمع‬
‫القادمة‪:‬‬
‫ـ العلج بالمحرمات وبالنجس‪ ،‬وضوابط استعمال الدوية‪.‬‬
‫ـ العلج التجميلي‪.‬‬
‫ـ ضمان الطبيب‪.‬‬
‫ـ معالجة الرجل للمرأة‪ ،‬وعكسه‪ ،‬ومعالجة غير المسلمين للمسلمين‪.‬‬
‫ـ العلج بالرقى (العلج الروحي)‪.‬‬
‫ـ أخلقيات الطبيب (مع توزيعها على أكثر من دورة إن اقتضى المر)‪.‬‬
‫ـ التزاحم في العلج وترتيب الولوية فيه‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم ‪7/6/69‬‬
‫بشأن‬
‫الحقوق الدولية في نظر السلم‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪17‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو ‪1992‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪(:‬الحقوق الدولية في نظر السلم)‪،‬‬

‫( ‪)7/174‬‬
‫واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪ ،‬رأى المجلس ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪:‬‬
‫يثني المجلس على الجهود المشكورة في البحوث التي قدمت ونوقشت في دورته السابعة حول هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬وقد رأى أن الموضوع من الهمية والسعة بحيث يدعو إلى مزيد من البحث والدراسة في‬
‫الجوانب المتعددة التي ما زال الموضوع في حاجة إليها‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫يقترح المجلس تشكيل لجنة تحضيرية لعداد ورقة عمل لندوة متخصصة تعقد لمعالجة تفاصيل هذا‬
‫الموضوع والخروج بمشروع لئحة للحقوق الدولية في السلم تعرض على المجلس في دورته‬
‫القادمة‪ .‬ثالثا‪:‬‬
‫يقترح المجلس أيضا أن يكون من محاور ورقة العمل ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬مصادر القانون الدولي السلمي والعلقات الدولية وهي‪ :‬القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‬
‫والتطبيقات العملية عند الخلفاء الراشدين‪ ،‬كما يستفاد من اجتهادات الفقهاء في هذا‪.‬‬
‫‪ - 2‬المقاصد والخصائص العامة للشريعة السلمية‪ ،‬والتي تترك أثرها العملي على المواقف كلها‪:‬‬
‫أ ـ المقاصد الشرعية‪.‬‬
‫ب ـ الخصائص العامة‪.‬‬
‫‪ - 3‬مفهوم المة ووحدتها في السلم‪.‬‬
‫‪ - 4‬مذاهب الفقهاء في أقسام الديار‪.‬‬
‫‪ - 5‬الجذور التاريخية للحالة القائمة في العالم السلمي‪.‬‬
‫‪ - 6‬علقات الدولة السلمية في داخلها (الشعب والقليات)‪.‬‬
‫‪ - 7‬علقات الدولة السلمية بالدول الخرى‪.‬‬
‫‪ - 8‬موقف الدولة السلمية من المواثيق والمعاهدات والمنظمات الدولية‪.‬‬
‫رابعا‪:‬‬
‫يقترح المجلس على اللجنة التحضيرية أن تقوم بوضع أوراق شارحة يسترشد بها الباحثون في تفصيل‬
‫هذه المحاور وأن يكون ذلك في خلل الشهر القادمة‪.‬‬
‫وال ولي التوفيق‬

‫( ‪)7/175‬‬
‫قرار رقم ‪7/7/70‬‬
‫بشأن‬
‫الغزو الفكري‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية‬
‫من ‪ 7‬إلى ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 1412‬هـ الموافق ‪ 14-9‬مايو ‪1992‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬الغزو الفكري) والتي بينت بداية‬
‫هذا الغزو وخطورته وأبعاده وما حققه من نتائج في بلد العرب والمسلمين‪ ،‬واستعرضت صورا مما‬
‫أثار من شبه ومطاعن‪ ،‬ونفذ من خطط وممارسات‪ ،‬استهدفت زعزعة المجتمع المسلم ووقف انتشار‬
‫الدعوة السلمية‪ ،‬كما بينت هذه البحوث الدور الذي قام به السلم في حفظ المة وثباتها في وجه‬
‫هذا الغزو وكيف أحبط كثيرا من خططه ومؤامراته‪.‬‬
‫وقد اهتمت هذه البحوث ببيان سبل مواجهة هذا الغزو وحماية المة من كل آثاره في جميع المجالت‬
‫وعلى كل الصعدة‪.‬‬
‫وبعد استماعه للمناقشات التي دارت حول هذه البحوث‪.‬‬
‫يوصي بضرورة مايلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬العمل على تطبيق الشريعة السلمية واتخاذها منهجا في رسم علقتنا السياسية المحلية منها‬
‫والعالمية‪ - 2 .‬الحرص على تنقية مناهج التربية والتعليم والنهوض بها بهدف بناء الجيال على‬
‫أسس تربوية إسلمية معاصرة وبشكل يعدهم العداد المناسب الذي يبصرهم بدينهم ويحميهم من كل‬
‫مظاهر الغزو الثقافي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬تطوير مناهج إعداد الدعاة من أجل إدراكهم لروح السلم ومنهجه في بناء الحياة النسانية‬
‫بالضافة إلى اطلعهم على ثقافة العصر ليكون تعاملهم مع المجتمعات المعاصرة عن وعي‬
‫وبصيرة‪.‬‬
‫‪ - 4‬إعطاء المسجد دوره التربوي المتكامل في حياة المسلمين لمواجهة كل مظاهر الغزو الثقافي‬
‫وآثاره وتعريف المسلمين بدينهم التعريف السليم الكامل‪.‬‬
‫‪ - 5‬رد الشبهات التي أثارها أعداء السلم بطرق علمية سليمة و بثقة المؤمن بكمال هذا الدين دون‬
‫اللجوء إلى أساليب الدفاع التبريري الضعيف‪.‬‬
‫‪ - 6‬الهتمام بدراسة الفكار الوافدة والمبادئ المستوردة والتعريف بمظاهر قصورها ونقصها بأمانة‬
‫وموضوعية‪.‬‬

‫( ‪)7/176‬‬
‫‪ - 7‬الهتمام بالصحوة السلمية ودعم المؤسسات العاملة في مجالت الدعوة والعمل السلمي لبناء‬
‫الشخصية السلمية السوية التي تقدم للمجتمع النساني صورة مشرقة للتطبيق السلمي على‬
‫المستوى الفردي والجماعي وفي كل مجالت الحياة السياسية والجتماعية والثقافية والقتصادية‪.‬‬
‫‪ - 8‬الهتمام باللغة العربية والعمل على نشرها ودعم تعليمها في جميع أنحاء العالم باعتبارها لغة‬
‫القرآن الكريم واتخاذها لغة التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات في البلد العربية والسلمية‪.‬‬
‫‪ - 9‬الحرص على بيان سماحة السلم وأنه جاء لخير النسان وسعادته في الدنيا والخرة‪ ،‬وبحيث‬
‫يكون ذلك على المستوى العالمي وباللغات الحية جميعها‪.‬‬
‫‪ - 10‬الستفادة الفعالة والمدروسة من الساليب المعاصرة في العلم مما يمكن من إيصال كلمة‬
‫الحق والخير إلى جميع أنحاء الدنيا ودون إهمال لكل وسيلة متاحة‪.‬‬
‫‪ - 11‬الهتمام بمواجهة القضايا المعاصرة بحلول إسلمية والعمل على نقل حلول السلم لهذه‬
‫المشكلت إلى التنفيذ والممارسة لن التطبيق الناجح هو أفعل طرق الدعوة والبيان‪.‬‬
‫‪ - 12‬العمل على تأكيد مظاهر وحدة المسلمين وتكاملهم على كل الصعدة وحل خلفاتهم ومنازعاتهم‬
‫فيما بينهم وبالطرق السلمية وفق أحكام الشريعة المعروفة إفسادا لمخططات الغزو الثقافي في تفتيت‬
‫وحدة المسلمين وزرع الخلفات والمنازعات بينهم‪.‬‬
‫‪ - 13‬العمل على بناء قوة المسلمين واكتفائهم الذاتي اقتصاديا وعسكريا‪.‬‬
‫‪ - 14‬مناشدة الدول العربية والسلمية مناصرة المسلمين الذين يتعرضون للضطهاد في شتى بقاع‬
‫الرض ودعم قضاياهم ودرء العدوان عنهم بشتى الوسائل المتاحة‪.‬‬
‫كما يوصي المجلس أيضا المانة العامة للمجمع باستمرار الهتمام بطرح أهم قضايا الموضوع في‬
‫لقاءات المجمع وندواته القادمة نظرا لهمية موضوع الغزو الفكري وضرورة وضع استراتيجية‬
‫متكاملة لمجابهة مظاهره ومستجداته ويمكن البدء بقضيتي التبشير والستشراق في الدورة القادمة‪.‬‬
‫وال ولي التوفيق‪.‬‬

‫( ‪)7/177‬‬

‫القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن‬
‫المنعقد ببندر سري بجاون ( بروناي دار السلم )‬
‫‪ 7 - 1‬محرم ‪1414‬هـ ‪ 27 - 21 /‬يونيو ‪1993‬م‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫قرار رقم‪/1/74 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫الخذ بالرخصة وحكمه‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬الخذ بالرخصة وحكمه » ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الرخصة الشرعية‪ :‬هي ماشرع من الحكام لعذر‪ ،‬تخفيفا عن المكلفين‪ ،‬مع قيام السبب الموجب‬
‫للحكم الصلي‪.‬‬
‫ول خلف في مشروعية الخذ بالرخص الشرعية إذا وجدت أسبابها‪ ،‬بشرط التحقق من دواعيها‪،‬‬
‫والقتصار على مواضعها‪ ،‬مع مراعاة الضوابط الشرعية المقررة للخذ بها‪.‬‬
‫‪ - 2‬المراد بالرخص الفقهية‪ :‬ماجاء من الجتهادات المذهبية مبيحا لمر في مقابلة اجتهادات أخرى‬
‫تحظره‪.‬‬
‫والخذ برخص الفقهاء‪ :‬بمعنى اتباع ماهو أخف من أقوالهم‪ ،‬جائز شرعا بالضوابط التية في ( البند‬
‫‪.) 4‬‬
‫‪ - 3‬الرخص في القضايا العامة تعامل معاملة المسائل الفقهية الصلية إذا كانت محققة لمصلحة‬
‫معتبرة شرعا‪ ،‬وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الختيار ويتصفون بالتقوى‬
‫والمانة العلمية‪.‬‬

‫( ‪)7/178‬‬

‫‪ - 4‬ليجوز الخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى‪ ،‬لن ذلك يؤدي إلى التحلل من التكليف‪،‬‬
‫وإنما يجوز الخذ بالرخص بمراعاة الضوابط التالية‪:‬‬
‫أ ـ أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعا ولم توصف بأنها من شواذ القوال‪.‬‬
‫ب ـ أن تقوم الحاجة إلى الخذ بالرخصة‪ ،‬دفعا للمشقة سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم‬
‫فردية‪ .‬ج ـ أن يكون الخذ بالرخص ذا قدرة على الختيار‪ ،‬أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك‪.‬‬
‫د ‪ -‬أل يترتب على الخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع التي بيانه في (البند ‪.) 6‬‬
‫هـ ـ أل يكون الخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع‪.‬‬
‫و ـ أن تطمئن نفس المترخص للخذ بالرخصة‪.‬‬
‫‪ - 5‬حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب‪ :‬هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر‬
‫بكيفية ل يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة‪.‬‬
‫‪ - 6‬يكون التلفيق ممنوعا في الحوال التالية‪:‬‬
‫أ ـ إذا أدى إلى الخذ بالرخص لمجرد الهوى‪ ،‬أو الخلل بأحد الضوابط المبينة في مسألة الخذ‬
‫بالرخص‪.‬‬
‫ب ـ إذا أدى إلى نقض حكم القضاء‪.‬‬
‫ج ـ إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدا في واقعة واحدة‪.‬‬
‫د ـ إذا أدى إلى مخالفة الجماع أو ما يستلزمه‪.‬‬
‫هـ ـ إذا أدى إلى حالة مركبة ل يقرها أحد من المجتهدين‪.‬‬
‫وال أعلم قرار رقم‪/2/75 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫حوادث السير‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬حوادث السير» ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬

‫( ‪)7/179‬‬

‫وبالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم‪ ،‬واقتضاء المصلحة‬
‫سَنّ النظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط المن كسلمة الجهزة وقواعد نقل الملكية‬
‫ورخص القيادة والحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية‬
‫والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أ‪ -‬إن اللتزام بتلك النظمة التي ل تخالف أحكام الشريعة السلمية واجب شرعا‪،‬لنه من‬
‫طاعة ولي المر فيما ينظمه من إجراءات بناء على دليل المصالح المرسلة‪ .‬وينبغي أن تشتمل تلك‬
‫النظمة على الحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال‪.‬‬
‫ب ـ مما تقتضيه المصلحة أيضا سَنّ النظمة الزاجرة بأنواعها‪ ،‬ومنها التعزير المالي‪ ،‬لمن يخالف‬
‫تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والسواق من‬
‫أصحاب المركبات ووسائل النقل الخرى أخذا بأحكام الحسبة المقررة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة‬
‫السلمية وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ‪ .‬والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار سواء‬
‫في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ‪ ،‬ول يعفى من هذه المسؤولية إل في‬
‫الحالت التية‪:‬‬
‫أ ـ إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة ل يستطيع دفعها وتعذر عليه الحتراز منها‪ ،‬وهي كل أمر‬
‫عارض خارج عن تدخل النسان‪.‬‬
‫ب ـ إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة‪.‬‬
‫ج ـ إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الضرار التي تنجم عن فعلها إن‬
‫كانوا مقصرين في ضبطها‪ ،‬والفصل في ذلك إلى القضاء‪.‬‬

‫( ‪)7/180‬‬

‫‪ - 4‬إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من‬
‫الخر من نفس أو مال‪.‬‬
‫‪ - 5‬أ ـ مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل‪ ،‬فإن الصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعديا‪ ،‬وأما‬
‫المتسبب فل يضمن إل إذا كان متعديا أو مفرطا‪.‬‬
‫ب ـ إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إل إذا كان المتسبب‬
‫متعديا والمباشر غير متعد‪.‬‬
‫ج ـ إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر‪ ،‬فعلى كل واحد من المتسببين‬
‫المسئولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر‪ .‬وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة‬
‫عليهما على السواء‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬قرار رقم‪/3/76 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫بيع العربون‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬بيع العربون» ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬المراد ببيع العربون ‪ :‬بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغا من المال إلى البائع على أنه إن أخذ‬
‫السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع‪.‬‬
‫ويجري مجرى البيع الجارة‪ ،‬لنها بيع المنافع‪ .‬ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد‬
‫البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الموال الربوية والصرف) ول يجري في‬
‫المرابحة للمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة النتظار بزمن محدود‪ .‬ويحتسب العربون جزءا من الثمن إذا‬
‫تم الشراء‪ ،‬ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء‪.‬‬

‫( ‪)7/181‬‬

‫قرار رقم‪/4/77 :‬د ‪8‬‬


‫بشأن‬
‫عقد المزايدة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬عقد المزايدة)‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫وحيث إن عقد المزايدة من العقود الشائعة في الوقت الحاضر‪ ،‬وقد صاحب تنفيذه في بعض الحالت‬
‫تجاوزات دعت لضبط طريقة التعامل به ضبطا يحفظ حقوق المتعاقدين طبقا لحكام الشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬كما اعتمدته المؤسسات والحكومات‪ ،‬وضبطته بتراتيب إدارية‪ ،‬ومن أجل بيان الحكام‬
‫الشرعية لهذا العقد‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عقد المزايدة‪ :‬عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء‪ ،‬أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند‬
‫رضا البائع‪.‬‬
‫‪ -2‬يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك‪ ،‬وبحسب طبيعته إلى اختياري‬
‫كالمزادات العادية بين الفراد‪ ،‬وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء‪ .‬وتحتاج إليه المؤسسات‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬والهيئات الحكومية والفراد‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن الجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي‪ ،‬وتنظيم‪ ،‬وضوابط وشروط إدارية‬
‫أو قانونية‪ ،‬يجب أن ل تتعارض مع أحكام الشريعة السلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬طلب الضمان ممن يريد الدخول في المزايدة جائز شرعا‪ ،‬ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس‬
‫عليه العطاء‪ ،‬ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز بالصفقة‪.‬‬
‫‪ -5‬ل مانع شرعا من استيفاء رسم الدخول (قيمة دفتر الشروط بما ل يزيد عن القيمة الفعلية) لكونه‬
‫ثمنا له‪.‬‬
‫‪ - 6‬يجوز أن يعرض المصرف السلمي‪ ،‬أو غيره مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من‬
‫الربح‪ ،‬سواء أكان المستثمر عاملً في عقد مضاربة مع المصرف أم ل‪.‬‬
‫‪ - 7‬النجش حرام‪ ،‬ومن صوره‪:‬‬
‫أ ـ أن يزيد في ثمن السلعة من ل يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة‪.‬‬

‫( ‪)7/182‬‬

‫ب ـ أن يتظاهر من ل يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها‪ ،‬ويمدحها ليغر المشتري فيرفع‬
‫ثمنها‪ .‬ج ـ أن يدعي صاحب السلعة‪ ،‬أو الوكيل‪ ،‬أو السمسار‪ ،‬ادعاء كاذبا أنه دفُع فيها ثمن معين‬
‫ليدلس على من يسوم‪.‬‬
‫د ـ ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعا اعتماد الوسائل السمعية‪ ،‬والمرئية‪ ،‬والمقروءة‪،‬‬
‫التي تذكر أوصافا رفيعة ل تمثل الحقيقة‪ ،‬أو ترفع الثمن لتغر المشتري‪ ،‬وتحمله على التعاقد‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫قرار رقم‪/5/78 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫تطبيقات شرعية لقامة السوق السلمية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬تطبيقات شرعية لقامة السوق‬
‫ل لموضوعات السواق المالية‪ ،‬والوراق المالية السلمية التي سبق‬
‫السلمية) التي كانت استكما ً‬
‫بحثها في الدورات السابقة‪ ،‬ولسيما في دورة مؤتمره السابع بجدة‪ ،‬وفي الندوات التي أقامها لهذا‬
‫الغرض للوصول إلى مجموعة مناسبة من الدوات المشروعة لسوق المال‪ ،‬حيث إنها الوعاء الذي‬
‫يستوعب السيولة المتوافرة في البلد السلمية‪ ،‬ويحقق الهداف التنموية‪ ،‬والتكافل والتوازن‪،‬‬
‫والتكامل للدول السلمية‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول كيفية الفادة من الصيغ التي بها تكتمل السوق‬
‫السلمية‪ ،‬وهي السهم‪ ،‬والصكوك والعقود الخاصة لقامة السوق السلمية على أسس شرعية‪.‬‬
‫قرر مايلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬السهم ‪:‬‬
‫أصدر مجمع الفقه السلمي قراره رقم ‪/1/65‬د ‪ ،7‬بشأن السواق المالية‪ :‬السهم‪ ،‬والختيارات‪،‬‬
‫والسلع‪ ،‬والعملت‪ ،‬وبين أحكامها مما يمكن الفادة منها لقامة سوق المال السلمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصكوك ( السندات ) ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬سندات المقارضة وسندات الستثمار‪:‬‬
‫أصدر مجمع الفقه السلمي قراره رقم ‪5/‬د ‪ 4‬بشأن صكوك المقارضة‪.‬‬

‫( ‪)7/183‬‬

‫ب ‪ -‬صكوك التأجير‪ ،‬أو اليجار المنتهي بالتمليك‪ .‬وقد صدر بخصوصها قرار المجمع رقم ‪/6‬د ‪،5‬‬
‫وبذلك تؤدي هذه الصكوك دورا طيبا في سوق المال السلمية في نطاق المنافع‪.‬‬
‫‪ - 3‬عقد السلم ‪:‬‬
‫بما أن عقد السلم ‪ -‬بشروطه ‪ -‬واسع المجال إذ أن المشتري يستفيد منه في استثمار فائض أمواله‬
‫لتحقيق الربح‪ ،‬والبائع يستفيد من الثمن في النتاج‪ ،‬فهو أداة فعالة لقامة سوق مال إسلمية في مجال‬
‫بيع شيء موصوف في الذمة‪ .‬مع التأكيد على قرار المجمع رقم ‪/1/64‬د ‪ 7‬بشأن عدم جواز بيع‬
‫المسلم فيه قبل قبضه ونصه‪ « :‬ليجوز بيع السلعة المشتراة سلما قبل قبضها » ‪.‬‬
‫‪ - 4‬عقد الستصناع ‪:‬‬
‫أصدر المجمع قراره رقم ‪/3/66‬د ‪ 7‬بشأن عقد الستصناع‪.‬‬
‫‪ - 5‬البيع الجل ‪:‬‬
‫البيع الجل صيغة تطبيقية أخرى من صيغ الستثمار‪،‬تيسر عمليات الشراء‪ ،‬حيث يستفيد المشتري‬
‫من توافر الحصول على السلع حالً‪ ،‬ودفع الثمن بعد أجل‪ ،‬كما يستفيد البائع من زيادة الثمن‪ ،‬وتكون‬
‫النتيجة اتساع توزيع السلع ورواجها في المجتمع‪.‬‬
‫‪ - 6‬الوعد والمواعدة ‪:‬‬
‫أصدر المجمع قراره رقم ‪/3-2‬د ‪ 5‬بشأن الوعد‪ ،‬والمواعدة في المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫‪ - 7‬يدعو المجمع الباحثين من الفقهاء والقتصاديين لعداد بحوث ودراسات في الموضوعات التي‬
‫لم يتم بحثها بصورة معمقة‪ ،‬لبيان مدى إمكانية تنفيذها‪ ،‬والستفادة منها شرعا في سوق المال‬
‫السلمية وهي‪:‬‬
‫أ ـ صكوك المشاركة بكل أنواعها‪.‬‬
‫ب ـ صياغة صكوك من اليجار أو التأجير المنتهي بالتمليك‪.‬‬
‫ج ـ العتياض عن دين السلم‪ ،‬والتولية والشركة فيه‪ ،‬والحطيطة عنه والمصالحة عليه ونحو ذلك‪.‬‬
‫د ـ المواعدة في غير بيع المرابحة‪ ،‬وبالخص المواعدة في الصرف‪.‬‬
‫هـ ـ بيع الديون‪.‬‬
‫و ـ الصلح في سوق المال (معاوضة أو نحوها)‪.‬‬
‫ز ـ المقاصة‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)7/184‬‬

‫قرار رقم‪/6/79 :‬د ‪8‬‬


‫بشأن‬
‫قضايا العملة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪(:‬قضايا العملة)‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الجور‬
‫بالنقود شرط الربط القياسي للجور‪ ،‬على أل ينشأ عن ذلك ضرر للقتصاد العام‪.‬‬
‫والمقصود هنا بالربط القياسي للجور‪ :‬تعديل الجور بصورة دورية تبعا للتغيرفي مستوى السعار‬
‫وفقا لما تقدره جهة الخبرة والختصاص‪ .‬والغرض من هذا التعديل حماية الجر النقدي للعاملين من‬
‫انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الرتفاع المتزايد في‬
‫المستوى العام لسعار السلع والخدمات‪ .‬وذلك لن الصل في الشروط الجواز إل الشرط الذي يحل‬
‫حراما أو يحرم حللً‪.‬‬
‫على أنه إذا تراكمت الجرة وصارت دينا تطبق عليها أحكام الديون المبينة في قرار المجمع رقم (‬
‫‪/4‬د ‪.)5‬‬
‫‪ - 2‬يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد ـ ل قبله ـ على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين‬
‫إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد‪ .‬وكذلك يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة التفاق يوم‬
‫سداد أي قسط أيضا على أدائه كاملً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم‪.‬‬
‫ويشترط في جميع الحوال أن ل يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة في الذمة‪ ،‬مع‬
‫مراعاة القرار الصادر عن المجمع برقم ‪/1/55‬د ‪ 6‬بشأن القبض‪.‬‬
‫‪ - 3‬يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الجل أو الجرة المؤجلة بعملة تدفع مرة‬
‫واحدة أو على أقساط محددة من عملت متعددة أو بكمية من الذهب وأن يتم السداد حسب التفاق‪.‬‬
‫كما يجوز أن يتم حسبما جاء في البند السابق‪.‬‬

‫( ‪)7/185‬‬

‫‪ - 4‬الدين الحاصل بعملة معينة ل يجوز التفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك‬
‫العملة من الذهب أو من عملة أخرى‪ ،‬على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة‬
‫الخرى المتفق على الداء بها‪.‬‬
‫‪ - 5‬تأكيد القرار رقم (‪/4‬د ‪ )5‬الصادر عن المجمع بشأن تغير قيمة العملة‪.‬‬
‫‪ - 6‬يدعو مجلس المجمع المانة العامة لتكليف ذوي الكفاءة من الباحثين الشرعيين والقتصاديين من‬
‫الملتزمين بالفكر السلمي بإعداد الدراسات المعمقة للموضوعات الخرى المتعلقة بقضايا العملة‪،‬‬
‫لتناقش في دورات المجمع القادمة إن شاء ال‪ ،‬ومن هذه الموضوعات ما يلي‪:‬‬
‫أ ـ إمكان استعمال عملة اعتبارية مثل الدينار السلمي وبخاصة في معاملت البنك السلمي‬
‫للتنمية ليتم على أساسها تقديم القروض واستيفاؤها‪ ،‬وكذلك تثبيت الديون الجلة ليتم سدادها بحسب‬
‫سعر التعادل القائم بين تلك العملة العتبارية بحسب قيمتها‪ ،‬وبين العملة الجنبية المختارة للوفاء‬
‫كالدولر المريكي‪.‬‬
‫ب ـ السبل الشرعية البديلة عن الربط للديون الجلة بمستوى المتوسط القياسي للسعار‪.‬‬
‫ج ـ مفهوم كساد النقود الورقية وأثره في تعيين الحقوق واللتزامات الجلة‪.‬‬
‫د ـ حدود التضخم التي يمكن أن تعتبر معه النقود الورقية نقودا كاسدة‪.‬‬
‫قرار رقم‪/7/80 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫مشاكل البنوك السلمية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪(:‬مشاكل البنوك السلمية)‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫وبعد استعراض مجلس المجمع ما جاء في الوراق المقدمة بشأن مشاكل البنوك السلمية‪،‬‬
‫والمتضمنة مقترحات معالجة تلك المشاكل بأنواعها من شرعية وفنية وإدارية ومشاكل علقاتها‬
‫بالطراف المختلفة وبعد الستماع إلى المناقشات التي دارت حول تلك المشكلت‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬

‫( ‪)7/186‬‬

‫‪ - 1‬عرض القائمة التالية المصنفة على أربعة محاور على المانة العامة للمجمع لستكتاب‬
‫المختصين فيها وعرضها في دورات المجمع القادمة بحسب الولوية التي تراها لجنة التخطيط‪:‬‬
‫المحور الول‪ :‬الودائع وما يتعلق بها ‪:‬‬
‫أ ـ ضمان ودائع الستثمار بطرق تتلءم مع أحكام المضاربة الشرعية‪.‬‬
‫ب ـ تبادل الودائع بين البنوك على غيرأساس الفائدة‪.‬‬
‫ج ـ التكييف الشرعي للودائع والمعالجة المحاسبية لها‪.‬‬
‫د ـ إقراض مبلغ لشخص بشرط التعامل به مع البنك عموما أوفي نشاط محدد‪.‬‬
‫هـ ـ مصاريف المضاربة ومن يتحملها (المضارب أو وعاء المضاربة)‪.‬‬
‫و ـ تحديد العلقة بين المودعين والمساهمين‪.‬‬
‫ز ـ الوساطة في المضاربة والجارة والضمان‪.‬‬
‫ح ـ تحديد المضارب في البنك السلمي (المساهمون أو مجلس الدارة‪ ،‬أو الدارة التنفيذية)‪.‬‬
‫ط ـ البديل السلمي للحسابات المكشوفة‪.‬‬
‫ي ـ الزكاة في البنوك السلمية لموالها وودائعها‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬المرابحة ‪:‬‬
‫أ ـ المرابحة في السهم‪.‬‬
‫ب ـ تأجيل تسجيل الملكية في بيوع المرابحة لبقاء حق البنك مضمونا في السداد‪.‬‬
‫ج ـ المرابحة المؤجلة السداد مع توكيل المر بالشراء واعتباره كفيلً‪ .‬د ـ المماطلة في تسديد‬
‫الديون الناشئة عن المرابحة أو المعاملت الجلة‪.‬‬
‫هـ ـ التأمين على الديون‪.‬‬
‫و ـ بيع الديون‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬التأجير ‪:‬‬
‫أ ـ إعادة التأجير لمالك العين المأجورة أو لغيره‪.‬‬
‫ب ـ استئجار خدمات الشخاص وإعادة تأجيرها‪.‬‬
‫ج ـ إجارة السهم أو إقراضها أو رهنها‪.‬‬
‫د ـ صيانة العين المأجورة‪.‬‬
‫هـ ـ شراء عين من شخص بشرط استئجاره لها‪.‬‬
‫و ـ الجمع بين الجارة والمضاربة‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬العقود ‪:‬‬
‫أ ـ الشرط التفاقي على حق البنك في الفسخ في حال التخلف عن سداد القساط‪.‬‬
‫ب ـ الشرط التفاقي على تحويل العقد من صيغة إلى صيغة أخرى عند التخلف عن سداد القساط‪.‬‬
‫ويوصي مجلس المجمع بما يلي ‪:‬‬

‫( ‪)7/187‬‬
‫‪ - 1‬مواصلة البنوك السلمية الحوار مع البنوك المركزية في الدول السلمية لتمكين البنوك‬
‫السلمية من أداء وظائفها في استثمار أموال المتعاملين معها في ضوء المبادئ الشرعية التي تحكم‬
‫أنشطة البنوك وتلئم طبيعتها الخاصة‪ .‬وعلى البنوك المركزية أن تراعي متطلبات نجاح البنوك‬
‫السلمية للقيام بدورها الفعال في التنمية الوطنية ضمن قواعد الرقابة بما يلئم خصوصية العمل‬
‫المصرفي السلمي ودعوة منظمة المؤتمر السلمي والبنك السلمي للتنمية لستئناف اجتماعات‬
‫البنوك المركزية للدول السلمية‪ ،‬مما يتيح الفرصة لتنفيذ متطلبات هذه التوصية‪.‬‬
‫‪ - 2‬اهتمام البنوك السلمية بتأهيل القيادات والعاملين فيها بالخبرات الوظيفية الواعية لطبيعة العمل‬
‫المصرفي السلمي‪ ،‬وتوفير البرامج التدريبية المناسبة بالتعاون مع المعهد السلمي للبحوث‬
‫والتدريب وسائر الجهات المعنية بالتدريب المصرفي السلمي‪.‬‬
‫‪ - 3‬العناية بعقدي السلم والستصناع‪ ،‬لما يقدمانه من بديل شرعي لصيغ التمويل النتاجي التقليدية‪.‬‬
‫‪ - 4‬التقليل ما أمكن من استخدام أسلوب المرابحة للمر بالشراء وقصرها على التطبيقات التي تقع‬
‫تحت رقابة المصرف ويؤمن فيها وقوع المخالفة للقواعد الشرعية التي تحكمها‪ .‬والتوسع في مختلف‬
‫الصيغ الستثمارية الخرى من المضاربة والمشاركات والتأجير مع الهتمام بالمتابعة والتقويم‬
‫الدوري‪ ،‬وينبغي الستفادة من مختلف الحالت المقبولة في المضاربة مما يتيح ضبط عمل المضاربة‬
‫ودقة المحاسبة لنتائجها‪.‬‬
‫‪ - 5‬إيجاد السوق التجارية لتبادل السلع بين البلد السلمية بديلً عن سوق السلع الدولية التي لتخلو‬
‫من المخالفات الشرعية‪.‬‬
‫‪ - 6‬توجيه فائض السيولة لخدمة أهداف التنمية في العالم السلمي‪ ،‬وذلك بالتعاون بين البنوك‬
‫السلمية لدعم صناديق الستثمار المشتركة وإنشاء المشاريع المشتركة‪.‬‬

‫( ‪)7/188‬‬

‫‪ - 7‬السراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلميا الذي يكون بديلً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في‬
‫تحديد هامش الربح في المعاملت‪.‬‬
‫‪ - 8‬توسيع القاعدة الهيكلية للسوق المالية السلمية عن طريق قيام البنوك السلمية فيما بينها‪،‬‬
‫وبالتعاون مع البنك السلمي للتنمية‪ ،‬للتوسع في ابتكار وتداول الدوات المالية السلمية في مختلف‬
‫الدول السلمية‪.‬‬
‫‪ - 9‬دعوة الجهات المنوط بها سن النظمة لرساء قواعد التعامل الخاصة بصيغ الستثمار‬
‫السلمية‪ ،‬كالمضاربة والمشاركة والمزارعة والمساقاة والسلم والستصناع واليجار‪.‬‬
‫‪ - 10‬دعوة البنوك السلمية لقامة قاعدة معلومات تتوافر فيها البيانات الكافية عن المتعاملين مع‬
‫البنوك السلمية ورجال العمال‪ ،‬وذلك لتكون مرجعا للبنوك السلمية وللستفادة منها في تشجيع‬
‫التعامل مع الثقات المؤتمنين والبتعاد عن سواهم‪.‬‬
‫‪- 11‬دعوة البنوك السلمية إلى تنسيق نشاط هيئات الرقابة الشرعية لديها‪ ،‬سواء بتجديد عمل الهيئة‬
‫العليا للرقابة الشرعية للبنوك السلمية أم عن طريق إيجاد هيئة جديدة بما يكفل الوصول إلى معايير‬
‫موحدة لعمل الهيئات الشرعية في البنوك السلمية‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫قرار رقم‪/8/81 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫المشاركة في أسهم الشركات المساهمة المتعاملة بالربا‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على توصيات الندوة القتصادية حول حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمة‬
‫المتعاملة بالربا‪ ،‬والبحاث المعدة في تلك الندوة‪.‬‬
‫ونظرا لهمية هذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته والتعرف إلى‬
‫جميع الراء فيه‪.‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أن تقوم المانة العامة للمجمع باستكتاب المزيد من البحوث فيه ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار‬
‫المناسب في دورة قادمة‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)7/189‬‬

‫قرار رقم‪/9/82 :‬د ‪8‬‬


‫بشأن‬
‫بطاقات الئتمان‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬بطاقات الئتمان» ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫ونظرا لهمية هذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته والتعرف إلى‬
‫جميع الراء فيه‪،‬‬
‫قرر ‪:‬‬
‫أن تقوم المانة العامة للمجمع باستكتاب المزيد من البحوث فيه ليتمكن مجلس المجمع من اتخاذ‬
‫القرار المناسب في دورة قادمة‪.‬‬
‫وال الموفق‪.‬‬
‫قرار رقم‪/10/83 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫السر في المهن الطبية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬السر في المهن الطبية»‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أ ـ السر‪ :‬هو ما يفضي به النسان إلى آخر مستكتما إياه من قبل أو من بعد‪ ،‬ويشمل ما حفت‬
‫به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه‪ ،‬كما يشمل خصوصيات النسان‬
‫وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس‪.‬‬
‫ب ـ السر‪ :‬أمانة لدى من استودع حفظه‪ ،‬التزاما بما جاءت به الشريعة السلمية وهو ما تقضي به‬
‫المروءة وآداب التعامل‪.‬‬
‫ج ـ الصل حظر إفشاء السر‪ .‬وإفشاؤه بدون مقتض معتبر موجب للمؤاخذة شرعا‪ .‬د ـ يتأكد‬
‫واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل‪ ،‬كالمهن‬
‫الطبية‪ ،‬إذ يركن إلى هؤلء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون فيفضون إليهم بكل ما يساعد‬
‫على حسن أداء هذه المهام الحيوية‪ ،‬ومنها أسرار ل يكشفها المرء لغيرهم حتى القربين إليه‪.‬‬

‫( ‪)7/190‬‬
‫‪ - 2‬تستثنى من وجوب كتمان السر حالت يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة‬
‫لصاحبه‪ ،‬أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه‪ ،‬وهذه الحالت على ضربين‪:‬‬
‫أ ـ حالت يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة ارتكاب أهون الضررين لتفويت أشدهما‪ ،‬وقاعدة‬
‫تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه‪.‬‬
‫وهذه الحالت نوعان‪:‬‬
‫ـ ما فيه درء مفسدة عن المجتمع‪.‬‬
‫ـ وما فيه درء مفسدة عن الفرد‪.‬‬
‫ب ـ حالت يجوز فيها إفشاء السر لما فيه‪:‬‬
‫ـ جلب مصلحة للمجتمع‪.‬‬
‫ـ أو درء مفسدة عامة‪.‬‬
‫وهذه الحالت يجب اللتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل‬
‫والنسل والمال‪.‬‬
‫ج ـ الستثناءات بشأن مواطن وجوب الفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في نظام مزاولة‬
‫المهن الطبية وغيره من النظمة‪ ،‬موضحة ومنصوصا عليها على سبيل الحصر‪ ،‬مع تفصيل كيفية‬
‫الفشاء‪ ،‬ولمن يكون‪ ،‬وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن‪.‬‬
‫‪ - 3‬يوصي المجمع نقابات المهن الطبية ووزارات الصحة وكليات العلوم الصحية بإدراج هذا‬
‫الموضوع ضمن برامج الكليات والهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال بهذا الموضوع‪ .‬ووضع‬
‫المقررات المتعلقة به‪ ،‬مع الستفادة من البحاث المقدمة في هذا الموضوع‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫قرار رقم‪/11/84 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫أخلق الطبيب‪ :‬مسؤوليته وضمانه‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬أخلقيات الطبيب‪ :‬مسؤوليته‬
‫وضمانه»‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫( ‪)7/191‬‬

‫‪ - 1‬تأجيل إصدار قرار في موضوع أخلقيات الطبيب‪ :‬مسؤوليته وضمانه وموضوع التداوي‬
‫بالمحرمات‪ ،‬والنظر في دستور المهنة الطبية المعد من المنظمة السلمية للعلوم الطبية بالكويت ‪،‬‬
‫والطلب إلى المانة العامة لستكتاب المزيد من البحاث في تلك الموضوعات لعرضها في دورة‬
‫قادمة للمجمع‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬قرار رقم‪/12/85 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫مداواة الرجل للمرأة‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪(:‬مداواة الرجل للمرأة)‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر‬
‫ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة‪ ،‬فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم‪ ،‬وإن لم يتوافر طبيب‬
‫مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم‪ .‬على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في‬
‫تشخيص المرض ومداواته وأل يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته‪ ،‬وأن تتم معالجة‬
‫الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة‪.‬‬
‫‪ - 2‬يوصي المجمع أن تولي السلطات الصحية جل جهدها لتشجيع النساء على النخراط في مجال‬
‫العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها‪ ،‬وخاصة أمراض النساء والتوليد‪ ،‬نظرا لندرة النساء في‬
‫هذه التخصصات الطبية‪ ،‬حتى ل نضطر إلى قاعدة الستثناء‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬قرار رقم‪/13/86 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز )‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬مرض نقص المناعة المكتسب‬
‫(اليدز) »‬
‫وبعد استماعها إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬

‫( ‪)7/192‬‬

‫‪ - 1‬بما أن ارتكاب فاحشتي الزنا واللواط أهم سبب للمراض الجنسية التي أخطرها اليدز (متلزمة‬
‫العوز المناعي المكتسب) ‪ ،‬فإن محاربة الرذيلة وتوجيه العلم والسياحة وجهة صالحة تعتبر عوامل‬
‫مهمة في الوقاية منها‪ .‬ول شك أن اللتزام بتعاليم السلم الحنيف ومحاربة الرذيلة وإصلح أجهزة‬
‫العلم ومنع الفلم والمسلسلت الخليعة ومراقبة السياحة تعتبر من العوامل الساسية للوقاية من‬
‫هذه المراض‪.‬‬
‫ويوصي مجلس المجمع الجهات المختصة في الدول السلمية باتخاذ كافة التدابير للوقاية من اليدز‬
‫ومعاقبة من يقوم بنقل اليدز إلى غيره متعمدا‪ .‬كما يوصي حكومة المملكة العربية السعودية بمواصلة‬
‫تكثيف الجهود لحماية ضيوف الرحمن واتخاذ ما تراه من إجراءات كفيلة بوقايتهم من احتمال الصابة‬
‫بمرض اليدز‪.‬‬
‫‪ - 2‬في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض‪ ،‬فإن عليه أن يخبر الخر وأن يتعاون معه في‬
‫إجراءات الوقاية كافة‪.‬‬
‫ويوصي المجمع بتوفير الرعاية للمصابين بهذا المرض‪ .‬ويجب على المصاب أو حامل الفيروس أن‬
‫يتجنب كل وسيلة يعدي بها غيره‪ ،‬كما ينبغي توفير التعليم للطفال الذين يحملون فيروس اليدز‬
‫بالطرق المناسبة‪.‬‬
‫‪ - 3‬يوصي مجلس المجمع المانة العامة باستكتاب الطباء والفقهاء في الموضوعات التالية‪،‬‬
‫لستكمال البحث فيها وعرضها في دورات قادمة‪:‬‬
‫أ ـ عزل حامل فيروس اليدز ومريضه‪.‬‬
‫ب ـ موقف جهات العمل من المصابين باليدز‪.‬‬
‫ج ـ إجهاض المرأة الحامل المصابة بفيروس اليدز‪.‬‬
‫د ـ إعطاء حق الفسخ لمرأة المصاب بفيروس اليدز‪.‬‬
‫هـ ـ هل تعتبر الصابة بمرض اليدز من قبيل مرض الموت من حيث تصرفات المصاب؟‬
‫و ـ أثر إصابة الم باليدز على حقها في الحضانة‪.‬‬
‫ز ـ ما الحكم الشرعي فيمن تعمد نقل مرض اليدز إلى غيره؟‬
‫ح ـ تعويض المصابين بفيروس اليدز عن طريق نقل الدم أو محتوياته أو نقل العضاء‪.‬‬
‫ط ـ إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لتجنب مخاطر المراض المعدية وأهمها اليدز‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫قرار رقم‪/14/87 :‬د ‪8‬‬
‫بشأن‬
‫تنظيم استكتاب البحاث ومناقشتها في دورات المجمع‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سري بجاون‪ ،‬بروناي دار‬
‫السلم من ‪ 1‬إلى ‪ 7‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪ 27 - 21‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على قواعد النشر لبحاث المجمع‪ ،‬والشروط المطلوب توافرها في البحوث‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى الملبسات التي تحصل في عملية الستكتاب وتحديد أجل معين لتسلم البحاث‬
‫بحيث تتمكن المانة العامة للمجمع من تقويم البحوث في ضوء قواعد النشر المشار إليها‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬في حالة انتهاء الجل المحدد لتلقي البحوث يحق للمانة العامة القتصار على البحاث الواردة‬
‫خلل الجل دون أي التزام تجاه ما تأخر عنه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ل تستقبل المانة العامة للمجمع أي بحوث يتطوع أصحابها بإعدادها دون استكتاب من المانة‬
‫العامة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تقتصر المناقشة في الدورة القادمة على من تمت استضافتهم من أعضاء المجمع وخبرائه‬
‫وباحثيه‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)7/193‬‬

‫قرارات وتوصيات الدورة التاسعة لمجمع الفقه السلمي في أبو ظبي‬


‫‪ 6 - 1‬من ذي القعدة ‪ 1415‬هـ‬
‫‪ 6 - 1‬من نيسان ( أبريل ) ‪1995‬م‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على‬
‫سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه‬
‫قرار رقم‪/ 1/88 :‬د ‪ 9‬بشأن‬
‫« تجارة الذهب‪ ،‬الحلول الشرعية لجتماع الصرف والحوالة »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬تجارة الذهب‪ ،‬الحلول الشرعية‬
‫لجتماع الصرف والحوالة » ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر أولً بشأن تجارة الذهب مايلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة‪ ،‬على أن يتم التقابض بالمجلس‪.‬‬

‫( ‪)7/194‬‬

‫ب‪-‬تأكيد ماذهب إليه عامة الفقهاءمن عدم جوازمبادلة الذهب المصوغ بذهب مصوغ أكثر مقدارا‬
‫منه‪ ،‬لنه ل عبرة في مبادلة الذهب بالذهب بالجودة أو الصياغة‪ ،‬لذا يرى المجمع عدم الحاجة للنظر‬
‫في هذه المسألة‪ ،‬مراعاة لكون هذه المسألة‪ ،‬لم يبق لها مجال في التطبيق العملي‪ ،‬لعدم التعامل‬
‫بالعملت الذهبية بعد حلول العملت الورقية محلها‪ ،‬وهي إذا قوبلت بالذهب تعتبر جنسا آخر‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬تجوز المبادلة بين مقدار من الذهب ومقدار آخر أقل منه مضموم إليه جنس آخر‪ ،‬وذلك على‬
‫اعتبار أن الزيادة في أحد العوضين مقابلة بالجنس الخر في العوض الثاني‪.‬‬
‫د ‪ -‬بما أن المسائل التالية تحتاج إلى مزيد من التصورات والبحوث الفنية والشرعية عنها‪ ،‬فقد أرجئ‬
‫اتخاذ قرارات فيها‪ ،‬بعد إثبات البيانات التي يقع بها التمييز بينها وهي‪:‬‬
‫‪ -‬شراء أسهم شركة تعمل في استخراج الذهب أو الفضة‪.‬‬
‫‪ -‬تملّك وتمليك الذهب من خلل تسليم وتسلّم شهادات‪ ،‬تمثّل مقادير معينة منه‪ ،‬موجودة في خزائن‬
‫مصدّر الشهادات‪ ،‬بحيث يتمكن بها من الحصول على الذهب‪ ،‬أو التصرف فيه متى شاء‪.‬‬
‫قرر ثانيا بشأن الحلول الشرعية لجتماع الصرف والحوالة مايلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الحوالت التي تقدم مبالغها بعملة ما‪ ،‬ويرغب طالبها تحويلها بالعملة نفسها جائزة شرعا‪ ،‬سواء‬
‫أكان بدون مقابل أم بمقابل في حدود الجر الفعلي‪ ،‬فإذا كانت بدون مقابل‪ ،‬فهي من قبيل الحوالة‬
‫المطلقة عند من لم يشترط مديونية المحال إليه‪ ،‬وهم الحنفية‪ ،‬وهي عند غيرهم سفتجة‪ ،‬وهي إعطاء‬
‫شخص مالً لخر لتوفيته للمعطي أو لوكيله في بلد آخر‪ .‬وإذا كانت بمقابل فهي وكالة بأجر‪ ،‬وإذا‬
‫كان القائمون بتنفيذ الحوالت يعملون لعموم الناس‪ ،‬فإنهم ضامنون للمبالغ‪ ،‬جريا على تضمين الجير‬
‫المشترك‪.‬‬

‫( ‪)7/195‬‬

‫ب‪-‬إذا كان المطلوب في الحوالة دفعهابعملة مغايرة للمبالغ المقدمة من طالبها‪ ،‬فإن العملية تتكون من‬
‫صرف وحوالة بالمعنى المشار إليه في الفقرة (أ) ‪ ،‬وتجري عملية الصرف قبل التحويل‪ ،‬وذلك بتسليم‬
‫العميل المبلغ للبنك‪ ،‬وتقييد البنك له في دفاتره بعد التفاق على سعر الصرف المثبت في المستند‬
‫المسلّم للعميل‪ ،‬ثم تجري الحوالة بالمعنى المشار إليه‪.‬‬
‫قرار رقم‪/ 2/89 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « السلم وتطبيقاته المعاصرة »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬السلم وتطبيقاته المعاصرة » ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر أولً بشأن ( السلم ) مايلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل مايجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت دينا في‬
‫الذمة‪ ،‬سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم‪ ،‬إما بتاريخ معين‪ ،‬أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع‪ ،‬ولو كان‬
‫ميعاد وقوعه يختلف اختلفا يسيرا‪ ،‬ل يؤدي للتنازع كموسم الحصاد‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬الصل تعجيل قبض رأسمال السلم في مجلس العقد‪ ،‬ويجوز تأخيره ليومين أو ثلثة ولو‬
‫بشرط‪ ،‬على أن لتكون مدة التأخير مساوية‪ ،‬أو زائدة عن الجل المحدد للسلم‪ .‬د ‪ -‬ل مانع شرعا‬
‫من أخذ المسلم ( المشتري ) رهنا أو كفيلً من المسلَم إليه (البائع)‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬يجوز للمسلم (المشتري) مبادلة المسلم فيه بشيء آخر ‪ -‬غير النقد ‪ -‬بعد حلول الجل‪ ،‬سواء‬
‫كان الستبدال بجنسه أم بغير جنسه‪ .‬حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ول إجماع‪ ،‬وذلك بشرط‬
‫أن يكون البدل صالحا لن يجعل مسلما فيه برأس مال السلم‪.‬‬

‫( ‪)7/196‬‬
‫و ‪ -‬إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الجل‪ ،‬فإن المسلم (المشتري) يخير بين‬
‫النتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله‪ ،‬وإذا كان عجزه عن إعسار‪ ،‬فنظِرة‬
‫إلى ميسرة‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ليجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه‪ ،‬لنه عبارة عن دين‪ ،‬وليجوز اشتراط‬
‫الزيادة في الديون عند التأخير‪.‬‬
‫ح ‪ -‬ليجوز جعل الدين رأس مال للسلم؛ لنه من بيع الدين بالدين‪.‬‬
‫قرر ثانيا بشأن ( التطبيقات المعاصرة للسلم )‪:‬‬
‫يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في القتصاد السلمي وفي نشاطات‬
‫المصارف السلمية‪ ،‬من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة‪ ،‬سواء أكان تمويلً‬
‫قصير الجل أم متوسطة أم طويلة‪ ،‬واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملء‪ ،‬سواء‬
‫أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار‪ ،‬واستجابتها لتمويل نفقات‬
‫التشغيل والنفقات الرأسمالية الخرى‪.‬‬
‫ولهذا تعددت مجالت تطبيق عقد السلم‪ ،‬ومنها مايلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة‪ ،‬حيث يتعامل المصرف السلمي مع‬
‫المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم‪ ،‬أو محاصيل غيرهم التي‬
‫يمكن أن يشتروها ويسلّموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم‪ ،‬فَ ُيقَدّم ُ لهم بهذا التمويل نفعا بالغا‪،‬‬
‫ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي‪ ،‬ولسيما تمويل المراحل‬
‫السابقة لنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة‪ ،‬وذلك بشرائها سَلَما‪ ،‬وإعادة تسويقها بأسعار‬
‫مجزية‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين‪ ،‬عن‬
‫طريق إمدادهم بمستلزمات النتاج في صورة معدات وآلت أو مواد أولية كرأس مال سلم‪ ،‬مقابل‬
‫الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها‪.‬‬

‫( ‪)7/197‬‬

‫ويوصي المجلس باستكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة‪.‬‬
‫قرار رقم‪ / 3 / 90 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « الودائع المصرفية ( حسابات المصارف ) »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬الودائع المصرفية ( حسابات‬
‫المصارف ) » ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬الودائع تحت الطلب ( الحسابات الجارية ) سواء أكانت لدى البنوك السلمية أو البنوك‬
‫الربوية‪ :‬هي قروض بالمنظور الفقهي‪ ،‬حيث إن المصرف المتسلّم لهذه الودائع يده يد ضمان لها‪،‬‬
‫وهو ملزم شرعا بالرد عند الطلب‪ .‬وليؤثر على حكم القرض كون البنك ( المقترض) مليئا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الودائع التي تدفع لها فوائد‪ ،‬كما هو الحال في البنوك الربوية‪ :‬هي قروض ربوية محرمة‪ ،‬سواء‬
‫أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع لجل‪ ،‬أم الودائع بإشعار‪ ،‬أم‬
‫حسابات التوفير‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليا بأحكام الشريعة السلمية بعقد استثماري على حصة من‬
‫الربح‪ :‬هي رأس مال مضاربة‪ ،‬وتطبق عليها أحكام المضاربة ( القراض ) في الفقه السلمي التي‬
‫منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬إن الضمان في الودائع تحت الطلب ( الحسابات الجارية ) هو على المقترضين لها‬
‫( المساهمين في البنوك ) ماداموا ينفردون بالرباح المتولدة من استثمارها‪ ،‬وليشترك في ضمان تلك‬
‫الحسابات الجارية المودعون في حسابات الستثمار‪ ،‬لنهم لم يشاركوا في اقتراضها ول استحقاق‬
‫أرباحها‪.‬‬

‫( ‪)7/198‬‬

‫رابعا ‪ -‬إن رهن الودائع جائز‪ ،‬سواء أكانت من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع‬
‫الستثمارية‪ ،‬وليتم الرهن على مبالغها إل بإجراء يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة‬
‫الرهن‪ .‬وإذا كان البنك الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن‪ ،‬لزم نقل المبالغ إلى حساب‬
‫استثماري‪ ،‬بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض ( المضاربة ) ويستحق أرباح‬
‫الحساب صاحبه تجنبا لنتفاع المرتهن ( الدائن ) بنماء الرهن‪.‬‬
‫خامسا ‪ -‬يجوز الحجز من الحسابات إذا كان متفقا عليه بين البنك والعميل‪ .‬سادسا ‪ -‬الصل في‬
‫مشروعية التعامل‪ :‬المانة والصدق بالفصاح عن البيانات بصورة تدفع اللبس أو اليهام‪ ،‬وتطابق‬
‫الواقع‪ ،‬وتنسجم مع المنظور الشرعي‪ ،‬ويتأكد ذلك بالنسبة للبنوك تجاه مالديها من حسابات لتصال‬
‫عملها بالمانة المفترضة ودفعا للتغرير بذوي العلقة‪.‬‬
‫قرار رقم‪/ 4 / 91 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « الستثمار في السهم والوحدات الستثمارية »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث الثلثة الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬الستثمار في السهم‬
‫والوحدات الستثمارية » التي تبين منها أن الموضوع تضمن بين عناصره مسألة شراء أسهم‬
‫الشركات التي غرضها وأنشطتها الساسية مشروعة‪ ،‬لكنها تقترض أو تودع أموالها بالفائدة‪ ،‬وهي لم‬
‫يقع البتّ في أمرها‪ ،‬بالرغم من عقد ندوتين لبحثها‪ ،‬وصدور قرار مبدئي فيها للمجمع في دورته‬
‫السابعة‪ ،‬ثم قرار لحق في دورته الثامنة بأن تقوم المانة العامة باستكتاب المزيد من البحوث في هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬ليتمكن من اتخاذ القرار المناسب في دورة قادمة‪.‬‬

‫( ‪)7/199‬‬

‫وبعد الشروع في المناقشات التي دارت حوله‪ ،‬تبين أن الموضوع يحتاج إلى الدراسات المتعددة‬
‫المعمّقة‪ ،‬لوضع الضوابط المتعلقة بهذا النوع من الشركات الذي هو الكثر وقوعا داخل البلد‬
‫السلمية وخارجها‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬تأجيل النظر في هذا الموضوع على أن يعدّ فيه مزيد من الدراسات والبحاث بخصوصه‪،‬‬
‫وتستوعب فيه الجوانب الفنية والشرعية‪ .‬وذلك ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار المناسب فيه حسب‬
‫توصية الدورة الثامنة (قرار ‪/8/81‬د ‪.)8‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الستفادة مما تضمنته البحاث الثلثة عن الصناديق والصدارات الستثمارية لعداد اللئحة‬
‫الموصى بوضعها في القرار (‪ )5‬للدورة الرابعة (بند أولً ‪ 2/‬في العنصر الرابع)‪.‬‬
‫قرار رقم‪/5/92 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « المناقصات »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6 - 1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحثين الواردين إلى المجمع بخصوص موضوع‪« :‬المناقصات» ‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫وجريا على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في كل موضوع لستقصاء التصورات‬
‫الفنية له‪ ،‬واستيعاب التجاهات الفقهية فيه‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬تأجيل إصدار القرار الخاص بالنقاط التي درست في هذا الموضوع‪ ،‬نظرا لهميته‪ ،‬وضرورة‬
‫استكمال بحث جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلته‪ ،‬والتعرف على جميع الراء فيه‪ ،‬واستيفاء‬
‫المجالت التي تجري المناقصات من أجلها‪ ،‬ولسيما ماهو حرام منها كالوراق المالية الربوية‬
‫وسندات الخزانة‪ .‬ثانيا ‪ -‬أن يقوم أعضاء المجمع وخبراؤه بموافاة المانة العامة ‪ -‬قبل انتهاء الدورة‬
‫إن أمكن أو خلل فترة قريبة بعدها ‪ -‬بما لديهم من نقاط فنية أو شرعية تتعلق بموضوع «‬
‫المناقصات » سواء تعلقت بالجراءات‪ ،‬أم بالصيغ والعقود التي تقام المناقصة لبرامها‪.‬‬

‫( ‪)7/200‬‬

‫ثالثا ‪ -‬استكتاب أبحاث أخرى في موضوع ( المناقصات ) يسهم فيها أهل الخبرات الفنية والفقهية‬
‫والعملية في هذا الموضوع‪.‬‬
‫قرار رقم‪/ 6 /93 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « قضايا العملة »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬قضايا العملة » ‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دلت على أن هناك اتجاهات عديدة بشأن معالجة حالت التضخم‬
‫الجامح الذي يؤدي إلى النهيار الكبير للقوة الشرائية لبعض العملت منها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن تكون هذه الحالت الستثنائية مشمولة أيضا بتطبيق قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة‪،‬‬
‫ونصه « العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ماهي بالمثل وليس بالقيمة؛ لن الديون تقضى بأمثالها‪،‬‬
‫فل يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيا كان مصدرها بمستوى السعار » ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يطبق في تلك الحوال الستثنائية مبدأ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة (مراعاة القوة الشرائية‬
‫للنقود )‪ .‬جـ ‪ -‬أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب ( مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند‬
‫نشوء اللتزام )‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يؤخذ في مثل هذه الحالت بمبدأ الصلح الواجب‪ ،‬بعد تقرير أضرار الطرفين ( الدائن والمدين‬
‫)‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العرض والطلب في السوق‪ ،‬وبين تخفيض الدولة‬
‫عملتها‪ ،‬بإصدار قرار صريح في ذلك‪ ،‬بما قد يؤدي إلى تغير اعتبار قيمة العملت الورقية التي‬
‫أخذت قوتها بالعتبار والصطلح‪.‬‬
‫و ‪ -‬التفرقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود الذي يكون ناتجا عن سياسات تتبناها الحكومات‪ ،‬وبين‬
‫النخفاض الذي يكون بعوامل خارجية‪.‬‬
‫ز ‪ -‬الخذ في هذه الحوال الستثنائية بمبدأ ( وضع الجوائح ) الذي هو من قبيل مراعاة الظروف‬
‫الطارئة‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه التجاهات المتباينة المحتاجة للبحث والتمحيص‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬

‫( ‪)7/201‬‬

‫أولً ‪ -‬أن تعقد المانة العامة للمجمع ‪ -‬بالتعاون مع إحدى المؤسسات المالية السلمية ‪ -‬ندوة‬
‫متخصصة يشارك فيها عدد من ذوي الختصاص في القتصاد والفقه‪ ،‬وتضم بعض أعضاء وخبراء‬
‫المجمع‪ ،‬وذلك للنظر في الطريق القوم والصلح الذي يقع التفاق عليه للوفاء بما في الذمة من‬
‫الديون واللتزامات في الحوال الستثنائية المشار إليها أعله‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬أن يشتمل جدول الندوة على‪:‬‬
‫أ ‪ -‬دراسة ماهية التضخم وأنواعه وجميع التصورات الفنية المتعلقة به‪.‬‬
‫ب ‪ -‬دراسة آثار التضخم القتصادية والجتماعية وكيفية معالجتها اقتصاديا‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬طرح الحلول الفقهية لمعالجة التضخم من مثل ماسبقت الشارة إليه في ديباجة القرار‪ .‬ثالثا ‪-‬‬
‫ترفع نتائج الندوة ‪ -‬مع أوراقها ومناقشاتها ‪ -‬إلى مجلس المجمع في الدورة القادمة‪.‬‬
‫قرار رقم‪ / 7 /94 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) والحكام الفقهية المتعلقة به »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ ‪ ،‬الموافق ‪ 6 - 1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬مرض نقص المناعة المكتسب‬
‫( اليدز ) والحكام المتعلقة به » ‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫اعتبر الموضوعات المطروحة على الدورة ذات صبغتين‪:‬‬
‫الولى تناولت الجوانب الطبية لمرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) من حيث أسبابه وطرق‬
‫انتقاله وخطورته‪.‬‬
‫والثانية تناولت الجوانب الفقهية‪ ،‬وتشتمل هذه على‪:‬‬
‫‪ - 1‬حكم عزل مريض نقص المناعة المكتسب ( اليدز )‪.‬‬
‫‪ - 2‬حكم تعمد نقل العدوى‪.‬‬
‫‪ - 3‬حقوق الزوج المصاب وواجباته‪.‬‬
‫أ ‪ -‬حكم إجهاض الم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حكم حضانة الم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) لوليدها السليم وإرضاعه‪.‬‬

‫( ‪)7/202‬‬

‫جـ‪ -‬حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة‬
‫المكتسب ( اليدز )‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬حق المعاشرة الزوجية‪.‬‬
‫‪ - 4‬اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) مرض موت‪.‬‬
‫أولً ‪ -‬عزل المريض ‪:‬‬
‫تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري مرض نقص‬
‫المناعة المكتسب ( اليدز ) لتحدث عن طريق المعايشة أو الملمسة أو التنفس أو الحشرات أو‬
‫الشتراك في الكل والشرب أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام‪ ،‬ونحو ذلك من أوجه‬
‫المعايشة في الحياة اليومية العادية‪ ،‬وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬التصال الجنسي بأي شكل كان‪.‬‬
‫‪ - 2‬نقل الدم الملوث أو مشتقاته‪.‬‬
‫‪ - 3‬استعمال البر الملوثة‪ ،‬ولسيما بين متعاطي المخدرات‪ ،‬وكذلك أمواس الحلقة‪.‬‬
‫‪ - 4‬النتقال من الم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولدة‪.‬‬
‫وبناء على ماتقدم فإن عزل المصابين إذا لم تخش منه العدوى‪ ،‬عن زملئهم الصحاء غير واجب‬
‫شرعا‪ ،‬ويتم التصرف مع المرضى وفق الجراءات الطبية المعتمدة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬تعمد نقل العدوى ‪:‬‬
‫تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد‬
‫عمل محرم‪ ،‬ويعد من كبائر الذنوب والثام‪ ،‬كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية‪ ،‬وتتفاوت هذه العقوبة‬
‫بقدر جسامة الفعل وأثره على الفراد وتأثيره على المجتمع‪.‬‬
‫فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع‪ ،‬فعمله هذا يعد نوعا من الحرابة‬
‫والفساد في الرض‪ ،‬ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة ( سورة المائدة ‪-‬‬
‫آية ‪.) 33‬‬
‫وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد‪،‬‬
‫عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة‪ ،‬وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه‪.‬‬

‫( ‪)7/203‬‬

‫وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى‪ ،‬فإنه يعاقب‬
‫عقوبة تعزيرية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬إجهاض الم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز ) ‪:‬‬
‫نظرا لن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) إلى جنينها ل‬
‫تحدث غالبا إل بعد تقدم الحمل ( نفخ الروح في الجنين ) أو أثناء الولدة‪ ،‬فل يجوز إجهاض الجنين‬
‫شرعا‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬حضانة الم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) لوليدها السليم وإرضاعه ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الم‬
‫المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) لوليدها السليم‪ ،‬وإرضاعها له‪ ،‬شأنها في‬
‫ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية‪ ،‬فإنه لمانع شرعا من أن تقوم الم بحضانته ورضاعته مالم‬
‫يمنع من ذلك تقرير طبي‪ .‬خامسا ‪ -‬حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب‬
‫بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) ‪:‬‬
‫للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) مرض‬
‫ُمعْد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالتصال الجنسي‪.‬‬
‫سادسا ‪ -‬اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب ( اليدز ) مرض موت ‪:‬‬
‫يعد مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) مرض موت شرعا إذا اكتملت أعراضه‪ ،‬وأقعد المريض‬
‫عن ممارسة الحياة العادية‪ ،‬واتصل به الموت‪.‬‬
‫سابعا ‪ -‬حق المباشرة الزوجية ‪:‬‬
‫تؤجل لستكمال بحثها‪.‬‬
‫ويوصي مجلس المجمع بضرورة الستمرار على التأكد في موسم الحج من خلو الحجاج من‬
‫المراض الوبائية‪ ،‬وبخاصة مرض نقص المناعة المكتسب (اليدز) ‪.‬‬
‫قرار رقم ‪/ 8 / 95‬د ‪9‬‬
‫بشأن « مبدأ التحكيم في الفقه السلمي »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/204‬‬

‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬مبدأ التحكيم في الفقه السلمي‬
‫»‪.‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪ :‬أولً ‪ -‬التحكيم‪ :‬اتفاق بين طرفي خصومة معينة‪ ،‬على تولية من يفصل في منازعة‬
‫بينهما‪ ،‬بحكم ملزم‪ ،‬يطبق الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وهو مشروع‪ ،‬سواء أكان بين الفراد أم في مجال المنازعات الدولية‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬التحكيم‪ :‬عقد غير لزم لكل من الطرفين المحتكمين والحكَم‪ ،‬فيجوز لكل من الطرفين الرجوع‬
‫فيه مالم يشرع الحكَم في التحكيم‪ ،‬ويجوز للحكَم أن يعزل نفسه ‪ -‬ولو بعد قبوله ‪ -‬مادام لم يصدر‬
‫حكمه‪ ،‬وليجوز له أن يستخلف غيره دون إذن الطرفين‪ ،‬لن الرضا مرتبط بشخصه‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬ليجوز التحكيم في كل ماهو حق ل تعالى كالحدود‪ ،‬ول فيما استلزم الحكم ُفيه إثبات حكم أو‬
‫حكَم عليه‪ ،‬كاللعان‪ ،‬لتعلق حق الولد به‪ ،‬ول فيما ينفرد‬
‫نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن ل ولية لل َ‬
‫القضاء دون غيره بالنظر فيه‪.‬‬
‫فإذا قضى الحكَم فيما ليجوز فيه التحكيم‪ ،‬فحكمه باطل ولينفذ‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬يشترط في الحكَم بحسب الصل توافر شروط القضاء‪.‬‬
‫خامسا ‪ -‬الصل أن يتم تنفيذ حكم المُحكّم طواعية‪ ،‬فإن أبى أحد المحتكمين‪ ،‬عرض المر على‬
‫القضاء لتنفيذه‪ ،‬وليس للقضاء نقضه مالم يكن جورا بيّنا أو مخالفا لحكم الشرع‪.‬‬
‫سادسا ‪ -‬إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلمية يجوز احتكام الدول أو المؤسسات السلمية إلى‬
‫محاكم دولية غير إسلمية توصلً لما هو جائز شرعا‪.‬‬
‫سابعا ‪ -‬دعوة الدول العضاء في منظمة المؤتمر السلمي إلى استكمال الجراءات اللزمة لقامة‬
‫محكمة العدل السلمية الدولية‪ ،‬وتمكينها من أداء مهامها المنصوص عليها في نظامها‪ .‬قرار رقم‪:‬‬
‫‪ / 9 / 96‬د ‪9‬‬
‫بشأن « سدّ الذرائع »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/205‬‬

‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪ « :‬سد الذرائع » ‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬سدّ الذرائع أصل من أصول الشريعة السلمية‪ ،‬وحقيقته‪ :‬منع المباحات التي يتوصل بها إلى‬
‫مفاسد أو محظورات‪.‬‬
‫‪ - 2‬سدّ الذرائع ليقتصر على مواضع الشتباه والحتياط‪ ،‬وإنما يشمل كل مامن شأنه التوصل به‬
‫إلى الحرام‪.‬‬
‫‪ - 3‬سد الذرائع يقتضي منع الحيل إلى إتيان المحظورات أو إبطال شيء من المطلوبات الشرعية‪،‬‬
‫غير أن الحيلة تفترق عن الذريعة باشتراط وجود القصد في الولى دون الثانية‪.‬‬
‫‪ - 4‬والذرائع أنواع‪:‬‬
‫(الولى ) مجمع على منعها‪ :‬وهي المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أو‬
‫المؤدية إلى المفسدة قطعا أو كثيرا غالبا‪ ،‬سواء أكانت الوسيلة مباحة أم مندوبة أم واجبة‪ .‬ومن هذا‬
‫النوع العقود التي يظهر منها القصد إلى الوقوع في الحرام بالنص عليه في العقد‪( .‬والثانية ) مجمع‬
‫على فتحها‪ :‬وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة‪.‬‬
‫(والثالثة) مختلف فيها‪ :‬وهي التصرفات التي ظاهرها الصحة‪ ،‬لكن تكتنفها تهمة التوصل بها إلى‬
‫باطن محظور‪ ،‬لكثرة قصد ذلك منها‪.‬‬
‫‪ - 5‬وضابط إباحة الذريعة‪ :‬أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادرا‪ ،‬أو أن تكون مصلحة الفعل أرجح‬
‫من مفسدته‪.‬‬
‫وضابط منع الذريعة‪ :‬أن تكون من شأنها الفضاء إلى المفسدة ل محالة (قطعا) أو كثيرا‪ ،‬أو أن تكون‬
‫مفسدة الفعل أرجح مما قد يترتب على الوسيلة من المصلحة‪.‬‬
‫قرار رقم ‪ / 10 / 97 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « معلمة القواعد الفقهية »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6-1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد استحضار القرار المتخذ في الدورة الثالثة بإصدار معلمة القواعد الفقهية‪،‬‬

‫( ‪)7/206‬‬

‫وبعد اطلعه على المذكّرة المعدة من المانة العامة عن المشروع المتضمنة بيان محتويات المعلمة‪،‬‬
‫ومصادرها من الكتب المفردة للقواعد ومتعلقاتها أو المدونات الفقهية والصولية‪ ،‬والخطة العملية‬
‫المقترحة للشروع في إعداد المعلمة والنموذج المقترح للبطاقات المستخدمة في العداد‪ ،‬لضمان توفية‬
‫كل قاعدة حقها من البيانات‪ ،‬ومنهج إعداد المعلمة ومراحل العداد‪ ،‬مع تفصيل المرحلة الولى‬
‫والتجهيزات التقنية‪ ،‬باستخدام الحاسوب ( الكومبيوتر ) لختصار الوقت اللزم للعداد والتحقق من‬
‫الستقصاء والتناسق‪.‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬المضي في الخطوات التنفيذية لعداد معلمة القواعد الفقهية وفق المنهج المقترح من المانة‬
‫العامة بالتعاون مع اللجنة المكونة منها لهذا المشروع‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الستفادة من خدمات الحاسوب للطمئنان إلى استيعاب ماجاء في الكتب المتخصصة والكتب‬
‫الفقهية والصولية العامة‪ ،‬بصورة شاملة لكل من القواعد والضوابط والمقاصد العامة للتشريع‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬موافاة العضاء والخبراء المانة العامة في أقرب وقت بما يبدو لهم من ملحظات أو‬
‫مقترحات حول المرحلة الولى من العداد‪ ،‬للستفادة منها قبل الشروع في التكليف باستخراج‬
‫البيانات‪.‬‬
‫قرار رقم ‪/11/ 98 :‬د ‪9‬‬
‫بشأن « المراحل المنجزة من مشروع الموسوعة الفقهية القتصادية »‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبوظبي بدولة المارات العربية‬
‫المتحدة من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬ذي القعدة ‪1415‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 6 - 1‬أبريل ‪1995‬م‪.‬‬
‫بعد استحضار القرار المتخذ في الدورة الثالثة بإصدار الموسوعة الفقهية القتصادية‪.‬‬

‫( ‪)7/207‬‬

‫وبعد اطلعه على المذكرة المعدة من المانة العامة عن المشروع المتضمنة بيان الخطوات‬
‫والجراءات التي قامت بها المانة العامة في هذا الصدد من عقد جلسات عمل‪ ،‬وتشكيل لجنة فنية‬
‫لعداد الخطة التنفيذية‪ ،‬واستخلص قائمة بالموضوعات الساسية للموسوعة‪ ،‬وقد تضمنت المذكرة‬
‫الخطة التفصيلية بعدة زمر منها‪ ،‬مع الستكتاب المشترك للمختصين من القتصاديين والفقهاء في‬
‫موضوعات الزمرة الولى منها‪:‬‬
‫قرر مايلي ‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬مواصلة العمل في إنجاز الموسوعة الفقهية القتصادية وفق المنهج المعد من المانة العامة‬
‫بالتعاون مع اللجنة المكونة منها لهذا المشروع‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬العمل على نشر ماينجز من موضوعات الموسوعة طبعة تمهيدية ( كل بحث على حدة )‬
‫لوضع نماذج تساعد على النجاز‪ ،‬وتمكن المختصين من تقديم ملحظاتهم واقتراحاتهم بشأن هذا‬
‫الموضوع‪.‬‬
‫توصيات الندوة الثامنة للمنظمة السلمية للعلوم الطبية بالكويت‬
‫من ‪1415/12/24-22‬هـ الموافق لـ ‪1995/5/24-22‬م‬
‫استمرارا لمسيرة المنظمة السلمية للعلوم الطبية في تصديها للمشاكل الطبية والصحية من خلل‬
‫رؤية إسلمية والتي تمثلت في العديد من ندواتها المتتابعة‪.‬‬
‫ولما كانت الحاجة تدعو لستخدام الترقيع الجلدي وسبله لنقاذ حياة من يتعرض لحروق نسبتها‬
‫كبيرة‪ ،‬فقد رأت المنظمة أن تعرض هذا الموضوع في ندوتها التالية‪.‬‬
‫كما أن المنظمة رأت ضرورة بحث « المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء» نظرا للتوسع‬
‫الكبير في تكنولوجيا الغذاء والدواء واستخدام مواد فيها شبهة الحرمة والنجاسة‪.‬‬
‫فقد تم بفضل من ال وعونه عقد الندوة الثامنة‪ ،‬وموضوعها « رؤية إسلمية لبعض المشاكل‬
‫الصحية» وذلك بمشاركة الزهر الشريف‪ ،‬ومجمع الفقه السلميبجدة‪ ،‬والمكتب القليمي لمنظمة‬
‫الصحة العالمية بالسكندرية‪ ،‬ووزارة الصحة بدولة الكويت‪ ،‬وذلك في الفترة من ‪ 24-22‬من شهر‬
‫ذي الحجة ‪1415‬هـ الذي يوافقه ‪ 24-22‬من شهر مايو ‪1995‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/208‬‬

‫التوصيات الخاصة‬
‫أولً ‪ -‬الترقيع الجلدي ‪:‬‬
‫‪ -1‬للدمي مسلما وغير مسلم حرمة ذاتية‪ .‬وتكريم الدمي والحفاظ على حرمته مقصد من مقاصد‬
‫الشريعة‪ ،‬لذا فإن عمليات الترقيع الجلدي الجائزة بالشروط المبينة فيما يلي‪ ،‬ل تتنافى مع هذا المقصد‬
‫بل تحققه وترسخه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجلد عضو حي ينطبق عليه من حيث النقل ماينطبق على نقل العضاء وزرعها طبقا لما‬
‫قررته المجامع الفقهية‪.‬‬
‫‪ - 3‬عمليات الترقيع الجلدي برقعة من مصدر آدمي ربما تكون ضرورة شرعية تخضع في أحكامها‬
‫للشروط العامة للضرورة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الرقعة الجلدية المأخوذة من مصدر آدمي حي أو ميت‪ ،‬ذاتية ( من الشخص لنفسه)‪ ،‬أو مثلية‬
‫( من آدمي لدمي )‪ ،‬طاهرة شرعا‪.‬‬
‫‪ - 5‬يتوقف جواز عمليات الترقيع الجلدي برقعة من مصدر آدمي على توافر الشروط التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون الترقيع الجلدي هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لعلج المريض‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن ليتسبب نزع الجلد في حالة التبرع من الحي في ضرر يماثل ضرر المتبرع له أو يفوقه‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يبلغ نجاح عملية الترقيع حد غلبة الظن‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يكون الحصول على الجلد الدمي عن غير طريق البيع أو الكراه أو التغرير‪ ،‬ول مانع من‬
‫بذل المال من قبل المحتاج من أجل الحصول على الجلد اللزم إذا لم يجد متبرعا‪.‬‬
‫‪ - 6‬ال ّرقَع الجلدية المأخوذة من حيوان طاهر مذكىً حسب الشروط الشرعية مصدر يبيحه الشرع‪.‬‬
‫‪ - 7‬ال ّرقَع الجلدية المأخوذة من حيوان غير مأكول ( باستثناء الكلب والخنزير) يجوز الترقيع بها إن‬
‫ذكيّ تذكية شرعية‪.‬‬
‫‪ - 8‬الرقع الجلدية المأخوذة من الميتة أو من حيوان حي‪ ،‬نجسة ليجوز استخدامها إل عند‬
‫الضرورة‪.‬‬
‫‪ - 9‬الرقع الجلدية المأخوذة من الكلب أو الخنزير ليجوز استخدامها إل عند عدم وجود البديل الجائز‬
‫شرعا وعند الضرورة‪ ،‬شريطة أن تكون مؤقتة‪.‬‬
‫‪ - 10‬يجوز إنشاء بنك لحفظ الجلد الدمي مع مراعاة مايلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون البنك بيد الدولة أو هيئة مؤتمنة تحت إشراف الدولة‪.‬‬

‫( ‪)7/209‬‬

‫ب ‪ -‬أن يكون الختزان للجلود الدمية على قدر الحاجة الواقعية والمتوقعة‪.‬‬
‫ب الفضلت‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن تحترم قطع الجلد التي يستغنى عنها‪ ،‬فتدفن‪ ،‬ول تلقى في مص ّ‬
‫ثانيا ‪ -‬المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء ‪:‬‬
‫المبادئ العامة‬
‫‪ - 1‬يجب على كل مسلم اللتزام بأحكام الشريعة السلمية‪ ،‬وبخاصة في مجال الغذاء والدواء‪ ،‬وذلك‬
‫محقق لطيب مطعمه ومشربه وعلجه‪ ،‬وإن من رحمة ال بعباده‪ ،‬وتيسير سبيل التباع لشرعه‬
‫مراعاة حال الضرورة والحاجة العامة إلى مبادئ شرعية مقررة‪ ،‬منها‪ :‬أن الضرورات تبيح‬
‫المحظورات‪ ،‬وأن الحاجة تنزّل منزلة الضرورة مادامت متعينة‪ ،‬وأن الصل في الشياء الباحة مالم‬
‫يقم دليل معتبر على الحرمة‪ ،‬كما أن الصل في الشياء كلها الطهارة مالم يقم دليل معتبر على‬
‫النجاسة‪ .‬وليعتبر تحريم أكل الشيء أو شربه حكما بنجاسته شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬مادة الكحول غير نجسة شرعا‪ ،‬بناء على ماسبق تقريره من أن الصل في الشياء الطهارة‪،‬‬
‫سواء كان الكحول صرفا أم مخففا بالماء ترجيحا للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية‬
‫غير حسية‪ ،‬لعتبارها رجسا من عمل الشيطان‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فل حرج شرعا من استخدام الكحول طبيا كمطهر للجلد والجروح والدوات وقاتل للجراثيم‪،‬‬
‫أو استعمال الروائح العطرية ( ماء الكولونيا ) التي يستخدم الكحول فيها كمذيب للمواد العطرية‬
‫الطيارة‪ ،‬أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها‪ .‬ول ينطبق ذلك على الخمر لحرمة النتفاع‬
‫به‪.‬‬
‫‪ - 3‬لما كان الكحول مادة مسكرة فيحرم تناولها‪ ،‬وريثما يتحقق مايتطلع إليه المسلمون من تصنيع‬
‫أدوية ليدخل الكحول في تركيبها ولسيما أدوية الطفال والحوامل‪ ،‬فإنه ل مانع شرعا من تناول‬
‫الدوية التي تصنع حاليا ويدخل في تركيبها نسبة ضئيلة من الكحول‪ ،‬لغرض الحفظ‪ ،‬أو إذابة بعض‬
‫المواد الدوائية التي لتذوب في الماء على أل يستعمل الكحول فيها كمهدئ‪ ،‬وهذا حيث ليتوافر بديل‬
‫عن تلك الدوية‪.‬‬

‫( ‪)7/210‬‬

‫‪ - 4‬ليجوز تناول المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة من الخمور مهما كانت ضئيلة‪ ،‬ولسيما‬
‫الشائعة في البلد الغربية كبعض الشوكولته وبعض أنواع المثلجات ( اليس كريم‪ ،‬الجيلتي‪ ،‬البوظة‬
‫) وبعض المشروبات الغازية‪ ،‬اعتبارا للصل الشرعي في أن ما أسكركثيره فقليله حرام‪ ،‬ولعدم قيام‬
‫موجب شرعي استثنائي للترخيص فيها‪.‬‬
‫‪ - 5‬المواد الغذائية التي يستعمل في تصنيعها نسبة ضئيلة من الكحول لذابة بعض المواد التي‬
‫لتذوب بالماء من ملونات وحافظات وما إلى ذلك‪ ،‬يجوز تناولها لعموم البلوى ولتبخر معظم الكحول‬
‫المضاف أثناء تصنيع الغذاء‪.‬‬
‫‪ - 6‬المواد الغذائية التي يدخل شحم الخنزير في تركيبها دون استحالة عينه مثل بعض الجبان‬
‫وبعض أنواع الزيت والدهن والسمن والزبد وبعض أنواع البسكويت والشوكولته واليس كريم‪ ،‬هي‬
‫محرمة وليحل أكلها مطلقا‪ ،‬اعتبارا لجماع أهل العلم على نجاسة شحم الخنزير وعدم حل أكله‪،‬‬
‫ولنتفاء الضطرار إلى تناول هذه المواد‪.‬‬
‫‪ - 7‬النسولين الخنزيري المنشأ يباح لمرضى السكري التداوي به للضرورة بضوابطها الشرعية‪.‬‬
‫‪ - 8‬الستحالة التي تعني انقلب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها تحوّل المواد النجسة أو‬
‫المتنجسة إلى مواد طاهرة‪ ،‬وتحول المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعا‪.‬‬
‫وبناءً على ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الجيلتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره‪ :‬طاهر وأكله حلل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الصابون الذي ينتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصيرطاهرا بتلك الستحالة ويجوز‬
‫استعماله‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم طاهر‪ ،‬ويجوز تناوله‪.‬‬
‫د ‪ -‬المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير ليجوز استعمالها إل إذا‬
‫تحققت فيها استحالة الشحم وانقلب عينه‪ .‬أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة‪.‬‬
‫‪- 9‬المواد المخدرة محرمة ليحل تناولها إل لغرض المعالجة الطبية المتعينة‪ ،‬وبالمقادير التي يحددها‬
‫الطباء وهي طاهرة العين‪.‬‬
‫ول حرج في استعمال جوزة الطيب ونحوها في إصلح نكهة الطعام بمقادير قليلة لتؤدي إلى التفتير‬
‫أو التخدير‪.‬‬
‫التوصيات العامة‬
‫‪ - 1‬توصي الندوة بضرورة الستفادة من جلود وعظام الحيوانات المذكاة لستخراج مادة الجيلتين‬
‫التي تستخدم في الغذاء والدواء‪ ،‬وذلك حفاظا على الثروة الوطنية وتجنبا لشبهات استعمال مواد من‬
‫مصادر غير مقبولة شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬توصي الندوة المسؤولين في البلد السلمية بأن تراعى في الصناعة الدوائية والغذائية الشروط‬
‫والمواصفات المقبولة شرعا من حيث المواد الخام وطرق التحضير‪.‬‬
‫‪ - 3‬توصي اللجنة المسؤولين في البلد السلمية بإلزام الشركات المنتجة والمستوردة للمواد الغذائية‬
‫المحفوظة ببيان التركيب التفصيلي لجميع مقومات كل عبوة بشكل واضح وباللغة الوطنية‪.‬‬

‫( ‪)7/211‬‬

‫سمُ الخامِس‪ :‬الفقهُ العّام (‪)1‬‬


‫القِ ْ‬
‫يشتمل على ستة أبواب وهي ما يأتي‪:‬‬
‫الباب الول ‪ -‬الحدود الشرعية‬
‫الباب الثاني ‪ -‬التعزير‬
‫الباب الثالث ‪ -‬الجنايات وعقوباتها‪ :‬القصاص والديات‬
‫الباب الرابع ‪ -‬الجهاد وتوابعه‬
‫الباب الخامس ‪ -‬القضاء وطرق إثبات الحق‬
‫الباب السادس ‪ -‬نظام الحكم في السلم‬
‫البَاب الوَل‪ :‬الحدود الشّرعيّة‬
‫يشتمل هذا الباب على تمهيد وستة فصول وهي مايأتي‪:‬‬
‫الفصل الول ‪ -‬حد الزنا‬
‫الفصل الثاني ‪ -‬حد القذف‬
‫الفصل الثالث ‪ -‬حد السرقة‬
‫الفصل الرابع ‪ -‬حد الحرابة‬
‫سكْر‬
‫الفصل الخامس ‪ -‬حد الشّرْب وحد ال ّ‬
‫الفصل السادس ‪ -‬حد الردة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يراد بالفقه العام‪ :‬ماله صلة بالدولة إما بممارسة السلطة العامة على مواطنيها كالقضاء‪ ،‬وإما‬
‫بمباشرة علقاتها الدولية مع الدول الخرى أو مع غير المسلمين في دار السلم‪ ،‬ويقابله « الفقه‬
‫الخاص » الشامل علقات الفراد فيما بينهم أو بينهم وبين ال عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)7/212‬‬

‫تمهيد‬
‫هدفنا‪ :‬كلما نقب النسان في آفاق الفقه وكتب الفقهاء المسلمين‪ ،‬ازداد إيمانا بخلود شريعة السلم في‬
‫تنظيم الحياة‪ ،‬وسلمة الفكر السلمي‪ ،‬وعبقرية الفقهاء‪ ،‬وعظمة الفقه‪ ،‬الذي ل تقتصر أحكامه على‬
‫الدليل النقلي من القرآن والسنة فحسب‪ ،‬وإنما تتغلغل في أعماق الوجدان والعقل النساني لتجد لها ما‬
‫يؤيدها ويدعمها حتى اليوم‪ ،‬ويساندها من أجل التطبيق العملي‪ ،‬ويشد أزرها للنهوض من جديد في‬
‫حكم العلقات الجتماعية والمعاملت المتكررة يوميا بين الفراد‪ ،‬وفي العلقات الدولية أيضا‪.‬‬
‫والهدف من الخذ بأحكام السلم هو إقامة مجتمع إسلمي عزيز كريم نظيف آمن مطمئن‪ ،‬ل محل‬
‫فيه لعطاء الدنية أو الستسلم للعدو‪ ،‬ول قرار فيه للجريمة والفوضى‪ ،‬ول اعتبار للشذوذ‬
‫والنحراف‪ ،‬والفساد أو المنكر والمعصية‪ ،‬وذلك بقدر المكان‪ ،‬وضمن مبادئ السلم التي من أهمها‬
‫مبدأ الستر على المعصية الخفية غير المعلنة‪ ،‬ومبدأ درء الحدود ـ ل التعزيرات ـ بالشبهات‪.‬‬

‫( ‪)7/213‬‬

‫ومما يشدنا إلى إسلمنا بحق أن الناس جربوا في عصرنا المستورد من القوانين والنظمة‪ ،‬والفكار‬
‫والثقافات والمعارف المتعددة‪ ،‬المصطبغة كلها بصبغة مادية ضيقة أو بحتة‪ ،‬وآب الواعون في النهاية‬
‫إلى حظيرة السلم ليجدوا فيه الحل الفضل‪ ،‬بعد أن أفلست البضاعة المستوردة‪ ،‬في تقدم الفرد‬
‫والجماعة‪ ،‬وانكشف طلؤها المزيف بزيف الحضارة‪ ،‬التي أخذنا منها الساقط الحقير‪ ،‬وتركنا الجوهر‬
‫أو النافع المفيد‪ ،‬فنقم الناس على تلك النظمة والثقافات‪ ،‬لما أدت إليه من إفساد الضمائر والفكار‪،‬‬
‫وزرع الشك وعدم الثقة بالنفس‪ ،‬واهتزاز القيم والفضائل والخلق‪ ،‬ولم تفلح في النهاية إل في إبقائنا‬
‫ضعفاء عالة على الغير‪ ،‬مجهولي الهوية‪ ،‬ليست لنا ذاتية مستقلة‪ ،‬إسلما أو عروبة‪ ،‬شرقا أو غربا‪.‬‬
‫وبدافع قوي من الشعور أو اللشعور اتجه المجتمع إلى السلم ـ طريق الخلص‪ ،‬ولكنهم ظلوا في‬
‫فلك العبادات وحدها يعملون‪ ،‬فأصبحت نظم الحياة في جانب‪ ،‬والعبادة في جانب‪ ،‬فصاروا في‬
‫ازدواجية وترنح وتناقض‪ ،‬وحيرة وملل‪ ،‬واضطراب جديد أقل سوءا من البعد النهائي عن السلم‪.‬‬
‫ول نجاة من تلك الزدواجية إل بتطبيق كامل لشرعة ال في المعاملت والجنايات والحدود وغيرها‪،‬‬
‫وتغيير القوانين الوضعية‪ .‬وبالفعل برقت آمال في اتجاهات صادقة نحو قوانين الشريعة في دنيا‬
‫العرب والسلم لتطهير المجتمع من الرذيلة والنحراف‪ ،‬وإثبات الذات‪ ،‬ومعالجة شؤون الحياة بفكر‬
‫السلم السياسي والقتصادي والجتماعي والعسكري‪ ،‬ولتحطيم قيود الذل والهوان‪ ،‬ودحر العدوان‬
‫بمختلف أشكاله‪ ،‬ومحاربة الستغلل بكل أصنافه‪ ،‬والعتماد على النفس‪ ،‬وجمع المسلمين تحت راية‬
‫القرآن‪ ،‬وسنة الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬والفادة من فقه الشريعة الذي ل يخرج عن هذين‬
‫المصدرين‪.‬‬

‫( ‪)7/214‬‬

‫وأحسّ كل مسلم أن سبيل العزة‪ ،‬ورد العدوان‪ ،‬وتخليص الراضي والحقوق المغتصبة‪ ،‬هو بالنضمام‬
‫تحت راية الجهاد المقدس لعلء كلمة ال تعالى‪ ،‬على النحو الذي وُجد به العدو‪ ،‬وجمّع قواته‪ ،‬وقاتلنا‬
‫تحت شعار مذهبه العنصري البغيض‪.‬‬
‫ومعرفة أحكام العقود‪ ،‬كما بان سابقا‪ ،‬وتنظيم الجهاد في الفقه‪ ،‬وتفصيل الكلم عن الحدود والجنايات‪،‬‬
‫والقضاء السلمي العادل‪ ،‬ومبادئ الحكم السلمي‪ ،‬فرع من تلك الدوحة العظيمة والثروة الكبرى‬
‫لفقهنا الذي له من المكانة العالية عند كل رجال التشريع والفقه والقضاء في العالم‪.‬‬
‫ومع السف الشديد وصف بعض الجاهلين هذا الفقه الخصب بأنه «مجرد ركام» تأثرا منهم بحب‬
‫الغرب‪ ،‬وشعورا منهم بالنقص‪ ،‬وعدم الثقة بالنفس‪ ،‬وجهلً فاضحا بما تتطلبه الحياة من فرضيات‬
‫واحتمالت كثيرة موجودة في ظل تطبيق القوانين الحالية‪ ،‬ويحلو لهم بعدها التطفل على موائد الغرب‪،‬‬
‫وترديد ما قال ( المسيو فلن والمستر فلن ) متجاهلين أو تاركين عمدا ما قاله شيوخ السلم‬
‫العظام‪ ،‬الذين ما زالت أفكارهم ونظرياتهم وجهودهم مرقى العظماء‪ ،‬ومطمح العلماء‪ ،‬ومأوى‬
‫الفلسفة والمفكرين‪.‬‬
‫فإلى فقه السلم يا جيلنا‪ ،‬وإلى ثروته الخصبة‪ ،‬وإلى ينابيعه العذبة لتغترف منها ما تراه مناسبا‬
‫لعصرك‪ ،‬فال يسّر لك الطريق باختيار السمح السهل من الحكام‪ ،‬وزودك باليقين الصادق والعقل‬
‫الناضج والحس المرهف لخذ الصالح‪ ،‬وكشف الحق في مهاده‪ ،‬وقمع الباطل في وهاده‪ .‬وحينئذ تعلم‬
‫أن رفع راية السلم تتطلب تهيئة أرضية صلبة لها‪ ،‬من الواقع العملي المتمثل بالفقه السلمي‪،‬‬
‫والفكر السلمي‪ ،‬والدعوة السلمية البناءة؛ لن الدعوة ليست مجرد عاطفة تؤجج‪ ،‬أو هيكل فارغ‬
‫المضمون والمحتوى والمنهج‪ .‬وإعداد هذه الرضية إنما هو من أجل ضمان بقاء هذه الدعوة‪ ،‬حتى ل‬
‫تهتز أمام تحرك العواصف الهوجاء‪ ،‬أو تدابير العداء‪.‬‬

‫( ‪)7/215‬‬

‫ففي فقه السلم بكل مذاهبه إذن دليل على صلحية السلم للتطبيق في كل عصر‪ ،‬وطريق لتحقيق‬
‫تماسك الشخصية السلمية‪ ،‬فهو عامل بناء وتجميع وتوحيد ل تفريق وتمزيق كما يرى السطحيون‪،‬‬
‫وأما اختلف الفقهاء فليس إل في الفروع والجزئيات الجتهادية ل في الصول والغايات‪ ،‬لكن ما أشد‬
‫الحاجة حينئذ لعرض الفقه بأسلوب سهل حديث مدعم بالدليل الصحيح‪ ،‬لموازنة الراء الفقهية‪،‬‬
‫وتعرف سبل الترجيح بينها‪ ،‬أو اختيار الصلح المناسب للزمن منها‪.‬‬
‫وهذا ما حاولت فعله في إعداد هذا الكتاب‪ ،‬بعد بذل جهود ـ ال أعلم بها ـ لتحقيق كل رأي فقهي‪،‬‬
‫ومعرفة حكم كل مسألة في متاهات الكتب القديمة‪ ،‬رجاء تحقيق النفع به والفادة منه‪.‬‬
‫تعريف الحد ‪:‬‬
‫الحد في اللغة‪ :‬المنع‪ ،‬ولذا سمي البواب حدادا لمنعه الناس عند الدخول‪ ،‬وسميت العقوبات حدودا‪،‬‬
‫لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها‪ ،‬وحدود ال ‪ :‬محارمه؛ لنها ممنوعة‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬تلك حدود‬
‫ال فل تقربوها} [البقرة‪ ]187/2:‬وحدود ال أيضا‪ :‬أحكامه أي ما حده وقدره‪ ،‬فل يجوز أن يتعداه‬
‫النسان‪ ،‬وسميت حدودا؛ لنها تمنع عن التخطي إلى ما وراءها‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬تلك حدود ال فل‬
‫تعتدوها} [البقرة‪.]229/2:‬‬
‫والحد في الشرع في اصطلح الحنفية‪ :‬عقوبة مقدرة واجبة حقا ل تعالى‪ ،‬فل يسمى التعزير حدا؛‬
‫لنه ليس بمقدر‪ ،‬ول يسمى القصاص أيضا حدا؛ لنه وإن كان مقدرا‪ ،‬لكنه حق العباد‪ ،‬فيجري فيه‬
‫العفو والصلح‪ ،‬وسميت هذه العقوبات حدودا؛ لنها تمنع من الوقوع في مثل الذنب‪.‬‬
‫والمراد من كونها حقا ل تعالى‪ :‬أنها شرعت لصيانة العراض والنساب والموال والعقول والنفس‬
‫عن التعرض لها (‪ . )1‬غير أن بعض هذه الحدود كحد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط للسرخسي‪ 9 :‬ص ‪ ،36‬فتح القدير‪ 4 :‬ص ‪ ،112‬البدائع‪ 7 :‬ص ‪ ،33‬تبيين الحقائق‬
‫للزيلعي‪ 3 :‬ص ‪ ،163‬حاشية ابن عابدين‪ 3 :‬ص ‪ ،154‬مغني المحتاج‪ 4 :‬ص ‪.155‬‬
‫( ‪)7/216‬‬

‫الزنا وشرب الخمر حق خالص ل تعالى‪ ،‬أي حق للمجتمع‪ ،‬وبعضها الخر مثل حد القذف فيه حق ل‬
‫‪ ،‬وحق للعبد‪ ،‬أي أنه يشترك فيه الحق الشخصي والحق العام (‪. )1‬‬
‫والحد في اصطلح الجمهور غير الحنفية‪ :‬عقوبة مقدرة شرعا‪ ،‬سواء أكانت حقا ل أم للعبد‪.‬‬
‫والحدود أنواع‪ :‬حد الزنا وحد القذف وحد السرقة وحد الحرابة أو قطع الطريق وحد شرب الخمر‬
‫سكْر وحد القذف (‬
‫ونحوه‪ ،‬قال الحنفية‪ :‬الحدود خمسة‪ :‬وهي حد السرقة وحد الزنا وحد الشرب وحد ال ُ‬
‫‪ . )2‬أما قطع الطريق فهو داخل تحت مفهوم السرقة بالمعنى العم‪ ،‬ويضاف إليها لدى غير الحنفية‬
‫حدان آخران وهما حد القصاص وحد الردة‪،‬فيصبح مجموع الحدود سبعة في رأي هؤلء باعتبار أن‬
‫الحد هو عقوبة مقدرة حدها ال تعالى وقدرها‪ ،‬فل يجوز لحد أن يتجاوزها‪ ،‬وباعتبار أن الحد يشمل‬
‫في الصح ما كان من حقوق ال تعالى‪ ،‬وما كان من حقوق الناس‪ ،‬ومنها القصاص‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون لدينا اصطلحان في الحدود‪:‬‬
‫أولهما ـ مذهب الحنفية المشهور‪ :‬وهو تخصيص الحد بالعقوبة المقدرة المقررة حقا ل تعالى‪ ،‬أي‬
‫لصالح الجماعة‪ ،‬وهي خمسة أنواع ذكرتها‪ ،‬بإدخال حد الحرابة في حد السرقة‪ ،‬والتفرقة بين حد‬
‫الخمر (ماء العنب النيء المتخمر) وحد السكر للشربة المسكرة المتخذة من غير العنب كالشعير‬
‫والذرة والعسل ونحوها‪.‬‬
‫وثانيهما ـ مذهب الجمهور غير الحنفية‪ :‬وهو إطلق لفظ الحد على كل عقوبة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجريمة والعقوبة لستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة‪ :‬ص ‪ 64‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫( ‪)7/217‬‬

‫مقدرة‪ ،‬سواء أكانت مقررة رعاية لحق ال تعالى أم لحق الفراد‪ ،‬وهي سبعة أنواع‪ ،‬منها القصاص‬
‫وحد الردة‪.‬وسأذكر هذه النواع السبعة مبينا أن جرائم الحدود ثمانية‪ :‬وهي الزنا‪ ،‬والقذف‪ ،‬وشرب‬
‫المسكر‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والحرابة‪ ،‬والبغي‪ ،‬والردة‪ ،‬والقتل العمد الموجب للقصاص‪ ،‬على أساس أن‬
‫عقوباتها جميعا مقدرة شرعا‪.‬وقال ابن جزي المالكي (‪ : )1‬الجنايات أي الجرائم الموجبة للعقوبة‬
‫ثلث عشرة وهي‪ :‬القتل والجرح‪ ،‬والزنى‪ ،‬والقذف‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والبغي‪ ،‬والحرابة‪ ،‬والردة‪،‬‬
‫والزندقة‪ ،‬وسب ال ‪ ،‬وسب النبياء والملئكة‪ ،‬وعمل السحر‪ ،‬وترك الصلة والصيام‪.‬‬
‫ويلحظ أن الجناية هي الجريمة في اصطلح الفقه السلمي‪ .‬قال الماوردي (‪ : )2‬الجرائم‬
‫محظورات شرعية زجر ال تعالى عنها بحد أو تعزير‪ ،‬كما يلحظ أن عقوبة الزندقة والمذكور بعدها‬
‫هنا هي القتل‪ ،‬كعقوبة الردة‪ .‬وقد أفردت الجنايات ببحث مستقل؛ لن الكلم عنها لدى فقهائنا ل‬
‫يقتصر على ما يوجب القصاص الذي هو حدٌ عند الجمهور‪ ،‬وإنما يشمل بحث الديات والعتداء على‬
‫الحيوان‪ ،‬وكيفية التعويض عن الضرار الناجمة من سقوط الحائط أو البناء‪ ،‬وطرق إثبات الجناية‪.‬‬
‫الحكمة من تشريع الحدود ‪:‬‬
‫إن الحكمة من هذه الحدود أو العقوبات ‪ :‬هي زجر الناس وردعهم عن اقتراف تلك الجرائم‪ ،‬وصيانة‬
‫المجتمع عن الفساد‪ ،‬والتطهر من الذنوب‪ ،‬قال ابن تيمية‪« :‬من رحمة ال سبحانه وتعالى أن شرع‬
‫العقوبات في الجنايات الواقعة بين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،344‬ط فاس‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحكام السلطانية‪ :‬ص ‪.211‬‬

‫( ‪)7/218‬‬

‫الناس بعضهم على بعض في النفوس والبدان والعراض والموال والقتل والجراح والقذف‬
‫والسرقة‪ ،‬فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الحكام‪ ،‬وشرعها على‬
‫أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر‪ ،‬مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع‪ ،‬فلم‬
‫يشرع في الكذب قطع اللسان ول القتل‪ ،‬ول في الزنا الخصاء‪ ،‬ول في السرقة إعدام النفس‪ ،‬وإنما‬
‫شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته‪ ،‬ولطفه وإحسانه وعدله‪ ،‬لتزول‬
‫النوائب وتنقطع الطماع عن التظالم والعدوان‪ ،‬ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه‪ ،‬فل يطمع في‬
‫استلب غيره حقه» (‪. )1‬‬
‫وتطبيق الحدود يتطلب أمورا أربعة‪:‬‬
‫أولها ـ اليمان بالسلم عقيدة وشريعة ومنهاجا ‪.‬‬
‫وثانيها ـ تطبيق شريعة ال في جميع أحكامها السياسية والقتصادية والجتماعية‪.‬‬
‫وثالثها ـ الدراك العقلي والتجريبي بفائدة الحدود‪.‬‬
‫ورابعها ـ الحرص على مصلحة الجماعة وتفضيلها على مصلحة الفرد‪.‬‬
‫هل في قطع اليد تعذيب وقسوة وتنكيل؟ إن في تطبيق عقوبة القطع زجرا مناسبا للمجرم ولمثاله في‬
‫المجتمع‪ ،‬فهو رحمة بالناس عامة‪ ،‬وقد جاء في المذكرة اليضاحية لقانون حدي السرقة والحرابة رقم‬
‫‪ 148‬لسنة ‪1972‬م الصادر في ليبيا ما يأتي‪ :‬ولقد يحلو لبعض المرتابين والمتشككين أن يصفوا‬
‫عقوبة القطع (أي في حدي السرقة والحرابة) بأنها ل تتفق مع المدنية والتقدم‪ ،‬ويرمونها بالعنف‬
‫والغلظة‪ .‬وهؤلء يركزون النظر على شدة العقوبة ويتناسون فظاعة الجريمة وآثارها الخطيرة على‬
‫المجتمع‪ ،‬إنهم يتباكون على يد سارق أثيم تقطع‪ ،‬ول تهولهم جريمة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع رسالته في القياس‪ :‬ص ‪ ،85‬والسياسة الشرعية له‪ :‬ص ‪ ،98‬وانظر مثل ذلك في قواعد‬
‫الحكام للعز بن عبد السلم‪ 165-163/1 :‬ومثله أيضا قول ابن القيم في أعلم الموقعين‪،95/2 :‬‬
‫‪ 107‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)7/219‬‬

‫السرقة ومضاعفاتها الخطيرة‪ ،‬كم من جرائم ارتكبت في سبيل السرقة‪ ،‬كم من جرائم اعتداء على‬
‫الشخاص وإحداث عاهات جسام وقعت على البرياء بسبب السرقة‪ ،‬كم من أموال اغتصبت وثروات‬
‫سلبت وأناس تشردوا بسبب السطو على أموالهم ومصدر رزقهم‪ ،‬كل ذلك ل يخطر ببال المشفقين‬
‫على أيد قليلة في سبيل أمن المجموع واستقراره‪ ،‬فيكون الهدف من إقامة الحدود توفير سلمة‬
‫المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره ومنع كل ما يهدد المصالح الكبرى للمة‪.‬‬
‫أل يتساءل هؤلء‪ ،‬أيهما أهون على المجتمع‪ :‬أن تقطع يد أو يدان في كل عام‪ ،‬وتختفي السرقة‪ ،‬ول‬
‫تكاد تقطع يد بعد ذلك‪ ،‬ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم‪ ،‬أم يحبس ويسجن ويحكم‬
‫بالشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة في جريمة السرقة وحدها‪ ،‬في أغلب الدول‪ ،‬عشرات اللف كل‬
‫عام‪ ،‬ثم ل تنقضي السرقة‪ ،‬بل تزداد وتتنوع وتستفحل‪ ،‬فما زلنا نسمع عن مصارف بأسرها تسرق‪،‬‬
‫وقطارات تنهب في وضح النهار‪ ،‬وخزائن تسلب‪ ،‬وجرائم على الموال تصحبها جرائم على‬
‫الشخاص والعراض ل تقع تحت حصر‪ ،‬ول يكاد يلحقها علم ول فن ول سلطة‪.‬‬

‫( ‪)7/220‬‬

‫ثم إن الجرائم الخطيرة ل يفلح في صدها ومقاومة أخطارها إل عقوبات شديدة فعالة‪ ،‬فاسم العقوبة‬
‫مشتق من العقاب‪ ،‬ول يكون العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف‪ .‬والعقاب الناجح هو‬
‫ذلك الذي ينتصر على الجريمة‪ ،‬وليس ذلك الذي تنتصر عليه الجريمة‪ .‬ثم إن المشرعين الوضعيين لم‬
‫يستغلظوا عقوبة العدام بالنسبة إلى بعض الجرائم الخطيرة‪ ،‬وما من شك في أن هذه العقوبة أشد من‬
‫عقوبة القطع في السرقة والحرابة‪ ،‬فالعبرة إذن بالعقوبة المناسبة والفعالة في مقاومة الجريمة‪.‬‬
‫والحقيقة التي ل مراء فيها أن قطع يد سارق أو عدو معدود من السراق أهون كثيرا من ترك السرقة‬
‫ترتع في المجتمع تروع المنين بما تفضي إليه من العديد من الجرائم والمنكرات‪.‬‬
‫ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع السلمي عندما طبق الحدود‪ ،‬عاش آمنا مطمئنا على أمواله وأعراضه‬
‫ونظامه‪ ،‬حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لقامة الحد عليه‪ ،‬رغبة في تطهير نفسه‪ ،‬والتكفير عن‬
‫ذنبه‪ .‬وقد كانت الحجاز ـ بل وسائر الجزيرة العربية ـ مرتعا خصبا لشنع جرائم السرقة وقطع‬
‫الطريق‪ ،‬حتى على حجاج بيت ال الحرام رجالً ونساء‪ ،‬فلم يكن يعود إلى بلده منهم إل النزر اليسير‪.‬‬
‫فما أن طبقت الحجاز ـ أي الدولة السعودية ـ هذين الحدين حتى استتب المن وانقطعت السرقات‪،‬‬
‫وانهارت عصابات قطع الطريق‪ ،‬حتى أصبحت البلد مضرب المثل المستغرب في انقطاع دابر‬
‫جريمتي السرقة وقطع الطريق‪ ،‬بالرغم من أن ما قطع من اليدي منذ تطبيق الحدود ل يمثل إل عددا‬
‫ضئيلً جدا ل يوازي ما كان يقطعه قطاع الطريق من رقاب البرياء في هجمة واحدة‪ .‬ويذكر أن‬
‫عدد اليدي التي قطعت في المملكة السعودية ستة عشر يدا خلل أربعة وعشرين عاما‪.‬‬

‫( ‪)7/221‬‬

‫ومما تقدم جميعه يتضح أن القسوة التي تتسم بها عقوبة القطع في السرقة والحرابة‪ ،‬هي في الواقع‬
‫رحمة عامة بالمجتمع في مجموعه حتى يتخلص من شرور هاتين الجريمتين‪ ،‬وأخطارهما الوبيلة‪،‬‬
‫فإن التضحية بعدد محدود جدا من اليدي والرجل بالنسبة لناس آثمين خارجين على حكم ال ‪،‬‬
‫أهون كثيرا من ترك الجريمة تفتك بآلف البرياء في أرواحهم وأبدانهم وثرواتهم‪.‬‬
‫بل إن شدة العقوبة ذاتها رحمة بمن توسوس لهم أنفسهم بالجرام حيث تمنعهم تلك الشدة من القدام‬
‫على الجريمة‪ ،‬فتحول بينهم وبين التردي في مهاوي الجرام‪ ،‬فهي شدة في نطاق محدود‪ ،‬تفضي إلى‬
‫رحمة واسعة شاملة بالنسبة إلى المجتمع الواسع العريض‪ ،‬كيف ل‪ ،‬وشريعة السلم هي شريعة‬
‫الرحمة‪ ،‬أليس ال هو القائل‪{ :‬كتب ربكم على نفسه الرحمة} [النعام‪ ]54/6:‬وهو الرحمن الرحيم‬
‫حيث نذكر ال في كل وقت وحين‪ .‬والرسول يقول‪« :‬الراحمون يرحمهم الرحمن» (‪ ، )1‬بل أمرنا‬
‫بالشفقة على الحيوان‪ .‬وشريعة هذا شأنها ل يمكن أن تحمل أحكامها في الحدود على محمل الشدة‬
‫والقسوة‪ ،‬وإنما هي رحمة بالناس في مجموعهم‪ .‬والنظر إلى أثر الحدود على القلة التي تتعرض لها‬
‫دون نظر إلى أثرها في المجتمع ككل‪ ،‬هو نظر مقلوب ومعكوس‪ .‬ويكاد أن يكون نظرا مغرضا‬
‫ومريبا؛ لن العبرة بمصلحة الناس في مجموعهم‪ ،‬وليست بمصلحة مجرمين ثبت جرمهم‪ ،‬ولم يدرأ‬
‫عنهم الحد شبهة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والترمذي عن عبد ال بن عمرو بلفظ «الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من‬
‫في الرض يرحمكم من في السماء‪ ،‬والرحمة شجنة من الرحمن‪ ،‬فمن وصلها وصله ال ‪ ،‬ومن‬
‫قطعها قطعه ال » وشجنة‪ :‬عروق الشجر المشتبكة‪.‬‬

‫( ‪)7/222‬‬

‫ومع ذلك فل يغرب عن البال أن السلم حريص كل الحرص على أل يقام الحد‪ ،‬إل حيث يتبين على‬
‫وجه اليقين ثبوت ارتكاب الجرم‪ ،‬وذلك بتشدده في وسائل الثبات‪ .‬ثم إنه بعدئذ يدرأ الحد بالشبهات‪،‬‬
‫كل هذا تفاديا لتوقيع الحدود إل في حالت استثنائية محضة‪ ،‬ويكفي توقيعها في هاتيك الحالت حتى‬
‫يتحقق أثرها الفعال في منع الجريمة وتضييق الخناق عليها إلى أقصى حد ممكن‪ .‬بل إن تطبيق بعض‬
‫الحدود كالجلد ـ بأصوله الشرعية ـ أحب إلى كثير من العصاة من الحبس في غياهب السجون مدة‬
‫من الزمن‪ ،‬قلت أم كثرت‪ .‬وأما الرجم فهو مجرد قتل بوسيلة إعلمية زاجرة تمثل انتقام المجتمع ممن‬
‫سطا على العراض‪.‬‬
‫ومما يجب النتباه له أن السلم قبل تشريع الحدود‪ ،‬شرع تشريعات واقية من‬
‫الوقوع في الجريمة‪ ،‬فأمر بالستر والحجاب ونهى عن الختلط والخلوة بالمرأة‪ ،‬وأمر بالتبكير في‬
‫الزواج‪ ،‬ومنع كل وسائل الغراء والفتنة‪ ،‬ووفر للنسان حاجياته بتهيئة فرص العمل‪ ،‬وتكافل‬
‫المجتمع عند العجز والتعطل ورغّب في العمل‪ ،‬وجعل التكافل سبيلً للتوجه نحو العمل والنتاج‪ ،‬ل‬
‫البقاء في دائرة العوز والكسل والعتماد على الخرين‪.‬‬
‫الفرق بين الحدود والتعازير ‪:‬‬
‫ذكر القرافي المالكي عشرة فروق بين الحدود والتعازير وهي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - ً 1‬التقدير‪ :‬إن عقوبات الحدود والقصاص مقدرة مقدما في الشرع للجرائم الموجبة لها‪ ،‬وليس‬
‫للقاضي تقدير العقوبة بحسب ظروف المجرم أو ظروف الجريمة‪ .‬أما عقوبات التعزير فمفوض‬
‫تقديرها إلى القاضي‪ ،‬يختار العقوبة المناسبة بحسب ظروف المتهم وشخصيته وسوابقه ودرجة تأثره‬
‫بالعقوبة‪ ،‬ودرجة ظروف الجريمة وأثرها في المجتمع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفروق‪.183-177/4 :‬‬

‫( ‪)7/223‬‬

‫لكن يلحظ أن إعطاء هذه السلطة التقديرية للقاضي في التعزير مقيد بضوابط أهمها اختيار ما يراه‬
‫مناسبا من العقوبات المشروعة في التعزير‪ ،‬للحالت التي تعرض عليه‪ ،‬وتعتبر من المعاصي‪ .‬فضلً‬
‫عن أن القاضي المسلم يجب أن يكون في غاية العدالة والورع‪ ،‬وينبغي أن يكون عند المالكية‬
‫والشافعية والحنابلة بالغا رتبة الجتهاد‪ .‬وبه يتبين أن سلطته ليست تحكمية ل ضابط لها‪ ،‬أو ليس فيها‬
‫ضمانات للمتهمين‪ ،‬أو أن المتهم قد يضار بها‪ ،‬حتى بخطأ القاضي أو بجهله‪ ،‬إن لم يكن بميله وظلمه‬
‫(‪ . )1‬ومع ذلك فل بأس بتقنين العقوبات واعتماد الدولة نظاما محددا للجرائم والعقوبات التعزيرية‪،‬‬
‫فإن أصل التفويض في تقدير التعزير هو للمام أي رئيس الدولة إذا كان مجتهدا‪ ،‬وتصدى للقضاء‪،‬‬
‫فإذا ناب عنه قضاة متخصصون‪ ،‬تقيدوا بما يقيدهم به من أنظمة وقواعد‪.‬‬
‫هذا وقد اتفق الفقهاء على عدم تحديد أقل التعزير‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في تحديد أكثره‪ ،‬فقال المالكية‪ :‬هو‬
‫غير محدود‪ ،‬بدليل إجماع الصحابة على أن معن بن زائدة (‪ )1‬زوركتابا على عمر رضي ال عنه‪،‬‬
‫ونقش خاتما مثل خاتمه‪ ،‬فجلده مئة‪ ،‬فشفع فيه قوم‪ ،‬فقال‪ :‬أذكروني الطعن‪ ،‬وكنت ناسيا‪ ،‬فجلده مئة‬
‫أخرى‪ ،‬ثم جلده بعد ذلك مئة أخرى‪ ،‬ولن الصل مساواة العقوبات للجنايات‪ ،‬ولن الخليفة عمر ابن‬
‫عبد العزيز رحمه ال قال‪ :‬تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يجاوز بالتعزير أقل الحدود‪ ،‬وهو أربعون جلدة (حد العبد في الخمر والقذف) بل‬
‫ينقص منه سوط واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رسالة التعزير للدكتور عبد العزيز عامر‪ :‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )2‬يظهر أنه معن بن أوس‪ ،‬وهو غير معن المشهور بحلمه‪ ،‬وهوغير صحابي أيضا‪.‬‬

‫( ‪)7/224‬‬

‫وللشافعي قولن‪ :‬أصحهما كرأي أبي حنيفة‪ .‬وسأوضحه في بحثه أيضا‪ ،‬ودليلهم خبر في الصحيحين‪:‬‬
‫أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل تجلدوا فوق عشر‪ ،‬في غير حدود ال تعالى» (‪ )1‬وقد‬
‫أجيب عن هذا الحديث بسبب تقرير هؤلء الفقهاء الزيادة على عشرة أسواط بأنه محمول على التأديب‬
‫للمصالح‪ ،‬الصادر من غير الولة كالسيد يضرب عبده‪ ،‬والزوج يضرب زوجته‪ ،‬والب يضرب ولده‪.‬‬
‫أو أن المراد به جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين والبهائم‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬ل يبلغ بتعزير الحر أدنى حدوده‪ ،‬إل فيما سببه الوطء‪ ،‬فيجوز أن يبلغ بالتعزير‬
‫عليه في حق الحر مئة جلدة بدون نفي‪ .‬وقيل‪ :‬ل يبلغ المئة‪ ،‬بل ينقص منه سوطا‪ ،‬ويجوز النقص منه‬
‫على ما يراه السلطان‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وجوب التنفيذ‪ :‬الحدود‪ ،‬والقصاص إذا لم يكن عفو من ولي الدم واجبة التنفيذ على ولة المر‪،‬‬
‫فليس فيها عفو ول إبراء ول شفاعة ول إسقاط لي سبب من السباب‪.‬‬
‫وأما التعزير فمختلف فيه‪ ،‬فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد (الجمهور)‪ :‬إن كان التعزير لحق ال تعالى‬
‫وجب تنفيذه كالحدود‪ ،‬إل أن يغلب على ظن المام أن غير الضرب من الملمة والكلم يحقق‬
‫المصلحة‪ ،‬أي أن التعزير‪ ،‬إذا كان من حق ال تعالى‪ ،‬ل يجوز للمام تركه‪ ،‬لكن يجوز فيه العفو‬
‫والشفاعة إن رئيت في ذلك المصلحة‪ ،‬أو كان الجاني قد انزجر بدونه‪.‬‬
‫أما التعزير الذي يجب حقا للفراد‪ ،‬فإن لصاحب الحق فيه أن يتركه بالعفو أو بغيره‪ ،‬وهو يتوقف‬
‫على رفع الدعوى إلى القضاء‪ ،‬لكن إذا طلبه صاحبه ل يكون لولي المر فيه عفو ول شفاعة ول‬
‫إسقاط‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬التعزير غير واجب على المام‪ ،‬إن شاء أقامه‪ ،‬وإن شاء تركه‪ ،‬بدليل ما ثبت في‬
‫الصحيح أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم لم يعزر النصاري الذي قال له في حق الزبير في أمر‬
‫السقي‪ :‬أن كان ابن عمتك؟! يعني فسامحته (‪ ، )3‬ولن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل النسائي عن أبي بردة بلفظ‪« :‬ل يجلد فوق عشرة أسواط‪ ،‬إل في حد من حدود‬
‫ال تعالى» (نيل الوطار‪.)149/7 :‬‬
‫(‪ )2‬القواعد لبن رجب ‪ :‬ص ‪ ،311‬المغني‪.324/8 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع نيل الوطار‪ ،307/5 :‬أعلم الموقعين‪ ،99/2 :‬جامع الصول‪ ،565/9 :‬والحديث رواه‬
‫البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد ال بن الزبير‪.‬‬

‫( ‪)7/225‬‬

‫التعزير غير مقدر‪ ،‬فل يجب كضرب الب والمعلم والزوج (‪. )1‬‬
‫وأساس الخلف بين الحدود والتعازير في هذا‪ :‬أن الحدود خالصة ل تعالى‪ ،‬وأن القصاص من حق‬
‫الفراد‪ ،‬فيجوز لهم العفو عنه‪ ،‬وأن التعزير منه ما هو من حق ال تعالى‪ ،‬ومنه ما هو من حق‬
‫الفراد‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬التفاق مع الصل أو القاعدة العامة‪ :‬إن التعزير موافق الصل أو القاعدة العامة التي تقرر‬
‫ضرورة اختلف العقوبة باختلف الجريمة‪ .‬أما الحدود فل تختلف باختلف جسامة الجريمة‪ ،‬بدليل‬
‫تسوية الشرع في السرقة بين سرقة القليل كدينار‪ ،‬وسرقة الكثير كألف دينار‪ ،‬وفي شرب الخمر سوّى‬
‫الشرع في الحد بين شارب القطرة‪ ،‬وشارب الجرة مثلً‪ .‬وفي القصاص سوى بين قتل الرجل العالم‬
‫الصالح التقي الشجاع البطل وقتل الوضيع‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬وصف الجريمة بالمعصية وعدمها‪ :‬إن التعزير تأديب يتبع المفاسد‪ ،‬وقد ل يصحبها العصيان‬
‫في كثير من الصور كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلحا لهم‪ ،‬مع عدم المعصية‪.‬‬
‫أما الحدود المقدرة فلم توجد في الشرع إل في معصية‪ ،‬عملً بالستقراء‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬سقوط العقوبة‪ :‬إن التعزير قد يسقط‪ ،‬وإن قلنا بوجوبه‪ ،‬كما إذا كان الجاني من الصبيان‪ ،‬أوا‬
‫لمكلفين إذا جنى جناية حقيرة‪ ،‬ل تحقق العقوبة فيها المقصود‪ ،‬لعدم كون العقوبة الخفيفة رادعة‪،‬‬
‫ولعدم إيجاب العقوبة الشديدة‪ ،‬أما الحد فل يسقط بعد وجوبه بأي حال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ورد على الستدلل بالحديث بأن التعزير حق لرسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فله تركه‪،‬‬
‫بخلف حق ال تعالى ليجوز تركه‪ ،‬وكذلك رد على الستدلل بأنه غير مقدر‪ :‬بأن غيرالمقدر قد‬
‫يجب كنفقات الزوجات والقارب ونصيب النسان في بيت المال‪.‬‬

‫( ‪)7/226‬‬

‫‪ - ً 6‬أثر التوبة‪ :‬إن التعزير يسقط بالتوبة‪ ،‬دون أن يعلم فيه خلف‪ .‬أما الحد كما سأبين فليسقط‬
‫بالتوبة على الصحيح عند جمهور العلماء غيرالحنابلة‪ ،‬إل الحرابة لقوله تعالى‪{ :‬إل الذين تابوا من‬
‫قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة‪.]34/5:‬‬
‫‪ - ً 7‬التخيير‪ :‬التخيير يدخل في التعازير مطلقا‪ ،‬ول يدخل في الحدود‪ ،‬إل في الحرابة‪.‬‬
‫‪ - ً 8‬مراعاة الظروف المخففة‪ :‬إن التعزير يختلف باختلف الفاعل والمفعول معه‪ ،‬والجناية‪ ،‬أي أنه‬
‫يختلف باختلف الشخاص والجريمة‪ ،‬فل بد في عقوبة التعزير من اعتبار مقدار الجناية والجاني‬
‫والمجني عليه‪ .‬أما الحدود فل تختلف باختلف فاعلها‪ ،‬وليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم‬
‫الحدود والقصاص‪ .‬ويلحظ أن هذا متمم للفرق الول‪.‬‬
‫‪ - ً 9‬مراعاة مكان الجريمة وزمانها‪ :‬إن التعزير يختلف باختلف العصار والمصار‪ ،‬فرب تعزير‬
‫في بلد يكون إكراما في بلد آخر‪.‬‬
‫‪ - ً 10‬حق ال وحق العبد‪ :‬يتنوع التعزير نوعين‪ :‬فمنه ما هو مقرر‪ ،‬رعاية لحق ال تعالى‪،‬‬
‫كالعتداء على الصحابة أو القرآن ونحوه من انتهاك الحرمات الدينية‪ .‬ومنه ما هو مقرر رعاية لحق‬
‫العبد‪ ،‬أي الحق الشخصي‪ ،‬كشتم فلن وضربه ونحوه‪.‬‬
‫أما الحدود فكلها عند أئمة المذاهب حق ل تعالى‪ ،‬إل القذف ففيه خلف‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪ .‬ومن‬
‫الفروق عند الشافعي بين الحد والتعزير‪ :‬أن ما يحدث عن الحد من التلف هدر‪ ،‬لكن إن حصل تلف‬
‫من التعزير فإنه يوجب الضمان بدليل فعل عمر حينما استدعى امرأة حاملً فخافت منه فألقت جنينا‬
‫ميتا‪ ،‬فشاور عليا في المر فألزمه بدية الجنين‪ ،‬قيل‪ :‬على عاقلة ولي المر ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنها تكون في‬
‫بيت المال‪.‬‬
‫وأما عند أبي حنيفة ومالك وأحمد‪ ،‬فل ضمان مطلقا‪ ،‬فمن حده المام أو عزره فمات من ذلك‪ ،‬فدمه‬
‫هدر؛ لن المام في الحالتين مأمور بالحد والتعزير‪ ،‬وفعل المأمور ل يتقيد بشرط السلمة (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي‪ ،355/4 :‬رد المحتار لبن عابدين‪ 196/3 :‬وراجع‬
‫رسالة التعزير‪ :‬ص ‪ 51‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)7/227‬‬

‫السياسة العقابية في السلم وأثرها الصلحي في المجتمع‬


‫تمهيد ‪:‬‬
‫إن نظام الشريعة في تبيان الحرام والمحظور‪ ،‬وفي الحملة الشديدة على مرتكبي المنكرات والفواحش‬
‫في القرآن والسنة‪ ،‬والقيام بواجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وتأييد الحكام الصلية‬
‫بالمؤيدات المدنية كالبطلن والفساد في العقود والمعاملت‪ ،‬والجزائية كالحدود والتعزيرات من توبيخ‬
‫وحبس وضرب غير مهين ول مشين‪ ،‬إن ذلك كله ساهم مساهمة بناءة في إقامة المجتمع السلمي‬
‫النظيف الذي تقل فيه الجرائم‪ ،‬ويمتنع فيه إلى حد كبير شيوع الكبائر‪.‬‬
‫وقد أكد سلمة هذا النظام وكفاءته واقع المة السلمية في عصورها المتلحقة بنحو إجمالي ل‬
‫تفصيلي‪ ،‬فإنها بالمقارنة مع المم الخرى والدول المتحضرة المعاصرة التي تقع فيها جريمة أو‬
‫جريمتان كل ثانية‪ ،‬تعد أقل المم نزعة إلى الجرام‪ ،‬والنسبة الجرامية فيها أقل النسب إحصائيا‪ ،‬ما‬
‫دامت متمسكة بدينها‪ ،‬ملتزمة بأخلقها السلمية الرصينة‪ ،‬متبعة هدي القرآن والسنة وسيرة السلف‬
‫الصالح‪ ،‬باستثناء وقائع فردية لشذوذ أو جهالة أو بدائية‪ ،‬أو دوافع عصبية سياسية لم يتوافر لها‬
‫التكوين السلمي الصحيح‪ ،‬والتربية والثقافة الدينية الرادعة الكافية‪ .‬ويمكن لكل مطلع على هذا‬
‫البحث وهو ( السياسة العقابية في السلم وأثرها الصلحي في المجتمع ) تكوين قناعة كافية بصدق‬
‫هذه الحقيقة الواقعية وإدراك سلمتها ونقائها‪ ،‬من خلل المبادئ النظرية والواقع العملي في البلد‬
‫التي تطبق فيها أحكام الشريعة‪.‬‬

‫( ‪)7/228‬‬

‫وخطة البحث كما يلي‪:‬‬


‫أولً ‪ :‬مفاهيم عامة عن الجريمة وأوضاعها في الحاضر بسبب غيبة الوازع الديني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أصول السياسة العقابية أو الجنائية السلمية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنواع الحكام الشرعية ودورها الوقائي والعلجي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أنواع العقوبات في السلم وأثرها في منع الجريمة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تطبيق مبادئ السياسة الجنائية السلمية‪ :‬الوسائل وأهداف العقوبة وغاياتها المنشودة ومدى‬
‫تأثيرها في قمع الجرام‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬مبادئ العقاب في الشريعة ومالها من أثر في تخفيف الجريمة‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الحدود الشرعية وحكمتها وأثر تطبيقها في منع الجريمة‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬العقوبات وحقوق النسان في السلم‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬شرعية الجريمة والعقوبة أو مبدأ ل جريمة ول عقوبة إل بنص‪ ،‬وتأثير ذلك على ظاهرة‬
‫الجرام‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬موانع العقاب وموانع المسؤولية‪ ،‬وأسباب الباحة‪ ،‬وإنسانية العقوبة‪.‬‬
‫حادي عشر‪:‬الثار الصلحية الكبرى لسياسة العقاب في السلم‪.‬‬

‫( ‪)7/229‬‬

‫أولً ‪ -‬مفاهيم عامة عن الجريمة وأوضاعها في العصر الحاضر بسبب غيبة الوازع الديني ‪:‬‬
‫الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة ومستمرة ومتطورة‪ ،‬ولها تأثيرات ضارة ومؤذية وهي في مفهوم‬
‫الناس سلوك شاذ يحظره قانون الدولة‪ ،‬ويرتب له جزاء‪ ،‬أو هي الخروج على أوامر قانون العقوبات‬
‫ونواهيه (‪ . )1‬ويتطور مفهوم الجريمة من زمن لخر‪ ،‬ومن مجتمع لخر في الزمن الواحد‪.‬‬
‫والجريمة هي الجناية بالمعنى الخاص في اصطلح الفقه السلمي‪ ،‬قال القاضي الماوردي‪ :‬الجرائم‬
‫محظورات شرعية زجر ال تعالى عنها بحد أو تعزير (‪ . )2‬والمحظور إما إتيان منهي عنه أو ترك‬
‫مأمور به‪ .‬والجناية بالمعنى العام‪ :‬هي كل فعل محرّم شرعا‪ ،‬سواء وقع الفعل على نفس أو مال‬
‫أوغيرهما‪ .‬وهذا هو معنى الجريمة عند أغلب القانونيين‪ ،‬فإنهم صوروها بأنها كل فعل ينهى عنه‬
‫القانون ويفرض له عقوبة‪.‬‬
‫والظاهرة الجرامية إحدى سمات المجتمعات بسبب الصراع على إشباع حاجات الفراد غير‬
‫المتناهية‪ .‬ووجدت فكرة الجزاء بالفطرة في كل جماعة إنسانية‪ ،‬وإن اختلفت صورته‪ ،‬أو تباينت‬
‫وجهات النظر في تحديد أهداف العقوبة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجريمة والتنمية للدكتور حسني درويش عبد الحميد‪ :‬ص ‪ ،15 ،13‬قانون العقوبات القسم العام‬
‫للدكتور عمر السعيد رمضان‪ :‬ص ‪.35‬‬
‫(‪ )2‬الحكام السلطانية‪ :‬ص ‪ ،211‬ط صبيح‪.‬‬

‫( ‪)7/230‬‬

‫بالنتقام من الجاني‪ ،‬أو تطبيق العدالة‪ ،‬أوإصلح المتهم وتهذيبه (‪ . )1‬والواقع أن الهدف من العقوبة‬
‫مجموع هذه المور‪ ،‬فإن الجزاء للردع والتخويف‪ ،‬وللصلح والتهذيب معا‪ ،‬ولرضاء الشعور‬
‫بالعدالة في ضمير المجتمع‪ ،‬وقد أدى التطور أخيرا إلى اعتبار العقوبة وسيلة دفاع عن المجتمع من‬
‫خطر الجريمة‪ ،‬فالعقوبة بمعناها الحديث تؤدي وظيفتها الدفاعية عن المجتمع في لحظات ثلث‪:‬‬
‫اللحظة التشريعية‪ :‬أي عند سن قانون العقوبات لظهار الخشية من العقاب‪ ،‬واللحظة القضائية‪ :‬أي‬
‫عند إصدار الحكم بالعقوبة‪ ،‬لحماية المجتمع من جرائم جديدة تحدث فيه لو لم تلق الجريمة جزاءها‪،‬‬
‫واللحظة التنفيذية‪ :‬أي عند توقيع العقوبة المحكوم بها لصلح الجاني عن طريق إيلمه‪ ،‬حتى ل‬
‫يعود إلى الجريمة مرة أخرى‪ ،‬وللجرائم أنواع كثيرة من الناحية الجتماعية‪ ،‬فهناك جرائم ضد‬
‫الممتلكات كالسرقة وتسميم الماشية ‪،‬والحريق‪ ،‬وجرائم ضد النفوس والفراد‪ ،‬كالضرب والقتل وهتك‬
‫العرض‪ ،‬وجرائم ضد النظام العام‪ ،‬كجرائم أمن الدولة والتخريب والتجسس‪ ،‬وجرائم على الدين وأهله‬
‫كالعتداء على أماكن العبادة وعلى المصلين‪ ،‬وجرائم على السرة كإهمال الطفال والزنا والخيانة‬
‫الزوجية‪ ،‬وجرائم ضد الخلق كالفعال الفاضحة الجارحة للحياء في الماكن العامة (‪. )2‬‬
‫وتنوعت الجرائم وتفنن المجرمون فيها في العصر الحاضر‪ ،‬فارتكبوا جرائم لتكاد تخطر على بال‪،‬‬
‫كاغتصاب المرأة وهي تسير في شارع عام‪ ،‬وخطف الطفال والنساء للبيع‪ ،‬وهو الرقيق البيض‪،‬‬
‫ذكرت وكالة رويتر أن ضابطا كبيرا في قوة حرس الحدود في بنغلديش قال‪ :‬إن أفراد الحرس أنقذوا‬
‫ل وامرأة وطفلً من البيع خارج البلد للعمل في البغاء واستخدامهم كمصادر‬
‫حوالي (‪ )60‬رج ً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجرام والعقاب في مصر للدكتور حسن المرصفاوي‪ :‬ص ‪.231‬‬
‫(‪ )2‬الجريمة والتنمية‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.22-21‬‬

‫( ‪)7/231‬‬

‫لعمليات زرع العضاء البشرية ‪ .‬وقد تقدمت الحكومة في ( ‪ ) 1988/7/1‬بمشروع قانون إلى‬
‫البرلمان يقضي بإعدام بائعي بنات حواء (‪ . )1‬وتصاعدت عملية التجار بالطفال‪ ،‬فهناك مليون‬
‫طفل يخطفون ويباعون سنويا في العالم (‪ ، )2‬ويوجد في الكيان الصهيوني اليوم ‪ 2000‬طفل برازيلي‬
‫مخطوفين‪،‬تزودهم لسرائيل (‪ )16‬عصابة تقوم بدراسة عمليات خطف الطفال‪ .‬وتعيش فرنسا من‬
‫عدة أشهر في عامي ( ‪ ) 1988 (،) 87‬ظاهرة اجتماعية خطيرة هي ظاهرة خطف الفتيات دون‬
‫العاشرة من الماكن العامة لغتصابهن ثم قتلهن بصورة وحشية (‪ ، )3‬وبدأت فئات كثيرة تنادي‬
‫بإعادة عقوبة العدام‪.‬‬
‫وكثر تعاطي المخدرات والدمان عليها‪ ،‬حتى ارتفع عدد ضحاياها في إيطاليا مثلً إلى (‪ )500‬قتيل‬
‫من جراء الدمان‪ ،‬وكشفت إحصائية لمنظمة الصحة العالمية في عام (‪ )1985‬عن وجود (‪ )32‬مليون‬
‫مدمن في العالم‪ ،‬وطالب مفتي مصر بإعدام تجار المخدرات علنية أمام الشعب في الساحات‬
‫العامة‪،‬للعظة والعبرة والزجر بسبب شيوع المخدرات في مصر (‪. )4‬‬
‫وتزايدت نسبة الجرائم في بريطانيا‪ ،‬وكذا في المجتمع المريكي من قتل وسرقة واغتصاب واعتداء‪،‬‬
‫حتى بلغت في أمريكا أكثر من عشرة أضعاف ما كانت عليه بين ( ‪ ) 1964 ، 1950‬بسبب الرخاء‬
‫والزدهار القتصادي في كل من مدينة نيويورك وأطلنطا وبوسطن‪ ،‬وتفشت ظاهرة المخدرات في‬
‫أوربا وآسيا وأفريقيا‪ ،‬وكثر المصابون باليدز أو الشذوذ الجنسي‪ ،‬حتى بلغ عددهم في العالم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬جريدة البيان في المارات بتاريخ ‪1988/7/2‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬جريدة التحاد في المارات بتاريخ ‪1988/6/23‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬جريدة التحاد المرجع السابق بتاريخ ‪ ،88/4/30‬و ‪1988/10/3‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬جريدة الفجر في المارات بتاريخ ‪1988/9/22‬م‪ ،‬التحاد ‪1988/10/8‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/232‬‬

‫أكثر من عشرة مليين من الذكور والناث (‪ . )1‬وزادت نسبة جرائم النهب والسلب في بريطانيا في‬
‫عام ( ‪ ) 1987‬بنسبة (‪ )%12‬وبلغت (‪ ) 000،45‬جريمة‪ ،‬بسبب زيادة معدل الرخاء‪ ،‬وغيبة الوازع‬
‫الديني‪ ،‬فإن المدنية الحديثة البعيدة عن هدي ال والدين وتعاليمه أفرزت مثل هذه الظواهر الجرامية‬
‫الشاذة‪ ،‬كما أفرزت فلسفات مادية منحدرة‪ ،‬وكلها تؤذن بتدمير وتخريب معالم الحضارة الحديثة‬
‫القائمة على مجرد المادة‪ ،‬وتغفل جانب الخلق والدين والقيم النسانية‪ ،‬والخروج عن مبادئ العدالة‬
‫والمساواة‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬يعتبر عدد السجناء الذين ينتظرون الموت في الوليات المتحدة المريكية‬
‫أعلى رقم سجل في ذلك البلد عام (‪ ،)1986‬ويتزايد معدل تنفيذ العدام بصورة مستمرة‪ ،‬وتشير‬
‫الدلة إلى أن استخدام عقوبة العدام في أمريكا يقوم على أساس تعسفي ومتحيز عنصريا وغير‬
‫عادل‪ ،‬ويشمل من ينتظرون الموت رجالً ونساء‪ ،‬مرضى عقليين أو متخلفين عقليا‪ ،‬وأشخاصا ما‬
‫زالت أعمارهم أقل من( ‪ 18‬عاما )‪ ،‬أو كانت أعمارهم أقل من( ‪ 18‬عاما ) عندما ارتكبوا جرائمهم‪،‬‬
‫ونصف هؤلء تقريبا من السود‪ ،‬والكثير منهم قد أدين بموجب سلطات قضائية‪ ،‬وجسدت الدراسات‬
‫أن تطبيق عقوبة العدام فيها قائمة على التمييز العنصري (‪. )2‬‬
‫وتقدم العلوم والفنون لم يكن سببا لمنع الجرائم؛ لن الغالب على العلوم المعاصرة الصبغة المادية‬
‫المحضة‪ ،‬البعيدة في الكثر عن النزعة النسانية‪ ،‬أما العلوم النسانية فهي التي تهذب المشاعر‪،‬‬
‫وتقوّم الطبائع‪ ،‬وتقلّل الجرائم‪ ،‬ولكن دورها في الحياة الحاضرة والحضارة المادية الحديثة ضعيف‬
‫التأثير في الغالب‪ ،‬مع أن الشأن في العلم أو المعرفة أن يكون طريقا لنخفاض معدل الجرائم‪ ،‬وإذا‬
‫وجد الجهل ارتفعت نسبة الجرائم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المجلة العربية للدراسات المنية في الرياض‪ ،‬شهر ذي الحجة ‪1406‬هـ الموافق شهر آب‬
‫«أغسطس» عام ‪1986‬م‪ .‬ص ‪.106‬‬
‫(‪ )2‬نشرة منظمة العفو الدولية عام ‪ :1986‬ص ‪.1‬‬

‫( ‪)7/233‬‬
‫ثانيا ‪ -‬أصول السياسة العقابية أوالجنائية السلمية ‪:‬‬
‫إن استراتيجية منع الجريمة وقيامها بوظيفتها تتطلب في رأي فلسفة القوانين الوضعية تحقيق أهداف‬
‫السياسة الجنائية‪ ،‬وضرورة تميزها بالخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشمول‪ :‬بمعنى أن تطبيق الستراتيجية على جميع مجالت السياسة الجنائية بالتجريم والعقاب‬
‫والمنع‪.‬‬
‫‪ - 2‬متكاملة‪ :‬بمعنى أن تتفق مع الهداف السياسية والجتماعية والقتصادية‪.‬‬
‫‪ - 3‬عملية‪ :‬بمعنى قيام الستراتيجية على منهج عملي‪ ،‬فينظر مثلً في مدى فاعلية العقوبات السالبة‬
‫للحرية من حبس وسجن مع الشغال الشاقة في تحقيق غاية معينة هي تأهيل المجرم للحياة‬
‫الجتماعية (‪. )1‬‬
‫ونحن نلحظ أن هذه الخصائص كلها مرعية في نظام السياسة العقابية في السلم‪ ،‬أما الشمول فكل‬
‫المجالت الجنائية للحياة المعاصرة تستوعبها أنظمة التحريم والحظر والمنع والتجريم والعقاب‪ ،‬فما‬
‫من أمر ضا ّر بمصلحة الفرد والجماعة إل وقد حرّمته الشريعة وعاقبت عليه إما بعقاب أخروي أو‬
‫دنيوي‪ .‬وأما التكامل‪ ،‬فإن أنظمة التجريم والعقاب في السلم تحقق جميع الهداف المرجوة السياسية‬
‫والجتماعية والقتصادية‪ ،‬مثل عقوبات البغاة وقطاع الطرق والزنى والقذف والعتداء على الموال‬
‫والشخاص بالسرقة والخطف والغتصاب والختلس والنهب والحريق ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجريمة والتنمية‪ ،‬د‪ /‬حسني درويش‪ :‬ص ‪.89‬‬

‫( ‪)7/234‬‬

‫وأما الهدف العملي من العقوبة فواضح من خلل تطبيقها إذا التزمت ضوابط الشريعة وآدابها في‬
‫التنفيذ والرقابة والرعاية والتوجيه‪ ،‬ومحاولت الصلح المتكررة في السجون بأساليب مختلفة تشمل‬
‫الوعظ والرشاد‪ ،‬والتشغيل وإيقاظ الضمير‪ ،‬والحساس بمخاطر الجريمة‪ ،‬فإن كثيرا من السجناء ما‬
‫عدا زمرة شاذة كان السجن مثلً في الجرائم التعزيرية وسيلة لصلحهم وعودتهم أسوياء ومواطنين‬
‫صالحين‪ ،‬استقاموا على منهج الحياة الصحيحة‪.‬‬
‫وفضلً عن ذلك فإن للسياسة الجنائية السلمية مجالً آخر يتمثل في أسلوب المنع والوقاية من‬
‫الجريمة قبل وقوعها‪ ،‬بواسطة نظام الحسبة وهي المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬في جميع‬
‫مرافق الحياة‪ ،‬وبخاصة في السواق العامة‪ ،‬كما أن اتباع أساليب الدين وأحكامه الشرعية والهتداء‬
‫بهديها في العبادات والمعاملت والخلق‪ ،‬ووعظ الناس بتعاليم دينهم‪ ،‬وإرشادهم إلى الطريق السوي‪،‬‬
‫والعتماد على عناصر الترغيب والترهيب بآي القرآن الكريم والحاديث النبوية‪ ،‬كل ذلك سيؤدي‬
‫حتما إلى صلح المجتمع والفراد ‪ ،‬ويقلل من عدد الجرائم المرتكبة‪ ،‬لما له من أثر ملحوظ في‬
‫التربية والثقافة والتهذيب الخلقي والجتماعي‪ ،‬وتقويم النحراف‪ ،‬والدفع اليجابي إلى حياة أفضل‬
‫وأقوم‪.‬‬

‫( ‪)7/235‬‬

‫ثالثا ‪ -‬أنواع الحكام الشرعية ودورها الوقائي والعلجي ‪:‬‬


‫يلحظ أن الحكام الشرعية نوعان‪ :‬أحكام أصلية وأحكام مؤيدة أو زجرية‪ ،‬أما الحكام الصلية‬
‫الساسية فهي التي تكوّن نظام الشريعة الصلي في دائرة اليجاب والمنع‪ ،‬والقصد من المنع وقاية‬
‫النسان من المحظورات التي يترتب على اقترافها ضرر واضح في الدين أو النفس أو المال أو العقل‬
‫أو العرض‪ ،‬فكان تحريم الحرام لتقاء الضرار والذى‪ ،‬وليس لغلب المحرّمات عقاب دنيوي‪ ،‬وإنما‬
‫العقاب عليها أخروي‪ ،‬فالشرك‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‬
‫من السبع الموبقات أو الكبائر ل عقاب عليها في الدنيا‪ ،‬إل إذا رأى الحاكم مصلحة في ذلك بسبب‬
‫الخلل بالنظام الجتماعي‪ ،‬وكذلك في مجال العبادات قد يرتكب النسان فيها الحرام‪ ،‬كالصلة من‬
‫غير طهارة‪ ،‬والصيام مع الغيبة والنميمة‪ ،‬والحج مع الرفث والفسوق (الكلم الفاحش) والزكاة باختيار‬
‫رديء المال‪ ،‬ولعقوبه عليه‪.‬‬
‫وفي المعاملت‪ :‬قد يقع النسان في غش أو غبن أو استغلل أو ظلم‪ ،‬وقد يحتكر أو يغصب‪ ،‬أو يغرر‬
‫بآخر‪ ،‬أو يبيع على بيع أخيه ول يعاقب في الدنيا‪ ،‬وفي العلقات الدولية قد ينقض الحاكم المعاهدة من‬
‫غير مسوغ شرعي‪ ،‬ول يعاقب على فعله‪ ،‬وفي المواريث والحقوق العامة قد يجور أحد الورثة فيأخذ‬
‫شيئا من التركة‪ ،‬وقد يأخذ المجاهد شيئا من الغنيمة من غير حق‪ ،‬وليعجل له عقاب في الدنيا‪ ،‬وفي‬
‫الحوال الشخصية قد يلحق الرجل ضررا بالمرأة‪ ،‬وقد يعضلها (يمنعها) عن الزواج من كفء وقد‬
‫يخطب على الخطبة ول يعاقب‪ ،‬وفي دائرة الخلق الجتماعية قد يقع النسان في الغيبة والنميمة وقد‬
‫يسعى ببريء ظلما إلى حاكم‪ ،‬ول عقاب على ذلك في الدنيا ما لم ينكشف أمره‪.‬‬

‫( ‪)7/236‬‬
‫وعدم العقاب الدنيوي ل يعني الباحة أو الحل‪ ،‬فإن العقاب الخروي أشد وأنكى‪ ،‬وأخطر وأدوم‪،‬‬
‫فيكون تحريم الحرام أمرا وقائيا لتجنب الوقوع في المخاطر والمضار والمفاسد والشرور‬
‫والمنازعات‪ ،‬والتأمل في ذلك يدفع المرء إلى التزام جادة الستقامة‪ ،‬والبعد عن كل ما حرمه الشرع‪،‬‬
‫لئل يؤدي اقترافه الحرام إلى جريمة‪ ،‬وهذا من خصائص الشريعة والدين السماوي الذي يميزه عن‬
‫أي نظام قانوني وضعي ل يهتم بالممنوع إل إذا أدى إلى المساس بالعلقات الجتماعية‪ .‬وقد يشمل‬
‫المنع دائرة المشتبهات خشية التورط في الحرام والممنوع‪ ،‬فيكون اجتناب المشتبه فيه أولى وأسلم‪،‬‬
‫لئل يقع النسان في جريمة‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الحلل بيّن‪ ،‬والحرام بيّن‪ ،‬وبينهما‬
‫أمور مشتبهات‪ ،‬ل يعلمهن كثير من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع‬
‫في الشبهات‪ ،‬وقع في الحرام‪ ،‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه‪ ،‬أل وإن لكل ملك‬
‫حمى‪ ،‬أل إن حمى ال محارمه‪. )1( »..‬‬
‫فهذه الحكام الحاظرة أو المانعة أحكام وقائية ذات أثر تربوي واضح‪ ،‬تعمل على منع الجريمة‬
‫واقترافها‪.‬‬
‫ومن أهم الحكام الوقائية كما تقدم نظام المر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يطلب من كل مسلم‬
‫في صريح كثير من اليات القرآنية‪ ،‬والحاديث النبوية‪ ،‬ويتكرر التذكير به أيام الجمعة والعياد‪ ،‬قال‬
‫ال عز وجل‪{ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‪ ،‬ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ،‬وأولئك‬
‫هم المفلحون} [آل عمران‪ .]104/3:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من رأى منكم منكرا‪ ،‬فليغيره‬
‫بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمان» (‪ . )2‬وفي حديث آخر‬
‫أخرجه الترمذي عن أبي هريرة‪« :‬من غشنا فليس منا» ‪.‬‬
‫وقام على أساس هذه الوامر نظام الحسبة الذي يقي الفراد والمجتمع من غائلة الجريمة‪ .‬والحسبة‬
‫كما تقدم‪ :‬أمر بالمعروف إذا ظهر تركه‪ ،‬ونهي عن منكر إذا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه المام أحمد ومسلم وأصحاب السنن الربعة عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/237‬‬

‫ظهر فعله (‪ . )1‬أو هي وظيفة دينية من باب المر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬كما قال ابن‬
‫خلدون (‪. )2‬‬
‫والحسبة وإن كانت واجبا عاما على كل مسلم‪ ،‬إل أنها إذا أصبحت نظاما أو وظيفة صارت فرض‬
‫عين على المحتسب بحكم وليته أو وظيفته المأجورة‪ .‬ويتولى المحتسب وظائف لها صلة بالقضاء‬
‫والمظالم والشرطة‪ ،‬فهو ينظر في المنازعات الظاهرة التي تحتاج إلى أدلة إثباتية‪ ،‬كدعاوى الغش‪،‬‬
‫والتدليس والتطفيف‪ ،‬فهو بهذا كالقاضي‪ ،‬ويؤدب مرتكبي المعاصي التي ترتكب جهرا‪ ،‬أو تخل بآداب‬
‫السلم‪ ،‬فهو بهذا كناظر المظالم يرعى النظام العام والداب والمن في الشوارع والسواق مما ل‬
‫تجوز مخالفته‪ ،‬فيكون بذلك كالشرطة أوالنيابة العامة (‪. )3‬‬
‫ويشمل قيامه بواجبه في نطاق المر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يتعلق بالجماعة أو الفراد‬
‫كترك الواجبات الدينية العامة‪ ،‬الشعائر وغيرها‪ ،‬وتعطل مرافق البلد العامة من مساجد وشوارع‪،‬‬
‫ومماطلة في أداء الحقوق والديون‪ ،‬وكفالة الصغار والمطالبة بترويج الفتيان والفتيات‪ .‬وفي‬
‫المحظورات يمنع الناس من مواقف الريب ومظان التهمة‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬دع ما يريبك‬
‫إلى ما ل يريبك» (‪ )4‬مثل اختلط النساء بالرجال في المساجد والماكن العامة‪ ،‬والمجاهرة بإظهار‬
‫المسكرات والملهي المحرمة‪ .‬ويمنع المعاملت المنكرة كالربا والبيوع الفاسدة وما منع الشرع منه‬
‫كالغش والتدليس وبخس الكيل والميزان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحكام السلطانية للماوردي‪ :‬ص ‪.231‬‬
‫(‪ )2‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬ص ‪.576‬‬
‫(‪ )3‬المرجعان السابقان‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)7/238‬‬

‫وأما المؤيدات فهي إما مدنية أو جزائية‪،‬والمؤيدات المدنية أربعة‪ :‬هي البطلن والفساد والتوقف (عدم‬
‫النفاذ) وعدم اللزوم‪ ،‬فكل عقد لم تكتمل أركانه أو شرائطه‪ ،‬فهو إما باطل أو فاسد أو موقوف أو غير‬
‫لزم‪ .‬والمؤيدات الجزائية هي العقوبات الرادعة‪ ،‬وهي الحدود والتعزيرات‪ .‬والمؤيدات بقسميها‬
‫شرعت لحماية أحكام الشريعة الصلية‪ ،‬فيكون لحكام الشريعة إما دور وقائي‪ ،‬أو علجي‪ ،‬وكل من‬
‫الوقاية والعلج سبب للصلح ومنع الجرام والنحراف‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫رابعا ‪ -‬أنواع العقوبات في السلم وأثرها في منع الجريمة ‪:‬‬
‫الجزاء أو العقاب في شرعة السلم إما أخروي وإما دنيوي‪ ،‬والعقاب الخروي مردّه إلى ال تعالى‪،‬‬
‫إن شاء عذب العاصي أو المجرم‪ ،‬وإن شاء غفر ورحم‪ ،‬وال غفور رحيم‪ ،‬وهو شديد العقاب‪،‬‬
‫والمؤمن الحق يخشى من عقاب الخرة وعذاب النار أكثر من عقاب الدنيا‪.‬‬
‫والعقوبة الخروية‪ :‬يمليها قانون الحق والعدل‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬أم نجعل الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات كالمفسدين في الرض‪ ،‬أم نجعل المتقين كالفجار} [ص‪ ]28/38:‬وقال سبحانه‪{ :‬أفنجعل‬
‫المسلمين كالمجرمين‪ ،‬ما لكم كيف تحكمون} [القلم‪ .]36-35/68:‬فليس عدلً أبدا ول منطقا وعقلً أن‬
‫يتساوى العاصي مع الطائع‪ ،‬والمنحرف مع المستقيم‪ ،‬لذا كان يوم الدين أو يوم القيامة يوم الجزاء‬
‫الفاصل هو أمل المعذبين والمظلومين في الدنيا‪ .‬روى المام مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم في مجلس‪ :‬فقال‪« :‬تبايعوني على أن ل‬
‫تشركوا بال شيئا ول تزنوا‪ ،‬ول تسرقوا‪ ،‬ول تقتلوا النفس التي حرّم ال إل بالحق‪ ،‬فمن وفّى منكم‬
‫فأجره على ال ‪ ،‬ومن أصاب شيئا من ذلك‪ ،‬فعوقب به‪ ،‬فهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب شيئا من ذلك‪،‬‬
‫فستره ال عليه‪ ،‬فأمره إلى ال ‪ :‬إن شاء عفا عنه‪ ،‬وإن شاء عذبه» ‪.‬‬

‫( ‪)7/239‬‬

‫وما أكثر اليات القرآنية المعبرة عن مبدأ النصاف المطلق المذكور‪ ،‬وعن عدالة ال الشاملة في‬
‫عباده الذين امتثلوا‪ ،‬أوخالفوا وقصروا‪ ،‬أو كانوا رسل خير وهداية وإصلح أو دعاة شر وضلل‬
‫وفساد‪ ،‬ليكون ذلك مبعث الستقامة‪ ،‬وتهديدا وترهيبا للجناة والمجرمين‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬ولتكن منكم‬
‫أمةٌ يَدعون إلى الخير‪ ،‬ويأمرون بالمعروف‪ ،‬ويَنْهون عن المنكر‪ ،‬وأولئك هم المفلحون‪ .‬ولتكونوا‬
‫كالذين تفرّقوا واختلفوا‪ ،‬من بعد ما جاءهم البيّنات‪ ،‬وأولئك لهم عذاب عظيم‪ .‬يوم تبْ َيضّ وجوه‪،‬‬
‫وتسوّد وجوه‪ ،‬فأما الذين اسوّدت وجوههم‪ ،‬أكفرتم بعد إيمانكم‪ ،‬فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‪ .‬وأما‬
‫الذين ابيضت وجوههم‪ ،‬ففي رحمة ال هم فيها خالدون‪ .‬تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق‪ ،‬وما ال‬
‫يريد ظلما للعالمين} [آل عمران‪.]108-104/3:‬‬
‫وأما العقوبات الدنيوية في السلم‪ ،‬فهي نوعان‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الحدود‪ :‬وهي العقوبات المقدرة من الشارع نوعا ومقدارا بالنصوص الصريحة (‪ ، )1‬وهي‬
‫محدودة جدا‪ ،‬وعددها خمسة أنواع في رأي الحنفية‪ :‬حد الزنا‪ ،‬وحد القذف‪ ،‬وحد السرقة‪ ،‬ويشمل حد‬
‫الحرابة أو قطع اليد‪ ،‬وحد شرب الخمر‪ ،‬وحد المسكر‪ ،‬وقد قصروها على ما شرع حقا ل تعالى‪ ،‬أي‬
‫مراعاة للصالح أو النفع العام‪ ،‬ولم يجعلوا القصاص من الحدود‪ ،‬لن المقصود به والغالب فيه مراعاة‬
‫حق العبد أو النسان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط للسرخسي‪ ،36/9 :‬فتح القدير‪ ،112/4 :‬البدائع‪ ،33/7 :‬تبيين الحقائق للزيلعي‪:‬‬
‫‪ ،163/3‬رد المحتار لبن عابدين على الدر المختار‪ ،154/3 :‬اللباب شرح الكتاب‪.72/2 :‬‬

‫( ‪)7/240‬‬

‫والحدود عند جمهور العلماء (‪ )1‬غير الحنفية سبعة‪ :‬هي حد الزنا‪ ،‬وحد القذف‪ ،‬وحد السرقة‪ ،‬وحد‬
‫الحرابة‪ ،‬وحد المسكرات الشامل للخمر وجميع النبذة المسكرة‪ ،‬وحد القصاص‪ ،‬وحد الردة‪ ،‬باعتبار‬
‫أن الحد عقوبة مقدرة حدّها ال تعالى وقدرها‪ ،‬فل يجوز لحد أن يتجاوزها‪ ،‬سواء أكان المقصود‬
‫منها مراعاة حقوق ال تعالى‪ ،‬أي الحق العام أو مصلحة المجتمع‪ ،‬أم مراعاة حقوق الناس الخاصة‪،‬‬
‫ومنها القصاص‪ .‬وسميت هذه العقوبات حدودا‪ ،‬لنها تمنع من الوقوع في الجرم أو الذنب‪.‬‬
‫ويقصد بالحدود كلها مراعاة حق المجتمع في أصل العقاب للتأديب والنزجار عما يتضرر به الناس‪،‬‬
‫وتحقيقا لمصلحة المن والستقرار‪ ،‬والحفاظ على حرمات الحياة وصيانة العراض والنفوس والعقول‬
‫والموال عن التعرض لها (‪ ، )2‬ويراعى فيها أيضا حق الشرع في نوع العقوبة المقدرة المنصوص‬
‫عليها إما في القرآن الكريم‪ :‬وهي حدود الزنا والقذف والسرقة والحرابة والقصاص‪ ،‬وإما في السنة‬
‫النبوية وهي حد المسكرات والرجم‪.‬‬
‫والقصد من النص على هذه الحدود بالذات تقدير الشرع مالجرائمها من خطورة بالغة‪ ،‬تمس أصول‬
‫القيم النسانية‪ ،‬وهي الحفاظ على حق الحياة (النفس) والفكر النساني (العقل) والعرض (حد الزنا‬
‫والقذف) والمال (السرقة والحرابة) والدين أو العقيدة الذي هو أسمى شيء في الوجود‪.‬‬
‫وتطبيق هذه الحدود الشرعية بضوابطها وشرائطها المقررة شرعا‪ ،‬وهي كثيرة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مواهب الجليل للحطاب‪ ،277/6 :‬التاج والكليل للمواق‪ 277/6 :‬الطبعة الولى‪ ،‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،155/4‬حاشية البجيرمي علي الخطيب‪ ،140/4 :‬ط بيروت كشاف القناع‪ ،77/6 :‬ط بيروت‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)7/241‬‬

‫جدا‪ ،‬مما يجعل احتمال تطبيق الحد نادرا‪ ،‬كفيل بمنع هذه الجرائم الخطيرة‪ ،‬والواقع أصدق شاهد في‬
‫البلد التي تطبق فيها الحدود كالسعودية‪.‬‬
‫وجرائم الحدود عند الجمهور ثمانٍ‪ :‬هي الزنا‪ ،‬والقذف‪ ،‬وشرب المسكر‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والحرابة‪ ،‬والبغي‪،‬‬
‫والردة‪ ،‬والقتل العمد الموجب للقصاص‪ ،‬على أساس أن عقوباتها جميعا مقدرة شرعا‪ .‬وقال ابن جزي‬
‫المالكي‪ :‬الجنايات أي الجرائم الموجبة للعقوبة ثلث عشرة‪ :‬وهي القتل والجرح‪ ،‬والزنا‪ ،‬والقذف‪،‬‬
‫وشرب الخمر ـ علما بأن كل مسكر خمر ـ والسرقة‪ ،‬والبغي‪ ،‬والحرابة‪ ،‬والردة‪ ،‬والزندقة‪ ،‬وسب‬
‫ال ‪ ،‬وسب النبياء والملئكة‪ ،‬وعمل السحر‪ ،‬وترك الصلة والصيام (‪. )1‬‬
‫وزيادة العدد في تقدير ابن جزي منشؤه ضم عقوبات تعزيرية ليس منصوصا عليها صراحة في‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬وإنما باجتهاد الفقهاء إجماعا‪ ،‬أو بالكثرية‪ ،‬علما بأن العقوبة واحدة وهي القتل في‬
‫القصاص‪ ،‬وفي الزندقة والسب والسحر وترك الصلة والصيام‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعزيرات‪ :‬وهي العقوبات غير المقدرة شرعا‪ ،‬وإنما فوض الشرع النظر في نوعها ومقدارها‬
‫إلى ولي المر (الدولة) لمعاقبة المجرم بما يكافئ جريمته‪ ،‬ويقمع عدوانه‪ ،‬ويحقق الزجروالصلح‪،‬‬
‫ويراعي أحوال الشخص والزمان والمكان والتطور‪ ،‬وذلك يختلف باختلف درجة الرقي وتحضر‬
‫المجتمعات‪ ،‬وتهذيب الجماعات وأحوال الناس في مختلف الزمنة والمكنة‪.‬‬
‫وأغلب العقوبات في القوانين الوضعية من قبيل التعزير‪ ،‬لنها مجرد تنظيم يراعى فيه ما يلئم‬
‫الجريمة وحال المجرم للزجر والصلح والتقويم والتهذيب‪ ،‬وتحقيق المن والستقرار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،344‬ط فاس‪.‬‬

‫( ‪)7/242‬‬

‫والتعزير يكون في كل جريمة ل حد فيها ول كفارة‪ ،‬سواء أكانت اعتداء على حق ال تعالى‪ ،‬كالكل‬
‫في نهار رمضان بغير عذر‪ ،‬وترك الصلة في رأي الجمهور‪ ،‬والربا وطرح النجاسة وأنواع الذى‬
‫في طريق الناس‪ ،‬أم على حق الفراد أو العباد‪ ،‬كتقبيل الجنبية أو المفاخذة‪ ،‬وسرقة ما دون النصاب‬
‫الشرعي (دينار أوعشرة دراهم في رأي الحنفية) والسرقة من غير حرز‪ ،‬وخيانة المانة‪ ،‬والرشوة‪،‬‬
‫والقذف والسب واليذاء بغير ألفاظ القذف‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬إن المعاصي ثلثة أنواع‪ :‬نوع فيه الحد ول كفارة فيه‪ ،‬كالسرقة والشّرب والزنا‬
‫والقذف‪ ،‬فالحد فيه مغنٍ عن التعزير‪ .‬ونوع فيه الكفارة ول حد فيه كالوطء في نهار رمضان عند‬
‫الشافعية والحنابلة بعكس الحنفية والمالكية‪ ،‬والوطء في الحرام‪ .‬ونوع ثالث ل حد فيه ول كفارة‪،‬‬
‫مثل قبلة الجنبية والخلوة بها‪ ،‬ودخول الحمام بغير مئزر‪ ،‬وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا النوع فيه التعزير‪ ،‬ول يجوز للمام تركه في قول الجمهور‪ ،‬وقال الشافعية‪ :‬إنه راجع إلى‬
‫اجتهاد المام في إقامته وتركه‪ ،‬كما يرجع إلى اجتهاده في قدره (‪. )1‬‬
‫والعقوبات التعزيرية كالتوبيخ‪ ،‬والحبس‪ ،‬والضرب‪ ،‬والتغريم بالمال‪ ،‬والقتل سياسةً لمعتادي الجرام‬
‫وفي جرائم أمن الدولة والتجسس واللواط وسب النبي صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬ونحو ذلك مما يراه‬
‫الحاكم ولي المر رادعا للشخص‪ ،‬بحسب اختلف حالت الناس والزمان والمكان ودرجة الرقي‬
‫والحضارة‪.‬‬
‫وتطبيق هذه العقوبات دون إفساح المجال للتحايل والشفاعة والرشوة يؤدي إلى القلل من الجريمة أو‬
‫منعها‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن تطبيق الحدود الشرعية بمعاييرها وضوابطها وشرائطها والتعازير دون تلكؤ ول‬
‫مجاملة‪ ،‬ومراعاة التفاوت بين موجب الحد وموجب التعزير‪ ،‬يؤدي إلى تحقيق سلمة المجتمع‪ ،‬وأمن‬
‫الناس واستقرارهم‪ ،‬والقضاء على ظاهرة الجرام تدريجيا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أعلم الموقعين‪.99/2 :‬‬

‫( ‪)7/243‬‬

‫خامسا ‪ -‬تطبيق مبادئ السياسة الجنائية السلمية ‪:‬‬


‫إن تطبيق أصول السياسة الجنائية السلمية يعرفنا على الوسائل وأهداف العقوبة وغاياتها المنشودة‬
‫ومدى تأثيرها في قمع الجرام على وفق التصور التالي‪:‬‬
‫تقويم المجرم‪ :‬إن الهدف من العقوبة في الشريعة والنظمة الوضعية هو تقويم المجرم‪ ،‬ومعنى هذا‬
‫المبدأ أن ألم العقوبة ليس غاية في ذاته‪ ،‬وإما هو وسيلة إلى غاية‪ ،‬هي تقويم الجاني‪ ،‬فل داعي ل يلم‬
‫المجرم أوإذلله‪ ،‬ول تكليفه بعمل في السجن‪ ،‬ما لم يكن وراء ذلك تقويم المجرم (‪. )1‬‬
‫العقاب ليس مقصودا لذاته‪ :‬ليس أصل العقاب أيضا غاية مقصودة لذاتها في مفهوم السلم‪ ،‬وليس هو‬
‫أولى وسائل الصلح والتهذيب الفردي والجماعي‪ ،‬وإحداث التغيير الجذري في حياة الناس‬
‫والمجتمع‪ ،‬وإنما هو آخر الوسائل إذا استعصت الحلول‪ ،‬كما أن آخر الدواء الكي في عرف العرب‬
‫في الماضي‪.‬‬
‫النذار السابق‪ :‬إذا أردنا التوصل إلى غاية العقوبة فيجب تقديم البيان الكافي للقتناع بسلمة المبدأ أو‬
‫تنفيذ الحكام وطاعة الشريعة‪ ،‬فكما ل يصح اليمان بالقهر والكراه من غير استدامة عليه‪ ،‬وكما ل‬
‫يتعين الجهاد بالقتال‪ ،‬وربما كان الفيد هو القناع والبرهان‪ ،‬والدعوة والرشاد‪ ،‬والكلمة الطيبة‪،‬‬
‫والموعظة الحسنة‪ ،‬كذلك ل يلجأ إلى العقاب دائما‪ ،‬ويقبح العقاب ول يسوغ بحال بل بيان وإنذار‬
‫وتحذير‪ ،‬كما أن الثواب والجزاء ل يكون قبل التكليف الشرعي القائم على توافر الهلية من العقل‬
‫الكافي والبلوغ الجسدي‪ ،‬وإصدار الوامر والنواهي وتعليل الحكام الشرعية‪ ،‬وبيان الحكمة‬
‫التشريعية‪ ،‬فإن كل العقلء يستهجنون توجيه اللوم والعتاب‪ ،‬وتطبيق العقوبة والعذاب‪ ،‬دون سبق‬
‫هداية أو إنذار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجريمة والتنمية‪ ،‬د‪/‬حسن درويش‪ :‬ص ‪.102‬‬

‫( ‪)7/244‬‬

‫لذا قدم ال سبحانه للناس جميعا كل وسائل القناع‪ ،‬والبراهين العقلية والحسية‪ ،‬والرشاد إلى اليمان‬
‫الصحيح وتوحيد ال ‪ ،‬ونبذ كل هياكل الوثنية والشرك‪ ،‬ثم أرشدهم إلى ما فيه السعادة في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ودلهم على طرق الخير والبر والحسان‪ ،‬ونوّع الساليب‪ ،‬وألقى المواعظ والعبر‪ ،‬وضرب‬
‫المثال من قصص المم الغابرة‪ ،‬وشد النظار نحو التأمل في الكون‪ ،‬ونبّه العقول والفكار‪ ،‬وأيقظ‬
‫الضمير والوجدان‪ ،‬وأهاب باستقلل الشخصية عن الخرين‪ ،‬وحارب الموروثات السيئة والتقليد‬
‫العمى للباء والجداد‪ ،‬من أجل تغيير العقيدة الفاسدة أو المشوهة أو المنعدمة وإصلح الخلق‪،‬‬
‫ووضع النظمة الصالحة للحياة الهانئة السعيدة المستقرة‪ ،‬والتخلص من فوضى الجاهلية‪ ،‬والوثنية‬
‫الدينية‪.‬‬
‫التدرج في الصلح‪ :‬في حال البيان السابق تدرج القرآن في خطوات الصلح الجتماعي والفردي‪،‬‬
‫ولم يفاجئ الناس بجميع بنود التغيير والصلح‪ ،‬وإنما روّضهم على تقبل أحكام الشريعة ببطء‬
‫وانتظار وقت غير قصير‪ ،‬فلما استحكم العناد بالزعماء والقادة والكبراء‪ ،‬واستكبروا عن سماع الحق‪،‬‬
‫والصغاء للفضل‪ ،‬وتكررت منهم محاولت العتداء على أهل القرآن واليمان‪ ،‬وتعذيب‬
‫المستضعفين‪ ،‬وفتنة التباع الضعفاء لمدة ثلثة عشر عاما في مكة‪ ،‬بعد أن حصل منهم كل هذا‬
‫وغيره‪ ،‬تنزلت آيات الوحي ملى بالزجر والقوة والتهديد والوعيد‪ ،‬والنذار بالعقاب والتحذير من‬
‫تعجيل العذاب الشديد‪ ،‬فأعذر الحق سبحانه وتعالى نفسه من هؤلء المعاندين المعرضين علوا في‬
‫الرض واستكبارا ومكرا سيئا‪ ،‬وحفاظا على الزعامات والرياسات والمصالح المادية‪ ،‬وتبين للناس‬
‫قاطبة أن شيئا سيحدث‪ ،‬وأن المقصرين والمعرضين عن إجابة نداء الوحي والقرآن بالصلح‬
‫والقلع عن الجريمة جديرون بالتأديب مستحقون للعقاب‪.‬‬

‫( ‪)7/245‬‬

‫أدلة وجوب البيان السابق‪ :‬تم العلن الشهير في آي القرآن عن قبح العقاب بل بيان‪ ،‬فقال ال تعالى‪:‬‬
‫{رسلً مبشرين ومنذرين‪ ،‬لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل} [النساء‪ ]165/4:‬ثم أوضح‬
‫القرآن كل ما يقطع العذار والمهال والتراخي في الستجابة لرسالة الصلح‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ولو أنا‬
‫أهلكناهم بعذاب من قَبْله‪ ،‬لقالوا‪ :‬ربّنا لول أرسلت إلينا رسولً‪ ،‬فنتّبِع آياتِك من قبل أن َنذِل و َنخْزَى}‬
‫[طه‪ ]134/20:‬وقدّم سبحانه العذر قبل مفاجأة العذاب الخروي‪ ،‬فقال‪{ :‬كلما ألقي فيها فوج‪ ،‬سألهم‬
‫خزنتها‪ :‬ألم يأتكم نذير؟ قالوا‪ :‬بلى قد جاءنا نذير فكذّبنا وقُلْنا‪ :‬مانزّل ال من شيء‪ ،‬إن أنتم إل في‬
‫ضلل كبير} [المُلك‪ ]9-8/67:‬ونفى القرآن الكريم احتمال تطبيق العقاب قبل بعثة الرسل المزوّدين‬
‫بأنواع الهداية‪ ،‬والتعريف بأصول الحياة المستقيمة والزدهار والحضارة والرشاد إلى أرقى النظمة‪،‬‬
‫فقال ال تعالى‪{ :‬وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولً} [السراء‪.]15/17:‬‬
‫وسواء قلنا‪ :‬إن الرسول‪ :‬هو المرسل بهداية إلهية ومواعظ سماوية وأحكام تشريعية‪ ،‬وهو الحق‬
‫المتبادر إلى الذهن‪ ،‬وهوقول جمهور المسلمين‪ ،‬أو إن الرسول هو العقل‪ ،‬كما يقول المعتزلة‪ ،‬فإن‬
‫العقل ل يعدو أن يكون أحد وسائل الهداية اللهية؛ لن الهداية أنواع‪ :‬هداية ال وتوفيقه وعونه‪،‬‬
‫وهداية الحواس من السمع والبصر والفؤاد وهداية العقل والفكر‪ ،‬وكل هذه النواع مقدمة على‬
‫الحساب والعقاب والتكليف وتنفيذ النظام أو القانون اللهي‪.‬‬

‫( ‪)7/246‬‬

‫أدلة التسامح في العقاب‪ :‬مما يدل على عدم الحرص الشديد في الشريعة على تطبيق العقاب كما ذكر‬
‫سابقا‪ :‬أن القرآن في مجال تبيان مهام النبياء والرسل جعل العقوبة أو القوة آخر ما يلجأ إليه في‬
‫أساليب الحكم في السلم‪ ،‬فقال ال تعالى‪{ :‬لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات‪ ،‬وأنزلنا معهم الكتاب والميزانَ‪،‬‬
‫ليقوم الناسُ بالقِسْط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافعُ للناس‪ ،‬وليعلمَ ال من ينصره ورسله بالغيب‬
‫إن ال قويّ عزيز} [الحديد‪ ]25/57:‬قرن ال سبحانه إنزال الكتب والمر بالعدل بإنزال الحديد‪ ،‬إشارة‬
‫إلى أن الكتاب يمثل القوة التشريعية‪ ،‬والعدل يمثل القوة القضائية‪ ،‬وإنزال الحديد‪ ،‬وهو آخر السس‪،‬‬
‫يمثل القوة التنفيذية المؤيدة للحكام التشريعية‪ ،‬سواء بعقوبة المجرمين في داخل الدولة السلمية أو‬
‫بعقوبة المعتدين غير المسلمين خارج حدود الدولة بالجهاد واستخدام السلح‪ ،‬والستعداد للقتال‪ ،‬لن‬
‫الستعداد للحرب يمنع الحرب في العرف الشائع‪ ،‬قال المام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين في‬
‫تفسيره المشهور عند هذه الية‪ :‬يقول ال تعالى في الية السالفة‪ :‬لقد أرسلنا رسلنا بالمفصّلت من‬
‫البيان والدلئل وهذا هو الول‪ ،‬وأنزلنا معهم الكتاب بالحكام والشرائع‪ ،‬وهذا هو الثاني‪ ،‬والميزان‬
‫بالعدل‪ ،‬وهذا هو الثالث‪ ،‬وأنزلنا الحديد‪ ،‬وهذا هو الرابع‪ ،‬لما فيه من قوة شديدة ومنافع للناس‪ ،‬وذلك‬
‫ما ينتفعون به عند لقائهم العدو‪ ،‬وغير ذلك من منافعه‪.‬‬

‫( ‪)7/247‬‬

‫التوبة‪ :‬كما أن هداية ال سبقت إنذاراته وتهديداته وعقوباته‪ ،‬كذلك بعد ارتكاب الجرم أو الذنب سبقت‬
‫رحمته غضبه وسخطه‪ ،‬ولم يكن السلم في كل تشريعاته حريصا على إنزال العقوبة الصارمة فورا‬
‫بالمخطئين‪ ،‬وإنما ترك لهم فرصة للصلح الداخلي النابع من القناعة الذاتية‪ ،‬والرضا بالقلع عن‬
‫الجريمة‪ ،‬والندم والتوبة المكفّرة للذنوب‪ ،‬حتى إن التوبة في رأي فقهاء الحنابلة‪ ،‬وعلى رأسهم المام‬
‫أحمد رحمه ال تسقط جميع العقوبات من الحدود وغيرها‪،‬من غير اشتراط مضي زمان؛ لقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬التائب من الذنب كمن ل ذنب له» (‪ )1‬وقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬التوبة تجبّ‬
‫ما قبلها» (‪ )2‬ولن في إسقاط الحد ترغيبا في التوبة‪ ،‬وذلك ما عدا حد القذف‪ ،‬فإنه ل يسقط‪ ،‬لنه‬
‫حق آدمي‪ ،‬أو حق شخصي‪ .‬ول خلف بين العلماء في أن المحاربين أو قطاع الطرق إن تابوا قبل‬
‫القدرة عليهم‪ ،‬وإلقاء سلطة القبض عليهم‪ ،‬تسقط عنهم حدود ال تعالى من قتل‪ ،‬وقطع يد ورجل من‬
‫خلف‪ ،‬ونفي وصلب؛ لقوله تعالى في آية المحاربين‪{ :‬إل الذين تابوا من قبل أن َتقْدِروا عليهم‬
‫فاعلموا أن ال غفورٌ رحيمٌ} [المائدة‪.]34/5:‬‬
‫ولقد اشتد غضب النبي صلّى ال عليه وسلم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر أمامه بالزنا‪،‬‬
‫وأعرض عنه ثلث مرات‪ ،‬وأظهر الكراهية من قوله‪ ،‬بل لقنه الرجوع عن القرار بالزنا بقوله‪:‬‬
‫«لعلك مسستها‪ ،‬لعلك قبّلتها!» وقال لصحابه حينما هرب ماعز أثناء رجمه‪ ،‬فاتبعوه‪« :‬هل تركتموه‪،‬‬
‫لعله أن يتوب‪ ،‬فيتوب ال عليه» (‪. )3‬‬
‫الشبهة‪ :‬إن الشبهة بأنواعها العديدة في الجريمة‪ ،‬سواء أكانت شبهة في الفعل‪ ،‬أم شبهة في الفاعل‪ ،‬أم‬
‫شبهة في المحل‪ ،‬تدرأ الحدود وتسقطها (‪ )4‬؛ لقوله‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬والطبراني في الكبير والبيهقي عن ابن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعروف أن التوبة تصح بالسلم‪ ،‬والسلم يجب ماكان قبله كما في الحديث الذي رواه ابن‬
‫سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم‪ ،‬وضعفه السيوطي‪ ،‬أما حديث « التوبة تجب ماقبلها » فهو‬
‫مذكور في مغني المحتاج للخطيب‪ ،184/4 :‬والمغني لبن قدامة‪ ،201/9 :‬وتؤيده أحاديث في معناه‬
‫في مجمع الزوائد‪ 199/10 ،31/1 :‬ومابعدها‪ ،‬منها حديث « الندم توبة » رواه الطبراني في الصغير‬
‫عن أبي هريرة‪ ،‬ورجاله وثقوا‪ ،‬وفيهم خلف‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه‪ ،‬ورواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير‪ ،147 ،140/4 :‬البدائع‪ ،36/7 :‬حاشية ابن عابدين‪.165/3 :‬‬

‫( ‪)7/248‬‬

‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ادرأوا الحدود بالشبهات‪ ،‬ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم» (‪. )1‬‬
‫«ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيله‪ ،‬فإن المام لن‬
‫يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» (‪ . )2‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من نحفظ عنه من‬
‫أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات‪ ،‬فمن زنى أو سرق أو شرب خمرا جاهلً بالتحريم بأن أسلم‬
‫حديثا أو نشأ في بلد بعيد عن العلما ء أو سرق الدائن من مدينه مايعادل دينه‪ ،‬ولو كان الدين مؤجلً‪،‬‬
‫أو سرق الضيف من مضيفه‪ ،‬أو سرق أحد الزوجين من الخر‪ ،‬أو سرق الشخص من أحد أقاربه‬
‫المحارم‪ ،‬أو ادعى المتهم وجود زوجية بينه وبين امرأة‪ ،‬فل يقام عليه الحد؛ لن الشبهة تجعل له‬
‫معذرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عدي عن ابن عباس‪ ،‬وأخرجه مسدّد في مسنده موقوفا على ابن مسعود‪ ،‬وهو حسن‪،‬‬
‫وأخرجه آخرون مرفوعا مرسلً‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة وغيرها‪ ،‬وفيه ضعيف‪ ،‬لكن له طرق يقوي بعضها‬
‫بعضا‪ ،‬قال البيهقي‪ :‬الموقوف أقرب إلى الصواب‪.‬‬

‫( ‪)7/249‬‬

‫تقدير المخاوف والمخاطر‪ :‬هناك بواعث داخلية نفسية ودينية كثيرة تبعث النفس على القلع عن‬
‫الخطيئة‪ ،‬وهي مقبولة عرفا وقضاءً‪ ،‬أهمها الشعور بالندم‪ ،‬والخوف من عقاب ال وعذابه في الخرة‪،‬‬
‫وخشية ال في السر والعلن‪ ،‬والحياء من ال ومن الناس‪ ،‬ومن رقابة السلطة أو الدولة‪ ،‬وتقدير مخاطر‬
‫الزج في قيعان السجون والتشهير وتشويه السمعة بالمثول أمام القضاء‪ ،‬ومحاكم الجنايات والجرائم‪،‬‬
‫والتأثير على مورد المعيشة بالفصل من العمل أو الوظيفة مثلً‪ ،‬وسقوط العتبار وسوء السمعة بين‬
‫الناس‪ ،‬وغير ذلك من المثبّطات التي تضعف روح القدام على الجريمة‪ ،‬وكلها من الدواعي‬
‫والسباب المانعة من الجرام‪ .‬كما أن تنمية الوازع الديني وإذكاء العاطفة والحرارة الدينية‪ ،‬والتربية‬
‫الخلقية التي يغرسها‬
‫السلم في نفوس المؤمنين‪ ،‬كلها عوامل أيضا لضغاف بواعث القدام على الجريمة‪ ،‬والصد عن‬
‫اقتراف المعصية حتى يكاد ذلك كله يمنع النحراف‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن نسبة الجرائم في‬
‫البلد السلمية أقل عددا‪ ،‬وأخف خطرا‪ ،‬وأرقى نوعا مما نسمعه ونشاهده من جرائم عديدة ومتنوعة‬
‫في البلد المتطورة أو المتقدمة المتمدنة حديثا كما سبق بيانه‪.‬‬

‫( ‪)7/250‬‬

‫المل في العفو‪ :‬هناك آمال معقودة في القضاء يقرها الشرع عند النظر في التهمة‪ ،‬بإصدار الحكم‬
‫بالبراءة لعدم ثبوت أو كفاية الدلة‪ ،‬أو العفو من الحاكم أو رئيس الدولة‪ ،‬أو بإسقاط المدعي حقه‬
‫الشخصي‪ ،‬أو بحكم القاضي بوقف التنفيذ أو تأجيل تنفيذ الحكم الجزائي‪ ،‬أو بإعطاء القاضي سلطة‬
‫تقديرية مرنة في اللجوء إلى أخف العقوبات‪ ،‬أو العفو عنها في نطاق التعزيرات «أي العقوبات‬
‫المفوضة إلى رأي القضاة نوعا ومقدارا» في غير دائرة الحدود أو بالتخيير بين حدين أدنى وأعلى‪،‬‬
‫وهي دائرة واسعة تشمل أكثر الجرائم‪ ،‬وتكاد تكون عقوبات القوانين الجزائية كلها والمطبقة في البلد‬
‫العربيةوالسلمية‪ ،‬تدخل تحت اسم التعزيرات‪ ،‬كما أن احتمالت العفو من صاحب الحق الشخصي‬
‫كثيرة‪ ،‬لترغيب القرآن الكريم بالعفو والصفح‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬والكاظمين الغيظ‪ ،‬والعافين عن الناس‪،‬‬
‫وال يحب المحسنين} [آل عمران‪ ]134/3:‬وقال تعالى‪{ :‬وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة‪.]237/2:‬‬
‫حكمة تنوع العقاب‪ :‬اقتضت الحكمة اللهية كما تقدم أن يكون العقاب في السلم نوعين‪ :‬العقاب‬
‫الخروي‪ ،‬والعقاب الدنيوي‪.‬‬

‫( ‪)7/251‬‬

‫الول‪ :‬الذي هو أشد وأنكى وأدوم وأخطر مؤجل أو مرجأ لنهاية الحياة النسانية‪ ،‬كما عرفنا‪ ،‬لعطاء‬
‫الفرصة الكافية أمام البشر عبر مسيرة حياتهم لتدارك ما قصروا فيه‪ ،‬وإصلح ما أفسدوه‪،‬وتصحيح‬
‫ما أخطؤوا فيه‪ ،‬والقلع عن كل مخالفة تغضب ال عز وجل‪ .‬ولعل أخطر ما تجب ملحظته أن‬
‫أخطر الجرائم في السلم من شرك أو كفر أو نفاق‪ ،‬ل تعجل عقوبته في الدنيا‪ ،‬كما عرفنا‪ ،‬وإنما‬
‫أرجأ ال الفصل في أمره إلى عالم الخرة‪ ،‬جريا على سنة ال تعالى في خلقه‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وربّك‬
‫الغفور ذو الرّحْمة‪ ،‬لو يؤاخذهم بما كَسَبوا‪ ،‬لعجّل لهم العذابَ‪ ،‬بل لهم موعدٌ‪ ،‬لن يجدوا من دونه‬
‫َموْئلً‪ ،‬وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا‪ ،‬وجعلنا ِل َمهِْلكِهم موعدا} [الكهف‪ .]59-58/18:‬وهذا دليل‬
‫واضح على أنه ليس العدل فوق الرحمة أو على العكس‪ ،‬وإنما العدل والرحمة قرينان‪ ،‬لكن الرحمة‬
‫س َعتْ كلّ شيء‪[ }...‬العراف‪:‬‬
‫فوق القوة‪ ،‬ورحمة ال وسعت كل شيء‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬ورحمتي و ِ‬
‫ت كلّ شيء رحمة ً وعلما‪[ }...‬غافر‪.]7/40:‬‬
‫س َع ْ‬
‫‪ ]156/7‬وقال سبحانه‪{ :‬ربّنَا وَ ِ‬

‫( ‪)7/252‬‬

‫وبالرغم من ترك العقاب الدنيوي على الشرك ما لم يقترن بالعدوان أو الشاعة والترويج بين الناس‪،‬‬
‫فإن ال سبحانه إعذارا وإنذارا وإبعادا للوم والعقاب‪ ،‬حذر تحذيرا شديدا من الشرك‪ ،‬وجعله قمة‬
‫الجرائم ورأس الكفر وذروة الكفر وذروة الطغيان‪ ،‬وسمى القرآن أداة الشرك وهي الصنام والشيطان‬
‫طاغوتا‪ ،‬فقال ال تعالى‪{ :‬إن ال َ ل َي ْغفِرُ أن يُشْ َركَ به و ِيغْفِرُ ما دُون ذلك لمن يشاء ُ‪ ،‬ومن ُيشْ ِركْ‬
‫بال ‪ ،‬فقد افترى إثما عظيما} [النساء‪ ]48/4:‬وقال سبحانه‪{ :‬ل إكراهَ في الدّين قد تبيّن الرشدُ من‬
‫الغيّ‪ ،‬فمن يكفرْ بالطاغوت‪ ،‬ويؤمنْ بال ‪ ،‬فقد استمسك بالعُرْوةِ الوثقى‪ ،‬ل انفصامَ لها‪ ،‬وال ُ سميعٌ‬
‫عليم} [البقرة‪ ]256/2:‬وقال عزّ وجل‪{ :‬والذين كفروا أولياؤهم الطاغوتُ‪[ }..‬البقرة‪ ]257/2:‬وقال‬
‫سبحانه {الذين آمنوا يُقاتِلون في سبيلِ ال ‪ ،‬والذين كفَروا يقاتلون في سبيل الطاغوت‪[ }..‬النساء‪:‬‬
‫‪ :]76/4‬والطاغوت‪ :‬كل ماعبد من دون ال ‪ .‬والنفاق كالشرك جرم عظيم‪ ،‬لذا أنذر الحق سبحانه‬
‫جماعة المنافقين بما ينتظرهم من أشد العذاب‪ ،‬فقال‪{ :‬إن المنافقين في الدَرْك السفل من النار‪ ،‬ولن‬
‫تجدَ لهم نصيرا} [النساء‪.]145/4:‬‬
‫وكذلك العقاب على كثير من الرذائل الخلقية المشينة والموقعة في أشرار كثيرة مؤجل تنفيذه إلى ا‬
‫لخرة‪ ،‬مثل الحسد والحقد والنميمة والسعاية بالفساد بين الناس أو إلى الحاكم ظلما‪ ،‬والغيبة‪ ،‬وعقوق‬
‫الوالدين‪ ،‬وشهادة الزور التي لم يكشف أمرها ونحو ذلك‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬

‫( ‪)7/253‬‬

‫وأما العقاب الدنيوي‪ :‬فليس مرادا به التنكيل والتشفي وإلحاق الضرر بالبنية النسانية‪ ،‬وإنما يستهدف‬
‫الزجر والتهديد والصلح والتنفير من الجريمة‪ ،‬بل إن ال تعالى لم يوقع عقوبة دنيوية على المنافقين‬
‫بالرغم من أخطارهم الشديدة على الدولة والمجتمع‪ ،‬وبخاصة وقت الزمات والحروب‪ .‬وما أحسن ما‬
‫قاله الجصاص الرازي عند بيان عقوبة المنافقين الخروية في الية التي هي‪{ :‬إن المنافقين في الدّرك‬
‫السفل من النار} [النساء‪:]145/4:‬‬
‫ومع ما أخبر بذلك من عقابهم وما يستحقونه في الخرة‪ ،‬خالف بين أحكامهم وأحكام سائر المظهرين‬
‫للشرك‪،‬في رفع القتل عنهم‪ ،‬بإظهارهم اليمان‪ ،‬وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث وغير ذلك‪،‬‬
‫فثبت أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الجرام‪ ،‬وإنما هي على ما يعلم ال من المصالح‬
‫فيها‪ ،‬وعلى هذا أجرى ال تعالى أحكامه‪ ،‬فأوجب رجم الزاني المحصن‪ ،‬ولم يزل عنه الرجم بالتوبة‪،‬‬
‫أل ترى إلى قوله عليه الصلة والسلم في ما عز بعد رجمه‪ ،‬وفي الغامدية بعد رجمها‪« :‬لقد تاب‬
‫توبة لو تابها صاحب مكس ـ جمارك ظالمة ـ لغفر له» ‪ .‬والكفر أعظم من الزنا‪ ،‬ولو كفر رجل ‪،‬‬
‫سلَف} ‪[.‬النفال‪.]38/8:‬‬
‫ثم تاب قبلت توبته‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬قل للذين كفروا‪ ،‬إن ينتهوا ُيغْفَرْ لهم ما قد َ‬
‫وحكم في القاذف بالزنا بجلد ثمانين‪ ،‬ولم يوجب على القاذف بالكفر الحد‪ ،‬وهو أعظم من الزنا‪.‬‬
‫وأوجب على شارب الخمر الحد‪ ،‬ولم يوجبه على شارب الدم وآكل الميتة‪ ،‬فثبت بذلك أن عقوبات‬
‫الدنيا غير موضوعة على مقادير الجرام‪ ،‬ولنه لما كان جائزا في العقل أل يوجب في الزنا والقذف‬
‫والسرقة حدا رأسا‪ ،‬ويكل أمرهم إلى عقوبات الخرة‪ ،‬جاز أن يخالف بينها‪ ،‬فيوجب في بعضها أغلظ‬
‫ما يوجب في بعض‪ ،‬ولذلك قال أصحابنا (أي الحنفية)‪« :‬ل يجوز إثبات الحدود من طريق المقاييس‪،‬‬
‫وإنما طريق إثباتها التوقيف أو التفاق» أي أن العقوبة ل تثبت إل بالنص عليها ل بالجتهاد (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أحكام القرآن للجصاص‪.27-26/1 :‬‬

‫( ‪)7/254‬‬

‫وهذا مطابق لقول القانونيين‪« :‬ل جريمة ول عقوبة إل بالنص» ‪.‬‬


‫الشعور القوي بضرورة التطهر من الذنب‪ :‬تمتاز شريعة ال بأنها تلقي في نفس النسان شعورا قويا‬
‫بمخاطر الجريمة أو المعصية‪ ،‬وإحساسا متدفقا بضرورة تطهير نفسه من آثار الذنب‪ ،‬فيبادر إلى ا‬
‫لقرار بالجريمة‪ ،‬كما فعلت المرأة الغامدية حين اعترفت بالزنا في حال حياة النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكذا امرأة العسيف (الجير) وماعز ابن مالك السلمي‪ .‬ورُجم الكل (‪ ، )1‬إحساسا منهم‬
‫بضرورة التطهر من أثر المعصية‪ .‬وهذا الشعور يولد الخوف من اقتراف الجريمة‪ ،‬وينمي ذلك‬
‫الشعور معرفة فضل ال بعدم تكرار العقوبة الخروية‪ ،‬في رأي أكثر العلماء غير الحنفية القائلين بأن‬
‫الحدود جوابر للمسلم تسقط عقوبتها في الخرة إذا استوفيت في الدنيا‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«من أصاب حدا‪ ،‬فعُجِّل عقوبته في الدنيا‪ ،‬فال أعدل من أن يُثنّي على عبده العقوبة في الخرة‪ ،‬ومن‬
‫أصاب حدا فستره ال وعفا عنه‪ ،‬فال أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه» (‪. )2‬‬
‫حكمة العقاب في ذاته‪ :‬تبين مما سبق أن الحكمة من الحدود والتعزيرات في شريعة ال واضحة‬
‫الهداف‪ ،‬وهي تقويم المجرم وإصلح حاله ومنعه من العود أو التكرار‪ ،‬وزجر الناس وردعهم عن‬
‫اقتراف تلك الجرائم المخلة بأمن الجماعة ومصالحها‪ ،‬وصيانة المجتمع من ألوان الفوضى والفساد‪،‬‬
‫وتطهير النفوس الجانحة أو المنحرفة من آثار الذنوب والمعاصي‪ ،‬التي تؤثر في صفاء القلب‪،‬‬
‫وطهارة النفس‪ ،‬وتركيز الضمير‪ ،‬وترقية الوجدان وإذكاء الشعور النساني بمراعاة حقوق الخرين‪،‬‬
‫والبعد عن مختلف أنواع الذى والضرر‪ ،‬قال ابن تيمية رحمه ال ‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ثبت ذلك بالحاديث الصحيحة عند البخاري ومسلم وأحمد والموطأ والدارقطني وغيرهم (جامع‬
‫الصول‪ ،279/4 :‬نصب الراية‪ ،314/3 :‬نيل الوطار‪.)111/7 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه (جامع‬
‫الصول‪.)349/4 :‬‬

‫( ‪)7/255‬‬

‫من رحمة ال سبحانه وتعالى‪ :‬أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض‪،‬‬
‫في النفوس والبدان والعراض والموال والقتل والجرح والقذف والسرقة‪ ،‬فأحكم سبحانه وتعالى‬
‫وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة‬
‫الردع والزجر‪ ،‬مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع‪ ،‬فلم يشرع في الكذب قطع اللسان‪،‬‬
‫ول القتل‪ ،‬ول في الزنا الخصاء‪ ،‬ول في السرقة إعدام النفس‪ ،‬وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب‬
‫أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته‪ ،‬ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب‪ ،‬وتنقطع الطماع عن‬
‫التظالم والعدوان‪ ،‬ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه‪ ،‬فل يطمع في استلب غيره حقه (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬السياسة الشرعية لبن تيمية‪ :‬ص ‪ ،98‬ورسالته في القياس‪ :‬ص ‪ .85‬ولبن القيم قول مشابه لهذا‬
‫في أعلم الموقعين‪ 107 ،95/2 :‬وما بعدها‪ ،‬وكذا لعز الدين بن عبد السلم شيخ السلم في قواعد‬
‫الحكام‪.165-163/1 :‬‬
‫( ‪)7/256‬‬

‫يمكننا في ضوء ما تقدم بيان أهداف أو غايات العقوبة في شريعة ال تعالى بإيجاز فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الزجر والردع‪ :‬إن في تطبيق العقوبة الشرعية زجرا للمتهم ولمثاله من القدام على الجريمة‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وذلك يساهم إلى حد كبير في إضعاف وتقليل نسبة الجريمة؛ لن الحكمة من العقوبات أو‬
‫الحدود الشرعية كما تبين هي زجر الناس‪ ،‬وردعهم عن اقتراف الجرائم الموجبة لها‪ ،‬وصيانة‬
‫المجتمع عن ممارسة ألوان الفساد‪ ،‬والتخلص من ظاهرة الجرام بقدر المكان‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصلح والتهذيب والتقويم‪ :‬إن من أهداف العقوبة أيضا هو إصلح النفوس‪ ،‬وتهذيب الحواس‪،‬‬
‫وإقناع المتهم بخطئه‪ ،‬وحماية الجماعة من طبائع النفوس الشريرة‪ ،‬وليس تأديب المجرم بقصد النتقام‬
‫أو التشفي منه‪ ،‬قال الماوردي عن الحدود‪« :‬الحدود زواجر وضعها ال تعالى للردع عن ارتكاب ما‬
‫حظر‪ ،‬وترك ما أمر» (‪ . )1‬وقال عن التعازير (العقوبات المفوضة للحاكم) وعن الحدود أيضا‪« :‬إنها‬
‫تأديب واستصلح وزجر‪ ،‬يختلف بحسب اختلف الذنب» (‪. )2‬‬
‫‪ - 3‬محاربة الجريمة في ذاتها‪ :‬الجريمة في واقعها ضرر بالنفس وبالمال وبالجماعة‪ ،‬فهي وباء فتاك‬
‫أو نار تقتضي الحصر في أضيق نطاق ممكن للحد من آثارها الفاحشة‪ ،‬وعدم إشاعتها‪ ،‬حتى ل يتجرأ‬
‫الناس على اقتحامها‪ ،‬ويستسهلوا أمر اقترافها أو ارتكابها ويستمرئوا فعلها‪.‬‬
‫لذا كان العقاب عليها أمرا لزما‪ ،‬لستئصالها من جنبات المجتمع‪ ،‬قال الماوردي‪ :‬الجرائم محظورات‬
‫شرعية‪ ،‬زجر ال تعالى عنها بحد أو تعزير‪ ،‬ولها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحكام السلطانية‪ :‬ص ‪.213‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.223‬‬

‫( ‪)7/257‬‬

‫عند التهمة حال استبراء تقتضيه السياسة الدينية‪ ،‬ولها عند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجبه الحكام‬
‫الشرعية (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬منع عادة الخذ بالثأر‪ ،‬وإطفاء نار الغيظ لدى المعتدى عليه أو أقاربه‪ :‬إن عادة النتقام أو الخذ‬
‫بالثأر التي كانت سائدة في الجاهلية‪ ،‬والتي هي من طبائع النفوس‪ ،‬عادة قبيحة توسع من رقعة انتشار‬
‫الجريمة‪ ،‬وتطول غير المجرم غالبا‪ .‬لذا كان من حكمة السلم المبادرة إلى تطبيق العقوبة على‬
‫المجرمين‪ ،‬منعا من التورط في تلك العادة الذميمة‪ ،‬وإطفاءً لنار الحقد والغيظ المضطرمة في نفس‬
‫المعتدى عليه أو أقاربه‪.‬‬
‫ومن الحكمة أن تكون العقوبة من جنس الجريمة كالقصاص‪ ،‬أو أشد منها تحقيقا للمصلحة العامة‬
‫بالحفاظ على الموال والعراض والدماء والعقول‪ ،‬فل تكون المطالبة بإلغاء عقوبة العدام في‬
‫مصلحة أحد سواء المجتمع أو أقارب المجني عليه‪.‬‬
‫سادسا ـ مبادئ العقاب في الشريعة وما لها من أثر في تخفيف الجريمة ‪:‬‬
‫اشتملت الشريعة السلمية على مبادئ كثيرة تبدد المخاوف من تطبيقها في جانب العقوبات‪ ،‬وتقتلع‬
‫من بعض النفوس في ديار العرب والسلم وفي العالم الخارجي التهمة بقسوة أحكام الشريعة‪ ،‬وما‬
‫فيها من تنكيل وتعذيب تتنافى مع النسانية وأوضاع الحضارة الحديثة‪ ،‬وتعد هذه المبادئ صمّام أمان‬
‫لحقوق الناس الجتماعية‪ ،‬وقيودا على الحرية بمعناها المطلق‪ ،‬وحاجزا منيعا من الجريمة‪.‬‬
‫وهذه المبادئ التي تنطلق منها أنواع العقاب في الشريعة تلزم وجدان القاضي وضميره وشعوره‬
‫وأصوله في القضاء‪ ،‬وهي الرحمة والعدالة وحماية الكرامة النسانية‪ ،‬ورعاية المصالح العامة‬
‫والخاصة أو حقوق المجتمع والشخص معا‪ ،‬والمساواة بين الجريمة والعقوبة‪ ،‬وعدم الحرص على‬
‫توقيع العقوبة في ظل مبدأ الستر حيث ل مجاهرة ول إعلن بالفسق‪ ،‬والعفو عن المتهم في حالت‬
‫كثيرة‪ ،‬ودرء الحد بالشبهة‪ ،‬والتركيز على العقوبة في حال المجاهرة والعلن والمفاخرة بالمعصية‪،‬‬
‫والستخفاف بالقيم النسانية‪ ،‬وتحدي مشاعر المجتمع وإحساسه ونظامه العام وآدابه العامة‪.‬‬
‫أما مبدأ الرحمة‪ :‬فمراعى أصلً من الشرع حين وضع العقوبات‪ ،‬لن ال رحيم حقا بعباده ‪،‬قال ال‬
‫تعالى‪{ :‬كتب ربّكم على نفسه الرحمةَ} [النعام‪ ]6/54:‬وقال جل جلله‪{ :‬ورحمتي وسعت كلّ شيء}‬
‫[العراف‪.]156/7:‬‬
‫ووصف ال تعالى مهمة أو وظيفة نبيه محمد صلّى ال عليه وسلم بأنها رسالة الرحمة والهداية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫{وما أرسلناك إل رحمة للعالمين} [النبياء‪.]107/21:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.211‬‬

‫( ‪)7/258‬‬

‫والمقصود من الرحمة المرعية في العقاب والتطبيق القضائي‪ :‬الرحمة العامة بالجماعة‪ ،‬فينظر إلى‬
‫المصلحة العامة من ناحية المبدأ والحكم المطبق‪ ،‬بقطع النظر عن مصلحة كل شخص بعينه‪ .‬أما‬
‫التسامح الخاص والشفقة والرفق بالم بعينه‪ ،‬أو ما يسمى بالرأفة بالمتهم الذي ثبتت عليه الجريمة‪ ،‬فل‬
‫ينظر إليه‪ ،‬وتستبعد مراعاته ومحاولة إعفاء الجاني من العقوبة‪ ،‬لذا قال ال تعالى في تطبيق الحد‬
‫على الزناة‪{ :‬ول تأخذْكم بهما رأفةٌ في دينِ ال } [النور‪ ]2/24:‬فإذا ثبت الجرم وبلغ اللى الحاكم أو‬
‫القضاء فل مجال لترك العقوبه عليه‪ .‬أما في مجال التعاون العام من أجل الخير المشترك‪ ،‬والتضامن‬
‫في سبيل الصالح العام‪ ،‬والدفاع عن المة في مواجهة العدو الخارجي‪ ،‬فإن المجتمع السلمي مجتمع‬
‫متراحم متعاون‪ ،‬كما قال‬
‫مر إتهموما أرسل ال تعالى‪{ :‬محمدٌ رسول ُال ‪ ،‬والذين معه أشدّاء على الكفّار‪ُ ،‬رحَماء ُ بينهم‪}...‬‬
‫[الفتح‪ ]29/48:‬وسمة المسلم وشأنه وخاصيته الرحمة بالخرين‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في الرض‪ ،‬يرحمْكم من في السماء» (‪ )1‬وقال أيضا‪،‬‬
‫«من ل يرحم الناس ل يرحمه ال » (‪ )2‬وفي حديث آخر‪ « :‬ل تنزع الرحمة إل من شقي » (‪. )3‬‬
‫قال ابن تيمية رحمه ال ‪ :‬إن إقامة الحد من العبادات‪ ،‬كالجهاد في سبيل ال ‪ ،‬فينبغي أن يعرف أن‬
‫إقامة الحدود رحمة من ال بعباده‪ ،‬فيكون الوالي شديدا في إقامة الحد‪ ،‬ل تأخذه رأفة في دين ال‬
‫فيعطله‪ ،‬ويكون قصده رحمة الخلق‪ ،‬بكف الناس عن المنكرات لشفاء غيظه‪ ،‬وإرادة العلو على‬
‫الخلق‪ ،‬بمنزلة الوالد إذا أدّب ولده فإنه لو كف عن تأديب ولده‪ ،‬كما تشير به الم رقة ورأفة‪ ،‬لفسد‬
‫الولد‪ ،‬وإنما يؤدبه رحمة به‪ ،‬وإصلحا لحاله‪ ،‬مع أنه يود ويؤثر أل يحوجه إلى تأديب (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي ال عنه وهوصحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد والشيخان والترمذي عن جرير بن عبد ال رضي ال عنه وهو صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي ال عنه وهو حسن‪.‬‬
‫(‪ )4‬السياسة الشرعية لبن تيمية‪ :‬ص ‪.98‬‬

‫( ‪)7/259‬‬

‫وأما العدالة‪ :‬فتقتضيها موازين العقوبات العامة‪ ،‬ويوجبها إلزام السلطة الحاكمة بالعدل‪ ،‬حتى ل‬
‫تضطرب الموازين‪ ،‬ولئل يتجرأ المفسدون في الرض على متابعة فسادهم دون رقيب ول عتيد‪،‬‬
‫ولن مبدأ السلم أن كل إنسان مجزي بعمله‪ ،‬إن خيرا فخير‪ ،‬وإن شرا فشر‪ ،‬قال ال تعالى مبينا‬
‫مهام النبياء والمرسلين ووظائفهم العامة‪{ :‬لقد أرسلنا رُسلنا بالبيّنات‪ ،‬وأنزلنا معهم الكتابَ والميزانَ‪،‬‬
‫ليقوم الناسُ بالقِسْط‪ ،‬وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ‪ ،‬ومنافعُ للناس} [الحديد‪.]25/57:‬‬
‫والعدل و القسط بين الناس ملزم للرحمة الشاملة‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬فليست الرحمة فوق العدل‪ ،‬ول العدل‬
‫فوق الرحمة‪ ،‬كما ذكر سابقا‪ ،‬بدليل قول الحق سبحانه وتعالى‪{ :‬وربّك الغفورُ ذو الرحمةِ‪ ،‬لو يؤاخذُهم‬
‫بما كَسَبوا‪ ،‬لعجّل لهم العذابَ‪ ،‬بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلً} [الكهف‪.]58/18:‬‬
‫وحماية كرامة النسان‪ :‬أصل من أصول العقاب في السلم‪ ،‬فليس في الشريعة ما ينافي الكرامة‪ ،‬ول‬
‫تسمح الشريعة للحاكم باتخاذ عقوبات تخل بالشرف والمروءة والكرامة‪ ،‬فل يجوز ضرب العضاء‬
‫الحساسة المخوفة التي قد تؤدي إصابتها إلى القتل‪ ،‬كالوجه والرأس والصدر والبطن والفرج‬
‫والعضاء التناسلية‪ ،‬لما روي عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه أنه قال‪« :‬ليس في هذه المة مدٌ‬
‫ول تجريد ول غَل ول صفد » (‪ )1‬وجلد أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلم ينقل عن أحد‬
‫منهم م ّد ول تجريد‪ ،‬ول ينزع عن المجلود ثيابه‪ ،‬بل يكون عليه الثوب والثوبان (‪. )2‬‬
‫ومن مظاهر حماية الكرامة النسانية تحريم التمثيل أو الممثلة بالقتيل‪ ،‬ولو كان من العداء‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪{ :‬ولقد كرّمنا بني آدم‪[ }...‬السراء‪ .]70/17:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال كتب‬
‫الحسانَ على كل شيء‪ )3( »...‬ونهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن المُثْلة والنهبى‪ ،‬وفي وصية أبي‬
‫بكر الصديق رضي ال عنه ليزيد بن أبي سفيان‪« :‬ول تمثّلوا» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني‪ ،‬قال الهيثمي‪ :‬وهو منقطع السناد‪ ،‬وفيه جويبر‪ ،‬وهو ضعيف (مجمع الزوائد‪:‬‬
‫‪ .)253/6‬والغل بالفتح‪ :‬شد العنق بحبل أو غيره‪ ،‬والصفد بالتحريك‪ :‬القيد وهو الغل في العنق أيضا‪.‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ ،270/2 :‬ومغني المحتاج‪ ،190/4 :‬المغني‪ 313/8 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الربعة عن شداد بن أوس رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/260‬‬

‫ورعاية المصالح العامة والخاصة أو حقوق الجماعة والفراد معاً‪ :‬هي ميزان السلم في كل ما‬
‫شرع وحكم‪ ،‬فحفظ النظام للجماعة واجب أساسي ل يجوز للفراد إسقاطه أو العفو عنه‪ ،‬أو إهمال‬
‫إقامته‪ ،‬كما أنه ليس للجماعة الحق في مصادرة حقوق الفراد الخاصة كالملكية الشخصية والحرية‬
‫المنظمة‪.‬‬
‫وتعتبر الحدود على الجرائم الخطيرة كالزنا والسرقة والقذف وشرب المسكرات‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬من‬
‫مقومات المصلحة أو حقوق الجماعة أو حقوق ال ‪ ،‬مثل الصلة والصوم والزكاة؛ لن المقصود بها‬
‫إقامة الدين‪ ،‬والدين في تشريع السلم أساس نظام الجماعة العام؛ لن المصالح التي لحظها السلم‬
‫هي الصول الخمسة الكلية الضرورية لكل مجتمع‪ ،‬وهي مقاصد الشريعة المعروفة وهي حفظ الدين‬
‫أو العقيدة‪ ،‬وحفظ النفس (أو حق الحياة) وحفظ العقل وحفظ النسل أو العرض‪ ،‬وحفظ المال‬
‫والممتلكات‪ ،‬فل تتوافر الحياة النسانية الصحيحة إل بها‪.‬‬

‫( ‪)7/261‬‬

‫والمساواة بين الجريمة والعقوبة‪ :‬أساس تشريع العقوبات السلمية‪ ،‬فل تجاوز عن الحدود المقررة‬
‫شرعا‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من بلغ حدا في غير حد‪ ،‬فهو من المعتدين» (‪ . )1‬ومن‬
‫مبادئ السلم أنه ل افتئات فيه على أحد بجرم لم يصدر عنه‪ ،‬وأن الصل في المتهم البراءة حتى‬
‫تثبت إدانته‪ .‬والقصاص أو إمكان المماثلة بين الجناية والعقوبة شرط جوهري في العقوبة‪ ،‬حتى‬
‫يطمئن الناس إلى عدالة الحكم القضائي‪ ،‬ولتسهم العقوبة في توفير عنصر الرهبة والزجر المانع في‬
‫الغالب من القدام على الجريمة دون إثارة ول تشنيع ول نقد‪ ،‬لذا قال ال تعالى‪{ :‬ولكم في القصاص‬
‫حياة يا أولي اللباب} [البقرة‪.]179/2:‬‬
‫وعدم الحرص من المشرع السلمي على إيقاع العقوبة‪ :‬ليترك المجال للنسان لصلح عيوب نفسه‬
‫وأخطائه بنفسه‪ ،‬لذا أمر الشرع بالستر على المخطئ غير المجاهر‪ ،‬جاء في الحديث‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني بلفظ «من جلد حدا‪ »..‬وفيه شخصان غير معروفين للهيثمي كما قال‪ ،‬ورواه‬
‫البيهقي عن النعمان بن بشير‪ ،‬وقال‪ :‬المحفوظ المرسل‪ ،‬ورواه ابن ناجية في فوائده‪ ،‬ورواه محمد بن‬
‫الحسن مرسلً (نصب الراية‪ ،354/3 :‬مجمع الزوائد‪.)281/6 :‬‬

‫( ‪)7/262‬‬

‫الصحيح‪« :‬ومن ستر مسلما ستره ال في الدنيا والخرة» (‪ )1‬وفي حديث آخر‪« :‬من ستر عورة‬
‫أخيه المسلم‪ ،‬ستر ال عورته يوم القيامة‪ ،‬ومن كشف عورة أخيه‪ ،‬كشف ال عورته حتى يفضحه في‬
‫بيته» (‪. )2‬‬
‫وتجوز الشفاعة في الحدود قبل بلوغها إلى الحاكم‪ ،‬ترغيبا في الستر ومنع إشاعة الفاحشة‪ ،‬وتحرم‬
‫الشفاعة وقبولها في حدود ال بعد أن تبلغ الحاكم؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من حالت شفاعته‬
‫دون حد من حدود ال ‪ ،‬فهو مضادٌ ال في أمره» (‪ . )3‬وقصة إنكار النبي صلّى ال عليه وسلم على‬
‫أسامة بن زيد شفاعته في حد السرقة على المرأة المخزومية معروفة مشهورة (‪. )4‬‬
‫ول توقع العقوبة أو يحكم بها إل بعد انتفاء الشبهات المقررة فقها وشرعا‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم‬
‫في الحديث السابق عند ابن عدي عن ابن عباس‪« :‬ادرؤوا الحدود بالشبهات» ‪.‬‬
‫ولصاحب الحق الخاص العفو عن القاتل أوالمخطئ؛ لقوله تعالى‪{ :‬وجزاء ُ سيئة سيئةٌ مِثْلها‪ ،‬فمن عفا‬
‫وأصلح فأجرهُ على ال } [الشورى‪ ]40/42:‬وقوله سبحانه في القصاص‪{ :‬فمن عُفي له من أخيه‬
‫شيء‪ ،‬فاتباعٌ بالمعروف‪ ،‬وأداءٌ إليه بإحسان} [البقرة‪ .]178/2:‬والعفو كثيرا ما يلجأ إليه في الوساط‬
‫السلمية بسبب محاولت الصلح والتسوية الودية والتقاليد المتبعة بين القبائل والعشائر وفي الرياف‪.‬‬
‫وهذا سبيل رحب للتخلص من العقوبة‪ ،‬والدفع إلى الستحياء من الجريمة حتى في القتل‪ ،‬والعفو‬
‫يكون بالختيار والرضا والطواعية ل بالكراه أو بإلغاء العقوبة من القوانين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬وأخرجه أيضا الترمذي والحاكم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرج الحديث أحمد ومسلم والنسائي عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬

‫( ‪)7/263‬‬

‫والحالة التي ل بد فيها من العقاب‪ :‬هي حالة المجاهرة بالمعصية وإشاعة الفاحشة‪ ،‬والصرار على‬
‫القرار أمام القاضي‪ ،‬وإعلن الردة عن السلم المتضمن الخروج عن نظام الجماعة‪ ،‬والكيد للمجتمع‬
‫وحرماته والعمل على تقويض أركان العقيدة السلمية بالترويج للشكوك والشبهات‪ ،‬جاء في الحديث‬
‫الثابت‪« :‬أيها الناس من ارتكب من هذه القاذورات‪ ،‬فاستتر‪ ،‬فهو في ستر ال ‪ ،‬ومن أبدى صفحته‪،‬‬
‫أقمنا عليه الحد» ‪ .‬وقد وصف ال تعالى الذين يعلنون الجرائم ويكذبون على الناس ويرمونهم بالتهم‬
‫الباطلة ويفترون عليهم‪ ،‬بأنهم أعداء المؤمنين‪ ،‬فقال ال تعالى‪{ :‬إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشةُ في‬
‫الذين آمنوا‪ ،‬لهم عذاب أليم في الدنيا والخرة‪ ،‬وال يعلم وأنتم ل تعلمون} [النور‪.]19/24:‬‬
‫وإن رقابة ال في السر والعلن‪ :‬أو تكوين وازع الدين‪ ،‬وإيقاظ سلطان الضمير هو كما تقدم من أهم‬
‫عوامل منع الجريمة والجرام‪ ،‬وهو العنصر الساسي المساعد للقاضي في الحكم على المتهم‪،‬‬
‫وإصدار الحكم بالعقاب تخفيفا أو تشديدا عليه؛ لن من ل يصلح حاله بنفسه‪ ،‬صعب على الدولة أو‬
‫المجتمع إصلحه‪.‬‬
‫وإذا كانت الغاية من العقاب كما عرفنا إصلح النسان‪ ،‬فبالولى أن يكون تجنب كل ما يوقع في‬
‫الجرائم بوازع الدين للصلح‪ ،‬لن الدفع أو المنع أولى من الرفع «ودرء المفاسد مقدم على جلب‬
‫المصالح» كما جاء في القواعد الشرعية الكلية‪.‬‬
‫ولقد بلغ من شدة الخوف من ال ومن قوة ضمير المسلم أن كان المؤمن الصادق اليمان يقدم على‬
‫الموت بل تردد ول وجل من أجل تطهير نفسه‪ ،‬وإرضاء ربه‪ ،‬فهل لهذا مثيل في قوانين الدين أو‬
‫عادات الشعوب؟!‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن هذه المبادئ أو القواعد الشرعية تساهم مساهمة فعالة في منع الجريمة أو التخفيف‬
‫منها أو توجيهها الوجهة الصالحة‪.‬‬

‫( ‪)7/264‬‬

‫سابعا ‪ -‬الحدود الشرعية وحكمتها وأثر تطبيقها في منع الجريمة في عصرنا ‪:‬‬
‫ل شك بأن حقيقة الحد الشرعي قاسية‪ ،‬ولكن القسوة تفيد أحيانا في الزجر والردع والصلح‪ ،‬وهي‬
‫أفعل وأمضى وأنفذ من العقوبات التعزيرية كالحبس والضرب البسيط‪ ،‬وليس أدل على أثرها في منع‬
‫الجريمة من تطبيقها في البلد السعودية‪ ،‬حيث استتب المن‪ ،‬وانقطعت السرقات‪ ،‬وانتهت عصابات‬
‫قطع الطريق أو المحاربين‪ ،‬بالرغم من أن قطع اليد في ربع قرن فأكثر ل يزيد عن ستة عشر يدا‪.‬‬
‫وكذلك عندما طبقت الحدود في السودان في عام ( ‪ ،)1983‬قلّت الجرائم‪ ،‬وعندما جمدت وأوقفت‬
‫كثرت وانتشرت‪.‬‬
‫فالعقوبةالحدية أداة زجر وإصلح معا‪ ،‬ووسيلة تهذيب وتقويم فعال‪ ،‬لكني ألحظ أن البدء في تطبيق‬
‫الشريعة السلمية بأقسى ما فيها من عقوبات الحدود وما يصحبها من تصورات مغلوطة وأوهام‬
‫فاسدة ومبالغات مسرفة‪ ،‬ليس منهجا صحيحا ولربما أدى عند تغير السلطة ورئاسة الدولة إلى ردود‬
‫فعل عنيفة تسيء إلى السلم دينا وعقيدة ونظام حياة‪ ،‬كما حدث في السودان في أواسط الثمانينات في‬
‫رجب سنة (‪ 1406‬هـ ) الموافق (‪ )1985‬بعد تطبيق الحدود سنة ( ‪ ) 1983‬وحدث عام (‪1409‬‬
‫هـ) في الباكستان بعد أن فجرت طائرة الرئيس ضياء الحق الذي طبق الشريعة‪ ،‬لن شريعة السلم‬
‫منهج متكامل وكل ل يتجزأ‪ ،‬يشمل آفاق الحياة المختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا‪.‬‬
‫وطريقة السلم أو أسلوبه في الصلح يبدأ أولً بالتوجيه والقناع‪ ،‬والبرهان والبيان‪ ،‬والدعوة‬
‫بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة‪ ،‬والرشاد الهادئ غير الثائر في الداخل‪ ،‬المعتمد على القناع‬
‫ومناقشة أولئك الذي ألفوا تطبيق القوانين الغربية البعيدة عن فلسفة السلم وتصوراته‪.‬‬

‫( ‪)7/265‬‬
‫وبالحكمة ونشر تعاليم السلم في أوساط الناس يمكن تحويل المجتمع بما فيه من طاقات خيّرة عن‬
‫تقاليده وموروثاته الستعمارية‪ ،‬وتصوراته الغربية الدنيوية‪ ،‬إلى عدل السلم ورحمته الشاملة ويسره‬
‫وإسعاده الفرد والجماعة في عالمه القائم‪ .‬ول بد أيضا من إصلح أنظمة الحكم القتصادية‬
‫والجتماعية والسياسية‪ ،‬بجعل الشورى أصلً للحكم‪ ،‬والعدل والنصاف رائدا للقضاء والسياسة فعلً‪،‬‬
‫ل مجرد شعار‪ ،‬والعمل بقدر المكان على تحقيق الرخاء أو الرفاه القتصادي للجميع‪ ،‬وتوزيع الثروة‬
‫العامة بالعدل‪ ،‬ومحاولة إنهاء مشكلة الفقر والبطالة ومحو المية‪ ،‬وتغيير معالم المجتمع الجاهلية‪،‬‬
‫وإصلح مناهج التربية والتعليم ووسائل العلم المرئية والمسموعة‪ ،‬وإزالة كل ما فيها من تناقضات‬
‫وإشكالت‪ ،‬حتى تزول الضطرابات الفكرية‪ ،‬وتستأصل ال ُعقَد لدى الشباب‪ ،‬وتبدد الشبهات‬
‫والمشكلت الطارئة في الوساط العامة‪ ،‬بتأثير بعض النظريات المادية الخالية من تفسير ظواهر‬
‫الكون تفسيرا دينيا مقبولً‪ ،‬فإذا ما توافرت القاعدة السلمية‪ ،‬واستعد المجتمع نسبيا للعمل بالسلم‪،‬‬
‫وساد الحترام لمبادئه وأحكامه‪ ،‬سهل حينئذ البدء بتطبيق أحكام السلم وشرعه المتكامل الشامل‪،‬‬
‫ووضع خطة شاملة لتنفيذ جميع أحكامه فور العمل بشريعة ال عز وجل‪ ،‬ودون تدرج‪.‬‬

‫( ‪)7/266‬‬

‫أما أن تصدر قوانين الحدود شكلً واسما‪ ،‬ويعلّق أو يجمد تطبيقها فعلً أو أن نقتصر من تطبيق‬
‫السلم على الحدود الشرعية‪ ،‬وترك الناس في متاهة أو جهالة أو مجاعة أو غليان داخلي بسبب‬
‫الحاجة والفقر‪ ،‬فذلك ليس من شرع ال ودينه الذي يراد له الهيمنة على كل شؤون الحياة‪ ،‬وربما كان‬
‫القتصار على تطبيق الحدود الشرعية فقط وسيلة لتنفير الناس من السلم‪ ،‬وإظهار فشله وعدم‬
‫صلحيته أو العمل على تجزئة أحكامه‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب‪ ،‬وتكفرون ببعض‪،‬‬
‫فما جزاء ُمن يفعل ُذلك منكم إل خزيٌ في الحياة الدنيا ويومَ القيامة يُرَدّون إلى أشدّ العذاب‪ ،‬وما ال ُ‬
‫بغافلٍ عما تعملون} [البقرة‪.]85/2:‬‬
‫ثامنا ‪ -‬العقوبات الشرعية وحقوق النسان في السلم ‪:‬‬
‫ترى بعض الجهات العلمية والجتماعية في أوساط الغرب أن الحدود الشرعية تتنافى مع حقوق‬
‫النسان في الحياة والحرية والكرامة النسانية‪ .‬وتطالب منظمة العفو الدولية بإلغاء عقوبة العدام من‬
‫قوانين العقوبات في الدول المعاصرة‪ ،‬وقد استجابت بعض الدول الغربية لهذا التجاه‪ ،‬كفرنسا وإيطاليا‬
‫وألمانيا وبعض الوليات المتحدة المريكية التي ألغت هذه العقوبة‪ ،‬وبعضها أو أكثرها لم تلغها‪.‬‬
‫ويردد بعض رجال القانون الوضعي في البلد العربية مثل هذه الفكار واصفين العقوبات الشرعية أو‬
‫الشريعة السلمية بأوصاف غير لئقة‪ ،‬ربما أدت بهم إلى الكفر‪ .‬وتروّج بعض أجهزة العلم من‬
‫صحف وإذاعات‪ ،‬في طليعتها إذاعة لندن بالقسم العربي ‪ ،‬الشاعات المغرضة من جراء تطبيق أحكام‬
‫الشريعة‪ ،‬ويكثر الحديث في بلد الغرب عما سمي بحركة الصوليين السلميين‪ ،‬ويتهمون كل من‬
‫يطالب بتطبيق الشريعة السلمية بأنهم متزمتون متشددون متعصبون‪ ،‬مع أنهم هم المتعصبون ضد‬
‫السلم وأهله‪ ،‬أو هم الجاهلون السطحيون الذين لم يعرفوا حقيقة السلم‪ ،‬ولديهم استعداد لفهم‬
‫السلم خطأ بسبب الدعايات المغرضة والفكار الشائعة المشوهة‪.‬‬

‫( ‪)7/267‬‬

‫ويعلن في أديس أبابا عاصمة الحبشة اتفاق يوم الثلثاء الواقع في (‪ )1988/11/16‬بين رئيس الحزب‬
‫التحادي الديمقراطي السوداني السيد محمد عثمان الميرغني والعقيد جون قرنق زعيم حركة التمرد‬
‫لتحقيق السلم في جنوب السودان‪ ،‬مقابل تجميد تطبيق الشريعة السلمية في السودان (‪. )1‬‬
‫ومصدر جميع هذه التجاهات المشبوهة شيء واحد هو التعصب ضد السلم ومقاومة التجاه‬
‫السلمي‪ ،‬ودوافع ذلك وبواعثه معروفة يقصد بها تشويه أحكام الشريعة بسبب الجهل البيّن بالحكم‬
‫الشرعي ومسوغاته وحقيقته‪ ،‬أو عدم الربط بين الوسائل والغايات التشريعية‪ ،‬أو تجزئة أحكام‬
‫الشريعة والنظر إلى جانب واحد منها دون إلمام باتجاهها العام ومراعاة بقية أحكامها‪ .‬فمن نظر إلى‬
‫حكم إسلمي ما من زاوية الوسيلة وحدها دون ربطه بالهدف التشريعي العام‪ ،‬بدا له وجه من النقد في‬
‫تقديره الشخصي من خلل البيئة التي يعيش فيها‪ ،‬والغريبة عن الوسط السلمي‪ ،‬وحينئذ يتهم‬
‫الشريعة بعدم صلحيتها للمجتمع المتمدن المعاصر ذي النزعة الفردية المتحيزة لواحد من الناس‪،‬‬
‫ويصف عقوباتها بالقسوة والعنف‪ ،‬أو التنكيل والتعذيب والوحشية في زعمه وتصوره القاصر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اتفق الجانبان على تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر ‪198‬‬
‫‪ ،3‬وأل تصدر أية قوانين تحتوي عى مثل تلك المواد‪ ،‬وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر القومي‬
‫الدستوري والفصل نهائيا في مسألة القوانين (جريدة التحاد في المارات ‪ 8‬ربيع الثاني ‪ 1409‬هـ‬
‫الموافق ‪ 17‬نوفمبر ‪ )1988‬ثم أعلنت إذاعة لندن في مساء الثلثاء ‪ 11‬جمادى الولى ‪ 1409‬الموافق‬
‫‪ 20‬ديسمبر ‪ ،1988‬وتبعتها جريدة التحاد السابقة في اليوم التالي أن الجمعية التأسيسية لم توافق في‬
‫يوم الثلثاء المذكور على هذا التفاق‪.‬‬

‫( ‪)7/268‬‬
‫والواقع أن الدعاء بوجود التعارض والمنافاة بين حقوق النسان وبين الحدود الشرعية أمر باطل‬
‫للسباب التالية‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬إن ال سبحانه وتعالى الذي شرع الحدود في الشريعة اللهية هو أرحم بعباده وبالناس جميعا‬
‫من أنفسهم‪ ،‬وهو أدرى وأعلم بما يصلحهم وينفعهم‪ ،‬ويحقق الخير والنفع والمن والطمأنينة لهم‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬إن الجاني الذي يرتكب جريمة موجبة للحد الشرعي قد خرج عن الحدود النسانية الصحيحة‪،‬‬
‫وشذ شذوذا واضحا عن معاير الحياة السوية‪ ،‬وطعن المجتمع في أقدس مقدساته‪ ،‬وإن شوهت معالم‬
‫ل مفقودا من المفاهيم الخلقية‬
‫التقديس في الوساط الغربية‪ ،‬فأصبح ما يسمى لدينا بالعِرْض مث ً‬
‫العامة والخاصة عند الغربيين‪ ،‬ومثل هذا المعتدي على حرمات المجتمع الجوهرية بمقتضى النظرة‬
‫الصحيحة‪ ،‬لم يعد يردعه إل مثل هذه العقوبة الشرعية المقررة في شرع ال ودينه‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن العقوبات البديلة عن الحدود الشرعية في القوانين الوضعية لم تحقق الهدف المطلوب‪،‬‬
‫فانتشرت ظاهرة الجريمة‪ ،‬وكثر المجرمون‪ ،‬وتفننوا في ابتكار عجائب وألوان الجرام مما ل يكاد‬
‫يصدّق به عقل‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬إن القرآن الكريم واضح الدللة في العلن عن حقوق النسان في قوله تعالى‪{ :‬ولقد كرمنا‬
‫بني آدم} [السراء‪ ]70/17:‬وإن الفقهاء المسلمين أشد العلماء حرصا على رعاية كرامة النسان فيما‬
‫استنبطوه من أحكام شرعية‪ ،‬فقرروا ضوابط كثيرة وشرطوا شرائط عديدة لتطبيق الحدود‪ ،‬وقد عرفنا‬
‫أنه ل غل ول تجريد ول تصفيد ول تمثيل في السلم‪ ،‬وأن للسجين الحق على الدولة في الغذاء‬
‫والكساء (‪ )1‬والمأوى الملئم‪،‬ومنع التعذيب الوحشي وغير ذلك من أصول الحفاظ على الكرامة‬
‫النسانية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق للزيلعي‪ ،182/4 :‬ط بولق سنة ‪ 1315‬هـ‪.‬‬

‫( ‪)7/269‬‬

‫خامسا ‪ :‬إن دعاة حقوق النسان أخطؤوا حينما رأوا أن تطبيق العقوبة الشرعية بشرائطها وضوابطها‬
‫وموازينها العادلة يتنافى مع حقوق النسان‪ ،‬كما أخطؤوا أيضا في محاولة الرأفة بشخص معين لذاته‪،‬‬
‫وليس هو في الواقع أهلً للرأفة‪ ،‬وإنما مراعاة للمصلحة الشخصية‪ ،‬وإهدار مصلحة الجماعة‪،‬‬
‫والعتداء على المصلحة العامة‪ ،‬وما يؤدي إليه من فقد المن والستقرار‪ ،‬وانتشار ظاهرة القلق‬
‫والخوف وعدم الطمئنان على حق الحياة المقدس والحرية والموال والممتلكات‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن العقوبات الشرعية أدوات فعالة في القضاء على الجريمة والمجرمين‪ ،‬ووسائل بناءة‬
‫نفاذه في نشر المن والسلم واستئصال نزعة الجرام بدليل الفارق الواضح والواقع المرّ الليم في‬
‫أرقى دول العالم تحضرا كأمريكا زعيمة العالم الحر وبريطانيا وغيرها‪ ،‬حيث تزداد نسبة الجريمة‬
‫والعتداء على الشخاص والموال‪ ،‬مما ل يردع المجرمين غير الحكم بشرع ال أحكم الحاكمين‬
‫وأعدل القضاة‪.‬‬
‫قال ال تعالى عن القرآن الكريم‪{ :‬قد جاءكم من ال ِ نو ٌر وكتابٌ مبين‪ ،‬يهدي به ال ُ من اتبّع‬
‫رضوانَه س ُبلَ السلم ويخرجُهم من الظلُمات إلى النور بإذنه‪ ،‬ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم} [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]16-15/5‬وقال سبحانه‪{ :‬وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتقوا لعلكم تُ ْرحَمون} [النعام‪]155/6:‬‬
‫وهذا بل شك يحتاج إلى إيمان برسالة السماء وهدي ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)7/270‬‬

‫تاسعا ‪ -‬شرعية الجريمة والعقوبة‪ ،‬أو مبدأ (ل جريمة ول عقوبة إل بنص)‪ ،‬وتأثير ذلك على ظاهرة‬
‫الجرام ‪:‬‬
‫إن التصور السابق للجريمة المنصوص على تجريمها في قوانين الدولة العقابية‪ ،‬ومعرفة نوع العقوبة‬
‫المقررة قانونا في تقنين منشور متداول‪ ،‬يعد حاجزا قويا ما نعا من الجرام والتفكير بالجريمة‬
‫والتخطيط لها‪.‬‬
‫لذا ظلت النظم الديمقراطية تحترم مبدأ قانونية أو شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬بمعنى تركيز سلطة‬
‫التجريم في يد الشارع أو من يفوضه في ذلك ضمن حدود معلومة‪ ،‬وقد أعلنت هذا المبدأ الثورة‬
‫الفرنسية ونصت عليه وثيقة «إعلن حقوق النسان والمواطن عام (‪1789‬م) في المادة الثامنة‪،‬‬
‫استجابة لصيحات الفلسفة والمفكرين الذين حملوا على ما كان عليه القضاة من سلطة تحكمية أدت‬
‫إلى إسراف في العقاب وعسف بحريات الفراد‪ ،‬ونص عليه في المادة الرابعة من قانون العقوبات‬
‫الذي أصدره نابليون سنة (‪1810‬م)‪ ،‬ثم انتقل إلى الشرائع الخرى‪ ،‬وصاغه العرف القانوني بعبارة‬
‫موجزة هي «ل جريمة ول عقوبة بغير نص» ‪ .‬والحكمة منه كفالة حقوق الفراد وحريتهم في‬
‫أفعالهم وتصرفاتهم‪ ،‬إذ لو ترك أمر التجريم للقاضي‪ ،‬لضحى الفراد في حيرة من أمرهم‪ ،‬ثم إن‬
‫العدالة والمنطق يقضيان به حتى ل تواجه الدولة الفراد بعقاب ل علم لهم به‪.‬‬
‫وبما أن هذا المبدأ يؤدي إلى جمود التشريع الجنائي وتخلفه عن مسايرة التطورات الحديثة‪ ،‬فقد اتجه‬
‫الفقه والقضاء عامة إلى ضرورة التخفيف من حدته‪ ،‬وتوسيع سلطة القاضي في تقرير العقوبة أو‬
‫إيقاف تنفيذها أحيانا‪ ،‬ولكن دون إخلل بأصل المبدأ‪ ،‬وهو حرمان القاضي من سلطة التجريم‪.‬‬

‫( ‪)7/271‬‬

‫وفي هذا المجال أيضا نجد بعض رجال القانون الوضعي يتهمون الشريعة السلمية جهلً وغلطا‬
‫وظلما وتعصبا ضدها بأنها تترك أمر التجريم للقاضي‪ .‬ومنشأ التهام راجع في تقديرنا إلى ناحية‬
‫تنظيمية‪ :‬هي عدم وجود تقنين خاص بالجرائم والعقوبات عند الفقهاء الشرعيين المعاصرين‪ ،‬مع أن‬
‫المر سهل جدا‪ ،‬إذ ل مانع شرعا من وجود مثل هذا التقنين‪ ،‬ومن اليسير على فقهاء الشريعة إيجاده‬
‫وصياغته في أشهر معدودة‪ ،‬إذا أظهرت السلطة الحاكمة استعدادها لتطبيق وإنفاذ العمل به‪ ،‬وقد وجد‬
‫فعلً بعض هذه التشريعات في ليبيا والسودان والمارات‪ .‬ولكن ل يعني عدم التقنين أن القاضي حر‬
‫التصرف بالعقاب حرية مطلقة‪ ،‬وإنما المر في شأن التعازير (العقوبات غير المنصوص صراحة‬
‫على نوعها ومقدارها) راجع شرعا وفقها لتقدير ولي المر الحاكم أي الدولة‪ ،‬فالدولة تضع للقضاة‬
‫من النظمة والقوانين الجزائية ما يناسب العصر‪ ،‬وعلى وفق ما تراه اللجان المتخصصة المكونة‬
‫عادة من العلماء والفقهاء‪ ،‬بحسب متطلبات المصلحة العامة‪ ،‬ومقتضيات الزمان وتطور الحداث‪.‬‬
‫لذا كان ينبغي أن يعرف هؤلء القانونيون أن مبدأ التفويض لولي المر في تقدير العقوبات التعزيرية‬
‫في السلم‪ ،‬هو في الصل مبدأ دستوري تمارسه الدولة مقيدة بأحكام الشريعة‪ ،‬كما هو الشأن في أن‬
‫كل دولة لها الحق في وضع القوانين الداخلية التي تريدها‪.‬‬

‫( ‪)7/272‬‬

‫وعليهم أن يعرفوا أن السلم يفترض في كل مسلم ومسلمة تعلم أحكام شريعته‪ ،‬ومعرفة الفرائض‬
‫والحلل والحرام‪ ،‬والمعاصي والعقوبات أو الجزاءات المقررة في السلم؛ لن من الفرائض‬
‫الشرعية العينية المطلوبة من كل المسلمين تعلم الحد الدنى المفروض العلم به من الشريعة‪ ،‬فل‬
‫يصلح الحتجاج بتقصير المسلمين في التعلم سببا للقول بأن الفراد ل يعلمون ما هو ممنوع ول‬
‫أنواع العقوبات‪ ،‬حتى توجد التقنينات‪ .‬ثم إن كتب الشريعة‪ ،‬سواء القرآن والسنة ومصنفات الفقهاء‬
‫المطولة والموجزة‪ ،‬فيها البيان الواضح المفصل لكل المعاصي والمخالفات‪ ،‬والكبائر والصغائر‪،‬‬
‫والتحذير من مخاطرها وبيان مدى ضررها‪ ،‬والتصريح بالعقوبات الدنيوية والخروية المقررة لها‪.‬‬
‫والقاضي ل يملك في الشريعة سلطة التجريم وتحديد أصل العقاب بحسب رغبته وهواه‪ ،‬كما يفهم‬
‫خطأ‪ ،‬وإنما هو مقيد في ذلك بأحكام الشريعة‪ ،‬وبما تضعه له الدولة من نظام‪ ،‬إذ ليس لي مسلم‬
‫سلطة التشريع‪ ،‬وإنما السلطان في الحكام إنشاء ووضعا للشريعة والمشرع وهو ال تعالى‪ ،‬كل ما في‬
‫المر هو أن للقاضي سلطات تقديرية في التطبيق فقط‪ ،‬حسبما يرى ملئما لظروف الجريمة والجاني‬
‫ولكن في غير دائرة الحدود والقصاص المنصوص على أحكامها صراحة‪ ،‬وإنما في مجال التعزيرات‬
‫التي يمكن إدخال أغلب نصوص القوانين الجزائية الحديثة في مضمونها‪.‬‬

‫( ‪)7/273‬‬

‫ويوضح ذلك أن الشريعة ـ كما هو معروف ـ جاءت حربا على الهواء الشخصية والنزعات‬
‫والميول الفردية‪ ،‬كما دل على ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى‪{ :‬ول َت ْقفُ ما ليس‬
‫لك به علم} [السراء‪ ]36/17:‬وقوله سبحانه‪{ :‬إن يتّبعون إل الظن‪ ،‬وما تهوى النفس‪ ،‬ولقد جاءهم‬
‫من ربهم الهدى} [النجم‪ ]23/53:‬وقوله عز وجل‪{ :‬وما لهم به من علم‪ ،‬إن يتّبعون إل الظن‪ ،‬وإن‬
‫الظنّ ل ُيغْني من الحق شيئا‪ ،‬فأعرضْ عمن تولّى عن ِذكْرنا‪ ،‬ولم ي ِردْ إل الحياة الدنيا} [النجم‪:‬‬
‫‪ ]29-28/35‬وقوله جل جلله‪{ :‬ولو اتّبعَ الحقّ أهواءهم‪ ،‬لفسدت السموات والرضُ ومن فيهن‪ ،‬بل‬
‫أتيناهم ِب ِذكْرهم‪ ،‬فهم عن ِذكْرهم ُمعْرضون} [المؤمنون‪ .]23/71:‬لذا وضعت الشريعة نظاما تشريعيا‬
‫متكاملً ودقيقا للحياة‪ ،‬وسبق الفقهاء المسلمون إلى معرفة قاعدة «ل جريمة ول عقوبة إل بنص» كما‬
‫يتضح من القاعدتين الصوليتين التاليتين‪:‬‬
‫‪« - 1‬ل حكم لفعال العقلء قبل ورود النص» ‪.‬‬
‫‪« - 2‬الصل في الشياء والفعال والقوال‪ :‬الباحة» ‪.‬‬
‫ومصدر هاتين القاعدتين قول ال تبارك وتعالى‪{ :‬وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولً} [السراء‪:‬‬
‫‪ ]15/17‬وقوله سبحانه‪{ :‬وما كان ربّك ُمهِْلكَ القرى حتى يبعثَ في أمّها رسولً يتلو عليهم آياتنا }‬
‫[القصص‪ ]59/28:‬وأمها‪ :‬أصلها وعاصمتها ومركزها‪ ،‬وقوله جل وعز‪ { :‬رسلً مبشرّين ومنذِرِين ‪،‬‬
‫سلِ} [النساء‪.]165/4:‬‬
‫لئل يكون للناس على ال حجةٌ بعد الر ُ‬
‫هذه النصوص الشريفة قاطعة بأن ل جريمة إل بعد بيان‪ ،‬ول عقوبة إل بعد إنذار‪.‬‬
‫وترتب على هذا المبدأ أن فترة الجاهلية عند جمهور المسلمين ل عقاب على الجرائم التي حدثت‬
‫أثناءها‪ ،‬سواء أكانت إراقة دم حرام أم غيرها من الربا والزنا والنهب والغصب والمنكرات‪.‬‬

‫( ‪)7/274‬‬
‫ويمكن القول إجمالً‪ :‬إن الشريعة والقانون الوضعي الجنائي يلتقيان في أنه إذا لم يكن هناك نص مانع‬
‫من شيء‪ ،‬فهو مباح‪ ،‬بيد أن المنصوص عليه قانونا صريح محصور في دائرة التقنين الموضوع‪ ،‬أما‬
‫المنصوص عليه شرعا فهو غير مقنن في مجموعة قانونية محدودة وموحدة بين المذاهب‪ ،‬وليس ذلك‬
‫بعسير علينا عند الطلب‪ ،‬فقد يكون التحريم أو التجريم والعقاب مأخوذا من نص القرآن الكريم أو‬
‫السنة النبوية‪ ،‬أو من إجماع المة‪ ،‬أو من اجتهاد المجتهدين في ضوء النصوص‪ ،‬وروح التشريع‬
‫السلمي‪.‬والنص الحاظر شرعا أو المانع من فعل قد يكون صريحا‪ ،‬كما هو الشأن في الحدود‬
‫(العقوبات المقدرة نوعا ومقدارا) وقد يفهم دللة وضمنا من طريق اجتهاد علماء السلم الثقات‪.‬‬
‫ودور العلماء في الحقيقة مجرد كاشف ومظهر لحكم ال في الحادثة‪ ،‬ومبيّن للقيود والشروط‬
‫والوصاف‪ .‬أما أصل الحكم حظرا وعقابا‪ ،‬فمرده إلى الحكم اللهي‪ ،‬إذ ل بد لصحة الجتهاد من‬
‫مستند شرعي يعتمد عليه في الستنباط‪.‬‬
‫ثم إن المحذور الذي يخشى منه القانونيون من مخالفة قاعدة‪« :‬ل جريمة ول عقوبة إل بنص» وهو‬
‫أن يلجأ القاضي فيما ل نص بتجريمه إلى الخذ بالقياس‪،‬هذا المحذور قد فرغ من بحثه علماء‬
‫الصول من الحنفية ومن وافقهم الذين قرروا بصراحة عدم جواز القياس في الحدود والمقدرات‬
‫الشرعية‪ ،‬سواء بالنسبة للمجتهد الفقيه أم للقاضي‪ ،‬وقرروا عدم جواز القياس في الحدود والكفارات‬
‫والرخص والتقديرات؛ لن القياس إنما يفيد الظن‪ ،‬والظن سبيل الخطأ‪ ،‬فكان في سلوكه شبهة‪ ،‬فل‬
‫يثبت من طريقه عقاب أو تجريم لحادثة ل نص فيها؛ لن «الحدود تدرأ بالشبهات» وفي هذا التقعيد‬
‫الصولي ضمانة كافية أكيدة لحقوق وحريات الفراد في تصرفاتهم وأفعالهم‪.‬‬

‫( ‪)7/275‬‬

‫والقائلون بالقياس في الحدود كالمالكية والشافعية ل ينشئون حكما جديدا بناء على تحريم حادثة‪ ،‬وإنما‬
‫يطبقون النص المذكور في حادثة على حادثة مشابهة تماما‪ ،‬مساوية للواقعة المنصوص عليها‪ ،‬فيكون‬
‫عملهم من قبيل تطبيق النص على الوقائع‪ ،‬إذ ليست الوقائع كلها منصوصا عليها حتى في القوانين‬
‫النافذة الن‪ ،‬ويكون القياس المنفي قانونا في التجريم والعقاب معمولً به شرعا باتفاق الفقهاء‪ ،‬إذ ليس‬
‫للمجتهد سلطة التشريع‪ ،‬أو إنشاء ووضع أحكام جديدة بالمنع والعقاب فيما لم يأذن به الشرع‪.‬‬
‫وتوضيحا لذلك يحسن بيان مضمون التشريع السلمي في مجال العقوبات‪:‬‬
‫إن الجرائم والعقوبات محددة بذاتها ونوعها‪ ،‬معروفة تماما في السلم‪ ،‬وهي كل ما نهى عنه القرآن‬
‫الكريم أو السنة النبوية أو أبانه الفقهاء‪ ،‬والعقوبات السلمية منها كما تقدم ما هو مستوجب للثم‬
‫والعقاب الخروي فقط‪ ،‬ومنها ما يجتمع فيه الوصفان‪ :‬العقاب في الدنيا‪ ،‬والعقاب في الخرة‪.‬‬
‫والعقوبات الدنيوية تكون على فعل محرّم أو ترك واجب‪ ،‬وهي كما عرفنا نوعان‪ :‬عقوبة مقدّرة‪،‬‬
‫وعقوبة غير مقدّرة الكمّ شرعا‪ ،‬والمقدّرة تختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلف أحوال الجرائم‬
‫وكبرها وصغرها‪ ،‬وبحسب حال العاصي أو المذنب أو المجرم نفسه‪ ،‬كما أبان ابن تيمية وابن القيم‬
‫رحمهما ال ‪.‬‬

‫( ‪)7/276‬‬

‫والعقوبات المقدرة نوعا ومقدارا وهي الحدود الشرعية الخمسة أو السبعة كما تبين سابقا لدى الفقهاء‬
‫قد نص عليها القرآن الكريم أو السنة النبوية صراحة‪ ،‬ثم أجمع عليها الصحابة الكرام والفقهاء من‬
‫بعدهم‪ .‬والسبب في نص الشرع عليها‪ :‬هو حرصه على إقامة ركائز وحصون أساسية في حياة‬
‫المجتمع‪ ،‬تعد بمثابة القواعد الصلبة‪ ،‬لتوفير المن والستقرار والطمأنينة في النفس والموال‬
‫والعراض والعقول وإقرار دين التوحيد الحق‪ ،‬ومنع الرذيلة‪ ،‬ودرء المفسدة‪ ،‬واستئصال نزعة الشر‪،‬‬
‫وبتْر أسباب المنازعات والمراض والفوضى الخلقية عن الناس في أخطر ما يمس جوهر حياتهم‬
‫الجتماعية التي ل بد لها من وجود نظام ثابت صحيح‪ ،‬غير ِم ْعوَج‪ .‬وليس للقاضي بداهة مخالفة‬
‫النصوص في تجريم وعقاب هذه الجرائم التي قدر لها الشرع نوعا ومقدارا معينا من العقوبات‪ ،‬ولم‬
‫يجز الشرع في العقوبات المقدرة عدا القصاص العفو عنها‪ ،‬ول الشفاعة فيها‪ ،‬ول الصلح والتنازل‬
‫عنها‪ ،‬ول إسقاطها والبراء عنها‪ ،‬ول المعاوضة عنها‪ ،‬بعد رفع المر فيها إلى القاضي‪ ،‬صونا لحق‬
‫الجماعة العام فيها وفي تطبيقها‪ .‬ول يملك القاضي التدخل في شأن هذه العقوبات إل بإصدار الحكم‬
‫فيها بعد ثبوت الجريمة‪ ،‬بطرق الثبات الشرعية المقبولة‪ ،‬لنها تمس النظام العام للمجتمع‪ :‬وهو‬
‫المحافظة على مقاصد الشريعة أو أصولها الكلية الخمسة‪ ،‬وهي الدين والنفس والعرض أو النسب‬
‫والعقل والمال‪.‬‬

‫( ‪)7/277‬‬

‫وأما العقوبات غير المقدرة نوعا ومقدارا وهي التعزيرات‪ ،‬فهي أيضا معروفة لدى كل مسلم‪ ،‬ويجب‬
‫عليه تعلم أحكام شرعه‪ ،‬والتعزير‪ :‬هو العقوبة المشروعة على معصية أو جناية (جريمة) ل حد فيها‬
‫ول كفارة‪ ،‬سواء أكانت الجريمة على حق ال تعالى‪ ،‬أي حق المجتمع‪ ،‬كالكل في نهار رمضان‬
‫عمدا‪ ،‬والخلل بأمن الدولة‪ ،‬والتجسس‪ ،‬وترك الصلة‪ ،‬وطرح النجاسة ونحوها في طريق الناس‪ ،‬أو‬
‫على حق الفراد‪ ،‬كمباشرة المرأة الجنبية (غير القريبة قرابة رحم محرم) فيما دون الجماع‪،‬والتقبيل‬
‫واللمس‪ ،‬والنظر والخلوة المحرمة ونحوها‪ ،‬وسرقة الشيء القليل الذي هو دون النصاب الشرعي‬
‫الموجب للحد (دينار أو ربع دينار على الخلف بين الفقهاء) والسرقة من غير حرز حافظ للمال‪،‬‬
‫والقذف بغير لفظ الزنا ونحوه من أنواع السب‪ ،‬والضرب واليذاء بأي وجه‪ ،‬كالقول‪ :‬يا فاسق‪ ،‬يا‬
‫خبيث‪ ،‬يا سارق‪ ،‬يا فاجر‪ ،‬يا زنديق‪ ،‬يا آكل الربا‪ ،‬يا شارب الخمر أو يا حمار‪ ،‬أو بغل أو ثور‪ ،‬في‬
‫رأي الكثرين‪ ،‬وخيانة المانة من الحكام وولة الوقف ونظّار الوقاف‪ ،‬وتبديد أموال اليتام‪ ،‬وإهمال‬
‫الوكلء والشركاء‪ ،‬والغش في المعاملة‪ ،‬وتطفيف المكيال والميزان (النقص من البائع والزيادة من‬
‫المشتري) وشهادة الزور التي كشف أمرها‪ ،‬والرشوة‪ ،‬والحكم بغير ما أنزل ال تهاونا‪ ،‬والعتداء‬
‫على الرعية‪ ،‬والدعاء بدعوة الجاهلية وعصبيتها ونحو ذلك (‪. )1‬‬
‫ويمكن وضع ضابط عام للتعزير بمثابة تقنين أو تعريف عام‪ :‬وهو كل ما فيه اعتداء على النفس أو‬
‫المال أو العرض أو العقل أو الدين مما ل حدّ فيه‪ ،‬وذلك يشمل كل الجرائم التي هي ترك واجب ديني‬
‫أو دنيوي‪ ،‬أو فعل محرم محظور شرعا للمصلحة العامة أو الخاصة بالشخص‪.‬‬
‫وذكر فقهاء الحنفية ضابطا مختصرا لجرائم التعزير وهو‪ :‬يعزر كل مرتكب منكر ـ خطيئة ل حد‬
‫فيها ـ أو معصية ليس فيها حد مقدر أو مؤذي مسلم أو غير مسلم بغير حق‪ ،‬بقول أو فعل أو إشارة‬
‫بالعين أو باليد (‪ . )2‬أو بعبارة أخرى‪ :‬إن ضابط موجب التعزير‪ :‬هو كل من ارتكب منكرا أو آذى‬
‫غيره بغير حق بقول أو فعل أو إشارة‪ ،‬سواء أكان المعتدى عليه مسلما أم كافرا (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البحر الرائق‪ ،240/8 :‬تكملة المجموع‪.361/18 :‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار على الدر المختار‪ 195/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪.63/7 :‬‬

‫( ‪)7/278‬‬

‫وهذا الضابط‪ ،‬وإن كان فيه عموم وإجمال‪ ،‬خلفا لما تتطلبه قوانين العصر من النص صراحة على‬
‫كل جريمة بعينها وعقوبتها‪ ،‬إل أنه بمثابة القاعدة الفقهية الكلية المفيدة في التفقيه ووضع الطار العام‬
‫للجرائم غير الحدية‪ ،‬ويمكن بسهولة إفراد كل جريمة بالبيان‪ ،‬لن مرجع القاضي في التجريم ـ كما‬
‫تقدم ـ إنما هو الشرع‪ ،‬وليس هو العقل والهوى الشخصي‪ ،‬الذي ليس له أثر في شرع ال بإنشاء‬
‫الحكام‪ ،‬وما على القاضي إل أن يتقيد في كل تجريم بأوامر الشرع ونواهيه في القرآن والسنة‪،‬‬
‫ويهتدى بما أجله الفقهاء تماما في هذا الشأن‪ ،‬فما قبّحه الشرع أو منعه فهو قبيح ممنوع‪ ،‬وما حسّنه‬
‫الشرع أو طلبه‪ ،‬فهو حسن مطلوب أو مباح‪ ،‬كما‬
‫يقول الصوليون غير المعتزلة‪ .‬وحكم الشرع دائما مقيد بالمصلحة العامة‪ ،‬ودفع الضرر العام‪ .‬فإن لم‬
‫تكن هناك مصلحة عامة أو ضرر عام‪ ،‬روعيت المصلحة الشخصية‪ ،‬دون إضرار بالخرين‪ .‬ويقسم‬
‫ابن تيمية رحمه ال الجرائم التعزيرية‪ ،‬من ناحية أصل التكليف إلى قسمين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ما تكون العقوبة فيه على إتيان فعل نهى ال عنه كالغش‪ ،‬والتزوير‪ ،‬وشهادة الزور (أي التي‬
‫ظهر أمرها للقاضي) وخيانة المانة‪ ،‬والتدليس‪...‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)7/279‬‬

‫الثاني ‪ :‬ما تكون العقوبة فيه على ترك واجب أو على المتناع من أداء حق‪ ،‬وتكون هذه العقوبة‬
‫بقصد حمل الشخص على أداء الواجب أو الحق‪ ،‬كعقوبة تارك الزكاة‪ ،‬فهي للحمل على الداء وليست‬
‫على ترك الزكاة‪ ،‬فإن أداها التارك فل عقاب‪ .‬وكذلك الحال بالنسبة لحبس المرتد‪ ،‬فإن تاب فل‬
‫عقاب‪ ،‬وحبس المدين المماطل‪ ،‬فإن وفى الدين فل عقاب (‪. )1‬‬
‫والعقوبات التعزيرية‪ :‬هي التوبيخ أو الزجر بالكلم‪ ،‬والحبس‪ ،‬والنفي عن الوطن‪ ،‬والضرب‪ .‬وقد‬
‫يكون التعزير بالقتل سياسة في رأي الحنفية وبعض المالكية‪ ،‬وبعض الشافعية إذا كانت الجريمة‬
‫خطيرة تمس أمن الدولة أو النظام العام في السلم‪ ،‬مثل قتل المفرّق جماعة المسلمين‪ ،‬أو الداعي إلى‬
‫غير كتاب ال وسنة رسوله صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬أو التجسس‪ ،‬أو انتهاك عرض امرأة بالكراه‪ ،‬إذا‬
‫لم يكن هناك وسيلة أخرى لقمعه وزجره (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجريمة والعقوبة في الفقه السلمي للستاذ المرحوم محمد أبو زهرة‪.122/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الفروق للقرافي‪ ،79/4 :‬العتصام للشاطبي‪ ،120/2 :‬الطرق الحكيمة لبن القيم‪ :‬ص ‪ 101‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬أحكام القرآن للجصاص‪ ،412/2 :‬تبيين الحقائق ‪ ،207/2 :‬المغني‪ ،328/9 :‬رد المحتار‪:‬‬
‫‪ ،196/3‬الشرح الكبير للدردير‪ ،355/4 :‬المهذب‪ ،242/2 :‬غاية المنتهى‪ ،334/3 :‬السياسة الشرعية‬
‫لبن تيمية‪ :‬ص ‪ ،114‬الحسبة لبن تيمية‪ :‬ص ‪.48‬‬

‫( ‪)7/280‬‬
‫يدل هذا على أن العقوبات التعزيرية معروفة أيضا في الشريعة‪ ،‬وقد أوضحها الفقهاء في كتبهم‪ ،‬لكنهم‬
‫قد يذكرونها إجمالً‪ ،‬ويتركون اختيار إحداها للقاضي يفعل ما يراه محققا للمصلحة من العقاب‪ ،‬وفي‬
‫هذا مرونة ومنح للقاضي شيئا من الحرية‪ ،‬وإعطاؤه سلطة تقديرية‪ ،‬وقد يحدد الفقهاء العقوبة الخاصة‬
‫بكل جريمة على حدة‪ ،‬فتكون الكتب الفقهية بمثابة التقنينات‪ ،‬وإن كان ينقصها الجمع والتنظيم‬
‫واليجاز وحسن التبويب والتفصيل‪ ،‬لتعرف عقوبة كل جريمة بعينها‪ .‬وليس للقاضي أصلً الحكم‬
‫بعقوبة غير مألوفة شرعا‪ ،‬أما إن لم يكن في الكتب أحيانا تقدير محدد لعقوبة كل جريمة بذاتها‪،‬‬
‫فحينئذ يتمكن القاضي من اختيار نوع العقوبة الملئم قدرها للجريمة‪ ،‬ومراعاة ظروف الجاني‬
‫وأحواله تغليظا أو تخفيفا‪ ،‬لن المقصود من التعزير‪ :‬هو الزجر‪ ،‬والناس يتفاوتون بتفاوت مراتبهم‬
‫فيما يحقق الهدف المقصود من العقاب‪ ،‬ولنه قد تحدث جرائم لم يألفها الناس‪ ،‬حسبما تقتضي طبيعة‬
‫التطورات الجتماعية والقتصادية‪ ،‬وقد يتفنن المجرمون في ابتكار ألوان مختلفة لجريمة واحدة‪ ،‬كما‬
‫قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه ال‪« :‬سيحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من‬
‫الفجور» (‪. )1‬‬
‫وإذا حكم القاضي بالضرب‪ ،‬فليس لقله حد معين‪ ،‬فهو سوط فأكثر‪ ،‬ويفعل ما يراه محققا للمصلحة‬
‫والزجر‪ .‬وأما أقصى الضرب فهو مقيد بأل يتجاوز مقدارا معينا‪ ،‬وهو ما دون أقل الحدود الشرعية‪،‬‬
‫للحديث المتقدم‪« :‬من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر كتاب الخليفة الراشد العادل عمر بن عبد العزيز رحمه ال للكاتب صاحب البحث‪.‬‬

‫( ‪)7/281‬‬

‫لكن اختلف الفقهاء في أكثر الضرب‪ ،‬فقال أبو حنيفة ومحمد والشافعية والحنابلة‪ :‬ل يبلغ بالتعزير‬
‫أدنى الحدود الشرعية‪ ،‬وهو أربعون جلدة‪ ،‬وإنما ينقص‬
‫منه سوط واحد‪ ،‬فل يتجاوز الحكم تسعة وثلثين سوطا‪ ،‬باعتبار أن أقل الحدود للعبيد أربعون جلدة‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬ل يبلغ بالحد ثمانين جلدة‪ ،‬وينقص منه خمسة أسواط‪ ،‬فل يتجاوز خمسة وسبعين‬
‫سوطا‪ ،‬باعتبار أن أقل حد الحرار ثمانون جلدة (‪. )1‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يجوز التعزير بمثل الحدود فأقل وأكثر بحسب الجتهاد (‪. )2‬‬
‫وتقدير مدد الحبس أو السجن متروك للقاضي‪ .‬وعلى كل حال يمكن إصدار نظام أو قانون عام يحدد‬
‫الحدود الدنيا والقصوى لكل عقوبة‪ ،‬ويبين مدى سلطة القاضي‪ ،‬فهذا متروك لجتهاد ولة المور‪ ،‬ول‬
‫حظر فيه شرعا‪ ،‬أو عقل‪ ،‬وإنما هو مستحسن بحسب العراف المعاصرة‪ ،‬ويمكننا بسهولة وضع‬
‫تقنين شرعي يتناسب مع ظروف العصر‪ ،‬وقد حدث هذا فعلً في القوانين الجنائية المستمدة من‬
‫الشريعة السلمية كما تقدم‪.‬‬
‫ومن صفات التعزير عند الحنفية والشافعية‪ :‬أنه ليس واجبا على القاضي الحكم به‪ ،‬وإنما يجوز له‬
‫العفو عنه وتركه‪ ،‬إذ ا لم يتعلق به حق شخصي لنسان معين (‪ ، )3‬لما روي أن النبي قال‪« :‬أقيلوا‬
‫ذوي الهيئات عثراتهم إل في الحدود» (‪ . )4‬وهذا يدل على أنه يراعى في التعزير مصلحة المتهم‪،‬‬
‫ويسلك معه مسلك التخفيف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،64/7 :‬فتح القدير‪ ،214/4 :‬تبيين الحقائق‪ ،209/3 :‬نهاية المحتاج‪ ،175/7 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،288/2‬المغني‪ ،324/8 :‬غاية المنتهى‪ ،335 - 333/3 :‬السياسة الشرعية لبن تيمية‪ :‬ص ‪،112‬‬
‫الطرق الحكمية‪ :‬ص ‪.265‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي‪.355/4 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،64/7 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،204/3 :‬مغني المحتاج‪ ،193/4 :‬قواعد الحكام للعز‪:‬‬
‫‪ ،158/1‬المهذب‪.288/2 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن عدي والعقيلي عن عائشة‪ ،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬

‫( ‪)7/282‬‬

‫يتجلى مما سبق أن العقوبات التعزيرية تتصف بصفة المرونة في التطبيق‪ ،‬فيترك فيها للقاضي‬
‫الحرية في اختيار نوع العقاب الملئم‪ ،‬أو العفاء من العقوبة أو التفاوت بين المجرمين بحسب‬
‫الظروف والحوال‪ ،‬وليس للقاضي أصلً سلطة في التجريم والعقاب كيفما يشاء‪ ،‬وإنما هو مقيد في‬
‫حكمه بأوامر الشرع وقيوده وقواعده‪ ،‬ويستأنس بتصنيف الفقهاء للعقوبات‪ .‬وهذا كله يساعد في‬
‫إصلح المجرم وبالتالي القلل من الجريمة ومنعها‪ ،‬بسبب رهبته من العقاب المحدد مطلقا‪ ،‬وهو‬
‫أسمى ما ينشده رجال القانون للتخفيف من حدة مبدأ قانونية الجرائم‪ ،‬وإعطاء سلطات تقديرية للقاضي‬
‫في العقاب‪ ،‬مثل ترتيب العقوبة بين حد أقصى وحد أدنى يتراوح بينهما تقديره‪ ،‬أو ائتمانه على تطبيق‬
‫نظام الظروف المخففة‪ ،‬أو تخويله سلطة المر بإيقاف تنفيذ العقوبة في بعض الحوال‪ .‬وبذلك بدأت‬
‫الشريعة السلمية في العقوبات التعزيرية بما انتهت إليه القوانين الحديثة في أفضل وأسمى نظرياتها‪.‬‬

‫( ‪)7/283‬‬
‫عاشرا ـ موانع العقاب أو موانع المسؤولية‪ ،‬وأسباب الباحة وإنسانية العقوبة ‪:‬‬
‫قد يمتنع تطبيق العقوبة لسباب إنسانية تؤدي إلى منع الجريمة وحماية المجتمع من تكرار وقوع‬
‫الجريمة وهي نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬موانع العقاب أو موانع المسؤولية‪ :‬هي أسباب شخصية ترجع إلى تخلف الركن المعنوي للجريمة‬
‫وهو القصد الجنائي (أو الرادة الثمة) إما لنعدام أهلية الفاعل وهو عذر صغر السن أو عدم التمييز‬
‫والجنون‪ ،‬وإما بسبب انتفاء التكوين الطبيعي للرادة وهو عذر الكراه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أسباب الباحة‪ :‬هي أسباب موضوعية ترجع إلى ظروف خارجة عن شخص الفاعل تمنع توافر‬
‫علة التجريم‪ ،‬وتؤدي إلى عدم تطبيق العقوبة على من يرتكب فعلً يعد في الصل جريمة‪ ،‬مثل‬
‫ممارسة حق الدفاع الشرعي واستعمال الحق‪ ،‬فتعتبر أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء‪ ،‬فل مسؤولية‬
‫على المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية‪ ،‬إل إذا تجاوز حدود الدفاع المشروع‪ ،‬فيصبح عمله‬
‫جريمة يسأل عنها مدنيا وجزائيا‪ .‬والدفاع عامل مهم من عوامل منع الجريمة‪ .‬واستعمال الحق مثل‬
‫رضاء المجني عليه يسقط القصاص للشبهة‪ ،‬ورفع العقاب عن المكره ومثله المضطر في الشريعة‬
‫يتمشى مع مراعاة الوظيفة النسانية للعقوبة‪ ،‬فل قصاص في رأي الحنفية والظاهرية على المستكره‬
‫على القتل‪ ،‬ول عقاب عند جمهور الفقهاء على المرأة المستكرهة على الزنا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول‬
‫ُتكْرِهُوا فتياتِكم على ال ِبغَاءِ إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا‪ ،‬ومَنْ يكرِههن‪ ،‬فإنّ ال من‬
‫بعد إكرا ِههِن غفورٌ رحيمُ} [النور‪ ]33/24:‬وكذا ل عقاب على الرجل المكره على الزنا في مذهبي‬
‫الحنفية والشافعية‪ ،‬لن الكراه يوّرث شبهة‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات (‪. )1‬‬
‫والمضطر ل عقاب عليه‪ ،‬لن عمر رضي ال عنه أوقف قطع يد السارق عام الرمادة أو المجاعة‬
‫العامة بالناس‪ ،‬وقال‪« :‬ل أقطع في عام سنة» (‪ . )2‬وذكر ابن القيم أن عمر رضي ال عنه أتي‬
‫بامرأة جهدها العطش‪ ،‬فمرت على راع فاستقت‪ ،‬فأبى أن يسقيها إل أن تمكنه من نفسها‪ ،‬ففعلت‪،‬‬
‫فشاور الناس في رجمها‪ ،‬فقال علي رضي ال عنه‪ :‬هذه مضطرة أرى أن يخلى سبيلها‪{ :‬فمن اضْطُرّ‬
‫غير باغ ول عاد فل إثمَ عليه} [النعام‪ ]145/6:‬فخلى عمر سبيلها (‪ . )3‬وهذا يتفق أيضا مع مبدأ‬
‫انتفاء القصد الجنائي‪ ،‬وتطبيق قاعدة رفع الحرج‪ ،‬ودرء الحدود بالشبهات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 175/7 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،389/2 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،444/3 :‬الفروق‬
‫للقرافي‪ ،208/2 :‬قواعد الحكام‪ ،132/2 :‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪ 286‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،98/4‬المغني‪ ،645/ :‬أعلم الموقعين‪ ،183/4 :‬بتحقيق عبد الحميد‪.‬‬
‫(‪ )2‬أعلم الموقعين‪ ،33/3 :‬مطبعة النيل بمصر‪.‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪.‬‬

‫( ‪)7/284‬‬

‫حادي عشر ـ الثار الصلحية الكبرى لسياسة العقاب في السلم ‪:‬‬


‫تبين مما سبق‪ ،‬وهذا بمثابة الخاتمة للبحث أن تطبيق الشريعة السلمية في مجال العقوبات‪ ،‬ومراعاة‬
‫مبادئ السياسة الجنائية السلمية يؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود من العقاب وهو تقويم المجرم‪،‬‬
‫ومنع الجريمة أو التخفيف والقلل منها‪ ،‬وهذه هي أهم آثار التطبيق للنظام الجنائي في السلم‪:‬‬
‫‪ - 1‬تحقيق الزجر والردع للجاني ولمثاله وللناس قاطبة‪ ،‬وإصلح المجرم وتهذيبه أيضا وعودته‬
‫إلى الحياة عضوا صالحا مستقيما‪ ،‬كما سأبين‪ ،‬ففي إقامة الحدود الشرعية الزجر الكافي الذي يمنع من‬
‫الجريمة‪ ،‬وليس أدل على صدق ذلك من أن تطبيق العقوبات الشرعية في السعودية وغيرها أدى إلى‬
‫تحقيق المن والطمئنان مما ل نجد له مثيلً في العالم‪ .‬وأن الخوف من العقوبة الخروية ومن‬
‫العذاب الشديد في نار جهنم يمل النفس رهبة وخشية من اقتراف الجريمة‪.‬‬
‫والتوبة باب مفتوح لصلح الجناة والمجرمين‪ ،‬كما أن المواعظ والرشادات المتكررة في الحياة‬
‫السلمية من أمر بمعروف ونهي عن منكر‪ ،‬وسماع خطب الجمعة والعيدين وغيرهما في المناسبات‬
‫ل مهما جدا في الصلح والتقويم‪ ،‬والزجر الردع معا‪.‬‬
‫السلمية يعد عام ً‬
‫‪ - 2‬عدم الحرص الشديد على تطبيق الحدود الشرعية‪ :‬إن الخذ بمبدأ‬

‫( ‪)7/285‬‬

‫الستر على غير المجاهر بالمعصية‪ ،‬ودرء الحدود بالشبهات الكثيرة يؤديان إلى ندرة العقوبة وعدم‬
‫الحرص الشديد على تطبيقها‪.‬‬
‫‪ - 3‬منع الجريمة أو التخفيف منها‪ :‬ل يمكن في الغالب استئصال الجريمة في أي مجتمع ولكن يمكن‬
‫إضعافها وتقليل نسبتها باتباع نظام صحيح يحقق الهدف من العقوبة وهو صيانة المن‪ ،‬واستتباب‬
‫النظام‪ ،‬ومنع الفوضى وجعل احتمال الجريمة أمرا بعيد الحصول‪.‬‬
‫‪ - 4‬إصلح المجرم وتقويمه واستقامته‪ :‬إن كل إنسان يشعر ذاتيا بفداحة المسؤولية والعقاب‪ ،‬ويحس‬
‫بضرر ذلك على سمعته وشرفه واعتباره‪ ،‬فإذا عوقب مرة‪ ،‬دفعه ذلك في الغالب إلى العزم على عدم‬
‫العود إلى جرم آخر‪ ،‬وصلح حاله واستقام أمره‪.‬‬
‫‪ - 5‬نظافة المجتمع وطهره وحمايته من ظاهرة الجرام‪ :‬وهذا هدف أساسي في سياسة العقاب في‬
‫السلم‪ ،‬لن أمن الفرد من أمن الجماعة‪ ،‬والعيش في سلم هو غاية كل إنسان‪ ،‬فيكون توقيع العقوبة‬
‫المناسبة أدعى إلى صون مصلحة المجتمع أكثر من رعاية مصلحة فرد أو إنسان معين‪.‬‬
‫‪ - 6‬تقدير المخاطر‪ ،‬والتوعية بأن الوقاية خير من العلج‪ :‬إن تطبيق العقوبة في السلم أمر علني‬
‫لينزجر الناس‪ ،‬ويحاسبوا أنفسهم‪،‬ويقدروا ما قد يقعون فيه من الحساب العسير والعقاب الصارم؛ لن‬
‫كل امرئ بما كسب رهين‪ ،‬والوقاية خير من العلج‪ ،‬وسد الذرائع المؤدية إلى الفساد أمر واجب‪،‬‬
‫ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪.‬‬

‫( ‪)7/286‬‬

‫‪ - 7‬نشر ظاهرة الخوف من العقاب الدنيوي والخروي يحقق مصالح عامة كثيرة أهمها صون أمن‬
‫المجتمع‪ ،‬والتوجه نحو التنمية والنتاج وتوفير الطاقات‪ ،‬وتقليل النفاق على مقاومة الجريمة‪ ،‬فهناك‬
‫خسائر تلحق بالممتلكات ومصادر الثروة كالسرقة والنصب والختلس ‪،‬وتهريب الموال‪ ،‬وخسائر‬
‫في الرواح بسبب القتل أو الصابة بالعجز الكلي أو الجزئي‪ ،‬وتعطيل جزء من الطاقة بإيداع‬
‫المجرمين في السجون‪ ،‬وإن صارت السجون الن طاقة إنتاجية من خلل التدريب وتأهيل المسجونين‬
‫ليتعلموا حرفة أو مهنة يتعيشون منها بعد إطلق سراحهم من السجون‪ .‬وهناك نفقات طائلة تنفقها‬
‫الدولة في مكافحة الجريمة‪ ،‬كمرتبات رجال الشرطة والقضاء‪ ،‬ونفقات السجون ودور القضاء‬
‫والموظفين في هذه المؤسسات وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ - 8‬تحقيق المن والستقرار الدائم‪ :‬إن ظاهرة الجريمة تحدث قلقا بالغا واضطرابا شديدا وغليانا ل‬
‫يهدأ إل بالعقوبة الصارمة‪.‬‬
‫‪ - 9‬بقاء العالم‪ :‬إن في تطبيق العقوبة كالقصاص (أو العدام) صونا لحياة العالم وأرواح الناس‪،‬‬
‫وبقاء النوع النساني‪ ،‬لن القاتل إذا علم أنه سيقتل إذا قتل‪ ،‬ارتدع وانزجر‪ ،‬فأحيا نفسه‪ ،‬وأحيا غيره‪،‬‬
‫قال ال تعالى‪{ :‬ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي اللبابِ‪ ،‬لعلكم تتقون} [البقرة‪ .]179/2:‬لذا كانت‬
‫المطالبة بمنع عقوبة العدام خطأ بينا ل يتفق مع المصلحة العامة والخاصة في شيء أبدا‪.‬‬

‫( ‪)7/287‬‬

‫‪ - 10‬حصر الجريمة في أضيق نطاق ممكن‪ :‬وهذا من مقاصد التشريع وأصول العقاب في السلم‪،‬‬
‫ويتمثل هذا بالترهيب من إشاعة الفاحشة في المجتمع‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬إن الذين يحبون أن تشيع‬
‫الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} [النور‪ .]19/24:‬وإذا شاعت الفاحشة تجرأ الناس على‬
‫ارتكابها وهان عليهم اقترافها‪ ،‬ويتمثل أيضا بمبدأ تفريد العقاب القضائي في نطاق التعازير (أي‬
‫إصدار العقوبة الملئمة لكل فرد على حدة حسبما يلئمه ويزجره‪ ،‬فيحقق فكرة السلطة التقديرية‬
‫للقاضي ويساير التطور) وكذا المسؤولية الشخصية‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ول تزر وازرة وزر أخرى}‬
‫[النعام‪ .]164/6:‬ثم إن العقوبة واجبة التطبيق عند جمهور الفقهاء غير أبي حنيفة‪ ،‬ولو وقعت خارج‬
‫دار السلم‪ ،‬لن الممنوع أو الحرام ل تتغير صفته في أي مكان‪.‬‬
‫‪ - 11‬الدفاع عن المجتمع ضد الجريمة‪ :‬لقد حرص السلم على هذا المعنى‪ ،‬وأقام مبدأ التكافل‬
‫الجتماعي ضد الجريمة‪ ،‬أو المسؤولية الجماعية المفروضة على كل فرد أن يرعى مصالح الجماعة‪،‬‬
‫كأنه حارس لها أو موكل بها‪ ،‬وهذا ما صوره الرسول صلّى ال عليه وسلم في حديث السفينة بقوله‪:‬‬
‫«مثل القائم على حدود ال ‪ ،‬والواقع فيها‪ ،‬كمثل قوم استهموا في سفينة‪ ،‬فأصاب بعضهم أعلها‪،‬‬
‫وأصاب بعضهم أسفلها‪ ،‬فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مرّوا على من فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا‬
‫في نصيبنا خرقا‪ ،‬ولم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن تركوهم وما أرادوا‪ ،‬هلكوا جميعا‪ ،‬وإن أخذوا على أيديهم‬
‫نجوا ونجوا جميعا» (‪. )1‬‬
‫‪ - 12‬الحفاظ على المقاصد العامة للتشريع أو الصول الخمس الكلية‪ :‬تقوم خطة الشريعة في التجريم‬
‫والعقاب على أساس الحفاظ على المصالح الساسية المعتبرة في السلم‪ ،‬وهي الدين‪ ،‬والنفس‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪ ،‬وهي المصالح التي ل تستقيم الحياة النسانية إل بوجودها وصيانتها من‬
‫العتداء‪ ،‬فيكون العتداء عليها جريمة يعاقب عليها المعتدى بما يتناسب مع جسامة الجرم وخطورته‬
‫( ‪. )2‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن العقوبات السلمية أدوات فعالة في القضاء على الجريمة والمجرمين‪ ،‬ووسائل نفّاذة‬
‫في نشر المن والسلم واستئصال الجريمة‪ ،‬والدليل على ذلك واقع البيئة التي تطبق فيها‪ ،‬وحينئذ ل‬
‫يلتفت إلى أي نقد أو اعتراض أو تشويه لمعنى العقوبة وأساليبها وأنواعها في شريعة ال تعالى‪ ،‬فتلك‬
‫المزاعم باطلة‪ ،‬وأفكار مروجيها خطأ ‪،‬ومصدرها الجهل بحقيقة المور في الشريعة‪ ،‬ومراعاة‬
‫مصلحة شخص على حساب الجماعة كلها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )2‬التعزير والتجاهات الجنائية المعاصرة للدكتور عبد الفتاح خضر‪ :‬ص ‪.9‬‬

‫( ‪)7/288‬‬
‫صلُ الوّل‪ :‬حَدّ الزّنا‬
‫ال َف ْ‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫الزنا حرام وفاحشة عظيمة‪ ،‬وهو من الكبائر العظام‪ ،‬واتفق أهل الملل على تحريمه ولم يحل في ملة‬
‫قط‪ ،‬ولهذا كان حده أشد الحدود؛ لنه جناية على العراض والنساب‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬ول تقربوا‬
‫الزنى‪ ،‬إنه كان فاحشة وساء سبيلً} [السراء‪ ]32/17:‬وقال سبحانه‪{ :‬والذين ل يدعون مع ال إلها‬
‫آخر‪ ،‬ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق‪ ،‬ول يزنون‪ ،‬ومن يفعل ذلك يلق أثاما‪ ،‬يضاعف له‬
‫العذاب يوم القيامة ‪ ،‬ويخلد فيه مهانا} [الفرقان‪.]69-68/25:‬‬
‫والصل في مشروعية حد الزنا للبكر قوله عز وجل‪{ :‬الزانية والزاني‪ ،‬فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة‬
‫جلدة} [النور‪ .]2/24:‬وأما الرجم للمحصن فقد ثبت في السنة‪ ،‬فإن الرسول صلّى ال عليه وسلم رجم‬
‫ماعزا وامرأة من بني غامد‪ ،‬بأخبار بعضها متواتر‪ ،‬كما أثبتنا في تخريج أحاديث تحفة الفقهاء (‪، )1‬‬
‫وأجمع الصحابة على مشروعية الرجم‪.‬‬
‫وحد الزنا من حقوق ال تعالى الخالصة له‪ ،‬أي من حقوق المجتمع‪ ،‬لما يترتب على الزنا من اعتداء‬
‫على السرة والنسل ونظام المجتمع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع تحفة الفقهاء‪ 192 ،188/3 :‬وسيأتي تخريج الحديث بإيجاز‪.‬‬

‫( ‪)7/289‬‬

‫واتفق أئمة المذاهب على أنه ل يجب الحد على الصبي والمجنون‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم «رفع‬
‫القلم عن ثلث‪ :‬عن الصبي حتى يكبر‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن المجنون حتى يُفيق» (‪. )1‬‬
‫وكما أن الزنا حرام‪ ،‬اللواط محرم أيضا‪ ،‬بل هو أفحش من الزنا‪ ،‬لقوله عز وجل‪{ :‬ولوطا إذ قال‬
‫لقومه‪ :‬أتأتون الفاحشة‪ ،‬ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [العراف‪ ]80/7:‬فسماه الحق تعالى‬
‫فاحشة‪ ،‬وقال‪{ :‬ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [النعام‪ .]151/6:‬وقد عذب ال عز وجل‬
‫قوم لوط بما لم يعذب به أحدا من الناس‪ .‬وقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من وجدتموه يعمل عمل قوم‬
‫لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (‪ . )2‬وروى البيهقي عن أبي موسى‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬إذا أتى الرجل ُالرجلَ فهما زانيان» ‪.‬‬
‫والسحاق‪( :‬وهو فعل النساء بعضهن ببعض) حرام أيضا‪ ،‬ويعزر فاعل المساحقة ولو كان ذلك بين‬
‫رجل وامرأة‪ ،‬أو بين رجلين‪ .‬وروى البيهقي عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه أن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم قال‪« :‬إذا أتى الرجل ُالرجل فهما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البزار في مسنده بهذا اللفظ عن أبي هريرة‪ .‬قال الهيثمي‪ :‬وفيه عبد الرحمن بن عبد ال‬
‫بن عمر بن حفص وهو متروك ا هـ ‪ .‬إل أنه روي عن صحابة آخرين بألفاظ مختلفة‪ :‬منها ـ ما‬
‫رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة إل الترمذي وصححه الحاكم‪ ،‬وأخرجه ابن حبان‪ ،‬ولفظه‪« :‬رفع‬
‫القلم عن ثلثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصغير حتى يكبر‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق»‬
‫وروي أيضا عن علي بن أبي طالب وأبي قتادة وثوبان وشداد بن أوس‪.‬‬
‫(راجع نصب الراية‪ 161/4 :‬وما بعدها‪ ،‬جامع الصول‪ ،349 ،271/4 :‬مجمع الزوائد‪،251/6 :‬‬
‫سبل السلم‪.)180/3 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي عن ابن عباس‪ ،‬ورواه البزار في‬
‫مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وإسناده أضعف من الول (راجع نصب‬
‫الراية‪ 339/3 :‬وما بعدها‪ ،‬جامع الصول‪ ،271 ،305/4 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.)351‬‬

‫( ‪)7/290‬‬

‫زانيان‪ ،‬وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» (‪ . )1‬وعن واثلة قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم‪« :‬سحاق النساء بينهن زنا» (‪. )2‬‬
‫وفي الجملة‪ :‬إن العين بريد الزنا‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬العينان تزنيان واليدان تزنيان‪،‬‬
‫والرجلن تزنيان‪ ،‬ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه» (‪ )3‬مما يدل على أن غض البصر واجب‬
‫شرعا‪ .‬قال تعالى‪{ :‬قل للمؤمنين‪ :‬يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور‪{ ]30/24:‬وقل‬
‫للمؤمنات‪ :‬يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور‪ ]31/24:‬فمن حرمت مباشرته في الفرج‬
‫بحكم الزنا أو اللواط‪ ،‬حرمت مباشرته فيما دون الفرج بشهوة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين هم لفروجهم‬
‫حافظون‪ ،‬إل على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم‪ ،‬فإنهم غير ملومين} [المؤمنون‪.]6-5/23:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي عن أبي موسى‪ .‬قال ابن حجر‪ « :‬وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري كذبه أبو‬
‫حاتم‪ ،‬ورواه أبو الفتح الزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى‪ ،‬وفيه‬
‫بشر بن الفضل البجلي‪ ،‬وهو مجهول‪ .‬وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه» ‪( .‬راجع‬
‫التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.)352‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو يعلى ورجاله ثقات‪ ،‬ورواه الطبراني أيضا بلفظ «السحاق بين النساء زنا بينهن» ‪.‬‬
‫(راجع مجمع الزوائد‪.)256/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬كتب على ابن آدم نصيبه من‬
‫الزنا‪ ،‬مدرك ذلك ل محالة‪ ،‬فالعينان زناهما النظر‪ ،‬والذنان زناهما الستماع‪ ،‬واللسان زناه الكلم‪،‬‬
‫واليدان تزنيان‪ ،‬وزناهما البطش‪ ،‬والرجلن تزنيان وزناهما المشي‪ ،‬والقلب يهوى ويتمنى‪ ،‬ويصدق‬
‫ذلك الفرج أو يكذبه» وأخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس بلفظ آخر‪ ،‬ورواه أحمد وأبو يعلى‪،‬‬
‫والبزار والطبراني وإسنادهما جيد عن ابن مسعود بلفظ‪« :‬العينان تزنيان والرجلن تزنيان واليدان‬
‫تزنيان والفرج يزني» ‪( .‬راجع نصب الراية‪ ،248/4 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪ ،324‬مجمع الزوائد‪:‬‬
‫‪ )256/6‬والمقصود من كتابة الزنا على ابن آدم‪ :‬تقرير الواقع من النسان بحسب علم ال المحيط‬
‫بكل الحداث والتصرفات‪ ،‬ل بمعنى الفرض واللزام‪ ،‬ول بد من أن يقع تصرف النسان مطابقا لما‬
‫في علم ال ؛ لن علمه ل يتغير‪.‬‬

‫( ‪)7/291‬‬

‫ويحرم الستمناء لقوله عز وجل‪{ :‬والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت‬
‫أيمانهم‪ ،‬فإنهم غير ملومين} [المؤمنون‪ ،]6-5/23:‬ولنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل‪ ،‬فإن فعل‬
‫عزر ولم يحد؛ لنها مباشرة محرمة من غير إيلج‪ ،‬فأشبهت مباشرة الجنبية فيما دون الفرج‪ .‬ويحرم‬
‫إتيان الميتة والبهيمة للية السابقة (‪ . )1‬وسنعرف حكم الحد فيه‪.‬‬
‫خطة الموضوع ‪:‬‬
‫الكلم في حد الزنافي المباحث الخمسة التية‪:‬‬
‫المبحث الول ـ سبب حد الزنا «الجريمة» وتعريف الزنا‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ شروط الحد‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ عقوبة الزنا «الحد» ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ إقامة الحد (كيفيته‪ ،‬حالة المحدود‪ ،‬مكان القامة)‪.‬‬
‫ويلحق بها بيان حكم اللواط‪ ،‬ووطء البهيمة‪ ،‬ووطء الميتة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪ ،171/3 :‬المهذب‪ 268/2 :‬ومابعدها‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،316/4 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،187/8‬غاية المنتهى‪.334/3 :‬‬

‫( ‪)7/292‬‬

‫المبحث الول ـ سبب حد الزنا وتعريف الزنا ‪:‬‬


‫إن سبب حد الزنا هو ارتكاب جريمة الزنا‪ ،‬ولكن الفقهاء وضعوا ضوابط دقيقة لتحقق هذه الجريمة؛‬
‫لن الحدود عموما مبنية على الدرء والسقاط‪ ،‬صيانة‬
‫للمجتمع من سماع وقوع هذه الفاحشة‪ ،‬فضلً عن انتشارها والخوض في مساوئها‪ ،‬فإذا لم تتوافر هذه‬
‫الضوابط سقط الحد‪ .‬ويجب التعزير أو المهر إذا كان الوطء بشبهة؛ لن كل وطء حرام ل يخلو عن‬
‫عَقر (أي عقوبة أو حد زاجر) أو عُقر (‪( )1‬أي مهر جابر في حالة الشبهة)‪.‬‬
‫تعريف الزنا (‪: )2‬‬
‫الزنا في اللغة والشرع بمعنى واحد‪ :‬وهو وطء الرجل المرأة في القُبُل في غير الملْك وشبهته (‪. )3‬‬
‫وقد ذكر الحنفية تعريفا مطولً يبين ضوابط الزنا الموجب للحد‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو الوطء الحرام في قُبل‬
‫المرأة الحية المشتهاة في حالة الختيار في دار العدل‪ ،‬ممن التزم أحكام السلم‪ ،‬الخالي عن حقيقة‬
‫الملك‪ ،‬وحقيقة النكاح‪ ،‬وعن شبهة الملك‪ ،‬وعن شبهة النكاح‪ ،‬وعن شبهة الشتباه في موضع الشتباه‬
‫في الملك والنكاح جميعا (‪. )4‬‬
‫شرح التعريف وبيان محترزات قيوده ‪:‬‬
‫الوطء‪ :‬فعل معلوم وهو إيلج فرج في فرج بقدر الحشَفة‪ .‬فالوطء الذي يجب به الحد أن يغيب‬
‫الحشفة في الفرج‪ ،‬فل يجب الحد بأدنى من ذلك كالمفاخذة والتقبيل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪.28 ،22/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الزنا تكتب بالقصر في لغة أهل الحجاز‪ ،‬وبالمد في لغة أهل نجد‪.‬‬
‫(‪ )3‬حاشية ابن عابدين‪ ،154/3 :‬فتح القدير‪ ،138/4 :‬تبيين الحقائق للزيلعي‪ ،164/3 :‬وقال في‬
‫المهذب‪ :266/2 :‬إذا وطئ رجل من أهل دار السلم امرأة محرمة عليه‪ ،‬من غير عقد ول شبهة‬
‫عقد‪ ،‬وغير ملك ول شبهة ملك‪ ،‬وهو عاقل بالغ مختار‪ ،‬عالم بالتحريم‪ ،‬وجب عليه الحد‪ .‬فإن كان‬
‫محصنا وجب عليه الرجم‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ ،33/7 :‬العناية شرح الهداية‪.138/4 :‬‬
‫( ‪)7/293‬‬

‫الحرام‪ :‬أي الوطء الحاصل من الشخص المكلف (أي العاقل البالغ)‪ .‬أما وطء غير المكلف كالصبي‬
‫والمجنون فل يعتبر زنا موجبا للحد؛ لن فعلهما ل يوصف بالحرمة‪ ،‬لكونهما غير مكلفين‪ ،‬بقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬رفع القلم عن ثلث‪ :‬عن الصبي حتى يبلغ (‪ ، )1‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن‬
‫المجنون حتى يُفيق» السابق ذكره‪.‬‬
‫في قبل‪ :‬أخرج بذلك الوطء في الدبر في النثى أو الذكر‪ ،‬فإنه ليسمى زنا عند المام أبي حنيفة‪،‬‬
‫بخلف الصاحبين والشافعية والحنابلة والمالكية‪.‬‬
‫المرأة‪ :‬أخرج وطء البهيمة؛ لنه أمر نادر ينفر منه الطبع السليم كما تقدم‪.‬‬
‫الحية‪ :‬أخرج وطء الميتة؛ لنه أمر نادر‪ ،‬كما ذكر‪.‬‬
‫المشتهاة‪ :‬ل يحد واطئ غير المشتهاة كالصغيرة التي لم تبلغ حدا يشتهى؛ لن الطبع السليم ل يقبل‬
‫هذا‪.‬‬
‫حالة الختيار‪ :‬يجب أن يكون الواطئ مختارا‪ ،‬سواء أكان رجلً أم امرأة موطوءة‪ ،‬فل يحد المكرَه‬
‫على الزنا‪ .‬وقد اتفق العلماء على أنه ل حد على المرأة المكرهة على التمكين من الزنا‪ ،‬لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ومااستكرهوا عليه» (‪. )2‬‬
‫وأما الرجل المكرَه على الزنا‪ ،‬فل حد ولتعزير عليه أيضا عند الشافعية‪ ،‬وهو المختار عند محققي‬
‫المالكية‪ ،‬للحديث السابق ولقيام عذره بالكراه‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬يحد؛ إذ أنه ما دام قد حصل النتشار منه‪ ،‬دل على انتفاء الكراه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا اللفظ أخرجه أبو داود عن علي بن أبي طالب‪ .‬وهناك روايات أخرى مثل «حتى يحتلم» أو‬
‫«حتى يكبر» وقد تقدم تخريج الحديث (انظر نصب الراية‪.)163/4 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني عن ثوبان‪ ،‬وله لفظ آخر‪« :‬إن اال تجاوز عن أمتي ثلثة‪ :‬الخطأ والنسيان وما‬
‫أكرهوا عليه» قال النووي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وصححه السيوطي‪ ،‬وهو غير صحيح‪ ،‬فقد تعقبه الهيثمي‬
‫بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف‪ ،‬ورواه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني‬
‫والبيهقي والحاكم في المستدرك من حديث الوزاعي‪ ،‬واختلف عليه‪ ،‬فقيل‪ :‬عن ابن عباس بلفظ‪« :‬إن‬
‫ال وضع» وللحاكم والدارقطني والطبراني بلفظ‪« :‬تجاوز» ‪( .‬راجع التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪،109‬‬
‫الجامع الصغير‪ ،24/2 :‬فيض القدير‪ ،34/4 :‬مجمع الزوائد‪.)250/6 :‬‬
‫( ‪)7/294‬‬

‫وقال أبو حنيفة أولً‪ :‬إن أكرهه السلطان فل حد عليه‪ ،‬وإن أكرهه غير السلطان حد استحسانا؛ لن‬
‫الكراه ل يتحقق في رأيه إل من السلطان‪.‬‬
‫وأما وقوع الزنا بإكراه غير السلطان‪ ،‬فإنه يدل على عدم تحقق معنى الكراه‪ ،‬لوجود الطواعية‬
‫والرضا من الفاعل‪ ،‬بدللة الحال وحصول النتشار والشهوة‪.‬‬
‫ثم استقر رأي أبي حنيفة على أنه ل يحد المستكره؛ لن النتشار قد يكون دليل الفحولية ل دليل‬
‫الختيار‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬ل يحد المكره في الحالتين وهو المعتمد في الفتوى‪ .‬وقال زفر‪ :‬يحد فيهما جميعا (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫في دار العدل‪ :‬أي في دار السلم؛ إذ ل ولية لولي المر على دار الحرب أو دار البغي‪.‬‬
‫ممن التزم أحكام السلم‪ :‬أي المسلم أو الذمي وهو احتراز عن الحربي‪ ،‬فإنه لم يلتزم أحكام السلم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع البدائع‪ ،180 ،34/7 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،172/3 :‬مغني المحتاج‪ ،145/4 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،267/2‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير‪ ،318/4 :‬بداية المجتهد‪ ،431/2 :‬المغني لبن‬
‫قدامة‪.205 ،187/8 :‬‬

‫( ‪)7/295‬‬

‫الخالي عن حقيقة الملك‪ :‬هذا القيد لخراج وطء المملوكة بملك اليمين‪ ،‬مثل وطء الجارية المشتركة‬
‫والمجوسية (‪ )1‬والمرتدة والمكاتبة والمحرمة برضاع أو صهرية أو جمع (‪ ، )2‬حتى وإن كان الوطء‬
‫حراما وعلم بالحرمة (‪ . )3‬والصحيح عند الشافعية أن من ملك ذات رحم محرم‪ ،‬فوطئها‪ ،‬ل حد‬
‫عليه؛ لنه وطء في ملك‪ ،‬فلم يجب به الحد‪ ،‬كوطء أمته الحائض‪ .‬وكذا من وطئ جارية مشتركة بينه‬
‫وبين غيره‪ ،‬ل يجب عليه الحد‪.‬‬
‫الخالي عن حقيقة النكاح‪ :‬هذا قيد آخر لخراج وطء المرأة بملك النكاح‪ ،‬مثل وطء الزوجة الحائض‬
‫أو النفساء‪ ،‬أو الصائمة‪ ،‬أو المُحرمة في الحج‪ ،‬أو التي ظاهر منها زوجها أو آلى منها‪ ،‬فل يجب الحد‬
‫وإن كان الوطء حراما‪ ،‬لقيام ملك النكاح (‪. )4‬‬
‫شبهة الملك‪ :‬إذا قامت شبهة في ملك أو نكاح‪ ،‬فل يجب الحد؛ لقوله عليه السلم‪« :‬ادرؤوا الحد‬
‫بالشبهات» (‪ )5‬وهذا الحديث وإن كان موقوفا‪ ،‬فله حكم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬من المعلوم أنه ل يجوز نكاح المجوسية (عابدة النار) ول الوثنية‪ ،‬ول وطؤها بملك يمين (حاشية‬
‫ابن عابدين‪.)398/2 :‬‬
‫(‪ )2‬ل يعتق بالملك إل عمودا النسب‪ :‬وهم الباء والمهات وإن علوا‪ ،‬والولد وإن سفلوا‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ ،140/4 :‬البدائع‪.35/7 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ ،35/7 :‬فتح القدير‪.140/4 :‬‬
‫(‪ )5‬قال الزيلعي‪ :‬غريب بهذا اللفظ ورواه البيهقي عن علي موقوفا‪ ،‬وتمامه «ول ينبغي للمام أن‬
‫يعطل الحدود» إل أن فيه المختار بن نافع قال البخاري عنه‪ :‬وهو منكر الحديث‪ ،‬قال‪ :‬وأصح ما فيه‬
‫حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد ال بن مسعود قال‪« :‬ادرؤوا الحدود‬
‫بالشبهات‪ ،‬ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم» أخرجه ابن عدي ومسدد في مسنده موقوفا على‬
‫ابن مسعود‪ ،‬وهو حسن‪ ،‬وأخرجه آخرون مرفوعا ومرسلً‪ .‬وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا‬
‫موقوفا‪ ،‬وروي منقطعا وموقوفا على عمر‪ .‬وفي مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ‬
‫(ادرؤوا الحدود بالشبهات) ورواه ابن ماجه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة بلفظ‪( :‬ادفعوا الحدود ما‬
‫وجدتم لها مدفعا) وأخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة بلفظ‪« :‬ادرؤوا الحدود عن المسلمين‬
‫ما استطعتم» ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما قال الترمذي‪ ،‬ورواه الدارقطني ثم‬
‫البيهقي في سننيهما مرفوعا‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬الموقوف أقرب إلى الصواب‪ .‬والحديث الصحيح هو ما‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم والبيهقي عن عائشة بلفظ «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما‬
‫استطعتم‪ ،‬فإن وجدتم للمسلم مخرجا‪ ،‬فخلوا سبيله‪ ،‬فإن المام لن يخطئ في العفو‪ ،‬خير من أن‬
‫يخطئ في العقوبة» ‪( .‬راجع نصب الراية‪ ،333 ،309/3 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪ ،352‬نيل‬
‫الوطار‪ ،104/7 :‬سبل السلم‪ ،15/4 :‬جامع الصول‪ ،343/4 :‬مجمع الزوائد‪ ،248/6 :‬فيض‬
‫القدير‪ ،227/1 :‬الجامع الصغير‪.)14/1 :‬‬

‫( ‪)7/296‬‬

‫المرفوع‪ ،‬ولن الحدود عقوبة كاملة فتستدعي جناية كاملة‪ ،‬ووجود الشبهة ينفي تكامل الجناية‪ ،‬مثل‬
‫وطء الب جارية ابنه‪ ،‬فإن فيه شبهة ملك أو حق‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬أنت ومالك لبيك» (‬
‫‪ )1‬؛ ووطء جارية العبد المكاتب؛ لن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم‪ ،‬فيملك السيد الرقبة‪ ،‬فيورث‬
‫ملكها شبهة في ملك الكسب؛ ووطء جارية العبد المأذون‪ ،‬سواء أكان عليه دين أم لم يكن‪ ،‬فإذا لم يكن‬
‫عليه دين‪ ،‬فتكون الجارية ملك السيد‪ ،‬وإن كان عليه دين‪ ،‬فتكون رقبة المأذون مملوكة للسيد‪ ،‬وملك‬
‫الرقبة يقتضي ملك الكسب‪ ،‬لكن توجد شبهة بسبب كون المكاتب والمأذون يملكان التصرف في‬
‫الجارية‪.‬‬
‫ومثل وطء الجارية من المغنم في دار الحرب أو بعد الحراز في دار السلم‪ ،‬ولكن قبل القسمة‬
‫لثبوت حق الستيلء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روي من حديث جابر وعائشة وسمرة بن جندب‪ ،‬وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر‪،‬‬
‫فحديث جابر رواه ابن ماجه وإسناده صحيح‪ .‬وحديث عائشة رواه ابن حبان في صحيحه‪ ،‬وحديث‬
‫سمرة أخرجه البزار والطبراني‪ ،‬وحديث عمر أخرجه البزار‪ ،‬وحديث ابن مسعود أخرجه الطبراني‪،‬‬
‫وحديث ابن عمر رواه أبو يعلى الموصلي‪( .‬راجع نصب الراية‪ 337/3 :‬وما بعدها)‪ .‬إل أن الملك‬
‫هنا على سبيل الدب والبر‪ ،‬ل على سبيل الحقيقة؛ لن ملك الب مستقل عن ملك البن‪.‬‬

‫( ‪)7/297‬‬

‫فل يجب الحد في هذه الحالت لوجود شبهة الملك وإن علم أن الوطء حرام (‪. )1‬‬
‫شبهة النكاح‪ :‬أي شبهة العقد بأن وطئ الرجل امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي‪ ،‬أو بنكاح‬
‫مؤقت وهو نكاح المتعة‪ ،‬فل يجب الحد وإن كان الواطئ يعتقد التحريم‪ ،‬لختلف العلماء في جواز‬
‫عقد النكاح بغير شهود‪ ،‬أو بغير ولي‪ ،‬أو تأقيت العقد‪ ،‬والختلف يورث شبهة‪ .‬وإذا تزوج إنسان من‬
‫محارمه بسبب نسب أو رضاع أوصهارة موجبة لتحريم مؤبد‪ ،‬أو جمع بين أختين أو عقد على خمس‬
‫أو تزوج معتدة الغير‪ ،‬وحصل وطء بموجب العقد‪ ،‬فل حد عليه عند أبي حنيفة والثوري وإن علم‬
‫بالحرمة‪ ،‬لكن عليه التعزير؛ لنه وطء تمكنت الشبهة منه بسبب وجود صورة المبيح‪ ،‬وهو عقد‬
‫النكاح‪ ،‬فلم يوجب الوطء حدا‪.‬‬
‫وقال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية‪ :‬يجب الحد في كل وطء‬
‫حرام على التأبيد؛ لن النكاح باطل بالجماع‪ ،‬ول عبرة بشبهته؛ لنها شبهة فاسدة‪ ،‬وما ليس بحرام‬
‫على التأبيد‪ ،‬كالمحرم بالصهرية مثل أخت الزوجة‪ ،‬أو المختلف في تحريمه‪ ،‬كالنكاح بغير شهود‪ :‬ل‬
‫يوجب الحد‪.‬‬
‫لكن قيد المالكية وجوب الحد بوطء ذات الرحم المحرم أو ذات الرضاع أو الزوجة الخامسة بأن كان‬
‫الواطئ عالما بالحرمة‪ ،‬فإن لم يعلم بالحرمة‪ ،‬فل يحد‪.‬‬
‫وكذلك ل يحد عند الشافعية حال الجهل بالتحريم‪ ،‬أو بكون المرأة من المحارم‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف‪ :‬أن الصل عند أبي حنيفة أن النكاح إذا وجد من أهل له‪ ،‬في محل قابل لمقاصد‬
‫النكاح‪ ،‬يمنع وجوب الحد‪ ،‬سواء أكان هذا النكاح حللً أم حراما‪ ،‬وسواء أكان التحريم مختلفا فيه أم‬
‫مجمعا عليه‪ ،‬وسواء ظن الحل فادعى الشتباه أم علم بالحرمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬فتح القدير‪.141/4 :‬‬

‫( ‪)7/298‬‬

‫والصل عند الصاحبين والجمهور‪ :‬أن النكاح إذا كان محرما على التأبيد‪ ،‬أو كان تحريمه مجمعا‬
‫عليه‪ ،‬يجب الحد؛ لن الوطء فيه صادف محلً ليس فيه شبهة‪ ،‬وهو مقطوع بتحريمه‪ .‬وإن لم يكن‬
‫محرما على التأبيد أو كان تحريمه مختلفا فيه ل يجب الحد (‪. )1‬‬
‫وقول الصاحبين هو الظهر‪ ،‬وعليه الفتوى عند الحنفية‪ ،‬لكن قال صاحب الدر المختار‪« :‬لكن‬
‫المرجح في جميع الشروح قول المام‪ ،‬فكان الفتوى عليه أولى» (‪. )2‬‬
‫وذكر الشافعية أن من استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها‪ ،‬أو تزوج ذات رحم محرم وهو يعتقد‬
‫تحريمها‪ ،‬وجب عليه الحد؛ لنه ل تأثير للعقد في إباحة وطئها‪ ،‬فكان وجوده كعدمه‪.‬‬
‫شبهة الشتباه‪:‬‬
‫الشبهة‪ :‬هي ما يشبه الثابت وليس بثابت‪ ،‬وهي إما شبهة في الفعل‪ ،‬وتسمى شبهة اشتباه‪ ،‬أي أنها‬
‫شبهة في حق من اشتبه عليه‪ ،‬وليست بشبهة في حق من لم يشتبه عليه‪ ،‬حتى لو قال‪ :‬علمت أنها‬
‫تحرم علي‪ ،‬حد‪.‬‬
‫أو شبهة في المحل‪ ،‬وتسمى شبهة حكمية وهي تتحقق بقيام دليل على نفي الحرمة‪ ،‬سواء ظن الحل أو‬
‫علم الحرمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع البدائع‪ 35/7 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،146 ،145/4 :‬المهذب‪ ،268/2 :‬الميزان‬
‫للشعراني‪ ،157/2 :‬حاشية الدسوقي‪ ،314/4 ،251/3 :‬المغني‪ ،182/8 :‬الفروق‪ ،174/4 :‬رحمة‬
‫المة‪.136/2 :‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين‪.168/3 :‬‬
‫( ‪)7/299‬‬

‫وشبهة في الفاعل‪ ،‬وسيأتي بيانها (‪. )1‬‬


‫أما شبهة الفعل‪ :‬فتثبت في ثمانية مواضع إذا ظن الواطئ الحل‪ ،‬أما لو قال‪ :‬علمت أنها حرام علي‪،‬‬
‫فيحد‪.‬‬
‫وهذه المواضع هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬المرأة المطلقة ثلثا ما دامت في العدة‪ ،‬فإذا وطئها زوجها لم يحد إذا ظن بقاء حلها‪ ،‬نظرا لبقاء‬
‫النكاح في حق إلحاق النسب به‪( :‬وهو مايعبرون عنه بقيام أثر الفراش) وحرمة زواجها بآخر‪،‬‬
‫ولوجوب النفقة والسكنى على الرجل‪.‬‬
‫‪ - 2‬المطلقة طلقا بائنا على مال‪ ،‬أو المختلعة‪ ،‬ما دامت في العدة‪ ،‬للسباب السابقة في المطلقة ثلثا‬
‫( ‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع فتح القدير مع العناية‪ 140/4 :‬وما بعدها‪ ،147 ،‬البدائع‪ ،36/7 :‬حاشية ابن عابدين‪:‬‬
‫‪ 165/3‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وأما المواضع الستة الباقية فهي «جارية الب وجارية الم وجارية الزوجة؛ لن الرجل يتبسط‬
‫في مال أبويه وزوجته‪ ،‬وينتفع به من غير استئذان وحشمة عادة‪ .‬وأم الولد إذا أعتقها مولها ما دامت‬
‫تعتد منه لقيام أثر الفراش‪ ،‬والعبد إذا وطئ جارية موله؛ لن العبد يتبسط في مال موله عادة‬
‫بالنتفاع‪ .‬والجارية المرهونة إذا وطئها المرتهن في الرواية المذكورة في كتاب الحدود‪ ،‬وهي الرواية‬
‫الصحيحة‪ ،‬لن ملك المال في الجملة‪ ،‬أي حالة الهلك سبب لملك المتعة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪( :‬المغني‪ :)749/6 :‬إذا كان الصداق جارية‪ ،‬فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم‬
‫الوطء عليه‪ ،‬فعليه الحد؛ لنه وطء في غير ملكه‪ ،‬وعليه المهر لسيدتها‪ ،‬سواء أكرهها أو طاوعته؛‬
‫لن المهر لمولتها‪ ،‬فل يسقط ببذلها ومطاوعتها‪.‬‬
‫أما وطء المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن وادعى أنه جهل تحريمه‪ ،‬ففيه وجهان عند الشافعية‬
‫(المهذب‪ :)268/2 :‬أحدهما ـ أنه ل يقبل دعواه إل إذا كان ممن يعذر بالجهل بالحكام‪ ،‬والثاني ـ‬
‫أنه يقبل قوله؛ لن معرفة ذلك تحتاج إلى فقه‪.‬‬

‫( ‪)7/300‬‬
‫وأما شبهة المحل فتتحقق في ستة مواضع‪ ،‬سواء ظن الواطئ الحل‪ ،‬أو قال‪ :‬علمت أنها علي حرام‪،‬‬
‫وهذه المواضع هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬المرأة المطلقة طلقا بائنا بالكنايات‪ ،‬مثل‪ :‬أنت بائن‪ ،‬أنت بتة‪ ،‬أنت بتلة‪،‬فل يحد الواطئ‪،‬‬
‫لختلف الصحابة في كون هذه المرأة رجعية أو بائنة (‪. )1‬‬
‫وأما شبهة الفاعل‪ :‬فتظهر فيما لو رأى إنسان ليلً على فراشه امرأة‪ ،‬فظنها زوجته‪ ،‬فوطئها‪ ،‬أو نادى‬
‫أعمى زوجته فأجابته امرأة أجنبية فوطئها‪ ،‬وهو يظنها زوجته‪ ،‬ثم بانت الموطوءة أنها أجنبية‪ ،‬فل حد‬
‫عليه عند المالكية والشافعية وزفر من الحنفية‪ ،‬لقيام عذره بالظن المجوز للقدام على الوطء في‬
‫الجملة‪ .‬وذلك مثل المرأة التي زفت إلى رجل‪ ،‬وقالت النساء‪ :‬إنها زوجتك مع أنها لم تكن امرأته‪،‬‬
‫فوطئها‪ ،‬فل حد عليه‪ ،‬وعليه المهر (‪. )2‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والحنابلة‪ :‬يحد الشخص في الحالتين؛ لن الظن ل يسوغ له القدام على‬
‫الوطء‪ ،‬فكان الواجب عليه التربص حتى يعلم أنها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وبقية المواضع هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬جارية البن وإن سفل‪ ،‬لقيام المقتضي للملك وهو قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬أنت ومالك لبيك)‬
‫‪ - 2‬والجارية المبيعة إذا وطئها البائع قبل القبض أو التسليم؛ لن ملك اليد قائم فيورث شبهة‪ ،‬وإن‬
‫زال ملك الرقبة بالبيع‪.‬‬
‫‪ - 3‬الجارية التي جعلت مهرا في عقد زواج‪ ،‬ثم وطئها الزوج قبل التسليم‪ :‬لن ملك اليد قائم فيورث‬
‫شبهة‪ ،‬وإن زال ملك الرقبة بالنكاح‪.‬‬
‫‪ - 4‬الجارية بين الشريكين‪ ،‬لقيام الملك في النصف‪.‬‬
‫‪ - 5‬الجارية المرهونة في الرواية المذكورة في كتاب الرهن؛ لنه انعقد له فيها سبب الملك‪ ،‬فل يجب‬
‫عليه الحد‪ ،‬اشتبه عليه أو لم يشتبه‪ ،‬قياسا على ما لو وطئ جارية اشتراها على أن البائع بالخيار‬
‫(راجع العناية على الهداية في فتح القدير‪.)142/4 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع فتح القدير‪.146/4 :‬‬

‫( ‪)7/301‬‬

‫زوجته‪ ،‬ول شبهة هنا سوى وجود المرأة على فراش الرجل‪ ،‬وهو ل يصلح شبهة مسقطة للحد (‪. )1‬‬
‫وقال محمد‪ :‬إذا دعا الزوج العمى امرأته فقال‪ :‬يافلنة‪ ،‬فأجابت امرأة بقولها‪ ( :‬أنا فلنة امرأتك )‬
‫فوطئها‪ ،‬ل حد عليه؛ لنه ل سبيل للعمى إلى أن يعرف أنها امرأته إل بذلك الطريق‪ ،‬فكان معذورا‪.‬‬
‫أما إذا أجابته ولم تقل‪ ( :‬أنا فلنة ) فيجب الحد؛ لنه في وسعه أن يتثبت بأكثر من هذا الجواب‪ ،‬فل‬
‫يصير شبهة (‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية والمالكية (‪ : )3‬الشبهات دارئة للحدود‪ ،‬وهي ثلثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬شبهة في الفاعل‪ :‬وهو ظن حل الوطء إذا وطئ امرأة يظنها زوجته أو مملوكته‪.‬‬
‫‪ - 2‬شبهة في الموطوءة‪ :‬كوطء الشركاء الجارية المشتركة‪.‬‬
‫‪ - 3‬شبهة في السبب المبيح للوطء‪ ،‬كالنكاح المختلف فيه‪ ،‬كنكاح المتعة والشغار (مبادلة فتاة‬
‫بأخرى ) والتحليل والنكاح بل ولي ول شهود‪ ،‬ونكاح الخت في عدة أختها البائن‪ ،‬ونكاح الخامسة‬
‫في عدة الرابعة البائن‪ ،‬ونكاح المجوسية‪ .‬قال ابن قدامة الحنبلي‪ :‬وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لن‬
‫الختلف في إباحة الوطء فيه شبهة‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من نحفظ‬
‫عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،37/7 :‬فتح القدير‪ ،147/4 :‬المغني‪.184/8 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجعان السابقان‪.‬‬
‫(‪ )3‬قواعد الحكام للعز بن عبد السلم‪ ،137/2 :‬الفروق‪.172/4 :‬‬
‫(‪ )4‬المغني‪.184/8 :‬‬

‫( ‪)7/302‬‬

‫ووافق الحنابلة على اعتبار الشبهة الثانية والثالثة دارئة الحد‪ ،‬أما شبهة الفاعل فل تدرأ الحد (‪. )1‬‬
‫أما الشبهة الولى عند الشافعية والمالكية فدرأت الحد؛ لن الفاعل غير آثم لعتقاده الباحة‪ ،‬والنسب‬
‫لحق به‪ ،‬والعدة واجبة على الموطوءة‪ ،‬والمهر واجب عليه‪.‬‬
‫أما الشبهة الثانية‪ :‬فدرأت الحد؛ لن ما فيها له من ملك يقتضي الباحة‪ ،‬وما فيها من ملك غيره‬
‫يقتضي التحريم‪ ،‬فل تكون المفسدة فيه كمفسدة الزنا المحض‪ ،‬فيحصل الشتباه بسبب عدم وجود‬
‫مقتض للحد في حقه‪ ،‬وإن وجد موجب الحد بسبب ملك غيره‪.‬‬
‫وأما الشبهة الثالثة‪ ،‬فليس اختلف العلماء هو الشبهة‪ ،‬وإنما الشبهة ناجمة عن التعارض بين أدلة‬
‫التحريم والتحليل‪ ،‬فإن الحلل‪ :‬ما قام دليل تحليله‪ ،‬والحرام‪ :‬ما قام دليل تحريمه‪ ،‬وليس أحدهما أولى‬
‫من الخر‪ ،‬كما أن ملك أحد الشريكين يقتضي التحليل‪ ،‬وملك الخر يقتضي التحريم‪.‬‬
‫وإنما غلب درء الحد مع تحقق الشبهة؛ لن المصلحة العظمى في استيفاء النسان عبادة ال الديان‪،‬‬
‫والحدود أسباب محظرة ل تثبت إل عند كمال المفسدة وتمحضها‪.‬‬
‫الجهل بتحريم الزنا‪ :‬يعذر الجاهل بالتحريم إن كان قريب العهد بالسلم‪ ،‬أو نشأ في بادية بعيدة عن‬
‫العلماء‪ ،‬أو كان مجنونا فأفاق وزنى قبل أن يعلم الحكام (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.184-181/8 :‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪.268/2 :‬‬

‫( ‪)7/303‬‬

‫المبحث الثاني ـ شروط حد الزنا ‪:‬‬


‫ل حد على الزاني والزانية إل بشروط‪ ،‬منها متفق عليه‪ ،‬ومنها مختلف فيه‪ ،‬وهي عشرة (‪: )1‬‬
‫الول ـ أن يكون الزاني بالغا‪ ،‬فل يحد الصبي غير البالغ بالتفاق‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يكون عاقلً‪ ،‬فل يحد المجنون بالتفاق‪ ،‬فإن زنى عاقل بمجنونة أو مجنون بعاقلة‪ ،‬حد‬
‫العاقل منهما‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يكون مسلما‪ ،‬في رأي المالكية‪ ،‬فل يحد الكافر إن زنى بكافرة ولكنه يؤدب إن أظهره‪،‬‬
‫وإن استكره مسلمة على الزنا قتل‪ ،‬وإن زنى بها طائعة نكّل به وعزر‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬يحد الكافر‬
‫حد الزنا‪ ،‬لكنه ل يرجم المحصن عند الحنفية‪ ،‬وإنما يجلد‪ .‬ول حد للزنا وشرب الخمر عند الشافعية‬
‫والحنابلة على المستأمن؛ لنه حق ل تعالى‪ ،‬ولم يلتزم بالعهد حقوق ال تعالى‪.‬‬
‫الرابع ـ أن يكون طائعا مختارا‪،‬واختلف الفقهاء في أنه هل يحد المكره على الزنا‪ ،‬فقال الجمهور (‬
‫‪ : )2‬ل يحد‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬يحد‪ ،‬كما بان في التعريف‪ .‬ول تحد المرأة إذا استكرهت على الزنا أو‬
‫اغتصبت‪.‬‬
‫الخامس ـ أن يزني بآدمية‪ ،‬فإن أتى بهيمة فل حد عليه باتفاق المذاهب الربعة في الصح عند‬
‫الشافعية‪ ،‬ولكنه يعزر‪ ،‬ول تقتل البهيمة ول بأس بأكلها عند الجمهور‪ ،‬وتقتل بشهادة رجلين على فعله‬
‫بها‪ ،‬ويحرم أكلها ويضمنها عند الحنابلة‪.‬‬
‫السادس ـ أن تكون المزني بها ممن يوطأ مثلها‪ ،‬فإن كانت صغيرة ل يوطأ مثلها‪ ،‬فل حد عليه ول‬
‫عليها عند الحنفية‪ .‬ول تحد المرأة إذا كان الواطئ غير بالغ‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬يحد واطئ الصغيرة‬
‫التي يمكن وطؤها‪ ،‬وإن كانت غير مكلفة لصدق حد الزنا عليه دونها كالنائمة والمجنونة (‪. )3‬‬
‫السابع ـ أل يفعل ذلك بشبهة (انتفاء الشبهة) فإن كان الوطء بشبهة‪ ،‬سقط الحد‪ ،‬مثل أن يظن بامرأة‬
‫أنها زوجته أو مملوكته‪ ،‬فل حد عند المالكية والشافعية‪ ،‬ويجب الحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف‬
‫والحنابلة‪ ،‬وهذه هي شبهة الفاعل‪ .‬وكذلك ل يحد بالتفاق من وطئ بعد وجود نكاح فاسد مختلف فيه‪،‬‬
‫كالزواج دون ولي أو بغير شهود‪ ،‬وذلك بسبب شبهة العقد‪ .‬فإن كان الزواج فاسدا بالتفاق‪ ،‬كالجمع‬
‫بين الختين‪ ،‬ونكاح خامسة‪ ،‬ونكاح ذوات المحارم من النسب أو الرضاع‪ ،‬أو تزوج في العدة‪ ،‬أو‬
‫ارتجاع من طلق ثلث دون أن تتزوج غيره‪ ،‬أو شبه ذلك‪ ،‬فيحد فيما ذكر كله‪ ،‬إل أن يدعي الجهل‬
‫بتحريم المذكور كله‪،‬ففيه قولن عند المالكية‪.‬‬
‫الثامن ـ أن يكون عالما بتحريم الزنا‪ ،‬فإن ادعى الجهل به‪ ،‬وهو ممن يظن به الجهل‪ ،‬ففيه قولن‬
‫عند المالكية لبن القاسم وأصبغ‪ ،‬والراجح أنه ل يحد الجاهل والغالط والناسي‪ ،‬كمن نسي طلق‬
‫امرأته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 353‬وما بعدها‪ ،‬اللباب شرح الكتاب‪ ،193-190/3 :‬المهذب‪،263/2 :‬‬
‫‪ ،269 ،266‬غاية المنتهى‪ 319/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬هذا هو المفتى به عند المالكية‪ ،‬وهو مذهب المحققين كابن العربي وابن رشد‪ ،‬خلفا لرأي الكثر‬
‫والمشهور‪ ،‬لعذر المكره كالمرأة (حاشية الدسوقي‪.)318/4 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير‪ ،314/4 :‬حاشية قليوبي وعميرة‪ ،179/4 :‬كشاف القناع‪.99/6 :‬‬

‫( ‪)7/304‬‬

‫التاسع ـ أن تكون المرأة غير حربية في دار الحرب أو دار البغي‪ ،‬وهذا عند الحنفية كما تقدم‪ ،‬أما‬
‫المذاهب الخرى‪ ،‬فيحد من وطئ حربية ببلد الحرب أو دخلت عندنا بأمان‪.‬‬
‫العاشر ـ أن تكون المرأة حية فل يحد عند الجمهور واطئ الميتة ويحد في المشهور عند المالكية‪،‬‬
‫كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫ويشترط أيضا تحقيق معنى الزنا وهو تغييب حشفة أصلية في قبل امرأة كما تقدم‪ ،‬أما الوطء في‬
‫الدبر أو اللواط‪ ،‬فل يوجب الحد وإنما يوجب التعزير عند أبي حنيفة‪ ،‬ويوجب الحد كحد الزنا مكررا‬
‫أو محصنا عند سائر المذاهب ومنهم الصاحبان‪ ،‬لكن يرجم اللئط والملوط به مطلقا بشرط التكليف‬
‫عند المالكية (‪ . )1‬وأما من وطئ أجنبية غير محرم فيما دون الفرج‪ ،‬كتفخيذ وتبطين‪ ،‬فيعزر اتفاقا؛‬
‫لنه فعل منكر ليس فيه شيء مقدر شرعا‪ .‬ويشترط كذلك أن يكون الوطء في دار السلم‪ ،‬فل حد‬
‫على من وطئ في دار الحرب‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ول يقام حد الزنا إل بعد ثبوت الزنى بإقرار أو ببينة أربعة شهود عدول‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫المبحث الثالث ـ عقوبة الزنا ‪:‬‬
‫الزاني إما محصن فيجب عليه حد الرجم‪ ،‬أو غير محصن‪ ،‬فيجب عليه حد الجلد‪.‬‬
‫‪ - 1‬حد الزاني البكر غير المحصن ‪:‬‬
‫حد الزاني البكر هو الجلد‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور‪:‬‬
‫‪ .]2/24‬وقال المالكية‪ :‬ل يحد الكافر الذمي والحربي حد الزنا؛ لن وطأه ل يسمى زنا شرعا‪ ،‬فيكون‬
‫السلم شرطا عندهم لهذا الحد‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،456/4 :‬مغني المحتاج‪ ،144/4 :‬كشاف القناع‪ .94/6 :‬كما تقدم‪.‬‬

‫( ‪)7/305‬‬

‫واختلف العلماء في النفي‪ ،‬فهل يجمع بين الجلد والتغريب على الزاني البكر (‪. )1‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬ل يضم التغريب أي النفي إلى الجلد؛ لن ال تعالى جعل الجلد جميع حد الزنا‪ ،‬فلو‬
‫أوجبنا معه التغريب‪ .‬كان الجلد بعض الحد‪ ،‬فيكون زيادة على النص‪ ،‬والزيادة عليه نسخ‪ ،‬ول يجوز‬
‫نسخ النص بخبر الواحد‪ ،‬ولن التغريب تعريض للمغرّب على الزنا‪ ،‬لعدم استحيائه من معارفه‬
‫وعشيرته‪.‬‬
‫فالنفي عندهم ليس بحد‪ ،‬وإنما هو موكول إلى رأي المام‪ ،‬إن رأى مصلحة في النفي فعل‪ ،‬كما أن له‬
‫حبسه حتى يتوب‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يجمع بين الجلد والنفي أو التغريب عاما‪ ،‬لمسافة تقصر فيها الصلة‪ ،‬لقوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪« :‬خذوا عني قد جعل ال لهن سبيلً‪ :‬البكر بالبكر جلد مئة‪ ،‬وتغريب عام‪،‬‬
‫والثيب بالثيب جلد مئة والرجم» (‪ )2‬إل أن الشق الثاني من هذا الحديث غير معمول به عند هؤلء‬
‫وغيرهم‪ ،‬بل الواجب على المحصن الرجم فقط للحاديث التية الواردة في الرجم‪،‬ولكن ل تغرب‬
‫المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم لخبر‪« :‬ل تسافر المرأة إل ومعها زوج أو محرم» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع المبسوط للسرخسي‪ ،44/9 :‬البدائع‪ ،39/7 :‬فتح القدير‪ ،136 ،134/4 :‬مختصر الطحاوي‬
‫ص ‪ ،262‬مغني المحتاج‪ ،147/4 :‬المهذب‪ ،271 ،267/2 :‬حاشية الدسوقي‪ ،322 ،313/4 :‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،427/2 :‬المنتقى على الموطأ‪ ،137/7 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،354‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،447/4‬المغني لبن قدامة‪ ،166/8 :‬كشاف القناع‪.90/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والموطأ وأصحاب الكتب الستة إل البخاري والنسائي عن عبادة بن الصامت (راجع‬
‫جامع الصول‪ ،264/4 :‬مجمع الزوائد‪ ،264/6 :‬نصب الراية‪ ،330/3 :‬نيل الوطار‪ ،87/7 :‬سبل‬
‫السلم‪ ،45/4 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.)350‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا‪ « :‬ل تسافر المرأة يومين إل ومعها‬
‫زوجها أو ذو محرم منها» وفي لفظ مسلم‪« :‬ثلثا» وفي لفظ «فوق ثلث» وفي لفظ له «ثلثة أيام‬
‫فصاعدا» وأخرجه الدارقطني عن أبي أمامة الباهلي موفوعا‪« :‬ل تسافر امرأة سفر ثلثة أيام‪ ،‬أو‬
‫تحج إل ومعها زوجها» ورواه البخاري ومسلم بألفاظ أخرى عن ابن عمر وأبي هريرة (راجع نصب‬
‫الراية‪ ،11/3 :‬سبل السلم‪ ،183/2 :‬الجامع الصغير‪ ،200/2 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.)351‬‬

‫( ‪)7/306‬‬

‫ويؤكده قصة العسيف التي رواها الجماعة عن أبي هريرة وزيد بن خالد‪ ،‬والتي قضى فيها النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم على الولد الجير بجلد مئة وتغريب عام‪ ،‬وعلى المرأة بالرجم‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يغرب الرجل سنة‪ ،‬أي يسجن في البلد التي غرب إليها‪ ،‬ول تغرب المرأة خشية عليها‬
‫من الوقوع في الزنا مرة أخرى بسبب التغريب‪.‬‬
‫قال الشوكاني (‪ : )1‬والحاصل أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما‬
‫ورد من السنة زائدا عن القرآن‪ ،‬فليس لهم معذرة عنها بذلك‪ ،‬وقد عملوا بما هو دونها بمراحل‪.‬‬
‫وبهذا يظهر أنه ل يجمع بين الجلد والرجم بالتفاق بين المذاهب الربعة‪.‬‬
‫وقال الظاهرية‪ :‬يجمع بين الجلد والرجم لظاهر حديث‪« :‬والثيب بالثيب جلد مئة‪ ،‬ورجم بالحجارة» ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حد الزاني المحصن ‪:‬‬
‫اتفق العلماء ما عدا الخوارج على أن حد الزاني المحصن هو الرجم‪ ،‬بدليل ما ثبت في السنة‬
‫المتواترة وإجماع المة‪ ،‬والمعقول (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.89/7 :‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،37/9 :‬مغني المحتاج‪ ،146/4 :‬فتح القدير‪ ،121/4 :‬المنتقى على الموطأ‪132/7 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬نيل الوطار‪ ،86/7 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 354‬وما بعدها‪.‬‬
‫( ‪)7/307‬‬

‫أما السنة فكثير من الحاديث‪ :‬منها قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى‬
‫ثلث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة» (‪ )1‬ومنها قصة العسيف الذي‬
‫زنى بامرأة‪ ،‬فقال الرسول عليه الصلة والسلم لرجل من أسلم‪« :‬واغد يا أنيس إلى امرأة هذا‪ ،‬فإن‬
‫اعترفت فارجمها» (‪. )2‬‬
‫وقصة ماعز التي وردت من جهات مختلفة‪ ،‬فقد اعترف بالزنا فأمر الرسول عليه السلم برجمه (‪)3‬‬
‫‪ .‬وقصة الغامدية التي أقرت بالزنا فرجمها الرسول صلّى ال عليه وسلم بعد أن وضعت (‪. )4‬‬
‫وأجمعت المة على مشروعية الرجم‪ ،‬ولن المعقول يوجب مثل هذا العقاب؛ لن زنا المحصن غاية‬
‫في القبح‪ ،‬فيجازى بما هو غاية من العقوبات الدنيوية (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود‪ ،‬وروي بألفاظ أخرى عن عثمان وعائشة وأبي هريرة‬
‫وجابر وعمار بن ياسر (راجع نصب الراية‪ ،317/3 :‬ومجمع الزوائد‪ ،252/6 :‬الربعين النووي‪:‬‬
‫ص ‪.)38‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم والموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وزيد بن‬
‫خالد الجهني (راجع نصب الراية‪ ،314/3 :‬جامع الصول‪ ،296/4 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪،522‬‬
‫سبل السلم‪ 2/4 :‬وما بعدها)‪ .‬والعسيف‪ :‬الجير‪.‬‬
‫(‪ )3‬روى الحديث مسلم وأبو داود عن بريدة‪ .‬ورواه أحمد والشيخان والترمذي وأبو داود عن أبي‬
‫هريرة‪ .‬ورواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي عن جابر بن سمرة‪ ،‬وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم‬
‫وأبو داود والترمذي وصححه عن ابن عباس‪ ،‬وأخرجه أحمد عن أبي بكر الصديق وبريدة‪ ،‬وأخرجه‬
‫أيضا أبو يعلى والبزار والطبراني عن أبي بكر‪ .‬وفي الجملة‪ :‬إن قصة ماعز قد رواها جماعة من‬
‫الصحابة وهي متواترة (راجع جامع الصول‪ 279/4 :‬وما بعدها‪ ،‬نيل الوطار‪ ،109 ،95/7 :‬مجمع‬
‫الزوائد‪ ،266/6 :‬نصب الراية‪ 314/3 :‬وما بعدها‪ ،‬سبل السلم‪ ،6/4 :‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪،350‬‬
‫النظم المتناثر من الحديث المتواتر‪ :‬ص ‪.)18‬‬
‫(‪ )4‬رويت القصة في صحيح مسلم عن بريدة‪ ،‬كما رواها أحمد وأبو داود (راجع المراجع السابقة‪،‬‬
‫نيل الوطار‪.)109/7 :‬‬
‫(‪ )5‬العقوبات الشرعية وأسبابها لستاذنا علي قراعة‪ :‬ص ‪.3‬‬
‫( ‪)7/308‬‬

‫شرط الرجم ـ الحصان ‪:‬يشترط لقامة حد الرجم توافر الحصان‪ ،‬والحصان لغة‪ :‬المنع‪ ،‬وشرعا‬
‫جاء بمعنى السلم والبلوغ والعقل والحرية والعفة والتزويج‪ ،‬ووطء المكلف الحر في نكاح صحيح‪.‬‬
‫والمراد هنا هو المعنى الخير عند الشافعية (‪. )1‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬الحصان نوعان‪ :‬إحصان الرجم وإحصان القذف‪ ،‬أما إحصان الرجم‪ :‬فهو عبارة في‬
‫الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم‪ ،‬وهي سبعة‪ :‬العقل والبلوغ‪ ،‬والحرية‪،‬‬
‫والسلم والنكاح الصحيح‪ ،‬والدخول في النكاح الصحيح على وجه يوجب الغسل‪ ،‬ولو من غير‬
‫إنزال‪ ،‬وكون الزوجين جميعا على هذه الصفات وقت الدخول (‪ . )2‬فإذا اختل شرط من هذه‬
‫الشروط‪ ،‬وجب الجلد‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور‪.]2/24:‬‬
‫وقد ترتب على اشتراط الشرط الخير‪ :‬أنه لو دخل الزوج البالغ العاقل الحر المسلم بزوجته وهي‬
‫صبية أو مجنونة أو أمة‪ ،‬ل يصير محصنا ما لم يوجد دخول آخر بعد زوال هذه العوارض؛ لن‬
‫اجتماع هذه الصفات في الزوجين معا يشعر بكمال حالهما‪ ،‬وهذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة من‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫و روي عن أبي يوسف‪ :‬أنه لم يشترط هذا الشرط الخير‪ ،‬فيصير المسلم محصنا إذا وطئ كافرة‬
‫مثلً‪ .‬وهو رأي الشافعية (‪ ، )3‬فإنهم قالوا‪ :‬لو كان أحد الشريكين في الوطء صغيرا‪ ،‬والخر بالغا‪،‬‬
‫أو أحدهما مستيقظا والخر نائما‪ ،‬أو‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.146/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،37/4 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،163/3 :‬فتح القدير‪ ،130/4 :‬المبسوط‪.39/9 :‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪.268/2 :‬‬

‫( ‪)7/309‬‬

‫أحدهما عاقلً والخر مجنونا‪ ،‬أو أحدهما عالما بالتحريم والخر جاهلً‪ ،‬أو أحدهما مختارا والخر‬
‫مستكرها‪ ،‬أو أحدهما مسلما والخر مستأمنا‪ ،‬وجب الحد على من هو من أهل الحد‪ ،‬ولم يجب على‬
‫الخر؛ لن أحدهما انفرد بما يوجب الحد‪ ،‬وانفرد الخر بما يسقط الحد‪ ،‬فوجب الحد على أحدهما‪،‬‬
‫وسقط عن الخر‪ .‬وإن كان أحدهما محصنا‪ ،‬والخر غير محصن‪ ،‬وجب على المحصن الرجم‪،‬‬
‫وعلى غير المحصن الجلد والتغريب؛ لن أحدهما انفرد بسبب الرجم‪ ،‬والخر انفرد بسبب الجلد‬
‫والتغريب‪.‬‬
‫اختلف العلماء في اشتراط السلم للحصان ‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة ومالك‪ :‬السلم من شروط الحصان‪ ،‬فل يرجم الذمي إذا تحاكم إلينا‪ ،‬ول تحصن‬
‫الذمية مسلما؛ لن الرجم تطهير‪ ،‬والذمي ليس من أهل التطهير‪ ،‬بل ل يطهر إل بحرقه في الخرة‬
‫بالنار‪ ،‬بدليل قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من أشرك بال فليس بمحصن» (‪. )1‬‬
‫وقال صلّى ال عليه وسلم لكعب بن مالك حين أراد أن يتزوج يهودية‪« :‬دعها فإنها ل تحصنك» (‪)2‬‬
‫‪ .‬قالوا‪ :‬وأما رجمه اليهوديين (‪ )3‬فكان بحكم التوراة قبل نزول آية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عمر‪ ،‬رفعه مرة فقال‪ :‬عن رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ووقفه مرة‪ .‬ومن طريق إسحاق بن راهويه رواه الدارقطني في سننه‪ ،‬ثم قال‪« :‬لم يرفعه غير‬
‫إسحاق‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه رجع عن ذلك والصواب موقوف» ‪( .‬راجع نصب الراية‪ ،327/3 :‬التلخيص‬
‫الحبير‪ :‬ص ‪.)351‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ ،‬ومن طريقه في معجمه والدارقطني في سننه وابن عدي في‬
‫الكامل من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة عن كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج‬
‫يهودية‪ ،‬فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل تتزوجها فإنها ل تحصنك» قال الدارقطني‪ :‬وأبو‬
‫بكر بن أبي مريم ضعيف‪ ،‬وعلي بن أبي طلحة لم يدركا كعبا (راجع نصب الراية‪.)328/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة عن ابن عمر مختصرا‪ ،‬ومطولً‪ .‬ورواه أبو داود عن أبي‬
‫هريرة وفيه رجل مجهول‪ ،‬ورواه الحاكم من حديث ابن عباس‪ ،‬ورواه البيهقي من حديث عبد ال بن‬
‫الحارث الزبيدي‪ ،‬وإسناده ضعيف‪ ،‬ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر (راجع نصب الراية‪:‬‬
‫‪ ،326/3‬التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪ ،351‬نيل الوطار‪.)92/7 :‬‬

‫( ‪)7/310‬‬

‫الرجم ثم نسخ (‪. )1‬‬


‫وقال الشافعي وأحمد وأبو يوسف (‪ : )2‬ليس السلم من شروط إحصان الرجم‪ ،‬فيحد الذمي إذا ترافع‬
‫إلينا‪ ،‬وإن تزوج المسلم ذمية فوطئها صارا محصنين؛ لما روى ابن عمر رضي ال عنهما‪ :‬أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم أتي بيهوديين زنيا‪ ،‬فأمر برجمهما‪ ،‬ولو كان السلم شرطا لما رجم‪ ،‬ولعموم‬
‫قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الثيب بالثيب رميا بالحجارة» (‪ ، )3‬ولن اشتراط السلم للزجر عن‬
‫الزنا‪ ،‬والدين عموما يصلح للزجر عن الزنا؛ لن الزنا حرام في الديان كلها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر المبسوط‪ ،40 ،39/9 :‬فتح القدير‪ ،132/4 :‬البدائع‪ ،38/7 :‬حاشية ابن عابدين‪،163/3 :‬‬
‫الميزان‪ ،154/2 :‬بداية المجتهد‪ ،426/2 :‬حاشية الدسوقي‪ ،320/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.355‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،147/4 :‬المهذب‪ ،267/2 :‬الميزان‪ ،154/2 :‬المغني‪.163/8 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت «الثيب بالثيب جلد مئة ورميا بالحجارة» ‪.‬‬

‫( ‪)7/311‬‬

‫والخلصة‪ :‬إن الفقهاء اتفقوا على خمسة شروط في الحصان المشترط للرجم‪ ،‬وهي البلوغ والعقل‬
‫والحرية‪ ،‬وتغييب الحشفة‪ ،‬وتقدم الوطء بنكاح صحيح‪ :‬وهو أن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في‬
‫الفرج بتزويج صحيح‪ ،‬فل يحصن زنا متقدم‪ ،‬ول وطء بملك اليمين‪ ،‬ول وطء فيما دون الفرج‪ ،‬ول‬
‫وطء بنكاح فاسد أو شبهة‪ ،‬ول وطء في صيام أو حيض أو اعتكاف أو إحرام‪ ،‬ول وطء نكاح في‬
‫الشرك‪ ،‬ول بعد عقد نكاح دون وطء‪ .‬واختلفوا في اشتراط السلم على رأيين‪ ،‬منها تحقق هذه‬
‫الشروط في كل الزوجين‪.‬‬
‫صفة حد الزنا‪ :‬حد الزنا حق خالص ال تعالى‪ ،‬أي حق للمجتمع؛ لنه وجب صيانة للعراض عن‬
‫التعرض لها‪ ،‬ومحافظة على المصالح العامة‪ ،‬وهي دفع الفساد الراجح إليهم‪ ،‬ويترتب عليه ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إنه حد ل يحتمل العفو والصلح والبراء عنه‪ ،‬بعد ما ثبت بالحجة‪ ،‬لنه كما تقدم حق خالص ل‬
‫تعالى‪ ،‬ل حق للعبد فيه‪ ،‬فل يملك أحد إسقاطه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إنه يجري فيه التداخل (‪ ، )1‬حتى لو زنى مرارا ل يجب عليه إل حد واحد؛ لن المقصود من‬
‫إقامة الحد‪ ،‬هو الزجر‪ ،‬وإنه يحصل بحد واحد‪ ،‬لكنه لو زنى فحد‪ ،‬ثم زنى ثانيا حد ثانيا؛ لنه تبين أن‬
‫المقصود وهو الزجر لم يحصل بالحد الول‪ ،‬بدليل وقوعه منه ثانية‪ ،‬فيحد مرة أخرى‪ ،‬رجاء أن‬
‫يحصل به الزجر المطلوب (‪. )2‬‬
‫الفرق بين حق ال تعالى وحق الدمي ‪:‬‬
‫حق ال ‪ :‬أمره ونهيه‪ .‬وحق العبد‪ :‬مصالحه وتكاليفه‪ ،‬وهو كل ما للعبد إسقاطه‪ .‬أما حق ال ‪ :‬فهو‬
‫كل ما ليس للعبد إسقاطه‪.‬‬
‫وتكاليف الشريعة ثلثة أقسام بالنسبة لهذه القسمة (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬معنى التداخل‪ :‬أن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها في بعض بحيث يعاقب على‬
‫جميع الجرائم بعقوبة واحدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر البدائع‪ 55/7 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفروق‪ 141/1 :‬وما بعدها‪ ،‬وانظر قواعد الحكام للعز بن عبد السلم‪.66/2 :‬‬

‫( ‪)7/312‬‬

‫‪ - 1‬حق ال تعالى فقط كاليمان وتحريم الكفر‪.‬‬


‫‪ - 2‬وحق العباد فقط كالديون وأثمان الشياء‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقسم اختلف فيه‪ ،‬هل يغلب فيه حق ال ‪ ،‬أو حق العبد كحد القذف‪.‬‬
‫قال القرافي‪ :‬نعني بحق العبد المحض‪ :‬أنه لو أسقطه لسقط‪ ،‬كما تبين‪ ،‬وإل‬
‫فما من حق للعبد‪ ،‬إل وفيه حق ل تعالى‪ :‬وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه‪ ،‬فيوجد حق ال‬
‫تعالى دون حق العبد‪ ،‬ول يوجد حق العبد إل وفيه حق ال تعالى‪ .‬وإنما يعرف ذلك بصحة السقاط‪،‬‬
‫فكل ما للعبد إسقاطه فهو حق العبد‪ ،‬وكل ما ليس له إسقاطه فهو حق ال تعالى‪.‬‬
‫وقد يوجد حق ال تعالى‪ :‬وهو ما ليس للعبد إسقاطه‪ ،‬ويكون معه حق العبد‪ ،‬كتحريمه تعالى لعقود‬
‫الربا والغرر والجهالت‪ ،‬فإن ال تعالى إنما حرمها صونا لمال العبد عليه‪ ،‬وصونا له عن الضياع‬
‫بعقود الغرر والجهل‪ ،‬فل يحصل المعقود عليه بكامله أو أغلبه‪ ،‬فيضيع المال‪ ،‬فحجر الرب تعالى‬
‫برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته‪ ،‬ولو رضي العبد بإسقاط‬
‫حقه في ذلك‪ ،‬لم يؤثّر رضاه‪.‬‬
‫وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر‪ ،‬وتضييعه من غير مصلحة‪ ،‬ولو رضي‬
‫العبد بذلك لم يعتبر رضاه‪.‬‬
‫وكذلك تحريمه تعالى المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه‪ ،‬وحرم السرقة صونا لماله‪ ،‬والزنا‬
‫صونا لنسبه‪ ،‬والقذف صونا لعرضه‪ ،‬والقتل والجرح صونا لنفسه وأعضائه ومنافعها عليه‪ ،‬ولو‬
‫رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك‪ ،‬لم يعتبر رضاه‪ ،‬ولم ينفذ إسقاطه‪.‬‬

‫( ‪)7/313‬‬
‫فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما هو مشتمل على مصالح العباد‪ :‬حق ال تعالى؛ لنها ل‬
‫تسقط بالسقاط‪ ،‬وهي مشتملة على حقوق العباد‪ ،‬لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم‪ .‬وأكثر‬
‫الشريعة من هذا النوع كالرضا بولية الفسقة وشهادة الراذل ونحوها‪ ،‬فحجر الرب تعالى على العبد‬
‫في هذه المواطن لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫هل يجب الحد والمهر على الرجل المكرَه على الزنا؟ ‪:‬‬
‫الرأي الذي استقر عليه أبو حنيفة أخيرا‪ ،‬ورأي الصاحبين‪ :‬أنه ل يحد المستكره على الزنا‪،‬وإنما عليه‬
‫الصداق؛ لنه حيث سقط الحد‪ ،‬يجب المهر للمرأة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة وبعض المالكية‪ :‬عليه الصداق والحد جميعا‪ .‬وقال الشافعية ومحققو المالكية‪ :‬عليه‬
‫الصداق فقط‪ ،‬وليس عليه الحد لوجود الشبهة (‪ )1‬ولحديث‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‪ ،‬وما‬
‫استكرهوا عليه» (‪ . )2‬والخلصة‪ :‬أن الجمهور على الرجح يرون الصداق على المستكره وليس‬
‫عليه العقوبة‪ ،‬وأن الحنابلة يوجبون عليه الصداق والعقوبة معا‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ إثبات الزنا عند القاضي ‪:‬‬
‫أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالقرار أو بالشهادة‪ ،‬ول تثبت حدود ال تعالى كالزنا والسرقة‬
‫والمحاربة والشرب بعلم القاضي حالة القضاء أو قبل القضاء؛ لنها تدرأ بالشبهات ويندب سترها (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫أما الحكمة من اشتراط الحجة ليقاع العقوبة فواضحة‪ ،‬وهي أن من تمام حكمة ال ورحمته أنه لم‬
‫يأخذ الجناة بغير حجة‪ ،‬كما لم يعذبهم في الخرة إل بعد إقامة الحجة عليهم‪ ،‬وجعل الحجة التي‬
‫يأخذهم بها إما منهم‪ :‬وهي القرار أو ما يقوم مقامه من إقرار الحال‪ ،‬وهو أبلغ وأصدق من إقرار‬
‫اللسان‪ ،‬فإن من قامت‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع بداية المجتهد‪ ،319/2 :‬البدائع‪ ،180/7 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،172/3 :‬المهذب‪.267/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني عن ثوبان‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،149 ،398/4 :‬الميزان للشعراني‪ ،154/2 :‬المغني‪ ،209/8 :‬البدائع‪.52/7 :‬‬

‫( ‪)7/314‬‬

‫عليه شواهد الحال بالجناية كرائحة الخمر وقيئها‪ ،‬ووجود المسروق في دار السارق‪ ،‬وتحت ثيابه‪،‬‬
‫أولى بالعقوبة‪ ،‬ممن قامت عليه شهادة على إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب‪ .‬وهذا متفق‬
‫عليه بين الصحابة‪ ،‬وإن نازع فيه بعض الفقهاء‪.‬‬
‫وإما أن تكون الحجة من غير الجناة‪ :‬وهي البينة‪ ،‬واشترط فيها العدالة‪ ،‬وعدم التهمة‪ .‬وهما شرطان‬
‫توجبهما العقول والفطر السليمة ويحققان المصلحة (‪. )1‬‬
‫وجعل الصحابة الحمل علمة على الزنا (‪ )2‬وقد أخذ بذلك المالكية وابن القيم‪ ،‬أما الحنابلة فقالوا‪:‬‬
‫تحد الحامل بالزنا‪ ،‬وزوجها بعيد عنها‪ ،‬إذا لم تدّع شبهة‪ ،‬ول يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية ل‬
‫زوج لها‪ .‬ولم يأخذ الحنفية والشافعية بإثبات الزنا بالقرائن‪.‬‬
‫أما البينة‪ :‬فهي شهادة أربعة رجال‪ ،‬ذكور‪ ،‬عدول‪ ،‬أحرار‪ ،‬مسلمين‪ ،‬على الزنا بأن يقولوا‪ :‬رأيناه‬
‫وطئها في فرجها‪ ،‬كالميل في المُكحُلة‪ ،‬على حد تعبير الفقهاء‪.‬‬
‫يفهم مما ذكر ومما قرره الحنفية أنه يشترط في البينة شروط‪ :‬بعضها وهي البلوغ والعقل والذكورة‬
‫والحرية والعدالة والصالة يعم كل الحدود‪ ،‬وبعضها وهو عدم التقادم يخص الزنا والسرقة وشرب‬
‫الخمر‪ .‬والباقي خاص بالزنا (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أعلم الموقعين‪.100/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الطرق الحكمية‪ :‬ص ‪ ،214 ،97‬الشرح الكبير للدردير‪ ،‬المنتقى على الموطأ‪ :‬باب حد الزنا‪،‬‬
‫المهذب‪ ،266/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،356‬مطالب أولي النهي‪.193/6 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر البدائع‪ 46/7 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،177-161 ،114/4 :‬تبيين الحقائق للزيلعي‪:‬‬
‫‪.164/3‬‬

‫( ‪)7/315‬‬

‫‪ - 1‬عدد الربع في الشهود في حد الزنا لقوله تعالى‪{ :‬واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا‬
‫عليهن أربعة منكم} [النساء‪ ]15/4:‬وقوله عز اسمه‪{ :‬لول جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور‪]13/24:‬‬
‫وقوله سبحانه في حد القذف‪{ :‬والذين يرمون المحصنات‪ ،‬ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور‪.]4/24:‬‬
‫فإذا شهد ثلثة‪ ،‬وقال الرابع‪ :‬رأيتهما في لحاف واحد‪ ،‬ولم يزد عليه‪ :‬يحد الثلثة عند الحنفية حد‬
‫القذف‪ ،‬ول حد على الرابع؛ لنه لم يقذف‪ .‬وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بزنا حدوا‬
‫بالتفاق حد القذف؛ لن عمر حد الثلثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬التكليف‪ :‬أي البلوغ والعقل‪ ،‬فل تقبل شهادة الصبيان والمجانين‪.‬‬
‫‪ - 3‬الذكورة‪ :‬فل تقبل شهادة النساء بحال‪ ،‬تكريما لهن؛ لن الزنا فاحشة‪.‬‬
‫وأما الحصان فيثبت بشهادة الرجال مع النساء عند الحنفية ما عدا زفر‪.‬‬
‫‪ - 4‬العدالة‪ :‬فل تقبل شهادة الفاسق ول مستور الحال الذي ل تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقا‪ .‬فإن‬
‫شهد أربعة بالزنا وهم فساق‪ ،‬أو ظهر أنهم فساق لم يحدوا حد القذف؛ لن الفاسق من أهل الداء‬
‫والتحمل‪ ،‬وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحرية‪ :‬فل تقبل شهادة العبيد‪.‬‬
‫‪ - 6‬السلم‪ :‬فل تقبل شهادة أهل الذمة لعدم تحقق عدالتهم‪.‬‬
‫‪ - 7‬الصالة‪ :‬فل تقبل الشهادة على الشهادة‪ ،‬ول كتاب القاضي إلى القاضي‪ ،‬لتمكن الشبهة في وقوع‬
‫الجريمة‪ ،‬والحدود ل تثبت مع الشبهات‪.‬‬
‫‪ - 8‬اتحاد المشهود به‪ :‬وهو أن يجمع الشهود الربعة على فعل واحد‪ ،‬في مكان واحد وزمان واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ذكره البخاري في صحيحه‪.‬‬

‫( ‪)7/316‬‬

‫‪ - 9‬اتحاد المجلس‪ :‬أي أن يكون الشهود مجتمعين في مجلس واحد وقت أداء الشهادة‪ .‬فإن جاؤوا‬
‫متفرقين واحدا بعد واحد ل تقبل شهادتهم‪ ،‬ويحدون حد القذف‪ ،‬لقول عمر رضي ال عنه‪« :‬لو جاؤوا‬
‫مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم» أي أن المراد اتحاد المجلس عند أداء الشهادة‪ .‬وهذا عند الحنفية‪،‬‬
‫وأما بقية الفقهاء فلم يقولوا بهذا الشرط‪.‬‬
‫‪ - 10‬أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يتصور منه الوطء‪ ،‬فلو كان مجبوبا لتقبل شهادتهم‪،‬‬
‫ويحدون حد القذف‪.‬‬
‫‪ - 11‬أن يكون المشهود عليه الزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة‪ ،‬فإن كان أخرس‪ ،‬لم تقبل شهادتهم‪،‬‬
‫إذ قد يدعي الشبهة لو كان قادرا‪.‬‬
‫‪ - 12‬عدم التقادم من غير عذر ظاهر‪ :‬وهو شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر كما تقدم‪.‬‬
‫ومعناه أل تمضي مدة بعد مشاهدة الجريمة وأداء الشهادة‪ ،‬منعا من التهمة وإثارة الفتنة‪ ،‬إذ أن أداء‬
‫الشهادة بعد مضي مدة من غير عذر ظاهر‪ ،‬يدل على أن الضغينة هي الحاملة على الشهادة‪ ،‬كما قال‬
‫سيدنا عمر رضي ال عنه‪« :‬أيما قوم شهدوا على حد‪ ،‬لم يشهدوا عند حضرته‪ ،‬فإنما شهدوا عن‬
‫ضغن‪ ،‬ول شهادة لهم» ‪.‬‬
‫فإذا كان التقادم لعذر ظاهر‪ ،‬كعدم وجود حاكم في موضع أو بُعد مسافة خوف طريق‪ ،‬فل يمنع من‬
‫قبول الشهادة‪.‬‬
‫ومدة التقادم متروك تقديرها إلى اجتهاد القاضي عند أبي حنيفة‪ ،‬لختلف أعذار الناس في كل زمان‬
‫وبيئة‪ .‬وقال الصاحبان‪ :‬مدة التقادم شهر أو أكثر‪ ،‬فإن كان دون شهر فليس بمتقادم؛ لن الشهر أدنى‬
‫الجل‪ ،‬فكان ما دونه في حكم العاجل‪.‬‬

‫( ‪)7/317‬‬

You might also like