Professional Documents
Culture Documents
ووافق الحنفية ( )1الشافعية أيضا في قول الرجل ( :أنت طالق واحدة قبلهاواحدة ) أو قال ( :واحدة
بعد واحدة ) أو ( مع واحدة أو معها واحدة ) تقع طلقتان؛ لن في المثال الول الملفوظ به أولً موقع
آخرا؛ لنه أوقع واحدة ،وأخبر أن قبلها واحدة سابقة ،فوقعتا معا؛ لن اليقاع في الماضي إيقاع في
الحال.وفي المثال الثاني أوقع في الحالة الولى طلقة واحدة وأخبر أنها بعد واحدة سابقة ،وأما في
الحالتين الخيرتين؛ فلن (مع) للمقارنة ،فكأنه قرن بينهما ،فوقعتا.
أما لو قال (:أنت طالق واحدة قبل واحدة ) فتقع واحدة؛ لن الملفوظ به أولً موقع أولً ،فتقع الولى
ل غير؛ لنه أوقع واحدة ،وأخبر أنها قبل أخرى ستقع ،وقد بانت بهذه ،فلغت الثانية .وكذا إن قال:
ل موقع أولً ،فتقع الولى ل غير ،لنه
( واحدة بعدها واحدة ) وقعت واحدة أيضا؛ لن الملفوظ به أو ً
أوقع واحدة ،وأخبر أن بعدها أخرى ستقع.
وإن قال لها( :إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة) أو (فواحدة) فدخلت الدار ،وقعت عليها
واحدة عند أبي حنيفة؛ لن المعلق بالدخول كالمنجز ،في حالة تقديم الشرط .فإن أخر الشرط يقع
ثنتان؛ لن الشرط إذا تأخر بغير صدر الكلم ،فيتوقف عليه ،فيقعن جملة ،أما إن تقدم الشرط فتقع
طلقة واحدة ،لتعلقها بالشرط دفعة واحدة.
وإذا قال لها :أنت طالق بمكة ،فهي طالق في الحال في كل البلد ،وكذلك إن قال :أنت طالق في
الدار ،تطلق في الحال؛ لن الطلق ل يتخصص بمكان دون مكان ،كما أبان الحنفية .وإن عنى به
( إذا أتيت مكة) يصدق ديانة ل قضاء؛ لنه نوى الضمار ،وهو خلف الظاهر.
وإن قال لها :أنت طالق إذا دخلت مكة ،لم تطلق حتى تدخل مكة؛ لنه علقه بالدخول.
وإن قال لها :أنت طالق غدا ،وقع الطلق عليها بطلوع الفجر؛ لنه وصفها بالطلق في جميع الغد،
فيقع في أول جزء منه .ولو نوى آخر النهار ،صدق ديانة ل قضاء؛ لنه نوى التخصيص في العموم،
وهويحتمله مخالفا لظاهر الكلم.
-------------------------------
( )1اللباب مع الكتاب 49/3 :وما بعدها،الدرالمختار.628/2 :
( )9/372
- 9الطلق غير المعين :قال الحنفية ( : )1لو قال :امرأتي طالق ،وله امرأتان أو ثلث ،تطلق
واحدة منهن ،وله خيار التعيين.
ولو قال ( :نساء الدنيا طوالق ) لم تطلق امرأته .أما لو قال :نساء المحلة والدار والبيت ،فتطلق
امرأته ،ولو قال :نسائي طوالق ،ول نية له ،طلقن كلهن بغير خلف؛ لن لفظه عام.
ولو قالت امرأة لزوجها :طلقني ،فقال :فعلت أي طلقت بقرينة الطلب ،طلقت واحدة .فإن قالت:
زدني ،فقال :فعلت ،طلقت أخرى .ولو قالت :طلقني ،طلقني ،طلقني ،فتقع واحدة إن لم ينو الثلث.
ولو عطفت بالواو ،فثلث؛ لنه قرينة التكرار ،فيطابقه الجواب.
ولو قالت :طلقت نفسي ،فأجاز ،طلقت؛ لنه يملك إنشاء الطلق عليها ،فيملك الجازة التي هي
أضعف ،بالولى .وكذا لو قالت :أبنت نفسي ،فأجاز ،طلقت إن نوى ولو ثلثا .أما لو قالت المرأة:
اخترت نفسي منك ،فقال الزوج :أجزت ،ونوى الطلق ،ل يقع شيء؛ لن قولها ( اخترت ) لم
يوضع للطلق ،ل صريحا ول كناية.
- 10عدد الطلق في ألفاظ الكناية عند المالكية :
الكناية عند المالكية ظاهرة ومحتملة (: )2
أما الكناية المحتملة أو الخفية :فهي كقول الرجل لمرأته :الحقي بأهلك ،واذهبي ،وابعدي عني وما
أشبه ذلك .فهذا ل يلزمه الطلق إل إن نواه .فإن قال :إنه لم ينو الطلق ،قبل قوله فيه.
وأما الكناية الظاهرة :فهي التي جرت العادة أن يطلق بها في الشرع أو في اللغة ،كلفظ التسريح
والفراق ،وكقوله :أنت بائن ،أو بتة ،أو بتلة ،وما أشبه ذلك .وحكمها حكم الصريح .وهي سبعة
أنواع:
الول :ما يلزم فيه طلقة واحدة ،إل إن نوى أكثر في المرأة المدخول بها ،وهو ( :اعتدّي ) وأما غير
المدخول بها فل عدة عليها ،فإن قال لها :اعتدي ،فهو من الكناية الخفية أو المحتملة ،ل يقع إل بنية.
الثاني :ما يلزم فيه الثلث مطلقا وهو :بتة ،و :حبلك على غاربك.
الثالث :ما يلزم فيه الثلث في المدخول بها ،وواحدة في غيرها إن لم ينو أكثر ،فإن نوى ثلثا لزمه،
أو أقل لزمه ما نواه ،وهوأنت طالق واحدة بائنة.
-------------------------------
( )1الدر المختار 633-629/2 :وما بعدها ،المغني.170-169/7 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،229الشرح الصغير.565-560/2 :
( )9/373
الرابع :مايلزم فيه الثلث في المدخول بها ،وغيرها إن لم ينو أقل ،وهي وهبتك لهلك ،أو رددتُك
أول عصمة لي عليك ،وأنت حرام ،أو خلية لهلك أي من الزوج ،أو ميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير،
أو بريّة ،أو خالصة ،أي مني ل عصمة لي عليك ،أوبائنة ،أو أنا بائن منك ،أو خلي أوبري أو
خالص ،فإن نوى القل لزمه ما نواه ،وحلف إن أراد نكاحها أنه ما أراد إل القل ،ل إن لم يرده.
الخامس :ما يلزم فيه الثلث مطلقا ،ما لم ينو أقل ،وهو :خليت سبيلك.
السادس :ما يلزم فيه الثلث في المدخول بها ،وينوي في غيرها ،وهو (وجهي من وجهك حرام) أو
(وجهي على وجهك حرام) فل فرق بين (من) و(على) ومثله :ل نكاح بيني وبينك ،أول ملك لي
عليك ،أول سبيل لي عليك ،فيلزمه الثلث في المدخول بها فقط ،إل إن كان الكلم لعتاب ،فل شيء
عليه.
السابع :ما يلزم فيه واحدة مطلقا سواء دخل أم ل إل لنية أكثر ،وهو :فارقتك ،يقع بها طلقة رجعية
في المدخول بها.
وكل ذلك ما لم تدل القرائن على عدم إرادة الطلق ،فيصدق الرجل في نفي الطلق إن دلت القرينة
على النفي في جميع الكنايات الظاهرة .والحاصل :أن لفظي ( اعتدي وفارقتك ) يقع بهما طلقة
واحدة ،وبقية ألفاظ الكناية الظاهرة المذكورة يقع بها الثلث.
( )9/374
( )9/375
( )9/376
ونوقشت هذه الدلة ،أما الية الولى فهي لبيان إباحة الطلق قبل الدخول وقبل تسمية المهر ،وأما
الية الثانية فبيان وقت الطلق المفضل شرعا وهو وقت ابتداء أو استقبال العدة .وأما طلق حفصة
وطلق بعض الصحابة ،فلم يثبت أنه كان لغير حاجة أو سبب يدعو إليه .والظاهر هو أنه لحاجة؛
لن الطلق لغير حاجة كفر بنعمة الزواج ،وإيذاء محض بالزوجة وأهلها وأولدها.
ويرى الجمهور غير الحنفية منهم الكمال بن الهمام وابن عابدين ( : )1أن الصل في الطلق هو
الحظر والمنع وخلف الولى ،والولى أن يكون لحاجة كسوء سلوك الزوجة أوإيذائها أحدا ،لما فيه
من قطع اللفة ،وهدم سنة الجتماع ،والتعريض للفساد ،ولقوله تعالى{ :فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن
سبيلً} [النساء ]34/4:وللحديث السابق« :أبغض الحلل إلى ال الطلق» وحديث« :أيما امرأة سألت
زوجها الطلق في غير ما بأس ،فحرام عليها رائحة الجنة» ( )2ففيه دليل على أن سؤال المرأة
الطلق من زوجها محرم عليها تحريما شديدا؛ لن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل إليها أبدا،
وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مشيرا إلى خطورته وشدته ،كما قال الشوكاني (. )3
وهذا هو الراجح لتفاقه مع مقاصد الشريعة ،ولمخاطر الطلق المتعددة ،قال ابن عابدين :الصل في
الطلق الحظر ،بمعنى أنه محظور إل لعارض يبيحه ،والباحة للحاجة إلى الخلص ،فإذا كان بل
سبب أصلً لم يكن فيه حاجة إلى الخلص ،بل يكون حمقا ،وسفاهة رأي ،ومجرد كفران النعمة،
وإخلص الىذاء بها وبأهلها وأولده.
-------------------------------
( )1الدسوقي ،361/2 :المهذب ،78/2 :كشاف القناع ،261/5 :المغني 97/7 :وما بعدها.
( )2وفي حديث آخر رواه الطبراني عن أبي موسى« :ل تطلقوا النساء إل من ريبة ،فإن ال ليحب
الذواقين ول الذواقات» لكنه ضعيف.
( )3نيل الوطار.221/6 :
( )9/377
وإذا وجدت الحاجة المبيحة وهي أعم من الكبَر والريبة ،أبيح الطلق ،وعليها يحمل ما وقع منه صلّى
ال عليه وسلم ومن أصحابه وغيرهم من الئمة ،صونا لهم من العبث واليذاء بل سبب.
أثر مخالفة هذا القيد :إذا حدث الطلق من غير حاجة أو سبب يدعو إليه ،فإنه يقع بالتفاق ،ولكن
المطلّق يأثم؛ لن الحاجة قد تكون تقديرية ،أو نفسية خفية ل تخضع للثبات الظاهر في القضاء ،وقد
تكون مما يجب ستره ،حفظا لسمعة المرأة ومنعا من التشهير بها .لهذا كان الصح أل يحكم على
الرجل بتعويض مادي للمطلقة ،بسبب كون الطلق تعسفا ،ويكتفى بما يقرره الشرع بدفع مؤخر
الصداق ،ونفقة العدة ،والمتعة التي هي تعويض عن الضرر الناجم عن الطلق.
ثانيا ـ أن يكون الطلق في طهر لم يجامعها فيه :
هذا القيد متفق عليه بين الفقهاء ( ، )1فإذا أوقع الزوج الطلق في حال الحيض أو النفاس ،أو في
طهر جامعها فيه ،كان الطلق عند الجمهور حراماَ شرعا وعند الحنفية مكروها تحريميا ،وهو
المسمى طلقا بدعيا ،واقتصر المالكية على القول بتحريم الطلق في الحيض أو النفاس ،ويكره في
غيرهما .ودليل هذا القيد :أن ابن عمر طلق امرأته ،وهي حائض ،فذكر ذلك عمر للنبي صلّى ال
عليه وسلم ،فقال« :مُرْه،
-------------------------------
( )1فتح القدير ،34-28/3 :الشرح الصغير ،537/2 :مغني المحتاج 307/3 :ومابعدها ،المغني:
.103-98/7
( )9/378
فليراجعها أو ليطّلقْها طاهرا أو حاملً» ( . )1وفي رواية عنه« :أنه طلق امرأة له وهي حائض،
فذكر ذلك عمر للنبي صلّى ال عليه وسلم ،فتغيّظ فيه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ثم قال:
ليراجعْها ،ثم يمسكْها حتى تطهُر ،ثم تحيض فتطهر ،فإن بدا له أن يطلّقها ،فليطلقها قبل أن يمسها،
فتلك العدة كما أمر ال تعالى» .وفي لفظ« :فتلك العدة التي أمر ال أن يُطلّق لها النساء» فهو يدل
على أن الطلق جائز حال الطهر الذي لم يجامع فيه.
وهذا متفق مع الية القرآنية{ :يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ،فطلقوهن لعدتهن} [الطلق ]1/65:أي
مستقبلت عدتهن.
والسبب هو عدم إطالة العدة على المرأة ،ففي الطلق في أثناء الحيض أو في طهر جامعها فيه ضرر
بالمرأة بتطويل العدة عليها؛ لن الحيضة التي وقع فيها الطلق ل تحتسب من العدة ،وزمان الحيض
زمان النفرة ،وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة.
وبه يتبين أن الطلق البدعي يكون للمرأة التي دخل بها زوجها ،وكانت ممن تحيض ،أما التي لم
يدخل بها الزوج أو كانت حاملً أو ل تحيض ،فل يكون طلقها بدعيا قبيحا شرعا ،قال ابن عباس:
الطلق على أربعة أوجه :وجهان حلل ،ووجهان حرام ،فأما اللذان هما حلل :فأن يطلق الرجل
امرأته طاهرا من غير جماع ،أو يطلقها حاملً مستبينا حملها ،وأما اللذان هما حرام :فأن يطلقها
حائضا أو يطلقها عند الجماع ،ل يدري ،اشتمل الرحم على ولد أم ل (. )2
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل البخاري عن ابن عمر (نيل الوطار.)221/6 :
( )2رواه الدارقطني (المرجع السابق :ص .)222
( )9/379
أثر مخالفة هذا القيد :يقع الطلق باتفاق المذاهب الربعة في حال الحيض أو في حال الطهر الذي
جامع الرجل امرأته فيه؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر ابن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها،
وهي حائض ،والمراجعة ل تكون إل بعد وقوع الطلق ،ويؤيده رواية« :وكان عبد ال طلّق تطليقة،
فحسبت من طلقها» .
وقال الشيعة المامية والظاهرية وابن تيمية وابن القيم ( : )1يحرم الطلق في أثناء الحيض أو النفاس
أو في طهر وطئ الرجل زوجته فيه ،ول ينفذ هذا الطلق البدعي ،بدليل ما يأتي:
ً - 1ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ« :طلق عبد ال ابن عمر امرأته وهي
حائض ،قال عبد ال :فردها علي رسول ال صلّى ال عليه وسلم ولم يرها شيئا» .وهذا الحديث
صحيح كما صرح به ابن القيم وغيره.
ونوقش بأنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ ،وقال ابن عبد البر :قوله «ولم
يرها شيئا» :منكر لم يقله غير أبي الزبير ،وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله ،فكيف إذا خالفه من هو
أوثق منه ،ولو صح فمعناه عندي ـ وال أعلم ـ ولم يرها شيئا مستقيما ،لكونها لم تكن على السنة.
وقال الخطابي :وقد يحتمل أن يكون معناه :ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة ،أو لم يرها شيئا جائزا
في السنة.
ً - 2حديث« :من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو رد» ( )2والطلق في حال الحيض مخالف لمر
الشارع ،فيكون مردودا ل أثر له .ونوقش بأن المردود هو بسبب مخالفة ركن أو شرط من أركان أو
شروط العمل .وأما المخالفة بسبب تطويل العدة أو عدم وجود الحاجة إلى الطلق ،فليس أحدهما ركنا
أو شرطا للطلق ،فل تستوجب الرد وعدم وقوع الطلق.
ً - 3هذا الطلق منهي عنه شرعا غير مأذون فيه ،فل يكون مملوكا للزوج كالوكيل بالطلق إذا
خالف أمر الموكل ،فإن طلقه ل يقع ،والمنهي عنه لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللزم يقتضي الفساد،
والفاسد ل يثبت حكمه.
-------------------------------
( )1المختصر النافع في فقه المامية :ص ،221نيل الوطار ،226/6 :المحلى ،197/10 :مسألة
.1953 ،1949
( )2رواه مسلم وأحمد عن عائشة ،وهو صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر الرسول صلّى
ال عليه وسلم .
( )9/380
وأجيب بأن النهي عن الطلق في الحيض ونحوه ليس راجعا إلى نفس الطلق ،ول إلى صفة من
صفاته ،وإنما هو راجع إلى أمر خارج عن المنهي عنه ،وهو عدم الحاجة إلى الطلق ،أو ما يترتب
عليه من إيذاء الزوجة بإطالة العدة ،والنهي لمر خارج عن المنهي عنه ل يدل على فساده إذا وقع،
كالبيع وقت النداء لصلة الجمعة .والقياس على الوكيل قياس مع الفارق؛ لن الوكيل في الطلق
مجرد سفير ومعبر عن الموكل ،فل يملك غير ما فوض إليه ،أما الزوج فل يوقع الطلق نيابة عن
غيره ول عن ال عز وجل ،وإنما يوقعه عن نفسه.
ً - 4هناك مرجحات لهذا الرأي بعدم الوقوع من القرآن ،منها قوله تعالى{ :فطلقوهن لعدتهن}
[الطلق ]1/65:والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه ،لم يطلق لتلك العدة التي أمر ال
بتطليق النساء لها ،وقد تقرر في الصول أن المر بالشيء نهي عن ضده.
ومنها قوله تعالى{ :الطلق مرتان} [البقرة ]229/2:ولم يرد إل المأذون ،فدل على أن ما عداه ليس
بطلق ،لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أي تعريف المسند إليه باللم الجنسية.
ومنها قوله تعالى{ :فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة ]231/2:ول أقبح من التسريح الذي
حرمه ال .
( )9/381
وأقول :إن هذه إرشادات لما هو الفضل،وليس فيها دللة على عدم وقوع الطلق ،بل المقرر في
السنة وقوع الطلق ،مع مخالفة هذه الرشادات .وفي تقديري أن رأي الجمهور أرجح ،لضعف أدلة
الفريق الثاني ،وقد اتفق الجمهور على أن الزوج يؤمر بمراجعة الزوجة إن طلق في الحيض أو في
طهر جامعها فيه ،وهذه المراجعة واجبة عند المالكية ،وفي الصح عند الحنفية ،وإذا امتنع الزوج عن
المراجعة أجبره الحاكم في رأي المالكية عليها بالحبس أو بالضرب حتى يراجع ،فإن لم يراجعها
ارتجعها الحاكم عليه .ول يقول الحنفية بصحة الرجعة من الحاكم ،وإنما للحاكم معاقبة الزوج إن لم
يرتجع بما يراه زاجرا؛ لن كل معصية ل حد ول كفارة فيها ،فالواجب فيها التعزير.وتستحب
المراجعة عند الشافعية والحنابلة ،ول تجب؛ لن الزوج بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلق،
ولنه طلق ل يرتفع بالرجعة ،فلم تجب عليه الرجعة فيه.
ثالثا ـ أن يكون الطلق مفرقا ليس بأكثر من واحدة :
اتفق الفقهاء ( )1على أن الطلق السني المشروع هو الواقع بالترتيب مفرقا ،الواحد بعد الخر ،ل
بإيقاع الثلث دفعة واحدة ،لظاهر قوله تعالى{ :الطلق مرتان} [البقرة ]229/2:أي أن الطلق المباح
ما كان مرة بعد مرة ،فإذا جمع الرجل الطلقات الثلث بكلمة واحدة ،أو بألفاظ متفرقة في طهر واحد،
يكون بدعيا محظورا في قول الحنفية والمالكية وابن تيمية وابن القيم .ول يحرم ول يكره عند
الشافعية والحنابلة في الراجح من الروايات ،وكذا عند أبي ثور وداود الظاهري ،وإنما يكون تاركا
للختيار والفضيلة.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،35/3 :بداية المجتهد 60/2 :ومابعدها ،المهذب ،78/2 :مغني المحتاج311/3 :
ومابعدها ،المغني.104/7 :
( )9/382
ويؤيد الرأي الول ما رواه النسائي عن محمود بن لبيد قال :أخبر رسول ال صلّى ال عليه وسلم
عن رجل طلّق امرأته ثلث تطليقات جميعا ،فقام غضبان ،ثم قال« :أيلعب بكتاب ال ،وأنا بين
أظهركم ،حتى قام رجل ،فقال :يا رسول ال ،أل أقتله» ( )1ويؤكده ما سبق معرفته عند جمهور
الفقهاء أن الصل في الطلق الحظر ،ولكنه أبيح للحاجة الستثنائية لتنافر الطباع وتباين الخلق أو
لغيرها من السباب ،وتتحقق الحاجة بالطلقة الواحدة ،ويتمكن بعدها من مراجعة زوجته عند الندم،
وهو الغالب.
أثر مخالفة هذا القيد :
إذا طلق الرجل امرأته ثلثا بكلمة واحدة أو بكلمات في طهر واحد ،يكون آثما مستحقا لعقوبة يراها
القاضي ،لكن الطلق يقع ثلثا في المذاهب الربعة.
أقوال الفقهاء في الطلق الثلث بلفظ واحد :
للفقهاء آراء ثلثة في جمع الطلق الثلث بكلمة واحدة وهي (: )2
الول ـ قول الجمهور منهم أئمة المذاهب الربعة والظاهرية :يقع به ثلث طلقات ،وهو منقول عن
أكثر الصحابة ومنهم الخلفاء الراشدون غير أبي بكر ،والعبادلة الربعة (ابن عمر ،وابن عمرو ،وابن
عباس ،وابن مسعود) وأبو هريرة وغيرهم ،ومنقول عن أكثر التابعين ،لكن ل يسن أن يطلق الرجل
أكثر من واحدة عند الحنفية والمالكية كما تقدم؛ لن طلق السنة :هو أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى
تنقضي عدتها.
الثاني ـ قول الشيعة المامية :ل يقع به شيء.
-------------------------------
( )1قال ابن كثير :إسناده جيد ،وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام :رواته موثوقون (نيل
الوطار.)227/6 :
( )2المراجع السابقة ،المختصر النافع :ص ،222المحلى ،204/10 :مسألة .1949أعلم الموقعين:
.52-41/3
( )9/383
الثالث ـ قول الزيدية وبعض الظاهرية وابن إسحاق وابن تيمية وابن القيم :يقع به واحدة ،ول تأثير
للفظ فيه.
وأخذ القانون في مصر وسورية بهذ الرأي ،نص القانون السوري على ما يلي:
(م - )91يملك الزوج على زوجته ثلث طلقات.
(م - )92الطلق المقترن بعدد لفظا أو إشارة ل يقع إل واحدا.
وقد عدلت لجنة الفتاء بالرياض عن هذا القول واختارت بالكثرية القول بوقوع الطلق الثلث بلفظ
واحد ثلثا (. )1
أدلة هذه القوال :
أما أدلة المامية القائلين بأنه ل يقع شيء :فهي الدلة نفسها التي استدلوا بها على عدم وقوع الطلق
في الحيض ،لن كلً منهما غير مشروع.
وكذلك قوله تعالى{ :فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة ]231/2:يدل على أن شرط وقوع
الطلقة الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها المساك .وإذا لم يصح المساك إل بعد
المراجعة ،لم تصح الثالثة إل بعدها لما ذكر ،وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية.
وأما أدلة الزيدية وابن تيمية وابن القيم القائلين بوقوع طلق واحد ،فهي ما يأتي:
ً - 1آية {الطلق مرتان} [البقرة ]229/2:إلى قوله تعالى في الطلقة الثالثة{ :فإن طلقها فل تحل له
من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة ]230/2:أي أن المشروع تفريق الطلق مرة بعد مرة ،لنه
تعالى قال{ :مرتان} [البقرة ]229/2:ولم يقل «طلقتان» .
وليس مشروعا كون الطلق كله دفعة واحدة ،فإذا جمع الطلق الثلث في لفظ واحد ،ل يقع إل
واحدة ،والمطلّق بلفظ الثلث مطلق بواحدة ،ل مطلق ثلث.
ويرد عليه بأن الية ترشد إلى الطلق المشرو ع أو المباح ،وليس فيها دللة على وقوع الطلق
وعدم وقوعه إذا لم يكن مفرقا ،فيكون المرجع إلى السنة ،والسنة بينت أن الطلق الثلث يقع ثلثا.
-------------------------------
( )1مجلة البحوث السلمية ـ المجلد الول ـ العدد الثالث ،عام 1397هـ ،ص 165وما بعدها.
( )9/384
ومما جاء في السنة في قصة ابن عمر الذي طلق امرأته في أثناء الحيض :أنه قال« :يا رسول ال ،
أرأيت لو طلقتُها ثلثا ،أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال :ل ،كانت تبين منك ،وتكون معصية» (. )1
ً - 2حديث ابن عباس قال« :كان الطلق على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم وأبي بكر
وسنتين من خلفة عمر ،طلقُ الثلث واحدة ،فقال عمر بن الخطاب :إن الناس قد استعجلوا في أمر
كانت لهم فيه أناة ،فلو أمضيناه عليه ،فأمضاه عليهم» ( )2فهو واضح الدللة على جعل الطلق
الثلث بلفظ واحد طلقة واحدة ،وعلى أنه لم ينسخ لستمرار العمل به في عهد أبي بكر وسنتين من
خلفة عمر ،ولن عمر أمضاه من باب المصلحة والسياسة الشرعية.
وأجيب عنه بأنه محمول على صورة تكرير لفظ الطلق ثلث مرات ،بأن يقول( :أنت طالق ،أنت
طالق ،أنت طالق) فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد ،وثلث إذا قصد تكرير اليقاع ،فكان الناس
على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلمتهم وقصدهم في الغالب
الفضيلة والختيار ،لم يظهر فيهم خب ول خداع ،وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد ،فلما رأى عمر
في زمانه أمورا ظهرت ،وأحوالً تغيرت ،وفشا إيقاع الثلث جملة بلفظ ل يحتمل التأويل ،ألزمهم
الثلث في صورة التكرير ،إذ صار الغالب عليهم قصدها ،وقد أشار إليه بقوله« :إن الناس قد
استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة» .
ثم إن هذا الحكم إنما هو في القضاء ،أما في الديانة فإن كل واحد يعامل فيها بنيته .ومخالفة عمر لما
مضى ل شيء فيها؛ لنها ترجع إلى تغير الحكم بسبب تغير العرف وحال الناس .والحق أن في هذا
الحديث نظرا.
-------------------------------
( )1رواه الدارقطني عن الحسن عن ابن عمر ،لكن في إسناده ضعيف (نيل الوطار-227/6 :
.)228
( )2رواه أحمد ومسلم عن طاوس عن ابن عباس (نيل الوطار.)230/6 :
( )9/385
ً - 3حديث ابن عباس عن رُكانة« :أنه طلق امرأته ثلثا في مجلس واحد ،فحزن عليها حزنا شديدا،
فسأله النبي صلّى ال عليه وسلم ،كيف طلقتها؟ فقال :ثلثا في مجلس واحد ،فقال له صلّى ال عليه
وسلم :إنما تلك واحدة فارتجعها» (. )1
وأجيب عنه بأجوبة:
منها ـ أن في إسناده محمد بن إسحاق ،ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الحكام مثل هذا
السناد.
ومنها ـ معارضته لفتوى ابن عباس ،فإنه كان يفتي من سأله عن حكم الطلق بلفظ الثلث بأنه يقع
ثلثا .ورد بأن المعتبر روايته ل رأيه.
ومنها ـ أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة ،كما تقدم لدينا .ويمكن أن يكون من روى
«ثلثا» حمل «البتة» على معنى الثلث ،وفيه مخالفة للظاهر ،والحديث نص في محل النزاع.
أدلة الجمهور القائلين بوقوع ثلث طلقات :
استدل فقهاء المذاهب الربعة وموافقوهم على وقوع ثلث طلقات بما يأتي من الكتاب والسنة
والجماع والثار والقياس:
ً - 1الكتاب :منه قوله تعالى{ :الطلق مرتان ،فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة]229/2:
فهو يدل على وقوع الثلث معا مع كونه منهيا عنه؛ لن قوله تعالى{ :الطلق مرتان} [البقرة]229/2:
تنبيه إلى الحكمة من التفريق ،ليتمكن من المراجعة ،فإذا خالف الرجل الحكمة ،وطلق اثنتين معا،
صح وقوعهما إذ ل تفريق بينهما ،ثم إن قوله تعالى{ :فل تحل له من ب ْعدُ حتى تنكح زوجا غيره}
[البقرة ]230/2:يدل على تحريمها عليه بالثالثة بعد الثنتين ،ولم يفرق بين إيقاعهما في طهر واحد
أو في أطهار.
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه (نيل الوطار.)232/6 :
( )9/386
ومنه {فطلقوهن لعدتهن} [الطلق ]1/65:إلى قوله تعالى{ :وتلك حدود ال ،ومن يتعدّ حدود ال فقد
ظلم نفسه } [الطلق ]1/65:والطلق المشروع ما يعقبه عدة ،وهو منتف في إيقاع الثلث في العدة،
وفيها دللة على وقوع الطلق لغير العدة ،إذ لو لم يقع لم يكن ظالما لنفسه بإيقاعه لغير العدة ،ومن
لم يطلق للعدة بأن طلق ثلثا مثلً ،فقد ظلم نفسه .ومنه آية {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة:
]241/2وغيرها من آيات الطلق .تدل ظواهر هذه اليات على أل فرق بين إيقاع الطلقة الواحدة
والثنتين والثلث.
وأجيب :بأن هذه عمومات مخصصة ،وإطلقات مقيدة بما ثبت من الدلة الدالة على المنع من وقوع
ما فوق الطلقة الواحدة.
ً - 2السنة :منها حديث سهل بن سعد في الصحيحين في قصة لعان عويمر العجلني ،وفيه« :فلما
فرغا قال عويمر :كذبتُ عليها يا رسول ال ،إن أمسكتها ،فطلّقها ثلثا قبل أن يأمره رسول ال
صلّى ال عليه وسلم » ولم ينقل إنكار النبي صلّى ال عليه وسلم .وأجيب :إنما لم ينكره عليه؛ لنه
ل مملوكا له ول نفوذا.
لم يصادف مح ً
ومنها ـ حديث محمود بن لبيد عند النسائي السابق ،وفيه أن النبي صلّى ال عليه وسلم غضب من
إيقاع الثلث دفعة في غير اللعان ،وقال« :أيلعب بكتاب ال ،وأنا بين أظهركم؟» هذا يدل على أن
الطلق الثلث بلفظ واحد يكون ثلثا ،ويلزم المطلّق بها ،وإن كان عاصيا في إيقاع الطلق بدليل
غضب النبي عليه الصلة والسلم.
وأجيب بأنه حديث مرسل؛ لن محمود بن لبيد لم يثبت له سماع من رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،
وإن كانت ولدته في عهده عليه السلم .وهذا مردود؛ لن مرسل الصحابي مقبول.
( )9/387
ومنها ـ حديث ركانة بن عبد يزيد المتقدم أنه طلق امرأته سهيمة البتة ،فأخبر النبي صلّى ال عليه
ت إل
وسلم ،وقال :وال ما أردتُ إل واحدة ،فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :وال ما أرد َ
واحدة ؟» قال ركانة :وال ما أردتُ إل واحدة ،فردها إليه رسول ال صلّى ال عليه وسلم (. )1
وهو من أصرح الدلة وأوضحها على وقوع الطلق الثلث بلفظ واحد،لقول ركانة واستحلف النبي
له على أنه لم يرد بلفظ ( البتة) إل واحدة ،فهو يدل على أنه لو أراد الثلث لوقعت.
ونوقش الحديث بأنه حديث ضعّف المام أحمد جميع طرقه ،كما ذكر المنذري ،وكذلك ضعفه
البخاري ،وأن قصة ركانة أنه طلقها البتة ل ثلثا.
ومنها ـ ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من حديث عبادة بن الصامت قال« :طلّق جدي امرأة له
ألف تطليقة ،فانطلق إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فذكر له ذلك ،فقال النبي صلّى ال عليه
وسلم :ما اتقى ال جدك ،أما ثلث فله ،وأما تسعمائة وسبع وتسعون ،فعدوان وظلم ،إن شاء ال
عذبه ،وإن شاء غفر له» وأجيب بأن راويه ضعيف ،وبأن والد عبادة بن الصامت لم يدرك السلم،
فكيف بجدّه؟
ً - 3الجماع :أجمع السلف على وقوع الطلق الثلث بلفظ واحد ثلثا .وممن حكى الجماع على
لزوم الثلث في الطلق بكلمة واحدة :أبو بكر الرازي والباجي وابن العربي وابن رجب.
وأجيب بأنه لم يثبت الجماع ،فقد روى أبو داود عن ابن عباس أنه يجعل الثلث واحدة ،وبأن طاوسا
وعطاء قال« :إذا طلق الرجل امرأته ثلثا قبل أن يدخل بها ،فهي واحدة» .
-------------------------------
( )1رواه الشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم.
( )9/388
ً- 4الثار :نقل عن كثير من الصحابة رضي ال عنهم أنهم أوقعوا الطلق الثلث ثلثا ،منها ما
روى أبو داود عن مجاهد ،قال« :كنت عند ابن عباس ،فجاءه رجل ،فقال :إنه طلق امرأته ثلثا،
فسكت حتى ظننت أنه ردها إليه ،ثم قال :ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ،ثم يقول :يا ابن عباس ،وإن
ال قال{ :ومن يتق ال يجعل له مخرجا} [الطلق ، ]2/65:وإنك لم تتق ال ،فلم أجد لك مخرجا،
عصيت ربك ،وبانت منك امرأتك» .ومنها ـ ما روى مالك في الموطأ أن رجلً جاء إلى ابن
مسعود ،فقال :إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات ،فقال :ما قيل لك؟ فقال :قيل لي :بانت منك ،قال:
هو مثل ما يقولون.
ومنها ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه« :أن رجلً جاء إلى عثمان بن عفان ،فقال :إني طلقت
امرأتي مئة ،فقال :ثلث تحرمها عليك ،وسبع وتسعون عدوان» .
وروى أيضا« :أن رجلً جاء إلى علي بن أبي طالب فقال :إني طلقت امرأتي ألفا ،فقال :بانت منك
بثلث» .
وثبت مثله عن صحابة آخرين ،وعن التابعين ومن بعدهم.
ً - 5القياس :قال ابن قدامة ( : )1إن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا ،فصح مجتمعا كسائر الملك.
وناقشه ابن القيم بأن المُطلّق إذا جمع ما أمر بتفريقه ،فقد تعدى حدود ال وخالف ما شرعه.
وقال القرطبي ( : )2وحجة الجمهور من جهة اللزوم ظاهرة جدا :وهو أن المطلقة ثلثا ل تحل
للمطلق حتى تنكح زوجا غيره ،ول فرق بين مجموعها ومفرقها لغة وشرعا .ونوقش بأن من قال:
(أحلف بال ثلثا) ل يعد حلفه إل يمينا واحدة ،فليكن المطلق مثله .ورد عليه باختلف الصيغتين ،فإن
عدد الطلق ثلث ،وأما الحلف فل أمد لعدد أيمانه ،فافترقا.
والذي يظهر لي رجحان رأي الجمهور :وهو وقوع الطلق ثلثا إذا طلق الرجل امرأته دفعة واحدة،
لكن إذا رجح الحاكم رأيا ضعيفا صار هو الحكم القوى ،فإن صدر قانون ،كما هو الشأن في بعض
البلد العربية بجعل هذا الطلق واحدة ،فل مانع من اعتماده والفتاء به ،تيسيرا على الناس ،وصونا
للرابطة الزوجية ،وحماية لمصلحة الولد ،خصوصا ونحن في وقت قل فيه الورع والحتياط،
وتهاون الناس في التلفظ بهذه الصيغة من الطلق ،وهم يقصدون غالبا التهديد والزجر ،ويعلمون أن
في الفقه منفذا للحل ،ومراجعة الزوجة.
-------------------------------
( )1المغني.105/7 :
( )2فتح الباري.365/9 :
( )9/389
( )9/390
( )9/391
والثاني ـ أن في قوله ( اختاري ) ل بد من ذكر النفس إما في كلم الزوج أو في جواب المرأة ،بأن
يقول لها :اختاري نفسك ،فتقول :اخترت ،أو يقول لها :اختاري ،فتقول :اخترت نفسي .أو ذكر
الطلق في كلم الزوج أو في كلم المرأة ،بأن يقول لها :اختاري ،فتقول :اخترت الطلق .أو ذكر
ما يدل على الطلق :وهو تكرار التخيير من الزوج ،بأن يقول لها :اختاري اختاري .أو ذكر
(الختيارة) في كلم الزوج أو في كلم المرأة ،بأن يقول لها الزوج :اختاري اختيارة ،فتقول المرأة:
اخترت اختيارة.
والمشيئة :أن يقول الرجل :أنت طالق إن شئت ،وهو مثل قول :اختاري؛ لن كل واحد منهما تمليك
الطلق ،إل أن الطلق ههنا رجعي ،وهناك بائن؛ لن المفوّض ههنا صريح ،وهناك كناية.
وأما قوله ( طلقي نفسك ) فهو تمليك عندهم ،سواء قيده بالمشيئة أم ل ،ويقتصر أثره على المجلس،
كقوله :أنت طالق إن شئت.
وذهب المالكية ( )1إلى أن التفويض (وهو إنابة الزوج غيره في الطلق) يتنوع إلى ثلثة أنواع:
توكيل وتخيير وتمليك .والتوكيل :هو جعل الزوج حق إنشاء الطلق لغيره :زوجة أو غيرها ،مع بقاء
الحق له في منع الوكيل من إيقاع الطلق .فإذا وكل الرجل المرأة على طلقها ،فلها أن تفعل ما وكلها
عليه من طلقة واحدة ،أو أكثر ،وله أن يعزلها ما لم تفعل الموكل فيه إل لتعلق حقها بالوكالة كما
سأبين قريبا .وهو بخلف التمليك والتخيير ،ليس له عزلها؛ لن فيهما قد جعل لها ما كان يملكه ملكا
لها ،أما التوكيل فإنه جعلها نائبة عنه في إيقاع الطلق.
والتمليك :هو أن يملّك الرجل المرأة أمر نفسها ،كأن يقول لها :جعلت أمرك أو طلقك بيدك ،وليس
له أن يعزلها عنه .ولها أن تفعل ما جعل بيدها من طلقة واحدة أو أكثر .ويظهر قبولها للتمليك بالقول
أو بالفعل .أما القول :فهو أن توقع الطلق بلفظها .وأما الفعل :فهو أن تفعل ما يدل على الفراق ،مثل
نقل أثاثها أو غيره.
( )9/392
وكل من التمليك والتخيير ل يتقيد في المجلس الذي صدر فيه ،وفي كل منها ل يملك الرجل الرجوع
عما منح المرأة.
والتخيير :هو أن يخيرها بين البقاء معه أو الفراق ،بأن يقول لها :اختاريني أو اختاري نفسك .فلها أن
تفعل من المرين ما أحبت .فإن اختارت الفراق ،كان طلقها بالثلث .وإن أرادت طلقة أو اثنتين لم
يكن لها ،إل أن يخيرها في طلقة واحدة أو طلقتين معا ،فتوقعها ،وليس له عزلها .ويصح التفويض
بأنواعه الثلثة لغير الزوجة بشرط كونه حاضرا في البلد أو قريب الغيبة كاليومين وإل انتقل
التفويض للزوجة على الراجح ،وإن فوض الزوج لكثر من واحد ،لم تطلق إل باجتماعهما أي الثنين
أو باجتماعهم إن زادوا على اثنين.
والفرق بين التمليك والتخيير :أن المرأة في التمليك يكون لها القضاء بما قضت إل أن ينكر عليها
الزوج ،فيقول :لم أرد إل طلقة واحدة ،فيحلف على ذلك.
وأما في التخيير فل يكون الطلق إل ثلثا في المدخول بها؛ لنه خيّرها بين البقاء معه في العصمة
أو الخروج عنها ،فإن اختارت أقل من ذلك لم يقع شيء.
أما غير المدخول بها فهي كالمملّكة ،لها أن تطلق نفسها بما دون الثلث؛ لنها تبين منه بذلك.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،233الشرح الصغير ،603-593/2 :المقدمات الممهدات587/1 :
ومابعدها.
( )9/393
ورأى الشافعية ( : )1أن تفويض الطلق تمليك له في المذهب الجديد ،فيشترط لوقوعه تطليقها
نفسهاعلى الفور ،وإذا ملكت المرأة نفسها ،فل رجعة عليها .والتفويض :إما صريح مثل طلقي نفسك،
أو كناية مثل :أبيني نفسك ،اختاري نفسك ،ونوى ،فقالت :طلقت ،وقع الطلق؛ لنها فوضت الطلق،
وقد فعلته في الحالين.
ولو قال لها :طلقي نفسك ونوى ثلثا ،فقالت :طلقت ونوتهن ،وقد علمت نيته أو وقع العلم بنيته
صدفة ،فتقع الثلث؛ لن اللفظ يحتمل العدد ،فإن لم ينوياه فتقع واحدة في الصح؛ لن صريح الطلق
كناية في العدد.
ولو قال :طلقي نفسك ثلثا ،فوحدت أي طلقت نفسها واحدة ،أو عكسه ،كقوله :طلقي نفسك واحدة،
فثلثت أي طلقت نفسها ثلثا ،تقع واحدة.
وقال الحنابلة ( : )2من صح طلقه صح توكيله ،فإن وكل الزوج المرأة في الطلق ،صح توكيلها،
وطلقها لنفسها؛ لنه يصح توكيلها في طلق غيرها ،فكذا في طلق نفسها .وللوكيل أن يطلق متى
شاء ،إل أن يحد له الموكل حدا كاليوم أو نحوه ،فل يملك الطلق في غيره .ول يطلق الوكيل أكثر
من واحدة؛ إل أن يجعل الموكل إليه أن يطلق أكثر من واحدة بلفظة أو نية ،فلو وكله في ثلث ،فطلق
واحدة ،وقعت .ولو وكله في طلقة واحدة ،فطلق ثلثا ،طلقت واحدة ،عملً بالمأذون فيه.
وإن خير الموكل الوكيل بأن قال له :طلق ما شئت من ثلث ،ملك اثنتين فأقل؛ لن لفظه يقتضي
ذلك؛ لن (من) للتبعيض ،وكذا لو خيّر زوجته ،فقال لها :اختاري من ثلث ما شئت ،لم يكن لها أن
تختار أكثر من اثنتين.
وإن قال لمرأته :طلقي نفسك ،فلها الطلق كالوكيل .وإن قال لها ( :أنت طالق إن شئت ) ونحوها
من أدوات الشرط ،لم تطلق حتى تشاء ،وتنطق بالمشيئة بلسانها ،فتقول :قد شئت؛ لن ما في القلب ل
يعلم حتى يعبر عنه اللسان ،فتعلق الحكم بما يتعلق به دون ما في القلب ،فلو شاءت بقلبها دون نطقها،
لم يقع طلق.
وكذلك إن علق الطلق بمشيئة غيرها ،فمتى وجدت المشيئة باللسان ،وقع الطلق ،سواء أكان على
الفور أم على التراخي .وذلك خلفا للشافعية الذين اشترطوا إعلن المشيئة في الحال؛ لن هذا تمليك
للطلق ،فكان على الفور كقوله (اختاري) ،كما تقدم .ورد الحنابلة بأن هذا تعليق للطلق على شرط،
فكان على التراخي كسائر التعليق ،ولنه إزالة ملك معلق على المشيئة ،فكان على التراخي كالعتق.
وهو بخلف كلمة (اختاري) فإنه ليس بشرط ،إنما هو تخيير ،فتقيد بالمجلس كخيار المجلس.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،287-285/3 :المهذب.80/2 :
( )2كشاف القناع 268/5 :وما بعدها 354 ،وما بعدها ،المغني.212/7 :
( )9/394
( )9/395
لكن ليس لها أن تختار إل مرة واحدة؛ لن قول الرجل لها( :أمرك بيدك) ل يقتضي التكرار إل إذا
قرن به ما يقتضي التكرار ،بأن قال :أمرك بيدك كلما شئت ،فيصير المر بيدها فيما ذكر وغيره،
ولها أن تطلق نفسها في كل مجلس تطليقة واحدة ،حتى تبين بثلث؛ لن كلمة (كلما) تقتضي تكرار
الفعال ،فيقتضي تكرار التمليك عند تكرار المشيئة ،إل أنها ل تملك أن تطلق نفسها في كل مجلس إل
تطليقة واحدة؛ لن تفويضه الطلق لها يقتضي حصره في كل مجلس مرة.
زمن التفويض بالنسبة للمرأة :
أضاف الحنفية ( : )1إما أن يكون التفويض مطلقا عن التقييد بزمن معين ،مثل :اختاري نفسك أو
طلقي نفسك ،أو يكون مقيدا بزمن معين ،مثل :اختاري نفسك أو أمرك بيدك مدة شهر أو يكون مفيدا
التكرار في جميع الزمان ،مثل طلقي نفسك متى شئت.
خيار المخيّرة :أ ـ إن كان التفويض مطلقا :فحق الطلق مقيد في مجلس علم المرأة بالتفويض ،فما
دامت في مجلسها ،فالمر بيدها؛ لن جعل المر بيدها تمليك الطلق منها ،وجواب التمليك مقيد
بالمجلس ،فإن تغير المجلس أو ظهر ما يدل على العراض عن مقتضى التفويض ،سقط حقها .وقد
اتفق الشافعية والحنابلة كما تقدم مع الحنفية في هذا؛ لن الصحابة رضي ال عنهم جعلوا للمخيّرة
الخيار ما دامت في المجلس .ول يتغير المجلس بالقيام أو القعود ،والقعود في البيت والركوب في
السفينة ل يغير حكم المجلس أثناء المشي ،لكن السير على الدابة يغير حكم المجلس؛ لن السفينة ل
يستطيع الراكب إيقافها ،أما الدابة فيستطيع إيقافها ،فإن سارت بطل خيارها.
-------------------------------
( )1البدائع ،116-113/3 :فتح القدير.115/3 :
( )9/396
وذهب المالكية ( : )1إلى أنه يثبت الخيار للزوجة أبدا إلى أن يعلم أنها أسقطته ،بتمكين الزوج من
نفسها ،فإن لم تجب بشيء رفع الزوج المر إلى القاضي ليأمرها بإيقاع الطلق أو إسقاط التمليك،
فإن أبت أسقطه القاضي ،ول يمهلها وإن رضي الزوج بالمهال لحق ال تعالى ،لما فيه من البقاء
على عصمة مشكوكة.
ب ـ وإن كان التفويض مقيدا بزمن معين كيوم أو شهر أو سنة :ثبت حق الطلق للمفوض إليه في
الوقت المخصص إلى نهايته؛ لنه فوض المر إلى زوجته مثلً في جميع الوقت المذكور ،فيبقى ما
بقي الوقت.
ولو اختارت نفسها في الوقت المحدد مرة ،ليس لها أن تختار مرة أخرى؛ لن اللفظ يقتضي التحديد
بالوقت ،ول يقتضي التكرار.
وإن أضيف التفويض إلى وقت في المستقبل بأن قال :أمرك بيدك غدا ،أو رأس شهر كذا ،فل يصير
المر بيدها إل بمجيء الوقت المخصص .وإن علّق التفويض بشرط ،بأن قال :إذا قدم فلن ،فأمرك
بيدك ،فل يصير المر بيدها إل بقدومه ،فإن قدم فالمر بيدها إذا علمت في مجلسها الذي يقدم فيه
فلن؛ لن المعلق بشرط كالمنجز عند الشرط ،فيصير قائلً عند القدوم :أمرك بيدك ،وتملك الطلق
في مجلس علمها بالقدوم .فلو لم تعلم بقدومه حتى مضى الوقت المخصص ،ثم علمت ،فل خيار لها
بهذا التفويض أبدا؛ لنها مقيدة بمدة ،وقد انتهت ،فل خيار لها بعد فوات زمنه.
جـ ـ وإن كان التفويض بما يقتضي التكرار ،بأن قال لها :أمرك بيدك كلما شئت ،أو طلقي نفسك
متى شئت ،فلها أن تطلق نفسها في أي وقت تشاء ،سواء في مجلس التخيير أو بعده ،لكنها في قوله:
( إذا ،ومتى ) ل تملك أن تختار إل مرة واحدة ،فإذا طلقت نفسهامرة انتهى التفويض؛ لن ( إذا
ومتى ) ل تفيد التكرار .أما إن قال ( كلما ) فلها أن تطلق نفسها أكثر من مرة إلى ثلث؛ لن (كلما )
تقتضي تكرار الفعال ،فيتكرر التفويض عند تكرار المشيئة.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 595/2 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص .233
( )9/397
( )9/398
وإن كان التفويض بلفظة الختيار أو المر باليد ،كان الطلق بائنا ،فلو قال لها :اختاري أو أمرك
بيدك ،ناويا الطلق ،ولم ينو الثلث ،فقالت :اخترت نفسي أو طلقت نفسي؛ وقع الطلق بائنا ،وكان
طلقا واحدا؛ لن المرأة ل يتم لها الختيار أو المر باليد إل بالطلق البائن ،فل تصير مالكة نفسها
إل بالبائن ،أما بالطلق الرجعي فيتمكن الزوج من رجعتها بدون رضاها.
ويرى المالكية ( )1كما تقدم أن الطلق الواقع بالتفويض عند اختيار الزوجة أو تطليقها نفسها هو
الطلق الثلث إذا كان التفويض بالتخيير .أما إذا كان التفويض بالتمليك فإن الواقع هو الطلق
الثلث ،ولكنه يحتمل الواحدة والثنتين .والفرق أن حالة التخيير تقتضي أل يكون للزوج سبيل على
المرأة إذا اختارت نفسها ،وهذا ل يتحقق إل بوقوع الطلق الثلث .وأما في حالة التمليك فقد ملكها ما
يملكه ،فإذا أوقعت طلقة واحدة أو اثنتين أو الثلث ،كانت عاملة بمقتضى اللفظ.
ونظرا لهذا الفرق ،قال المالكية :إذا كان التفويض تخييرا ،فليس للزوج أن ينازع زوجته (أو يناكرها)
إذا أوقعت الثلث ،وأما إذا كان التفويض تمليكا ،فللزوج أن ينازع زوجته ،ويدعي أنه أراد واحدة،
عندما تطلق نفسها ثلثا .ويكون القول قوله مع يمينه.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.597/2 :
( )9/399
( )9/400
( )9/401
والطلق الحسن :هو طلق السنة :وهوأن يطلق المدخول بها ثلثا في ثلثة أطهار ،في كل طهر
تطليقة ،يستقبل الطهر استقبالً ،عملً بأمره صلّى ال عليه وسلم في حديث ابن عمر المتقدم.
وطلق البدعة :أن يطلقها ثلثا أواثنتين بكلمة واحدة ،أو يطلقها ثلثا في طهر واحد؛ لن الصل في
الطلق الحظر ،لما فيه من قطع الزواج الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية ،والباحة إنما هي
للحاجة إلى الخلص ،ول حاجة إلى الجمع في الثلث ،أو في طهر واحد؛ لن الحاجة تندفع بالواحدة،
وتمام الخلص في المفرق على الطهار ،والزيادة إسراف ،فكان بدعة .فإذا فعل ذلك وقع الطلق،
وبانت المرأة منه ،وكان آثما عاصيا ،والطلق مكروه تحريما؛ لن الحظر أو النهي لمعنى في غير
الطلق وهو فوات مصالح الدين والدنيا ،مثل البيع وقت النداء لصلة الجمعة صحيح مكروه لمعنى
في غيره ،والصلة في الرض المغصوبة صحيحة مكروهة لمعنى في غيرها ،وكذا إيقاع أكثر من
طلقة ،إذ ل حاجة إليه .لذا تجب رجعة المطلقة في الحيض أو النفاس ،على الصح رفعا للمعصية
وللمر السابق« :مره فليراجعها» فإذا طهرت طلقها إن شاء ،أوأمسكها.
وطلق السنة :إما من ناحية الوقت أو من ناحية العدد .فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها
وغير المدخول بها .والسنة في الوقت :تثبت في المدخول بهاخاصة ،وهو :أن يطلقها في طهر لم
يجامعها فيه .وأما غير المدخول بها ،فيطلقها في حال الطهر أو الحيض ،على حد سواء.
وإذا كانت المرأة ل تحيض من صغر أو كبر ،فأراد أن يطلقها طلق السنة ،طلقهاواحدة ،فإذا مضى
شهر طلقها أخرى ،فإذا مضى شهر طلقها طلقة أخرى ،فتصير ثلث طلقات في ثلثة أشهر؛ لن
الشهر في حقها قائم مقام الحيض .ويحسب الشهر بالهلة إن كان الطلق في أول الشهر ،وباليام إن
كان في وسط الشهر ،كما هو المقرر في العدة.
ويجوز طلق الحامل عقيب الجماع؛ لنه ل يؤدي إلى اشتباه وجه العدة؛ لن عدتها تنتهي حتما
بوضع الحمل .وطلق السنة الثلث للحامل كالتي ل تحيض ،يكون في ثلثة أشهر ،يفصل بين كل
تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لن الباحة لعلة الحاجة ،والشهر دليل الحاجة كالمقرر
في حق اليسة والصغيرة.
( )9/402
ألفاظ طلق السنة والبدعة :إن من ألفاظ طلق السنة التي هي نص فيه القول :أنت طالق للسنة ،فلو
قال رجل لمرأته المدخول بها التي تحيض :أنت طالق ثلثا أو ثنتين للسنة ،وقع عند كل طهر طلقة،
وتقع أولها في طهر ل جماع فيه .أما لو كانت المرأة غير مدخول بها أو ل تحيض ،فتقع طلقة
واحدة في الحال ،ثم إن غير المدخول بها تبين منه بل عدة؛ لنه طلق قبل الدخول ،ول تقع
طلقةغيرها ما لم يتزوجها ،وأما التي ل تحيض فتقع طلقة أخرى عند مضي شهر.
وإن نوى أن تقع الثلث في الحال ،أو عند رأس كل شهر واحدة ،صحت نيته؛ لن ذلك يحتمله
كلمه.
ومن ألفاظ طلق البدعة :أن يقول الرجل :أنت طالق للبدعة أو طلق الجور أو طلق المعصية أو
طلق الشيطان ،فإن نوى ثلثا فهو ثلث؛ لن إيقاع الثلث في طهر واحد ل جماع فيه بدعة ،وإيقاع
الطلقة الواحدة في طهر جامعها فيه بدعة ،والطلق في حال الحيض بدعة ،فإذا نوى به الثلث ،فقد
نوى ما يحتمله كلمه ،فصحت نيته.
وذهب المالكية ( : )1إلى أن الطلق السني ما توافرت فيه أربعة شروط :وهي أن تكون المرأة
طاهرا من الحيض والنفاس حين الطلق ،وأن يكون زوجها لم يمسها في ذلك الطهر ،وأن تكون
الطلقة واحدة ،وأل يُتبعها الزوج طلقا آخر حتى تنقضي عدتها ،فإن أتبعها كان بدعة؛ لن الصل
في الطلق هو الحظر.
والشرطان الولن متفق عليهما ،والثالث يخالف فيه الشافعية فيباح عندهم جمع الطلقات الثلث،
والرابع يخالف فيه الحنفية فيما يترتب عليه ،فإنهم قالوا :يجوز تطليق المدخول بها ثلثا في ثلثة
أطهار ،كما تقدم.
( )9/403
والطلق البدعي :ما نقص منه أحد هذه الشروط أو كلها .والطلق البدعي إما حرام وإما مكروه،
فيحرم الطلق في الحيض أو النفاس ،ويكره وقوعه بغير حيض ونفاس ،لو أوقع ثلثا أو في
طهرجامعها فيه .ويقع الطلق في الحيض ونحوه ،ويمنع وإن طلبته المرأة من زوجها في حيضها أو
نفاسها.
ومن طلق زوجته وهي حائض أجبر على أن يراجعها إن كان الطلق رجعيا ،حتى تطهر ثم تحيض
حيضة أخرى ،ثم تطهر منها ،فإذا دخلت في الطهر الثاني ،فإن شاء أمسكها ،وإن شاء طلقها .فإن
أبى الرجعة هدد بالسجن ،فإن أبى سجن فعلً ،فإن أبى هدد بالضرب ،فإن أبى ضرب بالفعل ،يفعل
ذلك كله في مجلس واحد .فإن أبى الرتجاع ،ارتجع الحاكم ،بأن يقول :ارتجعتها لك.
ول يجبراتفاقا على الرجعة فيما إذا طلق في طهر مسها فيه أو بعد الحيض قبل الغتسال منه.
والمرأة مصدقة في دعوى الحيض للتمكين من الرجعة.
وجاز طلق الحامل في الحيض أي إن حاضت؛ لن عدتها وضع حملها ،فل تطويل فيها.
وجاز طلق غيرالمدخول بها في الحيض ،لعدم العدة من أصلها.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،225الشرح الصغير.541-537/2 :
( )9/404
ورأى الشافعية ( : )1أن الطلق سني وبدعي ،ول سني ول بدعي .أما القسم الثالث :فهو طلق
الصغيرة ،واليسة ،والمختلعة ،والتي استبان حملها من الزوج ،وغير المدخول بها .فهذا ل سنة فيه
ول بدعة؛ لنه ل يوجد تطويل العدة.
وأما الطلق السني :فهوالمستحب شرعا ،وهو أن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة ،وإن أراد الثلث
فرقها في كل طهر طلقة ،ليخرج من الخلف ،وإن جمع الطلقات الثلث في طهر واحد جاز ول
يحرم ،لن عويمرا العجلني ،لما لعن امرأته عند رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،طلقها ثلثا قبل
أن يخبره صلّى ال عليه وسلم أنها تبين باللعان ( ، )2فلو كان إيقاع الثلث حراما ،لنهاه عن ذلك
ليعلمه هو ومن حضره؛ ولن فاطمة بنت قيس شكت للنبي صلّى ال عليه وسلم أن زوجها طلقها
البتة ،قال الشافعي رضي ال عنه :يعني وال أعلم :ثلثا ،ولم نعلم أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى
عن ذلك؛ وقد فعله جمع من الصحابة ،وأفتى به آخرون.
لكن يسن القتصار على طلقة في القُرْء لذات القراء ،وفي ظهر لذات الشهر ليتمكن من الرجعة أو
التجديد إن ندم ،فإن لم يقتصر على طلقة ،فليفرق الطلقات على اليام ،ويفرق الطلق على الحامل
بطلقة في الحال ويراجع ،وأخرى بعد النفاس ،والثالثة بعد الطهر من الحيض.
ولو قال الرجل لزوجته :أنت طالق ثلثا أو قال :أنت طالق ثلثا للسنة ،وفسر الثلث في الصورتين
بتفريقها على أقراء ،لم يقبل قوله ظاهرا على الصحيح المنصوص ،والصح أنه يقبل قوله ديانة بينه
وبين ال تعالى.
والحاصل :أن طلق الثلث طلق سني عند الشافعية والحنابلة ،بدعي حرام عند المالكية والحنفية.
وأما الطلق البدعي :فهو اثنان :أحدهما ـ طلق المدخول بها في حال الحيض من غير حمل ،لقوله
تعالى{ :فطلقوهن لعدتهن} [الطلق ]1/65:أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة ،وزمن الحيض
ل يحسب من العدة ،وسبب الحرمة :تضررها بطول العدة ،فإن بقية الحيض ل تحسب منها .والنفاس
كالحيض .ويؤيده حديث أمر ابن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها في الحيض.
-------------------------------
( )1المهذب ،89 ،79/2 :مغني المحتاج.312-307/3 :
( )2متفق عليه.
( )9/405
والثاني ـ طلق من يجوز أن تحبل في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل؛ لنه إذا طلقها
في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل،لم يأمن أن تكون حاملً ،فيندم على مفارقتها مع
الولد ،ولنه ل يعلم هل علقت بالوطء ،فتكون عدتها بالحمل ،أو لم تعلق ،فتكون عدتها بالقراء
(الطهار).
ويسن خلفا للمالكية والحنفية مراجعة المرأة المطلقة بدعيا ،ثم إن شاء طلق بعد طهر.
ولو قال لحائض :أنت طالق للبدعة ،وقع الطلق في الحال .وإن قال لها :أنت طالق للسنة ،فيقع
الطلق حين تطهر من الحيض أو النفاس ،بأن تشرع في الطهر ،ول يتوقف على الغتسال ،لوجود
الصفة قبله.
ولو قال لمن في طهر لم تجامع فيه وهي مدخول بها :أنت طالق للسنة ،وقع في الحال لوجود الصفة.
وإن جومعت فيه ولم يظهر حملها ،فيقع الطلق حين تطهر بعد حيض ،لشروعها حينئذ في العدة.
ولو قال لمن في طهر :أنت طالق للبدعة ،فيقع الطلق في الحال إن جومعت فيه أو في حيض قبله
ولم يظهر حملها ،لوجود صفة البدعة ،فإن لم تجامع على النحو المذكور فيقع الطلق حين تحيض.
ولو قال :أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلق أو أجمله أو نحوها ،فهو كقوله :أنت طالق للسنة،
فإن كانت في حيض لم يقع حتى تطهر ،أو في طهر لم تجامع فيه ،وقع في الحال ،أو جومعت فيه،
وقع حين تطهر بعد حيض.
وإن وصف الطلق بصفة ذم ،كأنت طالق طلقة قبيحة أو أقبح الطلق أو أفظعه أو أشرّه أو أفحشه أو
نحوها ،فهو كقوله :أنت طالق للبدعة ،فإن كانت في حيض أو في طهر جامعها فيه ،وقع في الحال،
وإل فحين تحيض .ولو نوى بالطلق طلق السنة لحسن خلقها ،وكانت في زمن البدعة ،دُيّن ،ولم
يقبل قوله ظاهرا ،أي يقبل قوله ديانة ل قضاء.
( )9/406
وإن قال :أنت طالق ثلثا ،في كل قرء طلقة ،فإن كانت طاهرا طلقت طلقة؛ لن ما بقي من الطهر
قرء ،وإن كانت حائضا لم تطلق حتى تطهر ،ثم يقع في كل طهر طلقة .وإن كانت من القسم الثالث
ممن ل سنة لها ول بدعة :فإن كانت حاملً طلقت في الحال طلقة؛ لن الحمل قرء يعتد به ،وإن
كانت تحيض على الحمل ،لم تطلق في أطهارها؛ لنها ليست بأقراء ،فإن راجعها قبل الوضع،
وطهرت في النفاس ،وقعت طلقة أخرى ،فإن حاضت وطهرت ،وقعت الطلقة الثالثة .وإن كانت غير
مدخول بها وقعت عليها طلقة وبانت ،فإن كانت صغيرة مدخولً بها طلقت في الحال طلقة ،فإن لم
يراجعها حتى مضت ثلثة أشهر بانت ،وإن راجعها لم تطلق في الطهر بعد الرجعة؛ لنه هو الطهر
الذي وقع فيه الطلق.
ووافق الحنابلة ( )1الشافعية في رأيهم بتحديد الطلق السني والبدعي وألفاظهما وحكمهما ،واستحباب
مراجعة المطلقة في حيض ،ووجوب إمساكها حتى تطهر ،ثم استحباب إمساكها حتى تحيض حيضة
أخرى ثم تطهر ،على ما أمر به النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث عمر المتقدم.
تقسيم الطلق إلى رجعي وبائن :
ينقسم كل من الطلق الصريح والكناية من حيث إمكان الرتجاع وعدمه إلى رجعي وبائن.
أما الطلق الرجعي :فهو الذي يملك الزوج بعده إعادة المطلقة إلى الزوجية من غير حاجة إلى عقد
جديد ما دامت في العدة ،ولو لم ترض .وذلك بعد الطلق الول والثاني غير البائن إذا تمت المراجعة
قبل انقضاء العدة ،فإذا انتهت العدة انقلب الطلق الرجعي بائنا ،فل يملك الزوج إرجاع زوجته
المطلقة إل بعقد جديد.
وأما الطلق البائن :فهونوعان :بائن بينونة صغرى ،وبائن بينونة كبرى.
والبائن بينونة صغرى :هو الذي ل يستطيع الرجل بعده أن يعيد المطلقة إلى الزوجية إل بعقد جديد
ومهر .وهو الطلق قبل الدخول أوعلى مال أو بالكناية عند الحنفية أو الذي يوقعه القاضي ل لعدم
النفاق أو بسبب اليلء.
-------------------------------
( )1المغني ،113-98/7 :كشاف القناع.276-269/5 :
( )9/407
والبائن بينونة كبرى :هو الذي ل يستطيع الرجل بعده أن يعيد المطلقة إلى الزوجية إل بعد أن تتزوج
بزوج آخر زواجا صحيحا ،ويدخل بها دخولً حقيقيا ،ثم يفارقها أو يموت عنها ،وتنقضي عدتها منه.
وذلك بعد الطلق الثلث حيث ل يملك الزوج أن يعيد زوجته إليه إل إذا تزوجت بزوج آخر.
ضابط الطلق الرجعي والبائن :
للفقهاء آراء في تحديد حالت الطلق الرجعي والبائن:
رأي الحنفية ( : )1كل طلق رجعي إل الطلق قبل الدخول ،والطلق على مال ،والطلق بالكناية
المقترن بلفظ ينبئ عن الشدة أو القوة أو البينونة أو الحرمة ،والطلق المكمل للثلث.
وعليه ،يكون الطلق رجعيا فيما يأتي:
- 1الطلق الصريح بعد الدخول الحقيقي :بلفظ من مادة الطلق أو التطليق غير مقترن بعوض ،ول
بعدد الثلث ،ول موصوف بوصف الشدة أو القوة أو البينونة أو نحوها .فمن قال :أنت طالق ،أو
مطلقة ،أو طلقتك ،يقع به الطلق الرجعي ،ول يقع به إل واحدة ،وإن نوى أكثر من ذلك ،ول يفتقر
إلى النية.
أما لو قال :أنت طالق ،أوأنت طالق الطلق ،أو أنت طالق طلقا ،فإن لم تكن له نية ،فهي طلقة
واحدة رجعية ،وإن نوى به ثلثا كان ثلثا .ولو قال :أنت طالق على المذاهب الربعة ،أو أنت طالق
ل يرد ك عالم ول قاض ،يقع به طلقة رجعية.
ومن ألفاظ الطلق التي هي في حكم الصريح عرفا قول الرجل :علي الطلق ،وعلي الحرام،
والطلق يلزمني ،والحرام يلزمني ،فإنه يقع بل نية للعرف ،وبه أصبح لفظ :حرام وخالص ،من قسم
الصريح.
- 2الطلق الكنائي بعد الدخول الذي ليفيد معنى الشدة والبينونة مثل قوله :اعتدي ،أو استبرئي
رحمك ،أو أنت واحدة ،يقع بهذه اللفاظ طلقة واحدة رجعية ،إذا نوى الزوج بها الطلق.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،621-617 ،592/2 :اللباب ،44-41/3 :البدائع.112-109/3 :
( )9/408
- 3الطلق الذي يوقعه القاضي لعدم النفاق ،أو بسبب اليلء ،فإن الول يكون رجعيا؛ لن قدرة
الزوج على النفاق متوقعة في أي وقت ،والثاني يكون رجعيا أيضا؛ لتمكين الزوج من العودة إلى
معاشرة الزوجة.
والدليل على أن الصل العام في كون الطلق رجعيا آيتان{ :الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو
تسريح بإحسان} [البقرة{ ]229/2:والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} { ...وبعولتهن أحق
بردهن في ذلك إن أرادوا إصلحا} [البقرة ]2/228:فكلتا اليتين تدلن على إمكان الرجعة ما دامت
المرأة في العدة ،إل ما دل الدليل على استثنائه :وهو الطلق الثلث ،والطلق قبل الدخول ،والطلق
على مال ،والطلق لرفع الضرر عن الزوجة ،والطلق بلفظ ينبئ عن الشدة والنفصال التام.
ويكون الطلق بائنا فيما يأتي:
أولًـ البائن بينونة صغرى :
- 1الطلق قبل الدخول الحقيقي أو بعد الخلوة الصحيحة المجردة ،فالول يكون بائنا ،لنه ل تجب
به العدة ول يقبل الرجعة ،بدليل{ :يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن ،فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب ]49/33:وإذا لم تجب العدة فل تمكن المراجعة؛
لن الرجعة ل تكون إل في العدة ،فيكون الطلق بائنا غير رجعي.
وأما بعد الخلوة الصحيحة التي لم يحدث فيها اتصال جنسي ،فيقع الطلق بائنا ،وإن وجبت العدة؛ لن
وجوب العدة إنما هو للحتياط لثبوت النسب ،والحكم بصحة الرجعة ليس فيه احتياط ،بل الحتياط
يقتضي الحكم بعدم صحة الرجعة.
( )9/409
ً - 2الطلق الكنائي المقترن بما ينبئ عن الشدة أو القوة أو البينونة :أي أن كل طلق بالكناية إذا
نوى به الطلق ،ما عدا اللفاظ الثلثة المتقدمة (اعتدي ،استبرئي رحمك ،أنت واحدة) يكون طلقة
واحدة بائنة ،وإن نوى به اثنتين ،إذ ل دللة للفظ على عدد الثنتين ،فيثبت الدنى وهو الواحدة ،فإن
نوى به الثلث كان ثلثا؛ لن البينونة نوعان :مغلظة وهي الثلث ،ومخففة وهي الواحدة ،فأيهما
نوى وقعت لحتمال اللفظ.
وهذه اللفاظ مثل قوله :أنت طالق طلقة شديدة أو قوية أو طويلة أو عريضة؛ لن المراد بالطول
والعرض والشدة والقوة.
ومثل :أنت بائن ،وبتة ،وبتلة ،وخلية ،برية ،حرة ،وحبلك على غاربك ،والحقي بأهلك ،وسرحتك
وفارقتك ،وتقنعي ،وتخمري واستتري ،واعزُبي واغرُبي ( ، )1وابتغي الزواج ،ونحو ذلك.
وقد أصبح :أنت خالصة ،وأنت حرام ،أو علي الحرام من الطلق الصريح عرفا ،ويقع به طلقة
رجعية.
والحقي بأهلك ،وسرحتك وفارقتك ،وتقنعيى ،وتخمري واستتري ،واعزُبي واغرُبي ،وابتغي
الزواج ،ونحو ذلك .
وقد أصبح :أنت خالصة ،وأنت حرام ،أو علي الحرام من الطلق الصريح عرفا ،ويقع به طلقة
رجعية .
ً - 3الطلق على مال :وذلك إذا خالع الرجل امرأته أو طلقها على مال؛ لن الخلع بعوض طلق
على مال عندهم ،وكان طلقا بائنا؛ لن المقصود أن تملك المرأة أمرها ،وتمنع الزوج من مراجعتها،
ول يتحقق هدفها إل بالطلق البائن.
ً - 4الطلق الذي يوقعه القاضي ل لعدم النفاق أو بسبب اليلء ،وإنما بسبب عيب في الزوج أو
للشقاق بين الزوجين ،أو لتضرر الزوجة من غيبة الزوج أو حبسه؛ لن التجاء الزوجة إلى القضاء ل
يكون إل لدفع الضرر عنها وحسم الزواج ،ول يتحقق المقصود إل بالطلق البائن.
-------------------------------
( )1اعزبي من العزوبة :وهي عدم الزواج ،واغربي من الغربة :وهي البعد.
( )9/410
( )9/411
( )9/412
ونصت المادة الخامسة على ما يأتي« :كل طلق يقع رجعيا إل المكمل للثلث ،والطلق قبل الدخول،
والطلق على مال ،وما نص على كونه بائنا في هذا القانون والقانون رقم ( ) 25لسنة . »1920
وما نص على كونه بائنا في قانون ( :)1929هو التفريق الذي يكون من القاضي بسبب ضرر
الزوجة ،والشقاق بينها وبين زوجها ،وبسبب غيبة الزوج أو حبسه مدة طويلة.
وما نص على كونه بائنا في قانون ( :)1920هو تفريق القاضي أيضا بسبب عيوب الرجل من مثل
الجنون والجذام والبرص وغيرها من العيوب في الراجح عند الحنفية ،وهي عيوب الجب والعنة
والخصاء.
والقانون متفق مع الفقه ،ولكن كل من القانون المصري والسوري قد خالف المذاهب ا لربعة في
الطلق الثلث المقترن بعدد الثلث ،يقع ثلثا في المذاهب ،وواحدة في القانون ،فنصت المادة الثالثة
من قانون عام ( )1929في مصر ،والمادة ( )92من القانون السوري على أن «الطلق المقترن بعدد
لفظا أو إشارة ل يقع إل واحدا» .
حكم الطلق الرجعي والبائن :
يشترك الطلق الرجعي والبائن في أحكام ،منها:
وجوب نفقة العدة للمطلقة ،وثبوت نسب ولدها الذي تلده للمطلق ،ويهدم الزوج الثاني إذا تزوجت
المطلقة بزوج آخر ما كان من الطلق في الزواج الول ،سواء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أكان
الطلق ثلثا أم أقل ،وقال باقي الفقهاء :إنه يهدم الثلث ل غير ،فتعود إلى الول بزوجية جديدة يملك
فيها ثلث طلقات .وينفرد الطلق الرجعي عن البائن بأحكام.
حكم الطلق الرجعي :
اتفق الفقهاء على أن الطلق الرجعي له آثار هي (: )1
ً 1ـ نقص عدد الطلقات :يترتب على الطلق أنه ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج ،فإذا طلق
الرجل زوجته طلقا رجعيا بقي له طلقتان ،وإذا طلق طلقا آخر بقي له طلقة واحدة.
ً - 2انتهاء رابطة الزوجية بانتهاء العدة :إذا طلق الرجل طلقا رجعيا وانقضت العدة من غير
مراجعة بانت منه بانقضاء العدة ،وحينئذ يحل مؤخر الصداق.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،738 ،645/2 :القوانين الفقهية :ص ،234 ،226مغني المحتاج،340/3 :
المغني ،279/7 :غاية المنتهى ،180/3 :الشرح الصغير.606/2 :
( )9/413
ً - 3إمكان المراجعة في العدة :يملك المطلّق مراجعة مطلقته بالقول اتفاقا ،وكذا بالفعل عند الحنفية
والحنابلة والمالكية ،ما دامت في العدة ،فإذا انقضت العدة بانت منه ،فلم يملك رجعتها إل بإذنها.
ً - 4المرأة الرجعية زوجة يلحقها طلق الرجل وظهاره وإيلؤه ولعانه ،ويرث أحدهما صاحبه
بالتفاق .وإن خالعها صح خلعه عند الحنابلة والحنفية؛ لنها زوجة صح طلقها ،فصح خلعها كما
قبل الطلق ،وليس مقصود الخلع التحريم ،بل الخلص من مضرة الزوج ونكاحه الذي هو سببها،
والنكاح باق ،ول نأمن رجعته.
وقال الشافعي في الظهر :يصح خلع المرأة الرجعية في أثناء العدة؛لنها في حكم الزوجات في كثير
من الحكام (. )1
- 5حرمة الستمتاع عند الشافعية :قال الشافعية ،والمالكية في المشهور :يحرم الستمتاع بالمرأة
المطلقة طلقا رجعيا بوطء وغيره حتى بالنظر ولو بل شهوة؛ لنها مفارقة كالبائن ،ولن النكاح يبيح
الستمتاع فيحرمه الطلق؛ لنه ضده ،فإن وطئ الزوج المطلقة فل حد ،ول يعزر إل معتقد
تحريمه .وهذا هو الحق عندي.
وقال الحنفية والحنابلة :الطلق الرجعي ل يحرم الوطء ،فيجوز الستمتاع بالرجعية ولو وطئها لحد
عليه؛ لنه مباح ،لكن تكره الخلوة بها تنزيها .ومن عبارات الحنفية فيه :الطلق الرجعي ل يزيل
الملك ول الحل ما دامت في العدة .والمقصود بالملك :حل الستمتاع وسائر حقوق الزواج ،والمقصود
بالحل :بقاء المطلقة حللً لمن طلقها ول تحرم عليه بسبب من أسباب التحريم.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.265/3 :
( )9/414
( )9/415
( )9/416
ل لوقوع الطلق عليها عند ذلك الوقت ،وكان الرجل أهلً ليقاعه؛ لنه
إليه ،إذا كانت المرأة مح ً
قصد إيقاعه بعد زمن ،ل في الحال.
فقوله :أنت طالق غدا ،يقع بأول جزء منه وهو عند طلوع الفجر ،وقوله :أنت طالق ليلً إذا مضى
يوم ،فيقع عند غروب شمس غده ،إذ به يتحقق مضي اليوم .وإن قال :نهارا ،ففي مثل وقته من غده
تطلق لن اليوم حقيقة في جميعه ،وإن قال لزوجته :أنت طالق في شهر كذا كرمضان ،وقع الطلق
في أول جزء من الليلة الولى منه ،وهو حين تغرب الشمس من آخر يوم من الشهر الذي قبله وهو
شهر شعبان.
وإن قال :أنت طالق أمس أو أنت طالق قبل أن أتزوجك ،وقصد أن يقع في الحال مستندا إلى المس،
وقع في الحال عند الحنفية،والشافعية على الصحيح والحنابلة ،ولغا قصد الستناد إلى أمس لستحالته؛
لن النشاء في الماضي في الحال.
وظاهر كلم أحمد :أن الطلق ل يقع إذا لم يكن له نية .وإن أراد الخبار بأنه كان قد طلقها هو ،أو
زوجٌ قبله في الزمان المذكور ،وكان قد وجد الطلق ،قبل منه .وإن لم يوجد وقع طلقه.
وإن قال :أنت طالق قبل أن أخلق أو قبل أن تخلقي ،أو طلقتك وأنا صبي أو نائم ،أو مجنون ،كان
لغوا؛ لن حاصله إنكار الطلق.
( )9/417
كذلك رأى الحنفية والشافعية والحنابلة :إن قال :أنت طالق قبل موتي بشهرين أو أكثر ،فمات قبل
مضي شهرين ،لم تطلق لنتفاء الشرط ،ولن الطلق ل يقع في الماضي .وإن مضى شهران ثم مات
بعدهما ولو بساعة طلقت مستندا لول المدة ل عند الموت ،وفائدة الطلق :أنه ل ميراث لها؛ لن
العدة قد تنتهي بشهرين ،بثلث حيضات عند الحنفية ومن وافقهم.
وإن قال :أنت طالق قبل موتي ،ولم يزد شيئا ،طلقت في الحال؛ لن ما قبل موته من عقد صفة
الطلق ،محل للطلق ،فوقع في أوله.
وإن قال لزوجته :أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ،فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلق فيه ،وقع مستندا (
أي بأثر رجعي ) قبل الشهر عند الشافعية والحنابلة؛ لن قوله يراد به إيقاع الطلق بعد عقده ،لنه
أوقع الطلق في زمن على صفة ،فإذا حصلت الصفة وقع فيه ،كما لو قال :أنت طالق قبل رمضان
بشهر أو قبل موتك بشهر.
وقال الحنفية ما عدا زفر :يقع الطلق مقتصرا ( أي من غير أثر رجعي ) عند قدوم زيد؛ لنه جعل
الشهر شرطا لوقوع الطلق ،فل يسبق الطلق شرطه.
ثالثا ـ الطلق المعلق :
هو ما رتب وقوعه على حصول أمر في المستقبل ،بأداة من أدوات الشرط أي التعليق ،مثل إن،
وإذا ،ومتى ،ولو ونحوها ،كأن يقول الرجل لزوجته :إن دخلت دار فلن فأنت طالق ،أو إذا سافرت
إلى بلدك فأنت طالق ،أو إن خرجت من المنزل بغير إذني فأنتي طالق ،أو متى كلمت فلنا فأنت
طالق.
ويسمى يمينا مجازا؛ لن التعليق في الحقيقة إنما هو شرط وجزاء ،فإطلق اليمين عليه مجاز ،لما فيه
من معنى السببية ،ولمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر.
والتعليق إما لفظي :وهو الذي تذكر فيه أداة الشرط صراحة ،مثل إن وإذا.
( )9/418
وإما معنوي :وهو الذي ل تذكر فيه أداة الشرط صراحة ،بل تكون موجودة من حيث المعنى ،كقول
الزوج :علي الطلق لفعلن كذا ،أو ل أفعل كذا ،أو الطلق يلزمني ل أفعل كذا .فالمقصود منها
بحسب العرف :لزوم الطلق إن حصل المحلوف عليه ،أم لم يحصل.
أنواع الشرط المعلق عليه :
الشرط الذي يعلق الطلق عليه إما أن يكون أمرا اختياريا يمكن فعله والمتناع عنه ،أو أمرا غير
اختياري.
فإن كان الشرط أمرا اختياريا يمكن أن يكون ويمكن أل يكون :فإما أن يكون فعلً من أفعال الزوج،
مثل إن دخلت دار فلن أو كلمت فلنا فامرأتي طالق ،أو إن لم أدفع حق فلن غدا فزوجتي طالق،
ففي المثال الول يكون التعليق لحمل نفسه على المتناع من الدخول ،وفي المثال الثاني يكون التعليق
لحمل نفسه على دفع الدين أو الحق في الغد.
أو يكون فعلً من أفعال الزوجة ،مثل إن سافرت أو دخلت دار فلن فأنت طالق .ومثل :أنت طالق
إن شئت ،لم تطلق حتى تسافر أو تدخل الدار أو تشاء .أو يكون فعلً لغير الزوجين ،مثل :إن سافر
أخوك فأنت طالق .وإن كان الشرط أمرا غير اختياري للنسان فهو كالتعليق بمشيئة ال تعالى،
وطلوع الشمس وموت فلن ،ودخول الشهر ،وولدة فلنة ونحوها.
شروط التعليق :
يشترط لصحة التعليق ما يأتي:
ً - 1أن يكون الشرط المعلق عليه الطلق معدوما على خطر الوجود ،أي يحتمل أن يكون وأل
يكون .فلو كان موجودا كان طلقها منجزا ،مثل إن خرجت أمس فأنت طالق ،وقد خرجت فعلً
فتطلق في الحال .وإن كان المعلق عليه أمرا مستحيلً عادة كالطيران وصعود السماء ،مثل إن
صعدت السماء فأنت طالق ،ومنه التعليق بمشيئة ال تعالى ،كأن يقول :أنت طالق إن شاء ال تعالى،
فل يقع عند الحنفية؛ لن التعليق ل يصح ،واليمين لغو ،ووافقهم بقية المذاهب في التعليق بمستحيل
عادة.
( )9/419
ووافقهم أيضا المالكية والشافعية والظاهرية في التعليق بمشيئة ال ،ل يقع الطلق عندهم إن قصد
التعليق ،وقال الحنابلة :يقع الطلق،لن ما ل يمكن الطلع عليه يكون منجزا ويقع في الحال ،وسقط
حكم تعليقه ،قال ابن عباس« :إذا قال الرجل لمرأته :أنت طالق إن شاء ال ،فهي طالق» وقال ابن
عمرو وأبو سعيد« :كنا معشر النبي صلّى ال عليه وسلم نرى الستثناء جائزا في كل شيء إل في
الطلق والعتاق» وذكر الشافعية :أنه لو قال :يا طالق إن شاء ال ،وقع في الصح نظرا لصورة
النداء المشعر بحصول الطلق حالته ،والحاصل ل يعلق ،بخلف أنت طالق إن شاء ال وقصد
التعليق فإنه لم يقع.
ورأي غير الحنابلة أصح لدي لحديث ابن عمر« :من حلف على يمين ،فقال :إن شاء ال ،فل حنث
عليه» ( )1وحديث ابن عباس« :من قال لمرأته :أنت طالق إن شاء ال ،أو لغلمه :أنت حر ،أو
قال :عليّ المشي إلى بيت ال إن شاء ال ،فل شيء عليه» (. )2
ً - 2أن يحصل المعلق عليه والمرأة محل لوقوع الطلق عليها :بأن تكون في حال الزوجية فعلً ،أو
حكما في أثناء العدة باتفاق الفقهاء ،أو في أثناء العدة من الطلق البائن بينونة صغرى عند الحنفية،
خلفا لباقي المذاهب ،فلو قال الرجل لمرأة أجنبية :إن كلمت فلنا فأنت طالق ،فكلمته ،لم يقع
الطلق وكذا لو تزوجها ثم كلمت فلنا ،ل تطلق؛ لنها وقت التعليق لم تكن محلً ليقاع الطلق.
ولو قال لمرأته المطلقة طلقا رجعيا في أثناء العدة :إن كلمت فلنا ،فأنت طالق ،فكلمته في العدة،
وقع الطلق عليها باتفاق الفقهاء ،وكذا تطلق لو كانت عند الحنفية في عدة طلق بائن بينونة صغرى،
ول تطلق حينئذ في المذاهب الخرى.
ل ليقاع الطلق ،فلو طلق طلقا معلقا ثم
ول يشترط عند حصول المعلق عليه أن يكون الزوج أه ً
جن أو عته ،ووجد المعلق عليه ،وقع الطلق؛ لن الصيغة صدرت من أهلها مستوفية شروطها،
فيترتب عليها أثرها.
-------------------------------
( )1رواه أصحاب السنن الربعة ،وقال الترمذي :حديث حسن ( نصب الراية.) 234/3 :
( )2أخرجه ابن عدي ،وهو معلول بإسحاق الكعبي ( نصب الراية.) 235/3 :
( )9/420
( )9/421
- 3وقال ابن تيمية وابن القيم بالتفصيل :إن كان التعليق قسميا أو على وجه اليمين ووجد المعلق
عليه ،ل يقع ،ويجزيه عند ابن تيمية كفارة يمين إن حنث في يمينه ،ول كفارة عليه عند ابن القيم،
وأما إن كان التعليق شرطيا أو على غير وجه اليمين ،فيقع الطلق عند حصول الشرط.
أدلة القوال :
أدلة القول الول :استدل أئمة المذاهب الربعة بالكتاب والسنة والمعقول:
- 1الكتاب :استدلوا بإطلق اليات الدالة على مشروعية الطلق وتفويض المر فيه إلى الزوج،
مثل قوله تعالى{ :الطلق مرتان} [البقرة ،]229/2:فهي لم تفرق بين منجز ومعلق ،ولم تقيد وقوعه
بشيء ،والمطلق يعمل به على إطلقه ،فيكون للزوج إيقاع الطلق حسبما يشاء منجزا أو مضافا أو
معلقا على وجه اليمين أو غيره.
- 2السنة :استدلوا بقوله صلّى ال عليه وسلم « :المسلمون عند شروطهم» وبوقائع كثيرة حدثت في
عصر النبي والصحابة ،منها :ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال« :طلق رجل امرأته البتة إن
خرجت» فقال ابن عمر :إن خرجت فقد بانت منه ،وإن لم تخرج فليس بشيء.
ومنها :ما رواه البيهقي عن ابن مسعود في رجل قال لمرأته :إن فعلتْ كذا وكذا ،فهي طالق ،ففعلته:
فقال :هي واحدة ،وهو أحق بها .
ومنها :ما صح عن أبي ذر الغفاري أن امرأته لما ألحت عليه في السؤال عن الساعة التي يستجيب
ال فيها الدعاء يوم الجمعة قال لها« :إن عدت سألتِني فأنت طالق» .
ومنها :ما أسنده ابن عبد البر عن عائشة رضي ال عنها قالت« :كل يمين وإن عظمت ،ففيها الكفارة
إل العتق والطلق» .
ومنها :ما رواه البيهقي عن ابن عباس في رجل قال لمرأته :هي طالق إلى سنة ،قال :يستمتع بها
إلى سنة .وهذا الثر في التعليق الشرطي ،وكل ما سبق قبله في التعليق القسمي.
( )9/422
وعن الحسن البصري فيمن قال لمرأته :أنت طالق إن لم أضرب غلمي فأبق الغلم (هرب) ،قال:
هي امرأه يستمتع بها ،ويتوارثان ،حتى يفعل ما قال .فإن مات الغلم قبل أن يفعل ما قاله ،فقد ذهبت
منه امرأته.
وروى البيهقي عن أبي الزناد عن فقهاء أهل المدينة أنهم كانوا يقولون :أيما رجل قال لمرأته :أنت
طالق إن خرجت حتى الليل ،فخرجت امرأته قبل الليل بغير علمه ،طلقت امرأته .فكل هذه الثار تدل
على وقوع الطلق المعلق عند حدوث الشرط المعلق عليه.
- 3المعقول :قد تدعو الحاجة إلى تعليق الطلق كما تدعو إلى تنجيزه ،زجرا للمرأة ،فإن خالفت
كانت هي الجانية على نفسها .ويقاس الطلق القسمي على المداينة إلى أجل والعتق إلى أجل.
أدلة القول الثاني :
استدل الظاهرية والمامية على قولهم بأن تعليق الطلق يمين ،واليمين بغير ال تعالى ل تجوز ،بقوله
صلّى ال عليه وسلم « :من كان حالفا فل يحلف إل بال » ( )1ثم قالوا :ول طلق إل ما أمر ال عز
وجل ،ول يمين إل كما أمر ال عز وجل على لسان رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،واليمين
بالطلق ليس مما سماه ال تعالى يمينا ،وال تعالى يقول{ :ومن يتعدّ حدود ال فقد ظلم نفسه}
[الطلق ]1/65:ولم يأت قرآن ول سنة بوقوع الطلق المعلق.
ورد هذا :بأن تسمية الطلق المعلق يمينا إنما هو على سبيل المجاز ،من حيث إنه يفيد ما يفيده اليمين
بال تعالى :وهو الحث على الفعل ،أو المنع منه ،أو تأكيد الخبر ،فل يكون الحديث المذكور متناولً
الطلق المعلق .ثم إن السنة وردت بوقوع الطلق المعلق.
واستدلوا أيضا بما رواه ابن حزم وابن القيم عن علي وشريح أنهم كانوا يقولون« :الحلف بالطلق
ليس بشيء» ورد عليه بأن المروي عن علي في حال الضطهاد ،والمروي عن شريح في حالة عدم
وقوع المر المعلق عليه ،والمروي عن طاوس مؤوّل بأنه ليس شيئا مستقيما في السنة بمعنى ل
ينبغي أن يحصل.
-------------------------------
( )1رواه أبو عبيد عن ابن عمر.
( )9/423
واستدلوا كذلك بأن كل طلق ل يقع حين إيقاعه دون تقييد بشرط أو صفة ل يقع بعدئذ .ورد هذا بأن
المعلّق ليس موقعا للطلق حين التلفظ ،وإنما عند تحقق الشرط.
وقاسوا الطلق على النكاح ،فكما ل يصح تعليق النكاح ل يصح تعليق الطلق .ورد عليه بأنه قياس
مع الفارق؛ لن تعليق النكاح مناف للمقصود منه ،أما الطلق فإنه ل ينافيه.
أدلة القول الثالث :
استدل ابن تيمية وابن القيم على رأيهم التفصيلي:
ً - 1بأن الطلق المعلق القسمي إذا كان المقصود منه الحث على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر،
كان في معنى اليمين ،فيكون داخلً في أحكام اليمين في قوله تعالى{ :قد فرض ال لكم تحلة أيمانكم}
[التحريم ]2/66:وقوله سبحانه{ :ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة .]89/5:وإن لم تكن يمينا
شرعية كانت لغوا.
ورد عليهما بأن الطلق المعلق ل يسمى يمينا ل شرعا ول لغة ،وإنما هو يمين على سبيل المجاز،
لمشابهة اليمين الشرعية في إفادة الحث على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر ،فل يكون له حكم
اليمين الحقيقي :وهو الحلف بال تعالى أو صفة من صفاته ،بل له حكم آخر :وهو وقوع الطلق عند
حصول المعلق عليه.
- 2وبأن عائشة وحفصة وأم سلمة وابن عباس أفتوا ليلى بنت العجماء بأن تكفّر عن يمينها حينما
حلفت بالعتق فقالت :كل مملوك لها محرر ،وكل مال لها هدي ،وهي يهودية وهي نصرانية إن لم
يطلق مولها أبو رافع امرأته ،أو يفرق بينه وبينها ،فيكون الحلف بالطلق مثله وهو أولى .ورد
عليهما بأن الثار المروية عن الصحابة في العتداد بالتعليق أقوى من هذا؛ لن رواتها من رجال
الصحيح.
- 3وبما رواه البخاري عن ابن عباس رضي ال عنه« :الطلق عن وَطَر والعتق :ما ابتغي به وجه
ال » أي أن الطلق إنما يقع ممن غرضه إيقاعه ،ل ممن يكره وقوعه كالحالف المكره.
وأجيب بأن معنى الوطر ليس هو كما ذكرتم ،بل معناه :ل ينبغي للرجل أن يطلق امرأته إل عند
الحاجة كالنشوز.
وفي تقديري أن القول الول هو الصح دليلً ،لكن يلحظ أن الشبان غالبا يستخدمون اليمين بالطلق
للتهديد ل بقصد اليقاع ،وهذا يجعلني أميل إلى القول الثالث ،ل سيما وقد أخذ به القانون في مصر
رقم ( 25لسنة ،)1929وفي سورية ،نصت المادة الثانية من القانون المصري والمادة ( )90من
القانون السوري على الخذ برأي ابن تيمية وابن القيم:
«ل يقع الطلق غير المنجز إذا لم يقصد به إل الحث على فعل شيء ،أو المنع منه ،أو استعمل
استعمال القسم لتأكيد الخبار ل غير» .
( )9/424
ملحق ـ حكم طلق المريض مرض الموت :
أبحث هنا حكم طلق المريض مرض الموت ونحوه ،وشروط ثبوت ميراث زوجته منه ،وبعض
الحكام الفرعية في مرض الموت (. )1
المقصود بمريض الموت :كل من غالب حاله الهلك بمرض أو غيهر له حكم مرض الموت ،
ويسمى طلقه طلق الفارّ أو الفرار ،لفراره من إرث زوجته ،فيرد عليه قصده إلى تمام عدتها عند
الحنفية ،ولو بعد انقضاء العدة عند المالكية ،وما لم تتزوج في المشهور عند الحنابلة .
ومريض الموت كما قال الحنفية :هو من أضناه مرض عجز به عن إقامة مصالحه المعتادة خارج
البيت ،كعجز العالم الفقيه عن التيان إلى المسجد وعجز التاجر عن التيان إلى دكانه .وأما المرأة
المريضة :فهي التي عجزت عن مصالحها المعتادة داخل البيت كطبخ ونحوه .واستمر المرض في
حدود السنة دون تزايد ،وأعقبه الموت ،فالمراد من مرض الموت :هو الذي يتحقق فيه أمران:
-------------------------------
( )1فتح القدير 150/3 :ومابعدها ،الدر المختار ،723-715/2 :اللباب ،52/3 :القوانين الفقهية :ص
،228مغني المحتاج ،294/3 :المغني ،339-329/6 :المختصر النافع في فقه المامية :ص ،223
المحلى ،266/10 :مسألة .1976
( )9/425
الول ـ أن يكون الغالب فيه الهلك عادة ،الثاني ـ أن يتصل به الموت.ويلحق به من يترقب الموت
كالمحكوم عليه بالعدام ،والمشرف على الغرق في سفينة.
حكمه :له أحكام ،منها :أنه ل يصح تبرعه إل من ثلث التركة ،ومنها نفاذ طلقه وإرث امرأته منه إذا
مات وهي في العدة عند الحنفية ،وتفصيل حكم طلقه ما يأتي:
اتفق الفقهاء على أن الرجل المريض إذا طلق امرأته ،فطلقه نافذ كالصحيح ،فإن مات من ذلك
المرض ورثته المطلقة ما دامت في العدة من طلق رجعي ،كما ترثه فيها في طلقها في حال
الصحة؛ لن الرجعية زوجة يلحقها طلق الزوج وظهاره وإيلؤه ،ويملك إمساكها بالرجعة ولو بغير
رضاها ،ول ولي ول شهود ولصداق جديد.
أما إن طلقها في حال الصحة طلقا بائنا أو رجعيا ،فبانت منه بانقضاء عدتها ،فلم يتوارثا إجماعا.
واتفق الفقهاء أيضا على أن الرجل إذا طلق امرأته في مرض الموت ثم ماتت ،لم يرثها وإن ماتت في
العدة.
واختلفوا في إرث الزوجة المطلقة طلقا بائنا إذا مات الزوج في أثناء العدة من هذا الطلق .وهذا
محل البحث هنا ،وهو حكم طلق الفرار.
فقال الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة والمامية) :إنها ترثه ،وقال الشافعي في الجديد :ل ترثه.
وقال الظاهرية :طلق المريض كطلق الصحيح ول فرق ،فإذا مات أو ماتت فل توارث بينهما بعد
الطلق الثلث ،ول بعد تمام العدة في الطلق الرجعي.
الدلة :
استدل الشافعي على أن المرأة المطلقة في عدة طلق بائن ل ترث من زوجها الذي طلقها :بانقطاع
آثار الزوجية بالطلق البائن ،والميراث ل يثبت بعد زوال سببه ،بخلف المطلقة في عدة طلق
رجعي ،فإنها ترث بالتفاق لبقاء آثار الزوجية ،كلحوق الطلق لها واليلء منها ونحوهما.
واستدل الجمهور بالثر والمعقول:
( )9/426
أما الثر :فإن عثمان رضي ال عنه ورّث تماضر بنت الصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف،
الذي كان قد طلقها في مرضه ،فبتّها ،وكان ذلك بمحضر من الصحابة ،فلم ينكر عليه أحد ،فكان
إجماعا منهم.
وأما المعقول :فهو أن تطليقها ضرار محض ،وهو يدل على قصده حرمانها من الرث ،فيعاقب
بنقيض قصده ،كما يرد قصد القاتل إذا قتل مورثه بحرمانه من الرث ،فترث المرأة حينئذ بسبب
الزوجية دفعا للضرر عنها.
وقت الرث :لكن اختلف الجمهور في وقت الرث ،فقال الحنفية :إنها ترث إذا مات وهي في العدة
من هذا الطلق البائن ،لبقاء بعض أحكام الزواج فيبقى حق إرثها منه ،فإن مات بعد انقضاء العدة،
فل ميراث لها؛ لنه لم يبق بينهما علقة ،وصارت كالجنبية ،ففي أثناء العدة :ترث بسبب المكان
وهو بقاء بعض أحكام الزوجية ،وبعد انقضاء العدة :ل ترث لعدم المكان وانقطاع آثار الزوجية
السابقة.
وقال المالكية :إنها ترث وإن انقضت عدتها وتزوجت ،لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
«أن أباه طلق أمه ،وهو مريض ،فمات ،فورثته بعد انقضاء العدة» ولن سبب توريثها فراره من
ميراثها ،وهذا المعنى ل يزول بعد انقضاء العدة.
وعند المامية ،والمشهور عند أحمد :أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج ،لما روي عن الحسن
البصري ،ولن هذه المطلقة وارثة من زوج ،فل ترث زوجا سواه كسائر الزوجات ،فلو ورثت بعد
الزواج بغيره لدى ذلك إلى توريثها من زوجين في بعض الحوال ،والمرأة ل تكون زوجة لثنين
شرعا ،والتوارث من حكم النكاح فل يجوز اجتماعه مع نكاح آخر ،ولنها فعلت باختيارها ما ينافي
نكاح الزوج الول لها ،فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها.
( )9/427
شروط ثبوت الميراث :يشترط لثبوت ميراث المرأة في طلق الفرار مايأتي:
ً - 1أل يصح الزوج من ذلك المرض ،وإن مات منه بعد مدة.
ً - 2أن يكون المرض مخوفا يحجر عليه فيه.
ً - 3أن يكون الطلق البائن بعد الدخول الحقيقي :فلو كان الطلق قبل الدخول ولو بعد الخلوة
الصحيحةل يعتبر المطلّق فارّا ول تستحق الزوجة الميراث؛ لن العدة ل تجب بهذا الطلق .ووجوب
العدة بعد الخلوة عندا لحنفية ومن وافقهم للحتياط محافظة على النساب ،والميراث حق مالي ل يثبت
للحتياط.
ً - 4أن يكون الطلق بدون رضا الزوجة :أي منه ل منها ول بسببها ،فلو كان برضاها ل يثبت لها
الميراث ،ول يوصف المطلّق بالفرار .وعليه لو كان الطلق بالتمليك والتخيير بأن قال لها :اختاري،
والخلع بأن اختلعت منه على مال دفعته له في سبيل تطليقها ،والتفريق القضائي لعيب في الزوج ،ثم
مات وهي في العدة ،لم ترثه ،لتحقق رضاها بإبطال حقها في الميراث.
ً - 5أن تكون الزوجة أهلً للميراث من زوجها وقت الطلق ،وأن تستمر هذه الهلية إلى وقت
ل للميراث وقت الطلق ،بأن كانت كتابية وهو مسلم ،فل يثبت لها الميراث،
الموت .فإذا لم تكن أه ً
لعدم تحقق صفة الفرار .ولو كانت مسلمة وقت الطلق ،ثم خرجت عن هذه الهلية قبل الموت
فارتدت ،فإنها ل ترث؛ لنها بالردة سقط حقها في الميراث ،ول يعود لها عند الجمهور غير المالكية
هذا الحق بالسلم؛ لن الساقط ل يعود.
وقال مالك :لو عادت إلى السلم بعد أن ارتدت ثم مات الزوج في عدتها ،فإنها ترثه؛ لنها مطلّقة
في المرض ،فأشبه ما لو لم ترتد.
( )9/428
الفرقة من جهة الزوجة المريضة مرض الموت :إذا حدثت الفرقة من جهة الزوجة وهي مريضة
مرض الموت ونحوه مما يغلب فيه الهلك ،فإنها تعد فارّة من ميراث زوجها ،فتعامل بنقيض
مقصودها ،ويرثها الزوج إذا ماتت وهي في العدة ،ول ترث هي منه إذا مات ولو كانت في العدة.
وإذا قصدت الزوجة بالفرقة إبطال حق الزوج ،رد عليها قصدها وثبت له الميراث ،كأن يكون
لهاخيار الفسخ ،أو ترتكب مع أحد أصول الزوج أو فروعه في مرض موتها ما يوجب حرمة
المصاهرة ،أو ترتد عن السلم وهي في مرض موتها ،فإنها تعتبر فارّة من الميراث ،فيرثها زوجها
إذا ماتت قبل انقضاء عدتها؛ لن الفرقة جاءت بسبب من جهتها.
ومما يوجب حرمة المصاهرة عند الحنفية والحنابلة :أن يستكره البن امرأة أبيه على ما ينفسخ به
نكاحها من وطء أو غيره في مرض أبيه ،فمات أبوه من مرضه المذكور ،ورثته ولم يرثها إن ماتت.
فإن طاوعته على الحرام ،لم ترث؛ لنها مشاركة فيما ينفسخ به نكاحها ،فأشبه ما لو خالعته.
وكذلك الحكم فيما إذا وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها ،كأم امرأته أو ابنتها ،فإن امرأته تبين
منه وترثه إذا مات في مرضه ،ول يرثها ،سواء طاوعته الموطوءة أو أكرهها ،فإن مطاوعتها ليس
للمرأة فيه فعل ،فيسقط به ميراثها.
ول يرى الشافعي فسخ النكاح بالوطء الحرام.
وإن فعلت المريضة ما ينفسخ نكاحها ،كرضاع امرأة صغيرة لزوجها ،أو رضاع زوجها الصغير ،أو
ارتدت أو نحوها ،فماتت في مرضها ،ورثها الزوج ولم ترثه عند الحنفية والحنابلة والمالكية ،وقال
الشافعي :ل يرثها.
زواج المريض المطلّق بأخرى :إذا طلق المريض امرأته ،ثم نكح أخرى ومات من مرضه في عدة
المطلقة ،ورثتاه عند الحنفية والحنابلة ،وقال مالك :الميراث كله للمطلقة؛ لن نكاح المريض عنده
غير صحيح.
( )9/429
( )9/430
ـ ومن طلق إحدى امرأتيه بذاتها ،ثم نسيها أو خفيت عليه ذاتها ،بأن طلقها في ظلمة أو من وراء
حجاب ،رجع إليه عند الشافعية في تعيينها ،ول تحل له واحدة منهما قبل أن يعين ،والوطء ليس بيانا
ول تعيينا ،ولو ماتت المرأتان أو إحداهما يطالب بالتعيين لبيان الرث ،ولو مات فالظهر قبول بيان
وارثه ل تعيينه ،وقال الحنابلة :تعين إحداهما بقرعة.
وإن طلق إحدى امرأتيه ،ولم ينو معينة ،لزمه التعيين عند الشافعية .وأخرجت المطلقة بالقرعة عند
الحنابلة ،خلفا لما ذهب إليه أكثر العلماء ،عملً بما روي عن علي وابن عباس ،ولنه إزالة ملك بني
على التغليب والسراية ،فتدخله القرعة كالعتق ،ولن الحق لواحد غير معين ،فوجب تعيينه بقرعة
كإعتاق عبيده في مرضه ،وكالسفر بإحدى نسائه ،وكالمنسية ،ول يملك إخراج امرأة بتعيينه بغير
القرعة ،ويجوز له وطء الباقي من نسائه بعد القرعة لبقاء نكاحهن ،ول يجوز وطء إحداهن قبل
القرعة إن كان الطلق بائنا ،لحتمال أن تكون هي التي تقع عليها القرعة ،وإن كان الطلق رجعيا
جاز وطء الكل ،وبه تحصل الرجعة.
ـ ولو قال :إن كان الطائر غرابا فأنت طالق ،وشك هل كان غرابا أو ل ،فل نحكم بوقوعه .ولو قال
شخص آخر :إن لم يكن هذا الطائر غرابا فامرأتي طالق ،وجهل حال الطائر ،لم يحكم بطلق المرأة،
لجواز أنه غير غراب ،والصل بقاء النكاح ،فتعليق الطلق ل يغير حكمه .وقال الحنابلة :من قال
عن طائر :إن كان هذا الطائر غرابا ففلنة طالق ،وإن لم يكن غرابا ففلنة طالق ،وجهل أي المرأتين
طلق ،فالمطلقة منهما كالمنسية ،يقرع بينهما؛ لنه ل سبيل إلى معرفة المطلقة منهما عينا أو بالذات،
فهما سواء ،والقرعة طريق شرعي لخراج المجهول.
( )9/431
الورع التزام الطلق :لكن يلحظ أن الشافعية والحنابلة نبهوا على أن الورع في حال الشك هو التزام
الطلق والخذ بالسوأ لقوله صلّى ال عليه وسلم « :فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» (
)1وقوله« :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك» ( . )2فمن شك في الطلق ،يراجع إن كان له الرجعة،
وإل فيجدد نكاحها إن كان له فيها رغبة ،وإل فلينجز طلقها لتحل لغيره يقينا .ومن شك في عدد
الطلق في أنه طلق ثلثا أم ثنتين ،لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره .ولو شك :هل طلق ثلثا أو لم
يطلق شيئا ،طلقها ثلثا لتحل لغيره يقينا.
أدلة العمل بالمتيقن :والصل في طرح الشك والعمل بالمتيقن حديث عبد ال ابن زيد عن النبي صلّى
ال عليه وسلم « :أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلة ،فقال :ل ينصرف حتى
يسمع صوتا أو يجد ريحاَ» ( )3فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ،ولنه شك طرأ على يقين،
فوجب اطراحه ،كما لو شك المتطهر في الحدث ،أو شك المحدث في الطهارة.
وبناء عليه قرر الفقهاء ما سبق وخلصته :إن وقع الشك في أصل الطلق :ل يحكم بوقوعه؛ لن
النكاح كان ثابتا بيقين ،إن وقع في قدر الطلق أو عدده ،يحكم بالقل عند الجمهور غير المالكية؛ لنه
متيقن به ،وفي الزيادة شك .وإن وقع الشك في وصف الطلق أنه طلقها رجعية أو بائنة ،يحكم
بالرجعية؛ لنها أضعف الطلقين ،فكانت متيقنا بها.
-------------------------------
( )1رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير.
( )2رواه الترمذي وصححه.
( )3متفق عليه.
( )9/432
( )9/433
( )9/434
نوعاها :الرجعة نوعان :رجعة من طلق رجعي ،ورجعة من طلق بائن .أما الرجعة من الطلق
الرجعي فتكون بالقول اتفاقا ،وتكون بالفعل :وهوأن يستمتع بها بالوطء فما دونه .ول يجب في
الرتجاع من الطلق الرجعي صداق ول ولي ول يتوقف على إذن المرأة ول غيرها.
فإذا انقضت عدتها ،صارت رجعتها كالرجعة من الطلق البائن ،ويحتاج في ذلك مايحتاج في إنشاء
الزواج من إذن المرأة وبذل صداق لها وعقد وليها عند الجمهور المشترطين وجود الولي خلفا
للحنفية .ويجوز بالتفاق عقد زواج جديد على المطلقة طلقا بائنا سواء في العدة أم بعدها.
أحكام المرأة الرجعية :تعود المرأة الرجعية بالرجعة إلى الزواج بكل ماله وما عليه ،ويكون لها حكم
الزوجات ،وتخالفها في أشياء ،ومما تخالف الزوجة مايأتي:
تحريم الستمتاع بها عند الشافعية والمالكية :فيحرم الستمتاع بالرجعية قبل المراجعة بوطء أم غيره
حتى بالنظر ولو بل شهوة؛ لنها مفارقة كالبائن ،ولن النكاح يبيح الستمتاع ،فيحرمه الطلق ،لنه
ضده .وهذا هو الحق ،وإل لم يكن للطلق أثر في التحريم.
فإن وطئ الزوج الرجعية فل حد عليه ،وإن كان عالما بالتحريم ،لختلف العلماء في إباحته .ول
يعزر إل معتقد تحريمه إذا كان عالما بالتحريم ،لقدامه على معصية عنده ،بخلف معتقد حله،
والجاهل بتحريمه لعذر .ومثله المرأة .ويعد كالوطء في استحقاق التعزير سائر التمتعات.
ويجب عند الشافعية بوطء الرجعية مهر المثل إن لم يراجع ،وكذا إن راجع على المذهب .ورأى
المالكية :أنه ـ بالرغم من تحريم وطء الرجعية على المشهور ـ ل صداق ول حد في الوطء الخالي
عن نية الرجعة؛ لنها زوجة ما دامت في العدة.
( )9/435
وذهب الحنفية ،والحنابلة في ظاهر المذهب إلى أنه ل يحرم الستمتاع بالرجعية ،فيباح لزوجها
وطؤها ،ويباح له عند الحنابلة الخلوة بها والسفر بها ،ولها أن تتزين له ،وتسرف في الزينة؛ لنها في
حكم الزوجات ،كما قبل الطلق ،لكن ل قسم لها عندهم ،والسبب في إباحة الستمتاع بها تسمية
الزوج بعلً في آية{ :وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة ]228/2:وأن له أن يطلّق.
وأثبت الحنفية للرجعية القسم إن كان من قصده المراجعة ،وإن لم يقصدها فل قسم لها ،لكن يندب
عدم دخول الزوج عليها بل إعلمها لتتأهب وإن قصد مراجعتها ،وتكره الخلوة بها كراهة تنزيهية إن
لم يكن من قصده الرجعة ،وإل فل تكره.
والمرأة الرجعية مثل الزوجة اتفاقا في لزوم النفقة والكسوة والسكنى ،وفي صحة اليلء منها
والظهار والطلق واللعان والتوارث ،فيرث كل منهما الخر.
ومرض الموت والحرام بحج أو عمرة ل يمنعان من الرجعة للمطلقة الرجعية ،ويمنعان من رجعة
البائن ،كما يمنعان من إنشاء النكاح في رأي الجمهور غير الحنفية ،الذين ليجيزون الزواج في أثناء
الحرام.
ثانيا ـ من له حق الرجعة وعدم قبول إسقاطه :
الرجعة حق الزوج ما دامت المطلقة في العدة ،سواء رضيت بذلك أم لم ترض ،لقوله تعالى:
{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلحا} [البقرة ]228/2:وهذا الحق للمرتجع أثبته الشرع
له ،فل يقبل السقاط ول التنازل عنه ،فلو قال الزوج :طلقتك ول رجعة لي عليك ،أو أسقطت حقي
في الرجعة ،فإن حقه في الرجعة ل يسقط؛ لن إسقاطه يعد تغييرا لما شرعه ال ،ول يملك أحد أن
يغير ما شرعه ال ،وال سبحانه رتب حق الرجعة على الطلق الرجعي في آية{ :الطلق مرتان،
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة.]229/2:
( )9/436
( )9/437
وأما الفعل كوطء وغيره فل تحصل به الرجعة عندهم؛ لنه حرام ،والحرام لتصح الرجعة به ،فلو
وطئ الزوج رجعيته واستأنفت القراء من وقت الوطء ،راجع فيما كان بقي من عدة الطلق.
وتحصل الرجعة عند الجمهور بالقول أو بالفعل ومنه الخلوة ،أما القول عند الحنفية :فهو إما صريح
ولو من غير نية :وهو اللفظ الذي ل يحتمل معنى آخر غير الرجعة وإبقاء الزوجية ،مثل راجعت
زوجتي ،أو رجعتك أو رددتك أو أمسكتك .وإما كناية بالنية أو دللة الحال :وهو ما يحتمل الرجعة
وغيرها ،كقوله :أنت امرأتي أو أنت عندي الن كما كنت .فالصريح ل حاجة فيه إلى النية ،ولفظ
الكناية يحتاج إلى النية أو دللة الحال .ويشترط في (رددتك) الضافة إليه أو إلى نكاحه فيقول :إلي
أوإلى نكاحي ،أو إلى عصمتي.
وأما الفعل ،ولكن مع الكراهة التنزيهية :فهو كل ما يوجب حرمة المصاهرة كمس بشهوة ووطء ولو
في الدبر على المعتمد ،مع أنه حرام ،وتقبيل بشهوة على أي موضع ،ولو اختلسا أو نائما أو مكرها
أو مجنونا أو معتوها ،سواء نوى المطلق الرجعة أم ل؛ لن حصول هذا الفعل يدل بوضوح على
رغبته في إمساك زوجته ،ولن الزوجية عند الحنفية باقية؛ لن ال سمى المطلّق بعلً ،والبعل هو
الزوج.
وتحصل الرجعة بصدور أحد هذه الفعال من الزوجة كالتقبيل بشهوة إن صدقها الزوج ،أو ورثته
بعد موته في وجود الشهوة ،فإن أنكر ل تثبت الرجعة.
وتحصل الرجعة عند المالكية بالقول أو الفعل أو النية ،وأما القول فهو إما صريح ،كرجعت وارتجعت
زوجتي ،وراجعت ،ورددتها لعصمتي أو نكاحي ،أو غير صريح مثل مسّكتها أو أمسكتها ،إذ يحتمل:
أمسكتها تعذيبا.
وأما الفعل فهو كوطء ومقدماته.
وأما النية :فهي حديث النفس بأن يقول في نفسه :راجعتها ،لكن إذا حدث مجرد قصد أن يراجعها ،فل
يكون رجعة اتفاقا.
( )9/438
ول بد من أن ينوي الرتجاع مع القول ،أو مع الفعل ،خلفا للحنفية كما تقدم؛ لن تصرف الزوج
يحتاج إلى دللة قوية على رغبته في إعادة المطلقة ،وهو يكون بالنية .وتحصل الرجعة بالقول
الصريح ولو هزلً؛ لن الرجعة هزلها جد ،لكن الرجعة في الهزل رجعة في الظاهر لعدم النية،
فيلزمه الحاكم بالنفقة وسائر الحقوق ،فل يحل الستمتاع بها ،حتى ينوي الرجعة.
ول صداق ول حد في الوطء الخالي عن نية الرجعة ،وإن كان الوطء حراما؛ لنها في حكم الزوجة
ما دامت في العدة.
وتحصل الرجعة عند الحنابلة والوزاعي بالقول الصريح ،وبالوطء ،سواء نوى به الرجعة أم لم ينو
به الرجعة؛ لن الطلق سبب زوال الملك ،والوطء من المالك يمنع زواله ،كوطء البائع أمته المبيعة
في مدة الخيار .ول تحصل الرجعة بتقبيل المرأة ،أو لمسها بشهوة ،أو كشف فرجها والنظر إليه
بشهوة أو غير شهوة ،ول بالخلوة بها والحديث معها؛ لن المذكور كله ليس باستمتاع ،أي ليس في
معنى الوطء؛ إذ الوطء يدل على ارتجاعها دللة ظاهرة؛ بخلف ما ذكر ،وهذا هو الراجح عندهم،
ول تحصل الرجعة أيضا بإنكار الطلق إذ ل يدل على الرجعة ،ول تحصل الرجعة بالكناية مثل
تزوجتك أو نكحتك؛ لن الرجعة استباحة بُضع (فرج) مقصود ،فل تحل بالكناية .وقال بعض
الحنابلة :الخلوة في إثبات الرجعة كالوطء؛ لن حكمها حكم الدخول في جميع أمورها عندهم.
والخلصة :تحصل الرجعة بالقول الصريح اتفاقا ،أو بالكناية بشرط النية عند غير الحنابلة ،واشترط
المالكية النية في القول والفعل ،وتحصل أيضا عند غير الشافعية بالوطء ،وكذا بكل ما يوجب حرمة
المصاهرة عند الحنفية والمالكية ،ول تحصل بغير الوطء ول بالكناية عند الحنابلة ،ول بأي فعل عند
الشافعية .والراجح لدي قول المالكية لتوسطه وقوة حجته.
( )9/439
شرط الزوجة المرتجعة (محل الرجعة) والطلق الحاصل والعدة :
يشترط في الرجعة كون المرأة مدخولً بها ،ل بمجرد الخلوة ،وأن تكون مطلّقة طلقا رجعيا من
نكاح صحيح؛ لن النكاح الفاسد يفسخ سواء بعد الدخول أم قبله ،ولن المفسوخ نكاحها ل رجعة فيها؛
لن ال تعالى أناطها بالطلق فاختصت به ،ولن الطلق البائن يزيل الزوجية في الحال بمجرد
صدوره ،فتملك المطلقة أمرها ،وأن يكون الطلق بل عوض؛ لن المطلقة بعوض قد ملكت نفسها،
وأن تكون ممن لم يستوف عدد طلقها؛ لنه إذا استوفى عدد الطلق وهو ثلث ،فل سلطنة له عليها،
وأن تكون قابلة للحل للمراجع ،ل مرتدة ،فل تصح مراجعة المرتدة؛ لعدم حلها ،ول يصح مراجعة
الكافرة التي أسلمت ،واستمر زوجها في الكفر لعدم الحل.ويشترط أيضا أن تكون باقية في العدة :فل
تصح الرجعة بعد انقضاء العدة؛ لن العدة إذا انقضت أصبح الطلق بائنا ،فتمتنع الرجعة.
شرط زمن الرجعة :يشترط أن تكون الرجعة منجزة ،فل يصح تعليقها بشرط مستقبل ،مثل :راجعتك
إن شئت ،فقالت :شئت ،أو راجعتك إن قدم أبوك ،أو راجعتك إن عاد أبي من السفر ،ول يصح أيضا
إضافتها إلى زمن مستقبل ،مثل :راجعتك غدا أو أول الشهر القادم؛ لن الرجعة عند الحنفية شبيهة
بالزواج من حيث إنها استدامة له ،فيشترط فيها التنجيز كالزواج ،ولنها عند الجمهور استباحة بضع
مقصود ،فلم يصح تعليقه على شرط كالنكاح .ويشترط أل تكون مؤقتة بوقت ،فإذا قال لها :راجعتك
شهرا ،لم تحصل الرجعة .ويصح تعليق الرجعة على أمر قد مضى ،مثل :إن كنت فعلت كذا فإني
أراجعك ،وكان الفعل قد وقع فعلً ،أو على أمر متحقق الوجود في الحال ،مثل :إن رضي أبي فقد
راجعتك ،وكان أبوه حاضرا في المجلس ،فقال :رضيت .وإنما جاز التعليق في هاتين الحالتين؛ لنه
تنجيز في صورة التعليق.
والخلصة :يشترط في الرجعة ما يلي:
- 1أهلية المرتجع عند المالكية والشافعية والحنابلة ،أي بالبلوغ والعقل.
- 2أن يكون الطلق رجعيا ل بائنا ول بعوض.
( )9/440
( )9/441
- 3الشهاد على الرجعة :ليس الشهاد على الرجعة شرطا لصحتها عند الجمهور وهم الحنفية،
والمالكية في مشهور المذهب ،والشافعية في الجديد ،والحنابلة في أصح الروايتين عن أحمد ،ولكن
الشهاد عليها مستحب احتياطا ،خوفا من إنكار الزوجة لها بعد انقضاء العدة ،وقطعا للشك في
حصولها ،وابتعادا عن التهام في العودة إلى معاشرة الزوجة ،فيقول الزوج للشاهدين :اشهدا على أني
راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجيتي ،أوراجعتها لما وقع عليها من طلقي ونحوه .فإن لم يُشهد
على رجعتها ،صحت الرجعة.
وقال الظاهرية :يجب الشهاد على الرجعة وإل لم تصح ،لقوله تعالى{ :فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف ،وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلق ]2/65:والمر للوجوب ،ولن
الشهادة شرط في إنشاء الزواج بالتفاق ،فتكون شرطا في استدامته بالرجعة.
وحمل الجمهور المر في هذه الية على الندب والستحباب ،لن قوله تعالى{ :وأشهدوا ذوي عدل
منكم} [الطلق ]2/65:وارد عقب قوله{ :فأمسكوهن بمعروف} [الطلق ]2/65:وأجمع العلماء على
عدم وجوب الشهاد على الطلق ،فتكون الرجعة مثله ،ولن النصوص القرآنية مطْلَقة كقوله تعالى:
{فأمسكوهن} [البقرة{ ]231/2:وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة.]228/2:
وروي أن ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض ،فأمره النبي صلّى ال عليه وسلم بمراجعتها ،ولم يأمره
بالشهاد على الرجعة ،ولو كان شرطا لمره به .وسئل عمران بن حصين عن الرجل يطلّق امرأته،
ثم يقع بها ،ولم يشهد على طلقها ول على رجعتها ،فقال :طلّقت لغير سنة ،وراجعت لغير سنة،
أشهد على طلقها وعلى رجعتها ،ول ت ُعدْ (. )1
ولم يؤثر عن الصحابة اشتراط الشهادة لصحة الرجعة مع كثرة وقوعها منهم.
ولن الرجعة حق للزوج ل يتوقف على رضا المرأة ،فل يحتاج إلى الشهاد عليه كسائر حقوق
الزوج.
ولن الشهادة شرط لبتداء الزواج لخطورته ،وليست شرطا لبقائه ،والرجعة إبقاء للزواج واستدامة
له ،فل تكون شرطا لصحتها.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود ،وابن ماجه ولم يقل« :ول تعد» (نيل الوطار.)253/6 :
( )9/442
( )9/443
- 2وإن اختلف الزوجان في صحة الرجعة :بأن قال الزوج( :قد راجعتك في العدة) فالرجعة
صحيحة ،فقالت الزوجة :الرجعة باطلة ،لوقوعها بعد انقضاء العدة ،أو قالت مجيبة له( :قد انقضت
عدتي) وكانت العدة بالقراء ،فالقول قولها ما ادعت من ذلك ممكنا.
فإن كانت المدة بين الطلق وبين الوقت الذي تدعي المرأة انقضاء العدة عنده كافية لنقضاء العدة،
قبل قولها بيمينها حتى عند أبي حنيفة؛ لن انقضاء العدة بالحيض ل يعرف إل من جهتها.
وإن كانت المدة التي مضت ل تكفي لنقضاء العدة ،بأن كانت أقل من أقل مدة تنتهي فيها العدة
شرعا ،فل يعتبر قولها ،وتصح الرجعة ،لظهور قرينة تكذب دعواها.
وأقل مدة تنقضي بها العدة بالحيضات وهي القراء عند الحنفية :ستون يوما عند أبي حنيفة؛ لن كل
حيضة عشرة أيام في الكثر ،والحيضات ثلث ،فهي ثلثون يوما ،يتخللها طهران وهما ثلثون يوما
أيضا؛ لن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما ،فيكون مجموع ذلك ستين يوما ،وهذا هو
الراجح وهو الغالب بين النساء .وأقل مدة عند الحنابلة على أن القراء هي الحيضات :تسعة
وعشرون يوما ولحظة ،وذلك بأن يطلقها مع آخر الطهر ،ثم تحيض بعده يوما وليلة ،ثم تطهر ثلثة
عشر يوما ،ثم تحيض يوما وليلة ،ثم تطهر ثلثة عشر يوما ،ثم تحيض يوما وليلة ،ثم تطهر لحظة
ليعرف بها انقطاع الحيض.
( )9/444
وأقل مدة عند المالكية تنقضي بها العدة بالقراء ،أي الطهار عندهم :شهر :ثلثون يوما ،بأن يطلقها
زوجها في أول ليلة من الشهر ،وهي طاهرة ،ثم تحيض وينقطع عنها الحيض قبل الفجر؛ لن أقل
الحيض عندهم يوم ،أو بعض يوم بشرط أن يقول النساء :إنه حيض ،ثم تطهر خمسة عشر يوما ،ثم
تحيض في ليلة السادس عشر ،وينقطع قبل الفجر أيضا ،ثم تحيض عقيب غروب آخر يوم من
الشهر ،فتكون قد طهرت ثلثة أطهار :الطهر الذي طلقها فيه ،ثم الطهر الثاني في النصف الول من
الشهر ،ثم الثالث في النصف الثاني من الشهر،فيحدث تمام الشهر ثلثين يوما.
وأقل مدة تنقضي بها العدة عند الشافعية :اثنان وثلثون يوما ولحظتان ،ول يقبل أقل من ذلك بحال؛
لنه ل يتصور عندهم أقل من ذلك ،بأن تطلق وقد بقي لحظة من الطهر ،وهي قرء عندهم ،ثم
تحيض يوما وليلة أقل الحيض عندهم ،ثم تطهر خمسة عشر يوما أقل الطهر ،وذلك قرء ثان ،ثم
تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ،وذلك قرء ثالث ،ثم تحيض ،وهذه الحيضة ليست من العدة،
بل لستيقان انقضائها ،فذلك اثنان وثلثون يوما ولحظتان.
مدة الغتسال :ينتهي وقت الرجعة عند الحنفية إذا طهرت المرأة من الحيض الخير لعشرة أيام ،وإن
لم تغتسل؛ لن الحيض ل مزيد له على العشرة .أما إن كان الحيض أقل من عشرة أيام ،فل تنقطع
الرجعة حتى تغتسل؛ لن عود الدم محتمل ،أو يمضي عليها وقت صلة فتصير دينا في ذمتها ،أو
تتيمم للعذر وتصلي في الوقت ولو نفلً استحسانا عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
ويرى أكثر الحنابلة أنه ل بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض ،للقول بانقضاء العدة.
هذا هو القسم الول وهو أن تدعي المرأة انقضاء عدتها بالقروء.
( )9/445
( )9/446
( )9/447
تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة ]230/2:ولن وطأها يتعلق به أحكام الوطء من المهر
والتحريم ،فصار كوطء البالغة.
واشترط المالكية والحنابلة شرطا رابعا :هوأن يكون الوطء حللً (مباحا) وأن يكون الواطئ عند
المالكية بالغا ،وعند الحنابلة :أون له اثنا عشر سنة؛ لن الوطء غير المباح حرام لحق ال تعالى ،فلم
يحصل به الحلل كوطء المرتدة ،ولن من دون البلوغ أو من دون سن الثانية عشرة ل يمكنه
المجامعة.
فل يحل المطلقة إل الوطء المباح الذي يكون في العقد الصحيح في غير صوم أو حج أو حيض أو
اعتكاف ،ول يحل الذمية عند مالك وابن القاسم وطء زوج ذمي لمسلم .ونص أحمد على أنه إذا كانت
الزوجة ذمية ،فوطئها زوجها الذمي ،أحلها لمطلّقها المسلم لنه وطء من زوج في نكاح صحيح تام،
فأشبه وطء المسلم .وهذا رأي الشافعية والمالكية أيضا .وأجاز الحنابلة للمجنون إحلل المطلقة ثلثا
كما قال الحنفية؛ لظاهر الية{ :حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة ]230/2:ولنه وطء مباح من زوج في
نكاح صحيح تام ،فأشبه وطء العاقل.
الزواج بشرط التحليل (نكاح المحلّل ) :اتفق الفقهاء ( )1أيضا على أن الزواج بالمطلقة ثلثا بشرط
صريح لعقد على أن يحلها الزوج الثاني لزوجها الول ل يجوز ،وهو حرام عند الجمهور ،مكروه
تحريما عند الحنفية ،لقول ابن مسعود« :لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم المحلّل والمحلّل له» ()2
ولقوله صلّى ال عليه وسلم « :أل أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا :بلى يا رسول ال ،قال :هو
المحلل ،لعن ال المحلل والمحلل
-------------------------------
( )1المراجع السابقة.
( )2رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن ابن مسعود ،ورواه الخمسة إل النسائي عن علي
(نيل الوطار.)138/6 :
( )9/448
له» ( )1والنهي يدل على فساد المنهي عنه ،ول يطلق الزواج الشرعي على الزواج المنهي عنه.
وهذا هو نكاح المحلل :وهو أن يتزوج الرجل امرأة على أنه إذا وطئها فل نكاح بينهما ،وأن يتزوجها
ليحلها للزوج الول.
هذا النكاح فاسد عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأبي يوسف)؛ للحديث السابق،
ولن النكاح بشرط الحلل في معنى النكاح المؤقت ،وشرط التوقيت في النكاح يفسده ،والنكاح الفاسد
ل يقع به التحليل ،فهو نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة .قال في المهذب:
«لنه نكاح شرط انقطاعه دون غايته ،فشابه نكاح المتعة» ويؤيده قول عمر :وال ل أوتى بمحلل
ومحلل له إل رجمتهما (. )2
وقال أبو حنيفة وزفر :هذا النكاح صحيح مكروه تحريما ،فإن وطئها الزوج الثاني حلت للول بعد أن
يطلقها وتنقضي عدتها ،لن شرط التحليل شرط فاسد ،والزواج ل يفسد بالشروط الفاسدة ،فيلغو
الشرط ،ويصح العقد؛ لطلق آية{ :حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة ]230/2:دون تفرقة بين ما إذا
شرط الحلل أم ل ،إل أنه مكروه تحريما؛ لنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهو السكن والتوالد
والتعفف ،وهو يتوقف على البقاء والدوام في الزوجية.
وقال محمد :النكاح الثاني صحيح ،ول تحل المطلقة للول؛ لن النكاح عقد مؤبد ،فكان شرط الحلل
استعجال ما أخره ال تعالى لغرض الحل ،فيبطل الشرط ويبقى النكاح صحيحا ،لكن ل يحصل به
الغرض ،كمن قتل مورثه فإنه يحرم الميراث .وهذا قول للشافعية فيمن تزوج امرأة على أنه إذا
وطئها طلقها.
وأجاز المامية نكاح المحلل مطلقا بشرط الوطء ،وكون الزوج بالغا ،وكون العقد صحيحا دائما.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه عن عقبة بن عامر (المرجع السابق).
( )2رواه الثرم عن قبيصة بن جابر.
( )9/449
( )9/450
هدم الزواج الثاني طلق الزوج السابق :
سبق الكلم في هذا الموضوع وأعيده هنا بتفصيل آخر (: )1
أ ـ اتفق الفقهاء على أن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها ،والبائن بينونة صغرى إذا عقد عليها
زوجها عقدا جديدا قبل أن تتزوج بزوج آخر ،تعود إليه بما بقي له من الطلقات الثلث ،واحدة أو
اثنتين.
ب ـ واتفقوا أيضا على أن الزواج الثاني بعد الطلق الثلث ،يهدم طلق الزوج السابق ،وتعود إليه
بعد العقد الجديد بطلقات ثلث؛ لن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلث؛ لنه مثبت لحل جديد كامل،
ويزول الحل الول بالطلق الثلث.
جـ ـ واختلف الفقهاء في أنه :هل يهدم الزواج الثاني ما دون الثلث على رأيين:
قال المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد وزفر من الحنفية :ل يهدم ،يعني إذا تزوجت المطلقة قبل
الطلقة الثالثة غير الزوج الول ،ثم أعادها الزوج الول بنكاح جديد ،فتعود ببقية الثلث ،لما روي
عن كبار الصحابة :عمر وعلي ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة ،ولن الوطء الثاني ل يحتاج
إليه في الحلل للزوج الول ،فل يغير حكم الطلق ،ولنه تزويج قبل استيفاء الطلقات الثلث ،فأشبه
ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ،والمامية في أشهر الروايتين :إنه يهدم ،فتعود إلى الزوج الول بطلق
ثلث ،كما يهدم ما دون الثلث؛ لنه إذا هدم الطلقة الثالثة ،فهو أحرى أن يهدم ما دونها؛ لن وطء
الزوج الثاني مثبت للحل ،فيثبت حلً يتسع لثلث تطليقات ،فيتسع لما دونها بالولى.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،178/3 :بداية المجتهد 87/2 :ومابعدها ،الدر المختار ،746/2 :القوانين الفقهية :ص
،226مغني المحتاج ،293/3 :المهذب ،105/2 :المغني ،261/7 :مختصر فقه المامية :ص .223
( )9/451
( )9/452
والخلع عند المالكية ( : )1الطلق بعوض ،سواء أكان من الزوجة أم من غيرها من ولي أو غيره،
أو هو بلفظ الخلع .وهو يدل على أن الخلع نوعان:
الول ـ وهو الغالب ما كان في نظير عوض.
الثاني ـ ما وقع بلفظ الخلع ،ولو لم يكن في نظير شيء ،كأن يقول لها :خالعتك أو أنت مخالعة.
وبعبارة أخرى هو :أن تبذل المرأة أو غيرها للرجل مالً على أن يطلقها ،أو تسقط عنه حقا لها عليه،
فتقع به طلقة بائنة.
أي أنه عند المالكية يشمل الفرقة بعوض أو بدون عوض.
والخلع عند الشافعية ( : )2هو فُرْقة بين الزوجين بعوض بلفظ طلق أو خلع ،كقول الرجل للمرأة:
طلقتك أو خالعتك على كذا ،فتقبل.
وهذا أنسب التعاريف لتفاقه مع المقصود بالخلع هنا وفي مفاهيم الناس ومع القانون النافذ في مصر
وسورية.
والحنابلة ( )3قالوا :الخلع :فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه منها أو من غيرها ،بألفاظ مخصوصة.
وفائدته :تخليصها من الزوج على وجه ل رجعة له عليها إل برضاها .ويصح الخلع عندهم في رواية
على غير عوض ،ول شيء للزوج ،كما قال المالكية ،والراجح عند الحنابلة أن العوض ركن في
الخلع فل يصح تركه كالثمن في البيع ،فإن خالعها بغير عوض لم يقع خلع ول طلق إل إذا كان بلفظ
الطلق أو نيته ،فيقع طلقا رجعيا.
مشروعيته :الخلع جائز ل بأس به عند أكثر العلماء ( ، )4لحاجة الناس إليه بوقوع الشقاق والنزاع
وعدم الوفاق بين الزوجين ،فقد تبغض المرأة زوجها وتكره العيش معه لسباب جسدية خَلْقية ،أو
خلُقية أو دينية ،أو صحية لكبر أو ضعف أو نحو ذلك ،وتخشى أل تؤدي حق ال في طاعته ،فشرع
لها السلم في موازاة الطلق الخاص بالرجل طريقا للخلص من الزوجية ،لدفع الحرج عنها ورفع
الضرر عنها ،ببذل شيء من المال تفتدي به نفسها وتتخلص من الزواج ،وتعوض الزوج ما أنفقه في
سبيل الزواج بها .وقد حصر جمهور العلماء أخذ الفدية من مال الزوجة مقابل الطلق في حال
النشوز وفساد العشرة من قبل الزوجة.
ودل الكتاب والسنة على مشروعيته ،أما الكتاب فقوله تعالى{ :فل جناح عليهما فيما افتدت به}
[البقرة ]229/2:وقوله سبحانه{ :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ،فكلوه هنيئا مريئا} [النساء]4/4:
وقوله{ :فل جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا} [النساء.]128/4:
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 517/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص .232
( )2مغني المحتاج.262/3 :
( )3كشاف القناع ،244 ،237/5 :المغني.67/7 :
( )4بداية المجتهد ،66/2 :الدر المختار ،767/2 :مغني المحتاج ،262/3 :المغني.51/7 :
( )9/453
وأما السنة :فحديث ابن عباس« :أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،
فقالت :يا رسول ال ،إني ما أعيب عليه في خلُق ول دين ،ولكني أكره الكفر في السلم ،فقال
رسول ال صلّى ال عليه وسلم :أتردّين عليه حديقته؟ قالت :نعم ،فقال رسول ال صلّى ال عليه
وسلم :اقبل الحديقة ،وطلّقها تطليقة» ( )1فهي ل تريد مفارقته لسوء خلقه ول لنقصان دينه ،وإنما
كرهت كفران العشير ،والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ،فأمرها النبي صلّى ال عليه
وسلم أمر إرشاد وإصلح ل إيجاب برد بستانه الذي أمهرها إياه ،وهو أول خلع وقع في السلم،
وفيه معنى المعاوضة.
وشذ أبو بكر بن عبد ال المزيني عن الجمهور ،فقال :ل يحل للزوج أن يأخذ من زوجته شيئا ،زاعما
أن قوله تعالى{ :فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة ]228/2:منسوخ بقوله تعالى{ :وإن أردتم
استبدال زوج مكان زوج ،وآتيتم إحداهن قنطارا ،فل تأخذوا منه شيئا} [النساء ]20/4:وهذا معناه عند
الجمهور الخذ بغير رضاها ،وأما برضاها فجائز.
ألفاظ الخلع :للخلع عند الحنفية ( )2ألفاظ خمسة :الخلع ،والمبارأة ،والطلق ،والمفارقة ،والبيع
والشراء ،كأن يقول الرجل :خالعتك بكذا ،أو بارأتك ،أو فارقتك ،أو طلقي نفسك على ألف ،أو بعت
نفسك أو طلقك على كذا ،وتقبل المرأة.
وذكر المالكية ( )3له ألفاظا أربعة :الخلع والمبارأة والصلح والفدية أو المفاداة ،وكلها تؤول إلى معنى
واحد وهو بذل المرأة العوض على طلقها ،إل أن اسم الخلع يختص عادة ببذلها له جميع ما أعطاها،
والصلح ببعضه ،والفدية بأكثره ،والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه.
وذكر الشافعية والحنابلة ( )4أن الخلع يصح بلفظ الطلق الصريح أو الكناية مع النية ،وباللغة
-------------------------------
( )1رواه البخاري والنسائي ،ورواه ابن ماجه أيضا (نيل الوطار.)246/6 :
( )2الدر المختار.770/2 :
( )3بداية المجتهد.66/ :
( )4مغني المحتاج ،269 ،268 ،262/3 :المغني 57/7 :وما بعدها ،غاية المنتهى.103/3 :
( )9/454
غير العربية ،ومن الكناية قوله :بعتك نفسك بكذا ،فقالت :اشتريت ،والصريح عند الشافعية لفظ الخلع
والمفاداة ،وعند الحنابلة لفظ الخلع والمفاداة والفسخ ،والكناية عند الشافعية مثل لفظ الفسخ في الصح،
وكل كنايات الطلق ،والكناية عند الحنابلة :مثل بارأتك وأبرأتك وأبنتك.
حكمه الشرعي :يسن عند الحنابلة للرجل إجابة المرأة للخلع إن طلبته ( ، )1لقصة امرأة ثابت ابن
قيس المتقدمة ،إل أن يكون للزوج ميل ومحبة لها ،فيستحب صبرها ،وعدم افتدائها .ويكره الخلع
للمرأة مع استقامة الحال ,لحديث ثوبان :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال « :أيما امرأة سألت
زوجها الطلق من غير بأس ,فحرام عليها رائحة الجنة ( » )2ولنه عبث ,فيكون مكروها .لكن
يقع الخلع مع الكراهة للية السابقة { :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } [النساء :
.]4/4
وذكر الحنفية :أنه إن كان النشوز (النفرة والجفاء) من قبل الزوج ،كره له أن يأخذ منها عوضا؛ لنه
أوحشها بالستبدال ،فل يزيد في وحشتها بأخذ المال .وإن كان النشوز من قبل الزوجة ،كره له أن
يأخذ منها عوضا أكثر مما أعطاها من المهر ،فإن فعل ذلك بأن أخذ أكثر مما أعطاها ،جاز في
القضاء؛ لطلق قوله تعالى { :فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة.]228/2:
وذكر الحنابلة ( )3أن الخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها في حالة العضل أو الكراه
-------------------------------
( )1كشاف القناع.237/5 :
( )2رواه الخمسة إل النسائي.
( )3كشاف القناع ،238/5 :المغني 53/7 :وما بعدها.
( )9/455
على الخلع ،بأن ضارّها بالضرب والتضييق عليها ،أو منعها حقوقها من الق والنفقة ونحو ذلك ،كما
لو نقصها شيئا من حقوقها ظلما ،لتفتدي نفسها ،لقوله تعالى{ :ول تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما
آتيتموهن} [النساء ،]4/19:ولن ما أكرهت على بذله من العوض مأخوذ بغير حق ،فلم يستحق أخذه
منها للنهي عنه ،والنهي يقتضي الفساد ،وذلك باسء لفظ الطلق أونيته ،فيقع رجعيا ،ولم تبِن المرأة
من زوجها لفساد العوض.
وكذلك قال الشافعية ( : )1يجوز الخلع لما فيه من دفع الضرر عن المرأة غالبا ،ولكنه مكروه لما فيه
من قطع النكاح الذي هو مطلوب الشرع ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :أبغض الحلل إلى ال
الطلق» وذلك إل في حالتين:
الولى ـ أن يخافا أو يخاف أحدهما أل يقيما حدود ال ،أي ما افترض ال في النكاح.
والثانية ـ أن يحلف بالطلق الثلث على فعل شيء ل بد له منه ،أي كالكل والشرب وقضاء
الحاجة ،فيخلعها ،ثم يفعل المر المحلوف عليه ،ثم يتزوجها فل يحنث لنحلل اليمين بالفعلة الولى،
إذ ل يتناول إل الفعلة الولى ،وقد حصلت.
والخلع عند المالكية على المشهور جائز مستوي الطرفين ،وقيل :يكره ،وهو قول ابن القصّار،
واشترطوا أن يكون خلع المرأة اختيارا منها وحبا في فراق الزوج من غير إكراه ول ضرر منه ،فإن
انخرم أحد هذين الشرطين ،نفذ الطلق ،ولم ينفذ الخلع (. )2
ومنع قوم الخلع مطلقا .وقال الحسن البصري :ل يجوز حتى يراها تزني.
وقال داود الظاهري :ل يجوز إل أن يخافا أل يقيما حدود ال .
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.262/3 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،232بداية المجتهد ،68/2 :حاشية الصاوي على الشرح الصغير:
.517/2
( )9/456
هل يحتاج الخلع إلى قاضٍ؟ ل يفتقر الخلع إلى حاكم ،كما أبان الحنابلة ( ، )1وهو رأي باقي الفقهاء،
لقول عمر وعثمان رضي ال عنهما ،ولنه معاوضة ،فلم يفتقر إلى القاضي كالبيع والنكاح ،ولنه
قطع عقد بالتراضي ،فأشبه القالة.
وقت الخلع :ل بأس بالخلع في الحيض ،والطهر الذي أصابها فيه ( )2؛ لن المنع من الطلق في
الحيض من أجل دفع الضرر الذي يلحق المرأة بطول العدة ،والخلع لزالة الضرر الذي يلحقها بسوء
العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه ،وهو أعظم من ضرر طول العدة ،فجاز دفع أعلهما
بأدناهما ،وهي قد رضيت به ،مما يدل على رجحان مصلحتها ،ولذا لم يسأل النبي صلّى ال عليه
وسلم المختلعة عن حالها.
أركان الخلع :أركانه عند الجمهور غير الحنفية خمسة ( : )3القابل ،والموجب ،والعوض ،والمعوض،
والصيغة .فالقابل :الملتزم بالعوض ،والموجب :الزوج أو وليه أو وكيله ،والعوض :الشيء المخالع
به ،والمعوضُ :بضْع الزوجة ،أي الستمتاع بها ،والصيغة :مثل خالعتك أو خلعتك على كذا.
وحقيقة الخلع أو تحقق معناه هو المتضمن لتلك الركان ،فل بد له من هذه المور الخمسة (: )4
الول ـ أن يصدر اليجاب من الزوج أو وكيله أو وليه إن كان صغيرا أو سفيها غير رشيد.
الثاني ـ أن يكون ملك المتعة قائما حتى يمكن إزالته ،وذلك بقيام الزوجية حقيقة ،أو حكما كما هو
حال المطلقة رجعيا ول تزال في العدة .فإن لم تكن الزوجية قائمة حقيقة أو حكما ،لم يتحقق الخلع،
فل خلع في النكاح الفاسد؛ لن الفاسد ل يفيد ملك المتعة ،ول خلع بعد الطلق البائن أو انتهاء عدة
الطلق الرجعي.
-------------------------------
( )1المغني.52/7 :
( )2المرجع السابق ،المهذب.71/2 :
( )3حاشية الصاوي على الشرح الصغير ،517/2 :مغني المحتاج ،363/3 :المغني ،67/7 :كشاف
القناع.244/5 :
( )4الحوال الشخصية للستاذ الشيخ عبد الرحمن تاج :ص .344
( )9/457
الثالث ـ البدل من جانب الزوجة أو غيرها :وهو كل ما يصلح أن يكون مهرا من مال أو منفعة تقوم
بالمال ،غير أنه ليس لبدل الخلع حد أدنى بخلف المهر ،فيتحقق الخلع بأي بدل كثير أو قليل.
ويستحب أل يأخذ الرجل أكثر مما أعطى المرأة من الصداق عند أكثر العلماء (. )1
ول يلزم التصريح بالبدل ،كما ل يلزم ذكر المهر في عقد الزواج ،فالبدل في ذاته كالمهر لزم في
الخلع على كل حال عند الحنفية والشافعية ،فإذا قال الرجل :خالعتك ،أو قال للمرأة :اختلعي مني،
فقال :خالعتك ،ولم يذكر أحدهما بدلً ،صح الخلع ولزم العوض .وقال المالكية وفي رواية عند
الحنابلة :يقع الخلع بغير عوض .والراجح عند الحنابلة :أن العوض ركن في الخلع ،فإن خالعها بغير
عوض لم يقع خلع ول طلق إل إذا كان بلفظ طلق ،فيكون طلقا رجعيا.
فإن استعمل الرجل أو المرأة لفظ المخالعة من غير قصد إلى الخلع بعوض ،بل بقصد الطلق
المجرد ،فيقع طلق بائن ،ول يجب فيه مال على المرأة.
الرابع ـ الصيغة :وهي لفظ الخلع أو ما في معناه مما ذكر كالبراء والمبارأة والفداء والفتداء ،سواء
أكان صريحا أم كناية ،فل بد من صيغة معينة ومن لفظ الزوج ،ول يحصل بمجرد بذل المال؛ لن
الخلع الشرعي له آثار تختلف عن آثار الطلق على مال .ولنه تصرف في البضع (الستمتاع
بالمرأة) بعوض ،فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلق.
الخامس ـ قبول الزوجة :لن الخلع من جانبها معاوضة ،وكل معاوضة يلزم فيها قبول دافع
العوض ،ويلزم تحقق القبول في مجلس اليجاب أو مجلس العلم به ،فإذا قامت الزوجة من المجلس
بعد سماع كلمةالمخالعة ،أو بعد ما علمت بها من طريق الكتابة ،فل يصح قبولها بعدئذ.
ويشترط توافق القبول واليجاب ،فإن قال الزوج :طلقتك بألف ،فقالت :بثمانمائة ،أو قال :طلقتك ثلثا
بألف ،فقبلت طلقة واحدة بثلت ألف ،لم ينعقد الخلع ويعد لغوا ،وكذا يعد لغوا عند الشافعية ( : )2إن
قال :طلقتك بألف ،فقالت :قبلت بألفين؛ لنه يشترط عنده التطابق أو التوافق التام بين اليجاب
والقبول.
وهذا وقد اعتبر الحنفية ركن الخلع هو اليجاب والقبول؛ لنه عقد على الطلق بعوض ،فل تقع
الفرقة ول يستحق العوض بدون القبول (. )3
-------------------------------
( )1المغني :المكان السابق.
( )2مغني المحتاج.269/3 :
( )3البدائع.145/3 :
( )9/458
( )9/459
وذهب أبو حنيفة ( )1إلى أن الخلع قبل قبول المرأة يمين من جانب الزوج فل يصح الرجوع عنه؛
لنه علق طلقه على قبول المال ،والتعليق يمين اصطلحا .ويعتبر معاوضة بمال من جانب الزوجة؛
لنها التزمت بالمال في مقابل افتداء نفسها وخلصها من الزوج ،لكنها عند أبي حنيفة ليست معاوضة
محضة ،بل فيها شبه بالتبرعات؛ لن بديل العوض ليس مالً شرعا ،وإنما هو افتداء المرأة نفسها ،فل
يكون الخلع معاوضة محضة .وقال الصاحبان :الخلع يمين بالنظر إلى الزوجين جميعا.
ويترتب على اعتبار الخلع يمينا من جانب الزوج الثار التالية:
ً - 1ل يصح رجوع الزوج عنه قبل قبول المرأة.
ً - 2ل يقتصر إيجاب الزوج على مجلسه ،فلو قام من المجلس قبل قبول الزوجة ل يبطل إيجابه بهذا
القيام.
ً - 3ل يصح للزوج أن يشترط الخيار لنفسه في مدة معلومة؛ لنه ل يملك الرجوع عن الخلع ،لنه
يمين من جانبه ،فإذا اشترط الخيار كان الشرط باطلً ،ولكن ل يبطل الخلع به.
ً - 4يجوز للزوج أن يعلق الخلع بشرط ،وأن يضيفه إلى زمن مستقبل ،مثل :إذا قدم فلن فقد
خالعتك على كذا ،أو خالعتك على كذا غدا أورأس الشهر القادم ،والقبول للزوجة عند تحقق الشرط،
أو حلول الوقت المضاف إليه.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،769-768/2 :البدائع.145/3 :
( )9/460
ومذهب الحنابلة ( : )1ل يصح تعليق الخلع على شرط ،ومذهب المالكية والشافعية :يجوز تعليق
الخلع كأن يقول :متى ما أعطيتني فأنت طالق.
ويترتب على اعتبار الخلع معاوضة لها شبه بالتبرعات من جانب الزوجة ما يأتي:
ً - 1يصح للزوجة رجوعها عن اليجاب إذا ابتدأت الخلع قبل قبول الزوج.
ً - 2يقتصر قبول الزوجة في المجلس إن كانت حاضرة فيه ،وفي مجلس علمها بالخلع إن كانت
غائبة عن مجلس اليجاب كالبيع .ول يشترط حضور المرأة في المجلس ،بل يتوقف اليجاب على ما
وراء المجلس بعكس عقد الزواج ،فلو كانت غائبة فبلغها الخبر ،فلها القبول في مجلس علمها به؛ لنه
في جانبها معاوضة.
ً -3يجوز للزوجة أن تشترط الخيار لنفسها في مدة معلومة يكون لها فيها الحق في القبول أو الرد،
إذا ابتدأت الخلع ،كأن تقول لزوجها :خالعتك على ألف على أن لي الخيار ثلثة أيام ،فإذا قبل الزوج
صح الشرط ،ولها أن تقبل أو ترفض؛ لن الخلع من جانبها معاوضة ،والمعاوضات يصح فيها
اشتراط الخيار.
وقال الصاحبان والحنابلة ( : )2ل يصح اشتراط الخيار للزوجة؛ لن الفرقة عند الحنابلة وقعت
بالتلفظ بالخلع ،وما وقع ل سبيل إلى رفعه ،ولن الخلع يمين الصاحبين بالنظر إلى الزوجين جميعا،
وليس معاوضة من جانب الزوجة ،وإذا اشترط صح الخلع وبطل الشرط؛ لنه ل يفسد بالعوض
الفاسد ،فل يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح.
ً - 4ل يصح للزوجة تعليق الخلع ول إضافته إلى زمن مستقبل؛ لن الخلع من جانبها معاوضة
وتمليك ،والتمليكات ل تقبل التعليق ول الضافة.
ً - 5ل تلزم الزوجة ببدل الخلع إلإذا كانت أهلً للتبرع ،بأن كانت بالغة عاقلة رشيدة؛ لن الخلع
وإن اعتبر معاوضة من جانب الزوجة ،ففيه شبه بالتبرعات.
وأخذ القانون السوري برأي المالكية والشافعية ،فأجاز لكل من الزوجين الرجوع عن اليجاب في
المخالعة قبل قبول الخر ،نصت المادة ( )96على أنه« :لكل من الطرفين الرجوع عن إيجابه في
المخالعة قبل قبول الخر» .
-------------------------------
( )1كشاف القناع.243/5 :
( )2المرجع السابق ،المغني.60/7 :
( )9/461
( )9/462
خلع المريض :يصح خلع المريض مرض الموت؛ لنه لو طلق بغير عوض لصح ،فلن يصح
بعوض أولى ،ولن الورثة ل يفوتهم بخلعه شيء .وعبر المالكية عن ذلك بقولهم :ونفذ خلع المريض
مرضا مخوفا ،إشارة إلى أنه ل يحرم ابتداء لما فيه من إخراج وارث .وترثه على المشهور زوجته
المخالعة في مرضه إن مات منه ككل مطلّقة بمرض موت مخوف ،حتى ولو انتهت عدتها وتزوجت
بغيره ،ول يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله ،ولو كانت مريضة حال الخلع أيضا؛ لنه هو الذي
أسقط ما كان يستحقه.
التوكيل في الخلع :يصح لكل من الزوجين أو من أحدهما التوكيل في الخلع ،وكل من صح خلعه
لنفسه جاز توكيله ووكالته ،حرا كان أو عبدا ،ذكرا أو أنثى ،مسلما ًأو كافرا ،محجورا عليه لسفه أو
رشيدا؛ لن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع ،فصح أن يكون وكيلً وموكّلً فيه كالحر الرشيد،
ولن الخلع عقد معاوضة كالبيع .وإذا نقص الوكيل عما عينه له الموكل ،كأن قال له :وكلتك على أن
تخالعها بعشرة ،فخالعها بخمسة ،أو نقص الوكيل عن خلع المثل إن أطلق الموكل ولم يعين له شيئا،
لم يلزم الموكل بالخلع.
وإذا وكلت الزوجة وكيلً ليخالعها ،وعينت له شيئا ،أو أطلقت العبارة ،وزاد وكيلها على ما عينت ،أو
على خلع المثل أن أطلقت ،فعليه الزيادة .ول يطالب الوكيل بالخلع بالبدل إل إذا ضمنه ،ويرجع به
على المرأة.
خلع الفضولي :أجاز الحنفية والحنابلة الخلع من الفضولي ،فإذا خاطب الفضولي الزوج بالخلع ،فإن
أضاف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له أو ملكه إياه ،كاخلعها بألف علي ،أو على أني
ضامن ،أو على ألفي هذه ،ففعل ،صح ،والبدل عليه ،فإن استحق البدل لزم الفضولي قيمته ،ول
يتوقف الخلع حينئذ علي قبول المرأة.
وإن لم يضمن الفضولي البدل وأرسل الكلم ،فقال :على ألف ،فإن قبلت المرأة ،لزمها تسليمه ،أو
قيمته إن عجزت.
وإن أضاف الفضولي البدل إلى غيره كفرس فلن ،اعتبر قبول فلن هذا.
( )9/463
ً - 2كون الزوجة محل الخلع وقابلته ممن عقد عليها عقد زواج صحيح ،سواء أكانت مدخولً بها ،أم
ل ،ولو كانت مطلقة رجعيا ما دامت في العدة ،وأن تكون ممن يصح تبرعها أو يطلق تصرفها في
المال ،بكونها مكلفة (بالغة عاقلة) غير محجور عليها ،وأسباب الحجر خمسة :الرق والسفه والمرض
والصبا والجنون ،فل يصح خلع المة إل بإذن سيدها،ول السفيهة اتفاقا ،ول المريضة عند الشافعية
والحنابلة لعدم صحة تصرفهما بالمال ،ول الصغيرة والمجنونة لنتفاء أهلية القبول .ولو اختلعت
المة من زوجها على عوض بغير إذن سيدها ،وقع الطلق بائنا ،ول شيء عليها عند الحنفية
والحنابلة والمالكية حتى تعتق.
وكذا عند الشافعية يطالبها بالعوض بعد العتق ،لكن يستقر للزوج في ذمتها مهر المثل .وإذا كان
الخلع بإذن السيد تعلق العوض في ذمته ،كما لو أذن لعبده في الستدانة.
وليس للب وغيره من الولياء خلع ابنته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة بشيء من مالها ،ول
طلقها بشيء من مالها؛ لنه إنما يملك التصرف بما لها فيه حظ ومصلحة ،وليس في هذا مصلحة،
بل فيه إسقاط حقها الواجب لها.
وعلى هذا ل يصح خلع المحجور عليه لسفه أو صغر أو جنون ل بنفسها ول بوليها ول بإذنه ،لن
الخلع تصرف في المال ،وليست هي من أّهله ،ولنه ليس للولي الذن في التبرعات ،وهذا كالتبرع.
فإن خالع الزوج المحجور عليها بلفظ يكون طلقا ،فهو طلق رجعي ،ول يستحق عوضا.
وقال الحنفية :يصح خلع المريضة ،ولو اختلعت في مرضها فهو من الثلث؛ لنها متبرعة في قبول
المال،فيعتبر من الثلث ،فإن ماتت في العدة ،فله القل من بدل الخلع ومن ميراثه منها.
( )9/464
وقال المالكية :يحرم اختلع المريضة مرض الموت ،فيحرم عليها أن تخالع ،كما يحرم الخلع على
الزوج لعانته لها على الحرام .لكن ينفذ الطلق ،ول توارث بينهما إن كان الزوج صحيحا ،ولو
ماتت في عدتها .أما لو كان الزوج مريضا وخالع زوجته،ومات في مرضه ،فترثه زوجته المخالعة،
حتى ولو انقضت عدتها وتزوجت بغيره .ول يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله ،حتى ولو كانت
مريضة حال الخلع؛ لنه هو الذي أسقط ما كان يستحقه ،ككل مطلقة بمرض موت مخوف ،فإنها ترثه
إن مات من ذلك المرض ،دون أن يرثها.
وقال الشافعية :إن خالعت الزوجة في مرض موتها وماتت :فإن لم يزد العوض على مهر المثل
اعتبر من رأس المال،أي من جميع التركة ،وإن زاد على مهر المثل ،اعتبرت الزيادة من الثلث.
ويصح بالتفاق خلع المحجور عليها لفلس ،وبذلها للعوض صحيح؛ لن لها ذمة يصح تصرفها،
ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها ،وليس للزوج مطالبتها في حال حجرها ،كما لو
استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها.
ً - 3أن يكون بدل الخلع مما يصلح أن يكون مهرا.
وهو عند الحنفية :أن يكون مالً متقوما موجودا وقت الخلع معلوما أو مجهولً أو منفعة تقوم بالمال،
فل يصح خلع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة أو دم ،ويبطل العوض ،ول شيء للزوج ،وتكون
الفرقة طلقا بائنا؛ لنه لما بطل العوض بقي لفظ الخلع ،وهو كناية ،وتقع الفرقة بالكنايات بينونة ،أما
لو كان الطلق على مال ،وبطل العوض كان طلقا رجعيا ،لنه بقي لفظ الطلق ،وهو صريح،
والصريح طلق رجعي.
( )9/465
والبدل عند الجمهور :كل ما يصح تملكه ،سواء أكان مالً عينا ،أم دينا ،أم منفعة ،تحرزا من الخمر
والخنزير وما أشبه ذلك .فإن خالعها بمحرم كخمر أو خنزير أو مغصوب أو مسروق ،فل شيء له
عليها وبانت منه عند المالكية والحنابلة كما قرر الحنفية ،ويكون كالخلع بل عوض ،لنه قد رضي
بالسقاط بغير عوض ،فل يستحق عليها شيئا .وذكر الشافعية :أنه لو خالع بمجهول أو حرام ،بانت
منه بمهر المثل؛ لنه المراد عند فساد العوض .ولو خالع بما ليس بمال كالدم ،وقع الطلق رجعيا؛
لنه لم يطمع في شيء .وأما خلع الكفار بعوض غير مال فهو صحيح كما في أنكحتهم.
الخلع بمعدوم أو بمجهول :يصح الخلع عند الجمهور غير الشافعية إذا كان عوض الخلع مشتملً على
غرر أو معدوم ينتظر وجوده كجنين في بطن حيوان تملكه الزوجة ،أو كان مجهولً كأحد فرسين ،أو
غيرموصوف من عرض أو حيوان وثمرة لم يبد صلحها ،وعبد آبق ،وبعير شارد ،أو مضافا لجل
مجهول ،خلفا لمهر النكاح ،فليس كل ما يصلح عوضا في الخلع ،يصلح عوضا في النكاح؛ لن
الخلع مبني على التوسع والتسامح ،فيتحمل جهالة ونحوها ل يتحملها النكاح ،ويصح الخلع على ما ل
يصح مهرا بجهالة أو غرر.
وفرّع الحنفية على قولهم بجواز جهالة عوض الخلع ولو جهالة فاحشة ما يأتي:
أ ـ إن قالت الزوجة لزوجها ( :خالعني على ما في يدي ) ولم يكن في يدها شيء ،فخالعها ،فل
شيء له عليها؛ لنها لم تغرّه بتسمية المال.
( )9/466
ب ـ وإن قالت له ( :خالعني على ما في يدي من مال ) ولم يكن في يدها شيء ،فخالعها ،ردت عليه
مهرها؛ لنها سمت مالً لم يكن الزوج راضيا بالزوال إل بالعوض ،ول وجه ليجاب ما سمته المرأة
من المال في يدها لجهالته ،ول ليجاب مهر المثل؛ لن البضع الذي يجب مهر المثل من أجله غير
متقوم حالة الخروج من الملك بالخلع ونحوه ،أما في حالة الدخول بعقد النكاح فهو متقوم ،فتعين
إيجاب ماقام به البضع على الزوج وهو المهر دفعا للضرر عنه .جـ ـ وإن قالت له ( خالعني على
ما في يدي من دراهم ) ولم يكن في يدها شيء ،فخالعها ،فعليها ثلثة دراهم؛ لنها سمت جمعا من
الدراهم ،وأقل الجمع ثلثة ،ووافقهم الحنابلة ( )1فيه.
د ـ وإن قالت له( :طلقني ثلثا بألف) فطلقها واحدة،فعليها ثلث اللف؛ لن حرف الباء َيصْحَب
العواض ،والعوض ينقسم على المعوض ،فهي لما طلبت الثلث بألف ،فقد طلبت كل واحدة بثلث
اللف .والطلق بائن لوجوب المال.
أما لو قالت ( :طلقني ثلثا على ألف ) فطلقها واحدة ،فل شيء عليها عند أبي حنيفة ،وتقع طلقة
رجعية؛ لن كلمة (على) للشرط ،والمشروط ل يتوزع على أجزاء الشرط ،بخلف الباء ،لنه
للعوض ،وهذا هو الصحيح عند الحنفية .وقال الصاحبان والشافعية ( : )2عليها ثلث اللف ،وتقع
طلقة بائنة؛ لن كلمة (على) بمنزلة الباء في المعاوضات.
ولو قال الزوج لزوجته ( :طلقي نفسك ثلثا بألف ،أو على ألف ) فطلقت نفسها واحدة ،لم يقع عليها
شيء؛ لن الزوج مارضي بالبينونة إل لتسلم له اللف كلها .وذلك بخلف الحالة السابقة ( :طلقني
ثلثا بألف )؛ لنها لما رضيت بالبينونة بألف ،كانت ببعضها أرضى.
وأما الشافعية فقالوا :يشترط في عوض الخلع شروط الثمن من كونه متمولً ،معلوما ،مقدورا على
تسليمه ،فلو خالع بمجهول أو خمر معلومة ،أو نحوها ،مما ل يتملك ،بانت بمهر المثل؛ لنه المراد
عند فساد العقد ،كما تقدم.
-------------------------------
( )1المغني.61/7 :
( )2المهذب.75/2 :
( )9/467
مجمل شروط الخلع في بعض المذاهب :ذهب المالكية ( )1إلى أنه ل يجوز الخلع إل بثلثة شروط:
الول ـ أن يكون المبذول للرجل مما يصح تملكه وبيعه تحرزا من الخمر والخنزير ونحوهما.
ويصح عندهم بالمجهول والغرر ،كما أوضحت.
الثاني ـ أل يجر إلى ما ل يجوز كالخلع على السلف أو التأخير بدين أو الوضع على التعجيل ،وشبه
ذلك من أنواع الربا المذكورة في بحث الربا ،فل يصح الخلع مقابل التأخير في وفاء دين عليه ،وقد
حل أجله؛ فإنه ل شيء له عليها؛ لن تأخير الحالّ سلف ( ، )2وقد جر لها نفعا ،وهو خلص
عصمتها منه ،وتأخذ الدين منه حّالً.
ول يصح أيضا الخلع مقابل تعجيل دين مؤجل لها من بيع ،ويبقى إلى أجله ،وبانت منه؛ لن التعجيل
مقابل حل العصمة .فإن كان الدين من قرض ،وجب عليها قبول التعجيل قبل الجل ،مثل الشيء
المعين (العين) لن الجل في العين حق لمن هي عليه.
الثالث ـ أن يكون خلع المرأة اختيارا منها وحبا في فراق الزوج من غير إكراه ول ضرر منه بها.
فإن انخرم أحد هذين الشرطين نفذ الطلق ولم ينفذ الخلع.
ومذهب الحنابلة ( )3أن شروط الخلع تسع:
- 1بذل عوض - 2 .ممن يصح تبرعه ،وزوج يصح طلقه - 3 .غير هازلين - 4 .عدم عضلها
إن بذلته - 5 .وقوعه بصيغته الصريحة أوالكناية ،والولى :خلعت وفسخت وفاديت ،والثانية:
بارأتك ،وأبرأتك ،وأبنتك - 6 .عدم نيته طلقا - 7 .تنجيز - 8 .وقوعه على جميع الزوجة- 9 .
عدم الحيلة ،فيحرم الخلع حيلة لسقاط يمين الطلق أو تعليقه ول يصح.
شروط الخلع في القانون السوري :
ل ليقاع الطلق والزوجة محلً للطلق:
نصت المادة ( )95من هذا القانون على أن يكون الزوج أه ً
«ً - 1يشترط لصحة المخالعة أن يكون الزوج أهلً ليقاع الطلق والمرأة محلً له.
ً - 2المرأة التي لم تبلغ سن الرشد إذا خولعت ل تلتزم ببدل الخلع إل بموافقة ولي المال» .وهذه
الفقرة الثانية هي من مذهب المالكية.
ونصت المادة ( )96على صفة الخلع أخذا بمذهبي المالكية والشافعية في كون الخلع معاوضة:
«لكل من الطرفين الرجوع عن إيجابه في المخالعة قبل قبول الخر» ونصت المادة ( )97على بدل
الخلع :وهو كل ما جاز أن يكون مهرا بالتفاق:
«كل ما صح التزامه شرعا ،صلح أن يكون بدلً في الخلع» .
ونصت المادة ( )100على حالة الخلع من غير بدل أخذا بمذهبي المالكية والحنابلة:
«إذا صرح المتخالعان بنفي البدل ،كانت المخالعة في حكم الطلق المحض ،وقع بها طلقة رجعية» .
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،232الشرح الصغير.524/2 :
( )2أي لن من أخر ما عجل يعد سلفا.
( )3غاية المنتهى 103/3 :وما بعدها.110 ،
( )9/468
المبحث الرابع ـ حكم أخذ بدل الخلع ،والخلع في مقابل بعض المنافع والحقوق ،والفرق بين الخلع
والطلق على مال :
يتبع بحث اشتراط بدل الخلع الكلم في مواضع ثلثة :حكم أخذ بدل الخلع ،والخلع في مقابل منفعة أو
حق ،والفرق بين الخلع والطلق على مال.
حكم أخذ بدل الخلع :
بحث الفقهاء مبدأ مشروعية أخذ البدل في مقابل الخلع أو الطلق على التفصيل التالي (: )1
ً - 1إن كانت الزوجة كارهة زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة ،وخافت أل تؤدي حقه ،جاز للزوج
مخالعتها وأخذ عوض في نظير طلقها ،لكن يكره عند الحنفية أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ،لقصة
امرأة ثابت بن قيس المتقدمة« :قال النبي صلّى ال عليه وسلم :أتردين إليه حديقته؟ فقالت :نعم
وزيادة ،فقال صلّى ال عليه وسلم :أما الزيادة فل» ( . )2وهذا قول عطاء وطاوس والزهري
وعمرو بن شعيب.
وأجاز الجمهور أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ما دام النشوز من جهتها ،لكن ل يستحب له ذلك،
لقوله تعالى{ :ول يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إل أن يخافا أل يقيما حدود ال ،فإن خفتم
أل يقيما حدود ال ،فل جناح عليهما
-------------------------------
( )1البدائع 150/3 :وما بعدها ،فتح القدير 203/3 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،232المهذب:
70/2وما بعدها ،المغني ،55-52/7 :بداية المجتهد.68/2 :
( )2رواه أبو داود مرسلً عن عطاء ،وأخرجه الدارقطني عن أبي الزبير ،وفي رواية ابن ماجه عن
ابن عباس« :فأمر رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ول يزداد» (نصب الراية
،244/3نيل الوطار.)246/6 :
( )9/469
فيما افتدت به} [البقرة ]229/2:فإنه تعالى نفى الثم في أخذ الرجل من الزوجة مقابل طلقها ،قليلً
كان أو كثيرا.والنهي عن الزيادة في حديث ثابت محمول على خلف الولى.
ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قال« :لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص ()1
رأسها ،كان ذلك جائزا» وقالت الرُبيّع بنت ُم َعوّذ :اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي ،فأجاز
ذلك عثمان بن عفان رضي ال عنه ( . )2ولم يخالفه أحد من الصحابة ،واشتهر هذا ،فلم ينكر،
فيكون إجماعا ،ولم يصح عن علي رضي ال عنه خلفه.
ً - 2إن كان النفور والعراض من جانب الزوج ،يكره باتفاق العلماء ،لقوله تعالى{ :وإن أردتم
استبدال زوج مكان زوج ،وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا ،أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا}
[النساء.]20/4:
ومثل هذا :لو أكره الزوج الزوجة أو اضطرها إلى طلب الخلع ،فضيق عليها ،وعاشرها معاشرة
سيئة ليحملها على الطلق ،فل يحل له أخذ شيء منها عند الحنفية والحنابلة والشافعية لقوله تعالى:
{ول تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة ]231/2:وقوله سبحانه{ :ول تعضُلوهن لتذهبوا ببعض ما
آتيتموهن} [النساء ]4/19:هذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ،ولنه إضرار بها ،والضرر
حرام ،لقوله عليه الصلة والسلم« :ل ضرر ول ضرار» .
وكذلك قال المالكية :ل يحل له أخذ شيء من الزوجة في حالة الضرار ،ولو أخذ شيئا وجب عليه أن
يرده إليها.
-------------------------------
( )1العقاص :هو الخيط الذي تربط به المرأة أطراف شعرها.
( )2أخرجه ابن سعد.
( )9/470
ً - 3وإن كان الكره من الجانبين ،وخشيا التقصير أو التفريط في حقوق الزوجية ،جاز الخلع وجاز
أخذ البدل اتفاقا ،لقوله تعالى{ :فإن خفتم أل يقيما حدود ال فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة:
.]229/2
الخلع في مقابل بعض المنافع والحقوق :
يصح أن يكون بدل الخلع من النقود ،أو من المنافع المقومة بمال ،كسكنى الدار وزراعة الرض زمنا
معلوما ،وكإرضاع ولدها أو حضانته أو النفاق عليه ،أو من الحقوق كإسقاط نفقة العدة.
الخلع على الرضاع :
يصح الخلع على أن ترضع ولدها مدة الرضاع الواجب وهو سنتان؛ لن الرضاع مما تصح
المعاوضة عنه في غير الخلع ،ففي الخلع أولى.
ويصح الخلع أيضا عند الحنابلة ( )1على إرضاع ولده مطلقا دون تحديد مدة ،وينصرف إلى ما بقي
من الحولين؛ لن ال تعالى قيّد الرضاع بالحولين ،فقال تعالى{ :والوالدات يرضعن أولدهن حولين
كاملين} [البقرة ]233/2:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :ل رضاع بعد فصال» (. )2
فإن ماتت المرضعة أو جف لبنها ،فعليها أجر المثل لما بقي من المدة .وكذا عند الحنابلة إن مات
الولد ،وينفسخ التفاق بتلفه ،وقال الشافعي :ل ينفسخ التفاق ،ويأتيها بصبي ترضعه مكانه؛ لن
الصبي مستوفى به ،ل معقودا عليه.
-------------------------------
( )1المغني.64/7 :
( )2رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر ،وتتمته« :ول يُتْم بعد احتلم» (نيل الوطار:
.)315/6
( )9/471
( )9/472
( )9/473
إذا اشترط الرجل في المخالعة إمساك الولد عنده مدة الحضانة ،صحت المخالعة ،وبطل الشرط ،وكان
لحاضنته الشرعية أخذه منه ،ويلزم أبوه بنفقته وأجرة حضانته إن كان فقيرا.
ونصت المادة ( )101على عدم إسقاط نفقة العدة إل بالنص الصريح في الخلع:
نفقة العدة ل تسقط ،ول يبرأ الز وج المخالع منها إل إذا نص عليها صراحة في عقد الخالعة.
ونصت المادة ( )104على عدم التقاص بين نفقة الولد ودين الب:
ل يجري التقاص بين نفقة الولد المستحقة على أبيه ودين الب على حاضنته.
الفرق بين الخلع والطلق على المال عند الحنفية :
الخلع والطلق على مال وإن زال بكل منهما ملك الزواج ،وعلى الرغم من أن كل واحد طلق
بعوض ،يختلفان من وجوه ثلثة هي (: )1
الول ـ لو كان الخلع على عوض باطل شرعا ،بأن وقع على ما ليس بمال متقوم ،كخلع المسلمة
على خمر أو خنزير أو ميتة ،فل شيء للزوج ،ويقع الطلق بائنا.
أما إذا بطل العوض في الطلق على مال ،بأن سميا ما ليس بمال متقوم ،فإن الطلق يقع رجعيا.
وذلك لن الخلع كناية عند الحنفية ،والكنايات توقع الفرقة بائنة .وأما الطلق على مال فهو صريح،
ويقع بائنا إذا صح العوض شرعا ،فإذا لم يصح فكأنه لم يكن ،فبقي صريح الطلق ،فيكون رجعيا،
وحينئذ يعمل كل من لفظي الخلع والطلق المجردين عمله ،فلفظ الخلع يكون كناية عن الطلق ،ولفظ
الطلق من أنواع الصريح الذي يقع به طلق رجعي.
الثاني ـ يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كل الحقوق الواجبة بسبب الزواج لحد الزوجين على
الخر ،كالمهر والنفقة الماضية المتجمدة أثناء الزواج ،لكن ل تسقط نفقة العدة؛ لنها لم تكن واجبة
قبل الخلع ،فل يتصور إسقاطها بالخلع.
-------------------------------
( )1البدائع ،152-151/3 :فتح القدير ،205/3 :الكتاب مع اللباب ،67 ،65/3 :الفتاوى الهندية:
.450/1
( )9/474
أما الطلق على مال :فل يسقط به شيء من حقوق الزوجين ،ويجب به فقط المال المتفق عليه.
الثالث ـ الخلع مختلف في كونه طلقا بائنا أم فسخا بين الفقهاء ،فهو عند الجمهور (الحنفيةوالمالكية،
والشافعية في أظهر القولين ،وفي رواية عن أحمد) طلق بائن يحتسب من عدد الطلقات .وفي رواية
أخرى عن أحمد :أنه فسخ ،فل ينقص من عدد الطلقات .والمعتمد عند الحنابلة :أن الخلع فسخ بائن،
ل ينقص به عدد الطلق ،ولو لم ينو خلعا (. )1
أما الطلق على مال :فل خلف في كونه طلقا بائنا ينقص به عدد الطلقات.
-------------------------------
( )1المعتمد في فقه المام أحمد. 248/2 :
( )9/475
( )9/476
واحد من الزوجين في ذمة الخر والتي تتعلق بالزواج الذي وقع الخلع منه كالمهر والنفقة الماضية
المتجمدة؛ لن المقصود منه قطع الخصومة والمنازعة بين الزوجين.
أما الديون أو الحقوق التي لحد الزوجين على الخر ،والتي ل تتعلق بموضوع الزواج ،كالقرض
والوديعة والرهن وثمن المبيع ونحوها ،فل تسقط بالتفاق .وكذا ل تسقط نفقةالعدة إل بالنص على
إسقاطها؛ لنها تجب عند الخلع.
وقال الجمهور (بقية المذاهب) ومحمد :ل يسقط بالخلع شيء من حقوق الزوجية إل إذا نص على
إسقاطه ،سواء بلفظ الخلع أوا لمبارأة ،فهو تماما كالطلق على مال ،يقع به الطلق بائنا ،ويجب فقط
البدل المتفق عليه؛ لن الحقوق ل تسقط إل بما يدل على سقوطها قطعا ،وليس في الخلع دللة على
إسقاط الحقوق الثابتة؛ لنه معاوضة من جانب الزوجة ،والمعاوضات ل أثر لها في غير ما تراضى
عليه الطرفان .وهذا هو الراجح المتفق مع العدالة؛ لن الحق ل يسقط إل بالسقاط صراحة أو دللة.
- ً 6هل يرتدف على المختلعة طلق؟ قال أبو حنيفة :يرتدف ،سواء أكان على الفور أم على
التراخي .وفي رأي الجمهور :ل يرتدف ،إل أن المام مالك قال :ل يرتدف ،إل إذا كان الكلم
متصلً .وقال الشافعي وأحمد :ل يرتدف ،وإن كان الكلم متصلً ،فالمختلعة ل يلحقها طلق بحال.
استدل أبو حنيفة بأثر« :المختلعة يلحقها الطلق ما دامت في العدة» .
واستدل الجمهور بقول ابن عباس وابن الزبير :إن المختلعة ل يلحقها طلق ،ولنها ل تحل للزوج إل
بنكاح جديد ،فلم يلحقها طلقه كالمطلقة قبل الدخول أو المنقضية عدتها .وسبب الخلف بين الرأيين
أن العدة عند أبي حنيفة من أحكام النكاح ،ولذا ل يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختها ،فيرتدف
الطلق عنده .وعند الجمهور :من أحكام الطلق ،فل يرتدف.
( )9/477
- ً 7ل رجعة في رأي أكثر العلماء على المختلعة في العدة ،سواء أكان الخلع فسخا أم طلقا ،لقوله
تعالى{ :فيما افتدت به} [البقرة ]229/2:وإنما يكون فداء إذا خرجت به عن قبضة الرجل وسلطانه،
وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه ،ولن القصد إزالة الضرر عن المرأة ،فلو جاز ارتجاعها لعاد
الضرر.
وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قال :الزوج بالخيار بين إمساك العوض ول رجعة له،
وبين رده وله الرجعة.
وأجمع أكثر العلماء على أن للرجل أن يتزوج المختلعة برضاها في عدتها .وقال بعض المتأخرين :ل
يتزوجها هو ول غيره في العدة.
- ً 8الختلف في الخلع أو عوضه :إذا ادعت الزوجة خلعا ،فأنكره الزوج ول بيّنة له ،صدّق
بيمينه ،إذ الصل بقاء النكاح وعدم الخلع ،والبينة عند الشافعية :شهادة رجلين.
وإن قال الزوج :طلقتك بكذا كألف ،فقالت :بل طلقتني مجانا أو لم تطلقني ،بانت بقوله ول عوض
للزوج عليها إن حلفت على نفيه ،أما البينونة فلقراره ،وأما عدم العوض فلن الصل براءة ذمتها،
لكن لها النفقة والكسوة والسكنى في العدة.
وإن اختلف الزوجان في جنس العوض ،هل هو دراهم أو دنانير أو في صفته كصحاح أو مكسرة ،أو
في قدر العوض ،كأن قال :بألف،فقالت :بل بخمسمائة ،أو في عدد الطلق الذي وقع به الخلع،
كقولها :سألتك ثلث طلقات بألف ،فقال :بل واحدة بألف ،ول بينة لواحد منهما :فقال مالك :القول قول
الزوجة إن لم يكن هناك بيّنة؛ لنها مدعى عليها وهو مدع ،وهو موافق لمذهب الحنفية ،عملً
بالقاعدة الشرعية « :البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » .
وقال الشافعي :يتحالفان كما في البيع ،ويكون على الزوجة مهر المثل؛ لنه المردّ عند الختلف ،لن
اختلفهما يشبه اختلف المتبايعين.
آثار الخلع في القانون :أخذ القانون السوري بمذهب أبي حنيفة في أن الخلع يسقط حقوق كل من
الزوج والزوجة تجاه الخر من مهر ونفقة زوجية ،حتى ولو لم يتفق الزوجان على بدل ،وذلك في
المادتين التاليتين:
(م - )98إذا كانت المخالعة على مال غير المهر ،لزم أداؤه ،وبرئت ذمة المتخالعين من كل حق
بالمهر والنفقة الزوجية.
(م - )99إذا لم يسم المتخالعان شيئا وقت المخالعة ،برئ كل منهما من حقوق الخر بالمهر والنفقة
الزوجية.
( )9/478
( )9/479
( )9/480
وخلصة الحكام الواردة في القانونين بالنسبة لعدم النفاق ما يلي :أ ـ إن كان للزوج مال ظاهر،
نفذ الحكم عليه بالنفقة في ماله ،من غير حاجة إلى التفريق.
ب ـ وإن لم يكن له مال ظاهر :فإن كان حاضرا ولم يثبت عجزه عن النفاق وأصر على المتناع،
فرق القاضي بينهما في الحال.
وإن أثبت عجزه عن النفاق ،أمهله القاضي مدة ل تتجاوز ثلثة أشهر في القانون السوري ،وشهرا
في القانون المصري ،فإن مضت المدة ولم ينفق ،فرق القاضي بينهما.
وأما إن كان غائبا وليس له مال ظاهر ،فيجب إعذاره وإمهاله إلى مدة ل تتجاوز ثلثة أشهر ،فإن
مضت المدة ولم ينفق على الزوجة فرق القاضي بينهما.
وهذه الحكام مأخوذة من الفقه المالكي.
أراء الفقهاء في التفريق لعدم النفاق:
للفقهاء رأيان :رأي الحنفية ،ورأي الجمهور (: )1
أولً ـ رأي الحنفية :ل يجوز في مذهب الحنفية والمامية التفريق لعدم النفاق؛ لن الزوج إما
معسر أو موسر .فإن كان معسرا فل ظلم منه بعدم النفاق ،وال تعالى يقول{ :لينفق ذو سعة من
سعته ،ومَنْ قُدر عليه رزقه ،فلينفق مما آتاه ال ،ل يكلف ال نفسا إل ما آتاها ،سيجعل ال بعد عسر
يسرا } [الطلق ]7/65:وإذا لم يكن ظالما فل نظلمه بإيقاع الطلق عليه.
وإن كان موسرا فهو ظالم بعدم النفاق ،ولكن دفع ظلمه ل يتعين بالتفريق ،بل بوسائل أخرى كبيع
ماله جبرا عنه للنفاق على زوجته ،وحبسه لرغامه على النفاق .ويجاب بأنه قد يتعين التفريق لعدم
النفاق لدفع الضرر عن الزوجة.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،903/2 :الشرح الصغير 745/2 :وما بعدها ،مغني المحتاج،446-442/3 :
المغني ،577-573/7 :بداية المجتهد ،51/2 :القوانين الفقهية :ص ،215مختصر فقه المامية :ص
،204الدسوقي مع الشرح الكبير.418/2 :
( )9/481
ويؤكده أنه لم يؤثر عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه مكن امرأة قط من الفسخ بسبب إعسار زوجها،
ول أعلمها بأن الفسخ حق لها .ويجاب بأن التفريق بسبب العسار مرهون بطلب المرأة ،ولم تطلب
الصحابيات التفريق.
ثانيا ـ رأي الجمهور :أجاز الئمة الثلثة التفريق لعدم النفاق لما يأتي:
ً - 1قوله تعالى{ :ول تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة ]231/2:وإمساك المرأة بدون إنفاق عليها
إضرار بها .وقوله تعالى{ :فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة ]229/2:وليس من المساك
بالمعروف أن يمتنع عن النفاق عليها.
- 2قال أبو الزناد :سألت سعيد بن المسيب عن الرجل ل يجد ماينفق على امرأته ،أيفرق بينهما؟
قال :نعم ،قلت له :سنّة؟ قال :سنّة .وقول سعيد :سنّة ،يعني سنة رسول ال صلّى ال عليه وسلم .
- 3كتب عمر رضي ال عنه إلى أمراء الجناد ،في رجال غابوا عن نسائهم ،يأمرهم أن يأخذوهم
أن ينفقوا أو يطلقوا ،فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى.
- 4إن عدم النفاق أشد ضررا على المرأة من سبب العجز عن التصال الجنسي ،فيكون لها الحق
في طلب التفريق بسبب العسار أو العجز عن النفاق من باب أولى .والراجح لدي رأي الجمهور
لقوة أدلتهم ،ودفعا للضرر عن المرأة ،ول ضرر ول ضرار في السلم.
نوع الفرقة بسبب العجز عن النفقة :
الفرقة عند المالكية :طلق رجعي ،وللزوج رجعة المرأة إن أيسر في عدتها؛ لنه تفريق لمتناعه عن
الواجب عليه لها ،فأشبه تفريقه بين المولي في اليلء وامرأته إذا امتنع من الفيئة والطلق.
وذكر الشافعية والحنابلة أن الفرقة لجل النفقة ل تجوز إل بحكم الحاكم؛ لنه فسخ مختلف فيه ،فافتقر
إلى الحاكم كالفسخ بالعُنّة ،ول يجوز له التفريق إل بطلب المرأة ذلك؛ لنه لحقّها ،فلم يجز من غير
طلبها كالفسخ للعنة ،فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ ل رجعة للزوج فيه.
( )9/482
( )9/483
( )9/484
( )9/485
أما العيوب الخرى من جنون أو جذام أو برص أو رتق أو قرن ،فل فسخ للزواج بسببها إن كان
بالزوجة ،ول إن كانت بالزوج ،ول خيار للخر بها .وهذا هو الصحيح عند الحنفية.
وقال محمد :للزوجة الخيار أو الفسخ إن كانت هذه العيوب بالزوج ،ولخيار للزوج إن كانت
بالزوجة ،وبه يتفق الحنفية على أنه ل خيار للزوج في فسخ الزواج بسبب عيوب الزوجة مطلقا،
واختلفوا في الخيار بعيوب الزوج.
الثاني ـ رأي مالك والشافعي :يفسخ النكاح من أي واحد من الزوجين إذا وجد في الخر عيبا من
العيوب التناسلية (الجنسية) أو العيوب المنفرة من جنون أو جذام أو برص.
والعيوب عند الشافعية سبعة وهي :الجب والعنة ،والجنون والجذام والبرص ،والرتَق والقَرَن ،ويمكن
أن يكون في كل من الزوجين خمسة ،الولن في الرجل والخيران في المرأة ،والثلثة الوسطى
مشتركة بينهما .ول فسخ بالبخر ،والصنان ،والستحاضة ( ، )1والقروح السيالة ،والعمى ،والزمانة،
والبله ،والخصاء ،والفضاء ،ول بكونه يتغوط عند الجماع؛ لن هذه المور ل تفوّت مقصود النكاح.
والعيوب عند المالكية ثلثة عشر عيبا:
أربعة مشتركة بين الرجل والمرأة :الجنون والجذام والبرص والعَذ ْيطَة (خروج الغائط أو البول عند
الجماع) ويقال للمرأة عِذيوطة ،وللرجل عِذْيوط.
جبّ ،والعُنّة ،والعتراض (عدم القدرة على التصال
وأربعة تختص بالرجل :وهي الخصاء ،وال َ
الجنسي لمرض أو نحوه).
وخمسة تختص بالمرأة :وهي الرتق ،والقرن ،والبخر (نتن الفرج) والعَفَل (غدة تمنع ولوج الذكر أو
رغوة تمنع لذة الوطء) والفضاء (اختلط القُبُل أي مسلك الذكر بمجرى البول أو الغائط).
وليس من العيوب :القرع ول السواد ،ول إن وجدها مفتضة من الزنا على المشهور ،وليس منها
العمى ،والعور ،والعرج ،والزمانة ،ول نحوها من العاهات ،إل إن اشترط السلمة منها.
والعيوب عند المامية أحد عشر :أربعة في الرجل :وهي الجنون والخصاء والعنة والجب ،وسبعة في
المرأة :وهي الجنون والجذام والبرص والقرن والفضاء والعمى والقعاد.
-------------------------------
( )1الستحاضة :استمرار نزول الدم على المرأة بدون انقطاع ،ويسمى بالنزيف الدموي.
( )9/486
الثالث ـ رأي أحمد :يفسخ النكاح بالعيوب التناسلية (أو الجنسية) أو العيوب المنفرة ،أو العيوب
المستعصية كالسل والسيلن أو الزهري ونحوها مما يعرف عن طريق أهل الخبرة.
والعيوب عندهم ثمانية:
ثلثة يشترك فيها الزوجان :وهي الجنون والجذام والبرص.
واثنان يختص بهما الرجل :وهما الجب والعنة.
وثلثة تختص بالمرأة :وهي الفتق (اختلط مجرى البول والمني) والقرن والعفل.
والقاضي أبو يعلى جعل القرن والعفل شيئا واحدا فتكون العيوب سبعة.
قال أبو الخطاب :ويتخرج على ذلك من به الباسور والناسور والقروح السيالة في الفرج؛ لنها تثير
نفرة ،وتتعدى نجاستها .ورجح الحنابلة أنه يثبت الخيار للرجل بقروح سيالة في فرج المرأة وبباسور
وناسور ونحوهما.
وليس من العيوب المجوزة للفسخ :القرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين؛ لنه ل يمنع
الستمتاع ،ول يخشى تعديه.
الرابع ـ رأي الزهري وشريح وأبي ثور ،واختاره ابن القيم ( : )1يجوز طلب التفريق من كل عيب
منفر بأحد الزوجين ،سواء أكان مستحكما ،أم لم يكن كالعقم والخرس والعرج والطرش وقطع اليدين
أو الرجلين أوإحداهما؛ لن العقد قد تم على أساس السلمة من العيوب ،فإذا انتفت السلمة فقد ثبت
الخيار .ولما روى أبو عبيد عن سليمان بن يسار« :أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي ،فقال له
عمر :أعلمتها؟ قال :ل ،قال :أعلمها ،ثم خيرها» .
والراجح لدي رأي الحنابلة؛ لعدم تحديد العيوب ،ولنهم قصروا جواز الفسخ على العيب الذي ل تتم
معه مقاصد الزواج على وجه الكمال ،وهذا هو المتفق مع مقتضى عقد الزواج.
-------------------------------
( )1زاد المعاد 30/4 :وما بعدها.
( )9/487
وقال المالكية :إن ادعى الوطء في مدة السنة ،صدق الزوج بيمينه ،وإن نكل عن اليمين حَلَفت
الزوجة :إنه لم يطأ ،وفرق بينهما قبل تمام السنة إن شاءت.
أما إن كان العيب غير الجب أو العنة أو الخصاء ،ففي رأي المالكية :إن كان العي ل يرجى زواله
بالعلج ،فرق القاضي بين الزوجين في الحال .وإن كان يرجى زواله بالعلج ،أجل القاضي التفريق
لمدة سنة إن كان العيب من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة كالجنون والجذام والبرص.
وإن كان من العيوب الخاصة بالمرأة فيؤجل التفريق بالجتهاد حسبما تقتضي حالة العلج من العيب.
وإن ادعت المرأة أنها برئت من عيبها صدقت بيمينها.
وتثبت العُنّة عند الشافعية بإقرار الزوج عند الحاكم ،أو ببينة تقام عند الحاكم على إقراره ،أو بيمين
المرأة المردودة عليها بعد إنكار الزوج العنة ونكوله عن اليمين في الصح .وإذا ثبتت العنة ضرب
القاضي له سنة كما فعل عمر رضي ال عنه ،بطلب الزوجة؛ لن الحق لها ،فإذا مضت السنة رفعته
حلّف ،فإن نكل عن اليمين حُلّفت ،فإن حَلَفت أو أقر هو بذلك ،استقلت
إلى القاضي ،فإن قال :وطِئت ُ
بالفسخ ،كما يستقل بالفسخ من وجد بالمبيع عيبا.
شروط التفريق بالعيب :
اشترط الفقهاء شرطين لثبوت الحق في طلب التفريق بالعيب وهما:
ً - 1أل يكون طالب التفريق عالما بالعيب وقت العقد أو قبله :فإن علم به في العقد ،وعقد الزواج ،لم
يحق له طلب التفريق؛ لن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضا منه بالعيب.
ً - 2أل يرضى بالعيب بعد العقد حال اطلعه عليه :فإن كان طالب التفريق جاهلً بالعيب ،ثم علم
به بعد إبرام العقد ورضي به ،سقط حقه في طلب التفريق.
( )9/489
وإن لم يرض بالعيب ،فخيار العيب ثابت عند الشافعية على الفور ،وعند الحنابلة على التراخي ،فل
يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به إما صراحة ،كأن يقول :رضيت ،أو دللة كالستمتاع
من الزوج والتمكين من المرأة؛ لنه خيار لطالب التفريق لدفع ضرر متحقق ،فكان على التراخي
كخيار القصاص ،وخيار العيب في المبيع .ومتى زال العيب قبل التفريق فل فرقة ،لزوال سببها،
كالمبيع يزول عيبه.
واشترط القانون السوري كما لحظنا في المواد السابقة شروطا ثلثة أخرى من مذهب الحنفية:
- 1أن تطلب الزوجة التفريق فيما يحق لها ،وإل لم يفرق بينهما.
-2أن تكون الزوجة خالية من العلل الجنسية كالرتق والقرن.
- 3أن يكون الزوج صحيحا :فإن كان مريضا ينتظر شفاؤه ،ثم يمهل سنة في العنين والخصي.
العيب الحادث بعد الزواج :
إذا كان العيب قديما موجودا قبل الزواج ،فل خلف بين أئمة المذاهب الربعة في جواز التفريق به،
بالشروط السابقة .أما إذا حدث العيب بأحد الزوجين ،فاختلف الفقهاء في جواز التفريق:
قال الحنفية :إذا جُنّ الرجل أو أصبح عنينا بعد الزواج ،وكان قد دخل بالمرأة ،ولو مرة واحدة ،ل
يحق لها طلب الفسخ ،لسقوط حقها بالمرة الواحدة قضاء ،وما زاد عليه فهو مستحق ديانة ل قضاء.
وفرق المالكية بين عيب الزوج وبين عيب الزوجة ،فقالوا :إن كان العيب بالزوجة فليس للزوج
الخيار أو طلب التفريق بهذا العيب ،لنه مصيبة نزلت به ،وعيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم
العقد ،فأشبه العيب الحادثة بالمبيع .وإن كان العيب الحادث بالزوج ،فللزوجة الحق في طلب التفريق
إن كان العيب جنونا أو جذاما أو برصا ،لشدة التأذي بها ،وعدم الصبر عليها ،وليس لها الحق في
طلب التفريق بالعيوب التناسلية الخرى من جب أو عنة أو خصاء.
( )9/490
وأطلق الشافعية والحنابلة القول بجواز التفريق بالعيب الحادث بعد الزواج كالعيب القائم قبله ،لحصول
الضرر به كالعيب المقارن للعقد ،ولنه ل خلص للمرأة إل بطلب التفريق بخلف الرجل.
لكن استثنى الشافعية طروء العنة بعد الدخول ،فإنها ل تجيز طلب الفسخ ،لحصول مقصود النكاح،
واستيفائها حقها منه بمرة واحدة.
نوع الفرقة بسبب العيب :
للفقهاء رأيان :قال الحنفية والمالكية :هذه الفرقة طلق بائن ينقص عدد الطلق؛ لن فعل القاضي
يضاف إلى الزوج ،فكأنه طلقها بنفسه ،ولنها فرقة بعد زواج صحيح ،والفرقة بعد الزواج الصحيح
عند المالكية تكون طلقا ل فسخا .وإنما جعل الطلق بائنا فلرفع الضرر عن المرأة ،إذ لو جاز
للزوج مراجعتها قبل انقضاء العدة ،عاد الضرر ثانيا.
وقال الشافعية والحنابلة :الفرقة بالعيب فسخ ل طلق ،والفسخ ل ينقص عدد الطلق ،وللزوج إعادة
الزوجة بنكاح جديد بولي وشاهدي عدل ومهر؛ لنها فرقة من جهة الزوجة إما بطلبها التفريق أو
بسبب عيب فيها ،والفرقة إذا كانت من جهة الزوجة تكون فسخا ل طلقا.
أثر التفريق بالعيب على المهر :
عرفنا أن الحنفية ل يجيزون التفريق إل بالعيوب التناسلية في الرجل ،فإن كان التفريق قبل الدخول
والخلوة ،فللزوجة نصف المهر؛ لن الفرقة بسبب الزوج ،وإن كان التفريق بعد الدخول أو بعد
الخلوة ،فتجب العدة على المرأة إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها ،ويجب لها المهر كله إن دخل بها أو
خل بها خلوة صحيحة؛ لن خلوة العنين صحيحة تجب بها العدة ( . )1وإن تزوجها بعدئذ أو تزوجته
وهي تعلم أنه عنين فل خيار لها .وإن كان عنينا ،وهي رتقاء لم يكن لها خيار كما تقدم في شروط
التفريق.
( )9/491
وقال المالكية :إن كانت التفريق قبل الدخول ولو وقع بلفظ طلق ،فل شيء للمرأة من المهر؛ لن
العيب إن كان بالرجل ،فقد اختارت فراقه قبل قضاء مأربها ،وكانت راضية بسقوط حقها في المهر،
وإن كان العيب بالمرأة فتكون غارّة للرجل مدلسة عليه.
وإن كان التفريق بعد الدخول ،استحقت المهر المسمى كله ،إن كان العيب في الزوج؛ لنه يكون غارّا
للزوجة ومدلسا عليها ،ثم إنه قد دخل بها ،والدخول بالمرأة يوجب المهر كله .وإن كان العيب في
الزوجة استحقت المهر كله بسبب الدخول ،لكن يرجع الزوج بالمهر على وليها كأب وأخ وابن
لتدليسه بالكتمان إن كان قريبا ل يخفى عليه حالها ،وكان العيب ظاهرا كالجذام والبرص .أما إن كان
الولي بعيدا كالعم والقاضي ،أو كان العيب خفيا ،فيرجع الزوج على الزوجة ل على الولي؛ لن
التغرير والتدليس منها وحدها.
وقال الشافعية :الفسخ بالعيب قبل الدخول يسقط المهر ،وإن كان بعد الدخول ،وكان العيب مقارنا
للعقد أو حادثا بين العقد والوطء ،وجهله الواطئ ،فلها في الصح مهر المثل .وإن حدث العيب بعد
العقد والوطء ،فلها في الصح المهر المسمى كله.
ول يرجع الزوج بالمهر الذي غرمه على من غره من ولي أو زوجة بالعيب المقارن في المذهب
الجديد ( ، )2لستيفائه منفعة البضع المتقوم عليه بالعقد .أما العيب الحادث بعد العقد إذا فسخ به ،فل
يرجع بالمهر جزما لنتفاء التدليس.
وقال الحنابلة :إن حدث الفسخ قبل الدخول فل مهر للمرأة على الرجل ،سواء أكان من جهة الزوج أم
من جهة الزوجة ،كما قال الشافعية وغيرهم.
وإن حدث الفسخ بعد الدخول وجهل العيب ،فلها المهر المسمى ،لوجوبه بالعقد واستقراره بالدخول ،ثم
يرجع بالمهر على من غرّه من امرأة عاقلة وولي ووكيل .لقول عمر رضي ال عنه « :أيما رجل
تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص ،فلها صداقها ،وذلك لزوجها غرم على وليها» ولنه غرّه
في النكاح بما يثبت به الخيار فكان المهر عليه ،كما لو غره بحرية أمة.
-------------------------------
( )1وقال الصاحبان :لها نصف المهر في حال الخلوة كأنه لم يخل بها.
( )2وهو رأي أبي حنيفة رحمه ال أيضا.
( )9/492
ملحق بهذا البحث ـ خيار الغرور أو خيار فوات الوصف المرغوب :
إذا غرر الزوج بصفة في زوجته ،مثل كونها بكرا أو مسلمة أو حرة أو ذات نسب ونحو ذلك ،فبان
خلفه ،فهل له فسخ الزواج؟! وهذا ما يعرف بخيار الغرور أو خيار فوات الوصف المرغوب.
اختلف الفقهاء فيه على آراء ( ، )1الغالب فيها ثبوت الخيار وهو رأي الجمهور غير الحنفية:
ذهب الحنفية والجعفرية والزيدية إلى أنه إذا اشترط أحد الزوجين في صاحبه صفة مرغوبا فيها ،فبان
على خلفه ،لم يكن له الخيار في الفرقة ،فإذا كان قد سمى لها مهرا أكثر من مهر مثلها بسبب هذا
الشرط ،كأن يشترط بكارتها أو تحصيلها شهادة معينة ،فلم يتحقق ذلك ،لم يلزم الزوج بأكثر من مهر
مثلها .قال ابن الهمام في فتح القدير« :وفي النكاح لو شرط وصفا مرغوبا فيه كالعُذْرة والجمال
والرشاقة وصغر السن ،فظهرت ثيبا عجوزا شمطاء ذات شق مائل ،ولعاب سائل ،وأنف هائل ،وعقل
زائل ،ل خيار له في فسخ النكاح به» .
وخالفهم المالكية فقرروا أن العاقد إذا قال للرجل :زوجتك هذه مسلمة فإذا هي كتابية ،أو هذه حرة
فإذا هي أمة ،أو هذه بكر فإذا هي ثيب ،أو اشترط أحد الزوجين وصفا مرغوبا في الخر كصغر
السن والجمال ،فبان خلفه ،انعقد الزواج ،وله الخيار بين الرضا والرد.
وفصل الشافعية فقالوا :لو تزوج رجل امرأة وشُرط في العقد إسلم
-------------------------------
( )1المهذب ،70/2 :غاية المنتهى.100-99/3 :
( )9/493
الزوجة ،أو شرط في أحد الزوجين نسب أو حرية أوغيرهما مما ل يمنع عدم توافره صحة الزواج
من صفات الكمال ،كبكارة وشباب ،أو من صفات النقص كضد ذلك ،أو ما يتوسط بين صفتي الكمال
كطول وبياض وسمرة ،فبان خلفه ،فالظهر صحة النكاح؛ لن الخُلْف في الشرط ل يوجب فساد
البيع مع تأثره بالشروط الفاسدة ،فالنكاح أولى بعدم الفساد.
ثم إن بان الموصوف بالشرط خيرا مما شُرط فيه فل خيار ،وإن بان دونه ،فلمن شرط له :الخيار،
للخُلْف.
أما لو ظن الرجل ،بل شرط ،أن المرأة مسلمة ،فبانت كتابية ،أو حرة فبانت أمة ،وهي تحل له ،فل
خيار له فيهما في الظهر؛ لن الظن ل يثبت الخيار لتقصيره بترك البحث أو الشتراط .وكذا لو
أذنت المرأة لوليها في تزويجها بمن ظنته كفئا لها ،فبان فسقه أو دناءة نسبه أو حرفته ،فل خيار لها
ول لوليها؛ لن التقصير منها ومنه ،حيث لم يبحثا ولم يشرطا ،لكن لو بان الزوج معيبا أو عبدا وهي
حرة فلها الخيار.
وفصل الحنابلة تفصيلً آخر فقالوا :إن غرّ الرجل المرأة بما يخل بأمر الكفاءة كالحرية أو النسب
الدنى ،فلها الخيار بين الفسخ والمضاء ،فإن اختارت المضاء فلوليائها العتراض لعدم الكفاءة.
وإن لم يعتبر الوصف في الكفاءة كالفقه والجمال ونحوهما ،فل خيار لها؛ لن ذلك مما ل يعتبر في
الكفاءة ،فل يؤثر اشتراطه.
أما إن شرط الرجل كون المرأة مسلمة فبانت كافرة ،فله الخيار ،لنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد.
وإن شرط الرجل كونها بكرا فبانت ثيبا فعن أحمد كلم يحتمل أمرين :أحدهما ـ ل خيار له ،والثاني
ـ له الخيار ،لنه شرط صفة مقصودة .وإذا تزوج امرأة يظنها حرة أو مسلمة ،فبان خلفه ،ثبت له
الخيار.
( )9/494
( )9/495
واختلف الفقهاء في تفريق الحكمين بين الزوجين إذا اتفقا عليه ،هل يحتاج إلى إذن من الزوج أو ل
يحتاج إليه؟ فقال الجمهور؛ يعمل الحكم بتوكيل من الزوج ،فليس للحكمين أن يفرقا بين الزوجين إل
أن يجعل الزوج إليهما التفريق؛ لن الصل أن الطلق ليس بيد أحد سوى الزوج أو من يوكله
الزوج .لن الطلق إلى الزوج شرعا ،وبذل المال إلى الزوجة ،فل يجوز إل بإذنهما.
وقال المالكية :ينفذ قول الحكمين في الفرقة والجتماع بغير توكيل الزوجين ول إذن منهما فيهما،
بدليل ما رواه مالك عن علي بن أبي طالب أنه قا ل في الحكمين« :إليهما التفرقة بين الزوجين
والجمع» فالمام مالك يشبّه الحكمين بالسلطان ،والسلطان يُطلّق في رأيه بالضرر إذا تبين ،وقد
سماهما ال حكمين في قوله تعالى{ :فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} [النساء ]35/4:ولم يعتبر
رضا الزوجين.
شروط الحكمين :
يشترط في الحكمين :أن يكونا رجلين عدلين خبيرين بما يطلب منهما في هذه المهمة ،ويستحب أن
يكونا من أهل الزوجين ،حكما من أهله وحكما من أهلها بنص الية السابقة ،فإن لم يكونا من أهلهما
بعث القاضي رجلين أجنبيين ،ويستحسن أن يكونا من جيران الزوجين ممن لهما خبرة بحال
الزوجين ،وقدرة على الصلح بينهما.
نوع الفرقة للشقاق :
الطلق الذي يوقعه القاضي للشقاق طلق بائن؛ لن الضرر ل يزول إل به؛ لنه إذا كان الطلق
رجعيا تمكن الزوج من مراجعة المرأة في العدة ،والعودة إلى الضرر.
موقف القانون :أخذ القانونان في مصر وسورية بمذهب المالكية فأجاز كلهما التفريق للشقاق
والضرر.
( )9/496
ونص القانون المصري رقم ( )25لسنة ( )1929في المواد ( )11-6والقانون السوري في المواد (
)115-112على أحكام التفريق للشقاق ،وهي أحكام متفق عليها في القانونين ،إل أن القانون
المصري لم يذهب إلى التفريق بسبب إساءة الزوجة ،وأخذ القانون السوري بمذهب المالكية في أن
التفريق يكون بسبب الضرر من أحد الزوجين .وعدّل القانون السوري سنة ( )1975المادة (،)3/112
فلم يحكم بالتفريق في الحال ،وإنما يؤجل القاضي المحاكمة مدة ل تقل عن شهر إذا لم يثبُت الضرر
أملً بالمصالحة.
وأذكر بإيجاز مضمون مواد القانون السوري:
إذا ادعى أحد الزوجين إضرار الخر به ،جاز له طلب التفريق من القاضي ( ،)1/112وإذا ثبت
الضرار ،وعجز القاضي عن الصلح فرق بينهما ،وذلك بطلقة بائنة (م )2/112وإذا لم يثبت
الضرر يؤجل القاضي المحاكمة مدة ل تقل عن شهر .فإن أصر المدعي على الشكوى بعث القاضي
حكمين من أهل الزوجين ،وإل ممن يرى القاضي فيه قدرة على الصلح بينهما ،وحلفهما يمينا على
أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة (م .)3/112وعلى الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ،ثم
يجمعانهما في مجلس تحت إشراف القاضي (م ،)1/113ول يؤثر في التحكيم تخلف أحد الزوجين
عن الحضور بعد تبليغه (م .)2/113وعمل الحكمين أولً هو محاولة الصلح بين الزوجين ،فإذا
عجزا عنه وكانت الساءة أو أكثرها من الزوج قررا التفريق بطلقة بائنة (م .)1/114وإذا كانت
الساءة من الزوجة أو مشتركة بين الزوجين قررا التفريق على تمام المهر أو على جزء منه بحسب
مدى الساءة (م .)2/114
وللحكمين تقرير التفريق مع عدم الساءة من أحد الزوجين على براءة ذمة الزوج من بعض حقوق
الزوجة إذا رضيت بذلك ،واستحكم الشقاق بينهما (م .)3/114
وإذا اختلف الحكمان حكّم القاضي غيرهما ،أو ضم إليهما ثالثا مرجحا ،وحلفه اليمين ،كمايحلف
الحكمان على أداء مهمتهما بعدل وأمانة (م .)4/114
ول يملك الحكمان التفريق ،وإنما يرفعان تقريرهما إلى القاضي ولو كان غير معلل ،ويفوض المر
إلى القاضي بالحكم بمقتضاه أو رفض التقرير،وتعيين حكمين آخرين للمرة الخيرة (م .)115
ويلحظ أن مهمة الحكمين هي الصلح أولً ،ثم رفع تقرير إلى القاضي بالتفريق ،احتياطا في أمر
الطلق .لكن المقرر في المذهب المالكي كما تقدم أن الحكمين يوقعان الطلق بناء على التفويض
الكامل من القاضي .فإذا قيد القاضي صلحية الحكمين برفع تقرير كما ذهب القانون ،لم يكن في
المر مخالفة للمالكية.
( )9/497
( )9/498
والسبب في تقرير الرث على الرغم من الطلق :هو معاملة الزوج بنقيض مقصوده ،فإنه أراد
إبطال حق الزوجة في الميراث ،فيرد عليه قصده ،ما دامت العدة باقية ،لبقاء آثار الزوجية.
فإن دلت القرائن على أنه لم يرد حرمانها من الرث ،كأن يكون الطلق بطلبها أو عن طريق
المخالعة ،فل ترث في عدة الطلق البائن ،وترث في عدة الطلق الرجعي.
ويشترط لرث المرأة في طلق الفارّ :أن تكون مستحقة للرث منذ الطلق حتى وفاة الزوج ،فإن
كانت غير مستحقة للرث وقت الطلق كأن كانت كتابية ،أو غير مستحقة للرث وقت وفاة الزوج،
كأن كانت مسلمة عند الطلق ،ثم ارتدت عند الوفاة ،فل ترث.
ثانيا ـ الطلق بغير سبب معقول :
نص القانون السوري (م 117معدلة) على ما يلي:
إذا طلق الرجل زوجته ،وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلقها دون ما سبب معقول ،وأن
الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة ،جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حاله ودرجة تعسفه
بتعويض ل يتجاوز مبلغ نفقة ثلث سنوات لمثالها فوق نفقة العدة ،وللقاضي أن يجعل دفع هذا
التعويض جملة أو شهريا بحسب مقتضى الحال.
وقد تضمن هذا التعديل عام ( )1975أمرين :الول ـ عدم تقييد الزوجة بكونها فقيرة .والثاني ـ
جعل التعويض مقدرا بنفقة ثلث سنوات ،بدلً من سنة في الماضي .ومستند هذا الحكم الجديد :هو
العمل بمبدأ السياسة الشرعية العادلة التي تمنع ظلم المرأة وتعريضها للفاقة والحرمان بسبب تعنت
الزوج.
وربما يستند هذا الحكم إلى المتعة المعطاة للمطلقة والتي أوجبها بعض الفقهاء ،واستحبها بعضهم،
ورغب فيها القرآن وجعلها بالمعروف ،فيترك تقديرها للقاضي بحسب العرف.
( )9/499
المبحث الخامس ـ التفريق للغيبة :
أولً ـ آراء الفقهاء :
للفقهاء رأيان في التفريق بين الزوجين إذا غاب الزوج عن زوجته ،وتضررت من غيبته ،وخشيت
على نفسها الفتنة:
قال الحنفية والشافعية ( : )1ليس للزوجة الحق في طلب التفريق بسبب غيبة الزوج عنها ،وإن طالت
غيبته ،لعدم قيام الدليل الشرعي على حق التفريق ،ولن سبب التفريق لم يتحقق .فإن كان موضعه
معلوما بعث الحاكم لحاكم بلده ،فيلزم بدفع النفقة.
ورأى المالكية والحنابلة ( )2جواز التفريق للغيبة إذا طالت ،وتضررت الزوجة بها ،ولو ترك لها
الزوج مالً تنفق منه أثناء الغياب؛ لن الزوجة تتضرر من الغيبة ضررا بالغا ،والضرر يدفع بقدر
المكان ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل ضرر ول ضرار» ولن عمر رضي ال عنه كتب في
رجال غابوا عن نسائهم ،فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا.
.لكن اختلف هؤلء في نوع الغيبة ومدتها وفي التفريق حالً ،وفي نوع الفرقة:
ففي رأي المالكية :ل فرق في نوع الغيبة بين أن تكون بعذر كطلب العلم والتجارة أم بغير عذر.
وجعلوا حد الغيبة الطويلة سنة فأكثر على المعتمد ،وفي قول :ثلث سنوات .ويفرق القاضي في
الحال بمجرد طلب الزوجة إن كان مكان الزوج مجهولً ،وينذره إما بالحضور أو الطلق أو إرسال
النفقة ،ويحدد له مدة بحسب ما يرى إن كان مكان الزوج معلوما .ويكون الطلق بائنا؛ لن كل فرقة
يوقعها القاضي تكون طلقا بائنا إل الفرقة بسبب اليلء وعدم النفاق.
وفي رأي الحنابلة :تجوز الفرقة للغيبة إلإذا كانت لعذر ،وحد الغيبة ستة أشهر فأكثر ،عملً بتوقيت
عمر رضي ال عنه للناس في مغازيهم ،ويفرق القاضي في الحال متى أثبتت الزوجة ما تدعيه.
والفرقة تكون فسخا ل طلقا ،فل تنقص عدد الطلقات؛ لنها فرقة من جهة الزوجة ،والفرقة من جهة
الزوجة تكون عندهم فسخا.
ول تكون هذه الفرقة إل بحكم القاضي ،ول يجوز له التفريق إل بطلب المرأة؛ لنه لحقها ،فلم يجز
من غير طلبها كالفسخ للعنة.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،903/2 :مغني المحتاج.442/3 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،216الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه ،746/2 :كشاف القناع:
،124/5المغني 588/7 :وما بعدها 576 ،وما بعدها
( )9/500
ثانيا ـ موقف القانون من التفريق للغيبة :
نص القانون المصري لعام ( 1929م )13 ،12على جواز التفريق للغيبة لمدة سنة فأكثر بل عذر
مقبول ،بعد إنذار الزوجة بتطليقها عليه إن لم يحضر أو ينقلها إليه ،أو يطلقها ،وتكون الفرقة طلقا
بائنا ،أخذا برأي المالكية.
ونص القانون السوري على التفريق للغيبة في المادة ( )109التالية - 1 :إذا غاب الزوج بل عذر
مقبول ،أو حكم بعقوبة السجن أكثر من ثلث سنوات جاز لزوجته بعد سنة من الغياب أو السجن أن
تطلب إلى القاضي التفريق ولو كان له مال تستطيع النفاق منه.
- 2هذا التفريق طلق رجعي ،فإذا رجع الغائب ،أو أطلق السجين ،والمرأة في العدة ،حق له
مراجعتها.
دل النص على أنه يشترط للتفريق ما يلي:
ً - 1أن تمضي سنة فأكثر على الغياب.
ً - 2أن يكون الغياب لغير عذر مقبول .فإن كان لعذر مقبول لم يحق لها طلب التفريق ،كالغياب في
الجهاد أو الجندية الجبارية أو لطلب العلم.
والتفريق للغيبة بطلب الزوجة يكون في الحال إن كان مكان الزوج غير معلوم .أما إن كان مكانه
معلوما ،فيطلب القاضي منه أن يحضر لخذ زوجته إليه ،ويحدد له أجلً معينا ،فإن لم يفعل فرق
القاضي بينهما .والتفريق طلق رجعي ،وهذا مخالف لمذهب المالكية في أنه طلق بائن ،ولمذهب
الحنابلة في أنه فسخ.
( )9/501
( )9/502
والصل في تنظيم يمين اليلء وحكمه قوله تعالى{ :للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ،فإن
فاؤوا فإن ال غفور رحيم ،وإن عزموا الطلق ،فإن ال سميع عليم} [البقرة.]227-226/2:
ضمّنت معنى :يعتزلون أو
وعدّي اليلء في الية بمن ،والصل أن يعدى بعلى ،لن كلمة (يؤلون) ُ
معنى البعد ،كأنه قال :يؤلون مبعدين أنفسهم من نسائهم .والفيء :الرجوع لغة ،والمراد به فقها:
الجماع ،بالتفاق.
واليلء :حرام عند الجمهور لليذاء ،ولنه يمين على ترك واجب ،مكروه تحريما عند الحنفية.
واليلء شرعا :الحلف ـ بال تعالى أو بصفة من صفاته أو بنذر أو تعليق طلق ـ على ترك قربان
زوجته مدة مخصوصة .وهذا تعريف الحنفية ( )1فل يصح إيلء الصبي والمجنون ،ويصح عندهم
إيلء الكافر؛ لنه من أهل الطلق .وعرفه المالكية ( )2بأنه حلف زوج مسلم مكلف ممكن الوطء بما
يدل على ترك وطء زوجته غير المرضع أكثر من أربعة أشهر ،سواء أكان الحلف بال أم بصفة من
صفاته ،أم بالطلق ،أم بمشي إلى مكة ،أم بالتزام قربة.
يتبين من التعريف أن اليلء يختص عند المالكية بالزوج المسلم ل الكافر ،وبالمكلف (البالغ العاقل)
ل الصبي والمجنون ،وبالممكن وطؤه ولو سكرانا ،ل المجبوب والخصي ،والشيخ الفاني ،فل ينعقد
لهم إيلء ،كما ل إيلء من المرضع ،لما في ترك وطئها من إصلح الولد ،ول إيلء فيما دون
الربعة أشهر.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،749/2 :اللباب ،59/3 :البدائع.161/3 :
( )2الشرح الصغير 619/2 :وما بعدها ،الشرح الكبير 426/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص
.241
( )9/503
وعرفه الشافعية ( : )1بأنه حلف زوج يصح طلقه على المتناع من وطء زوجته مطلقا ،أو فوق
أربعة أشهر ،سواء في المذهب الجديد أكان حلفا بال أم بصفة من صفاته ،أم باليمين بالطلق مثل:
إن وطئتك فأنت أو ضَرتك طالق؛ لنه يمين يلزمه بالحنث فيها حق ،فصح به اليلء ،كاليمين بال
عز وجل ،أم بنذر مثل :إن وطئتك فلله علي صلة أو صوم أو حج .وذلك وفاقا للمالكية .فل يصح
إيلء من الصبي والمجنون والمكره لعدم صحة طلقهم ،ول يصح أيضا إيلء عنّين ومجبوب؛ لنه
وإن صح طلقهما ل يصح إيلؤهما؛ لنه ل يتحقق منها قصد اليذاء بالمتناع عن الجماع.
وعرفه الحنابلة ( : )2بأنه حلف زوج يمكنه الجماع ،بال تعالى أو بصفة من صفاته ،على ترك وطء
امرأته الممكن جماعها ،ولو كان الحلف قبل الدخول ،مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر أو ينويها .فل
يصح إيلء عنين ومجبوب لعدم إمكان الجماع ،ول الحلف بالطلق ونحوه ول بنذر ،ول إيلء من
رتقاء ونحوها.
وعلى هذا يصح اليلء من الكافر في مذهبي الشافعية والحنابلة كالحنفية.
ألفاظ اليلء :
اليلء إما بلفظ صريح وإما بلفظ كناية يدل على المتناع من الجماع (. )3
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،344-343/3 :المهذب.105/2 :
( )2كشاف القناع.406/5 :
( )3الدر المختار ،760-752/2 :البدائع ،162/3 :اللباب ،63 ،62/3 :الشرح الصغير-620/2 :
،623الشرح الكبير 428/2 :وما بعدها ،مغني المحتاج 345/3 :وما بعدها ،المغني315/7 :
ومابعدها ،كشاف القناع 408/5 :وما بعدها.
( )9/504
من اللفاظ الصريحة عند الحنفية والمالكية :قول الزوج لزوجته :وال ل أقربك أو ل أجامعك أو ل
أطؤك أو ل أغتسل منك من جنابة ،ونحوه من كل ما ينعقد به اليمين ،أو قوله( :وال ل أقربك أربعة
أشهر) حتى ولو كان الكلم موجها لحائض ،لتعيين المدة .أو قوله عند الجمهور غير الحنابلة :إن
قربتك فعلي حج أو نحوه مما يشق فعله ،أما ما ل يشق فعله مثل ( :فعلي صلة ركعتين ) فليس
بمولٍ عند الحنفية لعدم مشقتهما ،بخلف قوله :فعلي مئة ركعة ،فإنه يكون موليا .أو قوله عند غير
الحنابلة :إن قربتك فأنت طالق .وعلى هذا فالصريح عند الحنفية لفظان :الجماع وما في معناه من
التعبير بالنون والكاف ( ، )1وما يجري مجرى الصريح ألفاظ ثلثة :القربان والمباضعة والوطء.
وصريح اليلء عند الشافعية :الحلف على ترك الوطء أو الجماع أو افتضاض البكر ونحو ذلك،
والصريح عند الحنابلة :ثلثة ألفاظ وهي قوله :وال ل آتيك ،ول أدخل ول أغيب أو أولج ذكري في
فرجك ،ول افتضضتك للبكر خاصة .وعندهم ألفاظ عشرة صريحة في الحكم أو القضاء ،ويدين فيها
ما نواه عندهم فيما بينه وبين ال تعالى :وهي ل وطئتك ،ول جامعتك ،ول أصبتك ،ول باشرتك ،ول
مسستك ،ول قربتك ،ول أتيتك ،ول باضعتك ،ول باعلتك ،ول اغتسلت منك ،فهذه صريحة قضاء
لنها تستعمل عرفا في الوطء.
والجديد عند الشافعية :أن الحلف بألفاظ الملمسة والمباضعة والمباشرة والتيان والغشيان والقِرْبان
والفضاء والمس والدخول ونحوها كنايات تفتقر لنية الوطء؛ لن لها حقائق غيرالوطء ،ولم تشتهر
اشتهار ألفاظ الوطء والجماع واليلج وافتضاض البكر.
-------------------------------
( )1ل حياء في الدين أي في بيان أحكامه للناس فيما يصدر عنهم عادة.
( )9/505
وأصل حكم اليلء :قوله تعالى{ :للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن ال
غفور رحيم .وإن عزموا الطلق ،فإن ال سميع عليم} [البقرة.]227-226/2:
ومن ألفاظ الكناية التي تحتاج إلى نية عند الحنفية :أن يحلف بقوله :ل أمسك ،ل آتيك ،ل أغشاك؛ ل
أقرب فراشك ،ل أدخل عليك .ولو قال« :أنت علي حرام» فهو إيلء إن نوى التحريم ،أو لم ينو
شيئا ،وظهار إن نواه ،فإن نوى الكذب فهو إيلء قضاء؛ لن تحريم الحلل يمين ،وهدر باطل ديانة.
وألفاظ الكناية التي ل تكون إيلء إل بالنية عند الحنابلة هي ما عدا اللفاظ السابقة الصريحة في حكم
الصريح ،كقول الزوج :وال ل يجمع رأسي ورأسك شيء ،ل قربت فراشك ،ل آويت معك ،ل نمت
عندك ،لسوأنك ،لغيظنك ،لتطولن غيبتي عنك ،ل مسّ جلدي جلدك ونحوها ،فإن أراد بها الجماع
واعترف بذلك ،كان موليا ،وإل فل؛ لن هذه اللفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها ،ولم
يرد النص باستعمالها فيه ،إل أن هذه اللفاظ نوعان :نوع منها يفتقر إلى نية الجماع والمدة معا:
وهي لسوأنك ،ولغيظنك ،ولتطولن غيبتي عنك ،فل يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة
تزيد على أربعة أشهر .وباقي اللفاظ يكون موليا بنية ترك الجماع فقط.
لغة اليلء :يصح اليلء بكل لغة عربية وعجمية ( ، )1سواء أكان المولي ممن يحسن العربية أم
ممن ل يحسنها ،فيصح من عجمي بالعربية ،ومن عربي بالعجمية إن عرف المعنى كما في الطلق
وغيره؛ لن اليمين تنعقد بغير العربية ،وتجب بها الكفارة ،والمولي :هو الحالف بال على ترك وطء
زوجته ،الممتنع من ذلك بيمينه.
-------------------------------
( )1المغني ،317/7 :مغني المحتاج.343/3 :
( )9/506
( )9/507
والمولي عند الشافعية :كل زوج يصح طلقه أو هو كل زوج بالغ عاقل قادر على الوطء .فل يصح
إيلء الصبي والمجنون والمكره ،والمجبوب والشل ،ول يصح اليلء على المذهب من رتقاء أو
قرناء؛ لنه ل يتحقق منه قصد اليذاء والضرار ،لمتناع المر في نفسه.
ويصح إيلء المريض والمحبوس والحر والعبد ،والمسلم والكافر والخصي والسكران المتعدي بسكره؛
لنه يصح طلقه في الجملة.
والحالف المولي عند الحنابلة :هو كل زوج يمكنه الجماع ،يحلف بال تعالى أو بصفة من صفاته على
ترك وطء امرأته الممكن جماعها أكثر من أربعة أشهر .فل يصح إيلء عاجز عن وطء مثل عنّين
ومجبوب وأشل ،ول بنذر أو طلق ونحوه ،ول من امرأة رتقاء ونحوها ،ول يصح من صبي مميز
أو مجنون أو مغمى عليه ،ويصح اليلء من كافر وعبد وغضبان وسكران ومريض مرجو برؤه،
ومن لم يدخل بزوجته.
وبه يتبين أن الجمهور يجيزون إيلء الكافر ،والمالكية ل يجيزونه.
- 2المحلوف به :هو ال تعالى وصفاته بالتفاق ،وكذا عند الجمهور غير الحنابلة :كل يمين يلزم
عنها حكم كالطلق والعتق والنذر لصيام أو صلة أو حج وغير ذلك .وخص الحنابلة المحلوف به
بال تعالى أو صفة من صفاته ،ل بطلق أو نذر ونحوهما.
ورأى المالكية والحنابلة :أن من ترك الوطء بغير يمين ،لزمه حكم اليلء إذا قصد الضرار ،فيحدد
له مدة أربعة أشهر ،ثم يحكم له بحكم اليلء؛ لنه تارك لوطئها ضررا بها ،فأشبه المولي .وكذلك
من ظاهر من زوجته ،ولم يكفّر كفارة الظهار ،تضرب له مدة اليلء ضررا بها ،فأشبه المولي،
ويثبت له حكمه ،لقصده الضرار بها أيضا.
( )9/508
- 3المحلوف عليه :هو الجماع ،بكل لفظ يقتضي ذلك ،مثل :ل جامعتك ول اغتسلت منك ،ول
دنوت منك ،وشبه ذلك من اللفاظ الصريحة والكناية المتقدمة.
- 4المدة :وهي في رأي الجمهور غير الحنفية أن يحلف الزوج أل يطأ زوجته أكثر من أربعة
أشهر .وفي رأي الحنفية :أقل المدة أربعة أشهر فأكثر .فلو حلف على ثلثة أشهر أوأربعة لم يكن
موليا عند الجمهور ،ويكون موليا عند الحنفية في أربعة أشهر ،وليس موليا في أقل من أربعة أشهر.
وسبب اختلفهم يرجع إلى اختلفهم في الفيء :وهو الرجوع إلى قربان الزوجة ،هل يكون قبل مضي
الربعة أشهر أو يكون بعد مضيها؟ فالحنفية قالوا :يكون الفيء قبل مضيها ،فتكون مدة اليلء أربعة
أشهر ،والجمهور قالوا :الفيء بعد مضيها ،فتكون مدة اليلء أزيد من أربعة أشهر.
شروط اليلء :
شروط اليلء عند الحنفية ( )1ستة وهي ما يأتي:
ً - 1محلية المرأة بكونها زوجة ،ولو حكما كالمعتدة من طلق رجعي ،وقت تنجيز اليلء ،فإن
كانت المرأة بائنة من زوجها بثلث أو بلفظ بائن لم يصح اليلء منها.
ً - 2وأهلية الزوج للطلق :فصح إيلء الذمي بغير ما هو قربة محضة من نحو حج وصوم .وفائدة
تصحيح إيلء الذمي ،وإن لم تلزمه الكفارة بالحنث :هي وقوع الطلق بترك قربان المرأة في مدة
اليلء.
ً - 3أل يقيد بمكان :لنه يمكن قربان المرأة في غيره.
ً - 4أل يجمع بين الزوجة وغيرها كأجنبية؛ لنه يمكنه قربان امرأته وحدها بل لزوم شيء.
ً - 5أن يكون المنع من القربان فقط.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار 750/2 :وما بعدها ،البدائع.173-170/3 :
( )9/509
ً - 6ترك الفيء أي الجماع في المدة المقررة وهي أربعة أشهر؛ لن ال تعالى جعل عزم الطلق
شرطا لوقوعه بقوله{ :فإن عزموا الطلق ،فإن ال سميع عليم} [البقرة ]227/2:وكلمة ( إن ) للشرط،
وعزم الطلق :ترك الفيء في المدة .ودليلهم على أن المدة هي أربعة أشهر :أن الفيئة تكون في مدة
الربعة أشهر ،ل بعدها.
وذكر الحنابلة وبقية المذاهب أربعة شروط لليلء هي ما يأتي (: )1
ً - 1أن يحلف الزوج بال عز وجل أو بصفة من صفاته كالرحمن ورب العالمين أل يطأ زوجته
أكثر من أربعة أشهر أو يحلف عند المالكية والشافعية والحنفية على ترك الوطء بطلق أو عتاق أو
نذر صدقة المال أو الحج أو الظهار ،لما قال ابن عباس« :كل يمين منعت جماعها فهي إيلء» ولنها
يمين منعت جماعها فكانت إيلء كالحلف بال ،ولن تعليق الطلق والعتاق على وطئها حلف ،فيكون
موليا لتحقق المنع باليمين ،وهو ذكر الشرط والجزاء.
ول يكون الحلف بالطلق والعتاق إيلء على الرواية المشهورة عند الحنابلة؛ لن اليلء المطلق إنما
هو القسم ،بدليل قراءة أبيّ وابن عباس« :للذين يقسمون» مكان (يؤلون) وفسر ابن عباس( :يؤلون)
بقوله ( :يحلفون بال ) والتعليق بشرط ليس بقسم ،فل يكون إيلء ،وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته
القسم في المعنى المشهور في القسم :وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر ،ويحمل
الكلم عند إطلقه على الحقيقة ل على المجاز.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،625-619/2 :القوانين الفقهية :ص ،241المهذب 105/2 :ومابعدها ،المغني:
،315-311 ،300 ،298/7كشاف القناع ،416 ،410-407/5 :بداية المجتهد ،100/2 :اللباب:
،61/3الدر المختار ،757/2 :البدائع ،171/3 :مغني المحتاج.344/3 :
( )9/510
وإن قال ( :إن وطئتك فلله علي صوم أو حج أو عمرة ) يكون إيلء عند الجمهور ،وقيده الحنفية
بفعل فيه مشقة ،ل بصلة نحو ركعتين ،فليس بمولٍ لعدم مشقتهما .والتزام صلة مئة ركعة يجعله
موليا.
ول إيلء أيضا عند الحنابلة إن حلف على ترك الوطء بنذر أو صدقة مال أو حج أو ظهار أو تحريم
مباح ونحوه ،فل يكون الزوج موليا؛ لنه لم يحلف بال تعالى ،فأشبه ما لو حلف بالكعبة.
ً - 2أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر؛ لن ال تعالى جعل للحالف تربص أو انتظار
أربعة أشهر ،فإذا حلف على أربعة أشهر أو ما دونها فل معنى للتربص؛ لن مدة اليلء تنقضي قبل
ذلك أو مع انقضائه ،فدل على أنه ليصير بما دون تلك المدة موليا ،ولن الضرر ل يتحقق بترك
الوطء فيما دون أربعة أشهر ،بدليل ما روي عن عمر رضي ال عنه أنه سأل« :كم تصبر المرأة عن
الزوج؟ فقيل :شهرين وفي الثالث :يقل الصبر ،وفي الرابع :ينفذ الصبر» فإذا نفذ صبرها طالبت ،فل
بد من الزيادة على ذلك ،ويكفي زيادة لحظة.
ً - 3أن يحلف الزوج على ترك الوطء في القُبُل (أو الفرج) :فإن ترك الوطء بغير يمين ول قصد
إضرار ،لم يكن موليا لظاهر الية{ :للذين يؤلون[ }...البقرة ]226/2:وإن قال :ل وطئتك في الدبر،
لم يكن موليا؛ لنه لم يترك الوطء الواجب عليه ،ول تتضرر المرأة بتركه ،وإنما هو وطء محرم،
وقد أكد منع نفسه منه بيمينه.
وكذا إن قال( :وال ،ل وطئتك دون الفرج) لم يكن موليا؛ لنه لم يحلف على الوطء الذي يطالب في
الفيئة ،ول ضرر على المرأة في تركه.
ً - 4أن يكون المحلوف عليها امرأته ،لقوله تعالى { :للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر }
[البقرة ]226/2:ولن غير الزوجة ل حق لها في وطئه ،فل يكون موليا منها ،كالجنبية .وإن حلف
على ترك وطء أجنبية ثم نكحها ،لم يكن موليا؛ لنه إذا كانت اليمين قبل النكاح لم يكن قاصدا
الضرار ،فأشبه الممتنع بغير يمين.
( )9/511
ويصح اليلء بالتفاق من المطلقة الرجعية في العدة؛ لنها في حكم الزوجة يلحقها الطلق ،فيلحقها
اليلء.
ول يصح من المطلقة البائنة ،لنقطاع الزوجية.
ويصح اليلء من كل زوجة ،مسلمة كانت أو ذمية ،حرة كانت أو أمة ،لعموم قوله سبحانه{ :للذين
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة ]226/2:ولن كل واحدة منهن زوجة ،فصح اليلء
منها كالحرة المسلمة .ويصح اليلء قبل الدخول وبعده ،لعموم الية ،ولتوافر المعنى؛ لنه ممتنع من
جماع زوجته بيمينه ،فأشبه ما بعد الدخول.ويصح اليلء من المجنونة والصغيرة ،إل أنه ل يطالب
بالفيئة في الصغر والجنون؛ لنهما ليسا من أهل المطالبة.
ول يصح اليلء من الرتقاء والقرناء؛ لن الوطء متعذر دائما ،فلم تنعقد اليمين على تركه ،كما لو
حلف عى أل يصعد السماء.
أما الحالف فقد عرفنا شرطه :فهو أن يكون زوجا عاقلً بالغا قادرا على الوطء ،ومسلما عند المالكية.
فل يصح إيلء غير الزوج ،ول إيلء الصبي والمجنون؛ لن القلم مرفوع عنهما وليسا مكلفين ،ول
إيلء المجبوب والشل ،للعجز عن الوطء وتعذره منه قبل اليمين ،ول تتضرر المرأة بيمينه ،ويصح
عند الحنفية والشافعية والحنابلة إيلء المسلم والكافر والحر والعبد ،والسليم والخصي ،والمريض الذي
يرجى برؤه ،والمحبوس والسكران ،لقدرتهم على الوطء ،فصح من كل منهم المتناع عنه ولعموم آية
اليلء ،ول يصح اليلء عند المالكية من الكافر؛ لنه ليس أهلً للكفارة عن اليمين ،ولنه ليس أهلً
للمغفرة والرحمة بالفيئة المصرح عنها في الية{ :فإن فاؤوا فإن ال غفور رحيم} [البقرة ]226/2:فإن
الكافر ل تحصل له مغفرة ول رحمة بالفيئة.
ويصح اليلء في حال الرضا والغضب ،فل يشترط في اليلء كونه في حال الغضب ،ول قصد
الضرار ،لعموم آية اليلء ،ولن اليلء كالطلق والظهار وسائر اليمان ،سواء في الغضب
والرضا ،ولن حكم اليمين في الكفارة وغيرها سواء في الغضب والرضا ،فكذلك في اليلء.
( )9/512
( )9/513
ودليلهم على كونه طلقا بائنا :هو العمل برأي جماعة من الصحابة وهم عثمان وعلي والعبادلة
الثلثة (ابن مسعود وابن عباس وابن عمر) وزيد بن ثابت فإنهم قالوا :إذا مضت أربعة أشهر فهي
تطليقة بائنة ،ولن دفع الظلم عن المرأة ل يكون إل بالبائن ،لتتخلص منه ،فتتمكن من الزواج بآخر.
وقدر هذا الطلق عند الحنفية ما عدا زفر ( : )1أن الطلق يتبع المدة ،ل اليمين فيكون واحدا باتحاد
المدة ،ويتعدد بتعددها .وعلى هذا :إذا قال الرجل لمرأته« :وال ل أقربك ،أو ل أقربك أربعة أشهر»
فإن كان حلف على مدة اليلء فقط أربعة أشهر ،فقد سقطت اليمين؛ لنها كانت مؤقتة بوقت ،فترتفع
بمضيه.
وإن كان حلف على البد ،فاليمين باقية بعد البينونة لعدم الحنث ،فإن عاد إليها فتزوجها ثانيا ،عاد
اليلء؛ لن زوال الملك بعد اليمين ل يبطلها ،فإن وطئها حنث في يمينه ولزمته الكفارة ،وسقط
اليلء؛ لنه يرتفع بالحنث ،وإن لم يطأها وقعت بمضي أربعة أشهر أخرى تطليقة أخرى؛ لن
بالتزوج ثبت حقها ،فيتحقق الظلم ،فيعتبر ابتداء هذا اليلء من وقت التزوج .فإن عاد إليها وتزوجها
ثالثا عاد اليلء ووقع بمضي أربعة أشهر أخرى تطليقة أخرى لبقاء طلق ذلك الملك ببقاء المحلية.
فإن عاد إليها وتزوجها رابعا بعد حلها بتزوج زوج آخر ،لم يقع باليلء طلق ،لزوال طلق ذلك
الملك بزوال المحلية ،ولكن اليمين باقية لعدم الحنث ،فإن وطئها كفّر عن يمينه لوجود الحنث.
ودليل جمهور الحنفية :أن سبب اعتبار اليلء يمينا هو منع حق المرأة في الجماع في المدة ،والمنع
يتحد باتحاد المدة فيتحد الظلم فيتحد الطلق ،ويتعدد بتعدد المدة فيتعدد الظلم ،فيتعدد الطلق ،وأما
الكفارة فتجب لهتك حرمة اسم ال عز وجل ،والهتك يتحد ويتعدد بحسب اتحاد السم وتعدده.
-------------------------------
( )1رأي زفر :أن الطلق يتبع اليمين ،فيتعدد بتعدد اليمين ،ويتحد باتحادها؛ لن وقوع الطلق ولزوم
الكفارة حكم اليلء ،واليلء يمين ،فيدور الحكم مع اليمين ،فيتحد باتحادها ،ويتعدد بتعددها؛ لن
الحكم يدور مع سببه.
( )9/514
( )9/515
الثالث ـ قيام ملك النكاح وقت الفيء بالقول :وهو أن تكون المرأة في حال الفي إليها زوجته غير
بائنة منه ،فإن كانت بائنة منه ،ففاء بلسانه ،لم يكن ذلك فيئا ،ويبقى اليلء .وهذا بخلف الفيء
بالجماع ،فإنه يصح بعد زوال الملك وثبوت البينونة ،فل يبقى اليلء ويبطل؛ لنه حنث بالوطء،
فانحلت اليمين وبطلت.
شرط الفيء بنوعيه :يشترط أن يكون الفيء قبل مضي الربعة الشهر ،فإن فاء في المدة حنث
بيمينه ،ولزمته الكفارة ،وسقط اليلء ،وإن لم يفيء حتى مضت أربعة أشهر ،بانت منه بتطليقة ()1
.
الختلف في الفيء :إذا اختلف الزوج والمرأة في الفيء مع بقاء المدة ،بأن ادعى الزوج الفيء،
وأنكرت المرأة ،فالقول قول الزوج؛ لن المدة إذا كانت باقية ،فالزوج يملك الفيء فيها ،وقد ادعى
الفيء في وقت يملك إنشاءه فيه ،فكان الظاهر شاهدا له ،فكان القول قوله.
وإن اختلفا بعد مضي المدة ،فالقول قول المرأة؛ لن الزوج يدعي الفيء في وقت ل يملك إنشاء الفيء
فيه ،فكان الظاهر شاهدا عليه للمرأة ،فكان القول قولها (. )2
-------------------------------
( )1الكتاب مع اللباب.60/3 :
( )2البدائع.173/3 :
( )9/516
( )9/517
وإذا فاء لزمته الكفارة ـ كفارة اليمين ـ لقوله تعالى{ :ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم اليمان ،فكفارته
إطعام عشَرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ،فمن لم يجد فصيام
ثلثة أيام[ }...المائدة ]89/5:وإن كان اليلء بتعليق طلق ،وقع بنفس الوطء؛ لنه معلق بصفة وقد
وجدت .وإن كان على نذر صدقة أو صوم أو صلة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات،
فيلزمه الوفاء به بالوطء ،ويخير عند الشافعية والحنابلة بين الوفاء به وبين كفارة يمين؛ لنه نذر
لجاج وغضب.
الثاني ـ الفيئة حالة العجز عن الجماع :
أ ـ إن كان المانع من جهة المرأة يمنع الوطء منعا شرعيا كحيض ونفاس ،أو حسيا كمرض ل يمكن
معه الوطء ،فل يطالب الزوج بالفيئة؛ لن الوطء متعذر من جهتها ،فكيف تطلبه أو تطلب ما يقوم
مقامه وهو الطلق ،ولن المطالبة تكون بالمستحق ،وهي لتستحق الوطء حينئذ.
ب ـ وإن كان المانع من الوطء من جهة الزوج مانعا طبيعيا وهو حبس أو مرض يمنع الوطء ،أو
يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء ،أو مانعا شرعيا كإحرام بحج أو عمرة ،أو كان مغلوبا على عقله
بجنون أو إغماء ،لم يطالب بالوطء ،لن المجنون والمغمى عليه ل يصلح للخطاب ول يصح منه
الجواب ،وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ،ثم يطالب حينئذ .وكذا ل يطالب المحبوس
والمريض والمحرم بالوطء بالفعل لتعذره ،إنما يطالب بالفيء بالقول ،أي بالوعد بالوطء إذا زال مانع
المرض أو السجن أو الحرام أو نحوها ،أو بالطلق إن لم يفئ ،بأن يقول :إذا قدرت فئت ،أو طلقت؛
لن بهذا القول يندفع الذى الموجه للمرأة الذي حصل باللسان.
لكن المذهب عند الشافعية أنه إذا كان في الزوج مانع شرعي كإحرام وظهار قبل التفكير ،وصوم
واجب ،فيطالب بالطلق؛ لنه هو الذي يمكنه ،ول يطالب بالفيئة لحرمة الوطء ،ويحرم عليها تمكينه.
( )9/518
وإذا انقضت مدة الربعة أشهر ،فادعى أنه عاجز عن الوطء :فإن كان قد وطئها مرة ،لم تسمع دعواه
العنة ،كما ل تسمع دعواها عليه ،ويطالب بالفيئة أو بالطلق كغيره .وإن لم يكن وطئها ولم تكن حاله
معروفة ،تسمع دعواه ويقبل قوله؛ لن التعيين من العيوب التي ل يقف عليها غيره ،فيقبل قوله مع
اليمين .وللمرأة أن تطالب الحاكم بأن يضرب له مدة العنة وهي سنة ،بشرط أن يفيء فيئة أهل
العذار وهو الوعد بالوطءعند القدرة على الجماع ،فيقول :متى قدرت جامعتها .يتبين من هذا أن
الجمهور يتفقون مع الحنفية في أن الفيء يكون بالجماع أو بالقول عند العجز عن الجماع.
اختلف الزوجين في اليلء أو في انقضاء مدته أو في حدوث الفيئة :
إذا اختلف الزوجان في اليلء أو في انقضاء مدته :بأنه ادعته عليه ،فأنكر فالقول قول الزوج؛ لن
الصل عدمه ،والصل عدم انقضاء المدة.
وإن اختلفا في الفيئة ،فقال الزوج :قد أصبتها ،وأنكرت الزوجة:
فإن كانت ثيبا ،كان القول قوله مع يمينه؛ لن الصل بقاء النكاح ،والمرأة تدعي رفعه بما يلزم به
الزوج ،وهو يدعي ما يوافق الصل ويبقيه ،فكان القول قوله ،كما لو ادعى الوطء في العنة كما سبق.
فإن نكل عن اليمين ،حلفت الزوجة أنه لم يفء ،وبقيت على حقها من الطلب بأن يفيء أو يطلق ،فإن
لم تحلف بقيت زوجة كما لو حلف.
وأما إن كانت بكرا ،واختلفا في الصابة ،أريت النساء الثقات ،فإن شهدن بثيوبتها ،فالقول قول الزوج
بيمينه ،وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها بيمينها؛ لنه لو وطئها زالت بكارتها.
وهذا متفق عليه بين الجمهور والحنفية.
( )9/519
الطلق في مدة اليلء :إن طلق المولي ،فقد سقط حكم اليلء ،وبقيت اليمين .فإن عاد فتزوجها عاد
عند الجمهور غير الحنفية حكم اليلء من حين تزوجها ،واستؤنفت المدة حينئذ ،أي تحسب مدة
اليلء من وقت الرجعة ،فإن كان الباقي من مدة يمينه أربعة أشهر فما دون ،عمل بها ،وإن كان
أكثر من أربعة أشهر ،تربص أربعة أشهر ،ثم قيل له عند انقضائها :إما أن يفيء أو يطلّق ،فإن لم
يطلق طلّق الحاكم عليه تطليقة ،وتكون رجعية.
وقد بينت أن اليلء يعود عند الحنفية إن كان الطلق أقل من ثلث ،وإن استوفى عدد الطلق لم يعد
اليلء.
ول يطلق الحاكم عليه سوى تطليقة عند المالكية والشافعية؛ لن إيفاء الحق يحصل بها ،فلم يملك
زيادة عليها ،كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع عن إيفائه.
وأجاز الحنابلة للقاضي أن يطلق على الزوج ثلثا؛ لن المولي إذا امتنع من الفيئة والطلق معا ،قام
القاضي مقامه ،فإنه يملك من الطلق ما يملكه المولي ،ويكون المروالخبرة إليه ،إن شاء طلق
واحدة ،وإن شاء اثنتين ،وإن شاء ثلثا ،وإن شاء فسخ؛ لن القاضي قام مقام المولي ،فملك من
الطلق ما يملكه المولي ،كما لو وكله في الطلق ،وليس ذلك زيادة على حقها ،فإن حقها الفرقة ،غير
أنها تتنوع.
والراجح هو الرأي الول؛ لن الحاجة كالضرورة تقدر بقدرها ،وتتحقق حاجة المرأة بالطلقة الواحدة.
العدة بعد اليلء :اتفقت المذاهب الربعة على أن الزوجة المولى منها تلزمها العدة بعد الفرقة؛ لنها
مطلقة ،فوجب أن تعتد كسائر المطلّقات .وقال جابر بن زيد وهو مروي عن ابن عباس :ل تلزمها
عدة إذا كانت قد حاضت في مدة الربعة الشهر ثلث حيضات؛ لن العدة إنما وضعت لبراءة
الرحم ،وهذه قد حصلت لها البراءة .وسبب الخلف :أن العدة اشتملت على مصلحة وجانب تعبدي،
فمن لحظ المصلحة لم ير عليها عدة ،،ومن لحظ جانب التعبد ،أوجب عليها العدة.
( )9/520
( )9/521
( )9/522
وعرفه المالكية ( )1بأنه :حلف زوج مسلم مكلف على رؤية زنا زوجته ،أو على نفي حملها منه،
وحلف زوجة على تكذيبه أربعة أيمان ،بصيغة« :أشهد بال لرأيتها تزني ونحوه» وبحضور حاكم،
سواء صح النكاح أو فسد .فل يصح حلف غير زوج كأجنبي ،ول كافر ،ول صبي أو مجنون،
ويكون الحلف بإشراف حاكم يشهد التلعن ،ويحكم بالتفريق ،أو يحد من نكل ،سواء صح الزواج بين
الزوجين ،أوفسد لثبوت النسب بالزواج الفاسد.
وعرفه الشافعية ( )2بأنه :كلمات معلومة ،جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق
العار به ،أو إلى نفي ولد.
وسبب اللعان أمران (: )3
أحدهما ـ قذف الرجل زوجته قذفا يوجب حد الزنا لو قذف أجنبية .وهو عند المالكية :ادعاء رؤية
الزنى بشرط أل يطأها بعد الرؤية ،فإن ادعى الزنى دون الرؤية ،حد للقذف ،ولم يجز اللعان على
المشهور عندهم خلفا لغيرهم.
والثاني ـ نفي الحمل أو الولد ،ولو من وطء شبهة أو نكاح فاسد.
واشترط المالكية لنفي الحمل :أن يدعي الزوج أنه لم يطأ زوجته لمد يلحق به الولد ،وأن يدعي
الستبراء ( )4بحيضة واحدة ،وأن ينفيه قبل وضعه ،فإن سكت حتى وضعته حد ،ولم يلعن.
أما القذف :فعلى النحو الذي بان في حد القذف يكون إما باللفظ الصريح بالزنا ،كقول الشخص :يا
زاني أو يا زانية ،أو بما يجري مجرى الصريح وهو نفي النسب عن إنسان من أبيه المعروف ،كأن
يقول ( :لست بابن فلن ).
أو بلفظ كناية عند الشافعية ،كأن يقول( :زنأت في الجبل أو السلّم أو نحوه)؛ لن الزنأ في الجبل
ونحوه هو الصعود فيه ،فإن نوى به القذف كان قذفا .وهذا من اللفاظ الصريحة عند الحنفية.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 657/2 :وما بعدها ،المقدمات الممهدات.633/1 :
( )2مغني المحتاج.367/3 :
( )3القوانين الفقهية :ص ،244البدائع ،239/3 :مغني المحتاج ،382 ،367/3 :المغني،392/7 :
.423
( )4الستبراء :طلب براءة الرحم ،وله أسباب ،منها الزنا أو سوء الظن ،ففي الزنا تستبرأ المرأة
بثلث حيضات ،وفي سوء الظن إن كانت المستبرأة في سن الحيض :فاستبراؤها بحيضة ،وإن كانت
حاملً فبوضع الحمل ،وإن كانت صغيرة أو يائسة فتستبرأ عند الشافعي بشهر ،وعند المالكية بثلثة
أشهر.
( )9/523
أو بالتعريض ،مثل :يا حلل ابن الحلل ،وأما أنا فلست بزانٍ ،وهو قذف إن نوى به القذف عند
الشافعية ،وإن أفهم تعريضه القذف بالزنا عند المالكية ،وليس بقذف عند الحنفية وفي الظاهر عند
الحنابلة.
ويثبت القذف كما هو مبين في حد القذف إما بالبينة ،أو القرار.
وأما نفي الولد :فهو أن يحضر الرجل عند الحاكم ،ويذكر أن هذا الولد أو الحمل الموجود ليس مني.
واختلف الفقهاء في وقت النفي وفي نفي الحمل:
قال أبو حنيفة ( : )1إذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولدة ،أو في المدة التي تقبل فيها التهنئة وهي
سبعة أيام عادة ،أو التي تشترى فيها آلة الولدة ،صح نفيه ،ولعن به؛ لنه بالنفي صار قاذفا .أما إن
نفاه بعدئذ فل ينتفي ويثبت نسب الولد ،لوجود العتراف منه دللة :وهو السكوت وقبول التهنئة،
والسكوت يعتبر هنا رضا .وهذا هو الصحيح عند الحنفية.
وقال الصاحبان :يصح نفي الولد في مدةالنفاس؛ لنه أثر الولدة.
واشترط المالكية ( )2شرطين لصحة اللعان ولنفي الولد ،وهما كما تقدم:
ً - 1أن يدعي الزوج أنه لم يطأ زوجته لمد يلتحق به الولد ،أو أنه وطئها واستبرأها بحيضة واحدة
بعد الوطء.
ً - 2أن ينفي الولد قبل وضعه؛ فإن سكت ولو يوما بل عذر حتى وضعته ،حد ولم يلعن ،أي أنه
يشترط لصحة اللعان التعجيل بعد العلم بالحمل أو الولد ،فلو أخر بل عذر لم يصح.
وأجاز الشافعية ( )3نفي حمل ،وانتظار وضعه ،أما نفي الحمل :فلما ثبت في الصحيحين« :أن هلل
بن أمية لعن عن الحمل» ،وأما انتظار الوضع فلكي يلعن عن يقين.
-------------------------------
( )1فتح القدير 260/3 :وما بعدها ،الكتاب مع اللباب.79/3 :
( )2القوانين الفقهية :ص ،244الشرح الصغير.663-660/2 :
( )3مغني المحتاج ،380/3 :المهذب.122/2 :
( )9/524
والنفي لنسب ولد يكون على الفور في الظهر الجديد؛ لنه شرع لدفع ضرر محقق ،فكان على الفور
مثل الرد بالعيب وخيار الشفعة ،لكن إن سكت عن النفي لعذر كأن بلغه الخبر ليلً فأخر حتى يصبح
أو كان جائعاً فأكل ،أو عاريا فلبس ،صح تأخيره النفي للعذر.
ولم يجز الحنابلة ( )1كالحنفية نفي الحمل قبل الوضع ،ول ينتفي حتى يلعنها بعد الوضع وينتفي
الولد فيه؛ لن الحمل غير متيقن ،يجوز أن يكون انتفاخا أو ريحا .واشترطوا كالشافعية أن يكون
النفي عقب الولدة ،فإذا ولدت المرأة ولدا فسكت عن نفيه مع إمكانه ،لزمه نسبه ،ولم يكن له نفيه
بعدئذ.
والحاصل أن للفقهاء رأيين في نفي الحمل :رأي الحنفية والحنابلة بعدم الجواز لحتمال كونه غير
حمل ،ورأي المالكية والشافعية بالجواز ،محتجين بحديث هلل بن أمية وأنه نفى حملها ،فنفاه عنه
النبي صلّى ال عليه وسلم ،وألحقه بالول ،ول خفاء بأنه كان حملً ،لقول النبي عليه الصلة
والسلم« :انظروها ،فإن جاءت به كذا وكذا» ولن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه ،ولنه يصح
استلحاق الحمل ،فكان نفيه كنفي الولد بعد وضعه .قال ابن قدامة :وهذا القول هو الصحيح لموافقته
ظواهر الحاديث ،وما خالف الحديث ل يعبأ به كائنا ما كان.
وشرط اللعان :التعجيل عند الجمهور بعد علم الزوج بالحمل أو الولد ،وأجاز أبو حنيفة اللعان عقب
الولدة أو بعدها بسبعة أيام.
-------------------------------
( )1المغني.424-423/7 :
( )9/525
( )9/526
أما إن اتهم الزوج زوجته بالزنا أو نفى نسب ولدها منه ،ولم يأت بأربعة يشهدون على ادعائه ،فل
يحد حد القذف ،وإنما يشرع في حقه اللعان.هذا ..وقد اتفقت الروايات في بيان أسباب نزول آيات
اللعان على أمور ثلثة (: )1
أولها ـ أن آيات اللعان نزلت بعد آية قذف المحصنات بتراخ عنها وأنها منفصلة عنها.
والثاني ـ أنهم كانوا قبل نزول آيات اللعان يفهمون من قوله تعالى{ :والذين يرمون المحصنات}..
[النور ]4/24:وهي آية القذف :أن حكم من رمى المرأة الجنبية وحكم من رمى زوجته سواء.
والثالث ـ أن آيات اللعان نزلت تخفيفا على الزوج وبيانا للمخرج مما وقع فيه مضطرا.
ومقتضى مشروعية اللعان :جواز الدعاء باللعن على كاذب معين ،كجواز الدعاء باللعن على الظالم
لقوله تعالى{ :أل لعنة ال على الظالمين} [هود.]18/11:
-------------------------------
( )1مذكرة آيات الحكام بالزهر الشريف.135/3 :
( )9/527
( )9/528
ً - 3كون الزوج أهلً للشهادة على المسلم ،بأن يكون طرفا اللعان زوجين حرين عاقلين بالغين
مسلمين ناطقين غير محدودين في قذف ،فل لعان بين كافرين ول من أحدهما عبد أو صبي أو
مجنون أو محدود في قذف أو كافر ،أو أخرس للشبهة .ويصح بين العميين والفاسقين؛ لنهما أهل
لداء الشهادة ،لكن ل تقبل شهادتهما للفسق ولعدم قدرة العمى على التمييز ،والحاصل أن الحنفية
اشترطوا أهلية الشهادة في الزوج؛ لن كلمات اللعان شهادات ،واشترطوا أيضا أن تكون الزوجة ممن
يحد قاذفها؛ لن اللعان بدل عن حد القذف في الجنبية .ولم يشترط الجمهور هذين الشرطين.
لكن اشترط المالكية ( )1السلم في الزوج فقط ل في الزوجة ،فإن الذمية تلعن لرفع العار عنها،
وقالوا :يشترط في المتلعنين كونهما بالغين عاقلين ،سواء أكانا حرين أم مملوكين ،عدلين أم فاسقين.
ويقع اللعان في حال العصمة اتفاقا ،وفي العدة من الطلق الرجعي والبائن خلفا للحنفية ،وبعد العدة
في نفي الحمل إلى أقصى مدة الحمل .ويقع اللعان من الزوجين في النكاح الصحيح والفاسد.
ولم يشترط الشافعية والحنابلة ( )2السلم في المتلعنين ،وقالوا :يصح اللعان من كل زوج يصح
طلقه ،بأن يكون الزوجان مكلفين أي بالغين عاقلين ،سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم عدلين أم
فاسقين أم محدودين في قذف أم كان أحدهما كذلك .ويصح اللعان أيضا من الحر والعبد والرشيد
والسفيه والسكران ومن الناطق والخرس والخرساء المعلومي الشارة عند الشافعية ،ومن المطلّق
رجعيا ،ويصح من الزوج للمطلقة بائنا لنفي الولد ،وكذا عند الحنابلة إذا لم يكن هناك ولد.
ويصح عندهم لعان الموطوءة بنكاح فاسد أو شبهة كأن ظنها زوجته ثم قذفها ،ولعن لنفي النسب،
كما تقدم .
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،243بداية المجتهد.117/2 :
( )2مغني المحتاج 378/3 :ومابعدها ،المهذب ،124/2 :المغني402-394/7 :
( )9/529
ول يصح اللعان بالتفاق من صبي ومجنون ،فإن كان أحد الزوجين غير مكلف فل لعان بينهما؛ لن
اللعان قول تحصل به الفرقة ،ول يصح من غير مكلف كالطلق أو اليمين .ول لعان بين غير
الزوجين ،فإذا قذف الشخص أجنبية محصنة (عفيفة) حُدّ حد القذف ولم يلعن.
ول فرق بين كون الزوجة مدخولً بها أو غير مدخول بها في أنه يلعنها بالتفاق ،لقوله تعالى:
{والذين يرمون أزواجهم} [النور ]6/24:فإن كانت غير مدخول بها ،فلها نصف الصداق؛ لنها فرقة
من جهة الزوج .ويلعن الخرس أو معتقل اللسان عند الحنابلة ،ول تلعن الخرساء عند الحنابلة؛
لنه ل تعلم مطالبتها ،واتفقوا على أنه ل يصح اللعان من الخرس والخرساء غير معلومي الشارة
والكتابة.
والخلصة :أن الحنفية اشترطوا في المتلعنين السلم والنطق والحرية والعدالة ،وكون اللعان في
حال قيام الزوجية حقيقة أو حكما كالرجعية ل البائنة ،وخالفهم الجمهور فيما شرطوه ،إل أن المالكية
شرطوا إسلم الزوج فقط ،واتفقوا على اشتراط التكليف :البلوغ والعقل .ويصح اللعان من الخرس
عند الجمهور غير الحنفية .وذكر الحنابلة والشافعية شروطا ثلثة للعان هي (: )1
ً - 1كونه بين زوجين ،ولو قبل دخول ،كما تقدم.
ً - 2سبق قذف الزوجة بزنا ،ولو في دبر :مثل قوله :زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين .وهذا متفق
عليه كما تقدم في سبب اللعان .وللرجل قذف زوجته إن علم زناها ،أو ظنه ظنا مؤكدا كشيوع زناها
بفلن مع قرينة بأن رآهما في خلوة.
ً - 3أن تكذبه ويستمر التكذيب إلى انقضاء اللعان ،فإن صدقته ولو مرة ،أو عفت الزوجة عن الحد
أو التعزير ،أو سكتت ،أو ثبت زناها بأربعة سواه ،فل لعان ويلحقه النسب .وكذا ل لعان عند الحنابلة
من الخرساء
لغة اللعان :يصح اللعان عند الجمهور غير الحنابلة بالعربية وبالعجمية (هي ما عدا العربية من
اللغات)؛ لن اللعان يمين أو شهادة ،وهما في اللغات سواء ،ويراعي العجمي الملعن ترجمة
الشهادة واللعن والغضب (. )2
وقال الحنابلة ( )3إذا كان الزوجان يعرفان العربية ،لم يجز أن يلتعنا بغيرها؛ لن اللعان ورد في
القرآن بلفظ العربية.
-------------------------------
( )1غاية المنتهى ،202-201/3 :مغني المحتاج ،373 ،367/3 :المهذب ،119/2 :كشاف القناع:
.463-456/5
( )2مغني المحتاج ،376/3 :المهذب.124/2 :
( )3المغني.438/7 :
( )9/530
( )9/531
ً - 4أن يأتي كل من الزوجين بصورة اللعان ،كما حددها القرآن .واختلف الفقهاء في إبدال لفظة
بمعناها ،كأن يبدل بقوله :إني لمن الصادقين قوله ( :لقد زنت) ،أو يقول بدل {إنه لمن الكاذبين}
[النور ( :]8/24:لقد كذب) ،والظاهر عند الحنابلة أنه يجوز هذا البدال؛ لن معناهما واحد.
أما إن أبدل بلفظة (أشهد) لفظا من ألفاظ اليمين ،فقال :أحلف أو أقسم أو أولي ،فل يعتد به عند
الشافعية والحنابلة على الصحيح؛ لن ما اعتبر فيه لفظ الشهادة ،لم يقم غيره مقامه ،كالشهادات في
الحقوق ،ولن اللعان يقصد فيه التغليظ ،واعتبار لفظ الشهادات أبلغ في التغليظ ،فلم يجز تركه ،ولهذا
لم يجز أن يقسم بال من غير كلمة تقوم مقام:أشهد .والظاهر أن هذا رأي المالكية والحنفية أيضا.
ً - 5الترتيب بين ألفاظ اللعان ،وأن يبدأ الرجل بالحلف على المرأة ،ثم تحلف المرأة ،فإن قدم لفظة
اللعنة على شيء من اللفاظ الربعة ،أو قدمت المرأة لعانها على لعان الرجل ،لم يعتد به .وهذا متفق
عليه؛ لن اللعان على رأي الحنفية شهادة ،والمرأة بشهادتها تقدح في شهادة الزوج ،فل يصح قبل
وجود شهادته.
ً - 6الشارة من كل واحد منهما إلى صاحبه إن كان حاضرا ،وتسميته ونسبته إن كان غائبا .وهذا
متفق عليه بين الفقهاء ،ول يشترط عند الشافعية والحنابلة :حضور الزوجين معا ،بل لو كان أحدهما
غائبا عن صاحبه جاز ،كأن يلعن الرجل في المسجد ،والمرأة على باب المسجد ،لعدم إمكان
دخولها.
( )9/532
هذا وقد اشترط المالكية حضور جماعة للعان ،أقلها أربعة عدول .وقال الشافعية والحنابلة :يستحب
أن يكون اللعان بمحضر جماعة من المسلمين؛ لن ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد حضروه
على حداثة منهم ،فدل على أنه حضره جمع كثير من الناس؛ لن الصبيان إنما يحضرون المجالس
تبعا للرجال ،ولن اللعان بني على التغليظ ،مبالغة في الردع به والزجر ،وفعله في الجماعة أبلغ في
الردع .ويستحب أل ينقصوا عن أربعة؛ لن بينة الزنا الذي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة.
واشترط المالكية أيضا لصحة اللعان :عدم وطء الزوجة مطلقا بعد رؤيتها تزني ،أو بعد علمه بحمل
من غيره ،أو وضع ،فإن وطئ المرأة الملعنة بعد علمه بحمل من غيره أو وضع ،أو رؤية لها
تزني ،امتنع اللعان لها ول يمكّن منه.
واشترطوا أيضا تعجيل اللعان بعد علمه بالحمل أو الولد :فإن أخر لعانها ولو يوما بل عذر بعد علمه
بالحمل أو الوضع أو رؤية الزنا ،امتنع لعانه لها ول يمكّن منه أيضا .واشترطوا أيضا لفظ (أشهد)
في الربع مرات منه أو منها ،واللعن منه في الخامسة ،والغضب منها في الخامسة ،كما ورد في
النص القرآني في أيمان اللعان.
ويلعن الزوج إن رأى زوجته يقينا تزني ،والرؤية من البصير كرؤية المِ ْروَد في المُكحلة ،وأما
العمى فيعتمد على حِس أو جَسّ أو إخبار يفيده المطلوب ولو من امرأة.
شروط نفي الولد :
اشترط الحنفية ( )1ستة شروط لنفي الولد وعدم لحوق النسب وهي ما يأتي:
ً - 1حكم القاضي بالتفريق بين الزوجين :لن الزواج قبل التفريق قائم ،فل يجب النفي.
ً - 2أن يكون نفي الولد في رأي أبي حنيفة بعد الولدة مباشرة أو بعدها بيوم أو يومين أو نحوهما
إلى سبعة أيام مدة التهنئة بالمولود عادة ،فإن نفاه بعدئذ ل ينتفي.
وقال الصاحبان :يتقدر نفي الولد بأكثر مدة النفاس وهي أربعون يوما.
وشرط الجمهور الفور في النفي،فإن أخر بل عذر ،لم يصح النفي ،كما تقدم.
-------------------------------
( )1البدائع ،248-246/3 :حاشية ابن عابدين ،811/2 :اللباب.79/3 :
( )9/533
ً - 3أل يتقدم منه إقرار بالولد ولو دللة أو ضمنا ،كقبوله التهنئة بالمولود مع عدم الرد.
ً - 4توافر حياة الولد وقت التفريق القضائي ،أي أن يكون الولد حيا وقت التفريق.
ً - 5أل تلد بعد التفريق ولدا آخر من بطن واحد :فلو ولدت المرأة ولدا ،فنفاه عنه ،ولعن الحاكم
بينهما ،وفرق ،وألزم الولد أمه ،أو لزمها بنفس التفريق ،ثم ولدت ولدا آخر من الغد ،لزمه الولدان
جميعا ،لثبوت نسب الولد الثاني الذي لم يشمله اللعان؛ لن حكم اللعان قد بطل بالفرقة ،فيثبت نسب
الولد الثاني ،ثم يثبت نسب الولد الول.
ً - 6أل يكون محكوما بثبوت نسب الولد شرعا :كأن ولدت المرأة ولدا ،فانقلب على رضيع ،فمات
الرضيع ،وقضي بديته على عاقلة (عصبة) الب ،ثم نفى الب نسبه ،فيلعن القاضي بينهما ،ول
يقطع نسب الولد؛ لن القضاء بالدية على عاقلة قضاء بكون الولد منه ،ول ينقطع النسب بعده.
ل مايأتي:
وقد سبق إيراد شرطين لنفي الحمل عند المالكية ( )1وهما تفصي ً
ً - 1أن يدعي أنه لم يطأ الزوجة أصلً بعد العقد ،أو لمد يلحق به ،أو أنه وطئها ولكنه استبرأها
بحيضة واحدة؛ فإن لم يطأها أصلً بعد العقد ،أو وطئها وأتت بالولد بعد الوطء في مدة ل يلتحق الولد
فيها بالزوج ،إما لقصر المدة كأن تلد ولدا كاملً بعد شهر أو شهرين أو خمسة بعد الدخول أو الوطء؛
لن أقل الحمل شرعا ستة أشهر ،وإما لطول المدة كخمس سنين؛ لن أقصى مدة الحمل أربع سنين
بعد الوطء ،ففي هاتين الحالتين يعتمد على ذلك ،ويعلم أن الولد ليس من الزوج قطعا ويلعن لنفيه.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير ،664-660/2 :القوانين الفقهية :ص .244
( )9/534
وكذلك يلعن لنفي الولد لو وطئها واستبرأها بحيضة واحدة بعد الوطء ،ثم أتت بولد بعد ستة أشهر
من يوم الستبراء بالحيضة ،إذ هو ليس منه قطعا.
ً - 2أن ينفي الولد قبل وضعه :فإن سكت ولو يوما بل عذر حتى وضعته ،حدّ الزوج ولم يلعن.
أما الشافعية ( )1فأجازوا نفي الولد أثناء الحمل أو بعد الولدة مباشرة ،فإن أخر بل عذر أو قبل
التهنئة بالمولود ،سقط حقه في النفي؛ لن التأخر يتضمن القرار به .فإن ادعى أنه لم يعلم بالولدة،
فإن كان في موضع قريب منها كدار أو محلة لم يقبل قوله؛ لنه يدعي خلف الظاهر ،وإن كان في
موضع يجوز أن يخفي عليه كالبلد الكبير ،فالقول قوله مع يمينه؛ لن ما يدعيه ظاهر.
وقالوا :ل يصح نفي أحد توأمين ،فإن أتت المرأة بولدين توأمين ،فنفى أحدهما وأقر بالخر ،أو ترك
نفيه من غير عذر ،لحقه الولدان؛ لنهما حمل واحد؛ لن ال تعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في
الرحم ولدان من ماء رجلين ،فإذا اشتمل الرحم على المني ،انسد فمه ،فل يتأتى منه قبول مني آخر،
فل يجوز أن يلحق أحد الولدين دون الخر.
ويلزم الزوج نفي ولد أتت به زوجته وعلم أنه ليس منه ،بأن وطئها وولدته لدون ستة أشهر من
الدخول ،أو فوق أربع سنين ،فلو ولدته فيما بين ستة أشهر من الدخول وأربع سنين منه ،ولم يستبرئها
بعد الدخول بحيضة ،حرم نفي الولد باللعان رعاية للزوجية ( ، )2وإن ولدته بعد ستة أشهر من
الستبراء بحيضة ،ولستة أشهر فأكثر من الزنا ،حل نفي الولد باللعان في الصح ،ولكن الولى أل
ينفيه ؛ لن الحامل قد ترى الدم.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،383 ،381 ،373/3 :المهذب.123-122/2 :
( )2لما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة أنه صلّى ال عليه وسلم قال« :أيما رجل
جحد ولده وهو ينظر إليه ،احتجب ال منه يوم القيامة ،وفضحه على رؤوس الخلئق» .
( )9/535
( )9/536
المطلب الرابع ـ كيفية اللعان ودور القاضي فيه :
كيفية اللعان أو صفته أو ألفاظه :اتفق الفقهاء ( )1على كيفية اللعان أو صفته (أي ماهيته) على النحو
التالي:
إذا قذف الزوج زوجته بالزنا أو نفى نسب ولدها منه ،ولم تكن له بينة ،ولم تصدقه الزوجة ،وطلبت
إقامة حد القذف عليه ،أمره القاضي باللعان ،بأن يبتدئ القاضي بالزوج ،فيقول أمامه أربع مرات:
(أشهد بال ،إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا أو نفي الولد) بأن يحدد المقصود بالشارة
إليها إن كانت حاضرة ،أو بالتسمية بأن يقول( :فيما رميت به فلنة زوجتي من الزنا) ،ثم يقول في
الخامسة( :لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا أو نفي الولد) ويشير الزوج إليها
في جميع ما ذكر.
-------------------------------
( )1اللباب ،76/3 :رد المحتار ،810/2 :الشرح الصغير ،664/2 :القوانين الفقهية :ص ،244بداية
المجتهد ،118/2 :مغني المحتاج 374/3 :وما بعدها ،المهذب ،126/2 :غاية المنتهى،199/3 :
المغني.436/7 :
( )9/537
ثم تقول المرأة أربع مرات أيضا ( :أشهد بال ،إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أو نفي الولد
) وتقول في الخامسة ( :أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا أو نفي
الولد ) وإنما خص الغضب وهو أشد من اللعن ( )1في جانب المرأة؛ لن النساء يتجاسرن باللعن،
فإنهن يستعملن اللعن في كلمهن كثيرا ،كما ورد في الحديث ،فاختير الغضب لتتقي ول تقدم عليه،
ولن جريمتها وهي الزنا أعظم من جريمة الرجل وهي القذف .وإنما وجب البدء بالرجل في اللعان؛
لنه المدعي ،وفي الدعاوى يبدأ بالمدعي.
ودليل هذه الكيفية قوله تعالى{ :والذين يرمون أزواجهم ،ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم ،فشهادة أحدهم
أربع شهادات بال ،إنه لمن الصادقين ،والخامسة ُ أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين .ويدرأ عنها
العذاب أن تشهد أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ،والخامسةَ أن غضب ال عليها إن كان من
الصادقين} [النور.]9-6/24:
وثبت في السنة النبوية الصحيحة تأكيد هذه الكيفية بأحاديث ،منها حديث ابن عمر :قال :يا رسول ال
،أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة ،كيف يصنع؟ إن تكلم ،تكلم بأمر عظيم ،وإن سكت سكت
على مثل ذلك ،قال :فسكت النبي صلّى ال عليه وسلم فلم يُجبْه ،فلما كان بعد ذلك ،أتاه ،فقال :إن
الذي سألتك عنه ابتليتُ به ،فأنزل ال عز وجل هؤلء اليات في سورة النور{ :والذين يرمون
أزواجهم} [النور ]6/24:فتلهن عليه ،ووعظه وذكره ،وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب
الخرة ،فقال :ل والذي بعثك بالحق ،ما كذبتُ عليها ،ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا
أهون من عذاب الخرة ،فقالت :ل والذي بعثك بالحق إنه لكاذب.
-------------------------------
( )1الغضب :هو السخط وإنزال العذاب بالمغضوب عليه.
( )9/538
وأما اللعن فهو الطرد من الرحمة ،ول يلزم منه التعذيب .بدأ الرجل ،فشهد أربع شهادات بال ،إنه
لمن الصادقين ،والخامسة أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين ،ثم ثنى بالمرأة ،فشهدت أربع
شهادات بال ،إنه لمن الكاذبين ،والخامسة أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين ،ثم فرق بينهما
( . )1
وبداءة الزوج باللعان هو رأي الجمهور ،وقال أبو حنيفة :يجزئ أن تبدأ المرأة باللعان ،وقال الكاساني
في البدائع :ينبغي أن تعيد ،لن اللعان شهادة المرأة ،وشهادتها تقدح في شهادة الزوج ،فل تصح إل
بعد وجود شهادته.
مندوبات اللعان ودور القاضي فيه :يسن للقاضي ما يأتي (: )2
ً - 1أن يعظ المتلعنين قبل اللعان ،ويخوفهما بعذاب ال في الخرة ،كما فعل النبي صلّى ال عليه
وسلم مع ابن عمر وزوجته في الحديث السابق ،وقال عليه الصلة والسلم لهلل« :اتق ال فإن
عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة» ويقرأ عليهما{ :إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنا قليلً}
الية[آل عمران ]3/77:ويقول لهما :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم للمتلعنين« :حسابكما على
ال ،يعلم أن أحدكما كاذب ،فهل منكما من تاب» .
ً - 2ل يحكم القاضي في اللعان حتى يثبت عنده نكاح الزوجين.
ً - 3أن يتلعن الزوجان قائمين ،ليراهما الناس ،ويشتهر أمرهما ،فيقوم الرجل عند لعانه ،والمرأة
جالسة ،ثم تقوم عند لعانها ،ويقعد الرجل ،ويتكلم المتلعنان بألفاظ اللعان ،وهي أربع شهادات.
ً - 4أن يحضر جماعة من المسلمين اللعان ،وأقلها أربعة عدول ،وأوجبه المالكية.
ً - 5أن يغلظ اللعان في الزمان والمكان في رأي المالكية والشافعية ،والحنابلة على الراجح ،بأن
يكون بعد صلة ،لما فيه من الردع والرهبة ،أو بعد صلة العصر؛ لنها الصلة الوسطى على
الراجح ،أو بعد صلة عصر الجمعة؛ لن ساعة الجابة فيه ،كما رواه أبو داود والنسائي
-------------------------------
( )1حديث متفق عليه بين أحمد والبخاري ومسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عمر (نيل الوطار:
.)267/6
( )2القوانين الفقهية :ص 244وما بعدها ،الشرح الصغير ،667-665/2 :مغني المحتاج-376/3 :
،378المغني ،437-434/7 :غاية المنتهى ،300/3 :كشاف القناع.455-454/5 :
( )9/539
وصححه ( ، )1ولن اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ثلثة ل
يكلمهم ال يوم القيامة ،ول يزكّيهم ،ولهم عذاب أليم ،وعدّ منهم رجلً حلف يمينا كاذبة بعد العصر،
يقتطع بها مال امرئ مسلم» (. )2
ويكون لعان المسلم في المسجد؛ لنه أشرف الماكن ،وأوجبه المالكية فيه؛ لن فيه تأثيرا في الزجر
عن اليمين الفاجرة.
وأشرف الماكن هو في مكة :بين الركن الذي فيه الحجر السود وبين مقام إبراهيم صلّى ال عليه
وسلم ،ويسمى ما بينهما بالحطيم ،وفي المدينة :عند المنبر مما يلي القبر الشريف ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم « :من حلف على منبري هذا يمينا آثمة ،تبوأ مقعده من النار» ( )3وقوله« :ل يحلف عند
هذا المنبر عبد ول أمة يمينا آثمة ولو على سواك رطب إل وجبت له النار» (. )4
واللعان في بيت المقدس في المسجد عند الصخرة المشرفة؛ لنها أشرف بِقاعه؛ لنها قبلة النبياء
عليهم الصلة والسلم ،وعند ابن حبان« :أنها من الجنة» .
واللعان في غير المساجد الثلثة يكون عند منبر الجامع؛ لنه المعظم منه.
وتلعن امرأة حائض أو نفساء أو متحيرة مسلمة عند باب المسجد الجامع.
ويلعن ذمي أو كتابي في بِيعة (وهي معبد النصارى) وفي كنيسة (وهي معبد اليهود) ( )5؛ لن
معابدهم كالمساجد عندنا ،ويلعن مجوسي في بيت نار ،لنهم يعظمونه ،والمقصود الزجر عن
الكذب ،فيحضره القاضي رعاية لعتقادهم لشبهة الكتاب التي يدعونها .ول يلعن في بيت أصنام
وثني؛ لنه ل حرمة له ،واعتقادهم فيه غير شرعي.
ول يغلظ اللعان في رأي القاضي أبي يعلى من الحنابلة ،والحنفية بمكان ول زمان؛ لن ال تعالى
أطلق المر به ،ولم يقيده بزمن ول مكان ،فل يجوز تقييده إل بدليل ،ولن النبي صلّى ال عليه وسلم
أمر الرجل بإحضار امرأته ،ولم يخصه بزمن ،ولو خصه به لنقل ولم يهمل.
-------------------------------
( )1وروى مسلم :أنها من مجلس المام على المنبر إلى أن تنقضي الصلة ،وصوبه النووي.
( )2متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
( )3رواه النسائي ،وصححه ابن حبان.
( )4رواه ابن ماجه ،وقال الحاكم :صحيح على شرط الشيخين.
( )5وتسمى البيعة أيضاَ كنيسة ،بل هو العرف اليوم.
( )9/540
المطلب الخامس ـ ما يجب عند نكول أحد الزوجين عن اللعان أو رجوعه عنه :
قد يمتنع أحد الزوجين عن اللعان بعد طلبه من القاضي ،وقد يرجع عنه ويُكذب نفسه ،فماذا يفعل
القاضي؟
أما في حال نكول أحد الزوجين عن اللعان بعد طلبه منه ،فقد اختلف الفقهاء في حكمه على رأيين (
: )1
أ ـ ذهب الحنفية :إلى أنه إن امتنع الزوج عن اللعان حبس حتى يلعن أو يكذب نفسه ،فيحد حد
القذف .وإن امتنعت الزوجة عن اللعان حبست حتى تلعن أو تصدق الزوج فيما ادعاه عليها ،فإن
صدقته خلي سبيلها من غير حد؛ لن قوله{ :ويدرأ عنها العذاب} [النور ]8/24:أ ي الحبس عندهم
وعند الحنابلة.
حدّ حد
ب ـ وذهب الجمهور غير الحنفية :إلى أنه إن امتنع الزوج عن اللعان أو امتنعت الزوجة ُ
القذف؛ لن اللعان بدل عن حد الزنا ،لقوله تعالى{ :ويدرأ عنها العذاب} [النور ]8/24:أي العذاب
الدنيوي وهو الحد عندهم ،فل يندرئ الحد عن الزوجة مثلً إل بلعانها.
إل أن الحنابلة وافقوا الحنفية فيما إذا امتنعت الزوجة عن اللعان أخذا بمدلول الية السابقة{ :ويدرأ
عنها العذاب} [النور ]8/24:فإن لم تلعن وجب أل يدرأ عنها العذاب ،فتحبس حتى تقر بالزنا أربع
مرات أو تلعن.
ومنشأ الخلف بين الحنفية والجمهور في حال امتناع الزوج عن اللعان :هو اختلفهم في الموجَب
الصلي لقذف الزوجة ،أهو اللعان أم الحد؟ قرر الحنفية بأن الموجب الصلي هو اللعان ،واللعان
واجب ،لقوله تعالى{ :والذين يرمون أزواجهم ،ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم ،فشهادة أحدهم أربع
شهادات بال }
-------------------------------
( )1الدر المختار ،808/2 :اللباب ،75/3 :البدائع ،238/3 :بداية المجتهد ،119/2 :القوانين الفقهية:
ص ،245مغني المحتاج ،382 ،371/3 :المهذب ،119/2 :المغني ،404 ،397 ،392/7 :غاية
المنتهى ،202/3 :كشاف القناع.463/5 :
( )9/541
[النور ]6/24:أي فليشهد أحدهم أربع شهادات بال ،فإنه تعالى جعل موجب قذف الزوجات هو
اللعان ،فمن أوجب الحد فقد خالف النص ،فصارت آية حد القذف بالنسبة للزوجات منسوخة في حق
الزواج ،وأصبح الواجب بقذف الزوجة هو اللعان ،فإذا امتنع عنه حبس حتى يلعن ،كالمدين إذا
امتنع عن إيفاء دينه ،فإنه يحبس حتى يوفي ما عليه.
وقرر الجمهور :أن الموجب الصلي هو حد القذف ،واللعان مسقط له ،لعموم قوله تعالى{ :والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ،فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور ]4/24:فإنه عام في
الجنبي والزوج ،ويجب الحد على كل قاذف ،سواء أكان زوجا أم غيره ،ثم جعل اللتعان للزوج مقام
الشهود الربعة الذين يثبت بشهادتهم الزنا ،فوجب عليه إذا امتنع عن اللعان الموجب الصلي وهو حد
القذف.
ولن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لهلل بن أمية لما قذف زوجته بالزنا« :البينة أو حد في ظهرك»
.
ورأي الجمهور أرجح لقوة أدلتهم من القرآن والسنة .وبناء عليه إذا قذف الزوج زوجته المحصنة
(العفيفة) وجب عليه حد القذف ،وحكم بفسقه ،ورد شهادته ،إل أن يأتي ببينة أو يلعن ،فإن لم يأت
بأربعة شهداء ،أو امتنع عن اللعان ،لزمه ذلك كله.
( )9/542
وقد يجب على الزوج في حال امتناعه عن اللعان التعزير فقط ،كما في حال قذف غير المحصنة
كالمرأة الكتابية ،والمَة ،والمجنونة ،والطفلة ،فإنه يجب عليه التعزير به ،للحاقه العار بها بالقذف،
ل لنقصانهن بما ذكر ،ول يتعلق به فسق ،ول رد شهادة؛ لن القذف لهؤلء ل
ول يحد لهن حدا كام ً
يوجب الحد .وله أن يلعن لدرء التعزير عنه؛ لنه تعزير قذف .وبه تكون القاعدة :كل موضع ل
لعان فيه ،فالنسب لحق بالزوج ،ويجب بالقذف موجبه من الحد أو التعزير ،إل أن يكون القاذف
صغيرا أو مجنونا ،فل تعزير أو ضرب فيه ،ول لعان بالتفاق.
رجوع الزوج عن اللعان :إذا أكذب الزوج نفسه بعد اللعان ،فاتفق أئمة المذاهب الربعة ( )1على أنه
يحد حد القذف ،ويكون للزوجة الحق في مطالبة القاضي بالحد ،سواء كذّب نفسه قبل لعانها أو بعده؛
لن اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج ،فإذا أكذب نفسه ،بأن قال :كذبتُ عليها ،فقد زاد في هتك
حرمتها ،وكرر قذفها ،فل أقل من أن يجب عليه الحد الذي كان واجبا بالقذف المجرد.
فإن عاد عن إكذاب نفسه ،وقال :لي بينة أقيمها بزناها أو أراد إسقاط الحد عنه باللعان ،لم يسمع منه؛
لن البينة واللعان لتحقيق ما قاله ،وقد أقر بكذب نفسه ،فل يسمع منه خلفه.
وهذا كله فيما إذا كانت المقذوفة محصنة (عفيفة) فإن كانت غير محصنة ،فعليه التعزير.
وإن أكذب الملعن نفسه قبل لعان المرأة ،حد حد القذف ،وبقيت الزوجية ،فتبقى له زوجة ،لكن ل
تبقى زوجة بعد لعانها.
ومتى أكذب نافي الولد نفسه بعد نفيه الولد ،وبعد اللعان ،لحقه نسب الولد ،حيا كان الولد ،أو ميتا،
غنيا كان الولد أو فقيرا؛ لن اللعان يمين أو شهادة (بيّنة) فإذا أقر بما يخالفها أخذ بإقراره ،وسقط حكم
اللعان ،ثم إن النسب يحتاط لثبوته قدر المكان ،ويتم التوارث بين الب والولد؛ لن الرث تابع
للنسب ،وقد ثبت فتبعه الرث.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،812/2 :الكتاب مع اللباب ،75/3 :بداية المجتهد ،120/2 :القوانين الفقهية :ص
،245مغني المحتاج ،380/3 :غاية المنتهى ،204 ،202/3 :كشاف القناع.468/5 :
( )9/543
( )9/544
لول اليمان لكان لي ولها شأن» ( )1ولنه ل بد في اللعان من ذكر اسم ال تعالى وذكر جواب
القسم ،ولو كان شهادة لما احتاج إليه ،ولنه يستوي فيه الرجل والمرأة ،ولو كان شهادة لكانت المرأة
على النصف من الرجل فيه ،ولنه يجب تكراره أربعا ،والمعهود في الشهادة عدم التكرار ،أما اليمين
فتتكرر كما في أيمان القسامة ،ولن اللعان يكون من الطرفين ،والشهادة ل تكون إل من طرف واحد
وهو المدعي.
أما تسمية اللعان شهادة ،فلقول الملعن في يمينه ( :أشهد بال ) فسمي اللعان شهادة وإن كان يمينا،
فقد يعبر عن الشهادة باليمين كما في قوله تعالى{ :إذا جاءك المنافقون قالوا :نشهد} [المنافقون]1/63:
ثم قال{ :اتخذوا أيمانهم جُنّة} [المنافقون ]2/63:وأجمعوا على جواز لعان العمى ،ولو كان شهادة لما
جاز لعانه.
وإذا كان اللعان يمينا ،فل يشترط فيه ما يشترط في الشهادة ،وتفرع عن الخلف اختلفهم في
الخرس ،فقال الجمهور :يلعن الخرس إذا فهم عنه .وقال الحنفية :ل يلعن؛ لنه ليس من أهل
الشهادة.
والراجح لدي رأي الجمهور لقوة أدلتهم من السنة والمعقول ،ولن اللعان شرع للحاجة ،والحاجة تتسع
لناس ولو لم يكونوا أهلً للشهادة .وهذا هو أيضا رأي العترة (آل البيت).
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل مسلما والنسائي عن ابن عباس (نيل الوطار.)274/6 :
( )9/545
( )9/546
أ ـ أن يكذّب الرجل نفسه ،ولو دللة كأن مات الولد المنفي ،فادعى الزوج نسبه؛ لن هذا يعتبر
رجوعا عن الشهادة ،والشهادة ل حكم لها بعد الرجوع عنها ،ويحد حينئذ حد القذف ،ويثبت نسب
الولد منه إن كان .وكذلك تعود المرأة إلى الزوجية إن صدقته ،أي المرأة.
ب ـ أن يخرج أحد الزوجين عن أهلية الشهادة؛ إذ به ينتفي سبب التفريق ،فلو زنت المرأة أو قذفت
غيرها ،فحدت ،جاز لزوجها أن يتزوجها ،لنتفاء أهلية اللعان من جانبها.
وإذا كان الطلق بائنا وجب للمرأة النفقة والسكنى في عدتها ،ويثبت نسب ولدها إلى سنتين إن كانت
معتدة ،وإن لم تكن معتدة فإلى ستة أشهر.
وقال الجمهور وأبو يوسف :فرقة اللعان فسخ كفرقة الرضاع ،وتوجب تحريما مؤبدا ،فل يعود
المتلعنان إلى الزوجية بعدها أبدا؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم « :المتلعنان ل يجتمعان أبدا» ،ولن
اللعان ليس طلقا ،فكان فسخا كسائر ما ينفسخ به الزواج ،ولن اللعان قد وجب وهو سبب التفريق،
وأما تكذيب الرجل نفسه أو خروج أحد المتلعنين عن أهلية الشهادة ،فل ينفي وجود سبب التفريق،
بل هو باق ،فيبقى حكمه .ورأى الشافعي :أن الفرقة تحصل بلعان الزوج ،وإن لم تلعن الزوجة .فإن
كان كاذبا ،أو أكذب نفسه ،فل يفيده ذلك عود النكاح ،ول رفع تأبيد الحرمة؛ لنهما حق له وقد بطل
باللعان ،فل يتمكن من عودهما ،بخلف الحد ولحوق النسب،فإنهما يعودان لنهما حق عليه.
ً - 5انتفاء نسب الولد عن الرجل ،وإلحاقه بأمه إذا كان اللعان لنفي النسب .ويترتب على نفي النسب
عدم التوارث ،وعدم إلزام النفقة ،سواء نفقة الباء على البناء أو نفقة البناء على الباء.
وتظل بعض الحكام بالنسبة للولد :وهي عدم جواز شهادة الولد لصله الملعن أو الصل لفرعه،
وعدم القصاص من الرجل بقتل الولد المنفي ،وعدم صحة إلحاق نسب الولد المنفي بالغير ،لحتمال
أن يكذب الرجل نفسه فيعود نسبه منه ،وبقاء المحرمية ،فل يجوز أن يزوج الرجل بنته لمن نفى نسبه
منه؛ لنه يحتمل كونه ابنا له.
( )9/547
المطلب الثامن ـ ما يسقط اللعان بعد وجوبه وما يبطل به حكم اللعان قبل التفريق :
أولً ـ ما يسقط اللعان بعد وجوبه :قرر الحنفية ( : )1أن اللعان يسقط بما يأتي:
ً - 1طروء عدم أهلية اللعان أو ما يمنع وجوب اللعان من أصله :كل ما يمنع وجوب اللعان إذا طرأ
بعد وجوبه يسقط ،مثل الجنون أو الردة ،أو الخرس ،أوقذف إنسان آخر فحد حد القذف ،أو وطء
المرأة وطئا حراما كالزنا والوطء بشبهة .ففي هذه الحالت ل يجب الحد ،وإذا وجب سقط بهذه
العوارض لنتفاء أهلية اللعان؛ لن اللعان شهادة ،ول بد من بقاء صفة الشهادة إلى إصدار الحكم.
ً - 2البينونة بالطلق أو الفسخ أو الموت :إذا طلق الزوج امرأته بعد القذف ،أو فسخ الزواج بسبب
فاسخ ،أو مات أحد الزوجين ،سقط اللعان والحد ،أما سقوط اللعان فلزوال الزوجية ،وقيام الزوجية
شرط إ جراء اللعان كما تقدم ،وأما عدم وجوب الحد ،فلن القذف أوجب اللعان ،فلم يوجب الحد.
أما لو طلّق الرجل امرأته طلقا رجعيا ،فل يسقط اللعان؛ لن الطلق الرجعي ل يبطل الزوجية.
ً - 3موت شاهد القذف أو غيبته :يسقط اللعان بموت شاهد القذف وغيبته ،إذ لو مات أو غاب ل
يقضى بشهادته.
ً - 4تكذيب الزوج نفسه أو تصديقها الزوج في القذف :لو أكذب الزوج نفسه سقط اللعان ،لتعذر
التيان به ،إذ من المحال أن يؤمر أن يشهد بال إنه لمن الصادقين ،وهو يقول :إنه كاذب ،ويجب
عليه حد القذف،لن القذف صحيح.
-------------------------------
( )1البدائع 243/3 :وما بعدها ،الدر المختار.809/2 :
( )9/548
ولو صدقت المرأة الزوج في القذف يسقط اللعان أيضا لتعذر التيان به؛ لنها أكذبت نفسها في
النكار ،لكن ل حد عليها؛ لن اللعان لو وجب ل يثبت الزنا عليها ،فل تزول عفتها باللعان ،فل تحد
حد الزنا هنا بالولى لسقوط اللعان.
وذكر الحنابلة ( )1ثلث حالت لسقوط اللعان:
ً - 1طروء عارض من عوارض الهلية :كالجنون ،والزنا ،وخرس المرأة.
ً - 2تصديق المرأة زوجها في القذف أو عفوها ،أو سكوتها .وسبب هاتين الحالتين اشتراطهم :أن
تكذبه ويستمر التكذيب إلى انقضاء اللعان.
ً - 3موت الزوج قبل اللعان أو قبل إتمام اللعان ،فإذا قذف الزوج امرأته ثم مات قبل لعانهما أو قبل
إتمام لعانه ،سقط اللعان ،ولحقه الولد ،وورثته المرأة بالتفاق؛ لن اللعان لم يوجد فلم يثبت حكمه.
وكذلك يسقط اللعان عندهم إن مات الزوج بعد أن أكمل لعانه وقبل لعانها.
وقال الشافعي :تبين المرأة بلعان الزوج ،وإن لم تلعن الزوجة أو كان كاذبا ،ويسقط التوارث،
وينتفي الولد ،ويلزم المرأة الحد إل أن تلعن.
ثانيا ـ ما يبطل به حكم اللعان بعد وجوده قبل التفريق :
رأى الحنفية ( : )2أن كل ما يسقط اللعان بعد وجوبه ،يبطل به حكم اللعان (أي أثره ) بعد وجوده،
قبل التفريق مثل جنون أحد الزوجين أو كليهما بعد اللعان قبل التفريق ،أو خرسه أو خرسهما ،أو
ردته أو ردتهما ،أو صيرورة أحدهما محدودا في قذف ،أو صيرورة المرأة موطوءة وطئا حراما،
وإكذاب أحدهما نفسه حتى ل يفرق الحاكم بينهما ويبقيان على زواجهما.
وذلك لن الصل عندهم أن بقاء الزوجين على حال اللعان من الهلية ،شرط بقاء حكم اللعان؛ لن
اللعان عندهم شهادة ،ول بد من بقاء الشاهد على صفة الشهادة إلى وقت إصدار الحكم القضائي ،فإذا
زالت صفة الشهادة بهذه العوارض ،فل يجوز للقاضي التفريق.
-------------------------------
( )1غاية المنتهى ،202/3 :كشاف القناع ،451/5 :المغني.406/7 :
( )2البدائع 248/3 :وما بعدها ،الدر المختار.812/2 :
( )9/549
( )9/550
وتعريفات فقهاء المذاهب متقاربة ،وهي ما يأتي ،عرفه الحنفية بقولهم ( : )1تشبيه المسلم زوجته ،أو
ما يعبر به عنها من أعضائها ،أو جزءا شائعا منها ،بمحرّمة عليه تأبيدا .فل ظهار لذمي عندهم،
ويشمل الظهار الزوجة الكتابية والصغيرة والمجنونة ،ويمكن تشبيه الزوجة ،أو ما يعبر به عنها
كالرأس والرقبة ،أو تشبيهه جزءا شائعا من الزوجة كقوله :نصفك ونحوه ،والمشبه به إما جملة
القريبة المحرم مثل :أنت علي كأمي ،أو عضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسبا أو
مصاهرة أو رضاعا كالظهر وغيره .وإنما خص هذا اليمين باسم الظهار تغليبا للظهر؛ لنه كان
الصل في استعمالهم.
فلو شبه زوجته بمن تحرم عليه مؤقتا ،لم يكن ظهارا ،مثل :أنت علي كظهر أختك أو عمتك ،فإن
الخت والعمة تحرمان حرمة مؤقتة ،أو قال :كمطلقتي ثلثا ،فإنها تحرم حتى تنكح زوجا غيره ،أو
كالمجوسية لجواز إسلمها ،وكذا لو شبهها بجزء ل يحرم النظر إليه كالوجه والرأس ،ل يكون
ظهارا.
ولو شبهها بشيء يحرم عليه من غير النساء كالخمر والخنزير ،لم يكن ظهارا ،ويرجع فيه إلى نيته،
فإن قصد به طلقا ،كان طلقا بائنا ،وإن قصد التحريم أو لم يقصد شيئا كان إيلء.
ولو شبهها بفرج أبيه أو قريبه كان مظاهرا .لكن لو قالت :أنت علي كظهر أبي أو ابني ،ل يصح؛
لن المظاهر به ليس من جنس النساء.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،790/2 :فتح القدير ،225/3 :اللباب ،67/3 :البدائع.233/3 :
( )9/551
وعرفه المالكية ( )1بقولهم :الظهار :تشبيه المسلم المكلف من تحل من زوجة أو أمة أو جزأها
بمحرّمة عليه أو بظهر أجنبية ،وإن تعليقا أو مقيدا بوقت .فل ظهار لكافر ،ول لصبي ومجنون
ومكره ،ويتحقق الظهار بتشبيه الزوجة ،مثل أنت أمي ،أو جزء منها كيدها ورجلها ،ول ظهار في
قوله :أنت علي كظهر زوجتي النفساء أوالمُحْرِمة بحج؛ لن التحريم لها عليه ليس أصالة ،فالظهار:
تشبيه الزوجة بالمحرمة عليه أصالة ،أو المحرمة عليه وقت اليمين مثل ظهر أجنبية .وبه يتفق
الحنفية والمالكية في عدم صحة ظهار الكافر ،ويختلفون في تشبيه الزوجة بظهر امرأة أجنبية .فل
ينعقد عند الحنفية؛ لن التحريم مؤقت ،وينعقد بنية الظهار عند المالكية ،لن التحريم الحالي أصيل.
والظهار المعلق بشرط عندهم مثل :إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ،وإن تزوجتك فأنت علي
كظهر أمي .أما إن علقه بأمر محقق نحو :إن جاء رمضان فأنت علي كظهر أمي أو فلنة الجنبية،
أو إن طلعت الشمس في غد فأنت علي كظهر أمي ،تنجز من الن ،ومنع منها حتى يكفّر.
وإن قيد الظهار بوقت ،مثل :أنت علي كظهر أمي في هذا اليوم أوالشهر ،انعقد مؤبدا ،ول ينحل إل
بالكفارة.
وعرفه الشافعية ( )2بأنه :تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حللً على التأبيد .فل يصح من
صبي ومجنون ومغمى عليه ول من مكره ،ويصح من ذمي لعموم آية الظهار ،ول يصح تشبيه
الزوجة بغير محرّمة على التأبيد ،ولو شبهها بأجنبية ومطلقة ،وأخت زوجة ،وأب للمظاهر ،وملعنة
له ومجوسية ومرتدة،
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 634/2 :وما بعدها ،المقدمات الممهدات.599/1 :
( )2مغني المحتاج.354-352/3 :
( )9/552
فكلمه لغو؛ لن الثلثة الولى ل يشبهن الم في التحريم المؤبد ،ولن الب أو غيره من الرجال
كالبن والغلم ليس محلً للستمتاع ،وأما الملعنة أو المجوسية أو المرتدة وإن كان تحريمها مؤبدا،
فليس التحريم بسبب القرابة المحرمية ،فهم كالحنفية في التشبيه بالمحرمة تأبيدا .والظهر أن قوله:
كيدها أو بطنها أو صدرها ظهار ،وكذا كعينها إن قصد ظهارا ،وإن قصد كرامة فل يعد ظهارا،
وكذلك قوله :رأسك أو ظهرك أو يد ك علي كظهر أمي :ظهار في الظهر .ومثله الرجل أو الجلد أو
البدن أو الشعر ونحو ذلك.
وعرفه الحنابلة ( )1بقولهم :أن يشبه الزوج امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد،
كأمه وأخته من نسب أو رضاع ،أو حماته ،أو يشبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأ
ته وعمتها وخالتها ،أو يشبهها برجل كأبيه أو زيد ،أو بعضو منه كظهره أو رأسه ،ولو بغير عربية،
أو اعتقد الحل ،أي حل المشبه بها من أم وأخت كمجوسي قال لزوجته :أنت علي كظهر أختي ،وهو
يعتقد حل أخته ،فل أثر لعتقاده ذلك ،ويكون مظاهر.
فهم كالشافعية يجيزون ظهار الكافر ،ولكن يخالفونهم في جواز تشبيه الزوجة بالمحرمة تحريما مؤقتا،
أو بمن ل يحل الستمتاع به ،وأجازوا كالمالكية الظهار من الجنبية.
حكمه الشرعي :الظهار محرّم ( ، )2لقول ال تعالى{ :وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}
[المجادلة ]2/58:ومعناه أن الزوجة ليست كالم في التحريم ،قال تعالى{ :ما هن أمهاتهم} [المجادلة:
]2/58وقال تعالى{ :وما جعل أزواجكم اللئي تظاهرون منهن أمهاتكم} [الحزاب.]4/33:
-------------------------------
( )1كشاف القناع ،425/5 :غاية المنتهى.190/3 :
( )2المقدمات الممهدات ،600/1 :المهذب 111/2 :وما بعدها ،المغني ،337/7 :البدائع.229/3 :
( )9/553
أحوال الظهار في العادة :يصح الظهار بالتفاق منجزا ،كقوله :أنت علي كظهر أمي ،ويكون الظهار
عند أكثر الفقهاء من الزوج ل من الزوجة ( ، )1فلو ظاهرت المرأة من زوجها كان ظهارها عند
الحنفية لغوا ،فل حرمة عليها ول كفارة .وكذلك قال بقية المذاهب :ليس ذلك بظهار ،لقوله تعالى:
{والذين يظاهرون منكم من نسائهم} [المجادلة ]2/58:فخص الزواج بالظهار ،ولنه قول يوجب
تحريما على الزوجة يملك الزوج رفعه ،فاختص به الرجل كالطلق ،ولن حل الستمتاع بالمرأة حق
للرجل ،فلم تملك المرأة إزالته كسائر حقوقه.
لكن أوجب عليها المام أحمد في رواية راجحة عنه كفارة الظهار؛ لنها قد أتت بالمنكر من القول
والزور ،وفي رواية عنه :عليها كفارة اليمين ،قال ابن قدامة :وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه
بأصوله؛ لنه ليس بظهار ،ومجرد القول من المنكر والزور ل يوجب كفارة الظهار بدليل سائر
الكذب .وفي رواية ثالثة :ليس عليها كفارة ،وهو قول بقية الئمة ،لنه قول منكر وزور ،وليس
بظهار ،فلم يوجب كفارة كالسب والقذف.
الظهار المعلق :أجاز الحنفية ( )2إضافة الظهار إلى ملك أو سبب الملك ،مثال الول :أن يقول
لجنبية :إن صرت زوجة لي فأنت علي كظهر أمي.
ومثال الثاني :إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ،وأجازوا إضافته إلى وقت مثل :أنت علي كظهر
أمي في رأس شهر كذا ،لقيام الملك ،وتعليقه أثناء الزواج مثل :إن دخلت الدار أو إن كلمت فلنا،
فأنت علي كظهر أمي لوجود الملك وقت اليمين .لكن تعليق الظهار بمشيئة ال تبطله.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،791/2 :المغني 384/7 :وما بعدها ،بداية المجتهد.108/2 :
( )2الدر المختار ورد المحتار ،791/2 :البدائع.232/3 :
( )9/554
وكذلك أجاز الحنابلة ( )1تعليق الظهار على الزواج أو الظهار من الجنبية ،سواء قال ذلك لمرأة
بعينها أو قال :كل النساء علي كظهر أمي ،وسواء أوقعه مطلقا أم علقه على التزويج ،فقال :كل امرأة
أتزوجها ،فهي علي كظهر أمي ،ومتى تزوج التي ظاهر منها ،لم يطأها حتى يكفّر .وأجازوا أيضا
تعليق الظهار بشرط ،مثل إن دخلت الدار ،فأنت علي كظهر أمي ،أو إن شاء زيدّ فأنت علي كظهر
أمي ،فمتى دخلت الدار أو متى شاء زيد ،صار مظاهرا ،وإل فل.
ودليلهم ما روى المام أحمد عن عمر بن الخطاب :أنه قال في رجل قال :إن تزوجت فلنة ،فهي
علي كظهر أمي ،فتزوجها ،قال« :عليه كفارة الظهار» ولنها يمين مكفرة ،فصح انعقادها قبل النكاح،
كاليمين بال تعالى.
وقد بان سابقا أن المالكية ( )2أجازوا تعليق الظهار ،نحو :إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي،
وإن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ،أو قال :كل امرأة أتزوجها فهي مني كظهر أمي.
وأجاز الشافعية ( )3أيضا تعليق الظهار بشرط وبمشيئة زيد مثلً؛ لنه يتعلق به التحريم كالطلق
والكفارة ،وكل منهما يجوز تعليقه .وتعليق الظهار مثل :إذا جاء زيد ،أو إذا طلعت الشمس فأنت علي
كظهر أمي .فإذا وجد الشرط صار مظاهرا لوجود المعلق عليه .ومن أمثلته أن يقول« :إن ظاهرت
من زوجتي الخرى ،فأنت علي كظهر أمي» وهما في عصمته ،فظاهر من الخرى ،صار مظاهرا
منهما ،عملً بموجب التنجيز والتعليق.
والخلصة :اتفق فقهاء المذاهب الربعة على جواز تعليق الظهار على شرط ،وقرر الجمهور غير
الشافعية أنه يجوز تعليق الظهار على التزوج بامرأة معينة ،وكذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة :لو
قال« :كل النساء علي كظهر أمي» لنه عقد على شرط الملك ،فأشبه ذا ملك ،والمؤمنون عند
شروطهم .ول يجوز عند الشافعية تعليق الظهار على ملك الزواج ،لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده فيما يرويه أبو داود والترمذي« :ل طلق إل فيما يملك ،ول عتق إل فيما يملك ،ول بيع إل
فيما يملك ،ول وفاء بنذر إل فيما يملك» والظهار شبيه بالطلق.
-------------------------------
( )1المغني.354 ،350/7 :
( )2الشرح الصغير ،635/2 :بداية المجتهد.107/2 :
( )3مغني المحتاج. 354/3 :
( )9/555
الظهار المؤقت :ذكر فقهاء المذاهب الربعة ( : )1أنه يصح الظهار مؤقتا ،مثل أن يقول :أنت علي
كظهر أمي شهرا أو يوما ،أو حتى ينسلخ شهر رمضان ،لكن يصح مؤبدا عند المالكية وفي قول عند
الشافعية ،فل ينحل إل بالكفارة ،أي فيسقط التأقيت ويكون ظهارا؛ لن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة،
فإذا وقّته لم يتوقت كالطلق .وقال الحنفية والشافعية والحنابلة :إذا مضى الوقت ،زال الظهار ،وحلت
المرأة بل كفارة ،فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة ،لحديث سَلَمة ابن صَخْر ،وقوله« :تظاهرت من
امرأتي حتى ينسلخ شهر ر مضان ،وأخبر النبي صلّى ال عليه وسلم أنه أصابها في الشهر ،فأمره
بالكفارة» ( )2ولنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة ،فصح مؤقتا باليلء .ويختلف الظهار عن
الطلق في أن الظهار يزيل الملك ،ويوقع تحريما يرفعه التكفير ،فجاز تأقيته.
وعبارة الحنفية :لو قيد الظهار بوقت سقط بمضيه ،لكن لو أراد قربانها داخل الوقت ليجوز بل
كفارة.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،793/2 :البدائع ،235/3 :الشرح الصغير ،636/2 :المهذب،114-113/2 :
المغني ،349/7 :مغني المحتاج.357/3 :
( )2رواه أحمد وأبو داود والترمذي ،وقال :حديث حسن ،عن سلمة بن صخر (نيل الوطار:
.)258/6
( )9/556
المطلب الثاني ـ ركن الظهر وشروطه :
ركن الظهار عند الحنفية ( : )1هو اللفظ الدال على الظهار ،والصل فيه قول الرجل لمرأته :أنت
علي كظهر أمي ،ويلحق به قوله :أنت علي كبطن أمي ،أو فخذ أمي ،أو فرج أمي.
وقال الجمهور غير الحنفية ( : )2للظهار أركان أربعة :وهي المظاهر ،والمظاهر منها ،واللفظ أو
الصيغة ،والمشبه به.
والمظاهر :هو الزوج.
والمظاهر منه :هو الزوجة ،مسلمة كانت أو كتابية.
واللفظ أو الصيغة :ما يصدر عن الزوج من ألفاظ صريحة أو كناية .والصريح :ما تضمن ذكر
الظهر ،كقوله :أنت علي كظهر أمي ،والكناية :ما لم تتضمن ذكر الظهر ،كقوله :أنت علي كأمي أو
كفخذها أو بعض أعضائها ،ويصدق في الكناية ديانة أنه أراد به الطلق ،دون الصريح .وينوي في
الكناية ما يريد.
والمشبه به :هو من حرم وطؤه وهو الم ويلحق بها كل محرمة على التأبيد بنسب أو رضاع أو
مصاهرة.
-------------------------------
( )1البدائع )2( .229/3 :القوانين الفقهية :ص ،242الشرح الكبير ،440/2 :المقدمات الممهدات:
599/1وما بعدها ،الشرح الصغير ،637/2 :مغني المحتاج .352/3 :المغني 338/7 :ومابعدها.
( )9/557
شروط المظاهر :المظاهر عند الحنفية والمالكية :هو كل زوج مسلم عاقل بالغ ،فل يلزم ظهار
الذمي.
وعند الشافعية والحنابلة :هو كل زوج صح طلقه ،وهو البالغ العاقل سواء أكان مسلما أم كافرا ،حرا
أم عبدا.
وظهار السكران صحيح كطلقه بالتفاق .ول يصح ظهار المكره عند الجمهور غير الحنفية .وبه
تكون شروط المظاهر (: )1
ً - 1أن يكون عاقلً :فل يصح ظهار المجنون والصبي غير المميز ،والمعتوه والمدهوش والمغمى
عليه والنائم ،كما ل يصح طلقهم؛ لنه يترتب عليه التحريم ،وهؤلء ليسوا أهلً لخطاب التحريم.
ً - 2أن يكون بالغا :فل يصح ظهار الصبي وإن كان عاقلً مميزا؛ لن الظهار من التصرفات
الضارة المحضة ،فل يملكه الصبي ،كما ل يملك الطلق وغيره مما يضر بمصلحته.
ً - 3أن يكون مسلما في رأي الحنفية والمالكية :فل يصح ظهار الذمي عندهم؛ لن حكم الظهار
ل للكفارة التي هي قربة إلى ال تعالى ،فل يكون من
تحريم مؤقت يزول بالكفارة ،والكافر ليس أه ً
أهل الظهار.
ول يشترط كونه مسلما في رأي الشافعية والحنابلة ،لعموم آية الظهار{ :والذين يظاهرون من نسائهم}
[المجادلة ]3/58:من غير تفريق بين مسلم وكافر ،ولن الكافر مخاطب بفروع الشريعة ،وأّهل للكفارة
بغير الصوم من إطعام وإعتاق رقبة ،ولنه أهل للطلق ،فيكون أهلً للظهار ،فإن كان المظاهر
كافرا ،كفر بالعتق أو الطعام؛ لنه يصح منه ما ذكر في غير الكفارة ،فصح منه في الكفارة ،ول يكفر
بالصوم ،لعدم صحته منه.
والخلصة :يشترط عند الفريق الول شرطان في المظاهر وهما السلم والتكليف ،وشرط واحد عند
الفريق الثاني وهو التكليف.
وأما الختيار أو الطواعية فهو شرط عند الجمهور غير الحنفية ،ويدخل عندهم شرط التكليف ،فل
يصح ظهار المكره ،وليس شرطا عند الحنفية ،فيصح ظهار المكره والمخطئ ،كما يصح طلقهما.
-------------------------------
( )1البدائع 230/3 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،242الشرح الصغير ،637/2 :مغني المحتاج:
352/3وما بعدها ،المغني 338/7 :وما بعدها ،382 ،كشاف القناع ،429/5 :المهذب.118/2 :
( )9/558
شروط المظاهر منها :المظاهر منها :هي امرأة المظاهر ،مسلمة أو كتابية ،كبيرة أو صغيرة،
وشروطها ما يلي (: )1
ً - 1أن تكون زوجته :وهي أن تكون مملوكة له بملك النكاح ،فل يصح الظهار من الجنبية ،لعدم
الملك ،لقوله تعالى{ :من نسائهم} [المجادلة.]3/58:
لكن يصح الظهار عند الجمهور غير الشافعية معلقا بالملك ،كأن يقول لمرأة :إن تزوجتك فأنت علي
كظهر أمي ،أو يقول :كل امرأة أتزوجها ،فهي علي كظهر أمي.
ظهار المرأة :لم يجز أكثر العلماء ظهار المرأة من الرجل تشبيها للظهار بالطلق ،ويكون لغوا ل
كفارة فيه ،ولكن أوجب عليها المام أحمد في رواية راجحة عنه كفارة الظهار؛ لنها أتت بالمنكر من
القول والزور ،وفي رواية :كفارة اليمين ،وهذا أقيس على مذهبه ،كما تقدم.
الظهار من الجماعة :لو قال الزوج بلفظ واحد لربع من نسائه ( :أنتن علي كظهر أمي) كان مظاهرا
من جماعتهن ،وعليه عند الحنفية والشافعية في الجديد لكل امرأة كفارة؛ لنه وجد الظهار والعود
(العزم على الوطء) في حق كل امرأة منهن ،فوجب عليه عن كل واحدة كفارة ،كما لو أفردها به.
وقال المالكية والحنابلة :ليس عليه إل كفارة واحدة ،عملً بقول عمر وعلي رضي ال عنهما ،ولن
الظهاركلمة تجب بمخالفتها الكفارة ،فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بال تعالى.
ً - 2قيام ملك النكاح من كل وجه :فيصح الظهار من الزوجة ولو كانت في أثناء العدة من طلق
رجعي ،ول يصح الظهار من المطلقة ثلثا ،ول المبانة ول المختلعة وإن كانت في العدة ،بخلف
الطلق؛ لن المختلعة والمبانة يلحقها عند الحنفية صريح الطلق؛ لن الظهار تحريم ،وقد ثبتت
الحرمة بالبانة والخلع ،وتحريم المحرّم محال ،ولنه ل يفيد إل ما أفاده سابقه ،فيكون عبثا.
-------------------------------
( )1البدائع ،234-232/3 :فتح القدير ،232/3 :اللباب ،69/3 :الدر المختار ،795 ،791/2 :بداية
المجتهد 107/2 :وما بعدها ،112 ،القوانين الفقهية :ص ،242الشرح الصغير ،637/2 :المهذب:
113/2وما بعدها ،مغنى المحتاج ،358 ،354/3 :المغني.384 ،357 ،354 ،339/7 :
( )9/559
ً - 3أن يكون الظهار عند الحنفية مضافا إلى بدن الزوجة ،أو عضو منها يعبر به عن جميع البدن،
أو جزء شائع منها ،فلو أضافه إليها مثل :أنت علي كظهر أمي ،أو إلى عضو يعبر به عن الجميع
مثل :رأسك أو وجهك أو رقبتك أو فرجك علي كظهر أمي ،أو إلى جزء شائع مثل :ثلثك أو ربعك أو
نصفك ونحو ذلك كظهر أمي ،كان مظاهرا.
أما لو قال :يدك أو رجلك أو أصبعك ،ل يصير مظاهرا عندهم .ويصير مظاهرا عند بقية المذاهب؛
لنه عضو يحرم التلذذ به ،فكان كالظهر.
شروط المشبه به :المشبه به :هي الم ،ويلحق به كل محرمة على التأبيد بنسب أو رضاع أو
مصاهرة .وقد اختلفت الراء الفقهية سعة وضيقا في تحديد المشبه به .فقال الحنفية ( : )1يشترط في
المظاهر به أو المشبه به ما يأتي:
ً - 1أن يكون امرأة يحرم نكاحها عليه على التأبيد ،سواء أكان التحريم بالنسب كالم والبنت والخت
والعمة والخالة ،أم بالرضاع ،أم بالمصاهرة كامرأة أبيه ،أو زوجة ابنه ،وأم امرأته (حماته).
ً - 2أن يكون عضوا ل يحل له النظر إليه ،كالظهر والبطن والفخذ والفرج ،فلو شبهها برأس أمه أو
بوجهها أو يدها أو رِجْلها ،ل يصير مظاهرا؛ لن هذه العضاء من أمه يحل له النظر إليها.
ً - 3أن يكون من جنس النساء :فلو قال الزوج لمرأته :أنت علي كظهر أبي أو ابني ،ل يصح؛ لن
الشرع إنما ورد فيما إذا كان المظاهر به امرأة .وعليه ،ل يصح الظهار إذا شبه الرجل امرأته بامرأة
محرمة عليه في الحال ،وتحل له في حال أخرى ،كأخت امرأته أو امرأة لها زوج ،أو مجوسية ،أو
مرتدة؛ لنها غير محرمة عليه أو على التأبيد.
وذهب المالكية ( )2إلى أن المشبه به :هو من حرم وطؤه أصالة من آدمي (ذكر أو أنثى) أو غيره
أي كالبهيمة.
-------------------------------
( )1البدائع.234-233/3 :
( )2الدسوقي مع الشرح الكبير 439/2 :وما بعدها ،حاشية الصاوي على الشرح الصغير،637/2 :
بداية المجتهد ،104/2 :القوانين الفقهية :ص .244
( )9/560
فيصح الظهار بتشبيه الزوجة أو جزئها ولو حكما كالشعر والريق بالم ،وما يلحق بها من كل محرم
على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة .وخرج بقوله (أصالة) من يحرم وطؤها لعارض كالحيض
أو النفاس ،فل ينعقد الظهار بقوله لحدى زوجتيه( :أنت علي كظهر زوجتي النفساء أو الحائض أو
ال ُمحْرِمة بحج أوالمطلقة طلقا رجعيا ).
ويصح الظهار أيضا بتشبيه الزوجة أيضا بتشبيه الزوجة بجزء المحرّمة على التأبيد ،مثل :أنت علي
كيد أمي أو يد خالتي.
وكذا يصح الظهار عندهم إذا شبه زوجته بأجنبية ل تحرم عليه على التأبيد.
ورأى الشافعية ( )1أن المشبه به فقط :كل من حرم وطؤه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة
إل مرضعة المظاهر وزوجة البن؛ لنهما كانتا حللً له في وقت،فيحتمل إرادته.
وأوسع المذاهب في صحة الظهار بالمشبه به هم الحنابلة ( ، )2فإنه يشمل ما يأتي من الصناف،
سواء أكان التشبيه بكل المشبه به أم بعضو منه كاليد والوجه والذن.
ً - 1كل محرّم من النساء على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة ،كالمهات والجدات والعمات
والخالت والخوات ،وهذا متفق عليه ،والمهات المرضعات والخوات من الرضاعة ،وحلئل
البناء والباء وأمهات النساء ،والربائب اللتي دخل بأمهن.
ً - 2كل محرّم من النساء تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها ،أو الجنبية ،لنه شبه زوجته
بمحرمة ،فأشبه ما لو شبهها بالم.
ً - 3كل محرّم من الرجال ،أو البهائم ،أو الموات ونحوهم ،فيصح الظهار لو شبه زوجته بظهر
أبيه ،أو بظهر غيره من الرجال ،أو قال :أنت علي كظهر البهيمة ،أو أنت علي كالميتة والدم ،عملً
بما روي عن جابر بن زيد.
وخالفهم فيما ذكر أكثر العلماء ،فل يكون التشبيه بمن ذكر ظهارا؛ لنه تشبيه بما ليس بمحل
للستمتاع ،كما لو قال :أنتِ علي مثل مال زيد.
هذا ويكره أن يدعو الزوج زوجته بذي رحم ،مثل يا أخت أو يا أم ونحوهما ،لنهي النبي صلّى ال
عليه وسلم عنه فيما رواه أبو داود.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.354-353 3/ :
( )2المغني 340/7 :ومابعدها ،كشاف القناع ،428-425/5 :غاية المنتهى 190/3 :ومابعدها.
( )9/561
شروط الصيغة :الصيغة التي ينعقد الظهار بها إما لفظ صريح ل يحتاج إلى نية ،أو كناية يحتاج إلى
نية .واختلف الفقهاء في بيان اللفاظ الصريحة والكناية.
قال الحنفية ( : )1الصريح :هو ما كان بلفظ ل يحتمل معنى آخر غير الظهار ،بأن يقول الرجل
لزوجته ( ،أنت علي كظهر أمي ) أو ( بطنك أو فخذك أو فرجك...إلخ ) أو ( نصفك ونحوه من
الجزء الشائع كظهر أمي ) يكون مظاهرا ولو بل نية ،لنه صريح .ومثله ( :أنت علي حرام كظهر
أمي ) ثبت الظهار ل غير لنه صريح.
والكناية :ما كان بلفظ يحتمل الظهار وغيره ،ويكون ظهارا بالنية ،مثل (أنت علي مثل أمي) يرجع
إلى نيته ،فإن قال :أردت الكرامة ،فهو كما قال ،وإن قال :أردت الظهار ،فهو ظهار ،وإن قال :أردت
الطلق ،فهو طلق بائن ،وإن لم يكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،لحتمال إرادة
الكرامة.
ومثل( :أنت علي حرام كأمي) يعتبر ما نواه من ظهر أو طلق .ول يقبل منه إرادة الكرامة ،لوجود
لفظ التحريم ،وإن لم ينو شيئا ثبت الدنى وهو الظهار في الصح ،لعدم إزالته ملك النكاح وإن طال.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،231-228/3 :البدائع ،232-231/3 :الدر المختار ،794-792/2 :اللباب68/3 :
وما بعدها.
( )9/562
وصريح الظهار عند المالكية ( : )1هو ما تضمن ذكر الظهر في مؤبد التحريم ،أو هو اللفظ الدال
على الظهار بالوضع الشرعي بل احتمال غيره بلفظ (ظهر) امرأة مؤبدة التحريم بنسب أو رضاع أو
مصاهرة ،فل بد في الصريح من المرينِ :ذكْر الظهر ،و ِذكْر مؤبدة التحريم ،مثل ( :أنت علي
كظهر أمي أو أختي من الرضاع ،أو كظهر أمك ) .
ول ينصرف صريح الظهار للطلق إن نواه به؛ لن صريح كل نوع ل ينصرف لغيره ،ول يعتبر
منه الطلق إن نوى بالظهار طلقا ،ل في الفتوى ول القضاء على المشهور من المذهب.
والكناية عندهم :هي ما سقط منه أحد اللفظين :لفظ الظهر :ولفظ مؤبد التحريم ،مثال الول ( :أنت
كأمي ) أو ( أنت أمي ) بحذف أداة التشبيه ،ومثال الثاني ( :أنت كظهر رجل :خالد أو بكر أو كظهر
أبي أو ابني ،أو أجنبية ( )2يحل وطؤها في المستقبل بزواج ) مثل :أنت علي كظهر فلنة ،وليست
محرما ول زوجة له.
ومن الكناية :أن يعبر بجزء من الزوجة أو من المشبه به ،مثل :يدك أو رأسك أو شعرك كأمي ،أو
كيد أمي أو رأسها أو شعرها .وينوي الظهار في النوعين.
فإن نوى الظهار في نوعي الكناية الظاهرة ،وهما إسقاط لفظ الظهر ،أو إسقاط مؤبدة التحريم ،انعقد
ظهارا .وإن نوى الطلق وقع به البينونة الكبرى :وهي الطلق الثلث ،سواء في الزوجة المدخول
بها وغيرها ،لكن إن نوى القل من الثلث في غير المدخول بها ،لزمه فيها ما نواه ،بخلف المدخول
بها ،فإنه يلزمه فيها البينونة الكبرى ،ول يقبل منه نية القل.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،242الشرح الصغير ،640-637/2 :الشرح الكبير ،442/2 :بداية
المجتهد ،104/2 :المقدمات الممهدات.599/1 :
( )2المراد بالجنبية :غير القريبة المحرم ،وغير الزوجة.
( )9/563
ومذهب الشافعية ( : )1أن الصريح :ما تضمن ذكر الظهر أو عضو ل يذكر في معرض التكريم،
كأن يقول الرجل لزوجته ( :أنت علي أو مني أو معي أو عندي كظهر أمي ) وكذا إن قال ( :أنت
كظهر أمي ) بحذف الصلة أي (علي) ونحوه ،يكون صريحا على الصحيح ،ومن الصريح قوله:
(جسمك أو بدنك أو نفسك كبدن أمي أو جسمها أو جملتها) لتضمنه الظهر .ومنه ( :أنت علي كيد
أمي أو بطنها أو صدرها ،ونحوها ) من العضاء التي ل تذكر في معرض الكرامة والعزاز مما
سوى الظهر؛ لنه عضو يحرم التلذذ به ،فكان كالظهر.
ومن الصريح :ذكر جزء شائع مثل نصفك أو ربعك ،ومنه ذكر أحد العضاء مثل :رأسك أو ظهرك
أو يدك أو رجلك ،أو بدنك أو جلدك أو شعرك أو نحو ذلك.
والكناية :أن يذكر عضوا يحتمل الكرامة ،مثل أنت علي كعين أو رأس أمي ونحوه .أو أنت كأمي أو
روحها أو وجهها ،فإن قصد ظهارا ،أي نوى أنها كظهر أمه في التحريم فهو ظهار ،وإن قصد كرامة
ولم يقصد شيئا ،فل يكون ظهارا؛ لن هذه اللفاظ تستعمل في الكرامة والعزاز.
ول يكون الظهار بلفظ الطلق ،ول الطلق بلفظ الظهار ،فإن قال الرجل لمرأته ( :أنت طالق )
ونوى به الظهار ،لم يكن ظهارا .وإن قال :أنت علي كظهر أمي» ونوى به الطلق ،لم يكن طلقا؛
لن كل واحد منهما صريح في موجبه في الزوجية ،فل ينصرف عن موجبه بالنية ،كما تقدم عند
المالكية.
ولو قال ( :أنت طالق كظهر أمي ) ولم ينو شيئا ،وقع الطلق ،بقوله( :أنت طالق) ويلغى قوله:
(كظهر أمي).
وإن قال( :أنت علي حرام كظهر أمي) ولم ينو شيئا ،فهو ظهار؛ لنه أتى بصريحه ،وأكده بلفظ
التحريم .فإن نوى به الطلق كان طلقا في الصحيح.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،353/3 :المهذب.112/2 :
( )9/564
والصريح عند الحنابلة ( : )1ما تضمن ذكر الظهر أو الحرمة ،فإذا قال الزوج لزوجته :أنت علي
كظهر أمي أو كظهر امرأة أجنبية ،أو أنت علي حرام ،أو حرم عضوا من أعضائها ،كان مظاهرا.
فإن شبّه زوجته بمن تحرم عليه على التأبيد ،فقال :أنت علي كظهر أمي أو أختي أوغيرهما ،فهذا
ظهار إجماعا.
وكذا إن شبهها بمن تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته ،كان ظهارا في المذاهب
الربعة وأكثر العلماء.
أو شبهها بالقارب المحرمات من جهة الرضاع أو من جهة المصاهرة كالمهات المرضعات وحلئل
الباء والبناء ،كان ظهارا في رأي الكثرين.
وأما الكناية عند الحنابلة فهو استعمال ألفاظ الكرامة والتوقير ،كما قال الشافعية ،فإن قال :أنت علي
كأمي أو مثل أمي ،فإن نوى به الظهار فهو ظهار ،وهو رأي الكثرين ،وإن نوى به الكرامة والتوقير
أو أنها مثله في الكبر أو الصفة ،فليس بظهار ،والقول قوله في تحديد نيته .وإن لم ينو شيئا وأطلق
فالظهر عندهم أنه ليس بظهار حتى ينويه ،وهو موافق لقول أبي حنيفة والشافعي؛ لن هذا اللفظ
يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم ،فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلق.
وإن قال ( :أنت علي حرام ) فإن نوى به الظهار ،فهو ظهار ،وهذا موافق لقول أبي حنيفة والشافعي.
ولو قال ( :أنت حرام إن شاء ال ) فل ظهار.
وإن قال ( :أنت علي كظهر أمي حرام ) فهو صريح في الظهار ل ينصرف إلى غيره ،سواء نوى
الطلق أو لم ينوه ،وهذا متفق عليه؛ لنه صرّح بالظهار ،وبينه بقوله ( :حرام ).
-------------------------------
( )1المغني ،346-340/7 :كشاف القناع.428-426/5 :
( )9/565
ولو قال ( :أنت طالق كظهر أمي ) طلقت كما قال الشافعية ،وسقط قوله( :كظهر أمي) لنه أتى
بصريح الطلق أولً ،وجعل قوله «كظهر أمي» صفة له .فإن نوى بقوله (كظهر أمي) تأكيد الطلق
لم يكن ظهارا ،كما لو أطلق .وإن نوى به الظهار ،وكان الطلق بائنا ،فهو كالظهار من الجنبية؛
لنه أتى به بعد بينونتها بالطلق ،وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا ،كما قال الشافعية.
وإن قال ( :أنت علي حرام ) ونوى الطلق والظهار معا ،كان ظهارا ولم يكن طلقا؛ لن اللفظ
الواحد ل يكون ظهارا وطلقا ،والظهار أولى بهذا اللفظ ،فينصرف إليه.
وإن قال ( :الحل علي حرام ) أو ( ما أحل ال علي حرام ) أو ( ما انقلب إليه حرام ) وله امرأة،
فهو مظاهر في الصور الثلث ،لن لفظه يقتضي العموم ،فيتناول المرأة بعمومه .وإن صرح بتحريم
المرأة أو نواها ،فهو آكد.
ول يكون مظاهرا إن قال :كشعر أمي أو سنها أوظفرها؛ لنها ليست من أعضاء الم الثابتة .أو قال:
( أنا مظاهر ،أو علي الظهار ،أو علي الحرام ،أو الحرام لزم لي ) ول نية له؛ لنه ليس بصريح في
الظهار ول نوى به الظهار .وإن نوى به الظهار ،أو اقترنت به قرينة تدل على إرادته الظهار ،مثل
أن يعلقه على شرط ،فيقول ( :علي الحرام إن كلمتك ) احتمل أن يكون ظهارا ،كما يصح طلق
الكناية بالنية ،ويحتمل أل يثبت به الظهار؛ لن الشرع إنما ورد به بصريح لفظه وهو المظاهرة،
وهذا ليس بصريح فيه ،ولنه يمين موجبة للكفارة ،فلم يثبت حكمه بغير الصريح كاليمين بال تعالى.
( )9/566
المطلب الثالث ـ أثر الظهار أو أحكامه ،أو ما يحرم على المظاهر :
يترتب على الظهار الحكام التالية (: )1
ً - 1تحريم الوطء بالتفاق قبل التكفير ،وكذا عند الجمهور غير الشافعية :تحريم جميع أنواع
الستمتاع غير الجماع كاللمس والتقبيل والنظر بلذة ما عدا وجهها وكفيها ويديها لسائر بدنها
ومحاسنها ،والمباشرة فيما دون الفرج ،لقوله تعالى{ :والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما
قالوا ،فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة ]3/58:أي فليحرروا رقبة ،كما في آية {والوالدات
يرضعن أولدهن} [البقرة ]233/2:أي ليرضعن ،وآية {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة]228/2:
أي ليتربصن ،ولن القول الذي حرم ا لوطء ،حرم مقدماته ودواعيه كيل يقع فيه كالطلق والحرام.
ويستمر التحريم إلى أن يكفر كفارة الظهار؛ لن ظهاره جناية؛ لنه منكر من القول وزور ،فيناسب
مجازاة الجناية بالحرمة ،وارتفاعها بالكفارة.
فإن وطئ الرجل المظاهر امرأ ته قبل أن يكفر ،استغفر ال تعالى من ارتكاب هذا المأثم ،ول شيء
عليه غيرالكفارة الولى ،ول يعود إلى الستمتاع بالمظاهر
-------------------------------
( )1البدائع 234/3 :وما بعدها ،فتح القدير 226/3 :وما بعدها ،الدر المختار 792/2 :وما بعدها،
اللباب 67/3 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،242بداية المجتهد ،108/2 :الشرح الصغير:
،641/2المهذب ،114/2 :المغني 347/7 :وما بعدها ،383 ،كشاف القناع 431/5 :وما بعدها.
( )9/567
منها حتى يكفر ،لقوله صلّى ال عليه وسلم للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة« :فل تقربها حتى تفعل
سلَمة بن صخر عن النبي صلّى ال عليه
ما أمرك ال » وفي رواية «فاعتزلها حتى تكفر» ( )1وعن َ
وسلم في المظاهريُواقع قبل أن يكفّر ،قال« :كفارة واحدة» (. )2
وال َعوْد الذي تجب به الكفارة في قوله تعالى{ :ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة :]3/58:أن يعزم
المظاهر على وطئها ،أي المظاهر منها ،أي أن الكفارة تجب عليه إذا قصد وطأها بعد الظهار .فإن
رضي أن تكون محرّمة عليه ،ولم يعزم على وطئها ل تجب الكفارة عليه ،ويجبر على التكفير دفعا
للضرر عنها.
ومذهب الشافعية :يحرم بالظهار الوطء فقط دون مقدماته ودواعيه حتى يكفّر المظاهر؛ لنه وطء
يتعلق بتحريم مال ،فلم يتجاوزه التحريم كوطء الحائض.
ً - 2للمرأة أن تطالب المظاهر بالوطء ،لتعلق حقها به ،وعليها أن تمنعه من الستمتاع حتى يكفّر
عن الظهار ،وعلى القاضي إلزامه بالتكفير ،دفعا للضرر عنها ،واللزام يكون بحبس أو ضرب إلى
أن يكفر أو يطلّق.
فإن ادعى أنه كفّر عن ظهاره ،صدّق في دعواه ما لم يكون معروفا بالكذب.
هل يعود الظهار بعد الطلق بالعودة إلى الزوجية؟
إذا طلّق الرجل امرأته بعد الظهار قبل أن يكفّر عن ظهاره ،ثم راجعها هل يعود عليها الظهار ،فل
يحل له المسيس (الوطء وتوابعه) حتى يكفّر؟
ذكر ابن رشد ( )3خلفا في المسألة ،فعند مالك :إن طلقها دون الثلث ثم راجعها في العدة أو بعدها،
فعليه الكفارة.
وقال أبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد :الظهار راجع عليها ،سواء نكحها بعد الثلث أو بعد طلقة
واحدة.
وهذه المسألة شبيهة بمن يحلف بالطلق ،ثم يطلق ،ثم يراجع ،هل تبقى تلك اليمين عليه أم ل؟
وسبب الخلف :هل الطلق يرفع جميع أحكام الزوجية ويهدمها أو ل يهدمها؟ فمنهم من رأى أن
الطلق البائن الذي هو الثلث يهدم ،وأن ما دون الثلث ل يهدم .ومنهم من رأى أن الطلق كله غير
هادم.
-------------------------------
( )1أخرجه أصحاب السنن الربعة عن ابن عباس (نصب الراية ،246/3 :نيل الوطار.)271/6 :
( )2رواه ابن ماجه والترمذي عن سلمة (نيل الوطار.)261/6 :
( )3بداية المجتهد ،109/2 :المغني 351/7 :وما بعدها ،مغني المحتاج ،357/3 :البدائع.235/3 :
( )9/568
هل يدخل اليلء على الظهار؟
ذكر ابن رشد ( )1أيضا خلفا في هذه المسألة على ثلثة آراء :فقال الجمهور غير مالك :ل يتداخل
حكم اليلء مع حكم الظهار ،سواء أكان الزوج مضارا أم لم يكن ،أي ل يدخل عليه.
وقال مالك :يدخل اليلء على الظهار بشرط أن يكون مضارا.
وقال سفيان الثوري :يدخل اليلء على الظهار مطلقا ،وتبين منه بانقضاء الربعة الشهر ،ولو من
غير مضارة.
وسبب الخلف :مراعاة المعنى أو اعتبار الظاهر ،فمن اعتبر الظاهر قال :ل يتداخلن .ومن اعتبر
المعنى قال :يتداخلن إذا كان القصد الضرر.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد.109/2 :
( )9/569
( )9/570
( )9/571
( )9/572
( )9/573
ويجزئ عند الحنفية :المقطوع إحدى اليدين والرجلين ،والمقطوع الذنين والنف ،والصم إن سمع
الصياح ،والعور والعمش والخصي والمجبوب ،لنه ليس بفائت جنس المنفعة ،وإنما يخل بكمالها
وهو ل يمنع النتفاع به .ول يجوز مقطوع إبهام اليدين؛ لن قوة البطش بهما ،وليجزئ عندهم
الخرس ،والصم الذي ل يسمع الصياح؛ لزوال جنس المنفعة ،فأشبه زائل العقل.
ول يجزئ عند الجمهور غير الحنفية المقطوع إحدى اليدين أو الرجلين ،إل أن الشافعية أجازوا فاقد
إحدى اليدين ،ل فاقد ِرجْل.
ول يجزئ عند المالكية مقطوع أصبع فأكثر ،أو أذن ،ول العمى ،ويجزئ العور ،ول يجزئ البكم
(الخرس) ول الصم ،ول المجنون ،ول المريض المشرف على الهلك بسبب جذام وبرص وعرج
وهرم شديدين.
ول يجزئ عند الشافعية المريض الزمِن ،وفاقد رجل ،أو خِنصر وبِنصر من يد ،أو أنملتين من
غيرهما؛ لن فقدهما مضر ،وأنملة إبهام ،لن فقدهما يضر ،لتعطل منفعتها فأشبه قطعها ،ول يجزئ
هَرِم عاجز ،ومن أكثر وقته مجنون ومريض ل يرجى برء علته .ويجزئ عندهم صغير ،وأقرع،
وأعرج يمكنه متابعة المشي ،وأعور ،وأصم ،وأخرس ،وأخشم (فاقد الشم) وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع
رجليه ،ول يجزئ عتق عبد مغصوب؛ لنه ممنوع من التصرف في نفسه ،فهو كالمريض الزمِن.
( )9/574
ول يجزئ عند الحنابلة مقطوع اليد أو الرجل ،ول أشلها ،ول مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو
الوسطى؛ لن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلء .ول يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة؛ لن
نفع اليدين يزول أكثره بقطعهما .وإن قطعت كل واحدة من يد ،جاز؛ لن نفع الكفين باق .وقطع أنملة
البهام كقطع جميعها ،فهم كالشافعية فيما عدا مقطوع اليد .ويجزئ عندهم العور اتفاقا مع غيرهم،
ويجزئ مقطوع النف والصم إذا فهم الشارة ،ويجزئ الخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالشارة.
ويجزئ المريض بمرض يرجى برؤه ،ول يجزئ غير مرجو البرء ،ول يجزئ عتق المغصوب؛
لنه ل يقدر على تمكينه من منافعه ،ول يجزئ غائب غيبة منقطعة ل يعلم خبره؛ لنه ل يعلم حياته،
فل يعلم صحة عتقه.
واختلف الفقهاء في اشتراط اليمان في الرقبة على قولين:
يرى الحنفية :أنه ل يشترط إيمان الرقبة في كفارة الظهار وكذا في كفارة اليمين ،فيصح إعتاق الكافر
أو مباح الدم ،عملً بإطلق النص القرآني{ :فتحرير رقبة} [المجادلة.]3/58:
ويرى الجمهور :أنه يشترط إيمان الرقبة في هذه الكفارة وفي كفارة اليمين ،فيجب أن تكون مسلمة،
ول يجزئ الكافر؛ لنه تكفير بعتق ،فلم يجز إل مؤمنة مثل كفارة القتل ،والمطلق يحمل على المقيد
قياسا إذا وجد المعنى فيه ،ولنه إذا كان ل يجوز إل رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا
بينا ،وقيدنا النص القرآني بهذا القيد ،،فالتقييد بالسلمة من الكفر أولى.
وسبب الخلف :قضية حمل المطلق على المقيد ،فإن القرآن قيد الرقبة باليمان في كفارة القتل،
وأطلقها في كفارة الظهار ،فيجب عند الجمهور صرف المطلق إلى المقيد .ول يجب عند ا لحنفية،
ويعمل بكل نص على حدة ،حتى ل يزاد على النص ما ليس منه.
( )9/575
( )9/576
ومعنى التتابع :الموالة بين صيام أيام الشهرين ،فل يفطر فيها ،ول يصوم عن غير الكفارة ،ول
يحتاج التتابع عند الجمهور إلى نية ،ويكفي فعله؛ لنه شرط ،وشرائط العبادات ل تحتاج إلى نية،
وإنما تجب النية لفعال العبادة .وقال المالكية :لبد من نية التتابع ونية الكفارة.
فإن بدأ الصيام في أثناء شهر ،حسب الشهر الذي بعده عند الشافعية والمالكية والحنابلة بالهلّة .وأما
عند الحنفية :إن لم يكن صومه في أول الشهر برؤية الهلل بأن غم أو صام في أثناء شهر ،فإنه
يصوم ستين يوما.
ولتحقيق التتابع قال الحنفية :ويختار صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان ،ول يوم الفطر،
ول يوم النحر ،ول أيام التشريق.
فإن جامع الرجل المرأة التي ظاهر منها في خلل الشهرين ليلً عامدا ،أو نهارا ناسيا ،استأنف
الصوم عند أبي حنيفة ومحمد؛ لن الشرط في الصوم أن يكون قبل التماسّ ،وهذا الشرط يزول
بالجماع ،في خلل الصوم ،فيستأنف .ول يستأنف في الطعام إن وطئها في خلله ،لطلق النص في
الطعام ،وتقييده بكونه {من قبل أن يتماسا} [المجادلة ]3/58:في تحرير الرقبة والصيام.
واتفق الحنفية على أن المظاهر إن أفطر يوما من الشهرين بعذر إل الحيض ،كسفر ومرض ونفاس،
بخلف الحيض لتعذر الخلو عنه ،أو بغير عذر ،استأنف فبدأ الصوم من جديد أيضا ،لفوات التتابع
وهو قادر عليه.
ومذهب المالكية قريب من رأي الحنفية :إن قطع التتابع ولو في اليوم الخير من الشهر ،وجب
الستئناف .وينقطع تتابع الصوم بوطء المظاهر امرأته المظاهر منها ليلً أو نهارا ،ناسيا أو عامدا،
كما يبطل الطعام بوطء المظاهر منها في أثنائه ،ولو لم يبق عليه إل م ّد واحد ،فإنه يبطل ويبتدئه،
وهذا بخلف رأي الحنفية.
( )9/577
وينقطع التتابع بالفطرفي السفر من غير ضرورة ،وبمجيء العيد في أثناء الشهرين إن علم أنه يأتي
في أثناء صومه ،أما إن جهل إتيان العيد في أثناء صومه ،فل يبطل التتابع ،وصام بعد العيد بيومين،
بناء على المعتمد عندهم :أن المسلم ل يصوم يوم العيد وما بعده فقط ،وكذا ل ينقطع التتابع إذا جهل
وقت مجيء رمضان.
ول ينقطع التتابع بالمرض ،وبالفطر سهوا ،وبالكراه على الفطر ،وبظن غروب شمس أو ببقاء ليل
فأكل أو شرب ،وبحيض أو نفاس.
وينقطع التتابع لدى الشافعيةمثل المالكية بإفطار يوم بل عذر ،أوبعذر كمرض مسوغ للفطر في
المذهب الجديد ،ول ينقطع التتابع في الصوم بحيض ،أو نفاس على الصحيح ،أو جنون على المذهب.
ويلحظ أن طروّ الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل ل ظهار ،إذ ل يجب على النساء .وإن
جامع المظاهر بالليل قبل أن يكفر أثم؛ لنه جامع قبل التكفير ،ول يبطل التتابع بالجماع؛ لن جماعه
لم يؤثر في صوم رمضان ،فلم يقطع التتابع كالكل بالليل.
وأيسر المذاهب وأولها مذهب الحنابلة القائلين :إن أفطر في الشهرين بعذر بنى على ما مضى ،وإن
أفطر من غير عذر ابتدأ من جديد.
فينقطع التتابع بفطر بل عذر ،أو لجهل ،أو لنه نسي وجوب التتابع ،أو ظن أنه أتم الشهر ،فبان
بخلفه ،أو صام أثناء الشهرين تطوعا ،أو قضاء عن رمضان ،أو صام عن نذر أو كفارة أخرى؛
لنه قطعه بشيء يمكنه التحرز منه ،فأشبه ما لو أفطر من غير عذر .وينقطع التتابع أيضا إذا وطئ
المظاهر منها ليلً أو نهارا عامدا أو ناسيا ،فيفسد ما مضى من صيامه ،وابتدأ صوم الشهرين ،لكن لو
وطئ في أثناء الطعام لم تلزمه إعادة ما مضى منه ،كما قال الحنفية والشافعية.
( )9/578
ول ينقطع التتابع بصوم رمضان ،أو فطر واجب كعيد وحيض ونفاس وجنون ،ومرض مخوف،
وحامل ومرضع أفطرتا خوفا على أنفسهما ،أو فطر لعذر يبيحه كمرض وسفر غير مخوف ،وحامل
ومرضع لضرر ولدها ،ومكره ومخطئ ،كمن ظن أن الفجر لم يطلع أو الشمس لم تغرب ،فبان
بخلفه.
والخلصة :أنه ينقطع التتابع بوطء المظاهر امرأته قبل إتمام الصيام ناسيا في النهار أو متعمدا في
الليل في رأي الحنفية والمالكية؛ لن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس ،وأن يكون خاليا عنه
بالضرورة بالنص القرآني؛ ول ينقطع التتابع بالوطء نهارا ناسيا ،أو عمدا في الليل في رأي الشافعية
والحنابلة ،فل يوجب الستئناف ،بسبب العذر.
وإما إطعام ستين مسكيناً :
فقد أجمع أهل العلم ( )1على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ،ولم يستطع الصيام :أن فرضه إطعام
ستين مسكينا ،على ما أمر ال تعالى في كتابه ،وجاء في سنة نبيه صلّى ال عليه وسلم ،سواء عجز
عن الصيام لهرم أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه أو لحوق مشقة شديدة ،أو لشبق فل
يصبر فيه عن الجماع ،فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالصيام قالت
امرأته« :يا رسول ال،إنه شيخ كبير،
-------------------------------
( )1الدر المختار،804-801/2 :اللباب 73/3 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص ،243الشرح
الصغير654/2:ومابعدها ،بداية المجتهد ،112/2 :مغني المحتاج ،366/3 :المهذب ،117/2 :المغني:
،376-368/7غاية المنتهى 197/3 :ومابعدها ،كشاف القناع.448-445/5 :
( )9/579
ما به من صيام ،قال :فليطعم ستين مسكينا» ولما أمَر سلمة بن صخر بالصيام قال « :وهل أصبت
الذي أصبت إل من الصيام؟ قال :فأطعم» فنقله إلى الطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما
يمنعه من الصيام ،وقيس على هذين ما يشبههما في معناهما .ول يجوز أن ينتقل عن الصوم لجل
السفر؛ لن السفر ل يعجزه عن الصيام ،وله نهاية ينتهي إليها ،وهو من أفعاله الختيارية.
والمرض الذي يبيح النتقال عن الصيام إلى الطعام :هو عند الجمهور الذي ل يرجى برؤه .وعند
الحنابلة :هو الذي ل يرجى برؤه أو مرجو الزوال ،لدخوله في قوله تعالى{ :فمن لم يستطع فإطعام
ستين مسكينا} [المجادة ]4/58:ولنه ل يعلم أن له نهاية ،فأشبه الشبق.
ما يتعلق بالطعام :قدر الطعام ،وكيفيته ،وجنس الطعام ،ومستحقه :
قدر الطعام :
للفقهاء آراء ثلثة في مقدار الطعام في الكفارات كلها وهي ما يأتي:
- ً 1رأي الحنفية :يعطى لكل مسكين مدان ،أي نصف صاع من القمح ،وصاع من تمر أو شعير،
كالفطرة قدرا ومصرفا ،لقول النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث سََلمَة ابن صخر« :فأطعم وَسْقا
من تمر» ( )1وفي رواية «فأطعم عَرَقا من تمر ستين مسكينا} والعَرَق والوسق :ستون صاعا ،كما
في رواية أبي داود« :والعَرَق :ستون صاعا» والصاع ( 2751غم).
- ً 2رأي المالكية :يملّك المكفّر ستين مسكينا ،لكل واحد مد وثلثان بمده صلّى ال عليه وسلم ،من
القمح إن اقتاتوه ،فل يجزئ غيره من شعير أو ذرة أو غيرهما ،فإن
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
( )9/580
اقتاتوا غير القمح فما يعدله شبعا ل كيلً ،ول يجزئ الغداء والعشاء إل أن يتحقق بلوغهما مدا
وثلثين.
- ً 3رأي الشافعية والحنابلة :إن قدر الطعام في الكفارات كلها وفي فدية الصوم والفطرة مُدّ من قمح
لكل مسكين ،أو نصف صاع من تمر أو شعير ،لما روى أبو داود بإسناده عن أوس بن الصامت:
«أن النبي صلّى ال عليه وسلم أعطاه ـ يعني المظاهر ـ خمسة عشر صاعا من شعير :إطعامَ ستين
مسكينا» لكنه حديث مرسل عن عطاء عن أوس .أما المد :فهو ( )675غم.
كيفية الطعام :
للفقهاء رأيان:
- ً 1مذهب الحنفية :الضابط عندهم أن ما شرع بلفظ ( إطعام وطعام) جاز فيه الباحة ،وما شرع
بلفظ ( إيتاء وأداء ) شرع فيه التمليك .وبناء عليه يكون الطعام في الكفارات إما بالتمليك ،أو
بالباحة غداء وعشاء ،أو غداء وقيمة عشاء أو بالعكس بشرط إدام مع خبز شعير وذرة ،ل مع خبز
قمح ،فيجوز الجمع بين الباحة والتمليك؛لنه جمع بين شيئين جائزين على النفراد ،سواء أكلوا قليلً
أو كثيرا .فإن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزاه ،وإن أعطاه في يوم واحد ،لم ُيجْزه إل عن
يومه.
ويجوز عندهم ( )1دفع القيمة في الزكاة ،والعُشْر ،والخَراج ،والفِطْرة ،والنّذْر ،والكفارة غير العتاق.
وتعتبر القيمة يوم الوجوب عند المام أبي حنيفة ،وقال الصاحبان :يوم الداء .وفي السوائم :يوم
الداء باتفاقهم ،ويقوّم في البلد الذي فيه المال ،أما في المفازة فيقو ّم في أقرب المصار إليه.
وسبب جواز دفع القيمة :أن المقصود سد الخلّة ودفع الحاجة ،ويوجد ذلك في القيمة.
-------------------------------
( )1الكتاب مع اللباب. 73/3 ،147/1 :
( )9/581
- ً 2مذهب الجمهور :الواجب تمليك كل إنسان من المساكين القدر الواجب له من الكفارة ،ول
يجزئ الغداء والعشاء بالقدر الواجب أو أقل أو أكثر ،إل أن المالكية قالوا :يجزئ الغداء والعشاء إن
تحقق بلوغهما مدا وثلثين ،كما تقدم.
ودليلهم أن المنقول عن الصحابة إعطاء المساكين ،وقال النبي صلّى ال عليه وسلم لكعب في فدية
الذى بالحج ( :أطعم ثلثة آصع من تمر ستة مساكين ) ولنه مال وجب للفقراء شرعا ،فوجب
تمليكهم إياه كالزكاة.
ويشترط العدد عند الفقهاء لية الظهار ،فلو أطعم ثلثين مسكينا طعام ستين لم يجزه .وقال الشافعية
والحنابلة :لو أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأه؛ لنه دفع القدر الواجب إلى العدد
الواجب ،فأجزأ ،كما لو دفع إليه المدّين في يومين .واشترط الحنفية أن يكون العطاء متكررا ،فلو
أطعم ستين مسكينا كل واحد صاعا من قمح بدفعة واحدة عن ظهارين ،صح عن ظهار واحد ،فإن
كان بدفعات جاز عن الظهارين؛ لنه في المرة الثانية كمسكين آخر.
ول تجزئ القيمة عندهم (أي الجمهور) في الكفارة ،عملً بالنصوص المرة بالطعام.
وقد عرفنا أنه ل يجب التتابع في الطعام عند الحنفية والشافعية والحنابلة ،فلو وطئ في أثناء
الطعام ،لم تلزمه إعادة ما مضى منه؛ لنه وطئ في أثناء مال يشترط التتابع فيه ،فلم يوجب
الستئناف كوطء غير المظاهر منها ،أو كالوطء في كفارة اليمين ،فيختلف الطعام عن الصيام.
وسوّى المالكية بين الطعام والصيام ،فاشترطوا التتابع فيهما ،فلو وطئ في أثناء كفارة الظهار بهما،
وجب الستئناف فيهما.
( )9/582
( )9/583
( )9/584
( )9/585
( )9/586
وإن كانت المرأة هي المرتدة ،وكانت الردة قبل الدخول ،فل مهر لها؛ لنها منعت المعقود عليه
بالرتداد ،فصارت كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض .وإن كانت الردة بعد الدخول بها ،فلها المهر
عقْر (حد) أو عُقر (مهر).
كاملً؛ لن الدخول في دار السلم ل يخلو عن َ
ً 2ـ وإن ارتد الزوجان معا ،أو لم يعلم سبق أحدهما ،ثم عادا إلى السلم معاً ،فهما على نكاحهما
استحسانا ،لعدم اختلف دينهما (. )1
ً 3ـ ول يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ول كافرة ول مرتدة؛ لنه مستحق للقتل .وكذلك المرتدة ل
يجوز أن يتزوجها مسلم ول كافر ول مرتد لنها عند الحنفية محبوسة للتأمل (. )2
أثر السلم :
ً 1ـ إذا أسلمت المرأة ،وزوجها كافر ،عَرَض عليه القاضي السلم ،فإن أسلم فهي امرأته ،لعدم
طروء ما ينافي بقاء الزواج .وإن أبى عن السلم ،فرّق القاضي بينهما ،لعدم جواز بقاء المسلمة عند
الكافر .وكان التفريق طلقا بائنا عند أبي حنيفة ومحمد .وقال أبو يوسف :هي فُرْقة بغير طلق ()3
.
ً 2ـ وإن أسلم الزوج المتزوج مجوسية ،عرض عليها السلم ،فإن أسلمت فهي امرأته ،وإن أبت
عن السلم فرّق القاضي بينهما ،لن نكاح المجوسية حرام مطلقا ،ولم تكن هذه الفرقة طلقا؛ لن
الفرقة بسبب من قبلها ،والمرأة ليست بأهل للطلق.
-------------------------------
( )1الكتاب مع اللباب ،28/3 :المغني ،639/6 :القوانين الفقهية :ص ،196شرح الرسالة-46/2 :
،47المختصر النافع في فقه المامية :ص .203
( )2الكتاب ،المرجع السابق ،29/3 :فتح القدير.505/2 :
( )3الكتاب مع اللباب ،26/3 :فتح القدير 507/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،196شرح
الرسالة.47-46/2 :
( )9/587
فإن كان الزوج قد دخل بها ،فلها المهر المسمى ،لتأكده بالدخول ،فل يسقط بعد الفرقة ،وإن لم يكن
دخل بها ،فل مهر لها؛ لن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول بها (. )1
ً 3ـ وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب ،لم تقع الفُرْقة عليها حتى تنقضي عدتها بأن تحيض ثلث
حيضات إن كانت من ذوات الحيض ،أو تمضي ثلثة أشهر إن كانت من ذوات الشهر ،أو تضع
حملها إن كانت حاملً ،وتلك عدتها؛ لن إسلم زوجها مرجو ،والعرض عليه متعذر ،فنزّل منزلة
الطلق الرجعي ،فإذا انقضت عدتها ،بانت من زوجها (. )2
أما إذا خرج أحد الزوجين إلى دار السلم من دار الحرب مسلما ،فتقع الفرقة بينهما عند الحنفية ()3
،لختلف الدارين حقيقة وحكما ،وتباين الدارين ينافي انتظام المصالح الزوجية ،كما تتنافى بسبب
قيام القرابة المَحْرمية.
وخالفهم الجمهور ،فلم يحكموا بوقوع الفرقة لتباين الدارين؛ لن أثر التباين في انقطاع الولية (أي
سقوط مالكيته عن نفسه وماله) ل في إحداث الفرقة كالحربي المستأمن الذي دخل دارنا بأمان،
والمسلم المستأمن إذا دخل دار الحرب بأمان ،ل تقع فرقة في زواجهما.
ً 4ـ وإذا أسلم زوج الكتابية ،فهما على نكاحهما؛ لنه يصح الزواج بينهما ابتداء من الصل ،فيكون
بقاء الزواج بينهما أولى.
-------------------------------
( )1اللباب )2( .26/3 :اللباب ،المرجع السابق ،27/3 :فتح القدير 508/2 :وما بعدها.
( )3المبسوط ،50/5 :البحر الرائق.313/3 :
( )9/588
( )9/589
حكمها الشرعي :العدة واجبة شرعا على المرأة بالكتاب والسنة والجماع (: )1
أما الكتاب :فقوله تعالى عدة الطلق{ :والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة ]228/2:وفي
عدة الوفاة{ :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة:
]234/2وفي عدة الصغيرة واليسة والحامل{ :واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم،
فعدتهن ثلثة أشهر ،واللئي لم يحضن ،وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق]4/65:
وآي أخرى.
وأما السنة :فقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر ،تحدّ على
ميت فوق ثلث إل على زوج أربعة أشهر وعشرا» ( ، )2وأمر النبي صلّى ال عليه وسلم فاطمة
بنت قيس أن تعتد عند ابن أم مكتوم ( . )3وأحاديث أخرى.
وأما الجماع :فقد أجمعت المة على وجوب العدة ،في الجملة ،وإنما اختلفوا في أنواع منها.
-------------------------------
( )1المغني.448/7 :
( )2رواه البخاري ومسلم عن أم سلمة ،وفي لفظ آخر عندهما« :ل يحل لمرأة مسلمة تؤمن بال
واليوم الخر أن تحدّ فوق ثلثة أيام إل على زوجها أربعة أشهر وعشرا» (نيل الوطار)292/6 :
والحداد :منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ،ومنع الخطّاب خطبتها.
( )3رواه أحمد وأبو داود والنسائي ،ومسلم بمعناه عن عبيد ال بن عبد ال بن عُتْبة (نيل الوطار:
.)302/6
( )9/590
هل على الرجل عدة؟ ليس على الرجل عدة بالمعنى الصطلحي ،فيجوز له بعد الفرقة مباشرة أن
يتزوج بزوجة أخرى ،مالم يوجد مانع شرعي ،كالتزوج بمن ل يحل له الجمع بين زوجته الولى
وبين قريباتها المحارم كالخت ،والعمة ،والخالة ،وبنت الخ ،وبنت الخت ولو من زواج فاسد أو في
شبهة عقد .وتزوج امرأة خامسة في أثناء عدة المرأة الرابعة التي فارقها حتى تنقضي عدتها ،ونكاح
المطلقة ثلثا قبل التحليل (. )1
عدة المرأة غير المسلمة :اختلف الفقهاء في وجوب العدة على غير المسلمة على رأيين:
قال أبو حنيفة :ل تجب العدة على المرأة غير المسلمة ذمية كانت أو حربية إذا كان معتقد أهل دينها
أنه ل عدة عليها إل إذا كانت كتابية زوجة لمسلم ،فتجب عليها العدة بالفراق ،رعاية لحق الزوج؛ لن
العدة تجب حقا ل تعالى ،ولحق الزوج ،والكتابية مخاطبة بحقوق العباد ،فتجب عليها العدة ،وتجبر
عليها لجل حق الزوج والولد ،منعا من اختلط النساب.
وإن جاء الزوج مسلما ،وترك امرأته في دار الحرب ،فل عدة عليها باتفاق الحنفية؛ إذ ل حق لحد
الزوجين على الخر في حال اختلف الدارين ،ولن أحكام السلم تطبق على أهل الذمة ،ل على
الحربيين.
وقال الجمهور ومنهم الصاحبان :تجب العدة على الذمية ،سواء أكانت زوجة لمسلم أم لذمي ،لعموم
اليات المرة بالعدة.
-------------------------------
( )1رد المحتار.824-823/2 :
( )9/591
وحكمة العدة :إما التعرف على براءة الرحم ،أو التعبد ،أو التفجع على الزوج ،أو إعطاء الفرصة
الكافية للزوج بعد الطلق ليعود لزوجته المطلقة .ففي الطلق البائن ،والتفريق لفساد الزواج أو الوطء
بشبهة يقصد من العدة استبراء رحم المرأة للتأكد من عدم وجود حمل من الرجل ،منعا من اختلط
النساب ،وصون النسب .فإذا كان الحمل موجودا تنتهي العدة بوضع الحمل لتحقق الهدف المقصود
من العدة .وإذا لم يتأكد من الحمل بعد الدخول بالمرأة ،وجب النتظار للتعرف على براءة الرحم،
حتى بعد الوفاة .ومن المقاصد أيضا :إظهار السف على نعمة الزواج ،وصون سمعة المرأة
وكرامتها حتى ل تكون محلً للتحدث عنها بخروجها من البيت غادية رائحة بمجرد الفراق ،وإن
أمكن معرفة براءة الرحم بمجرد الحيضة الولى.
وفي الطلق الرجعي :يقصد بالعدة تمكين الرجل من العود إلى مطلقته خلل العدة ،بعد زوال عاصفة
الغضب ،وهدوء النفس ،والتفكير بمتاعب ومخاطر ووحشات الفراق .وذلك حرصا من السلم على
إبقاء الرابطة الزوجية ،وتنويها بتعظيم شأن الزواج ،فكما أنه ل ينعقد إل بالشهود ،ل ينحل إل
بانتظار طويل المد.
وفي فرقة الوفاة :يراد من العدة تذكر نعمة الزواج ،ورعاية حق الزوج وأقاربه ،وإظهار التأثر لفقده،
وإبداء وفاء الزوجة لزوجها ،وصون سمعتها وحفظ كرامتها ،حتى ل يتحدث الناس بأمرها ،ونقد
تهاونها ،والتحدث عن خروجها وزينتها ،خصوصا من أقارب زوجها .قال الشافعية والحنابلة (: )1
المقصود العظم من العدة حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة ،ولهذا اعتبرت عدة الوفاة بالشهر،
ووجبت العدة على المتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها تعبدا ،مراعاة لحق الزوج.
وهذه المعاني تنطبق على المرأة ،حتى ولو كانت كبيرة السن ل ترجو زواجا آخر ،بالضافة لتحقيق
معنى التعبد في العدة.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،395/3 :كشاف القناع.476/5 :
( )9/592
( )9/593
- 2وتجب العدة أيضا بالتفاق بالتفريق للوطء بشبهة ،كالموطوءة في زواج فاسد؛ لن وطء الشبهة
والزواج الفاسد كالوطء في الزواج الصحيح في شغل الرحم ولحوق النسب بالواطئ ،فكان مثله فيما
تحصل به براءة الرحم ،كيل تختلط النساب والمياه .ومثال الوطء بشبهة :أن تزف امرأة إلى غير
زوجها ،وتقول النساء للرجل :إنها زوجتك ،فيدخل بها بناء على قولهن ،ثم يتبين أنها ليست زوجته.
ول فرق في وجوب العدة بأحد السببين السابقين بين أن تكون الفرقة بسبب طلق أو فسخ ،فكل فرقة
بين زوجين عدتها عدة الطلق ،سواء أكانت بخلع أم لعان أم رضاع أم فسخ بعيب أم إعسار أم اعتاق
أم اختلف دين أم غيره عند أكثر العلماء.
ول فرق أيضا بين أن يكون الوطء حللً ،أم حراما كوطء حائض ومحرمة بحج أو عمرة ،ول بين
أن يكون الوطء في قُبل ،أو دبر على الصح لدى الشافعية ،والحكم واحد سواء أكان الواطئ عاقلً أم
ل ،مختارا أم ل ،لفّ على ذكره خرقة أو كيسا أم ل ،بالغا أم صبيا.
ول عدة قبل الدخول بنص القرآن كما أوضحت.
- 3وتجب العدة كذلك بالتفاق بعد وفاة الزوج في العقد الصحيح ،ولو قبل الدخول أو الوطء أو
كانت الزوجة صغيرة ،أو زوجة صبي ولو رضيعا أو زوجة ممسوح ،لطلق اليات القرآنية مثل:
{والذين يتوفون منكم ،ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة.]234/2:
- 4وأوجب المالكية والحنابلة خلفا لغيرهم العدة على المزني بها كالموطوءة بشبهة؛ لنه وطء
يقتضي شغل الرحم ،فوجبت العدة منه كوطء الشبهة.
ولم يوجبها غير هؤلء؛ لن العدة لحفظ النسب ،ول يلحق الزاني نسب بالزنا.
ركن العدة :أوضح الحنفية ( )1ركن العدة بأنه التزام المرأة بحرمات ثابتة بسبب العدة يحرم عليها
مخالفتها ،كحرمة التزوج بزوج آخر ،وحرمة الخروج من بيت الزوجية الذي طلّقت فيه ،وصحة
الطلق في العدة ،وحرمة التزوج بأخت المطلقة ونحوها.
-------------------------------
( )1الدر المختار.825/2 :
( )9/594
( )9/595
ولن ظاهر قوله تعالى{ :يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة ]228/2:وجوب التربص ثلثة كاملة،
ومن جعل القروء الطهار ،لم يوجب ثلثة ،لنه
يكتفي بطهرين وبعض الثالث ،فيخالف ظاهر النص .ومن جعله الحيض أوجب ثلثة كاملة ،فيوافق
ظاهر النص ،فيكون أولى من مخالفته.
ولن العدة استبراء ،فكانت بالحيض ،كاستبراء المة ،لن الستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل،
والذي يدل عليه هو الحيض ،فوجب أن يكون الستبراء به.
ويرى المالكية والشافعية :أن القرء هو الطهر؛ لنه تعالى أثبت التاء في العدد «ثلثة» ،فدل على أن
المعدود مذكر ،وهو الطهر ،ل الحيضة .ولن قوله تعالى{ :فطلقوهن لعدتهن} [الطلق ]1/65:أي في
وقت عدتهن ،لكن الطلق في الحيض محرّم كما تقدم في بحث الطلق البدعي ،فيصرف الذن إلى
زمن الطهر .وأجيب بأن معنى الية مستقبلت لعدتهن.
ولن القرء مشتق من الجمع ،فأصل القرء الجتماع ،وفي وقت الطهر يجتمع الدم في الرحم ،وأما
الحيض فيخرج من الرحم .وما وافق الشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته.
وفائدة الخلف :أنه إذا طلقها في طهر ،انتهت عدتها في رأي الفريق الثاني بمجيء الحيضة الثالثة؛
لنها يحتسب لها الطهر الذي طلقت فيه ،ول تخرج من عدتها إل بانقضاء الحيضة الثالثة في رأي
الفريق الول ،وقد روي عن عمر وعلي أنهما قال« :يحل لزوجها الرجعة إليها ،حتى تغتسل من
الحيضة الثالثة» مما يؤيد رأي الفريق الول.
والراجح لدي هو الرأي الول ،لتفاقه مع الواقع والمقصود من العدة ،فالنساء تنتظر عادة مجيء
الحيض ثلث مرات ،فيتقرر انقضاء العدة ،ول تعرف براءة الرحم إل بالحيض ،فإذا حاضت المرأة
تبين أنها غير حامل ،وإذا استمر الطهر تبين غالبا وجود الحمل .وقد روى النيسابوري عن المام
أحمد« :كنت أقول :إنه الطهار ،وأنا أذهب اليوم إلى أن القراء الحيض» ورجوعه عن رأي سابق
يكون عادة لمسوغات أو مرجحات أقوى.
( )9/596
( )9/597
ثالثا ـ عدة الحبل :هي مدة الحمل ،وسبب وجوبها :الفرقة أو الوفاة ،حتى ل تختلط النساب وتشتبه
المياه ،فل يسقي رجل ماءه زرع غيره.
وشرط وجوبها :أن يكون الحمل من الزواج الصحيح أو الفاسد؛ لن الوطء في النكاح الفاسد يوجب
العدة .ول تجب هذه العدة عند الحنفية والشافعية على الحامل بالزنا؛ لن الزنا ل يوجب العدة ،إل أنه
إذا تزوج رجل امرأة ،وهي حامل من الزنا ،جاز النكاح عند أبي حنيفة ومحمد ،لكن ل يجوز له أن
يطأها ما لم تضع ،لئل يصير ساقيا ماءه زرع غيره.
وأجاز الشافعية نكاح الحامل من زنا ووطأها ،إذ ل حرمة له.
عدَد المعتدات :
مقادير ِ
- ً 1عدة الحامل :تجب بسبب الموت أو الطلق ،وتنتهي بوضع الحمل اتفاقا ( )1؛ لقوله تعالى:
{وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق ]4/65:أي انقضاء أجلهن أن يضعن حملهن؛
ولن براءة الرحم ل تحصل في الحامل ـ كما هو واضح ـ إل بوضع الحمل .فإذا كانت المرأة
حاملً ،ثم طلقت أو مات عنها زوجها انتهت عدتها بوضع الحمل ،ولو بعد الوفاة بزمن قليل ،بدليل
أن «سبيعة بنت الحارث توفي عنها زوجها وهي حبلى ،فوضعت بعد نحو عشر ليال من وفاة
زوجها ،ثم جاءت النبي صلّى ال عليه وسلم فقال :انكحي .وفي رواية :فأفتاني بأني قد حللت حين
وضعت حملي ،وأمرني بالتزويج إن بدا لي» (. )2
-------------------------------
( )1البدائع ،192/3 :الدر المختار ورد المحتار 831/2 :وما بعدها ،فتح القدير 273/3 :وما بعدها،
281وما بعدها ،اللباب ،83-80/3 :الشرح الصغير 671/2 :وما بعدها ،383-381 ،القوانين
الفقهية :ص ،238 ،236مغني المحتاج 388/3 :وما بعدها ،396 ،المهذب ،142/2 :كشاف القناع:
،480-478/5المغني ،478-473 ،468/7 :غاية المنتهى 209/3 :وما بعدها ،بداية المجتهد:
.96/2
( )2رواه الجماعة إل أبا داود وابن ماجه عن أم سلمة (نيل الوطار.)287-286/6 :
( )9/598
وعلى هذا تكون عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل ،لقوله تعالى{ :وأولت الحمال
أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق ]4/65:قال ابن مسعود« :من شاء باهلته ـ لعنته ـ أن سورة
النساء القصرى نزلت بعد الية التي في سورة البقرة» ( )3وفي رواية البزار« :من شاء حالفته أن:
{وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق ]4/65:نزلت بعد آية المتوفى ،فإذا وضعت
المتوفى عنها حملها ،فقد حلت .وقرأ{ :والذين يتوفون منكم ويذر ون أزواجا} [البقرة. » ]234/2:
وانتهاء العدة بوضع الحمل له شرطان:
-------------------------------
( )1رواه البخاري .وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ« :من شاء لعنته ،لنزلت سورة
النساء القصرى بعد الربعة أشهر وعشر» وسورة النساء القصرى هي سورة الطلق وفيها آية عدة
الحامل ،وسورة النساء الطولى هي سورة البقرة وفيها آية عدة الوفاة (نصب الراية.)256/3 :
( )9/599
الول ـ عند الجمهور غير الحنفية :وضع جميع حملها ،أو انفصاله كله ،فل تنقضي بوضع أحد
التوأمين ول بانفصال بعض الولد .وتنقضي عند المالكية ولو وضعت علقة وهو دم متجمع ،ول بد
عند الحنابلة والشافعية من أن يكون الحمل الذي تنقضي به العدة :هو ما يتبين فيه شيء من خلق
النسان من الرأس واليد والرجل ،أو يكون مضغة شهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية لخلقة
آدمي أو أصل آدمي ،لعموم قوله تعالى{ :وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق.]4/65:
وقال الحنفية :الحمل :اسم لجميع ما في البطن ،فلو ولدت وفي بطنها آخر تنقضي العدة بالخر ،كما
سقْطا ،واستبان
قرر الجمهور ،لكن خالفوهم فقالوا :يكفي خروج أكثر الولد ،وإذا أسقطت المرأة ِ
بعض خلقه ،انقضت به العدة؛ لنه ولد ،وإل فل.
الثاني ـ أن يكون الحمل منسوبا إلى صاحب العدة ،ولو احتمالً كمنفي بلعان؛ لنه ل ينافي إمكان
كونه منه ،بدليل أنه لو استلحقه به لحقه ،فإن لم يمكن نسبته إلى صاحب العدة ،كولد الزنا المنفي
قطعا ،فل تنقضي به العدة.
وأقل مدة الحمل بالتفاق :ستة أشهر ،وغالبها تسعة ،وأكثرها عند الحنفية سنتان ،وعند الشافعية
والحنابلة :أربع سنين ،وعند المالكية في المشهور :خمس سنين .ودليلهم على أقل مدة الحمل :المفهوم
من مجموع آيتين وهما قوله تعالى{ :والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين} [البقرة]233/2:
وقوله سبحانه{ :وحمله وفصاله ثلثون شهرا} [الحقاف.]15/46:
وأما غالب مدة الحمل ،فلن غالب النساء يحملن كذلك ،وهذا أمر معروف بين الناس.
( )9/600
وأما أكثر مدة الحمل فيعتمد فيها الستقراء وتتبع أحوال النساء؛ لن ما ل نص فيه يرجع فيه إلى
الموجود ،وقال الشافعية والحنابلة :وقد وجد أربع سنين ،روى الدارقطني عن الوليد بن مسلم ،قلت
لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت« :ل تزيد المرأة في حملها على سنتين ،فقال :سبحان ال ،من
يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلن امرأة صدقٍ ،وزوجها رجل صدق ،حملت ثلثة أبطن
في اثني عشر سنة» وقال الشافعي« :بقي محمد بن عجلن في بطن أمه أربع سنين» وقال أحمد:
«نساء بني عجلن تحمل أربع سنين» فلو طلقها الرجل أو مات عنها ،فلم تتزوج حتى أتت بولد بعد
طلقه أو موته بأربع سنين ،لحقه الولد ،وانقضت عدتها به.
وأقل ما يتبين به خلق الولد )81( :واحد وثمانون يوما في رأي الشافعية والحنابلة ،لحديث ابن مسعود
خلْقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ،ثم يكون علَقة مثلَ ذلك،ثم
عند الشيخين« :إن أحدكم يُجمع َ
يكون ُمضْغة مثلَ ذلك» فالعدة في رأي الشافعية والحنابلة :ل تنقضي بما دون المضغة ،فوجب أن
تكون بعد الثمانين.
و نصت المادة ( )124من القانون السوري على هذه العدة« :عدة الحامل تستمر إلى وضع حملها أو
إسقاطه مستبينا بعض العضاء» .
التحول لعدة الحمل :لو ظهر في أثناء عدة القراء أو الشهر حمل للزوج ،اعتدت المرأة بوضعه.
المرتابة بالحمل :إذا ارتابت المعتدة من طلق أو وفاة بأن ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة
ونحوهما ،وشكّت :هل هو حمل أو ل ،أو ارتابت بعد انقضاء العدة بالقراء أو الشهر ،تربصت (أي
مكثت) إلى منتهى أمد الحمل عند المالكية ،فل يحل لها أن تتزوج قبله .وعليها أن تصبر عند
الشافعية والحنابلة عن الزواج حتى تزول الريبة ،للحتياط ،ولخبر« :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك»
.
( )9/601
ول تحل للزواج عند المالكية حتى يمضي أقصى أمد الحمل ،وإن تزوجت بعد انقضاء العدة بزوج
آخر قبل زوال الريبة .والمذهب لدى الشافعية عدم إبطال النكاح في الحال؛ لنا حكمنا بانقضاء العدة
ظاهرا ،فل نبطله بالشك ،فإن علم ما يقتضي البطلن بأن ولدت لدون ستة أشهر من وقت النكاح
الثاني ،حكمنا ببطلنه ،لتبين فساده .ولدى الحنابلة في إبطال هذا النكاح وجهان :أحدهما ـ
كالشافعية ،والثاني ـ يحل لها النكاح ويصح؛ لننا حكمنا بانقضاء العدة ،وحل النكاح ،وسقوط النفقة
والسكنى ،فل يجوز زوال ماحكم به بالشك الطارئ ،ولهذا ل ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده
ورجوع الشهود.
عدة زوجة الصغير بعد وفاته :إذا مات الصغير الذي ل يتأتى منه الحبال ،عن امرأته ،وبها حبل
محقق بأن تضع لدون ستة أشهر من موته ،فعدتها عند أبي حنيفة ومحمد أن تضع حملها ،لطلق
قوله تعالى{ :وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق ]4/65:وإن حدث الحَبَل بعد الموت،
فعدتها أربعة أشهر وعشر؛ لن هذه عدتها التي وجبت عليها عند الموت ،فل تتغير بعده .ولكن
ليثبت نسب الولد في هاتين الحالتين؛ لن الصبي ل ماء له ،فل يتصور منه العلوق .وقال الشافعية
وأبو يوسف :عدتها بالشهر أي أربعة أشهر وعشر ،ل بوضع الحمل؛ لن الولد منفي عنه يقينا لعدم
إنزاله .ومثله ممسوح إذ ل يلحقه على المذهب لدى الشافعية (. )1
-------------------------------
( )1البدائع ،192/3 :الدر المختار وحاشية ابن عابدين ،830/2 :اللباب ،81/3 :القوانين الفقهية :ص
،238الشرح الصغير ،682/2 :مغني المحتاج ،395/3 :المهذب ،145/2 :كشاف القناع،480/5 :
غاية المنتهى ،210/3 :المغني.470/7 :
( )9/602
- ً 2عدة المتوفى عنها زوجها :عرفنا أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملً ،تنتهي عدتها بوضع
الحمل ،ولو كانت الولدة بعد الوفاة بزمن قريب أو بعيد.
فإن كانت حائلً غير حامل ،كانت عدتها بالتفاق أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام بلياليها من تاريخ
الوفاة ،لقوله تعالى{ :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ،يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}
[البقرة ]234/2:حزنا على نعمة الزواج كما بينت ،سواء أكان الزوج قد دخل بها ،أم لم يدخل،
وسواء أكانت صغيرة أم كبيرة ،أم في سن من تحيض ،لطلق الية ،ولم تخصص بالمدخول بها؛
لن النص القرآني استثنى غير المدخول بها إذا كانت مطلّقة في قوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا إذا
نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ،فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب:
.]49/33
ونصت المادة ( )123من القانون السوري على هذه العدة« :عدة المتوفى عنها زوجها أربعةأشهر
وعشرة أيام» .
لكن شرط وجوب العدة بالشهر الربعة والعشر للمتوفى عنها :النكاح الصحيح فقط ،وبقاء النكاح
صحيحا إلى الموت مطلقا ،سواء وطئت أم ل ،وسواء أكانت صغيرة أم كتابية تحت مسلم.
فإذا كان الزواج فاسدا ،فإن عدتها عند الحنفية والحنابلة ثلث حيضات إن كانت من ذوات الحيض،
وثلثة أطهار عند المالكية والشافعية؛ لن القصد من إطالة مدة العدة وهو إظهار السف على نعمة
الزواج ،ليتحقق إل إذا كان الزواج صحيحا.
فإن لم تكن من ذوات الحيض وهي مطلّقة ،فإنها تعتد بثلثة أشهر ،كما سأبين.
( )9/603
( )9/604
- ً 4عدة من لم تحض لصغر أو كبر سن بسبب بلوغ سن اليأس ،ومن لم تحض أصلً ،وبعبارة
أخرى :عدة الصغيرة واليسة ،والمرأة التي لم تحض :ثلثة أشهر ( ، )1للية السابقة{ :واللئي
يئسن من المحيض[ }...الطلق.]4/65:
سن اليأس :أما تحديد سن اليأس :وهي السن التي إذا بلغتها المرأة ل تحيض فيها ،فمختلف في تقديره
بين الفقهاء (. )2
يرى الحنابلة :أن حد الياس خمسون سنة ،لقول عائشة« :لن ترى في بطنها ولدا بعد خمسين سنة» .
ورأي الحنفية في المفتى به :أن الياس يكون بخمس وخمسين.
وقال الشافعية :إن أقصى سن اليأس اثنان وستون سنة.
وذهب المالكية إلى أن سن اليأس تقدر بسبعين سنة ،فما تراه المرأة بعد هذه السن ل يعتبر حيضا
قطعا.
سن الحيض :وأقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين؛ لن المرجع فيه إلى الموجود ،وقد وجد من
تحيض لتسع.
سن البلوغ :وسن البلوغ في الغالب إذا لم تحض المرأة باتفاق المذاهب خمس عشرة سنة.
موقف القانون من النوعين الخيرين ومن ممتدة الطهر :نص القانون السوري م ( )121على ما
يأتي :عدة المرأة غير الحامل للطلق أو الفسخ كما يلي:
- 1ثلث حيضات كاملت لمن تحيض ،ول تسمع دعوى المرأة بانقضائها قبل مضي ثلثة أشهر
على الطلق أو الفسخ.
- 2سنة كاملة لممتدة الطهر التي لم يجئها الحيض ،أو جاءها ثم انقطع ولم تبلغ سن اليأس.
- 3ثلثة أشهر لليسة.
ونصت المادة ( )122على العدة في الزواج الفاسد :العدة في الزواج الفاسد بعد الدخول تجري عليها
أحكام المادة السابقة.
-------------------------------
( )1المراجع السابقة.
( )2كشاف القناع ،484/5 :الدر المختار ،835/2 :الشرح الصغير ،672/2 :مغني المحتاج:
،387/3المغني.460/7 :
( )9/605
( )9/606
ورأي الحنابلة والمالكية هو الراجح ،وأخذ به القانون السوري في المادة السابقة ( )121لما فيه من
الرفق بالناس ،وعدم تطويل العدة على المرأة .أما القانون المصري رقم ( )25لعام ( )1929فلم
يتعرض لنتهاء عدة ممتدة الطهر ول لبقائها ،ول لحل تزوجها برجل آخر أو عدم حله ،وإنما نص
على أنه« :ل تسمع الدعوى بنفقة عدة لمدة تزيد على سنة من تاريخ الطلق» وحدد السنة بـ ()365
يوما.
وأما المستحاضة أو ممتدة الدم :وهي المتحيرة التي نسيت عادتها فالمفتى به عند الحنفية :أنها تنقضي
عدتها بسبعة أشهر ،بأن يقدر طهرها بشهرين ،فتكون أطهارها ستة أشهر ،وتقدر ثلث حيضات
بشهر احتياطا .وقيل :تنقضي عدتها بثلثة أشهر .وأما إذا استمر بها الدم ،وكانت تعلم عادتها ،فإنها
ترد إلى عادتها.
ورأى الحنابلة والشافعية :أن عدة المستحاضة الناسية لوقت حيض والمبتدأة كاليسة :ثلثة أشهر؛ لن
حمْنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة ،فجعل لها
النبي صلّى ال عليه وسلم أمر َ
حيضة من كل شهر ،بدليل أنها تترك فيها الصلة ونحوها .فإن كانت لها عادة أو تمييز عملت به،
كما تعمل به في الصلة والصوم.
وذهب المالكية إلى أن المستحاضة غير المميزة بين دم الحيض والستحاضة كالمرتابة ،تمكث سنة
كاملة ،تقيم تسعة أشهر استبراء لزوال الريبة؛ لنها مدة الحمل غالبا ،وثلثة أشهر عدة ،وتحل
للزواج ،فتكون عدة المستحاضة غير المميزة ،ومن تأخر عنها الحيض ،ل لعلة ،أو لعلة غير
رضاع :سنة كاملة .أما المميزة المستحاضة ومن تأخر حيضها لرضاع فتعتد بالقراء.
( )9/607
( )9/608
( )9/609
وقال المالكية والحنابلة :تعتد سنة ،تسعة أشهر منها من وقت الطلق تنتظر فيها لتعلم براءة رحمها؛
لن هذه المدة هي غالب مدة الحمل ،ثم تعتد بعد ذلك عدة اليسات :ثلثة أشهر ،عملً بقول عمر
رضي ال عنه.وهذا هو المعقول ،دفعا للحرج والمشقة.
وقال الشافعية في الجديد كالحنفية :تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الياس ،فتعتد حينئذ
بثلثة أشهر؛ لن العتداد بالشهر جعل بعد الياس ،فلم يجز قبله ،وهذه ليست آيسة ،ولنها ترجو
عود الدم ،فلم تعتد بالشهور ،كما لو تباعد حيضها لعارض.
ثالثا ـ النتقال إلى عدة وفاة :
إذا مات الرجل في أثناء عدة زوجته التي طلقها طلقا رجعيا ،انتقلت بالجماع من عدتها بالقراء أو
الشهر إلى عدة وفاة :وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ،سواء أكان الطلق في حال الصحة أم في حال
مرض الموت؛ لن المطلقة رجعيا تعد زوجة ما دامت في العدة ،وموت الزوج يوجب على زوجته
عدة الوفاة ،فتلغو أحكام الرجعة ،وسقطت بقية عدة الطلق ،فتسقط نفقتها ،وتثبت أحكام عدة الوفاة
من إحداد وغيره .ونصت المادة ( )1/127من القانون السوري على هذا« :إذا توفي الزوج ،وكانت
المرأة في عدة الطلق الرجعي ،تنتقل إلى عدة الوفاة ،ول يحسب ما مضى» .
أما إن مات الرجل في أثناء عدة زوجته من طلق بائن ،فل تنتقل إلى عدة الوفاة ،بل تتم عدة الطلق
البائن؛ لنها ليست بزوجة ،فتكمل عدة الطلق ،ول حداد عليها ،ولها النفقة إن كانت حاملً.
( )9/610
( )9/611
المبحث الرابع ـ وقت ابتداء العدة وما يعرف به انقضاؤها :
ابتداء العدة :فصّل الحنفية مبدأ العدة على النحو التالي (: )1
1ـ إن كان الزواج صحيحا :فمبدأ العدة بعد الطلق أو الفسخ أو الموت ،فابتداء العدة في الطلق
ونحوه عقيب الطلق ،وفي الوفاة عقيب الوفاة بالتفاق بين الفقهاء ،وتنقضي العدة وإن جهلت المرأة
بالطلق أو الوفاة؛ لنها أجل ،فل يشترط العلم بمضي الجل ،سواء اعترف الرجل بالطلق أو أنكر،
فلو طلق الرجل امرأته ثم أنكره ،وأقيمت عليه بيّنة وقضى القاضي بالفرقة ،كأن ادعته عليه في
شوال ،وقضى به القاضي في المحرّم ،فالعدة من وقت الطلق ،ل من وقت القضاء.
وتنقضي العدة ،وإن لم تعلم المرأة بالطلق أو الوفاة ،فلو طلق الرجل امرأته الحامل أو مات عنها،
ولم يبلغها الخبر حتى وضعت ،انقضت عدتها بالتفاق.
2ـ وإن كان الزواج فاسدا :فمبدأ العدة بعد أو عقيب التفريق من القاضي بين الزوجين ،أو بعد
المتاركة وإظهار عزم الواطئ على ترك وطئها ،بأن يقول بلسانه :تركت وطأها ،أو تركتها ،أو
خليت سبيلها ،ونحوه ،ومنه الطلق وإنكار الزواج إذا كان بحضرتها ،وإل فل يعد النكار متاركة.
ونص القانون السوري (م )125على ابتداء العدة في الزواج الصحيح والفاسد« :تبدأ العدة من تاريخ
الطلق أو الوفاة أو الفسخ ،أو التفريق القضائي أو المفارقة في النكاح الفاسد» .
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،842-839/2 :البدائع ،190/3 :فتح القدير ،286/3 :الكتاب وشرحه
اللباب ،84/3 :مغني المحتاج ،395 ،390/3 :القوانين الفقهية :ص ،238 ،235غاية المنتهى:
210/3وما بعدها.
( )9/612
- 3وإن كان الوطء بشبهة :فقال ابن عابدين (: )1لم أر من صرح بمبدأ العدة في الوطء بشبهة بل
عقد ،وينبغي أن يكون من آخر الوطآت عند زوال الشبهة ،بأن علم أنها غير زوجته ،وأنها ل تحل؛
إذ ل عقد هنا ،فلم يبق سبب للعدة سوى الوطء المذكور.
وهذا الرأي حق ،فإن بدء العدة ببدء السبب الذي أدى إليها ،والوقاع في حالة الوطء بشبهة هو سبب
هذه العدة ،فتبتدئ منه.
تداخل العدتين :إذا تجدد سبب العدة في أثناء عدة سابقة ،فهل تتداخل العدتان أم تكمل العدة السابقة،
وتستأنف بعدئذ عدة أخرى؟
يرى الحنفية ( : )2أنه إذا وجبت عدتان تداخلتا ،سواء أكانتا من جنس واحد ،أم من جنسين ،ومن
رجل واحد أم من رجلين ،مثال الجنس الواحد ومن رجل واحد :إذا تزوجت المطلقة في عدتها،
فوطئها الزوج ،ثم تتاركا ،حتى وجبت عليها عدة أخرى ،فإن العدتين تتداخلن .ومثال الجنسين ومن
رجلين :المتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة ،فعليها عدة أخرى ،وتتداخل العدتان.
وذلك لن العدة عندهم هي أجل حدد لنقضاء ما بقي من آثار الزواج ،بخلف الجمهور الذي يجعلون
العدة هي فعل التربص.
ويرى أبو حنيفة وأبو يوسف أنه إذا طلق الرجل زوجته التي دخل بها طلقا بائنا بينونة صغرى ،ثم
تزوجها قبل انقضاء عدتها ،وطلقها قبل أن يدخل بها ،وجب عليها أن تبدأ عدة جديدة ،ول تبني على
ما سبق من العدة الولى؛ لنها بالعقد عادت إلى حالها الول ،وهي كانت مدخولً بها ،فإذا طلقها كان
طلقا بعد الدخول حكما ،فيجب عليها عدة مستقلة ،ولها مهر كامل .ولم يوجب مالك ومحمد عليها
عدة جديدة ،بل تكمل عدتها الولى ،ويجب لها نصف المهر المسمى.
وقال الجمهور ( : )3إذا كانت العدتان لشخص واحد ومن جنس واحد ،تداخلتا ،كأن طلق رجل
ل كون
زوجته ،ثم يطؤها في عدة أقراء أو أشهر ،جاه ً
-------------------------------
( )1رد المحتار.841/2 :
( )2البدائع ،190/2 :الدر المختار 837/2 :وما بعدها ،فتح القدير والعناية.286 ،283/3 :
( )3القوانين الفقهية :ص ،237الشرح الصغير ،715/2 :مغني المحتاج ،393-391/3 :المهذب:
،151/2المغني ،486 ،481/7 :غاية المنتهى ،215/3 :كشاف القناع.492/5 :
( )9/613
الطلق بائنا ،أو عالما أنها رجعية ،تداخلت العدتان ،فتبتدئ عدة بأقراء أو أشهر من فراغ الوطء،
ويدخل فيها بقية عدة الطلق؛ لن مقصود عدة الطلق والوطء واحد ،فل معنى للتعدد ،وتكون تلك
البقية واقعة عن الجهتين.
حمْلً ،والخرى أقراء ،بأن
وكذلك تتداخل العدتان إن لم تتفقا وكانتا من جنسين ،بأن كانت إحداهما َ
طلقها وهي حامل ،ثم وطئها قبل وضع الحمل ،أو طلقها وهي غير حامل ثم وطئها في أثناء القراء،
فأحبلها ،فتنقضي العدتان بوضع الحمل على الجهتين ،سواء رأت الدم مع الحمل أو ل .وللزوج في
عدة طلق رجعي أن يراجع قبل وضع الحمل.
أما إن كانت العدتان من شخصين :بأن كانت في عدة زوج أو في عدة وطء شبهة ،ثم وطئت بشبهة
أو نكاح فاسد ،والواطئ غير صاحب العدة الولى ،أو كانت زوجة معتدة عن شبهة ،فطلقت بعد
وطء الشبهة ،فل تداخل ،عملً بأثر عن عمر وعلي رواه الشافعي رضي ال عنهم أجمعين .فإن وجد
حمل اعتدت بوضعه أولً ،وإن لم يكن حمل ،أتمت عدة الطلق ولو كان الوطء بشبهة سابقا للطلق،
لقوة عدة الطلق بسبب استنادها إلى عقد جائز وسبب مسوغ ،ثم تستأنف العدة الخرى.
ولو تزوجت المطلّقة في عدتها من الطلق ،فدخل بها الثاني ،ثم فرق بينهما لبطلن الزواج ،اعتدت
بقية عدتها من الول ،ثم اعتدت من الثاني.
أما عند الحنفية فتعتد من الثاني بعد مفارقته ،وتكون عدة القراء من الثاني عن بقية عدة الول وعدة
الثاني؛ لن القصد معرفة براءة الرحم ،وهذا تحصل به براءة الرحم منهما جميعا.
وإن كانت حاملً فوضع الحمل يجزي عن العدتين اتفاقا كما تقدم.
( )9/614
( )9/615
أ ـ إن كانت من ذوات الشهر :فإنها ل تصدق في أقل من ثلثة أشهر في عدة الطلق .وفي عدة
الوفاة ل تصدق في أقل من أربعة أشهر وعشر.
ب ـ وإن كانت من ذوات القراء (الحيضات) :فإن كانت معتدة من وفاة ،فل تصدق في أقل من
أربعة أشهر وعشر .وإن كانت معتدة من طلق :فإن أخبرت بانقضاء عدتها في مدة تنقضي في مثلها
العدة ،يقبل قولها .وإن أخبرت في مدة ل تنقضي في مثلها العدة ،ل يقبل قولها ،إل إذا فسرت ذلك،
بأن قالت :أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعضه ،فيقبل قولها؛ لنها أمينة في إخبارها عن انقضاء
عدتها ،فإن ال تعالى ائتمنها في ذلك بقوله عز وجل{ :ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال في
أرحامهن} [البقرة ]228/2:قيل في التفسير :إنه الحيض والحبل .والقول قول المين بيمينه.
فإذا أخبرت بانقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها ،يقبل قولها ،ول يقبل إذا كانت المدة مما ل
تنقضي العدة في مثلها؛ لن قول المين إنما يقبل فيما ل يكذبه الظاهر ،والظاهر هنا يكذبها.
وأما أقل ما تصدق فيه المعتدة بالقراء:
فقال أبو حنيفة :أقل ما تصدق فيه الحرة ستون يوما ،عملً بالوسط في مدة الحيض وهو خمسة أيام،
فتكون الحيضات الثلث خمسة عشر يوما ،والطهار خمسة وأربعين يوما على أن يبدأ بالطهر،
فيكون المجموع ستين يوما.
وقال الصاحبان :تسعة وثلثون يوما ،عملً بأقل الحيض وهو ثلثة أيام ،فتكون الحيضات تسعة أيام
على أن يبدأ بالحيض ثلثة أيام ،ثم بالطهر خمسة عشر يوما ،ثم بالحيض ثلثة أيام ،ثم بالطهر
خمسة عشر يوما ،ثم بالحيض ثلثة أيام ،فذلك تسعة وثلثون يوما .وقد بينت سابقا آراء المذاهب
الخرى في مبحث اختلف الزوجين في الرجعة.
( )9/616
( )9/617
والقاعدة عند المالكية :كل نكاح فسخ بعد الدخول اضطرارا ،فل يجوز للزوج أن يتزوج المرأة في
عدتها منه ،وكل نكاح فسخ اختيارا من أحد الزوجين ،حيث لهما الخيار ،جاز أن يتزوجها في عدتها
منه (. )1
ثالثا ـ حرمة الخروج من البيت :
للفقهاء آراء متقاربة في مسألة خروج المعتدة من البيت ،الحنفية :فرقوا بين المطلقة والمتوفى عنها،
فقالوا :يحرم على المطلقة البالغة العاقلة الحرة المسلمة المعتدة من زواج صحيح الخروج ليلً ونهارا،
سواء أكان الطلق بائنا أم ثلثا أم رجعيا ،لقوله تعالى في الطلق الرجعي{ :ل تخرجوهن من
بيوتهن ،ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلق ]1/65:بأن تزني فتخرج لقامة الحد
عليها ،ويرى أبو حنيفة أن الفاحشة هي نفس الخروج ،وقوله تعالى{ :أسكنوهن من حيث سكنتم}
[الطلق ]6/65:والمر بالسكان نهي عن الخراج والخروج .وأما في الطلق الثلث أو البائن،
فلعموم النهي عن الخروج ،ومساس الحاجة إلى الحفاظ على النساب وعدم اختلط المياه.
وأما المتوفى عنها :فل تخرج ليلً ،ول بأس أن تخرج نهارا في حوائجها؛ لنها تحتاج إلى الخروج
بالنهار لكتساب ما تنفقه؛ لنه ل نفقة لها من الزوج المتوفى ،بل نفقتها عليها ،فتحتاج إلى الخروج
لتحصيل النفقة ،ول تخرج بالليل ،لعدم الحاجة إلى الخروج بالليل ،بخلف المطلّقة ،فإن نفقتها على
الزوج ،فل تحتاج إلى الخروج.
وليس للمعتدة من طلق ثلث أو بائن أو رجعي أن تخرج من منزلها الذي تعتد فيه إلى سفر ولو إلى
حج فريضة إذا كانت معتدة من نكاح صحيح .ول يجوز للزوج أن يسافر بها لقوله تعالى{ :ل
تخرجوهن من بيوتهن ،ول يخرجن} [الطلق ]1/65:والمذهب أن للزوج ضرب المرأة المفارقة على
الخروج من منزله بل إذن ،إل إن احتاجت إلى الستفتاء في حادثة ،ولم يرض الزوج أن يستفتي لها،
وهو غير عالم.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص .211
( )9/618
ويجوز للمعتدة من نكاح فاسد أن تخرج؛ لن أحكام العدة مرتبة على أحكام النكاح الصحيح .ويجوز
أيضا للصغيرة والمجنونة أن تخرج من منزلها إذا لم يكن في الفرقة رجعة ،سواء أذن الزوج لها أم
لم يأذن؛ إذ أن حق ال في العدة ل يجب عل الصغير والمجنون ،ولنه ل ولد من الصغيرة ،فلم يبق
للزوج حق .ولكن يجوز للزوج منع المجنونة من الخروج حفاظا على مائه وتحصينه من الختلط.
وإن كانت الفرقة رجعية فل يجوز للصغيرة الخروج بغير إذن الزوج؛ لنها زوجته .هذا كله في حال
الختيار ،أما في حال الضرورة فلكل معتدة الخروج ،فإن اضطرت إلى الخروج من بيتها ،بأن خافت
سقوط منزلها ،أو خافت على متاعها ،أو ل تجد أجرة البيت الذي تستأجره في عدة الوفاة ،فل بأس
عندئذ أن تخرج .وتنتقل المعتدة المطلقة في البادية مع أهل الكل في محفة أو خيمة مع زوجها إن
تضررت في المكان الذي طلقها فيه ،وإن لم تتضرر فل تنتقل من مكانها.
وأجاز المالكية والحنابلة للمعتدة الخروج لضرورة أو عذر ،كأن خافت هدما أو غرقا أوعدوا أو
لصوصا أو غلء كرائها أو نحوه ،كما قرر الحنفية ،وأجازوا أيضا للمعتدة مطلقا الخروج في
حوائجها نهارا ،سواء أكانت مطلّقة أم متوفى عنها ،لما روى جابر قال« :طُلّقت خالتي ثلثا ،فخرجت
تجذّ نخلها ،فلقيها رجل ،فنهاها ،فذكرت ذلك للنبي صلّى ال عليه وسلم ،فقال :اخرجي فجذي نخلك،
لعلك أن تتصدقي منه ،أو تفعلي خيرا» ( ، )1وروى مجاهد قال« :استشهد رجال يوم أحد ،فجاء
نساؤهم رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،وقلن :يا رسول ال ،نستوحش بالليل ،أفنبيت عند إحدانا،
فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم :تحدثن عند إحداكن ،حتى إذا
أردتن النوم ،فلتؤب كل واحدة إلى بيتها» .
-------------------------------
( )1رواه النسائي وأبو داود.
( )9/619
( )9/620
وكذلك يعد إيذاؤها الجيران عذرا عند الحنابلة يبيح انتقالها لدار أخرى.
ول تخرج المعتدة إلى صحن الدار التي فيها منازل الجانب عنها ،لنه كالخروج إلى الشارع .فإن لم
يكن في الدار منازل للجانب ،بل بيوت أو غرف ،جاز لها الخروج إلى صحن الدار ،ول تصير به
خارجة عن الدار ،ولها أن تبيت في أي غرفة شاءت منها.
وذكر الشافعية ( : )1أن الرجل إذا عاشر المعتدة كزوج ،بخلوة ولو بدخول دار هي فيها ،ونوم ولو
في الليل فقط وأكل ونحو ذلك ،بل وطء لها ،في عدة أقراء أو أشهر ،فالصح أنها إن كانت بائنا
انقضت عدتها بما ذكر؛ لن مخالطتها محرّمة ووطؤها زنا ل حرمة له ،ول أثر للحرام في الحكم
الشرعي ،كالمزني بها ل يترتب على الزنا حكم شرعي من أحكام الزواج ،وأما إن كانت رجعية ،فل
تنقضي عدتها؛ لن الشبهة قائمة؛ لن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة .لكن ل يضر دخول دار هي
فيها بل خلوة.
وأما نفقة المعتدة :فواجبة على الزوج حسب التفصيل التي:
ً - 1إن كانت المعتدة مطلقة طلقا رجعيا :وجبت لها النفقة بأنواعها المختلفة من طعام وكسوة
وسكنى ،بالتفاق؛ لن المعتدة تعد زوجة ما دامت في العدة.
ً - 2وإن كانت معتدة من طلق بائن:
فإن كانت حاملً،وجبت لها النفقة بأنواعها المختلفة بالتفاق ،لقوله تعالى{ :وإن كن أولت حمل،
فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} [الطلق.]6/65:
وإن كانت غير حامل :وجبت لها النفقة بأنواعها أيضا عند الحنفية ،بسب احتباسها في العدة لحق
الزوج.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج 393/3 :وما بعدها.
( )9/622
ول تجب لها النفقة في رأي الحنابلة؛ لن فاطمة بنت قيس طلّقها زوجها البتة ،فلم يجعل لها رسول
ال صلّى ال عليه وسلم نفقة ول سكنى ،وإنما قال« :إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها
الرجعة» (. )1
وتجب لها السكنى فقط في رأي المالكية والشافعية ،لقوله تعالى{ :أسكنوهن من حيث سكنتم من
وُجدكم} [الطلق ]6/65:فإنه أوجب لها السكنى مطلقا ،سواء أكانت حاملً أم غير حامل .ول تجب
لها نفقة الطعام والكسوة لمفهوم قوله تعالى{ :وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}
[الطلق ]6/65:فدل بمفهومه على عدم وجوب النفقة لغير الحامل.
ً - 3وإن كانت معتدة من وفاة :فل نفقة لها بالتفاق ،لنتهاء الزوجية بالموت ،لكن أوجب لها
المالكية السكنى مدة العدة إذا كان المسكن مملوكا للزوج ،أو مستأجَرا ودفع أجرته قبل الوفاة ،وإل
فل.
ً - 4وإن كانت معتدة من زواج فاسد أو شبهة :فل نفقة لها عند الجمهور ،إذ ل نفقة لها في الزواج
الفاسد ،فل نفقة لها في أثناء العدة منه.
وأوجب المالكية لها إن كانت حاملً النفقة على الواطئ؛ لنها محتبسة بسببه ،فإن كانت غير حامل أو
فسخ نكاحها بلعان ،فيجب لها السكنى فقط في المحل الذي كانت فيه.
-------------------------------
( )1رواه أحمد والنسائي (نيل الوطار.)305/6 :
( )9/623
( )9/624
ولم يوجبه الجمهور عليها ،وإنما يستحب فقط؛ لن الزوج آذاها بالطلق البائن ،فل تلزم بإظهار
الحزن والسف على فراقه ،ولنها معتدة من طلق كالرجعية ،وإنما يستحب لها الحداد لئل تدعو
الزينة إلى الفساد.
ويكون الحداد بترك التجميل ،وهو أن تجتنب ما يلي:
ً - 1الزينة بحلي ولو خاتم من ذهب أو فضة ،أو حرير مطلقا ولو كان أسود .وأجاز بعض الشافعية
كابن حجر التحلي بالذهب والفضة ،وأجاز الحنابلة لبس الحرير البيض؛ لنه مألوف.
ً - 2الطيب في البدن والمتشاط ،ل في الثياب ،لما فيه من الترفه واجتذاب النظار ،ومنعها المالكية
من التجار في الطيب وعمله.
ً - 3الدهن المطيب وغير المطيب؛ لن فيه زينة الشعر ،ول يخلو الدهن عن نوع طيب.
لل
ً - 4الكحل ،لما فيه من زينة العين .وأجاز فقهاء المذاهب كلهم الكحل لضرورة أو حاجة لي ً
نهارا.
ً - 5الحناء وكل أنواع الخضاب والصباغ ،لما روت أم سلمة أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى
المعتدة أن تختضب ،كما سيأتي.
ً - 6لبس الثوب المطيب والمصبوغ بالحمر أو الصفر.
سلَمة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :المتوفى عنها زوجها :ل تَلْبَس
ودليل ذلك حديث أم َ
حلِي ،ول تختضب ،ول تكتحل» ( )2وفي رواية
ال ُم َعصْفر من الثياب ،ول الممشّقة ( ، )1ول ال ُ
أخرى« :ول تمتشطي بالطيب ول بالحناء ،فإنه خضاب» وعن أم عطية قالت« :كنا نُنهى أن نحدّ
على ميت فوق ثلث إل على زوج أربعة أشهروعشرا ،ول نكتحل ،ول نتطيب ،ول نلْبَس ثوبا
عصْب» (. )3
مصبوغا إل ثوب َ
ويجوز للمرأة فعل شيء مما سبق للضرورة؛ لن الضرورات تبيح المحظورات.
ويباح لها لبس السود في المذاهب الربعة .ولم يجز الظاهرية ( )4الكحل ولو لضروة ،ول السود؛
لنه كالحمر والصفر ،ولم يجز المالكية لبس السود إذا كان يتزين به في قوم.
-------------------------------
( )1الممشقة :المصبوغة بالمَشْق وهو ال َمغْرة أي الطين الحمر يصبغ به.
( )2رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أم سلمة (نيل الوطار.)296/6 :
( )3رواه البخاري ومسلم عن أم عطية (نيل الوطار )295/6 :وثوب العصب :نوع من برود اليمين
يعصب غزله أي يجمع ،ثم يشد ،ثم يصبغ معصوبا ،فيصبح موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم
ينصبغ ،وإنما ينصبغ السَدى دون اللّحمة ،والسدى :ما مُدّ من خيوط الثوب ،وضده اللحمة :وهو ما
نسج عرضا.
( )4المحلى ،335/10 :مسألة .2000
( )9/625
ويباح لها عند الجمهور دخول الحمام المنزلي وغسل الرأس بالصابون ونحوه ،ولم يجز المالكية لها
دخول الحمام إل لضرورة.
ولها قص الظافر ونتف إبط وحلق عانة (استحداد) وإتباع دم الحيض بطيب.
فإن تركت المتوفى عنها الحداد عصت ال تعالى إن علمت حرمة الترك ،ويعصي ولي الصغيرة
والمجنونة في رأي غير الحنفية إن لم يمنعها ،وتنقضي عدتها بمضي الزمان مع العصيان ،كما لو
فارقت المنزل.
سادسا ـ ثبوت نسب الولد المولود في العدة :
يثبت نسب ولد المطلّقة الرجعية من الزوج في رأي الحنفية إذا جاءت بالولد لسنتين أو أكثر ،ولو
طالت المدة ،لحتمال امتداد طهرها ،وعلوقها في العدة ،ما لم تقر بانقضاء عدتها ،وكانت المدة
تحتمله.
ويثبت نسب ولد المبتوتة بل دعوى ،ما لم تقر بانقضاء العدة إذا جاءت به لقل من سنتين؛ لنه
يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلق ،والحمل عندهم ل يبقى أكثر من سنتين .فإن جاءت به لتمام
سنتين من يوم الفرقة ،لم يثبت نسبه من الزوج؛ لنه حادث بعد الطلق ،فل يكون منه؛ لن وطأها
حرام ،إل أن يدعيه الزوج؛ لنه التزمه ،وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة.
ويثبت نسب الولد المتوفى عنها زوجها ،ولو غير مدخول بها ،إذا لم تقر بانقضاء عدتها ،ما بين
الوفاة وبين سنتين.
وإذا اعترفت المعتدة مطلقا (أي معتدة) بانقضاء عدتها ،ثم جاءت بولد لقل من ستة أشهر من وقت
القرار ،ثبت نسبه ،لظهور كذبها بيقين ،فبطل القرار .وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر ،لم يثبت
نسبه؛ لنه علم بالقرار أنه حدث بعده؛ لنها أمينة في الخبار ،وقول المين مقبول إل إذا تحقق
كذبه.
وتنطبق هذه الحكام في المذاهب الخرى ،بملحظة أن أقصى مدة الحمل عند الشافعية والحنابلة
أربع سنين ،وعند المالكية :خمس سنين.
( )9/626
( )9/627
الستبراء :
ل أو
معناه :لغة طلب البراءة .وشرعا :تربص المَة الرقيقة مدة بسبب ملك اليمين حدوثا أو زوا ً
بشبهة ،أو تربص المزني بها ،لمعرفة براءة الرحم ،أو للتعبد (. )1
حكمه :يجب الستبراء بالتفاق ،منعا من اختلط المياه واشتباه النساب ،حتى لو أنكره شخص ،كفر
في رأي بعضهم للجماع على وجوبه ( ، )2ولقوله صلّى ال عليه وسلم في سبي أوطاس (« : )3ل
توطأ حامل حتى تضع ،ول غيرُ حامل حتى تحيض حيضة» ( )4وقوله عليه السلم« :ل يقعن رجل
على امرأة ،وحملُها لغيره» ( )5وقوله أيضا« :من كان يؤمن بال واليوم الخر ،فل يسقي ماءَه ولدَ
غيره» ( )6وزاد أبو داود في روايته« :من كان يؤمن بال واليوم الخر ،فل يقعن على امرأة من
السبي حتى يستبرئها» .
أسبابه :ذكر الفقهاء أسبابا للستبراء هي ما يأتي:
رأي الحنفية ( : )7يجب الستبراء بملك الستمتاع بالمة ملك اليمين ،بأي نوع من أنواع الملك
كشراء ،وإرث ،وسبي ،ودفع بدل جناية ،وفسخ بيع بعد القبض ونحوها كهبة ورجوع عنها ،وصدقة،
ووصية ،وبدل خلع أو صلح أو كتابة أو عتق أو إجارة.
ول بأس بحيلة إسقاط الستبراء إذا علم أن البائع لم يقربها في طهرها بأن يعقد عليها عقد زواج
ويقبضها ثم يشتريها ،فتحل له للحال.
وذكر الشافعية ( )8سببين للستبراء :وهما -كما قرر الحنفية -ملك وزوال ملك ،ثم قالوا :قد يجب
بسبب آخر ،كأن يطأ رجل أمة غيره ظانا أنها أمته ،أي الوطء بشبهة.
-------------------------------
( )1الدر المختار 264/5 :ومابعدها ،مغني المحتاج ،408/3 :الشرح الصغير،701 ،677/2 :
كشاف القناع 503/5 :ومابعدها.
( )2حاشية ابن عابدين. 264/5 :
( )3أوطاس :واد في ديار هوازن ،قال ابن حجر :والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين.
( )4رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري (نيل الوطار.)305/6 :
( )5رواه أحمد عن أبي هريرة.
( )6رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن رويفع بن ثابت (انظر الحديثين في نيل الوطار.)306/6 :
( )7الدر المختار وحاشية ابن عابدين.267 ،265/5 :
( )8مغني المحتاج ،410-408/3 :المهذب.153/2 :
( )9/628
أما الملك :فهو ملك أمة بشراء ،أو هبة ،أو سبي بعد القسمة ،أو رد بعيب ،أو تحالف أو إقالة ،أو
قبول وصية أو غيرها كفسخ بفلس ورجوع في هبة .ويجب استبراء مكاتبة لم تستطع أداء أقساط
الكتابة ،لعود ملك التمتع بعد زواله ،واستبراء مرتدة في الصح ،لزوال ملك الستمتاع ثم إعادته،
ويجب استبراؤها ولو منتقلة من ملك صبي أو امرأة.
وأما زوال الملك :فهو زوال الستمتاع عن المة الموطوءة أو المستولدة ،بعتق أو موت السيد.
وإن ملك شخص أمة مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو ذات زوج ،لم يصح استبراؤها في هذه الحوال؛
لن الستبراء يراد للستباحة ،ول توجد الستباحة في هذه الحوال .فإن زالت الزوجية أو العدة أو
الردة ،وجب الستبراء في الظهر.
وأما الحنابلة ( )1فذكروا ثلثة أسباب للستبراء :هي ملك وإزالة ملك وعتق ،وإيضاحها فيما يأتي:
ً - 1إذا ملك ولو طفلة أمة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي أو وصية أو غنيمة أو غيرها مما ذكر في
المذهبين السابقين ،فل يحل له وطؤها ول الستمتاع بها إل بالستبراء بحيضة إذا كانت تحيض ،أو
بوضع الحمل إذا كانت حاملً.
ً - 2إن وطئ أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها ،لم يجز له ذلك حتى يستبرئها كما سبق في الحالة
الولى.
ً - 3إذا أعتق أم ولده أو أعتق أمته التي كان يصيبها قبل استبرائها أو مات عنها ،لزمها استبراء
نفسها؛ لنها موطوءة له وطأ له حرمة ،فلزمها استعلم براءة رحمها ،كالموطوءة بشبهة.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.509-507/5 :
( )9/629
( )9/630
( )9/631
ويجب عند المالكية والحنابلة استبراؤها بثلث حيضات منذ وطئها الرجل ،سواء فارقها أو مات
عنها ،ويحرم على زوجها أن يقربها في مدة الستبراء.
أما إذا تزوجها الرجل ،وهو ل يعلم بأنها زوجة غيره ،ودخل بها ،ثم فرق بينهما ،وجب عليها العدة
بالتفاق؛ لن العقد يكون فاسدا ،والعقد الفاسد تجب العدة فيه بالدخول اتفاقا.
انتهى الجزء التاسع
ويتبعه الجزء العاشر
تتمة الحوال الشخصية (الحقوق المالية -الوصايا والوقف والمواريث)
( )9/632
( )10/1
فليست من ال في شيء ،ولن يدخلها ال جنته ،وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ،احتجب ال
تعالى منه ،وفضحه على رؤوس الولين والخرين يوم القيامة» (. )1
ومنع الشرع أيضا البناء من انتسابهم إلى غير آبائهم ،فقال صلّى ال عليه وسلم « :من ادعى إلي
غير أبيه وهو يعلم ،فالجنة عليه حرام ( » )2وقال أيضا« :من ادعى إلى غير أبيه ،أو انتمى إلى
غير مواليه ،فعليه لعنة ال المتتابعة إلى يوم القيامة» (. )3
وحرمت الشريعة نظام التبني وأبطلته بعد أن كان في الجاهلية وصدر السلم ،وقد تبنى النبي صلّى
ال عليه وسلم زيد بن حارثة قبل النبوة ،وكان يدعى «زيد بن محمد» إلى أن نزل قوله تعالى{ :وما
جعل أدعياءكم أبناءكم ،ذلكم قولكم بأفواهكم ،وال يقول الحق ،وهو يهدي السبيل .ادعوهم لبائهم هو
أقسط عند ال ،فإن لم تعلموا آباءهم ،فإخوانكم في الدين ومواليكم } (. )4ذكرالقرطبي في تفسيره:أنه
أجمع أهل التفسيرعلىأن ههذه الية ننزلت في زيد بن حارثة.وروىالئمةأن ابن عمرقال« :ماكنا
ندعو زيد بن حارثة إل زيد بن محمد ،حتى نزلت { :ادعوهم لبائهم هو أقسط عند ال }
» [الحزاب]5/33:أي أعدل وأحق عند ال .
فالعدل يقضي والحق يوجب نسبة البن إلى أبيه الحقيقي ،ل لبيه المزور ،والسلم دين الحق
والعدل ،والعنصر الغريب عن السرة ذكرا أو أنثى ل ينسجم معها قطعا في خلق ول دين ،وقد تقع
مفاسد ومنكرات عليه أو منه ،لحساسه
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة ،وهو صحيح.
( )2رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة،وهو
صحيح.
( )3رواه أبو داود عن أنس.
( )4الحزاب .5،4 :
( )10/2
بأنه أجنبي ،فمن تبنى لقيطا أو مجهول النسب دون أن يدعي أنه ولده ،لم يكن ولده حقيقة ،فل يثبت
التوارث بينهما ،ول تجري عليه أحكام التحريم بالقرابة .ومن كان له أب معروف نسب إلى أبيه،
ومن جهل أبوه دعي مولىً وأخا في الدين ،منعا من تغيير الحقائق ،وحفظا لحقوق الباء والولد من
الضياع أو النتقاص ،وتوفيرا لوحدة النسجام في السرة ،فكثيرا ما أساء الولد المتبنى للزوجين
وأقاربهما في العرض والمال.
لكن لم يمنع السلم تربية ولد لقيط وتعليمه ،ثم حجبه عن السرة بعد البلوغ أو قبله بقليل ،وإنما فتح
باب الحسان إليه على أوسع نطاق ،وعدّ ذلك اتفاقا للنفس من الهلك ،وإحياء لنفس بشرية ،ومن أحيا
نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا.
ونسب الولد من أمه ثابت في كل حالت الولدة شرعية أو غيرشرعية ،أم نسب الولد من أبيه ،فل
يثبت إل من طريق الزواج الصحيح أو الفاسد ،أو الوطء بشبهة ،أو القرار بالنسب ،وأبطل السلم
ما كان في الجاهلية من إلحاق الولد عن طريق الزنا ،فقال صلّى ال عليه وسلم « :الولد للفراش،
وللعاهر الحجر» ( )1ومعناه أن الولد يلحق الب الذي له زوجية صحيحة ،علما بأن الفراش هو
المرأة في رأي الكثر ،وقد يعبر به عن حالة الفتراش ،وأما الزنا فل يصلح سببا لثبات النسب،
وإنما يستحق الزاني العاهر الرجم أو الطرد بالحجارة.
وقد دل ظاهر الحديث على أن الولد إنما يلحق بالب بعد ثبوت الفراش ،وهو ل يثبت إل بعد إمكان
الوطء في الزواج الصحيح أو الفاسد .وهو رأي الجمهور .وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد
العقد؛ لن مجرد المظنة كافية .ورد بمنع حصولها بمجرد العقد ،بل ل بد من إمكان الوطء (. )2
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل الترمذي ،والجماعة :أحمد وأصحاب الكتب الستة (نيل الوطار.)279/6 :
( )2نيل الوطار 279/6 :وما بعدها ،بداية المجتهد ،352/2 :البدائع ،212/3 :فتح القدير.300/3 :
( )10/3
( )10/4
للحمل إل ستة أشهر ،فأخذ عثمان بقوله ،ودرأ عنها الحد (. )1
وأما أكثر مدة الحمل :ففيه للعلماء أقوال ( )2أشهرها ما يأتي:
ً - 1سنتان وهو رأي الحنفية ،لقول عائشة رضي ال عنها« :ل يبقى الولد في رحم أمه أكثر من
سنتين ،ولو بفلكة مغزل» ( )3فإن ولد الحمل لسنتين من يوم موت الزوج أو طلقه ،ثبت نسبه من
أبيه المطلّق أو الميت.
ً - 2أربع سنين ،وهو رأي الشافعية والحنابلة؛ لن ما ل نص فيه يرجع فيه إلى الوجود ،وقد وجد
الحمل لربع سنين؛ لن نساء بني عجلن يحملن أربع سنين ،كما قال المامان أحمد والشافعي ،وكما
ذكر سابقا.
فإذا ولدت المرأة لربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلقه ،ولم تكن تزوجت ،ول وطئت،
ول انقضت عدتها بالقروء ول بوضع الحمل ،فإن الولد ل حق بالزوج ،وعدتها منقضية بوضعه.
وإن أتت بالولد لربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلق أو فسخ ،أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية،
لم يلحقه ولدها؛ لننا نعلم أنها علقت به بعد زوال النكاح ،والبينونة منه.
ً - 3خمس سنين :وهو المشهور عن المالكية والليث بن سعد وعباد بن العوام ،قال مالك :بلغني عن
امرأة حملت سبع سنين.
ً - 4سنة قمرية :هو رأي محمد بن عبد الحكم من المالكية.
ً - 5تسعة أشهر قمرية :وهو رأي ابن حزم الظاهري ،وعمر بن الخطاب رضي ال عنه .ويظهر
أن القوال الثلثة الولى روعي فيها إخبار بعض النساء ،اللتي ترين أن انتفاخ البطن علمة الحمل.
لذا قال ابن رشد« :وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة ،وقول ابن عبد الحكم والظاهرية
هو أقرب إلى المعتاد ،والحكم إنما يجب بالمعتاد ،ل بالنادر ،ولعله أن يكون مستحيلً» .
-------------------------------
( )1البدائع.211/3 :
( )2الدر المختار ،857/2 :فتح القدير ،310/3 :الكتاب مع اللباب ،87/3 :بداية المجتهد،352/2 :
مغني المحتاج ،390/3 :المغني 477/7 :وما بعدها ،المحلى ،385/10 :مسألة.2011 :
( )3رواه الدارقطني والبيهقي في سننيهما.
( )10/5
وقد رئي في القوانين المعمول بها العتماد على رأي الطباء ،فاعتبر أقصى مدة الحمل سنة شمسية
( 365يوما) ليشمل كل الحالت النادرة .نصت المادة ( )128من القانون السوري على أن« :أقل مدة
الحمل مائة وثمانون يوما ،وأكثرها سنة شمسية» وكو أقل الحمل ( )180يوما هو رأي الجمهور،
وخالفهم المالكية فقد روها بـ ( )175يوما؛ لن الشهر الهللية قد يتوالى منها ثلثة أشهر بمقدار (
)29يوما ،ويجوز أن يليهما شهران ناقصان أيضا ،فتكون أيام الشهر الستة ( )175يوما .ونصت
المادة ( )15من القانون المصري رقم ( 25لسنة )1929على أنه« :ل تسمع عند النكار دعوى
النسب لولد زوجة ثبت عدم التلقي بينهما وبين زوجها من حين العقد ،ول لولد زوجة به بعد سنة
من غيبتة الزوج عنها ،ول لولد المطلّقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لكثر من سنة من وقت
الطلق أو الوفاة» .
وأخذ بهذا التقرير في كل من تونس والمغرب وغيرهما.
الخلف في الولدة وتعيين المولود :
قد يقع اختلف بين الزوجين في ولدة المعتدة أو في تعيين المولود أثناء المدة التي يثبت فيها النسب (
. )1
أما الخلف في ولدة المعتدة :فهو أن تدعي المعتدة ولدة ولد خلل المدة التي يثبت فيها النسب،
وينكر الزوج قائلً :إنها لم تلد ،وهذا الولد لقيط ،فل يثبت نسبه منه عند أبي حنيفة إل إذا شهد
بولدتها رجلن ،أو رجل وامرأتان؛ لن عدتها انقضت بإقرارها بوضع الحمل ،فاحتيج إلى إثبات
النسب ،بنحو مستقل في القضاء ،ول يثبت إل بحجة كاملة.
-------------------------------
( )1فتح القدير.309-306/3 :
( )10/6
وقال الصاحبان :يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة ،لن الفراش :وهو تعين المرأة لماء الزوج ،بحيث
يثبت منه نسب كل ولد تلده ،قائم بقيام العدة ،وقيام الفواش ملزم للنسب ،فل حاجة لثباته ،وإنما
الحاجة إلى تعيين الولد ،وهو يحصل بشهادة امرأة واحدة ،كما في حال قيام الزواج أو ظهور الحبل
أو إقرار الزوج به .وهذا هو المعمول به في محاكم مصر؛ لن المرأة ما دامت في العدة فإن سبب
ثبوت النسب قائم.
واتفق المام أبو حنيفة وصاحباه على أنه إذا كان هناك حبل ظاهر ،أو اعتراف من الزوج بالولد أو
الحبل ،أو كان الزوج قائما ،فيثبت النسب من الزوج بل شهادة ،والقول قول المرأة في الولدة
بيمينها.
وأما الختلف بين الزوجين في تعيين المولود :فهو أن يعترف الزوج بالولدة ،ولكنه ينكر شخص
المولود ،بأن يقول :إنها ولدت بنتا ،وهذا الولد غلم .فيتعين المولود بشهادة امرأة واحدة باتفاق
الحنفية وهو رأي الحنابلة أيضا ،لما رواه الدارقطني عن حذيفة «أن النبي صلّى ال عليه وسلم
أجازشهادة القابلة» ،ولما رواه ابن أبي شيبة وعد الرزاق عن الزهري قال« :مضت السنة أن تجوز
شهادة النساء فيما ل يطلع عليه غيرهن من ولدات النساء وعيوبهن» (. )1
وقال المالكية :تعيين المولود كالولدة ل يثبت إل بشهادة امرأتين.
ورأى الشافعية :أن أمور النساء ل يكفي فيها أقل من أربع نسوة ،لن ال عز وجل جعل مكان الرجل
الواحد شهادة امرأتين.
-------------------------------
( )1نصب الراية.264/3 :
( )10/7
( )10/8
بها حمل ،ثم انصرف عنها ،فأهريقت عليه دما ،ثم خلف هذا عليها ،تعني الخر ،فل أدري أيهما هو،
ل أيهما شئت ( )1قالوا :فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة
فكبر القائف ،فقال عمر للغلم :وا ِ
من غير إنكار من واحد منهم هو كالجماع.
أسباب ثبوت النسب من الب :
سبب ثبوت نسب الولد من أمه :هو الولدة ،شرعية كانت أم غير شرعية ،كما قدمنا ،وأما أسباب
ثبوت النسب من الب فهي:
- 1الزواج الصحيح.
- 2الزواج الفاسد:
- 3الوطء بشبهة.
ونبين كل سبب على حدة فيما يأتي:
أولً ـ الزواج الصحيح :
اتفق الفقهاء على أن الولد الذي تأتي به المرأة المتزوجة زواجا صحيحا ينسب إلى زوجها ،للحديث
المتقدم« :الولد للفراش» ،والمراد بالفراش :المرأة التي يستفرشها الرجل ويستمتع بها .وذلك
بالشروط التية (: )2
الشرط الول ـ أن يكون الزوج ممن يتصور منه الحمل عادة ،بأن يكون بالغا في رأي المالكية
والشافعية ،ومثله في رأي الحنفية والحنابلة المراهق :وهو عند الحنفية من بلغ اثنتي عشرة سنة،
وعند الحنابلة :من بلغ عشر سنوات ،فل يثبت النسب من الصغير غير البالغ ،حتى ولو ولدته أمه
لكثر من ستة أشهر من تاريخ عقد الزواج .ول يثبت النسب في رأي المالكية من المجبوب
الممسوح :وهو الذي قطع عضوه التناسلي وأنثياه .أما الخصي :وهو من قطعت أنثياه أو اليسرى
فقط ،فيرجع في شأنه للطباء المختصين ،فإن قالوا :يولد له ،ثبت النسب منه ،وإن قالوا :ل يولد له
ل يثبت النسب منه.
-------------------------------
( )1رواه مالك عن سليمان بن يسار.
( )2البدائع 211/3 :وما بعدها ،الدر المختار 857/2 :وما بعدها ،فتح القدير ،301/3 :المغني:
428/7وما بعدها.
( )10/9
ويثبت النسب في رأي الشافعية والحنابلة ( )1من المجبوب الذي بقي أنثياه فقط ،ومن الخصي الذي
سُلّت خصيتاه وبقي ذكره ،ول يثبت من الممسوح المقطوع جميع ذكره وأنثييه.
الشرط الثاني ـ أن يلد الولد بعد ستة أشهر من وقت الزواج في رأي الحنفية ،ومن إمكان الوطء بعد
الزواج في رأي الجمهور ،فإن ولد لقل من الحد الدنى لمدة الحمل وهي ستة أشهر ،ل يثبت نسبه
من الزوج اتفاقا ،وكان دليلً على أن الحمل به حدث قبل الزواج ،إل إذا ادعاه الزوج ،ويحمل ادعاؤه
على أن المرأة حملت به قبل العقد عليها ،إما بناء على عقد آخر ،وإما بناء على عقد فاسد أو وطء
بشبهة ،مراعاة لمصلحة الولد ،وسترا للعراض بقدر المكان.
الشرط الثالث ـ إمكان تلقي الزوجين بعد العقد :وهذا شرط متفق عليه ،وإنما الخلف في المراد به
أهو المكان والتصور العقلي ،أو المكان الفعلي والعادي؟
قال الحنفية :الحق أن التصور والمكان العقلي شرط ،فمتى أمكن التقاء الزوجين عقلً ثبت نسب
الولد من الزوج إن ولدته الزوجة لستة أشهر من تاريخ العقد ،حتى ولو لم يثبت التلقي حسا .فلو
تزوج مشرقي مغربية ،ولم يلتقيا في الظاهر مدة سنة ،فولدت ولدا لستة أشهر من تاريخ الزواج ،ثبت
النسب ،لحتمال تلقيهما من باب الكرامة ،وكرامات الولياء حق ،فتظهر الكرامة بقطع المسافة
البعيدة في المدة القليلة ،ويكون الزوج من أهل الخطوة الذين تطوى لهم المسافات البعيدة .وفي رأيي
أن هذا التعليل غير مقبول عادة ،والصحيح أن الحنفية يثبتون النسب من تاريخ العقد ،عملً بحديث
«الولد للفراش» وإن لم يتحقق إمكان الوطء أو الدخول .وفي هذا احتياط للولد وعدم ضياعه وستر
على العِرْض ،ومنع من وقوع مشكلة اللقطاء ،فألحق الولد بمن له زوجية صحيحة .فإن تيقين الزوج
أن الولد ليس منه فله أن ينفيه باللعان.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،396/3 :المغني.430/7 :
( )10/10
ورفض الئمة الثلثة هذا المنطق ،وقالوا :يشترط إمكان التلقي بالفعل أو الحس والعادة ،وإمكان
الوطء والدخول ،لن المكان العقلي نادر ول يصح أن يكون له دور في نطاق العقود الظاهرة،
والحكام إنما تنبني على الكثير الغالب والظاهر المشاهد ،ل القليل النادر ،أو الخفي غير المحتمل
عادة ،فلو تأكد عدم اللقاء بين الزوجين فعلً ،لم يثبت نسب الولد من الزوج ،كما لو كان أحد الزوجين
سجينا أو غائبا في بلد بعيد غيبة امتدت إلى أكثر من أقصى مدة الحمل ،لذا أخذت القوانين بهذا
الرأي ،وهو الصحيح لتفاقه مع قواعد الشريعة والعقل.
وفائدة الخلف :أن الولد ل ينتفي نسبه في رأي الحنفية إل باللعان ،وينتفي بدون لعان في رأي
الجمهور ،لعدم إمكان التلقي بين الزوجين عادة.
موقف القانون من هذا السبب :نص القانون السوري م( )129على مايلي:
- 1ولد كل زوجة في النكاح الصحيح ينسب إلى زوجها بالشرطين التاليين:
أ ـ أن يمضي على عقد الزواج أقل مدة الحمل.
ب ـ أل يثبت عدم التلقي بين الزوجين بصورة محسوسة ،كما لو كان أحد الزوجين سجينا أو غائبا
في بلد بعيد أكثر من مدة الحمل.
- 2إذا انتفى أحد هذين الشرطين ل يثبت نسب الولد من الزوج إل إذا أقر به أوادعاه.
- 3إذا توافر هذان الشرطان ل ينفى نسب المولود عن الزوج إل باللعان.
وقضى القانون المصري رقم ( )25لسنة 1929في المادة ( )15بمنع القضاة من سماع دعوى نسب
الولد في حالة النكار إذا ثبت عدم التلقي بين الزوجين وزوجته من حين العقد إلى الولدة ،كما
قضى بمنعهم من سماع مثل هذه الدعوى إذا أتت الزوجة بالولد بعد سنة من غيبة الزوج عنها.
( )10/11
( )10/12
ب ـ وإن كان الطلق بائنا أو كانت الفرقة بسبب وفاة الزوج ،ولم تقر بانقضاء العدة ،فل يثبت نسب
الولد إل إذا أتت به قبل مضي سنتين من تاريخ الطلق أو الوفاة؛ لن أقصى مدة الحمل عندهم
سنتان .فإن أتت به في هذه المدة ،وكان هناك احتمال بأنها حملت به بعد مضي هذه المدة ،لم يكن
هناك احتمال بأنها حملت به قبل الطلق أو الوفاة.
أما إن أقرت بانقضاء العدة ،والمدة تحتمل انتهاء العدة فيها ،فل يثبت نسب الولد من الزوج إل إذا
جاء به قبل مضي ستة أشهر من وقت القرار ،وكانت المدة بين الطلق والولدة أقل من سنتين.
موقف القانون :أخذ القانون السوري بهذا التفصيل من حيث المبدأ في المادتين ( )131 ،130لبيان
نسب الولد بعد الفرقة أو وفاة الزوج .فقرر أنه إذا ولدت المطلقة من طلق رجعي أو بائن أو المتوفى
عنها زوجها ،فإما أن تكون أقرت بانقضاء عدتها أو لم تقر.
أ ـ فإذا كانت قد أقرت بانقضاء عدتها ،ثم جاءت بولد ،يثبت نسبه من الزوج إذا ولد لقل من ستة
أشهر ،أي ( )180يوما من وقت القرار بانقضاء العدة ،وأقل من سنة شمسية من وقت الطلق أو
الموت ،لتبين كذبها في القرار بانقضاء العدة (م .)131
ب ـ وإن لم تكن أقرت بانقضاء العدة ،ثبت نسب ولدها من زوجها إذا ولدته خلل سنة من تاريخ
الطلق أو الوفاة .ول يثبت إذا ولدته لكثر من سنة إل إذا ادعاه زوج المطلّقة ،أو ادعاه ورثة
المتوفى ( م .)130
وهذا هو نفس المقرر في القانون المصري رقم ( )25لسنة .1929
-------------------------------
( )1الدر المختار.857/2 :
( )10/13
( )10/14
( )10/15
المبحث الثاني ـ طرق إثبات النسب :
يثبت النسب بأحد طرق ثلثة وهي (: )1
ً - 1الزواج الصحيح أو الفاسد.
ً - 2القرار بالنسب.
ً - 3البينة.
الطريق الول ـ الزواج الصحيح أو الفاسد :
الزواج الصحيح أو الفاسد سبب لثبات النسب ،وطريق لثبوته في الواقع ،متى ثبت الزواج ولو كان
فاسدا ،أو كان زواجا عرفيا ،أي منعقدا بطريق عقد خاص دون تسجيل في سجلت الزواج الرسمية،
يثبت به نسب كل ما تأتي به المرأة من أولد.
الطريق الثاني ـ القرار بالنسب أوادعاء الولد :
القرار بالنسب نوعان :إقرار على نفس المقر ،وإقرار محمول على غير المقر.
أما القرار بالنسب على نفس المقر :فهو أن الب بالولد أو البن بالوالد ،كأن يقول :هذا ابني ،أو هذا
أبي ،أو هذه أمي .ويصح هذا القرار من الرجل ولو في مرض الموت ،بشروط أربعة متفق على
أغلبها بين المذاهب ،وهي ما يأتي ،وقد ذكرتها في بحث القرار ،وأعيدها هنا:
-------------------------------
( )1البدائع ،228/7 ،218-215/3 :الشرح الكبير معد الدسوقي ،414-412/3 :الخرشي،316/4 :
مغني المحتاج ،259/2 :المغني.184/5 :
( )10/16
- ً 1أن يكون المقر به مجهول النسب :بأن ل يكون معروف النسب من أب آخر ،فإن كان ثابت
النسب من أب معروف غير المقر ،كان هذا القرار باطلً؛ لن الشرع قاض بثبوت النسب من ذلك
الب ،ومتى تأكد ثبوت النسب من شخص ،ل يقبل النتقال منه إلى غيره ،فقد لعن النبي صلّى ال
عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه.
ومجهول النسب عند بعض الحنفية :هو الذي ل يعلم له أب في البلد الذي ولد فيه .وهذا هو الظاهر
الن مع سهولة المواصلت والبحث عن بلد الميلد.
واستثنى العلماء من هذا الشرط ولد اللعان ،فإنه ل يصح ادعاؤه بالنسب وإلحاقه بغير الب الملعن،
لحتمال أن يرجع الملعن ويكذب نفسه فيما ادعاه من أن الولد ليس منه.
ً - 2أن يصدقه الحس :بأن يكون المقر به محتمل الثبوت من نسب المقر ،بأن يكون ممن يولد مثل
المقر به لمثل المقر ،وذلك في سن تسمح بأن يكون ابنا للمقر .فلو كان المقر ببنوته أكبر من المقر أو
مساويا له في السن أو مقاربا ،بحيث ل يمكن أن يكون ابنا للمقر عادة ،لم يصح إقراره؛ لن الحس
أو الواقع يكذبه في هذا القرار ،فمن قال لغلم :هذا ابني ،وكان سن الغلم عشر سنوات ،وسن المقر
عشرين سنة ،لم يعتبر هذا القرار عند الحنفية؛ لن الغلم ل يولد له في رأيهم قبل بلوغ سن الثانية
عشرة.
وكذلك إذا نازع المقر منازع آخر غيره ،لم يثبت نسبه؛ لنه إذا نازعه فيه غيره تعارض القراران،
فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الخر.
( )10/17
ً - 3أن يصدقه المقر له في إقراره إن كان أهلً للتصديق ،بأن يكون بالغا عاقلً عند الجمهور،
ومميزا عند الحنفية؛ لن القرار حجة قاصرة على المقر ،فل تتعداه إلى غيره إل ببينة ،أو تصديق
من الغير .فإن كان المقر به صغيرا أو مجنونا ،فل يشترط تصديقهما؛ لنهما ليسا بأهل للقرار أو
التصديق.
وقال المالكية :ليس تصديق المقر به شرطا لثبوت النسب من المقر؛ لن النسب حق للولد على الب،
فيثبت بإقراره بدون توقف على تصديق منه ،إذا لم يقم دليل على كذب المقر.
ً - 4أل يكون فيه حمل النسب على الغير :سواء كذبه المقر له أو صدقه؛ لن إقرار النسان حجة
قاصرة على نفسه ،ل على غيره؛ لنه على غيره شهادة أو دعوى ،وشهادة الفرد فيما ل يطلع عليه
الرجال غير مقبولة ،والدعوى المفردة ليست بحجة.
وبناء عليه إذا كان المقر ببنوة الغلم زوجة أو معتدة ،فيشترط مع ما ذكر أن يوافق زوجها على
العتراف ببنوته له أيضا ،أوأن تثبت ولدتها له من ذلك الزوج؛ لن فيه تحميل النسب على الغير،
فل يقبل إل بتصديقه أو ببينة.
ويبطل القرار إن صرح المقر في إقراره بأن الولد ابنه من الزنا؛ لن الزنا ل يصلح سببا لثبات
النسب ،إذ النسب نعمة فل تنال بالمحظور.
فإذا استوفى القرار بالبنوة أو البوة هذه الشروط ،صح وثبت به نسب المقر له من المقر ،وترتب
عليه الرث الشرعي .وإذا صح القرار ل يملك المقر الرجوع فيه بعدئذ؛ لن النسب إذا ثبت ل
يبطل بالرجوع.
( )10/18
وقد اشترط الحنفية لصحة القرار بالنسب أيضا حياة الولد ،فلو أقر شخص بأن فلنا ابنه ،وكان المقر
له بالبنوة ميتا ،لم يصح هذا القرار ،ول يثبت به النسب؛ إذ ل حاجة بعد الوفاة لثبات النسب؛ لنه
ل يحتاج الميت إلى تكريم ول تشريف .لكن استثنى الحنفية منه ما إذا كان للبن المتوفى أولد ،فإن
القرار بنسبه بعد وفاته ،يكون صحيحا ،رعاية لمصلحة هؤلء الولد؛ لنه يحتاجون إلى ثبوت
نسب أبيهم ،وفي ثبوت نسبه شرف لهم وتكريم.
ولم يشترط المالكية حياة الولد المقر به؛ لن النسب حق للولد على أبيه ،فل يتوقف إثباته على حياة
الولد ،كما ل يتوقف على تصديقه ،إل أن الب ل يرث البن الذي استلحقه إل إذا كان له ولد ،أو
كان المال قليلً ،حتى ل يتهم الب بأن إقراره لجل أخذ المال الكثير.
والشروط السابقة تشترط أيضا في القرار بنسب على الغير ،ما عدا الشرط الخير.
وقال الشافعية والحنابلة :يثبت النسب بالقرار على الغير بالشروط السابقة ،وبشرط كون المقر جميع
الورثة ،وبشرط كون الملحق به النسب ميتا ،فل يلحق بالحي ولو كان مجنونا ،لستحالة ثبوت نسب
الشخص ـ مع وجوده حيا ـ بقول غيره.
( )10/19
( )10/20
( )10/21
( )10/22
( )10/23
قال المالكية بالوجوب قضاء ،فتجبر عليه ،وقال الجمهور بأنه مندوب ل تجبر عليه ،ولها أن تمتنع إل
عند الضرورة ( ، )1ورضاع الولد على الب وحده ،وليس له إجبار أمه على رضاعه ،سواء كانت
من مرتبة أدنى أو شريفة ،وسواء أكانت في حال الزوجية أم مطلقة .وجاء في المقدمات الممهدات
لبن رشد المالكي :ويستحب للم أن ترضع ولدها.
ومنشأ الخلف :كيفية فهم المراد من قوله تعالى{ :والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين ،لمن
أراد أن يتم الرضاعة }...إلىقوله{ :وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فل جناح عليكم إذا سلّمتم ما
آتيتم بالمعروف} [سورة البقرة.]233/2 :
ذهب المالكية :إلى أنه يجب على الم إذا كانت زوجة أو معتدة من طلق رجعي إرضاع ولدها ،فلو
امتنعت من إرضاعه بدون عذر ،أجبرها القاضي ،إل المرأة الشريفة لثراء أو حسب فل يجب عليها
الرضاع إن قبل الولد الرضاع من غيرها ،فهم فهموا من الية أنها أمر لكل والدة زوجة أو غيرها
بالرضاع ،وهو حق عليها ،واستثنوا الشريفة بالعرف القائم على المصلحة .ول يجب الرضاع أيضا
على المطلقة طلقا بائنا ،لقوله تعالى{ :فإن أرضعن لكم ،فآتوهن أجورهن} [الطلق ]6/65:فإن هذه
الية واردة في المطلقات طلقا بائنا.
-------------------------------
( )1أحكام القرآن لبن العربي ،1828/4 ،206-204/1 :أحكام القرآن للجصاص403/1 :
ومابعدها ،الدر المختار وحاشية ابن عابدين 929/2 :ومابعدها ،تفسير القرآن لبن كثير،283/1 :
فتح القدير ،345/3 :المغني ،627/7 :البدائع ،40/4 :القوانين الفقهية :ص ،222بداية المجتهد:
،56/2الشرح الصغير ،754/2 :مغني المحتاج.449/3 :
( )10/24
وقالوا :إن معنى قوله تعالى{ :لتضارّ والدة بولدها ،ول مولود له بولده} [البقرة ]233/2:أن الم ل
تأبى أن ترضعه إضرارا بأبيه ،ول يحل للب أن يمنع الم من إرضاعه .وذلك كله عند الطلق؛ لن
ذكر النهي عن الضرر جاء عند ذكر الطلق ،ولن النفقة واجبة للمطلقة الرجعية لجل بقاء النكاح
في العدة ،ول تستوجب الم زيادة على النفقة لجل رضاعه .أما البائن فيجب لها أجر الرضاع بنص
الية السابقة.
ي وإل طلقني،
وورد في صحيح البخاري عن النبي صلّى ال عليه وسلم « :تقول لك المرأة :أنفق عل ّ
ويقول لك العبد :أطعمني واستعملني ،ويقول لك ابنك :أنفق علي ،إلى من تكلني؟!» .
وذهب الجمهور إلى أن الية أمر ندب وإرشاد من ال تعالى للوالدات أن يرضعن أولدهن ،إل إذا لم
يقبل الولد ثدي غير الم ،بدليل قوله تعالى{ :وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطلق ]6/65:وإنما
ندب للم إرضاع ولدها ،لن لبن الم أصلح للطفل ،وشفقة الم عليه أكثر ،ولن الرضاع حق للم،
كما هو حق للوليد ،ول يجبر أحد على استيفاء حقه ،إل إذا وجد ما يستدعي الجبار.
ويفهم منه أن الفقهاء اتفقوا على وجوب الرضاع على الم في ثلث حالت وهي:
ً - 1أل يقبل الطفل الرضاع إل من ثدي أمه ،فيجب عندئذ إرضاعه إنقاذا له من الهلك ،لتعين الم،
كما تجبر المرضعة على استدامة الجارة بعد مضي مدتها ،إذا لم يقبل ثدي غيرها.
ً - 2أل توجد مرضعة أخرى سواها ،فيلزمها الرضاع حفاظا على حياته.
ً - 3إذا عدم الب لختصاصها به ،أو لم يوجد لبيه ول للولد مال لستئجار مرضعة ،فيجب عليها
إرضاعه ،لئل يموت.
وأوجب الشافعية على الم إرضاع اللّبَأ :وهو اللبن النازل أول الولدة؛ لن الولد ل يعيش بدونه
غالبا ،وغيرها ل يغني.
( )10/25
استئجار المرضع :إذا امتنعت الم عن الرضاع في غير هذه الحالت ،وجب على الب أن يستأجر
مرضعة وتسمى ( ظئرا ) لرضاعه ،محافظة على حياة الولد ،وعلى الظئر المستأجرة أن ترضعه
ل منهما
عند أمه؛ لن الحضانة حق لها ،وامتناعها عن الرضاع ل يسقط حقها في الحضانة ،لن ك ً
حق مستقل عن الخر.
فإن لم يستأجر الب مرضعة ،كان للم أن تطالبه قضاء بدفع أجرة الرضاع ،لتستأجر هي من
ترضعه.
ول يستأجر الب ولو من مال الصغير أم الرضيع في حال الزوجية أو العدة من طلق رجعي،
ويجوز استئجارها إذا كانت بائنا في الصح لدى الحنفية؛ لن الب في حال الزوجية والعدة قائم بنفقة
الزوجة ،ول يجتمع عليه واجبان ،وفي أخذها الجرة من مال الصغير أخذ للجرة على الواجب عليها
ديانة ،وهو الرضاع ،أما بعد البينونة فل تجبر الم على إرضاع الولد قضاء ،فساغ لها أخذ الجرة
على الرضاع في رواية صحيحة عند الحنفية وهي المعتمدة كما ذكر ابن عابدين ،وفي رواية أخرى
رجحها صاحب الهداية :ل أجرة لها؛ لن لها النفقة في العدة.
المطلب الثاني ـ حالة استحقاق الم أجرة الرضاع ،ومدة الستحقاق وبدء الستحقاق :
أولً ـ حالة استحقاق الم أجرة الرضاع :
إذا أرضعت الم ولدها بنفسها أو بإجبارها على الرضاع قضاء ،فهل تستحق أجرة على الرضاع؟ في
المر تفصيل وهو ما يأتي (: )1
- 1ل تستحق الم أجرة الرضاع عند الحنفية والشافعية والحنابلة في حال الزوجية أو أثناء العدة من
الطلق الرجعي؛ لن الزوج مكلف بالنفاق عليها ،فل تستحق نفقة أخرى مقابل الرضاع ،حتى ل
يجتمع عليه واجبان :النفقة والجرة في آن واحد ،وهو غير جائز لكفاية النفقة الواجبة على الزوج.
ووافق المالكية على هذا الرأي إذا كان الرضاع واجبا على الم ،وهو الحالة الغالبة ،أما إن كان
الرضاع غير واجب على الم كالشريفة القدر ،فإنها تستحق الجرة على الرضاع.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار 929/2 :وما بعدها ،أحكام القرآن لبن العربي 1828/4 :ومابعدها،
أحكام القرآن للجصاص ،463/3 :فتح القدير ،345/3 :بداية المجتهد.56/2 :
( )10/26
- 2تستحق الم الجرة على الرضاع بالتفاق بعد انتهاء الزوجية والعدة ،أو في عدة الوفاة ،لقوله
تعالى{ :فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلق ]6/65:فهي واردة في المطلّقات،ولنه ل نفقة
للم بعد الزوجية وفي عدة الوفاة.
- 3تستحق الم الجرة على الرضاع في عدة الطلق البائن في الصح عند بعض الحنفية ،لنها
كالجنبية ،وكذا عند المالكية ،لقوله تعالى{ :فإن أرضعن
لكم ،فآتوهن أجورهن} [الطلق ]6/65:فقد أوجب تعالى للمطلقات بائنا الجرة على الرضاع ،حتى لو
ل ولها النفقة؛ لن كلً من النفقة وأجرة الرضاع وجب بدليل خاص به ،فوجوب أحدهما ل
كانت حام ً
يمنع وجوب الخر .وهذا هو المقرر في القانون السوري كما سأبين.
وذكر بعض الحنفية أن المفتى به عدم الفرق بين عدة الرجعي والبائن ،فل تستحق الم أجرة الرضاع
في الحالتين لوجوب النفقة لها مطلقا ،وهذا هو المعمول به في محاكم مصر.
والحاصل :أن المدار في استحقاق الم أجرة الرضاع وعدم استحقاقها على وجوب الرضاع وعدم
وجوبه عليها في رأي المالكية ،وعلى وجوب النفقة للم وعدم وجوبها لها في رأي الحنفية.
ثانيا ـ مدة الستحقاق :
اتفق الفقهاء على أن مدة استحقاق الجرة على الرضاع هي سنتان فقط ،فمتى أتم الطفل حولين
كاملين ،لم يكن للمرضع الم الحق في المطالبة بأجرة الرضاع ( ، )1لقوله تعالى{ :والوالدات
يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة ]233/2:د لت الية على أن الب
يلزم بنفقة الرضاع في مدة سنتين فقط.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين ،931/2 :أحكام القرآن للجصاص.404/1 :
( )10/27
( )10/28
{والوالدات يرضعن أولدهن} [البقرة ]233/2:ولنها أحنى وأشفق على الولد من الجنبية ،ولبنها أمرأ
من لبن غيرها.
وتقدم الجنبية في رأي الحنفية والشافعية في الظهر ( )1حينئذ ،سواء أكان الب موسرا أم معسرا؛
رفقا بالب ودفعا للضرر عنه ،لقوله تعالى{ :ل تضار والدة بولدها ،ول مولود له بولده} [البقرة:
]233/2أ ي بإلزامه لها أكثر من أجرة الجنبية ،وقوله تعالى{ :وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فل
جناح عليكم} [البقرة.]233/2:
ويقال للم حينئذ :إما أن ترضعيه متبرعة ،أو بمثل الجرة التي تطالب بها غيرك ،وإما أن تسلميه
لها.
وإذا سلمته الم لجنبية بقي لها حق الحضانة ،فإما أن ترضعه المرضعة عند الم ،وإما أن ترضعه
في بيتها ،ثم ترده إلى الم.
المطلب الرابع ـ المكلف بأجرة الرضاع ومقدار الجرة :
الب :هو المكلف بأجرة الرضاع؛ لنه هو الملزم بالنفقة على الولد ،وتكون أجرة الرضاع على من
تجب عليه النفقة ،لقوله تعالى{ :والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة،
وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة ]233/2:وقوله سبحانه{ :فإن أرضعن لكم
فآتوهن أجورهن} [الطلق.]6/65:
وعلى الب خمس نفقات للولد الصغير :أجرة الرضاع ،وأجرة الحضانة ،ونفقة المعيشة من صابون
ودهن وفرش وغطاء ،وأجرة مسكن الحضانة الذي تحضنه فيه الم ،وأجرة خادم له إن احتاج إليه.
وتلزم الب نفقة الصغير وإن خالفه في دينه ،كما تجب نفقة الزوجة على الزوج ،وإن خالفته في
دينه ،لليات السابقة ،وكما سأبين.
-------------------------------
( )1الدر المختار وحاشية ابن عابدين ،930/2 :فتح القدير 345/3 :وما بعدها ،مغني المحتاج:
،450/3المغني 627/7 :وما بعدها.
( )10/29
لكن إلزام الب بالنفقة بأنواعها إذا لم يكن للصغير مال ،فإن كان له مال ،فالصل أن نفقة النسان في
مال نفسه ،صغيرا كان أو كبيرا ( . )1فإن كان الب فقيرا ولم يكن للصغير مال أجبرت الم في
رأي الحنفية على إرضاعه ،وتكون الجرة دينا على الب يطالب بها عند يساره .وتجبر الم على
الرضاع في رأي المالكية وليس لها الرجوع بالجرة على الب إذا أيسر.
واجب المرضع :وأما المرضع فل تكلف بشيء سوى الرضاع ،وما يوجبه عليها العرف كإصلح
طعام الولد وحفظه وغسله وغسل ثيابه؛ لن خدمة الصغير واجب عليها؛ لن العرف معتبر فيما ل
نص فيه .فإن أرضعته بلبن شاة فل أجر لها؛ لنها لم تأت بالعمل الواجب عليها ،وهو الرضاع،
وهذا العقد إيجار ،وليس بإرضاع ،وهو غير ما وقع عليه عقد الجارة (. )2
مقدار الجرة :الجرة التي تستحقها الم هي أجرة المثل :وهي التي تقبل امرأة أخرى أن ترضع الولد
في مقابلها .وتقديرها متروك للقاضي ،فلو طلبت الم أكثر من أجر المثل ل تجاب إلى طلبها.
موقف القانون السوري من أجرة الرضاع :
نصت المادة ( )1/152على المكلف بأجرة الرضاع ،ولكن في سن الرضاع ،ل بعد الفطام:
- 1أجرة رضاع الولد ،سواء أكان الرضاع طبيعيا أم اصطناعيا على المكلف بنفقته ،ويعتبر ذلك
في مقابل غذائه.
ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة على حالة عدم استحقاق الم أجرة الرضاع:
- 2ل تستحق الم أجرة الرضاع حال قيام الزوجية ،أو في عدة الطلق الرجعي.
والمعنى بالمفهوم أنها تستحق أجرة الرضاع بعد انتهاء الزوجية وانقضاء العدة مطلقا ،وفي عدة
الطلق البائن ،وفي عدة الوفاة.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،346/3 :حاشية ابن عابدين.931/2 :
( )2تبيين الحقائق ،129/5 :البدائع.41/4 :
ونصت المادة ( )153على الخذ برأي الحنفية ،ولكن في حالة إعسار الب فقط بتقديم المتبرعة
بالرضاع على الم ،وهو المعقول ،ونص المادة هو « :المتبرعة أحق بالرضاع إن طلبت الم أجرة،
وكان الب معسرا ،على أن يكون الرضاع في بيت الم» .
ولكن في الحضانة تقدم الم إذا كان الب موسرا ،ولو طلبت أجرا أكثر ،وسبب التفريق بين الحضانة
والرضاع :أن الرضاع أمر مادي يقصد به التغذية ونمو الجسد ،أما الحضانة فتتطلب حنانا وشفقة،
والم أحن وأشفق من غيرها.
( )10/30
( )10/31
-2أن يتحقق من وصول اللبن إلى معدة الرضيع ،سواء بالمتصاص من الثدي ،أم بشربه من الناء
أو الزجاجة .وهذا شرط عند الحنفية ،فإن لم يتحقق
من الوصول إلى المعدة بأن التقم الثدي ،ولم يعلم أرضع أم ل ،فل يثبت التحريم ،للشك في وجود
سبب التحريم وهو الرضاع ،والحكام ل تثبت بالشك.
واكتفى المالكية باشتراط وصول اللبن تحقيقا أو ظنا أو شكا إلى الجوف من الفم برضاع الصغير،
فيثبت التحريم ولو مع الشك ،عملً بالحتياط ،ول يثبت التحريم على المشهور بمجرد الوصول إلى
الحلق فقط .واشترط الشافعية والحنابلة وجود خمس رضعات متفرقات ،والمرجع في معرفة الرضعة
إلى العرف،وليشترط كونها مشبعة ،ول بد من وصول اللبن إلى الجوف.
- 3أن يحصل الرضاع بطريق الفم أو النف :فقد اتفق أئمة المذاهب على أن التحريم يحصل
سعُوط (وهو صب اللبن في
بالوجور (وهو صب اللبن في الحلق) لحصول التغذية به كالرتضاع ،وبال ّ
النف ليصل الدماغ) لحصول التغذي به؛ لن الدماغ جوف له كالمعدة ،بل ل يشترط التغذي بما
وصل من منفذ عال ،بل مجرد وصوله للجوف كاف في التحريم.
ول يحصل التحريم عند الحنفية ،والشافعية في الظهر ،والحنابلة في منصوص أحمد بالحقنة ،أو
بتقطير اللبن في العين أو الذن أو الجرح في الجسم؛ لن هذا ليس برضاع ول في معناه ،فلم يجز
إثبات حكمه فيه ،ولنتفاء التغذي.
وقال المالكية :يحصل التحريم بحقنة تغذي أي تكون غذاء ،ل مجرد وصول اللبن للجوف عن طريق
الحقنة .وحينئذ يختلف ما وصل من منفذ عال ،فل يشترط فيه الغذاء ،وما وصل من منفذ سفلي
ونحوه فيشترط فيه التغذي.
( )10/32
ً - 4أل يخلط اللبن بغيره :وهذا شرط عند الحنفية والمالكية .فإن خلط بمائع آخر ،فالعبرة عند
الحنفية والمالكية للغالب ،فإن غلب اللبن حرّم ،وإن غلب غير اللبن عليه ،حتى لم يبق له عند المالكية
طعم ول أثر مع الطعام ونحوه ،فل يحرم؛ لن الحكم للغلب ،ولنه بالخلط يزول السم والمعنى
المراد به ،وهو التغذي ،فل يثبت به الحرمة .ولفرق عند المالكية بين الخلط بالمائع أو بالطعام.
واعتبر الشافعية في الظهر والحنابلة في الراجح اللبن المشوب (المختلط بغيره) كاللبن الخالص الذي
ل يخالطه سواه ،سواء شيب بطعام أوشراب أو غيره ،لوصول اللبن إلى الجوف ،وحصوله في بطنه.
ورأى أبو حنيفة خلفا للصاحبين أن اللبن المخلوط بالطعام ل يحرم عنده بحال سواء أكان غالبا أم
مغلوبا؛ لن الطعام وإن كان أقل من اللبن ،فإنه يسلب قوة اللبن ويضعفه ،فل تقع الكفاية به في تغذية
الصبي ،فكان اللبن مغلوبا معنى ،وإن كان غالبا صورة.
وإذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى :فالحكم للغالب عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،فإن تساويا ثبت
التحريم من المرأتين جميعا للختلط.
وقال المالكية ومحمد وزفر :يثبت التحريم من المرأتين جميعا ،سواء تساوى مقدار اللبنين أوغلب
أحدهما الخر ،وهذا هو الراجح لدي؛ لن اللبنين من جنس واحد ،والجنس ل يغلب الجنس.
- 5أن يكون الرضاع في حال الصغر باتفاق المذاهب الربعة :فل يحرم رضاع الكبير :وهو من
تجاوز السنتين.
وقال داود الظاهري :إن رضاع الكبير يحرم ،وكانت عائشة ترى أن رضاعة الكبير تحرم ،لما روي
أن سهلة بنت سهيل قالت« :يا رسول ال ،إنا كنا نرى سالما ولدا ،فكان يأوي معي ،ومع أبي حذيفة
في بيت واحد ،ويراني ُفضْلى ( ، )1وقد
-------------------------------
( )1فضْلى وفضلً :أي متبذلة في ثياب مهنتي.
( )10/33
أنزل ال فيهم ما قد علمت ،فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلّى ال عليه وسلم :أرضعيه حتى
يدخل عليه» ( ، )1فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها ،وبناء عليه كانت عائشة تأمر بنات
أخواتها وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ،ويدخل عليها ،وإن كان كبيرا خمس
رضعات (. )2
واستدل الجمهور على اشتراط كون الرضاع في حال الصغر بما يأتي:
أولً ـ بقوله تعالى { :والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة:
]233/2فإنه تعالى جعل تمام الرضاعة في الحولين ،فأفهم أن الحكم بعد الحولين بخلفه .وقال
تعالى{ :وفصاله في عامين} [لقمان ]14/31:أي فطامه ،فدل على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة
شرعا سنتان.
ثانيا ـ بخبر« :ل رضاع إل ماكان في الحولين» ( )3وخبر« :ل يحرّم من الرضاع إل ما فتق
المعاء في الثدي ،وكان قبل الفطام» ( )4وخبر «ل رضاع بعد فصال ،ول يُتْم بعد احتلم» (. )5
وقال الشافعي رضي ال عنه عن حديث سهلة :إنه رخصة خاصة بسالم ،وكذلك قال الحنابلة
وغيرهم ،جمعا بين الدلة.
ثبت عن عائشة أنها قالت« :دخل علي رسول ال صلّى ال عليه وسلم وعندي رجل ،فقال :من هذا؟
قلت :أخي من الرضاعة ،قال :يا عائشة ،انظُرن من إخوانكُنّ ،فإنما
-------------------------------
( )1رواه أحمد ومسلم عن زينب بنت أم سلمة (نيل الوطار.)313/6 :
( )2قيل :إن هذا رخصة لسهلة ،وما روي عن عائشة ل يتفق مع نزاهتها ومكانتها الدينية التي تأبى
عليها أساليب الحتيال،أو أنها تحلب الحليب من ثديها ثم تعطيه له.
( )3رواه الدارقطني عن ابن عباس (نيل الوطار.)315/6 :
( )4رواه الترمذي وصححه عن أم سلمة (المرجع السابق).
( )5رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر (المرجع السابق).
( )10/34
الرضاعة من المجاعة» ( )1وعن ابن مسعود« :ل رضاع إل ما أنشز العظم ،وأنبت اللحم»(. )2
والتزم الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد بظاهر هذه الدلة ،فشرطوا أن يكون الرضاع في مدة
الحولين الولين من العمر ،بالشهر القمرية ،ولو بعد الفطام؛ لن حديث «فإنما الرضاعة من
المجاعة» يراد به الرضاع الذي يكون في سن المجاعة ،كيفما كان الطفل ،وهو سن الرضاع ،فلو
ارتضع الطفل بعدهما بلحظة ،ولو بعد فطامه ،لم يثبت التحريم؛ لن شرطه وهو كونه في الحولين لم
يوجد ،وإن حصل الرضاع في أثناء الحولين ،ولو بعد الفطام ،ثبت به التحريم؛ لن الرضاع في وقته
عرف محرّما في الشرع .ويكون انتهاء الحولين من تمام انفصال الرضيع ،فإن ارتضع قبل تمامه لم
يؤثر .هذا الرأي هو الراجح لقوة الدلة التي استندوا إليها.
وأضاف المام مالك مدة شهرين على الحولين؛ لن الطفل قد يحتاج إلى هذه المدة لتحويل غذائه إلى
الطعام .لكن إن فطم الولد عن اللبن ،واستغنى بالطعام استغناء بيّنا ولو في الحولين ،أو لم يوجد له
مرضع في الحولين ،فاستغنى بالطعام أكثر من يومين وما أشبههما ،فأرضعته امرأة ،فل يحرم ،لن
مفهوم الحديث« :فإنما الرضاعة من المجاعة» يدل على أن الطفل غير مفطوم ،فإن فطم في بعض
الحولين ،لم يكن رضاعا من المجاعة.
وأضاف المام أبو حنيفة أيضا مدة نصف سنة على الحولين ،فتكون مدة الرضاعة عنده ثلثين
شهرا ،لحتياج الطفل إلى هذه المدة للتدرج من اللبن إلى الطعام المعتاد ،لكن إن استغنى بالفطام عن
اللبن استغناء تاما ،لم يكن ذلك
-------------------------------
( )1رواه الجماعة إل الترمذي عن عائشة (المرجع السابق :ص .)316
( )2نيل الوطار ،316/6 :سبل السلم.214/3 :
( )10/35
( )10/36
- 6أن يكون الرضاع خمس رضعات متفرقات فصاعداً :وهذا شرط عند الشافعية والحنابلة،
والمعتبر في الرضعة العرف ،فلو انقطع الطفل عن الرضاع إعراضا عن الثدي تعدد الرضاع ،عملً
بالعرف ،ولو انقطع للتنفس أو الستراحة أو الملل أو النتقال من ثدي إلى آخر أو من امرأة إلى
أخرى أو اللهو أو النومة الخفيفة أو ازدراء ما جمعه من اللبن في فمه ،وعاد في الحال ،فل تعدد ،بل
الكل رضعة واحدة .وإن رضع أقل من خمس رضعات فل تحريم ،وإن شك في عدد الرضعات بني
على اليقين؛ لن الصل عدم وجود الرضاع المحرم ،لكن في حالة الشك الترك أولى ،لنه من
الشبهات .واستدلوا بأدلة ثلثة :أولها ـ ما روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت« :كان فيما
أنزل ال من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن ،فنسخن بخمس معلومات ،فتوفي رسول ال
صلّى ال عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن» ( )1أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ
لقربه .لكن قيل عنه :إنه مضطرب.
ثانيها ـ إن علة التحريم بالرضاع هي شبهة الجزئية التي تحدث باللبن الذي ينبت اللحم وينشز
العظم ،أي ينميه ويزيده ،وهذا ل يتحقق إل برضاع يوم كامل على القل ،وهو خمس رضعات
متفرقات.
ثالثها ـ حديث «ل تحرم المصة والمصتان» وفي رواية «ل تحرم المصة والمصتان ،ول الملجة
والملجتان» (. )2
وقال المالكية والحنفية :الرضاع المحرم يكون بالقليل والكثير ،ولو بالمصة الواحدة ،للدلة الثلثة
التالية:
أولها ـ عموم قوله تعالى{ :وأمهاتكم اللتي أرضعنكم} [النساء ]23/4:فإنه علّق التحريم بالرضاع
من غير تقدير بقدر معين ،فيعمل به على إطلقه.
ثانيها ـ حديث «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ( )3فإنه ربط التحريم بمجرد الرضاع،
ويؤكده آثار عن بعض الصحابة ،روي عن علي وابن مسعود وابن عباس أنهم قالوا :قليل الرضاع
وكثيره سواء.
ثالثها ـ إن الرضاع فعل يتعلق به التحريم ،فيستوي قليله وكثيره؛ لن شأن الشارع إناطة الحكم
بالحقيقة مجردة عن شرط التكرار والكثرة ،وتتحقق جزئية الرضيع من المرضعة بالقليل والكثير.
ويعمل بهذا الرأي في مصر وليبيا ،ويعمل في سورية بالرأي الول ،وهو الراجح ،لما فيه من توسعة
وتيسير على الناس.
-------------------------------
( )1نصب الراية.218/3 :
( )2روى مسلم الحديث الول ،وروى ابن حبان في صحيحه الحديث الثاني عن عائشة (نصب
الراية .)317/3 :سبل السلم.)213/3 :
( )3أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ومن حديث عائشة ،ورواه أحمد والترمذي
وصححه عن المام علي رضي ال عنه بلفظ «إن ال حرّم من الرضاع ما حَرّم من النسب» (نصب
الراية ،218/3 :نيل الوطار.)218-217/6 :
( )10/37
المبحث الثالث ـ ما يثبت به الرضاع :
يثبت الرضاع بأحد أمرين :القرار والبينة (. )1
- 1أما القرار :فهو عند الحنفية اعتراف الرجل والمرأة معا أو أحدهما بوجود الرضاع المحرم
بينهما.
فإذا أقر الرجل والمرأة بالرضاع قبل الزواج ،بأن اعترفا بأنهما أخوان من الرضاع ،فل يحل لهما
القدام على الزواج ،وإن تزوجا كان العقد فاسدا ،ولم يجب للمرأة شيء من المهر.
وإن كان القرار بعد الزواج وجب عليهما الفتراق ،فإن لم يفترقا اختيارا ،فرق القاضي بينهما جبرا؛
لنه تبين فساد العقد ،ويجب للمرأة القل من المسمى ومهر المثل.
ب ـ وإذا كان القرار من جانب الرجل وحده ،كأن يقول :هي أختي أو أمي أو بنتي في الرضاع:
فإن كان القرار قبل الزواج ،فل يحل له التزوج بها .وإن كان بعد الزواج ،وجب عليه أن يفارق
المرأة ،فإن لم يفارقها اختيارا ،وجب على
-------------------------------
( )1البدائع ،14/4 :القوانين الفقهية :ص ،207مغني المحتاج ،425-423/3 :المغني-558/7 :
،562الشرح الصغير.727-725/2 :
( )10/38
القاضي أن يفرق بينهما جبرا ،ويكون للمرأة في التفريق قبل الدخول نصف المهر المسمى ،وبعد
الدخول يكون لها جميع المهر المسمى ،ولها النفقة والسكنى في العدة؛ لن القرار حجة قاصرة على
المقر ليتعداه إلى غيره إل إذا صدقه الغير ،أو ثبتت بالبينة صحة القرار ،ولكن ل يبطل حقها
بالمهر والنفقة والسكنى.
جـ ـ وإذا كان القرار من جانب المرأة وحدها :فإن كان قبل الزواج ،فل يحل لها أن تتزوجه،
ولكن يحل له أن يتزوجها إذا وقع في قلبه كذبها على المفتى به؛ لن الطلق له ل لها ،والقرار حجة
قاصرة على المقر ،ويحتمل أن يكون إقرارها لغرض خفي في نفسها.
وإن كان القرار منها بعد الزواج ،فل يؤثر القرار على صحة الزواج إل إذا صدقها الزوج فيه.
ويجوز للمقر الرجوع عن إقراره مالم يشهد على إقراره ،سواء قبل الزوج أم بعده ،بأن يقول :كنت
واهما أو ناسيا ،لحتمال أنه أقر بناء على إخبار غيره ،ثم تبين له كذبه .فإن أشهد على إقراره ،لم
يقبل منه الرجوع بعدئذ ،لوجود التناقض بين إقراره ورجوعه.
ويثبت الرضاع عند المالكية بإقرار الزوجين معا ،أو باعتراف أبويهما ،أوباعتراف الزوج المكلف
وحده ولو بعد العقد؛ لن المكلف يؤخذ بإقراره ،أو باعتراف الزوجة فقط إذا كانت بالغا قبل العقد
عليها ،ل إن أقرت بعده ،ويفسخ الزواج بينهما في كل هذه الحوال.
فإن حصل الفسخ قبل الدخول بها فل شيء لها ،إل أن يقر الزوج فقط بعد العقد ،فأنكرت ،فلها نصف
المهر (. )1
-------------------------------
( )1هذه إحدى المسائل الثلث المستثنيات من قاعدة ،كل عقد فسخ قبل الدخول ،ل شيء فيه إل نكاح
الدرهمين ،وفرقة المتلعنين ،وفسخ المتراضعين.
( )10/39
وإن حدث الفسخ بعد الدخول بها ،فلها المهر المسمى جميعه ،إل إذا علمت المرأة بالرضاع قبل
الدخول ،ولم يعلم هو ،فلها ربع دينار بالدخول .وليس لها نفقة ول سكن .
ويقبل إقرار أحد أبوي صغير ،بأن أقر أبوه أو أمه بالرضاع قبل العقد عليه فقط ،فل يصح العقد بعد
القرار.
ول يصح الرجوع عن القرار ،سواء أصر المقر على إقراره أم لم يصر.
ويشترط لصحة القرار عند الشافعية رجلن ،فل يثبت بإقرار غيرهما ،لطلع الرجال عليه غالبا.
ولو قال الرجل :هند بنتي أو أختي برضاع ،أو قالت المرأة :هو أخي ،حرم تناكحهما ،لنه يؤاخذ كل
منهما بإقراره.
ولو قال زوجان :بيننا رضاع محرّم ،فرّق بينهما ،وسقط المهر المسمى ،ووجب مهر المثل إن حدث
الوطء.
وإن ادعى الزوج رضاعا محرّما ،فأنكرت زوجته ذلك؛ انفسخ النكاح وفرق بينهما ،ولها إن وطئ
المهر المسمى إن كان صحيحا ،وإل فمهر المثل ،لستقراره بالدخول .فإن لم يطأ فلها نصف المهر،
لورود الفرقة منه ،ول يقبل قوله عليها ،وله تحليفها قبل الدخول ،وكذا بعد الدخول إن كان المسمى
أكثر من مهر المثل .وإن نكلت عن اليمين حلف الزوج ولزمه مهر المثل فقط بعد الوطء ،ول شيء
لها عليه قبله.
وإن ادعت الزوجة الرضاع ،فأنكر الزوج ذلك ،صدق بيمينه إن زوّجت برضاها ،وإل بأن زوجت
بغيررضاها ،فالصح تصديقها بيمينها .ولها في الحالين مهر مثلها إن وطئت جاهلة بالرضاع .وقال
الحنابلة :إن أقر الزوج قبل الدخول بالرضاع المحرّم ،بأن قال :هي أختي من الرضاعة ،انفسخ
النكاح ،كما قال الشافعية .فإن صدقته المرأة فل مهر لها ،وإن كذبته فلها نصف المهر.
وإن أقرت المرأة بأن زوجها أخوها من الرضاع ،فكذبها ،لم يقبل قولها في فسخ النكاح؛ لنه حق
عليها ،فإن كان قبل الدخول فل مهر لها؛ لنها تقر بأنها لتستحقه.
وإن كان بعد الدخول ،فأقرت بعلمها بالرضاع وبتحريمها عليه ،فل مهر لها أيضا ،لقرارها بأنها
زانية مطاوعة.
وإن أنكرت شيئا من ذلك ،فلها المهر؛ لنه وطء بشبهة ،وهي زوجته في ظاهر الحكم؛ لن قولها
عليه غير مقبول.
( )10/40
- 2وأما البينة :فهي الشهادة ،وهي الخبار في مجلس القضاء بحق الشخص على الغير.
وقد اتفق فقهاء المذاهب الربعة على ثبوت الرضاع بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين من أهل
العدالة.
واختلفوا في ثبوت الرضاع بشهادة رجل واحد ،أو امرأة واحدة ،أو أربع من النساء.
فقال الحنفية :ل تقبل هذه الشهادات ،لما روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال« :ل يقبل على
الرضاع أقل من شاهدين» وكان قوله بمحضر من الصحابة ،ولم ينكر أحد ،فكان هذا إجماعا ،ولن
الرضاع مما يطلع عليه الرجال ،فل يقبل فيه شهادة النساء على النفراد ،كالشهادة في الدخول .وقال
المالكية :ل يثبت الرضاع قبل العقد بشهادة امرأة فقط ولو فشا منها أومن غيرها الرضاع ،إل أم
الصغير ،فتقبل شهادتها ،مع الفشو ،ول يصح العقد معه.
ويثبت الرضاع بشهادة رجل وامرأة أو بشهادة امرأتين إن فشا الرضاع منهما أو من غيرهما بين
الناس ،قبل العقد .ول تشترط مع الفشو عدالة على الرجح .وإنما اشترط لقبول هذه الشهادة :الظهار
قبل الزواج ،لبعاد التهمة عن الشاهد بهذه الشهادة.
وقال الشافعية :يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة ،لختصاص النساء بالطلع عليه غالبا كالولدة،
ول يثبت بدون أربع نسوة ،إذ كل امرأتين بمثابة رجل.
وتقبل شهادة المرضعة مع غيرها ،إن لم تطلب أجرة عن رضاعها ،ول ذكرت فعلها ،بل شهدت أن
بينهما رضاعا محرّما؛ لنها ل تريد بهذه الشهادة نفعا ول تدفع ضررا .أما إذا طلبت الجرة فل تقبل
شهادتها؛ لنها متهمة.
وتقبل شهادة أم الزوجة وبنتها مع غيرهما حسبة بل تقدم دعوى ،ومن المتفق عليه أن الرضاع مما
تقبل فيه شهادة الحسبة ،فل تتوقف على الدعوى ،لنه يتضمن الحرمة ،وهي من حقوق ال تعالى،
كما تقبل الشهادة على الطلق حسبة دون تقدم دعوى.
( )10/41
( )10/42
( )10/43
وأما صاحب الحق في الحضانة :فمختلف فيه بين الفقهاء ( ، )1فقيل :إن الحضانة حق للحاضن،
وهو رأي الحنفية ،والمالكية على المشهور وغيرهم؛ لن له أن يسقط حقه ولو بغير عوض ،ولو
كانت الحضانة حقا لغيره لما سقطت بإسقاطه.
وقيل :إنها حق للمحضون ،فلو أسقطها هو سقطت.
والظاهر لدى العلماء المحققين أن الحضانة تتعلق بها ثلثة حقوق معا :حق الحاضنة ،وحق
المحضون ،وحق الب أو من يقوم مقامه ،فإن أمكن التوفيق بين هذه الحقوق وجب المصير إليه ،وإن
تعارضت ،قدم حق المحضون على غيره .وتفرع عن ذلك الحكام التية (: )2
ً - 1تجبر الحاضنة على الحضانة إذا تعينت عليها ،بأن لم يوجد غيرها.
ً - 2ل تجبر الحاضنة على الحضانة إذا لم تتعين عليها؛ لن الحضانة حقها ،ول ضرر على
الصغير لوجود غيرها من المحارم.
ً - 3إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج ،فالخلع عند الحنفية صحيح
والشرط باطل؛ لن هذا حق الولد ،أن يكون عند أمه ما دام محتاجا إليها.
ً - 4ل يصح للب أن يأخذ الطفل من صاحبة الحق في الحضانة ،ويعطيه لغيرها إل لمسوغ
شرعي.
ً - 5إذا كانت المرضعة غير الحاضنة للولد ،فعليها إرضاعه عندها كما تقدم؛ حتى ل يفوت حقها
في الحضانة.
المبحث الثاني ـ ترتيب درجات الحواضن أو مستحقي الحضانة :
قدم الفقهاء الحواضن بعضهن على بعض بحسب مصلحة المحضون ،فجعلوا الناث أليق بالحضانة؛
لنهن أشفق ،وأهدى إلى التربية ،وأصبر على القيام بها ،وأشد ملزمة للطفال ،كما تقدم ،ثم قدموا
في الجنس الواحد من كان أشفق وأقرب ،ثم الرجال العصبات المحارم ،واختلفوا أحيانا في ترتيب
الدرجات بحسب ملحظة المصلحة ،على النحو التالي علما بأن مستحقي الحضانة إما إناث فقط ،وإما
ذكور فقط ،وإما الفريقان ،وذلك في سن معينة ،فإذا انتهت تلك السن ،كان الرجال أقدر على تربية
الطفل من النساء (. )3
أولً ـ من النساء :
- 1الم أحق بحضانة الولد بعد الفرقة بطلق أو وفاة بالجماع لوفور شفقتها ،إل أن تكون مرتدة أو
فاجرة فجورا يضيع الولد به كزنا وغناء وسرقة ونياحة ،أو غير مأمونة ،بأن تخرج كل وقت،
وتترك الولد ضائعا.
ودليل تقديم الم من السنة :ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ،فقالت له:
يا رسول ال ،إن ابني هذا كان بطني له وعاءً ،وثديي له سقاءً،
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،875 ،871/2 :القوانين الفقهية :ص ،225الشرح الصغير.763/2 :
( )2الحوال الشخصية للستاذ الشيخ عبد الرحمن تاج :ص ،457وللستاذ الشيخ زكي الدين
شعبان :ص .614
( )3البدائع ،44-41/4 :الدر المختار 871/2 :وما بعدها 877 ،وما بعدها ،فتح القدير-313/3 :
،318الكتاب مع اللباب ،103-101/3 :القوانين الفقهية :ص ،224الشرح الصغير 756/2 :وما
بعدها ،المهذب ،171-169/2 :مغني المحتاج ،454-452/3 :كشاف القناع 576/5 :وما بعدها،
غاية المنتهى ،249/3 :المغني.624-619 ،613/7 :
( )10/44
وحِجري له حواء ( ، )1وإن أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه مني ،فقال« :أنت أحق به ما لم تنكحي» (
)2وقال صلّى ال عليه وسلم « :من فرّق بين والدة وولدها ،فرق ال بينه وبين أحبته يوم القيامة» (
. )3
وروي أن عمر بن الخطاب طلّق زوجته أم عاصم ،ثم أتى عليها وفي حِجرها عاصم ،فأراد أن يأخذه
منها ،فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلم ،فانطلق إلى أبي بكر رضي ال عنهم ،فقال له أبو بكر:
«مسحها وحجرها وريحها خير له منك ،حتى يشب الصبي فيختار لنفسه» (. )4
- 2ثم أم الم (الجدة الم) لمشاركتها الم في الرث والولدة ،ثم عند الحنفية ،والشافعية في الجديد:
أم الب ،لمشاركتها أم الم في المعنى السابق ،ثم أم أبي الب ،ثم أم أبي الجد للمعنى نفسه .وأخّر
المالكية أم الب بعد الخالة وعمة الم.
وقدم الحنابلة الب ثم أمهاته بعد الجدة لم ،ثم الجد ،ثم أمهاته.
- 3ثم الخت عند الحنفية والشافعية والحنابلة ـ أخت المحضون الشقيقة ،ثم عند الحنفية والحنابلة
والمالكية الخت لم؛ لن الحق من قبلها ،ثم الخت لب ،وعكس الشافعية فقدموا في الصح الخت
لب على الخت لم ،لشتراكها مع المحضون في النسب ،ولقوة إرثها ،فإنها قد تصير عصبة ،ثم
بنات الخت الشقيقة ،ثم لم.
-------------------------------
( )1الحواء :المكان الذي يضم الشيء ويجمعه.
( )2رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصحح إسناده.
( )3رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي أيوب وهو صحيح.
( )4رواه ابن أبي شيبة.
( )10/45
والسبب في تقديم الخوات عند الجمهور هؤلء على الخالت والعمات :أنهن أقرب ،وأنهن أولد
البوين ،لذا قدمن في الميراث.
وقدم المالكية الخالة ،ثم الجدة لب وإن علت ،ثم أبو المحضون على الخت ـ أخت المحضون.
- 4ثم الخالة عند الحنفية والشافعية والحنابلة ـ خالة المحضون الشقيقة ،ثم عند الحنفية والحنابلة
والمالكية خالة لم ،ثم خالة لب؛ لن الشأن أن من كان من جهة الم أشفق ممن كان من جهة الب
فقط .والصح عند الشافعية تقديم خالة لب ،وعمة لب على من كان من جهة الم ،لقوة الجهة
كالخت.
وقدم المالكية كما سبق الخالة ثم الجدة لب وإن علت على الخت.
- 5ثم بنات الخت ،ثم بنات الخ في رأي الحنفية والشافعية ،فالصحيح عندهم أن الخالة أولى من
بنات الخت أو الخ؛ لن بنت الخ تدلي بقرابة الذكر ،والخالة تدلي بقرابة الم ،فكانت الخالة أولى.
وبنت الخ أولى من العمة؛ لن بنت الخ أقرب ،لنها ولد الب ،والعمة ولد الجد ،فكانت بنت الخ
أقرب ،فكانت أولى ،وذلك كما يقدم ابن الخ في الميراث على العم.
ورأى المالكية والحنابلة أن العمة مقدمة على ابنة الخ.
- 6ثم العمة اتفاقا ـ عمةالمحضون ،ثم عمة أبيه وهي أخت جد المحضون.
والحاصل أن ترتيب الحواضن من النساء في المذاهب كما يأتي:
أ ـ الحنفية :الم ،ثم أم الم ثم أم الب ،ثم الخوات ،ثم الخالت ،ثم بنات الخت ثم بنات الخ ،ثم
العمات ،ثم العصبات بترتيب الرث .ب ـ المالكية :الم ،ثم الجدة لم ،ثم الخالة ،ثم الجدة لب وإن
علت ،ثم الخت ،ثم العمة ،ثم ابنة الخ ،ثم للوصي ،ثم للفضل من العصبة كما سيأتي:
جـ ـ الشافعية :الم ،ثم أم الم ،ثم أم الب ،ثم الخوات ،ثم الخالت ثم بنات الخ وبنات الخت،
ثم العمات ،ثم لكل ذي محرم وارث من العصبات على ترتيب الرث ،فهم كالحنفية.
( )10/46
د ـ الحنابلة :الم ،ثم أم الم ،ثم أم الب ،ثم الجد ثم أمهاته ،ثم أخت لبوين ،ثم لم ،ثم لب ،ثم
خالة لبوين ثم لم ثم لب ،ثم عمة ،ثم خالة أم ،ثم خالة أب ،ثم عمته ،ثم بنت أخ ،ثم بنت عم أب،
ثم باقي العصبة القرب فالقرب.
موقف القانون :أخذ القانون السوري (م )1/139برأي الحنفية:
- 1حق الحضانة للم فلمها وإن علت ،فلم الب وإن علت ،فللخت الشقيقة ،فللخت لم ،فللخت
لب ،فلبنت الشقيقة ،فبنت الخت لم ،فبنت الخت لب ،فللخالت ،فللعمات بهذا الترتيب ،ثم
للعصبات من الذكور على ترتيب الرث.
ثانيا ـ من الرجال :
إن لم يكن للمحضون أحد من النساء المذكورات ،انتقلت الحضانة إلى الرجال على ترتيب العصبات
الوارثين المحارم :الباء والجداد وإن علوا ،ثم الخوة وأبناؤهم وإن نزلوا ،فالعمام ثم بنوهم عند
الحنفية وغيرهم على الصحيح عند الشافعية .ولكن ل تسلم مشتهاة لذكر وارث غير محرم للمحضون
كابن العم ،فل حق له في حضانة البنت المشتهاة اتفاقا تحرزا من الفتنة ،وله حضانة الطفل.
ثم إذا لم يكن للصغير عصبة من الرجال ،انتقلت الحضانة عند الحنفية لذوي أرحام ،فتكون للخ لم،
ثم لبنه ،ثم للعم لم ،ثم للخال الشقيق ثم لم؛ لن لهؤلء ولية في النكاح ،فيكون لهم حق الحضانة.
لكن لم يأخذ قانوننا السوري بهذا الرأي ،واقتصر على العصبات دون ذوي الرحام.
ورأى الحنفية أنه إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة من القرابة كعمين ،قدم الورع ،ثم السن غير
الفاسق والمعتوه وابن عم لفتاة مشتهاة وهو غير مأمون.
وقال المالكية :إن لم يكن واحد من الناث السابقات تنتقل الحضانة للوصي ،ثم للخ الشقيق أو لم أو
لب ،ثم للجد لب القرب فالقرب ثم ابن الخ المحضون ،ثم العم فابنه .ول حضانة لجد لم ول
خال ،ثم المولى العلى :وهو من أعتق المحضون ،فعصبته نسبا ،فمواليه ،فالسفل :وهو من أعتقه
والد المحضون.
( )10/47
ويقدم في المتساوين درجة كأختين وخالتين وعمتين بالصيانة والشفقة ،فإن تساويا فالسن.
وقال الشافعية :إن استوى اثنان في القرابة والدلء كالخوين أو الختين أو الخالتين أوا لعمتين،
أقرع بينهما؛ لنه ل يمكن اجتماعهما على الحضانة ،ول مزية لحداهما على الخرى ،فوجب التقديم
بالقرعة.
والصح أنه إن عدم أهل الحضانة من العصبات والنساء ،وللمحضون أقارب من رجال ذوي الرحام
ومن يدلي بهم ،كالخال وأبي أم ،فل حضانة لهم ،لفقد الرث والمحرمية ،أو لضعف القرابة ،فل
حضانة لمن ل يرث من الرجال من ذوي الرحام وهم ابن البنت وابن الخت وابن الخ من الم
وأبو الم ،والخال ،والعم من الم؛ لن الحضانة لمن له قوة قرابة بالميراث من الرجال ،وهذا ل
يوجد في ذوي الرحام من الرجال.
ورأى الحنابلة كالحنفية أن الحضانة عند فقد العصبات تثبت لذوي الرحام الذكور والناث ،وأولهم
أبو أم ،فأمهاته ،فأخ لم ،فخال ،ثم الحاكم يسلم المحضون لثقة يختاره.
تعدد أصحاب الحق :تبين مما اتفقت عليه المذاهب أنه إذا تعدد مستحقو الحضانة من درجة واحدة
كإخوة أو أعمام ،كان أولهم بها أصلحهم للحضانة قدرة وخلقا ،فإن تساووا قدّم أكبرهم سنا ،وقد
نصت المادة ( )140من القانون السوري على أنه :إذا تعدد أصحاب حق الحضانة ،فللقاضي حق
اختيار الصلح.
مهمة الحاضنة والب :على الب رعاية المحضون وتأديبه وتعليمه العلم أو الحرفة ،أما النثى فل
تؤجر في عمل أو خدمة؛ لن المستأجر يخلو بها ،وذلك سيء في الشرع (. )1
وللحاضنة أما أو غيرها قبض نفقة المحضون وكسوته وما يحتاج إليه من أبيه في أوقات منتظمة
يوميا أوأسبوعيا أو شهريا ،بحسب اجتهاد الحاكم ومراعاة حال الب .وليس للب أن يقول للحاضنة:
ابعثيه ليأكل عندي ،ثم يعود لكِ ،لما فيه من الضرر بالطفل ،والخلل بصيانته ،وليس لها موافقته
على طلبه (. )2
-------------------------------
( )1الدر المختار وحاشية ابن عابدين.883/2 :
( )2الشرح الصغير.764/2 :
( )10/48
المبحث الثالث ـ شروط استحقاق الحضانة ،أو شروط المحضون والحاضنة :
شروط المحضون :المحضون :هو من ل يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل ،وكبير
مجنون أو معتوه ،فل تثبت الحضانة إل على الطفل أو المعتوه .أما البالغ الرشيد فل حضانة عليه،
وهو الذي يختار القامة عند من شاء من أبويه .فإن كان البالغ رجلً ،فله النفراد بنفسه لستغنائه
عن أبويه ،ويستحب أل ينفرد عنهما ،ول يقطع بره عنهما .وإن كان أنثى لم يكن لها النفراد ،ولبيها
منعها منه؛ لنه ل يؤمن أن يدخل عليها من يؤذيها ويلحق العار بها وبأهلها ،وإن لم يكن لها أب،
فلوليها وأهلها منعها من النفراد (. )1
شروط الحواضن :أنواع ثلثة :شروط عامة في النساء والرجال ،وشروط خاصة بالنساء ،وشروط
خاصة بالرجال ،وبعضها متفق عليه كالحرية والعقل والبلوغ والقدرة والمانة وعدم كون النثى
متزوجة بأجنبي عن الصغير ،وكون الحاضن ذات رحم من الصغير ،وبعضها مختلف فيه كالرشد
والسلم (. )2
النوع الول ـ الشروط العامة في النساء والرجال :
يشترط في الحاضن من النساء والرجال ما يأتي:
ً - 1البلوغ :فل حضانة للصغير ولو كان مميزا؛ لنه عاجز عن رعاية شؤون نفسه.
ً - 2العقل :فل حضانة للمجنون والمعتوه؛ لنهما في حاجة إلى من يرعى شؤونهما ،فل يحسن
الواحد منهما القيام بمصالحه ،فضلً عن غيره.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،225المهذب ،169/2 :مغني المحتاج ،452/3 :كشاف القناع،576/5 :
،581المغني.614/7 :
( )2البدائع ،42-41/4 :الدر المختار وابن عابدين ،880 ،879 ،874-871/2 :الشرح الصغير:
،762-758/2مغني المحتاج ،259 ،456-454/3 :غاية المنتهى 249/3 :وما بعدها ،كشاف
القناع 579/5 :وما بعدها ،المهذب ،169/2 :بداية المجتهد.56/2 :
( )10/49
واشترط المالكية الرشد ،فل حضانة لسفيه مبذر ،لئل يتلف مال المحضون أو ينفق عليه منه ما ل
يليق.
وشرطوا أيضا مع الحنابلة عدم المرض المنفر كالجذام والبرص ،فل حضانة لمن به شيء من
المنفرات.
ً - 3القدرة على تربية المحضون :وهي الستطاعة على صون الصغير في خلقه وصحته ،فل
حضانة للعاجز لكبر سن أو مرض أو شغل .فالمرأة المحترفة أو العاملة إن كان عملها يمنعها من
تربية الصغير والعناية بأمره ،ل تكون أهلً للحضانة .وإن كان عملها ل يحول دون رعاية الصغير
وتدبير شؤونه ،ل يسقط حقها في الحضانة .وقد جرى العمل في مصر على أن الطبيبات والمعلمات
ونحوهن ،ل يسقط حقهن في الحضانة؛ لن الواحدة منهن تستطيع إدارة أمر الطفل بنفسها وبالتعاون
مع قريبتها أو النائبة عنها.
وقد نصت المادة ( )137من القانون السوري على الشروط السابقة :يشترط لهلية الحضانة البلوغ
والعقل والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقا.
ونص القانون السوري (م )2/139على أنه :ل يسقط حق الحاضنة بحضانة أولدها بسبب عملها إذا
كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة.
ويعد العمى عاجزا عن الحضانة لعدم تحقق المقصود به.
ً - 4المانة على الخلق :فل حضانة لغير أمين على تربية الولد وتقويم أخلقه ،كالفاسق رجلً أو
امرأة من سكير أو مشتهر بالزنا أو اللهو الحرام .لكن قيد ابن عابدين الفسق المانع من حضانة الم
بكونه فسقا يضيع به الولد ،فيكون لها حق الحضانة ولو كانت معروفة بالفجور ،ما لم يصبح الولد في
سن يعقل فيها فجور أمه ،فينتزع منها ،صونا لخلقه من الفساد؛ لنها غير أمينة .أما الرجل الفاسق
العصبة فل حضانة له.
واشترط المالكية أمن المكان :فل حضانة لمن بيته مأوى للفساق ،أو بجوارهم بحيث يخاف على
البنت المشتهاة منهم الفساد ،أوسرقة مال المحضون أو غصبه.
( )10/50
ً - 5السلم شرط عند الشافعية والحنابلة :فل حضانة لكافر على مسلم؛ إذ ل ولية له عليه ،ولنه
ربما فتنه عن دينه .ولم يشترط الحنفية والمالكية إسلم الحاضنة ،فيصح كون الحاضنة كتابية أو غير
كتابية ،سواء أكانت أما أم غيرها؛ لنه صلّى ال عليه وسلم خيّر غلما بين أبيه المسلم وأمه
المشركة ،فمال إلى الم ،فقال النبي صلّى ال عليه وسلم « :اللهم اهده ،فعدل إلى أبيه» ( ، )1ولن
مناط الحضانة الشفقة وهي ل تختلف باختلف الدين.
لكن اختلف هؤلء في مدة بقاء المحضون عند الحاضنة غير المسلمة:
فقال الحنفية :إنه يبقى عندها إلى أن يعقل الديان ،ببلوغه سن السابعة ،أو يتضح أن في بقائه معها
خطرا على دينه ،بأن بدأت تعلمه أمور دينها أو تذهب به إلى معابدها ،أو تعودّه على شرب الخمر،
وأكل لحم الخنزير .وهذا هو المعمول به في محاكم مصر.
وقال المالكية :إنه يبقى مع الحاضنة إلى انتهاء مدة الحضانة شرعا ،ولكنها تمنع من تغذيته بالخمر
ولحم الخنزير ،فإن خشينا أن تفعل الحرام أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين ،ليحفظ الولد من
الفساد.
واختلفوا أيضا في إسلم الحاضن:
رأى الحنفية :أنه يشترط إسلم الحاضن واتحاد الدين ،بخلف الحاضنة؛ لن الحضانة نوع من
الولية على النفس ،ول ولية مع اختلف الدين ،ولن حق الحضانة عندهم مبني على الميراث ،ول
ميراث بالتعصيب للرجال مع اختلف الدين ،فلو كان الطفل مسيحيا أو يهوديا ،وله أخوان ،أحدهما
مسلم والخر غير مسلم ،كان حق الحضانة لغير المسلم.
ورأى المالكية :أنه ل يشترط إسلم الحاضن أيضا كالحاضنة؛ لن حق الحضانة للرجل ل يثبت
عندهم إل إذا كان عنده من النساء من يصلح للحضانة كزوجة أو أم أو خالة أو عمة ،فالحضانة في
الحقيقة حق للمرأة.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وغيره ،وأجيب عنه من قبل الفريق الول بأنه منسوخ أو محمول على أنه صلّى
ال عليه وسلم عرف أنه يستجاب دعاؤه ،وأنه يختار الب المسلم .وقصده بتخييره استمالة قلب أمه.
( )10/51
( )10/52
النوع الثالث -شروط خاصة بالرجال :
يشترط في الرجل الحاضن أيضا مايأتي:
ً - 1أن يكون مَحْرما للمحضون إذا كان أنثى مشتهاة :وهي التي حدد الحنابلة والحنفية سنها بسبع،
حذرا من الخلوة بها ،لنتفاء المحرمية بينهما ،وإن لم تبلغ حد الشهوة أعطيت له بالتفاق؛ لنه ل
فتنة .فل يكون لبن العم حضانة ابنة عمه المشتهاة .وأجاز الحنفية إذا لم يكن للبنت عصبة غير ابن
عمها إبقاءها عنده بأمر القاضي إذا كان مأمونا عليها ،ول يخشى عليها الفتنة منه.
وكذلك أجاز الحنابلة تسليمها لغير محرم ثقة إذا تعذر غيره .وأجاز الشافعية تسليمها لغير محرم إن
رافقته بنته أو نحوها كأخته الثقة ،وتسلم لها ل له ،إن لم تكن في رحله ،كما لو كان في الحضر ،أما
لو كانت بنته أو نحوها في رحله ،فإنها تسلم إليه ،فتؤمن الخلوة.
ً - 2أن يكون عند الحاضن من أب أو غيره من يصلح للحضانة من النساء كزوجة أو أم أو خالة أو
عمة؛ إذ ل قدرة ول صبر للرجال على أحوال الطفال كما للنساء .فإن لم يكن عند الرجل من
يحضن من النساء فل حق له في الحضانة .وهذا شرط عند المالكية.
واشترط المالكية أيضا أل يسافر عن المحضون ولي المحضون أو تسافر الحاضنة سفر ُنقْلة ،ستة
بُرُد ( )1فأكثر ،فإن أراد الولي أو الحاضنة السفر المذكور ،كان له أخذ المحضون من حاضنته إل
أن تسافر معه ،بشرط كون السفر لموضع مأمون وأمن الطريق ،وهو شرط يقيد شروط الحضانة
للنساء.
-------------------------------
( )1البريد العربي 12 :ميلً أو أربعة فراسخ ،وتساوي 22176م ،والميل 1848م ،والستة برد
133كم.
( )10/53
( )10/54
قال المالكية في المشهور :إذا سقطت حضانة الحاضنة لعذر كمرض وخوف مكان ،وسفر ولي
بالمحضون سفر نقلة ،وسفرها لداء فريضة الحج ،ثم زال العذر بشفائها من المرض ،وتحقق المن،
والعودة من السفر الضطراري ،عادت الحضانة إليها؛ لن المانع من الحضانة هو العذر
الضطراري ،وقد زال ،وإذا زال المانع عاد الممنوع.
أما إن تزوجت الحاضنة بأجنبي غير محرم ودخل بها ،أو سافرت باختيارها ل لعذر ،ثم تأيمت بأن
فارقها الزوج بطلق أو فسخ نكاح أو وفاة ،أو عادت من السفر الختياري ،فل تعود إليها الحضانة
بعد زوال المانع؛ لن سقوط الحضانة كان باختيارها ،فل تعذر.
وقال الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) :إذا سقطت الحضانة لمانع ،ثم زال المانع ،عادت
الحضانة إلى صاحبها ،سواء أكان اضطراريا كالمرض ،أم
اختياريا كالزواج والسفر والفسق ،لزوال المانع .لكن ذلك عند الحنفية في الحال بالنسبة للبائن ولو
قبل انقضاء العدة ،أما الرجعية فل بد من انقضاء العدة فيها.
وذكر الشافعية أن المطلّقة تستحق الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب ،بشرط رضا
الزوج بدخول المحضون بيته إن كان له ،فإن لم يرض لم تستحق.
وقرر الحنابلة استحقاق المطلقة الحضانة ،ولو كان الطلق رجعيا ،ولو لم تنقض العدة.
وقد نصت المادة ( )141من القانون السوري على أنه« :يعود حق الحضانة إذا زال سبب سقوطه» .
( )10/55
( )10/56
( )10/57
وسبب التفرقة :أن المقصود من الرضاع التغذية ،وهي تتحقق من غير المحارم كالمحارم ،أما
الحضانة فيقصد بها تربية الصغير وتعهده بالرعاية والعناية ،وهذه أمور تحتاج إلى الشفقة والحنان،
وتكون القريبة أشفق من البعيدة.
وإذا لم يوجد أحد يرضى بالحضانة مجانا وكان الب معسرا ،ولم يكن للصغير مال ،فإن الم ومن
يليها في استحقاق الحضانة تجبر على الحضانة ،وتكون أجرتها دينا على الب إلى وقت اليسار ،ول
يسقط هذا الدين إل بالداء أو بالبراء.
أجرة مسكن الحضانة وأجرة الخادم :
اتفق الحنفية على المختار ،والمالكية على المشهور ( )1على وجوب أجرة مسكن الحضانة للحاضن
والمحضون إذا لم يكن لهما مسكن؛ لن أجرة المسكن من النفقة الواجبة للصغير ،فتجب على من
تجب عليه نفقته ،باجتهاد القاضي أو غيره بحسب حال الب.
وكذلك اتفقوا على وجوب أجرة للخادم إذا احتاج الصغير إلى خادم؛ لنه من لوازم المعيشة .والظاهر
أن المذاهب الخرى متفقة مع هذا الرأي.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،877/2 :الشرح الصغير ،764/2 :القوانين الفقهية :ص ،225مغني
المحتاج ،452/3 :كشاف القناع ،576/5 :الشرح الكبير مع الدسوقي.533/2 :
( )10/58
المكلف بنفقة الحضانة :يرى جمهور الفقهاء أن مؤنة (نفقة) الحضانة تكون في مال المحضون ،فإن
لم يكن له مال ،فعلى الب أو من تلزمه نفقته؛ لنها من أسباب الكفاية والحفظ والنجاء من المهالك.
وإذا وجبت أجرة الحضانة فتكون دينا ل يسقط بمضي المدة ول بموت المكلف بها ،أو موت
المحضون ،أو موت الحاضنة.
والمشهور عند المالكية :أن كراء المسكن للحاضنة والمحضونين على والدهم (. )1
موقف القانون :نصت المادة ( )142على المكلف بنفقة الحضانة« :أجرة الحضانة على المكلف بنفقة
الصغير ،وتقدر بحسب حال المكلف بها» .ونصت المادة ( )44على حالة إعسار المكلف بالنفقة
وتبرع أحد المحارم بالحضانة« :إذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسرا عاجزا عنها وتبرع بحضانة
الصغير أحد محارمه ،خيرت الحاضنة بين إمساكه بل أجرة ،أو تسليمه لمن تبرع» .
بدء استحقاق نفقات الحضانة :
يبدأ استحقاق نفقة الحضانة من أجرة ومسكن وخادم في رأي الحنفية كما يبدأ استحقاق أجرة الرضاع
وقياسا عليها ( ، )2فإن كان هناك اتفاق على الحضانة بأجر معين ،أو حكم قضائي بالجر ،استحقت
الحاضنة الجر من تاريخ التفاق أو الحكم.
وإذا لم يوجد اتفاق على الجر ،ول حكم به ،فإن كانت الحاضنة غير الم ،فل تستحق أجرة على
الحضانة إل من تاريخ التفاق أو الحكم.
وإن كانت الحاضنة هي الم ،استحقت الجرة من وقت قيامها بالحضانة بعد انقضاء العدة من غير
توقف على تراض أو قضاء .وقيل :من يوم التفاق أو الحكم .وقد أخذ القضاء المصري بالتفرقة بين
الم وبين غيرها في الرضاع والحضانة.
-------------------------------
( )1المراجع السابقة.
( )2حاشية ابن عابدين.931/2 :
( )10/59
المبحث الخامس ـ مكان الحضانة والنتقال بالصغير إلى بلد آخر ،وحق زيارته :
مكان الحضانة :هو مكان الزوجين إذا كانت الزوجية بينهما قائمة .وللفقهاء آراء متقاربة في تحديد
مواطن الحضانة وما يترتب عليه ( . )1أما الحنفية ففصلوا القول كما يأتي:
أ ـ إذا كانت الم هي الحاضنة في حال قيام الزوجية ،أو أثناء العدة من طلق أو وفاة ،فمكان
الحضانة :هو المكان الذي تقيم فيه مع الزوج ،ول يجوز لها النتقال به إل بإذن الزوج؛ لن الزوجة
ملزمة بمتابعة زوجها والقامة معه حيث يقيم ،والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية ،سواء مع
الولد أو بدونه ،لقوله تعالى{ :ل تخرجوهن من بيوتهن ،ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة}
[الطلق.]1/65:
ب ـ أما الم المطلّقة بعد انتهاء العدة :فمكان حضانتها هو أيضا مكان إقامة الزوج ،ول يجوز لها
الخروج من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت بحيث ل يمكن الوالد أن يبصر ولده ،ثم يرجع في نهاره،
إل إذا انتقلت به إلى وطنها ،وكان قد تزوجها (أي عقد عليها عقد الزواج) فيه .فإذا توافر هذان
الشرطان :الوطن وكونه مكان العقد ،جاز للم النتقال بالمحضون إليه ،وإل لم يجز ،ويسقط حقها في
الحضانة.
جـ ـ وأما الحاضنة الخرى غير الم كالجدة أو الخت أو الخالة أو العمة ،فل يجوز لها النتقال
بالمحضون إلى غير بلد أبيه إل بإذنه ورضاه ،حتى ل يتضرر الولد ،فلو انتقلت إلى بلد آخر بغير
إذن الب ،سقط حقها في الحضانة.
وقال المالكية :مكان الحضانة للمطلقة بعد انقضاء العدة هو مكان إقامة والد المحضون .فليس لها
السفر سفر ُنقْلة وانقطاع من بلد إلى بلد ستة بُرُد ( 133كم) فأكثر ،فإن سافرت إلى مكان يبعد هذه
المسافة عن بلد إقامة الب ،سقط حقها في الحضانة لحتياج المحضون إلى رعاية الولي .ول يسقط
حقها في الحضانة بسفر التجارة والزيارة والحج ونحوه.
-------------------------------
( )1الفتاوى الهندية ،484/1 :الدر المختار ،884/2 :الكتاب مع اللباب ،104/3 :فتح القدير319/3 :
وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص ،224الشرح الصغير ،762/2 :المهذب ،172/2 :مغني المحتاج:
458/3وما بعدها ،غاية المنتهى ،250/3 :المغني ،618/7 :كشاف القناع 581/5 :وما بعدها.
( )10/60
وذهب الشافعية إلى أنه إن كان السفر من أحد الزوجين المفترقين بالطلق سفر حاجة كتجارة وحج،
كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود .وإن كان السفر من أحد الزوجين سفر ُنقْلة ،كان الب
أولى من الم بالحضانة ،بشرط أمن الطريق وأمن البلد المقصود بالسفر ،حفظا للنسب ،فإنه يحفظه
الباء ،أو رعاية لمصلحة التأديب والتعليم وسهولة النفاق.
فإن كان السفر مخوفا ،أو البلد الذي يسافر إليه مخوفا ،فالمقيم أحق بالحضانة للولد.
وقرر الحنابلة أنه متى أراد أحد البوين النتقال بالمحضون إلى بلد آمن ،مسافة القصر فأكثر،
ليسكنه ،فتسقط حضانة الحاضنة ،ويكون الب أحق ،ما لم يرد بنقلته مضارتها ،فإن أراد بنقلته
مضارة الم ،لم يسقط حقها في الحضانة.
انتقال الب أو من يقوم مقامه إلى بلد آخر :
رأى الحنفية ( : )1أنه ليس للب أو الولي مطلقا إخراج المحضون من بلد أمه بل رضاها ما بقيت
حضانتها ،فلو انتقل إلى بلد آخر غير بلد الحاضنة فليس له أخذ الولد معه ما دامت حضانتها قائمة،
ول يسقط حقها في الحضانة بانتقاله ،سواء أكان البلد قريبا أم بعيدا ،وسواء أكان السفر بقصد القامة
أم التجارة أم الزيارة؛ لن الحضانة حق الحاضنة ،ول يملك الولي إسقاط هذا الحق.
وسوّى المالكية ( )2بين الحاضنة والولي في إسقاط حضانتها إذا سافر أحدهما إلى بلد آخر مسافة
ستة بُرُد فأكثر بقصد القامة ،فإذا سافر الولي ،سواء أكان ولي مال كالب والوصي أم ولي عصوبة
كالعم ،على المحضون ولو رضيعا ،سفرا بقصد التوطن والقامة ،لمسافة تبعد عن بلد الحاضنة ستة
برد فأكثر ،كان له أخذ الولد من حاضنته ،بشرط أمن الطريق وأمن المكان المقصود ،ويسقط حقها
في الحضانة ،إل إذا سافرت مع الولي ،فل تسقط حينئذ حضانتها بانتقاله.
ودليلهم :أن حق الولي في الحضانة أقوى من حق الحاضنة؛ لن التربية الروحية مقدمة على التربية
البدنية ،والولي أقدر من الحاضنة على تلك التربية.
وفرق الشافعية ( )3بين سفر الحاجة وبين سفر النقلة ،فإن أراد الولي أو الحاضنة سفر حاجة،
-------------------------------
( )1الدر المختار.885/2 :
( )2الشرح الصغير 761/2 :وما بعدها.
( )3مغني المحتاج 458/3 :وما بعدها.
( )10/61
كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود المسافر منهما ،لما في السفر من الخطر والضرر.
وإن أراد أحدهما سفر ُنقْلة ،فالب أولى ،بشرط أمن طريقه وأمن البلد المقصود له ،كما قرر المالكية،
وإن يكن هناك أمن ،فيقرّ عند أمه ،وليس لوليه أن يخرجه إلى دار الحرب.
والحنابلة ( )1كالشافعية :فإنهم قالوا كما تقدم :متى أراد أحد البوين النقلة إلى بلد مسافة قصر فأكثر،
وكان البلد والطريق آمنا ،والقصد هو السكنى ،فالب أحق بالحضانة ،سواء أكان المقيم هو الب ،أم
المنتقل؛ لن الب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه ،فإذا لم يكن الولد في بلد
الب ،ضاع.
والخلصة :أن سفر الولي ل يسقط حق الحضانة للحاضنة في رأي الحنفية ،ويسقطها في رأي
الجمهور.
زيارة الولد :
حق الرؤية أو الزيارة لحد البوين غير الحاضن مقرر شرعا باتفاق الفقهاء ،لصلةالرحم ،ولكنهم
ذكروا آراء مختلفة نسبيا ،بحسب تقدير المصلحة لكل من الولد والوالد الذي يكون ولده في حضانة
غيره.
قال الحنفية ( : )2إذا كان الولد عند الحاضنة ،فلبيه حق رؤيته ،بأن تخرج الصغير إلى مكان يمكن
الب أن يراه فيه كل يوم .وإذا كان الولد عند أبيه لسقوط حق الم في الحضانة ،أو لنتهاء مدة
الحضانة ،فلمه رؤيته ،بأن يخرجه إلى مكان يمكنها أن تبصر ولدها ،كل يوم .والحد القصى كل
أسبوع مرة كحق المرأة في زيارة أبويها ،والخالة مثل الم ،ولكن كما جرى القضاء في مصر ،تكون
زيارتها كل شهر مرة.
-------------------------------
( )1كشاف القناع.581/5 :
( )2الدر المختار ورد المحتار.885/2 :
( )10/62
وقال المالكية ( : )1للم أن ترى أولدها الصغار كل يوم مرة ،وأولدها الكبار كل أسبوع مرة.
والب مثل الم في الرؤية قبل بلوغ سن التعليم ،وأما بعد بلوغ سن التربية والتعليم ،فله مطالعة ولده
من آن لخر ،أي الطلع عليه.
ويرى الشافعية ( : )2أن المميز إن اختار أباه بعد تخييره في سن التمييز ،لم يمنعه زيارة أمه .ويمنع
الب النثى من زيارة أمها إذا اختارته لتألف الصيانة وعدم البروز للناس .والم أولى منها بالخروج
لزيارتها لسنها وخبرتها.
ول يمنع الب أم المحضون من زيارته ،ذكرا أو أنثى؛ لن في المنع قطعا للرحم ،لكن ل تطيل
المكث ،ويمكنها من الدخول ،فإن بخل بدخولها إلى منزله ،أخرجه إليها.
والزيارة مرة في أيام ،أي في يومين فأكثر ،ل في كل يوم ،إل إذا كان منزلها قريبا ،فل بأس
بدخولها منزل الب كل يوم.
فإن مرض المحضون ،فالم أولى بتمريضه ،ذكرا أو أنثى؛ لنها أهدى إليه ،وأصبر عليه من الب
ونحوه .والتمريض يكون في بيت الب إن رضي به ،وإن لم يرض يكون التمريض في بيتها .ويجب
الحتراز في الحالين من الخلوة بها.
والحنابلة ( )3كالشافعية قالوا :إن اختار المميز أباه ،كان عنده ليلً ونهارا ،ول يمنع من زيارة أمه،
ول تمنع هي من تمريضه .وإن اختارها كان عندها ليلً ،وعند أبيه نهارا ليؤدبه ويعلمه.
وأما البنت فتكون عند أبيها بعد إتمام سن السابعة إلى الزفاف ،ول يمنع أحد البوين من زيارتها عند
الخر؛ لن فيه حملً على قطيعة الرحم ،ولكن من غير أن يخلو الزوج بالم ،ول يطيل المقام؛ لن
الم صارت بالبينونة أجنبية منه ،والورع إذا زارت ابنتها :تحري أوقات خروج أبيها إلى معاشه ،لئل
يسمع كلمها ،والكلم وإن كان غير عورة ،لكن يحرم التلذذ بسماعه.
وإن مرضت البنت ،فالم أحق بتمريضها في بيت الب ،لحاجتها إليه.
والم تزور ابنتها ،والغلم يزور أمه على ما جرت به العادة ،كاليوم في السبوع.
-------------------------------
( )1الشرح الكبير والدسوقي ،512/2 :الشرح الصغير.737/2 :
( )2مغني المحتاج.257/3 :
( )3غاية المنتهى ،252-251/3 :كشاف القناع 583/5 :وما بعدها ،المغني.617/7 :
( )10/63
المبحث السادس ـ مدة الحضانة وما يترتب على انتهائها من ضم الولد لبيه :
اتفق الفقهاء على أن الحضانة تبدأ منذ ولدة الطفل إلى سن التمييز ،واختلفوا في بقائها بعد سن
التمييز.
قال الحنفية ( : )1الحاضنة أما أوغيرها أحق بالغلم حتى يستغني عن خدمة النساء ،ويستقل بنفسه
في الكل والشرب واللبس والستنجاء ،وقدّر زمن استقلله بسبع سنين؛ لنه الغالب ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم « :مروا أولدكم بالصلة لسبع» والمر بها ل يكون إل بعد القدرة على الطهارة .وقيل:
بتسع سنين.
والم والجدة أحق بالفتاة الصغيرة حتى تبلغ بالحيض أو النزال أو السن؛ لنها بعد الستغناء تحتاج
إلى معرفة آداب النساء ،والمرأة على ذلك أقدر ،وأما بعد البلوغ فتحتاج إلى التحصين والحفظ،
والب فيه أقوى وأهدى .وبلوغ الصغيرة إما بتسع سنين أو بإحدى عشرة سنة.
-------------------------------
( )1البدائع ،44-42/4 :الدر المختار.881/2 :
( )10/64
والسبب في اختلف الغلم والفتاة :هو أن القياس أو الصل أن تتوقت الحضانة بالبلوغ فيهما جميعا،
لكن ترك القياس أو الصل في الغلم بإجماع الصحابة؛ لما روي أن أبا بكر رضي ال عنه قضى
بعاصم بن عمر لمه ما لم يشبّ عاصم ،أو تتزوج أمه .فبقي الحكم في الفتاة على أصل القياس؛
ولن الغلم إذا استنغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلق الرجال واكتساب العلوم ،والب على ذلك
أقدر وأقوم .والفتاة أحوج إلى تعلم آداب النساء والتخلق بأخلقهن وخدمة البيت ،والم أقدر على ذلك
بعدما تبلغ أو تحيض ،فإذا بلغت احتاجت إلى الحماية والصيانة والحفظ عمن يطمع بها ،والرجال
على ما ذكر أقدر.
وقال المالكية ( : )1تستمر الحضانة في الغلم إلى البلوغ ،على المشهور ،ولو مجنونا أو مريضا،
وفي النثى إلى الزواج ودخول الزوج بها ،ولو كانت الم كافرة .وهذا في الم المطلقة أو من مات
زوجها .وأما من في عصمة زوجها فهي حق للزوجين جميعا.
ول يخير الولد في رأي الحنفية والمالكية؛ لنه ل قول له ،ول يعرف حظه ،وقد يختار من يلعب
عنده.
وقال الشافعية ( : )2إن افترق الزوجان ولهما ولد مميز ( )3ذكر أو أنثى ،وله سبع أو ثمان سنين،
وصلح الزوجان للحضانة ،حتى لو فضَل أحدهما الخر دينا أو مالً أو محبة ،وتنازعا في الحضانة،
خيّر بينهما ،وكان عند من اختار منهما؛ «لنه صلّى ال عليه وسلم خيّر غلما بين أبيه
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 755/2 :وما بعدها ،القوانين الفقهية :ص 224وما بعدها.
( )2المهذب ،171/2 :مغني المحتاج.456/3 :
( )3سن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا ،وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان ،والحكم
مداره عليه ل على السن
( )10/65
وأمه» ( )1والغلمة كالغلم في النتساب ،ولن القصد من الحضانة حفظ الولد ،والمميز أعرف
بحظه ومصلحته ،فيرجع إليه.
والولد يتخير ،ولو أسقط أحد الزوجين حقه قبل التخيير.
ولو اختار الولد أحد البوين ،فامتنع من كفالته ،كفله الخر ،فإن رجع الممتنع أعيد التخيير .وإن
امتنع البوان وبعدهما مستحقان للحضانة كجد وجدة خيْر بينهما ،وإل أجبر بالحضانة من تلزمه
نفقته؛ لنها من جملة الكفالة .وإن صلح أحد البوين للحضانة دون الخر بسبب جنون أو كفر أو رق
أو فسق ،أو زواج النثى أجنبيا،فالحق للخر فقط ،ول تخيير لوجود المانع .فإن عاد صلح الخر
عاد التخيير.
ويخير الولد أيضا بين أم وجد ،وكذا أخ أو عم أو أب مع أخت أو خالة في الصح ،فإن اختار
أحدهما ،ثم اختار الخر ،حوّل إليه؛ لنه قد يظهر له المر ،بخلف ما ظنه ،أويتغير حال من اختاره
أولً ،ولن الولد قد يقصد مراعاة الجانبين.
وقال الحنابلة ( : )2إذا بلغ الغلم غير المعتوه سبع سنين ،خير بين أبويه ،إذا تنازعا فيه ،كما قال
الشافعية ،فكان مع من اختار منهما .ومتى اختار أحدهما ،فسلم إليه ،ثم اختار الخر ،رد إليه .ويخير
الغلم بين أمه وعصبته؛ لن عليا رضي ال عنه خيّر عمارة الجرمي بين أمه وعمه ،ولنه عصبة،
فأشبه الب.
وإنما يخير الغلم بشرطين:
أحدهما ـ أن يكون البوان وغيرهما من أهل ا لحضانة :فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة،
كان كالمعدوم ،ويتعين الخر.
الثاني ـ أل يكون الغلم معتوها :فإن كان معتوها كان عندالم ،ولم يخير؛ لن المعتوه بمنزلة
الطفل ،وإن كان كبيرا ،لذا كانت الم أحق بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه.
أما الفتاة إذا بلغت سبع سنين ،فالب أحق بها ،ول تخير عندهم خلفا للشافعية؛ لن غرض الحضانة
الحظ والمصلحة ،والحظ للفتاة بعد السبع في الوجود عند أبيها؛ لنها تحتاج إلى حفظ ،والب أولى
به ،فإن الم تحتاج إلى من يحفظها ويصونها .
لكن إذا كانت البنت عند الم أو عند الب ،فإنها تكون عنده ليلً ونهارا؛ لن تأديبها وتخريجها في
جوف البيت ،كتعليمها الغزل والطبخ وغيرهما.
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة.
( )2المغني ،617-614/7 :غاية المنتهى 251/3 :وما بعدها ،كشاف القناع 582/5 :وما بعدها.
( )10/66
موقف القانون :قرر القانون المصري رقم ( )25لسنة ( )1929أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ
الصغير سبع سنين ،وبلوغ الصغيرة تسعا .وكان هذا هو المقرر في القانون السوري ،ثم عدل الحكم
سنة ( ،)1975فنصت المادة ( )146على أنه :تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلم التاسعة من عمره،
والبنت الحادية عشرة.
مايترتب على انتهاء مدة الحضانة من ضم الولد لبيه أو جده :
إذا انتهت مرحلةالحضانة ،ضم الولد إلى الولي على النفس من أب أوجد ،ل لغيرهما .ويظل للب
الحق في إمساك الصبي حتى يبلغ ،فيخير بين أن ينفرد بالسكنى أو يسكن مع أي أبويه شاء ،إل إذا
بلغ سفيها غير مأمون على نفسه ،فيضمه الب إليه ،لدفع فتنة أو عار ،ولتأديبه إذا وقع منه شيء.
ول يلزم الب بالنفقة على الولد بعد البلوغ إل أن يتبرع .فإن بلغ معتوها ،كان عند الم ،سواء أكان
ابنا أم بنتا.
وأما الفتاة :فيضمها الب أو الجد إذا كانت بكرا ،وكذا إذا كانت ثيبا يخشى عليه الفتنة .فإن كان ل
يخشى عليها ،وكانت ذا خلق مستقيم وعقل سليم ،وصارت مسنة بلغت سن الربعين ،فلها أن تنفرد
بالسكنى حيث شاءت .ول يلزم الب بالنفاق على الفتاة إذا رفضت السكنى معه أو متابعته بغير حق
( . )1
والخلصة :إذا بلغ الولد أو البنت بكرا أو ثيبا ،وكانا غير مأمونين ،فل خيار لهم بالنفراد بالسكنى،
بل يضمهم الب إليه.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار 882/2 :وما بعدها.
( )10/67