You are on page 1of 274

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬الفِقْ ُه السلميّ وأدلّتُهُ‬


‫الشّامل للدلّة الشّرعيّة والراء المذهبيّة وأهمّ النّظريّات الفقهيّة وتحقيق الحاديث‬
‫النّبويّة وتخريجها‬
‫المؤلف ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وَهْبَة الزّحَيِْليّ‬
‫ي وأصوله‬
‫أستاذ ورئيس قسم الفقه السلم ّ‬
‫بجامعة دمشق ‪ -‬كلّيّة الشّريعة‬
‫الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬سوريّة ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬الطّبعة الرّابعة المنقّحة المعدّلة بالنّسبة لما سبقها‪ ،‬وهي الطّبعة الثّانية‬
‫عشرة لما تقدّمها من طبعات مصوّرة؛ لنّ الدّار النّاشرة دار الفكر بدمشق لتعتبر‬
‫التّصوير وحده مسوّغا لتعدّد الطّبعات مالم يكن هناك إضافات ملموسة‪.‬‬
‫عدد الجزاء ‪10 :‬‬
‫ـ الكتاب مقابل على المطبوع ومرقّم آليّا ترقيما غير موافق للمطبوع‪.‬‬
‫ـ مذيّل بالحواشي دون نقصان‪.‬‬
‫نال شرف فهرسته وإعداده للشّاملة‪ :‬أبو أكرم الحلبيّ من أعضاء ملتقى أهل الحديث‬
‫ل تنسونا من دعوة في ظهر الغيب ‪...‬‬

‫ووافق الحنفية (‪ )1‬الشافعية أيضا في قول الرجل‪ ( :‬أنت طالق واحدة قبلهاواحدة ) أو قال‪ ( :‬واحدة‬
‫بعد واحدة ) أو ( مع واحدة أو معها واحدة ) تقع طلقتان؛ لن في المثال الول الملفوظ به أولً موقع‬
‫آخرا؛ لنه أوقع واحدة‪ ،‬وأخبر أن قبلها واحدة سابقة‪ ،‬فوقعتا معا؛ لن اليقاع في الماضي إيقاع في‬
‫الحال‪.‬وفي المثال الثاني أوقع في الحالة الولى طلقة واحدة وأخبر أنها بعد واحدة سابقة‪ ،‬وأما في‬
‫الحالتين الخيرتين؛ فلن (مع) للمقارنة‪ ،‬فكأنه قرن بينهما‪ ،‬فوقعتا‪.‬‬
‫أما لو قال‪ (:‬أنت طالق واحدة قبل واحدة ) فتقع واحدة؛ لن الملفوظ به أولً موقع أولً‪ ،‬فتقع الولى‬
‫ل غير؛ لنه أوقع واحدة‪ ،‬وأخبر أنها قبل أخرى ستقع‪ ،‬وقد بانت بهذه‪ ،‬فلغت الثانية‪ .‬وكذا إن قال‪:‬‬
‫ل موقع أولً‪ ،‬فتقع الولى ل غير‪ ،‬لنه‬
‫( واحدة بعدها واحدة ) وقعت واحدة أيضا؛ لن الملفوظ به أو ً‬
‫أوقع واحدة‪ ،‬وأخبر أن بعدها أخرى ستقع‪.‬‬
‫وإن قال لها‪( :‬إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة) أو (فواحدة) فدخلت الدار‪ ،‬وقعت عليها‬
‫واحدة عند أبي حنيفة؛ لن المعلق بالدخول كالمنجز‪ ،‬في حالة تقديم الشرط‪ .‬فإن أخر الشرط يقع‬
‫ثنتان؛ لن الشرط إذا تأخر بغير صدر الكلم‪ ،‬فيتوقف عليه‪ ،‬فيقعن جملة‪ ،‬أما إن تقدم الشرط فتقع‬
‫طلقة واحدة‪ ،‬لتعلقها بالشرط دفعة واحدة‪.‬‬
‫وإذا قال لها‪ :‬أنت طالق بمكة‪ ،‬فهي طالق في الحال في كل البلد‪ ،‬وكذلك إن قال‪ :‬أنت طالق في‬
‫الدار‪ ،‬تطلق في الحال؛ لن الطلق ل يتخصص بمكان دون مكان‪ ،‬كما أبان الحنفية‪ .‬وإن عنى به‬
‫( إذا أتيت مكة) يصدق ديانة ل قضاء؛ لنه نوى الضمار‪ ،‬وهو خلف الظاهر‪.‬‬
‫وإن قال لها‪ :‬أنت طالق إذا دخلت مكة‪ ،‬لم تطلق حتى تدخل مكة؛ لنه علقه بالدخول‪.‬‬
‫وإن قال لها‪ :‬أنت طالق غدا‪ ،‬وقع الطلق عليها بطلوع الفجر؛ لنه وصفها بالطلق في جميع الغد‪،‬‬
‫فيقع في أول جزء منه‪ .‬ولو نوى آخر النهار‪ ،‬صدق ديانة ل قضاء؛ لنه نوى التخصيص في العموم‪،‬‬
‫وهويحتمله مخالفا لظاهر الكلم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب مع الكتاب‪ 49/3 :‬وما بعدها‪،‬الدرالمختار‪.628/2 :‬‬

‫( ‪)9/372‬‬

‫‪ - 9‬الطلق غير المعين‪ :‬قال الحنفية (‪ : )1‬لو قال‪ :‬امرأتي طالق‪ ،‬وله امرأتان أو ثلث‪ ،‬تطلق‬
‫واحدة منهن‪ ،‬وله خيار التعيين‪.‬‬
‫ولو قال ‪ ( :‬نساء الدنيا طوالق ) لم تطلق امرأته‪ .‬أما لو قال‪ :‬نساء المحلة والدار والبيت‪ ،‬فتطلق‬
‫امرأته‪ ،‬ولو قال‪ :‬نسائي طوالق‪ ،‬ول نية له‪ ،‬طلقن كلهن بغير خلف؛ لن لفظه عام‪.‬‬
‫ولو قالت امرأة لزوجها‪ :‬طلقني‪ ،‬فقال‪ :‬فعلت أي طلقت بقرينة الطلب‪ ،‬طلقت واحدة‪ .‬فإن قالت‪:‬‬
‫زدني‪ ،‬فقال‪ :‬فعلت‪ ،‬طلقت أخرى‪ .‬ولو قالت‪ :‬طلقني‪ ،‬طلقني‪ ،‬طلقني‪ ،‬فتقع واحدة إن لم ينو الثلث‪.‬‬
‫ولو عطفت بالواو‪ ،‬فثلث؛ لنه قرينة التكرار‪ ،‬فيطابقه الجواب‪.‬‬
‫ولو قالت‪ :‬طلقت نفسي‪ ،‬فأجاز‪ ،‬طلقت؛ لنه يملك إنشاء الطلق عليها‪ ،‬فيملك الجازة التي هي‬
‫أضعف‪ ،‬بالولى‪ .‬وكذا لو قالت‪ :‬أبنت نفسي‪ ،‬فأجاز‪ ،‬طلقت إن نوى ولو ثلثا‪ .‬أما لو قالت المرأة‪:‬‬
‫اخترت نفسي منك‪ ،‬فقال الزوج‪ :‬أجزت‪ ،‬ونوى الطلق‪ ،‬ل يقع شيء؛ لن قولها ( اخترت ) لم‬
‫يوضع للطلق‪ ،‬ل صريحا ول كناية‪.‬‬
‫‪ - 10‬عدد الطلق في ألفاظ الكناية عند المالكية ‪:‬‬
‫الكناية عند المالكية ظاهرة ومحتملة (‪: )2‬‬
‫أما الكناية المحتملة أو الخفية‪ :‬فهي كقول الرجل لمرأته‪ :‬الحقي بأهلك‪ ،‬واذهبي‪ ،‬وابعدي عني وما‬
‫أشبه ذلك‪ .‬فهذا ل يلزمه الطلق إل إن نواه‪ .‬فإن قال‪ :‬إنه لم ينو الطلق‪ ،‬قبل قوله فيه‪.‬‬
‫وأما الكناية الظاهرة‪ :‬فهي التي جرت العادة أن يطلق بها في الشرع أو في اللغة‪ ،‬كلفظ التسريح‬
‫والفراق‪ ،‬وكقوله‪ :‬أنت بائن‪ ،‬أو بتة‪ ،‬أو بتلة‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬وحكمها حكم الصريح‪ .‬وهي سبعة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما يلزم فيه طلقة واحدة‪ ،‬إل إن نوى أكثر في المرأة المدخول بها‪ ،‬وهو‪ ( :‬اعتدّي ) وأما غير‬
‫المدخول بها فل عدة عليها‪ ،‬فإن قال لها‪ :‬اعتدي‪ ،‬فهو من الكناية الخفية أو المحتملة‪ ،‬ل يقع إل بنية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما يلزم فيه الثلث مطلقا وهو‪ :‬بتة‪ ،‬و‪ :‬حبلك على غاربك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما يلزم فيه الثلث في المدخول بها‪ ،‬وواحدة في غيرها إن لم ينو أكثر‪ ،‬فإن نوى ثلثا لزمه‪،‬‬
‫أو أقل لزمه ما نواه‪ ،‬وهوأنت طالق واحدة بائنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 633-629/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.170-169/7 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،229‬الشرح الصغير‪.565-560/2 :‬‬

‫( ‪)9/373‬‬

‫الرابع‪ :‬مايلزم فيه الثلث في المدخول بها‪ ،‬وغيرها إن لم ينو أقل‪ ،‬وهي وهبتك لهلك‪ ،‬أو رددتُك‬
‫أول عصمة لي عليك‪ ،‬وأنت حرام‪ ،‬أو خلية لهلك أي من الزوج‪ ،‬أو ميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير‪،‬‬
‫أو بريّة‪ ،‬أو خالصة‪ ،‬أي مني ل عصمة لي عليك‪ ،‬أوبائنة‪ ،‬أو أنا بائن منك‪ ،‬أو خلي أوبري أو‬
‫خالص‪ ،‬فإن نوى القل لزمه ما نواه‪ ،‬وحلف إن أراد نكاحها أنه ما أراد إل القل‪ ،‬ل إن لم يرده‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ما يلزم فيه الثلث مطلقا‪ ،‬ما لم ينو أقل‪ ،‬وهو‪ :‬خليت سبيلك‪.‬‬
‫السادس‪ :‬ما يلزم فيه الثلث في المدخول بها‪ ،‬وينوي في غيرها‪ ،‬وهو (وجهي من وجهك حرام) أو‬
‫(وجهي على وجهك حرام) فل فرق بين (من) و(على) ومثله‪ :‬ل نكاح بيني وبينك‪ ،‬أول ملك لي‬
‫عليك‪ ،‬أول سبيل لي عليك‪ ،‬فيلزمه الثلث في المدخول بها فقط‪ ،‬إل إن كان الكلم لعتاب‪ ،‬فل شيء‬
‫عليه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬ما يلزم فيه واحدة مطلقا سواء دخل أم ل إل لنية أكثر‪ ،‬وهو‪ :‬فارقتك‪ ،‬يقع بها طلقة رجعية‬
‫في المدخول بها‪.‬‬
‫وكل ذلك ما لم تدل القرائن على عدم إرادة الطلق‪ ،‬فيصدق الرجل في نفي الطلق إن دلت القرينة‬
‫على النفي في جميع الكنايات الظاهرة‪ .‬والحاصل‪ :‬أن لفظي ( اعتدي وفارقتك ) يقع بهما طلقة‬
‫واحدة‪ ،‬وبقية ألفاظ الكناية الظاهرة المذكورة يقع بها الثلث‪.‬‬

‫( ‪)9/374‬‬

‫‪ - 11‬الطلق المقيد بالستثناء ‪:‬‬


‫ذهب علماء المذاهب الربعة (‪ : )1‬إلى أنه إذا استثنى المطلّق بلسانه صح‪ ،‬ولم يقع ما استثناه‪ .‬فإذا‬
‫قال الرجل لمرأته‪ ( :‬أنت طالق ثلثا إل واحدة) تطلق طلقتين‪ .‬وإذا قال‪( :‬أنت طالق ثلثا إل اثنتين)‬
‫طُلّقت واحدة‪.‬‬
‫وإذا قال‪ ( :‬أنت طالق البتة إل ثنتين إل واحدة ) يلزمه اثنتان؛ لن (البتة) ثلث‪ ،‬والستثناء من‬
‫الثبات نفي‪ ،‬ومن النفي إثبات‪ ،‬فأخرج من (البتة) اثنتين‪ ،‬ثم أخرج منهما واحدة‪ ،‬تضم للواحدة‬
‫الولى‪ ،‬واشترط الفقهاء لصحة الستثناء التصال في الكلم‪ ،‬أي اتصال لفظ المستثنى بالمستثنى منه‬
‫عرفا بحيث يعد كلما واحدا‪ ،‬ول يضر فصل يسير كتنفس ونحوه كسعال وعطاس‪.‬‬
‫واشترطوا أيضا عدم استغراق المستثنى منه‪ ،‬فلو قال‪« :‬أنت طالق ثلثا إل ثلثا» لم يصح الستثناء‪،‬‬
‫وطلقت ثلثا بل خلف؛ لن الستثناء تكلم بالباقي بعد الثُنيا‪ ،‬ومعناه أنه تكلم بالمستثنى منه‪.‬‬
‫واشترط الشافعية في الصح والحنابلة‪ ،‬أن ينوي الستثناء قبل فراغ اليمين أي قبل تمام المستثنى‬
‫منه؛ لن اليمين إنما تعتبر بتمامها‪ .‬واشترطوا أيضا في التلفظ بالستثناء إسماع نفسه عند اعتدال‬
‫سمعه‪ ،‬فل يكفي أن ينويه بقلبه من غير أن يسمع نفسه‪.‬‬
‫وبناء عليه يكون للستثناء أحوال ثلثة‪:‬‬
‫أ ـ استثناء القليل من الكثير‪ :‬يصح بالتفاق‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬أنت طالق ثلثا إل واحدة‪ ،‬وتقع ثنتان‪،‬‬
‫ومن قال‪ :‬أنت طالق أربعا إل اثنتين‪ ،‬لزمه اثنتان‪.‬‬
‫ب ـ استثناء العدد بعينه‪ :‬مثل أن يقول‪ :‬أنت طالق ثلثا إل ثلثا‪ ،‬أو أنت طالق اثنتين إل اثنتين‪،‬‬
‫طلقت ثلثا في الول‪ ،‬واثنتين في الثاني‪ ،‬وكذا لو قال‪ :‬أنت طالق ثلثا إل طلقة وطلقة وطلقة‪ ،‬يقع‬
‫ثلثا؛ لنه استثناء الكل من الكل‪.‬‬
‫ولو قال‪ :‬أنت طالق ثلثا إل ثنتين وواحدة‪ ،‬وقعت واحدة‪ ،‬ويلغو ما حصل به الستغراق‪ .‬ولو قال‬
‫أنت طالق ثلثا إل نصف طلقة‪ ،‬وقعت الثلث‪.‬‬
‫جـ ـ استثناء الكثر من القل‪ :‬مثل أنت طالق ثلثا إل اثنتين‪ ،‬صح الستثناء عند الجمهور وتقع‬
‫طلقة واحدة‪ .‬وقال أحمد في الصح‪ :‬الستثناء ل يصح؛ لن الثنتين أكثر الثلث‪.‬‬
‫ويصح الستثناء من الستثناء مثل‪ :‬أنت طالق ثلثا إل اثنتين إل واحدة‪ ،‬ويقع به طلقتان؛ لن‬
‫الستثناء في الصح ينصرف إلى الملفوظ به؛ لنه لفظ فيتبع به موجب اللفظ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحوال الشخصية للستاذ زكي الدين شعبان‪ :‬ص ‪.378‬‬

‫( ‪)9/375‬‬

‫المبحث الثالث ـ قيود إيقاع الطلق شرعاً ‪:‬‬


‫قيد الشرع الطلق بقيود شرعية منعا للشطط والتسرع‪ ،‬وحفظا على الرابطة الزوجية؛ لن هذا الرباط‬
‫مقدس‪ ،‬يختلف عن كل العقود الخرى‪ ،‬ولن الطلق يؤثر تأثيرا بالغا في حياة المرأة‪ ،‬فإن جوهر ما‬
‫تملكه أصبح هدرا‪ ،‬وربما عاشت أيّما ل تتزوج أبدا‪ ،‬وفي التأيم غالبا مفاسد كثيرة أو تعريض للفساد‬
‫والشر والمعصية‪.‬‬
‫فإن توافرت هذه القيود كان الطلق موافقا للشرع ل إثم فيه‪ ،‬وإن فقد واحد منها‪ ،‬كان إيقاعه موجبا‬
‫للثم والسخط اللهي‪.‬‬
‫والقيود ثلثة (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الطلق لحاجة مقبولة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون في طهر لم يجامعها فيه‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون مفرّقا ليس بأكثر من واحدة‪.‬‬
‫وأبحث هذه القيود وأثر مخالفتها عند فقهائنا‪:‬‬
‫أولً ـ أن يكون الطلق لحاجة مقبولة شرعا وعرفا ‪:‬‬
‫يرى الحنفية في أصل المذهب (‪ )2‬كما تبين سابقا‪ :‬أن الصل في الطلق هو الباحة‪ ،‬لطلق اليات‬
‫القرآنية الواردة فيه‪ ،‬مثل قوله تعالى‪{ :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن‬
‫فريضة} [البقرة‪ ]236/2:‬وقوله‪ { :‬فطلقوهن لعدتهن } [الطلق‪ ]1/65:‬ولن الرسول صلّى ال عليه‬
‫وسلم طلق حفصة‪ ،‬وفعله الصحابة‪ ،‬ولو كان الطلق محظورا لما أقدموا عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،147/3 :‬اللباب‪ ،53/3 :‬بداية المجتهد‪ ،80/2 :‬الشرح الصغير‪ 576/2 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫مغني المحتاج‪ 300/3 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 86/2 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،309-305/5 :‬المغني‪:‬‬
‫‪.164-160/7‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 571/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪.22-21/3 :‬‬

‫( ‪)9/376‬‬

‫ونوقشت هذه الدلة‪ ،‬أما الية الولى فهي لبيان إباحة الطلق قبل الدخول وقبل تسمية المهر‪ ،‬وأما‬
‫الية الثانية فبيان وقت الطلق المفضل شرعا وهو وقت ابتداء أو استقبال العدة‪ .‬وأما طلق حفصة‬
‫وطلق بعض الصحابة‪ ،‬فلم يثبت أنه كان لغير حاجة أو سبب يدعو إليه‪ .‬والظاهر هو أنه لحاجة؛‬
‫لن الطلق لغير حاجة كفر بنعمة الزواج‪ ،‬وإيذاء محض بالزوجة وأهلها وأولدها‪.‬‬
‫ويرى الجمهور غير الحنفية منهم الكمال بن الهمام وابن عابدين (‪ : )1‬أن الصل في الطلق هو‬
‫الحظر والمنع وخلف الولى‪ ،‬والولى أن يكون لحاجة كسوء سلوك الزوجة أوإيذائها أحدا‪ ،‬لما فيه‬
‫من قطع اللفة‪ ،‬وهدم سنة الجتماع‪ ،‬والتعريض للفساد‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن‬
‫سبيلً} [النساء‪ ]34/4:‬وللحديث السابق‪« :‬أبغض الحلل إلى ال الطلق» وحديث‪« :‬أيما امرأة سألت‬
‫زوجها الطلق في غير ما بأس‪ ،‬فحرام عليها رائحة الجنة» (‪ )2‬ففيه دليل على أن سؤال المرأة‬
‫الطلق من زوجها محرم عليها تحريما شديدا؛ لن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل إليها أبدا‪،‬‬
‫وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مشيرا إلى خطورته وشدته‪ ،‬كما قال الشوكاني (‪. )3‬‬
‫وهذا هو الراجح لتفاقه مع مقاصد الشريعة‪ ،‬ولمخاطر الطلق المتعددة‪ ،‬قال ابن عابدين‪ :‬الصل في‬
‫الطلق الحظر‪ ،‬بمعنى أنه محظور إل لعارض يبيحه‪ ،‬والباحة للحاجة إلى الخلص‪ ،‬فإذا كان بل‬
‫سبب أصلً لم يكن فيه حاجة إلى الخلص‪ ،‬بل يكون حمقا‪ ،‬وسفاهة رأي‪ ،‬ومجرد كفران النعمة‪،‬‬
‫وإخلص الىذاء بها وبأهلها وأولده‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدسوقي‪ ،361/2 :‬المهذب‪ ،78/2 :‬كشاف القناع‪ ،261/5 :‬المغني‪ 97/7 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وفي حديث آخر رواه الطبراني عن أبي موسى‪« :‬ل تطلقوا النساء إل من ريبة‪ ،‬فإن ال ليحب‬
‫الذواقين ول الذواقات» لكنه ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪.221/6 :‬‬

‫( ‪)9/377‬‬
‫وإذا وجدت الحاجة المبيحة وهي أعم من الكبَر والريبة‪ ،‬أبيح الطلق‪ ،‬وعليها يحمل ما وقع منه صلّى‬
‫ال عليه وسلم ومن أصحابه وغيرهم من الئمة‪ ،‬صونا لهم من العبث واليذاء بل سبب‪.‬‬
‫أثر مخالفة هذا القيد‪ :‬إذا حدث الطلق من غير حاجة أو سبب يدعو إليه‪ ،‬فإنه يقع بالتفاق‪ ،‬ولكن‬
‫المطلّق يأثم؛ لن الحاجة قد تكون تقديرية‪ ،‬أو نفسية خفية ل تخضع للثبات الظاهر في القضاء‪ ،‬وقد‬
‫تكون مما يجب ستره‪ ،‬حفظا لسمعة المرأة ومنعا من التشهير بها‪ .‬لهذا كان الصح أل يحكم على‬
‫الرجل بتعويض مادي للمطلقة‪ ،‬بسبب كون الطلق تعسفا‪ ،‬ويكتفى بما يقرره الشرع بدفع مؤخر‬
‫الصداق‪ ،‬ونفقة العدة‪ ،‬والمتعة التي هي تعويض عن الضرر الناجم عن الطلق‪.‬‬
‫ثانيا ـ أن يكون الطلق في طهر لم يجامعها فيه ‪:‬‬
‫هذا القيد متفق عليه بين الفقهاء (‪ ، )1‬فإذا أوقع الزوج الطلق في حال الحيض أو النفاس‪ ،‬أو في‬
‫طهر جامعها فيه‪ ،‬كان الطلق عند الجمهور حراماَ شرعا وعند الحنفية مكروها تحريميا‪ ،‬وهو‬
‫المسمى طلقا بدعيا‪ ،‬واقتصر المالكية على القول بتحريم الطلق في الحيض أو النفاس‪ ،‬ويكره في‬
‫غيرهما‪ .‬ودليل هذا القيد‪ :‬أن ابن عمر طلق امرأته‪ ،‬وهي حائض‪ ،‬فذكر ذلك عمر للنبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪« :‬مُرْه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،34-28/3 :‬الشرح الصغير‪ ،537/2 :‬مغني المحتاج‪ 307/3 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪:‬‬
‫‪.103-98/7‬‬

‫( ‪)9/378‬‬

‫فليراجعها أو ليطّلقْها طاهرا أو حاملً» (‪ . )1‬وفي رواية عنه‪« :‬أنه طلق امرأة له وهي حائض‪،‬‬
‫فذكر ذلك عمر للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فتغيّظ فيه رسول ال صلّى ال عليه وسلم ثم قال‪:‬‬
‫ليراجعْها‪ ،‬ثم يمسكْها حتى تطهُر‪ ،‬ثم تحيض فتطهر‪ ،‬فإن بدا له أن يطلّقها‪ ،‬فليطلقها قبل أن يمسها‪،‬‬
‫فتلك العدة كما أمر ال تعالى» ‪ .‬وفي لفظ‪« :‬فتلك العدة التي أمر ال أن يُطلّق لها النساء» فهو يدل‬
‫على أن الطلق جائز حال الطهر الذي لم يجامع فيه‪.‬‬
‫وهذا متفق مع الية القرآنية‪{ :‬يا أيها النبي إذا طلقتم النساء‪ ،‬فطلقوهن لعدتهن} [الطلق‪ ]1/65:‬أي‬
‫مستقبلت عدتهن‪.‬‬
‫والسبب هو عدم إطالة العدة على المرأة‪ ،‬ففي الطلق في أثناء الحيض أو في طهر جامعها فيه ضرر‬
‫بالمرأة بتطويل العدة عليها؛ لن الحيضة التي وقع فيها الطلق ل تحتسب من العدة‪ ،‬وزمان الحيض‬
‫زمان النفرة‪ ،‬وبالجماع مرة في الطهر تفتر الرغبة‪.‬‬
‫وبه يتبين أن الطلق البدعي يكون للمرأة التي دخل بها زوجها‪ ،‬وكانت ممن تحيض‪ ،‬أما التي لم‬
‫يدخل بها الزوج أو كانت حاملً أو ل تحيض‪ ،‬فل يكون طلقها بدعيا قبيحا شرعا‪ ،‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫الطلق على أربعة أوجه‪ :‬وجهان حلل‪ ،‬ووجهان حرام‪ ،‬فأما اللذان هما حلل‪ :‬فأن يطلق الرجل‬
‫امرأته طاهرا من غير جماع‪ ،‬أو يطلقها حاملً مستبينا حملها‪ ،‬وأما اللذان هما حرام‪ :‬فأن يطلقها‬
‫حائضا أو يطلقها عند الجماع‪ ،‬ل يدري‪ ،‬اشتمل الرحم على ولد أم ل (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل البخاري عن ابن عمر (نيل الوطار‪.)221/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني (المرجع السابق‪ :‬ص ‪.)222‬‬

‫( ‪)9/379‬‬

‫أثر مخالفة هذا القيد‪ :‬يقع الطلق باتفاق المذاهب الربعة في حال الحيض أو في حال الطهر الذي‬
‫جامع الرجل امرأته فيه؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم أمر ابن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها‪،‬‬
‫وهي حائض‪ ،‬والمراجعة ل تكون إل بعد وقوع الطلق‪ ،‬ويؤيده رواية‪« :‬وكان عبد ال طلّق تطليقة‪،‬‬
‫فحسبت من طلقها» ‪.‬‬
‫وقال الشيعة المامية والظاهرية وابن تيمية وابن القيم (‪ : )1‬يحرم الطلق في أثناء الحيض أو النفاس‬
‫أو في طهر وطئ الرجل زوجته فيه‪ ،‬ول ينفذ هذا الطلق البدعي‪ ،‬بدليل ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ‪« :‬طلق عبد ال ابن عمر امرأته وهي‬
‫حائض‪ ،‬قال عبد ال ‪ :‬فردها علي رسول ال صلّى ال عليه وسلم ولم يرها شيئا» ‪ .‬وهذا الحديث‬
‫صحيح كما صرح به ابن القيم وغيره‪.‬‬
‫ونوقش بأنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ‪ ،‬وقال ابن عبد البر‪ :‬قوله «ولم‬
‫يرها شيئا» ‪ :‬منكر لم يقله غير أبي الزبير‪ ،‬وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله‪ ،‬فكيف إذا خالفه من هو‬
‫أوثق منه‪ ،‬ولو صح فمعناه عندي ـ وال أعلم ـ ولم يرها شيئا مستقيما‪ ،‬لكونها لم تكن على السنة‪.‬‬
‫وقال الخطابي‪ :‬وقد يحتمل أن يكون معناه‪ :‬ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة‪ ،‬أو لم يرها شيئا جائزا‬
‫في السنة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬حديث‪« :‬من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو رد» (‪ )2‬والطلق في حال الحيض مخالف لمر‬
‫الشارع‪ ،‬فيكون مردودا ل أثر له‪ .‬ونوقش بأن المردود هو بسبب مخالفة ركن أو شرط من أركان أو‬
‫شروط العمل‪ .‬وأما المخالفة بسبب تطويل العدة أو عدم وجود الحاجة إلى الطلق‪ ،‬فليس أحدهما ركنا‬
‫أو شرطا للطلق‪ ،‬فل تستوجب الرد وعدم وقوع الطلق‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬هذا الطلق منهي عنه شرعا غير مأذون فيه‪ ،‬فل يكون مملوكا للزوج كالوكيل بالطلق إذا‬
‫خالف أمر الموكل‪ ،‬فإن طلقه ل يقع‪ ،‬والمنهي عنه لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللزم يقتضي الفساد‪،‬‬
‫والفاسد ل يثبت حكمه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪ ،221‬نيل الوطار‪ ،226/6 :‬المحلى‪ ،197/10 :‬مسألة‬
‫‪.1953 ،1949‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم وأحمد عن عائشة‪ ،‬وهو صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر الرسول صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫( ‪)9/380‬‬

‫وأجيب بأن النهي عن الطلق في الحيض ونحوه ليس راجعا إلى نفس الطلق‪ ،‬ول إلى صفة من‬
‫صفاته‪ ،‬وإنما هو راجع إلى أمر خارج عن المنهي عنه‪ ،‬وهو عدم الحاجة إلى الطلق‪ ،‬أو ما يترتب‬
‫عليه من إيذاء الزوجة بإطالة العدة‪ ،‬والنهي لمر خارج عن المنهي عنه ل يدل على فساده إذا وقع‪،‬‬
‫كالبيع وقت النداء لصلة الجمعة‪ .‬والقياس على الوكيل قياس مع الفارق؛ لن الوكيل في الطلق‬
‫مجرد سفير ومعبر عن الموكل‪ ،‬فل يملك غير ما فوض إليه‪ ،‬أما الزوج فل يوقع الطلق نيابة عن‬
‫غيره ول عن ال عز وجل‪ ،‬وإنما يوقعه عن نفسه‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬هناك مرجحات لهذا الرأي بعدم الوقوع من القرآن‪ ،‬منها قوله تعالى‪{ :‬فطلقوهن لعدتهن}‬
‫[الطلق‪ ]1/65:‬والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه‪ ،‬لم يطلق لتلك العدة التي أمر ال‬
‫بتطليق النساء لها‪ ،‬وقد تقرر في الصول أن المر بالشيء نهي عن ضده‪.‬‬
‫ومنها قوله تعالى‪{ :‬الطلق مرتان} [البقرة‪ ]229/2:‬ولم يرد إل المأذون‪ ،‬فدل على أن ما عداه ليس‬
‫بطلق‪ ،‬لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أي تعريف المسند إليه باللم الجنسية‪.‬‬
‫ومنها قوله تعالى‪{ :‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪ ]231/2:‬ول أقبح من التسريح الذي‬
‫حرمه ال ‪.‬‬

‫( ‪)9/381‬‬
‫وأقول‪ :‬إن هذه إرشادات لما هو الفضل‪،‬وليس فيها دللة على عدم وقوع الطلق‪ ،‬بل المقرر في‬
‫السنة وقوع الطلق‪ ،‬مع مخالفة هذه الرشادات‪ .‬وفي تقديري أن رأي الجمهور أرجح‪ ،‬لضعف أدلة‬
‫الفريق الثاني‪ ،‬وقد اتفق الجمهور على أن الزوج يؤمر بمراجعة الزوجة إن طلق في الحيض أو في‬
‫طهر جامعها فيه‪ ،‬وهذه المراجعة واجبة عند المالكية‪ ،‬وفي الصح عند الحنفية‪ ،‬وإذا امتنع الزوج عن‬
‫المراجعة أجبره الحاكم في رأي المالكية عليها بالحبس أو بالضرب حتى يراجع‪ ،‬فإن لم يراجعها‬
‫ارتجعها الحاكم عليه‪ .‬ول يقول الحنفية بصحة الرجعة من الحاكم‪ ،‬وإنما للحاكم معاقبة الزوج إن لم‬
‫يرتجع بما يراه زاجرا؛ لن كل معصية ل حد ول كفارة فيها‪ ،‬فالواجب فيها التعزير‪.‬وتستحب‬
‫المراجعة عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬ول تجب؛ لن الزوج بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلق‪،‬‬
‫ولنه طلق ل يرتفع بالرجعة‪ ،‬فلم تجب عليه الرجعة فيه‪.‬‬
‫ثالثا ـ أن يكون الطلق مفرقا ليس بأكثر من واحدة ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء (‪ )1‬على أن الطلق السني المشروع هو الواقع بالترتيب مفرقا‪ ،‬الواحد بعد الخر‪ ،‬ل‬
‫بإيقاع الثلث دفعة واحدة‪ ،‬لظاهر قوله تعالى‪{ :‬الطلق مرتان} [البقرة‪ ]229/2:‬أي أن الطلق المباح‬
‫ما كان مرة بعد مرة‪ ،‬فإذا جمع الرجل الطلقات الثلث بكلمة واحدة‪ ،‬أو بألفاظ متفرقة في طهر واحد‪،‬‬
‫يكون بدعيا محظورا في قول الحنفية والمالكية وابن تيمية وابن القيم‪ .‬ول يحرم ول يكره عند‬
‫الشافعية والحنابلة في الراجح من الروايات‪ ،‬وكذا عند أبي ثور وداود الظاهري‪ ،‬وإنما يكون تاركا‬
‫للختيار والفضيلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،35/3 :‬بداية المجتهد‪ 60/2 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،78/2 :‬مغني المحتاج‪311/3 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المغني‪.104/7 :‬‬

‫( ‪)9/382‬‬

‫ويؤيد الرأي الول ما رواه النسائي عن محمود بن لبيد قال‪ :‬أخبر رسول ال صلّى ال عليه وسلم‬
‫عن رجل طلّق امرأته ثلث تطليقات جميعا‪ ،‬فقام غضبان‪ ،‬ثم قال‪« :‬أيلعب بكتاب ال ‪ ،‬وأنا بين‬
‫أظهركم‪ ،‬حتى قام رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل أقتله» (‪ )1‬ويؤكده ما سبق معرفته عند جمهور‬
‫الفقهاء أن الصل في الطلق الحظر‪ ،‬ولكنه أبيح للحاجة الستثنائية لتنافر الطباع وتباين الخلق أو‬
‫لغيرها من السباب‪ ،‬وتتحقق الحاجة بالطلقة الواحدة‪ ،‬ويتمكن بعدها من مراجعة زوجته عند الندم‪،‬‬
‫وهو الغالب‪.‬‬
‫أثر مخالفة هذا القيد ‪:‬‬
‫إذا طلق الرجل امرأته ثلثا بكلمة واحدة أو بكلمات في طهر واحد‪ ،‬يكون آثما مستحقا لعقوبة يراها‬
‫القاضي‪ ،‬لكن الطلق يقع ثلثا في المذاهب الربعة‪.‬‬
‫أقوال الفقهاء في الطلق الثلث بلفظ واحد ‪:‬‬
‫للفقهاء آراء ثلثة في جمع الطلق الثلث بكلمة واحدة وهي (‪: )2‬‬
‫الول ـ قول الجمهور منهم أئمة المذاهب الربعة والظاهرية‪ :‬يقع به ثلث طلقات‪ ،‬وهو منقول عن‬
‫أكثر الصحابة ومنهم الخلفاء الراشدون غير أبي بكر‪ ،‬والعبادلة الربعة (ابن عمر‪ ،‬وابن عمرو‪ ،‬وابن‬
‫عباس‪ ،‬وابن مسعود) وأبو هريرة وغيرهم‪ ،‬ومنقول عن أكثر التابعين‪ ،‬لكن ل يسن أن يطلق الرجل‬
‫أكثر من واحدة عند الحنفية والمالكية كما تقدم؛ لن طلق السنة‪ :‬هو أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى‬
‫تنقضي عدتها‪.‬‬
‫الثاني ـ قول الشيعة المامية‪ :‬ل يقع به شيء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال ابن كثير‪ :‬إسناده جيد‪ ،‬وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪ :‬رواته موثوقون (نيل‬
‫الوطار‪.)227/6 :‬‬
‫(‪ )2‬المراجع السابقة‪ ،‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪ ،222‬المحلى‪ ،204/10 :‬مسألة ‪ .1949‬أعلم الموقعين‪:‬‬
‫‪.52-41/3‬‬

‫( ‪)9/383‬‬

‫الثالث ـ قول الزيدية وبعض الظاهرية وابن إسحاق وابن تيمية وابن القيم‪ :‬يقع به واحدة‪ ،‬ول تأثير‬
‫للفظ فيه‪.‬‬
‫وأخذ القانون في مصر وسورية بهذ الرأي‪ ،‬نص القانون السوري على ما يلي‪:‬‬
‫(م ‪ - )91‬يملك الزوج على زوجته ثلث طلقات‪.‬‬
‫(م ‪ - )92‬الطلق المقترن بعدد لفظا أو إشارة ل يقع إل واحدا‪.‬‬
‫وقد عدلت لجنة الفتاء بالرياض عن هذا القول واختارت بالكثرية القول بوقوع الطلق الثلث بلفظ‬
‫واحد ثلثا (‪. )1‬‬
‫أدلة هذه القوال ‪:‬‬
‫أما أدلة المامية القائلين بأنه ل يقع شيء‪ :‬فهي الدلة نفسها التي استدلوا بها على عدم وقوع الطلق‬
‫في الحيض‪ ،‬لن كلً منهما غير مشروع‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪{ :‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪ ]231/2:‬يدل على أن شرط وقوع‬
‫الطلقة الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها المساك‪ .‬وإذا لم يصح المساك إل بعد‬
‫المراجعة‪ ،‬لم تصح الثالثة إل بعدها لما ذكر‪ ،‬وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية‪.‬‬
‫وأما أدلة الزيدية وابن تيمية وابن القيم القائلين بوقوع طلق واحد‪ ،‬فهي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬آية {الطلق مرتان} [البقرة‪ ]229/2:‬إلى قوله تعالى في الطلقة الثالثة‪{ :‬فإن طلقها فل تحل له‬
‫من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬أي أن المشروع تفريق الطلق مرة بعد مرة‪ ،‬لنه‬
‫تعالى قال‪{ :‬مرتان} [البقرة‪ ]229/2:‬ولم يقل «طلقتان» ‪.‬‬
‫وليس مشروعا كون الطلق كله دفعة واحدة‪ ،‬فإذا جمع الطلق الثلث في لفظ واحد‪ ،‬ل يقع إل‬
‫واحدة‪ ،‬والمطلّق بلفظ الثلث مطلق بواحدة‪ ،‬ل مطلق ثلث‪.‬‬
‫ويرد عليه بأن الية ترشد إلى الطلق المشرو ع أو المباح‪ ،‬وليس فيها دللة على وقوع الطلق‬
‫وعدم وقوعه إذا لم يكن مفرقا‪ ،‬فيكون المرجع إلى السنة‪ ،‬والسنة بينت أن الطلق الثلث يقع ثلثا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مجلة البحوث السلمية ـ المجلد الول ـ العدد الثالث‪ ،‬عام ‪ 1397‬هـ ‪ ،‬ص ‪ 165‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/384‬‬

‫ومما جاء في السنة في قصة ابن عمر الذي طلق امرأته في أثناء الحيض‪ :‬أنه قال‪« :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫أرأيت لو طلقتُها ثلثا‪ ،‬أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬كانت تبين منك‪ ،‬وتكون معصية» (‪. )1‬‬
‫ً‪ - 2‬حديث ابن عباس قال‪« :‬كان الطلق على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم وأبي بكر‬
‫وسنتين من خلفة عمر‪ ،‬طلقُ الثلث واحدة‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬إن الناس قد استعجلوا في أمر‬
‫كانت لهم فيه أناة‪ ،‬فلو أمضيناه عليه‪ ،‬فأمضاه عليهم» (‪ )2‬فهو واضح الدللة على جعل الطلق‬
‫الثلث بلفظ واحد طلقة واحدة‪ ،‬وعلى أنه لم ينسخ لستمرار العمل به في عهد أبي بكر وسنتين من‬
‫خلفة عمر‪ ،‬ولن عمر أمضاه من باب المصلحة والسياسة الشرعية‪.‬‬
‫وأجيب عنه بأنه محمول على صورة تكرير لفظ الطلق ثلث مرات‪ ،‬بأن يقول‪( :‬أنت طالق‪ ،‬أنت‬
‫طالق‪ ،‬أنت طالق) فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد‪ ،‬وثلث إذا قصد تكرير اليقاع‪ ،‬فكان الناس‬
‫على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلمتهم وقصدهم في الغالب‬
‫الفضيلة والختيار‪ ،‬لم يظهر فيهم خب ول خداع‪ ،‬وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد‪ ،‬فلما رأى عمر‬
‫في زمانه أمورا ظهرت‪ ،‬وأحوالً تغيرت‪ ،‬وفشا إيقاع الثلث جملة بلفظ ل يحتمل التأويل‪ ،‬ألزمهم‬
‫الثلث في صورة التكرير‪ ،‬إذ صار الغالب عليهم قصدها‪ ،‬وقد أشار إليه بقوله‪« :‬إن الناس قد‬
‫استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة» ‪.‬‬
‫ثم إن هذا الحكم إنما هو في القضاء‪ ،‬أما في الديانة فإن كل واحد يعامل فيها بنيته‪ .‬ومخالفة عمر لما‬
‫مضى ل شيء فيها؛ لنها ترجع إلى تغير الحكم بسبب تغير العرف وحال الناس‪ .‬والحق أن في هذا‬
‫الحديث نظرا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الدارقطني عن الحسن عن ابن عمر‪ ،‬لكن في إسناده ضعيف (نيل الوطار‪-227/6 :‬‬
‫‪.)228‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد ومسلم عن طاوس عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)230/6 :‬‬

‫( ‪)9/385‬‬

‫ً‪ - 3‬حديث ابن عباس عن رُكانة‪« :‬أنه طلق امرأته ثلثا في مجلس واحد‪ ،‬فحزن عليها حزنا شديدا‪،‬‬
‫فسأله النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬كيف طلقتها؟ فقال‪ :‬ثلثا في مجلس واحد‪ ،‬فقال له صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إنما تلك واحدة فارتجعها» (‪. )1‬‬
‫وأجيب عنه بأجوبة‪:‬‬
‫منها ـ أن في إسناده محمد بن إسحاق‪ ،‬ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الحكام مثل هذا‬
‫السناد‪.‬‬
‫ومنها ـ معارضته لفتوى ابن عباس‪ ،‬فإنه كان يفتي من سأله عن حكم الطلق بلفظ الثلث بأنه يقع‬
‫ثلثا‪ .‬ورد بأن المعتبر روايته ل رأيه‪.‬‬
‫ومنها ـ أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة‪ ،‬كما تقدم لدينا‪ .‬ويمكن أن يكون من روى‬
‫«ثلثا» حمل «البتة» على معنى الثلث‪ ،‬وفيه مخالفة للظاهر‪ ،‬والحديث نص في محل النزاع‪.‬‬
‫أدلة الجمهور القائلين بوقوع ثلث طلقات ‪:‬‬
‫استدل فقهاء المذاهب الربعة وموافقوهم على وقوع ثلث طلقات بما يأتي من الكتاب والسنة‬
‫والجماع والثار والقياس‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الكتاب‪ :‬منه قوله تعالى‪{ :‬الطلق مرتان‪ ،‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪]229/2:‬‬
‫فهو يدل على وقوع الثلث معا مع كونه منهيا عنه؛ لن قوله تعالى‪{ :‬الطلق مرتان} [البقرة‪]229/2:‬‬
‫تنبيه إلى الحكمة من التفريق‪ ،‬ليتمكن من المراجعة‪ ،‬فإذا خالف الرجل الحكمة‪ ،‬وطلق اثنتين معا‪،‬‬
‫صح وقوعهما إذ ل تفريق بينهما‪ ،‬ثم إن قوله تعالى‪{ :‬فل تحل له من ب ْعدُ حتى تنكح زوجا غيره}‬
‫[البقرة‪ ]230/2:‬يدل على تحريمها عليه بالثالثة بعد الثنتين ‪ ،‬ولم يفرق بين إيقاعهما في طهر واحد‬
‫أو في أطهار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه (نيل الوطار‪.)232/6 :‬‬

‫( ‪)9/386‬‬

‫ومنه {فطلقوهن لعدتهن} [الطلق‪ ]1/65:‬إلى قوله تعالى‪{ :‬وتلك حدود ال ‪ ،‬ومن يتعدّ حدود ال فقد‬
‫ظلم نفسه } [الطلق‪ ]1/65:‬والطلق المشروع ما يعقبه عدة‪ ،‬وهو منتف في إيقاع الثلث في العدة‪،‬‬
‫وفيها دللة على وقوع الطلق لغير العدة‪ ،‬إذ لو لم يقع لم يكن ظالما لنفسه بإيقاعه لغير العدة‪ ،‬ومن‬
‫لم يطلق للعدة بأن طلق ثلثا مثلً‪ ،‬فقد ظلم نفسه‪ .‬ومنه آية {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]241/2‬وغيرها من آيات الطلق‪ .‬تدل ظواهر هذه اليات على أل فرق بين إيقاع الطلقة الواحدة‬
‫والثنتين والثلث‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن هذه عمومات مخصصة‪ ،‬وإطلقات مقيدة بما ثبت من الدلة الدالة على المنع من وقوع‬
‫ما فوق الطلقة الواحدة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬السنة‪ :‬منها حديث سهل بن سعد في الصحيحين في قصة لعان عويمر العجلني‪ ،‬وفيه‪« :‬فلما‬
‫فرغا قال عويمر‪ :‬كذبتُ عليها يا رسول ال ‪ ،‬إن أمسكتها‪ ،‬فطلّقها ثلثا قبل أن يأمره رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم » ولم ينقل إنكار النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ .‬وأجيب‪ :‬إنما لم ينكره عليه؛ لنه‬
‫ل مملوكا له ول نفوذا‪.‬‬
‫لم يصادف مح ً‬
‫ومنها ـ حديث محمود بن لبيد عند النسائي السابق‪ ،‬وفيه أن النبي صلّى ال عليه وسلم غضب من‬
‫إيقاع الثلث دفعة في غير اللعان‪ ،‬وقال‪« :‬أيلعب بكتاب ال ‪ ،‬وأنا بين أظهركم؟» هذا يدل على أن‬
‫الطلق الثلث بلفظ واحد يكون ثلثا‪ ،‬ويلزم المطلّق بها‪ ،‬وإن كان عاصيا في إيقاع الطلق بدليل‬
‫غضب النبي عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وأجيب بأنه حديث مرسل؛ لن محمود بن لبيد لم يثبت له سماع من رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وإن كانت ولدته في عهده عليه السلم‪ .‬وهذا مردود؛ لن مرسل الصحابي مقبول‪.‬‬

‫( ‪)9/387‬‬
‫ومنها ـ حديث ركانة بن عبد يزيد المتقدم أنه طلق امرأته سهيمة البتة‪ ،‬فأخبر النبي صلّى ال عليه‬
‫ت إل‬
‫وسلم ‪ ،‬وقال‪ :‬وال ما أردتُ إل واحدة‪ ،‬فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬وال ما أرد َ‬
‫واحدة ؟» قال ركانة‪ :‬وال ما أردتُ إل واحدة‪ ،‬فردها إليه رسول ال صلّى ال عليه وسلم (‪. )1‬‬
‫وهو من أصرح الدلة وأوضحها على وقوع الطلق الثلث بلفظ واحد‪،‬لقول ركانة واستحلف النبي‬
‫له على أنه لم يرد بلفظ ( البتة) إل واحدة‪ ،‬فهو يدل على أنه لو أراد الثلث لوقعت‪.‬‬
‫ونوقش الحديث بأنه حديث ضعّف المام أحمد جميع طرقه‪ ،‬كما ذكر المنذري‪ ،‬وكذلك ضعفه‬
‫البخاري‪ ،‬وأن قصة ركانة أنه طلقها البتة ل ثلثا‪.‬‬
‫ومنها ـ ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من حديث عبادة بن الصامت قال‪« :‬طلّق جدي امرأة له‬
‫ألف تطليقة‪ ،‬فانطلق إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكر له ذلك‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ما اتقى ال جدك‪ ،‬أما ثلث فله‪ ،‬وأما تسعمائة وسبع وتسعون‪ ،‬فعدوان وظلم‪ ،‬إن شاء ال‬
‫عذبه‪ ،‬وإن شاء غفر له» وأجيب بأن راويه ضعيف‪ ،‬وبأن والد عبادة بن الصامت لم يدرك السلم‪،‬‬
‫فكيف بجدّه؟‬
‫ً‪ - 3‬الجماع ‪ :‬أجمع السلف على وقوع الطلق الثلث بلفظ واحد ثلثا‪ .‬وممن حكى الجماع على‬
‫لزوم الثلث في الطلق بكلمة واحدة‪ :‬أبو بكر الرازي والباجي وابن العربي وابن رجب‪.‬‬
‫وأجيب بأنه لم يثبت الجماع‪ ،‬فقد روى أبو داود عن ابن عباس أنه يجعل الثلث واحدة‪ ،‬وبأن طاوسا‬
‫وعطاء قال‪« :‬إذا طلق الرجل امرأته ثلثا قبل أن يدخل بها‪ ،‬فهي واحدة» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم‪.‬‬

‫( ‪)9/388‬‬

‫ً‪- 4‬الثار‪ :‬نقل عن كثير من الصحابة رضي ال عنهم أنهم أوقعوا الطلق الثلث ثلثا‪ ،‬منها ما‬
‫روى أبو داود عن مجاهد‪ ،‬قال‪« :‬كنت عند ابن عباس‪ ،‬فجاءه رجل‪ ،‬فقال‪ :‬إنه طلق امرأته ثلثا‪،‬‬
‫فسكت حتى ظننت أنه ردها إليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ينطلق أحدكم فيركب الحموقة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يا ابن عباس‪ ،‬وإن‬
‫ال قال‪{ :‬ومن يتق ال يجعل له مخرجا} [الطلق‪ ، ]2/65:‬وإنك لم تتق ال ‪ ،‬فلم أجد لك مخرجا‪،‬‬
‫عصيت ربك‪ ،‬وبانت منك امرأتك» ‪ .‬ومنها ـ ما روى مالك في الموطأ أن رجلً جاء إلى ابن‬
‫مسعود‪ ،‬فقال‪ :‬إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات‪ ،‬فقال‪ :‬ما قيل لك؟ فقال‪ :‬قيل لي‪ :‬بانت منك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هو مثل ما يقولون‪.‬‬
‫ومنها ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‪« :‬أن رجلً جاء إلى عثمان بن عفان‪ ،‬فقال‪ :‬إني طلقت‬
‫امرأتي مئة‪ ،‬فقال‪ :‬ثلث تحرمها عليك‪ ،‬وسبع وتسعون عدوان» ‪.‬‬
‫وروى أيضا‪« :‬أن رجلً جاء إلى علي بن أبي طالب فقال‪ :‬إني طلقت امرأتي ألفا‪ ،‬فقال‪ :‬بانت منك‬
‫بثلث» ‪.‬‬
‫وثبت مثله عن صحابة آخرين‪ ،‬وعن التابعين ومن بعدهم‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬القياس‪ :‬قال ابن قدامة (‪ : )1‬إن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا‪ ،‬فصح مجتمعا كسائر الملك‪.‬‬
‫وناقشه ابن القيم بأن المُطلّق إذا جمع ما أمر بتفريقه‪ ،‬فقد تعدى حدود ال وخالف ما شرعه‪.‬‬
‫وقال القرطبي (‪ : )2‬وحجة الجمهور من جهة اللزوم ظاهرة جدا‪ :‬وهو أن المطلقة ثلثا ل تحل‬
‫للمطلق حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬ول فرق بين مجموعها ومفرقها لغة وشرعا‪ .‬ونوقش بأن من قال‪:‬‬
‫(أحلف بال ثلثا) ل يعد حلفه إل يمينا واحدة‪ ،‬فليكن المطلق مثله‪ .‬ورد عليه باختلف الصيغتين‪ ،‬فإن‬
‫عدد الطلق ثلث‪ ،‬وأما الحلف فل أمد لعدد أيمانه‪ ،‬فافترقا‪.‬‬
‫والذي يظهر لي رجحان رأي الجمهور‪ :‬وهو وقوع الطلق ثلثا إذا طلق الرجل امرأته دفعة واحدة‪،‬‬
‫لكن إذا رجح الحاكم رأيا ضعيفا صار هو الحكم القوى‪ ،‬فإن صدر قانون‪ ،‬كما هو الشأن في بعض‬
‫البلد العربية بجعل هذا الطلق واحدة‪ ،‬فل مانع من اعتماده والفتاء به‪ ،‬تيسيرا على الناس‪ ،‬وصونا‬
‫للرابطة الزوجية‪ ،‬وحماية لمصلحة الولد‪ ،‬خصوصا ونحن في وقت قل فيه الورع والحتياط‪،‬‬
‫وتهاون الناس في التلفظ بهذه الصيغة من الطلق‪ ،‬وهم يقصدون غالبا التهديد والزجر‪ ،‬ويعلمون أن‬
‫في الفقه منفذا للحل‪ ،‬ومراجعة الزوجة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.105/7 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪.365/9 :‬‬

‫( ‪)9/389‬‬

‫المبحث الرابع ـ التوكيل في الطلق وتفويضه ‪:‬‬


‫يرتبط هذا البحث بنوعي الطلق‪ :‬الصريح والكناية؛ لن تفويض الطلق للزوجة أو غيرها إما أن‬
‫يكون صريحا وهو قول الرجل‪ :‬طلقي نفسك‪ ،‬أو كناية وهو قوله‪ :‬اختاري نفسك أو أمرك بيدك (‪. )1‬‬
‫والرجل كما يملك الطلق بنفسه يملك إنابة غيره فيه‪ ،‬ويجوز تفويض الطلق للزوجة بالجماع؛ لنه‬
‫صلّى ال عليه وسلم خيّر نساءه بين المقام معه وبين مفارقته‪ ،‬لما نزل قوله تعالى‪{ :‬يا أيها النبي قل‬
‫لزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها‪ ،‬فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلً} [الحزاب‪:‬‬
‫‪ ]28/33‬فلو لم يكن لختيارهن الفرقة أثر‪ ،‬لم يكن لتخييرهن معنى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪.653/2 :‬‬

‫( ‪)9/390‬‬

‫النيابة في الطلق في المذاهب ‪:‬‬


‫لفقهاء المذاهب اصطلحات في إنابة الزوج غيره في الطلق وهي ما يأتي‪:‬‬
‫مذهب الحنفية (‪ : )1‬إيقاع الطلق من غير الزوج بإذنه‪:‬إما تفويض أو توكيل أو رسالة‪.‬‬
‫والتوكيل‪ :‬إنابة الزوج عنه غير الزوجة بتطليق امرأته‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬وكلتك في طلق زوجتي‪ ،‬فإذا‬
‫قبل الوكيل الوكالة ثم قال لزوجة موكله‪ :‬أنت طالق‪ ،‬وقع الطلق‪.‬‬
‫والتفويض‪ :‬جعل المر باليد أو تمليك الطلق لزوجته بطلق نفسها منه‪ ،‬أو تعليق الطلق على مشيئة‬
‫شخص أجنبي‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬طلق زوجتي إن شئت‪.‬‬
‫والرسالة‪ :‬نقل كلم المرسل‪ ،‬كأن يقول الزوج لرجل‪ :‬اذهب إلى فلنة‪ ،‬وقل لها‪ :‬إن زوجك يقول لك‪:‬‬
‫اختاري (‪ . )2‬أو أن يبعث الزوج طلق امرأته الغائبة على يد إنسان‪ ،‬فيذهب الرسول إليها‪ ،‬ويبلغها‬
‫الرسالة على وجهها‪ ،‬فيقع عليها الطلق‪ .‬فالرسول معبر وسفير وناقل كلم المرسل ل غير‪.‬‬
‫وألفاظ التفويض ثلثة‪ :‬أمر بيد‪ ،‬وتخيير‪ ،‬ومشيئة‪ ،‬وكل منها يفيد تمليك الطلق من المرأة وتخييرها‬
‫بين أن تختار نفسها أو زوجها‪.‬‬
‫والمر باليد‪ :‬أن يقول لها‪ :‬أمرك بيدك‪ ،‬فيصير المر بيدها في الطلق؛ لنه جعل المر بيدها في‬
‫الطلق‪ ،‬وهو أهل لذاك‪ ،‬والمحل قابل للجعل‪ .‬ويصير المر بيدها بشرطين‪:‬‬
‫أحدهما ـ نية الزوج الطلق؛ لنه من كنايات الطلق‪ ،‬فل يصح من غير نية الطلق‪.‬‬
‫والثاني ـ علم المرأة بجعل المر بيدها‪ ،‬فل يصير المر بيدها ما لم تسمع أو يبلغها الخبر؛ لن‬
‫معنى هذا التفويض ثبوت الخيار لها بين الطلق أو الزوج‪.‬‬
‫والتخيير‪ :‬أن يقول الزوج لمرأته‪ :‬اختاري‪ ،‬وهو ل يختلف عن المر باليد إل في شيئين‪:‬‬
‫أحدهما ـ أن الزوج إذا نوى الطلق الثلث في قوله ( أمرك بيدك ) يصح‪ ،‬وأما في قوله‬
‫( اختاري ) فل يصح نية الثلثة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،653/2 :‬البدائع‪.122-121 ،118 ،113/3 :‬‬
‫(‪ )2‬هذا يمنح المرأة حق الختيار بين الطلق الرجعي وغيره‪ ،‬وهو يفيد التمليك‪ ،‬ويتم بإرادة المملك‬
‫وحده‪.‬‬

‫( ‪)9/391‬‬

‫والثاني ـ أن في قوله ( اختاري ) ل بد من ذكر النفس إما في كلم الزوج أو في جواب المرأة‪ ،‬بأن‬
‫يقول لها‪ :‬اختاري نفسك‪ ،‬فتقول‪ :‬اخترت‪ ،‬أو يقول لها‪ :‬اختاري‪ ،‬فتقول‪ :‬اخترت نفسي‪ .‬أو ذكر‬
‫الطلق في كلم الزوج أو في كلم المرأة‪ ،‬بأن يقول لها‪ :‬اختاري‪ ،‬فتقول‪ :‬اخترت الطلق‪ .‬أو ذكر‬
‫ما يدل على الطلق‪ :‬وهو تكرار التخيير من الزوج‪ ،‬بأن يقول لها‪ :‬اختاري اختاري‪ .‬أو ذكر‬
‫(الختيارة) في كلم الزوج أو في كلم المرأة‪ ،‬بأن يقول لها الزوج‪ :‬اختاري اختيارة‪ ،‬فتقول المرأة‪:‬‬
‫اخترت اختيارة‪.‬‬
‫والمشيئة‪ :‬أن يقول الرجل‪ :‬أنت طالق إن شئت‪ ،‬وهو مثل قول‪ :‬اختاري؛ لن كل واحد منهما تمليك‬
‫الطلق‪ ،‬إل أن الطلق ههنا رجعي‪ ،‬وهناك بائن؛ لن المفوّض ههنا صريح‪ ،‬وهناك كناية‪.‬‬
‫وأما قوله ( طلقي نفسك ) فهو تمليك عندهم‪ ،‬سواء قيده بالمشيئة أم ل‪ ،‬ويقتصر أثره على المجلس‪،‬‬
‫كقوله‪ :‬أنت طالق إن شئت‪.‬‬
‫وذهب المالكية (‪ )1‬إلى أن التفويض (وهو إنابة الزوج غيره في الطلق) يتنوع إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫توكيل وتخيير وتمليك‪ .‬والتوكيل‪ :‬هو جعل الزوج حق إنشاء الطلق لغيره‪ :‬زوجة أو غيرها‪ ،‬مع بقاء‬
‫الحق له في منع الوكيل من إيقاع الطلق‪ .‬فإذا وكل الرجل المرأة على طلقها‪ ،‬فلها أن تفعل ما وكلها‬
‫عليه من طلقة واحدة‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬وله أن يعزلها ما لم تفعل الموكل فيه إل لتعلق حقها بالوكالة كما‬
‫سأبين قريبا‪ .‬وهو بخلف التمليك والتخيير‪ ،‬ليس له عزلها؛ لن فيهما قد جعل لها ما كان يملكه ملكا‬
‫لها‪ ،‬أما التوكيل فإنه جعلها نائبة عنه في إيقاع الطلق‪.‬‬
‫والتمليك‪ :‬هو أن يملّك الرجل المرأة أمر نفسها‪ ،‬كأن يقول لها‪ :‬جعلت أمرك أو طلقك بيدك‪ ،‬وليس‬
‫له أن يعزلها عنه‪ .‬ولها أن تفعل ما جعل بيدها من طلقة واحدة أو أكثر‪ .‬ويظهر قبولها للتمليك بالقول‬
‫أو بالفعل‪ .‬أما القول‪ :‬فهو أن توقع الطلق بلفظها‪ .‬وأما الفعل‪ :‬فهو أن تفعل ما يدل على الفراق‪ ،‬مثل‬
‫نقل أثاثها أو غيره‪.‬‬

‫( ‪)9/392‬‬
‫وكل من التمليك والتخيير ل يتقيد في المجلس الذي صدر فيه‪ ،‬وفي كل منها ل يملك الرجل الرجوع‬
‫عما منح المرأة‪.‬‬
‫والتخيير‪ :‬هو أن يخيرها بين البقاء معه أو الفراق‪ ،‬بأن يقول لها‪ :‬اختاريني أو اختاري نفسك‪ .‬فلها أن‬
‫تفعل من المرين ما أحبت‪ .‬فإن اختارت الفراق‪ ،‬كان طلقها بالثلث‪ .‬وإن أرادت طلقة أو اثنتين لم‬
‫يكن لها‪ ،‬إل أن يخيرها في طلقة واحدة أو طلقتين معا‪ ،‬فتوقعها‪ ،‬وليس له عزلها‪ .‬ويصح التفويض‬
‫بأنواعه الثلثة لغير الزوجة بشرط كونه حاضرا في البلد أو قريب الغيبة كاليومين وإل انتقل‬
‫التفويض للزوجة على الراجح‪ ،‬وإن فوض الزوج لكثر من واحد‪ ،‬لم تطلق إل باجتماعهما أي الثنين‬
‫أو باجتماعهم إن زادوا على اثنين‪.‬‬
‫والفرق بين التمليك والتخيير‪ :‬أن المرأة في التمليك يكون لها القضاء بما قضت إل أن ينكر عليها‬
‫الزوج‪ ،‬فيقول‪ :‬لم أرد إل طلقة واحدة‪ ،‬فيحلف على ذلك‪.‬‬
‫وأما في التخيير فل يكون الطلق إل ثلثا في المدخول بها؛ لنه خيّرها بين البقاء معه في العصمة‬
‫أو الخروج عنها‪ ،‬فإن اختارت أقل من ذلك لم يقع شيء‪.‬‬
‫أما غير المدخول بها فهي كالمملّكة‪ ،‬لها أن تطلق نفسها بما دون الثلث؛ لنها تبين منه بذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،233‬الشرح الصغير‪ ،603-593/2 :‬المقدمات الممهدات‪587/1 :‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/393‬‬

‫ورأى الشافعية (‪ : )1‬أن تفويض الطلق تمليك له في المذهب الجديد‪ ،‬فيشترط لوقوعه تطليقها‬
‫نفسهاعلى الفور‪ ،‬وإذا ملكت المرأة نفسها‪ ،‬فل رجعة عليها‪ .‬والتفويض‪ :‬إما صريح مثل طلقي نفسك‪،‬‬
‫أو كناية مثل‪ :‬أبيني نفسك‪ ،‬اختاري نفسك‪ ،‬ونوى‪ ،‬فقالت‪ :‬طلقت‪ ،‬وقع الطلق؛ لنها فوضت الطلق‪،‬‬
‫وقد فعلته في الحالين‪.‬‬
‫ولو قال لها‪ :‬طلقي نفسك ونوى ثلثا‪ ،‬فقالت‪ :‬طلقت ونوتهن‪ ،‬وقد علمت نيته أو وقع العلم بنيته‬
‫صدفة‪ ،‬فتقع الثلث؛ لن اللفظ يحتمل العدد‪ ،‬فإن لم ينوياه فتقع واحدة في الصح؛ لن صريح الطلق‬
‫كناية في العدد‪.‬‬
‫ولو قال‪ :‬طلقي نفسك ثلثا‪ ،‬فوحدت أي طلقت نفسها واحدة‪ ،‬أو عكسه‪ ،‬كقوله‪ :‬طلقي نفسك واحدة‪،‬‬
‫فثلثت أي طلقت نفسها ثلثا‪ ،‬تقع واحدة‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬من صح طلقه صح توكيله‪ ،‬فإن وكل الزوج المرأة في الطلق‪ ،‬صح توكيلها‪،‬‬
‫وطلقها لنفسها؛ لنه يصح توكيلها في طلق غيرها‪ ،‬فكذا في طلق نفسها‪ .‬وللوكيل أن يطلق متى‬
‫شاء‪ ،‬إل أن يحد له الموكل حدا كاليوم أو نحوه‪ ،‬فل يملك الطلق في غيره‪ .‬ول يطلق الوكيل أكثر‬
‫من واحدة؛ إل أن يجعل الموكل إليه أن يطلق أكثر من واحدة بلفظة أو نية‪ ،‬فلو وكله في ثلث‪ ،‬فطلق‬
‫واحدة‪ ،‬وقعت‪ .‬ولو وكله في طلقة واحدة‪ ،‬فطلق ثلثا‪ ،‬طلقت واحدة‪ ،‬عملً بالمأذون فيه‪.‬‬
‫وإن خير الموكل الوكيل بأن قال له‪ :‬طلق ما شئت من ثلث‪ ،‬ملك اثنتين فأقل؛ لن لفظه يقتضي‬
‫ذلك؛ لن (من) للتبعيض‪ ،‬وكذا لو خيّر زوجته‪ ،‬فقال لها‪ :‬اختاري من ثلث ما شئت‪ ،‬لم يكن لها أن‬
‫تختار أكثر من اثنتين‪.‬‬
‫وإن قال لمرأته‪ :‬طلقي نفسك‪ ،‬فلها الطلق كالوكيل‪ .‬وإن قال لها‪ ( :‬أنت طالق إن شئت ) ونحوها‬
‫من أدوات الشرط‪ ،‬لم تطلق حتى تشاء‪ ،‬وتنطق بالمشيئة بلسانها‪ ،‬فتقول‪ :‬قد شئت؛ لن ما في القلب ل‬
‫يعلم حتى يعبر عنه اللسان‪ ،‬فتعلق الحكم بما يتعلق به دون ما في القلب‪ ،‬فلو شاءت بقلبها دون نطقها‪،‬‬
‫لم يقع طلق‪.‬‬
‫وكذلك إن علق الطلق بمشيئة غيرها‪ ،‬فمتى وجدت المشيئة باللسان‪ ،‬وقع الطلق‪ ،‬سواء أكان على‬
‫الفور أم على التراخي‪ .‬وذلك خلفا للشافعية الذين اشترطوا إعلن المشيئة في الحال؛ لن هذا تمليك‬
‫للطلق‪ ،‬فكان على الفور كقوله (اختاري) ‪ ،‬كما تقدم‪ .‬ورد الحنابلة بأن هذا تعليق للطلق على شرط‪،‬‬
‫فكان على التراخي كسائر التعليق‪ ،‬ولنه إزالة ملك معلق على المشيئة‪ ،‬فكان على التراخي كالعتق‪.‬‬
‫وهو بخلف كلمة (اختاري) فإنه ليس بشرط‪ ،‬إنما هو تخيير‪ ،‬فتقيد بالمجلس كخيار المجلس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،287-285/3 :‬المهذب‪.80/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ 268/5 :‬وما بعدها‪ 354 ،‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.212/7 :‬‬

‫( ‪)9/394‬‬

‫حكم الوكيل بالطلق ‪:‬‬


‫قرر الحنفية أن الوكيل بالطلق مقيد بالعمل برأي الموكل‪ ،‬فإذا تجاوزه لم ينفذ تصرفه إل بإجازة‬
‫الموكل‪ .‬وللوكيل أن يطلق متى شاء ما لم يقيده الموكل بزمن معين‪ ،‬وللموكل أن يعزل الوكيل متى‬
‫شاء‪.‬‬
‫لكن الوكيل بالطلق مجرد سفير ومعبر عن الموكل كالوكيل في الزواج‪ ،‬فل يطالب بشيء من حقوق‬
‫الطلق‪ ،‬كدفع مؤخر المهر أو المتعة أو نفقة العدة‪ ،‬وإنما يطالب بها الزوج نفسه‪.‬‬
‫ويرى المالكية (‪ : )1‬أن الموكل ل يملك عزل الوكيل بالطلق إذا تعلق حق الزوجة بتلك الوكالة‪،‬‬
‫كماإذا قال الرجل لزوجته‪ :‬إن تزوجت عليك فأمرك بيدك‪ ،‬فليس له عزلها عن الوكالة لتعلق حقها‬
‫بالتوكيل؛ لن رفع الضرر عنها قد تعلق بالتوكيل‪ ،‬فليس له عزلها عنه‪.‬‬
‫صفة حكم التفويض بالطلق للزوجة أو غيرها ‪:‬‬
‫يرى الحنفية (‪ : )2‬أن التفويض لزم من جانب الزوج‪ ،‬فل يملك الرجوع عنه ول منع المرأة مما‬
‫جعل إليها‪ ،‬ول فسخه؛ لنه ملّكها الطلق‪ ،‬ومن ملّك غيره شيئا‪ ،‬فقد زالت وليته من الملك‪ ،‬فل يملك‬
‫إبطاله بالرجوع والمنع والفسخ‪ ،‬ولن التفويض تعليق للطلق من جانب الزوج على مشيئة الزوجة أو‬
‫غيرها‪ ،‬والتعليق يمين‪ ،‬واليمان بعد صدورها ل يمكن الرجوع فيها كما ذكرت سابقا‪.‬‬
‫وأما التفويض من جانب المرأة‪ :‬فهو غير لزم في حق المرأة‪ ،‬فتملك رده صراحة أو دللة؛ لن‬
‫جعل المر بيدها تخيير لها بين أن تختار نفسها وبين أن تختار زوجها‪ ،‬والتخيير ينافي اللزوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.595/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،116-113/3 :‬فتح القدير‪.115/3 :‬‬

‫( ‪)9/395‬‬

‫لكن ليس لها أن تختار إل مرة واحدة؛ لن قول الرجل لها‪( :‬أمرك بيدك) ل يقتضي التكرار إل إذا‬
‫قرن به ما يقتضي التكرار‪ ،‬بأن قال‪ :‬أمرك بيدك كلما شئت‪ ،‬فيصير المر بيدها فيما ذكر وغيره‪،‬‬
‫ولها أن تطلق نفسها في كل مجلس تطليقة واحدة‪ ،‬حتى تبين بثلث؛ لن كلمة (كلما) تقتضي تكرار‬
‫الفعال‪ ،‬فيقتضي تكرار التمليك عند تكرار المشيئة‪ ،‬إل أنها ل تملك أن تطلق نفسها في كل مجلس إل‬
‫تطليقة واحدة؛ لن تفويضه الطلق لها يقتضي حصره في كل مجلس مرة‪.‬‬
‫زمن التفويض بالنسبة للمرأة ‪:‬‬
‫أضاف الحنفية (‪ : )1‬إما أن يكون التفويض مطلقا عن التقييد بزمن معين‪ ،‬مثل‪ :‬اختاري نفسك أو‬
‫طلقي نفسك‪ ،‬أو يكون مقيدا بزمن معين‪ ،‬مثل‪ :‬اختاري نفسك أو أمرك بيدك مدة شهر أو يكون مفيدا‬
‫التكرار في جميع الزمان‪ ،‬مثل طلقي نفسك متى شئت‪.‬‬
‫خيار المخيّرة‪ :‬أ ـ إن كان التفويض مطلقا‪ :‬فحق الطلق مقيد في مجلس علم المرأة بالتفويض‪ ،‬فما‬
‫دامت في مجلسها‪ ،‬فالمر بيدها؛ لن جعل المر بيدها تمليك الطلق منها‪ ،‬وجواب التمليك مقيد‬
‫بالمجلس‪ ،‬فإن تغير المجلس أو ظهر ما يدل على العراض عن مقتضى التفويض‪ ،‬سقط حقها‪ .‬وقد‬
‫اتفق الشافعية والحنابلة كما تقدم مع الحنفية في هذا؛ لن الصحابة رضي ال عنهم جعلوا للمخيّرة‬
‫الخيار ما دامت في المجلس‪ .‬ول يتغير المجلس بالقيام أو القعود‪ ،‬والقعود في البيت والركوب في‬
‫السفينة ل يغير حكم المجلس أثناء المشي‪ ،‬لكن السير على الدابة يغير حكم المجلس؛ لن السفينة ل‬
‫يستطيع الراكب إيقافها‪ ،‬أما الدابة فيستطيع إيقافها‪ ،‬فإن سارت بطل خيارها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،116-113/3 :‬فتح القدير‪.115/3 :‬‬

‫( ‪)9/396‬‬

‫وذهب المالكية (‪ : )1‬إلى أنه يثبت الخيار للزوجة أبدا إلى أن يعلم أنها أسقطته‪ ،‬بتمكين الزوج من‬
‫نفسها‪ ،‬فإن لم تجب بشيء رفع الزوج المر إلى القاضي ليأمرها بإيقاع الطلق أو إسقاط التمليك‪،‬‬
‫فإن أبت أسقطه القاضي‪ ،‬ول يمهلها وإن رضي الزوج بالمهال لحق ال تعالى‪ ،‬لما فيه من البقاء‬
‫على عصمة مشكوكة‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان التفويض مقيدا بزمن معين كيوم أو شهر أو سنة‪ :‬ثبت حق الطلق للمفوض إليه في‬
‫الوقت المخصص إلى نهايته؛ لنه فوض المر إلى زوجته مثلً في جميع الوقت المذكور‪ ،‬فيبقى ما‬
‫بقي الوقت‪.‬‬
‫ولو اختارت نفسها في الوقت المحدد مرة‪ ،‬ليس لها أن تختار مرة أخرى؛ لن اللفظ يقتضي التحديد‬
‫بالوقت‪ ،‬ول يقتضي التكرار‪.‬‬
‫وإن أضيف التفويض إلى وقت في المستقبل بأن قال‪ :‬أمرك بيدك غدا‪ ،‬أو رأس شهر كذا‪ ،‬فل يصير‬
‫المر بيدها إل بمجيء الوقت المخصص‪ .‬وإن علّق التفويض بشرط‪ ،‬بأن قال‪ :‬إذا قدم فلن‪ ،‬فأمرك‬
‫بيدك‪ ،‬فل يصير المر بيدها إل بقدومه‪ ،‬فإن قدم فالمر بيدها إذا علمت في مجلسها الذي يقدم فيه‬
‫فلن؛ لن المعلق بشرط كالمنجز عند الشرط‪ ،‬فيصير قائلً عند القدوم‪ :‬أمرك بيدك‪ ،‬وتملك الطلق‬
‫في مجلس علمها بالقدوم‪ .‬فلو لم تعلم بقدومه حتى مضى الوقت المخصص‪ ،‬ثم علمت‪ ،‬فل خيار لها‬
‫بهذا التفويض أبدا؛ لنها مقيدة بمدة‪ ،‬وقد انتهت‪ ،‬فل خيار لها بعد فوات زمنه‪.‬‬
‫جـ ـ وإن كان التفويض بما يقتضي التكرار‪ ،‬بأن قال لها‪ :‬أمرك بيدك كلما شئت‪ ،‬أو طلقي نفسك‬
‫متى شئت‪ ،‬فلها أن تطلق نفسها في أي وقت تشاء‪ ،‬سواء في مجلس التخيير أو بعده‪ ،‬لكنها في قوله‪:‬‬
‫( إذا ‪ ،‬ومتى ) ل تملك أن تختار إل مرة واحدة‪ ،‬فإذا طلقت نفسهامرة انتهى التفويض؛ لن ( إذا‬
‫ومتى ) ل تفيد التكرار‪ .‬أما إن قال ( كلما ) فلها أن تطلق نفسها أكثر من مرة إلى ثلث؛ لن (كلما )‬
‫تقتضي تكرار الفعال‪ ،‬فيتكرر التفويض عند تكرار المشيئة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 595/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.233‬‬

‫( ‪)9/397‬‬

‫عدد الطلق الواقع بألفاظ التفويض ونوعه ‪:‬‬


‫ذهب الحنفية (‪ : )1‬إلى أنه ل تملك المرأة إيقاع الطلق الثلث دفعة واحدة بقوله لها‪ :‬طلقي نفسك‪،‬‬
‫أو كلما شئت؛ لنه فوض إليها الصريح حيث نص عليه‪ ،‬وكلمة (كلما) تقتضي تكرار الفعال‪ ،‬وهي‬
‫هنا المشيئة‪ ،‬وإيقاع الثلث دفعة واحدة ل تكرار فيه‪ ،‬فل يقع بها شيء في قوله (كلما) عند أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬وتقع طلقة واحدة عند الصاحبين‪.‬‬
‫ولو قال الزوج للمرأة‪ :‬أمرك بيدك‪ ،‬ونوى الثلث‪ ،‬فطلقت نفسها ثلثا‪ ،‬كان ثلثا؛ لنه جعل أمرها‬
‫بيدها مطلقا‪ ،‬فيحتمل الواحد ويحتمل الثلث‪ ،‬فإن نوى الثلث‪ ،‬فقد نوى ما يحتمله مطلق المر‪،‬‬
‫فصحت نيته‪ .‬وإن نوى اثنتين‪ ،‬فهي واحدة عند أئمة الحنفية ما عدا زفر‪.‬‬
‫وأما نوع الطلق الواقع‪ :‬فإن كان التفويض بصريح الطلق‪ ،‬كان الطلق رجعيا‪ ،‬فلو قال لها‪ :‬طلقي‬
‫نفسك‪ ،‬فقال‪ :‬طلقت نفسي‪ ،‬وقع الطلق رجعيا‪ .‬وكذا لو قال‪ :‬أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري‬
‫تطليقة‪ ،‬فاختارت نفسها‪ ،‬طلقت واحدة رجعية؛ لتفويضه إليها بالصريح‪ ،‬والمفيد للبينونة إذا قرن‬
‫بالتصريح‪ ،‬صار رجعيا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،118-117/3 :‬فتح القدير‪ 114/3 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪ ،51/3 :‬الدر المختار‪ 660/2 :‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/398‬‬

‫وإن كان التفويض بلفظة الختيار أو المر باليد‪ ،‬كان الطلق بائنا‪ ،‬فلو قال لها‪ :‬اختاري أو أمرك‬
‫بيدك‪ ،‬ناويا الطلق‪ ،‬ولم ينو الثلث‪ ،‬فقالت‪ :‬اخترت نفسي أو طلقت نفسي؛ وقع الطلق بائنا‪ ،‬وكان‬
‫طلقا واحدا؛ لن المرأة ل يتم لها الختيار أو المر باليد إل بالطلق البائن‪ ،‬فل تصير مالكة نفسها‬
‫إل بالبائن‪ ،‬أما بالطلق الرجعي فيتمكن الزوج من رجعتها بدون رضاها‪.‬‬
‫ويرى المالكية (‪ )1‬كما تقدم أن الطلق الواقع بالتفويض عند اختيار الزوجة أو تطليقها نفسها هو‬
‫الطلق الثلث إذا كان التفويض بالتخيير‪ .‬أما إذا كان التفويض بالتمليك فإن الواقع هو الطلق‬
‫الثلث‪ ،‬ولكنه يحتمل الواحدة والثنتين‪ .‬والفرق أن حالة التخيير تقتضي أل يكون للزوج سبيل على‬
‫المرأة إذا اختارت نفسها‪ ،‬وهذا ل يتحقق إل بوقوع الطلق الثلث‪ .‬وأما في حالة التمليك فقد ملكها ما‬
‫يملكه‪ ،‬فإذا أوقعت طلقة واحدة أو اثنتين أو الثلث‪ ،‬كانت عاملة بمقتضى اللفظ‪.‬‬
‫ونظرا لهذا الفرق‪ ،‬قال المالكية‪ :‬إذا كان التفويض تخييرا‪ ،‬فليس للزوج أن ينازع زوجته (أو يناكرها)‬
‫إذا أوقعت الثلث‪ ،‬وأما إذا كان التفويض تمليكا‪ ،‬فللزوج أن ينازع زوجته‪ ،‬ويدعي أنه أراد واحدة‪،‬‬
‫عندما تطلق نفسها ثلثا‪ .‬ويكون القول قوله مع يمينه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.597/2 :‬‬

‫( ‪)9/399‬‬

‫بدء التفويض ‪:‬‬


‫يصح التفويض عند الحنفية مقارنا لنشاء عقد الزواج أو بعده أثناء الزوجية‪ ،‬واشترطوا لصحة‬
‫التفويض المقارن للعقد‪ :‬أن يكون اليجاب صادرا من الزوجة أو وكيلها‪ ،‬كأن تقول للرجل‪ :‬تزوجتك‬
‫على أن الطلق بيدي‪ ،‬أو متى شئت أو كلما شئت‪ ،‬ويقبل الرجل التفويض‪.‬‬
‫فإن بدأ الرجل باليجاب‪ ،‬فقال للمرأة‪ :‬تزوجتك على أن أمرك بيدك أو تطلقين نفسك متى شئت‪،‬‬
‫وقبلت المرأة اليجاب‪ ،‬يصح الزواج‪ ،‬ول يصح التفويض؛ لن الزوج في هذه الحالة قد ملّكها تطليق‬
‫نفسها قبل أن يتم عقد الزواج‪ ،‬ول يملك الزوج الطلق قبل تمام الزواج‪ ،‬وليس للشخص أن يملك‬
‫غيره شيئا ليملكه هو‪.‬‬
‫وإذا صح التفويض بإيجاب المرأة وقبول الرجل‪ ،‬حين العقد‪ ،‬وكان مطلقا عن التقييد بزمن معين‪ ،‬كأن‬
‫تقول له‪« :‬تزوجتكَ على أن طلقي بيدي» فيقول‪ :‬قبلت‪ ،‬تقيد ملكها الطلق بمجلس إنشاء العقد‪ ،‬فإذا‬
‫انتهى مجلس العقد‪ ،‬لم يكن لها الحق في طلق نفسها بعدئذ‪.‬‬
‫حق الزوج في الطلق مع التفويض ‪:‬‬
‫التفويض بالرغم من أنه تمليك عند الحنفية‪ ،‬فهو يشبه التوكيل‪ ،‬فيبقى للزوج حق إيقاع الطلق‪ ،‬بعد‬
‫أن يفوض الطلق إلى زوجته‪ ،‬كما يحق للموكل التصرف في المر الموكل فيه بعد التوكيل‪ .‬الفرق‬
‫بين التوكيل والتفويض ‪:‬‬
‫التوكيل والتفويض وإن كان كل منهما عند الحنفية ل يسلب الزوج حقه في إيقاع الطلق‪ ،‬إل أنهم‬
‫يفرقون بينهما من وجوه (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬إن التفويض بعد صدوره ل يملك الزوج الرجوع عنه‪ ،‬أما التوكيل فيملك الموكل الرجوع‬
‫عنه‪،‬ما دام الوكيل لم ينفذ ما وكل به‪.‬‬
‫‪ - 2‬يعمل المفوض إليه في التفويض العمل باختياره وبمشيئة نفسه؛ لن الزوج ملكه هذا الحق‪ ،‬أما‬
‫ل الموكل ونائبا‬
‫في التوكيل فيعمل الوكيل بمشيئة غيره وعلى وفق هذه المشيئة؛ لن الوكيل يعد ممث ً‬
‫عنه‪ ،‬ل مالكا الحق الموكل فيه‪.‬‬
‫‪ - 3‬يتقيد التفويض المطلق بالمجلس‪ ،‬أما التوكيل فللوكيل بالطلق أن يطلق في مجلس التوكيل وما‬
‫بعده إذا كانت الوكالة مطلقة‪.‬‬
‫‪ - 4‬ل يبطل التفويض بجنون الزوج؛ لنه في معنى التعليق‪ .‬أما التوكيل فيبطل بجنون الزوج؛ لن‬
‫الجنون يخرجه عن الهلية‪ ،‬وخروج الموكل أو الوكيل عن الهلية يبطل الوكالة‪.‬‬

‫( ‪)9/400‬‬

‫المبحث الخامس ـ أنواع الطلق وحكم كل نوع ‪:‬‬


‫ينقسم الطلق عدة تقسيمات باعتبارات متنوعة‪:‬‬
‫فهو من حيث الصيغة ينقسم إلى صريح وكناية‪ ،‬وقد بينت ذلك‪.‬‬
‫ومن حيث الرجعة وعدمها ينقسم كل من الصريح والكناية إلى رجعي وبائن‪.‬‬
‫ومن حيث الموافقة للسنة ومخالفتها ينقسم إلى سني وبدعي‪.‬‬
‫ومن حيث الزمن المرتبط به ينقسم إلى منجز أو معجل‪ ،‬ومعلق‪ ،‬ومضاف إلى المستقبل‪ .‬ويلحق بهذا‬
‫المطلب حكم طلق المريض مرض الموت‪.‬‬
‫تقسيم الطلق من حيث السنة والبدعة ‪:‬‬
‫ينقسم الطلق من حيث موافقته السنة ومعارضتها‪ ،‬أي البدعة‪ :‬إلى سني وبدعي‪ ،‬والسنة‪ :‬ما أذن‬
‫الشارع فيه‪ ،‬والبدعة‪ :‬ما نهى الشرع عنه‪ .‬وأصل البدعة‪ :‬الحدث في الشيء بعد الكمال‪.‬‬
‫والصل في التقسيم قوله تعالى‪ { :‬يا أيها النبي إذا طلقتم النساء‪ ،‬فطلقوهن لعدتهن} [الطلق‪]1/65:‬‬
‫قال ابن مسعود وابن عباس‪ :‬طاهرات من غير جماع‪.‬‬
‫وحديث ابن عمر المتقدم لما طلق امرأته وهي حائض‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه وسلم لعمر‪« :‬مره‬
‫فليراجعها‪ ،‬ثم ليمسكها حتى تطهر‪ ،‬ثم تحيض فتطهر‪ ،‬ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمسّ » ‪.‬‬
‫وللفقهاء ـ مع اتفاقهم على التقسيم ـ آراء في تحديد الطلق السني والبدعي‪ ،‬ونوع الحكم في‬
‫البدعي‪.‬‬
‫فذهب الحنفية (‪ )2‬إلى أن التقسيم ثلثي‪ ،‬أي أن الطلق ثلثة أنواع‪ :‬أحسن الطلق‪ ،‬والطلق الحسن‪،‬‬
‫والطلق البدعي‪.‬‬
‫أحسن الطلق‪ :‬أن يطلق الرجل امرأته تطليقة واحدة‪ ،‬في طهر لم يجامعها فيه‪ ،‬ويتركها حتى تنقضي‬
‫عدتها؛ لن الصحابة رضي ال عنهم كانوا يستحبون أل يزيد الطلق على واحدة حتى تنقضي العدة‪،‬‬
‫فإن هذا أفضل عندهم من أن يطلقها الرجل ثلثا عند كل طهر واحدة‪ ،‬ولنه أبعد من الندامة‪ ،‬لتمكنه‬
‫من التدارك‪ ،‬وأقل ضررا بالمرأة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العناية بهامش فتح القدير‪ ،100/3 :‬رد المحتار‪.653/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،96-91/3 :‬الكتاب‪ ،40-37/3 :‬فتح القدير‪ ،37-22/3 :‬الدر المختار‪.578-574/2 :‬‬

‫( ‪)9/401‬‬

‫والطلق الحسن‪ :‬هو طلق السنة‪ :‬وهوأن يطلق المدخول بها ثلثا في ثلثة أطهار‪ ،‬في كل طهر‬
‫تطليقة‪ ،‬يستقبل الطهر استقبالً‪ ،‬عملً بأمره صلّى ال عليه وسلم في حديث ابن عمر المتقدم‪.‬‬
‫وطلق البدعة‪ :‬أن يطلقها ثلثا أواثنتين بكلمة واحدة‪ ،‬أو يطلقها ثلثا في طهر واحد؛ لن الصل في‬
‫الطلق الحظر‪ ،‬لما فيه من قطع الزواج الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية‪ ،‬والباحة إنما هي‬
‫للحاجة إلى الخلص‪ ،‬ول حاجة إلى الجمع في الثلث‪ ،‬أو في طهر واحد؛ لن الحاجة تندفع بالواحدة‪،‬‬
‫وتمام الخلص في المفرق على الطهار‪ ،‬والزيادة إسراف‪ ،‬فكان بدعة‪ .‬فإذا فعل ذلك وقع الطلق‪،‬‬
‫وبانت المرأة منه‪ ،‬وكان آثما عاصيا‪ ،‬والطلق مكروه تحريما؛ لن الحظر أو النهي لمعنى في غير‬
‫الطلق وهو فوات مصالح الدين والدنيا‪ ،‬مثل البيع وقت النداء لصلة الجمعة صحيح مكروه لمعنى‬
‫في غيره‪ ،‬والصلة في الرض المغصوبة صحيحة مكروهة لمعنى في غيرها‪ ،‬وكذا إيقاع أكثر من‬
‫طلقة‪ ،‬إذ ل حاجة إليه‪ .‬لذا تجب رجعة المطلقة في الحيض أو النفاس‪ ،‬على الصح رفعا للمعصية‬
‫وللمر السابق‪« :‬مره فليراجعها» فإذا طهرت طلقها إن شاء‪ ،‬أوأمسكها‪.‬‬
‫وطلق السنة‪ :‬إما من ناحية الوقت أو من ناحية العدد‪ .‬فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها‬
‫وغير المدخول بها‪ .‬والسنة في الوقت‪ :‬تثبت في المدخول بهاخاصة‪ ،‬وهو‪ :‬أن يطلقها في طهر لم‬
‫يجامعها فيه‪ .‬وأما غير المدخول بها‪ ،‬فيطلقها في حال الطهر أو الحيض‪ ،‬على حد سواء‪.‬‬
‫وإذا كانت المرأة ل تحيض من صغر أو كبر‪ ،‬فأراد أن يطلقها طلق السنة‪ ،‬طلقهاواحدة‪ ،‬فإذا مضى‬
‫شهر طلقها أخرى‪ ،‬فإذا مضى شهر طلقها طلقة أخرى‪ ،‬فتصير ثلث طلقات في ثلثة أشهر؛ لن‬
‫الشهر في حقها قائم مقام الحيض‪ .‬ويحسب الشهر بالهلة إن كان الطلق في أول الشهر‪ ،‬وباليام إن‬
‫كان في وسط الشهر‪ ،‬كما هو المقرر في العدة‪.‬‬
‫ويجوز طلق الحامل عقيب الجماع؛ لنه ل يؤدي إلى اشتباه وجه العدة؛ لن عدتها تنتهي حتما‬
‫بوضع الحمل‪ .‬وطلق السنة الثلث للحامل كالتي ل تحيض‪ ،‬يكون في ثلثة أشهر‪ ،‬يفصل بين كل‬
‫تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لن الباحة لعلة الحاجة‪ ،‬والشهر دليل الحاجة كالمقرر‬
‫في حق اليسة والصغيرة‪.‬‬

‫( ‪)9/402‬‬

‫ألفاظ طلق السنة والبدعة‪ :‬إن من ألفاظ طلق السنة التي هي نص فيه القول‪ :‬أنت طالق للسنة‪ ،‬فلو‬
‫قال رجل لمرأته المدخول بها التي تحيض‪ :‬أنت طالق ثلثا أو ثنتين للسنة‪ ،‬وقع عند كل طهر طلقة‪،‬‬
‫وتقع أولها في طهر ل جماع فيه‪ .‬أما لو كانت المرأة غير مدخول بها أو ل تحيض‪ ،‬فتقع طلقة‬
‫واحدة في الحال‪ ،‬ثم إن غير المدخول بها تبين منه بل عدة؛ لنه طلق قبل الدخول‪ ،‬ول تقع‬
‫طلقةغيرها ما لم يتزوجها‪ ،‬وأما التي ل تحيض فتقع طلقة أخرى عند مضي شهر‪.‬‬
‫وإن نوى أن تقع الثلث في الحال‪ ،‬أو عند رأس كل شهر واحدة‪ ،‬صحت نيته؛ لن ذلك يحتمله‬
‫كلمه‪.‬‬
‫ومن ألفاظ طلق البدعة‪ :‬أن يقول الرجل‪ :‬أنت طالق للبدعة أو طلق الجور أو طلق المعصية أو‬
‫طلق الشيطان‪ ،‬فإن نوى ثلثا فهو ثلث؛ لن إيقاع الثلث في طهر واحد ل جماع فيه بدعة‪ ،‬وإيقاع‬
‫الطلقة الواحدة في طهر جامعها فيه بدعة‪ ،‬والطلق في حال الحيض بدعة‪ ،‬فإذا نوى به الثلث‪ ،‬فقد‬
‫نوى ما يحتمله كلمه‪ ،‬فصحت نيته‪.‬‬
‫وذهب المالكية (‪ : )1‬إلى أن الطلق السني ما توافرت فيه أربعة شروط‪ :‬وهي أن تكون المرأة‬
‫طاهرا من الحيض والنفاس حين الطلق‪ ،‬وأن يكون زوجها لم يمسها في ذلك الطهر‪ ،‬وأن تكون‬
‫الطلقة واحدة‪ ،‬وأل يُتبعها الزوج طلقا آخر حتى تنقضي عدتها‪ ،‬فإن أتبعها كان بدعة؛ لن الصل‬
‫في الطلق هو الحظر‪.‬‬
‫والشرطان الولن متفق عليهما‪ ،‬والثالث يخالف فيه الشافعية فيباح عندهم جمع الطلقات الثلث‪،‬‬
‫والرابع يخالف فيه الحنفية فيما يترتب عليه‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬يجوز تطليق المدخول بها ثلثا في ثلثة‬
‫أطهار‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬

‫( ‪)9/403‬‬

‫والطلق البدعي‪ :‬ما نقص منه أحد هذه الشروط أو كلها‪ .‬والطلق البدعي إما حرام وإما مكروه‪،‬‬
‫فيحرم الطلق في الحيض أو النفاس‪ ،‬ويكره وقوعه بغير حيض ونفاس‪ ،‬لو أوقع ثلثا أو في‬
‫طهرجامعها فيه‪ .‬ويقع الطلق في الحيض ونحوه‪ ،‬ويمنع وإن طلبته المرأة من زوجها في حيضها أو‬
‫نفاسها‪.‬‬
‫ومن طلق زوجته وهي حائض أجبر على أن يراجعها إن كان الطلق رجعيا‪ ،‬حتى تطهر ثم تحيض‬
‫حيضة أخرى‪ ،‬ثم تطهر منها‪ ،‬فإذا دخلت في الطهر الثاني‪ ،‬فإن شاء أمسكها‪ ،‬وإن شاء طلقها‪ .‬فإن‬
‫أبى الرجعة هدد بالسجن‪ ،‬فإن أبى سجن فعلً‪ ،‬فإن أبى هدد بالضرب‪ ،‬فإن أبى ضرب بالفعل‪ ،‬يفعل‬
‫ذلك كله في مجلس واحد‪ .‬فإن أبى الرتجاع‪ ،‬ارتجع الحاكم‪ ،‬بأن يقول‪ :‬ارتجعتها لك‪.‬‬
‫ول يجبراتفاقا على الرجعة فيما إذا طلق في طهر مسها فيه أو بعد الحيض قبل الغتسال منه‪.‬‬
‫والمرأة مصدقة في دعوى الحيض للتمكين من الرجعة‪.‬‬
‫وجاز طلق الحامل في الحيض أي إن حاضت؛ لن عدتها وضع حملها‪ ،‬فل تطويل فيها‪.‬‬
‫وجاز طلق غيرالمدخول بها في الحيض‪ ،‬لعدم العدة من أصلها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،225‬الشرح الصغير‪.541-537/2 :‬‬

‫( ‪)9/404‬‬

‫ورأى الشافعية (‪ : )1‬أن الطلق سني وبدعي‪ ،‬ول سني ول بدعي‪ .‬أما القسم الثالث‪ :‬فهو طلق‬
‫الصغيرة‪ ،‬واليسة‪ ،‬والمختلعة‪ ،‬والتي استبان حملها من الزوج‪ ،‬وغير المدخول بها‪ .‬فهذا ل سنة فيه‬
‫ول بدعة؛ لنه ل يوجد تطويل العدة‪.‬‬
‫وأما الطلق السني‪ :‬فهوالمستحب شرعا‪ ،‬وهو أن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة‪ ،‬وإن أراد الثلث‬
‫فرقها في كل طهر طلقة‪ ،‬ليخرج من الخلف‪ ،‬وإن جمع الطلقات الثلث في طهر واحد جاز ول‬
‫يحرم‪ ،‬لن عويمرا العجلني‪ ،‬لما لعن امرأته عند رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬طلقها ثلثا قبل‬
‫أن يخبره صلّى ال عليه وسلم أنها تبين باللعان (‪ ، )2‬فلو كان إيقاع الثلث حراما‪ ،‬لنهاه عن ذلك‬
‫ليعلمه هو ومن حضره؛ ولن فاطمة بنت قيس شكت للنبي صلّى ال عليه وسلم أن زوجها طلقها‬
‫البتة‪ ،‬قال الشافعي رضي ال عنه‪ :‬يعني وال أعلم‪ :‬ثلثا‪ ،‬ولم نعلم أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى‬
‫عن ذلك؛ وقد فعله جمع من الصحابة‪ ،‬وأفتى به آخرون‪.‬‬
‫لكن يسن القتصار على طلقة في القُرْء لذات القراء‪ ،‬وفي ظهر لذات الشهر ليتمكن من الرجعة أو‬
‫التجديد إن ندم‪ ،‬فإن لم يقتصر على طلقة‪ ،‬فليفرق الطلقات على اليام‪ ،‬ويفرق الطلق على الحامل‬
‫بطلقة في الحال ويراجع‪ ،‬وأخرى بعد النفاس‪ ،‬والثالثة بعد الطهر من الحيض‪.‬‬
‫ولو قال الرجل لزوجته‪ :‬أنت طالق ثلثا أو قال‪ :‬أنت طالق ثلثا للسنة‪ ،‬وفسر الثلث في الصورتين‬
‫بتفريقها على أقراء‪ ،‬لم يقبل قوله ظاهرا على الصحيح المنصوص‪ ،‬والصح أنه يقبل قوله ديانة بينه‬
‫وبين ال تعالى‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن طلق الثلث طلق سني عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬بدعي حرام عند المالكية والحنفية‪.‬‬
‫وأما الطلق البدعي‪ :‬فهو اثنان‪ :‬أحدهما ـ طلق المدخول بها في حال الحيض من غير حمل‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فطلقوهن لعدتهن} [الطلق‪ ]1/65:‬أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدة‪ ،‬وزمن الحيض‬
‫ل يحسب من العدة‪ ،‬وسبب الحرمة‪ :‬تضررها بطول العدة‪ ،‬فإن بقية الحيض ل تحسب منها‪ .‬والنفاس‬
‫كالحيض‪ .‬ويؤيده حديث أمر ابن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها في الحيض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،89 ،79/2 :‬مغني المحتاج‪.312-307/3 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫( ‪)9/405‬‬

‫والثاني ـ طلق من يجوز أن تحبل في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل؛ لنه إذا طلقها‬
‫في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل‪،‬لم يأمن أن تكون حاملً‪ ،‬فيندم على مفارقتها مع‬
‫الولد‪ ،‬ولنه ل يعلم هل علقت بالوطء‪ ،‬فتكون عدتها بالحمل‪ ،‬أو لم تعلق‪ ،‬فتكون عدتها بالقراء‬
‫(الطهار)‪.‬‬
‫ويسن خلفا للمالكية والحنفية مراجعة المرأة المطلقة بدعيا‪ ،‬ثم إن شاء طلق بعد طهر‪.‬‬
‫ولو قال لحائض‪ :‬أنت طالق للبدعة‪ ،‬وقع الطلق في الحال‪ .‬وإن قال لها‪ :‬أنت طالق للسنة‪ ،‬فيقع‬
‫الطلق حين تطهر من الحيض أو النفاس‪ ،‬بأن تشرع في الطهر‪ ،‬ول يتوقف على الغتسال‪ ،‬لوجود‬
‫الصفة قبله‪.‬‬
‫ولو قال لمن في طهر لم تجامع فيه وهي مدخول بها‪ :‬أنت طالق للسنة‪ ،‬وقع في الحال لوجود الصفة‪.‬‬
‫وإن جومعت فيه ولم يظهر حملها‪ ،‬فيقع الطلق حين تطهر بعد حيض‪ ،‬لشروعها حينئذ في العدة‪.‬‬
‫ولو قال لمن في طهر‪ :‬أنت طالق للبدعة‪ ،‬فيقع الطلق في الحال إن جومعت فيه أو في حيض قبله‬
‫ولم يظهر حملها‪ ،‬لوجود صفة البدعة‪ ،‬فإن لم تجامع على النحو المذكور فيقع الطلق حين تحيض‪.‬‬
‫ولو قال‪ :‬أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلق أو أجمله أو نحوها‪ ،‬فهو كقوله‪ :‬أنت طالق للسنة‪،‬‬
‫فإن كانت في حيض لم يقع حتى تطهر‪ ،‬أو في طهر لم تجامع فيه‪ ،‬وقع في الحال‪ ،‬أو جومعت فيه‪،‬‬
‫وقع حين تطهر بعد حيض‪.‬‬
‫وإن وصف الطلق بصفة ذم‪ ،‬كأنت طالق طلقة قبيحة أو أقبح الطلق أو أفظعه أو أشرّه أو أفحشه أو‬
‫نحوها‪ ،‬فهو كقوله‪ :‬أنت طالق للبدعة‪ ،‬فإن كانت في حيض أو في طهر جامعها فيه‪ ،‬وقع في الحال‪،‬‬
‫وإل فحين تحيض‪ .‬ولو نوى بالطلق طلق السنة لحسن خلقها‪ ،‬وكانت في زمن البدعة‪ ،‬دُيّن‪ ،‬ولم‬
‫يقبل قوله ظاهرا‪ ،‬أي يقبل قوله ديانة ل قضاء‪.‬‬

‫( ‪)9/406‬‬

‫وإن قال‪ :‬أنت طالق ثلثا‪ ،‬في كل قرء طلقة‪ ،‬فإن كانت طاهرا طلقت طلقة؛ لن ما بقي من الطهر‬
‫قرء‪ ،‬وإن كانت حائضا لم تطلق حتى تطهر‪ ،‬ثم يقع في كل طهر طلقة‪ .‬وإن كانت من القسم الثالث‬
‫ممن ل سنة لها ول بدعة‪ :‬فإن كانت حاملً طلقت في الحال طلقة؛ لن الحمل قرء يعتد به‪ ،‬وإن‬
‫كانت تحيض على الحمل‪ ،‬لم تطلق في أطهارها؛ لنها ليست بأقراء‪ ،‬فإن راجعها قبل الوضع‪،‬‬
‫وطهرت في النفاس‪ ،‬وقعت طلقة أخرى‪ ،‬فإن حاضت وطهرت‪ ،‬وقعت الطلقة الثالثة‪ .‬وإن كانت غير‬
‫مدخول بها وقعت عليها طلقة وبانت‪ ،‬فإن كانت صغيرة مدخولً بها طلقت في الحال طلقة‪ ،‬فإن لم‬
‫يراجعها حتى مضت ثلثة أشهر بانت‪ ،‬وإن راجعها لم تطلق في الطهر بعد الرجعة؛ لنه هو الطهر‬
‫الذي وقع فيه الطلق‪.‬‬
‫ووافق الحنابلة (‪ )1‬الشافعية في رأيهم بتحديد الطلق السني والبدعي وألفاظهما وحكمهما‪ ،‬واستحباب‬
‫مراجعة المطلقة في حيض‪ ،‬ووجوب إمساكها حتى تطهر‪ ،‬ثم استحباب إمساكها حتى تحيض حيضة‬
‫أخرى ثم تطهر‪ ،‬على ما أمر به النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث عمر المتقدم‪.‬‬
‫تقسيم الطلق إلى رجعي وبائن ‪:‬‬
‫ينقسم كل من الطلق الصريح والكناية من حيث إمكان الرتجاع وعدمه إلى رجعي وبائن‪.‬‬
‫أما الطلق الرجعي‪ :‬فهو الذي يملك الزوج بعده إعادة المطلقة إلى الزوجية من غير حاجة إلى عقد‬
‫جديد ما دامت في العدة‪ ،‬ولو لم ترض‪ .‬وذلك بعد الطلق الول والثاني غير البائن إذا تمت المراجعة‬
‫قبل انقضاء العدة‪ ،‬فإذا انتهت العدة انقلب الطلق الرجعي بائنا‪ ،‬فل يملك الزوج إرجاع زوجته‬
‫المطلقة إل بعقد جديد‪.‬‬
‫وأما الطلق البائن‪ :‬فهونوعان‪ :‬بائن بينونة صغرى‪ ،‬وبائن بينونة كبرى‪.‬‬
‫والبائن بينونة صغرى‪ :‬هو الذي ل يستطيع الرجل بعده أن يعيد المطلقة إلى الزوجية إل بعقد جديد‬
‫ومهر‪ .‬وهو الطلق قبل الدخول أوعلى مال أو بالكناية عند الحنفية أو الذي يوقعه القاضي ل لعدم‬
‫النفاق أو بسبب اليلء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،113-98/7 :‬كشاف القناع‪.276-269/5 :‬‬

‫( ‪)9/407‬‬

‫والبائن بينونة كبرى‪ :‬هو الذي ل يستطيع الرجل بعده أن يعيد المطلقة إلى الزوجية إل بعد أن تتزوج‬
‫بزوج آخر زواجا صحيحا‪ ،‬ويدخل بها دخولً حقيقيا‪ ،‬ثم يفارقها أو يموت عنها‪ ،‬وتنقضي عدتها منه‪.‬‬
‫وذلك بعد الطلق الثلث حيث ل يملك الزوج أن يعيد زوجته إليه إل إذا تزوجت بزوج آخر‪.‬‬
‫ضابط الطلق الرجعي والبائن ‪:‬‬
‫للفقهاء آراء في تحديد حالت الطلق الرجعي والبائن‪:‬‬
‫رأي الحنفية (‪ : )1‬كل طلق رجعي إل الطلق قبل الدخول‪ ،‬والطلق على مال‪ ،‬والطلق بالكناية‬
‫المقترن بلفظ ينبئ عن الشدة أو القوة أو البينونة أو الحرمة‪ ،‬والطلق المكمل للثلث‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يكون الطلق رجعيا فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الطلق الصريح بعد الدخول الحقيقي‪ :‬بلفظ من مادة الطلق أو التطليق غير مقترن بعوض‪ ،‬ول‬
‫بعدد الثلث‪ ،‬ول موصوف بوصف الشدة أو القوة أو البينونة أو نحوها‪ .‬فمن قال‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أو‬
‫مطلقة‪ ،‬أو طلقتك‪ ،‬يقع به الطلق الرجعي‪ ،‬ول يقع به إل واحدة‪ ،‬وإن نوى أكثر من ذلك‪ ،‬ول يفتقر‬
‫إلى النية‪.‬‬
‫أما لو قال‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أوأنت طالق الطلق‪ ،‬أو أنت طالق طلقا‪ ،‬فإن لم تكن له نية‪ ،‬فهي طلقة‬
‫واحدة رجعية‪ ،‬وإن نوى به ثلثا كان ثلثا‪ .‬ولو قال‪ :‬أنت طالق على المذاهب الربعة‪ ،‬أو أنت طالق‬
‫ل يرد ك عالم ول قاض‪ ،‬يقع به طلقة رجعية‪.‬‬
‫ومن ألفاظ الطلق التي هي في حكم الصريح عرفا قول الرجل‪ :‬علي الطلق‪ ،‬وعلي الحرام‪،‬‬
‫والطلق يلزمني‪ ،‬والحرام يلزمني‪ ،‬فإنه يقع بل نية للعرف‪ ،‬وبه أصبح لفظ‪ :‬حرام وخالص‪ ،‬من قسم‬
‫الصريح‪.‬‬
‫‪ - 2‬الطلق الكنائي بعد الدخول الذي ليفيد معنى الشدة والبينونة مثل قوله‪ :‬اعتدي‪ ،‬أو استبرئي‬
‫رحمك‪ ،‬أو أنت واحدة‪ ،‬يقع بهذه اللفاظ طلقة واحدة رجعية‪ ،‬إذا نوى الزوج بها الطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،621-617 ،592/2 :‬اللباب‪ ،44-41/3 :‬البدائع‪.112-109/3 :‬‬

‫( ‪)9/408‬‬

‫‪ - 3‬الطلق الذي يوقعه القاضي لعدم النفاق‪ ،‬أو بسبب اليلء‪ ،‬فإن الول يكون رجعيا؛ لن قدرة‬
‫الزوج على النفاق متوقعة في أي وقت‪ ،‬والثاني يكون رجعيا أيضا؛ لتمكين الزوج من العودة إلى‬
‫معاشرة الزوجة‪.‬‬
‫والدليل على أن الصل العام في كون الطلق رجعيا آيتان‪{ :‬الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو‬
‫تسريح بإحسان} [البقرة‪{ ]229/2:‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} ‪{ ...‬وبعولتهن أحق‬
‫بردهن في ذلك إن أرادوا إصلحا} [البقرة‪ ]2/228:‬فكلتا اليتين تدلن على إمكان الرجعة ما دامت‬
‫المرأة في العدة‪ ،‬إل ما دل الدليل على استثنائه‪ :‬وهو الطلق الثلث‪ ،‬والطلق قبل الدخول‪ ،‬والطلق‬
‫على مال‪ ،‬والطلق لرفع الضرر عن الزوجة‪ ،‬والطلق بلفظ ينبئ عن الشدة والنفصال التام‪.‬‬
‫ويكون الطلق بائنا فيما يأتي‪:‬‬
‫أولًـ البائن بينونة صغرى ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الطلق قبل الدخول الحقيقي أو بعد الخلوة الصحيحة المجردة‪ ،‬فالول يكون بائنا‪ ،‬لنه ل تجب‬
‫به العدة ول يقبل الرجعة‪ ،‬بدليل‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن‬
‫تمسوهن‪ ،‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب‪ ]49/33:‬وإذا لم تجب العدة فل تمكن المراجعة؛‬
‫لن الرجعة ل تكون إل في العدة‪ ،‬فيكون الطلق بائنا غير رجعي‪.‬‬
‫وأما بعد الخلوة الصحيحة التي لم يحدث فيها اتصال جنسي‪ ،‬فيقع الطلق بائنا‪ ،‬وإن وجبت العدة؛ لن‬
‫وجوب العدة إنما هو للحتياط لثبوت النسب‪ ،‬والحكم بصحة الرجعة ليس فيه احتياط‪ ،‬بل الحتياط‬
‫يقتضي الحكم بعدم صحة الرجعة‪.‬‬

‫( ‪)9/409‬‬
‫ً‪ - 2‬الطلق الكنائي المقترن بما ينبئ عن الشدة أو القوة أو البينونة‪ :‬أي أن كل طلق بالكناية إذا‬
‫نوى به الطلق‪ ،‬ما عدا اللفاظ الثلثة المتقدمة (اعتدي‪ ،‬استبرئي رحمك‪ ،‬أنت واحدة) يكون طلقة‬
‫واحدة بائنة‪ ،‬وإن نوى به اثنتين‪ ،‬إذ ل دللة للفظ على عدد الثنتين‪ ،‬فيثبت الدنى وهو الواحدة‪ ،‬فإن‬
‫نوى به الثلث كان ثلثا؛ لن البينونة نوعان‪ :‬مغلظة وهي الثلث‪ ،‬ومخففة وهي الواحدة‪ ،‬فأيهما‬
‫نوى وقعت لحتمال اللفظ‪.‬‬
‫وهذه اللفاظ مثل قوله‪ :‬أنت طالق طلقة شديدة أو قوية أو طويلة أو عريضة؛ لن المراد بالطول‬
‫والعرض والشدة والقوة‪.‬‬
‫ومثل‪ :‬أنت بائن‪ ،‬وبتة‪ ،‬وبتلة‪ ،‬وخلية‪ ،‬برية‪ ،‬حرة‪ ،‬وحبلك على غاربك‪ ،‬والحقي بأهلك‪ ،‬وسرحتك‬
‫وفارقتك‪ ،‬وتقنعي‪ ،‬وتخمري واستتري‪ ،‬واعزُبي واغرُبي (‪ ، )1‬وابتغي الزواج‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وقد أصبح‪ :‬أنت خالصة‪ ،‬وأنت حرام‪ ،‬أو علي الحرام من الطلق الصريح عرفا‪ ،‬ويقع به طلقة‬
‫رجعية‪.‬‬
‫والحقي بأهلك ‪ ،‬وسرحتك وفارقتك ‪ ،‬وتقنعيى‪ ،‬وتخمري واستتري ‪ ،‬واعزُبي واغرُبي ‪ ،‬وابتغي‬
‫الزواج ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وقد أصبح ‪ :‬أنت خالصة ‪ ،‬وأنت حرام ‪ ،‬أو علي الحرام من الطلق الصريح عرفا ‪ ،‬ويقع به طلقة‬
‫رجعية ‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الطلق على مال‪ :‬وذلك إذا خالع الرجل امرأته أو طلقها على مال؛ لن الخلع بعوض طلق‬
‫على مال عندهم‪ ،‬وكان طلقا بائنا؛ لن المقصود أن تملك المرأة أمرها‪ ،‬وتمنع الزوج من مراجعتها‪،‬‬
‫ول يتحقق هدفها إل بالطلق البائن‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬الطلق الذي يوقعه القاضي ل لعدم النفاق أو بسبب اليلء‪ ،‬وإنما بسبب عيب في الزوج أو‬
‫للشقاق بين الزوجين‪ ،‬أو لتضرر الزوجة من غيبة الزوج أو حبسه؛ لن التجاء الزوجة إلى القضاء ل‬
‫يكون إل لدفع الضرر عنها وحسم الزواج‪ ،‬ول يتحقق المقصود إل بالطلق البائن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اعزبي من العزوبة‪ :‬وهي عدم الزواج‪ ،‬واغربي من الغربة‪ :‬وهي البعد‪.‬‬

‫( ‪)9/410‬‬

‫ثانيا ـ البائن بينونة كبرى ‪:‬‬


‫أن يكون طلقا ثالثا‪ ،‬سواء أكان مكملً للثلث تفريقا‪ ،‬بأن يطلق الرجل زوجته كل مرة طلقة‪ ،‬أم‬
‫مقترنا بالثلث لفظا أو إشارة‪ ،‬مثل أنت طالق ثلثا‪ ،‬أو أنت طالق ويشير بأصابعه الثلث‪ ،‬أم مكررا‬
‫ثلث مرات في مجلس واحد أو في مجالس متعددة‪ ،‬بأن يقول لها‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق‪ ،‬أنت طالق‪،‬‬
‫فيقع ثلثا إل إذا قصد تأكيد الطلقة الولى السابقة‪ ،‬فل يقع إل طلقة واحدة‪.‬‬
‫والشارة لها حكم العبارة‪ ،‬فإن أشار بأصبع واحدة فهي واحدة رجعية‪ ،‬وإن أشار باثنتين فهي اثنتان‪،‬‬
‫وإن أشار بثلث فهي ثلث؛ لن الشارة متى تعلقت بها العبارة نزّلت منزلة الكلم‪ ،‬لحصول ما‬
‫وضع له الكلم بها وهو العلم‪ ،‬بدليل العرف والشرع‪ ،‬أما العرف فواضح‪ ،‬وأما الشرع‪ ،‬فقول النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الشهر هكذا وهكذا‪ ،‬وأشار صلّى ال عليه وسلم بأصابع يده كلها‪ ،‬فكان بيانا‬
‫أن الشهر يكون ثلثين يوما‪ ،‬ثم قال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬الشهر هكذا وهكذا‪ ،‬وحبس إبهامه في‬
‫المرة الثالثة‪ ،‬فكان بيانا أن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد ال بن عمر (جامع الصول‪ 182/7 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬نصب الراية ‪.)228/3 :‬‬

‫( ‪)9/411‬‬

‫رأي المالكية (‪ : )1‬البائن يكون في أربعة مواضع‪:‬‬


‫وهي طلق غير المدخول بها‪ ،‬وطلق الخلع‪ ،‬والطلق بالثلث‪ ،‬والمبارأة‪ :‬وهي التي يملّك الناس بها‬
‫أمر نفسها‪ ،‬ويجعلونها واحدة بائنة من غير خلع‪ .‬والثلثة الولى متفق عليها‪.‬‬
‫والرجعي‪ :‬هو ما عدا هذه المواضع‪.‬‬
‫رأي الشافعية والحنابلة (‪ : )2‬يتفق مع رأي المالكية فيما عدا المبارأة‪ .‬فيقولون‪ :‬كل طلق يقع رجعيا‬
‫إل إذا كان قبل الدخول‪ ،‬أو كان على مال كما في الخلع‪ ،‬أو كان مكملً للثلث أو مقترنا بعدد الثلث‪.‬‬
‫وعلى هذا ل يقع عند الجمهور غير الحنفية بطلق الكنايات إل الطلق الرجعي‪ ،‬ولو نوى بها البائن؛‬
‫لن الصريح ل يقع به إل الطلق الرجعي‪ ،‬فالكناية التي هي أضعف من التصريح لحتمالها الطلق‬
‫وغيره‪ ،‬يكون الطلق الواقع بها رجعيا بالولى‪ ،‬ولن الطلق وضع شرعي ل يتأثر بالنية‪ ،‬فقصد‬
‫البينونة بالكناية يكون تغييرا للوضع الشرعي‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬أخذ القانون في مصر وسورية برأي الجمهور في بيان الطلق الرجعي والبائن‪،‬‬
‫فنصت المادة (‪ )94‬من القانون السوري على ما يلي «كل طلق يقع رجعيا إل المكمل للثلث‪،‬‬
‫والطلق قبل الدخول‪ ،‬والطلق على بدل‪ ،‬وما نص على كونه بائنا في هذا القانون» والذي نص هذا‬
‫القانون على كونه بائنا هو التفريق القضائي للعيب أو العلة‪ ،‬والتفريق للشقاق بين الزوجين‪ .‬فالقول‬
‫بأن كل طلق يقع رجعيا مخالف لمذهب الحنفية؛ لن كنايات الطلق عندهم كما تقدم يقع بها الطلق‬
‫بائنا ما عدا ألفاظا ثلثة‪.‬ونصت المادة (‪ )93‬من القانون السوري كما ذ ُكر على أن النية هي مدار‬
‫طلق الكناية‪« :‬يقع الطلق باللفاظ الصريحة فيه عرفا دون الحاجة إلى نية‪ ،‬ويقع باللفاظ الكنائية‬
‫التي تحتمل معنى الطلق وغيره بالنية» وهذا عمل برأي المالكية والشافعية الذين يوقعون طلق‬
‫الكناية بالنية ل بدللةالحال‪ ،‬خلفا للحنفية والحنابلة الذين يوقعون بالنية أو القرائن ودللت الحال‪.‬‬
‫وهذا هو المعمول به نفسه في القانون المصري‪ ،‬فقد نصت المادة الرابعة من قانون رقم (‪ )25‬لسنة (‬
‫‪ )1929‬على ما يلي‪« :‬كنايات الطلق‪ :‬وهي ما تحتمل الطلق وغيره‪ ،‬ل يقع بها الطلق إل بالنية»‬
‫‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،226‬الشرح الصغير‪.526/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،337/3 :‬المغني‪.278 ،274/7 :‬‬

‫( ‪)9/412‬‬

‫ونصت المادة الخامسة على ما يأتي‪« :‬كل طلق يقع رجعيا إل المكمل للثلث‪ ،‬والطلق قبل الدخول‪،‬‬
‫والطلق على مال‪ ،‬وما نص على كونه بائنا في هذا القانون والقانون رقم (‪ ) 25‬لسنة ‪. »1920‬‬
‫وما نص على كونه بائنا في قانون (‪ :)1929‬هو التفريق الذي يكون من القاضي بسبب ضرر‬
‫الزوجة‪ ،‬والشقاق بينها وبين زوجها‪ ،‬وبسبب غيبة الزوج أو حبسه مدة طويلة‪.‬‬
‫وما نص على كونه بائنا في قانون (‪ :)1920‬هو تفريق القاضي أيضا بسبب عيوب الرجل من مثل‬
‫الجنون والجذام والبرص وغيرها من العيوب في الراجح عند الحنفية‪ ،‬وهي عيوب الجب والعنة‬
‫والخصاء‪.‬‬
‫والقانون متفق مع الفقه‪ ،‬ولكن كل من القانون المصري والسوري قد خالف المذاهب ا لربعة في‬
‫الطلق الثلث المقترن بعدد الثلث‪ ،‬يقع ثلثا في المذاهب‪ ،‬وواحدة في القانون‪ ،‬فنصت المادة الثالثة‬
‫من قانون عام (‪ )1929‬في مصر‪ ،‬والمادة (‪ )92‬من القانون السوري على أن «الطلق المقترن بعدد‬
‫لفظا أو إشارة ل يقع إل واحدا» ‪.‬‬
‫حكم الطلق الرجعي والبائن ‪:‬‬
‫يشترك الطلق الرجعي والبائن في أحكام‪ ،‬منها‪:‬‬
‫وجوب نفقة العدة للمطلقة‪ ،‬وثبوت نسب ولدها الذي تلده للمطلق‪ ،‬ويهدم الزوج الثاني إذا تزوجت‬
‫المطلقة بزوج آخر ما كان من الطلق في الزواج الول‪ ،‬سواء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أكان‬
‫الطلق ثلثا أم أقل‪ ،‬وقال باقي الفقهاء‪ :‬إنه يهدم الثلث ل غير‪ ،‬فتعود إلى الول بزوجية جديدة يملك‬
‫فيها ثلث طلقات‪ .‬وينفرد الطلق الرجعي عن البائن بأحكام‪.‬‬
‫حكم الطلق الرجعي ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الطلق الرجعي له آثار هي (‪: )1‬‬
‫ً‪ 1‬ـ نقص عدد الطلقات‪ :‬يترتب على الطلق أنه ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج‪ ،‬فإذا طلق‬
‫الرجل زوجته طلقا رجعيا بقي له طلقتان‪ ،‬وإذا طلق طلقا آخر بقي له طلقة واحدة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬انتهاء رابطة الزوجية بانتهاء العدة‪ :‬إذا طلق الرجل طلقا رجعيا وانقضت العدة من غير‬
‫مراجعة بانت منه بانقضاء العدة‪ ،‬وحينئذ يحل مؤخر الصداق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،738 ،645/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،234 ،226‬مغني المحتاج‪،340/3 :‬‬
‫المغني‪ ،279/7 :‬غاية المنتهى‪ ،180/3 :‬الشرح الصغير‪.606/2 :‬‬

‫( ‪)9/413‬‬

‫ً‪ - 3‬إمكان المراجعة في العدة‪ :‬يملك المطلّق مراجعة مطلقته بالقول اتفاقا‪ ،‬وكذا بالفعل عند الحنفية‬
‫والحنابلة والمالكية‪ ،‬ما دامت في العدة‪ ،‬فإذا انقضت العدة بانت منه‪ ،‬فلم يملك رجعتها إل بإذنها‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬المرأة الرجعية زوجة يلحقها طلق الرجل وظهاره وإيلؤه ولعانه‪ ،‬ويرث أحدهما صاحبه‬
‫بالتفاق‪ .‬وإن خالعها صح خلعه عند الحنابلة والحنفية؛ لنها زوجة صح طلقها‪ ،‬فصح خلعها كما‬
‫قبل الطلق‪ ،‬وليس مقصود الخلع التحريم‪ ،‬بل الخلص من مضرة الزوج ونكاحه الذي هو سببها‪،‬‬
‫والنكاح باق‪ ،‬ول نأمن رجعته‪.‬‬
‫وقال الشافعي في الظهر‪ :‬يصح خلع المرأة الرجعية في أثناء العدة؛لنها في حكم الزوجات في كثير‬
‫من الحكام (‪. )1‬‬
‫‪ - 5‬حرمة الستمتاع عند الشافعية‪ :‬قال الشافعية‪ ،‬والمالكية في المشهور‪ :‬يحرم الستمتاع بالمرأة‬
‫المطلقة طلقا رجعيا بوطء وغيره حتى بالنظر ولو بل شهوة؛ لنها مفارقة كالبائن‪ ،‬ولن النكاح يبيح‬
‫الستمتاع فيحرمه الطلق؛ لنه ضده‪ ،‬فإن وطئ الزوج المطلقة فل حد ‪ ،‬ول يعزر إل معتقد‬
‫تحريمه‪ .‬وهذا هو الحق عندي‪.‬‬
‫وقال الحنفية والحنابلة‪ :‬الطلق الرجعي ل يحرم الوطء‪ ،‬فيجوز الستمتاع بالرجعية ولو وطئها لحد‬
‫عليه؛ لنه مباح‪ ،‬لكن تكره الخلوة بها تنزيها‪ .‬ومن عبارات الحنفية فيه‪ :‬الطلق الرجعي ل يزيل‬
‫الملك ول الحل ما دامت في العدة‪ .‬والمقصود بالملك‪ :‬حل الستمتاع وسائر حقوق الزواج‪ ،‬والمقصود‬
‫بالحل‪ :‬بقاء المطلقة حللً لمن طلقها ول تحرم عليه بسبب من أسباب التحريم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.265/3 :‬‬

‫( ‪)9/414‬‬

‫حكم الطلق البائن ‪:‬‬


‫أولً ـ البائن بينونة صغرى‪ :‬يظهر أثر الطلق البائن بينونة صغرى فيما يأتي بالتفاق‪.‬‬
‫ا ‪ -‬زوال الملك ل الحل بمجرد الطلق‪ :‬يحرم الستمتاع مطلقا والخلوة بعده ساعة الطلق‪ ،‬ول يحق‬
‫مراجعة المرأة إل بعقد جديد‪ ،‬ولكن يبقى الحل‪ ،‬سواء في العدة أم بعدها بعقد جديد‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج كالطلق الرجعي‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬يحل بمجرد الطلق الصداق المؤجل إلى أحد الجلين‪ :‬الموت أو الطلق‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬منع التوارث بين الزوجين‪ :‬إذا مات أحدهما أثناء العدة ل يرثه الخر؛ لن الطلق البائن ينهي‬
‫الزوجية بمجرد صدوره‪ ،‬إل إذا كان الطلق في مرض الموت وقامت قرينة على أن الزوج يقصد‬
‫حرمان الزوجة من الميراث‪ ،‬فإنها عند الجمهور غير الشافعية ترثه إن مات في العدة‪ ،‬وكذا بعد العدة‬
‫عند المالكية‪ ،‬معاملة له بنقيض مقصوده‪ ،‬وهذا هو طلق الفرار‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬يلحق الطلق الصريح عند الحنفية الطلق البائن في أثناء العدة‪ ،‬ويلحق البائن الصريح أيضا‬
‫بشرط العدة إل إذا كان الطلق الثاني بائنا بلفظ الكناية يحتمل الخبار عن البينونة الولى‪.‬‬
‫ثانيا ـ البائن بينونة كبرى ‪:‬‬
‫هذا يزيل الملك والحل معا‪ ،‬ول يبقى للزوجية أثر سوى العدة وما يتبعها‪ ،‬فيحل به الصداق المؤجل‬
‫إلى الطلق أو الوفاة‪ ،‬ويمنع التوارث بين الزوجين إل إذا كان طلق فرار عند غير الشافعية كالبائن‬
‫بينونة صغرى‪ ،‬فيعامل بنقيض مقصوده وتحرم به المطلقة على الزوج تحريما مؤقتا‪ ،‬ول تحل له‬
‫حتى تتزوج بزوج آخر‪ ،‬ويدخل بها دخولً حقيقيا‪ ،‬ثم يطلقها أو يموت عنها‪ ،‬وتنقضي عدتها منه‪.‬‬
‫البينونة الكبرى كالصغرى إل في أمرين‪:‬‬
‫الول ـ أن البينونة الكبرى ل محل بعدها بالتفاق لوقوع طلق آخر‪.‬‬
‫الثانية ـ أن المرأة في البينونة الكبرى ل يمكن أن ترجع إلى زوجها الول حتى تتزوج بزوج آخر‬
‫غيره‪.‬‬

‫( ‪)9/415‬‬

‫حكم الطلق الرجعي والبائن في القانون السوري ‪:‬‬


‫نصت المادة ( ‪ ) 118‬من هذا القانون على حكم الطلق الرجعي‪ ،‬وانقلبه بائنا بانتهاء العدة وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الطلق الرجعي ل يزيل الزوجية‪ ،‬وللزوج أن يراجع مطلقته أثناء العدة بالقول أو الفعل‪ ،‬ول‬
‫يسقط هذا الحق بالسقاط‪.‬‬
‫‪ - 2‬تبين المرأة وتنقطع الرجعة بانقضاء عدة الطلق الرجعي‪ .‬ونص هذا القانون أيضا على آثار‬
‫الطلق البائن‪ ،‬فنصت المادة (‪ )119‬على ما يلي‪:‬‬
‫الطلق البائن دون الثلث يزيل الزوجية حالً‪ ،‬ول يمنع من تجديد عقد الزواج‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )120‬على الطلق البائن بينونة كبرى‪:‬‬
‫الطلق المكمل للثلث يزيل الزوجية حالً‪ ،‬ويمنع من تجديد العقد ما لم تتوافر الشرائط المبينة في‬
‫المادة (‪ )36‬من هذا القانون‪ .‬ونص المادة (‪ )36‬هو ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ل يجوز أن يتزوج الرجل امرأة طلقها ثلث مرات إل بعد انقضاء عدتها من زوج آخر دخل‬
‫بها فعلً‪.‬‬
‫‪ - 2‬زواج المطلقة من آخر يهدم طلقات الزوج السابق‪ ،‬ولو كانت دون الثلث‪ ،‬فإذا عادت إليه يملك‬
‫عليها ثلثا جديدة‪.‬‬
‫تقسيم الطلق إلى منجز ومعلق ومضاف للمستقبل ‪:‬‬
‫ينقسم الطلق بالنظر إلى الصيغة من حيث اشتمالها على التعليق على أمر مستقبل أو الضافة إلى‬
‫زمن في المستقبل وعدم اشتمالها على التعليق إلى ثلثة أنواع‪ :‬منجز‪ ،‬ومعلق‪ ،‬ومضاف (‪. )1‬‬
‫أولً ـ الطلق المنجز أو المعجل‪ :‬هو ما قصد به الحال‪ ،‬كأن يقول رجل لمرأته‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أو‬
‫مطلقة‪ ،‬أو طلقتك‪ .‬وحكمه‪ :‬وقوعه في الحال وترتب آثاره عليه بمجرد صدوره‪ ،‬متى كان الزوج أهلً‬
‫ليقاع الطلق‪ ،‬والزوجة محلً لوقوعه‪.‬‬
‫ثانيا ـ الطلق المضاف‪ :‬هو ما أضيف حصوله إلى وقت في المستقبل‪ ،‬كأن يقول الرجل لزوجته‪:‬‬
‫أنت طالق غدا‪ ،‬أو أول الشهر الفلني أو أول سنة كذا‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬وقوع الطلق عند مجيء أول جزء من أجزاء الزمن الذي أضيف‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،143 ،61 ،22/3 :‬البدائع‪ ،157/3 :‬الدر المختار‪،690-677 ،609-606/2 :‬‬
‫اللباب‪ ،53 ،46/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 231‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،583-576/2 :‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،334-313 ،302/3 :‬و ‪ ،718/8‬المهذب‪ ،96-86/2 :‬غاية المنتهى‪،165-147/3 :‬‬
‫المغني‪ ،228-193 ،171-164/7 :‬كشاف القناع‪ ،358-333/5 :‬بداية المجتهد‪ ،78/2 :‬المحلى‪:‬‬
‫‪ ،264/10‬مسألة ‪.1973‬‬

‫( ‪)9/416‬‬

‫ل لوقوع الطلق عليها عند ذلك الوقت‪ ،‬وكان الرجل أهلً ليقاعه؛ لنه‬
‫إليه‪ ،‬إذا كانت المرأة مح ً‬
‫قصد إيقاعه بعد زمن‪ ،‬ل في الحال‪.‬‬
‫فقوله‪ :‬أنت طالق غدا‪ ،‬يقع بأول جزء منه وهو عند طلوع الفجر‪ ،‬وقوله‪ :‬أنت طالق ليلً إذا مضى‬
‫يوم‪ ،‬فيقع عند غروب شمس غده‪ ،‬إذ به يتحقق مضي اليوم‪ .‬وإن قال‪ :‬نهارا‪ ،‬ففي مثل وقته من غده‬
‫تطلق لن اليوم حقيقة في جميعه‪ ،‬وإن قال لزوجته‪ :‬أنت طالق في شهر كذا كرمضان‪ ،‬وقع الطلق‬
‫في أول جزء من الليلة الولى منه‪ ،‬وهو حين تغرب الشمس من آخر يوم من الشهر الذي قبله وهو‬
‫شهر شعبان‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنت طالق أمس أو أنت طالق قبل أن أتزوجك‪ ،‬وقصد أن يقع في الحال مستندا إلى المس‪،‬‬
‫وقع في الحال عند الحنفية‪،‬والشافعية على الصحيح والحنابلة‪ ،‬ولغا قصد الستناد إلى أمس لستحالته؛‬
‫لن النشاء في الماضي في الحال‪.‬‬
‫وظاهر كلم أحمد‪ :‬أن الطلق ل يقع إذا لم يكن له نية‪ .‬وإن أراد الخبار بأنه كان قد طلقها هو‪ ،‬أو‬
‫زوجٌ قبله في الزمان المذكور‪ ،‬وكان قد وجد الطلق‪ ،‬قبل منه‪ .‬وإن لم يوجد وقع طلقه‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنت طالق قبل أن أخلق أو قبل أن تخلقي‪ ،‬أو طلقتك وأنا صبي أو نائم‪ ،‬أو مجنون ‪ ،‬كان‬
‫لغوا؛ لن حاصله إنكار الطلق‪.‬‬

‫( ‪)9/417‬‬

‫كذلك رأى الحنفية والشافعية والحنابلة‪ :‬إن قال‪ :‬أنت طالق قبل موتي بشهرين أو أكثر‪ ،‬فمات قبل‬
‫مضي شهرين‪ ،‬لم تطلق لنتفاء الشرط‪ ،‬ولن الطلق ل يقع في الماضي‪ .‬وإن مضى شهران ثم مات‬
‫بعدهما ولو بساعة طلقت مستندا لول المدة ل عند الموت‪ ،‬وفائدة الطلق‪ :‬أنه ل ميراث لها؛ لن‬
‫العدة قد تنتهي بشهرين‪ ،‬بثلث حيضات عند الحنفية ومن وافقهم‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬أنت طالق قبل موتي‪ ،‬ولم يزد شيئا‪ ،‬طلقت في الحال؛ لن ما قبل موته من عقد صفة‬
‫الطلق‪ ،‬محل للطلق‪ ،‬فوقع في أوله‪.‬‬
‫وإن قال لزوجته‪ :‬أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر‪ ،‬فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلق فيه‪ ،‬وقع مستندا (‬
‫أي بأثر رجعي ) قبل الشهر عند الشافعية والحنابلة؛ لن قوله يراد به إيقاع الطلق بعد عقده‪ ،‬لنه‬
‫أوقع الطلق في زمن على صفة‪ ،‬فإذا حصلت الصفة وقع فيه‪ ،‬كما لو قال‪ :‬أنت طالق قبل رمضان‬
‫بشهر أو قبل موتك بشهر‪.‬‬
‫وقال الحنفية ما عدا زفر‪ :‬يقع الطلق مقتصرا ( أي من غير أثر رجعي ) عند قدوم زيد؛ لنه جعل‬
‫الشهر شرطا لوقوع الطلق‪ ،‬فل يسبق الطلق شرطه‪.‬‬
‫ثالثا ـ الطلق المعلق ‪:‬‬
‫هو ما رتب وقوعه على حصول أمر في المستقبل‪ ،‬بأداة من أدوات الشرط أي التعليق‪ ،‬مثل إن‪،‬‬
‫وإذا ‪ ،‬ومتى‪ ،‬ولو ونحوها‪ ،‬كأن يقول الرجل لزوجته‪ :‬إن دخلت دار فلن فأنت طالق‪ ،‬أو إذا سافرت‬
‫إلى بلدك فأنت طالق‪ ،‬أو إن خرجت من المنزل بغير إذني فأنتي طالق‪ ،‬أو متى كلمت فلنا فأنت‬
‫طالق‪.‬‬
‫ويسمى يمينا مجازا؛ لن التعليق في الحقيقة إنما هو شرط وجزاء‪ ،‬فإطلق اليمين عليه مجاز‪ ،‬لما فيه‬
‫من معنى السببية‪ ،‬ولمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر‪.‬‬
‫والتعليق إما لفظي‪ :‬وهو الذي تذكر فيه أداة الشرط صراحة‪ ،‬مثل إن وإذا‪.‬‬

‫( ‪)9/418‬‬

‫وإما معنوي‪ :‬وهو الذي ل تذكر فيه أداة الشرط صراحة‪ ،‬بل تكون موجودة من حيث المعنى‪ ،‬كقول‬
‫الزوج‪ :‬علي الطلق لفعلن كذا‪ ،‬أو ل أفعل كذا‪ ،‬أو الطلق يلزمني ل أفعل كذا‪ .‬فالمقصود منها‬
‫بحسب العرف‪ :‬لزوم الطلق إن حصل المحلوف عليه‪ ،‬أم لم يحصل‪.‬‬
‫أنواع الشرط المعلق عليه ‪:‬‬
‫الشرط الذي يعلق الطلق عليه إما أن يكون أمرا اختياريا يمكن فعله والمتناع عنه‪ ،‬أو أمرا غير‬
‫اختياري‪.‬‬
‫فإن كان الشرط أمرا اختياريا يمكن أن يكون ويمكن أل يكون‪ :‬فإما أن يكون فعلً من أفعال الزوج‪،‬‬
‫مثل إن دخلت دار فلن أو كلمت فلنا فامرأتي طالق‪ ،‬أو إن لم أدفع حق فلن غدا فزوجتي طالق‪،‬‬
‫ففي المثال الول يكون التعليق لحمل نفسه على المتناع من الدخول‪ ،‬وفي المثال الثاني يكون التعليق‬
‫لحمل نفسه على دفع الدين أو الحق في الغد‪.‬‬
‫أو يكون فعلً من أفعال الزوجة‪ ،‬مثل إن سافرت أو دخلت دار فلن فأنت طالق‪ .‬ومثل‪ :‬أنت طالق‬
‫إن شئت‪ ،‬لم تطلق حتى تسافر أو تدخل الدار أو تشاء‪ .‬أو يكون فعلً لغير الزوجين‪ ،‬مثل‪ :‬إن سافر‬
‫أخوك فأنت طالق‪ .‬وإن كان الشرط أمرا غير اختياري للنسان فهو كالتعليق بمشيئة ال تعالى‪،‬‬
‫وطلوع الشمس وموت فلن‪ ،‬ودخول الشهر‪ ،‬وولدة فلنة ونحوها‪.‬‬
‫شروط التعليق ‪:‬‬
‫يشترط لصحة التعليق ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الشرط المعلق عليه الطلق معدوما على خطر الوجود‪ ،‬أي يحتمل أن يكون وأل‬
‫يكون‪ .‬فلو كان موجودا كان طلقها منجزا‪ ،‬مثل إن خرجت أمس فأنت طالق‪ ،‬وقد خرجت فعلً‬
‫فتطلق في الحال‪ .‬وإن كان المعلق عليه أمرا مستحيلً عادة كالطيران وصعود السماء‪ ،‬مثل إن‬
‫صعدت السماء فأنت طالق‪ ،‬ومنه التعليق بمشيئة ال تعالى‪ ،‬كأن يقول‪ :‬أنت طالق إن شاء ال تعالى‪،‬‬
‫فل يقع عند الحنفية؛ لن التعليق ل يصح‪ ،‬واليمين لغو‪ ،‬ووافقهم بقية المذاهب في التعليق بمستحيل‬
‫عادة‪.‬‬

‫( ‪)9/419‬‬

‫ووافقهم أيضا المالكية والشافعية والظاهرية في التعليق بمشيئة ال ‪ ،‬ل يقع الطلق عندهم إن قصد‬
‫التعليق‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬يقع الطلق‪،‬لن ما ل يمكن الطلع عليه يكون منجزا ويقع في الحال‪ ،‬وسقط‬
‫حكم تعليقه‪ ،‬قال ابن عباس‪« :‬إذا قال الرجل لمرأته‪ :‬أنت طالق إن شاء ال ‪ ،‬فهي طالق» وقال ابن‬
‫عمرو وأبو سعيد‪« :‬كنا معشر النبي صلّى ال عليه وسلم نرى الستثناء جائزا في كل شيء إل في‬
‫الطلق والعتاق» وذكر الشافعية‪ :‬أنه لو قال‪ :‬يا طالق إن شاء ال ‪ ،‬وقع في الصح نظرا لصورة‬
‫النداء المشعر بحصول الطلق حالته‪ ،‬والحاصل ل يعلق‪ ،‬بخلف أنت طالق إن شاء ال وقصد‬
‫التعليق فإنه لم يقع‪.‬‬
‫ورأي غير الحنابلة أصح لدي لحديث ابن عمر‪« :‬من حلف على يمين‪ ،‬فقال‪ :‬إن شاء ال ‪ ،‬فل حنث‬
‫عليه» (‪ )1‬وحديث ابن عباس‪« :‬من قال لمرأته‪ :‬أنت طالق إن شاء ال ‪ ،‬أو لغلمه‪ :‬أنت حر‪ ،‬أو‬
‫قال‪ :‬عليّ المشي إلى بيت ال إن شاء ال ‪ ،‬فل شيء عليه» (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يحصل المعلق عليه والمرأة محل لوقوع الطلق عليها‪ :‬بأن تكون في حال الزوجية فعلً‪ ،‬أو‬
‫حكما في أثناء العدة باتفاق الفقهاء‪ ،‬أو في أثناء العدة من الطلق البائن بينونة صغرى عند الحنفية‪،‬‬
‫خلفا لباقي المذاهب‪ ،‬فلو قال الرجل لمرأة أجنبية‪ :‬إن كلمت فلنا فأنت طالق‪ ،‬فكلمته‪ ،‬لم يقع‬
‫الطلق وكذا لو تزوجها ثم كلمت فلنا‪ ،‬ل تطلق؛ لنها وقت التعليق لم تكن محلً ليقاع الطلق‪.‬‬
‫ولو قال لمرأته المطلقة طلقا رجعيا في أثناء العدة‪ :‬إن كلمت فلنا‪ ،‬فأنت طالق‪ ،‬فكلمته في العدة‪،‬‬
‫وقع الطلق عليها باتفاق الفقهاء‪ ،‬وكذا تطلق لو كانت عند الحنفية في عدة طلق بائن بينونة صغرى‪،‬‬
‫ول تطلق حينئذ في المذاهب الخرى‪.‬‬
‫ل ليقاع الطلق‪ ،‬فلو طلق طلقا معلقا ثم‬
‫ول يشترط عند حصول المعلق عليه أن يكون الزوج أه ً‬
‫جن أو عته‪ ،‬ووجد المعلق عليه‪ ،‬وقع الطلق؛ لن الصيغة صدرت من أهلها مستوفية شروطها‪،‬‬
‫فيترتب عليها أثرها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أصحاب السنن الربعة‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن ( نصب الراية‪.) 234/3 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن عدي‪ ،‬وهو معلول بإسحاق الكعبي ( نصب الراية‪.) 235/3 :‬‬

‫( ‪)9/420‬‬

‫حكم الطلق المعلق أو اليمين بالطلق ‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء في اليمين بالطلق أو الطلق المعلق على ثلثة أقوال (‪ ، )1‬كأن يعلق طلق زوجته‬
‫على أمر المستقبل‪ ،‬ويوجد المعلق عليه‪ ،‬مثل‪ :‬إن دخلت الدارفأنت طالق‪ ،‬أو كلمت زيدا‪ ،‬أو إن قدم‬
‫فلن من سفره‪ ،‬فأنت طالق‪ .‬أو يقول لها في العرف الشائع اليوم‪ :‬علي الطلق إن ذهبت لبيت أهلك‪،‬‬
‫أو سافرت‪ ،‬أو ولدت أنثى‪ ،‬أو علي الطلق إن لم أتزوج زوجة أخرى ونحوه‪.‬‬
‫‪ - 1‬فقال أئمة المذاهب الربعة‪ :‬يقع الطلق المعلق متى وجد المعلق عليه‪ ،‬سواء أكان فعلً لحد‬
‫الزوجين‪ ،‬أم كان أمرا سماويا‪ ،‬وسواء أكان التعليق قسميا‪ :‬وهو الحث على فعل شيء أو تركه أو‬
‫تأكيد الخبر‪ ،‬أم شرطيا يقصد به حصول الجزاء عند حصول الشرط‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال الظاهرية والشيعة المامية‪ :‬اليمين بالطلق أو الطلق المعلق إذا وجد المعلق عليه ل يقع‬
‫أصلً‪ ،‬سواء أكان على وجه اليمين‪ :‬وهو ما قصد به الحث على فعل شيء أو تركه أو تأكيد الخبر‪،‬‬
‫أم لم يكن على وجه اليمين‪ :‬وهو ما قصد به وقوع الطلق عند حصول المعلق عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 76/4 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،231‬مغني المحتاج‪ 314/3 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫المغني‪ 178/7 :‬ومابعدها‪ ،‬المحلى‪ 258/10 :‬ومابعدها‪ ،‬مسألة ‪ ،1969‬المختصر النافع من فقه‬
‫المامية‪ :‬ص ‪ ،222‬أعلم الموقعين‪ 66/3 :‬ومابعدها‪ ،‬مقارنة المذاهب للستاذين شلتوت والسايس‪:‬‬
‫ص ‪ 108‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/421‬‬

‫‪ - 3‬وقال ابن تيمية وابن القيم بالتفصيل‪ :‬إن كان التعليق قسميا أو على وجه اليمين ووجد المعلق‬
‫عليه‪ ،‬ل يقع‪ ،‬ويجزيه عند ابن تيمية كفارة يمين إن حنث في يمينه‪ ،‬ول كفارة عليه عند ابن القيم‪،‬‬
‫وأما إن كان التعليق شرطيا أو على غير وجه اليمين‪ ،‬فيقع الطلق عند حصول الشرط‪.‬‬
‫أدلة القوال ‪:‬‬
‫أدلة القول الول‪ :‬استدل أئمة المذاهب الربعة بالكتاب والسنة والمعقول‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكتاب‪ :‬استدلوا بإطلق اليات الدالة على مشروعية الطلق وتفويض المر فيه إلى الزوج‪،‬‬
‫مثل قوله تعالى‪{ :‬الطلق مرتان} [البقرة‪ ،]229/2:‬فهي لم تفرق بين منجز ومعلق‪ ،‬ولم تقيد وقوعه‬
‫بشيء‪ ،‬والمطلق يعمل به على إطلقه‪ ،‬فيكون للزوج إيقاع الطلق حسبما يشاء منجزا أو مضافا أو‬
‫معلقا على وجه اليمين أو غيره‪.‬‬
‫‪ - 2‬السنة‪ :‬استدلوا بقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬المسلمون عند شروطهم» وبوقائع كثيرة حدثت في‬
‫عصر النبي والصحابة‪ ،‬منها‪ :‬ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال‪« :‬طلق رجل امرأته البتة إن‬
‫خرجت» فقال ابن عمر‪ :‬إن خرجت فقد بانت منه‪ ،‬وإن لم تخرج فليس بشيء‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما رواه البيهقي عن ابن مسعود في رجل قال لمرأته‪ :‬إن فعلتْ كذا وكذا‪ ،‬فهي طالق‪ ،‬ففعلته‪:‬‬
‫فقال‪ :‬هي واحدة‪ ،‬وهو أحق بها ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما صح عن أبي ذر الغفاري أن امرأته لما ألحت عليه في السؤال عن الساعة التي يستجيب‬
‫ال فيها الدعاء يوم الجمعة قال لها‪« :‬إن عدت سألتِني فأنت طالق» ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما أسنده ابن عبد البر عن عائشة رضي ال عنها قالت‪« :‬كل يمين وإن عظمت‪ ،‬ففيها الكفارة‬
‫إل العتق والطلق» ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما رواه البيهقي عن ابن عباس في رجل قال لمرأته‪ :‬هي طالق إلى سنة‪ ،‬قال‪ :‬يستمتع بها‬
‫إلى سنة‪ .‬وهذا الثر في التعليق الشرطي‪ ،‬وكل ما سبق قبله في التعليق القسمي‪.‬‬

‫( ‪)9/422‬‬
‫وعن الحسن البصري فيمن قال لمرأته‪ :‬أنت طالق إن لم أضرب غلمي فأبق الغلم (هرب)‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هي امرأه يستمتع بها‪ ،‬ويتوارثان‪ ،‬حتى يفعل ما قال‪ .‬فإن مات الغلم قبل أن يفعل ما قاله‪ ،‬فقد ذهبت‬
‫منه امرأته‪.‬‬
‫وروى البيهقي عن أبي الزناد عن فقهاء أهل المدينة أنهم كانوا يقولون‪ :‬أيما رجل قال لمرأته‪ :‬أنت‬
‫طالق إن خرجت حتى الليل‪ ،‬فخرجت امرأته قبل الليل بغير علمه‪ ،‬طلقت امرأته‪ .‬فكل هذه الثار تدل‬
‫على وقوع الطلق المعلق عند حدوث الشرط المعلق عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬المعقول‪ :‬قد تدعو الحاجة إلى تعليق الطلق كما تدعو إلى تنجيزه‪ ،‬زجرا للمرأة‪ ،‬فإن خالفت‬
‫كانت هي الجانية على نفسها‪ .‬ويقاس الطلق القسمي على المداينة إلى أجل والعتق إلى أجل‪.‬‬
‫أدلة القول الثاني ‪:‬‬
‫استدل الظاهرية والمامية على قولهم بأن تعليق الطلق يمين‪ ،‬واليمين بغير ال تعالى ل تجوز‪ ،‬بقوله‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من كان حالفا فل يحلف إل بال » (‪ )1‬ثم قالوا‪ :‬ول طلق إل ما أمر ال عز‬
‫وجل‪ ،‬ول يمين إل كما أمر ال عز وجل على لسان رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬واليمين‬
‫بالطلق ليس مما سماه ال تعالى يمينا‪ ،‬وال تعالى يقول‪{ :‬ومن يتعدّ حدود ال فقد ظلم نفسه}‬
‫[الطلق‪ ]1/65:‬ولم يأت قرآن ول سنة بوقوع الطلق المعلق‪.‬‬
‫ورد هذا‪ :‬بأن تسمية الطلق المعلق يمينا إنما هو على سبيل المجاز‪ ،‬من حيث إنه يفيد ما يفيده اليمين‬
‫بال تعالى‪ :‬وهو الحث على الفعل‪ ،‬أو المنع منه‪ ،‬أو تأكيد الخبر‪ ،‬فل يكون الحديث المذكور متناولً‬
‫الطلق المعلق‪ .‬ثم إن السنة وردت بوقوع الطلق المعلق‪.‬‬
‫واستدلوا أيضا بما رواه ابن حزم وابن القيم عن علي وشريح أنهم كانوا يقولون‪« :‬الحلف بالطلق‬
‫ليس بشيء» ورد عليه بأن المروي عن علي في حال الضطهاد‪ ،‬والمروي عن شريح في حالة عدم‬
‫وقوع المر المعلق عليه‪ ،‬والمروي عن طاوس مؤوّل بأنه ليس شيئا مستقيما في السنة بمعنى ل‬
‫ينبغي أن يحصل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو عبيد عن ابن عمر‪.‬‬

‫( ‪)9/423‬‬

‫واستدلوا كذلك بأن كل طلق ل يقع حين إيقاعه دون تقييد بشرط أو صفة ل يقع بعدئذ‪ .‬ورد هذا بأن‬
‫المعلّق ليس موقعا للطلق حين التلفظ‪ ،‬وإنما عند تحقق الشرط‪.‬‬
‫وقاسوا الطلق على النكاح‪ ،‬فكما ل يصح تعليق النكاح ل يصح تعليق الطلق‪ .‬ورد عليه بأنه قياس‬
‫مع الفارق؛ لن تعليق النكاح مناف للمقصود منه‪ ،‬أما الطلق فإنه ل ينافيه‪.‬‬
‫أدلة القول الثالث ‪:‬‬
‫استدل ابن تيمية وابن القيم على رأيهم التفصيلي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬بأن الطلق المعلق القسمي إذا كان المقصود منه الحث على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر‪،‬‬
‫كان في معنى اليمين‪ ،‬فيكون داخلً في أحكام اليمين في قوله تعالى‪{ :‬قد فرض ال لكم تحلة أيمانكم}‬
‫[التحريم‪ ]2/66:‬وقوله سبحانه‪{ :‬ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة‪ .]89/5:‬وإن لم تكن يمينا‬
‫شرعية كانت لغوا‪.‬‬
‫ورد عليهما بأن الطلق المعلق ل يسمى يمينا ل شرعا ول لغة‪ ،‬وإنما هو يمين على سبيل المجاز‪،‬‬
‫لمشابهة اليمين الشرعية في إفادة الحث على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر‪ ،‬فل يكون له حكم‬
‫اليمين الحقيقي‪ :‬وهو الحلف بال تعالى أو صفة من صفاته‪ ،‬بل له حكم آخر‪ :‬وهو وقوع الطلق عند‬
‫حصول المعلق عليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬وبأن عائشة وحفصة وأم سلمة وابن عباس أفتوا ليلى بنت العجماء بأن تكفّر عن يمينها حينما‬
‫حلفت بالعتق فقالت‪ :‬كل مملوك لها محرر‪ ،‬وكل مال لها هدي‪ ،‬وهي يهودية وهي نصرانية إن لم‬
‫يطلق مولها أبو رافع امرأته‪ ،‬أو يفرق بينه وبينها‪ ،‬فيكون الحلف بالطلق مثله وهو أولى‪ .‬ورد‬
‫عليهما بأن الثار المروية عن الصحابة في العتداد بالتعليق أقوى من هذا؛ لن رواتها من رجال‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪ - 3‬وبما رواه البخاري عن ابن عباس رضي ال عنه‪« :‬الطلق عن وَطَر والعتق‪ :‬ما ابتغي به وجه‬
‫ال » أي أن الطلق إنما يقع ممن غرضه إيقاعه‪ ،‬ل ممن يكره وقوعه كالحالف المكره‪.‬‬
‫وأجيب بأن معنى الوطر ليس هو كما ذكرتم‪ ،‬بل معناه‪ :‬ل ينبغي للرجل أن يطلق امرأته إل عند‬
‫الحاجة كالنشوز‪.‬‬
‫وفي تقديري أن القول الول هو الصح دليلً‪ ،‬لكن يلحظ أن الشبان غالبا يستخدمون اليمين بالطلق‬
‫للتهديد ل بقصد اليقاع‪ ،‬وهذا يجعلني أميل إلى القول الثالث‪ ،‬ل سيما وقد أخذ به القانون في مصر‬
‫رقم ( ‪ 25‬لسنة ‪ ،)1929‬وفي سورية‪ ،‬نصت المادة الثانية من القانون المصري والمادة (‪ )90‬من‬
‫القانون السوري على الخذ برأي ابن تيمية وابن القيم‪:‬‬
‫«ل يقع الطلق غير المنجز إذا لم يقصد به إل الحث على فعل شيء‪ ،‬أو المنع منه‪ ،‬أو استعمل‬
‫استعمال القسم لتأكيد الخبار ل غير» ‪.‬‬

‫( ‪)9/424‬‬
‫ملحق ـ حكم طلق المريض مرض الموت ‪:‬‬
‫أبحث هنا حكم طلق المريض مرض الموت ونحوه‪ ،‬وشروط ثبوت ميراث زوجته منه‪ ،‬وبعض‬
‫الحكام الفرعية في مرض الموت (‪. )1‬‬
‫المقصود بمريض الموت ‪ :‬كل من غالب حاله الهلك بمرض أو غيهر له حكم مرض الموت ‪،‬‬
‫ويسمى طلقه طلق الفارّ أو الفرار ‪ ،‬لفراره من إرث زوجته ‪ ،‬فيرد عليه قصده إلى تمام عدتها عند‬
‫الحنفية ‪ ،‬ولو بعد انقضاء العدة عند المالكية ‪ ،‬وما لم تتزوج في المشهور عند الحنابلة ‪.‬‬
‫ومريض الموت كما قال الحنفية‪ :‬هو من أضناه مرض عجز به عن إقامة مصالحه المعتادة خارج‬
‫البيت‪ ،‬كعجز العالم الفقيه عن التيان إلى المسجد وعجز التاجر عن التيان إلى دكانه‪ .‬وأما المرأة‬
‫المريضة‪ :‬فهي التي عجزت عن مصالحها المعتادة داخل البيت كطبخ ونحوه‪ .‬واستمر المرض في‬
‫حدود السنة دون تزايد‪ ،‬وأعقبه الموت‪ ،‬فالمراد من مرض الموت‪ :‬هو الذي يتحقق فيه أمران‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 150/3 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،723-715/2 :‬اللباب‪ ،52/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،228‬مغني المحتاج‪ ،294/3 :‬المغني‪ ،339-329/6 :‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪،223‬‬
‫المحلى‪ ،266/10 :‬مسألة ‪.1976‬‬

‫( ‪)9/425‬‬

‫الول ـ أن يكون الغالب فيه الهلك عادة‪ ،‬الثاني ـ أن يتصل به الموت‪.‬ويلحق به من يترقب الموت‬
‫كالمحكوم عليه بالعدام‪ ،‬والمشرف على الغرق في سفينة‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬له أحكام‪ ،‬منها‪ :‬أنه ل يصح تبرعه إل من ثلث التركة‪ ،‬ومنها نفاذ طلقه وإرث امرأته منه إذا‬
‫مات وهي في العدة عند الحنفية‪ ،‬وتفصيل حكم طلقه ما يأتي‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الرجل المريض إذا طلق امرأته‪ ،‬فطلقه نافذ كالصحيح‪ ،‬فإن مات من ذلك‬
‫المرض ورثته المطلقة ما دامت في العدة من طلق رجعي‪ ،‬كما ترثه فيها في طلقها في حال‬
‫الصحة؛ لن الرجعية زوجة يلحقها طلق الزوج وظهاره وإيلؤه‪ ،‬ويملك إمساكها بالرجعة ولو بغير‬
‫رضاها‪ ،‬ول ولي ول شهود ولصداق جديد‪.‬‬
‫أما إن طلقها في حال الصحة طلقا بائنا أو رجعيا‪ ،‬فبانت منه بانقضاء عدتها‪ ،‬فلم يتوارثا إجماعا‪.‬‬
‫واتفق الفقهاء أيضا على أن الرجل إذا طلق امرأته في مرض الموت ثم ماتت‪ ،‬لم يرثها وإن ماتت في‬
‫العدة‪.‬‬
‫واختلفوا في إرث الزوجة المطلقة طلقا بائنا إذا مات الزوج في أثناء العدة من هذا الطلق‪ .‬وهذا‬
‫محل البحث هنا‪ ،‬وهو حكم طلق الفرار‪.‬‬
‫فقال الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة والمامية)‪ :‬إنها ترثه‪ ،‬وقال الشافعي في الجديد‪ :‬ل ترثه‪.‬‬
‫وقال الظاهرية‪ :‬طلق المريض كطلق الصحيح ول فرق‪ ،‬فإذا مات أو ماتت فل توارث بينهما بعد‬
‫الطلق الثلث‪ ،‬ول بعد تمام العدة في الطلق الرجعي‪.‬‬
‫الدلة ‪:‬‬
‫استدل الشافعي على أن المرأة المطلقة في عدة طلق بائن ل ترث من زوجها الذي طلقها‪ :‬بانقطاع‬
‫آثار الزوجية بالطلق البائن‪ ،‬والميراث ل يثبت بعد زوال سببه‪ ،‬بخلف المطلقة في عدة طلق‬
‫رجعي‪ ،‬فإنها ترث بالتفاق لبقاء آثار الزوجية‪ ،‬كلحوق الطلق لها واليلء منها ونحوهما‪.‬‬
‫واستدل الجمهور بالثر والمعقول‪:‬‬

‫( ‪)9/426‬‬

‫أما الثر‪ :‬فإن عثمان رضي ال عنه ورّث تماضر بنت الصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف‪،‬‬
‫الذي كان قد طلقها في مرضه‪ ،‬فبتّها‪ ،‬وكان ذلك بمحضر من الصحابة‪ ،‬فلم ينكر عليه أحد‪ ،‬فكان‬
‫إجماعا منهم‪.‬‬
‫وأما المعقول‪ :‬فهو أن تطليقها ضرار محض‪ ،‬وهو يدل على قصده حرمانها من الرث‪ ،‬فيعاقب‬
‫بنقيض قصده‪ ،‬كما يرد قصد القاتل إذا قتل مورثه بحرمانه من الرث‪ ،‬فترث المرأة حينئذ بسبب‬
‫الزوجية دفعا للضرر عنها‪.‬‬
‫وقت الرث‪ :‬لكن اختلف الجمهور في وقت الرث‪ ،‬فقال الحنفية‪ :‬إنها ترث إذا مات وهي في العدة‬
‫من هذا الطلق البائن‪ ،‬لبقاء بعض أحكام الزواج فيبقى حق إرثها منه‪ ،‬فإن مات بعد انقضاء العدة‪،‬‬
‫فل ميراث لها؛ لنه لم يبق بينهما علقة‪ ،‬وصارت كالجنبية‪ ،‬ففي أثناء العدة‪ :‬ترث بسبب المكان‬
‫وهو بقاء بعض أحكام الزوجية‪ ،‬وبعد انقضاء العدة‪ :‬ل ترث لعدم المكان وانقطاع آثار الزوجية‬
‫السابقة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إنها ترث وإن انقضت عدتها وتزوجت‪ ،‬لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف‬
‫«أن أباه طلق أمه‪ ،‬وهو مريض‪ ،‬فمات‪ ،‬فورثته بعد انقضاء العدة» ولن سبب توريثها فراره من‬
‫ميراثها‪ ،‬وهذا المعنى ل يزول بعد انقضاء العدة‪.‬‬
‫وعند المامية‪ ،‬والمشهور عند أحمد‪ :‬أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج‪ ،‬لما روي عن الحسن‬
‫البصري‪ ،‬ولن هذه المطلقة وارثة من زوج‪ ،‬فل ترث زوجا سواه كسائر الزوجات‪ ،‬فلو ورثت بعد‬
‫الزواج بغيره لدى ذلك إلى توريثها من زوجين في بعض الحوال‪ ،‬والمرأة ل تكون زوجة لثنين‬
‫شرعا‪ ،‬والتوارث من حكم النكاح فل يجوز اجتماعه مع نكاح آخر‪ ،‬ولنها فعلت باختيارها ما ينافي‬
‫نكاح الزوج الول لها‪ ،‬فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها‪.‬‬

‫( ‪)9/427‬‬

‫شروط ثبوت الميراث‪ :‬يشترط لثبوت ميراث المرأة في طلق الفرار مايأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أل يصح الزوج من ذلك المرض‪ ،‬وإن مات منه بعد مدة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون المرض مخوفا يحجر عليه فيه‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون الطلق البائن بعد الدخول الحقيقي‪ :‬فلو كان الطلق قبل الدخول ولو بعد الخلوة‬
‫الصحيحةل يعتبر المطلّق فارّا ول تستحق الزوجة الميراث؛ لن العدة ل تجب بهذا الطلق‪ .‬ووجوب‬
‫العدة بعد الخلوة عندا لحنفية ومن وافقهم للحتياط محافظة على النساب‪ ،‬والميراث حق مالي ل يثبت‬
‫للحتياط‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون الطلق بدون رضا الزوجة‪ :‬أي منه ل منها ول بسببها‪ ،‬فلو كان برضاها ل يثبت لها‬
‫الميراث‪ ،‬ول يوصف المطلّق بالفرار‪ .‬وعليه لو كان الطلق بالتمليك والتخيير بأن قال لها‪ :‬اختاري‪،‬‬
‫والخلع بأن اختلعت منه على مال دفعته له في سبيل تطليقها‪ ،‬والتفريق القضائي لعيب في الزوج‪ ،‬ثم‬
‫مات وهي في العدة‪ ،‬لم ترثه‪ ،‬لتحقق رضاها بإبطال حقها في الميراث‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن تكون الزوجة أهلً للميراث من زوجها وقت الطلق‪ ،‬وأن تستمر هذه الهلية إلى وقت‬
‫ل للميراث وقت الطلق‪ ،‬بأن كانت كتابية وهو مسلم‪ ،‬فل يثبت لها الميراث‪،‬‬
‫الموت‪ .‬فإذا لم تكن أه ً‬
‫لعدم تحقق صفة الفرار‪ .‬ولو كانت مسلمة وقت الطلق‪ ،‬ثم خرجت عن هذه الهلية قبل الموت‬
‫فارتدت‪ ،‬فإنها ل ترث؛ لنها بالردة سقط حقها في الميراث‪ ،‬ول يعود لها عند الجمهور غير المالكية‬
‫هذا الحق بالسلم؛ لن الساقط ل يعود‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬لو عادت إلى السلم بعد أن ارتدت ثم مات الزوج في عدتها‪ ،‬فإنها ترثه؛ لنها مطلّقة‬
‫في المرض‪ ،‬فأشبه ما لو لم ترتد‪.‬‬

‫( ‪)9/428‬‬
‫الفرقة من جهة الزوجة المريضة مرض الموت‪ :‬إذا حدثت الفرقة من جهة الزوجة وهي مريضة‬
‫مرض الموت ونحوه مما يغلب فيه الهلك‪ ،‬فإنها تعد فارّة من ميراث زوجها‪ ،‬فتعامل بنقيض‬
‫مقصودها‪ ،‬ويرثها الزوج إذا ماتت وهي في العدة‪ ،‬ول ترث هي منه إذا مات ولو كانت في العدة‪.‬‬
‫وإذا قصدت الزوجة بالفرقة إبطال حق الزوج‪ ،‬رد عليها قصدها وثبت له الميراث‪ ،‬كأن يكون‬
‫لهاخيار الفسخ‪ ،‬أو ترتكب مع أحد أصول الزوج أو فروعه في مرض موتها ما يوجب حرمة‬
‫المصاهرة‪ ،‬أو ترتد عن السلم وهي في مرض موتها‪ ،‬فإنها تعتبر فارّة من الميراث‪ ،‬فيرثها زوجها‬
‫إذا ماتت قبل انقضاء عدتها؛ لن الفرقة جاءت بسبب من جهتها‪.‬‬
‫ومما يوجب حرمة المصاهرة عند الحنفية والحنابلة‪ :‬أن يستكره البن امرأة أبيه على ما ينفسخ به‬
‫نكاحها من وطء أو غيره في مرض أبيه‪ ،‬فمات أبوه من مرضه المذكور‪ ،‬ورثته ولم يرثها إن ماتت‪.‬‬
‫فإن طاوعته على الحرام‪ ،‬لم ترث؛ لنها مشاركة فيما ينفسخ به نكاحها‪ ،‬فأشبه ما لو خالعته‪.‬‬
‫وكذلك الحكم فيما إذا وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها‪ ،‬كأم امرأته أو ابنتها‪ ،‬فإن امرأته تبين‬
‫منه وترثه إذا مات في مرضه‪ ،‬ول يرثها‪ ،‬سواء طاوعته الموطوءة أو أكرهها‪ ،‬فإن مطاوعتها ليس‬
‫للمرأة فيه فعل‪ ،‬فيسقط به ميراثها‪.‬‬
‫ول يرى الشافعي فسخ النكاح بالوطء الحرام‪.‬‬
‫وإن فعلت المريضة ما ينفسخ نكاحها‪ ،‬كرضاع امرأة صغيرة لزوجها‪ ،‬أو رضاع زوجها الصغير‪ ،‬أو‬
‫ارتدت أو نحوها‪ ،‬فماتت في مرضها‪ ،‬ورثها الزوج ولم ترثه عند الحنفية والحنابلة والمالكية‪ ،‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬ل يرثها‪.‬‬
‫زواج المريض المطلّق بأخرى‪ :‬إذا طلق المريض امرأته‪ ،‬ثم نكح أخرى ومات من مرضه في عدة‬
‫المطلقة‪ ،‬ورثتاه عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬وقال مالك‪ :‬الميراث كله للمطلقة؛ لن نكاح المريض عنده‬
‫غير صحيح‪.‬‬

‫( ‪)9/429‬‬

‫المبحث السادس ـ الشك في الطلق وإثبات الطلق ‪:‬‬


‫الشك في الطلق‪ :‬الشك لغة ضد اليقين‪ ،‬واصطلحا‪ :‬تردد على السواء‪ ،‬والمراد هنا مطلق التردد‪،‬‬
‫سواء أكان على السواء بين الحتمالين أم ترجح أحد الحتمالين‪ .‬وحكمه باتفاق الفقهاء (‪ : )1‬أن‬
‫اليقين ل يزول بالشك‪ ،‬وعدم الشك من الزوج في الطلق هو شرط الحكم بوقوع الطلق‪ ،‬فلو شك فيه‬
‫ل يحكم بوقوعه‪ ،‬ول يعتزل امرأته‪.‬‬
‫ـ فمن شك في طلقه‪ ،‬هل طلق أو ل‪ ،‬لم تطلق امرأته؛ لن النكاح كان ثابتا بيقين‪ ،‬ووقع الشك في‬
‫زواله بالطلق‪ ،‬فل يحكم بزواله بالشك‪ ،‬كحياة المفقود‪ ،‬إنها لما كانت ثابتة‪ ،‬ووقع الشك في زوالها‪،‬‬
‫ل يحكم بزوالها بالشك‪ ،‬والحاصل‪ :‬أن النكاح ثابت بيقين فل يزول بشك‪.‬‬
‫ـ ومن شك في صفة الطلق‪ :‬أنه طلقها رجعية أو بائنة‪ ،‬يحكم بالرجعية؛ لنها أضعف الطلقين‪،‬‬
‫فكانت متيقنا بها‪.‬‬
‫ـ ومن شك في عدد الطلق بنى على اليقين‪ ،‬وهو القل‪ ،‬فمن شك في طلق ثلث‪ ،‬فيحكم عند‬
‫الجمهور غير المالكية بوقوع طلقة واحدة حتى يستيقن؛ لن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلق‬
‫مشكوك فيه‪ ،‬فلم يلزمه‪ ،‬كما لو شك في أصل الطلق‪ ،‬وتبقى أحكام المطلق دون الثلث من إباحة‬
‫الرجعة‪ ،‬وإذا راجع‪ ،‬وجبت النفقة وحقوق الزوجية‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إن تيقن الطلق‪ ،‬وشك في العدد‪ ،‬لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره؛ لنها تحتمل طلقا‬
‫ثلثا‪.‬‬
‫ـ وإن حلف بالطلق ثم شك‪ :‬هل حنث أو ل‪ ،‬أمر عند المالكية بالفراق‪.‬‬
‫ـ وإن شك في وجود الشرط الذي علق عليه الطلق‪ ،‬مثل‪ :‬أنت طالق إن فعلت كذا‪ ،‬أو أنت طالق‬
‫إن لم أفعل كذا اليوم‪ ،‬فمضى اليوم وشك في فعله‪ ،‬لم تطلق؛ لن النكاح ثابت بيقين‪ ،‬فل يزول بالشك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،126/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،230‬المهذب‪ ،100/2 :‬مغني المحتاج‪ 303/3 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 381/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.247/7 :‬‬

‫( ‪)9/430‬‬

‫ـ ومن طلق إحدى امرأتيه بذاتها‪ ،‬ثم نسيها أو خفيت عليه ذاتها‪ ،‬بأن طلقها في ظلمة أو من وراء‬
‫حجاب‪ ،‬رجع إليه عند الشافعية في تعيينها‪ ،‬ول تحل له واحدة منهما قبل أن يعين‪ ،‬والوطء ليس بيانا‬
‫ول تعيينا‪ ،‬ولو ماتت المرأتان أو إحداهما يطالب بالتعيين لبيان الرث‪ ،‬ولو مات فالظهر قبول بيان‬
‫وارثه ل تعيينه‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬تعين إحداهما بقرعة‪.‬‬
‫وإن طلق إحدى امرأتيه‪ ،‬ولم ينو معينة‪ ،‬لزمه التعيين عند الشافعية‪ .‬وأخرجت المطلقة بالقرعة عند‬
‫الحنابلة‪ ،‬خلفا لما ذهب إليه أكثر العلماء‪ ،‬عملً بما روي عن علي وابن عباس‪ ،‬ولنه إزالة ملك بني‬
‫على التغليب والسراية‪ ،‬فتدخله القرعة كالعتق‪ ،‬ولن الحق لواحد غير معين‪ ،‬فوجب تعيينه بقرعة‬
‫كإعتاق عبيده في مرضه‪ ،‬وكالسفر بإحدى نسائه‪ ،‬وكالمنسية‪ ،‬ول يملك إخراج امرأة بتعيينه بغير‬
‫القرعة‪ ،‬ويجوز له وطء الباقي من نسائه بعد القرعة لبقاء نكاحهن‪ ،‬ول يجوز وطء إحداهن قبل‬
‫القرعة إن كان الطلق بائنا‪ ،‬لحتمال أن تكون هي التي تقع عليها القرعة‪ ،‬وإن كان الطلق رجعيا‬
‫جاز وطء الكل‪ ،‬وبه تحصل الرجعة‪.‬‬
‫ـ ولو قال‪ :‬إن كان الطائر غرابا فأنت طالق‪ ،‬وشك هل كان غرابا أو ل‪ ،‬فل نحكم بوقوعه‪ .‬ولو قال‬
‫شخص آخر‪ :‬إن لم يكن هذا الطائر غرابا فامرأتي طالق‪ ،‬وجهل حال الطائر‪ ،‬لم يحكم بطلق المرأة‪،‬‬
‫لجواز أنه غير غراب‪ ،‬والصل بقاء النكاح‪ ،‬فتعليق الطلق ل يغير حكمه‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬من قال‬
‫عن طائر‪ :‬إن كان هذا الطائر غرابا ففلنة طالق‪ ،‬وإن لم يكن غرابا ففلنة طالق‪ ،‬وجهل أي المرأتين‬
‫طلق‪ ،‬فالمطلقة منهما كالمنسية‪ ،‬يقرع بينهما؛ لنه ل سبيل إلى معرفة المطلقة منهما عينا أو بالذات‪،‬‬
‫فهما سواء‪ ،‬والقرعة طريق شرعي لخراج المجهول‪.‬‬

‫( ‪)9/431‬‬

‫الورع التزام الطلق‪ :‬لكن يلحظ أن الشافعية والحنابلة نبهوا على أن الورع في حال الشك هو التزام‬
‫الطلق والخذ بالسوأ لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» (‬
‫‪ )1‬وقوله‪« :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك» (‪ . )2‬فمن شك في الطلق‪ ،‬يراجع إن كان له الرجعة‪،‬‬
‫وإل فيجدد نكاحها إن كان له فيها رغبة‪ ،‬وإل فلينجز طلقها لتحل لغيره يقينا‪ .‬ومن شك في عدد‬
‫الطلق في أنه طلق ثلثا أم ثنتين‪ ،‬لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره‪ .‬ولو شك‪ :‬هل طلق ثلثا أو لم‬
‫يطلق شيئا‪ ،‬طلقها ثلثا لتحل لغيره يقينا‪.‬‬
‫أدلة العمل بالمتيقن‪ :‬والصل في طرح الشك والعمل بالمتيقن حديث عبد ال ابن زيد عن النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلة‪ ،‬فقال‪ :‬ل ينصرف حتى‬
‫يسمع صوتا أو يجد ريحاَ» (‪ )3‬فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك‪ ،‬ولنه شك طرأ على يقين‪،‬‬
‫فوجب اطراحه‪ ،‬كما لو شك المتطهر في الحدث‪ ،‬أو شك المحدث في الطهارة‪.‬‬
‫وبناء عليه قرر الفقهاء ما سبق وخلصته‪ :‬إن وقع الشك في أصل الطلق‪ :‬ل يحكم بوقوعه؛ لن‬
‫النكاح كان ثابتا بيقين‪ ،‬إن وقع في قدر الطلق أو عدده‪ ،‬يحكم بالقل عند الجمهور غير المالكية؛ لنه‬
‫متيقن به‪ ،‬وفي الزيادة شك‪ .‬وإن وقع الشك في وصف الطلق أنه طلقها رجعية أو بائنة‪ ،‬يحكم‬
‫بالرجعية؛ لنها أضعف الطلقين‪ ،‬فكانت متيقنا بها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي وصححه‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬

‫( ‪)9/432‬‬

‫إثبات الطلق ‪:‬‬


‫إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها‪ ،‬وأنكر هو‪ ،‬فمذهب المالكية (‪ : )1‬أنه إن أتت بشاهدين عدلين نفذ‬
‫الطلق‪ ،‬وإن أتت بشاهد واحد‪،‬حلّف الزوج وبرئ‪ ،‬وإن لم يحلف سجن حتى يقر ويحلف‪.‬‬
‫وإن لم تأت بشاهد فل شيء على الزوج‪ ،‬وعليها منع نفسها منه بقدر جهدها‪.‬‬
‫وإن حلف بالطلق وادعت أنه حنث‪ ،‬فالقول قول الزوج بيمينه‪.‬‬
‫وذكر الحنابلة (‪ : )2‬إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها‪ ،‬فالقول قول الزوج بيمينه؛ لن الصل بقاء‬
‫النكاح وعدم الطلق‪ ،‬إل أن يكون لها بما ادعته بينة‪ ،‬ول يقبل فيه إل عدلن؛ لن الطلق ليس بمال‪،‬‬
‫ول المقصود منه المال‪ ،‬ويطلع عليه الرجال في غالب الحوال كالحدود والقصاص‪ .‬فإن لم تكن بينة‬
‫يستحلف الرجل على الصحيح لحديث‪« :‬اليمين على من أنكر» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.231‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.259/7 :‬‬

‫( ‪)9/433‬‬

‫ملحق ببحث الطلق ـ الرجعة وزواج التحليل ‪:‬‬


‫الرجعة ‪:‬‬
‫أولً ـ تعريف الرجعة ومشروعيتها وحكمها وركنها ونوعاها وأحكام الرجعية (‪: )1‬‬
‫تعريفها‪ :‬الرجعة لغة‪ :‬المرة من الرجوع‪ ،‬واصطلحا عند الحنفية‪ :‬هي استدامة الملك القائم بل‬
‫عوض ما دامت في العدة‪ ،‬أي استدامة الزواج في أثناء عدة الطلق الرجعي‪ .‬والطلق الرجعي كما‬
‫تقدم‪ :‬تطليق المدخول بها ما دون الثلث بل مال‪ ،‬بصريح الطلق غير المقترن بعدد الثلث‪ ،‬أو‬
‫بعض الكنايات المخصوصة (وهي اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة) ‪ .‬وهذا يعني أن الرجعة‬
‫تدل على بقاء الزواج بعد الطلق الرجعي وأنها استدامة له‪ ،‬وليست إنشاء لعقد جديد‪ ،‬ول إعادة‬
‫للزواج السابق بعد زواله‪ ،‬وهذا يتفق مع مبدأ بقاء أحكام الزواج بعد الطلق الرجعي‪ ،‬بدليل قوله‬
‫تعالى‪{ :‬وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة‪ ]228/2:‬سماه بعلً‪ ،‬وهذا يقتضي بقاء الزوجية بينهما‪.‬‬
‫وعرفها الجمهور غير الحنفية بأنها‪ :‬إعادة المطلّقة طلقا غير بائن إلى الزواج في العدة بغير عقد‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الزواج ينتهي بالطلق الرجعي‪ ،‬وأن الرجعة تعيده بعد زواله‪ .‬وهو الراجح لدي‪،‬‬
‫لتفاقه مع مقتضى الطلق الذي يحرم المرأة لغة وعرفا‪.‬‬
‫مشروعيتها‪ :‬الرجعة مشروعة لقوله تعالى‪{ :‬وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} [البقرة‪ ]228/2:‬أي في‬
‫العدة‪{ ،‬إن أرادوا إصلحا} [البقرة‪ ]228/2:‬أي رجعة‪ ،‬كما قال الشافعي والعلماء‪ .‬ولقوله تعالى‪:‬‬
‫{الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪{ ]229/2:‬فأمسكوهن بمعروف} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]231/2‬والرد والمساك مفسران بالرجعة‪.‬‬
‫ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أتاني جبريل فقال‪ :‬راجع حفصة‪ ،‬فإنها صوامة قوّامة‪ ،‬وإنها زوجتك‬
‫في الجنة» (‪ )1‬وقوله صلّى ال عليه وسلم لعمر‪« :‬مره فليراجعها» كما سبق‪.‬‬
‫وأجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق دون الثلث له الرجعة في العدة‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ :‬إذا طلق الرجل امرأته المدخول بها تطليقة رجعية أو تطليقتين‪ ،‬فله أن يراجعها في‬
‫عدتها‪ ،‬سواء رضيت بذلك أم لم ترض؛ لنها عند الحنفية باقية على الزوجية‪ ،‬بدليل جواز الظهار‬
‫عليها‪ ،‬واليلء واللعان والتوارث‪ ،‬وإيقاع الطلق الخر ما دامت في العدة بالجماع‪.‬‬
‫حكمتها‪ :‬حكمة العدة تمكين النادم على الطلق من إعادة الزوجة‪ ،‬وإصلح سبب الخلف‪ ،‬في فترة‬
‫قريبة وهي العدة‪ ،‬فتكون العدة لعطاء فرصة للزوج للنظر في أمر الزوجة‪ ،‬والتفكير في مصيرها‪،‬‬
‫فهل من الخير والمصلحة عودة الحياة الزوجية‪ ،‬فيراجعها قبل انقضاء عدتها‪ ،‬أم أن الخير في‬
‫الطلق‪ ،‬فيتركها حتى تنتهي عدتها وتبين منه‪.‬‬
‫وركن الرجعة عند الحنفية‪ :‬الصيغة أو الفعل فقط‪ ،‬وعند الجمهور‪ :‬أركانها ثلثة‪ :‬مرتجع‪ ،‬وزوجة‪،‬‬
‫وصيغة فقط عند الشافعية وكذا وطء عند الحنابلة‪ ،‬أو فعل أو نية عند المالكية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،738-727/2 :‬فتح القدير‪ ،160/3 :‬اللباب‪ ،53/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،234‬‬
‫الشرح الصغير‪ ،614 ،604/2 :‬الشرح الكبير‪ ،415/2 :‬مغني المحتاج‪ ،340 ،335/3 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،102/2‬كشاف القناع‪ ،395-392/5 :‬المغني‪ 273/7 :‬ومابعدها‪.279 ،‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن‪.‬‬

‫( ‪)9/434‬‬
‫نوعاها‪ :‬الرجعة نوعان‪ :‬رجعة من طلق رجعي‪ ،‬ورجعة من طلق بائن‪ .‬أما الرجعة من الطلق‬
‫الرجعي فتكون بالقول اتفاقا‪ ،‬وتكون بالفعل‪ :‬وهوأن يستمتع بها بالوطء فما دونه‪ .‬ول يجب في‬
‫الرتجاع من الطلق الرجعي صداق ول ولي ول يتوقف على إذن المرأة ول غيرها‪.‬‬
‫فإذا انقضت عدتها‪ ،‬صارت رجعتها كالرجعة من الطلق البائن‪ ،‬ويحتاج في ذلك مايحتاج في إنشاء‬
‫الزواج من إذن المرأة وبذل صداق لها وعقد وليها عند الجمهور المشترطين وجود الولي خلفا‬
‫للحنفية‪ .‬ويجوز بالتفاق عقد زواج جديد على المطلقة طلقا بائنا سواء في العدة أم بعدها‪.‬‬
‫أحكام المرأة الرجعية‪ :‬تعود المرأة الرجعية بالرجعة إلى الزواج بكل ماله وما عليه‪ ،‬ويكون لها حكم‬
‫الزوجات‪ ،‬وتخالفها في أشياء‪ ،‬ومما تخالف الزوجة مايأتي‪:‬‬
‫تحريم الستمتاع بها عند الشافعية والمالكية‪ :‬فيحرم الستمتاع بالرجعية قبل المراجعة بوطء أم غيره‬
‫حتى بالنظر ولو بل شهوة؛ لنها مفارقة كالبائن‪ ،‬ولن النكاح يبيح الستمتاع‪ ،‬فيحرمه الطلق‪ ،‬لنه‬
‫ضده‪ .‬وهذا هو الحق‪ ،‬وإل لم يكن للطلق أثر في التحريم‪.‬‬
‫فإن وطئ الزوج الرجعية فل حد عليه‪ ،‬وإن كان عالما بالتحريم‪ ،‬لختلف العلماء في إباحته‪ .‬ول‬
‫يعزر إل معتقد تحريمه إذا كان عالما بالتحريم‪ ،‬لقدامه على معصية عنده‪ ،‬بخلف معتقد حله‪،‬‬
‫والجاهل بتحريمه لعذر‪ .‬ومثله المرأة‪ .‬ويعد كالوطء في استحقاق التعزير سائر التمتعات‪.‬‬
‫ويجب عند الشافعية بوطء الرجعية مهر المثل إن لم يراجع‪ ،‬وكذا إن راجع على المذهب‪ .‬ورأى‬
‫المالكية‪ :‬أنه ـ بالرغم من تحريم وطء الرجعية على المشهور ـ ل صداق ول حد في الوطء الخالي‬
‫عن نية الرجعة؛ لنها زوجة ما دامت في العدة‪.‬‬

‫( ‪)9/435‬‬

‫وذهب الحنفية‪ ،‬والحنابلة في ظاهر المذهب إلى أنه ل يحرم الستمتاع بالرجعية‪ ،‬فيباح لزوجها‬
‫وطؤها‪ ،‬ويباح له عند الحنابلة الخلوة بها والسفر بها‪ ،‬ولها أن تتزين له‪ ،‬وتسرف في الزينة؛ لنها في‬
‫حكم الزوجات‪ ،‬كما قبل الطلق‪ ،‬لكن ل قسم لها عندهم‪ ،‬والسبب في إباحة الستمتاع بها تسمية‬
‫الزوج بعلً في آية‪{ :‬وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة‪ ]228/2:‬وأن له أن يطلّق‪.‬‬
‫وأثبت الحنفية للرجعية القسم إن كان من قصده المراجعة‪ ،‬وإن لم يقصدها فل قسم لها‪ ،‬لكن يندب‬
‫عدم دخول الزوج عليها بل إعلمها لتتأهب وإن قصد مراجعتها‪ ،‬وتكره الخلوة بها كراهة تنزيهية إن‬
‫لم يكن من قصده الرجعة‪ ،‬وإل فل تكره‪.‬‬
‫والمرأة الرجعية مثل الزوجة اتفاقا في لزوم النفقة والكسوة والسكنى‪ ،‬وفي صحة اليلء منها‬
‫والظهار والطلق واللعان والتوارث‪ ،‬فيرث كل منهما الخر‪.‬‬
‫ومرض الموت والحرام بحج أو عمرة ل يمنعان من الرجعة للمطلقة الرجعية‪ ،‬ويمنعان من رجعة‬
‫البائن‪ ،‬كما يمنعان من إنشاء النكاح في رأي الجمهور غير الحنفية‪ ،‬الذين ليجيزون الزواج في أثناء‬
‫الحرام‪.‬‬
‫ثانيا ـ من له حق الرجعة وعدم قبول إسقاطه ‪:‬‬
‫الرجعة حق الزوج ما دامت المطلقة في العدة‪ ،‬سواء رضيت بذلك أم لم ترض‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلحا} [البقرة‪ ]228/2:‬وهذا الحق للمرتجع أثبته الشرع‬
‫له‪ ،‬فل يقبل السقاط ول التنازل عنه‪ ،‬فلو قال الزوج‪ :‬طلقتك ول رجعة لي عليك‪ ،‬أو أسقطت حقي‬
‫في الرجعة‪ ،‬فإن حقه في الرجعة ل يسقط؛ لن إسقاطه يعد تغييرا لما شرعه ال ‪ ،‬ول يملك أحد أن‬
‫يغير ما شرعه ال ‪ ،‬وال سبحانه رتب حق الرجعة على الطلق الرجعي في آية‪{ :‬الطلق مرتان‪،‬‬
‫فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪.]229/2:‬‬

‫( ‪)9/436‬‬

‫ثالثا ـ شروط صحة الرجعة ‪:‬‬


‫يشترط في الرجعة ما يأتي (‪: )1‬‬
‫شرط المرتجع‪ :‬يشترط في المرتجع أهلية الزواج بنفسه‪ ،‬بأن يكون عند الشافعية والمالكية والحنابلة‬
‫بالغا عاقلً مختارا غير مرتد؛ لن الرجعة كإنشاء النكاح‪ ،‬فل تصح الرجعة في الردة والصبا‬
‫والجنون والسكر‪ ،‬ول من مكرَه‪ ،‬كما ل يصح الزواج فيها‪ ،‬ولن طلق الصبي غير لزم أو غير‬
‫واقع‪ .‬وأجاز الحنفية الرجعة للصبي لن نكاحه صحيح يتوقف على إجازة وليه‪ .‬وأجاز الحنابلة‬
‫والشافعية الرجعة لولي المجنون؛ لنها حق للمجنون يخشى فواته بانقضاء العدة‪ ،‬وأجاز الحنفية‬
‫للمجنون والمعتوه والمكره الرجعة‪.‬‬
‫ول يشترط في المرتجع بالتفاق عدم الحرام بحج أو عمرة‪ ،‬وعدم المرض؛ لن كلً من المحرم‬
‫والمريض فيه أهلية النكاح‪ ،‬غير أنه طرأ عليهما ما يمنع من صحته‪ ،‬فيجوز لخمسة الرجعة ول‬
‫يجوز نكاحهم‪ :‬وهم المحرم والمريض والسفيه والمفلس والعبد‪.‬‬
‫شرط ما تحصل به الرجعة‪ :‬تحصل الرجعة من ناطق عند الشافعية بالقول فقط سواء أكان صريحا أم‬
‫كناية‪ ،‬أما الصريح فمثل‪ :‬راجعتك ورجعتك وارتجعتك ورددتك وأمسكتك‪ ،‬وبمعنى هذه اللفاظ‬
‫ونحوها من سائر اللغات‪ ،‬سواء أعرف العربية أم ل‪ ،‬وسواء أضاف الرجعة إليه أو إلى نكاحه‪،‬‬
‫كقوله‪ :‬إليّ أو إلى نكاحي أم ل‪ ،‬لكن يستحب ذلك‪ .‬ول بد من إضافة الرجعة إلى ظاهر كراجعت‬
‫فلنة‪ ،‬أو مضمر كراجعتك‪ ،‬أو مشار إليه كراجعت هذه‪.‬‬
‫وأما الكناية في الصح‪ :‬فمثل قول المرتجع‪ :‬تزوجتك أو نكحتك‪ ،‬ول بد من أن يقول المرتجع في‬
‫الكناية‪ :‬رددتها إليّ أو إلى نكاحي‪ ،‬حتى يكون صريحا‪ ،‬وهذا القول شرط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،186-183/3 :‬الدر المختار‪ ،732-728/2 :‬الشرح الصغير‪ ،608-605/2 :‬الشرح‬
‫الكبير‪ ،618-615/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،234‬مغني المحتاج‪ ،337-335 ،271/3 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ 102/2‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،290 ،285-280 ،278 ،274/7 :‬كشاف القناع‪.396-393/5 :‬‬

‫( ‪)9/437‬‬

‫وأما الفعل كوطء وغيره فل تحصل به الرجعة عندهم؛ لنه حرام‪ ،‬والحرام لتصح الرجعة به‪ ،‬فلو‬
‫وطئ الزوج رجعيته واستأنفت القراء من وقت الوطء‪ ،‬راجع فيما كان بقي من عدة الطلق‪.‬‬
‫وتحصل الرجعة عند الجمهور بالقول أو بالفعل ومنه الخلوة‪ ،‬أما القول عند الحنفية‪ :‬فهو إما صريح‬
‫ولو من غير نية‪ :‬وهو اللفظ الذي ل يحتمل معنى آخر غير الرجعة وإبقاء الزوجية‪ ،‬مثل راجعت‬
‫زوجتي‪ ،‬أو رجعتك أو رددتك أو أمسكتك‪ .‬وإما كناية بالنية أو دللة الحال‪ :‬وهو ما يحتمل الرجعة‬
‫وغيرها‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت امرأتي أو أنت عندي الن كما كنت‪ .‬فالصريح ل حاجة فيه إلى النية‪ ،‬ولفظ‬
‫الكناية يحتاج إلى النية أو دللة الحال‪ .‬ويشترط في (رددتك) الضافة إليه أو إلى نكاحه فيقول‪ :‬إلي‬
‫أوإلى نكاحي‪ ،‬أو إلى عصمتي‪.‬‬
‫وأما الفعل‪ ،‬ولكن مع الكراهة التنزيهية‪ :‬فهو كل ما يوجب حرمة المصاهرة كمس بشهوة ووطء ولو‬
‫في الدبر على المعتمد‪ ،‬مع أنه حرام‪ ،‬وتقبيل بشهوة على أي موضع‪ ،‬ولو اختلسا أو نائما أو مكرها‬
‫أو مجنونا أو معتوها‪ ،‬سواء نوى المطلق الرجعة أم ل؛ لن حصول هذا الفعل يدل بوضوح على‬
‫رغبته في إمساك زوجته‪ ،‬ولن الزوجية عند الحنفية باقية؛ لن ال سمى المطلّق بعلً‪ ،‬والبعل هو‬
‫الزوج‪.‬‬
‫وتحصل الرجعة بصدور أحد هذه الفعال من الزوجة كالتقبيل بشهوة إن صدقها الزوج ‪ ،‬أو ورثته‬
‫بعد موته في وجود الشهوة‪ ،‬فإن أنكر ل تثبت الرجعة‪.‬‬
‫وتحصل الرجعة عند المالكية بالقول أو الفعل أو النية‪ ،‬وأما القول فهو إما صريح‪ ،‬كرجعت وارتجعت‬
‫زوجتي‪ ،‬وراجعت‪ ،‬ورددتها لعصمتي أو نكاحي‪ ،‬أو غير صريح مثل مسّكتها أو أمسكتها‪ ،‬إذ يحتمل‪:‬‬
‫أمسكتها تعذيبا‪.‬‬
‫وأما الفعل فهو كوطء ومقدماته‪.‬‬
‫وأما النية‪ :‬فهي حديث النفس بأن يقول في نفسه‪ :‬راجعتها‪ ،‬لكن إذا حدث مجرد قصد أن يراجعها‪ ،‬فل‬
‫يكون رجعة اتفاقا‪.‬‬

‫( ‪)9/438‬‬

‫ول بد من أن ينوي الرتجاع مع القول‪ ،‬أو مع الفعل‪ ،‬خلفا للحنفية كما تقدم؛ لن تصرف الزوج‬
‫يحتاج إلى دللة قوية على رغبته في إعادة المطلقة‪ ،‬وهو يكون بالنية‪ .‬وتحصل الرجعة بالقول‬
‫الصريح ولو هزلً؛ لن الرجعة هزلها جد‪ ،‬لكن الرجعة في الهزل رجعة في الظاهر لعدم النية‪،‬‬
‫فيلزمه الحاكم بالنفقة وسائر الحقوق‪ ،‬فل يحل الستمتاع بها‪ ،‬حتى ينوي الرجعة‪.‬‬
‫ول صداق ول حد في الوطء الخالي عن نية الرجعة‪ ،‬وإن كان الوطء حراما؛ لنها في حكم الزوجة‬
‫ما دامت في العدة‪.‬‬
‫وتحصل الرجعة عند الحنابلة والوزاعي بالقول الصريح‪ ،‬وبالوطء‪ ،‬سواء نوى به الرجعة أم لم ينو‬
‫به الرجعة؛ لن الطلق سبب زوال الملك‪ ،‬والوطء من المالك يمنع زواله‪ ،‬كوطء البائع أمته المبيعة‬
‫في مدة الخيار‪ .‬ول تحصل الرجعة بتقبيل المرأة‪ ،‬أو لمسها بشهوة‪ ،‬أو كشف فرجها والنظر إليه‬
‫بشهوة أو غير شهوة‪ ،‬ول بالخلوة بها والحديث معها؛ لن المذكور كله ليس باستمتاع‪ ،‬أي ليس في‬
‫معنى الوطء؛ إذ الوطء يدل على ارتجاعها دللة ظاهرة؛ بخلف ما ذكر‪ ،‬وهذا هو الراجح عندهم‪،‬‬
‫ول تحصل الرجعة أيضا بإنكار الطلق إذ ل يدل على الرجعة‪ ،‬ول تحصل الرجعة بالكناية مثل‬
‫تزوجتك أو نكحتك؛ لن الرجعة استباحة بُضع (فرج) مقصود‪ ،‬فل تحل بالكناية‪ .‬وقال بعض‬
‫الحنابلة‪ :‬الخلوة في إثبات الرجعة كالوطء؛ لن حكمها حكم الدخول في جميع أمورها عندهم‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬تحصل الرجعة بالقول الصريح اتفاقا‪ ،‬أو بالكناية بشرط النية عند غير الحنابلة‪ ،‬واشترط‬
‫المالكية النية في القول والفعل‪ ،‬وتحصل أيضا عند غير الشافعية بالوطء‪ ،‬وكذا بكل ما يوجب حرمة‬
‫المصاهرة عند الحنفية والمالكية‪ ،‬ول تحصل بغير الوطء ول بالكناية عند الحنابلة‪ ،‬ول بأي فعل عند‬
‫الشافعية‪ .‬والراجح لدي قول المالكية لتوسطه وقوة حجته‪.‬‬

‫( ‪)9/439‬‬
‫شرط الزوجة المرتجعة (محل الرجعة) والطلق الحاصل والعدة ‪:‬‬
‫يشترط في الرجعة كون المرأة مدخولً بها‪ ،‬ل بمجرد الخلوة‪ ،‬وأن تكون مطلّقة طلقا رجعيا من‬
‫نكاح صحيح؛ لن النكاح الفاسد يفسخ سواء بعد الدخول أم قبله‪ ،‬ولن المفسوخ نكاحها ل رجعة فيها؛‬
‫لن ال تعالى أناطها بالطلق فاختصت به‪ ،‬ولن الطلق البائن يزيل الزوجية في الحال بمجرد‬
‫صدوره‪ ،‬فتملك المطلقة أمرها‪ ،‬وأن يكون الطلق بل عوض؛ لن المطلقة بعوض قد ملكت نفسها‪،‬‬
‫وأن تكون ممن لم يستوف عدد طلقها؛ لنه إذا استوفى عدد الطلق وهو ثلث‪ ،‬فل سلطنة له عليها‪،‬‬
‫وأن تكون قابلة للحل للمراجع‪ ،‬ل مرتدة‪ ،‬فل تصح مراجعة المرتدة؛ لعدم حلها‪ ،‬ول يصح مراجعة‬
‫الكافرة التي أسلمت‪ ،‬واستمر زوجها في الكفر لعدم الحل‪.‬ويشترط أيضا أن تكون باقية في العدة‪ :‬فل‬
‫تصح الرجعة بعد انقضاء العدة؛ لن العدة إذا انقضت أصبح الطلق بائنا‪ ،‬فتمتنع الرجعة‪.‬‬
‫شرط زمن الرجعة‪ :‬يشترط أن تكون الرجعة منجزة‪ ،‬فل يصح تعليقها بشرط مستقبل‪ ،‬مثل‪ :‬راجعتك‬
‫إن شئت‪ ،‬فقالت‪ :‬شئت‪ ،‬أو راجعتك إن قدم أبوك‪ ،‬أو راجعتك إن عاد أبي من السفر‪ ،‬ول يصح أيضا‬
‫إضافتها إلى زمن مستقبل‪ ،‬مثل‪ :‬راجعتك غدا أو أول الشهر القادم؛ لن الرجعة عند الحنفية شبيهة‬
‫بالزواج من حيث إنها استدامة له‪ ،‬فيشترط فيها التنجيز كالزواج‪ ،‬ولنها عند الجمهور استباحة بضع‬
‫مقصود‪ ،‬فلم يصح تعليقه على شرط كالنكاح‪ .‬ويشترط أل تكون مؤقتة بوقت‪ ،‬فإذا قال لها‪ :‬راجعتك‬
‫شهرا‪ ،‬لم تحصل الرجعة‪ .‬ويصح تعليق الرجعة على أمر قد مضى‪ ،‬مثل‪ :‬إن كنت فعلت كذا فإني‬
‫أراجعك‪ ،‬وكان الفعل قد وقع فعلً‪ ،‬أو على أمر متحقق الوجود في الحال‪ ،‬مثل‪ :‬إن رضي أبي فقد‬
‫راجعتك‪ ،‬وكان أبوه حاضرا في المجلس‪ ،‬فقال‪ :‬رضيت‪ .‬وإنما جاز التعليق في هاتين الحالتين؛ لنه‬
‫تنجيز في صورة التعليق‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يشترط في الرجعة ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أهلية المرتجع عند المالكية والشافعية والحنابلة‪ ،‬أي بالبلوغ والعقل‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الطلق رجعيا ل بائنا ول بعوض‪.‬‬

‫( ‪)9/440‬‬

‫‪ - 3‬أن تقع الرجعة في العدة‪ ،‬ل بعد انقضائها‪.‬‬


‫‪ - 4‬أن تكون المرأة زوجة مطلقة معينة غير مبهمة‪ ،‬مدخولً بها في نكاح صحيح قابلة للحل‪ ،‬فل‬
‫تصح رجعة غير مدخول بها ول مفسوخ نكاحها ول مرتدة ونحوها‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن تكون الرجعة منجزة غير مؤقتة بوقت‪ ،‬وغير معلقة بشرط ول مضافة لزمن مستقبل‪.‬‬
‫ما ل يشترط في الرجعة‪ :‬ل يشترط في الرجعة أمور أهمها ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - ً 1‬رضا المرأة ونحوه من الشروط‪ :‬ل يشترط بالتفاق رضا المرأة في الرجعة‪ ،‬لقول ال تعالى‪:‬‬
‫{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلحا} [البقرة‪ ]228/2:‬فجعل الحق لهم‪ ،‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫{فأمسكوهن بمعروف} [البقرة‪ ]231/2:‬فخاطب الزواج بالمر‪ ،‬ولم يجعل لهن اختيارا‪ ،‬ولن الرجعة‬
‫إمساك للمرأة بحكم الزوجية‪ ،‬فلم يعتبر رضاها في الرجعة‪ ،‬كالتي في عصمته تماما‪.‬‬
‫ول يشترط في الرجعة ولي ول صداق؛ لن الرجعية في حكم الزوجة‪ ،‬والرجعة إمساك لها‪ ،‬واستبقاء‬
‫لزواجها‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬إعلم المرأة بالرجعة‪ :‬ول يشترط أيضا إعلم المرأة بالرجعة‪ ،‬فتصح الرجعة ولو لم تعلم بها‬
‫الزوجة؛ لن الرجعة حق خالص للزوج ل يتوقف على رضا المرأة كالطلق‪ ،‬لكن يندب إعلم‬
‫الزوجة بها‪ ،‬حتى ل تتزوج غيره بعد انقضاء العدة‪ ،‬وحتى ل تقع المنازعة بين الزوجين‪ ،‬إذا أثبت‬
‫الزوج الرجعة بالبينة‪ ،‬حتى إنه إذا تزوجت بزوج آخر وأثبت زوجها الول مراجعتها صحت‬
‫الرجعة‪ ،‬وفسخ الزواج الثاني‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 730/2 :‬وما بعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،252/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،234‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،616/2 :‬مغني المحتاج‪ ،336/3 :‬المهذب‪ ،103-102/2 :‬المغني‪ ،282 ،278/7 :‬كشاف‬
‫القناع‪ ،394/5 :‬غاية المنتهى‪ ،179/3 :‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪ ،223‬المحلى‪:‬‬
‫‪ ،266/10‬مسألة ‪.1975‬‬

‫( ‪)9/441‬‬

‫‪ - 3‬الشهاد على الرجعة‪ :‬ليس الشهاد على الرجعة شرطا لصحتها عند الجمهور وهم الحنفية‪،‬‬
‫والمالكية في مشهور المذهب‪ ،‬والشافعية في الجديد‪ ،‬والحنابلة في أصح الروايتين عن أحمد‪ ،‬ولكن‬
‫الشهاد عليها مستحب احتياطا‪ ،‬خوفا من إنكار الزوجة لها بعد انقضاء العدة‪ ،‬وقطعا للشك في‬
‫حصولها‪ ،‬وابتعادا عن التهام في العودة إلى معاشرة الزوجة‪ ،‬فيقول الزوج للشاهدين‪ :‬اشهدا على أني‬
‫راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجيتي‪ ،‬أوراجعتها لما وقع عليها من طلقي ونحوه‪ .‬فإن لم يُشهد‬
‫على رجعتها‪ ،‬صحت الرجعة‪.‬‬
‫وقال الظاهرية‪ :‬يجب الشهاد على الرجعة وإل لم تصح‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن‬
‫بمعروف أو فارقوهن بمعروف‪ ،‬وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلق‪ ]2/65:‬والمر للوجوب‪ ،‬ولن‬
‫الشهادة شرط في إنشاء الزواج بالتفاق ‪ ،‬فتكون شرطا في استدامته بالرجعة‪.‬‬
‫وحمل الجمهور المر في هذه الية على الندب والستحباب‪ ،‬لن قوله تعالى‪{ :‬وأشهدوا ذوي عدل‬
‫منكم} [الطلق‪ ]2/65:‬وارد عقب قوله‪{ :‬فأمسكوهن بمعروف} [الطلق‪ ]2/65:‬وأجمع العلماء على‬
‫عدم وجوب الشهاد على الطلق‪ ،‬فتكون الرجعة مثله‪ ،‬ولن النصوص القرآنية مطْلَقة كقوله تعالى‪:‬‬
‫{فأمسكوهن} [البقرة‪{ ]231/2:‬وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة‪.]228/2:‬‬
‫وروي أن ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض‪ ،‬فأمره النبي صلّى ال عليه وسلم بمراجعتها‪ ،‬ولم يأمره‬
‫بالشهاد على الرجعة‪ ،‬ولو كان شرطا لمره به‪ .‬وسئل عمران بن حصين عن الرجل يطلّق امرأته‪،‬‬
‫ثم يقع بها‪ ،‬ولم يشهد على طلقها ول على رجعتها‪ ،‬فقال‪ :‬طلّقت لغير سنة‪ ،‬وراجعت لغير سنة‪،‬‬
‫أشهد على طلقها وعلى رجعتها‪ ،‬ول ت ُعدْ (‪. )1‬‬
‫ولم يؤثر عن الصحابة اشتراط الشهادة لصحة الرجعة مع كثرة وقوعها منهم‪.‬‬
‫ولن الرجعة حق للزوج ل يتوقف على رضا المرأة‪ ،‬فل يحتاج إلى الشهاد عليه كسائر حقوق‬
‫الزوج‪.‬‬
‫ولن الشهادة شرط لبتداء الزواج لخطورته‪ ،‬وليست شرطا لبقائه‪ ،‬والرجعة إبقاء للزواج واستدامة‬
‫له‪ ،‬فل تكون شرطا لصحتها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود ‪ ،‬وابن ماجه ولم يقل‪« :‬ول تعد» (نيل الوطار‪.)253/6 :‬‬

‫( ‪)9/442‬‬

‫رابعا ـ اختلف الزوجين في الرجعة ‪:‬‬


‫إذا توافق الزوجان على الرجعة في أثناء العدة‪ ،‬ثبتت وترتب عليها أثرها‪ ،‬وإن اختلف الزوجان‪ :‬فإما‬
‫أن يكون الخلف في حصول الرجعة أو في صحتها (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬إن اختلف الزوجان في حصول الرجعة‪ :‬بأن ادعاها الزوج فقال‪ :‬راجعتك وأنكرت المرأة‪ ،‬فإن‬
‫كان ذلك قبل انقضاء العدة‪ ،‬فالقول قول الزوج اتفاقا؛ لنه يملك الرجعة‪ ،‬فقبل إقراره فيها كما يقبل‬
‫قوله في طلقها حين ملك الطلق‪.‬‬
‫وإن كان بعد انقضاء العدة‪ :‬فإن أثبت الرجل دعواه بالبينة‪ ،‬أو صدقته المرأة في قوله‪« :‬قد كنت‬
‫راجعتك في العدة» ثبتت الرجعة‪.‬‬
‫وإن عجز الرجل عن الثبات‪ ،‬أو كذبته المرأة‪ ،‬فالقول قولها بيمينها‪ ،‬في رأي الكثرين‪ ،‬على المفتى‬
‫به عند الحنفية من قول الصاحبين‪ ،‬فإذا نكل المنكر حبس عندهما حتى يُقرّ أو يحلف؛ لن النكول عن‬
‫اليمين يعتبر عندهما إقرارا بالحق المدعى‪ ،‬والرجعة يصح القرار بها عندهما‪.‬‬
‫وفي رأي أبي حنيفة‪ :‬ل يمين عليها‪.‬‬
‫ويقبل قولها لن الصل عدم الرجعة ووقوع البينونة‪.‬‬
‫وإن اختلفا في الصابة (الوطء) فقال الزوج‪ :‬أصبتك‪ ،‬وأنكرت المرأة‪ ،‬فالقول أيضا قولها بيمينها؛ لن‬
‫الصل عدم الصابة ووقوع الفرقة‪ ،‬فهي منكرة واليمين على من أنكر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،737-731/2 :‬اللباب‪ ،57-55/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،234‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،613-611/2‬مغني المحتاج‪ ،342-338/3 :‬المهذب‪ ،103/2 :‬المغني‪.291-285 ،280/7 :‬‬

‫( ‪)9/443‬‬

‫‪ - 2‬وإن اختلف الزوجان في صحة الرجعة‪ :‬بأن قال الزوج‪( :‬قد راجعتك في العدة) فالرجعة‬
‫صحيحة‪ ،‬فقالت الزوجة‪ :‬الرجعة باطلة‪ ،‬لوقوعها بعد انقضاء العدة‪ ،‬أو قالت مجيبة له‪( :‬قد انقضت‬
‫عدتي) وكانت العدة بالقراء‪ ،‬فالقول قولها ما ادعت من ذلك ممكنا‪.‬‬
‫فإن كانت المدة بين الطلق وبين الوقت الذي تدعي المرأة انقضاء العدة عنده كافية لنقضاء العدة‪،‬‬
‫قبل قولها بيمينها حتى عند أبي حنيفة؛ لن انقضاء العدة بالحيض ل يعرف إل من جهتها‪.‬‬
‫وإن كانت المدة التي مضت ل تكفي لنقضاء العدة‪ ،‬بأن كانت أقل من أقل مدة تنتهي فيها العدة‬
‫شرعا‪ ،‬فل يعتبر قولها‪ ،‬وتصح الرجعة‪ ،‬لظهور قرينة تكذب دعواها‪.‬‬
‫وأقل مدة تنقضي بها العدة بالحيضات وهي القراء عند الحنفية‪ :‬ستون يوما عند أبي حنيفة؛ لن كل‬
‫حيضة عشرة أيام في الكثر‪ ،‬والحيضات ثلث‪ ،‬فهي ثلثون يوما‪ ،‬يتخللها طهران وهما ثلثون يوما‬
‫أيضا؛ لن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما‪ ،‬فيكون مجموع ذلك ستين يوما‪ ،‬وهذا هو‬
‫الراجح وهو الغالب بين النساء‪ .‬وأقل مدة عند الحنابلة على أن القراء هي الحيضات‪ :‬تسعة‬
‫وعشرون يوما ولحظة‪ ،‬وذلك بأن يطلقها مع آخر الطهر‪ ،‬ثم تحيض بعده يوما وليلة‪ ،‬ثم تطهر ثلثة‬
‫عشر يوما‪ ،‬ثم تحيض يوما وليلة‪ ،‬ثم تطهر ثلثة عشر يوما‪ ،‬ثم تحيض يوما وليلة‪ ،‬ثم تطهر لحظة‬
‫ليعرف بها انقطاع الحيض‪.‬‬

‫( ‪)9/444‬‬
‫وأقل مدة عند المالكية تنقضي بها العدة بالقراء‪ ،‬أي الطهار عندهم‪ :‬شهر‪ :‬ثلثون يوما‪ ،‬بأن يطلقها‬
‫زوجها في أول ليلة من الشهر‪ ،‬وهي طاهرة‪ ،‬ثم تحيض وينقطع عنها الحيض قبل الفجر؛ لن أقل‬
‫الحيض عندهم يوم‪ ،‬أو بعض يوم بشرط أن يقول النساء‪ :‬إنه حيض‪ ،‬ثم تطهر خمسة عشر يوما‪ ،‬ثم‬
‫تحيض في ليلة السادس عشر‪ ،‬وينقطع قبل الفجر أيضا‪ ،‬ثم تحيض عقيب غروب آخر يوم من‬
‫الشهر‪ ،‬فتكون قد طهرت ثلثة أطهار‪ :‬الطهر الذي طلقها فيه‪ ،‬ثم الطهر الثاني في النصف الول من‬
‫الشهر‪ ،‬ثم الثالث في النصف الثاني من الشهر‪،‬فيحدث تمام الشهر ثلثين يوما‪.‬‬
‫وأقل مدة تنقضي بها العدة عند الشافعية‪ :‬اثنان وثلثون يوما ولحظتان‪ ،‬ول يقبل أقل من ذلك بحال؛‬
‫لنه ل يتصور عندهم أقل من ذلك‪ ،‬بأن تطلق وقد بقي لحظة من الطهر‪ ،‬وهي قرء عندهم‪ ،‬ثم‬
‫تحيض يوما وليلة أقل الحيض عندهم‪ ،‬ثم تطهر خمسة عشر يوما أقل الطهر‪ ،‬وذلك قرء ثان‪ ،‬ثم‬
‫تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر‪ ،‬وذلك قرء ثالث‪ ،‬ثم تحيض‪ ،‬وهذه الحيضة ليست من العدة‪،‬‬
‫بل لستيقان انقضائها‪ ،‬فذلك اثنان وثلثون يوما ولحظتان‪.‬‬
‫مدة الغتسال‪ :‬ينتهي وقت الرجعة عند الحنفية إذا طهرت المرأة من الحيض الخير لعشرة أيام‪ ،‬وإن‬
‫لم تغتسل؛ لن الحيض ل مزيد له على العشرة‪ .‬أما إن كان الحيض أقل من عشرة أيام‪ ،‬فل تنقطع‬
‫الرجعة حتى تغتسل؛ لن عود الدم محتمل‪ ،‬أو يمضي عليها وقت صلة فتصير دينا في ذمتها‪ ،‬أو‬
‫تتيمم للعذر وتصلي في الوقت ولو نفلً استحسانا عند أبي حنيفة وأبي يوسف‪.‬‬
‫ويرى أكثر الحنابلة أنه ل بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض‪ ،‬للقول بانقضاء العدة‪.‬‬
‫هذا هو القسم الول وهو أن تدعي المرأة انقضاء عدتها بالقروء‪.‬‬

‫( ‪)9/445‬‬

‫القسم الثاني ـ أن تدعي انقضاء عدتها بوضع الحمل ‪:‬‬


‫إذا ادعت المرأة المطلّقة انقضاء عدتها بوضع الحمل‪ ،‬فل يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين‬
‫إمكان الوطء بعد عقد الزوج؛ لن أقل مدة الحمل هي ست أشهر‪ ،‬وأقل من ستة أشهر من وقت‬
‫الطلق‪.‬‬
‫القسم الثالث ـ أن تدعي انقضاء عدتها بالشهور ‪:‬‬
‫إذا كانت المرأة صغيرة آيسة فعدتها بالشهر الثلثة‪ ،‬إذا ادعت انقضاء عدتها بالشهور‪ ،‬فل يقبل قولها‬
‫فيه‪ ،‬وإنما القول قول الزوج؛ لن المعول على قوله في وقت الطلق‪ ،‬فيكون القول قوله فيما ينبني‬
‫عليه‪ ،‬إل أن يدعي انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه نفقتها‪ ،‬فيكون القول حينئذ قولها؛ لنه يدعي ما‬
‫يسقط النفقة‪ ،‬والصل وجوبها‪ ،‬فل يقبل قوله إل ببينة‪ .‬الرجعة في القانون‪ :‬أخذ القانون السوري‬
‫بمذهب الحنفية في أن الطلق الرجعي ل يزيل الزوجية‪ ،‬وبجواز الرجعة بالقول أو الفعل‪ ،‬وانقطاع‬
‫الرجعة بانقضاء عدة الطلق‪ ،‬فنصت المادة (‪ )118‬على ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الطلق الرجعي ل يزيل الزوجية‪ ،‬وللزوج أن يراجع مطلقته أثناء العدة بالقول أو الفعل‪ ،‬ول‬
‫يسقط هذا الحق بالسقاط‪.‬‬
‫‪ - 2‬تبين المرأة وتنقطع الرجعة بانقضاء عدة الطلق الرجعي‪.‬‬

‫( ‪)9/446‬‬

‫زواج التحليل ‪:‬‬


‫ل مؤقتا‪ ،‬فتحرم المرأة على من طلقها تحريما‬
‫بينا أن حكم الطلق الثلث هو زوال الملك والحل زوا ً‬
‫مؤقتا‪ ،‬ول يجوز له زواجها قبل التزوج بزوج آخر لقوله تعالى‪{ :‬فإن طلقها‪ ،‬فل تحل له من بعد‬
‫حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬سواء طلقها ثلثا متفرقات‪ ،‬أو جملة واحدة‪.‬‬
‫التحليل بزواج دائم‪ :‬تنتهي الحرمة باتفاق الفقهاء إذا كان الزواج الثاني مؤبدا طبيعيا‪ ،‬قصد به دوام‬
‫الزوجية والعشرة‪ ،‬وهو المقصود في القرآن الكريم‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬وذلك‬
‫بشروط ثلثة هي (‪: )1‬‬
‫الشرط الول ـ أن تنكح زوجا غيره‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬نفى‬
‫الحل إلى غاية التزوج بزوج آخر‪ .‬فلو وطئها إنسان بالزنا أو بشبهة‪ ،‬لم تبح؛ لنه ليس بزوج‪.‬‬
‫الشرط الثاني ـ أن يكون النكاح الثاني صحيحاً‪ :‬فإن كان فاسدا ودخل بها‪ ،‬ل تحل للول؛ لن‬
‫النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬وإطلق‬
‫النكاح يقتضي الصحيح‪.‬‬
‫الشرط الثالث ـ أن يطأها الزوج الثاني في الفرج‪ ،‬فلو وطئها دونه أو في الدبر‪ ،‬لم يحلها لزوجها‬
‫الول؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم علّق الحل على ذوق العسيلة منهما‪ ،‬فقال لمرأة رفاعة‬
‫القرظي‪« :‬أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ ل‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (‪ . )2‬ول‬
‫يحصل هذا إل بالوطء في الفرج‪ ،‬وأدناه تغييب الحشفة في الفرج؛ لن أحكام الوطء تتعلق به‪ ،‬وذلك‬
‫بشرط النتشار؛ لن الحكم يتعلق بذوق العسيلة‪ ،‬ول تحصل من غير انتشار‪ ،‬وبشرط أن يكون الزوج‬
‫الثاني ممن يمكن جماعه‪ ،‬ل طفلً ل يتأتى منه الجماع‪.‬‬
‫فشرط الوطء‪ :‬التقاء الختانين ولو من غير إنزال في رأي جماهير العلماء إل الحسن البصري‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل تحل إل بوطء بإنزال‪.‬‬
‫وجمهور العلماء على أن الوطء الذي يوجب الحد‪ ،‬ويفسد الصوم‪ ،‬والحج‪ ،‬ويحل المطلقة‪ ،‬ويحصن‬
‫الزوجة‪ ،‬ويوجب الصداق‪ :‬هو التقاء الختانين‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والوزاعي‪ ،‬يُحل الوطء المرأة‪ ،‬وإن وقع في وقت غير مباح‬
‫كحيض أو نفاس‪ ،‬سواء أكان الواطئ بالغا عاقلً أم صبيا مراهقا (‪ )3‬أم مجنونا؛ لن وطء الصبي‬
‫والمجنون يتعلق به أحكام النكاح من المهر والتحريم كوطء البالغ العاقل‪ .‬وكذلك الصغيرة التي يجامع‬
‫مثلها إذا طلقها زوجها ثلثا‪ ،‬ودخل بها الزوج الثاني‪ ،‬حلت للول‪ ،‬لطلق قوله تعالى‪{ :‬فإن طلقها‬
‫فل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،189-187/3 :‬اللباب‪ ،58/3 :‬بداية المجتهد‪ 86/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ 46/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 182/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 275/7 ،648-645/6 :‬ومابعدها‪ ،‬المحلى‪:‬‬
‫‪ ،220/10‬مسألة ‪ ،1955‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪.223‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة عن عائشة (نيل الوطار‪.)253/6 :‬‬
‫(‪ )3‬الصبي المراهق‪ :‬هو الذي تتحرك آلته وتشتهي‪ ،‬وقدره بعض الحنفية بعشر سنين‪.‬‬

‫( ‪)9/447‬‬

‫تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬ولن وطأها يتعلق به أحكام الوطء من المهر‬
‫والتحريم‪ ،‬فصار كوطء البالغة‪.‬‬
‫واشترط المالكية والحنابلة شرطا رابعا‪ :‬هوأن يكون الوطء حللً (مباحا) وأن يكون الواطئ عند‬
‫المالكية بالغا‪ ،‬وعند الحنابلة‪ :‬أون له اثنا عشر سنة؛ لن الوطء غير المباح حرام لحق ال تعالى‪ ،‬فلم‬
‫يحصل به الحلل كوطء المرتدة‪ ،‬ولن من دون البلوغ أو من دون سن الثانية عشرة ل يمكنه‬
‫المجامعة‪.‬‬
‫فل يحل المطلقة إل الوطء المباح الذي يكون في العقد الصحيح في غير صوم أو حج أو حيض أو‬
‫اعتكاف‪ ،‬ول يحل الذمية عند مالك وابن القاسم وطء زوج ذمي لمسلم‪ .‬ونص أحمد على أنه إذا كانت‬
‫الزوجة ذمية‪ ،‬فوطئها زوجها الذمي‪ ،‬أحلها لمطلّقها المسلم لنه وطء من زوج في نكاح صحيح تام‪،‬‬
‫فأشبه وطء المسلم‪ .‬وهذا رأي الشافعية والمالكية أيضا‪ .‬وأجاز الحنابلة للمجنون إحلل المطلقة ثلثا‬
‫كما قال الحنفية؛ لظاهر الية‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬ولنه وطء مباح من زوج في‬
‫نكاح صحيح تام‪ ،‬فأشبه وطء العاقل‪.‬‬
‫الزواج بشرط التحليل (نكاح المحلّل ) ‪ :‬اتفق الفقهاء (‪ )1‬أيضا على أن الزواج بالمطلقة ثلثا بشرط‬
‫صريح لعقد على أن يحلها الزوج الثاني لزوجها الول ل يجوز‪ ،‬وهو حرام عند الجمهور‪ ،‬مكروه‬
‫تحريما عند الحنفية‪ ،‬لقول ابن مسعود‪« :‬لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلم المحلّل والمحلّل له» (‪)2‬‬
‫ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أل أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ ،‬قال‪ :‬هو‬
‫المحلل‪ ،‬لعن ال المحلل والمحلل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن ابن مسعود‪ ،‬ورواه الخمسة إل النسائي عن علي‬
‫(نيل الوطار‪.)138/6 :‬‬

‫( ‪)9/448‬‬

‫له» (‪ )1‬والنهي يدل على فساد المنهي عنه‪ ،‬ول يطلق الزواج الشرعي على الزواج المنهي عنه‪.‬‬
‫وهذا هو نكاح المحلل‪ :‬وهو أن يتزوج الرجل امرأة على أنه إذا وطئها فل نكاح بينهما‪ ،‬وأن يتزوجها‬
‫ليحلها للزوج الول‪.‬‬
‫هذا النكاح فاسد عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأبي يوسف)؛ للحديث السابق‪،‬‬
‫ولن النكاح بشرط الحلل في معنى النكاح المؤقت‪ ،‬وشرط التوقيت في النكاح يفسده‪ ،‬والنكاح الفاسد‬
‫ل يقع به التحليل‪ ،‬فهو نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة‪ .‬قال في المهذب‪:‬‬
‫«لنه نكاح شرط انقطاعه دون غايته‪ ،‬فشابه نكاح المتعة» ويؤيده قول عمر‪ :‬وال ل أوتى بمحلل‬
‫ومحلل له إل رجمتهما (‪. )2‬‬
‫وقال أبو حنيفة وزفر‪ :‬هذا النكاح صحيح مكروه تحريما‪ ،‬فإن وطئها الزوج الثاني حلت للول بعد أن‬
‫يطلقها وتنقضي عدتها‪ ،‬لن شرط التحليل شرط فاسد‪ ،‬والزواج ل يفسد بالشروط الفاسدة‪ ،‬فيلغو‬
‫الشرط‪ ،‬ويصح العقد؛ لطلق آية‪{ :‬حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة‪ ]230/2:‬دون تفرقة بين ما إذا‬
‫شرط الحلل أم ل‪ ،‬إل أنه مكروه تحريما؛ لنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهو السكن والتوالد‬
‫والتعفف‪ ،‬وهو يتوقف على البقاء والدوام في الزوجية‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬النكاح الثاني صحيح‪ ،‬ول تحل المطلقة للول؛ لن النكاح عقد مؤبد‪ ،‬فكان شرط الحلل‬
‫استعجال ما أخره ال تعالى لغرض الحل‪ ،‬فيبطل الشرط ويبقى النكاح صحيحا‪ ،‬لكن ل يحصل به‬
‫الغرض‪ ،‬كمن قتل مورثه فإنه يحرم الميراث‪ .‬وهذا قول للشافعية فيمن تزوج امرأة على أنه إذا‬
‫وطئها طلقها‪.‬‬
‫وأجاز المامية نكاح المحلل مطلقا بشرط الوطء‪ ،‬وكون الزوج بالغا‪ ،‬وكون العقد صحيحا دائما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه عن عقبة بن عامر (المرجع السابق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الثرم عن قبيصة بن جابر‪.‬‬

‫( ‪)9/449‬‬

‫الزواج بقصد التحليل دون شرط ‪:‬‬


‫ذهب المالكية والحنابلة (‪ )1‬إلى أن الزواج بقصد التحليل بدون شرط في العقد باطل‪ ،‬بأن تواطأ‬
‫العاقدان على شيء مما ذكر قبل العقد‪ ،‬ثم عقد الزواج بذلك القصد‪ ،‬بأن نواه الزوج في العقد‪ ،‬أو نوى‬
‫التحليل من غير شرط‪ ،‬فيبطل العقد‪ ،‬ول تحل به المرأة لزوجها الول‪ ،‬عملً بمبدأ سد الذرائع إلى‬
‫الحرام‪ ،‬وبالحديث السابق‪« :‬لعن ال المحلل والمحلل له» ‪.‬‬
‫وذهب الحنفية والشافعية والظاهرية والمامية (‪ : )2‬إلى أن الزواج بقصد التحليل من غير شرط في‬
‫العقد صحيح‪ ،‬وتحل المرأة بوطء الزوج الثاني للزوج الول؛ لن مجرد النية في المعاملت غير‬
‫معتبر‪ ،‬فوقع الزواج صحيحا‪ ،‬لتوافر شرائط الصحة في العقد‪ ،‬وتحل للول‪ ،‬كما لو نويا التوقيت‬
‫وسائر المعاني الفاسدة‪.‬‬
‫وأرجح الرأي الول‪ ،‬لقوة أدلة قائليه‪ ،‬ولن هذا الفعل أشبه بالسفاح‪ ،‬بدليل ما روى الحاكم والطبراني‬
‫في الوسط عن عمر‪« :‬أنه جاء إليه رجل‪ ،‬فسأله عن رجل طلق امرأته ثلثا‪ ،‬فتزوجها أخ له عن‬
‫غير مؤامرة‪ ،‬ليحلها لخيه‪ ،‬هل تحل للول؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إل بنكاح رغبة‪ ،‬كنا نعد هذا سفاحا على عهد‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم » (‪ )3‬لكن خصص ابن حزم هذا في نكاح التحليل بشرط (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،87/2 :‬المغني‪ 646/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،187/3 :‬مغني المحتاج‪ ،183/3 :‬المحلى‪ ،220/10 :‬مختصر فقه المامية‪ :‬ص ‪.223‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪.139/6 :‬‬
‫(‪ )4‬المحلى‪ 223/10 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/450‬‬
‫هدم الزواج الثاني طلق الزوج السابق ‪:‬‬
‫سبق الكلم في هذا الموضوع وأعيده هنا بتفصيل آخر (‪: )1‬‬
‫أ ـ اتفق الفقهاء على أن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها‪ ،‬والبائن بينونة صغرى إذا عقد عليها‬
‫زوجها عقدا جديدا قبل أن تتزوج بزوج آخر‪ ،‬تعود إليه بما بقي له من الطلقات الثلث‪ ،‬واحدة أو‬
‫اثنتين‪.‬‬
‫ب ـ واتفقوا أيضا على أن الزواج الثاني بعد الطلق الثلث‪ ،‬يهدم طلق الزوج السابق‪ ،‬وتعود إليه‬
‫بعد العقد الجديد بطلقات ثلث؛ لن الوطء الثاني يهدم الطلقات الثلث؛ لنه مثبت لحل جديد كامل‪،‬‬
‫ويزول الحل الول بالطلق الثلث‪.‬‬
‫جـ ـ واختلف الفقهاء في أنه‪ :‬هل يهدم الزواج الثاني ما دون الثلث على رأيين‪:‬‬
‫قال المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد وزفر من الحنفية‪ :‬ل يهدم‪ ،‬يعني إذا تزوجت المطلقة قبل‬
‫الطلقة الثالثة غير الزوج الول‪ ،‬ثم أعادها الزوج الول بنكاح جديد‪ ،‬فتعود ببقية الثلث‪ ،‬لما روي‬
‫عن كبار الصحابة‪ :‬عمر وعلي ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة‪ ،‬ولن الوطء الثاني ل يحتاج‬
‫إليه في الحلل للزوج الول‪ ،‬فل يغير حكم الطلق‪ ،‬ولنه تزويج قبل استيفاء الطلقات الثلث‪ ،‬فأشبه‬
‫ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف‪ ،‬والمامية في أشهر الروايتين‪ :‬إنه يهدم‪ ،‬فتعود إلى الزوج الول بطلق‬
‫ثلث‪ ،‬كما يهدم ما دون الثلث؛ لنه إذا هدم الطلقة الثالثة‪ ،‬فهو أحرى أن يهدم ما دونها؛ لن وطء‬
‫الزوج الثاني مثبت للحل‪ ،‬فيثبت حلً يتسع لثلث تطليقات‪ ،‬فيتسع لما دونها بالولى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،178/3 :‬بداية المجتهد‪ 87/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،746/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،226‬مغني المحتاج‪ ،293/3 :‬المهذب‪ ،105/2 :‬المغني‪ ،261/7 :‬مختصر فقه المامية‪ :‬ص ‪.223‬‬

‫( ‪)9/451‬‬

‫صلُ الثّاني‪ :‬الخُلْع‬


‫ال َف ْ‬
‫فيه خمسة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول ـ معنى الخلع ومشروعيته وألفاظه وحكمه ووقته وأركانه ‪:‬‬
‫الخُلْع لغة‪ :‬النزع والزالة‪ ،‬وعرفا بضم الخاء‪ :‬إزالة الزوجية‪ .‬وفقها له تعاريف في اصطلح كل‬
‫مذهب‪ ،‬فعند الحنفية (‪ : )1‬هو إزالة ملك النكاح المتوقفةُ على قبولها‪ ،‬بلفظ الخلع أو ما في معناه‪.‬‬
‫فخرج بكلمة ( ملك النكاح )‪ :‬الخلع في النكاح الفاسد وبعد البينونة والردة‪ ،‬فإنه لغو‪ ،‬وخرج بكلمة‬
‫(المتوقفة على قبولها) أي المرأة ‪ :‬ما إذا قال‪ :‬خلعتك ولم يذكر المال‪ ،‬ناويا به الطلق‪ ،‬فإنه يقع بائنا‬
‫غير مسقط للحق‪ ،‬لعدم توقفه على قبول المرأة‪ ،‬فدل القبول على أن الخلع يكون ببدل‪ ،‬ومتى كان‬
‫على بدل مالي لزم قبولها‪ .‬وخرج بقوله (بلفظ الخلع) الطلق على مال‪ ،‬فإنه غير مسقط للحقوق‪ .‬وأما‬
‫قوله (أو ما في معناه) فيدخل فيه لفظ (المبارأة) ولفظ (البيع والشراء) فإنه مسقط للحقوق ومنها‬
‫المهر‪ .‬والخلصة‪ :‬أن التعريف خاص بالخلع المسقط للحقوق‪ ،‬والواقع عادة في مقابل مال تفتدي به‬
‫المرأة نفسها‪ ،‬فإن خالعها وقع الطلق تطليقة بائنة‪ ،‬ولزمها المال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 766/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،199/3 :‬اللباب‪.64/3 :‬‬

‫( ‪)9/452‬‬

‫والخلع عند المالكية (‪ : )1‬الطلق بعوض‪ ،‬سواء أكان من الزوجة أم من غيرها من ولي أو غيره‪،‬‬
‫أو هو بلفظ الخلع‪ .‬وهو يدل على أن الخلع نوعان‪:‬‬
‫الول ـ وهو الغالب ما كان في نظير عوض‪.‬‬
‫الثاني ـ ما وقع بلفظ الخلع‪ ،‬ولو لم يكن في نظير شيء‪ ،‬كأن يقول لها‪ :‬خالعتك أو أنت مخالعة‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى هو‪ :‬أن تبذل المرأة أو غيرها للرجل مالً على أن يطلقها‪ ،‬أو تسقط عنه حقا لها عليه‪،‬‬
‫فتقع به طلقة بائنة‪.‬‬
‫أي أنه عند المالكية يشمل الفرقة بعوض أو بدون عوض‪.‬‬
‫والخلع عند الشافعية (‪ : )2‬هو فُرْقة بين الزوجين بعوض بلفظ طلق أو خلع‪ ،‬كقول الرجل للمرأة‪:‬‬
‫طلقتك أو خالعتك على كذا‪ ،‬فتقبل‪.‬‬
‫وهذا أنسب التعاريف لتفاقه مع المقصود بالخلع هنا وفي مفاهيم الناس ومع القانون النافذ في مصر‬
‫وسورية‪.‬‬
‫والحنابلة (‪ )3‬قالوا‪ :‬الخلع‪ :‬فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه منها أو من غيرها‪ ،‬بألفاظ مخصوصة‪.‬‬
‫وفائدته‪ :‬تخليصها من الزوج على وجه ل رجعة له عليها إل برضاها‪ .‬ويصح الخلع عندهم في رواية‬
‫على غير عوض‪ ،‬ول شيء للزوج‪ ،‬كما قال المالكية‪ ،‬والراجح عند الحنابلة أن العوض ركن في‬
‫الخلع فل يصح تركه كالثمن في البيع‪ ،‬فإن خالعها بغير عوض لم يقع خلع ول طلق إل إذا كان بلفظ‬
‫الطلق أو نيته‪ ،‬فيقع طلقا رجعيا‪.‬‬
‫مشروعيته‪ :‬الخلع جائز ل بأس به عند أكثر العلماء (‪ ، )4‬لحاجة الناس إليه بوقوع الشقاق والنزاع‬
‫وعدم الوفاق بين الزوجين‪ ،‬فقد تبغض المرأة زوجها وتكره العيش معه لسباب جسدية خَلْقية‪ ،‬أو‬
‫خلُقية أو دينية‪ ،‬أو صحية لكبر أو ضعف أو نحو ذلك‪ ،‬وتخشى أل تؤدي حق ال في طاعته‪ ،‬فشرع‬
‫لها السلم في موازاة الطلق الخاص بالرجل طريقا للخلص من الزوجية‪ ،‬لدفع الحرج عنها ورفع‬
‫الضرر عنها‪ ،‬ببذل شيء من المال تفتدي به نفسها وتتخلص من الزواج‪ ،‬وتعوض الزوج ما أنفقه في‬
‫سبيل الزواج بها‪ .‬وقد حصر جمهور العلماء أخذ الفدية من مال الزوجة مقابل الطلق في حال‬
‫النشوز وفساد العشرة من قبل الزوجة‪.‬‬
‫ودل الكتاب والسنة على مشروعيته‪ ،‬أما الكتاب فقوله تعالى‪{ :‬فل جناح عليهما فيما افتدت به}‬
‫[البقرة‪ ]229/2:‬وقوله سبحانه‪{ :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا‪ ،‬فكلوه هنيئا مريئا} [النساء‪]4/4:‬‬
‫وقوله‪{ :‬فل جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا} [النساء‪.]128/4:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 517/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.232‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.262/3 :‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪ ،244 ،237/5 :‬المغني‪.67/7 :‬‬
‫(‪ )4‬بداية المجتهد‪ ،66/2 :‬الدر المختار‪ ،767/2 :‬مغني المحتاج‪ ،262/3 :‬المغني‪.51/7 :‬‬

‫( ‪)9/453‬‬

‫وأما السنة‪ :‬فحديث ابن عباس‪« :‬أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني ما أعيب عليه في خلُق ول دين‪ ،‬ولكني أكره الكفر في السلم‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬أتردّين عليه حديقته؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬اقبل الحديقة‪ ،‬وطلّقها تطليقة» (‪ )1‬فهي ل تريد مفارقته لسوء خلقه ول لنقصان دينه‪ ،‬وإنما‬
‫كرهت كفران العشير‪ ،‬والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له‪ ،‬فأمرها النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم أمر إرشاد وإصلح ل إيجاب برد بستانه الذي أمهرها إياه‪ ،‬وهو أول خلع وقع في السلم‪،‬‬
‫وفيه معنى المعاوضة‪.‬‬
‫وشذ أبو بكر بن عبد ال المزيني عن الجمهور‪ ،‬فقال‪ :‬ل يحل للزوج أن يأخذ من زوجته شيئا‪ ،‬زاعما‬
‫أن قوله تعالى‪{ :‬فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة‪ ]228/2:‬منسوخ بقوله تعالى‪{ :‬وإن أردتم‬
‫استبدال زوج مكان زوج‪ ،‬وآتيتم إحداهن قنطارا‪ ،‬فل تأخذوا منه شيئا} [النساء‪ ]20/4:‬وهذا معناه عند‬
‫الجمهور الخذ بغير رضاها‪ ،‬وأما برضاها فجائز‪.‬‬
‫ألفاظ الخلع‪ :‬للخلع عند الحنفية (‪ )2‬ألفاظ خمسة‪ :‬الخلع‪ ،‬والمبارأة‪ ،‬والطلق‪ ،‬والمفارقة‪ ،‬والبيع‬
‫والشراء‪ ،‬كأن يقول الرجل‪ :‬خالعتك بكذا‪ ،‬أو بارأتك‪ ،‬أو فارقتك‪ ،‬أو طلقي نفسك على ألف‪ ،‬أو بعت‬
‫نفسك أو طلقك على كذا‪ ،‬وتقبل المرأة‪.‬‬
‫وذكر المالكية (‪ )3‬له ألفاظا أربعة‪ :‬الخلع والمبارأة والصلح والفدية أو المفاداة‪ ،‬وكلها تؤول إلى معنى‬
‫واحد وهو بذل المرأة العوض على طلقها‪ ،‬إل أن اسم الخلع يختص عادة ببذلها له جميع ما أعطاها‪،‬‬
‫والصلح ببعضه‪ ،‬والفدية بأكثره‪ ،‬والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه‪.‬‬
‫وذكر الشافعية والحنابلة (‪ )4‬أن الخلع يصح بلفظ الطلق الصريح أو الكناية مع النية‪ ،‬وباللغة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري والنسائي‪ ،‬ورواه ابن ماجه أيضا (نيل الوطار‪.)246/6 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪.770/2 :‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪.66/ :‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ ،269 ،268 ،262/3 :‬المغني‪ 57/7 :‬وما بعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.103/3 :‬‬

‫( ‪)9/454‬‬

‫غير العربية‪ ،‬ومن الكناية قوله‪ :‬بعتك نفسك بكذا‪ ،‬فقالت‪ :‬اشتريت‪ ،‬والصريح عند الشافعية لفظ الخلع‬
‫والمفاداة‪ ،‬وعند الحنابلة لفظ الخلع والمفاداة والفسخ‪ ،‬والكناية عند الشافعية مثل لفظ الفسخ في الصح‪،‬‬
‫وكل كنايات الطلق‪ ،‬والكناية عند الحنابلة‪ :‬مثل بارأتك وأبرأتك وأبنتك‪.‬‬
‫حكمه الشرعي ‪ :‬يسن عند الحنابلة للرجل إجابة المرأة للخلع إن طلبته (‪ ، )1‬لقصة امرأة ثابت ابن‬
‫قيس المتقدمة ‪ ،‬إل أن يكون للزوج ميل ومحبة لها ‪ ،‬فيستحب صبرها ‪ ،‬وعدم افتدائها ‪ .‬ويكره الخلع‬
‫للمرأة مع استقامة الحال ‪ ,‬لحديث ثوبان ‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬أيما امرأة سألت‬
‫زوجها الطلق من غير بأس ‪ ,‬فحرام عليها رائحة الجنة (‪ » )2‬ولنه عبث ‪ ,‬فيكون مكروها ‪ .‬لكن‬
‫يقع الخلع مع الكراهة للية السابقة ‪ { :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } [النساء ‪:‬‬
‫‪.]4/4‬‬
‫وذكر الحنفية‪ :‬أنه إن كان النشوز (النفرة والجفاء) من قبل الزوج‪ ،‬كره له أن يأخذ منها عوضا؛ لنه‬
‫أوحشها بالستبدال‪ ،‬فل يزيد في وحشتها بأخذ المال‪ .‬وإن كان النشوز من قبل الزوجة‪ ،‬كره له أن‬
‫يأخذ منها عوضا أكثر مما أعطاها من المهر‪ ،‬فإن فعل ذلك بأن أخذ أكثر مما أعطاها‪ ،‬جاز في‬
‫القضاء؛ لطلق قوله تعالى‪ { :‬فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة‪.]228/2:‬‬
‫وذكر الحنابلة (‪ )3‬أن الخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها في حالة العضل أو الكراه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.237/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الخمسة إل النسائي‪.‬‬
‫(‪ )3‬كشاف القناع‪ ،238/5 :‬المغني‪ 53/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/455‬‬

‫على الخلع‪ ،‬بأن ضارّها بالضرب والتضييق عليها‪ ،‬أو منعها حقوقها من الق والنفقة ونحو ذلك‪ ،‬كما‬
‫لو نقصها شيئا من حقوقها ظلما‪ ،‬لتفتدي نفسها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ول تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما‬
‫آتيتموهن} [النساء‪ ،]4/19:‬ولن ما أكرهت على بذله من العوض مأخوذ بغير حق‪ ،‬فلم يستحق أخذه‬
‫منها للنهي عنه‪ ،‬والنهي يقتضي الفساد‪ ،‬وذلك باسء لفظ الطلق أونيته‪ ،‬فيقع رجعيا‪ ،‬ولم تبِن المرأة‬
‫من زوجها لفساد العوض‪.‬‬
‫وكذلك قال الشافعية (‪ : )1‬يجوز الخلع لما فيه من دفع الضرر عن المرأة غالبا‪ ،‬ولكنه مكروه لما فيه‬
‫من قطع النكاح الذي هو مطلوب الشرع‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أبغض الحلل إلى ال‬
‫الطلق» وذلك إل في حالتين‪:‬‬
‫الولى ـ أن يخافا أو يخاف أحدهما أل يقيما حدود ال ‪،‬أي ما افترض ال في النكاح‪.‬‬
‫والثانية ـ أن يحلف بالطلق الثلث على فعل شيء ل بد له منه‪ ،‬أي كالكل والشرب وقضاء‬
‫الحاجة‪ ،‬فيخلعها‪ ،‬ثم يفعل المر المحلوف عليه‪ ،‬ثم يتزوجها فل يحنث لنحلل اليمين بالفعلة الولى‪،‬‬
‫إذ ل يتناول إل الفعلة الولى‪ ،‬وقد حصلت‪.‬‬
‫والخلع عند المالكية على المشهور جائز مستوي الطرفين‪ ،‬وقيل‪ :‬يكره‪ ،‬وهو قول ابن القصّار‪،‬‬
‫واشترطوا أن يكون خلع المرأة اختيارا منها وحبا في فراق الزوج من غير إكراه ول ضرر منه‪ ،‬فإن‬
‫انخرم أحد هذين الشرطين‪ ،‬نفذ الطلق‪ ،‬ولم ينفذ الخلع (‪. )2‬‬
‫ومنع قوم الخلع مطلقا‪ .‬وقال الحسن البصري‪ :‬ل يجوز حتى يراها تزني‪.‬‬
‫وقال داود الظاهري‪ :‬ل يجوز إل أن يخافا أل يقيما حدود ال ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.262/3 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،232‬بداية المجتهد‪ ،68/2 :‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪.517/2‬‬

‫( ‪)9/456‬‬

‫هل يحتاج الخلع إلى قاضٍ؟ ل يفتقر الخلع إلى حاكم‪ ،‬كما أبان الحنابلة (‪ ، )1‬وهو رأي باقي الفقهاء‪،‬‬
‫لقول عمر وعثمان رضي ال عنهما‪ ،‬ولنه معاوضة‪ ،‬فلم يفتقر إلى القاضي كالبيع والنكاح‪ ،‬ولنه‬
‫قطع عقد بالتراضي‪ ،‬فأشبه القالة‪.‬‬
‫وقت الخلع‪ :‬ل بأس بالخلع في الحيض‪ ،‬والطهر الذي أصابها فيه (‪ )2‬؛ لن المنع من الطلق في‬
‫الحيض من أجل دفع الضرر الذي يلحق المرأة بطول العدة‪ ،‬والخلع لزالة الضرر الذي يلحقها بسوء‬
‫العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه‪ ،‬وهو أعظم من ضرر طول العدة‪ ،‬فجاز دفع أعلهما‬
‫بأدناهما‪ ،‬وهي قد رضيت به‪ ،‬مما يدل على رجحان مصلحتها‪ ،‬ولذا لم يسأل النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم المختلعة عن حالها‪.‬‬
‫أركان الخلع‪ :‬أركانه عند الجمهور غير الحنفية خمسة (‪ : )3‬القابل‪ ،‬والموجب‪ ،‬والعوض‪ ،‬والمعوض‪،‬‬
‫والصيغة‪ .‬فالقابل‪ :‬الملتزم بالعوض‪ ،‬والموجب‪ :‬الزوج أو وليه أو وكيله‪ ،‬والعوض‪ :‬الشيء المخالع‬
‫به‪ ،‬والمعوض‪ُ :‬بضْع الزوجة‪ ،‬أي الستمتاع بها‪ ،‬والصيغة‪ :‬مثل خالعتك أو خلعتك على كذا‪.‬‬
‫وحقيقة الخلع أو تحقق معناه هو المتضمن لتلك الركان‪ ،‬فل بد له من هذه المور الخمسة (‪: )4‬‬
‫الول ـ أن يصدر اليجاب من الزوج أو وكيله أو وليه إن كان صغيرا أو سفيها غير رشيد‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يكون ملك المتعة قائما حتى يمكن إزالته‪ ،‬وذلك بقيام الزوجية حقيقة‪ ،‬أو حكما كما هو‬
‫حال المطلقة رجعيا ول تزال في العدة‪ .‬فإن لم تكن الزوجية قائمة حقيقة أو حكما‪ ،‬لم يتحقق الخلع‪،‬‬
‫فل خلع في النكاح الفاسد؛ لن الفاسد ل يفيد ملك المتعة‪ ،‬ول خلع بعد الطلق البائن أو انتهاء عدة‬
‫الطلق الرجعي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.52/7 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬المهذب‪.71/2 :‬‬
‫(‪ )3‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪ ،517/2 :‬مغني المحتاج‪ ،363/3 :‬المغني‪ ،67/7 :‬كشاف‬
‫القناع‪.244/5 :‬‬
‫(‪ )4‬الحوال الشخصية للستاذ الشيخ عبد الرحمن تاج‪ :‬ص ‪.344‬‬
‫( ‪)9/457‬‬

‫الثالث ـ البدل من جانب الزوجة أو غيرها‪ :‬وهو كل ما يصلح أن يكون مهرا من مال أو منفعة تقوم‬
‫بالمال‪ ،‬غير أنه ليس لبدل الخلع حد أدنى بخلف المهر‪ ،‬فيتحقق الخلع بأي بدل كثير أو قليل‪.‬‬
‫ويستحب أل يأخذ الرجل أكثر مما أعطى المرأة من الصداق عند أكثر العلماء (‪. )1‬‬
‫ول يلزم التصريح بالبدل‪ ،‬كما ل يلزم ذكر المهر في عقد الزواج‪ ،‬فالبدل في ذاته كالمهر لزم في‬
‫الخلع على كل حال عند الحنفية والشافعية‪ ،‬فإذا قال الرجل‪ :‬خالعتك‪ ،‬أو قال للمرأة‪ :‬اختلعي مني‪،‬‬
‫فقال‪ :‬خالعتك‪ ،‬ولم يذكر أحدهما بدلً‪ ،‬صح الخلع ولزم العوض‪ .‬وقال المالكية وفي رواية عند‬
‫الحنابلة‪ :‬يقع الخلع بغير عوض‪ .‬والراجح عند الحنابلة‪ :‬أن العوض ركن في الخلع‪ ،‬فإن خالعها بغير‬
‫عوض لم يقع خلع ول طلق إل إذا كان بلفظ طلق‪ ،‬فيكون طلقا رجعيا‪.‬‬
‫فإن استعمل الرجل أو المرأة لفظ المخالعة من غير قصد إلى الخلع بعوض‪ ،‬بل بقصد الطلق‬
‫المجرد‪ ،‬فيقع طلق بائن‪ ،‬ول يجب فيه مال على المرأة‪.‬‬
‫الرابع ـ الصيغة‪ :‬وهي لفظ الخلع أو ما في معناه مما ذكر كالبراء والمبارأة والفداء والفتداء‪ ،‬سواء‬
‫أكان صريحا أم كناية‪ ،‬فل بد من صيغة معينة ومن لفظ الزوج‪ ،‬ول يحصل بمجرد بذل المال؛ لن‬
‫الخلع الشرعي له آثار تختلف عن آثار الطلق على مال‪ .‬ولنه تصرف في البضع (الستمتاع‬
‫بالمرأة) بعوض‪ ،‬فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلق‪.‬‬
‫الخامس ـ قبول الزوجة‪ :‬لن الخلع من جانبها معاوضة‪ ،‬وكل معاوضة يلزم فيها قبول دافع‬
‫العوض‪ ،‬ويلزم تحقق القبول في مجلس اليجاب أو مجلس العلم به‪ ،‬فإذا قامت الزوجة من المجلس‬
‫بعد سماع كلمةالمخالعة‪ ،‬أو بعد ما علمت بها من طريق الكتابة‪ ،‬فل يصح قبولها بعدئذ‪.‬‬
‫ويشترط توافق القبول واليجاب‪ ،‬فإن قال الزوج‪ :‬طلقتك بألف‪ ،‬فقالت‪ :‬بثمانمائة‪ ،‬أو قال‪ :‬طلقتك ثلثا‬
‫بألف‪ ،‬فقبلت طلقة واحدة بثلت ألف‪ ،‬لم ينعقد الخلع ويعد لغوا‪ ،‬وكذا يعد لغوا عند الشافعية (‪ : )2‬إن‬
‫قال‪ :‬طلقتك بألف‪ ،‬فقالت‪ :‬قبلت بألفين؛ لنه يشترط عنده التطابق أو التوافق التام بين اليجاب‬
‫والقبول‪.‬‬
‫وهذا وقد اعتبر الحنفية ركن الخلع هو اليجاب والقبول؛ لنه عقد على الطلق بعوض‪ ،‬فل تقع‬
‫الفرقة ول يستحق العوض بدون القبول (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ :‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.269/3 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪.145/3 :‬‬

‫( ‪)9/458‬‬

‫المبحث الثاني ـ صفة الخلع وما يترتب عليها ‪:‬‬


‫الخلع في رأي المالكية والشافعية والحنابلة (‪ )1‬معاوضة‪ ،‬فل يحتاج لصحته قبض العوض‪ ،‬فلو تم‬
‫من قبل الزوج‪ ،‬فماتت المرأة أو فلّست‪ ،‬أخذ العوض من تركتها وأتبعت به‪ ،‬ويجوز رد العوض فيه‬
‫بالعيب؛ لن إطلق العقد يقتضي السلمة من العيب‪ ،‬فثبت فيه الرد بالعيب كالمبيع والمهر‪ ،‬ويصح‬
‫الخلع منجزا بلفظ المعاوضة‪ ،‬لما فيه من معنى المعاوضة‪ ،‬ويصح معلقا على شرط لما فيه من معنى‬
‫الطلق‪ ،‬ويملك العوض بالعقد‪ ،‬ويضمن بالقبض‪ ،‬لكن فصل الحنابلة في الضمان‪ ،‬فقالوا‪ :‬العوض في‬
‫الخلع كالعوض في الصداق والبيع‪ :‬إن كان مكيلً أو موزونا‪ ،‬لم يدخل في ضمان الزوج‪ ،‬ولم يملك‬
‫التصرف فيه إل بقبضه‪ ،‬وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه‪.‬‬
‫شوْب تعليق‪ ،‬لتوقف وقوع الطلق فيه على قبول دفع المال‬
‫إل أن الشافعية قالوا‪ :‬الخلع معاوضة فيها َ‬
‫من الزوجة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير مع حاشية الصاوي‪ ،531 ،518/2 :‬مغني المحتاج‪ ،269/3 :‬المهذب‪-72/2 :‬‬
‫‪ ،73‬المغني‪.66 ،58/7 :‬‬

‫( ‪)9/459‬‬

‫وذهب أبو حنيفة (‪ )1‬إلى أن الخلع قبل قبول المرأة يمين من جانب الزوج فل يصح الرجوع عنه؛‬
‫لنه علق طلقه على قبول المال‪ ،‬والتعليق يمين اصطلحا‪ .‬ويعتبر معاوضة بمال من جانب الزوجة؛‬
‫لنها التزمت بالمال في مقابل افتداء نفسها وخلصها من الزوج‪ ،‬لكنها عند أبي حنيفة ليست معاوضة‬
‫محضة‪ ،‬بل فيها شبه بالتبرعات؛ لن بديل العوض ليس مالً شرعا‪ ،‬وإنما هو افتداء المرأة نفسها‪ ،‬فل‬
‫يكون الخلع معاوضة محضة‪ .‬وقال الصاحبان‪ :‬الخلع يمين بالنظر إلى الزوجين جميعا‪.‬‬
‫ويترتب على اعتبار الخلع يمينا من جانب الزوج الثار التالية‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬ل يصح رجوع الزوج عنه قبل قبول المرأة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ل يقتصر إيجاب الزوج على مجلسه‪ ،‬فلو قام من المجلس قبل قبول الزوجة ل يبطل إيجابه بهذا‬
‫القيام‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬ل يصح للزوج أن يشترط الخيار لنفسه في مدة معلومة؛ لنه ل يملك الرجوع عن الخلع‪ ،‬لنه‬
‫يمين من جانبه‪ ،‬فإذا اشترط الخيار كان الشرط باطلً‪ ،‬ولكن ل يبطل الخلع به‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬يجوز للزوج أن يعلق الخلع بشرط‪ ،‬وأن يضيفه إلى زمن مستقبل‪ ،‬مثل‪ :‬إذا قدم فلن فقد‬
‫خالعتك على كذا‪ ،‬أو خالعتك على كذا غدا أورأس الشهر القادم‪ ،‬والقبول للزوجة عند تحقق الشرط‪،‬‬
‫أو حلول الوقت المضاف إليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،769-768/2 :‬البدائع‪.145/3 :‬‬

‫( ‪)9/460‬‬

‫ومذهب الحنابلة (‪ : )1‬ل يصح تعليق الخلع على شرط‪ ،‬ومذهب المالكية والشافعية‪ :‬يجوز تعليق‬
‫الخلع كأن يقول‪ :‬متى ما أعطيتني فأنت طالق‪.‬‬
‫ويترتب على اعتبار الخلع معاوضة لها شبه بالتبرعات من جانب الزوجة ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬يصح للزوجة رجوعها عن اليجاب إذا ابتدأت الخلع قبل قبول الزوج‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬يقتصر قبول الزوجة في المجلس إن كانت حاضرة فيه‪ ،‬وفي مجلس علمها بالخلع إن كانت‬
‫غائبة عن مجلس اليجاب كالبيع‪ .‬ول يشترط حضور المرأة في المجلس‪ ،‬بل يتوقف اليجاب على ما‬
‫وراء المجلس بعكس عقد الزواج‪ ،‬فلو كانت غائبة فبلغها الخبر‪ ،‬فلها القبول في مجلس علمها به؛ لنه‬
‫في جانبها معاوضة‪.‬‬
‫ً‪ -3‬يجوز للزوجة أن تشترط الخيار لنفسها في مدة معلومة يكون لها فيها الحق في القبول أو الرد‪،‬‬
‫إذا ابتدأت الخلع‪ ،‬كأن تقول لزوجها‪ :‬خالعتك على ألف على أن لي الخيار ثلثة أيام‪ ،‬فإذا قبل الزوج‬
‫صح الشرط‪ ،‬ولها أن تقبل أو ترفض؛ لن الخلع من جانبها معاوضة‪ ،‬والمعاوضات يصح فيها‬
‫اشتراط الخيار‪.‬‬
‫وقال الصاحبان والحنابلة (‪ : )2‬ل يصح اشتراط الخيار للزوجة؛ لن الفرقة عند الحنابلة وقعت‬
‫بالتلفظ بالخلع‪ ،‬وما وقع ل سبيل إلى رفعه‪ ،‬ولن الخلع يمين الصاحبين بالنظر إلى الزوجين جميعا‪،‬‬
‫وليس معاوضة من جانب الزوجة‪ ،‬وإذا اشترط صح الخلع وبطل الشرط؛ لنه ل يفسد بالعوض‬
‫الفاسد‪ ،‬فل يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬ل يصح للزوجة تعليق الخلع ول إضافته إلى زمن مستقبل؛ لن الخلع من جانبها معاوضة‬
‫وتمليك‪ ،‬والتمليكات ل تقبل التعليق ول الضافة‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬ل تلزم الزوجة ببدل الخلع إلإذا كانت أهلً للتبرع‪ ،‬بأن كانت بالغة عاقلة رشيدة؛ لن الخلع‬
‫وإن اعتبر معاوضة من جانب الزوجة‪ ،‬ففيه شبه بالتبرعات‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري برأي المالكية والشافعية‪ ،‬فأجاز لكل من الزوجين الرجوع عن اليجاب في‬
‫المخالعة قبل قبول الخر‪ ،‬نصت المادة (‪ )96‬على أنه‪« :‬لكل من الطرفين الرجوع عن إيجابه في‬
‫المخالعة قبل قبول الخر» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.243/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬المغني‪.60/7 :‬‬

‫( ‪)9/461‬‬

‫المبحث الثالث ـ شروط الخلع ‪:‬‬


‫يشترط في الخلع ما يأتي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أهلية الزوج ليقاع الطلق‪ :‬بأن يكون بالغا عاقلً في رأي الجمهور‪ ،‬وأجاز الحنابلة أن يكون‬
‫مميزا يعقله‪ ،‬فكل من ل يصح طلقه ل يصح خلعه كالصبي والمجنون والمعتوه ومن اختل عقله‬
‫لمرض أو كبر سن‪.‬‬
‫خلع السفيه‪ :‬يصح الطلق من كل مكلف (بالغ عاقل)‪ ،‬رشيد (‪ )2‬أو سفيه‪ ،‬حر أو عبد؛ لن كل واحد‬
‫منهم يصح طلقه‪ ،‬فيصح خلعه‪ ،‬ولنه إذا ملك الطلق بغير عوض‪ ،‬فبالعوض أولى‪ .‬ول يصح من‬
‫غير الزوج أو وكيله‪.‬‬
‫خلع الولي‪ :‬يصح الخلع من الحاكم ولي غير المكلف من صبي أو مجنون إذا كان في الخلع مصلحة‪.‬‬
‫ولم يجز أبو حنيفة والشافعي وأحمد للب خلع زوجة ابنه الصغير والمجنون ول طلقها‪ ،‬وهكذا كل‬
‫من ل يجوز له أن يطلّق على الصغير والمجنون ل يجوز أن يخالع عليهما‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬إنما الطلق لمن أخذ بالساق» والخلع في معنى الطلق‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬يخالع الب على ابنه الصغير وابنته الصغيرة؛ لنه عنده يطلّق على البن‪ ،‬ويزوج‬
‫الصغيرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،149-147/3 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،774-772/2 :‬و ‪ ،785-782‬فتح القدير‪:‬‬
‫‪ ،218 ،208-205/3‬اللباب‪ ،65/3 :‬الشرح الصغير‪ ،530-526 ،524 ،520 ،519/2 :‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،69-67/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،232‬مغني المحتاج‪ ،267-263/3 :‬غاية المنتهى‪:‬‬
‫‪ ،105-103/3‬كشاف القناع‪ ،251-244 ،239-238/5 :‬المغني‪-83 ،73 ،66-61 ،53-52/7 :‬‬
‫‪ ،89‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،350-348/2 :‬المهذب‪.74-71/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الرشد عند الحنفية‪ :‬كون الشخص مصلحا في ماله‪ ،‬ولو كان فاسقا‪ ،‬والحجر بالسفه يفتقر عند أبي‬
‫يوسف إلى القضاء كالحجر بالدين‪.‬‬

‫( ‪)9/462‬‬

‫خلع المريض‪ :‬يصح خلع المريض مرض الموت؛ لنه لو طلق بغير عوض لصح‪ ،‬فلن يصح‬
‫بعوض أولى‪ ،‬ولن الورثة ل يفوتهم بخلعه شيء‪ .‬وعبر المالكية عن ذلك بقولهم‪ :‬ونفذ خلع المريض‬
‫مرضا مخوفا‪ ،‬إشارة إلى أنه ل يحرم ابتداء لما فيه من إخراج وارث‪ .‬وترثه على المشهور زوجته‬
‫المخالعة في مرضه إن مات منه ككل مطلّقة بمرض موت مخوف‪ ،‬حتى ولو انتهت عدتها وتزوجت‬
‫بغيره‪ ،‬ول يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله‪ ،‬ولو كانت مريضة حال الخلع أيضا؛ لنه هو الذي‬
‫أسقط ما كان يستحقه‪.‬‬
‫التوكيل في الخلع‪ :‬يصح لكل من الزوجين أو من أحدهما التوكيل في الخلع‪ ،‬وكل من صح خلعه‬
‫لنفسه جاز توكيله ووكالته‪ ،‬حرا كان أو عبدا‪ ،‬ذكرا أو أنثى‪ ،‬مسلما ًأو كافرا‪ ،‬محجورا عليه لسفه أو‬
‫رشيدا؛ لن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع‪ ،‬فصح أن يكون وكيلً وموكّلً فيه كالحر الرشيد‪،‬‬
‫ولن الخلع عقد معاوضة كالبيع‪ .‬وإذا نقص الوكيل عما عينه له الموكل‪ ،‬كأن قال له‪ :‬وكلتك على أن‬
‫تخالعها بعشرة‪ ،‬فخالعها بخمسة‪ ،‬أو نقص الوكيل عن خلع المثل إن أطلق الموكل ولم يعين له شيئا‪،‬‬
‫لم يلزم الموكل بالخلع‪.‬‬
‫وإذا وكلت الزوجة وكيلً ليخالعها‪ ،‬وعينت له شيئا‪ ،‬أو أطلقت العبارة‪ ،‬وزاد وكيلها على ما عينت‪ ،‬أو‬
‫على خلع المثل أن أطلقت‪ ،‬فعليه الزيادة‪ .‬ول يطالب الوكيل بالخلع بالبدل إل إذا ضمنه‪ ،‬ويرجع به‬
‫على المرأة‪.‬‬
‫خلع الفضولي‪ :‬أجاز الحنفية والحنابلة الخلع من الفضولي‪ ،‬فإذا خاطب الفضولي الزوج بالخلع‪ ،‬فإن‬
‫أضاف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له أو ملكه إياه‪ ،‬كاخلعها بألف علي‪ ،‬أو على أني‬
‫ضامن‪ ،‬أو على ألفي هذه‪ ،‬ففعل‪ ،‬صح‪ ،‬والبدل عليه‪ ،‬فإن استحق البدل لزم الفضولي قيمته‪ ،‬ول‬
‫يتوقف الخلع حينئذ علي قبول المرأة‪.‬‬
‫وإن لم يضمن الفضولي البدل وأرسل الكلم‪ ،‬فقال‪ :‬على ألف‪ ،‬فإن قبلت المرأة‪ ،‬لزمها تسليمه‪ ،‬أو‬
‫قيمته إن عجزت‪.‬‬
‫وإن أضاف الفضولي البدل إلى غيره كفرس فلن‪ ،‬اعتبر قبول فلن هذا‪.‬‬

‫( ‪)9/463‬‬

‫ً‪ - 2‬كون الزوجة محل الخلع وقابلته ممن عقد عليها عقد زواج صحيح‪ ،‬سواء أكانت مدخولً بها‪ ،‬أم‬
‫ل‪ ،‬ولو كانت مطلقة رجعيا ما دامت في العدة‪ ،‬وأن تكون ممن يصح تبرعها أو يطلق تصرفها في‬
‫المال‪ ،‬بكونها مكلفة (بالغة عاقلة) غير محجور عليها‪ ،‬وأسباب الحجر خمسة‪ :‬الرق والسفه والمرض‬
‫والصبا والجنون‪ ،‬فل يصح خلع المة إل بإذن سيدها‪،‬ول السفيهة اتفاقا‪ ،‬ول المريضة عند الشافعية‬
‫والحنابلة لعدم صحة تصرفهما بالمال‪ ،‬ول الصغيرة والمجنونة لنتفاء أهلية القبول‪ .‬ولو اختلعت‬
‫المة من زوجها على عوض بغير إذن سيدها‪ ،‬وقع الطلق بائنا‪ ،‬ول شيء عليها عند الحنفية‬
‫والحنابلة والمالكية حتى تعتق‪.‬‬
‫وكذا عند الشافعية يطالبها بالعوض بعد العتق‪ ،‬لكن يستقر للزوج في ذمتها مهر المثل‪ .‬وإذا كان‬
‫الخلع بإذن السيد تعلق العوض في ذمته‪ ،‬كما لو أذن لعبده في الستدانة‪.‬‬
‫وليس للب وغيره من الولياء خلع ابنته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة بشيء من مالها‪ ،‬ول‬
‫طلقها بشيء من مالها؛ لنه إنما يملك التصرف بما لها فيه حظ ومصلحة‪ ،‬وليس في هذا مصلحة‪،‬‬
‫بل فيه إسقاط حقها الواجب لها‪.‬‬
‫وعلى هذا ل يصح خلع المحجور عليه لسفه أو صغر أو جنون ل بنفسها ول بوليها ول بإذنه‪ ،‬لن‬
‫الخلع تصرف في المال‪ ،‬وليست هي من أّهله‪ ،‬ولنه ليس للولي الذن في التبرعات‪ ،‬وهذا كالتبرع‪.‬‬
‫فإن خالع الزوج المحجور عليها بلفظ يكون طلقا‪ ،‬فهو طلق رجعي‪ ،‬ول يستحق عوضا‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬يصح خلع المريضة‪ ،‬ولو اختلعت في مرضها فهو من الثلث؛ لنها متبرعة في قبول‬
‫المال‪،‬فيعتبر من الثلث‪ ،‬فإن ماتت في العدة‪ ،‬فله القل من بدل الخلع ومن ميراثه منها‪.‬‬

‫( ‪)9/464‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬يحرم اختلع المريضة مرض الموت‪ ،‬فيحرم عليها أن تخالع‪ ،‬كما يحرم الخلع على‬
‫الزوج لعانته لها على الحرام‪ .‬لكن ينفذ الطلق‪ ،‬ول توارث بينهما إن كان الزوج صحيحا‪ ،‬ولو‬
‫ماتت في عدتها‪ .‬أما لو كان الزوج مريضا وخالع زوجته‪،‬ومات في مرضه ‪ ،‬فترثه زوجته المخالعة‪،‬‬
‫حتى ولو انقضت عدتها وتزوجت بغيره‪ .‬ول يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله‪ ،‬حتى ولو كانت‬
‫مريضة حال الخلع؛ لنه هو الذي أسقط ما كان يستحقه‪ ،‬ككل مطلقة بمرض موت مخوف‪ ،‬فإنها ترثه‬
‫إن مات من ذلك المرض‪ ،‬دون أن يرثها‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إن خالعت الزوجة في مرض موتها وماتت‪ :‬فإن لم يزد العوض على مهر المثل‬
‫اعتبر من رأس المال‪،‬أي من جميع التركة‪ ،‬وإن زاد على مهر المثل‪ ،‬اعتبرت الزيادة من الثلث‪.‬‬
‫ويصح بالتفاق خلع المحجور عليها لفلس‪ ،‬وبذلها للعوض صحيح؛ لن لها ذمة يصح تصرفها‪،‬‬
‫ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها‪ ،‬وليس للزوج مطالبتها في حال حجرها‪ ،‬كما لو‬
‫استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون بدل الخلع مما يصلح أن يكون مهرا‪.‬‬
‫وهو عند الحنفية‪ :‬أن يكون مالً متقوما موجودا وقت الخلع معلوما أو مجهولً أو منفعة تقوم بالمال‪،‬‬
‫فل يصح خلع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة أو دم‪ ،‬ويبطل العوض‪ ،‬ول شيء للزوج‪ ،‬وتكون‬
‫الفرقة طلقا بائنا؛ لنه لما بطل العوض بقي لفظ الخلع‪ ،‬وهو كناية‪ ،‬وتقع الفرقة بالكنايات بينونة‪ ،‬أما‬
‫لو كان الطلق على مال‪ ،‬وبطل العوض كان طلقا رجعيا‪ ،‬لنه بقي لفظ الطلق‪ ،‬وهو صريح‪،‬‬
‫والصريح طلق رجعي‪.‬‬

‫( ‪)9/465‬‬

‫والبدل عند الجمهور‪ :‬كل ما يصح تملكه‪ ،‬سواء أكان مالً عينا‪ ،‬أم دينا‪ ،‬أم منفعة‪ ،‬تحرزا من الخمر‬
‫والخنزير وما أشبه ذلك‪ .‬فإن خالعها بمحرم كخمر أو خنزير أو مغصوب أو مسروق‪ ،‬فل شيء له‬
‫عليها وبانت منه عند المالكية والحنابلة كما قرر الحنفية‪ ،‬ويكون كالخلع بل عوض‪ ،‬لنه قد رضي‬
‫بالسقاط بغير عوض‪ ،‬فل يستحق عليها شيئا‪ .‬وذكر الشافعية‪ :‬أنه لو خالع بمجهول أو حرام‪ ،‬بانت‬
‫منه بمهر المثل؛ لنه المراد عند فساد العوض‪ .‬ولو خالع بما ليس بمال كالدم‪ ،‬وقع الطلق رجعيا؛‬
‫لنه لم يطمع في شيء‪ .‬وأما خلع الكفار بعوض غير مال فهو صحيح كما في أنكحتهم‪.‬‬
‫الخلع بمعدوم أو بمجهول‪ :‬يصح الخلع عند الجمهور غير الشافعية إذا كان عوض الخلع مشتملً على‬
‫غرر أو معدوم ينتظر وجوده كجنين في بطن حيوان تملكه الزوجة‪ ،‬أو كان مجهولً كأحد فرسين‪ ،‬أو‬
‫غيرموصوف من عرض أو حيوان وثمرة لم يبد صلحها‪ ،‬وعبد آبق‪ ،‬وبعير شارد‪ ،‬أو مضافا لجل‬
‫مجهول‪ ،‬خلفا لمهر النكاح‪ ،‬فليس كل ما يصلح عوضا في الخلع‪ ،‬يصلح عوضا في النكاح؛ لن‬
‫الخلع مبني على التوسع والتسامح‪ ،‬فيتحمل جهالة ونحوها ل يتحملها النكاح‪ ،‬ويصح الخلع على ما ل‬
‫يصح مهرا بجهالة أو غرر‪.‬‬
‫وفرّع الحنفية على قولهم بجواز جهالة عوض الخلع ولو جهالة فاحشة ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ إن قالت الزوجة لزوجها‪ ( :‬خالعني على ما في يدي ) ولم يكن في يدها شيء‪ ،‬فخالعها‪ ،‬فل‬
‫شيء له عليها؛ لنها لم تغرّه بتسمية المال‪.‬‬

‫( ‪)9/466‬‬

‫ب ـ وإن قالت له‪ ( :‬خالعني على ما في يدي من مال ) ولم يكن في يدها شيء‪ ،‬فخالعها‪ ،‬ردت عليه‬
‫مهرها؛ لنها سمت مالً لم يكن الزوج راضيا بالزوال إل بالعوض‪ ،‬ول وجه ليجاب ما سمته المرأة‬
‫من المال في يدها لجهالته‪ ،‬ول ليجاب مهر المثل؛ لن البضع الذي يجب مهر المثل من أجله غير‬
‫متقوم حالة الخروج من الملك بالخلع ونحوه‪ ،‬أما في حالة الدخول بعقد النكاح فهو متقوم‪ ،‬فتعين‬
‫إيجاب ماقام به البضع على الزوج وهو المهر دفعا للضرر عنه‪ .‬جـ ـ وإن قالت له ( خالعني على‬
‫ما في يدي من دراهم ) ولم يكن في يدها شيء‪ ،‬فخالعها‪ ،‬فعليها ثلثة دراهم؛ لنها سمت جمعا من‬
‫الدراهم‪ ،‬وأقل الجمع ثلثة‪ ،‬ووافقهم الحنابلة (‪ )1‬فيه‪.‬‬
‫د ـ وإن قالت له‪( :‬طلقني ثلثا بألف) فطلقها واحدة‪،‬فعليها ثلث اللف؛ لن حرف الباء َيصْحَب‬
‫العواض‪ ،‬والعوض ينقسم على المعوض‪ ،‬فهي لما طلبت الثلث بألف‪ ،‬فقد طلبت كل واحدة بثلث‬
‫اللف‪ .‬والطلق بائن لوجوب المال‪.‬‬
‫أما لو قالت‪ ( :‬طلقني ثلثا على ألف ) فطلقها واحدة‪ ،‬فل شيء عليها عند أبي حنيفة‪ ،‬وتقع طلقة‬
‫رجعية؛ لن كلمة (على) للشرط‪ ،‬والمشروط ل يتوزع على أجزاء الشرط‪ ،‬بخلف الباء‪ ،‬لنه‬
‫للعوض‪ ،‬وهذا هو الصحيح عند الحنفية‪ .‬وقال الصاحبان والشافعية (‪ : )2‬عليها ثلث اللف‪ ،‬وتقع‬
‫طلقة بائنة؛ لن كلمة (على) بمنزلة الباء في المعاوضات‪.‬‬
‫ولو قال الزوج لزوجته‪ ( :‬طلقي نفسك ثلثا بألف‪ ،‬أو على ألف ) فطلقت نفسها واحدة‪ ،‬لم يقع عليها‬
‫شيء؛ لن الزوج مارضي بالبينونة إل لتسلم له اللف كلها‪ .‬وذلك بخلف الحالة السابقة‪ ( :‬طلقني‬
‫ثلثا بألف )؛ لنها لما رضيت بالبينونة بألف‪ ،‬كانت ببعضها أرضى‪.‬‬
‫وأما الشافعية فقالوا‪ :‬يشترط في عوض الخلع شروط الثمن من كونه متمولً‪ ،‬معلوما‪ ،‬مقدورا على‬
‫تسليمه‪ ،‬فلو خالع بمجهول أو خمر معلومة‪ ،‬أو نحوها‪ ،‬مما ل يتملك‪ ،‬بانت بمهر المثل؛ لنه المراد‬
‫عند فساد العقد‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.61/7 :‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪.75/2 :‬‬

‫( ‪)9/467‬‬

‫مجمل شروط الخلع في بعض المذاهب‪ :‬ذهب المالكية (‪ )1‬إلى أنه ل يجوز الخلع إل بثلثة شروط‪:‬‬
‫الول ـ أن يكون المبذول للرجل مما يصح تملكه وبيعه تحرزا من الخمر والخنزير ونحوهما‪.‬‬
‫ويصح عندهم بالمجهول والغرر‪ ،‬كما أوضحت‪.‬‬
‫الثاني ـ أل يجر إلى ما ل يجوز كالخلع على السلف أو التأخير بدين أو الوضع على التعجيل‪ ،‬وشبه‬
‫ذلك من أنواع الربا المذكورة في بحث الربا‪ ،‬فل يصح الخلع مقابل التأخير في وفاء دين عليه‪ ،‬وقد‬
‫حل أجله؛ فإنه ل شيء له عليها؛ لن تأخير الحالّ سلف (‪ ، )2‬وقد جر لها نفعا‪ ،‬وهو خلص‬
‫عصمتها منه‪ ،‬وتأخذ الدين منه حّالً‪.‬‬
‫ول يصح أيضا الخلع مقابل تعجيل دين مؤجل لها من بيع‪ ،‬ويبقى إلى أجله‪ ،‬وبانت منه؛ لن التعجيل‬
‫مقابل حل العصمة‪ .‬فإن كان الدين من قرض‪ ،‬وجب عليها قبول التعجيل قبل الجل‪ ،‬مثل الشيء‬
‫المعين (العين) لن الجل في العين حق لمن هي عليه‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يكون خلع المرأة اختيارا منها وحبا في فراق الزوج من غير إكراه ول ضرر منه بها‪.‬‬
‫فإن انخرم أحد هذين الشرطين نفذ الطلق ولم ينفذ الخلع‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة (‪ )3‬أن شروط الخلع تسع‪:‬‬
‫‪ - 1‬بذل عوض‪ - 2 .‬ممن يصح تبرعه‪ ،‬وزوج يصح طلقه‪ - 3 .‬غير هازلين‪ - 4 .‬عدم عضلها‬
‫إن بذلته‪ - 5 .‬وقوعه بصيغته الصريحة أوالكناية‪ ،‬والولى‪ :‬خلعت وفسخت وفاديت‪ ،‬والثانية‪:‬‬
‫بارأتك‪ ،‬وأبرأتك‪ ،‬وأبنتك‪ - 6 .‬عدم نيته طلقا‪ - 7 .‬تنجيز‪ - 8 .‬وقوعه على جميع الزوجة‪- 9 .‬‬
‫عدم الحيلة‪ ،‬فيحرم الخلع حيلة لسقاط يمين الطلق أو تعليقه ول يصح‪.‬‬
‫شروط الخلع في القانون السوري ‪:‬‬
‫ل ليقاع الطلق والزوجة محلً للطلق‪:‬‬
‫نصت المادة (‪ )95‬من هذا القانون على أن يكون الزوج أه ً‬
‫«ً‪ - 1‬يشترط لصحة المخالعة أن يكون الزوج أهلً ليقاع الطلق والمرأة محلً له‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬المرأة التي لم تبلغ سن الرشد إذا خولعت ل تلتزم ببدل الخلع إل بموافقة ولي المال» ‪ .‬وهذه‬
‫الفقرة الثانية هي من مذهب المالكية‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )96‬على صفة الخلع أخذا بمذهبي المالكية والشافعية في كون الخلع معاوضة‪:‬‬
‫«لكل من الطرفين الرجوع عن إيجابه في المخالعة قبل قبول الخر» ونصت المادة (‪ )97‬على بدل‬
‫الخلع‪ :‬وهو كل ما جاز أن يكون مهرا بالتفاق‪:‬‬
‫«كل ما صح التزامه شرعا‪ ،‬صلح أن يكون بدلً في الخلع» ‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )100‬على حالة الخلع من غير بدل أخذا بمذهبي المالكية والحنابلة‪:‬‬
‫«إذا صرح المتخالعان بنفي البدل‪ ،‬كانت المخالعة في حكم الطلق المحض‪ ،‬وقع بها طلقة رجعية» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،232‬الشرح الصغير‪.524/2 :‬‬
‫(‪ )2‬أي لن من أخر ما عجل يعد سلفا‪.‬‬
‫(‪ )3‬غاية المنتهى‪ 103/3 :‬وما بعدها‪.110 ،‬‬

‫( ‪)9/468‬‬

‫المبحث الرابع ـ حكم أخذ بدل الخلع‪ ،‬والخلع في مقابل بعض المنافع والحقوق‪ ،‬والفرق بين الخلع‬
‫والطلق على مال ‪:‬‬
‫يتبع بحث اشتراط بدل الخلع الكلم في مواضع ثلثة‪ :‬حكم أخذ بدل الخلع‪ ،‬والخلع في مقابل منفعة أو‬
‫حق‪ ،‬والفرق بين الخلع والطلق على مال‪.‬‬
‫حكم أخذ بدل الخلع ‪:‬‬
‫بحث الفقهاء مبدأ مشروعية أخذ البدل في مقابل الخلع أو الطلق على التفصيل التالي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬إن كانت الزوجة كارهة زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة‪ ،‬وخافت أل تؤدي حقه‪ ،‬جاز للزوج‬
‫مخالعتها وأخذ عوض في نظير طلقها‪ ،‬لكن يكره عند الحنفية أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها‪ ،‬لقصة‬
‫امرأة ثابت بن قيس المتقدمة‪« :‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬أتردين إليه حديقته؟ فقالت‪ :‬نعم‬
‫وزيادة‪ ،‬فقال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬أما الزيادة فل» (‪ . )2‬وهذا قول عطاء وطاوس والزهري‬
‫وعمرو بن شعيب‪.‬‬
‫وأجاز الجمهور أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ما دام النشوز من جهتها‪ ،‬لكن ل يستحب له ذلك‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬ول يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إل أن يخافا أل يقيما حدود ال ‪ ،‬فإن خفتم‬
‫أل يقيما حدود ال ‪ ،‬فل جناح عليهما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 150/3 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 203/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،232‬المهذب‪:‬‬
‫‪ 70/2‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،55-52/7 :‬بداية المجتهد‪.68/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود مرسلً عن عطاء‪ ،‬وأخرجه الدارقطني عن أبي الزبير‪ ،‬وفي رواية ابن ماجه عن‬
‫ابن عباس‪« :‬فأمر رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ول يزداد» (نصب الراية‬
‫‪ ،244/3‬نيل الوطار‪.)246/6 :‬‬

‫( ‪)9/469‬‬

‫فيما افتدت به} [البقرة‪ ]229/2:‬فإنه تعالى نفى الثم في أخذ الرجل من الزوجة مقابل طلقها‪ ،‬قليلً‬
‫كان أو كثيرا‪.‬والنهي عن الزيادة في حديث ثابت محمول على خلف الولى‪.‬‬
‫ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قال‪« :‬لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص (‪)1‬‬
‫رأسها‪ ،‬كان ذلك جائزا» وقالت الرُبيّع بنت ُم َعوّذ‪ :‬اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي‪ ،‬فأجاز‬
‫ذلك عثمان بن عفان رضي ال عنه (‪ . )2‬ولم يخالفه أحد من الصحابة‪ ،‬واشتهر هذا‪ ،‬فلم ينكر‪،‬‬
‫فيكون إجماعا‪ ،‬ولم يصح عن علي رضي ال عنه خلفه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إن كان النفور والعراض من جانب الزوج‪ ،‬يكره باتفاق العلماء‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وإن أردتم‬
‫استبدال زوج مكان زوج‪ ،‬وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا‪ ،‬أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا}‬
‫[النساء‪.]20/4:‬‬
‫ومثل هذا‪ :‬لو أكره الزوج الزوجة أو اضطرها إلى طلب الخلع‪ ،‬فضيق عليها‪ ،‬وعاشرها معاشرة‬
‫سيئة ليحملها على الطلق‪ ،‬فل يحل له أخذ شيء منها عند الحنفية والحنابلة والشافعية لقوله تعالى‪:‬‬
‫{ول تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة‪ ]231/2:‬وقوله سبحانه‪{ :‬ول تعضُلوهن لتذهبوا ببعض ما‬
‫آتيتموهن} [النساء‪ ]4/19:‬هذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة‪ ،‬ولنه إضرار بها‪ ،‬والضرر‬
‫حرام‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪.‬‬
‫وكذلك قال المالكية‪ :‬ل يحل له أخذ شيء من الزوجة في حالة الضرار‪ ،‬ولو أخذ شيئا وجب عليه أن‬
‫يرده إليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العقاص‪ :‬هو الخيط الذي تربط به المرأة أطراف شعرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه ابن سعد‪.‬‬

‫( ‪)9/470‬‬
‫ً‪ - 3‬وإن كان الكره من الجانبين‪ ،‬وخشيا التقصير أو التفريط في حقوق الزوجية‪ ،‬جاز الخلع وجاز‬
‫أخذ البدل اتفاقا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن خفتم أل يقيما حدود ال فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة‪:‬‬
‫‪.]229/2‬‬
‫الخلع في مقابل بعض المنافع والحقوق ‪:‬‬
‫يصح أن يكون بدل الخلع من النقود‪ ،‬أو من المنافع المقومة بمال‪ ،‬كسكنى الدار وزراعة الرض زمنا‬
‫معلوما‪ ،‬وكإرضاع ولدها أو حضانته أو النفاق عليه‪ ،‬أو من الحقوق كإسقاط نفقة العدة‪.‬‬
‫الخلع على الرضاع ‪:‬‬
‫يصح الخلع على أن ترضع ولدها مدة الرضاع الواجب وهو سنتان؛ لن الرضاع مما تصح‬
‫المعاوضة عنه في غير الخلع‪ ،‬ففي الخلع أولى‪.‬‬
‫ويصح الخلع أيضا عند الحنابلة (‪ )1‬على إرضاع ولده مطلقا دون تحديد مدة‪ ،‬وينصرف إلى ما بقي‬
‫من الحولين؛ لن ال تعالى قيّد الرضاع بالحولين‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين‬
‫كاملين} [البقرة‪ ]233/2:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل رضاع بعد فصال» (‪. )2‬‬
‫فإن ماتت المرضعة أو جف لبنها‪ ،‬فعليها أجر المثل لما بقي من المدة‪ .‬وكذا عند الحنابلة إن مات‬
‫الولد‪ ،‬وينفسخ التفاق بتلفه‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل ينفسخ التفاق‪ ،‬ويأتيها بصبي ترضعه مكانه؛ لن‬
‫الصبي مستوفى به‪ ،‬ل معقودا عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.64/7 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر‪ ،‬وتتمته‪« :‬ول يُتْم بعد احتلم» (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)315/6‬‬

‫( ‪)9/471‬‬

‫الخلع على الحضانة أو كفالة الولد مدة معلومة ‪:‬‬


‫يصح الخلع أيضا على أن تحضن ولده مدة معلومة بل أجر‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل يصح التفاق حتى‬
‫يذكر مدة الرضاع وقدر الطعام وجنسه‪ ،‬وقدر الدام وجنسه ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة‬
‫كالمسلم فيه (‪. )1‬‬
‫ومبنى الخلف مسألة استئجار الجير بطعامه وكسوته‪ ،‬الشافعية يوجبون تعيين الجرة‪ ،‬لما روي عن‬
‫أبي سعيد الخدري قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن استئجار الجير حتى يُبيّن له‬
‫أجره» (‪. )2‬‬
‫ولم يوجب الجمهور تعيين الجر للعرف واستحسان المسلمين‪ ،‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن‬
‫عفّة فرجه‪ ،‬وطعام بطنه» (‪. )3‬‬
‫موسى أجَر نفسه ثمانَ سنين أو عشر سنين على ِ‬
‫فلو تركت المرأة الولد وهربت أو مات الولد أو ماتت هي‪ ،‬وجب عليها أجر المثل عن المدة الباقية‪.‬‬
‫الخلع على بقاء الولد إلى البلوغ‪ :‬إذا خالعت المرأة زوجها على أن يبقى ابنه عندها إلى البلوغ صح‬
‫الخلع ولم يصح الشرط عند الحنفية؛ لن الحق في البن بعد انتهاء مدة الحضانة للب‪ ،‬ل للم‪ .‬أما‬
‫إن خالعت على إبقاء ابنتها منه إلى البلوغ‪ ،‬فيصح الخلع والشرط‪ ،‬والفرق بين الحالتين‪ :‬أن البن‬
‫أحوج لبيه بعد الحضانة وأقدر على تربيته من الم‪ ،‬والبنت أحوج إلى تدريب أمهاوتعليمها وأقدر‬
‫على ذلك من الب‪.‬‬
‫وأجاز المالكية اشتراط بقاء البن مع الم إلى البلوغ؛ لن مدة حضانة البن عندهم إلى البلوغ‪،‬‬
‫والبنت إلى أن تتزوج ويدخل الزوج بها‪.‬‬
‫الخلع على إسقاط الحضانة‪ :‬أما الخلع على إسقاط حق الحضانة‪ :‬فيصح عند الحنفية‪ ،‬ول يسقط حق‬
‫الم في الحضانة؛ لن هذا الحق للولد‪ ،‬فل تملك الم التنازل عنه‪.‬‬
‫وأجاز المالكية في مشهور المذهب إسقاط الحضانة بالخلع وانتقالها إلى الب بشرطين‪:‬‬
‫الول ـ أل يلحق الولد ضرر من مفارقة أمه‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يكون الب قادرا على حضانة الولد‪.‬‬
‫لكن المفتى به عند المالكية‪ :‬أن الحضانه ل تنتقل بإسقاط الم إلى الب‪ ،‬ولكنها تنتقل إلى من يلي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.65/7 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد (نيل الوطار‪.)292/5 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وابن ماجه عن عُتْبة بن النّدّر ( نيل الوطار‪.) 292/5 :‬‬

‫( ‪)9/472‬‬

‫الم في حق الحضانة (‪. )1‬‬


‫الخلع على نفقة الصغير ‪:‬‬
‫يرى الحنفية والمالكية (‪ )2‬أنه لو خالع الزوج امرأته على أن تنفق على ابنه الصغير مدة معلومة‪،‬‬
‫صح الخلع‪ :‬ولزمها النفاق في تلك المدة‪ ،‬فإن امتنعت‪ ،‬أو ماتت‪ ،‬أو مات الولد قبل انتهاء المدة‪،‬‬
‫وجب عليها نفقة المثل في باقي المدة‪ ،‬وتؤخذ من تركتها في موتها‪.‬‬
‫وإن أعسرت أنفق الزوج عليها‪ ،‬ويرجع بالنفقة إن أيسرت‪ .‬لكن قال المالكية‪ :‬إن خالعها على أن‬
‫تتحمل نفقة نفسهامدة حملها‪ ،‬ل تسقط في الصح نفقة الحمل‪.‬‬
‫الخلع مقابل البراء من نفقة العدة ‪:‬‬
‫يصح الخلع في مقابل إبراء المرأة زوجها من نفقة العدة‪ ،‬ويبرأ الزوج منها (‪ ، )3‬وإن كان الساقط‬
‫مجهولً‪.‬‬
‫ويصح الخلع في مقابل إسقاط حق السكنى مدة العدة‪ ،‬ول يسقط حقها؛ لن سكنى المعتدة في بيت‬
‫الزوجية واجب شرعي‪ ،‬ل تملك الزوجة إسقاطه‪ ،‬ول تملك الزوجة أن تعفيه منه لقوله تعالى‪{ :‬ل‬
‫تخرجوهن من بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلق‪ ،]1/65:‬لكن إذا التزمت‬
‫المرأة أن تدفع أجرة البيت من مالها‪ ،‬فيصح لها أن تعفي الزوج من هذه الجرة‪.‬‬
‫موقف القانون السوري من الخلع على المنافع أو الحقوق ‪:‬‬
‫نصت المادة (‪ )102‬على إعفاء الزوج من أجرة الرضاع كما بينت عند الفقهاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا اشترط في المخالعة إعفاء الزوج من أجرة رضاع الولد‪ ،‬أو اشترط إمساكها له مدة معلومة‪،‬‬
‫وإنفاقها عليه‪ ،‬فتزوجت أو تركت الولد أو ماتت أو مات الولد‪ ،‬يرجع الزوج بما يعادل أجرة رضاع‬
‫الولد أو نفقته عن المدة الباقية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كانت الم معسرة وقت المخالعة‪ ،‬أوأعسرت فيما بعد‪ ،‬يجبر الب على نفقة الولد‪ ،‬وتكون دينا‬
‫له على الم‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )103‬على عدم سقوط حق الحضانة بالخلع عملً بمذهب الحنفية‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،349/2 :‬الشرح الصغير‪.522/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪.521/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪.152/3 :‬‬

‫( ‪)9/473‬‬

‫إذا اشترط الرجل في المخالعة إمساك الولد عنده مدة الحضانة‪ ،‬صحت المخالعة‪ ،‬وبطل الشرط‪ ،‬وكان‬
‫لحاضنته الشرعية أخذه منه‪ ،‬ويلزم أبوه بنفقته وأجرة حضانته إن كان فقيرا‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )101‬على عدم إسقاط نفقة العدة إل بالنص الصريح في الخلع‪:‬‬
‫نفقة العدة ل تسقط‪ ،‬ول يبرأ الز وج المخالع منها إل إذا نص عليها صراحة في عقد الخالعة‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )104‬على عدم التقاص بين نفقة الولد ودين الب‪:‬‬
‫ل يجري التقاص بين نفقة الولد المستحقة على أبيه ودين الب على حاضنته‪.‬‬
‫الفرق بين الخلع والطلق على المال عند الحنفية ‪:‬‬
‫الخلع والطلق على مال وإن زال بكل منهما ملك الزواج‪ ،‬وعلى الرغم من أن كل واحد طلق‬
‫بعوض‪ ،‬يختلفان من وجوه ثلثة هي (‪: )1‬‬
‫الول ـ لو كان الخلع على عوض باطل شرعا‪ ،‬بأن وقع على ما ليس بمال متقوم‪ ،‬كخلع المسلمة‬
‫على خمر أو خنزير أو ميتة‪ ،‬فل شيء للزوج‪ ،‬ويقع الطلق بائنا‪.‬‬
‫أما إذا بطل العوض في الطلق على مال‪ ،‬بأن سميا ما ليس بمال متقوم‪ ،‬فإن الطلق يقع رجعيا‪.‬‬
‫وذلك لن الخلع كناية عند الحنفية‪ ،‬والكنايات توقع الفرقة بائنة‪ .‬وأما الطلق على مال فهو صريح‪،‬‬
‫ويقع بائنا إذا صح العوض شرعا‪ ،‬فإذا لم يصح فكأنه لم يكن‪ ،‬فبقي صريح الطلق‪ ،‬فيكون رجعيا‪،‬‬
‫وحينئذ يعمل كل من لفظي الخلع والطلق المجردين عمله‪ ،‬فلفظ الخلع يكون كناية عن الطلق‪ ،‬ولفظ‬
‫الطلق من أنواع الصريح الذي يقع به طلق رجعي‪.‬‬
‫الثاني ـ يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كل الحقوق الواجبة بسبب الزواج لحد الزوجين على‬
‫الخر‪ ،‬كالمهر والنفقة الماضية المتجمدة أثناء الزواج‪ ،‬لكن ل تسقط نفقة العدة؛ لنها لم تكن واجبة‬
‫قبل الخلع‪ ،‬فل يتصور إسقاطها بالخلع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،152-151/3 :‬فتح القدير‪ ،205/3 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،67 ،65/3 :‬الفتاوى الهندية‪:‬‬
‫‪.450/1‬‬

‫( ‪)9/474‬‬

‫أما الطلق على مال‪ :‬فل يسقط به شيء من حقوق الزوجين‪ ،‬ويجب به فقط المال المتفق عليه‪.‬‬
‫الثالث ـ الخلع مختلف في كونه طلقا بائنا أم فسخا بين الفقهاء‪ ،‬فهو عند الجمهور (الحنفيةوالمالكية‪،‬‬
‫والشافعية في أظهر القولين‪ ،‬وفي رواية عن أحمد) طلق بائن يحتسب من عدد الطلقات‪ .‬وفي رواية‬
‫أخرى عن أحمد‪ :‬أنه فسخ‪ ،‬فل ينقص من عدد الطلقات‪ .‬والمعتمد عند الحنابلة‪ :‬أن الخلع فسخ بائن‪،‬‬
‫ل ينقص به عدد الطلق‪ ،‬ولو لم ينو خلعا (‪. )1‬‬
‫أما الطلق على مال‪ :‬فل خلف في كونه طلقا بائنا ينقص به عدد الطلقات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المعتمد في فقه المام أحمد‪. 248/2 :‬‬

‫( ‪)9/475‬‬

‫المبحث الخامس ـ آثار الخلع ( أحكامه ) ‪:‬‬


‫يترتب على الخلع الثار التالية (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬يقع به طلقة بائنة‪ ،‬ولو بدون عوض أو نية في رأي الحنفية والمالكية‪ ،‬والشافعية في الراجح‪،‬‬
‫وأحمد في رواية عنه لقوله تعالى‪{ :‬فل جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة‪ ]229/2:‬وإنما يكون فداء‬
‫إذا خرجت المرأة من سلطان الرجل‪ ،‬ولو لم يكن بائنا لملك الرجل الرجعة‪ ،‬وكانت تحت حكمه‬
‫وقبضته‪ ،‬ولن القصد إزالة الضرر عن المرأة‪ ،‬فلو جازت الرجعة لعاد الضرر‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عن أحمد هي الراجحة في المذهب أن الخلع فسخ‪ ،‬وهو رأي ابن عباس وطاوس‪،‬‬
‫وعكرمة وإسحاق وأبي ثور؛ لن ال تعالى قال‪{ :‬الطلق مرتان} [البقرة‪ ]229/2:‬ثم قال‪{ :‬فل جناح‬
‫عليهما فيما افتدت به} [البقرة‪ ]229/2:‬ثم قال‪{ :‬فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}‬
‫[البقرة‪ ]230/2:‬فذكر الحق تعالى تطليقتين‪ ،‬والخلع‪ ،‬وتطليقة بعدها‪ ،‬فلو كان الخلع طلقا لكان‬
‫الطلق أربعا بأن يكون الطلق الذي ل تحل فيه المرأة المطلقة إل بعد زوج هو الطلق الرابع‪،‬‬
‫ولنها فرقة خلت عن صريح الطلق ونيته‪ ،‬فكانت فسخا كسائر الفسوخ‪.‬‬
‫والمعتمد لدى الحنابلة هو التفصيل‪ :‬وهو أن الخلع طلق بائن‪ ،‬إن وقع بلفظ الخلع والمفاداة ونحوهما‬
‫أو بكنايات الطلق‪ ،‬ونوى به الطلق؛ لنه كناية نوى بها الطلق‪ ،‬فكانت طلقا‪.‬‬
‫والخلع فسخ ل ينقص به عدد الطلق حيث وقع بصيغته (‪ ، )2‬ولم ينو به طلقا‪ ،‬بأن وقع بلفظ الخلع‬
‫أو الفسخ أوالمفاداة‪ ،‬ول ينوي به الطلق‪ ،‬فيكون فسخا ل ينقص به عدد الطلق‪.‬‬
‫والمبارأة‪ :‬مثل أن يقول الرجل لزوجته‪ :‬برئت من نكاحك على ألف‪ ،‬فقبلت‪ ،‬وهي كناية يقع بها الخلع‬
‫بالنية عند الحنابلة‪ ،‬وأما عند الحنفية فهي كالخلع يقع بها الطلق البائن بل نية‪.‬‬
‫فإن طلق الرجل زوجته وأعطى لها مالً من عنده‪ ،‬فليس بخلع‪ ،‬بل هو رجعي على المعتمد لدى‬
‫المالكية؛ لنه بمنزلة من طلق‪ ،‬وأعطى لزوجته المتعة‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬ل يتوقف الخلع على قضاء القاضي‪ ،‬كما هو حكم كل طلق يكون من الزوج‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬ل يبطل الخلع بالشروط الفاسدة‪ :‬إذا خالع الزوج على شرط إبقاء الطفل عنده قبل انتهاء مدة‬
‫الحضانة‪ ،‬أو خالعت الزوجة زوجها على شرط ترك ابنها عندها بعد انتهاء زمن الحضانة‪ ،‬أو أن‬
‫يكون لها حضانة الطفل ولو تزوجت بغير قريب محرم من الطفل‪ ،‬فالشرط باطل في كل ما ذكر‪،‬‬
‫وينفذ الخلع‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬يلزم الزوجة أداء بدل الخلع المتفق عليه‪ ،‬سواء أكان هو المهر أم بعضه أم شيئا آخر سواه؛‬
‫لن الزوج علق طلقها على قبول البدل‪ ،‬وقد رضيت به‪ ،‬فيكون لزما في ذمتها باتفاق الفقهاء‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كل الحقوق والديون التي تكون لكل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،151 ،144/3 :‬فتح القدير‪ ،215/3 :‬الدر المختار‪ ،778/2 :‬اللباب‪ ،66/3 :‬الشرح‬
‫الصغير‪ ،532 ،526 ،518/2 :‬بداية المجتهد‪ ،69/2 :‬مغني المحتاج‪،277 ،271 ،268/3 :‬‬
‫المهذب‪ ،72/2 :‬المغني‪ ،59-56/7 :‬غاية المنتهى‪ ،101/3 :‬كشاف القناع‪.241/5 :‬‬
‫(‪ )2‬صيغة الخلع عندهم نوعان‪ :‬صريحة‪ :‬وهي لفظ خلعت وفسخت وفاديت‪ ،‬وكناية‪ :‬وهي لفظ‬
‫بارأتك وأبرأتك وأبنتك‪.‬‬

‫( ‪)9/476‬‬

‫واحد من الزوجين في ذمة الخر والتي تتعلق بالزواج الذي وقع الخلع منه كالمهر والنفقة الماضية‬
‫المتجمدة؛ لن المقصود منه قطع الخصومة والمنازعة بين الزوجين‪.‬‬
‫أما الديون أو الحقوق التي لحد الزوجين على الخر‪ ،‬والتي ل تتعلق بموضوع الزواج‪ ،‬كالقرض‬
‫والوديعة والرهن وثمن المبيع ونحوها‪ ،‬فل تسقط بالتفاق‪ .‬وكذا ل تسقط نفقةالعدة إل بالنص على‬
‫إسقاطها؛ لنها تجب عند الخلع‪.‬‬
‫وقال الجمهور (بقية المذاهب) ومحمد‪ :‬ل يسقط بالخلع شيء من حقوق الزوجية إل إذا نص على‬
‫إسقاطه‪ ،‬سواء بلفظ الخلع أوا لمبارأة‪ ،‬فهو تماما كالطلق على مال‪ ،‬يقع به الطلق بائنا‪ ،‬ويجب فقط‬
‫البدل المتفق عليه؛ لن الحقوق ل تسقط إل بما يدل على سقوطها قطعا‪ ،‬وليس في الخلع دللة على‬
‫إسقاط الحقوق الثابتة؛ لنه معاوضة من جانب الزوجة‪ ،‬والمعاوضات ل أثر لها في غير ما تراضى‬
‫عليه الطرفان‪ .‬وهذا هو الراجح المتفق مع العدالة؛ لن الحق ل يسقط إل بالسقاط صراحة أو دللة‪.‬‬
‫‪ - ً 6‬هل يرتدف على المختلعة طلق؟ قال أبو حنيفة‪ :‬يرتدف‪ ،‬سواء أكان على الفور أم على‬
‫التراخي‪ .‬وفي رأي الجمهور‪ :‬ل يرتدف‪ ،‬إل أن المام مالك قال‪ :‬ل يرتدف‪ ،‬إل إذا كان الكلم‬
‫متصلً‪ .‬وقال الشافعي وأحمد‪ :‬ل يرتدف‪ ،‬وإن كان الكلم متصلً‪ ،‬فالمختلعة ل يلحقها طلق بحال‪.‬‬
‫استدل أبو حنيفة بأثر‪« :‬المختلعة يلحقها الطلق ما دامت في العدة» ‪.‬‬
‫واستدل الجمهور بقول ابن عباس وابن الزبير‪ :‬إن المختلعة ل يلحقها طلق‪ ،‬ولنها ل تحل للزوج إل‬
‫بنكاح جديد‪ ،‬فلم يلحقها طلقه كالمطلقة قبل الدخول أو المنقضية عدتها‪ .‬وسبب الخلف بين الرأيين‬
‫أن العدة عند أبي حنيفة من أحكام النكاح‪ ،‬ولذا ل يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختها‪ ،‬فيرتدف‬
‫الطلق عنده‪ .‬وعند الجمهور‪ :‬من أحكام الطلق‪ ،‬فل يرتدف‪.‬‬

‫( ‪)9/477‬‬

‫‪ - ً 7‬ل رجعة في رأي أكثر العلماء على المختلعة في العدة‪ ،‬سواء أكان الخلع فسخا أم طلقا‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فيما افتدت به} [البقرة‪ ]229/2:‬وإنما يكون فداء إذا خرجت به عن قبضة الرجل وسلطانه‪،‬‬
‫وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه‪ ،‬ولن القصد إزالة الضرر عن المرأة‪ ،‬فلو جاز ارتجاعها لعاد‬
‫الضرر‪.‬‬
‫وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قال‪ :‬الزوج بالخيار بين إمساك العوض ول رجعة له‪،‬‬
‫وبين رده وله الرجعة‪.‬‬
‫وأجمع أكثر العلماء على أن للرجل أن يتزوج المختلعة برضاها في عدتها‪ .‬وقال بعض المتأخرين‪ :‬ل‬
‫يتزوجها هو ول غيره في العدة‪.‬‬
‫‪ - ً 8‬الختلف في الخلع أو عوضه‪ :‬إذا ادعت الزوجة خلعا‪ ،‬فأنكره الزوج ول بيّنة له‪ ،‬صدّق‬
‫بيمينه‪ ،‬إذ الصل بقاء النكاح وعدم الخلع‪ ،‬والبينة عند الشافعية‪ :‬شهادة رجلين‪.‬‬
‫وإن قال الزوج‪ :‬طلقتك بكذا كألف‪ ،‬فقالت‪ :‬بل طلقتني مجانا أو لم تطلقني‪ ،‬بانت بقوله ول عوض‬
‫للزوج عليها إن حلفت على نفيه‪ ،‬أما البينونة فلقراره‪ ،‬وأما عدم العوض فلن الصل براءة ذمتها‪،‬‬
‫لكن لها النفقة والكسوة والسكنى في العدة‪.‬‬
‫وإن اختلف الزوجان في جنس العوض‪ ،‬هل هو دراهم أو دنانير أو في صفته كصحاح أو مكسرة‪ ،‬أو‬
‫في قدر العوض‪ ،‬كأن قال‪ :‬بألف‪،‬فقالت‪ :‬بل بخمسمائة‪ ،‬أو في عدد الطلق الذي وقع به الخلع‪،‬‬
‫كقولها‪ :‬سألتك ثلث طلقات بألف‪ ،‬فقال‪ :‬بل واحدة بألف‪ ،‬ول بينة لواحد منهما‪ :‬فقال مالك‪ :‬القول قول‬
‫الزوجة إن لم يكن هناك بيّنة؛ لنها مدعى عليها وهو مدع‪ ،‬وهو موافق لمذهب الحنفية‪ ،‬عملً‬
‫بالقاعدة الشرعية‪ « :‬البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » ‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يتحالفان كما في البيع‪ ،‬ويكون على الزوجة مهر المثل؛ لنه المردّ عند الختلف‪ ،‬لن‬
‫اختلفهما يشبه اختلف المتبايعين‪.‬‬
‫آثار الخلع في القانون‪ :‬أخذ القانون السوري بمذهب أبي حنيفة في أن الخلع يسقط حقوق كل من‬
‫الزوج والزوجة تجاه الخر من مهر ونفقة زوجية‪ ،‬حتى ولو لم يتفق الزوجان على بدل‪ ،‬وذلك في‬
‫المادتين التاليتين‪:‬‬
‫(م ‪ - )98‬إذا كانت المخالعة على مال غير المهر‪ ،‬لزم أداؤه‪ ،‬وبرئت ذمة المتخالعين من كل حق‬
‫بالمهر والنفقة الزوجية‪.‬‬
‫(م ‪ - )99‬إذا لم يسم المتخالعان شيئا وقت المخالعة‪ ،‬برئ كل منهما من حقوق الخر بالمهر والنفقة‬
‫الزوجية‪.‬‬

‫( ‪)9/478‬‬

‫صلُ الثّالث‪ :‬التّفريق القضائيّ‬


‫ال َف ْ‬
‫ويشتمل على عشرة مباحث‪:‬‬
‫الول ـ التفريق لعدم النفاق‪.‬‬
‫الثاني ـ للعيب أو العلل الجنسية‪.‬‬
‫الثالث ـ للضرر وسوء العشرة أو للشقاق بين الزوجين‪.‬‬
‫الرابع ـ طلق التعسف‪.‬‬
‫الخامس ـ للغيبة‪.‬‬
‫السادس ـ للحبس‪.‬‬
‫السابع ـ التفريق بسبب اليلء‪.‬‬
‫الثامن ـ التفريق بسبب اللعان‪.‬‬
‫التاسع ـ التفريق بسبب الظهار‪.‬‬
‫العاشر ـ التفريق بسب الردة أو إسلم أحد الزوجين‪.‬‬
‫ويلحظ أن التفريق يختلف عن الطلق بأن الطلق يقع باختيار الزوج وإرادته‪ ،‬أما التفريق فيقع‬
‫بحكم القاضي‪ ،‬لتمكين المرأة من إنهاء الرابطة الزوجية جبرا عن الزوج‪ ،‬إذا لم تفلح الوسائل‬
‫الختيارية من طلق أو خلع‪ .‬وأخذ القانون في مصر وسورية أحكام أربع حالت للتفريق في الكثر‬
‫من مذهبي المالكية والحنابلة‪.‬‬
‫والتفريق القضائي قد يكون طلقا‪ :‬وهو التفريق بسبب عدم النفاق أو اليلء أو للعلل أو للشقاق بين‬
‫الزوجين أو للغيبة أو للحبس أو للتعسف‪ ،‬وقد يكون فسخا للعقد من أصله كما هو حال التفريق في‬
‫العقد الفاسد‪،‬كالتفريق بسبب الردة وإسلم أحد الزوجين‪.‬‬
‫والفرق بين الطلق والفسخ في رأي الحنفية‪:‬‬
‫أن الطلق‪ :‬هو إنهاء الزواج وتقرير الحقوق السابقة من المهر ونحوه‪ ،‬ويحتسب من الطلقات الثلث‬
‫التي يملكها الرجل على امرأته‪ ،‬وهو ل يكون إل في العقد الصحيح‪.‬‬
‫وأما الفسخ‪ :‬فهو نقض العقد من أصله أو منع استمراره‪ ،‬ول يحتسب من عدد الطلق‪ ،‬ويكون غالبا‬
‫في العقد الفاسد أو غير اللزم‪.‬‬
‫وللمام مالك (‪ )1‬قولن في الفرق بين الفسخ والطلق‪:‬‬
‫القول الول ـ الفرقة طلق ل فسخ في النكاح المختلف فيه بين المذاهب والخلف مشهور‪ ،‬مثل‬
‫الحكم بتزويج المرأة نفسها‪ ،‬ونكاح المحرم بحج أو عمرة‪.‬‬
‫القول الثاني ـ العتبار في ذلك بالسبب الموجب للتفريق‪ ،‬فإن كان من الشرع‪ ،‬ل برغبة الزوجين‪،‬‬
‫كان فسخا‪ ،‬مثل نكاح المحرمة بالرضاع أو النكاح في العدة‪ .‬وإن كان السبب هورغبة الزوجين‪ ،‬مثل‬
‫الرد بالعيب‪ ،‬كان طلقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪.70/2 :‬‬

‫( ‪)9/479‬‬

‫المبحث الول ـ التفريق لعدم النفاق ‪:‬‬


‫أخذ القانون في مصر وسورية بجواز التفريق القضائي بين الزوجين‪ ،‬عملً بمذهب الجمهور غير‬
‫الحنفية‪ ،‬فنصت المادة الرابعة من القانون المصري رقم (‪ )25‬لسنة (‪ )1920‬على حق التفريق بين‬
‫الزوجة وزوجها‪ ،‬لعدم إنفاقه عليها‪ ،‬إذا طلبت الزوجة التفريق بالضرورة‪ ،‬سواء أكان عدم النفاق‬
‫عليها بسبب إعساره‪ ،‬أم كان تعنتا منه وظلما‪ .‬ويطلقها القاضي عليه وهو حاضر في البلد غير‬
‫غائب‪ ،‬متى امتنع من تطليقها بنفسه‪ ،‬ولم يكن له مال ظاهر يمكن أن تفرض فيه نفقتها‪.‬‬
‫ونص القانون السوري على أحكام التفريق لعدم النفاق فيما يلي‪:‬‬
‫(م ‪ - 1« - )110‬يجوز للزوجة طلب التفريق إذا امتنع الزوج الحاضر عن النفاق على زوجته‪،‬‬
‫ولم يكن له مال ظاهر‪ ،‬ولم يثبت عجزه عن النفقة‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن ثبت عجزه أو كان غائبا‪ ،‬أمهله القاضي مدة مناسبة ل تتجاوز ثلثة أشهر‪ ،‬فإن لم ينفق‪،‬‬
‫فرق القاضي بينهما»‪.‬‬
‫(م ‪ :)111‬تفريق القاضي لعدم النفاق يقع رجعيا‪ ،‬وللزوج أن يراجع زوجته في العدة بشرط أن يثبت‬
‫يساره‪ ،‬ويستعد للنفاق‪.‬‬
‫التفريق لعدم النفاق في هذين القانونين طلق رجعي إذا كان بعد الدخول‪ ،‬فللزوج أن يراجع زوجته‬
‫إذا أثبت يساره وقدرته على النفاق‪.‬‬

‫( ‪)9/480‬‬

‫وخلصة الحكام الواردة في القانونين بالنسبة لعدم النفاق ما يلي‪ :‬أ ـ إن كان للزوج مال ظاهر‪،‬‬
‫نفذ الحكم عليه بالنفقة في ماله‪ ،‬من غير حاجة إلى التفريق‪.‬‬
‫ب ـ وإن لم يكن له مال ظاهر‪ :‬فإن كان حاضرا ولم يثبت عجزه عن النفاق وأصر على المتناع‪،‬‬
‫فرق القاضي بينهما في الحال‪.‬‬
‫وإن أثبت عجزه عن النفاق‪ ،‬أمهله القاضي مدة ل تتجاوز ثلثة أشهر في القانون السوري‪ ،‬وشهرا‬
‫في القانون المصري‪ ،‬فإن مضت المدة ولم ينفق‪ ،‬فرق القاضي بينهما‪.‬‬
‫وأما إن كان غائبا وليس له مال ظاهر‪ ،‬فيجب إعذاره وإمهاله إلى مدة ل تتجاوز ثلثة أشهر‪ ،‬فإن‬
‫مضت المدة ولم ينفق على الزوجة فرق القاضي بينهما‪.‬‬
‫وهذه الحكام مأخوذة من الفقه المالكي‪.‬‬
‫أراء الفقهاء في التفريق لعدم النفاق‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان‪ :‬رأي الحنفية‪ ،‬ورأي الجمهور (‪: )1‬‬
‫أولً ـ رأي الحنفية‪ :‬ل يجوز في مذهب الحنفية والمامية التفريق لعدم النفاق؛ لن الزوج إما‬
‫معسر أو موسر‪ .‬فإن كان معسرا فل ظلم منه بعدم النفاق‪ ،‬وال تعالى يقول‪{ :‬لينفق ذو سعة من‬
‫سعته‪ ،‬ومَنْ قُدر عليه رزقه‪ ،‬فلينفق مما آتاه ال ‪ ،‬ل يكلف ال نفسا إل ما آتاها‪ ،‬سيجعل ال بعد عسر‬
‫يسرا } [الطلق‪ ]7/65:‬وإذا لم يكن ظالما فل نظلمه بإيقاع الطلق عليه‪.‬‬
‫وإن كان موسرا فهو ظالم بعدم النفاق‪ ،‬ولكن دفع ظلمه ل يتعين بالتفريق‪ ،‬بل بوسائل أخرى كبيع‬
‫ماله جبرا عنه للنفاق على زوجته‪ ،‬وحبسه لرغامه على النفاق‪ .‬ويجاب بأنه قد يتعين التفريق لعدم‬
‫النفاق لدفع الضرر عن الزوجة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،903/2 :‬الشرح الصغير‪ 745/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،446-442/3 :‬‬
‫المغني‪ ،577-573/7 :‬بداية المجتهد‪ ،51/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،215‬مختصر فقه المامية‪ :‬ص‬
‫‪ ،204‬الدسوقي مع الشرح الكبير‪.418/2 :‬‬
‫( ‪)9/481‬‬

‫ويؤكده أنه لم يؤثر عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه مكن امرأة قط من الفسخ بسبب إعسار زوجها‪،‬‬
‫ول أعلمها بأن الفسخ حق لها‪ .‬ويجاب بأن التفريق بسبب العسار مرهون بطلب المرأة‪ ،‬ولم تطلب‬
‫الصحابيات التفريق‪.‬‬
‫ثانيا ـ رأي الجمهور‪ :‬أجاز الئمة الثلثة التفريق لعدم النفاق لما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬قوله تعالى‪{ :‬ول تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة‪ ]231/2:‬وإمساك المرأة بدون إنفاق عليها‬
‫إضرار بها‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة‪ ]229/2:‬وليس من المساك‬
‫بالمعروف أن يمتنع عن النفاق عليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬قال أبو الزناد‪ :‬سألت سعيد بن المسيب عن الرجل ل يجد ماينفق على امرأته‪ ،‬أيفرق بينهما؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت له‪ :‬سنّة؟ قال‪ :‬سنّة‪ .‬وقول سعيد‪ :‬سنّة‪ ،‬يعني سنة رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ - 3‬كتب عمر رضي ال عنه إلى أمراء الجناد‪ ،‬في رجال غابوا عن نسائهم‪ ،‬يأمرهم أن يأخذوهم‬
‫أن ينفقوا أو يطلقوا‪ ،‬فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن عدم النفاق أشد ضررا على المرأة من سبب العجز عن التصال الجنسي‪ ،‬فيكون لها الحق‬
‫في طلب التفريق بسبب العسار أو العجز عن النفاق من باب أولى‪ .‬والراجح لدي رأي الجمهور‬
‫لقوة أدلتهم‪ ،‬ودفعا للضرر عن المرأة‪ ،‬ول ضرر ول ضرار في السلم‪.‬‬
‫نوع الفرقة بسبب العجز عن النفقة ‪:‬‬
‫الفرقة عند المالكية‪ :‬طلق رجعي‪ ،‬وللزوج رجعة المرأة إن أيسر في عدتها؛ لنه تفريق لمتناعه عن‬
‫الواجب عليه لها‪ ،‬فأشبه تفريقه بين المولي في اليلء وامرأته إذا امتنع من الفيئة والطلق‪.‬‬
‫وذكر الشافعية والحنابلة أن الفرقة لجل النفقة ل تجوز إل بحكم الحاكم؛ لنه فسخ مختلف فيه‪ ،‬فافتقر‬
‫إلى الحاكم كالفسخ بالعُنّة‪ ،‬ول يجوز له التفريق إل بطلب المرأة ذلك؛ لنه لحقّها‪ ،‬فلم يجز من غير‬
‫طلبها كالفسخ للعنة‪ ،‬فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ ل رجعة للزوج فيه‪.‬‬

‫( ‪)9/482‬‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬التفريق بالعيوب أو بالعلل ‪:‬‬


‫أولً ـ أنواع العيوب ‪:‬‬
‫تنقسم العيوب من حيث المنع من الدخول وعدمه إلى قسمين‪:‬‬
‫ب والعُنّة والخصاء في الرجل‪ ،‬والرتَق والقَرَن في المرأة‪.‬‬
‫ج ّ‬
‫‪ - 1‬عيوب جنسية تمنع من الدخول كال َ‬
‫‪ - 2‬عيوب ل تمنع من الدخول‪ ،‬ولكنها أمراض منفرة بحيث ل يمكن المقام معها إل بضرر كالجذام‬
‫والجنون والبرص والسل والزهري‪.‬‬
‫وتنقسم العيوب بين الزوجين إلى أقسام ثلثة‪ - 1 :‬ما يختص بالرجل من داء الفرج‪ :‬وهو الجب‬
‫(قطع الذكر) والعنة (العجز عن الجماع بسبب صغر الذكر ونحوه) والخصاء (استئصال أو قطع‬
‫الخصيتين) والعتراض‪ :‬وهو حالة الرجل الذي ل يقدر على الوطء لعارض كمرض أو كبر‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يختص بالمرأة من داء الفرج‪ :‬وهو الرّتَق (كون الفرج مسدودا ملتصقا بلحم من أصل الخلقة‬
‫ل مسلك للذكر فيه)‪ ،‬والقَرَن (عظم أو غدة تمنع ولوج الذكر) والعفَل (رغوة تمنع لذة الوطء) وبخر‬
‫الفرج (رائحة منتنة تثور في الوطء) والفضاء أو انخراق ما بين السبيلين (أي القبل والدبر) من‬
‫المرأة‪ ،‬وانخراق ما بين مخرج بول ومني وهو الفتق؛ لنه يمنع لذة الوطء وفائدته‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما يشترك فيه الرجال والنساء‪ :‬وهو الجنون والجذام والبرص‪ ،‬واستطلق بول‪ ،‬واستطلق‬
‫غائط‪ ،‬وباسور (نتوء ظاهر في المقعدة كالعدس أو الحمص) وناسور (نتوء داخل المقعدة أو قروح‬
‫غائرة في المقعدة يسيل منها صديد) ومن هذه العيوب كون أحد الزوجين خنثى غير مشكل‪ ،‬أما‬
‫الخنثى المشكل فل يصح نكاحه حتى يتضح‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫فهذه العيوب‪ :‬منها ما يخشى تعدي أذاه‪ ،‬ومنها ما فيه تنفير ونقص‪ ،‬ومنها ما تتعدى نجاسته‪.‬‬

‫( ‪)9/483‬‬

‫ثانيا ـ التفريق بسبب العيوب في القانون ‪:‬‬


‫نص القانون المصري رقم ( ‪ 25‬لسنة ‪ ) 1920‬في المواد (‪ )11 ،10 ، 9‬على جواز التفريق بسبب‬
‫عيوب الزوج‪ :‬وهي الجب والعنة والخصاء‪ ،‬وهي العيوب الثلثة المتفق على التفريق بها‪ ،‬والجنون‬
‫والجذام والبرص‪ ،‬ونحوها من كل (عيب مستحكم ل يمكن البرء منه‪ ،‬أو يمكن بعد زمن طويل) سواء‬
‫أكان ذلك العيب بالزوج قبل العقد ولم تعلم به‪ ،‬أم حدث بعد العقد ولم ترض به‪.‬‬
‫والفرقة بالعيب طلق بائن‪ ،‬ويستعان بأهل الخبرة في العيوب التي يطلب الفسخ من أجلها‪.‬‬
‫ونص القانون السوري على التفريق للعلل الجنسية فقط دون العلل المنفرة أو الضارة أخذا برأي أبي‬
‫حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬مع إضافة عيب الجنون‪ ،‬خلفا لجمهور العلماء‪ ،‬وذلك فيما يأتي‪:‬‬
‫(م ‪ )105‬ـ للزوجة طلب التفريق بينهما وبين زوجها في الحالتين التاليتين‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬إذا كان فيه إحدى العلل المانعة من الدخول‪ ،‬بشرط سلمتها هي منها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إذا جن الزوج بعد العقد‪.‬‬
‫(م ‪ - 1- )106‬يسقط حق المرأة في طلب التفريق بسبب العلل المبينة في المادة السابقة إذا علمت‬
‫بها قبل العقد أو رضيت بها بعده‪.‬‬
‫‪ - 2‬على أن حق التفريق بسبب العنة ل يسقط بحال‪.‬‬
‫(م ‪ - )107‬إذا كانت العلل المذكورة في المادة ‪ 105‬غير قابلة للزوال يفرق القاضي بين الزوجين‬
‫في الحال‪ ،‬وإن كان زوالها ممكنا يؤجل الدعوى مدة مناسبة ل تتجاوز السنة‪ ،‬فإذا لم تزل العلة فرق‬
‫بينهما‪.‬‬
‫(م ‪ - )108‬التفريق للعلة طلق بائن‪.‬‬

‫( ‪)9/484‬‬

‫ثالثا ـ آراء الفقهاء في التفريق للعيب ‪:‬‬


‫للفقهاء رأيان في جواز التفريق للعيب‪ :‬رأي الظاهرية‪ ،‬ورأي أكثر العلماء‪ :‬أما الظاهرية (‪: )1‬‬
‫فقالوا‪ :‬ل يجوز التفريق بأي عيب كان‪ ،‬سواء أكان في الزوج أم في الزوجة‪ ،‬ول مانع من تطليق‬
‫الزوج للزوجة إن شاء‪ ،‬إذ لم يصح في الفسخ للعيب دليل في القرآن أو السنة أو الثر عن الصحابة‬
‫أو القياس والمعقول‪.‬‬
‫وأما أكثر الفقهاء (‪ )2‬فأجازوا التفريق بسبب العيب‪ ،‬لكنهم اختلفوا في موضعين‪ :‬هل يثبت الحق لكل‬
‫من الزوجين أو للزوجة فقط‪ ،‬وما هي العيوب التي يثبت بها حق طلب التفريق‪.‬‬
‫الول ـ ثبوت حق التفريق بالعيب للزوجين أو للزوجة فقط ‪:‬‬
‫يثبت حق التفريق بالعيب عند الحنفية للزوجة فقط‪ ،‬ل للزوج؛ لن الزوج يمكنه دفع الضرر عن نفسه‬
‫بالطلق‪ ،‬أما الزوجة فل يمكنها دفع الضرر عن نفسها إل بإعطائها الحق في طلب التفريق؛ لنها ل‬
‫تملك الطلق‪.‬‬
‫وأجاز الئمة الثلثة طلب التفريق بالعيب لكل من الزوجين؛ لن كلً منهما يتضرر بهذه العيوب‪ ،‬أما‬
‫اللجوء إلى الطلق فيؤدي إلى اللزام بكل المهر بعد الدخول وبنصفه قبل الدخول‪ .‬وفي التفريق‬
‫بسبب العيب يعفى الرجل من نصف المهر قبل الدخول‪ ،‬وبعد الدخول لها المسمى بالتفاق‪ ،‬لكن‬
‫يرجع الزوج عند المالكية والحنابلة والشافعية بالمهر بعد الدخول على ولي الزوجة كالب والخ‬
‫لتدليسه بكتمان العيب‪ ،‬ول سكنى لها ول نفقة‪.‬‬
‫الثاني ـ العيوب التي تجيز التفريق ‪:‬‬
‫اتفق أئمة المذاهب الربعة والمامية على التفريق بعيبين‪ :‬وهما الجب والعنة‪ ،‬واختلفوا في عيوب‬
‫أخرى على آراء أربعة‪:‬‬
‫الول ـ رأي أبي حنيفة وأبي يوسف‪ :‬ل فسخ إل بالعيوب الثلثة التناسيلة وهي (الجب والعنة‬
‫والخصاء) إن كانت في الرجل؛ لنها عيوب غير قابلة للزوال‪ ،‬فالضرر فيها دائم‪ ،‬ول يتحقق معها‬
‫المقصود الصلي من الزواج وهو التوالد والتناسل والعفاف عن المعاصي‪ ،‬فكان لبد من التفريق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المحلى‪ ،72/10 :‬مسألة ‪.1899‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،268-262/3 :‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،182‬البحر الرائق‪،135/3 :‬اللباب‪-24/3 :‬‬
‫‪ ،26‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 214‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،50/2 :‬الشرح الصغير‪،478-467/2 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،209-202/3 :‬كشاف القناع‪ ،124-115/5 :‬المغني‪،678-667 ،657-650/6 :‬‬
‫المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪.210‬‬

‫( ‪)9/485‬‬

‫أما العيوب الخرى من جنون أو جذام أو برص أو رتق أو قرن‪ ،‬فل فسخ للزواج بسببها إن كان‬
‫بالزوجة‪ ،‬ول إن كانت بالزوج‪ ،‬ول خيار للخر بها‪ .‬وهذا هو الصحيح عند الحنفية‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬للزوجة الخيار أو الفسخ إن كانت هذه العيوب بالزوج‪ ،‬ولخيار للزوج إن كانت‬
‫بالزوجة‪ ،‬وبه يتفق الحنفية على أنه ل خيار للزوج في فسخ الزواج بسبب عيوب الزوجة مطلقا‪،‬‬
‫واختلفوا في الخيار بعيوب الزوج‪.‬‬
‫الثاني ـ رأي مالك والشافعي‪ :‬يفسخ النكاح من أي واحد من الزوجين إذا وجد في الخر عيبا من‬
‫العيوب التناسلية (الجنسية) أو العيوب المنفرة من جنون أو جذام أو برص‪.‬‬
‫والعيوب عند الشافعية سبعة وهي‪ :‬الجب والعنة‪ ،‬والجنون والجذام والبرص‪ ،‬والرتَق والقَرَن‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يكون في كل من الزوجين خمسة‪ ،‬الولن في الرجل والخيران في المرأة‪ ،‬والثلثة الوسطى‬
‫مشتركة بينهما‪ .‬ول فسخ بالبخر‪ ،‬والصنان‪ ،‬والستحاضة (‪ ، )1‬والقروح السيالة‪ ،‬والعمى‪ ،‬والزمانة‪،‬‬
‫والبله‪ ،‬والخصاء‪ ،‬والفضاء‪ ،‬ول بكونه يتغوط عند الجماع؛ لن هذه المور ل تفوّت مقصود النكاح‪.‬‬
‫والعيوب عند المالكية ثلثة عشر عيبا‪:‬‬
‫أربعة مشتركة بين الرجل والمرأة‪ :‬الجنون والجذام والبرص والعَذ ْيطَة (خروج الغائط أو البول عند‬
‫الجماع) ويقال للمرأة عِذيوطة‪ ،‬وللرجل عِذْيوط‪.‬‬
‫جبّ‪ ،‬والعُنّة‪ ،‬والعتراض (عدم القدرة على التصال‬
‫وأربعة تختص بالرجل‪ :‬وهي الخصاء‪ ،‬وال َ‬
‫الجنسي لمرض أو نحوه)‪.‬‬
‫وخمسة تختص بالمرأة‪ :‬وهي الرتق‪ ،‬والقرن‪ ،‬والبخر (نتن الفرج) والعَفَل (غدة تمنع ولوج الذكر أو‬
‫رغوة تمنع لذة الوطء) والفضاء (اختلط القُبُل أي مسلك الذكر بمجرى البول أو الغائط)‪.‬‬
‫وليس من العيوب‪ :‬القرع ول السواد‪ ،‬ول إن وجدها مفتضة من الزنا على المشهور‪ ،‬وليس منها‬
‫العمى‪ ،‬والعور‪ ،‬والعرج‪ ،‬والزمانة‪ ،‬ول نحوها من العاهات‪ ،‬إل إن اشترط السلمة منها‪.‬‬
‫والعيوب عند المامية أحد عشر‪ :‬أربعة في الرجل‪ :‬وهي الجنون والخصاء والعنة والجب‪ ،‬وسبعة في‬
‫المرأة‪ :‬وهي الجنون والجذام والبرص والقرن والفضاء والعمى والقعاد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الستحاضة‪ :‬استمرار نزول الدم على المرأة بدون انقطاع‪ ،‬ويسمى بالنزيف الدموي‪.‬‬

‫( ‪)9/486‬‬

‫الثالث ـ رأي أحمد‪ :‬يفسخ النكاح بالعيوب التناسلية (أو الجنسية) أو العيوب المنفرة‪ ،‬أو العيوب‬
‫المستعصية كالسل والسيلن أو الزهري ونحوها مما يعرف عن طريق أهل الخبرة‪.‬‬
‫والعيوب عندهم ثمانية‪:‬‬
‫ثلثة يشترك فيها الزوجان‪ :‬وهي الجنون والجذام والبرص‪.‬‬
‫واثنان يختص بهما الرجل‪ :‬وهما الجب والعنة‪.‬‬
‫وثلثة تختص بالمرأة‪ :‬وهي الفتق (اختلط مجرى البول والمني) والقرن والعفل‪.‬‬
‫والقاضي أبو يعلى جعل القرن والعفل شيئا واحدا فتكون العيوب سبعة‪.‬‬
‫قال أبو الخطاب‪ :‬ويتخرج على ذلك من به الباسور والناسور والقروح السيالة في الفرج؛ لنها تثير‬
‫نفرة‪ ،‬وتتعدى نجاستها‪ .‬ورجح الحنابلة أنه يثبت الخيار للرجل بقروح سيالة في فرج المرأة وبباسور‬
‫وناسور ونحوهما‪.‬‬
‫وليس من العيوب المجوزة للفسخ‪ :‬القرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين؛ لنه ل يمنع‬
‫الستمتاع‪ ،‬ول يخشى تعديه‪.‬‬
‫الرابع ـ رأي الزهري وشريح وأبي ثور‪ ،‬واختاره ابن القيم (‪ : )1‬يجوز طلب التفريق من كل عيب‬
‫منفر بأحد الزوجين‪ ،‬سواء أكان مستحكما‪ ،‬أم لم يكن كالعقم والخرس والعرج والطرش وقطع اليدين‬
‫أو الرجلين أوإحداهما؛ لن العقد قد تم على أساس السلمة من العيوب‪ ،‬فإذا انتفت السلمة فقد ثبت‬
‫الخيار‪ .‬ولما روى أبو عبيد عن سليمان بن يسار‪« :‬أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي‪ ،‬فقال له‬
‫عمر‪ :‬أعلمتها؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أعلمها‪ ،‬ثم خيرها» ‪.‬‬
‫والراجح لدي رأي الحنابلة؛ لعدم تحديد العيوب‪ ،‬ولنهم قصروا جواز الفسخ على العيب الذي ل تتم‬
‫معه مقاصد الزواج على وجه الكمال‪ ،‬وهذا هو المتفق مع مقتضى عقد الزواج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد‪ 30/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/487‬‬

‫قيود الفرقة بالعيب ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على أن الفرقة بالعيب تحتاج إلى حكم القاضي وادعاء صاحب المصلحة؛ لن التفريق‬
‫بالعيب أمر مجتهد فيه ومختلف فيه بين الفقهاء‪ ،‬فيحتاج إلى قضاء القاضي لرفع الخلف‪ ،‬ولن‬
‫الزوجين يختلفان في ادعاء وجود العيب وعدم وجوده‪ ،‬وفي أنه يجوز التفريق به أو ل يجوز‪،‬‬
‫وقضاء الحاكم يقطع دابر الخلف‪ .‬والقول قول منكر العلم بالعيب مع يمينه في عدم علمه بالعيب؛‬
‫لنه الصل‪.‬‬
‫وإذا تبين أن الزوج مجبوب‪ ،‬فرّق القاضي بين الزوجين في الحال ولم يؤجله؛ لعدم الفائدة في‬
‫التأجيل‪ .‬أما العنّين والخصي فيؤجله الحاكم سنة من تاريخ الخصومة‪ ،‬أي الدعوى والترافع عند‬
‫الحنفية والحنابلة‪ ،‬لحتمال أن تثبت قدرته على الجماع في أثناء السنة على مرور الفصول‪ ،‬والتأجيل‬
‫سنة مروي عن عمر وعلي وابن مسعود‪ .‬وتبدأ السنة عند الشافعية والمالكية من وقت القضاء‬
‫بالتأجيل‪ ،‬عملً بقضاء عمر الذي رواه الشافعي والبيهقي‪.‬‬
‫فإذا ادعى الزوج أثناء السنة حدوث الجماع‪:‬‬
‫ففي رأي الحنفية والحنابلة‪ :‬إن كانت المرأة ثيبا‪ ،‬فالقول قول الزوج بيمينه؛ لن الظاهر يشهد له؛ لن‬
‫الصل السلمة من العيوب‪ ،‬والقول لمن يشهد له الظاهر بيمينه‪ .‬فإن حلف رفضت دعوى الزوجة‪،‬‬
‫وإن امتنع عن الحلف‪ ،‬خيرها القاضي بين البقاء معه على هذه الحال وبين الفرقة‪ ،‬فإن اختارت‬
‫الفرقة فرق بينهما‪ .‬وإن كانت بكرا عذراء نظر إليها النساء‪ ،‬ويقبل قول امرأة واحدة والولى‬
‫عندالحنفية إراءتها لمرأتين‪ ،‬فإذا قالتا‪ :‬هي بكر‪ ،‬بقي التأجيل لنهاية السنة لظهور كذبه‪ ،‬وإن قالتا‪:‬‬
‫هي ثيب‪ ،‬حلّف الزوج فإن حلف لحق لها‪ ،‬وإن نكل بقي التأجيل سنة‪ ،‬فإن شهدت النساء‪ ،‬وإل‬
‫فالقول قولها‪.‬‬
‫( ‪)9/488‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬إن ادعى الوطء في مدة السنة‪ ،‬صدق الزوج بيمينه‪ ،‬وإن نكل عن اليمين حَلَفت‬
‫الزوجة‪ :‬إنه لم يطأ‪ ،‬وفرق بينهما قبل تمام السنة إن شاءت‪.‬‬
‫أما إن كان العيب غير الجب أو العنة أو الخصاء‪ ،‬ففي رأي المالكية‪ :‬إن كان العي ل يرجى زواله‬
‫بالعلج‪ ،‬فرق القاضي بين الزوجين في الحال‪ .‬وإن كان يرجى زواله بالعلج‪ ،‬أجل القاضي التفريق‬
‫لمدة سنة إن كان العيب من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة كالجنون والجذام والبرص‪.‬‬
‫وإن كان من العيوب الخاصة بالمرأة فيؤجل التفريق بالجتهاد حسبما تقتضي حالة العلج من العيب‪.‬‬
‫وإن ادعت المرأة أنها برئت من عيبها صدقت بيمينها‪.‬‬
‫وتثبت العُنّة عند الشافعية بإقرار الزوج عند الحاكم‪ ،‬أو ببينة تقام عند الحاكم على إقراره‪ ،‬أو بيمين‬
‫المرأة المردودة عليها بعد إنكار الزوج العنة ونكوله عن اليمين في الصح‪ .‬وإذا ثبتت العنة ضرب‬
‫القاضي له سنة كما فعل عمر رضي ال عنه‪ ،‬بطلب الزوجة؛ لن الحق لها‪ ،‬فإذا مضت السنة رفعته‬
‫حلّف‪ ،‬فإن نكل عن اليمين حُلّفت‪ ،‬فإن حَلَفت أو أقر هو بذلك‪ ،‬استقلت‬
‫إلى القاضي‪ ،‬فإن قال‪ :‬وطِئت ُ‬
‫بالفسخ‪ ،‬كما يستقل بالفسخ من وجد بالمبيع عيبا‪.‬‬
‫شروط التفريق بالعيب ‪:‬‬
‫اشترط الفقهاء شرطين لثبوت الحق في طلب التفريق بالعيب وهما‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أل يكون طالب التفريق عالما بالعيب وقت العقد أو قبله‪ :‬فإن علم به في العقد‪ ،‬وعقد الزواج‪ ،‬لم‬
‫يحق له طلب التفريق؛ لن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضا منه بالعيب‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يرضى بالعيب بعد العقد حال اطلعه عليه‪ :‬فإن كان طالب التفريق جاهلً بالعيب‪ ،‬ثم علم‬
‫به بعد إبرام العقد ورضي به‪ ،‬سقط حقه في طلب التفريق‪.‬‬

‫( ‪)9/489‬‬

‫وإن لم يرض بالعيب‪ ،‬فخيار العيب ثابت عند الشافعية على الفور‪ ،‬وعند الحنابلة على التراخي‪ ،‬فل‬
‫يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به إما صراحة‪ ،‬كأن يقول‪ :‬رضيت‪ ،‬أو دللة كالستمتاع‬
‫من الزوج والتمكين من المرأة؛ لنه خيار لطالب التفريق لدفع ضرر متحقق‪ ،‬فكان على التراخي‬
‫كخيار القصاص‪ ،‬وخيار العيب في المبيع‪ .‬ومتى زال العيب قبل التفريق فل فرقة‪ ،‬لزوال سببها‪،‬‬
‫كالمبيع يزول عيبه‪.‬‬
‫واشترط القانون السوري كما لحظنا في المواد السابقة شروطا ثلثة أخرى من مذهب الحنفية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تطلب الزوجة التفريق فيما يحق لها‪ ،‬وإل لم يفرق بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون الزوجة خالية من العلل الجنسية كالرتق والقرن‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون الزوج صحيحا‪ :‬فإن كان مريضا ينتظر شفاؤه‪ ،‬ثم يمهل سنة في العنين والخصي‪.‬‬
‫العيب الحادث بعد الزواج ‪:‬‬
‫إذا كان العيب قديما موجودا قبل الزواج‪ ،‬فل خلف بين أئمة المذاهب الربعة في جواز التفريق به‪،‬‬
‫بالشروط السابقة‪ .‬أما إذا حدث العيب بأحد الزوجين‪ ،‬فاختلف الفقهاء في جواز التفريق‪:‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬إذا جُنّ الرجل أو أصبح عنينا بعد الزواج‪ ،‬وكان قد دخل بالمرأة‪ ،‬ولو مرة واحدة‪ ،‬ل‬
‫يحق لها طلب الفسخ‪ ،‬لسقوط حقها بالمرة الواحدة قضاء‪ ،‬وما زاد عليه فهو مستحق ديانة ل قضاء‪.‬‬
‫وفرق المالكية بين عيب الزوج وبين عيب الزوجة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن كان العيب بالزوجة فليس للزوج‬
‫الخيار أو طلب التفريق بهذا العيب‪ ،‬لنه مصيبة نزلت به‪ ،‬وعيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم‬
‫العقد‪ ،‬فأشبه العيب الحادثة بالمبيع‪ .‬وإن كان العيب الحادث بالزوج‪ ،‬فللزوجة الحق في طلب التفريق‬
‫إن كان العيب جنونا أو جذاما أو برصا‪ ،‬لشدة التأذي بها‪ ،‬وعدم الصبر عليها‪ ،‬وليس لها الحق في‬
‫طلب التفريق بالعيوب التناسلية الخرى من جب أو عنة أو خصاء‪.‬‬

‫( ‪)9/490‬‬

‫وأطلق الشافعية والحنابلة القول بجواز التفريق بالعيب الحادث بعد الزواج كالعيب القائم قبله‪ ،‬لحصول‬
‫الضرر به كالعيب المقارن للعقد‪ ،‬ولنه ل خلص للمرأة إل بطلب التفريق بخلف الرجل‪.‬‬
‫لكن استثنى الشافعية طروء العنة بعد الدخول‪ ،‬فإنها ل تجيز طلب الفسخ‪ ،‬لحصول مقصود النكاح‪،‬‬
‫واستيفائها حقها منه بمرة واحدة‪.‬‬
‫نوع الفرقة بسبب العيب ‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان‪ :‬قال الحنفية والمالكية‪ :‬هذه الفرقة طلق بائن ينقص عدد الطلق؛ لن فعل القاضي‬
‫يضاف إلى الزوج‪ ،‬فكأنه طلقها بنفسه‪ ،‬ولنها فرقة بعد زواج صحيح‪ ،‬والفرقة بعد الزواج الصحيح‬
‫عند المالكية تكون طلقا ل فسخا‪ .‬وإنما جعل الطلق بائنا فلرفع الضرر عن المرأة‪ ،‬إذ لو جاز‬
‫للزوج مراجعتها قبل انقضاء العدة‪ ،‬عاد الضرر ثانيا‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬الفرقة بالعيب فسخ ل طلق‪ ،‬والفسخ ل ينقص عدد الطلق‪ ،‬وللزوج إعادة‬
‫الزوجة بنكاح جديد بولي وشاهدي عدل ومهر؛ لنها فرقة من جهة الزوجة إما بطلبها التفريق أو‬
‫بسبب عيب فيها‪ ،‬والفرقة إذا كانت من جهة الزوجة تكون فسخا ل طلقا‪.‬‬
‫أثر التفريق بالعيب على المهر ‪:‬‬
‫عرفنا أن الحنفية ل يجيزون التفريق إل بالعيوب التناسلية في الرجل‪ ،‬فإن كان التفريق قبل الدخول‬
‫والخلوة‪ ،‬فللزوجة نصف المهر؛ لن الفرقة بسبب الزوج‪ ،‬وإن كان التفريق بعد الدخول أو بعد‬
‫الخلوة‪ ،‬فتجب العدة على المرأة إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها‪ ،‬ويجب لها المهر كله إن دخل بها أو‬
‫خل بها خلوة صحيحة؛ لن خلوة العنين صحيحة تجب بها العدة (‪ . )1‬وإن تزوجها بعدئذ أو تزوجته‬
‫وهي تعلم أنه عنين فل خيار لها‪ .‬وإن كان عنينا‪ ،‬وهي رتقاء لم يكن لها خيار كما تقدم في شروط‬
‫التفريق‪.‬‬

‫( ‪)9/491‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬إن كانت التفريق قبل الدخول ولو وقع بلفظ طلق‪ ،‬فل شيء للمرأة من المهر؛ لن‬
‫العيب إن كان بالرجل‪ ،‬فقد اختارت فراقه قبل قضاء مأربها‪ ،‬وكانت راضية بسقوط حقها في المهر‪،‬‬
‫وإن كان العيب بالمرأة فتكون غارّة للرجل مدلسة عليه‪.‬‬
‫وإن كان التفريق بعد الدخول‪ ،‬استحقت المهر المسمى كله‪ ،‬إن كان العيب في الزوج؛ لنه يكون غارّا‬
‫للزوجة ومدلسا عليها‪ ،‬ثم إنه قد دخل بها‪ ،‬والدخول بالمرأة يوجب المهر كله‪ .‬وإن كان العيب في‬
‫الزوجة استحقت المهر كله بسبب الدخول‪ ،‬لكن يرجع الزوج بالمهر على وليها كأب وأخ وابن‬
‫لتدليسه بالكتمان إن كان قريبا ل يخفى عليه حالها‪ ،‬وكان العيب ظاهرا كالجذام والبرص‪ .‬أما إن كان‬
‫الولي بعيدا كالعم والقاضي‪ ،‬أو كان العيب خفيا‪ ،‬فيرجع الزوج على الزوجة ل على الولي؛ لن‬
‫التغرير والتدليس منها وحدها‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬الفسخ بالعيب قبل الدخول يسقط المهر‪ ،‬وإن كان بعد الدخول ‪ ،‬وكان العيب مقارنا‬
‫للعقد أو حادثا بين العقد والوطء‪ ،‬وجهله الواطئ‪ ،‬فلها في الصح مهر المثل‪ .‬وإن حدث العيب بعد‬
‫العقد والوطء‪ ،‬فلها في الصح المهر المسمى كله‪.‬‬
‫ول يرجع الزوج بالمهر الذي غرمه على من غره من ولي أو زوجة بالعيب المقارن في المذهب‬
‫الجديد (‪ ، )2‬لستيفائه منفعة البضع المتقوم عليه بالعقد‪ .‬أما العيب الحادث بعد العقد إذا فسخ به‪ ،‬فل‬
‫يرجع بالمهر جزما لنتفاء التدليس‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬إن حدث الفسخ قبل الدخول فل مهر للمرأة على الرجل‪ ،‬سواء أكان من جهة الزوج أم‬
‫من جهة الزوجة‪ ،‬كما قال الشافعية وغيرهم‪.‬‬
‫وإن حدث الفسخ بعد الدخول وجهل العيب‪ ،‬فلها المهر المسمى‪ ،‬لوجوبه بالعقد واستقراره بالدخول‪ ،‬ثم‬
‫يرجع بالمهر على من غرّه من امرأة عاقلة وولي ووكيل‪ .‬لقول عمر رضي ال عنه ‪« :‬أيما رجل‬
‫تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص‪ ،‬فلها صداقها‪ ،‬وذلك لزوجها غرم على وليها» ولنه غرّه‬
‫في النكاح بما يثبت به الخيار فكان المهر عليه‪ ،‬كما لو غره بحرية أمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وقال الصاحبان‪ :‬لها نصف المهر في حال الخلوة كأنه لم يخل بها‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهو رأي أبي حنيفة رحمه ال أيضا‪.‬‬

‫( ‪)9/492‬‬

‫ملحق بهذا البحث ـ خيار الغرور أو خيار فوات الوصف المرغوب ‪:‬‬
‫إذا غرر الزوج بصفة في زوجته‪ ،‬مثل كونها بكرا أو مسلمة أو حرة أو ذات نسب ونحو ذلك‪ ،‬فبان‬
‫خلفه‪ ،‬فهل له فسخ الزواج؟! وهذا ما يعرف بخيار الغرور أو خيار فوات الوصف المرغوب‪.‬‬
‫اختلف الفقهاء فيه على آراء (‪ ، )1‬الغالب فيها ثبوت الخيار وهو رأي الجمهور غير الحنفية‪:‬‬
‫ذهب الحنفية والجعفرية والزيدية إلى أنه إذا اشترط أحد الزوجين في صاحبه صفة مرغوبا فيها‪ ،‬فبان‬
‫على خلفه‪ ،‬لم يكن له الخيار في الفرقة‪ ،‬فإذا كان قد سمى لها مهرا أكثر من مهر مثلها بسبب هذا‬
‫الشرط‪ ،‬كأن يشترط بكارتها أو تحصيلها شهادة معينة‪ ،‬فلم يتحقق ذلك‪ ،‬لم يلزم الزوج بأكثر من مهر‬
‫مثلها‪ .‬قال ابن الهمام في فتح القدير‪« :‬وفي النكاح لو شرط وصفا مرغوبا فيه كالعُذْرة والجمال‬
‫والرشاقة وصغر السن‪ ،‬فظهرت ثيبا عجوزا شمطاء ذات شق مائل‪ ،‬ولعاب سائل‪ ،‬وأنف هائل‪ ،‬وعقل‬
‫زائل‪ ،‬ل خيار له في فسخ النكاح به» ‪.‬‬
‫وخالفهم المالكية فقرروا أن العاقد إذا قال للرجل‪ :‬زوجتك هذه مسلمة فإذا هي كتابية‪ ،‬أو هذه حرة‬
‫فإذا هي أمة‪ ،‬أو هذه بكر فإذا هي ثيب‪ ،‬أو اشترط أحد الزوجين وصفا مرغوبا في الخر كصغر‬
‫السن والجمال‪ ،‬فبان خلفه‪ ،‬انعقد الزواج‪ ،‬وله الخيار بين الرضا والرد‪.‬‬
‫وفصل الشافعية فقالوا‪ :‬لو تزوج رجل امرأة وشُرط في العقد إسلم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المهذب‪ ،70/2 :‬غاية المنتهى‪.100-99/3 :‬‬

‫( ‪)9/493‬‬
‫الزوجة‪ ،‬أو شرط في أحد الزوجين نسب أو حرية أوغيرهما مما ل يمنع عدم توافره صحة الزواج‬
‫من صفات الكمال‪ ،‬كبكارة وشباب‪ ،‬أو من صفات النقص كضد ذلك‪ ،‬أو ما يتوسط بين صفتي الكمال‬
‫كطول وبياض وسمرة‪ ،‬فبان خلفه‪ ،‬فالظهر صحة النكاح؛ لن الخُلْف في الشرط ل يوجب فساد‬
‫البيع مع تأثره بالشروط الفاسدة‪ ،‬فالنكاح أولى بعدم الفساد‪.‬‬
‫ثم إن بان الموصوف بالشرط خيرا مما شُرط فيه فل خيار‪ ،‬وإن بان دونه‪ ،‬فلمن شرط له‪ :‬الخيار‪،‬‬
‫للخُلْف‪.‬‬
‫أما لو ظن الرجل‪ ،‬بل شرط‪ ،‬أن المرأة مسلمة‪ ،‬فبانت كتابية‪ ،‬أو حرة فبانت أمة‪ ،‬وهي تحل له‪ ،‬فل‬
‫خيار له فيهما في الظهر؛ لن الظن ل يثبت الخيار لتقصيره بترك البحث أو الشتراط‪ .‬وكذا لو‬
‫أذنت المرأة لوليها في تزويجها بمن ظنته كفئا لها‪ ،‬فبان فسقه أو دناءة نسبه أو حرفته‪ ،‬فل خيار لها‬
‫ول لوليها؛ لن التقصير منها ومنه‪ ،‬حيث لم يبحثا ولم يشرطا‪ ،‬لكن لو بان الزوج معيبا أو عبدا وهي‬
‫حرة فلها الخيار‪.‬‬
‫وفصل الحنابلة تفصيلً آخر فقالوا‪ :‬إن غرّ الرجل المرأة بما يخل بأمر الكفاءة كالحرية أو النسب‬
‫الدنى‪ ،‬فلها الخيار بين الفسخ والمضاء‪ ،‬فإن اختارت المضاء فلوليائها العتراض لعدم الكفاءة‪.‬‬
‫وإن لم يعتبر الوصف في الكفاءة كالفقه والجمال ونحوهما‪ ،‬فل خيار لها؛ لن ذلك مما ل يعتبر في‬
‫الكفاءة‪ ،‬فل يؤثر اشتراطه‪.‬‬
‫أما إن شرط الرجل كون المرأة مسلمة فبانت كافرة‪ ،‬فله الخيار‪ ،‬لنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد‪.‬‬
‫وإن شرط الرجل كونها بكرا فبانت ثيبا فعن أحمد كلم يحتمل أمرين‪ :‬أحدهما ـ ل خيار له‪ ،‬والثاني‬
‫ـ له الخيار‪ ،‬لنه شرط صفة مقصودة‪ .‬وإذا تزوج امرأة يظنها حرة أو مسلمة‪ ،‬فبان خلفه‪ ،‬ثبت له‬
‫الخيار‪.‬‬

‫( ‪)9/494‬‬

‫المبحث الثالث ـ التفريق للشقاق أو للضرر وسوء العشرة ‪:‬‬


‫المقصود بالشقاق والضرر‪ :‬الشقاق هو النزاع الشديد بسبب الطعن في الكرامة‪ .‬والضرر‪ :‬هو إيذاء‬
‫الزوج لزوجته بالقول أو بالفعل‪ ،‬كالشتم المقذع والتقبيح المخل بالكرامة‪ ،‬والضرب المبرّح‪ ،‬والحمل‬
‫على فعل ما حرم ال ‪ ،‬والعراض والهجر من غير سبب يبيحه‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫رأي الفقهاء في التفريق للشقاق‪:‬‬
‫لم يجز الحنفية والشافعية والحنابلة (‪ )1‬التفريق للشقاق أو للضرر مهما كان شديدا؛ لن دفع الضرر‬
‫عن الزوجة يمكن بغير الطلق‪ ،‬عن طريق رفع المر إلى القاضي‪ ،‬والحكم على الرجل بالتأديب‬
‫حتى يرجع عن الضرار بها‪.‬‬
‫وأجاز المالكية (‪ )2‬التفريق للشقاق أو للضرر‪ ،‬منعا للنزاع‪ ،‬وحتى ل تصبح الحياة الزوجية جحيما‬
‫وبلء‪ ،‬ولقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ‪ .‬وبناء عليه ترفع المرأة أمرها‬
‫للقاضي‪ ،‬فإن أثبتت الضرر أو صحة دعواها‪ ،‬طلقها منه‪ ،‬وإن عجزت عن إثبات الضرر رفضت‬
‫دعواها‪ ،‬فإن كررت الدعاء بعث القاضي حكمين‪ :‬حكما من أهلها وحكما من أهل الزوج‪ ،‬لفعل‬
‫الصلح من جمع وصلح أو تفريق بعوض أو دونه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وإن خفتم شقاق بينهما‪ ،‬فابعثوا‬
‫حكما من أهله وحكما من أهلها} [النساء‪.]35/4:‬‬
‫واتفق الفقهاء على أن الحكمين إذا اختلفا لم ينفذ قولهما‪ ،‬واتفقوا على أن قولهما في الجمع بين‬
‫الزوجين نافذ بغير توكيل من الزوجين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ 97/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير والدسوقي‪ ،285 ،281/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،215‬مغني المحتاج‪-207/2 :‬‬
‫‪ ،209‬المغني‪ ،527-524/6 :‬بداية المجتهد‪.50/2 :‬‬

‫( ‪)9/495‬‬

‫واختلف الفقهاء في تفريق الحكمين بين الزوجين إذا اتفقا عليه‪ ،‬هل يحتاج إلى إذن من الزوج أو ل‬
‫يحتاج إليه؟ فقال الجمهور؛ يعمل الحكم بتوكيل من الزوج‪ ،‬فليس للحكمين أن يفرقا بين الزوجين إل‬
‫أن يجعل الزوج إليهما التفريق؛ لن الصل أن الطلق ليس بيد أحد سوى الزوج أو من يوكله‬
‫الزوج‪ .‬لن الطلق إلى الزوج شرعا‪ ،‬وبذل المال إلى الزوجة‪ ،‬فل يجوز إل بإذنهما‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ينفذ قول الحكمين في الفرقة والجتماع بغير توكيل الزوجين ول إذن منهما فيهما‪،‬‬
‫بدليل ما رواه مالك عن علي بن أبي طالب أنه قا ل في الحكمين‪« :‬إليهما التفرقة بين الزوجين‬
‫والجمع» فالمام مالك يشبّه الحكمين بالسلطان‪ ،‬والسلطان يُطلّق في رأيه بالضرر إذا تبين‪ ،‬وقد‬
‫سماهما ال حكمين في قوله تعالى‪{ :‬فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} [النساء‪ ]35/4:‬ولم يعتبر‬
‫رضا الزوجين‪.‬‬
‫شروط الحكمين ‪:‬‬
‫يشترط في الحكمين‪ :‬أن يكونا رجلين عدلين خبيرين بما يطلب منهما في هذه المهمة‪ ،‬ويستحب أن‬
‫يكونا من أهل الزوجين‪ ،‬حكما من أهله وحكما من أهلها بنص الية السابقة‪ ،‬فإن لم يكونا من أهلهما‬
‫بعث القاضي رجلين أجنبيين‪ ،‬ويستحسن أن يكونا من جيران الزوجين ممن لهما خبرة بحال‬
‫الزوجين‪ ،‬وقدرة على الصلح بينهما‪.‬‬
‫نوع الفرقة للشقاق ‪:‬‬
‫الطلق الذي يوقعه القاضي للشقاق طلق بائن؛ لن الضرر ل يزول إل به؛ لنه إذا كان الطلق‬
‫رجعيا تمكن الزوج من مراجعة المرأة في العدة‪ ،‬والعودة إلى الضرر‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬أخذ القانونان في مصر وسورية بمذهب المالكية فأجاز كلهما التفريق للشقاق‬
‫والضرر‪.‬‬

‫( ‪)9/496‬‬

‫ونص القانون المصري رقم (‪ )25‬لسنة (‪ )1929‬في المواد (‪ )11-6‬والقانون السوري في المواد (‬
‫‪ )115-112‬على أحكام التفريق للشقاق‪ ،‬وهي أحكام متفق عليها في القانونين‪ ،‬إل أن القانون‬
‫المصري لم يذهب إلى التفريق بسبب إساءة الزوجة‪ ،‬وأخذ القانون السوري بمذهب المالكية في أن‬
‫التفريق يكون بسبب الضرر من أحد الزوجين‪ .‬وعدّل القانون السوري سنة (‪ )1975‬المادة (‪،)3/112‬‬
‫فلم يحكم بالتفريق في الحال‪ ،‬وإنما يؤجل القاضي المحاكمة مدة ل تقل عن شهر إذا لم يثبُت الضرر‬
‫أملً بالمصالحة‪.‬‬
‫وأذكر بإيجاز مضمون مواد القانون السوري‪:‬‬
‫إذا ادعى أحد الزوجين إضرار الخر به‪ ،‬جاز له طلب التفريق من القاضي (‪ ،)1/112‬وإذا ثبت‬
‫الضرار‪ ،‬وعجز القاضي عن الصلح فرق بينهما‪ ،‬وذلك بطلقة بائنة (م ‪ )2/112‬وإذا لم يثبت‬
‫الضرر يؤجل القاضي المحاكمة مدة ل تقل عن شهر‪ .‬فإن أصر المدعي على الشكوى بعث القاضي‬
‫حكمين من أهل الزوجين‪ ،‬وإل ممن يرى القاضي فيه قدرة على الصلح بينهما‪ ،‬وحلفهما يمينا على‬
‫أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة (م ‪ .)3/112‬وعلى الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين‪ ،‬ثم‬
‫يجمعانهما في مجلس تحت إشراف القاضي (م ‪ ،)1/113‬ول يؤثر في التحكيم تخلف أحد الزوجين‬
‫عن الحضور بعد تبليغه (م ‪.)2/113‬وعمل الحكمين أولً هو محاولة الصلح بين الزوجين‪ ،‬فإذا‬
‫عجزا عنه وكانت الساءة أو أكثرها من الزوج قررا التفريق بطلقة بائنة (م ‪ .)1/114‬وإذا كانت‬
‫الساءة من الزوجة أو مشتركة بين الزوجين قررا التفريق على تمام المهر أو على جزء منه بحسب‬
‫مدى الساءة (م ‪.)2/114‬‬
‫وللحكمين تقرير التفريق مع عدم الساءة من أحد الزوجين على براءة ذمة الزوج من بعض حقوق‬
‫الزوجة إذا رضيت بذلك‪ ،‬واستحكم الشقاق بينهما (م ‪.)3/114‬‬
‫وإذا اختلف الحكمان حكّم القاضي غيرهما‪ ،‬أو ضم إليهما ثالثا مرجحا‪ ،‬وحلفه اليمين‪ ،‬كمايحلف‬
‫الحكمان على أداء مهمتهما بعدل وأمانة (م ‪.)4/114‬‬
‫ول يملك الحكمان التفريق‪ ،‬وإنما يرفعان تقريرهما إلى القاضي ولو كان غير معلل‪ ،‬ويفوض المر‬
‫إلى القاضي بالحكم بمقتضاه أو رفض التقرير‪،‬وتعيين حكمين آخرين للمرة الخيرة (م ‪.)115‬‬
‫ويلحظ أن مهمة الحكمين هي الصلح أولً‪ ،‬ثم رفع تقرير إلى القاضي بالتفريق‪ ،‬احتياطا في أمر‬
‫الطلق‪ .‬لكن المقرر في المذهب المالكي كما تقدم أن الحكمين يوقعان الطلق بناء على التفويض‬
‫الكامل من القاضي‪ .‬فإذا قيد القاضي صلحية الحكمين برفع تقرير كما ذهب القانون‪ ،‬لم يكن في‬
‫المر مخالفة للمالكية‪.‬‬

‫( ‪)9/497‬‬

‫المبحث الرابع ـ طلق التعسف ‪:‬‬


‫التعسف‪ :‬هو إساءة استعمال الحق بحيث يؤدي إلى ضرر بالغير‪ ،‬وذكر القانون السوري (م ‪،116‬‬
‫‪ )117‬حالتين للتعسف في استعمال الطلق وهما‪ :‬الطلق في مرض الموت أي طلق الفارّ‪ ،‬والطلق‬
‫بغير سبب معقول (‪. )1‬‬
‫أولً ـ الطلق في مرض الموت أو طلق الفرار ‪:‬‬
‫تبين سابقا أنه إذا طلق الزوج زوجته طلقا بائنا في مرض موته‪ ،‬أو ما في حكمه كإشراف سفينة‬
‫على الغرق‪ ،‬فينفذ الطلق باتفاق الفقهاء‪ ،‬ول ترث المرأة عند الشافعية‪ ،‬ولو أراد الفرار من توريثها‬
‫ومات الزوج في أثناء العدة؛ لن الطلق البائن يقطع الزوجية‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري والمصري برأي الجمهور (غير الشافعية) في توريث المرأة في طلق الفارّ إذا‬
‫مات الزوج وهي في العدة‪ .‬وترث أيضا عند الحنابلة ولو مات بعد انقضاء العدة ما لم تتزوج‪ ،‬وترث‬
‫عند المالكية ولو تزوجت بآخر‪.‬‬
‫ونص القانون السوري على ما سبق في المادة (‪ )116‬التية‪:‬‬
‫من باشر سببا من أسباب البينونة في مرض موته أو في حالة يغلب في مثلها الهلك طائعا‪ ،‬بل رضا‬
‫زوجته‪ ،‬ومات في ذلك المرض أو في تلك الحالة‪ ،‬والمرأة في العدة‪ ،‬فإنها ترث منه بشرط أن تستمر‬
‫أهليتها للرث من وقت البانة إلى الموت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬طلق التعسف وإن وقع بإرادة الزوج‪ ،‬ل بالتفريق القضائي‪ ،‬فللقاضي دور الشراف والرقابة‬
‫والتحقق من كونه تعسفا‪.‬‬

‫( ‪)9/498‬‬

‫والسبب في تقرير الرث على الرغم من الطلق‪ :‬هو معاملة الزوج بنقيض مقصوده‪ ،‬فإنه أراد‬
‫إبطال حق الزوجة في الميراث‪ ،‬فيرد عليه قصده‪ ،‬ما دامت العدة باقية‪ ،‬لبقاء آثار الزوجية‪.‬‬
‫فإن دلت القرائن على أنه لم يرد حرمانها من الرث‪ ،‬كأن يكون الطلق بطلبها أو عن طريق‬
‫المخالعة‪ ،‬فل ترث في عدة الطلق البائن‪ ،‬وترث في عدة الطلق الرجعي‪.‬‬
‫ويشترط لرث المرأة في طلق الفارّ‪ :‬أن تكون مستحقة للرث منذ الطلق حتى وفاة الزوج‪ ،‬فإن‬
‫كانت غير مستحقة للرث وقت الطلق كأن كانت كتابية‪ ،‬أو غير مستحقة للرث وقت وفاة الزوج‪،‬‬
‫كأن كانت مسلمة عند الطلق‪ ،‬ثم ارتدت عند الوفاة‪ ،‬فل ترث‪.‬‬
‫ثانيا ـ الطلق بغير سبب معقول ‪:‬‬
‫نص القانون السوري (م ‪ 117‬معدلة) على ما يلي‪:‬‬
‫إذا طلق الرجل زوجته‪ ،‬وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلقها دون ما سبب معقول‪ ،‬وأن‬
‫الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة‪ ،‬جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حاله ودرجة تعسفه‬
‫بتعويض ل يتجاوز مبلغ نفقة ثلث سنوات لمثالها فوق نفقة العدة‪ ،‬وللقاضي أن يجعل دفع هذا‬
‫التعويض جملة أو شهريا بحسب مقتضى الحال‪.‬‬
‫وقد تضمن هذا التعديل عام ( ‪ )1975‬أمرين‪ :‬الول ـ عدم تقييد الزوجة بكونها فقيرة‪ .‬والثاني ـ‬
‫جعل التعويض مقدرا بنفقة ثلث سنوات‪ ،‬بدلً من سنة في الماضي‪ .‬ومستند هذا الحكم الجديد‪ :‬هو‬
‫العمل بمبدأ السياسة الشرعية العادلة التي تمنع ظلم المرأة وتعريضها للفاقة والحرمان بسبب تعنت‬
‫الزوج‪.‬‬
‫وربما يستند هذا الحكم إلى المتعة المعطاة للمطلقة والتي أوجبها بعض الفقهاء‪ ،‬واستحبها بعضهم‪،‬‬
‫ورغب فيها القرآن وجعلها بالمعروف‪ ،‬فيترك تقديرها للقاضي بحسب العرف‪.‬‬

‫( ‪)9/499‬‬
‫المبحث الخامس ـ التفريق للغيبة ‪:‬‬
‫أولً ـ آراء الفقهاء ‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان في التفريق بين الزوجين إذا غاب الزوج عن زوجته‪ ،‬وتضررت من غيبته‪ ،‬وخشيت‬
‫على نفسها الفتنة‪:‬‬
‫قال الحنفية والشافعية (‪ : )1‬ليس للزوجة الحق في طلب التفريق بسبب غيبة الزوج عنها‪ ،‬وإن طالت‬
‫غيبته‪ ،‬لعدم قيام الدليل الشرعي على حق التفريق‪ ،‬ولن سبب التفريق لم يتحقق‪ .‬فإن كان موضعه‬
‫معلوما بعث الحاكم لحاكم بلده‪ ،‬فيلزم بدفع النفقة‪.‬‬
‫ورأى المالكية والحنابلة (‪ )2‬جواز التفريق للغيبة إذا طالت‪ ،‬وتضررت الزوجة بها‪ ،‬ولو ترك لها‬
‫الزوج مالً تنفق منه أثناء الغياب؛ لن الزوجة تتضرر من الغيبة ضررا بالغا‪ ،‬والضرر يدفع بقدر‬
‫المكان‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل ضرر ول ضرار» ولن عمر رضي ال عنه كتب في‬
‫رجال غابوا عن نسائهم‪ ،‬فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا‪.‬‬
‫‪ .‬لكن اختلف هؤلء في نوع الغيبة ومدتها وفي التفريق حالً‪ ،‬وفي نوع الفرقة‪:‬‬
‫ففي رأي المالكية‪ :‬ل فرق في نوع الغيبة بين أن تكون بعذر كطلب العلم والتجارة أم بغير عذر‪.‬‬
‫وجعلوا حد الغيبة الطويلة سنة فأكثر على المعتمد‪ ،‬وفي قول‪ :‬ثلث سنوات‪ .‬ويفرق القاضي في‬
‫الحال بمجرد طلب الزوجة إن كان مكان الزوج مجهولً‪ ،‬وينذره إما بالحضور أو الطلق أو إرسال‬
‫النفقة‪ ،‬ويحدد له مدة بحسب ما يرى إن كان مكان الزوج معلوما‪ .‬ويكون الطلق بائنا؛ لن كل فرقة‬
‫يوقعها القاضي تكون طلقا بائنا إل الفرقة بسبب اليلء وعدم النفاق‪.‬‬
‫وفي رأي الحنابلة‪ :‬تجوز الفرقة للغيبة إلإذا كانت لعذر‪ ،‬وحد الغيبة ستة أشهر فأكثر‪ ،‬عملً بتوقيت‬
‫عمر رضي ال عنه للناس في مغازيهم‪ ،‬ويفرق القاضي في الحال متى أثبتت الزوجة ما تدعيه‪.‬‬
‫والفرقة تكون فسخا ل طلقا‪ ،‬فل تنقص عدد الطلقات؛ لنها فرقة من جهة الزوجة‪ ،‬والفرقة من جهة‬
‫الزوجة تكون عندهم فسخا‪.‬‬
‫ول تكون هذه الفرقة إل بحكم القاضي‪ ،‬ول يجوز له التفريق إل بطلب المرأة؛ لنه لحقها‪ ،‬فلم يجز‬
‫من غير طلبها كالفسخ للعنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،903/2 :‬مغني المحتاج‪.442/3 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،216‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه‪ ،746/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،124/5‬المغني‪ 588/7 :‬وما بعدها‪ 576 ،‬وما بعدها‬

‫( ‪)9/500‬‬
‫ثانيا ـ موقف القانون من التفريق للغيبة ‪:‬‬
‫نص القانون المصري لعام ‪( 1929‬م ‪ )13 ،12‬على جواز التفريق للغيبة لمدة سنة فأكثر بل عذر‬
‫مقبول‪ ،‬بعد إنذار الزوجة بتطليقها عليه إن لم يحضر أو ينقلها إليه‪ ،‬أو يطلقها‪ ،‬وتكون الفرقة طلقا‬
‫بائنا‪ ،‬أخذا برأي المالكية‪.‬‬
‫ونص القانون السوري على التفريق للغيبة في المادة (‪ )109‬التالية‪ - 1 :‬إذا غاب الزوج بل عذر‬
‫مقبول‪ ،‬أو حكم بعقوبة السجن أكثر من ثلث سنوات جاز لزوجته بعد سنة من الغياب أو السجن أن‬
‫تطلب إلى القاضي التفريق ولو كان له مال تستطيع النفاق منه‪.‬‬
‫‪ - 2‬هذا التفريق طلق رجعي‪ ،‬فإذا رجع الغائب‪ ،‬أو أطلق السجين‪ ،‬والمرأة في العدة‪ ،‬حق له‬
‫مراجعتها‪.‬‬
‫دل النص على أنه يشترط للتفريق ما يلي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن تمضي سنة فأكثر على الغياب‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الغياب لغير عذر مقبول‪ .‬فإن كان لعذر مقبول لم يحق لها طلب التفريق‪ ،‬كالغياب في‬
‫الجهاد أو الجندية الجبارية أو لطلب العلم‪.‬‬
‫والتفريق للغيبة بطلب الزوجة يكون في الحال إن كان مكان الزوج غير معلوم‪ .‬أما إن كان مكانه‬
‫معلوما‪ ،‬فيطلب القاضي منه أن يحضر لخذ زوجته إليه‪ ،‬ويحدد له أجلً معينا‪ ،‬فإن لم يفعل فرق‬
‫القاضي بينهما‪ .‬والتفريق طلق رجعي‪ ،‬وهذا مخالف لمذهب المالكية في أنه طلق بائن‪ ،‬ولمذهب‬
‫الحنابلة في أنه فسخ‪.‬‬

‫( ‪)9/501‬‬

‫المبحث السادس ـ التفريق للحبس ‪:‬‬


‫لم يجز جمهور الفقهاء غيرالمالكية التفريق لحبس الزوج أو أسره أو اعتقاله‪ ،‬لعدم وجود دليل شرعي‬
‫بذلك‪ .‬ولتعد غيبة المسجون ونحوه عند الحنابلة غيبة بعذر‪ .‬أما المالكية (‪ )1‬فأجازوا طلب التفريق‬
‫للغيبة سنة فأكثر‪ ،‬سواء أكانت بعذر أم بدون عذر‪ ،‬كما تقدم‪ .‬فإذا كانت مدةا لحبس سنة فأكثر جاز‬
‫لزوجته طلب التفريق‪ ،‬ويفرق القاضي بينهما‪ ،‬بدون كتابة إلى الزوج أو إنظار‪ .‬وتكون الفرقة طلقا‬
‫بائنا‪.‬‬
‫ونص القانون المصري لسنة ‪( 1929‬م ‪ )14‬على حق المرأة في طلب التفريق بعد مضي سنة من‬
‫حبس زوجها الذي صدر في حقه عقوبة حبس مدة ثلث سنين فأكثر‪ ،‬والطلق بائن‪ ،‬كما هو رأي‬
‫المالكية‪.‬‬
‫أما القانون السوري فذكر في المادة (‪ )109‬السابقة هذا الحق كالتفريق للغيبة على السواء‪.‬‬
‫المبحث السابع ـ التفريق باليلء ‪:‬‬
‫لم يتعرض قانون الحوال الشخصية السوري لحالتين من حالت انحلل الزواج وهما اليلء‬
‫والظهار‪ ،‬كما لم يتعرض للعان‪.‬‬
‫أولً ـ تاريخ اليلء ومعناه وألفاظه ‪:‬‬
‫اليلء لغة‪ :‬الحلف‪ ،‬وهو يمين‪ ،‬وكان هو والظهار طلقا في الجاهلية‪ ،‬وكان يستخدمه العرب بقصد‬
‫الضرار بالزوجة‪ ،‬عن طريق الحلف بترك قربانها السنة فأكثر‪ ،‬ثم يكرر الحلف بانتهاءالمدة‪ ،‬ثم جاء‬
‫الشرع فغيّر حكمه‪ ،‬وجعله يمينا ينتهي بمدة أقصاها أربعة أشهر‪ ،‬فإن عاد حنث في يمينه‪ ،‬ولزمته‬
‫كفارة اليمين إن حلف بال تعالى أو بصفة من صفاته التي يحلف بها‪ .‬قال ابن عباس (‪« )2‬كان إيلء‬
‫أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك‪ ،‬فوقّته ال أربعة أشهر» فمن كان إيلؤه أقل من أربعة‬
‫أشهر‪ ،‬فليس بإيلء‪ ،‬أي أن الشرع أقره طلقا وزاد فيه الجل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير للدردير‪.519/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 171/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/502‬‬

‫والصل في تنظيم يمين اليلء وحكمه قوله تعالى‪{ :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‪ ،‬فإن‬
‫فاؤوا فإن ال غفور رحيم‪ ،‬وإن عزموا الطلق‪ ،‬فإن ال سميع عليم} [البقرة‪.]227-226/2:‬‬
‫ضمّنت معنى‪ :‬يعتزلون أو‬
‫وعدّي اليلء في الية بمن‪ ،‬والصل أن يعدى بعلى‪ ،‬لن كلمة (يؤلون) ُ‬
‫معنى البعد‪ ،‬كأنه قال‪ :‬يؤلون مبعدين أنفسهم من نسائهم‪ .‬والفيء‪ :‬الرجوع لغة‪ ،‬والمراد به فقها‪:‬‬
‫الجماع‪ ،‬بالتفاق‪.‬‬
‫واليلء‪ :‬حرام عند الجمهور لليذاء‪ ،‬ولنه يمين على ترك واجب‪ ،‬مكروه تحريما عند الحنفية‪.‬‬
‫واليلء شرعا‪ :‬الحلف ـ بال تعالى أو بصفة من صفاته أو بنذر أو تعليق طلق ـ على ترك قربان‬
‫زوجته مدة مخصوصة‪ .‬وهذا تعريف الحنفية (‪ )1‬فل يصح إيلء الصبي والمجنون‪ ،‬ويصح عندهم‬
‫إيلء الكافر؛ لنه من أهل الطلق‪ .‬وعرفه المالكية (‪ )2‬بأنه حلف زوج مسلم مكلف ممكن الوطء بما‬
‫يدل على ترك وطء زوجته غير المرضع أكثر من أربعة أشهر‪ ،‬سواء أكان الحلف بال أم بصفة من‬
‫صفاته‪ ،‬أم بالطلق‪ ،‬أم بمشي إلى مكة‪ ،‬أم بالتزام قربة‪.‬‬
‫يتبين من التعريف أن اليلء يختص عند المالكية بالزوج المسلم ل الكافر‪ ،‬وبالمكلف (البالغ العاقل)‬
‫ل الصبي والمجنون‪ ،‬وبالممكن وطؤه ولو سكرانا‪ ،‬ل المجبوب والخصي‪ ،‬والشيخ الفاني‪ ،‬فل ينعقد‬
‫لهم إيلء‪ ،‬كما ل إيلء من المرضع‪ ،‬لما في ترك وطئها من إصلح الولد‪ ،‬ول إيلء فيما دون‬
‫الربعة أشهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،749/2 :‬اللباب‪ ،59/3 :‬البدائع‪.161/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 619/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الكبير‪ 426/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪.241‬‬

‫( ‪)9/503‬‬

‫وعرفه الشافعية (‪ : )1‬بأنه حلف زوج يصح طلقه على المتناع من وطء زوجته مطلقا‪ ،‬أو فوق‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬سواء في المذهب الجديد أكان حلفا بال أم بصفة من صفاته‪ ،‬أم باليمين بالطلق مثل‪:‬‬
‫إن وطئتك فأنت أو ضَرتك طالق؛ لنه يمين يلزمه بالحنث فيها حق‪ ،‬فصح به اليلء‪ ،‬كاليمين بال‬
‫عز وجل‪ ،‬أم بنذر مثل‪ :‬إن وطئتك فلله علي صلة أو صوم أو حج‪ .‬وذلك وفاقا للمالكية‪ .‬فل يصح‬
‫إيلء من الصبي والمجنون والمكره لعدم صحة طلقهم‪ ،‬ول يصح أيضا إيلء عنّين ومجبوب؛ لنه‬
‫وإن صح طلقهما ل يصح إيلؤهما؛ لنه ل يتحقق منها قصد اليذاء بالمتناع عن الجماع‪.‬‬
‫وعرفه الحنابلة (‪ : )2‬بأنه حلف زوج يمكنه الجماع‪ ،‬بال تعالى أو بصفة من صفاته‪ ،‬على ترك وطء‬
‫امرأته الممكن جماعها‪ ،‬ولو كان الحلف قبل الدخول‪ ،‬مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر أو ينويها‪ .‬فل‬
‫يصح إيلء عنين ومجبوب لعدم إمكان الجماع‪ ،‬ول الحلف بالطلق ونحوه ول بنذر‪ ،‬ول إيلء من‬
‫رتقاء ونحوها‪.‬‬
‫وعلى هذا يصح اليلء من الكافر في مذهبي الشافعية والحنابلة كالحنفية‪.‬‬
‫ألفاظ اليلء ‪:‬‬
‫اليلء إما بلفظ صريح وإما بلفظ كناية يدل على المتناع من الجماع (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،344-343/3 :‬المهذب‪.105/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪.406/5 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪ ،760-752/2 :‬البدائع‪ ،162/3 :‬اللباب‪ ،63 ،62/3 :‬الشرح الصغير‪-620/2 :‬‬
‫‪ ،623‬الشرح الكبير‪ 428/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 345/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪315/7 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 408/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/504‬‬

‫من اللفاظ الصريحة عند الحنفية والمالكية‪ :‬قول الزوج لزوجته‪ :‬وال ل أقربك أو ل أجامعك أو ل‬
‫أطؤك أو ل أغتسل منك من جنابة‪ ،‬ونحوه من كل ما ينعقد به اليمين‪ ،‬أو قوله‪( :‬وال ل أقربك أربعة‬
‫أشهر) حتى ولو كان الكلم موجها لحائض‪ ،‬لتعيين المدة‪ .‬أو قوله عند الجمهور غير الحنابلة‪ :‬إن‬
‫قربتك فعلي حج أو نحوه مما يشق فعله‪ ،‬أما ما ل يشق فعله مثل‪ ( :‬فعلي صلة ركعتين ) فليس‬
‫بمولٍ عند الحنفية لعدم مشقتهما‪ ،‬بخلف قوله‪ :‬فعلي مئة ركعة‪ ،‬فإنه يكون موليا‪ .‬أو قوله عند غير‬
‫الحنابلة‪ :‬إن قربتك فأنت طالق‪ .‬وعلى هذا فالصريح عند الحنفية لفظان‪ :‬الجماع وما في معناه من‬
‫التعبير بالنون والكاف (‪ ، )1‬وما يجري مجرى الصريح ألفاظ ثلثة‪ :‬القربان والمباضعة والوطء‪.‬‬
‫وصريح اليلء عند الشافعية‪ :‬الحلف على ترك الوطء أو الجماع أو افتضاض البكر ونحو ذلك‪،‬‬
‫والصريح عند الحنابلة‪ :‬ثلثة ألفاظ وهي قوله‪ :‬وال ل آتيك‪ ،‬ول أدخل ول أغيب أو أولج ذكري في‬
‫فرجك‪ ،‬ول افتضضتك للبكر خاصة‪ .‬وعندهم ألفاظ عشرة صريحة في الحكم أو القضاء‪ ،‬ويدين فيها‬
‫ما نواه عندهم فيما بينه وبين ال تعالى‪ :‬وهي ل وطئتك‪ ،‬ول جامعتك‪ ،‬ول أصبتك‪ ،‬ول باشرتك‪ ،‬ول‬
‫مسستك‪ ،‬ول قربتك‪ ،‬ول أتيتك‪ ،‬ول باضعتك‪ ،‬ول باعلتك‪ ،‬ول اغتسلت منك‪ ،‬فهذه صريحة قضاء‬
‫لنها تستعمل عرفا في الوطء‪.‬‬
‫والجديد عند الشافعية‪ :‬أن الحلف بألفاظ الملمسة والمباضعة والمباشرة والتيان والغشيان والقِرْبان‬
‫والفضاء والمس والدخول ونحوها كنايات تفتقر لنية الوطء؛ لن لها حقائق غيرالوطء‪ ،‬ولم تشتهر‬
‫اشتهار ألفاظ الوطء والجماع واليلج وافتضاض البكر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ل حياء في الدين أي في بيان أحكامه للناس فيما يصدر عنهم عادة‪.‬‬

‫( ‪)9/505‬‬

‫وأصل حكم اليلء‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن ال‬
‫غفور رحيم‪ .‬وإن عزموا الطلق‪ ،‬فإن ال سميع عليم} [البقرة‪.]227-226/2:‬‬
‫ومن ألفاظ الكناية التي تحتاج إلى نية عند الحنفية‪ :‬أن يحلف بقوله‪ :‬ل أمسك‪ ،‬ل آتيك‪ ،‬ل أغشاك؛ ل‬
‫أقرب فراشك‪ ،‬ل أدخل عليك‪ .‬ولو قال‪« :‬أنت علي حرام» فهو إيلء إن نوى التحريم‪ ،‬أو لم ينو‬
‫شيئا‪ ،‬وظهار إن نواه‪ ،‬فإن نوى الكذب فهو إيلء قضاء؛ لن تحريم الحلل يمين‪ ،‬وهدر باطل ديانة‪.‬‬
‫وألفاظ الكناية التي ل تكون إيلء إل بالنية عند الحنابلة هي ما عدا اللفاظ السابقة الصريحة في حكم‬
‫الصريح‪ ،‬كقول الزوج‪ :‬وال ل يجمع رأسي ورأسك شيء‪ ،‬ل قربت فراشك‪ ،‬ل آويت معك‪ ،‬ل نمت‬
‫عندك‪ ،‬لسوأنك‪ ،‬لغيظنك‪ ،‬لتطولن غيبتي عنك‪ ،‬ل مسّ جلدي جلدك ونحوها‪ ،‬فإن أراد بها الجماع‬
‫واعترف بذلك‪ ،‬كان موليا‪ ،‬وإل فل؛ لن هذه اللفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها‪ ،‬ولم‬
‫يرد النص باستعمالها فيه‪ ،‬إل أن هذه اللفاظ نوعان‪ :‬نوع منها يفتقر إلى نية الجماع والمدة معا‪:‬‬
‫وهي لسوأنك‪ ،‬ولغيظنك‪ ،‬ولتطولن غيبتي عنك‪ ،‬فل يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة‬
‫تزيد على أربعة أشهر‪ .‬وباقي اللفاظ يكون موليا بنية ترك الجماع فقط‪.‬‬
‫لغة اليلء‪ :‬يصح اليلء بكل لغة عربية وعجمية (‪ ، )1‬سواء أكان المولي ممن يحسن العربية أم‬
‫ممن ل يحسنها‪ ،‬فيصح من عجمي بالعربية‪ ،‬ومن عربي بالعجمية إن عرف المعنى كما في الطلق‬
‫وغيره؛ لن اليمين تنعقد بغير العربية‪ ،‬وتجب بها الكفارة‪ ،‬والمولي‪ :‬هو الحالف بال على ترك وطء‬
‫زوجته‪ ،‬الممتنع من ذلك بيمينه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،317/7 :‬مغني المحتاج‪.343/3 :‬‬

‫( ‪)9/506‬‬

‫ثانيا ـ أركان اليلء وشروطه ‪:‬‬


‫ركن اليلء عند الحنفية‪ :‬هو الحلف على ترك قربان امرأته مدة‪ ،‬ولو ذميا‪ ،‬أو هو الصيغة التي ينعقد‬
‫بها‪ ،‬من اللفاظ الصريحة أو الكناية المتقدمة‪ ،‬وما عداها فهو من شروط اليلء‪ ،‬وينعقد اليلء ككل‬
‫اليمان سواء في حالة الرضا أو الغضب‪.‬‬
‫وأما عند الجمهور فلليلء أركان أربعة‪ :‬هي الحالف‪ ،‬والمحلوف به‪ ،‬والمحلوف عليه‪ ،‬والمدة (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬الحالف‪ :‬هو المولي وهو عند المالكية‪ :‬كل زوج مسلم عاقل بالغ يتصور منه الوقاع‪ ،‬حرا كان‬
‫أو عبدا‪ ،‬صحيحا كان أو مريضا‪ ،‬فل يصح إيلء الذمي‪.‬‬
‫وهو عند الحنفية‪ :‬كل زوج له أهلية الطلق‪ ،‬وهو كل عاقل بالغ‪ ،‬مالك النكاح‪ ،‬وأضافه إلى الملك‪ ،‬أو‬
‫هو الذي ل يمكنه قربان امرأته إل بشيء شاق يلزمه‪ .‬فل يصح إيلء الصبي والمجنون؛ لنهما ليسا‬
‫من أهل الطلق‪ ،‬ويصح إيلء الذمي الكافر؛ لن الكافر من أهل الطلق‪ ،‬ويصح إيلء العبد بما ل‬
‫يتعلق بالمال‪ ،‬مثل إن قربتك فعلي صوم أو حج أو عمرة‪ ،‬أو امرأتي طالق‪ ،‬أو وال ل أقربك‪ ،‬فإن‬
‫حنث لزمه الكفارة بالصوم‪ .‬أما ما يتعلق بالمال مثل إن قربتك فعلي عتق رقبة‪ ،‬أو أن أتصدق بكذا‪،‬‬
‫فل يصح؛ لنه ليس من أهل ملك المال‪ .‬ول يصح اليلء لو قال لمرأة أجنبية‪ ،‬أو لمن أبانها بثلث‬
‫أو بطلق بائن‪« :‬وال ل أقربك» لنه غير مالك النكاح‪ ،‬لكن إن أضاف ذلك إلى الملك بأن قال‬
‫للجنبية أو المبانة منه‪ :‬إن تزوجتك فوال ل أقربك‪ ،‬كان موليا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،241‬مغني المحتاج‪ ،343/3 :‬المهذب‪ ،105/2 :‬الشرح الكبير‪،426/2 :‬‬
‫المغني‪ ،314 ،298/7 :‬كشاف القناع‪ 406/5 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ ،188/3 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪ ،752-750/2‬البدائع‪.175-171/3 :‬‬

‫( ‪)9/507‬‬

‫والمولي عند الشافعية‪ :‬كل زوج يصح طلقه أو هو كل زوج بالغ عاقل قادر على الوطء‪ .‬فل يصح‬
‫إيلء الصبي والمجنون والمكره‪ ،‬والمجبوب والشل‪ ،‬ول يصح اليلء على المذهب من رتقاء أو‬
‫قرناء؛ لنه ل يتحقق منه قصد اليذاء والضرار‪ ،‬لمتناع المر في نفسه‪.‬‬
‫ويصح إيلء المريض والمحبوس والحر والعبد‪ ،‬والمسلم والكافر والخصي والسكران المتعدي بسكره؛‬
‫لنه يصح طلقه في الجملة‪.‬‬
‫والحالف المولي عند الحنابلة‪ :‬هو كل زوج يمكنه الجماع‪ ،‬يحلف بال تعالى أو بصفة من صفاته على‬
‫ترك وطء امرأته الممكن جماعها أكثر من أربعة أشهر‪ .‬فل يصح إيلء عاجز عن وطء مثل عنّين‬
‫ومجبوب وأشل‪ ،‬ول بنذر أو طلق ونحوه‪ ،‬ول من امرأة رتقاء ونحوها‪ ،‬ول يصح من صبي مميز‬
‫أو مجنون أو مغمى عليه‪ ،‬ويصح اليلء من كافر وعبد وغضبان وسكران ومريض مرجو برؤه‪،‬‬
‫ومن لم يدخل بزوجته‪.‬‬
‫وبه يتبين أن الجمهور يجيزون إيلء الكافر‪ ،‬والمالكية ل يجيزونه‪.‬‬
‫‪ - 2‬المحلوف به‪ :‬هو ال تعالى وصفاته بالتفاق‪ ،‬وكذا عند الجمهور غير الحنابلة‪ :‬كل يمين يلزم‬
‫عنها حكم كالطلق والعتق والنذر لصيام أو صلة أو حج وغير ذلك‪ .‬وخص الحنابلة المحلوف به‬
‫بال تعالى أو صفة من صفاته‪ ،‬ل بطلق أو نذر ونحوهما‪.‬‬
‫ورأى المالكية والحنابلة‪ :‬أن من ترك الوطء بغير يمين‪ ،‬لزمه حكم اليلء إذا قصد الضرار‪ ،‬فيحدد‬
‫له مدة أربعة أشهر ‪ ،‬ثم يحكم له بحكم اليلء؛ لنه تارك لوطئها ضررا بها‪ ،‬فأشبه المولي‪ .‬وكذلك‬
‫من ظاهر من زوجته‪ ،‬ولم يكفّر كفارة الظهار‪ ،‬تضرب له مدة اليلء ضررا بها‪ ،‬فأشبه المولي‪،‬‬
‫ويثبت له حكمه‪ ،‬لقصده الضرار بها أيضا‪.‬‬

‫( ‪)9/508‬‬

‫‪ - 3‬المحلوف عليه‪ :‬هو الجماع‪ ،‬بكل لفظ يقتضي ذلك‪ ،‬مثل‪ :‬ل جامعتك ول اغتسلت منك‪ ،‬ول‬
‫دنوت منك‪ ،‬وشبه ذلك من اللفاظ الصريحة والكناية المتقدمة‪.‬‬
‫‪ - 4‬المدة‪ :‬وهي في رأي الجمهور غير الحنفية أن يحلف الزوج أل يطأ زوجته أكثر من أربعة‬
‫أشهر‪ .‬وفي رأي الحنفية‪ :‬أقل المدة أربعة أشهر فأكثر‪ .‬فلو حلف على ثلثة أشهر أوأربعة لم يكن‬
‫موليا عند الجمهور‪ ،‬ويكون موليا عند الحنفية في أربعة أشهر‪ ،‬وليس موليا في أقل من أربعة أشهر‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم يرجع إلى اختلفهم في الفيء‪ :‬وهو الرجوع إلى قربان الزوجة‪ ،‬هل يكون قبل مضي‬
‫الربعة أشهر أو يكون بعد مضيها؟ فالحنفية قالوا‪ :‬يكون الفيء قبل مضيها‪ ،‬فتكون مدة اليلء أربعة‬
‫أشهر‪ ،‬والجمهور قالوا‪ :‬الفيء بعد مضيها‪ ،‬فتكون مدة اليلء أزيد من أربعة أشهر‪.‬‬
‫شروط اليلء ‪:‬‬
‫شروط اليلء عند الحنفية (‪ )1‬ستة وهي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬محلية المرأة بكونها زوجة‪ ،‬ولو حكما كالمعتدة من طلق رجعي‪ ،‬وقت تنجيز اليلء‪ ،‬فإن‬
‫كانت المرأة بائنة من زوجها بثلث أو بلفظ بائن لم يصح اليلء منها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وأهلية الزوج للطلق‪ :‬فصح إيلء الذمي بغير ما هو قربة محضة من نحو حج وصوم‪ .‬وفائدة‬
‫تصحيح إيلء الذمي‪ ،‬وإن لم تلزمه الكفارة بالحنث‪ :‬هي وقوع الطلق بترك قربان المرأة في مدة‬
‫اليلء‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أل يقيد بمكان‪ :‬لنه يمكن قربان المرأة في غيره‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أل يجمع بين الزوجة وغيرها كأجنبية؛ لنه يمكنه قربان امرأته وحدها بل لزوم شيء‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن يكون المنع من القربان فقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 750/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪.173-170/3 :‬‬

‫( ‪)9/509‬‬
‫ً‪ - 6‬ترك الفيء أي الجماع في المدة المقررة وهي أربعة أشهر؛ لن ال تعالى جعل عزم الطلق‬
‫شرطا لوقوعه بقوله‪{ :‬فإن عزموا الطلق‪ ،‬فإن ال سميع عليم} [البقرة‪ ]227/2:‬وكلمة ( إن ) للشرط‪،‬‬
‫وعزم الطلق‪ :‬ترك الفيء في المدة‪ .‬ودليلهم على أن المدة هي أربعة أشهر‪ :‬أن الفيئة تكون في مدة‬
‫الربعة أشهر‪ ،‬ل بعدها‪.‬‬
‫وذكر الحنابلة وبقية المذاهب أربعة شروط لليلء هي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يحلف الزوج بال عز وجل أو بصفة من صفاته كالرحمن ورب العالمين أل يطأ زوجته‬
‫أكثر من أربعة أشهر أو يحلف عند المالكية والشافعية والحنفية على ترك الوطء بطلق أو عتاق أو‬
‫نذر صدقة المال أو الحج أو الظهار‪ ،‬لما قال ابن عباس‪« :‬كل يمين منعت جماعها فهي إيلء» ولنها‬
‫يمين منعت جماعها فكانت إيلء كالحلف بال ‪ ،‬ولن تعليق الطلق والعتاق على وطئها حلف‪ ،‬فيكون‬
‫موليا لتحقق المنع باليمين‪ ،‬وهو ذكر الشرط والجزاء‪.‬‬
‫ول يكون الحلف بالطلق والعتاق إيلء على الرواية المشهورة عند الحنابلة؛ لن اليلء المطلق إنما‬
‫هو القسم‪ ،‬بدليل قراءة أبيّ وابن عباس‪« :‬للذين يقسمون» مكان (يؤلون) وفسر ابن عباس‪( :‬يؤلون)‬
‫بقوله‪ ( :‬يحلفون بال ) والتعليق بشرط ليس بقسم‪ ،‬فل يكون إيلء‪ ،‬وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته‬
‫القسم في المعنى المشهور في القسم‪ :‬وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر‪ ،‬ويحمل‬
‫الكلم عند إطلقه على الحقيقة ل على المجاز‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،625-619/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،241‬المهذب‪ 105/2 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،315-311 ،300 ،298/7‬كشاف القناع‪ ،416 ،410-407/5 :‬بداية المجتهد‪ ،100/2 :‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،61/3‬الدر المختار‪ ،757/2 :‬البدائع‪ ،171/3 :‬مغني المحتاج‪.344/3 :‬‬

‫( ‪)9/510‬‬

‫وإن قال‪ ( :‬إن وطئتك فلله علي صوم أو حج أو عمرة ) يكون إيلء عند الجمهور‪ ،‬وقيده الحنفية‬
‫بفعل فيه مشقة‪ ،‬ل بصلة نحو ركعتين‪ ،‬فليس بمولٍ لعدم مشقتهما‪ .‬والتزام صلة مئة ركعة يجعله‬
‫موليا‪.‬‬
‫ول إيلء أيضا عند الحنابلة إن حلف على ترك الوطء بنذر أو صدقة مال أو حج أو ظهار أو تحريم‬
‫مباح ونحوه‪ ،‬فل يكون الزوج موليا؛ لنه لم يحلف بال تعالى‪ ،‬فأشبه ما لو حلف بالكعبة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر؛ لن ال تعالى جعل للحالف تربص أو انتظار‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬فإذا حلف على أربعة أشهر أو ما دونها فل معنى للتربص؛ لن مدة اليلء تنقضي قبل‬
‫ذلك أو مع انقضائه‪ ،‬فدل على أنه ليصير بما دون تلك المدة موليا‪ ،‬ولن الضرر ل يتحقق بترك‬
‫الوطء فيما دون أربعة أشهر‪ ،‬بدليل ما روي عن عمر رضي ال عنه أنه سأل‪« :‬كم تصبر المرأة عن‬
‫الزوج؟ فقيل‪ :‬شهرين وفي الثالث‪ :‬يقل الصبر‪ ،‬وفي الرابع‪ :‬ينفذ الصبر» فإذا نفذ صبرها طالبت‪ ،‬فل‬
‫بد من الزيادة على ذلك‪ ،‬ويكفي زيادة لحظة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يحلف الزوج على ترك الوطء في القُبُل (أو الفرج)‪ :‬فإن ترك الوطء بغير يمين ول قصد‬
‫إضرار‪ ،‬لم يكن موليا لظاهر الية‪{ :‬للذين يؤلون‪[ }...‬البقرة‪ ]226/2:‬وإن قال‪ :‬ل وطئتك في الدبر‪،‬‬
‫لم يكن موليا؛ لنه لم يترك الوطء الواجب عليه‪ ،‬ول تتضرر المرأة بتركه‪ ،‬وإنما هو وطء محرم‪،‬‬
‫وقد أكد منع نفسه منه بيمينه‪.‬‬
‫وكذا إن قال‪( :‬وال ‪ ،‬ل وطئتك دون الفرج) لم يكن موليا؛ لنه لم يحلف على الوطء الذي يطالب في‬
‫الفيئة‪ ،‬ول ضرر على المرأة في تركه‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون المحلوف عليها امرأته‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر }‬
‫[البقرة‪ ]226/2:‬ولن غير الزوجة ل حق لها في وطئه‪ ،‬فل يكون موليا منها‪ ،‬كالجنبية‪ .‬وإن حلف‬
‫على ترك وطء أجنبية ثم نكحها‪ ،‬لم يكن موليا؛ لنه إذا كانت اليمين قبل النكاح لم يكن قاصدا‬
‫الضرار‪ ،‬فأشبه الممتنع بغير يمين‪.‬‬

‫( ‪)9/511‬‬

‫ويصح اليلء بالتفاق من المطلقة الرجعية في العدة؛ لنها في حكم الزوجة يلحقها الطلق‪ ،‬فيلحقها‬
‫اليلء‪.‬‬
‫ول يصح من المطلقة البائنة‪ ،‬لنقطاع الزوجية‪.‬‬
‫ويصح اليلء من كل زوجة‪ ،‬مسلمة كانت أو ذمية‪ ،‬حرة كانت أو أمة‪ ،‬لعموم قوله سبحانه‪{ :‬للذين‬
‫يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة‪ ]226/2:‬ولن كل واحدة منهن زوجة‪ ،‬فصح اليلء‬
‫منها كالحرة المسلمة‪ .‬ويصح اليلء قبل الدخول وبعده‪ ،‬لعموم الية‪ ،‬ولتوافر المعنى؛ لنه ممتنع من‬
‫جماع زوجته بيمينه‪ ،‬فأشبه ما بعد الدخول‪.‬ويصح اليلء من المجنونة والصغيرة‪ ،‬إل أنه ل يطالب‬
‫بالفيئة في الصغر والجنون؛ لنهما ليسا من أهل المطالبة‪.‬‬
‫ول يصح اليلء من الرتقاء والقرناء؛ لن الوطء متعذر دائما‪ ،‬فلم تنعقد اليمين على تركه‪ ،‬كما لو‬
‫حلف عى أل يصعد السماء‪.‬‬
‫أما الحالف فقد عرفنا شرطه‪ :‬فهو أن يكون زوجا عاقلً بالغا قادرا على الوطء‪ ،‬ومسلما عند المالكية‪.‬‬
‫فل يصح إيلء غير الزوج‪ ،‬ول إيلء الصبي والمجنون؛ لن القلم مرفوع عنهما وليسا مكلفين‪ ،‬ول‬
‫إيلء المجبوب والشل‪ ،‬للعجز عن الوطء وتعذره منه قبل اليمين‪ ،‬ول تتضرر المرأة بيمينه‪ ،‬ويصح‬
‫عند الحنفية والشافعية والحنابلة إيلء المسلم والكافر والحر والعبد‪ ،‬والسليم والخصي‪ ،‬والمريض الذي‬
‫يرجى برؤه‪ ،‬والمحبوس والسكران‪ ،‬لقدرتهم على الوطء‪ ،‬فصح من كل منهم المتناع عنه ولعموم آية‬
‫اليلء‪ ،‬ول يصح اليلء عند المالكية من الكافر؛ لنه ليس أهلً للكفارة عن اليمين‪ ،‬ولنه ليس أهلً‬
‫للمغفرة والرحمة بالفيئة المصرح عنها في الية‪{ :‬فإن فاؤوا فإن ال غفور رحيم} [البقرة‪ ]226/2:‬فإن‬
‫الكافر ل تحصل له مغفرة ول رحمة بالفيئة‪.‬‬
‫ويصح اليلء في حال الرضا والغضب‪ ،‬فل يشترط في اليلء كونه في حال الغضب‪ ،‬ول قصد‬
‫الضرار‪ ،‬لعموم آية اليلء‪ ،‬ولن اليلء كالطلق والظهار وسائر اليمان‪ ،‬سواء في الغضب‬
‫والرضا‪ ،‬ولن حكم اليمين في الكفارة وغيرها سواء في الغضب والرضا‪ ،‬فكذلك في اليلء‪.‬‬

‫( ‪)9/512‬‬

‫ثالثا ـ حكم اليلء ‪:‬‬


‫ليمين اليلء عند الحنفية حكم أخروي‪ ،‬وحكم دنيوي (‪: )1‬‬
‫أما الحكم الخروي‪ :‬فهو الثم إن لم يفئ إليها‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن فاؤوا فإن ال غفور رحيم} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]226/2‬لن اليلء مكروه تحريما عندهم‪.‬‬
‫وأما الحكم الدنيوي‪ :‬فيتعلق باليلء حكمان‪ :‬حكم الحنث‪ ،‬وحكم البر‪.‬‬
‫أما حكم الحنث‪ :‬فهو لزوم الكفارة أو الجزاء المعلق إن حنث في يمينه‪ ،‬فإن وطئها في مدة الربعة‬
‫الشهر‪ ،‬حنث في يمينه‪ ،‬لفعله المحلوف عليه‪ ،‬ويختلف حكم الحنث باختلف المحلوف به‪ :‬فإن كان‬
‫الحلف بال تعالى أو بصفة من صفاته مثل‪( :‬وال ل أقربك)‪ ،‬فتجب عليه كفارة اليمين كسائر اليمان‪،‬‬
‫وهي إطعام عشرة مساكين يوما واحدا‪ ،‬أو كسوتهم أو تحرير رقبة‪ ،‬بالنسبة للموسر‪ ،‬فإن لم يجد شيئا‬
‫من ذلك‪ ،‬بأن كان معسرا‪ ،‬وجب عليه صيام ثلثة أيام متتابعات‪ .‬وإذا لزمته الكفارة سقط اليلء‪.‬‬
‫وإن كان الحلف بالشرط والجزاء مثل‪( :‬إن قربتك فعلي حج‪ ،‬أو أنت طالق) فيلزمه الجزاء المعلّق إن‬
‫حنث‪ ،‬أي يلزمه المحلوف به كسائر اليمان المعلقة بالشرط والجزاء‪.‬‬
‫وأما حكم البر‪ :‬بأن لم يطأ الزوجة المحلوف عليها أو لم يقربها‪ ،‬فهو وقوع طلقة بائنة‪ ،‬بدون حاجة‬
‫لرفع المر إلى القاضي‪ ،‬بمجرد مضي المدة من غير فيء‪ ،‬أي لم يرجع إلى ما حلف عليه‪ ،‬جزاء‬
‫على ظلمه‪ ،‬ورحمة على المرأة ونظرا لمصلحتها بتخليصها منه‪ ،‬لتتوصل إلى إيفاء حقها من زوج‬
‫آخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،177-175/3 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،750-749/2 :‬اللباب‪.60/3 :‬‬

‫( ‪)9/513‬‬

‫ودليلهم على كونه طلقا بائنا‪ :‬هو العمل برأي جماعة من الصحابة وهم عثمان وعلي والعبادلة‬
‫الثلثة (ابن مسعود وابن عباس وابن عمر) وزيد بن ثابت فإنهم قالوا‪ :‬إذا مضت أربعة أشهر فهي‬
‫تطليقة بائنة‪ ،‬ولن دفع الظلم عن المرأة ل يكون إل بالبائن‪ ،‬لتتخلص منه‪ ،‬فتتمكن من الزواج بآخر‪.‬‬
‫وقدر هذا الطلق عند الحنفية ما عدا زفر (‪ : )1‬أن الطلق يتبع المدة‪ ،‬ل اليمين فيكون واحدا باتحاد‬
‫المدة‪ ،‬ويتعدد بتعددها‪ .‬وعلى هذا‪ :‬إذا قال الرجل لمرأته‪« :‬وال ل أقربك‪ ،‬أو ل أقربك أربعة أشهر»‬
‫فإن كان حلف على مدة اليلء فقط أربعة أشهر‪ ،‬فقد سقطت اليمين؛ لنها كانت مؤقتة بوقت‪ ،‬فترتفع‬
‫بمضيه‪.‬‬
‫وإن كان حلف على البد‪ ،‬فاليمين باقية بعد البينونة لعدم الحنث‪ ،‬فإن عاد إليها فتزوجها ثانيا‪ ،‬عاد‬
‫اليلء؛ لن زوال الملك بعد اليمين ل يبطلها‪ ،‬فإن وطئها حنث في يمينه ولزمته الكفارة‪ ،‬وسقط‬
‫اليلء؛ لنه يرتفع بالحنث‪ ،‬وإن لم يطأها وقعت بمضي أربعة أشهر أخرى تطليقة أخرى؛ لن‬
‫بالتزوج ثبت حقها‪ ،‬فيتحقق الظلم‪ ،‬فيعتبر ابتداء هذا اليلء من وقت التزوج‪ .‬فإن عاد إليها وتزوجها‬
‫ثالثا عاد اليلء ووقع بمضي أربعة أشهر أخرى تطليقة أخرى لبقاء طلق ذلك الملك ببقاء المحلية‪.‬‬
‫فإن عاد إليها وتزوجها رابعا بعد حلها بتزوج زوج آخر‪ ،‬لم يقع باليلء طلق‪ ،‬لزوال طلق ذلك‬
‫الملك بزوال المحلية‪ ،‬ولكن اليمين باقية لعدم الحنث‪ ،‬فإن وطئها كفّر عن يمينه لوجود الحنث‪.‬‬
‫ودليل جمهور الحنفية‪ :‬أن سبب اعتبار اليلء يمينا هو منع حق المرأة في الجماع في المدة‪ ،‬والمنع‬
‫يتحد باتحاد المدة فيتحد الظلم فيتحد الطلق‪ ،‬ويتعدد بتعدد المدة فيتعدد الظلم‪ ،‬فيتعدد الطلق‪ ،‬وأما‬
‫الكفارة فتجب لهتك حرمة اسم ال عز وجل‪ ،‬والهتك يتحد ويتعدد بحسب اتحاد السم وتعدده‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رأي زفر‪ :‬أن الطلق يتبع اليمين‪ ،‬فيتعدد بتعدد اليمين‪ ،‬ويتحد باتحادها؛ لن وقوع الطلق ولزوم‬
‫الكفارة حكم اليلء‪ ،‬واليلء يمين‪ ،‬فيدور الحكم مع اليمين‪ ،‬فيتحد باتحادها‪ ،‬ويتعدد بتعددها؛ لن‬
‫الحكم يدور مع سببه‪.‬‬
‫( ‪)9/514‬‬

‫والفيء عند الحنفية (‪ : )1‬نوعان‪ :‬فعل وقول‪:‬‬


‫أما الفعل‪ :‬فهو الجماع في الفرج‪ ،‬فلو جامعها فيما دون الفرج‪ ،‬أو قبّلها بشهوة‪ ،‬أو لمسها بشهوة‪ ،‬أو‬
‫نظر إلى فرجها بشهوة‪ ،‬لم يكن ذلك فيئا؛ لن حقها في الجماع في الفرج‪ ،‬فصار ظالما بمنعه‪ ،‬فل‬
‫يندفع الظلم إل به‪.‬‬
‫وأما القول‪ :‬فصورته أن يقول لها‪ :‬فئت إليك‪ ،‬أو راجعتك‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ويشترط لصحته شروط ثلثة‪:‬‬
‫أحدها ـ العجز عن الجماع‪ :‬فل يصح الفيء بالقول مع القدرة على الجماع؛ لن القول بدل عن‬
‫الجماع‪ ،‬كالتيمم مع الوضوء‪.‬‬
‫والعجز نوعان‪ :‬حقيقي وحكمي‪ ،‬أما الحقيقي‪ :‬فنحو أن يكون أحد الزوجين مريضا مرضا يتعذر معه‬
‫الجماع‪ ،‬أو كانت المرأة صغيرة ل يجامع مثلها‪ ،‬أو رتقاء‪ ،‬أو يكون الزوج مجبوبا‪ ،‬أو يكون بينهما‬
‫مسافة ل يقدر على قطعها مدة اليلء‪ ،‬أو تكون ناشزة محتجبة في مكان ل يعرفه‪ ،‬أو يكون محبوسا‬
‫ل يقدر أن يدخل بها‪.‬‬
‫وأما الحكمي أو الشرعي‪ :‬فمثل أن يكون محرما وقت اليلء‪ ،‬وبينه وبين الحج أربعة أشهر‪.‬‬
‫والثاني ـ دوام العجز عن الجماع إلى أن تمضي مدة اليلء‪ :‬فلو قدر على الجماع في أثناء المدة‪،‬‬
‫بطل الفيء بالقول‪ ،‬وانتقل إلى الفيء بالجماع‪ .‬وكذا إن صح من مرضه في المدة بطل الفيء باللسان‬
‫وصار فيئه بالجماع؛ لنه قدر على الصل قبل حصول المقصود‪ ،‬فيبطل الخلف‪ ،‬كالمتيمم إذا قدر‬
‫على الماء في الصلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 173/3 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/515‬‬

‫الثالث ـ قيام ملك النكاح وقت الفيء بالقول‪ :‬وهو أن تكون المرأة في حال الفي إليها زوجته غير‬
‫بائنة منه‪ ،‬فإن كانت بائنة منه‪ ،‬ففاء بلسانه‪ ،‬لم يكن ذلك فيئا‪ ،‬ويبقى اليلء‪ .‬وهذا بخلف الفيء‬
‫بالجماع‪ ،‬فإنه يصح بعد زوال الملك وثبوت البينونة‪ ،‬فل يبقى اليلء ويبطل؛ لنه حنث بالوطء‪،‬‬
‫فانحلت اليمين وبطلت‪.‬‬
‫شرط الفيء بنوعيه‪ :‬يشترط أن يكون الفيء قبل مضي الربعة الشهر‪ ،‬فإن فاء في المدة حنث‬
‫بيمينه‪ ،‬ولزمته الكفارة‪ ،‬وسقط اليلء‪ ،‬وإن لم يفيء حتى مضت أربعة أشهر‪ ،‬بانت منه بتطليقة (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫الختلف في الفيء‪ :‬إذا اختلف الزوج والمرأة في الفيء مع بقاء المدة‪ ،‬بأن ادعى الزوج الفيء‪،‬‬
‫وأنكرت المرأة‪ ،‬فالقول قول الزوج؛ لن المدة إذا كانت باقية‪ ،‬فالزوج يملك الفيء فيها‪ ،‬وقد ادعى‬
‫الفيء في وقت يملك إنشاءه فيه‪ ،‬فكان الظاهر شاهدا له‪ ،‬فكان القول قوله‪.‬‬
‫وإن اختلفا بعد مضي المدة‪ ،‬فالقول قول المرأة؛ لن الزوج يدعي الفيء في وقت ل يملك إنشاء الفيء‬
‫فيه‪ ،‬فكان الظاهر شاهدا عليه للمرأة‪ ،‬فكان القول قولها (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪.60/3 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.173/3 :‬‬

‫( ‪)9/516‬‬

‫حكم الفيء عند الجمهور غير الحنفية (‪: )1‬‬


‫الكلم فيه يشمل أمرين‪:‬‬
‫الول ـ مدة المهال بل قاض‪ :‬إذا آلى الزوج من زوجته‪ ،‬لم يطالب بشيء من وطء وغيره قبل‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬لقوله عز وجل‪{ :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة‪.]226/2:‬‬
‫وابتداء المدة من حين اليمين؛ لنها ثبتت بالنص والجماع‪ ،‬فلم تفتقر إلى تحديد كمدة العنة التي‬
‫يحددها القاضي‪.‬‬
‫فإن وطئها فقد أوفاها حقها قبل انتهاء المدة‪ ،‬وخرج من اليلء‪ ،‬وإن وطئها بعد المدة قبل مطالبة‬
‫المرأة أو بعدها‪ ،‬خرج من اليلء أيضا؛ لنه فعل ما حلف عليه‪.‬‬
‫وإن لم يطأ‪ ،‬رفعت الزوجة المر إلى القاضي إن شاءت‪ ،‬وحينئذ يأمره القاضي بالفيئة إلى الوطء‪،‬‬
‫فإن أبى‪ ،‬طلق القاضي عليه‪ ،‬ويقع الطلق رجعيا‪.‬‬
‫أي أن الطلق الواجب على المولي عند الجمهور رجعي‪ ،‬سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه؛‬
‫لنه طلق لمرأة مدخول بها من غير عوض‪ ،‬ول استيفاء عدد‪ ،‬فكان رجعيا كالطلق في غير‬
‫اليلء‪ ،‬بخلف فرقة العنة فإنها فسخ لعيب‪ ،‬ولن الصل أن كل طلق وقع بالشرع فيحمل على أنه‬
‫رجعي إلى أن يدل الدليل على أنه بائن‪.‬‬
‫وأما عند الحنفية فقد تقدم أنه طلق بائن؛ لنها فرقة لرفع الضرر‪ ،‬فكان بائنا كفرقة العنة‪.‬‬
‫والفيئة‪ :‬الجماع المعروف أو الوطء باتفاق العلماء‪ ،‬وأدنى الوطء تغييب الحشفة في الفرج إن كانت‬
‫ثيبا‪ ،‬وافتضاض البكارة إن كانت بكرا‪.‬‬
‫فلو وطئ دون الفرج لم يكن فيئة؛ لنه ليس بمحلوف على تركه‪ ،‬ول يزول الضرر على المرأة‬
‫بفعله‪ .‬ول بد من أن يكون الواطئ عالما عامدا عاقلً مختارا‪ ،‬فإن وطئ ناسيا أو مكرها أو مجنونا لم‬
‫يحنث وبقي اليلء‪ ،‬وإن وطئها وطئا حراما مثل إن وطئها حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة‬
‫صوم فرض أو كان محرما أو صائما أو مظاهرا‪ ،‬حنث وخرج من اليلء عند الشافعية والحنابلة‪،‬‬
‫بل حتى لو كان الوطء في الدبر عند الشافعية لحصول المقصود‪ .‬وقال المالكية والحنفية‪ :‬إن شرط‬
‫الوطء الكافي أن يكون حللً‪ ،‬فل يكفي الحرام كما في الحيض والحرام‪ ،‬ويطالب بالفيئة بعد زوال‬
‫المانع‪ ،‬وإن حنث بالحرام فيلزمه الكفارة ول تنحل يمين اليلء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 241‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،103-99/2 :‬الشرح الصغير‪-629/2 :‬‬
‫‪ ،631‬مغني المحتاج‪ ،351-348/3 :‬المهذب‪ ،111-108/2 :‬المغني‪.337-318/7 :‬‬

‫( ‪)9/517‬‬

‫وإذا فاء لزمته الكفارة ـ كفارة اليمين ـ لقوله تعالى‪{ :‬ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم اليمان‪ ،‬فكفارته‬
‫إطعام عشَرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة‪ ،‬فمن لم يجد فصيام‬
‫ثلثة أيام‪[ }...‬المائدة‪ ]89/5:‬وإن كان اليلء بتعليق طلق‪ ،‬وقع بنفس الوطء؛ لنه معلق بصفة وقد‬
‫وجدت‪ .‬وإن كان على نذر صدقة أو صوم أو صلة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات‪،‬‬
‫فيلزمه الوفاء به بالوطء‪ ،‬ويخير عند الشافعية والحنابلة بين الوفاء به وبين كفارة يمين؛ لنه نذر‬
‫لجاج وغضب‪.‬‬
‫الثاني ـ الفيئة حالة العجز عن الجماع ‪:‬‬
‫أ ـ إن كان المانع من جهة المرأة يمنع الوطء منعا شرعيا كحيض ونفاس‪ ،‬أو حسيا كمرض ل يمكن‬
‫معه الوطء‪ ،‬فل يطالب الزوج بالفيئة؛ لن الوطء متعذر من جهتها‪ ،‬فكيف تطلبه أو تطلب ما يقوم‬
‫مقامه وهو الطلق‪ ،‬ولن المطالبة تكون بالمستحق‪ ،‬وهي لتستحق الوطء حينئذ‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان المانع من الوطء من جهة الزوج مانعا طبيعيا وهو حبس أو مرض يمنع الوطء‪ ،‬أو‬
‫يخاف منه زيادة العلة أو بطء البرء‪ ،‬أو مانعا شرعيا كإحرام بحج أو عمرة‪ ،‬أو كان مغلوبا على عقله‬
‫بجنون أو إغماء‪ ،‬لم يطالب بالوطء‪ ،‬لن المجنون والمغمى عليه ل يصلح للخطاب ول يصح منه‬
‫الجواب‪ ،‬وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر‪ ،‬ثم يطالب حينئذ‪ .‬وكذا ل يطالب المحبوس‬
‫والمريض والمحرم بالوطء بالفعل لتعذره‪ ،‬إنما يطالب بالفيء بالقول‪ ،‬أي بالوعد بالوطء إذا زال مانع‬
‫المرض أو السجن أو الحرام أو نحوها‪ ،‬أو بالطلق إن لم يفئ‪ ،‬بأن يقول‪ :‬إذا قدرت فئت‪ ،‬أو طلقت؛‬
‫لن بهذا القول يندفع الذى الموجه للمرأة الذي حصل باللسان‪.‬‬
‫لكن المذهب عند الشافعية أنه إذا كان في الزوج مانع شرعي كإحرام وظهار قبل التفكير‪ ،‬وصوم‬
‫واجب‪ ،‬فيطالب بالطلق؛ لنه هو الذي يمكنه‪ ،‬ول يطالب بالفيئة لحرمة الوطء‪ ،‬ويحرم عليها تمكينه‪.‬‬

‫( ‪)9/518‬‬

‫وإذا انقضت مدة الربعة أشهر‪ ،‬فادعى أنه عاجز عن الوطء‪ :‬فإن كان قد وطئها مرة‪ ،‬لم تسمع دعواه‬
‫العنة‪ ،‬كما ل تسمع دعواها عليه‪ ،‬ويطالب بالفيئة أو بالطلق كغيره‪ .‬وإن لم يكن وطئها ولم تكن حاله‬
‫معروفة‪ ،‬تسمع دعواه ويقبل قوله؛ لن التعيين من العيوب التي ل يقف عليها غيره‪ ،‬فيقبل قوله مع‬
‫اليمين‪ .‬وللمرأة أن تطالب الحاكم بأن يضرب له مدة العنة وهي سنة‪ ،‬بشرط أن يفيء فيئة أهل‬
‫العذار وهو الوعد بالوطءعند القدرة على الجماع‪ ،‬فيقول‪ :‬متى قدرت جامعتها‪ .‬يتبين من هذا أن‬
‫الجمهور يتفقون مع الحنفية في أن الفيء يكون بالجماع أو بالقول عند العجز عن الجماع‪.‬‬
‫اختلف الزوجين في اليلء أو في انقضاء مدته أو في حدوث الفيئة ‪:‬‬
‫إذا اختلف الزوجان في اليلء أو في انقضاء مدته‪ :‬بأنه ادعته عليه‪ ،‬فأنكر فالقول قول الزوج؛ لن‬
‫الصل عدمه‪ ،‬والصل عدم انقضاء المدة‪.‬‬
‫وإن اختلفا في الفيئة‪ ،‬فقال الزوج‪ :‬قد أصبتها‪ ،‬وأنكرت الزوجة‪:‬‬
‫فإن كانت ثيبا‪ ،‬كان القول قوله مع يمينه؛ لن الصل بقاء النكاح‪ ،‬والمرأة تدعي رفعه بما يلزم به‬
‫الزوج‪ ،‬وهو يدعي ما يوافق الصل ويبقيه‪ ،‬فكان القول قوله‪ ،‬كما لو ادعى الوطء في العنة كما سبق‪.‬‬
‫فإن نكل عن اليمين‪ ،‬حلفت الزوجة أنه لم يفء‪ ،‬وبقيت على حقها من الطلب بأن يفيء أو يطلق‪ ،‬فإن‬
‫لم تحلف بقيت زوجة كما لو حلف‪.‬‬
‫وأما إن كانت بكرا‪ ،‬واختلفا في الصابة‪ ،‬أريت النساء الثقات‪ ،‬فإن شهدن بثيوبتها‪ ،‬فالقول قول الزوج‬
‫بيمينه‪ ،‬وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها بيمينها؛ لنه لو وطئها زالت بكارتها‪.‬‬
‫وهذا متفق عليه بين الجمهور والحنفية‪.‬‬

‫( ‪)9/519‬‬
‫الطلق في مدة اليلء‪ :‬إن طلق المولي‪ ،‬فقد سقط حكم اليلء‪ ،‬وبقيت اليمين‪ .‬فإن عاد فتزوجها عاد‬
‫عند الجمهور غير الحنفية حكم اليلء من حين تزوجها‪ ،‬واستؤنفت المدة حينئذ‪ ،‬أي تحسب مدة‬
‫اليلء من وقت الرجعة‪ ،‬فإن كان الباقي من مدة يمينه أربعة أشهر فما دون‪ ،‬عمل بها‪ ،‬وإن كان‬
‫أكثر من أربعة أشهر‪ ،‬تربص أربعة أشهر‪ ،‬ثم قيل له عند انقضائها‪ :‬إما أن يفيء أو يطلّق‪ ،‬فإن لم‬
‫يطلق طلّق الحاكم عليه تطليقة‪ ،‬وتكون رجعية‪.‬‬
‫وقد بينت أن اليلء يعود عند الحنفية إن كان الطلق أقل من ثلث‪ ،‬وإن استوفى عدد الطلق لم يعد‬
‫اليلء‪.‬‬
‫ول يطلق الحاكم عليه سوى تطليقة عند المالكية والشافعية؛ لن إيفاء الحق يحصل بها‪ ،‬فلم يملك‬
‫زيادة عليها‪ ،‬كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع عن إيفائه‪.‬‬
‫وأجاز الحنابلة للقاضي أن يطلق على الزوج ثلثا؛ لن المولي إذا امتنع من الفيئة والطلق معا‪ ،‬قام‬
‫القاضي مقامه‪ ،‬فإنه يملك من الطلق ما يملكه المولي‪ ،‬ويكون المروالخبرة إليه‪ ،‬إن شاء طلق‬
‫واحدة‪ ،‬وإن شاء اثنتين‪ ،‬وإن شاء ثلثا‪ ،‬وإن شاء فسخ؛ لن القاضي قام مقام المولي‪ ،‬فملك من‬
‫الطلق ما يملكه المولي‪ ،‬كما لو وكله في الطلق‪ ،‬وليس ذلك زيادة على حقها‪ ،‬فإن حقها الفرقة‪ ،‬غير‬
‫أنها تتنوع‪.‬‬
‫والراجح هو الرأي الول؛ لن الحاجة كالضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬وتتحقق حاجة المرأة بالطلقة الواحدة‪.‬‬
‫العدة بعد اليلء‪ :‬اتفقت المذاهب الربعة على أن الزوجة المولى منها تلزمها العدة بعد الفرقة؛ لنها‬
‫مطلقة‪ ،‬فوجب أن تعتد كسائر المطلّقات‪ .‬وقال جابر بن زيد وهو مروي عن ابن عباس‪ :‬ل تلزمها‬
‫عدة إذا كانت قد حاضت في مدة الربعة الشهر ثلث حيضات؛ لن العدة إنما وضعت لبراءة‬
‫الرحم‪ ،‬وهذه قد حصلت لها البراءة‪ .‬وسبب الخلف‪ :‬أن العدة اشتملت على مصلحة وجانب تعبدي‪،‬‬
‫فمن لحظ المصلحة لم ير عليها عدة‪ ،،‬ومن لحظ جانب التعبد‪ ،‬أوجب عليها العدة‪.‬‬

‫( ‪)9/520‬‬

‫خلصة الخلف بين الحنفية والجمهور في حكم اليلء ‪:‬‬


‫اختلف الجمهور مع الحنفية في أمرين‪:‬‬
‫الول ـ أن الفيء عند الجمهور يكون قبل مضي المدة‪ ،‬ويكون بعدها‪ .‬وعند الحنفية‪ :‬الفيء يكون قبل‬
‫مضي المدة‪ .‬وعليه إن حصل الفيء قبل مضي المدة‪ ،‬زال اليلء ولزم الحانث كفارة اليمين بالتفاق‪.‬‬
‫وإن لم يحصل الفيء بعد مضي المدة‪ ،‬رفعت الزوجة المر للقاضي‪ ،‬والقاضي يخير الزوج بين‬
‫أمرين‪ :‬الفيء أو الطلق‪ ،‬فإن فعل‪ ،‬وإل طلق عليه القاضي‪ ،‬ويكون الطلق رجعيا ل بائنا‪ ،‬وعند‬
‫الحنفية‪ :‬الطلق بائن‪.‬‬
‫ويجري العمل في مصر وسورية على رأي الجمهور‪.‬‬
‫الثاني ـ أن الطلق عند الجمهور ل يقع بمجرد مضي المدة‪ ،‬وإنما يقع بتطليق الزوج‪ ،‬أو القاضي‬
‫إذا رفعت الزوجة المر إليه‪.‬‬
‫ويرى الحنفية‪ :‬أنه بمجردمضي مدة الربعة الشهر‪ ،‬تطلق الزوجة طلقة بائنة‪.‬‬
‫وسبب الخلف‪ :‬تفسير المقصود من قوله تعالى‪{ :‬فإن فاؤوا فإن ال غفور رحيم‪ ،‬وإن عزموا الطلق‬
‫فإن ال سميع عليم} [البقرة‪ ]227-226/2:‬المعنى عند الحنفية‪ :‬فإن فاؤوا في هذه الشهر‪ ،‬فإن ال‬
‫غفور رحيم لما أقدموا عليه من الحلف على الضرار بالزوجة‪ ،‬وإن لم يفيئوا في هذه الشهر‪،‬‬
‫واستمروا في أيمانهم‪ ،‬كان ذلك عزما منهم على الطلق‪ ،‬ويقع الطلق بحكم الشرع‪ .‬فتكون النتيجة‪:‬‬
‫إذا مضت الربعة أشهر بدون فيئة‪ ،‬وقع الطلق‪.‬‬
‫والمعنى عند الجمهور‪ :‬للذين يحلفون يمين اليلء انتظار أربعة أشهر‪ ،‬فإن فاؤوا بعد مضي المدة‪،‬‬
‫فإن ال غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين وعزم الظلم للمرأة‪ ،‬وإن عزموا الطلق بعد انقضاء‬
‫المدة‪ ،‬فإن ال سميع لطلقهم‪ ،‬عليم بما يصدر عنهم من خير أو شر‪ ،‬فيجازيهم عليه‪ .‬والنتيجة‪ :‬أن‬
‫مضي الجل ل يقع به طلق‪ ،‬وإنما يعرض المر على الحاكم‪ ،‬فإما فاء وإما طلق‪.‬‬
‫الحنفية نظروا لقوله تعالى‪{ :‬وإن عزموا الطلق} [البقرة‪ ]227/2:‬بترك الفيئة‪ ،‬والجمهور نظروا‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬فإن فاؤوا} [البقرة‪ ]226/2:‬بعد انقضاء المدة‪ ،‬والراجح لدي رأي الجمهور إذ لو وقع‬
‫الطلق بانقضاء المدة‪ ،‬لما كان هناك حاجة إلى العزم عليه بعد وقوعه‪ ،‬ولن في إعطاء المهلة للرجل‬
‫لمراجعة نفسه‪ ،‬وإدراك خطئه‪ ،‬خيرا من إيقاع الطلق وإنهاء الزواج‪.‬‬

‫( ‪)9/521‬‬

‫المبحث الثامن ـ التفريق باللعان ‪:‬‬


‫فيه ثمانية مطالب هي ما يأتي‪:‬‬
‫تعريف اللعان وسببه‪ ،‬ومشروعيته‪ ،‬أركانه وشروطه‪ ،‬وشروط المتلعنين‪ ،‬كيفيته ودور القاضي في‬
‫اللعان‪ ،‬ما يجب عند نكول أحد الزوجين أو رجوعه‪ ،‬هل اللعان شهادات أو أيمان؟‪ ،‬آثار اللعان‪ ،‬ما‬
‫يسقط اللعان بعد وجوبه وما يبطل به‪ ،‬حكم اللعان قبل التفريق‪.‬‬
‫المطلب الول ـ تعريف اللعان وسببه ‪:‬‬
‫تعريف اللعان‪ :‬اللعان لغة‪ :‬مصدر لعن كقاتل‪ ،‬من اللعن‪ :‬وهو الطرد والبعاد من رحمة ال تعالى‪،‬‬
‫وسمي به ما يحصل بين الزوجين؛ لن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبا‪،‬‬
‫أو لن الرجل هو الذي يلعن نفسه‪ ،‬وأطلق في جانب المرأة من مجاز التغليب‪ ،‬فسمي لعانا لنه قول‬
‫الرجل وهو الذي بدئ به في الية‪.‬‬
‫وعرفه الحنفية والحنابلة (‪ )1‬بأنه‪ :‬شهادات مؤكدات باليمان مقرونة باللعن من جهة الزوج‬
‫وبالغضب من جهة الزوجة‪ ،‬قائمة مقام حد القذف في حق الزوج‪ ،‬ومقام حد الزنا في حق الزوجة‪.‬‬
‫لكن يصح اللعان في النكاح الفاسد في رأي الحنابلة‪،‬ول يصح في رأي الحنفية‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،805/2 :‬اللباب‪ ،74/3 :‬كشاف القناع‪.450/5 :‬‬

‫( ‪)9/522‬‬

‫وعرفه المالكية (‪ )1‬بأنه‪ :‬حلف زوج مسلم مكلف على رؤية زنا زوجته‪ ،‬أو على نفي حملها منه‪،‬‬
‫وحلف زوجة على تكذيبه أربعة أيمان‪ ،‬بصيغة‪« :‬أشهد بال لرأيتها تزني ونحوه» وبحضور حاكم‪،‬‬
‫سواء صح النكاح أو فسد‪ .‬فل يصح حلف غير زوج كأجنبي‪ ،‬ول كافر‪ ،‬ول صبي أو مجنون‪،‬‬
‫ويكون الحلف بإشراف حاكم يشهد التلعن‪ ،‬ويحكم بالتفريق‪ ،‬أو يحد من نكل‪ ،‬سواء صح الزواج بين‬
‫الزوجين‪ ،‬أوفسد لثبوت النسب بالزواج الفاسد‪.‬‬
‫وعرفه الشافعية (‪ )2‬بأنه‪ :‬كلمات معلومة‪ ،‬جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق‬
‫العار به‪ ،‬أو إلى نفي ولد‪.‬‬
‫وسبب اللعان أمران (‪: )3‬‬
‫أحدهما ـ قذف الرجل زوجته قذفا يوجب حد الزنا لو قذف أجنبية‪ .‬وهو عند المالكية‪ :‬ادعاء رؤية‬
‫الزنى بشرط أل يطأها بعد الرؤية‪ ،‬فإن ادعى الزنى دون الرؤية‪ ،‬حد للقذف‪ ،‬ولم يجز اللعان على‬
‫المشهور عندهم خلفا لغيرهم‪.‬‬
‫والثاني ـ نفي الحمل أو الولد‪ ،‬ولو من وطء شبهة أو نكاح فاسد‪.‬‬
‫واشترط المالكية لنفي الحمل‪ :‬أن يدعي الزوج أنه لم يطأ زوجته لمد يلحق به الولد‪ ،‬وأن يدعي‬
‫الستبراء (‪ )4‬بحيضة واحدة‪ ،‬وأن ينفيه قبل وضعه‪ ،‬فإن سكت حتى وضعته حد‪ ،‬ولم يلعن‪.‬‬
‫أما القذف‪ :‬فعلى النحو الذي بان في حد القذف يكون إما باللفظ الصريح بالزنا‪ ،‬كقول الشخص‪ :‬يا‬
‫زاني أو يا زانية‪ ،‬أو بما يجري مجرى الصريح وهو نفي النسب عن إنسان من أبيه المعروف‪ ،‬كأن‬
‫يقول‪ ( :‬لست بابن فلن )‪.‬‬
‫أو بلفظ كناية عند الشافعية‪ ،‬كأن يقول‪( :‬زنأت في الجبل أو السلّم أو نحوه)؛ لن الزنأ في الجبل‬
‫ونحوه هو الصعود فيه‪ ،‬فإن نوى به القذف كان قذفا‪ .‬وهذا من اللفاظ الصريحة عند الحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 657/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المقدمات الممهدات‪.633/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.367/3 :‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،244‬البدائع‪ ،239/3 :‬مغني المحتاج‪ ،382 ،367/3 :‬المغني‪،392/7 :‬‬
‫‪.423‬‬
‫(‪ )4‬الستبراء‪ :‬طلب براءة الرحم‪ ،‬وله أسباب‪ ،‬منها الزنا أو سوء الظن‪ ،‬ففي الزنا تستبرأ المرأة‬
‫بثلث حيضات‪ ،‬وفي سوء الظن إن كانت المستبرأة في سن الحيض‪ :‬فاستبراؤها بحيضة‪ ،‬وإن كانت‬
‫حاملً فبوضع الحمل‪ ،‬وإن كانت صغيرة أو يائسة فتستبرأ عند الشافعي بشهر‪ ،‬وعند المالكية بثلثة‬
‫أشهر‪.‬‬

‫( ‪)9/523‬‬

‫أو بالتعريض‪ ،‬مثل‪ :‬يا حلل ابن الحلل‪ ،‬وأما أنا فلست بزانٍ‪ ،‬وهو قذف إن نوى به القذف عند‬
‫الشافعية‪ ،‬وإن أفهم تعريضه القذف بالزنا عند المالكية‪ ،‬وليس بقذف عند الحنفية وفي الظاهر عند‬
‫الحنابلة‪.‬‬
‫ويثبت القذف كما هو مبين في حد القذف إما بالبينة‪ ،‬أو القرار‪.‬‬
‫وأما نفي الولد‪ :‬فهو أن يحضر الرجل عند الحاكم‪ ،‬ويذكر أن هذا الولد أو الحمل الموجود ليس مني‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في وقت النفي وفي نفي الحمل‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة (‪ : )1‬إذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولدة‪ ،‬أو في المدة التي تقبل فيها التهنئة وهي‬
‫سبعة أيام عادة‪ ،‬أو التي تشترى فيها آلة الولدة‪ ،‬صح نفيه‪ ،‬ولعن به؛ لنه بالنفي صار قاذفا‪ .‬أما إن‬
‫نفاه بعدئذ فل ينتفي ويثبت نسب الولد‪ ،‬لوجود العتراف منه دللة‪ :‬وهو السكوت وقبول التهنئة‪،‬‬
‫والسكوت يعتبر هنا رضا‪ .‬وهذا هو الصحيح عند الحنفية‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬يصح نفي الولد في مدةالنفاس؛ لنه أثر الولدة‪.‬‬
‫واشترط المالكية (‪ )2‬شرطين لصحة اللعان ولنفي الولد‪ ،‬وهما كما تقدم‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يدعي الزوج أنه لم يطأ زوجته لمد يلتحق به الولد‪ ،‬أو أنه وطئها واستبرأها بحيضة واحدة‬
‫بعد الوطء‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن ينفي الولد قبل وضعه؛ فإن سكت ولو يوما بل عذر حتى وضعته‪ ،‬حد ولم يلعن‪ ،‬أي أنه‬
‫يشترط لصحة اللعان التعجيل بعد العلم بالحمل أو الولد‪ ،‬فلو أخر بل عذر لم يصح‪.‬‬
‫وأجاز الشافعية (‪ )3‬نفي حمل‪ ،‬وانتظار وضعه‪ ،‬أما نفي الحمل‪ :‬فلما ثبت في الصحيحين‪« :‬أن هلل‬
‫بن أمية لعن عن الحمل» ‪ ،‬وأما انتظار الوضع فلكي يلعن عن يقين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ 260/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الكتاب مع اللباب‪.79/3 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،244‬الشرح الصغير‪.663-660/2 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،380/3 :‬المهذب‪.122/2 :‬‬

‫( ‪)9/524‬‬

‫والنفي لنسب ولد يكون على الفور في الظهر الجديد؛ لنه شرع لدفع ضرر محقق‪ ،‬فكان على الفور‬
‫مثل الرد بالعيب وخيار الشفعة‪ ،‬لكن إن سكت عن النفي لعذر كأن بلغه الخبر ليلً فأخر حتى يصبح‬
‫أو كان جائعاً فأكل‪ ،‬أو عاريا فلبس‪ ،‬صح تأخيره النفي للعذر‪.‬‬
‫ولم يجز الحنابلة (‪ )1‬كالحنفية نفي الحمل قبل الوضع‪ ،‬ول ينتفي حتى يلعنها بعد الوضع وينتفي‬
‫الولد فيه؛ لن الحمل غير متيقن‪ ،‬يجوز أن يكون انتفاخا أو ريحا‪ .‬واشترطوا كالشافعية أن يكون‬
‫النفي عقب الولدة‪ ،‬فإذا ولدت المرأة ولدا فسكت عن نفيه مع إمكانه‪ ،‬لزمه نسبه‪ ،‬ولم يكن له نفيه‬
‫بعدئذ‪.‬‬
‫والحاصل أن للفقهاء رأيين في نفي الحمل‪ :‬رأي الحنفية والحنابلة بعدم الجواز لحتمال كونه غير‬
‫حمل‪ ،‬ورأي المالكية والشافعية بالجواز‪ ،‬محتجين بحديث هلل بن أمية وأنه نفى حملها‪ ،‬فنفاه عنه‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وألحقه بالول‪ ،‬ول خفاء بأنه كان حملً‪ ،‬لقول النبي عليه الصلة‬
‫والسلم‪« :‬انظروها‪ ،‬فإن جاءت به كذا وكذا» ولن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه‪ ،‬ولنه يصح‬
‫استلحاق الحمل‪ ،‬فكان نفيه كنفي الولد بعد وضعه‪ .‬قال ابن قدامة‪ :‬وهذا القول هو الصحيح لموافقته‬
‫ظواهر الحاديث‪ ،‬وما خالف الحديث ل يعبأ به كائنا ما كان‪.‬‬
‫وشرط اللعان‪ :‬التعجيل عند الجمهور بعد علم الزوج بالحمل أو الولد‪ ،‬وأجاز أبو حنيفة اللعان عقب‬
‫الولدة أو بعدها بسبعة أيام‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.424-423/7 :‬‬

‫( ‪)9/525‬‬

‫المطلب الثاني ـ مشروعية اللعان ‪:‬‬


‫شرع اللعان بين الزوجين بقوله تعالى‪{ :‬والذين يرمون أزواجهم‪ ،‬ولم يكن لهم شهداء إل أنفسُهم‪،‬‬
‫فشهادة أحدهم أربع شهادات بال ‪ ،‬إنه لمن الصادقين‪،‬‬
‫والخامسةُ أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين‪ .‬ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بال ‪ ،‬إنه‬
‫لمن الكاذبين‪ ،‬والخامسةَ أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين} [النور‪.]8-6/24:‬‬
‫وسبب نزولها‪ :‬ما أخرجه الجماعة إل مسلما والنسائي عن ابن عباس‪« :‬أن هلل بن أمية (‪ )1‬قذف‬
‫سحْماء‪ ،‬فقال له النبي صلّى ال عليه وسلم‪ :‬البينة‬
‫زوجته عند النبي صلّى ال عليه وسلم بشَرِيك بن َ‬
‫أو حد في ظهرك !فقال‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬إذا رأى أحدنا على امرأته رجلً ينطلق‪ ،‬يلتمس البينة‪ ،‬فجعل‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم يكرّر ذلك‪ ،‬فقال هلل‪ :‬والذي بعثك بالحق نبيا‪،‬إني لصادق‪ ،‬ولينزلن ال ما‬
‫يبرئ ظهري من الحد‪ ،‬فنزلت اليات» (‪. )2‬‬
‫فكان أول لعان في السلم‪ :‬ما حدث بين هلل بين أمية وزوجته‪ ،‬وهذا رأي الجمهور‪ ،‬وقد حكى‬
‫الماوردي عن أكثر العلماء أن قصة هلل أسبق من قصة عويمر‪ .‬وروى الجماعة إل الترمذي عن‬
‫سهل بن سعد أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم قال لعويمر العجلني‪« :‬قد نزل فيك وفي صاحبتك‪،‬‬
‫فاذهب فأت بها‪ ،‬فتلعنا عند رسول ال صلّى ال عليه وسلم » (‪ . )3‬وهذا رأي النووي في شرح‬
‫مسلم أن السبب في نزول آية اللعان‪ :‬قصة عويمر العجلني‪.‬‬
‫يختلف بهذا حكم الزوجين عن الجانب في حال القذف‪ ،‬فإن قذف إنسان غيره‪ ،‬أو اتهم رجل امرأة‬
‫ليست زوجة له بالزنا‪ ،‬وكانت عفيفة‪ ،‬ولم يأت بأربعة يشهدون بصحة اتهامه‪ ،‬فإنه يحد حد القذف‬
‫وهو ثمانون جلدة‪ ،‬زجرا له ولمثاله عن ارتكاب هذه المعصية‪ ،‬ودفعا للعار عن المقذوف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هو أحد الثلثة الذين تاب ال عليهم‪ ،‬كما جاء في رواية ابن عباس عند أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة إل مسلما والنسائي عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)272/6 :‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪.268/6 :‬‬

‫( ‪)9/526‬‬
‫أما إن اتهم الزوج زوجته بالزنا أو نفى نسب ولدها منه‪ ،‬ولم يأت بأربعة يشهدون على ادعائه‪ ،‬فل‬
‫يحد حد القذف‪ ،‬وإنما يشرع في حقه اللعان‪.‬هذا‪ ..‬وقد اتفقت الروايات في بيان أسباب نزول آيات‬
‫اللعان على أمور ثلثة (‪: )1‬‬
‫أولها ـ أن آيات اللعان نزلت بعد آية قذف المحصنات بتراخ عنها وأنها منفصلة عنها‪.‬‬
‫والثاني ـ أنهم كانوا قبل نزول آيات اللعان يفهمون من قوله تعالى‪{ :‬والذين يرمون المحصنات‪}..‬‬
‫[النور‪ ]4/24:‬وهي آية القذف‪ :‬أن حكم من رمى المرأة الجنبية وحكم من رمى زوجته سواء‪.‬‬
‫والثالث ـ أن آيات اللعان نزلت تخفيفا على الزوج وبيانا للمخرج مما وقع فيه مضطرا‪.‬‬
‫ومقتضى مشروعية اللعان‪ :‬جواز الدعاء باللعن على كاذب معين‪ ،‬كجواز الدعاء باللعن على الظالم‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬أل لعنة ال على الظالمين} [هود‪.]18/11:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مذكرة آيات الحكام بالزهر الشريف‪.135/3 :‬‬

‫( ‪)9/527‬‬

‫المطلب الثالث ـ أركان اللعان وشروطه وشروط المتلعنين ‪:‬‬


‫ركن اللعان عند الحنفية (‪ )1‬واحد وهو اللفظ‪ ،‬وهو‪ :‬شهادات مؤكدات باليمين واللعن من كل‬
‫الزوجين‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )2‬أركان اللعان أربعة‪ :‬وهي الملعن‪ ،‬والملعنة‪ ،‬وسببه‪ ،‬ولفظه‪.‬‬
‫شروط اللعان‪ :‬وأما شروطه فنوعان‪ :‬شروط وجوب اللعان‪ ،‬وشروط صحة إجراء اللعان‪.‬‬
‫أولً ـ شروط وجوب اللعان‪ :‬هي عند الحنفية ثلثة (‪: )3‬‬
‫ً‪ - 1‬قيام الزوجية مع امرأة ولو غير مدخول بها‪ ،‬وكذا ولوفي أثناء العدة من طلق رجعي‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬والذين يرمون أزواجهم} [النور‪ ]6/24:‬فل لعان بين غير الزوجين أو بقذف امرأة أجنبية‪،‬‬
‫فإن قذفها ثم تزوجها فعليه حد القذف ول يلعن؛ لنه وجب في حال كونها أجنبية ‪ ،‬ول لعان بقذف‬
‫زوجة صارت ميتة؛ لن الميتة لم تبق زوجة‪ ،‬ولنه ل يتأتى اللعان منها‪ ،‬ول لعان بقذف المرأة‬
‫المبانة‪ ،‬ويحد زوجها الصلي كالجنبي‪ .‬وهذا شرط متفق عليه فإنه عند الجمهور يصح اللعان منها‪،‬‬
‫وبه يصح اللعان عند الجمهور من غير زوج في حالتين‪ :‬البائن لنفي الولد‪ ،‬والموطوءة بنكاح فاسد أو‬
‫شبهة‪ .‬ولو ارتد زوج بعد وطء فقذف وأسلم في العدة‪ ،‬لعن‪ .‬ولو لعن ثم أسلم في العدة صح لعانه‪،‬‬
‫لتبين وقوعه في صلب النكاح‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬كون النكاح صحيحا لفاسدا‪ :‬فل لعان بقذف المنكوحة بنكاح فاسد؛ لنها أجنبية‪ .‬وخالفهم بقية‬
‫الئمة (‪ ، )4‬أجازوا اللعان من امرأة نكحها نكاحا فاسدا لثبوت النسب به‪ ،‬كالزواج بل ولي أو بدون‬
‫شهود‪ ،‬ثم قذفها‪ ،‬لكن جواز اللعان في هذه الحالة مقيد بما إذا وجد بينهما ولد يريد الزوج نفيه‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن بينهما ولد‪ ،‬حد الزوج ول لعان بينهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.806/2 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 243‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ 805/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ ،241/3 :‬فتح القدير‪،259/3 :‬‬
‫اللباب‪.78 ،75/3 :‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الصغير‪ ،658/2 :‬مغني المحتاج‪ 378/3 :‬وما بعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ ،201/3 :‬المغني‪:‬‬
‫‪....400 ،398/7‬‬

‫( ‪)9/528‬‬

‫ً‪ - 3‬كون الزوج أهلً للشهادة على المسلم‪ ،‬بأن يكون طرفا اللعان زوجين حرين عاقلين بالغين‬
‫مسلمين ناطقين غير محدودين في قذف‪ ،‬فل لعان بين كافرين ول من أحدهما عبد أو صبي أو‬
‫مجنون أو محدود في قذف أو كافر‪ ،‬أو أخرس للشبهة‪ .‬ويصح بين العميين والفاسقين؛ لنهما أهل‬
‫لداء الشهادة‪ ،‬لكن ل تقبل شهادتهما للفسق ولعدم قدرة العمى على التمييز‪ ،‬والحاصل أن الحنفية‬
‫اشترطوا أهلية الشهادة في الزوج؛ لن كلمات اللعان شهادات‪ ،‬واشترطوا أيضا أن تكون الزوجة ممن‬
‫يحد قاذفها؛ لن اللعان بدل عن حد القذف في الجنبية‪ .‬ولم يشترط الجمهور هذين الشرطين‪.‬‬
‫لكن اشترط المالكية (‪ )1‬السلم في الزوج فقط ل في الزوجة‪ ،‬فإن الذمية تلعن لرفع العار عنها‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬يشترط في المتلعنين كونهما بالغين عاقلين‪ ،‬سواء أكانا حرين أم مملوكين‪ ،‬عدلين أم فاسقين‪.‬‬
‫ويقع اللعان في حال العصمة اتفاقا‪ ،‬وفي العدة من الطلق الرجعي والبائن خلفا للحنفية‪ ،‬وبعد العدة‬
‫في نفي الحمل إلى أقصى مدة الحمل‪ .‬ويقع اللعان من الزوجين في النكاح الصحيح والفاسد‪.‬‬
‫ولم يشترط الشافعية والحنابلة (‪ )2‬السلم في المتلعنين‪ ،‬وقالوا‪ :‬يصح اللعان من كل زوج يصح‬
‫طلقه‪ ،‬بأن يكون الزوجان مكلفين أي بالغين عاقلين‪ ،‬سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم عدلين أم‬
‫فاسقين أم محدودين في قذف أم كان أحدهما كذلك‪ .‬ويصح اللعان أيضا من الحر والعبد والرشيد‬
‫والسفيه والسكران ومن الناطق والخرس والخرساء المعلومي الشارة عند الشافعية‪ ،‬ومن المطلّق‬
‫رجعيا‪ ،‬ويصح من الزوج للمطلقة بائنا لنفي الولد‪ ،‬وكذا عند الحنابلة إذا لم يكن هناك ولد‪.‬‬
‫ويصح عندهم لعان الموطوءة بنكاح فاسد أو شبهة كأن ظنها زوجته ثم قذفها‪ ،‬ولعن لنفي النسب‪،‬‬
‫كما تقدم ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،243‬بداية المجتهد‪.117/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 378/3 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ ،124/2 :‬المغني‪402-394/7 :‬‬

‫( ‪)9/529‬‬

‫ول يصح اللعان بالتفاق من صبي ومجنون‪ ،‬فإن كان أحد الزوجين غير مكلف فل لعان بينهما؛ لن‬
‫اللعان قول تحصل به الفرقة‪ ،‬ول يصح من غير مكلف كالطلق أو اليمين‪ .‬ول لعان بين غير‬
‫الزوجين‪ ،‬فإذا قذف الشخص أجنبية محصنة (عفيفة) حُدّ حد القذف ولم يلعن‪.‬‬
‫ول فرق بين كون الزوجة مدخولً بها أو غير مدخول بها في أنه يلعنها بالتفاق‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{والذين يرمون أزواجهم} [النور‪ ]6/24:‬فإن كانت غير مدخول بها‪ ،‬فلها نصف الصداق؛ لنها فرقة‬
‫من جهة الزوج‪ .‬ويلعن الخرس أو معتقل اللسان عند الحنابلة‪ ،‬ول تلعن الخرساء عند الحنابلة؛‬
‫لنه ل تعلم مطالبتها‪ ،‬واتفقوا على أنه ل يصح اللعان من الخرس والخرساء غير معلومي الشارة‬
‫والكتابة‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الحنفية اشترطوا في المتلعنين السلم والنطق والحرية والعدالة‪ ،‬وكون اللعان في‬
‫حال قيام الزوجية حقيقة أو حكما كالرجعية ل البائنة‪ ،‬وخالفهم الجمهور فيما شرطوه‪ ،‬إل أن المالكية‬
‫شرطوا إسلم الزوج فقط‪ ،‬واتفقوا على اشتراط التكليف‪ :‬البلوغ والعقل‪ .‬ويصح اللعان من الخرس‬
‫عند الجمهور غير الحنفية‪ .‬وذكر الحنابلة والشافعية شروطا ثلثة للعان هي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬كونه بين زوجين‪ ،‬ولو قبل دخول‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬سبق قذف الزوجة بزنا‪ ،‬ولو في دبر‪ :‬مثل قوله‪ :‬زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين‪ .‬وهذا متفق‬
‫عليه كما تقدم في سبب اللعان‪ .‬وللرجل قذف زوجته إن علم زناها‪ ،‬أو ظنه ظنا مؤكدا كشيوع زناها‬
‫بفلن مع قرينة بأن رآهما في خلوة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن تكذبه ويستمر التكذيب إلى انقضاء اللعان‪ ،‬فإن صدقته ولو مرة‪ ،‬أو عفت الزوجة عن الحد‬
‫أو التعزير‪ ،‬أو سكتت‪ ،‬أو ثبت زناها بأربعة سواه‪ ،‬فل لعان ويلحقه النسب‪ .‬وكذا ل لعان عند الحنابلة‬
‫من الخرساء‬
‫لغة اللعان‪ :‬يصح اللعان عند الجمهور غير الحنابلة بالعربية وبالعجمية (هي ما عدا العربية من‬
‫اللغات)؛ لن اللعان يمين أو شهادة‪ ،‬وهما في اللغات سواء‪ ،‬ويراعي العجمي الملعن ترجمة‬
‫الشهادة واللعن والغضب (‪. )2‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ )3‬إذا كان الزوجان يعرفان العربية‪ ،‬لم يجز أن يلتعنا بغيرها؛ لن اللعان ورد في‬
‫القرآن بلفظ العربية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غاية المنتهى‪ ،202-201/3 :‬مغني المحتاج‪ ،373 ،367/3 :‬المهذب‪ ،119/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.463-456/5‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،376/3 :‬المهذب‪.124/2 :‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪.438/7 :‬‬

‫( ‪)9/530‬‬

‫ثانيا ـ شروط صحة إجراء اللعان في ذاته ‪:‬‬


‫ذكر الحنابلة شروطا ستة في إجراء اللعان‪ ،‬بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه‪ ،‬وهي ما يأتي (‬
‫‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون بحضور القاضي أو نائبه‪ ،‬وهذا متفق عليه؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم «أمر‬
‫هلل بن أمية أن يستدعي زوجته إليه ولعن بينهما» ولنه يمين في دعوى‪ ،‬فلم يصح إل بأمر‬
‫الحاكم كاليمين في سائر الدعاوى‪ .‬وهذا يتطلب رفع المر إلى الحاكم من أحد الزوجين‪،‬فإن تراضى‬
‫الزوجان بغير الحاكم بإجراء اللعان بينهما لم يصح ذلك؛ لن اللعان مبني على التغليظ والتأكيد‪ ،‬فلم‬
‫يجز بغير الحاكم كالحد‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون بعد طلب القاضي‪ :‬بأن يأتي كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه عليه‪ ،‬فإن بادر به قبل‬
‫أن يلقيه القاضي عليه‪ ،‬لم يصح‪ ،‬كما لو حلف قبل أن يحلفه القاضي‪ .‬وهذا متفق عليه أيضا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬استكمال لفظات اللعان الخمسة‪ :‬فإن نقص منها لفظة‪ ،‬لم يصح‪ .‬وهذا متفق عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،438-434/7 :‬المهذب‪ ،126-125/2 :‬مغني المحتاج‪ ،378-376/3 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،665-663 ،658/2‬الدر المختار‪ 807/2 :‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪.237/3 :‬‬

‫( ‪)9/531‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يأتي كل من الزوجين بصورة اللعان‪ ،‬كما حددها القرآن‪ .‬واختلف الفقهاء في إبدال لفظة‬
‫بمعناها‪ ،‬كأن يبدل بقوله‪ :‬إني لمن الصادقين قوله‪ ( :‬لقد زنت)‪ ،‬أو يقول بدل {إنه لمن الكاذبين}‬
‫[النور‪ ( :]8/24:‬لقد كذب)‪ ،‬والظاهر عند الحنابلة أنه يجوز هذا البدال؛ لن معناهما واحد‪.‬‬
‫أما إن أبدل بلفظة (أشهد) لفظا من ألفاظ اليمين‪ ،‬فقال‪ :‬أحلف أو أقسم أو أولي‪ ،‬فل يعتد به عند‬
‫الشافعية والحنابلة على الصحيح؛ لن ما اعتبر فيه لفظ الشهادة‪ ،‬لم يقم غيره مقامه‪ ،‬كالشهادات في‬
‫الحقوق‪ ،‬ولن اللعان يقصد فيه التغليظ‪ ،‬واعتبار لفظ الشهادات أبلغ في التغليظ‪ ،‬فلم يجز تركه‪ ،‬ولهذا‬
‫لم يجز أن يقسم بال من غير كلمة تقوم مقام‪:‬أشهد‪ .‬والظاهر أن هذا رأي المالكية والحنفية أيضا‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬الترتيب بين ألفاظ اللعان‪ ،‬وأن يبدأ الرجل بالحلف على المرأة‪ ،‬ثم تحلف المرأة‪ ،‬فإن قدم لفظة‬
‫اللعنة على شيء من اللفاظ الربعة‪ ،‬أو قدمت المرأة لعانها على لعان الرجل‪ ،‬لم يعتد به‪ .‬وهذا متفق‬
‫عليه؛ لن اللعان على رأي الحنفية شهادة‪ ،‬والمرأة بشهادتها تقدح في شهادة الزوج‪ ،‬فل يصح قبل‬
‫وجود شهادته‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬الشارة من كل واحد منهما إلى صاحبه إن كان حاضرا‪ ،‬وتسميته ونسبته إن كان غائبا‪ .‬وهذا‬
‫متفق عليه بين الفقهاء‪ ،‬ول يشترط عند الشافعية والحنابلة‪ :‬حضور الزوجين معا‪ ،‬بل لو كان أحدهما‬
‫غائبا عن صاحبه جاز‪ ،‬كأن يلعن الرجل في المسجد‪ ،‬والمرأة على باب المسجد‪ ،‬لعدم إمكان‬
‫دخولها‪.‬‬

‫( ‪)9/532‬‬

‫هذا وقد اشترط المالكية حضور جماعة للعان‪ ،‬أقلها أربعة عدول‪ .‬وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يستحب‬
‫أن يكون اللعان بمحضر جماعة من المسلمين؛ لن ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد حضروه‬
‫على حداثة منهم‪ ،‬فدل على أنه حضره جمع كثير من الناس؛ لن الصبيان إنما يحضرون المجالس‬
‫تبعا للرجال‪ ،‬ولن اللعان بني على التغليظ‪ ،‬مبالغة في الردع به والزجر‪ ،‬وفعله في الجماعة أبلغ في‬
‫الردع‪ .‬ويستحب أل ينقصوا عن أربعة؛ لن بينة الزنا الذي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة‪.‬‬
‫واشترط المالكية أيضا لصحة اللعان‪ :‬عدم وطء الزوجة مطلقا بعد رؤيتها تزني‪ ،‬أو بعد علمه بحمل‬
‫من غيره‪ ،‬أو وضع‪ ،‬فإن وطئ المرأة الملعنة بعد علمه بحمل من غيره أو وضع‪ ،‬أو رؤية لها‬
‫تزني‪ ،‬امتنع اللعان لها ول يمكّن منه‪.‬‬
‫واشترطوا أيضا تعجيل اللعان بعد علمه بالحمل أو الولد‪ :‬فإن أخر لعانها ولو يوما بل عذر بعد علمه‬
‫بالحمل أو الوضع أو رؤية الزنا‪ ،‬امتنع لعانه لها ول يمكّن منه أيضا‪ .‬واشترطوا أيضا لفظ (أشهد)‬
‫في الربع مرات منه أو منها‪ ،‬واللعن منه في الخامسة‪ ،‬والغضب منها في الخامسة‪ ،‬كما ورد في‬
‫النص القرآني في أيمان اللعان‪.‬‬
‫ويلعن الزوج إن رأى زوجته يقينا تزني‪ ،‬والرؤية من البصير كرؤية المِ ْروَد في المُكحلة‪ ،‬وأما‬
‫العمى فيعتمد على حِس أو جَسّ أو إخبار يفيده المطلوب ولو من امرأة‪.‬‬
‫شروط نفي الولد ‪:‬‬
‫اشترط الحنفية (‪ )1‬ستة شروط لنفي الولد وعدم لحوق النسب وهي ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬حكم القاضي بالتفريق بين الزوجين‪ :‬لن الزواج قبل التفريق قائم‪ ،‬فل يجب النفي‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون نفي الولد في رأي أبي حنيفة بعد الولدة مباشرة أو بعدها بيوم أو يومين أو نحوهما‬
‫إلى سبعة أيام مدة التهنئة بالمولود عادة‪ ،‬فإن نفاه بعدئذ ل ينتفي‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬يتقدر نفي الولد بأكثر مدة النفاس وهي أربعون يوما‪.‬‬
‫وشرط الجمهور الفور في النفي‪،‬فإن أخر بل عذر‪ ،‬لم يصح النفي‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،248-246/3 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،811/2 :‬اللباب‪.79/3 :‬‬

‫( ‪)9/533‬‬

‫ً‪ - 3‬أل يتقدم منه إقرار بالولد ولو دللة أو ضمنا‪ ،‬كقبوله التهنئة بالمولود مع عدم الرد‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬توافر حياة الولد وقت التفريق القضائي‪ ،‬أي أن يكون الولد حيا وقت التفريق‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أل تلد بعد التفريق ولدا آخر من بطن واحد‪ :‬فلو ولدت المرأة ولدا‪ ،‬فنفاه عنه‪ ،‬ولعن الحاكم‬
‫بينهما‪ ،‬وفرق‪ ،‬وألزم الولد أمه‪ ،‬أو لزمها بنفس التفريق‪ ،‬ثم ولدت ولدا آخر من الغد‪ ،‬لزمه الولدان‬
‫جميعا‪ ،‬لثبوت نسب الولد الثاني الذي لم يشمله اللعان؛ لن حكم اللعان قد بطل بالفرقة‪ ،‬فيثبت نسب‬
‫الولد الثاني‪ ،‬ثم يثبت نسب الولد الول‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬أل يكون محكوما بثبوت نسب الولد شرعا‪ :‬كأن ولدت المرأة ولدا‪ ،‬فانقلب على رضيع‪ ،‬فمات‬
‫الرضيع‪ ،‬وقضي بديته على عاقلة (عصبة) الب‪ ،‬ثم نفى الب نسبه‪ ،‬فيلعن القاضي بينهما‪ ،‬ول‬
‫يقطع نسب الولد؛ لن القضاء بالدية على عاقلة قضاء بكون الولد منه‪ ،‬ول ينقطع النسب بعده‪.‬‬
‫ل مايأتي‪:‬‬
‫وقد سبق إيراد شرطين لنفي الحمل عند المالكية (‪ )1‬وهما تفصي ً‬
‫ً‪ - 1‬أن يدعي أنه لم يطأ الزوجة أصلً بعد العقد‪ ،‬أو لمد يلحق به‪ ،‬أو أنه وطئها ولكنه استبرأها‬
‫بحيضة واحدة؛ فإن لم يطأها أصلً بعد العقد‪ ،‬أو وطئها وأتت بالولد بعد الوطء في مدة ل يلتحق الولد‬
‫فيها بالزوج‪ ،‬إما لقصر المدة كأن تلد ولدا كاملً بعد شهر أو شهرين أو خمسة بعد الدخول أو الوطء؛‬
‫لن أقل الحمل شرعا ستة أشهر‪ ،‬وإما لطول المدة كخمس سنين؛ لن أقصى مدة الحمل أربع سنين‬
‫بعد الوطء‪ ،‬ففي هاتين الحالتين يعتمد على ذلك‪ ،‬ويعلم أن الولد ليس من الزوج قطعا ويلعن لنفيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ ،664-660/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.244‬‬

‫( ‪)9/534‬‬

‫وكذلك يلعن لنفي الولد لو وطئها واستبرأها بحيضة واحدة بعد الوطء‪ ،‬ثم أتت بولد بعد ستة أشهر‬
‫من يوم الستبراء بالحيضة‪ ،‬إذ هو ليس منه قطعا‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن ينفي الولد قبل وضعه‪ :‬فإن سكت ولو يوما بل عذر حتى وضعته‪ ،‬حدّ الزوج ولم يلعن‪.‬‬
‫أما الشافعية (‪ )1‬فأجازوا نفي الولد أثناء الحمل أو بعد الولدة مباشرة‪ ،‬فإن أخر بل عذر أو قبل‬
‫التهنئة بالمولود‪ ،‬سقط حقه في النفي؛ لن التأخر يتضمن القرار به‪ .‬فإن ادعى أنه لم يعلم بالولدة‪،‬‬
‫فإن كان في موضع قريب منها كدار أو محلة لم يقبل قوله؛ لنه يدعي خلف الظاهر‪ ،‬وإن كان في‬
‫موضع يجوز أن يخفي عليه كالبلد الكبير‪ ،‬فالقول قوله مع يمينه؛ لن ما يدعيه ظاهر‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ل يصح نفي أحد توأمين‪ ،‬فإن أتت المرأة بولدين توأمين‪ ،‬فنفى أحدهما وأقر بالخر‪ ،‬أو ترك‬
‫نفيه من غير عذر‪ ،‬لحقه الولدان؛ لنهما حمل واحد؛ لن ال تعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في‬
‫الرحم ولدان من ماء رجلين‪ ،‬فإذا اشتمل الرحم على المني‪ ،‬انسد فمه‪ ،‬فل يتأتى منه قبول مني آخر‪،‬‬
‫فل يجوز أن يلحق أحد الولدين دون الخر‪.‬‬
‫ويلزم الزوج نفي ولد أتت به زوجته وعلم أنه ليس منه‪ ،‬بأن وطئها وولدته لدون ستة أشهر من‬
‫الدخول‪ ،‬أو فوق أربع سنين‪ ،‬فلو ولدته فيما بين ستة أشهر من الدخول وأربع سنين منه‪ ،‬ولم يستبرئها‬
‫بعد الدخول بحيضة‪ ،‬حرم نفي الولد باللعان رعاية للزوجية (‪ ، )2‬وإن ولدته بعد ستة أشهر من‬
‫الستبراء بحيضة‪ ،‬ولستة أشهر فأكثر من الزنا‪ ،‬حل نفي الولد باللعان في الصح‪ ،‬ولكن الولى أل‬
‫ينفيه ؛ لن الحامل قد ترى الدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،383 ،381 ،373/3 :‬المهذب‪.123-122/2 :‬‬
‫(‪ )2‬لما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة أنه صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬أيما رجل‬
‫جحد ولده وهو ينظر إليه‪ ،‬احتجب ال منه يوم القيامة‪ ،‬وفضحه على رؤوس الخلئق» ‪.‬‬
‫( ‪)9/535‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬يشترط لنفي الولد باللعان ما يأتي‪:‬‬


‫ً‪ - 1‬أل يتقدمه إقرار به‪ ،‬أو بتوأمه‪ ،‬أو ما يدل عليه‪ ،‬كما لو نفى أحد التوأمين وسكت عن الخر‪.‬‬
‫وهذا موافق للشافعية‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يعجل نفي الولد بعد الولدة‪ :‬فإن هنئ به فسكت أو أمّن على الدعاء‪ ،‬أو أخر نفيه مع إمكانه‪،‬‬
‫رجاء موته‪ ،‬بل عذر‪ ،‬نحو جوع وعطش ونوم‪ ،‬سقط حقه في النفي‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬لم أعلم بالولد‪ ،‬أو أخر النفي لعذر كحبس ومرض وغيبة وحفظ مال‪ ،‬لم يسقط نفيه‪ .‬وهذا‬
‫موافق للشافعية أيضا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يذكر نفي الولد في لعان كل من الزوجين؛ لنهما متحالفان على شيء فاشترط ذكره في‬
‫تحالفهما كالمختلفين في اليمين‪ ،‬فإن لم يذكر الولد في اللعان لم ينتف عن الزوج‪.‬‬
‫ويكفي عند الشافعية ذكر الولد في لعان الرجل‪ ،‬ول تحتاج المرأة إلى ذكره؛ لنها ل تنفيه‪.‬‬
‫وذكْر الولد في ظاهر كلم الخرقي وهو الراجح لدى الحنابلة‪ :‬أن يقول الزوج في لعانه‪( :‬وما هذا‬
‫الولد ولدي) وتقول المرأة‪( :‬وهذا الولد ولده)‪ .‬وقال القاضي أبو يعلى والشافعية‪ :‬يشترط أن يقول‬
‫الزوج‪( :‬هذا الولد من زنا‪ ،‬وليس هو مني)؛ لنه قد يريد بقوله‪( :‬ليس هو مني) يعني خُلقا وخَلْقا‪،‬‬
‫فكان ل بد من ذكره للتأكيد‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يوجد اللعان من كل الزوجين‪ .‬وهذا قول أكثر العلماء‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ينتفي الولد بلعان‬
‫الزوج وحده؛ لن نفي الولد إنما كان بيمينه والتعانه‪ ،‬ل بيمين المرأة على تكذيبه‪ ،‬ول معنى ليمين‬
‫المرأة في نفي النسب وهي تثبته وتكذب قول من ينفيه‪ ،‬وإنما لعانها لدرء الحد عنها‪ .‬ورد الجمهور‬
‫بأن النبي صلّى ال عليه وسلم إنما نفى الولد عنه بعد تلعنهما‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن تكمل ألفاظ اللعان منهما جميعا‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬أن يبدأ بلعان الزوج قبل لعان المرأة‪ ،‬وقال المالكية والحنفية‪ :‬إن فعل العكس أخطأ السنة‪،‬‬
‫والفرقة جائزة‪ ،‬وينتفي الولد عنه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،439 ،417-416/7 :‬غاية المنتهى‪.304/3 :‬‬

‫( ‪)9/536‬‬
‫المطلب الرابع ـ كيفية اللعان ودور القاضي فيه ‪:‬‬
‫كيفية اللعان أو صفته أو ألفاظه‪ :‬اتفق الفقهاء (‪ )1‬على كيفية اللعان أو صفته (أي ماهيته) على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫إذا قذف الزوج زوجته بالزنا أو نفى نسب ولدها منه‪ ،‬ولم تكن له بينة‪ ،‬ولم تصدقه الزوجة‪ ،‬وطلبت‬
‫إقامة حد القذف عليه‪ ،‬أمره القاضي باللعان‪ ،‬بأن يبتدئ القاضي بالزوج‪ ،‬فيقول أمامه أربع مرات‪:‬‬
‫(أشهد بال ‪ ،‬إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا أو نفي الولد) بأن يحدد المقصود بالشارة‬
‫إليها إن كانت حاضرة‪ ،‬أو بالتسمية بأن يقول‪( :‬فيما رميت به فلنة زوجتي من الزنا)‪ ،‬ثم يقول في‬
‫الخامسة‪( :‬لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا أو نفي الولد) ويشير الزوج إليها‬
‫في جميع ما ذكر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب‪ ،76/3 :‬رد المحتار‪ ،810/2 :‬الشرح الصغير‪ ،664/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،244‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،118/2 :‬مغني المحتاج‪ 374/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،126/2 :‬غاية المنتهى‪،199/3 :‬‬
‫المغني‪.436/7 :‬‬

‫( ‪)9/537‬‬

‫ثم تقول المرأة أربع مرات أيضا‪ ( :‬أشهد بال ‪ ،‬إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أو نفي الولد‬
‫) وتقول في الخامسة‪ ( :‬أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا أو نفي‬
‫الولد ) وإنما خص الغضب وهو أشد من اللعن (‪ )1‬في جانب المرأة؛ لن النساء يتجاسرن باللعن‪،‬‬
‫فإنهن يستعملن اللعن في كلمهن كثيرا‪ ،‬كما ورد في الحديث‪ ،‬فاختير الغضب لتتقي ول تقدم عليه‪،‬‬
‫ولن جريمتها وهي الزنا أعظم من جريمة الرجل وهي القذف‪ .‬وإنما وجب البدء بالرجل في اللعان؛‬
‫لنه المدعي‪ ،‬وفي الدعاوى يبدأ بالمدعي‪.‬‬
‫ودليل هذه الكيفية قوله تعالى‪{ :‬والذين يرمون أزواجهم‪ ،‬ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم‪ ،‬فشهادة أحدهم‬
‫أربع شهادات بال ‪ ،‬إنه لمن الصادقين‪ ،‬والخامسة ُ أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين‪ .‬ويدرأ عنها‬
‫العذاب أن تشهد أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين‪ ،‬والخامسةَ أن غضب ال عليها إن كان من‬
‫الصادقين} [النور‪.]9-6/24:‬‬
‫وثبت في السنة النبوية الصحيحة تأكيد هذه الكيفية بأحاديث‪ ،‬منها حديث ابن عمر‪ :‬قال‪ :‬يا رسول ال‬
‫‪ ،‬أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة‪ ،‬كيف يصنع؟ إن تكلم‪ ،‬تكلم بأمر عظيم‪ ،‬وإن سكت سكت‬
‫على مثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فسكت النبي صلّى ال عليه وسلم فلم يُجبْه‪ ،‬فلما كان بعد ذلك‪ ،‬أتاه‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫الذي سألتك عنه ابتليتُ به‪ ،‬فأنزل ال عز وجل هؤلء اليات في سورة النور‪{ :‬والذين يرمون‬
‫أزواجهم} [النور‪ ]6/24:‬فتلهن عليه‪ ،‬ووعظه وذكره‪ ،‬وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب‬
‫الخرة‪ ،‬فقال‪ :‬ل والذي بعثك بالحق‪ ،‬ما كذبتُ عليها‪ ،‬ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا‬
‫أهون من عذاب الخرة‪ ،‬فقالت‪ :‬ل والذي بعثك بالحق إنه لكاذب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الغضب‪ :‬هو السخط وإنزال العذاب بالمغضوب عليه‪.‬‬

‫( ‪)9/538‬‬

‫وأما اللعن فهو الطرد من الرحمة‪ ،‬ول يلزم منه التعذيب‪ .‬بدأ الرجل‪ ،‬فشهد أربع شهادات بال ‪ ،‬إنه‬
‫لمن الصادقين‪ ،‬والخامسة أن لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين‪ ،‬ثم ثنى بالمرأة‪ ،‬فشهدت أربع‬
‫شهادات بال ‪ ،‬إنه لمن الكاذبين‪ ،‬والخامسة أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين‪ ،‬ثم فرق بينهما‬
‫( ‪. )1‬‬
‫وبداءة الزوج باللعان هو رأي الجمهور‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجزئ أن تبدأ المرأة باللعان‪ ،‬وقال الكاساني‬
‫في البدائع‪ :‬ينبغي أن تعيد‪ ،‬لن اللعان شهادة المرأة‪ ،‬وشهادتها تقدح في شهادة الزوج‪ ،‬فل تصح إل‬
‫بعد وجود شهادته‪.‬‬
‫مندوبات اللعان ودور القاضي فيه‪ :‬يسن للقاضي ما يأتي (‪: )2‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يعظ المتلعنين قبل اللعان‪ ،‬ويخوفهما بعذاب ال في الخرة‪ ،‬كما فعل النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم مع ابن عمر وزوجته في الحديث السابق‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم لهلل‪« :‬اتق ال فإن‬
‫عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة» ويقرأ عليهما‪{ :‬إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنا قليلً}‬
‫الية[آل عمران‪ ]3/77:‬ويقول لهما‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم للمتلعنين‪« :‬حسابكما على‬
‫ال ‪ ،‬يعلم أن أحدكما كاذب‪ ،‬فهل منكما من تاب» ‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ل يحكم القاضي في اللعان حتى يثبت عنده نكاح الزوجين‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يتلعن الزوجان قائمين‪ ،‬ليراهما الناس‪ ،‬ويشتهر أمرهما‪ ،‬فيقوم الرجل عند لعانه‪ ،‬والمرأة‬
‫جالسة‪ ،‬ثم تقوم عند لعانها‪ ،‬ويقعد الرجل‪ ،‬ويتكلم المتلعنان بألفاظ اللعان‪ ،‬وهي أربع شهادات‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يحضر جماعة من المسلمين اللعان‪ ،‬وأقلها أربعة عدول‪ ،‬وأوجبه المالكية‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن يغلظ اللعان في الزمان والمكان في رأي المالكية والشافعية‪ ،‬والحنابلة على الراجح‪ ،‬بأن‬
‫يكون بعد صلة‪ ،‬لما فيه من الردع والرهبة‪ ،‬أو بعد صلة العصر؛ لنها الصلة الوسطى على‬
‫الراجح‪ ،‬أو بعد صلة عصر الجمعة؛ لن ساعة الجابة فيه‪ ،‬كما رواه أبو داود والنسائي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث متفق عليه بين أحمد والبخاري ومسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عمر (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)267/6‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 244‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،667-665/2 :‬مغني المحتاج‪-376/3 :‬‬
‫‪ ،378‬المغني‪ ،437-434/7 :‬غاية المنتهى‪ ،300/3 :‬كشاف القناع‪.455-454/5 :‬‬

‫( ‪)9/539‬‬

‫وصححه (‪ ، )1‬ولن اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ثلثة ل‬
‫يكلمهم ال يوم القيامة‪ ،‬ول يزكّيهم‪ ،‬ولهم عذاب أليم‪ ،‬وعدّ منهم رجلً حلف يمينا كاذبة بعد العصر‪،‬‬
‫يقتطع بها مال امرئ مسلم» (‪. )2‬‬
‫ويكون لعان المسلم في المسجد؛ لنه أشرف الماكن‪ ،‬وأوجبه المالكية فيه؛ لن فيه تأثيرا في الزجر‬
‫عن اليمين الفاجرة‪.‬‬
‫وأشرف الماكن هو في مكة‪ :‬بين الركن الذي فيه الحجر السود وبين مقام إبراهيم صلّى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ويسمى ما بينهما بالحطيم‪ ،‬وفي المدينة‪ :‬عند المنبر مما يلي القبر الشريف‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬من حلف على منبري هذا يمينا آثمة‪ ،‬تبوأ مقعده من النار» (‪ )3‬وقوله‪« :‬ل يحلف عند‬
‫هذا المنبر عبد ول أمة يمينا آثمة ولو على سواك رطب إل وجبت له النار» (‪. )4‬‬
‫واللعان في بيت المقدس في المسجد عند الصخرة المشرفة؛ لنها أشرف بِقاعه؛ لنها قبلة النبياء‬
‫عليهم الصلة والسلم‪ ،‬وعند ابن حبان‪« :‬أنها من الجنة» ‪.‬‬
‫واللعان في غير المساجد الثلثة يكون عند منبر الجامع؛ لنه المعظم منه‪.‬‬
‫وتلعن امرأة حائض أو نفساء أو متحيرة مسلمة عند باب المسجد الجامع‪.‬‬
‫ويلعن ذمي أو كتابي في بِيعة (وهي معبد النصارى) وفي كنيسة (وهي معبد اليهود) (‪ )5‬؛ لن‬
‫معابدهم كالمساجد عندنا‪ ،‬ويلعن مجوسي في بيت نار‪ ،‬لنهم يعظمونه‪ ،‬والمقصود الزجر عن‬
‫الكذب‪ ،‬فيحضره القاضي رعاية لعتقادهم لشبهة الكتاب التي يدعونها‪ .‬ول يلعن في بيت أصنام‬
‫وثني؛ لنه ل حرمة له‪ ،‬واعتقادهم فيه غير شرعي‪.‬‬
‫ول يغلظ اللعان في رأي القاضي أبي يعلى من الحنابلة‪ ،‬والحنفية بمكان ول زمان؛ لن ال تعالى‬
‫أطلق المر به‪ ،‬ولم يقيده بزمن ول مكان‪ ،‬فل يجوز تقييده إل بدليل‪ ،‬ولن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫أمر الرجل بإحضار امرأته‪ ،‬ولم يخصه بزمن‪ ،‬ولو خصه به لنقل ولم يهمل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وروى مسلم‪ :‬أنها من مجلس المام على المنبر إلى أن تنقضي الصلة‪ ،‬وصوبه النووي‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه النسائي‪ ،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه‪ ،‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫(‪ )5‬وتسمى البيعة أيضاَ كنيسة‪ ،‬بل هو العرف اليوم‪.‬‬

‫( ‪)9/540‬‬

‫المطلب الخامس ـ ما يجب عند نكول أحد الزوجين عن اللعان أو رجوعه عنه ‪:‬‬
‫قد يمتنع أحد الزوجين عن اللعان بعد طلبه من القاضي‪ ،‬وقد يرجع عنه ويُكذب نفسه‪ ،‬فماذا يفعل‬
‫القاضي؟‬
‫أما في حال نكول أحد الزوجين عن اللعان بعد طلبه منه‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في حكمه على رأيين (‬
‫‪: )1‬‬
‫أ ـ ذهب الحنفية‪ :‬إلى أنه إن امتنع الزوج عن اللعان حبس حتى يلعن أو يكذب نفسه‪ ،‬فيحد حد‬
‫القذف‪ .‬وإن امتنعت الزوجة عن اللعان حبست حتى تلعن أو تصدق الزوج فيما ادعاه عليها‪ ،‬فإن‬
‫صدقته خلي سبيلها من غير حد؛ لن قوله‪{ :‬ويدرأ عنها العذاب} [النور‪ ]8/24:‬أ ي الحبس عندهم‬
‫وعند الحنابلة‪.‬‬
‫حدّ حد‬
‫ب ـ وذهب الجمهور غير الحنفية‪ :‬إلى أنه إن امتنع الزوج عن اللعان أو امتنعت الزوجة ُ‬
‫القذف؛ لن اللعان بدل عن حد الزنا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ويدرأ عنها العذاب} [النور‪ ]8/24:‬أي العذاب‬
‫الدنيوي وهو الحد عندهم‪ ،‬فل يندرئ الحد عن الزوجة مثلً إل بلعانها‪.‬‬
‫إل أن الحنابلة وافقوا الحنفية فيما إذا امتنعت الزوجة عن اللعان أخذا بمدلول الية السابقة‪{ :‬ويدرأ‬
‫عنها العذاب} [النور‪ ]8/24:‬فإن لم تلعن وجب أل يدرأ عنها العذاب‪ ،‬فتحبس حتى تقر بالزنا أربع‬
‫مرات أو تلعن‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف بين الحنفية والجمهور في حال امتناع الزوج عن اللعان‪ :‬هو اختلفهم في الموجَب‬
‫الصلي لقذف الزوجة‪ ،‬أهو اللعان أم الحد؟ قرر الحنفية بأن الموجب الصلي هو اللعان‪ ،‬واللعان‬
‫واجب‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين يرمون أزواجهم‪ ،‬ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم‪ ،‬فشهادة أحدهم أربع‬
‫شهادات بال }‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،808/2 :‬اللباب‪ ،75/3 :‬البدائع‪ ،238/3 :‬بداية المجتهد‪ ،119/2 :‬القوانين الفقهية‪:‬‬
‫ص ‪ ،245‬مغني المحتاج‪ ،382 ،371/3 :‬المهذب‪ ،119/2 :‬المغني‪ ،404 ،397 ،392/7 :‬غاية‬
‫المنتهى‪ ،202/3 :‬كشاف القناع‪.463/5 :‬‬

‫( ‪)9/541‬‬

‫[النور‪ ]6/24:‬أي فليشهد أحدهم أربع شهادات بال ‪ ،‬فإنه تعالى جعل موجب قذف الزوجات هو‬
‫اللعان‪ ،‬فمن أوجب الحد فقد خالف النص‪ ،‬فصارت آية حد القذف بالنسبة للزوجات منسوخة في حق‬
‫الزواج‪ ،‬وأصبح الواجب بقذف الزوجة هو اللعان‪ ،‬فإذا امتنع عنه حبس حتى يلعن‪ ،‬كالمدين إذا‬
‫امتنع عن إيفاء دينه‪ ،‬فإنه يحبس حتى يوفي ما عليه‪.‬‬
‫وقرر الجمهور‪ :‬أن الموجب الصلي هو حد القذف‪ ،‬واللعان مسقط له‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪{ :‬والذين‬
‫يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء‪ ،‬فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور‪ ]4/24:‬فإنه عام في‬
‫الجنبي والزوج‪ ،‬ويجب الحد على كل قاذف‪ ،‬سواء أكان زوجا أم غيره‪ ،‬ثم جعل اللتعان للزوج مقام‬
‫الشهود الربعة الذين يثبت بشهادتهم الزنا‪ ،‬فوجب عليه إذا امتنع عن اللعان الموجب الصلي وهو حد‬
‫القذف‪.‬‬
‫ولن النبي صلّى ال عليه وسلم قال لهلل بن أمية لما قذف زوجته بالزنا‪« :‬البينة أو حد في ظهرك»‬
‫‪.‬‬
‫ورأي الجمهور أرجح لقوة أدلتهم من القرآن والسنة‪ .‬وبناء عليه إذا قذف الزوج زوجته المحصنة‬
‫(العفيفة) وجب عليه حد القذف‪ ،‬وحكم بفسقه‪ ،‬ورد شهادته‪ ،‬إل أن يأتي ببينة أو يلعن‪ ،‬فإن لم يأت‬
‫بأربعة شهداء‪ ،‬أو امتنع عن اللعان‪ ،‬لزمه ذلك كله‪.‬‬

‫( ‪)9/542‬‬

‫وقد يجب على الزوج في حال امتناعه عن اللعان التعزير فقط‪ ،‬كما في حال قذف غير المحصنة‬
‫كالمرأة الكتابية‪ ،‬والمَة‪ ،‬والمجنونة‪ ،‬والطفلة‪ ،‬فإنه يجب عليه التعزير به‪ ،‬للحاقه العار بها بالقذف‪،‬‬
‫ل لنقصانهن بما ذكر‪ ،‬ول يتعلق به فسق‪ ،‬ول رد شهادة؛ لن القذف لهؤلء ل‬
‫ول يحد لهن حدا كام ً‬
‫يوجب الحد‪ .‬وله أن يلعن لدرء التعزير عنه؛ لنه تعزير قذف‪ .‬وبه تكون القاعدة‪ :‬كل موضع ل‬
‫لعان فيه‪ ،‬فالنسب لحق بالزوج‪ ،‬ويجب بالقذف موجبه من الحد أو التعزير‪ ،‬إل أن يكون القاذف‬
‫صغيرا أو مجنونا‪ ،‬فل تعزير أو ضرب فيه‪ ،‬ول لعان بالتفاق‪.‬‬
‫رجوع الزوج عن اللعان‪ :‬إذا أكذب الزوج نفسه بعد اللعان‪ ،‬فاتفق أئمة المذاهب الربعة (‪ )1‬على أنه‬
‫يحد حد القذف‪ ،‬ويكون للزوجة الحق في مطالبة القاضي بالحد‪ ،‬سواء كذّب نفسه قبل لعانها أو بعده؛‬
‫لن اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج‪ ،‬فإذا أكذب نفسه‪ ،‬بأن قال‪ :‬كذبتُ عليها‪ ،‬فقد زاد في هتك‬
‫حرمتها‪ ،‬وكرر قذفها‪ ،‬فل أقل من أن يجب عليه الحد الذي كان واجبا بالقذف المجرد‪.‬‬
‫فإن عاد عن إكذاب نفسه‪ ،‬وقال‪ :‬لي بينة أقيمها بزناها أو أراد إسقاط الحد عنه باللعان‪ ،‬لم يسمع منه؛‬
‫لن البينة واللعان لتحقيق ما قاله‪ ،‬وقد أقر بكذب نفسه‪ ،‬فل يسمع منه خلفه‪.‬‬
‫وهذا كله فيما إذا كانت المقذوفة محصنة (عفيفة) فإن كانت غير محصنة‪ ،‬فعليه التعزير‪.‬‬
‫وإن أكذب الملعن نفسه قبل لعان المرأة‪ ،‬حد حد القذف‪ ،‬وبقيت الزوجية‪ ،‬فتبقى له زوجة‪ ،‬لكن ل‬
‫تبقى زوجة بعد لعانها‪.‬‬
‫ومتى أكذب نافي الولد نفسه بعد نفيه الولد‪ ،‬وبعد اللعان‪ ،‬لحقه نسب الولد‪ ،‬حيا كان الولد‪ ،‬أو ميتا‪،‬‬
‫غنيا كان الولد أو فقيرا؛ لن اللعان يمين أو شهادة (بيّنة) فإذا أقر بما يخالفها أخذ بإقراره‪ ،‬وسقط حكم‬
‫اللعان‪ ،‬ثم إن النسب يحتاط لثبوته قدر المكان‪ ،‬ويتم التوارث بين الب والولد؛ لن الرث تابع‬
‫للنسب‪ ،‬وقد ثبت فتبعه الرث‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،812/2 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،75/3 :‬بداية المجتهد‪ ،120/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،245‬مغني المحتاج‪ ،380/3 :‬غاية المنتهى‪ ،204 ،202/3 :‬كشاف القناع‪.468/5 :‬‬

‫( ‪)9/543‬‬

‫المطلب السادس ـ هل ألفاظ اللعان شهادات أو أيمان؟‬


‫تبين في بحث شروط المتلعنين أن الحنفية قالوا‪ :‬إنما يجوز اللعان لمن كان من أهل الشهادة‪ ،‬فل‬
‫لعان إل بين مسلمين حرين عدلين‪ ،‬وتشترط في المتلعنين‪ :‬الحرية والعقل والبلوغ والسلم والنطق‬
‫وعدم الحد في القذف‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬يصح اللعان من كل زوجين مكلفين‪ ،‬سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم عدلين أم‬
‫فاسقين أم محدودين في قذف أم كان أحدهما بتلك الصفة‪ ،‬أم كان من الخرس‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف في محدود القذف والخرس والكافر هو‪ :‬هل ألفاظ اللعان شهادات أو أيمان؟‬
‫رأى الحنفية (‪ : )1‬أن اللعان شهادات مؤكدة باليمان مقرونة باللعن وبالغضب‪ ،‬وإنه في جانب الزوج‬
‫قائم مقام حد القذف‪ ،‬وفي جانب الزوجة قائم مقام حد الزنا‪ .‬ودليلهم آية اللعان‪{ :‬والذين يرمون‬
‫أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم‪ ،‬فشهادة أحدهم أربع شهادات بال } [النور‪ ]6/24:‬سمى‬
‫الزواج شهداء‪ ،‬وسمى اللعان شهادة في النص‪{ :‬فشهادة أحدهم} [النور‪ ]6/24:‬وجعل عددها كعدد‬
‫شهادات الزنا‪ .‬وإذا كان اللعان شهادة‪ ،‬فيشترط فيها ما يشترط في الشهادة على المسلم‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )2‬سميت ألفاظ اللعان شهادات‪ ،‬وهي في الحقيقة أيمان‪ ،‬واللعان يمين‪ ،‬وإن كان‬
‫يسمى شهادة‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم في قصة لعان هلل بن أمية‪« :‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 241/3 :‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪.78 ،75/3 :‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،118/2 :‬مغني المحتاج‪ ،374/3 :‬المغني‪ 392/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/544‬‬

‫لول اليمان لكان لي ولها شأن» (‪ )1‬ولنه ل بد في اللعان من ذكر اسم ال تعالى وذكر جواب‬
‫القسم‪ ،‬ولو كان شهادة لما احتاج إليه‪ ،‬ولنه يستوي فيه الرجل والمرأة‪ ،‬ولو كان شهادة لكانت المرأة‬
‫على النصف من الرجل فيه‪ ،‬ولنه يجب تكراره أربعا‪ ،‬والمعهود في الشهادة عدم التكرار‪ ،‬أما اليمين‬
‫فتتكرر كما في أيمان القسامة‪ ،‬ولن اللعان يكون من الطرفين‪ ،‬والشهادة ل تكون إل من طرف واحد‬
‫وهو المدعي‪.‬‬
‫أما تسمية اللعان شهادة‪ ،‬فلقول الملعن في يمينه‪ ( :‬أشهد بال ) فسمي اللعان شهادة وإن كان يمينا‪،‬‬
‫فقد يعبر عن الشهادة باليمين كما في قوله تعالى‪{ :‬إذا جاءك المنافقون قالوا‪ :‬نشهد} [المنافقون‪]1/63:‬‬
‫ثم قال‪{ :‬اتخذوا أيمانهم جُنّة} [المنافقون‪ ]2/63:‬وأجمعوا على جواز لعان العمى‪ ،‬ولو كان شهادة لما‬
‫جاز لعانه‪.‬‬
‫وإذا كان اللعان يمينا‪ ،‬فل يشترط فيه ما يشترط في الشهادة‪ ،‬وتفرع عن الخلف اختلفهم في‬
‫الخرس‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬يلعن الخرس إذا فهم عنه‪ .‬وقال الحنفية‪ :‬ل يلعن؛ لنه ليس من أهل‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫والراجح لدي رأي الجمهور لقوة أدلتهم من السنة والمعقول‪ ،‬ولن اللعان شرع للحاجة‪ ،‬والحاجة تتسع‬
‫لناس ولو لم يكونوا أهلً للشهادة‪ .‬وهذا هو أيضا رأي العترة (آل البيت)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل مسلما والنسائي عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)274/6 :‬‬

‫( ‪)9/545‬‬

‫المطلب السابع ـ أحكام أوآثار اللعان ‪:‬‬


‫يترتب على اللعان بين الزوجين أمام القاضي الثار التالية (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬سقوط حد القذف أو التعزير عن الزوج‪ ،‬وسقوط حد الزنا عن الزوجة‪ .‬فإن لم يلعن الرجل‬
‫وجب عليه عند غيرالحنفية حد القذف إن كانت الزوجة الملعنة محصنة‪ ،‬والتعزير إن كانت غير‬
‫محصنة‪ ،‬وإن لم تلعن المرأة وجب عليها عند الشافعية والمالكية حد الزنا من جلد البكر ورجم‬
‫المحصنة (المتزوجة)‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬تحريم الوطء والستمتاع بعد التلعن من كل الزوجين‪ ،‬ولو قبل تفريق القاضي‪ ،‬لحديث‪:‬‬
‫«المتلعنان ل يجتمعان أبدا» (‪. )2‬‬
‫ً‪ - 3‬وجوب التفريق بينهما‪ :‬ل تتم الفرقة عند الحنفية إل بتفريق القاضي‪ ،‬لقول ابن عباس في قصة‬
‫هلل بن أمية‪« :‬ففرّق النبي صلّى ال عليه وسلم بينهما» (‪ )3‬وهذا يقتضي أن الفرقة لم تحصل قبله‪،‬‬
‫فلو مات أحدهما قبل التفريق ورثه الخر‪ ،‬ولو طلقها الزوج وقع طلقه‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ ،‬والحنابلة في الراجح من الروايتين عن أحمد‪ :‬تقع الفرقة باللعان دون حكم حاكم؛ لن‬
‫سبب الفرقة وهو اللعان قد وجد‪ ،‬فتقع الفرقة به من غير حاجة إلى تفريق القاضي‪ ،‬ولقول عمر‬
‫رضي ال عنه‪« :‬المتلعنان يفرق بينهما‪ ،‬ول يجتمعان أبدا» ‪.‬‬
‫وقال الشافعي رحمه ال ‪ :‬تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده‪ ،‬وإن لم تلعن المرأة؛ لنها فرقة حاصلة‬
‫بالقول‪ ،‬فتحصل بقول الزوج وحده كالطلق‪ .‬قال ابن قدامة في المغني‪ :‬ول نعلم أحدا وافق الشافعي‬
‫على هذا القول‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬هذه الفرقة طلق بائن عند أبي حنيفة ومحمد؛ لنها بتفريق القاضي كما في التفريق بسبب‬
‫العنة‪ ،‬وكل فرقة من القاضي تكون طلقا بائنا‪ ،‬لكن ل تعود المرأة إلى الزوجية إل في حالتين‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،248-244/3 :‬فتح القدير‪ 253/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 806/2 :‬ومابعدها‪ ،‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،78-77/3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 244‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ 120/2 :‬وما بعدها‪ ،‬الشرح‬
‫الصغير‪ 668/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المقدمات الممهدات‪ 637/1 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،380 ،376/3 :‬‬
‫المهذب‪ ،127/2 :‬المغني‪ ،416-410/7 :‬غاية المنتهى‪.203/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني عن ابن عباس‪ ،‬ورواه أبو داود عن سهل بن سعد (نيل الوطار‪.)271/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود ( نيل الوطار‪.) 274/6 :‬‬

‫( ‪)9/546‬‬

‫أ ـ أن يكذّب الرجل نفسه‪ ،‬ولو دللة كأن مات الولد المنفي‪ ،‬فادعى الزوج نسبه؛ لن هذا يعتبر‬
‫رجوعا عن الشهادة‪ ،‬والشهادة ل حكم لها بعد الرجوع عنها‪ ،‬ويحد حينئذ حد القذف‪ ،‬ويثبت نسب‬
‫الولد منه إن كان‪ .‬وكذلك تعود المرأة إلى الزوجية إن صدقته‪ ،‬أي المرأة‪.‬‬
‫ب ـ أن يخرج أحد الزوجين عن أهلية الشهادة؛ إذ به ينتفي سبب التفريق‪ ،‬فلو زنت المرأة أو قذفت‬
‫غيرها‪ ،‬فحدت‪ ،‬جاز لزوجها أن يتزوجها‪ ،‬لنتفاء أهلية اللعان من جانبها‪.‬‬
‫وإذا كان الطلق بائنا وجب للمرأة النفقة والسكنى في عدتها‪ ،‬ويثبت نسب ولدها إلى سنتين إن كانت‬
‫معتدة‪ ،‬وإن لم تكن معتدة فإلى ستة أشهر‪.‬‬
‫وقال الجمهور وأبو يوسف‪ :‬فرقة اللعان فسخ كفرقة الرضاع‪ ،‬وتوجب تحريما مؤبدا‪ ،‬فل يعود‬
‫المتلعنان إلى الزوجية بعدها أبدا؛ لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬المتلعنان ل يجتمعان أبدا» ‪ ،‬ولن‬
‫اللعان ليس طلقا‪ ،‬فكان فسخا كسائر ما ينفسخ به الزواج‪ ،‬ولن اللعان قد وجب وهو سبب التفريق‪،‬‬
‫وأما تكذيب الرجل نفسه أو خروج أحد المتلعنين عن أهلية الشهادة‪ ،‬فل ينفي وجود سبب التفريق‪،‬‬
‫بل هو باق‪ ،‬فيبقى حكمه‪ .‬ورأى الشافعي‪ :‬أن الفرقة تحصل بلعان الزوج‪ ،‬وإن لم تلعن الزوجة‪ .‬فإن‬
‫كان كاذبا‪ ،‬أو أكذب نفسه‪ ،‬فل يفيده ذلك عود النكاح‪ ،‬ول رفع تأبيد الحرمة؛ لنهما حق له وقد بطل‬
‫باللعان‪ ،‬فل يتمكن من عودهما‪ ،‬بخلف الحد ولحوق النسب‪،‬فإنهما يعودان لنهما حق عليه‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬انتفاء نسب الولد عن الرجل‪ ،‬وإلحاقه بأمه إذا كان اللعان لنفي النسب‪ .‬ويترتب على نفي النسب‬
‫عدم التوارث‪ ،‬وعدم إلزام النفقة‪ ،‬سواء نفقة الباء على البناء أو نفقة البناء على الباء‪.‬‬
‫وتظل بعض الحكام بالنسبة للولد‪ :‬وهي عدم جواز شهادة الولد لصله الملعن أو الصل لفرعه‪،‬‬
‫وعدم القصاص من الرجل بقتل الولد المنفي‪ ،‬وعدم صحة إلحاق نسب الولد المنفي بالغير‪ ،‬لحتمال‬
‫أن يكذب الرجل نفسه فيعود نسبه منه‪ ،‬وبقاء المحرمية‪ ،‬فل يجوز أن يزوج الرجل بنته لمن نفى نسبه‬
‫منه؛ لنه يحتمل كونه ابنا له‪.‬‬

‫( ‪)9/547‬‬
‫المطلب الثامن ـ ما يسقط اللعان بعد وجوبه وما يبطل به حكم اللعان قبل التفريق ‪:‬‬
‫أولً ـ ما يسقط اللعان بعد وجوبه‪ :‬قرر الحنفية (‪ : )1‬أن اللعان يسقط بما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬طروء عدم أهلية اللعان أو ما يمنع وجوب اللعان من أصله‪ :‬كل ما يمنع وجوب اللعان إذا طرأ‬
‫بعد وجوبه يسقط‪ ،‬مثل الجنون أو الردة‪ ،‬أو الخرس‪ ،‬أوقذف إنسان آخر فحد حد القذف‪ ،‬أو وطء‬
‫المرأة وطئا حراما كالزنا والوطء بشبهة‪ .‬ففي هذه الحالت ل يجب الحد‪ ،‬وإذا وجب سقط بهذه‬
‫العوارض لنتفاء أهلية اللعان؛ لن اللعان شهادة‪ ،‬ول بد من بقاء صفة الشهادة إلى إصدار الحكم‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬البينونة بالطلق أو الفسخ أو الموت‪ :‬إذا طلق الزوج امرأته بعد القذف‪ ،‬أو فسخ الزواج بسبب‬
‫فاسخ‪ ،‬أو مات أحد الزوجين‪ ،‬سقط اللعان والحد‪ ،‬أما سقوط اللعان فلزوال الزوجية‪ ،‬وقيام الزوجية‬
‫شرط إ جراء اللعان كما تقدم‪ ،‬وأما عدم وجوب الحد‪ ،‬فلن القذف أوجب اللعان‪ ،‬فلم يوجب الحد‪.‬‬
‫أما لو طلّق الرجل امرأته طلقا رجعيا‪ ،‬فل يسقط اللعان؛ لن الطلق الرجعي ل يبطل الزوجية‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬موت شاهد القذف أو غيبته‪ :‬يسقط اللعان بموت شاهد القذف وغيبته‪ ،‬إذ لو مات أو غاب ل‬
‫يقضى بشهادته‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬تكذيب الزوج نفسه أو تصديقها الزوج في القذف‪ :‬لو أكذب الزوج نفسه سقط اللعان‪ ،‬لتعذر‬
‫التيان به‪ ،‬إذ من المحال أن يؤمر أن يشهد بال إنه لمن الصادقين‪ ،‬وهو يقول‪ :‬إنه كاذب‪ ،‬ويجب‬
‫عليه حد القذف‪،‬لن القذف صحيح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 243/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪.809/2 :‬‬

‫( ‪)9/548‬‬

‫ولو صدقت المرأة الزوج في القذف يسقط اللعان أيضا لتعذر التيان به؛ لنها أكذبت نفسها في‬
‫النكار‪ ،‬لكن ل حد عليها؛ لن اللعان لو وجب ل يثبت الزنا عليها‪ ،‬فل تزول عفتها باللعان‪ ،‬فل تحد‬
‫حد الزنا هنا بالولى لسقوط اللعان‪.‬‬
‫وذكر الحنابلة (‪ )1‬ثلث حالت لسقوط اللعان‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬طروء عارض من عوارض الهلية‪ :‬كالجنون‪ ،‬والزنا‪ ،‬وخرس المرأة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬تصديق المرأة زوجها في القذف أو عفوها‪ ،‬أو سكوتها‪ .‬وسبب هاتين الحالتين اشتراطهم‪ :‬أن‬
‫تكذبه ويستمر التكذيب إلى انقضاء اللعان‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬موت الزوج قبل اللعان أو قبل إتمام اللعان‪ ،‬فإذا قذف الزوج امرأته ثم مات قبل لعانهما أو قبل‬
‫إتمام لعانه‪ ،‬سقط اللعان‪ ،‬ولحقه الولد‪ ،‬وورثته المرأة بالتفاق؛ لن اللعان لم يوجد فلم يثبت حكمه‪.‬‬
‫وكذلك يسقط اللعان عندهم إن مات الزوج بعد أن أكمل لعانه وقبل لعانها‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬تبين المرأة بلعان الزوج‪ ،‬وإن لم تلعن الزوجة أو كان كاذبا‪ ،‬ويسقط التوارث‪،‬‬
‫وينتفي الولد‪ ،‬ويلزم المرأة الحد إل أن تلعن‪.‬‬
‫ثانيا ـ ما يبطل به حكم اللعان بعد وجوده قبل التفريق ‪:‬‬
‫رأى الحنفية (‪ : )2‬أن كل ما يسقط اللعان بعد وجوبه‪ ،‬يبطل به حكم اللعان (أي أثره ) بعد وجوده‪،‬‬
‫قبل التفريق مثل جنون أحد الزوجين أو كليهما بعد اللعان قبل التفريق‪ ،‬أو خرسه أو خرسهما‪ ،‬أو‬
‫ردته أو ردتهما‪ ،‬أو صيرورة أحدهما محدودا في قذف‪ ،‬أو صيرورة المرأة موطوءة وطئا حراما‪،‬‬
‫وإكذاب أحدهما نفسه حتى ل يفرق الحاكم بينهما ويبقيان على زواجهما‪.‬‬
‫وذلك لن الصل عندهم أن بقاء الزوجين على حال اللعان من الهلية‪ ،‬شرط بقاء حكم اللعان؛ لن‬
‫اللعان عندهم شهادة‪ ،‬ول بد من بقاء الشاهد على صفة الشهادة إلى وقت إصدار الحكم القضائي‪ ،‬فإذا‬
‫زالت صفة الشهادة بهذه العوارض‪ ،‬فل يجوز للقاضي التفريق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غاية المنتهى‪ ،202/3 :‬كشاف القناع‪ ،451/5 :‬المغني‪.406/7 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 248/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪.812/2 :‬‬

‫( ‪)9/549‬‬

‫المبحث التاسع ـ التفريق بسبب الظهار ‪:‬‬


‫فيه خمسة مطالب‪:‬‬
‫الول ـ تعريف الظهار وحكمه الشرعي وأحواله تنجيزا وإضافة وتعليقا وتأقيتا‪.‬‬
‫الثاني ـ ركن الظهار وشروطه‪.‬‬
‫الثالث ـ أثر الظهار أو ما يحرم على المظاهر‪.‬‬
‫الرابع ـ كفارة الظهار‪.‬‬
‫الخامس ـ انتهاء حكم الظهار‪.‬‬
‫المطلب الول ـ تعريف الظهار وحكمه الشرعي وأحواله تنجيزا وإضافة وتعليقا وتأقيتا ‪:‬‬
‫الظهار شبيه باليلء في أن كلً منها يمين تمنع الوطء‪ ،‬ويرفع منعه الكفارة‪ ،‬وهو شبيه أيضا باللعان‬
‫على رأي الجمهور في أنه يمين ل شهادة‪ .‬وكان الولى ذكر الظهار عقب اليلء كما فعل فقهاؤنا‪،‬‬
‫لكني أخرته إلى ما بعد اللعان لتوقف اللعان على التفريق القضائي الذي هو عنوان الفصل‪ ،‬وأما‬
‫الظهار فيأتي التفريق فيه فقط إذا امتنع الزوج عن التكفير‪.‬‬
‫والظهار لغة‪ :‬مصدر مأخوذ من الظهر‪ ،‬مشتق من قول الرجل إذا ظاهر امرأته‪ ( :‬أنت علي كظهر‬
‫أمي )‪ ،‬وكان طلقا في الجاهلية‪ ،‬ويقال‪ :‬كانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته‪ ،‬ولم يرد أن تتزوج‬
‫بغيره‪ ،‬آلى منها أو ظاهر‪ ،‬فتبقى ل ذات زوج ول خلية عن الزواج تستطيع أن تنكح غير زوجها‬
‫الول‪ ،‬فغيّر الشارع حكمه إلى تحريم الزوجة بعد العود (العزم على الوطء) ولزوم الكفارة‪ .‬والظهار‬
‫شرعا‪ :‬هو أن يشبه الرجل زوجته بامرأة محرمة عليه على التأبيد‪ ،‬أو بجزء منها يحرم عليه النظر‬
‫إلىه كالظهر والبطن والفخذ‪ ،‬كأن يقول لها‪ :‬أنت علي كظهر أمي أو أختي‪ ،‬أو بحذف كلمة ( علي )‪.‬‬

‫( ‪)9/550‬‬

‫وتعريفات فقهاء المذاهب متقاربة‪ ،‬وهي ما يأتي‪ ،‬عرفه الحنفية بقولهم (‪ : )1‬تشبيه المسلم زوجته‪ ،‬أو‬
‫ما يعبر به عنها من أعضائها‪ ،‬أو جزءا شائعا منها‪ ،‬بمحرّمة عليه تأبيدا‪ .‬فل ظهار لذمي عندهم‪،‬‬
‫ويشمل الظهار الزوجة الكتابية والصغيرة والمجنونة‪ ،‬ويمكن تشبيه الزوجة‪ ،‬أو ما يعبر به عنها‬
‫كالرأس والرقبة‪ ،‬أو تشبيهه جزءا شائعا من الزوجة كقوله‪ :‬نصفك ونحوه‪ ،‬والمشبه به إما جملة‬
‫القريبة المحرم مثل‪ :‬أنت علي كأمي‪ ،‬أو عضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسبا أو‬
‫مصاهرة أو رضاعا كالظهر وغيره‪ .‬وإنما خص هذا اليمين باسم الظهار تغليبا للظهر؛ لنه كان‬
‫الصل في استعمالهم‪.‬‬
‫فلو شبه زوجته بمن تحرم عليه مؤقتا‪ ،‬لم يكن ظهارا‪ ،‬مثل‪ :‬أنت علي كظهر أختك أو عمتك‪ ،‬فإن‬
‫الخت والعمة تحرمان حرمة مؤقتة‪ ،‬أو قال‪ :‬كمطلقتي ثلثا‪ ،‬فإنها تحرم حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬أو‬
‫كالمجوسية لجواز إسلمها‪ ،‬وكذا لو شبهها بجزء ل يحرم النظر إليه كالوجه والرأس‪ ،‬ل يكون‬
‫ظهارا‪.‬‬
‫ولو شبهها بشيء يحرم عليه من غير النساء كالخمر والخنزير‪ ،‬لم يكن ظهارا‪ ،‬ويرجع فيه إلى نيته‪،‬‬
‫فإن قصد به طلقا‪ ،‬كان طلقا بائنا‪ ،‬وإن قصد التحريم أو لم يقصد شيئا كان إيلء‪.‬‬
‫ولو شبهها بفرج أبيه أو قريبه كان مظاهرا‪ .‬لكن لو قالت‪ :‬أنت علي كظهر أبي أو ابني‪ ،‬ل يصح؛‬
‫لن المظاهر به ليس من جنس النساء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،790/2 :‬فتح القدير‪ ،225/3 :‬اللباب‪ ،67/3 :‬البدائع‪.233/3 :‬‬
‫( ‪)9/551‬‬

‫وعرفه المالكية (‪ )1‬بقولهم‪ :‬الظهار‪ :‬تشبيه المسلم المكلف من تحل من زوجة أو أمة أو جزأها‬
‫بمحرّمة عليه أو بظهر أجنبية‪ ،‬وإن تعليقا أو مقيدا بوقت‪ .‬فل ظهار لكافر‪ ،‬ول لصبي ومجنون‬
‫ومكره‪ ،‬ويتحقق الظهار بتشبيه الزوجة‪ ،‬مثل أنت أمي‪ ،‬أو جزء منها كيدها ورجلها‪ ،‬ول ظهار في‬
‫قوله‪ :‬أنت علي كظهر زوجتي النفساء أوالمُحْرِمة بحج؛ لن التحريم لها عليه ليس أصالة‪ ،‬فالظهار‪:‬‬
‫تشبيه الزوجة بالمحرمة عليه أصالة‪ ،‬أو المحرمة عليه وقت اليمين مثل ظهر أجنبية‪ .‬وبه يتفق‬
‫الحنفية والمالكية في عدم صحة ظهار الكافر‪ ،‬ويختلفون في تشبيه الزوجة بظهر امرأة أجنبية‪ .‬فل‬
‫ينعقد عند الحنفية؛ لن التحريم مؤقت‪ ،‬وينعقد بنية الظهار عند المالكية‪ ،‬لن التحريم الحالي أصيل‪.‬‬
‫والظهار المعلق بشرط عندهم مثل‪ :‬إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي‪ ،‬وإن تزوجتك فأنت علي‬
‫كظهر أمي‪ .‬أما إن علقه بأمر محقق نحو‪ :‬إن جاء رمضان فأنت علي كظهر أمي أو فلنة الجنبية‪،‬‬
‫أو إن طلعت الشمس في غد فأنت علي كظهر أمي‪ ،‬تنجز من الن‪ ،‬ومنع منها حتى يكفّر‪.‬‬
‫وإن قيد الظهار بوقت‪ ،‬مثل‪ :‬أنت علي كظهر أمي في هذا اليوم أوالشهر‪ ،‬انعقد مؤبدا‪ ،‬ول ينحل إل‬
‫بالكفارة‪.‬‬
‫وعرفه الشافعية (‪ )2‬بأنه‪ :‬تشبيه الزوجة غير البائن بأنثى لم تكن حللً على التأبيد‪ .‬فل يصح من‬
‫صبي ومجنون ومغمى عليه ول من مكره‪ ،‬ويصح من ذمي لعموم آية الظهار‪ ،‬ول يصح تشبيه‬
‫الزوجة بغير محرّمة على التأبيد‪ ،‬ولو شبهها بأجنبية ومطلقة‪ ،‬وأخت زوجة‪ ،‬وأب للمظاهر‪ ،‬وملعنة‬
‫له ومجوسية ومرتدة‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 634/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المقدمات الممهدات‪.599/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.354-352/3 :‬‬

‫( ‪)9/552‬‬

‫فكلمه لغو؛ لن الثلثة الولى ل يشبهن الم في التحريم المؤبد‪ ،‬ولن الب أو غيره من الرجال‬
‫كالبن والغلم ليس محلً للستمتاع‪ ،‬وأما الملعنة أو المجوسية أو المرتدة وإن كان تحريمها مؤبدا‪،‬‬
‫فليس التحريم بسبب القرابة المحرمية‪ ،‬فهم كالحنفية في التشبيه بالمحرمة تأبيدا‪ .‬والظهر أن قوله‪:‬‬
‫كيدها أو بطنها أو صدرها ظهار‪ ،‬وكذا كعينها إن قصد ظهارا‪ ،‬وإن قصد كرامة فل يعد ظهارا‪،‬‬
‫وكذلك قوله‪ :‬رأسك أو ظهرك أو يد ك علي كظهر أمي‪ :‬ظهار في الظهر‪ .‬ومثله الرجل أو الجلد أو‬
‫البدن أو الشعر ونحو ذلك‪.‬‬
‫وعرفه الحنابلة (‪ )1‬بقولهم‪ :‬أن يشبه الزوج امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد‪،‬‬
‫كأمه وأخته من نسب أو رضاع‪ ،‬أو حماته‪ ،‬أو يشبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأ‬
‫ته وعمتها وخالتها‪ ،‬أو يشبهها برجل كأبيه أو زيد‪ ،‬أو بعضو منه كظهره أو رأسه‪ ،‬ولو بغير عربية‪،‬‬
‫أو اعتقد الحل‪ ،‬أي حل المشبه بها من أم وأخت كمجوسي قال لزوجته‪ :‬أنت علي كظهر أختي‪ ،‬وهو‬
‫يعتقد حل أخته‪ ،‬فل أثر لعتقاده ذلك‪ ،‬ويكون مظاهر‪.‬‬
‫فهم كالشافعية يجيزون ظهار الكافر‪ ،‬ولكن يخالفونهم في جواز تشبيه الزوجة بالمحرمة تحريما مؤقتا‪،‬‬
‫أو بمن ل يحل الستمتاع به‪ ،‬وأجازوا كالمالكية الظهار من الجنبية‪.‬‬
‫حكمه الشرعي‪ :‬الظهار محرّم (‪ ، )2‬لقول ال تعالى‪{ :‬وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}‬
‫[المجادلة‪ ]2/58:‬ومعناه أن الزوجة ليست كالم في التحريم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ما هن أمهاتهم} [المجادلة‪:‬‬
‫‪ ]2/58‬وقال تعالى‪{ :‬وما جعل أزواجكم اللئي تظاهرون منهن أمهاتكم} [الحزاب‪.]4/33:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪ ،425/5 :‬غاية المنتهى‪.190/3 :‬‬
‫(‪ )2‬المقدمات الممهدات‪ ،600/1 :‬المهذب‪ 111/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،337/7 :‬البدائع‪.229/3 :‬‬

‫( ‪)9/553‬‬

‫أحوال الظهار في العادة‪ :‬يصح الظهار بالتفاق منجزا‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪ ،‬ويكون الظهار‬
‫عند أكثر الفقهاء من الزوج ل من الزوجة (‪ ، )1‬فلو ظاهرت المرأة من زوجها كان ظهارها عند‬
‫الحنفية لغوا‪ ،‬فل حرمة عليها ول كفارة‪ .‬وكذلك قال بقية المذاهب‪ :‬ليس ذلك بظهار‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{والذين يظاهرون منكم من نسائهم} [المجادلة‪ ]2/58:‬فخص الزواج بالظهار‪ ،‬ولنه قول يوجب‬
‫تحريما على الزوجة يملك الزوج رفعه‪ ،‬فاختص به الرجل كالطلق‪ ،‬ولن حل الستمتاع بالمرأة حق‬
‫للرجل‪ ،‬فلم تملك المرأة إزالته كسائر حقوقه‪.‬‬
‫لكن أوجب عليها المام أحمد في رواية راجحة عنه كفارة الظهار؛ لنها قد أتت بالمنكر من القول‬
‫والزور‪ ،‬وفي رواية عنه‪ :‬عليها كفارة اليمين‪ ،‬قال ابن قدامة‪ :‬وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه‬
‫بأصوله؛ لنه ليس بظهار‪ ،‬ومجرد القول من المنكر والزور ل يوجب كفارة الظهار بدليل سائر‬
‫الكذب‪ .‬وفي رواية ثالثة‪ :‬ليس عليها كفارة‪ ،‬وهو قول بقية الئمة‪ ،‬لنه قول منكر وزور‪ ،‬وليس‬
‫بظهار‪ ،‬فلم يوجب كفارة كالسب والقذف‪.‬‬
‫الظهار المعلق‪ :‬أجاز الحنفية (‪ )2‬إضافة الظهار إلى ملك أو سبب الملك‪ ،‬مثال الول‪ :‬أن يقول‬
‫لجنبية‪ :‬إن صرت زوجة لي فأنت علي كظهر أمي‪.‬‬
‫ومثال الثاني‪ :‬إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي‪ ،‬وأجازوا إضافته إلى وقت مثل‪ :‬أنت علي كظهر‬
‫أمي في رأس شهر كذا‪ ،‬لقيام الملك‪ ،‬وتعليقه أثناء الزواج مثل‪ :‬إن دخلت الدار أو إن كلمت فلنا‪،‬‬
‫فأنت علي كظهر أمي لوجود الملك وقت اليمين‪ .‬لكن تعليق الظهار بمشيئة ال تبطله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،791/2 :‬المغني‪ 384/7 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪.108/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،791/2 :‬البدائع‪.232/3 :‬‬

‫( ‪)9/554‬‬

‫وكذلك أجاز الحنابلة (‪ )1‬تعليق الظهار على الزواج أو الظهار من الجنبية‪ ،‬سواء قال ذلك لمرأة‬
‫بعينها أو قال‪ :‬كل النساء علي كظهر أمي‪ ،‬وسواء أوقعه مطلقا أم علقه على التزويج‪ ،‬فقال‪ :‬كل امرأة‬
‫أتزوجها‪ ،‬فهي علي كظهر أمي‪ ،‬ومتى تزوج التي ظاهر منها‪ ،‬لم يطأها حتى يكفّر‪ .‬وأجازوا أيضا‬
‫تعليق الظهار بشرط‪ ،‬مثل إن دخلت الدار ‪ ،‬فأنت علي كظهر أمي‪ ،‬أو إن شاء زيدّ فأنت علي كظهر‬
‫أمي‪ ،‬فمتى دخلت الدار أو متى شاء زيد‪ ،‬صار مظاهرا‪ ،‬وإل فل‪.‬‬
‫ودليلهم ما روى المام أحمد عن عمر بن الخطاب‪ :‬أنه قال في رجل قال‪ :‬إن تزوجت فلنة‪ ،‬فهي‬
‫علي كظهر أمي‪ ،‬فتزوجها‪ ،‬قال‪« :‬عليه كفارة الظهار» ولنها يمين مكفرة‪ ،‬فصح انعقادها قبل النكاح‪،‬‬
‫كاليمين بال تعالى‪.‬‬
‫وقد بان سابقا أن المالكية (‪ )2‬أجازوا تعليق الظهار‪ ،‬نحو‪ :‬إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي‪،‬‬
‫وإن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي‪ ،‬أو قال‪ :‬كل امرأة أتزوجها فهي مني كظهر أمي‪.‬‬
‫وأجاز الشافعية (‪ )3‬أيضا تعليق الظهار بشرط وبمشيئة زيد مثلً؛ لنه يتعلق به التحريم كالطلق‬
‫والكفارة‪ ،‬وكل منهما يجوز تعليقه‪ .‬وتعليق الظهار مثل‪ :‬إذا جاء زيد‪ ،‬أو إذا طلعت الشمس فأنت علي‬
‫كظهر أمي‪ .‬فإذا وجد الشرط صار مظاهرا لوجود المعلق عليه‪ .‬ومن أمثلته أن يقول‪« :‬إن ظاهرت‬
‫من زوجتي الخرى‪ ،‬فأنت علي كظهر أمي» وهما في عصمته‪ ،‬فظاهر من الخرى‪ ،‬صار مظاهرا‬
‫منهما‪ ،‬عملً بموجب التنجيز والتعليق‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬اتفق فقهاء المذاهب الربعة على جواز تعليق الظهار على شرط‪ ،‬وقرر الجمهور غير‬
‫الشافعية أنه يجوز تعليق الظهار على التزوج بامرأة معينة‪ ،‬وكذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة‪ :‬لو‬
‫قال‪« :‬كل النساء علي كظهر أمي» لنه عقد على شرط الملك‪ ،‬فأشبه ذا ملك‪ ،‬والمؤمنون عند‬
‫شروطهم‪ .‬ول يجوز عند الشافعية تعليق الظهار على ملك الزواج‪ ،‬لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه‬
‫عن جده فيما يرويه أبو داود والترمذي‪« :‬ل طلق إل فيما يملك‪ ،‬ول عتق إل فيما يملك‪ ،‬ول بيع إل‬
‫فيما يملك‪ ،‬ول وفاء بنذر إل فيما يملك» والظهار شبيه بالطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.354 ،350/7 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،635/2 :‬بداية المجتهد‪.107/2 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪. 354/3 :‬‬

‫( ‪)9/555‬‬

‫الظهار المؤقت‪ :‬ذكر فقهاء المذاهب الربعة (‪ : )1‬أنه يصح الظهار مؤقتا‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬أنت علي‬
‫كظهر أمي شهرا أو يوما‪ ،‬أو حتى ينسلخ شهر رمضان‪ ،‬لكن يصح مؤبدا عند المالكية وفي قول عند‬
‫الشافعية‪ ،‬فل ينحل إل بالكفارة‪ ،‬أي فيسقط التأقيت ويكون ظهارا؛ لن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة‪،‬‬
‫فإذا وقّته لم يتوقت كالطلق‪ .‬وقال الحنفية والشافعية والحنابلة‪ :‬إذا مضى الوقت‪ ،‬زال الظهار‪ ،‬وحلت‬
‫المرأة بل كفارة‪ ،‬فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة‪ ،‬لحديث سَلَمة ابن صَخْر‪ ،‬وقوله‪« :‬تظاهرت من‬
‫امرأتي حتى ينسلخ شهر ر مضان‪ ،‬وأخبر النبي صلّى ال عليه وسلم أنه أصابها في الشهر‪ ،‬فأمره‬
‫بالكفارة» (‪ )2‬ولنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة‪ ،‬فصح مؤقتا باليلء‪ .‬ويختلف الظهار عن‬
‫الطلق في أن الظهار يزيل الملك‪ ،‬ويوقع تحريما يرفعه التكفير‪ ،‬فجاز تأقيته‪.‬‬
‫وعبارة الحنفية‪ :‬لو قيد الظهار بوقت سقط بمضيه‪ ،‬لكن لو أراد قربانها داخل الوقت ليجوز بل‬
‫كفارة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،793/2 :‬البدائع‪ ،235/3 :‬الشرح الصغير‪ ،636/2 :‬المهذب‪،114-113/2 :‬‬
‫المغني‪ ،349/7 :‬مغني المحتاج‪.357/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬عن سلمة بن صخر (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)258/6‬‬

‫( ‪)9/556‬‬
‫المطلب الثاني ـ ركن الظهر وشروطه ‪:‬‬
‫ركن الظهار عند الحنفية (‪ : )1‬هو اللفظ الدال على الظهار‪ ،‬والصل فيه قول الرجل لمرأته‪ :‬أنت‬
‫علي كظهر أمي‪ ،‬ويلحق به قوله‪ :‬أنت علي كبطن أمي‪ ،‬أو فخذ أمي‪ ،‬أو فرج أمي‪.‬‬
‫وقال الجمهور غير الحنفية (‪ : )2‬للظهار أركان أربعة‪ :‬وهي المظاهر‪ ،‬والمظاهر منها‪ ،‬واللفظ أو‬
‫الصيغة‪ ،‬والمشبه به‪.‬‬
‫والمظاهر‪ :‬هو الزوج‪.‬‬
‫والمظاهر منه‪ :‬هو الزوجة‪ ،‬مسلمة كانت أو كتابية‪.‬‬
‫واللفظ أو الصيغة‪ :‬ما يصدر عن الزوج من ألفاظ صريحة أو كناية‪ .‬والصريح‪ :‬ما تضمن ذكر‬
‫الظهر‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪ ،‬والكناية‪ :‬ما لم تتضمن ذكر الظهر‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت علي كأمي أو‬
‫كفخذها أو بعض أعضائها‪ ،‬ويصدق في الكناية ديانة أنه أراد به الطلق‪ ،‬دون الصريح‪ .‬وينوي في‬
‫الكناية ما يريد‪.‬‬
‫والمشبه به‪ :‬هو من حرم وطؤه وهو الم ويلحق بها كل محرمة على التأبيد بنسب أو رضاع أو‬
‫مصاهرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ )2( .229/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،242‬الشرح الكبير‪ ،440/2 :‬المقدمات الممهدات‪:‬‬
‫‪ 599/1‬وما بعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،637/2 :‬مغني المحتاج‪ .352/3 :‬المغني‪ 338/7 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/557‬‬

‫شروط المظاهر‪ :‬المظاهر عند الحنفية والمالكية‪ :‬هو كل زوج مسلم عاقل بالغ‪ ،‬فل يلزم ظهار‬
‫الذمي‪.‬‬
‫وعند الشافعية والحنابلة‪ :‬هو كل زوج صح طلقه‪ ،‬وهو البالغ العاقل سواء أكان مسلما أم كافرا‪ ،‬حرا‬
‫أم عبدا‪.‬‬
‫وظهار السكران صحيح كطلقه بالتفاق‪ .‬ول يصح ظهار المكره عند الجمهور غير الحنفية‪ .‬وبه‬
‫تكون شروط المظاهر (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون عاقلً‪ :‬فل يصح ظهار المجنون والصبي غير المميز‪ ،‬والمعتوه والمدهوش والمغمى‬
‫عليه والنائم‪ ،‬كما ل يصح طلقهم؛ لنه يترتب عليه التحريم‪ ،‬وهؤلء ليسوا أهلً لخطاب التحريم‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون بالغا‪ :‬فل يصح ظهار الصبي وإن كان عاقلً مميزا؛ لن الظهار من التصرفات‬
‫الضارة المحضة‪ ،‬فل يملكه الصبي‪ ،‬كما ل يملك الطلق وغيره مما يضر بمصلحته‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون مسلما في رأي الحنفية والمالكية‪ :‬فل يصح ظهار الذمي عندهم؛ لن حكم الظهار‬
‫ل للكفارة التي هي قربة إلى ال تعالى‪ ،‬فل يكون من‬
‫تحريم مؤقت يزول بالكفارة‪ ،‬والكافر ليس أه ً‬
‫أهل الظهار‪.‬‬
‫ول يشترط كونه مسلما في رأي الشافعية والحنابلة‪ ،‬لعموم آية الظهار‪{ :‬والذين يظاهرون من نسائهم}‬
‫[المجادلة‪ ]3/58:‬من غير تفريق بين مسلم وكافر‪ ،‬ولن الكافر مخاطب بفروع الشريعة‪ ،‬وأّهل للكفارة‬
‫بغير الصوم من إطعام وإعتاق رقبة‪ ،‬ولنه أهل للطلق‪ ،‬فيكون أهلً للظهار‪ ،‬فإن كان المظاهر‬
‫كافرا‪ ،‬كفر بالعتق أو الطعام؛ لنه يصح منه ما ذكر في غير الكفارة‪ ،‬فصح منه في الكفارة‪ ،‬ول يكفر‬
‫بالصوم‪ ،‬لعدم صحته منه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يشترط عند الفريق الول شرطان في المظاهر وهما السلم والتكليف‪ ،‬وشرط واحد عند‬
‫الفريق الثاني وهو التكليف‪.‬‬
‫وأما الختيار أو الطواعية فهو شرط عند الجمهور غير الحنفية‪ ،‬ويدخل عندهم شرط التكليف‪ ،‬فل‬
‫يصح ظهار المكره‪ ،‬وليس شرطا عند الحنفية‪ ،‬فيصح ظهار المكره والمخطئ‪ ،‬كما يصح طلقهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 230/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،242‬الشرح الصغير‪ ،637/2 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ 352/3‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 338/7 :‬وما بعدها‪ ،382 ،‬كشاف القناع‪ ،429/5 :‬المهذب‪.118/2 :‬‬

‫( ‪)9/558‬‬

‫شروط المظاهر منها‪ :‬المظاهر منها‪ :‬هي امرأة المظاهر‪ ،‬مسلمة أو كتابية‪ ،‬كبيرة أو صغيرة‪،‬‬
‫وشروطها ما يلي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن تكون زوجته‪ :‬وهي أن تكون مملوكة له بملك النكاح‪ ،‬فل يصح الظهار من الجنبية‪ ،‬لعدم‬
‫الملك‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬من نسائهم} [المجادلة‪.]3/58:‬‬
‫لكن يصح الظهار عند الجمهور غير الشافعية معلقا بالملك‪ ،‬كأن يقول لمرأة‪ :‬إن تزوجتك فأنت علي‬
‫كظهر أمي‪ ،‬أو يقول‪ :‬كل امرأة أتزوجها‪ ،‬فهي علي كظهر أمي‪.‬‬
‫ظهار المرأة‪ :‬لم يجز أكثر العلماء ظهار المرأة من الرجل تشبيها للظهار بالطلق‪ ،‬ويكون لغوا ل‬
‫كفارة فيه‪ ،‬ولكن أوجب عليها المام أحمد في رواية راجحة عنه كفارة الظهار؛ لنها أتت بالمنكر من‬
‫القول والزور‪ ،‬وفي رواية‪ :‬كفارة اليمين‪ ،‬وهذا أقيس على مذهبه‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫الظهار من الجماعة‪ :‬لو قال الزوج بلفظ واحد لربع من نسائه‪ ( :‬أنتن علي كظهر أمي) كان مظاهرا‬
‫من جماعتهن‪ ،‬وعليه عند الحنفية والشافعية في الجديد لكل امرأة كفارة؛ لنه وجد الظهار والعود‬
‫(العزم على الوطء) في حق كل امرأة منهن‪ ،‬فوجب عليه عن كل واحدة كفارة‪ ،‬كما لو أفردها به‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة‪ :‬ليس عليه إل كفارة واحدة‪ ،‬عملً بقول عمر وعلي رضي ال عنهما‪ ،‬ولن‬
‫الظهاركلمة تجب بمخالفتها الكفارة‪ ،‬فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بال تعالى‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬قيام ملك النكاح من كل وجه‪ :‬فيصح الظهار من الزوجة ولو كانت في أثناء العدة من طلق‬
‫رجعي‪ ،‬ول يصح الظهار من المطلقة ثلثا‪ ،‬ول المبانة ول المختلعة وإن كانت في العدة‪ ،‬بخلف‬
‫الطلق؛ لن المختلعة والمبانة يلحقها عند الحنفية صريح الطلق؛ لن الظهار تحريم‪ ،‬وقد ثبتت‬
‫الحرمة بالبانة والخلع‪ ،‬وتحريم المحرّم محال‪ ،‬ولنه ل يفيد إل ما أفاده سابقه‪ ،‬فيكون عبثا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،234-232/3 :‬فتح القدير‪ ،232/3 :‬اللباب‪ ،69/3 :‬الدر المختار‪ ،795 ،791/2 :‬بداية‬
‫المجتهد‪ 107/2 :‬وما بعدها‪ ،112 ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،242‬الشرح الصغير‪ ،637/2 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ 113/2‬وما بعدها‪ ،‬مغنى المحتاج‪ ،358 ،354/3 :‬المغني‪.384 ،357 ،354 ،339/7 :‬‬

‫( ‪)9/559‬‬

‫ً‪ - 3‬أن يكون الظهار عند الحنفية مضافا إلى بدن الزوجة‪ ،‬أو عضو منها يعبر به عن جميع البدن‪،‬‬
‫أو جزء شائع منها‪ ،‬فلو أضافه إليها مثل‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪ ،‬أو إلى عضو يعبر به عن الجميع‬
‫مثل‪ :‬رأسك أو وجهك أو رقبتك أو فرجك علي كظهر أمي‪ ،‬أو إلى جزء شائع مثل‪ :‬ثلثك أو ربعك أو‬
‫نصفك ونحو ذلك كظهر أمي‪ ،‬كان مظاهرا‪.‬‬
‫أما لو قال‪ :‬يدك أو رجلك أو أصبعك‪ ،‬ل يصير مظاهرا عندهم‪ .‬ويصير مظاهرا عند بقية المذاهب؛‬
‫لنه عضو يحرم التلذذ به‪ ،‬فكان كالظهر‪.‬‬
‫شروط المشبه به‪ :‬المشبه به‪ :‬هي الم‪ ،‬ويلحق به كل محرمة على التأبيد بنسب أو رضاع أو‬
‫مصاهرة‪ .‬وقد اختلفت الراء الفقهية سعة وضيقا في تحديد المشبه به‪ .‬فقال الحنفية (‪ : )1‬يشترط في‬
‫المظاهر به أو المشبه به ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون امرأة يحرم نكاحها عليه على التأبيد‪ ،‬سواء أكان التحريم بالنسب كالم والبنت والخت‬
‫والعمة والخالة‪ ،‬أم بالرضاع‪ ،‬أم بالمصاهرة كامرأة أبيه‪ ،‬أو زوجة ابنه‪ ،‬وأم امرأته (حماته)‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون عضوا ل يحل له النظر إليه‪ ،‬كالظهر والبطن والفخذ والفرج‪ ،‬فلو شبهها برأس أمه أو‬
‫بوجهها أو يدها أو رِجْلها‪ ،‬ل يصير مظاهرا؛ لن هذه العضاء من أمه يحل له النظر إليها‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون من جنس النساء‪ :‬فلو قال الزوج لمرأته‪ :‬أنت علي كظهر أبي أو ابني‪ ،‬ل يصح؛ لن‬
‫الشرع إنما ورد فيما إذا كان المظاهر به امرأة‪ .‬وعليه‪ ،‬ل يصح الظهار إذا شبه الرجل امرأته بامرأة‬
‫محرمة عليه في الحال‪ ،‬وتحل له في حال أخرى‪ ،‬كأخت امرأته أو امرأة لها زوج‪ ،‬أو مجوسية‪ ،‬أو‬
‫مرتدة؛ لنها غير محرمة عليه أو على التأبيد‪.‬‬
‫وذهب المالكية (‪ )2‬إلى أن المشبه به‪ :‬هو من حرم وطؤه أصالة من آدمي (ذكر أو أنثى) أو غيره‬
‫أي كالبهيمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.234-233/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدسوقي مع الشرح الكبير‪ 439/2 :‬وما بعدها‪ ،‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪،637/2 :‬‬
‫بداية المجتهد‪ ،104/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.244‬‬

‫( ‪)9/560‬‬

‫فيصح الظهار بتشبيه الزوجة أو جزئها ولو حكما كالشعر والريق بالم‪ ،‬وما يلحق بها من كل محرم‬
‫على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة‪ .‬وخرج بقوله (أصالة) من يحرم وطؤها لعارض كالحيض‬
‫أو النفاس‪ ،‬فل ينعقد الظهار بقوله لحدى زوجتيه‪( :‬أنت علي كظهر زوجتي النفساء أو الحائض أو‬
‫ال ُمحْرِمة بحج أوالمطلقة طلقا رجعيا )‪.‬‬
‫ويصح الظهار أيضا بتشبيه الزوجة أيضا بتشبيه الزوجة بجزء المحرّمة على التأبيد‪ ،‬مثل‪ :‬أنت علي‬
‫كيد أمي أو يد خالتي‪.‬‬
‫وكذا يصح الظهار عندهم إذا شبه زوجته بأجنبية ل تحرم عليه على التأبيد‪.‬‬
‫ورأى الشافعية (‪ )1‬أن المشبه به فقط‪ :‬كل من حرم وطؤه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة‬
‫إل مرضعة المظاهر وزوجة البن؛ لنهما كانتا حللً له في وقت‪،‬فيحتمل إرادته‪.‬‬
‫وأوسع المذاهب في صحة الظهار بالمشبه به هم الحنابلة (‪ ، )2‬فإنه يشمل ما يأتي من الصناف‪،‬‬
‫سواء أكان التشبيه بكل المشبه به أم بعضو منه كاليد والوجه والذن‪.‬‬
‫ً‪ - 1‬كل محرّم من النساء على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة‪ ،‬كالمهات والجدات والعمات‬
‫والخالت والخوات‪ ،‬وهذا متفق عليه‪ ،‬والمهات المرضعات والخوات من الرضاعة‪ ،‬وحلئل‬
‫البناء والباء وأمهات النساء‪ ،‬والربائب اللتي دخل بأمهن‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬كل محرّم من النساء تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها‪ ،‬أو الجنبية‪ ،‬لنه شبه زوجته‬
‫بمحرمة‪ ،‬فأشبه ما لو شبهها بالم‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬كل محرّم من الرجال‪ ،‬أو البهائم‪ ،‬أو الموات ونحوهم‪ ،‬فيصح الظهار لو شبه زوجته بظهر‬
‫أبيه‪ ،‬أو بظهر غيره من الرجال‪ ،‬أو قال‪ :‬أنت علي كظهر البهيمة‪ ،‬أو أنت علي كالميتة والدم‪ ،‬عملً‬
‫بما روي عن جابر بن زيد‪.‬‬
‫وخالفهم فيما ذكر أكثر العلماء‪ ،‬فل يكون التشبيه بمن ذكر ظهارا؛ لنه تشبيه بما ليس بمحل‬
‫للستمتاع‪ ،‬كما لو قال‪ :‬أنتِ علي مثل مال زيد‪.‬‬
‫هذا ويكره أن يدعو الزوج زوجته بذي رحم‪ ،‬مثل يا أخت أو يا أم ونحوهما‪ ،‬لنهي النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم عنه فيما رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.354-353 3/ :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 340/7 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،428-425/5 :‬غاية المنتهى‪ 190/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/561‬‬

‫شروط الصيغة‪ :‬الصيغة التي ينعقد الظهار بها إما لفظ صريح ل يحتاج إلى نية‪ ،‬أو كناية يحتاج إلى‬
‫نية‪ .‬واختلف الفقهاء في بيان اللفاظ الصريحة والكناية‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬الصريح‪ :‬هو ما كان بلفظ ل يحتمل معنى آخر غير الظهار‪ ،‬بأن يقول الرجل‬
‫لزوجته‪ ( ،‬أنت علي كظهر أمي ) أو ( بطنك أو فخذك أو فرجك‪...‬إلخ ) أو ( نصفك ونحوه من‬
‫الجزء الشائع كظهر أمي ) يكون مظاهرا ولو بل نية‪ ،‬لنه صريح‪ .‬ومثله‪ ( :‬أنت علي حرام كظهر‬
‫أمي ) ثبت الظهار ل غير لنه صريح‪.‬‬
‫والكناية‪ :‬ما كان بلفظ يحتمل الظهار وغيره‪ ،‬ويكون ظهارا بالنية‪ ،‬مثل (أنت علي مثل أمي) يرجع‬
‫إلى نيته‪ ،‬فإن قال‪ :‬أردت الكرامة‪ ،‬فهو كما قال‪ ،‬وإن قال‪ :‬أردت الظهار‪ ،‬فهو ظهار‪ ،‬وإن قال‪ :‬أردت‬
‫الطلق‪ ،‬فهو طلق بائن‪ ،‬وإن لم يكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬لحتمال إرادة‬
‫الكرامة‪.‬‬
‫ومثل‪( :‬أنت علي حرام كأمي) يعتبر ما نواه من ظهر أو طلق‪ .‬ول يقبل منه إرادة الكرامة‪ ،‬لوجود‬
‫لفظ التحريم‪ ،‬وإن لم ينو شيئا ثبت الدنى وهو الظهار في الصح‪ ،‬لعدم إزالته ملك النكاح وإن طال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،231-228/3 :‬البدائع‪ ،232-231/3 :‬الدر المختار‪ ،794-792/2 :‬اللباب‪68/3 :‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/562‬‬

‫وصريح الظهار عند المالكية (‪ : )1‬هو ما تضمن ذكر الظهر في مؤبد التحريم‪ ،‬أو هو اللفظ الدال‬
‫على الظهار بالوضع الشرعي بل احتمال غيره بلفظ (ظهر) امرأة مؤبدة التحريم بنسب أو رضاع أو‬
‫مصاهرة‪ ،‬فل بد في الصريح من المرين‪ِ :‬ذكْر الظهر‪ ،‬و ِذكْر مؤبدة التحريم‪ ،‬مثل‪ ( :‬أنت علي‬
‫كظهر أمي أو أختي من الرضاع‪ ،‬أو كظهر أمك ) ‪.‬‬
‫ول ينصرف صريح الظهار للطلق إن نواه به؛ لن صريح كل نوع ل ينصرف لغيره‪ ،‬ول يعتبر‬
‫منه الطلق إن نوى بالظهار طلقا‪ ،‬ل في الفتوى ول القضاء على المشهور من المذهب‪.‬‬
‫والكناية عندهم‪ :‬هي ما سقط منه أحد اللفظين‪ :‬لفظ الظهر‪ :‬ولفظ مؤبد التحريم‪ ،‬مثال الول‪ ( :‬أنت‬
‫كأمي ) أو ( أنت أمي ) بحذف أداة التشبيه‪ ،‬ومثال الثاني‪ ( :‬أنت كظهر رجل‪ :‬خالد أو بكر أو كظهر‬
‫أبي أو ابني‪ ،‬أو أجنبية (‪ )2‬يحل وطؤها في المستقبل بزواج ) مثل‪ :‬أنت علي كظهر فلنة‪ ،‬وليست‬
‫محرما ول زوجة له‪.‬‬
‫ومن الكناية‪ :‬أن يعبر بجزء من الزوجة أو من المشبه به‪ ،‬مثل‪ :‬يدك أو رأسك أو شعرك كأمي‪ ،‬أو‬
‫كيد أمي أو رأسها أو شعرها‪ .‬وينوي الظهار في النوعين‪.‬‬
‫فإن نوى الظهار في نوعي الكناية الظاهرة‪ ،‬وهما إسقاط لفظ الظهر‪ ،‬أو إسقاط مؤبدة التحريم‪ ،‬انعقد‬
‫ظهارا‪ .‬وإن نوى الطلق وقع به البينونة الكبرى‪ :‬وهي الطلق الثلث‪ ،‬سواء في الزوجة المدخول‬
‫بها وغيرها‪ ،‬لكن إن نوى القل من الثلث في غير المدخول بها‪ ،‬لزمه فيها ما نواه‪ ،‬بخلف المدخول‬
‫بها‪ ،‬فإنه يلزمه فيها البينونة الكبرى‪ ،‬ول يقبل منه نية القل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،242‬الشرح الصغير‪ ،640-637/2 :‬الشرح الكبير‪ ،442/2 :‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،104/2 :‬المقدمات الممهدات‪.599/1 :‬‬
‫(‪ )2‬المراد بالجنبية‪ :‬غير القريبة المحرم‪ ،‬وغير الزوجة‪.‬‬

‫( ‪)9/563‬‬
‫ومذهب الشافعية (‪ : )1‬أن الصريح‪ :‬ما تضمن ذكر الظهر أو عضو ل يذكر في معرض التكريم‪،‬‬
‫كأن يقول الرجل لزوجته‪ ( :‬أنت علي أو مني أو معي أو عندي كظهر أمي ) وكذا إن قال‪ ( :‬أنت‬
‫كظهر أمي ) بحذف الصلة أي (علي) ونحوه‪ ،‬يكون صريحا على الصحيح‪ ،‬ومن الصريح قوله‪:‬‬
‫(جسمك أو بدنك أو نفسك كبدن أمي أو جسمها أو جملتها) لتضمنه الظهر‪ .‬ومنه‪ ( :‬أنت علي كيد‬
‫أمي أو بطنها أو صدرها‪ ،‬ونحوها ) من العضاء التي ل تذكر في معرض الكرامة والعزاز مما‬
‫سوى الظهر؛ لنه عضو يحرم التلذذ به‪ ،‬فكان كالظهر‪.‬‬
‫ومن الصريح‪ :‬ذكر جزء شائع مثل نصفك أو ربعك‪ ،‬ومنه ذكر أحد العضاء مثل‪ :‬رأسك أو ظهرك‬
‫أو يدك أو رجلك‪ ،‬أو بدنك أو جلدك أو شعرك أو نحو ذلك‪.‬‬
‫والكناية‪ :‬أن يذكر عضوا يحتمل الكرامة‪ ،‬مثل أنت علي كعين أو رأس أمي ونحوه‪ .‬أو أنت كأمي أو‬
‫روحها أو وجهها‪ ،‬فإن قصد ظهارا‪ ،‬أي نوى أنها كظهر أمه في التحريم فهو ظهار‪ ،‬وإن قصد كرامة‬
‫ولم يقصد شيئا‪ ،‬فل يكون ظهارا؛ لن هذه اللفاظ تستعمل في الكرامة والعزاز‪.‬‬
‫ول يكون الظهار بلفظ الطلق‪ ،‬ول الطلق بلفظ الظهار‪ ،‬فإن قال الرجل لمرأته‪ ( :‬أنت طالق )‬
‫ونوى به الظهار‪ ،‬لم يكن ظهارا‪ .‬وإن قال‪ :‬أنت علي كظهر أمي» ونوى به الطلق‪ ،‬لم يكن طلقا؛‬
‫لن كل واحد منهما صريح في موجبه في الزوجية‪ ،‬فل ينصرف عن موجبه بالنية‪ ،‬كما تقدم عند‬
‫المالكية‪.‬‬
‫ولو قال‪ ( :‬أنت طالق كظهر أمي ) ولم ينو شيئا‪ ،‬وقع الطلق‪ ،‬بقوله‪( :‬أنت طالق) ويلغى قوله‪:‬‬
‫(كظهر أمي)‪.‬‬
‫وإن قال‪( :‬أنت علي حرام كظهر أمي) ولم ينو شيئا‪ ،‬فهو ظهار؛ لنه أتى بصريحه‪ ،‬وأكده بلفظ‬
‫التحريم‪ .‬فإن نوى به الطلق كان طلقا في الصحيح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،353/3 :‬المهذب‪.112/2 :‬‬

‫( ‪)9/564‬‬

‫والصريح عند الحنابلة (‪ : )1‬ما تضمن ذكر الظهر أو الحرمة‪ ،‬فإذا قال الزوج لزوجته‪ :‬أنت علي‬
‫كظهر أمي أو كظهر امرأة أجنبية‪ ،‬أو أنت علي حرام‪ ،‬أو حرم عضوا من أعضائها‪ ،‬كان مظاهرا‪.‬‬
‫فإن شبّه زوجته بمن تحرم عليه على التأبيد‪ ،‬فقال‪ :‬أنت علي كظهر أمي أو أختي أوغيرهما‪ ،‬فهذا‬
‫ظهار إجماعا‪.‬‬
‫وكذا إن شبهها بمن تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته‪ ،‬كان ظهارا في المذاهب‬
‫الربعة وأكثر العلماء‪.‬‬
‫أو شبهها بالقارب المحرمات من جهة الرضاع أو من جهة المصاهرة كالمهات المرضعات وحلئل‬
‫الباء والبناء‪ ،‬كان ظهارا في رأي الكثرين‪.‬‬
‫وأما الكناية عند الحنابلة فهو استعمال ألفاظ الكرامة والتوقير‪ ،‬كما قال الشافعية‪ ،‬فإن قال‪ :‬أنت علي‬
‫كأمي أو مثل أمي‪ ،‬فإن نوى به الظهار فهو ظهار‪ ،‬وهو رأي الكثرين‪ ،‬وإن نوى به الكرامة والتوقير‬
‫أو أنها مثله في الكبر أو الصفة‪ ،‬فليس بظهار‪ ،‬والقول قوله في تحديد نيته‪ .‬وإن لم ينو شيئا وأطلق‬
‫فالظهر عندهم أنه ليس بظهار حتى ينويه‪ ،‬وهو موافق لقول أبي حنيفة والشافعي؛ لن هذا اللفظ‬
‫يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم‪ ،‬فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلق‪.‬‬
‫وإن قال‪ ( :‬أنت علي حرام ) فإن نوى به الظهار‪ ،‬فهو ظهار‪ ،‬وهذا موافق لقول أبي حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫ولو قال‪ ( :‬أنت حرام إن شاء ال ) فل ظهار‪.‬‬
‫وإن قال‪ ( :‬أنت علي كظهر أمي حرام ) فهو صريح في الظهار ل ينصرف إلى غيره‪ ،‬سواء نوى‬
‫الطلق أو لم ينوه‪ ،‬وهذا متفق عليه؛ لنه صرّح بالظهار‪ ،‬وبينه بقوله‪ ( :‬حرام )‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،346-340/7 :‬كشاف القناع‪.428-426/5 :‬‬

‫( ‪)9/565‬‬

‫ولو قال‪ ( :‬أنت طالق كظهر أمي ) طلقت كما قال الشافعية‪ ،‬وسقط قوله‪( :‬كظهر أمي) لنه أتى‬
‫بصريح الطلق أولً‪ ،‬وجعل قوله «كظهر أمي» صفة له‪ .‬فإن نوى بقوله (كظهر أمي) تأكيد الطلق‬
‫لم يكن ظهارا‪ ،‬كما لو أطلق‪ .‬وإن نوى به الظهار‪ ،‬وكان الطلق بائنا‪ ،‬فهو كالظهار من الجنبية؛‬
‫لنه أتى به بعد بينونتها بالطلق‪ ،‬وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا‪ ،‬كما قال الشافعية‪.‬‬
‫وإن قال‪ ( :‬أنت علي حرام ) ونوى الطلق والظهار معا‪ ،‬كان ظهارا ولم يكن طلقا؛ لن اللفظ‬
‫الواحد ل يكون ظهارا وطلقا‪ ،‬والظهار أولى بهذا اللفظ‪ ،‬فينصرف إليه‪.‬‬
‫وإن قال‪ ( :‬الحل علي حرام ) أو ( ما أحل ال علي حرام ) أو ( ما انقلب إليه حرام ) وله امرأة‪،‬‬
‫فهو مظاهر في الصور الثلث‪ ،‬لن لفظه يقتضي العموم‪ ،‬فيتناول المرأة بعمومه‪ .‬وإن صرح بتحريم‬
‫المرأة أو نواها‪ ،‬فهو آكد‪.‬‬
‫ول يكون مظاهرا إن قال‪ :‬كشعر أمي أو سنها أوظفرها؛ لنها ليست من أعضاء الم الثابتة‪ .‬أو قال‪:‬‬
‫( أنا مظاهر‪ ،‬أو علي الظهار‪ ،‬أو علي الحرام‪ ،‬أو الحرام لزم لي ) ول نية له؛ لنه ليس بصريح في‬
‫الظهار ول نوى به الظهار‪ .‬وإن نوى به الظهار‪ ،‬أو اقترنت به قرينة تدل على إرادته الظهار‪ ،‬مثل‬
‫أن يعلقه على شرط‪ ،‬فيقول‪ ( :‬علي الحرام إن كلمتك ) احتمل أن يكون ظهارا‪ ،‬كما يصح طلق‬
‫الكناية بالنية‪ ،‬ويحتمل أل يثبت به الظهار؛ لن الشرع إنما ورد به بصريح لفظه وهو المظاهرة‪،‬‬
‫وهذا ليس بصريح فيه‪ ،‬ولنه يمين موجبة للكفارة‪ ،‬فلم يثبت حكمه بغير الصريح كاليمين بال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)9/566‬‬

‫المطلب الثالث ـ أثر الظهار أو أحكامه‪ ،‬أو ما يحرم على المظاهر ‪:‬‬
‫يترتب على الظهار الحكام التالية (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬تحريم الوطء بالتفاق قبل التكفير‪ ،‬وكذا عند الجمهور غير الشافعية‪ :‬تحريم جميع أنواع‬
‫الستمتاع غير الجماع كاللمس والتقبيل والنظر بلذة ما عدا وجهها وكفيها ويديها لسائر بدنها‬
‫ومحاسنها‪ ،‬والمباشرة فيما دون الفرج‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما‬
‫قالوا‪ ،‬فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪ ]3/58:‬أي فليحرروا رقبة‪ ،‬كما في آية {والوالدات‬
‫يرضعن أولدهن} [البقرة‪ ]233/2:‬أي ليرضعن‪ ،‬وآية {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة‪]228/2:‬‬
‫أي ليتربصن‪ ،‬ولن القول الذي حرم ا لوطء‪ ،‬حرم مقدماته ودواعيه كيل يقع فيه كالطلق والحرام‪.‬‬
‫ويستمر التحريم إلى أن يكفر كفارة الظهار؛ لن ظهاره جناية؛ لنه منكر من القول وزور‪ ،‬فيناسب‬
‫مجازاة الجناية بالحرمة‪ ،‬وارتفاعها بالكفارة‪.‬‬
‫فإن وطئ الرجل المظاهر امرأ ته قبل أن يكفر‪ ،‬استغفر ال تعالى من ارتكاب هذا المأثم‪ ،‬ول شيء‬
‫عليه غيرالكفارة الولى‪ ،‬ول يعود إلى الستمتاع بالمظاهر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 234/3 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 226/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 792/2 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫اللباب‪ 67/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،242‬بداية المجتهد‪ ،108/2 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،641/2‬المهذب‪ ،114/2 :‬المغني‪ 347/7 :‬وما بعدها‪ ،383 ،‬كشاف القناع‪ 431/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/567‬‬

‫منها حتى يكفر‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة‪« :‬فل تقربها حتى تفعل‬
‫سلَمة بن صخر عن النبي صلّى ال عليه‬
‫ما أمرك ال » وفي رواية «فاعتزلها حتى تكفر» (‪ )1‬وعن َ‬
‫وسلم في المظاهريُواقع قبل أن يكفّر‪ ،‬قال‪« :‬كفارة واحدة» (‪. )2‬‬
‫وال َعوْد الذي تجب به الكفارة في قوله تعالى‪{ :‬ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة‪ :]3/58:‬أن يعزم‬
‫المظاهر على وطئها‪ ،‬أي المظاهر منها‪ ،‬أي أن الكفارة تجب عليه إذا قصد وطأها بعد الظهار‪ .‬فإن‬
‫رضي أن تكون محرّمة عليه‪ ،‬ولم يعزم على وطئها ل تجب الكفارة عليه‪ ،‬ويجبر على التكفير دفعا‬
‫للضرر عنها‪.‬‬
‫ومذهب الشافعية‪ :‬يحرم بالظهار الوطء فقط دون مقدماته ودواعيه حتى يكفّر المظاهر؛ لنه وطء‬
‫يتعلق بتحريم مال‪ ،‬فلم يتجاوزه التحريم كوطء الحائض‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬للمرأة أن تطالب المظاهر بالوطء‪ ،‬لتعلق حقها به‪ ،‬وعليها أن تمنعه من الستمتاع حتى يكفّر‬
‫عن الظهار‪ ،‬وعلى القاضي إلزامه بالتكفير‪ ،‬دفعا للضرر عنها‪ ،‬واللزام يكون بحبس أو ضرب إلى‬
‫أن يكفر أو يطلّق‪.‬‬
‫فإن ادعى أنه كفّر عن ظهاره‪ ،‬صدّق في دعواه ما لم يكون معروفا بالكذب‪.‬‬
‫هل يعود الظهار بعد الطلق بالعودة إلى الزوجية؟‬
‫إذا طلّق الرجل امرأته بعد الظهار قبل أن يكفّر عن ظهاره‪ ،‬ثم راجعها هل يعود عليها الظهار‪ ،‬فل‬
‫يحل له المسيس (الوطء وتوابعه) حتى يكفّر؟‬
‫ذكر ابن رشد (‪ )3‬خلفا في المسألة‪ ،‬فعند مالك‪ :‬إن طلقها دون الثلث ثم راجعها في العدة أو بعدها‪،‬‬
‫فعليه الكفارة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد‪ :‬الظهار راجع عليها‪ ،‬سواء نكحها بعد الثلث أو بعد طلقة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وهذه المسألة شبيهة بمن يحلف بالطلق‪ ،‬ثم يطلق‪ ،‬ثم يراجع‪ ،‬هل تبقى تلك اليمين عليه أم ل؟‬
‫وسبب الخلف‪ :‬هل الطلق يرفع جميع أحكام الزوجية ويهدمها أو ل يهدمها؟ فمنهم من رأى أن‬
‫الطلق البائن الذي هو الثلث يهدم‪ ،‬وأن ما دون الثلث ل يهدم‪ .‬ومنهم من رأى أن الطلق كله غير‬
‫هادم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أصحاب السنن الربعة عن ابن عباس (نصب الراية‪ ،246/3 :‬نيل الوطار‪.)271/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه والترمذي عن سلمة (نيل الوطار‪.)261/6 :‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪ ،109/2 :‬المغني‪ 351/7 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،357/3 :‬البدائع‪.235/3 :‬‬

‫( ‪)9/568‬‬
‫هل يدخل اليلء على الظهار؟‬
‫ذكر ابن رشد (‪ )1‬أيضا خلفا في هذه المسألة على ثلثة آراء‪ :‬فقال الجمهور غير مالك‪ :‬ل يتداخل‬
‫حكم اليلء مع حكم الظهار‪ ،‬سواء أكان الزوج مضارا أم لم يكن‪ ،‬أي ل يدخل عليه‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬يدخل اليلء على الظهار بشرط أن يكون مضارا‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪ :‬يدخل اليلء على الظهار مطلقا‪ ،‬وتبين منه بانقضاء الربعة الشهر‪ ،‬ولو من‬
‫غير مضارة‪.‬‬
‫وسبب الخلف‪ :‬مراعاة المعنى أو اعتبار الظاهر‪ ،‬فمن اعتبر الظاهر قال‪ :‬ل يتداخلن‪ .‬ومن اعتبر‬
‫المعنى قال‪ :‬يتداخلن إذا كان القصد الضرر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪.109/2 :‬‬

‫( ‪)9/569‬‬

‫المطلب الرابع ـ كفارة الظهار ‪:‬‬


‫يتناول الكلم عن كفارة الظهار المسائل التية‪:‬‬
‫أولً ـ مشروعية الكفارة‪ :‬شرعت كفارة الظهار بالكتاب والسنة (‪: )1‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬فقول تعالى‪{ :‬والذين يظاهرون من نسائهم‪ ،‬ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن‬
‫يتماسا‪ ،‬ذلكم توعظون به‪ ،‬وال بما تعملون خبير‪ .‬فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن‬
‫يتماسا‪ ،‬فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا‪[ }...‬المجادلة‪.]4-3/58:‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فروى أبو داود بإسناده عن خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت‪ :‬ظاهر مني أوس بن الصامت‪،‬‬
‫فجئت رسول ال صلّى ال عليه وسلم أشكو إليه‪ ،‬ورسول ال صلّى ال عليه وسلم يجادلني فيه‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬اتقي ال ‪ ،‬فإنه ابنُ عمك‪ ،‬فما برح حتى نزل القرآن‪{ :‬قد سمع ال قول التي تجادلك في‬
‫زوجها} [المجادلة‪ ]1/58:‬إلى الفرض (‪ ، )2‬فقال‪ :‬يعتق رقبة‪ ،‬قالت‪ :‬ل يجد‪ ،‬قال‪ :‬فيصوم شهرين‬
‫متتابعين‪ ،‬قالت يا رسول ال ‪ ،‬إنه شيخ كبير‪ ،‬ما به من صيام‪ ،‬قال‪ :‬فليطعم ستين مسكينا‪ ،‬قالت‪ :‬ما‬
‫عنده من شيء يتصدّق به‪ ،‬قال‪ :‬فأُتي بعَرَق من تمر‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فإني سأعينه بعَرَق آخر‪،‬‬
‫قال‪ :‬قد أحسَنت‪ ،‬اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا‪ ،‬وارجعي إلى ابن عمك‪ .‬والعَرَق‪ :‬ستون‬
‫صاعا (‪. )3‬‬
‫ثانيا ـ متى تجب كفارة الظهار؟‬
‫يرى أكثر الفقهاء أن كفارة الظهار ل تجب قبل العود‪ ،‬فلو مات أحد المظاهرين أو فارق المظاهر‬
‫زوجته قبل العود‪ ،‬فل كفارة عليه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين يظاهرون من نسائهم‪ ،‬ثم يعودون لما قالوا‪،‬‬
‫فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪ ]3/58:‬وهو نص في وجوب تعلق الكفارة بالعود‪ .‬ومن‬
‫طريق القياس‪ :‬إن الظهار يشبه كفارة اليمين‪ ،‬فكما أن الكفارة إنما تلزم بالمخالفة أو بإرادة المخالفة‪،‬‬
‫كذلك المر في الظهار‪ ،‬والكفارة في الظهار كفارة يمين‪ ،‬فل يحنث بغير الحنث‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،103/2 :‬المغني‪. 109/7 :‬‬
‫(‪ )2‬الفرض ‪ :‬يقصد به آيتي الظهار ‪ 3‬و ‪ 4‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود‪ ،‬ولحمد معناه‪،‬لكنه لم يذكر قدر العَرَق (نيل الوطار‪.)262/6 :‬‬

‫( ‪)9/570‬‬

‫كسائر اليمان‪ ،‬والحنث فيها هو العود‪.‬‬


‫واختلفوا في تفسير العود على آراء ثلثة (‪: )1‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬والمالكية على المشهور‪ :‬العود‪ :‬العزم على الوطء أو إرادة الوطء‪.‬‬
‫ورأى الحنابلة أن العود‪ :‬هو الوطء في الفرج‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ثم يعودون لما قالوا‪ ،‬فتحرير رقبة من‬
‫قبل أن يتماسا} [المجادلة‪ ]3/58:‬أوجب الكفارة عقب العود‪ ،‬وهو يقتضي تعلقها به‪ ،‬ول تجب قبله‪ ،‬إل‬
‫أن الكفارة شرط لحل الوطء‪ ،‬فيؤمر بها من أراده ليستحله بها‪ ،‬كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها‪،‬‬
‫ولن العود في القول هو فعل ضد ما قال‪ ،‬كما أن العود في الهبة‪ :‬هو استرجاع ما وهب‪ .‬والعود هنا‬
‫هو فعل ما حلف على تركه وهو الجماع‪.‬‬
‫وذهب الشافعية إلى أن العود في الظهار‪ :‬هو إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلقها فيه؛ لن ظهاره‬
‫منها يقتضي إبانتها‪ ،‬فإمساكها عود فيما قال‪ ،‬ولن تشبيهها بالم يقتضي أل يمسكها زوجة‪ ،‬فإذا‬
‫أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال؛ لن العود للقول مخالفته‪ ،‬يقال‪ :‬قال فلن قولً ثم عاد له‪ ،‬وعاد فيه‪:‬‬
‫أي خالفه ونقضه‪ ،‬وهو قريب من قولهم‪ :‬عاد في هبته‪.‬‬
‫وهذا في الظهار المؤبد أو المطلق‪ ،‬وفي غير الرجعية؛ لنه في الظهار المؤقت إنما يصير عائدا‬
‫بالوطء في المدة‪ ،‬ل بالمساك‪ .‬والعود في الرجعية‪ :‬إنما هو بالرجعة‪.‬ومحل العود بالمساك بعد‬
‫ظهاره زمن إمكان فرقة‪ :‬هو إذا لم يتصل بالظهار فرقة بسبب من السباب‪ ،‬فلو اتصل بالظهار فُرْقة‬
‫بموت منهما أو من أحدهما‪ ،‬أو فسخ للنكاح‪ ،‬أو فُرْقة بسب طلق بائن‪ ،‬أو رجعي ولم يراجع‪ ،‬أو جُن‬
‫الزوج عقب ظهاره‪ ،‬فل عود ول كفارة في جميع ذلك‪ ،‬لتعذر الفراق في حالتي الطلق والجنون‪،‬‬
‫وفوات المساك في الموت‪ ،‬وانتفائه في الفسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،235/3 :‬اللباب‪ ،68/3 :‬بداية المجتهد‪ 104/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪،243‬‬
‫الشرح الصغير‪ ،643/2 :‬مغني المحتاج‪ ،357-355/3 :‬المهذب‪ ،113/2 :‬المغني‪ 351/7 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 432/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/571‬‬

‫ثالثا ـ تعدد الكفارة بتعدد المظاهر منهن أو بتعدد الظهار ‪:‬‬


‫إذا ظاهر الرجل من أربع نسوة له‪ ،‬فعليه عند الحنفية والشافعية في الجديد (‪ )1‬كما تقدم أربع‬
‫كفارات‪ ،‬سواء ظاهر منهن بأقوال مختلفة‪ ،‬أو بقول واحد؛ لن الظهار وإن كان بكلمة واحدة‪ ،‬فإنه‬
‫يتناول كل واحدة من النساء وحدها‪ ،‬فصار مظاهرا من كل واحدة منهن‪ ،‬وبما أن الظهار تحريم ل‬
‫يرتفع إل بالكفارة‪ ،‬فإذا تعدد التحريم تتعدد الكفارة‪.‬‬
‫وليس عليه أكثر من كفارة واحدة‪ ،‬أو يجزئ واحدة إذا كان مظاهرا بكلمة واحدة عند المالكية‬
‫والحنابلة (‪ )2‬؛ لن الظهار كاليلء في التحريم‪ ،‬وفي اليلء ل يجب إل كفارة واحدة‪ ،‬ولنه كاليمين‬
‫بال تعالى‪ ،‬والحنث باليمين على أمر متعدد ل يوجب إل كفارة واحدة‪ ،‬ولن الكفارة تمحو إثم الحنث‪،‬‬
‫والكفارة الواحدة تحقق المراد‪ .‬أما إن ظاهر من نسائه بكلمات فقال لكل واحدة‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪،‬‬
‫فإن كل كلمة تقضي كفارة ترفعها وتكفر إثمها‪ ،‬فتتعدد الكفارة بتعدد الظهار من كل امرأة؛ لنها أيمان‬
‫متكررة على أعيان متفرقة‪ ،‬فكان لكل واحدة كفارة‪ ،‬كما لو كفر ثم ظاهر‪.‬‬
‫والراجح لدي هو الرأي الول؛ لن محل الظهار تعدد‪،‬فتتعدد الكفارة‪.‬‬
‫وأما تعدد الكفارة بتعدد الظهار‪ ،‬كأن ظاهر من زوجته مرارا‪ ،‬فاختلف فيه الفقهاء أيضا (‪: )3‬‬
‫فرأى الحنفية‪ :‬إن كرر الظهار في مجلس واحد‪ ،‬فكفارته واحدة‪ ،‬وإن كان في مجالس فكفارات‪ ،‬كبقية‬
‫اليمان‪ ،‬ولنه قول يوجب تحريم الزوجة‪ ،‬فإذا نوى الستئناف‪ ،‬تعلق بكل مرة حكم حالها كالطلق‪.‬‬
‫ورأى المالكية والحنابلة في ظاهر المذهب والوزاعي‪ :‬إذا ظاهرالرجل من زوجته مرارا فلم يكفر‪،‬‬
‫فكفارة واحدة؛ لن المرأة قد حرمت بالقول الول‪ ،‬فلم يزد القول الثاني في تحريمها‪ ،‬ولن الظهار‬
‫لفظ يتعلق به كفارة‪ ،‬فإذا كرره كفاه كفارة واحدة كاليمين بال تعالى‪.‬‬
‫وذهب الشافعي في الجديد‪ :‬إلى أن من حلف أيمانا كثيرة‪ ،‬فإن أراد تأكيد اليمين‪ ،‬فكفارة واحدة‪ ،‬وإن‬
‫نوى الستئناف فكفارتان في الظهر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،234/3 :‬مغني المحتاج‪.358/3 :‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ 112/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.357/7 :‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪ ،113/2:‬المغني‪ ،386/7 :‬مغني المحتاج‪.358/3 :‬‬

‫( ‪)9/572‬‬

‫رابعا ـ أنواع الكفارة وترتيبها ‪:‬‬


‫الكفارة كما دل القرآن والسنة النبوية فيما سبق أنواع ثلثة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬عتق رقبة سالمة من العيوب‪ ،‬صغيرة أم كبيرة‪ ،‬ذكر أم أنثى‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬صيام شهرين متتابعين‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬إطعام ستين مسكينا‪ ،‬يوما واحدا‪ ،‬غداء وعشاء عند الحنفية‪.‬‬
‫وهي واجبة على الترتيب‪ ،‬فالعتاق أولً‪ ،‬فإن لم يكن بأن عجز عنه فالصيام‪ ،‬فإن لم يكن بسبب‬
‫العجز عنه فالطعام‪ ،‬والمعتبر في العجز عند الجمهور‪ :‬وقت الداء‪ .‬وعند الحنابلة وقت الحنث‪.‬‬
‫أما إعتاق الرقبة (‪ : )1‬فهي الواجب الول على المظاهر القادر على العتاق ل يجزئه غيره‬
‫بالتفاق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا‪ :‬فتحرير رقبة من قبل أن‬
‫يتماسا} [المجادلة‪ ]3/58:‬ولقول النبي صلّى ال عليه وسلم لوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته‬
‫في الحديث المتقدم‪« :‬يعتق رقبة‪ ،‬قلت‪ :‬ل يجد‪ ،‬قال‪ :‬فيصوم» وقوله لسلمة بن صخر مثل ذلك‪ .‬فمن‬
‫وجد رقبة يستغني عنها‪ ،‬أو وجد ثمنها فاضلً عن حاجته‪ ،‬ووجدها به‪ ،‬لم يجزئه إل العتاق‪.‬‬
‫واتفق الفقهاء أيضا على أنه ل يجزئه رقبة سالمة من العيوب الضارة بالعمل ضررا بيّنا؛ لن‬
‫المقصود تمليك العبد منافع نفسه‪ ،‬وتمكينه من التصرف لنفسه‪ ،‬ول يحصل هذا مع ما يضر بالعمل‬
‫ضررا واضحا‪ ،‬فل يجزئ العمى‪ ،‬ول المقعد‪ ،‬ول المقطوع اليدين أو الرجلين‪ ،‬لفوات جنس‬
‫المنفعة‪ ،‬فيكون المعتق هالكا حكما‪ ،‬إذ ل يتهيأ له كثير من العمل مع تلف هذه العضاء‪ .‬ول يجزئ‬
‫المجنون جنونا مطبقا؛ لنه وجد فيه المعنيان‪ :‬ذهاب منفعة الجنس‪ ،‬وحصول الضرر بالعمل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 796/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،236-233/3 :‬اللباب‪ ،70/3 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،649-645/2‬بداية المجتهد‪ 110/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،243‬مغني المحتاج‪360/3 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ 114/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،362-359/7 :‬كشاف القناع‪.442-438/5 :‬‬

‫( ‪)9/573‬‬

‫ويجزئ عند الحنفية‪ :‬المقطوع إحدى اليدين والرجلين‪ ،‬والمقطوع الذنين والنف‪ ،‬والصم إن سمع‬
‫الصياح‪ ،‬والعور والعمش والخصي والمجبوب‪ ،‬لنه ليس بفائت جنس المنفعة ‪ ،‬وإنما يخل بكمالها‬
‫وهو ل يمنع النتفاع به‪ .‬ول يجوز مقطوع إبهام اليدين؛ لن قوة البطش بهما‪ ،‬وليجزئ عندهم‬
‫الخرس‪ ،‬والصم الذي ل يسمع الصياح؛ لزوال جنس المنفعة‪ ،‬فأشبه زائل العقل‪.‬‬
‫ول يجزئ عند الجمهور غير الحنفية المقطوع إحدى اليدين أو الرجلين‪ ،‬إل أن الشافعية أجازوا فاقد‬
‫إحدى اليدين‪ ،‬ل فاقد ِرجْل‪.‬‬
‫ول يجزئ عند المالكية مقطوع أصبع فأكثر‪ ،‬أو أذن‪ ،‬ول العمى‪ ،‬ويجزئ العور‪ ،‬ول يجزئ البكم‬
‫(الخرس) ول الصم‪ ،‬ول المجنون‪ ،‬ول المريض المشرف على الهلك بسبب جذام وبرص وعرج‬
‫وهرم شديدين‪.‬‬
‫ول يجزئ عند الشافعية المريض الزمِن‪ ،‬وفاقد رجل‪ ،‬أو خِنصر وبِنصر من يد‪ ،‬أو أنملتين من‬
‫غيرهما؛ لن فقدهما مضر‪ ،‬وأنملة إبهام‪ ،‬لن فقدهما يضر‪ ،‬لتعطل منفعتها فأشبه قطعها‪ ،‬ول يجزئ‬
‫هَرِم عاجز‪ ،‬ومن أكثر وقته مجنون ومريض ل يرجى برء علته‪ .‬ويجزئ عندهم صغير‪ ،‬وأقرع‪،‬‬
‫وأعرج يمكنه متابعة المشي‪ ،‬وأعور‪ ،‬وأصم‪ ،‬وأخرس‪ ،‬وأخشم (فاقد الشم) وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع‬
‫رجليه‪ ،‬ول يجزئ عتق عبد مغصوب؛ لنه ممنوع من التصرف في نفسه‪ ،‬فهو كالمريض الزمِن‪.‬‬

‫( ‪)9/574‬‬

‫ول يجزئ عند الحنابلة مقطوع اليد أو الرجل‪ ،‬ول أشلها‪ ،‬ول مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو‬
‫الوسطى؛ لن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلء‪ .‬ول يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة؛ لن‬
‫نفع اليدين يزول أكثره بقطعهما‪ .‬وإن قطعت كل واحدة من يد‪ ،‬جاز؛ لن نفع الكفين باق‪ .‬وقطع أنملة‬
‫البهام كقطع جميعها‪ ،‬فهم كالشافعية فيما عدا مقطوع اليد‪ .‬ويجزئ عندهم العور اتفاقا مع غيرهم‪،‬‬
‫ويجزئ مقطوع النف والصم إذا فهم الشارة‪ ،‬ويجزئ الخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالشارة‪.‬‬
‫ويجزئ المريض بمرض يرجى برؤه‪ ،‬ول يجزئ غير مرجو البرء‪ ،‬ول يجزئ عتق المغصوب؛‬
‫لنه ل يقدر على تمكينه من منافعه‪ ،‬ول يجزئ غائب غيبة منقطعة ل يعلم خبره؛ لنه ل يعلم حياته‪،‬‬
‫فل يعلم صحة عتقه‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في اشتراط اليمان في الرقبة على قولين‪:‬‬
‫يرى الحنفية‪ :‬أنه ل يشترط إيمان الرقبة في كفارة الظهار وكذا في كفارة اليمين‪ ،‬فيصح إعتاق الكافر‬
‫أو مباح الدم‪ ،‬عملً بإطلق النص القرآني‪{ :‬فتحرير رقبة} [المجادلة‪.]3/58:‬‬
‫ويرى الجمهور‪ :‬أنه يشترط إيمان الرقبة في هذه الكفارة وفي كفارة اليمين‪ ،‬فيجب أن تكون مسلمة‪،‬‬
‫ول يجزئ الكافر؛ لنه تكفير بعتق‪ ،‬فلم يجز إل مؤمنة مثل كفارة القتل‪ ،‬والمطلق يحمل على المقيد‬
‫قياسا إذا وجد المعنى فيه‪ ،‬ولنه إذا كان ل يجوز إل رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا‬
‫بينا‪ ،‬وقيدنا النص القرآني بهذا القيد‪ ،،‬فالتقييد بالسلمة من الكفر أولى‪.‬‬
‫وسبب الخلف‪ :‬قضية حمل المطلق على المقيد‪ ،‬فإن القرآن قيد الرقبة باليمان في كفارة القتل‪،‬‬
‫وأطلقها في كفارة الظهار‪ ،‬فيجب عند الجمهور صرف المطلق إلى المقيد‪ .‬ول يجب عند ا لحنفية‪،‬‬
‫ويعمل بكل نص على حدة‪ ،‬حتى ل يزاد على النص ما ليس منه‪.‬‬

‫( ‪)9/575‬‬

‫وأما صيام شهرين متتابعين ‪:‬‬


‫فقد أجمع أهل العلم (‪ )1‬على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة بأن عجز عن ثمنها‪ ،‬أو وجدها بأكثر من‬
‫ثمن المثل‪ ،‬وقدر على الصوم‪ :‬أن فرضه صيام شهرين متتابعين‪ ،‬ولو ثمانية وخمسين يوما بالهلل‪،‬‬
‫وإل فستين يوما‪ ،‬لقول ال تعالى‪{ :‬فمن لم يجد‪ ،‬فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪:‬‬
‫‪.]4/58‬‬
‫ولحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر‪ ،‬قال فيه النبي صلّى ال عليه وسلم لمن واقع امرأته بعد‬
‫الظهار وعجز عن العتاق‪« :‬فصم شهرين متتابعين» ‪.‬‬
‫ورأى الحنفية والمالكية‪ :‬أنه متى وجد رقبة‪ ،‬لزمه إعتاقها‪ ،‬ولم يجز له النتقال إلى الصيام‪ ،‬وإن كان‬
‫محتاجا إليها لخدمة‪ ،‬أو محتاجا إلى ثمنها لقضاء دين؛ لنه واجد حقيقة‪.‬‬
‫وخالفهم الشافعية والحنابلة‪ :‬فأجازوا له النتقال إلى الصيام إن كان محتاجا للرقبة لخدمة أو قضاء‬
‫دين أو نفقة أو أثاث ل بد منه‪ ،‬أو لم يجد رقبة يشتريها؛ لن ما استغرقته حاجة النسان فهو كالمعدوم‬
‫في جواز النتقال إلى البدل‪ ،‬كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له النتقال إلى التيمم‪ .‬ويعتبر‬
‫اليسار الذي يلزم به العتاق في أظهر القوال عند الشافعيةوالمالكية‪ :‬هو وقت الداء والخراج‪ ،‬لنها‬
‫عبادة لها بدل من غير جنسها‪ ،‬فاعتبر حال أدائها كالصوم والتيمم والقيام والقعود في الصلة‪.‬‬
‫والمعتبر عند الحنابلة‪ :‬وقت وجوب الكفارة‪.‬‬
‫التتابع في الصوم‪ :‬أجمع أهل العلم أيضا على وجوب التتابع في صيام كفارة الظهار‪ ،‬للنص القرآني‪،‬‬
‫وأجمعوا على أن من صام بعض الشهر‪ ،‬ثم قطعه لغير عذر وأفطر‪ :‬أن عليه استئناف الشهرين‪،‬‬
‫لورود لفظ الكتاب والسنة به‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،804-801/2 :‬اللباب‪ 73/3 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،243‬الشرح‬
‫الصغير‪654/2:‬وما بعدها‪،‬بداية المجتهد‪ ،112/2 :‬مغني المحتاج‪ ،366/3 :‬المهذب‪ ،117/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،377-368-362/7‬غاية المنتهى‪ 197/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.448-445/5 :‬‬

‫( ‪)9/576‬‬

‫ومعنى التتابع‪ :‬الموالة بين صيام أيام الشهرين‪ ،‬فل يفطر فيها‪ ،‬ول يصوم عن غير الكفارة‪ ،‬ول‬
‫يحتاج التتابع عند الجمهور إلى نية‪ ،‬ويكفي فعله؛ لنه شرط‪ ،‬وشرائط العبادات ل تحتاج إلى نية‪،‬‬
‫وإنما تجب النية لفعال العبادة‪ .‬وقال المالكية‪ :‬لبد من نية التتابع ونية الكفارة‪.‬‬
‫فإن بدأ الصيام في أثناء شهر‪ ،‬حسب الشهر الذي بعده عند الشافعية والمالكية والحنابلة بالهلّة‪ .‬وأما‬
‫عند الحنفية‪ :‬إن لم يكن صومه في أول الشهر برؤية الهلل بأن غم أو صام في أثناء شهر‪ ،‬فإنه‬
‫يصوم ستين يوما‪.‬‬
‫ولتحقيق التتابع قال الحنفية‪ :‬ويختار صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان‪ ،‬ول يوم الفطر‪،‬‬
‫ول يوم النحر‪ ،‬ول أيام التشريق‪.‬‬
‫فإن جامع الرجل المرأة التي ظاهر منها في خلل الشهرين ليلً عامدا‪ ،‬أو نهارا ناسيا‪ ،‬استأنف‬
‫الصوم عند أبي حنيفة ومحمد؛ لن الشرط في الصوم أن يكون قبل التماسّ‪ ،‬وهذا الشرط يزول‬
‫بالجماع‪ ،‬في خلل الصوم‪ ،‬فيستأنف‪ .‬ول يستأنف في الطعام إن وطئها في خلله‪ ،‬لطلق النص في‬
‫الطعام‪ ،‬وتقييده بكونه {من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪ ]3/58:‬في تحرير الرقبة والصيام‪.‬‬
‫واتفق الحنفية على أن المظاهر إن أفطر يوما من الشهرين بعذر إل الحيض‪ ،‬كسفر ومرض ونفاس‪،‬‬
‫بخلف الحيض لتعذر الخلو عنه‪ ،‬أو بغير عذر‪ ،‬استأنف فبدأ الصوم من جديد أيضا‪ ،‬لفوات التتابع‬
‫وهو قادر عليه‪.‬‬
‫ومذهب المالكية قريب من رأي الحنفية‪ :‬إن قطع التتابع ولو في اليوم الخير من الشهر‪ ،‬وجب‬
‫الستئناف‪ .‬وينقطع تتابع الصوم بوطء المظاهر امرأته المظاهر منها ليلً أو نهارا‪ ،‬ناسيا أو عامدا‪،‬‬
‫كما يبطل الطعام بوطء المظاهر منها في أثنائه‪ ،‬ولو لم يبق عليه إل م ّد واحد‪ ،‬فإنه يبطل ويبتدئه‪،‬‬
‫وهذا بخلف رأي الحنفية‪.‬‬

‫( ‪)9/577‬‬

‫وينقطع التتابع بالفطرفي السفر من غير ضرورة‪ ،‬وبمجيء العيد في أثناء الشهرين إن علم أنه يأتي‬
‫في أثناء صومه‪ ،‬أما إن جهل إتيان العيد في أثناء صومه‪ ،‬فل يبطل التتابع‪ ،‬وصام بعد العيد بيومين‪،‬‬
‫بناء على المعتمد عندهم‪ :‬أن المسلم ل يصوم يوم العيد وما بعده فقط‪ ،‬وكذا ل ينقطع التتابع إذا جهل‬
‫وقت مجيء رمضان‪.‬‬
‫ول ينقطع التتابع بالمرض‪ ،‬وبالفطر سهوا‪ ،‬وبالكراه على الفطر‪ ،‬وبظن غروب شمس أو ببقاء ليل‬
‫فأكل أو شرب‪ ،‬وبحيض أو نفاس‪.‬‬
‫وينقطع التتابع لدى الشافعيةمثل المالكية بإفطار يوم بل عذر‪ ،‬أوبعذر كمرض مسوغ للفطر في‬
‫المذهب الجديد‪ ،‬ول ينقطع التتابع في الصوم بحيض‪ ،‬أو نفاس على الصحيح‪ ،‬أو جنون على المذهب‪.‬‬
‫ويلحظ أن طروّ الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل ل ظهار‪ ،‬إذ ل يجب على النساء‪ .‬وإن‬
‫جامع المظاهر بالليل قبل أن يكفر أثم؛ لنه جامع قبل التكفير‪ ،‬ول يبطل التتابع بالجماع؛ لن جماعه‬
‫لم يؤثر في صوم رمضان‪ ،‬فلم يقطع التتابع كالكل بالليل‪.‬‬
‫وأيسر المذاهب وأولها مذهب الحنابلة القائلين‪ :‬إن أفطر في الشهرين بعذر بنى على ما مضى‪ ،‬وإن‬
‫أفطر من غير عذر ابتدأ من جديد‪.‬‬
‫فينقطع التتابع بفطر بل عذر‪ ،‬أو لجهل‪ ،‬أو لنه نسي وجوب التتابع‪ ،‬أو ظن أنه أتم الشهر‪ ،‬فبان‬
‫بخلفه‪ ،‬أو صام أثناء الشهرين تطوعا‪ ،‬أو قضاء عن رمضان‪ ،‬أو صام عن نذر أو كفارة أخرى؛‬
‫لنه قطعه بشيء يمكنه التحرز منه‪ ،‬فأشبه ما لو أفطر من غير عذر‪ .‬وينقطع التتابع أيضا إذا وطئ‬
‫المظاهر منها ليلً أو نهارا عامدا أو ناسيا‪ ،‬فيفسد ما مضى من صيامه‪ ،‬وابتدأ صوم الشهرين‪ ،‬لكن لو‬
‫وطئ في أثناء الطعام لم تلزمه إعادة ما مضى منه‪ ،‬كما قال الحنفية والشافعية‪.‬‬

‫( ‪)9/578‬‬

‫ول ينقطع التتابع بصوم رمضان‪ ،‬أو فطر واجب كعيد وحيض ونفاس وجنون‪ ،‬ومرض مخوف‪،‬‬
‫وحامل ومرضع أفطرتا خوفا على أنفسهما‪ ،‬أو فطر لعذر يبيحه كمرض وسفر غير مخوف‪ ،‬وحامل‬
‫ومرضع لضرر ولدها‪ ،‬ومكره ومخطئ‪ ،‬كمن ظن أن الفجر لم يطلع أو الشمس لم تغرب‪ ،‬فبان‬
‫بخلفه‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه ينقطع التتابع بوطء المظاهر امرأته قبل إتمام الصيام ناسيا في النهار أو متعمدا في‬
‫الليل في رأي الحنفية والمالكية؛ لن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس‪ ،‬وأن يكون خاليا عنه‬
‫بالضرورة بالنص القرآني؛ ول ينقطع التتابع بالوطء نهارا ناسيا‪ ،‬أو عمدا في الليل في رأي الشافعية‬
‫والحنابلة‪ ،‬فل يوجب الستئناف‪ ،‬بسبب العذر‪.‬‬
‫وإما إطعام ستين مسكيناً ‪:‬‬
‫فقد أجمع أهل العلم (‪ )1‬على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة‪ ،‬ولم يستطع الصيام‪ :‬أن فرضه إطعام‬
‫ستين مسكينا‪ ،‬على ما أمر ال تعالى في كتابه‪ ،‬وجاء في سنة نبيه صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬سواء عجز‬
‫عن الصيام لهرم أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه أو لحوق مشقة شديدة‪ ،‬أو لشبق فل‬
‫يصبر فيه عن الجماع‪ ،‬فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول ال صلّى ال عليه وسلم بالصيام قالت‬
‫امرأته‪« :‬يا رسول ال‪،‬إنه شيخ كبير‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪،804-801/2 :‬اللباب‪ 73/3 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،243‬الشرح‬
‫الصغير‪654/2:‬ومابعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،112/2 :‬مغني المحتاج‪ ،366/3 :‬المهذب‪ ،117/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،376-368/7‬غاية المنتهى‪ 197/3 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.448-445/5 :‬‬

‫( ‪)9/579‬‬

‫ما به من صيام‪ ،‬قال‪ :‬فليطعم ستين مسكينا» ولما أمَر سلمة بن صخر بالصيام قال‪ « :‬وهل أصبت‬
‫الذي أصبت إل من الصيام؟ قال‪ :‬فأطعم» فنقله إلى الطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما‬
‫يمنعه من الصيام‪ ،‬وقيس على هذين ما يشبههما في معناهما‪ .‬ول يجوز أن ينتقل عن الصوم لجل‬
‫السفر؛ لن السفر ل يعجزه عن الصيام‪ ،‬وله نهاية ينتهي إليها‪ ،‬وهو من أفعاله الختيارية‪.‬‬
‫والمرض الذي يبيح النتقال عن الصيام إلى الطعام‪ :‬هو عند الجمهور الذي ل يرجى برؤه‪ .‬وعند‬
‫الحنابلة‪ :‬هو الذي ل يرجى برؤه أو مرجو الزوال‪ ،‬لدخوله في قوله تعالى‪{ :‬فمن لم يستطع فإطعام‬
‫ستين مسكينا} [المجادة‪ ]4/58:‬ولنه ل يعلم أن له نهاية‪ ،‬فأشبه الشبق‪.‬‬
‫ما يتعلق بالطعام‪ :‬قدر الطعام‪ ،‬وكيفيته‪ ،‬وجنس الطعام‪ ،‬ومستحقه ‪:‬‬
‫قدر الطعام ‪:‬‬
‫للفقهاء آراء ثلثة في مقدار الطعام في الكفارات كلها وهي ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬رأي الحنفية‪ :‬يعطى لكل مسكين مدان‪ ،‬أي نصف صاع من القمح‪ ،‬وصاع من تمر أو شعير‪،‬‬
‫كالفطرة قدرا ومصرفا‪ ،‬لقول النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث سََلمَة ابن صخر‪« :‬فأطعم وَسْقا‬
‫من تمر» (‪ )1‬وفي رواية «فأطعم عَرَقا من تمر ستين مسكينا} والعَرَق والوسق‪ :‬ستون صاعا‪ ،‬كما‬
‫في رواية أبي داود‪« :‬والعَرَق‪ :‬ستون صاعا» والصاع (‪ 2751‬غم)‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬رأي المالكية‪ :‬يملّك المكفّر ستين مسكينا‪ ،‬لكل واحد مد وثلثان بمده صلّى ال عليه وسلم‪ ،‬من‬
‫القمح إن اقتاتوه‪ ،‬فل يجزئ غيره من شعير أو ذرة أو غيرهما‪ ،‬فإن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود وغيرهما‪.‬‬

‫( ‪)9/580‬‬

‫اقتاتوا غير القمح فما يعدله شبعا ل كيلً‪ ،‬ول يجزئ الغداء والعشاء إل أن يتحقق بلوغهما مدا‬
‫وثلثين‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬رأي الشافعية والحنابلة‪ :‬إن قدر الطعام في الكفارات كلها وفي فدية الصوم والفطرة مُدّ من قمح‬
‫لكل مسكين‪ ،‬أو نصف صاع من تمر أو شعير‪ ،‬لما روى أبو داود بإسناده عن أوس بن الصامت‪:‬‬
‫«أن النبي صلّى ال عليه وسلم أعطاه ـ يعني المظاهر ـ خمسة عشر صاعا من شعير‪ :‬إطعامَ ستين‬
‫مسكينا» لكنه حديث مرسل عن عطاء عن أوس‪ .‬أما المد‪ :‬فهو (‪ )675‬غم‪.‬‬
‫كيفية الطعام ‪:‬‬
‫للفقهاء رأيان‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬مذهب الحنفية‪ :‬الضابط عندهم أن ما شرع بلفظ ( إطعام وطعام) جاز فيه الباحة‪ ،‬وما شرع‬
‫بلفظ ( إيتاء وأداء ) شرع فيه التمليك‪ .‬وبناء عليه يكون الطعام في الكفارات إما بالتمليك‪ ،‬أو‬
‫بالباحة غداء وعشاء‪ ،‬أو غداء وقيمة عشاء أو بالعكس بشرط إدام مع خبز شعير وذرة‪ ،‬ل مع خبز‬
‫قمح‪ ،‬فيجوز الجمع بين الباحة والتمليك؛لنه جمع بين شيئين جائزين على النفراد‪ ،‬سواء أكلوا قليلً‬
‫أو كثيرا‪ .‬فإن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزاه‪ ،‬وإن أعطاه في يوم واحد‪ ،‬لم ُيجْزه إل عن‬
‫يومه‪.‬‬
‫ويجوز عندهم (‪ )1‬دفع القيمة في الزكاة‪ ،‬والعُشْر‪ ،‬والخَراج‪ ،‬والفِطْرة‪ ،‬والنّذْر‪ ،‬والكفارة غير العتاق‪.‬‬
‫وتعتبر القيمة يوم الوجوب عند المام أبي حنيفة‪ ،‬وقال الصاحبان‪ :‬يوم الداء‪ .‬وفي السوائم‪ :‬يوم‬
‫الداء باتفاقهم‪ ،‬ويقوّم في البلد الذي فيه المال‪ ،‬أما في المفازة فيقو ّم في أقرب المصار إليه‪.‬‬
‫وسبب جواز دفع القيمة‪ :‬أن المقصود سد الخلّة ودفع الحاجة‪ ،‬ويوجد ذلك في القيمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪. 73/3 ،147/1 :‬‬

‫( ‪)9/581‬‬

‫‪ - ً 2‬مذهب الجمهور‪ :‬الواجب تمليك كل إنسان من المساكين القدر الواجب له من الكفارة‪ ،‬ول‬
‫يجزئ الغداء والعشاء بالقدر الواجب أو أقل أو أكثر‪ ،‬إل أن المالكية قالوا‪ :‬يجزئ الغداء والعشاء إن‬
‫تحقق بلوغهما مدا وثلثين‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ودليلهم أن المنقول عن الصحابة إعطاء المساكين‪ ،‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم لكعب في فدية‬
‫الذى بالحج‪ ( :‬أطعم ثلثة آصع من تمر ستة مساكين ) ولنه مال وجب للفقراء شرعا‪ ،‬فوجب‬
‫تمليكهم إياه كالزكاة‪.‬‬
‫ويشترط العدد عند الفقهاء لية الظهار‪ ،‬فلو أطعم ثلثين مسكينا طعام ستين لم يجزه‪ .‬وقال الشافعية‬
‫والحنابلة‪ :‬لو أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأه؛ لنه دفع القدر الواجب إلى العدد‬
‫الواجب‪ ،‬فأجزأ‪ ،‬كما لو دفع إليه المدّين في يومين‪ .‬واشترط الحنفية أن يكون العطاء متكررا‪ ،‬فلو‬
‫أطعم ستين مسكينا كل واحد صاعا من قمح بدفعة واحدة عن ظهارين‪ ،‬صح عن ظهار واحد‪ ،‬فإن‬
‫كان بدفعات جاز عن الظهارين؛ لنه في المرة الثانية كمسكين آخر‪.‬‬
‫ول تجزئ القيمة عندهم (أي الجمهور) في الكفارة‪ ،‬عملً بالنصوص المرة بالطعام‪.‬‬
‫وقد عرفنا أنه ل يجب التتابع في الطعام عند الحنفية والشافعية والحنابلة‪ ،‬فلو وطئ في أثناء‬
‫الطعام‪ ،‬لم تلزمه إعادة ما مضى منه؛ لنه وطئ في أثناء مال يشترط التتابع فيه‪ ،‬فلم يوجب‬
‫الستئناف كوطء غير المظاهر منها‪ ،‬أو كالوطء في كفارة اليمين‪ ،‬فيختلف الطعام عن الصيام‪.‬‬
‫وسوّى المالكية بين الطعام والصيام‪ ،‬فاشترطوا التتابع فيهما‪ ،‬فلو وطئ في أثناء كفارة الظهار بهما‪،‬‬
‫وجب الستئناف فيهما‪.‬‬

‫( ‪)9/582‬‬

‫جنس الطعام ‪:‬‬


‫المجزئ في الطعام عند الجمهور غير المالكية‪ :‬ما يجزئ في الفطرة‪ :‬وهو البُرّ والشعير ودقيقهما‬
‫والتمر والزبيب‪ ،‬سواء أكان قوت المظاهر أم لم يكن‪ ،‬ول يجزئ عند الحنابلة في الراجح غير ما‬
‫ذكر‪ ،‬ولو كان قوت بلده‪ ،‬إل إذا عدمت تلك القوات فيجوز إخراج نحو ذرة ودخن‪ ،‬ول يجزئ أن‬
‫يغدي المساكين و يعيشهم أو يدفع لهم القيمة؛ لن الخبر ورد بإخراج هذه الصناف على ما جاء في‬
‫الحاديث السابقة‪ ،‬فلم يجز غيرها‪ ،‬كما لو لم يكن قوت بلده‪.‬‬
‫ويجب عند الشافعية على المذهب الطعام من الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة؛ لن البدان بها‬
‫تقوم‪ ،‬ويجب من غالب قوت بلد المظاهر‪ ،‬لن المعتبر في الزكاة بماله‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬فكفارته إطعام‬
‫عشَرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} [المائدة‪ ]89/5:‬والوسط‪ :‬العدل‪ ،‬وأعدل ما يطعم‬
‫أهله‪ :‬قوت البلد‪.‬‬
‫وأوجب المالكية الطعام من القمح إن اقتاتوه‪ ،‬فل يجزئ غيره من شعير أوذرة أو غيرهما‪ .‬فإن‬
‫اقتاتوا غير البُرّ (القمح) فما يعدله شبعا ل كيلً‪ .‬ول يجزئ الغداء والعشاء إل أن يتحقق بلوغهما مدا‬
‫وثلثين‪.‬‬
‫والواجب عند الحنفية ما يجب في الفطرة‪ :‬وهو البر أو التمر أو الشعير‪ ،‬ودقيق كل واحد كأصله‬
‫كيلً‪ ،‬أي نصف صاع في دقيق الحنطة‪ ،‬وصاع في دقيق الشعير‪ ،‬وقيل‪ :‬المعتبر في الدقيق القيمة ل‬
‫الكيل‪ .‬ويجوز إخراج القيمة من غير هذه الصناف‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫مستحق الطعام ‪:‬‬
‫مستحق الكفارة‪ :‬هو مستحق الزكاة عند الجمهور من المساكين والفقراء‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإطعام ستين‬
‫مسكينا} [المجادلة‪ ]4/58:‬فل يجوز دفعها لكافر‪ ،‬وإنما يشترط أن يكون مسلما‪ ،‬كالزكاة‪ ،‬ويجوز‬
‫صرفها إلى الصغير والكبير ولو لم يأكل الطعام عند الحنابلة؛ لنه مسلم محتاج أشبه الكبير‪ ،‬لكن‬
‫يقبضها ولي الصغير؛ لن الصغير ل يصح منه القبض‪.‬‬
‫ومستحق كفارة الظهار في رأي الحنفية‪ :‬هو مستحق الفطرة‪ ،‬فل يجوز إطعام أصله وفرعه وأحد‬
‫الزوجين‪ ،‬ويجوز إطعام الذمي‪ ،‬ل الحربي ولو مستأمنا‪.‬‬

‫( ‪)9/583‬‬

‫خامسا ـ شرط الكفارة ‪:‬‬


‫اتفق فقهاء المذاهب (‪ )1‬على أن النية شرط لصحة الكفارة‪ ،‬بأن ينوي العتق أو الصوم أو الطعام‬
‫الواجب عليه عن الكفارة‪ ،‬أي بنية مقارنة للتكفير أو قبله بيسير‪ ،‬لن الكفارة حق مالي يجب تطهيرا‪،‬‬
‫كالزكاة‪ ،‬والعمال بالنيات‪.‬‬
‫سادسا ـ من وطئ قبل أن يكفر ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن من وطئ قبل أن يكفر عصى ربه وأثم‪ ،‬لمخالفة أمره تعالى‪ ،‬وتستقر الكفارة في‬
‫ذمته‪ ،‬فل تسقط بعدئذ بموت ول طلق ول غيره‪ ،‬إل بعد الطلق الثلث عند المالكية كما سبق‪،‬‬
‫ويظل تحريم زوجته عليه باقيا حتى يكفر‪ .‬لكن اختلفوا في تأثير الوطء أثناء التكفير‪ ،‬فأطلق المالكية (‬
‫‪ )2‬القول في أنواع الكفارة‪ ،‬فمن وطئ قبل أن يكفر عن ظهاره‪ ،‬سواء بالعتق أو بالصوم أو بالطعام‪،‬‬
‫وسواء أكان الوطء ليلً أم نهارا‪ ،‬عامدا أم ناسيا‪ ،‬ولو في أثناء الطعام‪ ،‬ولو لم يبق عليه إل مد واحد‪،‬‬
‫فإنه يحرم ويبطل ويبتدئ الكفارة من جديد‪ .‬وأما وطء الزوجة غير المظاهر منها فل يضر في صيام‬
‫إن وقع ليلً‪ ،‬ول في إطعام وعتق‪.‬‬
‫ورأى الشافعية (‪ )3‬أن المظاهر إن جامع أثناء الصيام ليلً قبل أن يكفر أثم؛ لنه جامع قبل التكفير‪،‬‬
‫ول يبطل تتابع الصيام؛ لن جماعه لم يؤثر في الصوم المفروض‪ ،‬فلم يقطع التتابع‪ ،‬كالكل بالليل‪.‬‬
‫وكذا إن جامع أثناء الطعام‪ ،‬ل يبطل ما مضى‪.‬‬
‫وفصل الحنفية والحنابلة (‪ )4‬في المر‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن وطئ المظاهر امرأته المظاهر منها في أثناء‬
‫الصوم‪ ،‬أفسد ما مضى من صيامه‪ ،‬واستأنف الصوم‪ ،‬أي ابتدأ صيام الشهرين من جديد‪ .‬أما إن وطئ‬
‫أثناء الطعام‪ ،‬فل تلزمه إعادة مامضى‪ ،‬وسبب التفرقة بين الصوم والطعام‪ :‬إطلق النص القرآني‬
‫في الطعام‪{ :‬فإطعام ستين مسكينا} [المجادلة‪ ]4/58:‬دون تقييده بكونه قبل التماس‪ ،‬وتقييده في تحرير‬
‫الرقبة والصيام بكونهما قبل التماس في قوله سبحانه في الحالتين‪{ :‬من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪:‬‬
‫‪.]4/58‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،796/2 :‬الشرح الصغير‪ ،650/2 :‬مغني المحتاج‪ ،359/3 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،118/2‬المغني‪.387/7 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 651/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.242‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪.117/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار ورد المحتار‪ 800/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.383 ،367/7 :‬‬

‫( ‪)9/584‬‬

‫المطلب الخامس ـ انتهاء حكم الظهار ‪:‬‬


‫الظهار إما مؤقت أو مطلق مؤبد‪ ،‬ويختلف حكم انتهاء أحدهما عن الخر (‪: )1‬‬
‫أ ـ إن كان الظهار مؤقتا‪ ،‬كأن يقول الرجل لزوجته‪ ( :‬أنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا أو سنة )‬
‫ينتهي بانتهاء الوقت بدون كفارة عند الجمهور؛ لن الظهار كاليمين يتوقت‪ ،‬وينتهي بانتهاء أجله‪،‬‬
‫بعكس الطلق ل يحله شيء فل يتوقت‪ .‬وقال المالكية‪ :‬يبطل التأقيت ويتأبد الظهار‪ ،‬ول ينحل إل‬
‫بالكفارة‪ ،‬قياسا على الطلق‪ ،‬وإذا كان تحريم الطلق ل يحتمل التأقيت‪ ،‬فكذا تحريم الظهار مثله‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان الظهار مؤبدا أو مطلقا‪ :‬فينتهي حكم الظهار أو يبطل بالتفاق بموت أحد الزوجين‪،‬‬
‫لزوال محل حكم الظهار‪ ،‬ول يتصور بقاء الشيء في غير محله‪.‬‬
‫ول يبطل حكم الظهار عند الجمهور غير المالكية بالطلق الرجعي أو البائن أو الثلث‪ ،‬ول بالردة‬
‫عن السلم في قول أبي حنيفة‪ ،‬حتى لو تزوجت بزوج آخر‪ ،‬ثم عادت إلى الول‪ ،‬فل يحل له‬
‫وطؤها بدون تقديم الكفارة؛ لن الظهار قد انعقد موجبا حكمه وهو الحرمة‪ ،‬فيبقى على ما انعقد عليه‪،‬‬
‫وهو ثبوت حرمة ل ترتفع إل بالكفارة‪.‬‬
‫أما عدم المطالبة بالكفارة فيتم بالموت أو بالفراق عند الجمهور غير الشافعية (‪ ، )2‬فلو مات أحد‬
‫المظاهرين‪ ،‬أو فارق الزوج زوجته قبل العود‪ ،‬فل كفارة عليه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين يظاهرون من‬
‫نسائهم‪ ،‬ثم يعودون لما قالوا‪ ،‬فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة‪ ]3/58:‬فأوجب الكفارة‬
‫بأمرين‪ :‬ظهار وعود‪ ،‬فل تثبت بأحدهما‪ ،‬ولن الكفارة في الظهار كفارة يمين‪ ،‬فل تجب الكفارة قبل‬
‫الحنث كسائر اليمان‪ ،‬والحنث فيها هو العود (أي العزم على الوطء)‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬متى أمسك الرجل المظاهر منها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلقها فيه‪ ،‬فلم يطلقها‪ ،‬فعليه‬
‫الكفارة؛ لن ذلك هو العود عنده‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.235/3 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 351/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/585‬‬

‫المبحث العاشر ـ التفريق بسبب الردة أو إسلم أحد الزوجين ‪:‬‬


‫أثر الرتداد ‪:‬‬
‫ً‪1‬ـ إذا ارتد أحد الزوجين عن السلم‪ ،‬وقعت الفرقة بينهما بغير طلق‪ ،‬عند أبي حنيفة وأبي يوسف‬
‫‪ ،‬ول حاجة لتفريق القاضي‪ ،‬وإنما ينفسخ الزواج بينهما فسخا‪ ،‬والمشهور عند المالكية وعلى الراجح‬
‫عندهم أن فرقة الردة طلق‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يتوقف فسخ النكاح على انقضاء العدة‪ ،‬فإن أسلم المرتدقبل انقضائها فهما‬
‫على النكاح‪ ،‬وإن لم يسلم حتى انقضت بانت المرأة منذ اختلف الدينان‪ .‬ورأى الجعفرية أن الردة من‬
‫أحد الزوجين قبل الدخول تفسخ الزواج في الحال‪ .‬وتتوقف على انقضاء العدة بعد الدخول‪.‬‬
‫فإن كان الزوج هو المرتد‪ ،‬وكان قد دخل بزوجته‪ ،‬فلها كمال المهر؛ لنه قد استقر بالدخول‪ .‬وإن كان‬
‫لم يدخل بها بعدُ‪ ،‬فلها نصف ا لمهر؛ لنها فرقة حصلت من الزوج قبل الدخول‪ ،‬وهي فُرقة تنصّف‬
‫المهر‪.‬‬

‫( ‪)9/586‬‬

‫وإن كانت المرأة هي المرتدة‪ ،‬وكانت الردة قبل الدخول‪ ،‬فل مهر لها؛ لنها منعت المعقود عليه‬
‫بالرتداد‪ ،‬فصارت كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض‪ .‬وإن كانت الردة بعد الدخول بها‪ ،‬فلها المهر‬
‫عقْر (حد) أو عُقر (مهر)‪.‬‬
‫كاملً؛ لن الدخول في دار السلم ل يخلو عن َ‬
‫ً‪ 2‬ـ وإن ارتد الزوجان معا‪ ،‬أو لم يعلم سبق أحدهما‪ ،‬ثم عادا إلى السلم معاً‪ ،‬فهما على نكاحهما‬
‫استحسانا‪ ،‬لعدم اختلف دينهما (‪. )1‬‬
‫ً‪ 3‬ـ ول يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ول كافرة ول مرتدة؛ لنه مستحق للقتل‪ .‬وكذلك المرتدة ل‬
‫يجوز أن يتزوجها مسلم ول كافر ول مرتد لنها عند الحنفية محبوسة للتأمل (‪. )2‬‬
‫أثر السلم ‪:‬‬
‫ً‪ 1‬ـ إذا أسلمت المرأة‪ ،‬وزوجها كافر‪ ،‬عَرَض عليه القاضي السلم‪ ،‬فإن أسلم فهي امرأته‪ ،‬لعدم‬
‫طروء ما ينافي بقاء الزواج‪ .‬وإن أبى عن السلم‪ ،‬فرّق القاضي بينهما‪ ،‬لعدم جواز بقاء المسلمة عند‬
‫الكافر‪ .‬وكان التفريق طلقا بائنا عند أبي حنيفة ومحمد‪ .‬وقال أبو يوسف‪ :‬هي فُرْقة بغير طلق (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫ً‪ 2‬ـ وإن أسلم الزوج المتزوج مجوسية‪ ،‬عرض عليها السلم‪ ،‬فإن أسلمت فهي امرأته‪ ،‬وإن أبت‬
‫عن السلم فرّق القاضي بينهما‪ ،‬لن نكاح المجوسية حرام مطلقا‪ ،‬ولم تكن هذه الفرقة طلقا؛ لن‬
‫الفرقة بسبب من قبلها‪ ،‬والمرأة ليست بأهل للطلق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب مع اللباب‪ ،28/3 :‬المغني‪ ،639/6 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،196‬شرح الرسالة‪-46/2 :‬‬
‫‪ ،47‬المختصر النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪.203‬‬
‫(‪ )2‬الكتاب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،29/3 :‬فتح القدير‪.505/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب مع اللباب‪ ،26/3 :‬فتح القدير‪ 507/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،196‬شرح‬
‫الرسالة‪.47-46/2 :‬‬

‫( ‪)9/587‬‬

‫فإن كان الزوج قد دخل بها‪ ،‬فلها المهر المسمى‪ ،‬لتأكده بالدخول‪ ،‬فل يسقط بعد الفرقة‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫دخل بها‪ ،‬فل مهر لها؛ لن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول بها (‪. )1‬‬
‫ً‪ 3‬ـ وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب‪ ،‬لم تقع الفُرْقة عليها حتى تنقضي عدتها بأن تحيض ثلث‬
‫حيضات إن كانت من ذوات الحيض‪ ،‬أو تمضي ثلثة أشهر إن كانت من ذوات الشهر‪ ،‬أو تضع‬
‫حملها إن كانت حاملً‪ ،‬وتلك عدتها؛ لن إسلم زوجها مرجو‪ ،‬والعرض عليه متعذر‪ ،‬فنزّل منزلة‬
‫الطلق الرجعي‪ ،‬فإذا انقضت عدتها‪ ،‬بانت من زوجها (‪. )2‬‬
‫أما إذا خرج أحد الزوجين إلى دار السلم من دار الحرب مسلما‪ ،‬فتقع الفرقة بينهما عند الحنفية (‪)3‬‬
‫‪ ،‬لختلف الدارين حقيقة وحكما‪ ،‬وتباين الدارين ينافي انتظام المصالح الزوجية‪ ،‬كما تتنافى بسبب‬
‫قيام القرابة المَحْرمية‪.‬‬
‫وخالفهم الجمهور‪ ،‬فلم يحكموا بوقوع الفرقة لتباين الدارين؛ لن أثر التباين في انقطاع الولية (أي‬
‫سقوط مالكيته عن نفسه وماله) ل في إحداث الفرقة كالحربي المستأمن الذي دخل دارنا بأمان‪،‬‬
‫والمسلم المستأمن إذا دخل دار الحرب بأمان‪ ،‬ل تقع فرقة في زواجهما‪.‬‬
‫ً‪ 4‬ـ وإذا أسلم زوج الكتابية‪ ،‬فهما على نكاحهما؛ لنه يصح الزواج بينهما ابتداء من الصل‪ ،‬فيكون‬
‫بقاء الزواج بينهما أولى‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب‪ )2( .26/3 :‬اللباب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،27/3 :‬فتح القدير‪ 508/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،50/5 :‬البحر الرائق‪.313/3 :‬‬

‫( ‪)9/588‬‬

‫صلٌ الرّابع‪ :‬العِدّة والستبراء‬


‫ال َف ْ‬
‫العدة‪ :‬يشتمل بحث العدة على المباحث الخمسة التالية‪:‬‬
‫الول ـ تعريف العدة وحكمها الشرعي‪ ،‬وحكمتها‪ ،‬وسبب وجوبها‪ ،‬وركنها‪.‬‬
‫الثاني ـ أنواع العدة ومقاديرها‪.‬‬
‫الثالث ـ تحول العدة أو انتقالها وتغيرها‪.‬‬
‫الرابع ـ وقت ابتداء العدة‪ ،‬وما يعرف به انقضاؤها‪.‬‬
‫الخامس ـ أحكام العِدَد أو حقوق المعتدة وواجباتها‪.‬‬
‫المبحث الول ـ تعريف العدة‪ ،‬وحكمها الشرعي‪ ،‬وحكمتها‪ ،‬وسبب وجوبها‪ ،‬وركنها ‪:‬‬
‫معنى العدة‪ :‬العِدّة بكسر العين جمع عِدَد‪ ،‬وهي لغة‪ :‬الحصاء‪ ،‬مأخوذة من ال َعدَد لشتمالها على عدد‬
‫القراء أو الشهر غالبا‪ ،‬يقال‪ :‬عددت الشيء عِدّة‪ :‬أحصيته إحصاء‪ .‬وتطلق أيضا على المعدود‪،‬‬
‫يقال‪ :‬عدة المرأة‪ :‬أيام أقرائها‪ .‬واصطلحا في رأي الحنفية (‪ : )1‬مدة محددة شرعا لنقضاء ما بقي‬
‫من آثار الزواج‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬تربص (أي انتظار) يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته‪ .‬وبنوا‬
‫على تعريفهم القول بتداخل العدتين سواء أكانتا من جنس واحد أم من جنسين ولو من رجلين‪ ،‬ومثال‬
‫الجنس الواحد‪ :‬إذا تزوجت المطلقة في عدتها‪ ،‬فوطئها الزوج‪ ،‬ثم تفرقا حتى وجبت عليها عدة أخرى‪،‬‬
‫فإن العدتين يتداخلن‪ .‬ومثال الجنسين‪ :‬المتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة‪ ،‬تداخلت العدتان‪ ،‬وتعتد‬
‫المرأة بثلث حيضات من عدة الوطء‪.‬‬
‫وفي رأي الجمهور (‪ : )2‬العدة‪ :‬مدة تتربص فيها المرأة‪ ،‬لمعرفة براءة رحمها‪ ،‬أو للتعبد‪ ،‬أو لتفجعها‬
‫على زوجها‪ .‬فهي نفس التربص‪ ،‬فل تتداخل العدتان من شخصين‪ ،‬وتمضي المرأة في العدة الولى‬
‫حتى نهايتها‪ ،‬ثم تبدأ بالعدة الخرى‪ ،‬وتتداخل العدتان من شخص واحد ولو من جنسين‪.‬‬
‫ويمكن تعريف العدة بتعريف أوضح‪ :‬هي مدة حددها الشارع بعد الفرقة‪ ،‬يجب على المرأة النتظار‬
‫فيها بدون زواج حتى تنقضي المدة‪.‬‬
‫فل عدة على المزني بها في رأي الحنفية والشافعية خلفا للمالكية والحنابلة‪.‬‬
‫ول عدة على المرأة قبل الدخول اتفاقا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب‪:‬‬
‫‪ .]49/33‬وعلى المدخول بها عدة إجماعا‪ ،‬سواء أكان سبب الفرقة طلقا أم فسخا أم وفاة‪ ،‬وسواء‬
‫أكان الدخول بعد عقد فاسد أم صحيح أم بشبهة‪ ،‬وتجب أيضا عند الجمهور غير الشافعية إذا طلق‬
‫الرجل المرأة بعد الخلوة بها‪.‬‬
‫وتكون القاعدة‪ :‬كل طلق أو فسخ وجب فيه جميع الصداق وجبت العدة‪ ،‬وحيث سقط الصداق كله أو‬
‫لم يجب إل نصفه‪ ،‬سقطت العدة‪ .‬ومن أمثلة الفسخ‪ :‬الفسخ بسبب الرضاع أو العيب أو العتق أو اللعان‬
‫أو اختلف الدين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،190/3 :‬الدر المختار‪ ،823/2 :‬اللباب‪.80/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ ،671/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،235‬مغني المحتاج‪ ،384/3 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،476/5‬غاية المنتهى‪ ،209/3 :‬بداية المجتهد‪.88/2 :‬‬

‫( ‪)9/589‬‬

‫حكمها الشرعي‪ :‬العدة واجبة شرعا على المرأة بالكتاب والسنة والجماع (‪: )1‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬فقوله تعالى عدة الطلق‪{ :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة‪ ]228/2:‬وفي‬
‫عدة الوفاة‪{ :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]234/2‬وفي عدة الصغيرة واليسة والحامل‪{ :‬واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم‪،‬‬
‫فعدتهن ثلثة أشهر‪ ،‬واللئي لم يحضن‪ ،‬وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق‪]4/65:‬‬
‫وآي أخرى‪.‬‬
‫وأما السنة‪ :‬فقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر‪ ،‬تحدّ على‬
‫ميت فوق ثلث إل على زوج أربعة أشهر وعشرا» (‪ ، )2‬وأمر النبي صلّى ال عليه وسلم فاطمة‬
‫بنت قيس أن تعتد عند ابن أم مكتوم (‪ . )3‬وأحاديث أخرى‪.‬‬
‫وأما الجماع‪ :‬فقد أجمعت المة على وجوب العدة‪ ،‬في الجملة‪ ،‬وإنما اختلفوا في أنواع منها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.448/7 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم عن أم سلمة‪ ،‬وفي لفظ آخر عندهما‪« :‬ل يحل لمرأة مسلمة تؤمن بال‬
‫واليوم الخر أن تحدّ فوق ثلثة أيام إل على زوجها أربعة أشهر وعشرا» (نيل الوطار‪)292/6 :‬‬
‫والحداد‪ :‬منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب‪ ،‬ومنع الخطّاب خطبتها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي‪ ،‬ومسلم بمعناه عن عبيد ال بن عبد ال بن عُتْبة (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)302/6‬‬

‫( ‪)9/590‬‬

‫هل على الرجل عدة؟ ليس على الرجل عدة بالمعنى الصطلحي‪ ،‬فيجوز له بعد الفرقة مباشرة أن‬
‫يتزوج بزوجة أخرى‪ ،‬مالم يوجد مانع شرعي‪ ،‬كالتزوج بمن ل يحل له الجمع بين زوجته الولى‬
‫وبين قريباتها المحارم كالخت‪ ،‬والعمة‪ ،‬والخالة‪ ،‬وبنت الخ‪ ،‬وبنت الخت ولو من زواج فاسد أو في‬
‫شبهة عقد‪ .‬وتزوج امرأة خامسة في أثناء عدة المرأة الرابعة التي فارقها حتى تنقضي عدتها‪ ،‬ونكاح‬
‫المطلقة ثلثا قبل التحليل (‪. )1‬‬
‫عدة المرأة غير المسلمة‪ :‬اختلف الفقهاء في وجوب العدة على غير المسلمة على رأيين‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬ل تجب العدة على المرأة غير المسلمة ذمية كانت أو حربية إذا كان معتقد أهل دينها‬
‫أنه ل عدة عليها إل إذا كانت كتابية زوجة لمسلم‪ ،‬فتجب عليها العدة بالفراق‪ ،‬رعاية لحق الزوج؛ لن‬
‫العدة تجب حقا ل تعالى‪ ،‬ولحق الزوج‪ ،‬والكتابية مخاطبة بحقوق العباد‪ ،‬فتجب عليها العدة‪ ،‬وتجبر‬
‫عليها لجل حق الزوج والولد‪ ،‬منعا من اختلط النساب‪.‬‬
‫وإن جاء الزوج مسلما‪ ،‬وترك امرأته في دار الحرب‪ ،‬فل عدة عليها باتفاق الحنفية؛ إذ ل حق لحد‬
‫الزوجين على الخر في حال اختلف الدارين‪ ،‬ولن أحكام السلم تطبق على أهل الذمة‪ ،‬ل على‬
‫الحربيين‪.‬‬
‫وقال الجمهور ومنهم الصاحبان‪ :‬تجب العدة على الذمية‪ ،‬سواء أكانت زوجة لمسلم أم لذمي‪ ،‬لعموم‬
‫اليات المرة بالعدة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪.824-823/2 :‬‬

‫( ‪)9/591‬‬

‫وحكمة العدة‪ :‬إما التعرف على براءة الرحم‪ ،‬أو التعبد‪ ،‬أو التفجع على الزوج‪ ،‬أو إعطاء الفرصة‬
‫الكافية للزوج بعد الطلق ليعود لزوجته المطلقة‪ .‬ففي الطلق البائن‪ ،‬والتفريق لفساد الزواج أو الوطء‬
‫بشبهة يقصد من العدة استبراء رحم المرأة للتأكد من عدم وجود حمل من الرجل‪ ،‬منعا من اختلط‬
‫النساب‪ ،‬وصون النسب‪ .‬فإذا كان الحمل موجودا تنتهي العدة بوضع الحمل لتحقق الهدف المقصود‬
‫من العدة‪ .‬وإذا لم يتأكد من الحمل بعد الدخول بالمرأة‪ ،‬وجب النتظار للتعرف على براءة الرحم‪،‬‬
‫حتى بعد الوفاة‪ .‬ومن المقاصد أيضا‪ :‬إظهار السف على نعمة الزواج‪ ،‬وصون سمعة المرأة‬
‫وكرامتها حتى ل تكون محلً للتحدث عنها بخروجها من البيت غادية رائحة بمجرد الفراق‪ ،‬وإن‬
‫أمكن معرفة براءة الرحم بمجرد الحيضة الولى‪.‬‬
‫وفي الطلق الرجعي‪ :‬يقصد بالعدة تمكين الرجل من العود إلى مطلقته خلل العدة‪ ،‬بعد زوال عاصفة‬
‫الغضب‪ ،‬وهدوء النفس‪ ،‬والتفكير بمتاعب ومخاطر ووحشات الفراق‪ .‬وذلك حرصا من السلم على‬
‫إبقاء الرابطة الزوجية‪ ،‬وتنويها بتعظيم شأن الزواج‪ ،‬فكما أنه ل ينعقد إل بالشهود‪ ،‬ل ينحل إل‬
‫بانتظار طويل المد‪.‬‬
‫وفي فرقة الوفاة‪ :‬يراد من العدة تذكر نعمة الزواج‪ ،‬ورعاية حق الزوج وأقاربه‪ ،‬وإظهار التأثر لفقده‪،‬‬
‫وإبداء وفاء الزوجة لزوجها‪ ،‬وصون سمعتها وحفظ كرامتها‪ ،‬حتى ل يتحدث الناس بأمرها‪ ،‬ونقد‬
‫تهاونها‪ ،‬والتحدث عن خروجها وزينتها‪ ،‬خصوصا من أقارب زوجها‪ .‬قال الشافعية والحنابلة (‪: )1‬‬
‫المقصود العظم من العدة حفظ حق الزوج دون معرفة البراءة‪ ،‬ولهذا اعتبرت عدة الوفاة بالشهر‪،‬‬
‫ووجبت العدة على المتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها تعبدا‪ ،‬مراعاة لحق الزوج‪.‬‬
‫وهذه المعاني تنطبق على المرأة‪ ،‬حتى ولو كانت كبيرة السن ل ترجو زواجا آخر‪ ،‬بالضافة لتحقيق‬
‫معنى التعبد في العدة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،395/3 :‬كشاف القناع‪.476/5 :‬‬

‫( ‪)9/592‬‬

‫سبب وجوب العدة ‪:‬‬


‫تجب العدة في الجملة بأحد أمرين‪ :‬طلق أو موت‪ .‬والفسخ كالطلق (‪ . )1‬وذلك بعد الدخول‬
‫(الوطء) من زواج صحيح أو فاسد أو شبهة بالتفاق‪ ،‬أو بعد استدخال ذكر زائد‪ ،‬أو أشل‪ ،‬أو إدخال‬
‫مني الزوج؛ لنه أقرب إلى العلوق من مجرد اليلج ولحتياجها لتعرف براءة الرحم‪ ،‬أو بعد خلوة‬
‫صحيحة عند الجمهور غير الشافعية‪ .‬وتجب العدة أيضا عند المالكية والحنابلة بعد الزنا كالموطوءة‬
‫بشبهة‪ .‬وبناء عليه تجب العدة بأحد السباب التالية‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬تجب العدة بالفرقة بعد الدخول من زواج صحيح أو فاسد‪ ،‬أو بعد الخلوة الصحيحة في رأي‬
‫الجمهور غير الشافعية‪ ،‬سواء أكانت الفرقة في حال الحياة بسبب طلق أو فسخ‪ ،‬أم بسبب الوفاة‪.‬‬
‫فإن كان الزواج فاسدا كزواج الخامسة أو المعتدة‪ ،‬فل تجب العدة إل بالدخول الحقيقي‪ ،‬ول تجب عند‬
‫الجمهور بالخلوة‪ .‬وأوجب المالكية العدة بالخلوة بعد زواج فاسد‪ ،‬كما تجب بالدخول الحقيقي؛ لن‬
‫الخلوة مظنّة الوقاع‪.‬‬
‫ودليل الجمهور على وجوب العدة بالخلوة‪ :‬ما رواه أحمد والثرم عن زرارة ابن أوفى قال‪« :‬قضى‬
‫الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا‪ ،‬فقد وجب المهر‪ ،‬ووجبت العدة» ‪.‬‬
‫ول تجب العدة بالخلوة المجردة عن الوطء عند الشافعية في الجديد‪ ،‬لمفهوم الية السابقة‪{ :‬ثم‬
‫طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب‪.]49/33:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،192-191/3 :‬الدر المختار‪ 824/2 :‬وما بعدها‪ ،846 ،‬الشرح الصغير‪ 671/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،235‬مغني المحتاج‪ ،395 ،384/3 :‬المهذب‪ ،145 ،142/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ 449/7‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 476/5 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/593‬‬

‫‪ - 2‬وتجب العدة أيضا بالتفاق بالتفريق للوطء بشبهة‪ ،‬كالموطوءة في زواج فاسد؛ لن وطء الشبهة‬
‫والزواج الفاسد كالوطء في الزواج الصحيح في شغل الرحم ولحوق النسب بالواطئ‪ ،‬فكان مثله فيما‬
‫تحصل به براءة الرحم‪ ،‬كيل تختلط النساب والمياه‪ .‬ومثال الوطء بشبهة‪ :‬أن تزف امرأة إلى غير‬
‫زوجها‪ ،‬وتقول النساء للرجل‪ :‬إنها زوجتك‪ ،‬فيدخل بها بناء على قولهن‪ ،‬ثم يتبين أنها ليست زوجته‪.‬‬
‫ول فرق في وجوب العدة بأحد السببين السابقين بين أن تكون الفرقة بسبب طلق أو فسخ‪ ،‬فكل فرقة‬
‫بين زوجين عدتها عدة الطلق‪ ،‬سواء أكانت بخلع أم لعان أم رضاع أم فسخ بعيب أم إعسار أم اعتاق‬
‫أم اختلف دين أم غيره عند أكثر العلماء‪.‬‬
‫ول فرق أيضا بين أن يكون الوطء حللً‪ ،‬أم حراما كوطء حائض ومحرمة بحج أو عمرة‪ ،‬ول بين‬
‫أن يكون الوطء في قُبل‪ ،‬أو دبر على الصح لدى الشافعية‪ ،‬والحكم واحد سواء أكان الواطئ عاقلً أم‬
‫ل‪ ،‬مختارا أم ل‪ ،‬لفّ على ذكره خرقة أو كيسا أم ل‪ ،‬بالغا أم صبيا‪.‬‬
‫ول عدة قبل الدخول بنص القرآن كما أوضحت‪.‬‬
‫‪ - 3‬وتجب العدة كذلك بالتفاق بعد وفاة الزوج في العقد الصحيح‪ ،‬ولو قبل الدخول أو الوطء أو‬
‫كانت الزوجة صغيرة‪ ،‬أو زوجة صبي ولو رضيعا أو زوجة ممسوح‪ ،‬لطلق اليات القرآنية مثل‪:‬‬
‫{والذين يتوفون منكم‪ ،‬ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة‪.]234/2:‬‬
‫‪ - 4‬وأوجب المالكية والحنابلة خلفا لغيرهم العدة على المزني بها كالموطوءة بشبهة؛ لنه وطء‬
‫يقتضي شغل الرحم‪ ،‬فوجبت العدة منه كوطء الشبهة‪.‬‬
‫ولم يوجبها غير هؤلء؛ لن العدة لحفظ النسب‪ ،‬ول يلحق الزاني نسب بالزنا‪.‬‬
‫ركن العدة‪ :‬أوضح الحنفية (‪ )1‬ركن العدة بأنه التزام المرأة بحرمات ثابتة بسبب العدة يحرم عليها‬
‫مخالفتها‪ ،‬كحرمة التزوج بزوج آخر‪ ،‬وحرمة الخروج من بيت الزوجية الذي طلّقت فيه‪ ،‬وصحة‬
‫الطلق في العدة‪ ،‬وحرمة التزوج بأخت المطلقة ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.825/2 :‬‬
‫( ‪)9/594‬‬

‫المبحث الثاني ـ أنواع العدة ومقاديرها ‪:‬‬


‫العدة ثلثة أنواع (‪ : )1‬عدة بالقراء‪ ،‬وعدة بالشهر‪ ،‬وعدة بوضع الحمل‪ .‬والمعتدات ستة أنواع (‪)2‬‬
‫‪:‬‬
‫الحامل‪ ،‬والمتوفى عنها زوجها‪ ،‬وذات القراء المفارقة في الحياة‪ ،‬ومن لم تحض لصغر أو إياس‬
‫وكانت المفارقة في الحياة‪ ،‬ومن ارتفع حيضها ولم تدر سببه‪ ،‬وامرأة المفقود‪ .‬وعدة الطلق ثلثة‬
‫أنواع (‪: )3‬‬
‫ثلثة قروء لمن تحيض‪ ،‬وضع حمل الحامل‪ ،‬ثلثة أشهر لليائس والصغيرة‪.‬‬
‫المقصود بالقروء‪ :‬القرء لغة مشترك بين الطهر والحيض‪ ،‬ويجمع على أقرء وقروء وأقرء‪ ،‬وللفقهاء‬
‫رأيان في تفسير القروء (‪: )4‬‬
‫يرى الحنفية والحنابلة‪ :‬أن المراد بالقرء‪ :‬الحيض؛ لن الحيض ُمعَرّف لبراءة الرحم‪ ،‬وهو المقصود‬
‫من العدة‪ ،‬فالذي يدل على براءة الرحم إنما هو الحيض ل الطهر‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬واللئي يئسن من‬
‫المحيض من نسائكم إن ارتبتم‪ ،‬فعدتهن ثلثة أشهر‪ ،‬واللئي لم يحضن} [الطلق‪ ]4/65:‬فنقلهن عند‬
‫عدم الحيض إلى العتداد بالشهر‪ ،‬فدل على أن الصل الحيض‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬فلم تجدوا ما ء‬
‫فتيمموا صعيدا طيبا} [المائدة‪.]6/5:‬‬
‫ولن المعهود في الشرع استعمال القرء بمعنى الحيض‪ ،‬قال النبي صلّى ال عليه وسلم للمستحاضة‪:‬‬
‫«دعي الصلة أيام أقرائك» (‪ )5‬وهوعليه الصلة والسلم المعبر عن ال ‪ ،‬وبلغة قومه نزل القرآن‪،‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم لفاطمة بنت أبي حبيش‪« :‬انظري‪ ،‬فإذا أتى قرؤك فل تصلي‪ ،‬وإذا مرّ‬
‫قرؤك فتطهري‪ ،‬ثم صلي ما بين القرء إلى القرء» (‪. )6‬‬
‫وقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬طلق المة تطليقتان‪ ،‬وعدتها حيضتان» (‪ ، )7‬فإذا اعتبرت عدة المة‬
‫بالحيض‪ ،‬كانت عدة الحرة كذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 191/3 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،487-478/5 :‬غاية المنتهى‪.212-209/3 :‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.235‬‬
‫(‪ )4‬الكتاب للقدوري مع اللباب‪ ،80/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،235‬مغني المحتاج‪ ،385/3 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ 452/7‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود والنسائي وروى ابن ماجه عن عائشة قالت‪« :‬أمرت بريرة أن تعتد بثلث حيض»‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪« :‬تجلس أيام أقرائها» (انظر نيل الوطار‪ 290/6 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه النسائي‪ ،‬وفيه منكر الحديث‪ ،‬ورواه أيضا ابن ماجه وأبو بكر الخلل في جامعه‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه أبو داود وغيره‪.‬‬

‫( ‪)9/595‬‬

‫ولن ظاهر قوله تعالى‪{ :‬يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة‪ ]228/2:‬وجوب التربص ثلثة كاملة‪،‬‬
‫ومن جعل القروء الطهار‪ ،‬لم يوجب ثلثة‪ ،‬لنه‬
‫يكتفي بطهرين وبعض الثالث‪ ،‬فيخالف ظاهر النص‪ .‬ومن جعله الحيض أوجب ثلثة كاملة‪ ،‬فيوافق‬
‫ظاهر النص‪ ،‬فيكون أولى من مخالفته‪.‬‬
‫ولن العدة استبراء‪ ،‬فكانت بالحيض‪ ،‬كاستبراء المة‪ ،‬لن الستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل‪،‬‬
‫والذي يدل عليه هو الحيض‪ ،‬فوجب أن يكون الستبراء به‪.‬‬
‫ويرى المالكية والشافعية‪ :‬أن القرء هو الطهر؛ لنه تعالى أثبت التاء في العدد «ثلثة» ‪ ،‬فدل على أن‬
‫المعدود مذكر‪ ،‬وهو الطهر‪ ،‬ل الحيضة‪ .‬ولن قوله تعالى‪{ :‬فطلقوهن لعدتهن} [الطلق‪ ]1/65:‬أي في‬
‫وقت عدتهن‪ ،‬لكن الطلق في الحيض محرّم كما تقدم في بحث الطلق البدعي‪ ،‬فيصرف الذن إلى‬
‫زمن الطهر‪ .‬وأجيب بأن معنى الية مستقبلت لعدتهن‪.‬‬
‫ولن القرء مشتق من الجمع‪ ،‬فأصل القرء الجتماع‪ ،‬وفي وقت الطهر يجتمع الدم في الرحم‪ ،‬وأما‬
‫الحيض فيخرج من الرحم‪ .‬وما وافق الشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته‪.‬‬
‫وفائدة الخلف‪ :‬أنه إذا طلقها في طهر‪ ،‬انتهت عدتها في رأي الفريق الثاني بمجيء الحيضة الثالثة؛‬
‫لنها يحتسب لها الطهر الذي طلقت فيه‪ ،‬ول تخرج من عدتها إل بانقضاء الحيضة الثالثة في رأي‬
‫الفريق الول‪ ،‬وقد روي عن عمر وعلي أنهما قال‪« :‬يحل لزوجها الرجعة إليها‪ ،‬حتى تغتسل من‬
‫الحيضة الثالثة» مما يؤيد رأي الفريق الول‪.‬‬
‫والراجح لدي هو الرأي الول‪ ،‬لتفاقه مع الواقع والمقصود من العدة‪ ،‬فالنساء تنتظر عادة مجيء‬
‫الحيض ثلث مرات‪ ،‬فيتقرر انقضاء العدة‪ ،‬ول تعرف براءة الرحم إل بالحيض‪ ،‬فإذا حاضت المرأة‬
‫تبين أنها غير حامل‪ ،‬وإذا استمر الطهر تبين غالبا وجود الحمل‪ .‬وقد روى النيسابوري عن المام‬
‫أحمد‪« :‬كنت أقول‪ :‬إنه الطهار‪ ،‬وأنا أذهب اليوم إلى أن القراء الحيض» ورجوعه عن رأي سابق‬
‫يكون عادة لمسوغات أو مرجحات أقوى‪.‬‬
‫( ‪)9/596‬‬

‫أسباب وشروط كل نوع من أنواع العدة (‪: )1‬‬


‫عرفنا أن العدة أنواع ثلثة‪ :‬عدة القراء‪ ،‬وعدة الشهر‪ ،‬وعدة الحبل‪.‬‬
‫أولً ـ عدة القراء‪ :‬لها أسباب أهمها ثلثة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الفرقة في الزواج الصحيح‪ ،‬سواء أكانت بطلق أم بغير طلق‪ .‬وتجب هذه العدة لستبراء‬
‫الرحم‪ ،‬وتعرف براءته من الشغل بالولد‪.‬‬
‫وشرط وجوبها‪ :‬الدخول بالمرأة أو ما يجري مجرى الدخول وهو الخلوة الصحيحة عند غير الشافعية‬
‫في الزواج الصحيح دون الفاسد عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬وفي الفاسد أيضا عند المالكية‪ ،‬فل تجب هذه‬
‫العدة بدون الدخول والخلوة الصحيحة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الفرقة في الزواج الفاسد بتفريق القاضي‪ ،‬أو بالمتاركة‪ .‬وشرطها الدخول عند الجمهور غير‬
‫المالكية‪ ،‬وتجب العدة أيضا عند المالكية بالخلوة بعد زواج فاسد‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الوطء بشبهة العقد‪ :‬بأن زفت إلى الرجل غير امرأته‪ ،‬فوطئها؛ لن الشبهة تقوم مقام الحقيقة في‬
‫حال الحتياط‪ ،‬وإيجاب العدة من باب الحتياط‪.‬‬
‫ثانيا ـ عدة الشهر‪ :‬نوعان‪ :‬نوع يجب بدلً عن الحيض‪ ،‬ونوع يجب أصلً بنفسه‪ .‬أما العدة التي‬
‫تجب بدلً عن الحيض بالشهر‪ :‬فهي عدة الصغيرة‪ ،‬واليسة‪ ،‬والمرأة التي لم تحض أصلً‪ ،‬بعد‬
‫الطلق‪ .‬وسبب وجوبها‪ :‬الطلق لمعرفة أثر الدخول‪ ،‬وهو سبب وجوب عدة القراء المتقدمة‪.‬‬
‫وشرط وجوبها شيئان‪:‬‬
‫أحدهما ـ الصغر أو الكبر أو فقد الحيض أصلً‪.‬‬
‫والثاني ـ الدخول‪ ،‬أو الخلوة الصحيحة عند غير الشافعية‪ ،‬في النكاح الصحيح‪ ،‬وكذا في النكاح‬
‫الفاسد عند المالكية‪.‬‬
‫وأما عدة الشهر الصلية بنفسها‪ :‬فهي عدة الوفاة‪ .‬وسبب وجوبها الوفاة‪ ،‬إظهارا للحزن بفوات نعمة‬
‫الزواج‪ ،‬وشرط وجوبها‪ :‬الزواج الصحيح فقط‪ ،‬فتجب هذه العدة على المتوفى عنها زوجها‪ ،‬سواء‬
‫أكانت مدخولً بها أم غير مدخول بها‪ ،‬وسواء أكانت ممن تحيض أم ممن ل تحيض‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،193-191/3 :‬مغني المحتاج‪.388/3 :‬‬

‫( ‪)9/597‬‬
‫ثالثا ـ عدة الحبل‪ :‬هي مدة الحمل‪ ،‬وسبب وجوبها‪ :‬الفرقة أو الوفاة‪ ،‬حتى ل تختلط النساب وتشتبه‬
‫المياه‪ ،‬فل يسقي رجل ماءه زرع غيره‪.‬‬
‫وشرط وجوبها‪ :‬أن يكون الحمل من الزواج الصحيح أو الفاسد؛ لن الوطء في النكاح الفاسد يوجب‬
‫العدة‪ .‬ول تجب هذه العدة عند الحنفية والشافعية على الحامل بالزنا؛ لن الزنا ل يوجب العدة‪ ،‬إل أنه‬
‫إذا تزوج رجل امرأة‪ ،‬وهي حامل من الزنا‪ ،‬جاز النكاح عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬لكن ل يجوز له أن‬
‫يطأها ما لم تضع‪ ،‬لئل يصير ساقيا ماءه زرع غيره‪.‬‬
‫وأجاز الشافعية نكاح الحامل من زنا ووطأها‪ ،‬إذ ل حرمة له‪.‬‬
‫عدَد المعتدات ‪:‬‬
‫مقادير ِ‬
‫‪ - ً 1‬عدة الحامل‪ :‬تجب بسبب الموت أو الطلق‪ ،‬وتنتهي بوضع الحمل اتفاقا (‪ )1‬؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق‪ ]4/65:‬أي انقضاء أجلهن أن يضعن حملهن؛‬
‫ولن براءة الرحم ل تحصل في الحامل ـ كما هو واضح ـ إل بوضع الحمل‪ .‬فإذا كانت المرأة‬
‫حاملً‪ ،‬ثم طلقت أو مات عنها زوجها انتهت عدتها بوضع الحمل‪ ،‬ولو بعد الوفاة بزمن قليل‪ ،‬بدليل‬
‫أن «سبيعة بنت الحارث توفي عنها زوجها وهي حبلى‪ ،‬فوضعت بعد نحو عشر ليال من وفاة‬
‫زوجها‪ ،‬ثم جاءت النبي صلّى ال عليه وسلم فقال‪ :‬انكحي‪ .‬وفي رواية‪ :‬فأفتاني بأني قد حللت حين‬
‫وضعت حملي‪ ،‬وأمرني بالتزويج إن بدا لي» (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،192/3 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ 831/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 273/3 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫‪ 281‬وما بعدها‪ ،‬اللباب‪ ،83-80/3 :‬الشرح الصغير‪ 671/2 :‬وما بعدها‪ ،383-381 ،‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،238 ،236‬مغني المحتاج‪ 388/3 :‬وما بعدها‪ ،396 ،‬المهذب‪ ،142/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،480-478/5‬المغني‪ ،478-473 ،468/7 :‬غاية المنتهى‪ 209/3 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪.96/2‬‬
‫(‪ )2‬رواه الجماعة إل أبا داود وابن ماجه عن أم سلمة (نيل الوطار‪.)287-286/6 :‬‬

‫( ‪)9/598‬‬

‫وعلى هذا تكون عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وأولت الحمال‬
‫أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق‪ ]4/65:‬قال ابن مسعود‪« :‬من شاء باهلته ـ لعنته ـ أن سورة‬
‫النساء القصرى نزلت بعد الية التي في سورة البقرة» (‪ )3‬وفي رواية البزار‪« :‬من شاء حالفته أن‪:‬‬
‫{وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق‪ ]4/65:‬نزلت بعد آية المتوفى‪ ،‬فإذا وضعت‬
‫المتوفى عنها حملها‪ ،‬فقد حلت‪ .‬وقرأ‪{ :‬والذين يتوفون منكم ويذر ون أزواجا} [البقرة‪. » ]234/2:‬‬
‫وانتهاء العدة بوضع الحمل له شرطان‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري‪ .‬وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ‪« :‬من شاء لعنته‪ ،‬لنزلت سورة‬
‫النساء القصرى بعد الربعة أشهر وعشر» وسورة النساء القصرى هي سورة الطلق وفيها آية عدة‬
‫الحامل‪ ،‬وسورة النساء الطولى هي سورة البقرة وفيها آية عدة الوفاة (نصب الراية‪.)256/3 :‬‬

‫( ‪)9/599‬‬

‫الول ـ عند الجمهور غير الحنفية‪ :‬وضع جميع حملها‪ ،‬أو انفصاله كله‪ ،‬فل تنقضي بوضع أحد‬
‫التوأمين ول بانفصال بعض الولد‪ .‬وتنقضي عند المالكية ولو وضعت علقة وهو دم متجمع‪ ،‬ول بد‬
‫عند الحنابلة والشافعية من أن يكون الحمل الذي تنقضي به العدة‪ :‬هو ما يتبين فيه شيء من خلق‬
‫النسان من الرأس واليد والرجل‪ ،‬أو يكون مضغة شهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية لخلقة‬
‫آدمي أو أصل آدمي‪ ،‬لعموم قوله تعالى‪{ :‬وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق‪.]4/65:‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬الحمل‪ :‬اسم لجميع ما في البطن‪ ،‬فلو ولدت وفي بطنها آخر تنقضي العدة بالخر‪ ،‬كما‬
‫سقْطا‪ ،‬واستبان‬
‫قرر الجمهور‪ ،‬لكن خالفوهم فقالوا‪ :‬يكفي خروج أكثر الولد‪ ،‬وإذا أسقطت المرأة ِ‬
‫بعض خلقه‪ ،‬انقضت به العدة؛ لنه ولد‪ ،‬وإل فل‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يكون الحمل منسوبا إلى صاحب العدة‪ ،‬ولو احتمالً كمنفي بلعان؛ لنه ل ينافي إمكان‬
‫كونه منه‪ ،‬بدليل أنه لو استلحقه به لحقه‪ ،‬فإن لم يمكن نسبته إلى صاحب العدة‪ ،‬كولد الزنا المنفي‬
‫قطعا‪ ،‬فل تنقضي به العدة‪.‬‬
‫وأقل مدة الحمل بالتفاق‪ :‬ستة أشهر‪ ،‬وغالبها تسعة‪ ،‬وأكثرها عند الحنفية سنتان‪ ،‬وعند الشافعية‬
‫والحنابلة‪ :‬أربع سنين‪ ،‬وعند المالكية في المشهور‪ :‬خمس سنين‪ .‬ودليلهم على أقل مدة الحمل‪ :‬المفهوم‬
‫من مجموع آيتين وهما قوله تعالى‪{ :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين} [البقرة‪]233/2:‬‬
‫وقوله سبحانه‪{ :‬وحمله وفصاله ثلثون شهرا} [الحقاف‪.]15/46:‬‬
‫وأما غالب مدة الحمل‪ ،‬فلن غالب النساء يحملن كذلك‪ ،‬وهذا أمر معروف بين الناس‪.‬‬

‫( ‪)9/600‬‬
‫وأما أكثر مدة الحمل فيعتمد فيها الستقراء وتتبع أحوال النساء؛ لن ما ل نص فيه يرجع فيه إلى‬
‫الموجود‪ ،‬وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬وقد وجد أربع سنين‪ ،‬روى الدارقطني عن الوليد بن مسلم‪ ،‬قلت‬
‫لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت‪« :‬ل تزيد المرأة في حملها على سنتين‪ ،‬فقال‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬من‬
‫يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلن امرأة صدقٍ‪ ،‬وزوجها رجل صدق‪ ،‬حملت ثلثة أبطن‬
‫في اثني عشر سنة» وقال الشافعي‪« :‬بقي محمد بن عجلن في بطن أمه أربع سنين» وقال أحمد‪:‬‬
‫«نساء بني عجلن تحمل أربع سنين» فلو طلقها الرجل أو مات عنها‪ ،‬فلم تتزوج حتى أتت بولد بعد‬
‫طلقه أو موته بأربع سنين‪ ،‬لحقه الولد‪ ،‬وانقضت عدتها به‪.‬‬
‫وأقل ما يتبين به خلق الولد‪ )81( :‬واحد وثمانون يوما في رأي الشافعية والحنابلة‪ ،‬لحديث ابن مسعود‬
‫خلْقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة‪ ،‬ثم يكون علَقة مثلَ ذلك‪،‬ثم‬
‫عند الشيخين‪« :‬إن أحدكم يُجمع َ‬
‫يكون ُمضْغة مثلَ ذلك» فالعدة في رأي الشافعية والحنابلة‪ :‬ل تنقضي بما دون المضغة‪ ،‬فوجب أن‬
‫تكون بعد الثمانين‪.‬‬
‫و نصت المادة (‪ )124‬من القانون السوري على هذه العدة‪« :‬عدة الحامل تستمر إلى وضع حملها أو‬
‫إسقاطه مستبينا بعض العضاء» ‪.‬‬
‫التحول لعدة الحمل‪ :‬لو ظهر في أثناء عدة القراء أو الشهر حمل للزوج‪ ،‬اعتدت المرأة بوضعه‪.‬‬
‫المرتابة بالحمل‪ :‬إذا ارتابت المعتدة من طلق أو وفاة بأن ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة‬
‫ونحوهما‪ ،‬وشكّت‪ :‬هل هو حمل أو ل‪ ،‬أو ارتابت بعد انقضاء العدة بالقراء أو الشهر‪ ،‬تربصت (أي‬
‫مكثت) إلى منتهى أمد الحمل عند المالكية‪ ،‬فل يحل لها أن تتزوج قبله‪ .‬وعليها أن تصبر عند‬
‫الشافعية والحنابلة عن الزواج حتى تزول الريبة‪ ،‬للحتياط‪ ،‬ولخبر‪« :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك»‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)9/601‬‬

‫ول تحل للزواج عند المالكية حتى يمضي أقصى أمد الحمل‪ ،‬وإن تزوجت بعد انقضاء العدة بزوج‬
‫آخر قبل زوال الريبة‪ .‬والمذهب لدى الشافعية عدم إبطال النكاح في الحال؛ لنا حكمنا بانقضاء العدة‬
‫ظاهرا‪ ،‬فل نبطله بالشك‪ ،‬فإن علم ما يقتضي البطلن بأن ولدت لدون ستة أشهر من وقت النكاح‬
‫الثاني‪ ،‬حكمنا ببطلنه‪ ،‬لتبين فساده‪ .‬ولدى الحنابلة في إبطال هذا النكاح وجهان‪ :‬أحدهما ـ‬
‫كالشافعية‪ ،‬والثاني ـ يحل لها النكاح ويصح؛ لننا حكمنا بانقضاء العدة‪ ،‬وحل النكاح‪ ،‬وسقوط النفقة‬
‫والسكنى‪ ،‬فل يجوز زوال ماحكم به بالشك الطارئ‪ ،‬ولهذا ل ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده‬
‫ورجوع الشهود‪.‬‬
‫عدة زوجة الصغير بعد وفاته‪ :‬إذا مات الصغير الذي ل يتأتى منه الحبال‪ ،‬عن امرأته‪ ،‬وبها حبل‬
‫محقق بأن تضع لدون ستة أشهر من موته‪ ،‬فعدتها عند أبي حنيفة ومحمد أن تضع حملها‪ ،‬لطلق‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلق‪ ]4/65:‬وإن حدث الحَبَل بعد الموت‪،‬‬
‫فعدتها أربعة أشهر وعشر؛ لن هذه عدتها التي وجبت عليها عند الموت‪ ،‬فل تتغير بعده‪ .‬ولكن‬
‫ليثبت نسب الولد في هاتين الحالتين؛ لن الصبي ل ماء له‪ ،‬فل يتصور منه العلوق‪ .‬وقال الشافعية‬
‫وأبو يوسف‪ :‬عدتها بالشهر أي أربعة أشهر وعشر‪ ،‬ل بوضع الحمل؛ لن الولد منفي عنه يقينا لعدم‬
‫إنزاله‪ .‬ومثله ممسوح إذ ل يلحقه على المذهب لدى الشافعية (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،192/3 :‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ ،830/2 :‬اللباب‪ ،81/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،238‬الشرح الصغير‪ ،682/2 :‬مغني المحتاج‪ ،395/3 :‬المهذب‪ ،145/2 :‬كشاف القناع‪،480/5 :‬‬
‫غاية المنتهى‪ ،210/3 :‬المغني‪.470/7 :‬‬

‫( ‪)9/602‬‬

‫‪ - ً 2‬عدة المتوفى عنها زوجها‪ :‬عرفنا أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملً‪ ،‬تنتهي عدتها بوضع‬
‫الحمل‪ ،‬ولو كانت الولدة بعد الوفاة بزمن قريب أو بعيد‪.‬‬
‫فإن كانت حائلً غير حامل‪ ،‬كانت عدتها بالتفاق أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام بلياليها من تاريخ‬
‫الوفاة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا‪ ،‬يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}‬
‫[البقرة‪ ]234/2:‬حزنا على نعمة الزواج كما بينت‪ ،‬سواء أكان الزوج قد دخل بها‪ ،‬أم لم يدخل‪،‬‬
‫وسواء أكانت صغيرة أم كبيرة‪ ،‬أم في سن من تحيض‪ ،‬لطلق الية‪ ،‬ولم تخصص بالمدخول بها؛‬
‫لن النص القرآني استثنى غير المدخول بها إذا كانت مطلّقة في قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‪ ،‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الحزاب‪:‬‬
‫‪.]49/33‬‬
‫ونصت المادة (‪ )123‬من القانون السوري على هذه العدة‪« :‬عدة المتوفى عنها زوجها أربعةأشهر‬
‫وعشرة أيام» ‪.‬‬
‫لكن شرط وجوب العدة بالشهر الربعة والعشر للمتوفى عنها‪ :‬النكاح الصحيح فقط‪ ،‬وبقاء النكاح‬
‫صحيحا إلى الموت مطلقا‪ ،‬سواء وطئت أم ل‪ ،‬وسواء أكانت صغيرة أم كتابية تحت مسلم‪.‬‬
‫فإذا كان الزواج فاسدا‪ ،‬فإن عدتها عند الحنفية والحنابلة ثلث حيضات إن كانت من ذوات الحيض‪،‬‬
‫وثلثة أطهار عند المالكية والشافعية؛ لن القصد من إطالة مدة العدة وهو إظهار السف على نعمة‬
‫الزواج‪ ،‬ليتحقق إل إذا كان الزواج صحيحا‪.‬‬
‫فإن لم تكن من ذوات الحيض وهي مطلّقة‪ ،‬فإنها تعتد بثلثة أشهر‪ ،‬كما سأبين‪.‬‬

‫( ‪)9/603‬‬

‫‪ - ً 3‬عدة المطلّقة ‪:‬‬


‫إن كانت المرأة حاملً‪ ،‬فإن عدتها تكون بوضع الحمل‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬
‫وإن لم تكن حاملً فعدتها بالتفاق إن كانت من ذوات الحيض سواء من طلق أو فسخ‪ :‬ثلثة قروء (‬
‫‪( )1‬حيضات عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬وأطهار عند المالكية والشافعية) لقوله تعالى‪{ :‬والمطلقات‬
‫يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء} [البقرة‪ ]228/2:‬فإنه أوجب على المطلّقة النتظار مدة ثلثة قروء‪.‬‬
‫والقروء عند الحنفية والحنابلة‪ :‬ثلث حيضات كوامل‪ ،‬لعدم تجزؤ الحيضة‪ ،‬وإذا طلق الرجل امرأته‬
‫لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلق‪ ،‬ول تحل لغيره إذا انقطع دم الحيضة الخيرة حتى تغتسل في‬
‫رأي الحنابلة‪.‬‬
‫وأما عند المالكية والشافعية فقد ل تكون القروء ثلثة كاملة‪ ،‬فإذا طلقت المرأة في طهر‪ ،‬كانت بقية‬
‫الطهر قرءا كاملً‪ ،‬ولو كانت لحظة‪ ،‬فتعتد به‪ ،‬ثم بقرءين بعده‪ ،‬فذلك ثلثة قروء‪ ،‬فمن طلقت طاهرا‬
‫انقضت عدتها ببدء الحيضة الثالثة‪ ،‬ومن طلقت حائضا‪ ،‬انتهت عدتها بدخول الحيضة الرابعة بعد‬
‫الحيضة التي طلقت فيها‪.‬‬
‫والظهر لدى الشافعية عدم احتساب طهر من لم تحض قرءا إذا طلقت فيه‪ ،‬فمن طلقت في طهر‬
‫وكانت لم تحض أصلً‪ ،‬ثم حاضت في أثناء عدتها بالشهر‪ ،‬فل يحتسب ذلك الطهر الذي طلقت فيه‪.‬‬
‫وإن لم تكن المرأة من ذوات الحيض لصغر أو كبر سن بأن بلغت سن اليأس‪ ،‬أو لكونها ل تحيض‬
‫أصلً بعد بلوغها خمس عشرة سنة‪ ،‬فإن عدتها تكون بثلثة أشهر لقوله تعالى‪{ :‬واللئي يئسن من‬
‫المحيض من نسائكم إن ارتبتم‪ ،‬فعدتهن ثلثة أشهر‪ ،‬واللئي لم يحضن} [الطلق‪.]4/65:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 191/3 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،828-825/2 :‬فتح القدير‪ ،272-269/3 :‬اللباب‪:‬‬
‫‪ ،83 ،80/3‬الشرح الصغير‪ ،674-672/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،235‬بداية المجتهد‪ 88/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،96 ،‬المهذب‪ 143/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ 384/3 :‬وما بعدها‪ ،387 ،‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،485-482/5‬المغني‪ ،468-467 ،462-456 ،449/7 :‬غاية المنتهى‪ 211/3 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/604‬‬

‫‪ - ً 4‬عدة من لم تحض لصغر أو كبر سن بسبب بلوغ سن اليأس‪ ،‬ومن لم تحض أصلً‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى‪ :‬عدة الصغيرة واليسة‪ ،‬والمرأة التي لم تحض‪ :‬ثلثة أشهر (‪ ، )1‬للية السابقة‪{ :‬واللئي‬
‫يئسن من المحيض‪[ }...‬الطلق‪.]4/65:‬‬
‫سن اليأس‪ :‬أما تحديد سن اليأس‪ :‬وهي السن التي إذا بلغتها المرأة ل تحيض فيها‪ ،‬فمختلف في تقديره‬
‫بين الفقهاء (‪. )2‬‬
‫يرى الحنابلة‪ :‬أن حد الياس خمسون سنة‪ ،‬لقول عائشة‪« :‬لن ترى في بطنها ولدا بعد خمسين سنة» ‪.‬‬
‫ورأي الحنفية في المفتى به‪ :‬أن الياس يكون بخمس وخمسين‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إن أقصى سن اليأس اثنان وستون سنة‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أن سن اليأس تقدر بسبعين سنة‪ ،‬فما تراه المرأة بعد هذه السن ل يعتبر حيضا‬
‫قطعا‪.‬‬
‫سن الحيض‪ :‬وأقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين؛ لن المرجع فيه إلى الموجود‪ ،‬وقد وجد من‬
‫تحيض لتسع‪.‬‬
‫سن البلوغ‪ :‬وسن البلوغ في الغالب إذا لم تحض المرأة باتفاق المذاهب خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫موقف القانون من النوعين الخيرين ومن ممتدة الطهر‪ :‬نص القانون السوري م (‪ )121‬على ما‬
‫يأتي‪ :‬عدة المرأة غير الحامل للطلق أو الفسخ كما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ثلث حيضات كاملت لمن تحيض‪ ،‬ول تسمع دعوى المرأة بانقضائها قبل مضي ثلثة أشهر‬
‫على الطلق أو الفسخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬سنة كاملة لممتدة الطهر التي لم يجئها الحيض‪ ،‬أو جاءها ثم انقطع ولم تبلغ سن اليأس‪.‬‬
‫‪ - 3‬ثلثة أشهر لليسة‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )122‬على العدة في الزواج الفاسد‪ :‬العدة في الزواج الفاسد بعد الدخول تجري عليها‬
‫أحكام المادة السابقة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،484/5 :‬الدر المختار‪ ،835/2 :‬الشرح الصغير‪ ،672/2 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،387/3‬المغني‪.460/7 :‬‬

‫( ‪)9/605‬‬

‫‪ - ً 5‬عدة المرتابة (ممتدة الطهر) والمستحاضة ‪:‬‬


‫النساء في سن الحيض ثلثة أصناف‪ :‬معتادة‪ ،‬ومرتابة‪ ،‬ومستحاضة (‪: )1‬‬
‫فأما المعتادة‪ :‬فتعتد بثلثة قروء على حسب عادتها‪ ،‬كما تبين في النوع الثالث‪.‬‬
‫وأما المرتابة بالحيض أو ممتدة الطهر‪ :‬وهي التي ارتفع حيضها‪ ،‬ولم تدر سببه من حمل أو رضاع‬
‫أو مرض‪ .‬فحكمها عند الحنفية والشافعية‪ :‬أنها تبقى أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن من ل تحيض‪ ،‬ثم‬
‫تعتد بثلثة أشهر؛ لنها لما رأت الحيض‪ ،‬صارت من ذوات الحيض‪ ،‬فل تعتد بغيره‪ ،‬ولما روى‬
‫البيهقي عن عثمان أنه حكم بذلك في المرضع‪.‬‬
‫وعند المالكية والحنابلة‪ :‬عدتها سنة بعد انقطاع الحيض‪ ،‬بأن تمكث تسعة أشهر‪ ،‬وهي مدة الحمل‬
‫غالبا‪ ،‬ثم تعتد بثلثة أشهر‪ ،‬فيكمل لها سنة‪ ،‬ثم تحل‪ ،‬وذلك إذا انقطع الحيض عند المالكية بسبب‬
‫المرض أو بسبب غير معروف‪ .‬لما روي عن عمر رضي ال عنه‪ :‬أنه قال في رجل طلق امرأته‪،‬‬
‫فحاضت حيضة أو حيضتين‪ ،‬فارتفع حيضها‪ ،‬ل تدري ما رفعه؟ تجلس تسعة أشهر‪ ،‬فإذا لم يستبن‬
‫بها حمل‪ ،‬فتعتد بثلثة أشهر فذلك سنة (‪ )2‬؛ ولن المقصود من العدة معرفة براءة الرحم وخلوه من‬
‫الحمل‪ ،‬وتتحقق هذه المعرفة بمضي هذه المدة‪ ،‬فيكتفى بها‪.‬‬
‫فإن انقطع الحيض بسبب الرضاع‪ ،‬فإن عدتها عند المالكية تنقضي بمضي سنة بعد انتهاء زمن‬
‫الرضاع وهو سنتان‪ .‬فإن رأت الحيض ولو في آخر يوم من السنة انتظرت الحيضة الثالثة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 828/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،236-235‬الشرح الصغير‪675/2 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،681 ،‬المغني‪ ،768-766/7 :‬كشاف القناع‪ 485/5 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪،212/3 :‬‬
‫مغني المحتاج‪.387 ،385/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الشافعي بإسناد جيد من حديث سعيد بن المسيب عن عمر‪ ،‬قال الشافعي‪« :‬هذا قضاء عمر‬
‫بين المهاجرين والنصار‪ ،‬ل ينكره منكر‪ ،‬علمناه» ‪.‬‬

‫( ‪)9/606‬‬
‫ورأي الحنابلة والمالكية هو الراجح‪ ،‬وأخذ به القانون السوري في المادة السابقة (‪ )121‬لما فيه من‬
‫الرفق بالناس‪ ،‬وعدم تطويل العدة على المرأة‪ .‬أما القانون المصري رقم (‪ )25‬لعام (‪ )1929‬فلم‬
‫يتعرض لنتهاء عدة ممتدة الطهر ول لبقائها‪ ،‬ول لحل تزوجها برجل آخر أو عدم حله‪ ،‬وإنما نص‬
‫على أنه‪« :‬ل تسمع الدعوى بنفقة عدة لمدة تزيد على سنة من تاريخ الطلق» وحدد السنة بـ (‪)365‬‬
‫يوما‪.‬‬
‫وأما المستحاضة أو ممتدة الدم‪ :‬وهي المتحيرة التي نسيت عادتها فالمفتى به عند الحنفية‪ :‬أنها تنقضي‬
‫عدتها بسبعة أشهر‪ ،‬بأن يقدر طهرها بشهرين‪ ،‬فتكون أطهارها ستة أشهر‪ ،‬وتقدر ثلث حيضات‬
‫بشهر احتياطا‪ .‬وقيل‪ :‬تنقضي عدتها بثلثة أشهر‪ .‬وأما إذا استمر بها الدم‪ ،‬وكانت تعلم عادتها‪ ،‬فإنها‬
‫ترد إلى عادتها‪.‬‬
‫ورأى الحنابلة والشافعية‪ :‬أن عدة المستحاضة الناسية لوقت حيض والمبتدأة كاليسة‪ :‬ثلثة أشهر؛ لن‬
‫حمْنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة‪ ،‬فجعل لها‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم أمر َ‬
‫حيضة من كل شهر‪ ،‬بدليل أنها تترك فيها الصلة ونحوها‪ .‬فإن كانت لها عادة أو تمييز عملت به‪،‬‬
‫كما تعمل به في الصلة والصوم‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى أن المستحاضة غير المميزة بين دم الحيض والستحاضة كالمرتابة‪ ،‬تمكث سنة‬
‫كاملة‪ ،‬تقيم تسعة أشهر استبراء لزوال الريبة؛ لنها مدة الحمل غالبا‪ ،‬وثلثة أشهر عدة‪ ،‬وتحل‬
‫للزواج‪ ،‬فتكون عدة المستحاضة غير المميزة‪ ،‬ومن تأخر عنها الحيض‪ ،‬ل لعلة‪ ،‬أو لعلة غير‬
‫رضاع‪ :‬سنة كاملة‪ .‬أما المميزة المستحاضة ومن تأخر حيضها لرضاع فتعتد بالقراء‪.‬‬

‫( ‪)9/607‬‬

‫‪ - ً 6‬عدة المفقود زوجها ‪:‬‬


‫المفقود‪ :‬هو الغائب الذي لم يُدْر‪ :‬أحي هو فيتوقع قدومه‪ ،‬أم ميت أودع القبر‪ ،‬كالذي يفقد من بين أهله‬
‫ليلً أو نهارا‪ ،‬أو يخرج إلى الصلة فل يرجع‪ ،‬أو يفقد في مفازة أي مهلكة‪ ،‬أو يفقد بسبب حرب أو‬
‫غرق مركبة ونحوه‪ .‬وحكم عدة زوجته بحسب حكم حاله عند الفقهاء (‪. )1‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬هو حي في حق نفسه‪ ،‬فل يورث ماله‪ ،‬ول تبين منه امرأته‪ ،‬فل تعتد زوجته حتى يتحقق‬
‫موته‪ ،‬استصحابا لحال الحياة السابق‪ .‬أما المنعي إليها زوجها أو التي أخبرها ثقة أن زوجها الغائب‬
‫مات‪ ،‬أو طلقها ثلثا أو أتاها منه كتاب على يد ثقة بالطلق‪ ،‬فل بأس أن تعتد وتتزوج‪.‬‬
‫وقال الشافعية في الجديد الصحيح مثل الحنفية‪ :‬ليس لمرأته أن تفسخ النكاح‪ ،‬لنه إذا لم يجز الحكم‬
‫بموته في قسمة ماله‪ ،‬لم يجز الحكم بموته في نكاح زوجته‪ .‬فل تعتد زوجته ول تتزوج حتى يتحقق‬
‫موته أو طلقه‪ ،‬عملً بمبدأ الستصحاب‪ ،‬وبقول علي رضي ال عنه‪« :‬تصبر حتى يعلم موته» ‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلة‪ :‬تنتظر امرأة المفقود أربع سنين‪ ،‬ثم تعتد عدة الوفاة‪ :‬أربعة أشهر وعشرة‬
‫أيام‪ ،‬لما روي عن عمررضي ال عنه‪« :‬أن رجلً غاب عن امرأته‪ ،‬وفقد‪ ،‬فجاءت امرأته إلى عمر‪،‬‬
‫فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬تربصي أربع سنين ففعلت‪ ،‬ثم أتته‪ ،‬فقال‪ :‬تربصي أربعة أشهر وعشرا‪،‬‬
‫ففعلت‪ ،‬ثم أتته فقال‪ :‬أين ولي هذا الرجل؟ فجاؤوا به فقال‪ :‬طلقها‪ ،‬ففعل‪ ،‬فقال عمر‪ :‬تزوجي من‬
‫شئت» (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 693/2 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،52/2 :‬المهذب‪ ،146/2 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ 487/5‬وما بعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ ،212/3 :‬المغني‪ ،496-488/7 :‬الدر المختار‪ ،160/3 :‬وانظر‪:‬‬
‫‪ ،847/2‬مغني المحتاج‪.397/3 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الثرم والجوزجاني والدارقطني‪.‬‬

‫( ‪)9/608‬‬

‫المبحث الثالث ـ تحول العدة أو انتقالها وتغيرها ‪:‬‬


‫قد يطرأ على المعتدة بالشهر أو بالقراء ما يوجب تغير نوع العدة‪ ،‬فيجب عليها العتداد بمقتضى‬
‫المر الطارئ‪ ،‬وهذه هي الحالت التي تقتضي تحول العدة (‪: )1‬‬
‫أولً ـ تحول العدة من الشهر إلى القراء ‪:‬‬
‫إذا طلقت الصغيرة أو من بلغت سن اليأس‪ ،‬فشرعت في العدة بالشهور‪ ،‬ثم حاضت قبل انتهاء العدة‪،‬‬
‫لزمها النتقال إلى القراء‪ ،‬وبطل ما مضى من عدتها‪ ،‬ول تنتهي عدتها إل بثلث حيضات كوامل‬
‫عند الحنفية والحنابلة‪ ،‬وبثلثة أطهار عند المالكية والشافعية؛ لن الشهور بدل عن القراء‪ ،‬فل يجوز‬
‫العتداد بها مع وجود أصلها‪ ،‬كالقدرة على الوضوء في حق المتيمم ونحوها‪ .‬واليسة لما رأت الدم‬
‫تبين أنها أخطأت الظن‪.‬‬
‫فإن انقضت عدتها بالشهور‪ ،‬ثم حاضت‪ ،‬لم يلزمها استئناف العدة بالقراء؛ لن هذا معنى حدث بعد‬
‫انقضاء العدة‪ ،‬وقد حصل المقصود بالبدل‪ ،‬فل يبطل حكمه بالقدرة على الصل‪ ،‬كمن صلى بالتيمم‪،‬‬
‫ثم قدر على الماء بعد انتهاء وقت الصلة‪ ،‬فل يجب عليه الوضوء وإعادة الصلة‪.‬‬
‫ثانيا ـ تحول العدة من القراء إلى الشهر أو وضع الحمل ‪:‬‬
‫إذا شرعت المطلقة في العدة بالقراء‪ ،‬ثم ظهر بها حمل من الزوج‪ ،‬بناء على رأي المالكية والشافعية‬
‫بأن الحامل قد ترى الدم‪ ،‬سقط حكم القراء‪ ،‬وتعتد بوضع الحمل؛ لن القراء دليل على براءة الرحم‬
‫في الظاهر‪ ،‬والحمل دليل على شغل الرحم قطعا‪ ،‬فيسقط الظاهر بالقطع‪.‬‬
‫وإذا طلقت المرأة التي كانت تحيض‪ ،‬فحاضت مرة أو مرتين‪ ،‬ثم أيست‪ ،‬انتقلت عدتها من الحيض‬
‫إلى الشهر‪ ،‬ول تعتد بالشهر عند الحنفية إل بعد بلوغها سن اليأس (وهو ‪ 55‬سنة)‪ ،‬فإذا بلغت سن‬
‫اليأس‪ ،‬استأنفت العدة بالشهر الثلثة التي هي عدة اليسة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 200/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،834-832 ،826/2 :‬فتح القدير‪،277 ،275/3 :‬‬
‫‪ ،279‬اللباب‪ ،81/3 :‬الشرح الصغير‪ 714 ،682/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ 143/2 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪ ،480/5 :‬مغني المحتاج‪ 396 ،389/3 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ 471 ،467-463/7 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.237‬‬

‫( ‪)9/609‬‬

‫وقال المالكية والحنابلة‪ :‬تعتد سنة‪ ،‬تسعة أشهر منها من وقت الطلق تنتظر فيها لتعلم براءة رحمها؛‬
‫لن هذه المدة هي غالب مدة الحمل‪ ،‬ثم تعتد بعد ذلك عدة اليسات‪ :‬ثلثة أشهر‪ ،‬عملً بقول عمر‬
‫رضي ال عنه‪.‬وهذا هو المعقول‪ ،‬دفعا للحرج والمشقة‪.‬‬
‫وقال الشافعية في الجديد كالحنفية‪ :‬تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الياس‪ ،‬فتعتد حينئذ‬
‫بثلثة أشهر؛ لن العتداد بالشهر جعل بعد الياس‪ ،‬فلم يجز قبله‪ ،‬وهذه ليست آيسة‪ ،‬ولنها ترجو‬
‫عود الدم‪ ،‬فلم تعتد بالشهور‪ ،‬كما لو تباعد حيضها لعارض‪.‬‬
‫ثالثا ـ النتقال إلى عدة وفاة ‪:‬‬
‫إذا مات الرجل في أثناء عدة زوجته التي طلقها طلقا رجعيا‪ ،‬انتقلت بالجماع من عدتها بالقراء أو‬
‫الشهر إلى عدة وفاة‪ :‬وهي أربعة أشهر وعشرة أيام‪ ،‬سواء أكان الطلق في حال الصحة أم في حال‬
‫مرض الموت؛ لن المطلقة رجعيا تعد زوجة ما دامت في العدة‪ ،‬وموت الزوج يوجب على زوجته‬
‫عدة الوفاة‪ ،‬فتلغو أحكام الرجعة‪ ،‬وسقطت بقية عدة الطلق‪ ،‬فتسقط نفقتها‪ ،‬وتثبت أحكام عدة الوفاة‬
‫من إحداد وغيره‪ .‬ونصت المادة (‪ )1/127‬من القانون السوري على هذا‪« :‬إذا توفي الزوج‪ ،‬وكانت‬
‫المرأة في عدة الطلق الرجعي‪ ،‬تنتقل إلى عدة الوفاة‪ ،‬ول يحسب ما مضى» ‪.‬‬
‫أما إن مات الرجل في أثناء عدة زوجته من طلق بائن‪ ،‬فل تنتقل إلى عدة الوفاة‪ ،‬بل تتم عدة الطلق‬
‫البائن؛ لنها ليست بزوجة‪ ،‬فتكمل عدة الطلق‪ ،‬ول حداد عليها‪ ،‬ولها النفقة إن كانت حاملً‪.‬‬

‫( ‪)9/610‬‬

‫رابعا ـ العدة بأبعد الجلين ـ عدة طلق الفارّ ‪:‬‬


‫للفقهاء مذهبان‪:‬‬
‫مذهب أبي حنيفة ومحمد وأحمد‪ :‬إن كان الطلق فرارا من إرث الزوجة بأن طلق في مرض الموت‬
‫بقصد حرمانها من الميراث‪ ،‬ثم مات وهي في العدة‪ ،‬فإنها تنتقل من عدة الطلق‪ ،‬إلى العدة بأبعد‬
‫الجلين من عدة الوفاة وعدة الطلق احتياطا‪ ،‬بأن تتربص أربعة أشهر وعشرا من وقت الموت‪ ،‬فإن‬
‫لم تر فيها حيضا تعتد بعدها بثلث حيضات في رأي الحنفية والحنابلة‪ .‬وإن امتد طهرها تبقى عدتها‬
‫حتى تبلغ سن اليأس؛ لن المرأة لما ورثت من زوجها‪ ،‬اعتبر الزواج قائما حكما وقت الوفاة‪ ،‬فتجب‬
‫عليها عدة الوفاة‪ ،‬وبما أن الطلق بائن فل تعد زوجيتها قائمة‪ ،‬ول تجب عليها عدة الوفاة‪ ،‬وإنما عدة‬
‫الطلق‪ ،‬فمراعاة لهذين العتبارين تتداخل العدتان‪ ،‬وتعتد بهما معا‪.‬‬
‫وأخذ القانون السوري (م ‪ )2/127‬بهذا الرأي‪« :‬إذا توفي وهي في عدة البينونة‪ ،‬تعتد بأبعد الجلين‬
‫من عدة الوفاة أو البينونة» لكن كان ينبغي تقييد لفظ البينونة بكونها في حالة طلق الفرار‪ .‬أما في‬
‫غير تلك الحالة فل تنتقل العدة؛ لن الزوجية غير قائمة بعد طلق بائن‪ .‬ومذهب مالك والشافعي وأبي‬
‫يوسف‪ :‬أن زوجة الفارّ ل تعتد بأطول الجلين من عدة الوفاة أو ثلثة قروء‪ ،‬وإنما تكمل عدة‬
‫الطلق؛ لن زوجها مات وليست زوجة له؛ لنها بائن من النكاح‪ ،‬فل تكون منكوحة‪ .‬واعتبار الزواج‬
‫قائما وقت الوفاة في رأي مالك إنما هو في حق الرث فقط‪ ،‬ل في حق العدة؛ لن ما ثبت على‬
‫خلف الصل ل يتوسع فيه‪.‬وهذا عندي هو الراجح‪.‬‬
‫ويتصور اعتداد المرأة بأبعد الجلين لدى الشافعية فيما لو طلق الرجل إحدى امرأتيه طلقا بائنا‪،‬‬
‫ومات قبل بيان أو تعيين المطلّقة‪ ،‬فإن كل واحدة تعتد بالكثر من عدة وفاة وثلثة من أقرائها؛ لن‬
‫كل واحدة وجب عليها عدة بالطلق‪ ،‬واشتبهت عليها بعدة أخرى بالوفاة‪ ،‬فوجب أن تأتي بأبعد‬
‫الجلين لتخرج عما عليها بيقين‪ ،‬كمن أشكلت عليه صلة من صلتين‪ ،‬يلزمه أن يأتي بهما‪.‬‬
‫وتعتد المرأة بأقصى الجلين عند المالكية كما بان في حالة النتقال إلى عدة وفاة‪ ،‬كأن يموت زوج‬
‫الرجعية في عدتها‪.‬‬

‫( ‪)9/611‬‬
‫المبحث الرابع ـ وقت ابتداء العدة وما يعرف به انقضاؤها ‪:‬‬
‫ابتداء العدة‪ :‬فصّل الحنفية مبدأ العدة على النحو التالي (‪: )1‬‬
‫‪ 1‬ـ إن كان الزواج صحيحا‪ :‬فمبدأ العدة بعد الطلق أو الفسخ أو الموت‪ ،‬فابتداء العدة في الطلق‬
‫ونحوه عقيب الطلق‪ ،‬وفي الوفاة عقيب الوفاة بالتفاق بين الفقهاء‪ ،‬وتنقضي العدة وإن جهلت المرأة‬
‫بالطلق أو الوفاة؛ لنها أجل‪ ،‬فل يشترط العلم بمضي الجل‪ ،‬سواء اعترف الرجل بالطلق أو أنكر‪،‬‬
‫فلو طلق الرجل امرأته ثم أنكره‪ ،‬وأقيمت عليه بيّنة وقضى القاضي بالفرقة‪ ،‬كأن ادعته عليه في‬
‫شوال‪ ،‬وقضى به القاضي في المحرّم‪ ،‬فالعدة من وقت الطلق‪ ،‬ل من وقت القضاء‪.‬‬
‫وتنقضي العدة‪ ،‬وإن لم تعلم المرأة بالطلق أو الوفاة‪ ،‬فلو طلق الرجل امرأته الحامل أو مات عنها‪،‬‬
‫ولم يبلغها الخبر حتى وضعت‪ ،‬انقضت عدتها بالتفاق‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وإن كان الزواج فاسدا‪ :‬فمبدأ العدة بعد أو عقيب التفريق من القاضي بين الزوجين‪ ،‬أو بعد‬
‫المتاركة وإظهار عزم الواطئ على ترك وطئها‪ ،‬بأن يقول بلسانه‪ :‬تركت وطأها‪ ،‬أو تركتها‪ ،‬أو‬
‫خليت سبيلها‪ ،‬ونحوه‪ ،‬ومنه الطلق وإنكار الزواج إذا كان بحضرتها‪ ،‬وإل فل يعد النكار متاركة‪.‬‬
‫ونص القانون السوري (م ‪ )125‬على ابتداء العدة في الزواج الصحيح والفاسد‪« :‬تبدأ العدة من تاريخ‬
‫الطلق أو الوفاة أو الفسخ‪ ،‬أو التفريق القضائي أو المفارقة في النكاح الفاسد» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،842-839/2 :‬البدائع‪ ،190/3 :‬فتح القدير‪ ،286/3 :‬الكتاب وشرحه‬
‫اللباب‪ ،84/3 :‬مغني المحتاج‪ ،395 ،390/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،238 ،235‬غاية المنتهى‪:‬‬
‫‪ 210/3‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/612‬‬

‫‪ - 3‬وإن كان الوطء بشبهة‪ :‬فقال ابن عابدين (‪: )1‬لم أر من صرح بمبدأ العدة في الوطء بشبهة بل‬
‫عقد‪ ،‬وينبغي أن يكون من آخر الوطآت عند زوال الشبهة‪ ،‬بأن علم أنها غير زوجته‪ ،‬وأنها ل تحل؛‬
‫إذ ل عقد هنا‪ ،‬فلم يبق سبب للعدة سوى الوطء المذكور‪.‬‬
‫وهذا الرأي حق‪ ،‬فإن بدء العدة ببدء السبب الذي أدى إليها‪ ،‬والوقاع في حالة الوطء بشبهة هو سبب‬
‫هذه العدة‪ ،‬فتبتدئ منه‪.‬‬
‫تداخل العدتين‪ :‬إذا تجدد سبب العدة في أثناء عدة سابقة‪ ،‬فهل تتداخل العدتان أم تكمل العدة السابقة‪،‬‬
‫وتستأنف بعدئذ عدة أخرى؟‬
‫يرى الحنفية (‪ : )2‬أنه إذا وجبت عدتان تداخلتا‪ ،‬سواء أكانتا من جنس واحد‪ ،‬أم من جنسين‪ ،‬ومن‬
‫رجل واحد أم من رجلين‪ ،‬مثال الجنس الواحد ومن رجل واحد‪ :‬إذا تزوجت المطلقة في عدتها‪،‬‬
‫فوطئها الزوج‪ ،‬ثم تتاركا‪ ،‬حتى وجبت عليها عدة أخرى‪ ،‬فإن العدتين تتداخلن‪ .‬ومثال الجنسين ومن‬
‫رجلين‪ :‬المتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة‪ ،‬فعليها عدة أخرى‪ ،‬وتتداخل العدتان‪.‬‬
‫وذلك لن العدة عندهم هي أجل حدد لنقضاء ما بقي من آثار الزواج‪ ،‬بخلف الجمهور الذي يجعلون‬
‫العدة هي فعل التربص‪.‬‬
‫ويرى أبو حنيفة وأبو يوسف أنه إذا طلق الرجل زوجته التي دخل بها طلقا بائنا بينونة صغرى‪ ،‬ثم‬
‫تزوجها قبل انقضاء عدتها‪ ،‬وطلقها قبل أن يدخل بها‪ ،‬وجب عليها أن تبدأ عدة جديدة‪ ،‬ول تبني على‬
‫ما سبق من العدة الولى؛ لنها بالعقد عادت إلى حالها الول‪ ،‬وهي كانت مدخولً بها‪ ،‬فإذا طلقها كان‬
‫طلقا بعد الدخول حكما‪ ،‬فيجب عليها عدة مستقلة‪ ،‬ولها مهر كامل‪ .‬ولم يوجب مالك ومحمد عليها‬
‫عدة جديدة‪ ،‬بل تكمل عدتها الولى‪ ،‬ويجب لها نصف المهر المسمى‪.‬‬
‫وقال الجمهور (‪ : )3‬إذا كانت العدتان لشخص واحد ومن جنس واحد‪ ،‬تداخلتا‪ ،‬كأن طلق رجل‬
‫ل كون‬
‫زوجته‪ ،‬ثم يطؤها في عدة أقراء أو أشهر‪ ،‬جاه ً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪.841/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،190/2 :‬الدر المختار‪ 837/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير والعناية‪.286 ،283/3 :‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،237‬الشرح الصغير‪ ،715/2 :‬مغني المحتاج‪ ،393-391/3 :‬المهذب‪:‬‬
‫‪ ،151/2‬المغني‪ ،486 ،481/7 :‬غاية المنتهى‪ ،215/3 :‬كشاف القناع‪.492/5 :‬‬

‫( ‪)9/613‬‬

‫الطلق بائنا‪ ،‬أو عالما أنها رجعية‪ ،‬تداخلت العدتان‪ ،‬فتبتدئ عدة بأقراء أو أشهر من فراغ الوطء‪،‬‬
‫ويدخل فيها بقية عدة الطلق؛ لن مقصود عدة الطلق والوطء واحد‪ ،‬فل معنى للتعدد‪ ،‬وتكون تلك‬
‫البقية واقعة عن الجهتين‪.‬‬
‫حمْلً‪ ،‬والخرى أقراء‪ ،‬بأن‬
‫وكذلك تتداخل العدتان إن لم تتفقا وكانتا من جنسين‪ ،‬بأن كانت إحداهما َ‬
‫طلقها وهي حامل‪ ،‬ثم وطئها قبل وضع الحمل‪ ،‬أو طلقها وهي غير حامل ثم وطئها في أثناء القراء‪،‬‬
‫فأحبلها‪ ،‬فتنقضي العدتان بوضع الحمل على الجهتين‪ ،‬سواء رأت الدم مع الحمل أو ل‪ .‬وللزوج في‬
‫عدة طلق رجعي أن يراجع قبل وضع الحمل‪.‬‬
‫أما إن كانت العدتان من شخصين‪ :‬بأن كانت في عدة زوج أو في عدة وطء شبهة‪ ،‬ثم وطئت بشبهة‬
‫أو نكاح فاسد ‪ ،‬والواطئ غير صاحب العدة الولى‪ ،‬أو كانت زوجة معتدة عن شبهة‪ ،‬فطلقت بعد‬
‫وطء الشبهة‪ ،‬فل تداخل‪ ،‬عملً بأثر عن عمر وعلي رواه الشافعي رضي ال عنهم أجمعين‪ .‬فإن وجد‬
‫حمل اعتدت بوضعه أولً‪ ،‬وإن لم يكن حمل‪ ،‬أتمت عدة الطلق ولو كان الوطء بشبهة سابقا للطلق‪،‬‬
‫لقوة عدة الطلق بسبب استنادها إلى عقد جائز وسبب مسوغ‪ ،‬ثم تستأنف العدة الخرى‪.‬‬
‫ولو تزوجت المطلّقة في عدتها من الطلق‪ ،‬فدخل بها الثاني‪ ،‬ثم فرق بينهما لبطلن الزواج‪ ،‬اعتدت‬
‫بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم اعتدت من الثاني‪.‬‬
‫أما عند الحنفية فتعتد من الثاني بعد مفارقته‪ ،‬وتكون عدة القراء من الثاني عن بقية عدة الول وعدة‬
‫الثاني؛ لن القصد معرفة براءة الرحم‪ ،‬وهذا تحصل به براءة الرحم منهما جميعا‪.‬‬
‫وإن كانت حاملً فوضع الحمل يجزي عن العدتين اتفاقا كما تقدم‪.‬‬

‫( ‪)9/614‬‬

‫ما يعرف به انقضاء العدة ‪:‬‬


‫إذا حدث اختلف في انقضاء العدة مع زوج المرأة الذي طلقها‪ ،‬فمن الذي يصدق‪ ،‬المرأة أم الزوج؟‬
‫يعرف انقضاء العدة إما بالقول وإما بالفعل (‪: )1‬‬
‫أما الفعل‪ :‬فنحو أن تتزوج بزوج آخر‪ ،‬بعد ما مضت مدة تنقضي في مثلها العدة‪ ،‬فلو قالت المرأة بعد‬
‫الزواج‪ :‬لم تنقض عدتي‪ ،‬لم تصدق‪ ،‬ل في حق الزوج الول‪ ،‬ول في حق الزوج الثاني‪ ،‬ويكون‬
‫زواج الزوج الثاني جائزا؛ لن إقدامها على التزوج بعد مضي مدة يحتمل انقضاء العدة في مثلها دليل‬
‫النقضاء‪.‬‬
‫وأما القول‪ :‬فهو إخبار المعتدة بانقضاء العدة في مدة يحتمل النقضاء في مثلها‪ ،‬فإن قالت‪ :‬مضت‬
‫عدتي‪ ،‬والمدة تحتمله‪ ،‬وكذبها الزوج‪ ،‬قبل قولها بيمينها‪ ،‬وإن لم تحتمله المدة‪ ،‬ل يقبل قولها؛ لن‬
‫المين إنما يصدق فيما ل يخالف الظاهر‪.‬‬
‫وإذا قال الزوج‪ :‬أخبرتني امرأة سابقا أن عدتها قد انقضت‪ ،‬فإن كانت في مدة ل تنقضي في مثلها‪ ،‬ل‬
‫سقْط مستبين الخلق‪ ،‬فحينئذ يقبل قولها‪ .‬وإن‬
‫يقبل قوله ول قولها‪ ،‬إل إذا تبين ما هو محتمل من إسقاط ِ‬
‫كانت في مدة تحتمل النقضاء فكذبته المرأة‪ ،‬يعمل بخبرها بقدر المكان‪ ،‬فيعمل بخبره في حقه وحق‬
‫الشرع‪ ،‬فله أن يتزوج بأختها؛ لنه أمر ديني قبل قوله فيه‪ ،‬ويعمل بخبرها في حقها‪ ،‬فتستحق النفقة‬
‫والسكنى‪.‬‬
‫وأما أقل المدة التي تصدق فيها المعتدة لنقضاء عدتها‪ ،‬فعلى التفصيل التالي في رأي الحنفية‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،200-198/3 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،848 ،842/2 :‬غاية المنتهى‪.223/3 :‬‬

‫( ‪)9/615‬‬

‫أ ـ إن كانت من ذوات الشهر‪ :‬فإنها ل تصدق في أقل من ثلثة أشهر في عدة الطلق‪ .‬وفي عدة‬
‫الوفاة ل تصدق في أقل من أربعة أشهر وعشر‪.‬‬
‫ب ـ وإن كانت من ذوات القراء (الحيضات)‪ :‬فإن كانت معتدة من وفاة‪ ،‬فل تصدق في أقل من‬
‫أربعة أشهر وعشر‪ .‬وإن كانت معتدة من طلق‪ :‬فإن أخبرت بانقضاء عدتها في مدة تنقضي في مثلها‬
‫العدة‪ ،‬يقبل قولها‪ .‬وإن أخبرت في مدة ل تنقضي في مثلها العدة‪ ،‬ل يقبل قولها‪ ،‬إل إذا فسرت ذلك‪،‬‬
‫بأن قالت‪ :‬أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعضه‪ ،‬فيقبل قولها؛ لنها أمينة في إخبارها عن انقضاء‬
‫عدتها‪ ،‬فإن ال تعالى ائتمنها في ذلك بقوله عز وجل‪{ :‬ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال في‬
‫أرحامهن} [البقرة‪ ]228/2:‬قيل في التفسير‪ :‬إنه الحيض والحبل‪ .‬والقول قول المين بيمينه‪.‬‬
‫فإذا أخبرت بانقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها‪ ،‬يقبل قولها‪ ،‬ول يقبل إذا كانت المدة مما ل‬
‫تنقضي العدة في مثلها؛ لن قول المين إنما يقبل فيما ل يكذبه الظاهر‪ ،‬والظاهر هنا يكذبها‪.‬‬
‫وأما أقل ما تصدق فيه المعتدة بالقراء‪:‬‬
‫فقال أبو حنيفة‪ :‬أقل ما تصدق فيه الحرة ستون يوما‪ ،‬عملً بالوسط في مدة الحيض وهو خمسة أيام‪،‬‬
‫فتكون الحيضات الثلث خمسة عشر يوما‪ ،‬والطهار خمسة وأربعين يوما على أن يبدأ بالطهر‪،‬‬
‫فيكون المجموع ستين يوما‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬تسعة وثلثون يوما‪ ،‬عملً بأقل الحيض وهو ثلثة أيام‪ ،‬فتكون الحيضات تسعة أيام‬
‫على أن يبدأ بالحيض ثلثة أيام‪ ،‬ثم بالطهر خمسة عشر يوما‪ ،‬ثم بالحيض ثلثة أيام‪ ،‬ثم بالطهر‬
‫خمسة عشر يوما‪ ،‬ثم بالحيض ثلثة أيام‪ ،‬فذلك تسعة وثلثون يوما‪ .‬وقد بينت سابقا آراء المذاهب‬
‫الخرى في مبحث اختلف الزوجين في الرجعة‪.‬‬

‫( ‪)9/616‬‬

‫المبحث الخامس ـ أحكام العِدَد أو حقوق المعتدة وواجباتها ‪:‬‬


‫يتعلق بالمعتدة الحكام التالية (‪: )1‬‬
‫أولً ـ تحريم الخطبة‪ :‬ل يجوز للجنبي خطبة المعتدة صراحة‪ ،‬سواء أكانت مطلقة أم متوفى عنها‬
‫زوجها؛ لن المطلقة طلقا رجعيا في حكم الزوجة‪ ،‬فل يجوز خطبتها‪ ،‬ولبقاء بعض آثار الزواج في‬
‫المطلقة ثلثا أو بائنا أو متوفى عنها زوجها‪.‬‬
‫ول يجوز أيضا التعريض بالخطبة في عدة الطلق‪ ،‬ويجوز في عدة الوفاة؛ لقوله تعالى‪{ :‬ول جناح‬
‫عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء} [البقرة‪ ]235/2:‬إلى أن قال‪{ :‬ولكن ل تواعدوهن سرا‪ ،‬إل‬
‫أن تقولوا قولً معروفا} [البقرة‪ ]235/2:‬ولنه في عدة الطلق ليجوز للمعتدة الخروج من منزلها‬
‫أصلً ليلً ول نهارا‪ ،‬ويجوز للمتوفى عنها عند الحنفية الخروج نهارا‪ ،‬ولن إثارة العداوة بالتعريض‬
‫لزوجها الول يتصور في المطلقة ل المتوفى عنها‪ .‬وقد ذكرت الحكم تفصيلً في بحث الخطبة‪.‬‬
‫ثانيا ـ تحريم الزواج ‪:‬‬
‫ل يجوز للجنبي إجماعا نكاح المعتدة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪{ :‬ول تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله‬
‫} [البقرة ‪ ]2/235:‬أي ل تعقدوا عقد النكاح حتى تنقضي العدة التي كتبها ال على المعتدة ‪ ،‬ولبقاء‬
‫الزوجية في الطلق الرجعي ‪ ،‬وبعض آثار الزواج في الطلق الثالث والبائن ‪.‬وإذا تزوجت فالنكاح‬
‫باطل‪ ،‬لنها ممنوعة من الزواج لحق الزوج الول‪ ،‬فكان نكاحا باطلً كما لو تزوجت وهي في‬
‫نكاحه‪ ،‬ويجب أن يفرق بينه وبينها‪.‬‬
‫ويجوز لصاحب العدة أن يتزوج المعتدة؛ لن اللزام بالعدة إنما شرع مراعاة لحق الزوج‪ ،‬فل يجوز‬
‫أن يمنع حقه‪ ،‬فالعدة لحفظ مائه وصيانة نسبه‪ ،‬ول يصان ماؤه عن بعضه‪ ،‬ول يحفظ نسبه عنه‪ ،‬فإذا‬
‫انقضت العدة جاز لي شخص أن يتزوجها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،220-204/3 :‬البحر الرائق‪ ،162/4 :‬اللباب‪ ،89-85/3 :‬الدر المختار ورد المحتار‪:‬‬
‫‪ ،856-848 ،840/2‬فتح القدير‪ ،342 ،339 ،299-291/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 238‬وما بعدها‪،‬‬
‫الشرح الصغير‪ 740 ،687-679/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪،441 ،440 ،407-390/3 :‬‬
‫المهذب‪ ،164 ،149-146/2 :‬المغني‪ 517 ،483-480/7 :‬وما بعدها‪،608-606 ،530-522 ،‬‬
‫غاية المنتهى‪ ،219-217/3 :‬كشاف القناع‪ ،496/5 :‬بداية المجتهد‪ 94/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/617‬‬

‫والقاعدة عند المالكية‪ :‬كل نكاح فسخ بعد الدخول اضطرارا‪ ،‬فل يجوز للزوج أن يتزوج المرأة في‬
‫عدتها منه‪ ،‬وكل نكاح فسخ اختيارا من أحد الزوجين‪ ،‬حيث لهما الخيار‪ ،‬جاز أن يتزوجها في عدتها‬
‫منه (‪. )1‬‬
‫ثالثا ـ حرمة الخروج من البيت ‪:‬‬
‫للفقهاء آراء متقاربة في مسألة خروج المعتدة من البيت‪ ،‬الحنفية‪ :‬فرقوا بين المطلقة والمتوفى عنها‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يحرم على المطلقة البالغة العاقلة الحرة المسلمة المعتدة من زواج صحيح الخروج ليلً ونهارا‪،‬‬
‫سواء أكان الطلق بائنا أم ثلثا أم رجعيا‪ ،‬لقوله تعالى في الطلق الرجعي‪{ :‬ل تخرجوهن من‬
‫بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلق‪ ]1/65:‬بأن تزني فتخرج لقامة الحد‬
‫عليها‪ ،‬ويرى أبو حنيفة أن الفاحشة هي نفس الخروج‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬أسكنوهن من حيث سكنتم}‬
‫[الطلق‪ ]6/65:‬والمر بالسكان نهي عن الخراج والخروج‪ .‬وأما في الطلق الثلث أو البائن‪،‬‬
‫فلعموم النهي عن الخروج‪ ،‬ومساس الحاجة إلى الحفاظ على النساب وعدم اختلط المياه‪.‬‬
‫وأما المتوفى عنها‪ :‬فل تخرج ليلً‪ ،‬ول بأس أن تخرج نهارا في حوائجها؛ لنها تحتاج إلى الخروج‬
‫بالنهار لكتساب ما تنفقه؛ لنه ل نفقة لها من الزوج المتوفى‪ ،‬بل نفقتها عليها‪ ،‬فتحتاج إلى الخروج‬
‫لتحصيل النفقة‪ ،‬ول تخرج بالليل‪ ،‬لعدم الحاجة إلى الخروج بالليل‪ ،‬بخلف المطلّقة‪ ،‬فإن نفقتها على‬
‫الزوج‪ ،‬فل تحتاج إلى الخروج‪.‬‬
‫وليس للمعتدة من طلق ثلث أو بائن أو رجعي أن تخرج من منزلها الذي تعتد فيه إلى سفر ولو إلى‬
‫حج فريضة إذا كانت معتدة من نكاح صحيح‪ .‬ول يجوز للزوج أن يسافر بها لقوله تعالى‪{ :‬ل‬
‫تخرجوهن من بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن} [الطلق‪ ]1/65:‬والمذهب أن للزوج ضرب المرأة المفارقة على‬
‫الخروج من منزله بل إذن‪ ،‬إل إن احتاجت إلى الستفتاء في حادثة‪ ،‬ولم يرض الزوج أن يستفتي لها‪،‬‬
‫وهو غير عالم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.211‬‬

‫( ‪)9/618‬‬

‫ويجوز للمعتدة من نكاح فاسد أن تخرج؛ لن أحكام العدة مرتبة على أحكام النكاح الصحيح‪ .‬ويجوز‬
‫أيضا للصغيرة والمجنونة أن تخرج من منزلها إذا لم يكن في الفرقة رجعة‪ ،‬سواء أذن الزوج لها أم‬
‫لم يأذن؛ إذ أن حق ال في العدة ل يجب عل الصغير والمجنون‪ ،‬ولنه ل ولد من الصغيرة‪ ،‬فلم يبق‬
‫للزوج حق‪ .‬ولكن يجوز للزوج منع المجنونة من الخروج حفاظا على مائه وتحصينه من الختلط‪.‬‬
‫وإن كانت الفرقة رجعية فل يجوز للصغيرة الخروج بغير إذن الزوج؛ لنها زوجته‪ .‬هذا كله في حال‬
‫الختيار‪ ،‬أما في حال الضرورة فلكل معتدة الخروج‪ ،‬فإن اضطرت إلى الخروج من بيتها‪ ،‬بأن خافت‬
‫سقوط منزلها‪ ،‬أو خافت على متاعها‪ ،‬أو ل تجد أجرة البيت الذي تستأجره في عدة الوفاة‪ ،‬فل بأس‬
‫عندئذ أن تخرج‪ .‬وتنتقل المعتدة المطلقة في البادية مع أهل الكل في محفة أو خيمة مع زوجها إن‬
‫تضررت في المكان الذي طلقها فيه‪ ،‬وإن لم تتضرر فل تنتقل من مكانها‪.‬‬
‫وأجاز المالكية والحنابلة للمعتدة الخروج لضرورة أو عذر‪ ،‬كأن خافت هدما أو غرقا أوعدوا أو‬
‫لصوصا أو غلء كرائها أو نحوه‪ ،‬كما قرر الحنفية‪ ،‬وأجازوا أيضا للمعتدة مطلقا الخروج في‬
‫حوائجها نهارا‪ ،‬سواء أكانت مطلّقة أم متوفى عنها‪ ،‬لما روى جابر قال‪« :‬طُلّقت خالتي ثلثا‪ ،‬فخرجت‬
‫تجذّ نخلها‪ ،‬فلقيها رجل‪ ،‬فنهاها‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬اخرجي فجذي نخلك‪،‬‬
‫لعلك أن تتصدقي منه‪ ،‬أو تفعلي خيرا» (‪ ، )1‬وروى مجاهد قال‪« :‬استشهد رجال يوم أحد‪ ،‬فجاء‬
‫نساؤهم رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقلن‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬نستوحش بالليل‪ ،‬أفنبيت عند إحدانا‪،‬‬
‫فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬تحدثن عند إحداكن‪ ،‬حتى إذا‬
‫أردتن النوم‪ ،‬فلتؤب كل واحدة إلى بيتها» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه النسائي وأبو داود‪.‬‬

‫( ‪)9/619‬‬

‫ل إل لضرورة؛ ول تبيت إل في دارها؛ لن الليل‬


‫وليس للمعتدة المبيت في غير بيتها‪ ،‬ول الخروج لي ً‬
‫مظنة الفساد‪ ،‬بخلف النهار‪ ،‬فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش‪ ،‬وشراء ما يحتاج إليه‪.‬‬
‫خدْر (أي ستر) بعث إليها‬
‫وإن وجب عليها حق ل يمكن استيفاؤه إل بها كاليمين والحد‪ ،‬وكانت ذات ِ‬
‫الحاكم من يستوفي الحق منها في منزلها‪ .‬وإن كانت بَرْزَة (هي الظاهرة غير المستترة) جاز‬
‫إحضارها لستيفائه‪ ،‬فإذا فرغت رجعت إلى منزلها‪.‬‬
‫ولم يجز الشافعية للمعتدة مطلقا‪ ،‬سواء أكانت رجعية أم مبتوتة أم متوفى عنها زوجها‪ ،‬الخروج من‬
‫موضع العدة إل لعذر‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل تخرجوهن من بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة‬
‫مبينة} [الطلق‪ ]1/65:‬وعن فُرَيعة بنت مالك قالت‪« :‬قلت لرسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬إني في‬
‫دار وحشة‪ ،‬أفأنتقل إلى دار أهلي‪ ،‬فأعتد عندهم؟ فقال‪ :‬امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك‪،‬‬
‫حتى يبلغ الكتاب أجله» قالت‪« :‬فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا» (‪. )1‬‬
‫ورأي الشافعية والحنابلة أن منزل البدوية وبيتها من شعر كمنزل حضرية في لزوم الموضع الذي‬
‫مات زوجها وهي فيه‪ ،‬فلو ارتحل في أثنائها كل الحي انتقلت معهم للضرورة‪ .‬وإن ارتحل بعض‬
‫الحي‪ ،‬بقيت مع الباقين إن كان فيهم قوة‪ ،‬لكن لو ارتحل أهلها لها أن ترتحل معهم؛ لن مفارقة الهل‬
‫عسرة موحشة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الربعة) وصححه الترمذي عن فريعة (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪ )298/6‬والدار الوحشة‪ :‬أصله المكان القفر من النيس‪ ،‬وأوحش النزل‪ :‬خل من السكّان‪.‬‬

‫( ‪)9/620‬‬

‫رابعا ـ السكنى في بيت الزوجية والنفقة ‪:‬‬


‫هذا حق للمرأة واجب على الزوج‪ ،‬أما سكنى المعتدة أي معتدة في بيت الزوجية‪ ،‬فواجبة لقوله تعالى‪:‬‬
‫{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء‪ ،‬فطلقوهن لعدتهن‪ ،‬وأحصوا العدة‪ ،‬واتقوا ال ربكم‪ ،‬ل تخرجوهن من‬
‫بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلق‪ ]1/65:‬والبيت المضاف للمرأة هو البيت‬
‫الذي تسكنه عند الفرقة‪ ،‬سواء أكانت مطلقة أم متوفى عنها‪ .‬لكن قال الحنفية‪ :‬يجوز بقاء المطلقة‬
‫رجعيا مع الزوج في دار واحدة‪ ،‬وله إن قصد مراجعتها أن يستمتع بها بعد الطلق؛ لن الطلق‬
‫الرجعي ل يحرم عندهم على الراجح المطلقة على من طلقها‪ ،‬ويكون استمتاعه بها رجعة‪ ،‬وله حينئذ‬
‫إذا قصد مراجعتها أن يدخل عليها بل إذنها‪.‬‬
‫أما في الطلق البائن أو الثلث‪ :‬فل بد من ساتر حاجز بين الرجل والمطلقة‪ ،‬فإن كان المسكن متسعا‬
‫استقلت المرأة بحجرة فيه‪ ،‬ول يجوز للمطلق أن ينظر إليها ول أن يقيم معها في تلك الحجرة‪ .‬وإن‬
‫كان المسكن ضيقا ليس فيه إل حجرة واحدة‪ ،‬وجب على الرجل المطلّق أن يخرج من المسكن‪ ،‬وتبقى‬
‫المطلقة فيه حتى تنقضي العدة؛ لن بقاء المرأة في منزل الزوجية الذي كانت تسكن فيه وقت الطلق‬
‫واجب شرعا‪ ،‬ولئل تقع الخلوة بالجنبية‪.‬‬
‫ول عبرة بالعرف القائم الن من خروج المطلقة من بيت الزوجية فهو عرف مصادم للنص القرآني‬
‫السابق‪{ :‬ل تخرجوهن من بيوتهن} [الطلق‪.]1/65:‬‬
‫ولكن يعد ضيق المنزل وفسق الزوج عذرا يجيز في رأي الحنفية للمطلقة أو المتوفى عنها الخروج‬
‫من البيت‪ ،‬وتعيين الموضع الذي تنتقل إليه في عدة الطلق إلى الزوج‪ ،‬وأما في عدة الوفاة فإن‬
‫التعيين يكون إليها؛ لنها هي صاحبة الرأي المطلق في أمر السكنى‪ ،‬حتى إن أجرة المنزل إن كان‬
‫بأجر تكون عليها‪.‬‬
‫( ‪)9/621‬‬

‫وكذلك يعد إيذاؤها الجيران عذرا عند الحنابلة يبيح انتقالها لدار أخرى‪.‬‬
‫ول تخرج المعتدة إلى صحن الدار التي فيها منازل الجانب عنها‪ ،‬لنه كالخروج إلى الشارع‪ .‬فإن لم‬
‫يكن في الدار منازل للجانب‪ ،‬بل بيوت أو غرف‪ ،‬جاز لها الخروج إلى صحن الدار‪ ،‬ول تصير به‬
‫خارجة عن الدار‪ ،‬ولها أن تبيت في أي غرفة شاءت منها‪.‬‬
‫وذكر الشافعية (‪ : )1‬أن الرجل إذا عاشر المعتدة كزوج‪ ،‬بخلوة ولو بدخول دار هي فيها‪ ،‬ونوم ولو‬
‫في الليل فقط وأكل ونحو ذلك‪ ،‬بل وطء لها‪ ،‬في عدة أقراء أو أشهر‪ ،‬فالصح أنها إن كانت بائنا‬
‫انقضت عدتها بما ذكر؛ لن مخالطتها محرّمة ووطؤها زنا ل حرمة له‪ ،‬ول أثر للحرام في الحكم‬
‫الشرعي‪ ،‬كالمزني بها ل يترتب على الزنا حكم شرعي من أحكام الزواج‪ ،‬وأما إن كانت رجعية‪ ،‬فل‬
‫تنقضي عدتها؛ لن الشبهة قائمة؛ لن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة‪ .‬لكن ل يضر دخول دار هي‬
‫فيها بل خلوة‪.‬‬
‫وأما نفقة المعتدة‪ :‬فواجبة على الزوج حسب التفصيل التي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬إن كانت المعتدة مطلقة طلقا رجعيا‪ :‬وجبت لها النفقة بأنواعها المختلفة من طعام وكسوة‬
‫وسكنى‪ ،‬بالتفاق؛ لن المعتدة تعد زوجة ما دامت في العدة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وإن كانت معتدة من طلق بائن‪:‬‬
‫فإن كانت حاملً‪،‬وجبت لها النفقة بأنواعها المختلفة بالتفاق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وإن كن أولت حمل‪،‬‬
‫فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} [الطلق‪.]6/65:‬‬
‫وإن كانت غير حامل‪ :‬وجبت لها النفقة بأنواعها أيضا عند الحنفية‪ ،‬بسب احتباسها في العدة لحق‬
‫الزوج‪.‬‬

‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 393/3 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)9/622‬‬

‫ول تجب لها النفقة في رأي الحنابلة؛ لن فاطمة بنت قيس طلّقها زوجها البتة‪ ،‬فلم يجعل لها رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم نفقة ول سكنى‪ ،‬وإنما قال‪« :‬إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها‬
‫الرجعة» (‪. )1‬‬
‫وتجب لها السكنى فقط في رأي المالكية والشافعية‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬أسكنوهن من حيث سكنتم من‬
‫وُجدكم} [الطلق‪ ]6/65:‬فإنه أوجب لها السكنى مطلقا‪ ،‬سواء أكانت حاملً أم غير حامل‪ .‬ول تجب‬
‫لها نفقة الطعام والكسوة لمفهوم قوله تعالى‪{ :‬وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}‬
‫[الطلق‪ ]6/65:‬فدل بمفهومه على عدم وجوب النفقة لغير الحامل‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬وإن كانت معتدة من وفاة‪ :‬فل نفقة لها بالتفاق‪ ،‬لنتهاء الزوجية بالموت‪ ،‬لكن أوجب لها‬
‫المالكية السكنى مدة العدة إذا كان المسكن مملوكا للزوج‪ ،‬أو مستأجَرا ودفع أجرته قبل الوفاة‪ ،‬وإل‬
‫فل‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬وإن كانت معتدة من زواج فاسد أو شبهة‪ :‬فل نفقة لها عند الجمهور‪ ،‬إذ ل نفقة لها في الزواج‬
‫الفاسد‪ ،‬فل نفقة لها في أثناء العدة منه‪.‬‬
‫وأوجب المالكية لها إن كانت حاملً النفقة على الواطئ؛ لنها محتبسة بسببه‪ ،‬فإن كانت غير حامل أو‬
‫فسخ نكاحها بلعان‪ ،‬فيجب لها السكنى فقط في المحل الذي كانت فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد والنسائي (نيل الوطار‪.)305/6 :‬‬

‫( ‪)9/623‬‬

‫خامسا ـ الحداد أو الحداد ‪:‬‬


‫الحداد أو الحداد في اللغة‪ :‬المتناع من الزينة‪ ،‬واصطلحا‪ :‬ترك الطيب والزينة والكحل والدهن‬
‫المطيب وغير المطيب‪ .‬وهو خاص بالبدن‪ ،‬فل مانع من تجميل فراش وبساط وستور‪ ،‬وأثاث بيت‬
‫وجلوس امرأة على حرير‪.‬‬
‫ويباح للمرأة الحداد على قريب كأب وأم وأخ ثلثة أيام فقط‪ ،‬ويحرم إحداد فوق ثلث على ميت غير‬
‫زوج‪ ،‬للحديث الصحيح المتقدم‪« :‬ل يحل لمرأة مسلمة تؤمن بال واليوم الخر أن تحد فوق ثلث‪،‬‬
‫إل على زوجها أربعة أشهر وعشرا» (‪ )1‬وللزوج منع زوجته من الحداد على القرباء؛ لن الزينة‬
‫حقه‪.‬‬
‫ومدة الحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام‪.‬‬
‫والحداد على الزوج خاص في رأي الحنفية بالمرأة البالغة المسلمة ولو أمة‪ ،‬فل إحداد على صغيرة‬
‫وذمية؛ لنهما غير مكلفين‪ .‬ول إحداد على أم الولد؛ لنها ليست زوجة‪.‬‬
‫ويشمل الحداد عند الجمهور كل زوجة بنكاح صحيح‪ ،‬صغيرة أو كبيرة‪ ،‬أو مجنونة ‪ ،‬مسلمة أو‬
‫كتابية‪ ،‬وكذا المة الزوجة في رأي الحنابلة‪ ،‬ول يجب الحداد على الماء في رأي المالكية‬
‫والشافعية؛ لنهن لسن زوجات‪ ،‬وأما الصغيرة والذمية فلن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب‬
‫المحرمات كالخمر والزنا‪ ،‬وإنما يفترقان في الثم‪ ،‬فكذلك الحداد‪ ،‬ولن حقوق الذمية في النكاح‬
‫كحقوق المسلمة‪ ،‬فكذلك فيما عليها‪.‬‬
‫ول إحداد على غير الزوجات كأم الولد إذا مات سيدها‪ ،‬والمة التي يطؤها سيدها‪ ،‬والموطوءة بشبهة‬
‫والمزني بها والمنكوحة نكاحا فاسدا؛ لن نص الحديث السابق خص الحداد بالزواج‪ ،‬ولن ذات‬
‫النكاح الفاسد ليست زوجة على الحقيقة‪.‬‬
‫والحداد واجب شرعا على الزوجات‪ .‬واتفق الفقهاء على عدم وجوب الحداد على الرجعية؛ لنها في‬
‫حكم الزوجة‪ ،‬لها أن تتزين لزوجها‪ ،‬وتستشرف له ليرغب فيها ويعيدها إلى ما كانت عليه من‬
‫الزوجية‪.‬‬
‫واتفقوا أيضا على وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها‪ ،‬للحديث السابق‪ « :‬أن أم حبيبة رضي‬
‫ال عنها لما بلغها موت أبيها أبي سفيان‪،‬انتظرت ثلثة أيام‪ ،‬ثم دعت بطيب‪ ،‬وقالت‪ :‬وال ما لي‬
‫بالطيب من حاجة‪ ،‬غير أني سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلم يقول على المنبر‪:‬ل يحل لمرأة‬
‫تؤمن بال واليوم الخر‪،‬أن تحدّ على ميت فوق ثلث إل على زوج أربعة أشهر وعشرا» ‪.‬‬
‫وأوجب الحنفية الحداد أيضا على المبتوتة أو المطلقة طلقا بائنا؛ لنه حق الشرع‪ ،‬وإظهارا للتأسف‬
‫على فوات نعمة الزواج‪ ،‬كالمتوفى عنها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم عن أم سلمة (نيل الوطار‪.)292/6 :‬‬

‫( ‪)9/624‬‬

‫ولم يوجبه الجمهور عليها‪ ،‬وإنما يستحب فقط؛ لن الزوج آذاها بالطلق البائن‪ ،‬فل تلزم بإظهار‬
‫الحزن والسف على فراقه‪ ،‬ولنها معتدة من طلق كالرجعية‪ ،‬وإنما يستحب لها الحداد لئل تدعو‬
‫الزينة إلى الفساد‪.‬‬
‫ويكون الحداد بترك التجميل‪ ،‬وهو أن تجتنب ما يلي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الزينة بحلي ولو خاتم من ذهب أو فضة‪ ،‬أو حرير مطلقا ولو كان أسود‪ .‬وأجاز بعض الشافعية‬
‫كابن حجر التحلي بالذهب والفضة‪ ،‬وأجاز الحنابلة لبس الحرير البيض؛ لنه مألوف‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬الطيب في البدن والمتشاط‪ ،‬ل في الثياب‪ ،‬لما فيه من الترفه واجتذاب النظار‪ ،‬ومنعها المالكية‬
‫من التجار في الطيب وعمله‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الدهن المطيب وغير المطيب؛ لن فيه زينة الشعر‪ ،‬ول يخلو الدهن عن نوع طيب‪.‬‬
‫لل‬
‫ً‪ - 4‬الكحل‪ ،‬لما فيه من زينة العين‪ .‬وأجاز فقهاء المذاهب كلهم الكحل لضرورة أو حاجة لي ً‬
‫نهارا‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬الحناء وكل أنواع الخضاب والصباغ‪ ،‬لما روت أم سلمة أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى‬
‫المعتدة أن تختضب‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬لبس الثوب المطيب والمصبوغ بالحمر أو الصفر‪.‬‬
‫سلَمة عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬المتوفى عنها زوجها‪ :‬ل تَلْبَس‬
‫ودليل ذلك حديث أم َ‬
‫حلِي‪ ،‬ول تختضب‪ ،‬ول تكتحل» (‪ )2‬وفي رواية‬
‫ال ُم َعصْفر من الثياب‪ ،‬ول الممشّقة (‪ ، )1‬ول ال ُ‬
‫أخرى‪« :‬ول تمتشطي بالطيب ول بالحناء‪ ،‬فإنه خضاب» وعن أم عطية قالت‪« :‬كنا نُنهى أن نحدّ‬
‫على ميت فوق ثلث إل على زوج أربعة أشهروعشرا‪ ،‬ول نكتحل‪ ،‬ول نتطيب‪ ،‬ول نلْبَس ثوبا‬
‫عصْب» (‪. )3‬‬
‫مصبوغا إل ثوب َ‬
‫ويجوز للمرأة فعل شيء مما سبق للضرورة؛ لن الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫ويباح لها لبس السود في المذاهب الربعة‪ .‬ولم يجز الظاهرية (‪ )4‬الكحل ولو لضروة‪ ،‬ول السود؛‬
‫لنه كالحمر والصفر‪ ،‬ولم يجز المالكية لبس السود إذا كان يتزين به في قوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الممشقة‪ :‬المصبوغة بالمَشْق وهو ال َمغْرة أي الطين الحمر يصبغ به‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أم سلمة (نيل الوطار‪.)296/6 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري ومسلم عن أم عطية (نيل الوطار‪ )295/6 :‬وثوب العصب‪ :‬نوع من برود اليمين‬
‫يعصب غزله أي يجمع‪ ،‬ثم يشد‪ ،‬ثم يصبغ معصوبا‪ ،‬فيصبح موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم‬
‫ينصبغ‪ ،‬وإنما ينصبغ السَدى دون اللّحمة‪ ،‬والسدى‪ :‬ما مُدّ من خيوط الثوب‪ ،‬وضده اللحمة‪ :‬وهو ما‬
‫نسج عرضا‪.‬‬
‫(‪ )4‬المحلى‪ ،335/10 :‬مسألة ‪.2000‬‬

‫( ‪)9/625‬‬
‫ويباح لها عند الجمهور دخول الحمام المنزلي وغسل الرأس بالصابون ونحوه‪ ،‬ولم يجز المالكية لها‬
‫دخول الحمام إل لضرورة‪.‬‬
‫ولها قص الظافر ونتف إبط وحلق عانة (استحداد) وإتباع دم الحيض بطيب‪.‬‬
‫فإن تركت المتوفى عنها الحداد عصت ال تعالى إن علمت حرمة الترك‪ ،‬ويعصي ولي الصغيرة‬
‫والمجنونة في رأي غير الحنفية إن لم يمنعها‪ ،‬وتنقضي عدتها بمضي الزمان مع العصيان‪ ،‬كما لو‬
‫فارقت المنزل‪.‬‬
‫سادسا ـ ثبوت نسب الولد المولود في العدة ‪:‬‬
‫يثبت نسب ولد المطلّقة الرجعية من الزوج في رأي الحنفية إذا جاءت بالولد لسنتين أو أكثر‪ ،‬ولو‬
‫طالت المدة‪ ،‬لحتمال امتداد طهرها‪ ،‬وعلوقها في العدة‪ ،‬ما لم تقر بانقضاء عدتها‪ ،‬وكانت المدة‬
‫تحتمله‪.‬‬
‫ويثبت نسب ولد المبتوتة بل دعوى‪ ،‬ما لم تقر بانقضاء العدة إذا جاءت به لقل من سنتين؛ لنه‬
‫يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلق‪ ،‬والحمل عندهم ل يبقى أكثر من سنتين‪ .‬فإن جاءت به لتمام‬
‫سنتين من يوم الفرقة‪ ،‬لم يثبت نسبه من الزوج؛ لنه حادث بعد الطلق‪ ،‬فل يكون منه؛ لن وطأها‬
‫حرام‪ ،‬إل أن يدعيه الزوج؛ لنه التزمه‪ ،‬وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة‪.‬‬
‫ويثبت نسب الولد المتوفى عنها زوجها‪ ،‬ولو غير مدخول بها‪ ،‬إذا لم تقر بانقضاء عدتها‪ ،‬ما بين‬
‫الوفاة وبين سنتين‪.‬‬
‫وإذا اعترفت المعتدة مطلقا (أي معتدة) بانقضاء عدتها‪ ،‬ثم جاءت بولد لقل من ستة أشهر من وقت‬
‫القرار‪ ،‬ثبت نسبه‪ ،‬لظهور كذبها بيقين‪ ،‬فبطل القرار‪ .‬وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر‪ ،‬لم يثبت‬
‫نسبه؛ لنه علم بالقرار أنه حدث بعده؛ لنها أمينة في الخبار‪ ،‬وقول المين مقبول إل إذا تحقق‬
‫كذبه‪.‬‬
‫وتنطبق هذه الحكام في المذاهب الخرى‪ ،‬بملحظة أن أقصى مدة الحمل عند الشافعية والحنابلة‬
‫أربع سنين‪ ،‬وعند المالكية‪ :‬خمس سنين‪.‬‬

‫( ‪)9/626‬‬

‫سابعا ـ ثبوت الرث في العدة ‪:‬‬


‫إذا مات أحد الزوجين قبل انقضاء عدة المطلقة طلقا رجعيا‪ ،‬ورثه الخر ل خلف‪ ،‬سواء أكان‬
‫الطلق في حال المرض أم في حال الصحة؛ لبقاء الزوجية حكما‪ ،‬فتكون سببا لستحقاق الرث من‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫فإن كان الطلق بائنا أو ثلثا في حال الصحة‪ ،‬فمات أحد الزوجين في العدة لم يرثه الخر‪.‬‬
‫وإن كان الطلق بائنا أو ثلثا في حال المرض‪ ،‬فإن كان برضاها ل ترث بالجماع‪ ،‬وإن كان بغير‬
‫رضاها فإنها ترث من زوجها عند الجمهور عملً بما روي عن جماعة من الصحابة مثل عمر‬
‫وعثمان وعلي وعائشة وأبي بن كعب‪ ،‬ومعاملة للمطلّق بنقيض مقصوده‪ ،‬وهذا هو طلق الفرار‪ ،‬وقد‬
‫تقدم بيانه‪ .‬ول ترث عند الشافعية‪ ،‬لزوال النكاح بالبانة أو الثلث‪ ،‬فل يثبت الرث‪.‬‬
‫ثامنا ـ لحوق الطلق في العدة ‪:‬‬
‫إن طلق الرجل زوجته طلقة فقط‪ ،‬فاعتدت منه‪ ،‬ثم طلقها طلقة ثانية وثالثة‪ ،‬فيلحقها الطلق إلى‬
‫انقضاء العدة‪ .‬وقد سبق بيانه في بحث الطلق الرجعي والبائن‪.‬‬

‫( ‪)9/627‬‬

‫الستبراء ‪:‬‬
‫ل أو‬
‫معناه‪ :‬لغة طلب البراءة‪ .‬وشرعا‪ :‬تربص المَة الرقيقة مدة بسبب ملك اليمين حدوثا أو زوا ً‬
‫بشبهة‪ ،‬أو تربص المزني بها‪ ،‬لمعرفة براءة الرحم‪ ،‬أو للتعبد (‪. )1‬‬
‫حكمه‪ :‬يجب الستبراء بالتفاق‪ ،‬منعا من اختلط المياه واشتباه النساب‪ ،‬حتى لو أنكره شخص‪ ،‬كفر‬
‫في رأي بعضهم للجماع على وجوبه (‪ ، )2‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم في سبي أوطاس (‪« : )3‬ل‬
‫توطأ حامل حتى تضع‪ ،‬ول غيرُ حامل حتى تحيض حيضة» (‪ )4‬وقوله عليه السلم‪« :‬ل يقعن رجل‬
‫على امرأة‪ ،‬وحملُها لغيره» (‪ )5‬وقوله أيضا‪« :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر‪ ،‬فل يسقي ماءَه ولدَ‬
‫غيره» (‪ )6‬وزاد أبو داود في روايته‪« :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر‪ ،‬فل يقعن على امرأة من‬
‫السبي حتى يستبرئها» ‪.‬‬
‫أسبابه‪ :‬ذكر الفقهاء أسبابا للستبراء هي ما يأتي‪:‬‬
‫رأي الحنفية (‪ : )7‬يجب الستبراء بملك الستمتاع بالمة ملك اليمين‪ ،‬بأي نوع من أنواع الملك‬
‫كشراء‪ ،‬وإرث‪ ،‬وسبي‪ ،‬ودفع بدل جناية‪ ،‬وفسخ بيع بعد القبض ونحوها كهبة ورجوع عنها‪ ،‬وصدقة‪،‬‬
‫ووصية‪ ،‬وبدل خلع أو صلح أو كتابة أو عتق أو إجارة‪.‬‬
‫ول بأس بحيلة إسقاط الستبراء إذا علم أن البائع لم يقربها في طهرها بأن يعقد عليها عقد زواج‬
‫ويقبضها ثم يشتريها‪ ،‬فتحل له للحال‪.‬‬
‫وذكر الشافعية (‪ )8‬سببين للستبراء‪ :‬وهما ‪ -‬كما قرر الحنفية ‪ -‬ملك وزوال ملك‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬قد يجب‬
‫بسبب آخر‪ ،‬كأن يطأ رجل أمة غيره ظانا أنها أمته‪ ،‬أي الوطء بشبهة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ 264/5 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،408/3 :‬الشرح الصغير‪،701 ،677/2 :‬‬
‫كشاف القناع‪ 503/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين‪. 264/5 :‬‬
‫(‪ )3‬أوطاس‪ :‬واد في ديار هوازن‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري (نيل الوطار‪.)305/6 :‬‬
‫(‪ )5‬رواه أحمد عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن رويفع بن ثابت (انظر الحديثين في نيل الوطار‪.)306/6 :‬‬
‫(‪ )7‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪.267 ،265/5 :‬‬
‫(‪ )8‬مغني المحتاج‪ ،410-408/3 :‬المهذب‪.153/2 :‬‬

‫( ‪)9/628‬‬

‫أما الملك‪ :‬فهو ملك أمة بشراء‪ ،‬أو هبة‪ ،‬أو سبي بعد القسمة‪ ،‬أو رد بعيب‪ ،‬أو تحالف أو إقالة‪ ،‬أو‬
‫قبول وصية أو غيرها كفسخ بفلس ورجوع في هبة‪ .‬ويجب استبراء مكاتبة لم تستطع أداء أقساط‬
‫الكتابة‪ ،‬لعود ملك التمتع بعد زواله‪ ،‬واستبراء مرتدة في الصح‪ ،‬لزوال ملك الستمتاع ثم إعادته‪،‬‬
‫ويجب استبراؤها ولو منتقلة من ملك صبي أو امرأة‪.‬‬
‫وأما زوال الملك‪ :‬فهو زوال الستمتاع عن المة الموطوءة أو المستولدة‪ ،‬بعتق أو موت السيد‪.‬‬
‫وإن ملك شخص أمة مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو ذات زوج‪ ،‬لم يصح استبراؤها في هذه الحوال؛‬
‫لن الستبراء يراد للستباحة‪ ،‬ول توجد الستباحة في هذه الحوال‪ .‬فإن زالت الزوجية أو العدة أو‬
‫الردة‪ ،‬وجب الستبراء في الظهر‪.‬‬
‫وأما الحنابلة (‪ )1‬فذكروا ثلثة أسباب للستبراء‪ :‬هي ملك وإزالة ملك وعتق‪ ،‬وإيضاحها فيما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬إذا ملك ولو طفلة أمة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي أو وصية أو غنيمة أو غيرها مما ذكر في‬
‫المذهبين السابقين‪ ،‬فل يحل له وطؤها ول الستمتاع بها إل بالستبراء بحيضة إذا كانت تحيض‪ ،‬أو‬
‫بوضع الحمل إذا كانت حاملً‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬إن وطئ أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها‪ ،‬لم يجز له ذلك حتى يستبرئها كما سبق في الحالة‬
‫الولى‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬إذا أعتق أم ولده أو أعتق أمته التي كان يصيبها قبل استبرائها أو مات عنها‪ ،‬لزمها استبراء‬
‫نفسها؛ لنها موطوءة له وطأ له حرمة‪ ،‬فلزمها استعلم براءة رحمها‪ ،‬كالموطوءة بشبهة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.509-507/5 :‬‬

‫( ‪)9/629‬‬

‫وأما مذهب المالكية (‪ )1‬فقد حدد أربعة أسباب للستبراء وهي‪:‬‬


‫ً‪ -1‬حصول ملك المة بشراء أو إرث أو هبة أو غنيمة أو غيرها‪ ،‬ولو من صبي أو امرأة‪ ،‬كما سبق‬
‫في المذاهب الخرى‪ .‬ويجب الستبراء على كل من المتملك الذي صارت إليه‪ ،‬وعلى البائع‪ ،‬وإن‬
‫اتفقا على استبراء واحد‪ ،‬جاز‪ .‬ورأى بقية الئمة أن الستبراء على المشتري خاصة‪ .‬وهذا سبب‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫ويجب الستبراء بشروط أربعة في رأي المالكية وهي‪:‬‬
‫أولً ـ إن لم تعلم براءتها‪ :‬فإن علمت براءتها من الحمل كمودعة عنده أو مرهونة أو مبيعة بالخيار‬
‫تحت يده‪ ،‬وحاضت زمن ذلك‪ ،‬ولم تخرج ولم يدخل عليها سيدها‪ ،‬ثم اشتراها فل استبراء عليها‪.‬‬
‫ثانيا ـ ولم تكن مباحة الوطء حال حصول الملك‪ ،‬كزوجته التي يشتريها مثلً‪ ،‬فل استبراء عليه‪،‬‬
‫وهذا متفق عليه بين المذاهب‪.‬‬
‫ثالثا ـ ولم يحرم وطؤها في المستقبل‪ ،‬كعمته وخالته من نسب أو رضاع‪ ،‬وكأم زوجته‪ ،‬فل استبراء‬
‫عليها لعدم حل وطئها‪.‬‬
‫رابعا ـ وأطاقت الوطء‪ :‬فل استبراء لصغيرة كبنت خمس سنين‪ ،‬لعدم إمكانه عادة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬زوال الملك بعتق أو بموت السيد أو بغيرهما‪ .‬وهذا متفق عليه‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الزنى‪ :‬إذا زنت الحرة طائعة أو مكرهة‪ ،‬استبرئت عند المالكية والحنابلة بثلث حيضات‪،‬‬
‫والمة بحيضة‪ ،‬والحامل منها بوضع حملها‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬سوء الظن‪ :‬من تطرق إليها سوء الظن من خروج في الطرقات وغيرها‪ ،‬وجب استبراؤها في‬
‫المشهور‪ .‬فإن كانت في سن الحيض فاستبراؤها بحيضة‪ ،‬وإن لم تحض فتسعة أشهر‪ ،‬وإن كانت‬
‫صغيرة أو يائسة فثلثة أشهر‪ ،‬وهو المشهور عن أحمد‪ ،‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬شهر‪ ،‬وإن كانت‬
‫حاملً فوضع الحمل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،240‬الشرح الصغير‪.704-701/2 :‬‬

‫( ‪)9/630‬‬

‫نوع الستبراء ومدته ‪:‬‬


‫ل يجوز في الستبراء (‪ )1‬الوطء ول غيره من الستمتاع كتقبيل ونظر بشهوة‪ .‬وأجاز الشافعية‬
‫الستمتاع بغير الوطء في المسبية التي وقعت في سهمه من الغنيمة‪ ،‬لمفهوم الخبر السابق‪« :‬أل ل‬
‫توطأ حامل حتى تضع‪ ،‬ول غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» ‪.‬‬
‫واتفق الفقهاء عملً بهذا الحديث على أن استبراء من تحيض بحيضة‪ ،‬والحامل بوضع الحمل‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن ل تحيض وهي صغيرة وآيسة ومنقطعة حيض (‪: )2‬‬
‫مذهب الحنفية والشافعية‪ :‬تستبرأ بشهر؛ لن الشهر قائم مقام القرء في حق الحرة والمة المطلّقة‪،‬‬
‫فكذلك في الستبراء‪.‬‬
‫ومذهب المالكية‪ ،‬والحنابلة في المشهور عن أحمد كما في المغني‪ :‬تستبرأ الصغيرة واليسة بثلثة‬
‫أشهر؛ لن كل شهر قائم مقام قرء‪ ،‬وتستبرأ اليسة الحرة بثلثة أشهر مكان ثلثة قروء‪ .‬وجاء في‬
‫كشاف القناع أن من ل تحيض تستبرأ بشهر‪.‬‬
‫أما من تأخر حيضها عن عادتها ولو لرضاع أو مرض أو استحيضت ولم تميز الحيض من غيره‪،‬‬
‫فتستبرأ بثلثة أشهر أيضا في رأي المالكية‪ ،‬وبعشرة أشهر في رأي الحنابلة‪ :‬تسعة أشهر للحمل‬
‫وشهر مكان الحيضة إن ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه‪ .‬وإن علمت سبب رفع الحيض من مرض أو‬
‫رضاع أو نفاس‪ ،‬ولم تزل في الستبراء حتى يعود الحيض‪ ،‬فتستبرئ نفسها بحيضة‪ ،‬إل أن تصير‬
‫آيسة فتستبرئ نفسها استبراء اليسات بثلثة أشهر‪ .‬وإن ارتابت المة المستبرأة بنفسها فهي كالحرة‬
‫المستريبة‪ ،‬تستبرأ بسنة كاملة‪.‬‬
‫وهل هناك عدة بسبب الزنا أو بعد زواج باطل؟‬
‫إذا زنت الزوجة أو تزوج رجل امرأة زواجا متفقا على بطلنه كأن يتزوج محرمة أو معتدة يعلم‬
‫حالها أو زوجة يعلم أنها زوجة غيره ثم دخل بها‪.‬‬
‫فإن حملت المرأة في هذه الحالة‪ ،‬فل يحل لزوجها أن يقربها حتى تضع الحمل باتفاق المذاهب‪.‬‬
‫وأما إن لم يكن هناك حمل‪ :‬فل تجب العدة عند الحنفية والشافعية في الزنا ول في الزواج الباطل؛‬
‫لنه في حكم الزنا‪ ،‬واستحسن المام محمد بن الحسن استبراءها بحيضة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،265/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،240‬مغني المحتاج‪ ،412/3 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪.504/5‬‬
‫(‪ )2‬الرد المختار‪ ،265/5 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،240‬الشرح الصغير‪ 705/2 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،411/3 :‬كشاف القناع‪ ،511/5 :‬المغني‪ ،504-502 ،499/7 :‬المهذب‪.154/2 :‬‬

‫( ‪)9/631‬‬

‫ويجب عند المالكية والحنابلة استبراؤها بثلث حيضات منذ وطئها الرجل‪ ،‬سواء فارقها أو مات‬
‫عنها‪ ،‬ويحرم على زوجها أن يقربها في مدة الستبراء‪.‬‬
‫أما إذا تزوجها الرجل‪ ،‬وهو ل يعلم بأنها زوجة غيره‪ ،‬ودخل بها‪ ،‬ثم فرق بينهما‪ ،‬وجب عليها العدة‬
‫بالتفاق؛ لن العقد يكون فاسدا‪ ،‬والعقد الفاسد تجب العدة فيه بالدخول اتفاقا‪.‬‬
‫انتهى الجزء التاسع‬
‫ويتبعه الجزء العاشر‬
‫تتمة الحوال الشخصية (الحقوق المالية ‪ -‬الوصايا والوقف والمواريث)‬

‫( ‪)9/632‬‬

‫‪......................................‬ال ِفقْ ُه السلميّ وأدلُّتهُ‪...............................‬‬


‫‪..........................................‬الجزء العاشر‪....................................‬‬
‫البَابُ الثّالث‪ :‬حقوق الولد‬
‫يشتمل على خمسة فصول‪:‬‬
‫الول ـ النسب‪.‬‬
‫الثاني ـ الرضاع‪.‬‬
‫الثالث ـ الحضانة‪.‬‬
‫الرابع ـ الولية‪.‬‬
‫الخامس ـ النفقات ـ نفقة الولد والزوجة وغيرهم‪.‬‬
‫والكلم فيها لن بناء السرة بناء قويا ل يتم إل بثبوت نسب الولد من آبائهم ‪ ،‬حتى يحفظوا من‬
‫الضياع‪ ،‬وبإرضاعهم؛ لن الرضاع أول مقومات الحياة الولى‪ ،‬وبحضانتهم لحاجتهم الشديدة إلى‬
‫رعايتهم في سن الضعف والطفولة‪ ،‬وبالولية عليهم في النفس والمال إن كان لهم مال‪ ،‬لحتياجهم إلى‬
‫من يرعى شؤونهم في التربية والتعليم‪ ،‬وحفظ أموالهم واستثمارها‪ ،‬وبالنفاق عليهم قبل البلوغ بسبب‬
‫عجزهم‪.‬‬
‫وأبحث هذه الفصول تباعا فيما يأتي‪:‬‬
‫صلُ الوّل‪ :‬النّسَب‬
‫ال َف ْ‬
‫يشتمل على تمهيد ومبحثين‪:‬‬
‫الول ـ في أسباب ثبوت النسب‪ ،‬والثاني ـ في طرق إثبات النسب‪:‬‬
‫تمهيد ـ عناية الشرع بالنسب وتحريم التبني واللحاق من طريق غير مشروع ‪:‬‬
‫النسب أقوى الدعائم التي تقوم عليها السرة‪ ،‬ويرتبط به أفرادها برباط دائم من الصلة تقوم على‬
‫أساس وحدة الدم والجزئية والبغيضة‪ ،‬فالولد جزء من أبيه‪ ،‬والب بعض من ولده‪ .‬ورابطة النسب‬
‫هي نسيج السرة الذي ل تنفصم عراه‪ ،‬وهو نعمة عظمى أنعمها ال على النسان‪ ،‬إذ لولها لتفككت‬
‫أواصر السرة‪ ،‬وذابت الصلت بينها‪ ،‬ولما بقي أثر من حنان وعطف ورحمة بين أفرادها‪ ،‬لذا أمتن‬
‫ال عز وجل على النسان بالنسب‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬وهو الذي خلق من الماء بشرا‪ ،‬فجعله نسبا‬
‫وصهرا‪ ،‬وكان ربك قديرا} ‪[.‬الفرقان‪ .]54/25:‬ورعاية النسب أحد مقاصد الشريعة الخمسة‪.‬‬
‫ومنع الشرع الباء من إنكار نسب الولد‪ ،‬وحرم على النساء نسبة ولد إلى غير أبيه الحقيقي‪ ،‬فقال‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم (‪، )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أي أنها أتت بولد زنا‪.‬‬

‫( ‪)10/1‬‬

‫فليست من ال في شيء‪ ،‬ولن يدخلها ال جنته‪ ،‬وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه‪ ،‬احتجب ال‬
‫تعالى منه‪ ،‬وفضحه على رؤوس الولين والخرين يوم القيامة» (‪. )1‬‬
‫ومنع الشرع أيضا البناء من انتسابهم إلى غير آبائهم‪ ،‬فقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من ادعى إلي‬
‫غير أبيه وهو يعلم‪ ،‬فالجنة عليه حرام (‪ » )2‬وقال أيضا‪« :‬من ادعى إلى غير أبيه‪ ،‬أو انتمى إلى‬
‫غير مواليه‪ ،‬فعليه لعنة ال المتتابعة إلى يوم القيامة» (‪. )3‬‬
‫وحرمت الشريعة نظام التبني وأبطلته بعد أن كان في الجاهلية وصدر السلم‪ ،‬وقد تبنى النبي صلّى‬
‫ال عليه وسلم زيد بن حارثة قبل النبوة‪ ،‬وكان يدعى «زيد بن محمد» إلى أن نزل قوله تعالى‪{ :‬وما‬
‫جعل أدعياءكم أبناءكم‪ ،‬ذلكم قولكم بأفواهكم‪ ،‬وال يقول الحق‪ ،‬وهو يهدي السبيل‪ .‬ادعوهم لبائهم هو‬
‫أقسط عند ال ‪ ،‬فإن لم تعلموا آباءهم‪ ،‬فإخوانكم في الدين ومواليكم } (‪. )4‬ذكرالقرطبي في تفسيره‪:‬أنه‬
‫أجمع أهل التفسيرعلىأن ههذه الية ننزلت في زيد بن حارثة‪.‬وروىالئمةأن ابن عمرقال‪« :‬ماكنا‬
‫ندعو زيد بن حارثة إل زيد بن محمد‪ ،‬حتى نزلت‪ { :‬ادعوهم لبائهم هو أقسط عند ال }‬
‫» [الحزاب‪]5/33:‬أي أعدل وأحق عند ال ‪.‬‬
‫فالعدل يقضي والحق يوجب نسبة البن إلى أبيه الحقيقي‪ ،‬ل لبيه المزور‪ ،‬والسلم دين الحق‬
‫والعدل‪ ،‬والعنصر الغريب عن السرة ذكرا أو أنثى ل ينسجم معها قطعا في خلق ول دين‪ ،‬وقد تقع‬
‫مفاسد ومنكرات عليه أو منه‪ ،‬لحساسه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة‪،‬وهو‬
‫صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود عن أنس‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحزاب ‪.5،4 :‬‬

‫( ‪)10/2‬‬

‫بأنه أجنبي‪ ،‬فمن تبنى لقيطا أو مجهول النسب دون أن يدعي أنه ولده‪ ،‬لم يكن ولده حقيقة‪ ،‬فل يثبت‬
‫التوارث بينهما‪ ،‬ول تجري عليه أحكام التحريم بالقرابة‪ .‬ومن كان له أب معروف نسب إلى أبيه‪،‬‬
‫ومن جهل أبوه دعي مولىً وأخا في الدين‪ ،‬منعا من تغيير الحقائق‪ ،‬وحفظا لحقوق الباء والولد من‬
‫الضياع أو النتقاص‪ ،‬وتوفيرا لوحدة النسجام في السرة‪ ،‬فكثيرا ما أساء الولد المتبنى للزوجين‬
‫وأقاربهما في العرض والمال‪.‬‬
‫لكن لم يمنع السلم تربية ولد لقيط وتعليمه‪ ،‬ثم حجبه عن السرة بعد البلوغ أو قبله بقليل‪ ،‬وإنما فتح‬
‫باب الحسان إليه على أوسع نطاق‪ ،‬وعدّ ذلك اتفاقا للنفس من الهلك‪ ،‬وإحياء لنفس بشرية‪ ،‬ومن أحيا‬
‫نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا‪.‬‬
‫ونسب الولد من أمه ثابت في كل حالت الولدة شرعية أو غيرشرعية‪ ،‬أم نسب الولد من أبيه‪ ،‬فل‬
‫يثبت إل من طريق الزواج الصحيح أو الفاسد‪ ،‬أو الوطء بشبهة‪ ،‬أو القرار بالنسب‪ ،‬وأبطل السلم‬
‫ما كان في الجاهلية من إلحاق الولد عن طريق الزنا‪ ،‬فقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬الولد للفراش‪،‬‬
‫وللعاهر الحجر» (‪ )1‬ومعناه أن الولد يلحق الب الذي له زوجية صحيحة‪ ،‬علما بأن الفراش هو‬
‫المرأة في رأي الكثر‪ ،‬وقد يعبر به عن حالة الفتراش‪ ،‬وأما الزنا فل يصلح سببا لثبات النسب‪،‬‬
‫وإنما يستحق الزاني العاهر الرجم أو الطرد بالحجارة‪.‬‬
‫وقد دل ظاهر الحديث على أن الولد إنما يلحق بالب بعد ثبوت الفراش‪ ،‬وهو ل يثبت إل بعد إمكان‬
‫الوطء في الزواج الصحيح أو الفاسد‪ .‬وهو رأي الجمهور‪ .‬وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد‬
‫العقد؛ لن مجرد المظنة كافية‪ .‬ورد بمنع حصولها بمجرد العقد‪ ،‬بل ل بد من إمكان الوطء (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل الترمذي‪ ،‬والجماعة‪ :‬أحمد وأصحاب الكتب الستة (نيل الوطار‪.)279/6 :‬‬
‫(‪ )2‬نيل الوطار‪ 279/6 :‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪ ،352/2 :‬البدائع‪ ،212/3 :‬فتح القدير‪.300/3 :‬‬

‫( ‪)10/3‬‬

‫المبحث الول ـ أسباب ثبوت النسب ‪:‬‬


‫ل بد قبل بيان أسباب ثبوت النسب من توضيح أمور ثلثة‪:‬‬
‫الول ـ مدة الحمل‪.‬‬
‫الثاني ـ الخلف في الولدة وتعيين المولود‪.‬‬
‫الثالث ـ إثبات نسب الولد بالقيافة‪.‬‬
‫مدة الحمل ‪:‬‬
‫ل يثبت نسب الحمل بصفة عامة إل إذا أتى في فترة واقعة بين أقل الحمل وأكثرها‪ ،‬كما أبنا سابقا في‬
‫بحث العدة وغيرها‪.‬‬
‫أما أقل الحمل‪ :‬فقد اتفق الفقهاء (‪ )1‬على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر من وقت الدخول وإمكان‬
‫الوطء في رأي الجمهور‪ ،‬ومن وقت عقد الزواج في رأي أبي حنيفة‪ ،‬لن المرأة هي فراش للزوج‬
‫ويلحقه الولد لعموم الحديث المتقدم «الولد للفراش» ‪ .‬ودليل الجمهور‪ :‬أن المرأة ليست بفراش إل‬
‫بإمكان الوطء‪ ،‬وهو مع الدخول‪.‬‬
‫ودليل إجماع العلماء على أقل مدة الحمل‪ :‬العمل بمجموع آيتين في القرآن الكريم هما‪{ :‬وحمله‬
‫وفصاله ثلثون شهرا} [الحقاف‪ { ]15/46:‬وفصاله في عامين} [لقمان‪ ]14/31:‬فالية الولى حددت‬
‫الحمل والفصال‪ ،‬أي الفطام بثلثين شهرا‪ ،‬وحددت الية الثانية الفصال بعامين‪ ،‬فبإسقاط مدة العامين‬
‫للفصال تكون مدة الحمل ستة أشهر‪ ،‬والواقع والطب يؤيدان ذلك‪.‬‬
‫وروي أن رجلً تزوج‪ ،‬فولدت امرأته لستة أشهر من وقت الزواج‪ ،‬فرفع المر إلى عثمان رضي ال‬
‫عنه‪ ،‬فهمّ برجمها‪ ،‬فقال ابن عباس‪« :‬أما إنها لو خاصمتكم إلى كتاب ال لخصمتكم ـ أي غلبتكم ـ‬
‫قال ال تعالى‪{ :‬وحمله وفصاله ثلثون شهرا} وقال‪{ :‬وفصاله في عامين} ‪ ،‬فلم يبق‬
‫‪-------------------------------‬‬

‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪.352/2 :‬‬

‫( ‪)10/4‬‬

‫للحمل إل ستة أشهر‪ ،‬فأخذ عثمان بقوله‪ ،‬ودرأ عنها الحد (‪. )1‬‬
‫وأما أكثر مدة الحمل‪ :‬ففيه للعلماء أقوال (‪ )2‬أشهرها ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬سنتان وهو رأي الحنفية‪ ،‬لقول عائشة رضي ال عنها‪« :‬ل يبقى الولد في رحم أمه أكثر من‬
‫سنتين‪ ،‬ولو بفلكة مغزل» (‪ )3‬فإن ولد الحمل لسنتين من يوم موت الزوج أو طلقه‪ ،‬ثبت نسبه من‬
‫أبيه المطلّق أو الميت‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أربع سنين‪ ،‬وهو رأي الشافعية والحنابلة؛ لن ما ل نص فيه يرجع فيه إلى الوجود‪ ،‬وقد وجد‬
‫الحمل لربع سنين؛ لن نساء بني عجلن يحملن أربع سنين‪ ،‬كما قال المامان أحمد والشافعي‪ ،‬وكما‬
‫ذكر سابقا‪.‬‬
‫فإذا ولدت المرأة لربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلقه‪ ،‬ولم تكن تزوجت‪ ،‬ول وطئت‪،‬‬
‫ول انقضت عدتها بالقروء ول بوضع الحمل‪ ،‬فإن الولد ل حق بالزوج‪ ،‬وعدتها منقضية بوضعه‪.‬‬
‫وإن أتت بالولد لربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلق أو فسخ‪ ،‬أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية‪،‬‬
‫لم يلحقه ولدها؛ لننا نعلم أنها علقت به بعد زوال النكاح‪ ،‬والبينونة منه‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬خمس سنين‪ :‬وهو المشهور عن المالكية والليث بن سعد وعباد بن العوام‪ ،‬قال مالك‪ :‬بلغني عن‬
‫امرأة حملت سبع سنين‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬سنة قمرية‪ :‬هو رأي محمد بن عبد الحكم من المالكية‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬تسعة أشهر قمرية‪ :‬وهو رأي ابن حزم الظاهري‪ ،‬وعمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ .‬ويظهر‬
‫أن القوال الثلثة الولى روعي فيها إخبار بعض النساء‪ ،‬اللتي ترين أن انتفاخ البطن علمة الحمل‪.‬‬
‫لذا قال ابن رشد‪« :‬وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة‪ ،‬وقول ابن عبد الحكم والظاهرية‬
‫هو أقرب إلى المعتاد‪ ،‬والحكم إنما يجب بالمعتاد‪ ،‬ل بالنادر‪ ،‬ولعله أن يكون مستحيلً» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.211/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،857/2 :‬فتح القدير‪ ،310/3 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،87/3 :‬بداية المجتهد‪،352/2 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،390/3 :‬المغني‪ 477/7 :‬وما بعدها‪ ،‬المحلى‪ ،385/10 :‬مسألة‪.2011 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني والبيهقي في سننيهما‪.‬‬

‫( ‪)10/5‬‬

‫وقد رئي في القوانين المعمول بها العتماد على رأي الطباء‪ ،‬فاعتبر أقصى مدة الحمل سنة شمسية‬
‫(‪ 365‬يوما) ليشمل كل الحالت النادرة‪ .‬نصت المادة (‪ )128‬من القانون السوري على أن‪« :‬أقل مدة‬
‫الحمل مائة وثمانون يوما‪ ،‬وأكثرها سنة شمسية» وكو أقل الحمل (‪ )180‬يوما هو رأي الجمهور‪،‬‬
‫وخالفهم المالكية فقد روها بـ (‪ )175‬يوما؛ لن الشهر الهللية قد يتوالى منها ثلثة أشهر بمقدار (‬
‫‪ )29‬يوما‪ ،‬ويجوز أن يليهما شهران ناقصان أيضا‪ ،‬فتكون أيام الشهر الستة (‪ )175‬يوما‪ .‬ونصت‬
‫المادة (‪ )15‬من القانون المصري رقم (‪ 25‬لسنة ‪ )1929‬على أنه‪« :‬ل تسمع عند النكار دعوى‬
‫النسب لولد زوجة ثبت عدم التلقي بينهما وبين زوجها من حين العقد‪ ،‬ول لولد زوجة به بعد سنة‬
‫من غيبتة الزوج عنها‪ ،‬ول لولد المطلّقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لكثر من سنة من وقت‬
‫الطلق أو الوفاة» ‪.‬‬
‫وأخذ بهذا التقرير في كل من تونس والمغرب وغيرهما‪.‬‬
‫الخلف في الولدة وتعيين المولود ‪:‬‬
‫قد يقع اختلف بين الزوجين في ولدة المعتدة أو في تعيين المولود أثناء المدة التي يثبت فيها النسب (‬
‫‪. )1‬‬
‫أما الخلف في ولدة المعتدة‪ :‬فهو أن تدعي المعتدة ولدة ولد خلل المدة التي يثبت فيها النسب‪،‬‬
‫وينكر الزوج قائلً‪ :‬إنها لم تلد‪ ،‬وهذا الولد لقيط‪ ،‬فل يثبت نسبه منه عند أبي حنيفة إل إذا شهد‬
‫بولدتها رجلن‪ ،‬أو رجل وامرأتان؛ لن عدتها انقضت بإقرارها بوضع الحمل‪ ،‬فاحتيج إلى إثبات‬
‫النسب‪ ،‬بنحو مستقل في القضاء‪ ،‬ول يثبت إل بحجة كاملة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪.309-306/3 :‬‬

‫( ‪)10/6‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة‪ ،‬لن الفراش‪ :‬وهو تعين المرأة لماء الزوج‪ ،‬بحيث‬
‫يثبت منه نسب كل ولد تلده‪ ،‬قائم بقيام العدة‪ ،‬وقيام الفواش ملزم للنسب‪ ،‬فل حاجة لثباته‪ ،‬وإنما‬
‫الحاجة إلى تعيين الولد‪ ،‬وهو يحصل بشهادة امرأة واحدة‪ ،‬كما في حال قيام الزواج أو ظهور الحبل‬
‫أو إقرار الزوج به‪ .‬وهذا هو المعمول به في محاكم مصر؛ لن المرأة ما دامت في العدة فإن سبب‬
‫ثبوت النسب قائم‪.‬‬
‫واتفق المام أبو حنيفة وصاحباه على أنه إذا كان هناك حبل ظاهر‪ ،‬أو اعتراف من الزوج بالولد أو‬
‫الحبل‪ ،‬أو كان الزوج قائما‪ ،‬فيثبت النسب من الزوج بل شهادة‪ ،‬والقول قول المرأة في الولدة‬
‫بيمينها‪.‬‬
‫وأما الختلف بين الزوجين في تعيين المولود‪ :‬فهو أن يعترف الزوج بالولدة‪ ،‬ولكنه ينكر شخص‬
‫المولود‪ ،‬بأن يقول‪ :‬إنها ولدت بنتا‪ ،‬وهذا الولد غلم‪ .‬فيتعين المولود بشهادة امرأة واحدة باتفاق‬
‫الحنفية وهو رأي الحنابلة أيضا‪ ،‬لما رواه الدارقطني عن حذيفة «أن النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫أجازشهادة القابلة» ‪ ،‬ولما رواه ابن أبي شيبة وعد الرزاق عن الزهري قال‪« :‬مضت السنة أن تجوز‬
‫شهادة النساء فيما ل يطلع عليه غيرهن من ولدات النساء وعيوبهن» (‪. )1‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬تعيين المولود كالولدة ل يثبت إل بشهادة امرأتين‪.‬‬
‫ورأى الشافعية‪ :‬أن أمور النساء ل يكفي فيها أقل من أربع نسوة‪ ،‬لن ال عز وجل جعل مكان الرجل‬
‫الواحد شهادة امرأتين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نصب الراية‪.264/3 :‬‬

‫( ‪)10/7‬‬

‫إثبات نسب الولد بالقيافة ‪:‬‬


‫إذا تزوجت المعتدة بزوج آخر في أثناء عدتها من زوج سابق‪ ،‬وأت بولد يمكن أن يكون منهما‪ ،‬فمن‬
‫الذي يلحق به؟‬
‫وإذا ادعى رجلن أو ثلثة لقيطا‪ ،‬فمن الذي يحكم له به؟ هل يمكن إثبات نسب الولد في هاتين‬
‫الحالتين بالقيافة أو بالقافة؟ والقيافة‪ :‬تتبع الثر‪ ،‬والقافة عند العرب‪ :‬هم قوم كانت عندهم معرفة‬
‫بفصول تشابه الناس‪.‬‬
‫اختلف الفقهاء على رأيين في العتماد على القافة (‪: )1‬‬
‫فرأى الحنفية‪ :‬أن الصل أل يحكم لحد المتنازعين في الولد‪ ،‬إل أن يكون هناك فراش (‪ ، )2‬لقوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪« :‬الولد للفراش» فإن عدم الفراش أو اشتركا في الفراش‪ ،‬كان الولد بينهما‪ ،‬ول‬
‫يعمل بقول القائف‪ ،‬بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما جميعا‪.‬‬
‫ورأي الجمهور وهم (مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والوزاعي)‪ :‬أنه يحكم بالقيافة‪ ،‬بدليل قول‬
‫عائشة‪« :‬إن رسول ال صلّى ال عليه وسلم دخل عليّ مسرورا‪ ،‬تبرُق أسارير وجهه‪ ،‬فقال‪ :‬ألم تري‬
‫أن ُمجَزّزا (‪ )3‬نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذه القدام بعضها من بعض» (‪)4‬‬
‫ففيه دليل على ثبوت العمل بالقافة‪.‬‬
‫وأثبت عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس بن مالك الحكم بالقافة‪ ،‬فكان عمر يليط (‪ )5‬أولد الجاهلية‬
‫بمن استلطهم ـ أي بمن ادعاهم في السلم ـ فأتى رجلن كلهما يدعي ولد امرأة‪ ،‬فدعا قائفا‪،‬‬
‫فنظر إليه‪ ،‬فقال القائف‪ :‬لقد اشتركا فيها‪ ،‬فضربه عمر بالدّرة‪ ،‬ثم دعا المرأة‪ ،‬فقال‪ :‬أخبريني بخبرك‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬كان هذا لحد الرجلين‪ ،‬يأتي في إبل لهلها‪ ،‬فل يفارقها حتى يُظن‪ ،‬ونظن أنه قد استمر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ 352/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪ ،483/7 :‬نيل الوطار‪ 282/6 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬اختلف في معنى الفراش‪ ،‬فذهب الكثر إلى أنه اسم للمرأة‪ ،‬وقد يعبر به عن حالة الفتراش‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه اسم للزوج‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬إن الفراش زوجة الرجل‪.‬‬
‫(‪ )3‬تبرق أسارير وجهه‪ :‬أطلق على ما يظهر على وجه من سره‪ ،‬وسمي هذ الرجل القائف مجززا‬
‫لنه ج ّز نواصي قوم‪ ،‬وهو مُجَزز المدلجي‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الجماعة عن عائشة (نيل الوطار‪.)282/6 :‬‬
‫(‪ )5‬ألط فلنا بفلن‪ :‬ألحقه به‪.‬‬

‫( ‪)10/8‬‬

‫بها حمل‪ ،‬ثم انصرف عنها‪ ،‬فأهريقت عليه دما‪ ،‬ثم خلف هذا عليها‪ ،‬تعني الخر‪ ،‬فل أدري أيهما هو‪،‬‬
‫ل أيهما شئت (‪ )1‬قالوا‪ :‬فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة‬
‫فكبر القائف‪ ،‬فقال عمر للغلم‪ :‬وا ِ‬
‫من غير إنكار من واحد منهم هو كالجماع‪.‬‬
‫أسباب ثبوت النسب من الب ‪:‬‬
‫سبب ثبوت نسب الولد من أمه‪ :‬هو الولدة‪ ،‬شرعية كانت أم غير شرعية‪ ،‬كما قدمنا‪ ،‬وأما أسباب‬
‫ثبوت النسب من الب فهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الزواج الصحيح‪.‬‬
‫‪ - 2‬الزواج الفاسد‪:‬‬
‫‪ - 3‬الوطء بشبهة‪.‬‬
‫ونبين كل سبب على حدة فيما يأتي‪:‬‬
‫أولً ـ الزواج الصحيح ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الولد الذي تأتي به المرأة المتزوجة زواجا صحيحا ينسب إلى زوجها‪ ،‬للحديث‬
‫المتقدم‪« :‬الولد للفراش» ‪ ،‬والمراد بالفراش‪ :‬المرأة التي يستفرشها الرجل ويستمتع بها‪ .‬وذلك‬
‫بالشروط التية (‪: )2‬‬
‫الشرط الول ـ أن يكون الزوج ممن يتصور منه الحمل عادة‪ ،‬بأن يكون بالغا في رأي المالكية‬
‫والشافعية‪ ،‬ومثله في رأي الحنفية والحنابلة المراهق‪ :‬وهو عند الحنفية من بلغ اثنتي عشرة سنة‪،‬‬
‫وعند الحنابلة‪ :‬من بلغ عشر سنوات‪ ،‬فل يثبت النسب من الصغير غير البالغ‪ ،‬حتى ولو ولدته أمه‬
‫لكثر من ستة أشهر من تاريخ عقد الزواج‪ .‬ول يثبت النسب في رأي المالكية من المجبوب‬
‫الممسوح‪ :‬وهو الذي قطع عضوه التناسلي وأنثياه‪ .‬أما الخصي‪ :‬وهو من قطعت أنثياه أو اليسرى‬
‫فقط‪ ،‬فيرجع في شأنه للطباء المختصين‪ ،‬فإن قالوا‪ :‬يولد له‪ ،‬ثبت النسب منه‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬ل يولد له‬
‫ل يثبت النسب منه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مالك عن سليمان بن يسار‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 211/3 :‬وما بعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 857/2 :‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،301/3 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ 428/7‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/9‬‬

‫ويثبت النسب في رأي الشافعية والحنابلة (‪ )1‬من المجبوب الذي بقي أنثياه فقط‪ ،‬ومن الخصي الذي‬
‫سُلّت خصيتاه وبقي ذكره‪ ،‬ول يثبت من الممسوح المقطوع جميع ذكره وأنثييه‪.‬‬
‫الشرط الثاني ـ أن يلد الولد بعد ستة أشهر من وقت الزواج في رأي الحنفية‪ ،‬ومن إمكان الوطء بعد‬
‫الزواج في رأي الجمهور‪ ،‬فإن ولد لقل من الحد الدنى لمدة الحمل وهي ستة أشهر‪ ،‬ل يثبت نسبه‬
‫من الزوج اتفاقا‪ ،‬وكان دليلً على أن الحمل به حدث قبل الزواج‪ ،‬إل إذا ادعاه الزوج‪ ،‬ويحمل ادعاؤه‬
‫على أن المرأة حملت به قبل العقد عليها‪ ،‬إما بناء على عقد آخر‪ ،‬وإما بناء على عقد فاسد أو وطء‬
‫بشبهة‪ ،‬مراعاة لمصلحة الولد‪ ،‬وسترا للعراض بقدر المكان‪.‬‬
‫الشرط الثالث ـ إمكان تلقي الزوجين بعد العقد‪ :‬وهذا شرط متفق عليه‪ ،‬وإنما الخلف في المراد به‬
‫أهو المكان والتصور العقلي‪ ،‬أو المكان الفعلي والعادي؟‬
‫قال الحنفية‪ :‬الحق أن التصور والمكان العقلي شرط‪ ،‬فمتى أمكن التقاء الزوجين عقلً ثبت نسب‬
‫الولد من الزوج إن ولدته الزوجة لستة أشهر من تاريخ العقد‪ ،‬حتى ولو لم يثبت التلقي حسا‪ .‬فلو‬
‫تزوج مشرقي مغربية‪ ،‬ولم يلتقيا في الظاهر مدة سنة‪ ،‬فولدت ولدا لستة أشهر من تاريخ الزواج‪ ،‬ثبت‬
‫النسب‪ ،‬لحتمال تلقيهما من باب الكرامة‪ ،‬وكرامات الولياء حق‪ ،‬فتظهر الكرامة بقطع المسافة‬
‫البعيدة في المدة القليلة‪ ،‬ويكون الزوج من أهل الخطوة الذين تطوى لهم المسافات البعيدة‪ .‬وفي رأيي‬
‫أن هذا التعليل غير مقبول عادة‪ ،‬والصحيح أن الحنفية يثبتون النسب من تاريخ العقد‪ ،‬عملً بحديث‬
‫«الولد للفراش» وإن لم يتحقق إمكان الوطء أو الدخول‪ .‬وفي هذا احتياط للولد وعدم ضياعه وستر‬
‫على العِرْض‪ ،‬ومنع من وقوع مشكلة اللقطاء‪ ،‬فألحق الولد بمن له زوجية صحيحة‪ .‬فإن تيقين الزوج‬
‫أن الولد ليس منه فله أن ينفيه باللعان‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،396/3 :‬المغني‪.430/7 :‬‬

‫( ‪)10/10‬‬

‫ورفض الئمة الثلثة هذا المنطق‪ ،‬وقالوا‪ :‬يشترط إمكان التلقي بالفعل أو الحس والعادة‪ ،‬وإمكان‬
‫الوطء والدخول‪ ،‬لن المكان العقلي نادر ول يصح أن يكون له دور في نطاق العقود الظاهرة‪،‬‬
‫والحكام إنما تنبني على الكثير الغالب والظاهر المشاهد‪ ،‬ل القليل النادر‪ ،‬أو الخفي غير المحتمل‬
‫عادة‪ ،‬فلو تأكد عدم اللقاء بين الزوجين فعلً‪ ،‬لم يثبت نسب الولد من الزوج‪ ،‬كما لو كان أحد الزوجين‬
‫سجينا أو غائبا في بلد بعيد غيبة امتدت إلى أكثر من أقصى مدة الحمل‪ ،‬لذا أخذت القوانين بهذا‬
‫الرأي‪ ،‬وهو الصحيح لتفاقه مع قواعد الشريعة والعقل‪.‬‬
‫وفائدة الخلف‪ :‬أن الولد ل ينتفي نسبه في رأي الحنفية إل باللعان‪ ،‬وينتفي بدون لعان في رأي‬
‫الجمهور‪ ،‬لعدم إمكان التلقي بين الزوجين عادة‪.‬‬
‫موقف القانون من هذا السبب‪ :‬نص القانون السوري م(‪ )129‬على مايلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ولد كل زوجة في النكاح الصحيح ينسب إلى زوجها بالشرطين التاليين‪:‬‬
‫أ ـ أن يمضي على عقد الزواج أقل مدة الحمل‪.‬‬
‫ب ـ أل يثبت عدم التلقي بين الزوجين بصورة محسوسة‪ ،‬كما لو كان أحد الزوجين سجينا أو غائبا‬
‫في بلد بعيد أكثر من مدة الحمل‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا انتفى أحد هذين الشرطين ل يثبت نسب الولد من الزوج إل إذا أقر به أوادعاه‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا توافر هذان الشرطان ل ينفى نسب المولود عن الزوج إل باللعان‪.‬‬
‫وقضى القانون المصري رقم (‪ )25‬لسنة ‪ 1929‬في المادة (‪ )15‬بمنع القضاة من سماع دعوى نسب‬
‫الولد في حالة النكار إذا ثبت عدم التلقي بين الزوجين وزوجته من حين العقد إلى الولدة‪ ،‬كما‬
‫قضى بمنعهم من سماع مثل هذه الدعوى إذا أتت الزوجة بالولد بعد سنة من غيبة الزوج عنها‪.‬‬

‫( ‪)10/11‬‬

‫وقت ثبوت النسب بعد الفرقة من زواج صحيح ‪:‬‬


‫الفرقة إما أن تكون قبل الدخول أو بعد الدخول‪:‬‬
‫أ ـ إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول والخلوة‪ ،‬ثم ولدت ولدا بعد الطلق‪ ،‬فإن أتت به قبل مضي‬
‫ستة أشهر من تاريخ الطلق‪ ،‬ثبت نسبه من الزوج‪ ،‬للتيقن بأنها حملت به قبل الفرقة‪.‬‬
‫وإن أتت به بعد مضي ستة أشهر أو أكثر من تاريخ الطلق‪ ،‬فل يثبت نسبه من الزوج‪ ،‬إذ ل نتيقن‬
‫بحدوث الحمل قبل حصول الفرقة‪ .‬ب ـ وإذا طلق الرجل زوجته بعد الدخول أو الخلوة‪ ،‬سواء كان‬
‫الطلق رجعيا أو بائنا‪ ،‬أو مات عنها‪:‬‬
‫فإن أتت المرأة بولد بعد الطلق أو الوفاة‪ ،‬ثبت نسبه من الزوج‪ ،‬إذا ولدته قبل مضي أقصى مدة‬
‫الحمل من يوم الطلق أو الوفاة‪ .‬وأقصى مدة الحمل هي كما تقدم أربع سنين في رأي الشافعية‬
‫والحنابلة‪ ،‬وسنتان في رأي الحنفية‪ ،‬وخمس سنوات في المشهور لدى المالكية‪.‬‬
‫أما إن ولدته بعد مضي أقصى مدة الحمل من يوم الطلق أو الوفاة فل يثبت نسبه من الزوج المطلق‬
‫أو المتوفى‪ .‬وهذا رأي الجمهور‪.‬‬
‫وفصّل الحنفية بين الطلق الرجعي والطلق البائن‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫أ ـ إن كان الطلق رجعيا‪ ،‬ولم تقر المرأة بانقضاء عدتها‪ ،‬ثبت نسب الولد من الزوج‪ ،‬سواء أتت به‬
‫قبل مضي سنتين من تاريخ الطلق أو بعد مضي سنتين أو أكثر؛ لن الطلق الرجعي ل يحرم المرأة‬
‫على زوجها‪ ،‬فيجوز له الستمتاع بها‪ ،‬ويكون ذلك رجعة‪.‬‬
‫فإن أقرت بانقضاء العدة‪ ،‬وكانت المدة تحتمل انقضاءها‪ ،‬بأن كانت ستين يوما في رأي أبي حنيفة‪،‬‬
‫وتسعة وثلثين يوما في رأي الصاحبين‪ ،‬فل يثبت نسب الولد من الزوج إل إذا كانت المدة بين‬
‫القرار والولدة أقل من ستة أشهر لتبين كذبها أو خطئها في إقرارها‪ .‬فإن كانت ستة أشهر فأكثر‪،‬‬
‫فل يثبت نسبه من الزوج إل إذا ادعاه‪.‬‬

‫( ‪)10/12‬‬

‫ب ـ وإن كان الطلق بائنا أو كانت الفرقة بسبب وفاة الزوج‪ ،‬ولم تقر بانقضاء العدة‪ ،‬فل يثبت نسب‬
‫الولد إل إذا أتت به قبل مضي سنتين من تاريخ الطلق أو الوفاة؛ لن أقصى مدة الحمل عندهم‬
‫سنتان‪ .‬فإن أتت به في هذه المدة‪ ،‬وكان هناك احتمال بأنها حملت به بعد مضي هذه المدة‪ ،‬لم يكن‬
‫هناك احتمال بأنها حملت به قبل الطلق أو الوفاة‪.‬‬
‫أما إن أقرت بانقضاء العدة‪ ،‬والمدة تحتمل انتهاء العدة فيها‪ ،‬فل يثبت نسب الولد من الزوج إل إذا‬
‫جاء به قبل مضي ستة أشهر من وقت القرار‪ ،‬وكانت المدة بين الطلق والولدة أقل من سنتين‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬أخذ القانون السوري بهذا التفصيل من حيث المبدأ في المادتين (‪ )131 ،130‬لبيان‬
‫نسب الولد بعد الفرقة أو وفاة الزوج‪ .‬فقرر أنه إذا ولدت المطلقة من طلق رجعي أو بائن أو المتوفى‬
‫عنها زوجها‪ ،‬فإما أن تكون أقرت بانقضاء عدتها أو لم تقر‪.‬‬
‫أ ـ فإذا كانت قد أقرت بانقضاء عدتها‪ ،‬ثم جاءت بولد‪ ،‬يثبت نسبه من الزوج إذا ولد لقل من ستة‬
‫أشهر‪ ،‬أي (‪ )180‬يوما من وقت القرار بانقضاء العدة‪ ،‬وأقل من سنة شمسية من وقت الطلق أو‬
‫الموت‪ ،‬لتبين كذبها في القرار بانقضاء العدة (م ‪.)131‬‬
‫ب ـ وإن لم تكن أقرت بانقضاء العدة‪ ،‬ثبت نسب ولدها من زوجها إذا ولدته خلل سنة من تاريخ‬
‫الطلق أو الوفاة‪ .‬ول يثبت إذا ولدته لكثر من سنة إل إذا ادعاه زوج المطلّقة‪ ،‬أو ادعاه ورثة‬
‫المتوفى ( م ‪.)130‬‬
‫وهذا هو نفس المقرر في القانون المصري رقم (‪ )25‬لسنة ‪.1929‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.857/2 :‬‬

‫( ‪)10/13‬‬

‫ثانيا ـ الزواج الفاسد ‪:‬‬


‫الزواج الفاسد في إثبات النسب كالزواج الصحيح (‪ )1‬؛ لن النسب يحتاط في إثباته إحياء للولد‬
‫ومحافظة عليه‪ .‬ويشترط لثبوت النسب بالزواج الفاسد ثلثة شروط‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون الرجل ممن يتصور منه الحمل‪ :‬بأن يكون بالغا عند المالكية والشافعية‪ ،‬أو بالغا أو‬
‫مراهقا عند الحنفية والحنابلة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬تحقق الدخول بالمرأة أو الخلوة بها في رأي المالكية‪ :‬فإن لم يحصل الدخول أو الخلوة بعد‬
‫زواج فاسد‪ ،‬لم يثبت نسب الولد‪ ،‬والخلوة في الزواج الفاسد كالخلوة في الزواج الصحيح‪ ،‬لمكان‬
‫الوطء في كل منهما‪.‬‬
‫واشترط الحنفية حصول الدخول فقط‪ ،‬أما الخلوة فل تكفي في ثبوت النسب بالزواج الفاسد؛ لنه ل‬
‫يحل فيها الوطء بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن تلد المرأة بعد ستة أشهر أو أكثر من تاريخ الدخول أو الخلوة عند المالكية‪ ،‬ومن تاريخ‬
‫الدخول عند الحنفية‪ .‬فلو ولدت المرأة ولدا قبل مضي ستة أشهر من الدخول والخلوة عند الولين ل‬
‫يثبت نسبه من الرجل؛ لنه يدل على وجوده قبل ذلك وأنه من رجل آخر‪ .‬وإذا ولدته المرأة بعد ستة‬
‫أشهر أو أكثر من تاريخ الدخول أو الخلوة‪ ،‬ثبت نسبه من الرجل‪.‬‬
‫ول ينتفي نسبه عن الرجل إل باللعان في رأي المالكية والشافعية والحنابلة (‪ . )1‬ول ينتفي نسبه ولو‬
‫باللعان في رأي الحنفية؛ لن اللعان ل يصح عند الحنفية إل بعد زواج صحيح‪ ،‬والزواج هنا فاسد‪.‬‬
‫والمقرر عند المالكية‪ :‬أن كل نكاح يدرأ فيه الحد‪ ،‬فالولد لحق بالواطئ‪ ،‬وحيث وجب الحد ل يلحق‬
‫النسب (‪. )2‬‬
‫وقت ثبوت النسب بعد الفرقة من زواج فاسد ‪:‬‬
‫إذا حدثت الفرقة بعد زواج فاسد بالمتاركة أو تفريق القاضي بعد الدخول‪ ،‬أو الخلوة في رأي المالكية‪،‬‬
‫ثم ولدت المرأة قبل مضي أقصى مدة الحمل من تاريخ الفرقة‪ ،‬ثبت نسبه من الرجل‪ .‬وإن ولدته بعد‬
‫مضي أقصى مدة الحمل‪ ،‬ل يثبت نسبه منه‪ .‬وأقصى مدة الحمل كما سبق هي أربع سنين في رأي‬
‫الشافعية والحنابلة‪ ،‬وخمس سنين في رأي المالكية‪ ،‬وسنتان في رأي الحنفية‪ ،‬وسنة شمسية لدى‬
‫القانونيين والطباء‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬نص القانون السوري على ثبوت النسب في الزواج الفاسد في المادة (‪ )132‬التالية‪،‬‬
‫أخذا بالمذهب الحنفي‪:‬‬
‫‪ - 1‬المولود من زواج فاسد بعد الدخول إذا ولد لمئة وثمانين يوما فأكثر من تاريخ الدخول‪ ،‬ثبت‬
‫نسبه من الزوج‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كانت ولدته بعد متاركة أو تفريق‪ ،‬ل يثبت نسبه إل إذا جاءت به خلل سنة من تاريخ‬
‫المتاركة أو التفريق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.400/7 :‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.211‬‬

‫( ‪)10/14‬‬

‫ثالثا ـ الوطء بشبهة ‪:‬‬


‫الوطء بشبهة‪ :‬هو التصال الجنسي غير الزنا‪ ،‬وليس بناء على عقد زواج صحيح أو فاسد‪ ،‬مثل‬
‫المرأة المزفوفة إلى بيت زوجها دون رؤية سابقة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها زوجته‪ ،‬فيدخل بها‪ .‬ومثل وطء امرأة‬
‫يجدها الرجل على فراشه‪ ،‬فيظنها زوجته‪ .‬ومثل وطء المطلقة طلقا ثلثا أثناء العدة‪ ،‬على اعتقاد أنها‬
‫تحل له‪.‬‬
‫فإن أتت المرأة بولد بعد مضي ستة أشهر أو أكثر من وقت الوطء‪ ،‬ثبت نسبه من الواطئ لتأكد أن‬
‫الحمل منه‪ .‬وإن أتت به قبل مضي ستة أشهر ل يثبت النسب منه‪ ،‬لتأكد أن الحمل حدث قبل ذلك‪ ،‬إل‬
‫أنه إذا ادعاه ثبت نسبه منه‪ ،‬إذ قد يكون وطئها قبل ذلك بشبهة أخرى (‪. )1‬‬
‫وإذا ترك الرجل الموطوءة عن شبهة‪ ،‬ثبت النسب من الواطئ‪ ،‬كما يثبت بعد الفرقة من زواج فاسد‪.‬‬
‫أما إن حدث الوطء بغير شبهة وإنما بالزنا‪ ،‬فل يثبت نسب الولد من الزاني‪ ،‬للحديث المتقدم‪ « ،‬الولد‬
‫للفراش وللعاهر الحجر» ولن الزنا محظور شرعا‪ ،‬فل يكون سببا لنعمة النسب‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬نص القانون السوري على ثبوت النسب بالدخول بشبهة في المادة (‪ )133‬التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الموطوءة بشبهة إذا جاءت بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها‪ ،‬يثبت نسبه من الواطئ‪.‬‬
‫‪ - 2‬متى ثبت النسب ولو بنكاح فاسد أو بشبهة‪ ،‬ترتب عليه جميع نتائج القرابة‪ ،‬فيمنع النكاح في‬
‫الدرجات الممنوعة‪ ،‬وتستحق به نفقة القرابة والرث‪.‬‬
‫آثار النسب‪ :‬أوضحت الفقرة الثانية من هذه المادة آثار ثبوت النسب‪ ،‬فإذا ثبت النسب‪ ،‬ولو من نكاح‬
‫فاسد أو وطء بشبهة‪ ،‬ترتب عليه جميع نتائج القرابة‪ ،‬فيمنع الزواج في الدرجات الممنوعة‪ ،‬وتستحق‬
‫به نفقة القرابة‪ ،‬ويستحق به الرث‪ .‬وكان ينبغي إفراد هذه الفقرة بمادة مستقلة‪ ،‬لشمولها جميع أسباب‬
‫ثبوت النسب من زواج صحيح أو فاسد أو بشبهة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 431/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/15‬‬
‫المبحث الثاني ـ طرق إثبات النسب ‪:‬‬
‫يثبت النسب بأحد طرق ثلثة وهي (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬الزواج الصحيح أو الفاسد‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬القرار بالنسب‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬البينة‪.‬‬
‫الطريق الول ـ الزواج الصحيح أو الفاسد ‪:‬‬
‫الزواج الصحيح أو الفاسد سبب لثبات النسب‪ ،‬وطريق لثبوته في الواقع‪ ،‬متى ثبت الزواج ولو كان‬
‫فاسدا‪ ،‬أو كان زواجا عرفيا‪ ،‬أي منعقدا بطريق عقد خاص دون تسجيل في سجلت الزواج الرسمية‪،‬‬
‫يثبت به نسب كل ما تأتي به المرأة من أولد‪.‬‬
‫الطريق الثاني ـ القرار بالنسب أوادعاء الولد ‪:‬‬
‫القرار بالنسب نوعان‪ :‬إقرار على نفس المقر‪ ،‬وإقرار محمول على غير المقر‪.‬‬
‫أما القرار بالنسب على نفس المقر‪ :‬فهو أن الب بالولد أو البن بالوالد‪ ،‬كأن يقول‪ :‬هذا ابني‪ ،‬أو هذا‬
‫أبي‪ ،‬أو هذه أمي‪ .‬ويصح هذا القرار من الرجل ولو في مرض الموت‪ ،‬بشروط أربعة متفق على‬
‫أغلبها بين المذاهب‪ ،‬وهي ما يأتي‪ ،‬وقد ذكرتها في بحث القرار‪ ،‬وأعيدها هنا‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،228/7 ،218-215/3 :‬الشرح الكبير معد الدسوقي‪ ،414-412/3 :‬الخرشي‪،316/4 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،259/2 :‬المغني‪.184/5 :‬‬

‫( ‪)10/16‬‬

‫‪ - ً 1‬أن يكون المقر به مجهول النسب‪ :‬بأن ل يكون معروف النسب من أب آخر‪ ،‬فإن كان ثابت‬
‫النسب من أب معروف غير المقر‪ ،‬كان هذا القرار باطلً؛ لن الشرع قاض بثبوت النسب من ذلك‬
‫الب‪ ،‬ومتى تأكد ثبوت النسب من شخص‪ ،‬ل يقبل النتقال منه إلى غيره‪ ،‬فقد لعن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه‪.‬‬
‫ومجهول النسب عند بعض الحنفية‪ :‬هو الذي ل يعلم له أب في البلد الذي ولد فيه‪ .‬وهذا هو الظاهر‬
‫الن مع سهولة المواصلت والبحث عن بلد الميلد‪.‬‬
‫واستثنى العلماء من هذا الشرط ولد اللعان‪ ،‬فإنه ل يصح ادعاؤه بالنسب وإلحاقه بغير الب الملعن‪،‬‬
‫لحتمال أن يرجع الملعن ويكذب نفسه فيما ادعاه من أن الولد ليس منه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يصدقه الحس‪ :‬بأن يكون المقر به محتمل الثبوت من نسب المقر‪ ،‬بأن يكون ممن يولد مثل‬
‫المقر به لمثل المقر‪ ،‬وذلك في سن تسمح بأن يكون ابنا للمقر‪ .‬فلو كان المقر ببنوته أكبر من المقر أو‬
‫مساويا له في السن أو مقاربا‪ ،‬بحيث ل يمكن أن يكون ابنا للمقر عادة‪ ،‬لم يصح إقراره؛ لن الحس‬
‫أو الواقع يكذبه في هذا القرار‪ ،‬فمن قال لغلم‪ :‬هذا ابني‪ ،‬وكان سن الغلم عشر سنوات‪ ،‬وسن المقر‬
‫عشرين سنة‪ ،‬لم يعتبر هذا القرار عند الحنفية؛ لن الغلم ل يولد له في رأيهم قبل بلوغ سن الثانية‬
‫عشرة‪.‬‬
‫وكذلك إذا نازع المقر منازع آخر غيره‪ ،‬لم يثبت نسبه؛ لنه إذا نازعه فيه غيره تعارض القراران‪،‬‬
‫فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الخر‪.‬‬

‫( ‪)10/17‬‬

‫ً‪ - 3‬أن يصدقه المقر له في إقراره إن كان أهلً للتصديق‪ ،‬بأن يكون بالغا عاقلً عند الجمهور‪،‬‬
‫ومميزا عند الحنفية؛ لن القرار حجة قاصرة على المقر‪ ،‬فل تتعداه إلى غيره إل ببينة‪ ،‬أو تصديق‬
‫من الغير‪ .‬فإن كان المقر به صغيرا أو مجنونا‪ ،‬فل يشترط تصديقهما؛ لنهما ليسا بأهل للقرار أو‬
‫التصديق‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ليس تصديق المقر به شرطا لثبوت النسب من المقر؛ لن النسب حق للولد على الب‪،‬‬
‫فيثبت بإقراره بدون توقف على تصديق منه‪ ،‬إذا لم يقم دليل على كذب المقر‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أل يكون فيه حمل النسب على الغير‪ :‬سواء كذبه المقر له أو صدقه؛ لن إقرار النسان حجة‬
‫قاصرة على نفسه‪ ،‬ل على غيره؛ لنه على غيره شهادة أو دعوى‪ ،‬وشهادة الفرد فيما ل يطلع عليه‬
‫الرجال غير مقبولة‪ ،‬والدعوى المفردة ليست بحجة‪.‬‬
‫وبناء عليه إذا كان المقر ببنوة الغلم زوجة أو معتدة‪ ،‬فيشترط مع ما ذكر أن يوافق زوجها على‬
‫العتراف ببنوته له أيضا‪ ،‬أوأن تثبت ولدتها له من ذلك الزوج؛ لن فيه تحميل النسب على الغير‪،‬‬
‫فل يقبل إل بتصديقه أو ببينة‪.‬‬
‫ويبطل القرار إن صرح المقر في إقراره بأن الولد ابنه من الزنا؛ لن الزنا ل يصلح سببا لثبات‬
‫النسب‪ ،‬إذ النسب نعمة فل تنال بالمحظور‪.‬‬
‫فإذا استوفى القرار بالبنوة أو البوة هذه الشروط‪ ،‬صح وثبت به نسب المقر له من المقر‪ ،‬وترتب‬
‫عليه الرث الشرعي‪ .‬وإذا صح القرار ل يملك المقر الرجوع فيه بعدئذ؛ لن النسب إذا ثبت ل‬
‫يبطل بالرجوع‪.‬‬
‫( ‪)10/18‬‬

‫وقد اشترط الحنفية لصحة القرار بالنسب أيضا حياة الولد‪ ،‬فلو أقر شخص بأن فلنا ابنه‪ ،‬وكان المقر‬
‫له بالبنوة ميتا‪ ،‬لم يصح هذا القرار‪ ،‬ول يثبت به النسب؛ إذ ل حاجة بعد الوفاة لثبات النسب؛ لنه‬
‫ل يحتاج الميت إلى تكريم ول تشريف‪ .‬لكن استثنى الحنفية منه ما إذا كان للبن المتوفى أولد‪ ،‬فإن‬
‫القرار بنسبه بعد وفاته‪ ،‬يكون صحيحا‪ ،‬رعاية لمصلحة هؤلء الولد؛ لنه يحتاجون إلى ثبوت‬
‫نسب أبيهم‪ ،‬وفي ثبوت نسبه شرف لهم وتكريم‪.‬‬
‫ولم يشترط المالكية حياة الولد المقر به؛ لن النسب حق للولد على أبيه‪ ،‬فل يتوقف إثباته على حياة‬
‫الولد‪ ،‬كما ل يتوقف على تصديقه‪ ،‬إل أن الب ل يرث البن الذي استلحقه إل إذا كان له ولد‪ ،‬أو‬
‫كان المال قليلً‪ ،‬حتى ل يتهم الب بأن إقراره لجل أخذ المال الكثير‪.‬‬
‫والشروط السابقة تشترط أيضا في القرار بنسب على الغير‪ ،‬ما عدا الشرط الخير‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يثبت النسب بالقرار على الغير بالشروط السابقة‪ ،‬وبشرط كون المقر جميع‬
‫الورثة‪ ،‬وبشرط كون الملحق به النسب ميتا‪ ،‬فل يلحق بالحي ولو كان مجنونا‪ ،‬لستحالة ثبوت نسب‬
‫الشخص ـ مع وجوده حيا ـ بقول غيره‪.‬‬

‫( ‪)10/19‬‬

‫وأما القرار بنسب محمول على الغير ‪:‬‬


‫فهو القرار بما يتفرع عن أصل النسب‪ ،‬كأن يقر إنسان فيقول‪ :‬هذا أخي‪ ،‬أوهذا عمي‪ ،‬أو هذا جدي‪،‬‬
‫أو هذا ابن ابني‪.‬‬
‫ويصح بالشروط السابقة‪ ،‬ويزاد عليها شرط آخر‪ ،‬وهو تصديق الغير‪ ،‬فإذا قال إنسان‪ :‬هذا أخي‪،‬‬
‫يشترط لثبوت نسبه عندا لحنفية أن يصدقه أبوه فيه‪ ،‬أو تقوم البينة على صحة القرار‪ ،‬أو يصدقه‬
‫اثنان من الورثة إن كان الغير ميتا؛ لن القرار حجة قاصرة على المقر‪ ،‬لوليته على نفسه دون‬
‫غيره‪ .‬فإن لم يصدقه الغير أو لم يصدقه اثنان من الورثة‪ ،‬أو لم تقم بينة على صحة القرار‪ ،‬يعامل‬
‫المقر بمقتضى إقراره في حق نفسه‪ ،‬فتجب عليه نفقة المقر له إن كان عاجزا فقيرا‪ ،‬وكان المقر‬
‫موسرا‪ ،‬ويشارك المقر له المقر في حصته التي يرثها من تركة أبيه‪ .‬هذا رأي الحنفية‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يأخذ المقر له بالخوة المقدار الذي نقص من حصة المقر بسبب إقراره‪.‬‬
‫فإذا أقر ولد بأخوة آخر‪ ،‬وأنكره الولد الخر‪ ،‬أخذ المنكر نصف التركة‪ ،‬وشارك المقر له في النصف‬
‫الخر عند الحنفية‪ .‬وأما عند المالكية فيأخذ المنكر نصيبه كاملً‪ ،‬ويأخذ المقر له ما نقص من نصيب‬
‫المقر على فرض أن التركة توزع على ثلثة‪.‬‬
‫فلو كانت التركة (‪ )12‬دينارا مثلً‪ ،‬أخذ المقر له على رأي الحنفية (‪ )3‬دنانير كنصيب المقر‪ ،‬وعلى‬
‫رأي المالكية أخذ دينارين ويكون للمنكر (‪ ، )6‬وللمقر (‪ )4‬لن التركة توزع على ثلثة‪ ،‬ففي حال‬
‫عدم وجود المقر له يكون للمقر (‪ ، )6‬وفي حال وجوده يكون له (‪ ، )4‬فما نقص من نصيبه وهو (‬
‫‪ )2‬يأخذه المقر له‪.‬‬
‫وإذا صح القرار بالنسب لنسان‪ ،‬شارك الورثة في الميراث‪ .‬وإن لم يصدقه الغير‪ ،‬ومات المقر‪،‬‬
‫ورث منه المقر له‪ ،‬كباقي ورثته‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬نص القانون السوري على القرار بالنسب‪.‬‬
‫نصت المادة (‪ )1/134‬على شرط كون المقر به مجهول النسب وشرط تصديق الحس ‪ ،‬ونصها‪:‬‬
‫القرار بالبنوة ولو في مرض الموت لمجهول النسب‪ ،‬يثبت به النسب من المقر إذا كان فرق السن‬
‫بينهما يحتمل هذه البنوة‪.‬‬
‫والفقرة الثانية من هذه المادة نصت على حالة إقرار الزوجة‪:‬‬
‫‪ - 2‬إذا كان المقر امرأة متزوجة أو معتدة‪ ،‬ل يثبت نسب الولد من زوجها إل بمصادقته أو بالبينة‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )135‬على شرط تصديق الغير وشرط تصديق الحس أيضا‪ :‬إقرار مجهول النسب‬
‫بالبوة أو بالمومة يثبت به النسب إذا صادقه المقر له‪ ،‬وكان فرق السن بينهما يحتمل ذلك‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )136‬على حالة القرار بنسب محمول على الغير‪ :‬القرار بالنسب في غير البنوة‬
‫والبوة والمومة ل يسري على غير المقر إل بتصديقه‪.‬‬

‫( ‪)10/20‬‬

‫نوع البينة في إثبات النسب على الغير ‪:‬‬


‫إثبات النسب على الغير كهذا أخي أو عمي قد يكون بالبينة‪ ،‬وهي عند أبي حنيفة ومحمد‪ :‬إقرار‬
‫رجلين أو رجل وامرأتين‪ ،‬كالشهادة‪.‬‬
‫ويرى مالك‪ :‬أنه ل يثبت النسب على الغير إل بإقرار اثنين؛ لنه يحمل النسب على غيره‪ ،‬فاعتبر فيه‬
‫العدد كالشهادة‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأحمد وأبو يوسف‪ :‬إن أقر جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الرث‪ ،‬ثبت نسبه‪،‬‬
‫حتى ولو كان الوارث واحدا ذكرا أو أنثى؛ لن النسب حق يثبت بالقرار‪ ،‬فلم يطلب فيه العدد‬
‫كالدين‪ ،‬ولن القرار قول ل تشترط فيه عدالة‪ ،‬فلم يصح قياسه على الشهادة‪ .‬الفرق بين القرار‬
‫بالنسب وبين التبني ‪:‬‬
‫ليس القرار بالنسب هو التبني المعروف؛ لن القرار ل ينشئ النسب وإنما هو طريق لثباته‬
‫وظهوره‪ .‬أما التبني فهو تصرف منشئ لنسب‪ .‬ولن البنوة التي تثبت بالتبني تتحقق ولو كان للمتبنى‬
‫أب معروف‪ ،‬أما البنوة التي تثبت بالقرار فل تتحقق إل إذا لم يكن للولد أب معروف‪.‬‬

‫( ‪)10/21‬‬

‫الطريق الثالث ـ البينة ‪:‬‬


‫البينة حجة متعدية ل يقتصر أثرها على المدعى عليه‪ ،‬بل يثبت في حقه وحق غيره‪ ،‬أما القرار فهو‬
‫كما عرفنا حجة قاصرة على المقر لتتعداه إلى غيره‪ .‬وثبوت النسب بالبينة أقوى من القرار؛ لن‬
‫البينة أقوى الدلة اليوم؛ لن النسب وإن ظهر بالقرار لكنه غير مؤكد‪ ،‬فاحتمل البطلن بالبينة‪.‬‬
‫ونوع البينة التي يثبت بها النسب كما سبق‪ :‬هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة‬
‫ومحمد‪ .‬وشهادة رجلين فقط عند المالكية‪ ،‬وجميع الورثة عند الشافعية والحنابلة وأبي يوسف‪.‬‬
‫والشهادة تكون بمعاينة المشهود به أو سماعه‪ ،‬فإذا رأى الشاهد أو سمعه بنفسه‪ ،‬جاز له أن يشهد‪،‬‬
‫وإذا لم يره أو يسمعه بنفسه‪ ،‬ل يحل له أن يشهد‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم لشاهد‪« :‬ترى الشمس؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬على مثلها فاشهد أو دع» (‪. )1‬‬
‫الشهادة بالتسامع لثبات النسب ‪:‬‬
‫التسامع‪ :‬استفاضة الخبر واشتهاره بين الناس‪ ،‬وقد اتفق فقهاء المذاهب الربعة على جواز إثبات‬
‫النسب بشهادة السماع‪ ،‬كما هو الشأن في الزواج أو الزفاف والدخول بالزوجة‪ ،‬والرضاع والولدة‬
‫والوفاة (‪. )2‬‬
‫ودليلهم‪ :‬أن هذه المور ل يطلع عليها إل خواص الناس‪ ،‬فإذا لم تجز فيها الشهادة بالسماع‪ ،‬أدى إلى‬
‫الحرج‪ ،‬وتعطيل الحكام المترتبة عليها كالرث وحرمة الزواج‪.‬‬
‫لكن اختلف الفقهاء في بيان المراد من التسامع‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬هو أن تتواتر به الخبار ليحصل‬
‫للسامع نوع من اليقين‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬هو أن يخبر الشاهد رجلن عدلن أو عدل وامرأتان واختار قولهما بعض الفقهاء‪،‬‬
‫بدليل أن القاضي يحكم بشهادة شاهدين‪ ،‬ولو لم ير المشهود به‪ ،‬أو يسمعه بنفسه‪ .‬ويكفي الشاهد أن‬
‫يقول‪ :‬أشهد بكذا‪ ،‬ول يقول‪ :‬سمعت‪.‬‬
‫وتوسط المالكية فقالوا‪ :‬أن يكون المنقول عنه غير معين ول محصور‪ ،‬بأن ينتشر المسموع به بين‬
‫الناس العدول وغيرهم‪ .‬واشترطوا أن يقول الشهود‪ :‬سمعنا كذا‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫وقال الشافعية في الرجح‪ ،‬والحنابلة في الصح مثل قول أبي حنيفة‪ :‬شرط التسامع سماع المشهود به‬
‫من جمع كثير يؤمن تواطؤهم (أي توافقهم) على الكذب‪ ،‬بحيث يحصل به العلم (أي اليقين) أو الظن‬
‫القوي بخبرهم‪ .‬ول يكفي الشاهد بالستفاضة أن يقول‪ :‬سمعت الناس يقولون كذا‪ ،‬وإن كانت شهادته‬
‫مبنية عليها‪ ،‬بل يقول‪ :‬أشهد أنه له‪ ،‬أو أنه ابنه مثلً؛ لنه قد يعلم خلف ما سمع من الناس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي والحاكم وصحح إسناده‪ ،‬وتعقبه الذهبي فقال‪ :‬بل هو حديث واهٍ (سبل السلم‪:‬‬
‫‪.)130/4‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،111/16 :‬البدائع‪ ،266/6 :‬الدسوقي‪ 198/4 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪448/4 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المغني‪ 161/9 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/22‬‬

‫صلُ الثّاني‪ :‬الرّضاع‬


‫ال َف ْ‬
‫آثرت هنا بحث كل ما يتعلق بالرضاع من أحكام؛ لن الباحث يرتاح له‪ ،‬فأوضحت حق الولد في‬
‫الرضاع وما يستتبعه من أحكام‪ ،‬وهذا ما يتعلق بهذا الباب المخصص لحقوق الولد‪ ،‬ثم بحثت تأثير‬
‫الرضاع في تحريم الزواج بسبب القرابة الناشئة عنه‪ ،‬وما يستلزمه من طرق إثبات الرضاع‪ .‬فكان‬
‫هذا الفصل مشتملً على مباحث ثلثة‪:‬‬
‫الول ـ حق الولد الصغير في الرضاع‪.‬‬
‫الثاني ـ شروط الرضاع المحرّم للزواج‪.‬‬
‫الثالث ـ ما يثبت به الرضاع‪.‬‬
‫علما بأن أركان الرضاع في اصطلح الجمهور غير الحنفية ثلثة‪ :‬وهي مرضع‪ ،‬ولبن‪ ،‬ورضيع‪.‬‬
‫المبحث الول ـ حق الولد الصغير في الرضاع ‪:‬‬
‫فيه مطالب أربعة عن وجوب الرضاع على الم‪ ،‬واستحقاق أجرة الرضاع‪ ،‬وتقديم الم على‬
‫المتبرعة بالرضاع‪ ،‬والمكلف بأجرة الرضاع ومقدار الجرة‪.‬‬
‫المطلب الول ـ هل يجب الرضاع على الم؟‬
‫اتفق فقهاء السلم على أن الرضاع واجب على الم ديانة تسأل عنه أمام ال تعالى حفاظا على حياة‬
‫الولد‪ ،‬سواء أكانت متزوجة بأبي الرضيع‪ ،‬أم مطلّقة منه وانتهت عدتها‪ .‬واختلفوا في وجوبه عليها‬
‫قضاء‪ ،‬أيستطيع القاضي إجبارها عليه أم ل؟‬

‫( ‪)10/23‬‬

‫قال المالكية بالوجوب قضاء‪ ،‬فتجبر عليه‪ ،‬وقال الجمهور بأنه مندوب ل تجبر عليه‪ ،‬ولها أن تمتنع إل‬
‫عند الضرورة (‪ ، )1‬ورضاع الولد على الب وحده‪ ،‬وليس له إجبار أمه على رضاعه‪ ،‬سواء كانت‬
‫من مرتبة أدنى أو شريفة‪ ،‬وسواء أكانت في حال الزوجية أم مطلقة‪ .‬وجاء في المقدمات الممهدات‬
‫لبن رشد المالكي‪ :‬ويستحب للم أن ترضع ولدها‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف‪ :‬كيفية فهم المراد من قوله تعالى‪{ :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين‪ ،‬لمن‬
‫أراد أن يتم الرضاعة‪ }...‬إلىقوله‪{ :‬وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فل جناح عليكم إذا سلّمتم ما‬
‫آتيتم بالمعروف} [سورة البقرة‪.]233/2 :‬‬
‫ذهب المالكية‪ :‬إلى أنه يجب على الم إذا كانت زوجة أو معتدة من طلق رجعي إرضاع ولدها‪ ،‬فلو‬
‫امتنعت من إرضاعه بدون عذر‪ ،‬أجبرها القاضي‪ ،‬إل المرأة الشريفة لثراء أو حسب فل يجب عليها‬
‫الرضاع إن قبل الولد الرضاع من غيرها‪ ،‬فهم فهموا من الية أنها أمر لكل والدة زوجة أو غيرها‬
‫بالرضاع‪ ،‬وهو حق عليها‪ ،‬واستثنوا الشريفة بالعرف القائم على المصلحة‪ .‬ول يجب الرضاع أيضا‬
‫على المطلقة طلقا بائنا‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن أرضعن لكم‪ ،‬فآتوهن أجورهن} [الطلق‪ ]6/65:‬فإن هذه‬
‫الية واردة في المطلقات طلقا بائنا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أحكام القرآن لبن العربي‪ ،1828/4 ،206-204/1 :‬أحكام القرآن للجصاص‪403/1 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ 929/2 :‬ومابعدها‪ ،‬تفسير القرآن لبن كثير‪،283/1 :‬‬
‫فتح القدير‪ ،345/3 :‬المغني‪ ،627/7 :‬البدائع‪ ،40/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،222‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪ ،56/2‬الشرح الصغير‪ ،754/2 :‬مغني المحتاج‪.449/3 :‬‬

‫( ‪)10/24‬‬

‫وقالوا‪ :‬إن معنى قوله تعالى‪{ :‬لتضارّ والدة بولدها‪ ،‬ول مولود له بولده} [البقرة‪ ]233/2:‬أن الم ل‬
‫تأبى أن ترضعه إضرارا بأبيه‪ ،‬ول يحل للب أن يمنع الم من إرضاعه‪ .‬وذلك كله عند الطلق؛ لن‬
‫ذكر النهي عن الضرر جاء عند ذكر الطلق‪ ،‬ولن النفقة واجبة للمطلقة الرجعية لجل بقاء النكاح‬
‫في العدة‪ ،‬ول تستوجب الم زيادة على النفقة لجل رضاعه‪ .‬أما البائن فيجب لها أجر الرضاع بنص‬
‫الية السابقة‪.‬‬
‫ي وإل طلقني‪،‬‬
‫وورد في صحيح البخاري عن النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬تقول لك المرأة‪ :‬أنفق عل ّ‬
‫ويقول لك العبد‪ :‬أطعمني واستعملني‪ ،‬ويقول لك ابنك‪ :‬أنفق علي‪ ،‬إلى من تكلني؟!» ‪.‬‬
‫وذهب الجمهور إلى أن الية أمر ندب وإرشاد من ال تعالى للوالدات أن يرضعن أولدهن‪ ،‬إل إذا لم‬
‫يقبل الولد ثدي غير الم‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطلق‪ ]6/65:‬وإنما‬
‫ندب للم إرضاع ولدها‪ ،‬لن لبن الم أصلح للطفل‪ ،‬وشفقة الم عليه أكثر‪ ،‬ولن الرضاع حق للم‪،‬‬
‫كما هو حق للوليد‪ ،‬ول يجبر أحد على استيفاء حقه‪ ،‬إل إذا وجد ما يستدعي الجبار‪.‬‬
‫ويفهم منه أن الفقهاء اتفقوا على وجوب الرضاع على الم في ثلث حالت وهي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أل يقبل الطفل الرضاع إل من ثدي أمه‪ ،‬فيجب عندئذ إرضاعه إنقاذا له من الهلك‪ ،‬لتعين الم‪،‬‬
‫كما تجبر المرضعة على استدامة الجارة بعد مضي مدتها‪ ،‬إذا لم يقبل ثدي غيرها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل توجد مرضعة أخرى سواها‪ ،‬فيلزمها الرضاع حفاظا على حياته‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬إذا عدم الب لختصاصها به‪ ،‬أو لم يوجد لبيه ول للولد مال لستئجار مرضعة‪ ،‬فيجب عليها‬
‫إرضاعه‪ ،‬لئل يموت‪.‬‬
‫وأوجب الشافعية على الم إرضاع اللّبَأ‪ :‬وهو اللبن النازل أول الولدة؛ لن الولد ل يعيش بدونه‬
‫غالبا‪ ،‬وغيرها ل يغني‪.‬‬

‫( ‪)10/25‬‬

‫استئجار المرضع‪ :‬إذا امتنعت الم عن الرضاع في غير هذه الحالت‪ ،‬وجب على الب أن يستأجر‬
‫مرضعة وتسمى ( ظئرا ) لرضاعه‪ ،‬محافظة على حياة الولد‪ ،‬وعلى الظئر المستأجرة أن ترضعه‬
‫ل منهما‬
‫عند أمه؛ لن الحضانة حق لها‪ ،‬وامتناعها عن الرضاع ل يسقط حقها في الحضانة‪ ،‬لن ك ً‬
‫حق مستقل عن الخر‪.‬‬
‫فإن لم يستأجر الب مرضعة‪ ،‬كان للم أن تطالبه قضاء بدفع أجرة الرضاع‪ ،‬لتستأجر هي من‬
‫ترضعه‪.‬‬
‫ول يستأجر الب ولو من مال الصغير أم الرضيع في حال الزوجية أو العدة من طلق رجعي‪،‬‬
‫ويجوز استئجارها إذا كانت بائنا في الصح لدى الحنفية؛ لن الب في حال الزوجية والعدة قائم بنفقة‬
‫الزوجة‪ ،‬ول يجتمع عليه واجبان‪ ،‬وفي أخذها الجرة من مال الصغير أخذ للجرة على الواجب عليها‬
‫ديانة‪ ،‬وهو الرضاع‪ ،‬أما بعد البينونة فل تجبر الم على إرضاع الولد قضاء‪ ،‬فساغ لها أخذ الجرة‬
‫على الرضاع في رواية صحيحة عند الحنفية وهي المعتمدة كما ذكر ابن عابدين‪ ،‬وفي رواية أخرى‬
‫رجحها صاحب الهداية‪ :‬ل أجرة لها؛ لن لها النفقة في العدة‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ حالة استحقاق الم أجرة الرضاع‪ ،‬ومدة الستحقاق وبدء الستحقاق ‪:‬‬
‫أولً ـ حالة استحقاق الم أجرة الرضاع ‪:‬‬
‫إذا أرضعت الم ولدها بنفسها أو بإجبارها على الرضاع قضاء‪ ،‬فهل تستحق أجرة على الرضاع؟ في‬
‫المر تفصيل وهو ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬ل تستحق الم أجرة الرضاع عند الحنفية والشافعية والحنابلة في حال الزوجية أو أثناء العدة من‬
‫الطلق الرجعي؛ لن الزوج مكلف بالنفاق عليها‪ ،‬فل تستحق نفقة أخرى مقابل الرضاع‪ ،‬حتى ل‬
‫يجتمع عليه واجبان‪ :‬النفقة والجرة في آن واحد‪ ،‬وهو غير جائز لكفاية النفقة الواجبة على الزوج‪.‬‬
‫ووافق المالكية على هذا الرأي إذا كان الرضاع واجبا على الم‪ ،‬وهو الحالة الغالبة‪ ،‬أما إن كان‬
‫الرضاع غير واجب على الم كالشريفة القدر‪ ،‬فإنها تستحق الجرة على الرضاع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 929/2 :‬وما بعدها‪ ،‬أحكام القرآن لبن العربي‪ 1828/4 :‬ومابعدها‪،‬‬
‫أحكام القرآن للجصاص‪ ،463/3 :‬فتح القدير‪ ،345/3 :‬بداية المجتهد‪.56/2 :‬‬

‫( ‪)10/26‬‬

‫‪ - 2‬تستحق الم الجرة على الرضاع بالتفاق بعد انتهاء الزوجية والعدة‪ ،‬أو في عدة الوفاة‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلق‪ ]6/65:‬فهي واردة في المطلّقات‪،‬ولنه ل نفقة‬
‫للم بعد الزوجية وفي عدة الوفاة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تستحق الم الجرة على الرضاع في عدة الطلق البائن في الصح عند بعض الحنفية‪ ،‬لنها‬
‫كالجنبية‪ ،‬وكذا عند المالكية‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فإن أرضعن‬
‫لكم‪ ،‬فآتوهن أجورهن} [الطلق‪ ]6/65:‬فقد أوجب تعالى للمطلقات بائنا الجرة على الرضاع‪ ،‬حتى لو‬
‫ل ولها النفقة؛ لن كلً من النفقة وأجرة الرضاع وجب بدليل خاص به‪ ،‬فوجوب أحدهما ل‬
‫كانت حام ً‬
‫يمنع وجوب الخر‪ .‬وهذا هو المقرر في القانون السوري كما سأبين‪.‬‬
‫وذكر بعض الحنفية أن المفتى به عدم الفرق بين عدة الرجعي والبائن‪ ،‬فل تستحق الم أجرة الرضاع‬
‫في الحالتين لوجوب النفقة لها مطلقا‪ ،‬وهذا هو المعمول به في محاكم مصر‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن المدار في استحقاق الم أجرة الرضاع وعدم استحقاقها على وجوب الرضاع وعدم‬
‫وجوبه عليها في رأي المالكية‪ ،‬وعلى وجوب النفقة للم وعدم وجوبها لها في رأي الحنفية‪.‬‬
‫ثانيا ـ مدة الستحقاق ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن مدة استحقاق الجرة على الرضاع هي سنتان فقط‪ ،‬فمتى أتم الطفل حولين‬
‫كاملين‪ ،‬لم يكن للمرضع الم الحق في المطالبة بأجرة الرضاع (‪ ، )1‬لقوله تعالى‪{ :‬والوالدات‬
‫يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة‪ ]233/2:‬د لت الية على أن الب‬
‫يلزم بنفقة الرضاع في مدة سنتين فقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪ ،931/2 :‬أحكام القرآن للجصاص‪.404/1 :‬‬

‫( ‪)10/27‬‬

‫ثالثا ـ بدء الستحقاق ‪:‬‬


‫تستحق المرضع غير الم المسماة ظئرا وكذا الم بعد انتهاء الزوجية الجرة على الرضاع من تاريخ‬
‫العقد؛ لنها مستأجرة للرضاع‪ ،‬فل تستحق الجرة إل من يوم العقد‪.‬‬
‫وأما الم المرضع في حال قيام الزوجية أو أثناء العدة من طلق رجعي‪ ،‬فتستحق الجرة بالرضاع‬
‫في المدة مطلقا بل عقد إجارة‪ ،‬في رأي المالكية‪ ،‬وأما في رأي الحنفية على الراجح فمن تاريخ قيامها‬
‫بالرضاع‪ .‬وقيل عند الحنفية‪ :‬من وقت طلبها الجر‪ .‬ول تسقط الجرة بموت الب‪ ،‬بل تكون دائنة‬
‫له أسوة بغرمائه‪ ،‬فليست الجرة نفقة وإنما هي دين يستحق في التركة‪ ،‬إذ لو كانت نفقة لسقطت‬
‫بموته‪ ،‬كما تسقط بالموت نفقة الزوجة والقريب ولو بعدا لقضاء‪ ،‬ما لم تكن مستدانة بأمر القاضي (‪)1‬‬
‫‪ .‬وإذا لم يكن للرضيع أب وجبت الجرة على من يلي الب في النفاق عليه‪.‬‬
‫المطلب الثالث ـ التفضيل بين الم والمتبرعة بالرضاع ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الم تقدم في الرضاع إذا أرضعت ولدها بدون أجر‪ ،‬أو لم تطلب زيادة على ما‬
‫تأخذه الجنبية ولو دون أجر المثل‪ ،‬أو لم توجد مرضعة إل بأجر‪ ،‬رعاية لمصلحة الصغير بسبب‬
‫كون الم أكثر حنانا وشفقة عليه من غيرها‪ ،‬ولن في منع الم من إرضاع ولدها إضرارا بها‪ ،‬وهو‬
‫ل يجوز‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل تضار والدة بولدها} [البقرة‪ ]233/2:‬وقوله سبحانه‪{ :‬والوالدات يرضعن‬
‫أولدهن حولين كاملين} [البقرة‪ ]233/2:‬دل النص على أن الم أحق برضاع ولدها في الحولين (‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫فإن وجدت متبرعة بالرضاع‪ ،‬وطلبت الم الجر‪ ،‬أو وجدت مرضعة بأجر أقل مما تأخذه الم‪،‬‬
‫كانت الم عند المالكية والحنابلة هي الحق من غيرها بأجر المثل‪ ،‬لطلق الية السابقة‪{ :‬ل تضارّ‬
‫والدة بولدها} [البقرة‪ ]233/2:‬وآية‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ابن عابدين‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجصاص‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬

‫( ‪)10/28‬‬

‫{والوالدات يرضعن أولدهن} [البقرة‪ ]233/2:‬ولنها أحنى وأشفق على الولد من الجنبية‪ ،‬ولبنها أمرأ‬
‫من لبن غيرها‪.‬‬
‫وتقدم الجنبية في رأي الحنفية والشافعية في الظهر (‪ )1‬حينئذ‪ ،‬سواء أكان الب موسرا أم معسرا؛‬
‫رفقا بالب ودفعا للضرر عنه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل تضار والدة بولدها‪ ،‬ول مولود له بولده} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]233/2‬أ ي بإلزامه لها أكثر من أجرة الجنبية‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فل‬
‫جناح عليكم} [البقرة‪.]233/2:‬‬
‫ويقال للم حينئذ‪ :‬إما أن ترضعيه متبرعة‪ ،‬أو بمثل الجرة التي تطالب بها غيرك‪ ،‬وإما أن تسلميه‬
‫لها‪.‬‬
‫وإذا سلمته الم لجنبية بقي لها حق الحضانة‪ ،‬فإما أن ترضعه المرضعة عند الم‪ ،‬وإما أن ترضعه‬
‫في بيتها‪ ،‬ثم ترده إلى الم‪.‬‬
‫المطلب الرابع ـ المكلف بأجرة الرضاع ومقدار الجرة ‪:‬‬
‫الب‪ :‬هو المكلف بأجرة الرضاع؛ لنه هو الملزم بالنفقة على الولد‪ ،‬وتكون أجرة الرضاع على من‬
‫تجب عليه النفقة‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة‪،‬‬
‫وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة‪ ]233/2:‬وقوله سبحانه‪{ :‬فإن أرضعن لكم‬
‫فآتوهن أجورهن} [الطلق‪.]6/65:‬‬
‫وعلى الب خمس نفقات للولد الصغير‪ :‬أجرة الرضاع‪ ،‬وأجرة الحضانة‪ ،‬ونفقة المعيشة من صابون‬
‫ودهن وفرش وغطاء‪ ،‬وأجرة مسكن الحضانة الذي تحضنه فيه الم‪ ،‬وأجرة خادم له إن احتاج إليه‪.‬‬
‫وتلزم الب نفقة الصغير وإن خالفه في دينه‪ ،‬كما تجب نفقة الزوجة على الزوج‪ ،‬وإن خالفته في‬
‫دينه‪ ،‬لليات السابقة‪ ،‬وكما سأبين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ ،930/2 :‬فتح القدير‪ 345/3 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،450/3‬المغني‪ 627/7 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/29‬‬

‫لكن إلزام الب بالنفقة بأنواعها إذا لم يكن للصغير مال‪ ،‬فإن كان له مال‪ ،‬فالصل أن نفقة النسان في‬
‫مال نفسه‪ ،‬صغيرا كان أو كبيرا (‪ . )1‬فإن كان الب فقيرا ولم يكن للصغير مال أجبرت الم في‬
‫رأي الحنفية على إرضاعه‪ ،‬وتكون الجرة دينا على الب يطالب بها عند يساره‪ .‬وتجبر الم على‬
‫الرضاع في رأي المالكية وليس لها الرجوع بالجرة على الب إذا أيسر‪.‬‬
‫واجب المرضع‪ :‬وأما المرضع فل تكلف بشيء سوى الرضاع‪ ،‬وما يوجبه عليها العرف كإصلح‬
‫طعام الولد وحفظه وغسله وغسل ثيابه؛ لن خدمة الصغير واجب عليها؛ لن العرف معتبر فيما ل‬
‫نص فيه‪ .‬فإن أرضعته بلبن شاة فل أجر لها؛ لنها لم تأت بالعمل الواجب عليها‪ ،‬وهو الرضاع‪،‬‬
‫وهذا العقد إيجار‪ ،‬وليس بإرضاع‪ ،‬وهو غير ما وقع عليه عقد الجارة (‪. )2‬‬
‫مقدار الجرة‪ :‬الجرة التي تستحقها الم هي أجرة المثل‪ :‬وهي التي تقبل امرأة أخرى أن ترضع الولد‬
‫في مقابلها‪ .‬وتقديرها متروك للقاضي‪ ،‬فلو طلبت الم أكثر من أجر المثل ل تجاب إلى طلبها‪.‬‬
‫موقف القانون السوري من أجرة الرضاع ‪:‬‬
‫نصت المادة (‪ )1/152‬على المكلف بأجرة الرضاع‪ ،‬ولكن في سن الرضاع‪ ،‬ل بعد الفطام‪:‬‬
‫‪ - 1‬أجرة رضاع الولد‪ ،‬سواء أكان الرضاع طبيعيا أم اصطناعيا على المكلف بنفقته‪ ،‬ويعتبر ذلك‬
‫في مقابل غذائه‪.‬‬
‫ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة على حالة عدم استحقاق الم أجرة الرضاع‪:‬‬
‫‪ - 2‬ل تستحق الم أجرة الرضاع حال قيام الزوجية‪ ،‬أو في عدة الطلق الرجعي‪.‬‬
‫والمعنى بالمفهوم أنها تستحق أجرة الرضاع بعد انتهاء الزوجية وانقضاء العدة مطلقا‪ ،‬وفي عدة‬
‫الطلق البائن‪ ،‬وفي عدة الوفاة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،346/3 :‬حاشية ابن عابدين‪.931/2 :‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق‪ ،129/5 :‬البدائع‪.41/4 :‬‬
‫ونصت المادة (‪ )153‬على الخذ برأي الحنفية‪ ،‬ولكن في حالة إعسار الب فقط بتقديم المتبرعة‬
‫بالرضاع على الم‪ ،‬وهو المعقول‪ ،‬ونص المادة هو ‪« :‬المتبرعة أحق بالرضاع إن طلبت الم أجرة‪،‬‬
‫وكان الب معسرا‪ ،‬على أن يكون الرضاع في بيت الم» ‪.‬‬
‫ولكن في الحضانة تقدم الم إذا كان الب موسرا‪ ،‬ولو طلبت أجرا أكثر‪ ،‬وسبب التفريق بين الحضانة‬
‫والرضاع‪ :‬أن الرضاع أمر مادي يقصد به التغذية ونمو الجسد‪ ،‬أما الحضانة فتتطلب حنانا وشفقة‪،‬‬
‫والم أحن وأشفق من غيرها‪.‬‬

‫( ‪)10/30‬‬

‫المبحث الثاني ـ شروط الرضاع المحرّم للزواج عند الفقهاء ‪:‬‬


‫اشترط الفقهاء للتحريم بالرضاع الشروط الستة التية (‪: )1‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون لبن امرأة آدمية‪ ،‬سواء أكانت عند الجمهور بكرا أم متزوجة أم بغير زوج‪ :‬فل تحريم‬
‫بتناول غير اللبن كامتصاص ماء أصفر أو دم أو قيح‪ ،‬ول بلبن الرجل أو الخنثى المشكل أو البهيمة‪،‬‬
‫فلو رضع صغيران من شاة مثلً‪ ،‬لم يثبت بينهما أخوة‪ ،‬فيحل زواجهما؛ لن الخوة فرع المومة‪،‬‬
‫فإذا لم يثبت الصل لم يثبت الفرع‪ .‬واشترط الحنابلة أن يكون بلبن امرأة ثار لها لبن من الحمل‪ ،‬فلو‬
‫طلق رجل زوجته وهي ترضع من لبن ولده‪ ،‬فتزوجت بصبي رضيع‪ ،‬فأرضعته‪ ،‬حرمت عليه؛ لن‬
‫الرضيع يصير ابنا للرجل الذي ثار اللبن بوطئه‪.‬‬
‫واشترط الشافعية في المرأة أن تكون حيّة حياة مستقرة حال انفصال اللبن منها‪ ،‬بلغت تسع سنين‬
‫قمرية تقريبا‪ ،‬وإن لم يحكم ببلوغها بذلك‪ ،‬فل تحريم برضاع المرأة الميتة والصغيرة‪ ،‬أي أن لبن‬
‫الميتة والصغيرة ل يحرم‪ .‬لكن لو حلبت المرأة لبنها قبل موتها‪ ،‬وشربه الطفل بعد موتها‪ ،‬حرم في‬
‫الصح‪ ،‬لنفصاله منها‪ ،‬وهو حلل محترم‪.‬‬
‫ولم يشترط الجمهور هذا الشرط‪ ،‬فلبن الميتة‪ ،‬والصغيرة التي لم تطق الوطء‪ ،‬إن قدر أن بها لبنا‪،‬‬
‫يحرّم؛ لنه ينبت اللحم‪ ،‬ولن اللبن ل يموت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،13-5/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 206‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،419-414/3 :‬كشاف‬
‫القناع‪ 515/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،721-719/2 :‬المغني‪ ،547-537/7 :‬بداية المجتهد‪:‬‬
‫‪.39-34/2‬‬

‫( ‪)10/31‬‬
‫‪ -2‬أن يتحقق من وصول اللبن إلى معدة الرضيع‪ ،‬سواء بالمتصاص من الثدي‪ ،‬أم بشربه من الناء‬
‫أو الزجاجة‪ .‬وهذا شرط عند الحنفية‪ ،‬فإن لم يتحقق‬
‫من الوصول إلى المعدة بأن التقم الثدي‪ ،‬ولم يعلم أرضع أم ل‪ ،‬فل يثبت التحريم‪ ،‬للشك في وجود‬
‫سبب التحريم وهو الرضاع‪ ،‬والحكام ل تثبت بالشك‪.‬‬
‫واكتفى المالكية باشتراط وصول اللبن تحقيقا أو ظنا أو شكا إلى الجوف من الفم برضاع الصغير‪،‬‬
‫فيثبت التحريم ولو مع الشك‪ ،‬عملً بالحتياط‪ ،‬ول يثبت التحريم على المشهور بمجرد الوصول إلى‬
‫الحلق فقط‪ .‬واشترط الشافعية والحنابلة وجود خمس رضعات متفرقات‪ ،‬والمرجع في معرفة الرضعة‬
‫إلى العرف‪،‬وليشترط كونها مشبعة‪ ،‬ول بد من وصول اللبن إلى الجوف‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يحصل الرضاع بطريق الفم أو النف‪ :‬فقد اتفق أئمة المذاهب على أن التحريم يحصل‬
‫سعُوط (وهو صب اللبن في‬
‫بالوجور (وهو صب اللبن في الحلق) لحصول التغذية به كالرتضاع‪ ،‬وبال ّ‬
‫النف ليصل الدماغ) لحصول التغذي به؛ لن الدماغ جوف له كالمعدة‪ ،‬بل ل يشترط التغذي بما‬
‫وصل من منفذ عال‪ ،‬بل مجرد وصوله للجوف كاف في التحريم‪.‬‬
‫ول يحصل التحريم عند الحنفية‪ ،‬والشافعية في الظهر‪ ،‬والحنابلة في منصوص أحمد بالحقنة‪ ،‬أو‬
‫بتقطير اللبن في العين أو الذن أو الجرح في الجسم؛ لن هذا ليس برضاع ول في معناه‪ ،‬فلم يجز‬
‫إثبات حكمه فيه‪ ،‬ولنتفاء التغذي‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬يحصل التحريم بحقنة تغذي أي تكون غذاء‪ ،‬ل مجرد وصول اللبن للجوف عن طريق‬
‫الحقنة‪ .‬وحينئذ يختلف ما وصل من منفذ عال‪ ،‬فل يشترط فيه الغذاء‪ ،‬وما وصل من منفذ سفلي‬
‫ونحوه فيشترط فيه التغذي‪.‬‬

‫( ‪)10/32‬‬

‫ً‪ - 4‬أل يخلط اللبن بغيره‪ :‬وهذا شرط عند الحنفية والمالكية‪ .‬فإن خلط بمائع آخر‪ ،‬فالعبرة عند‬
‫الحنفية والمالكية للغالب‪ ،‬فإن غلب اللبن حرّم‪ ،‬وإن غلب غير اللبن عليه‪ ،‬حتى لم يبق له عند المالكية‬
‫طعم ول أثر مع الطعام ونحوه‪ ،‬فل يحرم؛ لن الحكم للغلب‪ ،‬ولنه بالخلط يزول السم والمعنى‬
‫المراد به‪ ،‬وهو التغذي‪ ،‬فل يثبت به الحرمة‪ .‬ولفرق عند المالكية بين الخلط بالمائع أو بالطعام‪.‬‬
‫واعتبر الشافعية في الظهر والحنابلة في الراجح اللبن المشوب (المختلط بغيره) كاللبن الخالص الذي‬
‫ل يخالطه سواه‪ ،‬سواء شيب بطعام أوشراب أو غيره‪ ،‬لوصول اللبن إلى الجوف‪ ،‬وحصوله في بطنه‪.‬‬
‫ورأى أبو حنيفة خلفا للصاحبين أن اللبن المخلوط بالطعام ل يحرم عنده بحال سواء أكان غالبا أم‬
‫مغلوبا؛ لن الطعام وإن كان أقل من اللبن‪ ،‬فإنه يسلب قوة اللبن ويضعفه‪ ،‬فل تقع الكفاية به في تغذية‬
‫الصبي‪ ،‬فكان اللبن مغلوبا معنى‪ ،‬وإن كان غالبا صورة‪.‬‬
‫وإذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى‪ :‬فالحكم للغالب عند أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬فإن تساويا ثبت‬
‫التحريم من المرأتين جميعا للختلط‪.‬‬
‫وقال المالكية ومحمد وزفر‪ :‬يثبت التحريم من المرأتين جميعا‪ ،‬سواء تساوى مقدار اللبنين أوغلب‬
‫أحدهما الخر‪ ،‬وهذا هو الراجح لدي؛ لن اللبنين من جنس واحد‪ ،‬والجنس ل يغلب الجنس‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يكون الرضاع في حال الصغر باتفاق المذاهب الربعة‪ :‬فل يحرم رضاع الكبير‪ :‬وهو من‬
‫تجاوز السنتين‪.‬‬
‫وقال داود الظاهري‪ :‬إن رضاع الكبير يحرم‪ ،‬وكانت عائشة ترى أن رضاعة الكبير تحرم‪ ،‬لما روي‬
‫أن سهلة بنت سهيل قالت‪« :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا كنا نرى سالما ولدا‪ ،‬فكان يأوي معي‪ ،‬ومع أبي حذيفة‬
‫في بيت واحد‪ ،‬ويراني ُفضْلى (‪ ، )1‬وقد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فضْلى وفضلً‪ :‬أي متبذلة في ثياب مهنتي‪.‬‬

‫( ‪)10/33‬‬

‫أنزل ال فيهم ما قد علمت‪ ،‬فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬أرضعيه حتى‬
‫يدخل عليه» (‪ ، )1‬فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها‪ ،‬وبناء عليه كانت عائشة تأمر بنات‬
‫أخواتها وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها‪ ،‬ويدخل عليها‪ ،‬وإن كان كبيرا خمس‬
‫رضعات (‪. )2‬‬
‫واستدل الجمهور على اشتراط كون الرضاع في حال الصغر بما يأتي‪:‬‬
‫أولً ـ بقوله تعالى‪ { :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]233/2‬فإنه تعالى جعل تمام الرضاعة في الحولين‪ ،‬فأفهم أن الحكم بعد الحولين بخلفه‪ .‬وقال‬
‫تعالى‪{ :‬وفصاله في عامين} [لقمان‪ ]14/31:‬أي فطامه‪ ،‬فدل على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة‬
‫شرعا سنتان‪.‬‬
‫ثانيا ـ بخبر‪« :‬ل رضاع إل ماكان في الحولين» (‪ )3‬وخبر‪« :‬ل يحرّم من الرضاع إل ما فتق‬
‫المعاء في الثدي‪ ،‬وكان قبل الفطام» (‪ )4‬وخبر «ل رضاع بعد فصال‪ ،‬ول يُتْم بعد احتلم» (‪. )5‬‬
‫وقال الشافعي رضي ال عنه عن حديث سهلة‪ :‬إنه رخصة خاصة بسالم‪ ،‬وكذلك قال الحنابلة‬
‫وغيرهم‪ ،‬جمعا بين الدلة‪.‬‬
‫ثبت عن عائشة أنها قالت‪« :‬دخل علي رسول ال صلّى ال عليه وسلم وعندي رجل‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟‬
‫قلت‪ :‬أخي من الرضاعة‪ ،‬قال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬انظُرن من إخوانكُنّ‪ ،‬فإنما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد ومسلم عن زينب بنت أم سلمة (نيل الوطار‪.)313/6 :‬‬
‫(‪ )2‬قيل‪ :‬إن هذا رخصة لسهلة‪ ،‬وما روي عن عائشة ل يتفق مع نزاهتها ومكانتها الدينية التي تأبى‬
‫عليها أساليب الحتيال‪،‬أو أنها تحلب الحليب من ثديها ثم تعطيه له‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني عن ابن عباس (نيل الوطار‪.)315/6 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه الترمذي وصححه عن أم سلمة (المرجع السابق)‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن جابر (المرجع السابق)‪.‬‬

‫( ‪)10/34‬‬

‫الرضاعة من المجاعة» (‪ )1‬وعن ابن مسعود‪« :‬ل رضاع إل ما أنشز العظم‪ ،‬وأنبت اللحم»(‪. )2‬‬
‫والتزم الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد بظاهر هذه الدلة‪ ،‬فشرطوا أن يكون الرضاع في مدة‬
‫الحولين الولين من العمر‪ ،‬بالشهر القمرية‪ ،‬ولو بعد الفطام؛ لن حديث «فإنما الرضاعة من‬
‫المجاعة» يراد به الرضاع الذي يكون في سن المجاعة‪ ،‬كيفما كان الطفل‪ ،‬وهو سن الرضاع‪ ،‬فلو‬
‫ارتضع الطفل بعدهما بلحظة‪ ،‬ولو بعد فطامه‪ ،‬لم يثبت التحريم؛ لن شرطه وهو كونه في الحولين لم‬
‫يوجد‪ ،‬وإن حصل الرضاع في أثناء الحولين‪ ،‬ولو بعد الفطام‪ ،‬ثبت به التحريم؛ لن الرضاع في وقته‬
‫عرف محرّما في الشرع‪ .‬ويكون انتهاء الحولين من تمام انفصال الرضيع‪ ،‬فإن ارتضع قبل تمامه لم‬
‫يؤثر‪ .‬هذا الرأي هو الراجح لقوة الدلة التي استندوا إليها‪.‬‬
‫وأضاف المام مالك مدة شهرين على الحولين؛ لن الطفل قد يحتاج إلى هذه المدة لتحويل غذائه إلى‬
‫الطعام‪ .‬لكن إن فطم الولد عن اللبن‪ ،‬واستغنى بالطعام استغناء بيّنا ولو في الحولين‪ ،‬أو لم يوجد له‬
‫مرضع في الحولين‪ ،‬فاستغنى بالطعام أكثر من يومين وما أشبههما‪ ،‬فأرضعته امرأة‪ ،‬فل يحرم‪ ،‬لن‬
‫مفهوم الحديث‪« :‬فإنما الرضاعة من المجاعة» يدل على أن الطفل غير مفطوم‪ ،‬فإن فطم في بعض‬
‫الحولين‪ ،‬لم يكن رضاعا من المجاعة‪.‬‬
‫وأضاف المام أبو حنيفة أيضا مدة نصف سنة على الحولين‪ ،‬فتكون مدة الرضاعة عنده ثلثين‬
‫شهرا‪ ،‬لحتياج الطفل إلى هذه المدة للتدرج من اللبن إلى الطعام المعتاد‪ ،‬لكن إن استغنى بالفطام عن‬
‫اللبن استغناء تاما‪ ،‬لم يكن ذلك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الجماعة إل الترمذي عن عائشة (المرجع السابق‪ :‬ص ‪.)316‬‬
‫(‪ )2‬نيل الوطار‪ ،316/6 :‬سبل السلم‪.214/3 :‬‬

‫( ‪)10/35‬‬

‫ل ضعيفا ل يستغنى به عن الرضاع‪ ،‬ثم‬


‫رضاعا؛ لنه ل رضاع بعد الفطام‪ ،‬وإن فطم الطفل فأكل أك ً‬
‫عاد فأرضع‪ ،‬كما يرضع أولً في الثلثين شهرا‪ ،‬فهو رضاع محرم‪ ،‬كما يحرم رضاع الصغير الذي‬
‫لم يفطم‪ ،‬ويحمل الحديث السابق‪« :‬ل رضاع بعد فصال» على الفصال المعتاد المتعارف‪ .‬واستدل‬
‫للمامين مالك وأبي حنيفة بقوله تعالى‪{ :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين‪ ،‬لمن أراد أن يتم‬
‫الرضاعة} ‪{ ..‬فإن أرادا فصالً عن تراض منهما وتشاور‪ ،‬فل جناح عليهما} [البقرة‪ ]233/ 2:‬فالية‬
‫في نهايتها تدل على أن للوالدين الخيار في فطم الطفل عند تمام الحولين‪ .‬والتحديد بالحولين في مقدم‬
‫الية إنما هو لبيان المدة التي يجوز فيها للم المطلّقة أن تأخذ فيها أجرا على الرضاع‪.‬‬
‫وأجيب عنه بأن الفطام الذي يحتاج إلى المشاورة والتراضي بين الوالدين هو الذي يكون قبل تمام‬
‫الحولين‪ ،‬فإن استمر الرضاع بعد الحولين لضعف الطفل‪ ،‬فل مانع منه للحاجة‪ ،‬ولكن ل يترتب عليه‬
‫أحكامه من التحريم وأخذ الم المطلقة أجرا عليه‪.‬‬

‫( ‪)10/36‬‬

‫‪ - 6‬أن يكون الرضاع خمس رضعات متفرقات فصاعداً‪ :‬وهذا شرط عند الشافعية والحنابلة‪،‬‬
‫والمعتبر في الرضعة العرف‪ ،‬فلو انقطع الطفل عن الرضاع إعراضا عن الثدي تعدد الرضاع‪ ،‬عملً‬
‫بالعرف‪ ،‬ولو انقطع للتنفس أو الستراحة أو الملل أو النتقال من ثدي إلى آخر أو من امرأة إلى‬
‫أخرى أو اللهو أو النومة الخفيفة أو ازدراء ما جمعه من اللبن في فمه‪ ،‬وعاد في الحال‪ ،‬فل تعدد‪ ،‬بل‬
‫الكل رضعة واحدة‪ .‬وإن رضع أقل من خمس رضعات فل تحريم‪ ،‬وإن شك في عدد الرضعات بني‬
‫على اليقين؛ لن الصل عدم وجود الرضاع المحرم‪ ،‬لكن في حالة الشك الترك أولى‪ ،‬لنه من‬
‫الشبهات‪ .‬واستدلوا بأدلة ثلثة‪ :‬أولها ـ ما روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت‪« :‬كان فيما‬
‫أنزل ال من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن‪ ،‬فنسخن بخمس معلومات‪ ،‬فتوفي رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن» (‪ )1‬أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ‬
‫لقربه‪ .‬لكن قيل عنه‪ :‬إنه مضطرب‪.‬‬
‫ثانيها ـ إن علة التحريم بالرضاع هي شبهة الجزئية التي تحدث باللبن الذي ينبت اللحم وينشز‬
‫العظم‪ ،‬أي ينميه ويزيده‪ ،‬وهذا ل يتحقق إل برضاع يوم كامل على القل‪ ،‬وهو خمس رضعات‬
‫متفرقات‪.‬‬
‫ثالثها ـ حديث «ل تحرم المصة والمصتان» وفي رواية «ل تحرم المصة والمصتان‪ ،‬ول الملجة‬
‫والملجتان» (‪. )2‬‬
‫وقال المالكية والحنفية‪ :‬الرضاع المحرم يكون بالقليل والكثير‪ ،‬ولو بالمصة الواحدة‪ ،‬للدلة الثلثة‬
‫التالية‪:‬‬
‫أولها ـ عموم قوله تعالى‪{ :‬وأمهاتكم اللتي أرضعنكم} [النساء‪ ]23/4:‬فإنه علّق التحريم بالرضاع‬
‫من غير تقدير بقدر معين‪ ،‬فيعمل به على إطلقه‪.‬‬
‫ثانيها ـ حديث «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (‪ )3‬فإنه ربط التحريم بمجرد الرضاع‪،‬‬
‫ويؤكده آثار عن بعض الصحابة‪ ،‬روي عن علي وابن مسعود وابن عباس أنهم قالوا‪ :‬قليل الرضاع‬
‫وكثيره سواء‪.‬‬
‫ثالثها ـ إن الرضاع فعل يتعلق به التحريم‪ ،‬فيستوي قليله وكثيره؛ لن شأن الشارع إناطة الحكم‬
‫بالحقيقة مجردة عن شرط التكرار والكثرة‪ ،‬وتتحقق جزئية الرضيع من المرضعة بالقليل والكثير‪.‬‬
‫ويعمل بهذا الرأي في مصر وليبيا‪ ،‬ويعمل في سورية بالرأي الول‪ ،‬وهو الراجح‪ ،‬لما فيه من توسعة‬
‫وتيسير على الناس‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نصب الراية‪.218/3 :‬‬
‫(‪ )2‬روى مسلم الحديث الول‪ ،‬وروى ابن حبان في صحيحه الحديث الثاني عن عائشة (نصب‬
‫الراية‪ .)317/3 :‬سبل السلم‪.)213/3 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ومن حديث عائشة‪ ،‬ورواه أحمد والترمذي‬
‫وصححه عن المام علي رضي ال عنه بلفظ «إن ال حرّم من الرضاع ما حَرّم من النسب» (نصب‬
‫الراية‪ ،218/3 :‬نيل الوطار‪.)218-217/6 :‬‬

‫( ‪)10/37‬‬
‫المبحث الثالث ـ ما يثبت به الرضاع ‪:‬‬
‫يثبت الرضاع بأحد أمرين‪ :‬القرار والبينة (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬أما القرار‪ :‬فهو عند الحنفية اعتراف الرجل والمرأة معا أو أحدهما بوجود الرضاع المحرم‬
‫بينهما‪.‬‬
‫فإذا أقر الرجل والمرأة بالرضاع قبل الزواج‪ ،‬بأن اعترفا بأنهما أخوان من الرضاع‪ ،‬فل يحل لهما‬
‫القدام على الزواج‪ ،‬وإن تزوجا كان العقد فاسدا‪ ،‬ولم يجب للمرأة شيء من المهر‪.‬‬
‫وإن كان القرار بعد الزواج وجب عليهما الفتراق‪ ،‬فإن لم يفترقا اختيارا‪ ،‬فرق القاضي بينهما جبرا؛‬
‫لنه تبين فساد العقد‪ ،‬ويجب للمرأة القل من المسمى ومهر المثل‪.‬‬
‫ب ـ وإذا كان القرار من جانب الرجل وحده‪ ،‬كأن يقول‪ :‬هي أختي أو أمي أو بنتي في الرضاع‪:‬‬
‫فإن كان القرار قبل الزواج‪ ،‬فل يحل له التزوج بها‪ .‬وإن كان بعد الزواج‪ ،‬وجب عليه أن يفارق‬
‫المرأة‪ ،‬فإن لم يفارقها اختيارا‪ ،‬وجب على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،14/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،207‬مغني المحتاج‪ ،425-423/3 :‬المغني‪-558/7 :‬‬
‫‪ ،562‬الشرح الصغير‪.727-725/2 :‬‬

‫( ‪)10/38‬‬

‫القاضي أن يفرق بينهما جبرا‪ ،‬ويكون للمرأة في التفريق قبل الدخول نصف المهر المسمى‪ ،‬وبعد‬
‫الدخول يكون لها جميع المهر المسمى‪ ،‬ولها النفقة والسكنى في العدة؛ لن القرار حجة قاصرة على‬
‫المقر ليتعداه إلى غيره إل إذا صدقه الغير‪ ،‬أو ثبتت بالبينة صحة القرار‪ ،‬ولكن ل يبطل حقها‬
‫بالمهر والنفقة والسكنى‪.‬‬
‫جـ ـ وإذا كان القرار من جانب المرأة وحدها‪ :‬فإن كان قبل الزواج‪ ،‬فل يحل لها أن تتزوجه‪،‬‬
‫ولكن يحل له أن يتزوجها إذا وقع في قلبه كذبها على المفتى به؛ لن الطلق له ل لها‪ ،‬والقرار حجة‬
‫قاصرة على المقر‪ ،‬ويحتمل أن يكون إقرارها لغرض خفي في نفسها‪.‬‬
‫وإن كان القرار منها بعد الزواج‪ ،‬فل يؤثر القرار على صحة الزواج إل إذا صدقها الزوج فيه‪.‬‬
‫ويجوز للمقر الرجوع عن إقراره مالم يشهد على إقراره‪ ،‬سواء قبل الزوج أم بعده‪ ،‬بأن يقول‪ :‬كنت‬
‫واهما أو ناسيا‪ ،‬لحتمال أنه أقر بناء على إخبار غيره‪ ،‬ثم تبين له كذبه‪ .‬فإن أشهد على إقراره‪ ،‬لم‬
‫يقبل منه الرجوع بعدئذ‪ ،‬لوجود التناقض بين إقراره ورجوعه‪.‬‬
‫ويثبت الرضاع عند المالكية بإقرار الزوجين معا‪ ،‬أو باعتراف أبويهما‪ ،‬أوباعتراف الزوج المكلف‬
‫وحده ولو بعد العقد؛ لن المكلف يؤخذ بإقراره‪ ،‬أو باعتراف الزوجة فقط إذا كانت بالغا قبل العقد‬
‫عليها‪ ،‬ل إن أقرت بعده‪ ،‬ويفسخ الزواج بينهما في كل هذه الحوال‪.‬‬
‫فإن حصل الفسخ قبل الدخول بها فل شيء لها‪ ،‬إل أن يقر الزوج فقط بعد العقد‪ ،‬فأنكرت‪ ،‬فلها نصف‬
‫المهر (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬هذه إحدى المسائل الثلث المستثنيات من قاعدة‪ ،‬كل عقد فسخ قبل الدخول‪ ،‬ل شيء فيه إل نكاح‬
‫الدرهمين‪ ،‬وفرقة المتلعنين‪ ،‬وفسخ المتراضعين‪.‬‬

‫( ‪)10/39‬‬

‫وإن حدث الفسخ بعد الدخول بها‪ ،‬فلها المهر المسمى جميعه‪ ،‬إل إذا علمت المرأة بالرضاع قبل‬
‫الدخول‪ ،‬ولم يعلم هو‪ ،‬فلها ربع دينار بالدخول‪ .‬وليس لها نفقة ول سكن ‪.‬‬
‫ويقبل إقرار أحد أبوي صغير‪ ،‬بأن أقر أبوه أو أمه بالرضاع قبل العقد عليه فقط‪ ،‬فل يصح العقد بعد‬
‫القرار‪.‬‬
‫ول يصح الرجوع عن القرار‪ ،‬سواء أصر المقر على إقراره أم لم يصر‪.‬‬
‫ويشترط لصحة القرار عند الشافعية رجلن‪ ،‬فل يثبت بإقرار غيرهما‪ ،‬لطلع الرجال عليه غالبا‪.‬‬
‫ولو قال الرجل‪ :‬هند بنتي أو أختي برضاع‪ ،‬أو قالت المرأة‪ :‬هو أخي‪ ،‬حرم تناكحهما‪ ،‬لنه يؤاخذ كل‬
‫منهما بإقراره‪.‬‬
‫ولو قال زوجان‪ :‬بيننا رضاع محرّم‪ ،‬فرّق بينهما‪ ،‬وسقط المهر المسمى‪ ،‬ووجب مهر المثل إن حدث‬
‫الوطء‪.‬‬
‫وإن ادعى الزوج رضاعا محرّما‪ ،‬فأنكرت زوجته ذلك؛ انفسخ النكاح وفرق بينهما‪ ،‬ولها إن وطئ‬
‫المهر المسمى إن كان صحيحا‪ ،‬وإل فمهر المثل‪ ،‬لستقراره بالدخول‪ .‬فإن لم يطأ فلها نصف المهر‪،‬‬
‫لورود الفرقة منه‪ ،‬ول يقبل قوله عليها‪ ،‬وله تحليفها قبل الدخول‪ ،‬وكذا بعد الدخول إن كان المسمى‬
‫أكثر من مهر المثل‪ .‬وإن نكلت عن اليمين حلف الزوج ولزمه مهر المثل فقط بعد الوطء‪ ،‬ول شيء‬
‫لها عليه قبله‪.‬‬
‫وإن ادعت الزوجة الرضاع‪ ،‬فأنكر الزوج ذلك‪ ،‬صدق بيمينه إن زوّجت برضاها‪ ،‬وإل بأن زوجت‬
‫بغيررضاها‪ ،‬فالصح تصديقها بيمينها‪ .‬ولها في الحالين مهر مثلها إن وطئت جاهلة بالرضاع‪ .‬وقال‬
‫الحنابلة‪ :‬إن أقر الزوج قبل الدخول بالرضاع المحرّم‪ ،‬بأن قال‪ :‬هي أختي من الرضاعة‪ ،‬انفسخ‬
‫النكاح‪ ،‬كما قال الشافعية‪ .‬فإن صدقته المرأة فل مهر لها‪ ،‬وإن كذبته فلها نصف المهر‪.‬‬
‫وإن أقرت المرأة بأن زوجها أخوها من الرضاع‪ ،‬فكذبها‪ ،‬لم يقبل قولها في فسخ النكاح؛ لنه حق‬
‫عليها‪ ،‬فإن كان قبل الدخول فل مهر لها؛ لنها تقر بأنها لتستحقه‪.‬‬
‫وإن كان بعد الدخول‪ ،‬فأقرت بعلمها بالرضاع وبتحريمها عليه‪ ،‬فل مهر لها أيضا‪ ،‬لقرارها بأنها‬
‫زانية مطاوعة‪.‬‬
‫وإن أنكرت شيئا من ذلك‪ ،‬فلها المهر؛ لنه وطء بشبهة‪ ،‬وهي زوجته في ظاهر الحكم؛ لن قولها‬
‫عليه غير مقبول‪.‬‬

‫( ‪)10/40‬‬

‫‪ - 2‬وأما البينة‪ :‬فهي الشهادة‪ ،‬وهي الخبار في مجلس القضاء بحق الشخص على الغير‪.‬‬
‫وقد اتفق فقهاء المذاهب الربعة على ثبوت الرضاع بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين من أهل‬
‫العدالة‪.‬‬
‫واختلفوا في ثبوت الرضاع بشهادة رجل واحد‪ ،‬أو امرأة واحدة‪ ،‬أو أربع من النساء‪.‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬ل تقبل هذه الشهادات‪ ،‬لما روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال‪« :‬ل يقبل على‬
‫الرضاع أقل من شاهدين» وكان قوله بمحضر من الصحابة‪ ،‬ولم ينكر أحد‪ ،‬فكان هذا إجماعا‪ ،‬ولن‬
‫الرضاع مما يطلع عليه الرجال‪ ،‬فل يقبل فيه شهادة النساء على النفراد‪ ،‬كالشهادة في الدخول‪ .‬وقال‬
‫المالكية‪ :‬ل يثبت الرضاع قبل العقد بشهادة امرأة فقط ولو فشا منها أومن غيرها الرضاع‪ ،‬إل أم‬
‫الصغير‪ ،‬فتقبل شهادتها‪ ،‬مع الفشو‪ ،‬ول يصح العقد معه‪.‬‬
‫ويثبت الرضاع بشهادة رجل وامرأة أو بشهادة امرأتين إن فشا الرضاع منهما أو من غيرهما بين‬
‫الناس‪ ،‬قبل العقد‪ .‬ول تشترط مع الفشو عدالة على الرجح‪ .‬وإنما اشترط لقبول هذه الشهادة‪ :‬الظهار‬
‫قبل الزواج‪ ،‬لبعاد التهمة عن الشاهد بهذه الشهادة‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة‪ ،‬لختصاص النساء بالطلع عليه غالبا كالولدة‪،‬‬
‫ول يثبت بدون أربع نسوة‪ ،‬إذ كل امرأتين بمثابة رجل‪.‬‬
‫وتقبل شهادة المرضعة مع غيرها‪ ،‬إن لم تطلب أجرة عن رضاعها‪ ،‬ول ذكرت فعلها‪ ،‬بل شهدت أن‬
‫بينهما رضاعا محرّما؛ لنها ل تريد بهذه الشهادة نفعا ول تدفع ضررا‪ .‬أما إذا طلبت الجرة فل تقبل‬
‫شهادتها؛ لنها متهمة‪.‬‬
‫وتقبل شهادة أم الزوجة وبنتها مع غيرهما حسبة بل تقدم دعوى‪ ،‬ومن المتفق عليه أن الرضاع مما‬
‫تقبل فيه شهادة الحسبة‪ ،‬فل تتوقف على الدعوى‪ ،‬لنه يتضمن الحرمة‪ ،‬وهي من حقوق ال تعالى‪،‬‬
‫كما تقبل الشهادة على الطلق حسبة دون تقدم دعوى‪.‬‬

‫( ‪)10/41‬‬

‫صلُ الثّالث‪ :‬الحَضانة أو كَفالة الطّفل‬


‫ال َف ْ‬
‫يتضمن ستة مباحث هي‪:‬‬
‫الول ـ معنى الحضانة وحكمها وصاحب الحق فيها‪.‬‬
‫الثاني ـ ترتيب درجات الحواضن أو مستحقي الحضانة من النساء والرجال‪.‬‬
‫الثالث ـ شروط استحقاق الحضانة أو شروط المحضون والحاضنة‪.‬‬
‫الرابع ـ أجرة الحضانة وتوابعها من السكنى والخدمة‪.‬‬
‫الخامس ـ مكان الحضانة والنتقال بالصغير إلى بلد آخر‪ ،‬وحق غير الحاضنة بزيارته‪.‬‬
‫السادس ـ مدة الحضانة‪ ،‬وما يترتب على انتهائها من ضم الولد لبيه‪.‬‬
‫وبحثها يأتي تباعا على الترتيب المذكور‪.‬‬
‫المبحث الول ـ معنى الحضانة وحكمها وصاحب الحق فيها ‪:‬‬
‫معنى الحضانة‪ :‬الحضانة لغة مأخوذة من الحِِضن‪ :‬وهو الجنب‪ ،‬وهي الضم إلى الجنب‪ .‬وشرعا‪ :‬هي‬
‫تربية الولد لمن له حق الحضانة‪ .‬أو هي تربية وحفظ من ل يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم‬
‫تمييزه‪ ،‬كطفل وكبير مجنون‪ .‬وذلك برعاية شؤونه وتدبير طعامه وملبسه ونومه‪ ،‬وتنظيفه‬

‫( ‪)10/42‬‬

‫وغسله وغسل ثيابه في سن معينة ونحوها (‪. )1‬‬


‫والحضانة نوع ولية وسلطنة‪ ،‬لكن الناث أليق بها؛ لنهن أشفق وأهدى إلى التربية‪ ،‬وأصبر على‬
‫القيام بها‪ ،‬وأشد ملزمة للطفال‪ .‬فإذا بلغ الطفل سنا معينة‪ ،‬كان الحق في تربيته للرجل؛ لنه أقدر‬
‫على حمايته وصيانته وتربيته من النساء‪.‬‬
‫وحكمها‪ :‬أنها واجبة؛ لن المحضون يهلك بتركها‪ ،‬فوجب حفظه من الهلك‪ ،‬كما يجب النفاق عليه‬
‫وإنجاؤه من المهالك (‪. )2‬‬
‫وتتطلب الحضانة الحكمة واليقظة والنتباه والصبر والخلق الجم‪ ،‬حتى إنه يكره للنسان أن يدعو‬
‫على ولد أثناء تربيته‪ ،‬كما يكره أن يدعو على نفسه وخادمه وماله (‪ ، )3‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫«ل تدعوا على أنفسكم‪ ،‬ول تدعوا على أولدكم‪ ،‬ول تدعوا على خدمكم‪ ،‬ول تدعوا على أموالكم‪ ،‬ل‬
‫توافقوا من ال ساعة يسأل فيها عطاء‪ ،‬فيستجيب له» (‪ ، )4‬وروى أبو موسى عن ابن عباس‪« :‬أن‬
‫أوس بن عبادة النصاري دخل على النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن لي بنات‪،‬‬
‫وأنا أدعو عليهن بالموت‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن ساعدة‪ ،‬ل تدعو عليهن‪ ،‬فإن البركة في البنات‪ ،‬هن المجملت‬
‫عند النعمة‪ ،‬والمعينات عند المصيبة‪ ،‬والممرضات عند الشدة‪ ،‬ثقلهن على الرض‪ ،‬ورزقهن على ال‬
‫» ( ‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،40/4 :‬الشرح الصغير‪ ،756/2 :‬مغني المحتاج‪ ،452/3 :‬كشاف القناع‪)2( .576/5 :‬‬
‫المغني‪ ،612/7 :‬غاية المنتهى‪ ،249/3 :‬كشاف القناع‪.576/5 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪.464/3 :‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم في كتابه‪ ،‬وأبو داود عن جابر بن عبد ال ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ذكره في مغني المحتاج‪.464/3 :‬‬

‫( ‪)10/43‬‬

‫وأما صاحب الحق في الحضانة‪ :‬فمختلف فيه بين الفقهاء (‪ ، )1‬فقيل‪ :‬إن الحضانة حق للحاضن‪،‬‬
‫وهو رأي الحنفية‪ ،‬والمالكية على المشهور وغيرهم؛ لن له أن يسقط حقه ولو بغير عوض‪ ،‬ولو‬
‫كانت الحضانة حقا لغيره لما سقطت بإسقاطه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها حق للمحضون‪ ،‬فلو أسقطها هو سقطت‪.‬‬
‫والظاهر لدى العلماء المحققين أن الحضانة تتعلق بها ثلثة حقوق معا‪ :‬حق الحاضنة‪ ،‬وحق‬
‫المحضون‪ ،‬وحق الب أو من يقوم مقامه‪ ،‬فإن أمكن التوفيق بين هذه الحقوق وجب المصير إليه‪ ،‬وإن‬
‫تعارضت‪ ،‬قدم حق المحضون على غيره‪ .‬وتفرع عن ذلك الحكام التية (‪: )2‬‬
‫ً‪ - 1‬تجبر الحاضنة على الحضانة إذا تعينت عليها‪ ،‬بأن لم يوجد غيرها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ل تجبر الحاضنة على الحضانة إذا لم تتعين عليها؛ لن الحضانة حقها‪ ،‬ول ضرر على‬
‫الصغير لوجود غيرها من المحارم‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج‪ ،‬فالخلع عند الحنفية صحيح‬
‫والشرط باطل؛ لن هذا حق الولد‪ ،‬أن يكون عند أمه ما دام محتاجا إليها‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬ل يصح للب أن يأخذ الطفل من صاحبة الحق في الحضانة‪ ،‬ويعطيه لغيرها إل لمسوغ‬
‫شرعي‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬إذا كانت المرضعة غير الحاضنة للولد‪ ،‬فعليها إرضاعه عندها كما تقدم؛ حتى ل يفوت حقها‬
‫في الحضانة‪.‬‬
‫المبحث الثاني ـ ترتيب درجات الحواضن أو مستحقي الحضانة ‪:‬‬
‫قدم الفقهاء الحواضن بعضهن على بعض بحسب مصلحة المحضون‪ ،‬فجعلوا الناث أليق بالحضانة؛‬
‫لنهن أشفق‪ ،‬وأهدى إلى التربية‪ ،‬وأصبر على القيام بها‪ ،‬وأشد ملزمة للطفال‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬ثم قدموا‬
‫في الجنس الواحد من كان أشفق وأقرب‪ ،‬ثم الرجال العصبات المحارم‪ ،‬واختلفوا أحيانا في ترتيب‬
‫الدرجات بحسب ملحظة المصلحة‪ ،‬على النحو التالي علما بأن مستحقي الحضانة إما إناث فقط‪ ،‬وإما‬
‫ذكور فقط‪ ،‬وإما الفريقان‪ ،‬وذلك في سن معينة‪ ،‬فإذا انتهت تلك السن‪ ،‬كان الرجال أقدر على تربية‬
‫الطفل من النساء (‪. )3‬‬
‫أولً ـ من النساء ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الم أحق بحضانة الولد بعد الفرقة بطلق أو وفاة بالجماع لوفور شفقتها‪ ،‬إل أن تكون مرتدة أو‬
‫فاجرة فجورا يضيع الولد به كزنا وغناء وسرقة ونياحة‪ ،‬أو غير مأمونة‪ ،‬بأن تخرج كل وقت‪،‬‬
‫وتترك الولد ضائعا‪.‬‬
‫ودليل تقديم الم من السنة‪ :‬ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬إن ابني هذا كان بطني له وعاءً‪ ،‬وثديي له سقاءً‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،875 ،871/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،225‬الشرح الصغير‪.763/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الحوال الشخصية للستاذ الشيخ عبد الرحمن تاج‪ :‬ص ‪ ،457‬وللستاذ الشيخ زكي الدين‬
‫شعبان‪ :‬ص ‪.614‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،44-41/4 :‬الدر المختار‪ 871/2 :‬وما بعدها‪ 877 ،‬وما بعدها‪ ،‬فتح القدير‪-313/3 :‬‬
‫‪ ،318‬الكتاب مع اللباب‪ ،103-101/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،224‬الشرح الصغير‪ 756/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،171-169/2 :‬مغني المحتاج‪ ،454-452/3 :‬كشاف القناع‪ 576/5 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫غاية المنتهى‪ ،249/3 :‬المغني‪.624-619 ،613/7 :‬‬

‫( ‪)10/44‬‬
‫وحِجري له حواء (‪ ، )1‬وإن أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه مني‪ ،‬فقال‪« :‬أنت أحق به ما لم تنكحي» (‬
‫‪ )2‬وقال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من فرّق بين والدة وولدها‪ ،‬فرق ال بينه وبين أحبته يوم القيامة» (‬
‫‪. )3‬‬
‫وروي أن عمر بن الخطاب طلّق زوجته أم عاصم‪ ،‬ثم أتى عليها وفي حِجرها عاصم‪ ،‬فأراد أن يأخذه‬
‫منها‪ ،‬فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلم‪ ،‬فانطلق إلى أبي بكر رضي ال عنهم‪ ،‬فقال له أبو بكر‪:‬‬
‫«مسحها وحجرها وريحها خير له منك‪ ،‬حتى يشب الصبي فيختار لنفسه» (‪. )4‬‬
‫‪ - 2‬ثم أم الم (الجدة الم) لمشاركتها الم في الرث والولدة‪ ،‬ثم عند الحنفية‪ ،‬والشافعية في الجديد‪:‬‬
‫أم الب‪ ،‬لمشاركتها أم الم في المعنى السابق‪ ،‬ثم أم أبي الب‪ ،‬ثم أم أبي الجد للمعنى نفسه‪ .‬وأخّر‬
‫المالكية أم الب بعد الخالة وعمة الم‪.‬‬
‫وقدم الحنابلة الب ثم أمهاته بعد الجدة لم‪ ،‬ثم الجد‪ ،‬ثم أمهاته‪.‬‬
‫‪ - 3‬ثم الخت عند الحنفية والشافعية والحنابلة ـ أخت المحضون الشقيقة‪ ،‬ثم عند الحنفية والحنابلة‬
‫والمالكية الخت لم؛ لن الحق من قبلها‪ ،‬ثم الخت لب‪ ،‬وعكس الشافعية فقدموا في الصح الخت‬
‫لب على الخت لم‪ ،‬لشتراكها مع المحضون في النسب‪ ،‬ولقوة إرثها‪ ،‬فإنها قد تصير عصبة‪ ،‬ثم‬
‫بنات الخت الشقيقة‪ ،‬ثم لم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الحواء‪ :‬المكان الذي يضم الشيء ويجمعه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصحح إسناده‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي أيوب وهو صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن أبي شيبة‪.‬‬

‫( ‪)10/45‬‬

‫والسبب في تقديم الخوات عند الجمهور هؤلء على الخالت والعمات‪ :‬أنهن أقرب‪ ،‬وأنهن أولد‬
‫البوين‪ ،‬لذا قدمن في الميراث‪.‬‬
‫وقدم المالكية الخالة‪ ،‬ثم الجدة لب وإن علت‪ ،‬ثم أبو المحضون على الخت ـ أخت المحضون‪.‬‬
‫‪ - 4‬ثم الخالة عند الحنفية والشافعية والحنابلة ـ خالة المحضون الشقيقة‪ ،‬ثم عند الحنفية والحنابلة‬
‫والمالكية خالة لم‪ ،‬ثم خالة لب؛ لن الشأن أن من كان من جهة الم أشفق ممن كان من جهة الب‬
‫فقط‪ .‬والصح عند الشافعية تقديم خالة لب‪ ،‬وعمة لب على من كان من جهة الم‪ ،‬لقوة الجهة‬
‫كالخت‪.‬‬
‫وقدم المالكية كما سبق الخالة ثم الجدة لب وإن علت على الخت‪.‬‬
‫‪ - 5‬ثم بنات الخت‪ ،‬ثم بنات الخ في رأي الحنفية والشافعية‪ ،‬فالصحيح عندهم أن الخالة أولى من‬
‫بنات الخت أو الخ؛ لن بنت الخ تدلي بقرابة الذكر‪ ،‬والخالة تدلي بقرابة الم‪ ،‬فكانت الخالة أولى‪.‬‬
‫وبنت الخ أولى من العمة؛ لن بنت الخ أقرب‪ ،‬لنها ولد الب‪ ،‬والعمة ولد الجد‪ ،‬فكانت بنت الخ‬
‫أقرب‪ ،‬فكانت أولى‪ ،‬وذلك كما يقدم ابن الخ في الميراث على العم‪.‬‬
‫ورأى المالكية والحنابلة أن العمة مقدمة على ابنة الخ‪.‬‬
‫‪ - 6‬ثم العمة اتفاقا ـ عمةالمحضون‪ ،‬ثم عمة أبيه وهي أخت جد المحضون‪.‬‬
‫والحاصل أن ترتيب الحواضن من النساء في المذاهب كما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ الحنفية‪ :‬الم‪ ،‬ثم أم الم ثم أم الب‪ ،‬ثم الخوات‪ ،‬ثم الخالت‪ ،‬ثم بنات الخت ثم بنات الخ‪ ،‬ثم‬
‫العمات‪ ،‬ثم العصبات بترتيب الرث‪ .‬ب ـ المالكية‪ :‬الم‪ ،‬ثم الجدة لم‪ ،‬ثم الخالة‪ ،‬ثم الجدة لب وإن‬
‫علت‪ ،‬ثم الخت‪ ،‬ثم العمة‪ ،‬ثم ابنة الخ‪ ،‬ثم للوصي‪ ،‬ثم للفضل من العصبة كما سيأتي‪:‬‬
‫جـ ـ الشافعية‪ :‬الم‪ ،‬ثم أم الم‪ ،‬ثم أم الب‪ ،‬ثم الخوات‪ ،‬ثم الخالت ثم بنات الخ وبنات الخت‪،‬‬
‫ثم العمات‪ ،‬ثم لكل ذي محرم وارث من العصبات على ترتيب الرث‪ ،‬فهم كالحنفية‪.‬‬

‫( ‪)10/46‬‬

‫د ـ الحنابلة‪ :‬الم‪ ،‬ثم أم الم‪ ،‬ثم أم الب‪ ،‬ثم الجد ثم أمهاته‪ ،‬ثم أخت لبوين‪ ،‬ثم لم‪ ،‬ثم لب‪ ،‬ثم‬
‫خالة لبوين ثم لم ثم لب‪ ،‬ثم عمة‪ ،‬ثم خالة أم‪ ،‬ثم خالة أب‪ ،‬ثم عمته‪ ،‬ثم بنت أخ‪ ،‬ثم بنت عم أب‪،‬‬
‫ثم باقي العصبة القرب فالقرب‪.‬‬
‫موقف القانون‪ :‬أخذ القانون السوري (م ‪ )1/139‬برأي الحنفية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق الحضانة للم فلمها وإن علت‪ ،‬فلم الب وإن علت‪ ،‬فللخت الشقيقة‪ ،‬فللخت لم‪ ،‬فللخت‬
‫لب‪ ،‬فلبنت الشقيقة‪ ،‬فبنت الخت لم‪ ،‬فبنت الخت لب‪ ،‬فللخالت‪ ،‬فللعمات بهذا الترتيب‪ ،‬ثم‬
‫للعصبات من الذكور على ترتيب الرث‪.‬‬
‫ثانيا ـ من الرجال ‪:‬‬
‫إن لم يكن للمحضون أحد من النساء المذكورات‪ ،‬انتقلت الحضانة إلى الرجال على ترتيب العصبات‬
‫الوارثين المحارم‪ :‬الباء والجداد وإن علوا‪ ،‬ثم الخوة وأبناؤهم وإن نزلوا‪ ،‬فالعمام ثم بنوهم عند‬
‫الحنفية وغيرهم على الصحيح عند الشافعية‪ .‬ولكن ل تسلم مشتهاة لذكر وارث غير محرم للمحضون‬
‫كابن العم‪ ،‬فل حق له في حضانة البنت المشتهاة اتفاقا تحرزا من الفتنة‪ ،‬وله حضانة الطفل‪.‬‬
‫ثم إذا لم يكن للصغير عصبة من الرجال‪ ،‬انتقلت الحضانة عند الحنفية لذوي أرحام‪ ،‬فتكون للخ لم‪،‬‬
‫ثم لبنه‪ ،‬ثم للعم لم‪ ،‬ثم للخال الشقيق ثم لم؛ لن لهؤلء ولية في النكاح‪ ،‬فيكون لهم حق الحضانة‪.‬‬
‫لكن لم يأخذ قانوننا السوري بهذا الرأي‪ ،‬واقتصر على العصبات دون ذوي الرحام‪.‬‬
‫ورأى الحنفية أنه إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة من القرابة كعمين‪ ،‬قدم الورع‪ ،‬ثم السن غير‬
‫الفاسق والمعتوه وابن عم لفتاة مشتهاة وهو غير مأمون‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إن لم يكن واحد من الناث السابقات تنتقل الحضانة للوصي‪ ،‬ثم للخ الشقيق أو لم أو‬
‫لب‪ ،‬ثم للجد لب القرب فالقرب ثم ابن الخ المحضون‪ ،‬ثم العم فابنه‪ .‬ول حضانة لجد لم ول‬
‫خال‪ ،‬ثم المولى العلى‪ :‬وهو من أعتق المحضون‪ ،‬فعصبته نسبا‪ ،‬فمواليه‪ ،‬فالسفل‪ :‬وهو من أعتقه‬
‫والد المحضون‪.‬‬

‫( ‪)10/47‬‬

‫ويقدم في المتساوين درجة كأختين وخالتين وعمتين بالصيانة والشفقة‪ ،‬فإن تساويا فالسن‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إن استوى اثنان في القرابة والدلء كالخوين أو الختين أو الخالتين أوا لعمتين‪،‬‬
‫أقرع بينهما؛ لنه ل يمكن اجتماعهما على الحضانة‪ ،‬ول مزية لحداهما على الخرى‪ ،‬فوجب التقديم‬
‫بالقرعة‪.‬‬
‫والصح أنه إن عدم أهل الحضانة من العصبات والنساء‪ ،‬وللمحضون أقارب من رجال ذوي الرحام‬
‫ومن يدلي بهم‪ ،‬كالخال وأبي أم‪ ،‬فل حضانة لهم‪ ،‬لفقد الرث والمحرمية‪ ،‬أو لضعف القرابة‪ ،‬فل‬
‫حضانة لمن ل يرث من الرجال من ذوي الرحام وهم ابن البنت وابن الخت وابن الخ من الم‬
‫وأبو الم‪ ،‬والخال‪ ،‬والعم من الم؛ لن الحضانة لمن له قوة قرابة بالميراث من الرجال‪ ،‬وهذا ل‬
‫يوجد في ذوي الرحام من الرجال‪.‬‬
‫ورأى الحنابلة كالحنفية أن الحضانة عند فقد العصبات تثبت لذوي الرحام الذكور والناث‪ ،‬وأولهم‬
‫أبو أم‪ ،‬فأمهاته‪ ،‬فأخ لم‪ ،‬فخال‪ ،‬ثم الحاكم يسلم المحضون لثقة يختاره‪.‬‬
‫تعدد أصحاب الحق‪ :‬تبين مما اتفقت عليه المذاهب أنه إذا تعدد مستحقو الحضانة من درجة واحدة‬
‫كإخوة أو أعمام‪ ،‬كان أولهم بها أصلحهم للحضانة قدرة وخلقا‪ ،‬فإن تساووا قدّم أكبرهم سنا‪ ،‬وقد‬
‫نصت المادة (‪ )140‬من القانون السوري على أنه‪ :‬إذا تعدد أصحاب حق الحضانة‪ ،‬فللقاضي حق‬
‫اختيار الصلح‪.‬‬
‫مهمة الحاضنة والب‪ :‬على الب رعاية المحضون وتأديبه وتعليمه العلم أو الحرفة‪ ،‬أما النثى فل‬
‫تؤجر في عمل أو خدمة؛ لن المستأجر يخلو بها‪ ،‬وذلك سيء في الشرع (‪. )1‬‬
‫وللحاضنة أما أو غيرها قبض نفقة المحضون وكسوته وما يحتاج إليه من أبيه في أوقات منتظمة‬
‫يوميا أوأسبوعيا أو شهريا‪ ،‬بحسب اجتهاد الحاكم ومراعاة حال الب‪ .‬وليس للب أن يقول للحاضنة‪:‬‬
‫ابعثيه ليأكل عندي‪ ،‬ثم يعود لكِ‪ ،‬لما فيه من الضرر بالطفل‪ ،‬والخلل بصيانته‪ ،‬وليس لها موافقته‬
‫على طلبه (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪.883/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪.764/2 :‬‬

‫( ‪)10/48‬‬

‫المبحث الثالث ـ شروط استحقاق الحضانة‪ ،‬أو شروط المحضون والحاضنة ‪:‬‬
‫شروط المحضون‪ :‬المحضون‪ :‬هو من ل يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل‪ ،‬وكبير‬
‫مجنون أو معتوه‪ ،‬فل تثبت الحضانة إل على الطفل أو المعتوه‪ .‬أما البالغ الرشيد فل حضانة عليه‪،‬‬
‫وهو الذي يختار القامة عند من شاء من أبويه‪ .‬فإن كان البالغ رجلً‪ ،‬فله النفراد بنفسه لستغنائه‬
‫عن أبويه‪ ،‬ويستحب أل ينفرد عنهما‪ ،‬ول يقطع بره عنهما‪ .‬وإن كان أنثى لم يكن لها النفراد‪ ،‬ولبيها‬
‫منعها منه؛ لنه ل يؤمن أن يدخل عليها من يؤذيها ويلحق العار بها وبأهلها‪ ،‬وإن لم يكن لها أب‪،‬‬
‫فلوليها وأهلها منعها من النفراد (‪. )1‬‬
‫شروط الحواضن‪ :‬أنواع ثلثة‪ :‬شروط عامة في النساء والرجال‪ ،‬وشروط خاصة بالنساء‪ ،‬وشروط‬
‫خاصة بالرجال‪ ،‬وبعضها متفق عليه كالحرية والعقل والبلوغ والقدرة والمانة وعدم كون النثى‬
‫متزوجة بأجنبي عن الصغير‪ ،‬وكون الحاضن ذات رحم من الصغير‪ ،‬وبعضها مختلف فيه كالرشد‬
‫والسلم (‪. )2‬‬
‫النوع الول ـ الشروط العامة في النساء والرجال ‪:‬‬
‫يشترط في الحاضن من النساء والرجال ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬البلوغ‪ :‬فل حضانة للصغير ولو كان مميزا؛ لنه عاجز عن رعاية شؤون نفسه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬العقل‪ :‬فل حضانة للمجنون والمعتوه؛ لنهما في حاجة إلى من يرعى شؤونهما‪ ،‬فل يحسن‬
‫الواحد منهما القيام بمصالحه‪ ،‬فضلً عن غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،225‬المهذب‪ ،169/2 :‬مغني المحتاج‪ ،452/3 :‬كشاف القناع‪،576/5 :‬‬
‫‪ ،581‬المغني‪.614/7 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،42-41/4 :‬الدر المختار وابن عابدين‪ ،880 ،879 ،874-871/2 :‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪ ،762-758/2‬مغني المحتاج‪ ،259 ،456-454/3 :‬غاية المنتهى‪ 249/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف‬
‫القناع‪ 579/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المهذب‪ ،169/2 :‬بداية المجتهد‪.56/2 :‬‬

‫( ‪)10/49‬‬

‫واشترط المالكية الرشد‪ ،‬فل حضانة لسفيه مبذر‪ ،‬لئل يتلف مال المحضون أو ينفق عليه منه ما ل‬
‫يليق‪.‬‬
‫وشرطوا أيضا مع الحنابلة عدم المرض المنفر كالجذام والبرص‪ ،‬فل حضانة لمن به شيء من‬
‫المنفرات‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬القدرة على تربية المحضون‪ :‬وهي الستطاعة على صون الصغير في خلقه وصحته‪ ،‬فل‬
‫حضانة للعاجز لكبر سن أو مرض أو شغل‪ .‬فالمرأة المحترفة أو العاملة إن كان عملها يمنعها من‬
‫تربية الصغير والعناية بأمره‪ ،‬ل تكون أهلً للحضانة‪ .‬وإن كان عملها ل يحول دون رعاية الصغير‬
‫وتدبير شؤونه‪ ،‬ل يسقط حقها في الحضانة‪ .‬وقد جرى العمل في مصر على أن الطبيبات والمعلمات‬
‫ونحوهن‪ ،‬ل يسقط حقهن في الحضانة؛ لن الواحدة منهن تستطيع إدارة أمر الطفل بنفسها وبالتعاون‬
‫مع قريبتها أو النائبة عنها‪.‬‬
‫وقد نصت المادة (‪ )137‬من القانون السوري على الشروط السابقة‪ :‬يشترط لهلية الحضانة البلوغ‬
‫والعقل والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقا‪.‬‬
‫ونص القانون السوري (م ‪ )2/139‬على أنه‪ :‬ل يسقط حق الحاضنة بحضانة أولدها بسبب عملها إذا‬
‫كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة‪.‬‬
‫ويعد العمى عاجزا عن الحضانة لعدم تحقق المقصود به‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬المانة على الخلق‪ :‬فل حضانة لغير أمين على تربية الولد وتقويم أخلقه‪ ،‬كالفاسق رجلً أو‬
‫امرأة من سكير أو مشتهر بالزنا أو اللهو الحرام‪ .‬لكن قيد ابن عابدين الفسق المانع من حضانة الم‬
‫بكونه فسقا يضيع به الولد‪ ،‬فيكون لها حق الحضانة ولو كانت معروفة بالفجور‪ ،‬ما لم يصبح الولد في‬
‫سن يعقل فيها فجور أمه‪ ،‬فينتزع منها‪ ،‬صونا لخلقه من الفساد؛ لنها غير أمينة‪ .‬أما الرجل الفاسق‬
‫العصبة فل حضانة له‪.‬‬
‫واشترط المالكية أمن المكان‪ :‬فل حضانة لمن بيته مأوى للفساق‪ ،‬أو بجوارهم بحيث يخاف على‬
‫البنت المشتهاة منهم الفساد‪ ،‬أوسرقة مال المحضون أو غصبه‪.‬‬

‫( ‪)10/50‬‬

‫ً‪ - 5‬السلم شرط عند الشافعية والحنابلة‪ :‬فل حضانة لكافر على مسلم؛ إذ ل ولية له عليه‪ ،‬ولنه‬
‫ربما فتنه عن دينه‪ .‬ولم يشترط الحنفية والمالكية إسلم الحاضنة‪ ،‬فيصح كون الحاضنة كتابية أو غير‬
‫كتابية‪ ،‬سواء أكانت أما أم غيرها؛ لنه صلّى ال عليه وسلم خيّر غلما بين أبيه المسلم وأمه‬
‫المشركة‪ ،‬فمال إلى الم‪ ،‬فقال النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬اللهم اهده‪ ،‬فعدل إلى أبيه» (‪ ، )1‬ولن‬
‫مناط الحضانة الشفقة وهي ل تختلف باختلف الدين‪.‬‬
‫لكن اختلف هؤلء في مدة بقاء المحضون عند الحاضنة غير المسلمة‪:‬‬
‫فقال الحنفية‪ :‬إنه يبقى عندها إلى أن يعقل الديان‪ ،‬ببلوغه سن السابعة‪ ،‬أو يتضح أن في بقائه معها‬
‫خطرا على دينه‪ ،‬بأن بدأت تعلمه أمور دينها أو تذهب به إلى معابدها‪ ،‬أو تعودّه على شرب الخمر‪،‬‬
‫وأكل لحم الخنزير‪ .‬وهذا هو المعمول به في محاكم مصر‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬إنه يبقى مع الحاضنة إلى انتهاء مدة الحضانة شرعا‪ ،‬ولكنها تمنع من تغذيته بالخمر‬
‫ولحم الخنزير‪ ،‬فإن خشينا أن تفعل الحرام أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين‪ ،‬ليحفظ الولد من‬
‫الفساد‪.‬‬
‫واختلفوا أيضا في إسلم الحاضن‪:‬‬
‫رأى الحنفية‪ :‬أنه يشترط إسلم الحاضن واتحاد الدين‪ ،‬بخلف الحاضنة؛ لن الحضانة نوع من‬
‫الولية على النفس‪ ،‬ول ولية مع اختلف الدين‪ ،‬ولن حق الحضانة عندهم مبني على الميراث‪ ،‬ول‬
‫ميراث بالتعصيب للرجال مع اختلف الدين‪ ،‬فلو كان الطفل مسيحيا أو يهوديا‪ ،‬وله أخوان‪ ،‬أحدهما‬
‫مسلم والخر غير مسلم‪ ،‬كان حق الحضانة لغير المسلم‪.‬‬
‫ورأى المالكية‪ :‬أنه ل يشترط إسلم الحاضن أيضا كالحاضنة؛ لن حق الحضانة للرجل ل يثبت‬
‫عندهم إل إذا كان عنده من النساء من يصلح للحضانة كزوجة أو أم أو خالة أو عمة‪ ،‬فالحضانة في‬
‫الحقيقة حق للمرأة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود وغيره‪ ،‬وأجيب عنه من قبل الفريق الول بأنه منسوخ أو محمول على أنه صلّى‬
‫ال عليه وسلم عرف أنه يستجاب دعاؤه‪ ،‬وأنه يختار الب المسلم‪ .‬وقصده بتخييره استمالة قلب أمه‪.‬‬

‫( ‪)10/51‬‬

‫النوع الثاني ـ شروط أخرى في النساء ‪:‬‬


‫يشترط في المرأة أيضا ما يأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أل تكون متزوجة بأجنبي عن الصغير أو بقريب غير محرم منه‪ :‬وهو متفق عليه للحديث‬
‫السابق‪« :‬أنت أحق به ما لم تنكحي» ولنه يعامل الصغير بقسوة وكراهية‪ ،‬ولنها مشغولة عنه بحق‬
‫الزوج‪.‬‬
‫فإن كانت متزوجة بقريب محرم للمحضون كعمه وابن عمه وابن أخيه‪ ،‬فل يسقط حقها في الحضانة‪،‬‬
‫لن من تزوجته له حق في الحضانة‪ ،‬وشفقته تحمله على رعايته‪ ،‬فيتعاونان على كفالته‪ .‬وقد نصت‬
‫المادة (‪ )138‬من القانون السوري على ذلك‪ :‬زواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون يسقط‬
‫حضانتها‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن تكون ذات رحم محرم من الصغير كأمه وأخته وجدته‪ :‬فل حضانة لبنات العم أوالعمة‪ ،‬ول‬
‫لبنات الخال أو الخالة بالنسبة إلى الصبي‪ ،‬لعدم المحرمية‪ ،‬ولهن عند الحنفية الحق في حضانة النثى‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أل تكون قد امتنعت من حضانته مجانا والب معسر ل يستطيع دفع أجرة الحضانة‪ .‬فإن كان‬
‫الب معسرا وقبلت قريبة أخرى تربيته مجانا‪ ،‬سقط حق الولى في الحضانة‪ .‬وهذا شرط عند‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أل تقيم الحاضنة بالصغير في بيت يبغضه ويكرهه‪ ،‬ولو كان قريبا له؛ لن سكناها مع المبغض‬
‫يعرضه للذى والضياع‪ .‬فل حضانة للجدة إذا سكنت مع بنتها أم الطفل إذا تزوجت‪ ،‬إل إذا انفردت‬
‫بالسكنى عنها‪ .‬وهذا شرط عند المالكية‪ ،‬واشترطوا أيضا أل يسافر ولي المحضون أو الحاضنة ستة‬
‫برُد فأكثر‪ ،‬فإن أراد أحدهما السفر أخذ المحضون من حاضنته‪ ،‬كما سيأتي‪ ،‬إل أن تسافر معه‪.‬‬
‫وشرط الشافعية والحنابلة أنه إذا كان المحضون رضيعا‪ :‬أن ترضعه الحاضنة‪ ،‬فإن لم يكن لها لبن‪،‬‬
‫أو امتنعت من الرضاع‪ ،‬فل حضانة لها؛ لن في تكليف الب استئجار مرضعة تترك منزلها‪ ،‬وتنتقل‬
‫إلى مسكن الحاضنة عسرا عليه‪ ،‬فل يكلف ذلك‪.‬‬

‫( ‪)10/52‬‬
‫النوع الثالث ‪ -‬شروط خاصة بالرجال ‪:‬‬
‫يشترط في الرجل الحاضن أيضا مايأتي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون مَحْرما للمحضون إذا كان أنثى مشتهاة‪ :‬وهي التي حدد الحنابلة والحنفية سنها بسبع‪،‬‬
‫حذرا من الخلوة بها‪ ،‬لنتفاء المحرمية بينهما‪ ،‬وإن لم تبلغ حد الشهوة أعطيت له بالتفاق؛ لنه ل‬
‫فتنة‪ .‬فل يكون لبن العم حضانة ابنة عمه المشتهاة‪ .‬وأجاز الحنفية إذا لم يكن للبنت عصبة غير ابن‬
‫عمها إبقاءها عنده بأمر القاضي إذا كان مأمونا عليها‪ ،‬ول يخشى عليها الفتنة منه‪.‬‬
‫وكذلك أجاز الحنابلة تسليمها لغير محرم ثقة إذا تعذر غيره‪ .‬وأجاز الشافعية تسليمها لغير محرم إن‬
‫رافقته بنته أو نحوها كأخته الثقة‪ ،‬وتسلم لها ل له‪ ،‬إن لم تكن في رحله‪ ،‬كما لو كان في الحضر‪ ،‬أما‬
‫لو كانت بنته أو نحوها في رحله‪ ،‬فإنها تسلم إليه‪ ،‬فتؤمن الخلوة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون عند الحاضن من أب أو غيره من يصلح للحضانة من النساء كزوجة أو أم أو خالة أو‬
‫عمة؛ إذ ل قدرة ول صبر للرجال على أحوال الطفال كما للنساء‪ .‬فإن لم يكن عند الرجل من‬
‫يحضن من النساء فل حق له في الحضانة‪ .‬وهذا شرط عند المالكية‪.‬‬
‫واشترط المالكية أيضا أل يسافر عن المحضون ولي المحضون أو تسافر الحاضنة سفر ُنقْلة‪ ،‬ستة‬
‫بُرُد (‪ )1‬فأكثر‪ ،‬فإن أراد الولي أو الحاضنة السفر المذكور‪ ،‬كان له أخذ المحضون من حاضنته إل‬
‫أن تسافر معه‪ ،‬بشرط كون السفر لموضع مأمون وأمن الطريق‪ ،‬وهو شرط يقيد شروط الحضانة‬
‫للنساء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البريد العربي‪ 12 :‬ميلً أو أربعة فراسخ‪ ،‬وتساوي ‪ 22176‬م‪ ،‬والميل ‪ 1848‬م‪ ،‬والستة برد‬
‫‪ 133‬كم‪.‬‬

‫( ‪)10/53‬‬

‫ما يتبع شروط الحضانة من أمور ‪:‬‬


‫أولً ـ سقوط الحضانة‪ :‬تسقط الحضانة بأربعة أسباب عند المالكية‪ ،‬وافقهم في أغلبها غيرهم‪.‬‬
‫ً‪ - 1‬سفر الحاضن سفر نقلة وانقطاع إلى مكان بعيد‪ ،‬وهو مقدار ستة بُرُد فأكثر‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬فلو سافر‬
‫ولي المحضون أو سافرت الحاضنة ستة برد فأكثر ل أقل منها‪ ،‬فللولي أخذ المحضون‪ ،‬وتسقط‬
‫حضانة الحاضنة إل أن تسافر معه‪ .‬وقال الحنفية‪ :‬يسقط الحق في الحضانة إذا سافرت الم المطلقة‬
‫إلى بلد بعيد ل يستطيع فيه الب زيارة ولده في نهار يرجع فيه إلى بيته ويبيت فيه‪ ،‬وأما غير الم‬
‫فتسقط حضانتها بمجرد النتقال‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬يسقط الحق بالحضانة بالسفر لمكان مخوف أو بقصد‬
‫النقلة‪ ،‬سواء أكان طويلً أم قصيرا‪ .‬وقال الحنابلة‪ :‬يسقط الحق بالحضانة بالسفر لبلد يبعد بمقدار‬
‫مسافة القصر فأكثر‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬ضرر في بدن الحاضن كالجنون والجذام والبرص‪ .‬وافقهم فيه الحنابلة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬الفسق أو قلة دينه من الحضانة‪ ،‬بأن كان غير مأمون على الولد؛ لعدم تحقق المصلحة‬
‫المقصودة من الحضانة‪ ،‬وهذا متفق عليه‪ .‬وقد نصت المادة (‪ )3/147‬على أنه‪« :‬إذا ثبت أن الولي ـ‬
‫ولو أبا ـ غير مأمون على الصغير أو الصغيرة‪ ،‬يسلمان إلى من يليه في الولية‪ ،‬وذلك دون إخلل‬
‫بحكم الفقرة الولى من هذه المادة» ‪.‬‬
‫وأما نص الفقرة الولى من هذه المادة فهو‪« :‬إذا كان الولي غير الب‪ ،‬فللقاضي وضع الولد ذكرا أو‬
‫أنثى عند الصلح من الم أو الولي أو من يقوم مقامهما‪ ،‬حتى تتزوج البنت أو تبلغ أو يبلغ الصبي‬
‫سن الرشد» ‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬تزوج الحاضنة ودخولها‪ ،‬إل أن تكون جدة الطفل زوجا لجده أو تتزوج الم عما له‪ ،‬فل تسقط؛‬
‫لن الجد أو العم مَحْرم للصغير‪ .‬وهذا متفق عليه‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وكذا تسقط الحضانة عند الشافعية‬
‫والحنابلة بالكفر‪ ،‬كما تسقط بالتفاق بالجنون أو العته (‪. )1‬‬
‫ثانيا ـ عودة الحق في الحضانة ‪:‬‬
‫إذا سقطت الحضانة لمانع من الموانع‪ ،‬ثم زال المانع‪ ،‬فهل تعود الحضانة؟ للفقهاء رأيان (‪: )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،224‬الشرح الصغير‪ 759/2 :‬وما بعدها‪ ،‬المقدمات الممهدات‪569/1 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،884 ،880/2 :‬مغني المحتاج‪ ،458-456/3 :‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ 579/5‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.618/7 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،880/2 :‬الشرح الصغير‪ 763/2 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،456/3 :‬كشاف‬
‫القناع‪.580/5 :‬‬

‫( ‪)10/54‬‬

‫قال المالكية في المشهور‪ :‬إذا سقطت حضانة الحاضنة لعذر كمرض وخوف مكان‪ ،‬وسفر ولي‬
‫بالمحضون سفر نقلة‪ ،‬وسفرها لداء فريضة الحج‪ ،‬ثم زال العذر بشفائها من المرض‪ ،‬وتحقق المن‪،‬‬
‫والعودة من السفر الضطراري‪ ،‬عادت الحضانة إليها؛ لن المانع من الحضانة هو العذر‬
‫الضطراري‪ ،‬وقد زال‪ ،‬وإذا زال المانع عاد الممنوع‪.‬‬
‫أما إن تزوجت الحاضنة بأجنبي غير محرم ودخل بها‪ ،‬أو سافرت باختيارها ل لعذر‪ ،‬ثم تأيمت بأن‬
‫فارقها الزوج بطلق أو فسخ نكاح أو وفاة‪ ،‬أو عادت من السفر الختياري‪ ،‬فل تعود إليها الحضانة‬
‫بعد زوال المانع؛ لن سقوط الحضانة كان باختيارها‪ ،‬فل تعذر‪.‬‬
‫وقال الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة)‪ :‬إذا سقطت الحضانة لمانع‪ ،‬ثم زال المانع‪ ،‬عادت‬
‫الحضانة إلى صاحبها‪ ،‬سواء أكان اضطراريا كالمرض‪ ،‬أم‬
‫اختياريا كالزواج والسفر والفسق‪ ،‬لزوال المانع‪ .‬لكن ذلك عند الحنفية في الحال بالنسبة للبائن ولو‬
‫قبل انقضاء العدة‪ ،‬أما الرجعية فل بد من انقضاء العدة فيها‪.‬‬
‫وذكر الشافعية أن المطلّقة تستحق الحضانة في الحال قبل انقضاء العدة على المذهب‪ ،‬بشرط رضا‬
‫الزوج بدخول المحضون بيته إن كان له‪ ،‬فإن لم يرض لم تستحق‪.‬‬
‫وقرر الحنابلة استحقاق المطلقة الحضانة‪ ،‬ولو كان الطلق رجعيا‪ ،‬ولو لم تنقض العدة‪.‬‬
‫وقد نصت المادة (‪ )141‬من القانون السوري على أنه‪« :‬يعود حق الحضانة إذا زال سبب سقوطه» ‪.‬‬

‫( ‪)10/55‬‬

‫ثالثا ـ هل تجبر الم على الحضانة؟‬


‫هذا بحث مفرع عن الحضانة‪ ،‬هل هي حق الحاضنة أو حق الولد (‪ )1‬؟‬
‫المفتى به عند الحنفية أن الم وغيرها ل تجبر على الحضانة إذا امتنعت‪ ،‬كما ل تجبر على‬
‫الرضاع‪ ،‬إل إذا تعينت لهما‪ ،‬بأن لم يأخذ ثدي غيرها أو لم يكن للب ول للصغير مال‪ ،‬أو لم يوجد‬
‫غيرها للحضانة‪ .‬وهذا قول الشافعية والحنابلة‪ ،‬والمالكية أيضا على المشهور عندهم‪ ،‬وبناء عليه‪ :‬للم‬
‫إسقاط حقها في الحضانة‪ ،‬وإذا أرادت العود ل حق لها عند المالكية‪.‬‬
‫وتجبر الم إذا لم يكن للصغير ذو رحم محرم‪ ،‬كيل يضيع الولد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها تجبر على الحضانة مطلقا‪ ،‬ولهذا لتملك إسقاطها بالخلع‪ ،‬فلو خالعت الزوج على أن تترك‬
‫له حق الحضانة‪ ،‬أو اشترط الزوج ترك الولد عنده‪ ،‬فالخلع صحيح عند الحنفية والشرط باطل‪،‬‬
‫ولحاضنته أخذها منه‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة (‪ )103‬من القانون السوري‪ ،‬كما تقدم في بحث‬
‫الخلع‪.‬‬
‫رابعا ـ سكوت صاحب الحق في الحضانة عن طلبها ‪:‬‬
‫قال المالكية (‪ : )2‬إذا سكت صاحب الحق في الحضانة عن طلبها‪ ،‬يسقط حقه بالشروط التية‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يعلم بحقه في الحضانة‪ :‬فإن كان ل يعلم بحقه وسكت عن طلب الحضانة ل يسقط حقه‪،‬‬
‫مهما طالت مدة سكوته‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يعلم أن سكوته يسقط حقه في الحضانة‪ :‬فإن كان يجهل ذلك فل يبطل حقه فيها بالسكوت؛‬
‫لن هذا أمر فرعي يعذر الناس بجهله‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن تمضي سنة من تاريخ علمه باستحقاقه الحضانة‪ :‬فلو مضى على علمه أقل من سنة وهو‬
‫ساكت‪ ،‬ثم طلبها قبل مضي العام‪ ،‬قضي له باستحقاقها‪.‬‬
‫فإذا تزوجت الحاضنة بأجنبي ودخل بها‪ ،‬ولم يعلم بالزواج من انتقلت الحضانة له حتى فارقها زوجها‬
‫بطلق أو وفاة‪ ،‬استمرت الحضانة لها‪ .‬وكذا إن علم بزواجها وسكت عن أخذ الولد عاما‪ ،‬حتى فارقها‬
‫زوجها‪ ،‬لم ينزعه منها‪ ،‬وبقي معها؛ لن سكوته حتى مضت سنة‪ ،‬يسقط حقه بطلب الحضانة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪ ،875/2 :‬الشرح الصغير‪ ،763/2 :‬مغني المحتاج‪،456/3 :‬‬
‫المغني‪ 615/7 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي‪ 763/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/56‬‬

‫المبحث الرابع ـ أجرة الحضانة وتوابعها من السكنى والخدمة ‪:‬‬


‫هل تجب الجرة على الحضانة؟ للفقهاء رأيان (‪: )1‬‬
‫ليس للحاضن أجرة على الحضانة في رأي الجمهور غير الحنفية‪ ،‬سواء أكانت الحاضن أما أم‬
‫غيرها؛ لن الم تستحق النفقة إن كانت زوجة‪ ،‬وغير الم نفقتها على غيرها وهو الب‪ .‬لكن إن‬
‫احتاج المحضون إلى خدمة كطبخ طعامه وغسل ثيابه‪ ،‬فللحاضن الجرة‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬ل تستحق الحاضنة أجرة على الحضانة إذا كانت زوجة أو معتدة لبي المحضون في‬
‫أثناء العدة‪ ،‬سواء عدة الطلق الرجعي أو البائن في الوجه‪ ،‬كما ل تستحق أجرا على الرضاع‪،‬‬
‫لوجوبهما عليها ديانة‪ ،‬ولنها تستحق النفقة في أثناء الزوجية والعدة‪ ،‬وتلك النفقة كافية للحضانة‪.‬‬
‫أما بعد انقضاء العدة فتستحق أجرة الحضانة؛ لنها أجرة على عمل‪.‬‬
‫وتستحق الحاضنة غير الزوجة أجرة الحضانة‪ ،‬مقابل قيامها بعمل من العمال‪ ،‬وتلك الجرة غير‬
‫أجرة الرضاع‪ ،‬ونفقة الولد‪ ،‬فهي ثلثة واجبات‪.‬‬
‫وقد أخذ القانون السوري (م ‪ )143‬برأي الحنفية‪ ،‬ونص هذه المادة‪ :‬ل تستحق الم أجرة للحضانة في‬
‫حال قيام الزوجية أو في عدة الطلق‪.‬‬
‫التفضيل بين الم والمتبرعة بالحضانة ‪:‬‬
‫يرى الحنفية (‪ : )2‬أن المتبرعة بالرضاع تقدم على الم‪ ،‬إذا لم ترض بالرضاع بل أجر‪ ،‬أما‬
‫المتبرعة بالحضانة‪ :‬فإن كانت غير محرم للصغير‪ ،‬فل تقدم على صاحبة الحق في الحضانة‪ ،‬وإن‬
‫كانت محرما للصغير فتقدم المتبرعة إذا كانت الجرة في مال الصغير أو كان الب معسرا‪ ،‬ول تقدم‬
‫في غير هاتين الحالتين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،876/2 :‬الشرح الصغير‪ ،765/2 :‬الفتاوى الهندية‪.484/1 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪.873/2 :‬‬

‫( ‪)10/57‬‬

‫وسبب التفرقة‪ :‬أن المقصود من الرضاع التغذية‪ ،‬وهي تتحقق من غير المحارم كالمحارم‪ ،‬أما‬
‫الحضانة فيقصد بها تربية الصغير وتعهده بالرعاية والعناية‪ ،‬وهذه أمور تحتاج إلى الشفقة والحنان‪،‬‬
‫وتكون القريبة أشفق من البعيدة‪.‬‬
‫وإذا لم يوجد أحد يرضى بالحضانة مجانا وكان الب معسرا‪ ،‬ولم يكن للصغير مال‪ ،‬فإن الم ومن‬
‫يليها في استحقاق الحضانة تجبر على الحضانة‪ ،‬وتكون أجرتها دينا على الب إلى وقت اليسار‪ ،‬ول‬
‫يسقط هذا الدين إل بالداء أو بالبراء‪.‬‬
‫أجرة مسكن الحضانة وأجرة الخادم ‪:‬‬
‫اتفق الحنفية على المختار‪ ،‬والمالكية على المشهور (‪ )1‬على وجوب أجرة مسكن الحضانة للحاضن‬
‫والمحضون إذا لم يكن لهما مسكن؛ لن أجرة المسكن من النفقة الواجبة للصغير‪ ،‬فتجب على من‬
‫تجب عليه نفقته‪ ،‬باجتهاد القاضي أو غيره بحسب حال الب‪.‬‬
‫وكذلك اتفقوا على وجوب أجرة للخادم إذا احتاج الصغير إلى خادم؛ لنه من لوازم المعيشة‪ .‬والظاهر‬
‫أن المذاهب الخرى متفقة مع هذا الرأي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،877/2 :‬الشرح الصغير‪ ،764/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،225‬مغني‬
‫المحتاج‪ ،452/3 :‬كشاف القناع‪ ،576/5 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪.533/2 :‬‬

‫( ‪)10/58‬‬
‫المكلف بنفقة الحضانة‪ :‬يرى جمهور الفقهاء أن مؤنة (نفقة) الحضانة تكون في مال المحضون‪ ،‬فإن‬
‫لم يكن له مال‪ ،‬فعلى الب أو من تلزمه نفقته؛ لنها من أسباب الكفاية والحفظ والنجاء من المهالك‪.‬‬
‫وإذا وجبت أجرة الحضانة فتكون دينا ل يسقط بمضي المدة ول بموت المكلف بها‪ ،‬أو موت‬
‫المحضون‪ ،‬أو موت الحاضنة‪.‬‬
‫والمشهور عند المالكية‪ :‬أن كراء المسكن للحاضنة والمحضونين على والدهم (‪. )1‬‬
‫موقف القانون‪ :‬نصت المادة (‪ )142‬على المكلف بنفقة الحضانة‪« :‬أجرة الحضانة على المكلف بنفقة‬
‫الصغير‪ ،‬وتقدر بحسب حال المكلف بها» ‪ .‬ونصت المادة (‪ )44‬على حالة إعسار المكلف بالنفقة‬
‫وتبرع أحد المحارم بالحضانة‪« :‬إذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسرا عاجزا عنها وتبرع بحضانة‬
‫الصغير أحد محارمه‪ ،‬خيرت الحاضنة بين إمساكه بل أجرة‪ ،‬أو تسليمه لمن تبرع» ‪.‬‬
‫بدء استحقاق نفقات الحضانة ‪:‬‬
‫يبدأ استحقاق نفقة الحضانة من أجرة ومسكن وخادم في رأي الحنفية كما يبدأ استحقاق أجرة الرضاع‬
‫وقياسا عليها (‪ ، )2‬فإن كان هناك اتفاق على الحضانة بأجر معين‪ ،‬أو حكم قضائي بالجر‪ ،‬استحقت‬
‫الحاضنة الجر من تاريخ التفاق أو الحكم‪.‬‬
‫وإذا لم يوجد اتفاق على الجر‪ ،‬ول حكم به‪ ،‬فإن كانت الحاضنة غير الم‪ ،‬فل تستحق أجرة على‬
‫الحضانة إل من تاريخ التفاق أو الحكم‪.‬‬
‫وإن كانت الحاضنة هي الم‪ ،‬استحقت الجرة من وقت قيامها بالحضانة بعد انقضاء العدة من غير‬
‫توقف على تراض أو قضاء‪ .‬وقيل‪ :‬من يوم التفاق أو الحكم‪ .‬وقد أخذ القضاء المصري بالتفرقة بين‬
‫الم وبين غيرها في الرضاع والحضانة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين‪.931/2 :‬‬

‫( ‪)10/59‬‬

‫المبحث الخامس ـ مكان الحضانة والنتقال بالصغير إلى بلد آخر‪ ،‬وحق زيارته ‪:‬‬
‫مكان الحضانة‪ :‬هو مكان الزوجين إذا كانت الزوجية بينهما قائمة‪ .‬وللفقهاء آراء متقاربة في تحديد‬
‫مواطن الحضانة وما يترتب عليه (‪ . )1‬أما الحنفية ففصلوا القول كما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ إذا كانت الم هي الحاضنة في حال قيام الزوجية‪ ،‬أو أثناء العدة من طلق أو وفاة‪ ،‬فمكان‬
‫الحضانة‪ :‬هو المكان الذي تقيم فيه مع الزوج‪ ،‬ول يجوز لها النتقال به إل بإذن الزوج؛ لن الزوجة‬
‫ملزمة بمتابعة زوجها والقامة معه حيث يقيم‪ ،‬والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية‪ ،‬سواء مع‬
‫الولد أو بدونه‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬ل تخرجوهن من بيوتهن‪ ،‬ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة}‬
‫[الطلق‪.]1/65:‬‬
‫ب ـ أما الم المطلّقة بعد انتهاء العدة‪ :‬فمكان حضانتها هو أيضا مكان إقامة الزوج‪ ،‬ول يجوز لها‬
‫الخروج من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت بحيث ل يمكن الوالد أن يبصر ولده‪ ،‬ثم يرجع في نهاره‪،‬‬
‫إل إذا انتقلت به إلى وطنها‪ ،‬وكان قد تزوجها (أي عقد عليها عقد الزواج) فيه‪ .‬فإذا توافر هذان‬
‫الشرطان‪ :‬الوطن وكونه مكان العقد‪ ،‬جاز للم النتقال بالمحضون إليه‪ ،‬وإل لم يجز‪ ،‬ويسقط حقها في‬
‫الحضانة‪.‬‬
‫جـ ـ وأما الحاضنة الخرى غير الم كالجدة أو الخت أو الخالة أو العمة‪ ،‬فل يجوز لها النتقال‬
‫بالمحضون إلى غير بلد أبيه إل بإذنه ورضاه‪ ،‬حتى ل يتضرر الولد‪ ،‬فلو انتقلت إلى بلد آخر بغير‬
‫إذن الب‪ ،‬سقط حقها في الحضانة‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬مكان الحضانة للمطلقة بعد انقضاء العدة هو مكان إقامة والد المحضون‪ .‬فليس لها‬
‫السفر سفر ُنقْلة وانقطاع من بلد إلى بلد ستة بُرُد (‪ 133‬كم) فأكثر‪ ،‬فإن سافرت إلى مكان يبعد هذه‬
‫المسافة عن بلد إقامة الب‪ ،‬سقط حقها في الحضانة لحتياج المحضون إلى رعاية الولي‪ .‬ول يسقط‬
‫حقها في الحضانة بسفر التجارة والزيارة والحج ونحوه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفتاوى الهندية‪ ،484/1 :‬الدر المختار‪ ،884/2 :‬الكتاب مع اللباب‪ ،104/3 :‬فتح القدير‪319/3 :‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،224‬الشرح الصغير‪ ،762/2 :‬المهذب‪ ،172/2 :‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ 458/3‬وما بعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ ،250/3 :‬المغني‪ ،618/7 :‬كشاف القناع‪ 581/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/60‬‬

‫وذهب الشافعية إلى أنه إن كان السفر من أحد الزوجين المفترقين بالطلق سفر حاجة كتجارة وحج‪،‬‬
‫كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود‪ .‬وإن كان السفر من أحد الزوجين سفر ُنقْلة‪ ،‬كان الب‬
‫أولى من الم بالحضانة‪ ،‬بشرط أمن الطريق وأمن البلد المقصود بالسفر‪ ،‬حفظا للنسب‪ ،‬فإنه يحفظه‬
‫الباء‪ ،‬أو رعاية لمصلحة التأديب والتعليم وسهولة النفاق‪.‬‬
‫فإن كان السفر مخوفا‪ ،‬أو البلد الذي يسافر إليه مخوفا‪ ،‬فالمقيم أحق بالحضانة للولد‪.‬‬
‫وقرر الحنابلة أنه متى أراد أحد البوين النتقال بالمحضون إلى بلد آمن‪ ،‬مسافة القصر فأكثر‪،‬‬
‫ليسكنه‪ ،‬فتسقط حضانة الحاضنة‪ ،‬ويكون الب أحق‪ ،‬ما لم يرد بنقلته مضارتها‪ ،‬فإن أراد بنقلته‬
‫مضارة الم‪ ،‬لم يسقط حقها في الحضانة‪.‬‬
‫انتقال الب أو من يقوم مقامه إلى بلد آخر ‪:‬‬
‫رأى الحنفية (‪ : )1‬أنه ليس للب أو الولي مطلقا إخراج المحضون من بلد أمه بل رضاها ما بقيت‬
‫حضانتها‪ ،‬فلو انتقل إلى بلد آخر غير بلد الحاضنة فليس له أخذ الولد معه ما دامت حضانتها قائمة‪،‬‬
‫ول يسقط حقها في الحضانة بانتقاله‪ ،‬سواء أكان البلد قريبا أم بعيدا‪ ،‬وسواء أكان السفر بقصد القامة‬
‫أم التجارة أم الزيارة؛ لن الحضانة حق الحاضنة‪ ،‬ول يملك الولي إسقاط هذا الحق‪.‬‬
‫وسوّى المالكية (‪ )2‬بين الحاضنة والولي في إسقاط حضانتها إذا سافر أحدهما إلى بلد آخر مسافة‬
‫ستة بُرُد فأكثر بقصد القامة‪ ،‬فإذا سافر الولي‪ ،‬سواء أكان ولي مال كالب والوصي أم ولي عصوبة‬
‫كالعم‪ ،‬على المحضون ولو رضيعا‪ ،‬سفرا بقصد التوطن والقامة‪ ،‬لمسافة تبعد عن بلد الحاضنة ستة‬
‫برد فأكثر‪ ،‬كان له أخذ الولد من حاضنته‪ ،‬بشرط أمن الطريق وأمن المكان المقصود‪ ،‬ويسقط حقها‬
‫في الحضانة‪ ،‬إل إذا سافرت مع الولي‪ ،‬فل تسقط حينئذ حضانتها بانتقاله‪.‬‬
‫ودليلهم‪ :‬أن حق الولي في الحضانة أقوى من حق الحاضنة؛ لن التربية الروحية مقدمة على التربية‬
‫البدنية‪ ،‬والولي أقدر من الحاضنة على تلك التربية‪.‬‬
‫وفرق الشافعية (‪ )3‬بين سفر الحاجة وبين سفر النقلة‪ ،‬فإن أراد الولي أو الحاضنة سفر حاجة‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.885/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الصغير‪ 761/2 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ 458/3 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/61‬‬

‫كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود المسافر منهما‪ ،‬لما في السفر من الخطر والضرر‪.‬‬
‫وإن أراد أحدهما سفر ُنقْلة‪ ،‬فالب أولى‪ ،‬بشرط أمن طريقه وأمن البلد المقصود له‪ ،‬كما قرر المالكية‪،‬‬
‫وإن يكن هناك أمن‪ ،‬فيقرّ عند أمه‪ ،‬وليس لوليه أن يخرجه إلى دار الحرب‪.‬‬
‫والحنابلة (‪ )1‬كالشافعية‪ :‬فإنهم قالوا كما تقدم‪ :‬متى أراد أحد البوين النقلة إلى بلد مسافة قصر فأكثر‪،‬‬
‫وكان البلد والطريق آمنا‪ ،‬والقصد هو السكنى‪ ،‬فالب أحق بالحضانة‪ ،‬سواء أكان المقيم هو الب‪ ،‬أم‬
‫المنتقل؛ لن الب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه‪ ،‬فإذا لم يكن الولد في بلد‬
‫الب‪ ،‬ضاع‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن سفر الولي ل يسقط حق الحضانة للحاضنة في رأي الحنفية‪ ،‬ويسقطها في رأي‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫زيارة الولد ‪:‬‬
‫حق الرؤية أو الزيارة لحد البوين غير الحاضن مقرر شرعا باتفاق الفقهاء‪ ،‬لصلةالرحم‪ ،‬ولكنهم‬
‫ذكروا آراء مختلفة نسبيا‪ ،‬بحسب تقدير المصلحة لكل من الولد والوالد الذي يكون ولده في حضانة‬
‫غيره‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )2‬إذا كان الولد عند الحاضنة‪ ،‬فلبيه حق رؤيته‪ ،‬بأن تخرج الصغير إلى مكان يمكن‬
‫الب أن يراه فيه كل يوم‪ .‬وإذا كان الولد عند أبيه لسقوط حق الم في الحضانة‪ ،‬أو لنتهاء مدة‬
‫الحضانة‪ ،‬فلمه رؤيته‪ ،‬بأن يخرجه إلى مكان يمكنها أن تبصر ولدها‪ ،‬كل يوم‪ .‬والحد القصى كل‬
‫أسبوع مرة كحق المرأة في زيارة أبويها‪ ،‬والخالة مثل الم‪ ،‬ولكن كما جرى القضاء في مصر‪ ،‬تكون‬
‫زيارتها كل شهر مرة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كشاف القناع‪.581/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪.885/2 :‬‬

‫( ‪)10/62‬‬

‫وقال المالكية (‪ : )1‬للم أن ترى أولدها الصغار كل يوم مرة‪ ،‬وأولدها الكبار كل أسبوع مرة‪.‬‬
‫والب مثل الم في الرؤية قبل بلوغ سن التعليم‪ ،‬وأما بعد بلوغ سن التربية والتعليم‪ ،‬فله مطالعة ولده‬
‫من آن لخر‪ ،‬أي الطلع عليه‪.‬‬
‫ويرى الشافعية (‪ : )2‬أن المميز إن اختار أباه بعد تخييره في سن التمييز‪ ،‬لم يمنعه زيارة أمه‪ .‬ويمنع‬
‫الب النثى من زيارة أمها إذا اختارته لتألف الصيانة وعدم البروز للناس‪ .‬والم أولى منها بالخروج‬
‫لزيارتها لسنها وخبرتها‪.‬‬
‫ول يمنع الب أم المحضون من زيارته‪ ،‬ذكرا أو أنثى؛ لن في المنع قطعا للرحم‪ ،‬لكن ل تطيل‬
‫المكث‪ ،‬ويمكنها من الدخول‪ ،‬فإن بخل بدخولها إلى منزله‪ ،‬أخرجه إليها‪.‬‬
‫والزيارة مرة في أيام‪ ،‬أي في يومين فأكثر‪ ،‬ل في كل يوم‪ ،‬إل إذا كان منزلها قريبا‪ ،‬فل بأس‬
‫بدخولها منزل الب كل يوم‪.‬‬
‫فإن مرض المحضون‪ ،‬فالم أولى بتمريضه‪ ،‬ذكرا أو أنثى؛ لنها أهدى إليه‪ ،‬وأصبر عليه من الب‬
‫ونحوه‪ .‬والتمريض يكون في بيت الب إن رضي به‪ ،‬وإن لم يرض يكون التمريض في بيتها‪ .‬ويجب‬
‫الحتراز في الحالين من الخلوة بها‪.‬‬
‫والحنابلة (‪ )3‬كالشافعية قالوا‪ :‬إن اختار المميز أباه‪ ،‬كان عنده ليلً ونهارا‪ ،‬ول يمنع من زيارة أمه‪،‬‬
‫ول تمنع هي من تمريضه‪ .‬وإن اختارها كان عندها ليلً‪ ،‬وعند أبيه نهارا ليؤدبه ويعلمه‪.‬‬
‫وأما البنت فتكون عند أبيها بعد إتمام سن السابعة إلى الزفاف‪ ،‬ول يمنع أحد البوين من زيارتها عند‬
‫الخر؛ لن فيه حملً على قطيعة الرحم‪ ،‬ولكن من غير أن يخلو الزوج بالم‪ ،‬ول يطيل المقام؛ لن‬
‫الم صارت بالبينونة أجنبية منه‪ ،‬والورع إذا زارت ابنتها‪ :‬تحري أوقات خروج أبيها إلى معاشه‪ ،‬لئل‬
‫يسمع كلمها‪ ،‬والكلم وإن كان غير عورة‪ ،‬لكن يحرم التلذذ بسماعه‪.‬‬
‫وإن مرضت البنت‪ ،‬فالم أحق بتمريضها في بيت الب‪ ،‬لحاجتها إليه‪.‬‬
‫والم تزور ابنتها‪ ،‬والغلم يزور أمه على ما جرت به العادة‪ ،‬كاليوم في السبوع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير والدسوقي‪ ،512/2 :‬الشرح الصغير‪.737/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.257/3 :‬‬
‫(‪ )3‬غاية المنتهى‪ ،252-251/3 :‬كشاف القناع‪ 583/5 :‬وما بعدها‪ ،‬المغني‪.617/7 :‬‬

‫( ‪)10/63‬‬

‫المبحث السادس ـ مدة الحضانة وما يترتب على انتهائها من ضم الولد لبيه ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الحضانة تبدأ منذ ولدة الطفل إلى سن التمييز‪ ،‬واختلفوا في بقائها بعد سن‬
‫التمييز‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬الحاضنة أما أوغيرها أحق بالغلم حتى يستغني عن خدمة النساء‪ ،‬ويستقل بنفسه‬
‫في الكل والشرب واللبس والستنجاء‪ ،‬وقدّر زمن استقلله بسبع سنين؛ لنه الغالب‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬مروا أولدكم بالصلة لسبع» والمر بها ل يكون إل بعد القدرة على الطهارة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫بتسع سنين‪.‬‬
‫والم والجدة أحق بالفتاة الصغيرة حتى تبلغ بالحيض أو النزال أو السن؛ لنها بعد الستغناء تحتاج‬
‫إلى معرفة آداب النساء‪ ،‬والمرأة على ذلك أقدر‪ ،‬وأما بعد البلوغ فتحتاج إلى التحصين والحفظ‪،‬‬
‫والب فيه أقوى وأهدى‪ .‬وبلوغ الصغيرة إما بتسع سنين أو بإحدى عشرة سنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،44-42/4 :‬الدر المختار‪.881/2 :‬‬

‫( ‪)10/64‬‬

‫والسبب في اختلف الغلم والفتاة‪ :‬هو أن القياس أو الصل أن تتوقت الحضانة بالبلوغ فيهما جميعا‪،‬‬
‫لكن ترك القياس أو الصل في الغلم بإجماع الصحابة؛ لما روي أن أبا بكر رضي ال عنه قضى‬
‫بعاصم بن عمر لمه ما لم يشبّ عاصم‪ ،‬أو تتزوج أمه‪ .‬فبقي الحكم في الفتاة على أصل القياس؛‬
‫ولن الغلم إذا استنغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلق الرجال واكتساب العلوم‪ ،‬والب على ذلك‬
‫أقدر وأقوم‪ .‬والفتاة أحوج إلى تعلم آداب النساء والتخلق بأخلقهن وخدمة البيت‪ ،‬والم أقدر على ذلك‬
‫بعدما تبلغ أو تحيض‪ ،‬فإذا بلغت احتاجت إلى الحماية والصيانة والحفظ عمن يطمع بها‪ ،‬والرجال‬
‫على ما ذكر أقدر‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬تستمر الحضانة في الغلم إلى البلوغ‪ ،‬على المشهور‪ ،‬ولو مجنونا أو مريضا‪،‬‬
‫وفي النثى إلى الزواج ودخول الزوج بها‪ ،‬ولو كانت الم كافرة‪ .‬وهذا في الم المطلقة أو من مات‬
‫زوجها‪ .‬وأما من في عصمة زوجها فهي حق للزوجين جميعا‪.‬‬
‫ول يخير الولد في رأي الحنفية والمالكية؛ لنه ل قول له‪ ،‬ول يعرف حظه‪ ،‬وقد يختار من يلعب‬
‫عنده‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬إن افترق الزوجان ولهما ولد مميز (‪ )3‬ذكر أو أنثى‪ ،‬وله سبع أو ثمان سنين‪،‬‬
‫وصلح الزوجان للحضانة‪ ،‬حتى لو فضَل أحدهما الخر دينا أو مالً أو محبة‪ ،‬وتنازعا في الحضانة‪،‬‬
‫خيّر بينهما‪ ،‬وكان عند من اختار منهما؛ «لنه صلّى ال عليه وسلم خيّر غلما بين أبيه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 755/2 :‬وما بعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 224‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ ،171/2 :‬مغني المحتاج‪.456/3 :‬‬
‫(‪ )3‬سن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا‪ ،‬وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان‪ ،‬والحكم‬
‫مداره عليه ل على السن‬

‫( ‪)10/65‬‬
‫وأمه» (‪ )1‬والغلمة كالغلم في النتساب‪ ،‬ولن القصد من الحضانة حفظ الولد‪ ،‬والمميز أعرف‬
‫بحظه ومصلحته‪ ،‬فيرجع إليه‪.‬‬
‫والولد يتخير‪ ،‬ولو أسقط أحد الزوجين حقه قبل التخيير‪.‬‬
‫ولو اختار الولد أحد البوين‪ ،‬فامتنع من كفالته‪ ،‬كفله الخر‪ ،‬فإن رجع الممتنع أعيد التخيير‪ .‬وإن‬
‫امتنع البوان وبعدهما مستحقان للحضانة كجد وجدة خيْر بينهما‪ ،‬وإل أجبر بالحضانة من تلزمه‬
‫نفقته؛ لنها من جملة الكفالة‪ .‬وإن صلح أحد البوين للحضانة دون الخر بسبب جنون أو كفر أو رق‬
‫أو فسق‪ ،‬أو زواج النثى أجنبيا‪،‬فالحق للخر فقط‪ ،‬ول تخيير لوجود المانع‪ .‬فإن عاد صلح الخر‬
‫عاد التخيير‪.‬‬
‫ويخير الولد أيضا بين أم وجد‪ ،‬وكذا أخ أو عم أو أب مع أخت أو خالة في الصح‪ ،‬فإن اختار‬
‫أحدهما‪ ،‬ثم اختار الخر‪ ،‬حوّل إليه؛ لنه قد يظهر له المر‪ ،‬بخلف ما ظنه‪ ،‬أويتغير حال من اختاره‬
‫أولً‪ ،‬ولن الولد قد يقصد مراعاة الجانبين‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬إذا بلغ الغلم غير المعتوه سبع سنين‪ ،‬خير بين أبويه‪ ،‬إذا تنازعا فيه‪ ،‬كما قال‬
‫الشافعية‪ ،‬فكان مع من اختار منهما‪ .‬ومتى اختار أحدهما‪ ،‬فسلم إليه‪ ،‬ثم اختار الخر‪ ،‬رد إليه‪ .‬ويخير‬
‫الغلم بين أمه وعصبته؛ لن عليا رضي ال عنه خيّر عمارة الجرمي بين أمه وعمه‪ ،‬ولنه عصبة‪،‬‬
‫فأشبه الب‪.‬‬
‫وإنما يخير الغلم بشرطين‪:‬‬

‫أحدهما ـ أن يكون البوان وغيرهما من أهل ا لحضانة‪ :‬فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة‪،‬‬
‫كان كالمعدوم‪ ،‬ويتعين الخر‪.‬‬
‫الثاني ـ أل يكون الغلم معتوها‪ :‬فإن كان معتوها كان عندالم‪ ،‬ولم يخير؛ لن المعتوه بمنزلة‬
‫الطفل‪ ،‬وإن كان كبيرا‪ ،‬لذا كانت الم أحق بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه‪.‬‬
‫أما الفتاة إذا بلغت سبع سنين‪ ،‬فالب أحق بها‪ ،‬ول تخير عندهم خلفا للشافعية؛ لن غرض الحضانة‬
‫الحظ والمصلحة‪ ،‬والحظ للفتاة بعد السبع في الوجود عند أبيها؛ لنها تحتاج إلى حفظ‪ ،‬والب أولى‬
‫به‪ ،‬فإن الم تحتاج إلى من يحفظها ويصونها ‪.‬‬
‫لكن إذا كانت البنت عند الم أو عند الب‪ ،‬فإنها تكون عنده ليلً ونهارا؛ لن تأديبها وتخريجها في‬
‫جوف البيت‪ ،‬كتعليمها الغزل والطبخ وغيرهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،617-614/7 :‬غاية المنتهى‪ 251/3 :‬وما بعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 582/5 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/66‬‬

‫موقف القانون‪ :‬قرر القانون المصري رقم (‪ )25‬لسنة (‪ )1929‬أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ‬
‫الصغير سبع سنين‪ ،‬وبلوغ الصغيرة تسعا‪ .‬وكان هذا هو المقرر في القانون السوري‪ ،‬ثم عدل الحكم‬
‫سنة (‪ ،)1975‬فنصت المادة (‪ )146‬على أنه‪ :‬تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلم التاسعة من عمره‪،‬‬
‫والبنت الحادية عشرة‪.‬‬
‫مايترتب على انتهاء مدة الحضانة من ضم الولد لبيه أو جده ‪:‬‬
‫إذا انتهت مرحلةالحضانة‪ ،‬ضم الولد إلى الولي على النفس من أب أوجد‪ ،‬ل لغيرهما‪ .‬ويظل للب‬
‫الحق في إمساك الصبي حتى يبلغ‪ ،‬فيخير بين أن ينفرد بالسكنى أو يسكن مع أي أبويه شاء‪ ،‬إل إذا‬
‫بلغ سفيها غير مأمون على نفسه‪ ،‬فيضمه الب إليه‪ ،‬لدفع فتنة أو عار‪ ،‬ولتأديبه إذا وقع منه شيء‪.‬‬
‫ول يلزم الب بالنفقة على الولد بعد البلوغ إل أن يتبرع‪ .‬فإن بلغ معتوها‪ ،‬كان عند الم‪ ،‬سواء أكان‬
‫ابنا أم بنتا‪.‬‬
‫وأما الفتاة‪ :‬فيضمها الب أو الجد إذا كانت بكرا‪ ،‬وكذا إذا كانت ثيبا يخشى عليه الفتنة‪ .‬فإن كان ل‬
‫يخشى عليها‪ ،‬وكانت ذا خلق مستقيم وعقل سليم‪ ،‬وصارت مسنة بلغت سن الربعين‪ ،‬فلها أن تنفرد‬
‫بالسكنى حيث شاءت‪ .‬ول يلزم الب بالنفاق على الفتاة إذا رفضت السكنى معه أو متابعته بغير حق‬
‫( ‪. )1‬‬
‫والخلصة‪ :‬إذا بلغ الولد أو البنت بكرا أو ثيبا‪ ،‬وكانا غير مأمونين‪ ،‬فل خيار لهم بالنفراد بالسكنى‪،‬‬
‫بل يضمهم الب إليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 882/2 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)10/67‬‬

You might also like