You are on page 1of 276

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬الفِقْ ُه السلميّ وأدلّتُهُ‬


‫الشّامل للدلّة الشّرعيّة والراء المذهبيّة وأهمّ النّظريّات الفقهيّة وتحقيق الحاديث‬
‫النّبويّة وتخريجها‬
‫المؤلف ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وَهْبَة الزّحَيِْليّ‬
‫ي وأصوله‬
‫أستاذ ورئيس قسم الفقه السلم ّ‬
‫بجامعة دمشق ‪ -‬كلّيّة الشّريعة‬
‫الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬سوريّة ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬الطّبعة الرّابعة المنقّحة المعدّلة بالنّسبة لما سبقها‪ ،‬وهي الطّبعة الثّانية‬
‫عشرة لما تقدّمها من طبعات مصوّرة؛ لنّ الدّار النّاشرة دار الفكر بدمشق لتعتبر‬
‫التّصوير وحده مسوّغا لتعدّد الطّبعات مالم يكن هناك إضافات ملموسة‪.‬‬
‫عدد الجزاء ‪10 :‬‬
‫ـ الكتاب مقابل على المطبوع ومرقّم آليّا ترقيما غير موافق للمطبوع‪.‬‬
‫ـ مذيّل بالحواشي دون نقصان‪.‬‬
‫نال شرف فهرسته وإعداده للشّاملة‪ :‬أبو أكرم الحلبيّ من أعضاء ملتقى أهل الحديث‬
‫ل تنسونا من دعوة في ظهر الغيب ‪...‬‬

‫ثالثا ـ شروط صيغة العقد ‪ -‬اليجاب والقبول ‪:‬‬


‫الصيغة‪ :‬هي اليجاب والقبول‪ ،‬ويشترط فيها بالتفاق أربعة شروط هي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اتحاد المجلس إذا كان العاقدان حاضرين‪ :‬وهو أن يكون اليجاب والقبول في مجلس واحد‪ ،‬بأن‬
‫يتحد مجلس اليجاب والقبول‪ ،‬ل مجلس المتعاقدين؛ لن شرط الرتباط اتحاد الزمان‪ ،‬فجعل المجلس‬
‫جامعا لطرافه تيسيرا على العاقدين‪ .‬فإن اختلف المجلس‪ ،‬فل ينعقد العقد‪ ،‬فإذا قالت المرأة‪ :‬زوجتك‬
‫نفسي‪ ،‬أو قال الولي‪ :‬زوجتك ابنتي‪ ،‬فقام الخر عن المجلس قبل القبول‪ ،‬أو اشتغل بعمل يفيد‬
‫انصرافه عن المجلس‪ ،‬ثم قال‪ :‬قبلت بعدئذ‪ ،‬فإنه ل ينعقد العقد عند الحنفية‪ .‬وهذا يدل على أن مجرد‬
‫الوقوف بعد القعود يغير المجلس‪ .‬وكذلك إذا انصرف العاقد الول عن المجلس بعد اليجاب‪ ،‬فقبل‬
‫الخر وهو في المجلس في غيبة الول أوبعد عودته‪ ،‬لم ينعقد العقد‪ .‬ويتغير المجلس عند الحنفية‬
‫بالسير حال المشي أو الركوب على دابة بأكثر من خطوتين‪ ،‬كما يعد نوم العاقدين مضطجعين‪ ،‬ل‬
‫جالسين‪ ،‬دليل العراض عن القبول‪ .‬لكن ل يشترط الفور في القبول؛ فينعقد العقد وإن طال المجلس‪.‬‬
‫وينعقد إن كان العاقدان على سفينة سائرة؛ لن السفينة في حكم مكان واحد‪.‬‬
‫والمعول عليه في الحقيقة في الحد الفاصل بين اتحاد المجلس واختلفه هوالعرف‪ ،‬فما يعتبر في‬
‫العرف إعراضا عن العقد أو فاصلً بين اليجاب والقبول يكون مغيرا لمجلس العقد‪ ،‬وما ل يعتبر فيه‬
‫إعراضا عن العقد أو فاصلً بين اليجاب والقبول ل يكون مغيرا للمجلس‪.‬‬
‫وعند الجمهور (‪ : )1‬يشترط الفور بأل يفصل بين اليجاب والقبول فاصل كثير (‪ ، )2‬وعبارة‬
‫الشافعية‪ :‬يشترط أل يطول الفصل في لفظي العاقدين بين اليجاب والقبول‪ ،‬فإن طال ضر؛ لن طول‬
‫الفصل يخرج القبول عن أن يكون جوابا عن اليجاب‪ .‬والفصل الطويل‪ :‬هو ما أشعر بإعراضه عن‬
‫القبول‪ .‬ول يضر الفصل اليسير لعدم إشعاره بالعراض عن القبول‪ .‬ويضر تخلل كلم أجنبي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،6-5/2 :‬كشاف القناع‪ ،136/3 :‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪.356/2 :‬‬
‫(‪ )2‬استثنى المالكية من وجوب الفور بين اليجاب والقبول مسألة‪ :‬هي أن يقول الرجل في مرضه‪:‬‬
‫إن مت فقد زوجت ابنتي فلنة من فلن‪ ،‬فهذا يصح‪ ،‬طال المر أو ل‪.‬‬

‫( ‪)9/42‬‬

‫عن العقد‪ ،‬ولو يسيرا بين اليجاب والقبول‪ ،‬وإن لم يتفرقا عن المجلس؛ لن فيه إعراضا عن القبول‪.‬‬
‫وأما في حال غيبة أحد العاقدين عن الخر‪ ،‬والتعاقد بطريق الكتابة أو الرسالة‪ ،‬فقال الحنفية‪ :‬مجلس‬
‫عقد الزواج‪ :‬وهو مجلس قراءة الكتاب أمام الشهود‪ ،‬أو سماع رسالة الرسول بحضرة الشهود‪ ،‬فعندئذ‬
‫يتحد المجلس؛ لن الكتاب بمنزلة الخطاب من الكاتب‪ ،‬ولن كلم الرسول كلم المرسل؛ لنه ينقل‬
‫عبارة المرسل‪ ،‬فكان قراءة الكتاب‪ ،‬وسماع قول الرسول‪ ،‬وكلم الكاتب معنى‪ ،‬وسماع قول المرسل‬
‫معنى‪ .‬فإن لم يقرأ الكتاب أو لم يسمع كلم الرسول ل ينعقد العقد عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬لشتراط‬
‫الشهادة على شطري العقد‪.‬‬
‫وإن قرأت المرأة الكتاب أو سمعت الرسالة أمام الشهود‪ ،‬ثم قامت من المجلس لقضاء مصلحة أخرى‪،‬‬
‫أو اشتغلت بالحديث في شيء آخر أجنبي عن العقد‪ ،‬ثم قالت‪ :‬زوجت نفسي من فلن‪ ،‬فل ينعقد‬
‫الزواج‪ ،‬لختلف المجلس‪.‬‬
‫لكن لو أعادت المرأة قراءة الكتاب في مجلس آخر‪ ،‬فقبلت أمام الشهود‪ ،‬صح العقد‪ ،‬لبقاء الكتابة‪ ،‬أما‬
‫لو أعاد الرسول اليجاب في مجلس آخر‪ ،‬فقبلت‪ ،‬لم يصح؛ لن رسالته انتهت أولً بخلف الكتابة‬
‫لبقائها‪.‬‬
‫‪ - 2‬توافق القبول مع اليجاب ومطابقته له‪ :‬يتحقق التوافق باتحاد القبول واليجاب في محل العقد‬
‫وفي مقدار المهر‪،‬فإذا تخالفا فإن كانت المخالفة في محل العقد‪ ،‬مثل قول أبي الفتاة‪ :‬زوجتك خديجة‪،‬‬
‫فيقول الرجل‪ :‬قبلت زواج فاطمة‪ ،‬فل ينعقد الزواج؛ لن القبول انصرف إلى غير من وجد اليجاب‬
‫فيه‪ ،‬فلم يصح‪ ،‬كما لو ساومه بثوب‪ ،‬وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري (‪ . )1‬وإن كانت‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 546/6 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/43‬‬

‫المخالفة في مقدار المهر‪ ،‬مثل‪ :‬زوجتك ابنتي على ألف درهم‪ ،‬فقال الزوج‪ :‬قبلت الزواج بثمانمائة‪ ،‬ل‬
‫ينعقد العقد‪ ،‬إل إذا كانت المخالفة لخير‪ ،‬بأن قال الزوج‪ :‬قبلت بألف ومائة‪ ،‬فيصح العقد عند الحنفية‪.‬‬
‫وسبب عدم انعقاد العقد في المخالفة بمقدار المهر‪ ،‬وإن لم يكن المهر ركنا من أركان العقد‪ :‬هو أن‬
‫المهر إذا ذكر في العقد‪ ،‬التحق باليجاب وصار جزءا منه‪ ،‬فيلزم أن يأتي القبول على وفق اليجاب‪،‬‬
‫حتى ينعقد العقد‪.‬‬
‫فإن لم يذكر المهر في العقد‪ ،‬أو صرح بأن ل مهر للمرأة‪ ،‬فل يكون جزءا من اليجاب‪ ،‬ولكن يجب‬
‫في هذه الحالة مهر المثل؛ لن المهر في الزواج واجب بإيجاب الشرع‪ ،‬فل يصح إخلء الزواج منه‪.‬‬
‫‪ - 3‬بقاء الموجب على إيجابه‪ :‬يشترط عدم رجوع الموجب عن اليجاب قبل قبول العاقد الخر‪ ،‬فإن‬
‫رجع بطل اليجاب‪ ،‬ولم يجد القبول شيئا يوافقه‪.‬‬
‫ول يلزم الموجب بالبقاء على إيجابه إل إذا اتصل به القبول‪ ،‬كما في البيع‪ ،‬فلو وجد اليجاب من أحد‬
‫المتعاقدين‪ ،‬كان له أن يرجع قبل قبول الخر؛ لن كلً من اليجاب والقبول ركن واحد‪ ،‬فكان أحدهما‬
‫بعض الركن‪ ،‬والمركب من شيئين ل وجود له بأحدهما‪.‬‬

‫( ‪)9/44‬‬

‫‪ - 4‬التنجيز في الحال‪ :‬الزواج كالبيع يشترط فيه كونه في الحال‪ ،‬فل يجوز في المذاهب الربعة‬
‫كونه مضافا إلى المستقبل‪ ،‬كتزوجتك غدا‪ ،‬أو بعد غد‪ ،‬ول معلقا على شرط غير كائن‪ ،‬كتزوجتك إن‬
‫قدم زيد‪ ،‬أو إن رضي أبي‪ ،‬أو إذا طلعت الشمس فقد زوجتك بنتي؛ لن عقد الزواج من عقود‬
‫التمليكات أو المعاوضات‪ ،‬وهي ل تقبل التعليق ول الضافة‪ ،‬ولن الشارع وضع عقد الزواج ليفيد‬
‫حكمه في الحال‪ ،‬والتعليق والضافة يناقضان الحقيقة الشرعية (‪ . )1‬لكن يصح التعليق بشرط ماض‬
‫كائن ل محالة‪ ،‬فينعقد العقد في الحال‪ ،‬كأن خطب شخص بنتا لبنه‪ ،‬فقال أبوها‪ :‬زوجتها قبلك من‬
‫فلن‪ ،‬فكذبه‪ ،‬فقال‪ :‬إن لم أكن زوجتها لفلن‪ ،‬فقد زوجتها لبنك‪ ،‬فقبل‪ ،‬ثم علم كذبه‪ ،‬انعقد العقد‪،‬‬
‫لتعليقه بموجود‪ ،‬وكذا إذا وجد المعلق عليه في المجلس‪ .‬ومثل‪ :‬تزوجتك إن كان عمرك عشرين‪،‬‬
‫وكانت في الواقع كذلك‪ .‬ومثل‪ :‬تزوجتك إن رضي أبي‪ ،‬وكان أبوها في المجلس فرضي‪ ،‬صح العقد‪.‬‬
‫وذكر الشافعية‪ :‬أنه لو قال الولي‪ :‬زوجتك إن شاء ال ‪ ،‬وقصد التعليق أو أطلق‪ ،‬لم يصح العقد‪ ،‬وإن‬
‫قصد التبرك‪ ،‬أو أن كل شيء بمشيئة ال تعالى‪ ،‬صح‪ .‬ولو قال‪ :‬إن كان ما ولد لي من ولد أنثى فقد‬
‫زوجتها‪ ،‬أو قال‪ :‬إن كانت بنتي طلقت واعتدت‪ ،‬فقد زوجتها‪ ،‬فالمذهب بطلن الزواج في هذه الصور‬
‫لوجود صورة التعليق‪.‬‬
‫والحاصل أنه ل يجوز تعليق الزواج بشرط باتفاق المذاهب‪ ،‬لكن قال ابن القيم‪« :‬ونص المام أحمد‬
‫على جواز تعليق النكاح بالشرط» (‪ )2‬والبيع أولى بالجواز‪ .‬لكن ذكر ابن قدامة أن تعليق النكاح على‬
‫شرط يبطله (‪ . )3‬أما القانون فقد نص قانون الحوال الشخصية السوري (م ‪ )13‬على أنه‪« :‬ل ينعقد‬
‫الزواج المضاف إلى المستقبل‪ ،‬ول المعلق على شرط غير متحقق» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،405 ،379 ،367/2 :‬مغني المحتاج‪.141/3 :‬‬
‫(‪ )2‬أعلم الموقعين ‪ ،28/4 :‬ط محي الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪.551/6 :‬‬

‫( ‪)9/45‬‬

‫هل يثبت الخيار في عقد الزواج؟ ل يثبت في الزواج خيار باتفاق أكثر الفقهاء (‪ ، )1‬سواء في ذلك‬
‫خيار المجلس وخيار الشرط؛ لن الحاجة غير داعية إليه‪ ،‬فإنه ل يقع في الغالب إل بعد ترو وتفكر‪،‬‬
‫ولن الزواج ليس بمعاوضة محضة‪ ،‬ولن ثبوت الخيار يؤدي إلى فسخ الزواج‪ ،‬وفي فسخه بعد العقد‬
‫ضرر بالمرأة‪ ،‬لكن أثبت المالكية خيار المجلس في الزواج إذا اشتُرِط (‪. )2‬‬
‫مذاهب الفقهاء في الشروط المشترطة في الزواج ‪:‬‬
‫الشروط في الزواج‪ :‬هي ما يشترطه أحد الزوجين على الخر مما له فيه غرض‪ .‬ويراد بها الشروط‬
‫المقترنة باليجاب أو القبول‪ ،‬أي أن اليجاب يحصل ولكن يصاحبه شرط من الشروط‪ .‬وللفقهاء‬
‫تفصيلت فيها‪ ،‬نذكر رأي كل مذهب فيها على حدة‪ .‬وهذا بخلف حالة اليجاب المعلق على شرط‪،‬‬
‫فإن اليجاب ل وجود له قبل وجود الشرط‪.‬‬
‫‪ - 1‬مذهب الحنفية (‪: )3‬‬
‫أ ـ إن كان الشرط صحيحا يلئم مقتضى العقد‪ ،‬وليتنافى مع أحكام الشرع‪ ،‬وجب الوفاء به‪،‬‬
‫كاشتراط المرأة أن يسكنها وحدها في منزل‪ ،‬ل مع أهله أو مع ضَرّتها‪ ،‬أو أل يسافر بها سفرا بعيدا‬
‫إل بإذن أهلها‪.‬‬
‫أو تزوجا على مهر مسمى‪ ،‬وشرط لها شيئا آخر‪ ،‬بأن تزوجها بألف على أل يخرجها من بلدها‪ ،‬أو‬
‫على أل يتزوج عليها‪ ،‬فإن وفى بالشرط‪ ،‬فلها المهر المسمى؛ لنه يصلح مهرا‪ ،‬وقد تم رضاها‬
‫به‪،‬وإن لم يف بالشرط‪ ،‬بأن تزوج عليها‪ ،‬أو أخرجها‪ ،‬فلها مهر المثل؛ لنه سمى لها شيئا لها فيه نفع‪،‬‬
‫فعند فواته يجب لها مهر المثل‪ ،‬لعدم رضاها به‪.‬‬
‫ومثله الشرط الذي تأمر به الشريعة‪ ،‬كاشتراطها عليه أن يحسن معاملتها أو ل يخرجها إلى النوادي‬
‫والمراقص ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،536/6 :‬بداية المجتهد‪ 7/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير ‪.351/2‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،405/2 :‬تبيين الحقائق‪ ،148/2 :‬فتح القدير‪ 107/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/46‬‬

‫قالوا‪ :‬ومن الشروط الصحيحة عندهم‪ :‬لو تزوجها على أن أمرها بيدها‪ ،‬صح‪ .‬لكن لو قال‪ :‬زوجني‬
‫ابنتك على أن أمرك بيدك‪ ،‬لم يكن له المر؛ لنه تفويض قبل النكاح‪.‬‬
‫ب ـ وأن كان الشرط فاسدا‪ ،‬أي ل يلئم مقتضى العقد‪ ،‬أو ل تجيزه أحكام الشرع‪ ،‬فالعقد صحيح‪،‬‬
‫ويبطل الشرط وحده‪ ،‬مثل اشتراط الخيار لحد الزوجين أو لكل منهما أن يعدل عن الزواج في مدة‬
‫معينة‪ ،‬وهذا بخلف القاعدة العامة‪ :‬وهي أن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية كالبيع يفسدها‪.‬‬
‫فإن ورد النهي عن الشرط‪ ،‬كاشتراط طلق ضرتها‪ ،‬كره الوفاء به‪ ،‬لحديث «ل يحل لمرأة تسأل‬
‫طلق ضَرتها» ‪.‬‬
‫‪ - 2‬مذهب المالكية (‪: )1‬‬
‫الشروط التي تقترن بعقد الزواج نوعان‪ :‬شروط صحيحة‪ ،‬وشروط فاسدة‪.‬‬
‫أما الشروط الصحيحة‪ :‬فنوعان‪ :‬مكروهة وغير مكروهة‪.‬‬
‫فالشروط الصحيحة غير المكروهة‪ :‬هي التي تتفق مع مقتضى العقد‪ ،‬كالنفاق على المرأة أو حسن‬
‫معاشرتها‪ ،‬أو أن تطيع الرجل أو أل تخرج من البيت إل بإذنه‪.‬‬
‫ومنها اشتراط كون المرأة سليمة من العيوب التي ل تجيز فسخ الزواج‪ ،‬مثل أل تكون عمياء أو‬
‫عوراء أو صماء أو خرساء أو أن تكون بكرا أو بيضاء‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫والشروط الصحيحة المكروهة‪ :‬هي التي ل تتعلق بالعقد‪ ،‬أو ل تنافي المقصود من العقد‪ ،‬وإنما فيها‬
‫تضييق على الر جل‪ ،‬مثل شرط عدم إخراجها من بلدها‪ ،‬أو عدم السفر بها‪،‬أو عدم نقلها من مكان‬
‫كذا‪ ،‬وشرط عدم التزوج عليها‪ ،‬ونحوها‪ ،‬ول تلزم الزوج إل أن يكون فيها يمين بعتق أو طلق‪ ،‬فإن‬
‫الشرط يلزمه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪:‬ص ‪ ،220-218‬الشرح الصغير‪ ،595 ،386-384/2 :‬بداية المجتهد‪.58/2 :‬‬

‫( ‪)9/47‬‬

‫وأما الشروط الفاسدة‪ :‬فهي التي تنافي أو تناقض مقتضى العقد أو المقصود من الزواج‪ ،‬مثل شرط أل‬
‫يقسم بينها وبين ضَرّتها في المبيت‪ ،‬أو أن ُيؤْثر عليها ضَرّتها أسبوعا أو أقل أو أكثر تستقل بها عنها‪.‬‬
‫وشرط المرأة عند زواجها بمحجور عليه أن تكون نفقتها على وليه‪ :‬أبيه أو سيده‪ ،‬أو على نفسها أو‬
‫أبيها فإنه شرط مناقض لمقصود الزواج‪ ،‬لن الصل أن نفقة الزوجة على زوجها‪ ،‬فشرط خلفه‬
‫مضر‪ .‬ومثل اشتراط الخيار في الزواج (‪ ، )1‬أو اشتراط ما يؤثر في جهالة المهر كأن يتزوجها على‬
‫أن لها من النفقة كذا كل شهر؛ لنه ل يدري إلى متى تستمر هذه النفقة‪.‬‬
‫ومثل أن تشترط المرأ ة على الرجل أن يكون أمرها بيدها‪ ،‬تطلق نفسها متى شاءت ‪ ،‬أو أن ينفق‬
‫على ولدها من غيره‪ ،‬أو على أقاربها كأبيها أوأخيها‪ ،‬ونحوها‪ .‬وحكم هذه الشروط‪ :‬أنها تبطل العقد‬
‫ويجب فسخه ما لم يدخل الرجل بالمرأة‪ ،‬فإن دخل بها مضى العقد‪ ،‬وألغي الشرط‪ ،‬وبطل المسمى‪،‬‬
‫ووجب للمرأة مهر المثل‪ .‬إل أنه في مسألة جعل المرأة أمرها بيدها قالوا‪:‬‬
‫أ ـ إن علق أمر الطلق بيدها على سبب‪ :‬فإن كان السبب فعلً يفعله الزوج فهو جائز لزم للزوج‪،‬‬
‫مثل أن يشرط لها أنه متى ضربها أو سافر عنها‪ ،‬فأمرها بيدها أو بيد أبيها أو غيره‪ ،‬ومثله إن كان‬
‫اللتزام على يمين بطلق أو عتق كأن حلف أل يتزوج عليها‪ ،‬على أن يحدد نوع الطلق المفوض‬
‫لها‪ ،‬أهو رجعي أو بائن‪ ،‬أو ثلث‪ ،‬أو أي طلق شاءت‪ ،‬فحينئذ يلزم الزوج بالشرط‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان سببه فعل غير الزوج لم ينفذ‪ ،‬ولم يلزم الزوج‪ ،‬والنكاح جائز‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اشتراط الخيار‪ :‬هو أن يكون للزوجين أو لحدهما حق العدول عن الزواج بعد مدة معينة‪.‬‬

‫( ‪)9/48‬‬

‫‪ - 3‬مذهب الشافعية (‪: )1‬‬


‫الشروط نوعان‪ :‬صحيحة وفاسدة‪.‬‬
‫أ ـ الشروط الصحيحة الواقعة في الزواج‪ :‬هي التي وافق الشرط فيها مقتضى عقد النكاح‪ ،‬كشرط‬
‫النفقة والقسم بين الزوجات‪ ،‬أو لم يوافق مقتضى النكاح ولكنه لم يتعلق به غرض‪ ،‬كشرط أل تأكل إل‬
‫كذا‪ .‬وحكمها‪ :‬أن الشرط يلغو‪ ،‬أي ل تأثير له في الصورتين لنتفاء فائدته‪ ،‬ويصح النكاح والمهر‪،‬‬
‫كما هو الحكم في البيع‪.‬‬
‫ب ـ وأما الشروط الفاسدة‪ :‬فهي التي تخالف مقتضى عقد النكاح ولم يخل بمقصوده الصلي‪ :‬وهو‬
‫الوطء‪ ،‬كشرط أل يتزوج عليها‪ ،‬أو أل نفقة لها أو أل يسافر بها‪ ،‬أوأل ينقلها من بلدها‪ ،‬وحكمها‪ :‬أن‬
‫الزواج يصح لعدم الخلل بمقصوده وهو الوطء أو الستمتاع‪ ،‬ويفسد الشرط لنه يخالف مقتضى‬
‫العقد‪ ،‬سواء أكان لها كالمثال الول والثالث والرابع‪ ،‬أم عليها كالمثال الثاني‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل» (‪ ، )2‬ويفسد المهر أيضا؛ لن الشرط إن كان لها‪،‬‬
‫فلم ترض بالمسمى وحده‪ ،‬وإن كان عليها فلم يرض الزوج ببدل المسمى إل عند سلمة ما شرطه‪.‬‬
‫فإن أخل الشرط بمقصود الزواج الصلي‪ :‬كأن شرط أل يطأها الزوج أصلً‪ ،‬أوأل يطأها إل مرة‬
‫واحدة مثلً في السنة‪ ،‬أو شرطت المرأة أل يطأها إل ليلً فقط أو إل نهارا فقط‪ ،‬أوشرط أن يطلقها‬
‫ولو بعد الوطء‪ ،‬بطل الزواج؛ لنه شرط ينافي مقصود العقد فأبطله‪ .‬فإن شرط الزوج أل يطأها ليلً‬
‫لم يبطل العقد؛ لن الزوج يملك الوطء ليلً ونهارا وله أن يترك‪ ،‬فإن شرط أل يطأها فقد شرط ترك‬
‫ما له تركه‪ ،‬وأما المرأة فيستحق عليها الوطء ليلً ونهارا‪،‬فإذا اشترطت أل يطأها فقد شرطت منع‬
‫الزوج من حقه‪ ،‬وهو ينافي مقصود العقد‪ ،‬فبطل‪.‬‬
‫وكذا لو شرط الرجل أنها ل ترثه‪ ،‬أو أنه ل يرثها‪ ،‬أو أنهما ل يتوارثان‪ ،‬أو أن النفقة على غير‬
‫الزوج‪ ،‬بطل الزواج أيضا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 226/3 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪.47/2 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه من حديث عائشة في قصة بريرة ( نيل الوطار‪.) 91/6 :‬‬

‫( ‪)9/49‬‬

‫‪ - 4‬مذهب الحنابلة (‪: )1‬‬


‫الشروط عندهم كالشافعية‪ :‬إما صحيحة أو فاسدة‪ ،‬وهي ثلثة أنواع‪:‬‬
‫النوع الول ـ الشروط الصحيحة‪ :‬وهي التي يقتضيها العقد أو ل يقتضيها العقد ولكن فيها منفعة‬
‫لحد العاقدين‪ ،‬ولم يرد في الشرع ما ينهى عنها ما دامت ل تخل بالمقصود من العقد‪ ،‬وحكمها‪ :‬أنه‬
‫يلزم الوفاء بها‪ ،‬لما فيها من منفعة وفائدة‪.‬‬
‫مثل أن تشترط المرأة على الرجل أن ينفق عليها أو أن يحسن معاشرتها‪ ،‬أو أل يتزوج عليها‪ ،‬أو أل‬
‫يخرجها من دارها أو بلدها‪ ،‬أو أل يسافر بها‪.‬‬
‫ومثل أن يشترط الرجل في المرأة أن تكون بكرا أو جميلة أو متعلمة أو خالية من العيوب التي ل‬
‫يثبت فيها الخيارفي فسخ الزواج كالعمى والخرس والعرج ونحوها‪.‬‬
‫ودليل لزوم الوفاء بهذه الشروط‪ :‬قول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن أحق الشروط أن توفوا به ما‬
‫استحللتم به الفروج» (‪ )2‬وحديث «المسلمون على شروطهم» (‪ ، )3‬وروى الثرم بإسناده‪« :‬أن‬
‫رجلً تزوج امرأة‪ ،‬وشرط لها دارها‪ ،‬ثم أراد نقلها‪ ،‬فخاصموه إلى عمر‪ ،‬فقال‪ :‬لها شرطها‪ ،‬فقال‬
‫الرجل‪ :‬إذن تطلقينا؟ فقال عمر‪ :‬مقاطع الحقوق عند الشروط» ولنه شرط لها فيه منفعة‪ ،‬ول يمنع‬
‫المقصود من الزواج‪ ،‬فكان لزما‪ ،‬كما لو شرطت زيادة في المهر أو غير نقد البلد‪.‬‬
‫وأما قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل» أي ليس في حكم ال‬
‫وشرعه‪ ،‬وهذا مشروع‪.‬‬
‫وأما الشروط غير الصحيحة‪ :‬فهي التي ورد عن الشرع نهي عنها أو التي تنافي مقتضى العقد‪،‬‬
‫وتشمل النوعين الثاني والثالث‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ ما يبطل الشرط ويصح العقد‪ :‬مثل أن يشترط الرجل أل مهر للمرأة‪ ،‬أو أل ينفق‬
‫عليها‪ ،‬أو إن أصدقها رجع عليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،552-548/6 :‬كشاف القناع‪ 98/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) وسعيد بن منصور عن عقبة بن عامر ( نيل‬
‫الوطار‪.) 142/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن عوف المزني ( سبل السلم‪.) 59/3 :‬‬

‫( ‪)9/50‬‬

‫أو تشترط المرأة على الرجل أل يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قَسمْ صاحبتها أو أكثر‪ ،‬أو‬
‫ل يكون عندها في الجمعة إل ليلة‪ ،‬أو شرط لها النهار دون الليل‪ ،‬أو شرط على المرأة أن تنفق عليه‬
‫أو تعطيه شيئا‪.‬‬
‫فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لنها تنافي مقتضى العقد‪ ،‬ولنها تتضمن إسقاط حقوق تجب‬
‫بالعقد قبل انعقاده‪ ،‬فلم يصح‪.‬‬
‫ومن هذا النوع‪ :‬إن شرطت عليه أن يطلق ضرتها‪ ،‬لم يصح الشرط‪ ،‬لنهي الشرع عنه‪ ،‬لما روى أبو‬
‫هريرة قال‪« :‬نهى النبي صلّى ال عليه وسلم أن تشترط المرأة طلق أختها» (‪ )1‬وفي لفظ‪« :‬ل تسأل‬
‫المرأة لتنكح» أو «لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها‪ ،‬فإنما رزقها على ال » والنهي يقتضي فساد‬
‫المنهي عنه‪ ،‬ولنها شرطت عليه فسخ عقده‪ ،‬وإبطال حقه وحق امرأته‪ ،‬فلم يصح‪ ،‬كما لو اشترطت‬
‫عليه فسخ بيعه‪.‬‬
‫النوع الثالث ـ ما يبطل الزواج من أصله‪ :‬مثل اشتراط تأقيت الزواج‪ ،‬وهو نكاح المتعة‪ ،‬أو أن‬
‫يطلقها في وقت بعينه‪ ،‬أو يعلقه على الشرط‪ ،‬مثل أن يقول الولي‪ :‬زوجتك إن رضيت أمها‪ ،‬أو فلن‪،‬‬
‫أويشترط الخيار في الزواج لهما أو لحدهما‪.‬‬
‫هذه شروط باطلة في نفسها‪ ،‬ويبطل بها الزواج‪ ،‬ومنها أن يجعل صداقها تزويج امرأة أخرى‪ ،‬وهو‬
‫نكاح الشغار‪ .‬أما إن شرط الخيار في الصداق خاصة‪ ،‬فل يفسد الزواج؛ لن الزواج ينفرد عن ذكر‬
‫الصداق‪.‬‬

‫( ‪)9/51‬‬

‫والخلصة‪ :‬أن الفقهاء اتفقوا على صحة الشروط التي تلئم مقتضى العقد‪ ،‬وعلى بطلن الشروط التي‬
‫تنافي المقصود من الزواج أو تخالف أحكام الشريعة‪ .‬واتفق الحنفية والمالكية والحنابلة على صحة‬
‫الشروط التي يكون فيهاتحقيق وصف مرغوب فيه‪ ،‬أو خلو المرأة من عيب ل يثبت الخيار في فسخ‬
‫الزواج‪ .‬واختلفوا في الشروط التي ل تكون من مقتضى العقد‪ ،‬ولكنها ل تنافي حكما من أحكام‬
‫الزواج‪ ،‬وفيها منفعة لحد العاقدين‪ ،‬كاشتراط أل يتزوج عليها أو أل يسافر بها‪ ،‬أو أل يخرجها من‬
‫دارها أو بلدها ونحوها‪:‬‬
‫فالحنابلة يقولون‪ :‬إنها شروط صحيحة يلزم الوفاء بها‪.‬‬
‫والحنفية يقولون‪ :‬إنها شروط ملغاة‪ ،‬والعقد صحيح‪.‬‬
‫والمالكية يقولون‪ :‬إنها شروط مكروهة ل يلزم الوفاء بها‪ ،‬بل يستحب فقط‪.‬‬
‫والشافعية يقولون‪ :‬إنها شروط باطلة‪ ،‬ويصح الزواج بدونها‪.‬‬
‫ورأي الحنابلة هو الراجح لدي‪ ،‬للدلة السابقة التي ذكروها‪ ،‬لذا أخذ به القانون السوري‪.‬‬
‫وأما تأثير الشرط الفاسد على العقد‪ :‬فعند الحنفية‪ :‬الشرط الفاسد ل يفسد العقد‪ ،‬وإنما يلغى الشرط‬
‫وحده‪ ،‬ويصح العقد‪ .‬والحنابلة يوافقون الحنفية فيما ذكر إل في بعض الشروط فإنها تبطل العقد‪ ،‬منها‬
‫توقيت العقد‪ ،‬واشتراط طلق المرأة في وقت معين‪ ،‬واشتراط الخيار في فسخ الزواج في مدة معينة‪.‬‬
‫وهذا هو النوع الثالث عندهم‪ .‬وأما عند الشافعية‪ :‬فإن الشرط الفاسد يفسد العقد إذا أخل بمقصود‬
‫الزواج الصلي‪ ،‬وإل فسد الشرط وحده‪ .‬لكن قال المالكية‪ :‬يجب فسخ العقد ما دام الرجل لم يدخل‬
‫بالمرأة‪ ،‬فإن دخل بها مضى العقد وألغي الشرط‪ ،‬وبطل المسمى‪ ،‬ووجب للمرأة مهر المثل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)142/6 :‬‬

‫( ‪)9/52‬‬

‫موقف القانون من شروط النعقاد ‪:‬‬


‫نص القانون السوري (م ‪ )1/11‬على أربعة شروط لنعقاد الزواج هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يتفق اليجاب والقبول من كل وجه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يتحد مجلس اليجاب والقبول‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يسمع كل من المتعاقدين كلم الخر ويفهمه‪ ،‬وقد ذكر في شروط العاقدين‪.‬‬
‫‪ - 4‬أل يوجد من أحد الطرفين قبل القبول ما يبطل اليجاب‪ ،‬بأن يرجع الموجب عن إيجابه قبل أن‬
‫يقبل الطرف الخر‪.‬‬
‫ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه‪ :‬يبطل اليجاب قبل القبول بزوال أهلية الموجب‪ ،‬وبكل‬
‫ما يفيد العراض من أحد الطرفين‪.‬‬
‫وهناك شرطان آخران للنعقاد‪ ،‬ذكر أحدهما في الهلية‪ ،‬وذكر الخر ضمنا في أنواع الزواج‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون كل من العاقدين ممن تحققت فيه الهلية الكاملة لعقد الزواج‪ ،‬وذلك بالعقل والبلوغ‪ ،‬فل‬
‫يصح عقد الزواج من مجنون‪ ،‬ول صبي غير بالغ‪ ،‬وعدم صحة زواج المجنون متفق عليه بين‬
‫الفقهاء‪ ،‬وأما غير البالغ فقد أخذ فيه القانون برأي ابن شبرمة وعثمان البتّي‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الزوج مسلما بالنسبة إلى المسلمة‪ :‬فل ينعقد زواج المسلمة بغير المسلم‪ ،‬بل هو عقد‬
‫باطل‪ ،‬ول يترتب عليه أي أثر‪.‬‬
‫موقف القانون من شروط الزواج غير شروط النعقاد ‪:‬‬
‫نص قانون الحوال الشخصية السوري (م ‪ )14‬على شروط الزوج مراعيا فيها ما اتفق عليه الفقهاء‪،‬‬
‫ومذهب الحنابلة بصفة خاصة‪ ،‬فقسم الشروط ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ - 1‬شروط صحيحة يلزم الوفاء بها‪ :‬وهي التي يكون فيها مصلحة مشروعة للزوجة‪ ،‬ول تمس‬
‫حقوق غيرها‪ ،‬ول تقيد حرية الزوج في عمله الخاص المشروع‪ ،‬مثل أل يسافر بها أو أل ينقلها من‬
‫بلدها أو دارها‪ .‬ويحق للزوجة فسخ الزواج إن لم ينفذ الشرط‪ ،‬وهذا مأخوذ من مذهب الحنابلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬شروط صحيحة ل يلزم الزوج تنفيذها قضاء‪ ،‬وهي ما يأتي من الحالت‪:‬‬
‫أ ـ أن تشترط الزوجة ما يقيد حرية الزوج في عمله الخاص المشروع‪ ،‬كشرط أل يسافر أو أل‬
‫يتوظف أو أل يتزوج عليها‪.‬‬
‫ب ـ أن تشترط ما يمس حقوق غيرها‪ :‬كاشتراطها أن يطلق زوجته الخرى‪.‬‬

‫( ‪)9/53‬‬

‫الشرط في هاتين الحالتين صحيح‪ ،‬لكن ل يلزم الزوج الوفاء به‪ ،‬فإن لم يف‪ ،‬كان للزوجة طلب فسخ‬
‫الزواج‪ .‬وهذا موافق لمذهب الحنابلة إل في اشتراط تطليق الضرة‪ ،‬فالعقد صحيح والشرط باطل‪.‬‬
‫‪ - 3‬شروط باطلة ل يحق الوفاء بها‪ ،‬ويكون العقد معها صحيحا‪ :‬وهي أن يقيد الزواج بقيد ينافي في‬
‫نظامه الشرعي‪ ،‬كاشتراط عدم المهر‪ ،‬أو إنفاق الزوجة على الزوج‪ ،‬أو ينافي مقاصده الشرعية‪،‬‬
‫كاشتراط عدم الستمتاع الزوجي‪ ،‬أو يكون الشرط محظورا شرعا‪ ،‬كاشتراط أن تسافر المرأة وحدها‪.‬‬
‫وهذا موافق للمذاهب بالتفاق‪.‬‬
‫شروط صحة الزواج ‪:‬‬
‫يشترط لصحة الزواج عشرة شروط‪ ،‬بعضها متفق عليه‪ ،‬وبعضها مختلف فيه (‪. )1‬‬
‫الول ـ المحلية الفرعية‪ ،‬والثاني ـ التأبيد في صيغة العقد‪ ،‬والثالث ـ الشهادة‪ ،‬والرابع ـ الرضا‬
‫والختيار‪ ،‬والخامس ـ تعيين الزوجين‪ ،‬والسادس ـ عدم الحرام بالحج أو العمرة‪ ،‬والسابع ـ أن‬
‫يكون بصداق‪ ،‬والثامن ـ عدم التواطؤ على الكتمان‪ ،‬والتاسع ـ أل يكون أحد الزوجين أو كلهما في‬
‫مرض مخوف‪ ،‬والعاشر ـ الولي‪.‬‬
‫الشرط الول ـ المحلية الفرعية‪ :‬أل تكون المرأة محرمة على الرجل تحريما مؤقتا‪ ،‬أو تحريما فيه‬
‫شبهة‪ ،‬أو خلف بين الفقهاء‪ ،‬كتزويج المعتدة من طلق بائن‪ ،‬وتزوج أخت المطلقة التي ل تزال في‬
‫العدة‪ ،‬والجمع بين اثنتين كلتاهما محرم للخرى‪ ،‬كتزوج العمة على ابنة أخيها‪ ،‬والخالة على ابنة‬
‫أختها‪ ،‬فإذا لم تتحقق هذه المحلية الفرعية كان العقد فاسدا عند الحنفية‪.‬‬
‫أما المحلية الصلية‪ :‬وهي أل تكون المرأة محرمة على الرجل تحريما مؤبدا‪ ،‬كالخت والبنت والعمة‬
‫والخالة‪ ،‬فهي شرط لنعقاد الزواج‪ ،‬فإذا لم تتحقق هذه المحلية‪ ،‬كان العقد باطلً بالتفاق‪ ،‬ول يترتب‬
‫عليه أي أثر من آثار الزواج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،835 ،379-373/2 :‬البدائع‪ 363 ،357-351/2 :‬وما بعدها‪385 ،‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 98/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،240-236/2 :‬الشرح الصغير‪-335/2 :‬‬
‫‪ ،382-372 ،340‬شرح الرسالة‪ ،26/2:‬مغني المحتاج‪ ،147-144/3 :‬المهذب‪ ،40/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،453-450/6‬كشاف القناع‪ ،74-41/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.200-197‬‬

‫( ‪)9/54‬‬

‫وعلى هذا إذا كان التحريم قطعيا‪ ،‬كان سببا من أسباب البطلن‪ ،‬وإذا كان التحريم ظنيا‪ ،‬كان سببا من‬
‫أسباب الفساد عند الحنفية‪.‬‬
‫الزواج في حال انعدام المحلية الفرعية فاسد‪ ،‬يترتب عليه بالدخول بعض الثار‪ ،‬لكن يحرم الدخول‬
‫بالمرأة في حال فساد العقد‪ ،‬ويجب فيه التفريق بين الرجل والمرأة جبرا إن لم يتفرقا اختيارا‪.‬‬
‫وإذا حصل دخول بعد هذا الزواج الفاسد بالرغم من تحريمه وكونه معصية‪ ،‬ووجوب التفريق‪،‬‬
‫فتترتب عليه بعض الثار‪ ،‬فيجب فيه للمرأة أقل المرين من المهر المسمى ومهر المثل‪ ،‬وتجب عليها‬
‫العدة‪ ،‬ويثبت به نسب الولد إن حدث حمل‪ ،‬ولكن ل يثبت به حق التوارث بين الزوجين‪.‬‬
‫الشرط الثاني ـ أن تكون صيغة اليجاب والقبول مؤبدة غير مؤقتة‪ :‬فإن أقّت الزواج بمدة بطل‪ ،‬بأن‬
‫يكون بصيغة التمتع مثل‪ :‬تمتعت بك إلى شهر كذا‪ ،‬فتقول‪ :‬قبلت‪ ،‬أو بالتأقيت إلى مدة معلومة أو‬
‫مجهولة‪ ،‬مثل‪ :‬تزوجتك إلى شهر أو سنة كذا‪ ،‬أو مدة إقامتي في هذا البلد‪ .‬والنوع الول يعرف بنكاح‬
‫المتعة‪ ،‬والثاني يعرف بالنكاح المؤقت‪.‬‬
‫لكن قال المالكية‪ :‬نكاح المتعة أوالنكاح لجل سواء عين الجل أم ل‪ ،‬يعاقب فيه الزوجان‪ ،‬ول يحدان‬
‫على المذهب‪ ،‬ويفسخ بل طلق‪ ،‬والمضرّ بيان ذلك في العقد للمرأة أو وليها‪ ،‬وأما لو أضمر الزوج‬
‫في نفسه أن يتزوجها ما دام في هذه البلدة أو مدة سنة ثم يفارقها‪ ،‬فل يضر‪ ،‬ولو فهمت المرأة من‬
‫حاله ذلك (‪. )1‬‬
‫وقال الحنفية أيضا‪ :‬من تزوج امرأة بنية أن يطلقها إذا مضى سنة ل يكون متعة (‪. )2‬والمعتمد عند‬
‫الحنابلة خلفا لبن قدامة‪ :‬أن نية الطلق بعد مدة تبطل العقد كالتصريح بذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.387/2 :‬‬
‫(‪ )2‬شرح المجلة للتاسي‪.415/2 :‬‬

‫( ‪)9/55‬‬

‫اتفقت المذاهب الربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل‪ ،‬وكونه باطلً عند‬
‫الحنفية بالرغم من أن هذا الشرط من شروط الصحة؛ لنه منصوص على حكمه في السنة‪ ،‬إل أن‬
‫المام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحا وشرط التأقيت فاسدا أو باطلً‪ ،‬أي ل عبرة بالتأقيت ويكون‬
‫الزواج صحيحا مؤبدا؛ لن النكاح ل يبطل بالشروط الفاسدة‪ .‬ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى‬
‫المتعة‪ ،‬والعبرة في العقود للمعاني ل لللفاظ‪.‬‬
‫وقال الشيعة المامية (‪ : )1‬يجوز زواج المتعة أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة أو الكتابية‪ ،‬ويكره‬
‫بالزانية‪ ،‬بشرط ذكر المهر‪ ،‬وتحديد الجل أي المدة‪ ،‬وينعقد بأحد اللفاظ الثلثة‪ :‬وهي زوجتك‪،‬‬
‫وأنكحتك‪ ،‬ومتعتك‪ .‬ول يشترط الشهود ول الولي لهذا العقد‪ .‬وأحكامه هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخلل بذكر المهر مع ذكر الجل يبطل العقد‪ ،‬وذكر المهر من دون الجل يقلبه دائما‪.‬‬
‫‪ - 2‬ل حكم للشروط قبل العقد‪ ،‬ويلزم لو ذكرت فيه‪.‬‬
‫ل أو نهارا وأل يطأها في الفرج‪ ،‬والعزل من دون إذنها‪ ،‬ويلحق الولد‬
‫‪ - 3‬يجوز اشتراط إتيانها لي ً‬
‫بالب وإن عزل‪ ،‬لكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان‪.‬‬
‫‪ - 4‬ل يقع بالمتعة طلق بإجماع الشيعة‪ ،‬ول لعان على الظهر‪ ،‬ويقع الظهار على تردد‪.‬‬
‫‪ - 5‬ل يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين‪ ،‬وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير خلف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪ ،207-205‬الروضة البهية‪ 103/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/56‬‬
‫‪ - 6‬إذا انقضى الجل المتفق عليه‪ ،‬فالعدة حيضتان على الشهر‪ .‬وعدة غير الحائض خمسة‬
‫وأربعون يوما‪ ،‬وعدة الوفاة لو مات عنها في أشبه الروايتين أربعة أشهر وعشرة أيام‪.‬‬
‫‪ - 7‬ل يصح تجديد العقد قبل انقضاء الجل‪ ،‬ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف‪.‬‬
‫الدلة ‪:‬‬
‫أدلة المامية‪ :‬استدل المامية على مشروعية النكاح المنقطع أو المتعة بما يلي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬بقول ال تعالى‪{ :‬فما استمتعتم به منهن‪ ،‬فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء‪ ]24/4:‬فإنه عبر‬
‫بالستمتاع دون الزواج‪ ،‬وبالجور دون المهور‪ ،‬مما يدل على جواز المتعة‪ ،‬فالستمتاع والتمتع‬
‫بمعنى واحد‪ ،‬وإيتاء الجر بعد الستمتاع يكون في عقد الجارة‪ ،‬والمتعة هو عقد الجارة على منفعة‬
‫البضع ‪ .‬أما المهر فإنه يجب بنفس عقد النكاح قبل الستمتاع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ثبت في السنة جواز المتعة في بعض الغزوات منها عام أوطاس‪ ،‬وفي عمرة القضاء‪ ،‬وفي‬
‫خيبر‪ ،‬وعام الفتح‪ ،‬وفي تبوك (‪ ، )1‬قال ابن مسعود‪« :‬كنا نغزو مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫ليس معنا نساء‪ ،‬فقلنا‪ :‬أل نختصي؟ فنهانا عن ذلك‪ ،‬ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل‪ ،‬ثم‬
‫قرأ عبد ال (أي ابن مسعود) ‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم} [المائدة‪]87/5:‬‬
‫(‪ ، )2‬الية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.137-136/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم وأحمد ( نيل الوطار‪.)133/6 :‬‬

‫( ‪)9/57‬‬

‫وفي صحيح مسلم عن جابر‪« :‬كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ...‬وأبي بكر‪ ،‬حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث» (‪. )1‬‬
‫وكان يقول بجواز المتعة ابن عباس وجماعة من السلف‪ ،‬منهم بعض الصحابة (أسماء بنت أبي بكر‪،‬‬
‫وجابر وابن مسعود ومعاوية وعمرو بن حريث‪ ،‬وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف) ومنهم بعض‬
‫التابعين (طاوس وعطاء‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج)‪.‬‬
‫وأجاز المتعة المام المهدي‪ ،‬وحكاه عن الباقر والصادق والمامية (‪ . )2‬وأما الشيعة الزيدية فيقولون‬
‫كالجمهور بتحريم نكاح المتعة‪ ،‬ويؤكدون أن ابن عباس رجع عن تحليله (‪. )3‬‬
‫وأجيب عن هذه الدلة بما يأتي (‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬إن المراد بالستمتاع في آية {فما استمتعتم} [النساء‪ :]24/4:‬النكاح؛ لنه هو المذكور في أول‬
‫الية وآخرها‪ ،‬حيث بدئت بقول تعالى‪{ :‬ول تنكحوا مانكح آباؤكم} [النساء‪ ]22/4:‬وختمت بقوله‬
‫سبحانه‪{ :‬ومن لم يستطع منكم طولً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء‪ ]25/4:‬فدل على أن‬
‫المراد بالستمتاع هنا ما كان عن طريق النكاح‪ ،‬وليس المراد به المتعة المحرمة شرعا‪.‬‬
‫وأما التعبير بالجر‪ :‬فإن المهر في النكاح يسمى في اللغة أجرا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فانكحوهن بإذن أهلهن‪،‬‬
‫وآتوهن أجورهن بالمعروف} [النساء‪ ]25/4:‬أي مهورهن‪ ،‬وقوله سبحانه‪{ :‬يا أيها النبي إنا أحللنا لك‬
‫أزواجك اللتي آتيت أجورهن} [الحزاب‪ ]50/33:‬أي مهورهن‪.‬‬
‫وأما المر بإيتاء الجر بعد الستمتاع‪ ،‬والمهر يؤخذ قبل الستمتاع‪ ،‬فهذا على طريقة في اللغة من‬
‫تقديم وتأخير‪ ،‬والتقدير‪ :‬فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن‪ ،‬أي إذا أردتم الستمتاع بهن‪ ،‬مثل قوله‬
‫تعالى‪{ :‬إذا طلقتم النساء فطلقوهن} [الطلق‪ ]1/65:‬أي إذا أردتم الطلق‪ ،‬ومثل {إذا قمتم إلى الصلة‬
‫فاغسلوا} [المائدة‪ ]6/5:‬أي إذا أردتم القيام إلى الصلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نصب الراية‪.181/3 :‬‬
‫(‪ )2‬نيل الوطار‪ 135/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬البحر الزخار‪.22/3 :‬‬
‫(‪ )4‬الحوال الشخصية للدكتور مصطفى السباعي‪ 83/1 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/58‬‬

‫‪ - 2‬وأما الذن بالمتعة في السنة النبوية في بعض الغزوات‪ ،‬فكان للضرورة القاهرة في الحرب‪،‬‬
‫وبسبب العُزْبة في حال السفر‪ ،‬ثم حرمها الرسول صلّى ال عليه وسلم تحريما أبديا إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫بدليل الحاديث الكثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ ـ «يا أيها الناس‪ ،‬إني كنت أذنت لكم في الستمتاع من النساء‪ ،‬وإن ال قد حرم ذلك إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فمن كان عنده منهن شيء‪ ،‬فليخل سبيله‪ ،‬ول تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» (‪. )1‬‬
‫ب ـ قال سلمة بن الكوع‪« :‬رخص لنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس‬
‫ثلثة أيام‪ ،‬ثم نهى عنها» (‪. )2‬‬
‫جـ ـ قال سَبْرة بن معبد‪« :‬إن رسول ال صلّى ال عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح‬
‫المتعة» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وأحمد عن سَبْرة بن معبد الجهني‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم وأحمد‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬

‫( ‪)9/59‬‬

‫د ـ عن علي رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم‬
‫الحُمر الهلية زمن خيبر (‪. )1‬‬
‫وأما ابن عباس‪ :‬فكان يجيز المتعة للمضطر فقط‪ ،‬روى عنه سعيد بن جبير أنه قال‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬ما‬
‫بهذا أفتيت‪ ،‬وإنما هي كالميتة ل تحل إل للمضطر‪ .‬وأما الشيعة فقد توسعوا فيها وجعلوا الحكم عاما‬
‫للمضطر وغيره‪ ،‬وللمقيم والمسافر‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد أنكر عليه الصحابة‪ ،‬مما يجعل رأيه شاذا تفرد به‪ ،‬فقد أنكر عليه علي رضي ال عنه‬
‫قائلً له‪ :‬إنك امرؤ تائه (‪ )2‬؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن‬
‫لحوم الحُمر النسية‪ ،‬وأنكر عليه عبد ال بن الزبير رضي ال عنه‪ ،‬روى مسلم عنه أنه قام بمكة‬
‫فقال‪« :‬إن إناسا أعمى ال قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرّض برجل هو عبد ال بن‬
‫العباس ـ فناداه ابن عباس‪ ،‬فقال له‪ :‬إنك لجِلْف (‪ )3‬جاف‪ ،‬فلعمري‪ ،‬لقد كانت المتعة تفعل في عهد‬
‫أمير المتقين ـ أي رسول ال صلّى ال عليه وسلم ـ فقال له ابن الزبير‪ :‬فجرب نفسك‪ ،‬فوال لو‬
‫فعلتها لرجمنك بأحجارك» ‪.‬‬
‫ثم نقل المحدثون عن ابن عباس أنه رجع عن قوله‪ ،‬روى الترمذي عنه أنه قال‪« :‬إنما كانت المتعة‬
‫في أول السلم‪ ،‬كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة‪ ،‬فيتزوج المرأة بقدر مايرى أنه يقيم‪،‬‬
‫فتحفظ له متاعه‪ ،‬وتصلح له شأنه‪ ،‬حتى نزلت هذه الية‪ { :‬إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }‬
‫[ المؤمنون‪ ،] 6/23 :‬قال ابن عباس‪ :‬فكل فرج سواهما حرام» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والشيخان (راجع نيل الوطار‪ ،134/6 :‬نصب الراية‪ ،177/3 :‬في كل هذه‬
‫الحاديث)‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي حائر حائد عن الطريق المستقيم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجلف‪ :‬الغليظ الطبع القليل الفهم‪.‬‬
‫( ‪)9/60‬‬

‫وروى البيهقي أيضا وأبو عوانة في صحيحه رجوع ابن عباس (‪. )1‬‬
‫والقول برجوعه هو الصح لدى كثير من العلماء‪ ،‬ويؤكده إجماع الصحابة على التحريم المؤبد‪ ،‬ومن‬
‫المستبعد أن يخالفهم‪ ،‬روى الحازمي في الناسخ والمنسوخ من حديث جابر بن عبد ال قال‪« :‬خرجنا‬
‫مع رسول ال صلّى ال عليه وسلم إلى غزوة تبوك‪ ،‬حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام‪ ،‬جاءت‬
‫نسوة‪ ،‬فذكرنا تمتعنا‪ ،‬وهن تطفن في رحالنا‪ ،‬فجاءنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فنظر إليهن‪،‬‬
‫وقال‪ :‬من هؤلء النسوة؟ فقلنا‪ :‬يارسول ال‪ ،‬نسوة تمتعنا منهن‪ ،‬قال‪ :‬فغضب رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم حتى احمرّت وجنتاه‪ ،‬وتمعّر وجهه‪ ،‬وقام فينا خطيبا‪ ،‬فحمد ل وأثنى عليه‪ ،‬ثم نهى عن‬
‫المتعة‪ ،‬فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء‪ ،‬ولم نعد‪ ،‬ول نعود لها أبدا‪ ،‬فبها سميت يومئذ‪ :‬ثنية الوداع» (‬
‫‪. )2‬‬
‫وروى أبو عوانة عن ابن جريج أنه قال في البصرة‪ :‬اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة‪ ،‬بعد أن‬
‫حدثهم فيها ثمانية عشرة حديثا أنه ل بأس بها (‪. )3‬‬
‫كل هذا يدل على نسخ إباحة المتعة‪ ،‬ولعل ابن عباس ومن وافقه من الصحابة والتابعين لم يبلغه الدليل‬
‫الناسخ‪ .‬فإذا ثبت النسخ وجب المصير إليه‪ ،‬أو يقال‪ :‬إن إباحة المتعة كانت في مرتبة العفو التي لم‬
‫يتعلق بها الحكم كالخمر قبل تحريمها‪ ،‬ثم ورد النص القاطع بالتحريم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.135/6 :‬‬
‫(‪ )2‬نصب الراية‪.179/3 :‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪.136/6 :‬‬

‫( ‪)9/61‬‬

‫أدلة الجمهور ‪:‬‬


‫استدل الجمهور على تحريم نكاح المتعة بالقرآن والسنة والجماع والمعقول‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أما القرآن‪ :‬فقوله تعالى‪{ :‬والذين هم لفروجهم حافظون‪ ،‬إل على أزواجهم‪ ،‬أو ماملكت أيمانهم‪،‬‬
‫فإنهم غير ملومين‪ ،‬فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون‪ ]6-5/23:‬هذه الىة حرمت‬
‫الستمتاع بالنساء إل من طريقين‪ :‬الزواج وملك اليمين‪ ،‬وليست المتعة زواجا صحيحا‪ ،‬ول ملك‬
‫يمين‪ ،‬فتكون محرمة‪ ،‬ودليل أنها ليست زواجا أنها ترتفع من غير طلق‪ ،‬ول نفقة فيها‪ ،‬ول يثبت بها‬
‫التوارث‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وأما السنة‪ :‬فالحاديث الكثيرة السابقة المتفق عليها التي ذكرتها عن علي وسَبْرة الجهني وسلمة‬
‫بن الكوع وغيرهم رضي ال عنهم‪ ،‬والمتضمنة النهي الصريح عن نكاح المتعة عام خيبر‪ ،‬وبعد فتح‬
‫مكة بخمسة عشر يوما‪ ،‬وفي حجة الوداع‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬وأما الجماع‪ :‬فقد أجمعت المة إل المامية على المتناع عن زواج المتعة‪ ،‬ولو كان جائرا‬
‫لفتوا به‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬جاء عن الوائل الرخصة فيها‪ ،‬أي في المتعة‪ ،‬ول أعلم اليوم أحدا يجيزها‪،‬‬
‫إل بعض الرافضة‪ ،‬ول معنى لقول يخالف كتاب ال وسنة رسوله‪ .‬وقال القاضي عياض‪ :‬ثم وقع‬
‫الجماع من جميع العلماء على تحريمها‪ ،‬إل الروافض (‪. )1‬‬
‫ً‪ - 4‬أما المعقول‪ :‬فإن الزواج إنما شرع مؤبدا لغراض ومقاصد اجتماعية‪ ،‬مثل سكن النفس‬
‫وإنجاب الولد وتكوين السرة‪ ،‬وليس في المتعة إل قضاء الشهوة بنحو مؤقت‪ ،‬فهو كالزنا تماما‪ ،‬فل‬
‫معنى لتحريمه مع إباحة المتعة‪.‬‬
‫وبه يتبين رجحان أدلة الجمهور والقول بتحريم المتعة وبطلن زواجها وبطلن الزواج المؤقت‪ ،‬وهذا‬
‫ما يتقبله المنطق وروح الشريعة‪ ،‬ول يمكن لي إنسان متجرد محايد إل إنكار المتعة والمتنا ع عنها‬
‫نهائيا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.136/6 :‬‬

‫( ‪)9/62‬‬

‫الشرط الثالث ـ الشهادة ‪:‬‬


‫الكلم عن هذا الشرط في أربعة مواضع‪ :‬آراء الفقهاء في اشتراط الشهادة على الزواج‪ ،‬وقت‬
‫الشهادة‪ ،‬حكمتها‪ ،‬شروط الشهود‪.‬‬
‫أولً ـ آراء الفقهاء في اشتراط الشهادة ‪:‬‬
‫اتفقت المذاهب الربعة (‪ )1‬على أن الشهادة شرط في صحة الزواج‪ ،‬فل يصح بل شهادة اثنين غير‬
‫الولي‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم فيما روته عائشة‪« :‬ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل» (‪ )2‬وروى‬
‫الدارقطني حديثا عن عائشة أيضا‪« :‬ل بد في النكاح من أربعة‪ :‬الولي‪ ،‬والزوج‪ ،‬والشاهدين» وروى‬
‫الترمذي عن ابن عباس من قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬البغايا‪ :‬اللتي يَنْكحن أنفسهن بغير بينة» (‬
‫‪. )3‬‬
‫ولن في الشهادة حفاظا على حقوق الزوجة والولد‪ ،‬لئل يجحده أبوه‪ ،‬فيضيع نسبه‪ ،‬وفيها درء التهمة‬
‫عن الزوجين‪ ،‬وبيان خطورة الزواج وأهميته‪.‬‬
‫نكاح السر‪ :‬تأكيدا لشرط الشهادة قال المالكية (‪ : )4‬يفسخ نكاح السر (وهو الذي يوصي فيه الزوج‬
‫الشهود بكتمه عن امرأته‪ ،‬أو عن جماعة ولو أهل منزل) بطلقة بائنة إن دخل الزوجان‪ ،‬كما يتعين‬
‫فسخ النكاح بدخول الزوجين بل إشهاد‪ ،‬ويحدان معا حد الزنا جلدا أو رجما إن حدث وطء وأقرّا به‪،‬‬
‫أو ثبت الوطء بأربعة شهود كالزنا‪ ،‬ول يعذران بجهل‪.‬‬
‫ولكن ل يجب الحد عليهما إن فشا النكاح وظهر بنحو ضرب ُدفّ أو وليمة‪ ،‬أو بشاهد واحد غير‬
‫الولي ‪ ،‬أو بشاهدين فاسقين ونحو ذلك للشبهة‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ادرءوا الحدود‬
‫بالشبهات» (‪. )5‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬ل يبطل العقد بتواص بكتمانه‪ ،‬فلو كتمه ولي وشهود وزوجان‪ ،‬صح وكره (‪. )6‬‬
‫وهناك قول شاذ لبن أبي ليلى وأبي ثور وأبي بكر الصم‪ :‬ل تشترط الشهادة في الزواج ول تلزم؛‬
‫لن اليات الواردة في شأن الزواج ل تشترط الشهاد‪ ،‬مثل {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء‪:‬‬
‫‪{ ]3/4‬وأنكحوا اليامى منكم} [النور‪ ]32/24:‬فيعمل بها على إطلقها‪ ،‬والحاديث الواردة ل تصلح‬
‫مقيدة‪.‬‬
‫وهذا هو مذهب الشيعة المامية (‪ ، )7‬فإنهم قالوا‪ :‬يستحب العلن والظهار في النكاح الدائم‬
‫والشهاد‪ ،‬وليس الشهاد شرطا في صحة العقد عند علمائنا أجمع‪.‬‬
‫وهذا القول باطل ل يعول عليه؛ لن أحاديث الشهاد على الزواج مشهورة‪ ،‬فيصح أن يقيد بها مطلق‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا هو المعتمد في مذهب المالكية‪ ،‬بخلف ما تنقله بعض الكتب القديمة والحديثة من أنه ل‬
‫يشترط الشهاد عند مالك‪ ،‬بل يكفي العلن ولو بالدف‪ .‬وهذا هو المشهور عن أحمد أنه ل ينعقد‬
‫النكاح إل بشاهدين‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني وابن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم يرفعه غير عبد العلى وهو ثقة (نيل الوطار‪.)125/6 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،236/2 :‬الشرح الصغير‪ 336/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس‪ ،‬ورواه أبو مسلم الكجي وابن السمعاني عن عمر بن‬
‫عبد العزيز مرسلً‪ ،‬ورواه مسدد في مسنده عن ابن مسعود موقوفا (الجامع الصغير)‪..‬‬
‫(‪ )6‬غاية المنتهى‪.27/3 :‬‬
‫(‪ )7‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪.194‬‬

‫( ‪)9/63‬‬

‫ثانيا ـ وقت الشهادة ‪:‬‬


‫يرى الجمهور غير المالكية‪ :‬أن الشهادة تلزم حين إجراء العقد‪ ،‬ليسمع الشهود اليجاب والقبول عند‬
‫صدورهما من المتعاقدين‪ .‬فإن تم العقد بدون الشهادة وقع فاسدا‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬ل نكاح إل بولي‬
‫وشاهدي عدل» وظاهره عند النكاح‪ ،‬وبه تتحقق حكمة الشهادة‪ ،‬ولن الشهادة ـ كما قال الحنفية ـ‬
‫شرط ركن العقد‪ ،‬فيشترط وجودها عند الركن‪.‬‬
‫ويرى المالكية‪ :‬أن الشهادة شرط لصحة الزواج‪ ،‬سواء أكانت عند إبرام العقد‪ ،‬أم بعد العقد وقبل‬
‫الدخول‪ ،‬ويستحب فقط كونها عند العقد‪ ،‬فإن لم تصح الشهادة وقت العقد أو قبل الدخول‪ ،‬كان العقد‬
‫فاسدا‪ ،‬والدخول بالمرأة معصية‪ ،‬ويتعين فسخه كما بينت‪ ،‬فالشهادة عندهم شرط في جواز الدخول‬
‫بالمرأة‪ ،‬ل في صحة العقد‪ ،‬وهذا محل الخلف بين المالكية وغيرهم‪.‬‬
‫ثالثا ـ حكمة الشهاد ‪:‬‬
‫الحكمة من اشتراط الشهاد على الزواج بيان خطورته وأهميته‪ ،‬وإظهار أمره بين الناس لدفع الظّنة‬
‫والتهمة عن الزوجين‪.‬‬

‫( ‪)9/64‬‬

‫ولن بالشهادة على الزواج التمييز بين الحلل والحرام‪ ،‬فشأن الحلل الظهار‪ ،‬وشأن الحرام التستر‬
‫عليه عادة‪ .‬ويتحقق بالشهادة التوثق لمر الزواج والحتياط لثباته عند الحاجة إليه‪ .‬لهذا كله ندب‬
‫الشرع إلى إعلن النكاح والدعوة إلى وليمته‪ ،‬فقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أعلنوا النكاح» «أعلنوا‬
‫النكاح واضربوا عليه بالغِربال» أي الدّف‪« ،‬أعلنوا هذا النكاح‪ ،‬واجعلوه في المساجد‪ ،‬واضربوا عليه‬
‫خضِب بالسواد‪ ،‬فل ُيعْلمها ل يَغرّها» (‬
‫بالدفوف‪ ،‬وليولم أحدكم ولو بشاة‪ ،‬فإذا خطب أحدكم امرأة وقد َ‬
‫‪. )1‬‬
‫ل ـ أن يكونوا أهلً لتحمل‬
‫رابعا ـ شروط الشهود‪ :‬ينبغي توافر أوصاف معينة في الشهود وهي أو ً‬
‫الشهادة وذلك بالبلوغ والعقل‪ ،‬وثانيا ـ أن يتحقق بحضورهم معنى العلن‪ ،‬وثالثا ـ أن يكونوا أهلً‬
‫لتكريم الزواج بحضورهم‪.‬‬
‫أما الهلية‪ :‬فتشترط في الشهود على الزواج بالتفاق الهلية الكاملة‪ ،‬وسماع كلم العاقدين وفهم‬
‫المراد منهم‪ ،‬وتكون شروط الشهود هي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬العقل‪ :‬فل تصح شهادة المجنون على عقد الزواج‪ ،‬إذ ل تتحقق الغاية من الشهادة وهي العلن‬
‫وإثبات الزواج في المستقبل عند الجحود والنكار‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬البلوغ‪ :‬فل تصح شهادة الصبي ولو كان مميزا‪ ،‬لنه ل يتحقق بحضور الصبيان العلن‬
‫والتكريم‪ ،‬ول يتناسب حضورهم مع خطورة الزواج‪.‬‬
‫وهذان الشرطان متفق عليهما بين الفقهاء‪ ،‬ويمكن جمعهما بشرط واحد وهو كون الشاهدين مكلفين‪،‬‬
‫واختلفوا في شروط أخرى بحسب المقصود من الشهادة‪ ،‬أهو العلن فقط كما قال الحنفية‪ ،‬أم صيانة‬
‫العقد من الجحود والنكار كما قال الشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحديث الول رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد ال بن الزبير‪ ،‬والثاني أخرجه‬
‫الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة‪ ،‬وفي رواته ضعيف‪ ،‬والثالث أخرجه الترمذي أيضا من‬
‫حديث عائشة‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ .‬قال الصنعاني‪ :‬الحاديث في إعلن النكاح واسعة وإن كان في‬
‫كل منها مقال‪ ،‬إل أنها يعضد بعضها بعضا (سبل السلم‪ 116/3 :‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)9/65‬‬

‫ً‪ - 3‬التعدد‪ :‬شرط باتفاق الفقهاء‪ ،‬فل ينعقد النكاح بشاهد واحد‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬ل نكاح إل بولي‬
‫وشاهدي عدل» ‪.‬‬
‫وذكر الحنفية (‪ : )1‬أن من أمر رجلً بأن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها والب حاضر بشهادة رجل‬
‫واحد سواهما‪ ،‬جاز النكاح؛ لن الب يجعل مباشرا للعقد لتحاد المجلس‪ ،‬ويكون الوكيل سفيرا‬
‫ومعبرا‪ ،‬فيبقى المزوج شاهدا‪.‬‬
‫وإن كان الب غائبا لم يجز الزواج؛ لن المجلس مختلف‪ ،‬فل يمكن أن يجعل الب مباشرا‪.‬‬
‫وإذا زوج الب ابنته البالغة بمحضر شاهد واحد‪ :‬إن كانت حاضرة جاز‪ ،‬وإن كانت غائبة لم يجز‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬الذكورة‪ :‬شرط عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬بأن يكون الشاهدان رجلين‪ ،‬فل يصح الزواج بشهادة‬
‫النساء وحدهن ول بشهادة رجل وامرأتين‪ ،‬لخطورة الزواج وأهميته‪ ،‬بخلف الشهادة في الموال‬
‫والمعاملت المالية‪ ،‬قال الزهري‪« :‬مضت السنّة أل تجوز شهادة النساء في الحدود‪ ،‬ول في النكاح‪،‬‬
‫ول في الطلق» (‪ )2‬ولنه عقد ليس بمال‪ ،‬ول يقصد منه المال‪ ،‬ويحضره الرجال في غالب‬
‫الحوال‪ ،‬فل يثبت بشهادة النساء كالحدود‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬تجوز شهادة رجل وامرأتين في عقد الزواج‪ ،‬كالشهادة في الموال؛ لن المرأة أهل‬
‫لتحمل الشهادة وأدائها‪ ،‬وإنما لم تقبل شهادتها في الحدود والقصاص فللشبهة فيها بسبب احتمال‬
‫النسيان والغفلة وعدم التثبت‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪.356/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو عبيد في الموال‪ .‬والمقصود بالسنة‪ :‬سنة النبي صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫( ‪)9/66‬‬

‫ً‪ - 5‬الحرية‪ :‬شرط عند الجمهور غير الحنابلة‪ ،‬بأن يكون الشاهدان حرين‪ ،‬فل يصح الزواج بشهادة‬
‫عبدين‪ ،‬لخطورة عقد الزواج‪ ،‬ولن العبد ل ولية له على نفسه‪ ،‬ول شهادة له لعدم الولية‪ ،‬فل تكون‬
‫له ولية على غيره‪ ،‬والشهادة من قبيل الوليات‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬ينعقد الزواج بشهادة عبدين؛ لن شهادة العبيد مقبولة عندهم في سائر الحقوق‪ ،‬ولم‬
‫يثبت نفيها في كتاب أو سنة أو إجماع‪ ،‬قال أنس بن مالك‪ :‬ما علمت أحدا رد شهادة العبد‪ ،‬وال يقبلها‬
‫على المم يوم القيامة‪ ،‬فكيف ل تقبل هنا؟ وتقبل روايته في الحديث عن النبي صلّى ال عليه وسلم إذا‬
‫كان عدلً ثقة‪ ،‬فكيف ل تقبل فيما دون ذلك؟ والمعول عليه في الشهادة الثقة بخبر الشاهد‪،‬فإذا كان‬
‫ل فتقبل شهادته‪.‬‬
‫العبد ثقة عد ً‬
‫ً‪ - 6‬العدالة ولو ظاهرة‪ :‬أي الستقامة واتباع تعاليم الدين‪ ،‬ولو في الظاهر بأن يكون مستور الحال‬
‫غير مجاهر بالفسق والنحراف‪ .‬وهي شرط عند الجمهور في أرجح الروايتين عن أحمد‪ ،‬وفي‬
‫الصحيح عند الشافعية‪ ،‬فل يصح الزواج بشهادة الفاسق‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬ل نكاح إل بولي وشاهدي‬
‫عدل» ولن الشهادة من باب الكرامة لتكريم الزواج وإظهار شأنه‪ ،‬والفاسق من أهل الهانة فل يكرم‬
‫العقد به‪ ،‬وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬العدالة ليست بشرط في الشهود‪ ،‬فيصح العقد بشهادة العدول وغير العدول من الفساق؛‬
‫لن هذه الشهادة تحمّل‪ ،‬فصحت من الفاسق كسائر التحملت‪ ،‬وهو من أهل الولية فيكون من أهل‬
‫الشهادة‪ .‬وهذا رأي الشيعة المامية أيضا؛ لن الشهادة عندهم ليست شرطا لصحة العقد‪ ،‬بل هي‬
‫مندوب إليها (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قالوا‪ :‬ل يشترط حضور شاهدين ول ولي إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على الصح‪ ،‬وإنما‬
‫يستحب الشهاد والعلن والظهار في النكاح الدائم (المختصر النافع‪ :‬ص ‪.)194‬‬

‫( ‪)9/67‬‬

‫ً‪ - 7‬السلم‪ :‬شرط بالتفاق‪ ،‬بأن يكون الشاهدان مسلمين يقينا‪ ،‬ول يكفي مستور السلم‪ ،‬واشتراطه‬
‫إذا كان الزوجان مسلمين‪ ،‬واكتفى الحنفية بهذا الشرط إذا كانت الزوجة مسلمة‪ .‬فإن تزوج مسلم ذمية‬
‫بشهادة ذميين صح عندهم؛ لن شهادة الكتابي على مثله جائزة‪ ،‬ول يصح عند غيرهم؛ لن الزوج‬
‫مسلم‪ ،‬ول بد من معرفة الزواج في أوساط المسلمين‪.‬‬
‫والسبب في اشتراط إسلم الشهود في نكاح المسلمين‪ :‬أن لهذا العقد خطورة واعتبارا دينيا‪ ،‬فل بد من‬
‫أن يشهده مسلم‪ ،‬لينشر خبره بين المسلمين‪.‬‬
‫وأما إن كان الزوجان غير مسلمين‪ ،‬فتقبل شهادة الكتابيين عند الحنفية‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬البصر‪ :‬شرط عند الشافعية في الصح‪ ،‬فل تقبل شهادة العمى؛ لن القوال ل تثبت إل‬
‫بالمعاينة كالسماع‪ ،‬وهو ل يقدر على التمييز بين المدعي والمدعى عليه‪.‬‬
‫وليس البصر بشرط عند الجمهور‪ ،‬فتصح شهادة العمى إذا سمع كلم العاقدين وميز صوتهما على‬
‫وجه ل يشك فيهما؛ لنه أهل للشهادة‪ ،‬وهذه شهادة على قول‪ ،‬فتصح كما تصح في المعاملت‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬سماع الشهود كلم العاقدين وفهم المراد منه‪ :‬شرط عند أكثر الفقهاء‪ ،‬فل ينعقد بشهادة نائمين‬
‫أو أصمين؛ لن الغرض من الشهادة ل يتحقق بأمثالهما‪.‬‬
‫كذلك ل يصح بشهادة السكران الذي ل يعي ما يسمع ول يتذكره بعد الصحو‪.‬‬
‫ول يصح أيضا بشهادة غير عربي في عقد بالعربية إذا كان ل يعرف اللغة العربية؛ لن القصد من‬
‫الشهادة فهم كلم العاقدين‪ ،‬وأداء الشهادة عند اللزوم والختلف‪ .‬وهذا هو المذهب الراجح عند‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫ول يصح الزواج بشهادة ال ورسوله‪ ،‬بل قيل‪ :‬إنه يكفر؛ لنه اعتقد أن رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم عالم الغيب‪.‬‬

‫( ‪)9/68‬‬

‫هذا ول يشترط في الشهود أن يكونوا ممن ل ترد شهادتهم للزوجين في القضاء‪ ،‬فيصح الزواج‬
‫بشهادة ابني الزوجين أوابني أحدهما إل عند الحنابلة فل يصح‪ ،‬وبشهادة عدويهما؛ لن الولد والعدو‬
‫من أهل الشهادة‪ .‬ويصح بشهادة الحواشي والعمام إذا كان الولي عند غير الحنفية غيرهم‪ ،‬فالولي‬
‫عند الجمهور شرط كالشهود‪ ،‬والشهود غير الولي‪.‬‬
‫وقد وضع الحنفية ضابطا لمن تقبل شهادته في الزواج ومن ل تقبل‪ ،‬فقالوا‪ :‬كل من صلح أن يكون‬
‫وليا في الزواج بولية نفسه (‪ ، )1‬صلح أن يكون شاهدا فيه‪.‬‬
‫وكما يشترط الشهاد على صحة الزواج‪ ،‬يستحب أيضا عند الجمهور غير الحنفية على رضا المرأة‬
‫بالزواج‪ ،‬بأن قالت‪ :‬رضيت أو أذنت فيه‪ ،‬حيث يعتبر رضاها بأن كانت غير مجبرة‪ ،‬وذلك احتياطا‬
‫ليؤمن إنكارها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذا القيد لخراج المكاتب‪ ،‬فإنه وإن ملك تزويج أمته‪ ،‬لكن ل بولية نفسه‪ ،‬بل بما استفاده من‬
‫المولى‪ .‬قال ابن عابدين‪ :‬وهذا يقتضي عدم انعقاده بالمحجور عليه‪ ،‬ولم أره‪.‬‬

‫( ‪)9/69‬‬

‫موقف القانون من الشهادة‪ :‬أخذ قانون الحوال الشخصية السوري (م ‪ )12‬بمذهب الحنفية في الشهادة‪،‬‬
‫فنص على أنه‪« :‬يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين‪ ،‬أو رجل وامرأتين‪ ،‬مسلمين‬
‫عاقلين بالغين‪ ،‬سامعين اليجاب والقبول‪ ،‬فاهمين المقصود بهما » ‪ ،‬أي أن هذا في الزواج بين‬
‫مسلمين‪ ،‬أما بين كتابيين فيصح بشهادة شاهدين من أهل الكتاب‪ ،‬ولو كانا مخالفين لدين الزوجة‪،‬‬
‫كشهادة نصرانيين على الزواج بيهودية‪.‬‬
‫الشرط الرابع ـ الرضا والختيار من العاقدين أو عدم الكراه ‪:‬‬
‫هو شرط عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬فل يصح الزواج بغير رضا العاقدين‪ ،‬فإن أكره أحدهما على‬
‫الزواج بالقتل أو بالضرب الشديد أو بالحبس المديد‪ ،‬كان العقد فاسدا‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (‪ . )1‬وأخرج النسائي عن عائشة‪:‬‬
‫«أن فتاة ـ هي الخنساء ابنة خِدَام النصارية ـ دخلت عليها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن أبي زوجني من ابن أخيه‬
‫يرفع بي خسيسته (‪ ، )2‬وأنا كارهة‪ ،‬قالت‪ :‬اجلسي حتى يأتي رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاء‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم فأخبرته‪ ،‬فأرسل إلى أبيها‪ ،‬فدعاه ‪ ،‬فجعل المر إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬قد أجزت ما صنع أبي‪ ،‬ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للباء من المر شيء» (‪)3‬‬
‫والمراد بنفي المر عن الباء نفي التزويج‪ .‬فدل الحديثان على أن الرضا شرط لصحة الزواج‪،‬‬
‫والكراه يعدم الرضا‪ ،‬فل يصح معه الزواج‪ .‬وهذا هو الراجح؛ لن التراضي أصل في العقود‪،‬‬
‫والعقد للزوجين‪ ،‬فاعتبر تراضيهما به كالبيع‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬حقيقة الرضا ليس شرطا لصحة النكاح‪ ،‬فيصح الزواج ومثله الطلق مع الكراه‬
‫والهزل؛ لن المستكره قاصد عقد الزواج‪ ،‬لكنه غير راض بالحكم الذي يترتب عليه‪ ،‬فهو مثل‬
‫الهازل‪ ،‬والهزل ل يمنع صحة الزواج‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ثلث جِدهن جد‪ ،‬وهَزْلهن‬
‫جِد‪ :‬النكاح‪ ،‬والطلق‪ ،‬والرجعة» (‪ . )4‬لكن هذا القياس يصادم الثابت في السنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس‪.‬‬
‫ل يكون فيه رفعته‪.‬‬
‫(‪ )2‬الخسيس‪ :‬الدنيء‪ ،‬يقال‪ :‬رفعت خسيسته‪ :‬إذا فعلت به فع ً‬
‫(‪ )3‬سبل السلم‪ 122/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي ال عنه (كشف الخفا‪.)389/1 :‬‬

‫( ‪)9/70‬‬

‫الشرط الخامس ـ تعيين الزوجين ‪:‬‬


‫ذكر الشافعية والحنابلة هذا الشرط‪ ،‬فل يصح العقد إل على زوجين معينين؛ لن المقصود في النكاح‬
‫أعيانهما أو التعيين‪ ،‬فلم يصح بدون تعيينهما‪ ،‬فلو قال الولي‪ :‬زوجتك ابنتي‪ ،‬لم يصح حتى يعينها‬
‫بالسم أو بالصفة أو بالشارة‪ ،‬فإن سماها باسم يخصها‪ ،‬أو وصفها بما تتميز به عن غيرها‪ ،‬بأن‬
‫تكون الصفة ل يشركها فيها غيرها من أخواتها‪ ،‬كبنتي الكبرى أو الصغرى أو الوسطى أو البيضاء‬
‫ونحوه‪ ،‬أوأشار إليها بأن قال‪ :‬هذه‪ ،‬صح العقد‪ ،‬ولو سماها الولي في حال الشارة‪ ،‬بغير اسمها‪ ،‬أو لم‬
‫يكن له إل بنت واحدة صح أيضا؛ لن مع التعيين بالشارة ل حكم للسم‪ ،‬فلو قال‪ :‬زوجتك بنتي‬
‫فاطمة هذه‪ ،‬وأشار إلى خديجة‪ ،‬فيصح العقد على خديجة؛ لن الشارة أقوى‪ .‬وفي حال انفرادها عنده‬
‫ل جهالة؛ لن عدم التعيين إنما جاء من التعدد‪ ،‬ول تعدد هنا‪ .‬فإن حدث خطأ في اليجاب والقبول بأن‬
‫نوى الولي البنت الكبيرة‪ ،‬ونوى الزوج البنت الصغيرة‪ ،‬لم يصح العقد‪ ،‬كما تقدم؛ لن اليجاب في‬
‫امرأة‪ ،‬والقبول في أخرى‪.‬‬
‫الشرط السادس ـ عدم الحرام بالحج أو العمرة من أحد الزوجين أو الولي ‪:‬‬
‫هو شرط عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬فل يصح الزواج إذا كان أحد العاقدين محرما بحج أو عمرة‪،‬‬
‫وليجوز نكاح المحرم ول إنكاحه لقوله صلّى ال عليه وسلم فيما رواه عثمان‪ « :‬ليَنْكح ال ُمحْرِم‪،‬‬

‫( ‪)9/71‬‬
‫وليُنْكح » (‪ )1‬وفي رواية لمسلم‪ « :‬ول يخطُب» أي لنفسه أو لغيره‪ .‬فهذا نهي صريح للمحرم بحج‬
‫أو عمرة أن يتزوج أو يزوج غيره‪ ،‬والنهي يدل على فساد المنهي عنه‪ ،‬ولن الحرام انقطاع للعبادة‪،‬‬
‫والزواج سبيل إلى المتعة‪ ،‬فيتنافى مع الحرام‪ ،‬فيمنع أثناءه‪.‬‬
‫وأضاف المالكية أنه يفسخ وإن دخل الزوج وولدت‪ ،‬وفسخه بغير طلق‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬ليس هذا شرطا لصحة الزواج‪ ،‬فيصح مع الحرام‪ ،‬سواء أكان المحرم هو الزوج أم‬
‫الزوجة أم الولي‪ ،‬أي يجوز نكاح المحرم وإنكاحه‪ ،‬بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم فيما رواه ابن‬
‫عباس تزوج ميمونة بنت الحارث‪ ،‬وهو محرم (‪. )2‬‬
‫والحق رجحان الرأي الول‪ ،‬لورود رواية أخرى من طرق شتى عن ميمونة نفسها‪« :‬أن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم تزوجها وهو حلل» (‪ )3‬فإذا تعارض الخبران رجحت رواية الكثرة‪ ،‬فيكون الوهم إلى‬
‫الواحد أقرب منه إلى الجماعة‪ ،‬وحديث عثمان صحيح في منع المحرم‪ ،‬فهو المعتمد‪ .‬وقد تؤول حديث‬
‫ابن عباس بأن معنى (وهو محرم) أي داخل في الحرم‪ ،‬أو في الشهر الحرم (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم عن عثمان رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن ميمونة نفسها (انظر سبل السلم‪ )124/3 :‬في الحاديث الثلثة‪.‬‬
‫(‪ )4‬سبل السلم‪ ،14/3 :‬وقد جزم بهذا التأويل ابن حبان في صحيحه‪ ،‬لكن قيل عنه‪ :‬هو تأويل بعيد‬
‫ل تساعد عليه ألفاظ الحديث‪.‬‬

‫( ‪)9/72‬‬

‫الشرط السابع ـ أن يكون الزواج بصداق ‪:‬‬


‫هذا الشرط والشرطان التيان بعده مما اشترطه المالكية‪ ،‬وهو أن يكون الزواج بصداق (مهر)‪ ،‬فإن‬
‫لم يذكر حال العقد‪ ،‬فل بد من ذكره عند الدخول‪ ،‬أو يتقرر صداق المثل بالدخول‪.‬‬
‫الشرط عندهم وجود الصداق‪ ،‬فل يصح الزواج بدونه‪ ،‬لكن ل يشترط ذكره عند العقد‪ ،‬بل يستحب‬
‫فقط‪ ،‬لما فيه من اطمئنان النفس‪ ،‬ودفع توهم الختلف في المستقبل‪ .‬فإن لم يذكر المهر حين العقد‬
‫صح الزواج‪ ،‬ويسمى الزواج حينئذ زواج التفويض‪.‬‬
‫زواج التفويض‪ :‬هو عقد بل ذكر ـ أي تسمية ـ مهر ول إسقاطه (‪ ، )1‬وهو جائز عند المالكية‪ ،‬أما‬
‫لو تزوج رجل امرأة‪ ،‬وتراضيا على الزواج بدون مهر‪ ،‬أو اشترطا عدم المهر أو سميا شيئا ل يصلح‬
‫مهرا كالخمر والخنزير‪ ،‬فل يصح الزواج‪ ،‬ويجب فسخه قبل الدخول‪ ،‬وإن دخل الرجل بالمرأة ثبت‬
‫العقد‪ ،‬ووجب للزوجة مهر المثل (‪ ، )2‬أي إن حدث الدخول على إسقاط المهر‪ ،‬فليس من التفويض‪،‬‬
‫بل هو نكاح فاسد‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )3‬ل يفسد العقد بالزواج بدون مهر‪ ،‬أو باشتراط عدم المهر‪ ،‬أو بتسمية شيء ل‬
‫يصلح مهرا؛ لن المهر ليس ركنا في العقد ول شرطا له‪ ،‬بل هو حكم من أحكامه‪ ،‬فالخلل فيه ل‬
‫تأثير له على العقد‪ .‬وهذا هو الراجح‪ ،‬إذ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال المالكية‪ :‬جاز بل خلف نكاح التفويض‪ ،‬ونكاح التحكيم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،313/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،203‬الشرح الصغير‪.449/2 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،229/3 :‬المهذب‪ ،60/2 :‬المغني‪ ،716/6 :‬كشاف القناع‪ ،174/5 :‬فتح القدير‪:‬‬
‫‪ ،434/3‬رد المحتار لبن عابدين‪.461/2 :‬‬

‫( ‪)9/73‬‬

‫لو كان المهر شرطا في العقد لوجب ذكره حين العقد‪ ،‬وهو ل يجب أن يذكر حين العقد لكن يجب‬
‫مهر المثل‪.‬‬
‫لهذا كان زواج التفويض (وهوإخلء النكاح عن المهر) صحيحا بالتفاق (‪. )1‬‬
‫الشرط الثامن ـ عدم تواطؤ الزوج مع الشهود على كتمان الزواج ‪:‬‬
‫هو شرط أيضا عند المالكية‪ ،‬فإذا حدث التواطؤ بين الزوج والشهود على كتمان الزواج عن الناس أو‬
‫عن جماعة‪ ،‬بطل الزواج‪ .‬وهذا ما يعرف ـ كما تقدم ـ بنكاح السر‪ :‬وهو ما أوصى فيه الزوج‬
‫الشهود بكتمه عن زوجته أو عن جماعة‪ ،‬وأهل منزل‪ ،‬أو زوجة قديمة‪ ،‬إذا لم يكن الكتم خوفا من‬
‫ظالم أو نحوه‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه يجب فسخه إل إذا دخل بالمرأة‪.‬‬
‫فإن كان اليصاء للشهود بالكتمان من الولي فقط‪ ،‬أو الزوجة فقط‪ ،‬دون الزوج‪ ،‬أو اتفق الزوجان‬
‫والولي على الكتم دون إيصاء الشهود‪ ،‬أو أوصى الزوج الولي والزوجة معا‪ ،‬أو أحدهما على الكتم‪،‬‬
‫لم يضر‪ ،‬ولم يبطل العقد (‪. )2‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬ليس هذا شرطا لصحة العقد‪ ،‬فلو اتفق الزوج مع الشهود على كتمان الزواج عن كل‬
‫الناس أو عن بعضهم‪ ،‬لم يفسد العقد؛ لن إعلن الزواج يتحقق بمجرد حضور الشاهدين‪.‬‬
‫الشرط التاسع ـ أل يكون أحد الزوجين مريضا مرضا مخوفا ‪:‬‬
‫هو شرط أيضا عند المالكية‪ ،‬فل يصح نكاح المريض والمريضة المخوف عليهما‪ ،‬على المشهور‪،‬‬
‫والمرض المخوف‪ :‬هو ما يتوقع منه الموت عادة‪ ،‬ويفسخ الزواج إن وقع ولو بعد الدخول‪ ،‬إل إن‬
‫صح المريض قبل الفسخ‪ ،‬فإن لم يدخل الزوج فليس للمرأة صداق‪ ،‬وإن دخل فلها الصداق المسمى‪.‬‬
‫ولو مات أحدهما قبل الفسخ ولو بعد الدخول ل يرثه الخر؛ لن سبب فساده إدخال وارث في التركة‬
‫لم يكن موجودا قبل المرض‪ .‬لكن إن مات الزوج قبل فسخ الزواج بعد الدخول‪ ،‬فللزوجة القل من‬
‫ثلث التركة ومن المسمى ومن مهر المثل؛ لن الزواج في المرض‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،229/3 :‬المهذب‪ ،60/2 :‬المغني‪ ،716/6 :‬كشاف القناع‪ ،174/5 :‬فتح القدير‪:‬‬
‫‪ ،434/3‬رد المحتار لبن عابدين‪.461/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪.237-236/2 :‬‬

‫( ‪)9/74‬‬

‫المخوف تبرع‪ ،‬وتبرع المريض مرض الموت ل ينفذ إل من الثلث (‪. )1‬‬
‫الشرط العاشر ـ حضور الولي ‪:‬‬
‫هو شرط عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬فل يصح الزواج إل بولي‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فل تعضُلوهن أن‬
‫ينكحن أزواجهن} [البقرة‪ ]232/2:‬قال الشافعي‪ :‬هي أصرح آية في اعتبار الولي‪ ،‬وإل لما كان لعضله‬
‫معنى‪ .‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل نكاح إل بولي» (‪ )2‬وهو لنفي الحقيقة الشرعية‪ ،‬بدليل‬
‫حديث عائشة‪« :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬باطل‪ ،‬باطل‪ ،‬فإن دخل بها فلها‬
‫المهر بما استحل من فرجها‪ ،‬فإن اشتجروا فالسلطان ولي من ل ولي له» (‪. )3‬‬
‫ول يصح حمل الحديث الول على نفي الكمال؛ لن كلم الشارع محمول على الحقائق الشرعية‪ ،‬أي‬
‫ل نكاح شرعي أو موجود في الشرع إل بولي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير‪ ،240/2 :‬الشرح الصغير‪.382/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن أبي موسى الشعري‪ ،‬وصححه ابن المديني والترمذي‬
‫وابن حبان وأعله بإرساله (سبل السلم‪.)117/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والربعة إل النسائي‪ ،‬وصححه الترمذي وأبو عوانة‪ ،‬وابن حبان والحاكم‪ ،‬وابن معين‬
‫وغيره من الحفاظ (سبل السلم‪ 127/3 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫( ‪)9/75‬‬

‫ول يفهم من الحديث الثاني صحة الزواج بإذن الولي؛ لنه خرج مخرج الغالب‪ ،‬فل مفهوم له؛ لن‬
‫الغالب أن المرأة إنما تزوج نفسها بغير إذن وليها‪.‬‬
‫ويؤكده حديث ثالث‪« :‬ل تزوج المرأة ُ المرأة َ‪ ،‬ول تزوج المرأة نفسها» (‪ )1‬فإنه يدل على أن المرأة‬
‫ليس لها ولية في النكاح لنفسها ول لغيرها‪ ،‬فل عبارة لها في النكاح إيجابا ول قبولً‪ ،‬فل تزوج‬
‫نفسها بإذن الولي ول غيرها‪ ،‬ول تزوج غيرها بولية ول بوكالة‪ ،‬ول تقبل النكاح بولية ول وكالة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الجمهور يقولون‪ :‬ل ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلً‪ ،‬فلو زوجت امرأة نفسها‪ ،‬أو‬
‫غيرها‪ ،‬أو وكلت غير وليها في تزويجها ولو بإذن وليها‪ ،‬لم يصح نكاحها لعدم وجود شرطه وهو‬
‫الولي‪.‬‬
‫وقال الحنفية في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما ال ‪ :‬للمرأة العاقلة البالغة تزويج‬
‫نفسها وابنتها الصغيرة‪ ،‬وتتوكل عن الغير‪ ،‬ولكن لو وضعت نفسها عند غير كفء‪ ،‬فلوليائها‬
‫العتراض‪ .‬وعبارتهم‪ :‬ينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي‪ ،‬بكرا كانت‬
‫أم ثيبا‪ ،‬عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما ال في ظاهر الرواية‪ ،‬والولية مندوبة مستحبة فقط‪.‬‬
‫وعند محمد‪ :‬ينعقد موقوفا (‪. )2‬‬
‫ودليلهم من القرآن‪ :‬إسناد النكاح إلى المرأة في آيات ثلث هي‪{ :‬فإن طلقها فل تحل له مِنْ َب ْعدُ حتى‬
‫تنكح زوجا غيره} [البقرة‪{ ،]230/2:‬وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فل تعضُلوهن أن ينكحن‬
‫أزواجهن} [البقرة‪ ]232/2:‬فالخطاب للزواج‪ ،‬ل للولياء كما قال الجمهور‪ ،‬وآية‪{ :‬فإذا بلغن أجلهن‬
‫فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} [البقرة‪ ]234/2:‬هذه اليات صريحة في أن زواج‬
‫المرأة يصدر عنها‪.‬‬
‫ودليلهم من السنة‪ :‬حديث «الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر تستأمر‪ ،‬وإذنها سكوتها» (‪ )3‬وفي‬
‫رواية «ل تنكح اليم ـ التي فارقت زوجها بطلق أو موت ـ حتى تستأمر‪ ،‬ول تنكح البكر حتى‬
‫تستأذن‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وكيف إذنها؟ قال‪ :‬أن تسكت» (‪ )4‬الحديث صريح في جعل الحق‬
‫للمرأة الثيب في زواجها‪ ،‬والبكر مثلها‪ ،‬ولكن نظرا لغلبة حيائها اكتفى الشرع باستئذانها بما يدل على‬
‫رضاها‪ ،‬وليس معناه سلب حق مباشرتها العقد‪ ،‬بما لها من الهلية العامة‪.‬‬
‫وهناك رأي وسط للفقيه أبي ثور من الشافعية (‪ : )5‬وهو أنه ل بد في الزواج من رضا المرأة ووليها‬
‫معا‪ ،‬وليس لحدهما أن يستقل بالزواج بدون إذن الخر ورضاه‪ ،‬ومتى رضيا فلكل واحد إجراء‬
‫العقد؛ لن المرأة كاملة الهلية في التصرفات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه والدارقطني ورجاله ثقات‪ ،‬عن أبي هريرة (سبل السلم‪ 129/3 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ 391/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪.247-237/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن ابن عباس (سبل السلم‪.)119/3 :‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه عن أبي هريرة (سبل السلم‪.)118/3 :‬‬
‫(‪ )5‬المهذب‪.35/2 :‬‬

‫( ‪)9/76‬‬

‫شروط النفاذ ‪:‬‬


‫اشترط الحنفية لنفاذ عقد الزواج وترتب آثاره عليه بالفعل بعد انعقاده صحيحا الشروط الخمسة التالية‬
‫( ‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون كل من الزوجين كامل الهلية إذا تولى عقد الزواج بنفسه‪ ،‬أو بوكيل عنه‪ ،‬وكمال‬
‫الهلية بالعقل والبلوغ والحرية‪ ،‬فمتى كان كل من الزوجين عاقلً بالغا حرا‪ ،‬نفذ العقد وترتبت آثاره‬
‫عليه‪ ،‬من حل الدخول ووجوب المهر وغيرهما‪ ،‬وقال محمد كما تقدم‪ :‬إذا زوجت المرأة البالغة العاقلة‬
‫نفسها بدون ولي‪ ،‬كان زواجها موقوفا على إجازة الولي‪.‬‬
‫أما إن باشر عقد الزواج صبي مميز أو عبد‪ ،‬فيتوقف العقد عند الحنفية والمالكية على إجازة الولي‬
‫من أب ونحوه‪ ،‬أو سيد‪ .‬وإن باشره مجنون أوغير مميز فل ينعقد أصلً‪.‬‬
‫وعند الشافعية والحنابلة‪:‬ل تنعقد تصرفات العبد والصبي المميز وغير المميز أصلً‪ ،‬بل هي باطلة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الزوج رشيدا‪ ،‬إذا تولى الزواج بنفسه‪ :‬هذا شرط عند المالكية‪ ،‬فإن كان سفيها غير‬
‫رشيد‪ :‬وهو الذي ل يحسن التصرف في ماله‪ ،‬وتزوج بدون إذن الولي‪ ،‬توقف عقد زواجه عند‬
‫المالكية على إجازة وليه (‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )3‬الرشد شرط لصحة الزواج‪ ،‬فلو تزوج السفيه بغير إذن وليه‪ ،‬كان‬
‫الزواج باطلً؛ لنه تصرف يجب به مال‪ ،‬وفي الزواج ودفع المهر والنفقة إتلف للمال أو مظنة‬
‫إتلفه‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )4‬ليس الرشد شرطا لصحة الزواج ول لنفاذه‪ ،‬فإن تزوج السفيه امرأة جاز زواجه؛‬
‫لنه من حوائجه الصلية وتصرفاته الشخصية‪ ،‬والحجر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 233/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،379/2 :‬الشرح الصغير‪ ،391/2 :‬الشرح الكبير‪:‬‬
‫‪.241/2‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،387/3 :‬الشرح الكبير والدسوقي‪ ،297-294 ،231/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪.197‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،171/2 :‬كشاف القناع‪.441/3 :‬‬
‫(‪ )4‬الكتاب مع اللباب‪.70/2 :‬‬

‫( ‪)9/77‬‬

‫إنما هو على التصرفات المالية المحضة‪ .‬والقاعدة عندهم ‪ :‬أن كل ما ل يؤثر فيه الهزل كالعتق‬
‫والنكاح‪ ،‬ل يؤثر فيه الحجر‪ ،‬لكن ل يثبت للمرأة أكثر من مهر المثل إذا كان السفيه هو الزوج‪،‬‬
‫ويثبت فيه مهر المثل على القل إذا كانت الزوجة هي السفيهة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أل يكون العاقد وليا أبعد مع وجود الولي القرب المقدم عليه‪ :‬شرط نفاذ عند الحنفية‪ ،‬فإن زوج‬
‫الولي البعد مع وجود القرب منه‪ ،‬كان العقد موقوفا على إجازة الولي القرب‪.‬‬
‫وهو شرط صحة عند الشافعية والحنابلة (‪ ، )1‬فل يصح زواج الولي البعد مع وجود القرب إل إذا‬
‫كان هناك مانع كالجنون واختلل النظر بهرم أو خَبَل (فساد في العقل)‪ ،‬والصغر‪ ،‬والحجر بسفه‪،‬‬
‫والعضل (أي المنع من الزواج بغير حق)‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬إن كان الولي القرب غير مجبر كالبن والخ والجد والعم‪ ،‬كان العقد صحيحا‬
‫مكروها‪ .‬وإن كان القرب وليا مجبرا (وهو الب) فسخ العقد أبدا‪ ،‬إل إذا أجازه الولي القرب‪ ،‬وكان‬
‫الذي توله مفوضا إلىه المر بالبينة‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أل يخالف الوكيل موكله فيما وكله به‪ :‬فإذا وكل شخص غيره ليزوجه فتاة معينة أو بمهر‬
‫معين‪ ،‬فزوجه فتاة غيرها‪ ،‬أوزوجه بمهر أكثر‪ ،‬لم ينفذ العقد‪ ،‬وكان موقوفا على إجازة الموكل‪ .‬فلو لم‬
‫يعلم حتى دخل بقي الخيار له بين إجازته وفسخه‪ ،‬ويكون للمرأة عند الحنفية القل من المسمى ومهر‬
‫المثل؛ لن الموقوف كالفاسد‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أل يكون العاقد فضوليا‪ :‬والفضولي‪ :‬هو من ل يكون له ولية التزويج وقت العقد‪ .‬وهو شرط‬
‫نفاذ عند الحنفية والمالكية‪ .‬فإذا زوج شخص امرأة لرجل وقبل عنه‪ ،‬دون ولية ول وكالة عنه وقت‬
‫العقد‪ ،‬كان الزواج موقوفا على إجازة الزوج عندهم‪.‬‬
‫وأما عند الشافعية والحنابلة فتصرف الفضولي من بيع وزواج باطل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.154/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 363 ،358/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/78‬‬

‫شروط اللزوم ‪:‬‬


‫معنى لزوم العقد‪ :‬أل يكون لحد العاقدين أو لغيرهما حق فسخه بعد انعقاده‪ ،‬بأن يخلو العقد من‬
‫الخيار‪ .‬ويشترط للزوم الزواج أربعة شروط هي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الولي المزوج لفاقد الهلية كالمجنون والمعتوه‪ ،‬أو ناقصها وهو الصغير والصغيرة‪:‬‬
‫هو الب أو الجد‪ ،‬وهو شرط عند أبي حنيفة ومحمد‪ .‬فلو كان المزوج لهما غيرهما كالخ والعم‪ ،‬كان‬
‫لكل منهما حق فسخ العقد عند زوال المانع أي الفاقة من الجنون أو العته‪ ،‬والبلوغ بعد الصغر‪ ،‬حتى‬
‫ولو كان الزواج بالكفء وبمهر المثل (‪ )2‬؛ لن قرابة غير الصل والفرع قرابة حواشي‪ ،‬فل‬
‫يساوون الصل والفرع بالشفقة‪ ،‬فيقدر زواجهم بالمصلحة الظاهرة‪ ،‬ويعطى المتزوج خيار الفسخ‪.‬‬
‫ودليل أبي حنيفة ومحمد‪ :‬ما روي أن قدامة بن مظعون زوّج بنت أخيه‪ :‬عثمان بن مظعون‪ ،‬من عبد‬
‫ال بن عمر رضي ال عنه‪ ،‬فخيرها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بعد البلوغ‪ ،‬فاختارت نفسها‪،‬‬
‫حتى روي أن ابن عمر قال‪ :‬إنها انتزعت مني بعد ما ملكتها‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬ليس هذا بشرط‪ ،‬ويلزم نكاح غير الب والجد من الولياء‪ ،‬فل يثبت الخيار للمولى‬
‫عليه؛ لن هذا النكاح صدر من ولي‪ ،‬فيلزم‪ ،‬كما إذا صدر عن الب والجد‪ ،‬لن ولية التزويج ولية‬
‫نظر في حق المولى عليه‪ ،‬وقد اجتهد الولي في تحقيق المصلحة‪ ،‬ونظر فيما هو الولى والصلح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،322-315/2 :‬المهذب‪ ،39/2 :‬كشاف القناع‪ ،71/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،197‬‬
‫الشرح الصغير‪ 399/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الكفء لغة‪ :‬المساوي لغيره والمماثل له‪ ،‬واصطلحا‪ :‬أن يساوي الرجل زوجته في أمور الدين‬
‫والحرية والمال والحرفة‪ .‬ومهر المثل‪ :‬هو المهر الذي تتزوج به امرأة من أقارب أبي الزوجة‪،‬‬
‫وتماثلها وقت العقد في صفات مخصوصة‪.‬‬

‫( ‪)9/79‬‬
‫فإذا زوج الحاكم فاقد الهلية أو ناقصها‪ ،‬فل خيار للمولى عليه في رأي أبي حنيفة خلفا لمحمد؛ لن‬
‫ولية الحاكم أعم من ولية الخ والعم؛ لنه يملك التصرف في النفس والمال‪ ،‬فكانت وليته شبيهة‬
‫بولية الب والجد‪ ،‬ووليتهما ملزمة‪ ،‬فتلزم ولية الحاكم‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الزوج كفئا للزوجة إذا زوجت المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا‬
‫الولياء بمهر مثلها‪ ،‬وكان لها ولي عاصب (‪ )1‬لم يرض بهذا الزواج‪ ،‬فلهذا الولي طلب فسخ الزواج‬
‫من القاضي‪ .‬وهذا شرط عند الحنفية في ظاهر الرواية‪.‬‬
‫وكذلك قال أئمة بقية المذاهب‪ :‬الكفاءة في الزوج شرط للزوم الزواج‪ ،‬ل لصحته‪ ،‬فيصح النكاح مع‬
‫فقدها‪ ،‬وهي حق للمرأة والولياء كلهم القريب والبعيد‪ ،‬لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة‪ ،‬فلو‬
‫زوجت المرأة بغير كفء‪ ،‬فلمن لم يرض بالنكاح الفسخ‪ ،‬فورا أو تراخيا‪ ،‬سواء من المرأة أو الولياء‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الولي العاصب‪ :‬هو القريب الذي ل تكون قرابته للمرأة بواسطة النثى وحدها‪ ،‬كالب والجد‬
‫وأبي الب‪ ،‬والخ والعم وابن العم‪.‬‬

‫( ‪)9/80‬‬

‫جميعهم؛ لنه خيار لنقص في المعقود عليه كخيار البيع‪ ،‬ويملكه البعد من الولياء مع رضا القرب‬
‫منهم به‪ ،‬ومع رضا الزوجة‪ ،‬دفعا لما يلحقه من لحوق العار‪.‬‬
‫والدليل على أن الكفاءة شرط لزوم ل شرط صحة أنه صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أمر فاطمة بنت قيس‬
‫أن تنكح أسامة بن زيد موله‪ ،‬فنكحها بأمره» (‪ )1‬وروت عائشة «أن أبا حذيفة ابن عقبة بن ربيعة‬
‫تبنى سالما‪ ،‬وأنكحه ابنة أخيه‪ :‬الوليد بن عقبة‪ ،‬وهو مولى لمرأة من النصار» (‪ )2‬وعن أبي حنظلة‬
‫بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت‪« :‬رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلل» (‪. )3‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون المهر بالغا مهر المثل إذا زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها من غير كفء‪ ،‬بغير‬
‫رضا الولياء‪ ،‬وأل يقل عن مهر المثل إذا زوجت المرأة نفسها من كفء‪ .‬وهذا عند أبي حنيفة‪،‬‬
‫فللولياء حق العتراض وطلب فسخ الزواج‪ ،‬إل إذا قبل الزوج زيادة المهر إلى مهر المثل‪ ،‬فل‬
‫يكون للولي حينئذ حق الفسخ‪ ،‬وبناء عليه إما أن يزيد الزوج إلى مهر المثل أو يفرق بينهما‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف ومحمد‪ :‬ليس هذا بشرط‪ ،‬ويلزم النكاح بدونه‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬خلو الزوج عن عيب الجب والعنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما‪.‬‬
‫هذه هي شروط الزواج الشرعية‪ ،‬أما الشروط القانونية الموضوعة لجراء عقد الزواج رسميا‬
‫ولسماع دعوى الزوجية‪ ،‬لمنع الناس من تزويج الصغار‪ ،‬ومحاولة ادعاء الزوجية زورا‪ ،‬فهي مجرد‬
‫قيود قانونية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري وأبو داود والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني‪.‬‬

‫( ‪)9/81‬‬

‫خلصة شروط الزواج في كل مذهب على حدة ‪:‬‬


‫الحنفية‪ :‬للزو اج شروط في الصيغة وفي العاقدين وفي الشهود‪:‬‬
‫أما شروط الصيغة ‪( :‬وهي اليجاب والقبول) فهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون بألفاظ مخصوصة‪ :‬وهي إما صريحة وإما كناية‪ ،‬فالصريحة‪ :‬هي ما كانت بلفظ‬
‫التزويج والنكاح وما اشتق منهما‪ ،‬سواء بلفظ الماضي‪ ،‬أم بلفظ المضارع بقرينة تدل على الحال‪ ،‬ل‬
‫طلب الوعد‪ ،‬أم بلفظ المر‪ :‬زوجني‪ .‬والكناية‪ :‬هي التي تحتاج إلى نية وأن تقوم قرينة على هذه النية‪،‬‬
‫وهي ألفاظ الهبة أو الصدقة أو التمليك أو الجعل‪ ،‬والبيع والشراء‪ ،‬مع نية معنى الزواج‪ .‬ول ينعقد‬
‫بلفظ الجارة والوصية‪ ،‬ول بلفظ الباحة والحلل والعارة والرهن والتمتع والقالة والخلع‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون اليجاب والقبول في مجلس واحد‪.‬‬
‫‪ - 3‬أل يخالف القبول اليجاب‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن تكون الصيغة مسموعة للعاقدين‪.‬‬
‫‪ - 5‬أل يكون اللفظ مؤقتا بوقت كشهر‪ ،‬وهونكاح المتعة‪.‬‬
‫وأما شروط العاقدين وهما الزوج والزوجة فهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬العقل‪ :‬وهو شرط في انعقاد الزواج‪ ،‬فل ينعقد زواج المجنون والصبي غير المميز‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلوغ والحرية وهما شرطان للنفاذ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يضاف الزواج إلى المرأة أو إلى جزء يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة‪ .‬فل ينعقد الزواج‬
‫بقوله‪ :‬زوجني نصفها أو يدها أو رجلها‪.‬‬
‫وأما الشهادة‪ :‬فهي شرط لصحة الزواج‪ ،‬وتكون بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين‪ ،‬ولو كانا محرمين‬
‫بالنسك‪ ،‬وشروط الشهود خمسة‪:‬‬
‫‪ -1-3‬العقل والبلوغ والحرية‪ :‬فل يصح بشهادة مجنون أو صبي أو عبد‪.‬‬
‫‪ - 4‬السلم في أنكحة المسلمين‪ :‬فل يصح زواج المسلمين بشهادة الذميين‪ ،‬إل إذا كانت المرأة ذمية‪،‬‬
‫والرجل مسلما‪ ،‬فيصح زواجها بشهادة ذميين‪ .‬وإذا كان الزوجان غير مسلمين صح الزواج بشهادة‬
‫غير المسلمين‪ ،‬سواء أكان الشاهدان موافقين للزوجين في الملة أم مخالفين‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يسمع الشهود كلم العاقدين معا‪ ،‬فل يصح بشهادة نائمين‪ .‬وتصح شهادة الخرس وفاقد‬
‫النطق إذا كان يسمع ويفهم‪ ،‬ول يشترط فهم الشهود معنى اللفظ بخصوصه‪ ،‬وإنما يشترط أن يعلموا‬
‫أن هذا اللفظ ينعقد به الزواج‪ .‬فإذا تزوج عربي بحضرة أعجميين‪ ،‬صح الزواج إذا عرفا أن اليجاب‬
‫والقبول ينعقد بهما الزواج‪ ،‬وينعقد بحضرة السكارى إذا كانا يعرفان أن هذا ينعقد به الزواج‪.‬‬
‫ول تشترط العدالة‪ ،‬فيصح الزواج بشهادة عدول أو غير عدول أو محدودين في القذف‪.‬‬
‫ول يشترط في الزواج اختيار العاقدين‪ ،‬فلو أكره أحدهما على النكاح انعقد‪ ،‬ومثله الطلق والعتق؛‬
‫لن هذه الثلثة تنعقد في حال الجد والهزل‪.‬‬
‫المالكية ‪:‬‬
‫يشترط في الصيغة ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون بألفاظ مخصوصة‪ :‬وهي أن يقول الولي‪ :‬زوجت أو أنكحت‪ ،‬أو يقول الزوج‪ :‬زوجني‬
‫فلنة‪ .‬ويكفي في القبول أن يقول‪ :‬قبلت أو رضيت أو نفذت أو أتممت‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفور‪ :‬أل يفصل بين اليجاب والقبول فاصل طويل‪ ،‬ول يضر الفاصل اليسير‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أل يكون اللفظ مؤقتا بوقت‪ :‬وهذا هو نكاح المتعة‪.‬‬

‫( ‪)9/82‬‬

‫‪ - 4‬أل يكون مشتملً على الخيار‪ ،‬أو على شرط يناقض العقد‪ ،‬ويشترط في الزواج أن يكون‬
‫بصداق‪ ،‬فإن لم يذكر حال العقد‪ ،‬فل بد من ذكره عند الدخول‪ .‬وأن يكون الصداق مما يملك شرعا‪،‬‬
‫فل يصح بخمر أو خنزير أو ميتة‪ ،‬أو مما ل يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية‪.‬‬
‫وتشترط الشهادة‪ ،‬ولكن ل يلزم أن يحضر الشهود عند العقد‪ ،‬بل يندب ذلك فقط‪.‬‬
‫ويشترط في الزوجين‪ :‬الخلو من الموانع كالحرام‪ ،‬وأل تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه‪ ،‬وأل‬
‫يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة‪.‬‬
‫ويشترط في الزوج لصحة الزواج أربعة شروط وهي‪:‬‬
‫السلم في نكاح مسلمة‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتمييز‪ ،‬وتحقق الذكورة‪ ،‬تحرزا من الخنثى المشكل فإنه ل يَنْكح‬
‫ول يُنكَح‪.‬‬
‫ويشترط في الزوج لستقرار الزواج خمسة شروط وهي‪ :‬الحرية‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والرشد‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫والكفاءة‪ .‬وإذا أكره أحد الزوجين على الزواج‪ ،‬لم يلزم‪ ،‬وليس للمكرَه أن يجيزه؛ لنه غير منعقد (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫الشافعية ‪:‬‬
‫اشترطوا شروطا في الصيغة وفي الزوجين وفي الشهود‪:‬‬
‫أما شروط الصيغة‪ :‬فهي ثلثة عشر شرطا تشترط في العقود وهي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخطاب‪ :‬بأن يخاطب كل من العاقدين صاحبه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الخطاب واقعا على جملة المخاطب‪ ،‬فل يصح على جزئه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يذكر المبتدئ بأحد شرطي العقد العوض والمعوض عنه كالثمن والمثمن‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يقصد العاقد معنى اللفظ الذي ينطق به‪ .‬فإن جرى على لسانه فل يصح‪.‬‬
‫‪ - 5‬أل يتخلل اليجاب والقبول كلم أجنبي‪.‬‬
‫‪ - 6‬أل يتخلل اليجاب والقبول سكوت طويل‪ :‬وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول‪.‬‬
‫‪ - 7‬أل يتغير كلم البادئ قبل قبول الخر‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن يكون كلم كل واحد من العاقدين مسموعا لصاحبه ولمن يقرب منه من الحاضرين‪ .‬فإن لم‬
‫يسمعه من كان قريبا ل يكفي‪ ،‬وإن سمعه العاقد‪.‬‬
‫‪ - 9‬أن يتوافق القبول مع اليجاب معنى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 197‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/83‬‬

‫‪ - 10‬أل يعلق الصيغة بشيء ل يقتضيه العقد‪ ،‬مثل إن شاء فلن أو إن شاء ال ‪.‬‬
‫‪ - 11‬أل يؤقت كلمه بوقت‪.‬‬
‫‪ - 12‬أن يكون القبول ممن وجه له الخطاب ل غيره‪.‬‬
‫‪ - 13‬أن تستمر أهلية المتكلمين بالصيغة إلى أن يتم القبول‪ ،‬فلو جُنّ أحدهما مثلً قبل قبول الخر‬
‫بطل العقد‪.‬‬
‫يظهر من هذه الشروط‪ :‬أنه يشترط في الزواج عدم التعليق مثل‪ :‬زوجتك ابنتي إن بعتني الرض‬
‫الفلنية‪ .‬ويشترط فيه عدم التأقيت‪ ،‬مثل زوجيني نفسك مدة شهر‪ ،‬وهو نكاح المتعة‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذه الشروط‪ :‬أن صيغة الزواج مقيدة بلفظي التزويج والنكاح دون غيرهما‪ ،‬في‬
‫اليجاب والقبول‪ .‬ول بد من أن تكون الصيغة بلفظ الماضي‪ ،‬ول يصح بلفظ المضارع؛ لنه يحتمل‬
‫الوعد ما لم يقل‪ :‬الن‪ .‬ويصح العقد باللفاظ المحرفة مثل‪ :‬جوزتك موكلتي‪ ،‬حتى ولو لم تكن لغته‬
‫على المعتمد‪ ،‬ويصح بلفظ المر‪ :‬زوجني ابنتك‪ ،‬فيقول له‪ :‬زوجتك‪ ،‬كما يصح بقول الولي‪ :‬تزوج‬
‫بنتي‪ ،‬فيقول له‪ :‬تزوجت‪.‬‬
‫وأما شروط الزوج‪ :‬فهي أن يكون غير مَحْرم للمرأة‪ ،‬كأخ أو خال‪ ،‬من نسب أو رضاع أو مصاهرة‪.‬‬
‫حلّ المرأة‬
‫وأن يكون مختارا غير مكره‪ ،‬وأن يكون معينا فل يصح نكاح المجهول‪ ،‬وأل يكون جاهلً ِ‬
‫له‪ ،‬فل يجوز أن يتقدم لنكاح امرأة وهو جاهل بحلها‪ .‬وأما شروط الزوجة‪ :‬فهي أل تكون محرما‬
‫للزوج‪ ،‬وأن تكون معينة‪ ،‬وأن تخلو من الموانع الشرعية كالمتزوجة والمعتدة‪.‬‬
‫وأما شروط الشهود‪ :‬فهي الحرية والذكورة والعدالة والسمع والبصر‪ ،‬وكون الشاهد غير ولي متعين‬
‫في الزواج‪ ،‬فل يصح الزواج بشهادة عبد أو امرأة أو فاسق أو أصم أو أعمى أو خنثى مشكل‪ ،‬أو‬
‫ولي يباشر العقد‪ ،‬فل يكون الولي شاهدا‪ ،‬كالزوج ووكيله‪ ،‬فل تصح شهادته مع وجود وكيله‪ .‬وينعقد‬
‫النكاح بابني الزوجين وأبويهما وعدويهما لثبوت النكاح بهما‪ ،‬وبمستوري العدالة‪.‬‬
‫والشهود والولي ركنان في عقد الزواج‪.‬‬

‫( ‪)9/84‬‬

‫الحنابلة ‪:‬‬
‫للزواج خمسة شروط‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬تعيين الزوجين؛ لن النكاح عقد معاوضة‪ ،‬أشبه تعيين المبيع في البيع‪ ،‬ولن المقصود في‬
‫النكاح التعيين‪ ،‬فلم يصح بدونه‪ .‬ويشترط في الصيغة أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج‪ ،‬لكن يكفي في‬
‫القبول‪ ،‬كما قال المالكية‪ ،‬وخلفا للشافعية أن يقول‪ :‬قبلت أو رضيت‪ ،‬ول يشترط فيه أن يقول‪ :‬قبلت‬
‫زواجها أو نكاحها‪ .‬ول يصح أن يتقدم القبول على ا ليجاب‪ ،‬ويشترط الفور‪ ،‬فإن تأخر القبول عن‬
‫اليجاب حتى تفرقا أو تشاغل بما يقطعه عرفا فإنه ل يصح‪ .‬ول يشترط أن يكون اللفظ عربيا‪،‬‬
‫فيصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى اليجاب والقبول بلفظ‬
‫التزويج أو النكاح‪ .‬ول يصح النكاح بالكتابة ول بالشارة إل من الخرس‪ ،‬فيصح منه بإشارته‬
‫المفهمة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الرضا والختيار من الزوجين أو من يقوم مقامهما‪ ،‬فإن لم يرضيا لم يصح النكاح‪ ،‬فل يصح‬
‫زواج المكره‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الولي‪ :‬فل يصح نكاح إل بولي‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬الشهادة على النكاح‪ :‬فل يصح إل بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما‬
‫ظاهرا‪ ،‬ولو رقيقين‪ .‬وأن يكونا متكلمين مسلمين سميعين‪ ،‬فل تصح بشهادة الصم والكافر‪ ،‬وتصح‬
‫شهادة العمى‪ ،‬وشهادة عدوي الزوجين‪ ،‬ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما‪ ،‬فل‬
‫تصح شهادة أبي الزوجة أو الزوج أو أبنائهما؛ لن شهادتهما ل تقبل‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬خلو الزوجين أوأحدهما من مانع المحرمية بنسب أو رضاع أو مصاهرة‪ ،‬أو مانع اختلف الدين‬
‫بأن يكون مسلما وهي مجوسية ونحوه‪ ،‬أو كون المرأة في عدة ونحو ذلك‪ ،‬كأن يكون أحدهما محرما‬
‫بحج أو عمرة‪.‬‬

‫( ‪)9/85‬‬

‫المبحث الرابع ـ أنواع الزواج وحكم كل نوع ‪:‬‬


‫يتنوع الزواج بحسب اختلف المذاهب في شروط الزواج‪ ،‬فهو عند الحنفية خمسة أنواع ‪:‬‬
‫وهي الزواج الصحيح اللزم‪ ،‬والصحيح غير اللزم‪ ،‬والموقوف‪ ،‬والفاسد‪ ،‬والباطل‪ .‬وعند المالكية‬
‫أربعة أنواع‪ :‬وهي الزواج اللزم‪ ،‬وغير اللزم‪ ،‬والموقوف‪ ،‬والفاسد أو الباطل‪.‬‬
‫وعند الشافعية والحنابلة ثلثة أنواع‪ :‬وهي الزواج اللزم‪ ،‬وغير اللزم‪ ،‬والفاسد أو الباطل‪ .‬وأما‬
‫الزواج المكروه فهو بالتفاق من أنواع الزواج الصحيح اللزم‪ .‬والمقصود بالزواج اللزم‪ :‬هو الذي‬
‫استوفى أركانه وشروط صحته ونفاذه ولزومه‪.‬‬
‫والزواج غير اللزم‪ :‬هو ما استوفى أركانه وشروط صحته ونفاذه وفقد شرطا من شروط اللزوم‪.‬‬
‫والزواج الموقوف‪ :‬هو الذي استكمل أركانه وشروط صحته‪ ،‬وفقد شرطا من شروط النفاذ‪.‬‬
‫والزواج الباطل عند الجمهور‪ :‬هو ما فقد ركنا من أركانه أو شرطا من شروط صحته‪ .‬وأما عند‬
‫الحنفية‪ :‬فهو ما فقد ركنامن أركانه أوشرطا من شروط انعقاده‪.‬‬
‫والزواج الفاسد عند الحنفية‪ :‬هو ما استوفى أركانه وشروط انعقاده وتخلف فيه شرط من شروط‬
‫الصحة‪.‬‬
‫ول فرق عند الجمهور بين الفاسد والباطل‪.‬‬
‫والمقصود بحكم الزواج هنا‪ :‬الثر المترتب على العقد‪ ،‬تبعا لستيفاء أركانه وشرائطه الشرعية وعدم‬
‫استيفائه‪ ،‬وأبين هنا حكم كل نوع من أنواع الزواج السابقة‪.‬‬
‫أنواع الزواج وحكمها في القانون ‪:‬‬
‫نص قانون الحوال الشخصية السوري على أنواع الزواج وحكم كل نوع منها‪ .‬ففي المادة (‪ )47‬نص‬
‫على الزواج الصحيح‪ « :‬إذا توافرت في عقد الزواج أركانه وسائر شرائط انعقاده‪ ،‬كان صحيحا» ‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )49‬على آثار الزواج الصحيح وهي‪:‬‬
‫«الزواج الصحيح النافذ تترتب علىه جميع آثاره من الحقوق الزوجية كالمهر ونفقة الزوجة ووجوب‬
‫المتابعة وتوارث الزوجين‪ ،‬ومن حقوق السرة كنسب الولد وحرمة المصاهرة» أي أنه تثبت أحكام‬
‫ستة بمجرد عقد الزواج الصحيح‪ :‬وهي وجوب المهر‪ ،‬واستحقاق النفقة الزوجية‪ ،‬ومتابعة الزوجة‬
‫لزوجها‪ ،‬واستحقاق الرث‪ ،‬وثبوت نسب الولد من الب‪ ،‬وحرمة المصاهرة‪.‬‬
‫وفي المادة (‪ )50‬نص على أثر الزواج الباطل‪:‬‬
‫«الزواج الباطل ل يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح‪ ،‬ولو حصل فيه دخول» ‪.‬‬
‫«ونصت المادة ‪ 2/48‬على أن ‪ :‬زواج المسلمة بغير المسلم باطل» ‪.‬‬

‫( ‪)9/86‬‬

‫ونصت الفقرة (‪ )1‬من هذه المادة على الزواج الفاسد‪ « :‬كل زواج تم ركنه باليجاب والقبول واختل‬
‫بعض شرائطه‪ ،‬فهو فاسد » ‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )51‬على آثار الزواج الفاسد‪:‬‬
‫‪ - 1‬الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل‪.‬‬
‫‪ - 2‬ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية‪:‬‬
‫أ ـ المهر في الحد القل من مهر المثل والمسمى‪.‬‬
‫ب ـ نسب الولد بنتائجه المبينة في المادة (‪ )133‬من هذا القانون‪.‬‬
‫جـ ـ حرمة المصاهرة‪.‬‬
‫د ـ عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج‪ ،‬ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬تستحق الزوجة النفقة الزوجية مادامت جاهلة فساد النكاح‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )52‬على حكم الزواج الموقوف قبل الجازة‪:‬‬
‫الزواج الموقوف حكمه قبل الجازة كالفاسد‪.‬‬
‫ولم ينص هذا القانون على أحكام الزواج غير اللزم‪ ،‬إل ما ذكر في بحث الكفاءة‪ ،‬حيث نصت المادة‬
‫(‪ )27‬على أن للولي حق الفسخ إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير كفء‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )30‬على أن المرأة إذا حملت يسقط حق الفسخ لعدم الكفاءة‪.‬‬

‫( ‪)9/87‬‬

‫أحكام الزواج عند الفقهاء ‪:‬‬


‫حكم الزواج الصحيح اللزم ‪:‬‬
‫للزواج اللزم أو التام الذي استوفى أركانه وشروطه كلها آثار هي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬حل استمتاع كل من الزوجين بالخر على النحو المأذون فيه شرعاً‪ ،‬ما لم يمنع منه مانع‪.‬‬
‫والمأذون فيه شرعا‪ ،‬ما لم يمنع منه مانع‪ .‬والمأذون فيه ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ حل الوطء في القبل ل الدبر‪ :‬ول يحل الوطء في حالة الحيض والنفاس‪ ،‬والحرام‪ ،‬وفي الظهار‬
‫قبل التكفير (إخراج الكفارة) لقوله سبحانه‪{ :‬والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما‬
‫ملكت أيمانهم‪ ،‬فإنهم غير ملومين} [المؤمنون‪ ]6-23/5:‬ولقوله تعالى‪{ :‬ويسألونك عن المحيض قل‪:‬‬
‫هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض‪ ،‬ول تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة‪ ]222/2:‬والنفاس أخو‬
‫الحيض‪ .‬وقوله عز وجل‪{ :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة‪ ]223/2:‬أي في أي وقت‬
‫وكيفية شئتم في المكان المعروف وهو القبُل (‪ . )2‬وقول سبحانه‪{ :‬والذين يظاهرون من نسائهم‪ ،‬ثم‬
‫يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪.]58/3:‬‬
‫وقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ملعون من أتى امرأة في دُبُرها» (‪« )3‬من أتى حائضا أو امرأة في‬
‫دبرها‪ ،‬أو كاهنا فصدّقه‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى ال عليه وسلم » (‪ )4‬وقوله أيضا‪:‬‬
‫«واتقوا ال في النساء‪ ،‬فإنهن عندكم عوانٍ (‪ ، )5‬ل يملكن لنفسهن شيئا‪ ...‬وإنما أخذتموهن بأمانة ال‬
‫‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة ال عز وجل» (‪ )6‬وكلمة ال المذكورة في كتابه العزيز‪ :‬لفظة النكاح‬
‫والتزويج‪.‬‬
‫لكن ل تطلق المرأة بالوطء في دبرها‪ ،‬وإنما يحق لها طلب الطلق من القاضي بسبب الذى‬
‫والضرر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.334-331/2 :‬‬
‫(‪ )2‬يعني مقبلت ومدبرات ومستلقيات في موضع إنجاب الولد‪ ،‬جاء في رواية مسلم‪ « :‬إن شاء‬
‫ُمجَبّية ـ أي باركة ـ وإن شاء غير مجبّية‪ ،‬غير أن ذلك في صِمام واحد » والتجبية‪ :‬النكباب على‬
‫الوجه ( نيل الوطار‪.) 204-203/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)200/6 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد والترمذي وأبو داود ‪ ،‬وقال‪ :‬فقد برئ مما أنزل‪ ،‬من حديث أبي هريرة (المرجع‬
‫السابق)‪.‬‬
‫(‪ )5‬أي أسيرات‪ ،‬من عنا‪ :‬إذا ذل وخضع‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد عن أبي حرة الرقاشي‪ ،‬وثقة أبو داود‪ ،‬وفيه علي بن زيد وفيه كلم (مجمع الزوائد‪:‬‬
‫‪.)266-265/3‬‬

‫( ‪)9/88‬‬

‫ما يقتضيه وطء الحائض في القبل‪ :‬يلحظ أن الوطء في الدبر حرام في أثناء الحيض وغيره‪ ،‬ويسن‬
‫لمن وطئ الحائض أو النفساء في قبلها إذا كان عامدا عالما بالتحريم بالحيض أن يتصدق بدينار إن‬
‫وطئها في إقبال الدم‪ ،‬وبنصف دينار إن وطئها في إدباره (‪ ، )1‬لخبر‪« :‬إذا واقع الرجل أهله‪ ،‬وهي‬
‫حائض‪ ،‬إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار‪ ،‬وإن كان أصفر‪ ،‬فليتصدق بنصف دينار» (‪. )2‬‬
‫ب ـ حل النظر والمس من رأسها إلى قدميها في حال الحياة؛ لن إحلل الوطء إحلل للمس والنظر‬
‫من طريق الولى‪ .‬وأما بعد الموت فل يحل له المس والنظر عند الحنفية‪ ،‬ويحل عند الجمهور‪.‬‬
‫جـ ـ ملك المتعة‪ :‬وهو اختصاص الزوج بمنافع بُضع الزوجة وسائر أعضائها استمتاعا‪ .‬وهو‬
‫عوض عن المهر‪ ،‬والمهر على الرجل‪ ،‬فيكون هذا الحكم على الزوجة خاصا بالزوج‪.‬‬
‫‪ - 2‬ملك الحبس والقيد‪ :‬أي صيرورة المرأة ممنوعة عن الخروج إل بإذن الزوج‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{أسكنوهن} [الطلق‪ ]65/6:‬والمر بالسكان نهي عن الخروج‪ ،‬وقوله عز وجل‪{ :‬وقَرْن في بيوتكن}‬
‫[الحزاب‪ ]33/33:‬وقوله سبحانه‪{ :‬ل تخرجوهن من بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن } [الطلق‪.]56/1:‬‬
‫‪ - 3‬وجوب المهر المسمى على الزوج للزوجة‪ :‬فهو حكم أصلي للزواج ل وجود له بدونه شرعا؛‬
‫لن المهر عوض عن ملك المتعة‪.‬‬
‫‪ - 4‬وجوب النفقة بأنواعها الثلثة‪ :‬وهي الطعام والكسوة والسكنى‪ ،‬مالم تمتنع الزوجة عن طاعة‬
‫زوجها بغير حق‪ ،‬فإن امتنعت سقطت نفقتها‪ .‬ودليل اللزام بالنفقة قوله تعالى‪{ :‬وعلى المولود له‬
‫رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة‪ ]2/233:‬وقوله تعالى‪{ :‬لينفق ذو سعة من سعته‪ ،‬ومن قُدر عليه‬
‫رزقه‪ ،‬فلينفق مما آتاه ال } [الطلق‪ ]7/65:‬وقوله عز وجل‪{ :‬أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجْدكم}‬
‫[الطلق‪ ]65/6:‬والمر بالسكان أمر بالنفاق؛ لنها ل تمكّن من الخروج للكسب‪ ،‬لكونها عاجزة‬
‫بأصل الخلقة لضعف بنيتها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الطلب بشرح متن تحرير تنقيح اللباب للشيخ زكريا النصاري‪ :‬ص ‪.227‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والحاكم وصححه‪.‬‬

‫( ‪)9/89‬‬

‫‪ - 5‬ثبوت حرمة المصاهرة‪ :‬وهي حرمة الزوجة على أصول الزوج وفروعه‪ ،‬وحرمة أصول‬
‫الزوجة وفروعها على الزوج‪ ،‬لكن تثبت الحرمة في بعض الحالت بنفس عقد الزواج‪ ،‬وفي بعضها‬
‫يشترط الدخول‪.‬‬
‫‪ - 6‬ثبوت نسب الولد من الزوج‪ :‬بمجرد وجود الزواج في الظاهر‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم‬
‫«الولد للفراش وللعاهر الحجر» (‪ )1‬وفي لفظ للبخاري‪« :‬لصاحب الفراش» ‪.‬‬
‫‪ - 7‬ثبوت حق الرث بين الزوجين‪ :‬إذا مات أحد الزوجين أثناء الزوجية أو في العدة من طلق‬
‫رجعي‪ ،‬بالتفاق‪ ،‬أو من طلق بائن في مرض الموت عند الجمهور غير الشافعية‪ ،‬حتى ولو بعد‬
‫العدة عند المالكية والحنابلة‪ .‬والدليل قوله تعالى‪{ :‬ولكم نصف ما ترك أزواجكم‪[ }..‬النساء‪ ]4/12:‬إلى‬
‫قوله عز وجل‪{ :‬ولهن الثمُن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} [النساء‪.]4/12:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل أبا داود عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)279/6 :‬‬

‫( ‪)9/90‬‬

‫‪ - 8‬وجوب العدل بين النساء في حقوقهن عند التعدد(‪: )1‬‬


‫إذا كان للرجل أكثر من امرأة‪ ،‬فعليه عند الجمهور غير الشافعية العدل بينهن في حقوقهن من البيتوتة‬
‫والنفقة (المشروب والملبوس) والكسوة والسكنى‪ ،‬أي التسوية بينهن فيما ذكر‪ .‬فقد ندب سبحانه وتعالى‬
‫إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة‪ ،‬فدل على أن العدل بينهن في القَسْم (وهو توزيع‬
‫الزمان ليلً ونهارا إل لحاجة على زوجاته إن كن اثنتين فأكثر) والنفقة واجبة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فإن خفتم‬
‫أل تعدلوا فواحدة} [النساء‪ ]3/4:‬أي إن خفتم أل تعدلوا في القسم والنفقة في نكاح المثنى والثلث‬
‫والرباع‪ ،‬فواحدة‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬ذلك أدنى أل تعولوا} [النساء‪ ]3/4:‬أي تجوروا‪ ،‬والجور حرام‪ ،‬فكان‬
‫العدل واجبا ضرورة‪.‬‬
‫وقالت عائشة‪« :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول‪ :‬اللهم هذا قَسْمي فيما أملك‪،‬‬
‫فل تلُمني فيما تملك ول أملك » (‪ )2‬قال الترمذي‪ :‬يعني به الحب والمودة‪ ،‬وأخرج البيهقي عن ابن‬
‫عباس في قوله {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} [النساء‪ ]129/ 4:‬قال‪ :‬في الحب‬
‫والجماع‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬من كانت له امرأتان‪ ،‬يميل لحداهما على‬
‫الخرى‪ ،‬جاء يوم القيامة‪ ،‬يجرّ أحد شقيه ساقطا أو مائلً» (‪. )3‬‬
‫والبداءة في القسم وفي مقدار الدور إلى الزوج‪ ،‬ويطوف إلى نسائه في منازلهم اقتداء برسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويمنع جمع المرأتين مع الرجل في فراش واحد‪ ،‬وإن بدون وطء‪ ،‬فلو كان‬
‫عمل الزوج ليلً كالحارس‪ ،‬ذكر الشافعية أنه يقسم نهارا‪ ،‬قال الحنفية‪ :‬وهو حسن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 332/2 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 179/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،519-516/2 :‬الدر‬
‫المختار وحاشية ابن عابدين‪ ،553-546/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،212‬الشرح الصغير‪-505/2 :‬‬
‫‪ ،511‬المهذب‪ ،69-67/2 :‬مغني المحتاج‪ ،256-251/3 :‬كشاف القناع‪.233-213/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة إل أحمد (نيل الوطار‪.)217/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الخمسة عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)216/6 :‬‬

‫( ‪)9/91‬‬

‫حال المرض‪ :‬والمريض في وجوب القسم عليه كالصحيح البالغ العاقل ولو مجبوبا ؛ لن « رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه‪ :‬أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم‬
‫عائشة‪ ،‬فأذن له أزواجه يكون حيث شاء‪ ،‬فكان في بيت عائشة حتى مات عندها» (‪. )1‬‬
‫لكن قال المالكية‪ :‬إن لم يقدر مريض على القسم لشدة مرضه‪ ،‬فعند من شاء منهن‪ ،‬بل تعيين‪.‬‬
‫نوع القسم‪ :‬ول يجب القسم في الوطء‪ ،‬وإنما في المبيت إل إذا أراد إضرار امرأة‪ ،‬فيجب عليه ترك‬
‫الضرر‪ ،‬فعماد القسم الليل‪ ،‬لقوله عز وجل‪{ :‬وجعلنا الليل لباسا} [النبأ‪ ]78/10:‬قيل في التفسير‪:‬‬
‫اليواء إلى المساكن‪ ،‬ولن النهار للمعيشة‪ ،‬والليل للسكون‪ .‬لكن يستحب القسم في الستمتاع؛ لنه‬
‫أكمل في العدل‪.‬‬
‫القسم في السفر‪ :‬قال الحنفية‪ :‬ل قسم على الزوج إذا سافر‪ ،‬ول يجب عليه أن يبيت عند الخرى‬
‫مقابل أيام السفر؛ لن مدة السفر ضائعة‪ ،‬لكن الفضل أن يقرع بينهن‪ ،‬فيخرج بمن خرجت قرعتها‬
‫تطييبا لقلوبهن دفعا لتهمة الميل عن نفسه‪ ،‬قالت عائشة‪« :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلم إذا أراد أن‬
‫يخرج سفرا أقرع بين أزواجه‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها‪ ،‬خرج بها معه» (‪. )2‬‬
‫ورأى المالكية كالحنفية أن الزوج إذا أراد سفرا اختار منهن للسفر معه من شاء‪ ،‬إل إذا أراد السفر‬
‫في قُرْبة أي عبادة كحج‪ ،‬فيُقرع بينهما أو بينهن‪ .‬والحاصل أن الحنفية والمالكية ل يوجبون القرعة؛‬
‫لنها من باب الخطر والقمار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق‪ :‬ص ‪.)217‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق)‪.‬‬

‫( ‪)9/92‬‬

‫لكن الحنابلة والشافعية قالوا‪ :‬إنه ل يجوز للزوج اصطحاب إحداهن معه بغير قرعة‪ ،‬فإذا أراد السفر‬
‫أقرع بينهن‪ ،‬فمن خرجت عليها القرعة‪ ،‬سافر بها؛ لنه صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬كان إذا أراد سفرا‬
‫أقرع بين نسائه‪ ،‬فمن خرج سهمها خرج بها معه» (‪. )1‬‬
‫أثر سفر المرأة على القسم‪ :‬إن سافرت المرأة بغير إذن الزوج‪ ،‬سقط حقها من القسم والنفقة؛ لن‬
‫القسم للنس‪ ،‬والنفقة للتمكين من الستمتاع‪ ،‬وقد منعت ذلك بالسفر‪ .‬فإن سافرت بإذن الزوج‪ ،‬قال‬
‫الشافعية في الجديد‪ :‬إن كان لغرضه يقضي لها‪ ،‬وإن كان لغرضها ل يقضي‪.‬‬
‫وكذلك قال الحنابلة‪ :‬يسقط حق المرأة في القسم والنفقة إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أوغيرها‪ ،‬أو‬
‫امتنعت من المبيت عنده‪ ،‬أو سافرت بإذنه لحاجتها‪ .‬ول يسقط حقها من نفقة ول قسم إن بعثها الزوج‬
‫لحاجته‪ ،‬أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه‪ .‬وقالوا أيضا‪ :‬لو سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة‪ ،‬سقط‬
‫حقها من القسم والوطء‪ ،‬وإن طال سفره للعذر‪.‬‬
‫هبة المرأة حقها‪ :‬اتفق الفقهاء على أن للمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان‪ ،‬وفي بعضه‪،‬‬
‫لبعض ضرائرها‪ ،‬وعلى أنه إن رضيت بترك قسمها‪ ،‬جاز؛ لنه حق ثبت لها‪ ،‬فلها أن تستوفي‪ ،‬ولها‬
‫أن تترك‪ ،‬فقد ثبت أن سودة بنت َزمْعة وهبت يومها لعائشة‪ ،‬وكان النبي صلّى ال عليه وسلم يقسم‬
‫لعائشة يومها ويوم سودة (‪. )2‬‬
‫ولكن ل تجوز الهبة بغير رضا الزوج‪ ،‬فإذا رضيت الواهبة ورضي الزوج‪ ،‬جاز بل خلف؛ لن‬
‫الحق ل يخرج عنهما‪ .‬ول يلزم الزوج الرضا بالهبة؛ لنها ل تملك إسقاط حقه من الستمتاع‪ ،‬فله أن‬
‫يبيت عندها في ليلتها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن عائشة (المرجع السابق‪ :‬ص ‪.)218‬‬

‫( ‪)9/93‬‬

‫وإذا أخذت الواهبة مالً على ترك نوبتها‪ ،‬لم يجز أخذه‪ ،‬ويلزمها رده إلى من أخذته منه‪ ،‬وعلى الزوج‬
‫أن يقضي لها زمن هبتها؛ لنها تركته بشرط العوض‪ ،‬ولم يسلم العوض لها‪ ،‬فترجع بالمعوض؛ لن‬
‫هذا معاوضة القسم بالمال‪ ،‬فيكون في معنى البيع‪ ،‬ول يجوز هذا البيع‪.‬‬
‫حق البكر والثيب والجديدة والقديمة‪ :‬قال الحنفية‪ :‬البكر والثيب‪ ،‬والجديدة والقديمة‪ ،‬والمسلمة والكتابية‬
‫سواء في القسم‪ ،‬لطلق اليات‪ ،‬وهي قوله تعالى‪{ :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم‪،‬‬
‫فل تميلوا كل الميل} [النساء‪ ]129/4:‬أي لن تستطيعوا أن تعدلوا في المحبة‪ ،‬فل تميلوا في القسم‪ ،‬كما‬
‫قال ابن عباس‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وعاشروهن بالمعروف} [النساء‪ ]19/4:‬وغايته القسم‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫{ فإن خفتم أل تعدلوا } [النساء‪ ]3/4:‬ولطلق أحاديث النهي عن الميل وعدم القسم‪ ،‬ولن القسم من‬
‫حقوق الزواج‪ ،‬ول تفاوت بين النساء في الحقوق‪.‬‬
‫وأما ما روي من نحو‪« :‬للبكر سبع وللثيب ثلث» فيحتمل أن المراد التفضيل في البداءة دون الزيادة‪،‬‬
‫فوجب تقديم الدليل القطعي‪ ،‬وهو اليات‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬تختص وجوبا البكر الجديدة عند الزفاف بسبع ليال متوالية‪ ،‬بل قضاء للباقيات‪.‬‬
‫وتختص وجوبا الزوجة الثيب بثلث ليال متوالية‪ ،‬بل قضاء‪ ،‬ثم يقسم بعدئذ‪ ،‬لخبر ابن حبان في‬
‫صحيحه‪« :‬سبع للبكر‪ ،‬وثلث للثيب» (‪، )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ورواه الدارقطني أيضا (نيل الوطار‪ )214/6 :‬بلفظ‪« :‬للبكر سبعة أيام‪ ،‬وللثيب ثلث‪ ،‬ثم يعود‬
‫إلى نسائه» ‪.‬‬

‫( ‪)9/94‬‬

‫وعن أبي قلبة عن أنس قال‪« :‬من السنة إذا تزوج البكر على الثيب‪ ،‬أقام عندها سبعا‪ ،‬ثم قَسَم‪ ،‬وإذا‬
‫ت لقلت‪ :‬إن أنسا رفعه إلى رسول ال‬
‫تزوج الثيب أقام عندها ثلثا‪ ،‬ثم قسم» قال أبو قلبة‪« :‬ولو شئ ُ‬
‫صلّى ال عليه وسلم » (‪. )1‬‬
‫‪ - 9‬وجوب طاعة الزوجة لزوجها إذا دعاها إلى الفراش‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ولهن مثل الذي عليهن‬
‫بالمعروف} [البقرة‪ ]228/2:‬قيل‪ :‬لها المهر والنفقة وعليها أن تطيعه في نفسها‪ ،‬وتحفظ غيبته‪ .‬وقد‬
‫أمر الشرع في قوله تعالى‪{ :‬فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [النساء‪ ]34/4:‬بتأديبهن‬
‫بالهجر والضرب غير المبرح (غير المؤذي) عند عدم طاعتهن‪ ،‬ثم قال تعالى‪{ :‬فإن أطعنكم فل تبغوا‬
‫عليهن سبيلً} [النساء‪ ]34/4:‬فدل على لزوم إطاعتهن الزواج‪.‬‬
‫‪ - 10‬ولية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته‪ :‬بأن نشزت‪ ،‬أو خرجت بل إذن‪ ،‬أو تركت‬
‫حقوق ال كالطهارة والصلة‪ ،‬أوأغلقت الباب دونه‪ ،‬أو خانته في نفسها أو ماله‪ .‬ويبدأ بالترتيب بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫الوعظ والنصح بالرفق واللين‪ :‬وهوذكر ما يقتضي رجوعها عما ارتكبته من المر والنهي برفق‪ ،‬ثم‬
‫الهجر والعتزال وترك الجماع والمضاجعة‪ ،‬ثم الضرب غير المبرح ول الشائن‪ :‬وهو الضرب‬
‫بالسواك ونحوه فقط‪ .‬والدليل قوله تعالى‪{ :‬واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في‬
‫المضاجع‪ ،‬واضربوهن} [النساء‪ ]34/4:‬فظاهر الية‪ ،‬وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع‬
‫المطلق‪ ،‬لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب‪ ،‬والواو تحتمل الترتيب‪.‬‬
‫فإن نفع الضرب‪ ،‬وإل رفع المر‪ ،‬لبعث حكمين أحدهما من أهله‪ ،‬والخر من أهلها‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫{وإن خفتم شقاق بينهما‪ ،‬فابعثوا حكما من أهله‪ ،‬وحكما من أهلها‪ ،‬إن يريدا إصلحا يوفق ال بينهما}‬
‫[النساء‪.]35/4:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه (المرجع السابق)‪.‬‬

‫( ‪)9/95‬‬

‫‪ - 11‬المعاشرة بالمعروف من كف الذى وإيفاء الحقوق وحسن المعاملة‪ :‬وهو أمر مندوب إليه‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬وعاشروهن بالمعروف} [النساء‪ ]19/4:‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬خيركم خيركم‬
‫لهله‪ ،‬وأنا خيركم لهلي» (‪ )1‬وقوله‪« :‬استوصوا بالنساء خيرا» (‪ )2‬والمرأة أيضا مندوبة إلى‬
‫المعاشرة الجميلة مع زوجها بالحسان‪ ،‬واللطف في الكلم‪ ،‬والقول المعروف الذي يطيب به نفس‬
‫الزوج‪.‬‬
‫ومن العشرة بالمعروف‪ :‬بذل الحق من غير مطل‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬مَطْل الغني ظلم» (‬
‫‪. )3‬‬
‫ومن العشرة الطيبة‪ :‬أل يجمع بين امرأتين في مسكن إل برضاهما؛ لنه ليس من العشرة بالمعروف‪،‬‬
‫ولنه يؤدي إلى الخصومة‪ .‬ومنها أل يطأ إحداهما بحضرة الخرى؛ لنه دناءة وسوء عشرة‪ .‬ومنها‬
‫أل يستمتع بها إل بالمعروف‪ ،‬فإن كانت ِنضْو الخلق (هزيلة) ولم تحتمل الوطء‪ ،‬لم يجز وطؤها لما‬
‫فيه من الضرار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي عن عائشة‪ ،‬وابن ماجه عن ابن عباس‪ ،‬والطبراني عن معاوية‪ ،‬وهو حديث‬
‫صحيح (نيل الوطار‪.)206/6 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)205/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) وابن أبي شيبة والطبراني في الوسط عن أبي‬
‫هريرة (نصب الراية‪.)59/4 :‬‬

‫( ‪)9/96‬‬

‫حكم الستمتاع أو هل الوطء واجب؟‬


‫قال الحنفية (‪ : )1‬للزوجة أن تطالب زوجها بالوطء؛ لن حله لها حقها‪ ،‬كما أن حلها له حقه‪ ،‬وإذا‬
‫طالبته يجب على الزوج‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬الجماع واجب على الرجل للمرأة إذا انتفى العذر‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )3‬ول يجب عليه الستمتاع إل مرة؛ لنه حق له‪ ،‬فجاز له تركه كسكنى الدار‬
‫المستأجرة‪ ،‬ولن الداعي إلى الستمتاع الشهوة والمحبة‪ ،‬فل يمكن إيجابه‪ ،‬والمستحب أل يعطلها‪،‬‬
‫لقول رسول ال صلّى ال عليه وسلم لعبد ال بن عمرو بن العاص‪« :‬أتصوم النهار؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وتقوم الليل؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأنام‪ ،‬وأمسّ النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي‬
‫فليس مني» (‪ )4‬ولنه إذا عطلها لم يأمن الفساد ووقع الشقاق‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )5‬يجب على الزوج أن يطأ الزوجة في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر؛ لنه‬
‫لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين (أي يمين اليلء) على تركه واجبا كسائر ما ل يجب‪ ،‬ولن النكاح‬
‫شرع لمصلحة الزوجين‪ ،‬ودفع الضرر عنهما‪ ،‬وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة من المرأة‪ ،‬كإفضائه‬
‫إلى دفعه عن الرجل‪ ،‬فيكون الوطء حقا لهما جميعا‪ ،‬ولنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها‬
‫في العزل‪ .‬فإن أبى الرجل الوطء بعد انقضاء الربعة الشهر‪ ،‬أو أبى البيتوتة في ليلة من أربع ليال‬
‫للحرة‪ ،‬حتى مضت الربعة الشهر بل عذر لحدهما‪ ،‬فرّق بينهما بطلبهما‪ ،‬كمن حلف يمين اليلء‪،‬‬
‫وكما لو منع النفقة وتعذرت عليها من قبله‪ ،‬ولو كان ذلك قبل الدخول بالمرأة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الجمهور يوجبون الوطء على الرجل وإعفاف المرأة‪ ،‬والشافعية ل يوجبونه إل مرة‬
‫واحدة‪ ،‬والرأي الول أرجح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.331/2 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.211‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،66/2 :‬تكملة المجموع‪.568/15 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود الطيالسي عن ابن عمرو‪ ،‬والبزار عن ابن عباس‪ ،‬وفيه ضعيف‪ ،‬ووثقه بعضهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬كشاف القناع‪.214/5 :‬‬

‫( ‪)9/97‬‬

‫العزل‪ :‬وهو النزال خارج الفرج بعد النزع منه‪ ،‬ل مطلقا‪ .‬ومن المعاشرة الطيبة‪ :‬أل يعزل عن‬
‫امرأته الحرة بغير إذنها‪ ،‬فيكره العزل بالتفاق بغير رضاها؛ لن الوطء عن إنزال سبب لحصول‬
‫الولد‪ ،‬ولها في الولد حق‪ ،‬وبالعزل يفوت الولد (‪. )1‬‬
‫ودليل جواز العزل قول جابر‪« :‬كنا نعزل على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم والقرآن ينزل» (‬
‫‪ )2‬ولمسلم‪« :‬كنا نعزل على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبلغه ذلك‪ ،‬فلم ينهنا» ‪.‬‬
‫ودليل كراهية العزل‪ :‬حديث جُذَامة بنت وهب السدية بلفظ‪« :‬حضرت رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم في أناس‪ ،‬وهو يقول‪ :‬لقد هممت أن أنهى عن الغيلة‪ ،‬فنظرت في الروم وفارس‪ ،‬فإذا هم يغيلون‬
‫أولدهم‪ ،‬فل يضر أولدهم شيئا‪ ،‬ثم سألوه عن العزل‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك الوأد الخفي‪ ،‬وهي‪ :‬وإذا الموءودة‬
‫سئلت» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،234/2 :‬الدر المختار‪ 521/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،212‬المهذب‪،66/2 :‬‬
‫تكملة المجموع‪ ،578/15 :‬كشاف القناع‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن جابر (نيل الوطار‪.)195/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد ومسلم‪ ،‬والمراد بالغيلة‪ :‬أن يجامع امرأته وهي مرضع‪ ،‬وقال ابن السكّيت‪ :‬هي أن‬
‫ترضع المرأة وهي حامل‪ ،‬وذلك لما يحصل للرضيع من الضرر بالحمل حال إرضاعه ( نيل‬
‫الوطار‪.)196/6 :‬‬
‫( ‪)9/98‬‬

‫وقال متأخرو الحنفية (‪ : )1‬يجوز العزل بغير إذن المرأة لعذر‪ ،‬كأن يكون في سفر بعيد‪ ،‬أو في دار‬
‫الحرب‪ ،‬فخاف على الولد‪ ،‬أو كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها‪ ،‬فخاف أن تحبل‪.‬‬
‫السقاط‪ :‬وقالوا أيضا‪ :‬يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر‪ ،‬ولو بل إذن الزوج‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬إذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له‪ ،‬وأشد من ذلك إذا تخلق‪ ،‬وأشد من‬
‫ذلك إذا نفخ فيه الروح‪ ،‬فإنه قتل نفس إجماعا‪.‬‬
‫هذا‪ ...‬وقد نصت المادة (‪ )49‬من القانون السوري على أحكام الزواج الصحيح‪« :‬الزواج الصحيح‬
‫النافذ تترتب عليه جميع آثاره من الحقوق الزوجية كالمهر ونفقة الزوجة ووجوب المتابعة وتوارث‬
‫الزوجين‪ ،‬ومن حقوق السرة كنسب الولد وحرمة المصاهرة» ‪.‬‬
‫حكم الزواج غير اللزم ‪:‬‬
‫حكم الزواج غير اللزم مثل حكم الزواج اللزم إل أنه يثبت فيه الحق للزوج أو الزوجة بالفسخ‪،‬‬
‫ويكون الزواج قابلً للفسخ‪.‬‬
‫حكم الزواج الموقوف ‪:‬‬
‫الزواج الموقوف مع كونه صحيحا ل يترتب عليه أي أثر من آثار الزواج قبل إجازته ممن له حق‬
‫الجازة‪ ،‬فل يحل فيه الدخول بالزوجة‪ ،‬ول تجب فيه نفقة ول طاعة‪ ،‬ول يثبت به حق التوارث‬
‫بموت أحد الزوجين‪ .‬فإن أجيز صار نافذا وترتبت عليه أحكام الزواج اللزم‪ ،‬عملً بالقاعدة الفقهية‪:‬‬
‫( الجازة اللحقة كالوكالة السابقة )‪ .‬ومثاله نكاح الفضولي‪ :‬الذي يعقد لغيره من غير ولية تامة‬
‫عليه ول وكالة عنه‪ .‬ومثل تزوج الصغير والصغيرة المميزين بدون إذن الولي‪ .‬وقال محمد‪ :‬تزوج‬
‫العاقلة بنفسها أو بوكيلها من غير إذن وليها يكون موقوفا‪.‬‬
‫وإن حصل دخول قبل الجازة‪ ،‬كان معصية‪ ،‬ولكن تترتب عليه عند الحنفية آثار الزواج الفاسد‬
‫التية‪ ،‬فيسقط الحد ويثبت النسب‪ ،‬ويجب القل من المسمى ومهر المثل‪ ،‬لكن ل عدة في زواج‬
‫موقوف قبل الجازة‪ ،‬ول في باطل‪ .‬وقد نص القانون السوري (م ‪ )52‬على أحكام هذا النوع‪:‬‬
‫«الزواج الموقوف حكمه قبل الجازة كالفاسد» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المختار‪.522/2 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.212‬‬
‫( ‪)9/99‬‬

‫حكم الزواج الفاسد وأنواعه عند الحنفية(‪: )1‬‬


‫الزواج الفاسد عند الحنفية‪ :‬هو مافقد شرطا من شروط الصحة‪ ،‬وأنواعه‪ :‬هي الزواج بغير شهود‪،‬‬
‫والزواج المؤقت‪ ،‬وجمع خمس في عقد‪ ،‬والجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها‪ ،‬وزواج امرأة‬
‫الغير بل علم بأنها متزوجة‪ ،‬ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل‪ :‬فاسد عند أبي حنيفة‪ ،‬وباطل عند‬
‫الصاحبين‪ ،‬وهو الراجح‪.‬‬
‫وليس للزواج الفاسد حكم قبل الدخول‪ ،‬فل يترتب عليه شيء من آثار الزوجية‪ ،‬فل يحل فيه الدخول‬
‫بالمرأة‪ ،‬ول يجب فيه للمرأة مهر ول نفقة‪ ،‬ول تجب فيه العدة‪ ،‬ول تثبت به حرمة المصاهرة‪ ،‬ول‬
‫يثبت به النسب‪ ،‬ول التوارث‪.‬‬
‫ويجب على الزوجين أن يتفرقا بأنفسهما‪ ،‬وإل رفع المر إلى القاضي ليحكم بالتفريق بينهما‪ ،‬ويجوز‬
‫فيه دعوى الحسبة لزالة المنكر من غير أن يكون للمدعي مصلحة شخصية‪ ،‬ويثبت لكل واحد منهما‬
‫فسخه‪ ،‬ولو بغير حضور صاحبه‪ ،‬دخل بها أو ل في الصح‪ ،‬خروجا عن المعصية‪ ،‬وهذا ل ينافي‬
‫وجوب التفريق بينهما من قبل القاضي‪.‬‬
‫وإذا حصل دخول بالمرأة‪ ،‬كان الدخول معصية‪ ،‬ووجب التفريق بينهما‪ ،‬ولكن ل يقام عليهما حد‬
‫الزنا‪ ،‬وإنما يعزرهما القاضي بمايراه زاجرا لهما‪ ،‬لوجود شبهة العقد‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات‪ .‬لكن‬
‫يجب الحد في الدخول بالمحارم عند الصاحبين‪ ،‬ورأيهما هو الراجح؛ لن التزوج في كل وطء حرام‬
‫على التأبيد ليوجب شبهة‪ ،‬وما ليس بحرام على التأبيد كالمحرم بالصهرية كالخت والعمة والنكاح‬
‫بغير شهود‪ ،‬يكون العقد فيه شبهة‪ .‬ولكن لو وطئها بعد التفريق يلزمه الحد‪ ،‬ولو دخلته شبهة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،335/2:‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،835 ،484-481/2 :‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪.174‬‬

‫( ‪)9/100‬‬

‫وكذلك يجب الحد بالدخول في نكاح منكوحة الغير ومعتدته‪ ،‬مع العلم بالحرمة‪ ،‬لكونه زنا‪.‬‬
‫وبالرغم من كون الدخول في الزواج الفاسد معصية‪ ،‬فإنه عند الحنفية تترتب عليه ـ أي بالوطء في‬
‫القبل ل بغيره كالخلوة (‪ )1‬ـ الحكام التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬وجوب المهر‪ :‬يجب فيه ولو تكرر الوطء عند جمهور الحنفية ما عدا زفرالقل من مهر المثل‬
‫ومن المسمى‪ ،‬فإن لم يكن المهر مسمى في العقد‪ ،‬وجب مهر المثل مهما بلغ‪ ،‬لفساد التسمية‪ .‬ووجوب‬
‫المهر في الزواج الفاسد وإن كان في الصل ل يجب لنه ليس بنكاح حقيقة‪ ،‬إل أنه قد وجب بسبب‬
‫عقْر أي‬
‫عقْر أي حد‪ ،‬أو ُ‬
‫الدخول‪ ،‬والقاعدة الفقهية‪ ( :‬كل وطء (وقاع) في دار السلم‪ ،‬ل يخلو عن َ‬
‫مهر ) وبما أن الحد قد انتفى لشبهة العقد‪ ،‬فيكون الواجب هو المهر‪.‬وكون المهر ل يزيد عن المسمى‬
‫فلن المرأة رضيت بذلك القدر‪ ،‬والعاقدان لم يقوّما المنافع بأكثر من المسمى‪ ،‬فل تتقوم بأكثر من‬
‫المسمى‪ .‬وكون الواجب هو القل من المهرين فلن الصل وجوب مهر المثل بسبب فساد العقد‪،‬‬
‫ويجب فيه عند زفر مهر المثل بالغا ما بلغ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ثبوت نسب الولد من الرجل إن وجد‪ ،‬احتياطا لحياء الولد وعدم ضياعه‪.‬‬
‫‪ - 3‬وجوب العدة على المرأة من حين التفريق بينهما عند جمهور الحنفية وهو الصواب في المذهب؛‬
‫لن النكاح الفاسد بعد الوطء منعقد في حق الفراش‪ ،‬والفراش ل يزول قبل التفريق‪ .‬وعليه تجب العدة‬
‫بعد الوطء ل الخلوة‪ ،‬للطلق ل للموت من وقت التفريق أو متاركة الزوج وإن لم تعلم الزوجة‬
‫بالمتاركة في الصح‪.‬‬
‫وقال زفر‪ :‬يبدأ وقت وجوب العدة من آخر وطء وطئها؛ لن العدة تجب بالوطء‪ ،‬وتطلب لمعرفة‬
‫استبراء الرحم‪ ،‬والحمل يكون بالوطء‪ .‬ول عدة في نكاح المحارم ومنكوحة الغير ومعتدته‪ ،‬إن علم‬
‫أنها للغير؛ لنه لم يقل أحد بجوازه‪ ،‬فلم ينعقد أصلً‪ ،‬كما أن نكاح المحارم باطل على الظهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬عبارة مشايخ الحنفية‪ :‬الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)9/101‬‬

‫‪ - 4‬ثبوت حرمة المصاهرة‪ :‬فيحرم على الرجل الزواج بأصول المرأة وفروعها‪ ،‬وتحرم المرأة على‬
‫أصول الرجل وفروعه‪ .‬ول تترتب على الزواج الفاسد أحكام أخرى‪ ،‬فل تجب به نفقة ول طاعة‪ ،‬ول‬
‫يثبت به حق التوارث بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫وقد نص القانون السوري (م ‪ )51‬على أحكام الزواج الفاسد‪:‬‬
‫‪ - 1‬الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل‪.‬‬
‫‪ - 2‬ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية‪ :‬أ ـ المهر في الحد القل من مهر المثل والمسمى‪ .‬ب ـ‬
‫نسب الولد بنتائجه المبينة في المادة (‪ )133‬من هذا القانون‪ .‬جـ ـ حرمة المصاهرة‪ .‬د ـ عدة‬
‫الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج‪ ،‬ونفقة العدة دون التوارث بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬تستحق الزوجة النفقة الزوجية ما دامت جاهلة فساد النكاح‪.‬‬
‫حكم الزواج الباطل وأنواعه ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حكم الزواج الباطل عند الحنفية ‪:‬‬
‫الزواج الباطل عند الحنفية‪ :‬هو ـ كما تقدم ـ الذي حصل خلل في ركنه أو في شرط من شروط‬
‫انعقاده‪ ،‬كزواج الصبي غير المميز والزواج بصيغة تدل على المستقبل‪ ،‬والزواج بالمحارم كالخت‬
‫والعمة على الرأي الراجح‪ ،‬والمرأة المتزوجة برجل آخر مع العلم بأنها متزوجة‪ ،‬وزواج المسلمة‬
‫بغير المسلم‪ ،‬وزواج المسلم بغير الكتابية كالمجوسية والوثنية‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫وحكم الزواج الباطل‪ :‬أنه ل يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح‪ ،‬فل يحل فيه الدخول‬
‫بالمرأة‪ ،‬ول يجب به مهر ول نفقة ول طاعة‪ ،‬ول يثبت به توارث ول مصاهرة‪ ،‬ويجب عدم التمكين‬
‫من الدخول بينهما‪ ،‬فإن دخل فرّق القاضي بينهما جبرا‪ ،‬ول عدة فيه بعد التفريق كالموقوف قبل‬
‫إجازته‪ .‬وقد نص القانون السوري (م ‪ )2/48‬علي ما يلي‪ :‬زواج المسلمة بغير المسلم باطل‪ ،‬ونصت‬
‫المادة (‪ )50‬على أحكام الزواج الباطل‪ :‬الزواج الباطل ل يترتب علىه شيء من آثار الزواج‬
‫الصحيح‪ ،‬ولو حصل فيه دخول‪.‬‬

‫( ‪)9/102‬‬

‫‪ - 2‬حكم الزواج الباطل وأنواعه عند المالكية ‪:‬‬


‫الباطل والفاسد بمعنى واحد عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬فالزواج الباطل أو الفاسد عند المالكية‪ :‬هو ما‬
‫حصل خلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته‪ ،‬وهو ينقسم إلى نوعين‪:‬‬
‫أ ـ زواج اتفق الفقهاء على فساده‪ :‬كالزواج بإحدى المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة‪.‬‬
‫ب ـ وزواج اختلف الفقهاء في فساده‪ :‬وهوما يكون فاسدا عند المالكية وصحيحا عند بعض الفقهاء‬
‫بشرط أن يكون الخلف قويا‪ ،‬كزواج المريض فإنه ل يجوز‪ ،‬على المشهور عند مالك‪.‬‬
‫فإن كان الخلف ضعيفا كزواج المتعة‪ ،‬وزواج المرأة الخامسة‪ ،‬كان من المجمع على فساده‪.‬‬
‫وللزواج الفاسد أو الباطل أحكام هي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬التحريم ووجوب فسخه في الحال‪ :‬رفعا للمعصية ‪ ،‬فإن تم الفسخ فليس للمرأة شيء‪ ،‬سواء أكان‬
‫العقد متفقا على فساده أم مختلفا في فساده؛ لن القاعدة الكلية تقول‪« :‬كل نكاح فسخ قبل الدخول‪ ،‬فل‬
‫شيء فيه‪ ،‬كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه‪ ،‬كان الفساد لعقده أو لصداقة أو لهما» فليس الفسخ قبل‬
‫الدخول مثل الطلق قبل الدخول في الزواج الصحيح‪ .‬فل شيء من الصداق بالفسخ قبل الدخول‪ ،‬إل‬
‫في نكاح الدرهمين‪ ،‬أو ما قل عن الصداق الشرعي إذا امتنع الزوج من إتمامه‪ ،‬ففسخ قبل الدخول‪،‬‬
‫ففيه نصفهما على قول‪ ،‬وإل في حال ادعاء الزوج الرضاع مع المرأة‪ ،‬ولم يدخل بها‪ ،‬ففسخ لقراره‬
‫بالرضاع‪ ،‬فيلزمه نصف المسمى‪ ،‬لتهامه أنه قصد فراقها بل شيء‪.‬‬
‫فإن دخل الرجل بالمرأة فهل يفسخ العقد أو ل؟ العقد الفاسد بالنسبة لستحقاق الفسخ بعد الدخول ثلثة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،211-204‬بداية المجتهد‪ ،59-57 ،49-31/2 :‬الشرح الكبير‪-236/2 :‬‬
‫‪ ،241‬الشرح الصغير‪.391-382/2 :‬‬

‫( ‪)9/103‬‬

‫أ ـ نوع يجب فسخه أبدا وإن طال الزمان بعد الدخول‪ :‬وهو ما يكون الفساد فيه لخلل في الصيغة أو‬
‫في العاقدين أو في محل العقد‪ ،‬كالزواج بإحدى المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة‪ ،‬وزواج‬
‫المتعة‪ ،‬والزواج بأكثر من أربع زوجات‪ ،‬والزواج بغير ولي أو بغير شهود‪ ،‬وزواج مريض الموت‪،‬‬
‫فنكاح المريض ل يجوز في المشهور عن مالك‪ ،‬ويفسخ وإن صح‪.‬‬
‫ب ـ ونوع ل يجب فسخه بل يبقى‪ :‬وهو ما كان الفساد فيه بسبب فساد الصداق‪ ،‬كالزواج بدون‬
‫صداق‪ ،‬أو بصداق مجهول‪ ،‬أو كان الفساد بسبب اقتران العقد بشرط يناقض المقصود من الزواج‪،‬‬
‫مثل الزواج بشرط أل يعاشرها ليلً أو نهارا‪ ،‬أو أل ينفق عليها‪ ،‬أو أل يقسم لها مع زوجته الثانية‪.‬‬
‫جـ ـ ونوع يجب فسخه إن لم يطل الزمان بعد الدخول‪ ،‬ول يفسخ إن طال الزمن‪ ،‬وهو محصور‬
‫في ثلثة عقود هي‪:‬‬
‫زواج الصغيرة اليتيمة إذا زوّجت مع فقد شرط من شروطها‪ ،‬وزواج الشريفة بالولية العامة مع‬
‫وجود الولي الخاص‪ ،‬وزواج السر (‪ ، )1‬لكن الطول في اليتيمة والشريفة يكون بمرور ثلث سنوات‬
‫فأكثر أو ولدة ولدين في بطنين‪ ،‬والطول في زواج السر يكون بحسب العرف‪ :‬وهو ما يحصل فيه‬
‫الشتهار والظهور بين الخاص والعام عادة‪.‬‬
‫والفسخ قبل الدخول أو بعده طلق‪ ،‬فإن أعاد العقد بعده صحيحا بقي له طلقتان فقط‪ ،‬وإن أعاده‬
‫صحيحا قبله‪ ،‬استمر على ما هو عليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬وجوب المهر بالدخول‪ ،‬ل بمجرد الخلوة‪ :‬سواء أكان متفقا على فساده‪ ،‬أم مختلفا في فساده‪.‬‬
‫والمهر المستحق‪ :‬هو المسمى إن كان مسمى‪ ،‬أو مهر المثل إن لم يسم تسمية صحيحة‪ ،‬أو كان الفساد‬
‫بسبب شرط يناقض المقصود من الزواج‪.‬‬
‫‪ - 3‬ثبوت النسب للولد بأبيه إن كان العقد مختلفا في فساده‪ ،‬وكذا إن كان متفقا على فساده‪ ،‬ولم يعتبر‬
‫الوطء زنا‪ ،‬إذا لم يكن الرجل عالما بالحرمة‪ .‬فإن كان عالما بالحرمة اعتبر زنا ووجب الحد‪ ،‬ول‬
‫يثبت النسب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهو ما أوصى فيه الزوج الشهود بكتمه عن زوجته أو عن جماعة‪ ،‬ولو أهل منزل‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫الكتم خوفا من ظالم أو نحوه‪.‬‬

‫( ‪)9/104‬‬

‫وعليه يندرئ الحد عن الواطئ في نكاح المعتدة‪ ،‬وذات الرحم المحرم والرضاع إن كان غير عالم‬
‫بالحرمة‪ ،‬فإن علم بأنها ذات محرم أو ذات رضاع أو أنها معتدة أو أنها خامسة‪ ،‬حَدّ‪ ،‬إل المعتدة أي‬
‫العالم بأنها معتدة‪ ،‬ففي حده قولن‪.‬‬
‫ول حد في الوطء بناء على عقد اختلف فيه العلماء‪ ،‬كنكاح المحرم بحج أو عمرة‪ ،‬والشغار‪ ،‬وتزويج‬
‫المرأة نفسها بدون ولي‪.‬‬
‫‪ - 4‬ثبوت الرث بين الرجل والمرأة في حال الفساد المختلف فيه‪ :‬فلو مات أحدهما قبل فسخ العقد‬
‫ورثه الخر‪ ،‬دخل الرجل بالمرأة أو لم يدخل‪ ،‬وذلك إل زواج المريض مرض الموت‪ ،‬فإنه ل يجوز‬
‫عند المالكية خلفا للجمهور فإنه صحيح؛ لن سبب فساده هو إدخال وارث في التركة لم يكن موجودا‬
‫عند المرض‪ ،‬فلو ثبت به الرث‪ ،‬لفات الغرض الذي من أجله حكم بفساد العقد‪.‬‬
‫ول يثبت حق التوارث في حالة الفساد المتفق عليه؛ لنه زواج غير منعقد أصلً‪.‬‬
‫‪ - 5‬ثبوت حرمة المصاهرة (‪ )1‬بالدخول (الوطء) (‪ )2‬أو مقدماته‪ ،‬إذا كان العقد مختلفا في فساده‪.‬‬
‫وكذلك تثبت بهما إذا كان العقد متفقا على فساده‪ ،‬بشرط أل يعتبر الوطء زنا موجبا للحد‪ ،‬فإن اعتبر‬
‫زنا موجبا للحد ل تثبت به حرمة المصاهرة به على المعتمد‪.‬‬
‫وكذلك مجرد العقد الفاسد المختلف فيه يحرّم المرأة على أصول الرجل وفروعه‪ ،‬ويحّرم على الرجل‬
‫أصولها؛ لن العقد على البنات يحرم المهات‪ ،‬ول يحرم عليه فروعها؛ لن العقد على المهات ل‬
‫يحرم البنات‪ ،‬فإذا دخل بالم حرمت البنت أيضا‪.‬‬
‫‪ - 6‬وجوب العدة إذا دخل الرجل بالمرأة أو اختلى بها خلوة يتمكن فيها من التصال الجنسي‪ ،‬ثم‬
‫فسخ العقد‪ ،‬سواء أكان العقد متفقا على فساده أم مختلفا فيه‪ ،‬وتبدأ العدة من وقت الفرقة بينهما بعد‬
‫الفسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وهي تحريم المرأة على أصول الرجل وفروعه‪ ،‬وتحريم أصول المرأة وفروعها على الرجل‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراد بالوطء‪ :‬ما يشمل إرخاء الستور‪ ،‬ولو تقارروا على عدم الوطء‪ ،‬ومثل الوطء مقدماته‪.‬‬

‫( ‪)9/105‬‬

‫أنواع النكحة الفاسدة المختلف فيها ‪:‬‬


‫هناك أنكحة فاسدة أربعة‪ ،‬ورد النهي فيها صراحة‪ ،‬وهي نكاح الشغار‪ ،‬ونكاح المتعة‪ ،‬والخطبة على‬
‫خطبة أخيه‪ ،‬ونكاح المحلّل (‪. )1‬‬
‫أما نكاح الشغار‪ :‬فهو أن يُنكح موليته‪ :‬بنته أوأخته‪ ،‬على أن ينكحه الخر موليته‪، ،‬ول صداق بينهما‬
‫إل ُبضْع هذه ببضع الخرى‪ .‬اتفق العلمآء على معناه هذا‪ ،‬وعلى أنه نكاح غير جائز لثبوت النهي‬
‫عنه‪ ،‬لخلوه عن المهر‪ .‬واختلفوا إذا وقع‪ ،‬هل يصحح بمهر المثل أو ل؟‬
‫فقال مالك والشافعي وأحمد‪ :‬ل يصحح ويفسخ أبدا قبل الدخول وبعده‪ ،‬لما روى ابن عمر‪« :‬أن‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن الشغار» (‪ ، )2‬والشغار‪ :‬أن يزوج الرجل ابنته على أن‬
‫يزوجه ابنته‪ ،‬وليس بينهما صداق‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يصح نكاح الشغار بفرض صداق المثل‪ .‬أما النهي عنه في السنة فمحمول على‬
‫الكراهة‪ ،‬والكراهة ل توجب فساد العقد‪ ،‬فيكون الشرع أوجب فيه أمرين‪ :‬الكراهة ومهر المثل‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف‪ :‬هل النهي عن الشغار معلل بعدم العوض أو غير معلل؟ فإن قلنا‪ :‬غير معلل‪ ،‬لزم‬
‫الفسخ على الطلق‪ .‬وإن قلنا‪ :‬العلة عدم الصداق‪ ،‬صح بفرض صداق المثل‪ ،‬مثل العقد على خمر أو‬
‫خنزير‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن نكاح الشغار باطل عند الجمهور‪ ،‬صحيح مكروه تحريما عند‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ 57/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 457/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪،239/2 :‬‬
‫الشرح الصغير‪ ،446 ،388/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،204‬المهذب‪ ،46/2 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،142/3‬المغني‪ ،648-641/6 :‬اللباب‪ ،20/3 :‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪.181‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة عن نافع عن ابن عمر (نيل الوطار‪.)140/6 :‬‬

‫( ‪)9/106‬‬
‫الحنفية‪ ،‬فإن وقع فسخ النكاح عند الجمهور قبل الدخول وبعده‪ ،‬على المشهور عند المالكية‪ ،‬ويدفع‬
‫الرجل لمن دخل بها مهر المثل‪ ،‬وتقع به حرمة المصاهرة‪ ،‬والوراثة‪ ،‬وإن وقع جاز عند الحنفية بمهر‬
‫المثل‪.‬‬
‫وأما نكاح المتعة ( وهو أن يقول لمرأة‪ :‬أتمتع بك لمدة كذا) والنكاح المؤقت (وهو أن يتزوج امرأة‬
‫عشرة أيام مثلً) فهو باطل‪ ،‬أما الول فبالجماع ما عدا الشيعة عملً عندهم برأي ابن عباس وجماعة‬
‫من الصحابة والتابعين‪ ،‬وأما الثاني فبطلنه عند الجمهور؛ لنه أتى بمعنى المتعة‪ ،‬والعبرة في العقود‬
‫للمعاني‪ ،‬وأجازه زفر والشيعة‪ ،‬وقول زفر‪ :‬هو أنه صحيح لزم؛ لن النكاح ل يبطل بالشروط‬
‫الفاسدة‪ .‬وقد سبق تفصيل الكلم فيه‪.‬‬
‫وأما الخطبة على خطبة الغير‪ :‬فعند الجمهور يعد الزواج حينئذ صحيحا‪ ،‬ول يفرق بين الزوجين؛ لن‬
‫النهي ليس متوجها إلى نفس العقد‪ ،‬بل إلى أمر خارج عن حقيقته‪ ،‬فل يقتضي بطلن العقد‪ ،‬كالتوضؤ‬
‫بماء مغصوب‪ ،‬وعند مالك على المعتمد‪ ،‬يجب الفسخ قبل الدخول بطلقة بائنة‪.‬‬
‫وأما نكاح المحلّل‪ ( :‬وهو الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلثا لزوجها الذي طلقها) فهو حرام‬
‫باطل مفسوخ‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لعن ال المحلّل والمحلّل له» (‪ . )1‬وهو نكاح صحيح‬
‫وإن كان موجبا للثم عند أبي حنيفة والشافعية؛ لن العقد في الظاهر قد استكمل أركانه وشروطه‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم‪ :‬اختلفهم في مفهوم الحديث السابق «لعن ال المحلل» فمن فهم من اللعن‪ :‬التأثيم‬
‫فقط‪ ،‬قال‪ :‬النكاح صحيح‪ .‬ومن فهم من التأثيم فساد العقد‪ ،‬تشبيها بالنهي الذي يدل على فساد المنهي‬
‫عنه‪ ،‬قال‪ :‬النكاح فاسد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫( ‪)9/107‬‬

‫‪ - 3‬أنواع النكحة الباطلة عند الشافعية ‪:‬‬


‫الباطل‪ :‬ما اختل ركنه‪ ،‬والفاسد‪ :‬ما اختل شرطه‪ ،‬وطرأ له الفساد بعد انعقاده‪ ،‬وحكمهما عند الشافعية‬
‫واحد غالبا‪ ،‬وهو أنه ل يترتب على واحد منهما أي أثر من آثار الزواج الصحيح‪ ،‬فل مهر ول نفقة‬
‫ول حرمة مصاهرة ول نسب ول عدة‪ .‬والنكحة الباطلة للنهي عنها كثيرة‪ ،‬أهمها تسعة (‪: )1‬‬
‫‪ - ً 1‬نكاح الشغار‪ :‬كأن يقول‪ :‬زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك‪ ،‬و ُبضْع (‪ )2‬كلٍ منهما صداق‬
‫الخرى‪ ،‬وإن سميا مع ذلك مهرا في الصح لوجود التشريك المذكور‪ ،‬فإن لم يجعل البضع مهرا بأن‬
‫سكتا عنه‪ ،‬صح في الصح لعدم التشريك المذكور‪ ،‬ولكل واحدة مهر المثل‪ .‬وبطلنه للنهي عنه في‬
‫حديث ابن عمر السابق وغيره‪ ،‬مثل «ل شغار في السلم» (‪ )3‬والنهي يقتضي فساد المنهي عنه‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬نكاح المتعة‪ :‬وهو النكاح إلى أجل‪ .‬وإن تزوج بشرط الخيار بطل العقد؛ لنه عقد يبطله‬
‫التوقيت‪ ،‬فبطل بالخيار كالبيع‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬نكاح ال ُمحْرم‪ :‬فل يصح النكاح في إحرام أحد العاقدين أو الزوجة‪ ،‬بحج أو عمرة‪ ،‬أو بهما‪ ،‬أو‬
‫مطلقا صحيحا أو فاسدا‪ ،‬وإن عقده المام‪ ،‬أو كان بين التحللين‪ ،‬للخبر السابق‪« :‬ل يَنكح المحرم ول‬
‫يُنكح» ‪.‬‬
‫لكن يجوز في الحرام الرجعة والشهادة على الزواج؛ لن الرجعة استدامة ل ابتداء عقد‪ ،‬ولن‬
‫ارتباط النكاح بالشهادة ارتباط توثق‪ ،‬وارتباطه بغيرها من الولية‪ ،‬وكونه عاقدا أو معقودا عليه‬
‫ارتباط مباشرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية الشرقاوي على تحفة الطلب لزكريا النصاري‪ ،248-233/2 :‬مغني المحتاج‪،142/3 :‬‬
‫المهذب‪.47-46/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البضع يطلق على عقد النكاح والجماع معا‪ ،‬وعلى الفرج (النهاية لبن الثير‪.)133/1 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن ابن عمر‪ ،‬وروى أحمد ومسلم حديثا آخر عن أبي هريرة «نهى رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم عن الشغار (نيل الوطار‪.)140/6 :‬‬

‫( ‪)9/108‬‬

‫‪ - ً 4‬تعدد الزواج‪ :‬وهو إنكاح وليين امرأة زوجين‪ ،‬ولم يعرف سبق أحدهما معينا‪ .‬فإن دخل بها‬
‫أحدهما لزمه مهر مثلها‪ ،‬وإن دخل بها فلها على كل منهما مهر مثلها‪ .‬فإن عرف عين السابق فهو‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬نكاح المعتدة والمستبرأة من غيره ولو من وطء شبهة‪ ،‬فإن دخل بها حُدّ حَد الزنا‪ ،‬إل إن ادعى‬
‫الجهل بحرمة النكاح في العدة والستبراء من غيره‪ ،‬فل حد عليه‪ .‬ويعذر الجاهل إن كان قريب عهد‬
‫بالسلم أو نشأ بعيدا عن العلماء ‪.‬‬
‫‪ - ً 6‬نكاح المرتابة بالحمل قبل انقضاء عدتها‪ :‬يحرم نكاحها حتى تزول الريبة‪ ،‬وإن انقضت القراء‬
‫(الطهار)‪ ،‬للتردد في انقضاء عدتها‪ .‬فلو نكحها رجل أو من ظنها معتدة أو مستبرأة‪ ،‬أو ُمحْرمة بحج‬
‫أو عمرة‪ ،‬أو مَحْرما‪ ،‬ثم بان خلفه‪ ،‬فالنكاح باطل‪ ،‬للتردد في الحل‪.‬‬
‫‪ - 7‬نكاح المسلم كافرة غير كتابية أصلً كوثنية ومجوسية وعابدة شمس أو قمر‪ ،‬ومرتدة‪ ،‬أوغير‬
‫كتابية خالصة كمتولدة بين كتابي ومجوسية وعكسه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن}‬
‫[البقرة‪ ]221/2:‬وتغليبا للتحريم في المتولدة بين كتابي ومجوسية‪.‬‬
‫أما الكتابية‪ :‬فإن كانت إسرائيلية‪ ،‬حل زواجها إن لم تدخل أصولها في اليهودية بعد نسخها‪ ،‬أو شك‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫وإن كانت غير إسرائيلية وهي النصرانية‪ ،‬حل زواجها إن علم دخول أصولها في دين النصرانية قبل‬
‫نسخه‪ ،‬ولو بعد تبديله إن تجنبوا المبدّل‪ .‬ودليل إباحة الزواج باليهودية والنصرانية بالشرط المذكور‬
‫حلّ لكم‪ ،‬والمراد من‬
‫قوله تعالى‪{ :‬والمحصَنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة‪ ]5/5:‬أي ِ‬
‫الكتاب‪ :‬التوراة والنجيل دون سائر الكتب قبلهما كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬

‫( ‪)9/109‬‬

‫‪ - 8‬المنتقلة من دين إلى آخر‪ :‬ل يحل نكاحها‪ ،‬ول يقبل منها إل السلم‪.‬‬
‫‪ - 9‬زواج المسلمة بكافر‪ ،‬وزواج المرتدة‪ :‬فل تحل مسلمة لكافر بالجماع‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تُنكحوا‬
‫المشركين} [البقرة‪ ]221/2:‬ول تحل مرتدة لحد‪ ،‬ل لمسلم؛ لنها كافرة ل تقر على ردتها‪ ،‬ول لكافر‬
‫لبقاء تعلق السلم بها‪.‬‬
‫وإن ارتد أحد الزوجين أو كلهما قبل الدخول‪ ،‬بطل النكاح‪ ،‬وإن كان بعد الدخول ينتظر‪ :‬فإن جمعهما‬
‫السلم في العدة دام النكاح‪ ،‬وإن لم يجمعهما السلم في العدة‪ ،‬فل يدوم النكاح‪.‬‬
‫هذا وهناك أنكحة مكروهة مثل النكاح بعد الخطبة على الخطبة‪ ،‬ونكاح المحلل بنية التحليل دون‬
‫الشتراط في العقد‪ ،‬فإن تزوجها بشرط أنه إذا وطئها طلقها‪ ،‬بطل النكاح‪ ،‬ومثل نكاح المغرر بحرية‬
‫المرأة أو نسبها‪.‬‬
‫‪ - 4‬أنواع النكاح الفاسد عند الحنابلة ‪:‬‬
‫الزواج الفاسد نوعان (‪: )1‬‬
‫النوع الول ـ يبطل النكاح من أصله‪ ،‬وهو أربعة عقود‪:‬‬
‫‪ - 1‬نكاح الشغار‪ :‬وهو أن يزوجه وليّته‪ ،‬على أن يزوجه الخر وليته‪ ،‬ول مهر بينهما‪ ،‬أو يجعل‬
‫ُبضْع كل واحدة مع دراهم معلومة مهرا للخرى‪ .‬فإن سموا مهرا مستقلً ولو قل صح‪ ،‬وإن سمي‬
‫لحدهما صح نكاحها فقط‪.‬‬
‫‪ - 2‬نكاح المحلل‪ :‬وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها‪ ،‬أو فل نكاح بينهما‪ ،‬أو ينويه الزوج‪ ،‬أو‬
‫يتفقا عليه قبله‪ ،‬فيحرم النكاح‪ ،‬ول يصح ول تحل لزوجها الول‪.‬‬
‫‪ - 3‬نكاح المتعة‪ :‬وهو أن يتزوجها إلى مدة‪ ،‬أو يشترط طلقها فيه بوقت‪ ،‬أو ينويه بقلبه‪ ،‬أو يتزوج‬
‫الغريب بنية طلقها إذا خرج‪ ،‬أو يقول‪ :‬أمتعيني نفسك‪ ،‬فتقول‪:‬أمتعتك بل ولي ول شهود‪ .‬فمن تعاطى‬
‫ماذكر‪ ،‬عزر ولحقه النسب‪.‬‬
‫‪ - 4‬النكاح المعلّق‪ :‬كزوجتك إذا جاء رأس الشهر‪ ،‬أو إن رضيت أمها‪ ،‬أو إن وضعت زوجتي بنتا‬
‫فقد زوجتكها‪ ،‬ويصح بقوله‪ :‬زوجتكها إن كانت بنتي‪ ،‬أو كنت وليها‪ ،‬أو إن انقضت عدتها‪ ،‬وهما‬
‫يعلمان ذلك‪ ،‬أو شئت‪ ،‬فقال‪ :‬شئت‪ ،‬وقبلت مثل زوجت‪ ،‬وقبلت إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غاية المنتهى‪ ،42/3 :‬المغني‪ 455/6 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/110‬‬

‫ومن النكحة الباطلة‪ :‬نكاح المرأة المتزوجة أو المعتدة‪ ،‬أو شبهه‪ ،‬فإذا علم الزوجان التحريم‪ ،‬فهما‬
‫زانيان‪ ،‬وعليهما الحد‪ ،‬ول يلحق النسب به‪.‬‬
‫وأما الزواج الفاسد المختلف في إباحته كالنكاح بغير شهود أو بغير ولي‪ ،‬فل يجب به الحد‪ ،‬سواء‬
‫اعتقد حله أم حرمته؛ لنه مختلف في إباحته‪ ،‬ولن الحد يدرأ بالشبهات‪ ،‬والختلف فيه أقوى‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ يصح النكاح دون الشرط ‪:‬‬
‫كما إذا شرط أل مهر أو ل نفقة‪ ،‬أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها أو أقل‪ ،‬أو إن شرط كلهما أو‬
‫أحدهما عدم وطء أو دواعيه‪ ،‬أو أن تعطيه شيئا أو أن تنفق عليه‪ ،‬أوإن فارق رجع بما أنفق‪ ،‬أو شرط‬
‫كلهما أو أحدهما خيارا في عقد أو مهر‪ ،‬أو إن جاء بالمهر في وقت كذا‪ ،‬وإلفل نكاح بينهما‪ ،‬أوأن‬
‫يسافر بها‪ ،‬أو أن تستدعيه لوطء عند إرادتها‪ ،‬أو أل تسلم نفسها إلى مدة كذا‪ ،‬أو ل يكون عندها في‬
‫الجمعة إل ليلة‪ ،‬أو يعزل عنها‪ ،‬أو يسكن بها حيث شاءت أو شاء أبوها ونحوه‪.‬‬
‫وإن شرطها مسلمة‪ ،‬فبانت كتابية‪ ،‬أو شرط بكرا أو جميلة أو نسيبة‪ ،‬أو شرط نفي عيب ل يفسخ به‬
‫النكاح‪ ،‬فبانت بخلفه‪ ،‬فله الخيار‪ ،‬ويرجع بعد الدخول على من غرّه (الغار)‪.‬‬
‫وإن شرط صفة‪ ،‬فبانت أعلى ككتابية‪ ،‬فبانت مسلمة‪ ،‬فل خيار‪.‬‬
‫( ‪)9/111‬‬

‫المبحث الخامس ـ مندوبات عقد الزواج أو ما يستحب له ‪:‬‬


‫يستحب للزواج ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬أن يخطب الزوج قبل العقد عند التماس التزويج خُطبة (‪ )2‬مبدوءة بالحمد ل والشهادتين‪،‬‬
‫والصلة على رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬مشتملة على آية فيها أمر بالتقوى وذكر المقصود‪،‬‬
‫عملً بخطبة ابن مسعود‪ ،‬قال‪« :‬علّمنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم التشهد في الصلة‪ ،‬وخطبة‬
‫الحاجة‪ :‬الحمد ل نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال‬
‫فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله» ويقرأ‬
‫ثلث آيات‪ ،‬فسرها سفيان الثوري‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته‪ ،‬ول تموتن إل وأنتم‬
‫مسلمون} [آل عمران‪.]102/3:‬‬
‫{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‪ ،‬وخلق منها زوجها‪ ،‬وبث منهما رجالً كثيرا‬
‫ونساء‪ ،‬واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام‪ ،‬إن ال كان عليكم رقيبا } [النساء‪.]1/4:‬‬
‫{يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ‪ ،‬وقولوا قولً سديدا‪ ،‬يصلح لكم أعمالكم‪ }...‬الية (‪[ )3‬الحزاب‪:‬‬
‫‪.]71-70/33‬‬
‫ثم يقول‪ :‬وبعد‪ :‬فإن ال أمر بالنكاح‪ ،‬ونهى عن السفاح‪ ،‬فقال مخبرا وآمرا‪ { :‬وأنكحوا اليامى منكم‬
‫والصالحين من عبادكم وإمائكم‪[ }..‬النور‪ ]32/24:‬لية‪.‬‬
‫ويجزئ عن ذلك أن يحمد ال ‪ ،‬ويتشهد ويصلي على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬لما روي عن ابن‬
‫عمر أنه كان إذا دعي ليزوج قال‪ :‬الحمد ل ‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد‪ ،‬إن فلنا يخطب إليكم‬
‫فلنة‪ ،‬فإن أنكحتموه فالحمد ل ‪ ،‬وإن رددتموه فسبحان ال ‪.‬‬
‫والمستحب خطبة واحدة‪ ،‬لما تقدم‪ ،‬ل خطبتان اثنتان‪ :‬إحداهما من العاقد‪ ،‬والخرى من الزوج قبل‬
‫قبوله؛ لن المنقول عنه صلّى ال عليه وسلم وعن السلف خطبة واحدة‪ ،‬وهوأولى ما اتبع‪.‬‬
‫ويبين الزوج قصده بنحو‪ :‬قد قصدنا النضمام إليكم ومصاهرتكم والدخول في خدمتكم ونحوه‪ ،‬ويقول‬
‫الولي‪ :‬قد قبلناك ورضينا أن تكون منا وفينا‪ ،‬وما في معناه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 338/2 :‬وما بعدها‪ ،503-499 ،‬مغني المحتاج‪ ،137/3 :‬المهذب‪-63 ،41/2 :‬‬
‫‪ ،65‬المغني‪ 536/6 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 30/5 :‬وما بعدها‪ ،‬تكملة المجموع‪،559-548/15 :‬‬
‫غاية المنتهى‪.76/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الخُطبة‪ :‬هي الكلم المفتتح بحمد ال والصلة على رسول ال صلّى ال عليه وسلم المختتم‬
‫بالوصية والدعاء‪ ،‬لخبر أبي داود عن أبي هريرة رضي ال عنه‪« :‬كل كلم ل يبدأ فيه بحمد ال فهو‬
‫أجذم» ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي‪.‬‬

‫( ‪)9/112‬‬

‫فإن عقد الزواج من غير خطبة جاز‪،‬فالخطبة مستحبة غير واجبة‪ ،‬لما روى سهل بن سعد الساعدي‬
‫أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال للذي خطب الواهبة نفسها للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬زوجتكها‬
‫بما معك من القرآن» (‪ )1‬ولم يذكر خطبة‪ ،‬وروى أبو داود بإسناده عن رجل من بني سليم قال‪:‬‬
‫«خطبت إلى النبي صلّى ال عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب‪ ،‬فأنكحني من غير أن يتشهد» ولن‬
‫الزواج عقد معاوضة‪ ،‬فلم تجب فيه خطبة كالبيع‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يدعى للزوجين بعد العقد‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي ال عنه أن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫كان إذا رفأ النسان إذا تزوج قال‪ :‬بارك ال لك‪ ،‬وبارك عليك‪ ،‬وجمع بينكما في خير (‪ . )2‬وأن يهنّأ‬
‫الزوجان بنحو‪ :‬مبارك إن شاء ال ‪ ،‬ويوم مبارك ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يعقد النكاح يوم الجمعة مساء‪ ،‬لحديث أبي هريرة مرفوعا‪« :‬أمسوا بالمِلَك‪ ،‬فإنه أعظم‬
‫بركة» (‪ ، )3‬ولن الجمعة يوم شريف ويوم عيد‪ ،‬والبركة في النكاح مطلوبة‪ ،‬فاستحب له أشرف‬
‫اليام طلبا للبركة‪ ،‬والمساء به؛ لن في آخر النهار من يوم الجمعة ساعة الجابة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬إعلن الزواج والضرب فيه بالدف‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أعلنوا النكاح» (‪ )4‬وفي‬
‫رواية الترمذي عن عائشة‪« :‬أعلنوا النكاح‪ ،‬واضربوا عليه بالغِرْبال» أي بالدف‪ ،‬وعند النسائي‪:‬‬
‫«فصل ما بين الحلل والحرام‪ :‬الصوت والدف في النكاح» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه بين أحمد والشيخين‪ :‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والترمذي وصححه وحسنه وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو حفص‪ .‬والصح لغة‪ :‬الملك أي التزويج‪ ،‬وليس المِلَك‪ :‬يقال‪ :‬أملكنا فلنا فلنة‪ ،‬أي‬
‫زوجناه إياها‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وصححه الحاكم عن عامر بن عبد ال بن الزبير‪ .‬وأما حديث عائشة عن الترمذي‬
‫ففيه ضعيف (سبل السلم‪.)116/3 :‬‬
‫( ‪)9/113‬‬

‫ول بأس بالغناء المباح أو الغزل البريء غير المخصص بشخص ما‪ ،‬في العرس‪ ،‬لما روى ابن ماجه‬
‫عن عائشة‪ :‬أنها زوجت يتيمة رجلً من النصار‪ ،‬وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها‪ ،‬قالت‪ ،‬فلما‬
‫رجعنا‪ ،‬قال لنا رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ما قلتم يا عائشة؟ قالت‪ :‬سلّمنا ودعونا بالبركة‪ ،‬ثم‬
‫انصرفنا‪ ،‬فقال‪ :‬إن النصار قوم فيهم غَزَل‪ ،‬أل قلتم يا عائشة‪ :‬أتيناكم أتيناكم‪ ،‬فحيّانا وحيّاكم؟» ‪.‬‬
‫والمالكية الذين لم يشترطوا الشهاد عند العقد‪ ،‬قالوا‪ :‬يندب الشهاد عند العقد‪ ،‬للخروج من الخلف‪،‬‬
‫إذ كثير من الئمة ل يرى صحته إل بالشهادة حال العقد‪ ،‬وهم يرون وقوعه صحيحا في نفسه‪ ،‬وإن‬
‫لم تحصل الشهادة حال العقد كالبيع‪ ،‬ولكن ل تتقرر صحته‪ ،‬ول تترتب ثمرته من حل التمتع إل‬
‫بحصولها قبل البناء‪ ،‬فجاز أن يعقد فيهما سرا‪ ،‬ثم يخبرا به عدلين‪ ،‬كأن يقول لهما‪ :‬قد حل منا العقد‪،‬‬
‫فلن على فلنة‪ .‬أو أن الولي يخبر عدلين‪ ،‬والزوج يخبر عدلين غيرهما‪ ،‬ول يكفي أن يخبر أحدهما‬
‫عدلً‪ ،‬والثاني عدلً غيره؛ لنهما حينئذ بمنزلة الواحد‪.‬‬
‫‪ - 5‬ذكر الصداق أي تسميته عند العقد‪ ،‬لما فيه من اطمئنان النفس‪ ،‬ودفع توهم الختلف في‬
‫المستقبل‪ ،‬وندب أيضا كون المهر حالً‪ ،‬بل تأجيل لبعضه‪.‬‬
‫‪ - 6‬الوليمة ( وهي طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها) ‪ :‬وهي سنة مستحبة مؤكدة عند‬
‫جماهير العلماء وهو مشهور مذهبي المالكية والحنابلة‪ ،‬ورأي بعض الشافعية؛ لنه طعام لحادث‬
‫سرور‪ ،‬فلم تجب كسائر الولئم‪.‬‬
‫وفي قول مالك‪ ،‬والمنصوص في الم للشافعي ورأي الظاهرية‪ :‬أن الوليمة واجبة‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف‪« :‬أولم ولو بشاة» (‪ )1‬وظاهر المر الوجوب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه عن أنس (نيل الوطار‪.)175/6 :‬‬

‫( ‪)9/114‬‬

‫وقد اختلف السلف في وقت الوليمة‪ ،‬هل هو عند العقد‪ ،‬أوعقبه‪ ،‬أوعند الدخول أو عقبه أو من ابتداء‬
‫العقد إلى انتهاء الدخول؟‬
‫قال النووي‪ :‬اختلفوا‪ ،‬فحكى القاضي عياض أن الصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول‪ ،‬وعن‬
‫جماعة منهم‪ :‬عند العقد‪ ،‬وعند ابن جندب‪ :‬عند العقد وبعد الدخول‪ .‬قال السبكي‪ :‬والمنقول من فعل‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم أنها بعد الدخول‪ .‬وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد‬
‫الدخول لقوله‪ :‬أصبح عروسا بزينب‪ ،‬فدعا القوم (‪ . )1‬وهذا هو المعتمد عند المالكية‪ .‬وقال الحنابلة‪:‬‬
‫تسن بعقد‪ ،‬وجرت العادة بفعلها قبل الدخول بيسير‪.‬‬
‫وأما النُثار (ما ينثر من السكر واللوز والجوز في النكاح أو غيره) فيكره عند الشافعي والمالكية؛ لن‬
‫التقاطه دناءة وسخف‪ ،‬ولنه يأخذه قوم دون قوم‪ ،‬وتركه أحب‪.‬‬
‫وأما الجابة‪ :‬فتسن عند الحنفية إجابة الدعوة‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬الجابة إلى الوليمة واجبة وجوبا عينيا عند المالكية والشافعية على المذهب‪،‬‬
‫والحنابلة‪ ،‬حيث ل عذر من نحو برد وحر وشغل‪ ،‬لحديث «من دعي إلى وليمة ولم يجب‪ ،‬فقد عصى‬
‫أبا القاسم» (‪ )2‬وحديث «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليأتها» (‪. )3‬‬
‫والجابة واجبة حتى على الصائم‪ ،‬لكن ل يلزمه الكل‪ ،‬لما رواه أحمد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪.176/6 :‬‬
‫(‪ )2‬نص الحديث عند مسلم عن أبي هريرة‪« :‬شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها‪ ،‬ويدعى‬
‫عليها من يأباها‪ ،‬ومن لم يجب الدعوة فقد عصى ال ورسوله» ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم وأحمد‪.‬‬

‫( ‪)9/115‬‬

‫ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة‪« :‬إذا دعي أحدكم فليجب‪ ،‬فإن كان صائما فليصل‪ ،‬وإن كان مفطرا‬
‫فليطعم» ‪.‬‬
‫أما العذار‪ :‬فقال الشافعية‪ :‬إن دعي الشخص إلى موضع فيه منكر من زمر أو طبل أو خمر‪ :‬فإن‬
‫قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الجابة‪ ،‬ولزالته المنكر‪ ،‬وإن لم يقدر على إزالته‪ ،‬لم‬
‫يحضر‪ ،‬لما روي « أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر» (‬
‫‪. )1‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬تكره إجابة من في ماله حرام كأكله منه‪ ،‬ومعاملته وقبوله هديته وهبته وصدقته‪،‬‬
‫وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلّته‪ .‬ويستحب بالتفاق أكله ولو صائما صوما غير‬
‫واجب؛ لنه يدخل السرور على من دعاه‪ .‬ومن دعاه أكثر من واحد‪ ،‬أجاب الكل إن أمكنه‪ ،‬وإل أجاب‬
‫السبق قولً‪ ،‬فالدين فالقرب رحما‪ ،‬فجوارا‪ ،‬ثم أقرع‪ ،‬أي لجأ إلى القرعة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬تجب الجابة على من عيّن للوليمة بالشخص‪ ،‬إن لم يكن في المجلس من يُتأذى منه‬
‫لمر ديني‪ ،‬كمن شأنه الخوض في أعراض الناس‪ ،‬أو من يؤذيه‪ ،‬أو كان في المجلس منكر كفرش‬
‫حرير يجلس عليه‪ ،‬وآنية ذهب أو فضة لكل أو شرب أو تبخير أو نحوها‪ ،‬أو كان هناك سماع غانية‬
‫ورقص نساء وآلة لهو غير دف وزمارة وبوق‪ ،‬وصور حيوان كاملة لها ظل‪ ،‬ل منقوشة بحائط أو‬
‫فرش؛ لن تصاوير الحيوانات تحرم إجماعا إن كانت كاملة لها ظل مما يطول استمراره‪ ،‬بخلف‬
‫ناقص عضو ل يعيش به لو كان حيوانا‪ ،‬وبخلف ما ل ظل له‪ ،‬كنقش في ورق أو جدار‪ .‬والنظر‬
‫إلى الحرام حرام‪ ،‬وتصوير غير الحيوان كالسفن والشجار ل حرمة فيه‪.‬‬
‫ومن العذار المسقطة لوجوب الجابة‪ :‬كثرة زحام‪ ،‬أو إغلق باب دونه إذا قدم‪ ،‬وإن لمشاورة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬العذر الذي يبيح التخلف عن الجمعة‪ :‬من كثرة مطر‪ ،‬أو وحل أو خوف على مال أو مرض أو‬
‫تمريض قريب ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود عن ابن عمر بلفظ «نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن الجلوس على مائدة‬
‫عليها الخمر‪. »..‬‬

‫( ‪)9/116‬‬

‫حكم آلت اللهو عند المالكية‪ :‬قالوا‪ :‬تكره الزّمارة والبوق إذا لم يكثر جدا حتى يلهي كل اللهو‪ ،‬وإل‬
‫حرم كآلت الملهي وذوات الوتار‪ ،‬والغناء المشتمل على فحش القول‪ ،‬أو الهذيان‪.‬‬
‫وليكره الغربال أو الدّف إذا لم يكن فيه صراصير‪ ،‬وإل حرم‪ ،‬ول يكره الكُبَر أي الطبل الكبير‬
‫المدور‪ ،‬المغش من الجهتين‪.‬‬
‫قال العز بن عبد السلم‪ :‬أما العود واللت المعروفة ذوات الوتار كالربابة والقانون‪ ،‬فالمشهور من‬
‫المذاهب الربعة أن الضرب به وسماعه حرام‪ ،‬والصح أنه من الصغائر‪ .‬وذهبت طائفة من‬
‫الصحابة والتابعين ومن الئمة المجتهدين إلى جوازه‪ .‬قال الغزالي (‪ : )1‬وقد دل النص والقياس‬
‫جميعا على إباحة سماع الغناء واللت كالقضيب والطبل والدف وغيره‪ ،‬ول يستثنى من هذه إل‬
‫الملهي والوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها (‪ )2‬ل للذتها‪ ،‬إذ لو كان للذة لقيس عليها‬
‫كل ما يلتذ به النسان‪.‬‬
‫وأما الرقص‪ :‬فاختلف فيه الفقهاء‪ :‬فذهبت طائفة إلى الكراهة‪ ،‬وطائفة إلى الباحة‪ ،‬وطائفة إلى‬
‫التفريق بين أرباب الحوال وغيرهم‪ ،‬فيجوز لرباب الحوال ويكره لغيرهم‪ ،‬قال العز بن عبد‬
‫السلم‪ :‬وهذا القول هو المرتضى‪ ،‬وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء‪ .‬وقد أبنت سابقا أنه‬
‫حرام مع التثني والتكسر‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن يقول الزوج إذ ا زفت إليه عروسه ما ثبت في السنة وهو ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ روى صالح بن أحمد عن أبي سعيد مولى أبي أسيد‪ ،‬قال‪« :‬تزوج‪ ،‬فحضر عبد ال بن مسعود‬
‫وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فحضرت الصلة‪ ،‬فقدموه‪،‬‬
‫وهو مملوك‪ ،‬فصلى بهم‪ ،‬ثم قالوا له‪ :‬إذا دخلت على أهلك‪ ،‬فصل ركعتين‪ ،‬ثم خذ برأس أهلك فقل‪:‬‬
‫اللهم بارك لي في أهلي‪ ،‬وبارك لهلي في‪ ،‬وارزقهم مني‪ ،‬وارزقني منهم‪ ،‬ثم شأنك وشأن أهلك» ‪.‬‬
‫ب ـ وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫«إذا تزوج أحدكم امرأة‪ ،‬أواشترى خادما‪ ،‬فليقل‪ :‬اللهم إني أسألك خيرها‪ ،‬وخير ما جبلت عليه‪،‬‬
‫وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه‪ ،‬وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه‪ ،‬وليقل مثل ذلك» ‪،‬‬
‫وهذا يقال عند شراء السيارة والدار ونحوهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحياء‪ 238/2 :‬وما بعدها‪.109/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬روى البخاري تعليقا عن أبي عامر أو أبي مالك الشعري‪« :‬ليكونن في أمتي أقوام يستحلون‬
‫الخز والحرير والمعازف» والمعازف‪ :‬الملهي‪.‬‬

‫( ‪)9/117‬‬

‫صلُ الثّالث‪ :‬المحرّمات من النّساء أو النكحة المحرّمة‬


‫ال َف ْ‬
‫عرفنا في شروط الزواج‪ :‬أنه يشترط أل تكون المرأة محرمة على الرجل الذي يريد الزواج بها‪ ،‬بأن‬
‫تكون محلً لورود العقد عليها‪ ،‬والمحلية نوعان عند الحنفية‪ :‬أصلية وفرعية‪ ،‬والنوع الول‪ :‬شرط في‬
‫انعقاد الزواج فإذا لم يتوافر بطل العقد؛ لن التحريم قطعي‪ ،‬والنوع الثاني‪ :‬شرط في صحة الزواج‪،‬‬
‫فإذا فات فسد العقد؛ لن التحريم ظني‪.‬‬
‫ومحل عقد الزواج‪ :‬كل امرأة تحل في الشرع‪ ،‬بوجهين‪ :‬إما بنكاح أو بملك يمين‪.‬‬
‫والمحرمات من النساء نوعان‪ :‬نوع يحرم حرمة مؤبدة‪ ،‬ونوع يحرم حرمة مؤقتة‪ .‬والتحريم المؤبد‬
‫إما من جهة النسب‪ ،‬أو من جهة المصاهرة‪ ،‬أو من جهة الرضاع (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،5-2/4 ،272-256/2 :‬تبيين الحقائق‪ ،105-101/2 :‬فتح القدير‪ ،390-357/2 :‬غاية‬
‫المنتهى‪ ،38-30/3 :‬الدر المختار‪ ،405-380/2 :‬بداية المجتهد‪،59-57 ،49-39 ،34-31/2 :‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،210-204‬مغني المحتاج‪ ،190-174/3 :‬المهذب‪ ،42/2 :‬المغني‪،543/6 :‬‬
‫‪ ،650- 567‬كشاف القناع‪.97-74/5 :‬‬

‫( ‪)9/118‬‬

‫والنساء المحرمات عند المالكية (‪ )48‬امرأة‪ ،‬خمس وعشرون مؤبدات‪ :‬سبع من النسب‪ :‬الم والبنت‬
‫والخالة والخت والعمة وبنت الخ وبنت الخت‪ ،‬ومثلهن من الرضاع‪ .‬وأربع بالصهر‪ :‬أم الزوجة‬
‫وبنتها‪ ،‬وزوجة الب والبن‪ ،‬ومثلهن من الرضاع‪ .‬ونساء النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬والملعنة‪،‬‬
‫والمنكوحة في العدة‪.‬‬
‫وغير المؤبدات‪ :‬ثلث وعشرون‪ :‬المرتدة‪ ،‬وغير الكتابية‪ ،‬والخامسة‪ ،‬والمتزوجة‪ ،‬والمعتدة‪،‬‬
‫طوْل‬
‫والمستبرأة‪ ،‬والحامل‪ ،‬والمبتوتة‪ ،‬والمة المشتركة (‪ ، )1‬والمة الكافرة‪ ،‬والمة المسلمة لواجد ال ّ‬
‫( المهر )‪ ،‬وأمة البن وأمة نفسه‪ ،‬وسيدته‪ ،‬وأم سيده‪ ،‬والمحرمة بالحج‪ ،‬والمريضة‪ ،‬وأخت زوجته‪،‬‬
‫وخالتها‪ ،‬وعمتها‪ ،‬فل يجوز الجمع بينهما‪ .‬والمنكوحة يوم الجمعة عند الزوال‪ ،‬والمخطوبة بعد‬
‫الركون للغير‪ ،‬واليتيمة غير البالغ‪.‬‬
‫النوع الول ـ المحرمات المؤبدة‪ :‬هي التي تحرم على الرجل أبدا‪ ،‬لسبب دائم فيها‪ ،‬كالبنوة والمومة‬
‫والخوة‪ ،‬وتنحصر في ثلثة أسباب‪ :‬القرابة‪ ،‬المصاهرة‪ ،‬الرضاع‪.‬‬
‫‪ - 1‬حرمة القرابة أو المحرمات بسبب النسب ‪:‬‬
‫المحرمات بسبب النسب على التأبيد‪ :‬هن اللتي تحرم على الشخص بالقرابة النسبية‪ ،‬وهن أربعة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫أ ـ أصول النسان وإن علون‪ :‬وهي الم‪ ،‬والجدة‪ :‬أم الم‪ ،‬وأم الب‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬حرّمت عليكم‬
‫أمهاتكم} [النساء‪ .]23/4:‬والم لغة‪ :‬الصل‪ ،‬فتشمل الم والجدة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ل يجوز للرجل أن يتزوج بجاريته التي يملكها ول بجارية مشتركة بينه وبين غيره‪ ،‬وكذلك ل‬
‫يجوز للمرأة أن تتزوج عبدها ول العبد المشترك بينها وبين غيرها‪.‬‬

‫( ‪)9/119‬‬
‫ب ـ فروع النسان وإن نزلن‪ :‬وهي البنت وبنت البنت‪ ،‬وبنت البن وإن نزل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬حرمّت‬
‫عليكم أمهاتكم وبناتكم} [النساء‪.]23/4:‬‬
‫جـ ـ فروع البوين أو أحدهما وإن بعدت درجتهن‪ :‬وهي الخوات الشقيقات أو لب أو لم‪،‬‬
‫وبناتهن‪ ،‬وبنات أولد الخوة والخوات وإن نزلن‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وبنات الخ وبنات الخت} [النساء‪:‬‬
‫‪.]23/4‬‬
‫د ـ الطبقة الولى أو المباشرة من فروع الجداد والجدات‪ :‬وهن العمات والخالت‪ ،‬سواء كن عمات‬
‫للشخص نفسه وخالت له‪ ،‬أم كن عمات وخالت لبيه أو أمه‪ ،‬أوأحد أجداده وجداته‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم} [النساء‪.]23/4:‬‬
‫أما الطبقة الثانية أو غير المباشرة من هذه الفروع فل تحرم‪ ،‬كبنات العمات والعمام‪ ،‬وبنات الخال‬
‫أو الخالة‪ ،‬لدخولهن في مضمون قوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء‪ ]24/4:‬ولقوله سبحانه‪:‬‬
‫{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء ال عليك‪ ،‬وبنات‬
‫عمك‪ ،‬وبنات عماتك‪ ،‬وبنات خالك وبنات خالتك اللتي هاجرن معك} [الحزاب‪.]50/33:‬‬
‫ونصت المادة (‪ )33‬من القانون السوري على هذه المحرمات‪« :‬يحرم على الشخص أصوله وفروعه‪،‬‬
‫وفروع أبويه‪ ،‬والطبقة الولى من فروع أجداده» ‪ .‬وتكون المحرمات بالقرابة سبع فرق‪ :‬المهات‪،‬‬
‫والبنات‪ ،‬والخوات‪ ،‬والعمات‪ ،‬والخالت‪ ،‬وبنات الخ‪ ،‬وبنات الخت‪.‬‬

‫( ‪)9/120‬‬

‫وحكمة تحريم الزواج بهؤلء‪ :‬إقامة نظام السرة على أساس من الود والحب الخالص الذي ل تشوبه‬
‫مصلحة‪ ،‬فبالتحريم تنقطع الطماع‪ ،‬ويتم الجتماع والختلط البريء‪ .‬وفي الزواج بإحدى هؤلء‬
‫إفضاء إلى قطع الرحم بسبب ما يحدث عادة بين الزوجين من نزاع وتخاصم‪ ،‬وقطع الرحم حرام‪،‬‬
‫والمفضي إلى الحرام حرام‪ ،‬كما قال الكاساني (‪. )1‬‬
‫هذا فضلً عما يؤدي إليه الزواج بالقريبات من ضعف النسل والمرض‪ ،‬بعكس الزواج بالباعد يأتي‬
‫بنسل قوي‪ ،‬كما ثبت طبا وشرعا‪ .‬وفي الثر‪« :‬اغتربوا ل َتضْووا» أي تزوجوا البعيدة لئل يأتي‬
‫ل ضعيفا‪.‬‬
‫النسل ضاويا‪ ،‬أي هزي ً‬
‫‪ - 2‬حرمة المصاهرة‪ :‬المحرمات بسبب المصاهرة على التأبيد أربعة أنواع أيضا‪:‬‬
‫أ ـ زوجة الصول وإن علوا‪ ،‬عصبة كانوا أم ذوي أرحام‪ ،‬سواء دخل بها الصل أم عقد عليها ولم‬
‫يدخل‪ ،‬كزوجة الب‪،‬والجد أبي الب أو أبي الم‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء‪،‬‬
‫إل ما قد سلف‪ ،‬إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلً} [النساء‪ ]22/4:‬والمراد بالنكاح في ( نكح )‪ :‬العقد‪،‬‬
‫فهو سبب للتحريم سواء دخل بها أم لم يدخل‪ .‬والب يطلق لغة على الجد وإن عل‪.‬‬
‫والمحرم بهذه الية هو زوجة الب فقط‪ ،‬أما بنتها أو أمها فل تحرم على البن‪ ،‬فيجوز أن يتزوج‬
‫الرجل امرأة‪ ،‬ويتزوج ابنه بنتها أو أمها‪.‬‬
‫وسبب التحريم‪ :‬تكريم واحترام الصول وتحقق صلح السر ومنع الفساد‪ ،‬من تطلع البن لزوجة‬
‫أصله‪ ،‬في حالة الختلط التي تحدث عادة بين الب وابنه وسكناهما غالبا في مسكن واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.257/2 :‬‬

‫( ‪)9/121‬‬

‫ب ـ زوجة فروعه وإن نزلوا‪ ،‬سواء كن عصبات أم ذوي رحم‪ ،‬وسواء دخل بها الفرع أم لم يدخل‬
‫ولو بعد أن فارقها بالطلق أو الوفاة‪ ،‬كزوجة البن أوابن البن أو البنت وإن نزلوا‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫ل ل يترتب عليه أي أثر‪،‬‬
‫{وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم} [النساء‪ ]23/4:‬ويكون العقد عليها باط ً‬
‫فإنهم قالوا‪ :‬تثبت الحرمة بنفس العقد في منكوحة الب وحليلة البن‪.‬والحليلة ‪ :‬هي الزوجة‪ ،‬ويتحقق‬
‫هذا الوصف بمجرد العقد الصحيح‪.‬‬
‫وألحق الحنفية بتحريم زوجة الصل والفروع‪ :‬موطوءة الصل أو الفرع بالزنا أو الزواج الفاسد؛ لن‬
‫مجرد الوطء كاف عندهم في التحريم على الرجل‪.‬‬
‫ول فرق بين أن يكون البن من النسب أو الرضاع‪ ،‬فزوجة البن أو ابن البنت من الرضاع تحرم‬
‫على أبيه وجدّه تحريما مؤبدا‪ ،‬كما تحرم زوجة البن من النسب؛ لنه «يحرم من الرضاع ما يحرم‬
‫من النسب» (‪ )1‬ولقوله تعالى‪{ :‬وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم} [النساء‪.]23/4:‬‬
‫جـ ـ أصول الزوجة وإن علون‪ ،‬سواء دخل بزوجته أم لم يدخل‪ ،‬كأم الزوجة وجدتها‪ ،‬وسواء‬
‫أكانت الجدة من جهة الب أم من جهة الم‪ ،‬فمجرد العقد على الزوجة يحرّم أصولها على الرجل‪،‬‬
‫ويكون العقد عليها ولو بعد الطلق أو الموت باطلً‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأمهات نسائكم} [النساء‪]23/4:‬‬
‫وهو في آية المحرمات في سورة النساء (‪ )23‬شروع في بيان المحرمات من جهة المصاهرة إثر‬
‫بيان المحرمات من جهة الرضاعة التي لها لحمة كلحمة النسب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة عن عائشة‪ ،‬وهذا لفظ ابن ماجه (نيل الوطار‪.)317/6 :‬‬
‫( ‪)9/122‬‬

‫د ـ فروع الزوجة وإن نزلن أي الربائب‪ ،‬إذا دخل الرجل بالزوجة‪ ،‬فإن لم يدخل بها‪ ،‬ثم فارقها‬
‫بالطلق أو الوفاة‪ ،‬فل تحرم البنت ول واحدة من فروعها على الزوج‪ .‬لقوله تعالى‪{ :‬وربائبكم (‪)1‬‬
‫اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن‪ ،‬فإن لم تكونوا دخلتم بهن‪ ،‬فل جناح عليكم} [النساء‪:‬‬
‫‪ ]4/23‬سواء أكانت بنت الزوجة ساكنة في بيت زوج أمها أم ل‪ ،‬وأما القيد المذكور في الية {في‬
‫حجوركم} [النساء‪ ]4/23:‬فهو مستمد من الشأن الغالب في الربيبة‪ ،‬وهو أن تكون مع أمها‪ ،‬وسبب‬
‫التحريم كون نكاحها مفضيا إلى قطيعة الرحم‪ ،‬سواء أكانت في حجره أم لم تكن‪.‬‬
‫ويلحق بتحريم أصول الزوجة وفروعها عند الحنفية‪ :‬أصول الموطوءة وفروعها في وطء حرام أو‬
‫فيه شبهة‪.‬‬
‫ويلحظ مما سبق في حرمة المصاهرة أن العقد وحده على المرأة يحرم ما عدا فروع الزوجة‪ ،‬وقد‬
‫قرر الفقهاء فيه قاعدة مشهورة هي‪ ( :‬العقد على البنات يحرّم المهات‪ ،‬والدخول بالمهات يحرّم‬
‫البنات ) وسبب التفرقة أن النسان يحب ابنه أو بنته كنفسه بعكس حب الصل‪ ،‬فل تتألم الم لو عقد‬
‫على بنتها بعد العقد عليها‪.‬‬
‫وحكمة التحريم بالمصاهرة كما أبان الدهلوي (‪ : )2‬منع التنازع والتصارع الذي قد يحدث بين‬
‫القارب من هذا النوع إما بفك ارتباط زوجة بزوجها أو بالتنازع على زوج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الربائب جمع ربيبة‪ :‬وهي بنت المرأة من رجل آخر‪ ،‬وسميت بذلك لن زوج الم يربها أي يقوم‬
‫بأمرها ويرعى شؤونها‪ .‬فالربائب‪ :‬هن بنات زوجة دخل بها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حجة ال البالغة‪.97/2 :‬‬

‫( ‪)9/123‬‬

‫ما يلحق بحرمة المصاهرة‪ :‬ألحق الحنفية كما تقدم بالعقد الصحيح أو بالدخول‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬حالة الدخول بالمرأة بعقد فاسد كالزواج بغير شهود‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وحالة الدخول بالمرأة بناء على شبهة‪ ،‬كمن زفت إليه امرأة أخرى غير التي عقد عليها‪ ،‬وقيل‬
‫له‪ :‬إنها زوجته‪ ،‬فدخل بها‪ ،‬بناء عليه‪ ،‬ثم تبين أنها ليست زوجته التي عقد عليها ولم يكن قد رآها‪،‬‬
‫وهي التي تسمى بالمرأة المزفوفة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬وكذلك ألحقوا مع الحنابلة (‪ )1‬الزنا‪ ،‬ومثله عند الحنفية مقدمات الزنا من تقبيل ومس بشهوة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬تثبت حرمة المصاهرة بالزنا والمس والنظر بدون النكاح والملك وشبهته؛ لن المس والنظر‬
‫سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه احتياطا‪ ،‬وألحق الحنابلة اللواط بالزنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬الحرام المحض وهو‬
‫الزنا يثبت به التحريم‪ ،‬ول فرق بين الزنا في القبل والدبر؛ لنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في‬
‫الزوجة والمة‪ .‬وإن تلوط بغلم يتعلق به التحريم أيضا‪ ،‬فيحرم على اللئط أمّ الغلم وابنته‪ ،‬وعلى‬
‫الغلم أم اللئط وابنته؛ لنه وطء في الفرج‪ ،‬فنشر الحرمة كوطء المرأة‪ ،‬ولنها بنت من وطئه وأمه‪،‬‬
‫فحرمتا عليه‪ ،‬كما لو كانت الموطوءة أنثى‪.‬‬
‫ويترتب على هذا الرأي‪ :‬أنه يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا وأخته‪ ،‬وبنت ابنه وبنت بنته وبنت‬
‫أخيه وأخته من الزنا‪ ،‬وتحرم أمها وجدتها‪ ،‬فمن زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وأمها‪ .‬ولو زنى‬
‫الزوج بأم زوجته أو ببنتها‪ ،‬حرمت عليه زوجته على التأييد‪.‬‬
‫واستدلوا بدليلين‪:‬‬
‫ل قال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد زنيت بامرأة في الجاهلية‪ ،‬أفأنكح ابنتها؟ قال‪:‬‬
‫الول ـ ما روي أن رج ً‬
‫«ل أرى ذلك‪ ،‬ول يصلح أن تنكح امرأة تطّلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها» ‪ .‬ولكن هذا الحديث‬
‫مرسل ومنقطع كما قال ابن الهمام في فتح القدير‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،260/2 :‬المغني‪ 577/6 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 365/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/124‬‬

‫الثاني ـ إن الزنا سبب للولد‪ ،‬فيثبت به التحريم قياسا على غير الزنا‪ ،‬وكون الزنا حراما ل يؤثر‪،‬‬
‫بدليل أن الدخول بالمرأة بناء على عقد فاسد تثبت به حرمة المصاهرة بالتفاق‪ ،‬وإن كان الدخول‬
‫حراما‪ .‬ورد عليه بأنه قياس مع الفارق؛ لن الزنا يجب به الحد ول يثبت به النسب‪ ،‬بخلف الوطء‬
‫في الزواج‪ ،‬لذا قال الشافعي لمحمد بن الحسن‪« :‬إن الزواج أمر حمدت عليه‪ ،‬والزنا فعل رجمت‬
‫عليه‪ ،‬فكيف يشتبهان؟!» ‪.‬‬
‫وقال المالكية على المشهور والشافعية (‪ : )1‬إن الزنا والنظر والمس ل تثبت به حرمةالمصاهرة‪،‬‬
‫فمن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها‪ ،‬ول الزواج بأمها أو ببنتها‪ ،‬ول تحرم المزني بها على أصول‬
‫الزاني وفروعه‪ ،‬ولو زنى الرجل بأم زوجته أو ببنتها ل تحرم عليه زوجته‪ .‬وإن لط بغلم لم تحرم‬
‫عليه أمه وابنته‪ ،‬ولكن يكره ذلك كله‪.‬‬
‫واستدلوا بأدلة أربعة هي‪:‬‬
‫الول ـ أن النبي صلّى ال عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة‪ ،‬فأراد أن يتزوجها أو يتزوج‬
‫ابنتها‪ ،‬فقال‪« :‬ل يحرم الحرام الحلل‪ ،‬إنما يحرم ما كان بنكاح» (‪ )2‬فهذا كما قال الدميري‪ :‬يدل‬
‫لمذهب الشافعي أن الزنا ل يثبت حرمة المصاهرة‪ ،‬حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،347/2 :‬مغني المحتاج‪.419 ،175/3 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي عن عائشة وضعفه‪ ،‬وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر‪.‬‬

‫( ‪)9/125‬‬

‫ويؤيده أحاديث أخرى منها‪ « :‬الزاني المجلود ل ينكح إل مثله» (‪ )1‬وقرأ النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫على رجل يريد أن يتزوج بزانية‪{ :‬الزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك} (‪[ )2:‬النور‪.]3/24:‬‬
‫الثاني ـ المصاهرة نعمة؛ لنها تلحق الجانب بالقارب‪ ،‬وفي الحديث‪« :‬المصاهرة لحمة كلحمة‬
‫النسب» (‪ ، )3‬وأما الزنا فمحظور شرعا‪ ،‬فل يكون سببا للنعمة‪.‬‬
‫الثالث ـ القصد من إثبات حرمة المصاهرة قطع الطماع بين الرجل والمرأة‪ ،‬لتحقيق اللفة والمودة‪،‬‬
‫والجتماع البريء من غير ريبة‪ ،‬أما المزني بها فهي أجنبية عن الرجل ول تنسب إليه شرعا‪ ،‬ول‬
‫يجري بينهما التوارث‪ ،‬ول تلزمه نفقتها‪ ،‬ول سبيل للقاء معها‪ ،‬فهي كسائر الجانب‪ ،‬فل وجه لثبات‬
‫الحرمة بالزنا‪.‬‬
‫الرابع ـ قوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء‪ ]24/4:‬يفيد صراحة حل ما عدا المذكورات‬
‫قبلها‪ ،‬وليس المزني بها منهن‪ ،‬فتدخل في عموم الحل‪.‬‬
‫وبالنظر في أدلة الفريقين‪ ،‬وبمعرفة ضعف أدلة الفريق الول‪ ،‬يتبين لنا ترجيح رأي الفريق الثاني‪،‬‬
‫تمييزا بين الحلل المشروع والحرام المحظور‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )34‬من القانون السوري على المحرمات بسبب المصاهرة ونصها‪ :‬يحرم على‬
‫الرجل‪:‬‬
‫‪ - 1‬زوجة أصله أو فرعه أو موطوءة أحدهما‪.‬‬
‫‪ - 2‬أصل موطوءته أو فرعها‪ ،‬وأصل زوجته‪.‬‬
‫وقد اقتصر النص على أصل الزوجة دون فرعها؛ لنه إن دخل الزوج بالزوجة‪ ،‬فيشمل فرع الزوجة‬
‫قوله‪« :‬أصل موطوءته وفرعها» وإن لم يدخل بها‪ ،‬فل يحرم عليه فرعها وهي الربيبة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود ‪ ،‬وقال في الفتح‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والطبراني في الكبير والوسط‪ ،‬قال الهيثمى‪ :‬ورجال أحمد ثقات‪ .‬والمرأة يقال لها أم‬
‫مهزول‪.‬‬
‫صهْر سبع» (جامع‬
‫(‪ )3‬المعروف حديث البخاري عن ابن عباس‪« :‬حَرُم من النسب سبع‪ ،‬ومن ال ّ‬
‫الصول‪.)144/12 :‬‬

‫( ‪)9/126‬‬

‫‪ - 3‬حرمة الرضاع ‪:‬‬


‫المحرمات بسبب الرضاع هن المحرمات بسبب النسب‪ ،‬وهو أربعة أنواع من جهة النسب‪،‬‬
‫وأربعةأنواع من جهة المصاهرة‪ ،‬فصار المجموع ثمانية‪ .‬ودليل التحريم‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬وأمهاتكم‬
‫اللتي أرضعنكم‪ ،‬وأخواتكم من الرضاعة} [النساء‪ ]23/4:‬وقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬يحرم من‬
‫الرضاع ما يحرم من النسب» (‪ )1‬وكما تحرم القريبات من الرضاع‪ ،‬تحرم الصهار من الرضاع‬
‫أيضا‪ ،‬قياسا على النسب‪ ،‬وأخذا من مفهوم الية والحديث المتقدمين‪ ،‬فأصبحت القاعدة‪ :‬يحرم بسبب‬
‫الرضاع ما يحرم بسبب النسب وسبب المصاهرة إل في حالتين سأذكرهما يختلف فيهما حكم النسب‬
‫والرضاع‪.‬‬
‫وأنواع المحرمات بالرضاع الثمانية هي ما يأتي‪:‬‬
‫الول ـ أصول النسان من الرضاع مهما علون‪ :‬وهي الم من الرضاعة والجدة أو الجدات‪ ،‬أي أم‬
‫المرضعة وأم زوج المرضعة‪.‬‬
‫الثاني ـ الفروع من الرضاع مهما نزلن‪ :‬وهي البنت رضاعا وبنتها‪ ،‬وبنت البن رضاعا وبنتها وإن‬
‫نزلت؛ لنهن بنات إخوته وأخواته‪.‬‬
‫الثالث ـ فروع البوين من الرضاع‪ :‬وهي الخوات من الرضاعة‪ ،‬وبنات الخوة والخوات مهما‬
‫نزلن؛ لنهن بنات الخ والخت‪.‬‬
‫الرابع ـ الفروع المباشرة للجد والجدة من الرضاع‪ :‬وهي العمات والخالت رضاعا‪ .‬والعمة من‬
‫الرضاعة‪ :‬هي أخت زوج المرضعة‪ ،‬والخالة من الرضاعة‪ :‬هي أخت المرضعة‪ .‬ول تحرم بنات‬
‫العمات والعمام وبنات الخالت والخوال من الرضاعة‪ ،‬كما ل تحرم من النسب‪.‬‬
‫الخامس ـ أم الزوجة وجداتها من الرضاعة مهما علون‪ ،‬سواء أكان هناك دخول بالزوجة أم لم يكن‪.‬‬
‫السادس ـ زوجة الب والجد من الرضاع‪ ،‬وإن عل‪ ،‬سواء دخل الب والجد بها أم لم يدخل‪ ،‬كما‬
‫يحرم عليه زوجة أبيه من النسب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة عن عائشة‪ ،‬وهذا لفظ ابن ماجه‪ ،‬ولفظ الخرين «من الولدة» بدل «من النسب»‬
‫وروى أحمد والشيخان اللفظ الول أيضا عن ابن عباس‪ ،‬وفي لفظ «من الرحم» (جامع الصول‪:‬‬
‫‪ ،146/12‬نيل الوطار‪.)317/6 :‬‬

‫( ‪)9/127‬‬

‫السابع ـ زوجة البن وابن ابن البنت من الرضاع‪ ،‬وإن نزلوا‪ ،‬سواء دخل البن ونحوه بالزوجة أم‬
‫لم يدخل‪ ،‬كما يحرم عليه زوجة أولده من النسب‪.‬‬
‫الثامن ـ بنت الزوجة من الرضاعة‪ .‬وبنات أولدها مهما نزلن‪ ،‬إذا كانت الزوجة مدخولً بها‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن دخول بها‪ ،‬فل تحرم فروعها من الرضاع على الزوج‪ ،‬كما في النسب‪.‬‬
‫ما يختلف فيه حكم الرضاع عن حكم النسب ‪:‬‬
‫استثنى الحنفية (‪ )1‬حالتين من التحريم بالنسب‪ ،‬ل تحريم فيهما من جهة الرضاع‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أم الخ أو الخت من الرضاع‪ :‬فإنه يجوز الزواج بها‪ ،‬ول يجوز الزواج بأم الخ أو الخت‬
‫من النسب لبيه‪ ،‬كأن ترضع امرأة طفلً‪ ،‬وكان لها ابن من النسب‪ ،‬فيجوز لهذا البن أن يتزوج بأم‬
‫هذا الطفل‪ ،‬وهي أم أخيه من الرضاع‪.‬‬
‫وذلك لن أم الخ أو الخت من النسب إما أن تكون أمه إن كانا شقيقين أو أخوين لم‪ ،‬أو زوجة أبيه‬
‫إن كانا أخوين لب‪ ،‬وهذا لم يوجد في الرضاع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أخت البن أو البنت من الرضاع‪ :‬فإنه يحل للب أن يتزوج بها‪ ،‬ول يحل له أن يتزوج بأخت‬
‫ابنه أو بنته من النسب‪ ،‬كأن ترضع امرأة طفلً‪ ،‬فلزوج هذه المرأة أن يتزوج بأخت هذا الطفل‪ ،‬ولبي‬
‫هذا الطفل أن يتزوج بنت هذه المرضعة‪.‬‬
‫وحرمة أخت البن أو البنت من النسب؛ لنها إما أن تكون بنته أو بنت زوجته المدخول بها‪ ،‬وكلتاهما‬
‫يحرم الزواج بها‪ ،‬وهذا لم يوجد في الرضاع‪.‬‬
‫أخت الخ وأم الرضيع والمرضعة ‪:‬‬
‫ذكر الحنفية أيضا أنه يجوز للرجل الزواج بأخت الخ من الرضاع‪ ،‬وأخت الخ من النسب‪ ،‬وأم‬
‫الرضيع من النسب‪ ،‬وبالمرضعة‪ .‬أما أخت الخ من الرضاع فكأن يرضع طفل من امرأة‪ ،‬فيجوز‬
‫لخي هذا الطفل الذي لم يرضع أن يتزوج بنت هذه المرأة‪ ،‬وهي أخت أخيه من الرضاع‪ ،‬وهذا معنى‬
‫قول العوام‪ :‬افلت رضيعا وخذ أخاه‪ .‬ومثلها أخت أخته من الرضاع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،5-4/3 :‬اللباب‪.33/3 :‬‬

‫( ‪)9/128‬‬

‫وأما صورة أخت أخيه من النسب‪ :‬فكأن يوجد أخوان لب‪ ،‬ولحدهما أخت من أمه‪ ،‬فيحل لخيه‬
‫الخر أن يتزوج بها‪ ،‬وهي أخت أخيه من النسب‪ ،‬إذ ل صلة بين هذه الخت وبين الرجل‪ ،‬ل بنسب‬
‫ول رضاع‪ ،‬وإنما هي بنت زوجة أبيه‪ .‬وكذلك لو كان هناك أخوان لم‪ ،‬ولحدهما أخت نسبية من‬
‫الب‪ ،‬فإنها تحل لخيه من الم‪.‬‬
‫ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم الرضيع من النسب؛ لن الرضيع ابنه‪ ،‬كما يجوز أن يتزوج أم‬
‫ابنه من النسب‪.‬‬
‫ولب الرضيع من النسب أن يتزوج المرضعة؛ لنها أم ابنه من الرضاع‪ ،‬فهي كأم ابنه من النسب‪.‬‬
‫موقف القانون من الرضاع ‪:‬‬
‫نصت المادة (‪ )1/35‬من القانون السوري على أصناف المحرمات بالرضاع وهي‪« :‬يحرم من‬
‫الرضاع ما يحرم من النسب إل ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه» ‪.‬‬
‫ونصت الفقرة (‪ )2‬من هذه المادة على شروط الرضاع المحرم‪« :‬يشترط في الرضاع للتحريم أن‬
‫يكون في العامين الولين‪ ،‬وأن يبلغ خمس رضعات متفرقات‪ ،‬يكتفي الرضيع في كل منها‪ ،‬قل‬
‫مقدارها أو كثر» ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن شروط الرضاع المحرّم هي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يقع الرضاع خلل العامين الولين من حياة الرضيع‪ ،‬فلو رضع بعدهما ل تثبت به الحرمة‪.‬‬
‫وهذا رأي الجمهور لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل رضاع إل ما كان في الحولين» (‪ ، )1‬وضم‬
‫المام مالك لمدة العامين مدة أقصاها شهران؛ لن الطفل قد يحتاج لهذه المدة للتدرج في تحويل غذائه‬
‫من اللبن إلى الطعام‪ ،‬وذلك إذا لم يفطم عن الرضاع قبل هذه المدة‪ ،‬فإن فطم وأكل الطعام ثم رضع‬
‫فل يكون الرضاع محرّما‪.‬‬
‫وقدر المام أبو حنيفة مدة الرضاع بسنتين ونصف‪ ،‬ليتدرج الطفل في نصف العام على تحويل غذائه‬
‫من اللبن إلى غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني عن ابن عباس ( نيل الوطار‪.)315/6 :‬‬

‫( ‪)9/129‬‬

‫‪ - 2‬أن يرضع الطفل خمس رضعات متفرقات بحسب العادة‪ ،‬بحيث يترك الثدي باختياره من غير‬
‫عارض كتنفس أو استراحة يسيرة أو شيء يلهيه عن الرضاع فجأة ول يشترط كونها مشبعات‪ .‬وهذا‬
‫مذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهم‪.‬‬
‫آراء العلماء في رضاع الكبير والصغير ‪:‬‬
‫ورد عن السيدة عائشة قالت‪ :‬جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول ال إن سالما مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال «فقال‪ :‬أرضعيه تحرمي‬
‫عليه» ‪ .‬رواه مسلم (‪. )1‬‬
‫وفي سنن أبي داود «فأرضعيه خمس رضعات» فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة وهو معارض‬
‫لذلك‪.‬‬
‫وهو يدل على أن رضاع الكبير يحرم مع أنه ليس داخلً تحت الرضاعة من المجاعة‪ ،‬وبيان القصة‬
‫أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالما وزوجه‪ ،‬وكان سالم مولى لمرأة من النصار فلما أنزل ال {ادعوهم‬
‫لبائهم} [الحزاب‪ ]5/33:‬الية‪ .‬كان من له أب معروف نسب إلى أبيه‪ ،‬ومن ل أب له معروفا‪ ،‬كان‬
‫مولى وأخا في الدين‪ ،‬فعند ذلك جاءت سهلة تذكر ما نصه الحديث‪.‬‬
‫وقد اختلف السلف في هذا الحكم ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ذهبت السيدة عائشة رضي ال عنها‪ ،‬وروي هذا عن علي وعروة وداود الظاهري‪ :‬إلى ثبوت‬
‫حكم التحريم وإن كان الراضع بالغا عاقلً بل لقد ورد أن السيدة عائشة كانت تأمر أختها أم كلثوم‬
‫وبنات أخيها يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال ـ رواه مالك ‪.‬‬
‫وأما حجتهم فهي ‪:‬‬
‫أ ـ حديث سهلة هذا وهو حديث صحيح ل شك فيه‪.‬‬
‫ب ـ قوله تعالى‪ { :‬وأمهاتكم اللتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء‪ ]23/4:‬فإنه مطلق‬
‫غير مقيد بوقت‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء‪ :‬ل يحرم من الرضاع إل ما كان في الصغر مع‬
‫اختلفهم في تحديد الصغر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم في الرضاع‪ ،‬باب‪ :‬رضاع البالغ‪،‬رقم (‪.)1453‬‬

‫( ‪)9/130‬‬

‫ً‪ - 1‬الجمهور قالوا‪ :‬مهما كان في الحولين فإن رضاعه يحرم‪ ،‬ول يحرم ما كان بعدهما‪ ،‬مستدلين‬
‫بقوله تعالى ‪{ :‬حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة‪.]233/2:‬‬
‫ً‪ - 2‬وحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» ول يصدق ذلك إل على من يشبعه اللبن‪ ،‬ويكون غذاءه‬
‫ل غير‪ ،‬فل يدخل الكبير لسيما وقد ورد بصيغة الحصر‪.‬‬
‫‪ - 3‬قال جماعة‪ :‬الرضاع المحرم ما كان قبل الفطام ولم يقدروه بزمان‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقال الوزاعي‪ :‬إن فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رضع في الحولين‪ ،‬لم يحرم هذا‬
‫الرضاع شيئا وإن تمادى رضاعه ولم يفطم فما يرضع وهو في الحولين حرّم ‪ ،‬وما كان بعدهما ل‬
‫يحرم وإن تمادى إرضاعه‪.‬‬
‫‪ - 5‬وهناك أقوال أخرى عارية عن الستدلل‪.‬‬
‫وأجاب الجمهور عن حديث سالم بأنه خاص بقصة سهلة كما يدل له قول أم سلمة للسيدة عائشة‪« :‬ل‬
‫نرى هذا إل خاصا بسالم» ‪ .‬ول ندري لعله رخصه لسالم أو أنه منسوخ‪.‬‬
‫ـ وأجاب القائلون بتحريم رضاع الكبير بأن الية وحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» واردان‬
‫لبيان الرضاعة الموجبة لنفقة المرضعة‪ ،‬والتي يجبر عليها البوان كما يرشد إلى ذلك آخر الية‪:‬‬
‫{ وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة‪.]233/2:‬‬
‫وعائشة هي الراوية لحديث «إنما الرضاعة من المجاعة» وهي التي قالت برضاع الكبير وأنه يحرم‪،‬‬
‫فدل على أنها فهمت ما ذكرناه في معنى الية والحديث‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كان حديث سالم خاصا به لذكر‬
‫ذلك رسول ال صلّى ال عليه وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذعة من المعز‪.‬‬
‫وأما القول بأنه منسوخ فيدفعه أن قصة سهلة متأخرة عن نزول آية الحولين فإن سهلة قالت لرسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فإن هذا السؤال منها استنكار لرضاع الكبير‬
‫دال على أن التحليل بعد اعتقاد التحريم‪ .‬وقد دفع ابن تيمية التعارض فقال‪:‬‬

‫( ‪)9/131‬‬
‫«إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إل إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي ل يُستغنى عن دخوله‬
‫على المرأة وشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة‪ ،‬فمثل هذا الكبير الذي أرضعته‬
‫للحاجة أثّر رضاعه‪ ،‬وأما من عداه فل بد من الصغر» ‪ .‬وهو جمع بين الحاديث حسن وإعمال لها‬
‫من غير مخالفة لظاهرها بالختصاص ول نسخ ول إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الحاديث (‪. )1‬‬
‫لبن الفحل‪ :‬الفحل‪:‬الرجل المتزوج بالمرأة المرضعة إذا كان لبنها منه‪ .‬والحكم المقرر لدى جمهور‬
‫الصحابة والتابعين وأئمة الجتهاد‪ :‬أن اللبن للفحل فهو الذي يتعلق به التحريم‪ ،‬أي أنه حق الرجل‪،‬‬
‫وقد حدث بسببه‪ ،‬ول تنقطع نسبة اللبن عن زوج مات أو طلق‪ ،‬فبه يصبح زوج المرضع أبا للرضيع‪،‬‬
‫وتصبح المرضع به أيضا أما للرضيع‪ ،‬ويحرم الطفل على الرجل وأقاربه‪ ،‬كما يحرم ولده من‬
‫النسب‪ ،‬ويصير أولد الزوج كلهم إخوة الرضيع‪ ،‬سواء أكانوا من تلك الزوجة المرضع‪ ،‬أم من زوجة‬
‫أخرى غيرها (‪ ، )2‬أخرج الئمة الستة عن عائشة‪ ،‬قالت‪« :‬دخل عليّ أفلح بن أبي القعيس‪ ،‬فاستترت‬
‫منه‪ ،‬فقال‪ :‬تستترين مني وأنا عمك؟ قالت‪ :‬من أين؟ قال‪ :‬أرضعتك امرأة أخي‪ ،‬قالت‪ :‬إنما أرضعتني‬
‫المرأة‪ ،‬ولم يرضعني الرجل‪ ،‬فدخل علي رسول ال صلّى ال عليه وسلم فحدثته‪ ،‬فقال‪ :‬إنه عمك‪،‬‬
‫فليلج عليك» ‪.‬‬
‫حكمة التحريم بالرضاع ‪:‬‬
‫يحدث التحريم بالرضاع بسبب تكوّن أجزاء البنية النسانية من اللبن‪ ،‬فلبن المرأة ينبت لحم الرضيع‪،‬‬
‫وينشز عظمه أي يكبر حجمه‪ ،‬كما جاء في الحديث‪« :‬ل رضاع إل ما أنشز العظم‪ ،‬وأنبت اللحم» (‬
‫‪ )3‬فإن إنشاز العظم‪ ،‬وإنبات اللحم‪ ،‬إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن‪ ،‬وبه تصبح المرضع أما ً‬
‫للرضيع؛ لنه جزء منها حقيقة‪.‬‬
‫وسأذكر إن شاء ال في بحث الرضاع شروط الرضاع المحرم عند الفقهاء وطرق إثبات الرضاع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبل السلم‪.216-213/3 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،572/6 :‬اللباب‪ ،32/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،206‬مغني المحتاج‪ ،418/3 :‬المقدمات‬
‫الممهدات لبن رشد‪. 492/1 :‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪.316/6 :‬‬

‫( ‪)9/132‬‬
‫النوع الثاني ـ المحرمات المؤقتة ‪:‬‬
‫وهن اللتي يحرم الزواج بهن حرمة مؤقتة لسبب معين‪ ،‬فإذا زال السبب زالت الحرمة‪ ،‬وتلك خمسة‬
‫أنواع هي‪:‬‬
‫المطلقة ثلثا‪ ،‬المشغولة بحق زوج آخر بزواج أوعدة‪ ،‬التي ل تدين بدين سماوي‪ ،‬أخت الزوجة ومن‬
‫في حكمها‪ ،‬الخامسة لمتزوج بأربع‪.‬‬
‫واقتصر القانون السوري على أربعة أصناف‪ ،‬ولم يذكر المرأة التي ل تدين بدين سماوي‪ ،‬فنص في‬
‫المواد (‪ ) 39-36‬على ذلك‪:‬‬
‫م( ‪ - )1 - 36‬ل يجوز أن يتزوج رجل امرأة طلقها ثلث مرات إل بعد انقضاء عدتها من زوج‬
‫آخر‪ ،‬دخل بها فعلً‪.‬‬
‫‪ - 2‬زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق‪ ،‬ولو كانت دون الثلث‪ ،‬فإذا عادت إليه يملك‬
‫عليها ثلثا جديدة‪.‬‬
‫(م ‪ - )37‬ل يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلّق إحدى زوجاته الربع‪ ،‬وتنقضي عدتها‪.‬‬
‫(م ‪ - )38‬ل يجوز التزوج بزوجة آخر ول بمعتدته‪.‬‬
‫(م ‪ - )39‬ل يجوز الجمع بين امرأتين‪ ،‬لو فرضت كل منهما ذكرا حرمت عليه الخرى‪ ،‬فإن ثبت‬
‫الحل على أحد الفرضين‪ ،‬جاز الجمع بينهما‪.‬‬
‫وأضاف الحنفية المرأة الملعنة‪ :‬وهي التي قذفها زوجها بالفجور‪ ،‬أو نفي نسب ولدها إليه‪ ،‬فترافعا‬
‫إلى القاضي‪ ،‬وتلعنا أمامه‪ ،‬ففرق بينهما‪ .‬فتصبح المرأة حراما على الرجل‪ ،‬فإن أكذب نفسه وبرأها‬
‫مما نسبه إليها‪ ،‬جاز زواجه بها عند أبي حنيفة ومحمد‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬التحريم مؤبد‪،‬‬

‫( ‪)9/133‬‬

‫لما صح في السنة أن المتلعنين ل يجتمعان أبدا (‪. )1‬‬


‫وأبيّن هنا تباعا هذه النواع ما عدا الملعنة فمحل بحثها في اللعان‪.‬‬
‫‪ - ً 1‬المطلقة ثلثا ( المبتوتة أو البائن بينونة كبرى) بالنسبة لمن طلقها‪ :‬فمن طلق زوجته ثلث‬
‫طلقات‪ ،‬فل يحل له أن يعقد عليها مرة أخرى‪ ،‬إل إذا تزوجت بزوج آخر ودخل بها‪ ،‬وانقضت عدتها‬
‫منه‪ ،‬بأن طلقها باختياره أو مات عنها‪ ،‬فتعود إلى الزوج الول بزوجية جديدة‪ ،‬ويملك عليها ثلث‬
‫طلقات جديدة (‪ ، )2‬بعد أن اختبرت المرأة زوجا آخر‪ ،‬وقامت بتجربة أخرى‪ ،‬وأحس الزوج بصعوبة‬
‫الفراق‪ ،‬فيعودان إلى الحياة المشتركة بروح وصفحة جديدة‪ ،‬وتسارع المرأة في إرضاء زوجها‪،‬‬
‫وتجنب أسباب تصدع الزوجية السابقة‪ .‬قال تعالى مبينا طريق حل المبتوتة‪{ :‬الطلق مرتان فإمساك‬
‫بمعروف‪ ،‬أو تسريح بإحسان} [البقرة‪ ..]229/2:‬إلى أن قال سبحانه‪{ :‬فإن طلقها‪ ،‬فل تحل له من بعد‬
‫حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬فإن طلقها فل جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود ال } [البقرة‪:‬‬
‫‪.]230/2‬‬
‫والدليل على اشتراط دخول الزوج الثاني بالمرأة المطلقة ثلثا‪ :‬حديث العسيلة‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬جاءت‬
‫امرأة رفاعة القُرَظي إلى النبي صلّى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬كنت‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود عن سهل بن سعد‪ ،‬وروى الدارقطني ذلك عن سهل بن سعد وابن عباس وعلي‬
‫وابن مسعود (نيل الوطار‪.)271/6 :‬‬
‫(‪ )2‬المحرر في الفقه الحنبلي لبن تيمية‪ ،85/2 :‬المغني‪ 261/7 :‬وما بعدها‪ 274 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/134‬‬

‫عند رفاعة‪ ،‬فطلقني‪ ،‬فبتّ طلقي‪ ،‬فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير‪ ،‬وإنما معه مثل َهدْبة الثوب‬
‫(‪ ، )1‬فقال‪ :‬أتريدين أن ترجعي إلفاعة‪ ،‬ل‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته‪ ،‬ويذوق عسيلتك (‪ )2‬فيه دليل على‬
‫أن وطء الزوج الثاني ل يكون محللً ارتجاع الزوج الول للمرأة‪ ،‬إل أن كان حال وطئه منتشرا‪ ،‬فلو‬
‫لم يكن كذلك‪ ،‬أوكان عنينا أو طفلً‪ ،‬لم يكف في الصح من قولي أهل العلم‪.‬‬
‫شروط حل المطلقة ثلثا لزوجها الول ‪:‬‬
‫يشترط لحل المطلقة ثلثا للزوج الول ثلثة شروط (‪: )3‬‬
‫أحدها‪ :‬أن تنكح زوجا غيره‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪.]230/2:‬‬
‫الثاني ـ أن يكون النكاح صحيحا‪ :‬فإن كان فاسدا لم يحلها الوطء فيه‪ ،‬باتفاق المذاهب الربعة‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬وإطلق النكاح يقتضي الصحيح‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يطأها في الفرج‪ :‬فلو وطئها دونه أو في الدبر‪ ،‬لم يحلها؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫علق الحل ـ في الحديث المتقدم ـ على ذوق العسيلة منهما‪ ،‬ول يحصل ذلك إل بالوطء في الفرج‪.‬‬
‫وأدناه تغييب الحشفة في الفرج؛ لن أحكام الوطء تتعلق به‪ .‬ولو أولج الحشفة من غير انتشار‪ ،‬لم‬
‫تحل له؛ لن الحكم يتعلق بذوق العسيلة‪ ،‬ول تحصل من غير انتشار‪ .‬ويجزئ قدر الحشفة من مقطوع‬
‫الذكر‪ ،‬وتحل بوطء الخصي؛ لنه يطأ كالفحل‪ ،‬ولم يفقد إل النزال‪ ،‬وهوغير معتبر في الحلل‪.‬‬
‫وذكر الحنفية أنها لو تزوجت بمجبوب (مقطوع الذكر كله) فإنها ل تحل حتى تحبل لوجود الدخول‬
‫حكما‪ ،‬حتى إنه يثبتُ النسب من الثاني‪.‬‬
‫واشترط الحنابلة والمالكية شرطا رابعا‪ :‬وهو أن يكون الوطء حللً‪ ،‬فإن وطئها في حيض أو نفاس‬
‫أو إحرام من أحدهما أو منهما‪ ،‬أو وأحدهما صائم فرضا‪ ،‬لم تحل؛ لنه وطء حرام لحق ال تعالى‪ ،‬لم‬
‫يحصل به الحلل‪ ،‬كوطء المرتدة‪ ،‬ل يحلها سواء وطئها في حال ردتهما‪ ،‬أو ردتها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أي طرف الثوب الذي لم ينسج‪ ،‬وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في السترخاء وعدم النتشار‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة عن عائشة (نيل الوطار‪ )253/6 :‬وتصغير العسيلة إشارة إلى أن القدر القليل‬
‫كاف في تحصيل المطلوب‪ ،‬بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج‪.‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ 275/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/135‬‬

‫ولم يشترط الحنفية والشافعية هذا الشرط‪ ،‬قال ابن قدامة الحنبلي‪ :‬وهذا أصح إن شاء ال تعالى‪،‬‬
‫لظاهر قوله تعالى‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬وهذه قد نكحت زوجا غيره‪ ،‬وأيضا قوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪« :‬حتى تذوقي عسيلته‪ ،‬ويذوق عسيلتك» وهذا قد وجد‪ ،‬ولنه وطء في نكاح‬
‫صحيح في محل الوطء على سبيل التمام‪ ،‬فأحلها كالوطء الحلل‪ ،‬وكما لو وطئها وقد ضاق وقت‬
‫الصلة‪ ،‬أو وطئها مريضة يضرها الوطء‪.‬‬
‫وهل نكاح التحليل المؤقت (‪ )1‬يحل المطلقة ثلثا ‪:‬‬
‫قال الحنفية والشافعية (‪ : )2‬تحل المطلقة ثلثا لزوجها الول بنكاح التحليل‪ ،‬لكن يكره عند الحنفية‬
‫تحريما التزوج الثاني إن كان بشرط التحليل‪ ،‬مثل‪ :‬تزوجتك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نكاح المحلل ـ كما ذكر الحنابلة ـ هو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلثا على أنه إذا أحلها طلقها‪،‬‬
‫أو فل نكاح بينهما‪ ،‬أو ينويه الزوج‪ ،‬أو يتفقا عليه قبله (غاية المنتهى‪.)40/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،749-738/2 :‬المهذب‪ ،46/2 :‬تكملة المجموع‪.411-405/15 :‬‬

‫( ‪)9/136‬‬

‫على أن أحلك‪ .‬لحديث‪« :‬لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم المحلّل والمحلّل له» (‪ ، )1‬ويصح‬
‫الزواج‪ ،‬ويبطل الشرط‪ ،‬فل يجبر الثاني على الطلق‪ .‬فإن أضمر الزوج الول والثاني التحليل‪ ،‬أو‬
‫كان الثاني مأجورا لقصد الصلح‪ ،‬ل مجرد قضاء الشهوة ونحوها‪ ،‬ل يكره‪.‬‬
‫وذكر الشافعية أن نكاح المحلل باطل إن نكحها على أنها إذا وطئها فل نكاح بينهما‪ ،‬أو أن يتزوجها‬
‫على أن يحلل للزوج الول‪ ،‬لما روى هزيل عن عبد ال قال‪« :‬لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫الواصلة والموصولة‪ ،‬والواشمة والموشومة‪ ،‬والمحلّل والمحلّل له‪ ،‬وآكل الربا ومطعمه» (‪ )2‬ولنه‬
‫نكاح شرط انقطاعه‪ ،‬دون غايته‪ ،‬فأشبه نكاح المتعة‪ .‬وأما إن تزوجها واعتقد أنه يطلقها إذا وطئها‪،‬‬
‫فيكره ذلك‪ ،‬لما روى الحاكم والطبراني في الوسط عن عمر‪ :‬أنه جاء إليه رجل‪ ،‬فسأله عن رجل‬
‫طلق امرأته ثلثا‪ ،‬فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لخيه‪ ،‬هل تحل للول؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إل بنكاح‬
‫رغبة وروى أبو مرزوق التجيبي مثله عن عثمان‪ ،‬أي إن تزوج على نية التحليل بدون شرط صح‬
‫النكاح؛ لن العقد إنما يبطل بما شرط‪ ،‬ل بما قصد‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن زواج المحلل بل شرط‪ ،‬أي بدون شرط صريح في العقد على التطليق‪ ،‬وإنما بالنية‬
‫والقصد الباطن صحيح مكروه عند الشافعية؛ لن العقد استوفى أركانه وشروطه في الظاهر‪ ،‬ول‬
‫يتأثر العقد بالباعث الداخلي أي أنهم ل يقولون بمبدأ سد الذرائع بالقصد الداخلي‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة (‪ : )3‬إن نكاح المحلل أونكاح التيس المستعار ولو بل شرط‪ :‬وهو الذي‬
‫يتزوجها ليحلها لزوجها حرام باطل مفسوخ‪ ،‬ل يصح ول تحل لزوجها الول‪ ،‬والمعتبر نية المحلل ل‬
‫نية المرأة‪ ،‬ول نية المحلل له‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن ابن مسعود‪ ،‬ورواه الخمسة إل النسائي من حديث‬
‫علي مثله (نيل الوطار‪.)138/6 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه النسائي والترمذي وصححه‪.‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،209‬غاية المنتهى‪.40/3 :‬‬

‫( ‪)9/137‬‬

‫ودليلهم الحديث السابق عن ابن مسعود‪« :‬لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم المحلّل والمحلل له»‬
‫وحديث عقبة بن عامر‪« :‬أل أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬يارسول ال ‪ ،‬قال‪ :‬هو المحلّل‪،‬‬
‫لعن ال المحلل والمحلل له» (‪ . )1‬فهذا يدل على تحريم التحليل؛ لن اللعن إنما يكون على ذنب‬
‫كبير‪ .‬وهذا يتفق مع مبدئهم بسد الذرائع‪ ،‬وهو الراجح لدي‪ .‬وخص الفريق الول التحريم والبطال‬
‫بما إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها الثاني بانت منه‪ ،‬أو شرط أنه يطلقها أو نحوذ لك‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬المشغولة بحق زوج آخر‪ :‬وهي التي تعلق بها حق الغير بزواج أو عدة‪ ،‬وهذا يشمل ما يأتي‪:‬‬
‫‪ )ً 1‬ـ المرأة المتزوجة‪ :‬فل يحل لحد أن يعقد عليها ما دامت متزوجة لتعلق حق الغير بها‪ ،‬سواء‬
‫أكان الزوج مسلما أم غير مسلم؛ لقوله تعالى‪{ :‬والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم} [النساء‪:‬‬
‫‪ ]24/4‬أي المتزوجات‪ ،‬واستثنى النص المملوكات بملك اليمين‪ :‬وهن المسبيات في حرب مشروعة‪،‬‬
‫فإذا سبيت المرأة‪ ،‬وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب اختلف الدار‪ ،‬فيحل الزواج بها‪ .‬وهذا هو‬
‫مانع الزوجية من أربعة عشر مانعا عند المالكية سأذكرها‪.‬‬
‫وحكمة تحريم المتزوجة واضحة وهي منع العتداء على حق الغير‪ ،‬وحفظ النساب من الختلط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحديث الول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه‪ ،‬والثاني رواه ابن ماجه والحاكم وأعله‬
‫أبو زرعة وأبو حاتم بالرسال (نيل الوطار‪ 138/6 :‬وما بعدها)‬

‫( ‪)9/138‬‬

‫‪ )ً 2‬ـ المرأة المعتدة‪ :‬وهي التي تكون في أثناء العدة من زواج سابق‪ ،‬سواء عدة طلق أو وفاة‪ .‬فل‬
‫يحل لحد غير زوجها الول التزوج بها حتى تنقضي عدتها‪ ،‬ويشمل ذلك عدة الزواج الفاسد‬
‫أوبشبهة‪ ،‬لثبوت نسب الولد‪ .‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]235/2‬أي ل تعقدوا الزواج على المعتدة من وفاة حتى تنتهي عدتها‪ .‬ولقوله سبحانه‪{ :‬والمطلقات‬
‫يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة‪ ]228/2:‬أي أطهار أو حيضات على رأيين في التفسير والفقه‪،‬‬
‫أي يجب على المرأة المطلقة النتظار ثلثة أطهار أو حيضات‪ ،‬فل يحل الزواج بها‪ ،‬وقال علي وابن‬
‫عباس وعَبيدة السلماني‪« :‬ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر‪ ،‬وأل تنكح‬
‫امرأة في عدة أختها»‬
‫وحكمة تحريم المعتدة بقاء آثار الزواج السابق‪ ،‬ورعاية حقوق الزوج القديم‪ ،‬ومنع اختلط النساب‪.‬‬
‫وهل يترتب على الدخول بالمعتدة تحريمها على الرجل تحريما مؤبدا؟‬
‫اختلف الفقهاء على رأيين (‪ ، )1‬فقال الجمهور‪ :‬إن الدخول بالمعتدة ل يحرمها عليه‪ ،‬بل إذا انقضت‬
‫عدتها حل له الزواج بها؛ لن الرجل لو زنى بامرأة ل يحرم عليه الزواج بها بالتفاق‪ ،‬فكذلك لو‬
‫دخل بها وهي في العدة أو بعدها‪ ،‬ل يحرم عليه الزواج بها بعد انتهاء العدة‪ ،‬ولن علي بن أبي طالب‬
‫رضي ال عنه قال‪ :‬يفرق بينهما‪ ،‬ثم يخطبها بعد العدة إن شاء‪ .‬وروي مثله عن ابن مسعود رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬الدخول بالمعتدة يحرمها على الرجل تحريما مؤبدا‪ ،‬فيفرق‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ 46/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/139‬‬

‫بينهما ولتحل له أبدا‪ ،‬بدليل ما روى مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار‪ :‬أن عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه فرق بين طليحة السدية وبين زوجها راشد الثقفي لما تزوّجها في العدة من‬
‫زوج ثان‪ ،‬وقال‪ :‬أيما امرأة نكحت في عدتها‪ ،‬فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها‪ ،‬فرق بينهما‬
‫ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم كان الخر خاطبا من الخطاب‪ ،‬وإن كان دخل بها فرق بينهما‪ ،‬ثم‬
‫اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم اعتدت من الخر‪ ،‬ثم ل يجتمعان أبدا‪ .‬قال ابن المسيب‪ :‬ولها مهرها‬
‫بما استحل منها‪ .‬وهذا هو مانع العدة عند المالكية من أربعة عشر مانعا‪.‬‬
‫‪ - )ً 3‬المرأة الحامل من الزنا عند الحنفية‪ ،‬ومانع الزنا عند المالكية (‪: )1‬‬
‫يحل بالتفاق للزاني أن يتزوج بالزانية التي زنى بها‪ ،‬فإن جاءت بولد بعد مضي ستة أشهر من وقت‬
‫العقد عليها‪ ،‬ثبت نسبه منه‪ ،‬وإن جاءت به لقل من ستة أشهر من وقت العقد ل يثبت نسبه منه‪ ،‬إل‬
‫إذا قال‪ :‬إن الولد منه‪ ،‬ولم يصرح بأنه من الزنا‪ .‬إن هذا القرار بالولد يثبت به نسبه منه لحتمال‬
‫عقد سابق أو دخول بشبهة‪ ،‬حملً لحال المسلم على الصلح وسترا على العراض‪.‬‬
‫أما زواج غير الزاني بالمزني بها‪ ،‬فقال قوم كالحسن البصري‪ :‬إن الزنا يفسخ النكاح‪ .‬وقال الجمهور‪:‬‬
‫يجوز الزواج بالمزني بها‪ .‬ومنشأ الخلف آية‪{ :‬والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك‪ ،‬وحرّم ذلك‬
‫على المؤمنين} [النور‪ ]3/24:‬الفريق الول يأخذ بظاهر الية‪ ،‬والكلم خرج مخرج التحريم‪ .‬والفريق‬
‫الثاني (الجمهور) حملوا الية على الذم‪ ،‬ل على التحريم‪ ،‬لما روى أبوداود والنسائي عن ابن عباس‬
‫قال‪« :‬جاء رجل إلى النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬إن امرأتي ل تمنع يد لمس ـ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ 39/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،269/2 :‬المهذب‪ ،43/2 :‬المغني‪.604-601/6 :‬‬

‫( ‪)9/140‬‬

‫كناية عن عدم العفة عن الزنا ـ قال‪ :‬غرّبها ـ أي أبعدها ـ قال‪ :‬أخاف أن تتبعها نفسي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاستمتع بها» (‪ )1‬ولما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة‪« :‬ل يحرم الحرام‬
‫الحلل» ‪.‬‬
‫ثم اختلف الجمهور في التفصيل‪ ،‬فقال الحنفية‪ :‬إذا كانت المزني بها غير حامل‪ ،‬صح العقد عليها من‬
‫غير الزاني‪ ،‬وكذلك إن كانت حاملً يجوز الزواج بها عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬ولكن ل يطؤها‪ ،‬أي ل‬
‫يدخل بها حتى تضع الحمل‪ ،‬للدلة التية‪:‬‬
‫أولً ـ لم تذكر المزني بها في المحرمات‪ ،‬فتكون مباحة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم}‬
‫[النساء‪.]24/4:‬‬
‫ثانيا ـ ل حرمة لماء الزنا‪ ،‬بدليل أنه ل يثبت به النسب‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬الولد للفراش‪ ،‬وللعاهر‬
‫الحجر» (‪ ، )2‬وإذا لم يكن للزنا حرمة‪ ،‬فل يكون مانعا من جواز النكاح‪.‬‬
‫وإنما امتنع الدخول بالحامل من الزنا حتى تضع الحمل‪ ،‬فلقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من كان يؤمن‬
‫بال واليوم الخر‪ ،‬فل يسقين ماءه زرع غيره» (‪ )3‬يعني وطء الحوامل من غيره‪،‬‬
‫وقال أبو يوسف وزفر‪ :‬ل يجوز العقد على الحامل من الزنا؛ لن هذا الحمل يمنع الوطء‪ ،‬فيمنع العقد‬
‫أيضا‪ ،‬كما يمنع الحمل الثابت النسب‪ ،‬أي كما ل يصح العقد على الحامل من غير الزنا‪ ،‬ل يصح‬
‫العقد على الحامل من الزنا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نيل الوطار‪ ،145/6 :‬وإسناده صحيح‪ ،‬قال المنذري‪ :‬ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة إل أبا داود عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)279/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي عن رويفع‪ ،‬وهو حسن‪ ،‬ولكن بلفظ‪« :‬ولد غيره» بدل‪« :‬زرع غيره» ورواه أبو‬
‫داود أيضا بلفظ‪« :‬زرع غيره» ‪.‬‬

‫( ‪)9/141‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬ل يجوز العقد على الزانية قبل استبرائها من الزنا بحيضات ثلث أو بمضي ثلثة‬
‫أشهر‪ ،‬فإن عقد عليها قبل الستبراء‪ ،‬كان العقد فاسدا‪ ،‬ووجب فسخه‪ ،‬سواء ظهر بها حمل أم ل‪ ،‬أما‬
‫الول (ظهور الحمل) فللحديث السابق‪« :‬فل يسقين ماءه زرع غيره» وأما الثاني فللخوف من اختلط‬
‫النساب‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إن زنى بامرأة‪ ،‬لم يحرم عليه نكاحها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء‪:‬‬
‫‪ ]24/4‬ولحديث عائشة السابق‪« :‬ل يحرم الحرام الحلل» ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬إذا زنت المرأة‪ ،‬لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إل بشرطين‪:‬‬
‫أحدهما ـ انقضاء عدتها‪ ،‬فإن حملت من الزنا‪ ،‬فقضاء عدتها بوضعه‪ ،‬ول يحل نكاحها قبل وضعه‪،‬‬
‫للحديث السابق‪« :‬فل يسقي ماءه زرع غيره» والحديث الصحيح‪« :‬ل توطأ حامل حتى تضع» وهذا‬
‫رأي مالك‪.‬‬
‫والثاني ـ أن تتوب من الزنا‪ ،‬للية السابقة‪{ :‬وحرّم ذلك على المؤمنين} [النور‪ ]3/24:‬وهي قبل‬
‫التوبة في حكم الزنا‪ ،‬فإذا تابت زال التحريم لقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬التائب من الذنب كمن‬
‫ل ذنب له» (‪ . )1‬ولم يشترط باقي الئمة هذا الشرط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 603/6 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/142‬‬

‫زنا أحد الزوجين‪ :‬اتفق عامة أهل العلم على أنه إن زنت امرأة رجل‪ ،‬أوزنى زوجها‪ ،‬لم ينفسخ‬
‫النكاح‪ ،‬سواء أكان قبل الدخول أم بعده؛ لن دعواه الزنا عليها ل يُبينها‪ ،‬ولو كان الزواج ينفسخ به‪،‬‬
‫لنفسخ بمجرد دعواه كالرضا‪ ،‬ولنها معصية ل تخرج عن السلم فأشبهت السرقة‪ .‬أما اللعان فإنه‬
‫يقتضي الفسخ بدون الزنا بدليل أنها إذا لعنته فقد قابلته‪ ،‬فلم يثبت زناها‪ ،‬وقد أوجب النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم الحد على من قذفها‪ ،‬والفسخ واقع باللعان‪.‬‬
‫ولكن استحب المام أحمد للرجل مفارقة امرأته إذا زنت‪ ،‬وقال‪« :‬ل أرى أن يمسك مثل هذه‪ ،‬وذلك‬
‫أنه ل يؤمن أن تفسد فراشه‪ ،‬وتلحق به ولدا ليس منه» وقال أحمد أيضا‪ :‬ول يطؤها الزوج حتى‬
‫يستبرئها بثلث حيضات‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬فل يسقى ماءه زرع غيره» يعني إتيان الحبالى‪ ،‬ولنها‬
‫ربما تأتي بولد من الزنا‪ ،‬فينسب إليه‪ .‬قال ابن قدامة‪ :‬والولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة؛‬
‫لنها تكفي في استبراء الماء (‪. )1‬‬
‫‪ - ً 3‬المرأة التي ل تدين بدين سماوي (‪: )2‬‬
‫ل يحل للمسلم الزواج بالمرأة المشركة أو الوثنية‪ :‬وهي التي تعبد مع ال إلها غيره‪ ،‬كالصنام أو‬
‫الكواكب أو النار أوا لحيوان‪ ،‬ومثلها المرأة الملحدة أو المادية‪ :‬وهي التي تؤمن بالمادة إلها‪ ،‬وتنكر‬
‫وجود ال ‪ ،‬ول تعترف بالديان السماوية‪ ،‬مثل الشيوعية والوجودية‪ ،‬والبهائية والقاديانية والبوذية‪.‬‬
‫وذلك لقوله تعالى‪{ :‬ول تَنْكحوا المشركات‪ ،‬حتى يؤمنّ‪ ،‬ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}‬
‫[البقرة‪.]221/2:‬‬
‫وألحق الحنفية والشافعية وغيرهم المرأة المرتدة بالمشركة‪ ،‬فل يجوز لحد أصلً مسلم أو كافر أن‬
‫يتزوجها؛ لنها تركت ملة السلم‪ ،‬ول تقر على الردة‪ ،‬فإما أن تموت أوتسلم‪ ،‬فكانت الردة في معنى‬
‫الموت‪ ،‬لكونها سببا مفضيا إليه‪ ،‬والميت ل يكون محلً للزواج‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬ل يحل بالتفاق نكاح من ل كتاب لها كوثنية (وهي عابدة الوثن أو الصنم) ومجوسية‬
‫(وهي عابدة النار) إذ ل كتاب بأيدي أهلها الن‪ ،‬ولم نتيقنه من قبل فنحتاط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 603/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدين السماوي‪ :‬الدين الذي له كتاب منزل ونبي مرسل‪.‬‬

‫( ‪)9/143‬‬

‫والسبب في تحريم الزواج بالمشركة ونحوها‪ :‬عدم تحقق النسجام والطمئنان والتعاون بين الزوجين؛‬
‫لن تباين العقيدة يسبّب القلق والضطراب والتنافر بين الزوجين‪ ،‬فل تستقيم الحياة الزوجية القائمة‬
‫على دعائم المودة والرحمة والمحبة‪ ،‬وغايتها الهدوء والستقرار‪ .‬ثم إن عدم اليمان بدين يسهل على‬
‫المرأة الخيانة الزوجية والفساد والشر‪ ،‬ويرفع عنها المانة والستقامة والخير؛ لنها تؤمن بالخرافات‬
‫والوهام‪ ،‬وتتأثر بالهواء والطبائع الذاتية غير المهذبة‪ ،‬فل دين يردعها‪ ،‬ول رادع لها من إيمان بال‬
‫وباليوم الخر وبالحساب والبعث‪.‬‬
‫زواج المسلمة بالكافر‪ :‬يحرم بالجماع زواج المسلمة بالكافر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تُنْكحوا المشركين‬
‫حتى يؤمنوا } [البقرة‪ ]221/2:‬وقوله تعالى‪{ :‬فإن علمتموهن مؤمنات‪ ،‬فل ترجعوهن إلى الكفار‪ ،‬ل‬
‫هن حل لهم‪ ،‬ول هم يحلون لهن} [الممتحنة‪ ]10/60:‬ولن في هذا الزواج خوف وقوع المؤمنة في‬
‫الكفر؛ لن الزوج يدعوها عادة إلى دينه‪ ،‬والنساء في العادة يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الفعال‪،‬‬
‫ويقلدونهم في الدين‪ ،‬بدليل الشارة إليه في آخر الية‪{ :‬أولئك َيدْعون إلى النار} [البقرة‪ ]221/2:‬أي‬
‫يدعون المؤمنات إلى الكفر‪ ،‬والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار؛ لن الكفر يوجب النار‪ ،‬فكان زواج‬
‫الكافر المسلمة سببا داعيا إلى الحرام‪ ،‬فكان حراما باطلً‪ .‬والنص وإن ورد في المشركين‪ ،‬لكن العلة‬
‫وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع‪ ،‬فيتعمم الحكم بعموم العلة‪.‬‬
‫وعليه ل يجوز زواج الكتابي بالمسلمة‪ ،‬كما ل يجوز زواج الوثني والمجوسي بالمسلمة أيضا؛ لن‬
‫الشرع قطع ولية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى‪{ :‬ولن يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيلً}‬
‫[النساء‪ ]141/4:‬فلو جاز تزويج الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل‪ ،‬وهذا ل يجوز‪.‬‬

‫( ‪)9/144‬‬
‫الزواج بالكتابيات‪ :‬الكتابية‪ :‬هي التي تؤمن بدين سماوي‪ ،‬كاليهودية والنصرانية‪ .‬وأهل الكتاب‪ :‬هم‬
‫أهل التوراة والنجيل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} [النعام‪:‬‬
‫‪.]156/6‬‬
‫وقد أجمع العلماء على إباحة الزواج بالكتابيات‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬اليوم أحل لكم الطيبات‪ ،‬وطعام الذين‬
‫أوتوا الكتاب حل لكم‪،‬وطعامكم حل لهم‪ ،‬والمحصنات من المؤمنات‪ ،‬والمحصنات من الذين أوتوا‬
‫الكتاب من قبلكم} [المائدة‪ ]5/5:‬والمراد بالمحصنات في الية‪ :‬العفائف‪ ،‬ويقصد بها حمل الناس على‬
‫التزوج بالعفائف‪ ،‬لما فيه من تحقيق الود واللفة بين الزوجين‪ ،‬وإشاعة السكون والطمئنان‪.‬‬
‫ولن الصحابة رضي ال عنهم تزوجوا من أهل الذمة‪ ،‬فتزوج عثمان رضي ال عنه نائلة بنت‬
‫الفرافصة الكلبية وهي نصرانية‪ ،‬وأسلمت عنده‪ ،‬وتزوج حذيفة رضي ال عنه بيهودية من أهل‬
‫المدائن‪ .‬وسئل جابر رضي ال عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية‪ ،‬فقال‪ :‬تزوجنا بهن زمان‬
‫الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص‪.‬‬
‫والسبب في إباحة الزواج بالكتابية بعكس المشركة‪ :‬هو أنها تلتقي مع المسلم في اليمان ببعض‬
‫المبادئ الساسية‪ ،‬من العتراف بإله‪ ،‬واليمان بالرسل وباليوم الخر‪ ،‬وما فيه من حساب وعقاب‪.‬‬
‫فوجود نواحي اللتقاء وجسور التصال على هذه السس يضمن توفير حياة زوجية مستقيمة غالبا‪،‬‬
‫ويرجى إسلمها؛ لنها تؤمن بكتب النبياء والرسل في الجملة‪ .‬والحكمة في أن المسلم يتزوج‬
‫باليهودية والنصرانية‪ ،‬دون العكس‪ :‬هي أن المسلم يؤمن بكل الرسل‪ ،‬وبالديان في أصولها الصحيحة‬
‫الولى‪ ،‬فل خطر منه على الزوجة في عقيدتها أو مشاعرها‪ ،‬أما غير المسلم فل يؤمن بالسلم‬
‫فيكون هناك خطر محقق بحمل زوجته على التأثر بدينه‪ ،‬والمرأة عادة سريعة التأثر والنقياد‪ ،‬وفي‬
‫زواجها إيذاء لشعورها وعقيدتها‪.‬‬

‫( ‪)9/145‬‬

‫كراهة الزواج بالكتابيات‪ :‬يكره ـ عند الحنفية والشافعية‪ ،‬وعند المالكية في رأي ـ للمسلم الزواج‬
‫بالكتابية الذمية‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬زواجه بها خلف الولى؛ لن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل‬
‫الكتاب‪« :‬طّلقوهن» فطلقوهن إل حذيفة‪ ،‬فقال له عمر‪« :‬طلقها» قال‪ :‬تشهد أنها حرام؟ قال‪ :‬هي‬
‫خمرة‪ ،‬طلقها‪ ،‬قال‪ :‬تشهد أنها حرام؟ قال‪ :‬هي خمرة‪ ،‬قال‪ :‬قد علمت أنها خمرة‪ ،‬ولكنها لي حلل‪.‬‬
‫فلما كان بعد‪ ،‬طلقها‪ ،‬فقيل له‪ :‬أل طلقتها حين أمرك عمر؟ قال‪ :‬كرهت أن يرى الناس أني ركبت‬
‫أمرا ل ينبغي لي‪ .‬ولنه ربما مال إليها قلبه ففتنته‪ ،‬وربما كان بينهما ولد‪ ،‬فيميل إليها‪.‬‬
‫أما الحربية‪ :‬فيحرم تزوجها عند الحنفية إذا كانت في دار الحرب؛ لن تزوجها فتح لباب الفتنة‪،‬‬
‫وتكره عند الشافعية‪ ،‬وعند المالكية‪ ،‬والزواج بها خلف الولى عند الحنابلة‪.‬‬
‫والواقع‪ ،‬في الزواج بالكتابيات وبالولى الحربيات‪ :‬مضار اجتماعية ووطنية ودينية‪ ،‬فقد ينقلن‬
‫لبلدهن أخبار المسلمين‪ ،‬وقد يرغبن الولد في عقائد وعادات غير المسلمين‪ ،‬وقد يؤدي الزواج بهن‬
‫إلى إلحاق ضرر بالمسلمات بالعراض عنهن‪ ،‬وقد تكون الكتابية منحرفة السلوك‪ ،‬بدليل ما يأتي‪:‬‬
‫روى الجصاص في تفسيره‪ :‬أن حذيفة بن اليمان تزوج بيهودية‪ ،‬فكتب إليه عمر‪ :‬أن خل سبيلها‪،‬‬
‫فكتب إليه حذيفة‪ :‬أحرام هي؟ فكتب إليه عمر‪ :‬ل‪ ،‬ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن‪ ،‬يعني‬
‫العواهر‪.‬وروى المام محمد هذا الثر في كتابه «الثار» على النحو التي‪:‬‬
‫إن حذيفة تزوج بيهودية بالمدائن‪ ،‬فكتب إليه عمر‪ :‬أن خلّ سبيلها‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬أحرام يا أمير‬
‫المؤمنين؟ فكتب إليه عمر‪ :‬أعزم عليك أل تضع كتابي هذا‪ ،‬حتى تخلي سبيلها‪ ،‬فإني أخاف أن يقتدي‬
‫بك المسلمون‪ ،‬فيختارون نساء أهل الذمة لجمالهن‪ ،‬وكنّ بذلك فتنة لنساء المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)9/146‬‬

‫يتبين من ذلك أن عمر رضي ال عنه منع حذيفة من الزواج بالكتابية‪ ،‬لما فيه من الضرر‪ ،‬وهو إما‬
‫الوقوع في زواج المومسات منهن‪ ،‬أو تتابع المسلمين في زواج الكتابيات‪ ،‬وترك المسلمات بل زواج‪.‬‬
‫رأي الشافعية في زواج الكتابية‪ :‬هذا هو حكم الزواج بالكتابيات‪ ،‬يجوز عند الجمهور بل شرط‪ ،‬لكن‬
‫قيد الشافعية الزواج بالكتابية بقيد‪ ،‬فقالوا (‪: )1‬‬
‫تحل كتابية‪ ،‬لكن تكره حربية‪ ،‬وكذا ذمية على الصحيح‪ ،‬لما في الميل إليها من خوف الفتنة‪،‬‬
‫والكتابية‪ :‬يهودية أو نصرانية‪ ،‬ل متمسكة بالزبور وغيره كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫فإن كانت الكتابية إسرائيلية‪ :‬فيحل الزواج بها إذا لم يعلم دخول أول من تدين من آبائها في دين‬
‫اليهودية بعد نسخه وتحريفه‪ ،‬أو شك فيها‪ ،‬لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا‪ ،‬وإل فل تحل لسقوط‬
‫فضيلة ذلك الدين‪.‬‬
‫وإن كانت النصرانية‪ :‬فالظهر حلها للمسلم إن علم دخول قومها‪ ،‬أي آبائها أي أول من تدين منهم في‬
‫ذلك الدين ـ أي دين عيسى عليه السلم‪ ،‬قبل نسخه وتحريفه‪ ،‬لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقا‪ .‬فإن‬
‫دخلوافيه بعد التحريف فالصح المنع‪ ،‬وإن تمسكوا بغير المحرف فتحل في الظهر‪.‬‬
‫والراجح لدي هو قول الجمهور‪ ،‬لطلق الدلة القاضية بجواز الزواج بالكتابيات‪ ،‬دون تقييد بشيء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 187/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.44/2 :‬‬

‫( ‪)9/147‬‬

‫الزواج بالمجوسيات‪ :‬قال أكثر الفقهاء (‪ : )1‬ليس المجوس أهل كتاب‪ ،‬للية المتقدمة {أن تقولوا‪ :‬إنما‬
‫أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} [النعام‪ ]156/6:‬فأخبر تعالى‪ :‬أن أهل الكتاب طائفتان‪ ،‬فلو كان‬
‫المجوس أهل كتاب لكانوا ثلث طوائف‪.‬‬
‫وأيضا إن المجوس ل ينتحلون شيئا في كتب ال المنزلة على أنبيائه وإنما يقرؤون كتاب زرادشت‪،‬‬
‫وكان متنبيا كذابا‪ ،‬فليسوا إذن أهل كتاب‪.‬‬
‫ويدل له‪ :‬أن عمر ذكر المجوس بالنسبة لخذ الجزية منهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟‬
‫فقال له عبد الرحمن بن عوف‪ :‬أشهد لسمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول‪« :‬سنوا بهم سنة‬
‫أهل الكتاب» رواه الشافعي‪ ،‬وهو دليل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب (‪. )2‬‬
‫السامرة والصابئة‪ :‬السامرة‪ :‬طائفة من اليهود‪ ،‬والصابئة‪ :‬طائفة من النصارى‪.‬‬
‫قال أبو حنيفة والحنابلة‪ :‬إنهم أهل كتاب‪ ،‬فيجوز للمسلم الزواج بالصابئات؛ لن الصابئة قوم يؤمنون‬
‫بكتاب‪ ،‬فإنهم يقرؤون الزبور‪ ،‬ول يعبدون الكواكب‪ ،‬ولكن يعظمونها كتعظيم المسلمين الكعبة في‬
‫الستقبال إليها‪ ،‬ولكنهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم‪ ،‬وهذا ل يمنع الزواج‬
‫كاليهود مع النصارى‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬ل يجوز الزواج بهن؛ لن الصابئة قوم يعبدون الكواكب‪ ،‬وعابد الكواكب كعابد‬
‫الوثن‪ ،‬فل يجوز للمسلمين مناكحتهم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليس هذا باختلف في الحقيقة‪ ،‬وإنما الختلف لشتباه مذهبهم‪ .‬لذا من اعتبر الصابئة من عبدة‬
‫الوثان‪ :‬وهم الذين يعبدون الكواكب‪ ،‬حرم مناكحتهم‪ .‬ومن فهم أن منا كحتهم حلل‪ ،‬فهم أن لهم كتابا‬
‫يؤمنون به‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أحكام القرآن للجصاص‪ ،327/2 :‬المغني‪ ،591/6 :‬البدائع‪.271/2 :‬‬
‫(‪ )2‬نيل الوطار‪ ،56/8 :‬وروى سفيان عن الحسن بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬كتب النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫إلى مجوس هَجَر يدعوهم إلى السلم‪ ،‬قال‪ :‬فإن أسلمتم فلكم ما لنا‪ ،‬وعليكم ما علينا‪ ،‬ومن أبى فعليه‬
‫الجزية غير أكل ذبائحهم ول نكاح نسائهم‪.‬‬
‫( ‪)9/148‬‬

‫وهذا هو الحق ويتفق مع رأي الشافعية القائلين‪ :‬إن خالفت السامرة اليهود‪ ،‬والصابئون النصارى في‬
‫أصل دينهم‪ ،‬حَرُمن‪ ،‬وإل فل‪ ،‬أي إن وافقت السامرة اليهود‪ ،‬والصابئة النصارى في أصل دينهم‬
‫حلت‪ .‬وهذا هو ما قرره القدوري في الكتاب‪ ،‬وهو حجة لدى الحنفية‪ ،‬فقال‪ :‬يجوز تزوج الصابئيات‬
‫إذا كانوا يؤمنون بنبي ويقرون بكتاب‪ ،‬وإن كانوا يعبدون الكواكب‪ ،‬ول كتاب لهم‪ ،‬لم تجز مناكحتهم (‬
‫‪. )1‬‬
‫المتولد من وثني وكتابية‪ :‬إذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والخر وثنيا‪ ،‬لم يحل نكاحها؛ لنها ليست‬
‫كتابية خالصة‪ ،‬ولنها مولودة بين من يحل وبين من ل يحل‪ ،‬فلم تحل‪ ،‬تغليبا للتحريم؛ لنه إذا اجتمع‬
‫الحلل والحرام‪ ،‬غلب الحرام الحلل (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب‪.7/3 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،189/3 :‬المغني‪ ،592/6 :‬المهذب‪.44/2 :‬‬

‫( ‪)9/149‬‬

‫تغيير الكتابي دينه إلى دين آخر‪ :‬إذا انتقل الكتابي أو المجوسي إلى دين آخر غير دين أهل الكتاب‬
‫كالوثنية‪ ،‬أي توثن‪ ،‬لم يقر عليه‪ ،‬ويقتل في أحد الرأيين إن لم يرجع‪ ،‬لعموم الحديث‪« :‬من بدل دينه‬
‫فاقتلوه» (‪ )1‬وفي رأي آخر‪ :‬ل يقتل‪ ،‬بل يكره على العودة إلى دينه السابق بالضرب والحبس‪.‬‬
‫وإذا انتقلت امرأة المسلم الذمية إلى دين غير دين أهل الكتاب‪ ،‬فهي كالمرتدة‪ ،‬ينفسخ نكاحها مع‬
‫المسلم إن لم تعد إلى دينها في أثناء العدة عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫وأما إذا انتقل الكتابي إلى دين كتابي آخر‪ ،‬كأن تهود النصراني أو تنصر اليهودي‪ ،‬لم يقر بالجزية‬
‫ول يقبل منه إل السلم في الظهر عند الشافعية‪ ،‬وفي رواية عن أحمد‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ومن يبتغ غير‬
‫السلم دينا‪ ،‬فلن يقبل منه} [آل عمران‪ ]85/3:‬وقد أحدث دينا باطلً بعد اعترافه ببطلنه‪ ،‬فل يقر‬
‫عليه‪ ،‬كما لو ارتد المسلم‪.‬‬
‫ويقر عليه في قول أبي حنيفة ومالك‪ ،‬وفي الراجح من الروايتين عند الحنابلة؛ لنه لم يخرج عن دين‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬فل نتعرض له‪ .‬وأما حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فهو محمول على دين السلم‪ ،‬إذ‬
‫هو الدين المعتبر شرعا‪.‬‬
‫ولو تهود وثني أو تنصر‪ ،‬لم يقر عند الشافعية‪ ،‬ويتعين السلم في حقه‪ ،‬كمسلم ارتد‪ ،‬فإنه يتعين في‬
‫حقه السلم‪ .‬ويقر عند أبي حنيفة ومالك والحنابلة في الراجح (‪ ، )2‬لن الكفر كله ملة واحدة‪ .‬إذ هو‬
‫تكذيب الرب تعالى فيما أنزل على رسله عليهم السلم‪.‬‬
‫ارتداد الزوجين أوأحدهما‪ :‬قال الشافعية‪ ،‬والحنابلة والمالكية‪ :‬لو ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول‬
‫تنجزت الفُرْقة‪ ،‬أي انفسخ النكاح في الحال‪ .‬وإن كانت الردة بعد الدخول‪ ،‬توقفت الفرقة أو الفسخ على‬
‫انقضاء العدة‪ ،‬فإن جمعهما السلم في العدة‪ ،‬دام النكاح‪ ،‬وإن لم يجمعهما في العدة انفسخ النكاح من‬
‫وقت الردة‪ ،‬لكن لو وطئ الزوج ل حد عليه للشبهة‪ ،‬وهي بقاء أحكام النكاح‪ ،‬وتجب العدة منه‪ .‬وإذا‬
‫أسلمت المرأة قبل الرجل فأسلم في عدتها‪ ،‬أو أسلما معا‪ ،‬فتتقرر الزوجية بينهما‪ ،‬وإن أسلم أحدهما‬
‫ولم يتبعه الخر في العدة‪ ،‬انفسخ زواجهما‪ .‬وكذلك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل مسلما عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)190/7 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،272-271/2 :‬اللباب‪ ،28-26/3 :‬العناية على فتح القدير‪ ،396/4 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،422/2‬الشرح الكبير‪ ،301/4 :‬مغني المحتاج‪ ،191-189/3 :‬المغني‪ ،191-189/3 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ 593/6‬وما بعدها‪ ،130/8 ،‬المهذب‪.52/2 :‬‬

‫( ‪)9/150‬‬

‫قال الحنفية‪ :‬تقع الفرقة بين الزوجين إذا حكم بصحة الرتداد (‪ ، )1‬وقد صح أن رجلً من بني تغلب‬
‫وكانوا من النصارى‪ ،‬أسلمت زوجته‪ ،‬وأبى هو‪ ،‬ففرق عمر بينهما‪ ،‬وقال ابن عباس‪« :‬إذا أسلمت‬
‫النصرانية قبل زوجها‪ ،‬فهي أملك لنفسها» ‪.‬‬
‫أنكحة الكفار غير المرتدين‪ :‬هل عقود زواج غير المسلمين بعضهم مع بعض صحيحة أو فاسدة؟‬
‫للفقهاء رأيان‪ :‬فقال المالكية (‪ : )2‬أنكحة غير المسلمين فاسدة؛ لن للزواج في السلم شرائط ل‬
‫يراعونها‪ ،‬فل يحكم بصحة أنكحتهم‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )3‬أنكحة الكفار غير المرتدين صحيحة يقرون عليها‪ ،‬إذا أسلموا‪ ،‬أو تحاكموا إلينا‬
‫إذا كانت المرأة عند الشافعية والحنابلة ممن يجوز ابتداء الزواج بها‪ ،‬بأن لم تكن من المحارم‪ ،‬فنقرهم‬
‫على ما نقرهم عليه لو أسلموا‪ ،‬ونبطل ما ل نقر‪ ،‬والصح عند الحنفية أن كل نكاح حرم لحرمة‬
‫المحل كمحارم‪ ،‬يقع جائزا‪ .‬واتفق هؤلء الجمهور على أنه ل يعتبر فيه صفة عقدهم وكيفيته‪ ،‬ول‬
‫يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة اليجاب والقبول‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ،‬فيجوز في‬
‫حقهم ما اعتقدوه‪ ،‬ويقرون عليه بعد السلم‪.‬‬
‫وينبني على رأي الجمهور أن تثبت أحكام الزواج المقررة كالمسلمين من وجوب النفقة ووقوع‬
‫الطلق ونحوهما من عدة ونسب وتوارث بزواج صحيح‪ ،‬وحرمة مطلقة ثلثا‪ .‬ويجوز نكاح أهل‬
‫الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم؛ لن الكفر كله ملة واحدة‪.‬‬
‫ودليلهم قوله عز وجل‪{ :‬وقالت امرأة فرعون} [القصص‪ ]9/28:‬وقوله سبحانه‪{ :‬وامرأته حمّالة‬
‫الحطب} [المسد‪ ]4/111:‬ولو كانت أنكحتهم فاسدة‪ ،‬لم تكن امرأته حقيقة‪ ،‬ولن النكاح سنة آدم عليه‬
‫السلم‪ ،‬فهم على شريعته‪ ،‬وقال النبي عليه الصلة والسلم‪« :‬ولدت من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪.422/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،272/2 :‬الدر المختار‪ 530 ،506/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،195-193/3 :‬‬
‫المغني‪.613/6 :‬‬

‫( ‪)9/151‬‬

‫نكاح‪ ،‬ل من سفاح» (‪ )1‬أي ل من زنا‪ ،‬والمراد به نفي ما كانت عليه الجاهلية من أن المرأة تسافح‬
‫رجلً مدة ثم يتزوجها‪ ،‬فإنه صلّى ال عليه وسلم سمى ما وجد قبل السلم من أنكحة الجاهلية نكاحا‪،‬‬
‫ولو قلنا بفساد أنكحتهم لدى إلى أمر قبيح هو الطعن في نسب كثر من النبياء‪.‬‬
‫ولحديث غيلن الثقفي وغيره ممن أسلم وتحته عشر نسوة في الجاهلية‪ ،‬فأسلمن معه‪ ،‬فأمره صلّى ال‬
‫عليه وسلم باختيار أربع منهن‪ ،‬ومفارقة الباقي (‪ ، )2‬ولم يسأل عن شرائط النكاح‪ ،‬فل يجب البحث‬
‫عن شرائط أنكحتهم‪ ،‬فإنه صلّى ال عليه وسلم أقرهم عليها‪ ،‬وهو ل يقر أحدا على باطل‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬أخت الزوجة ومحارمها ( الجمع بين الخت وعمتها أو خالتها أوغيرها من المحارم) (‪: )3‬‬
‫يحرم على الرجل أن يجمع بين الختين‪ ،‬أو بين المرأة وعمتها أو خالتها أو كل من كان مَحْرما لها‪:‬‬
‫وهي كل امرأة لو فرضت ذكرا حرمت عليها الخرى‪ .‬وذلك سواء أكانت المحرم شقيقة‪ ،‬أم لب‪ ،‬أم‬
‫لم‪.‬‬
‫لقوله تعالى في بيان محرّمات النساء‪{ :‬وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف} [النساء‪ ]23/4:‬ولن‬
‫الجمع بين ذوات الرحام يفضي إلى قطيعة الرحم‪ ،‬بسبب ما يكون عادة بين الضرتين من غَيْرة‬
‫موجبة للتحاسد والتباغض والعداوة‪ ،‬وقطيعة الرحم حرام‪ ،‬فما أدى إليه فهو حرام‪.‬‬
‫والجمع بين المرأة وابنتها حرام أيضا‪ ،‬كالجمع بين الختين‪ ،‬بل هوأولى؛ لن قرابة الولدة أقوى من‬
‫قرابة الخوة‪ ،‬فالنص الوارد في الجمع بين الختين وارد هنا من طريق أولى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الطبراني في الوسط وأبو نعيم وابن عساكر عن علي بلفظ «خرجت من النكاح‪ ،‬ولم أخرج‬
‫من سفاح‪ ،‬من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي» تكلم في راو من رواته وبقية رجاله ثقات ( مجمع‬
‫الزوائد‪.)214/8 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر (نيل الوطار‪ 159/6 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجمع بين الزوجات نوعان‪ :‬جمع بين ذوات الرحام‪ ،‬وجمع بين الجنبيات بأكثر من أربع‪.‬‬

‫( ‪)9/152‬‬

‫وكذلك الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها حرام أيضا كالجمع بين الختين؛ لن العمة بمنزلة الم‬
‫لبنت أخيها‪ ،‬والخالة بمنزلة الم لبنت أختها‪ .‬وصرحت السنة بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو‬
‫خالتها‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪« :‬نهى النبي صلّى ال عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها»‬
‫(‪ )1‬وفي رواية الترمذي وغيره‪« :‬ل تنكح المرأة على عمتها‪ ،‬ول العمة على بنت أخيها‪ ،‬ول المرأة‬
‫على خالتها‪ ،‬ول الخالة على بنت أختها‪ ،‬ل الكبرى على الصغرى‪ ،‬ول الصغرى على الكبرى» ول‬
‫يخفى أن هذا الحديث خصص عموم قوله تعالى‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة (سبل السلم‪ ،124/3 :‬نيل الوطار‪..)146/6 :‬‬

‫( ‪)9/153‬‬

‫{وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء‪ ، )1( ]24/4 :‬ولن الجمع بين ذواتي محرم في النكاح سبب‬
‫لقطيعة الرحم؛ لن الضرتين يتنازعان ول يختلفان ول يأتلفان عرفا وعادة‪ ،‬وهو يفضي إلى قطع‬
‫الرحم‪ ،‬وإنه حرام‪ ،‬والنكاح سبب لذاك فيحرم‪ ،‬حتى ل يؤدي إليه‪ .‬وقد أشار النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم إلى علة النهي في رواية ابن حبان وغيره‪« :‬إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» ‪.‬‬
‫قاعدة الجمع بين المحارم‪ :‬استنبط الفقهاء من النصين‪ :‬القرآني والنبوي قاعدة لتحريم الجمع بين‬
‫المحارم هي‪« :‬يحرم الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلً ‪ ،‬ل يجوز له نكاح الخرى من‬
‫الجانبين جميعا» أو «يحرم الجمع بين كل امرأتين أيتهما قدّرت ذكرا‪ ،‬حرمت عليه الخرى» (‪)2‬‬
‫ل يحل الجمع بين الختين؛ لننا لو فرضنا كل واحدة منهما رجلً‪ ،‬لم يجز له التزوج بالخرى؛ لنها‬
‫أخته‪ .‬ول يحل الجمع بين المرأة وعمتها؛ لن كل واحدة لو فرضت رجلً‪ ،‬كان عما للخرى‪ ،‬ول‬
‫يجوز للرجل أن يتزوج بعمته‪ .‬وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وخالتها‪ ،‬إذ لو فرضنا كل واحدة منهما‬
‫رجلً كان خالً للخرى‪ ،‬ول يصح للرجل أن يتزوج بنت أخته‪.‬‬
‫فإن فرض كون كل منهما رجلً‪ ،‬وجاز له أن يتزوج بالخرى كالمرأة وابنة عمها‪ ،‬جاز الجمع‬
‫بينهما‪ ،‬لنها تكون ابنة عمه‪ ،‬وللرجل أن يتزوج بابنة عمه‪.‬‬
‫وإن كان تحريم الزوج على فرض واحد من أحد الجانبين دون الخر‪ ،‬فل يحرم الجمع بينهما‪،‬‬
‫كالمرأة وابنة زوج كان لها من قبل من غيرها‪ ،‬وكالمرأة وزوجة كانت لبيها؛ لنه ل رحم بينهما‪،‬‬
‫فلم يوجد الجمع بين ذواتي رحم‪ ،‬إذ لو فرضنا في المثال الول البنت رجلً‪ ،‬لم يجز له أن يتزوج‬
‫بهذه المرأة؛ لنها زوجة أبيه‪ ،‬أما عند فرض المرأة‪ :‬زوجة الب رجلً‪ ،‬فتزول عنه صفة زوجة‬
‫الب‪ ،‬فيجوز له الزواج بالبنت‪ ،‬إذ هي أجنبية عنه‪ .‬وقد جمع عبد ال بن جعفر بن أبي طالب بين‬
‫زوجة عمه علي‪ ،‬وهي ليلى بنت مسعود النهشلية‪ ،‬وبين ابنته من غيرها وهي أم كلثوم بنت السيدة‬
‫فاطمة رضي ال عنها‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد من الصحابة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قيل‪ :‬ويلزم الحنفية أن يجوزوا الجمع بين من ذكر؛ لن أصولهم تقديم عموم الكتاب على أخبار‬
‫الحاد‪ ،‬إل أنه أجاب صاحب الهداية بأنه حديث مشهور‪ ،‬والمشهور له حكم القطعي سيما مع الجماع‬
‫من المة‪ ،‬وعدم العتداد بالمخالف‪ .‬ووصفه صاحب البدائع بأنه حديث مشهور‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،262/2 :‬الدر المختار‪ ،391/2 :‬مغني المحتاج‪ ،180/3 :‬اللباب‪ ،6/3 :‬المهذب‪،43/2 :‬‬
‫بداية المجتهد‪ ،42-40/2 :‬المغني‪ ،574/6 :‬كشاف القناع‪.80/5 :‬‬

‫( ‪)9/154‬‬

‫ويجوز الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخال أو الخالة من عمين أو خالين أو خالتين بالتفاق‪ ،‬لعدم‬
‫النص فيهما بالتحريم‪ ،‬ودخولهما في عموم قوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ماوراء ذلكم} [النساء‪ ]24/4:‬ولن‬
‫إحداهما تحل لها الخرى لو كانت ذكرا‪ .‬وفي كراهة زواجهما رأيان‪ :‬رأي بالكراهة خوف قطيعة‬
‫الرحم‪ ،‬وهو مروي عن ابن مسعود والحسن البصري‪ ،‬وأحمد في رواية عنه‪ ،‬ورأي بعدم الكراهة؛ إذ‬
‫ليست بينهما قرابة تحرم الجمع‪ ،‬وهو منقول عن الشافعي والوزاعي‪.‬‬
‫حكم العقد الواحد أو العقدين على الختين ونحوهما ‪:‬‬
‫إذا تزوج رجل امرأتين بينهما محرمية كالختين وكالبنت وخالتها‪ ،‬والبنت وعمتها‪ ،‬ففي حكم الزواج‬
‫تفصيل (‪: )1‬‬
‫أ ـ إن تزوجهما معا في عقد واحد‪ ،‬فسد زواجهما معا ولم يبطل؛ لن إحداهما ليست أولى بفساد‬
‫الزواج من الخرى‪ ،‬فيفرق بينه وبينهما‪ ،‬ثم إنه إن كان التفريق قبل الدخول فل شيء لهما‪ ،‬أي ل‬
‫مهر لهما‪ ،‬ل عدة فيهما؛ لن الزواج الفاسد ل حكم له قبل الدخول‪ ،‬وكذلك بعد الخلوة‪.‬‬
‫وإن كان قد دخل بهما‪ ،‬فلكل واحدة منهما عند الحنفية مهر المثل على أل يزيد عن المسمى‪ ،‬لرضاها‬
‫به‪ ،‬كما هو حكم الزواج الفاسد‪ ،‬وعليهما العدة؛ لن هذا هو حكم الدخول في الزواج الفاسد‪.‬‬
‫ل منهما بعقد مستقل‪ ،‬الواحدة بعد الخرى‪ ،‬صح زواج الولى وفسد زواج الثانية؛‬
‫ب ـ وإن تزوج ك ً‬
‫لن الجمع حصل بزواج الثانية‪ ،‬فاقتصر الفساد عليه‪ ،‬ويفرق بينه وبين الثانية‪ .‬فإن تم التفريق قبل‬
‫الدخول فل شيء لها ول عدة عليها‪ ،‬وإن تم التفرق بعد الدخول‪ ،‬وجب لها مهر المثل على أل يزيد‬
‫عقْر‬
‫عقْر ـ أي حد زاجر ـ أو ُ‬
‫عن المسمى لرضاها به؛ لن «الوطء في دار السلم ل يخلو عن َ‬
‫ـ أي مهر جابر» وقد سقط الحد بشبهة العقد‪ ،‬فيجب مهر المثل دون زيادة على المسمى‪ .‬وعليها‬
‫العدة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،263/2 :‬اللباب مع الكتاب‪.22/3 :‬‬

‫( ‪)9/155‬‬

‫ويحرم على الزوج أن يطأ الولى‪ ،‬أي قربان زوجته الولى حتى تنقضي عدة الثانية‪ ،‬لئل يكون‬
‫جامعا بينهما‪ ،‬والجمع بين المحارم حرام‪.‬‬
‫جـ ـ وإن تزوج كلً منهما بعقدين ل يدري أيهما الول‪ ،‬يفرق بينه وبينهما؛ لن زواج إحداهما‬
‫فاسد بيقين‪ ،‬وهي مجهولة‪ ،‬ول يتصور حصول مقاصد الزواج من المجهولة‪ ،‬فل بد من التفريق‪ .‬فإن‬
‫ادعت كل واحدة منهما أنها هي الولى ول بينة لها‪ ،‬يقضى لها بنصف المهر؛ لن الزواج الصحيح‬
‫أحدهما‪ ،‬وقد حصلت الفرقة قبل الدخول‪ ،‬ل بسبب المرأة‪ ،‬فكان الواجب نصف المهر‪ ،‬ويكون بينهما‬
‫لعدم الترجيح‪ ،‬إذ ليست إحداهما بأولى من الخرى‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬إن جمع بين الختين ونحوهما‬
‫من رضاع أو نسب بعقد واحد بطل نكاحهما‪ ،‬وإن كان مرتبا بطل الثاني‪ ،‬ولمن دخل بها مهر المثل‬
‫عند الشافعية والحنابلة‪ .‬وصداقها المسمى عند المالكية (‪. )1‬‬
‫الجمع بين الختين ونحوهما في العدة (‪: )2‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه يجوز الجمع بين المرأة ومحارمها بعد الفرقة بسب وفاة إحداهما‪ ،‬فلو ماتت‬
‫زوجة رجل‪ ،‬جاز له أن يتزوج بأختها أو عمتها مثلً من غير انتظار مدة بعد الوفاة‪.‬‬
‫واتفقوا أيضا على عدم جواز الجمع بين المرأة ومحارمها في أثناء العدة من طلق رجعي‪ ،‬فلو طلق‬
‫زوجته طلقا رجعيا‪ ،‬لم يجز له الزواج بواحدة من قريباتها المحارم إل بعد انقضاء العدة؛ لنها باقية‬
‫في حكم الزواج السابق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،180/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،209‬كشاف القناع‪ ،81/5 :‬المقدمات الممهدات‪:‬‬
‫‪.458/1‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،390/2 :‬اللباب‪ ،6/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،209‬المهذب‪ ،43/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.82-81/5‬‬

‫( ‪)9/156‬‬

‫واختلفوا في الجمع بين المحارم إذا كانت إحداهن معتدة من طلق بائن‪ .‬فقال الحنفية والحنابلة‪ :‬يحرم‬
‫الجمع بين الختين ومن في حكمهما إذا كانت واحدة منهما في أثناء العدة من طلق بائن بينونة‬
‫صغرى أو كبرى؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر‪ ،‬فل يجمع ماءه في‬
‫رحم أختين» (‪ ، )1‬ولن البائن ممنوعة من الزواج في العدة لحق الزوج‪ ،‬فأشبهت الرجعية‪ ،‬ولن‬
‫الزواج بالخت ونحوها من المحارم في العدة يؤدي إلى قطيعة الرحم‪ ،‬التي أمر ال بوصلها‪ .‬وهذا‬
‫الرأي هو الراجح‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية‪ :‬يصح الزواج بأخت المطلقة ومن في حكمها من المحارم في أثناء العدة من‬
‫طلق بائن بينونة صغرى أو كبرى‪ ،‬لنقطاع أثر الزواج السابق‪ ،‬فل تحل لمن طلقها إل بعقد جديد‪،‬‬
‫وحينئذ ل تجتمع المرأتان في حكم فراش واحد‪.‬‬
‫وذكر الحنابلة (‪ : )2‬أنه لو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية‪ ،‬أو انفسخ النكاح بين الزوجين بخلع أو‬
‫رضاع‪ ،‬أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره‪ ،‬لم يكن له أن يتزوج أحدا ممن يحرم الجمع بينه وبين‬
‫زوجته‪ ،‬حتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫وإن أسلمت زوجته‪ ،‬فتزوج أختها في عدتها‪ ،‬ثم أسلما في عدة الولى‪ ،‬اختار منهما واحدة‪ ،‬كما لو‬
‫تزوجهما معا‪ .‬وإن أسلم الرجل بعد انقضاء عدة الولى‪ ،‬بانت منه‪ ،‬وثبت نكاح الثانية‪.‬‬
‫وإن زنى الرجل بامرأة‪ ،‬فليس له أن يتزوج بأختها‪ ،‬حتى تنقضي عدتها‪ .‬وحكم العدة من الزنا‪ ،‬والعدة‬
‫من وطء الشبهة‪ ،‬كحكم العدة من النكاح‪.‬‬
‫فإن زنى بأخت امرأته‪ ،‬فقال أحمد‪ :‬يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض المزني بها ثلث حيضات‪.‬‬
‫وقد ذكر عن أحمد في المزني بها‪ :‬أنها تستبرأ بحيضة واحدة؛ لنه وطء من غير نكاح‪ ،‬ول أحكامه‬
‫أحكام النكاح‪.‬‬
‫وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها فيها‪ ،‬وكذبته‪ ،‬أبيح له‬
‫نكاح أختها‪ ،‬وأربع سواها في الظاهر‪ .‬أما في الباطن فيبني على صدقه في ذلك؛ لنه حق فيما بينه‬
‫وبين ال تعالى‪ ،‬فيقبل قوله فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.81/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 544/6 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/157‬‬

‫ً‪ - 5‬المرأة الخامسة لمتزوج بأربع سواها (الجمع بين الجنبيات ) ‪:‬‬
‫ل يجوز للرجل في مذهب أهل السنة أن يتزوج أكثر من أربع زوجات في عصمته في وقت واحد‬
‫ولو في عدة مطلقة‪ ،‬فإن أراد أن يتزوج بخامسة‪ ،‬فعليه أن يطلق إحدى زوجاته الربع‪ ،‬وينتظر حتى‬
‫تنقضي عدتها‪ ،‬ثم يتزوج بمن أراد؛ لن النص القرآني ل يبيح للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع في‬
‫وقت واحد‪ ،‬وهو قوله تعالى‪:‬‬
‫{وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى‪ ،‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع‪ ،‬فإن خفتم أل‬
‫تعدلوا فواحدةً‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم‪ ،‬ذلك أدنى أل تعولوا} [لنساء‪ ]3/4:‬والمعنى‪ :‬إن علمتم الوقوع في‬
‫ظلم اليتامى‪ ،‬فلم تعدلوا في مهورهن أو في نكاحهن‪ ،‬أو تحرجتم من الولية عليهم‪ ،‬فخافوا أيضا من‬
‫ظلم النساء عامة‪ ،‬وقللوا عدد الزوجات‪ ،‬واقتصروا على أربع منهن‪ ،‬وإن خفتم الجور في الزيادة على‬
‫الواحدة‪ ،‬فاقتصروا على زوجة واح‪ ،‬ويلحظ أن لفظ «مثنى» معدول به عن اثنين اثنين‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين‪ .‬وهكذا ثلث ورباع‪ ،‬بيانا لنواع الزيجات وفئات الناس وما يباح‬
‫لهم أثناء تعدد الزوجات‪ ،‬فالعطف بالواو للتخيير ل للجمع‪.‬‬
‫ويوضح مدلول الية حديث ابن عمر‪ ،‬قال‪« :‬أسلم غيلن الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية‪،‬‬
‫فأسلمن معه‪ ،‬فأمره النبي صلّى ال عليه وسلم أن يختار منهن أربعا» (‪. )1‬‬
‫وروى أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث قال‪ :‬أسلمت وعندي ثمانُ نسوة‪ ،‬فأتيت النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬اختر منهن أربعا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر ( نيل الوطار‪ 159/6 :‬ومابعدها )‪.‬‬

‫( ‪)9/158‬‬

‫وروى الشافعي عن نوفل بن معاوية أنه أسلم وتحته خمس نسوة‪ ،‬فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫أمسك أربعا‪ ،‬وفارق الخرى (‪. )1‬‬
‫ولم ينقل عن أحد من السلف في عهد الصحابة والتابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع‪ ،‬فدل‬
‫العمل على وفق السنة على أنه ل يجوز الزواج بأكثر من أربع نسوة‪ ،‬ولحاديث في مجموعها ل‬
‫تقتصر عن رتبة الحسن لغيره‪ ،‬فتنتهض بمجموعها للحتجاج‪ ،‬وإن كان كل واحد منها ل يخلو عن‬
‫مقال‪ ،‬كما ذكر الشوكاني‪.‬‬
‫وذهب بعض المتأولين الشذاذ إلى أنه يجوز للرجل أن يتزوج تسعا‪ ،‬أخذا بظاهر الية‪{ :‬مثنى وثلث‬
‫ورباع} [النساء‪ ]3/4:‬لن الواو للجمع ل للتخيير‪ ،‬أي يكون المجموع تسعا‪ .‬وأجيب عن ذلك بأن الية‬
‫محمولة على عادة العرب في خطاب الناس على طريق المجموعات‪ ،‬وأريد بها التخيير بين الزواج‬
‫باثنتين وثلث وأربع‪ ،‬كما في قوله تعالى‪{ :‬جاعل الملئكة رسلً أولي أجنحة مثنى وثلث ورباع}‬
‫[فاطر‪ ]1/35:‬أي أنهم فئات‪ ،‬فمنهم ذو الجناحين‪ ،‬ومنهم ذو الثلثة أجنحة‪ ،‬ومنه ذو الربعة أجنحة؛‬
‫لن المثنى ليس عبارة عن الثنين‪ ،‬بل أدنى ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العدد‪ ،‬وأدنى ما يراد‬
‫بالثلث ثلث مرات من العدد‪ ،‬وكذا الرباع‪.‬‬
‫السبب في القتصار على أربع‪ :‬إن إباحة الزواج بأربع فقط قد يتفق في رأينا مع مبدأ تحقيق أقصى‬
‫قدرات وغايات بعض الرجال‪ ،‬وتلبية رغباتهم وتطلعاتهم مع مرور كل شهر‪ ،‬بسبب طروء دورة‬
‫العادة الشهرية بمقدار أسبوع لكل واحدة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع الحديثين في نيل الوطار‪ ،149/6 :‬لكن في حديث قيس ضعيف‪ .‬وفي إسناد حديث نوفل‬
‫رجل مجهول‪.‬‬

‫( ‪)9/159‬‬
‫منهن‪ ،‬ففي المشروع غنى وكفاية‪ ،‬وسد للباب أمام النحرافات‪ ،‬أوما قد يتخذه بعض الرجال من‬
‫عشيقات أو خدينات أو وصيفات‪ ،‬ثم إن في الزيادة على الربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام‬
‫بحقوقهن؛ لن الظاهر أن الرجل ليقدر على الوفاء بحقوقهن‪ ،‬وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله عز‬
‫وجل‪ { :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة} [النساء‪ ]3/4:‬أي ل تعدلوا في القَسْم والجماع والنفقة في زواج‬
‫المثنى‪ ،‬والثلث‪ ،‬والرباع‪ ،‬فواحدة‪ ،‬فهوأقرب إلى عدم الوقوع في الظلم (‪. )1‬‬
‫وهكذا فإن القتصار على أربع عدل وتوسط‪ ،‬وحماية للنساء من ظلم يقع بهن من جراء الزيادة‪ ،‬وهو‬
‫بخلف ما كان عليه العرب في الجاهلية والشعوب القديمة حيث ل حد لعدد الزوجات وإهمال‬
‫بعضهن‪.‬‬
‫وهذه الباحة أضحت أمرا استثنائيا نادرا‪ ،‬فل تعني أن كل مسلم يتزوج أكثر من واحدة‪ ،‬بل أصبح‬
‫مبدأ وحدة الزوجة هو الغالب العظم‪.‬‬
‫قيود إباحة التعدد ‪:‬‬
‫اشترطت الشريعة لباحة التعدد شرطين جوهريين هما‪:‬‬
‫‪ - 1‬توفير العدل بين الزوجات‪ :‬أي العدل الذي يستطيعه النسان‪ ،‬ويقدر عليه‪ ،‬وهو التسوية بين‬
‫الزوجات في النواحي المادية من نفقة وحسن معاشرة ومبيت‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن خفتم أل تعدلوا‬
‫فواحدة‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم‪ ،‬ذلك أدنى أل تعولوا} [النساء‪ ]3/4:‬فإنه تعالى أمر بالقتصار على واحدة‬
‫إذا خاف النسان الجور ومجافاة العدل بين الزوجات‪.‬‬
‫وليس المراد بالعدل ـ كما بان في أحكام الزواج الصحيح ـ هو التسوية في العاطفة والمحبة والميل‬
‫القلبي‪ ،‬فهوغير مراد؛ لنه غير مستطاع ول مقدور لحد‪ ،‬والشرع إنما يكلف بما هو مقدور للنسان‪،‬‬
‫فل تكليف بالمور الجبلّية الفطرية التي ل تخضع للرادة مثل الحب والبغض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.266/2 :‬‬

‫( ‪)9/160‬‬

‫ولكن خشية سيطرة الحب على القلب أمر متوقع ‪،‬لذا حذر منه الشرع في الية الكريمة‪{ :‬ولن‬
‫تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء‪ ،‬ولو حرصتم‪ ،‬فل تميلوا كل الميل‪ ،‬فتذروها كالمعلقة} [النساء‪:‬‬
‫‪ ]129/4‬وهو كله لتأكيد شرط العدل‪ ،‬وعدم الوقوع في جور النساء‪ ،‬بترك الواحدة كالمعلقة‪ ،‬فل هي‬
‫زوجة تتمتع بحقوق الزوجية‪ ،‬ول هي مطلقة‪ .‬والعاقل‪ :‬من قدّر المور قبل وقوعها‪ ،‬وحسب‬
‫للحتمالت والظروف حسابها‪ ،‬والية تنبيه على خطر البواعث والعواطف الداخلية‪ ،‬وليست كما زعم‬
‫بعضهم لتقرير أن العدل غير مستطاع‪ ،‬فل يجوز التعدد‪ ،‬لستحالة تحقق شرط إباحته‪.‬‬
‫‪ - 2‬القدرة على النفاق‪ :‬ل يحل شرعا القدام على الزواج‪ ،‬سواء من واحدة أو من أكثر إل بتوافر‬
‫القدرة على مؤن الزواج وتكاليفه‪ ،‬والستمرار في أداء النفقة الواجبة للزوجة على الزوج‪ ،‬لقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ »...‬والباءة‪ :‬مؤنة النكاح‪.‬‬
‫حكمة تعدد الزوجات ‪:‬‬
‫إن نظام وحدة الزوجة هو الفضل وهو الغالب وهو الصل شرعا‪ ،‬وأما تعدد الزوجات فهو أمر نادر‬
‫استثنائي وخلف الصل‪ ،‬ل يلجأ إليه إل عند الحاجة الملحة‪ ،‬ولم توجبه الشريعة على أحد‪ ،‬بل ولم‬
‫ترغب فيه‪ ،‬وإنما أباحته الشريعة لسباب عامة وخاصة‪.‬‬
‫أما السباب العامة‪ :‬فمنها معالجة حالة قلة الرجال وكثرة النساء‪ ،‬سواء في الحوال العادية بزيادة‬
‫نسبة النساء‪ ،‬كشمال أوربا‪ ،‬أم في أعقاب الحروب‪ ،‬كما حد ث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الولى‪،‬‬
‫إذ أصبحت نسبة النساء للرجال واحدا إلى أربعة أو إلى ستة‪ ،‬فقامت النساء اللمانيات بمظاهرات‬
‫يطالبن بالخذ بنظام تعدد الزوجات‪ ،‬بعد أن قتلت الحرب معظم رجال ألمانيا‪ ،‬وبعد أن كثر اللقطاء‬
‫في الشوارع والحدائق العامة‪.‬‬

‫( ‪)9/161‬‬

‫وحينئذ يصبح نظام التعدد ضرورة اجتماعية وأخلقية‪ ،‬تقتضيها المصلحة والرحمة‪ ،‬وصيانة النساء‬
‫عن التبذل والنحراف‪ ،‬والصابة بالمراض الخطيرة مثل مرض فقد المناعة ( اليدز)‪ ،‬واليواء في‬
‫ظل بيت الزوجية الذي تجد فيه المرأة الراحة والطمأنينة‪،‬بدلً من البحث عن الصحاب الوقتيين‪ ،‬أو‬
‫حمل لفتات في مواطن إشارات المرور يعلن فيها عن الرغبة في التصال الجنسي‪ ،‬أو العرض‬
‫الرخيص في واجهات بعض المحلت في الشوارع العامة كما في ألمانيا وغيرها‪.‬‬
‫ومن هذه السباب‪ :‬احتياج المة أحيانا إلى زيادة النسل‪ ،‬لخوض الحروب والمعارك ضد العداء‪ ،‬أو‬
‫للمعونة في أعمال الزراعة والصناعة وغيرها‪.‬‬
‫وقد أباحت اليهودية تعدد الزوجات‪ ،‬ولم يرد في المسيحية نص يمنع التعدد‪ ،‬وأذنت به الكنيسة في‬
‫عصرنا للفارقة المسيحيين‪.‬‬
‫ومن هذه السباب‪ :‬الحاجة الجتماعية إلى إيجاد قرابات ومصاهرات لنشر الدعوة السلمية كما‬
‫حدث للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه عدد زوجاته التسع في سن الرابعة والخمسين من أجل نشر‬
‫دعوته وكسب النصار لدين ال الجديد‪ .‬وبقي إلى هذه السن على زوجة واحدة هي السيدة خديجة‬
‫رضي ال عنها‪.‬‬
‫وأما السباب الخاصة فكثيرة منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬عقم المرأة أو مرضها‪ ،‬أو عدم توافق طباعها مع طباع الزوج ‪:‬‬
‫قد تكون المرأة عقيما ل تلد‪ ،‬أو أن بها مرضا منفرا يحول بينها وبين تحقيق رغبات الزوج‪ ،‬أو أن‬
‫طبعها لم ينسجم مع طبع الزوج‪ ،‬فيكون من الفضل والرحم ومن المروءة أن تظل هذه الزوجة في‬
‫رباط الزوجية؛ لنه أكرم لها وأحب إلى نفسها‪ ،‬وتعطى الفرصة للرجل بالزواج من ثانية تحقق له‬
‫السعادة بإنجاب الولد‪ ،‬وإرواء غريزة حب الولد‪ .‬وقد يزول مرض المرأة‪ ،‬وتتحسن طبائعها‬
‫وأخلقها مع مرور الزمن ونضوج العقل‪ ،‬فتجد في زوجها المل‪ ،‬وتنأى به عن الحرمان واليأس‬
‫وال ُعقَد النفسية‪ ،‬وذلك في حدود أربع نسوة تتناسب مع طاقة الرجل وقدرته في عيشه على تحمل أعباء‬
‫الحياة الزوجية‪.‬‬

‫( ‪)9/162‬‬

‫وقد بينت أن سبب القتصار على أربع هو كونه أقرب إلى تحقيق العدل والرحمة بالمرأة التي ينقطع‬
‫عنها زوجها ثلث ليال ثم يعود إليها‪.‬‬
‫أما ما قد يؤدي إليه التعدد من فساد السرة بسبب التحاسد والتنافر بين الضرائر‪ ،‬أوتشرد الولد‪ ،‬فهو‬
‫ناشئ غالبا من ضعف شخصية الرجل‪ ،‬وعدم التزامه بقواعد الشرع وما يوجبه عليه من عدل وقَسْم‬
‫في المبيت‪ ،‬وعناية بالولد‪ ،‬وإحساس كبير بمطالب الحياة الزوجية‪ ،‬فإذا عدل الرجل بين زوجاته‪،‬‬
‫وسوّى بين أولده في التربية والتعليم والنفقة‪ ،‬ووضع حدا لكل زوجة ل تتجاوزه‪ ،‬فإنه يساهم إلى حد‬
‫كبير في استئصال كل بذور الفتنة والسوء‪ ،‬والضغينة والبغضاء بين أفراد أسرته‪ ،‬وهو خير كبير له‪،‬‬
‫فيريح فكره من الهموم وحل المشكلت‪ ،‬ويتفرغ لواجباته المعيشية وأعماله خارج المنزل‪.‬‬
‫فإن بقي بعدئذ شيء في نفس المرأة والولد من الغيرة الطبيعية الذاتية‪ ،‬فهو شيء عادي ل تخلو عنه‬
‫كل المجتمعات الصغيرة‪ ،‬ويمكن التغلب على آثاره بالحكمة والعدل وعدم الصغاء لتدخلت الجيران‬
‫والمعارف‪.‬‬
‫أما منع تعدد الزواج‪ :‬ففيه توفير مصلحة المرأة نفسها‪ ،‬إذ تكون عادة مبعث نزاع حاد بين الرجال‪،‬‬
‫وتنافس وتزاحم بين الشركاء يلحق بها ضررا ومتاعب‪ ،‬وفي هذا التعدد ضرر اجتماعي‪ ،‬وفساد‬
‫كبير‪ ،‬بسبب ضياع النساب‪ ،‬واختلط أصول الولد‪ ،‬وضياعهم في نهاية المر‪ ،‬إذ قد يتخلى كل‬
‫هؤلء الرجال عن إعالتهم‪ ،‬بحجة أنهم أبناء الخرين‪.‬‬
‫‪ - 2‬اشتداد كراهية الرجل للمرأة في بعض الوقات‪ :‬قد ينشأ نزاع عائلي بين الزوج وأقارب زوجته‪،‬‬
‫أو بينه وبين زوجته‪ ،‬وتستعصي الحلول‪ ،‬وتتأزم المواقف‪ ،‬ويتصلب الطرفان‪ ،‬فإما فراق نهائي يأكل‬
‫كبد المرأة للبد‪ ،‬وإما صبر وقتي من الرجل‪ ،‬تتطلبه الخلق والوفاء‪ ،‬والحكمة والعقل‪ ،‬ول شك أن‬
‫اتخاذ الموقف الثاني بإبقاء الزوجة في عصمة زوجها مع زوجة أخرى أهون بكثير من الطلق ‪:‬‬
‫«أبغض الحلل إلى ال » ‪.‬‬

‫( ‪)9/163‬‬

‫‪ - 3‬ازدياد القدرة الجنسية لبعض الرجال‪ :‬قد يكون بعض الناس ذا طاقة جنسية كبيرة‪ ،‬تجعله غير‬
‫مكتفٍ بزوجة واحدة‪ ،‬إما لكبر سنها‪ ،‬أو لكراهيتها التصال الجنسي‪ ،‬أو لطول عادتها الشهرية ومدة‬
‫نفاسها‪ ،‬فيكون الحل لمثل هذه الظروف ومقتضى الدين الذي يتطلب التمسك بالعفة والشرف هو تعدد‬
‫الزوجات‪ ،‬بدلً من البحث عن اتصالت غير مشروعة‪ ،‬بما فيها من سخط ال عز وجل‪ ،‬وضرر‬
‫شخصي واجتماعي عام مؤكد الحصول بشيوع الفاحشة أو الزنا‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن إباحة تعدد الزوجات مقيد بحالة الضرورة أو الحاجة أو العذر‪ ،‬أو المصلحة المقبولة‬
‫شرعا‪.‬‬
‫الدعوة إلى جعل تعدد الزوجات بإذن القاضي ‪:‬‬
‫ظهرت دعوات جديدة في عصرنا تمنع تعدد الزوجات إل بإذن القاضي‪ ،‬ليتأكد من تحقق ما شرطه‬
‫الشرع لباحة التعدد‪ ،‬وهو العدل بين الزوجات والقدرة على النفاق؛ لن الناس وخصوصا الجهلة‬
‫أساؤوا استعمال رخصة التعدد المأذون بها شرعا لغايات إنسانية كريمة‪ .‬لكن تولى المخلصون دحض‬
‫مثل هذه الدعوات لسباب معقولة هي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬إن ال سبحانه وتعالى أناط بالراغب في الزواج وحده تحقيق شرطي التعدد‪ ،‬فهو الذي يقدر‬
‫الخوف من عدم العدل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن خفتم أل تعدلوا‪ ،‬فواحدة} [النساء‪ ]3/4:‬فإن الخطاب فيه‬
‫لنفس الراغب في الزواج‪ ،‬ل لحد سواه‪ ،‬من قاض أوغيره‪ ،‬فيكون تقدير مثل هذا الخوف من قبل‬
‫غير الزوج مخالفا لهذا النص‪ .‬وكذلك البحث في توافر القدرة على النفاق‪ ،‬فإنه منوط بالراغب في‬
‫الزواج‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ »..‬فهو‬
‫خطاب للزواج‪ ،‬ل لغيرهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحكام الشرعية للحوال الشخصية‪ ،‬للستاذ الشيخ زكي الدين شعبان‪ :‬ص ‪ 196‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/164‬‬

‫‪ - 2‬إن إشراف القاضي على المور الشخصية أمر عبث‪ ،‬إذ قد ل يطلع على السبب الحقيقي‪،‬‬
‫ويخفي الناس عادة عنه ذلك السبب‪ ،‬فإن اطلع على الحقائق‪ ،‬كان اطلعه فضحا لسرار الحياة‬
‫الزوجية‪ ،‬وتدخلً في حريات الناس‪ ،‬وإهدارا لرادة النسان‪ ،‬وخوضا في قضايا ينبغي توفير وقت‬
‫القضاة لغيرها‪ ،‬ومنعا وأمرا في غير محله‪ ،‬فالزواج أمر شخصي بحت‪ ،‬يتفق فيه الزوجان مع أولياء‬
‫المرأة‪ ،‬ل يستطيع أحد تغيير وجهته‪ ،‬وتبديل قيمه‪ .‬وإن أسرار البيت المغلقة ل يعلم بها أحد غير‬
‫الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة المخيفة‪ ،‬وإنما هو على العكس محدود ونادر ل يتجاوز نسبة‬
‫‪ %4‬في مصر وليبيا في الخمسينات‪ ،‬وفي سورية بنسبة ‪ ،%1‬ومثل هذه النسب ل تستوجب‬
‫إصدارقوانين خاصة بها‪ ،‬بل إنه إذا صدرت القوانين فلن يتغير من المر شيء؛ لن هذه القضايا‬
‫تحتاج لضوابط وكوابح داخلية هي الدين والوجدان والخلق‪.‬‬
‫‪ - 4‬ليس تعدد الزوجات هو السبب في تشرد الطفال‪ ،‬كما يزعمون‪ ،‬وإنما السبب يكمن في إهمال‬
‫الب تربية النشء‪ ،‬وإدمان الخمر‪ ،‬وتعاطي المخدرات‪ ،‬والنصراف في إرواء اللذات طيشا وعبثا‪،‬‬
‫وفعل الميسر وارتياد المقاهي‪ ،‬وإهمال شأن السرة‪ ،‬وغيرها من السباب‪ .‬وكانت نسبة المتشردين‬
‫بسبب تعدد الزوجات ل تزيد في مصر في الخمسينات عن ( ‪ ،) %3‬ويرجع التشرد في الحقيقة إلى‬
‫الفقر في الدرجة الولى‪ .‬وعلج مساوئ التعدد يكون بأمرين‪:‬‬
‫أولً ـ تربية الجيل تربية دينية وخلقية حصينة‪ ،‬بحيث يدرك الزوجان خطورة رابطة الزوجية‬
‫المقدسة‪ ،‬وارتكازها على أساس الود والرحمة‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم‬
‫أزواجا لتسكنوا إليها‪ ،‬وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم‪.]21/30:‬‬

‫( ‪)9/165‬‬

‫ثانيا ـ معاقبة من يظلم زوجته‪ ،‬أو يقصر في حقوقها‪ ،‬أو يهمل تربية أحد أولده‪ ،‬فمن فرط في‬
‫واجبه يؤاخذ في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫خلصة موانع الزواج الشرعية كما ذكرها المالكية ‪:‬‬
‫يحسن تلخيص الموانع الشرعية للزواج في فقه المالكية‪ ،‬لتصنيفها البديع لديهم‪ ،‬فإنهم قسموا كغيرهم‬
‫هذه الموانع إلى موانع مؤبدة وموانع غير مؤبدة‪.‬‬
‫والموانع المؤبدة تنقسم إلى متفق عليها‪ ،‬ومختلف فيها‪ ،‬فالمتفق عليها ثلثة‪ :‬نسب وصهر ورضاع‪.‬‬
‫والمختلف فيها‪ :‬الزنا واللعان‪.‬‬
‫وغير مؤبدة تنقسم إلى تسعة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬مانع العدد‪ ،‬والثاني‪ :‬مانع الجمع‪ ،‬والثالث‪ :‬مانع الرق‪ ،‬والرابع‪ :‬مانع الكفر‪ ،‬والخامس‪ :‬مانع‬
‫الحرام‪ ،‬والسادس‪ :‬مانع المرض‪ ،‬والسابع‪ :‬مانع العدة‪ ،‬على اختلف في عدم تأبيده‪ ،‬والثامن‪ :‬مانع‬
‫التطليق ثلثا للمطلق‪ .‬والتاسع‪ :‬مانع الزوجية‪ .‬وتكون الموانع الشرعية أربعة عشر مانعا (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬أما مانع النسب‪ :‬فاتفق الفقهاء على أن النساء المحرمات من قبل النسل‪ :‬السبع المذكورات في‬
‫القرآن‪ ،‬وهن المهات والبنات والخوات والعمات والخالت وبنات الخ‪ ،‬وبنات الخت‪ .‬والم‪ :‬كل‬
‫أنثى لها عليك ولدة‪ ،‬من جهة الم أو من جهة الب‪ .‬والبنت‪ :‬كل أنثى لك عليها ولدة من قبل البن‬
‫أو من قبل البنت أو مباشرة‪ .‬والخت‪ :‬كل أنثى شاركتك في أحد أصليك‪ ،‬أو في مجموعهما أي الب‬
‫أو الم‪ ،‬أو في كليهما‪ .‬والعمة‪ :‬كل أنثى هي أخت لبيك أو لكل ذكر له عليك ولدة‪ .‬والخالة‪ :‬أخت‬
‫أمك‪ ،‬أوأخت كل أنثى لها عليك ولدة‪ .‬وبنات الخ‪ :‬كل أنثى لخيك عليها ولدة من قبل أمها أو من‬
‫قبل أبيها أو مباشرة‪ .‬وبنات الخت‪ :‬كل أنثى لختك عليها ولدة مباشرة‪ ،‬أو من قبل أمها أو من قبل‬
‫أبيها‪.‬‬
‫‪ - 2‬وأما مانع المصاهرة‪ :‬فيحرم أربع بالمصاهرة‪ :‬زوجات الباء‪ ،‬وزوجات البناء‪ ،‬وأمهات‬
‫النساء‪ ،‬وبنات الزوجات (الربائب)‪ ،‬واتفقوا على أن اثنين منهن يحرمن بنفس العقد‪ :‬وهو تحريم‬
‫زوجات الباء والبناء‪ ،‬وواحدة تحرم بالدخول وهي ابنة الزوجة‪ ،‬وأما أم الزوجة فتحرم عند‬
‫الجمهور بالعقد على البنت‪ ،‬دخل بها أو لم يدخل‪ .‬وفي رأي ضعيف أم الم إل بالدخول على البنت‪،‬‬
‫كالحال في البنت‪ ،‬وهو مروي عن علي وابن عباس رضي ال عنهما من طرق ضعيفة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،49-31/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،210-204‬الشرح الصغير‪.428-402/2 :‬‬

‫( ‪)9/166‬‬

‫‪ - 3‬وأما مانع الرضاع‪ :‬فاتفقوا على أنه يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب‪ ،‬أي أن المرضعة تنزّل‬
‫منزل الم‪ ،‬فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على البن من قبل أم النسب‪.‬‬
‫واتفق أئمة المذاهب الربعة على أن لبن الفحل يحرّم‪ ،‬أي يصير الرجل الذي له اللبن‪ ،‬وهو زوج‬
‫المرأة أبا للمرضع‪ ،‬فيحرم بينهما ومن جهتها ما يحرم من الباء والبناء الذين من النسب‪.‬‬
‫‪ - 4‬وأما مانع الزنا أي زواج الزانية‪ :‬فأجازه الجمهور‪ ،‬ومنعه قوم‪ ،‬ومنشأ اختلفهم‪ :‬اختلفهم في‬
‫مفهوم قوله تعالى‪{ :‬والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك‪ ،‬وحرم ذلك على المؤمنين} [النور‪]3/24:‬‬
‫هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟‬
‫‪ - 5‬وأما مانع العدد‪ :‬فاتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء‪ ،‬ورأى الجمهور أنه ل تجوز‬
‫الخامسة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع} [النساء‪ ]3/4:‬ولقوله‬
‫عليه الصلة والسلم لغيلن لما أسلم وتحته عشر نسوة‪« :‬أمسك أربعا‪ ،‬وفارق سائرهن» وقال الشيعة‬
‫والظاهرية‪ :‬يجوز تسع‪ ،‬ومذهبهم مذهب الجمع‪ ،‬أي جمع العداد في قوله تعالى‪{ :‬مثنى وثلث‬
‫ورباع} [النساء‪.]3/4:‬‬
‫‪ - 6‬وأما مانع الجمع‪ :‬فاتفقوا على أنه ل يجمع بين الختين بعقد زواج‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأن تجمعوا‬
‫بين الختين} [النساء‪ ]23/4:‬واتفقوا أيضا على أنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها‪ ،‬وبين المرأة‬
‫وخالتها‪ ،‬لحديث أبي هريرة المتواتر كما قال ابن رشد‪ ،‬أو المشهور كما قال الحنفية‪« :‬ل يجمع بين‬
‫المرأة وعمتها‪ ،‬ول بين المرأة وخالتها» ‪.‬‬
‫والعمة‪ :‬هي كل أنثى هي أخت لذكر له عليك ولدة‪ ،‬إما بنفسك‪ ،‬وأما بواسطة ذكر آخر‪ .‬والخالة‪ :‬هي‬
‫كل أنثى هي أخت لكل أنثى لها عليك ولدة‪ ،‬إما بنفسها‪ ،‬وإما بتوسط أنثى غيرها‪ ،‬وهن المحرمات‬
‫من قبل الم‪.‬‬

‫( ‪)9/167‬‬

‫‪ - 7‬وأما مانع الرق‪ :‬فاتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح المة‪ ،‬وللحرة أن تنكح العبد إذا رضيت به‬
‫هي وأولياؤها‪ .‬ول يجوز نكاح الحر المة إل بشرطين عند الجمهور غير ابن القاسم المالكي‪ :‬وهما‬
‫طوْل الحرة أو الكتابية‪ ،‬أي المهر الذي يتزوجها به‬
‫الخوف على نفسه العَنت أي الزنا‪ ،‬والعجز عن َ‬
‫من عين أو عرض‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ومن لم يستطع منكم طولً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما‬
‫ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} ‪{ ...‬ذلك لمن خشي العَنت منكم} [النساء‪ .]4/25:‬وهذا هو‬
‫الراجح كما في شروح خليل‪ ،‬ولكن قال ابن رشد‪ :‬رأي ابن القاسم هو المشهور من مذهب مالك وهو‬
‫أنه يجوز زواج الحر من المة بإطلق‪.‬‬
‫‪ - 8‬وأما مانع الكفر‪ :‬فاتفقوا على أنه ل يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تمسكوا‬
‫بعصم الكوافر} [الممتحنة‪ ،]10/60:‬واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابيةالحرة إل ما روي في ذلك‬
‫عن ابن عمر‪ .‬وقال الشيعة المامية (‪ )1‬في الظهر من القولين‪ :‬ل يجوز نكاح الكتابية غبطة‪،‬‬
‫ويجوز متعة‪.‬‬
‫‪ - 9‬وأما مانع الحرام‪ :‬فل يجوز عند الجمهور نكاح المحرم‪ ،‬فل يَنْكح المحرم ول يُنكح‪ ،‬فإن فعل‬
‫فالنكاح باطل‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل بأس بذلك‪ ،‬لتعارض حديثين‪ :‬حديث ابن عباس أن رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم‪ ،‬وحديث ميمونة أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم تزوجها‬
‫وهو حلل‪ .‬وإذا قلنا‪ :‬تعارض الفعل فسقط الستدلل به‪ ،‬فيرجح القول‪،‬وهو حديث «ل ينكح المحرم‬
‫ول ينكح» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪.203‬‬

‫( ‪)9/168‬‬

‫‪ 10‬ـ وأما مانع المرض‪ :‬فقال مالك في المشهور عنه‪ :‬ل يجوز نكاح المريض مرض الموت‪ ،‬وقال‬
‫الجمهور‪ :‬إنه يجوز‪ ،‬وسبب اختلفهم تردد النكاح بين البيع وبين الهبة؛ لنه ل تجوز هبة المريض‬
‫إل من الثلث‪ ،‬ويجوز بيعه‪ .‬ولختلفهم أيضا سبب آخر‪ :‬وهل هو يتهم في إضرار الورثة بإدخال‬
‫وارث زائد‪ ،‬أو ل يتهم؟‬
‫‪ - 11‬وأما مانع العدة‪ :‬فاتفقوا على أن النكاح ل يجوز في العدة‪ ،‬سواء أكانت عدة حيض أم عدة‬
‫حمل‪ ،‬أم عدة أشهر‪ ،‬وسواء من نكاح أم شبهة نكاح‪ .‬واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها ودخل بها‪،‬‬
‫فقال مالك والوزاعي والليث‪ :‬يفرق بينهما‪ ،‬ول تحل له أبدا‪ ،‬وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري‬
‫وأحمد‪ :‬يفرق بينهما‪ ،‬وإذا انقضت العدة‪ ،‬فل بأس في تزوجه إياها مرة ثانية‪ .‬وسبب اختلفهم اختلف‬
‫أقوال الصحابة‪ ،‬فالفريق الول أخذ بقول عمر رضي ال عنه حينما فرق بين طليحة السدية وبين‬
‫زوجها راشد الثقفي‪ ،‬لما تزوجها في العدة من زوج ثان‪ ،‬وقال‪« :‬أيما امرأة نكحت في عدتها‪ ،‬فإن‬
‫كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرّق بينهما‪ ،‬ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم كان الخر‬
‫خاطبا من الخطاب‪ ،‬وإن كان دخل بها‪ ،‬فرّق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم اعتدت من‬
‫الخر‪ ،‬ثم ل يجتمعان أبدا» ‪.‬‬
‫واحتج الفريق الثاني بقول علي وابن مسعود رضي ال عنهما‪ ،‬خلفا لرأي عمر رضي ال عنه‪ ،‬فلم‬
‫يقضيا بتحريمها عليه‪.‬‬
‫‪ - 12‬وأما مانع الزوجية‪ :‬فإنهم اتفقوا على أن الزوجية بين المسلمين مانعة‪ ،‬وكذا بين الذميين‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم} [النساء‪.]24/4:‬‬
‫‪ - 13‬وأما مانع اللعان‪ :‬فتقع به عند الجمهور غير الحنفية الفرقة المؤبدة‪ ،‬فل تحل له أبدا‪ ،‬وإن أكذب‬
‫نفسه‪ .‬والفرقة عند أبي حنيفة تنتهي إذا أكذب نفسه‪.‬‬

‫( ‪)9/169‬‬

‫‪ - 14‬وأما مانع التطليق ثلثا للمطلق‪ :‬فاتفقوا على أنه ل يجوز للمطلق أن يعقد عليها مرة أخرى‬
‫حتى تتزوج زواجا طبيعيا بزوج آخر‪ ،‬ثم يطلقها بنحو طبيعي‪ ،‬ثم تنقضي عدتها من الثاني‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فإن طلقها‪ ،‬فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪.]230/2:‬‬
‫المحارم من النساء في القانون السوري ‪:‬‬
‫أ ـ الحرمات المؤبدة‪:‬‬
‫المادة ( ‪ - ) 33‬يحرم على الشخص أصوله وفروعه وفروع أبويه والطبقة الولى من فروع أجداده‪.‬‬
‫المادة ( ‪ - )34‬يحرم على الرجل‪:‬‬
‫‪ - 1‬زوجة أصله أو فرعه وموطوءة أحدهما‪.‬‬
‫‪ - 2‬أصل موطوءته وفرعها وأصل زوجته‪.‬‬
‫المادة ( ‪ 1« - ) 35‬يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إل ما قرر فقهاء الحنفية استثناءه‪- 2 .‬‬
‫يشترط في الرضاع للتحريم أن يكون في العامين الولين‪ ،‬وأن يبلغ خمس رضعات متفرقات‪ ،‬يكتفي‬
‫الرضيع في كل منها‪ ،‬قل مقدارها أو كثر» ‪.‬‬
‫ب ـ الحرمات المؤقتة‪:‬‬
‫المادة ( ‪ - 1« - ) 36‬ل يجوز أن يتزوج الرجل امرأة طلقها ثلث مرات إل بعد انقضاء عدتها من‬
‫زوج آخر دخل بها فعلً‪.‬‬
‫‪ - 2‬زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق‪ ،‬ولو كانت دون الثلث‪ ،‬فإذا عادت إليه يملك‬
‫عليها ثلثا جديدة» ‪.‬‬
‫المادة ( ‪ - ) 37‬ل يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الربع‪ ،‬وتنقضي‬
‫عدتها‪.‬‬
‫المادة ( ‪ - ) 38‬ل يجوز التزوج بزوجة آخر ول بمعتدته‪.‬‬
‫المادة ( ‪ - ) 39‬ل يجوز الجمع بين امرأتين لو فرضت كل منهما ذكرا‪ ،‬حرمت عليه الخرى‪ ،‬فإن‬
‫ثبت الحل على أحد الفرضين جاز الجمع بينهما‪.‬‬

‫( ‪)9/170‬‬

‫صلُ الرّابع‪ :‬الهليّة والولية والوكالة في الزّواج‬


‫ال َف ْ‬
‫فيه مباحث ثلثة‪:‬‬
‫المبحث الول ـ أهلية الزوجين ‪:‬‬
‫يرى ابن شبرمة وأبو بكر الصم وعثمان البتي رحمهم ال أنه ل يزوج الصغير والصغيرة حتى‬
‫يبلغا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء‪ ]6/4:‬فلو جاز التزويج قبل البلوغ‪ ،‬لم يكن لهذا‬
‫فائدة‪ ،‬ولنه ل حاجة بهما إلى النكاح‪ .‬ورأى ابن حزم أنه يجوز تزويج الصغيرة عملً بالثار‬
‫المروية في ذلك‪ .‬أما تزويج الصغير فباطل حتى يبلغ‪ ،‬وإذا وقع فهو مفسوخ (‪. )1‬‬
‫ولم يشترط جمهور الفقهاء لنعقاد الزواج‪ :‬البلوغ والعقل‪ ،‬وقالوا بصحة زواج الصغير والمجنون‪.‬‬
‫الصغر‪ :‬أما الصغر فقال الجمهور منهم أئمة المذاهب الربعة‪ ،‬بل ادعى ابن المنذر الجماع على‬
‫جواز تزويج الصغيرة من كفء‪ ،‬واستدلوا عليه بما يأتي (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬بيان عدة الصغيرة ـ وهي ثلثة أشهر ـ في قوله تعالى‪{ :‬واللئي يئسن من المحيض من‬
‫نسائكم إن ارتبتم‪ ،‬فعدتهن ثلثة أشهر واللئي لم يحضن} [الطلق‪ ]4/65:‬فإنه تعالى حدد عدة‬
‫الصغيرة التي لم تحض بثلثة أشهر كاليائسة‪ ،‬ول تكون العدة إل بعد زواج وفراق‪ ،‬فدل النص على‬
‫أنها تزوج وتطلق ول إذن لها‪.‬‬
‫‪ - 2‬المر بنكاح الناث في قوله تعالى‪{ :‬وأنكحوا اليامى منكم} [النور‪ ]32/24:‬واليم‪ :‬النثى التي‬
‫ل زوج لها‪ ،‬صغيرة كانت أو كبيرة ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المحلى‪.565 ،560/9 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،487/6 :‬المبسوط للسرخسي‪ ،212/4 :‬البدائع‪ ،246 ،240/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،198‬مغني المحتاج‪ 168/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/171‬‬
‫‪ - 3‬زواج النبي بعائشة وهي صغيرة‪ ،‬فإنها قالت‪« :‬تزوجني النبي وأنا ابنة ستٍ‪ ،‬وبنى بي وأنا ابنة‬
‫تسع» (‪ )1‬وقد زوجها أبوها أبو بكر رضي ال عنهما‪ .‬وزوج النبي صلّى ال عليه وسلم أيضا ابنة‬
‫عمه حمزة من ابن أبي سلمة‪ ،‬وهما صغيران‪.‬‬
‫‪ - 4‬آثار عن الصحابة‪ :‬زوّج (أي عقد) علي ابنته أم كلثوم‪ ،‬وهي صغيرة من عروة بن الزبير‪،‬‬
‫وزوج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه وهما صغيران‪ .‬ووهب رجل بنته الصغيرة لعبد ال‬
‫بن الحسن بن علي‪ ،‬فأجاز ذلك علي رضي ال عنهما‪ ،‬وزوجت امرأة بنتا لها صغيرة لبن المسيب‬
‫بن نخبة‪ ،‬فأجاز ذلك زوجها عبد ال ابن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ - 5‬قد تكون هناك مصلحة بتزويج الصغار‪ ،‬ويجد البُ الكفءَ‪ ،‬فل يفوت إلى وقت البلوغ‪.‬‬
‫وهناك رواية‪ :‬معقولة‪ :‬وهي بنت ثلث عشرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد (نيل الوطار‪ )120/6 :‬وفي رواية عند البخاري ومسلم‪:‬‬
‫تزوجها وهي بنت سبع سنين‪ ،‬وزفت إليه وهي بنت تسع سنين‪.‬‬

‫( ‪)9/172‬‬

‫من الذي يزوج الصغار؟‬


‫اختلف الجمهور القائلون بجواز تزويج الصغار فيمن يزوجهم‪.‬‬
‫فقال المالكية والحنابلة (‪ : )1‬ليس لغير الب أو وصيه أو الحاكم تزويج الصغار‪ ،‬لتوافر شقفة الب‬
‫وصدق رغبته في تحقيق مصلحة ولده‪ ،‬والحاكم ووصي الب كالب‪ ،‬لنه ل نظر لغير هؤلء في‬
‫مال الصغار ومصالحهم المتعلقة بهم‪ ،‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬تستأمر اليتيمة في نفسها‪ ،‬وإن‬
‫سكتت فهو إذنها‪ ،‬وإن أبت فل جواز عليها» (‪ )2‬وفي رواية أحمد‪ ..« :‬لم تكره» وروي عن ابن‬
‫عمر أن قدامة ابن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان‪ ،‬فرفع ذلك إلى النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪« :‬إنها يتيمة ول تُنكح إل بإذنها» (‪ )3‬واليتيمة‪ :‬هي الصغيرة التي مات أبوها‪ ،‬لحديث‪« :‬ل يُتْم‬
‫بعد احتلم» (‪ )4‬دل الحديث على أن الب وحده هو الذي يملك تزويج الصغار‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )5‬يجوز للب والجد ولغيرهما من العصبات تزويج الصغير والصغيرة‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى} [النساء‪ ]4/3:‬أي في نكاح اليتامى‪ ،‬بإلحاق الظلم بهم‪ ،‬فالية‬
‫تأمر الولياء بتزويج اليتامى‪ ،‬وأجاز أبو حنيفة في رواية عنه خلفا للصاحبين لغير العصبات من‬
‫قرابة الرحم كالم والخت والخالة تزويج الصغار إن لم يكن ثمة عصبة‪ ،‬ودليله عموم قوله تعالى‪:‬‬
‫{وأنكحوا اليامى منكم والصالحين} [النور‪ ]32/24:‬من غير تفرقة بين العصبات وغيرهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،199‬الشرح الصغير‪ 356 ،353/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 489/6 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.47-43/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة إل ابن ماجه عن أبي هريرة ( نيل الوطار‪.) 121/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والدارقطني عن ابن عمر (نيل الوطار‪ 121/6 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود وحسنه النووي‪.‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،240/2 :‬المبسوط‪ 213/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/173‬‬

‫وقال الشافعية (‪ : )1‬ليس لغير الب والجد تزويج الصغير والصغيرة‪ ،‬لخبر الدارقطني‪« :‬الثيب أحق‬
‫بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر يزوجها أبوها» ورواية مسلم‪« :‬والبكر يستأمرها أبوها» والجد كالب عند‬
‫عدمه؛ لن له ولية وعصوبة كالب‪.‬‬
‫والخلصة ‪:‬‬
‫المالكية قالوا‪ :‬القياس أل يجوز تزويج الصغار إل أنا تركنا ذلك في حق الب للثار المروية فيه‪،‬‬
‫فبقي ما سواه على أصل القياس‪ .‬والحنابلة رأوا أن الحاديث مقصورة على الب‪ .‬والشافعية استدلوا‬
‫بالحاديث‪ ،‬لكنهم قاسوا الجد على الب‪ ،‬والحنفية أخذوا بعموم اليات القرآنية التي تأمر الولياء‬
‫بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم‪.‬‬
‫واشترط أبو يوسف ومحمد في تزويج الصغار الكفاءة ومهر المثل؛ لن الولية للمصلحة‪ ،‬ول‬
‫مصلحة في التزويج من غير كفء ول مهر مثل‪.‬‬
‫وكذلك اشترط الشافعية في تزويج الصغير وجود المصلحة‪ ،‬وفي تزويج الب الصغيرة أو الكبيرة‬
‫بغير إذنها شروطا سبعة هي‪:‬‬
‫الول ـ أل يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬أن يزوجها من كفء‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يزوجها بمهر مثلها‪.‬‬
‫الرابع ـ أن يكون من نقد البلد‪.‬‬
‫الخامس ـ أل يكون الزوج معسرا بالمهر‪.‬‬
‫السادس ـ أل يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم‪.‬‬
‫السابع ـ أل يكون قد وجب عليها الحج‪ ،‬فإن الزوج قد يمنعها لكون الحج على التراخي‪ ،‬ولها غرض‬
‫في تعجيل براءتها‪ ،‬ويجوز أن يزوج الصغير أكثر من واحدة‪.‬‬
‫وأجاز المالكية للب تزويج البكر الصغيرة‪ ،‬ولو بدون صداق المثل‪ ،‬ولو لقل حال منها‪ ،‬أو لقبيح‬
‫منظر‪ ،‬وتزوج البالغ ( أو البالغة ) بإذنها‪ ،‬إل اليتيمة الصغيرة التي بلغت عشر سنين‪ ،‬فتزوج بعد‬
‫استشارة القاضي على أن يكون الزواج بكفء وبمهر المثل‪.‬‬
‫ورأى الحنابلة‪ :‬أن يزوج الب ابنه الصغير والمجنون بمهر المثل وغيره‪ ،‬ولو كرها؛ لن للب‬
‫تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها‪ ،‬وهذا مثله‪ ،‬فإنه قد يرى المصلحة في تزويجه‪ ،‬فجاز له بذل‬
‫المال فيه كمداواته فهذا أولى‪ .‬وإذا زوج الب ابنه الصغير‪ ،‬فيزوجه بامرأة واحدة لحصول الغرض‬
‫بها‪ ،‬وله تزويجه بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة‪ ،‬وضعّف بعض الحنابلة هذا‪ ،‬إذ ليس فيه‬
‫مصلحة‪ ،‬بل مفسدة‪ ،‬وصوّب أنه ل يزوجه أكثر من واحدة‪ .‬أما الوصي فل يزوجه أكثر بل خلف؛‬
‫لنه تزويج لحاجة‪ ،‬والكفاية تحصل به‪ ،‬إل أن تكون غائبة أو صغيرة أو طفلة‪ ،‬وبه حاجة‪ ،‬فيجوز أن‬
‫يزوجه ثانية‪ .‬ولسائر الولياء تزويج بنت تسع سنين فأكثر بإذنها‪ ،‬لما روى أحمد عن عائشة‪« :‬إذا‬
‫بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة» أي في حكم المرأة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.169 ،149/3 :‬‬

‫( ‪)9/174‬‬

‫العقل‪ :‬وأما العقل فليس شرطا بالتفاق‪ ،‬فيجوز للولي أبا أو غيره عند الحنفية (‪ )1‬أن يزوج المجنون‬
‫أوالمجنونة أو المعتوه أو المعتوهة (‪ )2‬صغيرا أم كبيرا‪ ،‬بكرا أم ثيبا‪.‬‬
‫وللب عند المالكية (‪ )3‬تزويج المجنون أو المجنونة ونحوهما‪ ،‬في حال الصغر أو الكبر‪ ،‬ولو ثيبا‪،‬‬
‫لعدم التمييز‪ ،‬ول كلم لولدهما معه إن كان لهما ولد رشيد‪ ،‬إل من يفيق أو تفيق من جنونها أحيانا‪،‬‬
‫فتنتظر إفاقتها لتستأذن ول تجبر‪ ،‬وذلك إذا لم يلزم على تزويج المجنونة ضرر عادة‪ ،‬كتزويجها من‬
‫خصي أو ذي عاهة‪ ،‬كجنون وبرص وجذام‪ ،‬مما يردّ الزوج به شرعا‪.‬‬
‫ورأى الشافعية (‪ : )4‬أنه ل يزوّج مجنون صغير أو كبير‪ ،‬إل لحاجة للزواج‪ ،‬ويزوجه امرأة واحدة‬
‫فقط الب‪ ،‬ثم الجد‪ ،‬ثم السلطان‪ ،‬دون سائر العصبات كولية المال‪ .‬ويزوج الب أو الجد لوفور‬
‫شفقتهما المجنونة الصغيرة أو الكبيرة إن ظهرت مصلحة في تزويجها‪ ،‬ول تشترط الحاجة قطعا‪ ،‬فإن‬
‫لم يكن أب أو جد لم تزوج في صغرها‪ ،‬فإن بلغت زوجها السلطان في الصح للحاجة للزواج‪ ،‬ل‬
‫لمصلحة في الصح‪ ،‬كتوفر المؤن‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )5‬لسائر الولياء تزويج المجنونة إذا ظهر منها الميل إلى الرجال؛ لن لها حاجة‬
‫إلى الزواج لدفع ضرر الشهوة عنها‪ ،‬وصيانتها عن الفجور‪ .‬ويعرف ميلها إلى الرجال من كلمها‬
‫وتتبعها الرجال وميلها إليهم ونحوه من قرائن الحوال‪ ،‬وكذا إن قال الطباء (ثقة أو اثنان)‪ :‬إن علتها‬
‫تزول بتزويجها‪ .‬فإن لم يكن لها ولي إل الحاكم زوّجها‪.‬‬
‫وإن احتاج المجنون البالغ أو الصغير العاقل إلى الزواج أو لغيره كالخدمة‪ ،‬زوجهما الحاكم عند عدم‬
‫الب والوصي‪ ،‬وليس لغير الب ووصيه والحاكم التزويج‪ ،‬ول يجوز التزويج إن لم يحتج المجنون‬
‫والصغير إليه؛ لنه إضرار بهما بل منفعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪. 241/2 :‬‬
‫(‪ )2‬العته‪ :‬ضعف في العقل ينشأ عنه ضعف في الوعي والدراك‪ .‬أما الجنون فهو اختلل في العقل‬
‫ينشأ عنه اضطراب أو هيجان‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الصغير‪.355/2 :‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ 168/3 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬كشاف القناع‪ 46/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/175‬‬

‫موقف القانون السوري من زواج الصغير والمجنون ‪:‬‬


‫أخذ القانون السوري بما يخالف رأي الجمهور في زواج الصغار والمجانين بالعتماد على مبدأ‬
‫الستصلح‪ ،‬فأخذ برأي ابن شبرمة ومن وافقه في عدم صحة زواج الصغار‪ ،‬مراعاة لوضاع‬
‫المجتمع‪ ،‬وتقديرا لمخاطر مسؤوليات الزواج‪ .‬ولم يصحح القانون زواج المجنون أو المعتوه مطلقا‪،‬‬
‫إل إذا ثبت طبيا أن زواجه يفيد في شفائه‪ ،‬فللقاضي الذن بالزواج‪.‬‬
‫وهذا ما نصت عليه المادة (‪:)15‬‬
‫‪ - 1‬يشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ‪.‬‬
‫‪ - 2‬للقاضي الذن بزواج المجنون والمعتوه إذا ثبت بتقرير هيئة من أطباء المراض العقلية أن‬
‫زواجه يفيد في شفائه‪.‬‬
‫سن البلوغ‪ :‬كذلك أخذ القانون السوري بما يخالف رأي جمهور الفقهاء في تحديد سن البلوغ‪ ،‬ففي‬
‫الحوال المدنية أو الشؤون المالية نص القانون المدني (م ‪ )2/46‬على أهلية الشخص الطبيعي‪ ،‬وهي‬
‫بلوغ سن الثامنة عشرة‪ ،‬للذكر والنثى على السواء عملً بمبدأ الستصلح‪ .‬ونص المادة هو‬
‫‪ - 1:‬كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية‪ ،‬ولم يحجر عليه‪ ،‬يكون كامل الهلية لمباشرة‬
‫حقوقه المدنية‪.‬‬
‫‪ - 2‬وسن الرشد‪ :‬هي ثماني عشرة سنة ميلدية كاملة‪ .‬أما في الحوال الشخصية أو الزواج‪ :‬فقد‬
‫نص قانون الحوال الشخصية على أن أهلية الفتى ثمانية عشر عاما‪ ،‬والفتاة سبعة عشر عاما‪ .‬وذلك‬
‫في المادة (‪ )16‬وهي‪:‬‬
‫تكمل أهلية الزوج في الفتى بتمام الثامنة عشرة‪ ،‬وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر‪.‬‬
‫لكن أجاز هذا القانون أيضا للقاضي‪ :‬أن يأذن بزواج الفتى بعد إكماله سن الخامسة عشرة‪ ،‬والفتاة بعد‬
‫إكمالها سن الثالثة عشرة‪ ،‬إذا طلبا الزواج‪ ،‬وادعيا البلوغ‪ ،‬وتبين له صدقهما في ادعاء البلوغ‪ .‬وهذا‬
‫مراعاة لمصلحة الشباب في التبكير بالزواج‪ ،‬صونا لهم عن النحراف‪.‬‬
‫ونص القانون (م ‪ )18‬ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة‪ ،‬أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة‪،‬‬
‫وطلبا الزواج‪ ،‬يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كان الولي هو الب أو الجد‪ ،‬اشترطت موافقته‪.‬‬
‫أما رأي فقهائنا في سن الزواج‪ :‬فإنهم اتفقوا على عدم انعقاد زواج الصغير غير المميز‪ ،‬أما الصبي‬
‫المميز فينعقد زواجه موقوفا عند الحنفية على إجازة وليه‪ ،‬ويبطل زواجه كسائر عقوده عند الجمهور‪،‬‬
‫وإنما يزوجه وليه‪ ،‬فإذا بلغ خمسة عشر عاما تزوج بنفسه‪ ،‬وعند أبي حنيفة إذا بلغ سن الثامنة عشرة‪.‬‬

‫( ‪)9/176‬‬

‫المبحث الثاني ـ الولية في الزواج ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على أنه يشترط لصحة الزواج أن يكون لمن يتوله ولية إنشائه‪ ،‬إما بالنفس وإما بالغير‪،‬‬
‫فإذا وجدت هذه الولية‪ ،‬صح العقد ونفذ‪ ،‬وإن فقدت بطل العقد عند الجمهور‪ ،‬وكان موقوفا عند‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫فإن تم العقد من الرجل بالصالة عن النفس صح العقد بالتفاق‪ ،‬وإن تم بإنابة من الشارع‪ ،‬صح أيضا‬
‫بصفة الولية‪ ،‬وإن وجد الزواج بالنيابة عن الشخص‪ ،‬صح بصفة الوكالة‪.‬‬
‫ونبحث في الولية‪ :‬معناها‪ ،‬أنواعها‪ ،‬اشتراطها في زواج المرأة‪ ،‬شروط الولي‪ ،‬من له الولية‪،‬‬
‫المولى عليه‪ ،‬ترتيب الولياء‪ ،‬كيفية إذن المرأة بالزواج‪ ،‬عضل الولي‪ ،‬غيبة الولي وأسره أو فقده‪.‬‬
‫ل ـ معنى الولية وسببها ‪:‬‬
‫أو ً‬
‫الولية لغة إما بمعنى المحبة والنصرة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪{ :‬ومن يتول ال ورسوله‪ ،‬والذين آمنوا‪،‬‬
‫فإن حزب ال هم الغالبون} [المائدة‪ ]5/56:‬وقول سبحانه‪{ :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء‬
‫بعض} [التوبة‪.]71/9:‬‬
‫وإما بمعنى السلطة والقدرة‪ ،‬يقال‪ ( :‬الولي ) أي صاحب السلطة‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء‪ :‬القدرة على مباشرة التصرف من غيرتوقف على إجازة أحد‪ .‬ويسمى متولي‬
‫العقد ( الولي ) ومنه قوله تعالى‪{ :‬فليملل وليه بالعدل} [البقرة‪.]282/2:‬‬
‫وسبب مشروعية ولية تزويج القصر والمجانين (ولية الجبار)‪ :‬هو رعاية مصالح هؤلء‪ ،‬وحفظ‬
‫حقوقهم بسبب عجزهم وضعفهم حتى ل تضيع وتهدر‪.‬‬

‫( ‪)9/177‬‬

‫ثانيا ـ أقسام الولية ‪:‬‬


‫قسم الحنفية الولية ثلثة أقسام‪ :‬ولية على النفس‪ ،‬وولية على المال‪ ،‬وولية على النفس والمال معا‪.‬‬
‫والولية على النفس‪ :‬هي الشراف على شؤون القاصر الشخصية‪ ،‬كالتزويج والتعليم والتطبيب‬
‫والتشغيل‪ ،‬وهي تثبت للب والجد وسائر الولياء‪.‬‬
‫والولية على المال‪ :‬هي تدبيرشؤون القاصر المالية من استثمار وتصرف وحفظ وإنفاق‪ .‬وتثبت للب‬
‫والجد ووصيهما‪ ،‬ووصي القاضي‪.‬‬
‫والولية على النفس والمال‪ :‬تشمل الشؤون الشخصية والمالية‪ ،‬ول تكون إل للب والجد فقط‪.‬‬
‫ومحل البحث في الزواج هو الولية على النفس‪.‬‬
‫نوعا ولية النفس‪ :‬تنقسم ولية النفس إلى نوعين‪ :‬ولية إجبار‪ ،‬وولية اختيار‪ ،‬أو ولية حتم‬
‫وإيجاب‪ ،‬وولية ندب واستحباب (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬ولية الجبار‪ :‬هي تنفيذ القول على الغير‪ .‬وهي بهذا المعنى العام تثبت بأربعة أسباب‪ :‬القرابة‬
‫والملك‪ ،‬والولء‪ ،‬والمامة‪.‬‬
‫ولية القرابة‪ :‬تثبت لصاحبها بسبب قرابته من المولى عليه‪ ،‬إما بقرابة قريبة كالب والجد والبن‪ ،‬أو‬
‫بقرابة بعيدة كابن الخال وابن العم‪.‬‬
‫وولية المِلْك‪ :‬هي الولية التي تثبت للسيد على مملوكه‪ ،‬فله تزويج عبده أو أمته جبرا عنهما‪،‬‬
‫ويتوقف نفاذ زواجهما على إذنه‪.‬‬
‫وشرط ثبوت هذه الولية للسيد‪ :‬أن يكون عاقلً بالغا‪ ،‬فل ولية للمجنون والمعتوه ول للصبي قبل‬
‫البلوغ على تزويج العبد أو المة‪.‬‬
‫وولية الولء نوعان‪ :‬ولء عتاقة‪ ،‬وولء موالة‪.‬‬
‫وولء العتاقة‪ :‬هو الحق الشرعي الذي يثبت للمعتق على عتيقه‪ ،‬حتى إنه يرثه به‪ ،‬وله أن يزوجه إذا‬
‫كان العتيق صغيرا أو كبيرا مجنونا أو معتوها‪ .‬وشرط ثبوت هذه الولية أن يكون المعتق عاقلً‬
‫بالغا‪.‬‬
‫وولء الموالة‪ :‬هو الذي يثبت بناء على عقد بين اثنين على أن يناصره‪ ،‬ويغرم عنه إذا جنى‪ ،‬ويرثه‬
‫إذا مات‪ .‬وتثبت بهذا العقد ولية تزويجه‪ .‬ويشترط لثبوت هذه الولية أن يكون الولي عاقلً بالغا‬
‫حرا‪ ،‬وأل يكون للمولى عليه أحد يرثه من النسب أو العصبة السببية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،247-241/2 :‬الدر المختار‪ 406/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/178‬‬

‫وولية المامة‪ :‬هي ولية المام العادل ونائبه‪ ،‬كالسلطان والقاضي‪ ،‬فلكل منهما تزويج عديم الهلية‬
‫أو ناقصها بشرط أل يكون له ولي قريب‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬السلطان ولي من ل ولي له» (‪. )1‬‬
‫وولية الجبار بالمعنى الخاص‪ :‬هي حق الولي في أن يزوج غيره بمن شاء‪.‬‬
‫وتثبت ولية الجبار بهذا المعنى عند الحنفية‪ :‬على الصغيرة ولو كانت ثيبا‪ ،‬وعلى المعتوه والمجنونة‬
‫والمة المرقوقة‪ .‬ويقال لصاحبها‪ :‬ولي مُجْبر‪.‬‬
‫‪ - 2‬وأما ولية الختيار‪ :‬فهي حق الولي في تزويج المولى عليه بناء على اختياره ورضاه‪ ،‬ويقال‬
‫لصاحبها‪ :‬ولي مُخَيّر‪ .‬وهي مستحبة عند أبي حنيفة وزفر في تزويج المرأة الحرة البالغة العاقلة‪،‬‬
‫سواء أكانت بكرا أم ثيبا‪ ،‬رعاية لمحاسن العادات والداب التي يراعيها السلم‪ ،‬إذ للمرأة عندهم أن‬
‫تتولى تزويج نفسها باختيارها وإرادتها‪ ،‬لكن يستحب لها أن تولي أمر العقد لوليها‪ .‬وشرط ثبوت هذه‬
‫الولية هو رضا المولى عليه ل غير‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه ل ولي عند الحنفية إل الولي المجبر‪ ،‬فليس عندهم ولي غير مجبر يتوقف عليه العقد‪،‬‬
‫وكل ولي‪ :‬مجبر‪.‬‬
‫أنواع الولية عند المالكية ‪:‬‬
‫الولية عند المالكية قسمان‪ :‬خاصة وعامة (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬الولية الخاصة‪ :‬هي التي تثبت لناس معينين‪ ،‬وهم ستة أصناف‪ :‬الب‪ ،‬ووصيه‪ ،‬والقريب‬
‫العصبة‪ ،‬والمولى‪ ،‬والكافل‪ ،‬والسلطان‪ .‬وأسباب هذه الولية ستة هي‪:‬‬
‫البوة‪ ،‬واليصاء‪ ،‬والعصوبة‪ ،‬والملك‪ ،‬والكفالة‪ ،‬والسلطنة‪ .‬أما الولية بالكفالة‪ :‬فهي أن يكفل رجل‬
‫امرأة فقدت والدها‪ .‬وغاب عنها أهلها‪ ،‬فقام بتربيتها مدة خاصة‪ ،‬فيكون له عليها حق الولية في‬
‫تزويجها‪ ،‬ويشترط لثبوت هذه الولية شرطان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الربعة إل النسائي عن عائشة‪ ،‬وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم (سبل السلم‪:‬‬
‫‪.)118/3‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 198‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،363-351/2 :‬الشرح الكبير‪-221/2 :‬‬
‫‪ 241 ،232‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/179‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن تمكث عنده زمنا يوجب حنانه وشفقته عليها عادة وبالفعل‪ ،‬فل حاجة لتقدير زمن معين‬
‫كأربع سنوات أو عشر على الظهر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أل تكون شريفة‪ ،‬والشريفة‪ :‬هي ذات الجمال أو المال‪ ،‬فإن كانت ذات جمال فقط أو ذات‬
‫مال فقط‪ ،‬زوجها الحاكم‪ .‬ورجح بعض المالكية أن ولية الكفيل عامة تشمل الشريفة والدنيئة‪.‬‬
‫‪ - 2‬والولية العامة‪ :‬تثبت بسبب واحد هو السلم‪ ،‬فهي تكون لكل مسلم‪ ،‬على أن يقوم بها واحد‬
‫منهم‪ ،‬بأن توكل امرأة أحد المسلمين ليباشر عقد زواجها‪ ،‬بشرط أل يكون لها أب أو وصيه‪ ،‬وبشرط‬
‫أن تكون دنيئة ل شريفة‪ .‬والدنيئة‪ :‬هي الخالية من الجمال والمال والحسب والنسب‪ .‬والخالية من‬
‫النسب‪ :‬بنت الزنا أو الشبهة أو المعتوقة من الجواري‪ .‬والحسب‪ :‬هو الخلق الكريمة كالعلم والتدبير‬
‫والكرم ونحوها من محاسن الخلق‪.‬‬
‫يصح الزواج بالولية العامة في امرأة دنيئة‪ ،‬مع وجود ولي خاص غير مجبر‪ ،‬كأب وابن عم‪ ،‬كما‬
‫يصح زواج شريفة بالولية العامة مع وجود ولي خاص غير مجبر إن دخل الزوج بها‪ ،‬وطال‬
‫الدخول مدة هي أن يمضي زمن تلد فيه الولد كثلث سنين‪ ،‬كطول مدة زواج الصغيرة التي ل أب‬
‫لها إذا زوجت مع فقد الشروط أو بعضها‪ .‬وتجوز الولية العامةإذا تعذرت الولية الخاصة‪.‬‬
‫وتثبت ولية الجبار عند المالكية بأحد سببين‪ :‬البكارة‪ ،‬والصغر فيقع‪ ،‬الجبار للبكر وإن كانت بالغا‪،‬‬
‫وللصغيرة وإن كانت ثيبا‪ ،‬ويستحب استئمارها‪.‬‬
‫والولي المجبر عندهم أحد ثلثة‪ :‬مالك المة أو العبد‪ ،‬فالب‪ ،‬فوصي الب عند عدم الب‪ .‬والولي‬
‫غير المجبر‪ :‬يشمل العصبة‪ ،‬ثم المولى (من أعتق المرأة ثم عصبته) ثم الكافل‪ ،‬ثم الحاكم‪.‬‬
‫وقرابة العصبة كالبن والخ والجد وابن العم‪ ،‬ل يزوجون إل البالغة بإذنها‪ ،‬وتأذن الثيب بالكلم‪،‬‬
‫والبكر بالصمت‪.‬‬
‫والولي غير المجبر يزوج البالغ ل الصغيرة بإذنها ورضاها‪ ،‬سواء أكانت البالغ بكرا أم ثيبا‪.‬‬

‫( ‪)9/180‬‬

‫أنواع الولية عند الشافعية ‪:‬‬


‫الولي عن المرأة مطلقا شرط عند الشافعية (‪ )1‬لصحة أي عقد من عقود الزواج‪ ،‬فل تزوّج امرأة‬
‫نفسها بإذن وليها‪ ،‬ول غيرها بوكالة‪ ،‬ول تقبل زواجا لحد‪.‬‬
‫والولية نوعان‪ :‬ولية إجبارية وولية اختيارية‪:‬‬
‫أما ولية الجبار‪ :‬فتثبت للب‪ ،‬وللجد عند عدمه‪ ،‬فللب تزويج البكر صغيرة أو كبيرة بغير إذنها‪،‬‬
‫ويستحب استئذانها‪ ،‬ويكفي في البكر البالغة العاقلة إذا استؤذنت في تزويجها سكوتها في الصح‪.‬‬
‫ودليلهم خبر الدارقطني‪« :‬الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر يزوجها أبوها» ورواية مسلم‪« :‬والبكر‬
‫يستأمرها أبوها‪ ،‬وإذنها سكوتها» وقد حملت رواية مسلم على الندب‪ ،‬ولن البكر شديدة الحياء إذ لم‬
‫تمارس الرجال بالوطء‪.‬‬
‫وأما ولية الختيار‪ :‬فتثبت لكل الولىاء العصبات في تزويج المرأة الثيب‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،150-147/3 :‬المهذب‪.35/2 :‬‬

‫( ‪)9/181‬‬

‫فليس للولي تزويج الثيب إل بإذنها‪ ،‬فإن كانت الثيب صغيرة لم تزوّج حتى تبلغ؛ لن إذن الصغيرة‬
‫غير معتبر‪ ،‬فامتنع تزويجها إلى البلوغ‪ ،‬وتزوج الثيب البالغة بصريح الذن‪ ،‬ول يكفي سكوتها‪ .‬بدليل‬
‫خبر الدارقطني السابق‪،‬وخبر «ل تنكحوا اليامى حتى تستأمروهن» (‪ )1‬ولنها عرفت مقصود‬
‫الزواج‪ ،‬فل تجبر بخلف البكر‪ .‬ودليل صراحة الذن‪ :‬حديث ‪« :‬ليس للولي مع الثيب أمر» (‪ )2‬ولو‬
‫أذنت بلفظ التوكيل جاز؛ لن المعنى فيهما واحد‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن الفرق بين البكر والثيب هوفي حكم الذن ونوعه‪ ،‬فالبكر يستحب استئذانها‪ ،‬وإذنها‬
‫صماتها‪ ،‬والثيب يجب استئذانها‪ ،‬بصريح الذن‪.‬‬
‫وأما المجنونة فيزوجها الب‪ ،‬والجد عند عدمه قبل بلوغها للمصلحة‪.‬‬
‫أنواع الولية عند الحنابلة ‪:‬‬
‫ل يصح نكاح المرأة إل بولي عند الحنابلة (‪ )3‬كالشافعية والمالكية‪ ،‬فلو زوّجت امرأة نفسها‪ ،‬أو‬
‫زوّجت غيرَها كبنتها وأختها‪ ،‬أو وكلت امرأة غير وليها في تزويجها ولو بإذن وليها في الصور‬
‫الثلث‪ ،‬لم يصح النكاح لعدم وجود شرطه‪ ،‬ولنها غير مأمونة على ال ُبضْع لنقص عقلها‪ ،‬وسرعة‬
‫انخداعها‪ ،‬فلم يجز تفويضه إليها‪ ،‬كالمبذر في المال‪ ،‬فل يصح أن توكل فيه‪ ،‬ول أن تتوكل فيه‪ ،‬فإن‬
‫حكم بصحته حاكم أو كان المتولي العقد حاكما يراه‪ ،‬لم ينقض كسائر النكحة الفاسدة‪ ،‬إذا حكم بها من‬
‫يراها‪ ،‬لم ينقض؛ لنه يسوغ فيها الجتهاد‪ ،‬فلم يجز نقض الحكم بها‪.‬‬
‫وولية الجبار‪ :‬تثبت لب‪ ،‬ووصيه‪ ،‬ثم الحاكم‪ ،‬كما قال المالكية‪ ،‬ول تثبت للجد وسائر الولىاء‪،‬‬
‫وذلك عند تزويج الصغيرة فقط‪.‬‬
‫وولية الختيار‪ :‬تثبت لسائر الولياء عند تزويج امرأة حرة مكلفة (كبيرة بالغة) ثيبا كانت أو بكرا‬
‫بإذنها‪ ،‬وإذن البكر‪ :‬الصمت‪ ،‬وإذن الثيب‪ :‬الكلم‪ ،‬بدليل حديث أبي هريرة مرفوعا‪« :‬ل تنكح اليم‬
‫حتى تستأمر‪ ،‬ول تنكح البكر حتى تستأذن‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وكيف إذنها؟ قال‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والنسائي ( نيل الوطار‪.)120/6 :‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،456/6 :‬كشاف القناع‪ 46/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/182‬‬

‫أن تسكت» (‪ )1‬وحديث «الثيب تعرب عن نفسها‪ ،‬والبكر رضاها صمتها» (‪. )2‬‬
‫ولسائر الولياء تزويج بنت تسع سنين فأكثر بإذنها‪ ،‬ولهاإذن صحيح معتبر‪ ،‬لحديث عائشة‪« :‬إذا بلغت‬
‫الجارية تسع سنين‪ ،‬فهي امرأة» (‪ )3‬وروي مرفوعا عن ابن عمر‪ .‬ومعناه‪ :‬في حكم المرأة‪ ،‬ولنها‬
‫تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه‪ ،‬فأشبهت البالغة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يزوج الرجل البالغ العاقل نفسه بالتفاق بالصالة عن نفسه‪ ،‬ويزوج الولي الصغار‬
‫والمجانين والمعتوهين بالتفاق بالولية عن الشارع‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في زواج المرأة البالغة العاقلة‪ ،‬فقال الحنفية‪ :‬لها أن تتزوج بنفسها‪ ،‬وقال الجمهور‪:‬‬
‫يزوجها وليها‪ ،‬لكن عند الحنابلة بإذنها سواء أكانت بكرا أم ثيبا‪ ،‬وعند المالكية والشافعية‪ :‬بإذنها إذا‬
‫كانت ثيبا‪ ،‬وبغير إذنها إذا كانت بكرا صغيرة أم كبيرة‪.‬‬
‫وكل ولي مجبر عند الحنفية‪ ،‬والمجبر عند المالكية والحنابلة‪ :‬الب ووصيه والحاكم‪ ،‬والمجبر عند‬
‫الشافعية‪ :‬الب‪ ،‬والجد فقط عند عدم الب‪.‬‬
‫ويستحب استئذان البنت البكر عند المالكية والشافعية‪ ،‬ول إذن للصغيرة بحال عند الحنابلة‪ ،‬وليس‬
‫عندهم للحاكم ولسائر الولياء تزويج بنت دون تسع سنين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الثرم وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد بسنده‪.‬‬

‫( ‪)9/183‬‬

‫ثالثا ـ اشتراط الولية في زواج المرأة ‪:‬‬


‫للفقهاء كما عرفنا رأيان في انعقاد الزواج بعبارة النساء‪ ،‬رأي الحنفية‪ :‬أنه يصحح العقد بعبارتها‪،‬‬
‫بدون ولي‪ ،‬ورأي الجمهور‪ :‬أنه يبطل العقد بدون ولي (‪. )1‬‬
‫أما الرأي الول ـ فقال أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية‪ :‬ينفذ نكاح حرة مكلفة (بالغة عاقلة)‬
‫بل رضا ولي‪ ،‬فللمرأة البالغة العاقلة أن تتولى عقد زواجها‪ ،‬وزواج غيرها‪ ،‬لكن إذا تولت عقد‬
‫زواجها‪ ،‬وكان لها ولي عاصب‪ ،‬اشترط لصحة زواجها ولزومه أن يكون الزوج كفئا‪ ،‬وأل يقل المهر‬
‫عن مهر المثل‪ .‬فإذا تزوجت بغير كفء‪ ،‬فلوليها حق العتراض على الزواج ويفسخه القاضي‪ ،‬إل‬
‫أنه إذا سكت حتى ولدت أو حملت حملً ظاهرا‪ ،‬سقط حق الولي في العتراض على الزواج ويفسخه‬
‫القاضي‪ ،‬إل أنه إذا سكت حتى ولدت أو حملت حملً ظاهرا‪ ،‬سقط حق الولي في العتراض وطلب‬
‫التفريق‪ ،‬حفاظا على تربية الولد‪ ،‬ولئل يضيع بالتفريق بين أبويه‪ ،‬فإن بقاءهما مجتمعين على تربيته‬
‫أحفظ له بل شبهة‪.‬‬
‫والمفتى به أن المرأة إذا تزوجت بغير كفء‪ ،‬وقع العقد فاسدا‪ ،‬فلو رضي الولي بعد العقد ل ينقلب‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ودليله كما سبق‪ :‬أولً ـ حديث «اليم أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر تستأمر في نفسها‪ ،‬وإذنها‬
‫صماتها» واليم‪ :‬التي ل زوج لها‪ ،‬بكرا كانت أو ثيبا‪ ،‬فدل على أن للمرأة الحق في تولي العقد‪.‬‬
‫ثانيا ـ للمرأة أهلية كاملة في ممارسة جميع التصرفات المالية من بيع وإيجار ورهن وغيرها‪ ،‬فتكون‬
‫أهلً لمباشرة زواجها بنفسها؛ لن التصرف حق خالص لها‪.‬‬
‫وأما الرأي الثاني ـ رأي الجمهور‪ :‬فهو أن النكاح ل يصح إل بولي‪ ،‬ول تملك المرأة تزويج نفسها‬
‫ول غيرها‪ ،‬ول توكيل غير وليها في تزويجها‪ ،‬فإن فعلت ولو كانت بالغة عاقلة رشيدة‪ ،‬لم يصح‬
‫النكاح‪ ،‬وهو رأي كثير من الصحابة كابن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة‬
‫رضي ال عنهم‪ .‬وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري‬
‫وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك‪ ،‬وعبيد ال العنبري وإسحاق وأبو عبيدة رحمهم ال تعالى‪.‬‬
‫وأدلتهم‪ :‬أولً ـ حديث عائشة وأبي موسى وابن عباس‪« :‬ل نكاح إل بولي» (‪ )2‬وحديث عائشة‪:‬‬
‫«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها‪ ،‬فنكاحها باطل باطل باطل‪ ،‬فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من‬
‫فرجها‪ ،‬فإن اشتجروا فالسلطان ولي من ل ولي له» (‪ . )3‬وحديث أبي هريرة‪« :‬ل تزوج المرأة‬
‫نفسها‪ ،‬فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» (‪. )4‬‬
‫ثانيا ـ إن الزواج عقد خطير دائم ذو مقاصد متعددة من تكوين أسرة‪ ،‬وتحقيق طمأنينة واستقرار‬
‫وغيرها‪ ،‬والرجل بما لديه من خبرة واسعة في شؤون الحياة أقدر على مراعاة هذه المقاصد‪ ،‬أما‬
‫المرأة فخبرتها محدودة‪ ،‬وتتأثر بظروف وقتية‪ ،‬فمن المصلحة لها تفويض العقد لوليها دونها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 391/2 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 98/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 407/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،353/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،198‬المهذب‪ ،35/2 :‬مغني المحتاج‪147/3 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 49/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.449/6 :‬‬

‫(‪ )2‬رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة (نصب الراية‪ ،183/3 :‬سبل السلم‪.)117/3 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد والربعة إل النسائي‪ ،‬وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم وابن معين وغيره‬
‫من الحفاظ (نصب الراية‪ ،184/3 :‬سبل السلم‪.)118/3 :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الدارقطني‪ ،‬وفي إسناده كلم (نصب الراية‪.)188/3 :‬‬

‫( ‪)9/184‬‬
‫رابعا ـ شروط الولي ‪:‬‬
‫يشترط في الولي شروط متفق عليها بين الفقهاء وهي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬كمال الهلية‪ :‬بالبلوغ والعقل والحرية‪ ،‬فل ولية للصبي والمجنون والمعتوه (ضعيف العقل)‬
‫والسكران‪ ،‬وكذا مختل النظر بهرَم‪( ،‬وهو كبر السن) أو خبَل (وهو فساد في العقل)‪ ،‬والرقيق؛ لنه ل‬
‫ولية لحد من هؤلء على نفسه‪ ،‬لقصور إدراكه وعجزه في غير الرقيق فل تكون له ولية على‬
‫غيره؛ لن الولية تتطلب كمال الحال‪ .‬وأما الرقيق فلنه مشغول بخدمة موله‪ ،‬فل يتفرغ للنظر في‬
‫شؤون غيره‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬اتفاق دين الولي والمولى عليه‪ :‬فل ولية لغيرا لمسلم على المسلم‪ ،‬ول للمسلم على غير المسلم‪،‬‬
‫أي ل يزوج عند الحنابلة والحنفية كافر مسلمة ول عكسه‪ ،‬وقال الشافعية وغيرهم‪ :‬يزوج الكافر‬
‫الكافرة‪ ،‬سواء أكان زوج الكافرة كافرا أم مسلما‪ ،‬وقال المالكية‪ :‬يزوج الكافرة الكتابية مسلم‪ .‬ول‬
‫ولية للمرتد على أحد مسلم أو كافر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}‬
‫[التوبة‪ ]71/9:‬وقوله سبحانه‪{ :‬والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [النفال‪ ]73/8:‬وقوله تعالى‪{ :‬ولن‬
‫يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيلً}‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،239/2 :‬الشرح الصغير‪ 369/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 154/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪ 55/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.2/36 :‬‬

‫( ‪)9/185‬‬

‫[النساء‪ ]141/4:‬ولحديث «السلم يعلو ول يعلى» (‪ ، )1‬والسبب في اشتراط اتحاد الدين‪ :‬هو اتحاد‬
‫وجهة النظر في تحقيق المصلحة‪ ،‬ولن إثبات الولية للكافر على المسلم تشعر بإذلل المسلم من جهة‬
‫الكافر‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك المام أو نائبه؛ لن له الولية العامة على جميع المسلمين‪ .‬وقد اقتصر القانون‬
‫السوري (م ‪ )22‬على شرط كمال الهلية‪« :‬يشترط أن يكون الولي عاقلً بالغا» ولم يشترط اتحاد‬
‫الدين بين الولي والمولى عليه‪.‬‬
‫وهناك شروط أخرى في الولي مختلف في اشتراطها وهي‪:‬‬
‫‪ - 3‬الذكورة‪ :‬شرط عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬فل تثبت ولية الزواج للنثى؛ لن المرأة ل يثبت لها‬
‫ولية على نفسها‪ ،‬فعلى غيرها أولى‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬ليست الذكورة شرطا في ثبوت الولية‪ ،‬فللمرأة البالغة العاقلة ولية التزويج عنده‬
‫بالنيابة عن الغير‪ ،‬بطريق الولية أو الوكالة‪.‬‬
‫وهذا الخلف مفرع على اختلفهم في مسألة انعقاد الزواج بعبارة النساء‪.‬‬
‫‪ - 4‬العدالة‪ :‬وهي استقامة الدين‪ ،‬بأداء الواجبات الدينية‪ ،‬والمتناع عن الكبائر كالزنا والخمر وعقوق‬
‫الوالدين ونحوها‪ ،‬وعدم الصرار على الصغائر‪ .‬وهي شرط عند الشافعية على المذهب وعند‬
‫الحنابلة‪ ،‬فل ولية لغير العدل وهو الفاسق‪ ،‬لما روي عن ابن عباس‪« :‬ل نكاح إل بشاهدي عدل‪،‬‬
‫وولي مرشد» (‪ )2‬لنها ولية تحتاج إلى النظر وتقدير المصلحة‪ ،‬فل يستبد بها الفاسق كولية المال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني في سننه والروياني في مسنده عن عايذ بن عمرو المزني مرفوعا‪ ،‬ورواه‬
‫الطبراني في الوسط والبيهقي في الدلئل عن عمر وأسلم به سهل في تاريخ واسط عن معاذ‬
‫مرفوعا‪ ،‬وعلقه البخاري في صحيحه (المقاصد الحسنة‪ :‬ص ‪.)58‬‬
‫(‪ )2‬قال المام أحمد‪ :‬أصح شيء في هذا قول ابن عباس مرفوعا‪« :‬ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل‪،‬‬
‫وأيما امرأة نكحها ولي مسخوط عليه‪ ،‬فنكاحها باطل» وروى البرقاني بإسناده عن جابر مرفوعا ‪:‬‬
‫«ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل» ‪.‬‬

‫( ‪)9/186‬‬

‫ويكفي العدالة الظاهرة‪ ،‬فيكفي مستور الحال؛ لن اشتراط العدالة ظاهرا وباطنا حرج ومشقة‪،‬‬
‫ويفضي إلى بطلن غالب النكحة‪.‬‬
‫ويستثنى من هذا الشرط‪ :‬السلطان‪ ،‬يزوج من ل ولي لها‪ ،‬فل تشترط عدالته للحاجة‪ ،‬والسيد يزوج‬
‫أمته‪ ،‬فل تشترط عدالته؛ لنه تصرف في أمته‪ ،‬كإيجارها ونحوه‪.‬‬
‫وذهب الحنفية والمالكية إلى أن العدالة ليست شرطا في ثبوت الولية‪ ،‬فللولي عدلً كان أو فاسقا‬
‫تزويج ابنته أو ابنة أخيه مثلً؛ لن فسقه ل يمنع وجود الشفقة لديه ورعاية المصلحة لقريبه‪ ،‬ولن‬
‫حق الولية عام‪ ،‬ولم ينقل أن وليا في عهد الرسول صلّى ال عليه وسلم ومن بعده منع من التزويج‬
‫بسبب فسقه‪ .‬وهذا الرأي هو الراجح؛ لن حديث ابن عباس ضعيف‪ ،‬ولن (المرشد) ليس معناه‬
‫العدل‪ ،‬بل الذي يرشد غيره إلى وجوه المصلحة‪ ،‬والفاسق أهل لذاك‪.‬‬
‫‪ - 5‬الرشد‪ :‬ومعناه هنا عند الحنابلة‪ :‬معرفة الكفء ومصالح النكاح‪ ،‬ل حفظ المال؛ لن رشد كل‬
‫مقام بحسبه‪ .‬ومعناه عند الشافعية‪ :‬هو عدم تبذير المال‪.‬‬
‫والرشد شرط عند الشافعية على المذهب والحنابلة في ثبوت الولية؛ لن المحجور عليه بسفه ل يلي‬
‫أمر نفسه في الزواج‪ ،‬فل يلي أمر غيره‪ ،‬فإن لم يكن السفيه محجورا عليه جاز له تزويج غيره على‬
‫المعتمد عند الشافعية‪.‬‬

‫( ‪)9/187‬‬

‫وقال الحنفية والمالكية‪ :‬ليس الرشد بمعنى حسن التصرف في المال شرطا في ثبوت الولية‪ ،‬فيصح‬
‫للسفيه ولو محجورا عليه أن يتولى تزويج غيره‪ .‬لكن يستحب عند المالكية أن يكون التزويج من‬
‫السفيه ذي الرأي بإذن موليته‪ ،‬وبإذن وليه‪ ،‬فإن زوج ابنته مثلً بغير إذن وليه‪ ،‬ندب أن ينظر الولي‬
‫لما فيه المصلحة‪ ،‬فإن كان صوابا أبقاه وإل رده‪ ،‬فإن لم ينظر فهو ماض‪ .‬وأضاف المالكية شرطين‬
‫آخرين هما‪:‬‬
‫خلو الولي من الحرام بحج أو عمرة‪ ،‬فالمحرم بأحدهما ل يصح منه تولي عقد النكاح‪ .‬وعدم الكراه‪:‬‬
‫فل يصح الزواج من مكره‪ ،‬لكن هذا الشرط ل يختص بولي عقد النكاح‪ ،‬بل هو عام في جميع العقود‬
‫الشرعية‪ .‬وبه تصبح شروط الولي عندهم سبعة‪ :‬هي الذكورة والحرية والبلوغ والعقل‪ ،‬والسلم في‬
‫المرأة المسلمة والخلو من الحرام وعدم الكراه‪ .‬وليست العدالة والرشد شرطين‪.‬‬
‫وهي أيضا عند الحنابلة والشافعية سبعة‪ :‬الحرية والذكورة واتحاد الدين بين الولي والمولى عليها‪،‬‬
‫والبلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعدالة‪ ،‬والرشد‪ :‬وهو عند الحنابلة معرفة الكفء ومصالح النكاح‪ ،‬وليس حفظ‬
‫المال؛ لن رشد كل مقام بحسبه‪ .‬وعند الشافعية‪ :‬عدم تبذير المال‪.‬‬
‫وعند الحنفية أربعة هي‪ :‬العقل والبلوغ والحرية واتحاد الدين‪ ،‬وليست العدالة والرشد شرطين‪.‬‬
‫خامسا ـ من له الولية وترتيب الولياء ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬الولية هي ولية الجبار فقط‪ ،‬وتثبت للقارب العصبات (‪ ، )2‬القرب فالقرب؛‬
‫لن «النكاح إلى العصبات» كما روي عن علي رضي ال عنه‪ ،‬وذلك على الترتيب التي‪ :‬البنوة‪ ،‬ثم‬
‫البوة‪ ،‬ثم الخوة‪ ،‬ثم العمومة‪ ،‬ثم المعتق‪ ،‬ثم المام والحاكم‪ ،‬أي بالترتيب التالي‪:‬‬
‫‪ - 1‬البن وابنه وإن نزل‪.‬‬
‫‪ - 2‬الب والجد العصبي (الصحيح) وإن عل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 240/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،416-413 ،405/2 :‬الدر المختار‪.431-429/2 :‬‬
‫(‪ )2‬وهم الذكور الذين ل ينتسبون لقريبهم بواسطة النثى وحدها‪.‬‬
‫( ‪)9/188‬‬

‫‪ - 3‬الخ الشقيق والخ لب وأبناؤهما وإن نزلوا‪.‬‬


‫‪ - 4‬العم الشقيق والعم لب وأبناؤهما وإن نزلوا‪.‬‬
‫ثم يأتي بعد هؤلء المعتق ثم عصبته النسبية‪.‬‬
‫ثم السلطان أو نائبه وهو القاضي؛ لنه نائب عن جماعة المسلمين‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬السلطان ولي‬
‫من ل ولي له» وبهذا نطقت المادة (‪ )24‬من القانون السوري‪« :‬القاضي ولي من ل ولي له» ‪.‬‬
‫وليس للوصي تزويج الصغير أو الصغيرة‪ ،‬ولو كان الب قد أوصى إليه بذلك‪ ،‬على المعتمد‪.‬‬
‫وليس للقاضي تزويج الصغيرة من نفسه‪ ،‬ول ممن ل تقبل شهادته له‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة (‬
‫‪ ) 25‬من القانون السوري‪.‬‬
‫وإذا زوج الولي من مرتبة مع وجود من هو أقرب منه‪ ،‬كان العقد موقوفا على إجازة القرب‪ ،‬إل أن‬
‫يكون هذا القرب صغيرا أو مجنونا‪ ،‬فينفذ عقد الولي البعد‪ .‬وقد نص القانون السوري (م ‪)1/22‬‬
‫على أنه‪« :‬إذا استوى وليان في القرب‪ ،‬فأيهما تولى الزواج بشرائطه‪ ،‬جاز» ‪.‬‬
‫وترتيب الولياء على هذا النحو هو رأي الصاحبين‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬لغير العصبات من القارب‬
‫ولية التزويج عند عدم العصبات‪ ،‬أي تثبت الولية لذوي الرحام‪ ،‬القرب فالقرب‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫عصبة فالولية للم‪ ،‬ثم أم الب‪ ،‬ثم أم الم‪ ،‬فإن لم يوجد أحد من الصول انتقلت الولية للفروع‪،‬‬
‫على أن تقدم البنت على بنت البن لقربها‪ ،‬وتقدم بنت البن على بنت البنت لقوة قرابتها‪ .‬ثم الجد‬
‫الرحمي (غير الصحيح)‪ :‬وهو أبو الم‪ ،‬وأبو أم الب‪.‬ثم الخوال ثم الخالت وأولدهم‪.‬‬
‫فإن لم يوجد أحد من ذوي الرحام‪ ،‬انتقلت الولية إلى الحاكم‪ :‬وهو القاضي الن‪.‬‬
‫وإذا اجتمع في المجنونة أبوها وابنها‪ ،‬فالولي في نكاحها ابنها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لن‬
‫البن هو المقدم في العصوبة ول عبرة بزيادة الشفقة‪ .‬وقال محمد‪ :‬الولي أبوها؛ لنه أوفر شفقة من‬
‫البن‪.‬‬

‫( ‪)9/189‬‬

‫وبه يظهر أن الحنفية يخالفون غيرهم في ثبوت الولية للقارب غير الب والجد‪ ،‬لثبات الولية لبن‬
‫العم في القرآن في قوله تعالى‪{ :‬ويستفتونك في النساء‪ ،‬قل‪ :‬ال يفتيكم فيهن‪ ،‬وما يتلى عليكم في‬
‫الكتاب في يتامى النساء اللتي ل تؤتونهن ما كتب لهن‪ ،‬وترغبون أن تنكحوهن} [النساء‪ ]127/4:‬فإن‬
‫هذه الية نزلت ـ كما قالت السيدة عائشة ـ في اليتيمة تكون في حجر وليها‪ ،‬فيرغب في زواجها‪،‬‬
‫ول يقسط في صداقها‪ .‬وهذا الولي المتصور هو ابن العم‪ ،‬فتثبت لمن هو أقرب منه كالخ والعم‬
‫بالولى‪ .‬ولعموم قول علي رضي ال عنه‪« :‬النكاح إلى العصبات» والعصبات لفظ عام يشمل الب‬
‫وغيره‪.‬‬
‫ويخالف الحنفية غيرهم أيضا في عدم ثبوت ولية التزويج للوصي‪ ،‬لقول علي السابق‪« :‬النكاح إلى‬
‫العصبات» والوصي ليس من القارب العصبة‪ ،‬فل تثبت له الولية‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري (م ‪ )21‬برأي الجمهور في قصر الولية على العصبات‪ ،‬ونص المادة‪« :‬الولي‬
‫في الزواج‪ :‬هو العصبة بنفسه على ترتيب الرث‪ ،‬بشرط أن يكون محرما» ويلحظ أنه قصر الولية‬
‫على العصبات المحارم ليمنع ابن العم من التحكم في زواج بنت عمه‪.‬‬
‫مذهب المالكية في ترتيب الولياء ‪:‬‬
‫قال المالكية (‪ : )1‬هنا ك ولي مجبر‪ ،‬وولي غير مجبر‪ .‬فولية الجبار تثبت لحد ثلثة بالترتيب‬
‫التي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬السيد المالك ولو أنثى‪ :‬فله أن يجبر أمته أو عبده على الزواج بشرط عدم الضرار بهما‪،‬‬
‫كالتزويج من ذي عاهة كالجذام أو البرص‪ ،‬فل جبر للمالك‪ ،‬ويفسخ وإن طال‪ ،‬والسيد مقدم على‬
‫الب‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الب‪ :‬رشيدا كان أو سفيها ذا رأي‪ ،‬فله تزويج البكر ولو عانسا‪ :‬بلغت من العمر ستين سنة‬
‫فأكثر‪ ،‬فله تزويج البنت البكر جبرا عنها‪ ،‬ولو بدون مهر المثل‪ ،‬أو من غير كفء‪ ،‬كأن يكون أقل‬
‫حالً منها‪ ،‬أو قبيح منظر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،364-353/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،200-199‬الشرح الكبير‪،227-221/2 :‬‬
‫شرح الرسالة‪.32-31/2 :‬‬

‫( ‪)9/190‬‬

‫وليس للب جبر ابنته إذا رشّدها‪ ،‬أي جعلها رشيدة‪ ،‬أو أطلق الحجر عنها‪ ،‬لصيرورتها حسنة‬
‫التصرف‪ ،‬أو أقامت سنة فأكثر في بيت زوج بعد أن دخل بها‪ ،‬ثم تأيمت وهي بكر‪ ،‬فل جبر للب‬
‫ل لقامتها ببيت الزوج سنة منزلة الثيوبة‪.‬‬
‫عليها؛ تنزي ً‬
‫وكذلك ليس للب الجبر إن زالت بكارة البنت بنكاح فاسد يدرأ (يمنع) الحد عنها لشبهة‪ ،‬فإن لم يدرأ‬
‫الحد عنها فله جبرها‪.‬‬
‫وللب جبر البنت الثيب الصغيرة‪ ،‬بأن تأيمت بعد أن أزال الزوج بكارتها‪ ،‬إذ ل عبرة لثيوبتها في‬
‫هذه الحالة مع صغرها‪.‬‬
‫وله جبرها إن زالت بكارتها بزنا ولو تكرر‪ ،‬أو ولدت من الزنا‪ ،‬أوزالت بكارتها بعارض كوثبة أو‬
‫ضربة أو بعود ونحوها‪.‬‬
‫وللب جبر المجنونة جنونا مطبقا ولو كانت ثيبا أو ولدت أولدا‪ ،‬أما التي تفيق فتنتظر إفاقتها إن‬
‫كانت ثيبا‪ ،‬فتزوج برضاها‪ ،‬وأما البكر فيجبرها ول تنتظر إفاقتها‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬وصي الب عند عدم الب بشروط ثلثة هي‪:‬‬
‫أ ـ أن يعين الب للوصي الزوج‪ ،‬بأن يقول له‪ :‬زوجها من فلن‪ ،‬أو يأمره بجبرها صراحة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اجبرها على الزواج‪ ،‬أو ضمنا‪ ،‬مثل‪ :‬زوجها قبل البلوغ وبعده‪ ،‬أو على أي حالة شئت‪.‬‬
‫أو أن يأمره بالزواج دون أن يعين له الزوج ول الجبار‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬زوجها أو أنكحها‪ ،‬أوزوجها‬
‫ممن أحببت‪ ،‬أو لمن ترضاه‪.‬‬
‫أو أن يقول له‪ :‬أنت وصيي على بنتي‪ ،‬أو بناتي‪ ،‬أو على بعضها أو بعضهن‪ ،‬فله الجبر على‬
‫الرجح‪ .‬أما لو قال‪ :‬أنت وصيي على مالي فل جبر بالتفاق‪.‬‬
‫ب ـ أل يقل المهر عن مهرا لمثل‪.‬‬
‫جـ ـ أل يكون الزوج فاسقا‪.‬‬

‫( ‪)9/191‬‬

‫والخلصة‪ :‬إن الذي يجبر في عصرنا‪ :‬هو الب ووصيه‪ ،‬ول جبر لغير السيد والب ووصيه من‬
‫الولياء في تزويج البكر والصغيرة والمجنونة‪ ،‬أو أي أنثى صغيرة أو كبيرة‪ ،‬إل في مسألة واحدة هي‬
‫البكر الصغيرة اليتيمة‪ ،‬للولي غيرا لمجبر تزويجها بمشورة القاضي إذا خيف عليها الفساد في دينها‪،‬‬
‫بأن يتردد عليها أهل الشر والفسق‪ ،‬أو لعدم وجود من ينفق عليها‪ ،‬أو لخوف ضياع ما لها‪ ،‬بشرط‬
‫بلوغها عشر سنوات؛ لنها صارت في سن من توطأ‪ ،‬وبشرط خلوها من الموانع الشرعية‪ ،‬ككونها‬
‫زوجة أو في عدة من زوج آخر‪ ،‬وبشرط رضاها بالزوج‪ ،‬وكونه كفئا لها في الدين والحرية والمال‪،‬‬
‫وأن المهر مهر مثلها‪.‬‬
‫فإذا فقد شرط من هذه الشروط المذكورة‪ ،‬بأن لم يخف عليها فسادا ول ضياعا أو لم تبلغ عشر‬
‫سنوات‪ ،‬فسخ زواجها إل إذا دخل الزوج بها‪ ،‬وطال الزمن بعد الدخول والبلوغ‪ .‬وطول الزمن‪:‬‬
‫بمضي ثلث سنين بعد الدخول والبلوغ‪ ،‬أو بولدة أولد كاثنين في بطنين‪.‬‬
‫ودليل المالكية على إثبات ولية الجبار للب دون غيره من الولياء‪ :‬هو الجماع على أن للب أن‬
‫يزوج ابنته البكر الصغيرة‪ ،‬بدليل تزويج أبي بكر ابنته عائشة‪ ،‬وهي بنت ست أو سبع‪ ،‬للنبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وقوله صلّى ال عليه وسلم «والبكر يستأمرها أبوها» فقصر الستئمار على الب‪.‬‬
‫ودليلهم على أن وصي الب كالب‪ :‬هو أنه نائب عن الب‪ ،‬فكما يجوز للب توكيل غيره في حال‬
‫الحياة‪ ،‬يجوز له أن يوصي عنه لنائبه عنه بعد الوفاة‪.‬‬
‫وأما الولي غير المجبر أو ولية الختيار ‪:‬‬
‫فتثبت للبنوة ثم البوة المباشرة‪ ،‬ثم الخوة ثم الجدودة ثم العمومة على النحو التالي‪:‬‬
‫ـ البن فابنه وإن نزل‪.‬‬
‫ـ ثم الب‪ .‬ـ ثم الخ الشقيق ثم الخ لب‪ ،‬ثم ابن الخ الشقيق‪ ،‬ثم ابن الخ لب‪.‬‬
‫ـ ثم الجد (أبو الب)‪ .‬ويلحظ أنه جعل في المرتبة الرابعة‪ ،‬أما عند الحنفية فهو في المرتبة الثانية‬
‫بعد الب‪.‬‬
‫ـ ثم العم ثم ابن العم‪ ،‬على أن يقدم الشقيق على غيره‪.‬‬

‫( ‪)9/192‬‬

‫ـ ثم أب الجد‪ ،‬ثم العم لب فابنه‪ ،‬ثم عم الجد فابنه‪.‬‬


‫ـ ويقدم الفضل عند التساوي في الرتبة‪ ،‬فإن تساوى اثنان في الرتبة والفضل كإخوة كلهم علماء‪،‬‬
‫قدم الحاكم إن وجد من يراه‪ ،‬فإن لم يكن حاكم أقرع بينهم‪.‬‬
‫ـ ثم المولى العلى‪ :‬وهو من أعتق المرأة‪ ،‬ثم عصبته‪.‬‬
‫ـ ثم الكافل للمرأة غير العاصب‪ :‬وهو من قام بتربية الفتاة وهي صغيرة حتى بلغت عنده‪ ،‬أو بلغت‬
‫عشرا‪ ،‬بشرطين‪:‬‬
‫أولهما ـ أن يكفلها مدة توجب الحنان والشفقة عليها عادة‪ ،‬دون تحديد زمن معين على الظهر‪.‬‬
‫ثانيهما ـ أن تكون الفتاة وضيعة (دنيئة) ل شريفة‪ :‬وهي التي ل مال لها ول جمال ول نسب ول‬
‫حسب ( الخلق الكريمة كالعلم والحلم والتدبير والكرم ونحوها)‪،‬كما تقدم‪ .‬فإن كانت شريفة زوجها‬
‫القاضي‪.‬‬
‫ـ ثم الحاكم أو القاضي الشرعي اليوم‪.‬‬
‫ـ ثم كل مسلم بالولية العامة إن لم يوجد أحد من الولياء السابقين‪ ،‬ومنهم الخال‪ ،‬والجد من جهة‬
‫الم‪ ،‬والخ لم‪ ،‬فلكل مسلم تزويج المرأة الشريفة أو الوضيعة بإذنها ورضاها‪ .‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة‪ .]71/9:‬وإذا زوج البعد مع وجود القرب (‪)1‬‬
‫نفذ الزواج‪.‬‬
‫ويجوز لبن العم‪ ،‬والمولى‪ ،‬ووكيل الولي‪ ،‬والحاكم أن يزوج المرأة من نفسه‪ ،‬ويتولى طرفي العقد‪.‬‬
‫وليشهد كل واحد منهم على رضاها خوفا من منازعتها وإنكارها‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن المالكية يخالفون غيرهم في جعل الجد في المرتبة الرابعة بعد الخوة‪ ،‬وليس بعد الب‪،‬‬
‫وأن الولي المجبر هو الب فقط ل الجد‪ ،‬ويخالفونهم أيضا في ثبوت الولية باليصاء والكفالة‪،‬‬
‫وبالولية العامة بسبب السلم‪ .‬ويتفق الفقهاء في إثبات الولية بسبب الملك‪ ،‬والبوة والعصوبة غير‬
‫البناء‪ ،‬والسلطنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراد بالبعد‪ :‬المؤخر في الرتبة‪ ،‬وبالقرب‪ :‬المتقدم فيها‪ ،‬ولو كانت جهتهما متحدة‪ ،‬فيشمل ذلك‬
‫تزويج الخ لب مع وجود الشقيق‪.‬‬

‫( ‪)9/193‬‬

‫ترتيب الولياء عند الشافعية ‪:‬‬


‫الولي عند الشافعية‪ :‬إما مجبرأو غير مجبر (‪: )1‬‬
‫فالولي المجبر أحد ثلثة‪ :‬الب‪ ،‬والجد وإن عل‪ ،‬والسيد‪.‬‬
‫فللب تزويج البكر صغيرة أو كبيرة بغير إذنها‪ ،‬ويستحب استئذانها‪ ،‬وليس له تزويج ثيب إل بإذنها‪،‬‬
‫فإن كانت الثيب صغيرة لم تزوّج حتى تبلغ‪.‬‬
‫والجد كالب عند عدمه‪.‬‬
‫وللسيد تزويج أمته‪ ،‬سواء أكانت بكرا أم ثيبا‪ ،‬صغيرة أم كبيرة‪ ،‬عاقلة كانت أم مجنونة؛ لن الزواج‬
‫عقد يملكه عليها بحكم الملك‪ ،‬فكان إلى المولى‪ ،‬كالجارة‪.‬‬
‫والولي غير المجبر‪ :‬هو الب والجد وباقي العصبات‪.‬‬
‫وترتيب الولياء على النحو التالي‪ :‬البوة‪ ،‬الخوة‪ ،‬العمومة‪ ،‬ثم المعتق ثم السلطان‪ ،‬أي الب‪ ،‬ثم الجد‬
‫أبو الب‪ ،‬ثم أبوه وإن عل‪ ،‬ثم الخ الشقيق ثم الخ لب‪ ،‬ثم ابن الخ الشقيق ثم ابن الخ لب وإن‬
‫سفل‪ ،‬ثم العم‪ ،‬ثم سائر العصبة من القرابة كالرث‪.‬‬
‫ثم المعتق‪ ،‬ثم عصبته بترتيب الرث‪ .‬ويزوج عتيقة المرأة من يزوج المعتقة مادامت حية‪ ،‬ول يعتبر‬
‫إذن المعتقة في الصح‪ ،‬فإن ماتت فلمن له الولء‪.‬‬
‫ثم السلطان‪ ،‬لخبر‪« :‬السلطان ولي من ل ولي له» (‪. )2‬‬
‫ول تثبت الولية للبناء‪ ،‬فل يزوج ابن أمه وإن علت ببنوة محضة‪ ،‬خلفا للئمة الثلثة والمزني‬
‫تلميذ الشافعي؛ لنه ل مشاركة بينه وبينها في النسب‪ ،‬إذ انتسابها إلى أبيها‪ ،‬وانتساب البن إلى أبيه‪.‬‬
‫واستدل الجمهور بقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لما أراد أن يتزوج أم سلمة‪ ،‬قال لبنها عمر‪ :‬قم‬
‫فزوج رسول ال صلّى ال عليه وسلم » (‪ )3‬ورد الشافعية بأجوبة‪ :‬أحدها أن نكاحه صلّى ال عليه‬
‫وسلم ل يحتاج إلى ولي‪ ،‬وإنما قال له ذلك استطابة لخاطره‪.‬‬
‫ثانيها ـ أن عمر بن أبي سلمة ولد في أرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة‪ ،‬وزواجه صلّى ال‬
‫عليه وسلم بأم سلمة كان في السنة الرابعة‪.‬‬
‫ثالثها ـ بتقدير صحة أنه زوج وهو بالغ‪ ،‬فيكون ببنوة العم‪ .‬فإن كان البن ابن عم أو معتقا أوقاضيا‪،‬‬
‫زوّج بالبنوة‪ ،‬لنها غير مقتضية ل مانعة‪ ،‬فإذا وجد معها سبب آخر يقتضي الولية لم تمنعه‪.‬‬
‫والحاصل ‪ :‬أن البن ليس وليا عند الشافعية‪ ،‬خلفا للجمهور‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،152-149/3 :‬المهذب‪ 37/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الربعة) عن عائشة (نيل الوطار‪.)118/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والنسائي عن أم سلمة‪ ،‬وأعل بأن عمر المذكور كان عند تزوجه صلّى ال عليه وسلم‬
‫بأمه صغيرا‪ ،‬له من العمر سنتان؛ لنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة‪ ،‬وتزوجه عليه‬
‫الصلة والسلم بأمه كان في السنة الرابعة (نيل الوطار‪.)124/6 :‬‬

‫( ‪)9/194‬‬

‫ترتيب الولياء عند الحنابلة ‪:‬‬


‫الولي عند الحنابلة إما مجبر أوغير مجبر (‪. )1‬‬
‫والولي المجبر‪ :‬هو الب‪ ،‬ثم وصي الب بعد موته‪ ،‬ثم الحاكم عند الحاجة‪.‬‬
‫والولي غير المجبر‪ :‬بقية القارب العصبات‪ ،‬القرب فالقرب كالرث‪.‬‬
‫وترتيب الولياء‪ :‬البوة‪ ،‬ثم البنوة‪ ،‬ثم الخوة‪ ،‬ثم العمومة‪ ،‬ثم المعتق‪ ،‬ثم عصبته‪ ،‬ثم السلطان‪ ،‬على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الب‪ :‬فهو أحق الناس بتزويج المرأة الحرة؛ لنه أكمل نظرا وأشد شفقة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ثم الجد أبو الب وإن عل‪ ،‬فهو أحق بالولية من البن وسائر الولياء؛ لن الجد له إيلد‬
‫وتعصيب‪ ،‬فيقدم على البن كالب‪.‬‬
‫‪ - 3‬ثم البن وابنه وإن سفل‪ :‬فهو أولى بتزويج أمه‪ ،‬لحديث أم سلمة السابق‪.‬‬
‫‪ - 4‬ثم الخ الشقيق‪ :‬لكونه أقرب العصبات بعد الب والبن‪.‬‬
‫‪ - 5‬ثم الخ لب مثل الشقيق‪.‬‬
‫‪ - 6‬ثم أولد الخوة وإن سفلوا‪.‬‬
‫‪ - 7‬ثم العمومة ثم أولدهم وإن سفلوا‪ ،‬ثم عمومة الب‪.‬‬
‫‪ - 8‬ثم المعتق‪ ،‬ثم أقرب عصبته منه‪.‬‬
‫‪ - 9‬ثم السلطان‪ ،‬فل خلف بين أهل العلم في أن للسلطان ولية تزويج المرأة عند عدم أوليائها‪ ،‬أو‬
‫عضلهم‪ ،‬لحديث عائشة المتقدم‪« :‬السلطان ولي من ل ولي له» والسلطان هنا‪ :‬هو المام أو الحاكم أو‬
‫من فوض إليه الولية‪.‬‬
‫والخلصة ‪ :‬إن البنوة تقدم على البوة عند الحنفية والمالكية‪ ،‬وتقدم البوة على البنوة عند الحنابلة‪،‬‬
‫وليس للبناء ولية عند الشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ 52/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.460-456/6 :‬‬

‫( ‪)9/195‬‬

‫سادسا ـ المولى عليه أو من تثبت عليه الولية ‪:‬‬


‫الولية عند الجمهور غيرالحنفية تنقسم إلى ولية إجبار وولية اختيار كما تقدم‪ ،‬ولكل منهما أصناف‬
‫تثبت عليها‪.‬‬
‫من تثبت عليه ولية الجبار‪ :‬تثبت ولية الجبار على من يأتي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬عديم الهلية أو ناقصها بسبب الصغر أو الجنون أو العته‪ :‬تثبت ولية الجبار عند الجمهور‬
‫غير الحنفية على الصغار والمجانين والمعتوهين من غير فرق بين ذكر وأنثى‪ ،‬وبين بكر وثيب‪ ،‬إل‬
‫أن المالكية استثنوا صاحبة الجنون المتقطع‪ ،‬فتنتظر إفاقتها لتستأذن‪ ،‬فإن أفاقت زوّجها الولي‬
‫برضاها‪ ،‬فعلّة ولية الجبار عند المالكية‪ :‬إما البكارة أو الصغر‪.‬‬
‫واستثنى الشافعية الثيب الصغيرة‪ ،‬فل إجبار عليها؛ لن علة ثبوت ولية الجبار عندهم هي البكارة‬
‫فقط‪ ،‬وهذه العلة ل تتحقق في الثيب الصغيرة‪ ،‬وحكمها‪ :‬أنها ل تزوج حتى تبلغ‪ ،‬وتأذن لوليها في‬
‫زواجها‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر تستأذن في نفسها‪ ،‬وإذنها سكوتها»‬
‫ورد عليهم بأن المراد من الثيب هنا البالغة فقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،241/2 :‬الشرح الصغير‪ ،357-351/2 :‬مغني المحتاج‪ 149/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪ ،49-43/5 :‬الشرح الكبير‪ ،224-221/2 :‬الدر المختار‪.415-407/2 :‬‬

‫( ‪)9/196‬‬

‫وقال الحنابلة مثل المالكية‪ :‬علة ولية الجبار إما البكارة أو الصغر‪ ،‬فللب تزويج بناته البكار ولو‬
‫بعد البلوغ‪ ،‬بغير إذنهم؛ لحديث ابن عباس مرفوعا عند أبي داود‪« :‬اليم أحق بنفسها من وليها‪،‬‬
‫والبكر تستأمر‪ ،‬وإذنها صماتها» فلما قسم النساء قسمين‪ ،‬وأثبت الحق لحدهما‪ ،‬دل على نفيه عن‬
‫الخر وهي البكر‪ ،‬فيكون وليها أحق منها بالولية‪.‬‬
‫وللب أيضا تزويج ثيب دون تسع سنين؛ لنه ل إذن لها‪.‬‬
‫وليس ذلك للجد ول لسائر الولياء‪ ،‬كما أنه ليس لسائر الولياء غير الب تزويج حرة كبيرة بالغة ثيبا‬
‫كانت أوبكرا إل بإذنها‪ ،‬لحديث أبي هريرة مرفوعا‪« :‬ل تنكح اليم حتى تستأمر‪ ،‬ول تنكح البكر حتى‬
‫تستأذن‪ »...‬إل المجنونة فلسائر الولياء تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال‪ ،‬بسبب الحاجة ودفع‬
‫ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور‪.‬‬
‫ويتفق الحنفية مع المالكية والحنابلة في ثبوت الولية على الصغير والصغيرة‪ ،‬والمجنون الكبير‬
‫والمجنونة الكبيرة‪ ،‬سواء أكانت الصغيرة بكرا أم ثيبا‪ ،‬فل تثبت هذه الولية على البالغ العاقل‪ ،‬ول‬
‫على العاقلة البالغة؛ لن علة ولية الجبار عندهم هي الصغر وما في معناه‪ ،‬وهذه العلة متحققة في‬
‫الصغار والمجانين دون غيرهم‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬البكر البالغة العاقلة‪ :‬تثبت عليها عند الجمهور غير الحنفية ولية الجبار‪ :‬لن العلة هي‬
‫البكارة‪ ،‬للمفهوم من حديث‪« :‬الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر تستأمر في نفسها» فقد جعلت الثيب‬
‫أحق بنفسها من وليها‪ ،‬ولم يجعل البكر أحق بنفسها من وليها كالثيب‪ ،‬وهذا هو الجبار بعينه‪.‬‬

‫( ‪)9/197‬‬

‫ول تثبت عليها هذه الولية عند الحنفية‪ ،‬لحديث‪« :‬والبكر تستأمر في نفسها» وفي رواية‪« :‬والبكر‬
‫يستأمرها أبوها» والستئمار‪ :‬معناه طلب المر منها وهو الذن‪ ،‬فيكون استئذانها أمرا ضروريا‪ ،‬ول‬
‫يصح أن تزوج إل برضاها‪ .‬وقد أخرج النسائي وغيره عن عائشة ‪« :‬أن فتاة دخلت عليها فقالت‪ :‬إن‬
‫أبي زوجني من ابن أخيه‪ ،‬يرفع بي خسيسته‪ ،‬وأنا كارهة‪ ،‬قال‪ :‬اجلسي حتى يأتي رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاء رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأخبرته‪ ،‬فأرسل إلى أبيها‪،‬فدعاه‪ ،‬فجعل المر‬
‫إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد أجزت ما صنع أبي‪ ،‬ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للباء من‬
‫المر شيء» (‪ )1‬والظاهر أنها بكر (‪ . )2‬وهو يدل على أن البكر البالغة العاقلة ل تزوج إل‬
‫برضاها‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الثيب البالغة العاقلة التي زالت بكارتها بأمر عارض كالضرب والوثب والعود ونحوها‪ ،‬أو‬
‫زالت بكارتها بالزنا أوالغصب على المشهور عند المالكية‪ :‬يزوجها الولي المجبر (الب ووصيه) ولو‬
‫عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر؛ لن ثبوت الولية إنما هو للجهل بأمور الزواج ومصالحه‪ ،‬ومن‬
‫زالت بكارتها بغير الزواج الصحيح‪ ،‬أو الفاسد الذي يدرأ الحد لشبهة لتزال جاهلة بهذه المور‪،‬‬
‫فتبقى الولية عليها كالبكر البالغة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبل السلم‪ 122/3 :‬وما بعدها‪ ،‬نيل الوطار‪.127/6 :‬‬
‫(‪ )2‬ولعلها البكر التي في حديث ابن عباس‪ ،‬وقد زوجها أبوها كفؤا ابن أخيه‪ ،‬ونصه‪« :‬أن جارية‬
‫بكرا أتت النبي صلّى ال عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة‪ ،‬فخيرها رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلم » رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‪ ،‬وأعل بالرسال‪.‬‬

‫( ‪)9/198‬‬

‫والجمهور ل يقولون بثبوت ولية الجبار على الثيب البالغة‪ ،‬مهما كان سبب الثيوبة غير السقطة‬
‫ونحوها‪ .‬قال الحنفية‪ :‬من زالت بكارتها بوثبة أي نطة أو درور حيض أو حصول جراحة أوتعنيس‬
‫أي كبر‪ :‬بكر حقيقة‪ ،‬وتعد بكرا بالتفريق بجب أو عُنة أو طلق أو موت بعد خلوة قبل وطء‪ .‬وتعد‬
‫الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد ثيبا‪ .‬ومن زنت مرة فقط ولم تحد بالزنا بكر حكما فيكتفى بسكوتها‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬الثيب‪ :‬من وطئت في القبل ل في الدبر‪ ،‬بآلة الرجال‪ ،‬ل بآلة غيرها‪ ،‬ولو كانت وطئت‬
‫بزنا‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬الثيب‪ :‬من زالت بكارتها‪ ،‬سواء زالت البكارة بوطء حلل كالنكاح‪ ،‬أو حرام‬
‫كالزنا‪ ،‬أو بشبهة في نوم أو يقظة‪ ،‬ول أثر لزوالها بل وطء في القبل كسقطة وحدة طمث‪ ،‬وطول‬
‫تعنيس وهو الكبر‪ ،‬أو بأصبع ونحوه في الصح‪ ،‬فحكمها حينئذ حكم البكار‪.‬‬
‫من تثبت عليه ولية الختيار ‪:‬‬
‫تثبت ولية الختيار عند المالكية على أصناف أربعة‪ ،‬هي ما يأتي بمقارنتها مع المذاهب الخرى (‪)1‬‬
‫‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الثيب البالغة التي زالت بكارتها بزواج صحيح‪ ،‬أو فاسد ولو مجمع على فساده إن درأ الحد‬
‫لشبهة‪ :‬فهذه ل تزوج بالتفاق إل برضاها وإذنها‪ ،‬لصريح الحديث المتقدم‪« :‬الثيب أحق بنفسها من‬
‫وليها» وفي رواية «والثيب تشاور» فإنه يدل على أن الثيب البالغة ل تزوج إل برضاها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬البكر البالغة التي رشّدها أبوها أو وصيه‪ :‬بأن جعلها رشيدة‪ ،‬أو رفع الحجر عنها‪ ،‬لما قام بها‬
‫من حسن التصرف‪ .‬ويتفق الحنفية مع المالكية في الولية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،357-353/2 :‬الشرح الكبير‪ 223/ :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 198‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،247/2 :‬مغني المحتاج‪ ،149/3 :‬كشاف القناع‪ 46/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/199‬‬

‫عليها؛ لن البالغة العاقلة عند أبي حنيفة وزفر ل تزوج إل برضاها‪ ،‬بكرا كانت أو ثيبا‪ ،‬لكن الولية‬
‫عليها في رأي الحنفية هي ولية ندب واستحباب‪.‬‬
‫ويخالف الشافعية والحنابلة في صفة الولية فيجعلون الولية عليها ولية جبر‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬البكر البالغة التي أقامت مع الزوج سنة‪ ،‬ثم تأيمت وهي بكر‪ :‬لن إقامة المرأة في بيت الزوج‬
‫سنة تنزل منزلة الثيوبة في تكميل المهر‪ ،‬فتنزل كذلك في الرضا بالزواج‪ .‬والحنفية مع المالكية في‬
‫هذا كالحالة السابقة‪،‬ويخالفهم الشافعية والحنابلة‪ ،‬فيجعلون الولية عليها ولية جبر‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬اليتيمة (‪ )1‬الصغيرة التي خيف عليها‪ ،‬إما لفساد يلحقها في دينها‪ ،‬بأن كان يتردد عليها أهل‬
‫الفسوق‪ ،‬أو كانت تتردد هي عليهم‪ ،‬أو لفساد في دنياها كضياع مالها‪ ،‬أو فقرها وقلة النفاق عليها‪،‬‬
‫فللولي غير الب ووصيه أن يزوجها إذا بلغت عشر سنين‪ ،‬بعد مشاورة القاضي‪ ،‬ليثبت عنده سنها‪،‬‬
‫ويتأكد أنها خلية من زوج وعدة وغيرهما من الموانع الشرعية‪ ،‬ورضاها بالزوج‪ ،‬وأنه كفئها في‬
‫الدين والحرية والحال‪ ،‬وأن المهر مهر مثلها‪ ،‬فيأذن لوليها في العقد‪ ،‬ول يتولى العقد بنفسه مع وجود‬
‫غيره من الولياء‪.‬‬
‫سابعا ـ كيفية إذن المرأة بالزواج ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على كيفية صدور الذن والرضا من المرأة بالزواج بحسب حالها بكرا أو ثيبا (‪، )2‬‬
‫عملً بالحاديث الكثيرة‪ ،‬منها‪« :‬الثيب تعرب عن نفسها‪ ،‬والبكر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غير المجبرة متى كانت صغيرة كانت يتيمة‪ ،‬إذ لو كان لها أب‪ ،‬لكان مجبرا لها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،242/2 :‬الدر المختار‪ ،414-411/2 :‬الشرح الصغير‪ 366/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،150/3 :‬كشاف القناع‪.48-47/5 :‬‬

‫( ‪)9/200‬‬

‫رضاها صمتها» (‪ ، )1‬ومنها «الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر تستأذن في نفسها‪ ،‬وإذنها‬
‫صماتها» (‪ )2‬وفي رواية لهذا الحديث لبي داود والنسائي‪« :‬ليس للولي مع الثيب أمر‪ ،‬واليتيمة‬
‫تستأمر‪ ،‬وصمتها إقرارها» سواء أكان الذن واجبا بالنسبة للولي غير المجبر أم مستحبا بالنسبة للولي‬
‫المجبر‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬إذا كانت المرأة بكرا‪ :‬فرضاها يكون بالسكوت (‪ )3‬؛ لن البكر تستحي عادة من إظهار‬
‫الرضا بالزواج صراحة‪ ،‬فيكتفى منها بالسكوت‪ ،‬محافظة على حيائها‪ .‬ويندب عند المالكية إعلمها‬
‫بأن سكوتها رضا وإذن منها‪ ،‬فل تزوج إن منعت‪ ،‬بأن قالت‪ :‬ل أرضى أو ل أتزوج‪ ،‬أو ما في‬
‫معناه‪.‬‬
‫ومثل السكوت‪ :‬كل مايدل على الرضا كالضحك بغير استهزاء‪ ،‬والتبسم‪ ،‬والبكاء بل صوت أو صياح‬
‫أو ضرب خد‪ ،‬فإن كان التبسم أو الضحك للستهزاء‪ ،‬وكان البكاء بصياح أو ضرب خد‪ ،‬لم يكف ولم‬
‫يعد إذنا ول ردا؛ لنه يشعر بعدم الرضا‪ ،‬فلو رضيت صراحة بعده‪ ،‬انعقد العقد‪.‬‬
‫أما إن كانت المرأة ثيبا‪ :‬فرضاها ل يكون إل بالقول الصريح‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬الثيب تعرب عن‬
‫نفسها» أي تفصح عن رأيها وعما في ضميرها من رضا أو منع‪ ،‬ول يكتفى منها بالصمت؛ لن‬
‫الصل أل ينسب إلى ساكت قول‪ ،‬وأل يكون السكوت رضا‪ ،‬لكونه محتملً في نفسه‪ ،‬وإنما اكتفي به‬
‫في البكر للضرورة؛ لنها تستحي عادة من التصريح عن رغبتها في الزواج‪ ،‬والثابت بالضرورة‬
‫يتقدر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الثرم وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة إل البخاري عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)120/6 :‬‬
‫(‪ )3‬قال الحنفية‪ :‬إن زنت المرأة مرة ولم يتكرر زناها‪ ،‬ولم تحد به‪ ،‬فهي بكر حكما أي يكتفى‬
‫بسكوتها كيل تتعطل مصالحها عليها‪ ،‬وقد ندب الشارع إلى ستر الزنا‪ ،‬فكانت بكرا شرعا‪ .‬بخلف ما‬
‫إذا اشتهر زناها‪.‬‬

‫( ‪)9/201‬‬

‫بقدرها‪ ،‬ولضرورة في حق الثيب ؛ لعتيادها معاشرة الرجال‪ ،‬فل تستحي عادة من إعلن رضاها‬
‫أو رفضها‪ ،‬فل يكتفى بسكوتها عند الستئذان‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يشارك الثيب أبكار ستة‪ ،‬ل يكتفى منهن بالصمت‪ ،‬بل ل بد من الذن بالقول الصريح‬
‫كالثيب وهن‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬البكر التي رشدها أبوها أو وصيه‪ :‬بأن أطلق الحجر عنها في التصرف المالي‪ ،‬وهي بالغ‪ ،‬فل‬
‫بد من إذنها بالقول‪ ،‬وقد تقدم أنه ل جبر لبيها عليها‪.‬‬
‫عضِلت‪ :‬أي منعها وليها من الزواج بدون مسوغ‪ ،‬ورفعت أمرها إلى القاضي‪ ،‬فتولى‬
‫ً‪ - 2‬البكر التي ُ‬
‫تزويجها‪ ،‬فل بد من إذنها بالقول‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬البكر ال ُم ْهمَلة التي ل أب لها ول وصي‪ :‬إذا زوجت بشيء من العروض (المتعة)‪ ،‬وهي من‬
‫قوم ل يزوجون بالعروض‪ ،‬سواء أكان كل الصداق أم بعضه‪ ،‬أو يتزوج قومها بعَرَض معين‪،‬‬
‫فزوجها وليها بغيره‪ ،‬فل بد من نطقها بأن تقول‪ :‬رضيت بذلك المهر العرض‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬البكر ولو كانت ُمجْبَرة إذا زوجت برقيق‪ ،‬فل بد من إذنها بالقول؛ لن العبد ليس بكفء للحرة‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬البكر‪ ،‬ولو كانت مجبَرة إذا زوجت برجل فيه عيب يوجب لها الخيار كجذام وبرص وجنون‬
‫وخصاء‪ ،‬فل بد من نطقها بأن تقول‪ :‬رضيت به‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬البكر غيرالمجبرة التي افتات (‪( )1‬تعدى) عليها وليها غير المجبر‪ ،‬فعقد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يصح الفتيات (عدم الستئذان) على المرأة مطلقا بكرا أو ثيبا‪ ،‬وعلى الزوج أيضا بشروط ستة‪:‬‬
‫الول ـ أن يقرب الرضا من العقد‪ :‬كأن يكون العقد بالمسجد أو بالسوق مثلً‪ ،‬ويبلغها الخبر من‬
‫وقته‪ ،‬قبل مضي اليوم‪.‬‬
‫الثالث ـ أل يرد الزواج قبل الرضا ممن افتيت عليه منهما‪ ،‬فإن رده الزوج فل يصح منه الرضا‬
‫بعدئذ‪.‬وإذا وقع من المرأة رد قبل الرضا‪ ،‬فل عبرة برضاها بعده‪.‬‬
‫الرابع ـ أن يكون من افتيت عليها بالبلد حال الفتيات والرضا‪ ،‬فإن كان في بلد آخر‪ ،‬لم يصح‪.‬‬
‫الخامس ـ أل يقر الولي بالفتيات حال العقد‪ :‬بأن سكت أو ادعى أنه مأذون‪ ،‬فإن أقرّ به لم يصح‪.‬‬
‫السادس ـ أل يكون الفتيات على الزوجين معا‪ :‬فإن كان عليهما معا لم يصح‪ ،‬ول بد من فسخه‬
‫(الشرح الصغير‪ 368/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الدسوقي‪.)228/2 :‬‬

‫( ‪)9/202‬‬

‫الثاني ـ أن يكون الرضا بالقول‪ ،‬أي بالنطق‪ :‬فل يكفي الصمت‪ = .‬عليها بغير إذنها‪ ،‬ثم بلغها خبر‬
‫زواجها‪ ،‬فرضيت‪ ،‬ويصح الزواج‪ ،‬ول بد من رضاها بالقول صراحة‪ ،‬حتى ولو كانت قد رضيت به‬
‫بالخطبة‪ ،‬فل بد على كل حال من استئذانها في العقد؛ لن الخطبة غير لزمة‪ ،‬فل تغني عن استئذانها‬
‫في العقد وتعيين الصداق‪.‬‬
‫ويتفق الحنابلة مع المالكية في هذا فإنهم قالوا‪ :‬إذا زوجت التي يعتبر إذنها بغير إذنها‪ ،‬وقلنا‪ :‬يقف‬
‫على إجازتها‪ ،‬فإجازتها بالنطق أو ما يدل على الرضا من التمكين من الوطء أو المطالبة بالمهر‬
‫والنفقة (‪. )1‬‬
‫ثامنا ـ عضل الولي وحكمه ‪:‬‬
‫العضل‪ :‬هو منع الولي المرأة العاقلة البالغة من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك‪ ،‬ورغب كل واحد منهما‬
‫في صاحبه‪ .‬وهو ممنوع شرعا ويحتاج لبيان حكمه عند الفقهاء (‪. )2‬‬
‫أما المنع الشرعي عنه‪ :‬فقد نهى ال تعالى جميع الولياء عن العضل بقوله‪{ :‬وإذا طلقتم النساء‪ ،‬فبلغن‬
‫أجلهن فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة‪ ]232/2:‬قال معقل بن يسار‪« :‬زوجت أختا لي من‬
‫رجل فطلّقها‪ ،‬حتى إذا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.476/6 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،248/2 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،232/2 :‬مغني المحتاج‪ 153/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪.57 ،50/5 :‬‬

‫( ‪)9/203‬‬

‫انقضت عدتها‪ ،‬جاء يخطبها‪ ،‬فقلت له‪ :‬زوجتك وأفرشتك وأكرمتك‪ ،‬فطلقتها‪ ،‬ثم جئت تخطبها‪،‬ل وال‬
‫ل تعود إليك أبدا‪ ،‬وكان رجلً ل بأس به‪ ،‬وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه‬
‫الية‪{ :‬ول تعضلوهن} [البقرة‪ ]232/2:‬فقلت‪ :‬الن أفعل يا رسول ال ‪ ،‬قال‪ :‬فزوجها إياه» (‪. )1‬‬
‫ولكن النهي في رأي الفقهاء ليس مطلقا‪.‬‬
‫وليس للولي العضل عند الشافعية والحنابلةوأبي يوسف ومحمد‪ ،‬لنقصان المهر‪ ،‬أو لكونه من غير نقد‬
‫البلد إذا رضيت به‪ ،‬فسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أم دونه‪ ،‬لم يجز العضل؛ لن المهر محض‬
‫حقها‪ ،‬وعوض يختص بها‪ ،‬فلم يكن للولياء العتراض عليها فيه؛ ولنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط‬
‫كله‪ ،‬فبعضه أولى‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬للولياء منع المرأة من التزويج بدون مهر مثلها؛ لن عليهم فيه عارا‪ ،‬وفيه ضررا‬
‫على نسائها لنقص مهر مثلهن‪.‬‬
‫ويرى المالكية أن العضل يتحقق في مسألتين‪ :‬الولى‪ :‬إذاطلبها كفء ورضيت به‪ ،‬طلبت التزويج به‬
‫أو ل‪ ،‬والثانية‪ :‬إذا دعت لكفء‪ ،‬ودعا وليها لكفء آخر‪.‬‬
‫وحصر الشافعية في الصح والحنابلة العضل في المسألة الولى‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو عينت المرأة كفئا‪ ،‬وأراد‬
‫الب غيره‪ ،‬فله ذلك‪.‬‬
‫وأضاف الحنابلة صورة أخرى للعضل وهي‪ :‬إذا امتنع الخُطاب لشدة الولي‪ ،‬لكن الظاهرأنه ل حرمة‬
‫على الولي هنا؛ لنه ليس له فعل ذلك المنع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪.‬‬

‫( ‪)9/204‬‬

‫ممن يكون العضل؟‬


‫أ ـ إن كان الولي أبا مجبرا وامتنع من تزويج ابنته المجبرة‪ ،‬فل يعد عاضلً إل إذا تحقق منه‬
‫الضرار بها‪ ،‬وظهر الضرر بالفعل‪ ،‬كأن يمنعها من الزواج لتقوم بخدمته‪ ،‬أو ليستثمرها بأن يستولي‬
‫على مرتبها الوظيفي‪ ،‬ويخشى أن تقطعه عنه لو تزوجت‪.‬‬
‫أما مجرد رد خاطب كفء رضيت به ابنته المجبرة‪ ،‬فل يعد عضلً‪ ،‬بل ل يعد عاضلً لمجبرته برده‬
‫لكفئها ردا متكررا‪ ،‬سواء أكان الخاطب واحدا أم أكثر؛ لن ما جبل عليه الب من الحنان والشفقة‬
‫على بنته‪ ،‬مع جهل البنت بمصالح نفسها‪ ،‬يجعله ل يرد الخاطب إل إذا علم من حالها أو من حاله ما‬
‫ل يوافق‪ ،‬أو ما يدعو إلى الرد‪ ،‬وقد روي أن المام مالك منع بناته من الزواج‪ ،‬وقد رغب فيهن خيار‬
‫الرجال‪ ،‬وفعل مثله العلماء قبله كابن المسيب وبعده‪ ،‬ولم يكن قصدهم الضرر ببناتهم‪ ،‬فلم يعد واحدا‬
‫منهم عاضلً‪.‬‬
‫ويعد كالب عند المالكية‪ :‬وصي الب المجبر‪،‬ل يكون عاضلً بمجرد رد الخاطب الكفء الذي‬
‫رضيت به المرأة‪ ،‬إل إذا تحقق منه الضرار بالمرأة‪ .‬وقيل ‪ :‬إن الوصي المجبر يعد عاضلً برد أول‬
‫كفء‪.‬‬
‫ب ـ أما إن كان الولي غير مجبر‪ ،‬سواء أكان أبا أم غيره‪ ،‬فإنه يعد عاضلً في المسألتين السابقتين‬
‫اللتين ذكرهما المالكية‪ ،‬وفي المسألة الولى عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫حكم العضل ‪:‬‬
‫يفسق الولي بالعضل إن تكرر منه؛ لنه معصية صغيرة‪ .‬وإذا عضل الولي تنتقل الولية عند المام‬
‫أحمد إلى البعد؛ لنه تعذر التزويج من جهة القرب‪ ،‬فملكه البعد‪ ،‬كما لو جن‪ ،‬ولنه يفسق بالعضل‬
‫ـ كما سبق ـ فتنتقل الولية عنه‪ ،‬كما لو شرب الخمر‪ .‬فإن عضل الولياء كلهم‪ ،‬زوج الحاكم‪.‬وقال‬
‫الحنفية والمالكية والشافعية‪ ،‬وفي رواية عن أحمد‪ :‬إذا عضل الولي ولو كان مجبرا‪ ،‬تنتقل الولية‬
‫للسلطان‪ ،‬أي القاضي الن‪ ،‬ول تنتقل للبعد‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬فإذا اشتجروا‪ ،‬فالسلطان ولي من ل‬
‫ولي له» ‪ ،‬ولنه بالعضل خرج من أن يكون وليا‪ ،‬ويصبح ظالما‪ ،‬ورفع الظلم موكول للقاضي‪.‬‬

‫( ‪)9/205‬‬

‫تاسعا ـ غيبة الولي وأسره أو فقده ‪:‬‬


‫للفقهاء آراء ثلثة في غيبة الولي‪ :‬رأي الحنفية والحنابلة‪ ،‬ورأي المالكية‪ ،‬ورأي الشافعية (‪ : )1‬أما‬
‫رأي الحنفية والحنابلة‪ :‬فهو إن غاب الولي غيبة منقطعة‪ ،‬ولم يوكل من يزوج‪ ،‬تنتقل الولية لمن هو‬
‫أبعد منه من العصبات‪ ،‬فلوغاب الب فللجد تزويج المرأة‪ ،‬دون الحاكم‪ ،‬للحديث المتقدم‪« :‬السلطان‬
‫ولي من ل ولي له» وهذه المرأة لها ولي‪ ،‬ولن هذه ولية تحتاج إلى نظر وتقدير مصلحة‪ ،‬وليس من‬
‫النظر التفويض إلى من ل ينتفع برأيه‪ ،‬ففوض النظر إلى البعد‪ ،‬وهو مقدم على السلطان‪ ،‬كما إذا‬
‫مات القرب‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري (م ‪ )23‬بهذا الرأي‪ ،‬فنص على أنه‪ :‬إذا غاب الولي القرب‪ ،‬ورأى القاضي أن‬
‫في انتظار رأيه فوات مصلحة في الزواج‪ ،‬انتقلت الولية إلى من يليه‪.‬‬
‫والغيبة المنقطعة في رأي الحنفية‪ :‬أن يكون في بلد ل تصل إليها القوافل في السنة‪ ،‬إل مرة واحدة‪،‬‬
‫وهو اختيار القدوري‪ ،‬وقيل‪ :‬أدنى مدة السفر‪ ،‬أي مسافة القصر(‪ 89‬كم)؛ لنه ل نهاية لقصاه‪ ،‬وهو‬
‫اختيار بعض المتأخرين‪.‬‬
‫ويتفق الحنابلة مع الرأي الثاني‪ ،‬فتكون الغيبة المنقطعة فوق مسافة القصر؛ لن من دونها في حكم‬
‫الحاضر‪.‬‬
‫وأما رأي الشافعية‪ :‬فهو إن غاب الولي القرب نسبا‪ ،‬إلى مرحلتين‪ ،‬أي مسافة القصر‪ ،‬ول وكيل له‬
‫حاضر في البلد‪ ،‬زوج السلطان أونائبه أي سلطان بلدها ل سلطان غير بلدها‪ ،‬ول البعد على‬
‫الصح؛ لن الغائب ولي‪ ،‬والتزويج حق له‪ ،‬فإذا تعذر استيفاؤه منه ناب عنه الحاكم‪ .‬فإن غاب دون‬
‫مسافة القصر ل يزوج إل بإذنه في الصح‪ ،‬لقصر المسافة‪ ،‬فيراجع فيحضر‪ ،‬أو يوكل كما لو كان‬
‫مقيما‪.‬‬
‫وأما رأي المالكية ففيه تفصيل‪ :‬بحسب غيبة الولي المجبر‪ ،‬وغيبة الولي غير المجبر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 415/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ 229/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،157/3 :‬‬
‫المغني‪ 478/6 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،57/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.200‬‬

‫( ‪)9/206‬‬

‫أ ـ فإن كان الغائب هو الولي المجبر وهو الب ووصيه‪ :‬فإما أن تكون الغيبة قريبة أو بعيدة‪ .‬فإن‬
‫كانت الغيبة قريبة كعشرة أيام ذهابا‪ ،‬فل تزوج المرأة التي في وليته حتى يعود‪ ،‬إذا كانت النفقة‬
‫جارية عليها أي تجد النفقة الكافية‪ ،‬ولم يخش عليها الفساد‪ ،‬وكانت الطريق مأمونة‪ ،‬وإل زوجها‬
‫القاضي‪.‬‬
‫وإن كانت الغيبة بعيدة كثلثة أشهر فأكثر‪ ،‬كالسفر في الماضي إلى أفريقية‪ :‬فإن كان يرجى قدومه‪،‬‬
‫كمن خرج لتجارة أو حاجة‪ ،‬فل تزوج المرأة حتى يعود‪ .‬وإن كان ل يرجى قدومه‪ ،‬فللقاضي دون‬
‫غيره من الولياء أن يتولى تزويجها إذا كانت بالغا‪ ،‬ولو دامت نفقتها على الراجح‪ ،‬وإذنها صمتها‬
‫على الصواب‪ .‬فإن لم تكن بالغا‪ ،‬ل يزوجها ما لم يخف عليها الفساد‪ ،‬فإن خيف فسادها‪ ،‬زوجها ولو‬
‫جبرا على المعتمد‪ ،‬سواء أكانت بالغة أم غير بالغة‪ ،‬ولو كانت غيبة الولي قريبة‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان الغائب هو الولي غير المجبر كالخ والجد‪:‬‬
‫فإن كانت الغيبة قريبة كثلثة أيام من بلد المرأة ونحوها‪ ،‬ودعت إلى الزواج بكفء‪ ،‬وأثبتت ما تدعيه‬
‫من الغيبة والمسافة والكفاءة‪ ،‬زوجها الحاكم دون الولي البعد؛ لن الحاكم وكيل الغائب‪.‬‬
‫وإن كانت الغيبة دون الثلث‪ ،‬أرسل إليه الحاكم‪ ،‬فإن حضر أو وكل أحدا عنه‪ ،‬تم المطلوب‪ ،‬وإل‬
‫زوجها الولي البعد دون القاضي‪.‬‬
‫وإن كانت الغيبة بعيدة كأكثر من ثلثة أيام‪ ،‬فللقاضي أن يزوجها؛ لنه وكيل الغائب‪ ،‬ولو زوجها‬
‫الولي البعد صح مع الكراهة‪ .‬وهذا إذا لم يكن للغائب وكيل مفوض‪ ،‬فإن كان له وكيل مفوض تولى‬
‫الزواج؛ لنه مقدم على غيره إذ هو بمثابة الصيل‪.‬‬
‫الغيبة بسبب السر أو الفقد ‪:‬‬
‫المشهور من مذهب المالكية‪ :‬أنه إذا كانت الغيبة بسبب أسر الولي القرب أو فقده‪ ،‬ولم يعلم مكانه‪،‬‬
‫ولم يعرف خبره‪ ،‬زوج الولي البعد‪ ،‬ول تنتقل إلى القاضي‪ ،‬من غير فرق بين الولي المجبر وغير‬
‫المجبر؛ لن السر أو الفقد بمنزلة الموت‪.‬‬
‫وكذلك قال الحنابلة‪ :‬إن كان الولي القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة ل تمكن مراجعته‪ ،‬فهو‬
‫كالبعيد‪ ،‬فتنتقل الولية للبعد‪.‬‬

‫( ‪)9/207‬‬

‫المبحث الثالث ـ الوكالة في الزواج ‪:‬‬


‫يستمد الوكيل سلطته من الموكل‪ ،‬فينفذ تصرفه عليه‪ ،‬فتكون الوكالة نوعا من الولية‪ ،‬لنفاذ تصرف‬
‫الوكيل على الموكل كنفاذ تصرف الولي على المولى عليه‪ .‬وأبحث هنا المور التالية‪ :‬حكم التوكيل‬
‫بالزواج‪ ،‬مدى صلحية الوكيل‪ ،‬حقوق العقد في الوكالة بالزواج‪ ،‬انعقاد الزواج بعاقد واحد (‪. )1‬‬
‫أولً ـ حكم التوكيل بالزواج ‪:‬‬
‫يرى الحنفية‪ :‬أنه يصح التوكيل بعقد الزواج من الرجل والمرأة إذا كان كل منهما كامل الهلية أي‬
‫بالغا عاقلً حرا؛ لن للمرأة عندهم أن تزوج نفسها‪ ،‬فلها أن توكل غيرها في العقد؛ عملً بالقاعدة‬
‫الفقهية القائلة‪ :‬كل ما جاز للنسان أن يباشره من التصرفات بنفسه‪ ،‬جاز له أن يوكل غيره فيه‪ ،‬إذا‬
‫كان التصرف يقبل النيابة‪.‬‬
‫ويصح التوكيل بالعبارة أو الكتابة‪ ،‬ول يشترط بالتفاق الشهاد عند صدور التوكيل‪ ،‬وإن كان‬
‫يستحسن للوكيل أن يشهد على التوكيل‪ ،‬للحتياط خوفا من النكار عند النزاع‪.‬‬
‫ويرى الجمهور غيرالحنفية‪ :‬أنه ل يصح للمرأة توكيل غير وليها في الزواج؛ لنها ل تملك إبرام‬
‫العقد بنفسها‪ ،‬فل تملك توكيل غيرها فيه‪ .‬لكن يجوز لولي المرأة المجبر التوكيل في التزويج بغير‬
‫إذنها‪ ،‬كما يزوجها بغير إذنها‪ .‬ول يشترط تعيين الزوج‪ ،‬فيجوز التوكيل مطلقا ومقيدا‪ ،‬فالمقيد‪:‬‬
‫التوكيل في تزويج رجل بعينه‪ .‬والمطلق‪ :‬التوكيل في تزويج من يرضاه أو من يشاء‪.‬‬
‫ويوكل الولي مثله في الذكورة والبلوغ والحرية والسلم وعدم الحرام بحج أو عمرة‪ ،‬وعدم العَتَه‬
‫(ضعف العقل)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،433-427/2 :‬تبيين الحقائق‪ ،135-132/2 :‬الشرح الصغير‪ ،372/2 :‬الشرح‬
‫الكبير‪ ،232-231/2 :‬مغني المحتاج‪ 157/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 462/6 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪:‬‬
‫‪.38/2‬‬

‫( ‪)9/208‬‬

‫وأباح المالكية للزوج أن يوكل من قام به مانع من موانع الولية غير مانع الحرام بحج أو عمرة‪،‬‬
‫والعَتَه (ضعف العقل) فيجوز له أن يوكل نصرانيا أو عبدا أو امرأة أوصبيا مميزا على عقد نكاحه‪.‬‬
‫وأما الولي غير المجبر‪ :‬فل يجوز له التوكيل عند الشافعية إل بإذن المرأة‪ ،‬فإن قالت له‪ :‬و ّكلُ و ّكلَ‪،‬‬
‫وإن نهته فل يوكل‪ .‬وإن قالت له‪ :‬زوجني‪ ،‬فله التوكيل في الصح؛ لنه بالذن متصرف بالولية‪،‬‬
‫فأشبه الوصي والقيم‪ ،‬وهما يتمكنان من التوكيل بغير إذن‪ .‬ولو وكل الولي غير المجبر قبل استئذان‬
‫المرأة في النكاح‪ ،‬لم يصح في الصحيح‪ ،‬لنه ل يملك التزويج بنفسه حينئذ‪ ،‬فكيف يوكل غيره؟‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬ل يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل‪ ،‬ول حضور شاهدين‪ ،‬سواء أكان‬
‫الموكل أبا أم غيره؛ لنه إذن من الولي في التزويج‪ ،‬فلم يفتقر إلى إذن المرأة‪ ،‬ول إلى إشهاد‪ ،‬كإذن‬
‫الحاكم‪ ،‬لكن يثبت للوكيل ما يثبت للموكل‪ ،‬فإن كان الولي مجبرا لم يحتج لستئذان المرأة‪ ،‬وإن كان‬
‫غير مجبر احتاج إلى إذنها ومراجعتها؛ لنه نائب‪.‬‬
‫وعبارة وكيل الولي في عقد الزواج كما أوضح الشافعية‪ :‬هي أن يقول‪ :‬زوجتُك بنت فلن‪ .‬ويقول‬
‫الولي لوكيل الزوج‪ :‬زوجت بنتي فلنا‪ ،‬فيقول وكيله‪ :‬قبلت نكاحها له‪.‬‬
‫ثانيا ـ مدى صلحية الوكيل ‪:‬‬
‫الوكيل في الزواج كالوكيل في سائر العقود‪ ،‬فل يجوز له عند الحنفية أن يوكل غيره؛ لن الموكل‬
‫رضي برأيه ل برأي غيره‪ ،‬إل إن أذن له الموكل‪ ،‬بأن يوكل عنه من شاء‪ ،‬أو فوض إليه أمر‬
‫زواجه‪ ،‬فله حينئذ أن يوكل عنه‪.‬‬
‫وتتحدد صلحيات الوكيل عند الحنفية بحسب نوع الوكالة مطلقة أو مقيدة؛ لن الوكيل يستمد سلطته‬
‫من الموكل‪ ،‬فل يملك إل ما وكله‪ ،‬وينفذ عليه تصرفه فيما وكله فيه‪ ،‬ويكون فضوليا فيما عداه‪،‬‬
‫فيتوقف نفاذ التصرف على إجازة الموكل‪ ،‬والجازة اللحقة كالوكالة السابقة‪.‬‬

‫( ‪)9/209‬‬
‫‪ - 1‬الوكالة المقيدة‪ :‬بأن يقيد الموكل الوكيل في التزويج بأوصاف معينة‪ .‬فيتقيد فيها الوكيل بما قيده‬
‫به الموكل‪ ،‬وليس له أن يخالفه فيما قيده به‪ ،‬إل إذا كانت المخالفة لخير الموكل‪ ،‬فحينئذ ينفذ العقد على‬
‫الموكل‪ .‬وإن تقيد بالقيد نفذ العقد أيضا‪ ،‬وإن خالف القيد توقف عند الحنفية والمالكية نفاذ العقد على‬
‫إجازة الموكل‪ ،‬حتى ولو حصل دخول بالمرأة دون أن يعلم الموكل بالمخالفة‪.‬‬
‫وعلى هذا إن قيده بامرأة معينة بالسم‪ ،‬أو من السرة الفلنية‪ ،‬فإن زوجه بها نفذ العقد عليه‪ ،‬وإن‬
‫خالف فزوجه غيرها كان مخالفا‪ ،‬وتوقف نفاذ العقد على إجازة الموكل‪ ،‬فإن أجازه نفذ‪ ،‬وإن لم يجزه‬
‫بطل؛ لن الوكيل يصبح بالمخالفة فضوليا‪ ،‬وعقد الفضولي عند الحنفية والمالكية موقوف على إجازة‬
‫صاحب الشأن فيه‪.‬‬
‫وإن قيده بمهر معين‪ ،‬فزوجه به‪ ،‬كان العقد نافذا على الموكل‪ ،‬وإن خالف كان العقد موقوفا على‬
‫إجازة الموكل‪ ،‬إل إذا كانت المخالفة إلى خير الموكل‪ ،‬فيصح العقد وينفذ ‪ ،‬كأن قال‪ :‬زوجني بألف‬
‫فزوجه بأقل من ألف‪ ،‬نفذ العقد من غير إجازة الموكل‪ .‬ومن أمر رجلً أن يزوجه امرأة‪ ،‬فزوجه ا‬
‫ثنتين في عقد واحد‪ ،‬لم تلزمه واحدة منهما؛ لنه ل وجه إلى تنفيذهما للمخالفة‪ ،‬ول إلى التنفيذ في‬
‫إحداهما ل على التعيين‪ ،‬للجهالة‪ ،‬ول إلى تعيين واحدة منهما‪ ،‬لعدم الولوية‪ ،‬فتعين التفريق‪.‬‬

‫( ‪)9/210‬‬

‫‪ - 2‬الوكالة المطلقة‪ :‬بأن لم يعين الموكل امرأة معينة ول وصفا معينا ول مهرا‪ .‬اختلف أئمة الحنفية‬
‫فيها‪:‬‬
‫رأى أبو حنيفة‪ :‬أن للوكيل أن يزوجه بأية امرأة ولو غير كفء له‪ ،‬وبأي مهر‪ ،‬إل إذا كان التصرف‬
‫موضع تهمة؛ لن القاعدة فيه عنده أن المطلق يجري على إطلقه‪ ،‬فيرجع إلى إطلق اللفظ وعدم‬
‫التهمة‪ ،‬فله أن يزوجه بمقدار مهر المثل أو أكثر‪ ،‬أو يزوجه عمياء أو شلء أو شوهاء‪ ،‬وإذا كان‬
‫الموكل هو المرأة فينفذ العقد عليها متى كان الزوج كفئا (‪ )1‬سواء أكان الزواج بمهر المثل أم أقل‪،‬‬
‫وسواء أكان الزوج صحيحا أم مشوها‪ ،‬عملً بالطلق‪ ،‬فأبو حنيفة يراعي عبارة الموكل ولفظه‪.‬‬
‫ورأى الصاحبان وباقي المذاهب‪ :‬أنه يتقيد الوكيل بالمتعارف استحسانا؛ لن الطلق مقيد عرفا‬
‫وعادة بالكفء وبالمهر المألوف‪ ،‬والمعروف عرفا كالمشروط شرطا‪ ،‬فإذا زوجه امرأة كفئا ملئمة‬
‫له‪ ،‬وهي السليمة من العيوب وبمهر ل غبن فيه‪ ،‬كان الزواج نافذا على الموكل‪ ،‬وإن زوجه بعمياء أو‬
‫مقطوعة اليدين أو مفلوجة أو مجنونة أو رتقاء‪ ،‬أو بمهر مصحوب بغبن فاحش‪ ،‬توقف العقد عند‬
‫الصاحبين والمالكية على إجازة الموكل‪ ،‬لمخالفته المعروف بين الناس في الوكالت‪ .‬ولم يصح العقد‬
‫عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫وهذا هو الرأي الراجح‪ ،‬وينبغي أن تكون عليه الفتوى عند الحنفية‪ ،‬وهو المعمول به في محاكم‬
‫مصر‪ .‬وبه يتبين أن الصاحبين يحكمان العرف والعادة‪.‬‬
‫ولكن هناك مسائل اتفق عليها أبو حنيفة مع صاحبيه وهي‪:‬‬
‫أ ـ إذا كانت المرأة هي الموكلة فعلى الوكيل أن يزوجها بكفء؛ لن المرأة ل ترغب عادة إل في‬
‫الكفء‪ ،‬لمصلحة نفسها‪ ،‬ولئل يعترض عليها أولياؤها‪.‬‬
‫ب ـ إذا وكل رجل غيره أن يزوجه امرأة عمياء‪ ،‬فزوجه مبصرة‪ ،‬فإن العقد ينفذ عليه؛ لنها مخالفة‬
‫إلى خير مما عين الموكل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفرق بين الرجل والمرأة‪ :‬أن المرأة تعير بغير الكفء‪ ،‬فيتقيد إطلقها به‪ ،‬بخلف الرجل فإنه ل‬
‫يعيره أحد بعدم كفاءتها له‪ :‬لنه مستفرش واطئ ل يغيظه دناءة الفراش‪.‬‬

‫( ‪)9/211‬‬

‫جـ ـ إذا وكل الرجل آخر أن يزوجه‪ ،‬فزوجه صغيرة ل يجامع مثلها‪ ،‬جاز اتفاقا ‪ .‬فإن كانت‬
‫الصغيرة بنتا له أو بنت أخيه التي في وليته‪ ،‬لم ينفذ العقد على الموكل لتحقق التهمة المانعة من نفاذ‬
‫العقد‪ ،‬وهي العمل لمصلحته‪.‬‬
‫وإن كانت بنتا له كبيرة برضاها لم ينفذ العقد عند أبي حنيفة لتحقق التهمة‪ ،‬وينفذ عند الصاحبين؛ لنه‬
‫ليس له عليها ولية إجبار‪.‬‬
‫أما إن زوجه الوكيل أختا له كبيرة برضاها‪ ،‬نفذ العقد بالتفاق‪ ،‬لنتفاء التهمة‪.‬‬
‫د ـ إذا وكله أن يزوجه فلنة أو فلنة‪ ،‬فزوجه إحداهما‪ ،‬نفذ العقد؛ لوجود التخيير في التوكيل‪.‬‬
‫هـ ـ إذا وكلت امرأة رجلً في تزويجها‪ ،‬فزوجها من نفسه‪ ،‬لم ينفذ العقد عليها إل بالجازة‪ .‬وكذا‬
‫إذا وكل الرجل امرأة أن تزوجه فزوجته من نفسها‪ ،‬لم ينفذ العقد عليه إل بإجازته‪ ،‬لتحقق التهمة في‬
‫الحالتين‪ .‬وكذا ل ينفذ العقد عند أبي حنيفة إن زوج الوكيل موكلته من أبيه أو ابنه لتحقق التهمة بسبب‬
‫البنوة‪ .‬وينفذ العقد عند الصاحبين؛ لن البنوة ليست من التهمة عندهما‪ .‬وتلفى المالكية بعض هذه‬
‫الخلفات فقالوا‪ :‬إذا وكلت وليها غير المجبر أن يزوجها ممن أحب‪ ،‬وجب عليه أن يعين لها الزوج‬
‫قبل العقد‪ ،‬لختلف أغراض النساء في أعيان الرجال‪ .‬فإن لم يعين الزوج لها‪ ،‬كان العقد موقوفا على‬
‫إجازتها‪ ،‬سواء زوجها من نفسه كابن العم والكافل والحاكم‪ ،‬أو زوجها من غيره‪ ،‬لختلف أغراض‬
‫النساء من الرجال‪.‬‬

‫( ‪)9/212‬‬

‫ثالثا ـ حقوق العقد في الوكالة بالزواج ‪:‬‬


‫حقوق العقد‪ :‬هي العمال التي ل بد منها لتنفيذ مقتضى العقد‪ ،‬كالتسليم والتسلم واليفاء والستيفاء‪.‬‬
‫ومن المتفق عليه أن حقوق عقد الزواج ترجع إلى الصيل‪ ،‬وأما الوكيل فهو مجرد سفير ومعبر عن‬
‫الموكل‪ ،‬فل ترجع إليه حقوق العقد‪ ،‬فل يطالب بإزفاف المرأة إلى زوجها‪ ،‬ول بأداء المهر ول غيره‬
‫من الواجبات كالنفقة إل أن يكون كفيلً بما ذكر‪ ،‬وهذا بخلف البيع أو الشراء‪ ،‬فإن حقوق العقد ترجع‬
‫عند الجمهور غير الحنابلة إلى الوكيل ل إلى الموكل‪.‬‬
‫وحكم الرسول في الزواج كالوكيل‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬تطالب الزوجة بزفافها إلى زوجها‪ ،‬ويطالب الزوج نفسه بأداء المهر إلى زوجته‪ ،‬وتقبض‬
‫المرأة مهرها‪ ،‬وليس لوكيلها قبضه إل بإذن منها صراحة أو دللة‪ ،‬وإذا قبضه الب أو الجد ولم‬
‫تطالب به المرأة‪ ،‬كان سكوتها عند الحنفية إذنا دللة للب أوالجد بالقبض‪ ،‬فيصح قبضه وتبرأ ذمة‬
‫الزوج من المهر‪ ،‬عملً بما هو المعتاد بين الناس أن يقبض الباء مهور بناتهم‪ .‬وإذا كانت الزوجة‬
‫ثيبا‪ ،‬فل بد من الذن الصريح بالقبض إذا كان الوكيل غيرا لب أو الجد‪ ،‬ول يعد سكوتها رضا‬
‫بالقبض‪ .‬وفصل المالكية بين المرأة المجبرة وغير المجبرة‪ ،‬فإذا كانت مجبرة‪ ،‬فلوليها المجبر قبض‬
‫مهرها بدون توكيل منها‪ ،‬وإذا كانت رشيدة غير مجبرة‪ ،‬فليس لوليها قبض المهر إل بتوكيل صريح‬
‫منها بالقبض‪.‬‬

‫( ‪)9/213‬‬

‫رابعا ـ انعقاد الزواج أحيانا بعاقد واحد ‪:‬‬


‫الصل في العقود تعدد العاقدين‪ ،‬لكن أجاز جمهور الحنفية غير زفر انعقاد الزواج أحيانا بعاقد واحد‪،‬‬
‫وهو كما بان سابقا في أحوال خمسة هي (‪: )1‬‬
‫الولى ـ أن يكون متولي العقد أصيلً عن نفسه ووليا من الجانب الخر‪ :‬فيجوز لبن العم أن يزوج‬
‫بنت عمه من نفسه؛ لن الوكيل في النكاح سفير ومعبر عن الصيل‪ ،‬ول يرجع إلىه شيء من حقوق‬
‫العقد‪.‬‬
‫الثانية ـ أن يكون العاقد أصيلً عن نفسه ووكيلً عن الطرف الخر‪ :‬كما لو وكلته امرأة أن يزوجها‬
‫من نفسه‪ ،‬فقال أمام الشهود‪ :‬قد وكلتني فلنة بنت فلن أن أزوجها من نفسي‪ ،‬فاشهدوا أني تزوجتها‪.‬‬
‫وهذا بخلف ما لو وكلته بتزويجها من رجل‪ ،‬فزوجها من نفسه‪ ،‬أو من أبيه أو ابنه عند أبي حنيفة‪،‬‬
‫لم يصح زواجها؛ لنها نصبته مزوجا ل متزوجا‪ .‬وكذا لو وكلته في أن يتصرف في أمرها أو قالت‬
‫له‪ :‬زوج نفسي ممن شئت‪ ،‬لم يصح تزويجها من نفسه‪.‬‬
‫الثالثة ـ أن يكون وليا للجانبين‪ :‬كأن يزوج الجد بنت ابنه ابن ابنه الخر‪ ،‬وكأن يزوج بنته الصغيرة‬
‫لبن أخيه الصغير الذي هو في وليته‪.‬‬
‫الرابعة ـ أن يكون وكيلً للجانبين‪ :‬كأن يوكله رجل وامرأة في زواجهما‪ ،‬فيقول‪ :‬زوجت فلنة من‬
‫فلن‪.‬‬
‫الخامسة ـ أن يكون وليا من جانب ووكيلً من الجانب الخر‪ :‬كأن يوكله رجل أن يزوجه بنته‬
‫الصغيرة‪ ،‬فيزوجه إياها‪.‬‬
‫أما الفضولي فل يصح عند أبي حنيفة ومحمد أن يتولى العقد من الجانبين ولو تكلم بكلمين‪ ،‬أي‬
‫بإيجاب وقبول‪ ،‬في أحوال أربعة‪ :‬هي أن يكون فضوليا من الجانبين‪ ،‬أو فضوليا من جانب وأصيلً‬
‫من جانب آخر‪ ،‬أو فضوليا من جانب ووليا من جانب آخر‪ ،‬أو فضوليا من جانب ووكيلً من جانب‬
‫آخر‪ ،‬فمن قال مثلً‪ :‬اشهدوا أني تزوجت فلنة‪ ،‬فبلغها الخبر فأجازت‪ ،‬فهو باطل‪ .‬وإن قال آخر‪:‬‬
‫اشهدوا أني قد زوجتها منه فبلغها الخبر جاز‪.‬‬
‫إذ أنه ليس في مسائل الفضولي الربع قرينة تدل على أنه قام مقام الصيل‪ ،‬وأنه يملك التعبير عنه‪،‬‬
‫فعبارته ل تقوم مقام عبارتين‪ ،‬ولم يحدث بعبارته إل اليجاب وحده‪ ،‬وهو شطر العقد‪ ،‬وشطر العقد ل‬
‫يتوقف على ما وراء المجلس‪ ،‬فيحدث القبول من الغائب دون أن يجد إيجابا يلتقي معه؛ لنه أصبح‬
‫هدرا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.452-446/2 :‬‬

‫( ‪)9/214‬‬

‫أما في المسائل الولى في حال الولية أو الوكالة‪ ،‬فقد دلت مقارنة على أن العاقد قام مقام الصيل‪،‬‬
‫وأنه معبر عنه‪ ،‬فتقوم عبارته مقام عبارة الصيل‪ ،‬وتصبح عبارته مفيدة معنى اليجاب والقبول‪.‬‬
‫وأجاز أبو يوسف انعقاد الزواج بعاقد واحد في هذه المسائل كلها‪ ،‬فإذا زوجت المرأة نفسها غائبا‬
‫فبلغه الخبر‪ ،‬فأجاز‪ ،‬جاز عنده؛ لنه ل مانع أن تقوم عبارة العاقد الواحد مقام عبارتين‪،‬كالمقرر بحكم‬
‫الوكالة أو الولية الثابتتين حال العقد‪ ،‬ويكون العقد فيما وراء المجلس موقوفا على إجازة صاحب‬
‫الشأن‪ ،‬ول محذور؛ لن حقوق عقد الزواج ترجع إلى الصيل‪ .‬وإذا جرى العقد بين فضوليين أو بين‬
‫فضولي وأصيل‪ ،‬جاز باتفاق الحنفية‪ ،‬ويكون موقوفا على إجازة الغائب؛ لن عبارة كل واحد منهما‬
‫تقوم مقام عبارة الصيل‪ ،‬لتعدد العاقد حقيقة‪ ،‬فيكون ما جرى بين الفضوليين عقدا تاما لوجود‬
‫الىجاب والقبول‪ ،‬والعقد الكامل يتوقف على ما وراء مجلس العقد‪ .‬هذا والفضولي قبل الجازة ل‬
‫يملك نقض النكاح‪ ،‬بخلف البيع؛ لنه في البيع ترجع إليه حقوق العقد‪ ،‬أما في النكاح فترجع الحقوق‬
‫إلى المعقود له‪.‬‬
‫وقرر زفر والشافعي والجمهور‪ :‬أنه ل يجوز الزواج بعاقد واحد؛ لن الشخص الواحد ل يتصور أن‬
‫يكون مُملّكا ومتملكا‪ ،‬لكن استثنى الشافعي مسألة الولي كالجد يزوج بنت ابنه من ابن ابنه الخر‪،‬‬
‫فيجوز للضرورة‪ ،‬ول ضرورة في حق الوكيل وغيره من الحوال الخرى‪.‬‬
‫وأجاز المالكية لبن العم والمولى ووكيل الولي والحاكم أن يزوج المرأة من نفسه‪ ،‬ويتولى طرفي‬
‫العقد‪ ،‬وليشهد كل واحد منهم على رضاها خوفا من منازعتها‪ ،‬بشرط أن يعين لها أنه الزوج‪،‬‬
‫فرضيت بالقول إن كانت ثيبا ومن في حكمها من البكار الستة المتقدمة‪ ،‬أو بالصمت إن كانت بكرا‬
‫ليست من الستة المتقدمة‪ ،‬ويتم الزواج بقوله‪ :‬تزوجتك بكذا من المهر‪ ،‬وترضى به‪ ،‬ول بد من‬
‫الشهاد على رضاها بالعقد ولو بعد عقده لنفسه بعد أن كانت مقرة بالعقد‪ ،‬ول يحتاج لقوله‪ :‬قبلت‬
‫نكاحك بنفسي بعدئذ؛ لن قوله «تزوجتك» فيه قبول‪.‬‬

‫( ‪)9/215‬‬

‫صلُ الخامس‪ :‬الكفاءة في الزّواج‬


‫ال َف ْ‬
‫معناها وآراء الفقهاء في اشتراطها‪ ،‬نوع شرط الكفاءة‪ ،‬صاحب الحق في الكفاءة‪ ،‬من تطلب في جانبه‬
‫الكفاءة‪ ،‬ما تكون فيه الكفاءة أو أوصاف الكفاءة‪ ،‬وتبحث في مباحث خمسة‪:‬‬
‫المبحث الول ـ معنى الكفاءة وآراء الفقهاء في اشتراطها ‪:‬‬
‫الكفاءة لغة‪ :‬المماثلة والمساواة‪ ،‬يقال‪ :‬فلن كفء لفلن أي مساو له‪ .‬ومنه قوله صلّى ال عليه وسلم‬
‫‪« :‬المسلمون تتكافأ دماؤهم» (‪ )1‬أي تتساوى‪ ،‬فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع‪ .‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫{ولم يكن له كُفُوا أحد} [الخلص‪ ]4/112:‬أي ل مثيل له‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء‪ :‬المماثلة بين الزوجين دفعا للعار في أمور مخصوصة‪ ،‬وهي عند المالكية‪:‬‬
‫الدين‪ ،‬والحال (أي السلمة من العيوب التي توجب لها الخيار)‪ .‬وعند الجمهور‪ :‬الدين‪ ،‬والنسب‪،‬‬
‫والحرية‪ ،‬والحرفة (أو الصناع)‪ ،‬وزاد الحنفية والحنابلة‪ :‬اليسار (أو المال) (‪. )2‬‬
‫ويراد منها تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية‪ ،‬وتحقيق‬
‫السعادة بين الزوجين‪ ،‬بحيث ل تعير المرأة أو أولياؤها بالزوج بحسب العرف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والنسائي وأبو داود عن علي كرم ال وجهه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدسوقي‪ ،248/2 :‬كشاف القناع‪ ،72/5 :‬مغني المحتاج‪ ،164/3 :‬اللباب‪ ،12/3 :‬حاشية ابن‬
‫عابدين‪.436/2 :‬‬

‫( ‪)9/216‬‬

‫وأما آراء الفقهاء في اشتراط الكفاءة‪ ،‬فلهم رأيان (‪: )1‬‬


‫الرأي الولي ـ رأى بعضهم كالثوري‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬والكرخي من الحنفية‪ :‬أن الكفاءة ليست‬
‫شرطا أصلً‪ ،‬ل شرط صحة للزواج ول شرط لزوم‪ ،‬فيصح الزواج ويلزم سواء أكان الزوج كفئا‬
‫للزوجة أم غير كفء‪ ،‬واستدلوا بما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الناس سواسية كأسنان المشط‪ ،‬ل فضل لعربي على عجمي‪ ،‬إنما‬
‫الفضل بالتقوى» (‪ )2‬فهو يدل على المساواة المطلقة‪ ،‬وعلى عدم اشتراط الكفاءة‪ ،‬ويدل له قوله‬
‫تعالى‪{ :‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم} [الحجرات‪ ]13/49:‬وقوله تعالى‪{ :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا}‬
‫[الفرقان‪ ]54/25:‬وحديث‪« :‬ليس لعربي على عجمي فضل إل بالتقوى» (‪.)3‬‬
‫ورد عليه بأن معناه أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات‪ ،‬وأنهم ل يتفاضلون إل بالتقوى‪ ،‬أما‬
‫فيما عداها من العتبارات الشخصية التي تقوم على أعراف الناس وعاداتهم‪ ،‬فل شك في أن الناس‬
‫يتفاوتون فيها‪ ،‬فهناك تفاضل في الرزق والثروة‪{ :‬وال فضل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل‪:‬‬
‫‪ ]71/16‬وهناك تفاضل في العلم يقتضي التكريم‪{ :‬يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم‬
‫درجات} [المجادلة‪ ]11/58:‬وما يزال الناس يتفاوتون في منازلهم الجتماعية ومراكزهم الدبية‪ ،‬وهو‬
‫مقتضى الفطرة النسانية‪ ،‬والشريعة ل تصادم الفطرة والعراف والعادات التي ل تخالف أصول‬
‫الدين ومبادئه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 417/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،317/2 :‬تبيين الحقائق‪ ،128/2 :‬الدسوقي مع الشرح‬
‫الكبير‪ 248/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،164/3 :‬المهذب‪ ،38/2 :‬كشاف القناع‪ 71/5 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المغني‪ 480/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن لل بلفظ قريب عن سهل بن سعد «الناس كأسنان المشط‪ ،‬ل فضل لحد على أحد إل‬
‫بالتقوى» (سبل السلم‪.)129/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح عن أبي نضرة ( مجمع الزوائد‪.)266/3 :‬‬

‫( ‪)9/217‬‬

‫ً‪ - 2‬الحديث المتقدم‪ :‬وهو أن بللً رضي ال عنه خطب إلى قوم من النصار‪ ،‬فأبوا أن يزوجوه‪،‬‬
‫فقال له رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬قل لهم‪ :‬إن رسول ال صلّى ال عليه وسلم يأمركم أن‬
‫تزوجوني» أمرهم النبي صلّى ال عليه وسلم بالتزويج عند عدم الكفاءة‪،‬ولو كانت معتبرة لما أمر؛‬
‫لن التزويج من غير كفء غير مأمور به‪.‬‬
‫ويؤكده أن سالم مولى امرأة من النصار زوجه أبو حذيفة من ابنة أخيه‪ :‬هند بنت الوليد بن عتبة بن‬
‫ربيعة (‪ . )1‬وكذلك أمر النبي صلّى ال عليه وسلم امرأة قرشية هي فاطمة أخت الضحاك بن قيس‪،‬‬
‫وهي من المهاجرات الول أن تتزوج أسامة قائلً لها‪« :‬انكحي أسامة» (‪ ، )2‬وروى الدارقطني أن‬
‫أخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلل‪.‬‬
‫ويدل له‪« :‬أن أبا هند حجم النبي صلّى ال عليه وسلم في اليافوخ‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫يا بني بياضة‪ ،‬أنكحوا أبا هند‪ ،‬وانكحوا إليه» (‪ . )3‬ورد على الحاديث بمعارضتها بأحاديث أخرى‬
‫تتطلب الكفاءة فتكون محمولة على الندب والفضل‪ ،‬وبأن التسوية بين العرب وغيرهم إنما هو في‬
‫أحكام الخرة‪ ،‬أما في الدنيا فقد ظهر فضل العربي على العجمي في كثير من أحكام الدنيا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الدماء متساوية في الجنايات‪ ،‬فيقتل الشريف بالوضيع‪ ،‬والعالم بالجاهل‪ ،‬فيقاس عليها عدم‬
‫الكفاءة في الزواج‪ ،‬فإن كانت الكفاءة غير معتبرة في الجنايات‪ ،‬فل تكون معتبرة في الزواج بالولى‪.‬‬
‫ورد عليه بأنه قياس مع الفارق؛ لن التساوي في القصاص في مسائل الجنايات‪ ،‬إنما طلب لمصلحة‬
‫الناس وحفظ حق الحياة‪ ،‬حتى ل يتجرأ ذو الجاه أو النسب على قتل من دونه ممن ل يكافئه‪ .‬أما‬
‫الكفاءة في الزواج فلتحقيق مصالح الزوجين من دوام العشرة مع المودة واللفة بينهما‪ ،‬ول تتحقق تلك‬
‫المصالح إل باشتراط الكفاءة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة (نيل الوطار‪.)128/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس (سبل السلم‪.)129/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)128/6 :‬‬

‫( ‪)9/218‬‬

‫الرأي الثاني ‪ -‬رأى جمهور الفقهاء (منهم المذاهب الربعة)‪ :‬أن الكفاءة شرط في لزوم الزواج‪ ،‬ل‬
‫شرط صحة فيه‪ ،‬عملً بالدلة التالية من السنة والمعقول‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬السنة‪ :‬حديث علي أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال له‪« :‬ثلث ل تؤخر‪ :‬الصلة إذا أتت‪،‬‬
‫والجنازة إذا حضرت‪ ،‬واليم إذا وجدت لها كفئا» (‪. )1‬‬
‫وحديث جابر‪« :‬ل تنُكحوا النساء إل الكفاء‪ ،‬ول يزوجوهن إل الولىاء‪ ،‬ول مهردون عشرة‬
‫دراهم» (‪. )2‬‬
‫وحديث عائشة‪« :‬تخيروا لنطفكم‪ ،‬وأنكحوا الكفاء» (‪)3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي والحاكم عن علي (نيل الوطار‪.)128/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬وفيه مبشر بن عبد ال متروك الحديث (نصب الراية‪:‬‬
‫‪.)196/3‬‬
‫(‪ )3‬روي من حديث عائشة‪ ،‬ومن حديث أنس‪ ،‬ومن حديث عمر بن الخطاب‪ ،‬من طرق عديدة كلها‬
‫ضعيفة (نصب الراية‪.)197/3 :‬‬

‫( ‪)9/219‬‬

‫وحديث ابن عمر‪« :‬العرب بعضهم أكفاء لبعض‪ ،‬قبيلة بقبيلة‪ ،‬ورجل برجل‪ ،‬والموالي بعضهم أكفاء‬
‫لبعض‪ ،‬قبيلة بقبيلة‪ ،‬ورجل برجل إل حائك أو حجام» (‪. )1‬وحديث عائشة وعمر‪« :‬لمنعن تزوّج‬
‫ذوات الحساب إل من الكفاء» (‪. )2‬‬
‫وحديث أبي حاتم المزني‪« :‬إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه‪ ،‬فأنكحوه‪ ،‬إل تفعلوه‪ ،‬تكن فتنة في‬
‫الرض وفساد كبير» (‪ )3‬وفيه دليل على اعتبار الكفاءة‪.‬‬
‫وحديث بريدة المتقدم الذي جعل فيه النبي صلّى ال عليه وسلم الخيار لفتاة زوجها أبوها ابن أخيه‬
‫ليرفع بها خسيسته (‪. )4‬‬
‫وحديث «العلماء ورثة النبياء» (‪ )5‬وحديث «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة‪ ،‬خيارهم في‬
‫الجاهلية خيارهم في السلم‪ ،‬إذا فقُهوا» (‪. )6‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬أصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة‪ ،‬فقد خيرها النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬لما لم‬
‫يكن زوجها كفئا لها بعد أن تحررت‪ ،‬وكان زوجها عبدا‪.‬‬
‫وقال الكمال بن الهمام (‪ : )7‬هذه الحاديث الضعيفة من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا‪ ،‬فتصبح‬
‫حجة بالتضافر والشواهد‪ ،‬وترتفع إلى مرتبة الحسن‪ ،‬لحصول الظن بصحة المعنى‪ ،‬وثبوته عنه صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وفي هذا كفاية‪.‬‬
‫‪ - 2‬المعقول‪ :‬وهو أن انتظام المصالح بين الزوجين ل يكون عادة إل إذا كان هناك تكافؤ بينهما؛‬
‫لن الشريفة تأبى العيش مع الخسيس‪ ،‬فل بد من اعتبار الكفاءة من جانب الرجل‪ ،‬ل من جانب‬
‫المرأة؛ لن الزوج ل يتأثر بعدم الكفاءة عادة‪ ،‬وللعادة والعرف سلطان أقوى وتأثير أكبر على‬
‫الزوجة‪ ،‬فإذا لم يكن زوجها كفئا لها‪ ،‬لم تستمر الرابطة الزوجية‪ ،‬وتتفكك عُرى المودة بينهما‪ ،‬ولم‬
‫يكن للزوج صاحب القوامة تقدير واحترام‪ .‬وكذلك أولىاء المرأة يأنفون من مصاهرة من ل يناسبهم‬
‫في دينهم وجاههم ونسبهم‪ ،‬ويعيرون به‪ ،‬فتختل روابط المصاهرة أو تضعف‪ ،‬ولم تتحقق أهداف‬
‫الزواج الجتماعية‪ ،‬ول الثمرات المقصودة من الزوجية‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو المعمول به في أغلب البلد السلمية كمصر وسورية وليبيا‪ .‬والذي يظهر لي‬
‫رجحان مذهب المام مالك في هذا الشأن‪ ،‬وهو اعتبار الكفاءة فقط في الدين والحال‪ ،‬أي السلمة من‬
‫العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزواج‪ ،‬وليس الحال بمعنى الحسب والنسب وإنما يندب ذلك‬
‫فقط‪ ،‬والسبب هو ضعف أحاديث الجمهور‪ ،‬ولن الدليل القوى للجمهور وهو المعقول يعتمد على‬
‫العرف‪ ،‬فإذا كان العرف بين الناس كمافي عصرنا الحاضر هو عدم النظر إلى الكفاءة‪ ،‬وأصبح مبدأ‬
‫المساواة هو الساس في التعامل‪ ،‬وزالت المعاني القبلية والتمييز الطبقي بين الناس‪ ،‬فلم يعد هناك‬
‫مسوغ للكفاءة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الحاكم عن عبد ال بن عمر‪ ،‬وهو حديث منقطع (نصب الراية‪ ،‬نيل الوطار‪ ،‬المكان‬
‫السابق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني (نيل الوطار‪.)127/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬وعده أبو داود في المراسيل (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)127/6‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه وأحمد والنسائي من حديث ابن بريدة (نيل الوطار‪.)127/6 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء‪ ،‬وضعفه الدارقطني في‬
‫العلل (نيل الوطار‪.)128/6 :‬‬
‫(‪ )6‬متفق عليه (رياض الصالحين‪ :‬ص ‪.)164‬‬
‫(‪ )7‬فتح القدير‪ 417/2 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)9/220‬‬

‫المبحث الثاني ـ نوع شرط الكفاءة ‪:‬‬


‫هل الكفاءة شرط صحة أو شرط لزوم؟‬
‫اتفق فقهاء المذاهب الربعة في الراجح عند الحنابلة والمعتمد عند المالكية والظهر عند الشافعية (‪)1‬‬
‫على أن الكفاءة شرط لزوم في الزواج‪ ،‬وليست شرطا في صحة النكاح‪ ،‬فإذا تزوجت المرأة غير‬
‫كفء‪ ،‬كان العقد صحيحا‪ ،‬وكان لوليائها حق العتراض عليه وطلب فسخه‪ ،‬دفعا لضرر العار عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬إل أن يسقطوا حقهم في العتراض فيلزم‪ ،‬ولو كانت الكفاءة شرط صحة لما صح‪ ،‬حتى ولو‬
‫أسقط الولياء حقهم في العتراض؛ لن شرط الصحة ل يسقط بالسقاط‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري (م ‪ )26‬باعتبار كون الكفاءة شرط لزوم‪ ،‬ونص هذه المادة‪« :‬يشترط في لزوم‬
‫الزواج أن يكون الرجل كفئا للمرأة» ونصت المادة (‪ )27‬على أنه‪« :‬إذا زوجت الكبيرة نفسها من‬
‫غير موافقة الولي‪ ،‬فإن كان الزوج كفئا‪ ،‬لزم العقد‪ ،‬وإل فللولي طلب فسخ النكاح» وهذا هو المختار‬
‫لدى واضعي قانون الحوال الشخصية في مصر‪.‬‬
‫تفصيل رأي الحنفية في شرط الكفاءة ‪:‬‬
‫الكفاءة عند الحنفية في الجملة تعد شرط لزوم (‪ ، )2‬لكن المفتى به عند المتأخرين أن الكفاءة شرط‬
‫لصحة الزواج في بعض الحالت‪ ،‬وشرط لنفاذه في بعض الحالت‪ ،‬وشرط للزومه في حالت أخرى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،317/2 :‬الدسوقي‪ ،249/2 :‬مغني المحتاج‪ ،164/3 :‬المهذب‪ ،38/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،71/2‬المغني‪ ،480/6 :‬فتح القدير‪ ،419/2 :‬اللباب‪.12/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪.437/2 :‬‬

‫( ‪)9/221‬‬

‫أما الحالت التي تكون الكفاءة فيها شرطا لصحة الزواج‪ ،‬فهي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬إذا زوجت المرأة البالغة العاقلة نفسها من غير كفء أوبغبن فاحش‪ ،‬وكان لهاولي عاصب لم‬
‫يرض بهذا الزواج قبل العقد‪ ،‬لم يصح الزواج أصلً‪ ،‬ل لزما ول موقوفا على الرضا بعد البلوغ‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إذا زوج غير الصل (الب والجد) أو الفرع (البن) عديم الهلية أو ناقصها‪ ،‬أي المجنون‬
‫والمجنونة أو الصغير والصغيرة من غير كفء‪ ،‬فإن الزواج فاسد؛ لن ولية هؤلء منوطة‬
‫بالمصلحة‪ ،‬ول مصلحة في التزويج بغير الكفء‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬إذا زوج الب أو البن المعروف بسوء الختيار (‪ )2‬عديم الهلية أو ناقصها‪ ،‬من غير كفء‬
‫أو بغبن فاحش‪،‬لم يصح النكاح اتفاقا‪ .‬وكذا لو كان سكران‪ ،‬فزوج المرأة من فاسق أو شرير أو فقير‬
‫أو ذي حرفة دنيئة‪ ،‬لظهور سوء اختياره‪ ،‬وانعدام المصلحة في هذا الزواج‪.‬‬
‫ويلزم النكاح ولو بغبن فاحش بنقص مهرها وزيادة مهره‪ ،‬أو زوجها بغير كفء إن كان الولي‬
‫المزوج أبا أو جدا أو ابن المجنونة إذا لم يعرف منهما سوء الختيار‪.‬‬
‫وتكون الكفاءة شرطا لنفاذ الزواج ‪:‬‬
‫إذا وكلت المرأة البالغة العاقلة شخصا في زواجها‪ ،‬سواء أكان وليا أم أجنبيا عنها‪ ،‬فزوّجها بغير‬
‫كفء‪ ،‬كان العقد موقوفا على إجازتها؛ لن الكفاءة حق للمرأة ولوليائها‪ ،‬فإذا لم يكن الزوج كفئا لها‪،‬‬
‫ل ينفذ العقد إل برضاها (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.436 ،420-418/2 :‬‬
‫(‪ )2‬سوء الختيار والرأي‪ :‬أن يكون الشخص فاسقا أوماجنا ل يبالي بما يصنع‪ ،‬أو يكون سفيها‬
‫طماعا (رد المحتار لبن عابدين‪.)418/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪.436/2 :‬‬

‫( ‪)9/222‬‬

‫وتكون الكفاءة شرطا للزوم الزواج في ظاهر الرواية‪:‬‬


‫إذا زوجت البالغة العاقلة نفسها من كفء‪ ،‬كان الزواج لزما‪ ،‬وليس لوليها حق العتراض وطلب‬
‫الفسخ‪ ،‬فإن زوجت نفسها من غير كفء‪ ،‬كان لوليها العاصب حق العتراض (‪. )1‬‬
‫يتبين من هذا أن الكفاءة تشبه عند الحنفية ولية الزواج‪ ،‬ففي حالت قد تكون الولية شرطا في صحة‬
‫الزواج‪ ،‬وقد تكون شرطا في نفاذه‪ ،‬وقد تكون شرطا في لزومه‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن شروط لزوم الزواج عند الحنفية أربعة هي باختصار‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الولي في تزويج الصغير والصغيرة هو الب أو الجد‪ .‬أما غيرهما كالخ والعم إذا‬
‫زوج الصغار‪ ،‬فل يلزم الزواج في رأي أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬ويكون لهم الخيار بعد البلوغ‪ .‬وقال أبو‬
‫يوسف‪ :‬يلزم نكاح غير الب والجد من الولياء‪ ،‬فل يثبت للصغار الخيار بعد البلوغ (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الزوج خاليا من العيوب الجنسية‪ ،‬كما يتبين في بحث الطلق‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن تزوج المرأة نفسها بمهر المثل‪ ،‬فإذا زوجت نفسها بغبن فاحش‪ ،‬لم يلزم العقد‪ ،‬وكان‬
‫للولىاء عند أبي حنيفة حق العتراض‪ ،‬حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها؛ لن الولياء يفتخرون‬
‫بغلء المهور ويتعيرون بنقصانه‪ ،‬فأشبه الكفاءة‪ .‬وقال الصاحبان‪ :‬ليس لهم ذلك؛ لن ما زاد على‬
‫العشرة دراهم حقها‪ ،‬ومن أسقط حقه ل يعترض عليه (‪. )3‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون الزوج كفئا للمرأة‪ ،‬فإن زوجت المرأة نفسها من غير كفء لها‪ ،‬كان للولياء حق‬
‫العتراض‪ ،‬ويفسخ القاضي العقد إن ثبت له عدم كفاءة الزوج دفعا للعار‪ .‬وهذا متفق عليه بين‬
‫المذاهب كما تقدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬البدائع‪ 317/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.315/2 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ ،424/2 :‬البدائع‪ ،322/2 :‬الدر المختار‪.446-445/2 :‬‬

‫( ‪)9/223‬‬

‫المبحث الثالث ـ صاحب الحق في الكفاءة ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء (‪ )1‬على أن الكفاءة حق لكل من المرأة وأوليائها‪ ،‬فإذا تزوجت المرأة بغير كفء‪ ،‬كان‬
‫لوليائها حق طلب الفسخ‪ ،‬وإذا زوجها الولي بغير كفء‪ ،‬كان لها أيضا الفسخ؛ لنه خيار لنقص في‬
‫المعقود عليه‪ ،‬فأشبه خيار البيع‪ ،‬ولما روي‪ :‬أن فتاة جاءت إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬إن أبي زوجني ابنَ أخيه ليرفع بي خسيسته‪ ،‬قال‪ :‬فجعل المر إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أجزت ما‬
‫صنع أبي‪ ،‬ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الباء من المر شيء (‪ . )2‬والحاصل‪ :‬أن المرأة‬
‫إن تركت الكفاءة فحق الولي باق‪ ،‬وبالعكس‪.‬‬
‫ترتيب الحق بين الولياء ووقت سقوط حق العتراض ‪:‬‬
‫يثبت هذا الحق عند الحنفية للقرب من الولياء العصبة فالقرب‪ ،‬فإذا لم يرضوا فلهم أن يفرقوا بين‬
‫المرأة وزوجها‪ ،‬ما لم تلد‪ ،‬أو تحمل حملً ظاهرا في ظاهر الرواية‪ ،‬وإذا زوجها الولي بغير كفء‬
‫برضاها‪ ،‬لزم النكاح‪ ،‬وإذا رضي الولياء فقد أسقطوا حق أنفسهم بالعتراض والفسخ‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬للولياء الفسخ ما لم يدخل الزوج بالمرأة‪ ،‬فإن دخل فل فسخ‪ .‬والعتراض حق مشترك‬
‫لكل الولياء‪ ،‬فلو زوجها أحد الولياء من غير كفء برضاها من غير رضا الباقين‪ ،‬لم يلزم النكاح‪،‬‬
‫وهذا خلفا للحنفية والشافعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،318/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،424/2 ،443 ،436/2 :‬اللباب‪ ،12/3 :‬الشرح‬
‫الكبير‪ ،249/2 :‬المهذب‪ ،38/2 :‬كشاف القناع‪ ،72/5 :‬المغني‪ ،481/6 :‬مغني المحتاج‪.164/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه وأحمد والنسائي من حديث عبد ال بن بريدة عن أبيه (نيل الوطار‪.)127/6 :‬‬

‫( ‪)9/224‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬لو زوجها الولي القرب برضاها‪ ،‬فليس للبعد اعتراض؛ إذ ل حق له الن في‬
‫التزويج‪ .‬وإذا تساوى الولياء في الدرجة‪ ،‬فزوجها أحدهم برضاها دون رضاهم‪ ،‬لم يصح الزواج؛‬
‫لن لهم حقا في الكفاءة‪ ،‬فاعتبر رضاهم كرضا المرأة‪ .‬ولو زوجها الولي غير كفء برضاها‪ ،‬أو‬
‫زوجها بعض الولياء المستوين في الدرجة برضاها ورضا الباقين‪ ،‬صح الزواج‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬يملك العتراض والفسخ البعد من الولياء مع رضا القرب منهم بالزوج‪ ،‬ومع رضا‬
‫الزوجة أيضا دفعا لما يلحقه من العار؛ لن الكفاءة عندهم كما جاء في كشاف القناع حق للمرأة‬
‫والولياء جميعهم‪ ،‬فلو زوج الب بنته بغير كفء برضاها‪ ،‬فللخوة الفسخ؛ لن العار في تزويج من‬
‫ليس بكفء عليهم أجمعين‪.‬‬
‫ولو زالت الكفاءة بعد العقد‪ ،‬فللزوجة عندهم الفسخ فقط دون أوليائها؛ لن حق الولياء في ابتداء العقد‬
‫ل في استدامته‪ ،‬وهذا بخلف رأي المذاهب الخرى‪ ،‬فإن الكفاءة تعتبر عند الجمهور عند ابتداء‬
‫العقد‪ ،‬فل يضر زوالها بعده‪ ،‬فلو كان وقت العقد كفئا‪ ،‬ثم صار غير كفء‪ ،‬لم يفسخ العقد‪.‬‬
‫رضا بعض الولياء المستوين في الدرجة دون البعض ‪:‬‬
‫إن تعدد الولياء القارب كالخوة الشقاء‪ ،‬ورضي بعضهم بالزواج‪ ،‬ولم يرض الخرون‪ ،‬كان رضا‬
‫البعض عند أبي حنيفة ومحمد مسقطا لحق الخرين؛ لن هذا حق واحد ل يتجزأ؛ لن سببه وهو‬
‫القرابة ل يقبل التجزئة‪ ،‬والقاعدة المقررة أن إسقاط بعض مال يتجزأ إسقاط لكله‪ ،‬فإذا أسقط أحد‬
‫الولياء حقه‪ ،‬سقط حق الباقين‪ ،‬قياسا على حق القصاص الثابت لجماعة‪ ،‬فإنه حق ل يقبل التجزئة‪،‬‬
‫فإذا عفا بعضهم سقط حق الباقين‪ .‬وأجيب عنه بأن القصاص ل يثبت لكل واحد كاملً‪ ،‬فإذا سقط‬
‫بعضه تعذر استيفاؤه‪.‬‬
‫وقال الجمهور (وهم المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف وزفر)‪ :‬إن رضي بعض الولياء‬
‫المتساوين‪ ،‬لم يسقط حق الخرين في العتراض؛ لن الكفاءة حق مشترك ثبت للكل‪ ،‬وإذا أسقط أحد‬
‫الشريكين حق نفسه‪ ،‬ل يسقط حق صاحبه‪ ،‬كالدين المشترك‪.‬‬
‫وأجيب عنه‪ :‬بأن قياس الكفاءة على الدين المشترك قياس مع الفارق؛ لن الدين حق يقبل التجزئة‪،‬‬
‫وحق الكفاءة ل يقبل التجزئة‪.‬‬
‫ول فرق عند الحنابلة بين أن يكون الولياء متساوين في الدرجة أم متفاوتين؛ لن الكفاءة عندهم حق‬
‫الكل‪.‬‬

‫( ‪)9/225‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬من تطلب الكفاءة في جانبه ‪:‬‬


‫يرى جمهور الفقهاء أن الكفاءة تطلب للنساء ل للرجال‪ ،‬بمعنى أن الكفاءة تعد في جانب الرجال‬
‫للنساء‪ ،‬فهو حق في صالح المرأة ل في صالح الرجل‪ ،‬فيشترط أن يكون الرجل مماثلً أو مقاربا لها‬
‫في أمور الكفاءة‪ .‬ول يشترط في المرأة أن تكون مساوية للرجل أو مقاربة له‪ ،‬بل يصح أن تكون أقل‬
‫منه في أمور الكفاءة؛ لن الرجل ل يعير بزوجة أدنى حالً منه‪ ،‬أما المرأة وأقاربها فيعيرون بزوج‬
‫أقل منها منزلة (‪ . )1‬لكن يستثنى من هذا الصل مسألتان تشترط فيهما الكفاءة من جانب المرأة‪،‬‬
‫ذكرتا سابقا وهما‪:‬‬
‫الولى ـ أن يزوج غير الب أو الجد عديم الهلية أو ناقصها‪ ،‬أويزوجه الب أو الجد الذي عرف‬
‫قبل العقد بسوء الختيار‪ ،‬فإنه يشترط لصحة هذا الزواج أن تكون الزوجة مكافئة له‪ ،‬احتياطا‬
‫لمصلحة الزواج‪ ،‬وإل لم يصح الزواج‪.‬‬
‫الثانية ـ أن يوكل الرجل غيره في تزويجه وكالة مطلقة‪ ،‬فإنه يشترط لنفاذ العقد على الموكل في‬
‫رأي المالكية وأبي يوسف ومحمد أن تكون الزوجة كفئا له‪.‬‬
‫المبحث الخامس ـ ما تكون فيه الكفاءة‪ ،‬أو أوصاف الكفاءة ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في خصال الكفاءة‪ ،‬فهي عند المالكية اثنان‪ :‬وهما الدين والحال‪ ،‬أي السلمة من‬
‫العيوب المثبتة للخيار‪ ،‬ل الحال بمعنى الحسب والنسب‪.‬‬
‫وعند الحنفية ستة‪ :‬هي الدين والسلم والحرية والنسب والمال والحرفة (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،320/2 :‬الدسوقي‪ ،249/2 :‬مغني المحتاج‪ ،164/3 :‬كشاف القناع‪.72/5 :‬‬
‫(‪ )2‬نظم العلمة الحموي ما تعتبر فيه الكفاءة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن الكفاءة في النكاح تكون في ‪ ..... .....‬ست لها بيت بديع قد ضبط‬
‫نسب وإسلم كذلك حرفة ‪ ...... .....‬حرية وديانة مال فقط‬

‫( ‪)9/226‬‬

‫ول تكون الكفاءة عندهم في السلمة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص‪،‬‬
‫والبخَر والدفَر إل عند محمد في الثلثة الولى‪.‬‬
‫وعند الشافعية خمسة‪ :‬هي الدين أو العفة‪ ،‬والحرية‪ ،‬والنسب‪ ،‬والسلمة من العيوب المثبتة للخيار‪،‬‬
‫والحرفة‪.‬‬
‫وعند الحنابلة خمسة أيضا‪ :‬هي الدين‪ ،‬والحرية‪ ،‬والنسب‪ ،‬واليسار (المال)‪ ،‬والصناعة أي الحرفة (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫فهم متفقون على الكفاءة في الدين‪ ،‬واتفق غير المالكية على الكفاءة في الحرية والنسب والحرفة‪،‬‬
‫واتفق المالكية والشافعية على خصلة السلمة من العيوب المثبتة للخيار‪ ،‬واتفق الحنفية في ظاهر‬
‫الرواية والحنابلة على خصلة المال‪ ،‬وانفرد الحنفية بخصلة إسلم الصول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،320-318/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،445-437/2 :‬فتح القدير‪،424-419/2 :‬‬
‫اللباب‪ ،13/3 :‬الشرح الكبير‪ 249/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،39/2 :‬مغني المحتاج‪،167-165/3 :‬‬
‫كشاف القناع‪ 72/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.486-482/6 :‬‬

‫( ‪)9/227‬‬

‫‪ - 1‬الديانة‪ ،‬أو العفة أو التقوى‪ :‬المراد بها الصلح والستقامة على أحكام الدين‪ ،‬فليس الفاجر‬
‫والفاسق كفئا لعفيفة أو صالحة بنت صالح‪ ،‬أو مستقيمة‪ ،‬لها ولهلها تدين وخلق حميد‪ ،‬سواء أكان‬
‫معلنا فسقه‪ ،‬أم غير معلن أي ل يجهر بالفسق لكن يشهد عليه أنه فعل كذا من المفسقات؛ لن الفاسق‬
‫مردود الشهادة والرواية‪ ،‬وهو نقص في إنسانيته‪ ،‬ولن المرأة تعير بفسق الزوج أكثر ما تعير بضعة‬
‫نسبه‪ ،‬فل يكون كفئا لمرأة عدل‪ ،‬بالتفاق ما عدا محمد بن الحسن‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أفمن كان مؤمنا‬
‫كمن كان فاسقا‪ ،‬ل يستوون} [السجدة‪ ]18/32:‬وقوله سبحانه‪{ :‬الزاني ل ينكح إل زانية} [النور‪:‬‬
‫‪ ]3/24‬ونوقش الستدلل باليتين‪ ،‬أما الولى فهي في حق المؤمن والكافر‪ ،‬وأما الثانية فهي منسوخة‪،‬‬
‫والصح الستدلل بحديث أبي حاتم المزني المتقدم‪ « :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه‪،‬‬
‫إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض» ‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬إن الفسق ل يمنع الكفاءة‪ ،‬إل إذا كان صاحبه متهتكا يصفع ويسخر منه‪،‬أو يخرج إلى‬
‫السواق سكران؛ لن الفسق من أحكام الخرة‪ ،‬فل تبتنى عليه أحكام الدنيا‪.‬‬
‫وهل يكون الفاسق كفئا لفاسقة بنت صالح‪ ،‬قال بعض الحنفية‪ :‬ل يكون الفاسق كفئا لها‪ ،‬وقال ابن‬
‫عابدين‪ :‬إن المفهوم من كلمهم اعتبار صلح الكل أي الفتاة والب‪ ،‬وإن من اقتصر على صالحة أو‬
‫صلح آبائها نظر إلى الغالب من أن صلح الولد والوالد متلزمان‪ ،‬فعلى هذا ل يكون الفاسق كفئا‬
‫لصالحة بنت صالح‪ ،‬بل يكون كفئا لفاسقة بنت فاسق‪ ،‬وكذا لفاسقة بنت صالح‪ ،‬لن ما يلحقه من العار‬
‫ببنته أكثر من العار بصهره‪ .‬وإذا كانت صالحة بنت فاسق‪ ،‬فزوجت نفسها من فاسق‪ ،‬فليس لبيها‬
‫حق العتراض؛ لنه مثله‪ ،‬وهي قد رضيت به‪.‬‬

‫( ‪)9/228‬‬

‫‪ - 2‬السلم‪ :‬شرط انفرد به الحنفية بالنسبة لغير العرب‪ ،‬خلفا للجمهور‪ ،‬والمراد به إسلم الصول‬
‫أي الباء‪ ،‬فمن له أبوان مسلمان كفء لمن كان له آباء في السلم‪ ،‬ومن له أب واحد في السلم ل‬
‫يكون كفئا لمن له أبوان في السلم؛ لن تمام النسب بالب والجد‪ .‬وألحق أبو يوسف الواحد بالمثنى‪.‬‬
‫ومن أسلم بنفسه ل يكون كفئا لمن له أب واحد في السلم؛ لن التفاخر فيما بين الموالي (غير‬
‫العرب) بالسلم‪.‬‬
‫ودليل الحنفية على هذه الخصلة‪ :‬أن تعريف الشخص يكون كاملً بالب والجد‪ ،‬فإذا كان الب والجد‬
‫مسلما‪ ،‬كان نسبه إلى السلم كاملً‪.‬‬
‫ول تعتبر هذه الخصلة إل في غير العرب؛ لنهم بعد إسلمهم صار فخرهم بالسلم‪ ،‬وهو شرفهم‬
‫الذي قام مقام النسب‪ .‬أما العرب فل يعتبر فيهم التكافؤ في إسلم الباء؛ لن العرب يتفاخرون‬
‫بأنسابهم‪ ،‬ول يتفاخرون بإسلم أصولهم‪ ،‬فالعربي المسلم الذي ليس له أب مسلم كفء للعربية المسلمة‬
‫التى لها أب وأجداد مسلمون‪.‬‬

‫( ‪)9/229‬‬

‫‪ - 3‬الحرية‪ :‬شرط في الكفاءة عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) فل يكون العبد ولو مبعضا‬
‫كفئا لحرة ولو كانت عتيقة؛ لنه منقوص بالرق‪ ،‬ممنوع من التصرف في كسبه‪ ،‬غير مالك له‪ ،‬ولن‬
‫الحرار بمصاهرة الرقاء كما يعيرون بمصاهرة من دونهم في النسب والحسب‪.‬‬
‫واشترط الحنفية والشافعية أيضا حرية الصل‪ ،‬فمن كان أحد آبائه رقيقا ليس كفئا لحر الصل‪ ،‬أو‬
‫لمن كان أبوها رقيقا ثم أعتق‪ ،‬ومن كان له أبوان في الحرية ليس كفئا لمن كان له أب واحد في‬
‫الحرية‪.‬‬
‫وأضاف الحنفية والشافعية أن العتيق ليس كفئا لحرة أصلية؛ لن الحرار يعيرون بمصاهرة العتقاء‪،‬‬
‫كما يعيرون بمصاهرة الرقاء‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬العتيق كله كفء للحرة‪.‬‬
‫وأما المالكية فلم يشترطوا الحرية في الكفاءة‪ ،‬وقالوا‪ :‬في كفاءة العبد للحرة‪ ،‬وعدم كفاءته لها على‬
‫الرجح تأويلن‪ :‬المذهب أنه ليس بكفء‪ ،‬والراجح أنه كفء‪ ،‬وهو الحسن؛ لنه قول ابن القاسم‪.‬‬
‫وقال الدسوقي‪ :‬والظاهر التفصيل‪ :‬فما كان من جنس البيض فهو كفء؛ لن الرغبة فيه أكثر من‬
‫الحرار‪ ،‬وبه الشرف في عرف مصرنا‪ ،‬وما كان من جنس السود فليس بكفء؛ لن النفوس ـ على‬
‫حد تعبيره ـ تنفر منه‪ ،‬ويقع به الذم للزوجة‪ .‬وهذا حكاية لعرف الناس في عصره‪ ،‬وليس أمرا مقررا‬
‫في الشرع‪.‬‬
‫لذا أرى أن هذا الرأي خاص بالدسوقي‪ ،‬فإن مبادئ الشريعة تناقض هذا القول إذ ل تفرقة في أحكامها‬
‫بين الناس بسبب اللون‪ ،‬وما اعتمده من عرف مصر هو عرف فاسد‪ ،‬لمصادمته مبادئ الشريعة‪ ،‬أو‬
‫أنه مجرد أهواء نفسية وميول خاصة ل يقرها الشرع؛ لن الناس سواء في دين ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)9/230‬‬

‫‪ - 4‬النسب‪ :‬وسماه الحنابلة‪ :‬المنصب‪.‬‬


‫المراد بالنسب‪ :‬صلة النسان بأصوله من الباء والجداد‪ .‬أما الحسب‪ :‬فهو الصفات الحميدة التي‬
‫يتصف بها الصول أو مفاخر الباء‪ ،‬كالعلم والشجاعة والجود والتقوى‪ .‬ووجود النسب ل يستلزم‬
‫الحسب‪ ،‬ولكن وجود الحسب يستلزم النسب‪.‬والمقصود من النسب أن يكون الولد معلوم الب‪ ،‬ل لقيطا‬
‫أو مولى إذ ل نسب له معلوم‪ .‬ولم يعتبر المالكية الكفاءة في النسب‪ ،‬أما الجمهور (الحنفية والشافعية‬
‫والحنابلة وبعض الزيدية) فقد اعتبروا النسب في الكفاءة‪ ،‬لكن خصص الحنفية النسب في الزواج من‬
‫العرب؛ لنهم الذين عنوا بحفظ أنسابهم‪ ،‬وتفاخروا بها‪ ،‬وحدث التعيير بينهم فيها‪.‬‬
‫أما العجم فلم يعنوا بأنسابهم ولم يفتخروا بها‪ ،‬ولذا اعتبر فيهم الحرية والسلم‪ .‬والصح عند الحنفية‬
‫أن العجمي ل يكون كفئا للعربية ولو كان عالما أو سلطانا‪.‬‬
‫وبناء على هذا الرأي‪ :‬ل يكون العجمي كفئا للعربية‪ ،‬لقول عمر‪« :‬لمنعن أن تزوج ذات الحساب‬
‫إل من الكفاء» (‪ ، )1‬ولن ال اصطفى العرب على غيرهم‪ ،‬ولن العرب فضلت المم برسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقريش عند الحنفية وفي رواية عن أحمد بعضهم أكفاء بعض‪ ،‬وبقية العرب بعضهم أكفاء بعض‪،‬‬
‫واستثنى بعضهم بني باهلة لخستهم‪ .‬ودليلهم قول ابن عباس‪ :‬قريش بعضهم أكفاء بعض‪.‬‬
‫ويرى الشافعية وفي رواية أخرى عن أحمد‪ :‬أن غير الهاشمي والمطلبي ليس‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخلل والدارقطني‪.‬‬

‫( ‪)9/231‬‬

‫كفئا لباقي قريش كبني عبد شمس ونوفل‪ ،‬وإن كانا أخوين لهاشم‪ ،‬لخبر‪« :‬إن ال اصطفى من العرب‬
‫كنانة‪ ،‬واصطفى من كنانة قريشا‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاني من بني هاشم» (‪. )1‬‬
‫ويتفق الجمهور على أن قريشا وهم أولد النضر بن كنانة أفضل نسبا من سائر العرب‪ ،‬فالقرشية ل‬
‫يكافئها إل قرشي مثلها‪ ،‬والقرشي كفء لكل عربية‪ .‬وأن المرأة العربية غير القرشية يكافئها أي‬
‫عربي من أي قبيلة كانت‪ ،‬ولكن ل يكافئها غير العربي أي العجمي‪.‬‬
‫ودليل الجمهور حديث‪« :‬العرب بعضهم أكفاء لبعض‪ ،‬قبيلة بقبيلة‪ ،‬ورجل برجل‪ ،‬والموالي بعضهم‬
‫أكفاء لبعض‪ ،‬قبيلة بقبيلة‪ ،‬ورجل برجل‪ ،‬إل حائك أو حجام» (‪. )2‬‬
‫والحق أن اعتبار النسب في الكفاءة ليس صحيحا‪ ،‬والصحيح قول المالكية؛ لن مزية السلم‬
‫الجوهرية هي الدعوة إلى المساواة‪ ،‬ومحاربة التمييز العرقي أو العنصري‪ ،‬ودعوات الجاهلية القبلية‬
‫والنسبية‪ ،‬ولن انتشار السلم بين الناس غير العرب إنما كان أساسا لهذه المزية‪ ،‬وإعلن حجة‬
‫الوداع واضح وهو أن الناس جميعا أبناء آدم‪ ،‬وليس لعربي على عجمي فضل إل بالتقوى‪.‬‬
‫أما الحديث الذي اعتمد عليه الجمهور فهو ضعيف‪ ،‬لذا فإن تفضيل قريش على سائر العرب‪ ،‬ثم‬
‫تفضيل العرب على العجم‪ ،‬لم يدل عليه شيء من السنة‪ ،‬بل ورد في السنة خلفه؛ لن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان‪ ،‬وزوج أبا العاص بن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي عن واثلة‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم والبيهقي عن عبد ال بن عمر‪ ،‬ولكنه حديث منقطع (نصب الراية‪ ،197/3 :‬سبل‬
‫السلم‪.)128/3 :‬‬

‫( ‪)9/232‬‬

‫ربيع زينب‪ ،‬وهما من بني عبد شمس‪ ،‬وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم‪ ،‬وزوج النبي بنت عمته زينب‬
‫وهي قرشية زيد بن حارثة‪ ،‬وهو من الموالي‪ ،‬وتزوج أسامة ابن زيد فاطمة بنت قيس وهي من‬
‫قريش‪ ،‬بعد أن طلقها زوجها‪ :‬أبو عمر بن حفص بن المغيرة‪ ،‬فأخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أما أبو جهم فل يضع عصاه عن عاتقه‪ ،‬وأما معاوية‬
‫فصعلوك ل مال له‪ ،‬انكحي أسامة بن زيد» (‪. )1‬‬
‫وتزوج عبد ال بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي‪ ،‬وتزوج المصعب بن الزبير أختها‬
‫سكينة‪ ،‬وتزوجها أيضا عبد ال بن عثمان بن حكيم بن حزام‪ ،‬وتزوج المقداد بن السود ضباعة بنة‬
‫الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ .‬وزوج أبو بكر أخته أم فروة‬
‫الشعث بن قيس‪ ،‬وهما كنديان (‪. )2‬‬
‫ولن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء‪ ،‬وإن تفاضلوا‪ ،‬وشرف بعضهم على بعض‪ ،‬وكذلك‬
‫العرب‪.‬‬
‫وإذا حرص العرب على أنسابهم وتفاخروا بها‪ ،‬فإن غير العرب قد حرصوا على أنسابهم‪ ،‬وتتعير‬
‫المرأة منهم إذا تزوجت من ل يساويها في الحسب والنسب‪.‬‬
‫‪ - 5‬المال أو اليسار‪ :‬المراد به القدرة على المهر والنفقة على الزوجة‪ ،‬ل الغنى والثراء‪ ،‬فل يكون‬
‫المعسر كفئا لموسرة‪ .‬وحدد بعض الحنفية هذه القدرة على نفقة شهر‪ ،‬وصحح بعضهم الكتفاء بالقدرة‬
‫عليها بالكسب‪.‬‬
‫واشترط اليسار في الكفاءة الحنفية والحنابلة؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم قال في الحديث السابق‬
‫لفاطمة بنت قيس‪« :‬أما معاوية فصعلوك ل مال له» ‪ ،‬ولن الناس‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس (سبل السلم‪.)129/3 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 483/6 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/233‬‬
‫يتفاخرون بالمال أكثر من التفاخر بالنسب‪ ،‬ولن الموسرة تتضرر في إعسار زوجها لخلله بنفقتها‬
‫ومؤنة أولده‪ ،‬ولهذا ملكت الفسخ بإعساره بالنفقة‪ ،‬ولن عدم اليسار نقص في عرف الناس يتفاضلون‬
‫فيه كتفاضلهم في النسب‪.‬‬
‫وقال الشافعية في الصح والمالكية‪ :‬ل يعد اليسار في خصال الكفاءة؛ لن المال ظل زائل‪ ،‬وحال‬
‫حائل‪ ،‬ومال مائل‪ ،‬ول يفتخر به أهل المروءات والبصائر‪.‬‬
‫والراجح لدي هو هذا الرأي؛ لن الغنى ل دوام له‪ ،‬والمال غاد ورائح‪ ،‬والرزق مقسوم منوط‬
‫بالكسب‪ ،‬والفقر شرف في الدين‪ ،‬وقد قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬اللهم أحيني مسكينا وأمتني‬
‫مسكينا» (‪. )1‬‬
‫‪ - 6‬المهنة أو الحرفة أو الصناعة ‪:‬‬
‫والمراد بها العمل الذي يمارسه النسان لكسب رزقه وعيشه‪ ،‬ومنه الوظيفة في الحكومة‪.‬‬
‫وذكر الجمهور غير المالكية الحرفة في خصال الكفاءة‪ ،‬بأن تكون حرفة الزوج أو أهله مساوية أو‬
‫مقاربة لحرفة الزوجة أو أهلها‪ .‬فل يكون صاحب حرفة دنيئة كالحجام والحائك والكسّاح والزبال‬
‫والحارس والراعي والفقّاط كفئآً لبنت صاحب صناعة جليلة أو رفيعة كالتاجر والبزاز‪ ،‬أي الذي يتجر‬
‫في البَزّ وهو القماش‪ ،‬والخياط‪ ،‬ول تكون بنت التاجر والبزاز كفئا لبنت العالم والقاضي نظرا للعرف‬
‫فيه‪ .‬وأما أتباع الظلمة فأخسّ من الكل‪ .‬وأهل الكفر بعضهم أكفاء لبعض؛ لن اعتبار الكفاءة لدفع‬
‫النقيصة‪ ،‬ول نقيصة أعظم من الكفر‪.‬‬
‫والمعول عليه في تصنيف الحرف هو العرف‪ ،‬وهذا يختلف باختلف الزمان والمكنة‪ ،‬فقد تكون‬
‫الحرفة دنيئة في زمن‪ ،‬ثم تصبح شريفة في زمن آخر‪ .‬وقد تكون الحرفة وضيعة في بلد‪ ،‬وتكون‬
‫رفيعة في بلد آخر‪.‬‬
‫ولم يذكر المالكية الحرفة من خصال الكفاءة؛ لنها ليست بنقص في الدين‪ ،‬ول هي وصف لزم‪،‬‬
‫كالمال‪ ،‬فأشبه كل منهما الضعف والمرض والعافية والصحة‪ .‬وهذا هو الراجح لدي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي من حديث أنس‪ ،‬وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫(تخريج أحاديث الحياء للعراقي‪.)167/4 :‬‬

‫( ‪)9/234‬‬
‫‪ - 7‬السلمة من العيوب المثبتة للخيار في النكاح‪ :‬كالجنون والجذام والبرص‪ .‬اعتبرها المالكية‬
‫والشافعية من خصال الكفاءة‪ ،‬فمن كان به عيب منها رجلً أو امرأة ليس كفئا للسليم من العيوب؛ لن‬
‫النفس تعاف صحبة من به بعضها‪ ،‬ويختل بها مقصود النكاح‪.‬‬
‫ولم يعتبر الحنفية والحنابلة السلمة من العيوب من شروط الكفاءة‪ ،‬ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون‬
‫أوليائها؛ لن الضرر مختص بها‪ ،‬ولوليها منعها من نكاح المجذوم والبرص والمجنون‪ .‬وهذا الرأي‬
‫هو الولى؛ لن خصال الكفاءة حق لكل من المرأة والولياء‪.‬‬
‫هذه هي خصال الكفاءة‪ ،‬أما ما عداها كالجمال والسن والثقافة والبلد والعيوب الخرى غير المثبتة‬
‫للخيار في الزواج كالعمى والقطع وتشوه الصورة‪ ،‬فليست معتبرة‪ ،‬فالقبيح كفء للجميل‪ ،‬والكبير‬
‫كفء للصغير‪ ،‬والجاهل كفء للمثقف أو المتعلم‪ ،‬والقروي كفء للمدني‪ ،‬والمريض كفء للسليم‪.‬‬
‫لكن الولى مراعاة التقارب بين هذه الوصاف‪ ،‬وبخاصة السن والثقافة؛ لن وجودهما أدعى لتحقيق‬
‫الوفاق والوئام بين الزوجين‪ ،‬وعدمهما يحدث بلبلة واختلفا مستعصيا‪ ،‬لختلف وجهات النظر‪،‬‬
‫وتقديرات المور‪ ،‬وتحقيق هدف الزواج‪ ،‬وإسعاد الطرفين‪.‬‬
‫الكفاءة في القانون ‪ :‬إن خصال الكفاءة المطلوبة عند الفقهاء روعي فيها عرف المجتمعات الماضية ‪،‬‬
‫فكل ما أدى إلى الضرار بسمعة المرأة و أوليائها ‪ ،‬كانت الكفاءة فيه شرطا لزوم العقد ‪.‬‬
‫واليوم ينبغي أن يعتبر العرف الحاضر أيضا‪ ،‬فإنه زال اعتبار كفاءة النسب والمال ونحوهما‪ .‬لذا نص‬
‫القانون السوري على ما يلي‪:‬‬
‫(م ‪ : )26‬يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفئا للمرأة‪.‬‬
‫(م ‪ :)27‬إذا تزوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي‪ ،‬فإن كان الزوج كفئا لزم العقد‪ ،‬وإل فللولي‬
‫طلب فسخ النكاح‪.‬‬

‫( ‪)9/235‬‬

‫(م ‪ :)28‬العبرة في الكفاءة لعرف البلد‪.‬‬


‫(م ‪ :)29‬الكفاءة حق خاص للمرأة وللولي‪.‬‬
‫(م ‪ :)30‬يسقط حق الكفاءة لعدم الكفاءة إذا حملت المرأة‪.‬‬
‫(م ‪ :)31‬تراعى الكفاءة عند العقد‪ ،‬فل يؤثر زوالها بعده‪.‬‬
‫(م ‪ :)32‬إذا اشترطت الكفاءة حين العقد‪ ،‬أوأخبر الزوج أنه كفء‪ ،‬ثم تبين أنه غير كفء كان لكل من‬
‫الولي والزوجة طلب فسخ العقد‪.‬‬
‫ويلحظ أن هذه الحكام يتفق أغلبها مع مذهب الحنفية‪ ،‬فالمادة الولى في أن الكفاءة من جانب الرجل‬
‫ل من جانب المرأة‪ ،‬أو من الجانبين‪ ،‬والثانية لتقرير أن الكفاءة شرط لزوم‪ ،‬ل شرط صحة‪ ،‬والثالثة‬
‫مراعاة مبنى الكفاءة في الصل وهو العرف‪ ،‬والرابعة كون الكفاءة حقا لكل من المرأة والولي‪،‬‬
‫والخامسة تحديد وقت سقوط حق الكفاءة عملً بمشهور مذهب الحنفية‪ ،‬والسادسة وقت مراعاة الكفاءة‬
‫وهو عند العقد‪ ،‬ل بعده‪ ،‬والسابعة التغرير بالكفاءة عند الشتراط أو الخبار بها‪.‬‬

‫( ‪)9/236‬‬

‫صلُ السّادس‪ :‬آثار الزّواج‬


‫ال َف ْ‬
‫وفيه مباحث ثلثة‪ :‬في المهر‪ ،‬والخلوة‪ ،‬والمتعة‪.‬‬
‫المبحث الول ـ المهر وأحكامه ‪:‬‬
‫تمهيد‪ :‬الزواج ككل عقد ينشأ عنه حقوق وواجبات متبادلة يلزم بها كل من الزوج والزوجة‪ ،‬وقد نص‬
‫القرآن الكريم على هذا المبدأ‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة‪ ]228/2:‬أي أن‬
‫للنساء من الحقوق على الرجال مثل ما للرجال عليهن من واجبات‪ ،‬وأن أساس تقرير هذه الحقوق‬
‫والواجبات هو العرف المستند إلى فطرة كل من الرجل والمرأة‪.‬‬
‫ونص قانون الحوال الشخصية السوري على جميع الحقوق المالية التي تستحقها الزوجة على‬
‫زوجها‪ :‬وهي المهر والنفقة والسكن‪ .‬أما الحقوق غير المالية أو الدبية كالعدل والحسان في‬
‫المعاملة‪ ،‬والمعاشرة بالمعروف‪ ،‬وطاعة الزوجة لزوجها بالمعروف‪ ،‬وحماية الزوجة من ألوان الذى‬
‫والمهانة‪ ،‬فلم يتعرض لها هذا القانون؛ لنها مبادئ أخلقية‪ ،‬وإنما نص القرآن الكريم على بعضها‪،‬‬
‫ونصت السنة النبوية على بعضها الخر‪.‬‬
‫وأتكلم هنا عن المهر‪ :‬تعريفه وحكمه وحكمته وسبب إلزام الرجل به‪ ،‬ومقداره‪ ،‬وشروطه أو ما يصلح‬
‫أن يكون مهرا وما ل يصلح‪ ،‬أنواعه وحالت وجوب كل نوع‪ ،‬صاحب الحق في المهر‪ ،‬وقبضه وما‬
‫يترتب على القبض‪ ،‬تعجيله وتأجيله‪ ،‬الزيادة والحط من المهر‪ ،‬متى يجب المهر ومتى يتأكد وجوبه‪،‬‬
‫ومتى يتنصف‪ ،‬ومتى يسقط‪ ،‬تبعة ضمان المهر وحكم هلكه واستهلكه وتعييبه وزيادته‪ ،‬الختلف‬
‫في المهر‪ ،‬الملزم بالجهاز والختلف فيه‪ ،‬ميراث الصداق وهبته‪.‬‬
‫أولً ـ تعريف المهر وحكمه وحكمته وسبب إلزام الرجل به ‪:‬‬
‫المهر‪ :‬هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها حقيقة‪ .‬وعرفه‬
‫صاحب العناية على هامش الفتح‪ :‬هو المال الذي يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابلة ال ُبضْع‬
‫إما بالتسمية أو بالعقد‪ .‬وعرفه بعض الحنفية‪ :‬بأنه ما تستحقه المرأة بعقد النكاح أو الوطء‪.‬‬
‫وعرفه المالكية‪ :‬بأنه ما يجعل للزوجة في نظير الستمتاع بها‪.‬‬
‫وعرفه الشافعية‪ :‬بأنه ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت ُبضْع قهرا‪ ،‬كرضاع ورجوع شهود‪ .‬وعرفه‬
‫الحنابلة‪ :‬بأنه العوض في النكاح‪ ،‬سواء سمي في العقد أو فرض بعده بتراضي الطرفين أو الحاكم‪ ،‬أو‬
‫العوض في نحو النكاح كوطء الشبهة ووطء المكرهة (‪. )1‬‬
‫عقْر‪ ،‬وعلئق‪،‬‬
‫وله أسماء عشرة‪ :‬مهر‪ ،‬وصداق أو صدقة‪ ،‬ونِحْلة‪ ،‬وأجر‪ ،‬وفريضة‪ ،‬وحِبَاء‪ ،‬و ُ‬
‫طوْلً} [النساء‪ ]225/4:‬وقوله سبحانه‪{ :‬وليستعفف‬
‫طوْل‪ ،‬ونكاح‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ومن لم يستطع منكم َ‬
‫وَ‬
‫الذين ل يجدون نكاحا} [النور‪ ]33/24:‬نظم بعضهم ثمانية منها في بيت‪:‬‬
‫صداق‪ ،‬ومهر‪ ،‬نحلة‪ ،‬وفريضة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العناية بهامش فتح القدير‪ ،434/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،452/2 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،428/2‬مغني المحتاج‪ ،220/3 :‬كشاف القناع‪.142/5 :‬‬

‫( ‪)9/237‬‬

‫وحكمه‪ :‬أنه واجب على الرجل دون المرأة‪ ،‬ويجب كما دلت التعاريف بأحد أمرين؛ إذ الوطء في دار‬
‫عقْر (مهر)‪ ،‬احتراما لنسانية المرأة‪:‬‬
‫عقْر (حد) أو ُ‬
‫السلم ل يخلو عن َ‬
‫الول ـ مجرد العقد الصحيح‪ :‬وقد يسقط كله أو نصفه ما لم يتأكد بالدخول أو بالموت‪ ،‬أو بالخلوة‬
‫عند الحنفية والحنابلة‪.‬‬
‫الثاني ـ الدخول الحقيقي‪ :‬كما في حالة الوطء بشبهة‪ ،‬أو في الزواج الفاسد‪ .‬ول يسقط حينئذ إل‬
‫بالداء أو بالبراء‪.‬‬
‫و نص القانون السوري (م ‪ )53‬على أنه‪ :‬يجب للزوجة المهر بمجرد العقد الصحيح‪ ،‬سواء أسمي‬
‫عند العقد أم لم يسم أم نفي أصلً‪.‬‬
‫وأدلة وجوب المهر‪ :‬ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - ً 1‬القرآن‪ :‬قال تعالى‪{ :‬وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء‪ ]4/4:‬أي عطية من ال مبتدأة أو‬
‫هدية‪ .‬والمخاطب به الزواج عند الكثرين‪ ،‬وقيل‪ :‬الولىاء؛ لنهم كانوا في الجاهلية يأخذونه‪،‬‬
‫ويسمونه نحلة‪ ،‬وهو دليل على أن المهر رمز لكرام المرأة‪ ،‬والرغبة في القتران‪.‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬فما استمتعتم به منهن‪ ،‬فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء‪ ]24/4 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫{وآتوهن أجورهن} [النساء‪{ ]25/4:‬وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير‬
‫مسافحين} [النساء‪.]24/4:‬‬
‫‪ - ً 2‬السنة‪ :‬قال صلّى ال عليه وسلم لمريد التزوج‪« :‬التمس ولو خاتما من حديد» (‪ ، )1‬وثبت عنه‬
‫عليه الصلة والسلم أنه لم يخل زواجا من مهر‪.‬‬
‫وتسن تسمية المهر في العقد؛ لنه صلّى ال عليه وسلم لم يخل نكاحا عنه‪ ،‬ولنه أدفع للخصومة‪،‬‬
‫ولئل يشبه نكاح الواهبة نفسها للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح ‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،679/6 :‬المهذب‪.55/2 :‬‬

‫( ‪)9/238‬‬

‫والحكمة من وجوب المهر‪ :‬هو إظهار خطر هذا العقد ومكانته‪ ،‬وإعزاز المرأة وإكرامها‪ ،‬وتقديم‬
‫الدليل على بناء حياة زوجية كريمة معها‪ ،‬وتوفير حسن النية على قصد معاشرتها بالمعروف‪ ،‬ودوام‬
‫الزواج‪ .‬وفيه تمكين المرأة من التهيؤ للزواج بما يلزم لها من لباس ونفقة‪.‬‬
‫وكون المهر واجبا على الرجل دون المرأة‪ :‬ينسجم مع المبدأ التشريعي في أن المرأة ل تكلف بشيء‬
‫من واجبات النفقة‪ ،‬سواء أكانت أما أم بنتا أم زوجة‪ ،‬وإنما يكلف الرجل بالنفاق‪ ،‬سواء المهر أم نفقة‬
‫المعيشة وغيرها؛ لن الرجل أقدر على الكسب والسعي للرزق‪ ،‬وأما المرأة فوظيفتها إعداد المنزل‬
‫وتربية الولد وإنجاب الذرية‪ ،‬وهو عبء ليس بالهيّن ول باليسير‪ ،‬فإذا كلفت بتقديم المهر‪ ،‬وألزمت‬
‫السعي في تحصيله اضطرت إلى تحمل أعباء جديدة‪ ،‬وقد تمتهن كرامتها في هذا السبيل‪.‬‬
‫ووضع القرآن مبدأ توزيع المسؤوليات المالية بين الرجل والمرأة‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬الرجال قوّامون‬
‫على النساء‪ ،‬بما فضل ال بعضهم على بعض‪ ،‬وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء‪.]34/4:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه بين أحمد والشيخين عن سهل بن سعد (نيل الوطار‪.)170/6 :‬‬

‫( ‪)9/239‬‬

‫المهر ليس ركنا ول شرطا في الزواج ‪:‬‬


‫أوضحت في شروط الزواج أن المهر ـ وإن كان واجبا في العقد ـ إل أنه ليس ركنا ول شرطا من‬
‫شروط الزواج (‪ ، )1‬وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه‪ ،‬لذا اغتفر فيه الجهل اليسير والغرر الذي‬
‫يرجى زواله؛ لن القصد من النكاح الوصلة والستمتاع‪ ،‬فإذا تم العقد بدون مهر صح‪ ،‬ووجب‬
‫للزوجة المهر اتفاقا‪.‬‬
‫والدليل قوله تعالى‪{ :‬لجناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]236/2‬فإنه أباح الطلق قبل الدخول وقبل فرض المهر‪ ،‬مما يدل على أن المهر ليس ركنا ول‬
‫شرطا‪.‬‬
‫وثبت في السنة عن علقمة قال‪ « :‬أتي عبد ال ـ أي ابن مسعود ـ في امرأة تزوجها رجل‪ ،‬ثم مات‬
‫عنها‪ ،‬ولم يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها‪ ،‬قال‪ :‬فاختلفوا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬أرى لها مثل مهر نسائها‪،‬‬
‫ولها الميراث‪ ،‬وعليها العِدّة‪ ،‬فشهد َمعْقِل بن سنان الشجعي أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في‬
‫بَ ْردَع بنة واشق بمثل ما قضى» (‪. )2‬‬
‫ويؤكده حديث عقبة بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم لرجل‪« :‬إني أزوجك فلنة؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال للمرأة‪ :‬أترضين أن أزوجك فلنا؟ قالت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،274/2 :‬كشاف القناع‪ ،174 ،144/5 :‬المهذب‪ ،60 ،55/2 :‬مغني المحتاج‪،229/3 :‬‬
‫بداية المجتهد‪ ،25/2 :‬الشرح الصغير‪.449/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة ( أحمد وأصحاب السنن ) وصححه الترمذي‪ ،‬وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن‬
‫حبان وصححه أيضا ابن مهدي (نيل الوطار‪.)172/6 :‬‬

‫( ‪)9/240‬‬

‫فزوج أحدهما من صاحبه‪ ،‬فدخل عليها ولم يُفرض لها به صداق؛ فلما حضرته الوفاة قال‪ :‬إن رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم زوجني فلنة‪ ،‬ولم أفرض لها صداقا‪ ،‬ولم أعطها شيئا‪ ،‬وإني قد أعطيتها عن‬
‫صداقي سهمي بخيبر‪ ،‬فأخذت سهمه‪ ،‬فباعته بمائة ألف» (‪. )1‬‬
‫وبناء عليه‪ :‬لو اتفق الزوجان بدون مهر‪ ،‬أو سميا ما ل يملك شرعا كالخمر والخنزير والنجس كروث‬
‫دواب‪ ،‬صح العقد عند الجمهور غير المالكية‪ ،‬ووجب للمرأة مهر المثل‪ ،‬بالدخول أو الموت‪ .‬وقال‬
‫المالكية‪ :‬إن اتفق الزوجان على إسقاط المهر فهو نكاح فاسد‪.‬‬
‫نكاح التفويض‪ :‬قال ابن رشد وغيره (‪ : )2‬أجمع الفقهاء على أن نكاح التفويض جائز‪ :‬وهو أن يعقد‬
‫النكاح دون صداق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن‪ ،‬أو تفرضوا لهن‬
‫فريضة} [البقرة‪ .]236/2:‬لكن نكاح التفويض يشمل عند الجمهور حالة التفاق على عدم المهر‪،‬‬
‫وعدم تسمية المهر‪ ،‬وأما عند المالكية فيقتصر على الحالة الثانية‪ ،‬وأما التفاق على إسقاط المهر‬
‫فيفسد الزواج‪.‬‬
‫ثانيا ـ مقدار المهر ـ التغالي في المهور ‪:‬‬
‫ليس للمهر حد أقصى بالتفاق (‪ )3‬؛ لنه لم يرد في الشرع ما يدل على تحديده بحد أعلى‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪...{ :‬وآتيتم إحداهن قنطارا‪ ،‬فل تأخذوا منه شيئا} [النساء‪.]20/4:‬‬
‫تنبهت امرأة إلى هذه الية‪ ،‬حينما أراد عمر بن الخطاب رضي ال عنه تحديد المهور‪ ،‬فنهى أن يزاد‬
‫في الصداق على أربع مئة درهم‪ ،‬وخطب الناس فيه‪ ،‬فقال (‪ : )4‬ل ُتغْلوا في صداق النساء‪ ،‬فإنها لو‬
‫كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الخرة‪ ،‬كان أولكم بها رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ما‬
‫أصدق قط امرأة من نسائه ول بناته فوق اثنتي عشر أوقية ـ أي من الفضة (‪ )5‬ـ فمن زاد على‬
‫أربعمائة شيئا‪ ،‬جعلت الزيادة في بيت المال‪ ،‬فقالت له امرأة من قريش بعد نزوله من على المنبر‪:‬‬
‫ليس ذلك إليك يا عمر‪ ،‬فقال‪ :‬ولم؟ قالت‪ :‬لن ال تعالى يقول‪{ :‬وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه‬
‫شيئا‪ ،‬أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا } [النساء‪ ]20/4:‬فقال عمر‪ :‬امرأة أصابت‪ ،‬ورجل أخطأ‪ .‬ورواه أبو‬
‫يعلى في الكبير‪ :‬فقال‪ :‬اللهم غفرا‪ ،‬كل الناس أفقه من عمر‪ ،‬ثم رجع فركب المنبر فقال‪ :‬أيها الناس‪،‬‬
‫إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم‪ ،‬فمن شاء أن يعطي من ماله ما‬
‫أحب (‪. )6‬‬
‫ولكن يسن تخفيف الصداق وعدم المغالة في المهور‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن أعظم النكاح‬
‫بركة أيسره مؤونة» (‪ )7‬وفي رواية «إن أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا» وروى أبو داود‬
‫وصححه الحاكم عن عقبة بن عامر حديث‪« :‬خير الصداق أيسره» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود والحاكم‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،25/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،203‬البدائع‪ ،274/2 :‬الدر المختار‪ ،460/2 :‬مغني‬
‫المحتاج‪.228/3 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،286/2 :‬الدر المختار‪ 452/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،202‬المهذب‪،55/2 :‬‬
‫كشاف القناع‪.142/5 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه وأحمد وابن ماجه (الخمسة) عن أبي العجفاء (نيل‬
‫الوطار‪.)168/6 :‬‬
‫(‪ )5‬الوقية‪ :‬أربعون درهما‪.‬‬
‫(‪ )6‬مجمع الزوائد‪ 283/4 :‬وما بعدها‪ ،‬سيرة عمر بن الخطاب للطنطاويين نقلً عن سيرة عمر لبن‬
‫الجوزي‪ ،321/1 :‬تكملة المجموع‪.482/15 :‬‬
‫(‪ )7‬رواه أحمد عن عائشة‪ ،‬وفيه ضعيف (نيل الوطار‪.)168/6 :‬‬

‫( ‪)9/241‬‬

‫والحكمة من منع المغالة في المهور واضحة وهي تيسير الزواج للشباب‪ ،‬حتى ل ينصرفوا عنه‪،‬‬
‫فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة‪ ،‬وقد ورد في خطاب عمر السابق‪« :‬وإن الرجل ليغلي بصدقة‬
‫امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه» ‪.‬‬
‫أقل المهر‪ :‬أما الحد الدنى للمهر فمختلف فيه على آراء ثلثة‪ :‬قال الحنفية (‪ : )1‬أقل المهر عشرة‬
‫دراهم‪ ،‬لحديث‪« :‬ل مهر أقل من عشرة دراهم» (‪ )2‬وقياسا على نصاب السرقة‪ :‬وهو ما تقطع به يد‬
‫السارق فإنه عندهم دينار أو عشرة دراهم‪ ،‬إظهارا لمكانة المرأة‪ ،‬فيقدر المهر بما له أهمية‪ .‬وأما‬
‫حديث «التمس ولو خاتما من حديد» فحملوه على المهر المعجل؛ لن العادة عندهم تعجيل بعض‬
‫المهر قبل الدخول‪ ،‬وقد منع صلّى ال عليه وسلم عليا أن يدخل بفاطمة رضي ال عنها حتى يعطيها‬
‫شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ليس لي شيء‪ ،‬فقال‪ :‬أعطها درعك‪ ،‬فأعطاها درعه (‪. )3‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )4‬أقل المهر ربع دينار‪ ،‬أو ثلثة دراهم فضة خالصة من الغش‪ ،‬أو ما يساويها مما‬
‫يقوم بها من عروض أو من كل طاهر ل نجس‪ ،‬متمول شرعا من عرض أو حيوان أو عقار‪ ،‬منتفع‬
‫به شرعا‪ ،‬أي يحل النتفاع به ل كآلة لهو‪ ،‬مقدور على تسليمه للزوجة‪ ،‬معلوم قدرا وصنفا وأجلً‪،‬‬
‫ودليلهم أن المهر وجب في الزواج إظهارا لكرامة المرأة ومكانتها‪ ،‬فل يقل عن هذا المقدار الذي هو‬
‫نصاب السرقة عندهم‪ ،‬مما يدل على خطره‪ ،‬فلو تزوج رجل امرأة بأقل من هذا المقدار‪ ،‬وجب لها إن‬
‫دخل بها‪ ،‬وإن لم يدخل بها قيل له‪ :‬إما أن تتم المهر أو تفسخ العقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،452/2 :‬البدائع‪.275/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البيهقي بسند ضعيف‪ ،‬ورواه ابن أبي حاتم‪ ،‬وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬إنه بهذا السناد حسن‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود والنسائي‪.‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪.428/2 :‬‬

‫( ‪)9/242‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬ل حد لقل المهر‪ ،‬ول تتقدر صحة الصداق بشيء‪ ،‬فصح كون المهر‬
‫مالً قليلً أو كثيرا‪ ،‬وضابطه‪ :‬كل ما صح كونه مبيعا أي له قيمة صح كونه صداقا‪ ،‬وما ل فل‪ ،‬ما لم‬
‫ينته إلى حد ل يتمول‪ ،‬فإن عقد بما ل يتمول ول يقابل بما يتمول كالنواة والحصاة‪ ،‬فسدت التسمية‬
‫ووجب مهر المثل‪ .‬ودليلهم‪:‬‬
‫أ ـ قوله تعالى‪{ :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} [النساء‪ ]24/4:‬فلم يقدره الشرع بشيء‪،‬‬
‫فيعمل به على إطلقه‪.‬‬
‫ب ـ الحديث المتقدم‪« :‬التمس ولو خاتما من حديد» فيدل على أن المهر يصح بكل ما يطلق عليه‬
‫اسم المال‪.‬‬
‫جـ ـ روى عامر بن ربيعة أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين‪ ،‬فقال رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬رضيتِ من مالك ونفسك بنعلين؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأجازه» (‪ )2‬وأخرج أبو داود عن جابر‬
‫موقوفا‪« :‬لو أن رجلً أعطى امرأة صداقا ملء يده طعاما‪ ،‬كانت له حللً» ‪.‬‬
‫د ـ إن المهر حق المرأة‪ ،‬شرعه ال إظهارا لمكانتها‪ ،‬فيكون تقديره برضا الطرفين‪ ،‬ولن المهر بدل‬
‫الستمتاع بالمرأة‪ ،‬فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها‪.‬‬
‫وهذا هو الرأي الراجح لقوة دليله من القرآن والسنة‪ ،‬وقال أصحاب هذا الرأي‪ :‬يسن أن يكون المهر‬
‫من أربع مئة درهم إلى خمس مئة درهم‪،‬وأل يزيد على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،55/2 :‬مغني المحتاج‪ ،220/3 :‬كشاف القناع‪ 142/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 680/6 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬و ‪.739‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه‪.‬‬

‫( ‪)9/243‬‬

‫ذلك‪ ،‬لما روت أم حبيبة «أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة‪ ...‬ولم‬
‫يبعث لها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بشيء‪ ،‬وكان مهر نسائه أربعمائة درهم» (‪ ، )1‬وروت‬
‫عائشة‪« :‬أن صداق النبي صلّى ال عليه وسلم على أزواجه خمسمائة درهم» (‪ )2‬والمستحب القتداء‬
‫به عليه السلم‪ ،‬والتبرك بمتابعته‪.‬‬
‫وإن زاد الصداق على خمسمائة درهم فل بأس‪ ،‬لما روت أم حبيبة في الحديث المتقدم‪« :‬أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم تزوجها‪ ،‬وهي بأرض الحبشة‪ ،‬زوّجها النجاشي‪ ،‬وأمهرها أربعة آلف وجهزها‬
‫من عنده‪ ،‬وبعث بها مع شرحبيل بن حَسَنة‪ ،‬فلم يبعث لها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بشيء» ولو‬
‫كره ذلك لنكره‪.‬‬
‫ويكره ترك تسمية المهر في العقد؛ لنه قد يؤدي إلى التنازع في فرضه‪.‬‬
‫ويستحب أل ينقص عن عشرة دراهم‪ ،‬خروجا من خلف من قدر أقله بذلك‪.‬‬
‫مهر السر ومهر العلنية‪ :‬إن تزوجها على صداقين‪ :‬صداق في السر‪ ،‬وصداق في العلنية‪ ،‬فالواجب‬
‫عند الشافعية والمالكية والحنفية‪ ،‬ما عقد به العقد؛ لن الصداق يجب بالعقد‪ ،‬فوجب ما عقد به؛ ولن‬
‫إظهار العلنية ليس بعقد‪ ،‬ول يتعلق به وجوب شيء‪.‬‬
‫ويؤخذ بالعلنية عند الحنابلة‪ ،‬وإن كان صداق السر قد انعقد به النكاح؛ لنه إذا عقد في الظاهر عقد‬
‫بعد عقد السر‪ ،‬فقد وجد منه بذل الزائد‪ ،‬على مهر السر‪ ،‬فيجب الزائد عليه‪ ،‬كما لو زادها على‬
‫صداقها‪.‬‬
‫اختلف القبول عن اليجاب‪ :‬إن قال الولي‪ :‬زوجتك ابنتي بألف‪ ،‬وقال الزوج‪ :‬قبلت نكاحها‬
‫بخمسمائة‪ ،‬وجب مهر المثل عند الشافعية؛ لن الزوج لم يقبل بألف‪ ،‬والولي لم يوجب بخمسمائة‪،‬‬
‫فسقط الجميع‪ ،‬ووجب مهر المثل‪.‬‬
‫و أخذ القانون السوري (م ‪ )54‬برأي الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫ونص المادة‪ - 1 :‬ل حد لقل المهر ول لكثره‪ - 2 .‬كل ما صلح التزامه شرعا صلح أن يكون‬
‫مهرا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والنسائي (نيل الوطار‪.)169/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)9/244‬‬

‫ثالثا ـ شروط المهر أو ما يصلح أن يكون مهرا وما ل يصلح ‪:‬‬


‫يشترط في الصداق شروط ثلثة (‪: )1‬‬
‫الول ـ أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه من العين (الذهب) والعروض ونحوها‪ ،‬فل يجوز بخمر‬
‫وخنزير وغيرهما مما ل يتملك‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يكون معلوما‪ :‬لن الصداق عوض في حق معاوضة‪ ،‬فأشبه الثمن‪ ،‬فليجوز بمجهول إل‬
‫في نكاح التفويض‪ :‬وهو أن يسكت العاقدان عن تعيين الصداق حين العقد‪ ،‬ويفوض التعيين إلى‬
‫أحدهما أو إلى غيرهما‪ .‬ول يجب عند المالكية والحنفية خلفا للشافعي وأحمد وصف العروض‪ .‬وإن‬
‫وقع على غير وصف فلها الوسط‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يسلم من الغرر‪ :‬فل يجوز فيه عبد آبق ول بعير شارد وشبههما‪.‬‬
‫وزاد الحنفية شرطا رابعا‪ :‬وهو أن يكون النكاح صحيحا‪ ،‬فل تصح التسمية في النكاح الفاسد‪ ،‬فل‬
‫يلزم المسمى؛ لن الفاسد ليس بنكاح‪ ،‬ويجب مهر المثل بالوطء‪.‬‬
‫وبناء عليه وضع الفقهاء ضوابط لما يصلح أن يكون مهرا وما ل يصلح‪:‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )2‬المهر‪ :‬هو كل مال متقوم معلوم مقدور على تسليمه‪ .‬فيصح كون المهر ذهبا أو‬
‫فضا‪ ،‬مضروبة أو سبيكة‪ ،‬أي نقدا أو حليا ونحوه‪ ،‬دينا أوعينا‪ ،‬ويصح كونه فلوسا أو أوراقا نقدية‪،‬‬
‫ل أو موزونا‪ ،‬حيوانا أوعقارا‪ ،‬أو عروضا تجارية كالثياب وغيرها‪.‬‬
‫مكي ً‬
‫ـ ويصح أيضا كونه منفعة شخص أو عين يستحق في مقابلها المال‪ ،‬كسكنى الدار‪ ،‬وزراعة‬
‫الرض‪ ،‬وركوب السيارة ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،287-277/2 :‬الشرح الكبير‪ ،294/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،201‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،147/5‬مغني المحتاج‪ 220/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬الدر المختار‪ ،461-458 ،253/2 :‬أحكام القرآن للجصاص‪.143/2 :‬‬

‫( ‪)9/245‬‬

‫ـ أما الزواج على أن يعلمها القرآن أو بعضه أو بعض أحكام الدين من حلل وحرام‪ ،‬فل يصح عند‬
‫متقدمي الحنفية‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أن تبتغوا بأموالكم} [النساء‪ ]24/4:‬ولن المسمى ليس بمال؛ لن تعليم‬
‫القرآن ونحوه من الطاعات قربة إلى ال تعالى‪ ،‬ل يصح الستئجار عليها عند أئمة الحنفية الثلثة‪،‬‬
‫وليصح أن يقابل التعليم بالمال‪ ،‬وحينئذ ل تصح التسمية‪ ،‬ويجب مهر المثل؛ لنها منفعة ل تقابل‬
‫بمال‪.‬‬
‫وأفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الجرة على تعليم القران وأحكام الدين‪ ،‬للحاجة إليه بسبب تغير‬
‫الحوال واشتغال الناس بشؤون المعيشة‪ ،‬فل يتفرغ المعلم من غير أجر‪ .‬وعليه يجوز جعل المهر‬
‫تعليم القرآن أو أحكام الدين‪ ،‬ويدل له حديث سهل بن سعد‪ ،‬الذي جاء فيه أن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم زوج رجلً بما معه من القرآن‪ ،‬فقال‪« :‬قد زوجتُكها بما معك من القرآن» (‪ )1‬وفي رواية متفق‬
‫عليها‪« :‬قد ملكتكها بما معك من القرآن» ‪.‬‬
‫ـ ول يصح كون المهر ما ليس مالً متقوما كأن يتزوج مسلم مسلمة على التراب أو الدم أو الخمر‬
‫أو الخنزير؛ لن الميتة والدم ليسا بمال في حق أحد‪ ،‬والخمر والخنزير ليسا بمال متقوم في حق‬
‫المسلم‪ ،‬ول يصح زواج امرأة على طلق امرأة أخرى أو على العفو عن القصاص؛ لن الطلق ليس‬
‫بمال‪ ،‬وكذا القصاص‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه بين أحمد والشيخين (نيل الوطار‪.)170/6 :‬‬

‫( ‪)9/246‬‬

‫ـ ول يصح نكاح الشغار‪ :‬وهو أن يزوج الرجل أخته لخر‪ ،‬على أن يزوجه الخر أخته‪ ،‬أو يزوجه‬
‫ابنته‪ ،‬هذه التسمية فاسدة؛ لن كل واحد منهما جعل ُبضْع كل واحدة منهما مهر الخرى‪ ،‬والبضع‬
‫ليس بمال‪ ،‬ففسدت التسمية‪ ،‬ووجب لكل واحدة منهما مهر المثل‪ ،‬والنكاح صحيح عندهم‪ .‬وعند‬
‫الجمهور‪ :‬فاسد أو باطل؛ لما روي أنه صلّى ال عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار‪ .‬والنهي يوجب‬
‫فساد المنهي عنه‪ .‬ووجهة الحنفية‪ :‬أن هذا الزواج مؤبد‪ ،‬أدخل فيه شرط فاسد‪ ،‬حيث شرط فيه أن‬
‫يكون ُبضْع كل واحدة منهما مهر الخرى‪ ،‬والبضع ل يصلح مهرا‪ ،‬والنكاح ل تبطله الشروط‬
‫الفاسدة‪ ،‬كما إذا تزوج امرأة على أن يطلقها‪ ،‬وعلى أن ينقلها من منزلها ونحوه‪ .‬أما النهي عن نكاح‬
‫الشغار فهو الخالي عن العوض‪ ،‬وعندهم هو نكاح بعوض وهو مهر المثل‪ ،‬فل يكون شغارا‪.‬‬
‫ـ ولو تزوج حر امرأة على أن يخدمها سنة‪ ،‬كرعي غنمها سنة‪ ،‬فالتسمية فاسدة‪ ،‬ولها مهر مثلها في‬
‫قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لن المنافع ليست بأموال متقومة عندهما‪ ،‬فلم تكن عندهما مضمونة‬
‫بالغصب والتلف‪ ،‬وإنما يثبت لها التقوم إذا ورد العقد عليها‪ ،‬للضرورة‪ ،‬دفعا للحاجة بها‪.‬‬
‫وعند الشافعي وباقي الئمة‪ :‬التسمية صحيحة‪ ،‬وللمرأة خدمة سنة؛ لن المبدأ عندهم‪ :‬كل ما يجوز‬
‫أخذ العوض عنه‪ ،‬يصح تسميته مهرا‪ ،‬ومنافع الحر يجوز أخذ العوض عنها؛ لن إجارة الحر جائزة‬
‫بل خلف فصح تسميتها‪ ،‬والمنافع عندهم أموال متقومة‪.‬‬
‫ـ ويصح أن يتزوج الرجل امرأة على منافع العيان مدة معلومة‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬مثل سكنى داره‪،‬‬
‫وركوب دابته والحمل عليها‪ ،‬وزراعة أرضه ونحوها؛ لن هذه المنافع أموال‪ ،‬أو التحقت بالموال‬
‫شرعا في سائر العقود للحاجة‪.‬‬

‫( ‪)9/247‬‬
‫ـ ويصح الزواج على متقوم مجهول جهالة يسيرة؛ لن المال غير مقصود في الزواج‪ ،‬فيتسامح فيه‬
‫بما ل يتسامح في المعاوضات المالية‪ ،‬ول يصح الزواج على ما هو مجهول جهالة فاحشة؛ لنه‬
‫يفضي إلى النزاع‪ ،‬وكل ما يفضي إلى المنازعة يفسد العقد‪.‬‬
‫والفرق بين نوعي الجهالتين‪ :‬أن الجهالة الفاحشة‪ :‬ما كان الجنس أو النوع أو المقدار فيها مجهولً‪،‬‬
‫كأن يتزوج امرأة على حيوان أو دابة أو ثوب؛ لن كل واحد منها جنس يدخل تحته أنواع مختلفة‪ .‬أو‬
‫يتزوج على قطن دون بيان نوعه‪ ،‬أو على دار دون بيان حجمها؛ لن للقطن أنواعا مختلفة‪ ،‬وتختلف‬
‫الدارفي الصغر والكبر‪ ،‬والبلد والموقع‪ ،‬والهيئة والطريق‪.‬‬
‫وأما الجهالة اليسيرة‪ :‬ما كان المسمى معلوم الجنس والنوع‪ ،‬مجهول الصفة كطن حنطة أو قنطار‬
‫قطن‪ ،‬دون بيان الوصف‪ ،‬فجهالة الوصف عند الحنفية والمالكية ل تضر؛ لنها يسيرة‪ ،‬ويجب الوسط‬
‫من النوع المعين أو قيمته من غير إجحاف بالزوجة أو الزوج؛ لنه هو العدل لما فيه من مراعاة‬
‫الجانبين‪ .‬وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬جهالة الوصف تضر؛ لنها تفضي إلى المنازعة كجهالة الجنس‪.‬‬
‫ضابط ما يصلح مهرا عند المالكية ‪:‬‬
‫قال المالكية (‪ : )1‬المهر‪ :‬هو كل متموّل شرعا من عَرَض أو حيوان أو عقار‪ ،‬طاهر ل نجس إذ ل‬
‫يقع به تقويم شرعا‪ ،‬منتفع به شرعا‪ ،‬إذ غير المنتفع به كآلة اللهو ل يقع به تقويم‪ ،‬مقدور على تسليمه‬
‫للزوجة‪ ،‬معلوم قدرا وصنفا وأجلً‪.‬‬
‫فل يصح كون المهر غير متمول‪ :‬كقصاص وجب للزوج على زوجته‪ ،‬فتزوجها على تركه‪ ،‬فيفسخ‬
‫قبل الدخول‪ ،‬فإن دخل وجب صداق المثل‪ ،‬ويرجع للدية‪ .‬ومثل سمسرة كأن يتزوجها سمسارا في بيع‬
‫سلعة لها‪.‬‬
‫ول يصح على ما ل يملك شرعا كخمر وخنزير ونجس كروث دابة‪.‬‬
‫ول على غير مقدور على تسليمه كآبق‪ ،‬وما فيه غرر كجنين وثمرة لم يبد صلحها على أن تبقى‬
‫حتى تطيب‪ .‬فإن شرط أخذها من هذا الوقت بالجداد (صِرَام النخل) جاز‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،432-429/2 :‬وانظر أيضا ص ‪ ،385‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،201‬بداية‬
‫المجتهد‪.27 ،20/2 :‬‬

‫( ‪)9/248‬‬
‫ول على مجهول كشيء أو ثوب لم يعين نوعه‪ ،‬أو دنانير لم يبين قدرها‪ ،‬أو شيء لم يبين أجل‬
‫تسليمه‪ ،‬أو فرس من أفراسه يختاره هو ل هي؛ لحتمال اختياره الدنى أوالعلى‪ .‬أما إذا كان‬
‫الختيار لها‪ ،‬على أنها ل تختار إل الحسن فيجوز‪ ،‬إذ ل غرر‪.‬‬
‫وجاز المهر الذي فيه جهالة يسيرة أو غرر يسير‪ ،‬لبناء الزواج على المكارمة والتسامح‪ ،‬كأن‬
‫شوْرة‪:‬أي متاع البيت‪،‬‬
‫يتزوجها على مهر مثلها‪ ،‬أو على جهاز البيت المعلوم بينهم وهو ما يسمى‪َ :‬‬
‫ويقع على الوسط‪ ،‬أي وسط ما يتناكح به الناس‪.‬‬
‫وجاز المهر على عدد معلوم كعشرة من إبل وغنم‪ ،‬ويقع على الوسط‪ ،‬ويعتبر الوسط في السن وفي‬
‫الجودة والرداءة‪.‬‬
‫ول يجوز المهر على منفعة ل يستحق في مقابلها المال‪ ،‬فل تصح مهرا‪ ،‬كأن يتزوجها ويجعل مهرها‬
‫طلق ضَرتها‪ ،‬أوأل يتزوج عليها‪ ،‬أو أل يخرجها من بلدها‪ ،‬فإن كل منفعة من هذه المنافع ل تصلح‬
‫أن تكون مهرا؛ لنها ل تقابل بمال‪ ،‬ول يجوز في المشهور عندهم كالحنفية النكاح على الجارة‬
‫كالخدمة وتعليم القرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬يجوز وفاقا للشافعي وابن حنبل‪.‬‬

‫( ‪)9/249‬‬

‫ضابط ما يصلح مهرا عند الشافعية والحنابلة (‪: )1‬‬


‫قالوا‪ :‬كل ما صح مبيعا صح صداقا‪ ،‬أو كل ما صح ثمنا أو أجرة‪ ،‬صح مهرا وإن قل‪ ،‬وهو كل‬
‫ل ومنفعة معلومة‪ ،‬كرعاية غنمها مدة معلومة‪،‬‬
‫متمول سواء أكان عينا أم دينا‪ ،‬معجلً ومؤجلً‪ ،‬عم ً‬
‫وخياطة ثوبها‪ ،‬ورد آبقها من موضع معين‪ ،‬وخدمة مدة معينة‪ ،‬وتعليم القرآن أو شيء من الشعر‬
‫المباح أو الدب‪ ،‬أو تعليم كتابة أو صنعة وغيرها من المنافع المباحة‪ ،‬لقوله تعالى حكاية عن شعيب‬
‫حجَج}‬
‫مع موسى عليهما السلم‪ { :‬إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين‪ ،‬على أن تأجرني ثماني ِ‬
‫[القصص‪ ]27/28:‬ولن الزواج عقد على المنفعة فجاز بما ذكر كالجارة‪ ،‬ولن منفعة الحر يجوز‬
‫أخذ العوض عنها في الجارة‪ ،‬فجازت صداقا‪ ،‬وللحديث المتقدم‪« :‬قد زوجتكها بما معك من القرآن»‬
‫‪.‬‬
‫فإن طلقها قبل الدخول وقبل استيفاء المنفعة‪ ،‬فعليه نصف أجرة النفع الذي جعله صداقا لها‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن المهر على أن يخدم الرجل المرأة بنفسه في البيت أو غيره ل يجوز عند الحنفية‪،‬‬
‫ويجوز عند الشافعية‪ ،‬ويجوز عند الحنابلة لمدة معينة‪.‬ويصح أن يتزوج الرجل امرأة على عمل‬
‫معلوم‪ ،‬كخياطة ثوب معين منه ومن غيره‪ ،‬فإن تلف الثوب قبل خياطته‪ ،‬فعليه أجرة المثل‪.‬‬
‫ول يجوز أن يكون المهر شيئا محرّما والزوجان مسلمان أو المرأة كتابية‪ ،‬مثل الخمر والخنزير‬
‫والمغصوب‪ ،‬وتعليم التوراة أو النجيل أو شيء منهما‪ ،‬فإن تزوج الرجل بمحرّم‪ ،‬صح النكاح ووجب‬
‫مهر المثل لفساد التسمية‪ ،‬بانتفاء كون الخمر والخنزير مالً‪ ،‬وانتفاء كون المغصوب ملكا للزوج‪،‬‬
‫ولن المذكور من التوراة أو النجيل منسوخ مبدل محرم‪ ،‬فهو كما لو أصدقها محرما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،225 ،220/3 :‬المهذب‪ ،56/2 :‬كشاف القناع‪ ،147-143/5 :‬المغني‪،687/6 :‬‬
‫‪.698-694‬‬

‫( ‪)9/250‬‬

‫ول يصح كون المهر فيه غرر كالمعدوم والمجهول‪ ،‬ول ما ل يتم تملكه له كالمبيع قبل القبض‪ ،‬ول‬
‫ما ل يقدر على تسليمه كالعبد البق والبعير الشارد والطير الطائر؛ لنه عوض في عقد‪ ،‬فل يجوز به‬
‫كالعوض في البيع والجارة‪ .‬فإن تزوج على شيء منه لم يبطل النكاح؛ لن فساده ليس بأكثر من‬
‫عدمه أي عدم المهر‪ ،‬فإذا صح النكاح مع عدمه صح مع فساده‪ ،‬ويجب مهر المثل؛ لنها لم ترض‬
‫من غير بدل‪ ،‬ولم يسلم لها البدل‪ ،‬وتعذر رد المعوض‪ ،‬فوجب رد بدله‪،‬كما لو باع سلعة بمحرم وتلفت‬
‫في يد المشتري‪.‬‬
‫وتضر الجهالة الفاحشة بأن كانت هناك جهالة في الجنس أو النوع أو المقدار أو الصفة‪،‬فإن أصدقها‬
‫ل كمتاع بيته‪ ،‬وما‬
‫دارا غير معينة‪ ،‬أو دابة مبهمة‪ ،‬أو شيئا لم يعينه ولم يصفه‪ ،‬أو أصدقها مجهو ً‬
‫يحكم به أحد الزوجين أو ما يحكم به زيد‪ ،‬أو ما يثمر شجره ونحوه‪ ،‬لم يصح‪ .‬وإن أصدقها ما ل‬
‫منفعة فيه كالحشرات‪ ،‬أو أصدقها ما ل يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء‪ ،‬أو ما‬
‫ل يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة‪ ،‬لم يصح الصداق للجهالة أو الغرر أو عدم التمول‪.‬‬
‫وجوب مهر المثل عند فساد المهر‪ :‬يتبين مما سبق أن المهر إذا فسدت تسميته يجب مهر المثل باتفاق‬
‫الفقهاء‪ ،‬ويفسد العقد أيضا عند المالكية ويجب فسخ الزواج إل إذا دخل الرجل بالمرأة‪ ،‬فإن دخل بها‬
‫وجب مهر المثل‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬إذا فسد المهر ل يفسد العقد‪ ،‬بل يكون صحيحا‪ ،‬فإن حصلت الفرقة‬
‫قبل الدخول‪ ،‬كان لها المتعة‪ ،‬وإن حصلت الفرقة بعد الدخول كان لها مهر المثل؛ لن فساد المهر ـ‬
‫كما تقدم ـ ل يزيد على عدم تسميته عند العقد‪ ،‬فإذا صح العقد مع عدم المهر‪ ،‬صح بفساد المهر؛‬
‫لن ذكره كالعدم‪.‬‬

‫( ‪)9/251‬‬
‫رابعا ـ أنواع المهر وحالت وجوب كل نوع ‪:‬‬
‫المهر عند الفقهاء نوعان‪ :‬مهر مسمى ومهر المثل (‪: )1‬‬
‫أما المهر المسمى‪ :‬فهو ما سمي في العقد أو بعده بالتراضي‪ ،‬بأن اتفق عليه صراحة في العقد‪ ،‬أو‬
‫فرض للزوجة بعده بالتراضي‪ ،‬أو فرضه الحاكم‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪{ :‬وقد فرضتم لهن فريضة‪،‬‬
‫فنصف ما فرضتم} [البقرة‪.]237/2:‬‬
‫ويعد من المهر المسمى في العقد‪ :‬ما يقدمه الزوج عرفا لزوجته قبل الزفاف أو بعده‪ ،‬كثياب الزفاف‬
‫أو هدية الدخول أو بعده؛ لن المعروف بين الناس كالمشروط في العقد لفظا‪ ،‬ويجب إلحاقه بالعقد‪،‬‬
‫ويلزم الزوج به إل إذا شرط نفيه وقت العقد‪.‬‬
‫ونص المالكية (‪ )2‬على أن ما يهدى للمرأة قبل العقد أو حال العقد‪ ،‬يعد من المهر‪ ،‬ولو لم يشترط‪،‬‬
‫وكذا ما أهدي إلى وليها قبل العقد‪ ،‬فلو طلقت قبل الدخول‪ ،‬كان للزوج أن يرجع بنصف ما أهداه‪ ،‬أما‬
‫ما أهدي إلى الولي بعد العقد فيختص به‪ ،‬وليس للزوجة ول للزوج أخذه منه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،287 ،280 ،277 ،274/2 :‬الدر المختار‪ 487 ،460/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الكتاب مع اللباب‪:‬‬
‫‪ 22/3‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،313 ،300/2 :‬الشرح الصغير‪ 452 ،449/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني‬
‫المحتاج‪ 239-227/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،178 ،174/5 :‬المغني‪ ،716-712/6 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪.60/2‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 255/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/252‬‬

‫وأما مهر المثل ‪:‬‬


‫فقد حدده الحنفية‪ :‬بأنه مهر امرأة تماثل الزوجة وقت العقد من جهة أبيها‪ ،‬ل أمها إن لم تكن من قوم‬
‫أبيها‪ ،‬كأختها وعمتها وبنت عمها‪ ،‬في بلدها وعصرها‪ .‬وتكون المماثلة في الصفات المرغوبة عادة‪:‬‬
‫وهي المال والجمال والسن والعقل والدين؛ لن الصداق يختلف باختلف البلدان‪ ،‬وباختلف المال‬
‫والجمال والسن والعقل والدين‪ ،‬فيزداد مهر المرأة لزيادة مالها وجمالها وعقلها ودينها وحداثة سنها‪،‬‬
‫فل بد من المماثلة بين المرأتين في هذه الصفات‪ ،‬ليكون الواجب لها مهر مثل نسائها‪ .‬فإن لم يوجد‬
‫من تماثلها من جهة أبيها‪ ،‬اعتبر مهر المثل لمرأة تماثل أسرة أبيها في المنزلة الجتماعية‪ .‬فإن لم‬
‫يوجد فالقول للزوج بيمينه؛ لنه منكر للزيادة التي تدعيها المرأة‪.‬‬
‫ويشترط لثبوت مهر المثل‪ :‬إخبار رجلين‪ ،‬وامرأتين‪ ،‬ولفظ الشهادة‪ ،‬فإن لم يوجد شهود عدول‪ ،‬فالقول‬
‫للزوج بيمينه‪ ،‬لما ذكر‪.‬‬
‫وحدد الحنابلة مهر المثل‪ :‬بأنه معتبر بمن يساويها من جميع أقاربها‪ ،‬من جهة أبيها وأمها‪ ،‬كأختها‬
‫وعمتها‪ ،‬وبنت عمتها‪ ،‬وأمها‪ ،‬وخالتها وغيرهن القربى‬
‫فالقربى‪ ،‬لحديث ابن مسعود السابق في المرأة المفوضة (‪« : )1‬لها مهر نسائها» ولن مطلق القرابة‬
‫له أثر في الجملة‪ ،‬فإن لم يكن أقارب اعتبر شبهها بنساء بلدها‪ ،‬فإن عدمن اعتبر أقرب النساء شبها‬
‫بها من أقرب البلد إليها‪.‬‬
‫وحدد المالكية والشافعية مهر المثل‪ :‬بأنه ما يرغب به مثله ـ أي الزوج ـ في مثلها ـ أي الزوجة‬
‫ـ عادة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المفوضة بكسر الواو وفتحها‪ ،‬من التفويض وهو الرد أو التصيير إليه‪ ،‬وهو نوعان عند الحنابلة‪:‬‬
‫تفويض البضع‪ :‬وهو أن يزوج الب ابنته المجبرة بغير صداق‪ ،‬أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها‬
‫بغير صداق‪ .‬وتفويض المهر‪ :‬وهو أن يتزوجها الرجل على ماشاءت أو على ما شاء الزوج أو الولي‬
‫أو على ما شاء أجنبي غير الزوجين (كشاف القناع‪ 174/5 :‬وما بعدها)‪.‬‬

‫( ‪)9/253‬‬

‫ويعتبر مهر المثل عند الشافعية بمهر نساء العصبات‪ ،‬لحديث علقمة‪ :‬قال‪« :‬أتي عبد ال ـ أي ابن‬
‫مسعود ـ في امرأة تزوجها رجل‪ ،‬ثم مات عنها‪ ،‬ولم يفرض لها صداقا‪ ،‬ولم يكن دخل بها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاختلفوا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬أرى لها مثل مهر نسائها‪ ،‬ولها الميراث‪ ،‬وعليها العدة‪ ،‬فشهد َم ْعقِل بن سنان‬
‫الشجعي أن النبي صلّى ال عليه وسلم قضى في بردع بنة واشق بمثلما قضى» (‪ ، )1‬وتعتبر‬
‫بالقرب فالقرب منهن‪ ،‬وأقربهن الخوات وبنات الخوة والعمات وبنات العمام‪ ،‬فإن لم يكن لها‬
‫نساء عصبات‪ ،‬اعتبر بأقرب النساء إليها من المهات والخالت؛ لنهن أقرب إليها‪ ،‬فإن لم يكن لها‬
‫أقارب‪ ،‬اعتبر بنساء بلدها‪ ،‬ثم بأقرب النساء شبها بها‪.‬‬
‫ويعتبر مهر المثل عند المالكية (‪ )2‬بأقارب الزوجة وحالها في حسبها ومالها وجمالها‪ ،‬مثل مهر‬
‫الخت الشقيقة أو لب‪ ،‬ل الم ول العمة لم أي أخت أبيها من أمه‪ ،‬فل يعتبر صداق المثل بالنسبة‬
‫إليهما؛ لنهما قد يكونان من قوم آخرين‪.‬‬
‫وتعتبر المساواة باتفاق المذاهب كما ذكر عند الحنفية‪ :‬في التدين والمال والجمال والعقل والدب‬
‫والسن والبكارة والثيوبة والبلد والنسب والحسب‪ :‬وهو ما يعد من مفاخر الباء من كرم وعلم وحلم‬
‫ونجدة وصلح وإمارة ونحوها من كل ما يختلف لجله الصداق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) وصححه الترمذي‪ ،‬وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن‬
‫حبان‪ ،‬وصححه أيضا ابن مهدي (نيل الوطار‪.)172/6 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،317-316/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.204‬‬

‫( ‪)9/254‬‬

‫وتلحظ هذه الوصاف في النكاح الصحيح يوم العقد‪ ،‬وفي النكاح الفاسد يوم الوطء؛ لنه الوقت الذي‬
‫يتقرر به صداق المثل‪ ،‬كوطء الشبهة‪ ،‬فإنه يجب صداق المثل فيه بحسب الوصاف يوم الوطء‪.‬‬
‫قال الحنابلة‪ :‬وإن كانت عادة أقاربها تخفيف المهر‪ ،‬لوحظ التخفيف‪ ،‬وإن كانت عادتهم تسمية مهر‬
‫كثير ل يستوفونه قط‪ ،‬فوجوده كعدمه‪ .‬وإن كانت عادتهم التأجيل فرض مؤجلً؛ لنه مهر نسائها‪،‬‬
‫ل كقيم المتلفات‪ .‬فإن‬
‫وإن لم يكن عادتهم التأجيل فرض حالً؛ لنه بدل متلف‪ ،‬فوجب أن يكون حا ً‬
‫اختلفت عادتهن في الحلول والتأجيل‪ ،‬أو اختلفت مهورهن قلة وكثرة‪ ،‬أخذ بالوسط منها؛ لنه العدل‪،‬‬
‫وأخذ بنقد البلد الحالي‪ ،‬فإن تعدد فمن غالبه؛ لنه بدل متلف‪ ،‬فأشبه قيمة المتلفات‪.‬‬
‫حالت وجوب مهر المثل‪ :‬يجب مهر المثل للزوجة في الحوال التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬نكاح التفويض‪ :‬أن يكون العقد صحيحا‪ ،‬ولكن بدون تسمية المهر‪ ،‬وتسمى المرأة مفوّضة بكسر‬
‫الواو أو فتحها‪ ،‬ففي حالة الكسر‪ :‬ينسب التفويض إلى المرأة‪ ،‬أي فهي التي فوضت تقدير المهر إلى‬
‫الزوج‪ ،‬وفي حالة الفتح‪ :‬ينسب الفعل إلى الولي‪ ،‬فتكون المرأة قد فوض أمرها إلى الزوج‪ ،‬ويسمى‬
‫العقد عقد تفويض‪.‬‬
‫والتفويض عند الحنفية (‪ : )1‬أن يتزوج رجل امرأة دون أن يسمي لها مهرا‪،‬فالمفوضة‪ :‬هي من‬
‫فوضت أمرها لوليها وزوجها بل مهر‪ ،‬أو هي من فوضها وليها إلى الزوج بل مهر‪ ،‬كأن يقول‬
‫الرجل لولي المرأة‪ :‬زوجني فلنة‪ ،‬فيقول‪ :‬قبلت‪ ،‬ول يذكران مهرا‪ ،‬فإن دخل بها أو مات قبل تسمية‬
‫المهر وجب لها مهر المثل‪ ،‬وإن طلقت قبل الدخول فل شيء لها من المهر‪ ،‬وإنما يجب لها المتعة‬
‫اتفاقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،274/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ 460/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫( ‪)9/255‬‬

‫والتفويض عند المالكية (‪ : )1‬عقد بل تسمية مهر‪ ،‬ول دخول على إسقاطه‪ ،‬ول تفويض الصداق‬
‫لحكم أحد‪ ،‬فإن دخل الزوجان مع التفاق على إسقاطه‪ ،‬فليس من التفويض‪ ،‬بل نكاح فاسد‪ .‬أو هو‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬أن يسكت الطرفان عن تعيين الصداق حين العقد‪ ،‬ويفوض التعيين إلى أحدهما‪ ،‬أو إلى‬
‫غيرهما‪ ،‬ثم ل يدخل بها حتى يتعين‪ .‬فإن فرضه أحدهما بعد تفويض الخر‪ ،‬لزمه‪ ،‬ويلزم المرأة إن‬
‫فرض لها صداق المثل أو أكثر‪ ،‬أما إن فرض لها القل فل تلزم به إل برضاها‪.‬‬
‫وإن لم يرض الزوج‪ ،‬كان مخيرا بين أمور ثلثة‪ :‬إما أن يبذل صداق المثل‪ ،‬أو يرضى بفرضها‪ ،‬أو‬
‫يطلق‪ .‬فإن مات قبل الدخول وقبل الفرض‪ ،‬فل صداق لها‪ ،‬ولها الميراث اتفاقا‪ .‬وإن طلقها قبل‬
‫الدخول فل نصف لها إل إن كان قد فرض لها‪ ،‬فإن فرض لها صداق المثل أو ما رضيت به قبل‬
‫الدخول تشطر المهر أي تنصف‪ .‬وإن فوض الصداق لحكم أحد جاز أيضا ويسمى نكاح تحكيم‪ ،‬وهو‬
‫كنكاح التفويض‪ :‬عقد زواج بل تسمية مهر ول دخول على إسقاطه‪.‬‬
‫والتفويض عند الشافعية (‪ : )2‬هو كما عند الحنفية تفويض ال ُبضْع‪ ،‬وهو الذي ينصرف الطلق إليه‪،‬‬
‫وهو أن يزوج الب ابنته المجبرة بغير صداق‪ ،‬أو تأذن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،203‬الشرح الكبير‪ ،317-313/2 :‬الشرح الصغير‪.449/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ ،60/2 :‬مغني المحتاج‪.231-228/3 :‬‬

‫( ‪)9/256‬‬

‫المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق‪،‬سواء سكت عن المهر أوشرط نفيه‪ ،‬وليصح تفويض غير‬
‫رشيدة‪ ،‬وحكمه على الصحيح عنده أنه ل يجب لها المهر بالعقد؛ لنه لو وجب لها المهر بالعقد‪،‬‬
‫لتنصف بالطلق‪ ،‬ويفرض لها ما يتفقان عليه‪ ،‬ومتى فرض لها المهر‪ ،‬صار المفروض كالمسمى في‬
‫الستقرار بالدخول والموت‪ ،‬والتنصف بالطلق؛ لنه مهر مفروض‪ ،‬فصار كالمفروض في العقد‪.‬‬
‫وللمرأة قبل الدخول مطالبة الزوج بأن يفرض لها مهر‪ ،‬ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج‪ ،‬ويجوز‬
‫فرض مؤجل في الصح‪ ،‬وفوق مهر المثل‪ ،‬ولو امتنع من الفرض أوتنازعا فيه فرض القاضي مهر‬
‫المثل‪ .‬فإن لم يفرض لها مهر حتى طلقها‪ ،‬لم يجب لها شيء من المهر‪ ،‬كما قال المالكية‪ ،‬لقوله عز‬
‫وجل‪{ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬وقد فرضتم لهن فريضة‪ ،‬فنصف ما فرضتم} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]237/2‬فدل على أنه إذا لم يفرض المهر لم يجب النصف‪.‬‬
‫وإن لم يفرض لها حتى وطئها استقر لها مهر المثل‪.‬‬
‫وإن مات الزوجان أو أحدهما قبل الفرض‪ ،‬وجب مهر المثل في الظهر كما رجح النووي؛ لن‬
‫الموت كالوطء في تقرير المسمى‪ ،‬ولن بَ ْروَع بنت واشق نكحت بل مهر‪ ،‬فمات زوجها قبل أن‬
‫يفرض لها ‪ ،‬فقضى لها رسول ال صلّى ال عليه وسلم بمهر نسائها وبالميراث (‪. )1‬‬
‫والحاصل‪ :‬أنه بالتفويض ل يجب شيء بنفس العقد‪ ،‬وإنما يجب مهر المثل بالوطء‪ ،‬ويتقرر مهر المثل‬
‫بحال العقد في الصح‪ ،‬ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج‪ ،‬ول يصح فرض أجنبي من ماله في‬
‫الصح؛ لنه خلف ما يقتضيه العقد‪ ،‬وإن طلق قبل فرض ووطء فل شطر‪ ،‬أي ل تأخذ نصف‬
‫المهر‪ ،‬لمفهوم الية‪ ،‬والظهر وجوب مهر المثل بالموت قبل فرض مهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود وغيره‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫( ‪)9/257‬‬

‫والتفويض عند الحنابلة نوعان (‪ )1‬كما يقول المالكية‪:‬‬


‫‪ - 1‬تفويض البضع (‪ : )2‬وهو الذي ينصرف الطلق إليه‪ ،‬وهو أن يزوج الب ابنته المجبرة بغير‬
‫صداق‪ ،‬أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق‪ ،‬سواء سكت عند الصداق أم شرط نفيه‪ ،‬فيصح‬
‫العقد‪ ،‬ويجب لها مهر المثل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا‬
‫لهن فريضة} [البقرة‪ ]237/2:‬ولقضائه صلّى ال عليه وسلم في بروع بنت واشق‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 2‬تفويض المهر‪ :‬وهو أن يتزوجها على ما شاءت‪ ،‬أو على ماشاء الزوج أو الولي‪ ،‬أو على ما‬
‫شاء أجنبي غير الزوجين‪ ،‬أو يقول الولي‪ :‬زوجتكها على ما شئنا أو على حكمنا ونحوه‪ ،‬فالنكاح‬
‫صحيح في جميع هذه الصور‪ ،‬ويجب مهر المثل؛ لنها لم تأذن في تزويجها إل على صداق‪ ،‬لكنه‬
‫مجهول فقط‪.‬‬
‫ووجب مهر المثل في النوعين بالعقد؛ لنها تملك المطالبة به‪ ،‬فكان واجبا كالمسمى‪ ،‬ولنه لو لم يجب‬
‫بالعقد لما استقر بالموت أو يجب بعد دخوله بها‪ ،‬فإن دخل الزوج بالمفوضة قبل الفرض استقر به‬
‫مهر المثل‪.‬‬
‫فإن تراضى الزوجان المكلفان الرشيدان على فرض المهر‪ ،‬لزم ما اتفق عليه‪ ،‬وصار حكمه حكم‬
‫المسمى في العقد‪ ،‬قليلً كان أو كثيرا‪ .‬وإن لم يتراضيا على شيء‪ ،‬فرض الحاكم بقدر مهر المثل‪ ،‬كما‬
‫قال الشافعية‪.‬‬
‫وصار المفروض بالتفاق أو بالقضاء كالمسمى في العقد‪ ،‬يتنصف بالطلق قبل الدخول‪ ،‬ول تجب‬
‫المتعة معه‪ ،‬لعموم آية {وقد فرضتم لهن فريضة‪ ،‬فنصف ما فرضتم} [البقرة‪.]237/2:‬‬
‫وإن مات أحد الزوجين قبل الدخول وقبل الفرض‪ ،‬ورثه صاحبه‪ ،‬وكان للمفوضة مهر المثل‪ .‬وإن‬
‫فارق الزوج المفوضة قبل الدخول بطلق أو غيره لم يكن لها إل المتعة‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪:‬‬
‫{ومتعوهن على الموسع َقدَره‪ ،‬وعلى المقتر قَدره} [البقرة‪ ]236/2:‬والمر يقتضي الوجوب‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن نكاح التفويض يوجب مهر المثل بالتفاق‪ ،‬والمتعة فقط‪ ،‬قبل الدخول ما لم يفرض‬
‫مهر‪ ،‬ويستقر مهر المثل بالدخول‪ ،‬ويجب مهر المثل بالموت قبل الدخول وقبل فرض المهر في رأي‬
‫الجمهور‪ ،‬وخالف المالكية فيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل يجب لها مهر بالموت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،177-174/5 :‬المغني‪ 712/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬سمي بذلك لن المرأة فوضت بضع (أي زواج) نفسها‪ ،‬بأن أذنت لوليها أن يزوجها بل مهر‪.‬‬

‫( ‪)9/258‬‬

‫‪ - 2‬التفاق على عدم المهر‪ :‬كأن يتزوج رجل امرأة على أل مهر لها‪ ،‬فتقبل‪ ،‬فيجب لها مهر المثل‬
‫بالدخول أو بالموت عند الجمهور غير المالكية كما تقدم؛ لن هذا التفاق باطل‪ ،‬واشتراط نفي المهر‬
‫فاسد‪ ،‬والشرط الفاسد ل يفسد الزواج عند الحنفية‪ ،‬ونفي المهر ل يفسده أيضا عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إذا اتفق الزوجان على إسقاط المهر‪ ،‬فسد العقد‪ ،‬لكن يجب لها بالدخول مهر المثل‪ .‬ول‬
‫يجب لها شيء بالطلق أو موت أحدهما قبل الدخول‪.‬‬
‫‪ - 3‬التسمية غير الصحيحة للمهر‪ :‬بأن يكون المسمى غير مال أصلً كالميتة وحبة القمح وقطرة‬
‫الماء ونحوها مما ل ينتفع به أصلً‪ ،‬أو ينتفع به على نحو ل يعتد به‪ .‬أو يكون المسمى مالً غير‬
‫متقوم أو مشتملً على غرر كالخمر والخنزير بالنسبة للمسلم ولو كانت الزوجة كتابية‪ ،‬أو على شيء‬
‫معجوز التسليم‪ ،‬كالطير في الهواء والمعادن في باطن الرض‪ .‬أو يكون المسمى مجهولً جهالة‬
‫فاحشة‪ :‬وهي التي تفضي إلى النزاع‪ ،‬وهي عند الحنفية كما تقدم‪ :‬جهالة الجنس أو النوع‪ .‬يجب في‬
‫هذه الحالت عند الجمهور مهر بالدخول أو بالموت قبل الدخول‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬إذا سمي ما ل يصح مهرا‪ ،‬فسد العقد‪ ،‬ول تستحق المرأة مهر المثل إل بالدخول‪،‬‬
‫أما إن فارقها قبل الدخول بالموت أو الطلق‪ ،‬فل يجب لها شيء كما ذكرت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.441-440/2 :‬‬

‫( ‪)9/259‬‬

‫حالة وجوب المهر المسمى‪ ،‬وماذا يجب في الزواج الفاسد ‪:‬‬


‫يجب المهر المسمى إذا كانت التسمية صحيحة‪ ،‬وكان العقد صحيحا أيضا‪ ،‬سواء أتمت التسمية في‬
‫العقد أم بعده بالتراضي‪.‬‬
‫فإن كان الزواج فاسدا بسبب آخر غير فساد تسمية المهر كالزواج بل شهود وكزواج المحلل والزواج‬
‫المؤقت‪ ،‬وجب المهر بالدخول الحقيقي‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم عن عائشة‪« :‬أيما امرأة نكحت‬
‫بغير إذن وليها‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فنكاحها باطل‪ ،‬فإن دخل بها‪ ،‬فلها المهر بما استحل‬
‫من فرجها‪. )1( »..‬‬
‫لكن ما هذا المهر الواجب؟ اختلفت الراء الفقهية في تحديده (‪: )2‬‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬للمرأة مهر المثل بالغا ما بلغ؛ لنه ل تلحظ التسمية في حقها‪ ،‬فالتحقت التسمية‬
‫بالعدم‪.‬‬
‫وقال الصاحبان (أبو يوسف ومحمد)‪ :‬لها مهر مثلها ل يجاوز حصتها من المسمى‪ ،‬لرضاها‬
‫بالمسمى‪.‬‬
‫واتفق الحنفية على أن الواجب للمرأة في الوطء بشبهة أو في نكاح المتعة هو مهر المثل على أل يزاد‬
‫على المسمى‪ ،‬وكذا في نكاح الشغار‪ :‬الواجب هو مهر المثل؛ لن الزواج صحيح‪ ،‬فحكمه حكم أي‬
‫زواج فسدت تسمية المهر فيه كما تقدم‪ .‬والخلوة عندهم في الزواج الفاسد ل توجب الصداق‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬الواجب في نكاح الشغار لمن دخل بها الكثر من المسمى وصداق المثل‪ ،‬ويجب‬
‫صداق المثل في كل زواج فسدت تسمية المهر فيه‪ .‬أما إذا فسد العقد بسب آخر غير تسمية الصداق‬
‫كزواج المحلل مثلً‪ ،‬فيجب للمرأة المهر المسمى بالدخول‪ ،‬أما الوطء بشبهة فيوجب مهر المثل‪.‬ويجب‬
‫الصداق المسمى لكل واحدة من الختين إذا دخل بهما حال الجمع بينهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأصحاب السنن إل النسائي عن عائشة (نيل الوطار‪.)118/6 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،286/2 :‬الدر المختار‪ ،457/2 :‬اللباب‪ ،22/3 :‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي‪:‬‬
‫‪ 446 ،413/2‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،204‬مغني المحتاج‪ ،228/3 :‬كشاف القناع‪،179/5 :‬‬
‫المغني‪.750/6 :‬‬

‫( ‪)9/260‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬المهر الواجب بالوطء هو مهر المثل‪ ،‬مهما بلغ؛ لن الشرع جعل المهر للمرأة في‬
‫الزواج الباطل بسبب الوطء‪ ،‬ل بسبب العقد‪ ،‬والوطء يوجب مهر المثل‪ ،‬ولنه إذا فسدت التسمية ل‬
‫يلتفت إليها‪ ،‬ويرجع إلى مهر المثل‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬المهر الواجب في النكاح الفاسد بالدخول أو بالخلوة‪ :‬هو المهر المسمى‪ ،‬لما وقع في‬
‫بعض ألفاظ حديث عائشة المتقدم‪« :‬ولها الذي أعطاها بما أصاب منها» (‪ ، )1‬ولن النكاح مع فساده‬
‫ينعقد ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح‪ ،‬من وقوع الطلق ولزوم عدة الوفاة بعد الموت ونحوهما‪،‬‬
‫فلزم المسمى فيه كالصحيح‪ .‬أما الوطء بشبهة فيوجب مهر المثل‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يجب المهر للمنكوحة نكاحا صحيحا والموطوءة في نكاح فاسد‪ ،‬والموطوءة بشبهة‪ ،‬بغير‬
‫خلف‪ ،‬ويجب للمكرهة على الزنا‪ ،‬إل أن الواجب في فساد الزواج عند المالكية والحنابلة‪ :‬هو‬
‫المسمى‪ ،‬وعند أبي حنيفة والشافعية هو مهر المثل‪ ،‬وعند الصاحبين‪ :‬القل من المسمى ومهر المثل‪،‬‬
‫واتفق الفقهاء على أن الوطء بشبهة يوجب مهر المثل؛ لن الوطء في دار السلم ل يخلو عن حد أو‬
‫مهر‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )2‬الوطء في دار السلم ل يخلو عن حد أو مهر إل في مسألتين‪:‬‬
‫الولى ـ الصبي المراهق إذا تزوج امرأة بل إذن وليه‪ ،‬ودخل بها‪ ،‬فرد أبوه نكاحها‪ ،‬فل يجب على‬
‫عقْر (مهر)‪ ،‬أما الحد فلنه في حال الصبا‪ ،‬وأما المهر (ال ُعقْر) فلنها إنما زوجت‬
‫الصبي حد ول ُ‬
‫نفسها منه مع علمها أن نكاحه ل ينفذ‪ ،‬فقد رضيت ببطلن حقها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬من باع أمته‪ ،‬ووطئها قبل التسليم إلى المشتري‪ ،‬فل حد عليه ول مهر؛ لنه من شبهة المحل‪،‬‬
‫لكونها في ضمانه ويده‪ ،‬إذ لو هلكت عادت إلى ملكه‪ ،‬والخراج بالضمان (الغنم بالغرم) فلو وجب‬
‫عليه المهر استحقه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلل بإسنادهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ 507/2 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪.22/3 :‬‬

‫( ‪)9/261‬‬
‫خامسا ـ صاحب الحق في المهر ‪:‬‬
‫هناك حقوق ثلثة في حالة البتداء تتعلق بالمهر‪ ،‬وحق واحد يتعلق بالمهر حالة البقاء‪ .‬والمقصود‬
‫بالبتداء‪ :‬ابتداء عقد الزواج‪ ،‬وبالبقاء‪ :‬بقاء أو استمرار الزواج‪.‬‬
‫أما الحقوق المتعلقة بالمهر حالة البتداء‪ :‬فهي حق ال وحق الزوجة وحق الولياء‪.‬‬
‫أما حق ال تعالى‪ :‬فهو وجوب المهر أثرا للعقد‪ ،‬بحيث ل يخلو عنه‪ ،‬ول يقل عن عشرة دراهم عند‬
‫الحنفية‪ ،‬وربع دينار أو ثلثة دراهم عند المالكية‪ ،‬ول حد لقله عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬فلو انعقد‬
‫الزواج بدون مهر وجب مهر المثل بحكم الشرع بالدخول‪ .‬وإن لم يدخل بها‪ ،‬كان مخيرا عند المالكية‬
‫بين إتمام المهر وبين الفسخ‪ ،‬فإن فسخ وجب للمرأة نصف المسمى‪.‬‬
‫وأما حق الزوجة‪ :‬فهو ثبوت ملكها للمهر بالقبض‪ ،‬وأل يقل عن مهر مثلها‪ ،‬فلو زوجها بأقل من مهر‬
‫مثلها وكانت رشيدة عند الحنفية‪ ،‬وغير مجبرة عند المالكية‪ ،‬فلها حق العتراض على هذا الزواج‬
‫ويبطل تزويج الب البنت البكر بدون مهر المثل‪ .‬أما المجبرة أو عديمة الهلية أو ناقصتها كالصغيرة‬
‫والمجنونة‪ :‬فإن كان المزوج لها الب فليس لها العتراض عند المالكية والحنابلة؛ لن للب تزويج‬
‫ابنته البكر بدون صداق مثلها وإن كان المزوج لها غير الب من الولياء‪ ،‬فل يزوجها إل بمهر‬
‫المثل‪ .‬وأثبت الشافعية للمرأة مطلقا حق العتراض إن زوجها وليها بأقل من مهر المثل (‪. )1‬‬
‫وأما حق الولياء‪ :‬فهو عند أبي حنيفة أل يقل المهر عن مهر المثل‪ ،‬فلو زوجت البكر البالغة العاقلة‬
‫نفسها بأقل من مهر مثلها‪ ،‬كان لوليها العاصب عنده أن يعترض على هذا العقد ويطلب فسخه؛ لن‬
‫الولياء يعيرون بأقل من مهر المثل‪ ،‬ورضا المرأة بإسقاط حقها ل يسقط حق وليها‪ ،‬فإن أتم الزوج‬
‫مهر مثلها‪ ،‬لزم العقد وسقط حق الفسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 419/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،353/2 :‬مغني المحتاج‪،227 ،149/3 :‬‬
‫كشاف القناع‪ ،43/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.203‬‬

‫( ‪)9/262‬‬

‫وأما ما يتعلق بالمهر حالة البقاء‪ :‬فهو حق المرأة‪ ،‬فيكون ملكا خالصا لها ل يشاركها فيه أحد‪ ،‬فلها أن‬
‫ل للتصرف‪ ،‬فلها حق إبراء الزوج منه أو‬
‫تتصرف فيه‪ ،‬كما تتصرف في سائر أموالها متى كانت أه ً‬
‫هبته له‪.‬‬
‫اشتراط الولي شيئا من المهر لنفسه‪ :‬بناء عليه‪ ،‬قال الشافعية (‪ : )1‬لو نكح رجل امرأة بألف‪ ،‬على أن‬
‫لبيها ألفا أو أن يعطيه الزوج ألفا‪ ،‬فالمذهب فساد الصداق في الصورتين؛ لنه جعل بعض ما التزمه‬
‫في مقابل البضع لغير الزوجة‪ ،‬ووجوب مهر المثل فيهما لفساد المسمى‪.‬‬
‫ولكن الحنابلة (‪ )2‬قالوا‪ :‬يجوز لبي المرأة الذي يصح تملكه دون سواه أن يشترط شيئا من صداق‬
‫ابنته لنفسه؛ لن شعيبا زوّج موسى على نبينا وعليهما الصلة والسلم ابنته على رعاية غنمه‪،‬‬
‫واشتراط ذلك لنفسه‪ ،‬ولن للوالد الخذ من مال ولده‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أنت ومالك‬
‫لبيك» ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن أطيب ماأكلتم من كسبكم‪ ،‬وإن أولدكم من كسبكم» (‪. )3‬‬
‫ويكون الخذ أخذا من مالها‪ ،‬فإذا تزوجها على ألف لها وألف لبيها صح التفاق‪ ،‬وكان الكل مهرها‪،‬‬
‫ول يملكه الب إل بالقبض مع النية لتملكه‪ ،‬كسائر مالها‪ ،‬وشرطه أل يجحف بمال البنت‪ .‬فإن طلقها‬
‫قبل الدخول رجع عليها بنصف اللفين‪ ،‬ولم يكن على الب شيء مما أخذه من مال إن قبضه بنية‬
‫التملك؛ لنه أخذه من مال ابنته‪ ،‬فل رجوع عليه بشيء منه كسائر مالها‪ .‬وإن طلقها الزوج قبل قبض‬
‫الصداق المسمى‪ ،‬سقط عن الزوج نصف المسمى‪ ،‬ويبقى النصف للزوجة‪ ،‬يأخذ الب من النصف‬
‫الباقي لها ما شاء بشرط أل يجحف بمال البنت‪.‬‬
‫وإن فعل ذلك أي اشتراط الصداق أو بعضه غير الب كالجد والخ والب الذي ل يصح تملكه‪،‬‬
‫صحت التسمية ولغا الشرط‪ ،‬والكل لها؛ لن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها‪ ،‬فيكون صداقا لها‪،‬‬
‫كما لو جعله لها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.226/3 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ 151/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 696/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا الحديث واحد‪ ،‬الكلم الثاني منه معطوف على الول‪،‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال‪:‬‬
‫حديث حسن (نيل الوطار‪.)12/6 :‬‬

‫( ‪)9/263‬‬

‫سادسا ـ تعجيل المهر وتأجيله ‪:‬‬


‫أجاز الفقهاء تأجيل المهر‪ ،‬فقال الحنفية (‪ : )1‬يصح كون المهر معجلً أو مؤجلً كله أو بعضه إلى‬
‫أجل قريب أو بعيد أو أقرب الجلين‪ :‬الطلق أو الوفاة‪ ،‬عملً بالعرف والعادة في كل البلدان‬
‫السلمية‪ ،‬ولكن بشرط أل يشتمل التأجيل على جهالة فاحشة‪ ،‬بأن قال‪ :‬تزوجتك على ألف إلى وقت‬
‫الميسرة‪ ،‬أو هبوب الرياح‪ ،‬أوإلى أن تمطر السماء‪ ،‬فل يصح التأجيل‪ ،‬لتفاحش الجهالة‪.‬‬
‫وإذا اتفق صراحة على تقسيط المهر‪ ،‬عمل به؛ لن التفاق من قبيل الصريح‪ ،‬والعرف من قبيل‬
‫الدللة‪ ،‬والصريح أقوى من الدللة‪.‬‬
‫وإذا لم يتفق على تعجيل المهر أو تأجيله‪ ،‬عمل بعرف البلد؛ لن المعروف عرفا كالمشروط شرطا‪.‬‬
‫وإذا لم يكن هناك عرف بالتعجيل أو التأجيل‪ ،‬استحق المهر حالً؛ لن حكم المسكوت حكم المعجل؛‬
‫لن الصل أن المهر يجب بتمام العقد‪ ،‬لنه أثر من آثاره‪ ،‬فإذا لم يؤجل صراحة أو عرفا عمل‬
‫بالصل؛ لن هذا عقد معاوضة‪ ،‬فيقتضي المساواة من الجانبين‪.‬‬
‫وأجاز الشافعية والحنابلة (‪ )2‬تأجيل المهر كله أو بعضه لجل معلوم؛ لنه عوض في معاوضة‪ .‬فإن‬
‫أطلق ذكره اقتضى الحلول‪ ،‬وإن أجل لجل مجهول كقدوم زيد ومجيء المطر ونحوه لم يصح؛ لنه‬
‫مجهول‪،‬وإن أجل ولم يذكر الجل‪ ،‬فالمهر عند الحنابلة صحيح ومحله الفرقة أو الموت‪ ،‬وعند‬
‫الشافعية‪ :‬المهر فاسد ولها مهر المثل‪.‬‬
‫وفصّل المالكية (‪ )3‬في حكم التأجيل فقالوا‪ :‬إن كان المهر معينا حاضرا في البلد كالدار والثوب‬
‫والحيوان‪ ،‬وجب تسليمه للمرأة أو وليها يوم العقد‪ ،‬ول يجوز تأخيره في العقد‪ ،‬ولو رضيت بالتأخير‪،‬‬
‫فإن اشترط التأجيل في العقد‪ ،‬فسد العقد‪ ،‬إل إذا كان الجل قريبا كاليومين والخمسة‪ .‬ويجوز للمرأة‬
‫التأجيل من غير شرط‪ ،‬ويكون تعجيله من حقها‪.‬‬
‫وإن كان المهر العين غائبا عن بلد العقد‪ ،‬صح النكاح إن أجل قبضه بأجل قريب بحيث ل يتغير فيه‬
‫غالبا‪ ،‬وإل فسد النكاح‪.‬‬
‫وإن كان المهر غير معين كالنقود والمكيل والموزون غير المعين‪ ،‬فيجوز تأجيله كله أو بعضه‪،‬‬
‫ويجوز التأجيل إلى الدخول إن علم وقته كالحصاد أو الصيف أو قطاف الثمر‪ ،‬والتأجيل إلى الميسرة‬
‫إذا كان الزوج غنيا‪ ،‬بأن كان له سلعة ينتظر قبض ثمنها‪ ،‬أو له أجر في وظيفة‪ ،‬فإن كان فقيرا لم‬
‫يصح العقد‪ ،‬ويجوز التأجيل إلى أن تطلبه المرأة منه‪ ،‬فهو كتأجيله للميسرة‪.‬‬
‫وعليه يشترط لجوزا التأجيل شرطان‪:‬‬
‫الول ‪ -‬أن يكون الجل معلوماً‪ :‬فإن كان مجهولً كالتأجيل للموت أو الفراق فسد العقد‪ ،‬ووجب‬
‫فسخه‪ ،‬إل إذا دخل الرجل بالمرأة‪ ،‬فيجب حينئذٍ مهر المثل‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬أل يكون الجل بعيدا جدا كخمسين سنة فأكثر ‪ ،‬لنه مظنة إسقاط الصداق ‪ ،‬والدخول على‬
‫إسقاط الصداق مفسد للزواج ‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري بمذهب الحنفية‪ ،‬فنص على ما يلي‪:‬‬
‫(م ‪ :)55‬يجوز تعجيل المهر أو تأجيله كلً أو بعضا‪ ،‬وعند عدم النص يتبع العرف‪.‬‬
‫(م ‪ :)56‬التأجيل في المهر ينصرف إلى حين البينونة أو الوفاة‪ ،‬ما لم ينص في العقد على أجل آخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،288/2 :‬الدر المختار‪.493/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،222/3 :‬كشاف القناع‪ ،178/5 :‬المغني‪.693/6 :‬‬
‫(‪ )3‬الدسوقي مع الشرح الكبير‪ ،2/297 :‬الشرح الصغير‪.433-2/432 :‬‬

‫( ‪)9/264‬‬

‫حكم إعسار الزوج بالمهر ‪:‬‬


‫إذا عجز الزوج عن دفع معجل المهر‪ ،‬لم يكن للزوجة عند الحنفية وفي الصح عند الحنابلة (‪)1‬‬
‫الحق في طلب فسخ الزواج بأي حال‪ ،‬سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده‪ ،‬وإنما لها الحق في منع‬
‫نفسها من الزوج‪ ،‬وعدم التقيد بإذنه في الخروج لزيارة أهلها‪ ،‬والسفر معه‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية (‪ : )2‬للزوجة الحق في طلب الفسخ حينئذ‪ ،‬والصحيح عند الشافعية أن لها‬
‫فسخ الزواج قبل الدخول وبعده‪ ،‬وعند المالكية قبل الدخول ل بعده‪.‬‬
‫وذكر الحنفية (‪ )3‬أنه إن اشترط تأجيل المهر كله مدة معينة كسنة‪ ،‬فإن اشترط الزوج الدخول‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 492/2 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.183/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،434/2 :‬المهذب‪ ،61/2 :‬بداية المجتهد‪.51/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،493/2 :‬فتح القدير‪.472/2 :‬‬

‫( ‪)9/265‬‬

‫قبل حلول الجل‪ ،‬فليس للزوجة الحق في المتناع‪ ،‬وإن لم يشترط الدخول‪ ،‬فليس لها المتناع أيضا‬
‫عند أبي حنيفة؛ لنها لما رضيت بتأجيل المهر كله‪ ،‬كان ذلك رضا منها بإسقاط حقها في تعجيل‬
‫المهر‪.‬‬
‫وقال أيو بوسف‪ :‬للزوجة أن تمنع نفسها حتى يحل أجل تسليم المهر؛ لن الزوج رضي بإسقاط حقه‬
‫بالستمتاع‪ .‬والفتوى استحسانا على هذا القول‪.‬‬
‫ضمان الولي المهر‪:‬‬
‫يرى الحنفية (‪ )1‬أنه إذا ضمن ولي الزوجة أو وكيلها المهر لها‪ ،‬صح ضمانه؛ لنه من أهل اللتزام‪،‬‬
‫والولي والوكيل في النكاح سفير ومعبر‪ ،‬ولذا ترجع حقوق العقد إلى الصيل‪ ،‬وللمرأة الخيار في‬
‫مطالبة زوجها أو وليها‪ ،‬كسائر الكفالت‪ .‬ويرج الولي إذا أدى على الزوج إن كان الضمان بأمره‪،‬‬
‫كما هو المقرر في الكفالة‪.‬‬
‫سابعا ـ قبض المهر وما يترتب عليه ‪:‬‬
‫قبض المهر حق خالص للزوجة كما بينا‪ ،‬فلها أن تمنع نفسها حتى تقبض مهرها المعجل كله‪ ،‬على‬
‫الخلف والتفصل التي‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬للمرأة قبل دخول الزوج بها أن تمنع الزوج عن الدخول أو عن النتقال إلى بيته‬
‫حتى يعطيها جميع المهر المعجل بأن تزوجها على صداق عاجل‪ ،‬أو كان مسكوتا عن التعجيل‬
‫والتأجيل؛ لن حكم المسكوت حكم المعجل‪ ،‬ثم تسلم نفسها إلى زوجها‪ ،‬وإن كانت قد انتقلت إلى بيت‬
‫زوجها؛ لن المهر عوض عن ُبضْعها‪ ،‬كالثمن عوض عن المبيع‪ ،‬وللبائع حق حبس المبيع‬
‫لستيفاء الثمن‪ ،‬فكان للمرأة حق حبس نفسها لستيفاء المهر‪ .‬وإن استوفت معجل المهر بتمامه سقط‬
‫حقها في منع نفسها منه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪ ،22/3 :‬الدر المختار‪ ،490/2 :‬فتح القدير‪ 471/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.289-/288 2 :‬‬

‫( ‪)9/266‬‬

‫أما إذا دخل الزوج بها أو خل بها‪ ،‬برضاها‪ ،‬وهي مكلفة (بالغة عاقلة) فلها أيضا في رأي أبي حنيفة‬
‫أن تمنع نفسها من الستمتاع بها حتى تأخذ المهر‪ ،‬ولها أن تمنعه أن يخرجها من بلدها؛ لن المهر‬
‫مقابل بجميع ما يستوفى من منافع ال ُبضْع في جميع أنواع الستمتاع التي توجد في هذا الملك‪.‬‬
‫ويكون رضاها بالدخول أو بالخلوة قبل قبض معجل مهرها إسقاطا لحقها في منع نفسها في الماضي‪،‬‬
‫وليس لحقها في المستقبل‪ .‬وهذا هو الراجح عند الحنفية‪ ،‬فللمرأة منع نفسها من الوطء ودواعيه‪ ،‬ومن‬
‫السفر بها‪ ،‬ولو بعد وطء وخلوة رضيتهما؛ لن كل وطأة معقود عليها‪ ،‬فتسليم البعض ل يوجب تسليم‬
‫الباقي‪.‬‬
‫وفي رأي الصاحبين‪ :‬ليس لها أن تمنع نفسها‪ ،‬لنها بالوطء مرة واحدة أو بالخلوة الصحيحة‪ ،‬سلمت‬
‫جميع المعقود عليه برضاها‪ ،‬وهي من أهل التسليم‪ ،‬فبطل حقها في المنع‪،‬كالبائع إذا سلم المبيع‪،‬‬
‫فرضاها بالوطء إسقاط لحقها في طلب المهر قبل الدخول‪ ،‬فيسقط حقها في المتناع‪ ،‬فإذا امتنعت‬
‫كانت ناشزة‪ ،‬فيسقط حقها في النفقة‪.‬‬
‫ووافق المالكية (‪ )1‬الصاحبين‪ ،‬فقالوا‪ :‬للمرأة ولو كانت معيبة بعيب رضي به منع نفسها من الدخول‬
‫ومن الختلء بها ومن السفر مع زوجها قبل الدخول حتى يسلم لها زوجها المهر المعين أو الصداق‬
‫المعجل‪ ،‬أو المؤجل الذي حل أجل تسليمه‪ .‬أما إن سلمت نفسها له قبل القبض بعد الوطء أو التمكين‬
‫منه‪ ،‬فليس لها منع نفسها بعدئذ من وطء ول سفر معه‪ ،‬سواء أكان موسرا أم معسرا‪ ،‬وإنما لها‬
‫المطالبة به فقط ورفعه للحاكم كالمدين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،434/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،434‬الشرح الكبير‪ 297/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/267‬‬

‫ووافق الحنابلة والشافعية (‪ )1‬أيضا رأي الصاحبين‪ ،‬أما الحنابلة فوافقوا في الدخول والخلوة‪ ،‬وأما‬
‫الشافعية فوافقوا في الدخول‪.‬‬
‫قال الشافعية‪ :‬للمرأة ولو كانت مفوضة حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحالّ‪ ،‬ل المؤجل (‪، )2‬‬
‫فلو حل الجل قبل تسليم نفسها للزوج‪ ،‬فل حبس في الصح‪ ،‬لوجوب تسليمها نفسها قبل الحلول‪ ،‬فل‬
‫يرتفع الوجوب لحلول الحق‪ .‬ولو بادرت الزوجة فمكنت الزوج من نفسها‪ ،‬طالبته بالمهر؛ لنها بذلت‬
‫ما في وسعها‪ ،‬فإن لم يطأ‪ ،‬أي ولو خل بها‪ ،‬جاز لها المتناع من تمكينه حتى يسلم المهر؛ لن‬
‫القبض في النكاح بالوطء دون التسليم‪ .‬وإن وطئها بتمكينها منه مختارة مكلفة‪ ،‬ولو في الدبر‪ ،‬فل‬
‫يحق لها المتناع‪ ،‬كما لو تبرع البائع بتسليم المبيع‪ ،‬ليس له استرداده ليحبسه‪ .‬أما إذا وطئت مكرهة‬
‫أو غير مكلفة لصغر أو جنون فلها المتناع‪ ،‬لعدم العتداد بتسليمها‪.‬‬
‫وإن بادر الزوج‪ ،‬فسلّم المهر‪ ،‬وجب على الزوجة تسليم نفسها‪ ،‬فإن امتنعت الزوجة من تمكين زوجها‬
‫بل عذر منها‪ ،‬لم يسترد المهر منها على الراجح؛ لنه تبرع بالمبادرة‪ ،‬فكان كتعجيل الدين المؤجل‪،‬‬
‫ل يسترد‪.‬‬
‫وعبارة الحنابلة‪ :‬للمرأة منع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحالّ كله أو الحالّ منه‪ ،‬ولها‬
‫المطالبة بحالّ مهرها ولو لم تصلح للستمتاع لصغر أو نحوه‪.‬‬
‫فإن وطئها الزوج مكرهة قبل دفع الحالّ من صداقها‪ ،‬لم يسقط به حقها من المتناع‪ ،‬كما قال‬
‫الشافعية؛ لن وطأها مكرهة كعدمه‪.‬‬
‫وإذا جاز لها منع نفسها فلها السفر بغير إذنه‪ ،‬ولها النفقة زمن المنع إن صلحت للستمتاع‪ ،‬ولو كان‬
‫معسرا بالصداق؛ لن الحبس من قبله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 222/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.183-181/5 :‬‬
‫(‪ )2‬واستدلوا بحديث‪« :‬أول ما يسأل عنه المؤمن من ديونه صداق زوجته» وحديث «من ظلم زوجته‬
‫في صداقها‪ ،‬لقي ال تعالى يوم القيامة‪ ،‬وهو زانٍ» ‪.‬‬

‫( ‪)9/268‬‬

‫وإن كان الصداق مؤجلً‪ ،‬لم تملك منع نفسها حتى تقبضه؛ لنها ل تملك الطلب به‪ .‬ولو حلّ المهر‬
‫قبل الدخول‪ ،‬فليس لها منع نفسها‪ ،‬كما قال الشافعية؛ لن التسليم قد وجب عليها‪ ،‬فاستقر قبل قبضه‪،‬‬
‫فلم يكن لها أن تمتنع منه‪.‬‬
‫وإن تبرعت الزوجة بتسليم نفسها‪ ،‬ثم أرادت المتناع بعد دخول أو خلوة‪ ،‬لم تملكه؛ لن التسليم استقر‬
‫به العوض برضا المسلّم‪ .‬فإن امتنعت بعد أن سلمت نفسها‪ ،‬فل نفقة لها؛ لنها ناشز‪.‬‬
‫وبحث الشافعية والحنابلة مسألة مهمة‪ :‬هي أنه لو أبى كل من الزوجين التسليم الواجب عليه‪ ،‬فقال كل‬
‫منهما‪ :‬ل أسلم حتى تسلّم‪ ،‬فالظهر عند الشافعية أنهما يجبران‪ ،‬فيؤمر الزوج بوضع المهر عند عدل‬
‫ـ شخص ثالث محايد ـ وتؤمر الزوجة بالتمكين‪ ،‬فإذا سلمت أعطاها العدل المهر‪ ،‬لمافيه من فصل‬
‫الخصومة‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬يجبر الزوج على تسليم الصداق‪ ،‬ثم تجبر الزوجة على تسليم نفسها؛ لن‬
‫في إجبارها على تسليم نفسها أولً خطر إتلف البضع ( محل المتعة )‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬اتفق الفقهاء على أحقية المرأة بمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها المعجل‪ ،‬وليس‬
‫لها الحق بالنسبة للمؤجل‪ .‬واختلفوا على رأيين في منع نفسها بعد الدخول‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬لها الحق‬
‫بالمنع‪ ،‬وقال الجمهور‪ :‬ليس لها الحق‪ .‬والخلوة أو التمكين من الوطء كالوطء عند غير الشافعية‪.‬‬
‫قابض المهر‪ :‬المرأة الرشيدة هي التي تقبض المهر وتتصرف فيه‪ ،‬لكن أقرت الشريعة عملً بالعرف‬
‫والعادة للولي إذا كان أبا أو جدا قبل المهر‪ ،‬ويكون قبضه نافذا عليها‪ ،‬إل إذا منعته من القبض‪ .‬ونص‬
‫القانون السوري ( م ‪ )60‬عليه‪:‬‬
‫ينفذ على البكر ولو كانت كاملة الهلية قبض وليها لمهرها إن كان أبا أو جدا عصبيا‪ ،‬ما لم تنه‬
‫الزوج عن الدفع إليه‪ .‬ثم عدلت هذه المادة سنة (‪ )1975‬على النحو التالي‪ :‬المهر حق للزوجة ول‬
‫تبرأ ذمة الزوج منه إل بدفعه إليها بالذات‪ ،‬إن كانت كاملة الهلية‪ ،‬ما لم توكل في وثيقة العقد وكيلً‬
‫خاصا بقبضه‪.‬‬

‫( ‪)9/269‬‬
‫فإن كانت المرأة غير رشيدة كالصغيرة والمحجور عليها لسفه أو جنون أو غفلة‪ ،‬فولي مالها يتولى‬
‫قبض المهر‪ ،‬وولي المال عند الحنفية أحد الستة‪ :‬الب ثم وصيه‪ ،‬ثم الجد ثم وصيه‪ ،‬ثم القاضي ثم‬
‫وصيه‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬ولي الزوجة المجبر (وهو الب ووصيه)‪ :‬هو الذي يتولى قبض المهر‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن لها ولي مجبر وكانت رشيدة‪ ،‬فهي التي تتولى قبض مهرها‪ ،‬أو يقبضه لها بتوكيل منها‪ .‬وإن‬
‫كانت سفيهة تولى ولي مالها قبض مهرها‪ ،‬فإن لم يكن لها ولي فالقاضي أو نائبه يقبض مهرها‪.‬‬
‫والظاهر عند الشافعية والحنابلة‪ :‬أن المرأة الرشيدة هي التي تقبض مهرها؛ فإن كانت غير رشيدة‬
‫قبض وليها المهر بالنيابة عنها‪.‬‬
‫التصرف في المهر‪ :‬اتفق الفقهاء على أن للمرأة الرشيدة أن تتصرف في مهرها بما تشاء بيعا أو هبة‬
‫ونحوهما‪ ،‬وتصرفها نافذ؛ لن المهر ملكها فتتصرف فيه كما تتصرف في سائر أملكها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.463/2 :‬‬

‫( ‪)9/270‬‬

‫ثامنا ـ الزيادة أو الحط من المهر ‪:‬‬


‫قد تحدث زيادة في المهر أو حط منه بعد العقد‪ ،‬والمقصود بالزيادة في المهر‪ :‬أن يضاف إليه شيء‬
‫بعد تمام العقد‪ .‬وأما النقص أوالحط من المهر‪ :‬فهو إنقاص جزء من المهر أو إسقاط كله بعد تمام‬
‫العقد‪.‬‬
‫أما الزيادة في المهر ‪:‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )1‬إذا زاد الزوج الرشيد أو ولي الصغير (الب أو الجد) على المهر المسمى شيئا‬
‫بعد تمام العقد وتراضي الطرفين على المهر‪ ،‬لزمت الزيادة بالوطء أو بالموت عن الزوجة‪ ،‬وتصبح‬
‫جزءا من أصل المهر‪ ،‬وتتأكد بالدخول أو الموت‪ ،‬وتتنصف عند الجمهور غير الحنفية بالطلق قبل‬
‫الدخول كأصل المهر‪ ،‬وتبطل بموت الزوج أو تفليسه قبل قبضها عند المالكية؛ لنها كالهبة‪ ،‬والهبة‬
‫تبطل بالموت والفلس قبل القبض‪.‬‬
‫ول تلزم هذه الزيادة إل بالشروط التية التي أبانها الحنفية وهي أربعة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الزوج رشيدا‪ :‬لن الزيادة على المسمى تبرع‪ ،‬فل تصح إل من أهل التبرع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن تكون الزيادة معلومة ‪ :‬فلو كانت مجهولة بأن قال‪ :‬زدت‪ ،‬في مهرك‪ ،‬ولم يعين شيئا‪ ،‬لم‬
‫تصح الزيادة للجهالة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن تأتي الزيادة في حال بقاء الزوجية حقيقة أي أثناء الزواج‪ ،‬أوحكما أي أثناء العدة من الطلق‬
‫الرجعي‪ .‬وتصح الزيادة أيضا في رواية عن أبي حنيفة بعد موت الزوجة‪ ،‬أو بعد الطلق البائن‬
‫وانقضاء العدة في الطلق الرجعي‪ ،‬والظاهر عدم صحة هذه الزيادة‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬قبول الزوجة أو قبول ولي الصغيرة أو المجنونة في المجلس الذي حدثت فيه؛ لن هذه الزيادة‬
‫هبة‪ ،‬فل بد لها من القبول في مجلس اليجاب‪.‬‬
‫ويتفق رأي الحنابلة مع رأي الحنفية في أن الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل‬
‫تلحق الزيادة بالعقد‪ ،‬فإن زادها فهي هبة تفتقر إلى شروط الهبة‪ ،‬وإن طلقها بعد هبتها لم يرجع بشيء‬
‫من الزيادة؛ لن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد‪ ،‬فلم يحصل بالزيادة شيء من المعقود عليه‪،‬‬
‫فل تكون عوضا في النكاح‪ ،‬كما لو وهبها شيئا (‪. )2‬‬
‫واستدل الحنابلة بقوله تعالى‪{ :‬ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} [النساء‪]24/4:‬‬
‫ولن ما بعد العقد زمن لفرض المهر‪ ،‬فكان حالة الزيادة كحالة العقد‪ ،‬وبهذا فارق الزواج البيع‬
‫والجارة‪.‬‬
‫وأما الحط من المهر والبراء عنه ‪:‬‬
‫فرأي الحنفية (‪ : )3‬أنه يصح للزوجة الرشيدة غير المريضة مرض الموت دون أبيها الحط من المهر‬
‫كله أوبعضه عن الزوج بعد تمام العقد‪ ،‬سواء قبل أم ل‪ ،‬لكنه يرتد بالرد‪ .‬أما أبوها فل يصح الحط‬
‫منه إذا كانت صغيرة‪ ،‬ويتوقف الحط على إجازتها إن كانت كبيرة‪ ،‬ول بد من رضاها‪.‬‬
‫لكن فرق الحنفية بين البراء والهبة في الحط من المهر‪ ،‬فقالوا‪ :‬البراء ل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ 463/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.744/6 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار وابن عابدين‪ 464/2 :‬وما بعدها‪.474 ،‬‬

‫( ‪)9/271‬‬

‫يكون إل في دين ثابت في الذمة كالنقود‪ ،‬والمكيلت والموزونات غير المتعينة؛ لن الديون تتعلق‬
‫بالذمة‪ ،‬والتنازل عنها يكون بالبراء‪ .‬ول يشترط لصحته قبول الزواج‪ ،‬وإنما يكفي عدم الرد كهبة‬
‫الدين ممن عليه الدين‪ ،‬فقد يردّ البراء دفعا للمنة؛ لن الحط من المهر ليس تمليكا على وجه الهبة‬
‫الصريحة‪ ،‬وإنما هو إسقاط وإبراء للزوج‪ .‬أما إذا ورد البراء على عين‪ ،‬فل يسقط شيء من المهر‪،‬‬
‫بل يصير أمانة في يد الزوج‪ ،‬ويسقط عنه الضمان إذا هلك؛ لن البراء ليس من اللفاظ الصريحة‬
‫في تمليك العيان‪ ،‬فيحمل على نفي الضمان‪.‬‬
‫لكن إذا قصدت الزوجة بالبراء إعفاء الزوج مما عليه كله أو بعضه‪ ،‬ففي الوقت الحاضر الذي ل‬
‫يميز فيه الناس بين المصطلحات الفقهية يمكن جعل البراء تمليكا‪ ،‬ويكون حكمه حكم الهبة‪.‬‬
‫وأما الهبة‪ :‬فتصح سواء أكان المهر دينا‪،‬أم عينا كالدار المعينة والحيوان أو الثوب المعين‪ ،‬وسواء قبل‬
‫القبض أم بعده‪ .‬ول بد حينئذ من قبول الزوج في المجلس‪ ،‬ول يكتفى بسكوته عن القبول أو الرد‪.‬‬
‫ورأى المالكية (‪ : )1‬أنه إذا وهبت المرأة لزوجها جميع صداقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشيء‪.‬‬
‫وذهب الشافعية (‪ )2‬إلى أنه ليس للولي عفو عن صداق موليته‪ ،‬على الجديد‪ ،‬كسائر ديونها‪ ،‬إذ لم يبق‬
‫للولي بعد العقد عُقدة‪ ،‬أي كلم‪ .‬وإذا أبرأت المرأة زوجها من المهر‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول‪ ،‬لم يرجع‬
‫عليها بشيء على المذهب‪ ،‬كما قال الشافعية في الهبة؛ لنها لم تأخذ منه مالً‪ ،‬ولم تتحصل منه على‬
‫شيء‪ ،‬وهو بخلف هبة العين‪ ،‬فإنها لو وهبت زوجها المهر المعين كدار معينة أو حيوان معين‪ ،‬رجع‬
‫عليها بنصف الصداق إذا طلقها قبل الدخول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،203‬بداية المجتهد‪.25/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.240/3 :‬‬

‫( ‪)9/272‬‬

‫وقرر الحنابلة (‪ : )1‬أنه ل عفو لب وغيره عن مهر محجورة؛ لن الذي بيده عقدة النكاح هو‬
‫الزوج‪ .‬وإذا عفت المرأة لصاحبها عن مهرها‪ ،‬وهي جائزة التصرف‪ ،‬برئ منه‪ ،‬سواء بلفظ عفو أو‬
‫بلفظ إسقاط‪ ،‬وصدقة‪ ،‬وترك‪ ،‬وإبراء لمن العين في يده‪.‬‬
‫ولو أبرأت مفوضة زوجها‪،‬ثم طلقت قبل الدخول‪ ،‬رجع بنصف مهر المثل‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري بمذهب الحنفية في جواز الزيادة والنقصان من المهر‪ ،‬إذا حدثت الزيادة من‬
‫الزوج والحط من الزوجة إذا كان كل منهما كامل الهلية‪ ،‬ويعد ذلك برضا الطرفين ملحقا بأصل‬
‫العقد‪ .‬نصت المادة ( ‪ )57‬على ما ذكر بقولها‪« :‬للزوج الزيادة في المهر بعد العقد‪ ،‬وللمرأة الحط منه‬
‫إذا كانا كاملي أهلية التصرف‪ ،‬ويلحق ذلك بأصل العقد إذا قبل الخر» ‪.‬‬
‫ثم عدلت هذه المادة سنة ( ‪ )1975‬على النحو التالي‪:‬‬
‫«ل يعتد بأي زيادة أو إنقاص من المهر‪ ،‬أو إبراء منه إذا وقعت أثناء قيام الزوجية‪ ،‬أوفي عدة‬
‫الطلق‪ ،‬وتعتبر باطلة ما لم تجر أمام القاضي‪ ،‬ويلتحق أي من هذه التصرفات الجارية أمام القاضي‬
‫بأصل العقد إذا قبل به الزوج الخر» ‪.‬‬
‫تاسعا ـ أحوال وجوب المهر وتأكده وتنصيفه وسقوطه ‪:‬‬
‫وجوب المهر‪ :‬اتفق الفقهاء (‪ )2‬على أن المهر يجب بنفس العقد إن كان الزواج صحيحا‪ ،‬والواجب‬
‫هو المسمى إن كانت التسمية صحيحة‪ ،‬ومهر المثل إن لم تكن هناك تسمية‪ ،‬أو كانت التسمية فاسدة‪،‬‬
‫أو كان هناك اتفاق على نفي المهر‪.‬‬
‫وعبر الجمهور غير الحنفية عنه بقولهم‪ :‬تملك المرأة المسمى بالعقد إن كان صحيحا‪ ،‬إل أن المالكية‬
‫رأوا أنه على المذهب تملك النصف بالعقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غاية المنتهى‪.67/3 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 287/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ 300/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،202‬‬
‫المهذب‪ ،57/2 :‬كشاف القناع‪ ،156/5 :‬الشرح الصغير‪ 440/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/273‬‬

‫وإذا كان عقد الزواج فاسدا‪ ،‬أو الوطء بشبهة كالمزفوفة إليه امرأة غير زوجته‪ ،‬وقال له النساء‪ :‬إنها‬
‫زوجتك‪ ،‬وجب المهر أي مهر المثل بالدخول الحقيقي أي الوطء‪ ،‬وجوبا مؤكدا ل يسقط إل بالداء أو‬
‫البراء‪.‬‬
‫تأكد المهر ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه يتأكد وجوب المهر في العقد الصحيح بالدخول أو الموت‪ ،‬سواء أكان المهر‬
‫مسمى أم مهر المثل‪ ،‬حتى ل يسقط شيء بعدئذ إل بالبراء من صاحب الحق‪.‬‬
‫واختلفوا في تأكده بأمرين‪ :‬الخلوة الصحيحة‪ ،‬وإقامة الزوجة سنة بعد الزفاف بل وطء‪.‬‬
‫قال الحنفية والحنابلة‪ :‬يتأكد المهر أيضا بالخلوة الصحيحة‪ ،‬وخالفهم المالكية والشافعية فيه‪.‬‬
‫وقال المالكية خلفا لغيرهم وهم الجمهور‪ :‬يتقرر أي يثبت ويتحقق المهر بإقامة الزوجة سنة بعد‬
‫الزفاف بل وطء‪.‬‬
‫وأضاف الحنابلة أن المهر يتأكد أيضا بطلق الفرار قبل الدخول في مرض الموت (‪. )1‬‬
‫وتوضيح الكلم في كل واحد من هذه السباب فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬الدخول الحقيقي‪ :‬هو الوطء أو التصال الجنسي ولو كان حراما في القبل أو في الدبر بتغييب‬
‫حشفة أو قدرها من مقطوعها‪ ،‬أو في حالة الحيض أو النفاس أو الحرام أو الصوم أو العتكاف‪.‬‬
‫يتأكد به وجوب المهر أو يستقر على الزوج‪ ،‬لستيفاء مقابله‪ ،‬فإن الزوج استوفى حقه بالدخول‪،‬‬
‫فيتقرر حق الزوجة في المهر جميعه‪ ،‬سواء أكان مسمى في العقد‪ ،‬أم فرض بعده بالتراضي أو‬
‫بقضاء القاضي‪ ،‬ولقوله عز وجل‪{ :‬وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء‪]21/4:‬‬
‫وفسر الفضاء بالجماع‪.‬‬
‫ويترتب على استقرار المهر بالدخول‪ :‬أنه ل يسقط شيء منه بعدئذ إل بالداء لصاحبه‪ ،‬أو بالبراء‬
‫من صاحب الحق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،295-291/2 :‬الدسوقي مع الشرح الكبير‪ 300/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪،437/2 :‬‬
‫المهذب‪ ،60-57/2 :‬كشاف القناع‪ 168 ،161/5 :‬ومابعدها‪ ،174 ،‬مغني المحتاج‪224/3 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،231-229 :‬المغني‪ ،716/6 :‬الشرح الصغير‪.449/2 :‬‬

‫( ‪)9/274‬‬

‫‪ - ً 2‬موت أحد الزوجين قبل الدخول في نكاح صحيح بالتفاق‪ ،‬وقبل الخلوة الصحيحة عند الحنفية‬
‫والحنابلة‪ .‬فإذا مات أحد الزوجين قبل الوطء في نكاح صحيح‪ ،‬استحقت المرأة المهر كله باتفاق‬
‫الفقهاء إذا كان النكاح نكاح تسمية‪ ،‬أي كان المهر مسمى في العقد؛ لن العقد ل ينفسخ بالموت‪ ،‬وإنما‬
‫ينتهي به‪ ،‬لنتهاء أمده وهو العمر‪ ،‬فتتقرر جميع أحكامه بانتهائه‪ ،‬ومنها المهر‪ .‬ولجماع الصحابة‬
‫على استقرار المهر بالموت‪.‬‬
‫أما في نكاح التفويض‪ ،‬أي النكاح الذي لم يسم فيه المهر‪ ،‬ومات بعده أحد الزوجين فل شيء فيه عند‬
‫المالكية‪ ،‬قياسا للموت على الطلق‪ ،‬والطلق قبل الدخول والخلوة وقبل تسمية المهر‪ ،‬ل شيء فيه‪،‬‬
‫فمثله الموت‪.‬‬
‫وقال الجمهور في الظهر عند الشافعية‪ :‬يجب فيه مهر المثل‪ ،‬للحديث السابق وهو أن ابن مسعود‬
‫قضى في امرأة لم يفرض لها زوجها صداقا‪ ،‬ولم يدخل بها حتى مات‪ ،‬فقال‪ :‬لها صداق مثلها‪ ،‬ول‬
‫َوكْس ول شطط‪ ،‬وعليها العدة ولها الميراث‪ ،‬فقال َم ْعقِل بن سنان‪« :‬قضى رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم في بَرْوع بنت واشق مثل ماقضيت» (‪ ، )1‬ولنه عقد مدته العمر‪ ،‬فبموت أحدهما ينتهي‪،‬‬
‫فيستقر به العوض‪ ،‬كانتهاء الجارة‪ ،‬ومتى استقر لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ول غيره‪ .‬ولن‬
‫الموت يكمل به المهر المسمى‪ ،‬فيكمل به مهر المثل للمفوضة كالدخول‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو الراجح‪ ،‬لقوة أدلته‪ ،‬وعلق الشافعي في الم القول به على صحة الحديث‪ .‬وفرق بين‬
‫الموت والطلق؛ لن الموت ينتهي به عقد الزواج‪ ،‬أما الطلق فيقطع الزواج قبل إتمامه‪ ،‬لذا وجبت‬
‫العدة بالموت قبل الدخول‪ ،‬ولم تجب بالطلق‪ ،‬وكمل المسمى بالموت‪ ،‬ولم يكمل بالطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫( ‪)9/275‬‬

‫وهل القتل مثل الموت؟‬


‫إذا حدث القتل من أجنبي لحد الزوجين‪ ،‬أو قتل أحد الزوجين الخر‪ ،‬أو قتل أحدهما نفسه‪ ،‬فهو‬
‫كالموت‪ ،‬يستقر به المهر؛ لن النكاح قد بلغ غايته‪ ،‬فقام الموت مقام استيفاء المنفعة‪.‬‬
‫وخالف الشافعي وزفر من الحنفية فيما إذا قتلت الزوجة نفسها عمدا‪ ،‬فقال‪ :‬ل تستحق شيئا من المهر؛‬
‫لن قتلها نفسها يشبه ارتدادها عن السلم‪ ،‬وبالردة يسقط حقها من المهر‪.‬‬
‫وأجيب عنه من قبل الجمهور بأن قياس النتحار على الردة غير صحيح؛ لن المهر في حال الردة ل‬
‫يتعلق به حق لغير الزوجة‪ ،‬فيجوز أن يسقط بفعلها‪ ،‬أما في حالة القتل‪ ،‬فإن المهر يتعلق به حق‬
‫الورثة‪ ،‬فل يجوز أن يسقط بفعل من جانبها‪.‬‬
‫وهل تستحق الزوجة المهر بقتل زوجها عمدا قبل الدخول والخلوة أو يسقط؟‬
‫للفقهاء رأيان‪ :‬قال الحنابلة والحنفية ما عدا زفر‪ :‬ل يسقط حقها في المهر‪ ،‬بل يتأكد بالقتل كل المهر؛‬
‫لن جزاء القتل العمد شرعا هو القصاص‪ ،‬ولم يرد دليل بسقوط المهر بهذا القتل‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية وزفر‪ :‬يسقط مهرها بالقتل؛ لن قتل زوجها جناية‪ ،‬والجنايات ل تؤكد‬
‫الحقوق‪،‬ولنها بهذه الجناية أنهت الزواج بمعصية‪ ،‬وإنهاء الزواج بمعصية من الزوجة قبل الدخول‬
‫يسقط المهر كله‪ ،‬كإسقاطه بالردة‪ ،‬ولم يتعلق بالمهر حق لحد‪ ،‬وهذا هو الراجح لقوة دليله‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬الخلوة الصحيحة‪ :‬احتراز عن الخلوة الفاسدة‪ ،‬والصحيحة هي‪ :‬أن يجتمع الزوجان بعد العقد‬
‫الصحيح في مكان يتمكنان فيه من التمتع الكامل‪ ،‬بحيث يأمنان دخول أحد عليهما‪ ،‬وليس بأحدهما‬
‫مانع طبيعي أو حسي أو شرعي يمنع من الستمتاع (‪ )1‬عملً بما روي عن الخلفاء الراشدين وزيد‬
‫وابن عمر‪ ،‬روى أحمد والثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال‪ « :‬قضى الخلفاء الراشدون‬
‫المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا‪ ،‬فقد أوجب المهر‪ ،‬ووجبت العدة» ‪.‬‬
‫والمانع الطبيعي‪ :‬وجود شخص ثالث عاقل صغير أو كبير‪ ،‬والمانع الحسي‪ :‬وجود مرض بأحدهما‬
‫يمنع الوطء‪ ،‬ومنه الرتق (التلحم)‪ ،‬والقَرَن (العظم) وال َعفَل (غدة)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،465/2 :‬كشاف القناع‪.168/5 :‬‬

‫( ‪)9/276‬‬

‫والمانع الشرعي‪ :‬كأن يكون أحدهما صائما في رمضان‪ ،‬أو محرما بحج أو عمرة فرض أو نفل‪.‬‬
‫ويتأكد المهر كله للزوجة عند الحنفية والحنابلة‪ :‬بالخلوة الصحيحة بشروطها المذكورة‪ ،‬فلو طلق‬
‫الرجل زوجته‪ ،‬وجب لها بالخلوة ولو لم يحصل وطء المسمى كاملً إن كانت التسمية صحيحة‪ ،‬ومهر‬
‫المثل كاملً إن لم تكن هناك تسمية أو كانت التسمية فاسدة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ ،‬والشافعية في الجديد‪ :‬ل يتأكد وجوب المهر بالخلوة وحدها‪ ،‬بدون وطء‪ ،‬فلو خل‬
‫الزوج بزوجته خلوة صحيحة‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول بها‪ ،‬وجب نصف المسمى‪ ،‬والمتعة إن لم يكن‬
‫المهر مسمى‪.‬‬
‫وسأذكر في المطلب التالي أدلة الرأيين بمشيئة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬إقامة الزوجة سنة في بيت الزوج بعد الزفاف بل وطء‪ :‬يتقرر المهر أيضا عند المالكية إذا‬
‫تزوج رجل امرأة‪ ،‬وزفت إليه‪ ،‬وأقامت عنده سنة‪ ،‬بل وطء‪ ،‬بشرط إطاقتها‪ ،‬وبلوغه‪ ،‬واتفاقهما على‬
‫عدم الوطء؛ لن القامة المذكورة تقوم مقام الوقاع أو الوطء‪.‬‬
‫ول يتأكد المهر بها عند الشافعية‪ .‬ويتقرر المهر بمجرد الخلوة الصحيحة كما تقدم عند الحنفية‬
‫والحنابلة‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬طلق الفرار في مرض الموت قبل الدخول‪ :‬يتقرر المهر كاملً أيضا عند الحنابلة بطلق‬
‫المرأة في مرض موت الزوج المخوف قبل دخوله بها إذا طلقها فرارا من ميراثها‪ ،‬ثم مات‪ ،‬فيتقرر‬
‫عليه الصداق كاملً بالموت‪ ،‬لوجوب عدة الوفاة عليها في هذه الحالة‪ ،‬ما لم تتزوج أو ترتد‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يتأكد المهر عند الحنفية بأحد أسباب ثلثة‪ :‬الدخول والخلوة الصحيحة‪ ،‬وموت أحد‬
‫الزوجين‪ .‬وعند المالكية بأحد أسباب ثلثة‪ :‬هي الدخول‪ ،‬أي الوطء لمطيقة من بالغ وإن حرم‪ ،‬وموت‬
‫أحد الزوجين‪ ،‬وإقامة سنة بعد الدخول بل وطء بشرط بلوغه وإطاقتها‪ .‬وعند الشافعية‪ :‬يستقر المهر‬
‫بأحد أمرين‪ :‬الوطء وإن حرم‪ ،‬وموت أحد الزوجين‪ ،،‬ل بخلوة في الجديد‪ .‬وعند الحنابلة‪ :‬يتقرر‬
‫المهر بأحد أمور أربعة‪ :‬الدخول‪ ،‬والخلوة والموت أو القتل‪ ،‬والطلق في مرض موت الزوج قبل‬
‫الدخول بالزوجة‪.‬‬

‫( ‪)9/277‬‬

‫تنصيف المهر ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء (‪ )1‬على وجوب نصف المهر للزوجة بالفرقة قبل الدخول‪ ،‬سواء عند الشافعية والحنابلة‬
‫أكانت الفرقة طلقا أم فسخا‪ ،‬إذا كان المهر مسمى حين العقد‪ ،‬وكانت التسمية صحيحة والفرقة جاءت‬
‫من قبل الزوج‪ .‬من أمثلة الفسخ‪ :‬الفرقة بسبب اليلء أو اللعان‪ ،‬أو بسبب ردة الزوج‪ ،‬أو إباء الزوج‬
‫اعتناق السلم بعد إسلم زوجته‪.‬‬
‫ودليلهم قوله تعالى‪{ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬وقد فرضتم لهن فريضة‪ ،‬فنصف ما‬
‫فرضتم} [البقرة‪ ]237/2:‬وهذا في الطلق‪ ،‬وباقي أنواع الفرق مقيس عليه؛ لنه في معناه‪.‬‬
‫فإن لم يسم المهر في العقد أصلً كالمفوضة‪ ،‬أو اتفق الزوجان على الزواج بدون مهر‪ ،‬أو كانت‬
‫التسمية غير صحيحة‪ ،‬وحصلت الفرقة بتراضي الزوجين أو بحكم القاضي وكانت الفرقة قبل‬
‫الدخول‪ ،‬وقبل الخلوة عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬لم يجب للزوجة شيء من المهر‪ ،‬وإنما تجب لها المتعة؛‬
‫لن النص القرآني السابق إنما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،296/2 :‬الدر المختار‪ ،464-463/2 :‬الشرح الصغير‪ 454/2 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،23/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 202‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،234 ،231/3 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،59/2‬كشاف القناع‪.176 ،171 ،165/5 :‬‬

‫( ‪)9/278‬‬

‫ورد بتنصيف أو تشطير المسمى‪ ،‬ووجوب المتعة لقوله تعالى‪{ :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء‪ ،‬ما لم‬
‫تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة‪ ،‬ومتعوهن} [البقرة‪ ]236/2:‬وباقي الفرق مقيس على الطلق؛ لنه‬
‫في معناه‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إن فسخ النكاح أو رده الزوج بعيب في الزوجة قبل الدخول‪ ،‬لم يجب لها شيء‪.‬‬
‫واختلف هل يجب إذا ردته هي بعيب في الزوج‪ .‬وقال الحنفية‪ :‬الفرقة بغير طلق قبل الدخول‬
‫والخلوة تسقط المهر كما سأبين‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في مسألتين حول التنصيف قبل الدخول‪ :‬مسألة تنصيف المفروض بعد العقد‪ ،‬ومسألة‬
‫الزيادة في المهر بعد العقد‪.‬‬
‫أما المسألة الولى ـ وهي إذا لم يذكر المهر حين العقد‪ ،‬وإنما فرض بعده بالتراضي أو بقضاء‬
‫القاضي‪.‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬ل يتنصف المفروض من المهر بعد العقد‪ ،‬لختصاص التنصيف بالمفروض في العقد‬
‫بالنص القرآني المتقدم‪ ،‬بل تجب المتعة فقط للمرأة‪ ،‬فلو حدثت الفرقة قبل الدخول والخلوة‪ ،‬وجب لها‬
‫المتعة فقط‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬يتنصف المفروض بعد العقد كالمسمى في العقد‪ ،‬فلو حصلت الفرقة قبل الدخول‪.‬‬
‫وقبل الخلوة عند الحنابلة‪ ،‬كان للمرأة نصف المفروض ل المتعة‪.‬‬
‫وأما المسألة الثانية ـ وهي الزيادة الحادثة من الزوج بعد العقد على المهر المسمى‪.‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬تسقط هذه الزيادة عن الزوج‪ ،‬ول تتنصف قبل الدخول والخلوة‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬ل‬
‫تسقط هذه الزيادة عن الزوج وتتنصف كالمسمى في العقد‪.‬والحاصل‪ :‬أن الذي يتنصف عند الحنفية‬
‫هوالمسمى في العقد‪ ،‬ل المفروض بعده ول مازيد على المفروض بعد العقد‪ ،‬والجمهور على خلفهم‬
‫في المسألتين‪ .‬ومنشأ الختلف‪ :‬تفسير المراد من قوله تعالى‪{ :‬فنصف ما فرضتم} [البقرة‪: ]237/2:‬‬
‫فرأى الحنفية‪ :‬أن المقصود منه المفروض وقت العقد‪ ،‬ل غير‪ ،‬عملً بالمتعارف بين الناس‪ :‬وهو‬
‫إطلق المفروض على المسمى وقت العقد‪ .‬ورأى الجمهور‪ :‬أن المقصود منه المفروض مطلقا‪ ،‬عملً‬
‫بمقتضى اللغة؛ لن الفرض هو التقدير‪ ،‬وهو يشمل كل ما قدر‪ ،‬سواء أكان وقت العقد أم بعده‪ .‬وهذا‬
‫ل من المفروض وقت العقد أو بعده يسمى مفروضا في العرف‪ ،‬كما هو مقتضى‬
‫هو الراجح؛ لن ك ً‬
‫اللغة‪.‬‬

‫( ‪)9/279‬‬

‫سقوط المهر كله ‪:‬‬


‫ذكر الحنفية أنه يسقط المهر كله عن الزوج بأحد أربعة أسباب (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬الفرقة بغير طلق قبل الدخول بالمرأة وقبل الخلوة بها‪ :‬كل فرقة حصلت بغير طلق قبل‬
‫الدخول وقبل الخلوة‪ :‬تسقط جميع المهر‪ ،‬سواء أكان من قبل المرأة أم من قبل الزوج‪ ،‬كأن ارتدت‬
‫المرأة عن السلم‪ ،‬أو أبت السلم وأسلم زوجها‪ ،‬أو اختارت فسخ الزواج لعيب في الزوج‪ .‬ومثله‬
‫إذا فسخ ولي المرأة الزواج لعدم كفاءة الزوج‪ ،‬ففي هذه الحوال التي يتم بها فسخ الزواج قبل الدخول‬
‫يسقط جميع المهر؛ لن الفرقة بغير طلق تكون فسخا للعقد‪ ،‬وفسخ العقد قبل الدخول يوجب سقوط‬
‫كل المهر؛ لن فسخ العقد رفعه من الصل‪ ،‬وجعله كأنه يكن‪.‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.296-295/2 :‬‬

‫( ‪)9/280‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬إن فسخ الزوج النكاح أو رده بعيب في الزوجة قبل الدخول‪ ،‬لم يجب لها شيء‪،‬‬
‫فهم يوافقون الحنفية به‪ ،‬ول شيء لها أيضا في نكاح التفويض عنده إذا مات الزوج أو طلق قبل‬
‫الدخول‪.‬‬
‫وفصّل الشافعية والحنابلة (‪ )2‬بين ما إذا كانت الفرقة بسبب من الزوجة‪ ،‬وبين ما إذا كانت بسبب من‬
‫غيرها‪ ،‬فقالوا‪ :‬الفرقة الحاصلة من جهة الزوجة قبل الدخول بها تسقط المهر المسمى والمفروض‬
‫ومهر المثل‪ ،‬كإسلمها بنفسها‪ ،‬أو بالتبعية كإسلم أحد أبويها‪ ،‬أو فسخ الزوج بعيب في الزوجة‪،‬‬
‫أوردتها أوإرضاعها زوجة للزوج صغيرة‪.‬‬
‫وأما الفرقة الحاصلة قبل الدخول ل بسبب الزوجة كطلق وخلع ولو باختيارها كأن فوض الطلق‬
‫إليها فطلقت نفسها‪ ،‬أو علق الطلق بفعلها ففعلت‪ ،‬أو أسلم الزوج أو ارتد أو لعن أو أرضعت أمه‬
‫زوجته أو أرضعت أمها له وهو صغير‪ ،‬فل تسقط المهر‪ ،‬وإنما تشطره‪ ،‬فيثبت لها نصف المهر‪ .‬أما‬
‫في حالة الطلق فلية‪{ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة‪ ]237/2:‬وأما الباقي فبالقياس‬
‫عليه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الخلع على المهر قبل الدخول أو بعده‪ :‬إذا خالع الرجل امرأته على مهرها‪ ،‬سقط المهر كله‪،‬‬
‫فإن كان المهر غير مقبوض‪ ،‬سقط عن الزوج‪ ،‬وإن كان مقبوضا ردته على الزوج‪ .‬وإن خالعها على‬
‫مال سوى المهر يلزمها المال‪ ،‬ويبرأ الزوج عن كل حق وجب لها عليه بالعقد كالمهر والنفقة‬
‫الماضية في قول أبي حنيفة؛ لن في الخلع ـ وإن كان طلقا بعوض ـ معنى البراءة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬البراء عن كل المهر قبل الدخول أو بعده‪ :‬يسقط به المهر إذا كانت المرأة من أهل التبرع‪،‬‬
‫وكان المهر دينا في الذمة‪ :‬وهو النقود وجميع المكيلت والموزونات إذا لم تكن متعينة مقصودة‬
‫لذاتها؛ لن البراء إسقاط‪ ،‬والسقاط ممن هو أهل له في محل قابل له يوجب السقوط‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬هبة الزوجة كل المهر للزوج‪ :‬متى كانت أهلً للتبرع‪ ،‬وقبل الزوج الهبة في المجلس‪ ،‬سواء‬
‫أكانت الهبة قبل القبض أم بعده‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،203‬الشرح الصغير‪.437/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،234/3 :‬كشاف القناع‪.167-165/5 :‬‬

‫( ‪)9/281‬‬

‫وتختلف الهبة عن البراء‪ :‬في أنها ترد على الدين والعين‪ ،‬أي الثابت في الذمة كالنقود‪ ،‬أو الذي‬
‫يتعين بالتعيين كثوب أو حيوان معين‪ .‬أما البراء فل يرد إل على الدين‪.‬‬
‫وكذلك يسقط المهر بالهبة عند المالكية‪ ،‬لكنهم قالوا‪ :‬إذا وهبت المرأة لزوجها جميع صداقها‪ ،‬ثم طلقها‬
‫قبل الدخول‪ ،‬لم يرجع عليها بشيء‪ .‬فإن أراد الدخول بها‪ ،‬وجب لها أقل المهر وهو ربع دينار أو‬
‫قيمته‪ ،‬أما إن وهبته بعد الدخول فل يلزمه شيء؛ لن حقها في المهر قد تقرر بالدخول ثم أسقطته‬
‫بالهبة (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية على الصحيح‪ :‬إن كان المهر عينا كفرس معينة‪ ،‬ثم وهبته من الزوج‪ ،‬ثم طلقها قبل‬
‫الدخول‪ ،‬فيرجع عليها بالنصف؛ لنه عاد إليه بغير الطلق‪ ،‬فلم يسقط حقه من النصف بالطلق‪ ،‬كما‬
‫لو وهبته لجنبي‪ ،‬ثم وهبه الجنبي منه (‪. )2‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )3‬إذا أبرأت المرأة الزوج من صداقها‪ ،‬أو وهبته له‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول‪ ،‬رجع‬
‫الزوج عليها بنصفه؛ لن عود نصف الصداق إلى الزوج بالطلق‪ ،‬وهو غير الجهة المستحق بها‬
‫الصداق أولً‪ ،‬فهو كما لو أبرأ إنسانا من دين عليه‪ ،‬ثم استحق عليه مثل ما أبرأه منه بوجه آخر‪ ،‬فل‬
‫يتساقطان بذلك‪.‬‬
‫وإن أبرأته من نصف الصداق‪ ،‬أو وهبته نصف الصداق‪ ،‬ثم طلقها الزوج قبل الدخول‪ ،‬رجع في‬
‫النصف الباقي؛ لنه وجد نصف ما أصدقها بعينه‪ ،‬فأشبه ما لو لم تهبه له‪.‬‬
‫وإن قبضت المرأة صداقها‪ ،‬ثم طلقها الزوج قبل الدخول‪ ،‬رجع بنصف عينه إن كان باقيا بحاله‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬وقد فرضتم لهن فريضة‪ ،‬فنصف ما فرضتم} [البقرة‪:‬‬
‫‪.]237/2‬‬
‫ولو جعل الزوج الخيار لمرأته منه‪ ،‬فاختارت نفسها قبل الدخول‪ ،‬فل مهر لها؛ لن الفرقة تمت‬
‫بفعلها‪ ،‬وإن جعل لها بغير سؤالها وطلبها‪ ،‬لم يسقط الصداق باختيارها نفسها قبل الدخول‪ ،‬بل يتنصف‬
‫؛ لنها نائبة عنه‪ ،‬ففعلها كفعله‪.‬‬
‫سقوط نصف المهر ‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )4‬ما يسقط به نصف المهر نوعان‪:‬‬
‫النوع الول ـ الطلق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر‪ ،‬والمهر دين لم يقبض بعد‪ ،‬للية‬
‫المتقدمة‪{ :‬فنصف ما فرضتم} [البقرة‪ ]237/2:‬أوجب سبحانه وتعالى نصف المفروض‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ ما يسقط به نصف المهر معنى‪ ،‬والكل صورة‪ :‬وهو كل طلق تجب فيه المتعة‪ :‬وهو‬
‫كل فرقة جاءت من جهة الزوج قبل الدخول في نكاح ل تسمية فيه‪ .‬كما سأبين في بحث المتعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.203‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪.59/2 :‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪.167 ،163 ،157/5 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.303-296/2 :‬‬

‫( ‪)9/282‬‬

‫عاشرا ـ تبعة ضمان المهر وحكم هلكه واستهلكه واستحقاقه وتعييبه وزيادته ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن تبعة ضمان المهر إذا هلك تكون على من بيده المهر‪ ،‬فإذا هلك قبل القبض‬
‫ضمنه الزوج‪ ،‬وإذا هلك بعد القبض أو استهلكته المرأة‪ ،‬ضمنته هي‪:‬‬
‫فإن هلك المهر في يد الزوج‪ ،‬بآفة سماوية‪ ،‬ضمن الزوج عند الحنفية والمالكية مثله أو قيمته‪.‬‬
‫وإن هلك بفعل الزوجة وهو في يد زوجها‪ ،‬أو بآفة سماوية بعد القبض‪ ،‬أصبحت مستوفية له بهذا‬
‫الهلك‪.‬‬
‫وإذا هلك بفعل أجنبي‪ ،‬فالمرأة بالخيار بين تضمين الجنبي وبين تضمين الزوج‪ ،‬ثم يرجع الزوج‬
‫على الجنبي بما ضمن‪.‬‬
‫وإن استحق المهر بأن تبين أنه ليس ملكا للزوج‪ ،‬فالزوج ضامن له؛ لنه بالستحقاق تبين أنه ملك‬
‫غيره‪ ،‬فترجع بمثله إن كان مثليا‪ ،‬وبقيمته إن كان قيميا يوم عقد النكاح‪.‬‬
‫وإن اطلعت الزوجة على عيب قديم فيه‪ ،‬كان لها الخيار بين إمساكه أو رده والرجوع بمثله في‬
‫المثلي‪ ،‬وبقيمته في القيمي يوم الزواج‪.‬‬
‫وذكر الحنفية (‪ : )1‬أن المرأة إذا قبضت المهر‪ ،‬فإن كان دراهم أو دنانير معينة أو غير معينة‪ ،‬أو‬
‫ل أو موزونا في الذمة‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول بها‪ ،‬فعليها رد نصف المقبوض‪ ،‬وليس عليها‬
‫كان مكي ً‬
‫رد عين ما قبضت؛ لن عين المقبوض لم يكن واجبا بالعقد‪ ،‬فل يكون واجبا بالفسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.301 ،298/2 :‬‬

‫( ‪)9/283‬‬

‫وإن حدث تعيب أو نقصان فاحش في المهر‪:‬‬


‫أ ـ فإن كان بفعل أجنبي قبل القبض‪ ،‬فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذت الشيء الناقص‪ ،‬واتبعت‬
‫الجاني بالرش (التعويض عنه) وإن شاءت تركت وأخذت من الزوج قيمة الشيء يوم العقد‪ ،‬ثم يرجع‬
‫الزوج على الجنبي بضمان النقصان وهو الرش‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان النقصان بآفة سماوية‪ :‬فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصا ول شيء لها غيره‪ ،‬وإن‬
‫شاءت تركته وأخذت قيمته يوم العقد؛ لن المهر مضمون على الزوج بالعقد‪ ،‬والوصاف ل تضمن‬
‫بالعقد لعدم ورود العقد عليها موصوفا‪ ،‬فل تضمن في حقها‪ ،‬وإنما يضمن الصل لورود العقد عليه‪.‬‬
‫وإنما ثبت لها الخيار لتغير المعقود عليه وهو المهر عما كان عليه‪.‬‬
‫جـ ـ وإن كان النقصان بفعل الزوج‪ :‬ففي ظاهر الرواية إن شاءت أخذته ناقصا‪ ،‬وأخذت معه أرش‬
‫النقصان‪ ،‬وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد‪.‬‬
‫د ـ وإن كان النقصان بفعل المرأة‪ :‬فقد صارت قابضة بالجناية على الشيء‪ ،‬فجعل كأن النقصان‬
‫حصل في يدها‪ ،‬كالمشتري إذا جنى على المبيع في يد البائع‪ ،‬إنه يصير قابضا له‪.‬‬
‫هذا في النقصان الفاحش‪ ،‬وأما في النقصان اليسير فل خيار لها‪.‬‬
‫وذكر المالكية (‪ : )1‬أنه إن تلف الصداق‪ ،‬وكان مما ُيغَاب عليه (أي يمكن إخفاؤه ويتطلب الحراسة)‬
‫ولم تقم على هلكه بينة‪ ،‬فيضمنه الذي بيده‪ ،‬فيغرم نصفه لصاحبه إن حدث طلق قبل الدخول‪.‬‬
‫وإن لم تقم بينة على هلكه‪ ،‬فتلف وكان مما ل يُغاب عليه (ل يمكن إخفاؤه) كالبساتين والزرع‬
‫والحيوان‪ ،‬وطلق الرجل قبل الدخول‪ ،‬فل رجوع لكل منهما على الخر‪ ،‬ويحلف من هو بيده أنه ما‬
‫فرط إن اتهم‪.‬‬
‫وكذا إن هلك الصداق بعد العقد‪ ،‬كأن مات أو حرق أو سرق أو تلف من غير تفريط أحد من‬
‫الزوجين‪ ،‬وثبت هلكه ببينة أو بإقرارهما عليه‪ ،‬سواء أكان مما يغاب عليه أم ل‪ ،‬وسواء أكان بيد‬
‫الزوج أم الزوجة أم غيرهما‪ ،‬ل رجوع لحدهما على الخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،295/2 :‬الشرح الصغير‪ ،457/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.203‬‬

‫( ‪)9/284‬‬

‫والحاصل‪ :‬أن الصداق إن تلف في يد أحد الزوجين‪ :‬فإن كان مما ل يغاب عليه فخسارته على‬
‫الزوجين‪ ،‬وأما ما يغاب عليه فخسارته على من هو في يده إن لم تقم بينة على هلكه‪ .‬فإن قامت بينة‬
‫على هلكه‪ ،‬فخسارته عليهما‪.‬‬
‫وإن استحق المهر من يد الزوجة‪ :‬فترجع بمثل المثلي‪ ،‬وقيمة القيمي‪ ،‬يوم عقد النكاح‪.‬‬
‫وإن اطلعت على عيب قديم في المهر‪ ،‬فلها الخيار بين إمساكه أو رده والرجوع بمثله أو قيمته‪.‬‬
‫وإن استحق بعض المهر أو تعيب بعضه‪ :‬فإن كان فيه ضرر بأن كان أزيد من الثلث‪ ،‬كان لها أن‬
‫ترد الباقي وتأخذ من الزوج قيمته‪ ،‬أو تحسب ما بقي‪ ،‬وترجع بقيمة ما استحق‪ .‬وأما إن كان المستحق‬
‫منه الثلث أو الشيء التافه الذي ل ضرر فهي‪ ،‬فترجع بقيمة ما استحق فقط‪.‬‬
‫وفصّل الشافعية القول (‪ : )1‬إن كان الصداق عينا كدار معينة أو ثوب أو حيوان معين فتلف في يد‬
‫الزوج قبل القبض‪ ،‬ضمنه ضمان عقد ل ضمان يد؛ لنه مملوك بعقد معاوضة‪ ،‬فأشبه المبيع في يد‬
‫البائع‪ ،‬والفرق بين ضماني العقد واليد في الصداق‪ :‬أنه على الول يضمن بمهر المثل‪ ،‬وعلى الثاني‬
‫يضمن بالبدل الشرعي‪ :‬وهو المثل إن كان مثليا‪ ،‬والقيمة إن كان قيميا‪.‬‬
‫وعلى الول‪ :‬ليس للمرأة بيعه قبل قبضه كالمبيع‪ ،‬وعلى الثاني يجوز بيعه‪ .‬وتصح القالة على الول‬
‫دون الثاني‪.‬‬
‫لهذا‪ ..‬لو تلف الشيء المعين في يد الزوج بآفة سماوية‪ ،‬وجب مهر المثل على الول لنفساخ عقد‬
‫الصداق‪ ،‬ول ينفسخ على الثاني‪.‬‬
‫وإن أتلفت الزوجة المهر‪ ،‬فتعد قابضة إذا كانت أهلً؛ لنه أتلفت حقها‪ ،‬وإن كانت غير رشيدة فل تعد‬
‫قابضة؛ لن قبضها غير معتدّ به‪.‬‬
‫وإن أتلفه أجنبي‪ ،‬تخيرت الزوجة على المذهب بين فسخ الصداق وإبقائه‪ ،‬فإن فسخت الصداق أخذت‬
‫من الزوج مهر المثل‪ ،‬وإن لم تفسخه غَرّمت المتلف المثل أوا لقيمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 221/3 :‬وما بعدها‪ 235 ،‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.57/2 :‬‬

‫( ‪)9/285‬‬
‫وإن أتلفه الزوج فهو كتلفه بآفة سماوية‪ ،‬يوجب مهر المثل‪.‬‬
‫وإن تعيّب الصداق المعين قبل قبضه بآفة سماوية كالعمى أو قطع يد‪ ،‬تخيرت الزوجة على المذهب‬
‫بين فسخ الصداق وإبقائه‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وإن قبضت المرأة الصداق‪ ،‬فوجدت به عيبا‪ ،‬فردته‪ ،‬أو خرج مستحقا‪ ،‬رجعت على الزوج في‬
‫المذهب الجديد بمهر المثل‪.‬‬
‫وإن كان الصداق تعليم الزوج لها سورة من القرآن‪ ،‬فتعلمت من غيره‪ ،‬أو لم تتعلم لسوء حفظها‪ ،‬فهو‬
‫كالصداق المعين إذا تلف‪ ،‬فترجع إلى مهر المثل على الجديد‪.‬‬
‫والمنافع الفائتة في يد الزوج ل يضمنها‪ ،‬وكذا المنافع التي استوفاها بركوب الدابة التي أصدقها‪،‬‬
‫ولبس الثوب الذي أصدقه‪ ،‬ل يضمنها على المذهب ‪.‬‬
‫وإن طلبت الزوجة من الزوج تسليم المهر‪ ،‬فامتنع منه‪ ،‬ضمن ضمان العقد‪.‬‬
‫وإن طلق الرجل والمهر تالف بعد قبضه‪ ،‬فعليها نصف بدله له من مثل أو قيمة‪ .‬وإن تعيب في يدها‪،‬‬
‫فإن قنِع بالنصف معيبا‪ ،‬فل أرش له‪ ،‬كما لو تعيب المبيع في يد البائع‪ ،‬وإن لم يقنع به‪ :‬فإن كان قيميا‬
‫فعليها نصف قيمته‪ ،‬وإن كان مثليا فعليها مثل نصفه؛ لنه ل يلزمه الرضا بالمعيب‪ ،‬فله العدول إلى‬
‫بدله‪ .‬وإن تعيب بآفة سماوية قبل قبضها له‪ ،‬وقنعت به‪ ،‬فله نصفه ناقصا بل أرش ول خيار‪ .‬وإن‬
‫تعيب بفعل أجنبي ضمنت جنايته وأخذت أرشها‪ ،‬والصح أن له نصف الرش مع نصف عين المهر‪.‬‬
‫وقرر الحنابلة (‪ : )1‬أنه إن أخذت المرأة الصداق‪ ،‬فوجدته معيبا‪ ،‬فلها منع نفسها من الزفاف حتى‬
‫يبدله‪ ،‬أو يعطيها أرشه؛ لن صداقها صحيح‪.‬‬
‫وإن سلمت نفسه ثم بان الصداق معيبا‪ ،‬كان لها أيضا منع نفسها عن الستمتاع حتى تقبض بدله أو‬
‫أرشه؛ لنها إنما سلمت نفسها ظنا منها أنها قبضت صداقها‪ ،‬فتبين عدمه‪.‬‬
‫ل أو موزونا‪ ،‬فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها‪ ،‬أو كان غير المكيل‬
‫وإن كان الصداق مكي ً‬
‫والموزون‪ ،‬فمنعها أن تتسلمه فالنقص عليه؛ لنه من ضمانه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 299/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/286‬‬

‫وأما زيادة المهر ‪:‬‬


‫ففيها تفصيل عند الفقهاء‪ ،‬أما رأي الحنفية (‪ )1‬فهو ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬إن كانت الزيادة متولدة من الصل كالولد والصوف والثمر والزرع‪ ،‬أو في حكم المتولد‬
‫كالرش (عوض الجراحة) فهي مهر‪ ،‬سواء أكانت متصلة بالصل كالسمن والكبر والجمال‪ ،‬أم‬
‫منفصلة عنه كالولد ونحوه‪.‬‬
‫فلو طلقها قبل الدخول بها يتنصف الصل والزيادة جميعا بالتفاق؛ لن الزيادة تابعة للصل‪ ،‬لكونها‬
‫نماء الصل‪ ،‬والرش بدل جزء هو مهر‪ ،‬فيقوم مقامه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وأما إن كانت الزيادة غير متولدة من الصل‪ :‬فإن كانت متصلة بالصل كالثوب إذا صبغ‪،‬‬
‫والرض إذا بني فيها بناء‪ ،‬فإنها تمنع التنصيف‪ ،‬وعليها نصف قيمة الصل؛ لن هذه الزيادة ليست‬
‫بمهر؛ لنها لم تتولد من المهر‪ ،‬فل تكون مهرا‪ ،‬فل تتنصف‪ ،‬ول يمكن تنصيف الصل بدون‬
‫تنصيف الزيادة‪.‬‬
‫وإن كانت منفصلة عن الصل كالهبة والكسب‪ ،‬فالزيادة ليست بمهر وهي كلها للمرأة في قول أبي‬
‫حنيفة ول تتنصف‪ ،‬ويتنصف الصل؛ لن هذه الزيادة ليست بمهر‪ ،‬وإنما هي مال المرأة‪ ،‬فأشبهت‬
‫سائر أموالها‪.‬‬
‫وعند الصاحبين‪ :‬هي مهر‪ ،‬فتتنصف مع الصل؛ لن هذه الزيادة تملك بملك الصل‪ ،‬فكانت تابعة‬
‫للصل‪ ،‬فتتنصف مع الصل‪ ،‬كالزيادة المتولدة من الصل كالسمن والولد‪.‬‬
‫هذا إذا كان المهر في يد الزوج‪ ،‬فحدثت فيه الزيادة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 299/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/287‬‬

‫أما إذا كان المهر في يد المرأة قبل الفرقة‪ :‬فإن كانت الزيادة متصلة متولدة من الصل‪ ،‬فإنها تمنع‬
‫التنصيف في قول أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬وللزوج عليها نصف القيمة يوم سلمه إليها؛ لن هذه‬
‫الزيادة لم تكن موجودة عند العقد‪ ،‬ول عند القبض؛ فل يكون لها حكم المهر‪ ،‬فل يمكن فسخ العقد‬
‫عليها بالطلق قبل الدخول؛ لن الفسخ إنما يرد على ما ورد عليه العقد‪ .‬وقال محمد‪ :‬ل تمنع‬
‫التنصيف‪ ،‬ويتنصف الصل مع الزيادة‪ ،‬لظاهر آية {فنصف ما فرضتم} [البقرة‪ ]237/2:‬وليس نصف‬
‫قيمة المفروض‪.‬‬
‫وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الصل‪ ،‬فإنها تمنع التنصيف باتفاق أئمة الحنفية الثلثة‪ ،‬وعليها‬
‫نصف قيمة الصل إلى الزوج‪.‬‬
‫وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة من الصل‪ ،‬فهي للمرأة خاصة‪ ،‬والصل بينهما نصفان اتفاقا‪.‬‬
‫وإن حدثت الزيادة بعد الطلق قبل القبض‪ :‬فالصل والزيادة بينهما نصفان‪.‬‬
‫وإن حدثت بعد القبض وبعد القضاء بالنصف للزوج‪ :‬فكالحالة السابقة هما بينهما نصفان‪ .‬وإن كانت‬
‫الزيادة قبل القضاء بالنصف للزوج‪ :‬فالمهر في يدها كالمقبوض بعقد فاسد‪ ،‬تكون الزيادة لها؛ لن‬
‫الملك كان لها‪ ،‬وقد فسخ ملكها في النصف بالطلق‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬ما حدث في الصداق من زيادة ونقصان قبل الدخول‪ :‬فالزيادة للزوجين‪،‬‬
‫والنقصان عليهما‪ ،‬وهما شريكان في ذلك‪ .‬ومعنى هذا أن الزيادة بعد الدخول للمرأة‪.‬‬
‫ورأى الشافعية (‪ : )2‬أن للمرأة زيادة منفصلة حدثت بعد الصداق‪ ،‬كثمرة وولد وأجرة؛ لنها حدثت‬
‫في ملكها‪.‬‬
‫سمَن وتعلم حرفة‪ ،‬فإن لم تسمح بها‪ ،‬فعليها نصف قيمة المهر‪ ،‬بأن‬
‫ولها الخيار في زيادة متصلة‪ ،‬ك ِ‬
‫يقوّم بغير زيادة‪ ،‬ويعطى الزوج نصفه‪ ،‬وإن سمحت بها لزمه قبول الزيادة‪ ،‬وليس له طلب بدل‬
‫النصف؛ لن حقه مع زيادة ل تتميز‪ ،‬ول تفرد بالتصرف‪ ،‬بل هي تابعة‪ ،‬فل تعظم فيها المنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.203‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.236/3 :‬‬

‫( ‪)9/288‬‬

‫وإن زاد المهر ونقص‪ :‬كطول نخلة بحيث يؤدّي إلى هرمها وقلة ثمرها‪ :‬فإن اتفق الزوجان على‬
‫الرجوع بنصف العين‪ ،‬فذاك؛ لن الحق ل يعدوهما‪ ،‬وإل فنصف قيمة العين خالية عن الزيادة‬
‫والنقص؛ لنه العدل‪ ،‬ول تجبر هي على دفع نصف العين‪ ،‬للزيادة‪ ،‬ول هو على قبوله للنقص‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة (‪ : )1‬إلى أنه يدخل المهر في ملك المرأة بمجرد العقد‪ ،‬فإن زاد فالزيادة لها‪ ،‬وإن‬
‫نقص فعليها‪ .‬وإذا كان المهر غنما فولدت‪ ،‬فالولد زيادة منفصلة‪ ،‬تكون لها؛ لنه نماء ملكها‪ ،‬ويرجع‬
‫قبل الدخول في نصف المهات‪ ،‬إن لم تكن نقصت ول زادت زيادة متصلة؛ لنه نصف ما فرض‬
‫لها‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬وقد فرضتم لهن فريضة‪ ،‬فنصف ما‬
‫فرضتم} [البقرة‪.]237/2:‬‬
‫وإن نقصت الغنام بالولدة أوبغيرها‪ ،‬فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا؛ لنه راض بدون حقه‪ ،‬وبين‬
‫أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها؛ لن ضمان النقص عليها‪ .‬وهذا موافق للشافعي‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة كما تقدم‪ :‬ل يرجع في نصف الصل‪ ،‬وإنما يرجع في نصف القيمة؛ لنه ل يجوز‬
‫فسخ العقد في الصل دون النماء؛ لنه موجب العقد‪ ،‬فلم يجز رجوعه في الصل بدونه‪.‬‬
‫واستدل الحنابلة‪ :‬بأن هذا نماء منفصل عن الصداق‪ ،‬فلم يمنع رجوع الزوج‪ ،‬كما لو انفصل قبل‬
‫القبض‪ .‬وردوا على دليل أبي حنيفة بأن الطلق ليس برفع للعقد‪ ،‬ول النماء من موجبات العقد‪ ،‬إنما‬
‫هو من موجبات الملك‪ ،‬فل فرق بين كون الولدة قبل تسليم المهر إلى الزوجة أو بعده‪ ،‬إل أن يكون‬
‫قد منعها قبضه‪ ،‬فيكون النقص من ضمانه‪ ،‬والزيادة لها‪ ،‬فتنفرد بالولد‪.‬‬
‫وإن نقصت المهات خيّرت المرأة بين أخذ نصفها ناقصة‪ ،‬وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من‬
‫يوم أصدقها إلى يوم طلقها‪ .‬وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة المهات من المرأة‪ ،‬لم يكن له الخذ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.749-746/6 :‬‬

‫( ‪)9/289‬‬

‫وإن كان الصداق بهيمة غير حامل (حائلً)‪ ،‬فحملت‪ ،‬فالحمل فيها زيادة متصلة‪ ،‬إن بذلتها له بزيادتها‬
‫لزمه قبولها‪ ،‬وليس الحمل معدودا نقصا‪ ،‬فل يرد به المبيع‪ .‬وإن اتفقا على تنصيفها جاز‪ .‬وإن أصدقها‬
‫حاملً‪ ،‬فولدت فقد أصدقها شيئين‪ :‬الم وولدها‪ ،‬وزاد الولد في ملكها‪ ،‬فإن طلقها فرضيت ببذل‬
‫النصف من الم والولد جميعا‪ ،‬أجبر على قبولهما؛ لنها زيادة غير متميزة‪ ،‬وإن لم تبذله‪ ،‬لم يجز له‬
‫الرجوع في نصف الولد لزيادته‪ ،‬ول في نصف الم لما فيه من التفرقة بين الم وبين ولدها‪ ،‬ويرجع‬
‫بنصف قيمة الم‪ .‬وفي نصف الولد وجهان‪ :‬أحدهما ـ ل يستحق نصف قيمته‪ ،‬والثاني ـ له نصف‬
‫قيمته‪.‬‬
‫وإذا أصدقها أرضا‪ ،‬فبنتها دارا‪ ،‬أو ثوبا فصبغته‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول‪ ،‬رجع بنصف قيمته وقت ما‬
‫أصدقها إل أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ‪ ،‬فيكون له النصف‪ ،‬أو تشاء هي أن‬
‫تعطيه زائدا فل يكون له غيره‪.‬‬
‫وإذا أصدقها نخلً غير مثمر‪ ،‬فأثمرت في يده‪ ،‬فالثمرة لها؛ لنها نماء ملكها‪.‬‬
‫حادي عشر ـ الختلف في المهر ‪:‬‬
‫الختلف في المهر له أحوال ثلثة‪ :‬اختلف في تسمية المهر‪ ،‬واختلف في مقدار المهر أو جنسه أو‬
‫نوعه أو صفته‪ ،‬واختلف في قبض المهر (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،308-304/2 :‬فتح القدير‪ ،479-475/2 :‬الدر المختار‪ ،499-496/2 :‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،496-491/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،204‬بداية المجتهد‪ ،31-29/2 :‬المهذب‪،62-61/2 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،244-242/3 :‬كشاف القناع‪ ،173-171/5 :‬المغني‪.711-707/6 :‬‬

‫( ‪)9/290‬‬

‫الحالة الولى ـ الختلف في تسمية المهر وعدم تسميته ‪:‬‬


‫اختلفت آراء الفقهاء في كيفية فصل النزاع في هذا الموضوع‪ ،‬بأن ادعى أحد الزوجين أو الورثة‬
‫تسمية المهر‪ ،‬وأنكر الخر‪ ،‬فقال الول‪ :‬سُمي المهر‪ ،‬وقال الخر‪ :‬لم نسم مهرا‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬إذا كان الختلف في حال حياة الزوجين‪ ،‬حلف منكر التسمية‪ ،‬عملً بالقاعدة المقررة‪:‬‬
‫(البينة على من ادعى‪ ،‬واليمين على من أنكر)‪ .‬فإن نكل عن اليمين ثبتت التسمية‪ ،‬وإن حلف يجب‬
‫مهر المثل باتفاق أئمة الحنفية‪ ،‬فإن كان الختلف بعد الطلق قبل الدخول تجب المتعة باتفاقهم أيضا‪.‬‬
‫وكذلك إن وقع الختلف بعد موت أحد الزوجين‪ ،‬فهو كالختلف في حال حياة الزوجين‪ ،‬فمن كان‬
‫القول له لو كان حيا يكون القول لورثته‪ ،‬فيحكم بالمسمى إن ثبت‪ ،‬وبمهر المثل إن لم يثبت‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إن أقام المدعي البينة على ما يدعيه قضي له بما ادعى‪ ،‬وإن لم يقم البينة‪ ،‬كان القول‬
‫قول من يشهد له العرف في التسمية وعدمها مع يمينه‪ ،‬فإن ادعى الزوج أنه تزوج المرأة تفويضا‬
‫بدون تسمية عند معتادي التفويض‪ ،‬وادعت هي التسمية‪ ،‬فالقول له بيمينه‪ ،‬ولو بعد الدخول أو الموت‬
‫أو الطلق‪ ،‬فيلزمه أن يفرض لها صداق المثل بعد الدخول‪ ،‬ول شيء عليه في الطلق أو الموت قبل‬
‫الدخول‪ .‬فإن كان المعتاد هو التسمية فالقول قول المرأة بيمينها‪ ،‬وثبت النكاح‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬إن اختلف الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما وولي الخر أو وارثه في تسمية المهر فقال‪:‬‬
‫لم نسم مهرا‪ ،‬وقالت‪ :‬سمي لي مهر المثل‪ ،‬فالقول قول الزوج بيمينه في أصوب الروايتين؛ لنه يدعي‬
‫ما يوافق الصل‪ ،‬ولها مهر المثل بالدخول أوالموت‪ ،‬فإن طلق ولم يدخل بها‪ ،‬فلها المتعة؛ لن القول‬
‫قوله في عدم التسمية‪ ،‬فهي مفوضة‪.‬‬
‫أما الشافعية فقالوا‪ :‬لو ادعت المرأة تسميته‪،‬فأنكر زوجها قائلً‪ :‬لم تقع تسمية‪ ،‬ولم يدّع تفويضا‪ ،‬تحالفا‬
‫في الصح؛ لن حاصله الختلف في قدر المهر؛ لن الزوج يقول‪ :‬الواجب مهر المثل‪ ،‬وهي تدعي‬
‫زيادة عليه‪.‬وبالتحالف‪ :‬ينتفي بيمين كل واحد منهما دعوى صاحبه‪ ،‬فيبقى العقد بل تسمية‪ ،‬فيجب‬
‫حينئذ مهر المثل‪.‬‬

‫( ‪)9/291‬‬
‫الحالة الثانية ـ الختلف في مقدار المهر المسمى ‪:‬‬
‫إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر المسمى‪ ،‬فقال الزوج‪ :‬ألف‪ ،‬وقالت الزوجة‪ :‬ألفان‪ ،‬والخلف في‬
‫حال قيام النكاح‪:‬‬
‫فقال أبو حنيفة ومحمد‪ :‬القول لمن شهد له مهر المثل بيمينه‪ ،‬وأيهما أقام البينة تقبل‪ ،‬فإن أقام الثنان‬
‫البينة‪ ،‬قدمت بينتها إن كان مهر المثل شاهدا للزوج؛ لنها تثبت الزيادة‪ ،‬وتقدم بينته إن كان مهر‬
‫المثل شاهدا للمرأة؛ لنها تثبت الحط‪ ،‬والصل في هذا أن البينة تثبت خلف الظاهر أي ما ليس‬
‫بثابت ظاهر‪ .‬وإن كان مهر المثل بينهما تحالفا‪ ،‬فإن حلفا أو برهنا قضي به‪ ،‬وإن برهن أحدهما قبل‬
‫برهانه‪ ،‬لنه أوضح دعواه بإقامة برهانه‪ .‬والحاصل‪ :‬أن أبا حنيفة ومحمدا يحكّمان مهر المثل‪ .‬لكن‬
‫إذا كان الختلف في جنس المهر أو نوعه أو صفته من الجودة والرداءة‪ ،‬فيقضى بقدر قيمته‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ـ والعمل جار على رأيه في مصر ـ ‪ :‬تعتبر الزوجة مدعية؛ لنها تدعي الزيادة‬
‫على الزوج‪ ،‬والزوج منكر‪ ،‬فتطبق القاعدة‪« :‬البينة على من ادعى‪ ،‬واليمين على من أنكر» فتطالب‬
‫الزوجة بإقامة البينة على ما تدعيه‪ ،‬فإن أقامت البينة على ما ادعت قضي لها به‪ ،‬وإن عجزت عن‬
‫إقامة البينة وطلبت تحليف الزوج اليمين‪ ،‬وجهت إليه اليمين‪ .‬فإن امتنع عن الحلف قضي لها بما‬
‫ادعت‪ ،‬وإن حلف قضي بقدر ما ذكره‪ ،‬إل أن يأتي بشيء قليل أي ما ل يتعارف مهرا لها‪ ،‬فيقضى‬
‫حينئذ بمهر المثل‪ .‬والحاصل‪ :‬أن أبا يوسف ل يحكّم مهر المثل‪ ،‬بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه‬
‫إل أن يأتي بشيء مستنكر‪ ،‬أي غير متعارف‪.‬‬

‫( ‪)9/292‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬إذا تنازع الزوجان في مقدار الصداق‪ :‬فإن كان قبل الدخول تحالفا وتفاسخا‪ ،‬وبدئت‬
‫هي باليمين‪ ،‬ويقضى لمن كان قوله أشبه بالمتعارف المعتاد بين أهل بلديهما‪ ،‬ومن نكل منهما عن‬
‫اليمين قضي عليه مع يمين صاحبه أي حلف الخر‪ ،‬وقضي له بما ادعاه‪ ،‬ول يفرق بينهما‪ .‬وإن لم‬
‫يكن قول أحدهما يشبه المتعارف تحالفا‪ ،‬فيحلف كل منهما على ما ادعى‪ ،‬ونفي ما ادعاه الخر؛ لن‬
‫كلً منهما يعتبر مدعى ومدعى عليه‪ ،‬فإن حلفا أو امتنعا عن اليمين‪ ،‬فرّق القاضي بينهما بطلقة‪.‬‬
‫وإن كان الخلف بعد الدخول‪ ،‬فالقول قول الزوج مع يمينه‪.‬‬
‫وقرر الشافعية‪ :‬أنه إن اختلف الزوجان في قدرالمهر أو صفته أو أجله‪ ،‬تحالفا‪ ،‬ويتحالف وارثاهما‪ ،‬أو‬
‫و ارث أحدهما والخر‪ ،‬ثم يفسخ المهر‪ ،‬ويجب مهر المثل‪ ،‬ولم ينفسخ النكاح‪.‬‬
‫ورأى الحنابلة ‪ :‬أنه إن اختلف الزوجان في قدر المهر بعد العقد‪ ،‬ول بيّنة لحدهما على مقداره‪،‬‬
‫فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما‪ ،‬فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل‪ ،‬فالقول قولها‪ ،‬وإن ادعى‬
‫الزوج مهر المثل أو أكثر‪ ،‬فالقول قوله‪ .‬وهذا موافق لرأي أبي حنيفة ومحمد‪.‬‬

‫( ‪)9/293‬‬

‫الحالة الثالثة ـ الختلف في قبض المهر المعجل ‪:‬‬


‫إذا اختلف الزوجان في قبض المعجل من المهر‪ ،‬بأن ادعى الزوج أنه وافاها كل المعجل‪ ،‬وقالت‬
‫الزوجة‪ :‬لم تقبض شيئا منه‪ ،‬أو قبضت بعضه‪ .‬فقال الحنفية‪ :‬إن كان الخلف بينهما قبل الدخول‪ ،‬كان‬
‫القول للزوجة بيمينها‪ ،‬وعلى الزوج أن يثبت ما يدعيه بالبينة‪ .‬وإن كان الخلف بينهما بعد الدخول؛‬
‫فإن لم يكن هناك عرف بتقديم شيء‪ ،‬فالقول قول الزوجة بيمينها‪ ،‬وإن كان هناك عرف فيحكم العرف‬
‫في النزاع على أصل القبض‪ ،‬بأن قالت الزوجة‪ :‬لم تقبض شيئا‪ ،‬فإن جرى العرف بتقديم النصف أو‬
‫الثلثين‪ ،‬قضي عليها به‪ ،‬ويكون العرف مكذبا للزوجة في ادعائها عدم قبض شيء من المهر قبل‬
‫الزفاف‪ .‬وقد أفتى متأخرو الحنفية (‪ )1‬بعدم تصديق المرأة بعد الدخول بها بأنها لم تقبض المشروط‬
‫تعجيله من المهر‪ ،‬مع أنها منكرة للقبض؛ لن العرف جرى بأن المرأة تقبض المعجل قبل‬
‫الزفاف‪.‬وإن كان النزاع في قبض بعض المعجل‪ ،‬بأن قالت الزوجة‪ :‬إنها قبضت بعض مهرها‪،‬‬
‫وادعى الزوج أنه سلمها كامل المهر‪ ،‬فالقول قول الزوجة بيمينها؛ لن الناس يتساهلون عادة في‬
‫المطالبة بتسليم كل المهر بعد قبض بعضه‪ ،‬ويتم الزفاف قبل قبضه‪.‬‬
‫ووافق المالكية الحنفية في حالة الخلف في قبض المعجل قبل الدخول أي القول قولها‪ ،‬وأما بعد‬
‫الدخول‪ :‬فالقول قوله بعد الدخول بيمينه‪ ،‬إل إذا كان هناك عرف فيرجع إليه‪.‬‬
‫ووافق الشافعية والحنابلة الحنفية بدون تفرقة بين ما قبل الدخول وبعده‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن اختلف الزوجان‬
‫في قبض المهر‪ ،‬فادعاه الزوج‪ ،‬وأنكرت المرأة‪ ،‬فالقول قولها؛ لن الصل عدم القبض‪ ،‬وبقاء المهر‪.‬‬
‫وإن كان الصداق تعليم سورة‪ ،‬فادعاه الزوج‪ ،‬وأنكرت المرأة‪ ،‬فإن كانت ل تحفظ السورة‪ ،‬فالقول‬
‫قولها؛ لن الصل عدم التعليم‪ .‬وإن كانت تحفظها ففيه وجهان‪ :‬أحدهما ـ أن القول قولها؛ لن‬
‫الصل أنه لم يعلمها‪ .‬والثاني ـ أن القول قوله؛ لن الظاهر أنه لم يعلمها غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رسائل ابن عابدين‪.126/2 :‬‬

‫( ‪)9/294‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن اختلف الزوجان في القبض‪ ،‬فقالت الزوجة‪ :‬لم أقبض‪ ،‬وقال الزوج‪ :‬قد قبضت‪ ،‬فقال‬
‫الجمهور(الشافعي وأحمد والثوري وأبو ثور) القول قول المرأة‪ .‬وقال مالك‪ :‬القول قولها قبل الدخول‪،‬‬
‫والقول قوله بعد الدخول‪ .‬وقال بعض أصحابه‪ :‬إنما قال ذلك مالك؛ لن العرف بالمدينة كان عندهم‬
‫أل يدخل الزوج حتى يدفع الصداق‪ .‬فإن كان بلد ليس فيه هذا العرف‪ ،‬كان القول قولها أبدا‪ ،‬والقول‬
‫بأن القول قولها أبدا أحسن؛ لنها مدعى عليها‪ .‬ولكن مالك راعى قوة الشبهة التي له إذا دخل بها‬
‫الزوج‪.‬‬
‫وإن اختلف الزوجان فيما يرسله الرجل إلى زوجته‪ ،‬فادعى أنه المهر‪ ،‬وادعت المرأة أنه هدية‪،‬‬
‫فالقول قوله بيمينه‪ ،‬والبينة لها عند الحنفية والشافعية‪.‬‬
‫ثاني عشر ـ الملزم بالجهاز والختلف فيه ‪:‬‬
‫الجهاز‪ :‬هو أثاث المنزل وفراشه وأدوات بيت الزوجية‪ ،‬وهناك رأيان للفقهاء في الملزم بالجهاز‪:‬‬
‫قال المالكية (‪ : )1‬الجهاز واجب على الزوجة بمقدار ما تقبضه من المهر‪ ،‬فإن لم تقبض شيئا فل‬
‫تلزم بشيء إل إذا اشترط الزوج التجهيز عليها‪ ،‬أو كان العرف يلزمها به‪ .‬ودليلهم أن العرف جرى‬
‫على أن الزوجة هي التي تعد بيت الزوجية وتجهزه بما يحتاج إليه‪ ،‬وإن الزوج إنما يدفع المهر لهذا‬
‫الغرض‪ .‬ويلزمها أن تتجهز بالمهر على العادة من حضر أو بدو‪ ،‬ول يلزمها أن تتجهز بأزيد منه إل‬
‫لشرط أو عرف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي‪ 458/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/295‬‬

‫وخالفهم الحنفية (‪ : )1‬فرأوا أن الجهاز واجب على الزوج‪ ،‬كما يجب عليه النفقة وكسوة المرأة‪،‬‬
‫والمهر المدفوع ليس في مقابلة الجهاز‪ ،‬وإنما هو عطاء ونحلة كما سماه ال في كتابه‪ ،‬أو هو في‬
‫مقابلة حل التمتع بها‪ ،‬فهو حق على الزوج لزوجته‪.‬‬
‫لكن إن دفع الزوج مقدارا من المال في مقابلة الجهاز‪:‬‬
‫فإن كان المال زائدا على المهر مستقلً عنه‪ ،‬فتلزم الزوجة بإعداد الجهاز لنه كالهبة بشرط العوض‪.‬‬
‫وأما إن كان المال غير مستقل عن المهر‪ ،‬بأن سمى مهرا زائدا على مهر المثل‪ ،‬فالصحيح كما قال‬
‫ابن عابدين أن الزوجة ل يلزمها شيء من الجهاز؛ لن الزيادة متى جعلت من ضمن المهر‪ ،‬التحقت‬
‫به‪ ،‬وصار كله حقا خالصا للزوجة‪ ،‬فل تطالب بإنفاق شيء منه في الجهاز جبرا عنها‪.‬‬
‫وأما الختلف في الجهاز أو متاع البيت‪ :‬وهو المفروشات والواني وغيرها‪ ،‬فالمقرر فيه لدى‬
‫المالكية (‪: )2‬‬
‫إذا اختلف الزوجان في متاع البيت‪ ،‬فادعى كل واحد منهما أنه له‪ ،‬ول بينة لهما ول لحدهما‪ ،‬فما‬
‫كان من متاع النساء كالحلي والغزل وثياب النساءوخمرهن‪ ،‬حكم به للمرأة مع يمينها‪ .‬وما كان من‬
‫متاع الرجال كالسلح والكتب وثياب الرجال‪ ،‬حكم به للرجل مع يمينه‪ ،‬وما كان يصلح لهما جميعا‬
‫كالدنانير والدراهم‪ ،‬فهو للرجل مع يمينه‪ .‬وقال سحنون‪ :‬مايعرف لحدهما فهوله بغير يمين‪.‬‬
‫ووافق أبو حنيفة ومحمد (‪ )3‬المالكية فقال‪ :‬ما كان يصلح للرجال كالعمامة والقلنسوة والسلح‬
‫وغيرها‪ ،‬فالقول فيه قول الزوج مع يمينه؛ لن الظاهر شاهد له؛ وما يصلح للنساء مثل الخمار‬
‫والملحفة والمغزل ونحوها‪ ،‬فالقول فيه قول الزوجة مع يمينها؛ لن الظاهر شاهد لها‪ .‬وما يصلح لهما‬
‫جميعا كالدراهم والدنانير والعروض والبسط والحبوب ونحوها‪ ،‬فالقول فيه قول الزوج مع يمينه؛ لن‬
‫يد الزوج على ما في البيت أقوى من يد المرأة؛ لن يده يد تصرف في المتاع‪ ،‬وأما يد المرأة فهي‬
‫للحفظ فقط‪ ،‬ويد التصرف أقوى من يد الحفظ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪ 505/2 :‬ومابعدها‪ ،‬و ‪.889‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،213‬الشرح الصغير‪.498-496/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 308/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار‪.504/2 :‬‬

‫( ‪)9/296‬‬

‫وقال أبو يوسف‪ :‬يكون القول قول الزوجة مع يمينها في مقدار ما يجهز به مثلها عادة‪ ،‬والقول قول‬
‫الزوج في الباقي؛ لن الغالب أل تزف الزوجة إلى زوجها إل بجهاز يليق بمثلها‪ ،‬فيكون الظاهر‬
‫شاهدا للمرأة في مقدار جهاز مثلها‪ ،‬فيكون القول قولها في هذا المقدار‪ ،‬وما زاد عنه‪ ،‬يكون القول فيه‬
‫للزوج مع يمينه؛ لن الظاهر يشهد له فيه‪.‬‬
‫وهذا الرأي يتفق مع عرف البلد التي تجهز فيه الزوجة بيت الزوجية‪.‬‬
‫ونقل الكاساني عن مالك والشافعي‪ :‬أن كل المتاع بين الزوجين نصفان‪.‬‬
‫وإذا مات الزوجان‪ ،‬فاختلف ورثتهما‪ ،‬فالحكم حينئذ كالحكم عند اختلف الزوجين‪ ،‬ففي قول أبي‬
‫حنيفة ومحمد‪ :‬القول قول ورثة الزوج‪ .‬وفي قول‬
‫أبي يوسف‪ :‬القول قول ورثة المرأة في مقدار جهاز مثلها‪ ،‬وقول ورثة الزوج في الباقي؛ لن الوارث‬
‫يقوم مقام المورث‪ ،‬فصار كأن المورثين اختلفا بأنفسهما وهم حيان‪.‬‬
‫وإن مات أحد الزوجين‪ ،‬واختلف الخر الحي وورثة الميت‪ ،‬فالحكم ل يختلف في رأي أبي يوسف‬
‫ومحمد ومالك‪ ،‬ففي رأي أبي يوسف‪ :‬القول للزوجة إن كانت موجودة‪ ،‬ولورثتها إن كانت ميتة‪ ،‬بقدر‬
‫جهاز مثلها‪ ،‬والزائد عنه يكون القول فيه للزوج أو لورثته‪ .‬وفي رأي مالك ومحمد‪ :‬يكون القول‬
‫للزوج بيمينه إن كان موجودا‪ ،‬ولورثته بعد موته‪.‬‬
‫وأما رأي أبي حنيفة‪ :‬فهو أن القول يكون للحي من الزوجين مع يمينه‪ ،‬فإن كان الزوج كان القول‬
‫قوله مع يمينه؛ لن يده على ما في البيت أقوى من يد المرأة‪ .‬وإن كانت الزوجة فالقول لها مع‬
‫يمينها؛ لن يدها كانت ضعيفة حال حياة الزوج‪ ،‬وصارت قوية بعد موت الزوج‪ ،‬فكان الظاهر شاهدا‬
‫لها‪.‬‬

‫( ‪)9/297‬‬

‫ثالث عشر ـ ميراث الصداق وهبته ‪:‬‬


‫قال المالكية (‪ : )1‬المهر حق خالص للمرأة‪ ،‬فلها أن تهبه لزوجها أو لجنبي‪ ،‬ويرثه عنها ورثتها‪.‬‬
‫وتفصيله ما يأتي‪:‬‬
‫إن طلقت المرأة قبل الدخول بها حسب ما أنفقته على نفسها من المهر مما يخصها من النصف‪.‬‬
‫ولو ادعى الب أو غيره أن بعض الجهاز له‪ ،‬وخالفته البنت أو الزوج‪ ،‬قُبلت دعوى الب أو وصيه‬
‫فقط في إعارته لها إن كانت دعواه في السنة التي حدث فيها الدخول من يوم الدخول‪ ،‬وكانت البنت‬
‫بكرا‪ ،‬أو ثيبا هي في وليته‪ ،‬أما الثيب التي ليست في وليته‪ ،‬فل تقبل دعواه في إعارته بعض‬
‫الجهاز لها‪.‬‬
‫وأما إن ادعى الب ذلك بعد مضي سنة من الدخول‪ ،‬فل تقبل دعواه إل أن يشهد على أن الشيء‬
‫عارية عند ابنته عند الدخول أو في وقت قريب منه‪.‬‬
‫ولو جهز رجل ابنته بشيء زائد عن صداقها‪ ،‬ومات قبل الدخول أو بعده‪ ،‬اختصت به البنت عن بقية‬
‫الورثة إن نقل الجهاز لبيتها أو أشهد لها الب بذلك قبل موته‪ ،‬أو اشتراه الب لها ووضعه عند غيره‬
‫كأمها أو عندها هي‪.‬‬
‫وإن وهبت امرأة رشيدة صداقها للزوج قبل قبضه منه‪ ،‬جبر الزوج على دفع أقل المهر لها وهو ربع‬
‫دينار أو ثلثة دراهم أو بقدر قيمتها‪ ،‬لئل يخلو النكاح من صداق‪.‬‬
‫ويجوز للمرأة الرشيدة أن تهب للزوج جميع الصداق الذي تقرر به النكاح؛ لنها ملكته‪ ،‬وتقرر‬
‫بالوطء‪ ،‬سواء قبضته منه أم لم تقبضه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا‪ ،‬فكلوه هنيئا‬
‫مريئا} [النساء‪.]4/4:‬‬
‫وإن وهبت المرأة الرشيدة الصداق لزوجها‪ ،‬أو أعطته مالً من عندها بقصد دوام ال ِعشْرة واستمرارها‬
‫معه‪ ،‬ففسخ النكاح لفساده‪ ،‬أو طلقها قبل تمام سنتين‪ ،‬رجعت عليه بما وهبته من الصداق‪ ،‬وبما أعطته‬
‫من مالها‪ ،‬لعدم تمام غرضها‪.‬‬
‫وإن أعطت سفيهة غير رشيدة مالً لرجل ليتزوجها به‪ ،‬صح الزواج ولم يفسخ‪ ،‬وعليه أن يعطيها من‬
‫ماله مثل ما أعطته‪ ،‬إن كان مثل مهرها فأكثر‪ ،‬فإن كان أقل من مهر مثلها‪ ،‬أعطاها من ماله قدر‬
‫مهر مثلها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.463-459/2 :‬‬

‫( ‪)9/298‬‬

‫المبحث الثاني ـ المتعة ‪:‬‬


‫معناها‪ ،‬حكمها‪ ،‬مقدارها (‪. )1‬‬
‫معنى المتعة‪ :‬المتعة مشتقة من المتاع‪ :‬وهو ما يستمتع به‪ ،‬وتطلق على أربعة معان‪:‬‬
‫أحدهما ـ متعة الحج‪ ،‬وقد ذكرت في الحج‪.‬‬
‫الثاني ـ النكاح إلى أجل‪.‬‬
‫الثالث ـ متعة المطلقات‪ ،‬وهي محل البحث هنا‪.‬‬
‫الرابع ـ إمتاع المرأة زوجها في مالها على ما جرت به العادة في بعض البلد‪ ،‬قال المالكية‪ :‬فإن‬
‫كان شرطا في العقد لم يجز‪ ،‬وإن كان تطوعا بعد تمام العقد جاز‪.‬‬
‫والمتعة المرادة هنا‪ :‬هي الكسوة أو المال الذي يعطيه الزوج للمطلقة زيادة على الصداق أو بدلً عنه‬
‫كما في المفوضة‪ ،‬لتطيب نفسها‪ ،‬ويعوضها عن ألم الفراق‪ .‬وعرفها الشافعية‪ :‬بأنها مال يجب على‬
‫الزوج دفعه لمرأته المفارقة في الحياة بطلق وما في معناه‪ ،‬بشروط تأتي‪.‬‬
‫وعرفها المالكية‪ :‬بأنها الحسان إلى المطلقات حين الطلق بما يقدر عليه المطلق بحسب ماله في القلة‬
‫والكثرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،304-302/2 :‬الدر المختار‪ ،462-461/2 :‬اللباب‪ ،17/3 :‬فتح القدير‪ ،448/2 :‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،616/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،240 ،239 ،210‬مغني المحتاج‪ 241/3 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫المهذب‪ ،63/2 :‬كشاف القناع‪ 176/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،717-712/6 :‬غاية المنتهى‪.73/3 :‬‬

‫( ‪)9/299‬‬

‫حكم المتعة ‪:‬‬


‫للفقهاء آراء في حكم المتعة‪.‬‬
‫أما الحنفية فقالوا‪ :‬قد تكون المتعة واجبة‪ ،‬وقد تكون مستحبة‪ .‬فتجب المتعة في نوعين من الطلق‪.‬‬
‫ً‪ - 1‬طلق المفوضة قبل الدخول‪ ،‬أو المسمى لها مهرا تسمية فاسدة‪ :‬أي الطلق الذي يكون قبل‬
‫الدخول والخلوة في نكاح ل تسمية فيه‪ ،‬ول فرض بعده‪ ،‬أو كانت التسمية فيه فاسدة‪ ،‬وهذا متفق عليه‬
‫عند الجمهور غيرا لمالكية‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن‪ ،‬أو تفرضوا‬
‫لهن فريضة‪ ،‬ومتعوهن} [البقرة‪ ]236/2:‬أمر بالمتعة‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب‪ ،‬وتأكد في آخر الية‬
‫بقوله‪{ :‬حقا على المحسنين} [البقرة‪ ]236/2:‬ولن المتعة في هذه الحالة بدلً عن نصف المهر‪،‬‬
‫ونصف المهر واجب‪ ،‬وبدل الواجب واجب؛ لنه يقوم مقامه‪ ،‬كالتيمم بدلً عن الوضوء‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الطلق الذي يكون قبل الدخول في نكاح لم يسم فيه المهر‪ ،‬وإنما فرض بعده‪ ،‬في رأي أبي‬
‫حنيفة ومحمد‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ‪ ،‬ثم طلقتموهن من قبل أن‬
‫تمسوهن‪ ،‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها‪ ،‬فمتعوهن} [الحزاب‪ ]49/33:‬والية السابقة {ومتعوهن}‬
‫[البقرة‪ ]236/2:‬فالية الولى أوجبت المتعة في كل المطلقات قبل الدخول‪ ،‬ثم خص منها من سمي لها‬
‫مهر‪ ،‬فبقيت المطلقة التي لم يسم لها مهر‪ ،‬والية الثانية أوجبت المتعة لمن لم يفرض لها فريضة‪،‬‬
‫وهو منصرف إلى الفرض في العقد‪.‬‬
‫ورأى أبو يوسف والشافعي وأحمد‪ :‬أنه يجب للمطلقة قبل الدخول التي فرض لهامهر نصف‬
‫مهر‪،‬سواء أكان الفرض في العقد أم بعده؛ لن الفرض بعد العقد كالفرض في العقد‪،‬وبما أن‬
‫المفروض في العقد يتنصف فكذا المفروض بعده‪.‬‬
‫وتستحب المتعة عند الحنفية في حالة الطلق بعد الدخول‪ ،‬والطلق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية؛‬
‫لن المتعة إنما وجبت بدلً عن نصف المهر‪ ،‬فإذا استحقت المسمى أو مهر المثل بعد الدخول‪ ،‬فل‬
‫داعي للمتعة‪.‬‬
‫وأوجب الشافعية المتعة في الطلق بعد الدخول‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على‬
‫المتقين} [البقرة‪.]2/241:‬‬
‫( ‪)9/300‬‬

‫والخلصة‪ :‬تستحب المتعة عند الحنفية لكل مطلقة إل لمفوضة فتجب‪ :‬وهي من زوجت بل مهر‪،‬‬
‫وطلقت قبل الدخول‪ ،‬أو من سمي لها مهر تسمية فاسدة أو سمي بعد العقد‪.‬‬
‫ومذهب المالكية‪ :‬أن المتعة مستحبة لكل مطلقة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬حقا على المتقين} [البقرة‪]2/241:‬‬
‫وقوله‪{ :‬حقا على المحسنين} [البقرة‪ ]2/236:‬فإنه سبحانه قيد المر بها بالتقوى والحسان‪ ،‬والواجبات‬
‫ل تتقيد بهما‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬المطلقات ثلثة أقسام‪ :‬مطلقة قبل الدخول وقبل التسمية (المفوضة) فلها المتعة وليس لها شيء‬
‫من الصداق‪ .‬ومطلقة قبل الدخول وبعد التسمية‪ ،‬فل متعة لها‪ .‬ومطلّقة بعد الدخول‪ ،‬سواء أكانت قبل‬
‫التسمية أم بعدها‪ ،‬فلها المتعة‪ .‬ول متعة في كل فراق تختاره المرأة‪ ،‬كامرأة المجنون والمجذوم‬
‫والعنين‪ .‬ول في الفراق بالفسخ‪ ،‬ول المختلعة‪ ،‬ول الملعنة‪.‬‬
‫ومذهب الشافعية عكس المالكية تماما‪ :‬المتعة واجبة لكل مطلقة‪ ،‬سواء أكان الطلق قبل الدخول أم‬
‫بعده‪ ،‬إل لمطلقة قبل الدخول سمي لها مهر فإنه يكتفى لها بنصف المهر‪ ،‬فتجب لمطلقة قبل دخول إن‬
‫لم يجب شطر مهر‪ ،‬وتجب أيضا في الظهر لمدخول بها‪ ،‬ولكل فُرْقة ل بسبب الزوجة كطلق‪ ،‬بأن‬
‫كانت الفرقة بسبب الزوج كردته ولعانه وإسلمه‪ .‬أما من وجب لها شطر مهر فلها ذلك‪ ،‬وأما‬
‫المفوضة ولم يفرض لها شيء فلها المتعة‪ .‬وعبارتهم بإيجاز (‪ : )1‬لكل مفارقة متعة إل التي فرض‬
‫لها مهر‪ ،‬وفورقت قبل الدخول‪ ،‬أو كانت الفرقة بسببها‪ ،‬أو بملكه لها‪ ،‬أو بموت‪ ،‬وفرقة اللعان بسببه‪،‬‬
‫والعنة بسببها‪.‬‬

‫( ‪)9/301‬‬

‫ودليلهم قوله تعالى‪{ :‬ومتعوهن} [البقرة‪ ]236/2:‬وقوله {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة‪]241/2:‬‬
‫فإنه أوجب المتعة لكل مطلقة‪ ،‬سواء أكانت مدخولً بها أم ل‪ ،‬سمي لها مهر أم ل‪ .‬ويؤكده تمتيع‬
‫زوجات النبي صلّى ال عليه وسلم وكن مدخولً بهن‪ ،‬في قوله تعالى‪{ :‬قل لزواجك‪ :‬إن كنتن تردن‬
‫الحياة الدنيا وزينتها‪ ،‬فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلً} [الحزاب‪ .]28/33:‬أما إذا فرض‬
‫للمرأة في التفويض شيء فل متعة لها؛ لن الزوج لم يستوف منفعة بُضعها‪ ،‬فيكفي شطر مهرها لما‬
‫لحقها بالطلق من الستيحاش والبتذال‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة موافق لمذهب الحنفية في الجملة‪ :‬المتعة تجب على كل زوج حر وعبد‪ ،‬مسلم وذمي‪،‬‬
‫لكل زوجة مفوضة‪ ،‬طلقت قبل الدخول‪ ،‬وقبل أن يفرض لها مهر‪ ،‬للية المتقدمة {ومتعوهن } [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]236/2‬ول يعارضه قوله {حقا على المحسنين} [البقرة‪ ]236/2:‬لن أداء الواجب من الحسان‪ ،‬فليس‬
‫للمفوضة إل المتعة‪.‬‬
‫وتستحب المتعة عندهم لكل مطلقة غير المفوضة التي لم يفرض لها مهر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وللمطلقات‬
‫متاع بالمعروف} [البقرة‪ ]241/2:‬ولم تجب؛ لنه تعالى قسم المطلقات قسمين‪ ،‬وأوجب المتعة لغير‬
‫المفروض لهن‪ ،‬ونصف المسمى للمفروض لهن‪ ،‬وهو يدل على اختصاص كل قسم بحكمه‪.‬‬
‫ول متعة للمتوفى عنها؛ لن النص لم يتناولها‪ ،‬وإنما تناول المطلقات‪.‬‬
‫وتسقط المتعة في كل موضع يسقط فيه كل المهر‪ ،‬كردتها وإرضاعها من ينفسخ به نكاحها ونحوه؛‬
‫لنها أقيمت مقام نصف المسمى‪ ،‬فسقطت في كل موضع يسقط فيه‪.‬‬
‫وتجب المتعة للمفوضة في كل موضع يتنصف فيه المسمى‪ ،‬كردته قياسا على الطلق‪ ،‬ول تجب‬
‫المتعة فيما يسقط به المسمى من الفرق كاختلف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبل‬
‫المرأة؛ لن المتعة أقيمت مقام نصف المسمى‪ ،‬فسقطت في موضع يسقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الطلب للنصاري‪ :‬ص ‪.231‬‬

‫( ‪)9/302‬‬

‫ومن وجب لها نصف المهر‪ ،‬لم تجب لها متعة‪ ،‬سواء أكانت ممن سمي لها صداق‪ ،‬أم لم يسم لها‪،‬‬
‫لكن فرض بعد العقد‪ .‬وهذا موافق للجمهور غير أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ول متعة للمسمى لها مهرا بعد الدخول أو المفوضة أو المفوض لها بعد الدخول‪ ،‬لكن يستحب لها‬
‫المتعة‪ ،‬وتستحب أيضا لمن سمي لها صداق فاسد كالخمر والمجهول وطلقت قبل الدخول‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أوجب الشافعية المتعة إل للمطلقة قبل الدخول‪ ،‬التي سُمي لها المهر‪ ،‬والجمهور استحبوا‬
‫المتعة‪ ،‬لكن المالكية استحبوها لكل مطلقة‪ ،‬والحنفية والحنابلة استحبوها لكل مطلقة إل المفوضة التي‬
‫زوجت بل مهر فتجب لها المتعة‪ .‬والظاهر رجحان مذهب الشافعية لقوة أدلتهم‪ ،‬ولتطييب خاطر‬
‫المرأة‪ ،‬وتخفيف ألم الفراق‪ ،‬وليجاد باعث على العودة إلى الزوجية إن لم تكن البينونة كبرى‪.‬‬
‫مقدار المتعة ونوعها ‪:‬‬
‫لم يرد نص في تقدير المتعة ونوعها‪ ،‬فاجتهد الفقهاء في مقدارها‪.‬‬
‫قرر الحنفية‪ :‬أنها ثلثة أثواب‪ :‬دِرْع (ما تلسبه المرأة فوق القميص) وخمار (ما تغطي به المرأة‬
‫رأسها) ومِلْحفة (ما تلتحف به المرأة من رأسها إلى قدمها) لقوله تعالى‪{ :‬متاعابالمعروف حقا على‬
‫المحسنين} [البقرة‪ ]236/2:‬والمتاع‪ :‬اسم للعروض في العرف‪ ،‬ولن ليجاب الثواب نظيرا في‬
‫أصول الشرع وهو الكسوة التي تجب لها حال قيام الزوجية وأثناء العدة‪ ،‬وأدنى ما تكتسي به المرأة‬
‫وتستتر به عند الخروج‪ :‬ثلثة أثواب‪.‬‬
‫ول تزيد هذه الثواب عن نصف مهر المثل لو كان الزوج غنيا‪ ،‬لنها بدل عنه‪ ،‬ول تنقص عن‬
‫خمسة دراهم لو كان الزوج فقيرا‪ .‬والمفتى به أن المتعة تعتبر بحال الزوجين كالنفقة‪ ،‬فإن كانا غنيين‬
‫فلها العلى من الثياب‪ ،‬وإن كانا فقيرين فالدنى‪ ،‬وإن كانا مختلفين فالوسط‪.‬‬

‫( ‪)9/303‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬يستحب أل تنقص المتعة عن ثلثين درهما أو ما قيمته ذلك‪ ،‬وهذا أدنى المستحب‪،‬‬
‫وأعله خادم‪ ،‬وأوسطه ثوب‪ .‬ويسن أل تبلغ نصف مهر المثل‪ ،‬فإن بلغته أو جاوزته جاز لطلق‬
‫الية‪{ :‬ومتعوهن} [البقرة‪.]236/2:‬‬
‫فإن تنازع الزوجان في قدرها‪ ،‬قدّرها القاضي باجتهاده بحسب ما يليق بالحال‪ ،‬معتبرا حال الزوجين‬
‫كما قال الحنفية‪ ،‬من يسار وإعسار ونسب وصفات‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬ومتعوهن‪ ،‬على الموسع قدره‪،‬‬
‫وعلى المقتر قدره} [البقرة‪{ ]236/2:‬وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة‪.]241/2:‬‬
‫وذهب المالكية والحنابلة‪ :‬إلى أن المتعة معتبرة بحال الزوج يسارا أوإعسارا‪ ،‬على الموسع قدره‪،‬‬
‫وعلى المقتر قدره‪ ،‬للية السابقة المصرحة بكون المتعة على حسب حال الزوج‪ ،‬فأعلها خادم أي‬
‫قيمة خادم في زمنهم إذا كان موسرا‪ ،‬وأدناها إذا كان فقيرا‪ :‬كسوة كاملة تجزيها في صلتها أي أقل‬
‫الكسوة‪ ،‬وهي درع وخمار‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬أقلها ثلثة أثواب عند الحنفية‪ :‬درع (قميص) وخمار يستر‬
‫رأسها‪ ،‬وملءة‪ .‬لقول ابن عباس‪« :‬أعلى المتعة خادم‪ ،‬ثم دون ذلك النفقة‪ ،‬ثم دون ذلك الكسوة» ‪.‬‬
‫والظاهر رجحان هذا القول‪.‬‬
‫ونص القانون السوري على بعض أحكام المتعة في المادة (‪« :)2/61‬إذا وقع الطلق قبل الدخول‬
‫والخلوة الصحيحة‪ ،‬فعندئذ تجب المتعة» وفي المادة (‪« :)62‬المتعة‪ :‬هي كسوة مثل كسوة المرأة عند‬
‫الخروج من بيتها‪ ،‬ويعتبر فيها حال الزوج على أل تزيد على نصف مهر المثل» ‪.‬‬

‫( ‪)9/304‬‬
‫المبحث الثالث ـ الخلوة الصحيحة وأحكامها ‪:‬‬
‫معناها‪ ،‬آراء الفقهاء فيها‪ ،‬أحكامها (‪: )1‬‬
‫معنى الخلوة‪ :‬الخلوة الصحيحة‪ :‬هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج الصحيح في مكان يأمنان فيه‬
‫من اطلع الناس عليهما كدار أو بيت مغلق الباب‪ .‬فإن كان الجتماع في شارع أو طريق أو مسجد‬
‫أو حمام عام أو سطح ل ساتر له أو في بيت مفتوح الباب والنوافذ أو في بستان ل باب له‪ ،‬فل تتحقق‬
‫الخلوة الصحيحة‪ .‬ويشترط فيها أل يكون بأحد الزوجين مانع طبعي أو حسي أو شرعي يمنع من‬
‫الوطء أو التصال الجنسي‪.‬‬
‫والمانع الحسي‪ :‬مثل مرض بأحد الزوجين يمنع الوطء من رتَق (تلحم)‪ ،‬وقرَن (عظم)‪ ،‬وعفَل‬
‫(غدة)‪ ،‬أما خلوة الخصي (مسلوب الخصية) والعنين (العاجز عن الجماع) فهي صحيحة‪ ،‬وأما خلوة‬
‫المجبوب فهي صحيحة عند أبي حنيفة خلفا للصاحبين‪.‬‬
‫والمانع الطبيعي‪ :‬ما يمنع النفس بطبيعتها عن الجماع‪ ،‬مثل وجود شخص ثالث عاقل‪ ،‬ولو كان أعمى‬
‫أو نائما أو صبيا مميزا أو زوجة أخرى‪ .‬فإن كان هناك غير مميز أو مجنون أو مغمى عليه‪ ،‬فالخلوة‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫والمانع الشرعي‪ :‬أن يكون هناك ما يحرم الوطء شرعا كالصوم في رمضان‪ ،‬والحرام بحج أو‬
‫عمرة‪ ،‬والعتكاف‪ ،‬والحيض والنفاس‪ ،‬والدخول في صلة الفريضة‪ ،‬والخلوة في المسجد؛ لن الجماع‬
‫في المسجد حرام‪.‬‬
‫وأما عدم معرفة الرجل للمرأة فقال فيه ابن عابدين‪ :‬إن هذا المانع بيده إزالته‪ ،‬بأن يخبرها أنه‬
‫زوجها‪ ،‬فلما جاء التقصير من جهته‪ ،‬يحكم بصحة الخلوة‪ ،‬فيلزم المهر‪.‬‬
‫فإن لم تتوافر هذه الشروط فالخلوة فاسدة‪ ،‬بأن يكون الزواج فاسدا‪ ،‬أو الخلوة في مكان يمكن لحد‬
‫الناس الدخول عليهما (عدم صلحية المكان) أو وجود مانع من الجماع‪ .‬وبه يكون معنى الخلوة‬
‫الفاسدة‪ :‬هي كل خلوة وجد فيها مانع من الموانع الثلثة السابقة‪ ،‬أو وجود شخص ثالث عاقل مع‬
‫الزوجين‪ ،‬أو عدم صلحية المكان‪ ،‬أو فساد الزواج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،294-291/2 :‬الدر المختار‪ ،473-465 ،454/2 :‬الشرح الكبير‪ ،301/2 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،202‬مغني المحتاج‪ ،225/3 :‬كشاف القناع‪ ،179 ،155/5 :‬المغني‪ 455/6 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.69/3 :‬‬

‫( ‪)9/305‬‬
‫آراء الفقهاء في أحكام الخلوة ‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان في الخلوة‪ ،‬فمذهب المالكية والشافعية في الجديد‪ :‬الخلوة وحدها بدون جماع وإرخاء‬
‫الستور ل تؤكد المهر للزوجة‪ ،‬فلو خل الزوج بزوجته خلوة صحيحة‪ ،‬ثم طلقها قبل الدخول بها‪،‬‬
‫وجب فقط نصف المهر المسمى‪ ،‬أوالمتعة إن لم يكن المهر مسمى‪ ،‬علما بأن المتعة عند المالكية‬
‫مستحبة ل واجبة‪.‬‬
‫ودليلهم قوله تعالى‪{ :‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬وقد فرضتم لهن فريضة‪ ،‬فنصف ما‬
‫فرضتم} [البقرة‪ ]237/2:‬والمس‪ :‬كناية عن التصال الجنسي‪ ،‬وفسروا آية {وقد أفضى بعضكم إلى‬
‫بعض} [النساء‪ ]21/4:‬بأن الفضاء معناه الجماع‪.‬‬
‫ولن النبي صلّى ال عليه وسلم جعل المهر للمرأة بما استحل من فرجها أي أصابها‪.‬‬
‫لكن قال المالكية‪ :‬للخلوة الصحيحة حكمان‪:‬‬
‫الول ـ وجوب العدة على المرأة‪ ،‬حتى ولو اتفق الزوجان على عدم وقوع الوطء فيها؛ لن العدة‬
‫حق ال تعالى‪ ،‬فل تسقط باتفاق الزوجين على نفي الوطء‪ ،‬مع اعترافهما بالخلوة‪.‬‬
‫الثاني ـ صيرورتها قرينة على الوطء عند اختلف الزوجين في حدوثه‪ :‬فإذا اختلى الرجل بزوجته‬
‫خلوة اهتداء‪ ،‬وهي المعروفة عندهم بإرخاء الستور‪ :‬وهي أن يسكن كل واحد من الزوجين للخر‪،‬‬
‫ويطمئن إليه‪ .‬ثم يطلقها‪ ،‬ويختلفان في حصول الوطء‪ ،‬صدقت الزوجة بيمينها فيما تدعيه‪ .‬فإن امتنعت‬
‫عن اليمين حلف الزوج‪ ،‬ولزمه نصف الصداق‪ .‬وإن نكل عن اليمين‪ ،‬لزمه جميع الصداق؛ لن‬
‫الخلوة بمنزلة شاهد‪ ،‬والنكول عن اليمين بمنزلة شاهد آخر‪.‬‬

‫( ‪)9/306‬‬

‫ومذهب الحنفية والحنابلة‪ :‬الخلوة كالوطء في تكميل مهر‪ ،‬ولزوم عدة‪ ،‬وثبوت نسب‪ ،‬وتحريم أخت‪،‬‬
‫وأربع سواها حتى تنقضي عدتها‪ .‬ويعد اللمس والتقبيل بشهوة عند الحنابلة كالدخول أيضا‪ .‬وعليه‬
‫يكون الطلق بعد الخلوة الصحيحة طلقا بائنا‪ ،‬تترتب عليه الحكام التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬ثبوت كامل المهر‪ :‬فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة‪ ،‬استحقت كل المهر المسمى‪ ،‬ومهر المثل إن‬
‫لم تكن التسمية صحيحة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ثبوت النسب‪ :‬فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة‪ ،‬وجاءت بولد ثبت نسبه منه إن جاءت به لكثر‬
‫من ستة أشهر بعد الخلوة‪.‬‬
‫‪ - 3‬وجوب العدة‪ :‬فإن طلقها بعد الخلوة ولو كانت فاسدة عند الحنفية‪ ،‬وجب عليهاالعدة المقررة بعد‬
‫الدخول والفرقة‪.‬‬
‫‪ - 4‬لزوم نفقة العدة على الزوج المطلق‪ :‬وهي الطعام والسكنى والكسوة‪.‬‬
‫‪ - 5‬حرمة التزوج بامرأة محرم لها أو بأربع سواها ما دامت في العدة‪ ،‬أو التزوج بخامسة في عدتها‬
‫إذا كانت رابعة‪ ،‬كما يحرم الزواج خلل العدة من طلق بعد الدخول‪.‬‬
‫‪ - 6‬تطليقها في الطهر‪ :‬إذا أراد الزوج طلق الزوجة بعد الخلوة الصحيحة‪ ،‬لزمه مراعاة وقت‬
‫الطلق‪ ،‬وهو كونه في طهر‪ ،‬كالمقرر في الطلق السني بعد الدخول‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن ثبوت المهر والعدة من أحكام الخلوة المحضة‪ ،‬وأما ثبوت النسب فهو عند الحنفية من‬
‫أحكام العقد مطلقا‪ ،‬وأما بقية الحكام فهي من آثار العدة‪.‬‬
‫ول تكون الخلوة كالوطء أو الدخول فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحصان‪ :‬فالخلوة الصحيحة ل تجعل الزوجين محصنين لقامة حد الرجم‪ ،‬وإنما ل بد من‬
‫الدخول‪.‬‬
‫‪ - 2‬الغسل‪ :‬ل يجب الغسل على أحد الزوجين بمجرد الخلوة‪ ،‬بخلف الوطء‪.‬‬
‫‪ - 3‬حرمة البنت‪ :‬الخلوة ل تحرم البنت على الزوج‪ ،‬وله أن يتزوجها بعد طلق أمها‪ ،‬وإنما ل بد‬
‫من الدخول الحقيقي بالم لتحريم ابنتها على الزوج‪.‬‬
‫‪ - 4‬التحليل‪ :‬الخلوة الصحيحة مع الزوج الثاني ل تحل المرأة لزوجها الول‪ ،‬وإنما ل بد من الدخول‬
‫الحقيقي (ذوق العسيلة) ثم طلقها‪.‬‬

‫( ‪)9/307‬‬

‫‪ - 5‬حصول الرجعة‪ :‬الخلوة بالمطلقة ل تكون رجعة‪ ،‬فمن طلق امرأته طلقا رجعيا ثم اختلى بها‬
‫من غير أن يرجع بالقول‪ ،‬أو بالفعل كوطء وتقبيل‪ ،‬ل يكون بالخلوة مراجعا لها‪ ،‬أما الدخول فإنه‬
‫يحقق المراجعة‪.‬‬
‫‪ - 6‬العودة للزوجية بدون عقد جديد‪ :‬الطلق بعد الخلوة يكون بائنا‪ ،‬فل تعاد إلى المطلق إل بعقد‬
‫ومهر جديدين‪ .‬أما الطلق بعد الدخول فيقع رجعيا إذا لم يكمل الثلث‪ ،‬فيمكن للرجل مراجعة امرأته‬
‫من غير عقد جديد‪.‬‬
‫‪ - 7‬الميراث‪ :‬يقع الطلق بائنا بعد الخلوة‪ ،‬فإذا مات أحد الزوجين في أثناء العدة من هذا الطلق فل‬
‫يرثه الخر‪ ،‬إذ ل ميراث في الموت في عدة الطلق البائن‪ .‬إذا طلق الرجل امرأته طلقا غير مكمل‬
‫للثلث‪ ،‬ومات أحدهما في عدة هذا الطلق‪ ،‬فإن الخر يرثه؛ لن الطلق حينئذ رجعي‪ ،‬والموت في‬
‫عدة الطلق الرجعي كالموت حال قيام الزوجية‪ - 8 .‬تزوجها كالبكار على المختار عند الحنفية‪:‬‬
‫فمن طلق امرأته بعد الخلوة‪ ،‬فحكمها في الزواج كحكم البكار؛ لنها بكر في الحقيقة‪ .‬أما المدخول‬
‫بها حقيقة فيكون تزوجها بغير الزوج الول بعد الفراق كتزوج الثيبات‪.‬ويلحظ ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ إن أحكام الخلوة المذكورة ل تثبت إل إذا كان عقد الزواج صحيحا‪ ،‬فإن كان فاسدا فل يثبت‬
‫للخلوة بعده شيء من تلك الحكام‪.‬‬
‫ب ـ والعدة في المعتمد في المذهب الحنفي قد تجب في بعض حالت الخلوة الفاسدة‪ :‬وهي التي‬
‫يكون فسادها لمانع طبيعي أو شرعي؛ لن الوطء ممكن في ذاته‪ ،‬بخلف حالة المانع الحسي‪.‬‬
‫جـ ـ تجب العدة في الخلوة في القضاء فقط‪ ،‬ل في الديانة‪ ،‬أما العدة بعد الدخول الحقيقي فتجب‬
‫قضاء وديانة‪.‬‬

‫( ‪)9/308‬‬

‫أدلة الحنفية والحنابلة‪:‬‬


‫استدل هؤلء على جعل الخلوة بمثابة الدخول بما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬قوله تعالى‪{ :‬وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج‪ ،‬وآتيتم إحداهن قنطارا‪ ،‬فل تأخذوا منه شيئا‪،‬‬
‫أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض‪ ،‬وأخذن منكم ميثاقا غليظا}‬
‫[النساء‪ ]21-20/4:‬نهى الشرع عن أخذ شيء من المهر بعد الفضاء‪ ،‬والفضاء ـ كما قال الفراء‬
‫ـ هو الخلوة‪ ،‬سواء دخل بها أم لم يدخل‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الحديث النبوي‪« :‬من كشف خمار امرأته‪ ،‬ونظر إليها فقد وجب الصداق‪ ،‬دخل بها أو لم يدخل»‬
‫(‪ )1‬وهو ظاهر الدللة على المطلوب‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الثار‪ :‬قال زرارة بن أبي أوفى‪ :‬قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى الستور‪،‬‬
‫وأغلق الباب‪ ،‬فلها الصداق كاملً‪ ،‬وعليها العدة‪ ،‬دخل بها أو لم يدخل بها (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 4‬المعقول‪ :‬أن الزوجة بتمكينها من الخلوة مع عدم المانع من الجماع‪ ،‬قد سلمت المبدل وهو مقابل‬
‫المهر‪ ،‬فيجب على زوجها تسليمها البدل وهو المهر‪ ،‬كما في البيع والجارة‪ ،‬وتقصير الزوج في‬
‫استيفاء حقه ل تؤاخذ هي به‪ ،‬كما أن تقصير المستأجر والمشتري في الستلم بعد التخلية ورفع‬
‫الموانع‪ ،‬ل يمنع من حصول التسليم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني‪ )2( .‬رواه أحمد والثرم بإسنادهما‪.‬‬
‫( ‪)9/309‬‬

‫صلُ السّابع‪ :‬حقوق الزّواج وواجباته‬


‫ال َف ْ‬
‫عرفنا أن الزواج كغيره من العقود ينشئ بين العاقدين الزوجين حقوقا وواجبات متبادلة‪ ،‬عملً بمبدأ‬
‫التوازن والتكافؤ وتساوي أطراف التعاقد الذي يقوم عليه كل عقد‪ .‬وقد أشار القرآن الكريم لهذا المبدأ‬
‫وثبوت هذه الحقوق والواجبات‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة‪ ]228/2:‬أي‬
‫أن للنساء من الحقوق على الرجال مثل ما للرجال على النساء من واجبات‪ ،‬وأساس توزيع تلك‬
‫الحقوق والواجبات هو العرف والفطرة‪ ،‬ومبدأ‪ :‬كل حق يقابله واجب‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل مباحث ثلثة‪:‬‬
‫الول ـ حقوق الزوجة‪.‬‬
‫الثاني ـ حقوق الزوج‪.‬‬
‫الثالث ـ الحقوق المشتركة بين الزوجين‪.‬‬
‫المبحث الول ـ حقوق الزوجة ‪:‬‬
‫للزوجة حقوق مالية وهي المهر والنفقة‪ ،‬وحقوق غير مالية‪ :‬وهي إحسان العشرة والمعاملة الطيبة‪،‬‬
‫والعدل‪ .‬أما المهر‪ :‬فقد تكلمت عنه تفصيلً‪ ،‬وعُلم أنه حق خاص للمرأة بالقرآن والسنة‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وآتوا النساء صدُقاتهن نحلة} [النساء‪ ،]4/4:‬وثبت في السنة أنه صلّى ال عليه وسلم لم يخل زواجا‬
‫من مهر‪.‬‬
‫وأما النفقة ‪ :‬فيخصص لها مبحث خاص بها‪ ،‬وهي أمر مقرر في القرآن والسنة أيضا‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة‪ ]233/2:‬وعن معاوية القشيري‪« :‬أن النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم سأله رجل‪ :‬ما حق المرأة على الزوج؟ قال‪ :‬تُطعمها إذا طعِمت‪ ،‬وتكسوها إذا‬
‫اكتسيت‪ ،‬ول تضرب الوجه‪ ،‬ول تقبّح‪ ،‬ول تهجر إل في البيت» (‪ )1‬أي ل تقل لمرأتك‪ :‬قبحها ال ‪،‬‬
‫والهجر يكون في المضجع‪ ،‬ل أن يتحول الرجل عن المرأة إلى دار أخرى‪ ،‬أو يحولها إليها‪.‬‬
‫والمراد من العشرة‪ :‬ما يكون بين الزوجين من اللفة والجتماع‪ ،‬ويلزم كل واحد من الزوجين‬
‫معاشرة الخر بالمعروف من الصحبة الجميلة‪ ،‬وكف الذى‪ ،‬وأل يمطله حقه مع قدرته‪ ،‬ول يظهر‬
‫الكراهة فيما يبذله له‪ ،‬بل يعامله ببشر وطلقة‪ ،‬ول يتبع عمله مِنّة ول أذى (‪ )2‬؛ لن هذا من‬
‫المعروف‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وعاشروهن بالمعروف} [النساء‪ ]19/4:‬وقوله سبحانه‪{ :‬ولهن مثل الذي‬
‫عليهن بالمعروف} [البقرة‪ ]228/2:‬قال أبو زيد‪« :‬تتقون ال فيهن كما عليهن أن يتقين ال فيكم» وقال‬
‫ابن عباس‪« :‬إني لحب أن أتزين للمرأة‪ ،‬كما أحب أن تتزين لي» ؛ لن ال تعالى يقول‪{ :‬ولهن مثل‬
‫الذي عليهن بالمعروف} [البقرة‪.]228/2:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (نيل الوطار‪.)211/6 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪.205/5 :‬‬

‫( ‪)9/310‬‬

‫وثبت في السنة المر بمعاملة النساء خيرا‪ ،‬وورد فيها بيان حقوق وواجبات كل من الزوجين‪ ،‬قال‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬استوصوا بالنساء خيرا‪ ،‬فإنما هن عندكم عوانٍ (‪ )1‬ليس تملكون منهن شيئا‬
‫غير ذلك‪ ،‬إل أن يأتين بفاحشة مُبَيّنة‪ ،‬فإن فَعلْنَ فاهجروهن في المضاجع‪ ،‬واضربوهن ضربا غير‬
‫مبرّح (‪ ، )2‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيلً» ‪.‬‬
‫«إن لكم على نسائكم حقا‪ ،‬ولنسائكم عليكم حقا‪.‬‬
‫فأما حقكم على نسائكم ‪ ،‬فل يوطئن فرشكم من تكرهون‪ ،‬ول يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون‪.‬‬
‫أل وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» (‪. )3‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم أيضا‪« :‬خيركم خيركم لهله‪ ،‬وأنا خيركم لهلي» (‪« . )4‬أكمل المؤمنين‬
‫إيمانا أحسنهم خلقا‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم» (‪. )5‬‬
‫ومن أهم حقوق الزوجة بإيجاز لما سبق بيانه في هذا الشأن (‪: )6‬‬
‫ً‪ - 1‬إعفاف الزوجة أو الستمتاع‪ :‬قال المالكية‪ :‬الجماع واجب على الرجل للمرأة إذا انتفى العذر‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ليجب إل مرة؛ لنه حق له‪ ،‬فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة‪ ،‬ولن الداعي إلى‬
‫الستمتاع الشهوة والمحبة‪ ،‬فل يمكن إيجابه‪ ،‬والمستحب أل يعطلها‪ ،‬ليأمن الفساد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬عوان‪ :‬جمع عانية‪ ،‬والعاني‪ :‬السير‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي غير شديد ول موجع‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجه والترمذي وصححه عن عمرو بن الحوص (نيل الوطار‪.)210/6 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه الترمذي وصححه عن عائشة (نيل الوطار‪.)206/6 :‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد والترمذي وصححه عن أبي هريرة (المرجع السابق)‪.‬‬
‫(‪ )6‬البدائع‪ ،334/2 :‬الدر المختار‪ ،553-546 ،521/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 211‬وما بعدها‪،‬‬
‫المهذب‪ ،69-65/2 :‬كشاف القناع‪.228-205/5 :‬‬
‫( ‪)9/311‬‬

‫وقال الحنابلة‪ :‬يجب على الزوج أن يطأ الزوجة في كل أربعة أشهر مرة‪ ،‬إن لم يكن عذر؛ لنه لو لم‬
‫يكن واجبا لم يصر باليمين (اليلء) على تركه واجبا‪ ،‬كسائر ما ل يجب‪ ،‬ولن النكاح شرع لمصلحة‬
‫الزوجين‪ ،‬ودفع الضرر عنهما‪ ،‬وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة من المرأة كإفضائه إلى دفعه عن‬
‫الرجل‪ ،‬فيكون الوطء حقا لهما جميعا‪ ،‬فإن أبى الوطء بعد انقضاء الربعة الشهر‪ ،‬أو أبى البيتوتة في‬
‫ليلة من أربع ليال للمرأة الحرة‪ ،‬بل عذر لحد الزوجين‪ ،‬فرّق بينهما كما يفرق بسبب اليلء‪ ،‬وكما‬
‫لو منع النفقة‪ ،‬ولو قبل الدخول‪ ،‬أي يفرق بينهما إن لم يطأ بعد الزفاف لمدة أربعة أشهر‪ ،‬وكما لو‬
‫ظاهر من زوجته‪ ،‬ولم يكفر عن الظهار‪ ،‬بل إن الفسخ لتعذر الوطء أولى من الفسخ لتعذر النفقة‪.‬‬
‫لكن إن سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة‪ ،‬سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره للعذر‪.‬‬
‫وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر‪ ،‬فطلبت قدومه‪ ،‬لزمه القدوم‪،‬‬
‫لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال‪ :‬بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة‪ ،‬فمرّ بامرأة‬
‫وهي تقول‪:‬‬
‫تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ‪ ..... .....‬وطال علي أن ل خليل ألعبه‬
‫فو ال لول خشية ال والحيا ‪ ..... .....‬لحرك من هذا السرير جوانبُه‬

‫( ‪)9/312‬‬

‫فسأل عنها‪ ،‬فقيل له‪ :‬زوجها غائب في سبيل ال ‪ ،‬فأرسل إليها امرأة تكون معها‪ ،‬وبعث إلى زوجها‪،‬‬
‫فأقفله‪ ،‬ثم دخل على حفصة فقال‪ :‬بُنَيّة‪ ،‬كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬مثلك يسأل‬
‫مثلي عن هذا؟ فقال‪ :‬لول أني أريد النظر للمسلمين‪ ،‬ما سألتك‪ ،‬فقالت‪ :‬خمسة أشهر‪ ،‬ستة أشهر‪،‬‬
‫فوقّت للناس في مغازيهم ستة أشهر‪ ،‬يسيرون شهرا‪ ،‬ويقيمون أربعة أشهر‪ ،‬ويرجعون في شهر‪.‬‬
‫ولزوم قدوم الزوج‪ :‬إن لم يكن له عذر في سفره كطلب علم أو كان في جهاد أو حج واجبين أو في‬
‫طلب رزق يحتاج إليه‪ ،‬فإن وجد عذر لم يلزمه القدوم؛ لن صاحب العذر يعذر من أجل عذره‪.‬‬
‫ويكتب الحاكم للزوج الغائب ليقدم‪ ،‬فإن أبى أن يقدم من غير عذر‪ ،‬بعد مراسلة الحاكم إليه‪ ،‬فسخ‬
‫الحاكم نكاحه؛ لنه ترك حقا عليه يتضرر به‪.‬‬
‫‪ - 2‬يحرم الوطء في الدبر‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال ل يستحي من الحق‪ ،‬ل تأتوا النساء‬
‫في أدبارهن» «ل ينظر ال إلى رجل جامع امرأته في دبرها» (‪ )1‬وعن أبي هريرة مرفوعا‪« :‬من‬
‫أتى حائضا أو امرأة في دبرها‪ ،‬أو أتى عرافا فصدقه‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على محمد» (‪ )2‬وفي حديث‬
‫آخر‪« :‬ملعون من أتى امرأة في دبرها» (‪. )3‬‬
‫ويحرم وطء الحائض‪ ،‬ويسن لمن وطئ الحائض أن يتصدق بدينار إن وطئها في مقتبل الدم‪ ،‬وبنصف‬
‫دينار في إدباره‪ ،‬لما روى أبو داود والحاكم وصححه‪« :‬إذا واقع الرجل أهله وهي حائض‪ ،‬إن كان‬
‫دما أحمر فليتصدق بدينار‪ ،‬وإن كان أصفر‪ ،‬فليتصدق بنصف دينار» ‪.‬‬
‫ويجوز الستمتاع بها فيما بين الليتين‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم‬
‫أو ما ملكت أيمانهم‪ ،‬فإنهم غير ملومين} [المؤمنون‪.]6-5/23:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواهما ابن ماجه وأحمد (نيل الوطار‪.)200/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الثرم وأحمد والترمذي‪ .‬ورواه أبو داود بلفظ «فقد برئ مما أنزل» (المرجع السابق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود‪ ،‬وأخرجه الشافعي بنحوه عن خزيمة بن ثابت‪ ،‬وفي إسناده‬
‫مجهول (المرجع السابق)‪.‬‬

‫( ‪)9/313‬‬

‫ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة‪ ،‬لما روى جابر قال‪« :‬كان اليهود يقولون‪ :‬إذا جامع الرجل امرأته‬
‫في فرجها من ورائها‪ ،‬جاء الولد أحول» فأنزل ال تعالى‪{ :‬نساؤكم حرث لكم‪ ،‬فأتوا حرثكم أنى شئتم}‬
‫[البقرة‪ ]223/2:‬من بين يديها ومن خلفها‪ ،‬غير أل يأتيها إل في المأتى وفي لفظ‪« :‬يأتيها من حيث‬
‫شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج» (‪. )1‬‬
‫فإن أتاها في الدبر عزر إن علم تحريمه‪ ،‬لرتكابه معصية ل حد فيها ول كفارة‪.‬‬
‫قال الحنابلة‪ :‬وإن تطاوع الزوجان على الوطء في الدبر‪ ،‬فُرّق بينهما‪ .‬وكذا إن أكره الرجل زوجته‬
‫على الوطء في الدبر‪ ،‬ونهي عنه فلم ينته‪ ،‬فرّق بينهما‪ ،‬كما يفرق بين الرجل الفاجر وبين من يفجر به‬
‫من رقيقه‪.‬‬
‫‪ - 3‬العزل (إلقاء مني الرجل خارج الفرج) قال الشافعية‪ :‬يكره العزل‪ ،‬لما روت جُذَامة بنت وهب‪،‬‬
‫قالت‪« :‬حضرت رسول ال صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬فسألوه عن العزل‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك الوأد الخفي‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫{وإذا الموءودة سئلت} [التكوير‪. )2( ]8/81:‬‬
‫وقال الغزالي‪ :‬يجوز العزل‪ ،‬وهو المصحح عند المتأخرين لقول جابر‪« :‬كنا نعزل على عهد رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬والقرآن ينزل» (‪ )3‬والقول بجواز العزل متفق عليه بين المذاهب الربعة‪،‬‬
‫لحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا عند أحمد‪« :‬إنا نأتي النساء ونحب إتيانهن‪ ،‬فما ترى في العزل؟‬
‫فقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬اصنعوا ما بدا لكم‪ ،‬فما قضى ال تعالى فهو كائن‪ ،‬وليس من كل الماء‬
‫يكون الولد» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أحمد ومسلم (نيل الوطار‪.)196/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والبخاري ومسلم (متفق عليه) (نيل الوطار‪.)195/6 :‬‬

‫( ‪)9/314‬‬

‫ويكره العزل عن المرأة الحرة إل بإذنها‪ ،‬لما روي عن عمر قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم أن يعزل عن الحرة إل بإذنها» (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬المعاشرة بالمعروف‪ :‬يجب على الزوج معاشرة الزوجة بالمعروف‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وعاشروهن‬
‫بالمعروف} [النساء‪ .]19/4:‬ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل‪ ،‬للية السابقة‪ ،‬ومن‬
‫العشرة بالمعروف‪ :‬بذل الحق من غير مطل‪ ،‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬مَطل الغني ظلم» (‪. )2‬‬
‫‪ - 5‬العدل بين النسوة في المبيت والنفقة كما تقدم‪ :‬فمن كان له امرأتان أو أكثر‪ ،‬فيجب عليه عند‬
‫الجمهور غير الشافعية العدل بينهن‪ ،‬والقسم لهن‪ ،‬فيجعل لكل واحدة يوما وليلة‪ ،‬سواء أكان الرجل‬
‫صحيحا أم مريضا أم مجبوبا‪ ،‬وسواء أكانت المرأة صحيحة أم مريضة أم حائضا أم نفساء أم محرمة‬
‫بإحرام أم كتابية لقصد النس‪ ،‬ولن النبي صلّى ال عليه وسلم قسم لنسائه‪ ،‬وكان يقسم في مرضه‪،‬‬
‫مع أن القسم لم يكن واجبا عليه‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقسم لكل امرأة يومها وليلتها (‪ ، )3‬وقالت عائشة‬
‫أيضا‪« :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم إن هذا قسمي فيما أملك‪،‬‬
‫فل تلمني فيما ل أملك» (‪ . )4‬فإن شق على المريض القسم‪ ،‬استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن‪،‬‬
‫لما روت عائشة‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم بعث إلى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أصحاب السنن إل الترمذي‪ ،‬ورواه البيهقي‪ ،‬كلهم عن عمرو بن الشريد عن أبيه بلفظ‪« :‬‬
‫ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» ورواه أحمد وأصحاب الكتب الستة وابن أبي شيبة والطبراني‬
‫في معجمه الوسط عن أبي هريرة باللفظ المذكور في الصل‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أحمد والبخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫( ‪)9/315‬‬

‫ن لي‪ ،‬فأكون عند عائشة‪،‬‬


‫نسائه فاجتمعن‪ ،‬فقال‪ :‬إني ل أستطيع أن أدور بينكن‪ ،‬فإن رأيتن أن تأذ ّ‬
‫فعلت‪ ،‬فأذنّ له» (‪ )1‬فإن لم يأذنّ له أن يقيم عند إحداهن أقام عند إحداهن بقرعة أو اعتزلهن جميعا‬
‫إن أحب ذلك تعديلً بينهن‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬ل يجب ابتداء القسم على الرجل؛ لن القسم لحقه‪ ،‬فجاز له تركه‪ ،‬فإذا بات عند‬
‫واحدة‪ ،‬لزمه المبيت للخريات‪ ،‬ولو عنينا أو مريضا‪ ،‬اقتدا ًء بفعل النبي‪.‬‬
‫والبدء بالقسم يكون بالقرعة‪ ،‬فل يجوز للرجل أن يبدأ بواحدة من نسائه من غير رضا البواقي إل‬
‫بقرعة‪ ،‬لحديث أبي هريرة المتقدم عند أبي داود‪« :‬من كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما على‬
‫الخرى‪ ،‬جاء يوم القيامة‪ ،‬وأحد شقيه ساقط» ولن البداءة بإحداهما من غير قرعة تدعو إلى النفور‪.‬‬
‫وإذا قسم لواحدة‪ ،‬لزمه القضاء للبواقي؛ لنه إذا لم يقض‪ ،‬مال‪ ،‬فدخل في الوعيد‪.‬‬
‫والقسم مطلوب عند الشافعية والحنابلة حتى في السفر‪ ،‬فل يسافر مع واحدة إل بقرعة‪ ،‬كما ذكر‬
‫سابقا‪ ،‬ولم يوجب الحنفية والمالكية القسم في السفر‪ ،‬واستثنى المالكية سفر القربة‪ ،‬فيقرع الرجل بين‬
‫نسائه‪.‬‬
‫وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج‪ ،‬سقط حقها من القسْم والنفقة؛ لن القسْم للنس‪ ،‬والنفقة للتمكين‬
‫من الستمتاع‪ ،‬وقد منعت المرأة ذلك بالسفر‪.‬‬
‫وعماد القسم الليل؛ لنه يأوي فيه النسان إلى منزله‪ ،‬ويسكن إلى أهله‪ ،‬وينام على فراشه مع زوجته‬
‫عادة‪ ،‬والنهار للمعاش‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وجعلنا الليل لباسا‪ ،‬وجعلنا النهار معاشا} [النبأ‪.]11-10/78:‬‬
‫ولحدى الزوجات أن تهب حقها لبعض ضرائرها مؤقتا أو دائما‪ ،‬لقول عائشة السابق‪« :‬غير أن‬
‫سودة وهبت ليلتها لعائشة تبتغي بذلك رضا رسول ال صلّى ال عليه وسلم» ‪.‬‬
‫وقد ذكرت أن الزوجة الجديدة لها عند الجمهور غير الحنفية سبع ليال إذا كانت بكرا‪ ،‬وثلث ليال إذا‬
‫كانت ثيبا‪ .‬وسوى الحنفية بين الجديدة والقديمة‪ ،‬فل تختص واحدة منهما بشيء‪.‬‬
‫أما واجب الزوجة‪ :‬فل يجب عليها خدمة زوجها في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من‬
‫الخدمات‪ ،‬وعليه أن يأتيها بطعام مهيأ إن كانت ممن ل تخدم نفسها؛ لن المعقود عليه من جهتها هو‬
‫الستمتاع فل يلزمها ما سواه‪ ،‬لكن ل يجوز لمن تخدم نفسها وتقدر على الخدمة أخذ الجرة على‬
‫عمل البيت‪ ،‬لوجوبه عليها ديانة‪ ،‬حتى ولو كانت شريفة؛ لنه عليه الصلة والسلم قسم العمال بين‬
‫علي وفاطمة رضي ال عنهما‪ ،‬فجعل أعمال الخارج على علي‪ ،‬والداخل على فاطمة مع أنها سيدة‬
‫نساء العالمين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫( ‪)9/316‬‬

‫المبحث الثاني ـ حقوق الزوج ‪:‬‬


‫إن أهم حقوق الزوج ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - ً 1‬طاعة الزوجة لزوجها في الستمتاع والخروج من المنزل‪ :‬فإذا تزوج رجل امرأة‪ ،‬وكانت أهلً‬
‫للجماع وجب تسليمها نفسها بالعقد إذا طلب‪ ،‬ويجب عليه تسلمها إذا عرضت عليه؛ لنه بالعقد يستحق‬
‫الزوج تسليم العوض‪ ،‬وهو أن يسلمها مهرها المعجل‪ .‬وقد نص المام أحمد على أن التي يمكن‬
‫الستمتاع بها هي بنت تسع سنين فأكثر؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «بنى بعائشة وهي بنت تسع‬
‫سنين» ‪.‬‬
‫وتمهل الزوجة مدة بحسب العادة لصلح أمرها كاليومين والثلثة؛ لنه من حاجتها‪ ،‬فإذا منع الرجل‬
‫منه كان تعسيرا‪ ،‬فوجب إمهالها طلبا لليسر والسهولة‪ ،‬والمرجع فيه إلى العرف بين الناس؛ لنه ل‬
‫تقدير فيه‪ ،‬فوجب الرجوع فيه إلى العرف‪ .‬ول تمهل لعمل جهاز ونحوه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة في بدء المطلب السابق‪.‬‬

‫( ‪)9/317‬‬

‫وعلى الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها إلى الفراش‪ ،‬ولو كانت على التنور أو على ظهر قتَب‪ ،‬كما‬
‫رواه أحمد وغيره‪ ،‬ما لم يشغلها عن الفرائض‪ ،‬أو يضرها؛ لن الضرر ونحوه ليس من المعاشرة‬
‫بالمعروف‪ .‬ووجوب طاعتها له لقوله تعالى‪{ :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة‪،]228/2:‬‬
‫وقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد‪ ،‬لمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (‬
‫‪ )1‬وقوله «أيما امرأة ماتت‪ ،‬وزوجها راض عنها‪ ،‬دخلت الجنة» (‪ )2‬وقوله‪« :‬إذا دعا الرجل امرأته‬
‫إلى فراشه‪ ،‬فأبت أن تجيء‪ ،‬فبات غضبان عليها‪ ،‬لعنتها الملئكة‪ ،‬حتى تصبح» (‪ . )3‬ومن الطاعة‪:‬‬
‫القرار في البيت متى قبضت معجل مهرها وهو تفرغها لشؤون الزوجية والبيت ورعاية الولد في‬
‫الصغر والكبر‪ ،‬فليس للزوجة الخروج من المنزل ولو إلى الحج إل بإذن زوجها‪ ،‬فله منعها من‬
‫الخروج إلى المساجد وغيرها‪ ،‬لما روى ابن عمر رضي ال عنه قال‪ :‬رأيت امرأة أتت إلى النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقالت‪« :‬يارسول ال ‪ ،‬ما حق الزوج على زوجته؟ قال‪ :‬حقه عليها أل تخرج‬
‫من بيتها إل بإذنه‪ ،‬فإن فعلت‪ ،‬لعنها ال وملئكة الرحمة‪ ،‬وملئكة الغضب حتى تتوب أو ترجع‪،‬‬
‫قالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وإن كان لها ظالما؟ قال‪ :‬وإن كان‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن ‪ ،‬عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ ،‬عن أم سَلَمة‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه بين الشيخين عن أبي هريرة (نيل الوطار‪ ،207/6 :‬رياض الصالحين‪ :‬ص ‪134‬‬
‫وما بعدها) لمراجعة هذه الحاديث‪.‬‬

‫( ‪)9/318‬‬

‫لها ظالما» (‪ )1‬ولن حق الزوج واجب‪ ،‬فل يجوز تركه بما ليس بواجب‪.‬‬
‫لكن يكره ـ كما ذكر الشافعية ـ منعها من عيادة أبيها إذا أثقل في مرضه‪ ،‬وحضور مواراته إذا‬
‫مات؛ لن منعها مما ذكر يؤدي إلى النفور ويغريها بالعقوق‪ ،‬وأجاز الحنفية للمرأة الخروج بغير إذن‬
‫زوجها إذا مرض أحد أبويها‪.‬‬
‫ويجب على المرأة في حال الخروج التزام الستر الشرعي‪ ،‬ل تظهر شيئا من جسدها غير الوجه‬
‫والكفين؛ لن في كشف شيء مما أوجب ال ستره تعريضا للفتنة والتطلع إليها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ول‬
‫تبرجن تبرج الجاهلية الولى} [الحزاب‪ .]33/33:‬ومن التبرج‪ :‬المشي بتكسر وحركات مثيرة‪ ،‬ومن‬
‫التبرج أيضا أن تلبس المرأة ثوبا رقيقا يصف ما تحته‪ ،‬قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬صنفان من أهل‬
‫النار لم أرهما بعد‪ :‬نساء كاسيات عاريات‪ ،‬مائلت مميلت (‪ ، )2‬على رؤوسهن أمثال أسنمة البخت‬
‫المائلة (‪ ، )3‬ل يدخلن الجنة‪ ،‬ول يجدن ريحها‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا‪ .‬ورجال معهم‬
‫سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس» (‪ )4‬وقال عليه الصلة والسلم أيضا ‪« :‬أيما امرأة‬
‫استعطرت‪ ،‬فخرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها‪ ،‬فهي زانية» (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )2‬المراد بالكاسيات العاريات‪ :‬اللتي يلبسن الثياب الرقيقة التي ل تستر ما تحتها‪ .‬والمراد بالمائلت‬
‫المميلت‪ :‬اللتي يتمايلن ويتبخترن في مشيهن للفتتان بهن‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخت‪ :‬نوع من البل المشهورة بكبر سنامها‪ ،‬والمراد أن النساء يعتنين بشعورهن وبعظمنّ ذلك‪،‬‬
‫بلف عمامة أو عصابة أو نفش الشعر ونحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الحاكم عن أبي موسى‪.‬‬

‫( ‪)9/319‬‬

‫والتزام المرأة البيت ل بمعنى حبسها فيه أو التضييق عليها هو خير شيء للمرأة‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪« :‬إن المرأة عورة‪ ،‬فإذا خرجت استشرفها الشيطان‪ ،‬وأقرب ما تكون من رحمة ربها‪ ،‬وهي‬
‫في قعر بيتها» (‪ )1‬وهو يدل على وجوب الستر وعدم إظهار المرأة شيئا من بدنها‪ ،‬وأن في الخروج‬
‫العمل على إغواء الشياطين لها وإغراء الرجال بها حتى تقع الفتنة‪.‬‬
‫وليس للزوجة صوم نفل أو تطوع إل بإذن الزوج‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل يحل لمرأة أن‬
‫تصوم‪ ،‬وزوجها شاهد إل بإذنه‪ ،‬ول تأذن في بيته إل بإذنه» (‪ )2‬وروى البزار عن ابن عباس‪« :‬أن‬
‫امرأة من خثعم أتت رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخبرني ما حق الزوج‬
‫على الزوجة‪ ،‬فإني امرأة أيّم‪ ،‬فإن استطعت وإل جلست أيّماَ؟ قال‪ :‬فإن حق الزوج على زوجته إن‬
‫سألها نفسها‪ ،‬وهي على ظهر قتب أل تمنعه‪ ،‬وأل تصوم تطوعا إل بإذنه‪ ،‬فإن فعلت جاعت وعطشت‬
‫ول تقبل منها‪ ،‬ول تخرج من بيتها إل بإذنه‪ ،‬فإن فعلت لعنتها ملئكة السماء وملئكة الرحمة وملئكة‬
‫العذاب‪ ،‬قالت‪ :‬ل جرم‪ ،‬ل أتزوج أبدا» (‪. )3‬‬
‫ومنشأ حق الطاعة بالمعروف‪ :‬إثبات ال درجة القوامة للرجال على النساء في قوله تعالى‪ { :‬الرجال‬
‫قوامون على النساء بما فضّل ال بعضهم على بعض‪ ،‬وبما أنفقوا من أموالهم } [النساء‪ ]34/4:‬أي‬
‫إنما استحقوا هذه المزية لتميزهم برجاحة العقل وقوة الجسد‪ ،‬وبما يلزمون به من النفاق على النساء‬
‫من أموالهم بتقديم المهر والنفقة الزوجية الدائمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي عن ابن مسعود‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه عن أبي هريرة (رياض الصالحين‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬نيل الوطار‪.)211/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه البزار‪ ،‬وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬وقد وثقه حصين بن نمير‪،‬‬
‫وبقية رجاله ثقات ول جرم‪ ،‬أي حقا‪.‬‬

‫( ‪)9/320‬‬

‫‪ - ً 2‬المانة‪ :‬على الزوجة أن تحفظ غيبة زوجها في نفسها وبيته وماله وولده‪ ،‬لحديث ابن الحوص‬
‫السابق‪« :‬أما حقكم على نسائكم‪ ،‬فل يوطئن فرشكم من تكرهون‪ ،‬ول يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون»‬
‫وقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬نساء قريش خير نساء ركبن البل‪ ،‬أحناه على طفل في صغره‪،‬‬
‫وأرعاه على زوج في ذات يده» وفي لفظ ‪« :‬خير نساء ركبن البل صالح نساء قريش» (‪ )1‬ويؤكده‬
‫الحديث المعروف‪« :‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬والمير راع‪ ،‬والرجل راع على أهل بيته‪،‬‬
‫والمرأة راعية على بيت زوجها وولده‪ ،‬فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (‪ )2‬فعليها أن تحسن‬
‫تربية أولدها على الدين والفضيلة والقيام بالواجب‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬المعاشرة بالمعروف‪ :‬يجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الذى وغيره‪ ،‬كما‬
‫عليه معاشرتها بالمعروف‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ل تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إل قالت‬
‫زوجته من الحور العين‪ :‬ل تؤذيه‪ ،‬قاتلكِ ال‪ ،‬فإنما هو عندكِ دخيل‪ ،‬يوشك أن يفارقك إلينا» (‪)3‬‬
‫وقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» (‪. )4‬‬
‫‪ - ً 4‬حق التأديب (‪ : )5‬للزوج الحق في تأديب زوجته عند نشوزها أو عصيانها أمره بالمعروف ل‬
‫في المعصية؛ لن ال عز وجل أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن‪ ،‬فإن تحققت‬
‫الطاعة وجب الكف عن التأديب لقوله‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (جامع الصول‪.)134/10 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه بين الشيخين عن ابن عمر (رياض الصالحين‪ :‬ص ‪.)135‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي عن معاذ بن جبل‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن (رياض الصالحين‪ :‬ص ‪.)135‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد (المرجع السابق)‪.‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،334/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 212‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،261-257/3 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ 69/2‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.236-233/5 :‬‬

‫( ‪)9/321‬‬
‫عز وجل‪{ :‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيلً} [النساء‪ ]34/4:‬ول تحتاج المرأة الصالحة لتأديب لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ ال } [النساء‪ ]34/4:‬وأما غير الصالحة وهي‬
‫التي تخل بحقوق الزوجية وتعصي الزوج فهي التي تكون بحاجة إلى التأديب‪.‬‬
‫إن ولية التأديب للزوج تكون إذا لم تطعه زوجته فيما يلزم طاعته‪ ،‬بأن كانت ناشزة‪ ،‬والنشوز‪:‬‬
‫معصيتها إياه فيما يجب عليها‪ ،‬وكراهة كل من الزوجين صاحبه‪ ،‬والخروج من المنزل بغير إذن‬
‫الزوج‪ ،‬ل إلى القاضي لطلب الحق منه‪ .‬وأمارات النشوز‪ :‬إما بالفعل كالعراض والعبوس والتثاقل‬
‫إذا دعاها بعد لطف وطلقة وجه‪ ،‬وإما بالقول‪ ،‬كأن تجيبه بكلم خشن بعد أن كان بلين‪.‬‬
‫ويبدأ الزوج بالتأديب عند ظهور أمارات النشوز بالترتيب التالي‪:‬‬
‫أولً ـ الوعظ والرشاد‪ :‬بأن يتكلم معها بكلم رقيق لين‪ ،‬بأن يقول لها‪ :‬كوني من الصالحات القانتات‬
‫الحافظات للغيب‪ ،‬ول تكوني من كذا وكذا‪ ،‬أو‪ :‬اتقي ال في الحق الواجب لي عليك‪ ،‬واحذري‬
‫العقوبة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬واللتي تخافون نشوزهن‪ ،‬فعظوهن} [النساء‪ ]34/4:‬وذلك بل هجر ول‬
‫ضرب‪ ،‬ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم مع ضرائرها‪ ،‬فلعلها تبدي عذرا‪ ،‬أو تتوب عما وقع‬
‫منها بغير عذر‪ .‬والخوف هنا بمعنى العلم‪ ،‬والولى بقاؤه على ظاهره‪ ،‬فمن ظهر له أمارة نشوز أو‬
‫تحققه‪ ،‬وعظها‪.‬‬
‫ثانيا ـ الهجر في المضجع والعراض‪ :‬إن تحقق النشوز بأن عصيته وامتنعت من إطاعته‪ ،‬أو‬
‫خرجت من بيته بغير إذنه ونحوه‪ ،‬هجرها في المضجع ما شاء‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬واهجروهن في‬
‫المضاجع} [النساء‪ ]34/4:‬قال ابن عباس‪« :‬ل تضاجعها في فراشك» و «قد هجر النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم نساءه‪ ،‬فلم يدخل عليهن شهرا» (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬

‫( ‪)9/322‬‬

‫وهجرها في الكلم ثلثة أيام‪ ،‬ل فوقها‪ ،‬لحديث أبي هريرة‪« :‬ل يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلثة‬
‫أيام» (‪ )1‬والهجر‪ :‬ضد الوصل‪ ،‬والتهاجر‪ :‬التقاطع‪.‬‬
‫ول يضربها عند الجمهور‪ ،‬وقال النووي‪ :‬الظهر يضرب‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فاهجروهن في المضاجع‬
‫واضربوهن} [النساء‪ ]34/4:‬والمراد‪ :‬واهجروهن إن نشزن‪ ،‬واضربوهن إن أصررن على النشوز‪،‬‬
‫أي إن لم يتكرر نشوز الزوجة وعظها الزوج وهجرها في المضجع وضربها في رأي الشافعية‪.‬‬
‫ثالثا ـ الضرب غير المخوف‪ :‬إن أصرت على النشوز ضربها عندئذ ضربا غير مبرح ـ أي غير‬
‫شديد ـ ول شائن‪ ،‬للية السابقة {واضربوهن} [النساء‪ ]34/4:‬فظاهر الية وإن كان بحرف الواو‬
‫الموضوعة للجمع المطلق‪ ،‬لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب‪ ،‬والواو يحتمل ذلك‪.‬‬
‫ويجتنب في أثناء الضرب‪ :‬الوجه تكرمة له‪ ،‬ويجتنب البطن والمواضع المخوفة خوف القتل‪ ،‬ويجتنب‬
‫المواضع المستحسنة لئل يشوهها‪ ،‬ويكون الضرب ـ كما أبان الحنفية ـ عشرة أسواط فأقل‪ ،‬لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط إل في حد من حدود ال » (‪ )2‬وقوله‪« :‬ل‬
‫يجلد أحدكم امرأته جلد العبد‪ ،‬ثم يضاجعها في آخر اليوم» (‪ . )3‬فإن تلفت من الجلد فل ضمان عليه‬
‫عند الحنابلة والمالكية؛ لن الضرب مأذون فيه شرعا‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬إنه يضمن؛ لن‬
‫استيفاء الحق مقيد بشرط السلمة للخرين‪.‬‬
‫ويكون الضرب أيضا بيد على الكتف مثلً‪ ،‬أو بعصا خفيفة أو بسواك ونحوه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والنسائي بإسناد على شرط البخاري ومسلم ( الترغيب والترهيب‪.) 455/3 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه بين أحمد والشيخين وأصحاب السنن الربعة عن أبي بردة بن نيار‪ ،‬وهوصحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه في الصحيحين (نيل الوطار‪.)212/6 :‬‬

‫( ‪)9/323‬‬

‫إن رأى الزوج هذا‪ .‬والولى الكتفاء بالتهديد وعدم الضرب‪ ،‬لما قالت عائشة‪« :‬ما ضرب رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم امرأة له ول خادما‪ ،‬ول ضرب بيده شيئا قط إل في سبيل ال‪ ،‬أو تنتهك محارم‬
‫ال ‪ ،‬فينتقم ل» (‪. )1‬‬
‫رابعا ـ طلب إرسال الحكمين‪ :‬إن نفع الضرب لبعض النساء الشاذات‪ ،‬فبها ونعمت‪ ،‬وإن لم ينفع‬
‫وادعى كل من الزوجين ظلم صاحبه ول بينة لهما‪ ،‬رفع المر إلى القاضي لتوجيه حكمين إليهما‪،‬‬
‫حكما من أهله وحكما من أهلها‪ ،‬للصلح أو التفريق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وإن خفتم شقاق بينهما‪ ،‬فابعثوا‬
‫حكَما من أهلها‪ ،‬إن يريدا إصلحا يوفق ال بينهما} [النساء‪.]35/4:‬‬
‫حكَما من أهله‪ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫والحكمان‪ :‬حران مسلمان ذكران عدلن مكلفان فقيهان عالمان بالجمع والتفريق؛ لن التحكيم يفتقر‬
‫إلى الرأي والنظر‪ ،‬ويجوز أن يكونا من غير أهلهما؛ والولى أن يكونا من غير أهلهما؛ لن القرابة‬
‫ليست شرطا في الحكم ول الوكالة‪ .‬وينبغي لهما أن ينويا الصلح لقوله تعالى‪{ :‬إن يريدا إصلحا‬
‫يوفق ال بينهما} [النساء‪ ،]35/4:‬وأن يلطفا القول‪،‬وأن ينصفا‪ ،‬ويرغبا ويخوفا‪ ،‬ول يخصا بذلك أحد‬
‫الزوجين دون الخر‪ ،‬ليكون أقرب للتوفيق بينهما‪.‬‬
‫وينفذ عند المالكية تصرف الحكمين في أمر الزوجين بما رأياه من تطليق أو خلع‪ ،‬من غيرإذن الزوج‬
‫ول موافقة الحاكم‪ ،‬بعد أن يعجز عن الصلح بينهما‪ ،‬وإذا حكما بالفراق فهي طلقة بائنة‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬الحكمان وكيلن عن الزوجين‪ ،‬فل يملكان تفريقا إل بإذن الزوجين‪ ،‬فيأذن‬
‫الرجل لوكيله فيما يراه من طلق أوإصلح‪ ،‬وتأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه النسائي (نيل الوطار‪.)211/6 :‬‬

‫( ‪)9/324‬‬

‫وقال الحنفية‪ :‬يرفع الحكمان ما يريدانه إلى القاضي‪ ،‬والقاضي هو الذي يوقع الطلق‪ ،‬وهو طلق‬
‫بائن‪ ،‬بناء على تقريرهما‪ ،‬فليس للحكمين التفريق إل أن يفوضا فيه‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬الغتسال من الحيض والنفاس والجنابة‪ :‬قال الشافعية والحنابلة‪ :‬للزوج إجبار الزوجة‪ ،‬ولو‬
‫كانت ذمية على الغسل من الحيض والنفاس؛ لنه يمنع الستمتاع الذي هو حق له‪ ،‬فيملك إجبارها‬
‫على إزالة ما يمنع حقه‪ .‬وله إجبار الزوجة المسلمة البالغة على غسل جنابة؛ لن الصلة واجبة‬
‫عليها‪ ،‬ول تتمكن منها إل بالغسل؛ ولن النفس تعاف من وطء الجنب‪ ،‬ول يجبر الزوجة الذمية على‬
‫غسل الجنابة كالمسلمة التي دون البلوغ؛ لن الستمتاع ل يتوقف عليه‪ ،‬لباحته بدونه‪.‬‬
‫وأضاف الحنابلة‪ :‬أن للزوج إجبار الزوجة على غسل نجاسة؛ لنه واجب عليها‪ ،‬وله أيضا إجبارها‬
‫على اجتناب محرّم لوجوبه عليها‪ ،‬وله إجبارها عى أخذ شعر وظفر تعافه النفس‪ ،‬وإزالة وسخ؛ لن‬
‫المذكور يمنع كمال الستمتاع‪.‬‬
‫وذكر الشافعية في التنظيف والستحداد (حلق العانة) وغسل الجنابة وجهين‪ :‬وجه يملك إجبارها عليه؛‬
‫لن كمال الستمتاع يقف عليه‪ .‬والثاني‪ :‬ل يملك إجبارها عليه؛ لن الوطء ل يقف عليه‪.‬‬
‫‪ - ً 6‬السفر بالزوجة‪ :‬عرفنا أن للزوج بعد أداء كل المهر المعجل أن يسافر بزوجته إذا كان مأمونا‬
‫عليها (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.495/2 :‬‬

‫( ‪)9/325‬‬
‫المبحث الثالث ـ الحقوق المشتركة بين الزوجين ‪:‬‬
‫أغلب الحقوق السابقة خصوصا حق الستمتاع وما يتبعه هي حقوق مشتركة بين الزوجين‪ ،‬لكن حق‬
‫الزوج على زوجته أعظم من حقها عليه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وللرجال عليهن درجة} [البقرة‪]228/2:‬‬
‫وللحديث السابق عند أبي داود‪« :‬لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد‪ ،‬لمرت النساء أن يسجدن‬
‫لزواجهن‪ ،‬لما جعل ال لهم عليهن من الحق» ‪.‬‬
‫ويسن لكل من الزوجين تحسين الخُلُق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه وسوء طباعه‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{والصاحب بالجنب} [النساء‪ ]36/4:‬أي الحسان له‪ ،‬وللحديث المتقدم‪« :‬استوصوا بالنساء خيرا»‬
‫وحديث «خياركم خياركم لنسائه» (‪. )1‬‬
‫وليكن الزوج غيورا من غير إفراط‪ ،‬لئل ترمى بالشر من أجله‪.‬‬
‫وينبغي إمساك المرأة مع الكراهة لها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا‪ ،‬ويجعل‬
‫ال فيه خيرا كثيراَ} [النساء‪ ]19/4:‬قال ابن عباس‪« :‬ربما رزق منها ولدا‪ ،‬فجعل ال فيه خيرا كثيرا»‬
‫‪ .‬وأخرج مسلم عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال ‪« :‬ل َيفْرَك مؤمن‬
‫مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خلقا‪ ،‬رضي منها خلقا آخر» أي ليبغضها‪.‬‬
‫ول ينبغي للرجل أن يعلم امرأته قدر ماله‪ ،‬ول يفشي إليها سرا يخاف إذاعته؛ لنها تفشيه‪ .‬ول يكثر‬
‫من الهبة لها‪ ،‬فإنه متى عودها شيئا لم تصبر عنه (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪.206/5 :‬‬

‫( ‪)9/326‬‬

‫البَابُ الثّاني‪ :‬انحلل الزّواج وآثاره‬


‫فيه أربعة فصول‪:‬‬
‫الول ـ في الطلق‪.‬‬
‫الثاني ـ في الخلع‪.‬‬
‫الثالث ـ في التفريق القضائي‪.‬‬
‫الرابع ـ في العِدّة والستبراء‪.‬‬
‫صلُ الوّل‪ :‬الطّلق‬
‫ال َف ْ‬
‫ويشتمل على تمهيد وستة مباحث وملحق‪:‬‬
‫الول ـ معنى الطلق ومشروعيته وحكمه وركنه وحكمته وسبب جعله بيد الرجل‪.‬‬
‫الثاني ـ شروط الطلق‪ ،‬أو مالك الطلق وقدره ومحله (من يقع عليه) وما يقع به (صيغته)‪.‬‬
‫الثالث ـ قيود إيقاع الطلق شرعا‪.‬‬
‫الرابع ـ التوكيل في الطلق وتفويضه‪.‬‬
‫الخامس ـ أنواع الطلق وحكم كل نوع‪.‬‬
‫السادس ـ الشك في الطلق وإثباته‪.‬‬
‫ملحق ـ عن زواج التحليل والرجعة‪.‬‬
‫تمهيد ـ في معنى انحلل الزواج وأنواع الفُرَق الزوجية ‪:‬‬
‫انحلل الزواج‪ :‬هو إنهاؤه باختيار الزوج‪ ،‬أو بحكم القاضي‪ ،‬والفُرْقة لغة بمعنى الفتراق‪ ،‬وجمعها‬
‫فرق‪ ،‬واصطلحا‪ :‬هي انحلل رابطة الزواج‪ ،‬وانقطاع العلقة بين الزوجين بسبب من السباب‪.‬‬
‫والفرقة نوعان‪ :‬فرقة فسخ وفرقة طلق‪ .‬والفسخ إما أن يكون بتراضي الزوجين وهو المخالعة‪ ،‬أو‬
‫بواسطة القاضي‪.‬‬
‫وذكر المالكية (‪ )1‬أن الفراق بين الزوجين يقع على خمسة عشر وجها‪ :‬وهي الطلق على اختلف‬
‫أنواعه‪ ،‬واليلء إن لم يفئ الزوج عن يمينه‪ ،‬واللعان‪ ،‬والردة‪ ،‬وملك أحد الزوجين الخر‪ ،‬والضرار‬
‫حكَمين بين الزوجين‪ ،‬واختلف الزوجين في الصداق قبل الدخول‪ ،‬وحدوث‬
‫بالزوجة‪ ،‬وتفريق ال َ‬
‫الجنون أو الجذام أو البرص في الزوج‪ ،‬ووجود العيوب في أحد الزوجين‪ ،‬والعسار بالنفقة‪ ،‬أو‬
‫الصداق‪ ،‬والتغرير‪ ،‬والفقد‪ ،‬وعتق المة زوجة العبد‪ ،‬وتزوج أمة على الحرة‪.‬‬
‫الفرق بين الفسخ والطلق ‪:‬‬
‫يفترق الفسخ عن الطلق من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول ـ حقيقة كل منهما‪ :‬الفسخ‪ :‬نقض للعقد من أساسه وإزالة للحل الذي يترتب عليه‪ ،‬أما الطلق‪:‬‬
‫فهو إنهاء للعقد ول يزول الحل إل بعد البينونة الكبرى (الطلق الثلث)‪.‬‬
‫الثاني ـ أسباب كل منهما‪ :‬الفسخ يكون إما بسبب حالت طارئة على العقد تنافي الزواج‪ ،‬أو حالت‬
‫مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الصل‪ .‬فمن أمثلة الحالت الطارئة‪ :‬ردة الزوجة أو إباؤها‬
‫السلم‪ ،‬أو التصال الجنسي بين الزوج وأم زوجته أو بنتها‪ ،‬أو بين الزوجة وأبي زوجها أو ابنه مما‬
‫يحرم المصاهرة‪،‬وذلك ينافي الزواج‪ ،‬ومن أمثلة الحالت المقارنة‪ :‬أحوال خيار البلوغ لحد الزوجين‪،‬‬
‫وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء أو بأقل من مهر المثل عند الحنفية‪ ،‬ففيها كان العقد‬
‫غير لزم‪.‬‬
‫أما الطلق‪ :‬فل يكون إل بناء على عقد صحيح لزم‪ ،‬وهو من حقوق الزوج‪ ،‬فليس فيه ما يتنافى مع‬
‫عقد الزواج أو يكون بسبب عدم لزومه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.227‬‬

‫( ‪)9/327‬‬

‫الثالث ـ أثر كل منهما‪ :‬الفسخ ل ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل‪ ،‬أما الطلق فينقص به عدد‬
‫الطلقات‪.‬‬
‫وكذلك فرقة الفسخ ل يقع في عدتها طلق‪ ،‬إل إذا كانت بسبب الردة أو الباء عن السلم‪ ،‬فيقع فيهما‬
‫عند الحنفية طلق زجرا وعقوبة‪ .‬أما عدة الطلق فيقع فيها طلق آخر‪ ،‬ويستمر فيها كثير من أحكام‬
‫الزواج‪ .‬ثم إن الفسخ قبل الدخول ل يوجب للمرأة شيئا من المهر‪ ،‬أما الطلق قبل الدخول فيوجب‬
‫نصف المهر المسمى‪ ،‬فإن لم يكن المهر مسمى استحقت المتعة‪.‬‬
‫متى تكون الفرقة فسخا ومتى تكون طلقا؟‬
‫للفقهاء آراء في بيان أحوال الفسخ وأحوال الطلق‪.‬‬
‫يرى الحنفية (‪ : )1‬أن الفرقة تكون فسخا فيما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬تفريق القاضي بين الزوجين بسبب إباء الزوجة السلم بعدما أسلم زوجها المشرك أو‬
‫المجوسي؛ لن المشركة ل تصلح لنكاح المسلم‪ ،‬والفرقة جاءت من قبلها‪ ،‬والفرقة من قبل المرأة ل‬
‫تصلح طلقا؛ لنها ل تتولى الطلق‪ ،‬فيجعل فسخا‪.‬‬
‫أما إن كان الباء من الزوج‪ ،‬فتكون الفرقة طلقا في قول أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وفسخا في قول أبي‬
‫يوسف‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ردة أحد الزوجين‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬تباين الدارين حقيقة وحكما‪ :‬بأن خرج أحد الزوجين إلى دار السلم مسلما أو ذميا‪ ،‬وترك‬
‫الخر كافرا في دار الحرب قياسا على الردة لعدم التمكين من النتفاع عادة‪ .‬أما إن خرج أحدهما‬
‫مستأمنا وبقي الخر كافرا في دار الحرب فل تقع الفرقة‪ .‬وقال غير الحنفية‪ :‬ل تقع الفرقة باختلف‬
‫الدارين‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬خيار بلوغ الصغير أو الصغيرة‪ .‬هذه الفرقة ل تقع إل بتفريق القاضي‪ .‬فإن كانت الفرقة بسبب‬
‫اختيار المرأة نفسها لعيب الجب والعنة والخصاء والخنوثة‪ ،‬فهي فرقة بطلق من طريق القاضي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،21/3 :‬البدائع‪ ،340-336/2 :‬رد المحتار لبن عابدين‪.571/2 :‬‬

‫( ‪)9/328‬‬

‫ً‪ - 5‬خيار العتق‪ :‬بأن تعتق المة ويبقى زوجها عبدا‪،‬فلها الخيار بالبقاء أو إنهاء الزواج‪ ،‬وتثبت‬
‫الفرقة بنفس الختيار؛ لن الفرقة وقعت بسبب وجد منها وهو اختيارها نفسها‪ ،‬واختيارها نفسها ل‬
‫يجوز أن يكون طلقا؛ لنها ل تملك الطلق‪ ،‬إل إذا مُلّكت كالمخيّرة‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر‪ :‬تكون الفرقة فسخا؛ لنها فرقة حصلت ل من جهة‬
‫الزوج‪ ،‬فل يمكن أن يجعل ذلك طلقا؛ لنه ليس لغير الزوج ولية الطلق‪ ،‬فيجعل فسخا‪ ،‬ول تكون‬
‫هذه الفرقة إل عند القاضي كالفسخ بخيار البلوغ‪.‬‬
‫وما عداها من أنواع الفرق التي تكون من قبل الزوج أو بسبب منه يكون طلقا‪ ،‬ومنه المخالعة‪.‬‬
‫وعليه فإن ضابط ما يتميز به الفسخ عن الطلق عند أبي حنيفة ومحمد‪ :‬هو أن كل فرقة بسبب من‬
‫جانب المرأة تكون فسخا‪ ،‬وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه مختص بالزواج فهي طلق‪ ،‬إل‬
‫أن أبا حنيفة خلفا لمحمد يعتبر الفرقة بسبب ردة الزوج فسخا؛ لنه يرى أن الردة كالموت من حيث‬
‫إن صاحبها مهدر الدم‪ ،‬فتشبه الفرقة بالموت‪ ،‬والفرقة بالموت ل يمكن جعلها طلقا‪ .‬وبه يظهر أن‬
‫الغالب كون الفرقة طلقا‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬إما أن تكون الفرقة من زواج صحيح أو زواج فاسد‪.‬‬
‫أولً ـ إن كات الفرقة من زواج صحيح‪ :‬فإنها تكون طلقا إل إذا كانت بسبب أمر طارئ يوجب‬
‫التحريم المؤبد‪ ،‬سواء من أحد الزوجين أو من القاضي‪.‬‬
‫ثانيا ـ وإن كانت الفرقة من زواج فاسد‪:‬‬
‫فإن كان مجمعا على فساده‪ :‬فإن الفرقة فيه تكون فسخا‪ ،‬ل طلقا‪ ،‬كالفرقة من زواج المتعة‪ ،‬والزواج‬
‫بإحدى المحارم‪ ،‬والزواج بالمعتدة‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،70/2 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪.364/2 :‬‬

‫( ‪)9/329‬‬
‫وإن كان مختلفا في فساده‪ :‬وهو ما يكون فاسدا عند المالكية صحيحا عند غيرهم‪ ،‬كزواج المرأة بدون‬
‫ولي فهو فاسد عندهم صحيح عند الحنفية‪،‬فإن الفرقة فيه تكون طلقا ل فسخا‪ .‬ومنه زواج السر (وهو‬
‫الذي يوصي الزوج الشهود بكتمان العقد عن الناس أو عن بعضهم) فهو فاسد عندهم صحيح عند باقي‬
‫الئمة‪.‬‬
‫وعلى هذا تكون الفرقة فسخا فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا وقع العقد غير صحيح‪ ،‬كالزواج بالخت أو إحدى المحارم‪ ،‬والزواج بزوجة الغير أو‬
‫معتدته‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا طرأ على الزواج ما يوجب الحرمة المؤبدة كالتصال الجنسي بشبهة من أحد الزوجين‬
‫بأصول الخر أو فروعه‪ ،‬مما يوجب حرمة المصاهرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة بسبب اللعان‪ :‬لنه تترتب عليه الحرمة المؤبدة‪ ،‬لحديث «المتلعنان ل يجتمعان أبدا» (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفرقة بسبب إباء الزوج السلم بعد أن أسلمت زوجته‪ ،‬أو إباء الزوجة غير الكتابية السلم بعد‬
‫إسلم زوجها؛ لن ذلك في معنى طروء مفسد على الزواج‪.‬‬
‫وتكون الفرقة طلقا فيما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬إذا استعمل لفظ الطلق في الزواج الصحيح‪ ،‬أوالمختلف في فساده‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إذا حدثت الفرقة بالخلع في الزواج أوالمختلف في فساده‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الفرقة بسبب اليلء‪ :‬وهو أن يحلف الزوج أل يقرب زوجته أكثر من أربعة أشهر‪ .‬فإن لم يعد‬
‫عن يمينه بعد أمر القاضي له عقب ادعاء الزوجة فرّق بينهما‪ ،‬وكانت الفرقة طلقا‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬الفرقة لعدم كفاءة الزوج‪ ،‬سواء أكانت من الزوجة أم من وليها‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬الفرقة لعدم النفاق أو للغيبة‪ ،‬أو للضرر وسوء العشرة‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬الفرقة بسبب ردة أحد الزوجين عن السلم‪ :‬فإنها طلق في مشهور المذهب؛ لنها فرقة بسبب‬
‫أمر طارئ يوجب التحريم غير المؤبد الذي ينتهي بالرجوع عن السلم‪ .‬وبه يظهر أن أغلب الفُرق‬
‫تكون طلقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني عن ابن عباس‪ ،‬وفي معناه أحاديث كثيرة (نيل الوطار‪.)271/6 :‬‬

‫( ‪)9/330‬‬
‫ومذهب الشافعية (‪ : )1‬هو أن فرقة النكاح طلق وفسخ‪:‬‬
‫حكَمين‪ .‬والفسخ أنواع‬
‫والطلق أنواع‪ :‬الطلق المعهود صراحة أو كناية‪ ،‬والخلع‪ ،‬وفرقة اليلء‪ ،‬وال َ‬
‫سبعة عشر‪ :‬فرقة إعسار مهر‪ ،‬وإعسار نفقة أو كسوة أو مسكن بعد إمهال الزوج ثلثة أيام‪ ،‬وفرقة‬
‫لعان‪ ،‬وفرقة خيار عَتيقة (‪ ، )2‬وفرقة عيوب (‪ )3‬بعد رفع المر إلى الحاكم‪ ،‬وثبوت العيب‪ ،‬والفسخ‬
‫به فوري إل العُنّة فتؤجل سنة من يوم ثبوتها‪ ،‬وفرقة غرور (‪ ، )4‬ووطء شبهة كوطء أم زوجته أو‬
‫ابنتها‪ ،‬وسبْي للزوجين أو أحدهما قبل الدخول أو بعده؛ لن الرق إذا حدث أزال الملك عن النفس‪،‬‬
‫فيكون عن العصمة أولى‪ ،‬وفرقة إسلم أحد الزوجين‪ ،‬أو ردته‪ ،‬وإسلم الزوج على أختين أو أكثر‬
‫من أربع‪ ،‬أو أمتين‪ ،‬وملك أحد الزوجين الخر‪ ،‬وعدم الكفاءة بأن أطلقت المرأة الذن فبان الرجل‬
‫غير كفء‪ ،‬وانتقال من دين إلى آخر كالنتقال من اليهودية إلى النصرانية‪ ،‬وفرقة رضاع بشرط كونه‬
‫خمس رضعات متفرقات قبل مضي حولين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الطلب‪ :‬ص ‪ ،236‬حاشية الشرقاوي‪.296 - 294/2 :‬‬
‫(‪ )2‬خيار العتيقة‪ :‬هو أن تعتق المة زوجة الرقيق‪ ،‬فيثبت لها الخيار فورا بدون رفع المر إلى‬
‫الحاكم إل إذا كان عتقها قبل الوطء في مرض الموت‪ ،‬وكان ثلث ماله ليتحمل سقوط المهر مع‬
‫قيمتها‪.‬‬
‫(‪ )3‬العيوب المثبتة للخيار في الزواج‪ :‬هي جنون وجذام وبرص بأحد الزوجين‪ ،‬ورتق وقرن‬
‫بالزوجة‪ ،‬وجب وعنة بالزوج‪.‬‬
‫(‪ )4‬من النكحة المكروهة‪ :‬نكاح المغرور بحرية امرأة أو نسبها أو إسلمها وهو يجيز الفسخ‬
‫والرجوع بالغرامة على من غرّه ل بالمهر؛ لنه الموقع له في الغرامة‪ ،‬فلو شرط رجل حرية امرأة‬
‫في العقد‪ ،‬فبان رقمها‪ ،‬وهو ممن ل يحل له نكاح المة فهو باطل‪ ،‬وإل فصحيح‪ ،‬وللحر الخيار‪ .‬وإن‬
‫بان نسب المرأة دون المشروط صح‪ ،‬وإن بان دون نسبه فللرجل الخيار ( تحفة الطلب‪ :‬ص‬
‫‪.) 220‬‬

‫( ‪)9/331‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬يكون الفسخ في حالت‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬


‫‪ - 1‬الخلع إذا كان بغير لفظ الطلق‪ ،‬أو بغير نيةا لطلق‪.‬‬
‫‪ - 2‬ردة أحد الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة لعيب مشترك وهو الجنون والصرع‪ ،‬أو مختص بالمرأة كالرتق والقرن والبخر والقروح‬
‫السيالة‪ ،‬وانخراق ما بين السبيلين‪ ،‬أو مختص بالرجل كالجب والعنة‪ .‬ول يفسخ الزواج إل حاكم‪.‬‬
‫‪ - 4‬إسلم أحد الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفرقة بسبب اليلء بواسطة القاضي‪ ،‬إن انقضت المدة وهي أربعة أشهر‪ ،‬ولم يطأ الزوج‬
‫زوجته‪ ،‬ولم يطلق بعد أن يأمره الحاكم بالطلق‪.‬‬
‫‪ - 6‬الفرقة بسبب اللعان‪ :‬لن اللعان يوجب التحريم بين الزوجين على التأبيد‪ ،‬ولو لم يحكم به‬
‫القاضي‪.‬‬
‫وأما الفرقة بسبب الطلق‪ :‬فهي ما كانت بألفاظ الطلق صريحا أو كناية‪.‬‬
‫الفُرَق التي تتوقف على القضاء والتي ل تتوقف على القضاء ‪:‬‬
‫قد تحتاج الفرقة سواء أكانت طلقا أم فسخا إلى قضاء القاضي‪ ،‬وقد ل تحتاج‪ ،‬ويظهر أثر التوقف‬
‫على القضاء وعدمه في بعض الحكام‪ ،‬كالرث‪ ،‬فإن وجد سبب الفرقة‪ ،‬ثم مات أحد الزوجين قبل‬
‫صدور حكم قضائي‪ ،‬فإن احتاجت الفرقة إلى القضاء‪ ،‬فإن الخر يرثه‪ ،‬وإن لم تحتج إلى قضاء فل‬
‫يرثه الخر‪ ،‬لنتهاء الزوجية بمجرد وجود سبب الفرقة‪.‬‬
‫أما الفُرَق التي تتوقف على القضاء فهي نوعان‪ :‬فرق الطلق وفرق الفسخ‪.‬‬
‫وفرق الطلق المتوقفة على القضاء هي عند الحنفية ما يأتي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 56/7 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ 56 ،46/3 :‬ومابعدها‪.103 ،‬‬

‫( ‪)9/332‬‬

‫ً‪ - 1‬الفرقة بسبب اللعان‪ .‬وقال المالكية في المشهور‪ :‬ل تتوقف هذه الفرقة على القضاء‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الفرقة بسبب عيوب الزوج وهي الجب والعنة والخصاء‪ ،‬ويفسخ العقد عند الجمهور بسبب هذه‬
‫العيوب أو عيب الرتق والقرن ونحوهما في الزوجة‪ ،‬بعد رفع المر للحاكم‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الفرقة بسبب إباء الزوج السلم في رأي أبي حنيفة ومحمد‪ .‬وزيد في مصر وسورية التفريق‬
‫لغيبة الزوج أو حبسه‪ ،‬ولعدم النفاق على زوجته‪ ،‬وللشقاق بين الزوجين أو الضرار بالزوجة‪.‬‬
‫وفُرَق الطلق غير المتوقفة على القضاء هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفرقة بلفظ الطلق‪ ،‬ومنه تفويض أمر الطلق إلى الزوجة بالتفاق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفرقة بسبب اليلء عند الحنفية والمالكية‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة بالخلع عند الجمهور غير الحنابلة‪.‬‬
‫وأما فرق الفسخ المتوقفة على القضاء فهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفرقة بسبب عدم الكفاءة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفرقة بسبب نقصان المهر عن مهر المثل‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة بسبب إباء أحد الزوجين السلم إذا أسلم الخر‪ ،‬لكن الفرقة بسبب إباء الزوجة متفق‬
‫عليه‪ ،‬وبسبب إباء الزوج متفق عليه في غير رأي أبي حنيفة ومحمد‪ .‬وأما في رأي أبي يوسف فهي‬
‫فسخ‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفرقة بسبب خيار البلوغ لحد الزوجين عند الحنفية إذا زوّجهما في الصغر غير الب والجد‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفرقة بسبب خيار الفاقة من الجنون عند الحنفية إذا زوّج أحد الزوجين في الصغر غير الب‬
‫والجد والبن‪.‬‬
‫وأما فُرَق الفسخ غير المتوقفة على القضاء فهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفسخ بسبب فساد العقد في أصله كالزواج بغير شهود‪ ،‬والزواج بالخت‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفسخ بسبب اتصال أحد الزوجين بأصول الخر أوفروعه اتصالً يوجب حرمة المصاهرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفسخ بسبب ردة الزوج في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف‪،‬فإن ارتد الزوجان فل يفرق بينهما‬
‫بمجرد الردة في الراجح عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ بسبب خيار العتق للزوجة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفسخ بسبب ملك أحد الزوجين للخر‪.‬‬
‫هذا ويلحظ أمران‪:‬‬
‫الول ـ أن الفرقة بسبب التصال الذي يوجب حرمة المصاهرة توجب حرمة مؤبدة‪ ،‬والفرقة بسبب‬
‫خيار البلوغ أو الردة أو الباء عن السلم أو ملك أحد الزوجين الخر توجب حرمة مؤقتة‪ .‬وأما‬
‫فرقة اللعان فتوجب حرمة مؤبدة عند الحنابلة وأبي يوسف والشافعية والمالكية‪ ،‬وتوجب حرمة مؤقتة‬
‫عند أبي حنيفة ومحمد إذا خرج أحد الزوجين عن أهلية اللعان‪ ،‬أو كذب الرجل نفسه فيما قذف به‬
‫المرأة‪ .‬الثاني ـ كل فرقة من جهة الزوجة تسقط المهر عند الحنفية إل إذا تأكد العقد بالدخول أو‬
‫الخلوة‪ ،‬فإن كانت الفرقة من الزوج أو بسببه‪ ،‬فل تسقط شيئا للزوجة حالة الدخول وعدمه‪.‬‬

‫( ‪)9/333‬‬
‫المبحث الول ـ معنى الطلق ومشروعيته‪ ،‬وحكمه‪ ،‬وركنه‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وسبب جعله بيد الرجل ‪:‬‬
‫معنى الطلق‪ :‬الطلق لغة‪ ،‬حل القيد والطلق‪ ،‬ومنه ناقة طالق‪ ،‬أي مرسلة بل قيد‪ ،‬وأسير مطلق‪،‬‬
‫أي حل قيده وخلي عنه‪ ،‬لكن العرف خص الطلق بحل القيد المعنوي‪ ،‬وهو في المرأة‪ ،‬والطلق في‬
‫حل القيد الحسي في غير المرأة‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬حل قيد النكاح‪ ،‬أو حل عقْد النكاح بلفظ الطلق ونحوه‪ .‬أو رفع قيد النكاح في الحال أو المآل‬
‫بلفظ مخصوص (‪ . )1‬فحل رابطة الزواج في الحال يكون بالطلق البائن‪ ،‬وفي المآل أي بعد العدة‬
‫يكون بالطلق الرجعي‪ .‬واللفظ المخصوص‪ :‬هو الصريح كلفظ الطلق‪ ،‬والكناية كلفظ البائن والحرام‬
‫والطلق ونحوها‪ .‬ويقوم مقام اللفظ‪ :‬الكتابة والشارة المفهمة‪ ،‬ويلحق بلفظ الطلق لفظ «الخلع»‬
‫وقول القاضي‪« :‬فرقت» في التفريق للغيبة أو الحبس‪ ،‬أو لعدم النفاق أو لسوء العشرة‪ .‬وقد أخرج‬
‫باللفظ المخصوص‪ :‬الفسخ‪ ،‬فإنه يحل رابطة الزواج في الحال‪ ،‬لكن بغير لفظ الطلق ونحوه‪ ،‬والفسخ‬
‫كخيار البلوغ‪ ،‬وعدم الكفاءة‪ ،‬ونقصان المهر‪ ،‬والردة‪.‬‬
‫ول يصح الرجوع في الطلق أو العدول عنه كسائر اليمان‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل قيلولة‬
‫في الطلق» (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،570/2 :‬مغني المحتاج‪ ،279/3 :‬المغني‪ ،66/7 :‬كشاف القناع‪.261/5 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي (نيل الوطار‪.)238/6 :‬‬

‫( ‪)9/334‬‬

‫مشروعيته‪ :‬الطلق مشروع بالكتاب والسنة والجماع‪:‬‬


‫أما الكتاب‪ :‬فقول ال تعالى‪{ :‬الطلق مرتان‪ ،‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪]229/2:‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء‪ ،‬فطلقوهن لعدتهن} [الطّلق‪.]1/65:‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إنما الطلق لمن أخذ بالساق» (‪ )1‬وقوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪« :‬أبغض الحلل إلى ال ‪ :‬الطلق» (‪ . )2‬وقال عمر‪« :‬طلق النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫حفصة‪ ،‬ثم راجعها» (‪. )3‬‬
‫وأجمع الناس على جواز الطلق‪ ،‬والمعقول يؤيده‪ ،‬فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين‪ ،‬فيصير بقاء‬
‫الزواج مفسدة محضة‪ ،‬وضررا مجردا‪ ،‬بإلزام الزوج والنفقة والسكنى‪ ،‬وحبس المرأة مع سوء‬
‫العشرة‪ ،‬والخصومة الدائمة من غير فائدة‪ ،‬فاقتضى ذلك شرع ما يزيل الزواج‪ ،‬لتزول المفسدة‬
‫الحاصلة منه‪.‬‬
‫حكمة تشريع الطلق‪ :‬تظهر حكمة تشريع الطلق من المعقول السابق‪ ،‬وهو الحاجة إلى الخلص من‬
‫تباين الخلق‪ ،‬وطروء البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود ال تعالى‪ ،‬فكان تشريعه رحمة منه سبحانه‬
‫وتعالى (‪ . )4‬أي أن الطلق علج حاسم‪ ،‬وحل نهائي أخيرا لما استعصى حله على الزوجين وأهل‬
‫الخير والحكمين‪ ،‬بسبب تباين الخلق‪ ،‬وتنافر الطباع‪ ،‬وتعقد مسيرة الحياة المشتركة بين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)238/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬عن ابن عمر (المرجع السابق‪ :‬ص‬
‫‪.)220‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر رضي ال عنه‪ ،‬وهو لحمد من حديث عاصم بن‬
‫عمر (المرجع السابق‪ :‬ص ‪.)219‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير‪.21/3 :‬‬

‫( ‪)9/335‬‬

‫عقْم ل علج له‪ ،‬مما يؤدي إلى ذهاب المحبة‬


‫الزوجين‪ ،‬أو بسبب الصابة بمرض ل يحتمل‪ ،‬أو ُ‬
‫والمودة‪ ،‬وتوليد الكراهية والبغضاء‪ ،‬فيكون الطلق منفذا متعينا للخلص من المفاسد والشرور‬
‫الحادثة‪.‬‬
‫الطلق إذن ضرورة لحل مشكلت السرة‪ ،‬ومشروع للحاجة ويكره عند عدم الحاجة‪ ،‬للحديث‬
‫السابق‪« :‬ليس شيء من الحلل أبغض إلى ال من الطلق» وحديث‪« :‬أيما امرأة سألت زوجها‬
‫الطلق في غير ما بأس‪ ،‬فحرام عليها رائحة الجنة» (‪ . )1‬ومن أسبابه المبيحة له طاعة الوالدين فيه‪،‬‬
‫قال ابن عمر‪« :‬كانت تحتي امرأة أحبها‪ ،‬وكان أبي يكرهها‪ ،‬فأمرني أن أطلّقها فأبيتُ‪ ،‬فذُكر ذلك‬
‫للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد ال بن عمر‪ :‬طلّق امرأتك» (‪ )2‬وصرح الحنابلة (‪ : )3‬أنه‬
‫ل يجب على الرجل طاعة أبويه ولو عدلين في طلق أو منع من تزويج‪.‬‬
‫وما قد يترتب على الطلق من أضرار‪ ،‬وبخاصة الولد‪ ،‬يحتمل في سبيل دفع ضرر أشد وأكبر‪،‬‬
‫عملً بالقاعدة‪« :‬يختار أهون الشرين» ‪.‬‬
‫لكن رغب الشرع الزواج في الصبر وتحمل خلق الزوجة‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وعاشروهن بالمعروف‪ ،‬فإن‬
‫كرهتموهن‪ ،‬فعسى أن تكرهوا شيئا‪ ،‬ويجعل ال فيه خيرا كثيرا} [النساء‪ ]19/4:‬وقوله صلّى ال عليه‬
‫ك مؤمن مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خلُقا‪ ،‬رضي منها آخر» (‪. )4‬‬
‫وسلم ‪« :‬ل يف َر ْ‬
‫وشرع الشرع طرقا ودية لحل ما يثور من نزاع بين الزوجين‪ ،‬من وعظ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة إل النسائي عن ثوبان (المرجع السابق‪ :‬ص ‪.)220‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي‪ ،‬وصححه الترمذي (المرجع السابق‪ :‬ص‬
‫‪.)220‬‬
‫(‪ )3‬غاية المنتهى‪.112/3 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم عن أبي هريرة‪.‬‬

‫( ‪)9/336‬‬

‫وإرشاد‪ ،‬وهجر في المضجع وإعراض‪ ،‬وضرب‪ ،‬وإرسال حكمين من قبل القاضي إذا عجز الزوجان‬
‫عن الصلح وإزالة الشقاق الذي بينها‪ ،‬وقد بينت ذلك في بحث حقوق الزوجين‪ ،‬وهي كلها مأخوذة‬
‫من آيات ثلث هي‪{ :‬وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا‪ ،‬فل جناح عليهما أن يصلحا‬
‫بينهما صلحا‪ ،‬والصلح خير‪ ،‬وأحضرت النفس الشح‪ ،‬وإن تحسنوا وتتقوا‪ ،‬فإن ال كان بما تعملون‬
‫خبيرا} [النساء‪{ ]128/4:‬وإن خفتم شقاق بينهما‪ ،‬فابعثوا حكما من أهله‪ ،‬وحكما من أهلها‪ ،‬إن يريدا‬
‫إصلحا يوفق ال بينهما‪ ،‬إن ال كان عليما خبيرا} [النساء‪{ ]35/4:‬واللتي تخافون نشوزهن‬
‫فعظوهن‪ ،‬واهجروهن في المضاجع‪ ،‬واضربوهن‪ ،‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيلً‪ ،‬إن ال كان‬
‫عليا كبيرا} [النساء‪.]34/4:‬ول يلجأ إلى الطلق لول وهلة ولهون السباب‪ ،‬كما يفعل بعض الجهلة‬
‫الذين يقدمون عليه لطيش بيّن‪ ،‬أو حماقة‪ ،‬أو غضب موقوت‪ ،‬أو شهوة جارفة أو هوى مستبد‪ ،‬فهو‬
‫كله خروج عن تعاليم السلم وآدابه‪ ،‬وموجب للثم والمعصية والتأديب والتعزير‪ ،‬وإنما الطلق‬
‫تشريع استثنائي للضرورة بعد أن يسلك الزوج المراحل التية‪:‬‬
‫وهي المعاشرة بالمعروف والصبر وتحمل الذى‪ ،‬ثم الوعظ والهجر والضرب اليسير‪ ،‬ثم إرسال‬
‫الحكمين‪.‬‬

‫( ‪)9/337‬‬

‫فإن وقع الطلق فيمكن العودة إلى الزواج بالرجعة بغير شهود ما دامت المرأة في العدة‪ ،‬أو بعقد‬
‫جديد بعد انتهاء العدة‪ ،‬وذلك لمرتين بعد الطلقة الولى‪ ،‬وبعد الطلقة الثانية‪ ،‬فتلك فترتان متكررتان‬
‫لمراجعة الحساب‪ ،‬وتقدير الظروف‪ ،‬ومحاكمة المور‪ ،‬وتعقل النتائج والثار‪،‬وهذا يحدث غالبا‪ ،‬فكل‬
‫من الزوجين يندم ويتنازل عن أمور‪ ،‬ويقلع عن أخلق‪ ،‬ويرضى بالعيش في ظل حياة زوجية ل توفر‬
‫له كل ما يرغب بالمقارنة مع حياة العزلة والنفراد‪ ،‬والتكال على الهل الذين يضايقهم عادة تحمل‬
‫أعباء جديدة من النفقة والخدمة وغيرها‪ ،‬هذا فضلً عما في الفراق من تعريض سمعة المرأة للطعن‬
‫والنقد‪ ،‬إذ لو كانت حسنة الخلق‪ ،‬لما طلقت‪ ،‬وبه يكون إحصاء عدد الرجعات بعد الطلق مما‬
‫ينقص كثيرا من إحصائيات الطلق‪.‬‬
‫السبب في جعل الطلق بيد الرجل ‪:‬‬
‫جعل الطلق بيد الزوج ل بيد الزوجة بالرغم من أنها شريكة في العقد حفاظا على الزواج‪ ،‬وتقديرا‬
‫لمخاطر إنهائه بنحو سريع غير متئد؛ لن الرجل الذي دفع المهر وأنفق على الزوجة والبيت يكون‬
‫عادة أكثر تقديرا لعواقب المور‪ ،‬وأبعد عن الطيش في تصرف يلحق به ضررا كبيرا‪ ،‬فهو أولى من‬
‫المرأة بإعطائه حق التطليق لمرين‪:‬‬
‫الول ـ إن المرأة غالبا أشد تأثرا بالعاطفة من الرجل‪ ،‬فإذا ملكت التطليق‪ ،‬فربما أوقعت الطلق‬
‫لسباب بسيطة ل تستحق هدم الحياة الزوجية‪.‬‬
‫الثاني ـ يستتبع الطلق أمورا مالية من دفع مؤجل المهر‪ ،‬ونفقة العدة‪ ،‬والمتعة‪ ،‬وهذه التكاليف‬
‫المالية من شأنها حمل الرجل على التروي في إيقاع الطلق‪ ،‬فيكون من الخير والمصلحة جعله في يد‬
‫من هو أحرص على الزوجية‪ .‬وأما المرأة فل تتضرر ماليا بالطلق‪ ،‬فل تتروى في إيقاعه بسبب‬
‫سرعة تأثرها وانفعالها‪.‬‬

‫( ‪)9/338‬‬

‫ثم إن المرأة قبلت الزواج على أن الطلق بيد الرجل‪ ،‬وتستطيع أن تشرطه لنفسها إن رضي الرجل‬
‫منذ بداية العقد‪ ،‬ولها أيضا إن تضررت بالزوج أن تنهي الزواج بواسطة بذل شيء من مالها عن‬
‫طريق الخلع‪ ،‬أو عن طريق فسخ القاضي الزواج بسبب مرض منفر‪،‬أو لسوء العشرة والضرار‪ ،‬أو‬
‫لغيبة الزوج أو حبسه‪ ،‬أو لعد م النفاق‪.‬‬
‫وليست الدعوة المعاصرة إلى جعل الطلق بيد القاضي ذات فائدة؛ لمصادمة المقرر شرعا‪ ،‬ولن‬
‫الرجل يعتقد ديانة أن الحق له‪ ،‬فإذا أوقع الطلق‪ ،‬حدثت الحرمة دون انتظار حكم القاضي‪ .‬وليس‬
‫ذلك في مصلحة المرأة نفسها؛ لن الطلق قد يكون لسباب سرية ليس من الخير إعلنها‪ ،‬فإذا أصبح‬
‫الطلق بيد القاضي انكشفت أسرار الحياة الزوجية بنشر الحكم‪ ،‬وتسجيل أسبابه في سجلت القضاء‪،‬‬
‫وقد يعسر إثبات السباب لنفور طبيعي وتباين أخلقي‪.‬‬
‫ركن الطلق‪ :‬قال الحنفية (‪ : )1‬ركن الطلق‪ :‬هو اللفظ الذي جعل دللة على معنى الطلق لغة‪:‬‬
‫وهو التخلية والرسال‪ ،‬ورفع القيد في الصريح‪ ،‬وقطع الوصلة ونحوه في الكناية‪ ،‬أو شرعا‪ :‬وهو‬
‫إزالة الحل؛أو ما يقوم مقام اللفظ من الشارة‪.‬‬
‫وقال غير الحنفية (‪ : )2‬للطلق أركان‪ ،‬علما بأن كلمة «ركن الطلق» مفرد مضاف‪ ،‬فيعم‪ ،‬فيصح‬
‫الخبار عنه بالمتعدد‪ ،‬فيقال‪ :‬أركانه أربعة مثلً‪ .‬والمراد بالركن عند الجمهور‪ :‬ما تتحقق به الماهية‪،‬‬
‫ولو لم يكن داخلً فيها‪.‬‬
‫أما المالكية فقالوا‪ :‬أركان الطلق أربعة‪ :‬أهل له‪ :‬أي موقعه من زوج أو نائبه أو وليه إن كان‬
‫صغيرا‪ ،‬وقصد‪ :‬أي قصد النطق باللفظ الصريح والكناية الظاهرة‪ ،‬ولو لم يقصد حل العصمة بدليل‬
‫صحة طلق الهازل‪ .‬ومحل‪ :‬أي عصمة مملوكة‪ ،‬ولفظ صريح أو كناية‪ .‬وعدها ابن جزي ثلثة‪ :‬هي‬
‫المطلّق‪ ،‬والمطلّقة‪ ،‬والصيغة‪ :‬وهي اللفظ وما في معناه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.98/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير‪ ،365/2 :‬الشرح الصغير‪ ،279/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،227‬غاية المنتهى‪:‬‬
‫‪.112/3‬‬

‫( ‪)9/339‬‬

‫وأما الشافعية والحنابلة فقالوا‪ :‬أركان الطلق خمسة‪ :‬مطلّق‪ ،‬وصيغة‪ ،‬ومحل‪ ،‬وولية‪ ،‬وقصد‪ ،‬فل‬
‫ك ولو عن نفسه‪ .‬ويلحظ أن الولية أدخلها المالكية في الركن الول وهو‬
‫طلق لفقيه يكرره‪ ،‬وحا ٍ‬
‫الهلية‪ .‬وزاد الشافعية والحنابلة على المالكية ركن المحل‪.‬‬
‫حكم الطلق‪ :‬ذهب الحنفية على المذهب (‪ : )1‬إلى أن إيقاع الطلق مباح لطلق اليات‪ ،‬مثل قوله‬
‫تعالى‪{ :‬فطلقوهن لعدتهن} [الطلق‪{ ]1/65:‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء} [البقرة‪ ]236/2:‬ولنه‬
‫صلّى ال عليه وسلم طلق حفصة‪ ،‬ل لريبة (أي ظن الفاحشة) ول كبر‪ ،‬وكذا فعله الصحابة‪ ،‬والحسن‬
‫بن علي رضي ال عنهما استكثر النكاح والطلق‪ .‬وأما حديث «أبغض الحلل إلى ال الطلق»‬
‫فالمراد بالحلل‪ :‬ما ليس فعله بلزم‪ ،‬ويشمل المباح والمندوب والواجب والمكروه‪ ،‬وقال ابن عابدين‪:‬‬
‫إن كونه مبغوضا ل ينافي كونه حللً‪ ،‬فإن الحلل بهذا المعنى يشمل المكروه‪ ،‬وهو مبغوض‪.‬‬
‫وقال الكمال بن الهمام‪ :‬الصح حظر الطلق أي منعه‪ ،‬إل لحاجة كريبة وكبر‪ .‬ورجح ابن عابدين‬
‫هذا الرأي‪ ،‬وليست الحاجة مختصة بالكبر والريبة‪ ،‬بل هي أعم‪.‬‬
‫وذكر الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) (‪ : )2‬أن الطلق من حيث هو جائز‪ ،‬والولى عدم‬
‫ارتكابه‪ ،‬لما فيه من قطع ال لُفة إل لعارض‪ ،‬وتعتريه الحكام الربعة من حرمة‪ ،‬وكراهة‪ ،‬ووجوب‪،‬‬
‫وندب‪ ،‬والصل أنه خلف الولى‪.‬‬
‫فيكون حراما‪ :‬كما لو علم أنه إن طلق زوجته وقع في الزنا لتعلقه بها‪ ،‬أو لعدم قدرته على زواج‬
‫غيرها‪ ،‬ويحرم الطلق البدعي وهو الواقع في الحيض ونحوه كالنفاس وطهر وطئ فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ ،572-571/2 :‬فتح القدير‪.22-21/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،361/2 :‬الشرح الصغير‪ 533/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،78/2 :‬كشاف‬
‫القناع‪ ،261/5 :‬المغني‪ 97/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/340‬‬

‫ويكون مكروها‪ :‬كما لو كان له رغبة في الزواج‪ ،‬أو يرجو به نسلً ولم يقطعه بقاء الزوجة عن عبادة‬
‫واجبة‪ ،‬ولم يخش زنا إذا فارقها‪ .‬ويكره الطلق من غير حاجة إليه‪ ،‬للحديث السابق عن ابن عمر‪:‬‬
‫«أبغض الحلل إلى ال تعالى الطلق» ‪.‬‬
‫ويكون واجبا‪ :‬كما لو علم أن بقاء الزوجة يوقعه في محرم من نفقة أو غيرها‪ .‬ويجب طلق المولي‬
‫(حالف يمين اليلء) بعد انتظار أربعة أشهر من حلفه إذا لم يفئ ‪ ،‬أي يطأ‪.‬‬
‫ويكون مندوبا أو مستحبا‪ :‬إذا كانت المرأة بذيّة اللسان يخاف منها الوقوع في الحرام لو استمرت‬
‫عنده‪ .‬ويستحب الطلق في الجملة لتفريط الزوجة في حقوق ال الواجبة‪ ،‬مثل الصلة ونحوها‪ ،‬ول‬
‫يمكنه إجبارها على تلك الحقوق‪ ،‬ويستحب الطلق أيضا في حال مخالفة المرأة من شقاق وغيره‬
‫ليزيل الضرر‪ ،‬أوإذا كانت غير عفيفة‪ ،‬فل ينبغي له إمساكها؛ لن فيه نقصا لدينه‪ ،‬ول يأمن إفسادها‬
‫فراشه‪ ،‬وإلحاقها به ولدا من غيره‪.‬‬
‫ويستحب الطلق أيضا لتضرر الزوجة ببقاء النكاح لبغض أو غيره‪ ،‬ويستحب كون الطلق طلقة‬
‫واحدة؛ لنه يمكنه تلفيها‪ ،‬وإن أراد الطلق الثلث‪ ،‬فّرق الطلقات في كل طهر طلقة ليخرج من‬
‫الخلف‪ ،‬فإن عند أبي حنيفة ل يجوز جمعها‪ ،‬ولنه يسلم من الندم‪ .‬والخلصة‪ :‬أن الطلق البدعي إما‬
‫حرام أو مكروه‪ ،‬والطلق السني إما واجب أو مندوب أو خلف الولى‪ .‬وسيأتي بيان البدعي‬
‫والسني‪.‬‬
‫لزوم الطلق‪ :‬الطلق كاليمين متى توافر ركنه وشروطه‪ ،‬لزم المطلّق في زوجته‪ ،‬ول رجوع عنه‬
‫بوقوعه‪ ،‬ويحسب عليه إن طلقها ثم تزوجها ثانية‪ ،‬وكذلك في المرة الثالثة حتى تكون ثلث تطليقات (‬
‫‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.219‬‬

‫( ‪)9/341‬‬

‫المبحث الثاني ـ شروط الطلق وقدره ومحله وصيغته ‪:‬‬


‫يشترط في كل ركن من أركان الطلق ـ في اصطلح غيرا لحنفية ـ شروط‪:‬‬
‫شروط الركن الول وهو المطلّق‪ :‬يشترط أن يكون زوجا مكلفا (بالغا عاقلً) مختارا بالتفاق‪ ،‬وأن‬
‫يكون عند المالكية مسلما‪ ،‬وأن يعقل الطلق عند الحنابلة (‪. )1‬‬
‫فل يصح الطلق من غير زوج‪ ،‬ول من صبي مميز أو غير مميز‪ ،‬وأجاز الحنابلة طلق مميز يعقل‬
‫الطلق ولو كان دون عشر سنين‪ ،‬بأن يعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه إذا طلقها‪ ،‬ويصح توكيل‬
‫المميز في الطلق وتوكله فيه؛ لن من صح منه مباشرة شيء‪ ،‬صح أن يوكل وأن يتوكل فيه‪ .‬ول‬
‫يصح عند الفقهاء أن يطلّق الولي على الصبي أو المجنون بل عوض‪ ،‬لن الطلق ضرر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،40-38 ،21/3 :‬البدائع‪ ،99/3 :‬الشرح الكبير‪ ،365/2 :‬بداية المجتهد‪،83-81/2 :‬‬
‫الشرح الصغير‪ 542-526/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،77/2 :‬مغني المحتاج‪ ،289-279/3 :‬كشاف‬
‫القناع‪ ،265-262/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 227‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪.124-113/7 :‬‬

‫( ‪)9/342‬‬

‫طلق المجنون والمدهوش‪ :‬ول يصح طلق المجنون‪ ،‬ومثله المغمى عليه‪ ،‬والمدهوش‪ :‬وهو الذي‬
‫اعترته حال انفعال ل يدري فيها ما يقول أو يفعل‪ ،‬أو يصل به النفعال إلى درجة يغلب معها الخلل‬
‫في أقواله وأفعاله‪ ،‬بسبب فرط الخوف أو الحزن أو الغضب‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل طلق‬
‫في إغلق» (‪ )1‬والغلق‪ :‬كل ما يسد باب الدراك والقصد والوعي‪ ،‬لجنون أو شدة غضب أو شدة‬
‫حزن ونحوها‪.‬‬
‫ودليل اشتراط البلوغ والعقل‪ :‬حديث «كل طلق جائز إل طلق الصبي والمجنون» (‪ )2‬وحديث‬
‫«رفع القلم عن ثلثة‪ :‬عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ ‪ ،‬وعن المجنون حتى يُفيق» (‬
‫‪ ، )3‬ولن الطلق تصرف يحتاج إلى إدراك كامل وعقل وافر‪ ،‬وهذا ل يتوافر في الصبي والمجنون‪،‬‬
‫ولن الطلق تصرف ضار‪ ،‬فل يملكه الصبي ولو كان مميزا أو أجازه الولي‪.‬‬
‫لكن الحنابلة أنفذوا طلق المميز ولو دون عشر‪ ،‬لعموم الحديث المتقدم‪« :‬إن الطلق لمن أخذ‬
‫بالساق» وحديث «كل الطلق جائز إل طلق المعتوه‪ ،‬والمغلوب على عقله» وعن علي‪« :‬اكتموا‬
‫الصبيان النكاح» فيفهم منه أن فائدته أل يطلقوا‪ ،‬ولنه طلق من عاقل صادف محل الطلق‪ ،‬فوقع‬
‫كطلق البالغ‪.‬‬
‫طلق الغضبان‪ :‬يفهم مما ذكر أن طلق الغضبان ل يقع إذا اشتد الغضب‪ ،‬بأن وصل إلى درجة ل‬
‫يدري فيها ما يقول ويفعل ول يقصده‪ .‬أو وصل به الغضب إلى درجة يغلب عليه فيها الخلل‬
‫والضطراب في أقواله وأفعاله‪ ،‬وهذه حالة نادرة‪ .‬فإن ظل الشخص في حالة وعي وإدراك لما يقول‬
‫فيقع طلقه‪ ،‬وهذا هو الغالب في كل طلق يصدر عن الرجل؛ لن الغضبان مكلف في حال غضبه‬
‫بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق وطلق وغيرها‪.‬‬
‫طلق غير الزوج‪ :‬ل يصح طلق غير الزوج‪ ،‬لحديث «ل طلق قبل النكاح‪ ،‬ول عتق قبل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة (نيل الوطار‪ ،235/6 :‬نصب الراية‪.)223/3 :‬‬
‫(‪ )2‬قال عنه الزيلعي‪ :‬حديث غريب‪ ،‬وأخرج الترمذي عن أبي هريرة‪« :‬كل طلق جائز إل طلق‬
‫المعتوه المغلوب على عقله» وفيه ضعيف‪ ،‬وروى ابن أبي شيبة عن علي قال‪« :‬كل طلق جائز إل‬
‫طلق المعتوه» (نصب الراية‪.)222-221/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر‪ ،‬ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه‬
‫والحاكم عن عائشة بلفظ آخر (الجامع الصغير‪.)24/2 :‬‬

‫( ‪)9/343‬‬

‫ملك» (‪. )1‬‬


‫طلق السكران‪ :‬السكران الذي وصل إلى درجة الهذيان وخلط الكلم‪ ،‬ول يعي بعد إفاقته ما صدر‬
‫منه حال سكره‪ ،‬ل يقع طلقه باتفاق المذاهب إن سكر سكرا غير حرام ـ وهو نادر ـ كشرب‬
‫مسكر للضرورة‪ ،‬أو للكراه‪ ،‬أو لكل بنج ونحوه ولو لغير حاجة عند الحنابلة؛ لنه ل لذة فيه‪ ،‬فيعذر‬
‫لعدم الدراك والوعي لديه‪ ،‬فهو كالنائم‪.‬‬
‫أما السكران بطريق محرّم ـ وهو الغالب ـ بأن شرب الخمر عالما به‪ ،‬مختارا لشربه‪ ،‬أو تناول‬
‫المخدر من غير حاجة أو ضرورة عند الجمهور غيرا لحنابلة‪ ،‬فيقع طلقه في الراجح في المذاهب‬
‫الربعة‪ ،‬عقوبة وزجرا عن ارتكاب المعصية‪ ،‬ولنه تناوله باختياره من غير ضرورة‪.‬‬
‫وقال زفر والطحاوي من الحنفية‪ ،‬وأحمد في رواية عنه‪ ،‬والمزني من الشافعية وعثمان وعمر بن عبد‬
‫العزيز (‪ : )2‬ل يقع طلق السكران‪ ،‬لعدم توافر القصد والوعي والرادة الصحيحة لديه‪ ،‬فهوزائل‬
‫العقل كالمجنون‪ ،‬والنائم فاقد الرادة كالمكره‪ ،‬فتصبح عبارته ملغاة ل قيمة لها‪ ،‬وللسكر عقوبة أخرى‬
‫هي الحد‪ ،‬فل مسوغ لضم عقوبة أخرى عليه‪ ،‬قال عثمان رضي ال عنه‪ :‬ليس لمجنون ول لسكران‬
‫طلق‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬طلق السكران والمستكره ليس بجائز‪ ،‬وقال علي‪ :‬كل الطلق جائز إل‬
‫طلق المعتوه (‪. )3‬‬
‫وأخذ القانون في سورية ومصر بهذا الرأي‪ ،‬نص قانون رقم ( ‪ ) 25‬لسنة (‪ )1929‬في مصر على‬
‫أنه «ل يقع طلق السكران» ونص القانون السوري م (‪ )89‬على ما يلي‪:‬‬
‫«‪ - 1‬ل يقع طلق السكران ول المدهوش ول المكره‪.‬‬
‫‪ - 2‬المدهوش‪ :‬هو الذي فقد تمييزه من غضب أو غيره‪ ،‬فل يدري ما يقول» ‪.‬‬
‫طلق غير المسلم‪ :‬يقع طلق غير المسلم كالمسلم عند الجمهور؛ لنه عند غير الحنفية مكلف بفروع‬
‫الشريعة‪ .‬وقال المالكية‪ :‬ل يصح الطلق من كافر‪ ،‬ويشترط السلم لنفاذ طلق المطلّق‪.‬‬
‫طلق المرتد‪ :‬طلق المرتد بعد الدخول موقوف‪ ،‬فإن أسلم في العدة تبينا وقوعه‪ ،‬وإن لم يسلم حتى‬
‫انقضت العدة أو ارتد قبل الدخول فطلقه باطل؛ لنفساخ النكاح قبله‪ ،‬باختلف الدين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه عن مسور بن مَخْرمة‪ ،‬وأخرجه الحاكم عن جابر مرفوعا بلفظ «ل طلق إل بعد‬
‫نكاح‪ ،‬ول عتق إل بعد ملك» (نيل الوطار‪.)240/6 :‬‬
‫(‪ )2‬وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء وبعض التابعين أيضا‪ ،‬وروي عن علي ومعاوية رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬ذكرهن البخاري في صحيحه (نيل الوطار‪.)235/6 :‬‬

‫( ‪)9/344‬‬

‫طلق السفيه‪ :‬ينفذ طلق السفيه المحجور إذا كان بالغا باتفاق المذاهب ولو بغير إذن وليه؛ لن‬
‫موضع الحجر هو التصرفات المالية‪ ،‬والطلق وأثره ليس من التصرفات المالية‪ ،‬والرشد ليس شرطا‬
‫لوقوع الطلق‪.‬‬
‫والسفيه‪ :‬هو خفيف العقل الذي يتصرف في ماله على خلف مقتضى العقل السليم‪ .‬وقال الشيعة‬
‫المامية وعطاء‪ :‬يتوقف طلق السفيه على إذن الولي؛ لنه تصرف ضار ضررا محضا‪.‬‬
‫طلق المكره‪ :‬ل يقع عند الجمهور طلق المكره؛ لنه غير قاصد للطلق‪ ،‬وإنما قصد دفع الذى عن‬
‫نفسه‪ ،‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه» (‪ )1‬وقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ل طلق في إغلق» (‪ )2‬معناه في إكراه‪ .‬وهذا هو الراجح‬
‫لقوة دليله‪.‬‬
‫ورأى الحنفية‪ :‬أن طلق المكره واقع؛ لنه قصد إيقاع الطلق وإن لم يرض بالثر المترتب عليه‪،‬‬
‫جدّهن جِدّ‪ ،‬وهزلهن جد ‪ :‬النكاح والطلق والرجعة» (‪. )3‬‬
‫كالهازل‪ ،‬فإن طلقه يقع لحديث‪« :‬ثلث ِ‬
‫مالك الطلق‪ :‬يتبين مما سبق أن الذي يملك الطلق إنما هو الزوج متى كان بالغا عاقلً‪ ،‬ول تملكه‬
‫الزوجة إل بتوكيل من الزوج أو تفويض منه‪ .‬ول يملكه القاضي إل في أحوال خاصة للضرورة‪.‬‬
‫ويلحظ أن القانون المصري جعل الهلية في سنة الحادية والعشرين‪ ،‬والقانون السوري في سن‬
‫الثامنة عشرة‪ ،‬وبناء عليه تكون أهلية الطلق قانونا في تلك السن المقررة‪ ،‬إل إذا سمح القاضي لمن‬
‫هودون هذه السن إذا كان بالغا بإيقاع الطلق‪ .‬ونص القانون السوري (م ‪ )85‬على الهلية‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ يكون الرجل متمتعا بالهلية الكاملة للطلق في تمام الثامنة عشرة من عمره‪.‬‬
‫‪ - 2‬يجوز للقاضي أن يأذن بالتطليق‪ ،‬أو يجيز الطلق الواقع من البالغ المتزوج قبل الثامنة عشرة إذا‬
‫وجدت المصلحة في ذلك» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والثرم عن عائشة‪ ،‬وقد سبق تخريجه ومعناه‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) إل النسائي عن أبي هريرة‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن‬
‫غريب‪ ،‬وأخرجه الحاكم وصححه والدارقطني‪ ،‬وفي إسناده ابن أزدك‪ ،‬وهو مختلف فيه (نيل‬
‫الوطار‪ 234/6 :‬وما بعدها‪ ،‬نصب الراية في الهامش‪.)223/3 :‬‬

‫( ‪)9/345‬‬

‫ما يشترط في الركن الثاني للطلق وهو القصد ‪:‬‬


‫يشترط بالتفاق القصد في الطلق (‪ : )1‬وهو إرادة التلفظ به‪ ،‬ولو لم ينوه‪ ،‬أي إرادة لفظ الطلق‬
‫لمعناه‪ ،‬بأل يقصد بلفظ الطلق غير المعنى الذي وضع له‪ ،‬وليشترط في هذا الركن إل تحقيق المراد‬
‫به‪ ،‬فل يقع طلق فقيه يكرره‪ ،‬ول طلق حاكٍ عن نفسه أو غيره؛ لنه لم يقصد معناه‪ ،‬بل قصد‬
‫التعليم والحكاية‪ ،‬ول طلق أعجمي ُلقّن لفظ الطلق بل فهم منه لمعناه‪ .‬ول يقع طلق مرّ بلسان نائم‬
‫أو من زال عقله بسبب لم يعص به‪ ،‬ويلغو‪ ،‬وإن قال بعد إفاقته أو استيقاظه‪ :‬أجزته أو أوقعته للحديث‬
‫المتقدم‪« :‬رفع القلم عن ثلث‪ ،‬ومنها‪ :‬النائم حتى يستيقظ» ولنتفاء القصد‪.‬‬
‫ول تشترط عند الحنابلة النية للطلق في حال الخصومة أو في حال الغضب‪.‬‬
‫طلق الهازل‪ :‬الهازل هو من قصد اللفظ دون معناه‪ ،‬واللعب‪ :‬هو من لم يقصد شيئا (‪ ، )2‬كأن‬
‫تقول الزوجة في معرض دلل أو ملعبة أواستهزاء‪ :‬طلقني‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،39/3 :‬الدر المختار‪ ،584/2 :‬الشرح الصغير مع حاشية الصاوي‪543/2 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،567 ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،230‬مغني المحتاج‪ 287/3 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪،278-277 ،263/5‬المغني‪.135/7 :‬‬
‫(‪ )2‬اللعب والهزل في اصطلح الفقهاء كما أبان الشافعية متغايران‪ ،‬وأما في اللغة فهما مترادفان‪.‬‬

‫( ‪)9/346‬‬

‫فيقول لها لعبا أو مستهزئا‪ :‬طلقتك‪ ،‬ومثله من خاطبها بطلق وهو يظنها أجنبية عنه وليست زوجته‪،‬‬
‫بسبب ظلمة أو من وراء حجاب‪ .‬والحكم أن يقع طلق هؤلء جميعا؛ لن كلً من الهازل واللعب‬
‫أتى باللفظ عن قصد واختيار‪ ،‬وإن لم يرض بوقوعه‪ ،‬فعدم رضاه بوقوعه‪ ،‬لظنه أنه ل يقع‪ :‬ل أثر له‬
‫لخطأ ظنه‪ .‬والدليل كما ذكر الحنابلة وغيرهم هو الحديث المتقدم‪« :‬ثلث جدهن جد‪ ،‬وهزلهن جد‪:‬‬
‫النكاح‪ ،‬والطلق‪ ،‬والرجعة» وفي رواية «والعتاق» وفي رواية‪« :‬واليمين» ‪ ،‬وقال علي كرم ال‬
‫وجهه‪« :‬ثلثة ل لعب فيهن‪ :‬الطلق والعتاق والنكاح» ولن الهازل أتى بالسبب‪ ،‬وهو لفظ الطلق‪،‬‬
‫وترتيب الحكام على أسبابها إنما هو للشارع ل للعاقد‪.‬‬
‫طلق المخطئ أو من سبق لسانه‪ :‬وهو الذي يريد أن يتكلم بغير الطلق‪ ،‬فزلّ لسانه‪ ،‬ونطق بالطلق‬
‫من غير قصد أصلً‪ ،‬بأن أراد أن يقول‪ :‬طاهر أو أنت طالبة‪ ،‬فقال خطأ‪ :‬أنت طالق‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬ل يقع طلقه عند الشافعية‪ ،‬لعدم القصد‪.‬‬
‫وقال الحنفية والمالكية والحنابلة‪ :‬ل يقع طلقه في الفتوى والديانة‪ ،‬أي فيما بينه وبين ال تعالى‪ ،‬ويقع‬
‫في القضاء‪ .‬لكن قيد المالكية وقوعه قضاء بأن لم يثبت سبق لسانه بالبينة‪ ،‬وإل فل يلزمه في فتوى‬
‫ول في قضاء‪.‬‬
‫وسبب التفرقة بين الهازل والمخطئ‪ :‬أن الهازل قصد اللفظ‪ ،‬فاستحق العقوبة والزجر عن اللعب‬
‫بأحكام الدين‪ ،‬وأما المخطئ فل قصد له أصلً‪ ،‬فلم يستحق العقوبة والزجر‪ ،‬حتى يحكم بوقوع طلقه‪.‬‬

‫( ‪)9/347‬‬

‫ما يشترطه في الركن الثالث ـ محل الطلق أو من يقع عليه الطلق ‪:‬‬
‫المرأة هي التي يقع عليها الطلق‪ ،‬إذا كانت في حال زواج صحيح قائم فعلً‪ ،‬ولو قبل الدخول‪ ،‬أو في‬
‫أثناء العدة من طلق رجعي؛ لن الطلق الرجعي ل تزول به رابطة الزوجية إل بعد انتهاء العدة‪.‬‬
‫فإن كانت المرأة معتدة من طلق بائن بينونة كبرى‪ ،‬فل يلحقها طلق آخر في أثناء العدة‪ ،‬لستنفاد‬
‫حق الزوج في الطلق‪ .‬لنه ل يملك أكثر من ثلث طلقات‪ ،‬فل تكون هناك فائدة من الطلق‪.‬‬
‫وإن كانت معتدة من طلق بائن بينونة صغرى‪ .‬فل يلحقها أيضا طلق آخر عند الجمهور غير‬
‫الحنفية‪ ،‬لنتهاء رابطة الزوجية بالطلق البائن‪ ،‬فل تكون محلً للطلق‪ .‬ويلحقها طلق آخر في رأي‬
‫الحنفية في أثناء العدة‪ ،‬لبقاء بعض أحكام الزواج من وجوب النفقة‪ ،‬والسكنى في بيت الزوجية‪ ،‬وعدم‬
‫حل زواجها برجل آخر في العدة‪ ،‬فتكون محلً للطلق إذ هي زوجة حكما‪ .‬وعبارة الحنفية فيه‪:‬‬
‫«الصريح يلحق الصريح‪ ،‬ويلحق البائن بشرط العدة‪ ،‬والبائن يلحق الصريح» ‪.‬‬
‫فإن كان الزواج فاسدا‪ ،‬أو انتهت عدة المرأة مطلقا‪ ،‬فل يقع عليها طلق آخر‪ ،‬حتى ولو كان معلقا‬
‫بانتهاء العدة‪ ،‬كأن يقول لها‪ :‬إذا انتهيت من عدتك‪ ،‬فأنت طالق‪ ،‬فل يقع به طلق‪.‬‬
‫ونص القانون السوري ( م ‪ )86‬على محل الطلق فيما يأتي‪« :‬محل الطلق‪ :‬المرأة التي في نكاح‬
‫صحيح‪ ،‬أو المعتدة من طلق رجعي‪ ،‬ول يصح على غيرهما الطلق‪ ،‬ولو كان معلقا» ‪.‬‬
‫وإذا طلقت المرأة قبل الدخول والخلوة‪ ،‬فل عدة عليها‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬إذا نكحتم المؤمنات ثم‬
‫طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب‪ ]49/33:‬ويكون الطلق‬
‫بائنا‪ .‬ويرى الحنفية (‪ : )1‬أنه ل يلحقها طلق آخر‪ ،‬فلو قال الرجل لزوجته التي لم يدخل ولم يختل‬
‫بها‪« :‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق» ل تقع إل طلقة واحدة؛ لنها بالطلق الول‪ ،‬صارت بائنة‬
‫من زوجها‪ ،‬وأصبحت أجنبية‪ ،‬فل يلحقها آخر‪ .‬وهذا رأي الشافعية أيضا‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬إذا قال ذلك‬
‫لغير المدخول بها فتقع طلقة واحدة بكل حال؛ لنها تبين بالولى فل يقع ما بعدها (‪. )2‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة (‪ : )3‬يقع بهذه اللفاظ المتتابعة ثلث طلقات؛ لنه نسق أي غير مفترق؛ لن‬
‫الواو تقتضي الجمع ول ترتيب فيها‪ ،‬فيكون الرجل موقعا للثلث جميعا‪ ،‬فيقعن عليها‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت‬
‫طالق ثلثا‪ ،‬أو طلقة معها طلقتان‪ ،‬إل أنه إذا قصد بالثانية والثالثة تأكيد ما قبلها‪ ،‬فيصدق عند المالكية‬
‫قضاءً بيمين‪ ،‬وديانةً بغير يمين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 624/2 :‬وما بعدها‪.645 ،‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.297/3 :‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪ ،233/7 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.229‬‬

‫( ‪)9/348‬‬

‫إضافة الطلق إلى بعض أجزاء المرأة أو جزء الطلقة ‪:‬‬


‫إذا أضاف الرجل الطلق للزوجة بأن قال‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أو طلقتك‪ ،‬وقع الطلق اتفاقا‪.‬‬
‫ويقع الطلق أيضا في الجملة إذا أضاف الطلق إلى بعض أجزاء المرأة على التفصيل التالي‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬يقع الطلق أيضا إذا أضافه الرجل إلى ما يعبر به عن كل المرأة أو ذاتها‪ ،‬كالرقبة‬
‫والعنق والروح والبدن والجسد‪ ،‬والطراف جميعا (وهي اليدان والرجلن) والفرج (القُبُل) والوجه‬
‫والرأس والست (العجز)‪ ،‬أو أضافه إلى جزء شائع من المرأة كنصفها وثلثها إلى عشرها؛ لن‬
‫الطلق ل يتجزأ‪.‬‬
‫ول يقع الطلق إذا أضافه إلى ال ُبضْع (الفرج) والدبر‪ ،‬إذ ل يعبر بهما عن الكل‪ ،‬بخلف الست‬
‫والفرج‪ ،‬فإنه يعبر بهما عن الكل‪.‬‬
‫ول يقع لو أضافه إلى اليد إل بنية المجاز‪ ،‬أي إطلق البعض على الكل إذا لم يكن مشتهرا‪ ،‬فلو‬
‫اشتهر ل حاجة إلى نية المجاز‪ ،‬وكاليد‪ :‬الرجل والشعر والنف والساق والفخذ والظهر والبطن‬
‫واللسان والذن والفم والصدر والذقن والسن والريق والعرق والثدي والدم؛ لنه ل يعبر به عن‬
‫الجملة‪ .‬فل يقع الطلق لو قال‪ :‬يدك طالق أو رجلك طالق‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫ويقع الطلق بإضافته إلى جزء الطلقة كالسدس والربع والنصف‪ ،‬ولو من ألف جزء‪ ،‬بأن يقول‪ :‬أنت‬
‫طالق جزءا من ألف طلقة؛ لن الطلق ل يتجزأ‪.‬‬
‫ومذهب المالكية (‪ : )2‬لو أضاف الطلق إلى نصف المرأة أو سدسها‪ ،‬أو ثلثها‪ ،‬أو عضو من‬
‫أعضائها‪ ،‬نفذ‪ ،‬ولو قال‪ :‬نصف طلقة أو ربع طلقة كملت عليه‪ ،‬فهم كالحنفية‪ .‬واختلف المالكية على‬
‫رأيين في إضافته إلى شعر المرأة وكلمها وروحها وحياتها‪ ،‬والراجح أنه يلزم الطلق إذا أضيف لما‬
‫يعد من محاسن المرأة‪ ،‬مثل شعرك أو كلمك أو ريقك طالق‪ ،‬ول يلزم بما ل يعد من المحاسن‪ ،‬نحو‬
‫بُصاق ودمع وسعال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وابن عابدين‪ ،601-598/2 :‬فتح القدير‪ 52/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،228‬الشرح الصغير‪.572/2 :‬‬

‫( ‪)9/349‬‬

‫ورأى الشافعية (‪ )1‬أنه يقع الطلق إن طلق جزءا من المرأة‪ ،‬كقوله‪ :‬يدك أو رجلك طالق أو نحو‬
‫ذلك من أعضائها المتصلة بها‪ ،‬ولو من غير نية المجاز خلفا للحنفية‪ ،‬وكقوله‪ :‬ربعُك أو بعضُك أو‬
‫جزؤك أو شعرك أو ظفرك طالق‪ ،‬وكذا دمُك على المذهب؛ لن الطلق ل يتبعض‪ ،‬ول يقع إن‬
‫أضافه إلى فضلة كريق وعَرَق وبول‪ ،‬وكذا ل يقع إن أضافه إلى مني ولبن في الصح؛ لنها غير‬
‫متصلة بها اتصال خلقة‪.‬‬
‫ولو قال لمقطوعة يمين‪ :‬يمينك طالق‪ ،‬لم يقع على المذهب‪ ،‬لفقدان الذي يسري منه الطلق إلى‬
‫الباقي‪ .‬ولو قال‪ :‬أنت طالق بعض طلقة‪ ،‬وقعت طلقة؛ لن الطلق ل يتبعض‪.‬‬
‫وأضاف الشافعية أن الرجل في خطاب المرأة لو حذف المفعول كأن قال‪« :‬طلقت» أو حذف المبتدأ‪:‬‬
‫«أنتِ» أو حذف حرف النداء «يا» فلم يقل‪« :‬يا طالق» لم يقع الطلق‪ ،‬كما هو ظاهر كلمهم‪.‬‬
‫والحنابلة قالوا (‪ : )2‬تطلق إن أضاف الطلق إلى جزء من المرأة مثل قوله‪ :‬يدك أو دمك أو أصبعك‬
‫أو رأسك طالق؛ لنه أضافه إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح‪ ،‬فأشبه الضافة إلى الجزء الشائع‬
‫مثل نصفك وثلثك‪ .‬أما لو قال‪ :‬لعديمة الصبع أو اليد‪ :‬أصبعك طالق‪ ،‬أو يدك طالق‪ ،‬لم تطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،291 ،280/3 :‬المهذب‪.85-80/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،301-298/5 :‬المغني‪.246-242/7 :‬‬

‫( ‪)9/350‬‬

‫ول تطلق لو قال لها‪ :‬شعرك أو ظفرك أو سنك أو لبنك أو منيك طالق؛ لن تلك الجزاء تنفصل عنها‬
‫مع السلمة‪ ،‬فل تطلق بإضافة الطلق إليها كالحمل‪ ،‬فهم خالفوا الشافعية في غير اللبن والمني‪.‬‬
‫ول تطلق أيضا إن قال‪ :‬سوادك أو بياضك طالق؛ لنه أمر عارض‪ .‬ول إن قال‪ :‬ريقك أو دمعك أو‬
‫عرقك طالق؛ لن المذكور ليس جزءا منها‪ ،‬ول إن قال‪ :‬روحك طالق؛ لن الروح ليست عضوا ول‬
‫شيئا يستمتع به‪ ،‬فأشبهت السواد والبياض‪ .‬ول إن قال‪ :‬حملك طالق؛ لنه عرض كالبياض والسواد‪.‬‬
‫وأما لو قال‪ :‬حياتك طالق‪ ،‬فتطلق؛ لنه ل بقاء لها بدونها‪ ،‬فأشبه ما لو قال‪ :‬رأسك طالق‪.‬‬
‫وجزء الطلقة كالطلقة‪ ،‬فإذا قال‪ :‬أنت طالق نصف طلقة أو ثلثها ونحوه‪ ،‬طلقت طلقة؛ لن الطلق ل‬
‫يتبعض‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬اتفق الفقهاء على أن جزء الطلقة طلقة‪ ،‬واختلفوا في إضافة الطلق إلى بعض أجزاء‬
‫المرأة‪ .‬ول يقع الطلق عند جمهور الحنفية فيما ل يعبر به عن جملة المرأة كاليد والرجل والصبع‬
‫والدبر‪ ،‬ويقع بها عند زفر ومالك والشافعي وأحمد‪.‬‬
‫إضافة الطلق إلى نفس الزوج ‪:‬‬
‫قال الحنفية والحنابلة (‪ : )1‬من قال لمرأته‪« :‬أنا منك طالق» فليس بشيء‪ ،‬وإن نوى طلقا‪ .‬ولو‬
‫قال‪ :‬أنا منك بائن‪ ،‬أو أنا عليك حرام‪ ،‬ناويا الطلق فهي طالق عند الحنفية وفي أحد الوجهين عند‬
‫الحنابلة؛ لن الطلق لزالة القيد‪ ،‬والقيد في المرأة دون الزوج‪ ،‬فل تطلق في الحالة الولى‪ ،‬لنه‬
‫أضاف الطلق إلى غير محله‪ ،‬فيلغو‪ .‬أما البانة فهي لزالة الوصلة‪ ،‬والتحريم لزالة الحل‪ ،‬وهما‬
‫مشتركان بين الزوجين‪ ،‬فصح إضافتهما إلى الزوجين‪ ،‬وليصح إضافة الطلق إل إليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 70/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 133/7 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪.613/2 :‬‬

‫( ‪)9/351‬‬

‫وقال المالكية والشافعية (‪ : )1‬لو قال الرجل‪ :‬أنا منك طالق‪ ،‬تطلق إن نوى تطليقها؛ لن المرأة مقيدة‬
‫حلّ يضاف إلى القيد‪ ،‬كما يضاف إلى المقيد‪ ،‬فيقال‪ :‬حلّ فلن المقيّد‪ ،‬وحل‬
‫والزوج كالقيد عليها‪ ،‬وال َ‬
‫القيد عنه‪ .‬وإن لم ينو طلقا فل تطلق؛ لن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله‪ ،‬فشرط‬
‫فيه ما شرط في الكناية من قصد اليقاع‪.‬‬
‫وكذا لو قال‪ :‬أنا منك بائن‪ ،‬اشترط نية الطلق‪ ،‬كسائر الكنايات‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الطلق المنسوب إلى‬
‫الزوج يقع ـ على هذا الرأي ـ بالنية‪ ،‬سواء بلفظ الطلق أم بالبانة‪.‬‬
‫ما يشترط في الركن الرابع عند الشافعية والحنابلة ـ الولية على محل الطلق ‪:‬‬
‫محل الطلق كما عرفنا هو الزوجة‪ ،‬وكأن هذا الركن الذي ذكره الشافعية فرع عن الركن السابق‬
‫وهو محل الطلق‪ ،‬والمقصود منه بيان حكم طلق الجنبية‪ .‬فإن طلقها قبل زواجها مختلف في‬
‫وقوعه بعد تزوجها‪ ،‬كما يتبين من عبارات الفقهاء وهو موضوع تعليق الطلق على الملك‪.‬‬
‫تعليق الطلق على الملك أو على النكاح‪ .‬فيه ثلثة آراء للفقهاء‪:‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬إذا أضاف رجل الطلق إلى النكاح‪ ،‬وقع عقيب النكاح‪ ،‬مثل أن يقول لمرأة‪« :‬إن‬
‫تزوجتك فأنت طالق» أو «كل امرأة أتزوجها فهي طالق» ؛ لن هذا الطلق معلق على شرط‪ ،‬فل‬
‫يشترط لصحته وجود الملك في حال الطلق‪ ،‬وإنما يكفي وجوده عند تحقق الشرط‪ ،‬والملك متيقن‬
‫حينئذ أي عند‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،228‬المهذب‪ ،80/2 :‬مغني المحتاج‪.292/3 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪.131-127/3 :‬‬

‫( ‪)9/352‬‬

‫وجود الشرط‪ ،‬وإذا كان الملك متيقنا عنده‪ ،‬وقع الطلق؛ لن المعلق بالشرط كالملفوظ لدى الشرط‪،‬‬
‫فهو كما لو أضاف الطلق في حال الزواج إلى شرط‪ ،‬فإنه يقع عقيب الشرط‪ ،‬مثل أن يقول لمرأته‪:‬‬
‫إن دخلت الدار فأنت طالق؛ لن الملك قائم في الحال‪ ،‬والظاهر بقاؤه إلى وقت الشرط؛ لن الصل‬
‫بقاء الشيء على ما كان‪ ،‬وهو استصحاب الحال‪.‬وأما حديث‪« :‬ل طلق قبل النكاح» (‪ )1‬الذي رواه‬
‫الشافعي‪ ،‬فمحمول على نفي التنجيز في الحال‪ ،‬ل نفي الطلق المعلق‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فل تصح إضافة الطلق إلى امرأة إل أن يكون الحالف مالكا‪ ،‬أويضيفه إلى ملك‪ ،‬فإن قال‬
‫لمرأة أجنبية‪ :‬إن دخلت الدار فأنت طالق‪ ،‬ثم تزوجها‪ ،‬فدخلت الدار‪ ،‬لم تطلق؛ لن الحالف ليس‬
‫مالكا‪ ،‬ولم يضف الطلق إلى الملك أو سبب الملك وهو التزوج‪ ،‬ول بد من واحد منها‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن الطلق عند الحنفية يتعلق بشرط التزويج‪ ،‬سواء عمم المطلّق جميع النساء أو خصص‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )2‬إن عمّ المطلق جميع النساء لم يلزمه‪ ،‬وإن خصص لزمه‪ ،‬فمن قال‪( :‬كل امرأة‬
‫أتزوجها من بني فلن‪ ،‬أو من بلد كذا‪ ،‬فهي طالق) أو قال (في وقت كذا) ‪ ،‬فإن هؤلء يطلقن عند‬
‫مالك إذا تزوجهن الرجل المطلق‪ .‬أما لو قال‪( :‬كل امرأة أتزوجها‪ ،‬فهي طالق) فل تطلق امرأة‬
‫تزوّجها‪ .‬وسبب الفرق بين التعميم والتخصيص‪ :‬استحسان مبني على المصلحة؛ لنه إذا عمم فأوجبنا‬
‫عليه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه والترمذي وصححه عن المسور بن مخرمة بلفظ‪« :‬ل طلق قبل النكاح‪ ،‬ول عتق‬
‫قبل ملك» وفيه أحاديث كثيرة بمعناه (نصب الراية‪ 230/3 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ 83/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.232‬‬

‫( ‪)9/353‬‬

‫التعميم‪ ،‬لم يجد سبيلً إلى النكاح الحلل‪ ،‬فكان ذلك عنتا به وحرجا‪ ،‬وكأنه من باب نذر المعصية‪.‬‬
‫وأما إذا خصص فليس المر كذلك إذا ألزمناه الطلق‪ ،‬وليس من شرط الطلق إل وجود الملك فقط‪،‬‬
‫ول يشترط وجود الملك المتقدم بالزمان على الطلق‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة والظاهرية (‪ : )1‬خطاب الجنبية بطلق مثل «أنت طالق» ومثل «كل امرأة‬
‫أتزوجها فهي طالق» وتعليق الطلق بنكاح‪ ،‬مثل ( إن تزوجتك فأنت طالق ) ‪ ،‬أو بغير نكاح‪ ،‬مثل‬
‫( إن دخلت الدار فأنت طالق ) لغو‪ ،‬ويحكم بإبطال اليمين‪ ،‬فل تطلق على من يتزوجها‪ ،‬أما الطلق‬
‫المنجز على الجنبية فل يقع بالتفاق‪ ،‬وأما المعلق على الزواج فلنتفاء الولية من القائل على محل‬
‫الطلق‪ ،‬وقد قال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل طلق إل بعد نكاح» ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن الطلق ل يتعلق بأجنبية أصلً‪ ،‬سواء عم المطلّق أو خص‪ .‬وهو قول علي ومعاذ وجابر‬
‫بن عبد ال وابن عباس وعائشة‪ ،‬وهو الراجح لدي عملً بهذا الحديث الصحيح‪ ،‬ول عبرة بما طعن به‬
‫بعضهم بعد تحسين الترمذي‪ .‬وبناء عليه إن قال رجل لزوجته ولجنبية‪ :‬إحداكما طالق‪ ،‬أو كانت له‬
‫زوجة اسمها زينب‪ ،‬وجارة اسمها زينب‪ ،‬فقال‪ :‬زينب طالق‪ ،‬وقال‪ :‬أردت الجنبية‪ ،‬لم يقبل قوله‪،‬‬
‫وتطلق زوجته في الحالتين؛ لنه ل يمكن طلق غيرها‪.‬‬
‫الدلة إجمالً (‪: )2‬‬
‫استدل الحنفية بما يأتي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 292/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،98/2 :‬المغني‪ 135/7 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ 83/2‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ 44/3 :‬وما بعدها‪ 87 ،‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،112-101/3 :‬بداية المجتهد‪ 73/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 228‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ 559/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ 279/3‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،83-80/2 :‬المغني‪ ،138-121/7 :‬كشاف القناع‪ ،782-276/5 :‬غاية‬
‫المنتهى‪ ،122-120/3 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،637-635 ،594-590/2 :‬المحلى‪.226/10 :‬‬

‫( ‪)9/354‬‬
‫‪ - 1‬الجماع على صحة تعليق الظهار بالملك‪ ،‬والطلق مثله‪ ،‬إذ ل قائل بالفرق‪.‬‬
‫‪ - 2‬آثار عن التابعين‪ :‬أخرج ابن أبي شيبة عن سالم والقاسم بن محمد والنخعي والزهري ومكحول‬
‫الشامي وغيرهم أنهم قالوا في رجل قال‪ :‬كل امرأة أتزوجها فهي طالق‪ :‬هو كما قال‪.‬‬
‫‪ - 3‬تعليق الطلق لزم كتعليق العتق والوكالة والبراء‪ ،‬فل يشترط لصحته قيام الملك في الحال‪.‬‬
‫واستدل المالكية على التفصيل بالستحسان وبناء الحكم على المصلحة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذاعمم فأوجبنا عليه‬
‫التعميم‪ ،‬لم يجد سبيلً إلى النكاح الحلل‪ ،‬فكان ذلك عنتا وحرجا‪ ،‬فكأنه نذر المعصية‪ ،‬وقد عرف من‬
‫الشرع‪« :‬إذا ضاق المر اتسع» ‪ .‬أما إذا خص فهو بسبيل من زواج غير من خصها بالتعليق‪ ،‬فل‬
‫موجب للغاء كلمه‪.‬‬
‫واستدل الشافعية والحنابلة بما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬حديث «ل طلق قبل نكاح» المروي من طرق مختلفة‪ ،‬وقال عنه الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ .‬وبلغ‬
‫ابن عباس أن ابن مسعود يقول‪ :‬إن طلق ما لم ينكح فهو جائز‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬أخطأ في هذا‪ ،‬فإن‬
‫ال يقول‪ :‬نكحتم المؤمنات‪ ،‬ثم طلقتموهن‪ ،‬ولم يقل‪ :‬إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬المعقول‪ :‬وهو أن التعليق طلق‪ ،‬والطلق حل القيد وإبطال الملك‪ ،‬ول قيد ول ملك في الجنبية‬
‫حتى يصح حله وإبطاله‪ ،‬فكان لغوا‪ .‬أما أن التعليق طلق‪،‬فلن الطلق عند وجود الشرط يقع به إذا‬
‫لم يوجد كلم آخر سواه‪ ،‬فلو لم يكن التعليق تطليقا‪ ،‬لم يقع الطلق عند الشرط‪ .‬ثم إن هذا التعليق‬
‫إنشاء تصرف في محل في حال ل ولية له عليه فيلغو‪ ،‬كتعليق الصبي‪ ،‬وتعليق البالغ طلق الجنبية‬
‫حاصل بغير الملك‪ .‬وقد رجحت هذا الرأي عملً بالحديث الثابت‪.‬‬

‫( ‪)9/355‬‬

‫شرط الركن الخامس ـ الصيغة أو ما يقع به الطلق ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على أن الزواج ينتهي بالطلق بالعربية أو بغيرها‪ ،‬سواء باللفظ أم بالكتابة أم بالشارة (‬
‫‪. )1‬‬
‫واللفظ إما صريح أو كناية‪:‬‬
‫الطلق الصريح‪ :‬هو اللفظ الذي ظهر المراد منه وغلب استعماله عرفا في الطلق‪ ،‬كاللفاظ المشتقة‬
‫من كلمة ( الطلق ) مثل‪ :‬أنت طالق‪ ،‬ومطلقة‪ ،‬وطلقتك وعلي الطلق‪ .‬ومنه قول الرجل‪« :‬أنت علي‬
‫حرام أو حرمتك أو محرمة» ؛ لنه وإن كان في الصل كناية‪ ،‬فقد غلب استعماله بين الناس في‬
‫الطلق‪ ،‬فصار من اللفاظ الصريحة فيه‪ .‬هذا مذهب الحنفية‪.‬وصريح الطلق عند الحنابلة‪ :‬لفظ‬
‫الطلق وماتصرف منه‪ ،‬لغير‪ ،‬أما لفظ الفراق والسراح فهو كناية‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬الكناية الظاهرة لها حكم الصريح‪ ،‬وهي التي جرت العادة أن يطلق بها في الشرع أو‬
‫في اللغة كلفظ التسريح والفراق‪ ،‬وكقوله‪ :‬أنت بائن أو بتة أو بتلة وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫وقال الشافعية والظاهرية‪ :‬إن صريح الطلق ثلثة ألفاظ‪ :‬الطلق والفراق والسرح‪ ،‬لورودها في‬
‫القرآن‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬الطلق مرتان‪ ،‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪ ]229/2:‬وقال‪:‬‬
‫{فأمسكوهن بمعروف}‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مقارنة المذاهب للستاذين شلتوت والسايس‪ :‬ص ‪.108-104‬‬

‫( ‪)9/356‬‬

‫[البقرة‪ ]231/2:‬وقال‪{ :‬وإن يتفرقا يغن ال كلً من سعته} [النساء‪ ]130/4:‬وقال سبحانه‪{ :‬فتعالين‬
‫أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلً} [الحزاب‪ ]28/33:‬ولو اشتهر لفظ للطلق مثل الحلل أو حلل ال‬
‫علي حرام‪ ،‬فالصح كما قال النووي أنه كناية‪ ،‬ثم أصبح قول الرجل ( علي حرام ) من باب الطلق‬
‫الصريح كما أفتى به ابن حجر وغيره‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬لو قال‪ :‬عليّ الحرام‪ ،‬أو يلزمني الحرام‪ ،‬أو‬
‫الحرام يلزمني‪ ،‬فهو لغو‪ ،‬ل شيء فيه‪ :‬لنه يقتضي تحريم شيء مباح بعينه‪ ،‬فإن اقترن معه نية‬
‫تحريم الزوجة أو دلت قرينة على إرادة ذلك‪ ،‬فهو ظهار؛ لنه يحتمله‪.‬‬
‫أما لفظة الطلق مثل أطلقتك وأنت مُطْلَقة‪ ،‬فليست صريحة في الطلق باتفاق المذاهب الربعة وإنما‬
‫هي كناية تحتاج إلى نية؛ لنها لم يثبت لها عرف الشرع ول الستعمال‪ ،‬فأشبهت سائر كناياته‪.‬‬
‫يفهم مما ذكر أنه يشترط ليقاع الطلق ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬استعمال لفظ يفيد معنى الطلق لغة أو عرفا‪ ،‬أو بالكتابة أو الشارة المفهمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون المطّلق فاهما معناه‪ ،‬ولو بلغة أعجمية‪ ،‬فإذا استعمل العجمي صريح الطلق‪ ،‬وقع‬
‫الطلق منه بغير نية‪ ،‬وإن كانت كناية احتاج إلى نية‪ .‬ولو ُلقّن رجل صيغة الطلق بلغة ل يعرفها‪،‬‬
‫فتلفظ بها‪ ،‬وهو ل يدري معناها‪ ،‬فل يقع عليه شيء‪.‬‬
‫‪ - 3‬إضافة الطلق إلى الزوجة‪ ،‬أي إسناده إليها لغة‪ ،‬بأن يعينها بأحد طرق التعيين‪ ،‬كالوصف‪ ،‬أو‬
‫السم المسماة به‪ ،‬أو الشارة والضمير‪ ،‬فيقول‪ :‬امرأتي طالق‪ ،‬أو فلنة طالق‪ ،‬أو يشير إليها بقوله‪:‬‬
‫هذه طالق‪ ،‬أو أنت طالق‪،‬أو يقول‪ :‬هي طالق‪ ،‬في أثناء حديث عنها؛ أو إسناده إليها عرفا مثل‪ :‬علي‬
‫الطلق أو الحرام إن أفعل كذا‪ ،‬أو الطلق يلزمني إن لم أفعل كذا‪ ،‬فالطلق هنا مضاف إلى المرأة‬
‫في المعنى‪ ،‬وإن لم يضف إليها في اللفظ‪ ،‬وذلك خلفا للحنابلة‪.‬‬

‫( ‪)9/357‬‬

‫‪ - 4‬أل يكون مشكوكا في عدد الطلق أو في لفظه‪ .‬ويقع الطلق الصريح ولو باللفاظ المصحفة‪،‬‬
‫نحو طلغ‪ ،‬وتلغ‪ ،‬وطلك‪ ،‬وتلك‪ ،‬أو بأحرف الهجاء‪ :‬ط‪ ،‬ا‪ ،‬ل‪ ،‬ق‪.‬‬
‫حكم الطلق الصريح ‪:‬‬
‫يقع الطلق باللفظ الصريح بدون حاجة إلى نية أو دالة حال‪ ،‬فلو قال الرجل لزوجته‪ :‬أنت طالق‪ ،‬وقع‬
‫الطلق‪ ،‬ول يلتفت لدعائه أنه ل يريد الطلق‪.‬‬
‫طلق الكناية ‪:‬‬
‫هو كل لفظ يحتمل الطلق وغيره‪ ،‬ولم يتعارفه الناس في إرادة الطلق‪ .‬مثل قول الرجل لزوجته‪:‬‬
‫الحقي بأهلك‪ ،‬اذهبي‪ ،‬اخرجي‪ ،‬أنت بائن‪ ،‬أنت بتّة‪ ،‬أنت خلية‪ ،‬برية‪ ،‬اعتدي‪ ،‬استبرئي رحمك‪ ،‬أمرك‬
‫بيدك‪ ،‬حبلك على غاربك (‪ )1‬أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء‪ ،‬وزمامه على غاربه‪،‬‬
‫ونحوها من اللفاظ التي لم توضع للطلق‪ ،‬وإنما يفهم الطلق منها بالقرينة أو دللة الحال‪ :‬وهي حالة‬
‫مذاكرة الطلق‪ ،‬أو الغضب‪.‬‬
‫ومن الكناية في أصل المذهب عند الشافعية والحنابلة‪ :‬أنت علي حرام أو حرّمتك‪،‬فإن نوى طلقا أو‬
‫ظهارا حصل‪ ،‬وإن نواهما تخير وثبت ما اختاره‪ .‬لكن ‪-‬كما أفتى ابن حجر ‪ -‬أصبح لفظ ( علي‬
‫الحرام ) من الطلق الصريح في العرف والعادة الجارية‪ .‬وقد حصر المالكية الكناية بالكناية المحتملة‬
‫مثل‪ :‬الحقي بأهلك واذهبي وابعدي عني وما أشبه ذلك‪ ،‬أما الكناية الظاهرة فلها حكم الصريح‪ ،‬كما‬
‫بينا مثل لفظ التسريح والفراق‪ ،‬وأنت بائن أو بتة أو بتلة وما أشبهها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الغارب‪ :‬ما بين السنام إلى العنق‪.‬‬

‫( ‪)9/358‬‬

‫حكم الطلق بالكناية ‪:‬‬


‫قال الحنفية والحنابلة‪ :‬ل يقع قضاء الطلق بالكناية إل بالنية‪ ،‬أو دللة الحال على إرادة الطلق‪ ،‬كأن‬
‫يكون الطلق في حالة الغضب‪ ،‬أو في حالة المذاكرة بالطلق‪.‬‬
‫وفصّل الحنفية في وقوع الطلق قضاء بألفاظ الكنايات‪ ،‬فقالوا‪ :‬في حالة الرضا المجرد عن مذاكرة‬
‫الطلق وطلبه ل يحكم بوقوع الطلق بأي لفظ كنائي إل بالنية‪ ،‬وفي حالة الرضا ومذاكرة الطلق‬
‫وطلبه‪ :‬يقع الطلق من غير توقف على نية في لفظ (اعتدي) وألفاظ (بائن‪ ،‬بتة‪ ،‬خلية‪ ،‬برية) وأما‬
‫ألفاظ (اذهبي‪ ،‬اخرجي‪ ،‬قومي‪ ،‬اغربي‪ ،‬تقنعي) فتحتاج إلى نية‪ .‬وأما في حالة الغضب فيقع الطلق‬
‫بلفظ (اعتدي) من غير نية‪ ،‬وأما اللفاظ الخرى فتحتاج إلى نية‪.‬‬
‫ورأى المالكية والشافعية‪ :‬أن الكناية ل يقع بها الطلق إل بالنية‪ ،‬ول عبرة بدللة الحال‪ ،‬فل يلزمه‬
‫الطلق إل إن نواه‪ ،‬فإن قال‪ :‬إنه لم ينو الطلق‪ ،‬قبل قوله في ذلك بيمينه‪ ،‬فإن حلف أنه ما أراد باللفظ‬
‫الطلق‪ ،‬لم يقع‪ ،‬وإن امتنع عن اليمين حكم عليه بالطلق‪.‬‬
‫واشترط الشافعية في نية الكناية اقترانها بكل اللفظ‪ ،‬فلو قارنت أوله‪ ،‬وغابت عنه قبل آخره‪ ،‬لم يقع‬
‫طلق‪ .‬وقسم المالكية والحنابلة (‪ )1‬الكناية إلى نوعين‪:‬‬
‫كناية ظاهرة‪ :‬وهي ما شأنها أن تستعمل في الطلق وحل العصمة‪ ،‬مثل قوله‪ :‬أنت بتة‪ ،‬وحبلك على‬
‫غاربك‪ ،‬ويقع بهما ثلث طلقات‪ ،‬دخل بها أم ل‪ ،‬ولها حكم الصريح‪.‬‬
‫وكناية خفية‪ :‬وهي ما شأنها أن تستعمل في غير الطلق وحل العصمة‪ ،‬مثل اعتدي‪ ،‬ويقع بها طلقة‬
‫واحدة إل إذا نوى أكثر من ذلك في المدخول بها‪ ،‬بل ليقع بها طلق إل إذا نواه‪.‬‬
‫ومن الكناية الظاهرة التي يقع بها ثلث طلقات في المدخول بها إن لم ينو أقل‪ :‬ألفاظ‪ :‬بائنة‪ ،‬وميتة‪،‬‬
‫وخلية‪ ،‬وبرية‪ ،‬ووهبتك لهلك‪ ،‬وأنت حرام‪ ،‬وخليت سبيلك‪ ،‬ووجهي من وجهك حرام أو على وجهك‬
‫حرام‪.‬‬
‫ولو قال الزوج‪« :‬أنت طلق» أو «أنت الطلق» أو «أنت طالق طلقا» فيقع بها عند الحنفية‬
‫والمالكية والحنابلة (‪ )2‬طلقة واحدة رجعية إن لم ينو شيئا‪ ،‬فإن نوى ثلثا فهي ثلث‪ ،‬وهذه عندهم‬
‫من اللفاظ الصريحة‪ ،‬لنه صرح بالمصدر‪ ،‬والمصدر يقع على القليل والكثير‪ ،‬وإنه نوى بلفظه ما‬
‫يحتمله‪.‬‬
‫وعند الشافعية (‪ )3‬في الصح‪ :‬ليس قوله‪ :‬أنت طلق أو الطلق‪ ،‬من اللفاظ الصريحة‪ ،‬بل هما‬
‫كنايتان؛ لن المصادر إنما تستعمل في العيان توسعا‪.‬‬
‫ما عدا الصريح والكناية‪ :‬ذكر المالكية (‪ )4‬أن ما عدا التصريح والكناية من اللفاظ التي ل تدل على‬
‫الطلق‪ ،‬كقوله‪ :‬اسقني ماء أو ما أشبه ذلك‪ :‬فإن أراد به الطلق‪ ،‬لزمه على المشهور‪ ،‬وإن لم يرده لم‬
‫يلزمه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،567-559/2 :‬منار السبيل‪.217/2:‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،594/2:‬اللباب‪ ،41/3 :‬المغني‪ ،237/7 :‬الشرح الصغير‪.559/2 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.280/3 :‬‬
‫(‪ )4‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.229‬‬

‫( ‪)9/359‬‬

‫الطلق بالكتابة إلى الغائب ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على وقوع الطلق بالكتابة على التفصيل التالي‪:‬‬
‫عبارة الحنفية (‪ : )1‬الكتابة إما مستبينة أو غير مستبينة‪ ،‬والكتابة المستبينة‪ :‬هي الكتابة الظاهرة التي‬
‫يبقى لها أثر كالكتابة على الورق والحائط والرض‪ .‬والكتابة غير المستبينة‪ :‬هي التي ل يبقى لها‬
‫أثر‪ ،‬كالكتابة على الهواء أو على الماء‪،‬وكل شيء ل يمكن فهمه وقراءته‪ ،‬وحكمها‪ :‬أنه ل يقع بها‬
‫طلق وإن نوى‪.‬‬
‫أما الكتابة المستبينة فهي نوعان‪ :‬كتابة مرسومة‪ :‬وهي التي تكتب مصدّرة ومعنونة باسم الزوجة‬
‫وتوجه إليها كالرسائل المعهودة‪ ،‬كأن يكتب الرجل إلى زوجته قائلً‪ :‬إلى زوجتي فلنة‪ ،‬أما بعد فأنت‬
‫طالق‪ ،‬وحكمها‪ :‬حكم الصريح إذا كان اللفظ صريحا‪ ،‬فيقع الطلق ولو من غير نية‪.‬‬
‫وأما الكتابة غير المرسومة‪ :‬فهي التي ل تكتب إلى عنوان الزوجة أو باسمها ول توجه إليها كالرسائل‬
‫المعروفة‪ ،‬كأن يكتب الرجل في ورقة‪« :‬زوجتي فلنة طالق» ‪ .‬وحكمها حكم الكناية ولو كان اللفظ‬
‫صريحا‪ ،‬ل يقع بها الطلق إل بالنية‪.‬‬
‫والطلق بالرسالة‪ ،‬أي بإرسال رسول‪ :‬هي أن يبعث الزوج طلق امرأته الغائبة على يد إنسان‪،‬‬
‫فيذهب الرسول إليها ويبلغها الرسالة على النحو المكلف‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.589/2 :‬‬

‫( ‪)9/360‬‬

‫به‪ ،‬وحكمها‪ :‬حكم الطلق الصريح باللفظ‪ ،‬يقع عليها الطلق؛ لن الرسول ينقل كلم المرسل‪ ،‬فكان‬
‫كلمه ككلمه (‪. )1‬‬
‫وعبارة المالكية (‪ : )2‬من كتب الطلق عازما عليه‪ ،‬لزمه إذا لم يكن مترددا فيه‪ ،‬فإن كتب الطلق‬
‫عازما عليه أو لم يكن له نية‪ ،‬لزمه بمجرد كتابة (طالق) وإن لم يكن عازما الطلق حال الكتابة‪ ،‬بل‬
‫كان مترددا أو مستشيرا‪ ،‬فل يقع ما لم يخرج الكتاب من يده‪ ،‬ويعطيه لمن يوصله‪ ،‬فيصل إليها أو‬
‫لوليها‪ ،‬فإن أخرجه من يده عازما الطلق‪ ،‬فيقع بمجرد إنفاذه‪ ،‬ولو لم يصل‪ .‬وإن أخرجه غير عازم‬
‫ولم يصل‪ ،‬فالرجح عدم اللزوم‪.‬‬
‫ويلزم الطلق بمجرد إرساله مع رسول ولو لم يصل‪ ،‬فمتى قال للرسول‪ :‬أخبرها بأني طلقتها‪ ،‬لزمه‬
‫الطلق‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن العبرة عندهم في كتاب الطلق النية‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ )3‬مثل المالكية‪ :‬إذا كتب رجل طلق امرأته بلفظ صريح ولم ينوه‪ ،‬فهو لغو لم يقع به‬
‫الطلق؛ لنه الكتابة تحتمل إيقاع الطلق وتحتمل امتحان الخط‪ ،‬فلم يقع الطلق بمجردها‪ .‬وإن نوى‬
‫الطلق فالظهر وقوعه‪ ،‬ول يقع الطلق بالكتابة إل في حق الغائب‪.‬‬
‫وإن كتب شخص في كتاب طلق زوجته صريحا أو كناية‪ ،‬ونوى الطلق‪ ،‬ولكنه علق الطلق ببلوغ‬
‫الكتاب‪ ،‬كقوله‪ ( :‬إذا بلغك كتابي‪ ،‬فأنت طالق )‪ .‬فإنما تطلق ببلوغه لها‪ ،‬مكتوبا كله‪ ،‬مراعاة للشرط‪.‬‬
‫فإن انمحى كله قبل وصوله‪ ،‬لم تطلق‪ ،‬كما لوضاع‪.‬‬
‫وإن كتب الرجل‪ :‬إذا قرأت كتابي فأنت طالق‪ ،‬وكانت تقرأ‪ ،‬فقرأته طلقت‪ ،‬لوجود المعلّق عليه‪ .‬وإن‬
‫قرئ عليها فل تطلق في الصح‪ ،‬لعدم قراءتها مع إمكان القراءة‪ .‬وإن لم تكن قارئة‪ ،‬فقرئ عليها‪،‬‬
‫طلقت؛ لن القراءة في حق المي محمولة على الطلع على ما في الكتاب‪ ،‬وقد وجد‪ ،‬بخلف‬
‫القارئة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.126/3 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،230‬الشرح الصغير‪.568/2 :‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،83/2 :‬مغني المحتاج‪ 284/3 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/361‬‬

‫وكذلك قال الحنابلة (‪ )1‬مثل الشافعية والمالكية‪ :‬إذا كتب الرجل الطلق‪ ،‬فإن نواه طلقت زوجته؛ لن‬
‫الكتابة حروف يفهم منها الطلق‪ ،‬فإذا أتى فيها بالطلق‪ ،‬وفهم منها المراد‪ ،‬ونواه‪ ،‬وقع كالطلق‬
‫باللفظ‪ ،‬ولن الكتابة تقوم مقام الكاتب‪ ،‬بدليل أن النبي صلّى ال عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته‪،‬‬
‫فحصل المقصود في حق البعض بالقول‪ ،‬وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الطراف‪ ،‬ولن كتاب‬
‫القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق‪.‬‬
‫وإن كتب الطلق من غير نية‪ ،‬قيل‪ :‬يقع‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يقع إل بنية‪ ،‬وهو الظاهر‪.‬‬
‫وإن كتب بشيء ل يبين مثل‪ :‬أن يكتب الطلق بأصبعه على وسادة أو في الهواء‪ ،‬فظاهر كلم أحمد‬
‫أنه ل يقع‪.‬‬
‫ورأيهم كالشافعية تماما في اشتراط وصول الكتاب دون أن ينمحي ذكر الطلق‪ ،‬إذا علق الطلق‬
‫ببلوغه‪ ،‬وفي تعليقه بالقراءة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يقع الطلق عند الجمهور بالكتابة مع النية‪ ،‬ويقع عند الحنفية في الكتابة المرسومة‬
‫كالصريح‪ ،‬وفي غير المرسومة كالكناية تحتاج إلى نية‪ .‬ول يقع الطلق بالكتابة على الماء أو الهواء‬
‫ونحوه بالتفاق‪.‬‬
‫ومن طلق في قلبه لم يقع‪ ،‬وإن تلفظ به أو حرك لسانه‪ ،‬وقع ولو لم يسمعه‪.‬‬
‫الطلق بالشارة ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء (‪ )2‬على وقوع الطلق بالشارة المفهمة بيد أو رأس‪ ،‬المعهودة عند العجز عن النطق‪،‬‬
‫كالخرس ونحوه‪ ،‬دفعا للحاجة‪ ،‬فإذا طلق الخرس بالشارة طلقت زوجته‪.‬‬
‫لكن قال الحنفية‪ :‬إذا كان الخرس يحسن الكتابة‪ ،‬ل تجوز إشارته‪.‬‬
‫أما الناطق القادر على الكلم‪ ،‬فل يصح عند الجمهور طلقه بالشارة‪ ،‬كما ل يصح نكاحه بها‪ ،‬فل‬
‫يقع الطلق بالشارة إل في حق الخرس‪ ،‬وقال المالكية‪ :‬إشارة القادر على الكلم كالكناية تحتاج إلى‬
‫نية‪ ،‬ويصح بها حينئذ الطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 239/7 :‬وما بعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.158/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،584/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،230‬الشرح الصغير‪ ،568/2 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،284/3 :‬المهذب‪ ،83/2 :‬المغني‪ 238/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/362‬‬

‫صيغة الطلق في القانون السوري ‪:‬‬


‫نصت المادة (‪ )1/87‬من هذا القانون على ما يلي‪ :‬يقع الطلق باللفظ وبالكتابة ويقع من العاجز عنها‬
‫بإشارته المعلومة‪.‬‬
‫ومعناها‪ :‬أن الطلق يقع بنفس السلوب الذي ينعقد به الزواج‪:‬‬
‫‪ - 1‬يقع باللفاظ الصريحة بوضع اللغة أو الموضوعة عرفا للدللة على الطلق‪.‬‬
‫‪ - 2‬ويقع بالكتابة‪ ،‬كأن يكتب لزوجته كتابا يخبرها فيه بطلقه لها‪.‬‬
‫‪ - 3‬ويقع من الخرس أو معتقل اللسان بالشارة الواضحة التي تدل على إيقاع الطلق في إشارات‬
‫الخرس‪ ،‬إذا كان عاجزا عن الكتابة‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري برأي الحنفية في أن الطلق يقع بلفظ صريح يدل عليه لغة‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت طالق‪،‬‬
‫أو عرفا كقوله‪ :‬أنت علي حرام‪ ،‬وبألفاظ الكناية مع النية‪ ،‬ونصت المادة (‪ )93‬على ذلك‪« :‬يقع‬
‫الطلق باللفاظ الصريحة فيه عرفا دون حاجة إلى نية‪ ،‬ويقع باللفاظ الكنائية التي تحتمل معنى‬
‫الطلق وغيره بالنية» ‪.‬‬
‫قدر الطلق ‪:‬‬
‫عدد الطلق (‪ : )1‬هو طلقة واحدة واثنتان وثلث‪ ،‬فإن صدر الطلق مطلقا‪ ،‬أي بالصيغة فقط‪ ،‬كأن‬
‫ل بمقتضى الصيغة عند الحنفية‪ ،‬ويقع ما‬
‫قال الرجل‪ :‬طلقتك أو أنت طالق‪ ،‬وقعت طلقة واحدة‪ ،‬عم ً‬
‫نواه عند الجمهور‪ .‬وإن نوى بكلمه عددا معينا كواحدة أو اثنتين‪ ،‬أو صرح بعدد قرن بالطلق‪ ،‬وقع‬
‫ما نواه أو ما صرح به من العدد‪ ،‬فلو ماتت المرأة قبل تمام العدد‪ ،‬لغا الطلق عند الحنفية؛ لن‬
‫الوقوع بالعدد‪ ،‬ولو مات الزوج أو أخذ أحد فمه قبل ذكر العدد‪ ،‬وقع الطلق واحدة عملً بالصيغة؛‬
‫لن الوقوع بلفظه ل بقصده‪ .‬وقال الشافعية أيضا‪ :‬لو ماتت المرأة قبل تمام كلمة ( طالق ) لم يقع‬
‫شيء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،627 ،588/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،226‬مغني المحتاج‪ ،294/3 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،280 ،278 ،229/7‬غاية المنتهى‪.127/3 :‬‬

‫( ‪)9/363‬‬

‫وتنفذ الطلقات الثلث بالتفاق‪ ،‬سواء طلق الرجل المرأة واحدة بعد واحدة‪ ،‬أم جمع الثلث في كلمة‬
‫واحدة بأن قال‪ :‬أنت طالق ثلثا‪ ،‬عند الجمهور خلفا للظاهرية‪.‬‬
‫والمعول عليه عند الحنفية اعتبار عدد الطلق بالنساء‪ ،‬فطلق الحرة ثلث‪ ،‬وطلق المة ثنتان‪ ،‬لقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬طلق المة ثنتان‪ ،‬وعدتها حيضتان» (‪. )1‬‬
‫وعند الجمهور‪ :‬المعتبر هو الرجال‪ ،‬فللعبد طلقتان‪ ،‬وللحر ثلث طلقات‪ ،‬لما روى الدارقطني‬
‫مرفوعا‪« :‬طلق العبد اثنتان» وروي عن عثمان وزيد بن ثابت‪ ،‬ول مخالف لهما من الصحابة‪ ،‬كما‬
‫روى الشافعي‪.‬‬
‫والسلم في أمر الزواج والطلق التزم الحق والعتدال‪ ،‬وصحح أخطاء الجاهلية‪ ،‬فقد كان النكاح في‬
‫الجاهلية أربعة أنحاء (‪ : )2‬النكاح المعروف بعقد بعد خطبة‪ ،‬ونكاح الستبضاع أي طلب الزوجة‬
‫المباضعة وهو الجماع من رجل آخر بطلب زوجها‪ ،‬ونكاح الرهط دون العشرة‪ ،‬ثم تلحق المرأة الولد‬
‫بمن أحبت منهم‪ ،‬ونكاح البغايا‪ ،‬ثم إلحاق الولد بواحد من الزناة بالقافة (‪. )3‬‬
‫وأما الطلق‪ ،‬فلم يكن مقيدا بعدد في الجاهلية‪ ،‬قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬كان الرجل يطلق امرأته‬
‫ما شاء أن يطلق‪ ،‬وهي امرأته‪ ،‬إذا راجعها‪ ،‬وهي في العدة‪ ،‬وإن طلقها مئة أو أكثر‪ ،‬حتى قال رجل‬
‫لمرأته‪ :‬وال ل أطلقك‪ ،‬فتبينين مني‪ ،‬ول آويك أبدا‪ ،‬قالت‪:‬وكيف ذلك؟ قال‪ :‬أطلق حتى إذا دنا أجلك‪،‬‬
‫راجعتك‪،‬فأتت رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪{ :‬الطلق‬
‫مرتان‪ ،‬فإمساك بمعروف‪ ،‬أو تسريح بإحسان} (‪[ )4:‬البقرة‪ .]229/2:‬دلّت الية على أن عدد الطلقات‬
‫ثلث‪ ،‬وجعلت للزوج حق مراجعة زوجته بعد الطلقة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني عن عائشة مرفوعا‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث‬
‫غريب‪ ،‬والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول ال صلّى ال عليه وسلم وغيرهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري وأبو داود عن عروة عن عائشة (نيل الوطار‪.)158/6 :‬‬
‫(‪ )3‬القافة جمع قائف‪ :‬وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالثار الخفية‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير ابن كثير‪.271/1 :‬‬

‫( ‪)9/364‬‬

‫الولى والثانية‪ ،‬وبه حمى السلم المرأة من الضرر الذي كان يلحق بها‪ ،‬وراعى مصلحة الرجل‬
‫حيث جعل للزوج حق الطلق ثلث مرات‪ ،‬وحرص الشرع على إبقاء العشرة بين الزوجين من‬
‫طريق المراجعة مرتين فقط‪ ،‬لتحقق الكفاية فيهما لتدارك ما فرط‪ ،‬فقد يطلق الرجل لغضب سريع ثم‬
‫يندم‪ ،‬وقد يطلق لسبب ثم يزول السبب‪ ،‬وقد يطلق لسوء عشرة المرأة‪ ،‬فتتألم من الفراق‪ ،‬وقد يكون‬
‫لها أولد‪ ،‬فتحرم من رؤيتهم‪ ،‬أو تتضايق من تربيتهم‪.‬‬
‫واشتراط التحليل‪ ،‬أي الزواج برجل آخر‪ ،‬لحل رجوع المرأة إلى المطلّق بعد الطلقة الثالثة‪ ،‬يحمل‬
‫الزوج على المساك عن إيقاع الطلقة الثالثة‪ ،‬ويدفعه إلى الحرص على إبقاء الزوجية؛ لن الرجل‬
‫بحكم الغَيرة والحمية يأنف من مثل هذا الفعل‪ ،‬فكأنه في حكم الباب المسدود‪ ،‬وكأنه إحالة على شيء‬
‫عسير الحصول بعيد التحقق‪.‬‬
‫ماالذي تعود به المرأة بعد التحليل؟‬
‫من طلق طلقة واحدة أو اثنتين‪ ،‬فنكحها زوج غيره‪ ،‬ودخل بها‪ ،‬ثم نكحها الول‪ ،‬بنى الول عند‬
‫المالكية والشافعية والحنابلة (‪ )1‬على ما كان من عدد الطلقات‪ ،‬أي فتعود إليه بما بقي له من الطلق‪،‬‬
‫فلو طلقها ثلثا ثم نكحها بعد زوج غيره‪ ،‬استأنف عدد الطلقات كنكاح جديد‪ ،‬أي فتعود له بطلقات‬
‫ثلث‪ :‬لن الزواج الثاني ل يهدم ما دون الثلث‪ ،‬ويهدم الثلث؛ لن وطء الثاني ل يحتاج إليه في‬
‫الحلل للزوج الول فيما دون الثلث‪ ،‬فل يغير حكم الطلق‪ ،‬ولنه تزويج قبل استيفاء الثلث‪،‬‬
‫فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني‪ .‬وهذا رأي محمد أيضا؛ لنه ل إنهاء للحرمة قبل الثبوت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،226‬مغني المحتاج‪ ،293/3 :‬المغني‪.261/7 :‬‬

‫( ‪)9/365‬‬

‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف (‪ : )1‬الزواج الثاني يهدم مطلقا‪ ،‬فتعود بطلقات ثلث للزوج الول‪ ،‬سواء‬
‫أكان زواجها بزوج ثان بعد الطلقتين أم بعد الثلث؛ لن وطء الزوج الثاني مثبت للحل‪ ،‬فيثبت حلً‬
‫يتسع لثلث تطليقات كما يتسع لما دون الثلث؛ لن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلث‪ ،‬فأولى أن‬
‫يهدم ما دونها‪ ،‬وقد سمى النبي صلّى ال عليه وسلم الزوج الثاني محلّلً‪ ،‬وهو المثبت للحل‪ ،‬في‬
‫حديث‪« :‬لعن ال المحلل والمحلل له» (‪. )2‬‬
‫عدد الطلق في بعض اللفاظ ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الطلق ل يقع بالنية من غير لفظ‪ ،‬واللفظ الصادر عن المطلّق متنوع‪ ،‬يتحدد‬
‫عدد الطلق فيه إما بالنية أو بالصيغة أو بالعدد المقترن به صراحة‪ .‬وهذه نماذج يعرف بها عدد‬
‫الطلق بالضافة لما سبق بيانه‪.‬‬
‫‪ - ً 1‬اللفظ المُطْلَق‪ :‬إذا خاطب الرجل امرأته بقوله‪ :‬أنت طالق أو بائن أو بتة‪ :‬ففي رأي المالكية‬
‫والشافعية والحنابلة (‪ : )3‬يقع ما نواه‪ ،‬فإن نوى طلقتين أو ثلثا‪ ،‬وقع‪ ،‬لما روي أنه رُكانَة بن عبد‬
‫سهَيْمة البتة‪ ،‬فأخبر النبيّ صلّى ال عليه وسلم بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وال ما أردتُ إل واحدةً‪،‬‬
‫يزيد طلق امرأته ُ‬
‫ت إل واحدة‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬وال ما أردتَ إل واحدة؟ قال ركانة‪ :‬وال ما أرد ُ‬
‫فردها إليه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب‪ ،‬والثالثة في‬
‫زمن عثمان (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪.178/3 :‬‬
‫(‪ )2‬روي من حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي‪ ،‬وحديث علي عند أبي داود والترمذي وابن‬
‫ماجه‪ ،‬وحديث جابر عند الترمذي‪ ،‬وحديث عقبة بن عامر عند ابن ماجه‪ ،‬وحديث أبي هريرة عند‬
‫أحمد والبزار ‪ ،‬وحديث ابن عباس عند ابن ماجه‪ ،‬كلها بلفظ «لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫المحلل والمحلل له» إل حديث عقبة فهو بلفظ‪« :‬لعن ال المحلل والمحلل له» (نصب الراية‪:‬‬
‫‪.)240-238/3‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،84/2 :‬غاية المنتهى‪ ،127/3 :‬الشرح الصغير‪.560/2 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه الشافعي وأبو داود والترمذي‪ ،‬وقال أبو داود‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وصححه أيضا ابن‬
‫حبان والحاكم (نيل الوطار‪.)226/6 :‬‬

‫( ‪)9/366‬‬

‫وفي رأي الحنفية (‪ : )1‬يقع الطلق عند عدم العدد بالصيغة‪ ،‬وقول الرجل‪ :‬أنت طالق البتة‪ ،‬من‬
‫كنايات الطلق التي يقع بها الطلق عندهم بائناً؛ لنه اقترن بوصف الشدة أو القوة أو بما يفيد‬
‫البينونة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحديد المقصود بالشارة‪ :‬إن قال الرجل لمرأته‪ :‬أنت طالق هكذا‪ ،‬وأشار بثلث أصابع‪ ،‬وقع‬
‫الثلث عند الشافعية والمالكية والحنابلة (‪ )2‬؛ لن الشارة بالصابع مع قوله (هكذا) بمنزلة النية في‬
‫بيان العدد‪ .‬وإن قال‪ :‬أردت بعدد الصبعين المقبوضتين‪ ،‬قبل قوله؛ لنه يحتمل ما يدعيه‪ .‬ولوقال‪:‬‬
‫أنت طالق وأشار بالصابع‪ ،‬ولم يقل (هكذا) وقال‪ :‬أردت واحدة ولم أرد العدد فهي واحدة‪ ،‬أي يقبل‬
‫قوله؛ لنه يحتمل ما يدعيه‪.‬‬
‫وكذلك يقع ثلثا بالشارة عند الحنفية (‪ )3‬؛ لن الطلق الثلث يقع عندهم إذا كان مقرونا بعدد‬
‫الثلثة نصا أو إشارة‪ ،‬أو موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو ما يدل عليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.627 ،617/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ ،84/2 :‬غاية المنتهى‪.128/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رد المحتار‪.615 ،592/2 :‬‬

‫( ‪)9/367‬‬
‫‪ - 3‬واحدة في اثنتين‪ :‬قرر الشافعية عملً بمبدئهم في تحكيم النية (‪ : )1‬إن قال الرجل‪ :‬أنت طالق‬
‫واحدة في اثنتين‪ ،‬فإن نوى طلقة واحدة مع اثنتين‪ ،‬وقعت ثلث؛ لن (في) تستعمل بمعنى (مع) لقوله‬
‫عز وجل‪{ :‬فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} [الفجر‪ ]30-29/89:‬أي مع عبادي‪ .‬فإن لم يكن له نية‪:‬‬
‫فإن لم يعرف الحساب ول نوى مقتضاه في الحساب‪ ،‬طلقت طلقة واحدة بقوله‪( :‬أنت طالق) ول يقع‬
‫بقوله‪( :‬في اثنتين) شيء؛ لنه ل يعرف مقتضاه‪ ،‬فلم يلزمه حكمه كالعجمي إذا طلق بالعربية وهو ل‬
‫يعرف معناه‪ .‬وإن نوى مقتضاه في الحساب وهو غير عالم به‪ ،‬فالمذهب أنه ل يقع إل طلقة واحدة؛‬
‫لنه إذا لم يعلم مقتضاه‪ ،‬لم يلزمه حكمه كالعجمي إذا طلق بالعربية‪ ،‬وهول يعلم وقال‪ :‬أردت‬
‫مقتضاه في العربية‪.‬فإن كان عالما بالحساب‪ :‬فإن نوى موجبه في الحساب‪ ،‬طلقت طلقتين لنه موجبه‬
‫في الحساب طلقتان‪ .‬وإن لم يكن له نية‪ ،‬فالمنصوص أنها تطلق طلقة؛ لن هذا اللفظ غير متعارف‬
‫عند الناس‪ ،‬ويحتمل طلقة في طلقتين واقعتين‪ ،‬ويحتمل طلقة في طلقتين باقيتين‪ ،‬فل يجوز أن يوقع‬
‫بالشك‪.‬‬
‫ومذهب الحنفية (‪ : )2‬يقع بقوله‪( :‬واحدة في ثنتين) طلقة واحدة إن لم ينو أو نوى الضرب؛ لنه يكثر‬
‫الجزاء ل الفراد‪ ،‬وإن نوى واحدة وثنتين فيقع ثلثا في المدخول بها‪ ،‬وواحدة في غير المدخول بها‪.‬‬
‫‪ - 4‬طالق طلقة بل طلقتان‪ :‬رأى الشافعية (‪ : )3‬أنه إن قال‪ :‬أنت طالق طلقة‪ ،‬بل طلقتان‪ ،‬ففيه‬
‫وجهان‪ :‬أحدهما ـ يقع طلقتان‪ ،‬كما إذا قال‪ :‬له علي درهم‪ ،‬بل درهمان‪ ،‬لزمه درهمان‪ .‬والوجه‬
‫الثاني ـ يقع الثلث؛ لن الطلق إيقاع‪ ،‬فل يجوز أن يوقع الطلق الواحد مرتين‪ ،‬فحمل على طلق‬
‫مستأنف‪.‬‬
‫‪ - 5‬اقتران الطلق بلفظ الثلث‪ ،‬وتكراره ‪:‬‬
‫اتفق فقهاء المذاهب الربعة والظاهرية (‪ )4‬على أنه إذا قال الرجل لغير المدخول بها‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪.84/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪.603/2 :‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬المهذب‪ ،84/2 :‬اللباب‪ ،49/3 :‬الدر المختار‪ ،632/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،229‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،297/3 :‬المغني‪ ،235-233/7 :‬المحلى‪ ،213/10 :‬مسألة ‪ ،1951‬و ‪.1952‬‬

‫( ‪)9/368‬‬
‫«أنت طالق ثلثا» وقع الثلث؛ لن الجميع صادف الزوجية‪ ،‬فوقع الجميع‪ ،‬كما لو قال ذلك للمدخول‬
‫بها‪.‬‬
‫واتفقوا أيضا على أنه إن قال الزوج لمرأته‪« :‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق» وتخلل فصل (‪)1‬‬
‫بينها‪ ،‬وقعت الثلث‪ ،‬سواء أقصد التأكيد أم ل؛ لنه خلف الظاهر‪ .‬وإن قال‪ :‬قصدت التأكيد صدق‬
‫ديانة‪ ،‬ل قضاء‪.‬‬
‫وإن لم يتخلل فصل‪ :‬فإن قصد تأكيد الطلقة الولى بالخيرتين‪ ،‬فتقع واحدة؛ لن التأكيد في الكلم‬
‫معهود لغة وشرعا‪ .‬وإن قصد استئنافا أو أطلق (بأن لم يقصد تأكدا ول استئنافا) تقع الثلث‪ ،‬عملً‬
‫بظاهر اللفظ‪.‬‬
‫وكذا تطلق ثلثا إن قالت‪ :‬أنت طالق‪ ،‬ثم طالق‪ ،‬ثم طالق‪ ،‬أو عطف بالواو أو بالفاء‪.‬‬
‫‪ - 6‬تطليق الجماعة‪ :‬لو قال الرجل لنسائه الربع‪ :‬أوقعت عليكن أو بينكن طلقة‪ ،‬فمذهب الحنفية‬
‫والشافعية (‪ : )2‬طلقت كل واحدة منهن طلقة؛ لنه يخص كل واحدة منهن ربع طلقة‪ ،‬وتكمل‬
‫بالسراية‪ .‬وكذا إن قال‪ :‬بينكن تطليقتان أو ثلث أو أربع‪ ،‬وقع على كل واحدة طلقة‪ ،‬إل أن ينوي‬
‫قسمة كل واحدة منهن‪ ،‬بأن قال‪ :‬أردت أن يقع على كل واحدة من الطلقتين‪ ،‬وقع على كل واحدة‬
‫طلقتان‪ ،‬وإن قال‪ :‬أردت أن يقع على كل واحدة من الثلث الطلقات‪ ،‬فتطلق كل واحدة ثلثا؛ لنه مقر‬
‫على نفسه بما فيه تغليظ‪ ،‬واللفظ محتمل له‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬بينكن خمس طلقات‪ ،‬وقع على كل واحدة طلقتان‪ ،‬وهكذا إلى‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراد بالفصل‪ :‬أن يسكت فوق سكتة النفَس‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 630/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.85/2 :‬‬

‫( ‪)9/369‬‬

‫ثمان تطليقات‪ .‬فإن زاد عليها‪ ،‬بأن قال‪ :‬أوقعت عليكن تسعا‪ ،‬طلقت كل واحدة ثلثا‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أوقعت بينكن نصف طلقة‪ ،‬وثلث طلقة‪ ،‬وسدس طلقة‪ ،‬طلقت كل واحدة ثلثا؛ لنه لما‬
‫عطف وجب أن يقسم كل جزء من ذلك بينهن‪ ،‬ثم يكمل‪.‬‬
‫أما إن قال الرجل لنسائه‪ :‬إحداكن طالق أو قال لحدى امرأتيه‪ :‬إحداكما طالق‪ ،‬طلقت واحدة‪ ،‬ويرجع‬
‫إلي تعيينه اتفاقا (‪. )1‬‬
‫‪ - 7‬الطلق ملء الدنيا أوأشد الطلق‪ :‬مذهب الشافعية والحنابلة (‪ : )2‬إن قال الرجل لمرأته‪ :‬أنت‬
‫طالق ملء الدنيا‪ ،‬أو أنت طالق أطول الطلق أو أعرضه‪ ،‬وقعت طلقة؛ لن شيئا مما ذكر ل يقتضي‬
‫العدد‪ ،‬وقد تنصف الطلقة الواحدة بالمذكور كله‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنت طالق أشد الطلق وأغلظه‪ ،‬وقعت طلقة؛ لنه قد تكون الطلقة أشد وأغلظ عليه‪ ،‬لتعجلها‬
‫أو لحبه لها أو لحبها له‪ ،‬فلم يقع ما زاد بالشك‪ .‬ومذهب الحنفية‪ :‬تقع طلقة واحدة بائنة‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنت طالق كل الطلق أو أكثره‪ ،‬وقع الثلث؛ لنه كل الطلق وأكثره‪ ،‬وهذا متفق عليه‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنت طالق على مذهب السنة والشيعة واليهود والنصارى‪ ،‬أو على سائر المذاهب‪ ،‬أو أنت‬
‫طالق ل يردك عالم ول قاض‪ ،‬وقعت واحدة رجعية‪ .‬وهذا باتفاق المذاهب (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.340/6 :‬‬
‫(‪ )2‬غاية المنتهى‪ ،129/3 :‬المهذب‪.85/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪.633 ،631 ،618/2 :‬‬

‫( ‪)9/370‬‬

‫‪ - 8‬طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة ‪:‬‬


‫يرى الشافعية (‪ : )1‬أنه لو قال‪ ( :‬طلقة قبل طلقة ) أو (بعدها طلقة) أو (طلقة بعد طلقة) أو (قبلها‬
‫طلقة) فتقع طلقتان في المدخول بها‪ ،‬وطلقة في غير المدخول بها‪ ،‬إذ مقتضاه في المدخول بها إيقاع‬
‫طلقتين‪ :‬إحداهما في الحال‪ ،‬وتعقبها الخرى‪ ،‬أما في غير المدخول بها فتبين في الطلقة الولى‪ ،‬فلم‬
‫تصادف الثانية محلً وهوالنكاح‪.‬‬
‫ولو قال‪( :‬طلقة في طلقة) وأراد (مع) فيقع طلقتان كما في قوله تعالى‪{ :‬ادخلوا في أمم} [العراف‪:‬‬
‫‪ ،]38/7‬وإن أراد الظرف أو الحساب‪ ،‬أو أطلق‪ ،‬فتقع طلقة واحدة في الجميع‪ ،‬إذ مقتضى الظرف‬
‫والحساب واحدة‪.‬‬
‫ولو قال‪( :‬أنت طالق نصف طلقة) فتقع طلقة بكل حال من إرادة المعية أو الظروف أو الحساب أو‬
‫عدم إرادة شيء؛ لن الطلق ل يتجزأ‪.‬‬
‫ولو قال‪ ( :‬أنت طالق طلقة في طلقتين ) وقصد بـ (في) معية‪ ،‬فتقع ثلث‪ ،‬وإن قصد ظرفا فواحدة‪،‬‬
‫أو حسابا وعرفه‪ ،‬فثنتان‪ .‬وإن جهله وقصد معناه فطلقة‪.‬‬
‫ويتفق الحنابلة (‪ )2‬مع الشافعية في قول الرجل‪( :‬أنت طالق طلقة قبلها طلقة) ونحوه‪ ،‬يقع طلقتان في‬
‫المدخول بها‪ ،‬وطلقة في غير المدخول بها‪ .‬وإن قالت‪( :‬أنت طالق طلقة بعدها طلقة) وقال‪ :‬أردت‬
‫أني أوقع بعضها طلقة‪ ،‬يصدق ديانة‪ ،‬وهل يصدق قضاءً؟ خلف‪ ،‬الصحيح أنه إن وجد له طلق في‬
‫نكاح آخر‪ ،‬أو من زوج قبله‪ ،‬صدق‪ ،‬وإن لم يوجد ل يقبل قوله؛ لنه ل يحتمل ما قاله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 297/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪.86/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 231/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/371‬‬

You might also like