Professional Documents
Culture Documents
( )9/42
عن العقد ،ولو يسيرا بين اليجاب والقبول ،وإن لم يتفرقا عن المجلس؛ لن فيه إعراضا عن القبول.
وأما في حال غيبة أحد العاقدين عن الخر ،والتعاقد بطريق الكتابة أو الرسالة ،فقال الحنفية :مجلس
عقد الزواج :وهو مجلس قراءة الكتاب أمام الشهود ،أو سماع رسالة الرسول بحضرة الشهود ،فعندئذ
يتحد المجلس؛ لن الكتاب بمنزلة الخطاب من الكاتب ،ولن كلم الرسول كلم المرسل؛ لنه ينقل
عبارة المرسل ،فكان قراءة الكتاب ،وسماع قول الرسول ،وكلم الكاتب معنى ،وسماع قول المرسل
معنى .فإن لم يقرأ الكتاب أو لم يسمع كلم الرسول ل ينعقد العقد عند أبي حنيفة ومحمد ،لشتراط
الشهادة على شطري العقد.
وإن قرأت المرأة الكتاب أو سمعت الرسالة أمام الشهود ،ثم قامت من المجلس لقضاء مصلحة أخرى،
أو اشتغلت بالحديث في شيء آخر أجنبي عن العقد ،ثم قالت :زوجت نفسي من فلن ،فل ينعقد
الزواج ،لختلف المجلس.
لكن لو أعادت المرأة قراءة الكتاب في مجلس آخر ،فقبلت أمام الشهود ،صح العقد ،لبقاء الكتابة ،أما
لو أعاد الرسول اليجاب في مجلس آخر ،فقبلت ،لم يصح؛ لن رسالته انتهت أولً بخلف الكتابة
لبقائها.
- 2توافق القبول مع اليجاب ومطابقته له :يتحقق التوافق باتحاد القبول واليجاب في محل العقد
وفي مقدار المهر،فإذا تخالفا فإن كانت المخالفة في محل العقد ،مثل قول أبي الفتاة :زوجتك خديجة،
فيقول الرجل :قبلت زواج فاطمة ،فل ينعقد الزواج؛ لن القبول انصرف إلى غير من وجد اليجاب
فيه ،فلم يصح ،كما لو ساومه بثوب ،وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري ( . )1وإن كانت
-------------------------------
( )1المغني 546/6 :وما بعدها.
( )9/43
المخالفة في مقدار المهر ،مثل :زوجتك ابنتي على ألف درهم ،فقال الزوج :قبلت الزواج بثمانمائة ،ل
ينعقد العقد ،إل إذا كانت المخالفة لخير ،بأن قال الزوج :قبلت بألف ومائة ،فيصح العقد عند الحنفية.
وسبب عدم انعقاد العقد في المخالفة بمقدار المهر ،وإن لم يكن المهر ركنا من أركان العقد :هو أن
المهر إذا ذكر في العقد ،التحق باليجاب وصار جزءا منه ،فيلزم أن يأتي القبول على وفق اليجاب،
حتى ينعقد العقد.
فإن لم يذكر المهر في العقد ،أو صرح بأن ل مهر للمرأة ،فل يكون جزءا من اليجاب ،ولكن يجب
في هذه الحالة مهر المثل؛ لن المهر في الزواج واجب بإيجاب الشرع ،فل يصح إخلء الزواج منه.
- 3بقاء الموجب على إيجابه :يشترط عدم رجوع الموجب عن اليجاب قبل قبول العاقد الخر ،فإن
رجع بطل اليجاب ،ولم يجد القبول شيئا يوافقه.
ول يلزم الموجب بالبقاء على إيجابه إل إذا اتصل به القبول ،كما في البيع ،فلو وجد اليجاب من أحد
المتعاقدين ،كان له أن يرجع قبل قبول الخر؛ لن كلً من اليجاب والقبول ركن واحد ،فكان أحدهما
بعض الركن ،والمركب من شيئين ل وجود له بأحدهما.
( )9/44
- 4التنجيز في الحال :الزواج كالبيع يشترط فيه كونه في الحال ،فل يجوز في المذاهب الربعة
كونه مضافا إلى المستقبل ،كتزوجتك غدا ،أو بعد غد ،ول معلقا على شرط غير كائن ،كتزوجتك إن
قدم زيد ،أو إن رضي أبي ،أو إذا طلعت الشمس فقد زوجتك بنتي؛ لن عقد الزواج من عقود
التمليكات أو المعاوضات ،وهي ل تقبل التعليق ول الضافة ،ولن الشارع وضع عقد الزواج ليفيد
حكمه في الحال ،والتعليق والضافة يناقضان الحقيقة الشرعية ( . )1لكن يصح التعليق بشرط ماض
كائن ل محالة ،فينعقد العقد في الحال ،كأن خطب شخص بنتا لبنه ،فقال أبوها :زوجتها قبلك من
فلن ،فكذبه ،فقال :إن لم أكن زوجتها لفلن ،فقد زوجتها لبنك ،فقبل ،ثم علم كذبه ،انعقد العقد،
لتعليقه بموجود ،وكذا إذا وجد المعلق عليه في المجلس .ومثل :تزوجتك إن كان عمرك عشرين،
وكانت في الواقع كذلك .ومثل :تزوجتك إن رضي أبي ،وكان أبوها في المجلس فرضي ،صح العقد.
وذكر الشافعية :أنه لو قال الولي :زوجتك إن شاء ال ،وقصد التعليق أو أطلق ،لم يصح العقد ،وإن
قصد التبرك ،أو أن كل شيء بمشيئة ال تعالى ،صح .ولو قال :إن كان ما ولد لي من ولد أنثى فقد
زوجتها ،أو قال :إن كانت بنتي طلقت واعتدت ،فقد زوجتها ،فالمذهب بطلن الزواج في هذه الصور
لوجود صورة التعليق.
والحاصل أنه ل يجوز تعليق الزواج بشرط باتفاق المذاهب ،لكن قال ابن القيم« :ونص المام أحمد
على جواز تعليق النكاح بالشرط» ( )2والبيع أولى بالجواز .لكن ذكر ابن قدامة أن تعليق النكاح على
شرط يبطله ( . )3أما القانون فقد نص قانون الحوال الشخصية السوري (م )13على أنه« :ل ينعقد
الزواج المضاف إلى المستقبل ،ول المعلق على شرط غير متحقق» .
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،405 ،379 ،367/2 :مغني المحتاج.141/3 :
( )2أعلم الموقعين ،28/4 :ط محي الدين عبد الحميد.
( )3المغني.551/6 :
( )9/45
هل يثبت الخيار في عقد الزواج؟ ل يثبت في الزواج خيار باتفاق أكثر الفقهاء ( ، )1سواء في ذلك
خيار المجلس وخيار الشرط؛ لن الحاجة غير داعية إليه ،فإنه ل يقع في الغالب إل بعد ترو وتفكر،
ولن الزواج ليس بمعاوضة محضة ،ولن ثبوت الخيار يؤدي إلى فسخ الزواج ،وفي فسخه بعد العقد
ضرر بالمرأة ،لكن أثبت المالكية خيار المجلس في الزواج إذا اشتُرِط (. )2
مذاهب الفقهاء في الشروط المشترطة في الزواج :
الشروط في الزواج :هي ما يشترطه أحد الزوجين على الخر مما له فيه غرض .ويراد بها الشروط
المقترنة باليجاب أو القبول ،أي أن اليجاب يحصل ولكن يصاحبه شرط من الشروط .وللفقهاء
تفصيلت فيها ،نذكر رأي كل مذهب فيها على حدة .وهذا بخلف حالة اليجاب المعلق على شرط،
فإن اليجاب ل وجود له قبل وجود الشرط.
- 1مذهب الحنفية (: )3
أ ـ إن كان الشرط صحيحا يلئم مقتضى العقد ،وليتنافى مع أحكام الشرع ،وجب الوفاء به،
كاشتراط المرأة أن يسكنها وحدها في منزل ،ل مع أهله أو مع ضَرّتها ،أو أل يسافر بها سفرا بعيدا
إل بإذن أهلها.
أو تزوجا على مهر مسمى ،وشرط لها شيئا آخر ،بأن تزوجها بألف على أل يخرجها من بلدها ،أو
على أل يتزوج عليها ،فإن وفى بالشرط ،فلها المهر المسمى؛ لنه يصلح مهرا ،وقد تم رضاها
به،وإن لم يف بالشرط ،بأن تزوج عليها ،أو أخرجها ،فلها مهر المثل؛ لنه سمى لها شيئا لها فيه نفع،
فعند فواته يجب لها مهر المثل ،لعدم رضاها به.
ومثله الشرط الذي تأمر به الشريعة ،كاشتراطها عليه أن يحسن معاملتها أو ل يخرجها إلى النوادي
والمراقص ونحوها.
-------------------------------
( )1المغني ،536/6 :بداية المجتهد 7/2 :ومابعدها.
( )2حاشية الصاوي على الشرح الصغير .351/2
( )3الدر المختار ،405/2 :تبيين الحقائق ،148/2 :فتح القدير 107/3 :ومابعدها.
( )9/46
قالوا :ومن الشروط الصحيحة عندهم :لو تزوجها على أن أمرها بيدها ،صح .لكن لو قال :زوجني
ابنتك على أن أمرك بيدك ،لم يكن له المر؛ لنه تفويض قبل النكاح.
ب ـ وأن كان الشرط فاسدا ،أي ل يلئم مقتضى العقد ،أو ل تجيزه أحكام الشرع ،فالعقد صحيح،
ويبطل الشرط وحده ،مثل اشتراط الخيار لحد الزوجين أو لكل منهما أن يعدل عن الزواج في مدة
معينة ،وهذا بخلف القاعدة العامة :وهي أن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية كالبيع يفسدها.
فإن ورد النهي عن الشرط ،كاشتراط طلق ضرتها ،كره الوفاء به ،لحديث «ل يحل لمرأة تسأل
طلق ضَرتها» .
- 2مذهب المالكية (: )1
الشروط التي تقترن بعقد الزواج نوعان :شروط صحيحة ،وشروط فاسدة.
أما الشروط الصحيحة :فنوعان :مكروهة وغير مكروهة.
فالشروط الصحيحة غير المكروهة :هي التي تتفق مع مقتضى العقد ،كالنفاق على المرأة أو حسن
معاشرتها ،أو أن تطيع الرجل أو أل تخرج من البيت إل بإذنه.
ومنها اشتراط كون المرأة سليمة من العيوب التي ل تجيز فسخ الزواج ،مثل أل تكون عمياء أو
عوراء أو صماء أو خرساء أو أن تكون بكرا أو بيضاء ،ونحوها.
والشروط الصحيحة المكروهة :هي التي ل تتعلق بالعقد ،أو ل تنافي المقصود من العقد ،وإنما فيها
تضييق على الر جل ،مثل شرط عدم إخراجها من بلدها ،أو عدم السفر بها،أو عدم نقلها من مكان
كذا ،وشرط عدم التزوج عليها ،ونحوها ،ول تلزم الزوج إل أن يكون فيها يمين بعتق أو طلق ،فإن
الشرط يلزمه.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية:ص ،220-218الشرح الصغير ،595 ،386-384/2 :بداية المجتهد.58/2 :
( )9/47
وأما الشروط الفاسدة :فهي التي تنافي أو تناقض مقتضى العقد أو المقصود من الزواج ،مثل شرط أل
يقسم بينها وبين ضَرّتها في المبيت ،أو أن ُيؤْثر عليها ضَرّتها أسبوعا أو أقل أو أكثر تستقل بها عنها.
وشرط المرأة عند زواجها بمحجور عليه أن تكون نفقتها على وليه :أبيه أو سيده ،أو على نفسها أو
أبيها فإنه شرط مناقض لمقصود الزواج ،لن الصل أن نفقة الزوجة على زوجها ،فشرط خلفه
مضر .ومثل اشتراط الخيار في الزواج ( ، )1أو اشتراط ما يؤثر في جهالة المهر كأن يتزوجها على
أن لها من النفقة كذا كل شهر؛ لنه ل يدري إلى متى تستمر هذه النفقة.
ومثل أن تشترط المرأ ة على الرجل أن يكون أمرها بيدها ،تطلق نفسها متى شاءت ،أو أن ينفق
على ولدها من غيره ،أو على أقاربها كأبيها أوأخيها ،ونحوها .وحكم هذه الشروط :أنها تبطل العقد
ويجب فسخه ما لم يدخل الرجل بالمرأة ،فإن دخل بها مضى العقد ،وألغي الشرط ،وبطل المسمى،
ووجب للمرأة مهر المثل .إل أنه في مسألة جعل المرأة أمرها بيدها قالوا:
أ ـ إن علق أمر الطلق بيدها على سبب :فإن كان السبب فعلً يفعله الزوج فهو جائز لزم للزوج،
مثل أن يشرط لها أنه متى ضربها أو سافر عنها ،فأمرها بيدها أو بيد أبيها أو غيره ،ومثله إن كان
اللتزام على يمين بطلق أو عتق كأن حلف أل يتزوج عليها ،على أن يحدد نوع الطلق المفوض
لها ،أهو رجعي أو بائن ،أو ثلث ،أو أي طلق شاءت ،فحينئذ يلزم الزوج بالشرط.
ب ـ وإن كان سببه فعل غير الزوج لم ينفذ ،ولم يلزم الزوج ،والنكاح جائز.
-------------------------------
( )1اشتراط الخيار :هو أن يكون للزوجين أو لحدهما حق العدول عن الزواج بعد مدة معينة.
( )9/48
( )9/49
( )9/50
أو تشترط المرأة على الرجل أل يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قَسمْ صاحبتها أو أكثر ،أو
ل يكون عندها في الجمعة إل ليلة ،أو شرط لها النهار دون الليل ،أو شرط على المرأة أن تنفق عليه
أو تعطيه شيئا.
فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لنها تنافي مقتضى العقد ،ولنها تتضمن إسقاط حقوق تجب
بالعقد قبل انعقاده ،فلم يصح.
ومن هذا النوع :إن شرطت عليه أن يطلق ضرتها ،لم يصح الشرط ،لنهي الشرع عنه ،لما روى أبو
هريرة قال« :نهى النبي صلّى ال عليه وسلم أن تشترط المرأة طلق أختها» ( )1وفي لفظ« :ل تسأل
المرأة لتنكح» أو «لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها ،فإنما رزقها على ال » والنهي يقتضي فساد
المنهي عنه ،ولنها شرطت عليه فسخ عقده ،وإبطال حقه وحق امرأته ،فلم يصح ،كما لو اشترطت
عليه فسخ بيعه.
النوع الثالث ـ ما يبطل الزواج من أصله :مثل اشتراط تأقيت الزواج ،وهو نكاح المتعة ،أو أن
يطلقها في وقت بعينه ،أو يعلقه على الشرط ،مثل أن يقول الولي :زوجتك إن رضيت أمها ،أو فلن،
أويشترط الخيار في الزواج لهما أو لحدهما.
هذه شروط باطلة في نفسها ،ويبطل بها الزواج ،ومنها أن يجعل صداقها تزويج امرأة أخرى ،وهو
نكاح الشغار .أما إن شرط الخيار في الصداق خاصة ،فل يفسد الزواج؛ لن الزواج ينفرد عن ذكر
الصداق.
( )9/51
والخلصة :أن الفقهاء اتفقوا على صحة الشروط التي تلئم مقتضى العقد ،وعلى بطلن الشروط التي
تنافي المقصود من الزواج أو تخالف أحكام الشريعة .واتفق الحنفية والمالكية والحنابلة على صحة
الشروط التي يكون فيهاتحقيق وصف مرغوب فيه ،أو خلو المرأة من عيب ل يثبت الخيار في فسخ
الزواج .واختلفوا في الشروط التي ل تكون من مقتضى العقد ،ولكنها ل تنافي حكما من أحكام
الزواج ،وفيها منفعة لحد العاقدين ،كاشتراط أل يتزوج عليها أو أل يسافر بها ،أو أل يخرجها من
دارها أو بلدها ونحوها:
فالحنابلة يقولون :إنها شروط صحيحة يلزم الوفاء بها.
والحنفية يقولون :إنها شروط ملغاة ،والعقد صحيح.
والمالكية يقولون :إنها شروط مكروهة ل يلزم الوفاء بها ،بل يستحب فقط.
والشافعية يقولون :إنها شروط باطلة ،ويصح الزواج بدونها.
ورأي الحنابلة هو الراجح لدي ،للدلة السابقة التي ذكروها ،لذا أخذ به القانون السوري.
وأما تأثير الشرط الفاسد على العقد :فعند الحنفية :الشرط الفاسد ل يفسد العقد ،وإنما يلغى الشرط
وحده ،ويصح العقد .والحنابلة يوافقون الحنفية فيما ذكر إل في بعض الشروط فإنها تبطل العقد ،منها
توقيت العقد ،واشتراط طلق المرأة في وقت معين ،واشتراط الخيار في فسخ الزواج في مدة معينة.
وهذا هو النوع الثالث عندهم .وأما عند الشافعية :فإن الشرط الفاسد يفسد العقد إذا أخل بمقصود
الزواج الصلي ،وإل فسد الشرط وحده .لكن قال المالكية :يجب فسخ العقد ما دام الرجل لم يدخل
بالمرأة ،فإن دخل بها مضى العقد وألغي الشرط ،وبطل المسمى ،ووجب للمرأة مهر المثل.
-------------------------------
( )1متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار.)142/6 :
( )9/52
( )9/53
الشرط في هاتين الحالتين صحيح ،لكن ل يلزم الزوج الوفاء به ،فإن لم يف ،كان للزوجة طلب فسخ
الزواج .وهذا موافق لمذهب الحنابلة إل في اشتراط تطليق الضرة ،فالعقد صحيح والشرط باطل.
- 3شروط باطلة ل يحق الوفاء بها ،ويكون العقد معها صحيحا :وهي أن يقيد الزواج بقيد ينافي في
نظامه الشرعي ،كاشتراط عدم المهر ،أو إنفاق الزوجة على الزوج ،أو ينافي مقاصده الشرعية،
كاشتراط عدم الستمتاع الزوجي ،أو يكون الشرط محظورا شرعا ،كاشتراط أن تسافر المرأة وحدها.
وهذا موافق للمذاهب بالتفاق.
شروط صحة الزواج :
يشترط لصحة الزواج عشرة شروط ،بعضها متفق عليه ،وبعضها مختلف فيه (. )1
الول ـ المحلية الفرعية ،والثاني ـ التأبيد في صيغة العقد ،والثالث ـ الشهادة ،والرابع ـ الرضا
والختيار ،والخامس ـ تعيين الزوجين ،والسادس ـ عدم الحرام بالحج أو العمرة ،والسابع ـ أن
يكون بصداق ،والثامن ـ عدم التواطؤ على الكتمان ،والتاسع ـ أل يكون أحد الزوجين أو كلهما في
مرض مخوف ،والعاشر ـ الولي.
الشرط الول ـ المحلية الفرعية :أل تكون المرأة محرمة على الرجل تحريما مؤقتا ،أو تحريما فيه
شبهة ،أو خلف بين الفقهاء ،كتزويج المعتدة من طلق بائن ،وتزوج أخت المطلقة التي ل تزال في
العدة ،والجمع بين اثنتين كلتاهما محرم للخرى ،كتزوج العمة على ابنة أخيها ،والخالة على ابنة
أختها ،فإذا لم تتحقق هذه المحلية الفرعية كان العقد فاسدا عند الحنفية.
أما المحلية الصلية :وهي أل تكون المرأة محرمة على الرجل تحريما مؤبدا ،كالخت والبنت والعمة
والخالة ،فهي شرط لنعقاد الزواج ،فإذا لم تتحقق هذه المحلية ،كان العقد باطلً بالتفاق ،ول يترتب
عليه أي أثر من آثار الزواج.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،835 ،379-373/2 :البدائع 363 ،357-351/2 :وما بعدها385 ،
وما بعدها ،تبيين الحقائق 98/2 :وما بعدها ،الشرح الكبير ،240-236/2 :الشرح الصغير-335/2 :
،382-372 ،340شرح الرسالة ،26/2:مغني المحتاج ،147-144/3 :المهذب ،40/2 :المغني:
،453-450/6كشاف القناع ،74-41/5 :القوانين الفقهية :ص .200-197
( )9/54
وعلى هذا إذا كان التحريم قطعيا ،كان سببا من أسباب البطلن ،وإذا كان التحريم ظنيا ،كان سببا من
أسباب الفساد عند الحنفية.
الزواج في حال انعدام المحلية الفرعية فاسد ،يترتب عليه بالدخول بعض الثار ،لكن يحرم الدخول
بالمرأة في حال فساد العقد ،ويجب فيه التفريق بين الرجل والمرأة جبرا إن لم يتفرقا اختيارا.
وإذا حصل دخول بعد هذا الزواج الفاسد بالرغم من تحريمه وكونه معصية ،ووجوب التفريق،
فتترتب عليه بعض الثار ،فيجب فيه للمرأة أقل المرين من المهر المسمى ومهر المثل ،وتجب عليها
العدة ،ويثبت به نسب الولد إن حدث حمل ،ولكن ل يثبت به حق التوارث بين الزوجين.
الشرط الثاني ـ أن تكون صيغة اليجاب والقبول مؤبدة غير مؤقتة :فإن أقّت الزواج بمدة بطل ،بأن
يكون بصيغة التمتع مثل :تمتعت بك إلى شهر كذا ،فتقول :قبلت ،أو بالتأقيت إلى مدة معلومة أو
مجهولة ،مثل :تزوجتك إلى شهر أو سنة كذا ،أو مدة إقامتي في هذا البلد .والنوع الول يعرف بنكاح
المتعة ،والثاني يعرف بالنكاح المؤقت.
لكن قال المالكية :نكاح المتعة أوالنكاح لجل سواء عين الجل أم ل ،يعاقب فيه الزوجان ،ول يحدان
على المذهب ،ويفسخ بل طلق ،والمضرّ بيان ذلك في العقد للمرأة أو وليها ،وأما لو أضمر الزوج
في نفسه أن يتزوجها ما دام في هذه البلدة أو مدة سنة ثم يفارقها ،فل يضر ،ولو فهمت المرأة من
حاله ذلك (. )1
وقال الحنفية أيضا :من تزوج امرأة بنية أن يطلقها إذا مضى سنة ل يكون متعة (. )2والمعتمد عند
الحنابلة خلفا لبن قدامة :أن نية الطلق بعد مدة تبطل العقد كالتصريح بذلك.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.387/2 :
( )2شرح المجلة للتاسي.415/2 :
( )9/55
اتفقت المذاهب الربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل ،وكونه باطلً عند
الحنفية بالرغم من أن هذا الشرط من شروط الصحة؛ لنه منصوص على حكمه في السنة ،إل أن
المام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحا وشرط التأقيت فاسدا أو باطلً ،أي ل عبرة بالتأقيت ويكون
الزواج صحيحا مؤبدا؛ لن النكاح ل يبطل بالشروط الفاسدة .ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى
المتعة ،والعبرة في العقود للمعاني ل لللفاظ.
وقال الشيعة المامية ( : )1يجوز زواج المتعة أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة أو الكتابية ،ويكره
بالزانية ،بشرط ذكر المهر ،وتحديد الجل أي المدة ،وينعقد بأحد اللفاظ الثلثة :وهي زوجتك،
وأنكحتك ،ومتعتك .ول يشترط الشهود ول الولي لهذا العقد .وأحكامه هي:
- 1الخلل بذكر المهر مع ذكر الجل يبطل العقد ،وذكر المهر من دون الجل يقلبه دائما.
- 2ل حكم للشروط قبل العقد ،ويلزم لو ذكرت فيه.
ل أو نهارا وأل يطأها في الفرج ،والعزل من دون إذنها ،ويلحق الولد
- 3يجوز اشتراط إتيانها لي ً
بالب وإن عزل ،لكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان.
- 4ل يقع بالمتعة طلق بإجماع الشيعة ،ول لعان على الظهر ،ويقع الظهار على تردد.
- 5ل يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين ،وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير خلف.
-------------------------------
( )1المختصر النافع في فقه المامية :ص ،207-205الروضة البهية 103/2 :وما بعدها.
( )9/56
- 6إذا انقضى الجل المتفق عليه ،فالعدة حيضتان على الشهر .وعدة غير الحائض خمسة
وأربعون يوما ،وعدة الوفاة لو مات عنها في أشبه الروايتين أربعة أشهر وعشرة أيام.
- 7ل يصح تجديد العقد قبل انقضاء الجل ،ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف.
الدلة :
أدلة المامية :استدل المامية على مشروعية النكاح المنقطع أو المتعة بما يلي:
ً - 1بقول ال تعالى{ :فما استمتعتم به منهن ،فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء ]24/4:فإنه عبر
بالستمتاع دون الزواج ،وبالجور دون المهور ،مما يدل على جواز المتعة ،فالستمتاع والتمتع
بمعنى واحد ،وإيتاء الجر بعد الستمتاع يكون في عقد الجارة ،والمتعة هو عقد الجارة على منفعة
البضع .أما المهر فإنه يجب بنفس عقد النكاح قبل الستمتاع.
ً - 2ثبت في السنة جواز المتعة في بعض الغزوات منها عام أوطاس ،وفي عمرة القضاء ،وفي
خيبر ،وعام الفتح ،وفي تبوك ( ، )1قال ابن مسعود« :كنا نغزو مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم
ليس معنا نساء ،فقلنا :أل نختصي؟ فنهانا عن ذلك ،ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ،ثم
قرأ عبد ال (أي ابن مسعود) { :يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم} [المائدة]87/5:
( ، )2الية.
-------------------------------
( )1نيل الوطار.137-136/6 :
( )2رواه البخاري ومسلم وأحمد ( نيل الوطار.)133/6 :
( )9/57
وفي صحيح مسلم عن جابر« :كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول ال صلّى ال
عليه وسلم ...وأبي بكر ،حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث» (. )1
وكان يقول بجواز المتعة ابن عباس وجماعة من السلف ،منهم بعض الصحابة (أسماء بنت أبي بكر،
وجابر وابن مسعود ومعاوية وعمرو بن حريث ،وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف) ومنهم بعض
التابعين (طاوس وعطاء ،وسعيد بن جبير ،وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج).
وأجاز المتعة المام المهدي ،وحكاه عن الباقر والصادق والمامية ( . )2وأما الشيعة الزيدية فيقولون
كالجمهور بتحريم نكاح المتعة ،ويؤكدون أن ابن عباس رجع عن تحليله (. )3
وأجيب عن هذه الدلة بما يأتي (: )4
- 1إن المراد بالستمتاع في آية {فما استمتعتم} [النساء :]24/4:النكاح؛ لنه هو المذكور في أول
الية وآخرها ،حيث بدئت بقول تعالى{ :ول تنكحوا مانكح آباؤكم} [النساء ]22/4:وختمت بقوله
سبحانه{ :ومن لم يستطع منكم طولً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء ]25/4:فدل على أن
المراد بالستمتاع هنا ما كان عن طريق النكاح ،وليس المراد به المتعة المحرمة شرعا.
وأما التعبير بالجر :فإن المهر في النكاح يسمى في اللغة أجرا ،لقوله تعالى{ :فانكحوهن بإذن أهلهن،
وآتوهن أجورهن بالمعروف} [النساء ]25/4:أي مهورهن ،وقوله سبحانه{ :يا أيها النبي إنا أحللنا لك
أزواجك اللتي آتيت أجورهن} [الحزاب ]50/33:أي مهورهن.
وأما المر بإيتاء الجر بعد الستمتاع ،والمهر يؤخذ قبل الستمتاع ،فهذا على طريقة في اللغة من
تقديم وتأخير ،والتقدير :فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن ،أي إذا أردتم الستمتاع بهن ،مثل قوله
تعالى{ :إذا طلقتم النساء فطلقوهن} [الطلق ]1/65:أي إذا أردتم الطلق ،ومثل {إذا قمتم إلى الصلة
فاغسلوا} [المائدة ]6/5:أي إذا أردتم القيام إلى الصلة.
-------------------------------
( )1نصب الراية.181/3 :
( )2نيل الوطار 135/6 :وما بعدها.
( )3البحر الزخار.22/3 :
( )4الحوال الشخصية للدكتور مصطفى السباعي 83/1 :وما بعدها.
( )9/58
- 2وأما الذن بالمتعة في السنة النبوية في بعض الغزوات ،فكان للضرورة القاهرة في الحرب،
وبسبب العُزْبة في حال السفر ،ثم حرمها الرسول صلّى ال عليه وسلم تحريما أبديا إلى يوم القيامة،
بدليل الحاديث الكثيرة ،منها:
أ ـ «يا أيها الناس ،إني كنت أذنت لكم في الستمتاع من النساء ،وإن ال قد حرم ذلك إلى يوم
القيامة ،فمن كان عنده منهن شيء ،فليخل سبيله ،ول تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» (. )1
ب ـ قال سلمة بن الكوع« :رخص لنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس
ثلثة أيام ،ثم نهى عنها» (. )2
جـ ـ قال سَبْرة بن معبد« :إن رسول ال صلّى ال عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح
المتعة» (. )3
-------------------------------
( )1رواه مسلم وأحمد عن سَبْرة بن معبد الجهني.
( )2رواه مسلم وأحمد.
( )3رواه أحمد وأبو داود.
( )9/59
د ـ عن علي رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم
الحُمر الهلية زمن خيبر (. )1
وأما ابن عباس :فكان يجيز المتعة للمضطر فقط ،روى عنه سعيد بن جبير أنه قال :سبحان ال ،ما
بهذا أفتيت ،وإنما هي كالميتة ل تحل إل للمضطر .وأما الشيعة فقد توسعوا فيها وجعلوا الحكم عاما
للمضطر وغيره ،وللمقيم والمسافر.
ومع ذلك فقد أنكر عليه الصحابة ،مما يجعل رأيه شاذا تفرد به ،فقد أنكر عليه علي رضي ال عنه
قائلً له :إنك امرؤ تائه ( )2؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن
لحوم الحُمر النسية ،وأنكر عليه عبد ال بن الزبير رضي ال عنه ،روى مسلم عنه أنه قام بمكة
فقال« :إن إناسا أعمى ال قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرّض برجل هو عبد ال بن
العباس ـ فناداه ابن عباس ،فقال له :إنك لجِلْف ( )3جاف ،فلعمري ،لقد كانت المتعة تفعل في عهد
أمير المتقين ـ أي رسول ال صلّى ال عليه وسلم ـ فقال له ابن الزبير :فجرب نفسك ،فوال لو
فعلتها لرجمنك بأحجارك» .
ثم نقل المحدثون عن ابن عباس أنه رجع عن قوله ،روى الترمذي عنه أنه قال« :إنما كانت المتعة
في أول السلم ،كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة ،فيتزوج المرأة بقدر مايرى أنه يقيم،
فتحفظ له متاعه ،وتصلح له شأنه ،حتى نزلت هذه الية { :إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
[ المؤمنون ،] 6/23 :قال ابن عباس :فكل فرج سواهما حرام» .
-------------------------------
( )1رواه أحمد والشيخان (راجع نيل الوطار ،134/6 :نصب الراية ،177/3 :في كل هذه
الحاديث).
( )2أي حائر حائد عن الطريق المستقيم.
( )3الجلف :الغليظ الطبع القليل الفهم.
( )9/60
وروى البيهقي أيضا وأبو عوانة في صحيحه رجوع ابن عباس (. )1
والقول برجوعه هو الصح لدى كثير من العلماء ،ويؤكده إجماع الصحابة على التحريم المؤبد ،ومن
المستبعد أن يخالفهم ،روى الحازمي في الناسخ والمنسوخ من حديث جابر بن عبد ال قال« :خرجنا
مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم إلى غزوة تبوك ،حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام ،جاءت
نسوة ،فذكرنا تمتعنا ،وهن تطفن في رحالنا ،فجاءنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فنظر إليهن،
وقال :من هؤلء النسوة؟ فقلنا :يارسول ال ،نسوة تمتعنا منهن ،قال :فغضب رسول ال صلّى ال
عليه وسلم حتى احمرّت وجنتاه ،وتمعّر وجهه ،وقام فينا خطيبا ،فحمد ل وأثنى عليه ،ثم نهى عن
المتعة ،فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء ،ولم نعد ،ول نعود لها أبدا ،فبها سميت يومئذ :ثنية الوداع» (
. )2
وروى أبو عوانة عن ابن جريج أنه قال في البصرة :اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة ،بعد أن
حدثهم فيها ثمانية عشرة حديثا أنه ل بأس بها (. )3
كل هذا يدل على نسخ إباحة المتعة ،ولعل ابن عباس ومن وافقه من الصحابة والتابعين لم يبلغه الدليل
الناسخ .فإذا ثبت النسخ وجب المصير إليه ،أو يقال :إن إباحة المتعة كانت في مرتبة العفو التي لم
يتعلق بها الحكم كالخمر قبل تحريمها ،ثم ورد النص القاطع بالتحريم.
-------------------------------
( )1نيل الوطار.135/6 :
( )2نصب الراية.179/3 :
( )3نيل الوطار.136/6 :
( )9/61
( )9/62
( )9/63
( )9/64
ولن بالشهادة على الزواج التمييز بين الحلل والحرام ،فشأن الحلل الظهار ،وشأن الحرام التستر
عليه عادة .ويتحقق بالشهادة التوثق لمر الزواج والحتياط لثباته عند الحاجة إليه .لهذا كله ندب
الشرع إلى إعلن النكاح والدعوة إلى وليمته ،فقال صلّى ال عليه وسلم « :أعلنوا النكاح» «أعلنوا
النكاح واضربوا عليه بالغِربال» أي الدّف« ،أعلنوا هذا النكاح ،واجعلوه في المساجد ،واضربوا عليه
خضِب بالسواد ،فل ُيعْلمها ل يَغرّها» (
بالدفوف ،وليولم أحدكم ولو بشاة ،فإذا خطب أحدكم امرأة وقد َ
. )1
ل ـ أن يكونوا أهلً لتحمل
رابعا ـ شروط الشهود :ينبغي توافر أوصاف معينة في الشهود وهي أو ً
الشهادة وذلك بالبلوغ والعقل ،وثانيا ـ أن يتحقق بحضورهم معنى العلن ،وثالثا ـ أن يكونوا أهلً
لتكريم الزواج بحضورهم.
أما الهلية :فتشترط في الشهود على الزواج بالتفاق الهلية الكاملة ،وسماع كلم العاقدين وفهم
المراد منهم ،وتكون شروط الشهود هي ما يأتي:
ً - 1العقل :فل تصح شهادة المجنون على عقد الزواج ،إذ ل تتحقق الغاية من الشهادة وهي العلن
وإثبات الزواج في المستقبل عند الجحود والنكار.
ً - 2البلوغ :فل تصح شهادة الصبي ولو كان مميزا ،لنه ل يتحقق بحضور الصبيان العلن
والتكريم ،ول يتناسب حضورهم مع خطورة الزواج.
وهذان الشرطان متفق عليهما بين الفقهاء ،ويمكن جمعهما بشرط واحد وهو كون الشاهدين مكلفين،
واختلفوا في شروط أخرى بحسب المقصود من الشهادة ،أهو العلن فقط كما قال الحنفية ،أم صيانة
العقد من الجحود والنكار كما قال الشافعية.
-------------------------------
( )1الحديث الول رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد ال بن الزبير ،والثاني أخرجه
الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة ،وفي رواته ضعيف ،والثالث أخرجه الترمذي أيضا من
حديث عائشة ،وقال :حسن غريب .قال الصنعاني :الحاديث في إعلن النكاح واسعة وإن كان في
كل منها مقال ،إل أنها يعضد بعضها بعضا (سبل السلم 116/3 :ومابعدها).
( )9/65
ً - 3التعدد :شرط باتفاق الفقهاء ،فل ينعقد النكاح بشاهد واحد ،للحديث السابق« :ل نكاح إل بولي
وشاهدي عدل» .
وذكر الحنفية ( : )1أن من أمر رجلً بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والب حاضر بشهادة رجل
واحد سواهما ،جاز النكاح؛ لن الب يجعل مباشرا للعقد لتحاد المجلس ،ويكون الوكيل سفيرا
ومعبرا ،فيبقى المزوج شاهدا.
وإن كان الب غائبا لم يجز الزواج؛ لن المجلس مختلف ،فل يمكن أن يجعل الب مباشرا.
وإذا زوج الب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد :إن كانت حاضرة جاز ،وإن كانت غائبة لم يجز.
ً - 4الذكورة :شرط عند الجمهور غير الحنفية ،بأن يكون الشاهدان رجلين ،فل يصح الزواج بشهادة
النساء وحدهن ول بشهادة رجل وامرأتين ،لخطورة الزواج وأهميته ،بخلف الشهادة في الموال
والمعاملت المالية ،قال الزهري« :مضت السنّة أل تجوز شهادة النساء في الحدود ،ول في النكاح،
ول في الطلق» ( )2ولنه عقد ليس بمال ،ول يقصد منه المال ،ويحضره الرجال في غالب
الحوال ،فل يثبت بشهادة النساء كالحدود.
وقال الحنفية :تجوز شهادة رجل وامرأتين في عقد الزواج ،كالشهادة في الموال؛ لن المرأة أهل
لتحمل الشهادة وأدائها ،وإنما لم تقبل شهادتها في الحدود والقصاص فللشبهة فيها بسبب احتمال
النسيان والغفلة وعدم التثبت ،والحدود تدرأ بالشبهات.
-------------------------------
( )1فتح القدير.356/2 :
( )2رواه أبو عبيد في الموال .والمقصود بالسنة :سنة النبي صلّى ال عليه وسلم .
( )9/66
ً - 5الحرية :شرط عند الجمهور غير الحنابلة ،بأن يكون الشاهدان حرين ،فل يصح الزواج بشهادة
عبدين ،لخطورة عقد الزواج ،ولن العبد ل ولية له على نفسه ،ول شهادة له لعدم الولية ،فل تكون
له ولية على غيره ،والشهادة من قبيل الوليات.
وقال الحنابلة :ينعقد الزواج بشهادة عبدين؛ لن شهادة العبيد مقبولة عندهم في سائر الحقوق ،ولم
يثبت نفيها في كتاب أو سنة أو إجماع ،قال أنس بن مالك :ما علمت أحدا رد شهادة العبد ،وال يقبلها
على المم يوم القيامة ،فكيف ل تقبل هنا؟ وتقبل روايته في الحديث عن النبي صلّى ال عليه وسلم إذا
كان عدلً ثقة ،فكيف ل تقبل فيما دون ذلك؟ والمعول عليه في الشهادة الثقة بخبر الشاهد،فإذا كان
ل فتقبل شهادته.
العبد ثقة عد ً
ً - 6العدالة ولو ظاهرة :أي الستقامة واتباع تعاليم الدين ،ولو في الظاهر بأن يكون مستور الحال
غير مجاهر بالفسق والنحراف .وهي شرط عند الجمهور في أرجح الروايتين عن أحمد ،وفي
الصحيح عند الشافعية ،فل يصح الزواج بشهادة الفاسق ،للحديث السابق« :ل نكاح إل بولي وشاهدي
عدل» ولن الشهادة من باب الكرامة لتكريم الزواج وإظهار شأنه ،والفاسق من أهل الهانة فل يكرم
العقد به ،وهذا هو الراجح.
وقال الحنفية :العدالة ليست بشرط في الشهود ،فيصح العقد بشهادة العدول وغير العدول من الفساق؛
لن هذه الشهادة تحمّل ،فصحت من الفاسق كسائر التحملت ،وهو من أهل الولية فيكون من أهل
الشهادة .وهذا رأي الشيعة المامية أيضا؛ لن الشهادة عندهم ليست شرطا لصحة العقد ،بل هي
مندوب إليها (. )1
-------------------------------
( )1قالوا :ل يشترط حضور شاهدين ول ولي إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على الصح ،وإنما
يستحب الشهاد والعلن والظهار في النكاح الدائم (المختصر النافع :ص .)194
( )9/67
ً - 7السلم :شرط بالتفاق ،بأن يكون الشاهدان مسلمين يقينا ،ول يكفي مستور السلم ،واشتراطه
إذا كان الزوجان مسلمين ،واكتفى الحنفية بهذا الشرط إذا كانت الزوجة مسلمة .فإن تزوج مسلم ذمية
بشهادة ذميين صح عندهم؛ لن شهادة الكتابي على مثله جائزة ،ول يصح عند غيرهم؛ لن الزوج
مسلم ،ول بد من معرفة الزواج في أوساط المسلمين.
والسبب في اشتراط إسلم الشهود في نكاح المسلمين :أن لهذا العقد خطورة واعتبارا دينيا ،فل بد من
أن يشهده مسلم ،لينشر خبره بين المسلمين.
وأما إن كان الزوجان غير مسلمين ،فتقبل شهادة الكتابيين عند الحنفية.
ً - 8البصر :شرط عند الشافعية في الصح ،فل تقبل شهادة العمى؛ لن القوال ل تثبت إل
بالمعاينة كالسماع ،وهو ل يقدر على التمييز بين المدعي والمدعى عليه.
وليس البصر بشرط عند الجمهور ،فتصح شهادة العمى إذا سمع كلم العاقدين وميز صوتهما على
وجه ل يشك فيهما؛ لنه أهل للشهادة ،وهذه شهادة على قول ،فتصح كما تصح في المعاملت.
ً - 9سماع الشهود كلم العاقدين وفهم المراد منه :شرط عند أكثر الفقهاء ،فل ينعقد بشهادة نائمين
أو أصمين؛ لن الغرض من الشهادة ل يتحقق بأمثالهما.
كذلك ل يصح بشهادة السكران الذي ل يعي ما يسمع ول يتذكره بعد الصحو.
ول يصح أيضا بشهادة غير عربي في عقد بالعربية إذا كان ل يعرف اللغة العربية؛ لن القصد من
الشهادة فهم كلم العاقدين ،وأداء الشهادة عند اللزوم والختلف .وهذا هو المذهب الراجح عند
الحنفية.
ول يصح الزواج بشهادة ال ورسوله ،بل قيل :إنه يكفر؛ لنه اعتقد أن رسول ال صلّى ال عليه
وسلم عالم الغيب.
( )9/68
هذا ول يشترط في الشهود أن يكونوا ممن ل ترد شهادتهم للزوجين في القضاء ،فيصح الزواج
بشهادة ابني الزوجين أوابني أحدهما إل عند الحنابلة فل يصح ،وبشهادة عدويهما؛ لن الولد والعدو
من أهل الشهادة .ويصح بشهادة الحواشي والعمام إذا كان الولي عند غير الحنفية غيرهم ،فالولي
عند الجمهور شرط كالشهود ،والشهود غير الولي.
وقد وضع الحنفية ضابطا لمن تقبل شهادته في الزواج ومن ل تقبل ،فقالوا :كل من صلح أن يكون
وليا في الزواج بولية نفسه ( ، )1صلح أن يكون شاهدا فيه.
وكما يشترط الشهاد على صحة الزواج ،يستحب أيضا عند الجمهور غير الحنفية على رضا المرأة
بالزواج ،بأن قالت :رضيت أو أذنت فيه ،حيث يعتبر رضاها بأن كانت غير مجبرة ،وذلك احتياطا
ليؤمن إنكارها.
-------------------------------
( )1هذا القيد لخراج المكاتب ،فإنه وإن ملك تزويج أمته ،لكن ل بولية نفسه ،بل بما استفاده من
المولى .قال ابن عابدين :وهذا يقتضي عدم انعقاده بالمحجور عليه ،ولم أره.
( )9/69
موقف القانون من الشهادة :أخذ قانون الحوال الشخصية السوري (م )12بمذهب الحنفية في الشهادة،
فنص على أنه« :يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين ،أو رجل وامرأتين ،مسلمين
عاقلين بالغين ،سامعين اليجاب والقبول ،فاهمين المقصود بهما » ،أي أن هذا في الزواج بين
مسلمين ،أما بين كتابيين فيصح بشهادة شاهدين من أهل الكتاب ،ولو كانا مخالفين لدين الزوجة،
كشهادة نصرانيين على الزواج بيهودية.
الشرط الرابع ـ الرضا والختيار من العاقدين أو عدم الكراه :
هو شرط عند الجمهور غير الحنفية ،فل يصح الزواج بغير رضا العاقدين ،فإن أكره أحدهما على
الزواج بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس المديد ،كان العقد فاسدا ،لقوله صلّى ال عليه وسلم :
«إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ( . )1وأخرج النسائي عن عائشة:
«أن فتاة ـ هي الخنساء ابنة خِدَام النصارية ـ دخلت عليها ،فقالت :إن أبي زوجني من ابن أخيه
يرفع بي خسيسته ( ، )2وأنا كارهة ،قالت :اجلسي حتى يأتي رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فجاء
رسول ال صلّى ال عليه وسلم فأخبرته ،فأرسل إلى أبيها ،فدعاه ،فجعل المر إليها ،فقالت :يا
رسول ال ،قد أجزت ما صنع أبي ،ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للباء من المر شيء» ()3
والمراد بنفي المر عن الباء نفي التزويج .فدل الحديثان على أن الرضا شرط لصحة الزواج،
والكراه يعدم الرضا ،فل يصح معه الزواج .وهذا هو الراجح؛ لن التراضي أصل في العقود،
والعقد للزوجين ،فاعتبر تراضيهما به كالبيع.
وقال الحنفية :حقيقة الرضا ليس شرطا لصحة النكاح ،فيصح الزواج ومثله الطلق مع الكراه
والهزل؛ لن المستكره قاصد عقد الزواج ،لكنه غير راض بالحكم الذي يترتب عليه ،فهو مثل
الهازل ،والهزل ل يمنع صحة الزواج ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :ثلث جِدهن جد ،وهَزْلهن
جِد :النكاح ،والطلق ،والرجعة» ( . )4لكن هذا القياس يصادم الثابت في السنة.
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس.
ل يكون فيه رفعته.
( )2الخسيس :الدنيء ،يقال :رفعت خسيسته :إذا فعلت به فع ً
( )3سبل السلم 122/3 :وما بعدها.
( )4رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي ال عنه (كشف الخفا.)389/1 :
( )9/70
( )9/71
وليُنْكح » ( )1وفي رواية لمسلم « :ول يخطُب» أي لنفسه أو لغيره .فهذا نهي صريح للمحرم بحج
أو عمرة أن يتزوج أو يزوج غيره ،والنهي يدل على فساد المنهي عنه ،ولن الحرام انقطاع للعبادة،
والزواج سبيل إلى المتعة ،فيتنافى مع الحرام ،فيمنع أثناءه.
وأضاف المالكية أنه يفسخ وإن دخل الزوج وولدت ،وفسخه بغير طلق.
وقال الحنفية :ليس هذا شرطا لصحة الزواج ،فيصح مع الحرام ،سواء أكان المحرم هو الزوج أم
الزوجة أم الولي ،أي يجوز نكاح المحرم وإنكاحه ،بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم فيما رواه ابن
عباس تزوج ميمونة بنت الحارث ،وهو محرم (. )2
والحق رجحان الرأي الول ،لورود رواية أخرى من طرق شتى عن ميمونة نفسها« :أن النبي صلّى
ال عليه وسلم تزوجها وهو حلل» ( )3فإذا تعارض الخبران رجحت رواية الكثرة ،فيكون الوهم إلى
الواحد أقرب منه إلى الجماعة ،وحديث عثمان صحيح في منع المحرم ،فهو المعتمد .وقد تؤول حديث
ابن عباس بأن معنى (وهو محرم) أي داخل في الحرم ،أو في الشهر الحرم (. )4
-------------------------------
( )1رواه مسلم عن عثمان رضي ال عنه.
( )2متفق عليه عن ابن عباس.
( )3رواه مسلم عن ميمونة نفسها (انظر سبل السلم )124/3 :في الحاديث الثلثة.
( )4سبل السلم ،14/3 :وقد جزم بهذا التأويل ابن حبان في صحيحه ،لكن قيل عنه :هو تأويل بعيد
ل تساعد عليه ألفاظ الحديث.
( )9/72
( )9/73
لو كان المهر شرطا في العقد لوجب ذكره حين العقد ،وهو ل يجب أن يذكر حين العقد لكن يجب
مهر المثل.
لهذا كان زواج التفويض (وهوإخلء النكاح عن المهر) صحيحا بالتفاق (. )1
الشرط الثامن ـ عدم تواطؤ الزوج مع الشهود على كتمان الزواج :
هو شرط أيضا عند المالكية ،فإذا حدث التواطؤ بين الزوج والشهود على كتمان الزواج عن الناس أو
عن جماعة ،بطل الزواج .وهذا ما يعرف ـ كما تقدم ـ بنكاح السر :وهو ما أوصى فيه الزوج
الشهود بكتمه عن زوجته أو عن جماعة ،وأهل منزل ،أو زوجة قديمة ،إذا لم يكن الكتم خوفا من
ظالم أو نحوه .وحكمه :أنه يجب فسخه إل إذا دخل بالمرأة.
فإن كان اليصاء للشهود بالكتمان من الولي فقط ،أو الزوجة فقط ،دون الزوج ،أو اتفق الزوجان
والولي على الكتم دون إيصاء الشهود ،أو أوصى الزوج الولي والزوجة معا ،أو أحدهما على الكتم،
لم يضر ،ولم يبطل العقد (. )2
وقال الجمهور :ليس هذا شرطا لصحة العقد ،فلو اتفق الزوج مع الشهود على كتمان الزواج عن كل
الناس أو عن بعضهم ،لم يفسد العقد؛ لن إعلن الزواج يتحقق بمجرد حضور الشاهدين.
الشرط التاسع ـ أل يكون أحد الزوجين مريضا مرضا مخوفا :
هو شرط أيضا عند المالكية ،فل يصح نكاح المريض والمريضة المخوف عليهما ،على المشهور،
والمرض المخوف :هو ما يتوقع منه الموت عادة ،ويفسخ الزواج إن وقع ولو بعد الدخول ،إل إن
صح المريض قبل الفسخ ،فإن لم يدخل الزوج فليس للمرأة صداق ،وإن دخل فلها الصداق المسمى.
ولو مات أحدهما قبل الفسخ ولو بعد الدخول ل يرثه الخر؛ لن سبب فساده إدخال وارث في التركة
لم يكن موجودا قبل المرض .لكن إن مات الزوج قبل فسخ الزواج بعد الدخول ،فللزوجة القل من
ثلث التركة ومن المسمى ومن مهر المثل؛ لن الزواج في المرض
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،229/3 :المهذب ،60/2 :المغني ،716/6 :كشاف القناع ،174/5 :فتح القدير:
،434/3رد المحتار لبن عابدين.461/2 :
( )2الشرح الكبير مع الدسوقي.237-236/2 :
( )9/74
المخوف تبرع ،وتبرع المريض مرض الموت ل ينفذ إل من الثلث (. )1
الشرط العاشر ـ حضور الولي :
هو شرط عند الجمهور غير الحنفية ،فل يصح الزواج إل بولي ،لقوله تعالى{ :فل تعضُلوهن أن
ينكحن أزواجهن} [البقرة ]232/2:قال الشافعي :هي أصرح آية في اعتبار الولي ،وإل لما كان لعضله
معنى .ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل نكاح إل بولي» ( )2وهو لنفي الحقيقة الشرعية ،بدليل
حديث عائشة« :أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ،فنكاحها باطل ،باطل ،باطل ،فإن دخل بها فلها
المهر بما استحل من فرجها ،فإن اشتجروا فالسلطان ولي من ل ولي له» (. )3
ول يصح حمل الحديث الول على نفي الكمال؛ لن كلم الشارع محمول على الحقائق الشرعية ،أي
ل نكاح شرعي أو موجود في الشرع إل بولي.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير ،240/2 :الشرح الصغير.382/3 :
( )2رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن أبي موسى الشعري ،وصححه ابن المديني والترمذي
وابن حبان وأعله بإرساله (سبل السلم.)117/3 :
( )3رواه أحمد والربعة إل النسائي ،وصححه الترمذي وأبو عوانة ،وابن حبان والحاكم ،وابن معين
وغيره من الحفاظ (سبل السلم 127/3 :وما بعدها).
( )9/75
ول يفهم من الحديث الثاني صحة الزواج بإذن الولي؛ لنه خرج مخرج الغالب ،فل مفهوم له؛ لن
الغالب أن المرأة إنما تزوج نفسها بغير إذن وليها.
ويؤكده حديث ثالث« :ل تزوج المرأة ُ المرأة َ ،ول تزوج المرأة نفسها» ( )1فإنه يدل على أن المرأة
ليس لها ولية في النكاح لنفسها ول لغيرها ،فل عبارة لها في النكاح إيجابا ول قبولً ،فل تزوج
نفسها بإذن الولي ول غيرها ،ول تزوج غيرها بولية ول بوكالة ،ول تقبل النكاح بولية ول وكالة.
والخلصة :أن الجمهور يقولون :ل ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلً ،فلو زوجت امرأة نفسها ،أو
غيرها ،أو وكلت غير وليها في تزويجها ولو بإذن وليها ،لم يصح نكاحها لعدم وجود شرطه وهو
الولي.
وقال الحنفية في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما ال :للمرأة العاقلة البالغة تزويج
نفسها وابنتها الصغيرة ،وتتوكل عن الغير ،ولكن لو وضعت نفسها عند غير كفء ،فلوليائها
العتراض .وعبارتهم :ينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي ،بكرا كانت
أم ثيبا ،عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما ال في ظاهر الرواية ،والولية مندوبة مستحبة فقط.
وعند محمد :ينعقد موقوفا (. )2
ودليلهم من القرآن :إسناد النكاح إلى المرأة في آيات ثلث هي{ :فإن طلقها فل تحل له مِنْ َب ْعدُ حتى
تنكح زوجا غيره} [البقرة{ ،]230/2:وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فل تعضُلوهن أن ينكحن
أزواجهن} [البقرة ]232/2:فالخطاب للزواج ،ل للولياء كما قال الجمهور ،وآية{ :فإذا بلغن أجلهن
فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} [البقرة ]234/2:هذه اليات صريحة في أن زواج
المرأة يصدر عنها.
ودليلهم من السنة :حديث «الثيب أحق بنفسها من وليها ،والبكر تستأمر ،وإذنها سكوتها» ( )3وفي
رواية «ل تنكح اليم ـ التي فارقت زوجها بطلق أو موت ـ حتى تستأمر ،ول تنكح البكر حتى
تستأذن ،قالوا :يا رسول ال ،وكيف إذنها؟ قال :أن تسكت» ( )4الحديث صريح في جعل الحق
للمرأة الثيب في زواجها ،والبكر مثلها ،ولكن نظرا لغلبة حيائها اكتفى الشرع باستئذانها بما يدل على
رضاها ،وليس معناه سلب حق مباشرتها العقد ،بما لها من الهلية العامة.
وهناك رأي وسط للفقيه أبي ثور من الشافعية ( : )5وهو أنه ل بد في الزواج من رضا المرأة ووليها
معا ،وليس لحدهما أن يستقل بالزواج بدون إذن الخر ورضاه ،ومتى رضيا فلكل واحد إجراء
العقد؛ لن المرأة كاملة الهلية في التصرفات.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه والدارقطني ورجاله ثقات ،عن أبي هريرة (سبل السلم 129/3 :وما بعدها).
( )2فتح القدير 391/2 :وما بعدها ،البدائع.247-237/2 :
( )3رواه مسلم عن ابن عباس (سبل السلم.)119/3 :
( )4متفق عليه عن أبي هريرة (سبل السلم.)118/3 :
( )5المهذب.35/2 :
( )9/76
( )9/77
إنما هو على التصرفات المالية المحضة .والقاعدة عندهم :أن كل ما ل يؤثر فيه الهزل كالعتق
والنكاح ،ل يؤثر فيه الحجر ،لكن ل يثبت للمرأة أكثر من مهر المثل إذا كان السفيه هو الزوج،
ويثبت فيه مهر المثل على القل إذا كانت الزوجة هي السفيهة.
ً - 3أل يكون العاقد وليا أبعد مع وجود الولي القرب المقدم عليه :شرط نفاذ عند الحنفية ،فإن زوج
الولي البعد مع وجود القرب منه ،كان العقد موقوفا على إجازة الولي القرب.
وهو شرط صحة عند الشافعية والحنابلة ( ، )1فل يصح زواج الولي البعد مع وجود القرب إل إذا
كان هناك مانع كالجنون واختلل النظر بهرم أو خَبَل (فساد في العقل) ،والصغر ،والحجر بسفه،
والعضل (أي المنع من الزواج بغير حق).
وقال المالكية ( : )2إن كان الولي القرب غير مجبر كالبن والخ والجد والعم ،كان العقد صحيحا
مكروها .وإن كان القرب وليا مجبرا (وهو الب) فسخ العقد أبدا ،إل إذا أجازه الولي القرب ،وكان
الذي توله مفوضا إلىه المر بالبينة.
ً - 4أل يخالف الوكيل موكله فيما وكله به :فإذا وكل شخص غيره ليزوجه فتاة معينة أو بمهر
معين ،فزوجه فتاة غيرها ،أوزوجه بمهر أكثر ،لم ينفذ العقد ،وكان موقوفا على إجازة الموكل .فلو لم
يعلم حتى دخل بقي الخيار له بين إجازته وفسخه ،ويكون للمرأة عند الحنفية القل من المسمى ومهر
المثل؛ لن الموقوف كالفاسد.
ً - 5أل يكون العاقد فضوليا :والفضولي :هو من ل يكون له ولية التزويج وقت العقد .وهو شرط
نفاذ عند الحنفية والمالكية .فإذا زوج شخص امرأة لرجل وقبل عنه ،دون ولية ول وكالة عنه وقت
العقد ،كان الزواج موقوفا على إجازة الزوج عندهم.
وأما عند الشافعية والحنابلة فتصرف الفضولي من بيع وزواج باطل.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.154/3 :
( )2الشرح الصغير 363 ،358/2 :وما بعدها.
( )9/78
( )9/79
فإذا زوج الحاكم فاقد الهلية أو ناقصها ،فل خيار للمولى عليه في رأي أبي حنيفة خلفا لمحمد؛ لن
ولية الحاكم أعم من ولية الخ والعم؛ لنه يملك التصرف في النفس والمال ،فكانت وليته شبيهة
بولية الب والجد ،ووليتهما ملزمة ،فتلزم ولية الحاكم.
ً - 2أن يكون الزوج كفئا للزوجة إذا زوجت المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا
الولياء بمهر مثلها ،وكان لها ولي عاصب ( )1لم يرض بهذا الزواج ،فلهذا الولي طلب فسخ الزواج
من القاضي .وهذا شرط عند الحنفية في ظاهر الرواية.
وكذلك قال أئمة بقية المذاهب :الكفاءة في الزوج شرط للزوم الزواج ،ل لصحته ،فيصح النكاح مع
فقدها ،وهي حق للمرأة والولياء كلهم القريب والبعيد ،لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة ،فلو
زوجت المرأة بغير كفء ،فلمن لم يرض بالنكاح الفسخ ،فورا أو تراخيا ،سواء من المرأة أو الولياء
-------------------------------
( )1الولي العاصب :هو القريب الذي ل تكون قرابته للمرأة بواسطة النثى وحدها ،كالب والجد
وأبي الب ،والخ والعم وابن العم.
( )9/80
جميعهم؛ لنه خيار لنقص في المعقود عليه كخيار البيع ،ويملكه البعد من الولياء مع رضا القرب
منهم به ،ومع رضا الزوجة ،دفعا لما يلحقه من لحوق العار.
والدليل على أن الكفاءة شرط لزوم ل شرط صحة أنه صلّى ال عليه وسلم « :أمر فاطمة بنت قيس
أن تنكح أسامة بن زيد موله ،فنكحها بأمره» ( )1وروت عائشة «أن أبا حذيفة ابن عقبة بن ربيعة
تبنى سالما ،وأنكحه ابنة أخيه :الوليد بن عقبة ،وهو مولى لمرأة من النصار» ( )2وعن أبي حنظلة
بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت« :رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلل» (. )3
ً - 3أن يكون المهر بالغا مهر المثل إذا زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها من غير كفء ،بغير
رضا الولياء ،وأل يقل عن مهر المثل إذا زوجت المرأة نفسها من كفء .وهذا عند أبي حنيفة،
فللولياء حق العتراض وطلب فسخ الزواج ،إل إذا قبل الزوج زيادة المهر إلى مهر المثل ،فل
يكون للولي حينئذ حق الفسخ ،وبناء عليه إما أن يزيد الزوج إلى مهر المثل أو يفرق بينهما.
وعند أبي يوسف ومحمد :ليس هذا بشرط ،ويلزم النكاح بدونه.
ً - 4خلو الزوج عن عيب الجب والعنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما.
هذه هي شروط الزواج الشرعية ،أما الشروط القانونية الموضوعة لجراء عقد الزواج رسميا
ولسماع دعوى الزوجية ،لمنع الناس من تزويج الصغار ،ومحاولة ادعاء الزوجية زورا ،فهي مجرد
قيود قانونية.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2رواه البخاري وأبو داود والنسائي.
( )3رواه الدارقطني.
( )9/81
( )9/82
- 4أل يكون مشتملً على الخيار ،أو على شرط يناقض العقد ،ويشترط في الزواج أن يكون
بصداق ،فإن لم يذكر حال العقد ،فل بد من ذكره عند الدخول .وأن يكون الصداق مما يملك شرعا،
فل يصح بخمر أو خنزير أو ميتة ،أو مما ل يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية.
وتشترط الشهادة ،ولكن ل يلزم أن يحضر الشهود عند العقد ،بل يندب ذلك فقط.
ويشترط في الزوجين :الخلو من الموانع كالحرام ،وأل تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه ،وأل
يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
ويشترط في الزوج لصحة الزواج أربعة شروط وهي:
السلم في نكاح مسلمة ،والعقل ،والتمييز ،وتحقق الذكورة ،تحرزا من الخنثى المشكل فإنه ل يَنْكح
ول يُنكَح.
ويشترط في الزوج لستقرار الزواج خمسة شروط وهي :الحرية ،والبلوغ ،والرشد ،والصحة،
والكفاءة .وإذا أكره أحد الزوجين على الزواج ،لم يلزم ،وليس للمكرَه أن يجيزه؛ لنه غير منعقد ()1
.
الشافعية :
اشترطوا شروطا في الصيغة وفي الزوجين وفي الشهود:
أما شروط الصيغة :فهي ثلثة عشر شرطا تشترط في العقود وهي ما يأتي:
- 1الخطاب :بأن يخاطب كل من العاقدين صاحبه.
- 2أن يكون الخطاب واقعا على جملة المخاطب ،فل يصح على جزئه.
- 3أن يذكر المبتدئ بأحد شرطي العقد العوض والمعوض عنه كالثمن والمثمن.
- 4أن يقصد العاقد معنى اللفظ الذي ينطق به .فإن جرى على لسانه فل يصح.
- 5أل يتخلل اليجاب والقبول كلم أجنبي.
- 6أل يتخلل اليجاب والقبول سكوت طويل :وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول.
- 7أل يتغير كلم البادئ قبل قبول الخر.
- 8أن يكون كلم كل واحد من العاقدين مسموعا لصاحبه ولمن يقرب منه من الحاضرين .فإن لم
يسمعه من كان قريبا ل يكفي ،وإن سمعه العاقد.
- 9أن يتوافق القبول مع اليجاب معنى.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص 197وما بعدها.
( )9/83
- 10أل يعلق الصيغة بشيء ل يقتضيه العقد ،مثل إن شاء فلن أو إن شاء ال .
- 11أل يؤقت كلمه بوقت.
- 12أن يكون القبول ممن وجه له الخطاب ل غيره.
- 13أن تستمر أهلية المتكلمين بالصيغة إلى أن يتم القبول ،فلو جُنّ أحدهما مثلً قبل قبول الخر
بطل العقد.
يظهر من هذه الشروط :أنه يشترط في الزواج عدم التعليق مثل :زوجتك ابنتي إن بعتني الرض
الفلنية .ويشترط فيه عدم التأقيت ،مثل زوجيني نفسك مدة شهر ،وهو نكاح المتعة.
ويضاف إلى هذه الشروط :أن صيغة الزواج مقيدة بلفظي التزويج والنكاح دون غيرهما ،في
اليجاب والقبول .ول بد من أن تكون الصيغة بلفظ الماضي ،ول يصح بلفظ المضارع؛ لنه يحتمل
الوعد ما لم يقل :الن .ويصح العقد باللفاظ المحرفة مثل :جوزتك موكلتي ،حتى ولو لم تكن لغته
على المعتمد ،ويصح بلفظ المر :زوجني ابنتك ،فيقول له :زوجتك ،كما يصح بقول الولي :تزوج
بنتي ،فيقول له :تزوجت.
وأما شروط الزوج :فهي أن يكون غير مَحْرم للمرأة ،كأخ أو خال ،من نسب أو رضاع أو مصاهرة.
حلّ المرأة
وأن يكون مختارا غير مكره ،وأن يكون معينا فل يصح نكاح المجهول ،وأل يكون جاهلً ِ
له ،فل يجوز أن يتقدم لنكاح امرأة وهو جاهل بحلها .وأما شروط الزوجة :فهي أل تكون محرما
للزوج ،وأن تكون معينة ،وأن تخلو من الموانع الشرعية كالمتزوجة والمعتدة.
وأما شروط الشهود :فهي الحرية والذكورة والعدالة والسمع والبصر ،وكون الشاهد غير ولي متعين
في الزواج ،فل يصح الزواج بشهادة عبد أو امرأة أو فاسق أو أصم أو أعمى أو خنثى مشكل ،أو
ولي يباشر العقد ،فل يكون الولي شاهدا ،كالزوج ووكيله ،فل تصح شهادته مع وجود وكيله .وينعقد
النكاح بابني الزوجين وأبويهما وعدويهما لثبوت النكاح بهما ،وبمستوري العدالة.
والشهود والولي ركنان في عقد الزواج.
( )9/84
الحنابلة :
للزواج خمسة شروط:
ً - 1تعيين الزوجين؛ لن النكاح عقد معاوضة ،أشبه تعيين المبيع في البيع ،ولن المقصود في
النكاح التعيين ،فلم يصح بدونه .ويشترط في الصيغة أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج ،لكن يكفي في
القبول ،كما قال المالكية ،وخلفا للشافعية أن يقول :قبلت أو رضيت ،ول يشترط فيه أن يقول :قبلت
زواجها أو نكاحها .ول يصح أن يتقدم القبول على ا ليجاب ،ويشترط الفور ،فإن تأخر القبول عن
اليجاب حتى تفرقا أو تشاغل بما يقطعه عرفا فإنه ل يصح .ول يشترط أن يكون اللفظ عربيا،
فيصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى اليجاب والقبول بلفظ
التزويج أو النكاح .ول يصح النكاح بالكتابة ول بالشارة إل من الخرس ،فيصح منه بإشارته
المفهمة.
ً - 2الرضا والختيار من الزوجين أو من يقوم مقامهما ،فإن لم يرضيا لم يصح النكاح ،فل يصح
زواج المكره.
ً - 3الولي :فل يصح نكاح إل بولي.
ً - 4الشهادة على النكاح :فل يصح إل بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما
ظاهرا ،ولو رقيقين .وأن يكونا متكلمين مسلمين سميعين ،فل تصح بشهادة الصم والكافر ،وتصح
شهادة العمى ،وشهادة عدوي الزوجين ،ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما ،فل
تصح شهادة أبي الزوجة أو الزوج أو أبنائهما؛ لن شهادتهما ل تقبل.
ً - 5خلو الزوجين أوأحدهما من مانع المحرمية بنسب أو رضاع أو مصاهرة ،أو مانع اختلف الدين
بأن يكون مسلما وهي مجوسية ونحوه ،أو كون المرأة في عدة ونحو ذلك ،كأن يكون أحدهما محرما
بحج أو عمرة.
( )9/85
( )9/86
ونصت الفقرة ( )1من هذه المادة على الزواج الفاسد « :كل زواج تم ركنه باليجاب والقبول واختل
بعض شرائطه ،فهو فاسد » .
ونصت المادة ( )51على آثار الزواج الفاسد:
- 1الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
- 2ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية:
أ ـ المهر في الحد القل من مهر المثل والمسمى.
ب ـ نسب الولد بنتائجه المبينة في المادة ( )133من هذا القانون.
جـ ـ حرمة المصاهرة.
د ـ عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج ،ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين.
- 3تستحق الزوجة النفقة الزوجية مادامت جاهلة فساد النكاح.
ونصت المادة ( )52على حكم الزواج الموقوف قبل الجازة:
الزواج الموقوف حكمه قبل الجازة كالفاسد.
ولم ينص هذا القانون على أحكام الزواج غير اللزم ،إل ما ذكر في بحث الكفاءة ،حيث نصت المادة
( )27على أن للولي حق الفسخ إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير كفء.
ونصت المادة ( )30على أن المرأة إذا حملت يسقط حق الفسخ لعدم الكفاءة.
( )9/87
( )9/88
ما يقتضيه وطء الحائض في القبل :يلحظ أن الوطء في الدبر حرام في أثناء الحيض وغيره ،ويسن
لمن وطئ الحائض أو النفساء في قبلها إذا كان عامدا عالما بالتحريم بالحيض أن يتصدق بدينار إن
وطئها في إقبال الدم ،وبنصف دينار إن وطئها في إدباره ( ، )1لخبر« :إذا واقع الرجل أهله ،وهي
حائض ،إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار ،وإن كان أصفر ،فليتصدق بنصف دينار» (. )2
ب ـ حل النظر والمس من رأسها إلى قدميها في حال الحياة؛ لن إحلل الوطء إحلل للمس والنظر
من طريق الولى .وأما بعد الموت فل يحل له المس والنظر عند الحنفية ،ويحل عند الجمهور.
جـ ـ ملك المتعة :وهو اختصاص الزوج بمنافع بُضع الزوجة وسائر أعضائها استمتاعا .وهو
عوض عن المهر ،والمهر على الرجل ،فيكون هذا الحكم على الزوجة خاصا بالزوج.
- 2ملك الحبس والقيد :أي صيرورة المرأة ممنوعة عن الخروج إل بإذن الزوج ،لقوله تعالى:
{أسكنوهن} [الطلق ]65/6:والمر بالسكان نهي عن الخروج ،وقوله عز وجل{ :وقَرْن في بيوتكن}
[الحزاب ]33/33:وقوله سبحانه{ :ل تخرجوهن من بيوتهن ،ول يخرجن } [الطلق.]56/1:
- 3وجوب المهر المسمى على الزوج للزوجة :فهو حكم أصلي للزواج ل وجود له بدونه شرعا؛
لن المهر عوض عن ملك المتعة.
- 4وجوب النفقة بأنواعها الثلثة :وهي الطعام والكسوة والسكنى ،مالم تمتنع الزوجة عن طاعة
زوجها بغير حق ،فإن امتنعت سقطت نفقتها .ودليل اللزام بالنفقة قوله تعالى{ :وعلى المولود له
رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة ]2/233:وقوله تعالى{ :لينفق ذو سعة من سعته ،ومن قُدر عليه
رزقه ،فلينفق مما آتاه ال } [الطلق ]7/65:وقوله عز وجل{ :أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجْدكم}
[الطلق ]65/6:والمر بالسكان أمر بالنفاق؛ لنها ل تمكّن من الخروج للكسب ،لكونها عاجزة
بأصل الخلقة لضعف بنيتها.
-------------------------------
( )1تحفة الطلب بشرح متن تحرير تنقيح اللباب للشيخ زكريا النصاري :ص .227
( )2رواه أبو داود والحاكم وصححه.
( )9/89
- 5ثبوت حرمة المصاهرة :وهي حرمة الزوجة على أصول الزوج وفروعه ،وحرمة أصول
الزوجة وفروعها على الزوج ،لكن تثبت الحرمة في بعض الحالت بنفس عقد الزواج ،وفي بعضها
يشترط الدخول.
- 6ثبوت نسب الولد من الزوج :بمجرد وجود الزواج في الظاهر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم
«الولد للفراش وللعاهر الحجر» ( )1وفي لفظ للبخاري« :لصاحب الفراش» .
- 7ثبوت حق الرث بين الزوجين :إذا مات أحد الزوجين أثناء الزوجية أو في العدة من طلق
رجعي ،بالتفاق ،أو من طلق بائن في مرض الموت عند الجمهور غير الشافعية ،حتى ولو بعد
العدة عند المالكية والحنابلة .والدليل قوله تعالى{ :ولكم نصف ما ترك أزواجكم[ }..النساء ]4/12:إلى
قوله عز وجل{ :ولهن الثمُن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} [النساء.]4/12:
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل أبا داود عن أبي هريرة (نيل الوطار.)279/6 :
( )9/90
( )9/91
حال المرض :والمريض في وجوب القسم عليه كالصحيح البالغ العاقل ولو مجبوبا ؛ لن « رسول
ال صلّى ال عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه :أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم
عائشة ،فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ،فكان في بيت عائشة حتى مات عندها» (. )1
لكن قال المالكية :إن لم يقدر مريض على القسم لشدة مرضه ،فعند من شاء منهن ،بل تعيين.
نوع القسم :ول يجب القسم في الوطء ،وإنما في المبيت إل إذا أراد إضرار امرأة ،فيجب عليه ترك
الضرر ،فعماد القسم الليل ،لقوله عز وجل{ :وجعلنا الليل لباسا} [النبأ ]78/10:قيل في التفسير:
اليواء إلى المساكن ،ولن النهار للمعيشة ،والليل للسكون .لكن يستحب القسم في الستمتاع؛ لنه
أكمل في العدل.
القسم في السفر :قال الحنفية :ل قسم على الزوج إذا سافر ،ول يجب عليه أن يبيت عند الخرى
مقابل أيام السفر؛ لن مدة السفر ضائعة ،لكن الفضل أن يقرع بينهن ،فيخرج بمن خرجت قرعتها
تطييبا لقلوبهن دفعا لتهمة الميل عن نفسه ،قالت عائشة« :كان النبي صلّى ال عليه وسلم إذا أراد أن
يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ،فأيتهن خرج سهمها ،خرج بها معه» (. )2
ورأى المالكية كالحنفية أن الزوج إذا أراد سفرا اختار منهن للسفر معه من شاء ،إل إذا أراد السفر
في قُرْبة أي عبادة كحج ،فيُقرع بينهما أو بينهن .والحاصل أن الحنفية والمالكية ل يوجبون القرعة؛
لنها من باب الخطر والقمار.
-------------------------------
( )1متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق :ص .)217
( )2متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق).
( )9/92
لكن الحنابلة والشافعية قالوا :إنه ل يجوز للزوج اصطحاب إحداهن معه بغير قرعة ،فإذا أراد السفر
أقرع بينهن ،فمن خرجت عليها القرعة ،سافر بها؛ لنه صلّى ال عليه وسلم « :كان إذا أراد سفرا
أقرع بين نسائه ،فمن خرج سهمها خرج بها معه» (. )1
أثر سفر المرأة على القسم :إن سافرت المرأة بغير إذن الزوج ،سقط حقها من القسم والنفقة؛ لن
القسم للنس ،والنفقة للتمكين من الستمتاع ،وقد منعت ذلك بالسفر .فإن سافرت بإذن الزوج ،قال
الشافعية في الجديد :إن كان لغرضه يقضي لها ،وإن كان لغرضها ل يقضي.
وكذلك قال الحنابلة :يسقط حق المرأة في القسم والنفقة إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أوغيرها ،أو
امتنعت من المبيت عنده ،أو سافرت بإذنه لحاجتها .ول يسقط حقها من نفقة ول قسم إن بعثها الزوج
لحاجته ،أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه .وقالوا أيضا :لو سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة ،سقط
حقها من القسم والوطء ،وإن طال سفره للعذر.
هبة المرأة حقها :اتفق الفقهاء على أن للمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان ،وفي بعضه،
لبعض ضرائرها ،وعلى أنه إن رضيت بترك قسمها ،جاز؛ لنه حق ثبت لها ،فلها أن تستوفي ،ولها
أن تترك ،فقد ثبت أن سودة بنت َزمْعة وهبت يومها لعائشة ،وكان النبي صلّى ال عليه وسلم يقسم
لعائشة يومها ويوم سودة (. )2
ولكن ل تجوز الهبة بغير رضا الزوج ،فإذا رضيت الواهبة ورضي الزوج ،جاز بل خلف؛ لن
الحق ل يخرج عنهما .ول يلزم الزوج الرضا بالهبة؛ لنها ل تملك إسقاط حقه من الستمتاع ،فله أن
يبيت عندها في ليلتها.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق :ص .)218
( )9/93
وإذا أخذت الواهبة مالً على ترك نوبتها ،لم يجز أخذه ،ويلزمها رده إلى من أخذته منه ،وعلى الزوج
أن يقضي لها زمن هبتها؛ لنها تركته بشرط العوض ،ولم يسلم العوض لها ،فترجع بالمعوض؛ لن
هذا معاوضة القسم بالمال ،فيكون في معنى البيع ،ول يجوز هذا البيع.
حق البكر والثيب والجديدة والقديمة :قال الحنفية :البكر والثيب ،والجديدة والقديمة ،والمسلمة والكتابية
سواء في القسم ،لطلق اليات ،وهي قوله تعالى{ :ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم،
فل تميلوا كل الميل} [النساء ]129/4:أي لن تستطيعوا أن تعدلوا في المحبة ،فل تميلوا في القسم ،كما
قال ابن عباس .وقوله تعالى{ :وعاشروهن بالمعروف} [النساء ]19/4:وغايته القسم ،وقوله تعالى:
{ فإن خفتم أل تعدلوا } [النساء ]3/4:ولطلق أحاديث النهي عن الميل وعدم القسم ،ولن القسم من
حقوق الزواج ،ول تفاوت بين النساء في الحقوق.
وأما ما روي من نحو« :للبكر سبع وللثيب ثلث» فيحتمل أن المراد التفضيل في البداءة دون الزيادة،
فوجب تقديم الدليل القطعي ،وهو اليات.
وقال الجمهور :تختص وجوبا البكر الجديدة عند الزفاف بسبع ليال متوالية ،بل قضاء للباقيات.
وتختص وجوبا الزوجة الثيب بثلث ليال متوالية ،بل قضاء ،ثم يقسم بعدئذ ،لخبر ابن حبان في
صحيحه« :سبع للبكر ،وثلث للثيب» (، )1
-------------------------------
( )1ورواه الدارقطني أيضا (نيل الوطار )214/6 :بلفظ« :للبكر سبعة أيام ،وللثيب ثلث ،ثم يعود
إلى نسائه» .
( )9/94
وعن أبي قلبة عن أنس قال« :من السنة إذا تزوج البكر على الثيب ،أقام عندها سبعا ،ثم قَسَم ،وإذا
ت لقلت :إن أنسا رفعه إلى رسول ال
تزوج الثيب أقام عندها ثلثا ،ثم قسم» قال أبو قلبة« :ولو شئ ُ
صلّى ال عليه وسلم » (. )1
- 9وجوب طاعة الزوجة لزوجها إذا دعاها إلى الفراش ،لقوله تعالى{ :ولهن مثل الذي عليهن
بالمعروف} [البقرة ]228/2:قيل :لها المهر والنفقة وعليها أن تطيعه في نفسها ،وتحفظ غيبته .وقد
أمر الشرع في قوله تعالى{ :فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [النساء ]34/4:بتأديبهن
بالهجر والضرب غير المبرح (غير المؤذي) عند عدم طاعتهن ،ثم قال تعالى{ :فإن أطعنكم فل تبغوا
عليهن سبيلً} [النساء ]34/4:فدل على لزوم إطاعتهن الزواج.
- 10ولية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته :بأن نشزت ،أو خرجت بل إذن ،أو تركت
حقوق ال كالطهارة والصلة ،أوأغلقت الباب دونه ،أو خانته في نفسها أو ماله .ويبدأ بالترتيب بما
يلي:
الوعظ والنصح بالرفق واللين :وهوذكر ما يقتضي رجوعها عما ارتكبته من المر والنهي برفق ،ثم
الهجر والعتزال وترك الجماع والمضاجعة ،ثم الضرب غير المبرح ول الشائن :وهو الضرب
بالسواك ونحوه فقط .والدليل قوله تعالى{ :واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في
المضاجع ،واضربوهن} [النساء ]34/4:فظاهر الية ،وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع
المطلق ،لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب ،والواو تحتمل الترتيب.
فإن نفع الضرب ،وإل رفع المر ،لبعث حكمين أحدهما من أهله ،والخر من أهلها ،كما قال تعالى:
{وإن خفتم شقاق بينهما ،فابعثوا حكما من أهله ،وحكما من أهلها ،إن يريدا إصلحا يوفق ال بينهما}
[النساء.]35/4:
-------------------------------
( )1متفق عليه (المرجع السابق).
( )9/95
- 11المعاشرة بالمعروف من كف الذى وإيفاء الحقوق وحسن المعاملة :وهو أمر مندوب إليه،
لقوله تعالى{ :وعاشروهن بالمعروف} [النساء ]19/4:ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :خيركم خيركم
لهله ،وأنا خيركم لهلي» ( )1وقوله« :استوصوا بالنساء خيرا» ( )2والمرأة أيضا مندوبة إلى
المعاشرة الجميلة مع زوجها بالحسان ،واللطف في الكلم ،والقول المعروف الذي يطيب به نفس
الزوج.
ومن العشرة بالمعروف :بذل الحق من غير مطل ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :مَطْل الغني ظلم» (
. )3
ومن العشرة الطيبة :أل يجمع بين امرأتين في مسكن إل برضاهما؛ لنه ليس من العشرة بالمعروف،
ولنه يؤدي إلى الخصومة .ومنها أل يطأ إحداهما بحضرة الخرى؛ لنه دناءة وسوء عشرة .ومنها
أل يستمتع بها إل بالمعروف ،فإن كانت ِنضْو الخلق (هزيلة) ولم تحتمل الوطء ،لم يجز وطؤها لما
فيه من الضرار.
-------------------------------
( )1رواه الترمذي عن عائشة ،وابن ماجه عن ابن عباس ،والطبراني عن معاوية ،وهو حديث
صحيح (نيل الوطار.)206/6 :
( )2متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار.)205/6 :
( )3رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) وابن أبي شيبة والطبراني في الوسط عن أبي
هريرة (نصب الراية.)59/4 :
( )9/96
( )9/97
العزل :وهو النزال خارج الفرج بعد النزع منه ،ل مطلقا .ومن المعاشرة الطيبة :أل يعزل عن
امرأته الحرة بغير إذنها ،فيكره العزل بالتفاق بغير رضاها؛ لن الوطء عن إنزال سبب لحصول
الولد ،ولها في الولد حق ،وبالعزل يفوت الولد (. )1
ودليل جواز العزل قول جابر« :كنا نعزل على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم والقرآن ينزل» (
)2ولمسلم« :كنا نعزل على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فبلغه ذلك ،فلم ينهنا» .
ودليل كراهية العزل :حديث جُذَامة بنت وهب السدية بلفظ« :حضرت رسول ال صلّى ال عليه
وسلم في أناس ،وهو يقول :لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ،فنظرت في الروم وفارس ،فإذا هم يغيلون
أولدهم ،فل يضر أولدهم شيئا ،ثم سألوه عن العزل ،فقال :ذلك الوأد الخفي ،وهي :وإذا الموءودة
سئلت» (. )3
-------------------------------
( )1البدائع ،234/2 :الدر المختار 521/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،212المهذب،66/2 :
تكملة المجموع ،578/15 :كشاف القناع ،المكان السابق.
( )2متفق عليه عن جابر (نيل الوطار.)195/6 :
( )3رواه أحمد ومسلم ،والمراد بالغيلة :أن يجامع امرأته وهي مرضع ،وقال ابن السكّيت :هي أن
ترضع المرأة وهي حامل ،وذلك لما يحصل للرضيع من الضرر بالحمل حال إرضاعه ( نيل
الوطار.)196/6 :
( )9/98
وقال متأخرو الحنفية ( : )1يجوز العزل بغير إذن المرأة لعذر ،كأن يكون في سفر بعيد ،أو في دار
الحرب ،فخاف على الولد ،أو كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها ،فخاف أن تحبل.
السقاط :وقالوا أيضا :يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ،ولو بل إذن الزوج.
وقال المالكية ( : )2إذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له ،وأشد من ذلك إذا تخلق ،وأشد من
ذلك إذا نفخ فيه الروح ،فإنه قتل نفس إجماعا.
هذا ...وقد نصت المادة ( )49من القانون السوري على أحكام الزواج الصحيح« :الزواج الصحيح
النافذ تترتب عليه جميع آثاره من الحقوق الزوجية كالمهر ونفقة الزوجة ووجوب المتابعة وتوارث
الزوجين ،ومن حقوق السرة كنسب الولد وحرمة المصاهرة» .
حكم الزواج غير اللزم :
حكم الزواج غير اللزم مثل حكم الزواج اللزم إل أنه يثبت فيه الحق للزوج أو الزوجة بالفسخ،
ويكون الزواج قابلً للفسخ.
حكم الزواج الموقوف :
الزواج الموقوف مع كونه صحيحا ل يترتب عليه أي أثر من آثار الزواج قبل إجازته ممن له حق
الجازة ،فل يحل فيه الدخول بالزوجة ،ول تجب فيه نفقة ول طاعة ،ول يثبت به حق التوارث
بموت أحد الزوجين .فإن أجيز صار نافذا وترتبت عليه أحكام الزواج اللزم ،عملً بالقاعدة الفقهية:
( الجازة اللحقة كالوكالة السابقة ) .ومثاله نكاح الفضولي :الذي يعقد لغيره من غير ولية تامة
عليه ول وكالة عنه .ومثل تزوج الصغير والصغيرة المميزين بدون إذن الولي .وقال محمد :تزوج
العاقلة بنفسها أو بوكيلها من غير إذن وليها يكون موقوفا.
وإن حصل دخول قبل الجازة ،كان معصية ،ولكن تترتب عليه عند الحنفية آثار الزواج الفاسد
التية ،فيسقط الحد ويثبت النسب ،ويجب القل من المسمى ومهر المثل ،لكن ل عدة في زواج
موقوف قبل الجازة ،ول في باطل .وقد نص القانون السوري (م )52على أحكام هذا النوع:
«الزواج الموقوف حكمه قبل الجازة كالفاسد» .
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المختار.522/2 :
( )2القوانين الفقهية :ص .212
( )9/99
( )9/100
وكذلك يجب الحد بالدخول في نكاح منكوحة الغير ومعتدته ،مع العلم بالحرمة ،لكونه زنا.
وبالرغم من كون الدخول في الزواج الفاسد معصية ،فإنه عند الحنفية تترتب عليه ـ أي بالوطء في
القبل ل بغيره كالخلوة ( )1ـ الحكام التالية:
- 1وجوب المهر :يجب فيه ولو تكرر الوطء عند جمهور الحنفية ما عدا زفرالقل من مهر المثل
ومن المسمى ،فإن لم يكن المهر مسمى في العقد ،وجب مهر المثل مهما بلغ ،لفساد التسمية .ووجوب
المهر في الزواج الفاسد وإن كان في الصل ل يجب لنه ليس بنكاح حقيقة ،إل أنه قد وجب بسبب
عقْر أي
عقْر أي حد ،أو ُ
الدخول ،والقاعدة الفقهية ( :كل وطء (وقاع) في دار السلم ،ل يخلو عن َ
مهر ) وبما أن الحد قد انتفى لشبهة العقد ،فيكون الواجب هو المهر.وكون المهر ل يزيد عن المسمى
فلن المرأة رضيت بذلك القدر ،والعاقدان لم يقوّما المنافع بأكثر من المسمى ،فل تتقوم بأكثر من
المسمى .وكون الواجب هو القل من المهرين فلن الصل وجوب مهر المثل بسبب فساد العقد،
ويجب فيه عند زفر مهر المثل بالغا ما بلغ.
- 2ثبوت نسب الولد من الرجل إن وجد ،احتياطا لحياء الولد وعدم ضياعه.
- 3وجوب العدة على المرأة من حين التفريق بينهما عند جمهور الحنفية وهو الصواب في المذهب؛
لن النكاح الفاسد بعد الوطء منعقد في حق الفراش ،والفراش ل يزول قبل التفريق .وعليه تجب العدة
بعد الوطء ل الخلوة ،للطلق ل للموت من وقت التفريق أو متاركة الزوج وإن لم تعلم الزوجة
بالمتاركة في الصح.
وقال زفر :يبدأ وقت وجوب العدة من آخر وطء وطئها؛ لن العدة تجب بالوطء ،وتطلب لمعرفة
استبراء الرحم ،والحمل يكون بالوطء .ول عدة في نكاح المحارم ومنكوحة الغير ومعتدته ،إن علم
أنها للغير؛ لنه لم يقل أحد بجوازه ،فلم ينعقد أصلً ،كما أن نكاح المحارم باطل على الظهر.
-------------------------------
( )1عبارة مشايخ الحنفية :الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح.
( )9/101
- 4ثبوت حرمة المصاهرة :فيحرم على الرجل الزواج بأصول المرأة وفروعها ،وتحرم المرأة على
أصول الرجل وفروعه .ول تترتب على الزواج الفاسد أحكام أخرى ،فل تجب به نفقة ول طاعة ،ول
يثبت به حق التوارث بين الرجل والمرأة.
وقد نص القانون السوري (م )51على أحكام الزواج الفاسد:
- 1الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
- 2ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية :أ ـ المهر في الحد القل من مهر المثل والمسمى .ب ـ
نسب الولد بنتائجه المبينة في المادة ( )133من هذا القانون .جـ ـ حرمة المصاهرة .د ـ عدة
الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج ،ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين.
- 3تستحق الزوجة النفقة الزوجية ما دامت جاهلة فساد النكاح.
حكم الزواج الباطل وأنواعه :
- 1حكم الزواج الباطل عند الحنفية :
الزواج الباطل عند الحنفية :هو ـ كما تقدم ـ الذي حصل خلل في ركنه أو في شرط من شروط
انعقاده ،كزواج الصبي غير المميز والزواج بصيغة تدل على المستقبل ،والزواج بالمحارم كالخت
والعمة على الرأي الراجح ،والمرأة المتزوجة برجل آخر مع العلم بأنها متزوجة ،وزواج المسلمة
بغير المسلم ،وزواج المسلم بغير الكتابية كالمجوسية والوثنية ،ونحوها.
وحكم الزواج الباطل :أنه ل يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح ،فل يحل فيه الدخول
بالمرأة ،ول يجب به مهر ول نفقة ول طاعة ،ول يثبت به توارث ول مصاهرة ،ويجب عدم التمكين
من الدخول بينهما ،فإن دخل فرّق القاضي بينهما جبرا ،ول عدة فيه بعد التفريق كالموقوف قبل
إجازته .وقد نص القانون السوري (م )2/48علي ما يلي :زواج المسلمة بغير المسلم باطل ،ونصت
المادة ( )50على أحكام الزواج الباطل :الزواج الباطل ل يترتب علىه شيء من آثار الزواج
الصحيح ،ولو حصل فيه دخول.
( )9/102
( )9/103
أ ـ نوع يجب فسخه أبدا وإن طال الزمان بعد الدخول :وهو ما يكون الفساد فيه لخلل في الصيغة أو
في العاقدين أو في محل العقد ،كالزواج بإحدى المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة ،وزواج
المتعة ،والزواج بأكثر من أربع زوجات ،والزواج بغير ولي أو بغير شهود ،وزواج مريض الموت،
فنكاح المريض ل يجوز في المشهور عن مالك ،ويفسخ وإن صح.
ب ـ ونوع ل يجب فسخه بل يبقى :وهو ما كان الفساد فيه بسبب فساد الصداق ،كالزواج بدون
صداق ،أو بصداق مجهول ،أو كان الفساد بسبب اقتران العقد بشرط يناقض المقصود من الزواج،
مثل الزواج بشرط أل يعاشرها ليلً أو نهارا ،أو أل ينفق عليها ،أو أل يقسم لها مع زوجته الثانية.
جـ ـ ونوع يجب فسخه إن لم يطل الزمان بعد الدخول ،ول يفسخ إن طال الزمن ،وهو محصور
في ثلثة عقود هي:
زواج الصغيرة اليتيمة إذا زوّجت مع فقد شرط من شروطها ،وزواج الشريفة بالولية العامة مع
وجود الولي الخاص ،وزواج السر ( ، )1لكن الطول في اليتيمة والشريفة يكون بمرور ثلث سنوات
فأكثر أو ولدة ولدين في بطنين ،والطول في زواج السر يكون بحسب العرف :وهو ما يحصل فيه
الشتهار والظهور بين الخاص والعام عادة.
والفسخ قبل الدخول أو بعده طلق ،فإن أعاد العقد بعده صحيحا بقي له طلقتان فقط ،وإن أعاده
صحيحا قبله ،استمر على ما هو عليه.
- 2وجوب المهر بالدخول ،ل بمجرد الخلوة :سواء أكان متفقا على فساده ،أم مختلفا في فساده.
والمهر المستحق :هو المسمى إن كان مسمى ،أو مهر المثل إن لم يسم تسمية صحيحة ،أو كان الفساد
بسبب شرط يناقض المقصود من الزواج.
- 3ثبوت النسب للولد بأبيه إن كان العقد مختلفا في فساده ،وكذا إن كان متفقا على فساده ،ولم يعتبر
الوطء زنا ،إذا لم يكن الرجل عالما بالحرمة .فإن كان عالما بالحرمة اعتبر زنا ووجب الحد ،ول
يثبت النسب.
-------------------------------
( )1وهو ما أوصى فيه الزوج الشهود بكتمه عن زوجته أو عن جماعة ،ولو أهل منزل ،إذا لم يكن
الكتم خوفا من ظالم أو نحوه.
( )9/104
وعليه يندرئ الحد عن الواطئ في نكاح المعتدة ،وذات الرحم المحرم والرضاع إن كان غير عالم
بالحرمة ،فإن علم بأنها ذات محرم أو ذات رضاع أو أنها معتدة أو أنها خامسة ،حَدّ ،إل المعتدة أي
العالم بأنها معتدة ،ففي حده قولن.
ول حد في الوطء بناء على عقد اختلف فيه العلماء ،كنكاح المحرم بحج أو عمرة ،والشغار ،وتزويج
المرأة نفسها بدون ولي.
- 4ثبوت الرث بين الرجل والمرأة في حال الفساد المختلف فيه :فلو مات أحدهما قبل فسخ العقد
ورثه الخر ،دخل الرجل بالمرأة أو لم يدخل ،وذلك إل زواج المريض مرض الموت ،فإنه ل يجوز
عند المالكية خلفا للجمهور فإنه صحيح؛ لن سبب فساده هو إدخال وارث في التركة لم يكن موجودا
عند المرض ،فلو ثبت به الرث ،لفات الغرض الذي من أجله حكم بفساد العقد.
ول يثبت حق التوارث في حالة الفساد المتفق عليه؛ لنه زواج غير منعقد أصلً.
- 5ثبوت حرمة المصاهرة ( )1بالدخول (الوطء) ( )2أو مقدماته ،إذا كان العقد مختلفا في فساده.
وكذلك تثبت بهما إذا كان العقد متفقا على فساده ،بشرط أل يعتبر الوطء زنا موجبا للحد ،فإن اعتبر
زنا موجبا للحد ل تثبت به حرمة المصاهرة به على المعتمد.
وكذلك مجرد العقد الفاسد المختلف فيه يحرّم المرأة على أصول الرجل وفروعه ،ويحّرم على الرجل
أصولها؛ لن العقد على البنات يحرم المهات ،ول يحرم عليه فروعها؛ لن العقد على المهات ل
يحرم البنات ،فإذا دخل بالم حرمت البنت أيضا.
- 6وجوب العدة إذا دخل الرجل بالمرأة أو اختلى بها خلوة يتمكن فيها من التصال الجنسي ،ثم
فسخ العقد ،سواء أكان العقد متفقا على فساده أم مختلفا فيه ،وتبدأ العدة من وقت الفرقة بينهما بعد
الفسخ.
-------------------------------
( )1وهي تحريم المرأة على أصول الرجل وفروعه ،وتحريم أصول المرأة وفروعها على الرجل.
( )2المراد بالوطء :ما يشمل إرخاء الستور ،ولو تقارروا على عدم الوطء ،ومثل الوطء مقدماته.
( )9/105
( )9/106
الحنفية ،فإن وقع فسخ النكاح عند الجمهور قبل الدخول وبعده ،على المشهور عند المالكية ،ويدفع
الرجل لمن دخل بها مهر المثل ،وتقع به حرمة المصاهرة ،والوراثة ،وإن وقع جاز عند الحنفية بمهر
المثل.
وأما نكاح المتعة ( وهو أن يقول لمرأة :أتمتع بك لمدة كذا) والنكاح المؤقت (وهو أن يتزوج امرأة
عشرة أيام مثلً) فهو باطل ،أما الول فبالجماع ما عدا الشيعة عملً عندهم برأي ابن عباس وجماعة
من الصحابة والتابعين ،وأما الثاني فبطلنه عند الجمهور؛ لنه أتى بمعنى المتعة ،والعبرة في العقود
للمعاني ،وأجازه زفر والشيعة ،وقول زفر :هو أنه صحيح لزم؛ لن النكاح ل يبطل بالشروط
الفاسدة .وقد سبق تفصيل الكلم فيه.
وأما الخطبة على خطبة الغير :فعند الجمهور يعد الزواج حينئذ صحيحا ،ول يفرق بين الزوجين؛ لن
النهي ليس متوجها إلى نفس العقد ،بل إلى أمر خارج عن حقيقته ،فل يقتضي بطلن العقد ،كالتوضؤ
بماء مغصوب ،وعند مالك على المعتمد ،يجب الفسخ قبل الدخول بطلقة بائنة.
وأما نكاح المحلّل ( :وهو الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلثا لزوجها الذي طلقها) فهو حرام
باطل مفسوخ ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :لعن ال المحلّل والمحلّل له» ( . )1وهو نكاح صحيح
وإن كان موجبا للثم عند أبي حنيفة والشافعية؛ لن العقد في الظاهر قد استكمل أركانه وشروطه
الشرعية.
وسبب اختلفهم :اختلفهم في مفهوم الحديث السابق «لعن ال المحلل» فمن فهم من اللعن :التأثيم
فقط ،قال :النكاح صحيح .ومن فهم من التأثيم فساد العقد ،تشبيها بالنهي الذي يدل على فساد المنهي
عنه ،قال :النكاح فاسد.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح.
( )9/107
( )9/108
- ً 4تعدد الزواج :وهو إنكاح وليين امرأة زوجين ،ولم يعرف سبق أحدهما معينا .فإن دخل بها
أحدهما لزمه مهر مثلها ،وإن دخل بها فلها على كل منهما مهر مثلها .فإن عرف عين السابق فهو
الصحيح.
- ً 5نكاح المعتدة والمستبرأة من غيره ولو من وطء شبهة ،فإن دخل بها حُدّ حَد الزنا ،إل إن ادعى
الجهل بحرمة النكاح في العدة والستبراء من غيره ،فل حد عليه .ويعذر الجاهل إن كان قريب عهد
بالسلم أو نشأ بعيدا عن العلماء .
- ً 6نكاح المرتابة بالحمل قبل انقضاء عدتها :يحرم نكاحها حتى تزول الريبة ،وإن انقضت القراء
(الطهار) ،للتردد في انقضاء عدتها .فلو نكحها رجل أو من ظنها معتدة أو مستبرأة ،أو ُمحْرمة بحج
أو عمرة ،أو مَحْرما ،ثم بان خلفه ،فالنكاح باطل ،للتردد في الحل.
- 7نكاح المسلم كافرة غير كتابية أصلً كوثنية ومجوسية وعابدة شمس أو قمر ،ومرتدة ،أوغير
كتابية خالصة كمتولدة بين كتابي ومجوسية وعكسه ،لقوله تعالى{ :ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
[البقرة ]221/2:وتغليبا للتحريم في المتولدة بين كتابي ومجوسية.
أما الكتابية :فإن كانت إسرائيلية ،حل زواجها إن لم تدخل أصولها في اليهودية بعد نسخها ،أو شك
في ذلك.
وإن كانت غير إسرائيلية وهي النصرانية ،حل زواجها إن علم دخول أصولها في دين النصرانية قبل
نسخه ،ولو بعد تبديله إن تجنبوا المبدّل .ودليل إباحة الزواج باليهودية والنصرانية بالشرط المذكور
حلّ لكم ،والمراد من
قوله تعالى{ :والمحصَنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة ]5/5:أي ِ
الكتاب :التوراة والنجيل دون سائر الكتب قبلهما كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم الصلة
والسلم.
( )9/109
- 8المنتقلة من دين إلى آخر :ل يحل نكاحها ،ول يقبل منها إل السلم.
- 9زواج المسلمة بكافر ،وزواج المرتدة :فل تحل مسلمة لكافر بالجماع ،لقوله تعالى{ :ول تُنكحوا
المشركين} [البقرة ]221/2:ول تحل مرتدة لحد ،ل لمسلم؛ لنها كافرة ل تقر على ردتها ،ول لكافر
لبقاء تعلق السلم بها.
وإن ارتد أحد الزوجين أو كلهما قبل الدخول ،بطل النكاح ،وإن كان بعد الدخول ينتظر :فإن جمعهما
السلم في العدة دام النكاح ،وإن لم يجمعهما السلم في العدة ،فل يدوم النكاح.
هذا وهناك أنكحة مكروهة مثل النكاح بعد الخطبة على الخطبة ،ونكاح المحلل بنية التحليل دون
الشتراط في العقد ،فإن تزوجها بشرط أنه إذا وطئها طلقها ،بطل النكاح ،ومثل نكاح المغرر بحرية
المرأة أو نسبها.
- 4أنواع النكاح الفاسد عند الحنابلة :
الزواج الفاسد نوعان (: )1
النوع الول ـ يبطل النكاح من أصله ،وهو أربعة عقود:
- 1نكاح الشغار :وهو أن يزوجه وليّته ،على أن يزوجه الخر وليته ،ول مهر بينهما ،أو يجعل
ُبضْع كل واحدة مع دراهم معلومة مهرا للخرى .فإن سموا مهرا مستقلً ولو قل صح ،وإن سمي
لحدهما صح نكاحها فقط.
- 2نكاح المحلل :وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها ،أو فل نكاح بينهما ،أو ينويه الزوج ،أو
يتفقا عليه قبله ،فيحرم النكاح ،ول يصح ول تحل لزوجها الول.
- 3نكاح المتعة :وهو أن يتزوجها إلى مدة ،أو يشترط طلقها فيه بوقت ،أو ينويه بقلبه ،أو يتزوج
الغريب بنية طلقها إذا خرج ،أو يقول :أمتعيني نفسك ،فتقول:أمتعتك بل ولي ول شهود .فمن تعاطى
ماذكر ،عزر ولحقه النسب.
- 4النكاح المعلّق :كزوجتك إذا جاء رأس الشهر ،أو إن رضيت أمها ،أو إن وضعت زوجتي بنتا
فقد زوجتكها ،ويصح بقوله :زوجتكها إن كانت بنتي ،أو كنت وليها ،أو إن انقضت عدتها ،وهما
يعلمان ذلك ،أو شئت ،فقال :شئت ،وقبلت مثل زوجت ،وقبلت إن شاء ال تعالى.
-------------------------------
( )1غاية المنتهى ،42/3 :المغني 455/6 :وما بعدها.
( )9/110
ومن النكحة الباطلة :نكاح المرأة المتزوجة أو المعتدة ،أو شبهه ،فإذا علم الزوجان التحريم ،فهما
زانيان ،وعليهما الحد ،ول يلحق النسب به.
وأما الزواج الفاسد المختلف في إباحته كالنكاح بغير شهود أو بغير ولي ،فل يجب به الحد ،سواء
اعتقد حله أم حرمته؛ لنه مختلف في إباحته ،ولن الحد يدرأ بالشبهات ،والختلف فيه أقوى
الشبهات.
النوع الثاني ـ يصح النكاح دون الشرط :
كما إذا شرط أل مهر أو ل نفقة ،أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها أو أقل ،أو إن شرط كلهما أو
أحدهما عدم وطء أو دواعيه ،أو أن تعطيه شيئا أو أن تنفق عليه ،أوإن فارق رجع بما أنفق ،أو شرط
كلهما أو أحدهما خيارا في عقد أو مهر ،أو إن جاء بالمهر في وقت كذا ،وإلفل نكاح بينهما ،أوأن
يسافر بها ،أو أن تستدعيه لوطء عند إرادتها ،أو أل تسلم نفسها إلى مدة كذا ،أو ل يكون عندها في
الجمعة إل ليلة ،أو يعزل عنها ،أو يسكن بها حيث شاءت أو شاء أبوها ونحوه.
وإن شرطها مسلمة ،فبانت كتابية ،أو شرط بكرا أو جميلة أو نسيبة ،أو شرط نفي عيب ل يفسخ به
النكاح ،فبانت بخلفه ،فله الخيار ،ويرجع بعد الدخول على من غرّه (الغار).
وإن شرط صفة ،فبانت أعلى ككتابية ،فبانت مسلمة ،فل خيار.
( )9/111
( )9/112
فإن عقد الزواج من غير خطبة جاز،فالخطبة مستحبة غير واجبة ،لما روى سهل بن سعد الساعدي
أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال للذي خطب الواهبة نفسها للنبي صلّى ال عليه وسلم « :زوجتكها
بما معك من القرآن» ( )1ولم يذكر خطبة ،وروى أبو داود بإسناده عن رجل من بني سليم قال:
«خطبت إلى النبي صلّى ال عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب ،فأنكحني من غير أن يتشهد» ولن
الزواج عقد معاوضة ،فلم تجب فيه خطبة كالبيع.
- 2أن يدعى للزوجين بعد العقد ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه أن النبي صلّى ال عليه وسلم
كان إذا رفأ النسان إذا تزوج قال :بارك ال لك ،وبارك عليك ،وجمع بينكما في خير ( . )2وأن يهنّأ
الزوجان بنحو :مبارك إن شاء ال ،ويوم مبارك ونحو ذلك.
- 3أن يعقد النكاح يوم الجمعة مساء ،لحديث أبي هريرة مرفوعا« :أمسوا بالمِلَك ،فإنه أعظم
بركة» ( ، )3ولن الجمعة يوم شريف ويوم عيد ،والبركة في النكاح مطلوبة ،فاستحب له أشرف
اليام طلبا للبركة ،والمساء به؛ لن في آخر النهار من يوم الجمعة ساعة الجابة .
- 4إعلن الزواج والضرب فيه بالدف ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :أعلنوا النكاح» ( )4وفي
رواية الترمذي عن عائشة« :أعلنوا النكاح ،واضربوا عليه بالغِرْبال» أي بالدف ،وعند النسائي:
«فصل ما بين الحلل والحرام :الصوت والدف في النكاح» .
-------------------------------
( )1متفق عليه بين أحمد والشيخين :البخاري ومسلم.
( )2رواه أبو داود والترمذي وصححه وحسنه وابن ماجه.
( )3رواه أبو حفص .والصح لغة :الملك أي التزويج ،وليس المِلَك :يقال :أملكنا فلنا فلنة ،أي
زوجناه إياها.
( )4رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد ال بن الزبير .وأما حديث عائشة عن الترمذي
ففيه ضعيف (سبل السلم.)116/3 :
( )9/113
ول بأس بالغناء المباح أو الغزل البريء غير المخصص بشخص ما ،في العرس ،لما روى ابن ماجه
عن عائشة :أنها زوجت يتيمة رجلً من النصار ،وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها ،قالت ،فلما
رجعنا ،قال لنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :ما قلتم يا عائشة؟ قالت :سلّمنا ودعونا بالبركة ،ثم
انصرفنا ،فقال :إن النصار قوم فيهم غَزَل ،أل قلتم يا عائشة :أتيناكم أتيناكم ،فحيّانا وحيّاكم؟» .
والمالكية الذين لم يشترطوا الشهاد عند العقد ،قالوا :يندب الشهاد عند العقد ،للخروج من الخلف،
إذ كثير من الئمة ل يرى صحته إل بالشهادة حال العقد ،وهم يرون وقوعه صحيحا في نفسه ،وإن
لم تحصل الشهادة حال العقد كالبيع ،ولكن ل تتقرر صحته ،ول تترتب ثمرته من حل التمتع إل
بحصولها قبل البناء ،فجاز أن يعقد فيهما سرا ،ثم يخبرا به عدلين ،كأن يقول لهما :قد حل منا العقد،
فلن على فلنة .أو أن الولي يخبر عدلين ،والزوج يخبر عدلين غيرهما ،ول يكفي أن يخبر أحدهما
عدلً ،والثاني عدلً غيره؛ لنهما حينئذ بمنزلة الواحد.
- 5ذكر الصداق أي تسميته عند العقد ،لما فيه من اطمئنان النفس ،ودفع توهم الختلف في
المستقبل ،وندب أيضا كون المهر حالً ،بل تأجيل لبعضه.
- 6الوليمة ( وهي طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها) :وهي سنة مستحبة مؤكدة عند
جماهير العلماء وهو مشهور مذهبي المالكية والحنابلة ،ورأي بعض الشافعية؛ لنه طعام لحادث
سرور ،فلم تجب كسائر الولئم.
وفي قول مالك ،والمنصوص في الم للشافعي ورأي الظاهرية :أن الوليمة واجبة ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف« :أولم ولو بشاة» ( )1وظاهر المر الوجوب.
-------------------------------
( )1متفق عليه عن أنس (نيل الوطار.)175/6 :
( )9/114
وقد اختلف السلف في وقت الوليمة ،هل هو عند العقد ،أوعقبه ،أوعند الدخول أو عقبه أو من ابتداء
العقد إلى انتهاء الدخول؟
قال النووي :اختلفوا ،فحكى القاضي عياض أن الصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول ،وعن
جماعة منهم :عند العقد ،وعند ابن جندب :عند العقد وبعد الدخول .قال السبكي :والمنقول من فعل
النبي صلّى ال عليه وسلم أنها بعد الدخول .وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد
الدخول لقوله :أصبح عروسا بزينب ،فدعا القوم ( . )1وهذا هو المعتمد عند المالكية .وقال الحنابلة:
تسن بعقد ،وجرت العادة بفعلها قبل الدخول بيسير.
وأما النُثار (ما ينثر من السكر واللوز والجوز في النكاح أو غيره) فيكره عند الشافعي والمالكية؛ لن
التقاطه دناءة وسخف ،ولنه يأخذه قوم دون قوم ،وتركه أحب.
وأما الجابة :فتسن عند الحنفية إجابة الدعوة.
وقال الجمهور :الجابة إلى الوليمة واجبة وجوبا عينيا عند المالكية والشافعية على المذهب،
والحنابلة ،حيث ل عذر من نحو برد وحر وشغل ،لحديث «من دعي إلى وليمة ولم يجب ،فقد عصى
أبا القاسم» ( )2وحديث «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليأتها» (. )3
والجابة واجبة حتى على الصائم ،لكن ل يلزمه الكل ،لما رواه أحمد
-------------------------------
( )1نيل الوطار.176/6 :
( )2نص الحديث عند مسلم عن أبي هريرة« :شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ،ويدعى
عليها من يأباها ،ومن لم يجب الدعوة فقد عصى ال ورسوله» .
( )3رواه مسلم وأحمد.
( )9/115
ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة« :إذا دعي أحدكم فليجب ،فإن كان صائما فليصل ،وإن كان مفطرا
فليطعم» .
أما العذار :فقال الشافعية :إن دعي الشخص إلى موضع فيه منكر من زمر أو طبل أو خمر :فإن
قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الجابة ،ولزالته المنكر ،وإن لم يقدر على إزالته ،لم
يحضر ،لما روي « أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر» (
. )1
وقال الحنابلة :تكره إجابة من في ماله حرام كأكله منه ،ومعاملته وقبوله هديته وهبته وصدقته،
وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلّته .ويستحب بالتفاق أكله ولو صائما صوما غير
واجب؛ لنه يدخل السرور على من دعاه .ومن دعاه أكثر من واحد ،أجاب الكل إن أمكنه ،وإل أجاب
السبق قولً ،فالدين فالقرب رحما ،فجوارا ،ثم أقرع ،أي لجأ إلى القرعة.
وقال المالكية :تجب الجابة على من عيّن للوليمة بالشخص ،إن لم يكن في المجلس من يُتأذى منه
لمر ديني ،كمن شأنه الخوض في أعراض الناس ،أو من يؤذيه ،أو كان في المجلس منكر كفرش
حرير يجلس عليه ،وآنية ذهب أو فضة لكل أو شرب أو تبخير أو نحوها ،أو كان هناك سماع غانية
ورقص نساء وآلة لهو غير دف وزمارة وبوق ،وصور حيوان كاملة لها ظل ،ل منقوشة بحائط أو
فرش؛ لن تصاوير الحيوانات تحرم إجماعا إن كانت كاملة لها ظل مما يطول استمراره ،بخلف
ناقص عضو ل يعيش به لو كان حيوانا ،وبخلف ما ل ظل له ،كنقش في ورق أو جدار .والنظر
إلى الحرام حرام ،وتصوير غير الحيوان كالسفن والشجار ل حرمة فيه.
ومن العذار المسقطة لوجوب الجابة :كثرة زحام ،أو إغلق باب دونه إذا قدم ،وإن لمشاورة.
ومنها :العذر الذي يبيح التخلف عن الجمعة :من كثرة مطر ،أو وحل أو خوف على مال أو مرض أو
تمريض قريب ونحوها.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود عن ابن عمر بلفظ «نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن الجلوس على مائدة
عليها الخمر. »..
( )9/116
حكم آلت اللهو عند المالكية :قالوا :تكره الزّمارة والبوق إذا لم يكثر جدا حتى يلهي كل اللهو ،وإل
حرم كآلت الملهي وذوات الوتار ،والغناء المشتمل على فحش القول ،أو الهذيان.
وليكره الغربال أو الدّف إذا لم يكن فيه صراصير ،وإل حرم ،ول يكره الكُبَر أي الطبل الكبير
المدور ،المغش من الجهتين.
قال العز بن عبد السلم :أما العود واللت المعروفة ذوات الوتار كالربابة والقانون ،فالمشهور من
المذاهب الربعة أن الضرب به وسماعه حرام ،والصح أنه من الصغائر .وذهبت طائفة من
الصحابة والتابعين ومن الئمة المجتهدين إلى جوازه .قال الغزالي ( : )1وقد دل النص والقياس
جميعا على إباحة سماع الغناء واللت كالقضيب والطبل والدف وغيره ،ول يستثنى من هذه إل
الملهي والوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها ( )2ل للذتها ،إذ لو كان للذة لقيس عليها
كل ما يلتذ به النسان.
وأما الرقص :فاختلف فيه الفقهاء :فذهبت طائفة إلى الكراهة ،وطائفة إلى الباحة ،وطائفة إلى
التفريق بين أرباب الحوال وغيرهم ،فيجوز لرباب الحوال ويكره لغيرهم ،قال العز بن عبد
السلم :وهذا القول هو المرتضى ،وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء .وقد أبنت سابقا أنه
حرام مع التثني والتكسر.
- 7أن يقول الزوج إذ ا زفت إليه عروسه ما ثبت في السنة وهو ما يأتي:
أ ـ روى صالح بن أحمد عن أبي سعيد مولى أبي أسيد ،قال« :تزوج ،فحضر عبد ال بن مسعود
وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فحضرت الصلة ،فقدموه،
وهو مملوك ،فصلى بهم ،ثم قالوا له :إذا دخلت على أهلك ،فصل ركعتين ،ثم خذ برأس أهلك فقل:
اللهم بارك لي في أهلي ،وبارك لهلي في ،وارزقهم مني ،وارزقني منهم ،ثم شأنك وشأن أهلك» .
ب ـ وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال:
«إذا تزوج أحدكم امرأة ،أواشترى خادما ،فليقل :اللهم إني أسألك خيرها ،وخير ما جبلت عليه،
وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ،وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه ،وليقل مثل ذلك» ،
وهذا يقال عند شراء السيارة والدار ونحوهما.
-------------------------------
( )1الحياء 238/2 :وما بعدها.109/3 ،
( )2روى البخاري تعليقا عن أبي عامر أو أبي مالك الشعري« :ليكونن في أمتي أقوام يستحلون
الخز والحرير والمعازف» والمعازف :الملهي.
( )9/117
( )9/118
والنساء المحرمات عند المالكية ( )48امرأة ،خمس وعشرون مؤبدات :سبع من النسب :الم والبنت
والخالة والخت والعمة وبنت الخ وبنت الخت ،ومثلهن من الرضاع .وأربع بالصهر :أم الزوجة
وبنتها ،وزوجة الب والبن ،ومثلهن من الرضاع .ونساء النبي صلّى ال عليه وسلم ،والملعنة،
والمنكوحة في العدة.
وغير المؤبدات :ثلث وعشرون :المرتدة ،وغير الكتابية ،والخامسة ،والمتزوجة ،والمعتدة،
طوْل
والمستبرأة ،والحامل ،والمبتوتة ،والمة المشتركة ( ، )1والمة الكافرة ،والمة المسلمة لواجد ال ّ
( المهر ) ،وأمة البن وأمة نفسه ،وسيدته ،وأم سيده ،والمحرمة بالحج ،والمريضة ،وأخت زوجته،
وخالتها ،وعمتها ،فل يجوز الجمع بينهما .والمنكوحة يوم الجمعة عند الزوال ،والمخطوبة بعد
الركون للغير ،واليتيمة غير البالغ.
النوع الول ـ المحرمات المؤبدة :هي التي تحرم على الرجل أبدا ،لسبب دائم فيها ،كالبنوة والمومة
والخوة ،وتنحصر في ثلثة أسباب :القرابة ،المصاهرة ،الرضاع.
- 1حرمة القرابة أو المحرمات بسبب النسب :
المحرمات بسبب النسب على التأبيد :هن اللتي تحرم على الشخص بالقرابة النسبية ،وهن أربعة
أنواع:
أ ـ أصول النسان وإن علون :وهي الم ،والجدة :أم الم ،وأم الب ،لقوله تعالى{ :حرّمت عليكم
أمهاتكم} [النساء .]23/4:والم لغة :الصل ،فتشمل الم والجدة.
-------------------------------
( )1ل يجوز للرجل أن يتزوج بجاريته التي يملكها ول بجارية مشتركة بينه وبين غيره ،وكذلك ل
يجوز للمرأة أن تتزوج عبدها ول العبد المشترك بينها وبين غيرها.
( )9/119
ب ـ فروع النسان وإن نزلن :وهي البنت وبنت البنت ،وبنت البن وإن نزل ،لقوله تعالى{ :حرمّت
عليكم أمهاتكم وبناتكم} [النساء.]23/4:
جـ ـ فروع البوين أو أحدهما وإن بعدت درجتهن :وهي الخوات الشقيقات أو لب أو لم،
وبناتهن ،وبنات أولد الخوة والخوات وإن نزلن ،لقوله تعالى{ :وبنات الخ وبنات الخت} [النساء:
.]23/4
د ـ الطبقة الولى أو المباشرة من فروع الجداد والجدات :وهن العمات والخالت ،سواء كن عمات
للشخص نفسه وخالت له ،أم كن عمات وخالت لبيه أو أمه ،أوأحد أجداده وجداته ،لقوله تعالى:
{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم} [النساء.]23/4:
أما الطبقة الثانية أو غير المباشرة من هذه الفروع فل تحرم ،كبنات العمات والعمام ،وبنات الخال
أو الخالة ،لدخولهن في مضمون قوله تعالى{ :وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء ]24/4:ولقوله سبحانه:
{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء ال عليك ،وبنات
عمك ،وبنات عماتك ،وبنات خالك وبنات خالتك اللتي هاجرن معك} [الحزاب.]50/33:
ونصت المادة ( )33من القانون السوري على هذه المحرمات« :يحرم على الشخص أصوله وفروعه،
وفروع أبويه ،والطبقة الولى من فروع أجداده» .وتكون المحرمات بالقرابة سبع فرق :المهات،
والبنات ،والخوات ،والعمات ،والخالت ،وبنات الخ ،وبنات الخت.
( )9/120
وحكمة تحريم الزواج بهؤلء :إقامة نظام السرة على أساس من الود والحب الخالص الذي ل تشوبه
مصلحة ،فبالتحريم تنقطع الطماع ،ويتم الجتماع والختلط البريء .وفي الزواج بإحدى هؤلء
إفضاء إلى قطع الرحم بسبب ما يحدث عادة بين الزوجين من نزاع وتخاصم ،وقطع الرحم حرام،
والمفضي إلى الحرام حرام ،كما قال الكاساني (. )1
هذا فضلً عما يؤدي إليه الزواج بالقريبات من ضعف النسل والمرض ،بعكس الزواج بالباعد يأتي
بنسل قوي ،كما ثبت طبا وشرعا .وفي الثر« :اغتربوا ل َتضْووا» أي تزوجوا البعيدة لئل يأتي
ل ضعيفا.
النسل ضاويا ،أي هزي ً
- 2حرمة المصاهرة :المحرمات بسبب المصاهرة على التأبيد أربعة أنواع أيضا:
أ ـ زوجة الصول وإن علوا ،عصبة كانوا أم ذوي أرحام ،سواء دخل بها الصل أم عقد عليها ولم
يدخل ،كزوجة الب،والجد أبي الب أو أبي الم ،لقوله تعالى{ :ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء،
إل ما قد سلف ،إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلً} [النساء ]22/4:والمراد بالنكاح في ( نكح ) :العقد،
فهو سبب للتحريم سواء دخل بها أم لم يدخل .والب يطلق لغة على الجد وإن عل.
والمحرم بهذه الية هو زوجة الب فقط ،أما بنتها أو أمها فل تحرم على البن ،فيجوز أن يتزوج
الرجل امرأة ،ويتزوج ابنه بنتها أو أمها.
وسبب التحريم :تكريم واحترام الصول وتحقق صلح السر ومنع الفساد ،من تطلع البن لزوجة
أصله ،في حالة الختلط التي تحدث عادة بين الب وابنه وسكناهما غالبا في مسكن واحد.
-------------------------------
( )1البدائع.257/2 :
( )9/121
ب ـ زوجة فروعه وإن نزلوا ،سواء كن عصبات أم ذوي رحم ،وسواء دخل بها الفرع أم لم يدخل
ولو بعد أن فارقها بالطلق أو الوفاة ،كزوجة البن أوابن البن أو البنت وإن نزلوا ،لقوله تعالى:
ل ل يترتب عليه أي أثر،
{وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم} [النساء ]23/4:ويكون العقد عليها باط ً
فإنهم قالوا :تثبت الحرمة بنفس العقد في منكوحة الب وحليلة البن.والحليلة :هي الزوجة ،ويتحقق
هذا الوصف بمجرد العقد الصحيح.
وألحق الحنفية بتحريم زوجة الصل والفروع :موطوءة الصل أو الفرع بالزنا أو الزواج الفاسد؛ لن
مجرد الوطء كاف عندهم في التحريم على الرجل.
ول فرق بين أن يكون البن من النسب أو الرضاع ،فزوجة البن أو ابن البنت من الرضاع تحرم
على أبيه وجدّه تحريما مؤبدا ،كما تحرم زوجة البن من النسب؛ لنه «يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب» ( )1ولقوله تعالى{ :وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم} [النساء.]23/4:
جـ ـ أصول الزوجة وإن علون ،سواء دخل بزوجته أم لم يدخل ،كأم الزوجة وجدتها ،وسواء
أكانت الجدة من جهة الب أم من جهة الم ،فمجرد العقد على الزوجة يحرّم أصولها على الرجل،
ويكون العقد عليها ولو بعد الطلق أو الموت باطلً ،لقوله تعالى{ :وأمهات نسائكم} [النساء]23/4:
وهو في آية المحرمات في سورة النساء ( )23شروع في بيان المحرمات من جهة المصاهرة إثر
بيان المحرمات من جهة الرضاعة التي لها لحمة كلحمة النسب.
-------------------------------
( )1رواه الجماعة عن عائشة ،وهذا لفظ ابن ماجه (نيل الوطار.)317/6 :
( )9/122
د ـ فروع الزوجة وإن نزلن أي الربائب ،إذا دخل الرجل بالزوجة ،فإن لم يدخل بها ،ثم فارقها
بالطلق أو الوفاة ،فل تحرم البنت ول واحدة من فروعها على الزوج .لقوله تعالى{ :وربائبكم ()1
اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن ،فإن لم تكونوا دخلتم بهن ،فل جناح عليكم} [النساء:
]4/23سواء أكانت بنت الزوجة ساكنة في بيت زوج أمها أم ل ،وأما القيد المذكور في الية {في
حجوركم} [النساء ]4/23:فهو مستمد من الشأن الغالب في الربيبة ،وهو أن تكون مع أمها ،وسبب
التحريم كون نكاحها مفضيا إلى قطيعة الرحم ،سواء أكانت في حجره أم لم تكن.
ويلحق بتحريم أصول الزوجة وفروعها عند الحنفية :أصول الموطوءة وفروعها في وطء حرام أو
فيه شبهة.
ويلحظ مما سبق في حرمة المصاهرة أن العقد وحده على المرأة يحرم ما عدا فروع الزوجة ،وقد
قرر الفقهاء فيه قاعدة مشهورة هي ( :العقد على البنات يحرّم المهات ،والدخول بالمهات يحرّم
البنات ) وسبب التفرقة أن النسان يحب ابنه أو بنته كنفسه بعكس حب الصل ،فل تتألم الم لو عقد
على بنتها بعد العقد عليها.
وحكمة التحريم بالمصاهرة كما أبان الدهلوي ( : )2منع التنازع والتصارع الذي قد يحدث بين
القارب من هذا النوع إما بفك ارتباط زوجة بزوجها أو بالتنازع على زوج.
-------------------------------
( )1الربائب جمع ربيبة :وهي بنت المرأة من رجل آخر ،وسميت بذلك لن زوج الم يربها أي يقوم
بأمرها ويرعى شؤونها .فالربائب :هن بنات زوجة دخل بها.
( )2حجة ال البالغة.97/2 :
( )9/123
ما يلحق بحرمة المصاهرة :ألحق الحنفية كما تقدم بالعقد الصحيح أو بالدخول:
ً - 1حالة الدخول بالمرأة بعقد فاسد كالزواج بغير شهود.
ً - 2وحالة الدخول بالمرأة بناء على شبهة ،كمن زفت إليه امرأة أخرى غير التي عقد عليها ،وقيل
له :إنها زوجته ،فدخل بها ،بناء عليه ،ثم تبين أنها ليست زوجته التي عقد عليها ولم يكن قد رآها،
وهي التي تسمى بالمرأة المزفوفة.
ً - 3وكذلك ألحقوا مع الحنابلة ( )1الزنا ،ومثله عند الحنفية مقدمات الزنا من تقبيل ومس بشهوة،
فقالوا :تثبت حرمة المصاهرة بالزنا والمس والنظر بدون النكاح والملك وشبهته؛ لن المس والنظر
سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه احتياطا ،وألحق الحنابلة اللواط بالزنا ،فقالوا :الحرام المحض وهو
الزنا يثبت به التحريم ،ول فرق بين الزنا في القبل والدبر؛ لنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في
الزوجة والمة .وإن تلوط بغلم يتعلق به التحريم أيضا ،فيحرم على اللئط أمّ الغلم وابنته ،وعلى
الغلم أم اللئط وابنته؛ لنه وطء في الفرج ،فنشر الحرمة كوطء المرأة ،ولنها بنت من وطئه وأمه،
فحرمتا عليه ،كما لو كانت الموطوءة أنثى.
ويترتب على هذا الرأي :أنه يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا وأخته ،وبنت ابنه وبنت بنته وبنت
أخيه وأخته من الزنا ،وتحرم أمها وجدتها ،فمن زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وأمها .ولو زنى
الزوج بأم زوجته أو ببنتها ،حرمت عليه زوجته على التأييد.
واستدلوا بدليلين:
ل قال :يا رسول ال ،إني قد زنيت بامرأة في الجاهلية ،أفأنكح ابنتها؟ قال:
الول ـ ما روي أن رج ً
«ل أرى ذلك ،ول يصلح أن تنكح امرأة تطّلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها» .ولكن هذا الحديث
مرسل ومنقطع كما قال ابن الهمام في فتح القدير.
-------------------------------
( )1البدائع ،260/2 :المغني 577/6 :ومابعدها ،فتح القدير 365/2 :وما بعدها.
( )9/124
الثاني ـ إن الزنا سبب للولد ،فيثبت به التحريم قياسا على غير الزنا ،وكون الزنا حراما ل يؤثر،
بدليل أن الدخول بالمرأة بناء على عقد فاسد تثبت به حرمة المصاهرة بالتفاق ،وإن كان الدخول
حراما .ورد عليه بأنه قياس مع الفارق؛ لن الزنا يجب به الحد ول يثبت به النسب ،بخلف الوطء
في الزواج ،لذا قال الشافعي لمحمد بن الحسن« :إن الزواج أمر حمدت عليه ،والزنا فعل رجمت
عليه ،فكيف يشتبهان؟!» .
وقال المالكية على المشهور والشافعية ( : )1إن الزنا والنظر والمس ل تثبت به حرمةالمصاهرة،
فمن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها ،ول الزواج بأمها أو ببنتها ،ول تحرم المزني بها على أصول
الزاني وفروعه ،ولو زنى الرجل بأم زوجته أو ببنتها ل تحرم عليه زوجته .وإن لط بغلم لم تحرم
عليه أمه وابنته ،ولكن يكره ذلك كله.
واستدلوا بأدلة أربعة هي:
الول ـ أن النبي صلّى ال عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة ،فأراد أن يتزوجها أو يتزوج
ابنتها ،فقال« :ل يحرم الحرام الحلل ،إنما يحرم ما كان بنكاح» ( )2فهذا كما قال الدميري :يدل
لمذهب الشافعي أن الزنا ل يثبت حرمة المصاهرة ،حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،347/2 :مغني المحتاج.419 ،175/3 :
( )2أخرجه البيهقي عن عائشة وضعفه ،وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر.
( )9/125
ويؤيده أحاديث أخرى منها « :الزاني المجلود ل ينكح إل مثله» ( )1وقرأ النبي صلّى ال عليه وسلم
على رجل يريد أن يتزوج بزانية{ :الزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك} ([ )2:النور.]3/24:
الثاني ـ المصاهرة نعمة؛ لنها تلحق الجانب بالقارب ،وفي الحديث« :المصاهرة لحمة كلحمة
النسب» ( ، )3وأما الزنا فمحظور شرعا ،فل يكون سببا للنعمة.
الثالث ـ القصد من إثبات حرمة المصاهرة قطع الطماع بين الرجل والمرأة ،لتحقيق اللفة والمودة،
والجتماع البريء من غير ريبة ،أما المزني بها فهي أجنبية عن الرجل ول تنسب إليه شرعا ،ول
يجري بينهما التوارث ،ول تلزمه نفقتها ،ول سبيل للقاء معها ،فهي كسائر الجانب ،فل وجه لثبات
الحرمة بالزنا.
الرابع ـ قوله تعالى{ :وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء ]24/4:يفيد صراحة حل ما عدا المذكورات
قبلها ،وليس المزني بها منهن ،فتدخل في عموم الحل.
وبالنظر في أدلة الفريقين ،وبمعرفة ضعف أدلة الفريق الول ،يتبين لنا ترجيح رأي الفريق الثاني،
تمييزا بين الحلل المشروع والحرام المحظور.
ونصت المادة ( )34من القانون السوري على المحرمات بسبب المصاهرة ونصها :يحرم على
الرجل:
- 1زوجة أصله أو فرعه أو موطوءة أحدهما.
- 2أصل موطوءته أو فرعها ،وأصل زوجته.
وقد اقتصر النص على أصل الزوجة دون فرعها؛ لنه إن دخل الزوج بالزوجة ،فيشمل فرع الزوجة
قوله« :أصل موطوءته وفرعها» وإن لم يدخل بها ،فل يحرم عليه فرعها وهي الربيبة.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود ،وقال في الفتح :رجاله ثقات.
( )2رواه أحمد والطبراني في الكبير والوسط ،قال الهيثمى :ورجال أحمد ثقات .والمرأة يقال لها أم
مهزول.
صهْر سبع» (جامع
( )3المعروف حديث البخاري عن ابن عباس« :حَرُم من النسب سبع ،ومن ال ّ
الصول.)144/12 :
( )9/126
( )9/127
السابع ـ زوجة البن وابن ابن البنت من الرضاع ،وإن نزلوا ،سواء دخل البن ونحوه بالزوجة أم
لم يدخل ،كما يحرم عليه زوجة أولده من النسب.
الثامن ـ بنت الزوجة من الرضاعة .وبنات أولدها مهما نزلن ،إذا كانت الزوجة مدخولً بها ،فإن لم
يكن دخول بها ،فل تحرم فروعها من الرضاع على الزوج ،كما في النسب.
ما يختلف فيه حكم الرضاع عن حكم النسب :
استثنى الحنفية ( )1حالتين من التحريم بالنسب ،ل تحريم فيهما من جهة الرضاع ،وهما:
ً - 1أم الخ أو الخت من الرضاع :فإنه يجوز الزواج بها ،ول يجوز الزواج بأم الخ أو الخت
من النسب لبيه ،كأن ترضع امرأة طفلً ،وكان لها ابن من النسب ،فيجوز لهذا البن أن يتزوج بأم
هذا الطفل ،وهي أم أخيه من الرضاع.
وذلك لن أم الخ أو الخت من النسب إما أن تكون أمه إن كانا شقيقين أو أخوين لم ،أو زوجة أبيه
إن كانا أخوين لب ،وهذا لم يوجد في الرضاع.
ً - 2أخت البن أو البنت من الرضاع :فإنه يحل للب أن يتزوج بها ،ول يحل له أن يتزوج بأخت
ابنه أو بنته من النسب ،كأن ترضع امرأة طفلً ،فلزوج هذه المرأة أن يتزوج بأخت هذا الطفل ،ولبي
هذا الطفل أن يتزوج بنت هذه المرضعة.
وحرمة أخت البن أو البنت من النسب؛ لنها إما أن تكون بنته أو بنت زوجته المدخول بها ،وكلتاهما
يحرم الزواج بها ،وهذا لم يوجد في الرضاع.
أخت الخ وأم الرضيع والمرضعة :
ذكر الحنفية أيضا أنه يجوز للرجل الزواج بأخت الخ من الرضاع ،وأخت الخ من النسب ،وأم
الرضيع من النسب ،وبالمرضعة .أما أخت الخ من الرضاع فكأن يرضع طفل من امرأة ،فيجوز
لخي هذا الطفل الذي لم يرضع أن يتزوج بنت هذه المرأة ،وهي أخت أخيه من الرضاع ،وهذا معنى
قول العوام :افلت رضيعا وخذ أخاه .ومثلها أخت أخته من الرضاع.
-------------------------------
( )1البدائع ،5-4/3 :اللباب.33/3 :
( )9/128
وأما صورة أخت أخيه من النسب :فكأن يوجد أخوان لب ،ولحدهما أخت من أمه ،فيحل لخيه
الخر أن يتزوج بها ،وهي أخت أخيه من النسب ،إذ ل صلة بين هذه الخت وبين الرجل ،ل بنسب
ول رضاع ،وإنما هي بنت زوجة أبيه .وكذلك لو كان هناك أخوان لم ،ولحدهما أخت نسبية من
الب ،فإنها تحل لخيه من الم.
ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم الرضيع من النسب؛ لن الرضيع ابنه ،كما يجوز أن يتزوج أم
ابنه من النسب.
ولب الرضيع من النسب أن يتزوج المرضعة؛ لنها أم ابنه من الرضاع ،فهي كأم ابنه من النسب.
موقف القانون من الرضاع :
نصت المادة ( )1/35من القانون السوري على أصناف المحرمات بالرضاع وهي« :يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب إل ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه» .
ونصت الفقرة ( )2من هذه المادة على شروط الرضاع المحرم« :يشترط في الرضاع للتحريم أن
يكون في العامين الولين ،وأن يبلغ خمس رضعات متفرقات ،يكتفي الرضيع في كل منها ،قل
مقدارها أو كثر» .
وهذا يعني أن شروط الرضاع المحرّم هي ما يأتي:
- 1أن يقع الرضاع خلل العامين الولين من حياة الرضيع ،فلو رضع بعدهما ل تثبت به الحرمة.
وهذا رأي الجمهور لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل رضاع إل ما كان في الحولين» ( ، )1وضم
المام مالك لمدة العامين مدة أقصاها شهران؛ لن الطفل قد يحتاج لهذه المدة للتدرج في تحويل غذائه
من اللبن إلى الطعام ،وذلك إذا لم يفطم عن الرضاع قبل هذه المدة ،فإن فطم وأكل الطعام ثم رضع
فل يكون الرضاع محرّما.
وقدر المام أبو حنيفة مدة الرضاع بسنتين ونصف ،ليتدرج الطفل في نصف العام على تحويل غذائه
من اللبن إلى غيره.
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني عن ابن عباس ( نيل الوطار.)315/6 :
( )9/129
- 2أن يرضع الطفل خمس رضعات متفرقات بحسب العادة ،بحيث يترك الثدي باختياره من غير
عارض كتنفس أو استراحة يسيرة أو شيء يلهيه عن الرضاع فجأة ول يشترط كونها مشبعات .وهذا
مذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهم.
آراء العلماء في رضاع الكبير والصغير :
ورد عن السيدة عائشة قالت :جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم فقالت :يا
رسول ال إن سالما مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال «فقال :أرضعيه تحرمي
عليه» .رواه مسلم (. )1
وفي سنن أبي داود «فأرضعيه خمس رضعات» فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة وهو معارض
لذلك.
وهو يدل على أن رضاع الكبير يحرم مع أنه ليس داخلً تحت الرضاعة من المجاعة ،وبيان القصة
أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالما وزوجه ،وكان سالم مولى لمرأة من النصار فلما أنزل ال {ادعوهم
لبائهم} [الحزاب ]5/33:الية .كان من له أب معروف نسب إلى أبيه ،ومن ل أب له معروفا ،كان
مولى وأخا في الدين ،فعند ذلك جاءت سهلة تذكر ما نصه الحديث.
وقد اختلف السلف في هذا الحكم :
- 1ذهبت السيدة عائشة رضي ال عنها ،وروي هذا عن علي وعروة وداود الظاهري :إلى ثبوت
حكم التحريم وإن كان الراضع بالغا عاقلً بل لقد ورد أن السيدة عائشة كانت تأمر أختها أم كلثوم
وبنات أخيها يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال ـ رواه مالك .
وأما حجتهم فهي :
أ ـ حديث سهلة هذا وهو حديث صحيح ل شك فيه.
ب ـ قوله تعالى { :وأمهاتكم اللتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء ]23/4:فإنه مطلق
غير مقيد بوقت.
- 2وقال الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء :ل يحرم من الرضاع إل ما كان في الصغر مع
اختلفهم في تحديد الصغر.
-------------------------------
( )1رواه مسلم في الرضاع ،باب :رضاع البالغ،رقم (.)1453
( )9/130
ً - 1الجمهور قالوا :مهما كان في الحولين فإن رضاعه يحرم ،ول يحرم ما كان بعدهما ،مستدلين
بقوله تعالى { :حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة.]233/2:
ً - 2وحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» ول يصدق ذلك إل على من يشبعه اللبن ،ويكون غذاءه
ل غير ،فل يدخل الكبير لسيما وقد ورد بصيغة الحصر.
- 3قال جماعة :الرضاع المحرم ما كان قبل الفطام ولم يقدروه بزمان.
- 4وقال الوزاعي :إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رضع في الحولين ،لم يحرم هذا
الرضاع شيئا وإن تمادى رضاعه ولم يفطم فما يرضع وهو في الحولين حرّم ،وما كان بعدهما ل
يحرم وإن تمادى إرضاعه.
- 5وهناك أقوال أخرى عارية عن الستدلل.
وأجاب الجمهور عن حديث سالم بأنه خاص بقصة سهلة كما يدل له قول أم سلمة للسيدة عائشة« :ل
نرى هذا إل خاصا بسالم» .ول ندري لعله رخصه لسالم أو أنه منسوخ.
ـ وأجاب القائلون بتحريم رضاع الكبير بأن الية وحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» واردان
لبيان الرضاعة الموجبة لنفقة المرضعة ،والتي يجبر عليها البوان كما يرشد إلى ذلك آخر الية:
{ وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة.]233/2:
وعائشة هي الراوية لحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» وهي التي قالت برضاع الكبير وأنه يحرم،
فدل على أنها فهمت ما ذكرناه في معنى الية والحديث .قالوا :ولو كان حديث سالم خاصا به لذكر
ذلك رسول ال صلّى ال عليه وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذعة من المعز.
وأما القول بأنه منسوخ فيدفعه أن قصة سهلة متأخرة عن نزول آية الحولين فإن سهلة قالت لرسول
ال صلّى ال عليه وسلم :كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فإن هذا السؤال منها استنكار لرضاع الكبير
دال على أن التحليل بعد اعتقاد التحريم .وقد دفع ابن تيمية التعارض فقال:
( )9/131
«إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إل إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي ل يُستغنى عن دخوله
على المرأة وشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة ،فمثل هذا الكبير الذي أرضعته
للحاجة أثّر رضاعه ،وأما من عداه فل بد من الصغر» .وهو جمع بين الحاديث حسن وإعمال لها
من غير مخالفة لظاهرها بالختصاص ول نسخ ول إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الحاديث (. )1
لبن الفحل :الفحل:الرجل المتزوج بالمرأة المرضعة إذا كان لبنها منه .والحكم المقرر لدى جمهور
الصحابة والتابعين وأئمة الجتهاد :أن اللبن للفحل فهو الذي يتعلق به التحريم ،أي أنه حق الرجل،
وقد حدث بسببه ،ول تنقطع نسبة اللبن عن زوج مات أو طلق ،فبه يصبح زوج المرضع أبا للرضيع،
وتصبح المرضع به أيضا أما للرضيع ،ويحرم الطفل على الرجل وأقاربه ،كما يحرم ولده من
النسب ،ويصير أولد الزوج كلهم إخوة الرضيع ،سواء أكانوا من تلك الزوجة المرضع ،أم من زوجة
أخرى غيرها ( ، )2أخرج الئمة الستة عن عائشة ،قالت« :دخل عليّ أفلح بن أبي القعيس ،فاستترت
منه ،فقال :تستترين مني وأنا عمك؟ قالت :من أين؟ قال :أرضعتك امرأة أخي ،قالت :إنما أرضعتني
المرأة ،ولم يرضعني الرجل ،فدخل علي رسول ال صلّى ال عليه وسلم فحدثته ،فقال :إنه عمك،
فليلج عليك» .
حكمة التحريم بالرضاع :
يحدث التحريم بالرضاع بسبب تكوّن أجزاء البنية النسانية من اللبن ،فلبن المرأة ينبت لحم الرضيع،
وينشز عظمه أي يكبر حجمه ،كما جاء في الحديث« :ل رضاع إل ما أنشز العظم ،وأنبت اللحم» (
)3فإن إنشاز العظم ،وإنبات اللحم ،إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن ،وبه تصبح المرضع أما ً
للرضيع؛ لنه جزء منها حقيقة.
وسأذكر إن شاء ال في بحث الرضاع شروط الرضاع المحرم عند الفقهاء وطرق إثبات الرضاع.
-------------------------------
( )1سبل السلم.216-213/3 :
( )2المغني ،572/6 :اللباب ،32/3 :القوانين الفقهية :ص ،206مغني المحتاج ،418/3 :المقدمات
الممهدات لبن رشد. 492/1 :
( )3نيل الوطار.316/6 :
( )9/132
النوع الثاني ـ المحرمات المؤقتة :
وهن اللتي يحرم الزواج بهن حرمة مؤقتة لسبب معين ،فإذا زال السبب زالت الحرمة ،وتلك خمسة
أنواع هي:
المطلقة ثلثا ،المشغولة بحق زوج آخر بزواج أوعدة ،التي ل تدين بدين سماوي ،أخت الزوجة ومن
في حكمها ،الخامسة لمتزوج بأربع.
واقتصر القانون السوري على أربعة أصناف ،ولم يذكر المرأة التي ل تدين بدين سماوي ،فنص في
المواد ( ) 39-36على ذلك:
م( - )1 - 36ل يجوز أن يتزوج رجل امرأة طلقها ثلث مرات إل بعد انقضاء عدتها من زوج
آخر ،دخل بها فعلً.
- 2زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق ،ولو كانت دون الثلث ،فإذا عادت إليه يملك
عليها ثلثا جديدة.
(م - )37ل يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلّق إحدى زوجاته الربع ،وتنقضي عدتها.
(م - )38ل يجوز التزوج بزوجة آخر ول بمعتدته.
(م - )39ل يجوز الجمع بين امرأتين ،لو فرضت كل منهما ذكرا حرمت عليه الخرى ،فإن ثبت
الحل على أحد الفرضين ،جاز الجمع بينهما.
وأضاف الحنفية المرأة الملعنة :وهي التي قذفها زوجها بالفجور ،أو نفي نسب ولدها إليه ،فترافعا
إلى القاضي ،وتلعنا أمامه ،ففرق بينهما .فتصبح المرأة حراما على الرجل ،فإن أكذب نفسه وبرأها
مما نسبه إليها ،جاز زواجه بها عند أبي حنيفة ومحمد .وقال الجمهور :التحريم مؤبد،
( )9/133
( )9/134
عند رفاعة ،فطلقني ،فبتّ طلقي ،فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ،وإنما معه مثل َهدْبة الثوب
( ، )1فقال :أتريدين أن ترجعي إلفاعة ،ل ،حتى تذوقي عسيلته ،ويذوق عسيلتك ( )2فيه دليل على
أن وطء الزوج الثاني ل يكون محللً ارتجاع الزوج الول للمرأة ،إل أن كان حال وطئه منتشرا ،فلو
لم يكن كذلك ،أوكان عنينا أو طفلً ،لم يكف في الصح من قولي أهل العلم.
شروط حل المطلقة ثلثا لزوجها الول :
يشترط لحل المطلقة ثلثا للزوج الول ثلثة شروط (: )3
أحدها :أن تنكح زوجا غيره ،لقوله تعالى { :حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة.]230/2:
الثاني ـ أن يكون النكاح صحيحا :فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه ،باتفاق المذاهب الربعة ،لقوله
تعالى{ :حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة ]230/2:وإطلق النكاح يقتضي الصحيح.
الثالث ـ أن يطأها في الفرج :فلو وطئها دونه أو في الدبر ،لم يحلها؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم
علق الحل ـ في الحديث المتقدم ـ على ذوق العسيلة منهما ،ول يحصل ذلك إل بالوطء في الفرج.
وأدناه تغييب الحشفة في الفرج؛ لن أحكام الوطء تتعلق به .ولو أولج الحشفة من غير انتشار ،لم
تحل له؛ لن الحكم يتعلق بذوق العسيلة ،ول تحصل من غير انتشار .ويجزئ قدر الحشفة من مقطوع
الذكر ،وتحل بوطء الخصي؛ لنه يطأ كالفحل ،ولم يفقد إل النزال ،وهوغير معتبر في الحلل.
وذكر الحنفية أنها لو تزوجت بمجبوب (مقطوع الذكر كله) فإنها ل تحل حتى تحبل لوجود الدخول
حكما ،حتى إنه يثبتُ النسب من الثاني.
واشترط الحنابلة والمالكية شرطا رابعا :وهو أن يكون الوطء حللً ،فإن وطئها في حيض أو نفاس
أو إحرام من أحدهما أو منهما ،أو وأحدهما صائم فرضا ،لم تحل؛ لنه وطء حرام لحق ال تعالى ،لم
يحصل به الحلل ،كوطء المرتدة ،ل يحلها سواء وطئها في حال ردتهما ،أو ردتها.
-------------------------------
( )1أي طرف الثوب الذي لم ينسج ،وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في السترخاء وعدم النتشار.
( )2رواه الجماعة عن عائشة (نيل الوطار )253/6 :وتصغير العسيلة إشارة إلى أن القدر القليل
كاف في تحصيل المطلوب ،بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج.
( )3المغني 275/7 :وما بعدها.
( )9/135
ولم يشترط الحنفية والشافعية هذا الشرط ،قال ابن قدامة الحنبلي :وهذا أصح إن شاء ال تعالى،
لظاهر قوله تعالى{ :حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة ]230/2:وهذه قد نكحت زوجا غيره ،وأيضا قوله
عليه الصلة والسلم« :حتى تذوقي عسيلته ،ويذوق عسيلتك» وهذا قد وجد ،ولنه وطء في نكاح
صحيح في محل الوطء على سبيل التمام ،فأحلها كالوطء الحلل ،وكما لو وطئها وقد ضاق وقت
الصلة ،أو وطئها مريضة يضرها الوطء.
وهل نكاح التحليل المؤقت ( )1يحل المطلقة ثلثا :
قال الحنفية والشافعية ( : )2تحل المطلقة ثلثا لزوجها الول بنكاح التحليل ،لكن يكره عند الحنفية
تحريما التزوج الثاني إن كان بشرط التحليل ،مثل :تزوجتك
-------------------------------
( )1نكاح المحلل ـ كما ذكر الحنابلة ـ هو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلثا على أنه إذا أحلها طلقها،
أو فل نكاح بينهما ،أو ينويه الزوج ،أو يتفقا عليه قبله (غاية المنتهى.)40/3 :
( )2الدر المختار ،749-738/2 :المهذب ،46/2 :تكملة المجموع.411-405/15 :
( )9/136
على أن أحلك .لحديث« :لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم المحلّل والمحلّل له» ( ، )1ويصح
الزواج ،ويبطل الشرط ،فل يجبر الثاني على الطلق .فإن أضمر الزوج الول والثاني التحليل ،أو
كان الثاني مأجورا لقصد الصلح ،ل مجرد قضاء الشهوة ونحوها ،ل يكره.
وذكر الشافعية أن نكاح المحلل باطل إن نكحها على أنها إذا وطئها فل نكاح بينهما ،أو أن يتزوجها
على أن يحلل للزوج الول ،لما روى هزيل عن عبد ال قال« :لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم
الواصلة والموصولة ،والواشمة والموشومة ،والمحلّل والمحلّل له ،وآكل الربا ومطعمه» ( )2ولنه
نكاح شرط انقطاعه ،دون غايته ،فأشبه نكاح المتعة .وأما إن تزوجها واعتقد أنه يطلقها إذا وطئها،
فيكره ذلك ،لما روى الحاكم والطبراني في الوسط عن عمر :أنه جاء إليه رجل ،فسأله عن رجل
طلق امرأته ثلثا ،فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لخيه ،هل تحل للول؟ قال :ل ،إل بنكاح
رغبة وروى أبو مرزوق التجيبي مثله عن عثمان ،أي إن تزوج على نية التحليل بدون شرط صح
النكاح؛ لن العقد إنما يبطل بما شرط ،ل بما قصد.
والخلصة :إن زواج المحلل بل شرط ،أي بدون شرط صريح في العقد على التطليق ،وإنما بالنية
والقصد الباطن صحيح مكروه عند الشافعية؛ لن العقد استوفى أركانه وشروطه في الظاهر ،ول
يتأثر العقد بالباعث الداخلي أي أنهم ل يقولون بمبدأ سد الذرائع بالقصد الداخلي.
وقال المالكية والحنابلة ( : )3إن نكاح المحلل أونكاح التيس المستعار ولو بل شرط :وهو الذي
يتزوجها ليحلها لزوجها حرام باطل مفسوخ ،ل يصح ول تحل لزوجها الول ،والمعتبر نية المحلل ل
نية المرأة ،ول نية المحلل له.
-------------------------------
( )1رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن ابن مسعود ،ورواه الخمسة إل النسائي من حديث
علي مثله (نيل الوطار.)138/6 :
( )2أخرجه النسائي والترمذي وصححه.
( )3القوانين الفقهية :ص ،209غاية المنتهى.40/3 :
( )9/137
ودليلهم الحديث السابق عن ابن مسعود« :لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم المحلّل والمحلل له»
وحديث عقبة بن عامر« :أل أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا :بلى ،يارسول ال ،قال :هو المحلّل،
لعن ال المحلل والمحلل له» ( . )1فهذا يدل على تحريم التحليل؛ لن اللعن إنما يكون على ذنب
كبير .وهذا يتفق مع مبدئهم بسد الذرائع ،وهو الراجح لدي .وخص الفريق الول التحريم والبطال
بما إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها الثاني بانت منه ،أو شرط أنه يطلقها أو نحوذ لك.
- ً 2المشغولة بحق زوج آخر :وهي التي تعلق بها حق الغير بزواج أو عدة ،وهذا يشمل ما يأتي:
)ً 1ـ المرأة المتزوجة :فل يحل لحد أن يعقد عليها ما دامت متزوجة لتعلق حق الغير بها ،سواء
أكان الزوج مسلما أم غير مسلم؛ لقوله تعالى{ :والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم} [النساء:
]24/4أي المتزوجات ،واستثنى النص المملوكات بملك اليمين :وهن المسبيات في حرب مشروعة،
فإذا سبيت المرأة ،وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب اختلف الدار ،فيحل الزواج بها .وهذا هو
مانع الزوجية من أربعة عشر مانعا عند المالكية سأذكرها.
وحكمة تحريم المتزوجة واضحة وهي منع العتداء على حق الغير ،وحفظ النساب من الختلط.
-------------------------------
( )1الحديث الول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ،والثاني رواه ابن ماجه والحاكم وأعله
أبو زرعة وأبو حاتم بالرسال (نيل الوطار 138/6 :وما بعدها)
( )9/138
)ً 2ـ المرأة المعتدة :وهي التي تكون في أثناء العدة من زواج سابق ،سواء عدة طلق أو وفاة .فل
يحل لحد غير زوجها الول التزوج بها حتى تنقضي عدتها ،ويشمل ذلك عدة الزواج الفاسد
أوبشبهة ،لثبوت نسب الولد .لقوله تعالى{ :ول تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} [البقرة:
]235/2أي ل تعقدوا الزواج على المعتدة من وفاة حتى تنتهي عدتها .ولقوله سبحانه{ :والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة ]228/2:أي أطهار أو حيضات على رأيين في التفسير والفقه،
أي يجب على المرأة المطلقة النتظار ثلثة أطهار أو حيضات ،فل يحل الزواج بها ،وقال علي وابن
عباس وعَبيدة السلماني« :ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر ،وأل تنكح
امرأة في عدة أختها»
وحكمة تحريم المعتدة بقاء آثار الزواج السابق ،ورعاية حقوق الزوج القديم ،ومنع اختلط النساب.
وهل يترتب على الدخول بالمعتدة تحريمها على الرجل تحريما مؤبدا؟
اختلف الفقهاء على رأيين ( ، )1فقال الجمهور :إن الدخول بالمعتدة ل يحرمها عليه ،بل إذا انقضت
عدتها حل له الزواج بها؛ لن الرجل لو زنى بامرأة ل يحرم عليه الزواج بها بالتفاق ،فكذلك لو
دخل بها وهي في العدة أو بعدها ،ل يحرم عليه الزواج بها بعد انتهاء العدة ،ولن علي بن أبي طالب
رضي ال عنه قال :يفرق بينهما ،ثم يخطبها بعد العدة إن شاء .وروي مثله عن ابن مسعود رضي
ال عنه.
وقال المالكية :الدخول بالمعتدة يحرمها على الرجل تحريما مؤبدا ،فيفرق
-------------------------------
( )1بداية المجتهد 46/2 :وما بعدها.
( )9/139
بينهما ولتحل له أبدا ،بدليل ما روى مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار :أن عمر بن
الخطاب رضي ال عنه فرق بين طليحة السدية وبين زوجها راشد الثقفي لما تزوّجها في العدة من
زوج ثان ،وقال :أيما امرأة نكحت في عدتها ،فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها ،فرق بينهما
ثم اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم كان الخر خاطبا من الخطاب ،وإن كان دخل بها فرق بينهما ،ثم
اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم اعتدت من الخر ،ثم ل يجتمعان أبدا .قال ابن المسيب :ولها مهرها
بما استحل منها .وهذا هو مانع العدة عند المالكية من أربعة عشر مانعا.
- )ً 3المرأة الحامل من الزنا عند الحنفية ،ومانع الزنا عند المالكية (: )1
يحل بالتفاق للزاني أن يتزوج بالزانية التي زنى بها ،فإن جاءت بولد بعد مضي ستة أشهر من وقت
العقد عليها ،ثبت نسبه منه ،وإن جاءت به لقل من ستة أشهر من وقت العقد ل يثبت نسبه منه ،إل
إذا قال :إن الولد منه ،ولم يصرح بأنه من الزنا .إن هذا القرار بالولد يثبت به نسبه منه لحتمال
عقد سابق أو دخول بشبهة ،حملً لحال المسلم على الصلح وسترا على العراض.
أما زواج غير الزاني بالمزني بها ،فقال قوم كالحسن البصري :إن الزنا يفسخ النكاح .وقال الجمهور:
يجوز الزواج بالمزني بها .ومنشأ الخلف آية{ :والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك ،وحرّم ذلك
على المؤمنين} [النور ]3/24:الفريق الول يأخذ بظاهر الية ،والكلم خرج مخرج التحريم .والفريق
الثاني (الجمهور) حملوا الية على الذم ،ل على التحريم ،لما روى أبوداود والنسائي عن ابن عباس
قال« :جاء رجل إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال :إن امرأتي ل تمنع يد لمس ـ
-------------------------------
( )1بداية المجتهد 39/2 :وما بعدها ،البدائع ،269/2 :المهذب ،43/2 :المغني.604-601/6 :
( )9/140
كناية عن عدم العفة عن الزنا ـ قال :غرّبها ـ أي أبعدها ـ قال :أخاف أن تتبعها نفسي ،قال:
فاستمتع بها» ( )1ولما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة« :ل يحرم الحرام
الحلل» .
ثم اختلف الجمهور في التفصيل ،فقال الحنفية :إذا كانت المزني بها غير حامل ،صح العقد عليها من
غير الزاني ،وكذلك إن كانت حاملً يجوز الزواج بها عند أبي حنيفة ومحمد ،ولكن ل يطؤها ،أي ل
يدخل بها حتى تضع الحمل ،للدلة التية:
أولً ـ لم تذكر المزني بها في المحرمات ،فتكون مباحة ،لقوله تعالى{ :وأحل لكم ما وراء ذلكم}
[النساء.]24/4:
ثانيا ـ ل حرمة لماء الزنا ،بدليل أنه ل يثبت به النسب ،للحديث السابق« :الولد للفراش ،وللعاهر
الحجر» ( ، )2وإذا لم يكن للزنا حرمة ،فل يكون مانعا من جواز النكاح.
وإنما امتنع الدخول بالحامل من الزنا حتى تضع الحمل ،فلقوله صلّى ال عليه وسلم « :من كان يؤمن
بال واليوم الخر ،فل يسقين ماءه زرع غيره» ( )3يعني وطء الحوامل من غيره،
وقال أبو يوسف وزفر :ل يجوز العقد على الحامل من الزنا؛ لن هذا الحمل يمنع الوطء ،فيمنع العقد
أيضا ،كما يمنع الحمل الثابت النسب ،أي كما ل يصح العقد على الحامل من غير الزنا ،ل يصح
العقد على الحامل من الزنا.
-------------------------------
( )1نيل الوطار ،145/6 :وإسناده صحيح ،قال المنذري :ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين.
( )2رواه الجماعة إل أبا داود عن أبي هريرة (نيل الوطار.)279/6 :
( )3رواه الترمذي عن رويفع ،وهو حسن ،ولكن بلفظ« :ولد غيره» بدل« :زرع غيره» ورواه أبو
داود أيضا بلفظ« :زرع غيره» .
( )9/141
وقال المالكية :ل يجوز العقد على الزانية قبل استبرائها من الزنا بحيضات ثلث أو بمضي ثلثة
أشهر ،فإن عقد عليها قبل الستبراء ،كان العقد فاسدا ،ووجب فسخه ،سواء ظهر بها حمل أم ل ،أما
الول (ظهور الحمل) فللحديث السابق« :فل يسقين ماءه زرع غيره» وأما الثاني فللخوف من اختلط
النساب.
وقال الشافعية :إن زنى بامرأة ،لم يحرم عليه نكاحها ،لقوله تعالى{ :وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء:
]24/4ولحديث عائشة السابق« :ل يحرم الحرام الحلل» .
وقال الحنابلة :إذا زنت المرأة ،لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إل بشرطين:
أحدهما ـ انقضاء عدتها ،فإن حملت من الزنا ،فقضاء عدتها بوضعه ،ول يحل نكاحها قبل وضعه،
للحديث السابق« :فل يسقي ماءه زرع غيره» والحديث الصحيح« :ل توطأ حامل حتى تضع» وهذا
رأي مالك.
والثاني ـ أن تتوب من الزنا ،للية السابقة{ :وحرّم ذلك على المؤمنين} [النور ]3/24:وهي قبل
التوبة في حكم الزنا ،فإذا تابت زال التحريم لقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :التائب من الذنب كمن
ل ذنب له» ( . )1ولم يشترط باقي الئمة هذا الشرط.
-------------------------------
( )1المغني 603/6 :وما بعدها.
( )9/142
زنا أحد الزوجين :اتفق عامة أهل العلم على أنه إن زنت امرأة رجل ،أوزنى زوجها ،لم ينفسخ
النكاح ،سواء أكان قبل الدخول أم بعده؛ لن دعواه الزنا عليها ل يُبينها ،ولو كان الزواج ينفسخ به،
لنفسخ بمجرد دعواه كالرضا ،ولنها معصية ل تخرج عن السلم فأشبهت السرقة .أما اللعان فإنه
يقتضي الفسخ بدون الزنا بدليل أنها إذا لعنته فقد قابلته ،فلم يثبت زناها ،وقد أوجب النبي صلّى ال
عليه وسلم الحد على من قذفها ،والفسخ واقع باللعان.
ولكن استحب المام أحمد للرجل مفارقة امرأته إذا زنت ،وقال« :ل أرى أن يمسك مثل هذه ،وذلك
أنه ل يؤمن أن تفسد فراشه ،وتلحق به ولدا ليس منه» وقال أحمد أيضا :ول يطؤها الزوج حتى
يستبرئها بثلث حيضات ،للحديث السابق« :فل يسقى ماءه زرع غيره» يعني إتيان الحبالى ،ولنها
ربما تأتي بولد من الزنا ،فينسب إليه .قال ابن قدامة :والولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة؛
لنها تكفي في استبراء الماء (. )1
- ً 3المرأة التي ل تدين بدين سماوي (: )2
ل يحل للمسلم الزواج بالمرأة المشركة أو الوثنية :وهي التي تعبد مع ال إلها غيره ،كالصنام أو
الكواكب أو النار أوا لحيوان ،ومثلها المرأة الملحدة أو المادية :وهي التي تؤمن بالمادة إلها ،وتنكر
وجود ال ،ول تعترف بالديان السماوية ،مثل الشيوعية والوجودية ،والبهائية والقاديانية والبوذية.
وذلك لقوله تعالى{ :ول تَنْكحوا المشركات ،حتى يؤمنّ ،ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}
[البقرة.]221/2:
وألحق الحنفية والشافعية وغيرهم المرأة المرتدة بالمشركة ،فل يجوز لحد أصلً مسلم أو كافر أن
يتزوجها؛ لنها تركت ملة السلم ،ول تقر على الردة ،فإما أن تموت أوتسلم ،فكانت الردة في معنى
الموت ،لكونها سببا مفضيا إليه ،والميت ل يكون محلً للزواج.
والخلصة :ل يحل بالتفاق نكاح من ل كتاب لها كوثنية (وهي عابدة الوثن أو الصنم) ومجوسية
(وهي عابدة النار) إذ ل كتاب بأيدي أهلها الن ،ولم نتيقنه من قبل فنحتاط.
-------------------------------
( )1المغني 603/6 :وما بعدها.
( )2الدين السماوي :الدين الذي له كتاب منزل ونبي مرسل.
( )9/143
والسبب في تحريم الزواج بالمشركة ونحوها :عدم تحقق النسجام والطمئنان والتعاون بين الزوجين؛
لن تباين العقيدة يسبّب القلق والضطراب والتنافر بين الزوجين ،فل تستقيم الحياة الزوجية القائمة
على دعائم المودة والرحمة والمحبة ،وغايتها الهدوء والستقرار .ثم إن عدم اليمان بدين يسهل على
المرأة الخيانة الزوجية والفساد والشر ،ويرفع عنها المانة والستقامة والخير؛ لنها تؤمن بالخرافات
والوهام ،وتتأثر بالهواء والطبائع الذاتية غير المهذبة ،فل دين يردعها ،ول رادع لها من إيمان بال
وباليوم الخر وبالحساب والبعث.
زواج المسلمة بالكافر :يحرم بالجماع زواج المسلمة بالكافر ،لقوله تعالى{ :ول تُنْكحوا المشركين
حتى يؤمنوا } [البقرة ]221/2:وقوله تعالى{ :فإن علمتموهن مؤمنات ،فل ترجعوهن إلى الكفار ،ل
هن حل لهم ،ول هم يحلون لهن} [الممتحنة ]10/60:ولن في هذا الزواج خوف وقوع المؤمنة في
الكفر؛ لن الزوج يدعوها عادة إلى دينه ،والنساء في العادة يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الفعال،
ويقلدونهم في الدين ،بدليل الشارة إليه في آخر الية{ :أولئك َيدْعون إلى النار} [البقرة ]221/2:أي
يدعون المؤمنات إلى الكفر ،والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار؛ لن الكفر يوجب النار ،فكان زواج
الكافر المسلمة سببا داعيا إلى الحرام ،فكان حراما باطلً .والنص وإن ورد في المشركين ،لكن العلة
وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع ،فيتعمم الحكم بعموم العلة.
وعليه ل يجوز زواج الكتابي بالمسلمة ،كما ل يجوز زواج الوثني والمجوسي بالمسلمة أيضا؛ لن
الشرع قطع ولية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى{ :ولن يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيلً}
[النساء ]141/4:فلو جاز تزويج الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل ،وهذا ل يجوز.
( )9/144
الزواج بالكتابيات :الكتابية :هي التي تؤمن بدين سماوي ،كاليهودية والنصرانية .وأهل الكتاب :هم
أهل التوراة والنجيل ،لقوله تعالى{ :أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} [النعام:
.]156/6
وقد أجمع العلماء على إباحة الزواج بالكتابيات ،لقوله تعالى{ :اليوم أحل لكم الطيبات ،وطعام الذين
أوتوا الكتاب حل لكم،وطعامكم حل لهم ،والمحصنات من المؤمنات ،والمحصنات من الذين أوتوا
الكتاب من قبلكم} [المائدة ]5/5:والمراد بالمحصنات في الية :العفائف ،ويقصد بها حمل الناس على
التزوج بالعفائف ،لما فيه من تحقيق الود واللفة بين الزوجين ،وإشاعة السكون والطمئنان.
ولن الصحابة رضي ال عنهم تزوجوا من أهل الذمة ،فتزوج عثمان رضي ال عنه نائلة بنت
الفرافصة الكلبية وهي نصرانية ،وأسلمت عنده ،وتزوج حذيفة رضي ال عنه بيهودية من أهل
المدائن .وسئل جابر رضي ال عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية ،فقال :تزوجنا بهن زمان
الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص.
والسبب في إباحة الزواج بالكتابية بعكس المشركة :هو أنها تلتقي مع المسلم في اليمان ببعض
المبادئ الساسية ،من العتراف بإله ،واليمان بالرسل وباليوم الخر ،وما فيه من حساب وعقاب.
فوجود نواحي اللتقاء وجسور التصال على هذه السس يضمن توفير حياة زوجية مستقيمة غالبا،
ويرجى إسلمها؛ لنها تؤمن بكتب النبياء والرسل في الجملة .والحكمة في أن المسلم يتزوج
باليهودية والنصرانية ،دون العكس :هي أن المسلم يؤمن بكل الرسل ،وبالديان في أصولها الصحيحة
الولى ،فل خطر منه على الزوجة في عقيدتها أو مشاعرها ،أما غير المسلم فل يؤمن بالسلم
فيكون هناك خطر محقق بحمل زوجته على التأثر بدينه ،والمرأة عادة سريعة التأثر والنقياد ،وفي
زواجها إيذاء لشعورها وعقيدتها.
( )9/145
كراهة الزواج بالكتابيات :يكره ـ عند الحنفية والشافعية ،وعند المالكية في رأي ـ للمسلم الزواج
بالكتابية الذمية ،وقال الحنابلة :زواجه بها خلف الولى؛ لن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل
الكتاب« :طّلقوهن» فطلقوهن إل حذيفة ،فقال له عمر« :طلقها» قال :تشهد أنها حرام؟ قال :هي
خمرة ،طلقها ،قال :تشهد أنها حرام؟ قال :هي خمرة ،قال :قد علمت أنها خمرة ،ولكنها لي حلل.
فلما كان بعد ،طلقها ،فقيل له :أل طلقتها حين أمرك عمر؟ قال :كرهت أن يرى الناس أني ركبت
أمرا ل ينبغي لي .ولنه ربما مال إليها قلبه ففتنته ،وربما كان بينهما ولد ،فيميل إليها.
أما الحربية :فيحرم تزوجها عند الحنفية إذا كانت في دار الحرب؛ لن تزوجها فتح لباب الفتنة،
وتكره عند الشافعية ،وعند المالكية ،والزواج بها خلف الولى عند الحنابلة.
والواقع ،في الزواج بالكتابيات وبالولى الحربيات :مضار اجتماعية ووطنية ودينية ،فقد ينقلن
لبلدهن أخبار المسلمين ،وقد يرغبن الولد في عقائد وعادات غير المسلمين ،وقد يؤدي الزواج بهن
إلى إلحاق ضرر بالمسلمات بالعراض عنهن ،وقد تكون الكتابية منحرفة السلوك ،بدليل ما يأتي:
روى الجصاص في تفسيره :أن حذيفة بن اليمان تزوج بيهودية ،فكتب إليه عمر :أن خل سبيلها،
فكتب إليه حذيفة :أحرام هي؟ فكتب إليه عمر :ل ،ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن ،يعني
العواهر.وروى المام محمد هذا الثر في كتابه «الثار» على النحو التي:
إن حذيفة تزوج بيهودية بالمدائن ،فكتب إليه عمر :أن خلّ سبيلها ،فكتب إليه :أحرام يا أمير
المؤمنين؟ فكتب إليه عمر :أعزم عليك أل تضع كتابي هذا ،حتى تخلي سبيلها ،فإني أخاف أن يقتدي
بك المسلمون ،فيختارون نساء أهل الذمة لجمالهن ،وكنّ بذلك فتنة لنساء المسلمين.
( )9/146
يتبين من ذلك أن عمر رضي ال عنه منع حذيفة من الزواج بالكتابية ،لما فيه من الضرر ،وهو إما
الوقوع في زواج المومسات منهن ،أو تتابع المسلمين في زواج الكتابيات ،وترك المسلمات بل زواج.
رأي الشافعية في زواج الكتابية :هذا هو حكم الزواج بالكتابيات ،يجوز عند الجمهور بل شرط ،لكن
قيد الشافعية الزواج بالكتابية بقيد ،فقالوا (: )1
تحل كتابية ،لكن تكره حربية ،وكذا ذمية على الصحيح ،لما في الميل إليها من خوف الفتنة،
والكتابية :يهودية أو نصرانية ،ل متمسكة بالزبور وغيره كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليه
السلم.
فإن كانت الكتابية إسرائيلية :فيحل الزواج بها إذا لم يعلم دخول أول من تدين من آبائها في دين
اليهودية بعد نسخه وتحريفه ،أو شك فيها ،لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا ،وإل فل تحل لسقوط
فضيلة ذلك الدين.
وإن كانت النصرانية :فالظهر حلها للمسلم إن علم دخول قومها ،أي آبائها أي أول من تدين منهم في
ذلك الدين ـ أي دين عيسى عليه السلم ،قبل نسخه وتحريفه ،لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا .فإن
دخلوافيه بعد التحريف فالصح المنع ،وإن تمسكوا بغير المحرف فتحل في الظهر.
والراجح لدي هو قول الجمهور ،لطلق الدلة القاضية بجواز الزواج بالكتابيات ،دون تقييد بشيء.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 187/3 :وما بعدها ،المهذب.44/2 :
( )9/147
الزواج بالمجوسيات :قال أكثر الفقهاء ( : )1ليس المجوس أهل كتاب ،للية المتقدمة {أن تقولوا :إنما
أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} [النعام ]156/6:فأخبر تعالى :أن أهل الكتاب طائفتان ،فلو كان
المجوس أهل كتاب لكانوا ثلث طوائف.
وأيضا إن المجوس ل ينتحلون شيئا في كتب ال المنزلة على أنبيائه وإنما يقرؤون كتاب زرادشت،
وكان متنبيا كذابا ،فليسوا إذن أهل كتاب.
ويدل له :أن عمر ذكر المجوس بالنسبة لخذ الجزية منهم ،فقال :ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟
فقال له عبد الرحمن بن عوف :أشهد لسمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول« :سنوا بهم سنة
أهل الكتاب» رواه الشافعي ،وهو دليل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب (. )2
السامرة والصابئة :السامرة :طائفة من اليهود ،والصابئة :طائفة من النصارى.
قال أبو حنيفة والحنابلة :إنهم أهل كتاب ،فيجوز للمسلم الزواج بالصابئات؛ لن الصابئة قوم يؤمنون
بكتاب ،فإنهم يقرؤون الزبور ،ول يعبدون الكواكب ،ولكن يعظمونها كتعظيم المسلمين الكعبة في
الستقبال إليها ،ولكنهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم ،وهذا ل يمنع الزواج
كاليهود مع النصارى.
وقال الصاحبان :ل يجوز الزواج بهن؛ لن الصابئة قوم يعبدون الكواكب ،وعابد الكواكب كعابد
الوثن ،فل يجوز للمسلمين مناكحتهم.
وقيل :ليس هذا باختلف في الحقيقة ،وإنما الختلف لشتباه مذهبهم .لذا من اعتبر الصابئة من عبدة
الوثان :وهم الذين يعبدون الكواكب ،حرم مناكحتهم .ومن فهم أن منا كحتهم حلل ،فهم أن لهم كتابا
يؤمنون به.
-------------------------------
( )1أحكام القرآن للجصاص ،327/2 :المغني ،591/6 :البدائع.271/2 :
( )2نيل الوطار ،56/8 :وروى سفيان عن الحسن بن محمد ،قال :كتب النبي صلّى ال عليه وسلم
إلى مجوس هَجَر يدعوهم إلى السلم ،قال :فإن أسلمتم فلكم ما لنا ،وعليكم ما علينا ،ومن أبى فعليه
الجزية غير أكل ذبائحهم ول نكاح نسائهم.
( )9/148
وهذا هو الحق ويتفق مع رأي الشافعية القائلين :إن خالفت السامرة اليهود ،والصابئون النصارى في
أصل دينهم ،حَرُمن ،وإل فل ،أي إن وافقت السامرة اليهود ،والصابئة النصارى في أصل دينهم
حلت .وهذا هو ما قرره القدوري في الكتاب ،وهو حجة لدى الحنفية ،فقال :يجوز تزوج الصابئيات
إذا كانوا يؤمنون بنبي ويقرون بكتاب ،وإن كانوا يعبدون الكواكب ،ول كتاب لهم ،لم تجز مناكحتهم (
. )1
المتولد من وثني وكتابية :إذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والخر وثنيا ،لم يحل نكاحها؛ لنها ليست
كتابية خالصة ،ولنها مولودة بين من يحل وبين من ل يحل ،فلم تحل ،تغليبا للتحريم؛ لنه إذا اجتمع
الحلل والحرام ،غلب الحرام الحلل (. )2
-------------------------------
( )1اللباب.7/3 :
( )2مغني المحتاج ،189/3 :المغني ،592/6 :المهذب.44/2 :
( )9/149
تغيير الكتابي دينه إلى دين آخر :إذا انتقل الكتابي أو المجوسي إلى دين آخر غير دين أهل الكتاب
كالوثنية ،أي توثن ،لم يقر عليه ،ويقتل في أحد الرأيين إن لم يرجع ،لعموم الحديث« :من بدل دينه
فاقتلوه» ( )1وفي رأي آخر :ل يقتل ،بل يكره على العودة إلى دينه السابق بالضرب والحبس.
وإذا انتقلت امرأة المسلم الذمية إلى دين غير دين أهل الكتاب ،فهي كالمرتدة ،ينفسخ نكاحها مع
المسلم إن لم تعد إلى دينها في أثناء العدة عند الشافعية والحنابلة.
وأما إذا انتقل الكتابي إلى دين كتابي آخر ،كأن تهود النصراني أو تنصر اليهودي ،لم يقر بالجزية
ول يقبل منه إل السلم في الظهر عند الشافعية ،وفي رواية عن أحمد ،لقوله تعالى{ :ومن يبتغ غير
السلم دينا ،فلن يقبل منه} [آل عمران ]85/3:وقد أحدث دينا باطلً بعد اعترافه ببطلنه ،فل يقر
عليه ،كما لو ارتد المسلم.
ويقر عليه في قول أبي حنيفة ومالك ،وفي الراجح من الروايتين عند الحنابلة؛ لنه لم يخرج عن دين
أهل الكتاب ،فل نتعرض له .وأما حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فهو محمول على دين السلم ،إذ
هو الدين المعتبر شرعا.
ولو تهود وثني أو تنصر ،لم يقر عند الشافعية ،ويتعين السلم في حقه ،كمسلم ارتد ،فإنه يتعين في
حقه السلم .ويقر عند أبي حنيفة ومالك والحنابلة في الراجح ( ، )2لن الكفر كله ملة واحدة .إذ هو
تكذيب الرب تعالى فيما أنزل على رسله عليهم السلم.
ارتداد الزوجين أوأحدهما :قال الشافعية ،والحنابلة والمالكية :لو ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول
تنجزت الفُرْقة ،أي انفسخ النكاح في الحال .وإن كانت الردة بعد الدخول ،توقفت الفرقة أو الفسخ على
انقضاء العدة ،فإن جمعهما السلم في العدة ،دام النكاح ،وإن لم يجمعهما في العدة انفسخ النكاح من
وقت الردة ،لكن لو وطئ الزوج ل حد عليه للشبهة ،وهي بقاء أحكام النكاح ،وتجب العدة منه .وإذا
أسلمت المرأة قبل الرجل فأسلم في عدتها ،أو أسلما معا ،فتتقرر الزوجية بينهما ،وإن أسلم أحدهما
ولم يتبعه الخر في العدة ،انفسخ زواجهما .وكذلك
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل مسلما عن ابن عباس (نيل الوطار.)190/7 :
( )2البدائع ،272-271/2 :اللباب ،28-26/3 :العناية على فتح القدير ،396/4 :الشرح الصغير:
،422/2الشرح الكبير ،301/4 :مغني المحتاج ،191-189/3 :المغني ،191-189/3 :المغني:
593/6وما بعدها ،130/8 ،المهذب.52/2 :
( )9/150
قال الحنفية :تقع الفرقة بين الزوجين إذا حكم بصحة الرتداد ( ، )1وقد صح أن رجلً من بني تغلب
وكانوا من النصارى ،أسلمت زوجته ،وأبى هو ،ففرق عمر بينهما ،وقال ابن عباس« :إذا أسلمت
النصرانية قبل زوجها ،فهي أملك لنفسها» .
أنكحة الكفار غير المرتدين :هل عقود زواج غير المسلمين بعضهم مع بعض صحيحة أو فاسدة؟
للفقهاء رأيان :فقال المالكية ( : )2أنكحة غير المسلمين فاسدة؛ لن للزواج في السلم شرائط ل
يراعونها ،فل يحكم بصحة أنكحتهم.
وقال الجمهور ( : )3أنكحة الكفار غير المرتدين صحيحة يقرون عليها ،إذا أسلموا ،أو تحاكموا إلينا
إذا كانت المرأة عند الشافعية والحنابلة ممن يجوز ابتداء الزواج بها ،بأن لم تكن من المحارم ،فنقرهم
على ما نقرهم عليه لو أسلموا ،ونبطل ما ل نقر ،والصح عند الحنفية أن كل نكاح حرم لحرمة
المحل كمحارم ،يقع جائزا .واتفق هؤلء الجمهور على أنه ل يعتبر فيه صفة عقدهم وكيفيته ،ول
يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة اليجاب والقبول ،وأشباه ذلك ،فيجوز في
حقهم ما اعتقدوه ،ويقرون عليه بعد السلم.
وينبني على رأي الجمهور أن تثبت أحكام الزواج المقررة كالمسلمين من وجوب النفقة ووقوع
الطلق ونحوهما من عدة ونسب وتوارث بزواج صحيح ،وحرمة مطلقة ثلثا .ويجوز نكاح أهل
الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم؛ لن الكفر كله ملة واحدة.
ودليلهم قوله عز وجل{ :وقالت امرأة فرعون} [القصص ]9/28:وقوله سبحانه{ :وامرأته حمّالة
الحطب} [المسد ]4/111:ولو كانت أنكحتهم فاسدة ،لم تكن امرأته حقيقة ،ولن النكاح سنة آدم عليه
السلم ،فهم على شريعته ،وقال النبي عليه الصلة والسلم« :ولدت من
-------------------------------
( )1المراجع السابقة.
( )2الشرح الصغير.422/2 :
( )3البدائع ،272/2 :الدر المختار 530 ،506/2 :وما بعدها ،مغني المحتاج،195-193/3 :
المغني.613/6 :
( )9/151
نكاح ،ل من سفاح» ( )1أي ل من زنا ،والمراد به نفي ما كانت عليه الجاهلية من أن المرأة تسافح
رجلً مدة ثم يتزوجها ،فإنه صلّى ال عليه وسلم سمى ما وجد قبل السلم من أنكحة الجاهلية نكاحا،
ولو قلنا بفساد أنكحتهم لدى إلى أمر قبيح هو الطعن في نسب كثر من النبياء.
ولحديث غيلن الثقفي وغيره ممن أسلم وتحته عشر نسوة في الجاهلية ،فأسلمن معه ،فأمره صلّى ال
عليه وسلم باختيار أربع منهن ،ومفارقة الباقي ( ، )2ولم يسأل عن شرائط النكاح ،فل يجب البحث
عن شرائط أنكحتهم ،فإنه صلّى ال عليه وسلم أقرهم عليها ،وهو ل يقر أحدا على باطل.
- ً 4أخت الزوجة ومحارمها ( الجمع بين الخت وعمتها أو خالتها أوغيرها من المحارم) (: )3
يحرم على الرجل أن يجمع بين الختين ،أو بين المرأة وعمتها أو خالتها أو كل من كان مَحْرما لها:
وهي كل امرأة لو فرضت ذكرا حرمت عليها الخرى .وذلك سواء أكانت المحرم شقيقة ،أم لب ،أم
لم.
لقوله تعالى في بيان محرّمات النساء{ :وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف} [النساء ]23/4:ولن
الجمع بين ذوات الرحام يفضي إلى قطيعة الرحم ،بسبب ما يكون عادة بين الضرتين من غَيْرة
موجبة للتحاسد والتباغض والعداوة ،وقطيعة الرحم حرام ،فما أدى إليه فهو حرام.
والجمع بين المرأة وابنتها حرام أيضا ،كالجمع بين الختين ،بل هوأولى؛ لن قرابة الولدة أقوى من
قرابة الخوة ،فالنص الوارد في الجمع بين الختين وارد هنا من طريق أولى.
-------------------------------
( )1رواه الطبراني في الوسط وأبو نعيم وابن عساكر عن علي بلفظ «خرجت من النكاح ،ولم أخرج
من سفاح ،من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي» تكلم في راو من رواته وبقية رجاله ثقات ( مجمع
الزوائد.)214/8 :
( )2رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر (نيل الوطار 159/6 :وما بعدها).
( )3الجمع بين الزوجات نوعان :جمع بين ذوات الرحام ،وجمع بين الجنبيات بأكثر من أربع.
( )9/152
وكذلك الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها حرام أيضا كالجمع بين الختين؛ لن العمة بمنزلة الم
لبنت أخيها ،والخالة بمنزلة الم لبنت أختها .وصرحت السنة بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو
خالتها ،عن أبي هريرة قال« :نهى النبي صلّى ال عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها»
( )1وفي رواية الترمذي وغيره« :ل تنكح المرأة على عمتها ،ول العمة على بنت أخيها ،ول المرأة
على خالتها ،ول الخالة على بنت أختها ،ل الكبرى على الصغرى ،ول الصغرى على الكبرى» ول
يخفى أن هذا الحديث خصص عموم قوله تعالى:
-------------------------------
( )1رواه الجماعة (سبل السلم ،124/3 :نيل الوطار..)146/6 :
( )9/153
{وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء ، )1( ]24/4 :ولن الجمع بين ذواتي محرم في النكاح سبب
لقطيعة الرحم؛ لن الضرتين يتنازعان ول يختلفان ول يأتلفان عرفا وعادة ،وهو يفضي إلى قطع
الرحم ،وإنه حرام ،والنكاح سبب لذاك فيحرم ،حتى ل يؤدي إليه .وقد أشار النبي صلّى ال عليه
وسلم إلى علة النهي في رواية ابن حبان وغيره« :إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» .
قاعدة الجمع بين المحارم :استنبط الفقهاء من النصين :القرآني والنبوي قاعدة لتحريم الجمع بين
المحارم هي« :يحرم الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلً ،ل يجوز له نكاح الخرى من
الجانبين جميعا» أو «يحرم الجمع بين كل امرأتين أيتهما قدّرت ذكرا ،حرمت عليه الخرى» ()2
ل يحل الجمع بين الختين؛ لننا لو فرضنا كل واحدة منهما رجلً ،لم يجز له التزوج بالخرى؛ لنها
أخته .ول يحل الجمع بين المرأة وعمتها؛ لن كل واحدة لو فرضت رجلً ،كان عما للخرى ،ول
يجوز للرجل أن يتزوج بعمته .وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وخالتها ،إذ لو فرضنا كل واحدة منهما
رجلً كان خالً للخرى ،ول يصح للرجل أن يتزوج بنت أخته.
فإن فرض كون كل منهما رجلً ،وجاز له أن يتزوج بالخرى كالمرأة وابنة عمها ،جاز الجمع
بينهما ،لنها تكون ابنة عمه ،وللرجل أن يتزوج بابنة عمه.
وإن كان تحريم الزوج على فرض واحد من أحد الجانبين دون الخر ،فل يحرم الجمع بينهما،
كالمرأة وابنة زوج كان لها من قبل من غيرها ،وكالمرأة وزوجة كانت لبيها؛ لنه ل رحم بينهما،
فلم يوجد الجمع بين ذواتي رحم ،إذ لو فرضنا في المثال الول البنت رجلً ،لم يجز له أن يتزوج
بهذه المرأة؛ لنها زوجة أبيه ،أما عند فرض المرأة :زوجة الب رجلً ،فتزول عنه صفة زوجة
الب ،فيجوز له الزواج بالبنت ،إذ هي أجنبية عنه .وقد جمع عبد ال بن جعفر بن أبي طالب بين
زوجة عمه علي ،وهي ليلى بنت مسعود النهشلية ،وبين ابنته من غيرها وهي أم كلثوم بنت السيدة
فاطمة رضي ال عنها ،ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
-------------------------------
( )1قيل :ويلزم الحنفية أن يجوزوا الجمع بين من ذكر؛ لن أصولهم تقديم عموم الكتاب على أخبار
الحاد ،إل أنه أجاب صاحب الهداية بأنه حديث مشهور ،والمشهور له حكم القطعي سيما مع الجماع
من المة ،وعدم العتداد بالمخالف .ووصفه صاحب البدائع بأنه حديث مشهور.
( )2البدائع ،262/2 :الدر المختار ،391/2 :مغني المحتاج ،180/3 :اللباب ،6/3 :المهذب،43/2 :
بداية المجتهد ،42-40/2 :المغني ،574/6 :كشاف القناع.80/5 :
( )9/154
ويجوز الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخال أو الخالة من عمين أو خالين أو خالتين بالتفاق ،لعدم
النص فيهما بالتحريم ،ودخولهما في عموم قوله تعالى{ :وأحل لكم ماوراء ذلكم} [النساء ]24/4:ولن
إحداهما تحل لها الخرى لو كانت ذكرا .وفي كراهة زواجهما رأيان :رأي بالكراهة خوف قطيعة
الرحم ،وهو مروي عن ابن مسعود والحسن البصري ،وأحمد في رواية عنه ،ورأي بعدم الكراهة؛ إذ
ليست بينهما قرابة تحرم الجمع ،وهو منقول عن الشافعي والوزاعي.
حكم العقد الواحد أو العقدين على الختين ونحوهما :
إذا تزوج رجل امرأتين بينهما محرمية كالختين وكالبنت وخالتها ،والبنت وعمتها ،ففي حكم الزواج
تفصيل (: )1
أ ـ إن تزوجهما معا في عقد واحد ،فسد زواجهما معا ولم يبطل؛ لن إحداهما ليست أولى بفساد
الزواج من الخرى ،فيفرق بينه وبينهما ،ثم إنه إن كان التفريق قبل الدخول فل شيء لهما ،أي ل
مهر لهما ،ل عدة فيهما؛ لن الزواج الفاسد ل حكم له قبل الدخول ،وكذلك بعد الخلوة.
وإن كان قد دخل بهما ،فلكل واحدة منهما عند الحنفية مهر المثل على أل يزيد عن المسمى ،لرضاها
به ،كما هو حكم الزواج الفاسد ،وعليهما العدة؛ لن هذا هو حكم الدخول في الزواج الفاسد.
ل منهما بعقد مستقل ،الواحدة بعد الخرى ،صح زواج الولى وفسد زواج الثانية؛
ب ـ وإن تزوج ك ً
لن الجمع حصل بزواج الثانية ،فاقتصر الفساد عليه ،ويفرق بينه وبين الثانية .فإن تم التفريق قبل
الدخول فل شيء لها ول عدة عليها ،وإن تم التفرق بعد الدخول ،وجب لها مهر المثل على أل يزيد
عقْر
عقْر ـ أي حد زاجر ـ أو ُ
عن المسمى لرضاها به؛ لن «الوطء في دار السلم ل يخلو عن َ
ـ أي مهر جابر» وقد سقط الحد بشبهة العقد ،فيجب مهر المثل دون زيادة على المسمى .وعليها
العدة.
-------------------------------
( )1البدائع ،263/2 :اللباب مع الكتاب.22/3 :
( )9/155
ويحرم على الزوج أن يطأ الولى ،أي قربان زوجته الولى حتى تنقضي عدة الثانية ،لئل يكون
جامعا بينهما ،والجمع بين المحارم حرام.
جـ ـ وإن تزوج كلً منهما بعقدين ل يدري أيهما الول ،يفرق بينه وبينهما؛ لن زواج إحداهما
فاسد بيقين ،وهي مجهولة ،ول يتصور حصول مقاصد الزواج من المجهولة ،فل بد من التفريق .فإن
ادعت كل واحدة منهما أنها هي الولى ول بينة لها ،يقضى لها بنصف المهر؛ لن الزواج الصحيح
أحدهما ،وقد حصلت الفرقة قبل الدخول ،ل بسبب المرأة ،فكان الواجب نصف المهر ،ويكون بينهما
لعدم الترجيح ،إذ ليست إحداهما بأولى من الخرى .وقال الجمهور :إن جمع بين الختين ونحوهما
من رضاع أو نسب بعقد واحد بطل نكاحهما ،وإن كان مرتبا بطل الثاني ،ولمن دخل بها مهر المثل
عند الشافعية والحنابلة .وصداقها المسمى عند المالكية (. )1
الجمع بين الختين ونحوهما في العدة (: )2
اتفق الفقهاء على أنه يجوز الجمع بين المرأة ومحارمها بعد الفرقة بسب وفاة إحداهما ،فلو ماتت
زوجة رجل ،جاز له أن يتزوج بأختها أو عمتها مثلً من غير انتظار مدة بعد الوفاة.
واتفقوا أيضا على عدم جواز الجمع بين المرأة ومحارمها في أثناء العدة من طلق رجعي ،فلو طلق
زوجته طلقا رجعيا ،لم يجز له الزواج بواحدة من قريباتها المحارم إل بعد انقضاء العدة؛ لنها باقية
في حكم الزواج السابق.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،180/3 :القوانين الفقهية :ص ،209كشاف القناع ،81/5 :المقدمات الممهدات:
.458/1
( )2الدر المختار ،390/2 :اللباب ،6/3 :القوانين الفقهية :ص ،209المهذب ،43/2 :كشاف القناع:
.82-81/5
( )9/156
واختلفوا في الجمع بين المحارم إذا كانت إحداهن معتدة من طلق بائن .فقال الحنفية والحنابلة :يحرم
الجمع بين الختين ومن في حكمهما إذا كانت واحدة منهما في أثناء العدة من طلق بائن بينونة
صغرى أو كبرى؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم « :من كان يؤمن بال واليوم الخر ،فل يجمع ماءه في
رحم أختين» ( ، )1ولن البائن ممنوعة من الزواج في العدة لحق الزوج ،فأشبهت الرجعية ،ولن
الزواج بالخت ونحوها من المحارم في العدة يؤدي إلى قطيعة الرحم ،التي أمر ال بوصلها .وهذا
الرأي هو الراجح.
وقال المالكية والشافعية :يصح الزواج بأخت المطلقة ومن في حكمها من المحارم في أثناء العدة من
طلق بائن بينونة صغرى أو كبرى ،لنقطاع أثر الزواج السابق ،فل تحل لمن طلقها إل بعقد جديد،
وحينئذ ل تجتمع المرأتان في حكم فراش واحد.
وذكر الحنابلة ( : )2أنه لو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية ،أو انفسخ النكاح بين الزوجين بخلع أو
رضاع ،أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره ،لم يكن له أن يتزوج أحدا ممن يحرم الجمع بينه وبين
زوجته ،حتى تنقضي عدتها.
وإن أسلمت زوجته ،فتزوج أختها في عدتها ،ثم أسلما في عدة الولى ،اختار منهما واحدة ،كما لو
تزوجهما معا .وإن أسلم الرجل بعد انقضاء عدة الولى ،بانت منه ،وثبت نكاح الثانية.
وإن زنى الرجل بامرأة ،فليس له أن يتزوج بأختها ،حتى تنقضي عدتها .وحكم العدة من الزنا ،والعدة
من وطء الشبهة ،كحكم العدة من النكاح.
فإن زنى بأخت امرأته ،فقال أحمد :يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض المزني بها ثلث حيضات.
وقد ذكر عن أحمد في المزني بها :أنها تستبرأ بحيضة واحدة؛ لنه وطء من غير نكاح ،ول أحكامه
أحكام النكاح.
وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها فيها ،وكذبته ،أبيح له
نكاح أختها ،وأربع سواها في الظاهر .أما في الباطن فيبني على صدقه في ذلك؛ لنه حق فيما بينه
وبين ال تعالى ،فيقبل قوله فيه.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.81/5 :
( )2المغني 544/6 :وما بعدها.
( )9/157
ً - 5المرأة الخامسة لمتزوج بأربع سواها (الجمع بين الجنبيات ) :
ل يجوز للرجل في مذهب أهل السنة أن يتزوج أكثر من أربع زوجات في عصمته في وقت واحد
ولو في عدة مطلقة ،فإن أراد أن يتزوج بخامسة ،فعليه أن يطلق إحدى زوجاته الربع ،وينتظر حتى
تنقضي عدتها ،ثم يتزوج بمن أراد؛ لن النص القرآني ل يبيح للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع في
وقت واحد ،وهو قوله تعالى:
{وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى ،فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع ،فإن خفتم أل
تعدلوا فواحدةً ،أو ما ملكت أيمانكم ،ذلك أدنى أل تعولوا} [لنساء ]3/4:والمعنى :إن علمتم الوقوع في
ظلم اليتامى ،فلم تعدلوا في مهورهن أو في نكاحهن ،أو تحرجتم من الولية عليهم ،فخافوا أيضا من
ظلم النساء عامة ،وقللوا عدد الزوجات ،واقتصروا على أربع منهن ،وإن خفتم الجور في الزيادة على
الواحدة ،فاقتصروا على زوجة واح ،ويلحظ أن لفظ «مثنى» معدول به عن اثنين اثنين ،تقول:
جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين .وهكذا ثلث ورباع ،بيانا لنواع الزيجات وفئات الناس وما يباح
لهم أثناء تعدد الزوجات ،فالعطف بالواو للتخيير ل للجمع.
ويوضح مدلول الية حديث ابن عمر ،قال« :أسلم غيلن الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية،
فأسلمن معه ،فأمره النبي صلّى ال عليه وسلم أن يختار منهن أربعا» (. )1
وروى أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث قال :أسلمت وعندي ثمانُ نسوة ،فأتيت النبي صلّى
ال عليه وسلم ،فذكرت ذلك له ،فقال :اختر منهن أربعا.
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر ( نيل الوطار 159/6 :ومابعدها ).
( )9/158
وروى الشافعي عن نوفل بن معاوية أنه أسلم وتحته خمس نسوة ،فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم :
أمسك أربعا ،وفارق الخرى (. )1
ولم ينقل عن أحد من السلف في عهد الصحابة والتابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع ،فدل
العمل على وفق السنة على أنه ل يجوز الزواج بأكثر من أربع نسوة ،ولحاديث في مجموعها ل
تقتصر عن رتبة الحسن لغيره ،فتنتهض بمجموعها للحتجاج ،وإن كان كل واحد منها ل يخلو عن
مقال ،كما ذكر الشوكاني.
وذهب بعض المتأولين الشذاذ إلى أنه يجوز للرجل أن يتزوج تسعا ،أخذا بظاهر الية{ :مثنى وثلث
ورباع} [النساء ]3/4:لن الواو للجمع ل للتخيير ،أي يكون المجموع تسعا .وأجيب عن ذلك بأن الية
محمولة على عادة العرب في خطاب الناس على طريق المجموعات ،وأريد بها التخيير بين الزواج
باثنتين وثلث وأربع ،كما في قوله تعالى{ :جاعل الملئكة رسلً أولي أجنحة مثنى وثلث ورباع}
[فاطر ]1/35:أي أنهم فئات ،فمنهم ذو الجناحين ،ومنهم ذو الثلثة أجنحة ،ومنه ذو الربعة أجنحة؛
لن المثنى ليس عبارة عن الثنين ،بل أدنى ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العدد ،وأدنى ما يراد
بالثلث ثلث مرات من العدد ،وكذا الرباع.
السبب في القتصار على أربع :إن إباحة الزواج بأربع فقط قد يتفق في رأينا مع مبدأ تحقيق أقصى
قدرات وغايات بعض الرجال ،وتلبية رغباتهم وتطلعاتهم مع مرور كل شهر ،بسبب طروء دورة
العادة الشهرية بمقدار أسبوع لكل واحدة
-------------------------------
( )1راجع الحديثين في نيل الوطار ،149/6 :لكن في حديث قيس ضعيف .وفي إسناد حديث نوفل
رجل مجهول.
( )9/159
منهن ،ففي المشروع غنى وكفاية ،وسد للباب أمام النحرافات ،أوما قد يتخذه بعض الرجال من
عشيقات أو خدينات أو وصيفات ،ثم إن في الزيادة على الربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام
بحقوقهن؛ لن الظاهر أن الرجل ليقدر على الوفاء بحقوقهن ،وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله عز
وجل { :فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة} [النساء ]3/4:أي ل تعدلوا في القَسْم والجماع والنفقة في زواج
المثنى ،والثلث ،والرباع ،فواحدة ،فهوأقرب إلى عدم الوقوع في الظلم (. )1
وهكذا فإن القتصار على أربع عدل وتوسط ،وحماية للنساء من ظلم يقع بهن من جراء الزيادة ،وهو
بخلف ما كان عليه العرب في الجاهلية والشعوب القديمة حيث ل حد لعدد الزوجات وإهمال
بعضهن.
وهذه الباحة أضحت أمرا استثنائيا نادرا ،فل تعني أن كل مسلم يتزوج أكثر من واحدة ،بل أصبح
مبدأ وحدة الزوجة هو الغالب العظم.
قيود إباحة التعدد :
اشترطت الشريعة لباحة التعدد شرطين جوهريين هما:
- 1توفير العدل بين الزوجات :أي العدل الذي يستطيعه النسان ،ويقدر عليه ،وهو التسوية بين
الزوجات في النواحي المادية من نفقة وحسن معاشرة ومبيت ،لقوله تعالى{ :فإن خفتم أل تعدلوا
فواحدة ،أو ما ملكت أيمانكم ،ذلك أدنى أل تعولوا} [النساء ]3/4:فإنه تعالى أمر بالقتصار على واحدة
إذا خاف النسان الجور ومجافاة العدل بين الزوجات.
وليس المراد بالعدل ـ كما بان في أحكام الزواج الصحيح ـ هو التسوية في العاطفة والمحبة والميل
القلبي ،فهوغير مراد؛ لنه غير مستطاع ول مقدور لحد ،والشرع إنما يكلف بما هو مقدور للنسان،
فل تكليف بالمور الجبلّية الفطرية التي ل تخضع للرادة مثل الحب والبغض.
-------------------------------
( )1البدائع.266/2 :
( )9/160
ولكن خشية سيطرة الحب على القلب أمر متوقع ،لذا حذر منه الشرع في الية الكريمة{ :ولن
تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ،ولو حرصتم ،فل تميلوا كل الميل ،فتذروها كالمعلقة} [النساء:
]129/4وهو كله لتأكيد شرط العدل ،وعدم الوقوع في جور النساء ،بترك الواحدة كالمعلقة ،فل هي
زوجة تتمتع بحقوق الزوجية ،ول هي مطلقة .والعاقل :من قدّر المور قبل وقوعها ،وحسب
للحتمالت والظروف حسابها ،والية تنبيه على خطر البواعث والعواطف الداخلية ،وليست كما زعم
بعضهم لتقرير أن العدل غير مستطاع ،فل يجوز التعدد ،لستحالة تحقق شرط إباحته.
- 2القدرة على النفاق :ل يحل شرعا القدام على الزواج ،سواء من واحدة أو من أكثر إل بتوافر
القدرة على مؤن الزواج وتكاليفه ،والستمرار في أداء النفقة الواجبة للزوجة على الزوج ،لقوله صلّى
ال عليه وسلم « :يا معشر الشباب ،من استطاع منكم الباءة فليتزوج »...والباءة :مؤنة النكاح.
حكمة تعدد الزوجات :
إن نظام وحدة الزوجة هو الفضل وهو الغالب وهو الصل شرعا ،وأما تعدد الزوجات فهو أمر نادر
استثنائي وخلف الصل ،ل يلجأ إليه إل عند الحاجة الملحة ،ولم توجبه الشريعة على أحد ،بل ولم
ترغب فيه ،وإنما أباحته الشريعة لسباب عامة وخاصة.
أما السباب العامة :فمنها معالجة حالة قلة الرجال وكثرة النساء ،سواء في الحوال العادية بزيادة
نسبة النساء ،كشمال أوربا ،أم في أعقاب الحروب ،كما حد ث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الولى،
إذ أصبحت نسبة النساء للرجال واحدا إلى أربعة أو إلى ستة ،فقامت النساء اللمانيات بمظاهرات
يطالبن بالخذ بنظام تعدد الزوجات ،بعد أن قتلت الحرب معظم رجال ألمانيا ،وبعد أن كثر اللقطاء
في الشوارع والحدائق العامة.
( )9/161
وحينئذ يصبح نظام التعدد ضرورة اجتماعية وأخلقية ،تقتضيها المصلحة والرحمة ،وصيانة النساء
عن التبذل والنحراف ،والصابة بالمراض الخطيرة مثل مرض فقد المناعة ( اليدز) ،واليواء في
ظل بيت الزوجية الذي تجد فيه المرأة الراحة والطمأنينة،بدلً من البحث عن الصحاب الوقتيين ،أو
حمل لفتات في مواطن إشارات المرور يعلن فيها عن الرغبة في التصال الجنسي ،أو العرض
الرخيص في واجهات بعض المحلت في الشوارع العامة كما في ألمانيا وغيرها.
ومن هذه السباب :احتياج المة أحيانا إلى زيادة النسل ،لخوض الحروب والمعارك ضد العداء ،أو
للمعونة في أعمال الزراعة والصناعة وغيرها.
وقد أباحت اليهودية تعدد الزوجات ،ولم يرد في المسيحية نص يمنع التعدد ،وأذنت به الكنيسة في
عصرنا للفارقة المسيحيين.
ومن هذه السباب :الحاجة الجتماعية إلى إيجاد قرابات ومصاهرات لنشر الدعوة السلمية كما
حدث للنبي صلّى ال عليه وسلم ،فإنه عدد زوجاته التسع في سن الرابعة والخمسين من أجل نشر
دعوته وكسب النصار لدين ال الجديد .وبقي إلى هذه السن على زوجة واحدة هي السيدة خديجة
رضي ال عنها.
وأما السباب الخاصة فكثيرة منها:
- 1عقم المرأة أو مرضها ،أو عدم توافق طباعها مع طباع الزوج :
قد تكون المرأة عقيما ل تلد ،أو أن بها مرضا منفرا يحول بينها وبين تحقيق رغبات الزوج ،أو أن
طبعها لم ينسجم مع طبع الزوج ،فيكون من الفضل والرحم ومن المروءة أن تظل هذه الزوجة في
رباط الزوجية؛ لنه أكرم لها وأحب إلى نفسها ،وتعطى الفرصة للرجل بالزواج من ثانية تحقق له
السعادة بإنجاب الولد ،وإرواء غريزة حب الولد .وقد يزول مرض المرأة ،وتتحسن طبائعها
وأخلقها مع مرور الزمن ونضوج العقل ،فتجد في زوجها المل ،وتنأى به عن الحرمان واليأس
وال ُعقَد النفسية ،وذلك في حدود أربع نسوة تتناسب مع طاقة الرجل وقدرته في عيشه على تحمل أعباء
الحياة الزوجية.
( )9/162
وقد بينت أن سبب القتصار على أربع هو كونه أقرب إلى تحقيق العدل والرحمة بالمرأة التي ينقطع
عنها زوجها ثلث ليال ثم يعود إليها.
أما ما قد يؤدي إليه التعدد من فساد السرة بسبب التحاسد والتنافر بين الضرائر ،أوتشرد الولد ،فهو
ناشئ غالبا من ضعف شخصية الرجل ،وعدم التزامه بقواعد الشرع وما يوجبه عليه من عدل وقَسْم
في المبيت ،وعناية بالولد ،وإحساس كبير بمطالب الحياة الزوجية ،فإذا عدل الرجل بين زوجاته،
وسوّى بين أولده في التربية والتعليم والنفقة ،ووضع حدا لكل زوجة ل تتجاوزه ،فإنه يساهم إلى حد
كبير في استئصال كل بذور الفتنة والسوء ،والضغينة والبغضاء بين أفراد أسرته ،وهو خير كبير له،
فيريح فكره من الهموم وحل المشكلت ،ويتفرغ لواجباته المعيشية وأعماله خارج المنزل.
فإن بقي بعدئذ شيء في نفس المرأة والولد من الغيرة الطبيعية الذاتية ،فهو شيء عادي ل تخلو عنه
كل المجتمعات الصغيرة ،ويمكن التغلب على آثاره بالحكمة والعدل وعدم الصغاء لتدخلت الجيران
والمعارف.
أما منع تعدد الزواج :ففيه توفير مصلحة المرأة نفسها ،إذ تكون عادة مبعث نزاع حاد بين الرجال،
وتنافس وتزاحم بين الشركاء يلحق بها ضررا ومتاعب ،وفي هذا التعدد ضرر اجتماعي ،وفساد
كبير ،بسبب ضياع النساب ،واختلط أصول الولد ،وضياعهم في نهاية المر ،إذ قد يتخلى كل
هؤلء الرجال عن إعالتهم ،بحجة أنهم أبناء الخرين.
- 2اشتداد كراهية الرجل للمرأة في بعض الوقات :قد ينشأ نزاع عائلي بين الزوج وأقارب زوجته،
أو بينه وبين زوجته ،وتستعصي الحلول ،وتتأزم المواقف ،ويتصلب الطرفان ،فإما فراق نهائي يأكل
كبد المرأة للبد ،وإما صبر وقتي من الرجل ،تتطلبه الخلق والوفاء ،والحكمة والعقل ،ول شك أن
اتخاذ الموقف الثاني بإبقاء الزوجة في عصمة زوجها مع زوجة أخرى أهون بكثير من الطلق :
«أبغض الحلل إلى ال » .
( )9/163
- 3ازدياد القدرة الجنسية لبعض الرجال :قد يكون بعض الناس ذا طاقة جنسية كبيرة ،تجعله غير
مكتفٍ بزوجة واحدة ،إما لكبر سنها ،أو لكراهيتها التصال الجنسي ،أو لطول عادتها الشهرية ومدة
نفاسها ،فيكون الحل لمثل هذه الظروف ومقتضى الدين الذي يتطلب التمسك بالعفة والشرف هو تعدد
الزوجات ،بدلً من البحث عن اتصالت غير مشروعة ،بما فيها من سخط ال عز وجل ،وضرر
شخصي واجتماعي عام مؤكد الحصول بشيوع الفاحشة أو الزنا.
والخلصة :أن إباحة تعدد الزوجات مقيد بحالة الضرورة أو الحاجة أو العذر ،أو المصلحة المقبولة
شرعا.
الدعوة إلى جعل تعدد الزوجات بإذن القاضي :
ظهرت دعوات جديدة في عصرنا تمنع تعدد الزوجات إل بإذن القاضي ،ليتأكد من تحقق ما شرطه
الشرع لباحة التعدد ،وهو العدل بين الزوجات والقدرة على النفاق؛ لن الناس وخصوصا الجهلة
أساؤوا استعمال رخصة التعدد المأذون بها شرعا لغايات إنسانية كريمة .لكن تولى المخلصون دحض
مثل هذه الدعوات لسباب معقولة هي ما يأتي (: )1
- 1إن ال سبحانه وتعالى أناط بالراغب في الزواج وحده تحقيق شرطي التعدد ،فهو الذي يقدر
الخوف من عدم العدل ،لقوله تعالى{ :فإن خفتم أل تعدلوا ،فواحدة} [النساء ]3/4:فإن الخطاب فيه
لنفس الراغب في الزواج ،ل لحد سواه ،من قاض أوغيره ،فيكون تقدير مثل هذا الخوف من قبل
غير الزوج مخالفا لهذا النص .وكذلك البحث في توافر القدرة على النفاق ،فإنه منوط بالراغب في
الزواج ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج »..فهو
خطاب للزواج ،ل لغيرهم.
-------------------------------
( )1الحكام الشرعية للحوال الشخصية ،للستاذ الشيخ زكي الدين شعبان :ص 196وما بعدها.
( )9/164
- 2إن إشراف القاضي على المور الشخصية أمر عبث ،إذ قد ل يطلع على السبب الحقيقي،
ويخفي الناس عادة عنه ذلك السبب ،فإن اطلع على الحقائق ،كان اطلعه فضحا لسرار الحياة
الزوجية ،وتدخلً في حريات الناس ،وإهدارا لرادة النسان ،وخوضا في قضايا ينبغي توفير وقت
القضاة لغيرها ،ومنعا وأمرا في غير محله ،فالزواج أمر شخصي بحت ،يتفق فيه الزوجان مع أولياء
المرأة ،ل يستطيع أحد تغيير وجهته ،وتبديل قيمه .وإن أسرار البيت المغلقة ل يعلم بها أحد غير
الزوجين.
- 3إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة المخيفة ،وإنما هو على العكس محدود ونادر ل يتجاوز نسبة
%4في مصر وليبيا في الخمسينات ،وفي سورية بنسبة ،%1ومثل هذه النسب ل تستوجب
إصدارقوانين خاصة بها ،بل إنه إذا صدرت القوانين فلن يتغير من المر شيء؛ لن هذه القضايا
تحتاج لضوابط وكوابح داخلية هي الدين والوجدان والخلق.
- 4ليس تعدد الزوجات هو السبب في تشرد الطفال ،كما يزعمون ،وإنما السبب يكمن في إهمال
الب تربية النشء ،وإدمان الخمر ،وتعاطي المخدرات ،والنصراف في إرواء اللذات طيشا وعبثا،
وفعل الميسر وارتياد المقاهي ،وإهمال شأن السرة ،وغيرها من السباب .وكانت نسبة المتشردين
بسبب تعدد الزوجات ل تزيد في مصر في الخمسينات عن ( ،) %3ويرجع التشرد في الحقيقة إلى
الفقر في الدرجة الولى .وعلج مساوئ التعدد يكون بأمرين:
أولً ـ تربية الجيل تربية دينية وخلقية حصينة ،بحيث يدرك الزوجان خطورة رابطة الزوجية
المقدسة ،وارتكازها على أساس الود والرحمة ،كما قال تعالى{ :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجا لتسكنوا إليها ،وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم.]21/30:
( )9/165
ثانيا ـ معاقبة من يظلم زوجته ،أو يقصر في حقوقها ،أو يهمل تربية أحد أولده ،فمن فرط في
واجبه يؤاخذ في الدنيا والخرة.
خلصة موانع الزواج الشرعية كما ذكرها المالكية :
يحسن تلخيص الموانع الشرعية للزواج في فقه المالكية ،لتصنيفها البديع لديهم ،فإنهم قسموا كغيرهم
هذه الموانع إلى موانع مؤبدة وموانع غير مؤبدة.
والموانع المؤبدة تنقسم إلى متفق عليها ،ومختلف فيها ،فالمتفق عليها ثلثة :نسب وصهر ورضاع.
والمختلف فيها :الزنا واللعان.
وغير مؤبدة تنقسم إلى تسعة:
أحدها :مانع العدد ،والثاني :مانع الجمع ،والثالث :مانع الرق ،والرابع :مانع الكفر ،والخامس :مانع
الحرام ،والسادس :مانع المرض ،والسابع :مانع العدة ،على اختلف في عدم تأبيده ،والثامن :مانع
التطليق ثلثا للمطلق .والتاسع :مانع الزوجية .وتكون الموانع الشرعية أربعة عشر مانعا (. )1
- 1أما مانع النسب :فاتفق الفقهاء على أن النساء المحرمات من قبل النسل :السبع المذكورات في
القرآن ،وهن المهات والبنات والخوات والعمات والخالت وبنات الخ ،وبنات الخت .والم :كل
أنثى لها عليك ولدة ،من جهة الم أو من جهة الب .والبنت :كل أنثى لك عليها ولدة من قبل البن
أو من قبل البنت أو مباشرة .والخت :كل أنثى شاركتك في أحد أصليك ،أو في مجموعهما أي الب
أو الم ،أو في كليهما .والعمة :كل أنثى هي أخت لبيك أو لكل ذكر له عليك ولدة .والخالة :أخت
أمك ،أوأخت كل أنثى لها عليك ولدة .وبنات الخ :كل أنثى لخيك عليها ولدة من قبل أمها أو من
قبل أبيها أو مباشرة .وبنات الخت :كل أنثى لختك عليها ولدة مباشرة ،أو من قبل أمها أو من قبل
أبيها.
- 2وأما مانع المصاهرة :فيحرم أربع بالمصاهرة :زوجات الباء ،وزوجات البناء ،وأمهات
النساء ،وبنات الزوجات (الربائب) ،واتفقوا على أن اثنين منهن يحرمن بنفس العقد :وهو تحريم
زوجات الباء والبناء ،وواحدة تحرم بالدخول وهي ابنة الزوجة ،وأما أم الزوجة فتحرم عند
الجمهور بالعقد على البنت ،دخل بها أو لم يدخل .وفي رأي ضعيف أم الم إل بالدخول على البنت،
كالحال في البنت ،وهو مروي عن علي وابن عباس رضي ال عنهما من طرق ضعيفة.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،49-31/2 :القوانين الفقهية :ص ،210-204الشرح الصغير.428-402/2 :
( )9/166
- 3وأما مانع الرضاع :فاتفقوا على أنه يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب ،أي أن المرضعة تنزّل
منزل الم ،فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على البن من قبل أم النسب.
واتفق أئمة المذاهب الربعة على أن لبن الفحل يحرّم ،أي يصير الرجل الذي له اللبن ،وهو زوج
المرأة أبا للمرضع ،فيحرم بينهما ومن جهتها ما يحرم من الباء والبناء الذين من النسب.
- 4وأما مانع الزنا أي زواج الزانية :فأجازه الجمهور ،ومنعه قوم ،ومنشأ اختلفهم :اختلفهم في
مفهوم قوله تعالى{ :والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك ،وحرم ذلك على المؤمنين} [النور]3/24:
هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟
- 5وأما مانع العدد :فاتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء ،ورأى الجمهور أنه ل تجوز
الخامسة ،لقوله تعالى{ :فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع} [النساء ]3/4:ولقوله
عليه الصلة والسلم لغيلن لما أسلم وتحته عشر نسوة« :أمسك أربعا ،وفارق سائرهن» وقال الشيعة
والظاهرية :يجوز تسع ،ومذهبهم مذهب الجمع ،أي جمع العداد في قوله تعالى{ :مثنى وثلث
ورباع} [النساء.]3/4:
- 6وأما مانع الجمع :فاتفقوا على أنه ل يجمع بين الختين بعقد زواج ،لقوله تعالى{ :وأن تجمعوا
بين الختين} [النساء ]23/4:واتفقوا أيضا على أنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها ،وبين المرأة
وخالتها ،لحديث أبي هريرة المتواتر كما قال ابن رشد ،أو المشهور كما قال الحنفية« :ل يجمع بين
المرأة وعمتها ،ول بين المرأة وخالتها» .
والعمة :هي كل أنثى هي أخت لذكر له عليك ولدة ،إما بنفسك ،وأما بواسطة ذكر آخر .والخالة :هي
كل أنثى هي أخت لكل أنثى لها عليك ولدة ،إما بنفسها ،وإما بتوسط أنثى غيرها ،وهن المحرمات
من قبل الم.
( )9/167
- 7وأما مانع الرق :فاتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح المة ،وللحرة أن تنكح العبد إذا رضيت به
هي وأولياؤها .ول يجوز نكاح الحر المة إل بشرطين عند الجمهور غير ابن القاسم المالكي :وهما
طوْل الحرة أو الكتابية ،أي المهر الذي يتزوجها به
الخوف على نفسه العَنت أي الزنا ،والعجز عن َ
من عين أو عرض ،لقوله تعالى{ :ومن لم يستطع منكم طولً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما
ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} { ...ذلك لمن خشي العَنت منكم} [النساء .]4/25:وهذا هو
الراجح كما في شروح خليل ،ولكن قال ابن رشد :رأي ابن القاسم هو المشهور من مذهب مالك وهو
أنه يجوز زواج الحر من المة بإطلق.
- 8وأما مانع الكفر :فاتفقوا على أنه ل يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية ،لقوله تعالى{ :ول تمسكوا
بعصم الكوافر} [الممتحنة ،]10/60:واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابيةالحرة إل ما روي في ذلك
عن ابن عمر .وقال الشيعة المامية ( )1في الظهر من القولين :ل يجوز نكاح الكتابية غبطة،
ويجوز متعة.
- 9وأما مانع الحرام :فل يجوز عند الجمهور نكاح المحرم ،فل يَنْكح المحرم ول يُنكح ،فإن فعل
فالنكاح باطل .وقال أبو حنيفة :ل بأس بذلك ،لتعارض حديثين :حديث ابن عباس أن رسول ال صلّى
ال عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم ،وحديث ميمونة أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم تزوجها
وهو حلل .وإذا قلنا :تعارض الفعل فسقط الستدلل به ،فيرجح القول،وهو حديث «ل ينكح المحرم
ول ينكح» .
-------------------------------
( )1المختصر النافع :ص .203
( )9/168
10ـ وأما مانع المرض :فقال مالك في المشهور عنه :ل يجوز نكاح المريض مرض الموت ،وقال
الجمهور :إنه يجوز ،وسبب اختلفهم تردد النكاح بين البيع وبين الهبة؛ لنه ل تجوز هبة المريض
إل من الثلث ،ويجوز بيعه .ولختلفهم أيضا سبب آخر :وهل هو يتهم في إضرار الورثة بإدخال
وارث زائد ،أو ل يتهم؟
- 11وأما مانع العدة :فاتفقوا على أن النكاح ل يجوز في العدة ،سواء أكانت عدة حيض أم عدة
حمل ،أم عدة أشهر ،وسواء من نكاح أم شبهة نكاح .واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها ودخل بها،
فقال مالك والوزاعي والليث :يفرق بينهما ،ول تحل له أبدا ،وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري
وأحمد :يفرق بينهما ،وإذا انقضت العدة ،فل بأس في تزوجه إياها مرة ثانية .وسبب اختلفهم اختلف
أقوال الصحابة ،فالفريق الول أخذ بقول عمر رضي ال عنه حينما فرق بين طليحة السدية وبين
زوجها راشد الثقفي ،لما تزوجها في العدة من زوج ثان ،وقال« :أيما امرأة نكحت في عدتها ،فإن
كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرّق بينهما ،ثم اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم كان الخر
خاطبا من الخطاب ،وإن كان دخل بها ،فرّق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم اعتدت من
الخر ،ثم ل يجتمعان أبدا» .
واحتج الفريق الثاني بقول علي وابن مسعود رضي ال عنهما ،خلفا لرأي عمر رضي ال عنه ،فلم
يقضيا بتحريمها عليه.
- 12وأما مانع الزوجية :فإنهم اتفقوا على أن الزوجية بين المسلمين مانعة ،وكذا بين الذميين ،لقوله
تعالى{ :والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم} [النساء.]24/4:
- 13وأما مانع اللعان :فتقع به عند الجمهور غير الحنفية الفرقة المؤبدة ،فل تحل له أبدا ،وإن أكذب
نفسه .والفرقة عند أبي حنيفة تنتهي إذا أكذب نفسه.
( )9/169
- 14وأما مانع التطليق ثلثا للمطلق :فاتفقوا على أنه ل يجوز للمطلق أن يعقد عليها مرة أخرى
حتى تتزوج زواجا طبيعيا بزوج آخر ،ثم يطلقها بنحو طبيعي ،ثم تنقضي عدتها من الثاني ،لقوله
تعالى{ :فإن طلقها ،فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة.]230/2:
المحارم من النساء في القانون السوري :
أ ـ الحرمات المؤبدة:
المادة ( - ) 33يحرم على الشخص أصوله وفروعه وفروع أبويه والطبقة الولى من فروع أجداده.
المادة ( - )34يحرم على الرجل:
- 1زوجة أصله أو فرعه وموطوءة أحدهما.
- 2أصل موطوءته وفرعها وأصل زوجته.
المادة ( 1« - ) 35يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إل ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه- 2 .
يشترط في الرضاع للتحريم أن يكون في العامين الولين ،وأن يبلغ خمس رضعات متفرقات ،يكتفي
الرضيع في كل منها ،قل مقدارها أو كثر» .
ب ـ الحرمات المؤقتة:
المادة ( - 1« - ) 36ل يجوز أن يتزوج الرجل امرأة طلقها ثلث مرات إل بعد انقضاء عدتها من
زوج آخر دخل بها فعلً.
- 2زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق ،ولو كانت دون الثلث ،فإذا عادت إليه يملك
عليها ثلثا جديدة» .
المادة ( - ) 37ل يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الربع ،وتنقضي
عدتها.
المادة ( - ) 38ل يجوز التزوج بزوجة آخر ول بمعتدته.
المادة ( - ) 39ل يجوز الجمع بين امرأتين لو فرضت كل منهما ذكرا ،حرمت عليه الخرى ،فإن
ثبت الحل على أحد الفرضين جاز الجمع بينهما.
( )9/170
( )9/171
- 3زواج النبي بعائشة وهي صغيرة ،فإنها قالت« :تزوجني النبي وأنا ابنة ستٍ ،وبنى بي وأنا ابنة
تسع» ( )1وقد زوجها أبوها أبو بكر رضي ال عنهما .وزوج النبي صلّى ال عليه وسلم أيضا ابنة
عمه حمزة من ابن أبي سلمة ،وهما صغيران.
- 4آثار عن الصحابة :زوّج (أي عقد) علي ابنته أم كلثوم ،وهي صغيرة من عروة بن الزبير،
وزوج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه وهما صغيران .ووهب رجل بنته الصغيرة لعبد ال
بن الحسن بن علي ،فأجاز ذلك علي رضي ال عنهما ،وزوجت امرأة بنتا لها صغيرة لبن المسيب
بن نخبة ،فأجاز ذلك زوجها عبد ال ابن مسعود رضي ال عنه.
- 5قد تكون هناك مصلحة بتزويج الصغار ،ويجد البُ الكفءَ ،فل يفوت إلى وقت البلوغ.
وهناك رواية :معقولة :وهي بنت ثلث عشرة.
-------------------------------
( )1متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد (نيل الوطار )120/6 :وفي رواية عند البخاري ومسلم:
تزوجها وهي بنت سبع سنين ،وزفت إليه وهي بنت تسع سنين.
( )9/172
( )9/173
وقال الشافعية ( : )1ليس لغير الب والجد تزويج الصغير والصغيرة ،لخبر الدارقطني« :الثيب أحق
بنفسها من وليها ،والبكر يزوجها أبوها» ورواية مسلم« :والبكر يستأمرها أبوها» والجد كالب عند
عدمه؛ لن له ولية وعصوبة كالب.
والخلصة :
المالكية قالوا :القياس أل يجوز تزويج الصغار إل أنا تركنا ذلك في حق الب للثار المروية فيه،
فبقي ما سواه على أصل القياس .والحنابلة رأوا أن الحاديث مقصورة على الب .والشافعية استدلوا
بالحاديث ،لكنهم قاسوا الجد على الب ،والحنفية أخذوا بعموم اليات القرآنية التي تأمر الولياء
بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم.
واشترط أبو يوسف ومحمد في تزويج الصغار الكفاءة ومهر المثل؛ لن الولية للمصلحة ،ول
مصلحة في التزويج من غير كفء ول مهر مثل.
وكذلك اشترط الشافعية في تزويج الصغير وجود المصلحة ،وفي تزويج الب الصغيرة أو الكبيرة
بغير إذنها شروطا سبعة هي:
الول ـ أل يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة.
الثاني -أن يزوجها من كفء.
الثالث ـ أن يزوجها بمهر مثلها.
الرابع ـ أن يكون من نقد البلد.
الخامس ـ أل يكون الزوج معسرا بالمهر.
السادس ـ أل يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.
السابع ـ أل يكون قد وجب عليها الحج ،فإن الزوج قد يمنعها لكون الحج على التراخي ،ولها غرض
في تعجيل براءتها ،ويجوز أن يزوج الصغير أكثر من واحدة.
وأجاز المالكية للب تزويج البكر الصغيرة ،ولو بدون صداق المثل ،ولو لقل حال منها ،أو لقبيح
منظر ،وتزوج البالغ ( أو البالغة ) بإذنها ،إل اليتيمة الصغيرة التي بلغت عشر سنين ،فتزوج بعد
استشارة القاضي على أن يكون الزواج بكفء وبمهر المثل.
ورأى الحنابلة :أن يزوج الب ابنه الصغير والمجنون بمهر المثل وغيره ،ولو كرها؛ لن للب
تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها ،وهذا مثله ،فإنه قد يرى المصلحة في تزويجه ،فجاز له بذل
المال فيه كمداواته فهذا أولى .وإذا زوج الب ابنه الصغير ،فيزوجه بامرأة واحدة لحصول الغرض
بها ،وله تزويجه بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة ،وضعّف بعض الحنابلة هذا ،إذ ليس فيه
مصلحة ،بل مفسدة ،وصوّب أنه ل يزوجه أكثر من واحدة .أما الوصي فل يزوجه أكثر بل خلف؛
لنه تزويج لحاجة ،والكفاية تحصل به ،إل أن تكون غائبة أو صغيرة أو طفلة ،وبه حاجة ،فيجوز أن
يزوجه ثانية .ولسائر الولياء تزويج بنت تسع سنين فأكثر بإذنها ،لما روى أحمد عن عائشة« :إذا
بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة» أي في حكم المرأة.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.169 ،149/3 :
( )9/174
العقل :وأما العقل فليس شرطا بالتفاق ،فيجوز للولي أبا أو غيره عند الحنفية ( )1أن يزوج المجنون
أوالمجنونة أو المعتوه أو المعتوهة ( )2صغيرا أم كبيرا ،بكرا أم ثيبا.
وللب عند المالكية ( )3تزويج المجنون أو المجنونة ونحوهما ،في حال الصغر أو الكبر ،ولو ثيبا،
لعدم التمييز ،ول كلم لولدهما معه إن كان لهما ولد رشيد ،إل من يفيق أو تفيق من جنونها أحيانا،
فتنتظر إفاقتها لتستأذن ول تجبر ،وذلك إذا لم يلزم على تزويج المجنونة ضرر عادة ،كتزويجها من
خصي أو ذي عاهة ،كجنون وبرص وجذام ،مما يردّ الزوج به شرعا.
ورأى الشافعية ( : )4أنه ل يزوّج مجنون صغير أو كبير ،إل لحاجة للزواج ،ويزوجه امرأة واحدة
فقط الب ،ثم الجد ،ثم السلطان ،دون سائر العصبات كولية المال .ويزوج الب أو الجد لوفور
شفقتهما المجنونة الصغيرة أو الكبيرة إن ظهرت مصلحة في تزويجها ،ول تشترط الحاجة قطعا ،فإن
لم يكن أب أو جد لم تزوج في صغرها ،فإن بلغت زوجها السلطان في الصح للحاجة للزواج ،ل
لمصلحة في الصح ،كتوفر المؤن.
وقال الحنابلة ( : )5لسائر الولياء تزويج المجنونة إذا ظهر منها الميل إلى الرجال؛ لن لها حاجة
إلى الزواج لدفع ضرر الشهوة عنها ،وصيانتها عن الفجور .ويعرف ميلها إلى الرجال من كلمها
وتتبعها الرجال وميلها إليهم ونحوه من قرائن الحوال ،وكذا إن قال الطباء (ثقة أو اثنان) :إن علتها
تزول بتزويجها .فإن لم يكن لها ولي إل الحاكم زوّجها.
وإن احتاج المجنون البالغ أو الصغير العاقل إلى الزواج أو لغيره كالخدمة ،زوجهما الحاكم عند عدم
الب والوصي ،وليس لغير الب ووصيه والحاكم التزويج ،ول يجوز التزويج إن لم يحتج المجنون
والصغير إليه؛ لنه إضرار بهما بل منفعة.
-------------------------------
( )1البدائع. 241/2 :
( )2العته :ضعف في العقل ينشأ عنه ضعف في الوعي والدراك .أما الجنون فهو اختلل في العقل
ينشأ عنه اضطراب أو هيجان.
( )3الشرح الصغير.355/2 :
( )4مغني المحتاج 168/3 :ومابعدها.
( )5كشاف القناع 46/5 :وما بعدها.
( )9/175
( )9/176
( )9/177
( )9/178
وولية المامة :هي ولية المام العادل ونائبه ،كالسلطان والقاضي ،فلكل منهما تزويج عديم الهلية
أو ناقصها بشرط أل يكون له ولي قريب ،للحديث السابق« :السلطان ولي من ل ولي له» (. )1
وولية الجبار بالمعنى الخاص :هي حق الولي في أن يزوج غيره بمن شاء.
وتثبت ولية الجبار بهذا المعنى عند الحنفية :على الصغيرة ولو كانت ثيبا ،وعلى المعتوه والمجنونة
والمة المرقوقة .ويقال لصاحبها :ولي مُجْبر.
- 2وأما ولية الختيار :فهي حق الولي في تزويج المولى عليه بناء على اختياره ورضاه ،ويقال
لصاحبها :ولي مُخَيّر .وهي مستحبة عند أبي حنيفة وزفر في تزويج المرأة الحرة البالغة العاقلة،
سواء أكانت بكرا أم ثيبا ،رعاية لمحاسن العادات والداب التي يراعيها السلم ،إذ للمرأة عندهم أن
تتولى تزويج نفسها باختيارها وإرادتها ،لكن يستحب لها أن تولي أمر العقد لوليها .وشرط ثبوت هذه
الولية هو رضا المولى عليه ل غير.
والخلصة :أنه ل ولي عند الحنفية إل الولي المجبر ،فليس عندهم ولي غير مجبر يتوقف عليه العقد،
وكل ولي :مجبر.
أنواع الولية عند المالكية :
الولية عند المالكية قسمان :خاصة وعامة (: )2
- 1الولية الخاصة :هي التي تثبت لناس معينين ،وهم ستة أصناف :الب ،ووصيه ،والقريب
العصبة ،والمولى ،والكافل ،والسلطان .وأسباب هذه الولية ستة هي:
البوة ،واليصاء ،والعصوبة ،والملك ،والكفالة ،والسلطنة .أما الولية بالكفالة :فهي أن يكفل رجل
امرأة فقدت والدها .وغاب عنها أهلها ،فقام بتربيتها مدة خاصة ،فيكون له عليها حق الولية في
تزويجها ،ويشترط لثبوت هذه الولية شرطان.
-------------------------------
( )1أخرجه الربعة إل النسائي عن عائشة ،وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم (سبل السلم:
.)118/3
( )2القوانين الفقهية :ص 198وما بعدها ،الشرح الصغير ،363-351/2 :الشرح الكبير-221/2 :
241 ،232وما بعدها.
( )9/179
أحدهما :أن تمكث عنده زمنا يوجب حنانه وشفقته عليها عادة وبالفعل ،فل حاجة لتقدير زمن معين
كأربع سنوات أو عشر على الظهر.
والثاني :أل تكون شريفة ،والشريفة :هي ذات الجمال أو المال ،فإن كانت ذات جمال فقط أو ذات
مال فقط ،زوجها الحاكم .ورجح بعض المالكية أن ولية الكفيل عامة تشمل الشريفة والدنيئة.
- 2والولية العامة :تثبت بسبب واحد هو السلم ،فهي تكون لكل مسلم ،على أن يقوم بها واحد
منهم ،بأن توكل امرأة أحد المسلمين ليباشر عقد زواجها ،بشرط أل يكون لها أب أو وصيه ،وبشرط
أن تكون دنيئة ل شريفة .والدنيئة :هي الخالية من الجمال والمال والحسب والنسب .والخالية من
النسب :بنت الزنا أو الشبهة أو المعتوقة من الجواري .والحسب :هو الخلق الكريمة كالعلم والتدبير
والكرم ونحوها من محاسن الخلق.
يصح الزواج بالولية العامة في امرأة دنيئة ،مع وجود ولي خاص غير مجبر ،كأب وابن عم ،كما
يصح زواج شريفة بالولية العامة مع وجود ولي خاص غير مجبر إن دخل الزوج بها ،وطال
الدخول مدة هي أن يمضي زمن تلد فيه الولد كثلث سنين ،كطول مدة زواج الصغيرة التي ل أب
لها إذا زوجت مع فقد الشروط أو بعضها .وتجوز الولية العامةإذا تعذرت الولية الخاصة.
وتثبت ولية الجبار عند المالكية بأحد سببين :البكارة ،والصغر فيقع ،الجبار للبكر وإن كانت بالغا،
وللصغيرة وإن كانت ثيبا ،ويستحب استئمارها.
والولي المجبر عندهم أحد ثلثة :مالك المة أو العبد ،فالب ،فوصي الب عند عدم الب .والولي
غير المجبر :يشمل العصبة ،ثم المولى (من أعتق المرأة ثم عصبته) ثم الكافل ،ثم الحاكم.
وقرابة العصبة كالبن والخ والجد وابن العم ،ل يزوجون إل البالغة بإذنها ،وتأذن الثيب بالكلم،
والبكر بالصمت.
والولي غير المجبر يزوج البالغ ل الصغيرة بإذنها ورضاها ،سواء أكانت البالغ بكرا أم ثيبا.
( )9/180
( )9/181
فليس للولي تزويج الثيب إل بإذنها ،فإن كانت الثيب صغيرة لم تزوّج حتى تبلغ؛ لن إذن الصغيرة
غير معتبر ،فامتنع تزويجها إلى البلوغ ،وتزوج الثيب البالغة بصريح الذن ،ول يكفي سكوتها .بدليل
خبر الدارقطني السابق،وخبر «ل تنكحوا اليامى حتى تستأمروهن» ( )1ولنها عرفت مقصود
الزواج ،فل تجبر بخلف البكر .ودليل صراحة الذن :حديث « :ليس للولي مع الثيب أمر» ( )2ولو
أذنت بلفظ التوكيل جاز؛ لن المعنى فيهما واحد.
والحاصل :أن الفرق بين البكر والثيب هوفي حكم الذن ونوعه ،فالبكر يستحب استئذانها ،وإذنها
صماتها ،والثيب يجب استئذانها ،بصريح الذن.
وأما المجنونة فيزوجها الب ،والجد عند عدمه قبل بلوغها للمصلحة.
أنواع الولية عند الحنابلة :
ل يصح نكاح المرأة إل بولي عند الحنابلة ( )3كالشافعية والمالكية ،فلو زوّجت امرأة نفسها ،أو
زوّجت غيرَها كبنتها وأختها ،أو وكلت امرأة غير وليها في تزويجها ولو بإذن وليها في الصور
الثلث ،لم يصح النكاح لعدم وجود شرطه ،ولنها غير مأمونة على ال ُبضْع لنقص عقلها ،وسرعة
انخداعها ،فلم يجز تفويضه إليها ،كالمبذر في المال ،فل يصح أن توكل فيه ،ول أن تتوكل فيه ،فإن
حكم بصحته حاكم أو كان المتولي العقد حاكما يراه ،لم ينقض كسائر النكحة الفاسدة ،إذا حكم بها من
يراها ،لم ينقض؛ لنه يسوغ فيها الجتهاد ،فلم يجز نقض الحكم بها.
وولية الجبار :تثبت لب ،ووصيه ،ثم الحاكم ،كما قال المالكية ،ول تثبت للجد وسائر الولىاء،
وذلك عند تزويج الصغيرة فقط.
وولية الختيار :تثبت لسائر الولياء عند تزويج امرأة حرة مكلفة (كبيرة بالغة) ثيبا كانت أو بكرا
بإذنها ،وإذن البكر :الصمت ،وإذن الثيب :الكلم ،بدليل حديث أبي هريرة مرفوعا« :ل تنكح اليم
حتى تستأمر ،ول تنكح البكر حتى تستأذن ،قالوا :يا رسول ال ،وكيف إذنها؟ قال:
-------------------------------
( )1رواه الترمذي ،وقال :حسن صحيح.
( )2رواه أبو داود والنسائي ( نيل الوطار.)120/6 :
( )3المغني ،456/6 :كشاف القناع 46/5 :وما بعدها.
( )9/182
أن تسكت» ( )1وحديث «الثيب تعرب عن نفسها ،والبكر رضاها صمتها» (. )2
ولسائر الولياء تزويج بنت تسع سنين فأكثر بإذنها ،ولهاإذن صحيح معتبر ،لحديث عائشة« :إذا بلغت
الجارية تسع سنين ،فهي امرأة» ( )3وروي مرفوعا عن ابن عمر .ومعناه :في حكم المرأة ،ولنها
تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه ،فأشبهت البالغة.
والخلصة :يزوج الرجل البالغ العاقل نفسه بالتفاق بالصالة عن نفسه ،ويزوج الولي الصغار
والمجانين والمعتوهين بالتفاق بالولية عن الشارع.
واختلف الفقهاء في زواج المرأة البالغة العاقلة ،فقال الحنفية :لها أن تتزوج بنفسها ،وقال الجمهور:
يزوجها وليها ،لكن عند الحنابلة بإذنها سواء أكانت بكرا أم ثيبا ،وعند المالكية والشافعية :بإذنها إذا
كانت ثيبا ،وبغير إذنها إذا كانت بكرا صغيرة أم كبيرة.
وكل ولي مجبر عند الحنفية ،والمجبر عند المالكية والحنابلة :الب ووصيه والحاكم ،والمجبر عند
الشافعية :الب ،والجد فقط عند عدم الب.
ويستحب استئذان البنت البكر عند المالكية والشافعية ،ول إذن للصغيرة بحال عند الحنابلة ،وليس
عندهم للحاكم ولسائر الولياء تزويج بنت دون تسع سنين.
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2رواه الثرم وابن ماجه.
( )3رواه أحمد بسنده.
( )9/183
( )2رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة (نصب الراية ،183/3 :سبل السلم.)117/3 :
( )3أخرجه أحمد والربعة إل النسائي ،وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم وابن معين وغيره
من الحفاظ (نصب الراية ،184/3 :سبل السلم.)118/3 :
( )4أخرجه الدارقطني ،وفي إسناده كلم (نصب الراية.)188/3 :
( )9/184
رابعا ـ شروط الولي :
يشترط في الولي شروط متفق عليها بين الفقهاء وهي (: )1
ً - 1كمال الهلية :بالبلوغ والعقل والحرية ،فل ولية للصبي والمجنون والمعتوه (ضعيف العقل)
والسكران ،وكذا مختل النظر بهرَم( ،وهو كبر السن) أو خبَل (وهو فساد في العقل) ،والرقيق؛ لنه ل
ولية لحد من هؤلء على نفسه ،لقصور إدراكه وعجزه في غير الرقيق فل تكون له ولية على
غيره؛ لن الولية تتطلب كمال الحال .وأما الرقيق فلنه مشغول بخدمة موله ،فل يتفرغ للنظر في
شؤون غيره.
ً - 2اتفاق دين الولي والمولى عليه :فل ولية لغيرا لمسلم على المسلم ،ول للمسلم على غير المسلم،
أي ل يزوج عند الحنابلة والحنفية كافر مسلمة ول عكسه ،وقال الشافعية وغيرهم :يزوج الكافر
الكافرة ،سواء أكان زوج الكافرة كافرا أم مسلما ،وقال المالكية :يزوج الكافرة الكتابية مسلم .ول
ولية للمرتد على أحد مسلم أو كافر ،لقوله تعالى{ :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}
[التوبة ]71/9:وقوله سبحانه{ :والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [النفال ]73/8:وقوله تعالى{ :ولن
يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيلً}
-------------------------------
( )1البدائع ،239/2 :الشرح الصغير 369/2 :وما بعدها ،مغني المحتاج 154/3 :وما بعدها ،كشاف
القناع 55/5 :وما بعدها ،المهذب.2/36 :
( )9/185
[النساء ]141/4:ولحديث «السلم يعلو ول يعلى» ( ، )1والسبب في اشتراط اتحاد الدين :هو اتحاد
وجهة النظر في تحقيق المصلحة ،ولن إثبات الولية للكافر على المسلم تشعر بإذلل المسلم من جهة
الكافر.
ويستثنى من ذلك المام أو نائبه؛ لن له الولية العامة على جميع المسلمين .وقد اقتصر القانون
السوري (م )22على شرط كمال الهلية« :يشترط أن يكون الولي عاقلً بالغا» ولم يشترط اتحاد
الدين بين الولي والمولى عليه.
وهناك شروط أخرى في الولي مختلف في اشتراطها وهي:
- 3الذكورة :شرط عند الجمهور غير الحنفية ،فل تثبت ولية الزواج للنثى؛ لن المرأة ل يثبت لها
ولية على نفسها ،فعلى غيرها أولى.
وقال الحنفية :ليست الذكورة شرطا في ثبوت الولية ،فللمرأة البالغة العاقلة ولية التزويج عنده
بالنيابة عن الغير ،بطريق الولية أو الوكالة.
وهذا الخلف مفرع على اختلفهم في مسألة انعقاد الزواج بعبارة النساء.
- 4العدالة :وهي استقامة الدين ،بأداء الواجبات الدينية ،والمتناع عن الكبائر كالزنا والخمر وعقوق
الوالدين ونحوها ،وعدم الصرار على الصغائر .وهي شرط عند الشافعية على المذهب وعند
الحنابلة ،فل ولية لغير العدل وهو الفاسق ،لما روي عن ابن عباس« :ل نكاح إل بشاهدي عدل،
وولي مرشد» ( )2لنها ولية تحتاج إلى النظر وتقدير المصلحة ،فل يستبد بها الفاسق كولية المال.
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني في سننه والروياني في مسنده عن عايذ بن عمرو المزني مرفوعا ،ورواه
الطبراني في الوسط والبيهقي في الدلئل عن عمر وأسلم به سهل في تاريخ واسط عن معاذ
مرفوعا ،وعلقه البخاري في صحيحه (المقاصد الحسنة :ص .)58
( )2قال المام أحمد :أصح شيء في هذا قول ابن عباس مرفوعا« :ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل،
وأيما امرأة نكحها ولي مسخوط عليه ،فنكاحها باطل» وروى البرقاني بإسناده عن جابر مرفوعا :
«ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل» .
( )9/186
ويكفي العدالة الظاهرة ،فيكفي مستور الحال؛ لن اشتراط العدالة ظاهرا وباطنا حرج ومشقة،
ويفضي إلى بطلن غالب النكحة.
ويستثنى من هذا الشرط :السلطان ،يزوج من ل ولي لها ،فل تشترط عدالته للحاجة ،والسيد يزوج
أمته ،فل تشترط عدالته؛ لنه تصرف في أمته ،كإيجارها ونحوه.
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن العدالة ليست شرطا في ثبوت الولية ،فللولي عدلً كان أو فاسقا
تزويج ابنته أو ابنة أخيه مثلً؛ لن فسقه ل يمنع وجود الشفقة لديه ورعاية المصلحة لقريبه ،ولن
حق الولية عام ،ولم ينقل أن وليا في عهد الرسول صلّى ال عليه وسلم ومن بعده منع من التزويج
بسبب فسقه .وهذا الرأي هو الراجح؛ لن حديث ابن عباس ضعيف ،ولن (المرشد) ليس معناه
العدل ،بل الذي يرشد غيره إلى وجوه المصلحة ،والفاسق أهل لذاك.
- 5الرشد :ومعناه هنا عند الحنابلة :معرفة الكفء ومصالح النكاح ،ل حفظ المال؛ لن رشد كل
مقام بحسبه .ومعناه عند الشافعية :هو عدم تبذير المال.
والرشد شرط عند الشافعية على المذهب والحنابلة في ثبوت الولية؛ لن المحجور عليه بسفه ل يلي
أمر نفسه في الزواج ،فل يلي أمر غيره ،فإن لم يكن السفيه محجورا عليه جاز له تزويج غيره على
المعتمد عند الشافعية.
( )9/187
وقال الحنفية والمالكية :ليس الرشد بمعنى حسن التصرف في المال شرطا في ثبوت الولية ،فيصح
للسفيه ولو محجورا عليه أن يتولى تزويج غيره .لكن يستحب عند المالكية أن يكون التزويج من
السفيه ذي الرأي بإذن موليته ،وبإذن وليه ،فإن زوج ابنته مثلً بغير إذن وليه ،ندب أن ينظر الولي
لما فيه المصلحة ،فإن كان صوابا أبقاه وإل رده ،فإن لم ينظر فهو ماض .وأضاف المالكية شرطين
آخرين هما:
خلو الولي من الحرام بحج أو عمرة ،فالمحرم بأحدهما ل يصح منه تولي عقد النكاح .وعدم الكراه:
فل يصح الزواج من مكره ،لكن هذا الشرط ل يختص بولي عقد النكاح ،بل هو عام في جميع العقود
الشرعية .وبه تصبح شروط الولي عندهم سبعة :هي الذكورة والحرية والبلوغ والعقل ،والسلم في
المرأة المسلمة والخلو من الحرام وعدم الكراه .وليست العدالة والرشد شرطين.
وهي أيضا عند الحنابلة والشافعية سبعة :الحرية والذكورة واتحاد الدين بين الولي والمولى عليها،
والبلوغ ،والعقل ،والعدالة ،والرشد :وهو عند الحنابلة معرفة الكفء ومصالح النكاح ،وليس حفظ
المال؛ لن رشد كل مقام بحسبه .وعند الشافعية :عدم تبذير المال.
وعند الحنفية أربعة هي :العقل والبلوغ والحرية واتحاد الدين ،وليست العدالة والرشد شرطين.
خامسا ـ من له الولية وترتيب الولياء :
قال الحنفية ( : )1الولية هي ولية الجبار فقط ،وتثبت للقارب العصبات ( ، )2القرب فالقرب؛
لن «النكاح إلى العصبات» كما روي عن علي رضي ال عنه ،وذلك على الترتيب التي :البنوة ،ثم
البوة ،ثم الخوة ،ثم العمومة ،ثم المعتق ،ثم المام والحاكم ،أي بالترتيب التالي:
- 1البن وابنه وإن نزل.
- 2الب والجد العصبي (الصحيح) وإن عل.
-------------------------------
( )1البدائع 240/2 :وما بعدها ،فتح القدير ،416-413 ،405/2 :الدر المختار.431-429/2 :
( )2وهم الذكور الذين ل ينتسبون لقريبهم بواسطة النثى وحدها.
( )9/188
( )9/189
وبه يظهر أن الحنفية يخالفون غيرهم في ثبوت الولية للقارب غير الب والجد ،لثبات الولية لبن
العم في القرآن في قوله تعالى{ :ويستفتونك في النساء ،قل :ال يفتيكم فيهن ،وما يتلى عليكم في
الكتاب في يتامى النساء اللتي ل تؤتونهن ما كتب لهن ،وترغبون أن تنكحوهن} [النساء ]127/4:فإن
هذه الية نزلت ـ كما قالت السيدة عائشة ـ في اليتيمة تكون في حجر وليها ،فيرغب في زواجها،
ول يقسط في صداقها .وهذا الولي المتصور هو ابن العم ،فتثبت لمن هو أقرب منه كالخ والعم
بالولى .ولعموم قول علي رضي ال عنه« :النكاح إلى العصبات» والعصبات لفظ عام يشمل الب
وغيره.
ويخالف الحنفية غيرهم أيضا في عدم ثبوت ولية التزويج للوصي ،لقول علي السابق« :النكاح إلى
العصبات» والوصي ليس من القارب العصبة ،فل تثبت له الولية.
وأخذ القانون السوري (م )21برأي الجمهور في قصر الولية على العصبات ،ونص المادة« :الولي
في الزواج :هو العصبة بنفسه على ترتيب الرث ،بشرط أن يكون محرما» ويلحظ أنه قصر الولية
على العصبات المحارم ليمنع ابن العم من التحكم في زواج بنت عمه.
مذهب المالكية في ترتيب الولياء :
قال المالكية ( : )1هنا ك ولي مجبر ،وولي غير مجبر .فولية الجبار تثبت لحد ثلثة بالترتيب
التي:
ً - 1السيد المالك ولو أنثى :فله أن يجبر أمته أو عبده على الزواج بشرط عدم الضرار بهما،
كالتزويج من ذي عاهة كالجذام أو البرص ،فل جبر للمالك ،ويفسخ وإن طال ،والسيد مقدم على
الب.
ً - 2الب :رشيدا كان أو سفيها ذا رأي ،فله تزويج البكر ولو عانسا :بلغت من العمر ستين سنة
فأكثر ،فله تزويج البنت البكر جبرا عنها ،ولو بدون مهر المثل ،أو من غير كفء ،كأن يكون أقل
حالً منها ،أو قبيح منظر.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،364-353/2 :القوانين الفقهية :ص ،200-199الشرح الكبير،227-221/2 :
شرح الرسالة.32-31/2 :
( )9/190
وليس للب جبر ابنته إذا رشّدها ،أي جعلها رشيدة ،أو أطلق الحجر عنها ،لصيرورتها حسنة
التصرف ،أو أقامت سنة فأكثر في بيت زوج بعد أن دخل بها ،ثم تأيمت وهي بكر ،فل جبر للب
ل لقامتها ببيت الزوج سنة منزلة الثيوبة.
عليها؛ تنزي ً
وكذلك ليس للب الجبر إن زالت بكارة البنت بنكاح فاسد يدرأ (يمنع) الحد عنها لشبهة ،فإن لم يدرأ
الحد عنها فله جبرها.
وللب جبر البنت الثيب الصغيرة ،بأن تأيمت بعد أن أزال الزوج بكارتها ،إذ ل عبرة لثيوبتها في
هذه الحالة مع صغرها.
وله جبرها إن زالت بكارتها بزنا ولو تكرر ،أو ولدت من الزنا ،أوزالت بكارتها بعارض كوثبة أو
ضربة أو بعود ونحوها.
وللب جبر المجنونة جنونا مطبقا ولو كانت ثيبا أو ولدت أولدا ،أما التي تفيق فتنتظر إفاقتها إن
كانت ثيبا ،فتزوج برضاها ،وأما البكر فيجبرها ول تنتظر إفاقتها.
ً - 3وصي الب عند عدم الب بشروط ثلثة هي:
أ ـ أن يعين الب للوصي الزوج ،بأن يقول له :زوجها من فلن ،أو يأمره بجبرها صراحة ،مثل:
اجبرها على الزواج ،أو ضمنا ،مثل :زوجها قبل البلوغ وبعده ،أو على أي حالة شئت.
أو أن يأمره بالزواج دون أن يعين له الزوج ول الجبار ،كأن يقول له :زوجها أو أنكحها ،أوزوجها
ممن أحببت ،أو لمن ترضاه.
أو أن يقول له :أنت وصيي على بنتي ،أو بناتي ،أو على بعضها أو بعضهن ،فله الجبر على
الرجح .أما لو قال :أنت وصيي على مالي فل جبر بالتفاق.
ب ـ أل يقل المهر عن مهرا لمثل.
جـ ـ أل يكون الزوج فاسقا.
( )9/191
والخلصة :إن الذي يجبر في عصرنا :هو الب ووصيه ،ول جبر لغير السيد والب ووصيه من
الولياء في تزويج البكر والصغيرة والمجنونة ،أو أي أنثى صغيرة أو كبيرة ،إل في مسألة واحدة هي
البكر الصغيرة اليتيمة ،للولي غيرا لمجبر تزويجها بمشورة القاضي إذا خيف عليها الفساد في دينها،
بأن يتردد عليها أهل الشر والفسق ،أو لعدم وجود من ينفق عليها ،أو لخوف ضياع ما لها ،بشرط
بلوغها عشر سنوات؛ لنها صارت في سن من توطأ ،وبشرط خلوها من الموانع الشرعية ،ككونها
زوجة أو في عدة من زوج آخر ،وبشرط رضاها بالزوج ،وكونه كفئا لها في الدين والحرية والمال،
وأن المهر مهر مثلها.
فإذا فقد شرط من هذه الشروط المذكورة ،بأن لم يخف عليها فسادا ول ضياعا أو لم تبلغ عشر
سنوات ،فسخ زواجها إل إذا دخل الزوج بها ،وطال الزمن بعد الدخول والبلوغ .وطول الزمن:
بمضي ثلث سنين بعد الدخول والبلوغ ،أو بولدة أولد كاثنين في بطنين.
ودليل المالكية على إثبات ولية الجبار للب دون غيره من الولياء :هو الجماع على أن للب أن
يزوج ابنته البكر الصغيرة ،بدليل تزويج أبي بكر ابنته عائشة ،وهي بنت ست أو سبع ،للنبي صلّى
ال عليه وسلم ،وقوله صلّى ال عليه وسلم «والبكر يستأمرها أبوها» فقصر الستئمار على الب.
ودليلهم على أن وصي الب كالب :هو أنه نائب عن الب ،فكما يجوز للب توكيل غيره في حال
الحياة ،يجوز له أن يوصي عنه لنائبه عنه بعد الوفاة.
وأما الولي غير المجبر أو ولية الختيار :
فتثبت للبنوة ثم البوة المباشرة ،ثم الخوة ثم الجدودة ثم العمومة على النحو التالي:
ـ البن فابنه وإن نزل.
ـ ثم الب .ـ ثم الخ الشقيق ثم الخ لب ،ثم ابن الخ الشقيق ،ثم ابن الخ لب.
ـ ثم الجد (أبو الب) .ويلحظ أنه جعل في المرتبة الرابعة ،أما عند الحنفية فهو في المرتبة الثانية
بعد الب.
ـ ثم العم ثم ابن العم ،على أن يقدم الشقيق على غيره.
( )9/192
( )9/193
( )9/194
( )9/195
( )9/196
وقال الحنابلة مثل المالكية :علة ولية الجبار إما البكارة أو الصغر ،فللب تزويج بناته البكار ولو
بعد البلوغ ،بغير إذنهم؛ لحديث ابن عباس مرفوعا عند أبي داود« :اليم أحق بنفسها من وليها،
والبكر تستأمر ،وإذنها صماتها» فلما قسم النساء قسمين ،وأثبت الحق لحدهما ،دل على نفيه عن
الخر وهي البكر ،فيكون وليها أحق منها بالولية.
وللب أيضا تزويج ثيب دون تسع سنين؛ لنه ل إذن لها.
وليس ذلك للجد ول لسائر الولياء ،كما أنه ليس لسائر الولياء غير الب تزويج حرة كبيرة بالغة ثيبا
كانت أوبكرا إل بإذنها ،لحديث أبي هريرة مرفوعا« :ل تنكح اليم حتى تستأمر ،ول تنكح البكر حتى
تستأذن »...إل المجنونة فلسائر الولياء تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال ،بسبب الحاجة ودفع
ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور.
ويتفق الحنفية مع المالكية والحنابلة في ثبوت الولية على الصغير والصغيرة ،والمجنون الكبير
والمجنونة الكبيرة ،سواء أكانت الصغيرة بكرا أم ثيبا ،فل تثبت هذه الولية على البالغ العاقل ،ول
على العاقلة البالغة؛ لن علة ولية الجبار عندهم هي الصغر وما في معناه ،وهذه العلة متحققة في
الصغار والمجانين دون غيرهم.
ً - 2البكر البالغة العاقلة :تثبت عليها عند الجمهور غير الحنفية ولية الجبار :لن العلة هي
البكارة ،للمفهوم من حديث« :الثيب أحق بنفسها من وليها ،والبكر تستأمر في نفسها» فقد جعلت الثيب
أحق بنفسها من وليها ،ولم يجعل البكر أحق بنفسها من وليها كالثيب ،وهذا هو الجبار بعينه.
( )9/197
ول تثبت عليها هذه الولية عند الحنفية ،لحديث« :والبكر تستأمر في نفسها» وفي رواية« :والبكر
يستأمرها أبوها» والستئمار :معناه طلب المر منها وهو الذن ،فيكون استئذانها أمرا ضروريا ،ول
يصح أن تزوج إل برضاها .وقد أخرج النسائي وغيره عن عائشة « :أن فتاة دخلت عليها فقالت :إن
أبي زوجني من ابن أخيه ،يرفع بي خسيسته ،وأنا كارهة ،قال :اجلسي حتى يأتي رسول ال صلّى
ال عليه وسلم ،فجاء رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فأخبرته ،فأرسل إلى أبيها،فدعاه ،فجعل المر
إليها ،فقالت :يا رسول ال ،قد أجزت ما صنع أبي ،ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للباء من
المر شيء» ( )1والظاهر أنها بكر ( . )2وهو يدل على أن البكر البالغة العاقلة ل تزوج إل
برضاها.
ً - 3الثيب البالغة العاقلة التي زالت بكارتها بأمر عارض كالضرب والوثب والعود ونحوها ،أو
زالت بكارتها بالزنا أوالغصب على المشهور عند المالكية :يزوجها الولي المجبر (الب ووصيه) ولو
عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر؛ لن ثبوت الولية إنما هو للجهل بأمور الزواج ومصالحه ،ومن
زالت بكارتها بغير الزواج الصحيح ،أو الفاسد الذي يدرأ الحد لشبهة لتزال جاهلة بهذه المور،
فتبقى الولية عليها كالبكر البالغة.
-------------------------------
( )1سبل السلم 122/3 :وما بعدها ،نيل الوطار.127/6 :
( )2ولعلها البكر التي في حديث ابن عباس ،وقد زوجها أبوها كفؤا ابن أخيه ،ونصه« :أن جارية
بكرا أتت النبي صلّى ال عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ،فخيرها رسول ال صلّى
ال عليه وسلم » رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ،وأعل بالرسال.
( )9/198
والجمهور ل يقولون بثبوت ولية الجبار على الثيب البالغة ،مهما كان سبب الثيوبة غير السقطة
ونحوها .قال الحنفية :من زالت بكارتها بوثبة أي نطة أو درور حيض أو حصول جراحة أوتعنيس
أي كبر :بكر حقيقة ،وتعد بكرا بالتفريق بجب أو عُنة أو طلق أو موت بعد خلوة قبل وطء .وتعد
الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد ثيبا .ومن زنت مرة فقط ولم تحد بالزنا بكر حكما فيكتفى بسكوتها.
وقال الحنابلة :الثيب :من وطئت في القبل ل في الدبر ،بآلة الرجال ،ل بآلة غيرها ،ولو كانت وطئت
بزنا .وقال الشافعية :الثيب :من زالت بكارتها ،سواء زالت البكارة بوطء حلل كالنكاح ،أو حرام
كالزنا ،أو بشبهة في نوم أو يقظة ،ول أثر لزوالها بل وطء في القبل كسقطة وحدة طمث ،وطول
تعنيس وهو الكبر ،أو بأصبع ونحوه في الصح ،فحكمها حينئذ حكم البكار.
من تثبت عليه ولية الختيار :
تثبت ولية الختيار عند المالكية على أصناف أربعة ،هي ما يأتي بمقارنتها مع المذاهب الخرى ()1
:
ً - 1الثيب البالغة التي زالت بكارتها بزواج صحيح ،أو فاسد ولو مجمع على فساده إن درأ الحد
لشبهة :فهذه ل تزوج بالتفاق إل برضاها وإذنها ،لصريح الحديث المتقدم« :الثيب أحق بنفسها من
وليها» وفي رواية «والثيب تشاور» فإنه يدل على أن الثيب البالغة ل تزوج إل برضاها.
ً - 2البكر البالغة التي رشّدها أبوها أو وصيه :بأن جعلها رشيدة ،أو رفع الحجر عنها ،لما قام بها
من حسن التصرف .ويتفق الحنفية مع المالكية في الولية
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،357-353/2 :الشرح الكبير 223/ :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص 198وما
بعدها ،البدائع ،247/2 :مغني المحتاج ،149/3 :كشاف القناع 46/5 :وما بعدها.
( )9/199
عليها؛ لن البالغة العاقلة عند أبي حنيفة وزفر ل تزوج إل برضاها ،بكرا كانت أو ثيبا ،لكن الولية
عليها في رأي الحنفية هي ولية ندب واستحباب.
ويخالف الشافعية والحنابلة في صفة الولية فيجعلون الولية عليها ولية جبر.
ً - 3البكر البالغة التي أقامت مع الزوج سنة ،ثم تأيمت وهي بكر :لن إقامة المرأة في بيت الزوج
سنة تنزل منزلة الثيوبة في تكميل المهر ،فتنزل كذلك في الرضا بالزواج .والحنفية مع المالكية في
هذا كالحالة السابقة،ويخالفهم الشافعية والحنابلة ،فيجعلون الولية عليها ولية جبر.
ً - 4اليتيمة ( )1الصغيرة التي خيف عليها ،إما لفساد يلحقها في دينها ،بأن كان يتردد عليها أهل
الفسوق ،أو كانت تتردد هي عليهم ،أو لفساد في دنياها كضياع مالها ،أو فقرها وقلة النفاق عليها،
فللولي غير الب ووصيه أن يزوجها إذا بلغت عشر سنين ،بعد مشاورة القاضي ،ليثبت عنده سنها،
ويتأكد أنها خلية من زوج وعدة وغيرهما من الموانع الشرعية ،ورضاها بالزوج ،وأنه كفئها في
الدين والحرية والحال ،وأن المهر مهر مثلها ،فيأذن لوليها في العقد ،ول يتولى العقد بنفسه مع وجود
غيره من الولياء.
سابعا ـ كيفية إذن المرأة بالزواج :
اتفق الفقهاء على كيفية صدور الذن والرضا من المرأة بالزواج بحسب حالها بكرا أو ثيبا (، )2
عملً بالحاديث الكثيرة ،منها« :الثيب تعرب عن نفسها ،والبكر
-------------------------------
( )1غير المجبرة متى كانت صغيرة كانت يتيمة ،إذ لو كان لها أب ،لكان مجبرا لها.
( )2البدائع ،242/2 :الدر المختار ،414-411/2 :الشرح الصغير 366/2 :وما بعدها ،مغني
المحتاج ،150/3 :كشاف القناع.48-47/5 :
( )9/200
رضاها صمتها» ( ، )1ومنها «الثيب أحق بنفسها من وليها ،والبكر تستأذن في نفسها ،وإذنها
صماتها» ( )2وفي رواية لهذا الحديث لبي داود والنسائي« :ليس للولي مع الثيب أمر ،واليتيمة
تستأمر ،وصمتها إقرارها» سواء أكان الذن واجبا بالنسبة للولي غير المجبر أم مستحبا بالنسبة للولي
المجبر.
وبناء عليه ،إذا كانت المرأة بكرا :فرضاها يكون بالسكوت ( )3؛ لن البكر تستحي عادة من إظهار
الرضا بالزواج صراحة ،فيكتفى منها بالسكوت ،محافظة على حيائها .ويندب عند المالكية إعلمها
بأن سكوتها رضا وإذن منها ،فل تزوج إن منعت ،بأن قالت :ل أرضى أو ل أتزوج ،أو ما في
معناه.
ومثل السكوت :كل مايدل على الرضا كالضحك بغير استهزاء ،والتبسم ،والبكاء بل صوت أو صياح
أو ضرب خد ،فإن كان التبسم أو الضحك للستهزاء ،وكان البكاء بصياح أو ضرب خد ،لم يكف ولم
يعد إذنا ول ردا؛ لنه يشعر بعدم الرضا ،فلو رضيت صراحة بعده ،انعقد العقد.
أما إن كانت المرأة ثيبا :فرضاها ل يكون إل بالقول الصريح ،للحديث السابق« :الثيب تعرب عن
نفسها» أي تفصح عن رأيها وعما في ضميرها من رضا أو منع ،ول يكتفى منها بالصمت؛ لن
الصل أل ينسب إلى ساكت قول ،وأل يكون السكوت رضا ،لكونه محتملً في نفسه ،وإنما اكتفي به
في البكر للضرورة؛ لنها تستحي عادة من التصريح عن رغبتها في الزواج ،والثابت بالضرورة
يتقدر
-------------------------------
( )1رواه الثرم وابن ماجه.
( )2رواه الجماعة إل البخاري عن ابن عباس (نيل الوطار.)120/6 :
( )3قال الحنفية :إن زنت المرأة مرة ولم يتكرر زناها ،ولم تحد به ،فهي بكر حكما أي يكتفى
بسكوتها كيل تتعطل مصالحها عليها ،وقد ندب الشارع إلى ستر الزنا ،فكانت بكرا شرعا .بخلف ما
إذا اشتهر زناها.
( )9/201
بقدرها ،ولضرورة في حق الثيب ؛ لعتيادها معاشرة الرجال ،فل تستحي عادة من إعلن رضاها
أو رفضها ،فل يكتفى بسكوتها عند الستئذان.
وقال المالكية :يشارك الثيب أبكار ستة ،ل يكتفى منهن بالصمت ،بل ل بد من الذن بالقول الصريح
كالثيب وهن:
ً - 1البكر التي رشدها أبوها أو وصيه :بأن أطلق الحجر عنها في التصرف المالي ،وهي بالغ ،فل
بد من إذنها بالقول ،وقد تقدم أنه ل جبر لبيها عليها.
عضِلت :أي منعها وليها من الزواج بدون مسوغ ،ورفعت أمرها إلى القاضي ،فتولى
ً - 2البكر التي ُ
تزويجها ،فل بد من إذنها بالقول.
ً - 3البكر ال ُم ْهمَلة التي ل أب لها ول وصي :إذا زوجت بشيء من العروض (المتعة) ،وهي من
قوم ل يزوجون بالعروض ،سواء أكان كل الصداق أم بعضه ،أو يتزوج قومها بعَرَض معين،
فزوجها وليها بغيره ،فل بد من نطقها بأن تقول :رضيت بذلك المهر العرض.
ً - 4البكر ولو كانت ُمجْبَرة إذا زوجت برقيق ،فل بد من إذنها بالقول؛ لن العبد ليس بكفء للحرة.
ً - 5البكر ،ولو كانت مجبَرة إذا زوجت برجل فيه عيب يوجب لها الخيار كجذام وبرص وجنون
وخصاء ،فل بد من نطقها بأن تقول :رضيت به.
ً - 6البكر غيرالمجبرة التي افتات (( )1تعدى) عليها وليها غير المجبر ،فعقد
-------------------------------
( )1يصح الفتيات (عدم الستئذان) على المرأة مطلقا بكرا أو ثيبا ،وعلى الزوج أيضا بشروط ستة:
الول ـ أن يقرب الرضا من العقد :كأن يكون العقد بالمسجد أو بالسوق مثلً ،ويبلغها الخبر من
وقته ،قبل مضي اليوم.
الثالث ـ أل يرد الزواج قبل الرضا ممن افتيت عليه منهما ،فإن رده الزوج فل يصح منه الرضا
بعدئذ.وإذا وقع من المرأة رد قبل الرضا ،فل عبرة برضاها بعده.
الرابع ـ أن يكون من افتيت عليها بالبلد حال الفتيات والرضا ،فإن كان في بلد آخر ،لم يصح.
الخامس ـ أل يقر الولي بالفتيات حال العقد :بأن سكت أو ادعى أنه مأذون ،فإن أقرّ به لم يصح.
السادس ـ أل يكون الفتيات على الزوجين معا :فإن كان عليهما معا لم يصح ،ول بد من فسخه
(الشرح الصغير 368/2 :وما بعدها ،الدسوقي.)228/2 :
( )9/202
الثاني ـ أن يكون الرضا بالقول ،أي بالنطق :فل يكفي الصمت = .عليها بغير إذنها ،ثم بلغها خبر
زواجها ،فرضيت ،ويصح الزواج ،ول بد من رضاها بالقول صراحة ،حتى ولو كانت قد رضيت به
بالخطبة ،فل بد على كل حال من استئذانها في العقد؛ لن الخطبة غير لزمة ،فل تغني عن استئذانها
في العقد وتعيين الصداق.
ويتفق الحنابلة مع المالكية في هذا فإنهم قالوا :إذا زوجت التي يعتبر إذنها بغير إذنها ،وقلنا :يقف
على إجازتها ،فإجازتها بالنطق أو ما يدل على الرضا من التمكين من الوطء أو المطالبة بالمهر
والنفقة (. )1
ثامنا ـ عضل الولي وحكمه :
العضل :هو منع الولي المرأة العاقلة البالغة من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك ،ورغب كل واحد منهما
في صاحبه .وهو ممنوع شرعا ويحتاج لبيان حكمه عند الفقهاء (. )2
أما المنع الشرعي عنه :فقد نهى ال تعالى جميع الولياء عن العضل بقوله{ :وإذا طلقتم النساء ،فبلغن
أجلهن فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة ]232/2:قال معقل بن يسار« :زوجت أختا لي من
رجل فطلّقها ،حتى إذا
-------------------------------
( )1المغني.476/6 :
( )2البدائع ،248/2 :الشرح الكبير مع الدسوقي ،232/2 :مغني المحتاج 153/3 :وما بعدها ،كشاف
القناع.57 ،50/5 :
( )9/203
انقضت عدتها ،جاء يخطبها ،فقلت له :زوجتك وأفرشتك وأكرمتك ،فطلقتها ،ثم جئت تخطبها،ل وال
ل تعود إليك أبدا ،وكان رجلً ل بأس به ،وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ،فأنزل ال تعالى هذه
الية{ :ول تعضلوهن} [البقرة ]232/2:فقلت :الن أفعل يا رسول ال ،قال :فزوجها إياه» (. )1
ولكن النهي في رأي الفقهاء ليس مطلقا.
وليس للولي العضل عند الشافعية والحنابلةوأبي يوسف ومحمد ،لنقصان المهر ،أو لكونه من غير نقد
البلد إذا رضيت به ،فسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أم دونه ،لم يجز العضل؛ لن المهر محض
حقها ،وعوض يختص بها ،فلم يكن للولياء العتراض عليها فيه؛ ولنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط
كله ،فبعضه أولى.
وقال أبو حنيفة :للولياء منع المرأة من التزويج بدون مهر مثلها؛ لن عليهم فيه عارا ،وفيه ضررا
على نسائها لنقص مهر مثلهن.
ويرى المالكية أن العضل يتحقق في مسألتين :الولى :إذاطلبها كفء ورضيت به ،طلبت التزويج به
أو ل ،والثانية :إذا دعت لكفء ،ودعا وليها لكفء آخر.
وحصر الشافعية في الصح والحنابلة العضل في المسألة الولى ،فقالوا :لو عينت المرأة كفئا ،وأراد
الب غيره ،فله ذلك.
وأضاف الحنابلة صورة أخرى للعضل وهي :إذا امتنع الخُطاب لشدة الولي ،لكن الظاهرأنه ل حرمة
على الولي هنا؛ لنه ليس له فعل ذلك المنع.
-------------------------------
( )1رواه البخاري.
( )9/204
( )9/205
( )9/206
أ ـ فإن كان الغائب هو الولي المجبر وهو الب ووصيه :فإما أن تكون الغيبة قريبة أو بعيدة .فإن
كانت الغيبة قريبة كعشرة أيام ذهابا ،فل تزوج المرأة التي في وليته حتى يعود ،إذا كانت النفقة
جارية عليها أي تجد النفقة الكافية ،ولم يخش عليها الفساد ،وكانت الطريق مأمونة ،وإل زوجها
القاضي.
وإن كانت الغيبة بعيدة كثلثة أشهر فأكثر ،كالسفر في الماضي إلى أفريقية :فإن كان يرجى قدومه،
كمن خرج لتجارة أو حاجة ،فل تزوج المرأة حتى يعود .وإن كان ل يرجى قدومه ،فللقاضي دون
غيره من الولياء أن يتولى تزويجها إذا كانت بالغا ،ولو دامت نفقتها على الراجح ،وإذنها صمتها
على الصواب .فإن لم تكن بالغا ،ل يزوجها ما لم يخف عليها الفساد ،فإن خيف فسادها ،زوجها ولو
جبرا على المعتمد ،سواء أكانت بالغة أم غير بالغة ،ولو كانت غيبة الولي قريبة.
ب ـ وإن كان الغائب هو الولي غير المجبر كالخ والجد:
فإن كانت الغيبة قريبة كثلثة أيام من بلد المرأة ونحوها ،ودعت إلى الزواج بكفء ،وأثبتت ما تدعيه
من الغيبة والمسافة والكفاءة ،زوجها الحاكم دون الولي البعد؛ لن الحاكم وكيل الغائب.
وإن كانت الغيبة دون الثلث ،أرسل إليه الحاكم ،فإن حضر أو وكل أحدا عنه ،تم المطلوب ،وإل
زوجها الولي البعد دون القاضي.
وإن كانت الغيبة بعيدة كأكثر من ثلثة أيام ،فللقاضي أن يزوجها؛ لنه وكيل الغائب ،ولو زوجها
الولي البعد صح مع الكراهة .وهذا إذا لم يكن للغائب وكيل مفوض ،فإن كان له وكيل مفوض تولى
الزواج؛ لنه مقدم على غيره إذ هو بمثابة الصيل.
الغيبة بسبب السر أو الفقد :
المشهور من مذهب المالكية :أنه إذا كانت الغيبة بسبب أسر الولي القرب أو فقده ،ولم يعلم مكانه،
ولم يعرف خبره ،زوج الولي البعد ،ول تنتقل إلى القاضي ،من غير فرق بين الولي المجبر وغير
المجبر؛ لن السر أو الفقد بمنزلة الموت.
وكذلك قال الحنابلة :إن كان الولي القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة ل تمكن مراجعته ،فهو
كالبعيد ،فتنتقل الولية للبعد.
( )9/207
( )9/208
وأباح المالكية للزوج أن يوكل من قام به مانع من موانع الولية غير مانع الحرام بحج أو عمرة،
والعَتَه (ضعف العقل) فيجوز له أن يوكل نصرانيا أو عبدا أو امرأة أوصبيا مميزا على عقد نكاحه.
وأما الولي غير المجبر :فل يجوز له التوكيل عند الشافعية إل بإذن المرأة ،فإن قالت له :و ّكلُ و ّكلَ،
وإن نهته فل يوكل .وإن قالت له :زوجني ،فله التوكيل في الصح؛ لنه بالذن متصرف بالولية،
فأشبه الوصي والقيم ،وهما يتمكنان من التوكيل بغير إذن .ولو وكل الولي غير المجبر قبل استئذان
المرأة في النكاح ،لم يصح في الصحيح ،لنه ل يملك التزويج بنفسه حينئذ ،فكيف يوكل غيره؟
وقال الحنابلة :ل يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل ،ول حضور شاهدين ،سواء أكان
الموكل أبا أم غيره؛ لنه إذن من الولي في التزويج ،فلم يفتقر إلى إذن المرأة ،ول إلى إشهاد ،كإذن
الحاكم ،لكن يثبت للوكيل ما يثبت للموكل ،فإن كان الولي مجبرا لم يحتج لستئذان المرأة ،وإن كان
غير مجبر احتاج إلى إذنها ومراجعتها؛ لنه نائب.
وعبارة وكيل الولي في عقد الزواج كما أوضح الشافعية :هي أن يقول :زوجتُك بنت فلن .ويقول
الولي لوكيل الزوج :زوجت بنتي فلنا ،فيقول وكيله :قبلت نكاحها له.
ثانيا ـ مدى صلحية الوكيل :
الوكيل في الزواج كالوكيل في سائر العقود ،فل يجوز له عند الحنفية أن يوكل غيره؛ لن الموكل
رضي برأيه ل برأي غيره ،إل إن أذن له الموكل ،بأن يوكل عنه من شاء ،أو فوض إليه أمر
زواجه ،فله حينئذ أن يوكل عنه.
وتتحدد صلحيات الوكيل عند الحنفية بحسب نوع الوكالة مطلقة أو مقيدة؛ لن الوكيل يستمد سلطته
من الموكل ،فل يملك إل ما وكله ،وينفذ عليه تصرفه فيما وكله فيه ،ويكون فضوليا فيما عداه،
فيتوقف نفاذ التصرف على إجازة الموكل ،والجازة اللحقة كالوكالة السابقة.
( )9/209
- 1الوكالة المقيدة :بأن يقيد الموكل الوكيل في التزويج بأوصاف معينة .فيتقيد فيها الوكيل بما قيده
به الموكل ،وليس له أن يخالفه فيما قيده به ،إل إذا كانت المخالفة لخير الموكل ،فحينئذ ينفذ العقد على
الموكل .وإن تقيد بالقيد نفذ العقد أيضا ،وإن خالف القيد توقف عند الحنفية والمالكية نفاذ العقد على
إجازة الموكل ،حتى ولو حصل دخول بالمرأة دون أن يعلم الموكل بالمخالفة.
وعلى هذا إن قيده بامرأة معينة بالسم ،أو من السرة الفلنية ،فإن زوجه بها نفذ العقد عليه ،وإن
خالف فزوجه غيرها كان مخالفا ،وتوقف نفاذ العقد على إجازة الموكل ،فإن أجازه نفذ ،وإن لم يجزه
بطل؛ لن الوكيل يصبح بالمخالفة فضوليا ،وعقد الفضولي عند الحنفية والمالكية موقوف على إجازة
صاحب الشأن فيه.
وإن قيده بمهر معين ،فزوجه به ،كان العقد نافذا على الموكل ،وإن خالف كان العقد موقوفا على
إجازة الموكل ،إل إذا كانت المخالفة إلى خير الموكل ،فيصح العقد وينفذ ،كأن قال :زوجني بألف
فزوجه بأقل من ألف ،نفذ العقد من غير إجازة الموكل .ومن أمر رجلً أن يزوجه امرأة ،فزوجه ا
ثنتين في عقد واحد ،لم تلزمه واحدة منهما؛ لنه ل وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ،ول إلى التنفيذ في
إحداهما ل على التعيين ،للجهالة ،ول إلى تعيين واحدة منهما ،لعدم الولوية ،فتعين التفريق.
( )9/210
- 2الوكالة المطلقة :بأن لم يعين الموكل امرأة معينة ول وصفا معينا ول مهرا .اختلف أئمة الحنفية
فيها:
رأى أبو حنيفة :أن للوكيل أن يزوجه بأية امرأة ولو غير كفء له ،وبأي مهر ،إل إذا كان التصرف
موضع تهمة؛ لن القاعدة فيه عنده أن المطلق يجري على إطلقه ،فيرجع إلى إطلق اللفظ وعدم
التهمة ،فله أن يزوجه بمقدار مهر المثل أو أكثر ،أو يزوجه عمياء أو شلء أو شوهاء ،وإذا كان
الموكل هو المرأة فينفذ العقد عليها متى كان الزوج كفئا ( )1سواء أكان الزواج بمهر المثل أم أقل،
وسواء أكان الزوج صحيحا أم مشوها ،عملً بالطلق ،فأبو حنيفة يراعي عبارة الموكل ولفظه.
ورأى الصاحبان وباقي المذاهب :أنه يتقيد الوكيل بالمتعارف استحسانا؛ لن الطلق مقيد عرفا
وعادة بالكفء وبالمهر المألوف ،والمعروف عرفا كالمشروط شرطا ،فإذا زوجه امرأة كفئا ملئمة
له ،وهي السليمة من العيوب وبمهر ل غبن فيه ،كان الزواج نافذا على الموكل ،وإن زوجه بعمياء أو
مقطوعة اليدين أو مفلوجة أو مجنونة أو رتقاء ،أو بمهر مصحوب بغبن فاحش ،توقف العقد عند
الصاحبين والمالكية على إجازة الموكل ،لمخالفته المعروف بين الناس في الوكالت .ولم يصح العقد
عند الشافعية والحنابلة.
وهذا هو الرأي الراجح ،وينبغي أن تكون عليه الفتوى عند الحنفية ،وهو المعمول به في محاكم
مصر .وبه يتبين أن الصاحبين يحكمان العرف والعادة.
ولكن هناك مسائل اتفق عليها أبو حنيفة مع صاحبيه وهي:
أ ـ إذا كانت المرأة هي الموكلة فعلى الوكيل أن يزوجها بكفء؛ لن المرأة ل ترغب عادة إل في
الكفء ،لمصلحة نفسها ،ولئل يعترض عليها أولياؤها.
ب ـ إذا وكل رجل غيره أن يزوجه امرأة عمياء ،فزوجه مبصرة ،فإن العقد ينفذ عليه؛ لنها مخالفة
إلى خير مما عين الموكل.
-------------------------------
( )1الفرق بين الرجل والمرأة :أن المرأة تعير بغير الكفء ،فيتقيد إطلقها به ،بخلف الرجل فإنه ل
يعيره أحد بعدم كفاءتها له :لنه مستفرش واطئ ل يغيظه دناءة الفراش.
( )9/211
جـ ـ إذا وكل الرجل آخر أن يزوجه ،فزوجه صغيرة ل يجامع مثلها ،جاز اتفاقا .فإن كانت
الصغيرة بنتا له أو بنت أخيه التي في وليته ،لم ينفذ العقد على الموكل لتحقق التهمة المانعة من نفاذ
العقد ،وهي العمل لمصلحته.
وإن كانت بنتا له كبيرة برضاها لم ينفذ العقد عند أبي حنيفة لتحقق التهمة ،وينفذ عند الصاحبين؛ لنه
ليس له عليها ولية إجبار.
أما إن زوجه الوكيل أختا له كبيرة برضاها ،نفذ العقد بالتفاق ،لنتفاء التهمة.
د ـ إذا وكله أن يزوجه فلنة أو فلنة ،فزوجه إحداهما ،نفذ العقد؛ لوجود التخيير في التوكيل.
هـ ـ إذا وكلت امرأة رجلً في تزويجها ،فزوجها من نفسه ،لم ينفذ العقد عليها إل بالجازة .وكذا
إذا وكل الرجل امرأة أن تزوجه فزوجته من نفسها ،لم ينفذ العقد عليه إل بإجازته ،لتحقق التهمة في
الحالتين .وكذا ل ينفذ العقد عند أبي حنيفة إن زوج الوكيل موكلته من أبيه أو ابنه لتحقق التهمة بسبب
البنوة .وينفذ العقد عند الصاحبين؛ لن البنوة ليست من التهمة عندهما .وتلفى المالكية بعض هذه
الخلفات فقالوا :إذا وكلت وليها غير المجبر أن يزوجها ممن أحب ،وجب عليه أن يعين لها الزوج
قبل العقد ،لختلف أغراض النساء في أعيان الرجال .فإن لم يعين الزوج لها ،كان العقد موقوفا على
إجازتها ،سواء زوجها من نفسه كابن العم والكافل والحاكم ،أو زوجها من غيره ،لختلف أغراض
النساء من الرجال.
( )9/212
( )9/213
( )9/214
أما في المسائل الولى في حال الولية أو الوكالة ،فقد دلت مقارنة على أن العاقد قام مقام الصيل،
وأنه معبر عنه ،فتقوم عبارته مقام عبارة الصيل ،وتصبح عبارته مفيدة معنى اليجاب والقبول.
وأجاز أبو يوسف انعقاد الزواج بعاقد واحد في هذه المسائل كلها ،فإذا زوجت المرأة نفسها غائبا
فبلغه الخبر ،فأجاز ،جاز عنده؛ لنه ل مانع أن تقوم عبارة العاقد الواحد مقام عبارتين،كالمقرر بحكم
الوكالة أو الولية الثابتتين حال العقد ،ويكون العقد فيما وراء المجلس موقوفا على إجازة صاحب
الشأن ،ول محذور؛ لن حقوق عقد الزواج ترجع إلى الصيل .وإذا جرى العقد بين فضوليين أو بين
فضولي وأصيل ،جاز باتفاق الحنفية ،ويكون موقوفا على إجازة الغائب؛ لن عبارة كل واحد منهما
تقوم مقام عبارة الصيل ،لتعدد العاقد حقيقة ،فيكون ما جرى بين الفضوليين عقدا تاما لوجود
الىجاب والقبول ،والعقد الكامل يتوقف على ما وراء مجلس العقد .هذا والفضولي قبل الجازة ل
يملك نقض النكاح ،بخلف البيع؛ لنه في البيع ترجع إليه حقوق العقد ،أما في النكاح فترجع الحقوق
إلى المعقود له.
وقرر زفر والشافعي والجمهور :أنه ل يجوز الزواج بعاقد واحد؛ لن الشخص الواحد ل يتصور أن
يكون مُملّكا ومتملكا ،لكن استثنى الشافعي مسألة الولي كالجد يزوج بنت ابنه من ابن ابنه الخر،
فيجوز للضرورة ،ول ضرورة في حق الوكيل وغيره من الحوال الخرى.
وأجاز المالكية لبن العم والمولى ووكيل الولي والحاكم أن يزوج المرأة من نفسه ،ويتولى طرفي
العقد ،وليشهد كل واحد منهم على رضاها خوفا من منازعتها ،بشرط أن يعين لها أنه الزوج،
فرضيت بالقول إن كانت ثيبا ومن في حكمها من البكار الستة المتقدمة ،أو بالصمت إن كانت بكرا
ليست من الستة المتقدمة ،ويتم الزواج بقوله :تزوجتك بكذا من المهر ،وترضى به ،ول بد من
الشهاد على رضاها بالعقد ولو بعد عقده لنفسه بعد أن كانت مقرة بالعقد ،ول يحتاج لقوله :قبلت
نكاحك بنفسي بعدئذ؛ لن قوله «تزوجتك» فيه قبول.
( )9/215
( )9/216
( )9/217
ً - 2الحديث المتقدم :وهو أن بللً رضي ال عنه خطب إلى قوم من النصار ،فأبوا أن يزوجوه،
فقال له رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :قل لهم :إن رسول ال صلّى ال عليه وسلم يأمركم أن
تزوجوني» أمرهم النبي صلّى ال عليه وسلم بالتزويج عند عدم الكفاءة،ولو كانت معتبرة لما أمر؛
لن التزويج من غير كفء غير مأمور به.
ويؤكده أن سالم مولى امرأة من النصار زوجه أبو حذيفة من ابنة أخيه :هند بنت الوليد بن عتبة بن
ربيعة ( . )1وكذلك أمر النبي صلّى ال عليه وسلم امرأة قرشية هي فاطمة أخت الضحاك بن قيس،
وهي من المهاجرات الول أن تتزوج أسامة قائلً لها« :انكحي أسامة» ( ، )2وروى الدارقطني أن
أخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلل.
ويدل له« :أن أبا هند حجم النبي صلّى ال عليه وسلم في اليافوخ ،فقال النبي صلّى ال عليه وسلم :
يا بني بياضة ،أنكحوا أبا هند ،وانكحوا إليه» ( . )3ورد على الحاديث بمعارضتها بأحاديث أخرى
تتطلب الكفاءة فتكون محمولة على الندب والفضل ،وبأن التسوية بين العرب وغيرهم إنما هو في
أحكام الخرة ،أما في الدنيا فقد ظهر فضل العربي على العجمي في كثير من أحكام الدنيا.
ً - 3الدماء متساوية في الجنايات ،فيقتل الشريف بالوضيع ،والعالم بالجاهل ،فيقاس عليها عدم
الكفاءة في الزواج ،فإن كانت الكفاءة غير معتبرة في الجنايات ،فل تكون معتبرة في الزواج بالولى.
ورد عليه بأنه قياس مع الفارق؛ لن التساوي في القصاص في مسائل الجنايات ،إنما طلب لمصلحة
الناس وحفظ حق الحياة ،حتى ل يتجرأ ذو الجاه أو النسب على قتل من دونه ممن ل يكافئه .أما
الكفاءة في الزواج فلتحقيق مصالح الزوجين من دوام العشرة مع المودة واللفة بينهما ،ول تتحقق تلك
المصالح إل باشتراط الكفاءة.
-------------------------------
( )1رواه البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة (نيل الوطار.)128/6 :
( )2رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس (سبل السلم.)129/3 :
( )3رواه أبو داود عن أبي هريرة (نيل الوطار.)128/6 :
( )9/218
الرأي الثاني -رأى جمهور الفقهاء (منهم المذاهب الربعة) :أن الكفاءة شرط في لزوم الزواج ،ل
شرط صحة فيه ،عملً بالدلة التالية من السنة والمعقول:
ً - 1السنة :حديث علي أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال له« :ثلث ل تؤخر :الصلة إذا أتت،
والجنازة إذا حضرت ،واليم إذا وجدت لها كفئا» (. )1
وحديث جابر« :ل تنُكحوا النساء إل الكفاء ،ول يزوجوهن إل الولىاء ،ول مهردون عشرة
دراهم» (. )2
وحديث عائشة« :تخيروا لنطفكم ،وأنكحوا الكفاء» ()3
-------------------------------
( )1رواه الترمذي والحاكم عن علي (نيل الوطار.)128/6 :
( )2رواه الدارقطني عن جابر بن عبد ال ،وفيه مبشر بن عبد ال متروك الحديث (نصب الراية:
.)196/3
( )3روي من حديث عائشة ،ومن حديث أنس ،ومن حديث عمر بن الخطاب ،من طرق عديدة كلها
ضعيفة (نصب الراية.)197/3 :
( )9/219
وحديث ابن عمر« :العرب بعضهم أكفاء لبعض ،قبيلة بقبيلة ،ورجل برجل ،والموالي بعضهم أكفاء
لبعض ،قبيلة بقبيلة ،ورجل برجل إل حائك أو حجام» (. )1وحديث عائشة وعمر« :لمنعن تزوّج
ذوات الحساب إل من الكفاء» (. )2
وحديث أبي حاتم المزني« :إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه ،فأنكحوه ،إل تفعلوه ،تكن فتنة في
الرض وفساد كبير» ( )3وفيه دليل على اعتبار الكفاءة.
وحديث بريدة المتقدم الذي جعل فيه النبي صلّى ال عليه وسلم الخيار لفتاة زوجها أبوها ابن أخيه
ليرفع بها خسيسته (. )4
وحديث «العلماء ورثة النبياء» ( )5وحديث «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ،خيارهم في
الجاهلية خيارهم في السلم ،إذا فقُهوا» (. )6
قال الشافعي :أصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة ،فقد خيرها النبي صلّى ال عليه وسلم ،لما لم
يكن زوجها كفئا لها بعد أن تحررت ،وكان زوجها عبدا.
وقال الكمال بن الهمام ( : )7هذه الحاديث الضعيفة من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا ،فتصبح
حجة بالتضافر والشواهد ،وترتفع إلى مرتبة الحسن ،لحصول الظن بصحة المعنى ،وثبوته عنه صلّى
ال عليه وسلم ،وفي هذا كفاية.
- 2المعقول :وهو أن انتظام المصالح بين الزوجين ل يكون عادة إل إذا كان هناك تكافؤ بينهما؛
لن الشريفة تأبى العيش مع الخسيس ،فل بد من اعتبار الكفاءة من جانب الرجل ،ل من جانب
المرأة؛ لن الزوج ل يتأثر بعدم الكفاءة عادة ،وللعادة والعرف سلطان أقوى وتأثير أكبر على
الزوجة ،فإذا لم يكن زوجها كفئا لها ،لم تستمر الرابطة الزوجية ،وتتفكك عُرى المودة بينهما ،ولم
يكن للزوج صاحب القوامة تقدير واحترام .وكذلك أولىاء المرأة يأنفون من مصاهرة من ل يناسبهم
في دينهم وجاههم ونسبهم ،ويعيرون به ،فتختل روابط المصاهرة أو تضعف ،ولم تتحقق أهداف
الزواج الجتماعية ،ول الثمرات المقصودة من الزوجية.
وهذا الرأي هو المعمول به في أغلب البلد السلمية كمصر وسورية وليبيا .والذي يظهر لي
رجحان مذهب المام مالك في هذا الشأن ،وهو اعتبار الكفاءة فقط في الدين والحال ،أي السلمة من
العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزواج ،وليس الحال بمعنى الحسب والنسب وإنما يندب ذلك
فقط ،والسبب هو ضعف أحاديث الجمهور ،ولن الدليل القوى للجمهور وهو المعقول يعتمد على
العرف ،فإذا كان العرف بين الناس كمافي عصرنا الحاضر هو عدم النظر إلى الكفاءة ،وأصبح مبدأ
المساواة هو الساس في التعامل ،وزالت المعاني القبلية والتمييز الطبقي بين الناس ،فلم يعد هناك
مسوغ للكفاءة.
-------------------------------
( )1رواه الحاكم عن عبد ال بن عمر ،وهو حديث منقطع (نصب الراية ،نيل الوطار ،المكان
السابق).
( )2رواه الدارقطني (نيل الوطار.)127/6 :
( )3رواه الترمذي ،وقال :هذا حديث حسن غريب ،وعده أبو داود في المراسيل (نيل الوطار:
.)127/6
( )4رواه ابن ماجه وأحمد والنسائي من حديث ابن بريدة (نيل الوطار.)127/6 :
( )5أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء ،وضعفه الدارقطني في
العلل (نيل الوطار.)128/6 :
( )6متفق عليه (رياض الصالحين :ص .)164
( )7فتح القدير 417/2 :وما بعدها).
( )9/220
( )9/221
أما الحالت التي تكون الكفاءة فيها شرطا لصحة الزواج ،فهي ما يأتي (: )1
ً - 1إذا زوجت المرأة البالغة العاقلة نفسها من غير كفء أوبغبن فاحش ،وكان لهاولي عاصب لم
يرض بهذا الزواج قبل العقد ،لم يصح الزواج أصلً ،ل لزما ول موقوفا على الرضا بعد البلوغ.
ً - 2إذا زوج غير الصل (الب والجد) أو الفرع (البن) عديم الهلية أو ناقصها ،أي المجنون
والمجنونة أو الصغير والصغيرة من غير كفء ،فإن الزواج فاسد؛ لن ولية هؤلء منوطة
بالمصلحة ،ول مصلحة في التزويج بغير الكفء.
ً - 3إذا زوج الب أو البن المعروف بسوء الختيار ( )2عديم الهلية أو ناقصها ،من غير كفء
أو بغبن فاحش،لم يصح النكاح اتفاقا .وكذا لو كان سكران ،فزوج المرأة من فاسق أو شرير أو فقير
أو ذي حرفة دنيئة ،لظهور سوء اختياره ،وانعدام المصلحة في هذا الزواج.
ويلزم النكاح ولو بغبن فاحش بنقص مهرها وزيادة مهره ،أو زوجها بغير كفء إن كان الولي
المزوج أبا أو جدا أو ابن المجنونة إذا لم يعرف منهما سوء الختيار.
وتكون الكفاءة شرطا لنفاذ الزواج :
إذا وكلت المرأة البالغة العاقلة شخصا في زواجها ،سواء أكان وليا أم أجنبيا عنها ،فزوّجها بغير
كفء ،كان العقد موقوفا على إجازتها؛ لن الكفاءة حق للمرأة ولوليائها ،فإذا لم يكن الزوج كفئا لها،
ل ينفذ العقد إل برضاها (. )3
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار.436 ،420-418/2 :
( )2سوء الختيار والرأي :أن يكون الشخص فاسقا أوماجنا ل يبالي بما يصنع ،أو يكون سفيها
طماعا (رد المحتار لبن عابدين.)418/2 :
( )3الدر المختار ورد المحتار.436/2 :
( )9/222
( )9/223
( )9/224
وقال الشافعية :لو زوجها الولي القرب برضاها ،فليس للبعد اعتراض؛ إذ ل حق له الن في
التزويج .وإذا تساوى الولياء في الدرجة ،فزوجها أحدهم برضاها دون رضاهم ،لم يصح الزواج؛
لن لهم حقا في الكفاءة ،فاعتبر رضاهم كرضا المرأة .ولو زوجها الولي غير كفء برضاها ،أو
زوجها بعض الولياء المستوين في الدرجة برضاها ورضا الباقين ،صح الزواج.
وقال الحنابلة :يملك العتراض والفسخ البعد من الولياء مع رضا القرب منهم بالزوج ،ومع رضا
الزوجة أيضا دفعا لما يلحقه من العار؛ لن الكفاءة عندهم كما جاء في كشاف القناع حق للمرأة
والولياء جميعهم ،فلو زوج الب بنته بغير كفء برضاها ،فللخوة الفسخ؛ لن العار في تزويج من
ليس بكفء عليهم أجمعين.
ولو زالت الكفاءة بعد العقد ،فللزوجة عندهم الفسخ فقط دون أوليائها؛ لن حق الولياء في ابتداء العقد
ل في استدامته ،وهذا بخلف رأي المذاهب الخرى ،فإن الكفاءة تعتبر عند الجمهور عند ابتداء
العقد ،فل يضر زوالها بعده ،فلو كان وقت العقد كفئا ،ثم صار غير كفء ،لم يفسخ العقد.
رضا بعض الولياء المستوين في الدرجة دون البعض :
إن تعدد الولياء القارب كالخوة الشقاء ،ورضي بعضهم بالزواج ،ولم يرض الخرون ،كان رضا
البعض عند أبي حنيفة ومحمد مسقطا لحق الخرين؛ لن هذا حق واحد ل يتجزأ؛ لن سببه وهو
القرابة ل يقبل التجزئة ،والقاعدة المقررة أن إسقاط بعض مال يتجزأ إسقاط لكله ،فإذا أسقط أحد
الولياء حقه ،سقط حق الباقين ،قياسا على حق القصاص الثابت لجماعة ،فإنه حق ل يقبل التجزئة،
فإذا عفا بعضهم سقط حق الباقين .وأجيب عنه بأن القصاص ل يثبت لكل واحد كاملً ،فإذا سقط
بعضه تعذر استيفاؤه.
وقال الجمهور (وهم المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف وزفر) :إن رضي بعض الولياء
المتساوين ،لم يسقط حق الخرين في العتراض؛ لن الكفاءة حق مشترك ثبت للكل ،وإذا أسقط أحد
الشريكين حق نفسه ،ل يسقط حق صاحبه ،كالدين المشترك.
وأجيب عنه :بأن قياس الكفاءة على الدين المشترك قياس مع الفارق؛ لن الدين حق يقبل التجزئة،
وحق الكفاءة ل يقبل التجزئة.
ول فرق عند الحنابلة بين أن يكون الولياء متساوين في الدرجة أم متفاوتين؛ لن الكفاءة عندهم حق
الكل.
( )9/225
( )9/226
ول تكون الكفاءة عندهم في السلمة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص،
والبخَر والدفَر إل عند محمد في الثلثة الولى.
وعند الشافعية خمسة :هي الدين أو العفة ،والحرية ،والنسب ،والسلمة من العيوب المثبتة للخيار،
والحرفة.
وعند الحنابلة خمسة أيضا :هي الدين ،والحرية ،والنسب ،واليسار (المال) ،والصناعة أي الحرفة ()1
.
فهم متفقون على الكفاءة في الدين ،واتفق غير المالكية على الكفاءة في الحرية والنسب والحرفة،
واتفق المالكية والشافعية على خصلة السلمة من العيوب المثبتة للخيار ،واتفق الحنفية في ظاهر
الرواية والحنابلة على خصلة المال ،وانفرد الحنفية بخصلة إسلم الصول.
-------------------------------
( )1البدائع ،320-318/2 :الدر المختار ورد المحتار ،445-437/2 :فتح القدير،424-419/2 :
اللباب ،13/3 :الشرح الكبير 249/2 :وما بعدها ،المهذب ،39/2 :مغني المحتاج،167-165/3 :
كشاف القناع 72/5 :وما بعدها ،المغني.486-482/6 :
( )9/227
- 1الديانة ،أو العفة أو التقوى :المراد بها الصلح والستقامة على أحكام الدين ،فليس الفاجر
والفاسق كفئا لعفيفة أو صالحة بنت صالح ،أو مستقيمة ،لها ولهلها تدين وخلق حميد ،سواء أكان
معلنا فسقه ،أم غير معلن أي ل يجهر بالفسق لكن يشهد عليه أنه فعل كذا من المفسقات؛ لن الفاسق
مردود الشهادة والرواية ،وهو نقص في إنسانيته ،ولن المرأة تعير بفسق الزوج أكثر ما تعير بضعة
نسبه ،فل يكون كفئا لمرأة عدل ،بالتفاق ما عدا محمد بن الحسن ،لقوله تعالى{ :أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا ،ل يستوون} [السجدة ]18/32:وقوله سبحانه{ :الزاني ل ينكح إل زانية} [النور:
]3/24ونوقش الستدلل باليتين ،أما الولى فهي في حق المؤمن والكافر ،وأما الثانية فهي منسوخة،
والصح الستدلل بحديث أبي حاتم المزني المتقدم « :إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه،
إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض» .
وقال محمد :إن الفسق ل يمنع الكفاءة ،إل إذا كان صاحبه متهتكا يصفع ويسخر منه،أو يخرج إلى
السواق سكران؛ لن الفسق من أحكام الخرة ،فل تبتنى عليه أحكام الدنيا.
وهل يكون الفاسق كفئا لفاسقة بنت صالح ،قال بعض الحنفية :ل يكون الفاسق كفئا لها ،وقال ابن
عابدين :إن المفهوم من كلمهم اعتبار صلح الكل أي الفتاة والب ،وإن من اقتصر على صالحة أو
صلح آبائها نظر إلى الغالب من أن صلح الولد والوالد متلزمان ،فعلى هذا ل يكون الفاسق كفئا
لصالحة بنت صالح ،بل يكون كفئا لفاسقة بنت فاسق ،وكذا لفاسقة بنت صالح ،لن ما يلحقه من العار
ببنته أكثر من العار بصهره .وإذا كانت صالحة بنت فاسق ،فزوجت نفسها من فاسق ،فليس لبيها
حق العتراض؛ لنه مثله ،وهي قد رضيت به.
( )9/228
- 2السلم :شرط انفرد به الحنفية بالنسبة لغير العرب ،خلفا للجمهور ،والمراد به إسلم الصول
أي الباء ،فمن له أبوان مسلمان كفء لمن كان له آباء في السلم ،ومن له أب واحد في السلم ل
يكون كفئا لمن له أبوان في السلم؛ لن تمام النسب بالب والجد .وألحق أبو يوسف الواحد بالمثنى.
ومن أسلم بنفسه ل يكون كفئا لمن له أب واحد في السلم؛ لن التفاخر فيما بين الموالي (غير
العرب) بالسلم.
ودليل الحنفية على هذه الخصلة :أن تعريف الشخص يكون كاملً بالب والجد ،فإذا كان الب والجد
مسلما ،كان نسبه إلى السلم كاملً.
ول تعتبر هذه الخصلة إل في غير العرب؛ لنهم بعد إسلمهم صار فخرهم بالسلم ،وهو شرفهم
الذي قام مقام النسب .أما العرب فل يعتبر فيهم التكافؤ في إسلم الباء؛ لن العرب يتفاخرون
بأنسابهم ،ول يتفاخرون بإسلم أصولهم ،فالعربي المسلم الذي ليس له أب مسلم كفء للعربية المسلمة
التى لها أب وأجداد مسلمون.
( )9/229
- 3الحرية :شرط في الكفاءة عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) فل يكون العبد ولو مبعضا
كفئا لحرة ولو كانت عتيقة؛ لنه منقوص بالرق ،ممنوع من التصرف في كسبه ،غير مالك له ،ولن
الحرار بمصاهرة الرقاء كما يعيرون بمصاهرة من دونهم في النسب والحسب.
واشترط الحنفية والشافعية أيضا حرية الصل ،فمن كان أحد آبائه رقيقا ليس كفئا لحر الصل ،أو
لمن كان أبوها رقيقا ثم أعتق ،ومن كان له أبوان في الحرية ليس كفئا لمن كان له أب واحد في
الحرية.
وأضاف الحنفية والشافعية أن العتيق ليس كفئا لحرة أصلية؛ لن الحرار يعيرون بمصاهرة العتقاء،
كما يعيرون بمصاهرة الرقاء.
وقال الحنابلة :العتيق كله كفء للحرة.
وأما المالكية فلم يشترطوا الحرية في الكفاءة ،وقالوا :في كفاءة العبد للحرة ،وعدم كفاءته لها على
الرجح تأويلن :المذهب أنه ليس بكفء ،والراجح أنه كفء ،وهو الحسن؛ لنه قول ابن القاسم.
وقال الدسوقي :والظاهر التفصيل :فما كان من جنس البيض فهو كفء؛ لن الرغبة فيه أكثر من
الحرار ،وبه الشرف في عرف مصرنا ،وما كان من جنس السود فليس بكفء؛ لن النفوس ـ على
حد تعبيره ـ تنفر منه ،ويقع به الذم للزوجة .وهذا حكاية لعرف الناس في عصره ،وليس أمرا مقررا
في الشرع.
لذا أرى أن هذا الرأي خاص بالدسوقي ،فإن مبادئ الشريعة تناقض هذا القول إذ ل تفرقة في أحكامها
بين الناس بسبب اللون ،وما اعتمده من عرف مصر هو عرف فاسد ،لمصادمته مبادئ الشريعة ،أو
أنه مجرد أهواء نفسية وميول خاصة ل يقرها الشرع؛ لن الناس سواء في دين ال تعالى.
( )9/230
( )9/231
كفئا لباقي قريش كبني عبد شمس ونوفل ،وإن كانا أخوين لهاشم ،لخبر« :إن ال اصطفى من العرب
كنانة ،واصطفى من كنانة قريشا ،واصطفى من قريش بني هاشم ،واصطفاني من بني هاشم» (. )1
ويتفق الجمهور على أن قريشا وهم أولد النضر بن كنانة أفضل نسبا من سائر العرب ،فالقرشية ل
يكافئها إل قرشي مثلها ،والقرشي كفء لكل عربية .وأن المرأة العربية غير القرشية يكافئها أي
عربي من أي قبيلة كانت ،ولكن ل يكافئها غير العربي أي العجمي.
ودليل الجمهور حديث« :العرب بعضهم أكفاء لبعض ،قبيلة بقبيلة ،ورجل برجل ،والموالي بعضهم
أكفاء لبعض ،قبيلة بقبيلة ،ورجل برجل ،إل حائك أو حجام» (. )2
والحق أن اعتبار النسب في الكفاءة ليس صحيحا ،والصحيح قول المالكية؛ لن مزية السلم
الجوهرية هي الدعوة إلى المساواة ،ومحاربة التمييز العرقي أو العنصري ،ودعوات الجاهلية القبلية
والنسبية ،ولن انتشار السلم بين الناس غير العرب إنما كان أساسا لهذه المزية ،وإعلن حجة
الوداع واضح وهو أن الناس جميعا أبناء آدم ،وليس لعربي على عجمي فضل إل بالتقوى.
أما الحديث الذي اعتمد عليه الجمهور فهو ضعيف ،لذا فإن تفضيل قريش على سائر العرب ،ثم
تفضيل العرب على العجم ،لم يدل عليه شيء من السنة ،بل ورد في السنة خلفه؛ لن النبي صلّى
ال عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان ،وزوج أبا العاص بن
-------------------------------
( )1رواه الترمذي عن واثلة ،وهو صحيح.
( )2رواه الحاكم والبيهقي عن عبد ال بن عمر ،ولكنه حديث منقطع (نصب الراية ،197/3 :سبل
السلم.)128/3 :
( )9/232
ربيع زينب ،وهما من بني عبد شمس ،وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم ،وزوج النبي بنت عمته زينب
وهي قرشية زيد بن حارثة ،وهو من الموالي ،وتزوج أسامة ابن زيد فاطمة بنت قيس وهي من
قريش ،بعد أن طلقها زوجها :أبو عمر بن حفص بن المغيرة ،فأخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها،
فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :أما أبو جهم فل يضع عصاه عن عاتقه ،وأما معاوية
فصعلوك ل مال له ،انكحي أسامة بن زيد» (. )1
وتزوج عبد ال بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي ،وتزوج المصعب بن الزبير أختها
سكينة ،وتزوجها أيضا عبد ال بن عثمان بن حكيم بن حزام ،وتزوج المقداد بن السود ضباعة بنة
الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول ال صلّى ال عليه وسلم .وزوج أبو بكر أخته أم فروة
الشعث بن قيس ،وهما كنديان (. )2
ولن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء ،وإن تفاضلوا ،وشرف بعضهم على بعض ،وكذلك
العرب.
وإذا حرص العرب على أنسابهم وتفاخروا بها ،فإن غير العرب قد حرصوا على أنسابهم ،وتتعير
المرأة منهم إذا تزوجت من ل يساويها في الحسب والنسب.
- 5المال أو اليسار :المراد به القدرة على المهر والنفقة على الزوجة ،ل الغنى والثراء ،فل يكون
المعسر كفئا لموسرة .وحدد بعض الحنفية هذه القدرة على نفقة شهر ،وصحح بعضهم الكتفاء بالقدرة
عليها بالكسب.
واشترط اليسار في الكفاءة الحنفية والحنابلة؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في الحديث السابق
لفاطمة بنت قيس« :أما معاوية فصعلوك ل مال له» ،ولن الناس
-------------------------------
( )1رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس (سبل السلم.)129/3 :
( )2المغني 483/6 :وما بعدها.
( )9/233
يتفاخرون بالمال أكثر من التفاخر بالنسب ،ولن الموسرة تتضرر في إعسار زوجها لخلله بنفقتها
ومؤنة أولده ،ولهذا ملكت الفسخ بإعساره بالنفقة ،ولن عدم اليسار نقص في عرف الناس يتفاضلون
فيه كتفاضلهم في النسب.
وقال الشافعية في الصح والمالكية :ل يعد اليسار في خصال الكفاءة؛ لن المال ظل زائل ،وحال
حائل ،ومال مائل ،ول يفتخر به أهل المروءات والبصائر.
والراجح لدي هو هذا الرأي؛ لن الغنى ل دوام له ،والمال غاد ورائح ،والرزق مقسوم منوط
بالكسب ،والفقر شرف في الدين ،وقد قال النبي صلّى ال عليه وسلم « :اللهم أحيني مسكينا وأمتني
مسكينا» (. )1
- 6المهنة أو الحرفة أو الصناعة :
والمراد بها العمل الذي يمارسه النسان لكسب رزقه وعيشه ،ومنه الوظيفة في الحكومة.
وذكر الجمهور غير المالكية الحرفة في خصال الكفاءة ،بأن تكون حرفة الزوج أو أهله مساوية أو
مقاربة لحرفة الزوجة أو أهلها .فل يكون صاحب حرفة دنيئة كالحجام والحائك والكسّاح والزبال
والحارس والراعي والفقّاط كفئآً لبنت صاحب صناعة جليلة أو رفيعة كالتاجر والبزاز ،أي الذي يتجر
في البَزّ وهو القماش ،والخياط ،ول تكون بنت التاجر والبزاز كفئا لبنت العالم والقاضي نظرا للعرف
فيه .وأما أتباع الظلمة فأخسّ من الكل .وأهل الكفر بعضهم أكفاء لبعض؛ لن اعتبار الكفاءة لدفع
النقيصة ،ول نقيصة أعظم من الكفر.
والمعول عليه في تصنيف الحرف هو العرف ،وهذا يختلف باختلف الزمان والمكنة ،فقد تكون
الحرفة دنيئة في زمن ،ثم تصبح شريفة في زمن آخر .وقد تكون الحرفة وضيعة في بلد ،وتكون
رفيعة في بلد آخر.
ولم يذكر المالكية الحرفة من خصال الكفاءة؛ لنها ليست بنقص في الدين ،ول هي وصف لزم،
كالمال ،فأشبه كل منهما الضعف والمرض والعافية والصحة .وهذا هو الراجح لدي.
-------------------------------
( )1رواه الترمذي من حديث أنس ،وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري
(تخريج أحاديث الحياء للعراقي.)167/4 :
( )9/234
- 7السلمة من العيوب المثبتة للخيار في النكاح :كالجنون والجذام والبرص .اعتبرها المالكية
والشافعية من خصال الكفاءة ،فمن كان به عيب منها رجلً أو امرأة ليس كفئا للسليم من العيوب؛ لن
النفس تعاف صحبة من به بعضها ،ويختل بها مقصود النكاح.
ولم يعتبر الحنفية والحنابلة السلمة من العيوب من شروط الكفاءة ،ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون
أوليائها؛ لن الضرر مختص بها ،ولوليها منعها من نكاح المجذوم والبرص والمجنون .وهذا الرأي
هو الولى؛ لن خصال الكفاءة حق لكل من المرأة والولياء.
هذه هي خصال الكفاءة ،أما ما عداها كالجمال والسن والثقافة والبلد والعيوب الخرى غير المثبتة
للخيار في الزواج كالعمى والقطع وتشوه الصورة ،فليست معتبرة ،فالقبيح كفء للجميل ،والكبير
كفء للصغير ،والجاهل كفء للمثقف أو المتعلم ،والقروي كفء للمدني ،والمريض كفء للسليم.
لكن الولى مراعاة التقارب بين هذه الوصاف ،وبخاصة السن والثقافة؛ لن وجودهما أدعى لتحقيق
الوفاق والوئام بين الزوجين ،وعدمهما يحدث بلبلة واختلفا مستعصيا ،لختلف وجهات النظر،
وتقديرات المور ،وتحقيق هدف الزواج ،وإسعاد الطرفين.
الكفاءة في القانون :إن خصال الكفاءة المطلوبة عند الفقهاء روعي فيها عرف المجتمعات الماضية ،
فكل ما أدى إلى الضرار بسمعة المرأة و أوليائها ،كانت الكفاءة فيه شرطا لزوم العقد .
واليوم ينبغي أن يعتبر العرف الحاضر أيضا ،فإنه زال اعتبار كفاءة النسب والمال ونحوهما .لذا نص
القانون السوري على ما يلي:
(م : )26يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفئا للمرأة.
(م :)27إذا تزوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي ،فإن كان الزوج كفئا لزم العقد ،وإل فللولي
طلب فسخ النكاح.
( )9/235
( )9/236
( )9/237
وحكمه :أنه واجب على الرجل دون المرأة ،ويجب كما دلت التعاريف بأحد أمرين؛ إذ الوطء في دار
عقْر (مهر) ،احتراما لنسانية المرأة:
عقْر (حد) أو ُ
السلم ل يخلو عن َ
الول ـ مجرد العقد الصحيح :وقد يسقط كله أو نصفه ما لم يتأكد بالدخول أو بالموت ،أو بالخلوة
عند الحنفية والحنابلة.
الثاني ـ الدخول الحقيقي :كما في حالة الوطء بشبهة ،أو في الزواج الفاسد .ول يسقط حينئذ إل
بالداء أو بالبراء.
و نص القانون السوري (م )53على أنه :يجب للزوجة المهر بمجرد العقد الصحيح ،سواء أسمي
عند العقد أم لم يسم أم نفي أصلً.
وأدلة وجوب المهر :ما يأتي (: )1
- ً 1القرآن :قال تعالى{ :وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء ]4/4:أي عطية من ال مبتدأة أو
هدية .والمخاطب به الزواج عند الكثرين ،وقيل :الولىاء؛ لنهم كانوا في الجاهلية يأخذونه،
ويسمونه نحلة ،وهو دليل على أن المهر رمز لكرام المرأة ،والرغبة في القتران.
وقال سبحانه{ :فما استمتعتم به منهن ،فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء ]24/4 :وقال تعالى:
{وآتوهن أجورهن} [النساء{ ]25/4:وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير
مسافحين} [النساء.]24/4:
- ً 2السنة :قال صلّى ال عليه وسلم لمريد التزوج« :التمس ولو خاتما من حديد» ( ، )1وثبت عنه
عليه الصلة والسلم أنه لم يخل زواجا من مهر.
وتسن تسمية المهر في العقد؛ لنه صلّى ال عليه وسلم لم يخل نكاحا عنه ،ولنه أدفع للخصومة،
ولئل يشبه نكاح الواهبة نفسها للنبي صلّى ال عليه وسلم .
- ً 3وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح :
-------------------------------
( )1المغني ،679/6 :المهذب.55/2 :
( )9/238
والحكمة من وجوب المهر :هو إظهار خطر هذا العقد ومكانته ،وإعزاز المرأة وإكرامها ،وتقديم
الدليل على بناء حياة زوجية كريمة معها ،وتوفير حسن النية على قصد معاشرتها بالمعروف ،ودوام
الزواج .وفيه تمكين المرأة من التهيؤ للزواج بما يلزم لها من لباس ونفقة.
وكون المهر واجبا على الرجل دون المرأة :ينسجم مع المبدأ التشريعي في أن المرأة ل تكلف بشيء
من واجبات النفقة ،سواء أكانت أما أم بنتا أم زوجة ،وإنما يكلف الرجل بالنفاق ،سواء المهر أم نفقة
المعيشة وغيرها؛ لن الرجل أقدر على الكسب والسعي للرزق ،وأما المرأة فوظيفتها إعداد المنزل
وتربية الولد وإنجاب الذرية ،وهو عبء ليس بالهيّن ول باليسير ،فإذا كلفت بتقديم المهر ،وألزمت
السعي في تحصيله اضطرت إلى تحمل أعباء جديدة ،وقد تمتهن كرامتها في هذا السبيل.
ووضع القرآن مبدأ توزيع المسؤوليات المالية بين الرجل والمرأة ،فقال سبحانه{ :الرجال قوّامون
على النساء ،بما فضل ال بعضهم على بعض ،وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء.]34/4:
-------------------------------
( )1متفق عليه بين أحمد والشيخين عن سهل بن سعد (نيل الوطار.)170/6 :
( )9/239
( )9/240
فزوج أحدهما من صاحبه ،فدخل عليها ولم يُفرض لها به صداق؛ فلما حضرته الوفاة قال :إن رسول
ال صلّى ال عليه وسلم زوجني فلنة ،ولم أفرض لها صداقا ،ولم أعطها شيئا ،وإني قد أعطيتها عن
صداقي سهمي بخيبر ،فأخذت سهمه ،فباعته بمائة ألف» (. )1
وبناء عليه :لو اتفق الزوجان بدون مهر ،أو سميا ما ل يملك شرعا كالخمر والخنزير والنجس كروث
دواب ،صح العقد عند الجمهور غير المالكية ،ووجب للمرأة مهر المثل ،بالدخول أو الموت .وقال
المالكية :إن اتفق الزوجان على إسقاط المهر فهو نكاح فاسد.
نكاح التفويض :قال ابن رشد وغيره ( : )2أجمع الفقهاء على أن نكاح التفويض جائز :وهو أن يعقد
النكاح دون صداق ،لقوله تعالى{ :ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ،أو تفرضوا لهن
فريضة} [البقرة .]236/2:لكن نكاح التفويض يشمل عند الجمهور حالة التفاق على عدم المهر،
وعدم تسمية المهر ،وأما عند المالكية فيقتصر على الحالة الثانية ،وأما التفاق على إسقاط المهر
فيفسد الزواج.
ثانيا ـ مقدار المهر ـ التغالي في المهور :
ليس للمهر حد أقصى بالتفاق ( )3؛ لنه لم يرد في الشرع ما يدل على تحديده بحد أعلى ،لقوله
تعالى...{ :وآتيتم إحداهن قنطارا ،فل تأخذوا منه شيئا} [النساء.]20/4:
تنبهت امرأة إلى هذه الية ،حينما أراد عمر بن الخطاب رضي ال عنه تحديد المهور ،فنهى أن يزاد
في الصداق على أربع مئة درهم ،وخطب الناس فيه ،فقال ( : )4ل ُتغْلوا في صداق النساء ،فإنها لو
كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الخرة ،كان أولكم بها رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،ما
أصدق قط امرأة من نسائه ول بناته فوق اثنتي عشر أوقية ـ أي من الفضة ( )5ـ فمن زاد على
أربعمائة شيئا ،جعلت الزيادة في بيت المال ،فقالت له امرأة من قريش بعد نزوله من على المنبر:
ليس ذلك إليك يا عمر ،فقال :ولم؟ قالت :لن ال تعالى يقول{ :وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه
شيئا ،أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا } [النساء ]20/4:فقال عمر :امرأة أصابت ،ورجل أخطأ .ورواه أبو
يعلى في الكبير :فقال :اللهم غفرا ،كل الناس أفقه من عمر ،ثم رجع فركب المنبر فقال :أيها الناس،
إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ،فمن شاء أن يعطي من ماله ما
أحب (. )6
ولكن يسن تخفيف الصداق وعدم المغالة في المهور ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن أعظم النكاح
بركة أيسره مؤونة» ( )7وفي رواية «إن أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا» وروى أبو داود
وصححه الحاكم عن عقبة بن عامر حديث« :خير الصداق أيسره» .
-------------------------------
( )1أخرجه أبو داود والحاكم.
( )2بداية المجتهد ،25/2 :القوانين الفقهية :ص ،203البدائع ،274/2 :الدر المختار ،460/2 :مغني
المحتاج.228/3 :
( )3البدائع ،286/2 :الدر المختار 452/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،202المهذب،55/2 :
كشاف القناع.142/5 :
( )4رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه وأحمد وابن ماجه (الخمسة) عن أبي العجفاء (نيل
الوطار.)168/6 :
( )5الوقية :أربعون درهما.
( )6مجمع الزوائد 283/4 :وما بعدها ،سيرة عمر بن الخطاب للطنطاويين نقلً عن سيرة عمر لبن
الجوزي ،321/1 :تكملة المجموع.482/15 :
( )7رواه أحمد عن عائشة ،وفيه ضعيف (نيل الوطار.)168/6 :
( )9/241
والحكمة من منع المغالة في المهور واضحة وهي تيسير الزواج للشباب ،حتى ل ينصرفوا عنه،
فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة ،وقد ورد في خطاب عمر السابق« :وإن الرجل ليغلي بصدقة
امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه» .
أقل المهر :أما الحد الدنى للمهر فمختلف فيه على آراء ثلثة :قال الحنفية ( : )1أقل المهر عشرة
دراهم ،لحديث« :ل مهر أقل من عشرة دراهم» ( )2وقياسا على نصاب السرقة :وهو ما تقطع به يد
السارق فإنه عندهم دينار أو عشرة دراهم ،إظهارا لمكانة المرأة ،فيقدر المهر بما له أهمية .وأما
حديث «التمس ولو خاتما من حديد» فحملوه على المهر المعجل؛ لن العادة عندهم تعجيل بعض
المهر قبل الدخول ،وقد منع صلّى ال عليه وسلم عليا أن يدخل بفاطمة رضي ال عنها حتى يعطيها
شيئا ،فقال :يا رسول ال ،ليس لي شيء ،فقال :أعطها درعك ،فأعطاها درعه (. )3
وقال المالكية ( : )4أقل المهر ربع دينار ،أو ثلثة دراهم فضة خالصة من الغش ،أو ما يساويها مما
يقوم بها من عروض أو من كل طاهر ل نجس ،متمول شرعا من عرض أو حيوان أو عقار ،منتفع
به شرعا ،أي يحل النتفاع به ل كآلة لهو ،مقدور على تسليمه للزوجة ،معلوم قدرا وصنفا وأجلً،
ودليلهم أن المهر وجب في الزواج إظهارا لكرامة المرأة ومكانتها ،فل يقل عن هذا المقدار الذي هو
نصاب السرقة عندهم ،مما يدل على خطره ،فلو تزوج رجل امرأة بأقل من هذا المقدار ،وجب لها إن
دخل بها ،وإن لم يدخل بها قيل له :إما أن تتم المهر أو تفسخ العقد.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،452/2 :البدائع.275/2 :
( )2رواه البيهقي بسند ضعيف ،ورواه ابن أبي حاتم ،وقال الحافظ ابن حجر :إنه بهذا السناد حسن.
( )3رواه أبو داود والنسائي.
( )4الشرح الصغير.428/2 :
( )9/242
وقال الشافعية والحنابلة ( : )1ل حد لقل المهر ،ول تتقدر صحة الصداق بشيء ،فصح كون المهر
مالً قليلً أو كثيرا ،وضابطه :كل ما صح كونه مبيعا أي له قيمة صح كونه صداقا ،وما ل فل ،ما لم
ينته إلى حد ل يتمول ،فإن عقد بما ل يتمول ول يقابل بما يتمول كالنواة والحصاة ،فسدت التسمية
ووجب مهر المثل .ودليلهم:
أ ـ قوله تعالى{ :وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} [النساء ]24/4:فلم يقدره الشرع بشيء،
فيعمل به على إطلقه.
ب ـ الحديث المتقدم« :التمس ولو خاتما من حديد» فيدل على أن المهر يصح بكل ما يطلق عليه
اسم المال.
جـ ـ روى عامر بن ربيعة أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين ،فقال رسول ال صلّى ال عليه
وسلم « :رضيتِ من مالك ونفسك بنعلين؟ قالت :نعم ،فأجازه» ( )2وأخرج أبو داود عن جابر
موقوفا« :لو أن رجلً أعطى امرأة صداقا ملء يده طعاما ،كانت له حللً» .
د ـ إن المهر حق المرأة ،شرعه ال إظهارا لمكانتها ،فيكون تقديره برضا الطرفين ،ولن المهر بدل
الستمتاع بالمرأة ،فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها.
وهذا هو الرأي الراجح لقوة دليله من القرآن والسنة ،وقال أصحاب هذا الرأي :يسن أن يكون المهر
من أربع مئة درهم إلى خمس مئة درهم،وأل يزيد على
-------------------------------
( )1المهذب ،55/2 :مغني المحتاج ،220/3 :كشاف القناع 142/5 :وما بعدها ،المغني 680/6 :وما
بعدها ،و .739
( )2رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
( )9/243
ذلك ،لما روت أم حبيبة «أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة ...ولم
يبعث لها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بشيء ،وكان مهر نسائه أربعمائة درهم» ( ، )1وروت
عائشة« :أن صداق النبي صلّى ال عليه وسلم على أزواجه خمسمائة درهم» ( )2والمستحب القتداء
به عليه السلم ،والتبرك بمتابعته.
وإن زاد الصداق على خمسمائة درهم فل بأس ،لما روت أم حبيبة في الحديث المتقدم« :أن النبي
صلّى ال عليه وسلم تزوجها ،وهي بأرض الحبشة ،زوّجها النجاشي ،وأمهرها أربعة آلف وجهزها
من عنده ،وبعث بها مع شرحبيل بن حَسَنة ،فلم يبعث لها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بشيء» ولو
كره ذلك لنكره.
ويكره ترك تسمية المهر في العقد؛ لنه قد يؤدي إلى التنازع في فرضه.
ويستحب أل ينقص عن عشرة دراهم ،خروجا من خلف من قدر أقله بذلك.
مهر السر ومهر العلنية :إن تزوجها على صداقين :صداق في السر ،وصداق في العلنية ،فالواجب
عند الشافعية والمالكية والحنفية ،ما عقد به العقد؛ لن الصداق يجب بالعقد ،فوجب ما عقد به؛ ولن
إظهار العلنية ليس بعقد ،ول يتعلق به وجوب شيء.
ويؤخذ بالعلنية عند الحنابلة ،وإن كان صداق السر قد انعقد به النكاح؛ لنه إذا عقد في الظاهر عقد
بعد عقد السر ،فقد وجد منه بذل الزائد ،على مهر السر ،فيجب الزائد عليه ،كما لو زادها على
صداقها.
اختلف القبول عن اليجاب :إن قال الولي :زوجتك ابنتي بألف ،وقال الزوج :قبلت نكاحها
بخمسمائة ،وجب مهر المثل عند الشافعية؛ لن الزوج لم يقبل بألف ،والولي لم يوجب بخمسمائة،
فسقط الجميع ،ووجب مهر المثل.
و أخذ القانون السوري (م )54برأي الشافعية والحنابلة.
ونص المادة - 1 :ل حد لقل المهر ول لكثره - 2 .كل ما صلح التزامه شرعا صلح أن يكون
مهرا.
-------------------------------
( )1رواه أحمد والنسائي (نيل الوطار.)169/6 :
( )2رواه مسلم.
( )9/244
( )9/245
ـ أما الزواج على أن يعلمها القرآن أو بعضه أو بعض أحكام الدين من حلل وحرام ،فل يصح عند
متقدمي الحنفية ،لقوله تعالى{ :أن تبتغوا بأموالكم} [النساء ]24/4:ولن المسمى ليس بمال؛ لن تعليم
القرآن ونحوه من الطاعات قربة إلى ال تعالى ،ل يصح الستئجار عليها عند أئمة الحنفية الثلثة،
وليصح أن يقابل التعليم بالمال ،وحينئذ ل تصح التسمية ،ويجب مهر المثل؛ لنها منفعة ل تقابل
بمال.
وأفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الجرة على تعليم القران وأحكام الدين ،للحاجة إليه بسبب تغير
الحوال واشتغال الناس بشؤون المعيشة ،فل يتفرغ المعلم من غير أجر .وعليه يجوز جعل المهر
تعليم القرآن أو أحكام الدين ،ويدل له حديث سهل بن سعد ،الذي جاء فيه أن النبي صلّى ال عليه
وسلم زوج رجلً بما معه من القرآن ،فقال« :قد زوجتُكها بما معك من القرآن» ( )1وفي رواية متفق
عليها« :قد ملكتكها بما معك من القرآن» .
ـ ول يصح كون المهر ما ليس مالً متقوما كأن يتزوج مسلم مسلمة على التراب أو الدم أو الخمر
أو الخنزير؛ لن الميتة والدم ليسا بمال في حق أحد ،والخمر والخنزير ليسا بمال متقوم في حق
المسلم ،ول يصح زواج امرأة على طلق امرأة أخرى أو على العفو عن القصاص؛ لن الطلق ليس
بمال ،وكذا القصاص.
-------------------------------
( )1متفق عليه بين أحمد والشيخين (نيل الوطار.)170/6 :
( )9/246
ـ ول يصح نكاح الشغار :وهو أن يزوج الرجل أخته لخر ،على أن يزوجه الخر أخته ،أو يزوجه
ابنته ،هذه التسمية فاسدة؛ لن كل واحد منهما جعل ُبضْع كل واحدة منهما مهر الخرى ،والبضع
ليس بمال ،ففسدت التسمية ،ووجب لكل واحدة منهما مهر المثل ،والنكاح صحيح عندهم .وعند
الجمهور :فاسد أو باطل؛ لما روي أنه صلّى ال عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار .والنهي يوجب
فساد المنهي عنه .ووجهة الحنفية :أن هذا الزواج مؤبد ،أدخل فيه شرط فاسد ،حيث شرط فيه أن
يكون ُبضْع كل واحدة منهما مهر الخرى ،والبضع ل يصلح مهرا ،والنكاح ل تبطله الشروط
الفاسدة ،كما إذا تزوج امرأة على أن يطلقها ،وعلى أن ينقلها من منزلها ونحوه .أما النهي عن نكاح
الشغار فهو الخالي عن العوض ،وعندهم هو نكاح بعوض وهو مهر المثل ،فل يكون شغارا.
ـ ولو تزوج حر امرأة على أن يخدمها سنة ،كرعي غنمها سنة ،فالتسمية فاسدة ،ولها مهر مثلها في
قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لن المنافع ليست بأموال متقومة عندهما ،فلم تكن عندهما مضمونة
بالغصب والتلف ،وإنما يثبت لها التقوم إذا ورد العقد عليها ،للضرورة ،دفعا للحاجة بها.
وعند الشافعي وباقي الئمة :التسمية صحيحة ،وللمرأة خدمة سنة؛ لن المبدأ عندهم :كل ما يجوز
أخذ العوض عنه ،يصح تسميته مهرا ،ومنافع الحر يجوز أخذ العوض عنها؛ لن إجارة الحر جائزة
بل خلف فصح تسميتها ،والمنافع عندهم أموال متقومة.
ـ ويصح أن يتزوج الرجل امرأة على منافع العيان مدة معلومة ،كما تقدم ،مثل سكنى داره،
وركوب دابته والحمل عليها ،وزراعة أرضه ونحوها؛ لن هذه المنافع أموال ،أو التحقت بالموال
شرعا في سائر العقود للحاجة.
( )9/247
ـ ويصح الزواج على متقوم مجهول جهالة يسيرة؛ لن المال غير مقصود في الزواج ،فيتسامح فيه
بما ل يتسامح في المعاوضات المالية ،ول يصح الزواج على ما هو مجهول جهالة فاحشة؛ لنه
يفضي إلى النزاع ،وكل ما يفضي إلى المنازعة يفسد العقد.
والفرق بين نوعي الجهالتين :أن الجهالة الفاحشة :ما كان الجنس أو النوع أو المقدار فيها مجهولً،
كأن يتزوج امرأة على حيوان أو دابة أو ثوب؛ لن كل واحد منها جنس يدخل تحته أنواع مختلفة .أو
يتزوج على قطن دون بيان نوعه ،أو على دار دون بيان حجمها؛ لن للقطن أنواعا مختلفة ،وتختلف
الدارفي الصغر والكبر ،والبلد والموقع ،والهيئة والطريق.
وأما الجهالة اليسيرة :ما كان المسمى معلوم الجنس والنوع ،مجهول الصفة كطن حنطة أو قنطار
قطن ،دون بيان الوصف ،فجهالة الوصف عند الحنفية والمالكية ل تضر؛ لنها يسيرة ،ويجب الوسط
من النوع المعين أو قيمته من غير إجحاف بالزوجة أو الزوج؛ لنه هو العدل لما فيه من مراعاة
الجانبين .وقال الشافعية والحنابلة :جهالة الوصف تضر؛ لنها تفضي إلى المنازعة كجهالة الجنس.
ضابط ما يصلح مهرا عند المالكية :
قال المالكية ( : )1المهر :هو كل متموّل شرعا من عَرَض أو حيوان أو عقار ،طاهر ل نجس إذ ل
يقع به تقويم شرعا ،منتفع به شرعا ،إذ غير المنتفع به كآلة اللهو ل يقع به تقويم ،مقدور على تسليمه
للزوجة ،معلوم قدرا وصنفا وأجلً.
فل يصح كون المهر غير متمول :كقصاص وجب للزوج على زوجته ،فتزوجها على تركه ،فيفسخ
قبل الدخول ،فإن دخل وجب صداق المثل ،ويرجع للدية .ومثل سمسرة كأن يتزوجها سمسارا في بيع
سلعة لها.
ول يصح على ما ل يملك شرعا كخمر وخنزير ونجس كروث دابة.
ول على غير مقدور على تسليمه كآبق ،وما فيه غرر كجنين وثمرة لم يبد صلحها على أن تبقى
حتى تطيب .فإن شرط أخذها من هذا الوقت بالجداد (صِرَام النخل) جاز.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،432-429/2 :وانظر أيضا ص ،385القوانين الفقهية :ص ،201بداية
المجتهد.27 ،20/2 :
( )9/248
ول على مجهول كشيء أو ثوب لم يعين نوعه ،أو دنانير لم يبين قدرها ،أو شيء لم يبين أجل
تسليمه ،أو فرس من أفراسه يختاره هو ل هي؛ لحتمال اختياره الدنى أوالعلى .أما إذا كان
الختيار لها ،على أنها ل تختار إل الحسن فيجوز ،إذ ل غرر.
وجاز المهر الذي فيه جهالة يسيرة أو غرر يسير ،لبناء الزواج على المكارمة والتسامح ،كأن
شوْرة:أي متاع البيت،
يتزوجها على مهر مثلها ،أو على جهاز البيت المعلوم بينهم وهو ما يسمىَ :
ويقع على الوسط ،أي وسط ما يتناكح به الناس.
وجاز المهر على عدد معلوم كعشرة من إبل وغنم ،ويقع على الوسط ،ويعتبر الوسط في السن وفي
الجودة والرداءة.
ول يجوز المهر على منفعة ل يستحق في مقابلها المال ،فل تصح مهرا ،كأن يتزوجها ويجعل مهرها
طلق ضَرتها ،أوأل يتزوج عليها ،أو أل يخرجها من بلدها ،فإن كل منفعة من هذه المنافع ل تصلح
أن تكون مهرا؛ لنها ل تقابل بمال ،ول يجوز في المشهور عندهم كالحنفية النكاح على الجارة
كالخدمة وتعليم القرآن ،وقيل :يجوز وفاقا للشافعي وابن حنبل.
( )9/249
( )9/250
ول يصح كون المهر فيه غرر كالمعدوم والمجهول ،ول ما ل يتم تملكه له كالمبيع قبل القبض ،ول
ما ل يقدر على تسليمه كالعبد البق والبعير الشارد والطير الطائر؛ لنه عوض في عقد ،فل يجوز به
كالعوض في البيع والجارة .فإن تزوج على شيء منه لم يبطل النكاح؛ لن فساده ليس بأكثر من
عدمه أي عدم المهر ،فإذا صح النكاح مع عدمه صح مع فساده ،ويجب مهر المثل؛ لنها لم ترض
من غير بدل ،ولم يسلم لها البدل ،وتعذر رد المعوض ،فوجب رد بدله،كما لو باع سلعة بمحرم وتلفت
في يد المشتري.
وتضر الجهالة الفاحشة بأن كانت هناك جهالة في الجنس أو النوع أو المقدار أو الصفة،فإن أصدقها
ل كمتاع بيته ،وما
دارا غير معينة ،أو دابة مبهمة ،أو شيئا لم يعينه ولم يصفه ،أو أصدقها مجهو ً
يحكم به أحد الزوجين أو ما يحكم به زيد ،أو ما يثمر شجره ونحوه ،لم يصح .وإن أصدقها ما ل
منفعة فيه كالحشرات ،أو أصدقها ما ل يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء ،أو ما
ل يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة ،لم يصح الصداق للجهالة أو الغرر أو عدم التمول.
وجوب مهر المثل عند فساد المهر :يتبين مما سبق أن المهر إذا فسدت تسميته يجب مهر المثل باتفاق
الفقهاء ،ويفسد العقد أيضا عند المالكية ويجب فسخ الزواج إل إذا دخل الرجل بالمرأة ،فإن دخل بها
وجب مهر المثل .وقال الجمهور :إذا فسد المهر ل يفسد العقد ،بل يكون صحيحا ،فإن حصلت الفرقة
قبل الدخول ،كان لها المتعة ،وإن حصلت الفرقة بعد الدخول كان لها مهر المثل؛ لن فساد المهر ـ
كما تقدم ـ ل يزيد على عدم تسميته عند العقد ،فإذا صح العقد مع عدم المهر ،صح بفساد المهر؛
لن ذكره كالعدم.
( )9/251
رابعا ـ أنواع المهر وحالت وجوب كل نوع :
المهر عند الفقهاء نوعان :مهر مسمى ومهر المثل (: )1
أما المهر المسمى :فهو ما سمي في العقد أو بعده بالتراضي ،بأن اتفق عليه صراحة في العقد ،أو
فرض للزوجة بعده بالتراضي ،أو فرضه الحاكم ،لعموم قوله تعالى{ :وقد فرضتم لهن فريضة،
فنصف ما فرضتم} [البقرة.]237/2:
ويعد من المهر المسمى في العقد :ما يقدمه الزوج عرفا لزوجته قبل الزفاف أو بعده ،كثياب الزفاف
أو هدية الدخول أو بعده؛ لن المعروف بين الناس كالمشروط في العقد لفظا ،ويجب إلحاقه بالعقد،
ويلزم الزوج به إل إذا شرط نفيه وقت العقد.
ونص المالكية ( )2على أن ما يهدى للمرأة قبل العقد أو حال العقد ،يعد من المهر ،ولو لم يشترط،
وكذا ما أهدي إلى وليها قبل العقد ،فلو طلقت قبل الدخول ،كان للزوج أن يرجع بنصف ما أهداه ،أما
ما أهدي إلى الولي بعد العقد فيختص به ،وليس للزوجة ول للزوج أخذه منه.
-------------------------------
( )1البدائع ،287 ،280 ،277 ،274/2 :الدر المختار 487 ،460/2 :وما بعدها ،الكتاب مع اللباب:
22/3وما بعدها ،الشرح الكبير ،313 ،300/2 :الشرح الصغير 452 ،449/2 :وما بعدها ،مغني
المحتاج 239-227/3 :وما بعدها ،كشاف القناع ،178 ،174/5 :المغني ،716-712/6 :المهذب:
.60/2
( )2الشرح الصغير 255/2 :وما بعدها.
( )9/252
( )9/253
ويعتبر مهر المثل عند الشافعية بمهر نساء العصبات ،لحديث علقمة :قال« :أتي عبد ال ـ أي ابن
مسعود ـ في امرأة تزوجها رجل ،ثم مات عنها ،ولم يفرض لها صداقا ،ولم يكن دخل بها ،قال:
فاختلفوا إليه ،فقال :أرى لها مثل مهر نسائها ،ولها الميراث ،وعليها العدة ،فشهد َم ْعقِل بن سنان
الشجعي أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في بردع بنة واشق بمثلما قضى» ( ، )1وتعتبر
بالقرب فالقرب منهن ،وأقربهن الخوات وبنات الخوة والعمات وبنات العمام ،فإن لم يكن لها
نساء عصبات ،اعتبر بأقرب النساء إليها من المهات والخالت؛ لنهن أقرب إليها ،فإن لم يكن لها
أقارب ،اعتبر بنساء بلدها ،ثم بأقرب النساء شبها بها.
ويعتبر مهر المثل عند المالكية ( )2بأقارب الزوجة وحالها في حسبها ومالها وجمالها ،مثل مهر
الخت الشقيقة أو لب ،ل الم ول العمة لم أي أخت أبيها من أمه ،فل يعتبر صداق المثل بالنسبة
إليهما؛ لنهما قد يكونان من قوم آخرين.
وتعتبر المساواة باتفاق المذاهب كما ذكر عند الحنفية :في التدين والمال والجمال والعقل والدب
والسن والبكارة والثيوبة والبلد والنسب والحسب :وهو ما يعد من مفاخر الباء من كرم وعلم وحلم
ونجدة وصلح وإمارة ونحوها من كل ما يختلف لجله الصداق.
-------------------------------
( )1رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) وصححه الترمذي ،وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن
حبان ،وصححه أيضا ابن مهدي (نيل الوطار.)172/6 :
( )2الشرح الكبير ،317-316/2 :القوانين الفقهية :ص .204
( )9/254
وتلحظ هذه الوصاف في النكاح الصحيح يوم العقد ،وفي النكاح الفاسد يوم الوطء؛ لنه الوقت الذي
يتقرر به صداق المثل ،كوطء الشبهة ،فإنه يجب صداق المثل فيه بحسب الوصاف يوم الوطء.
قال الحنابلة :وإن كانت عادة أقاربها تخفيف المهر ،لوحظ التخفيف ،وإن كانت عادتهم تسمية مهر
كثير ل يستوفونه قط ،فوجوده كعدمه .وإن كانت عادتهم التأجيل فرض مؤجلً؛ لنه مهر نسائها،
ل كقيم المتلفات .فإن
وإن لم يكن عادتهم التأجيل فرض حالً؛ لنه بدل متلف ،فوجب أن يكون حا ً
اختلفت عادتهن في الحلول والتأجيل ،أو اختلفت مهورهن قلة وكثرة ،أخذ بالوسط منها؛ لنه العدل،
وأخذ بنقد البلد الحالي ،فإن تعدد فمن غالبه؛ لنه بدل متلف ،فأشبه قيمة المتلفات.
حالت وجوب مهر المثل :يجب مهر المثل للزوجة في الحوال التالية:
- 1نكاح التفويض :أن يكون العقد صحيحا ،ولكن بدون تسمية المهر ،وتسمى المرأة مفوّضة بكسر
الواو أو فتحها ،ففي حالة الكسر :ينسب التفويض إلى المرأة ،أي فهي التي فوضت تقدير المهر إلى
الزوج ،وفي حالة الفتح :ينسب الفعل إلى الولي ،فتكون المرأة قد فوض أمرها إلى الزوج ،ويسمى
العقد عقد تفويض.
والتفويض عند الحنفية ( : )1أن يتزوج رجل امرأة دون أن يسمي لها مهرا،فالمفوضة :هي من
فوضت أمرها لوليها وزوجها بل مهر ،أو هي من فوضها وليها إلى الزوج بل مهر ،كأن يقول
الرجل لولي المرأة :زوجني فلنة ،فيقول :قبلت ،ول يذكران مهرا ،فإن دخل بها أو مات قبل تسمية
المهر وجب لها مهر المثل ،وإن طلقت قبل الدخول فل شيء لها من المهر ،وإنما يجب لها المتعة
اتفاقا.
-------------------------------
( )1البدائع ،274/2 :الدر المختار ورد المحتار 460/2 :وما بعدها.
( )9/255
والتفويض عند المالكية ( : )1عقد بل تسمية مهر ،ول دخول على إسقاطه ،ول تفويض الصداق
لحكم أحد ،فإن دخل الزوجان مع التفاق على إسقاطه ،فليس من التفويض ،بل نكاح فاسد .أو هو
بعبارة أخرى :أن يسكت الطرفان عن تعيين الصداق حين العقد ،ويفوض التعيين إلى أحدهما ،أو إلى
غيرهما ،ثم ل يدخل بها حتى يتعين .فإن فرضه أحدهما بعد تفويض الخر ،لزمه ،ويلزم المرأة إن
فرض لها صداق المثل أو أكثر ،أما إن فرض لها القل فل تلزم به إل برضاها.
وإن لم يرض الزوج ،كان مخيرا بين أمور ثلثة :إما أن يبذل صداق المثل ،أو يرضى بفرضها ،أو
يطلق .فإن مات قبل الدخول وقبل الفرض ،فل صداق لها ،ولها الميراث اتفاقا .وإن طلقها قبل
الدخول فل نصف لها إل إن كان قد فرض لها ،فإن فرض لها صداق المثل أو ما رضيت به قبل
الدخول تشطر المهر أي تنصف .وإن فوض الصداق لحكم أحد جاز أيضا ويسمى نكاح تحكيم ،وهو
كنكاح التفويض :عقد زواج بل تسمية مهر ول دخول على إسقاطه.
والتفويض عند الشافعية ( : )2هو كما عند الحنفية تفويض ال ُبضْع ،وهو الذي ينصرف الطلق إليه،
وهو أن يزوج الب ابنته المجبرة بغير صداق ،أو تأذن
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،203الشرح الكبير ،317-313/2 :الشرح الصغير.449/2 :
( )2المهذب ،60/2 :مغني المحتاج.231-228/3 :
( )9/256
المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق،سواء سكت عن المهر أوشرط نفيه ،وليصح تفويض غير
رشيدة ،وحكمه على الصحيح عنده أنه ل يجب لها المهر بالعقد؛ لنه لو وجب لها المهر بالعقد،
لتنصف بالطلق ،ويفرض لها ما يتفقان عليه ،ومتى فرض لها المهر ،صار المفروض كالمسمى في
الستقرار بالدخول والموت ،والتنصف بالطلق؛ لنه مهر مفروض ،فصار كالمفروض في العقد.
وللمرأة قبل الدخول مطالبة الزوج بأن يفرض لها مهر ،ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج ،ويجوز
فرض مؤجل في الصح ،وفوق مهر المثل ،ولو امتنع من الفرض أوتنازعا فيه فرض القاضي مهر
المثل .فإن لم يفرض لها مهر حتى طلقها ،لم يجب لها شيء من المهر ،كما قال المالكية ،لقوله عز
وجل{ :وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ،وقد فرضتم لهن فريضة ،فنصف ما فرضتم} [البقرة:
]237/2فدل على أنه إذا لم يفرض المهر لم يجب النصف.
وإن لم يفرض لها حتى وطئها استقر لها مهر المثل.
وإن مات الزوجان أو أحدهما قبل الفرض ،وجب مهر المثل في الظهر كما رجح النووي؛ لن
الموت كالوطء في تقرير المسمى ،ولن بَ ْروَع بنت واشق نكحت بل مهر ،فمات زوجها قبل أن
يفرض لها ،فقضى لها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث (. )1
والحاصل :أنه بالتفويض ل يجب شيء بنفس العقد ،وإنما يجب مهر المثل بالوطء ،ويتقرر مهر المثل
بحال العقد في الصح ،ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج ،ول يصح فرض أجنبي من ماله في
الصح؛ لنه خلف ما يقتضيه العقد ،وإن طلق قبل فرض ووطء فل شطر ،أي ل تأخذ نصف
المهر ،لمفهوم الية ،والظهر وجوب مهر المثل بالموت قبل فرض مهر.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وغيره ،وقال الترمذي :حسن صحيح.
( )9/257
( )9/258
- 2التفاق على عدم المهر :كأن يتزوج رجل امرأة على أل مهر لها ،فتقبل ،فيجب لها مهر المثل
بالدخول أو بالموت عند الجمهور غير المالكية كما تقدم؛ لن هذا التفاق باطل ،واشتراط نفي المهر
فاسد ،والشرط الفاسد ل يفسد الزواج عند الحنفية ،ونفي المهر ل يفسده أيضا عند الشافعية والحنابلة.
وقال المالكية :إذا اتفق الزوجان على إسقاط المهر ،فسد العقد ،لكن يجب لها بالدخول مهر المثل .ول
يجب لها شيء بالطلق أو موت أحدهما قبل الدخول.
- 3التسمية غير الصحيحة للمهر :بأن يكون المسمى غير مال أصلً كالميتة وحبة القمح وقطرة
الماء ونحوها مما ل ينتفع به أصلً ،أو ينتفع به على نحو ل يعتد به .أو يكون المسمى مالً غير
متقوم أو مشتملً على غرر كالخمر والخنزير بالنسبة للمسلم ولو كانت الزوجة كتابية ،أو على شيء
معجوز التسليم ،كالطير في الهواء والمعادن في باطن الرض .أو يكون المسمى مجهولً جهالة
فاحشة :وهي التي تفضي إلى النزاع ،وهي عند الحنفية كما تقدم :جهالة الجنس أو النوع .يجب في
هذه الحالت عند الجمهور مهر بالدخول أو بالموت قبل الدخول.
وقال المالكية ( : )1إذا سمي ما ل يصح مهرا ،فسد العقد ،ول تستحق المرأة مهر المثل إل بالدخول،
أما إن فارقها قبل الدخول بالموت أو الطلق ،فل يجب لها شيء كما ذكرت.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.441-440/2 :
( )9/259
( )9/260
وقال الشافعية :المهر الواجب بالوطء هو مهر المثل ،مهما بلغ؛ لن الشرع جعل المهر للمرأة في
الزواج الباطل بسبب الوطء ،ل بسبب العقد ،والوطء يوجب مهر المثل ،ولنه إذا فسدت التسمية ل
يلتفت إليها ،ويرجع إلى مهر المثل.
وقال الحنابلة :المهر الواجب في النكاح الفاسد بالدخول أو بالخلوة :هو المهر المسمى ،لما وقع في
بعض ألفاظ حديث عائشة المتقدم« :ولها الذي أعطاها بما أصاب منها» ( ، )1ولن النكاح مع فساده
ينعقد ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح ،من وقوع الطلق ولزوم عدة الوفاة بعد الموت ونحوهما،
فلزم المسمى فيه كالصحيح .أما الوطء بشبهة فيوجب مهر المثل.
والخلصة :يجب المهر للمنكوحة نكاحا صحيحا والموطوءة في نكاح فاسد ،والموطوءة بشبهة ،بغير
خلف ،ويجب للمكرهة على الزنا ،إل أن الواجب في فساد الزواج عند المالكية والحنابلة :هو
المسمى ،وعند أبي حنيفة والشافعية هو مهر المثل ،وعند الصاحبين :القل من المسمى ومهر المثل،
واتفق الفقهاء على أن الوطء بشبهة يوجب مهر المثل؛ لن الوطء في دار السلم ل يخلو عن حد أو
مهر.
وقال الحنفية ( : )2الوطء في دار السلم ل يخلو عن حد أو مهر إل في مسألتين:
الولى ـ الصبي المراهق إذا تزوج امرأة بل إذن وليه ،ودخل بها ،فرد أبوه نكاحها ،فل يجب على
عقْر (مهر) ،أما الحد فلنه في حال الصبا ،وأما المهر (ال ُعقْر) فلنها إنما زوجت
الصبي حد ول ُ
نفسها منه مع علمها أن نكاحه ل ينفذ ،فقد رضيت ببطلن حقها.
الثانية :من باع أمته ،ووطئها قبل التسليم إلى المشتري ،فل حد عليه ول مهر؛ لنه من شبهة المحل،
لكونها في ضمانه ويده ،إذ لو هلكت عادت إلى ملكه ،والخراج بالضمان (الغنم بالغرم) فلو وجب
عليه المهر استحقه.
-------------------------------
( )1رواه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلل بإسنادهما.
( )2الدر المختار ورد المحتار 507/2 :وما بعدها ،اللباب.22/3 :
( )9/261
خامسا ـ صاحب الحق في المهر :
هناك حقوق ثلثة في حالة البتداء تتعلق بالمهر ،وحق واحد يتعلق بالمهر حالة البقاء .والمقصود
بالبتداء :ابتداء عقد الزواج ،وبالبقاء :بقاء أو استمرار الزواج.
أما الحقوق المتعلقة بالمهر حالة البتداء :فهي حق ال وحق الزوجة وحق الولياء.
أما حق ال تعالى :فهو وجوب المهر أثرا للعقد ،بحيث ل يخلو عنه ،ول يقل عن عشرة دراهم عند
الحنفية ،وربع دينار أو ثلثة دراهم عند المالكية ،ول حد لقله عند الشافعية والحنابلة ،فلو انعقد
الزواج بدون مهر وجب مهر المثل بحكم الشرع بالدخول .وإن لم يدخل بها ،كان مخيرا عند المالكية
بين إتمام المهر وبين الفسخ ،فإن فسخ وجب للمرأة نصف المسمى.
وأما حق الزوجة :فهو ثبوت ملكها للمهر بالقبض ،وأل يقل عن مهر مثلها ،فلو زوجها بأقل من مهر
مثلها وكانت رشيدة عند الحنفية ،وغير مجبرة عند المالكية ،فلها حق العتراض على هذا الزواج
ويبطل تزويج الب البنت البكر بدون مهر المثل .أما المجبرة أو عديمة الهلية أو ناقصتها كالصغيرة
والمجنونة :فإن كان المزوج لها الب فليس لها العتراض عند المالكية والحنابلة؛ لن للب تزويج
ابنته البكر بدون صداق مثلها وإن كان المزوج لها غير الب من الولياء ،فل يزوجها إل بمهر
المثل .وأثبت الشافعية للمرأة مطلقا حق العتراض إن زوجها وليها بأقل من مهر المثل (. )1
وأما حق الولياء :فهو عند أبي حنيفة أل يقل المهر عن مهر المثل ،فلو زوجت البكر البالغة العاقلة
نفسها بأقل من مهر مثلها ،كان لوليها العاصب عنده أن يعترض على هذا العقد ويطلب فسخه؛ لن
الولياء يعيرون بأقل من مهر المثل ،ورضا المرأة بإسقاط حقها ل يسقط حق وليها ،فإن أتم الزوج
مهر مثلها ،لزم العقد وسقط حق الفسخ.
-------------------------------
( )1الدر المختار 419/2 :وما بعدها ،الشرح الصغير ،353/2 :مغني المحتاج،227 ،149/3 :
كشاف القناع ،43/5 :القوانين الفقهية :ص .203
( )9/262
وأما ما يتعلق بالمهر حالة البقاء :فهو حق المرأة ،فيكون ملكا خالصا لها ل يشاركها فيه أحد ،فلها أن
ل للتصرف ،فلها حق إبراء الزوج منه أو
تتصرف فيه ،كما تتصرف في سائر أموالها متى كانت أه ً
هبته له.
اشتراط الولي شيئا من المهر لنفسه :بناء عليه ،قال الشافعية ( : )1لو نكح رجل امرأة بألف ،على أن
لبيها ألفا أو أن يعطيه الزوج ألفا ،فالمذهب فساد الصداق في الصورتين؛ لنه جعل بعض ما التزمه
في مقابل البضع لغير الزوجة ،ووجوب مهر المثل فيهما لفساد المسمى.
ولكن الحنابلة ( )2قالوا :يجوز لبي المرأة الذي يصح تملكه دون سواه أن يشترط شيئا من صداق
ابنته لنفسه؛ لن شعيبا زوّج موسى على نبينا وعليهما الصلة والسلم ابنته على رعاية غنمه،
واشتراط ذلك لنفسه ،ولن للوالد الخذ من مال ولده ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :أنت ومالك
لبيك» ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن أطيب ماأكلتم من كسبكم ،وإن أولدكم من كسبكم» (. )3
ويكون الخذ أخذا من مالها ،فإذا تزوجها على ألف لها وألف لبيها صح التفاق ،وكان الكل مهرها،
ول يملكه الب إل بالقبض مع النية لتملكه ،كسائر مالها ،وشرطه أل يجحف بمال البنت .فإن طلقها
قبل الدخول رجع عليها بنصف اللفين ،ولم يكن على الب شيء مما أخذه من مال إن قبضه بنية
التملك؛ لنه أخذه من مال ابنته ،فل رجوع عليه بشيء منه كسائر مالها .وإن طلقها الزوج قبل قبض
الصداق المسمى ،سقط عن الزوج نصف المسمى ،ويبقى النصف للزوجة ،يأخذ الب من النصف
الباقي لها ما شاء بشرط أل يجحف بمال البنت.
وإن فعل ذلك أي اشتراط الصداق أو بعضه غير الب كالجد والخ والب الذي ل يصح تملكه،
صحت التسمية ولغا الشرط ،والكل لها؛ لن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها ،فيكون صداقا لها،
كما لو جعله لها.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.226/3 :
( )2كشاف القناع 151/5 :وما بعدها ،المغني 696/6 :وما بعدها.
( )3هذا الحديث واحد ،الكلم الثاني منه معطوف على الول،رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال:
حديث حسن (نيل الوطار.)12/6 :
( )9/263
( )9/264
( )9/265
قبل حلول الجل ،فليس للزوجة الحق في المتناع ،وإن لم يشترط الدخول ،فليس لها المتناع أيضا
عند أبي حنيفة؛ لنها لما رضيت بتأجيل المهر كله ،كان ذلك رضا منها بإسقاط حقها في تعجيل
المهر.
وقال أيو بوسف :للزوجة أن تمنع نفسها حتى يحل أجل تسليم المهر؛ لن الزوج رضي بإسقاط حقه
بالستمتاع .والفتوى استحسانا على هذا القول.
ضمان الولي المهر:
يرى الحنفية ( )1أنه إذا ضمن ولي الزوجة أو وكيلها المهر لها ،صح ضمانه؛ لنه من أهل اللتزام،
والولي والوكيل في النكاح سفير ومعبر ،ولذا ترجع حقوق العقد إلى الصيل ،وللمرأة الخيار في
مطالبة زوجها أو وليها ،كسائر الكفالت .ويرج الولي إذا أدى على الزوج إن كان الضمان بأمره،
كما هو المقرر في الكفالة.
سابعا ـ قبض المهر وما يترتب عليه :
قبض المهر حق خالص للزوجة كما بينا ،فلها أن تمنع نفسها حتى تقبض مهرها المعجل كله ،على
الخلف والتفصل التي:
قال الحنفية ( : )2للمرأة قبل دخول الزوج بها أن تمنع الزوج عن الدخول أو عن النتقال إلى بيته
حتى يعطيها جميع المهر المعجل بأن تزوجها على صداق عاجل ،أو كان مسكوتا عن التعجيل
والتأجيل؛ لن حكم المسكوت حكم المعجل ،ثم تسلم نفسها إلى زوجها ،وإن كانت قد انتقلت إلى بيت
زوجها؛ لن المهر عوض عن ُبضْعها ،كالثمن عوض عن المبيع ،وللبائع حق حبس المبيع
لستيفاء الثمن ،فكان للمرأة حق حبس نفسها لستيفاء المهر .وإن استوفت معجل المهر بتمامه سقط
حقها في منع نفسها منه.
-------------------------------
( )1الكتاب مع اللباب ،22/3 :الدر المختار ،490/2 :فتح القدير 471/2 :وما بعدها.
( )2البدائع.289-/288 2 :
( )9/266
أما إذا دخل الزوج بها أو خل بها ،برضاها ،وهي مكلفة (بالغة عاقلة) فلها أيضا في رأي أبي حنيفة
أن تمنع نفسها من الستمتاع بها حتى تأخذ المهر ،ولها أن تمنعه أن يخرجها من بلدها؛ لن المهر
مقابل بجميع ما يستوفى من منافع ال ُبضْع في جميع أنواع الستمتاع التي توجد في هذا الملك.
ويكون رضاها بالدخول أو بالخلوة قبل قبض معجل مهرها إسقاطا لحقها في منع نفسها في الماضي،
وليس لحقها في المستقبل .وهذا هو الراجح عند الحنفية ،فللمرأة منع نفسها من الوطء ودواعيه ،ومن
السفر بها ،ولو بعد وطء وخلوة رضيتهما؛ لن كل وطأة معقود عليها ،فتسليم البعض ل يوجب تسليم
الباقي.
وفي رأي الصاحبين :ليس لها أن تمنع نفسها ،لنها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة ،سلمت
جميع المعقود عليه برضاها ،وهي من أهل التسليم ،فبطل حقها في المنع،كالبائع إذا سلم المبيع،
فرضاها بالوطء إسقاط لحقها في طلب المهر قبل الدخول ،فيسقط حقها في المتناع ،فإذا امتنعت
كانت ناشزة ،فيسقط حقها في النفقة.
ووافق المالكية ( )1الصاحبين ،فقالوا :للمرأة ولو كانت معيبة بعيب رضي به منع نفسها من الدخول
ومن الختلء بها ومن السفر مع زوجها قبل الدخول حتى يسلم لها زوجها المهر المعين أو الصداق
المعجل ،أو المؤجل الذي حل أجل تسليمه .أما إن سلمت نفسها له قبل القبض بعد الوطء أو التمكين
منه ،فليس لها منع نفسها بعدئذ من وطء ول سفر معه ،سواء أكان موسرا أم معسرا ،وإنما لها
المطالبة به فقط ورفعه للحاكم كالمدين.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،434/2 :القوانين الفقهية :ص ،434الشرح الكبير 297/2 :وما بعدها.
( )9/267
ووافق الحنابلة والشافعية ( )1أيضا رأي الصاحبين ،أما الحنابلة فوافقوا في الدخول والخلوة ،وأما
الشافعية فوافقوا في الدخول.
قال الشافعية :للمرأة ولو كانت مفوضة حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحالّ ،ل المؤجل (، )2
فلو حل الجل قبل تسليم نفسها للزوج ،فل حبس في الصح ،لوجوب تسليمها نفسها قبل الحلول ،فل
يرتفع الوجوب لحلول الحق .ولو بادرت الزوجة فمكنت الزوج من نفسها ،طالبته بالمهر؛ لنها بذلت
ما في وسعها ،فإن لم يطأ ،أي ولو خل بها ،جاز لها المتناع من تمكينه حتى يسلم المهر؛ لن
القبض في النكاح بالوطء دون التسليم .وإن وطئها بتمكينها منه مختارة مكلفة ،ولو في الدبر ،فل
يحق لها المتناع ،كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع ،ليس له استرداده ليحبسه .أما إذا وطئت مكرهة
أو غير مكلفة لصغر أو جنون فلها المتناع ،لعدم العتداد بتسليمها.
وإن بادر الزوج ،فسلّم المهر ،وجب على الزوجة تسليم نفسها ،فإن امتنعت الزوجة من تمكين زوجها
بل عذر منها ،لم يسترد المهر منها على الراجح؛ لنه تبرع بالمبادرة ،فكان كتعجيل الدين المؤجل،
ل يسترد.
وعبارة الحنابلة :للمرأة منع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحالّ كله أو الحالّ منه ،ولها
المطالبة بحالّ مهرها ولو لم تصلح للستمتاع لصغر أو نحوه.
فإن وطئها الزوج مكرهة قبل دفع الحالّ من صداقها ،لم يسقط به حقها من المتناع ،كما قال
الشافعية؛ لن وطأها مكرهة كعدمه.
وإذا جاز لها منع نفسها فلها السفر بغير إذنه ،ولها النفقة زمن المنع إن صلحت للستمتاع ،ولو كان
معسرا بالصداق؛ لن الحبس من قبله.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 222/3 :وما بعدها ،كشاف القناع.183-181/5 :
( )2واستدلوا بحديث« :أول ما يسأل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته» وحديث «من ظلم زوجته
في صداقها ،لقي ال تعالى يوم القيامة ،وهو زانٍ» .
( )9/268
وإن كان الصداق مؤجلً ،لم تملك منع نفسها حتى تقبضه؛ لنها ل تملك الطلب به .ولو حلّ المهر
قبل الدخول ،فليس لها منع نفسها ،كما قال الشافعية؛ لن التسليم قد وجب عليها ،فاستقر قبل قبضه،
فلم يكن لها أن تمتنع منه.
وإن تبرعت الزوجة بتسليم نفسها ،ثم أرادت المتناع بعد دخول أو خلوة ،لم تملكه؛ لن التسليم استقر
به العوض برضا المسلّم .فإن امتنعت بعد أن سلمت نفسها ،فل نفقة لها؛ لنها ناشز.
وبحث الشافعية والحنابلة مسألة مهمة :هي أنه لو أبى كل من الزوجين التسليم الواجب عليه ،فقال كل
منهما :ل أسلم حتى تسلّم ،فالظهر عند الشافعية أنهما يجبران ،فيؤمر الزوج بوضع المهر عند عدل
ـ شخص ثالث محايد ـ وتؤمر الزوجة بالتمكين ،فإذا سلمت أعطاها العدل المهر ،لمافيه من فصل
الخصومة .وقال الحنابلة :يجبر الزوج على تسليم الصداق ،ثم تجبر الزوجة على تسليم نفسها؛ لن
في إجبارها على تسليم نفسها أولً خطر إتلف البضع ( محل المتعة ).
والخلصة :اتفق الفقهاء على أحقية المرأة بمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها المعجل ،وليس
لها الحق بالنسبة للمؤجل .واختلفوا على رأيين في منع نفسها بعد الدخول ،فقال أبو حنيفة :لها الحق
بالمنع ،وقال الجمهور :ليس لها الحق .والخلوة أو التمكين من الوطء كالوطء عند غير الشافعية.
قابض المهر :المرأة الرشيدة هي التي تقبض المهر وتتصرف فيه ،لكن أقرت الشريعة عملً بالعرف
والعادة للولي إذا كان أبا أو جدا قبل المهر ،ويكون قبضه نافذا عليها ،إل إذا منعته من القبض .ونص
القانون السوري ( م )60عليه:
ينفذ على البكر ولو كانت كاملة الهلية قبض وليها لمهرها إن كان أبا أو جدا عصبيا ،ما لم تنه
الزوج عن الدفع إليه .ثم عدلت هذه المادة سنة ( )1975على النحو التالي :المهر حق للزوجة ول
تبرأ ذمة الزوج منه إل بدفعه إليها بالذات ،إن كانت كاملة الهلية ،ما لم توكل في وثيقة العقد وكيلً
خاصا بقبضه.
( )9/269
فإن كانت المرأة غير رشيدة كالصغيرة والمحجور عليها لسفه أو جنون أو غفلة ،فولي مالها يتولى
قبض المهر ،وولي المال عند الحنفية أحد الستة :الب ثم وصيه ،ثم الجد ثم وصيه ،ثم القاضي ثم
وصيه.
وقال المالكية ( : )1ولي الزوجة المجبر (وهو الب ووصيه) :هو الذي يتولى قبض المهر ،فإن لم
يكن لها ولي مجبر وكانت رشيدة ،فهي التي تتولى قبض مهرها ،أو يقبضه لها بتوكيل منها .وإن
كانت سفيهة تولى ولي مالها قبض مهرها ،فإن لم يكن لها ولي فالقاضي أو نائبه يقبض مهرها.
والظاهر عند الشافعية والحنابلة :أن المرأة الرشيدة هي التي تقبض مهرها؛ فإن كانت غير رشيدة
قبض وليها المهر بالنيابة عنها.
التصرف في المهر :اتفق الفقهاء على أن للمرأة الرشيدة أن تتصرف في مهرها بما تشاء بيعا أو هبة
ونحوهما ،وتصرفها نافذ؛ لن المهر ملكها فتتصرف فيه كما تتصرف في سائر أملكها.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.463/2 :
( )9/270
( )9/271
يكون إل في دين ثابت في الذمة كالنقود ،والمكيلت والموزونات غير المتعينة؛ لن الديون تتعلق
بالذمة ،والتنازل عنها يكون بالبراء .ول يشترط لصحته قبول الزواج ،وإنما يكفي عدم الرد كهبة
الدين ممن عليه الدين ،فقد يردّ البراء دفعا للمنة؛ لن الحط من المهر ليس تمليكا على وجه الهبة
الصريحة ،وإنما هو إسقاط وإبراء للزوج .أما إذا ورد البراء على عين ،فل يسقط شيء من المهر،
بل يصير أمانة في يد الزوج ،ويسقط عنه الضمان إذا هلك؛ لن البراء ليس من اللفاظ الصريحة
في تمليك العيان ،فيحمل على نفي الضمان.
لكن إذا قصدت الزوجة بالبراء إعفاء الزوج مما عليه كله أو بعضه ،ففي الوقت الحاضر الذي ل
يميز فيه الناس بين المصطلحات الفقهية يمكن جعل البراء تمليكا ،ويكون حكمه حكم الهبة.
وأما الهبة :فتصح سواء أكان المهر دينا،أم عينا كالدار المعينة والحيوان أو الثوب المعين ،وسواء قبل
القبض أم بعده .ول بد حينئذ من قبول الزوج في المجلس ،ول يكتفى بسكوته عن القبول أو الرد.
ورأى المالكية ( : )1أنه إذا وهبت المرأة لزوجها جميع صداقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشيء.
وذهب الشافعية ( )2إلى أنه ليس للولي عفو عن صداق موليته ،على الجديد ،كسائر ديونها ،إذ لم يبق
للولي بعد العقد عُقدة ،أي كلم .وإذا أبرأت المرأة زوجها من المهر ،ثم طلقها قبل الدخول ،لم يرجع
عليها بشيء على المذهب ،كما قال الشافعية في الهبة؛ لنها لم تأخذ منه مالً ،ولم تتحصل منه على
شيء ،وهو بخلف هبة العين ،فإنها لو وهبت زوجها المهر المعين كدار معينة أو حيوان معين ،رجع
عليها بنصف الصداق إذا طلقها قبل الدخول.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،203بداية المجتهد.25/2 :
( )2مغني المحتاج.240/3 :
( )9/272
وقرر الحنابلة ( : )1أنه ل عفو لب وغيره عن مهر محجورة؛ لن الذي بيده عقدة النكاح هو
الزوج .وإذا عفت المرأة لصاحبها عن مهرها ،وهي جائزة التصرف ،برئ منه ،سواء بلفظ عفو أو
بلفظ إسقاط ،وصدقة ،وترك ،وإبراء لمن العين في يده.
ولو أبرأت مفوضة زوجها،ثم طلقت قبل الدخول ،رجع بنصف مهر المثل.
وأخذ القانون السوري بمذهب الحنفية في جواز الزيادة والنقصان من المهر ،إذا حدثت الزيادة من
الزوج والحط من الزوجة إذا كان كل منهما كامل الهلية ،ويعد ذلك برضا الطرفين ملحقا بأصل
العقد .نصت المادة ( )57على ما ذكر بقولها« :للزوج الزيادة في المهر بعد العقد ،وللمرأة الحط منه
إذا كانا كاملي أهلية التصرف ،ويلحق ذلك بأصل العقد إذا قبل الخر» .
ثم عدلت هذه المادة سنة ( )1975على النحو التالي:
«ل يعتد بأي زيادة أو إنقاص من المهر ،أو إبراء منه إذا وقعت أثناء قيام الزوجية ،أوفي عدة
الطلق ،وتعتبر باطلة ما لم تجر أمام القاضي ،ويلتحق أي من هذه التصرفات الجارية أمام القاضي
بأصل العقد إذا قبل به الزوج الخر» .
تاسعا ـ أحوال وجوب المهر وتأكده وتنصيفه وسقوطه :
وجوب المهر :اتفق الفقهاء ( )2على أن المهر يجب بنفس العقد إن كان الزواج صحيحا ،والواجب
هو المسمى إن كانت التسمية صحيحة ،ومهر المثل إن لم تكن هناك تسمية ،أو كانت التسمية فاسدة،
أو كان هناك اتفاق على نفي المهر.
وعبر الجمهور غير الحنفية عنه بقولهم :تملك المرأة المسمى بالعقد إن كان صحيحا ،إل أن المالكية
رأوا أنه على المذهب تملك النصف بالعقد.
-------------------------------
( )1غاية المنتهى.67/3 :
( )2البدائع 287/2 :وما بعدها ،الشرح الكبير 300/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،202
المهذب ،57/2 :كشاف القناع ،156/5 :الشرح الصغير 440/2 :وما بعدها.
( )9/273
وإذا كان عقد الزواج فاسدا ،أو الوطء بشبهة كالمزفوفة إليه امرأة غير زوجته ،وقال له النساء :إنها
زوجتك ،وجب المهر أي مهر المثل بالدخول الحقيقي أي الوطء ،وجوبا مؤكدا ل يسقط إل بالداء أو
البراء.
تأكد المهر :
اتفق الفقهاء على أنه يتأكد وجوب المهر في العقد الصحيح بالدخول أو الموت ،سواء أكان المهر
مسمى أم مهر المثل ،حتى ل يسقط شيء بعدئذ إل بالبراء من صاحب الحق.
واختلفوا في تأكده بأمرين :الخلوة الصحيحة ،وإقامة الزوجة سنة بعد الزفاف بل وطء.
قال الحنفية والحنابلة :يتأكد المهر أيضا بالخلوة الصحيحة ،وخالفهم المالكية والشافعية فيه.
وقال المالكية خلفا لغيرهم وهم الجمهور :يتقرر أي يثبت ويتحقق المهر بإقامة الزوجة سنة بعد
الزفاف بل وطء.
وأضاف الحنابلة أن المهر يتأكد أيضا بطلق الفرار قبل الدخول في مرض الموت (. )1
وتوضيح الكلم في كل واحد من هذه السباب فيما يأتي:
- ً 1الدخول الحقيقي :هو الوطء أو التصال الجنسي ولو كان حراما في القبل أو في الدبر بتغييب
حشفة أو قدرها من مقطوعها ،أو في حالة الحيض أو النفاس أو الحرام أو الصوم أو العتكاف.
يتأكد به وجوب المهر أو يستقر على الزوج ،لستيفاء مقابله ،فإن الزوج استوفى حقه بالدخول،
فيتقرر حق الزوجة في المهر جميعه ،سواء أكان مسمى في العقد ،أم فرض بعده بالتراضي أو
بقضاء القاضي ،ولقوله عز وجل{ :وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء]21/4:
وفسر الفضاء بالجماع.
ويترتب على استقرار المهر بالدخول :أنه ل يسقط شيء منه بعدئذ إل بالداء لصاحبه ،أو بالبراء
من صاحب الحق.
-------------------------------
( )1البدائع ،295-291/2 :الدسوقي مع الشرح الكبير 300/2 :ومابعدها ،الشرح الصغير،437/2 :
المهذب ،60-57/2 :كشاف القناع 168 ،161/5 :ومابعدها ،174 ،مغني المحتاج224/3 :
ومابعدها ،231-229 :المغني ،716/6 :الشرح الصغير.449/2 :
( )9/274
- ً 2موت أحد الزوجين قبل الدخول في نكاح صحيح بالتفاق ،وقبل الخلوة الصحيحة عند الحنفية
والحنابلة .فإذا مات أحد الزوجين قبل الوطء في نكاح صحيح ،استحقت المرأة المهر كله باتفاق
الفقهاء إذا كان النكاح نكاح تسمية ،أي كان المهر مسمى في العقد؛ لن العقد ل ينفسخ بالموت ،وإنما
ينتهي به ،لنتهاء أمده وهو العمر ،فتتقرر جميع أحكامه بانتهائه ،ومنها المهر .ولجماع الصحابة
على استقرار المهر بالموت.
أما في نكاح التفويض ،أي النكاح الذي لم يسم فيه المهر ،ومات بعده أحد الزوجين فل شيء فيه عند
المالكية ،قياسا للموت على الطلق ،والطلق قبل الدخول والخلوة وقبل تسمية المهر ،ل شيء فيه،
فمثله الموت.
وقال الجمهور في الظهر عند الشافعية :يجب فيه مهر المثل ،للحديث السابق وهو أن ابن مسعود
قضى في امرأة لم يفرض لها زوجها صداقا ،ولم يدخل بها حتى مات ،فقال :لها صداق مثلها ،ول
َوكْس ول شطط ،وعليها العدة ولها الميراث ،فقال َم ْعقِل بن سنان« :قضى رسول ال صلّى ال عليه
وسلم في بَرْوع بنت واشق مثل ماقضيت» ( ، )1ولنه عقد مدته العمر ،فبموت أحدهما ينتهي،
فيستقر به العوض ،كانتهاء الجارة ،ومتى استقر لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ول غيره .ولن
الموت يكمل به المهر المسمى ،فيكمل به مهر المثل للمفوضة كالدخول.
وهذا الرأي هو الراجح ،لقوة أدلته ،وعلق الشافعي في الم القول به على صحة الحديث .وفرق بين
الموت والطلق؛ لن الموت ينتهي به عقد الزواج ،أما الطلق فيقطع الزواج قبل إتمامه ،لذا وجبت
العدة بالموت قبل الدخول ،ولم تجب بالطلق ،وكمل المسمى بالموت ،ولم يكمل بالطلق.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي ،وقال :حديث حسن صحيح.
( )9/275
( )9/276
والمانع الشرعي :كأن يكون أحدهما صائما في رمضان ،أو محرما بحج أو عمرة فرض أو نفل.
ويتأكد المهر كله للزوجة عند الحنفية والحنابلة :بالخلوة الصحيحة بشروطها المذكورة ،فلو طلق
الرجل زوجته ،وجب لها بالخلوة ولو لم يحصل وطء المسمى كاملً إن كانت التسمية صحيحة ،ومهر
المثل كاملً إن لم تكن هناك تسمية أو كانت التسمية فاسدة.
وقال المالكية ،والشافعية في الجديد :ل يتأكد وجوب المهر بالخلوة وحدها ،بدون وطء ،فلو خل
الزوج بزوجته خلوة صحيحة ،ثم طلقها قبل الدخول بها ،وجب نصف المسمى ،والمتعة إن لم يكن
المهر مسمى.
وسأذكر في المطلب التالي أدلة الرأيين بمشيئة ال تعالى.
- ً 4إقامة الزوجة سنة في بيت الزوج بعد الزفاف بل وطء :يتقرر المهر أيضا عند المالكية إذا
تزوج رجل امرأة ،وزفت إليه ،وأقامت عنده سنة ،بل وطء ،بشرط إطاقتها ،وبلوغه ،واتفاقهما على
عدم الوطء؛ لن القامة المذكورة تقوم مقام الوقاع أو الوطء.
ول يتأكد المهر بها عند الشافعية .ويتقرر المهر بمجرد الخلوة الصحيحة كما تقدم عند الحنفية
والحنابلة.
- ً 5طلق الفرار في مرض الموت قبل الدخول :يتقرر المهر كاملً أيضا عند الحنابلة بطلق
المرأة في مرض موت الزوج المخوف قبل دخوله بها إذا طلقها فرارا من ميراثها ،ثم مات ،فيتقرر
عليه الصداق كاملً بالموت ،لوجوب عدة الوفاة عليها في هذه الحالة ،ما لم تتزوج أو ترتد.
والخلصة :يتأكد المهر عند الحنفية بأحد أسباب ثلثة :الدخول والخلوة الصحيحة ،وموت أحد
الزوجين .وعند المالكية بأحد أسباب ثلثة :هي الدخول ،أي الوطء لمطيقة من بالغ وإن حرم ،وموت
أحد الزوجين ،وإقامة سنة بعد الدخول بل وطء بشرط بلوغه وإطاقتها .وعند الشافعية :يستقر المهر
بأحد أمرين :الوطء وإن حرم ،وموت أحد الزوجين ،،ل بخلوة في الجديد .وعند الحنابلة :يتقرر
المهر بأحد أمور أربعة :الدخول ،والخلوة والموت أو القتل ،والطلق في مرض موت الزوج قبل
الدخول بالزوجة.
( )9/277
( )9/278
ورد بتنصيف أو تشطير المسمى ،ووجوب المتعة لقوله تعالى{ :ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ،ما لم
تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ،ومتعوهن} [البقرة ]236/2:وباقي الفرق مقيس على الطلق؛ لنه
في معناه.
وقال المالكية :إن فسخ النكاح أو رده الزوج بعيب في الزوجة قبل الدخول ،لم يجب لها شيء.
واختلف هل يجب إذا ردته هي بعيب في الزوج .وقال الحنفية :الفرقة بغير طلق قبل الدخول
والخلوة تسقط المهر كما سأبين.
واختلف الفقهاء في مسألتين حول التنصيف قبل الدخول :مسألة تنصيف المفروض بعد العقد ،ومسألة
الزيادة في المهر بعد العقد.
أما المسألة الولى ـ وهي إذا لم يذكر المهر حين العقد ،وإنما فرض بعده بالتراضي أو بقضاء
القاضي.
فقال الحنفية :ل يتنصف المفروض من المهر بعد العقد ،لختصاص التنصيف بالمفروض في العقد
بالنص القرآني المتقدم ،بل تجب المتعة فقط للمرأة ،فلو حدثت الفرقة قبل الدخول والخلوة ،وجب لها
المتعة فقط.
وقال الجمهور :يتنصف المفروض بعد العقد كالمسمى في العقد ،فلو حصلت الفرقة قبل الدخول.
وقبل الخلوة عند الحنابلة ،كان للمرأة نصف المفروض ل المتعة.
وأما المسألة الثانية ـ وهي الزيادة الحادثة من الزوج بعد العقد على المهر المسمى.
فقال الحنفية :تسقط هذه الزيادة عن الزوج ،ول تتنصف قبل الدخول والخلوة .وقال الجمهور :ل
تسقط هذه الزيادة عن الزوج وتتنصف كالمسمى في العقد.والحاصل :أن الذي يتنصف عند الحنفية
هوالمسمى في العقد ،ل المفروض بعده ول مازيد على المفروض بعد العقد ،والجمهور على خلفهم
في المسألتين .ومنشأ الختلف :تفسير المراد من قوله تعالى{ :فنصف ما فرضتم} [البقرة: ]237/2:
فرأى الحنفية :أن المقصود منه المفروض وقت العقد ،ل غير ،عملً بالمتعارف بين الناس :وهو
إطلق المفروض على المسمى وقت العقد .ورأى الجمهور :أن المقصود منه المفروض مطلقا ،عملً
بمقتضى اللغة؛ لن الفرض هو التقدير ،وهو يشمل كل ما قدر ،سواء أكان وقت العقد أم بعده .وهذا
ل من المفروض وقت العقد أو بعده يسمى مفروضا في العرف ،كما هو مقتضى
هو الراجح؛ لن ك ً
اللغة.
( )9/279
-------------------------------
( )1البدائع.296-295/2 :
( )9/280
وقال المالكية ( : )1إن فسخ الزوج النكاح أو رده بعيب في الزوجة قبل الدخول ،لم يجب لها شيء،
فهم يوافقون الحنفية به ،ول شيء لها أيضا في نكاح التفويض عنده إذا مات الزوج أو طلق قبل
الدخول.
وفصّل الشافعية والحنابلة ( )2بين ما إذا كانت الفرقة بسبب من الزوجة ،وبين ما إذا كانت بسبب من
غيرها ،فقالوا :الفرقة الحاصلة من جهة الزوجة قبل الدخول بها تسقط المهر المسمى والمفروض
ومهر المثل ،كإسلمها بنفسها ،أو بالتبعية كإسلم أحد أبويها ،أو فسخ الزوج بعيب في الزوجة،
أوردتها أوإرضاعها زوجة للزوج صغيرة.
وأما الفرقة الحاصلة قبل الدخول ل بسبب الزوجة كطلق وخلع ولو باختيارها كأن فوض الطلق
إليها فطلقت نفسها ،أو علق الطلق بفعلها ففعلت ،أو أسلم الزوج أو ارتد أو لعن أو أرضعت أمه
زوجته أو أرضعت أمها له وهو صغير ،فل تسقط المهر ،وإنما تشطره ،فيثبت لها نصف المهر .أما
في حالة الطلق فلية{ :وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة ]237/2:وأما الباقي فبالقياس
عليه.
ً - 2الخلع على المهر قبل الدخول أو بعده :إذا خالع الرجل امرأته على مهرها ،سقط المهر كله،
فإن كان المهر غير مقبوض ،سقط عن الزوج ،وإن كان مقبوضا ردته على الزوج .وإن خالعها على
مال سوى المهر يلزمها المال ،ويبرأ الزوج عن كل حق وجب لها عليه بالعقد كالمهر والنفقة
الماضية في قول أبي حنيفة؛ لن في الخلع ـ وإن كان طلقا بعوض ـ معنى البراءة.
ً - 3البراء عن كل المهر قبل الدخول أو بعده :يسقط به المهر إذا كانت المرأة من أهل التبرع،
وكان المهر دينا في الذمة :وهو النقود وجميع المكيلت والموزونات إذا لم تكن متعينة مقصودة
لذاتها؛ لن البراء إسقاط ،والسقاط ممن هو أهل له في محل قابل له يوجب السقوط.
ً - 4هبة الزوجة كل المهر للزوج :متى كانت أهلً للتبرع ،وقبل الزوج الهبة في المجلس ،سواء
أكانت الهبة قبل القبض أم بعده.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،203الشرح الصغير.437/2 :
( )2مغني المحتاج ،234/3 :كشاف القناع.167-165/5 :
( )9/281
وتختلف الهبة عن البراء :في أنها ترد على الدين والعين ،أي الثابت في الذمة كالنقود ،أو الذي
يتعين بالتعيين كثوب أو حيوان معين .أما البراء فل يرد إل على الدين.
وكذلك يسقط المهر بالهبة عند المالكية ،لكنهم قالوا :إذا وهبت المرأة لزوجها جميع صداقها ،ثم طلقها
قبل الدخول ،لم يرجع عليها بشيء .فإن أراد الدخول بها ،وجب لها أقل المهر وهو ربع دينار أو
قيمته ،أما إن وهبته بعد الدخول فل يلزمه شيء؛ لن حقها في المهر قد تقرر بالدخول ثم أسقطته
بالهبة (. )1
وقال الشافعية على الصحيح :إن كان المهر عينا كفرس معينة ،ثم وهبته من الزوج ،ثم طلقها قبل
الدخول ،فيرجع عليها بالنصف؛ لنه عاد إليه بغير الطلق ،فلم يسقط حقه من النصف بالطلق ،كما
لو وهبته لجنبي ،ثم وهبه الجنبي منه (. )2
وقال الحنابلة ( : )3إذا أبرأت المرأة الزوج من صداقها ،أو وهبته له ،ثم طلقها قبل الدخول ،رجع
الزوج عليها بنصفه؛ لن عود نصف الصداق إلى الزوج بالطلق ،وهو غير الجهة المستحق بها
الصداق أولً ،فهو كما لو أبرأ إنسانا من دين عليه ،ثم استحق عليه مثل ما أبرأه منه بوجه آخر ،فل
يتساقطان بذلك.
وإن أبرأته من نصف الصداق ،أو وهبته نصف الصداق ،ثم طلقها الزوج قبل الدخول ،رجع في
النصف الباقي؛ لنه وجد نصف ما أصدقها بعينه ،فأشبه ما لو لم تهبه له.
وإن قبضت المرأة صداقها ،ثم طلقها الزوج قبل الدخول ،رجع بنصف عينه إن كان باقيا بحاله ،لقوله
تعالى{ :وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ،وقد فرضتم لهن فريضة ،فنصف ما فرضتم} [البقرة:
.]237/2
ولو جعل الزوج الخيار لمرأته منه ،فاختارت نفسها قبل الدخول ،فل مهر لها؛ لن الفرقة تمت
بفعلها ،وإن جعل لها بغير سؤالها وطلبها ،لم يسقط الصداق باختيارها نفسها قبل الدخول ،بل يتنصف
؛ لنها نائبة عنه ،ففعلها كفعله.
سقوط نصف المهر :
قال الحنفية ( : )4ما يسقط به نصف المهر نوعان:
النوع الول ـ الطلق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر ،والمهر دين لم يقبض بعد ،للية
المتقدمة{ :فنصف ما فرضتم} [البقرة ]237/2:أوجب سبحانه وتعالى نصف المفروض.
النوع الثاني ـ ما يسقط به نصف المهر معنى ،والكل صورة :وهو كل طلق تجب فيه المتعة :وهو
كل فرقة جاءت من جهة الزوج قبل الدخول في نكاح ل تسمية فيه .كما سأبين في بحث المتعة.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .203
( )2المهذب.59/2 :
( )3كشاف القناع.167 ،163 ،157/5 :
( )4البدائع.303-296/2 :
( )9/282
عاشرا ـ تبعة ضمان المهر وحكم هلكه واستهلكه واستحقاقه وتعييبه وزيادته :
اتفق الفقهاء على أن تبعة ضمان المهر إذا هلك تكون على من بيده المهر ،فإذا هلك قبل القبض
ضمنه الزوج ،وإذا هلك بعد القبض أو استهلكته المرأة ،ضمنته هي:
فإن هلك المهر في يد الزوج ،بآفة سماوية ،ضمن الزوج عند الحنفية والمالكية مثله أو قيمته.
وإن هلك بفعل الزوجة وهو في يد زوجها ،أو بآفة سماوية بعد القبض ،أصبحت مستوفية له بهذا
الهلك.
وإذا هلك بفعل أجنبي ،فالمرأة بالخيار بين تضمين الجنبي وبين تضمين الزوج ،ثم يرجع الزوج
على الجنبي بما ضمن.
وإن استحق المهر بأن تبين أنه ليس ملكا للزوج ،فالزوج ضامن له؛ لنه بالستحقاق تبين أنه ملك
غيره ،فترجع بمثله إن كان مثليا ،وبقيمته إن كان قيميا يوم عقد النكاح.
وإن اطلعت الزوجة على عيب قديم فيه ،كان لها الخيار بين إمساكه أو رده والرجوع بمثله في
المثلي ،وبقيمته في القيمي يوم الزواج.
وذكر الحنفية ( : )1أن المرأة إذا قبضت المهر ،فإن كان دراهم أو دنانير معينة أو غير معينة ،أو
ل أو موزونا في الذمة ،ثم طلقها قبل الدخول بها ،فعليها رد نصف المقبوض ،وليس عليها
كان مكي ً
رد عين ما قبضت؛ لن عين المقبوض لم يكن واجبا بالعقد ،فل يكون واجبا بالفسخ.
-------------------------------
( )1البدائع.301 ،298/2 :
( )9/283
( )9/284
والحاصل :أن الصداق إن تلف في يد أحد الزوجين :فإن كان مما ل يغاب عليه فخسارته على
الزوجين ،وأما ما يغاب عليه فخسارته على من هو في يده إن لم تقم بينة على هلكه .فإن قامت بينة
على هلكه ،فخسارته عليهما.
وإن استحق المهر من يد الزوجة :فترجع بمثل المثلي ،وقيمة القيمي ،يوم عقد النكاح.
وإن اطلعت على عيب قديم في المهر ،فلها الخيار بين إمساكه أو رده والرجوع بمثله أو قيمته.
وإن استحق بعض المهر أو تعيب بعضه :فإن كان فيه ضرر بأن كان أزيد من الثلث ،كان لها أن
ترد الباقي وتأخذ من الزوج قيمته ،أو تحسب ما بقي ،وترجع بقيمة ما استحق .وأما إن كان المستحق
منه الثلث أو الشيء التافه الذي ل ضرر فهي ،فترجع بقيمة ما استحق فقط.
وفصّل الشافعية القول ( : )1إن كان الصداق عينا كدار معينة أو ثوب أو حيوان معين فتلف في يد
الزوج قبل القبض ،ضمنه ضمان عقد ل ضمان يد؛ لنه مملوك بعقد معاوضة ،فأشبه المبيع في يد
البائع ،والفرق بين ضماني العقد واليد في الصداق :أنه على الول يضمن بمهر المثل ،وعلى الثاني
يضمن بالبدل الشرعي :وهو المثل إن كان مثليا ،والقيمة إن كان قيميا.
وعلى الول :ليس للمرأة بيعه قبل قبضه كالمبيع ،وعلى الثاني يجوز بيعه .وتصح القالة على الول
دون الثاني.
لهذا ..لو تلف الشيء المعين في يد الزوج بآفة سماوية ،وجب مهر المثل على الول لنفساخ عقد
الصداق ،ول ينفسخ على الثاني.
وإن أتلفت الزوجة المهر ،فتعد قابضة إذا كانت أهلً؛ لنه أتلفت حقها ،وإن كانت غير رشيدة فل تعد
قابضة؛ لن قبضها غير معتدّ به.
وإن أتلفه أجنبي ،تخيرت الزوجة على المذهب بين فسخ الصداق وإبقائه ،فإن فسخت الصداق أخذت
من الزوج مهر المثل ،وإن لم تفسخه غَرّمت المتلف المثل أوا لقيمة.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 221/3 :وما بعدها 235 ،وما بعدها ،المهذب.57/2 :
( )9/285
وإن أتلفه الزوج فهو كتلفه بآفة سماوية ،يوجب مهر المثل.
وإن تعيّب الصداق المعين قبل قبضه بآفة سماوية كالعمى أو قطع يد ،تخيرت الزوجة على المذهب
بين فسخ الصداق وإبقائه ،كما تقدم.
وإن قبضت المرأة الصداق ،فوجدت به عيبا ،فردته ،أو خرج مستحقا ،رجعت على الزوج في
المذهب الجديد بمهر المثل.
وإن كان الصداق تعليم الزوج لها سورة من القرآن ،فتعلمت من غيره ،أو لم تتعلم لسوء حفظها ،فهو
كالصداق المعين إذا تلف ،فترجع إلى مهر المثل على الجديد.
والمنافع الفائتة في يد الزوج ل يضمنها ،وكذا المنافع التي استوفاها بركوب الدابة التي أصدقها،
ولبس الثوب الذي أصدقه ،ل يضمنها على المذهب .
وإن طلبت الزوجة من الزوج تسليم المهر ،فامتنع منه ،ضمن ضمان العقد.
وإن طلق الرجل والمهر تالف بعد قبضه ،فعليها نصف بدله له من مثل أو قيمة .وإن تعيب في يدها،
فإن قنِع بالنصف معيبا ،فل أرش له ،كما لو تعيب المبيع في يد البائع ،وإن لم يقنع به :فإن كان قيميا
فعليها نصف قيمته ،وإن كان مثليا فعليها مثل نصفه؛ لنه ل يلزمه الرضا بالمعيب ،فله العدول إلى
بدله .وإن تعيب بآفة سماوية قبل قبضها له ،وقنعت به ،فله نصفه ناقصا بل أرش ول خيار .وإن
تعيب بفعل أجنبي ضمنت جنايته وأخذت أرشها ،والصح أن له نصف الرش مع نصف عين المهر.
وقرر الحنابلة ( : )1أنه إن أخذت المرأة الصداق ،فوجدته معيبا ،فلها منع نفسها من الزفاف حتى
يبدله ،أو يعطيها أرشه؛ لن صداقها صحيح.
وإن سلمت نفسه ثم بان الصداق معيبا ،كان لها أيضا منع نفسها عن الستمتاع حتى تقبض بدله أو
أرشه؛ لنها إنما سلمت نفسها ظنا منها أنها قبضت صداقها ،فتبين عدمه.
ل أو موزونا ،فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها ،أو كان غير المكيل
وإن كان الصداق مكي ً
والموزون ،فمنعها أن تتسلمه فالنقص عليه؛ لنه من ضمانه.
-------------------------------
( )1البدائع 299/2 :وما بعدها.
( )9/286
( )9/287
أما إذا كان المهر في يد المرأة قبل الفرقة :فإن كانت الزيادة متصلة متولدة من الصل ،فإنها تمنع
التنصيف في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ،وللزوج عليها نصف القيمة يوم سلمه إليها؛ لن هذه
الزيادة لم تكن موجودة عند العقد ،ول عند القبض؛ فل يكون لها حكم المهر ،فل يمكن فسخ العقد
عليها بالطلق قبل الدخول؛ لن الفسخ إنما يرد على ما ورد عليه العقد .وقال محمد :ل تمنع
التنصيف ،ويتنصف الصل مع الزيادة ،لظاهر آية {فنصف ما فرضتم} [البقرة ]237/2:وليس نصف
قيمة المفروض.
وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الصل ،فإنها تمنع التنصيف باتفاق أئمة الحنفية الثلثة ،وعليها
نصف قيمة الصل إلى الزوج.
وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة من الصل ،فهي للمرأة خاصة ،والصل بينهما نصفان اتفاقا.
وإن حدثت الزيادة بعد الطلق قبل القبض :فالصل والزيادة بينهما نصفان.
وإن حدثت بعد القبض وبعد القضاء بالنصف للزوج :فكالحالة السابقة هما بينهما نصفان .وإن كانت
الزيادة قبل القضاء بالنصف للزوج :فالمهر في يدها كالمقبوض بعقد فاسد ،تكون الزيادة لها؛ لن
الملك كان لها ،وقد فسخ ملكها في النصف بالطلق.
وقال المالكية ( : )1ما حدث في الصداق من زيادة ونقصان قبل الدخول :فالزيادة للزوجين،
والنقصان عليهما ،وهما شريكان في ذلك .ومعنى هذا أن الزيادة بعد الدخول للمرأة.
ورأى الشافعية ( : )2أن للمرأة زيادة منفصلة حدثت بعد الصداق ،كثمرة وولد وأجرة؛ لنها حدثت
في ملكها.
سمَن وتعلم حرفة ،فإن لم تسمح بها ،فعليها نصف قيمة المهر ،بأن
ولها الخيار في زيادة متصلة ،ك ِ
يقوّم بغير زيادة ،ويعطى الزوج نصفه ،وإن سمحت بها لزمه قبول الزيادة ،وليس له طلب بدل
النصف؛ لن حقه مع زيادة ل تتميز ،ول تفرد بالتصرف ،بل هي تابعة ،فل تعظم فيها المنة.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .203
( )2مغني المحتاج.236/3 :
( )9/288
وإن زاد المهر ونقص :كطول نخلة بحيث يؤدّي إلى هرمها وقلة ثمرها :فإن اتفق الزوجان على
الرجوع بنصف العين ،فذاك؛ لن الحق ل يعدوهما ،وإل فنصف قيمة العين خالية عن الزيادة
والنقص؛ لنه العدل ،ول تجبر هي على دفع نصف العين ،للزيادة ،ول هو على قبوله للنقص.
وذهب الحنابلة ( : )1إلى أنه يدخل المهر في ملك المرأة بمجرد العقد ،فإن زاد فالزيادة لها ،وإن
نقص فعليها .وإذا كان المهر غنما فولدت ،فالولد زيادة منفصلة ،تكون لها؛ لنه نماء ملكها ،ويرجع
قبل الدخول في نصف المهات ،إن لم تكن نقصت ول زادت زيادة متصلة؛ لنه نصف ما فرض
لها ،وقد قال تعالى{ :وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ،وقد فرضتم لهن فريضة ،فنصف ما
فرضتم} [البقرة.]237/2:
وإن نقصت الغنام بالولدة أوبغيرها ،فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا؛ لنه راض بدون حقه ،وبين
أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها؛ لن ضمان النقص عليها .وهذا موافق للشافعي.
وقال أبو حنيفة كما تقدم :ل يرجع في نصف الصل ،وإنما يرجع في نصف القيمة؛ لنه ل يجوز
فسخ العقد في الصل دون النماء؛ لنه موجب العقد ،فلم يجز رجوعه في الصل بدونه.
واستدل الحنابلة :بأن هذا نماء منفصل عن الصداق ،فلم يمنع رجوع الزوج ،كما لو انفصل قبل
القبض .وردوا على دليل أبي حنيفة بأن الطلق ليس برفع للعقد ،ول النماء من موجبات العقد ،إنما
هو من موجبات الملك ،فل فرق بين كون الولدة قبل تسليم المهر إلى الزوجة أو بعده ،إل أن يكون
قد منعها قبضه ،فيكون النقص من ضمانه ،والزيادة لها ،فتنفرد بالولد.
وإن نقصت المهات خيّرت المرأة بين أخذ نصفها ناقصة ،وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من
يوم أصدقها إلى يوم طلقها .وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة المهات من المرأة ،لم يكن له الخذ.
-------------------------------
( )1المغني.749-746/6 :
( )9/289
وإن كان الصداق بهيمة غير حامل (حائلً) ،فحملت ،فالحمل فيها زيادة متصلة ،إن بذلتها له بزيادتها
لزمه قبولها ،وليس الحمل معدودا نقصا ،فل يرد به المبيع .وإن اتفقا على تنصيفها جاز .وإن أصدقها
حاملً ،فولدت فقد أصدقها شيئين :الم وولدها ،وزاد الولد في ملكها ،فإن طلقها فرضيت ببذل
النصف من الم والولد جميعا ،أجبر على قبولهما؛ لنها زيادة غير متميزة ،وإن لم تبذله ،لم يجز له
الرجوع في نصف الولد لزيادته ،ول في نصف الم لما فيه من التفرقة بين الم وبين ولدها ،ويرجع
بنصف قيمة الم .وفي نصف الولد وجهان :أحدهما ـ ل يستحق نصف قيمته ،والثاني ـ له نصف
قيمته.
وإذا أصدقها أرضا ،فبنتها دارا ،أو ثوبا فصبغته ،ثم طلقها قبل الدخول ،رجع بنصف قيمته وقت ما
أصدقها إل أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ ،فيكون له النصف ،أو تشاء هي أن
تعطيه زائدا فل يكون له غيره.
وإذا أصدقها نخلً غير مثمر ،فأثمرت في يده ،فالثمرة لها؛ لنها نماء ملكها.
حادي عشر ـ الختلف في المهر :
الختلف في المهر له أحوال ثلثة :اختلف في تسمية المهر ،واختلف في مقدار المهر أو جنسه أو
نوعه أو صفته ،واختلف في قبض المهر (. )1
-------------------------------
( )1البدائع ،308-304/2 :فتح القدير ،479-475/2 :الدر المختار ،499-496/2 :الشرح
الصغير ،496-491/2 :القوانين الفقهية :ص ،204بداية المجتهد ،31-29/2 :المهذب،62-61/2 :
مغني المحتاج ،244-242/3 :كشاف القناع ،173-171/5 :المغني.711-707/6 :
( )9/290
( )9/291
الحالة الثانية ـ الختلف في مقدار المهر المسمى :
إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر المسمى ،فقال الزوج :ألف ،وقالت الزوجة :ألفان ،والخلف في
حال قيام النكاح:
فقال أبو حنيفة ومحمد :القول لمن شهد له مهر المثل بيمينه ،وأيهما أقام البينة تقبل ،فإن أقام الثنان
البينة ،قدمت بينتها إن كان مهر المثل شاهدا للزوج؛ لنها تثبت الزيادة ،وتقدم بينته إن كان مهر
المثل شاهدا للمرأة؛ لنها تثبت الحط ،والصل في هذا أن البينة تثبت خلف الظاهر أي ما ليس
بثابت ظاهر .وإن كان مهر المثل بينهما تحالفا ،فإن حلفا أو برهنا قضي به ،وإن برهن أحدهما قبل
برهانه ،لنه أوضح دعواه بإقامة برهانه .والحاصل :أن أبا حنيفة ومحمدا يحكّمان مهر المثل .لكن
إذا كان الختلف في جنس المهر أو نوعه أو صفته من الجودة والرداءة ،فيقضى بقدر قيمته.
وقال أبو يوسف ـ والعمل جار على رأيه في مصر ـ :تعتبر الزوجة مدعية؛ لنها تدعي الزيادة
على الزوج ،والزوج منكر ،فتطبق القاعدة« :البينة على من ادعى ،واليمين على من أنكر» فتطالب
الزوجة بإقامة البينة على ما تدعيه ،فإن أقامت البينة على ما ادعت قضي لها به ،وإن عجزت عن
إقامة البينة وطلبت تحليف الزوج اليمين ،وجهت إليه اليمين .فإن امتنع عن الحلف قضي لها بما
ادعت ،وإن حلف قضي بقدر ما ذكره ،إل أن يأتي بشيء قليل أي ما ل يتعارف مهرا لها ،فيقضى
حينئذ بمهر المثل .والحاصل :أن أبا يوسف ل يحكّم مهر المثل ،بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه
إل أن يأتي بشيء مستنكر ،أي غير متعارف.
( )9/292
وقال المالكية :إذا تنازع الزوجان في مقدار الصداق :فإن كان قبل الدخول تحالفا وتفاسخا ،وبدئت
هي باليمين ،ويقضى لمن كان قوله أشبه بالمتعارف المعتاد بين أهل بلديهما ،ومن نكل منهما عن
اليمين قضي عليه مع يمين صاحبه أي حلف الخر ،وقضي له بما ادعاه ،ول يفرق بينهما .وإن لم
يكن قول أحدهما يشبه المتعارف تحالفا ،فيحلف كل منهما على ما ادعى ،ونفي ما ادعاه الخر؛ لن
كلً منهما يعتبر مدعى ومدعى عليه ،فإن حلفا أو امتنعا عن اليمين ،فرّق القاضي بينهما بطلقة.
وإن كان الخلف بعد الدخول ،فالقول قول الزوج مع يمينه.
وقرر الشافعية :أنه إن اختلف الزوجان في قدرالمهر أو صفته أو أجله ،تحالفا ،ويتحالف وارثاهما ،أو
و ارث أحدهما والخر ،ثم يفسخ المهر ،ويجب مهر المثل ،ولم ينفسخ النكاح.
ورأى الحنابلة :أنه إن اختلف الزوجان في قدر المهر بعد العقد ،ول بيّنة لحدهما على مقداره،
فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما ،فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل ،فالقول قولها ،وإن ادعى
الزوج مهر المثل أو أكثر ،فالقول قوله .وهذا موافق لرأي أبي حنيفة ومحمد.
( )9/293
( )9/294
والخلصة :إن اختلف الزوجان في القبض ،فقالت الزوجة :لم أقبض ،وقال الزوج :قد قبضت ،فقال
الجمهور(الشافعي وأحمد والثوري وأبو ثور) القول قول المرأة .وقال مالك :القول قولها قبل الدخول،
والقول قوله بعد الدخول .وقال بعض أصحابه :إنما قال ذلك مالك؛ لن العرف بالمدينة كان عندهم
أل يدخل الزوج حتى يدفع الصداق .فإن كان بلد ليس فيه هذا العرف ،كان القول قولها أبدا ،والقول
بأن القول قولها أبدا أحسن؛ لنها مدعى عليها .ولكن مالك راعى قوة الشبهة التي له إذا دخل بها
الزوج.
وإن اختلف الزوجان فيما يرسله الرجل إلى زوجته ،فادعى أنه المهر ،وادعت المرأة أنه هدية،
فالقول قوله بيمينه ،والبينة لها عند الحنفية والشافعية.
ثاني عشر ـ الملزم بالجهاز والختلف فيه :
الجهاز :هو أثاث المنزل وفراشه وأدوات بيت الزوجية ،وهناك رأيان للفقهاء في الملزم بالجهاز:
قال المالكية ( : )1الجهاز واجب على الزوجة بمقدار ما تقبضه من المهر ،فإن لم تقبض شيئا فل
تلزم بشيء إل إذا اشترط الزوج التجهيز عليها ،أو كان العرف يلزمها به .ودليلهم أن العرف جرى
على أن الزوجة هي التي تعد بيت الزوجية وتجهزه بما يحتاج إليه ،وإن الزوج إنما يدفع المهر لهذا
الغرض .ويلزمها أن تتجهز بالمهر على العادة من حضر أو بدو ،ول يلزمها أن تتجهز بأزيد منه إل
لشرط أو عرف.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير وحاشية الصاوي 458/2 :وما بعدها.
( )9/295
وخالفهم الحنفية ( : )1فرأوا أن الجهاز واجب على الزوج ،كما يجب عليه النفقة وكسوة المرأة،
والمهر المدفوع ليس في مقابلة الجهاز ،وإنما هو عطاء ونحلة كما سماه ال في كتابه ،أو هو في
مقابلة حل التمتع بها ،فهو حق على الزوج لزوجته.
لكن إن دفع الزوج مقدارا من المال في مقابلة الجهاز:
فإن كان المال زائدا على المهر مستقلً عنه ،فتلزم الزوجة بإعداد الجهاز لنه كالهبة بشرط العوض.
وأما إن كان المال غير مستقل عن المهر ،بأن سمى مهرا زائدا على مهر المثل ،فالصحيح كما قال
ابن عابدين أن الزوجة ل يلزمها شيء من الجهاز؛ لن الزيادة متى جعلت من ضمن المهر ،التحقت
به ،وصار كله حقا خالصا للزوجة ،فل تطالب بإنفاق شيء منه في الجهاز جبرا عنها.
وأما الختلف في الجهاز أو متاع البيت :وهو المفروشات والواني وغيرها ،فالمقرر فيه لدى
المالكية (: )2
إذا اختلف الزوجان في متاع البيت ،فادعى كل واحد منهما أنه له ،ول بينة لهما ول لحدهما ،فما
كان من متاع النساء كالحلي والغزل وثياب النساءوخمرهن ،حكم به للمرأة مع يمينها .وما كان من
متاع الرجال كالسلح والكتب وثياب الرجال ،حكم به للرجل مع يمينه ،وما كان يصلح لهما جميعا
كالدنانير والدراهم ،فهو للرجل مع يمينه .وقال سحنون :مايعرف لحدهما فهوله بغير يمين.
ووافق أبو حنيفة ومحمد ( )3المالكية فقال :ما كان يصلح للرجال كالعمامة والقلنسوة والسلح
وغيرها ،فالقول فيه قول الزوج مع يمينه؛ لن الظاهر شاهد له؛ وما يصلح للنساء مثل الخمار
والملحفة والمغزل ونحوها ،فالقول فيه قول الزوجة مع يمينها؛ لن الظاهر شاهد لها .وما يصلح لهما
جميعا كالدراهم والدنانير والعروض والبسط والحبوب ونحوها ،فالقول فيه قول الزوج مع يمينه؛ لن
يد الزوج على ما في البيت أقوى من يد المرأة؛ لن يده يد تصرف في المتاع ،وأما يد المرأة فهي
للحفظ فقط ،ويد التصرف أقوى من يد الحفظ.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين 505/2 :ومابعدها ،و .889
( )2القوانين الفقهية :ص ،213الشرح الصغير.498-496/2 :
( )3البدائع 308/2 :وما بعدها ،الدر المختار ورد المحتار.504/2 :
( )9/296
وقال أبو يوسف :يكون القول قول الزوجة مع يمينها في مقدار ما يجهز به مثلها عادة ،والقول قول
الزوج في الباقي؛ لن الغالب أل تزف الزوجة إلى زوجها إل بجهاز يليق بمثلها ،فيكون الظاهر
شاهدا للمرأة في مقدار جهاز مثلها ،فيكون القول قولها في هذا المقدار ،وما زاد عنه ،يكون القول فيه
للزوج مع يمينه؛ لن الظاهر يشهد له فيه.
وهذا الرأي يتفق مع عرف البلد التي تجهز فيه الزوجة بيت الزوجية.
ونقل الكاساني عن مالك والشافعي :أن كل المتاع بين الزوجين نصفان.
وإذا مات الزوجان ،فاختلف ورثتهما ،فالحكم حينئذ كالحكم عند اختلف الزوجين ،ففي قول أبي
حنيفة ومحمد :القول قول ورثة الزوج .وفي قول
أبي يوسف :القول قول ورثة المرأة في مقدار جهاز مثلها ،وقول ورثة الزوج في الباقي؛ لن الوارث
يقوم مقام المورث ،فصار كأن المورثين اختلفا بأنفسهما وهم حيان.
وإن مات أحد الزوجين ،واختلف الخر الحي وورثة الميت ،فالحكم ل يختلف في رأي أبي يوسف
ومحمد ومالك ،ففي رأي أبي يوسف :القول للزوجة إن كانت موجودة ،ولورثتها إن كانت ميتة ،بقدر
جهاز مثلها ،والزائد عنه يكون القول فيه للزوج أو لورثته .وفي رأي مالك ومحمد :يكون القول
للزوج بيمينه إن كان موجودا ،ولورثته بعد موته.
وأما رأي أبي حنيفة :فهو أن القول يكون للحي من الزوجين مع يمينه ،فإن كان الزوج كان القول
قوله مع يمينه؛ لن يده على ما في البيت أقوى من يد المرأة .وإن كانت الزوجة فالقول لها مع
يمينها؛ لن يدها كانت ضعيفة حال حياة الزوج ،وصارت قوية بعد موت الزوج ،فكان الظاهر شاهدا
لها.
( )9/297
( )9/298
( )9/299
والخلصة :تستحب المتعة عند الحنفية لكل مطلقة إل لمفوضة فتجب :وهي من زوجت بل مهر،
وطلقت قبل الدخول ،أو من سمي لها مهر تسمية فاسدة أو سمي بعد العقد.
ومذهب المالكية :أن المتعة مستحبة لكل مطلقة ،لقوله تعالى{ :حقا على المتقين} [البقرة]2/241:
وقوله{ :حقا على المحسنين} [البقرة ]2/236:فإنه سبحانه قيد المر بها بالتقوى والحسان ،والواجبات
ل تتقيد بهما.
وقالوا :المطلقات ثلثة أقسام :مطلقة قبل الدخول وقبل التسمية (المفوضة) فلها المتعة وليس لها شيء
من الصداق .ومطلقة قبل الدخول وبعد التسمية ،فل متعة لها .ومطلّقة بعد الدخول ،سواء أكانت قبل
التسمية أم بعدها ،فلها المتعة .ول متعة في كل فراق تختاره المرأة ،كامرأة المجنون والمجذوم
والعنين .ول في الفراق بالفسخ ،ول المختلعة ،ول الملعنة.
ومذهب الشافعية عكس المالكية تماما :المتعة واجبة لكل مطلقة ،سواء أكان الطلق قبل الدخول أم
بعده ،إل لمطلقة قبل الدخول سمي لها مهر فإنه يكتفى لها بنصف المهر ،فتجب لمطلقة قبل دخول إن
لم يجب شطر مهر ،وتجب أيضا في الظهر لمدخول بها ،ولكل فُرْقة ل بسبب الزوجة كطلق ،بأن
كانت الفرقة بسبب الزوج كردته ولعانه وإسلمه .أما من وجب لها شطر مهر فلها ذلك ،وأما
المفوضة ولم يفرض لها شيء فلها المتعة .وعبارتهم بإيجاز ( : )1لكل مفارقة متعة إل التي فرض
لها مهر ،وفورقت قبل الدخول ،أو كانت الفرقة بسببها ،أو بملكه لها ،أو بموت ،وفرقة اللعان بسببه،
والعنة بسببها.
( )9/301
ودليلهم قوله تعالى{ :ومتعوهن} [البقرة ]236/2:وقوله {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة]241/2:
فإنه أوجب المتعة لكل مطلقة ،سواء أكانت مدخولً بها أم ل ،سمي لها مهر أم ل .ويؤكده تمتيع
زوجات النبي صلّى ال عليه وسلم وكن مدخولً بهن ،في قوله تعالى{ :قل لزواجك :إن كنتن تردن
الحياة الدنيا وزينتها ،فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلً} [الحزاب .]28/33:أما إذا فرض
للمرأة في التفويض شيء فل متعة لها؛ لن الزوج لم يستوف منفعة بُضعها ،فيكفي شطر مهرها لما
لحقها بالطلق من الستيحاش والبتذال.
ومذهب الحنابلة موافق لمذهب الحنفية في الجملة :المتعة تجب على كل زوج حر وعبد ،مسلم وذمي،
لكل زوجة مفوضة ،طلقت قبل الدخول ،وقبل أن يفرض لها مهر ،للية المتقدمة {ومتعوهن } [البقرة:
]236/2ول يعارضه قوله {حقا على المحسنين} [البقرة ]236/2:لن أداء الواجب من الحسان ،فليس
للمفوضة إل المتعة.
وتستحب المتعة عندهم لكل مطلقة غير المفوضة التي لم يفرض لها مهر ،لقوله تعالى{ :وللمطلقات
متاع بالمعروف} [البقرة ]241/2:ولم تجب؛ لنه تعالى قسم المطلقات قسمين ،وأوجب المتعة لغير
المفروض لهن ،ونصف المسمى للمفروض لهن ،وهو يدل على اختصاص كل قسم بحكمه.
ول متعة للمتوفى عنها؛ لن النص لم يتناولها ،وإنما تناول المطلقات.
وتسقط المتعة في كل موضع يسقط فيه كل المهر ،كردتها وإرضاعها من ينفسخ به نكاحها ونحوه؛
لنها أقيمت مقام نصف المسمى ،فسقطت في كل موضع يسقط فيه.
وتجب المتعة للمفوضة في كل موضع يتنصف فيه المسمى ،كردته قياسا على الطلق ،ول تجب
المتعة فيما يسقط به المسمى من الفرق كاختلف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبل
المرأة؛ لن المتعة أقيمت مقام نصف المسمى ،فسقطت في موضع يسقط.
-------------------------------
( )1تحفة الطلب للنصاري :ص .231
( )9/302
ومن وجب لها نصف المهر ،لم تجب لها متعة ،سواء أكانت ممن سمي لها صداق ،أم لم يسم لها،
لكن فرض بعد العقد .وهذا موافق للجمهور غير أبي حنيفة ومحمد ،كما تقدم.
ول متعة للمسمى لها مهرا بعد الدخول أو المفوضة أو المفوض لها بعد الدخول ،لكن يستحب لها
المتعة ،وتستحب أيضا لمن سمي لها صداق فاسد كالخمر والمجهول وطلقت قبل الدخول.
والخلصة :أوجب الشافعية المتعة إل للمطلقة قبل الدخول ،التي سُمي لها المهر ،والجمهور استحبوا
المتعة ،لكن المالكية استحبوها لكل مطلقة ،والحنفية والحنابلة استحبوها لكل مطلقة إل المفوضة التي
زوجت بل مهر فتجب لها المتعة .والظاهر رجحان مذهب الشافعية لقوة أدلتهم ،ولتطييب خاطر
المرأة ،وتخفيف ألم الفراق ،وليجاد باعث على العودة إلى الزوجية إن لم تكن البينونة كبرى.
مقدار المتعة ونوعها :
لم يرد نص في تقدير المتعة ونوعها ،فاجتهد الفقهاء في مقدارها.
قرر الحنفية :أنها ثلثة أثواب :دِرْع (ما تلسبه المرأة فوق القميص) وخمار (ما تغطي به المرأة
رأسها) ومِلْحفة (ما تلتحف به المرأة من رأسها إلى قدمها) لقوله تعالى{ :متاعابالمعروف حقا على
المحسنين} [البقرة ]236/2:والمتاع :اسم للعروض في العرف ،ولن ليجاب الثواب نظيرا في
أصول الشرع وهو الكسوة التي تجب لها حال قيام الزوجية وأثناء العدة ،وأدنى ما تكتسي به المرأة
وتستتر به عند الخروج :ثلثة أثواب.
ول تزيد هذه الثواب عن نصف مهر المثل لو كان الزوج غنيا ،لنها بدل عنه ،ول تنقص عن
خمسة دراهم لو كان الزوج فقيرا .والمفتى به أن المتعة تعتبر بحال الزوجين كالنفقة ،فإن كانا غنيين
فلها العلى من الثياب ،وإن كانا فقيرين فالدنى ،وإن كانا مختلفين فالوسط.
( )9/303
وقال الشافعية :يستحب أل تنقص المتعة عن ثلثين درهما أو ما قيمته ذلك ،وهذا أدنى المستحب،
وأعله خادم ،وأوسطه ثوب .ويسن أل تبلغ نصف مهر المثل ،فإن بلغته أو جاوزته جاز لطلق
الية{ :ومتعوهن} [البقرة.]236/2:
فإن تنازع الزوجان في قدرها ،قدّرها القاضي باجتهاده بحسب ما يليق بالحال ،معتبرا حال الزوجين
كما قال الحنفية ،من يسار وإعسار ونسب وصفات ،لقوله تعالى { :ومتعوهن ،على الموسع قدره،
وعلى المقتر قدره} [البقرة{ ]236/2:وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة.]241/2:
وذهب المالكية والحنابلة :إلى أن المتعة معتبرة بحال الزوج يسارا أوإعسارا ،على الموسع قدره،
وعلى المقتر قدره ،للية السابقة المصرحة بكون المتعة على حسب حال الزوج ،فأعلها خادم أي
قيمة خادم في زمنهم إذا كان موسرا ،وأدناها إذا كان فقيرا :كسوة كاملة تجزيها في صلتها أي أقل
الكسوة ،وهي درع وخمار ،أو نحو ذلك ،أقلها ثلثة أثواب عند الحنفية :درع (قميص) وخمار يستر
رأسها ،وملءة .لقول ابن عباس« :أعلى المتعة خادم ،ثم دون ذلك النفقة ،ثم دون ذلك الكسوة» .
والظاهر رجحان هذا القول.
ونص القانون السوري على بعض أحكام المتعة في المادة (« :)2/61إذا وقع الطلق قبل الدخول
والخلوة الصحيحة ،فعندئذ تجب المتعة» وفي المادة (« :)62المتعة :هي كسوة مثل كسوة المرأة عند
الخروج من بيتها ،ويعتبر فيها حال الزوج على أل تزيد على نصف مهر المثل» .
( )9/304
المبحث الثالث ـ الخلوة الصحيحة وأحكامها :
معناها ،آراء الفقهاء فيها ،أحكامها (: )1
معنى الخلوة :الخلوة الصحيحة :هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج الصحيح في مكان يأمنان فيه
من اطلع الناس عليهما كدار أو بيت مغلق الباب .فإن كان الجتماع في شارع أو طريق أو مسجد
أو حمام عام أو سطح ل ساتر له أو في بيت مفتوح الباب والنوافذ أو في بستان ل باب له ،فل تتحقق
الخلوة الصحيحة .ويشترط فيها أل يكون بأحد الزوجين مانع طبعي أو حسي أو شرعي يمنع من
الوطء أو التصال الجنسي.
والمانع الحسي :مثل مرض بأحد الزوجين يمنع الوطء من رتَق (تلحم) ،وقرَن (عظم) ،وعفَل
(غدة) ،أما خلوة الخصي (مسلوب الخصية) والعنين (العاجز عن الجماع) فهي صحيحة ،وأما خلوة
المجبوب فهي صحيحة عند أبي حنيفة خلفا للصاحبين.
والمانع الطبيعي :ما يمنع النفس بطبيعتها عن الجماع ،مثل وجود شخص ثالث عاقل ،ولو كان أعمى
أو نائما أو صبيا مميزا أو زوجة أخرى .فإن كان هناك غير مميز أو مجنون أو مغمى عليه ،فالخلوة
صحيحة.
والمانع الشرعي :أن يكون هناك ما يحرم الوطء شرعا كالصوم في رمضان ،والحرام بحج أو
عمرة ،والعتكاف ،والحيض والنفاس ،والدخول في صلة الفريضة ،والخلوة في المسجد؛ لن الجماع
في المسجد حرام.
وأما عدم معرفة الرجل للمرأة فقال فيه ابن عابدين :إن هذا المانع بيده إزالته ،بأن يخبرها أنه
زوجها ،فلما جاء التقصير من جهته ،يحكم بصحة الخلوة ،فيلزم المهر.
فإن لم تتوافر هذه الشروط فالخلوة فاسدة ،بأن يكون الزواج فاسدا ،أو الخلوة في مكان يمكن لحد
الناس الدخول عليهما (عدم صلحية المكان) أو وجود مانع من الجماع .وبه يكون معنى الخلوة
الفاسدة :هي كل خلوة وجد فيها مانع من الموانع الثلثة السابقة ،أو وجود شخص ثالث عاقل مع
الزوجين ،أو عدم صلحية المكان ،أو فساد الزواج.
-------------------------------
( )1البدائع ،294-291/2 :الدر المختار ،473-465 ،454/2 :الشرح الكبير ،301/2 :القوانين
الفقهية :ص ،202مغني المحتاج ،225/3 :كشاف القناع ،179 ،155/5 :المغني 455/6 :وما
بعدها ،غاية المنتهى.69/3 :
( )9/305
آراء الفقهاء في أحكام الخلوة :
للفقهاء رأيان في الخلوة ،فمذهب المالكية والشافعية في الجديد :الخلوة وحدها بدون جماع وإرخاء
الستور ل تؤكد المهر للزوجة ،فلو خل الزوج بزوجته خلوة صحيحة ،ثم طلقها قبل الدخول بها،
وجب فقط نصف المهر المسمى ،أوالمتعة إن لم يكن المهر مسمى ،علما بأن المتعة عند المالكية
مستحبة ل واجبة.
ودليلهم قوله تعالى{ :وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ،وقد فرضتم لهن فريضة ،فنصف ما
فرضتم} [البقرة ]237/2:والمس :كناية عن التصال الجنسي ،وفسروا آية {وقد أفضى بعضكم إلى
بعض} [النساء ]21/4:بأن الفضاء معناه الجماع.
ولن النبي صلّى ال عليه وسلم جعل المهر للمرأة بما استحل من فرجها أي أصابها.
لكن قال المالكية :للخلوة الصحيحة حكمان:
الول ـ وجوب العدة على المرأة ،حتى ولو اتفق الزوجان على عدم وقوع الوطء فيها؛ لن العدة
حق ال تعالى ،فل تسقط باتفاق الزوجين على نفي الوطء ،مع اعترافهما بالخلوة.
الثاني ـ صيرورتها قرينة على الوطء عند اختلف الزوجين في حدوثه :فإذا اختلى الرجل بزوجته
خلوة اهتداء ،وهي المعروفة عندهم بإرخاء الستور :وهي أن يسكن كل واحد من الزوجين للخر،
ويطمئن إليه .ثم يطلقها ،ويختلفان في حصول الوطء ،صدقت الزوجة بيمينها فيما تدعيه .فإن امتنعت
عن اليمين حلف الزوج ،ولزمه نصف الصداق .وإن نكل عن اليمين ،لزمه جميع الصداق؛ لن
الخلوة بمنزلة شاهد ،والنكول عن اليمين بمنزلة شاهد آخر.
( )9/306
ومذهب الحنفية والحنابلة :الخلوة كالوطء في تكميل مهر ،ولزوم عدة ،وثبوت نسب ،وتحريم أخت،
وأربع سواها حتى تنقضي عدتها .ويعد اللمس والتقبيل بشهوة عند الحنابلة كالدخول أيضا .وعليه
يكون الطلق بعد الخلوة الصحيحة طلقا بائنا ،تترتب عليه الحكام التالية:
- 1ثبوت كامل المهر :فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة ،استحقت كل المهر المسمى ،ومهر المثل إن
لم تكن التسمية صحيحة.
- 2ثبوت النسب :فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة ،وجاءت بولد ثبت نسبه منه إن جاءت به لكثر
من ستة أشهر بعد الخلوة.
- 3وجوب العدة :فإن طلقها بعد الخلوة ولو كانت فاسدة عند الحنفية ،وجب عليهاالعدة المقررة بعد
الدخول والفرقة.
- 4لزوم نفقة العدة على الزوج المطلق :وهي الطعام والسكنى والكسوة.
- 5حرمة التزوج بامرأة محرم لها أو بأربع سواها ما دامت في العدة ،أو التزوج بخامسة في عدتها
إذا كانت رابعة ،كما يحرم الزواج خلل العدة من طلق بعد الدخول.
- 6تطليقها في الطهر :إذا أراد الزوج طلق الزوجة بعد الخلوة الصحيحة ،لزمه مراعاة وقت
الطلق ،وهو كونه في طهر ،كالمقرر في الطلق السني بعد الدخول.
والخلصة :أن ثبوت المهر والعدة من أحكام الخلوة المحضة ،وأما ثبوت النسب فهو عند الحنفية من
أحكام العقد مطلقا ،وأما بقية الحكام فهي من آثار العدة.
ول تكون الخلوة كالوطء أو الدخول فيما يأتي:
- 1الحصان :فالخلوة الصحيحة ل تجعل الزوجين محصنين لقامة حد الرجم ،وإنما ل بد من
الدخول.
- 2الغسل :ل يجب الغسل على أحد الزوجين بمجرد الخلوة ،بخلف الوطء.
- 3حرمة البنت :الخلوة ل تحرم البنت على الزوج ،وله أن يتزوجها بعد طلق أمها ،وإنما ل بد
من الدخول الحقيقي بالم لتحريم ابنتها على الزوج.
- 4التحليل :الخلوة الصحيحة مع الزوج الثاني ل تحل المرأة لزوجها الول ،وإنما ل بد من الدخول
الحقيقي (ذوق العسيلة) ثم طلقها.
( )9/307
- 5حصول الرجعة :الخلوة بالمطلقة ل تكون رجعة ،فمن طلق امرأته طلقا رجعيا ثم اختلى بها
من غير أن يرجع بالقول ،أو بالفعل كوطء وتقبيل ،ل يكون بالخلوة مراجعا لها ،أما الدخول فإنه
يحقق المراجعة.
- 6العودة للزوجية بدون عقد جديد :الطلق بعد الخلوة يكون بائنا ،فل تعاد إلى المطلق إل بعقد
ومهر جديدين .أما الطلق بعد الدخول فيقع رجعيا إذا لم يكمل الثلث ،فيمكن للرجل مراجعة امرأته
من غير عقد جديد.
- 7الميراث :يقع الطلق بائنا بعد الخلوة ،فإذا مات أحد الزوجين في أثناء العدة من هذا الطلق فل
يرثه الخر ،إذ ل ميراث في الموت في عدة الطلق البائن .إذا طلق الرجل امرأته طلقا غير مكمل
للثلث ،ومات أحدهما في عدة هذا الطلق ،فإن الخر يرثه؛ لن الطلق حينئذ رجعي ،والموت في
عدة الطلق الرجعي كالموت حال قيام الزوجية - 8 .تزوجها كالبكار على المختار عند الحنفية:
فمن طلق امرأته بعد الخلوة ،فحكمها في الزواج كحكم البكار؛ لنها بكر في الحقيقة .أما المدخول
بها حقيقة فيكون تزوجها بغير الزوج الول بعد الفراق كتزوج الثيبات.ويلحظ ما يأتي:
أ ـ إن أحكام الخلوة المذكورة ل تثبت إل إذا كان عقد الزواج صحيحا ،فإن كان فاسدا فل يثبت
للخلوة بعده شيء من تلك الحكام.
ب ـ والعدة في المعتمد في المذهب الحنفي قد تجب في بعض حالت الخلوة الفاسدة :وهي التي
يكون فسادها لمانع طبيعي أو شرعي؛ لن الوطء ممكن في ذاته ،بخلف حالة المانع الحسي.
جـ ـ تجب العدة في الخلوة في القضاء فقط ،ل في الديانة ،أما العدة بعد الدخول الحقيقي فتجب
قضاء وديانة.
( )9/308
( )9/310
وثبت في السنة المر بمعاملة النساء خيرا ،وورد فيها بيان حقوق وواجبات كل من الزوجين ،قال
صلّى ال عليه وسلم « :استوصوا بالنساء خيرا ،فإنما هن عندكم عوانٍ ( )1ليس تملكون منهن شيئا
غير ذلك ،إل أن يأتين بفاحشة مُبَيّنة ،فإن فَعلْنَ فاهجروهن في المضاجع ،واضربوهن ضربا غير
مبرّح ( ، )2فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيلً» .
«إن لكم على نسائكم حقا ،ولنسائكم عليكم حقا.
فأما حقكم على نسائكم ،فل يوطئن فرشكم من تكرهون ،ول يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون.
أل وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» (. )3
وقال عليه الصلة والسلم أيضا« :خيركم خيركم لهله ،وأنا خيركم لهلي» (« . )4أكمل المؤمنين
إيمانا أحسنهم خلقا ،وخياركم خياركم لنسائهم» (. )5
ومن أهم حقوق الزوجة بإيجاز لما سبق بيانه في هذا الشأن (: )6
ً - 1إعفاف الزوجة أو الستمتاع :قال المالكية :الجماع واجب على الرجل للمرأة إذا انتفى العذر.
وقال الشافعي :ليجب إل مرة؛ لنه حق له ،فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة ،ولن الداعي إلى
الستمتاع الشهوة والمحبة ،فل يمكن إيجابه ،والمستحب أل يعطلها ،ليأمن الفساد.
-------------------------------
( )1عوان :جمع عانية ،والعاني :السير.
( )2أي غير شديد ول موجع.
( )3رواه ابن ماجه والترمذي وصححه عن عمرو بن الحوص (نيل الوطار.)210/6 :
( )4رواه الترمذي وصححه عن عائشة (نيل الوطار.)206/6 :
( )5رواه أحمد والترمذي وصححه عن أبي هريرة (المرجع السابق).
( )6البدائع ،334/2 :الدر المختار ،553-546 ،521/2 :القوانين الفقهية :ص 211وما بعدها،
المهذب ،69-65/2 :كشاف القناع.228-205/5 :
( )9/311
وقال الحنابلة :يجب على الزوج أن يطأ الزوجة في كل أربعة أشهر مرة ،إن لم يكن عذر؛ لنه لو لم
يكن واجبا لم يصر باليمين (اليلء) على تركه واجبا ،كسائر ما ل يجب ،ولن النكاح شرع لمصلحة
الزوجين ،ودفع الضرر عنهما ،وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة من المرأة كإفضائه إلى دفعه عن
الرجل ،فيكون الوطء حقا لهما جميعا ،فإن أبى الوطء بعد انقضاء الربعة الشهر ،أو أبى البيتوتة في
ليلة من أربع ليال للمرأة الحرة ،بل عذر لحد الزوجين ،فرّق بينهما كما يفرق بسبب اليلء ،وكما
لو منع النفقة ،ولو قبل الدخول ،أي يفرق بينهما إن لم يطأ بعد الزفاف لمدة أربعة أشهر ،وكما لو
ظاهر من زوجته ،ولم يكفر عن الظهار ،بل إن الفسخ لتعذر الوطء أولى من الفسخ لتعذر النفقة.
لكن إن سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة ،سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره للعذر.
وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر ،فطلبت قدومه ،لزمه القدوم،
لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال :بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة ،فمرّ بامرأة
وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ..... .....وطال علي أن ل خليل ألعبه
فو ال لول خشية ال والحيا ..... .....لحرك من هذا السرير جوانبُه
( )9/312
فسأل عنها ،فقيل له :زوجها غائب في سبيل ال ،فأرسل إليها امرأة تكون معها ،وبعث إلى زوجها،
فأقفله ،ثم دخل على حفصة فقال :بُنَيّة ،كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت :سبحان ال ،مثلك يسأل
مثلي عن هذا؟ فقال :لول أني أريد النظر للمسلمين ،ما سألتك ،فقالت :خمسة أشهر ،ستة أشهر،
فوقّت للناس في مغازيهم ستة أشهر ،يسيرون شهرا ،ويقيمون أربعة أشهر ،ويرجعون في شهر.
ولزوم قدوم الزوج :إن لم يكن له عذر في سفره كطلب علم أو كان في جهاد أو حج واجبين أو في
طلب رزق يحتاج إليه ،فإن وجد عذر لم يلزمه القدوم؛ لن صاحب العذر يعذر من أجل عذره.
ويكتب الحاكم للزوج الغائب ليقدم ،فإن أبى أن يقدم من غير عذر ،بعد مراسلة الحاكم إليه ،فسخ
الحاكم نكاحه؛ لنه ترك حقا عليه يتضرر به.
- 2يحرم الوطء في الدبر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن ال ل يستحي من الحق ،ل تأتوا النساء
في أدبارهن» «ل ينظر ال إلى رجل جامع امرأته في دبرها» ( )1وعن أبي هريرة مرفوعا« :من
أتى حائضا أو امرأة في دبرها ،أو أتى عرافا فصدقه ،فقد كفر بما أنزل على محمد» ( )2وفي حديث
آخر« :ملعون من أتى امرأة في دبرها» (. )3
ويحرم وطء الحائض ،ويسن لمن وطئ الحائض أن يتصدق بدينار إن وطئها في مقتبل الدم ،وبنصف
دينار في إدباره ،لما روى أبو داود والحاكم وصححه« :إذا واقع الرجل أهله وهي حائض ،إن كان
دما أحمر فليتصدق بدينار ،وإن كان أصفر ،فليتصدق بنصف دينار» .
ويجوز الستمتاع بها فيما بين الليتين ،لقوله تعالى{ :والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم ،فإنهم غير ملومين} [المؤمنون.]6-5/23:
-------------------------------
( )1رواهما ابن ماجه وأحمد (نيل الوطار.)200/6 :
( )2رواه الثرم وأحمد والترمذي .ورواه أبو داود بلفظ «فقد برئ مما أنزل» (المرجع السابق).
( )3أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود ،وأخرجه الشافعي بنحوه عن خزيمة بن ثابت ،وفي إسناده
مجهول (المرجع السابق).
( )9/313
ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة ،لما روى جابر قال« :كان اليهود يقولون :إذا جامع الرجل امرأته
في فرجها من ورائها ،جاء الولد أحول» فأنزل ال تعالى{ :نساؤكم حرث لكم ،فأتوا حرثكم أنى شئتم}
[البقرة ]223/2:من بين يديها ومن خلفها ،غير أل يأتيها إل في المأتى وفي لفظ« :يأتيها من حيث
شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج» (. )1
فإن أتاها في الدبر عزر إن علم تحريمه ،لرتكابه معصية ل حد فيها ول كفارة.
قال الحنابلة :وإن تطاوع الزوجان على الوطء في الدبر ،فُرّق بينهما .وكذا إن أكره الرجل زوجته
على الوطء في الدبر ،ونهي عنه فلم ينته ،فرّق بينهما ،كما يفرق بين الرجل الفاجر وبين من يفجر به
من رقيقه.
- 3العزل (إلقاء مني الرجل خارج الفرج) قال الشافعية :يكره العزل ،لما روت جُذَامة بنت وهب،
قالت« :حضرت رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فسألوه عن العزل ،فقال :ذلك الوأد الخفي ،وهو:
{وإذا الموءودة سئلت} [التكوير. )2( ]8/81:
وقال الغزالي :يجوز العزل ،وهو المصحح عند المتأخرين لقول جابر« :كنا نعزل على عهد رسول
ال صلّى ال عليه وسلم ،والقرآن ينزل» ( )3والقول بجواز العزل متفق عليه بين المذاهب الربعة،
لحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا عند أحمد« :إنا نأتي النساء ونحب إتيانهن ،فما ترى في العزل؟
فقال صلّى ال عليه وسلم « :اصنعوا ما بدا لكم ،فما قضى ال تعالى فهو كائن ،وليس من كل الماء
يكون الولد» .
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )2أخرجه أحمد ومسلم (نيل الوطار.)196/6 :
( )3رواه أحمد والبخاري ومسلم (متفق عليه) (نيل الوطار.)195/6 :
( )9/314
ويكره العزل عن المرأة الحرة إل بإذنها ،لما روي عن عمر قال« :نهى رسول ال صلّى ال عليه
وسلم أن يعزل عن الحرة إل بإذنها» (. )1
- 4المعاشرة بالمعروف :يجب على الزوج معاشرة الزوجة بالمعروف ،لقوله تعالى{ :وعاشروهن
بالمعروف} [النساء .]19/4:ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل ،للية السابقة ،ومن
العشرة بالمعروف :بذل الحق من غير مطل ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :مَطل الغني ظلم» (. )2
- 5العدل بين النسوة في المبيت والنفقة كما تقدم :فمن كان له امرأتان أو أكثر ،فيجب عليه عند
الجمهور غير الشافعية العدل بينهن ،والقسم لهن ،فيجعل لكل واحدة يوما وليلة ،سواء أكان الرجل
صحيحا أم مريضا أم مجبوبا ،وسواء أكانت المرأة صحيحة أم مريضة أم حائضا أم نفساء أم محرمة
بإحرام أم كتابية لقصد النس ،ولن النبي صلّى ال عليه وسلم قسم لنسائه ،وكان يقسم في مرضه،
مع أن القسم لم يكن واجبا عليه.
قالت عائشة :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقسم لكل امرأة يومها وليلتها ( ، )3وقالت عائشة
أيضا« :كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ،ويقول :اللهم إن هذا قسمي فيما أملك،
فل تلمني فيما ل أملك» ( . )4فإن شق على المريض القسم ،استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن،
لما روت عائشة« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم بعث إلى
-------------------------------
( )1رواه أحمد وابن ماجه.
( )2رواه أصحاب السنن إل الترمذي ،ورواه البيهقي ،كلهم عن عمرو بن الشريد عن أبيه بلفظ« :
ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» ورواه أحمد وأصحاب الكتب الستة وابن أبي شيبة والطبراني
في معجمه الوسط عن أبي هريرة باللفظ المذكور في الصل.
( )3أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.
( )4رواه أبو داود.
( )9/315
( )9/316
( )9/317
وعلى الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها إلى الفراش ،ولو كانت على التنور أو على ظهر قتَب ،كما
رواه أحمد وغيره ،ما لم يشغلها عن الفرائض ،أو يضرها؛ لن الضرر ونحوه ليس من المعاشرة
بالمعروف .ووجوب طاعتها له لقوله تعالى{ :ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة،]228/2:
وقوله صلّى ال عليه وسلم « :لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد ،لمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (
)1وقوله «أيما امرأة ماتت ،وزوجها راض عنها ،دخلت الجنة» ( )2وقوله« :إذا دعا الرجل امرأته
إلى فراشه ،فأبت أن تجيء ،فبات غضبان عليها ،لعنتها الملئكة ،حتى تصبح» ( . )3ومن الطاعة:
القرار في البيت متى قبضت معجل مهرها وهو تفرغها لشؤون الزوجية والبيت ورعاية الولد في
الصغر والكبر ،فليس للزوجة الخروج من المنزل ولو إلى الحج إل بإذن زوجها ،فله منعها من
الخروج إلى المساجد وغيرها ،لما روى ابن عمر رضي ال عنه قال :رأيت امرأة أتت إلى النبي
صلّى ال عليه وسلم ،وقالت« :يارسول ال ،ما حق الزوج على زوجته؟ قال :حقه عليها أل تخرج
من بيتها إل بإذنه ،فإن فعلت ،لعنها ال وملئكة الرحمة ،وملئكة الغضب حتى تتوب أو ترجع،
قالت :يا رسول ال ،وإن كان لها ظالما؟ قال :وإن كان
-------------------------------
( )1رواه الترمذي ،وقال :حديث حسن ،عن أبي هريرة.
( )2رواه ابن ماجه والترمذي ،وقال :حديث حسن غريب ،عن أم سَلَمة.
( )3متفق عليه بين الشيخين عن أبي هريرة (نيل الوطار ،207/6 :رياض الصالحين :ص 134
وما بعدها) لمراجعة هذه الحاديث.
( )9/318
لها ظالما» ( )1ولن حق الزوج واجب ،فل يجوز تركه بما ليس بواجب.
لكن يكره ـ كما ذكر الشافعية ـ منعها من عيادة أبيها إذا أثقل في مرضه ،وحضور مواراته إذا
مات؛ لن منعها مما ذكر يؤدي إلى النفور ويغريها بالعقوق ،وأجاز الحنفية للمرأة الخروج بغير إذن
زوجها إذا مرض أحد أبويها.
ويجب على المرأة في حال الخروج التزام الستر الشرعي ،ل تظهر شيئا من جسدها غير الوجه
والكفين؛ لن في كشف شيء مما أوجب ال ستره تعريضا للفتنة والتطلع إليها ،قال تعالى{ :ول
تبرجن تبرج الجاهلية الولى} [الحزاب .]33/33:ومن التبرج :المشي بتكسر وحركات مثيرة ،ومن
التبرج أيضا أن تلبس المرأة ثوبا رقيقا يصف ما تحته ،قال صلّى ال عليه وسلم « :صنفان من أهل
النار لم أرهما بعد :نساء كاسيات عاريات ،مائلت مميلت ( ، )2على رؤوسهن أمثال أسنمة البخت
المائلة ( ، )3ل يدخلن الجنة ،ول يجدن ريحها ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا .ورجال معهم
سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس» ( )4وقال عليه الصلة والسلم أيضا « :أيما امرأة
استعطرت ،فخرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها ،فهي زانية» (. )5
-------------------------------
( )1رواه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر.
( )2المراد بالكاسيات العاريات :اللتي يلبسن الثياب الرقيقة التي ل تستر ما تحتها .والمراد بالمائلت
المميلت :اللتي يتمايلن ويتبخترن في مشيهن للفتتان بهن.
( )3البخت :نوع من البل المشهورة بكبر سنامها ،والمراد أن النساء يعتنين بشعورهن وبعظمنّ ذلك،
بلف عمامة أو عصابة أو نفش الشعر ونحوه.
( )4رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة.
( )5رواه الحاكم عن أبي موسى.
( )9/319
والتزام المرأة البيت ل بمعنى حبسها فيه أو التضييق عليها هو خير شيء للمرأة ،قال عليه الصلة
والسلم« :إن المرأة عورة ،فإذا خرجت استشرفها الشيطان ،وأقرب ما تكون من رحمة ربها ،وهي
في قعر بيتها» ( )1وهو يدل على وجوب الستر وعدم إظهار المرأة شيئا من بدنها ،وأن في الخروج
العمل على إغواء الشياطين لها وإغراء الرجال بها حتى تقع الفتنة.
وليس للزوجة صوم نفل أو تطوع إل بإذن الزوج ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل يحل لمرأة أن
تصوم ،وزوجها شاهد إل بإذنه ،ول تأذن في بيته إل بإذنه» ( )2وروى البزار عن ابن عباس« :أن
امرأة من خثعم أتت رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقالت :يا رسول ال ،أخبرني ما حق الزوج
على الزوجة ،فإني امرأة أيّم ،فإن استطعت وإل جلست أيّماَ؟ قال :فإن حق الزوج على زوجته إن
سألها نفسها ،وهي على ظهر قتب أل تمنعه ،وأل تصوم تطوعا إل بإذنه ،فإن فعلت جاعت وعطشت
ول تقبل منها ،ول تخرج من بيتها إل بإذنه ،فإن فعلت لعنتها ملئكة السماء وملئكة الرحمة وملئكة
العذاب ،قالت :ل جرم ،ل أتزوج أبدا» (. )3
ومنشأ حق الطاعة بالمعروف :إثبات ال درجة القوامة للرجال على النساء في قوله تعالى { :الرجال
قوامون على النساء بما فضّل ال بعضهم على بعض ،وبما أنفقوا من أموالهم } [النساء ]34/4:أي
إنما استحقوا هذه المزية لتميزهم برجاحة العقل وقوة الجسد ،وبما يلزمون به من النفاق على النساء
من أموالهم بتقديم المهر والنفقة الزوجية الدائمة.
-------------------------------
( )1رواه الترمذي عن ابن مسعود.
( )2متفق عليه عن أبي هريرة (رياض الصالحين ،المكان السابق ،نيل الوطار.)211/6 :
( )3رواه البزار ،وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش ،وهو ضعيف ،وقد وثقه حصين بن نمير،
وبقية رجاله ثقات ول جرم ،أي حقا.
( )9/320
- ً 2المانة :على الزوجة أن تحفظ غيبة زوجها في نفسها وبيته وماله وولده ،لحديث ابن الحوص
السابق« :أما حقكم على نسائكم ،فل يوطئن فرشكم من تكرهون ،ول يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون»
وقوله صلّى ال عليه وسلم « :نساء قريش خير نساء ركبن البل ،أحناه على طفل في صغره،
وأرعاه على زوج في ذات يده» وفي لفظ « :خير نساء ركبن البل صالح نساء قريش» ( )1ويؤكده
الحديث المعروف« :كلكم راع ،وكلكم مسؤول عن رعيته ،والمير راع ،والرجل راع على أهل بيته،
والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ،فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ( )2فعليها أن تحسن
تربية أولدها على الدين والفضيلة والقيام بالواجب.
- ً 3المعاشرة بالمعروف :يجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الذى وغيره ،كما
عليه معاشرتها بالمعروف ،لقوله عليه الصلة والسلم« :ل تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إل قالت
زوجته من الحور العين :ل تؤذيه ،قاتلكِ ال ،فإنما هو عندكِ دخيل ،يوشك أن يفارقك إلينا» ()3
وقال صلّى ال عليه وسلم « :ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» (. )4
- ً 4حق التأديب ( : )5للزوج الحق في تأديب زوجته عند نشوزها أو عصيانها أمره بالمعروف ل
في المعصية؛ لن ال عز وجل أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن ،فإن تحققت
الطاعة وجب الكف عن التأديب لقوله
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (جامع الصول.)134/10 :
( )2متفق عليه بين الشيخين عن ابن عمر (رياض الصالحين :ص .)135
( )3رواه الترمذي عن معاذ بن جبل ،وقال :حديث حسن (رياض الصالحين :ص .)135
( )4متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد (المرجع السابق).
( )5البدائع ،334/2 :القوانين الفقهية :ص 212ومابعدها ،مغني المحتاج ،261-257/3 :المهذب:
69/2وما بعدها ،كشاف القناع.236-233/5 :
( )9/321
عز وجل{ :فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيلً} [النساء ]34/4:ول تحتاج المرأة الصالحة لتأديب لقوله
تعالى{ :فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ ال } [النساء ]34/4:وأما غير الصالحة وهي
التي تخل بحقوق الزوجية وتعصي الزوج فهي التي تكون بحاجة إلى التأديب.
إن ولية التأديب للزوج تكون إذا لم تطعه زوجته فيما يلزم طاعته ،بأن كانت ناشزة ،والنشوز:
معصيتها إياه فيما يجب عليها ،وكراهة كل من الزوجين صاحبه ،والخروج من المنزل بغير إذن
الزوج ،ل إلى القاضي لطلب الحق منه .وأمارات النشوز :إما بالفعل كالعراض والعبوس والتثاقل
إذا دعاها بعد لطف وطلقة وجه ،وإما بالقول ،كأن تجيبه بكلم خشن بعد أن كان بلين.
ويبدأ الزوج بالتأديب عند ظهور أمارات النشوز بالترتيب التالي:
أولً ـ الوعظ والرشاد :بأن يتكلم معها بكلم رقيق لين ،بأن يقول لها :كوني من الصالحات القانتات
الحافظات للغيب ،ول تكوني من كذا وكذا ،أو :اتقي ال في الحق الواجب لي عليك ،واحذري
العقوبة ،لقوله تعالى{ :واللتي تخافون نشوزهن ،فعظوهن} [النساء ]34/4:وذلك بل هجر ول
ضرب ،ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم مع ضرائرها ،فلعلها تبدي عذرا ،أو تتوب عما وقع
منها بغير عذر .والخوف هنا بمعنى العلم ،والولى بقاؤه على ظاهره ،فمن ظهر له أمارة نشوز أو
تحققه ،وعظها.
ثانيا ـ الهجر في المضجع والعراض :إن تحقق النشوز بأن عصيته وامتنعت من إطاعته ،أو
خرجت من بيته بغير إذنه ونحوه ،هجرها في المضجع ما شاء ،لقوله تعالى{ :واهجروهن في
المضاجع} [النساء ]34/4:قال ابن عباس« :ل تضاجعها في فراشك» و «قد هجر النبي صلّى ال
عليه وسلم نساءه ،فلم يدخل عليهن شهرا» (. )1
-------------------------------
( )1متفق عليه.
( )9/322
وهجرها في الكلم ثلثة أيام ،ل فوقها ،لحديث أبي هريرة« :ل يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلثة
أيام» ( )1والهجر :ضد الوصل ،والتهاجر :التقاطع.
ول يضربها عند الجمهور ،وقال النووي :الظهر يضرب ،لقوله تعالى{ :فاهجروهن في المضاجع
واضربوهن} [النساء ]34/4:والمراد :واهجروهن إن نشزن ،واضربوهن إن أصررن على النشوز،
أي إن لم يتكرر نشوز الزوجة وعظها الزوج وهجرها في المضجع وضربها في رأي الشافعية.
ثالثا ـ الضرب غير المخوف :إن أصرت على النشوز ضربها عندئذ ضربا غير مبرح ـ أي غير
شديد ـ ول شائن ،للية السابقة {واضربوهن} [النساء ]34/4:فظاهر الية وإن كان بحرف الواو
الموضوعة للجمع المطلق ،لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب ،والواو يحتمل ذلك.
ويجتنب في أثناء الضرب :الوجه تكرمة له ،ويجتنب البطن والمواضع المخوفة خوف القتل ،ويجتنب
المواضع المستحسنة لئل يشوهها ،ويكون الضرب ـ كما أبان الحنفية ـ عشرة أسواط فأقل ،لقوله
صلّى ال عليه وسلم « :ل يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط إل في حد من حدود ال » ( )2وقوله« :ل
يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ،ثم يضاجعها في آخر اليوم» ( . )3فإن تلفت من الجلد فل ضمان عليه
عند الحنابلة والمالكية؛ لن الضرب مأذون فيه شرعا .وقال أبو حنيفة والشافعي :إنه يضمن؛ لن
استيفاء الحق مقيد بشرط السلمة للخرين.
ويكون الضرب أيضا بيد على الكتف مثلً ،أو بعصا خفيفة أو بسواك ونحوه
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والنسائي بإسناد على شرط البخاري ومسلم ( الترغيب والترهيب.) 455/3 :
( )2متفق عليه بين أحمد والشيخين وأصحاب السنن الربعة عن أبي بردة بن نيار ،وهوصحيح.
( )3متفق عليه في الصحيحين (نيل الوطار.)212/6 :
( )9/323
إن رأى الزوج هذا .والولى الكتفاء بالتهديد وعدم الضرب ،لما قالت عائشة« :ما ضرب رسول ال
صلّى ال عليه وسلم امرأة له ول خادما ،ول ضرب بيده شيئا قط إل في سبيل ال ،أو تنتهك محارم
ال ،فينتقم ل» (. )1
رابعا ـ طلب إرسال الحكمين :إن نفع الضرب لبعض النساء الشاذات ،فبها ونعمت ،وإن لم ينفع
وادعى كل من الزوجين ظلم صاحبه ول بينة لهما ،رفع المر إلى القاضي لتوجيه حكمين إليهما،
حكما من أهله وحكما من أهلها ،للصلح أو التفريق ،لقوله تعالى{ :وإن خفتم شقاق بينهما ،فابعثوا
حكَما من أهلها ،إن يريدا إصلحا يوفق ال بينهما} [النساء.]35/4:
حكَما من أهله ،و َ
َ
والحكمان :حران مسلمان ذكران عدلن مكلفان فقيهان عالمان بالجمع والتفريق؛ لن التحكيم يفتقر
إلى الرأي والنظر ،ويجوز أن يكونا من غير أهلهما؛ والولى أن يكونا من غير أهلهما؛ لن القرابة
ليست شرطا في الحكم ول الوكالة .وينبغي لهما أن ينويا الصلح لقوله تعالى{ :إن يريدا إصلحا
يوفق ال بينهما} [النساء ،]35/4:وأن يلطفا القول،وأن ينصفا ،ويرغبا ويخوفا ،ول يخصا بذلك أحد
الزوجين دون الخر ،ليكون أقرب للتوفيق بينهما.
وينفذ عند المالكية تصرف الحكمين في أمر الزوجين بما رأياه من تطليق أو خلع ،من غيرإذن الزوج
ول موافقة الحاكم ،بعد أن يعجز عن الصلح بينهما ،وإذا حكما بالفراق فهي طلقة بائنة.
وقال الشافعية والحنابلة :الحكمان وكيلن عن الزوجين ،فل يملكان تفريقا إل بإذن الزوجين ،فيأذن
الرجل لوكيله فيما يراه من طلق أوإصلح ،وتأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه.
-------------------------------
( )1رواه النسائي (نيل الوطار.)211/6 :
( )9/324
وقال الحنفية :يرفع الحكمان ما يريدانه إلى القاضي ،والقاضي هو الذي يوقع الطلق ،وهو طلق
بائن ،بناء على تقريرهما ،فليس للحكمين التفريق إل أن يفوضا فيه.
- ً 5الغتسال من الحيض والنفاس والجنابة :قال الشافعية والحنابلة :للزوج إجبار الزوجة ،ولو
كانت ذمية على الغسل من الحيض والنفاس؛ لنه يمنع الستمتاع الذي هو حق له ،فيملك إجبارها
على إزالة ما يمنع حقه .وله إجبار الزوجة المسلمة البالغة على غسل جنابة؛ لن الصلة واجبة
عليها ،ول تتمكن منها إل بالغسل؛ ولن النفس تعاف من وطء الجنب ،ول يجبر الزوجة الذمية على
غسل الجنابة كالمسلمة التي دون البلوغ؛ لن الستمتاع ل يتوقف عليه ،لباحته بدونه.
وأضاف الحنابلة :أن للزوج إجبار الزوجة على غسل نجاسة؛ لنه واجب عليها ،وله أيضا إجبارها
على اجتناب محرّم لوجوبه عليها ،وله إجبارها عى أخذ شعر وظفر تعافه النفس ،وإزالة وسخ؛ لن
المذكور يمنع كمال الستمتاع.
وذكر الشافعية في التنظيف والستحداد (حلق العانة) وغسل الجنابة وجهين :وجه يملك إجبارها عليه؛
لن كمال الستمتاع يقف عليه .والثاني :ل يملك إجبارها عليه؛ لن الوطء ل يقف عليه.
- ً 6السفر بالزوجة :عرفنا أن للزوج بعد أداء كل المهر المعجل أن يسافر بزوجته إذا كان مأمونا
عليها (. )1
-------------------------------
( )1الدر المختار.495/2 :
( )9/325
المبحث الثالث ـ الحقوق المشتركة بين الزوجين :
أغلب الحقوق السابقة خصوصا حق الستمتاع وما يتبعه هي حقوق مشتركة بين الزوجين ،لكن حق
الزوج على زوجته أعظم من حقها عليه ،لقوله تعالى{ :وللرجال عليهن درجة} [البقرة]228/2:
وللحديث السابق عند أبي داود« :لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد ،لمرت النساء أن يسجدن
لزواجهن ،لما جعل ال لهم عليهن من الحق» .
ويسن لكل من الزوجين تحسين الخُلُق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه وسوء طباعه ،لقوله تعالى:
{والصاحب بالجنب} [النساء ]36/4:أي الحسان له ،وللحديث المتقدم« :استوصوا بالنساء خيرا»
وحديث «خياركم خياركم لنسائه» (. )1
وليكن الزوج غيورا من غير إفراط ،لئل ترمى بالشر من أجله.
وينبغي إمساك المرأة مع الكراهة لها ،لقوله تعالى{ :فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ،ويجعل
ال فيه خيرا كثيراَ} [النساء ]19/4:قال ابن عباس« :ربما رزق منها ولدا ،فجعل ال فيه خيرا كثيرا»
.وأخرج مسلم عن جابر بن عبد ال ،أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال « :ل َيفْرَك مؤمن
مؤمنة ،إن كره منها خلقا ،رضي منها خلقا آخر» أي ليبغضها.
ول ينبغي للرجل أن يعلم امرأته قدر ماله ،ول يفشي إليها سرا يخاف إذاعته؛ لنها تفشيه .ول يكثر
من الهبة لها ،فإنه متى عودها شيئا لم تصبر عنه (. )2
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه.
( )2كشاف القناع.206/5 :
( )9/326
( )9/327
الثالث ـ أثر كل منهما :الفسخ ل ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل ،أما الطلق فينقص به عدد
الطلقات.
وكذلك فرقة الفسخ ل يقع في عدتها طلق ،إل إذا كانت بسبب الردة أو الباء عن السلم ،فيقع فيهما
عند الحنفية طلق زجرا وعقوبة .أما عدة الطلق فيقع فيها طلق آخر ،ويستمر فيها كثير من أحكام
الزواج .ثم إن الفسخ قبل الدخول ل يوجب للمرأة شيئا من المهر ،أما الطلق قبل الدخول فيوجب
نصف المهر المسمى ،فإن لم يكن المهر مسمى استحقت المتعة.
متى تكون الفرقة فسخا ومتى تكون طلقا؟
للفقهاء آراء في بيان أحوال الفسخ وأحوال الطلق.
يرى الحنفية ( : )1أن الفرقة تكون فسخا فيما يأتي:
ً - 1تفريق القاضي بين الزوجين بسبب إباء الزوجة السلم بعدما أسلم زوجها المشرك أو
المجوسي؛ لن المشركة ل تصلح لنكاح المسلم ،والفرقة جاءت من قبلها ،والفرقة من قبل المرأة ل
تصلح طلقا؛ لنها ل تتولى الطلق ،فيجعل فسخا.
أما إن كان الباء من الزوج ،فتكون الفرقة طلقا في قول أبي حنيفة ومحمد ،وفسخا في قول أبي
يوسف.
ً - 2ردة أحد الزوجين.
ً - 3تباين الدارين حقيقة وحكما :بأن خرج أحد الزوجين إلى دار السلم مسلما أو ذميا ،وترك
الخر كافرا في دار الحرب قياسا على الردة لعدم التمكين من النتفاع عادة .أما إن خرج أحدهما
مستأمنا وبقي الخر كافرا في دار الحرب فل تقع الفرقة .وقال غير الحنفية :ل تقع الفرقة باختلف
الدارين.
ً - 4خيار بلوغ الصغير أو الصغيرة .هذه الفرقة ل تقع إل بتفريق القاضي .فإن كانت الفرقة بسبب
اختيار المرأة نفسها لعيب الجب والعنة والخصاء والخنوثة ،فهي فرقة بطلق من طريق القاضي.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،21/3 :البدائع ،340-336/2 :رد المحتار لبن عابدين.571/2 :
( )9/328
ً - 5خيار العتق :بأن تعتق المة ويبقى زوجها عبدا،فلها الخيار بالبقاء أو إنهاء الزواج ،وتثبت
الفرقة بنفس الختيار؛ لن الفرقة وقعت بسبب وجد منها وهو اختيارها نفسها ،واختيارها نفسها ل
يجوز أن يكون طلقا؛ لنها ل تملك الطلق ،إل إذا مُلّكت كالمخيّرة.
ً - 6التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر :تكون الفرقة فسخا؛ لنها فرقة حصلت ل من جهة
الزوج ،فل يمكن أن يجعل ذلك طلقا؛ لنه ليس لغير الزوج ولية الطلق ،فيجعل فسخا ،ول تكون
هذه الفرقة إل عند القاضي كالفسخ بخيار البلوغ.
وما عداها من أنواع الفرق التي تكون من قبل الزوج أو بسبب منه يكون طلقا ،ومنه المخالعة.
وعليه فإن ضابط ما يتميز به الفسخ عن الطلق عند أبي حنيفة ومحمد :هو أن كل فرقة بسبب من
جانب المرأة تكون فسخا ،وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه مختص بالزواج فهي طلق ،إل
أن أبا حنيفة خلفا لمحمد يعتبر الفرقة بسبب ردة الزوج فسخا؛ لنه يرى أن الردة كالموت من حيث
إن صاحبها مهدر الدم ،فتشبه الفرقة بالموت ،والفرقة بالموت ل يمكن جعلها طلقا .وبه يظهر أن
الغالب كون الفرقة طلقا.
وقال المالكية ( : )1إما أن تكون الفرقة من زواج صحيح أو زواج فاسد.
أولً ـ إن كات الفرقة من زواج صحيح :فإنها تكون طلقا إل إذا كانت بسبب أمر طارئ يوجب
التحريم المؤبد ،سواء من أحد الزوجين أو من القاضي.
ثانيا ـ وإن كانت الفرقة من زواج فاسد:
فإن كان مجمعا على فساده :فإن الفرقة فيه تكون فسخا ،ل طلقا ،كالفرقة من زواج المتعة ،والزواج
بإحدى المحارم ،والزواج بالمعتدة ،ونحوها.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،70/2 :الشرح الكبير مع الدسوقي.364/2 :
( )9/329
وإن كان مختلفا في فساده :وهو ما يكون فاسدا عند المالكية صحيحا عند غيرهم ،كزواج المرأة بدون
ولي فهو فاسد عندهم صحيح عند الحنفية،فإن الفرقة فيه تكون طلقا ل فسخا .ومنه زواج السر (وهو
الذي يوصي الزوج الشهود بكتمان العقد عن الناس أو عن بعضهم) فهو فاسد عندهم صحيح عند باقي
الئمة.
وعلى هذا تكون الفرقة فسخا فيما يأتي:
- 1إذا وقع العقد غير صحيح ،كالزواج بالخت أو إحدى المحارم ،والزواج بزوجة الغير أو
معتدته.
- 2إذا طرأ على الزواج ما يوجب الحرمة المؤبدة كالتصال الجنسي بشبهة من أحد الزوجين
بأصول الخر أو فروعه ،مما يوجب حرمة المصاهرة.
- 3الفرقة بسبب اللعان :لنه تترتب عليه الحرمة المؤبدة ،لحديث «المتلعنان ل يجتمعان أبدا» ()1
.
- 4الفرقة بسبب إباء الزوج السلم بعد أن أسلمت زوجته ،أو إباء الزوجة غير الكتابية السلم بعد
إسلم زوجها؛ لن ذلك في معنى طروء مفسد على الزواج.
وتكون الفرقة طلقا فيما يأتي:
ً - 1إذا استعمل لفظ الطلق في الزواج الصحيح ،أوالمختلف في فساده.
ً - 2إذا حدثت الفرقة بالخلع في الزواج أوالمختلف في فساده.
ً - 3الفرقة بسبب اليلء :وهو أن يحلف الزوج أل يقرب زوجته أكثر من أربعة أشهر .فإن لم يعد
عن يمينه بعد أمر القاضي له عقب ادعاء الزوجة فرّق بينهما ،وكانت الفرقة طلقا.
ً - 4الفرقة لعدم كفاءة الزوج ،سواء أكانت من الزوجة أم من وليها.
ً - 5الفرقة لعدم النفاق أو للغيبة ،أو للضرر وسوء العشرة.
ً - 6الفرقة بسبب ردة أحد الزوجين عن السلم :فإنها طلق في مشهور المذهب؛ لنها فرقة بسبب
أمر طارئ يوجب التحريم غير المؤبد الذي ينتهي بالرجوع عن السلم .وبه يظهر أن أغلب الفُرق
تكون طلقا.
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني عن ابن عباس ،وفي معناه أحاديث كثيرة (نيل الوطار.)271/6 :
( )9/330
ومذهب الشافعية ( : )1هو أن فرقة النكاح طلق وفسخ:
حكَمين .والفسخ أنواع
والطلق أنواع :الطلق المعهود صراحة أو كناية ،والخلع ،وفرقة اليلء ،وال َ
سبعة عشر :فرقة إعسار مهر ،وإعسار نفقة أو كسوة أو مسكن بعد إمهال الزوج ثلثة أيام ،وفرقة
لعان ،وفرقة خيار عَتيقة ( ، )2وفرقة عيوب ( )3بعد رفع المر إلى الحاكم ،وثبوت العيب ،والفسخ
به فوري إل العُنّة فتؤجل سنة من يوم ثبوتها ،وفرقة غرور ( ، )4ووطء شبهة كوطء أم زوجته أو
ابنتها ،وسبْي للزوجين أو أحدهما قبل الدخول أو بعده؛ لن الرق إذا حدث أزال الملك عن النفس،
فيكون عن العصمة أولى ،وفرقة إسلم أحد الزوجين ،أو ردته ،وإسلم الزوج على أختين أو أكثر
من أربع ،أو أمتين ،وملك أحد الزوجين الخر ،وعدم الكفاءة بأن أطلقت المرأة الذن فبان الرجل
غير كفء ،وانتقال من دين إلى آخر كالنتقال من اليهودية إلى النصرانية ،وفرقة رضاع بشرط كونه
خمس رضعات متفرقات قبل مضي حولين.
-------------------------------
( )1تحفة الطلب :ص ،236حاشية الشرقاوي.296 - 294/2 :
( )2خيار العتيقة :هو أن تعتق المة زوجة الرقيق ،فيثبت لها الخيار فورا بدون رفع المر إلى
الحاكم إل إذا كان عتقها قبل الوطء في مرض الموت ،وكان ثلث ماله ليتحمل سقوط المهر مع
قيمتها.
( )3العيوب المثبتة للخيار في الزواج :هي جنون وجذام وبرص بأحد الزوجين ،ورتق وقرن
بالزوجة ،وجب وعنة بالزوج.
( )4من النكحة المكروهة :نكاح المغرور بحرية امرأة أو نسبها أو إسلمها وهو يجيز الفسخ
والرجوع بالغرامة على من غرّه ل بالمهر؛ لنه الموقع له في الغرامة ،فلو شرط رجل حرية امرأة
في العقد ،فبان رقمها ،وهو ممن ل يحل له نكاح المة فهو باطل ،وإل فصحيح ،وللحر الخيار .وإن
بان نسب المرأة دون المشروط صح ،وإن بان دون نسبه فللرجل الخيار ( تحفة الطلب :ص
.) 220
( )9/331
( )9/332
ً - 1الفرقة بسبب اللعان .وقال المالكية في المشهور :ل تتوقف هذه الفرقة على القضاء.
ً - 2الفرقة بسبب عيوب الزوج وهي الجب والعنة والخصاء ،ويفسخ العقد عند الجمهور بسبب هذه
العيوب أو عيب الرتق والقرن ونحوهما في الزوجة ،بعد رفع المر للحاكم.
ً - 3الفرقة بسبب إباء الزوج السلم في رأي أبي حنيفة ومحمد .وزيد في مصر وسورية التفريق
لغيبة الزوج أو حبسه ،ولعدم النفاق على زوجته ،وللشقاق بين الزوجين أو الضرار بالزوجة.
وفُرَق الطلق غير المتوقفة على القضاء هي:
- 1الفرقة بلفظ الطلق ،ومنه تفويض أمر الطلق إلى الزوجة بالتفاق.
- 2الفرقة بسبب اليلء عند الحنفية والمالكية.
- 3الفرقة بالخلع عند الجمهور غير الحنابلة.
وأما فرق الفسخ المتوقفة على القضاء فهي:
- 1الفرقة بسبب عدم الكفاءة.
- 2الفرقة بسبب نقصان المهر عن مهر المثل.
- 3الفرقة بسبب إباء أحد الزوجين السلم إذا أسلم الخر ،لكن الفرقة بسبب إباء الزوجة متفق
عليه ،وبسبب إباء الزوج متفق عليه في غير رأي أبي حنيفة ومحمد .وأما في رأي أبي يوسف فهي
فسخ.
- 4الفرقة بسبب خيار البلوغ لحد الزوجين عند الحنفية إذا زوّجهما في الصغر غير الب والجد.
- 5الفرقة بسبب خيار الفاقة من الجنون عند الحنفية إذا زوّج أحد الزوجين في الصغر غير الب
والجد والبن.
وأما فُرَق الفسخ غير المتوقفة على القضاء فهي:
- 1الفسخ بسبب فساد العقد في أصله كالزواج بغير شهود ،والزواج بالخت.
- 2الفسخ بسبب اتصال أحد الزوجين بأصول الخر أوفروعه اتصالً يوجب حرمة المصاهرة.
- 3الفسخ بسبب ردة الزوج في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف،فإن ارتد الزوجان فل يفرق بينهما
بمجرد الردة في الراجح عند الحنفية.
- 4الفسخ بسبب خيار العتق للزوجة.
- 5الفسخ بسبب ملك أحد الزوجين للخر.
هذا ويلحظ أمران:
الول ـ أن الفرقة بسبب التصال الذي يوجب حرمة المصاهرة توجب حرمة مؤبدة ،والفرقة بسبب
خيار البلوغ أو الردة أو الباء عن السلم أو ملك أحد الزوجين الخر توجب حرمة مؤقتة .وأما
فرقة اللعان فتوجب حرمة مؤبدة عند الحنابلة وأبي يوسف والشافعية والمالكية ،وتوجب حرمة مؤقتة
عند أبي حنيفة ومحمد إذا خرج أحد الزوجين عن أهلية اللعان ،أو كذب الرجل نفسه فيما قذف به
المرأة .الثاني ـ كل فرقة من جهة الزوجة تسقط المهر عند الحنفية إل إذا تأكد العقد بالدخول أو
الخلوة ،فإن كانت الفرقة من الزوج أو بسببه ،فل تسقط شيئا للزوجة حالة الدخول وعدمه.
( )9/333
المبحث الول ـ معنى الطلق ومشروعيته ،وحكمه ،وركنه ،وحكمته ،وسبب جعله بيد الرجل :
معنى الطلق :الطلق لغة ،حل القيد والطلق ،ومنه ناقة طالق ،أي مرسلة بل قيد ،وأسير مطلق،
أي حل قيده وخلي عنه ،لكن العرف خص الطلق بحل القيد المعنوي ،وهو في المرأة ،والطلق في
حل القيد الحسي في غير المرأة.
وشرعا :حل قيد النكاح ،أو حل عقْد النكاح بلفظ الطلق ونحوه .أو رفع قيد النكاح في الحال أو المآل
بلفظ مخصوص ( . )1فحل رابطة الزواج في الحال يكون بالطلق البائن ،وفي المآل أي بعد العدة
يكون بالطلق الرجعي .واللفظ المخصوص :هو الصريح كلفظ الطلق ،والكناية كلفظ البائن والحرام
والطلق ونحوها .ويقوم مقام اللفظ :الكتابة والشارة المفهمة ،ويلحق بلفظ الطلق لفظ «الخلع»
وقول القاضي« :فرقت» في التفريق للغيبة أو الحبس ،أو لعدم النفاق أو لسوء العشرة .وقد أخرج
باللفظ المخصوص :الفسخ ،فإنه يحل رابطة الزواج في الحال ،لكن بغير لفظ الطلق ونحوه ،والفسخ
كخيار البلوغ ،وعدم الكفاءة ،ونقصان المهر ،والردة.
ول يصح الرجوع في الطلق أو العدول عنه كسائر اليمان ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل قيلولة
في الطلق» (. )2
-------------------------------
( )1الدر المختار ،570/2 :مغني المحتاج ،279/3 :المغني ،66/7 :كشاف القناع.261/5 :
( )2أخرجه العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي (نيل الوطار.)238/6 :
( )9/334
( )9/335
( )9/336
وإرشاد ،وهجر في المضجع وإعراض ،وضرب ،وإرسال حكمين من قبل القاضي إذا عجز الزوجان
عن الصلح وإزالة الشقاق الذي بينها ،وقد بينت ذلك في بحث حقوق الزوجين ،وهي كلها مأخوذة
من آيات ثلث هي{ :وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ،فل جناح عليهما أن يصلحا
بينهما صلحا ،والصلح خير ،وأحضرت النفس الشح ،وإن تحسنوا وتتقوا ،فإن ال كان بما تعملون
خبيرا} [النساء{ ]128/4:وإن خفتم شقاق بينهما ،فابعثوا حكما من أهله ،وحكما من أهلها ،إن يريدا
إصلحا يوفق ال بينهما ،إن ال كان عليما خبيرا} [النساء{ ]35/4:واللتي تخافون نشوزهن
فعظوهن ،واهجروهن في المضاجع ،واضربوهن ،فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيلً ،إن ال كان
عليا كبيرا} [النساء.]34/4:ول يلجأ إلى الطلق لول وهلة ولهون السباب ،كما يفعل بعض الجهلة
الذين يقدمون عليه لطيش بيّن ،أو حماقة ،أو غضب موقوت ،أو شهوة جارفة أو هوى مستبد ،فهو
كله خروج عن تعاليم السلم وآدابه ،وموجب للثم والمعصية والتأديب والتعزير ،وإنما الطلق
تشريع استثنائي للضرورة بعد أن يسلك الزوج المراحل التية:
وهي المعاشرة بالمعروف والصبر وتحمل الذى ،ثم الوعظ والهجر والضرب اليسير ،ثم إرسال
الحكمين.
( )9/337
فإن وقع الطلق فيمكن العودة إلى الزواج بالرجعة بغير شهود ما دامت المرأة في العدة ،أو بعقد
جديد بعد انتهاء العدة ،وذلك لمرتين بعد الطلقة الولى ،وبعد الطلقة الثانية ،فتلك فترتان متكررتان
لمراجعة الحساب ،وتقدير الظروف ،ومحاكمة المور ،وتعقل النتائج والثار،وهذا يحدث غالبا ،فكل
من الزوجين يندم ويتنازل عن أمور ،ويقلع عن أخلق ،ويرضى بالعيش في ظل حياة زوجية ل توفر
له كل ما يرغب بالمقارنة مع حياة العزلة والنفراد ،والتكال على الهل الذين يضايقهم عادة تحمل
أعباء جديدة من النفقة والخدمة وغيرها ،هذا فضلً عما في الفراق من تعريض سمعة المرأة للطعن
والنقد ،إذ لو كانت حسنة الخلق ،لما طلقت ،وبه يكون إحصاء عدد الرجعات بعد الطلق مما
ينقص كثيرا من إحصائيات الطلق.
السبب في جعل الطلق بيد الرجل :
جعل الطلق بيد الزوج ل بيد الزوجة بالرغم من أنها شريكة في العقد حفاظا على الزواج ،وتقديرا
لمخاطر إنهائه بنحو سريع غير متئد؛ لن الرجل الذي دفع المهر وأنفق على الزوجة والبيت يكون
عادة أكثر تقديرا لعواقب المور ،وأبعد عن الطيش في تصرف يلحق به ضررا كبيرا ،فهو أولى من
المرأة بإعطائه حق التطليق لمرين:
الول ـ إن المرأة غالبا أشد تأثرا بالعاطفة من الرجل ،فإذا ملكت التطليق ،فربما أوقعت الطلق
لسباب بسيطة ل تستحق هدم الحياة الزوجية.
الثاني ـ يستتبع الطلق أمورا مالية من دفع مؤجل المهر ،ونفقة العدة ،والمتعة ،وهذه التكاليف
المالية من شأنها حمل الرجل على التروي في إيقاع الطلق ،فيكون من الخير والمصلحة جعله في يد
من هو أحرص على الزوجية .وأما المرأة فل تتضرر ماليا بالطلق ،فل تتروى في إيقاعه بسبب
سرعة تأثرها وانفعالها.
( )9/338
ثم إن المرأة قبلت الزواج على أن الطلق بيد الرجل ،وتستطيع أن تشرطه لنفسها إن رضي الرجل
منذ بداية العقد ،ولها أيضا إن تضررت بالزوج أن تنهي الزواج بواسطة بذل شيء من مالها عن
طريق الخلع ،أو عن طريق فسخ القاضي الزواج بسبب مرض منفر،أو لسوء العشرة والضرار ،أو
لغيبة الزوج أو حبسه ،أو لعد م النفاق.
وليست الدعوة المعاصرة إلى جعل الطلق بيد القاضي ذات فائدة؛ لمصادمة المقرر شرعا ،ولن
الرجل يعتقد ديانة أن الحق له ،فإذا أوقع الطلق ،حدثت الحرمة دون انتظار حكم القاضي .وليس
ذلك في مصلحة المرأة نفسها؛ لن الطلق قد يكون لسباب سرية ليس من الخير إعلنها ،فإذا أصبح
الطلق بيد القاضي انكشفت أسرار الحياة الزوجية بنشر الحكم ،وتسجيل أسبابه في سجلت القضاء،
وقد يعسر إثبات السباب لنفور طبيعي وتباين أخلقي.
ركن الطلق :قال الحنفية ( : )1ركن الطلق :هو اللفظ الذي جعل دللة على معنى الطلق لغة:
وهو التخلية والرسال ،ورفع القيد في الصريح ،وقطع الوصلة ونحوه في الكناية ،أو شرعا :وهو
إزالة الحل؛أو ما يقوم مقام اللفظ من الشارة.
وقال غير الحنفية ( : )2للطلق أركان ،علما بأن كلمة «ركن الطلق» مفرد مضاف ،فيعم ،فيصح
الخبار عنه بالمتعدد ،فيقال :أركانه أربعة مثلً .والمراد بالركن عند الجمهور :ما تتحقق به الماهية،
ولو لم يكن داخلً فيها.
أما المالكية فقالوا :أركان الطلق أربعة :أهل له :أي موقعه من زوج أو نائبه أو وليه إن كان
صغيرا ،وقصد :أي قصد النطق باللفظ الصريح والكناية الظاهرة ،ولو لم يقصد حل العصمة بدليل
صحة طلق الهازل .ومحل :أي عصمة مملوكة ،ولفظ صريح أو كناية .وعدها ابن جزي ثلثة :هي
المطلّق ،والمطلّقة ،والصيغة :وهي اللفظ وما في معناه.
-------------------------------
( )1البدائع.98/3 :
( )2الشرح الكبير ،365/2 :الشرح الصغير ،279/2 :القوانين الفقهية :ص ،227غاية المنتهى:
.112/3
( )9/339
وأما الشافعية والحنابلة فقالوا :أركان الطلق خمسة :مطلّق ،وصيغة ،ومحل ،وولية ،وقصد ،فل
ك ولو عن نفسه .ويلحظ أن الولية أدخلها المالكية في الركن الول وهو
طلق لفقيه يكرره ،وحا ٍ
الهلية .وزاد الشافعية والحنابلة على المالكية ركن المحل.
حكم الطلق :ذهب الحنفية على المذهب ( : )1إلى أن إيقاع الطلق مباح لطلق اليات ،مثل قوله
تعالى{ :فطلقوهن لعدتهن} [الطلق{ ]1/65:ل جناح عليكم إن طلقتم النساء} [البقرة ]236/2:ولنه
صلّى ال عليه وسلم طلق حفصة ،ل لريبة (أي ظن الفاحشة) ول كبر ،وكذا فعله الصحابة ،والحسن
بن علي رضي ال عنهما استكثر النكاح والطلق .وأما حديث «أبغض الحلل إلى ال الطلق»
فالمراد بالحلل :ما ليس فعله بلزم ،ويشمل المباح والمندوب والواجب والمكروه ،وقال ابن عابدين:
إن كونه مبغوضا ل ينافي كونه حللً ،فإن الحلل بهذا المعنى يشمل المكروه ،وهو مبغوض.
وقال الكمال بن الهمام :الصح حظر الطلق أي منعه ،إل لحاجة كريبة وكبر .ورجح ابن عابدين
هذا الرأي ،وليست الحاجة مختصة بالكبر والريبة ،بل هي أعم.
وذكر الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) ( : )2أن الطلق من حيث هو جائز ،والولى عدم
ارتكابه ،لما فيه من قطع ال لُفة إل لعارض ،وتعتريه الحكام الربعة من حرمة ،وكراهة ،ووجوب،
وندب ،والصل أنه خلف الولى.
فيكون حراما :كما لو علم أنه إن طلق زوجته وقع في الزنا لتعلقه بها ،أو لعدم قدرته على زواج
غيرها ،ويحرم الطلق البدعي وهو الواقع في الحيض ونحوه كالنفاس وطهر وطئ فيه.
-------------------------------
( )1الدر المختار وحاشية ابن عابدين ،572-571/2 :فتح القدير.22-21/3 :
( )2الشرح الكبير مع الدسوقي ،361/2 :الشرح الصغير 533/2 :وما بعدها ،المهذب ،78/2 :كشاف
القناع ،261/5 :المغني 97/7 :وما بعدها.
( )9/340
ويكون مكروها :كما لو كان له رغبة في الزواج ،أو يرجو به نسلً ولم يقطعه بقاء الزوجة عن عبادة
واجبة ،ولم يخش زنا إذا فارقها .ويكره الطلق من غير حاجة إليه ،للحديث السابق عن ابن عمر:
«أبغض الحلل إلى ال تعالى الطلق» .
ويكون واجبا :كما لو علم أن بقاء الزوجة يوقعه في محرم من نفقة أو غيرها .ويجب طلق المولي
(حالف يمين اليلء) بعد انتظار أربعة أشهر من حلفه إذا لم يفئ ،أي يطأ.
ويكون مندوبا أو مستحبا :إذا كانت المرأة بذيّة اللسان يخاف منها الوقوع في الحرام لو استمرت
عنده .ويستحب الطلق في الجملة لتفريط الزوجة في حقوق ال الواجبة ،مثل الصلة ونحوها ،ول
يمكنه إجبارها على تلك الحقوق ،ويستحب الطلق أيضا في حال مخالفة المرأة من شقاق وغيره
ليزيل الضرر ،أوإذا كانت غير عفيفة ،فل ينبغي له إمساكها؛ لن فيه نقصا لدينه ،ول يأمن إفسادها
فراشه ،وإلحاقها به ولدا من غيره.
ويستحب الطلق أيضا لتضرر الزوجة ببقاء النكاح لبغض أو غيره ،ويستحب كون الطلق طلقة
واحدة؛ لنه يمكنه تلفيها ،وإن أراد الطلق الثلث ،فّرق الطلقات في كل طهر طلقة ليخرج من
الخلف ،فإن عند أبي حنيفة ل يجوز جمعها ،ولنه يسلم من الندم .والخلصة :أن الطلق البدعي إما
حرام أو مكروه ،والطلق السني إما واجب أو مندوب أو خلف الولى .وسيأتي بيان البدعي
والسني.
لزوم الطلق :الطلق كاليمين متى توافر ركنه وشروطه ،لزم المطلّق في زوجته ،ول رجوع عنه
بوقوعه ،ويحسب عليه إن طلقها ثم تزوجها ثانية ،وكذلك في المرة الثالثة حتى تكون ثلث تطليقات (
. )1
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .219
( )9/341
( )9/342
طلق المجنون والمدهوش :ول يصح طلق المجنون ،ومثله المغمى عليه ،والمدهوش :وهو الذي
اعترته حال انفعال ل يدري فيها ما يقول أو يفعل ،أو يصل به النفعال إلى درجة يغلب معها الخلل
في أقواله وأفعاله ،بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل طلق
في إغلق» ( )1والغلق :كل ما يسد باب الدراك والقصد والوعي ،لجنون أو شدة غضب أو شدة
حزن ونحوها.
ودليل اشتراط البلوغ والعقل :حديث «كل طلق جائز إل طلق الصبي والمجنون» ( )2وحديث
«رفع القلم عن ثلثة :عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ ،وعن المجنون حتى يُفيق» (
، )3ولن الطلق تصرف يحتاج إلى إدراك كامل وعقل وافر ،وهذا ل يتوافر في الصبي والمجنون،
ولن الطلق تصرف ضار ،فل يملكه الصبي ولو كان مميزا أو أجازه الولي.
لكن الحنابلة أنفذوا طلق المميز ولو دون عشر ،لعموم الحديث المتقدم« :إن الطلق لمن أخذ
بالساق» وحديث «كل الطلق جائز إل طلق المعتوه ،والمغلوب على عقله» وعن علي« :اكتموا
الصبيان النكاح» فيفهم منه أن فائدته أل يطلقوا ،ولنه طلق من عاقل صادف محل الطلق ،فوقع
كطلق البالغ.
طلق الغضبان :يفهم مما ذكر أن طلق الغضبان ل يقع إذا اشتد الغضب ،بأن وصل إلى درجة ل
يدري فيها ما يقول ويفعل ول يقصده .أو وصل به الغضب إلى درجة يغلب عليه فيها الخلل
والضطراب في أقواله وأفعاله ،وهذه حالة نادرة .فإن ظل الشخص في حالة وعي وإدراك لما يقول
فيقع طلقه ،وهذا هو الغالب في كل طلق يصدر عن الرجل؛ لن الغضبان مكلف في حال غضبه
بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق وطلق وغيرها.
طلق غير الزوج :ل يصح طلق غير الزوج ،لحديث «ل طلق قبل النكاح ،ول عتق قبل
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة (نيل الوطار ،235/6 :نصب الراية.)223/3 :
( )2قال عنه الزيلعي :حديث غريب ،وأخرج الترمذي عن أبي هريرة« :كل طلق جائز إل طلق
المعتوه المغلوب على عقله» وفيه ضعيف ،وروى ابن أبي شيبة عن علي قال« :كل طلق جائز إل
طلق المعتوه» (نصب الراية.)222-221/3 :
( )3رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر ،ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه
والحاكم عن عائشة بلفظ آخر (الجامع الصغير.)24/2 :
( )9/343
( )9/344
طلق السفيه :ينفذ طلق السفيه المحجور إذا كان بالغا باتفاق المذاهب ولو بغير إذن وليه؛ لن
موضع الحجر هو التصرفات المالية ،والطلق وأثره ليس من التصرفات المالية ،والرشد ليس شرطا
لوقوع الطلق.
والسفيه :هو خفيف العقل الذي يتصرف في ماله على خلف مقتضى العقل السليم .وقال الشيعة
المامية وعطاء :يتوقف طلق السفيه على إذن الولي؛ لنه تصرف ضار ضررا محضا.
طلق المكره :ل يقع عند الجمهور طلق المكره؛ لنه غير قاصد للطلق ،وإنما قصد دفع الذى عن
نفسه ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه» ( )1وقوله عليه الصلة والسلم« :ل طلق في إغلق» ( )2معناه في إكراه .وهذا هو الراجح
لقوة دليله.
ورأى الحنفية :أن طلق المكره واقع؛ لنه قصد إيقاع الطلق وإن لم يرض بالثر المترتب عليه،
جدّهن جِدّ ،وهزلهن جد :النكاح والطلق والرجعة» (. )3
كالهازل ،فإن طلقه يقع لحديث« :ثلث ِ
مالك الطلق :يتبين مما سبق أن الذي يملك الطلق إنما هو الزوج متى كان بالغا عاقلً ،ول تملكه
الزوجة إل بتوكيل من الزوج أو تفويض منه .ول يملكه القاضي إل في أحوال خاصة للضرورة.
ويلحظ أن القانون المصري جعل الهلية في سنة الحادية والعشرين ،والقانون السوري في سن
الثامنة عشرة ،وبناء عليه تكون أهلية الطلق قانونا في تلك السن المقررة ،إل إذا سمح القاضي لمن
هودون هذه السن إذا كان بالغا بإيقاع الطلق .ونص القانون السوري (م )85على الهلية:
« 1ـ يكون الرجل متمتعا بالهلية الكاملة للطلق في تمام الثامنة عشرة من عمره.
- 2يجوز للقاضي أن يأذن بالتطليق ،أو يجيز الطلق الواقع من البالغ المتزوج قبل الثامنة عشرة إذا
وجدت المصلحة في ذلك» .
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس.
( )2رواه أبو داود والثرم عن عائشة ،وقد سبق تخريجه ومعناه.
( )3رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي عن أبي هريرة ،وقال الترمذي :حديث حسن
غريب ،وأخرجه الحاكم وصححه والدارقطني ،وفي إسناده ابن أزدك ،وهو مختلف فيه (نيل
الوطار 234/6 :وما بعدها ،نصب الراية في الهامش.)223/3 :
( )9/345
( )9/346
فيقول لها لعبا أو مستهزئا :طلقتك ،ومثله من خاطبها بطلق وهو يظنها أجنبية عنه وليست زوجته،
بسبب ظلمة أو من وراء حجاب .والحكم أن يقع طلق هؤلء جميعا؛ لن كلً من الهازل واللعب
أتى باللفظ عن قصد واختيار ،وإن لم يرض بوقوعه ،فعدم رضاه بوقوعه ،لظنه أنه ل يقع :ل أثر له
لخطأ ظنه .والدليل كما ذكر الحنابلة وغيرهم هو الحديث المتقدم« :ثلث جدهن جد ،وهزلهن جد:
النكاح ،والطلق ،والرجعة» وفي رواية «والعتاق» وفي رواية« :واليمين» ،وقال علي كرم ال
وجهه« :ثلثة ل لعب فيهن :الطلق والعتاق والنكاح» ولن الهازل أتى بالسبب ،وهو لفظ الطلق،
وترتيب الحكام على أسبابها إنما هو للشارع ل للعاقد.
طلق المخطئ أو من سبق لسانه :وهو الذي يريد أن يتكلم بغير الطلق ،فزلّ لسانه ،ونطق بالطلق
من غير قصد أصلً ،بأن أراد أن يقول :طاهر أو أنت طالبة ،فقال خطأ :أنت طالق.
وحكمه :ل يقع طلقه عند الشافعية ،لعدم القصد.
وقال الحنفية والمالكية والحنابلة :ل يقع طلقه في الفتوى والديانة ،أي فيما بينه وبين ال تعالى ،ويقع
في القضاء .لكن قيد المالكية وقوعه قضاء بأن لم يثبت سبق لسانه بالبينة ،وإل فل يلزمه في فتوى
ول في قضاء.
وسبب التفرقة بين الهازل والمخطئ :أن الهازل قصد اللفظ ،فاستحق العقوبة والزجر عن اللعب
بأحكام الدين ،وأما المخطئ فل قصد له أصلً ،فلم يستحق العقوبة والزجر ،حتى يحكم بوقوع طلقه.
( )9/347
ما يشترطه في الركن الثالث ـ محل الطلق أو من يقع عليه الطلق :
المرأة هي التي يقع عليها الطلق ،إذا كانت في حال زواج صحيح قائم فعلً ،ولو قبل الدخول ،أو في
أثناء العدة من طلق رجعي؛ لن الطلق الرجعي ل تزول به رابطة الزوجية إل بعد انتهاء العدة.
فإن كانت المرأة معتدة من طلق بائن بينونة كبرى ،فل يلحقها طلق آخر في أثناء العدة ،لستنفاد
حق الزوج في الطلق .لنه ل يملك أكثر من ثلث طلقات ،فل تكون هناك فائدة من الطلق.
وإن كانت معتدة من طلق بائن بينونة صغرى .فل يلحقها أيضا طلق آخر عند الجمهور غير
الحنفية ،لنتهاء رابطة الزوجية بالطلق البائن ،فل تكون محلً للطلق .ويلحقها طلق آخر في رأي
الحنفية في أثناء العدة ،لبقاء بعض أحكام الزواج من وجوب النفقة ،والسكنى في بيت الزوجية ،وعدم
حل زواجها برجل آخر في العدة ،فتكون محلً للطلق إذ هي زوجة حكما .وعبارة الحنفية فيه:
«الصريح يلحق الصريح ،ويلحق البائن بشرط العدة ،والبائن يلحق الصريح» .
فإن كان الزواج فاسدا ،أو انتهت عدة المرأة مطلقا ،فل يقع عليها طلق آخر ،حتى ولو كان معلقا
بانتهاء العدة ،كأن يقول لها :إذا انتهيت من عدتك ،فأنت طالق ،فل يقع به طلق.
ونص القانون السوري ( م )86على محل الطلق فيما يأتي« :محل الطلق :المرأة التي في نكاح
صحيح ،أو المعتدة من طلق رجعي ،ول يصح على غيرهما الطلق ،ولو كان معلقا» .
وإذا طلقت المرأة قبل الدخول والخلوة ،فل عدة عليها ،لقوله تعالى { :إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ،فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب ]49/33:ويكون الطلق
بائنا .ويرى الحنفية ( : )1أنه ل يلحقها طلق آخر ،فلو قال الرجل لزوجته التي لم يدخل ولم يختل
بها« :أنت طالق ،أنت طالق ،أنت طالق» ل تقع إل طلقة واحدة؛ لنها بالطلق الول ،صارت بائنة
من زوجها ،وأصبحت أجنبية ،فل يلحقها آخر .وهذا رأي الشافعية أيضا ،فإنهم قالوا :إذا قال ذلك
لغير المدخول بها فتقع طلقة واحدة بكل حال؛ لنها تبين بالولى فل يقع ما بعدها (. )2
وقال المالكية والحنابلة ( : )3يقع بهذه اللفاظ المتتابعة ثلث طلقات؛ لنه نسق أي غير مفترق؛ لن
الواو تقتضي الجمع ول ترتيب فيها ،فيكون الرجل موقعا للثلث جميعا ،فيقعن عليها ،كقوله :أنت
طالق ثلثا ،أو طلقة معها طلقتان ،إل أنه إذا قصد بالثانية والثالثة تأكيد ما قبلها ،فيصدق عند المالكية
قضاءً بيمين ،وديانةً بغير يمين.
-------------------------------
( )1الدر المختار 624/2 :وما بعدها.645 ،
( )2مغني المحتاج.297/3 :
( )3المغني ،233/7 :القوانين الفقهية :ص .229
( )9/348
( )9/349
ورأى الشافعية ( )1أنه يقع الطلق إن طلق جزءا من المرأة ،كقوله :يدك أو رجلك طالق أو نحو
ذلك من أعضائها المتصلة بها ،ولو من غير نية المجاز خلفا للحنفية ،وكقوله :ربعُك أو بعضُك أو
جزؤك أو شعرك أو ظفرك طالق ،وكذا دمُك على المذهب؛ لن الطلق ل يتبعض ،ول يقع إن
أضافه إلى فضلة كريق وعَرَق وبول ،وكذا ل يقع إن أضافه إلى مني ولبن في الصح؛ لنها غير
متصلة بها اتصال خلقة.
ولو قال لمقطوعة يمين :يمينك طالق ،لم يقع على المذهب ،لفقدان الذي يسري منه الطلق إلى
الباقي .ولو قال :أنت طالق بعض طلقة ،وقعت طلقة؛ لن الطلق ل يتبعض.
وأضاف الشافعية أن الرجل في خطاب المرأة لو حذف المفعول كأن قال« :طلقت» أو حذف المبتدأ:
«أنتِ» أو حذف حرف النداء «يا» فلم يقل« :يا طالق» لم يقع الطلق ،كما هو ظاهر كلمهم.
والحنابلة قالوا ( : )2تطلق إن أضاف الطلق إلى جزء من المرأة مثل قوله :يدك أو دمك أو أصبعك
أو رأسك طالق؛ لنه أضافه إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح ،فأشبه الضافة إلى الجزء الشائع
مثل نصفك وثلثك .أما لو قال :لعديمة الصبع أو اليد :أصبعك طالق ،أو يدك طالق ،لم تطلق.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،291 ،280/3 :المهذب.85-80/2 :
( )2كشاف القناع ،301-298/5 :المغني.246-242/7 :
( )9/350
ول تطلق لو قال لها :شعرك أو ظفرك أو سنك أو لبنك أو منيك طالق؛ لن تلك الجزاء تنفصل عنها
مع السلمة ،فل تطلق بإضافة الطلق إليها كالحمل ،فهم خالفوا الشافعية في غير اللبن والمني.
ول تطلق أيضا إن قال :سوادك أو بياضك طالق؛ لنه أمر عارض .ول إن قال :ريقك أو دمعك أو
عرقك طالق؛ لن المذكور ليس جزءا منها ،ول إن قال :روحك طالق؛ لن الروح ليست عضوا ول
شيئا يستمتع به ،فأشبهت السواد والبياض .ول إن قال :حملك طالق؛ لنه عرض كالبياض والسواد.
وأما لو قال :حياتك طالق ،فتطلق؛ لنه ل بقاء لها بدونها ،فأشبه ما لو قال :رأسك طالق.
وجزء الطلقة كالطلقة ،فإذا قال :أنت طالق نصف طلقة أو ثلثها ونحوه ،طلقت طلقة؛ لن الطلق ل
يتبعض.
والخلصة :اتفق الفقهاء على أن جزء الطلقة طلقة ،واختلفوا في إضافة الطلق إلى بعض أجزاء
المرأة .ول يقع الطلق عند جمهور الحنفية فيما ل يعبر به عن جملة المرأة كاليد والرجل والصبع
والدبر ،ويقع بها عند زفر ومالك والشافعي وأحمد.
إضافة الطلق إلى نفس الزوج :
قال الحنفية والحنابلة ( : )1من قال لمرأته« :أنا منك طالق» فليس بشيء ،وإن نوى طلقا .ولو
قال :أنا منك بائن ،أو أنا عليك حرام ،ناويا الطلق فهي طالق عند الحنفية وفي أحد الوجهين عند
الحنابلة؛ لن الطلق لزالة القيد ،والقيد في المرأة دون الزوج ،فل تطلق في الحالة الولى ،لنه
أضاف الطلق إلى غير محله ،فيلغو .أما البانة فهي لزالة الوصلة ،والتحريم لزالة الحل ،وهما
مشتركان بين الزوجين ،فصح إضافتهما إلى الزوجين ،وليصح إضافة الطلق إل إليها.
-------------------------------
( )1فتح القدير 70/3 :وما بعدها ،المغني 133/7 :وما بعدها ،الدر المختار.613/2 :
( )9/351
وقال المالكية والشافعية ( : )1لو قال الرجل :أنا منك طالق ،تطلق إن نوى تطليقها؛ لن المرأة مقيدة
حلّ يضاف إلى القيد ،كما يضاف إلى المقيد ،فيقال :حلّ فلن المقيّد ،وحل
والزوج كالقيد عليها ،وال َ
القيد عنه .وإن لم ينو طلقا فل تطلق؛ لن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله ،فشرط
فيه ما شرط في الكناية من قصد اليقاع.
وكذا لو قال :أنا منك بائن ،اشترط نية الطلق ،كسائر الكنايات .وعليه ،فإن الطلق المنسوب إلى
الزوج يقع ـ على هذا الرأي ـ بالنية ،سواء بلفظ الطلق أم بالبانة.
ما يشترط في الركن الرابع عند الشافعية والحنابلة ـ الولية على محل الطلق :
محل الطلق كما عرفنا هو الزوجة ،وكأن هذا الركن الذي ذكره الشافعية فرع عن الركن السابق
وهو محل الطلق ،والمقصود منه بيان حكم طلق الجنبية .فإن طلقها قبل زواجها مختلف في
وقوعه بعد تزوجها ،كما يتبين من عبارات الفقهاء وهو موضوع تعليق الطلق على الملك.
تعليق الطلق على الملك أو على النكاح .فيه ثلثة آراء للفقهاء:
قال الحنفية ( : )2إذا أضاف رجل الطلق إلى النكاح ،وقع عقيب النكاح ،مثل أن يقول لمرأة« :إن
تزوجتك فأنت طالق» أو «كل امرأة أتزوجها فهي طالق» ؛ لن هذا الطلق معلق على شرط ،فل
يشترط لصحته وجود الملك في حال الطلق ،وإنما يكفي وجوده عند تحقق الشرط ،والملك متيقن
حينئذ أي عند
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،228المهذب ،80/2 :مغني المحتاج.292/3 :
( )2فتح القدير.131-127/3 :
( )9/352
وجود الشرط ،وإذا كان الملك متيقنا عنده ،وقع الطلق؛ لن المعلق بالشرط كالملفوظ لدى الشرط،
فهو كما لو أضاف الطلق في حال الزواج إلى شرط ،فإنه يقع عقيب الشرط ،مثل أن يقول لمرأته:
إن دخلت الدار فأنت طالق؛ لن الملك قائم في الحال ،والظاهر بقاؤه إلى وقت الشرط؛ لن الصل
بقاء الشيء على ما كان ،وهو استصحاب الحال.وأما حديث« :ل طلق قبل النكاح» ( )1الذي رواه
الشافعي ،فمحمول على نفي التنجيز في الحال ،ل نفي الطلق المعلق.
وعلى هذا ،فل تصح إضافة الطلق إلى امرأة إل أن يكون الحالف مالكا ،أويضيفه إلى ملك ،فإن قال
لمرأة أجنبية :إن دخلت الدار فأنت طالق ،ثم تزوجها ،فدخلت الدار ،لم تطلق؛ لن الحالف ليس
مالكا ،ولم يضف الطلق إلى الملك أو سبب الملك وهو التزوج ،ول بد من واحد منها.
والحاصل :أن الطلق عند الحنفية يتعلق بشرط التزويج ،سواء عمم المطلّق جميع النساء أو خصص.
وقال المالكية ( : )2إن عمّ المطلق جميع النساء لم يلزمه ،وإن خصص لزمه ،فمن قال( :كل امرأة
أتزوجها من بني فلن ،أو من بلد كذا ،فهي طالق) أو قال (في وقت كذا) ،فإن هؤلء يطلقن عند
مالك إذا تزوجهن الرجل المطلق .أما لو قال( :كل امرأة أتزوجها ،فهي طالق) فل تطلق امرأة
تزوّجها .وسبب الفرق بين التعميم والتخصيص :استحسان مبني على المصلحة؛ لنه إذا عمم فأوجبنا
عليه
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه والترمذي وصححه عن المسور بن مخرمة بلفظ« :ل طلق قبل النكاح ،ول عتق
قبل ملك» وفيه أحاديث كثيرة بمعناه (نصب الراية 230/3 :وما بعدها).
( )2بداية المجتهد 83/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص .232
( )9/353
التعميم ،لم يجد سبيلً إلى النكاح الحلل ،فكان ذلك عنتا به وحرجا ،وكأنه من باب نذر المعصية.
وأما إذا خصص فليس المر كذلك إذا ألزمناه الطلق ،وليس من شرط الطلق إل وجود الملك فقط،
ول يشترط وجود الملك المتقدم بالزمان على الطلق.
وقال الشافعية والحنابلة والظاهرية ( : )1خطاب الجنبية بطلق مثل «أنت طالق» ومثل «كل امرأة
أتزوجها فهي طالق» وتعليق الطلق بنكاح ،مثل ( إن تزوجتك فأنت طالق ) ،أو بغير نكاح ،مثل
( إن دخلت الدار فأنت طالق ) لغو ،ويحكم بإبطال اليمين ،فل تطلق على من يتزوجها ،أما الطلق
المنجز على الجنبية فل يقع بالتفاق ،وأما المعلق على الزواج فلنتفاء الولية من القائل على محل
الطلق ،وقد قال صلّى ال عليه وسلم « :ل طلق إل بعد نكاح» .
وعليه ،فإن الطلق ل يتعلق بأجنبية أصلً ،سواء عم المطلّق أو خص .وهو قول علي ومعاذ وجابر
بن عبد ال وابن عباس وعائشة ،وهو الراجح لدي عملً بهذا الحديث الصحيح ،ول عبرة بما طعن به
بعضهم بعد تحسين الترمذي .وبناء عليه إن قال رجل لزوجته ولجنبية :إحداكما طالق ،أو كانت له
زوجة اسمها زينب ،وجارة اسمها زينب ،فقال :زينب طالق ،وقال :أردت الجنبية ،لم يقبل قوله،
وتطلق زوجته في الحالتين؛ لنه ل يمكن طلق غيرها.
الدلة إجمالً (: )2
استدل الحنفية بما يأتي:
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 292/3 :وما بعدها ،المهذب ،98/2 :المغني 135/7 :وما بعدها ،بداية المجتهد:
83/2وما بعدها.
( )2فتح القدير 44/3 :وما بعدها 87 ،وما بعدها ،البدائع ،112-101/3 :بداية المجتهد 73/2 :وما
بعدها ،القوانين الفقهية :ص 228وما بعدها ،الشرح الصغير 559/2 :وما بعدها ،مغني المحتاج:
279/3وما بعدها ،المهذب ،83-80/2 :المغني ،138-121/7 :كشاف القناع ،782-276/5 :غاية
المنتهى ،122-120/3 :حاشية ابن عابدين ،637-635 ،594-590/2 :المحلى.226/10 :
( )9/354
- 1الجماع على صحة تعليق الظهار بالملك ،والطلق مثله ،إذ ل قائل بالفرق.
- 2آثار عن التابعين :أخرج ابن أبي شيبة عن سالم والقاسم بن محمد والنخعي والزهري ومكحول
الشامي وغيرهم أنهم قالوا في رجل قال :كل امرأة أتزوجها فهي طالق :هو كما قال.
- 3تعليق الطلق لزم كتعليق العتق والوكالة والبراء ،فل يشترط لصحته قيام الملك في الحال.
واستدل المالكية على التفصيل بالستحسان وبناء الحكم على المصلحة ،فقالوا :إذاعمم فأوجبنا عليه
التعميم ،لم يجد سبيلً إلى النكاح الحلل ،فكان ذلك عنتا وحرجا ،فكأنه نذر المعصية ،وقد عرف من
الشرع« :إذا ضاق المر اتسع» .أما إذا خص فهو بسبيل من زواج غير من خصها بالتعليق ،فل
موجب للغاء كلمه.
واستدل الشافعية والحنابلة بما يأتي:
ً - 1حديث «ل طلق قبل نكاح» المروي من طرق مختلفة ،وقال عنه الترمذي :حديث حسن .وبلغ
ابن عباس أن ابن مسعود يقول :إن طلق ما لم ينكح فهو جائز ،فقال ابن عباس :أخطأ في هذا ،فإن
ال يقول :نكحتم المؤمنات ،ثم طلقتموهن ،ولم يقل :إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن.
ً - 2المعقول :وهو أن التعليق طلق ،والطلق حل القيد وإبطال الملك ،ول قيد ول ملك في الجنبية
حتى يصح حله وإبطاله ،فكان لغوا .أما أن التعليق طلق،فلن الطلق عند وجود الشرط يقع به إذا
لم يوجد كلم آخر سواه ،فلو لم يكن التعليق تطليقا ،لم يقع الطلق عند الشرط .ثم إن هذا التعليق
إنشاء تصرف في محل في حال ل ولية له عليه فيلغو ،كتعليق الصبي ،وتعليق البالغ طلق الجنبية
حاصل بغير الملك .وقد رجحت هذا الرأي عملً بالحديث الثابت.
( )9/355
( )9/356
[البقرة ]231/2:وقال{ :وإن يتفرقا يغن ال كلً من سعته} [النساء ]130/4:وقال سبحانه{ :فتعالين
أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلً} [الحزاب ]28/33:ولو اشتهر لفظ للطلق مثل الحلل أو حلل ال
علي حرام ،فالصح كما قال النووي أنه كناية ،ثم أصبح قول الرجل ( علي حرام ) من باب الطلق
الصريح كما أفتى به ابن حجر وغيره .وقال الحنابلة :لو قال :عليّ الحرام ،أو يلزمني الحرام ،أو
الحرام يلزمني ،فهو لغو ،ل شيء فيه :لنه يقتضي تحريم شيء مباح بعينه ،فإن اقترن معه نية
تحريم الزوجة أو دلت قرينة على إرادة ذلك ،فهو ظهار؛ لنه يحتمله.
أما لفظة الطلق مثل أطلقتك وأنت مُطْلَقة ،فليست صريحة في الطلق باتفاق المذاهب الربعة وإنما
هي كناية تحتاج إلى نية؛ لنها لم يثبت لها عرف الشرع ول الستعمال ،فأشبهت سائر كناياته.
يفهم مما ذكر أنه يشترط ليقاع الطلق ما يأتي:
- 1استعمال لفظ يفيد معنى الطلق لغة أو عرفا ،أو بالكتابة أو الشارة المفهمة.
- 2أن يكون المطّلق فاهما معناه ،ولو بلغة أعجمية ،فإذا استعمل العجمي صريح الطلق ،وقع
الطلق منه بغير نية ،وإن كانت كناية احتاج إلى نية .ولو ُلقّن رجل صيغة الطلق بلغة ل يعرفها،
فتلفظ بها ،وهو ل يدري معناها ،فل يقع عليه شيء.
- 3إضافة الطلق إلى الزوجة ،أي إسناده إليها لغة ،بأن يعينها بأحد طرق التعيين ،كالوصف ،أو
السم المسماة به ،أو الشارة والضمير ،فيقول :امرأتي طالق ،أو فلنة طالق ،أو يشير إليها بقوله:
هذه طالق ،أو أنت طالق،أو يقول :هي طالق ،في أثناء حديث عنها؛ أو إسناده إليها عرفا مثل :علي
الطلق أو الحرام إن أفعل كذا ،أو الطلق يلزمني إن لم أفعل كذا ،فالطلق هنا مضاف إلى المرأة
في المعنى ،وإن لم يضف إليها في اللفظ ،وذلك خلفا للحنابلة.
( )9/357
- 4أل يكون مشكوكا في عدد الطلق أو في لفظه .ويقع الطلق الصريح ولو باللفاظ المصحفة،
نحو طلغ ،وتلغ ،وطلك ،وتلك ،أو بأحرف الهجاء :ط ،ا ،ل ،ق.
حكم الطلق الصريح :
يقع الطلق باللفظ الصريح بدون حاجة إلى نية أو دالة حال ،فلو قال الرجل لزوجته :أنت طالق ،وقع
الطلق ،ول يلتفت لدعائه أنه ل يريد الطلق.
طلق الكناية :
هو كل لفظ يحتمل الطلق وغيره ،ولم يتعارفه الناس في إرادة الطلق .مثل قول الرجل لزوجته:
الحقي بأهلك ،اذهبي ،اخرجي ،أنت بائن ،أنت بتّة ،أنت خلية ،برية ،اعتدي ،استبرئي رحمك ،أمرك
بيدك ،حبلك على غاربك ( )1أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء ،وزمامه على غاربه،
ونحوها من اللفاظ التي لم توضع للطلق ،وإنما يفهم الطلق منها بالقرينة أو دللة الحال :وهي حالة
مذاكرة الطلق ،أو الغضب.
ومن الكناية في أصل المذهب عند الشافعية والحنابلة :أنت علي حرام أو حرّمتك،فإن نوى طلقا أو
ظهارا حصل ،وإن نواهما تخير وثبت ما اختاره .لكن -كما أفتى ابن حجر -أصبح لفظ ( علي
الحرام ) من الطلق الصريح في العرف والعادة الجارية .وقد حصر المالكية الكناية بالكناية المحتملة
مثل :الحقي بأهلك واذهبي وابعدي عني وما أشبه ذلك ،أما الكناية الظاهرة فلها حكم الصريح ،كما
بينا مثل لفظ التسريح والفراق ،وأنت بائن أو بتة أو بتلة وما أشبهها.
-------------------------------
( )1الغارب :ما بين السنام إلى العنق.
( )9/358
( )9/359
( )9/360
به ،وحكمها :حكم الطلق الصريح باللفظ ،يقع عليها الطلق؛ لن الرسول ينقل كلم المرسل ،فكان
كلمه ككلمه (. )1
وعبارة المالكية ( : )2من كتب الطلق عازما عليه ،لزمه إذا لم يكن مترددا فيه ،فإن كتب الطلق
عازما عليه أو لم يكن له نية ،لزمه بمجرد كتابة (طالق) وإن لم يكن عازما الطلق حال الكتابة ،بل
كان مترددا أو مستشيرا ،فل يقع ما لم يخرج الكتاب من يده ،ويعطيه لمن يوصله ،فيصل إليها أو
لوليها ،فإن أخرجه من يده عازما الطلق ،فيقع بمجرد إنفاذه ،ولو لم يصل .وإن أخرجه غير عازم
ولم يصل ،فالرجح عدم اللزوم.
ويلزم الطلق بمجرد إرساله مع رسول ولو لم يصل ،فمتى قال للرسول :أخبرها بأني طلقتها ،لزمه
الطلق.
والخلصة :أن العبرة عندهم في كتاب الطلق النية.
وقال الشافعية ( )3مثل المالكية :إذا كتب رجل طلق امرأته بلفظ صريح ولم ينوه ،فهو لغو لم يقع به
الطلق؛ لنه الكتابة تحتمل إيقاع الطلق وتحتمل امتحان الخط ،فلم يقع الطلق بمجردها .وإن نوى
الطلق فالظهر وقوعه ،ول يقع الطلق بالكتابة إل في حق الغائب.
وإن كتب شخص في كتاب طلق زوجته صريحا أو كناية ،ونوى الطلق ،ولكنه علق الطلق ببلوغ
الكتاب ،كقوله ( :إذا بلغك كتابي ،فأنت طالق ) .فإنما تطلق ببلوغه لها ،مكتوبا كله ،مراعاة للشرط.
فإن انمحى كله قبل وصوله ،لم تطلق ،كما لوضاع.
وإن كتب الرجل :إذا قرأت كتابي فأنت طالق ،وكانت تقرأ ،فقرأته طلقت ،لوجود المعلّق عليه .وإن
قرئ عليها فل تطلق في الصح ،لعدم قراءتها مع إمكان القراءة .وإن لم تكن قارئة ،فقرئ عليها،
طلقت؛ لن القراءة في حق المي محمولة على الطلع على ما في الكتاب ،وقد وجد ،بخلف
القارئة.
-------------------------------
( )1البدائع.126/3 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،230الشرح الصغير.568/2 :
( )3المهذب ،83/2 :مغني المحتاج 284/3 :وما بعدها.
( )9/361
وكذلك قال الحنابلة ( )1مثل الشافعية والمالكية :إذا كتب الرجل الطلق ،فإن نواه طلقت زوجته؛ لن
الكتابة حروف يفهم منها الطلق ،فإذا أتى فيها بالطلق ،وفهم منها المراد ،ونواه ،وقع كالطلق
باللفظ ،ولن الكتابة تقوم مقام الكاتب ،بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته،
فحصل المقصود في حق البعض بالقول ،وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الطراف ،ولن كتاب
القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق.
وإن كتب الطلق من غير نية ،قيل :يقع ،وقيل :ل يقع إل بنية ،وهو الظاهر.
وإن كتب بشيء ل يبين مثل :أن يكتب الطلق بأصبعه على وسادة أو في الهواء ،فظاهر كلم أحمد
أنه ل يقع.
ورأيهم كالشافعية تماما في اشتراط وصول الكتاب دون أن ينمحي ذكر الطلق ،إذا علق الطلق
ببلوغه ،وفي تعليقه بالقراءة.
والخلصة :يقع الطلق عند الجمهور بالكتابة مع النية ،ويقع عند الحنفية في الكتابة المرسومة
كالصريح ،وفي غير المرسومة كالكناية تحتاج إلى نية .ول يقع الطلق بالكتابة على الماء أو الهواء
ونحوه بالتفاق.
ومن طلق في قلبه لم يقع ،وإن تلفظ به أو حرك لسانه ،وقع ولو لم يسمعه.
الطلق بالشارة :
اتفق الفقهاء ( )2على وقوع الطلق بالشارة المفهمة بيد أو رأس ،المعهودة عند العجز عن النطق،
كالخرس ونحوه ،دفعا للحاجة ،فإذا طلق الخرس بالشارة طلقت زوجته.
لكن قال الحنفية :إذا كان الخرس يحسن الكتابة ،ل تجوز إشارته.
أما الناطق القادر على الكلم ،فل يصح عند الجمهور طلقه بالشارة ،كما ل يصح نكاحه بها ،فل
يقع الطلق بالشارة إل في حق الخرس ،وقال المالكية :إشارة القادر على الكلم كالكناية تحتاج إلى
نية ،ويصح بها حينئذ الطلق.
-------------------------------
( )1المغني 239/7 :وما بعدها ،غاية المنتهى.158/3 :
( )2الدر المختار ورد المحتار ،584/2 :القوانين الفقهية :ص ،230الشرح الصغير ،568/2 :مغني
المحتاج ،284/3 :المهذب ،83/2 :المغني 238/7 :وما بعدها.
( )9/362
( )9/363
وتنفذ الطلقات الثلث بالتفاق ،سواء طلق الرجل المرأة واحدة بعد واحدة ،أم جمع الثلث في كلمة
واحدة بأن قال :أنت طالق ثلثا ،عند الجمهور خلفا للظاهرية.
والمعول عليه عند الحنفية اعتبار عدد الطلق بالنساء ،فطلق الحرة ثلث ،وطلق المة ثنتان ،لقوله
صلّى ال عليه وسلم « :طلق المة ثنتان ،وعدتها حيضتان» (. )1
وعند الجمهور :المعتبر هو الرجال ،فللعبد طلقتان ،وللحر ثلث طلقات ،لما روى الدارقطني
مرفوعا« :طلق العبد اثنتان» وروي عن عثمان وزيد بن ثابت ،ول مخالف لهما من الصحابة ،كما
روى الشافعي.
والسلم في أمر الزواج والطلق التزم الحق والعتدال ،وصحح أخطاء الجاهلية ،فقد كان النكاح في
الجاهلية أربعة أنحاء ( : )2النكاح المعروف بعقد بعد خطبة ،ونكاح الستبضاع أي طلب الزوجة
المباضعة وهو الجماع من رجل آخر بطلب زوجها ،ونكاح الرهط دون العشرة ،ثم تلحق المرأة الولد
بمن أحبت منهم ،ونكاح البغايا ،ثم إلحاق الولد بواحد من الزناة بالقافة (. )3
وأما الطلق ،فلم يكن مقيدا بعدد في الجاهلية ،قالت عائشة رضي ال عنها :كان الرجل يطلق امرأته
ما شاء أن يطلق ،وهي امرأته ،إذا راجعها ،وهي في العدة ،وإن طلقها مئة أو أكثر ،حتى قال رجل
لمرأته :وال ل أطلقك ،فتبينين مني ،ول آويك أبدا ،قالت:وكيف ذلك؟ قال :أطلق حتى إذا دنا أجلك،
راجعتك،فأتت رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فذكرت ذلك له ،فأنزل ال عز وجل{ :الطلق
مرتان ،فإمساك بمعروف ،أو تسريح بإحسان} ([ )4:البقرة .]229/2:دلّت الية على أن عدد الطلقات
ثلث ،وجعلت للزوج حق مراجعة زوجته بعد الطلقة
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن عائشة مرفوعا ،وقال الترمذي :حديث
غريب ،والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم وغيرهم.
( )2رواه البخاري وأبو داود عن عروة عن عائشة (نيل الوطار.)158/6 :
( )3القافة جمع قائف :وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالثار الخفية.
( )4تفسير ابن كثير.271/1 :
( )9/364
الولى والثانية ،وبه حمى السلم المرأة من الضرر الذي كان يلحق بها ،وراعى مصلحة الرجل
حيث جعل للزوج حق الطلق ثلث مرات ،وحرص الشرع على إبقاء العشرة بين الزوجين من
طريق المراجعة مرتين فقط ،لتحقق الكفاية فيهما لتدارك ما فرط ،فقد يطلق الرجل لغضب سريع ثم
يندم ،وقد يطلق لسبب ثم يزول السبب ،وقد يطلق لسوء عشرة المرأة ،فتتألم من الفراق ،وقد يكون
لها أولد ،فتحرم من رؤيتهم ،أو تتضايق من تربيتهم.
واشتراط التحليل ،أي الزواج برجل آخر ،لحل رجوع المرأة إلى المطلّق بعد الطلقة الثالثة ،يحمل
الزوج على المساك عن إيقاع الطلقة الثالثة ،ويدفعه إلى الحرص على إبقاء الزوجية؛ لن الرجل
بحكم الغَيرة والحمية يأنف من مثل هذا الفعل ،فكأنه في حكم الباب المسدود ،وكأنه إحالة على شيء
عسير الحصول بعيد التحقق.
ماالذي تعود به المرأة بعد التحليل؟
من طلق طلقة واحدة أو اثنتين ،فنكحها زوج غيره ،ودخل بها ،ثم نكحها الول ،بنى الول عند
المالكية والشافعية والحنابلة ( )1على ما كان من عدد الطلقات ،أي فتعود إليه بما بقي له من الطلق،
فلو طلقها ثلثا ثم نكحها بعد زوج غيره ،استأنف عدد الطلقات كنكاح جديد ،أي فتعود له بطلقات
ثلث :لن الزواج الثاني ل يهدم ما دون الثلث ،ويهدم الثلث؛ لن وطء الثاني ل يحتاج إليه في
الحلل للزوج الول فيما دون الثلث ،فل يغير حكم الطلق ،ولنه تزويج قبل استيفاء الثلث،
فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني .وهذا رأي محمد أيضا؛ لنه ل إنهاء للحرمة قبل الثبوت.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،226مغني المحتاج ،293/3 :المغني.261/7 :
( )9/365
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ( : )1الزواج الثاني يهدم مطلقا ،فتعود بطلقات ثلث للزوج الول ،سواء
أكان زواجها بزوج ثان بعد الطلقتين أم بعد الثلث؛ لن وطء الزوج الثاني مثبت للحل ،فيثبت حلً
يتسع لثلث تطليقات كما يتسع لما دون الثلث؛ لن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلث ،فأولى أن
يهدم ما دونها ،وقد سمى النبي صلّى ال عليه وسلم الزوج الثاني محلّلً ،وهو المثبت للحل ،في
حديث« :لعن ال المحلل والمحلل له» (. )2
عدد الطلق في بعض اللفاظ :
اتفق الفقهاء على أن الطلق ل يقع بالنية من غير لفظ ،واللفظ الصادر عن المطلّق متنوع ،يتحدد
عدد الطلق فيه إما بالنية أو بالصيغة أو بالعدد المقترن به صراحة .وهذه نماذج يعرف بها عدد
الطلق بالضافة لما سبق بيانه.
- ً 1اللفظ المُطْلَق :إذا خاطب الرجل امرأته بقوله :أنت طالق أو بائن أو بتة :ففي رأي المالكية
والشافعية والحنابلة ( : )3يقع ما نواه ،فإن نوى طلقتين أو ثلثا ،وقع ،لما روي أنه رُكانَة بن عبد
سهَيْمة البتة ،فأخبر النبيّ صلّى ال عليه وسلم بذلك ،فقال :وال ما أردتُ إل واحدةً،
يزيد طلق امرأته ُ
ت إل واحدة،
فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :وال ما أردتَ إل واحدة؟ قال ركانة :وال ما أرد ُ
فردها إليه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب ،والثالثة في
زمن عثمان (. )4
-------------------------------
( )1فتح القدير.178/3 :
( )2روي من حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي ،وحديث علي عند أبي داود والترمذي وابن
ماجه ،وحديث جابر عند الترمذي ،وحديث عقبة بن عامر عند ابن ماجه ،وحديث أبي هريرة عند
أحمد والبزار ،وحديث ابن عباس عند ابن ماجه ،كلها بلفظ «لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم
المحلل والمحلل له» إل حديث عقبة فهو بلفظ« :لعن ال المحلل والمحلل له» (نصب الراية:
.)240-238/3
( )3المهذب ،84/2 :غاية المنتهى ،127/3 :الشرح الصغير.560/2 :
( )4رواه الشافعي وأبو داود والترمذي ،وقال أبو داود :هذا حديث حسن صحيح ،وصححه أيضا ابن
حبان والحاكم (نيل الوطار.)226/6 :
( )9/366
وفي رأي الحنفية ( : )1يقع الطلق عند عدم العدد بالصيغة ،وقول الرجل :أنت طالق البتة ،من
كنايات الطلق التي يقع بها الطلق عندهم بائناً؛ لنه اقترن بوصف الشدة أو القوة أو بما يفيد
البينونة.
- 2تحديد المقصود بالشارة :إن قال الرجل لمرأته :أنت طالق هكذا ،وأشار بثلث أصابع ،وقع
الثلث عند الشافعية والمالكية والحنابلة ( )2؛ لن الشارة بالصابع مع قوله (هكذا) بمنزلة النية في
بيان العدد .وإن قال :أردت بعدد الصبعين المقبوضتين ،قبل قوله؛ لنه يحتمل ما يدعيه .ولوقال:
أنت طالق وأشار بالصابع ،ولم يقل (هكذا) وقال :أردت واحدة ولم أرد العدد فهي واحدة ،أي يقبل
قوله؛ لنه يحتمل ما يدعيه.
وكذلك يقع ثلثا بالشارة عند الحنفية ( )3؛ لن الطلق الثلث يقع عندهم إذا كان مقرونا بعدد
الثلثة نصا أو إشارة ،أو موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو ما يدل عليها.
-------------------------------
( )1الدر المختار.627 ،617/2 :
( )2المهذب ،84/2 :غاية المنتهى.128/3 :
( )3رد المحتار.615 ،592/2 :
( )9/367
- 3واحدة في اثنتين :قرر الشافعية عملً بمبدئهم في تحكيم النية ( : )1إن قال الرجل :أنت طالق
واحدة في اثنتين ،فإن نوى طلقة واحدة مع اثنتين ،وقعت ثلث؛ لن (في) تستعمل بمعنى (مع) لقوله
عز وجل{ :فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} [الفجر ]30-29/89:أي مع عبادي .فإن لم يكن له نية:
فإن لم يعرف الحساب ول نوى مقتضاه في الحساب ،طلقت طلقة واحدة بقوله( :أنت طالق) ول يقع
بقوله( :في اثنتين) شيء؛ لنه ل يعرف مقتضاه ،فلم يلزمه حكمه كالعجمي إذا طلق بالعربية وهو ل
يعرف معناه .وإن نوى مقتضاه في الحساب وهو غير عالم به ،فالمذهب أنه ل يقع إل طلقة واحدة؛
لنه إذا لم يعلم مقتضاه ،لم يلزمه حكمه كالعجمي إذا طلق بالعربية ،وهول يعلم وقال :أردت
مقتضاه في العربية.فإن كان عالما بالحساب :فإن نوى موجبه في الحساب ،طلقت طلقتين لنه موجبه
في الحساب طلقتان .وإن لم يكن له نية ،فالمنصوص أنها تطلق طلقة؛ لن هذا اللفظ غير متعارف
عند الناس ،ويحتمل طلقة في طلقتين واقعتين ،ويحتمل طلقة في طلقتين باقيتين ،فل يجوز أن يوقع
بالشك.
ومذهب الحنفية ( : )2يقع بقوله( :واحدة في ثنتين) طلقة واحدة إن لم ينو أو نوى الضرب؛ لنه يكثر
الجزاء ل الفراد ،وإن نوى واحدة وثنتين فيقع ثلثا في المدخول بها ،وواحدة في غير المدخول بها.
- 4طالق طلقة بل طلقتان :رأى الشافعية ( : )3أنه إن قال :أنت طالق طلقة ،بل طلقتان ،ففيه
وجهان :أحدهما ـ يقع طلقتان ،كما إذا قال :له علي درهم ،بل درهمان ،لزمه درهمان .والوجه
الثاني ـ يقع الثلث؛ لن الطلق إيقاع ،فل يجوز أن يوقع الطلق الواحد مرتين ،فحمل على طلق
مستأنف.
- 5اقتران الطلق بلفظ الثلث ،وتكراره :
اتفق فقهاء المذاهب الربعة والظاهرية ( )4على أنه إذا قال الرجل لغير المدخول بها:
-------------------------------
( )1المهذب.84/2 :
( )2الدر المختار.603/2 :
( )3المرجع السابق.
( )4المهذب ،84/2 :اللباب ،49/3 :الدر المختار ،632/2 :القوانين الفقهية :ص ،229مغني
المحتاج ،297/3 :المغني ،235-233/7 :المحلى ،213/10 :مسألة ،1951و .1952
( )9/368
«أنت طالق ثلثا» وقع الثلث؛ لن الجميع صادف الزوجية ،فوقع الجميع ،كما لو قال ذلك للمدخول
بها.
واتفقوا أيضا على أنه إن قال الزوج لمرأته« :أنت طالق ،أنت طالق ،أنت طالق» وتخلل فصل ()1
بينها ،وقعت الثلث ،سواء أقصد التأكيد أم ل؛ لنه خلف الظاهر .وإن قال :قصدت التأكيد صدق
ديانة ،ل قضاء.
وإن لم يتخلل فصل :فإن قصد تأكيد الطلقة الولى بالخيرتين ،فتقع واحدة؛ لن التأكيد في الكلم
معهود لغة وشرعا .وإن قصد استئنافا أو أطلق (بأن لم يقصد تأكدا ول استئنافا) تقع الثلث ،عملً
بظاهر اللفظ.
وكذا تطلق ثلثا إن قالت :أنت طالق ،ثم طالق ،ثم طالق ،أو عطف بالواو أو بالفاء.
- 6تطليق الجماعة :لو قال الرجل لنسائه الربع :أوقعت عليكن أو بينكن طلقة ،فمذهب الحنفية
والشافعية ( : )2طلقت كل واحدة منهن طلقة؛ لنه يخص كل واحدة منهن ربع طلقة ،وتكمل
بالسراية .وكذا إن قال :بينكن تطليقتان أو ثلث أو أربع ،وقع على كل واحدة طلقة ،إل أن ينوي
قسمة كل واحدة منهن ،بأن قال :أردت أن يقع على كل واحدة من الطلقتين ،وقع على كل واحدة
طلقتان ،وإن قال :أردت أن يقع على كل واحدة من الثلث الطلقات ،فتطلق كل واحدة ثلثا؛ لنه مقر
على نفسه بما فيه تغليظ ،واللفظ محتمل له.
وإن قال :بينكن خمس طلقات ،وقع على كل واحدة طلقتان ،وهكذا إلى
-------------------------------
( )1المراد بالفصل :أن يسكت فوق سكتة النفَس.
( )2الدر المختار 630/2 :وما بعدها ،المهذب.85/2 :
( )9/369
ثمان تطليقات .فإن زاد عليها ،بأن قال :أوقعت عليكن تسعا ،طلقت كل واحدة ثلثا.
وإن قال :أوقعت بينكن نصف طلقة ،وثلث طلقة ،وسدس طلقة ،طلقت كل واحدة ثلثا؛ لنه لما
عطف وجب أن يقسم كل جزء من ذلك بينهن ،ثم يكمل.
أما إن قال الرجل لنسائه :إحداكن طالق أو قال لحدى امرأتيه :إحداكما طالق ،طلقت واحدة ،ويرجع
إلي تعيينه اتفاقا (. )1
- 7الطلق ملء الدنيا أوأشد الطلق :مذهب الشافعية والحنابلة ( : )2إن قال الرجل لمرأته :أنت
طالق ملء الدنيا ،أو أنت طالق أطول الطلق أو أعرضه ،وقعت طلقة؛ لن شيئا مما ذكر ل يقتضي
العدد ،وقد تنصف الطلقة الواحدة بالمذكور كله.
وإن قال :أنت طالق أشد الطلق وأغلظه ،وقعت طلقة؛ لنه قد تكون الطلقة أشد وأغلظ عليه ،لتعجلها
أو لحبه لها أو لحبها له ،فلم يقع ما زاد بالشك .ومذهب الحنفية :تقع طلقة واحدة بائنة.
وإن قال :أنت طالق كل الطلق أو أكثره ،وقع الثلث؛ لنه كل الطلق وأكثره ،وهذا متفق عليه.
وإن قال :أنت طالق على مذهب السنة والشيعة واليهود والنصارى ،أو على سائر المذاهب ،أو أنت
طالق ل يردك عالم ول قاض ،وقعت واحدة رجعية .وهذا باتفاق المذاهب (. )3
-------------------------------
( )1المغني.340/6 :
( )2غاية المنتهى ،129/3 :المهذب.85/2 :
( )3الدر المختار.633 ،631 ،618/2 :
( )9/370
( )9/371