Professional Documents
Culture Documents
النور
وبآخره ملحق قصة ) في وداع والدي أبي محمد
رحمه الله (
مالك الرحبي
) مازن بن أحمد المنسي الغامدي يرحمه الله (
توفي في الساعة الثانية ظهر يوم ) الجمعة (13/12/1426
2
اللهللم اغفللر لللي ولشلليخنا وأسللتاذنا ولوالللدي واجعلنللي معهللم فللي
فردوسك العلى يا أرحم
الراحمين ..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
الحلقة الولى
3
أحسبه رجل مخلصا والله حسيبه..
كنا أحيانا ونحن في تلك السنون ما زلنا في حكم الطفولة!!!..
كنا والله يبلغ بنا التأثر بحديثه حتى نبكي!!..
ولكن للسف فجأة وبل مقدمات حرمنا من هذا الستاذ الجليل..
لينقل في التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة!!!..
لقد كان خطئا فادحا أن يحرم الطلب مللن هللذا المعلللم ذو الطللراز
النادر لينقل لعمل إداري
ولكن الله تعالى خلف علينا خيرا في أستاذ آخر ..
كان له فضل علي بشكل خاص..
ل أنساه له أبدا ..إنه الستاذ طلل المشعبي..
قال لنا الستاذ طلل :أنا تلميذ للستاذ عمير القرشي ..
فهو أستاذي وشلليخي وأسللتاذكم لللذا سللنحاول أن نكمللل المسلليرة
على نفس المنوال..
لن أطيل الحديث في مواقف الستاذ طلل بارك الله فيه..
ولكن سأذكر موقفا له غير مجرى حياتي للخير إن شاء الله تعالى..
أبدى الستاذ طلل بي اهتماما خاصا ..ولقللد كنللت بحمللد الللله فللي
فصلي من النابهين..
أحببته حبا يتجاوز حدود الحترام للطالب مع أستاذه ...
لتصبح العلقة علقة شبيهة بود البن مع والده ..
سجلت في برامج التوعية في وقت الفسحة..
وكنت استمع مع الخرين لتوجيهات الستاذ طلل..
وذات مرة كنت ألعب أمللام منزلنللا القريللب مللن الجللامع فلحظللت
سيارة شبيهة بسيارة
السلتاذ طلل ..انتظللرت وللم أصللل !!! حلتى يخللرج صلاحبها بعللد
الصلة..
وفعل خرج الستاذ طلل ..
كان للمعلم حينها مهابة هائلة في قلللوب الطلب خلف مللا أسللمعه
اليوم!!
توجهت إليه وسلمت عليه ...فسألني بصرامة :هل صليت؟؟
مسحت قفاي وأرخيت رأسي وقلت ل !!
قال ليش؟؟
استحييت ولم أجب فهل سأقول أنا ل أصلي أصل!!!
فهم الحال ،ولم أنتظر أن يعاتبني توجهت لدورات المياه وتوضللأت
للصلة..
4
ثم دخلت المسجد فركعت أربع ركعات للعشاء..
خرجت من المسجد فلم أرى أحدا ..
بعد عدة أيام رأيت سيارة الستاذ طلل مرة أخرى أمام المسجد ..
وهذه المرة سابقت الريح لصلي مع الجماعة..
وبعد الصلة تعمدت أن أظهر للستاذ خروجي من المسجد..
ابتسم أستاذي وناداني ..
اقتربت منه وقال لي أين منزلكم..
أشرت له لمنزلنا المستأجر حيث قللد بللاع الوالللد بيتنللا القللديم وهللو
يبني بيتا جديدا في مخطط السحيلي شرق الطائف ..
دعوته لزيارتنا فقال الن ل يصلح ول أستطيع ولكن ممكللن أزوركللم
غدا !!!
رحبت به وواعدته غدا بعد صلة المغرب!!..
ذهبت لوالدي وبلغته بالحال ..استغرب الوالد من الزيارة ..
فليس من العادة أن يزور معلم تلميذا في بيته ..
وليس أيضا من العللادة أن يللدعوا فللتى صللغير رجل كللبيرا بغيللر إذن
أهله..
رضخ الوالد للمر الواقع وقال أهل به ..
في اليوم التالي زارنا الستاذ طلل في بيتنا وتعرف على الوالد ..
وكان والدي حينها مديرا لحدى مدارس الطائف..
كان اللقللاء رسللميا ..ووالللدي مللن طبعلله رحملله الللله التكلللف مللع
الضيف..
فيشللعر ذلللك الضلليف بللالحرج فتنقلللب المسللألة مجللاملت فللي
مجاملت..
والسؤال لماذا الزيارة؟ وما هدفها؟ وهل كان الستاذ طلل متعمدا
لكل ما سبق ؟؟
ذكر الستاذ طلل للوالد أن هناك مخيما للشباب في فللترة الجللازة
النصف سنوية..
ومدة المخيم أسبوع وتنظمه إدارة التعليم في الطائف ..وقللد حللث
والدي على أن أشارك
في هذا المخيم!!!
قال الوالد ل بأس بذلك !!
فرحت بذلك وسررت بالفكرة فقللد كللان ذلللك بمثابللة حلللم لللي أن
أشارك في عمل كهذا ..
انتهت أيام المتحانات ..
5
وفي صباح يوم من أيام الربيع الجميلة حملني والللدي برفقللة أخيلله
الصغير ) عمي(
في سيارته إلى موقع تجمع المشاركين في المخيم...
وذلك خلف فناء إدارة التعليم في الطائف..
وضع والدي في جيبي ثلثين ريال وكذلك في جيب أخيه ..
أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حيللاتي منللذ ولللدت حللتى ذلللك
التاريخ!!!
حينما وصلنا لمنطقة التجمع هالني الجمع الغفير مللن الفتيللان ممللن
هم في سللني أو قريبللا منللي ..أذكللر أن السللاحة امتلت بالحقللائب
وأكياس النايلون الكبيرة المحشوة بالملبس وبعضللهم أحضللر معلله
وسائد وطرا ريح والحفة مطوية بحبال !!!
أما أنا فجئت بثللوبي الللذي علللي وكيللس صللغير فيلله ملبللس قليلللة
للتبديل!!..
غادر الوالد بعد أن تأكد من المشرفين عن أن كللل شلليء علللى مللا
يرام..
طلعت الشمس وما زالت الجموع تزيد حتى غصت بهم الساحة ..
فللي حللوالي السللاعة الثامنللة نللادى مشللرفوا المخيللم علللى أسللماء
الطلب المسجلين في المخيم..
وركبت في الباص المحدد لمجموعتي ..
كانت وجهتنا لمنطقة الشرائع قريبا من مكة المكرمة شرفها الله..
في الباص وقف شخص عليه لحية حمراء وثيابه نظيفللة ..وسللاعته
في اليمين!!!..
كان على وجهه نور الطاعة ..
وقف ليذكرنا بدعاء السفر وسأل:
من يعرف دعاء السفر؟؟
أول مرة في حياتي أسمع بدعاء السفر والله!!..
رددناه جميعا خلفه ..حتى حفظته عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت..
طوال الرحلة كان يتبادل المذكور مع زميل له..
قللراءة مسللابقات وروايللة قصللص وطللرائف ونحللو ذلللك ممللا يفيللد
ويمتع..
كللانت أول رحلللة مفيللدة وأول مللرة أدرك كيللف يمكللن اسللتغلل
الوقت ..
في مثل هذه الرحلت المليئة بالفائدة والرشاد..
وصلنا لمنطقة المخيم ..وهي على يمين الداخل إلللى مكللة قبللل أن
6
تصل لنقطة التفتيش..
كانت أكوام الخيام ملقاة على أرض المخيم..
وطلبوا من كل مجموعة أن تتولى تركيب خيامها..
استمتعنا بذلك أيما استمتاع فهلذا أول عمللل جلاد ومتقلن أقللوم بله
بشكل جماعي!!..
وفي وقت صلة الظهر اجتمعنا تحت خيمة واحدة ضخمة للصلة..
ودخل علينا رجل فللي عمللر الربعينللات عليلله سلليما الصلللح ووجلله
مليء بالجدية والصرامة!!!..
وهو الشيخ محمد بن زاهر الشهري بارك الله في عمللره ولللم أكللن
اعرفه حينها..
امتل قلبي والله حينها من مهابته..
حينما وقف في وسط الخيمة وتكلم فللي الجمللوع بتوجيهللات عامللة
وأمر كل شخص منا بالنضباط ..
واستغلل هذه اليام بالنافع المفيد
كان الترتيب والنظام والضبط هو السيما البارزة على هذا العمل..
أذكر أن أصحابي أيقظوني للصلة قبل الفجر ..
وحينما ذهبت للوضوء أعطونا كاسات بلستيكية ..
بحيث يتوضأ الشخص بكأس واحدة فقط!!!
رأيت المسجد مضاء والنعال تملء أطرافه!!!..
وحينما وصلت إليلله شللاهدت النللاس كللأنهم خليللة نحللل مللن صللوت
القرءان..
أمسكت بشخص مر بجواري وسألته :هل أذن الصبح؟؟
قال بقي نصف ساعة على الذان !!!
صلى بنا الفجر شخص رقيق وصوته جميل ..
وسمعت أشخاصا تأثروا باليات فبكوا !!
وبعد الصللة وقلف شلخص ليتكللم لملدة عشلر دقلائق ..بخلاطرة
ونصيحة..
كان مطلوبا من كل مجموعة أن تختار شخصا يمثلها فللي الكلمللات
بعد الصلة ..
ومن ثم يقوم أحد المشرفين بالتعليق على كلمته...
وفي الساعة الثامنة يستيقظ كل المخيم لوجبة الفطار ..
ويلزم كل شخص ترتيب مكان نومه ..ول يتركه مبعثرا..
وهناك مجموعات تفتش الخيللام وتعللاقب كللل مللن يهمللل بالضللغط
عشر مرات أو الزحف على بطنلله ..كللانت مشللاهد المعللاقبين تللثير
7
الضحك والسرور بين المشاركين ..
كانت البرامج متنوعة وحافلة بالفوائد والنشاط والبهجة..
فهنللاك البرامللج الترفيهيللة والمسللرحيات والمسللابقات والبرامللج
الرياضية..
ومن المناشط تنظيم المحاضرات ..
أول مرة احضر محاضرة كانت في ذلللك المخيللم وكللان ضلليفنا هللو
الشيخ عبد الله الجللي.
الداعية المشهور ..وممن زارنا فللي المخيللم للقللاء المحاضللرات..
الشيخ عائض القرني والشيخ سللفر الحللوالي والشلليخ سللتر الجعيللد
والشيخ محمد بن سعيد القحطاني ..وغيرهم..
لن أغرقك أخي القارئ بالتفاصيل عن هذا المخيم ..
ولكن يعلم الله تعالى كم كان لتلك المواقللف والكلمللات والللدروس
من صدى وتوجيه أحمد الله تعالى عليه أن هيئ لهذه المللة كهللؤلء
الرجال الذين يشرفون على تلك البرامج النافعة المباركة..
كان مشرفوا المجموعات يوقظونا في ساعة متأخرة من الليل..
ويأمرونا بلالخروج خلارج الخيملة وملن ثلم نصلف فلي خلط طويلل
ونخللرج برفقللة احللدهم خللارج المخيللم ..ومللن ثللم يقللوم المشللرف
بتذكيرنا ووعظنا بكلمات تناسب الحدث..
كانت تلك الخرجات متعبة في لحظتها ولكللن مللا يللترتب عليهللا مللن
تأثير على النفس والعقل والفكر شيء يفوق الخيال وصفه..
إن الخوة القائمين على تلك البرامج حينما يفعلون ما يفعلون إنمللا
قصدهم بذلك هو غرس النظام واستغلل الوقللات وتنميللة الخشللية
والخوف من الله تعالى في قلوبنا..
انتهت أيام المخيم ..
وبنهايته يبدأ مشواري الجديد في هذه الحياة...
الحلقة الثانية
8
فل شك أن لوطأتها عليهم شأنا ل يستهان به..
فهي تمد المة بروافد من العقول المخلصة لهذا الدين والمة..
سلكت طريق الهداية واستمر هؤلء الرجال ممن ذكرت وغيرهم..
في غرس الفضائل والمعاني السامية في ،وفي آلف الشباب..
الذين منهم الن الطبيب والمهندس والمعلللم والقاضللي والصللحفي
والداعية والتاجر
التزمت بالمشاركة في برامج بالمكتبة فللي جللامع ابللن عمللار بحللي
القمرية..
وكان يشرف علينا شخص اسمه خالد بن مسلط البقمي..
كان غاية في النبل والدب والشهامة ..
ولكنه للسف تغير كثيرا بعد أن انصرف للعمل في التجارة..
وآخر عهدي به إنسان عادي جدا ل تكاد الدعوة والعمل لها يأخللذان
من اهتمامه شيئا..
من المواقف التي ل تنسى مع أبي سليمان وهذه كنيته الللتي يحللب
أن نناديه بها حيث نظم لنا رحلة لمجموعة من طلب المكتبة..
وكللانت الرحلللة لحللد الوديللان الجميلللة فللي منطقللة الشللفا جنللوب
الطائف..
كلفنا الخ خالد بذبح الخروف وشويه في برميل ..
على الطريقة المعروفة في صنع المندي
ولكن لتأخر نضج الطبيخ بسبب قلة خبرة الطباخين..
لم يستوي اللحم سوى بعد أذان العصر..
صلينا العصر ..وبطوننا ترتل وتقرقر جوعللا وتثيرهللا رائحللة الشللواء
حولنا..
فالمنطقة مليئة بالمصطافين حينها..
استخرجنا اللحم وعزمنا على أكله حتى ولو لم ينضج جيللدا فللالجوع
أبصر كما يقولون..
حينما وضعنا السفر واستوى اللحم على الرز المعصفر..
هطلت علينا كميات هائلة من المطار!!..
كأن حبات المطر تصب علينا صبا !!..
لقد استغرق اجتماع السحب وتراكمها دقائق معدودة والله..
لم نشعر بذلك ..واستمررنا في التهام الطعام المبلول!!..
وفجأة صرخ الصريخ..
وتردد صداه في كل الوادي :السيل ،السيل!!..
هجم علينا سيل من فم الوادي ..
9
حينما أبصرنا التيار يهدر نحونا ..
ولى الجميع ولم نلوي على شيء..
جرف التيار السيارات والوادم ..ولكن الله سلم فقد تدارك النللاس
بعضهم..
أما السيارات فقد امتلت بالوحل والطين حتى سقوفها ..
وأما نحن فقد كنا نراقب تلك المشاهد ونحن نرجف تحللت الشللجار
نرجف من البرد والجوع!!
هذا موقف أذكره جيدا من تلك الرحلت الممتعة!!..
تعرفت على شخص بعد ذلك اشتهر بكنيته وهي أبو أسامة..
واسمه عبد الله الغامدي ...وهو صاحب النشللاد لقصللائد الشللريط
المشهور هادم اللذات ....لمن يعرفه منكم..
وكان جارا لنا ،وهو رجل ذو همة عالية في الدعوة على الله ..
وما زال يعمل في الخطابة حتى كتابة هذه السطور..
لزمت هذا الرجل عدة سنوات كظله حللتى ظللن بعللض النللاس انلله
والدي!!
وكنت من شغفي بلله وعلقللتي القويللة أحللب تقليللد صللوته ومشلليته
وحركاته..
وأذكر مرة أن أحد المشائخ لحقني في السوق ظانا أن مللن يلحقلله
هو أبو أسامه!!
وكنت مقفيا وأسير بخطى سريعة فصار الرجل يناديني بغير اسمي
فل أرد عليه!!..
وحينما التفت إليه صدم برؤية شخص آخر غير من يبحث عنه!!!..
كنت حينها أبلغ الرابعة عشر من عمري تقريبا...
شاركت في البرامج الدورية للمكتبة يوم الربعللاء والخميللس ..مللن
كل أسبوع..
حتى ذلك الوقت كانت علقتي بالوالد على مايرام..
فمستواي الدراسي في المدرسة فوق الجيد جدا ..
وللسف فإن بعض الباء جعلوا المقياس في نجاح أولدهم..
بمدى تفوقهم في دراستهم دون النظر فللي تميزهللم فللي الجللوانب
الخرى..
حينما التحقت بمدرسة هوازن الثانوية..
وكان النظام فيها النظام الشامل أو ما يسمى المطور ..الذي الغي
لحقا لفشله الذر يع..
كان هذا النظام يعطي حرية في الخيارات للطالب ..
10
في اختيار الجدول المناسب له كيفما يشاء..
وكذلك في اختيار المعلم الذي يرغبه..
ل شك أن هذا النظام والحرية الممنوحة لي كطالب ..
ساهم بشكل أو بآخر في تدني مستواي الدراسي..
فبسبب ارتخاء القبضة كما فللي النظللام العللادي ،وتللدني الرقابللة..
بسبب النظام صرت أغيب عن الدروس والمحاضرات فللي الفصللل
بمزاعم واهية..
في البداية ظن الوالد أن القضية هي مرحلة صعبة سأتجاوزها..
ولم يقدر الموقف حق قدره ..وليته فعل ..
لم يسبق لي أن رسبت في أي سنة ..
ولكن حصل أن حرمت في بعض المللواد ل بسللبب تللدني المسللتوى
بل للغياب..
حينما علم الوالد بذلك ظن أن السبب هو الرفقللة لنشللغالي معهللم
في برامج جانبية..
غير مهمة ..فالدراسة والمستقبل هي الساس..
وبذلك صار الوالد يضغط علي للتقليل من روحاتي وخرجاتي..
كنت حينها مراهقا ..فاستمرأت أن يمنعني الوالد عما كنت أمارسه
لسنوات!!..
فلم أطعه فيما يأمرني به..
الذي حصل أن الوالد بمشورة من قريب لي سامحه الله ..
قرر حرماني حرمانا مطلقا من أصحابي..
لقد كان ذلك بالنسبة لي أشبه بمنعللي مللن شللرب المللاء أو تنفللس
الهواء..
لقد أعطى ذلللك الحضللر مفعللول عكسلليا فقللد تللدهورت كللثيرا فللي
دراسللتي ولللم اعللد أذاكللر دروسللي ولللو فعلللت فللإن ذلللك يكللون
بالكراه!!..
أذكر أن الوالد خوفا من أن ألتقي بأحد من رفقائي منعني مرة من
صلة الجماعة ..
ولم يستمر ذلك بطبيعة الحال ..
ولكن كانت تمر علي وجبات دسمة من الحظر كل فترة!!!
كنت محبا للعلم وطلبه ...وخاصة العلوم الشرعية..
التزمت بحلقة الشيخ أحمد بن موسى السللهلي ..فللي جللامع الميللر
أحمللد فللي درس عمللدة الحكللام ..وكللذلك دروس الشلليخ صللالح
الزهراني بجامع الشطبه ..
11
في كتاب زاد المعاد..
لكن المشكلة بالنسلبة للي هلي وسليلة المواصللت للوصلول لهلذا
الماكن..
ويعلم الله كم كنت أعاني لحضور تلك الدروس..
فكم مرة مشيت عشرات الكيلوات لصل للدرس..
وكم مرة توسلت لجار أو صاحب ليوصلني..
لم يكن هناك رفيق لي لديه سيارة وملتزم بالحضور..
لقد كنت شغوفا بالعلم وأحرص أن أكللون فللي أول الصللفوف أمللام
المشائخ..
أذكر مرة أنني مشلليت مللن بيتنللا فللي حللي السللحيلي وحللتى جللامع
الشطبه..
لكي أصلي الجمعة مع شيخنا!!!..
أما حضور محاضرات المشائخ المشهورين فهذا مال أصبر عليه..
منعت من ذلك كله دفعة واحدة ...
حينها قررت أن أهرب مللن الللبيت للتحللق بطلللب العلللم لللدى أحللد
العلماء..
الحلقة الثالثة..
لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجللبرت
عليه..
لم تكن فكرة جاءت على البال فعزمت عليها هكذا!!
بل كانت الفكرة تطبخ في رأسي عدة أسابيع حتى هممت بها ..
لم أجرؤ في استشارة أحد في الموضوع ..سوى شخص واحد..
إنها زوجة والدي الجديدة..
الخالة كما تسمى في بعض المجتمعات أما نحن فنناديها بالعمة..
هللذه المللرأة الطيبللة تزوجهللا الوالللد قبللل عللدة سللنوات مللن ذلللك
الموقف..
وهي امرأة عقيم لم ترزق بالذرية ...
وكنت في تلك الفترة قريبا منها جدا وتثق بي وأثق بها..
وكانت تتلطف معي حتى كسبت ودي وتعاطفي معها..
وهي امرأة طيبة ومحبة للخير وتشجعني عليه..
أوغر ذلك صدر الوالدة علي في البداية..
ولكن العمة بفطنتها ونباهتها كسبت رضللى أمللي ..فسلللكت المللور
12
على خير..
كانت العمة متعاطفة معي في محنللتي ..وكنللت أطلعهللا علللى كللل
أموري الشخصية تقريبا..
وحينما فاتحتها بالموضوع وأنني عازم على أن أخرج من البيت ..
للتحق بحلقة عالم من علماء المة ..
وسوف أسحب ملفي الدراسي وأكملها..الخ الكلم..
لقد صورت المسألة لها بنرجسية عجيبة ..
هكذا بكل بساطة ..سأنجح وستكون المور على ما يرام..
وكانت أمرأه هينة لينة سهلة القناع ..فوافقتني!!..
بل قامت مشكورة وأعطتني من ذهبها فبعته وصللرفت نقللوده فللي
سفري وترحلي!!..
لم يكن المبلغ كافيا فاستلفت من أحد كبار السن ممن يعرفني في
المسجد مبلغا وافرا ..
والحمد لله أنه لم يسألني عن مقصدي من هذا المال!!
كانت الفترة حينها فللترة إجللازة صلليفية ولكللن الوالللد سللامحه الللله
أجبرني وبغير رضاي على التسجيل في فصل صيفي ..
وهو ما يسمح به النظام المطور..
رجوته وتوسلت إليه أن يعفيني من ذلك
ولكللن بل جللدوى فقللد أراد مللن ذلللك معللاقبتي علللى تقصلليري فللي
الفصل الدراسي السابق!!
والدي رحمه الله معروف في العائلة بأن لديه حاسة سادسة..
شللك مللن تصللرفاتي وهللدوئي المريللب والللذي عللرف بفطرتلله أنلله
سيسبق عاصفة ما!!..
فقللد اعتللاد أن يرانللي مهمومللا غارقللا فللي التفكيللر فللي السللابيع
المنصرمة!!..
فشك في هدوئي واطمئناني المفاجئ!!!
ولذلك أمر الوالدة بالتحفظ علي ومنعي من الخروج خللارج المنللزل
حتى للصلة..
وأخذ بطاقة الحوال الشخصية التي لي وصار يحملها في جيبه أينما
حل..
حددت يومللا معينللا للهللروب وكللان يللوم خميللس ..ول أذكللر تللاريخه
بالتحديد..
ول ادري لما اخترت هذا اليوم لسفري!!!...
جهزت حقيبة كبيرة ذات لون أحمر!!!
13
ولملمت فيها بعض ثيابي وملبسي واخترت مجموعة من الكتب..
وأخفيتها عن عيون أهلي لكي ل يكتشفوا الخطة..
كنت أتربص بالوالد حتى آخذ بطاقة أحوالي من جيبه..
ولكن مهابته العظيملة فلي قللبي جعلتنلي أتلردد فلي فلرص كلانت
مواتية!!..
طلبللت مللن العمللة أن تسللاعدني فللي ذلللك فخللافت مللن العللواقب
واعتذرت!!
صادف أن سافر الوالد مع إخوتي لجدة ..يوم الربعاء الذي يسللبق
يوم السفر
..فاغتممت من ذلك ..
وخفت من انكشاف أمري وما أنا عازم عليه..
فأنا ل أستطيع السفر بدون بطاقة أحوالي الشخصية..
لذا كان علي النتظار حتى يقدم أبي من سفره..
سهرت طوال تلك الليلة أنتظر قدوم الوالد..
ووصل للبيت قريبا من الفجر...
وصعد مباشرة لبيت العمة ..ونام نوما عميقا..
حينما تأكدت من نومه ..
اسللتخرجت حقيبللة سللفري ..ووضللعتها أمللام بللاب المنللزل داخللل
الفناء..
ثم صعدت لبيت العمة..
العائلة كلها كانت تغط في نوم عميق ..
كانت الساعة حينها السابعة صباحا تقريبا..
وبهدوء وترقب...
دخلت لصالة المنزل فرأيت ثوب الوالد معلقا على الباب!!..
وكنت أعلم أن والدي توقظه أدنى حركة في المنزل ..
اقتربت من الثوب فسحبته بهدوء ثم فتشته..
فوقعت عيني على بطاقتي..
هممت أن آخذ شيئا من نقوده ولكنني خفت ،وخيرا فعلت!!
نزلت من درج المنزل ..و حملت حقيبتي على ظهري..
كانت ثقيلة جللدا والمسللافة الللتي سللأقطعها للشلارع العلام حللوالي
الكيلو متر..
كنت أسير وأتعثر لثقل الحقيبة وأنظر خلفي خوفا من الوالد..
لو رآني أحد الجيران وبتلك الحال فل شك أنه سيرتاب ..
وعندها سيحدث مال تحمد عقباه...
14
وصلت للطريق العام وأنا ألهث من التعب..
أشرت لسيارة أجرة وهي من نوع السوزوكي ونسميه في المنطقة
) الدباب(
سألني السائق عن وجهتي فقلت للله خللذني إلللى موقللف التكاسللي
المسمى موقف الجنوب..
وهو الموقف الذي يركب منه المسافرون لجنوب المملكة..
بحثت في الموقف عن الجرة المتوجهة لمدينة أبها!!
كانت أبها حينها تعج بالدعاة والمشائخ المعروفين ..ومنهللم الشلليخ
عائض القرني ..الشيخ عوض القرني ..الشيخ الطحان الشيخ سعيد
بن مسفر وغيرهم وغيرهم من الدعاة وطلبة العلم..
لقد توقعت وبغير سؤال ودراية بأن هؤلء المشائخ يستقبلون طلبللة
العلم القادمين للطلب ..فجئت مهاجرا إليهم أطلب العلم!!!..
لللم يسللتغرق البحللث عللن سلليارة أجللرة متجهللة لبهللا سللوى عشللر
دقائق..
وكنت في عجلة من أمللري فمللا يللدريني لعللل الوالللد تهللديه حنكتلله
فيتلني بتلبيبي!!!
كان السائق رجل كبيرا في السن عمره يتجاوز الخمسين سنة..
ووجهة يدل على طيبته وضعف شخصيته..
كانت سيارته من نوع البيجو تحمل ثمانية ركاب..
كانت رفقتي مجموعة من الشباب ..
وهم من البادية وعلى ملمحهم الطيش والشر ..
وعرفللت مللن احللدهم أنهللم ذاهبللون لللتحللاق بعملهللم الجديللد فللي
الجيش في خميس مشيط
وحينما رأيت هؤلء الشباب وتصرفاتهم الرعناء..
تذكرت ما حدثني به أخي الذي يعمل في نفس القطاع..
عن اللواء )وذكر رقمه ( في خميس مشيط..
وهو لواء سيء الذكر قد انتشرت بين شبابه المخدرات والتصرفات
المشينة!!..
وحينما انطلقنا في مسيرنا الطويل لبها..
ارتحت كثيرا وتنفست الصعداء..
غيللر أن سللروري لللم يللدم طللويل فهللؤلء الشللباب لللن يسلللم هللذا
المطوع الصغير من شرهم..
كانت النظرات من عيونهم تقذف الشرر علي..
فهذا المطوع الصغير ل بد أن يكون سببا للمشاكل في الطريق!!..
15
حللاولت أن أكللون لطيفللا معهللم وبعيللدا عللن الحتكللاك بهللم ولكللن
هيهات!!
انشغلت بالحديث مع السائق وكنت محشورا بجواره...
وبعلد ملرور نصلف سلاعة ملن الرحللة تقلدم أحلد الشلباب وأشلار
بشريط كاسيت أغاني وأمر السائق بإدارته!!
علمت أن سكوتي ضعف أمام المنكر ..
فقلت للسائق وبحماس ظاهر ..ل تشغله ل يجوز..
كان هذا التصرف مني إعلنا للحرب بالنسبة لهؤلء السفهاء!!..
والظاهر أن الحركة كانت متعمدة لثارتي وقد فعلوا!!
كانوا سبعة وأنا واحللد والسللائق كللان يمكنلله التصللرف ولكنلله رجللل
ضعيف الشخصية
قال لي هل لديك شريط قرءان أو محاضرة ..؟؟
قلت ل ..قال إذا خلهم يسمعوا ما يريدوا ..
قلت له هذا ل يجوز وحرام..
قال إذا ارجع للخلف ول تستمع للغناء ..
رضخت لهم فقد كان هو وأنا أيضا نخاف من هؤلء الفتية!!
تخطيت القوم ورجعت للمقعد الخير برفقة أحدهم!!
وبدأت مزامير الشر والطرب تصم الذان..
وكان الشباب يتمايلون ويرقصون طربا وضحكا ..
أما استنشاق دخان السجائر فحدث ول حرج ..
لم يشغلني هذا الحال عن التفكير مما سأقدم عليه من أهوال
الحلقة الرابعة
16
صارخا على التقاليد والعادات الجتماعية..
وقام الوالد بتوعدي وتهديدي بكل ما يخطر على البال..
وأنللا ل ألللومه رحملله الللله فللي ردة فعللله فقللد كللان تصللرفي غيللر
مقبول..
إنني أحكي تلك المواقف دون محاولة تبريرها أو الدفاع عن نفسي
فقد انقضت وولت تلك اليام بحلوها ومرها ..والله الهادي..
حينما وضعت متاعي في الفندق وارتحت قليل..
حاولت أن أتصل بعدد من أصدقائي وأصحابي ..
ولكنني لم أجرؤ أن أشرح لهم أين أنا وما هو وضعي..
فقد خفت أن يضعفوا أمام والدي وإلحاحه فيدلوه على مكاني..
أذكللر أننللي اتصلللت علللى احللدهم وخنقتنللي العللبرة حينمللا سللمعت
صوته..
أغلقت السماعة دون أن أكمل حديثي معه..
كانت مشاعري متضللاربة بيللن الخللوف والرهبللة والشللعور بالضللياع
واليأس..
حاولت أن أنام في تلك الليلة ولكن بل جدوى ..
كنت ممددا على السرير وانظر في السقف وتصيبني موجللات مللن
البكاء..
كانت تدور في مخيلتي عشرات الفكار
ولكن مع توارد الخواطر أصطدم بالواقع المرير الذي أنا فيه..
ذهبت في اليوم التالي لجامع الشيخ عائض القرني..
حضرت درسه وكان في صحيح البخاري..
كان الحضور متواضعا للغاية..
هممللت أن اطلللب مللن الشلليخ عللائض جلسللة خاصللة لشللرح للله
وضعي..
ولكنني استحييت وجبنت!!..
سبحان الله أقطع مئات الميال لجله ثم حينمللا أقللف أمللامه أعجللز
عن حديثه..
لقد كان انفصاما في الشخصية وعجزا غير مبرر..
ولكن يظهر لي أن خوفي وارتباكي سبب لي صدمة تجعلنللي أفتقللر
للتعقل في القرارات !!
زرت المركز الصيفي في معهد أبها العلمي..
كان أغلب المشاركين في المركز ذوو أسنان تقل عني بكثير ..
كان استقبال المشرفين لي ومقابلتهم معي باردة للغاية..
17
لقد كنت ابحث عن شخص يؤويني من الضياع..
لقد كنت أريد شخصا عاقل رشيدا..
أجلس بين يديه فأحدثه بما يعتلج في صدري من آلم وهموم جلبتها
لنفسي بيدي!!
ولكن مشيئة الله تعالى وقدره جعلت هذا اللقللاء متللأخرا جللدا ومللع
شخصية فذة!!
حينما شعرت أنني غير مرحلب بللي غللادرت المركللز وللم اعلد إليلله
أبدا..
مكثت أياما أهيم في السواق وأتمشى فللي أمللاكن النزهللة لقضللي
الوقت..
تساءلت مرارا :هل هذا ما جئت من أجله؟؟
ألم أحضر لطلب العلم..
فكرت في النفقة فهي ل شك يوما ستنضب وبعدها ماذا سأفعل؟؟
لم أحاول التصال بالعائلة طوال تلك الفترة..
رأيت أن بقائي في أبها مضيعة للوقت والمال..
سمعت من قبل بأن الريللاض هللي مللأوى أفئدة طلب العلللم ..مللن
طلب الجامعات والمعاهد فهي المركز الول للصحوة السلمية..
وفيها من الدعاة والعلماء ما يعجز حصره..
ول شك فهي أرجى من أبها في البحث عما جئت لجله..
ويكفي هذه المدينة العريقة شرفا في ذلك الوقت ..
وجود سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها
وهكللذا تغيللرت الوجهللة ولتكللن مللن أقصللى الجنللوب إلللى وسللط
المملكة..
توجهت لمكتب الخطوط واشتريت التذكرة إلى الرياض..
في جواري في الطائرة كان شخص ملتح عليه سيما الخير..
عرف نفسه باسم علي السلطان وهو من سكان القصيم..
تحدثت مع الستاذ علي عن أمور كثيرة ..
وعرفت منه أنه من سكان عنيزة وهو معلم في المعهد العلمي ..
وهو أحد الطلب فلي حلقلة الشلليخ ابلن عللثيمين رحملة اللله عليله
العامرة بالطلب والدارسين من كل بقاع العالم!!..
كان الحديث عابرا ولكنه أعطاني فكرة شاملة عن المنطقة..
وصلت للرياض ..
لقد كانت الرياض بالنسبة لي وأنللا ابللن المدينللة الصللغيرة كللانت ذا
شأن كبير في النفس..
18
فمبانيهللا الكللبيرة وشللوارعها الفسلليحة ومسللاحتها الشاسللعة تأخللذ
باللباب..
نزلت في فندق البطحا وهللو مكللان أعرفلله مللن قبللل فقللد رافقللت
الوالد له مرارا..
كان سعر القامة معقول وبالجملة فقد كنت مقلل في نفقتي..
مكثت عندهم في الفندق حوالي الشهر..
وما زال التصال حتى ذلك الحين مع العائلة مقطوعا ..
ومرة أخرى أعجز عن أن أتصرف تصرفا راشدا..
فأنا جئت من الصل من أجل طلب العلم !!
ولكن يظهر أن حياة الدعة والراحة التي كنت فيها جعلتني انصللرف
ولو لفترة عن المقصود!!
لم يكن هناك شخص أو لم أبحث عن شخص يرشدني ..
كنللت أقضللي وقللتي كللله فللي الغرفللة فللي الفنللدق أو فللي صللالون
الرياضة والمسبح..
لقد كنت صيدا يسيرا للضياع والمفسدين ولكن المولى جلت قدرته
حماني..
ذات مرة كنت أمارس السباحة في المسبح..
فجاءني شاب نحيل من أهل البادية..
قال هل الماء عميق ؟؟
قلت ل ..وحسبته يعرف السباحة!!..
قفز من فوره في وسط الماء..
انغمس فيه ثم صعد..
ولكنه صرخ واستنجد بي لكي أخرجه فهو ل يعرف السباحة!!
التفت حولي لنادي موظفي المسبح ولكن ل أحد..
أخذ الرجل يضرب في الماء ويخفق فيه ويشرب منه ..حتى كاد أن
يهلك..
كنت مبتدئا في السباحة ولكن أين المفر..
ما إن اقتربت منه حتى تلني بشدة وسحبني ولطمني على وجهي!!
ثم غمسني بشدة في الماء وتخطاني ووضع قدمه على رأسي حتى
خرج من الماء..
أما أنا فقد كدت أهلك حينها!!
ولم أحاول أن أنقذ غريقا بعدها أبدا...
لم يكن ذلك هو الموقف السيئ الوحيد..
ذات مرة حضر للمسبح شاب عليه سيما الخير ..
19
وكان برفقته عدد من الشباب الصغار..
ل اذكر مالذي حصل بيني وبينه لكن يبدو أن الرجللل مريللض مرضللا
نفسيا..
وتصيبه حالت من الهيجان فيضرب من حوله دون شعور..
وهذا ما حدث معللي فقللد هللاج علللي كلالثور وضللربني علللى وجهللي
ضربات كادت تقتلنللي ..وتركللت بصللمات علللى وجهللي بقيللت حللتى
حين...
لم يكن أحد ليجرأ علللى الللدفاع عنللي فقللد كللان رجل مفتللول والللله
حسيبه..
رجعت يومها لغرفللتي فللي الفنللدق وهللذه المللرة موسللوم بعلمللات
بارزة!!..
اتصل علي موظف الفندق وطلب مني الحساب..
نزلت إليه وسددت له مصاريف اليام الماضية..
بقي في محفظة نقودي فقط مائة وخمسون ريال...
وهو ما يغطي مصاريف يوم أو يومين!!!
الحلقة الخامسة
حينما يكون النسان في عافية ..ل يشعر بالزمن وهو يمر عليه..
وهذا يكون من جهة نعمة ويكون نقمة عليه من جهة أخرى..
حينما نضب مالدي من نفقة .. ..
أدركت أنني وقعت في خطأ قاتل ..
فأنا أمام خيارين إمللا أن أعللود للللبيت وهللذا مللالم يكللن واردا علللى
الطلق حينها..
أو أن أحاول تدارك نفسي بأي وسيلة ممكنة!!
ولكن كيف ومع من...؟؟
مرت علي تلك الليلة كدهر فقد استغرقت في التفكير والبحث عللن
مخرج..
أعيتني الحيل وضاقت علي السبل..
توجهت للخالق سبحانه بكل صدق وإخلص..
سألته سؤال المضطر ..
لم يكن في مخيلتي أي سبيل أو أي منفذ..
ولكن ثقتي به تعالى هي سبيلي الوحيد..
في اليوم التالي توجهت للنادي الرياضي
20
فقد شعرت بالختناق من بقائي في الغرفة
كان النادي شبه خال على غير العادة..
وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا..
رأيت في حوض السباحة شخصا يحاول العوم بمشقة ظاهرة..
حينما رآني ابتسم ابتسامة عريضة ..وقال لي:
هل تعرف السباحة ؟؟
قلت له قليل وأحذرك من التقدم إلى الماء العميق!!..
ابتسم وتهلل وجهه وقال إن غرقت ستنقذني أنت!!
ضحكت وقلت له ابحث عن غيري..
وحكيت له الموقف الذي مر علي قبل فترة من الزمن مللع صللاحبنا
العرابي!!
سللألني عللن الكللدمات الللتي علللى وجهللي ..فقللد كللانت ظللاهرة
وعميقة!!
لم أرد أن استرسل في تفاصيلها ..فقلت له سقطت !!
عرفنللي باسللمه وصللافحني وقللال أنللا أخللوك سللعود المعاشللي مللن
منطقللة حللائل وأنللا مللن قبيلللة شللمر ....هللل سللمعت بحللائل وأجللا
وسلمى؟؟
عرفته باسمي ..
سألني عن عملي ..
قلت له أنا ل اعمل ..
قال لي أين تقيم ..؟
قلت له هنا في الفندق!!
قال ألست من سكان الرياض؟؟
قلت ل أنا من سكان الطائف!!
قال لي ماذا تفعل هنا في مدينة الرياض إذا ؟؟ هل تدرس ؟
قلت له أنا جئت لطلب العلم !!..
قال وعند من تدرس من العلماء .؟
لم اجبه فأنا لم أبحث عن شيخ حتى تلك اللحظة..
ل أدري لماذا استرسل الخ سعود معللي فللي الحللديث ولكنلله أصللر
علي أن أرافقه للغداء سويا..
شكرته وتعذرت منه ولكنه ألح بشكل كبير حتى رضيت..
قال لي ونحن نمشي ..أنا أملك تسجيلت إسلمية في حائل ..
واعرف عددا من المشائخ فللي الريللاض فللإن كنللت ترغللب فللي أن
أعرفك عليهم فعلت!!..
21
صمت ولم أجبه!!..
ونحن قعود ننتظر الغداء قال لي سعود:
أسمع أخي أنت لك قصة وأكيد لللديك مشللكلة وأنللا اقللرأ ذلللك فللي
وجهك!!
ولو ترغب في ذكرها لي ول يحرجك المر فأرجو أن تخبرني بها ..
فما يدريك لعلي أستطيع مساعدتك !!..
خجلت والله من كرمه وسماحة نفسه..
إن الخ سعود حينمللا يقللول لللي هللذا الكلم فهللو رجللل صللادق غيللر
متكلف أو متصنع..
ولقد اكتشفت بعد مخالطتي للخ سعود أن معدن هذا الرجل معدن
أصيل كالذهب ..
لقللد كللان الخ سللعود رحمللة سللاقها الللله لللي فللإن مجللرد إنصللاته
وسماعه لقصتي هو أمر يشكر عليه بارك الله فيه..
حدثته بمشكلتي وأنصت إلي لكثر من ساعة حتى برد الطعام ولللم
يأكل منه شيء!!
لم يقاطعني طوال حديثي..
وحينما استكملت قصتي ..صمت قليل ثم قال لي..
أسمعني جيدا ..
أنا رحلتي بعد قليل على حائل وسوف ترافقني للمنطقللة وسللتكون
في ضيافتي..
ومن هناك سوف نتدبر حل لمشكلتك ...ما رأيك؟؟
بالنسبة لي أنا ل أعرف الخ سلعود ولكنلي كلالغريق يبحلث علن أي
شيء ينقذه..
قلت له ثم ماذا ؟؟
قال ثق تماملا سلنجد حل لمشلكلتك موضلوعك بسليط وسلأجد لله
حل..
أرجوك اصعد لغرفتك ووضب أمتعتك وانتظرني عند الستقبال..
لم يعطني الفرصة -وقد تعمد هذا – حتى أفكر في الموضوع..
وحينما صعدت لغرفتي أخذت تجول بخاطري الفكار:
ياترى هل الرجل صادق ؟؟
ماذا لو كان .؟؟؟
ولكن سيماه الخير !! أسئلة تتردد ولكن ل خيار لي !!
لم اخبر الخ سعود بوضعي المادي ..ولكن كرمه غير المصطنع..
جعله يحاسب الفندق دون مشاورتي!!!..
22
طلب سعود من سائق التاكسي أن يسرع ..
فقد كان يعلم أنه ليس لدي حجز لمقعد في الطائرة..
وبعد قليل التفت إلي وقال :
إن سألك أحد من تكللون فقللل لهللم أنللك أحللد أقربللائي وتقيللم فللي
الطائف..
قلت له ولكن لقب العائلة ؟؟
قال لهم أنت فلن الشمري!!
قصد الخ سعود من ذلك حمايتي من ألسنة الناس وتحقيقاتهم..
ولكن لقد دفعت أنللا ثمللن تلللك الغلطللة الشللرعة والجتماعيللة ثمنللا
غاليا!!..
وصلنا للمطار واجتهد الخ سعود حللتى حصللل لللي علللى مقعللد فللي
الطائرة..
كان الخ سعود يلتفت إلي كل فترة ويطمنني بقوله :ل تقلق سوف
تحل المشكلة..
لقد كنت متأكدا أن سعود ليس لديه عصى سحرية لحل وضعي..
ولكن طيبته وسماحته ورطته في هذا المقلب ..
وصلنا لمدينة حائل وكان منظر جبالها وهضابها يسحر الناظر..
يابعد حيي كلمة تسمعها عشرات المرات يوميا..
أهل حائل كرماء وأسخياء بشكل عجيب..
والطبيعة البدوية والفطر السليمة هي الغالب على الناس..
توجهنللا فللورا مللن المطللار لمكللان عمللل الخ سللعود ..لخللذ بعللض
أوراقه..
اكتشفت أنه ضابط صف في المرور..
سلمت على أصحابه وعرفني لهم بأنني فلن الشمري!!
خجلت من ذلك أيما خجل فأنا لم اعتد على ذلك اللقب..
لقد كان ذكاء الناس الفطري وأسلئلتهم البسليطة تكشلف بسلهولة
بطلن هللذا النتسللاب ..بالضللافة للكنللة الحجازيللة فقللد كللان المللر
برمته مفبركا !!
لم تعجبني الحال فلم اعتد الكذب ولكن إرضاء لمضيفي تغاضلليت..
وصبرت
لحظت أن في المنطقة أمنا عجيبا فالناس ينامون في بيوتهم..
ومفتاح السيارة على المقود..
هذا ما رأيته بنفسي في عدة مواقف..
تعرفت على إخوة سعود في منزله في حي المطار ..
23
كانا شابين نسيت أسماءهما
ولكن طيبة هذه العائلة والمواقف الجميلة التي عشتها في بيتهم
هي ذكريات عطرة تبقى معي أينما حللت..
الحلقة السادسة
24
ونحن نسير في الطريق صدنا عددا من طيور الحبش أو ما يسللمى
الحجل..
وكانت هي غداءنا في تلك الرحلة..
حينما وصلنا للمنطقة أشار لنا دليلنا لجهة الللوادي وقللال هنللاك تقللع
حية!!
لم نشاهد سوى صخور ضللخمة قللد تسللاقطت مللن سللفوح الجبللال
بفعل السيول والمطار..؟؟
أوقفنا سيارتنا وترجلنا وصعدنا على الصخور..
مشينا حوالي ربع كيلو بين الصخور والنقاض..
وكنا كلما تعمقنا في الوادي تزداد المنطقة بهاء واخضرارا!!
حينما وصلللنا لحيللة سللحرنا بتلللك الطبيعللة الخلبللة المحشللورة بيللن
الجبال..
هي واحة خضراء مليئة بالعشاب والحشائش..
وفي وسطها برك ماء وجداول صغيرة تصب من أعلى الوادي..
أخذ محدثنا يروي لنا أشعارا وقصائد لمرئ القيس
حينما كان سيد هللذا الللوادي ويغللازل الفتيللات اللتللي يللأتين لسللقي
البهائم من تلك البرك..
لقد ترسخت صورة حية كجنة وبساتين في ذاكرتي
وأتمنى لو أعود لها وأصور للناس تلك المشاهد..
كنا ننطلق كل يومين أو ثلثة برفقة سعود وأصحابه للنزهة والصلليد
وزيارة الثار..
فقد وافق وجودي معهم وقت عطل وإجازات..
أهل حللائل فخللورون جللدا بأرضللهم وطبللائعهم ويعللتزون بللذلك أيمللا
اعتزاز..
وحينما يقدم عليهم ضلليف يشللبعوه كرمللا وأنسللا حللتى يتمنللى أن ل
يفارقهم..
أما السمر والحديث في البراري والنوم أحيانا فتلللك متعللة ل يمكللن
وصفها..
لقد تناسيت كل ما أنا فيه من إشكالت وانغمرت فللي تلللك الرحلللة
النتقالية!!
سللميتها انتقاليللة لنهللا والللله أعلللم كللانت تهيئة لللي ليللام ووجللوه
ومنطقة أخرى
تختلف اختلفا جذريا عمللا أنللا فيلله وعمللا كنللت قبللل فللترة بسلليطة
عليه!!
25
كيف تغيرت بي الحوال كنت قبل أيام قليلة أعيش كالمشرد ..
وهاأنذا أستمتع برفقة يضن الزمان بمثلهم!!..
سمها مراحل أو قفزات من أوضاع سلليئة إلللى وضللع جديللد يصللعب
على المرء توقعه أو تخيله
ولذلك يقول تعالى ) ومن يتق اللله يجعلل لله مخرجللا ويرزقله مللن
حيث ل يحتسب(..
النسان بطبعه عجول وطماع ويريد أن تسللير أوضللاعه علللى هللواه
ورغباته..
ولكللن القللدر بحكمللة إلهيللة يقللود النسللان إلللى الفضللل والحسللن
لحاله ..
حتى ولو كرهها وجهل عاقبتها..
ولذلك يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
لو كشف الله لخلقه ستر القللدر لمللا وجللدوا خيللرا لهللم ممللا قللدره
الخالق عليهم سبحانه..
كاشفني الخ سعود برغبته في أن يتصل على والدي لكي يطلب أن
يصلح بيننا..
لم تناسبني الفكرة وطلبت منه أن يتأنى قليل..
فأنا ما زلت أبحث عن قاعدة صلبة اتكئ عليها ..
فأنا ابحللث علللى اسللتقرار وليللس مللن المعقللول أن يسللتمر حللالي
هكذا..
احترم رغبتي ولم يحاول أن يضغط علي لكي ل يجعلنللي أظللن أنلله
تململ مني..
كنت أنام في ملحق منفصل برفقة إخوة سعود الذين هم فلي سلن
قريبة مني..
وكان لدي حرية واسعة في الخللروج بالسلليارة الللتي وضللعت تحللت
تصرفي..
لم اتصل حينها بأي مخلوق ..من قريب أو بعيد..
حضرت دروس الشيخ حمد الغاوي في شرح بلوغ المرام
وأعجبني أسلوبه الميسر في التدريس ..
قال لي أحد طلبه هذا أسلوب تعلمه عن شيخه ابن عثيمين..
عرض علي الخ سعود أن نسافر لمنطقة القصيم ..
وذلك برفقة احد أصحابه الذي لديه عمل هناك ليوم واحد ..
فرحت بذلك أيما فرح فالمتعة في اكتشاف مكللان جديللد هللي ممللا
فطر عليه الناس..
26
الحلقة السابعة
27
حينما وصلنا لبريده كنت أتأمل وجوه الناس!!..
كنت أتصور بريدة في مخيلتي مليئة بل قل كل أهلها متدينون !!
ل شك أن الدين هو الغالب في الناس ولكن ل تسلم أي مدينة مللن
مظاهر السفور والفساد
أو الرجال غير المتمسكين بالهدي الظاهر الواجب!!!
الملحظ كثرة العمالة السيوية هناك..
فالشللوارع منهللم غاصللة حللتى يخيللل إليللك انللك فللي بومبللاي أو
نيودلهي!!
كنت أتصور بريدة قبل أن أراها كأنها مثل الجامعة تعج بطلبة العلم
الذين يحملون كتبهم وقراطيسهم..
و أسللواق المدينللة مهجللورة سللوى مللن السللوقية أو كبللار السللن
والشياخ...
حينما قطعنا طريق بريده الرئيسي والذي يشق المدينة لشقين..
لم ألحظ أي فرق يذكر عن مدن المملكة الخرى..
أسواق ومحلت مليئة بل غاصة ودخان وشباب طائش ..
الملحظ هو قلة أو انعدام السفور وقلة الجهر بالمعاصي ..
وهذا ترسخ لدي بالقامة الطويلة في القصيم لحقا..
توجهنا فورا لشغل الرجل وانقضى سريعا..
فقال سعود ما رأيكم لو نللذهب لمسللجد الشلليخ فلن وذكللر اسللمه
ونسيته..
هذا المسجد مبني على الطراز القديم وما زال أهله يعيشلون حيلاة
الولين!!
لم نتردد في الذهاب فهذا شيء لم نسمع به من قبل!!
دخلنا للحي ...
الحللي حللديث وبيللوته مبنيللة مللن الخراسللان وعلللى أجمللل واحللدث
طراز!! ..
وفي وسط الحي مسجد قديم متهالك البناء وأظن أصل بنللاءه مللن
الطين ولكنه صبغ حديثا..
وكان وقت صلة العصر ..
أذن المؤذن ولم نسمعه لن الذان بل ميكرفون..
المسجد مفروش بالرمل والناس تصلي على الرمل ..
غالب من في المسجد هم من الشيوخ وكبار السن وفيهم مجموعة
من متوسطي العمار والصغار
تسننا وجلسنا لنتظار المام ...
28
توقعت أن يدخل علينا شيخ معمم كعملائم السللف وعليله قلنسلوة
قد أرخي طرفاها
ومشدود وسطه بمشد ويتدلى منه سيفه!!
فهذا ما نعرفه عن السلف ول يخلو المر من مبالغة طبعا!!
دخل شيخ نحيل لحيته مصبوغة بالكتم السود..
ومشيته عليها السكينة والتواضع والخضوع لله تعالى..
ووجهه أبيض مضيء بنور الطاعة....
وعليه عباءة سوداء وشماغ احمر..
طلب من المؤذن أن يقيم..
قام شيخ كبير محني الظهر ل يكاد أن يرى وأقام للصلة..
و صلى بنا المام صلة مريحة لم تكن بالطويلة أو العجلة..
وحينما سلم التف حوله مجموعة من الصبية بأيديهم كتب صغيرة ..
وقعدوا خاضعين كأن علللى رؤوسللهم الطيللر ينتظللرون مللن الشلليخ
إشارة البدء
سحب المام مهفة من القصب كانت بجواره وقال لحدهم سم..
بدأ الفتية كل واحد منهم على حده .بقراءة فصول قصيرة
من مؤلفات شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب..
من كشف الشبهات ومن الصللول الثلثللة وقللرأ أكللبرهم مللن كتللاب
التوحيد..
كللانوا يقللرؤون بصللوت خللافت وخاشللع ملحللن وجماعللة المسللجد
مطرقون بإنصات ول تسمع لهم همسا
لم يعلق الشيخ سوى بتصحيح النطق والعبارات..
استغرقت القراءة حوالي عشرين دقيقة ..
وبعدها انصرف الجميع وقام المام من محرابه..
تقدم أصحابي إليه وصافحوه ..
وبقيت أنا أراقب الموقف..
أحببت القصيم من يومها وأحببت أهلها
فأهلها أهل دين وصلبة في الحق والتزامهم بالسلم خير التزام..
عدنا لحائل وفي الطريق عرض علي سعود عرضللا كللان هللو البللاب
الذي منه
ولجت للسعادة والنور إن شاء الله تعالى
الحلقة الثامنة
29
سمعت عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أول مرة عن طريق
جارنا في الحي القديم في الطائف الخ صالح السمري..
والذي أصبح الن من أنشط الدعاة ونشرا للعلم وتعليمه..
حينمللا هللداني الللله تعللالى خصللني الشلليخ صللالح وكللان حينهللا فللي
المرحلة الخيرة من الثانوية
خصني بعناية واهتمام فكنت أصحبه دوما للمسجد..
حيث أن باب بيتنا يجاور باب منزله مباشرة..
وكان يحدثني عن الشيخ بن عثيمين وعن دروسلله فللي الحللرم فللي
العشر الواخر..
وبعد انتقالنا للحي الجديد..
في ذلك العام 1410للهجرة نزلللت برفقللة شللباب المكتبللة للبقللاء
بجوار بيت الله الحرام طوال فترة العشر الواخر...
وحضرت في سطح الحرم درس الشيخ العلمللة ابللن عللثيمين عليلله
سحائب الرحمة والغفران..
كانت تلك أول مرة أرى بها هذا العلم الجليل..
في اليللوم التللالي أخللذتني الحماسللة فللاقتربت مللن كرسللي الشلليخ
فدفعت ثمن اقترابي غاليا..
فلقد أوقفني الشيخ كعادته فللي دروسلله وسللألني سللؤال عمللا كللان
يتحدث عنه ؟؟
وكنت حينها شارد الذهن !!..
فما استطعت أن أجيبه!! ..
فأمرني بالجلوس فشعرت بالخجل والخيبة حيللث فشلللت فللي أول
امتحان معه!!
وما عدت لذلك المكان مرة أخرى..
بل بقيت خلف ظهره أو في صفوف بعيدة..
وفي إحدى رحلتنا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
حضرت درس الشيخ أبي بكر الجزائري ...
وبكرت بالحضور لكون قريبا من الشيخ فكنللت فللي الصللف الثللاني
أمامه مباشرة..
سمعت الطلبة يتهامسون بين بعضهم ..فسمعت احدهم يذكر اسللم
ابن عثيمين..؟؟
وبعد دقائق جاء شيخ مسن قصير ورقيق البنية
لحيته بيضاء وشعره ابيض ووجهه أبيللض ..وثلوبه ابيلض عليله غللترة
بيضاء!!..
30
وجبهتلله ناصللعة عليهللا أثللر السللجود ..وحاجبللاه عريضللان ومليئان
بالشعر البيض
يجر عباءته خلفه ..
ويشلللق الصلللفوف نحلللو المقعلللد المخصلللص للشللليخ أبلللي بكلللر
الجزائري!!..
إنه الشيخ ابن عثيمين!!
هممت أن أقوم ولكن كيف ؟؟
فعندما رفعت رأسي ونظرت خلفي ..
رأيت ارتال من البشر تحدق في الشيخ ابللن عللثيمين والللذي أصللبح
خلفي مباشرة!!..
عندما استوى الشيخ على المقعد أشار إلي بعنف وسخط وقال :
أجلس فقد آذيت إخوانك!!..
جلست مطرقا ..ثم بدأ الشيخ حديثه بالحمد والصلة ..
فأنصت لكل حرف وكلمة يقولها..
فما يدريني لعله سيفعلها مرة أخرى ويسألني..؟؟
ولقد فعلها والله مرتين ..في ذلك الدرس!!
فأجبته وأنا أتتعتع وأرتجف خوفا منه ..ولكن أجبته بما يريد..
فكافأني بكلمة واحده قال لي :أحسنت!!..
هذا الرجل تحبه من النظرة الولى..
أحبته مليين المسلمين في كل مكان..
وسمعت من الناس ما زاد حبي له ..من زهده فللي معاشلله وهيئتلله
ومسكنه..
فلقد سمعت حينها أنه يعيش في بيت من طين!!..
ولقد زاره الملك في عنيزة فاستقبله في هذا الللبيت مللن الطيللن ..
وجلسا سويا على الرض!!
وأنه يأكل مما يحرثه ويزرعه بنفسه!!
كانت تلك الصور في الذهن إن صحت أو لم تصح...
تثير العجاب والمحبة للشيخ مع ما وهبه الخالق سبحانه
من علم راسخ وفقه وفهم للشريعة قل نظيره في زماننا..
كانت فصاحة الشيخ وقوة حجته تبهر مستمعيه..
مع ما يثيره الشيخ من دعابة ومزاح مع من يسألهم ..
في تلك الجلسة في المدينة سأل الشيخ سؤال ..
ثم نظر حوله بنظرة تذكرك بالصقر حينما يلتفت بحثا عن فريسة!!
وأخذت نبضات قلبي تزيد فقد ظننته سيلتفت إلي ويسألني..
31
فأشار للشخص الذي بجواري..
وكان رجل بدينا فيه سمرة ويلبس المرآة على عينيه..
أشار له الشيخ وقال له :قم..؟؟
بقي الرجل فاغرا فاه ينظر للشيخ كالبله!!
فكرر الشيخ كلمه وقال :أنت قم ،وطقطق بأصبعيه وأشار بسبابته
إليه!!
فقال له أنا؟؟ وأشار لنفسه!!
قال :نعم أنت!!
تزحزح الرجل وحاول القيام بتثاقل حتى دفع من بجواره !!!
وحينما عل لم يستطع أن يرفع رأسه وبقي في هيئة كالراكع!!
كان مشهد جاري ذلك يثير الضحك والشفقة معا!!
فالظاهر انه لم يعتد الوقوف أمام الجموع وبين يدي إمام من أئمللة
السنة كابن عثيمين!!
أغلق الشيخ الميكرفون وناداه ليقترب منه ..
فدنا الرجل من الشيخ وهو منحني!!
فاقترب الشيخ من أذنه فهمس فيها بكلمات لم نسمعها!!
فكان الشيخ يهمس في أذنه والرجل يهز رأسه ويضحك!!..
ثم أمره الشيخ بالرجوع والجلوس في مكانه واستأنف درسه..
إن ذلك الموقف والتواضع والسماحة ملن رجلل فلي مكانلة الشليخ
يجعل محبته
تسري للقلب كما تسري النار في الهشيم..
الحلقة التاسعة
32
وصلنا لحائل ...ولم أنم تلك الليلة..
لقد كان ثني الركب بين يدي هذا العللالم الجليللل أمنيللة كللل طللالب
علم..
لقد اشغل سعود تفكيري بتلك العبارة....
بعد صلة الفجر قلت ياسعود ..وين رفيقك اللي يعرف الشيخ..
قال الليلة فيه عرس وسيحضر الرجل وبعرفك عليه..
انتظرت بفارغ الصبر ذلللك اللقللاء ولكللن الرجللل غللاب ولللم يحضللر
العرس..
في اليوم التالي صلينا العصر في مسجد ذلك الرجل ..
نسيت اسمه ولكنه رجل وقور وهادئ الطبع ..
درس عند الشيخ لربع سنوات وكان محل ثقة الشيخ فعينه مشللرفا
على سكن الطلبة..
دخلنا منزله وجلسنا في مجلس الضيوف..
لم يكن يعلم الرجل عن الموضوع..
قال له سعود ..هذا الخ فلن الشمري!!
يا الله ما أثقل تلك العبارة على قلبي ولكنه قالها سامحه الله..
قال :يرغب في الدراسة عند الشيخ محمد ونريدك تشللفع للله عنللد
الشيخ..
رحب الخ بذلك وتهللت أساريره وقال :بكل سرور..
وسأكتب له توصية عند الشيخ ..
سألته هل من شروط القبول حفظ القرءان أو صحيح البخاري كمللا
سمعت؟؟
قال :أبدا هذا ليللس بصللحيح ويمكنللك الدراسللة عنللد الشلليخ بللدون
شيء..
أما إذا أردت اللتحاق بالسكن فل بللد مللن توصلليه ..وسللوف اكتبهللا
لك..متى ستذهب؟؟
التفت لسعود فأنا ضيفه ،ومعنى ذلك هو أنني سأغادر حائل وأهللل
حائل..
ويعلم الله تعالى صعوبة ذلك علللى نفسللي ..ولكللن لبللد مللن عمللل
شيء..
فوالداي ل بد أنهما قلقان علي فلو علما أنني لدى عالم ادرس
والدراسة على البواب فل بد أن أكمل دراستي الثانوية..
لللو علمللا بللأن أمللوري جيللده فل شللك أن ذلللك سلليخفف مللن وقللع
المصيبة عليهما..
33
قال سعود :سوف اذهب في نهاية السبوع لتبوك وسللوف أصللحبك
للقصيم..
ومن هناك سأسافر لتبوك....
وفعل فقد كتب الخ الكريم تلك التوصية مشكورا ..
ولكن ما كدر خاطري أنه نسبني لقبيلة أخرى غير قبيلتي ..
لقد كان خطئا فادحا سأدفع ثمنه غاليا من سمعتي لحقا!!!
وضعت التزكية في جيبي وذهبنا للمنزل..
رآني سعود كئيبا فسألني عن سبب ذلك ..
أخبرته بأن من أسباب زعلي هو أنني سللأفارق أناسللا أحببتهللم مللن
كل جوارحي..
كما أحب إخوتي بل وأكثر..
سأفارق النس والكرم والجود والسماحة واللطف ..
ماذا لو لم تصلح أموري هناك..
وما يدريني ماذا ينتظرني في عنيزة والقصيم..
ألم أزل شابا غرا صغيرا لم تصقله الحياة
ماذا لو وقعت في يد أناس ل يخافون الله..
لقد كانت حالي استثنائية بكل المعايير وفيها من المغامرة والطيش
شيء غير يسير..
دمعت عين سعود وقال لي :
والله إن بقاءك يسرني ويسر إخوتي ..
وإننللي والوالللدة والزوجللة وجميللع القللارب الللذين عرفللوك يعللدوك
كواحد منا..
فلو شئت أن تمكث معنا فهذا يسرنا ويسعدنا ولو مكثت فللي بيللتي
عشر سنين..
ولكن إن مصلحتك تهمني ول بد أن تتصل بعائلتك ووالديك ..
فهما مهما غضبا عليك فسيبقيان اهلك واقرب الناس لك..
وأنت شاب ما زلت في مقتبل العمر وتحب العلم والتحصليل فهلذه
فرصة ثمينة لك..
وثق تماما حتى لو انتقلت للعيش في القصيم فسللأبقى قريبللا منللك
تعودني وأعودك
وبخصللوص تكللاليف دراسللتك وإقامتللك فسللأتكفل لللك بكللل فلللس
تنفقه..
فانظر ماذا ترى والله يقدر لك الصالح..
ل شك أن كلم الخ سعود هو حق ومع التأمل والتفكيللر فالمصلللحة
34
تقتضي
أن أتدارك حل مشكلتي بكل السبل الممكنة..
لقد قدم لي سعود الكثير الكثير..
فيكفي انه آواني وفرج كربتي جزاه الله عني خير الجزاء..
أخذني في اليوم التالي لسوق السيارات..
فرأيته يبحث عن سيارة ليشتريها..
قلت له ياسعود أنت ل تحتاج لسيارة أخرى!!
فلديك اثنتان وإخوتك غير محتاجين..
قال أريد أن اشتري لك سيارة..
أقسمت بالله عليه ورفضت رفضا قاطعا وجلست أتجادل معه أكثر
من ساعة
حتى أقنعته بالعدول عن ذلك..
لم يكن سعود رجل غنيا فهو متوسط الحال والذي ل اشك فيلله أنلله
سيقترض ذلك المال..
وحتى لو لم يقترضه وكان غنيا فكفاني منه جوده وسخاؤه ..
فقد كان كللل يللوم أو يللومين يضللع فللي جيللبي مبلغللا جللزيل دون أن
أطلبه والله..
قال لي مرة لقد زوجت أختي الصغرى قبل أن تأتيني بشهر واحد..
والله لو كنت أعرفك حينها وكنت موجودا معنا لزوجتك إياها!!
بارك الله في سعود وفي ماله وولده وكثر الله من أمثاله..
وليس هذا غريبا علللى أهللل تلللك المنطقللة فمللع أن انتشللار الجهللل
بالحكام الشرعية بين أهل
الشمال عموما هو الغالب ..إل أنك تجد فيهم من الكرم والجود مال
تجده في مناطق
أخرى..
حدثني مرة سعود يقللول تعطلللت سلليارتي مللرة وأنللا علللى طريللق
عام ..
فتوقف رجل أعرابي معه سيارة وانيت داتسن ذات باب واحد..
..دون أن أشير له ..ومعه زوجته في داخل السيارة..
فعرف أنه ل يمكن إصلح السيارة في الحال..
ول بد من إحضار مهندس ..
أمر ذلك الرجل زوجته بالركوب في صندوق السيارة..
قللال سللعود :أبللدا أنللا سللأركب فللي الصللندوق ..ودع الهللل فللي
مكانهم!!..
35
قال الرجل :هللي طللالق إن لللم تركللب أنللت فللي المللام وهللي فللي
الخلف!!..
ولقد رأيت من كرمهلم وجلودهم وافتخللارهم بللذلك ملا يعلز نظيلره
والله..
إن ميزة الكرم لدى الناس هناك أنه جود غير متكلف ..
فهذه سللليقتهم وهللذه طبللاعهم توارثوهللا مللن أجللدادهم ومللا زالللت
راسخة لديهم..
الحلقة العاشرة.
36
الصلة في المسجد
إل أنهما رجلن شهمان طيبان وفيهما من الخلل الحميدة ما يفللوق
كثيرا ممن
رايتهم من المحافظين على الشعائر الظاهرة..
لقد أتصل علي سعود بعد أربع سنوات من ذلك اللقاء الخير..
واخبرني بخبر اليم عن أخويه
فلقد حدث لهما حادث بالسيارة على الطريق العام في أحللد طللرق
الشمال السيئة ..
فتوفيا على الفور رحمهما الله رحمة واسعة..
وخلف على سعود فيهما خيرا في ذريته وأولده..
مر علي منذ أن خرجت من بيتنا مللن الطللائف حللوالي ثلثللة شللهور
تقريبا..
وهاأنذا أنتقل لمنطقة جديدة والله أعلم مالذي ينتظرني..
كنا وسللعود فللي تلللك السللفرة صللامتين ..فليللس فللي مخيلللتي أي
كلمات أو حوار دار بيننا..
سعود هذا رجل ..ويكفي أن اسميه رجل..
إن من الناس من هو كمعدن الحديد ومنهم من هو كالفضللة ومنهللم
من هو كالذهب..
سعود في نظري معدنه أثمن من الذهب والله ..
أنا ل احكم على الرجل من خلل موقفه هذا معي هذا اتركه للقراء
الكرام..
وصدقوني يا معاشر القراء الكرام إن سعود ل يعلم عما أكتبلله عنلله
الن..شيئا والله..
ولو علم لغضب من ذلك وكرهه..
فهو يرى عمله ذاك شيئا يتقرب به لربله ول يريللد أن يخللالطه مللدح
الناس..
إن سعود ل ينتظر من عمله ذاك أن أكتب عنه أو أن أمجده فهو لم
يكن يعلم
ول أنا كنت أعلم أين تسير بنا المور وما هي خاتمتها..
إننللي أكتللب هللذا الكلم وهللذه المواقللف لسللجل لبنللائي مللا حللل
بوالدهم..
لروي لهم عمن رويت ومن خالطت ليعرفوا قدر الرجللال وليعرفللوا
الدب مع الناس
إنني يا أبنائي وأنتم الن أطفال صغار وستكبرون إن شاء الله..
37
اقتطللع لكللم مللن جسللدي قطعللا صللغيرة مليئة بالمآسللي والحللزان
والتراح والعذاب والهات
فأنسجها لكم بهذه العبارات لكي تستمتعوا بها..
وتكون أنيسا لكم في دهاليز وظلمات ومضائق الحياة..
وأسجل للقراء الكرام ما حدث معي حتى يكون للنللاس فيهللا عللبرة
لمن أراد ذلك..
إنني أطلب من إخوتي القراء الكرام أن يشاركوني هذا الدعاء..
اللهم جازي سعود عني خير الجزاء
اللهم بارك له في ولده وذريته اللهم واغنه من فضلك واجعللله مللن
عبادك الصالحين واختم
للله بخاتمللة صللالحة يللا ارحللم الراحميللن ..اللهللم اجعللله مللن أهللل
فردوسك العلى ووالديه
وإخوانه وذريته يارب العالمين..
وصلت أنا وسعود إلى عنيزة ..
تلك المدينة الصغيرة الجميلة الهادئة..
مدينة العلم والعلماء..
دفن فيها من العلماء والصالحين على قرون مالله بهم عليم..
سماها أمين الريحاني باريس نجد..
شوارعها جميلة ونظيفة وأهلها كمجمللل أهللل القصلليم فيهللم العلللم
والدين والدب الرفيع..
دخلت عنيزة وأنا فقير مشرد احمللل معللي حقيبللة ملبللس وكرتللون
كتب..
وكنت احمل قبل هذا في جعبتي تجارب قاسية وخبرة بسلليطة فللي
الحياة وسذاجة وقلة حيلة ..
دخلللت عنيللزة وأنللا حللائر و رأسللي متلبللد بغيللوم الشللك والرتيللاب
والضياع ..
لم أكن أعلم وأنا أدخل عنيزة هل سأمكث فيها يومللا أو أسللبوعا أو
شهرا ..فما يدريني
فأنا منذ شهور أتنقل في البلد من مدينة لخرى ..
ومن يد ليد أخرى ولكن رعاية الكريللم ورحمتلله سللبحانه هللي الللتي
ترعاني
دخلت وأنا ابلغ السادسة عشر عاما فقط..
وبقيت في عنيزة أكثر من اثنتي عشرة عاما..
حافلة بالتجارب والمواقف الرائعة مللع إمللام الللدنيا وفقيههللا شلليخنا
38
العلمة
محمد بن صالح العثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران..
39
ولكن أمير عنيزة زاد البناء عشللرة ريللالت مكافللأة للله علللى إتقللان
صنعته!!
وهللي حللتى هللذه السللاعة مللازالت شللامخة تفخللر وتشللرف علللى
ضرتيها!!
وتغني وتقول ..أنا المئذنة وهو المنارة...
اقتربت من بللاب المسللجد فشللاهدت لوحللة صللغيرة مكتللوب عليهللا
تسجيلت إسلمية..
دخلت للتسللجيلت فرأيللت رجل ملتللح ابيللض وسلليم الطلعللة قصللير
وممتلئ
على وجهه لحية قد اختلط سوادها ببياضها..
سلمت عليه ..فرد علي بصوت فيه بحة !!
قلت له أين أجد الشيخ محمد ؟؟
قال الشيخ الن فللي الجللامع وعنللده درس حللتى السللاعة العاشللرة
والنصف..
قلت :وبعد ذلك ..
قال :يذهب ماشيا لبيته ..هل أنت طالب جديد أم تريد الفتوى؟؟
قلت :ل ،أنا أريد اللتحاق بحلقة الشيخ..
رحب بي ..وقال أهل بك في عنيزة ...
ثم عرفني باسمه ،وقال أنا أخوك عبد الرحمن الخليفي ..
قلت له وهل أنت قريب الشيخ الخليفي إمام الحرم..؟
قال هو أحد أقاربنا..
قلت :أريد التحق بسكن الطلب من أقابل؟؟
قال :قابل الشيخ مباشرة وتحدث معه فهو صاحب الحل والربط!!!
منذ ذلك التاريخ أصبحت لي مع أبي صالح علقة طيبة ..بللارك الللله
فيه
خرجت من عنده فسمعت صارخا يصرخ على الميكرفون ..
بسم الله ونصلي على رسول الله...
عشرة ،عشرة ،عشرة !!
ظننتها محاضرة !!!
ولكن حينما أنصت له عرفت أنلله صللوت البللائع فللي سللوق الخضللار
المقابل للمسجد!!!...
قلت لسعود ماذا ترى؟؟
قال :دعنا لنذهب نفطر وتصلي مع الشيخ صلة الظهر ..وتقابله..
توجهنا لطراف عنيزة في المزارع المحيطة بها..
40
حيث تنتشر البساتين الخضراء والمزروعة بالنخيل على مد البصر..
جلسنا تحت ظلل شجرة واخرج سعود عدة الطبخ ..
وصنعنا الشاي ..والفطار..
كانت آخر جلسة لي مع سعود في مثل هذه الحال..
قلت لسعود :أنت لديك سفر طويللل ،فهيللا قللم وأوصلللني للجللامع
وسوف أتدبر أمري..
وفعل توجهنا للجامع ..وأوقفني أمامه ..ودخلت أنا وسعود لصرحة
المسجد ..
حينما فتحنا الباب وجدنا الجامع خال من الطلب ..والشيخ قد طلللع
من الدرس!!
وضعت متاعي في زاوية المسجد قريبا من رفوف النعال..
ثم خرجت مع سعود..
أردت أن يكون وداعا سريعا!! حتى ل ينفطللر فللؤادي والللله ..حزنللا
وكمدا..
قبلته بين عينيه ودعوت له وانصرفت وأنا تخنقني العبرة..
دخلت للمسجد فتنهدت وصليت على رسول الله..
تجولت بنظري في الجامع ..
لمن ل يعرف الجامع يظن ذلك الجزء هو كل الجامع..
استصغرته في البدايلة ..ولكللن بعللد حيلن عرفللت أن ذللك تقسليم
متعمد
وهو تقسيم معهود في المنطقة كلها..
في وسط المسللجد يقللع محللراب خشللبي مقللوس ارتفللاعه حللوالي
نصف ذراع ..
وبجوارة علبة خشبية صغيرة لوضع النعال!!
وفرشت سجادة من الفرش الرخيص ..
قد بليت مواضع السجود منها وموضع الركبتين!!
وألقيت بجواره مهفة ليروح بها المام عن نفسه من الحر..
وقعت عيني على مقعد علللى يسللار الللداخل للجللامع ارتفللاعه ذراع
ويتسع لجالس واحد فقط
ول قوائم له ،يتكئ من يجلس عليه على جدار المسجد..
وأمام المقعد اسطوانة حدية مدهون مثبت بالرض بمسامير قوية
عرضت عليه خشية طولها نصف متر تقريبا فيها فتحات صغيرة..
لوضع الميكرفونات عليها..
وأمام ذلللك المقعللد قللد ألصللقت بللالرض علمللات منحنيللة كقللوس
41
لترتيب صفوف الطلب..
حول شيخهم...
عرفت أن ذلك هو موقع الدروس..
صليت تحية المسجد واتكأت على الجدار ووضعت خدي علللى كللف
يدي
أفكر في حالي....
فتح الباب بشدة ودلف منه شخص كبير في السن!! ..
وعليه مرآة عريضة وبشت ثقيل !!
حينما رآني نظر لي نظرة حادة ..فصرفت وجهللي عنلله خوفللا مللن
نظراته..
فلم يعرني كثير انتباه!!
كأنه يقول واحدة بواحدة!!..
وضع نعله خلف موقع المام ثم خرج من المسجد!!
كان ذلك الشيخ الذي دخل للمسجد وخلرج هلو العلم عبلد اللله بلن
عمر العمري..
وهو احد أقران الشيخ ابن علثيمين فلي الدراسلة علللى شليخه ابللن
سعدي رحمه الله..
بعد برهة وجيزة دخل ذلك الشيخ مرة أخرى ..
وتسنن ثم نشر مصحفه وانكب عليه..
بقيت وحيدا أرقب باب المسجد وارقب حقيبتي وكرتوني..
خرجللت قليل مللن بللاب المسللجد ،و قفللت علللى الللدرج الخللارجي
العريض ..
حيث يقابل الخارج من المسجد دكانان أحدهما مكتوب عليلله مركللز
إحياء التراث ..
وعلللى اليسللار لوحللة مكتللوب عليهللا مؤسسللة السللتقامة ..وكللانت
مغلقة!!
دخلت لحياء التراث ،وهي عبارة عن مكتب خدمات تصوير ..
مليء بمذكرات دروس الشيخ ابن عثيمين ،وغيره من العلماء..
استأذنت البائع بالتصفح فأذن لي..
وسألته :هل هذه من تأليف الشيخ ..؟؟
قال :كل ،هذه مذكرات مفرغة من دروس الشيخ ...
42
خرجت من عنده ثم توجهت للوضوء والستعداد للصلة..
بعد دقائق ...دخل شاب نحيل بهي الطلعة..
وتقدم لدولب طويل أبيض خلف المحراب ملصق بالجدار..
ففتحه ثم أضاء الميكرفون فأذن ..بصللوت عللذب ونللدي أعجللز عللن
وصفه..
لم اسمع في حياتي أذانا جميل مثل أذان ذلك الشاب ..
ل أدري هل ذلك بسبب حبي للجامع وأهله أم أن ذلك حق يللوافقني
عليه آخرون..؟؟
لكللن هللذا رأيللي الشخصللي عللن ذلللك الصللوت ول شللك أن الذواق
تختلف في الحكم !!..
فل تلوموني إخوتي !!!
اسم ذلك الشاب عبد الرحمن الريس بارك الله فيه..فهو جاري في
الصف لسنوات !!
بعدها تتابع الناس في الدخول للمسجد ولكن بوتيرة بطيئة!!
خلف ما رأيته في المساجد الخرى!! ..
وغالب من جاء للمسجد هم من الشباب المستقيم الملتزم ...
تأخر المام فسألت من بجواري :هل الشيخ موجود ؟؟
قال :نعم ولكنه يتأخر..
وبعد مرور حوالي خمس وأربعين دقيقة من الذان دخل الشيخ...
هو كما عهدته لم يتغير من شكله شيء ..
غير أنني هذه المرة أنا من قدم إليه..
تقدم من الباب ثم خلع نعله وحملها بيده ثم سلم على الجماعة ..
وقف المؤذن وفي يده ميكرفللون ذو حبللل طويللل ممللا يعلللق علللى
الصدر!!..
أقام الصلة ..وكان الشيخ يستن بالسواك بيده اليسرى!!
التفت للمؤذن ثم تناول منه الميكرفون فعلقه الشلليخ علللى صللدره
بلمسة إحترافية!!..
ثم التفت للناس وأمر الجميع بالستواء والتراص..
نظرات الشيخ ثاقبة وحاجباه كثيفان مليئان بالشعر البيض..
يثيران في النفس الرهبللة والمهابللة ..كللأن نظرتلله تخللترق جسللدك
اختراقا!!..
قدم وأخر في الصفوف كأنه قائد جيش !!
حينما اطمللأن مللن تللراص الصللفوف واسللتكمال الول فللالول كللبر
الشيخ..
43
أطال الشيخ في الركعة الولى إطالة لم أعهدها!!...
وفي ركوعه وسجوده وسائر الركان يطيل الشيخ تطويل بينا..
فمع كبر سنه إل أن نشاطه وتماسللكه يسللاعدانه علللى تحمللل تلللك
الصلة !!
ثم إن أغلب من يصلي معه من الشباب النشيط..
سوى العم عبد الله العمري سالف الذكر..
ورجل آخر له شأن وأي شان...
رجل مسن رقيق الجسم ل تكاد أن ترى في جسمه مزعة لحم..
منحني الظهر ثيابه رثة وهيئته كهيئة مخبول أو معتوه !!
ولكنه يحمل في صدره علما كالجبال ..
إنه الشيخ الزاهد عبد الله الفالح..
حينما رأيته ظننته شحاتا ..
ولكن سمعت عنه وجالسته بعد ذلك فوجدت الرجللل واسللع الطلع
راسخ العلم ..
غير انه زاهد في الدنيا ومتعها حتى إنه لم يتزوج قط!!..
ولعل أن تأتي مناسبة للحديث عن هذا الحبر بشكل أوسع ..
ختم الشيخ صلته بالسلم ..
ثللم اسللتغفر بصللوت جهللوري ..وضللج المسللجد خلفلله بالتسللبيح
والتهليل..
ثم استدار الشيخ بفتوة ونشاط كما يسللتدير الفللارس علللى صللهوة
فرسه!!..
واستمر في تسبيحه وتهليله..
تخطيت الصفوف وجلست بجوار الشيخ فللألقيت بيللن يللديه توصللية
صاحبي..
فأشار لي الشيخ بيده اليسرى وهزها بعنف أن انتظر ..
فخجلت وشعرت بحرارة تملئ وجهي حياء من ذلك الموقف..
حينما استكمل الشيخ تسبيحه قال ماذا تريد..؟؟
فقدمت له الورقة..
فقال :ماذا فيها؟؟
قلت :توصية من فلن..
قال أعرفه وماذا تريد ؟؟
قلت أريد أن ألتحق بحلقتك للدراسة لديك...
قللرأ الورقللة بسللرعة ثللم أعادهللا وقللال :..هللذا ل يكفللي ل بللد مللن
توصيتين ..ابحث عن شخص آخر أعرفه ليوصي بك!!!..
44
ثم فز من مجلسه وتناول نعله وقام!!!..
بقيت برهة أنظر حولي واحترت..؟؟؟
هل انتهى كل شيء ؟؟
لم اطل التفكير بل عزمت أن ألحق بالشيخ لكلمه مرة أخرى!!..
خرجت فلحقته فرأيت حشدا من الناس تسير مع الشيخ..
منهم السائل والمستفتي ومنهم صاحب الحاجة ..
كنت أراقب المشهد وأنا بحذو الشيخ ..
يسير الشيخ من المسجد حتى بيته في كل الصلوات..
صيفا وشتاء ..دونما كلل ..
ولقد رأيت فتية نشللطاء أقويللاء يعجللزون عللن لحللاق الشلليخ حينمللا
يسرع الخطى!!
بعد تجاوز نصف المسافة ..ورجوع أكثر الناس..
نظر إلي وقال :ايش عندك؟
قلت له :ياشيخ لقد جئتك من مكللان بعيللد ول يعرفنللي أحللد سللوى
فلن الذي أوصى بي..
فماذا أفعل ؟ ل سكن عندي ول أعرف أحدا هنا في عنيزة؟؟؟
قال :هل أنت شمري من حائل؟؟
أسقط في يدي فالورقة فيها فلن الشمري؟؟
فلو قلت غير ما هو مكتوب فهذا نهاية المطاف ؟؟
وإن كذبت فل حول ول قوة إل بالله !!
تماسكت وقلت :نعم أنا شمري؟؟
قال هل يعرفك عبد الله العبيلن رئيس مكتب الدعوة في حائل؟
قلت :ل والله..
قال هل يعرفك فلن رئيس المحكمة؟؟
قلت :ل والله ياشيخ!!
قال :ماذا افعل لك تصرف!!
قلت :هل ممكن أن أنزل في السللكن مللع الطلب حللتى أجللد مللن
يزكيني؟؟
أدار الشيخ وجهه نحوي..
أخذني الشيخ طول وعرضا بنظره وتأملني ثم قال :ل بللأس أذهللب
لمحمد البجادي !!
وقله أرسلني لك محمد للسكن مؤقتا !!
قبلت رأسه ورجعت لمتاعي..
حملته ثم التففت من خلف السكن المقابل للمسجد..
45
وشاهدت جموعا من الطلبة تصعد وتنزل من باب السكن..
فرأيت لوحة مكتوب عليها :مكتبة عنيزة الوطنية ..
أسسها الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي..
وها أنذا أدخل السكن الذي لن أخرج منه سوى بعد سنوات..
46
تكللرم احللد الطلبلة بعللد أن لمحنلي أتلملض دجاجللة مشلوية ل احللد
حولها..
قال :تفضل كل معنا يا أخي ؟؟
كدت أن أتمنع!!
ولكن الجوع أبصر !!..
فانقضضت على طريدتي ..ولم يزاحمني عليها احد ..فظن شرا ول
تسأل عن الخبر!!
حينما شبعت وغسلت يدي ..
وخلت الصللالة بعللد أن ذهللب جلهللم لغرفهللم وبعضللهم يقيللم خللارج
السكن!!
بجللوار المطبللخ ثلجللة ذات بللابين فيهللا مالللذ مللن شللراب وعصللير
وحلويات!! توجد
ولكن بجوارها يجلس رجل أفغاني كأضخم رجل تراه!!
وله لحية كثة وسمعت الطلبة يسمونه علء الدين...
قلت له :ياعلء الدين ؟؟ هل ممكن اشتري من هذه الثلجة؟؟
ظننته سيقول هذا بالمجان تفضل خذ ما تريد!!
قال :ايش تشرب ؟
فطلبت البارد ..فقال :بس واحد ريال!!
دفعته طبعا ومن ذا يجرؤ يزعل مثل هذا المخلوق الضخم!!
لكن هللذه الضللخامة والسللعة فللي الجسللم تخفللي فللي داخلهللا قلبللا
كبيرا ..
إن علء الدين هذا رجل ل كالرجال !!
ول اعرف أحدا في سكن الطلب قد اشتكى منه طوال إقامتي في
السكن..
ويكفي ثقة شيخنا محمد به ..
دعونا من علء الدين الن ..ولنكمل قصتنا!!..
توسدت حقيبتي فنمت ...
استيقظت على أذان عبد الرحمن وما أجمله من نداء..
لم يكن في الحقيبة شيء يخاف عليه فتركتها غير عللابئ بمللا يصللير
لها!!
صلى بنا شيخنا صلة العصر ثم قللرأ عليلله قللارئ مللن كتللاب ريللاض
الصالحين ) أظن(
فعلق عليه الشيخ تعليقا مبسطا ميسرا..
والملحظ كثرة المصلين في صلة العصر عن صلة الظهر ..
47
حينمللا كللان الشلليخ يتحللدث تللذكرت رجل يعمللل فللي هيئة المللر
بالمعروف في حائل
وهللو مللن أقربللاء سللعود وذكللر لللي أنلله مللن تلميللذ الشلليخ محمللد
القدامى..
اسللمه عبللاس المعاشللي) أو الشللمري الشللك منللي( ..بعللد انتهللاء
الدرس تحلق حول الشيخ حشد مللن النللاس منهللم السللائل ومنهللم
المستفتي وصاحب الحاجة ولقد رايت ما يعللانيه الشلليخ ملن صللف
الناس وجفاءهم فرحمه الله وعفا عنه
لحقت الشيخ وسألته...
هل تقبل توصية عباس الشمري....؟؟
قال :أنعم به وأكرم ...
كنت احتفظ برقم عباس ..
فتوجهت لكابينة الهاتف واتصلت عليه..
رد علي عباس بصوت غير الذي عهدته؟؟
كلمته في الموضوع!!..
قال :أنا مريض ولكن سوف اتصل على الشيخ وابلغه بمللا تريللد إن
شاء الله..
رجعت للسكن وبحثت عن محمد بن بجاد..
فطلبت منه غرفة بسرير مريح لكي أضع متاعي فيها!!
ضحك وقال :تعال اريك غرفتك!!
صعدنا للدور الثالث ..ففتح لي الباب ..
فرأيت غرفتي المريحة!!
غرفلة صلغيرة ملقلى فيهلا طراحلة مهلترئة ولحلاف بلالي ووسلادة
مهترة!!
قد فرشت ببساط أقرب حاله أن أسميه أنه هالك!!!
ركز بجدرانها رفللوف فارغللة لوضلع الكتلب ..فكلانت أشلبه بعجللوز
فاغرة ول أسنان لها..
قال تفضل هذه غرفتك!!..
وقال :أنا لست مشرف السكن!!
إن أردت شيء فكلم الخ محمد زين العابدين !!
قلت له :وأين أجد محمد زين العابدين هذا؟؟
قال هو مسافر وسيأتي اليوم من شرورة ..و هللو ينللزل فللي غرفللة
في الدور الثاني ..
مع شخص اسمه نافع الشمري!!
48
حينما سمعت كلمة )شمري( جمد الدم في عروقي !!
فهاأنذا أجاور شمريا حقيقيا !!
ثم انصرف ..وتركني في الغرفة..
وأظنه قال في نفسه :يالهذا الحمق هل يظن نفسلله سللينزل فللي
غرفة خمس نجوم!!
جلست على طراحتي البالية ..
أنظر لجدران الغرفة المتسخة !!
سبحان الله ..كيف يرضى الشيخ محمد بهذا الحال؟؟
ولم أكن اعلم إل بعد حين أن غرفتي تلك هي غرفة الضيافة!!
ولكن بعد فترة والشهادة لله فقد تحسنت الوضاع بشكل ملفت..
وجدد السكن تجديدا يليق بمقام شيخنا رحمه الله رحمة واسعة..
وقفت على نافذة الغرفة حيث تشرف نافذتي على الشارع العام..
أراقب الرائح والجاي كما يقولون!!
لمحت نسوة كثرا متلفعات بالسواد ..وجالسات على الرصيف ..
وبعد لحظات جاء الباص فحملهن ومكتوب عليه ) مستشفى المللك
سعود(
إذا ،هن ممرضات!! ومتسلترات بهلذا السلتر؟؟ ..بلل وسلمعت ان
كثيرا منهن غير مسلمات!!
فالسفور كما سبق نادر أو معدوم ...
تركت الممرضات اللتي يذكرنني بالمرض والهم فنزلت للمسجد..
سألت عن الدرس في تلك الليلة ..
فقالوا لي :الدرس الليلة في كتاب زاد المستنقع ..
سألت أحد الطلب عن مكتبة قريبة..
فأشار لمكتبة مجاورة لجنوب المسجد مكتوب عليهللا مكتبللة المللام
الذهبي..
دخلت للمكتبة وطلبت من البائع أن يعطيني متن الزاد..
فاشتريته ثم توجهت للمسجد..
رأيت مجموعة من الكتب موضوعة للحجز أمام الشيخ ..
ولللم تكللن تلللك العللادة غريبللة علللي فقللد كنللت افعلهللا فللي دروس
مشائخنا في الطائف..
تقدمت وبكل جرأة وصفاقة !!
فالتفت حولي هل يراني من احد !!
فأزحت كتابين عن بعضهما وفرقت بينهما فللي المجللالس ووضللعت
كتابي بينهما!!..
49
ولقد اخترت الصف الول بل وأمام الشيخ مباشرة!!
لقد كانت تلك الجرأة والصفاقة سببا هيئه الله تعالى لي لكي يفتللح
قلب شيخنا الكبير
لشخص مغمور ضائع مثلي...
50
ويحمل حقيبة صغيرة وضعها علللى مقعللد الشلليخ ثللم اسللتدار وجللاء
نحوي!!..
اقترب مني ..وقال:
هذا مكاني !!
قلت له :أهل بك وزحزحت الذي بجواري حتى حشرته !!!
وقلت له :تفضل!!
فجلس الرجل وهو غير راض!!
تأخر الشيخ حتى يتسنن الراتبه ..ثم تخطى الصفوف ودخللل حللتى
صار أمامنا..
وعل فوق منصة الدرس المصنوعة من القطيفة المحشوة بللالقطن
أو ألسفنج الخشن ،ل أدري!!
ثم جلس وألقى عباءته خلفه ..
واتكئ على الجدار ..
نظر إلي فرأى وجها جديدا لم يعهده!!
فنظر لمن بجواري وأرخى رموش عينيه ليركز النظر ..
وهو يقلب في أوراق منشورة في حجره كأنه يتساءل من هذا؟؟
ثم قال الشيخ :أليس المكان ضيق عليكم؟؟
أما أنا فلم أنطق حرفللا واحللدا ولللم أتحللرك كللأنني ل أسللمع وخيللرا
فعلت!!
وأما جاري فاستوى فلي جلسلته وأصللح ملن مكلانه فصلار فسليحا
بقدرة قادر!!
ثم هز رأسه بعلمة تفيد برضاه !!
انتهى الحال على هذا ولكن يظهر أن الشيخ قال في نفسه :
ستدفع ثمن جرأتك !!...فهذا المكان له ثمن!! وأي ثمن!!
ابتدأ الشيخ بالحمد والصلة على رسول الله ..
وقال :درسنا في الفصل الماضي ..كذا وكذا ..
ثم بدأ بمراجعة الطلبة عما تلقوه في الدرس السابق...
كان الطلبة حولي يرفعون أيديهم لكي يجيبوا ...أيهم يختار..
أما أنا فليس لي في ذلك النقاش ناقة ول جمل!!
الشيخ محمد سهل وبسيط في كل أموره ..
في أخلقه في سمته ،في لباسه ،في حديثه ،
أما حينما يتعلق المر بالسللؤال والنقللاش ..فليحمللد الللله كللل مللن
سلم من ذلك!!
يقولون إن علم الرجل يظهر من سؤال الناس له ..
51
حيث يسهل على كل واحد أن يحضر من كتللاب فيفرغلله كللامل بيللن
يدي الناس!!
لكن حينما تتوارد عليه السئلة ويحيطه المناقشون الذكياء..
فحينها يظهر علم العالم من جهله..
وهذا هو منهج الشيخ في السؤال والنقاش ..
يعود الطلبة على قوة الحجة وتحمل الجدال دونما خوف أو تردد..
ولذلك يتعمد حشر الطالب بأسئلة صعبة ويورد عليه الشكالت ..
فل يفلت منها إل الذكياء والنبهاء..
أما من يرى في نفسلله عللدم الهليللة أو يعللرف مللن حللاله انشللغال
فكره بمصالحه وولده
فخير له أن ينصرف للصفوف البعيدة وليدس رأسه خلللف زاويللة أو
عمود!!
استمرت المناقشة والمراجعة وقت ل بأس به ..
ثم ابتدأ الشيخ بالدرس الجديد...
شيخنا رحمه الله فنان في التدريس قل نظيره ..
أسلوبه يسير ل يشللق علللى المبتللديء ول يحتقللره الطللالب المجللد
القديم..
فكل يجللد حللاجته وكللل يخللرج وهللو راض وفللاهم ومسللتوعب لكلم
الشيخ..
الشيخ محمد ليس صاحب كم ولكنه إمام في الكيف!!
من المثال المشهورة :
علمني صنعة ول تقرضني مال!!
شيخنا يعلمك صنعة العلم بحيث يمرس الطالب على كيفية
البحث والمناقشة والستدلل والتأصلليل ،والجللدال وكيفيللة ترتيللب
الدليل والحجة ..
ولذلك يستمر الطالب عند الشيخ سنوات عديللدة ولللم يكمللل كتابللا
واحدا عنده..
ولكنلله يخللرج بفهللم ثللاقب وقللدرة هائلللة علللى الطلللب والبحللث
والستمرار في التحصيل..
52
فغالبهم قد جاء له من أماكن بعيده بقصد العلم والتحصيل ..
وفيهم من الطاقللة والحيويللة مللا يجعلهللم حريصللين ومتنبهيللن لكللل
فائدة ومسألة.
ولكن الوضع ذلك اليوم مختلف !!..
سألني الشيخ في ذلك الدرس ثلث مرات كأنه يختبرني أو سلليقول
لي :طس !!
وبحمد الله بلعت الطعم ولم أقع في المصيدة!!
فقللد أجبتلله بمللا فتحلله الللله علللي ممللا حصلللته عنللد مشللائخنا فللي
الطائف..
فكان ذلك فأل خير لي بحمد الله تعالى..
انتهى الدرس الول بعد الذان ..
ثم تقدم شاب من الصف الخلفي وجلس بيني وبين جاري الغاضللب
مني!!
وعلق الميكرفون على صدره ..ثم أخذ يقرأ من نونية ابن القيم..
بصوت جمع بين العذوبة والرقة ،وجمال البيللات الللتي نظمهللا ابللن
القيم رحمه الله..
لقد كللانت تلللك المنظومللة مللع أنهللا تحللوي ردودا علميللة رصللينة إل
أنها...
حوت حكما ومواعظ وطرائف ل يتقن نظم قلئدها سوى مثللل ابللن
القيم وكفى به !!
لحظت رجل أفغانيا ذو عمامة عريضة ويلبللس المللرآة يجلللس عللن
يمين الشيخ..
و لحظت الشيخ يستأنس كثيرا بالحديث معه أو مناقشته ..
وكانت أسئلته وركاكة لسانه العجمي تثير ضحك الطلب ..
كنا نستأنس ونفرح حينما يسأل هداية الله لن شيخنا يسر بذلك ..
ومع عجمته وصعوبة النطق بالعربية لديه حيلث انله ل يتكللم سلوى
بالفصحى المكسرة!!..
إل أن الرجل قد أتقن علوم اللة من نحو وأصول وأصللول تفسللير ،
بشكل شبه كامل..
أذكللر فللي درس الفللرائض مللن متللن البرهانيللة المسللألة العنقوديللة
والتي لم يستطع حلها سوى
هداية الله !!
وهي مسألة شللائكة ومعقللده ل يقللدر عليهللا سللوى الراسللخين فللي
الحساب والفرائض..
53
كان هداية الله هذا يسجل دروس الشيخ في مسجل صغير..
ثم يرجع لغرفته فيغلق الباب على نفسه ..
فل ينام حتى ينسخ ذلك الشريط على دفتر خللاص ثللم يللترجمه مللن
فوره للغته الفغانية!!
و هللذا مللا يفعللله كللل ليلللة طللوال سللت سللنوات جللاورته وخللبرت
حاله!!..
انتهى الدرس وتوجهنا للمصلى وكنت وضللعت كتابللا بجللوار المللؤذن
لكي أصلي مكانه..
صليت خلف شلليخنا ..وبعللد السلللم ..تحلللق مجموعللة مللن النللاس
حول الشيخ ..
كما هي العادة في كل صلة سوى صلة الفجر والمغرب..
ثم قام الشيخ وخرج من المسللجد لحقتلله مللع النللاس وذلللك بقصللد
الفضول فقط ..
كنت أسير بمحاذاة الشيخ واستمع لسئلة الطلبة والمستفتين..
ولقد فاجأني الشيخ حينما التفت إلي وقال:
يبدوا أنك تريد العلم والتحصيل !!
كانت غير متوقعة والله ..
ثم قال الشيخ ..هل نزلت في السكن؟
قلت :نعم..
كان الطلبة يراقبون هذا الموقف وقلوب بعضهم تخفق مللن الغيللرة
من هذا الحوار
الخاص!! والنموذجي!!
قال :إذا عجل بالتزكية حتى نسمح لك بالبقاء !!..
قلللت للله :لقللد اتصلللت علللى عبللاس وهللو مريللض وقللال سيتصللل
عليك!!
قال :خيرا إن شاء الله ..ثم عدت أدراجي للسكن..
استبشرت بهذا النجاح الذي لم ارتللب للله شلليئا بللل توفيللق الخللالق
سبحانه وتعالى..
دخلت لغرفتي فوجدت زائرا ينتظرني!!
وجدت شخصا جالسا في غرفتي..
سلمت عليه ..فرد وقال :هل أنت تسكن في هذه الغرفة؟؟
قلت :اليوم نزلت فيها..
قال :إذا سنكون سوية هنا ..أنا أخوك بندر الحربي ..
تعارفنللا ..قليل ثللم نزلنللا للعشللاء ..وهللذه المللرة لللم أنتظللر أحللدا
54
يدعوني!!
حقيقة أن تنام في غرفة صغيرة وضيقة مع شخص ل تعرفلله شلليء
مزعج..لمن لم يعتد عليه
خصوصا انه لم يستأذنني احد في اختيار زميل السكن..
ولكن ل خيار لي فإما مع بندر أو الشارع!!
ولكن بندرا هذا رجل ظريف وحلو المعشر ..
وبعد حديث طويل معه اكتشفت طيبته ..
ومع انه رجل انعزالي ول يحب مخالطة الناس ونظراته غير محببة ،
لعمقها وحدتها!!!
إل أنني حينما عاشرته وخالطته تبين انه رجل طيب وفاضل..
استأمنته على بعض أموري وكنت أستشيره فيصدق المشورة!!
كنت أخللرج للتنللزه مللع بنللدر علللى سلليارته الللوانيت فللي الطعللوس
المحيطة بعنيزة
وما أكثرها!!
في اليوم التالي ..حضرت درس الصباح ..
والذي يستمر من الساعة الثامنة وحتى العاشرة والنصف..
ويدرس فيه الشيخ خمسة كتب ..
والحضور في تلك الدروس ليس بالكثرة التي كانت بالمس..
حيث أن هذه الدروس فقط في موسم الصيف والعطل الدراسية..
كانت الدروس صعبة علي لمستواها العالي عني..
ومع ذلك فلم انقطع عنها طوال الفترة المتبقية من الصلليف والللتي
لم تطل كثيرا..
بخصوص المكان فقد تمسكت بالمكان الذي جلست فيه بالمس ..
وذلك لسنوات عديدة بفضل الله تعالى..
وذلك على رغم عدم رضى جاري سامحه الله!!
والذي ستكون لللي معلله مواقللف ستصللطدم كللثيرا مللن قللراء هللذه
الحلقات..
ولست اقصد من روايتها الشماتة به أو النيل منه..
فأنا لن اسميه ول احد من القراء يعرفه أو يعرفني ..
ول يخلوا ذكر القصة من فائدة وحكم وطرفة !!
ومع أن تلك المواقف حصلت قبل سللنوات عديلدة إل أنهلا للن تمللر
دون اعتبار وتمحيص..
والموعد عند رب العالمين سبحانه وتعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..
55
الحلقة السادسة عشر
56
وقال :
سنقبلك في السكن!! بشرط أن تجتهد في الطلب..
لو كان بيدي في تلك اللحظة أن اصرخ من الفرح لفعلت!!
أي خبر سعيد هذا !! الحمد لله رب العالمين..
ثم قال الشيخ :وأنت يافلن الشمري!!!
اغتنم هذه الفرصة ،خاصة أنك ما زلت في مقتبل عمرك ..وفقللك
الله..
انصرفت بعد أن قبلت رأسه ودعوت له..
ما أجمل أن تللرى بصلليص المللل بعللد اليللأس ..مللا أجمللل الشللعور
بالستقرار
وخاصة في كنف ورعايلة رجللل بللوزن الشلليخ محمللد عليلله الرحمللة
والرضوان..
لم أطمع ولم أحلم بل والله الذي ل إله سواه ولم يخطر فللي بللالي
أن أحصل على أي
امتيازات مادية أو معنوية من قبل الشيخ محمد ..
بل كان يكفيني أن أحصل على ما حصل عليه
اللف سواي من طلبة العلم الذين يحيطون بشيخنا من كل صللوب
كل يبحث عن
رضاه بعد رضى الخللالق سللبحانه وتعللالى فهللو للجميللع بمقللام الب
الحاني ..
ومن ذا ل يبحث عن رضى والده..أو والدته..
وكذلك يكفيني ويشرفني أن أتتلمذ على يديه وأحصل على علم قل
منه أو كثر..
انخرطت بعون الله سبحانه في طللب العللم والتحصليل فكلان هلو
شغلي وهمي ..
اقتنيت عددا من الكتب ورتبتها على الرفوف في غرفتي الصغيرة..
تعرفت على عدد من الطلب ولكن لم يكن اهتمللامي منصللبا علللى
ذلك..
من الطلبة الذين عرفتهم وخالطتهم الخ نافع الشمري ..
وكذلك الخ خالد الشمري ..ومنهم الخ محمد زين العابدين!!
هذا الخير هو مشرف السكن ..
وقد وصل من شرورة لكي يرتب سكنا له ولزوجته الللتي دخللل بهللا
قبل أسابيع!!
وبذلك سينتقل من السكن الحالي والذي هللو سللكن للعللزاب فقللط
57
ليستأجر بيتا له ولعائلته..
الخ محمد رجل عاقل وفيه حلم وأناة ولذلك كان اختياره للشراف
على السكن هو اختيار موفق..
كان الخ محمد هو ملذ الطلب عند المحن بعد الللله فهللو الوسلليط
بينهم وبين الشيخ ..
ولقد كانت مهابة الشيخ محمد رغم تواضعه تمنللع كللثيرا منهللم عللن
مخاطبته مباشرة..
ولكن يكفي أن يوصللل الخ محمللد شللكاويهم وطلبللاتهم ليبللت فيلله
الشيخ ..
طلبت عن طريق الخ محمد أن يوفروا لي كتبللا ومراجللع فوضللعت
قائمة كبيرة بالكتب..
سلمتها لمحمد ..فظهرت على وجهه ابتسامة صفراء ماكرة !!
وهز رأسه وقال :هل تظن الشيخ يوافق لك على هذه الكتب؟؟
قلت له قدمها له وسنرى..
وفعل قدم محمد القائمللة للشلليخ بعللد ظهللر إحللدى اليللام فوضللعها
الشيخ في جيبه..
بعد يوم أو في ذلك اليوم بعد العصر ناداني محمد وقال :انظر في
ورقتك!!
فوقعت عيني على شخاميط بالقلم الحمر وضعت على كل الكتللب
تقريبا وأضيف عليه
للتأكيد علمة X
ووافق على كتابين أو ثلثة وأرفلق معهلا قيملة الكتلب نقلدا معلقلة
بالفاتورة!!
أخذتها وحمللدت الللله تعللالى واشللتريت الكتللابين فأضللفتها لمكتبللتي
الصغيرة..
وعلى كل فقد وفر في السللكن مكتبللة علميللة ل بللأس بهللا وتحللوي
مراجع كثيرة للباحثين ومحبي القللراءة ..ومللع ذللك فالمكتبللة شلبه
خالية ..
والسبب في ذلك
أن أغلب الطلب قد يسر الله لهم مكاتب على حسللب تخصصللاتهم
ومشاربهم في غرفهم..
فترى الطالب المهتم بعلم الحللديث والتخريللج أكللثر كتبلله ومراجعلله
من ذلك..
وينطبق الحال كذلك على طالب الفقه والتفسير وغيرها ..
58
أما أنللا فقللد كللانت مكتبللتي صللغيرة ولكنهللا نمللت وترعرعللت حللتى
خرجت من سكن الطلب..
وإنه ليعجز عن حملها الرجال الشداء أولي القللوة لكثرتهللا وتنوعهللا
والحمد لله!!..
59
كما ذكرت توجهت للعلم بكل جوارحي وحصلت خيرا عظيما ،
والخير هنا ل يقاس بالكثرة كما قد يتبادر لذهن البعض ،العلم أيها
الخوة والخوات لمن ذاق طعمه حقيقة هو التأصيل المبني على
منهج سديد تحت مظلة عالم راسخ العلم..
شيخنا كما سبق بيانه ربانا على الكيف ل على الكم..
إن كثيرا من علماء وطلبة العلم من زماننا بشكل مباشر أو غير
مباشر قد تتلمذوا عليه.
ولو تأملت حال كثير من نجباء زماننا لرأيت من أول قوائم العلماء
الذين تتلمذوا عليهم هو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله..سواء
مباشرة أم عن طريق الشريط والكتاب..
حدثني أحد طلبة العلم في الردن أن مجموعة من طلبة العلم
هناك يستمعون لشرطة دروس الشيخ على ميكرفون الجامع
فيتحلق عليه الطلبة ويغص المسجد منهم كأنهم بين يديه
ويستمعون ويدونون ما يقوله الشيخ من علم وافر !!..كل ذلك من
شريط!!
كان الشيخ يكلف الطلبة بالبحوث فكنت من المكثرين من ذلك
بحمد الله ..
كنت أحيانا أجلس أبحث من بعد صلة الفجر فل ارفع رأسي عن
الكتاب حتى يؤذن الظهر وأنا ل أشعر..
كان تخريج الحديث الواحد على حسب التأصيل العلمي المعروف
يستغرق أحيانا ثلثين ساعة متواصلة بدون نوم !!
كل ذلك مني قليل مقارنة بفطاحل الطلبة وجهابذته الذين حصلوا
خيرا عظيما لدى شيخنا وليس هذا بمستغرب أو مستكثر على
تلميذه صغروا أم كبروا ..
ولو شئت لحدثتكم عن عجائب ل يكاد يصدقها المرء عن مواقف
احتفظ فيها عنهم بارك الله فيهم ونفع بهم..
لكن حصل موقف عجيب وغريب سبب تحول بل عمق العلقة بيني
وبين الشيخ من حيث ل أشعر !!!
طلب منا الشيخ أي من جميع طلبته ،أن يقوموا ببحث حول الفوائد
أو الحكم من جواز أن يباح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يتزوج أكثر من أربع نساء...
وكان التكليف بذلك البحث في دروس المساء ...ول ادري هل كان
في التفسير أم في درس البخاري نسيت والله!!
رجعت تلك الليلة وكنت حينها في غرفة الخ نافع الشمري ...
60
حيث أن مراجعه وكتبه كثيرة...
قرأت في بعض المراجع مباحث حول هذا الموضوع ولكنها لم ترو
الغليل!!
قرأت في أبواب النكاح من كتب الفقه والحديث فبالكاد استطعت
استخراج فوائد محدودة العدد....دونتها في دفتر عندي ثم خرجت
للبلكون المقابل لمنارة المسجد في الجهة الجنوبية من سكن
الطلب وأضأت النور ثم جلست أتفكر في المسألة ..وكلما طرأت
لي حكمة أو فائدة سارعت بتدوينها ورصدها ثم قمت بإضافتها
للمبحث..
مر علي الخ نافع ومحمد زين العابدين وطلبا مني النوم..
قلت سأفعل و سوف أصعد لغرفتي للنوم بعد أن أنهي كتابة
بحثي..
وما زلت أدون واكتب وأتفكر حتى أذن علي الصبح ولم أنم دقيقة
واحدة بل لم اشعر بالرغبة في النوم أصل ..ولقد جمعت في تلك
الليلة ما مجموعه أربعون فائدة!!
حملت ذلك الدفتر ونزلت به لصلة الفجر ..وبعد الصلة لحقت
الشيخ وسلمته ذلك البحث..ولم أذكر له مراجعي أو ما عانيته من
كتابة هذا البحث ..أو أي شيء فقط سلمته ورجعت لغرفتي
فاستسلمت لنوم عميق ولم احضر درس الصباح!!
لم أكن أقدر ما هي نتائج هذا العمل ..بل كل ما كنت أتوقعه أن
يحصل المبحث على تقدير معنوي وتوجيه ونقد لما فيه مما
سيصقل موهبة البحث عندي وهذا يكفيني فخرا..
ذهبت لصلة الظهر كما هي العادة وبعد الصلة رافقت الشيخ
وصحبته لستفيد أي فائدة خلل مسيره..
ولكن حدث مرة أخرى مالم يكن في الحسبان ...
طلب الشيخ من الطلب العودة للسكن وصرف الناس ثم أمسك
الشيخ بيدي..
وقال :من أين دونت هذا البحث؟؟ وماهي مراجعك؟؟
قلت له وأنا مذهول وخائف كأنني أشعر بارتكاب خطأ أو مصيبة:
قرأت بعض المباحث البسيطة حول الموضوع ولكن غالب ما دونته
استنتجته واستخرجته بنفسي!!
قال :هل أنت متأكد ؟؟
قلت :أي والله هذا ما حصل!!..
ل أشك لحظة أن الشيخ ارتاب من كلمي ولم يأخذه محمل الجد..
61
ولكنه لم يرد أن يشعرني بشيء أو يظهر انبهاره مما كتبته رغم
حداثة سني وقرب الفترة التي قضيتها لديه..
اتصل الشيخ بغير علمي على الخ محمد زين العابدين وسأله
عني؟؟
ناداني الخ محمد وحقق معي تحقيقا غير مباشر !!..
سألته ما القصة؟؟
قال :بحثك الذي كتبته هذا يقول الشيخ انه فوق مستواك وأنه
كلم عميق ونحو هذا الكلم !!..يقول محمد :ولقد أخبرت الشيخ
انك لم تنم تلك الليلة حتى صلة الصبح ..
في درس المساء وبعد أذان العشاء وانتهاء الدرس الول..
أخرج الشيخ ذلك الدفتر وطلب من أحد طلبه الكبار أن يقرأه عليه
علنا لكي ينقح البحث ..ويحكم عليه من قبل الجميع ..ولم يخبر
الشيخ الطلب أو القارئ أنه بحثي..
وكنت جالسا بجوار ذلك القارئ ..
أذكر ذلك الموقف والقارئ هو الشيخ خالد المزيني وهو احد أقدم
وأقدر الطلب علما وتحصيل ..وكان ذو جرأة على الشيخ في إبداء
رأيه والشيخ يحترمه ويحترم رأيه...
كان خطي )وما يزال( سيئا للغاية ويصعب علي قراءته أنا فما بالك
بغيري!!..
كان الخ يقرأ ويتوقف بسبب عدم وضوح كلمات وخربشات ل
يفهمها غيري!!..
فكنت اقرب نظري له وأصحح العبارات وأساعده في تهجيها !!
نظر إلي القارئ بتعجب فقال :هل أنت من كتب هذا البحث ؟ كأنه
يقول اصمت فهذا ل يعنيك !!
سكت ولم أجب ..ول أذكر هل أخبرهم الشيخ بأنني أنا كتبت ذلك
المبحث في ذلك الدرس أم لحقا!! ولكنهم في النهاية علموا!!
أخذ الشيخ في التعليق على كل فائدة ويصحح العبارات ويقومها
ويحذف المكرر حتى بلغ مجموع الفروق البينة بل تكرار ول تناقض
خمسة وعشرون فائدة!!..
لم أستطع تذكر ما حصل في ذلك الدرس ولكن الذي أعرفه أن
شيخنا رحمه الله كلما أراد أن يثني علي أمام احد يقول :فلن
الشمري !! كتب بحثا ممتازا ويذكره بذاته من مناقبي!!
حينما أطلع على ذلك البحث )وهو عندي( الن ل أشك أن مستواه
العلمي بالنظر الثاقبة هو متواضع في ترتيبه وأسلوبه غير أنك
62
حينما تنظر إليه من ناحية عدد الفوائد وصحتها بصرف النظر عن
السلوب وما فيه من خلل والحكم عليه كمنهجية دقيقة من هذه
الناحية ل شك أن ذلك يعتبر وفي سني ذلك إنجازا ..
انظروا للطفل الصغير حينما ترونه يفعل شيئا مميزا كأن يلفظ
عبارة جديدة لول مرة أو يقوم بحركة لم يعتد الوالدان على رؤيتها
سوف يرون ذلك منه شيئا عجيبا ..وذلك بالنظر لمستواه العقلي
والسن ونحو ذلك من مقاييس ..
أما لو حدث من غيره ممن يكبره بعدة سنوات مثل فهو غير
مستغرب بتاتا والفكرة واضحة إن شاء الله..
ل يهم الن بالنسبة لك أخي الكريم أختي الكريمة الحكم على ما
فعلته هل هو إنجاز أم غير إنجاز المهم لكم الن هو معرفة ما
حصل بعد ذلك من طوام ودواهي سأحكيها في الحلقات القادمة
بإذن الله تعالى يتبع إن شاء الله..
63
وذات مرة تغيبت في سفرة لمدينة حائل لزيارة الخ سللعود وغبللت
ثلثة أيام..
لم يفتقدني أحد كما كنت أظن ولم أكن أعلم قوانين السكن حينهللا
وضرورة أخذ الذن
من المشرف...
ولقد اشللتقت لرؤيللة سللعود بعللد أن انقطعللت عنلله حللوالي الشللهر
وزيادة فرغبت بلقائه..
زرته في حائل ومنها نزلت للرياض بالطائرة ثم للشرقية ثللم عللدت
منها للقصيم..
كانت رحلة استجمام وترويح بعد عناء وانشغال بالطلب ..
حينما عدت لعنيزة كانت المور على مايرام فيما أظن !!
أذكر أنني بعللد صللة عشلاء ذللك اليللوم وقلد وصللت للجللامع قبللل
الصلة بقليل..
رافقت الحشد الذي يسير مع الشيخ لبيته ..
ولم يكن ذلك الحشد كبيرا ..
بعد انتهاء الناس تقدمت للشيخ فقبلت رأسه ..
قال لي :أين كنت ؟؟ ل حظت أنك تغيبت عن الدروس عدة أيام!!
لقد كانت لفتة أبوية وحانية افتقدها والله في تلك اليام..
ما أجمل أن يشعرك أحد بالهتمام بك والطمئنان عليللك خاصلة لللو
كنت في ضائقة وكربه..
أما أن تأتي تلك اللفتة من شيخنا فوا لله إن ذلللك لشللرف لللي وأي
شرف ..
قلت له :لقد سافرت لحائل لزيارة أقربائي !!..
قال لي :ووالديك ؟
شدهت وارتفع حاجباي وعجزت عللن الجابللة ولكللن تللداركت المللر
سريعا وقلت:
طبعا والداي نعم!!
دار بيننا الحوار التالي:
أين يعمل والدك ؟
قلت له :والدي رجل أعمال!!
ثم استأنفت كلمي ..بدون حساب للعواقب ..
ولكن والدي بيني وبينه خلف !!
قال :كيف؟
قلت :ل يحب والدي أن اطلب العلم بل يريدني أن اهتم بدراسللتي
64
النظامية فقط!!..
وأخذت في فبركة كلم على الوالد مما ل يصلللح الحللديث عنلله هنللا
والله يعفو عني فيما
قلت!!
قال لي :وأين يقيم والدك ؟
قلت له :في الطائف !!
قال :الم تقل انك ذهبت لرؤية والديك في حائل؟؟
سكت ولم اجبه فعرف الشيخ أن فللي المللر شلليئا ولكنلله لللم يبللال
حينها!!
ختم حواره بهذه الجملة :ل أسللمح لللك مللرة أخللرى بالسللفر حللتى
تأخذ أذنا مني فأنا في مقام والدك !!
ما أجمل وقع تلك الكلمات على نفسي هي والله فللي نفسللي ذلللك
اليوم ..
كماء بارد شربته بعد عطش شديد في صحراء قاحلة وساخنة..
لقد بثت تلك الكلمات في نفسي روحا جديدة وهمللة ل يقاومهللا أي
كساد أو تلف ..
رحمللة الللله عليلله واسللكنه فسلليح جنللاته وجعللل ذلللك فللي ميللزان
حسناته..
رجعت لغرفتي فحكيت لبندر ما حصل بيني وبين الشيخ من حوار..
لم يصدق بندر أن يكون هذا التصرف من الشيخ بهذا الشكل !!
فمن أنت حتى تحصل على هذه الميزة وهذا الهتمام؟؟
..ولكن والله هذا ما حصل..
أخذت قلمي وفتحت دفتري وأردت أن اعبر عن سللعادتي بخللاطرة
أو شعر أو أي شيء!!
كتبت رسالة للشيخ ..قلت له فيها ..
أشكرك من أعماق قلبي فوا لله لقد كانت عبارتك تلك كالماء الذي
يروي نبتة أوشكت على الذبول والفناء..
كانت عباراتها ركيكللة ومعانيهللا عميقللة سللطرتها بعبللارات امللتزجت
بالشقاء والعذاب والخوف والضياع واليللأس ..وسللمتها للشلليخ بعللد
صلة الفجر ..
لقد وقعت تلك الكلمات في نفس شيخنا موقعا عظيما فدعاني بعد
درس المساء للسير معه..
قال لي :لقد تأثرت بكلمك وأرجو منك أن تثق فللي وتجعلنللي فللي
مقام أبيك ..
65
وأريد منك أن تستمر في الطلب والتحصيل وأرجو مللن الللله تعللالى
أن ينفع بك السلم والمسلمين...
أكدت له مرة أخللرى عللن مشللاكلي مللع والللدي وأنلله ل يريللدني أن
اطلب العلم ..
كنت أريد أن افتح موضوعي كله مع الشيخ وليتني فعلت!!
ولكنني جبنت واستحييت أن احكللي للشلليخ كللل شليء ..خوفللا مللن
عواقب كلمي!!
لقللد كللانت فرصللة سللانحة ولكللن الللله تعللالى كللان يريللد لللي شلليئا
آخر !!..
ذات ليلللة دعللا مشللرف السللكن الخ محمللد زيللن العابللدين الطلب
للجتماع مع الشيخ بعد صلة العشاء في سطوح السكن ...
أجتمع طلب السكن وجاء الشيخ وجلس علللى مقعللد قللديم ل يكللاد
يستوي عليه لتهالكه!!
استمع الشيخ لمشاكل الطلب وما يعانونه من صعوبات مادية نحللو
غلء الكتب..
وأشرطة التسجيل ،وتحدثوا مع الشيخ حول ترميللم السللكن ورفللع
قيمة المكافآت وتوسيع المكتبة وزيادة المراجع ونحو ذلك غيللر انلله
حصل في تلك الجلسة موقف أحرجني للغاية!!
كتبت سؤال للشيخ باسمي وبلقبي المزيف !!
قال الشيخ :أنت مرة تقول انك كذا ومرة تقللول إنللك شللمري وش
الصحيح؟؟
وقعت في حرج شديد ولم استطع التعليق ولكن شيخنا تجاوز ذلللك
وغير الموضوع!!
كيف عرف الشيخ بلقبي الحقيقي؟؟
من نظام السللكن ل بللد أن يكللون لللك ملللف لللدى المشللرف ومللن
متطلبات فتح الملف ..
إحضار صورة الهوية !!
وضللعت صللورة الهويللة فللي ملفللي وسلللمتها مللع السلليرة الذاتيللة
للمشرف..
نظر في وجهي المشرف وقال لي :مكتللوب هنللا أنللت مللن القبيلللة
الفلنية؟؟
وأنت شمري ؟؟
كنت قد زورت في نفسي كلما لبرر هذا الحللال فقلتلله فقبللله فللي
الظاهر غير انه نقله
66
للشيخ بالتأكيد!!
لقد كنت بليدا فلللو أننللي قللت الحقيقللة وشلرحتها لكللان خيللرا مللن
الخزي الذي كنت فيه..
ولنجوت من الفضيحة التي سأقدم عليها!!
كان الشيخ في ذلك اللقاء يرسللخ فللي أذهللان طلبتلله انلله فعل والللد
للجميع ..
فكل الطلبة بل استثناء هم فقراء ومعوزون وفيهم السللعودي وغيللر
السعودي..
ولكنهم في نظر شيخنا سواء جزاه الله عنا خير الجزاء..
في ذلك اللقاء سأل أحد الطلبة الشلليخ عللن حضللور دروس الشلليخ
سلمان العودة في بريدة!!
قال الشيخ :سلمان هو احد العلماء لكنني أنصحكم بالتقيد بحضللور
دروس عالم واحد
فإذا شعرتم أنكم اكتفيتم مما لديه فل بأس بالنتقال لعالم آخر ..
رجعت برفقة الشيخ لبيته وحينما اقتربنا ملن اللبيت بقيلت معله أنلا
والخ محمد زين العابدين ..
أطال الخ محمد الحديث مع الشيخ حتى تعب !!
ثم ابتعد قليل واقتربت أنا من الشيخ فجلس علللى درج ملحللق بيتلله
وبقيت واقفا!!
فأردت أن أجلس مقابله علللى الرض لكمللل أسللئلتي ..فقللال لللي
الشيخ..
أجلس بجواري ؟؟
جلست بجواره فأكملت أسئلتي ثم انصرفت ...
67
أو تجدني في ساعة سحر والناس حولي يشخرون وأنا منهمك فللي
إضافة عبارة أو مراجعة
قاموس أو سرقة نص!!
مالذي يكتبه مطوع في هذا الزمان ؟؟
تساؤلت هل هي مشروعة؟؟
هذه للسف صورة سيئة كادت أن ترسللخ فللي رؤوس الجهللال مللن
العوام على كل من سيماه
الخير والستقامة ...قاتل الله العلم الفاسد والسياسة الملعونة!!!
دعونا نرجع لروايتنا ..
لقد كان لحتكاكي بل ومحاولة الستفادة القصوى من علللم الشلليخ
سبب ذلك شيئا من
المودة والقرب منه!!
العالم إخوتي الكرام يحب المجد ومللن يحسللن الصللغاء والسللتماع
إليه ..
لم أكن أسعى لذلك أو أريده فلذلك ضريبة ليست بالهينة !! ..لمن
يفهم ما أعنيه!!
ولكن العلقة زادت وتطورت من مجرد طللالب مجتهللد إلللى طللالب
مميز ومحبوب نوعا
ما!!
ويعلم الله سبحانه وتعالى أنني كنت ساذجا بحيللث أننللي لللم اشللعر
بذلك ولم أميز ..
أول موقف أذكر ه في مخيلتي الن أنني في ذات ليلللة وبعللد درس
المساء ..
كنت برفقة الشيخ كالعلادة حللتى وصللل الللبيت ..وكلان الخ محمللد
زين العابدين
مشللرف السللكن يتعمللد أن يلحللق الشلليخ بسلليارته حللتى المنللزل
ليعرض عليه ما لديه
ما استجد من نواقص أو معاملت أو طلب مال للسكن أو نحو ذلك
..
كان من عادة الشيخ أن يرجع الطلب حينما يصل لبيته أو قريبا منه
..
أما أنا فبقيت أتناقش معه في بعض المسللائل العلميللة حللتى وصللل
لباب البيت..
68
فتح الشيخ باب منزله وكان مظلما من الخارج ول تسمع فيه حركللة
أو لجة ..
قلللال الشللليخ لمحملللد وكلللان قريبلللا منلللي :تعلللش معلللي أنلللت
وفلن) يقصدني أنا(!!..
العائلة ليست موجودة وأنا لوحدي في البيت!!
تبادلت أنا ومحمد النظرات استغرابا من هذا العرض المغري!!
قبلت أنا ومحمد تلك الدعوة بكل سرور وبل تردد!!
قال لنا :انتظرا حتى افتح لكم باب الملحق..
وهو عبارة عن غرفة مستقلة بطرف المنزل في شماله الغربي..
فتح الشيخ باب الملحق فدلفنا للبيت ..
نزع الشيخ عباءته وعلقها على يده ثم قال :سأتسنن وأحضر لكمللا
العشاء !!
ثللم خللرج مللن البللاب الفاصللل بيللن الملحللق والللبيت والللذي يللدخل
مباشرة للفناء ..
في ذلك الملحق كعادة البيوت في نجد ،حيللث يمللزج بيللن الطللراز
القديم و ثوب
الحداثة!!..
تحتوي الغرفة في صدرها على مشب للنار خلفه مخللزن مكشللوف
للحطب ..
وعلى يساره بنيت رفوف رصت عليها دلل القهوة العربية وأبللاريق
الشاي..
وتحتلله توجللد مغسلللة لغسللل الفناجيللل وإعللداد القهللوة والشللاي
للضيوف..
الغرفة مفروشة بفرش جميل لونه ازرق ..
سألت الخ محمد ..لقد كنت أظن قبل حضوري لعنيللزة أن الشلليخ
يقيم في بيت طيني؟؟
قال :لقد انتقل الشيخ لهذا المنزل عام 1409ولم يكن راغبا ترك
بيته الطيني!!
ولكن أبناءه أصروا عليه أن يبني بيتا حديثا ففعل..
قلت :وأين يقع ذلك البيت ..؟؟
قال :سأريك إياه بعد أن ننتهي من العشاء ..
بعد قليل ..فتح الباب الفاصللل ..فللبرزت صللينية كللبيرة قللد أحللاط
الشيخ عليها بذراعيه
وتوشك أن تقع ..فقمت فحملتها من يده ..وقلت له :هللل ترغللب
69
أن أساعدك؟
قال لي :تعال !!...
لحقته حافيا فدخل مللن بللاب كللبير فللانتظرته ظنللا أنلله سلليقدم هللو
الطعام فأحمله للملحق ..
فخرج علي الشيخ وقال :ل يوجد أحد تعال ادخل..
دخلت البيت وكان نور الصللالة خافتللا ..حللتى وصلللنا المطبللخ علللى
يمين الداخل ..انشغلت
بالنظر والفضول ..
فأشار الشيخ لي أن تعال واحمل الطعام!!
حملللت الحافظللات والصللواني الصللغيرة فوضللعتها علللى سللفرة
الطعام..
كانت تلك أول مرة آكل فيها من طعام بيت الشيخ ..
كان الطعام خفيفا وسهل الهضم ولو شئت لذكرته!!
بعدها ساعدت الشيخ في حمل المواعين والسفرة ..
سألت الشيخ ونحن بمفردنا في المطبخ :أين تقع مكتبتكم؟
أمسك بيدي وقللادني للجهللة الشللرقية مللن المنللزل ومررنللا بسلليب
ضيق
ويقع عن يمينه علقات وضع عليها عباءات الشيخ وعن اليسللار درج
يقود للقبو.
أخرج الشيخ من جيبه الذي على صدره شللبكا علقللت عليلله مفاتيللح
كثيرة..
ثم أدخل أحد المفاتيح في الباب المغلق الذي أمامنا ..
فدلف للغرفة وأضاء المصباح ..
أي حللظ هللذا وأي شللرف لللي أن أدخللل بيللت شلليخنا بللل وأدخللل
مكتبته ..
لقد مر علللى قللدومي لعنيللزة منللذ ذلللك التاريللخ وحللتى تلللك الليلللة
حوالي الشهرين وزيادة..
سأصف مكتبة الشيخ من الداخل في الحلقة القادمة إن شاء الله ..
الحلقة العشرون..
70
يجلس الشيخ بجوار نافذة قريبة من الرض ..
ويستقبل النافذة في الواجهة الجنوبية من الغرفة وأمامه تلفونان ..
أحدهما للفتاوى الشرعية والخر تلفون البيت الخاص..
وليست هناك مقاعد للجلوس أو طاولة للكتابة ..بل يجلللس الشلليخ
على الرض فوق
سجادة صلة ..ويكتب على لوح تعلق عليه الوراق ..
يراجع الشيخ في مكتبته الكتب أو يجيلب عللى الفتلاوى ..أو ينظلم
المعاملت أ ويقرأ
الرسائل..
بخصوص الرسائل في تلك الليلة التي دخلت فيها للمكتبة ..
شللاهدت بوسللط الغرفللة كومللة ضللخمة مللن الرسللائل والوراق
المبعثرة !!..
قال الشيخ وهو يشير لها بأسللى :هللذه رسللائل السللبوعين الخيللرة
ولم أستطع قراءتها ؟؟
تأتي للشيخ رسائل من كل بلد الدنيا ..
أذكر مرة طلب الشيخ محمد مني ومن الشيخ فهد السليمان جللامع
فتاويه ..
أن نجرد رسائل الناس ونرتبها ونبوبها ففتحنا الظروف ..
فوجدنا رسائل من البلد العربية ومن أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا
ومن كل بلد الدنيا ..
ورسللائل فيهللا شلليكات تبرعللات ورسللائل فيهللا طلللب مؤلفللات
واستفتاءات..
ورسائل من مراكز إسلمية ..
سمعت الشلليخ يقللول مللرة :أكللثر الرسللائل الللتي تللأتيني هللي مللن
الجزائر !!..
ولذلك ل عجب إذا رأيت كللثيرا مللن الطلبللة الجزائرييللن فللي حلقللة
الشيخ..
رأيت رسائل من علمللاء مشللهورين يستشلليرون الشلليخ فللي بعللض
المسائل والنوازل .
ومنهم وبكللثرة الشلليخ العلمللة بكللر أبللو زيللد ..وممللن رأيتلله كللثيرا
يحرص على الستفادة
من علم الشيخ سواء بالسللتفتاء أو بسللماع دروسلله علللى أشللرطة
الكاسيت سماحة الشيخ
عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الحالي..
71
وليست مكتبة الشيخ هي ما رأيته تلك الليلة فقط ..
بل إن لديه في القبو مكتبة أخرى تحتوي علللى المراجللع الللتي تقللل
مراجعتها ..
و يوجد بها عدد من المخطوطات ..
ومنها مخطوطة تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر السللعدي العللالم
المشهور ..
المسمى بتفسير الكريم المنان ...
وهذا التفسير قد كتبه الشيخ بخط ل يكاد يقرأ على دفتر الستاذ
والذي يسمى دفتر حسابات )مسك الدفاتر(!!
يجلس الشيخ في اغلب أوقاته بالمكتبة وغالبا ل يقيل إل فيها ..
وله في زاويتاها الشمالية فللراش صللغير وبطانيللة قديمللة يتوسللدها
ويقيل هناك حتى أذان
العصر..
في تلك الليلة عللدت أنللا والخ محمللد وفللي الطريللق مررنللا بمنللزل
الشيخ القديم..
وسأتكلم إن شاء الله عن هذا المنزل لحقا حينما أحكي عن زيللارة
المير
ممدوح بن عبد العزيز لعنيزة..
أرجو أن ل يكون الملل قد دخلكم بتفاصيل قد ل يريدها البعض..
ولكللن أرجللو أن يللأتي زمللان يللأتي فيلله مللن يحتللاج لمثللل هللذه
المعلومات..
نرجع لجاري في درس الشيخ ..
كان ذلك الطالب المجد يظهر لي الحترام والتقدير ..
كنت أرى ذلك )عن حسن نية ( نبل منه وطيبة ..
فكسبني ذلك الشخص وصرت أخرج معه أحيانا بعد الدرس لبيته أو
للمكتبة ونحو ذلك ..
أذكر مرة أن الشيخ قال لللي :انتبلله يللافلن مللن النللاس ل تحللدثهم
بأمورك الخاصة ..
ترى الطلبة يحسدون بعض !! ونقل لي أثرا عن ابن عباس أنه قال
:يتحاسد طلبة
العلم في آخر الزمان كما تتحاسد التيوس في زروبها!! ..ونحو ذلك
الكلم..
72
شعر أنني سأضايقه في قربي وكثرة لقاءاتي مع الشيخ ..
حينها لم أكن أعرف الحسد ولم أمارسه والله في حياتي ..
كنت أتحدث مع ذلك الشاب في بعض أموري الخاصللة وفللي اليللوم
التالي يستفسر مني
الشيخ..
حول ما قيل عن كذا وكذا !!
كأنه يلمح لما قلته لذلك الشاب..؟؟؟
غير أنني حينمللا أقللارن مللا أشللاهده منلله مللن سللماحة نفللس معللي
وحسن معشر..
أستبعد أن يكون هو من نقل هذا الكلم للشيخ ويا لغبائي!!
كتبت مرة رسالة للشيخ قلت له فيها بما معناه..
أنني أرغب في أن أستفيد من علمكم في حلكللم فللي عنيللزة وفللي
سفركم خارجها!!
حيث يشرفني أن أكون خادمللا لكللم كمللا كللان أنللس وابللن مسللعود
يخدمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ..
حينما قرأ الرسالة الشيخ فرح بها وسر خاصة انه رأى مني الحرص
على ذلك..
حدثت ذلك الشاب بهذه الرسالة ..
فما كان منه إل أن حذرني من ذلك وقال :ل أنصلحك وهلذا سلوف
يغير عليك
قلوب الطلبة الخرين وسوف يقولون :هللذا الولللد للله عنللد الشلليخ
ثلثة شهور ..
والن يريد أن يكون رفيقه فللي سللفره..؟؟ ل ،انتبلله وأنللا أخللوك ل
تفعل ...
أخذ صاحبنا يهول لي المللور حللتى عزمللت علللى تللرك ذلللك العمللل
المتهور!!!
وجاء يوم سمعت الشيخ يذكر أنه سيسافر للرياض ..
فوقع في نفسي أن أطلب منلله أن أرافقلله ولكللن مللا حللذرني منلله
صاحبي جعلني أتردد !!
73
فجاءه رجل ذو هيئة ومعه مرافق له ..
عرف نفسه للشيخ بأنه المير فلن ....
دعاه الشيخ للتفضللل فللي بيتلله للقهللوة والتعللارف ..فرحللب بللذلك
الرجل والظاهر أن هذا هو
غايته من الزيارة ...
قال لي الشيخ :تفضل معنا ...
فدخلت مع الضيف من باب الملحق ..
بعد دقائق أحضر الشيخ القهوة والتمر وإبريق الشاي معه...
فحملتها من يديه فكنت خادم القوم في تلك الجلسة ..
ويعلم الله قدر شعوري بالفخر والشرف أن أخدم شيخنا وضيوفه..
بعد انتهاء الجلسة وانصراف الضيوف ..
عرضت على الشيخ أن أرافقه لسفرته في الرياض ..
فقال :وما غرضك من ذلك ؟؟
فكررت له ما قلت له في الرسالة ....
فقال :أهل بك وسهل ولكللن سللفري ذلللك جللزء منلله زيللارة عائليللة
وسوف أرى..
ثم فاتحني الشيخ بموضوع آخر ...
هو موضوع الدراسة النظامية ..قال لي:
لما ل تكمل دراستك؟
فقلت له ل مانع عندي ولكن كيف؟؟
ملفي الدراسي ليس لدي !!
كنت أتهرب من الموضوع حتى ل تكتشف هويتي الحقيقية!!
قال الشيخ :دع المر لي وسوف أسجلك في المعهد العلمي...
قبلت وأظهرت الفرح والغتباط وأنا في داخلي أغلي كالمرجل مللن
الخوف!!
قلت له ياشيخنا ...
هل أنا في حلم ؟؟ أم في علم ؟؟
أن أكون الن معك في بيتك مع الشيخ ابن عثيمين؟؟
ابتسم ودعا لي وقال :ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...
التقيت بصاحبي ..وجاري ..بعد ذلك فحدثته بما كان ...
وكان السفر بعد يومين ...
كان ذلك بمثابة حللراب أغرسللها فللي قلبلله دون أن أشللعر أو أقصللد
ذلك والله..
دهشت وربي من حرصه على تثبيطي وتذكيري بالعواقب ..
74
ولكن حتى تلك الساعة لم ينكشف لي ما يدبره ...
شجعني بندر على الذهاب ...وقال ل تتردد ..
ذات يوم بعد صلة العصر ألتفت إلي شللاب أعرفلله جيللدا وهللو مللن
أصحاب جاري ذاك!!
وسألني أسئلة مباشرة فيها وقاحة وصلف ...
قال :ايش اسمك؟؟
قلت فلن ..
قال :قلي اسمك كامل ..؟؟
قلت :فلن بن فلن ..ذكرت اسم الب فقط!!..
قال :وما لقب العائلة؟؟
عرفت خللها أنه مرسل لتخويفي من شيء ما!!
ولم أحب هذا الشخص مطلقا ،فهو رجل سيء الخلق حقود ..
بعد يومين استعديت للسفر وحزمت حقيبتي ..
وطلبت من جاري ذاك أن يوصلني هو إلى بيت الشيخ ...؟؟؟
بل واقترضت منه مبلغا من المال لمصاريفي!!
كنت كمن يطلب الماء من بياع الزيت!!
ولقد جاء فعل في اليللوم التللالي ،ل ليوصلللني بللل ليعطينللي رسللالة
واضحة مفادها ..
لقد حذرتك وأنذرتك ولكنك ل تسمع كلمي وسوف تندم!!..
لقد كللانت نظراتلله والللتي أتخيلهللا الن أمللام عينللي تقللذف بالشللرر
المستطير !!
ثم انطلق بسيارته مغضبا بعد أن رد باب سيارته في وجهي !!
لم اقدر الموقف حق قدره ..ولم أكن أحسب المور بمثل حسللاباته
ولم تكن لي معرفة بطبائع البشر الحيوانية نعوذ بالله من ذلك..
أطلقت جرس باب منزل الشيخ فخرج أحد أبناء الشيخ ..
وهو يحمل حقيبتين ووضعها في مؤخرة السيارة..
وكانت تظهر على وجهه علمات الغضب وعدم الترحيب بي !!
ولم يسلم علي أو يخبرني أين الشيخ أو ماذا سنفعل !!
أي حال أنا فيه !!
انتظرت في الخارج حوالي النصف ساعة حتى خرج الشيخ فقال :
أين كنت ؟؟
أنا أنتظرك؟؟؟
لم أخبره بما حصل ..بل سكت وصافحت أبناءه الخرين ..
يقولون العيون شواهد تكشف ما في القلوب ..
75
منذ أول مرة رأيت فيه أبناء الشيخ عرفت أنني لديهم غيللر مرضللي
عني بل أنا مغضوب علي..
وإنني أقسم وأجللزم أن ذلللك كللله مللن فعللل صللاحبي الللذي ظننتلله
صديقا لي!!
فهو أحد أقربائهم والرجل منللذ سللنوات عديللدة قريللب منهللم ومللن
الشيخ ..وقللد كسللب ثقتهللم فل شللك أنلله ذو مصللداقية فللي خللبره
عني !!
ولقد حاولت مرارا وتكرارا أن اثبت لهم أنني شللخص مختلللف عمللا
صوره الرجل عني ولكن بدون فائدة ..فالناس للسف حكمهم في
الغالب يترسخ ويتجذر منذ الصدمة الولى!!
خاصة أن الوقائع التي حصلت قد زادت المر تعقيدا ..والحمد لله..
ولكللن الللله سللبحانه وتعللالى عوضللني كللثيرا بشلليخنا وليغضللب كللل
الناس عني!!
إذا كان حبك لي صادق فكل الذي فوق التراب تراب..
توجهنا للمطار برفقة سائق الشيخ..
وهي سيارة كابر يس موديل تسعة وسبعين!!
لونها بني مخطط بلون البيج !!
يقول السائق لي :أنا أسوق الشيخ منللذ خمسللة عشللر عامللا بهللذه
السيارة..
ولقللد بللاءت كللل محللاولتي ومحللاولت إدارة جامعللة المللام لتغييللر
السيارة ..
حيللث أن الشلليخ يراهللا سلليارة ممتللازة ول يهللم شللكلها أو موديلهللا
المهم أن توصله
الحلقة الثانية والعشرون
77
في تلك الرحلة كنت أنا بطبيعة الحال في الدرجللة السللياحية أو مللا
يسمى الضيافة..
ولكن بعد إقلع الطائرة ،جاءني الشيخ بنفسه وقد استأذن لللي أن
أكون برفقته..
فكنت بجواره في الدرجة الولى...
لكم أيها الخوة والخوات أن تدركوا تلك المشاعر الللتي كللانت فللي
نفسي تلك اللحظات..
كنت أراقب الشيخ وأحاول أن استفيد من كل تصللرفاته فهللو قللدوة
لي في كل شيء..
بعد شرب القهوة جاء مضيف الطائرة للشيخ وقال له:
هل ممكن أن ترافقني لغرفة قيللادة الطللائرة ،الكللابتن يللدعوك لللو
تكرمت ؟؟
قام الشيخ من مقعده وتوجه لمضلليفه وبقيللت لوحللدي حللتى قللرب
وصولنا للرياض ..
علما أن الرحلة تستغرق حوالي الربعين دقيقة فقط!!
رجع الشيخ وجلس على كرسيه ..
وبدأ في تلوة حزبه من القرءان ..حيث يقرأ يوميا جزأيللن كللاملين
من صدره ...
وصلنا لمطار الرياض ونزلنا فللي الصللالة العامللة واسللتقبلنا منللدوب
الجامعة ..
توجهنا مباشرة لجامعة المللام ولمكتللب الللدكتور عبللد الللله الللتركي
مدير الجامعة حينها..
سلم الشيخ على الدكتور الللتركي وسلللمت عليلله ..وبقيللت معهمللا
لدقائق ..
ثم خرجت للخارج وانتظرت خروج الشيخ ..
بعد ساعة تقريبللا نللاداني منللدوب الجامعللة وقللال :الشلليخ يللدعوك
للحاق به لموقع
المحاضرة..
نزلت مع المندوب حيث يظهللر أن هنللاك مخللرج خللاص مللن مكتللب
الدكتور عبد الله ..
سألني مندوب الجامعة ..هل أنت ابن الشيخ ؟
قلت :ل ...أنا أحد تلميذه ...
قال لي :هنيئا لك يا أخي هذا الشرف ..
دخلنا لصالة ضخمة جدا وفيها من الفخامة والنظارة ما يبهر العقول
78
...
ولم يكن هناك حضور سوى الصفين الول والثاني !!
وبعض الناس هنا وهناك!!
حيث أن المحاضرة خاصة فقلط بللالمبتعثين وأظللن عللددهم حلوالي
المائة وعشرون ..
تحدث الشيخ حديثا طويل حول ما يتعلق بسفرهم من أحكام فقهية
ومن تنبيهات
وتحذيرات من بعض الخطار التي قد تواجههم في أمور دينهم ..
وبث الشيخ في نفوسهم الحماسة في الستفادة مما لدى الخريللن
والعودة لبلدهم
لكي تنتفع الجيال بهم وحذرهم من الفكار المسللمومة والللتي عللاد
بها بعض أبناءن
ونحو ذلك من توجيهات ومعان مفيدة..
ثم فتح الباب للسئلة والتي أخذت اغلللب وقللت المحاضللرة وكللانت
أسئلة مفيدة للغاية..
بعللد انتهللاء المحاضللرة ...توجهنللا لكليللة الللدعوة والعلم وصللحب
الشيخ
للكلية الدكتور سعيد بن زعير ول أدري هل هو عميللد الكليللة أم هللو
أحد دكاترته..
ودخلنا في قاعة أصغر من الولى وأظنها تابعة للكلية ..
وكللانت غاصللة جللدا بالطلبللة ،وقللد امتلء الللدرج وأمللام البللواب
وأطراف المسرح بالحضور..
تحدث الشيخ في كلمة مختصرة ثم استقبل أسئلة الناس ..
كانت في تلك اليام أحداث أشغلت الناس والمجتمع وهي قضية ..
مقتل الشيخ جميل الرحمن ودخول مجموعة مللن قللادة المجاهللدين
الفغان لولية كنر..
وكانت تلك اليام قد اضطربت آراء الناس حول ما يحدث ..
ول أنسى أبدا عشرا ت الوفود التي قدمت على الشيخ فللي عنيللزة
من مدن المملكة..
والتي تستفتيه حول هذا الموضوع خصيصا ..
سئل الشيخ في تلك القاعة عن موقفنللا نحللن كمسلللمين مللن تلللك
الفتنة..
فأجاب بكلم مبني على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ..
وقال :الذي أرى أن توقف التبرعات عن المجاهللدين هنللاك جميعللا
79
حتى تنتهي الفتنة
ول نعينهم في أن يقتل بعضهم بعضا ..ونحو هذا الكلم..
أثارت تلك الفتوى من الشيخ موجة من الحيرة والترقب في وجللوه
الدكاترة والمشائخ
الموجودين في القاعة ..
وبعد انتهاء المحاضرة ..طلب الدكتور سعيد بللن زعيللر مللن الشلليخ
أن يزور مكتبهم
دخل الشيخ وكنت معلله واجتمللع حللوله عللدد مللن الللدكاترة ومللدراء
القسام ..
ودار نقاش علمي مع الشيخ حول فتواه ...
كان النقاش حول قضية كنر والجهاد فيه شيء من الحدة ..خاصللة
من طرف المشائخ ..
أمللا الللدكتور سللعيد الزعيللر فلللم يتكلللم بكلمللة واحللدة ...طللوال
النقاش..
حينما بلغ النقاش حدا تبعثرت فيلله الوراق وتشوشللت فيلله الفكللار
قال الشيخ:
سبحان الله ؟؟
هذا هو رأيي الذي أدين الله به وأنتم قولوا رأيكم ،وليتبع النللاس مللا
يرونه حق
أما أنا فلن أرسل لشخص فلسا واحدا وأعرف أنه سيستعين به في
إيذاء أخيه
فما بالك بقتاله أو بقتله !!
ولقد رأيت وجه الشيخ محمرا من الغضب والتوتر..
حينها قال الشيخ سعيد بن زعير:
ياشيخنا والله نحن نحبك ونقدرك ونللرى أن رأيللك ل تبتغللي بلله غيللر
وجه الله لكن الخوان
رغبوا في النقاش والحوار حتى تتضح لكم الصورة ،فهذا جهللاد قللد
أنفقت عليه مبالغ
طائلة وأرواح كثيرة ودعم من هذا البلد وأهله طوال سنوات طويلة
فهمنا الكبر أن ل
تشوه صورته الناصعة ..
80
ثللم قللام الللدكتور سللعيد وقبللل رأس الشلليخ واعتللذر منلله وانفللض
المجلس.
بعد ذلك توجهنا لمكتب الدكتور عبد الله التركي ومنه خرجنا لصلللة
الظهر
في الجامع الكبير .....
كنت برفقة الشيخ وكذلك كان معنا الدكتور عبد الله التركي ...
حينما رأى الشيخ الجمع الهائل من طلبة الجامعة والذين غللص بهللم
كل المسجد..
فل ترى فيه موطئ قدم من كثرتهم..
قال الشيخ :ياأخ عبد الله كم يتسع هذا الجامع..؟؟
قال :حوالي الثلثين ألفا ...
ثم قال الشيخ :الله المستعان كم سيخرج لنا عالما من هؤلء !!!
بعد الصلة ألقى الشيخ كلمة قصيرة في المصلين يحثهم فيها علللى
الحرص على العلم
واستغلل الوقات ونحو ذلك ...
ثم خرجنا بالكاد من الجامع بسبب تكاثر المسلمين على الشيخ ..
توجه الشيخ برفقة الدكتور عبد الله التركي في سيارته الفارهة ..
ولم أكن أعرف وجهتنا فقد كان كل شيء مرتبا مسبقا !!
قالوا لللي :أركللب فللي هللذه السلليارة وأشللاروا لسلليارة فيهللا شللاب
أدم .عليه مرايات ..
وفي الطريق تعارفنا وعرفت مقصدنا ..
كان ذلك الشاب هو ابن الللدكتور سللعيد بللن زعيللر ونحللن متجهللون
للغداء في منزلهم..
وصلنا لمنزلهم فكان في استقبالنا جمع كبير من الناس ..
لم اعللرف منهللم سللوى مللن ذكللرت بالضللافة لشلليخ كللبير ضللعيف
البنية ..
سألت عنه :فقيل لي :هذا الشيخ عبد الله بن جبرين ..حفظه الله
ورعاه ..
حينما ترى ذانك الشيخان الجليلن سويا تللزداد تلللك الجلسللة رونقللا
وبهائا..
كان الشيخ عبد الله وشيخنا يتبادلن الحديث وإجابة الناس حول مللا
يسألن عنه
بكل أدب وسمو يليق بهما ..
ل حظللت شلليخنا مللرارا يهمللس فللي أذن الشلليخ عبللد الللله بكلم
81
فيضحك الشيخ منه!!
بعد ذلك رافقنا شخصا ل اعرفه حينها ..
جسمه وطوله وبنيته اقرب ما يكون من شيخنا ..؟؟؟
سأل الشيخ :ما عرفتنا على الخ ؟
فقللال :هللذا فلن أحللد تلميللذنا ،ولقللد قللال لللي :إنلله يرغللب فللي
صحبتي ليستفيد من علمي
ويخدمني كما خدم ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم..
شعرت بالخجل ،وتسمرت في مقعدي ولم أتكلم ..
وصلنا لمنزل الرجل في حي النسيم بشرق الرياض..
بجوار جامع الهدى القريب من مدرسة سلح الحدود..
ونحن ننزل أغراضنا سألت الشيخ :من هذا الرجل؟؟
فقال :هذا أخي عبد الرحمن!!!
الستاذ عبد الرحمن رجل فاضل جدا وخلقه وطيبته وسماحة نفسه
يشهد عليها جميع
من عرفه ،وشيخنا يحبه ويثق فيه وينزل دوما في الرياض في بيته
...
وذلك قبل أن يبني شيخنا بيته في الرياض والذي هو ملصق لمنزل
أخيه عبد الرحمن..
حدثني الشيخ عن مرض أخيه عبد الرحمن ..وهو صغير ..
حيث أنه بقي طريح الفراش مدة من الزمن حتى يئس الطباء مللن
علجه ..
فبقي أهله حوله يترقبون ساعة أجله وهم بل حول له ول قوة...
غير أن جارا لهم أو أحد أصحابهم احضر لهم طبيبا شعبيا ..
ففحصه وقلبه يمينا ويسارا وهو كالجثة الهامدة ..
قرر ذلك المعالج الشعبي أن يكويه في بعض مواضع جسمه ..
فكواه ..ثم انتظروا عدة أيام ..
فبللدأ عبللد الرحمللن يسللتعيد عللافيته حللتى عللاد صللحيحا كمللا كللان
وأفضل ..
والمور بيد الله سبحانه قبل كل شيء...
غير انه للسف وبعد عدد من السنوات التي كانت فيلله علقللتي مللع
الخ عبد الرحمن
ممتازة لم يتركه صاحبنا حتى أغار صدره علي والله المستعان..
كنت أتوقع أننا سللنبقى فللي منللزل الخ عبللد الرحمللن طللوال فللترة
بقاءنا في الرياض..
82
ولقد أحببت الرجل من أول ما رأيته ...وأحببت البقاء في بيته ..
ألقى الشلليخ محاضللرة تلللك الليلللة فللي إحللدى جوامللع الريللاض ثللم
توجهنا لمنزل أبناء عمومة الشيخ
حيث حضر جمع ل باس فيه من القارب متفاوتي العمار ..
ومنهم أخو الشيخ الدكتور عبد الله العثيمين الديب المشهور ..
ومنهم ابن الشيخ البكر عبد الله العثيمين ..وغيرهم ..
بعد العشاء رافقنا الخ عبد الله ابن الشيخ لمنزله المستأجر ..
حيث أنه يقيم في بشكل مؤقت قبل رجوعه لعنيزة..
كان عبد الله مهذبا جدا وغير متحفظ ..
والظاهر أن صاحبنا لللم يلحللق أن يفسللد المللور مللع الجميللع جملللة
واحدة !!..
فللي اليللوم التللالي ..توجهنللا بعللد العصللر للمطللار وذلللك للعللودة
للقصيم ...
حينمللا جئنللا لتفللتيش المعللادن أخللذ جهللاز النللذار يللرن حينمللا مللر
الشيخ ؟؟
فأمر العسكري الشيخ بالرجوع وإنزال مللا لللديه مللن معللادن ..ولللم
يعرف الشيخ..
ابتسم الشيخ ولم يرد إحراج الرجل فبدأ بخلع ساعته المعلقللة فللي
جيبه ..
فدخل تحت الجهاز فرن مرة أخرى!!
فعاد الشيخ وأخرج كومللة المفاتيللح مللن جيبلله ..وهكللذا تكللرر ذلللك
ثلث مرات..
حينها تقدم شللاب مللن عائلللة الشلليخ للعسللكري وهمللس فللي أذنلله
فارتفع حاجباه ..
واحمر وجهه خجل وقال :الله المستعان هذا الشيخ ابن عثيمين ؟؟
والله ما عرفتك ياشيخ ؟؟ اللي ما يعرف الصقر يشويه !!..
ثم قبل رأس الشيخ واعتذر منه وأصر أن يصحبه حتى أجلسلله عنللد
باب السفر
عدنا لعنيزة والعود أحمد ولكن كللانت تنتظرنللي حللوادث لللم تخطللر
على البال..
لكن رحمة الله تعالى سللبقت تلللك المكللائد والشللرور فجعلللت مللن
83
دون ذلك فتحا قريبا!!
وصلنا للمطار استقبلنا نسيب الشيخ الخ خالد المصلح ..
وأنعم بأبي عبد الله علما وخلقا وتفانيا في الدعوة إلى الله ..
والشيخ خالد من قبيلة حرب ومن عائلة ثرية ووالللداه مقيمللان فللي
جده ولقد أحبه شيخنا
وقربه وزوجه اكبر بناته فنعم النسيب ونعم الصهر !!
وهو متخصص في علوم غير شرعية في الصل.
حيث هو خريج جامعة البترول والمعادن وعمل في التللدريس فللترة
بسيطة ثم فصل ..
والتحق بجامعة المام ودرس وحصل على أعلللى النسللب وهللو الن
دكتور في نفس
الجامعة وأظن تخصصه مادة العقيدة ...
قادنا الخ خالد لعنيلزة وفللي الطريللق توقلف بجلوار أحلد المسلاجد
المتقدمة بأطراف عنيزة..
ودخل الشيخ للمسجد وصلى ركعتين سنة القدوم من السفر..
لللم أرى شخصللا محافظللا علللى أداء السللنن مهمللا كللانت الظللروف
والوضاع لم أرى مثل شيخن
في ذلك ،ل أقول في كثرة العبادة بل الستمرارية في كل ظرف ..
تعبدا لله تعالى..
أذكر مرة موقفا لن أنساه ...
جاء أحد الطلبة للشيخ وقال له :ياشلليخ أليللس مللن وقللع علللى يللده
حائل من وصول الماء
إلى البشلرة ملن صلمغ أو دهلان ونحلوه فلإنه يجلب عليله أن يعيلد
وضوءه وصلته إن صلى
حتى ولو جهل أو نسي أو كان قليل ...؟؟
قال :بلى...
قال :ياشيخ إن على يدك أثر دهان !!
وفعل كان على يد الشيخ دهان فشق ذلك عليه ..
وجلس يفكر منذ كم يوم وقع ذلك الدهان على يده؟؟
فقال لي :لقد جاءنا الللدهان فللي اليللوم الفلنللي وذلللك قبللل أربعللة
أيام !!
استقبل القبلة وأعاد جميع الصلوات للربعة أيام الماضية بل بسننها
والوتر والضحى ..
ولم يعجل في ذلك بل صلى بكل أناة كما هي عادته!!
84
وكان في تلك السنة يبلغ حوالي تسعة وستين عاما رحمه الله..
ختم صلته ثم أوصلني للسكن ..ونسيت حقيبتي في سيارة خالد..
لم أخبر أحدا من الطلبة بسفري برفقته سوى من ذكرت ..
ولكن الخبر انتشر كما تنتشر النار في الهشيم..
وكنت أشاهد من غللالبهم نظللرات الغيللرة الطبيعيللة والللتي فطللرت
عليها قلوب الوادم..
ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه الخلص ..
أن الحسد شيء فطر عليه الخلق فهو من طبائعهم ولكن المذموم
منه ما ترتب عليه
تعد أو إيذاء بلفظ أو بفعل ...
ولكنني لم أحاول إشغال نفسي بردود الفعللال علللى ذلللك وعشللت
بينهم بكل احترام
وسلم ..ولكن مع بعضهم؟؟
أو مع غالبهم؟؟
سوى صاحبنا ومن يدور في فلكه!!..
ظننت أن ذلك اليوم يللوم عطلللة وليللس هنللاك درس للشلليخ هكللذا
ظننت !!
وما اكذب الظن!!
شيخنا ل يفرط في درسه ولو جاء من سفر بعيد قبله بدقيقة !!
أذكر مرة جئت مع الشيخ من الرياض برا ..
برفقة تلميذه المير عبد الرحمن بن سعود الكبير ..
وصلنا على أذان المغرب ..
سألت الشيخ :هل الليلة درس ؟؟
قللال :نعللم .؟ بالتأكيللد إن شللاء الللله اذهللب وأحضللر كتبللك وتللوجه
للجامع!!
يقول لي أحد الطلبة الذين حضروا وفاة والدة الشلليخ عليهللا رحمللة
الله ..
يقول في ذلك اليوم ..توقعنا بل جزمنا أن الشيخ لن يحضر الدرس
؟؟
ولللذلك كللان الحضللور ليللس بللذاك ومللع ذلللك حضللر شلليخنا وألقللى
درسه ..
حفاظا على أمانة التعليم ...
وصللدق صلللى الللله عليلله وسلللم حينمللا قللال :وإن الملئكللة لتضللع
أجنحتها لطالب العلم رضا بما
85
يصنع...
نسيت أن أقول أن الشيخ أحضللر معلله موافقللة رسللمية مللن مللدير
الجامعة
الدكتور عبد الله التركي بقبولي في المعهد العلمي في عنيزة تحت
اسم فلن الشمري!!
حيللث كتبللت معروضللا للللدكتور فشللرح عليلله بالموافقللة ..مللع أن
الدراسة قد ابتدأت منذ
حوالي السبوعين !!
86
وتعالى ورحمته وفضله ..
قلت له :يافلن ...؟
مالذي تريده من وراء ذلك ؟ عندها كشف أوراقه
وقال :أنت كذبت في كل ما قلته !!
ولقد عرفت حقيقتك كلها!!
أنت رجل خطير ..
أنت اسم قبيلتك الحقيقية كذا ووالدك هو كذا وكذا ..
ثم أخذ يسرد حقائق ووقائع تللدل علللى أنلله قللد تقصللى عنللي حللتى
عرف عني كل شيء!!
ثم ختللم كلملله بقللوله :أنللا اتصلللت بوالللدك بللالمس وتحللدثت معلله
وأخبرني بأنك فار من المنزل وأنك قد أوقعته بحللرج شللديد بفعلللك
وتركك لدراستك ...الخ الكلم ..
ثم حينها :انقلبت تعابير وجهه فاسود وتساقط الشرر من عينيلله ..
وقال:
أقسللم بللالله إن لللم تغللادر عنيللزة وتللترك الشلليخ سللأفعل بللك
وأفعل !!...
وهددني بكلم ل ينطق به عاقل فكيف بطالب علم !!
لم يكن يهمني كلمه بقدر أن أهمني أن يعلم شيخنا بذلك ...
فرق كبير أن أخبر الشيخ أنا بالحقيقللة مللن قبللل أو أن يخللبره ذلللك
الرجل بما يريده!!..
هناك فرق شاسع لمن يعلم طبائع الناس بينهما...
ول شك أن الحقيقة الناصعة هي سلبية مهملا كلان الناقللل ..أنللا أم
هو
غيللر أن المللر يختلللف كللثيرا حينمللا يفسللر ولللو لللم يكللن للله تللبرير
منطقي!!
ثم طردني من سيارته وذهب ..
بقيت أمام باب الشيخ منتظرا لكلثر ملن نصلف سلاعة وأنلا ملتردد
ماذا سأفعل؟؟
إن رجعت للسكن وسكت فالعواقب غير معلومة..
وإن تحدثت مع الشيخ الن فل ادري هل سيقبل مني أم ل ؟؟
احترت حيرة ل يعلم مداها إل الله تعالى...
لقد مرت علي في الشهور الماضية التي قضيتها فللي عنيللزة مللرت
علي أيام جميلة..
ولحظات ل تنسى من الجد والجتهاد ..هل يذهب كل ذلك سدى؟؟
87
هل سيضيع كل ذلك بجرة قلم أو كيد حاسد؟؟
أنا مخطئ ل شك فيمللا فعلتلله ..ولكللن هللل قصللدت ارتكللاب ذلللك
الخطأ؟؟
لم أكن مجرما والله أو مرتكبا لعظيمة والحمد لله ..
هي أخطاء ولو كانت فللي نظللر البللض جسلليمة بنيللت علللى السللفه
وعدم تقدير المور حق قدرها..
بنيت على عدم الناصح والمرشد الصدوق قبل ذلك ..
بنيت على الحرمان والضياع والخوف ...
هل سأحرم من ذلك العلم الجليل بسبب ذلك الخطأ ؟؟
هل سينتهي كل شيء الن ...؟؟؟
88
مباشرة!!
وقال :من أنت ؟
ومن بعثك؟
أنت رجل ثبت لنا أنك مخادع وكذاب ..
وكذبت على الوالد في أمور كثيرة .....
وانطلللق يتكلللم بكلم كللثير ل أسللتجمعه ...بقيللت صللامتا طللوال
المسافة القصيرة للسكن ..
والتي مرت علي كأنها دهر !!
لم أناقشه ،ولم أحاول الرد على كلمه ..فواضح جدا أنه قللد ملللئ
قلبه علي والله شاهد
لم أصدق وصولنا للسكن ..بقيت متسمرا مكاني وخفللت أن يختللم
بكلمه بلطمة على
وجهي ..وليته فعل ولم يتكلم بكلمه الذي تفوه به!!...
ثم قال لي :انزل وخذ حقيبتك ...
نزلت ثللم لحقنللي وقللال :والللله مللا أضللمنك تحللط لللي شلليء فللي
السيارة؟؟
ثم حملت متاعي وصعدت لغرفة السكن والحمد لله أننللي لللم أجللد
فيها أحدا!!
سقطت على فراشي وبقيت أبكي بكاء الثكلى ..
كان موقفللا هللائل وكلمللا شللديدا يصللعب علللى مللن هللو فللي سللني
تحمله ..
لقللد وصللفت بأقللذع الوصللاف ،ورميللت بتهللم عظيمللة ل اسللتحقها
والله ؟؟
لكن هل ألومهم ؟؟
أنا ل ألوم عبد الله ابن الشيخ ول عبد الرحمن أخ الشلليخ ول عائلللة
الشيخ
ل ألومهم ول أحمل الضغينة عليهم والله الن ..
لقد مرت على تلك القصة سنون عديدة ..
فهي الن فقط ذكريات بقيت في الخيال ..
هم بشر وقد نقل لهم عني ما يسئ ..
وثبت لهم بعض ما نقل عني فكانت تهمة متلبسة بجميع تفاصيلها!!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلللم ) ربمللا يكللن أحللدكم ألحللن
بحجته فأحكم له فيقتطع قطعة مللن النللار ..إنمللا أنللا بشللر !!!( إذا
كان هذا من رسول الله فما بالك بمن سواه..
89
اللوم كثير منه يقع على ذلللك الناقللل اللللذي امتلء قلبلله حقللدا وغل
علي ل لشيء سللوى ظنلله الغللبي أننللي جئت لجللل منافسللته علللى
المكانة التي حصل عليها من شيخنا..
هل كل من كان أكثر علما هو خير الناس ؟؟
ألللم يقللل رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم إن الحسللد ليأكللل
الحسنات كما تأكل النار الحطب ما فللائدة العلللم الللذي تعلمنللاه إذا
كان سيوصلنا لهذه الحال...؟؟؟
اللوم أيضا يقع علي أنا في عدم إخبار الشيخ بالوقائع فللور قللدومي
لعنيزة ..
ول اشك ثانية واحدة أن شيخنا لن يللتردد فللي حلهللا بصللرف النظللر
عن علقتي به..
فهو رجل علللم وإصلللح ورأيللت مللن المواقللف مللا هللو أصللعب مللن
مواقفي سعى شيخنا بحلها والصلح فيها ...
كللدت أجللن مللن الحللزن والهللم والضلليق لللم أكللن أعلللم مالللذي
سأفعله ...
أذن الظهر فلم أطق الستعداد للصلة ...
انتظرت قدوم الشيخ للمسجد ..حيث يمكنني مشاهدته حينما يقدم
ماشيا ..ملن نافللذة غرفللتي ...وحينملا رأيتلله قادملا زادت حسللرتي
وألمي عليه وعلى تلك الساعات التي قضيتها معلله ولللو أنهللا قليلللة
ولكنها باهظة الثمن!!
قلت في نفسي :ما ذنب شيخنا من هذا كله ؟؟
أنا الملوم وأنا من يستحق اللوم ؟؟
أنا الذي أسللأت إليلله ويجللب علللي بصللرف النظللر عللن كللبر الخطللأ
وصغره يجب علي أن اعتذر منه ..وأشرح له ما حصل ..
استجمعت قواي ونزلت للمسجد وصليت مع الجماعة ..
وبعد الصلة رافقت الشيخ لبيته ...
لم يكن يلتفت إلي مع أنني كنت أسللير بجللواره فعلمللت أن الشلليخ
غاضب مني ..
والله المستعان وعليه التكلن .......
الحلقة السابعة والعشرون
91
وحدثته عن مشكلتي مع الوالد ..وكذلك عن سفري للرياض..
ثم تعرفي على سعود المعاشي ..
وقصة النتساب لقبيلة شمر ...حتى وصلت للقصيم ..
كنت أتحدث معه والعبرة تخنقني ..
وأحاول جاهدا أن ل أفقد أعصابي ..
لم يكن الشيخ يقاطعني بل كان يستمع لي بكل إنصات ..
مع أن ملمح وجهه لم يظهللر منهللا علمللات القبللول لكللل مللا كنللت
أقوله ..
وله الحق في ذلك فالتهمة قد ضخمت حللتى وصلللت لحللد أطلعكللم
عليه لحقا..
حيث لم أعرف كل شيء آنذاك...
شيخنا رجل أريب ولماح وشديد الذكاء ..
فهو يميز الغث من السمين ويزن المور بموازين دقيقة ..
هللذه المللوازين والمقللاييس أو المعللايير ليسللت مبنيللة علللى الهللوى
والظن والتشكك والبناء على
ذلك ..بل هي مبنية على سبر الغوار ودراسللة المسللألة مللن جميللع
وجوهها مع خشية الله
تعالى وتأله ومراقبة وابتغاء مرضاته ل تأخذه في الحق لومة لئم ..
وهكذا العلماء هم
قال الله تعالى ) إنما يخشى الله من عباده العلماء(...
بقيت أتكلم أكثر من ساعة كاملة ..
فلما ختمت حديثي قال لي :ما فعلته خطأ وتصرف أهوج ..
ولو أنك أطلعتني من أول المر على ما حصل ..لمكننا التصرف ..
ولكن
قدر الله وما شاء فعل...
أذهب الن للسكن ،وسوف أرى ماذا يمكننا عمله..
قبلت رأس الشيخ وخرجت وأنا خائر القوى ل أكاد أستطيع السير..
رجعت للسكن وانتقلت لغرفة الخ محمللد زيللن العابللدين بللأمر مللن
الشيخ!!
هل هو تحفظ عللي ؟؟ لكلي يراقبنلي؟؟ أم كلان ذللك بسلبب آخلر
92
أجهله ؟؟
كان الخ محمد هلو غالبلا الوسليط بينلي وبيلن الشليخ وقلد لمحلت
مرارا
الخ محمد يلتقي بصاحب الفتنة!!
ل أقصد من ذلك أبدا أن أتهم الخ محمد ،فراية محمد والله عنللدي
بيضاء ولكنه رجل
حصيف يسعى للصلح والتقارب بكل الوجوه الممكنة .
لقد كانت ردة فعله طوال المشكلة أنه لم يظهر النفعال والغضللب
بل كظم غيضه
وانتظر ما تصير عليه المور بيني وبين الشيخ...
تغيلرت الوجلوه عللي وتنكلرت النفلوس وضلاقت عللي الرض بملا
رحبت ..
أصبح السكن بالنسبة لي ككابوس مخيف ونفق مظلم ل نهاية له
لم يؤذني أحد بكلم أو فعل الحمد لله ،
ولكن كانت مجرد النظرات والصمت الرهيب حولي
يولدان الكآبة والحزن والسى في نفسي ..
لم يكن الطعام في السكن مع الطلبة لي مستساغا بل أصبح غصة
في الحلق ..
ولذلك لم أحرص على مخالطة الطلبة ول أن أتحدث معهم ..
كنت أطلب من علء الدين أن يعطيني الطعام فأذهب به لغرفتي
أو أن أنتظر خروج الطلبة فآتي فآكل من الطعام البارد وحدي..
كنت أجلس في الغرفة اقرأ القرءان ..
حينما يمر المرء بأوقات عصيبة فإنه يحتاج لمن يؤنسه ..
لقد كان أنيسي في تلك الليالي القرءان وأنعم به من أنيس..
لقد كنت أقرأ السور بتأن وتللدبر وأشللغل فكللري بمعانيهللا العظيمللة
مما أفهمه وأدركه ..
فيكون في ذلك من النس والتطمين والترويح ما جعلني أغتبط بمللا
أنا فيه!!
من السور العظيمة التي قرأتها مرارا وتكرارا سورة يوسف ..
حيث كنت كلما وصللت لمقطلع انكشلاف شخصلية يوسلف لخلوته
وقد صار سيد مصر
تصيبني نوبة بكاء ثم يتبعه أمل واستبشار قريب بفرج الله تعالى..
من السور التي تأثرت بها كثيرا في تلك اليام سورة فاطر!!
إن في هذه السللورة مللن المعللاني والعللبر والتوجيهللات والشللارات
93
العظيمة
مالو تأمله المرء لخرج بآلف مؤلفة من العبر والفوائد..
من السور التي تأثرت أيضا بها سورة القصص وقصة موسى عليلله
السلم وإلقاء
أمه له في التابوت وخوفها عليه ثم عيشه وترعرعه في بيت عدوه
وما وجده في حياته من العنت والمطاردة والخوف حتى بعثلله الللله
سبحانه وتعالى
لفرعون وقومه وبني إسرائيل ...
القرءان يا إخوتي الكرام يا أخللواتي هللو خيللر صللديق ومللؤنس فللي
الشدائد
وصدق الله تعالى حينما قال ) أل بذكر الله تطمئن القلوب(
في ذاكرتللي عللن تلللك اليللام تشللويش رهيللب فكلمللا طرقللت بللاب
الذاكرة
لكي تفتح لي نافذة أو كوة أو خرقا صغيرا نحوه ترفض ذلللك رفضللا
قاطعا !!..
كأنها تقول لي :مالك ومال تلك اليام !!...
ألم يكف ما تجرعته فيها من آلم هائلة!!
دع تلك المآسي في جوفي ،ول تفتح الباب فتفسد على نفسك مللا
بقي من عمرك!!
فيكفيك ما أنت فيلله الن مللن متللاعب أنللت فللي غنللى عللن المزيللد
منها !!..
وخوفي أن يأتيك ما كنت تظنه عللبرة وعظللة للخريللن فيكللون فللي
مجرد ذكره
تعجيل حتفك !!!
فهل تريد الن أن تنبش الوجاع وتعيد الذكريات الحزينة!!
قلت لها :دعينا يا ذاكرتي الحزينة دعينا نروي للناس ما حصل حتى
يعتبروا من حالي ..
وليعلموا كيف أن رحمة الله سبقت سخطه وعقابه ..
حينما هبت جنود أبليس وأعوانه لنجدة أشرار الناس في النيللل مللن
علم المة
دعيني أحكي لهم كيف طردني الناس ورموني بالحجار حتى فررت
منهم على قارب
صغير غرقت به في منتصللف البحللر ..فبقيللت أسللبح وأسللبح حللتى
94
وصلت للشاطئ المقابل!!
ولم أكد أصل !!
ثم زحفت على بطنللي علللى الرمللال حللتى ارتفعللت علللى تلللة فللي
الشاطئ ..تشرف
على غابة أمامي ...
فتجولت بناظري حولي فرأيت من خلف الشجار المظلمة ..
عيونا ل تختلف نظراتها عن تلك النظرات التي فررت منها ..
والللتي تطللورت حالهللا مللن مجللرد العتللاب أو الحقللد ليتبعهللا اليللذاء
والمطاردة!!
حينها سقطت مغشيا علي ...
دعيني أروي لهم كيف أن شيخنا لمحني من بعيد ملقيا على شاطئ
الحزان..
فجاء ذلك الشيخ الجليل يسير من داخللل تلللك الغابللة ووقللف علللى
رأسي ...
فرآني ل يكاد يسترني ثوب من العري..
قد تشققت أشداقي من العطش ..
وقد ضمر بطني من الجوع
وقد تتابعت أنفاسي الضعيفة من الجهد فكدت اتلف وأموت ...
حينها انحنى الشيخ نحوي ..
ووضع يده الباردة على وجهي ومسح بها دمعتي وقال:
ل تحزن يابني إن الله جاعل لك فرجا قريبا !!
لقد ولد الصمت الرهيب حولي بعد تلللك الجعجعللة الللتي مللرت فللي
الرياض ولد ذلك
في نفسي فراغا وخواء ورغبة في الموت أو النتحار!!
ليس هو النتحار بمعنى إزهاق الروح بل بالعودة من حيث أتيت !!
لم أترك فكرة تدور في خلد أي إنسان إل وفكرت فيها ..
بقيت معلقا بين السماء والرض أيهما يجذبني ..
حين ذلك وأنا في معمعة الفكر استدعيت من الشلليخ ..مللن طللرف
الخ محمد زين العابدين
قال لي شيخنا :استمر في حضور الللدرس مثلللك مثللل الخريللن ول
تقصر في الطلب ..
95
وسوف أتحدث مع والدك في الموضوع أو أنه قال :لقد تحدثت مع
والدك في الموضوع ؟؟
نسيت والله !!..
والنتيجة :إن خطأك وجسارتك علللى والللدك وهروبللك مللن المنللزل
وتركك لدراستك وتغيير
نسبك كل ذلك ل يجوز أن يمنعك من طلب العلم..
كان الشيخ كمثل الطبيب يشخص المرض ويضللع يللده علللى موضللع
اللم ثم يقرر الدواء ..
هل سيكون بالبتر أو بالترياق أم بالحمية؟؟؟
قلت له :جزاك الله خيرا إن كلمك هذا يعطيني بصيص أمل ..
لم أطل معه الحديث ...
عدت بعدها للسكن ..
أتعرفون مالذي فعله صاحبنا ذاك؟؟
لقد صار يصحب شيخنا مشيا على قدميه بعد كل صلة لظنلله أننللي
لن أجرؤ على
السير مع الشيخ بحضوره!!
ظن ذلك المسكين أنني بمجرد ذهابي مع الشيخ بعللد الللدرس فقللد
كسبت وده !!..
إذا فما حال عشرات الطلب الخرين ؟؟
هذا من فضل الله تعالى علي والحمد لله ..
في البداية هبته وخشيت شره وبطشه خاصة بعللد الللذي فعللله فللي
من إساءة وتشويه سمعه..
ولكنني عدت لسابق عهدي فحينها مل وتراجع !!
ولكنه لم يعدم حيلة لمنعي من الخير ..
كلف شخصا اعرفه جيدا بمراقبتي فكان ذلك المعتللوه يسللير خلفنللا
بسيارته السوداء
وينتظرني بعد
كل صلة فيسير بالسيارة حتى يصل الشيخ لبيته حينها أسلللم علللى
الشيخ وارجع!!
شعر الشيخ بعد أيللام بمللا يفعللله الرجللل فاسللتدعاه وسللأله مالللذي
يفعله ومن كلفه بذلك ؟؟
فتعذر بأعذار يعيب علي ذكرها هنا !!
حينما عزمت على حضور الدروس بعد الحديث مع شيخنا ..
وجدت أن مكاني قد سيطر عليه شخص آخر جاء من طرف جللاري
96
القديم!!
ولكنني لم استسلم لهذا التعامل الرخيص البليد...
صرت احضر مبكرا وأنازع على المكان الذي حافظت عليلله شللهورا
حتى دان الجميع لي
بذلك..
كنت اجلس بجللوار ذلللك الحقللود ولكللن بينللي وبيللن قلبلله كمللا بيللن
المشرق والمغرب!!
والحمد لله يشهد علي جميع من عرفنللي أننللي لللم أتفللوه نحللوه ول
في ظهره بعبارة واحدة
تسيء له ..بل كنت أقللر بفضللله وعلملله وسللبقه مللع بغضللي لفعللله
معي والله حسيبي وحسيبه
بعد عدة أيام اسللتدعيت مللن الشلليخ مللرة أخللرى وهللذه المللرة مللع
محمد زين العابدين..
أذكر تلك اللحظة جيدا كانت بعد صلة عشاء ..
سرنا ثلثتنا إلى بيت الشيخ دون مرافق آخر ..
كان الشيخ يتكلم ونحن منصتون ،يقول لي..:
فلن قد حمل عليك ويريد منك أن تترك عنيزة وهذا ل حق للله فيلله
ول أوافقه عليه ..
ولكن أنت يجب عليك أن تحاول كسبه والتودد إليه !..
أو ابتعد عنه ولينصرف كل واحد منكما لطلب العلم ...
ثم عاتبني الشيخ في تحدثي مع الرجل ذاته سابقا في أمللور تخللص
الشيخ وكيف أن الناس سيستغلون ذلك ضدي!!
وأنه زعم أنني جاسوس مدسوس ضد الشيخ !!
وكلفت بالتقرب منه لكي أكسب ثقته ومن ثم أطلللع علللى أسللراره
وخصوصياته ..
فابعثها لمن اتبعه!!
فقلت له ياشيخ :هل تصدق هذا الكلم ؟؟
صمت الشيخ ولم يرد أن يسمع الخ محمد جوابه !!
خوفا من أن يصل الكلم لصاحبنا فيفهم أن الشيخ في صفي وخيرا
فعل !!
وعدت شيخنا خيرا وأن استمر في العلللم وفللي دراسللتي النظاميللة
إرضاء لوالدي ..
فقال :سوف أتصل على والدك حتى يأتي هنا لكي أتفاهم معه!!
فقلت له :افعل ياشيخنا ما تراه الصلح وأنا أرضى به ..
97
ثم طلب الشيخ مني التأخر قليل ليتكلم مع محمد على انفراد ..
فتكلما قليل وهما يسران ..ثم دعاني الشيخ..
فكرر علي كلمه السابق كأنه يتوثق مني ثم قال ..
سوف أسافر بعد أسبوعين لمكة لداء العملرة وسلوف اطللب ملن
والدك الحضور لمقابلتي
هناك!!
ولم يذكر لي هل سأرافقه أم ل؟؟
الحلقة الثلثون
لقد كانت تلك القضية على طوال عللدة أيللام وقللد تتجللاوز السللبوع
مثار قلق لشيخنا فأشغلت باله وتفكيره ..
خاصة وان صاحبنا لم يترك طريقة أو وسيلة للنيل مني إل وفعلها..
ولول خوفي من غضب بعض الخوة ممللن يعللرف الرجللل لحللدثتكم
بأشياء فعلها وقالها ل تكاد تصدق !!..
لقد سعى صاحبنا في البداية للنيل من شخصللي ووجللد مبتغللاه فللي
بعض المور..
ولكنه حينما رأى الوضع توجه للهدوء،أراد إثارة زوبعة أخللرى ولكللن
هذه المرة من داخل بيت الشيخ !!
ل أريد سرد تفاصيل ما حللدث ممللا قللد يفهللم منلله النيللل مللن أبنللاء
الشيخ وزوجه وولده وأقاربه..
فهم والله كرام أبناء كرام ولهم فللي قلللبي كللل المعللزة والحللترام
ويزيد حقهم علي بصلتهم بشيخنا رحمه الله
ومهما بدر منهم فل ألومهم واللوم كله أو جله يقع على ذلك الرجل
وعلي أنا في جزء منه كما سبق بيانه..
لقد سعى صاحبنا ذلك فأفسد قلوبهم علي فرأيت منهم من الجفللاء
والكره والتأفف
ما حطم فؤادي وشق صدري من السى ..
غير أنه لم يكتف بذلك بل إنه أفسد قلب بعض أقارب الشلليخ علللى
الشيخ نفسه ..
ولو شئت لذكرت ذلك بالسماء والمواقللع ومللا قللاله ،ولكللن حفظللا
لسر شيخنا وعدم الفائدة من ذلك ثانيا أمتنع عن فتح الباب ...
ولقد آذى ذلك شيخنا وضلليق صللدره حللتى حنللق علللى الرجللل كمللا
98
سيأتي ذكره لحقا إن شاء الله..
مرت اليام وأوشكت المور أن تعود كسابق عهدها ...
تأثر بعض الطلبة بتلك الواقعة حيللث هجرنللي عللدد منهللم اسللتهجانا
لفعلتي ..
انتقل الخ محمد من السكن وعيللن الخ دخيللل الشللمراني مشللرفا
على السكن لفترة وجيزة
لم تطل..
استدعاني مرة وكان يحملل فلي يلده ملفلي اللذي كلان فلي أدراج
ملفات طلبة السكن فقال لي:
أنت لست من قبيلة شمر ؟ أنت من قبيلة كذا؟؟
فقلت له :هذا الموضوع ل يعنيك ثم انصرفت وتركته!!
كفاني ما أنا فيه من مشاكل حتى أفتح على نفسي جبهة جديدة!!
أذكر أنني في تلك اليام التي سبقت سفري أن أمللوري مللع الشلليخ
كانت على ما يرام..
وفي إحدى الليالي بعد صلة العشاء طلبت من شيخنا أن يوفر لللي
جهاز تسجيل صغير..
لكي أقوم بتسجيل فتاويه التي يلقيها في طريقة للبيت ممللا يصلللح
للنشر..
أعجب الشيخ بالفكرة ول أدري هل سبقني عليها أحد؟؟
أشترى لي جهازا ممتللازا وبللاهظ الثمللن ولكنلله ثقيللل الللوزن وينفللع
للضرب!!
ل تستعجلوا علي سأحكي القصة ل حقا!!
طلب مني الشيخ أن أستعد للسفر برفقته لجده ...
حيث أنه رتب مع والدي اللقاء هناك ..بعد أداء العمرة...
لم أجرؤ على أن استفسر من الشيخ ما دار بينه وبين والدي !!
وكنت في نفسي أقول ) ل تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم(!
اشللتريت التللذكرة بالدرجللة السللياحية ...علللى ذات الرحلللة مللع
الشيخ...
ظن صاحبنا أن الموضوع انتهى وأننللي لللن أعللود لعنيللزة فقللد كللان
على اتصال بوالدي طوال
السبوعين المنصرمة كما سيأتي ذكره ..
ولذلك ل حظته مبسوطا مستبشرا مع الطلبة
بخلف اليام الخالية فهو ل يكاد يرفع رأسه من الغيظ والغضب!!..
سألت الشيخ هل ستعتمر ؟
99
قال نعم..
فقلت :هل أشتري لي إحراما ؟
فقال :إن شئت...
في يوم السفر توجهت لمنزل الشيخ فطرقت الباب ..
ففتح لي باب الملحق...
لقد فتح لي الباب شللاب فللي سللني تقريبللا وفيلله شللبه كللبير بللوجه
شيخنا ..
هذا هو عبد العزيز ابن الشيخ ..
تعرفت عليه ،وفهمت من كلمه أنه سيكون برفقتنا!!
قادنا للمطار هذه المرة ابن الشيخ عبد الله وشيعنا للمطللار تقريبللا
جميع أبناءه
كان الشيخ متوترا على غير العادة وقليل الحديث وأنا أتفهللم سللبب
ذلك!!
فلقد كان غالب أبناءه متوجسين من وجودي ويعتللبروني دخيل غيللر
مرغوب فيه..
وصلنا للمطار على موعد القلع تقريبا ...
سألني الشيخ ونحن متجهون للطائرة أين إحرامك؟
فقلت له في الكيس الذي أحمله في يدي..
قال :لو أنك لبسته في بيتك كان أسهل عليك ...
لحظت أن الشيخ يلبس الزار من تحت ثللوبه بحيللث أنلله إذا حللاذى
الميقات خلع ثوبه ثم يلبس الرداء ...
وهذا ما كان ...
بقيت أنا وعبد العزيز ابن الشيخ متجاورين في الدرجة السياحية ..
ووالده شيخنا في الدرجللة الولللى حيللث هللو مستضللاف مللن مركللز
الدعوة في جده للقاء
محاضرات وندوات ولقاءات عامة ونحو ذلك مما سيأتي ذكره ..
كللان لعامللل السللن دور كللبير فللي تسللهيل التعامللل مللع الخ عبللد
العزيز ..
100
وكذلك لين جانبه وتمتعه بالخلق السامية جعل مللن رفقتلله مكسللبا
لي ..
حاولت جاهدا أن أغير الصورة التي رسلمها ذللك الرجلل عنلي فلي
مخيلة جميع أبناء الشيخ وأقاربه ،غير أنني لم افلح فهو بهللم أوثللق
ومنهم أقرب وعلقته أرسخ وأقدم!!
وأنا في موضع تهمة وغريب وثبت علي ما يخل بوضعي !!
ولكنها بالتفحص والنظر المنصف ليست مبررا للهجللران والقطيعللة
أو الظلم واليذاء!!
بقيت أتحدث أنا وعبد العزيز في أمللور عامللة وتجنبنللا الحللديث فللي
المور الخاصة فقد كان كلنا متحفظا!!
سمعت كابتن الطائرة يقول على الميكرفون ..
نرحب بفضيلة الشيخ محمد بن صللالح العللثيمين المرافللق لنللا علللى
هذه الطائرة ..
بعد انقضاء أكثر وقت السفر واقترابنا من الميقات جاء إلينا الشلليخ
بنفسه ..
وهو لبس للحرام ولحيته تقطللر مللن طيللب الللدهان ..ويللرى أثللره
على لحيته البيضاء..
فقال لنا :قوما والبسا إحرامكما ولبيا للعمرة ...
لبسنا الحرام ولبينا ودخلنا في النسك..
هبطت الطائرة لمطار جده ...
وتوقفت وفتحت أبوابها ...
خرجت أنا وعبد العزيز من الباب الخلفي للطائرة ..وكان همنللا أن
نجد الشيخ..
ونحن ننزل من الدرج لحظنللا عللددا مللن السلليارات الفارهللة تقللف
أمام سلم الطائرة لتستقبل ضلليوفا ل نعلللم أننللا نحللن المقصللودون
بذلك!!
كان الشيخ واقفا يصافح حشدا من الناس أمام السلم مباشرة ..
توجهنللا للشلليخ فأشللار لبنلله عبللد العزيللز وإلللي أن أركبللا مللع أحللد
السيارات..
ركبنا في السيارة وخرجنا من المطار..
وتوجهنا لحي الروضة في جده..
توقفت السيارات أمام بيت فاره كبير ذا لون أبيض ..
أنزلنا حقائبنا وثقلنا ودخلنا البيت لكي نرتاح قليل..
هذا المنزل هو المكان الذي اعتاد شيخنا النزول فيه كل مرة ينللزل
101
لجده..
وهو منزل الوجيه الشيخ صالح بن إبراهيم الزامل..
هذا الرجللل الكريللم صللاحب المللرؤة العاليللة والنبللل النللادر المحللب
للعلماء ..
رجل قد أغناه الله من واسع فضله ..فهو من أثريللاء ووجهللاء جللده
يقول لي أحد معارفه:
كان أبو إبراهيم رجل مقبل عللى اللدنيا يمللك القصلور والفللل فلي
سويسرا ولندن وأمريك
ثم إنه تاب إلى الله تعالى وتوجه للطاعة فتصللدق بجللزء كللبير جللدا
من ماله ..
يحبه شيخنا حبا جما ،ويكرمه بالنزول في ضيافته كل مرة ..
سمعت من شيخنا ثناء عاطرا علللى هللذا الرجللل ونعللم الرجللل أبللو
إبراهيم ..
بارك الله له في ماله وولده..
مكثنا قليل ووضع لنا الغداء وبعدها توجهنا لمكة لداء العمرة...
كان مرافقنا بالضافة إلى الشيخ صالح الزامل هو دليلنللا الخللر الخ
علي السهلي..
وهللو شللاب محللب للعلمللاء مللن سللكان جللده ويتحفللك بالحللديث
والطرائف ..
فيكون النصب والرهاق في صحبته متعة!!
بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء...
كان الشيخ طوال الطريق يلبي ويرفع صللوته بالتلبيللة ..حللتى يكللاد
يبح صوته من ذلك..
كنت أراقبه وأفعل مثل ما يفعل وأقول مثلما يقول...
وكان يقطع أحيانا ذلك بالحديث معنا والسؤال عن شيء يهم..
غير أنه في الغالب ل ينقطع عن الذكر والتسبيح...
102
كان الشيخ يسرع في خطاه حتى يكاد أن يجري ..وهللو مللا يسللمى
الرمل
وكنا نفعل مثل ما يفعله خلفا لكثير من الطائفين ..
لحظنا أحد العاملين في تنظيم المعتمرين حول الكعبة ..
وهو رجل كبير في السن عليه عباءة مزررة باللون الذهبي..
مر بجواره الشيخ فلم يعرفه فنادى على الشيخ :إن ما تفعله بدعة
وخلف السنة!!..
فلم يلتفت إليه الشيخ ولم يرد عليه..
وحينما مر بجواره المرة التالية كرر عليه الكلم ..
حينهللا رد عليلله الشلليخ وهللو يسللير )والرجللل يلهللث خلفلله ويمسللك
بمنكب الشيخ يريد إيقلافه!!( قلائل :قلد ثبلت بلالنص أن ذللك ملن
السنة وروى له الحديث ..ثلم دفلع يلده واسلتمر ..ثلم قلام الشليخ
صالح الزامل وهمللس فللي أذن الرجللل وقللال للله :الشللخص الللذي
تتكلم معه ،هو الشيخ محمللد بللن صللالح العللثيمين عضللو هيئة كبللار
العلماء!!
تللأفف الرجللل وقللال :ل حللول ول قللوة إل بللالله ،واللله مللا عرفللت
الشيخ ..
بعد انقضاء الشواط الثلثة الللتي يرمللل فيهللا ،مشللينا مشلليا عاديللا
ولحق ذلك الرجل بنا واعتذر من الشيخ ..
ل يحب شيخنا أن يعرف نفسه لحد فذلك ليس من شيمه ..
إل إن رأى حاجة لذلك ..
من المواقف التي أذكرها جيدا ..
في سنة من السنوات كنت أسعى بين الصفا والمروة معه ...
وكان الشيخ بطبيعة الحال محرما ..وكثير من الناس ل يميللز جيللد ا
حينما يكون محرما..فهو بخلف الشكل المعتاد له..
مررنا بجوار رجل في الخمسينيات يحمل مصحفا فللي يللده ويلبللس
نعل في المسعى..
فاقترب شيخنا منه وقلال لله :ل ينبغلي للك يللا أخللي أن تسللير فلي
المسعى بنعلك..
فالتفت للشلليخ ولللم يعرفلله وأخللذه طللول وعرضللا وقللال :هللذا مللن
السنة!!
فقال له الشيخ :نعم هذا من السنة حينما كان الصفا والمروة واديا
مفروشا بالحصى والتراب ..أمللا الن فهللو مبلللط ولللو لبللس النللاس
النعال مثلك لتأذى المصلون من ذلك ..
103
فقال الرجل :هذا أمر ل يعنيك وانصرف وترك الشيخ !!
فلحقه شيخنا وقال له :أريد أعرفك بنفسللي ،أنللا أخللوك فللي الللله
محمد بن صالح العثيمين!!
فقال :هو أنت ؟؟
الشيخ؟؟
قال :نعم أنا !!
فللانحنى الرجللل وحمللل نعللله وقللال :والللله ياشلليخ مللا عرفتللك
سامحني!!
وقبل رأس الشيخ واعتذر منه ...وهي تحية تعورف أنها للعلماء!!
فقال الشيخ :سامحك الله يا أخي ..لو أنك عرفت الرجللال بللالحق
خير من أن تعرف الحق بالرجال!!
ومن المواقف التي أذكرها جيدا ..أنه ذات مرة كان الشلليخ خارجللا
من باب الصفا من الدور الثللاني بعللد صلللة العشللاء ..فلمللح عللامل
سعوديا في البلدية يطارد امرأة تكر ونيللة ممللن يبعللن أمللام الحللرم
بعللض الخللردوات والزينللة والنعللال ..كللانت تجللري وتحمللل متاعهللا
الملفوف في قطعة قماش وتصيح وتولول ..والرجللل يجللري خلفهللا
يريد المساك بها..
وكانت امرأة كبيرة في السن وهو شاب نشلليط فلحقهللا علللى درج
أحد البيوت فأمسك بمتاعها ..فأخذت تصيح وتترجاه وتبكي بصللوت
محزن يقطع الفؤاد ..
وهو ل يلتفت إليها ول يرد عليها..
فرأيت الشيخ أحمر وجهه وامتلئ غضبا وتوجه لذلك الرجل ..
فأمسك به بشدة ونللزع القمللاش مللن يللده وألقللاه فللي يللد العجللوز
فطارت به واختفت عن ناظرنا..
وقال لذلك الشاب الذي صعق مللن الموقللف ولللم يتللوقعه ويسللتعد
له ..وكانت علمات الخوف والتعجب ظاهرة على ومحياه قللال للله:
اذهب لمديرك وقل له إن ابن عثيمين قد أطلق تلك المرأة وسوف
أتحمل المسئولية عن ذلك !!
أعتذر من الشيخ وقبل يده ورأسه وانصرف ...
104
واعتمرت عمرتي التي أعتبرها أول عمرة أعملها قريبة أو هي على
السنة على الطلق..
توجهنا للحلقين اللذين على باب المروة ..
وكعادتهم يصرخون على المعتمرين كل ينادي على محله..
فاختار الشيخ رجل كبيرا في السن من الباكستان ولحيته حمراء ..
وقال ذلك الرجل له :أنا أعرفك أنت فيه مطوع كبير !!
حلللق الشلليخ وحلقللت ،وأبللى عبللد العزيللز أن يحلللق بللل كللان يريللد
التقصير ..
فقال له الشيخ :ياولدي أكسب دعوة رسول الله حيث دعا مرتيللن
للمحلقين ،ففعل..
انتهينا من الحلق ،وتوجهنا للسكن وهي عبارة عن شقة تابعة لحللد
أصحاب الشيخ
تقع أمام باب المروة مباشرة ،وقد هدت لحقا ...
حصل لي في تلك العمارة موقفان ل أنسللاهما أبللدا ..ولعللل فيهمللا
طرفة !!
واسمحوا لي أن أحكيه لكم فيها ل تخلوا من فائدة ودعابة !!
كانت الشقة التي نقيم فيها في الدور الخير وهو العاشر ..
وذات مرة في إحدى الزيارات لمكة ..صللعدت مللع الشلليخ ..علللى
مصعد الشقق الوحيد
وصعد برفقتنا الشيخ سعد البريك الداعيللة المعللروف والمقيللم فللي
نفس العمارة ..
نزل الشيخ سعد في طابقه وغادرناه لطابقنا العاشر..
وفجأة توقف المصعد عن العمل وبقينا معلقين بين طابقين..
ضغطت على زر النداء فلم يجبنا أحد وكدنا نختنلق مللن الحللر وقللة
الهواء..
عندها قمللت بللدفع بللابي المصللعد وفتحتهمللا بعللد محللاولت عديللدة
وبالكاد فتح!!
ولكن تبقى المشكلة أنه معلق بين طابقين ،ولكن مللن رحمللة الللله
بنا أن بقيت في أسفله
فتحة بسيطة ..يمكن المرور منه
ولكن بمشقة ،وفيها خطورة حيث من الممكن أن يتحرك المصللعد
في أي لحظة فيحصل
مال يحمد عقباه !!
نزلت أنا أول فخرجت بنجاح ،وبقيت ألح على شيخنا بالنزول حللتى
105
وافق على
مضض..فتدلى من الباب فخرج والحمد لله !!
ولولم نفعل ذلك لهلكنا بل شك ..
والموقف الخر ،
ذات مرة جئنا لنفس السكن ولكن هذه المرة كان المصعد عطلنللا
بالمرة ول يعمل..
فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق !!..
صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة أمللا أنللا فتعللثرت مللرارا وهممللت أن
أرجع للحرم وأترك
الشيخ!!
فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلللت وكللاد
نفسي ينقطع!!
غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مللع الميللر
عبد الله ولي العهد ..
وهي ضرورية ول يمكن تأخيرها ..
فقال لي :احضر الهاتف لكي اتصل ..فبحثت عن جهاز الهاتف في
كل غرف الشقة..
فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بللالفيش فوجللدته موصللول
بغرفة مغلقة وليس لدينا لها مفتاح!!
علمت من وجه الشيخ وملمحه أن ل خيار لديه ..
فقررت النزول لشراء جهاز له ..
فقال لي :سوف انزل معك ..
قلت له :أبدا ،وكنت أعلم أنلله سللينزل معللي مجاملللة لللي تخفيفللا
للمشقة!!
وخوفا علي من أن أموت قبل الرجوع!!
فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك ..
نزلنا وما أسهل النزول كما ما أسهل الهدم !!
نحن أهللل الللدعوة نبنللي ونتعللب ونعللاني أمللا أهللل الشللر مللن أهللل
العلمنة والنفاق فيهدمون وما أسهل ذلك فالكللل يقللدر علللى الهللدم
لمن ل ضمير له أما البناء فهي مهنة الشرفاء ..
جعلنا الله منهم..
بحثنا في المحلت فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة السعار ..
فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث أننللي علمللت أن حاجتنللا
إليه لمكالمة واحدة فقط..
106
غير أن الشيخ له رأي آخر !!
بحث عن أرخص جهاز بالسللوق وقيمتلله عشللرة ريللالت وهللو أشللبه
بلعب الطفال!!
فقلت له :ياشيخنا هذا ما ينفع لشيء !!
قال :ياولدي مكالمة واحدة فقط !!
فأخذناه واستحييت والله من شراءه ولكن هذه هي رغبة الشيخ ..
وليس هذا بخل منه كما قد يظن بعض أهل الغفلللة بللل الشلليخ مللن
أكرم الناس
كما يشهد بذلك من عرفه ولكنه مقتصد على نفسه بأقصى الحللدود
رحمه الله وعفا عنه..
صعدنا الدرج ويا للعذاب !!
فظن شرا ول تسأل عن الخبر..
وصلت للشقة فرميت نفسي تحت دش الماء واغتسلت من العللرق
والجهد!!
دخل شيخنا وأراد إصلح خط التلفون فما استطاع فللانتظرني حللتى
خرجت من الحمام..
فقال :تعال أصلح لي الهاتف..
فتأملت ...ثم
قلت له :ليس من سبيل سوى بقطع سلك تلفون صللاحب المنللزل
وتوصيله..
فأبى الشيخ وقال :هذا ليس من المرؤة هل تريده يقول :أفسللدوا
سلك تلفوني!!
فقلت له :ما العمل ؟؟
فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش التلفون ..
فقمت بفكلله بسللكين ووصلللت أسلللك تلفوننللا المبتللذل ولكللن أيللن
اللصق الذي يثبته!!
فقلت :ياشيخ التلفون يعمل ولكن نحتاج للصق فهللل سللننزل مللن
اجله للسوق ؟؟
فقللال :كل بللل أوصللل السلللك بيللديك وأمسللك بلله حللتى أنهللي
المكالمة!!
كانت فكرة شاقة ولكنها أهون على نفسي من النزول من الدرج ..
اتصل شيخنا على مكتب المير ..فرد عليه عامل البدالة ..فعللرف
الشيخ بنفسه ..
فرحب به الرجل وقال له سأوصلك بطويل العمر!!..
107
فاستمر في النتظار دقللائق معللدودة حللتى يوصلللوه بللالمير وكنللت
خائفا والله ..
أن يرد طويللل العمللر فيسللقط السلللك مللن يللدي فأحاسللب حسللابا
عسيرا !!
ولكن الله سلم ..
كلم شيخنا المير وقضى منه مللا يريللد ثللم لففنللا التلفللون وأهللديناه
لولد صاحب البيت لكي يتسلوا به!!
108
انعتاقا وتحررا من القيود!!
وإن كان ول شك أن والدي عليله الرحملة والرضلوان ل يقصلد ملن
وراء ذلك سوى مصلحتي
ولكن ...هل كل من قصد شيئا وفق؟؟
هل كل صاحب دعوى هو مقبول على الطلق؟؟
أليس كل أحد معرض للخطأ فللي التوصلليف والملحظللة ممللا يبنللى
عليه
خطأ في اتخاذ القرارات..
أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر أخطأ؟؟
كمللا فعللل مللع ابللن أم مكتللوم فعللاتبه رب الجللللة مللن فللوق سللبع
سماوات؟؟
ولكنني لو رجعت للوراء لكان تصرفي مختلفا للغايللة ،فالحمللد لللله
على ما قدر...
لم يظهر على شيخنا أي ارتباك أو حرج من ذلللك التصللال كمللا هللو
حالي..
وصلنا لجده فوجدنا حشدا كبيرا من الناس في انتظارنا..
جده هذه هي مدينة الشيخ محمد العثيمين!!
يحب شيخنا أهلها وهم أشد حبا له..
وسمعت شيخنا مرارا يقول ذلك
ولذلك حينما يعاتب على حظ جدة منه بخلف المدن الخرى
يقول هؤلء هم جيران الحرم فل تلومونا بحبهم!!
ولذلك من الملحظ كثرة طلبة الشيخ في عنيزة من أهل جده ..
وأما الحضور الكثيف لمحاضرات الشيخ في جده فذلك ل ينافسللهم
عليه أحد..
نزلنا في منزل الشيخ صالح ..
فبدا أن المجلس يغص بالناس ..غير أن هناك ضيفا مميزا في تللك
الجلسة لأنساه!!
دخل علينا رجل حجلازي الطلعلة ،هلادي الطبللاع ،حليلق اللذقن ..
مؤدب ..
فيه سكون ل تكاد تسمع له حسا ...
تقللدم فللي المجلللس ،وحينمللا رآه الشلليخ ..قللام للله ..وصللافحه
بحرارة..
لم يكن وجهه غريبا علي ،فقد سبق أن رأيته ...
ولكنني لم أميز شخصه؟؟
109
فبقيت أحملق فيه وهو جالس بجوار الشيخ ل يكاد يرفع رأسلله مللن
الخجل..
وبعد التدقيق والتمحيص ،انكشفت لي شخصيته ...
فصعقت ،وتعجبت ،وما توقعت أن أرى ذلك أل!!!....
بجوار الشيخ !!
إنه المغني المشهور محمد عبده !!
مالذي أتى به ؟؟
ومن دعاه؟؟
يقيم محمد عبده بجوار منزل الشيخ صالح الزامل وللله جللامع كللبير
هناك قد بناه محمد عبده على نفقته ..
سمعنا جميعا بتوبة هذا المغني ..
وكان لقاءنا به في تلك اليام التي أعلن توبته مللن الغنللاء واعللتزاله
له وليته استمر بذلك!!..
غير أنه مورست عليه ضغوط من جهات معروفة..
فسوغت له الباطل فعاد له والله حسيبنا وحسيبه..
زينوا له أن الغناء مباح خاصة منه ما يسمى بالغناء الوطني ..
كان شيخنا مهتما بمحمد وزاره في بيته مرارا ..
تثبيتا له على الحق ولكن الله لم يرد ذلك ) إنك ل تهدي من أحببت
ولكن الله يهدي من يشاء(
ورأيته مرة يجلس مع الشلليخ لوحللده وكللان يشللتكي للله مللن شللدة
الضغوط عليه ويبكي فكان شيخنا يصبره ويذكره بالله ..
ولقد تبرع لنا الخ محمد بتبرعات جليلة لقضايا إسلمية عديدة عفللا
الله عنا وعنه لعلي أذكرها لحقا..
110
كنت أراقب الباب وأراقب الشلليخ محملد حيللث أن التلفلون الثلابت
وضع بجواره وينتظر مكالمة الوالد...
انتهينا من الغداء وقدم لنا الشاي وبدا المجلس بالنفضاض..
ولم يكن أحد يعلم بقدوم الوالد سواي والشيخ محمد والشيخ صالح
..
بقيت مع الشيخ محمد وذهب الخرون للقيلولة ..
وأجهد الشيخ من النتظار فدخل غرفته ونام..
أذن العصر وتوجهنا للمسجد..
وبعد الصلة عدنا للبيت ..
وبعد نصف ساعة من الصلة ..رن جرس الهاتف...
فرد الشيخ صالح الزامل ..فعرفت من كلمه أنه الوالد ..
وصف له المنزل وصفا دقيقا ..ثم أغلق السماعة..
ناداه شيخنا وهمس في أذنه وطلب منه أن يللوفر لنللا مكانللا منعللزل
عن الخرين ..
كان التوتر على أشده مني ،بينمللا شلليخنا كللأن علللى فللؤاده قللالب
ثلج!!
وهكذا الرجال اللذين طحنتهم الحيللاة طحنللا وتعلمللوا مللن دروسللها
يواجهون المصاعب بكل ثبات وروية واتزان...
ذهبت برفقة الشيخ صلالح للفيل المجلاورة حيلث سأسلتقبل الوالللد
قبل قدوم الشيخ..
بقيت في الخارج واقفا في الشمس ..ول يقر لي قرار..
كنت أتصور غضب الوالد وهو رجل غضوب مللن طبعلله فكيللف وهللو
في هذا الحال؟؟
حيث مضى على هروبي من المنزل حوالي الخمسة شهور ...
بعد دقائق تقدم حارس الفيل وفتح البواب الضخمة ودخلت سلليارة
جمس كبيرة لونها احمر وأسود وهي سيارة الوالد التي عهدت..
حينما دخلت مقدمة السيارة وكان بلط الفناء مرتفعا عللن مسللتوى
الشارع لم يظهر لي وجه الوالد..
و لكن حينما استوت السيارة رأيت وجهه ..
لحيته بيضاء مختلطة بالسواد كمللا عهللدته ووجهلله عللابس بللل عليلله
علمات الغضب والنفعال ..وهذا ما توقعته بالتأكيد !!
كان مشهدا مضطربا يصعب علي وصفه ..
تقدمت لباب السيارة بعد أن استدار بها وأوقفها تحت المظلت ..
ففتحت الباب فانكببت على يد والدي وقبلتها وقبلت جبهته ..
111
فأشاح بوجهه عني ولم يرد السلم علي ..
لم أتضايق مما فعل فأنا أستحق منه أكثر من ذلك !!
لم ألحظ أن معه شخصا آخر سلوى حينمللا سللم علللي ،فاسللتدرت
للصوت..
فرأيت أحد أصدقاء والدي اللذين يحبهللم ويثللق فيهللم وهللو السللتاذ
مشرف الزهراني الستاذ مشرف رجل عاقل ورزيللن ويثللق والللدي
بنصحه ولذلك كانت صحبته للوالد ذلك اليوم من رحمة الله بي...
دخلنا لغرفة صغيرة ملحقة بالفيل حيث تضمن لنا خصوصية كاملة..
جاء الشيخ صالح حينما علللم بقللدوم الوالللد فصللافح الوالللد بحللرارة
شديدة كما هي عادته مع ضيوفه ولللم يكللن يعلللم بالموضللوع الللذي
بيني وبين الوالد ،فأخذ الشيخ صالح يثني علي وعلى حرصي علللى
العلم وأن أعظم توفيق لله لي أن جعل لي قبول لللدى إمللام المللة
الشيخ بن عثيمين .
لشك أن تلك العبارات الصادقة التي نطق بها الشيخ صللالح والللتي
خرجت منه بدون قصد حيث هو ل يعلم عن القصة أصل ولم يخللبره
أحد بها ،كان لتلك الكلمات أثر في الموضوع فكأن معناهللا ..يللا أبللا
محمد ل داعي للقلق فقد حفظ الله لك ابنك فليللس هللو كمللن هللم
من أترابه من الشباب اللذين اشغلهم اللهو فأضاعوا دينهم ودنياهم
بل إن الله هيأ لبنكم مكانا ل تستطيع أنت ول غيرك أن يضللعه فيلله
بل هو فضل خالص من الله عز وجل !!
أحضر لنا القهوة والشاي وكنت أخدم الوالد وصاحبه ...
ولللم نكللن نتحللدث بللل كللان الصللمت رهيبللا والهللدوء منللذر بشللر
مستطير !!..
هذا ما تخيلته وتوقعته...
112
أما أنا فإنني ل يحق لي الكلم بعبارة واحدة!!
فمن رأسي البليد خرجت كل هذه المصائب!!
قرأت في كتاب الحيدة والذي يروي قصة المناظرة المشهورة بيللن
أحد علمللاء السلللف ) نسلليت اسللمه ( وبيللن بشللر المريسللي إمللام
الجهمية وذلك في مجلس أمير المؤمنين المأمون..
حيث وصف ذلك العالم كيللف أنلله أصللابته هيبللة الموقللف بيللن يللدي
الخليفة بالقشللعريرة والرتبللاك ،فلحللظ ذلللك المللأمون وكللان رجل
داهية ..فأخذ يتحدث مع الشيخ في أمور خارج الموضع الذي جاء
من أجله نحو أحوال المدينة التي قدم منهللا وكيللف الغلء والرخللص
فللي السلواق وهلل جلاءهم غيللث ومللا حللال اللزرع والضلرع ونحللو
ذلك ....يريد من ذلك كله أن يلطف الجو
المشحون ويذهب الروع عنه ...
وهكذا فعل شيخنا ذلك اليوم ..
أخذ يتحدث مع الوالد ويسأله عن عمله وكيف أحوال الطائف وعللن
المطار ونحو ذلك
كنت أرقب في وجه والدي البتهاج..
وأخذت أسارير وجهه بالنفراج رويدا رويدا حتى إذا ما شعر الشلليخ
بتهيئته بدأ شيخنا في الحديث في الموضوع الهم!!
قال الشيخ :تعلمون أن الخ فلن ) كنت أتمنللى أن ينللاديني بللالبن
وأظن الشيخ تعمد ذلك لحكمة يقصدها فتأمل!!( قد جاء لعنيزة من
أجل طلب العلم وقد لحظت منلله حرصللا علللى العلللم وصللدقا فللي
الطلب فقربته مني وصحبته معي في بعض أسفاري فرأيت منه مللا
أسرني وتأكدت من أمانته وحرصه على التحصيل العلمي..
غير انه قام أحد طلبتنا بالتصال عليكم وتأكد من حللاله وأنلله هللارب
من بيتلله وجللاء بغيللر إذن والللديه فغضللبت منلله وحصللل أن اتصلللت
عليكم مرارا فدار بيننا الحديث الذي تعلمه وحددنا هذا الزمان لكي
نلتقي واحضر لكم ابنكم فلن لكللي ترونلله ونقللرر فللي حللاله مللاهو
الصلح والرشد له ..
سكت الشيخ ثم بدأ الوالد في الحديث ...
من عادة والدي إذا أراد الحديث الجاد أن يخلع شماغه ويضعها على
حجره ويتكلمبصوت خافت وهادئ...
قال :فلن فعل فعل لم يفعله أحد من الناس ،عصاني وعصى أمه
وترك دراسته وهرب من المنزل ..
قاطعه الشيخ !!
113
وقللال :يللا أبللا محمللد ل داعللي أن تللذكر لللي مللا سللبق أن سللمعته
منك ...خاصة وأن وقتي ضيق
للغاية ولدي محاضرة الليلة والناس تنتظرني في الخارج ..
سوف أعرض عليك أمرا وأنت قرر ما تراه في ابنك!!..
شيخنا رجل حازم ويحب الدخول في صلب الموضوع مباشللرة ،ول
يحب النشغال بتفاصيل قد تبعد عللن الواقعلة الحادثللة لتنتقلل نقلدا
وتمحيصا لما مضى وفات..
قال له :
أريدك أن تترك فلنا عندي في عنيزة وسوف أسجله في المدرسللة
الثانوية لكي يكمل دراسته ،ولك علي يا أبا محمد أن أراقبه وأربيه
كما أراقب وأربي أحد أبناءي وثق تماما أنلله سلليكون تحللت رعللايتي
ومسئوليتي بعد رعاية الله سبحانه فل تمنعه من العلم وطلبه....
أيها الخوة والخوات يصيبني الخجل وأكاد أذوب مللن الحيللاء حينمللا
سمعت هذه الكلمات من شيخنا رحمه الله ..
والله الذي ل إله سواه لم أتوقع أن يقول شيخنا مللا قللال ول خطللر
في بالي ..
حينما تقرءون سلليرة شلليخنا وذلللك حينمللا انتقلللت عللائلته للريللاض
وكان شيخنا من تلميذ العلمة الشيخ عبد الرحمن الناصر السللعدي
فكان لزاما أن ينتقل التلميذ للرياض مللع عللائلته ولكللن الشلليخ ابللن
سعدي طلب من والد الشيخ محمد أن يبقيه في عنيزة حتى يستمر
في الطلب ..
أنا ل أقارن نفسي والله بهذين العلمين الكبيرين ولكن أحكللي ذلللك
الموقف النبيل من شيخنا عليه سحائب الرحمة والرضوان ...
لم يدر في خلدي أن شيخنا سيقول ذلك ولم يكن متوقعللا مللا قللاله
الوالد..
قال والدي وبكل ثقة واطمئنان....
مادام فلن هو في رعايتك وتحت مسئوليتك فأنا أوافق على بقللاءه
في عنيزة
بشرط أن يكمل دراسته ويجتهد فيها ويبتعد عن رفقة السوء ..
وله عللي ياشلليخ محملد أن أرسلل لله نفقلة شللهرية قلدرها ألفيلن
ريال ..
114
أكاد أعجز أحيانا وأقف محتارا في صياغة بعض العبللارات المناسللبة
في توصيف بعض الحداث !!
إن لكل كلمة رنينا خاصا ولحنا مميللزا ولكللل عبللارة وزن ل بللد مللن
مراعاة نغماته حتى تعطي النطباع الصادق لما ترمي إليه !!
بالمختصر ذلك أكبر من طاقتي !!
ليتني شاعرا أو أديبا حتى أنطق بما يعتلج بدواخل نفسي ...
صدقوني أيها القراء الكرام أنني حينمللا أتللذكر تلللك اليللام أو أكتللب
عنها ..
فإنني أعيش في جنباتهللا كالسللائل الحللائر المسللكين يحضللر توزيللع
الغنائم أو الرث!!
ما ذا كان حالي تلك اللحظات ؟؟
كيف اصف مشاعري حينما سمعت ماقاله شيخنا؟؟
كيف أصف حالي حينما سمعت والدي يقول ما يقول؟؟
بكيت والله ،بكيت بكاء فرح ومرارة معا !!..
ذرفت الدمع وكاد أن يكون نهرا جاريا من دمي ...
بكيت من اللم الذي اكتويت به طوال تلك الشهور التي مرت عللي
كقرون ..
من الطائف لبها للرياض لحائل ثم للقصيم وبينها أمور لو تعلمونهللا
ل أخالكم تودون معرفتها !!
دعوها لي فأنا لوحدي أكتوي بها وأجري على الله ...
قمت لوالدي فقبلللت يللديه ولللو قللدرت للبسللته تاجللا مللن ذهللب أو
سورته سوارا من ياقوت!!
ولكن هل هذا ما يريده أبي ؟؟
هل يريد أبي مني جزاء أو شكورا ؟؟
ماذا يريد كل أب من ولده؟؟
إن أجمل دعاء يحب كل واحد منا عن ولده أن يقال له...
جعله الله قرة عين لك ...
نريد أبناءنا أن يكونوا قرة عين وكفى !!
أما شيخنا محمد ..فسأبقى أبد الدهر أدعو له حتى يجمعني الله به
بحوله وكرمه في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ...
لم تنتهي القصللة ولللم أختللم المقللال رغللم قصللره سللوى لعطيكللم
فرصة أيها السادة الكرام أيتها السيدات الكريمات لكي تستخلصللوا
العبر مما مضى ..وتعلقوا ماشئتم ..
وسوف ألقاكم بعللد أسللبوع مللن مقللالي هللذا لكللي نسللتأنف الجللزء
115
الثاني من القصة..
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم ومحبكم مالك الرحبي أبو عبد الله..
116
رحلتي إلى النور الجزء الثاني
117
والتي أعلم علم اليقين أنها أشد قلقا وخوفا علي منه ..
ل شك عندي أن والدي لم يكن مطمئنا علي في ذلك الحال ..
فهللو رجللل يللدرك بفطنتلله خطللورة الموقللف بللل يللدرك ضللبابية
المستقبل..
فما يدريه قد يكون كل ما رآه وشاهده وسمعه هو سراب ..
أو غمامة صيف عن قريب تقشع!!
والمر بيد الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد..
ها أنذا أيها الخوة والخوات الكرام أفتح لكم صفحة جديدة من
ذكرياتي وأطوي تلك اليام المليئة بالعذاب والشقاء ..
ولكن هل انتهى كل شيء ؟؟
هل توقفت دورة الحياة ومعاناتها ..؟؟
هل مضت المور على ما يرام في كل أحوالها؟؟
كل؟؟
إن اليام حبلى بالمفاجئات ....
والتي قد تكون سارة رقيقة ناعمة....
أو تكون نارا كاوية وعذابا ..
تكفيرا للخطايا أورفعة في الدرجات؟؟
قد يقول قائل :لم أقدم شيخنا على هذا التصرف ..؟؟
والجواب :ل أشك أنه كان يعلم عواقب فعله ...
ولكن كما سبق وذكرت ،أن شيخنا يزن المور بموازين مختلفة!!
هذه المقاييس والمعايير ...
مبنية على التقوى والخشية من الله تعالى والخلص له ..
ل على الهوى وسوء الظن ..وبعد ذلك
فليغضب كل العالمين حينها ..
دعوني أروي لكم بعض الحداث في تلك الرحلة ثم لنكمل القصة..
عدت للمجلس مع الضيوف ..وجلست بجوار عبد العزيز ابن الشيخ
..
والذي لم يشعر بما حصل في تلك الجلسة ل هو ول غيره..
سواي أنا وشيخنا ...
بقي الناس يتحدثون مع الشيخ ويستفتونه ..
كان فيهم جمع من مشائخ جده ومحبي الشيخ أذكر منهم ...
الشيخ علي الحكمي ..
الشيخ جمعان الزهراني ....
الخ علي السهلي ..
118
الخ عبد الهادي الحكمي ...
والشيخ محمد الشميمري...
وهللؤلء الخمسللة تكللرر حضللورهم ولقللائهم بالشلليخ فللي كللثير مللن
سفراتنا لجده...
وللسف نسيت كثيرا من السماء التي لم تسعفني الذاكرة بهم!!.
انتهت الجلسة قبل أذان المغرب وتوجهنا لجامع المير متعب ..
حيث سيلقي شيخنا محاضرة ...
كان الجمع هائل والخلق صلت خارج المسجد من الزحام ..
ألقى شيخنا تلك المحاضرة ..
ثم بعد الصلة توجه لسيارته المعدة له ..
وهي سيارة الشيخ صالح الزامل ..
وبالكاد وجدت فيها مكانا لللي ولعبللد العزيللز الللذي لزمتلله ولزمنللي
طوال تلك السفرة...
حينما توجهت السيارة لوجهتها ..
تبعنا قطار من السيارات !!
والتي أشك أنها كانت مدعوة للوليمة المعدة للشيخ!!
كانت تلك السيارات لجمع من محبي الشيخ ..
والذين ل أسميهم الطفيليين كما يدعي البعض!!
ولكنهللم فتيللة قللد شللغفوا بالشلليخ و صللاروا يلحقللونه أينمللا اسللتقر
وحل..
كان ذلك في بعض المواقف محرجا للشيخ مع مستضيفيه....
فيضطر أحدنا للتوقف ..لتبليغهم بلطف أن الللدعوة خاصللة فيتقبللل
الجميع ذلك
بكل احترام وأدب ..فينصرفوا ..بارك الله فيهم..
توجهنا لحي المير فواز ...
حيث كان مضيف الشيخ هو الستاذ عبد الرحمن المحمودي..
وهو صاحب الشقة التي نزلنا بها في مكة..
نزلنا في بيته العامر..
ونزلت معنا الجموع التي لم تدعى ..
رأيت الحرج الشديد في وجه المضيف من ذلك ..
والذي أظن أنه لم يتضايق من كثرتهم فهو رجل سمح وكريم ..
وبيته فسيح وطعامه كثير...
غير أن السبب سيدركه لحقا منكم من فطن !!
بعد جلوسنا في المجلس الفسيح ..والذي غص بالحضور
119
تحلق جمع كبير من الطلبة حول الشيخ ..
منهم المستفتي ومنهم صاحب الحاجة ومنهم من جاء ليستفيد مللن
أدب الشيخ ..فهو مدرسة متنقلة رحمه الله..
لقد كان الواحد من السلف يسافر المسافات البعيدة من أجل لقيللا
عالم
لكي ينهل من علمه وأدبه وسمته ..
وهللاهم طلبللة العلللم مللن جللده ومكللة ونجللد والمنطقللة الشللرقية
والشمالية والجنوبية وغيرها يقتدون بسلفنا الصالح بللارك الللله فللي
الجميع..
لم أكن أعرف المدعوين ول مستوياتهم في المجتمع ..
ولكن بعد فترة من الوقت دخل علينا ضيفان مميزان لللم أتوقللع أن
سأراهم رؤيا العين ول في أحلمي!!
دخل علينا شابين وسيمين ظاهر عليهما الثراء والسلطة والنفوذ!!
إنهما المير سعود بن فهد بن عبد العزيز ..
والمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز ..ابنا الملك!!
وجلسا بجوار شيخنا عليه الرحمة والرضوان..
كان شيخنا يتكلم معهما بكل بساطة ودون تكلف ..
فأعطى ذلك انطباعا عن شيخنا يفهمه الجميع!!
كان المير عبد العزيز صامتا طوال الجلسة تقريبا ..
ويظهر أن هذا من طبعه أو بسبب وجود أخيه الذي يكبره ..
أما المير سعود فيظهر أنه كوالده وفقه الله يتحللدث بطلقللة وفيلله
فصاحة ويحب التحدث مع الحضور بل تحفظ..
كان الشيخ عبد العزيز الغامدي صاحب مشروع الزواج حاضرا ..
وكان يداعب المير سعود بضرورة أن يبحللث للله عللن زوجللة شللابة
تكون ضرة من ضرات أهله!!
فكان يحاول الفكاك منه وتصريفه ..ويشيح وجهه عنه..
ولكن الخ عبد العزيز رجل ملحاح يريد تزويج خلق الله جميعا..
حتى شيخنا لم يسلم منه!!
وبالكاد خرج المير من مقصلة عبد العزيز الغامدي..
الخ عبد العزيز لديه مشروع كبير لتزويج الشباب والفتيات ..
والراغبين في التعدد..
وسمعت عن مشروعه كثيرا منه ومن غيره ..
ول أدري هل ما زال يعمل في هذا المجال أم تغير حاله..
ذات مرة حضر الخ عبد العزيز رحلة قمت بتنظيمها لمجموعة مللن
120
ضيوف ولي العهد المير عبد الله بن عبد العزيز ..
وهم من إحدى الدول الوروبية وحضر برفقة عدد منهم زوجاتهم..
وكان معنا صحفي من جريدة عكاظ وعدد من المصورين ..
طلب الشيخ عبد العزيز أن يلقي كلمة للضيوف ..
فتحدث وكان يترجم له أحد دعاتنا المرافقين بلغة القوم..
ولكنه سامحه الله حور موضللوع الكلمللة وبللدء بالحللديث عللن تعللدد
الزوجات..
وكان صوته مرتفعا ويصل لزوجات الخوة ..
فسمعنا فرقعة الصحون ورمي الكاسات من خلف الباص الذي كللن
يجلسن فيه..
وضرب البواب!!
حتى يصمت هذا الزائر المزعج..
ولكنه استمر في حديثه ..
فخرج النسوة من الباص ..
وابتعدن عن المجلس ..والحمد لله أنهن لم يحصبننا بالحصى!!
ول شك أن أزواجهن دفعوا ثمن تلك المحاضرة لحقا!!
121
وارتفعت همتي..
ووضح مقصدي وهدفي..
وتغيرت ملمح وجهي !!
فكان وجه الواثق ل وجه الخائف المرتاب!!
وبدأت من تلك الليلة تكوين شخصيتي الجديدة..
شخصية الطالب المجد الواثق من أصله ونسبه ونفسه !!!
فهذه نعم تترى ومنن جليلة أعجز عن شكر الخالق سبحانه عليها
مدى عمري فله الحمد وحده والثناء ...
عدنا فوجدنا مكان النوم معدا لنا جميعا..
أنا وشيخنا وعبد العزيز في غرفة سويا..
والخوة الخرون في غرفة مجاورة..
حتى شيخنا رحمه الله شعرت منه تلك الليلة تبدل وتغيرا ..
فرحا بانتهاء مشكلتي مع الوالد ...
كنت ألهو مع الخ عبد العزيز وأريه بعض التمارين الرياضية
وهو تمرين الضغط برفع الجسم بالعتماد على اليدين!!
فلمحنا الشيخ ..
فجاء إلينا وقال :ماذا تفعلن؟؟
فقلنا :نتدرب !!
فقال :أل تريداني أن أتدرب معكما ؟؟
تبادلت النظرات مع عبد العزيز ..فانحنى الشيخ ولم ينتظر جوابنا..
وضغط وعجزنا أن نجاريه في ذلك!!
شيخنا من رآه ولم يخبر طباعه ويعاشره فإنه يخشاه ويمتلئ قلبه
مهابة منه..
ولقللد رأيللت أشخاصللا يتحللدثون مللع الشلليخ والعللرق يتصللبب مللن
وجوههم
هيبة منه ..
ولكن من عرفه وعاشره وعاش قريبا منه ..
يرى شخصية أخرى مختلفة وفريدة ..
تلزمك بمحبته والعجاب بشخصه...
شخصيته جمعت بين الحزم واللين..
و جمعت بين المهابة والجلل والرحمة واللطف ..
وبين الشجاعة والسماحة..
وبين علو الهمة والتواضع ..
وبين الجد والمرح..
122
و جمعت بين الفصاحة وحسن المنطق والتبسط في الحديث..
هو بشر ككل البشر ..يصيبه ما يصيبهم ..
يغضب ويحزن ويتألم ..ويضحك ويمزح ويمازح..
ولكن الله تعالى وهبه علما كالجبال وإيمانا وخلقا وعقل راجحا..
ووفقه وهداه ..وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
طلبت من الشيخ تلك الليلة أن يوقظني معه لصلة الليل ..
من عادة الشيخ أن ينام على الرض ..دون مراتب أو أسرة..
وذلك في كل أسفاره ...وكنت أفعل مثله واعتدت على ذلك..
فهو ل يطلب سوى وسائد يضعها تحت رأسه..
يخلع عمامته ثم يقوم بتمريرها على الرض ثلث مرات
ثم يقرأ أذكار النوم وينفث على يديه ويمسح بها على جسده
كما هي السنة..
ثم يلف عمامته على وجهه ول يخلع ثوبه ..
ويستلقي على يمينه ثم ينام..
يستيقظ شيخنا على جرس ساعته المنبهة الللتي يحملهللا دومللا فللي
أسفاره
وذلك قبل الفجر بساعة تقريبا..
أوقظني تلك الليلة ..
فتوضأت ..
وصليت الوتر سريعا ..وجلست أراقب الشيخ ماذا يفعل..
صلى ركعتين خفيفتين..
ثللم صلللى خمللس ركعللات تقريبللا ..وأتللم القللراءة فيهللا والركللوع
والسجود..
وختمها بقنوت طويل بتبتل وخضوع..
حتى أذن الفجر...
حينما ختم وتره رفع صوته بالذكر..
سبحان الملك القدوس ثلث مرات ..يمد بها صوته كما هي السنة..
صلينا الفجر ثم عدنا للمنزل فنام حتى وقت الضحى..
استيقظنا وأفطرنا ثم توجهنا لستكمال برنامج الشيخ..
مكثنا في جده يوما أو يومين نسيت ذلك!!
ثم رجعنا للقصيم...
وصلنا للمطار فاستقبلنا الشيخ خالد المصلح نسيب الشيخ..
وفي الطريق أوقفنا كما هي عادة شيخنا أمام أحد مساجد عنيزة
وصلى فيها ركعتي القدوم من السفر...
123
أنزلوني أمام سكن الطلب وتوجه شيخنا لبيته..
حضرت الدرس ذلك اليوم ..ولكن بوجه جديد وعزيمة كالحديد!!
تفاجأ جاري بوجودي ..شعرت بذلك ولو لم أبصره بعيني!!
من خلل حركاته وارتباكه ثم صمته ...
والله شاهد سبحانه ..ومطلع عما عزم عليه..
عدت لبرنامجي المعتاد ..واشتريت كتبا حديثة الطبع..
وحصلللت بالمجللان علللى كميللة ل بللأس بهللا مللن الكتللب والمراجللع
المهمة..
حيث خاطب الشيخ جامعة المام محمد بن سعود السلمية
بطلب كتب لي من مطبوعات الجامعة ..
فبعثوا لي كراتين مليئة بالمجلدات الفاخرة من مطبوعاتها ومنها
درء تعارض العقل والنقل لشيخ السلم ابن تيمية..
ومنهاج السنة لشيخ السلم ابن تيمية أيضا ..
ومجموع الفتاوى له وغيرها مما ل يحضرني..
انتقلت لغرفة أخرى وذلك بأمر شيخنا ..
حيث اختار لي أن يكون زميلي في الغرفة الخ محبوب الباكسللتاني
وهو من خيرة طلبة شيخنا خلقا وأدبا وعقل ..
كللان يحضللر الللدكتوراه حينهللا فللي مللادة الحللديث فكللانت صللحبته
ومرافقتلله مكسلبا ثمينللا لللي ..غيلر أنله كلان كلثير السلفار لمدينللة
الرياض لمتابعللة شللئون رسللالته ..فكنللت أبقللى فللي أحيللان كللثيرة
لوحدي..
وضعت لنفسي برنامجا صارما تحت إشراف شيخنا ..
مليء بالحفظ والمراجعة وكتابة البحوث والقراءة ونحوها..
وكنت كلما أشكلت علي قضية أو مسألة دونتها في أوراق عندي ثم
أقرأها على الشيخ وأسجل أجللوبته بعللد الصلللوات فيفللك طلسللمها
بكل براعة
ويحل عقدها بكل ثقة ..
بخصوص الدراسة النظامية وبما انلله قللد مللرت فللترة طويلللة علللى
ابتداء الفصل الدراسي فقد أخرت اللتحاق بالمدرسة حتى الفصللل
التالي حيث يسمح النظام الثانوي المطور بذلك...
ممللا منحنللي فرصللة النصللراف الكامللل لطلللب العلللم فللي حلقللة
الشيخ...
ذات مرة أخبرني الشيخ بأن أمير القصيم وهو المير عبللد اللله بلن
عبدا لعزيز سوف يقدم لزيارة سكن طلب الشيخ..
124
حضر الشيخ للدرس تلك الليلة كما هو المعتاد..
ولم يتغير من نمط الدرس شيء..
سوى أن المنطقة المحاطة بالجامع قد اكتضت بالعساكر والشللرط
استعدادا لقدوم المير...
في خلل الدرس دخل أحد رجال الشرط وتقدم إلى الشيخ وهمس
في أذنه..
فقال شيخنا ...ورفع بها صوته :بلغ المير أن يتفضللل فللي المسللجد
ويحضر الدرس !!...
خرج رجل الشرطة من المسجد ..
ورجع مرة أخرى وعلى وجهه علمات الخوف والوجل والتحرج ..
فهمس مرة أخرى في أذن الشيخ ..
فقال شيخنا للطلبة :انتظروني قليل وسأرجع..
وخلرج حافيلا وسللم عللى الميلر وطللب منله حضلور اللدرس ملع
الطلب حيث أنه ل يستطيع قطع درسه !!
دخل المير وحاشيته وحرسلله وتسللننوا فللي الصللف الول وجلسللوا
لستماع الدرس ..وانتظار الصلة..
استكمل شيخنا درسه الول والثاني بعد الذان كما هي العادة..
ثم صلينا العشاء...
بعد الصلة نادى علي الشيخ !!...
وكنت كما هي عادتي أصلي بجوار المؤذن..
فتقدمت إليه ..وقال لي :اذهب وانتظرني في غرفتك فسوف
أزورها مع المير!!
نظرت في وجهه وبحلقت فيه !!
فقال :هيا انطلق!!..
انطلقت كالمجنون ل الوي على شيء ول ادري ماذا افعل..
صعدت لغرفتي وقمت بكنسها وترتيبها وتطييبها ..
ولكن ل يصلح العطار ما أفسده الدهر!!
خجلت وتمنيت أن يصرف الشيخ المير لغرف أخرى أحسن حال
وتنظيما وأكثر بهاء ..
تجول شيخنا مع المير في داخل السكن..
وأراه المكتبة وقاعة الطعام المتواضعة..
ثم صعدا للدور الثالث ثم للرابع حيث أنا في انتظارهم..
دخل المير وهو ممسك بيد الشيخ..
وخلفهما حشد هائل من الناس والعسكر ...
125
ووقفا باب غرفتي الصغيرة !!..
وتجول المير بنظره فلم ير شلليئا يسللتحق النظللر سللوى عللدد مللن
الكتب والدفاتر وعدة الطلب!!
فقال لي المير ...ما اسمك؟؟
فقلت :فلن بن فلن الفلني ..دون تردد ووجل!!
فقال :ونعم فيك !! فرددت تحيته ..
ثم قال :اجتهد في العلم..وفقك الله..
وانصرفا ..
الحلقة الربعون
126
أرجع لقصتنا..
بعد مرور حوالي عشرة أيام من عودتنا من جده ..
كلللف الشلليخ الخ محمللد زيللن العابللدين والخ محبللوب والخ بنللدر
الحربي بالسفر معي للطائف لكي أحضر مكتبتي وحاجياتي..
نزلنا بسيارة الخ بندر حيللث هللي مللن نللوع النيسللان الداتسللن ذات
الربعة
أبواب .. ..وتوجهنا للطائف من طريق عفيف..
وهو طريق طويل وممل ولكن صحبة هذه الرفقة الصالحة ..
تنسيك تعب السفر ومشقته..
حدثنا الخ محمد عن ذهابه للجهاد في أفغانستان ..
وروى لنا قصصه ومشاهداته هناك
ومما أذكره أنه في أحد الليالي المظلمة ..
وكان مع مجموعة من المجاهدين العرب والفغان...
طاردتهم طائرة روسية..
وقصفتهم بالمدافع والصواريخ حيث أن معهم عددا من السرى
الروس وشيوعيون أفغان..
وروى كيف أنهم تمكنوا من إسقاط تلك الطائرة بصاروخ موجه..
بعد عناء وإثخان فيهم ..من العدو..
أذكر أيضا ما رواه لنا الخ محبوب عن طلبة العلم في باكستان..
وكيف أنهم يجدون المشقة الهائلة في تحصيل العلم
والوصول إلى الشيوخ الثقات ..
ومللا يللواجهه الطللالب مللن عقبللات مللن أهللله وجمللاعته الللذين قللد
يخالفونه
المعتقد أو النهج..
وكيف أنتقل من العقيدة الضالة والمبتدعة لعقيدة السلف ..
وازدادت رسوخا بعد قدومه للمملكة..
وقال :إن أكبر نعمة حصلها هو تمكنه ملن طللب العلللم فلي حلقلة
شيخنا
عليه الرحمة والرضوان ..ويغبطه أنداده على ذلك ..
كان انطلقنا من القصيم بعد صلة العصر تقريبا ..
وسرنا أغلب الليل.. .
ووصلنا لضواحي الطائف بعد منتصف الليل..
كان الحديث مع الخوة ممتعا غير أنهم كلما صمتوا ..
أتضايق من التفكير ممللا قللد يحللدث ...وأتللذكر أننللي متللوجه لرؤيللة
127
عائلتي..
فافتح بابا للحديث
فينشغل فكري عما أنا مقدم عليه..
لم أكن أحب أن أتخيل ما سيحدث..
ل شك أن عائلتي قد وجدت في نفسها علي ..
مما فعلته..
خاصة وأنني لم أتصل بهم شهورا عديدة..
فأنا أبنهم وحق علي أن ل أقاطعهم ..وأصلهم واتصل بهم..
وهذا مافعلته بحمد الله بعد ذلك طوال بقائي في القصيم..
حينما اقتربنا من حينا أصابتني كآبة وخوف وارتباك..
وهو أمر طبيعي جدا...
فالمرء حينما يطول بعده عن أهله وذويه بسفر أو غياب لي سبب
كان ،تصيبه نوبة من الرتباك والتردد..
قبيل ولوجه دارهم أو ينزل حلتهم..
هذا فيمن حاله طبيعية وفي أمر معتاد؟؟
أمللا حللالي فهللو معقللد للغايللة ،فالوطللأة أشللد والخللوف والللتردد
أعمق!!..
حينما وصلنا قريبا من حينا ..
دارت في ذاكرتي تلك اليام الخوالي..
تذكرت لحظة الهروب من البيت..
وكيف أنني خرجت من البيت خائفا أترقب...
وهاأنذا أعود الن وكلي أمل لعهد جديللد وصللفحات مجيللده إن شللاء
الله
سبحان من يبدل الحوال ..
طلبت من الخ محمد أن يتوقف قليل لنستريح من عناء السفر..
ويأكل الخوة شيئا ..
وكان مقصدي في نفسي أن أهيئ فؤادي وعقلي لمقابلة العائلة..
تضايق الخ محمد من ذلك وكللان يرغللب أن استضلليف الخللوة فللي
بيتنا..
وكلمه مقبول ورأيه أسد..
فهو من سللة كرام وأهل نخوة وشهامة..
فل يرضللى الواحللد منهللم أن يطعللم الضلليف سللوى فللي بيتلله ومللن
طعامه
ولكن وضعيتي وحالي مختلفة للغاية ..
128
فعاداتنا وتقاليدنا ونخوتنا ل تقل عنهم والحمد لله ..
يقول الفقهاء..
الحكم على الشيء فرع عن تصوره!!
ويقولون أيضا..
مراعاة الحال ،والحكم على شواهد العيان كل بحسبه ..
فما كنت أحب أن أشغل عائلتي أو أشعرهم بتكليف..
خاصة لطول الغيبة ولخصوصية وضعي..
على كل..استرحنا لفترة من الزمن..
ثم طلبت الهاتف من صاحب المطعم ..
فاتصلت على البيت..
فردت علي الوالدة..
فرحبت بي وسرت بسماع صوتي وكأن شيئا لم يحدث!!
رضللي الللله عللن والللدتي وعفللا عنهللا وجعلنللي معهللا فللي فردوسلله
العلى..
قلت لها سنقدم عليكم بعد قليل ..
وسوف ننقل المكتبة فورا في السيارة!!..
قالت :ألن تباتوا عندنا؟؟
فقلت لها :ل أريد أن أكلف عليكللم والخللوان يرغبللون الرجللوع مللن
غد!!
فقالت :باتوا عندنا الليلة والصباح رباح!!
توجهنا للبيت ..
واستقبلنا الوالد..
فرحب بي وبالضيوف ..
والحمللد لللله كللانت نفسلليته ممتللازة ولللم أرى منلله أي تضللايق أو
انزعاج..
خاصة أن شيخنا بعث معي برسالة للوالد هذا مضمونها..
الخ المكن .............حفظه الله
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
فأريد أن أبشركم أن ابنكم فلن مجتهد في دراسته وطلب العلم
ومحافظ على صلة الجماعة خلف المام ..الخ..
وقد بعثته إليكم لكي يحمل مكتبته ويسلم على والدته..
ويحضر ملف الدراسة لكي يكمل دراسته الثانوية..
ثم دعا الشيخ لي وللوالد جزاه الله عني خير الجزاء..
وأحتفظ بعدد من رسائله للوالد عندي ..رحمهما الله..
129
سلمت على أمي وإخوتي جميعا ...
اشق شيء في السفر الطويل والنقطاع عن اهلك وأحبابك
هللو أن تنللزل عليللك الخبللار جملللة واحللدة وقللد يكللون بعضللها مللرا
وموجعا
ولذلك أحرص دوما أن اتصل على أهلي باستمرار خوفا من مرارة
الفواجع دفعة واحدة!!
فاجئني مرض أحد إخوتي الكبار بمرض قريب من الصرع !!
حيث أصيب بمس أو عين ..
فما استطعت الحديث معه أو افهم حاله ..فهو ل يكاد يعقل !!
سألت الوالدة عن أمره؟؟
فقالت :والله هو كما ترى ،وما تركنا مستشفى ول عيادة إل
وعرضناه عليهم ،استمرت حالة أخي كذلك لعدة شهور ..
ولكنلله تعللافى وعللادت للله صللحته وهللو الن سلليد نفسلله وللله ذريللة
وشأن!!
اجتمعت بالعائلة أخيرا ..
لقيت العمة ..التي وقفت معي في محنتي..
وقلت لها :الحمد لله فقد أوفى الله بظني ونجوت!!
فضحكت وفرحت ..
جلست مع إخوتي الصغار الذين اشتقت لهم كثيرا..
وخاصة أختي الصغرى التي أحبها حبللا ل يعلملله إل الللله تعللالى ومللا
زلت..
وكم تللألمت لفراقهللا وللبعللد عنهللا فالحمللد لللله الللذي جمعنللي بهللم
جميعا..
وجدت كثيرا من كتبي وأغراضي معدة لي عند باب البيت بناء على
طلبي..
لم يشق علينا تكديسها في مؤخرة السيارة وبالكاد وسعتها..
بات الخوة في المجلس..
وسهرت طوال الليل مع الوالدة والعائلة ..
حيث كان يوم خميس ...
بعد صلة الفجر ودعت العائلة ..
وتوجهت مع الزملء لمكة لداء العمرة ..
أدى الخوة العمرة وبقيت أنا في السيارة أحرس متاعنا وكتبي..
ثم رجعنا للقصيم ووصلنا قريبا من العشاء..
أوقفنا السيارة ..وناديت على عدد من الزملء ..ليعاونونا
130
في نقل الكتب للغرفة ..التي أمتلءت أدراجها أخيرا بالكتب!!
لم أنم تلك الليلة من الحماس..
ورتبت غرفتي ورصصت كتبي في مواضعها حتى أذن الفجر..
نزلت للصلة ..
وانتظرت شيخنا أمام باب المسجد ..
فجاء للمسجد وهو حاف !!
ويضع أعلى عباءته على رأسه..
قبل أن يدليها على كتفه قبيل دخول المسجد..
قبلت يديه ورأسه..
وليتنا قبلت قدميه ..
فله الفضل علي بعد الله في انطلقتي الجدية ..
جزاه الله عني وعن المسلمين خير الجزاء...
131
وفي اليوم التالي أقرأها على الشيخ وأسجل تعليقاته وتفصيلته
لها ويفرع عليها قواعد أخرى يسردها شيخنا على السليقة دون
مراجعة وتردد ،ممللا حيرنللي فللي عقليللة وسللعة إطلع هللذا العللالم
الجليل..
رحمه الله رحمة واسعة..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
سألته ذات مرة :ياشيخنا هل تراجع أو تحضر لدروسك؟؟
فقال :الحمد لله العلم أحمله في صدري ،ونادرا احتاج للمراجعة!!
ولقد شهدته مرارا ينقل من حافظته مسائل ونصوصا يحتاج الواحللد
من
للبحث فيها والتحرير عنها دهرا ،يسوقها الشيخ ببيانه الشافي بكل
ثقة واقتدار ..من صدره بالنص والكمال!!
كما ذكرت سابقا مللرت علللي فللترة مللن الهللدوء مللن قبللل صللاحبنا
العتيد!!
ولكنه لم يصبر ولللم يطللق النتظللار حيللث ظللن ذلللك المسللكين أن
البساط
سيسحب أو كاد أن يسحب من تحته وما درى أن شيخنا
قلبه سيسع الجميع لو كنا نعقل أو نرشد!!
فاجأني ذات مرة أن لحقني وأنا خارج من المسجد ونادى علي!!
فالتفت إليه ..فما صدقت نظري ؟؟
انه صاحبي ذاته؟؟
ابتسم في وجهي ابتسامة ل أكاد أميزها!!
وقال لي :كيف أحوالك وما هي أخبارك؟؟
فقلت ك أنا بخير حال والحمد لله ...
لم يطل الحديث معي بل كان يريد أن يعطيني انطباعا معينا ونجللح
فيه!!
لمن يفهم ما اعنيه!!
انصرف فبقيت واقفا حائرا ل اصدق ما جرى..
هل من المعقول أن الرجل عاد لرشده ؟؟
قلللت فللي نفسللي :ل يسللتغرب ذلللك مللن طللالب علللم فللي مثللل
مستواه ..
يعلم الله تعالى شدة فرحي بما حصل واستبشاري بذلك..
وظننت أن ذلك هو نهاية تلك المآسي التي ل تليق بطلبة العلم
خصوصا على سمعة شيخنا رحمه الله..
132
في اليوم التالي بادرته أنا بالسلم في صلتي الفجر والظهر..
كان قصللدي أن اسللتوثق مللن الرجللل هللل مللا فعللله حقيقللة أم أنلله
كيد ؟؟
جاءني بعد صلة العصر وقال لي :هل ممكن ترافقني لفنجان قهوة
في
بيتي؟؟
قلت :لدي برنامج مع الشيخ...
ولكن لجلك سأذهب معك!!
ركبت معه على سيارته ..
وأنا فرح بهذا التقدم الغير متوقع!!
وقطعنا الطريق لبيته الواقع في أطراف عنيزة..
كان يتحدث ويتبسط في الكلم ويبتسم ويظهر السرور والفرح..
مما زاد وثوقي واطمئناني..
وما كنلت أعلللم أننلي كالشلاة تسللقى وتطعلم العللف وهلي تسلاق
لسكين
الجزار !!
وصلت لبيته ،وهو منزل عائلته وكان شبه خال !!
دخلنا المجلس ..
ولم يقدم لي القهوة والشللاي كمللا هللي العللادة بللل تحللول الحللديث
بشكل
مفاجئ..لتحقيق وتدقيق !!..
ولكنه كان من النوع الهادئ ولم يكن عاصفا أو مدويا!!
ولم أفهمه أنه كذلك إل حينما قال لي :
أريدك أن تفرغ كل مافي جيبك من أوراق !!
قلت له :لماذا ؟؟
قال :أفعل ما أطلبه منك !!
أخرجت ما في جيبي من أوراق فبعثرها وفتش فيها ودقق
فقال :أخرج كل مافي جيبك ؟؟
فقلت :ل يوجد شيء سوى مناديل وأقلم..؟؟
قال :أخرجها!!
أخرجتها حتى لم أترك شيئا في جيبي!!
لم افطن لمقصده حينها!!
فتش في تلك الحاجيات وبحث فما أشفى ذلك غليله ونهمه!!
فقام إلي وأخذ يفتش جيوبي بنفسه ورفع شماغي عن رأسي
133
وانزلها !!
قلت له :عماذا تبحث يافلن؟؟
قال :ل يعنيك!!
قلت :وكيف ل يعنيني؟؟
قال :أنت تخفي شليئا ول ادري أيلن وضلعته ..ولكللن سللوف أجلده
يوما!!
ثم أمرني بالخروج معه من المنزل ..
خرجنا وكان وجهه مسودا من الغيظ وهو كظيم ويكاد يفتك بي!!
ركبت للسيارة وأنا خائف منه ..
ولم نتكلم حتى اقتربنا من السكن ..
عندها دار في فكري شيء!!...
وفهمت ماذا يقصد وعماذا يبحث!!
قلت له :يافلن أما آن لك أن تعقل !!
أنت أحضرتني لبيتك وفتشتني وأهنتني ماذا تريد من ذلك؟؟
سكت ولم يجبني !!
قلت له :هل تظن أنني سحرت الشلليخ وأننللي اخفللي السللحر فللي
جيبي؟؟
فالتفت إلي ونظر في عينللي وكللاد أن يوقللف السلليارة ولكنلله نظللر
أمامه
ولم يتحدث بكلمة واحده!!
نزلت من سيارته وأنا خائر وحزين من فعل هذا الخائب..
ترددت في التصال على شيخنا ..
هل أخبره بما فعل ذلك الرجل؟؟
لم أصدق والله أن بلغت به الظنون هذا الحد!!
هل ياترى لو أخبرت الشيخ سيصدق؟؟
أليس من المعيب أن اشغل شيخنا بتلك التفاهات؟؟
خاصة بعد انتهاء مشكلتي مع الوالد قريبا..
حضرت الدرس تلك الليلة وأنا ل أكاد أشعر بما هو حولي ..
بعد صلة العشاء انتظرت الشيخ ..
فسألني أين كنت اليوم؟؟
فقلت له :ذهبت مع فلن في بيته!!
فتعجب وقال :مع فلن؟؟ صحيح؟؟
كأنه فرح بذلك ..
ثم ناولني عباءته ودخل لدورات المياه ..حيث سيذهب بعد ذلك
134
لزيارة إحدى قريباته كما هي عادته..
لم يكن لدي فرصة للحديث معه أو إبلغه بما فعل صاحبنا معي..
في اليوم التالي ..
لم أقابل الشيخ لصلة الفجر ول الجمعة ذلك اليوم...
حيث كنت تعبانا وكسول ومتضايقا للغاية ..
رأيت الشيخ من نافذة غرفتي وهو خللارج مللن المسللجد مللن صلللة
الجمعة
ومعه جمع من الناس ومنهم صاحبنا ذاك!!
بعللد صلللة العصللر ..مشلليت مللع الشلليخ وقللرأت عليلله عللددا مللن
القواعد..
وحينما اقتربنا من منزله وكنت وحيدا مع الشيخ ..
لحظت صاحبنا يسير بسيارته ويراقبني..
حيث مر بسيارته من أمام منزل الشيخ..
سلمت على الشيخ ثم رجعت للسكن..
وفي الطريق بدر لي أن ارجع للشيخ وأحدثه بما تم بالمس..
فرجعت لبيته ..وطرقت الباب ...
فرد علي أهل الشيخ ..فطلبت منهم أن ينادوه...
فقالو لي :انتظر قليل...
حينها ..مر صللاحبنا بسلليارته مللرة أخللرى فرآنللي واقفللا أمللام بيللت
الشيخ..
فأوقف السيارة و ترجل منها وتوجه نحوي..
فاقترب مني ..وصرخ في وجهي ..
وقال :ماذا تفعل هنا ؟؟
هيا أغرب عن وجهي ؟؟
فقلت له :أنا أمام بيت الشيخ ،وليس بيتك وهذا ليس من شأنك!!
فرفع يده فجأة..
ولطمني على وجهي بشدة فسقطت على الرض..
وتبعثرت أوراقي ومسجلي..
فحمل المسجل وضرب به على وجهللي فسللقطت مللرة أخللرى ثللم
رمى به على جدار منزل الشيخ فتكسر ولم يعد ذا نفع..
ثم دفعني بشدة وعنف وقال :هيا اذهب وإل فعلت بك وفعلت!!
حملت متاعي وأوراقي المبعثرة وتمنيت أن يخرج الشيخ فيللرى مللا
حصل بعينه ..ورجعت للسكن وأنا أبكي من اللم والحسرة..
سبحان الله ..أهكذا العلم وهكذا حال طلبة العلم؟؟
135
وممن ؟؟ من أقرب الناس للشيخ ؟؟
واعيباه وفضيحتاه على العلم وطلبته!!
والله الذي ل إله سواه إنني أتحدث لكلم ول أكللاد اصلدق ملا حلدث
وجرى
دخلت على سكن الطلبة وطلبت من علء الدين أن يعطيني هاتفا..
فقال لي :مالذي حصل لوجهك؟؟
فقلت :دعني ياعلء سأخبرك لحقا..
فقال :إن هاتفي يستقبل ول يمكن التصال منه..
ولكن اذهب لتلفون المكتبة فيمكنك التصال منه..
دخلت على مشرف المكتبة وهو الخ عبيد الللله الفغللاني وهللو مللن
أصحابي القريبين جدا مني..
فاستأذنته للتصال على شيخنا لمر هام...
فتفهم المر وعرف أن هناك كارثة حصلت معي!!
فاسلتأذنته أن أخلو بالتلفون ..
لم أكن ارغب أن يسمع الطلب تلك المهزلة والفضيحة..
فخرج من المكتبة ولم يكن حينها سواه ورد الباب خلفه..
فاتصلت على تلفون الشيخ الخاص..
فردت علي أهله وحولتني للشيخ...
حينما سمعت صوته ،انفجرت باكيللا ولللم أسللتطع أن أنطللق جملللة
واحدة مفهومة ..
فقال لي.. :
اهدأ وحدثني بما حصل ...
فرويت له القصة وما فعله طالب العلم ذاك معي..
فاسترجع شيخنا ،وعرفت الغضب والحيرة من صوته ..
وقال لي :سوف أرى مالذي سأفعله مع هذا الرجل..
ثم أغلق السماعة ....
136
كانت الحيرة والغضب واضحة عليه..
ل شك أنني أردت منه أن ينصفني من ذلك الطالب المعتدي..
فهو حق لي ....
ولكن ما معنى ذلك؟؟
سيكون في ذلك فتحا لباب القاويل في الشيخ وطلبته حينها..
وهو مؤذ للشيخ ...
وهذا شيء ل أرضاه البتة ..
حتى ولو أدى ذلك لذيتي والتعدي علي مرارا والله..
ومالللذي يضلليرني لللو تحملللت فللي ذات الللله تعللالى وطلللب العلللم
أذية ؟؟
فقد أوذي وضرب وشتم وتعدي بل وقتل من هو اشرف مني
وخيرا وأتقى عند الله تعالى..
لم يطلب مني شيخنا شيئا ولم ينهني عن شيء ولم يخبرني مالذي
جرى بينه وبين ذلك الطالب..
..ول أشك انه استدعاه واستوثق منه ما فعله..
فهو رجل قريب من الشيخ وهو طالب مجتهد في العلم إن لم يكللن
اعلم
طلبة الشيخ في بعض العلوم!!
فأي عار سيجلبه ذلك الرجل لنفسه ولشيخه ولحلقته ولطلبة العلم
لو
أشيع الخبر حينها؟؟
لو طلب مني الشيخ أن أصبر وأصللمت لفعلللت ولكللن سلليبقى فللي
نفسي
شيء!!
ولو أمرني بفعل شيء نحو أن أشتكيه أو شيخنا فعل ذلك لكانت
كارثة!!
لذلك سكت الشيخ وكأنه يشير لي أن القرار راجع إلي!!
ول أدعي والله أنني كنت راشدا حكيما في أفعالي حينها..
ولكنني كظمت غيضي وفوضت أمري لله سبحانه..
وصمت ولم أشتكه للشرطة أو أي جهة تحاسبه..
وأنا أحمد الله تعالى أنني فعلت ذلك ..
فمنذ تلك المشكلة وأنا أشعر في نفسي أنني جزء مللن عائلللة هللذا
العلم
الشهم الكريم الذي آواني وكفلني ..
137
فالحمللد لللله أننللي لللم أضلليق صللدره بشلليء أو أن أفتللح للله بابللا
للمشاكل..
ولكن هل ارتدع ذلللك الرجللل السللفيه عللن غيلله وعقللل وتللاب عمللا
فعل..
دعوني أكمل فصول الرواية وأحداثها وستعرفون مالذي حدث!!
كما سبق لم يطلعني الشيخ عما جرى بينهما..
ولكنني أدركت بعض المور من خلل تصرفاته..
والتي من خللها نستطيع استنباط ما يجري..
حيث انقطع رفيقنا عن الدروس لفترة طويلة !!
وتوقف عن القراءة على الشيخ في درس العصر..
بل لم يعد يصلي خلف الشيخ في المسجد كما هي عادته..
ورأيت بينه وبين الشيخ جفوة ..
وأنا لم آمر بذلك ولم تسئني !!
كما قال أبو سفيان رضي الله عنه!! ..
فبعد فعلته معي صرت ل أطيق رؤيته ول أطيق مجاورته ..
وحينما رجع لحضور الدرس بقي سنوات يحضر الحلقة
دون أن ينطق بكلمة واحدة أو يكلمه شيخنا إل ما ندر..
وكل ذلك من نتائج أفعاله المشينة معي حينها...
لقد سعى ذلك الرجل طوال بقائي في عنيزة فللي تشللويه صللورتي
والنيل
مني سواء في عنيزة عند طلبة الشيخ أو لدى أقاربه وأهله وولده..
وكذلك لدى كل المشائخ الذين يصل إليهللم دون أن يردعلله ديللن أو
خلق
أليس من المعيب أن يكون شغلنا نحن طلبة العلم أن نفللتري علللى
بعضا
بعضا ونشغل الناس بمثل هذه التفاهات..
ل يظنن جاهل أو مغفل أنني أردت بكتابتي عللن تلللك القصللة النيللل
من ذلك
الطالب أو النتقام من تصرفاته معي !!..
إن هذا سيكون حسابه بين يدي رب العالمين سبحانه..
ولو قصدت ذلك لفضحته باسمه ولذكرت مخازيه باسمه..
وهللذا مللال يليللق بنللا معاشللر طلبللة العللم وفللي ذلللك أذيللة لشلليخنا
ولهله ..
فدعونا ياإخوتي نستفيد من تلك القصة دون أن ننشغل بمعرفة من
138
هو
فلن أو فلن..
إن كلل مللا قصللدته مللن كلل ذلللك هلو رد جلزء ملن جميلل شليخي
وأستاذي
ووالدي الشيخ محمد رحمه الله ورضي عنه ..
فدعوني احكي الحكاية واروي الواقعة بكل اطمئنان وراحة ضمير..
إن موقف شلليخنا محمللد معللي هللو موقللف شللريف ونبيللل أريللد أن
أحكيه
للناس لتعرف فضله وعقله وسعة حلمه رحمه الله ..
أريد أن يعرف أبنائي و كذلك كل من اساؤا بي الظنون ممن قللرب
وبعد
أريدهم أن يدركوا ما حصل ويكفيني أن تبلغهم الحقيقة الللتي أديللن
الله
بها وبعد ذلك فالقرار راجع لهم وأمري وأمرهم لله تعالى..
لقد شحن ذلك المسكين نفوس بعض الناس حتى وصل بهم الحللال
أن
يفعلوا أفعال ل تكاد تصدق..
سللافر مجموعللة مللن أصللحابه بإيحللاء منلله للطللائف مللن أجللل أن
يستوثقوا
عني لدى من يعرفني من المشائخ ..
وليتهم أكتفوا بذلك فليس هناك سوى ما يشرف والحمد لله ...
بل كذبوا وافتروا و صوروا لهم أنني في شللهور بسلليطة قللد صللرت
أقرب
الناس للشيخ فل بد أنني استعملت وسللائل غيللر شللرعية وقصللدهم
أنني
سحرت الشيخ !!
ورجعوا لعنيزة ونشروا بين الناس أنهم وجدوا سر المسألة
وكيف أنني سأكون خطرا على الشيخ وولده وأهله ..
اختلفت آراء أولئك السفهاء ..
فمنهم من قال :هو ساحر ..
ومنهم من قال :بل هو جاسوس ..
ومنهم من قال :هو !!!
والذي أريد أن يعرفه هؤلء ممن يقرأ هذا الكلم اليوم أنني طوال
بقائي في عنيزة لكثر مللن عشللر سللنوات والللذي ل إللله سللواه لللم
139
اسمع
شيخنا يقول كلمة واحدة عللن سللحر أو جاسوسللية ل عنللي ول عللن
أحد
من طلبته فهو رجل عاقل وحصيف ويخشى الله تعالى في أعراض
الناس ويعرف أنه موقوف بين يدي الله ومسئول عن كل ما يقوله
فليعد أولئك جوابا لربهم عما قالوه وافتروه ..
وليأتوا بالبرهان إن كانوا صادقين ..
لم يرو لي الشيخ ما يقوله هؤلء عني ولم اسمعه يتكلم به معي أو
مع غيري ل من قريب ول من بعيد ولم يحاول الستيثاق من ذلك
فهذه شهادة شرف أعتز بها من الشيخ رحمه الله..
كان الشيخ يقول لي :أنت مثللل ابللن عبللاس رض الللله عنلله حينمللا
قال:
أدركت العلم بثلث )بقلب عقول وجسم غير ملول ولسان سللؤول(
أو كما
قال رضي الله عنه..
لم يشتغل الشيخ ولم يشغلني بمثل هذه الخزعبلت ..
بل كان وفيا معي وبعهده الذي قطعه لوالللدي بللأن يرعللاني وأكللون
تحت
نظره وتربيته ..
جاءت أيام الدراسة فدرست في ثانوية ابن سعدي وبالكاد تخرجللت
من الثانوية..
حيث أن نفسي طابت من الدراسللة النظاميللة ولللول ضللغط الشلليخ
علي
لتركتها ولم أكمل مطلقا..
جاء رمضان ذلك العام 1412..للهجرة..
حيث يتبع فيه شيخنا برنامجا صارما في قراءة القرءان
وتتوقف دروسه تقريبا سوى تدريس بعض البواب الفقهية التي
تتعلق بالصيام ورمضان..
حينما بلغنا الخبر برؤية الهلل ذلك العام ..
لم نتمكن من صلة التراويح ليلة الول من رمضان ..
فلم يبلغ الناس إل متأخرين وأظنهم أعلنوا ذلك في آخر الليل ..
في ذلك الصباح استقبلت الشيخ وهنأته بالشهر الفضيل ..
وسألته عن برنامجه ؟؟
فقال :سأجلس أقرا القرءان في المسجد..
140
قلت له :سأبقى معك ..
قال :ل دروس سوى قراءة القرءان فحسب..
فقلت :نعم سأفعل إن شاء الله..
وكنت حينها مرهقا ومتعبا ولم انم أغلب الليل ..
صلى الشيخ الفجر ذلك اليوم ثم بعد التسبيح والذكر ..
دخل لمصلى الجمعة الذي في مقدمة المسجد..
ورمى عباءته على الرض وابتدأ في قراءة القرءان وهو يسير
ذهابا وإيابا..
فقرأ عشرة أجزاء ..حيث يختم كل ثلثة أيام ..
فتكون ختمته في الشهر عشر ختمات ..
ولو شاء لختمه كله في يوم واحد ولكنه يللرى أن السللنة أن ل يقللل
عن
ثلث لحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص ..المعروف..
و بما انه ينزل لمكة ويمكث العشر في الحرم تدريسا وإفتاء
ولكثرة أشللغاله وضلليق الللوقت فهللو يقللرأ أيضللا بعللد صلللة العصللر
ليعوض
عن نفسه الختمات التي يريد أن يقرأها في مكة ..
ومن عمل شيخنا انلله يللواظب علللى الشلليء إذا فعللله مهمللا كللانت
الظروف
ويحترز لذلك ..رحمه الله رحمة واسعة..
طلب مني الشيخ أن أراجع حفظي ثم بعللد ذلللك يسللمع لللي حينمللا
ينتهي
من قراءة حزبه ..في المسجد أو ونحن نسير لبيته..
حيث ل يكون أحد سوانا..
ويكون ذلك بعد انقضاء حوالي ثلث ساعات من بعد الصلة..
كللانت لحظللات روحانيللة أجللد المتعللة واللللذة فللي اسللتذكار تلللك
اللحظات
الجميلة ..
أذكر أن تلك اليام كانت باردة ولذلك يلبس شيخنا عباءته الغليظة
ذات اللون المسمى ) العنابي ( !!
وكنت أتدثر بعباءتي وأقرأ القرءان ويصيبني النعاس أحيانا..
فأنام فيرفع شيخنا صوته بالقرءان كأنه يوقظني فأستيقظ وأكمل
حزبي..
حاولت مرارا أن أفعل مثل الشيخ وأسير في المسجد كما يسير هو
141
ولكنني تعبت وعجزت ..
وهو يفعل ذلك لكي ل ينام وينعس ول يكسل ..
ذات مرة في تلللك اليللام ونحللن نسللير لللبيت الشلليخ وحولنللا هللدوء
وسكينة
فالناس كلهم هجوع..
والسواق والشوارع خالية من الناس والسيارات ..
فل تسمع سوى سقسقة وتغريد العصافير..
طلبت من الشيخ أن يحدثني عن نفسه ..
وعن حياته في شبابه ..
فأخذ يروي لي أشياء جميلة سأذكرها في الحلقة القادمة
بحول الله تعالى ...
142
في
صغرك ..؟؟
فتنفس الشيخ الصعداء ثم أخذ يروي لي في عبارات رقيقة ومعاني
سامية ل تحضرني جميعها ...
ولكن سأنسجها من ذاكرتي وأضيف عليها أشياء رواها الشيخ لي
في مواقللف أخللرى وهللي بللذات مضللمون مللا قللاله ..دون زيللادة أو
مبالغة..
ولو كللانت عنللدي مكتوبللة أو مسللجلة لرقمتهللا لكللم بحرفهللا ولكللن
للسف
لم يبق سوى ما في ذاكرتي وبالكاد تجود معي بشيء!!
قال رحمه الله:
كانت عائلتنا فقيرة ..كللأغلب العللوائل فللي عنيللزة حيللث مللر علللى
الناس
جوع ومخمصة لقلة المطار ولندرة المال ،ولنعللدام المللن ،حيللث
يعجز
الواحد أن يخرج من عنيزة لبريدة أو لي مدينة أخرى حينما يحل
الظلم ..خوفا من السراق وجماعات النهب والسلب...
كانت عائلتنا تملك بقرة حلوب نشرب من حليبها ولبنها ونتغذى من
سمنها ولحمها في المواسم ..كما هو الحال في كل بيوت عنيزة..
وكان والدي يذهب نهارا للوادي لكي يزرع ويسقي نخله وغرسه..
فكنت أساعده في شؤون عمله ..
حبب الله تعالى لي العلم وطلبه قبل أن تنشأ المدارس النظامية
والمعاهد ،فالتحقت بحلقللة شلليخنا ابللن سللعدي رحملله الللله مللرورا
بدروس
بعض تلميذه الكبللار اللللذين كللانوا يدرسللون مبللادئ العلللوم لصللغار
الطلبة
ومنهم أنا )يعني الشيخ نفسه(..
فكنت أحرص على الجمع بين الطلب ومساعدة الوالد رحمه الله..
استمر الشيخ عدة سنوات في الدراسة على شيخه ابن سعدي
وأقبل الطلبة عليه من عنيزة وخارجها ..
حيث هو علمة القصيم حينها بل منازع..
يقول الشيخ :كان شلليخنا ابللن سللعدي رجل حليمللا ورحيمللا بطلبلله
فكان
يشجعنا على الطلب بكل ما توفر له من إمكانات ..
143
فكان يثير جو المنافسة بين المجموعات بالمناظرات والمجادلة
والمحاورة ،فيكافئ المجموعة الفائزة أو الطالب المجد بحفنة من
تمرات الرطب أو العنب أو بمكافأة مالية رمزية ..
وكان الشيخ في دروسله يبسلط الكلم ليسللتوعب الصللغير والكلبير
عنه
ويحاور طلبه ويمازحهم أحيانا في دروسه ،مما يثير جو الحرص
وحب الستماع والستفادة من علمه وأدبه ..
وكان الشلليخ يللزور الطلبللة فللي بيللوتهم ويحضللر مناسللباتهم ويعللود
مرضاهم
يقول شيخنا :كانت مكتبتي حينها عبارة عن غرفة صغيرة ،انحشر
فيها وتصعب علللي فيهللا الحركللة سللوى بمشللقة ولهللا كللوة صللغيرة
تشرف
على زريبة البقر ولم أكن أتأذى من روائحها النتنة لنني ل أشم
أصل!!
أراجع في مكتبتي المتواضعة دروسي من كتاب الروض وتفسير
الجللين وغيرهما ..
يقول الشيخ :ثم مرت بعد ذلك فترة من الركللود العلمللي فتضللائل
عدد
الطلب عند الشيخ ابن سعدي...
وشغل الناس بأمور سياسية ومذاهب فكرية كالناصرية والقومية
العربية الشتراكية وغيرها بسبب العلم المنحرف والموجه..
وانفتحت أبواب التجارة والعمل والتعليم في الجامعات والمعاهد
فهللاجرت كللثير مللن العللوائل للمللدن الكللبرى كالريللاض والمنطقللة
الشرقية
وغيرها...
يقول الشيخ :ثلم إننللي أصللابني مللا أصللاب النللاس فانصللرفت عللن
دروس
الشيخ واشتغلت بالزراعة في الوادي مع الوالد ..
قلت له :كم الفترة التي انقطعتم فيها عن العلم؟؟
قال :خمس سنوات تقريبا!!
قلت له :وماذا كنت تعمل حينها ؟؟
قال :أزرع واحصد ولم أكن أذاكر أو أراجع العلم الذي حصلته عن
الشيخ ابن سعدي ،وكدت أنسى القرءان غير أنني كنت أراجعه وأنا
أسير على حماري إلى الوادي!!
144
ولول ذاك لنسيته ولكن الله سلم..
يقول الشيخ :ولم يكن يحضر حلقة الشلليخ بللن سللعدي سللوى عللدد
بسيط
مللن كبللار طلبتلله ،ومللع ذلللك صللمد الشلليخ واسللتمر فللي التعليللم
والتأليف
والفتاء ..والخطابة وتدريس العوام ..دونما انقطاع ..رحمه الله
رحمة واسعة..
يقول شيخنا :ثم إن الله تعالى حينما أراد بي خيرا ..
جئت يوما لجامع الشيخ ابن سعدي وحضرت درسه لول مرة منذ
سنوات ..
فما عاتبني الشيخ ول نهرني لنقطاعي ولم يقل لي:
لم غبت ؟؟
أو لم تركت العلم؟؟ أو نحو ذلك ...
مما أثر في نفسي وحبب الشيخ ابن سعدي لنفسي..
فرفع ذلك السلوك من الشيخ همتي ..
و توجهت بكل جوارحي للعلم ،فزاحمت الكبار وثنيلت الركلب بيلن
يديه
وحصللت ملن علمله وأدبله ملا فتلح اللله عللي بله ،فحلزت رضلاه
وإعجابه
فقربني وخصني بدروس لي خاصة أو مع خاصة تلميذه..
فقرأت عليلله متونللا كللثيرة فللي الفقلله والتفسللير والصللول والنحللو
والصرف
والحديث والمصطلح وغيرها من العلوم النافعة..
وحصل أن انتقلت عائلة الشيخ محمد لمدينة الرياض ..
فطلب الشيخ ابن سعدي من والد الشيخ محمد كمللا سللبق وذكرنللا
أن يبقى
شيخنا في عنيزة ليكمل طلبه للعلم ،حيث رأى الشيخ فيه علمات
النبوغ والنباهة فحرص على بقائه ليسللتمر فللي التحصلليل وهللذا مللا
كان..
و بعد سنوات افتتحت المعاهد العلمية..
فاستأذن شيخنا من شيخه ابن سعدي أن ينتقل للدراسة
في المعهد العلمي في الرياض ..
فأذن له شيخه ..
يقول شيخنا ..
145
حينما دخلت قاعة الدرس في المعهد العلمي في الرياض ..
وتغيرت علي وجوه الطلبة اللذين عهدتهم ..
وكان الجو الدراسي وطرق التدريس مختلفة عما أعتدت عليه ..
تنكرت علي المور وضاقت علي نفسي ..
وندمت على حضوري للرياض..
وكان يجلس بجواري شاب كفيف خلوق وطيب فأحببته واستأنسللت
به
منذ أول لقاء به..
وهو الشيخ العلمة عبد الرحمن البراك العالم المشهور ..
يقول الشيخ :ونحن في القاعة وأنا أتحدث مع صديقي وجاري
دخل علينا رجل بدوي الهيئة اسمر البشرة رث الثياب ..
وجلس على مقعد التدريس فقلت في نفسي:
الن أترك شيخنا ابن سعدي وعلمه الواسع وطيبته وأريحيته
وسماحة نفسه ..
وكنت في بلدي وديرتي وبين أقاربي وأصحابي
أترك كل ذلك من أجل أن أتعلم عند هذا الفريقي البدوي..؟؟
ياضيعة العلم والعلماء..
يقول الشيخ :ثم إن هذا العرابي بدأ في الكلم ..
فحمد الله وصلى على رسول الله ..
وتكلم في فنون العلم وصنوفه من حفظه بل كتاب
فشرق وغرب وتل اليات ونقل أقوال المفسرين والفقهاء ..
وخلفاتهم ،قديمها وحديثها..
وذكر الحاديث بأسانيدها وشواهدها والحكم عليها..
وروى الشعار والشواهد والنصوص الطويلة ..الهائلة وتفجرت أنهار
العلوم من بين جنباته
و تدفقت من لسانه كالسيل الهادر ..
علوم وأقوال ليكاد يحويها صدر عالم لقيناه أو عاصرناه..
فلله دره ..
ما أقوى حجته ..
وما أسد بيانه ..
وما أرفع كعبه في العلم وبيانه ونقله ..
رغم احتقارنا لهيئته أول المر ..
يقول الشيخ :ففرحت بذلك أيما فرح ..
وشكرت الله تعالى أن تمكنت من لقيللا هللذا الجبللل الشللم والبحللر
146
الزاخر..
إنه العلمة المفسر الفقيه النحوي الشيخ محمد الميللن الشللنقيطي
رحمه الله رحمة واسعة..
صاحب التفسير الكبير تفسير أضواء البيان..
أستفدت من علمه في التفسير والصول والنحو وغيرها..
يقول الشيخ :ولزمت دروس سماحة شيخنا العلمة عبد العزيز بللن
عبد الله بن باز عليه رحمة الله ..
فقرأت عليه جزءا من صحيح البخاري وأبواب الفرائض..
وقد أهتم بي الشيخ وخصني بدروس في منزله
فقللرأت عليلله عللددا مللن المتللون فللي قواعللد التفسللير والحللديث
وغيرها..
وحسبك بهذين العالمين الجليلين علما وفقها وسعة اطلع ..
عليهم وعلى شيخنا سحائب الرحمة والرضوان..
147
سبب موت العلمة الفقيه ابن سعدي رحمه الله فراغا في التعليم
الشرعي ،ولكن لم يطل الوقت حتى سللد شلليخنا مسللده بللل كللاد
يجاوز شيخه أو قد فعل!!
سلك شيخنا أسلوب الشيخ ابن سعدي فللي اللقللاء حيللث التبسلليط
والتركيز على الكيف ل الكم..
والعجب من بعض طلبة العلم في زماننا هذا ..
تللرى الواحللد منهللم يسللوق فللي الدقيقللة الواحللدة كمللا كللبيرا مللن
المسائل والنقولت ول يكاد يستوعب الطلبللة مللن أسللتاذهم سللوى
النزر اليسير من علمه!! ..
يقول ابن عباس حبر المة رضي الله عنهما..
في قوله تعالى ) وكونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتللم
تدرسون( قال هم من يبدؤون بصغار العلم قبل كباره..
قال لي احدهم يوما :ما بللال الشلليخ ابللن عللثيمين رحملله الللله فللي
دروسه التي نسمعها على الشرطة فيها كأنه يدرس أطفال ل طلبة
علم ؟؟
قلت له :أنت تبالغ في كلمللك ..لكللن الشلليخ يبسللط المسللألة لن
أفهام الناس تتفاوت فيستفيد من كلمه الطللالب المبتللدئ و كللذلك
الطالب المجللد النهللم ....فهللي ربللوع نظللرة وبسللاتين عللامرة كللل
يقطف منها ما
يسد حاجته ويروي عطشه ..
لقد ورث شيخنا هذا السلوب عن شيخه ابللن سللعدي والشلليخ ابللن
سعدي
أخذ هذا السلوب عن الشيخ محمد الشللنقيطي وليللس هللو صللاحب
أضواء البيللان بللل هللو أحللد العلمللاء اللللذين مللروا علللى عنيللزة فللي
طريقهم لمدينة الزبيللر فللي العللراق حيللث تتلمللذ عليلله الشلليخ ابللن
سعدي في فترة بقاءه
في عنيزة واخذ عنه سند رواية الكتللب السللتة متصلللة إلللى رسللول
الله صلى الله عليه وسلم..
وبهذه المناسبة يسللرني أن أزف هللذه البشللرى لطلبللة شلليخنا ابللن
عثيمين رحمه الله جميعا ممن تتلمذوا على يللديه وحضللروا دروسلله
واستحقوا أن يطلق عليهم عرفا أنهم تلميللذ لللديه بللأن لهللم جميعللا
نسبا شريف
متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم !!
هو خير النساب وأفضل وأزكى عند الله لمن اتقى!!
148
من نسب الرحم والقرابة ..
وقد أخذ العلم عن شيخه العلمة عبد الرحمن الناصر السعدي ..
وهو أخذ العلم عن الشيخ صالح بن عثمان القاضي..
وهو أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن عائض..
وهو أخذ العم عن الشيخ علي بن محمد بن علي قاضي عنيزه
وهو أخذ عن الشيخ العلملة عبلد اللله بلن عبلد الرحملن أبلا بطيلن
مفتي نجد المشهور
وهو أخذ عن الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد الحسائي..
وهو أخذ عن العالم الشهير محمد بللن فيللروز وهللو أخلذ عللن والللده
عبدالله بن فيروز ..
وهو أخذ عن والده محمد بن فيروز الجد..
وهو أخذ عن عبد القادر التغلبي ..
وهو أخذ عللن محمللد البلبللاني وعللن الشلليخ عبللد البللاقي والللد أبللي
المواهب...
وهما أخذا عن العلمة منصور البهوتي ..صاحب الروض..
149
وهو أخذ عن يحي بن موسى الحجاوي ...صاحب الزاد..
و عن الشيخ أحمد الوفائي وهما...
عن الشيخ موسى الحجاوي صاحب القناع ...
وهو أخذ عن الشيخ أحمد الشويكي...
وهو أخذ عن أحمد العسكري..
وهو أخذ عن علي بلن سلليمان الملرداوي العلملة المشلهور منقلح
المذهب الحنبلي ..
وهو أخذ عن ابن قندس...
وهو أخذ عن ابن اللحام...
وهو أخذ عن الحافظ ابن رجب الحنبلي..
وهو أخذ عن شمس الدين ابن قيم الجوزية ...
وهو أخذ عن شيخ السلم ابن تيمية ....
وهو أخذ عن شيخه شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر صللاحب
الشرح الكبير..
وهو أخذ عن عمه موفق الدين ابن قدامة ...
وهو أخذ عن شيخه العابد الزاهد عبد القادر الجيلني...
وعن الحافظ ابن الجوزي وعن ابن المنى الفقيه المشهور وهم ..
أخذوا عن أبي الوفاء بن عقيل صاحب كتاب الفنون..
وعن أبي الخطاب صاحب الهداية...
وهما عن القاضي أبي يعلى...
وهو أخذ عن أبي حامد ...
وهو عن أبي بكر بن عبد العزيز غلم الخلل...
وهو أخذ عن أبي بكر بن الخلل...
وهللو أخللذ عللن المللروزي وأولد المللام أحمللد بللن حنبللل صللالح
وعبدالله...
وهم أخذوا عن المام أحمد بن حنبل إمام أهل السنه....
وهو أخذعن أئمة ومنهم المام محمد بن إدريس الشافعي...
وسفيان بللن عيينلله وهمللا عللن عمللرو بللن دينللار والمللام مالللك بللن
أنس....
وهو أخذ عن نافع مولى ابن عمر...
وهو أخذ عن صللاحب رسللول الللله الفقيلله عبللد الللله بللن عمللر ابللن
الخطاب رضي الله عنهما...
وهو أخللذ علن إمللام المتقيللن محملد رسلول اللله صللى اللله عليله
وسلم....
150
هذه سلسلة كريمة مليئة بالنجوم الزاهرة وبللالكرام الوليللاء وعلللى
رأسهم رسولنا وحبيبنا سيد الولين والخريللن محمللد بللن عبللد الللله
الهاشمي عليه افضل الصلة والسلم أهديها لكل طالب علللم درس
على يد شيخنا العلمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله..
في أيام رمضان تتوقف الدروس في الجامع سوى تلك التي تعني
بالشهر الفضيل
والصوم والوعظ ونحوه ..كما سبق بيانه ..
في طريق عودة شيخنا للمنزل قبيل غروب الشللمس حيللث يمكللث
لقراءة حزبه في المسجد ..
يللدعو الشلليخ كللل مللن رآه مللن طلبتلله وغيرهللم لمرافقتلله لتنللاول
الفطار في منزله...
أما أنا فكنت افطر كل يوم من تلك اليام في بيته..
وقبل أذان العشاء بقليل يتوجه الشيخ مشيا على قدميه للجامع ..
ويصلي بالناس العشاء والقيام ..
و يقرأ كل ليلة نصف جزء من القرءان تقريبا
ويصلي إحدى عشرة أو ثلثة عشر ركعة كما هي السنة..
يختمها بقنوت خاشع وخاضع ..ول يقنت أحيانا قليلة..
بقيت في عنيزة خمسة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما تقريبا ..
ثم استأذنت شيخنا للذهاب للطائف لزيارة العائلة والبقاء عندهم..
حتى قدومه لمكة ..حيث أرغب في رفقته وصحبته هناك ..
فقال الشيخ لي :على بركة الله ..واللقاء في مكة..
فرحت بهذا الشرف حيللث سللأكون رفيقللا لشلليخنا فللي تلللك اليللام
الفضيلة..
حجزت من مطار القصيم مرورا بالرياض إلى الطائف ..
وأكدت الحجز بمشقة كبيرة ..
ودعللت شلليخنا بعللد صلللة الفجللر و أوصلللني أحللد رفقللائي للمطللار
ضحى..
وكانت تلك أول سفرة لي للطائف بعد ذهابي لحضار حاجياتي..
وصلت للمطار ..وتوجهت لكاونتر السفر ..
فقال لي الموظف :الطائرة تأخرت !!
فقلت له :وكم ساعة تأخرت؟؟
151
قال :ل ندري ؟؟
ولكن طائرتكم المغادرة للرياض سوف تذهب أول من الرياض إلللى
منطقة الجوف
ثم تعود للقصيم لتنقل المسافرين إلى الرياض!!.ّ..
وهي حللتى هللذه اللحظللة لللم تغللادر مللن الريللاض والمفللروض أنهللا
غادرت فجرا ..
ونصيحتي لك تبدل حجزكم لجده ..فهي مغادرة بعد ساعتين....
ترددت بين الخيارين ..
ولكن في النهاية عزمت على البقاء للسفر على رحلتي الصلية ..
حيث أن رحلتي المغادرة من الريللاض للطللائف سللتكون قريبللا مللن
العصر..
فأملت أن أدركها ..
ألح علي أحد زملء السكن أن أسافر على جده فهي أضمن ولكنني
أبيت !!
غادرت رحلللة جللده حللوالي السللاعة الحاديللة عشللرة حيللث تللأخرت
قليل ..
انتظرت رحلتي في المطار من الساعة الثامنة صباحا وحللتى قريبللا
من العصر ..
وبلغ بي الجهد والنتظار والملل مبلغه ..
حيث لم يعد لي أي خيار آخر سوى تلك الرحلة ..
وأخيرا جاءت طائرتي حوالي الساعة الخامسللة عصللرا ...ولللم تكللد
تصل..
انطلقنا للرياض ..ووصلنا بعد أربعين دقيقة ..
ولكللن للسللف رحلللة الطللائف كللانت قللد غللادرت السللاعة الثالثللة
عصرا!!
توجهت لكاونتر المبيعات لستفسر عن الرحلة التالية للطائف..
فوجدت طوابير هائلة من البشللر تقللف فللي صللفوف مبعللثرة وغيللر
مرتبة ،
يستجدون موظفي الخطوط العابسين المشمئزين!!
وقفللت مللع النللاس حللتى أذن علينللا المغللرب فغادرنللا الموظفللان
الكريمان دون أن يخبرا الناس ..أين وجهتهما !!
وبقينا حوالي النصف ساعة والرتال واقفة فيهم الكللبير فللي السللن
والمريض وصاحب الحاجة ،ول تسل عن تأفف الناس وتضايقها ؟؟
وأخيرا رجع أصحاب السعادة وهم فرحون ويتمايلون ويضحكون بعد
152
تناول وجبة الفطار وأداء الصلة طبعا بكل خشوع واطمئنان !!
ول بأس قليل من نيل قسط من الراحللة والسللترخاء ومعرفللة آخللر
الخبار !!
عاد صاحبانا وهما يمضغان العلك!!
ليرطبا نسماتهما الزكية من روائح الطعام الشهي واللذيذ !!
كانا في قمة النشوة والنشاط بحيث أنهما لم ينهيا سوى عدد ضئيل
من
المسافرين) الضعفاء( حللتى أذن عليهمللا لصلللة العشللاء ،فانصللرفا
راشدين فخورين
لداء صلة الفرض ومعها ربما !!كم ركعة من التراويح!! ليروحا عن
نفسيهم
من عناء العمل والمكدة على الناس!!
قد يقول البعض أنني أبالغ ولكن والله هذا ما حصل ذلك اليوم..
وهو شيء مشاهد للسف ول يخفى على الجميع..
ونراه ونشاهده بوتيرة مختلفة من مطار لخر ومن زمن لخر ..
والله من وراء القصد..
أذكر مرة أنني كنت في ماليزيا ذلك البلد السيوي العملق !!..
وأسميه عملقا ليس بسبب حداثته وتطوره فحسب !!
بل لثقافة شللعبه المسلللم والمتمسللك بقيللم الحضللارة مللع تمسللكه
بدينه ومبادئه!!
كنت بصحبة عدد من الصحاب في منطقة اسللمها )قنتللن هايلنللد (
وهي منطقة
ساحرة وخلبة تقع في شرق العاصمة كواللمبور على بعد عشرين
دقيقة تقريبا
)بالمناسبة !! سعر التذكرة على التلفريك شاملة ركوب الباص مللن
العاصمة
وحللتى محطللة التلفريللك مللع ركللوب التلفريللك ،جميللع ذلللك ذهابللا
بخمسة ريالت فقط!!(
حينما وصلت مع أصحابي للطابور الواقللف أمللام العربللات المعلقللة
والمسماة التلفريك ،هالني العدد الهائل من الناس ..
والذين يقفون في طوابير ل تكاد تعد ول تحصللى مللن البشللر ..مللن
النساء والطفال والشباب والشيوخ..
فقلت لصحابي سنصل لول عربة غدا إن شاء الله ..؟؟
فالتفت لللي صللاحبي وقللال :أنللت فللي بلللد منظللم يللاعزيزي أنتظللر
153
وسترى !!
كان الصف يتحرك بانتظام وبدون توقف ول يتقدم احد علللى الخللر
كل يعرف سبيله وحدوده!!..
وصلللنا لول الصللف بعللد عشللرين دقيقللة تقريبللا ..وهللذا والللله مللا
حدث!!
دعوني أكمل رحلتي فمالنا وما لماليزيا ؟؟
أخيرا وصلت لسعادة الموظف في كاونتر المبيعات ..
تصنعت ابتسامة وردية حتى أكسب وده وتعاطفه ورحمته..
وكأنني واقف في طابور للشحاته !!
تكلم معي دون أن ينظر لوجهي الكئيب!!
بكل برود وعنجهية قال :
مافي رحلت رح بر اصرف لك !!
فقلبلللت حسلللاباتي ودرسلللت وضلللعي النفسلللي والجسلللدي خلل
ثانيتين !!
فلم يطق صاحبي النتظار وقال لي :خلصنا يامطوع!!
قلت :يا أخي )وكدت أقفز من فوق الكاونتر واقبل يديه!! (
أنا مواصل من القصيم وتعبان ..شفلي أي مقعد ولو درجة أولللى..
الله يخليك!!
قال ورفع يده ومسح بالخرى على قفاه :رح سجل انتظار وبعدين
أشتري
التذكرة من عندي!!
قلت وأنا أمسح بيدي :طيب ل مشكله ،بس إن رجعت عندك هللل
يجب علي
أمسك الطابور مرة ثانية؟؟
قال :طبعا !!
هذا النظام!!
ثم أمرني بالنصراف لينهي من بعدي من البؤساء!!
توجهت أجر ذيول الخيبة للكاونتر المذكور..
ويالله العجب !!
كل الوجوه عابسة ذلك اليوم ..
العسكر والموظفون و حتى عمال النظافة ..
أعوذ بالله ...كأننا في حرب ولسنا في مطار ..
حينما عبرت من عند نقطة التفتيش ..الداخلية ..
لم أجد مكانا لقف عنده ..من الزحام وكثرت الرائح والغادي!!
154
ول يكاد المرء يجد مساحة للهواء ليتنفس الهواء النظيف !!
كنت كلما مر بجواري موظف رسمي أمسك به و اسأله أين كللاونتر
النتظار؟؟
يقول لي أحدهم ..يمين !!
والخر يقول هناك أمامك ..
وآخر ينظر لي شزرا وباحتقار ول يللرد علللي !!..كللأنني قتلللت أبللاه
وأمه!!
ولكن أخيرا دلني عامل النظافة جزاه الله خيرا !!..
ويا للعجب ..
حينمللا وصلللت للكللاونتر ..رأيللت أكداسللا مللن البشللر أغلبهللم مللن
الجاليات السيوية من الهند وبنغلدش وسيرلنكا وغيرها من البلدان
..
وأغلبهم بلباس الحرام ..
مكدسة أمام موظف واحد ل تسل عن وصفه وعن ملمحه ؟؟
وعن تجهمه المفرط ؟؟
حينمللا تللرى صللفوفا مللن هللذا النللوع فالوسلليلة الوحيللدة للوصللول
للموظف ..
هو أن تخترق الرتال بالدفع عن اليمين والشمال والمزاحمللة وشللد
الشعور واللطم أحيانا!!
وإل فوا لله لن تصل إليه أبدا..
أما أنا فبقيت واقفا بكل أدب أنتظر دوري ..
وكنت كلما اقتربت للموظف جاءت أمامي طوابير جديدة
فيعيدني العسكري السمر ذو الشوارب الذابلة !!
قائل :من أول الصف يامطوع!!
شاهدت عللامل تللوجه لموظللف الخطللوط ويظهللر انلله مسللئولهم أو
مديرهم
فانكب على يده يقبلها ويبكي ويتلوى ويرفع تذكرته ويقول..
والله أنا مللن ثلثللة يللوم مللافي أكللل وشللرب ول نللوم أبغللى أسللافر
للدمام!!..
فقال الموظف بعد أن شعر بالحرج من نظر الناس وتجمعهللم لهللذا
المشهد المخزي!!
المشلللكلة ملللن الكفلء يرملللون هلللذول المسلللاكين ول يؤكلللدون
حجوزاتهم!!
رمى السيد المشكلة على الكفلء نور الله قلوبنا وعقولنا ؟؟
155
في كل مكان ترى الهمج من شبابنا للسف !!
وقف مجموعة من الفتية متوسطي العمار والمراهقين!!
مستغلين تلك الفوضى والهرج والمرج !!
ودلوا رؤوسهم من فوق السور العلوي
في أعلى المطار فوق كاونتر النتظار مباشرة !!
وصرخوا على العمالة المسكينة المتجمهرة أمللام الموظللف وقللالوا
لهم :تبغون
تسافرون مكة؟؟
روحوا هناك فيشيرون عليهم للكاونتر المجاور ..
فيتراكض الضعاف ويحدثون جلبة ..ثم يكتشفون أنهم خدعوا !!
فيعودون مرة أخرى ..
فيتمايل أولئك الفتية بالضحك والمزاح!!
مع أنه يحيط بموظف الخطوط مجندين من الشرطة بزعللم تنظيللم
الصفوف والرقام!! ..
وهيهات!! فهما ل يتحركان ساكنا وكأن المر ل يعنيهما ..
إن وظيفة هذين الخوين الكريمين كما شاهدت بعيني هو السوالف
والحديث مع بعضهما أو مع موظف الخطوط ول بأس من التوسللط
لصديق أو قريب على حساب المساكين اللذين لهم الله تعالى!!
ل أريد أن أطيل عليكم وقد فعلت !!
بقصة فارغة وطويلة قد ل تكون مفيدة ..
ولكن يعلم الله تعالى أنني لم أصل للطائف سوى بعللد مللرور أكللثر
من أربعين ساعة من النتظار والعذاب أخلف الله علينا خيرا !!
156
و ينادون في الناس ..مكة مكة الطائف ..أبها !! ..
توجهت لمن نادى على الطائف ..فقلت لهم :أريد الطائف ..
فأحاطوا بي كما يحيط السوار بالمعصم !!..
وأخذوا يتلمظون بي كما تتلمظ الفعى بفريستها..
هذا يقول :يالله اوديك مشوار ..وقال الخر :كم تدفع؟؟
وقال الخر بقي عندي راكبين ..
وأحدهم قال :مابقي عندي إل راكب واحد ..
فقلت له :سأذهب معك أنت وين سيارتك ..
فحمل حقيبتي وقال :اتبعني...
وصلت لسيارته الكر يسيدا متوسطة الحال !!
موديل !! 82
فوجدت السيارة فيها راكبين اثنين فقط !!
فقلت له :وين الركاب الخرين ؟؟
قال :كانوا هنا وراحوا !!
بس اصبر دقايق ويجون ركاب بسرعة !!
قلت له :ياعم أنا مستعجل ولزم أمشي على طول ..
فقال :اصبر شوي ل تحرمنا من الرزق ..
انتظرت وكنت ل أكاد أستطيع الوقوف من العياء ..
ثم فكرت قليل وقلت له:
اسمع سأدفع لك حق ثلثة ركاب ويالله نمشي !!
وجدت المبلللغ ليللس بكللبير وكنللت مرهقللا وأريللد الوصللول للطللائف
بأسرع ما يكون
فقال لي الرجل وهو في الخمسينيات مللن عمللره وقللد مل الشلليب
حواجبه
وشواربه وما بقي من لحيته وشعر رأسه!! :
طيب ،خلص هات بطاقة أحوالك حتى أسجل اسمك ..
ناولته البطاقة والمبلغ مقدما لثلثة ركاب ..
فذهب للتسجيل ورجع بعد عشر دقائق ولم يعد وحيد
بل جاء ومعه راكبين !!
فقلت له :من هؤلء ؟؟
فقال :ركاب !!
قلت :طيب ،أنا دفعت حللق ثلثللة ركللاب رجللع لللي قروشللي اللللي
دفعتها
لراكبين !!
157
فقال :والله ما أحد قال لك تدفع !!
ظننت في البداية الرجل يمزح!!
ولكن رأيت علمات الجد بادية على محياه!!
شدهت من الموقف ،وبقيت أنظر له بحيرة ..
هل جن هذا الرجل ؟؟
كيف يستحل هذا المال ؟؟
وفي شهر رمضان ؟؟
أنا أكتب لكم إخوتي الكرام أخواتي الكريمات ووالله لو لللم تحللدث
لي القصة
لكدت أن ل أصدق حدوثها ..
كيف طابت نفسه بفعل ذلك وبأي مبرر ؟؟
قلت له :ياعم كيف ترضى تطعم أولدك مال حرام؟؟
قللال ويظهللر أنلله استصللغرني :أركللب وخلينللا نمشللي بللدون كلم
فاضي!!
العجيب أن الركاب قد شاهدوا ما حدث ولم يتكلم منهم أحد ..
لم يكن لللدي فرصللة لن أفعللل أي شلليء فقللد اخللذ الرجللل المبلللغ
وليس معي
مستند يثبت ذلك ويستطيع النكار بكل سهولة ..
لم أذق طعم النوم طوال الطريق من تصرف هذا الظالم ..
وأقسمت بعدها أن ل أركب مع سيارة أجللرة تكسللي أبللدا وهللذا مللا
فعلت!!
قلت له :أوصلني لبيت أهلي على اقل تقدير ..
قال :أوصلك مع الركاب للمحطة !!
هل كوني تركت الرجل يفعل مللا يفعللل دون أن أتصللرف أو اسللترد
حقي ولو
بالقوة هو جبن وخور حيث كنت ضعيف البنية؟؟
هل هو احترام لشيبته وكبر سنه؟؟
هل هو بسبب الشهر الفضيل وكوننا صائمين؟؟
هل هو بسبب ربكة الموقف وصغر سني وقلة خبرتي في الحياة ؟
ربما كل ذلك أو بعضه !!
هل أن الله تعالى أراد بحكمته وتقديره يعلمني أن الحياة كلها جهاد
وكفاح
فل تركن ياهذا ول تطمئن ؟؟
كل ذلك وارد ..
158
وصلت للطائف ومنذ دخولي للمنزل ورؤية الوالدة الكريمة والوالللد
والخوان
والخوات نسيت كل ما مر علي من تعب ومشقة وإذلل ..
أول شلليء فعلتلله بعللد ذلللك أننللي اتصلللت علللى الشلليخ لخللبره
بوصولي..
حيث أمرني هو بذلك ..حتى يطمئن مللن وصللول المانللة الللتي فللي
عنقه لصحابه
اتصلت عليه وسلمت عليه وبلغته بوصولي فتعجب حينما علم أننللي
لم أصل إل
بعد يومين!!
قلت له :ياشيخنا الحكاية طويلة وخلها علللى الللله تعللالى ..الحمللد
لله أنني وصلت
ثم ناولت الوالد السللماعة والوالللدة فكلمهمللا وسلللم عليهمللا وقللال
للوالدة:
الله يجعله قرة عين لك!!
بقيت في الطائف عدة أيام واستمتعت فيها أيما اسللتمتاع حيللث أن
الشمل قد
اجتمع بفضل الله ثم بفضل الشيخ..
لم يحدث شيء يستحق الذكر في تلك اليام ،
استأذنت والدي ونزلت لمكة بعد أيام ..
لكي أقابل شيخنا هناك ..وأكون برفقته ..
في اليوم الموعود أحرمت من بيتنا ومللررت بالميقللات ومنلله لللبيت
للنسك
ووصلت لمكة قبيل صلة الظهر تقريبا ..
وكان موعدي مع الشيخ أن ألقللاه قريبللا مللن محللراب المللام حيللث
سيصلي خلفه
لمحت الشيخ وهو بالحرام يسير متوجها لمقصده ومعلله الخ علللي
السهلي ..
وحدث موقف طالما تكرر معنا ..
حينما اقترب الشيخ من الصللف الول تقللدم للله جنللدي مللن الجنللود
ودفع الشيخ
وقال :صل ياحجي هناك!!
ولم يعرف الشيخ طبعا..
فتقبل شيخنا المر واسللتدار وأراد أن يرجللع ،فلمحلله المشللائخ فللي
159
الصف الول
فعرفوه ..
فلحق عدد منهم الشيخ وأرجعوه وعنفوا الجندي المسكين ..
شيخنا رجل بسيط ول يحب التعقيد وكثرة النقاش ..
أذكر مرة أننا كنا نريد الدخول لمواقف السيارات بجوار الحرم ..
فردنا الجندي وأبى كل الباء أن يسمح لنا بالمرور ..
فرجعنا ولم ندرك الصلة في الحرم بسببه ..
وكان بالمكان أن نتصرف معه بوسائل أخرى!!
ذات مرة في طريق المدينة القصيم أوقف الشيخ رجل أمللن ومعلله
أخاه عبد
الرحمن ..فقال له العسكري :هات هويتك ؟؟
فقال الشيخ :هويتي في حقيبتي وهي خلف السيارة!!
فقال العسكري :انزل وجب الهوية من الحقيبة !!..
فترجل الشيخ وفتح الحقيبة وأخرج هويته للعسكري ..
فنظر لبطاقة أحوال الشيخ فقال :وين صورتك؟؟
وللعلم هوية الشيخ بدون صورة مكتوب مكان الصورة ) معفى( !!
فقال الشيخ :أنا معفى من التصوير!!
فقال الجندي وشك في القصة :ليش ؟؟
أول مرة يمر علي شخص معفى من التصوير!!
فقال الستاذ عبد الرحمن :هذا الشيخ ابن عثيمين!!
فما عرف الرجل الشيخ وقال مستهزئا :كلكم شيوخ !!
وبالكاد أرجع الهوية وسمح لهم بالمرور !!
وهذه قصة قريبة حدثت لمجموعة من طلبة العلم من الردن ..
وعددهم ثلثة..
حيث ذهبوا لداء العمرة وحضروا دروس شيخنا رحمه الله في مكة
وفي طريق عودتهم للردن حدث لهم حللادث مللروري فللي المدينللة
واصطدمو
بإشارة مرور بسيارتهم العتيقللة فللأتلفوا الشللارة ولللم تعللد صللالحة
للستعمال ..
160
أن يسمح لهم
الضابط بالسفر للردن وسوف يجمعللون للله مبلللغ الشللارة التالفللة
ويحولونه له
بعد التعهد بذلك..
فرفللض الضللابط وقللال لهللم :يجللب أن تللدفعوا القيمللة أو سللوف
أحيلكم للمحكمة !!
عندها قال أحدهم :لما ل نتصللل علللى أحللد المشللائخ ونطلللب منلله
العون فنحن
عابروا سبيل ولعل الله ييسر لنا فكاكا من الكرب الذي نحن فيه..
فوقع اختيللارهم علللى الشلليخ محمللد لقللرب العهللد بلله ولعلمهللم أن
الشيخ لن يقصر
معهم إن شاء الله ..
ولكن المشكلة كيف سيصلون للشيخ؟؟
نادوا على الضابط واجتمعوا به في مكتبه وقالوا جميعا :نريد نتصل
على الشيخ
ابن عثيمين !!
فقال :هل عندكم رقم هاتفه قالوا :ل !!
فقال :أعطوني اسمه كامل !!
فقللالوا :اسللمه محمللد بللن صللالح العللثيمين ..فاتصللل علللى آمللر
السنترال
فأعطاهم الرقم ..
وبعللد معانللاة ومحللاولت مضللنية لنشللغال الخللط رد الشلليخ علللى
الهاتف ..
فتكلم أحد الشباب من المجموعة ..وشرح للشيخ الموقللف وأنهللم
طلبة علم
قد حبسوا بسبب الحادث ..الخ القصة..
فقال الشيخ :هات الضابط أتحدث معاه !!
فتحدث الشيخ مع الضابط واستوثق منه ،فأكد على ما قالوه ..
فقال له الشيخ :أطلق سراح هؤلء الشباب وسوف أضمن لك كل
المبلغ !!
فقال الرجل :والله ل استطيع إطلقهم حتى يصلني المبلغ !!..
فقال الشيخ :أنا ضامن لك أن يصلك المبلللغ غللدا إن شللاء الللله دع
هؤلء يذهبون
لولدهم وذويهم ..
161
فأبى الرجل وأصر على ذلك ..
فقال الشيخ :ما اسمك لو تكرمت ..؟؟
فأعطاه اسمه وحدد له طبيعة عمله ..ثم أغلق الشيخ السماعة..
بعد مرور فترة من الوقت رن جرس ذلك الضابط ..
بعد أن ارجع الفتية للحبس..
فكان المتحدث من الطرف الثاني مدير عام مرور المدينة ..
فقال :هل اتصللل عليللك ابللن عللثيمين قبللل قليللل وطلللب منللك أن
تطلق السجناء
فأبيت؟؟
قال :نعم ..
فقال :اتصل علي المير عبد المجيد بن عبد العزيز بنفسلله ويقللول
لك
أطلق هؤلء الشباب فورا ..وقال :هذا ابن عثيمين لللو يللأمر علللى
كل شيء
لطعناه!!
فأطلقوا سراحهم ..
حينما صلينا الظهر ذلك اليوم اقتربت من شيخنا وكان حللوله حشللد
من الناس
فلما أبصرني نظر إلي نظرة أنكرتها !!
فسلمت عليه فقال لي هامسا في أذني :هل أخذت شيئا من شللعر
لحيتك؟؟
فقلت :أبدا والله !! لماذا؟؟
فقال :كأني ألحظ أنك خففت منها!! ثم أكمل كلمه وقال:
ولتعلم أني قربتلك منلي لعلملي أنلك صلاحب ديلن ،وتتعللم لتعملل
بعلمك!!
كانت تلللك كمللا يقولللون ضللربة معلللم ،وتوجيهللا ل أنسللاه أبللدا ،ول
يفوتني القصد والغاية منه !!
والمعروف أن شيخنا يفتي بتحريم اخذ شلليء مللن اللحيللة كمللا هللو
قول جمع من الفقهاء..
ابتدأنا في أداء المناسك من الطللواف وكللان الزحللام شللديدا والجللو
خانقا ،مع أننا في موسم الشتاء!!
162
انتهينا من أداء العمرة ثم توجهنا لمكان استراحتنا وهي شللقة تابعللة
لحد الخوة واسللمه محملد الغاملدي ..وهللو كلابتن متقاعلد ورجلل
فاضل من سكان جده..
كنت أنا والخ علي السهلي مكلفين بتنظيم برنامج الشيخ وتسللجيله
على أوراق
طوال فترة بقاءه في مكة ..
والبرنامج اليومي تقريبا سار بوتيرة واحدة ول يختلف طللوال بقاءنللا
إل ما ندر
وبالجملة هو كالتالي :الصلة فجلرا فلي الحلرم قريبلا ملن كرسلي
الدرس في الطابق الثاني من الحللرم ،ثللم إلقللاء الللدرس والجابللة
على الفتاوى المقرؤة حتى شللروق الشللمس ،ثللم التللوجه للسللكن
للنوم حتى قريبا من الظهر ..
ثم نتوجه للحرم لصلة الظهر ...
ثم يعود الشيخ لغرفتلله فللي الحللرم ليسللتقبل الفتللاوى مللن الهللاتف
لساعة وبعدها
يقيل حتى قريبا من أذان العصر ..بعللد العصللر تفتللح بوابللة الغرفللة
للزوار
والطلب والمحتاجين وذلك حتى أذان المغرب ..ويفطر الشيخ مللع
الناس على
تمللرات وقهللوة ومللاء زمللزم ،وشلليئا مللن العصلليرات إن أمكللن
إدخالها !!
ثم بعد الصلة يتوجه الشيخ لمن حدد في البرنامللج ويشللترط فيهللم
شرطان:
أن ل يكون بعيدا عن الحرم ..وثانيا أن يوافق عليه شيخنا
وغالب من يدعو الشيخ هم من المشائخ والعلماء وكذلك عللدد مللن
المراء وأصحاب
الشيخ وأقاربه ..
ثم يتوجه الشيخ للحرم لصلة العشاء والتراويح ..وذلك في الطابق
العلوي
) السطوح ( قريبا من كرسي الدرس ..
ثم بعد الصلة يتوجه الشيخ لكرسي الدرس ويلقي الدروس ويجيب
على
الفتاوى حتى ينادى على صلة القيام ..
فيصلي مع المسلمين حتى يختم بالقنوت ..
163
ثلللم يتلللوجه لطعلللام السلللحور وذللللك حسلللب البرناملللج المحلللدد
والمكتوب ..
وهكذا طوال أيام العشر الواخر ..حتى عودته للقصيم ..
النسان حينما يروي ويحدث الناس عن ذكرياته ومواقف حياته مثله
مثل
الراكب على قطار سريع يسير في درب محدد ولوجهة مقصوده ..
والراوي يتلفت يمنة ويسرة ثم يحكي للناس ما اسللتطاع بصللره أن
يعيه ويتلقفه !!
ول يظنن ظان انه سيقدر على الحاطة بكل مللا رآه ويشللاهد فهللذا
مما تفنى
العمار القصيرة ول يفنى ..والله ييسر ويعين على ما تبقى..
في ذاكرتي عن تلك اليام صور شللتى مبعللثرة وغيللر مرتبللة أنزعهللا
من أطراف
الللذاكرة وأطللارد تلللك ،فأمسللكها وألقيهللا فللي دفللتري بعللد نظملله
،وتفوتني أخرى
فل يمكنني اللحاق بها فهي طريدة صعبة المراس !!
ويحتاج الوصول إليها لجهد لعل الله مع اليام يمكننا منها!!
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مقدمة ذكرياته ) فهللذه
ذكرياتي .
حملتها طول حياتي ،وكنت أعدها أغلللى مقتنيللاتي لجللد فيهللا يومللا
نفسي ،
وأسترجع أمسي ،كما يحمل قربة الماء سللالك المفللازة لللترد عنلله
الموت عطشا ولكن
طال الطريق ،وانثقبت القربة .فكلما خطوت خطوة قطرت منهللا
قطرة
حتى إذا قارب ماؤها النفاد وثقل علللي الحمللل وكللل منللي السللاعد
جاء من يرتق
خرقها ويحمل عني ثقلها ..الخ كلمه النفيس رحمه الله..
ومع أنني والحمد لله ما زلت في عز شبابي ولم ابلغ ما بلغه الشيخ
علي رحمه
الله في سنه إل أنه وللسف لم يبق فللي ذاكرتللي ممللا يفيللد وينفللع
الناس سوى
القليل النادر ..
كما سبق وذكرت كان البرنامللج طللوال اليللام العشللر يسللير بنمللط
164
واحد ..
وحيث أن الخ علي قد سبق له أن رافق الشيخ فقد تللولى تسللجيل
من
يدعونا ،في دفتر أو ورقة يحملها معه فكان الشيخ يقول له ..
سجل عندك غللدا السللبت عنللد الشلليخ عبللد الرحمللن السللد يللس ..
والسحور عند
الشيخ عبد العزيز الحميدي وغدا عند فلن وهكذا ..
مما أذكره في تلك اليام عدد من المواقف ..
كمللا ل حظتللم ل ينللام شلليخنا طللوال الليللل إل أن يغفللو قريبللا مللن
النصف ساعة إن
وجد لها متسعا من الوقت قبل السحور..
ذات يوم لم أتمكن أنا و شيخنا من النللوم نهللارا بسللبب شللغل مللا ،
فأثقل ذلك
علينللا جللدا فكنللت أذهللب للمسللجد للصلللة أو لقللراءة القللرءان أو
لستماع الدروس
فتغلبني عيني فأنام ول استطيع القراءة أو الصغاء ..
غير أن المشقة الكبر هي على شيخنا رحمه الله فهو ل يجد فرصة
ليستريح
لكثرة الناس والمحتاجين ..
فتحنا البواب للناس كما هو العللادة فللي عصللر ذلللك اليللوم وجلللس
الشيخ للناس
والمحتاجين وللفتاوى عبر الهاتف ..
ول تسل عن حال شيخنا المسكين فقد كان يرفللع سللماعة الهللاتف
ويستمع لسؤال
السائل فينام وتسقط سماعة الهاتف من يده فيرفعها ويقول :أعد
سؤالك فينام
ويكاد يسقط على وجهه دون أن يشعر..
وكان السائل يجلس بيللن يللدي الشلليخ فيكلملله والشلليخ ينصللت للله
ولكن النوم يغلبه
فينام ويبقى السائل حللائرا ول يللدري مللا يفعللل حللتى أغمللز شلليخنا
فيستيقظ فيقول
:أين كنا؟؟
واستمر شيخنا في برنامجه حتى اليوم التللالي وصللمد للنللاس حللتى
بلغ به العياء
165
حدا ل يوصف..
وكانت القاصمة فجر اليوم التالي ..حيث أن الشيخ رحمه الله نللام
وهو يستمع
لقللراءة السللئلة وحللوله الجمللع الهللائل مللن المسللتمعين والمقللدر
باللف وكل يشهد
هذا الموقف وقد يذكره بعضكم !!
..ولقد كان يتوقللف أحيانللا فللي الللدرس فيغفللو لثللوان معللدودة ثللم
يكمل حديثه في
موضوع مختلف ..حتى ظن بعض الجهال أن الشيخ خرف!!
أما أنا فاستمعت لبعض درسه فلم اقدر على التحمل فبحثت
عن زاوية في الحرم وتوسدت كتابي ونمت نوما عميقا ..
وظننت أني سأستيقظ قبل فراغ الشيخ من درسه ..
وهذا مالم يحصل ..
الذي حدث أن شيخنا حينما وصل للسيارة التي تنتظره عند الحللرم
ويقودها الخ
علي التفت الشيخ حوله فلم يراني ..
وكان بإمكانه أن يذهب وسوف ألحقه فالدرب ليللس ببعيللد غيللر أن
شيخنا لم
يفعل ذلك وليته فعل !!
قال لعلي :وين صاحبنا ؟؟
قال :والله ما رأيته ..
فرجللع الشلليخ مللن فللوره لمكللان درسلله وهللو بعيللد عللن موقللف
السيارة ،رجع
ليبحث عني والناس حوله ول يعلمون مالذي يفعله الشيخ ..
بقي الشيخ يبحث عني لساعة من الزمن ..
حين ذلك استيقظت من نومي فتلفت حولي فوجدت المسجد شللبه
فارغ ..
فقمت وسرت في السياب على غير هدى كأنني مخمور من شللدة
التعب..
فالتقيت بالشيخ في منتصللف الطريللق وحللوله عللدد مللن الطلبللة ..
فقال لي:
أين كنت ؟؟ أنا ابحث عنك من ساعة !!
فخجلت والله خجل ل يعلمله إل الللله ..ولللم اسللتطع أن أجيبلله مللن
الحياء
166
لكن شيخنا بسماحة نفسه ..
تجاهل الموضوع لعلمه بسبب ذلك وقال لي :النوم سلطان جائر!!
أنا شاب في قوتي نشاطي ومقتبل عمللري وشلليخنا رجللل سللبعيني
ومع ذلك
يتحمل شيخنا مالم أطقه أنا أو غيري من الشباب ..
أذكر مرة في حج إحدى السنوات أن شيخنا لم يكن ينام خلل
أربع وعشرين ساعة سوى أربع ساعات تقريبا ..
ولقد كان يبلغ منه الجهد فينعس وينام وسماعة الهاتف في يده ..
فأقوم أنا أو أحد مرافقيه بغلق السماعة وفصل خط التلفون وترك
الشيخ وحيدا ليستريح ،فيستيقظ ويقول أين الهاتف ؟؟
فنقول له :أجهدت نفسك ياشيخي نم قليل..
فيقول :الناس محتاجة لمن يفتيها وأنا أنام؟؟
هات التلفون ..فيرغمنا على إحضاره ونحن نشفق عليه من التعب
..
من المواقف التي حصلت لنا تلك اليام ..
مللن عللادة شلليخنا أن يتصللدق علللى فقللراء الحللرم مللن الفارقللة
وغيرهم ..
وهذا ما يفعله كل عام ..وعرف الناس عنه ذلك ..
فطلب منللي أنللا والخ علللي أن نسللتقبل الطلبللات ونللدون السللماء
ونجردها ..
وحينما جاء يوم التوزيع وهو قبل العيد بيوم تقريبا ..
تجمهر عدد هللائل مللن الفارقللة وغللالبهم مللن المفتللولين وأصللحاب
الجسام الضخمة
وقوية البنية ..وكان لهم جلبللة وضللجيج فكنللا ننللادي علللى السللماء
فيدخل
الشخص لداخل الغرفة ويستلم ما ييسره الله له ..
غيللر أن المللر خللرج عللن السلليطرة ولللم نقللدر علللى ترتيبهللم
وتنظيمهم ..
وتدافع الناس واختلط الحابل بالنابل وخفنا على الشيخ وهو لوحللده
في الغرفة
ولم يشعر بما يحصل في الخارج ..
فجهدنا أنا وعلي أن ندخل الغرفة وبالكاد دخلنا ..
وأردنا أن نغلق الباب حتى يقل عدد الناس ويسهل تنظيمهم ..
ولكن المشاغبين لم يرقهم هذا التصرف فدفعوا علللى البللاب حللتى
167
كادوا أن يخلعوه
حينها جاء شيخنا ورأى بنفسه الحال ..
فقال :خلص أوقفوا التوزيع !!
ل يمكن أن نعطي الناس بهذا الشكل..
ولكن كيف سنغلق الباب ..فنحن اثنين نقف أمام مئات ..
فحاولنا جاهد ين أن نغلللق البللواب فلللم نقللدر ..بللل تللدافع النللاس
ودخل عدد منهم في داخل الغرفة ..
حينها استشللط شلليخنا غضللبا ..وتقللدم بنفسلله ووقللف أمللام رجللل
أفريقي ضخم الجثة عظيم الرأس مفتول العضلت ..فوقف شيخنا
أمامه ول يكاد يصل بطوله لنصف جسده !!
وهو النحيل ضعيف البنية فأمره بالخروج !!
فكأن الفريقي لم يفهم ول يتكلم اللغة العربية ..
فقال له الشيخ :أخرج يارجل ..
فما تحرك من مكانه وصار يرطن بكلم ل نعيه ..
فحللاول الشلليخ دفعلله وفحللص فللي الرض بقللدميه والرجللل ثللابت
كالجبل الراسي
فأشللفقت علللى شلليخنا منلله ..فتقللدمت إليلله ولطفتلله بالعبللارة
ومسحت على ظهره حتى خرج وكفانا الله شره ...
من المشاكل الللتي كللانت تواجهنللا فللي الوصللول للحللرم هللو إيجللاد
موقف لسيارتن
وذلك أن سيارة شيخنا ليست فارهة..
وفرها لنا الشيخ صالح الزامل جزاه الله خيرا ..
وذلللك بنللاء علللى رغبللة الشلليخ أن تكللون مللن السلليارات العاديللة
البسيطة..
كما قلت إن الناس تغريها المظاهر وتلهبها الزخارف
فقلما نحصل من البوابين البسطاء على التقدير..
ولذلك نعجز أحيانا في التعامل معهم ..
ذات مللرة مررنللا بجللوار بللواب فقلنللا للله نريللد أن نوقللف سلليارتنا
بالمواقف ..
فقال :هل معكم تصريح ؟؟
فقلنا :ل ..
168
وحدثناه سرا وهمسنا في أذنه ..
اسمح لنا فمعنا رجل ذو قدر وعلم !!..
فالتفت ورأى شيخنا و سيارته فقدر وفكر في المسألة بناء على ما
رآه !!..
أما إن مررت أنا أو علي بالسيارة بللدون الشلليخ فلللو دقللت أعناقنللا
فلن نحصل على
الذن بذلك !!
بمناسبة ذكر السيارات ..
حين وصولي لعنيزة ..
كان لدى الشيخ سيارتان ..
الولى سيارة مازدا بوكسي موديل ثمانين ..
وهي سيارة الشيخ ويحبها ويهتم بها ..
حتى أن قراطيس المقاعد حينها مازالت عليها في تلك السنوات..
أما ضرتها الخرى من السيارات فهي وانيت داتسن باب واحد
ويقودها أبناء الشيخ ولقد رأيت الشيخ مرارا يركبها فللي تنقللله فللي
عنيزة
روى لي أحد الثقات ..
يقول منذ زمن بعيد حيث لم يكن شيخنا يملك سيارة ..
اتصل عليه المير سلطان بن عبد العزيز ودعى الشيخ ليللزوره فللي
مزرعته
المعروفة في القصيم..
فلبى شيخنا الدعوة ..واستأجر سائقا أعرابيا ويقود سيارة تاكسللي
توصله
لمزرعة المير..
فكان البروتوكول التابع للمير قد رتب أن يستقبل المير سلطان
شيخنا من باب السيارة ..
فتوسطت تلك السيارة العتيقة سيارات المير وحشمه وضيوفه
فأصابها الخجل والحياء أمام أخواتها الفارهات الحسن ..
غير أن شيخنا لم يتأثر من ذلك..
فهو زاهد بالمظاهر ول تحرك في مشاعره شيئا ..
فلما رأى المير الشيخ ورأى أنه قدم مع سيارة تاكسي ..
تغير وجهه وأشفق على شيخنا ..
وقال :ياشيخ محمد ،ل بد أن نشتري لك سيارة ..
فقال الشيخ :تعبرنا وتقضي حاجتنا ..
169
أنا مرتاح والله يغنيك ويجزاك خير..
ولقد روى لي شخص قصة وسألت عنها شيخنا فأكد لي ما حدث..
حيث أن أحد المراء بعث لشيخنا سيارة فارهة جدا هدية منه ..
إكراما للشيخ وحبا فيه ..
فرد شيخنا ذلك وشكر المهدي وقال :اعتبر هديتك وصلت وأعفنللي
من
قبولها!!
شيخنا حينما يرد تلك الهدايا ل يقصد احتقار ما يهدى أو من يقدم
الهدية..
أبدا والله ..
غير انه رحمه الله رجل بسيط ويحب البساطة ول يريد التكلف في
اللباس والمظهر أو المركوب ..عاش على ذلك ومات عليه ..
كما هو شأن سلفنا الصالح..
فرسولنا عليه الصلة والسلم قبل هدايا الملللوك والمللراء كمللا هللو
ثابت عنه..
وكان ابن عمر رضي الله عنه يقبل هللدايا الملللوك ..كمللا صللح ذللك
عنه..
وهو من هو في زهده وإتباعه لثار النبي عليه السلم وسننه..
وللعلماء في ذلك تفصيلت وتقسيمات معروفة ..
يرجع لها من يريد الستقصاء والبحث..
روى لي جمع من الناس ومنهم شيخنا بنفسه ..
أنه في عام 1407للهجرة حينما زار الملك فهللد رحملله الللله وعفللا
عنه
منطقة القصيم ..
اتصل الملك على شيخنا وقال له :نريد أن نزورك في منزلك..
فرحب به الشيخ وقال على الرحب والسعة إن شاء الله..
فشقت المواكب الهائلة الطرق إلللى بيللت شلليخنا وغصللت بللالجنود
والعسكر
الطرقات في عنيزة ..ودوت صفارات الشرط..
وظن الناس أن المزور هو إحدى قصور عنيزة الفسيحة ..
فتجمعت الحشود لذلك الضيف الكريم..
وقال الناس :هنيئا لمن سينزل هذا الكريم في داره..
وما علم الناس أن شيخنا هو المقصود..
170
وأن بيته المتواضع هو قبلة الملك والمراء ...
فلما ترجل الملك من سيارته ..
ونزلت الحاشية من المواكب..
تفاجأ الملك وحشده الكبير ..
أن الشيخ محمد يعيش في بيت من طين!!
فصعقوا من ذلك ..وتعجبوا واستغربوا ..
ولعلهم بلغهم المر فظنوه مبالغة..
فدخل الملك البيت ..وتجول بنظره فيه وفي جدرانه البالية ..
وسقوفه المتواضعة..
فما رأى شيئا يرد النظر ويمل العين..
171
الله جميعا..
قال لي الشلليخ مللرة :والللله لقللد مللر علللي زمللان ل أملللك الريللال
الواحد في جيبي!!
وبعد سنين ابتنى شيخنا بيتا آخر بعد أن وسع الله عليه ..
ونزله منذ عام 1409للهجرة وبقي فيلله حللتى وفللاته ..رحملله الللله
ورزقه القصور
في الفردوس العلى..
نرجع لقصتنا!!
فللي تلللك الللدعوات الللتي يتلقاهللا شلليخنا مللن المشللائخ والعلمللاء
وغيرهم..
تلللدور نقاشلللات وحلللوارات ملللع المشلللائخ فيخلللرج المسلللتمعون
والحاضرون بدرر ونفائس
ل تجدها في المجالس المعتادة ..
فوجود هؤلء الصفوة يضفي على المكان ذوقا وطعما خاصا ..
ما رأيك بمجلس يجتمع فيه أسماء لمعة لخيرين ومصلحين ..
نحو ..الشيخ عبد العزيز بن باز ..
والشيخ ابن جبرين ..أو الشيخ عبد الله البسام أو الشيخ ابن منيع
أو مشائخ وأئمة الحرم كالسد يس والسللبيل والشللريم وابللن حميللد
وغيرهم
أو الشيخ عائض القرني وسعيد بن مسفر وعبد العزيز الحميدي..
هذا الخير وهو الشيخ عبد العزيز الحميدي
هو من أحب الناس وأقربهم لشيخنا..
و طالما استضاف شيخنا في بيته العامر بكرمه هو وأبناءه البرار
وعندي من الذكريات الجميلة في بيتهم العامر في العزيزية ما أجللد
لذته
حتى هذه اللحظات وبعد تلك السنوات المديدة ..
الشيخ عبد العزيز عالم جليل وهو أحد تلميللذ الشلليخ القللدماء جللدا
والذين
تتلمذوا على شيخنا في عنيزة قبل أن يعرف ويشتهر..
للشيخ عبد العزيللز الحميللدي مؤلفللات جميلللة ومفيللدة ومنهللا كتللابه
الرائع
)التاريخ السلمي دروس وعبر ( وهو من أنفس ما قرأت في بابه..
وله درس معروف في إذاعة القرءان الكريم..
من يستمع للشيخ عبد العزيز ويصللغي لنللبرات صللوته الهللادئة وهللو
172
يقرأ تلك
الرياحين العطرة ..والنسائم العذبة ..
تجعلك تعيش وتنغمس في تلك المشاهد الجميلللة والقصللص الفللذة
الرائعة
عن سلف المة ..رضوان الله عليهم ..
كنا نمكث في بيتهللم فللي أيللام الحللج وغيرهللا فل نشللعر بالغربللة أو
التكلف..
كنا كأننا في بيوتنا بل أحلى !!
مللن البسللاطة والسللماحة وصللفاء الللروح وطهللارة البللاطن قبللل
المظهر..
هم كما قال حاتم الطائي...
أضاحك ضيفي عند إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب..
وما الخصب للضياف أن تكثر القرى ..ولكنما وجه الكريم خصيب
إن من أكثر اللحظات التي أرى شيخنا فيها مسرورا وسعيدا
هي تلك السللاعات والليللالي الللتي يقضلليها فللي منللزل الشلليخ عبللد
العزيز وبين أولده
روى ليش الشيخ عبد العزيز يقول:
تتلمذت في شبابي عند الشيخ محمد في عنيزة وذلك قبللل انتقللالي
للعيش في مكة
فكنا نجد من الشيخ محمد مال نجده لدى المشائخ الخرين من قوة
الحجة
ونصاعة البيان والهتمام بالدليل ونصللرة أقللوال شلليخ السلللم ابللن
تيمية وتلميذه
ابن القيم رحمهما الله ..
فلما انتقلت للرياض لكمال دراستي النظامية ..
افتقدنا الشيخ محمد وأسلوبه الفذ ..
ولم نجد في الرياض ما كنا نجده في علم الشيخ ..
فعلماء الرياض حينها ساروا على السلوب القديم في التعليم
وهو أن يقرأ على الشلليخ فيعلللق تعليقللات بسلليطة دون استرسللال
وبسط في المسألة
فيمر عليها مرورا سريعا دون بحث متعمق وهو مللا كنللا نجللده عنللد
الشيخ محمد
فأثر ذلك على نفسي وأصابني بإحباط وكسل ..
وذلك كردة فعل على فقدان الشيخ وعلمه وأسلوبه..
173
فتوجهت لقراءة كتب الدب والتاريخ ..الخ كلمه عن شيخنا
174
حللتى وصلللن للجهللة الخللرى ومخللرن عبللاب الزحللام بكللل جللدارة
واقتدار!!
عجيب أمر بعض الحجيج والمعتمرين!!
كنت مرة أطوف مع الشيخ حول الكعبة ..
فسمعنا رجل يحمل سبحة في يده..
وكانت من طولها وعدد حجارتها تزحف في الرض!!
وجسمه ضخم كالبعير وبشرته سمراء ..وشللعره أجعللد وهللو كفيللف
البصر
سمعناه يصرخ ويدعو :رب اغفر لي وهب لللي ملكللا ل ينبغللي لحللد
من بعدي!!
ومرة لحق الشلليخ رجل نصللف رأسلله محلللوق والنصللف الخللر غيللر
محلوق..
ومنظره مقزز ..
فقال له الشيخ :لم نصف رأسك محلوق وتركت الخر؟؟
فقال :أنا سأعتمر عمرتين أحدها لي والخرى عن أمي
فهذه الحلقة للعمرة الولى!!!
وروى لنا الشيخ صالح الزامل حفظه الله أنه سمع معتمللرا يطللوف
بالكعبة المشرفة
ويسبح بسبحته ويقول في تسللبيحه :ياحسللين ابللن علللي ،ياحسللين
ابن علي!!
وكنا مرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد شيخنا
بعد أداء
الصلة أن يسلم على رسول الله عليه الصلة والسلم وصاحبيه ..
وكان الزحام هائل حول القبر..
وغالب الزوار من الجنسيات السيوية من الباكستان وغيرها ..
وحينما رأى العسكر ورجال الحسبة الواقفين حول القبر الشيخ..
طلبوا منا أن نمر من فوق الدرابزين المحيط بالقبر..
فهو أسهل علينا وحتى نسلم من الزحام..
فتقدم شيخنا وكنت بجواره وسلم على رسول الله قائل:
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته يارسول الله ..
نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت المانة ونصحت للمة وجاهدت في
الله حق
جهاده حتى أتاك اليقين ..
175
ثم مر من أمام قبري صاحبيه وسلم عليهما رضي الله عنهما ..
فأردنا النصراف والنزول ..
ولكن الحشود التي حول القبر كان لها رأي آخر!!..
فوجه شيخنا المضيء ..وشكله المميز واهتمام الحرس به ..
لفت نظرهم فكأنهم قالوا :هذا ولي من الولياء !!
فتقاذفوا للسلم على شيخنا والتبرك به!! ..
فكانوا يمدون أيديهم لمصافحته ..
وبعفوية وطيب نفس مللد شلليخنا يللده للسلللم عليهللم ومصللافحتهم
وليته لم يفعل!!
فقد تدافعت الجموع وعل بعضهم فوق بعض!!
ولم يكتف بعضهم بالسلم..
بل صاروا يتمسحون بيد الشيخ على الوجه والجبهة..
وسللحب شلليخنا وسللط الجمللوع وسللقطت غللترته وعبللاءته عللن
ظهره !!..
ولقد رأيت أحدهم يمسك يد شلليخنا فمسللح بهللا مللن رأسلله وحللتى
قدميه !!
وشيخنا الضعيف النحيل لم يقدر على الفكاك منهم ..
وكان يعلو ويخفق وكادت ذراعه أن تخلع ..
فتزاحم العسكر ودفعوا الناس والجهالة ..
وفك شيخنا وبالكاد !!
ول أظنه عاد لها من بعد أبدا!!
روى لنا الشيخ محمد السبيل إمام الحرم في إحدى الجلسللات فللي
بيته بحضور
شيخنا رحمه الله ..
أنلله فللي إحللدى سللفراته لدولللة الباكسللتان ..بصللفته إمامللا للحللرم
الشريف..
احتفي به احتفاء كبيرا وأكرم من الحكومة والشعب غاية الكرام..
وطلب منه التنقل بين الوليات الباكستانية لزيللارة النللاس والطلع
على أحوال
المسلمين ..فوافق الشيخ وكانت وسيلة التنقل هي القطار!!
وبينما هم يسيرون ويمتعون نظرهم بين الوديان الجميلة والمنللاظر
الخلبة
البهيجة ..
إذ فجأة توقف القطار!!
176
فظنوا أن هناك عطل ما !!
وقريبا سيستأنفون المسير..
ولكن التوقف طال و استمر لساعات !!
ولم يكن الشيخ السبيل ورفقاؤه يعرفون السبب ..
وبعللد مللرور وقللت طويللل مللن النتظللار وشللعور الشلليخ ومرافقيلله
بالملل..
جاء ه عدد من المسئولين الباكستانيين ممللن يشللرف علللى تنظيللم
تنقل الشيخ
ومعهم الترجمان ..وعلى وجوههم العبوس والضيق !!
فقال الشيخ :ما القصة؟؟
فتكلم قائدهم وكان مطأطأ الرأس من الخجل وقال :ياشيخ محمللد
هناك مجموعة
من القرويين ممن ويعيش في القرى حول طريق القطار
قد ربطت نفسها بالحبال على سكة الحديد !!
وأقسمت أنها لن تتحرك حتى تموت !!
أو تنزل أنت للسلم عليهم ..
ولقد باءت كل محاولتنا لثنيهم بالفشل وأكدنا لهم باليمان المغلظة
أن برنامجكم محدد ولديكم..
مشوار طويل واحتفالت في المدن وهم في النتظار..
والوقت غير مناسب ..ولعل ذلك يكون في زيارات أخرى
فرفضوا ولم يقتنعوا..
وقالوا :أين نجد شرفا كهذا الشرف ؟؟
كالسلم على إمام الحرم الشريف!!..
فتعجب الشيخ السبيل من إصرارهم وحتى لو على مللوتهم وتقطيللع
أجسادهم!!
وقال :إذا ل بأس سأنزل للسلم عليهم..
فقالوا :ياشيخ محمد نحن نخاف عليك ..ونخشى عليك الغوائل!!
فهؤلء فيهم الهمج والرعاع وقد يفعلون أمورا ويتصرفون تصرفات
غير حميدة و غير متوقعة !!
ولو سمع الناس بفعلتهم لوقفتنا القرى طوال الطريق..
ولكن الرأي أن تبقى أنت في القطار ونفتح لك النافذة
ويحضرون هم للسلم عليك..
فقال الشيخ :ل بأس فليحضروا..
فجاء الناس وكان عددهم هائل..
177
وتوافدوا من الوديان والشعاب ..
فتجمعوا للسلم على إمام الحرم ..
فل تسل عمن صافح و وعمن قبل وعانق وبكى من الفرح ..
حتى كاد الشيخ أن يختنق من كثرتهم وتجمهرهم عليه !!
وهو ذو البنية الضعيفة والسن الكبير والجسم القصللير حفظلله الللله
ورعاه..
ولقد ذكر الشيخ السد يس تعليقا على كلم الشيخ السبيل أنلله فللي
إحدى زياراته
فقد عباءته حيث نزعت منه بالقوة !!
ومزقت ووزعت خيوطها بين القبائل وبيعت بأعلى الثمان!!
أذكر مرة أن الناس اجتمعت على الشيخ كعادتهم بعد صلة العصر
فلفت اجتماع الناس فضول المعتمرين فجاءت مجموعة أظنها مللن
شمال أفريقي
فقال لي أحدهم :من هذا ؟؟
فقلت لهم :هذا أحد العلماء والناس تسلم عليه..
فقال :ما اسمه؟؟
فقلت :اسمه الشيخ محمد بن عثيمين..
فسمعته يقول لصحابه وهو منصرف :هذا الشيخ اسمه ابن تيمية!!
ومرة كنا خارجين من الحرم ..
وركب الشيخ السيارة ..
وكان يقرأ ورقات بين يديه ..
فمدت له يد من خارج نافذة السيارة ..
ولم يلتفت الشيخ جيدا لمن يصافحه ..
وحينما لمست يده يد المصافح ..
صرخت أنا بها !!
فقد كانت امرأة من المعتمرات !!..
جاءت للسلم على الشيخ حينما رأت الزحام عليه..
فالتفت الشيخ وضحك من ذلك ..
ولم يلحظ أحد ذلك سوانا وإل لقيل ابن عثيمين يصافح النساء!!
وحاشاه رحمه الله..
الحلقة الخمسون
178
وقد قطفنا بعض ثمار الذكريات فيها ..
ول بأس من جلب شيء من الثمار لمكة
من المدينة وجدة والردن!!
أردت عن قصد ونية مما سبق أن أشاغل الناس بشيء من مواقف
الشيخ الجميلة واللطيفة..
حتى ل تفسد تلك المشاكل الشخصية بيني وبين صاحبنا المعهود..
طعم القصة والحكاية بمرارتها ..وقد أوشكت!!
لقد رأيت أن القراء الكرام تضايقوا مما حدث ..
وبعضهم استغرب حدوث ذلك ..
واستنكره واستهجنه..
وحق لهم في ذلك !!..
ولكنني أذكرهم وأقول لهم :
أقرءوا التاريخ والسير..
ابتداء بسير المرسلين عليهم السلم
ومرورا بسير أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
وسير السلللف الصللالح والعلمللاء والخلفللاء والملللوك وكللذلك بعللض
القصص الجاهلية والحديثة..
فستجدون أن ذلك أمر متجدد عبر الزمان ول يستغرب وقوع ما هو
أروع منه وأغرب وأعجب وأنكى
ممن سماهم الله تعالى ) لقد خلقنا النسان في أحسللن تقللويم ثللم
رددناه أسفل سافلين (
وقوله تعالى ) إنه كان ظلوما جهول(
خاصة وأن الحدث وقع بين طلبة علم ومن حلقة الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله المقربة..
وما الغرابة في ذلك ؟؟
أليسوا بشرا ؟؟
ألم يقع في الصالحين ما هو أغرب ؟؟
السؤال الشرعي هو:
هل ذكر مثل هذه المواقف والحداث يفيد ؟؟
ما العبرة والحكمة من روايتها؟؟
أليس من المتوقللع أن يعقللل النللاس وتتللوب وتنسللى تلللك المهللازل
والسفاهات..؟؟
أليس من المؤسف هو نبش تلللك الحللداث وإخراجهللا للنللاس حللتى
تفتح بابا للقيل والقال؟؟
179
هذه تساؤلت أوردها على نفسي كل يوم وفي كل حلقة أدونها..
و قد جاوبت نفسي وغيري بالتالي:
أنا أروي ما حصللل كروايللة شخصللية أو كمللا سللماها احللد المعلقيللن
الكرام ) سيرة ذاتية( ابتدأت من حياتي الشخصية ثم مرورا
بمواقف عديدة حتى وصلت لشيخنا رحمه الله..
ثم ستستمر الرواية ...
في أمور وبلدان تنسي أهوالها وأحداثها ..
كل ما مضى ؟؟؟؟
فما زلنا في البداية !!
فمن عنيزة حتى كرواتيا حتى حرب البوسنة المهولة ثم مرور
بكوسوفا ثم أفريقيا وبالخصوص في إثيوبيا والسللودان والكللاميرون
وتشاد وغيرها !!..
فالقصة طويلة والحكاية لن تقف على شيخنا رحمه الله أو غيره..
ول أخفيكم أن هذا ما لم أكن عازما عليه منذ البداية !!
فقد عزمت على أن أدون ثلث روايات متفرقة ولكن بعد مشاورة
وقراءة تجارب مثيلة رأيت دمج الموضوع في تسلسل واحد ..
حتى يستوعب القراء تلك الذكريات ول أشتتهم في ثلث محاور
قد يكون الربط بينها يحتاج لعناء ومشقة..
فالفضل إن شاء الله هو استكمال كل مرحلة ثم النتقال للمرحلة
التي تليها ..
والظن إن شلاء اللله أننلي للو تمكنلت ملن السلتمرار عللى نفلس
المنللوال وهللو تنزيللل خمللس حلقللات أسللبوعيا فللالمتوقع اسللتكمال
القصة في أقل من سنة بحول الله تعالى
يصدف في هذه السير ذكر بعض الوقائع الحقيقية والتي سببت في
وقتها مشاكل للراوي ..فأنا أمام خيارين اثنين:
إما أن أسكت وتبقى القضللية مبهمللة والتهمللة معلقللة علللى رأسللي
حتى
يهنأ مثيروها ويسلموا من جريرتها وعاقبة فعلهم..
وبالتالي يبقى في القصة فراغات هائلة وعلمات استفهام كبيرة
فتكون عديمة الفائدة بل تكون سببا للتندر والهزل..
أو علي أن أكشف الموضوع بكل جوانبه وحذافيره
مع ذكر السماء والوقائع والشواهد وأنللا غيللر ملم فللي ذلللك لننللي
الحلقة الضعف و الجهة المتلقية للظلم أو للصفعات واللطم!!
أو علي أن أروي قصتي كما يحلو لي وأتجنللب التوصلليف الللدقيق أو
180
تسمية الخصوم ،قناعة مني ورضا بما قدره ربي علي
ثم لما قد يترتب عن ذلك من تشويش على أصحاب تلك المخازي
وهم الن في غنى عن ذلك!!
وأنا اخترت الخيار الثالث عن تفكير واستخارة واستشارة
ورغبة في البعد عن الشقاق والنزاع..
ولكن يبقى الخيار الثاني واردا إن رأيت أن في ذلك مصلحة
أولها رضى الخالق سبحانه ثم الدفاع عن نفسي ولو كان متأخرا..
إن تعرضت لتعد متجدد من الطرف المعني..
و السؤال هو لماذا ل نستمع للحكاية حتى النهاية ثم مللن بعللد ذلللك
لنحكم عليها..
وليتكلم وليعلق ولينبش وليكذب!!
كل من يريد فعل ذلك فأنا لم اكتب حتى هذه اللحظة تلللك الروايللة
في كتاب أصم !!
بل كتبت كل دعواي وما زعمته في منتديات حوارية أتلقى فيه مللن
الثناء أو الذم !!
كل ذلك عندي سواء..
فلماذا ل يسع الجميع ما وسعني ووسع الخرين ؟؟
لماذا إتباع سياسات خرقاء يترتب عليها أمور ل يحبذها عاقل ول
يبحث عنها لبيب..
أتمنى أن تصل رسالتي لمن اعنيه ويفهم ما اقصده ويعلم أنني
أحكي وقائع ومشاهد أقسمت على كل كلمة وحرف منها وأشهد
ربي سبحانه عليها وهو المولى والنصير ..
قد يتضايق بعض الخوة القراء من كثرة تكراري لمثل هذا الكلم
وأقول لهم جميعا يا إخوتي هناك أناس يتربصون بي من خلف
الكواليس جبناء وسيأتي الوقت قريبا الذي افضحهم فيه ..
ولقد سمعت منهم كلما ورسائل بعثوها ...
ألزمتني أن أؤكد على تلك المعاني والمباديء كل مرة ..
وأقول لهم لن أعيد كلمي!!
فلو تمادوا في غيهم وتجاوزوا الحدود فلن يكون صدر مالللك وحللده
يحويهم !! ..
وسأسمع كل من يعقل ما فعلوه وبعدها فليدفعوا الحساب..
حسنا لنرجع لقصتنا ..
انتهى رمضان وأعلن العيد وعاد الخ علي بشيخنا لجده ومنلله رجللع
بالطائرة للقصيم ..
181
أما أنا فرجعت لعائلة في الطائف وبقيللت هنللاك عللدة أيللام قضلليت
فيها مع العائلة الكريمة ..والحمد لله ..
ثم عدت للقصيم ..
فوجدت عنيزة شبه خالية من الطلبة ..حيث أن أغلب الطلبة لللدى
عوائلهم وأهليهم..
وحينما شارفت الجازة على النتهاء توافد الطلبة وغص بهم الجامع
..
قدم لعنيزة طالب من مدينة الطائف اسمه محمد العباد..
وقد سبق أن رأيته في الطائف قبل قدومي لعنيزة..
دون أن اعرفه باسمه أو أن احتك به..
هذا الطالب ترى من وجهه الجد والصرامة
ويشع من عينيه بريق الفطنة والذكاء..
بعد صلة العشاء وخروجنا من الدرس المعتاد..
لحق الخ محمد بشيخنا وكنت معهما أسير كما هي عادتي..
انتظر انتهاء الطلب من أسألتهم ثم أبدأ بقراءة ما عندي من أسئلة
وغيرها..
تناقش الخ محمد مع شيخنا في مسألة فقهية ..
وكان في الخ محمد حده فكان شلليخنا يللرد علللى كلملله فيللرد الخ
محمد على الشيخ بإيرادات جميلة تدل على فطنته..
غير أن أسلوبه كان فظا فهذا ما جعل شيخنا يحتد معه أيضا..
اذكر أن الخ محمد رد على الشيخ فقللال للله :هللذا قللول ابللن حللزم
الظاهري في المحلى..
فاستشللط شلليخنا غضللبا وقللال :وهللل المحلللى كتللاب منللزل مللن
السماء؟؟
ثللم أورد عليلله كلم ابللن القيللم فللي ابللن حللزم فللي كتللاب إعلم
الموقعين..
فرجع الخ محمد وبقيت مع الشيخ وحيد ا وكللأنه شللعر بحللدته فقللد
كان شيخنا رحمه الله سريع الفيئة!!
فقال لي :يبدوا على هذا الطالب النباهة والفطنة ..
في اليوم التالي ..وكنت جالسا في مكتبة السكن ..
جاءنا اتصال من مستشفى الملك سعود في عنيزة ..
فرد مشرف المكتبة على المكالمة..
فكان المتحدث من المستشفى يقول :حصل حادث لمجموعة مللن
طلبة الشيخ ..
182
فصللعدت فللورا لغرفللة مشللرف السللكن وهللو حينهللا الخ صللالح
المرعشي الحربي فأيقظته من النوم..
ففزع ،وأذكر أنه كان يتحدث مع نفسه من الروعة..
فتوجهت معه للمستشفى ..
فقابلنا مشرف شئون المرضى حينها وهو الدكتور محمد الحركان
فقال لنا :لقد تللوفي فللي الحللال سللائق السلليارة وسللائق السلليارة
الخرى..
فقلت له :ما اسم السائق ؟؟
فقال :لم نعرف هويته حتى الساعة ..ولكللن دعونللا نتللوجه للثلجللة
فلعلكم تعرفون الميت!!..
حينما دخلنا ثلجة الموتى أصابتني قشعريرة وخوف وارتباك
فلم يسبق لي أن رأيت موقفا كهذا ..وهممت بتركهما ..
رأينا شخصا ممدا على سرير ومغطى بشر شف أبيض ..
وعلى جهة الصدر بقع كبيرة من الدم ..
فتقدم الدكتور محمد للجثة من جهة الرأس ونظر لوجهي ووجه
مرافقي كأنه يقول :هل أنتما مستعدان للتعرف على الميت؟؟
فتسارعت نبضات قلبي وكدت أن أتراجع ..
فنزع الغطاء فتأملت الميت فلإذا هلو الخ محملد العبلاد اللذي كلان
يتجادل بالمس مع شيخنا رحمه الله !!
ويؤمل شيخنا فيه ما يؤمل!!
رحمه الله وعفا عنه وأسكنه الفردوس العلى
تنبيه
للسف فإن تسلسل الحداث عندي قد ل يكون فيه انضللباط ودقللة
كما ينبغي..
قد يحصل ان اذكر أحداثا ول استطيع التأكيد عن وقت حصولها هللل
بعد رمضان ام قبله هل في فترة الجازة ام في وقت الدراسة ..
أصل الحداث معلوم وميقن منلله لكللن تحديللد الزمللن بدقللة صللعب
للغاية فارجوا ممن اطلع على حدث ولديه ملحظة حللول الزمللن أو
التسلسل أن يسارع بتنبيهي حتى أعدل تلك المعلومة..
183
حضللر مجموعللة مللن طلبللة الشلليخ درس الشلليخ سللليمان العلللوان
حفظه الله
في مدينة بريدة ..
الشيخ سليمان العلوان لمن ل يعرفه
كان في تلك السنين شابا في مقتبل عمره ..
آتاه الله من العلم الراسخ خاصة في علم الحديث ..
والفهم الثاقب وسعة الطلع ما يبهر البصار ويحير اللباب
تسامع به طلبة العلم فتقاطروا عليه من كل مكان ..
ولقد رأيت في درسه وحضرته مرة واحدة فقط
رأيت من يكبره مرة أو مرتين ويحمل أعل الشهادات العلمية
وقد ثنى ركبتيه بين يديه..
وكان درسه بعد صلة الفجر ..
حضره عدد من طلبة الشيخ وبعد رجوعهم من الللدرس وكللان ذلللك
يوم خميس
أعترضتهم فجأة سلليارة يقودهللا رجللل مسللن ومعلله مرافللق مسللن
أيضا..
فاصطدموا به فتطاير الركاب من السيارتين ..
وضرب مقود السيارة على صدر محمد العباد فمات في الحال..
وتوفي أيضا قائد السيارة الخرى رحمه الله..
وتهشمت السياراتان حللتى تلفتللا تمامللا ولللم تعللد تصلللحان للنتفللاع
بتاتا..
كانت تلك الحادثة المروعة مجزرة بما تعنيه العبارة من معنى!!
فقد خطف الموت طالبا مجللدا وهللو الخ محمللد العبللاد رحملله الللله
وأصوله من اليمن
وفقد أحللد الطلبللة إحللدى عينيلله وكللاد يعمللى ومكللث فللي النعللاش
أسابيع عديدة
وهو الخ محمد المين السوداني
وكسر أللحي السفلي لحدهم وكاد يتلف ويهلك..
وهو الخ عبد الله حافظ الباكستاني
والخر أوشك على الموت فقد تكسرت أضلعه وشل شلل نصفيا
وهذا للسف نسيت اسمه وهو من سكان جده ومن قبيلة حرب
وقد كان الشد تضررا من الحادث أعانه الله وخلف الله عليه خير
حينما سمع شيخنا بالخبر ..
أراد الذهاب للمستشفى فللي عصللر ذلللك اليللوم للطمئنللان عليهللم
184
بنفسه ..
وقال لي :جهز سيارتك سأذهب معك للمستشفى!!
سيارتي من نوع الجالنت اشتريتها من أخي الكبير بسعر زهيد
و هي سيارة شبه متهالكة!!
و وهيئتها وما وضع عليها من زخارف ل تليق بي أنا كطالب علم
فكيف بشيخنا !!
قد مضى على وجودها معي أياما معدودات ولم أتمكن
من تغيير ما عليها من زخارف وعبارات مخجله !!
حتى أن أخي سامحه الله قد هبط هيكل السيارة بحيللث توشللك أن
تحتك بالطريق !!
تفهمون ما أعنيه جيدا !!
عندما قال لي الشيخ :سأذهب معك بسيارتك..
قلت له:
ياشيخي سأستعير سيارة من احد الزملء ..
فقال :ولما ؟؟
أبي أشوف سيارتك ونجربها!!
توكل على الله وجهزها لي بعد الصلة عند باب المسجد!!
وقعت في حرج شديد واستحييت أن أركب شليخنا عللى مثلل هلذه
السيارة المريعة !!
بعد العصر سبقت الشيخ لخارج المسجد وجهزت له السيارة ..
فلما جاء واقترب مني وركب فيها قال لي :مبارك !!
هل هذه سيارتك؟؟
فقلت له :ل ،ياشيخ هذه ليست سيارتي هذه لحد الزملء!!
فقام شيخنا مغضبا من فوره وخرج من السيارة وأشار لطالب آخر
فركب معه وتركني!!
لحقتهللم للمستشللفى فوجللدت سلليارتي الللتي تركتهللا مللع صللاحب
السيارة التي أقودها ..
فأرجعتها له وأخذت تلك العجوز المريعة..
فأوقفتها أمام باب المستشفى !!
فإذا كانت هذه رغبة الشيخ فليكن!!
لحقت بشيخنا وتجولت معه على المرضى ..
وكان في استقبال الشيخ الرجل الشهم والكريم المفضال الللدكتور
عبللد الللله البللداح المشللرف العللام علللى المستشللفى وعللدد مللن
الداريين ..
185
حينمللا زرنللا الخ محمللد الميللن وكللان فللي غيبوبللة تامللة قللال لنللا
الممرض:
هذا الرجل طوال الوقت في غرفة العمليات..
كان يقرأ القرءان ويسبح ويهلل وهو في غيبوبة تامة !!..
وقف شيخنا على رأسه ودعا له وقرأ عليه ونفث..
ثم تنقلنا فللي غللرف الخللوة الخريللن عبللد الللله والخ الللذي نسلليت
اسمه..
وكان وضع الخير حللرج للغايللة ممللا اسللتلزم نقللله لجللدة بعللد عللدة
أسابيع
كانت حاله كما ذكرت خطرة للغاية وكانت معرضة للتطللور فللي أي
لحظة وكان في غيبوبة ..
وبعد فترة تحسنت حالته نوعا ما وصار يفتح عينيلله ولكنلله ل يعللرف
من حوله ول يعقل ..
وفي إحدى الزيارات حيث كان شيخنا يزور المرضى دوم
حدث موقف عجيب وغريب ..
عندما وقف شيخنا على رأس أخينا الكريم
واقترب منه ودعا له وقرأ عليه كما يفعلها كل مرة..
حينهللا نظللر الخ فللي وجلله الشلليخ فتللأمله وكللأنه عرفلله فابتسللم
وضحك !!
فقال الشيخ وهو ممسك بيده :هل يعرف من حوله ؟؟
فقال الطبيب :أبدا هو لم يفعل هذا من قبل !!
وكنا كلما زرناه مع الشيخ يكرر ما فعله دوما فيضحك ويتهلل وجهلله
..
فسبحان مللن مل قلللوب عبللاده حبللا لهللذا العلللم الجليللل وخصوصللا
تلميذه الذين يرونه في مقام الوالد الرحيم بل اشد من ذلك!!
وليخسأ الخاسئون!!
همس أحد الطلب في أذن الشيخ
وقال له :ياشيخ نريد رؤية الخ محمد العباد
فقال الشيخ :هو ميت !!
فقال :ياشيخنا ل بأس للعتبار!!
الشخص الذي همس في أذن الشيخ وقال له ما قال ..
حدث له حادث بعد سنوات على طريق المدينة القصيم وكانت معه
زوجته
وأبناؤه فتوفي رحمه الله من فوره ..وسلمت زوجته وأبناؤه..
186
وقد بلغني الشيخ بموته حينما اتصلت عليه من البوسنة..
فقال لي :هللل سللمعت بفلن لقللد صللار عليلله حللادث وصلللينا عليلله
اليوم..
حينها والله تذكرت كلمته حينما قال لشيخنا :نريد العتبار..
واسمه عبد الرحمن داود رحمه الله..
من خيرة الطلبة وأكثرهم حرصا على التحصيل والطلب
عفا الله عنه وجعل مثواه الجنة..
دخل الطلبة على جثة الخ محمد وقد وضعت في داخل الثلجة..
ولما رفع الغطاء عن وجهه تأمل الشيخ وجهه وسكت قليل ..
وهز رأسه ثم دعا له و انصرف..
خرجنا من المستشفى وكان الشيخ قد رأى على وجهللي كرهللا لمللا
فعله معي
فقال لي :هل أحضرت سيارتك؟؟
فقلت بخجل وحياء :نعم..
استحييت والله من الطلبة ومن مدير المستشفى أن يروا دابتي!!
وصلنا للباب وخرج الشيخ ..وودع مرافقيه
وفتحت له باب السيارة..
وقال قبل أن يركب :هذه هي؟؟
قلت :هي والله !!
فدخل فيها وقرأ دعاء الركوب وأخللذ يلمللس مراتبهللا ويمسللح علللى
مقدمها ويقول:
مبارك يا أبا عبد الله لتهنأ لك وجعلها عونا على الطاعة!!
فخرجنا من المستشفى واعتذرت من شيخنا عما بدر مني
فقال :ل تخجل السيارات كلها سواء المهم توصلك لحاجتك..
ثم انشغل رحمه الله بتقليب المذياع والنظر فللي سللقفها والتبريللك
والدعاء
وكأنني أقود أفخم وأرقى طراز ..
رحمه الله ما ابسطه وأكرمه وألطفه..
في اليوم التالي صلينا على الخ محمد العباد بعد صلة الجمعة..
وأمنا شيخنا رحمه الله ..
ثم خرج بنفسه وتقدم الجنازة راجل ..
وقللد حملللت علللى الكتللاف حللتى المقللبرة والللتي تقللع فللي الجهللة
الشمالية من عنيزة
وكأن الخوة الذين يحملون الجنازة اسللتعجلوا فللي السللير ليلحقللوا
187
الشيخ
فقال لهم معاتبا :
سيروا على مهل هل تريدون الجنازة أن تسقط؟؟
وصلنا للمقبرة وجلس شيخنا على التراب ..
حتى يصلي على الجنازة من لم يصل..
وحتى يحضر الميت ويدفن ..
وضع الخ محمد رحمه الله في القبر ..
وكان والده موجودا ومتأثرا جدا من فقد ولده ..وقرة عينه ..
خلف الله عليه خيرا ..
وجعله فرطا له إلى الجنة..
بكى والده على قبره فأبكى من حوله ..
نظرت للقبور ذلك اليوم وكانت على مد البصر..
رأيت رجل يسير بعيدا من بين القبور وكنت اعرفه ..
فسالت :أين يذهب؟؟
فقالوا :يزور قبر شيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
جاء والد الخ محمد وسلم على شيخنا وقبللل يللده وبكللى بكللاء كمللا
تبكي الثكلى
فصبره شيخنا ودعا له ولولده محمد وقال :يخلف المولى سللبحانه
عليك في
إخوان محمد ..فل تتحسر فكلنا موتى وهذا آجال ..الخ كلمه رحمه
الله
ولقد واساه شلليخنا ودعللاه فلي بيتله واستضللافه طلوال بقلاءه فللي
عنيزة ..
مرت اليام تترى وبوتيرة سريعة ..
وما أسرع ما جاء موسم الستعداد للحج..
حيث أوقف شيخنا الدروس المعتادة ..
وشرع في دورة مركزة في القراءة من أبواب الحج من الزاد ومللن
كتب المناسك
وكللذلك كتللابه الصللغير فللي حجملله الكللبير فللي قللدره المتعلللق
بالضاحي ..
وقد قرأناه عليه وشرحه شرحا وافيا ..
فخرجت بفوائد عظيمة واستطعت الحاطة بتوفيللق المللولى بجميللع
ما يتعلق
بالحج والمناسك والضحية من تلك الدروس..
188
فجزى الله شيخنا خير الجزاء ورضي عنه وجعللل قللبره روضللة مللن
رياض الجنة
في اليام الخيرة من شهر ذي القعدة ..
وقبل رؤية هلل ذي الحجة توجهت مع شيخنا لداء الحج..
وكان في استقبالنا الشيخ صالح الزامل والخ علي السللهلي وجمللع
كريم من الخوة
المحبين..
توجهنا لمكة شرفها الله لداء العمرة وتحللنا بعد ذلك ..
فقد كنا متمتعين كما هو معروف من أنواع النسك..
أرجعنا السيارة التي كانت معنا للشيخ صالح الزامل واستبدلناها
بسيارة جديدة تركت تحت تصرفنا !!..
سألت شيخنا :ما هذه السيارة هل هي مهداة؟؟
فقللال :كل ،هللذه السلليارة تابعللة لللوزارة الشللئون السلللمية حيللث
أشرف سنوي
على الدعوة في صالة الحجاج والميناء !!
برنامج شيخنا في فترة الحج برنامج شاق ومرهق بما تعنيه الكلمللة
من معنى
حيث يحتوي على برامللج متتابعللة مللن دروس ومحاضللرات وفتللاوى
وتنقل بين المخيمات قبل وبعد الحج وأثناءه ..
ولقد كان يصيبني الفتور والعياء من كثرة البرامج وشيخنا في قمة
نشاطه!!
في الحج كنت أنا رديف شيخنا ولم يرافقنا أحد مللن أقللارب الشلليخ
أو أصحابه
وكنا طوال فترة بقاءنا في مكة وكذلك في مخيم الحج فللي ضلليافة
شهم سأتحدث عنه لحقا..
توجهنا بسيارتنا الجديدة )وهي جيب تايوتا لون رمادي(
لمكتب التوعية السلمية الواقعللة فللي حللي الششللة والللذي يقللابله
جامع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
حيث كان شيخنا يمكث كثيرا في ذلك المكتب لستقبال
الزوار من العلماء والمشائخ والمسللتفتين وأمللامه هللاتف ل يتوقللف
عن الرنين
189
لربع وعشرين ساعة للفتاوى..
ولسائل أن يتساءل كيف يعرف الناس رقم تلفون الشيخ فللي مكللة
أو في جده أو غيرها من المدن؟؟
والجواب :أن شيخنا قام بطريقة جميلة وسهلة بحل هذا الشكال!!
وذلك أن جهاز التلفون في عنيزة فيه خاصية تحويل المكالمات ..
فمثل لو اتصل شخص لعنيزة على رقم الفتاوى المعروف
فسوف يرد عليه التلفون بصوت الشيخ يقول له :
اتصل على الرقم كذا ..فمرة يعطيهم رقمه في الرياض ومرة في
جده
ومرة في المدينة وهكذا..
وكان رقم التلفون يتغير فلي بعلض الحلوال يوميلا وذللك بالتصلال
علللى الجهللاز وإدخللال شللفرة معينلله فيملللي الشلليخ بصللوته الرقللم
الجديد..
وللمعلومية فشيخنا لديه اهتمللام كللبير بالتقنيللات وخصوصللا أجهللزة
التصالت
وكل من أراد أن يدخل السرور على شيخنا ويفرحه فعليه أن يخبره
بجهاز اتصال جديد نزل في السوق فستجده بعللد أيللام فللي بيتلله أو
مكتبته !!
أذكر مرة أنني طلبت من الشيخ أن يعطيني مبلغا من نفقللتي الللتي
يرسلها
الوالد لي على حسللاب الشلليخ حيللث أن شلليخنا يحتفللظ بهللا عنللده
وينفق علي
منها كما ينفق الوالد على ولده ..
190
ذكر أحدهم للشيخ محمد أن هناك أجهزة للتصالت
جديدة وفيها من المواصفات كيت وكيت ..
وهي متوفرة في معرض تجللاري لشللركة سللوني فللي سللوق حللراء
الدولي
فقال الشيخ لي :توجه لذلك السوق
وكان لدينا فراغ بسيط من الوقت ..
فانطلقنا للسوق وترجلنا ودخلنا ذلك المعرض..
فتجول شيخنا فيه دون أن يعرفه أحد من البائعين أو المشترين ..
فاختار جهازا أو جهازين ..
فقال البائع :للسف ل يوجد لدينا جهاز جديد
وهذا الجهاز للعرض ولكن لو تعطينا عنوانكم فسوف نبعثه لكم ..
فقال الشيخ :أنا مقيم في عنيزة!!
فقال :سنبعثه لك لعنيزة وستتكفل أنت بقيمة الشحن..
فقال الشيخ :ل بأس بذلك ..
فأعطاه العنوان ورقم الهاتف..
ودون له السم :محمد بن صالح العثيمين !!
وخرجنا من المحل..
يقول الشيخ لي :بعد وصوله لعنيزة بأيام تلقللى اتصللال هاتفيللا مللن
مالك المحل
وكان يبكي في التلفون ويقول :والله ياشيخ لو علمللت أنللك سللتأتي
لمحلي لتشرفت
أنا باستقبالك ..
وقد بعث الجهاز للشيخ وأهداه له ورفض رفضا باتا أن يأخللذ قيمتلله
من الشيخ..
في مكة حيث كنا نمكث في مكتب التوعية ..
كان شيخنا يجلس في صالون بجوار مكتب كبير مكتوب عليه
) مكتب معالي النائب(؟؟؟؟
فقلت لشيخنا :مكتب من هذا ؟؟
فقال :هذا مكتب الشيخ إبراهيم بن صالح آل الشيخ نائب الشيخ
عبد العزيز بن باز ...
هذا الرجل تعجز والله كلماتي المختصرة عن الثناء عليه ..
ويكفي أن أقول عنه أنه رجل بما تعنيه تلك الكلمة..
تواضع في تعامله ..
سماحة في نفسه..
191
حسن المعشر..
حلوة الحديث..
الطرافة الكرم الطيبة الحنان التفاني ..بارك الله في أبي صالح
ول عجب فهو سللة كريم بن كريم بن كريم بن كرام..
فجده هو شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ..
وأبوه هو الشيخ صالح آل الشلليخ قاضللي الريللاض المشللهور وشلليخ
العلماء الكبار..
صاحب المواقف المشهورة مع الملك عبد العزيز رحمه الله ..
وأقرؤوا سيرته العطرة في كتاب )علماء نجللد خلل ثمانيللة قللرون(
للشيخ العلمة
عبد الله البسام عليه رحمة الله..
في ذلك العام والذي يليه مكثنا في ضيافته في الحللج قبللله وخلللله
وبعده
في أيام فضيلة وذكريات ممتعة ولحظات مباركة
لو لم يكن مكسب لي من صللحبة شلليخنا ومرافقتلله سللوى معرفللة
أمثال
الشيخ إبراهيم لكان والله ذلك كافيا لي..
فكيف إذا اجتمع لنا في تلك اللحظات فوائد ونكت علمية ودقائق
يندر أن يتمكن النسللان مللن تحصلليلها مللن جللوف و أعمللاق بطللون
الكتب!!..
والله لقد سمعت من العلم واستفدت مللن الفللوائد والمسللائل فللي
تلك السفرات
ما قد يحشى في رأس طالب علم فيستحق أن يسمى عالما!!
ولكن كم بقي لي منه وكم احتفظت به وكم عملت به ؟؟
هل العلم بالمعرفة فحسب ؟؟
هللل العلللم أن تحيللط بالمسللائل دون أن تفقلله فتصللير مثللل حمللار
الفروع!!
يؤسفني أن أقول مثل هذا الكلم ول أحب ترديده وذكره والله ..
ولكلن بعلض الجهلء وفاسلدوا القصلد اتهملوني ظلملا وزورا بلأنني
اصحبه لغراض وأهداف دنيئة ..
حسبهم الله ...
والموعد بين يديه تعالى ...
نزلنا في بيت الشيخ إبراهيم بن صللالح والكللائن فللي حللي العزيزيللة
بجوار جامع الحارثي والذي كان إمامه حينها الدكتور ناصر الزهراني
192
وفقه الله
فكنا نصلي في المسجد ويلقي شيخنا فيه درسا بعد صلة العصر
ودرسه الخر يلقيه في جامع فقيه المعروف..
ولم يكن شيخنا يصلي في الحرم سوى الجمعة ولم يكن يلقي
فيه الدروس لتعذر ذلك بسبب الزحام الهائل في الحرم وحوله..
وغالب من يحضر تلك الدروس هم من الحجاج مللن الللدول العربيللة
وغيره
والعجيب والغريب ..
هو حضور عدد من أصحاب العمائم السوداء !!
من الروافض لدروس الشيخ!!...
ولقد تساءلنا حينها :هل يفهمون العربيللة وهللل يسللمعون الللدروس
ليستفيدوا؟؟
في درس جامع الحارثي كان أحدهم يللداوم الحضللور وكللان ينللاقش
شيخنا كثير
وشعر شيخنا منه رغبة في البحث عن الحقيقة أو هكذا بدا ؟؟؟
عرف نفسه للشيخ أنه مدرس في إحدى الحوزات العلمية فللي قللم
في إيران
وطلب من الشيخ أن يجلس معه جلسة خاصة في بيته ليتجادل مللع
شيخن
حول بعض المسائل العقدية والمختلللف فيهللا بيللن الروافللض وأهللل
السنة والجماعة
دعاه شيخنا لبيت الشيخ إبراهيم ..فحضر الرافضي وكان ذلك بعللد
درس العصر
أظهر الفلرح وتمللق فلي كلمله وأنله بلاحث علن الحقيقلة فجلاراه
شيخنا حتى يبلغه الحجة الناصعة..
قللدمنا للله القهللوة والشللاي وكنللت أنللا حاضللرا وكللذلك الخ أحمللد
البغدادي
قام بإيراد عدد من المسائل المشهورة والمتعلقللة بالصللحابة رضللي
الله عنهم وخصوصا عن أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الللله
عنه وخليفته أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ..
وكذلك عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
وتنوقش أيضا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها..
وكان يقول ويؤكد أن الخلف على هذه المسائل ليللس مللن أصللول
الدين
193
فقال له شيخنا :بل هي من أهم المهمات فهم أصحاب رسول الللله
صلى الله عليه
وسلم وهم نقلة الوحي وخير أصحابه..
فالقدح فيهم قدح في رسول الله عليه الصلة والسلللم وقللدح فللي
دين الله جل وعل
ومن خلل الحديث لمز الرافضي عثمان ابن عفان ..
فدحر الشيخ كلمه ودحض حججه وترضى عن عثمان ..
وقال أيضا :ل أظن أحد يختلف في كفر معاوية وابنه يزيد !!
فبين له شيخنا فضل معاوية رضي الله عنه وأنلله أحللد كتبللة الللوحي
ونقل له
موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة التي وقعت بينه وبيللن أميللر
المؤمنين علي
بن أبي طالب رضي الله عنه
و أن ما وسع العلماء والسلف يسعنا ..فيهما رضي الله عنهم
وكذلك موقفهم من ابنه يزيد ونقل كلم شيخ السلم ابن تيمية فيه
..
فقال الرافضي :تمنيت أن اطلع على كتب ابن تيمية..
فقد سمعت أن الرجل له مؤلفات في الرد علينللا وفيهللا قللوة حجللة
وجزالة ألفاظ!!
فقال الشيخ :إن شئت اشتريت لك كتب ابن تيمية ..
لتحملها معك إلى إيران فتقرأها فلعل الله تعالى بفتح على قلبك
فيظهر لك الحق..
فأظهر الفرح وشكر الشيخ ..
وبعد استكمال الحوار والنقاش ..
خرجنا معه من السكن وتوجهنا به وبرفقة شيخنا للمكتبة ..
ويا للعجب !!
رافضي في صحبة ابن عثيمين في سيارة واحدة؟؟
اشترينا له كتاب منهاج السنة وكتاب درء تعارض العقل والنقل..
فتعجب من كبر حجمهما فقال له الشيخ:
إن قرأتهما قراءة بحث وطلب للحللق فسللوف تجللد بغيتللك إن شللاء
الله
أما إن قرأته لتنقده ولتبحث عن زلته فلن تستفيد منه شيئا..
فقبل الرافضي رأس الشيخ وشكره وقال :هذا رقم هاتفي ولعلكم
تتصلون علي بعد شهر أو شهرين فأعطيكم رأيي ومللا وصلللت إليلله
194
فحفظت الرقم عندي وبعد مرور شهرين ..
ذكرت شيخنا به ..
فاتصلنا عليه ..
فردت علينا امرأة فرطنت بكلم ل نفقهه!!..
فقلت لها :نريد فلن ..وكررت اسمه ..
فما فهمت كلمي فأغلقت السماعة في وجهي !!
ولعل الله تعالى أن يكون هداه !!
لم يكن البرنامج في تلك اليام يسير على نمط واحد كمللا هللو فللي
رمضان
بل كان لكل يوم برنامج على حده ..
كان شيخنا يجلس في مكتب التوعية الساعات الطويلة يجيب علللى
الفتاوى
وحيث أنني ل يمكنني الستفادة من بقائي ..
استأذنت شيخنا لكي أقضي فراغي في المكتبة التابعة للتوعية..
وجدت أن المكتبة ليست غنية بالمراجع المتنوعة بل غالب كتبها
حول صنف أو صنفين من أصناف العلوم ..
و كان قد كلفني شيخنا سابقا بتدوين بعض البحوث
فاحتجت أن اطلع على عدد كبير من المراجع ..
فلم تشبع تلك المكتبة نهمي ولم تكن مناسبة لخصوص البحث..
فاخترت كتابا وقعدت لقراءته وكنت أحيانا من العياء يسقط رأسي
على دفة
الكتاب وأنا ل أشعر...
لحظت رجل يداوم الجلوس في المكتبة ..
ووضع أمامه مجلدات ضخمة يراجع فيها ويقرأ منه
ويبدوا أنها رسائل علمية ويشرف هو عليها أو هي له !!..
وجهه مستدير ولحيته بيضاء ووجهه أبيض وممتلئ الجسم
وليس بالطويل ول بالقصير..
طويل الصمت واضح عليه شدة الحياء ..
ولقللد جللاورته سللاعات طويلللة دون أن أسللمعه ينطللق أو يهمللس
بكلمة!!..
سألت عنه فقيل :هذا العالم الجليل الشيخ صالح بن خزيم ..
195
ولقد توفي بعد سنوات في حللادث مللروري فللي بريللدة رحملله الللله
وعفا عنه
زارنا في يوم اليام وكنت مع شيخنا ..
رجل طالما أحببته وقدرته ..
إنه شيخي وأستاذي الدكتور الشيخ أحمد بن موسى السهلي..
أحد تلميذ علمة الجنوب الشيخ حافظ الحكمي ..
داومت على حضور دروسه في الطائف لكثر من عامين
ومع ذلك فلم يكن يعرفني فقد كان عدد الطلبة كبيرا
ولم يكن لي مع الشيخ احتكاك مباشر..
دخل على الشيخ محمد وسلم عليه وتحدث معه..
حيث هو أيضا من المشاركين في برامج التوعية في الحج ..
وبعد انتهاء لقاءه وحديثه مع الشيخ ..
استأذنت شيخنا محمد ولحقت الشيخ احمد..
فعرفته بنفسي ورويت له أنني أحد تلميذه السابقين..
قال لي :ظننتك ابن الشيخ!!
وفرح بذلك وسر ودعا لي حيث أنني لم انقطللع عللن الطلللب وقللال
لي:
استمسك بغرز هذا العالم الجليل ..وأنللا والللله أغبطللك علللى هللذه
المزية
فاحرص على الستفادة من علمه فهو فقيه نادر الطراز ..
صارت لي علقة وثيقة بالشيخ أحمد استمرت حتى هذه
اليام وإن له الفضل علي بعد الله في حبي للعلم وطلبه أول المر
فجزاه الله عني وعن السلم والمسلمين خير الجزاء..
بجوار منزل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الششة ..
تقع عمارة جميلة ذات طوابق عديدة ..
أوقفها أحد المحسنين وهو الشيخ صالح التو يجري عليه رحمة الله
أحد الخيار والوجهاء من سكان مكة..
أوقف هذه العمارة على الدعوة والدعاة فكانت في أيام الحج تغص
بالعلماء الجلء والدعاة و طلبة العلم الكبار والصغار ..
وكانوا جميعا في ضيافة مكتب التوعية السلمية ..
ومن هناك يكون انطلق المجموعات الدعوية للمخيمات والمساجد
والتجمعات السكنية وغيرها
كانت تلك العمارة كأنك ترى فيها خلية نحل!!..
فهم جنود السلم وحماة العقيدة ..
196
جزاهم الله عن السلم والمسلمين خير الجزاء..
كان لشيخنا أيضا غرفة خاصة في ذلك السكن ..
ولكنه حسب علمي لم ينزل فيها مطلقا..
والسبب أن لشيخنا مراجعين كثر
وحتى ل يشق على الناس رأى أن يستقل في مكان خاص له ..
فكان زوراه ومراجعوه يرتادون مكانه السابق الذكر..
من المشائخ الذين ينزلون ذلك السكن ..
سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام الحالي..
ومنهم فضيلة الشيخ صالح الفوزان..
ومنهم أيضا الشيخ محمد الدريعي ..
ومنهم الشيخ عبد الله القصير..
والشيخ سليمان الشبانه رحمه الله..
والشيخ عبد الله الشبانه ...
وعدد من مدراء الدعوة في الداخل والخارج
وغيرهم كثر ممن أعجز عن عدهم ..ول تحضرني أسماؤهم
وظني أن المشائخ يتجاوز عددهم المائة..غير الطلبة والدعاة..
ذات مرة دعانا أحد المحبين لشيخنا للغداء في ذلك السكن..
وكان رفيقه في الغرفة الشيخ صالح الفوزان..
كان الغداء الموضوع لنا هو عبارة عن علب بروست !!
أي والله هذا هو الغداء!!..
والسبب أن الغرفة ضيقة والمشائخ عللددهم كللثير فللأين يضللع لهللم
طعاما وفير
فكان اختياره اضطرارا قد فهمه الجميع وما ل موه عليه
والظاهر أن ذلك من عادتهم طوال تلك اليام ..
حصل في ذلك اليوم موقف ظريف..
حيث جلس المشائخ منحشرين بجوار السرة المتواضعة ..
وكان أمامي في صف واحد كأنني أراهم أمامي ..
شيخنا ابن عثيمين رحمه الله
وبجواره عن يمينه الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
وبجواره عن يساره الشيخ صالح الفوزان ..
بالضافة لعدد من المشائخ والمرافقين ..
وقد وضع الطعام بين أيدينا ..
و لم نضع يدنا في الطعام انتظارا لحد المشائخ..
انتظرناه وطال النتظار..
197
وكاد الطعام يبرد..
وكان الشيخ المنتظر هو الشيخ محمد الدريعي..
والشيخ الدريعي لمن ل يعرفه رجل كفيف وهو رجللل صللاحب نكتللة
وطرفة ومزاح..
وشيخنا يحبه وقد زال بينهما حاجز التكلف ..
قال شيخنا للمضيف :اتصل لي علللى الخ محمللد وسللوف أسللتعجل
حضوره..
فأحضر جهاز الهاتف واتصل على غرفة الشيخ الدريعي ..
فلما رفع الدريعي السماعة ..وهو جهوري الصوت
و ربما من قوته ل يحتاج لميكرفون !!
غير شيخنا صوته وفخمه وصار يغمغم
ويقول :هل أنت محمد الدريعي ؟؟
فقال :من معي؟
فقال :يا أبا فلن أنزل وإل فلن ننتظرك ..
وتبادل الحديث والتعليقات وضحكنا من حديثهما ..
ولقد رأيت المشلائخ يتملايلون ملن الضلحك وخصوصلا الشليخ عبلد
العزيز آل الشيخ
حتى دمعت أعينهم من الضحك!!
ولللم يعللرف الللدريعي حللتى أغلللق سللماعة الهللاتف أن شلليخنا هللو
محدثه ..
وعلق بتعليقات ساخرة على شيخنا وصوته وقال:
من هذا البزر الذي يكلمني ؟؟
وقال :الحين أنزل أؤدبك بعصاي!!
وحين نزل لنا وسمع صوت شيخنا وعرف انه هو من كلمه
انكب على شيخنا يقبله وضمه واعتذر منه ..
رحمهم الله وعفا عنهم..
وكما قلت فقد نزعت الكلفة بين شيخنا وبين الشيخ الدريعي ..
وعلى النقيض منه تماما شيخ آخر لم أرى شيخنا يتعامل بمثل هذ
السلوب سوى معه ومع شيخه سماحة الشيخ ابن باز..
حيث يجله إجلل كبيرا ويتبسط معه في الكلم ويقوم له !!
فسألت شيخنا ذات مرة..
قلللت:لحظللت عليكللم حينمللا تقللابلون هللذا الشللخص أنكللم تجلللونه
وتقدرونه تقديرا كبيرا؟؟
فقال لي :أنت ل تعرف هللذا الرجللل فللله فللي قلللبي مهابللة ومحبللة
198
واحترام وأخذ في الثناء عليلله وذكللر أعمللاله الجليلللة ومللواقفه فللي
الحق حتى والله أحببته..
وهذا الرجل المعني هللو الشلليخ عبللد الرحمللن الفريللان رحملله الللله
مدير جمعية تحفيظ القرءان الكريم في الرياض ..
وهو علم من أعلم مدينة الرياض عليه رحمة الله..
ذات ليلة في تلك اليام ألقى شيخنا درسا فللي العقيللدة فللي جللامع
فقيه..
في العزيزية بمكة شرفها الله..
فلما انتهى الدرس قال لي الشيخ :هل سجلت كلمي؟؟
فقلت :ل والله ولم أكن احمل معي مسجلتي تلك اليام!!
فقال :الدرس اليوم كللان مفيللدا فلعلللك تبحللث عمللن سللجله حللتى
ننسخه منه ..
فلحقت بشاب رأيته قد سجل الدرس ..
وهو طالب علم من دولة لبنان
فقلت له :اسمح لي أن ننسخ شريطكم ..
فقال ل بأس ..
وحينما ركب في السيارة معي ..
ففوجئ أنه سينسخ الشريط لشيخنا ..؟؟
ول عجب فشيخنا حريص على نشر علمه ويتعبد لله بذلك..
وتوجهنا لحدى التسجيلت السلمية ونسخناه ..
وبعد رجوعنللا لعنيللزة سلللمت لمؤسسللة السللتقامة تلللك الشللرطة
وغيرها لكي
يضيفوها للف الشرطة التي قاموا بتصفيتها ونشرها في الفاق..
كنا في المساء نرجع لسكننا فللي منللزل الشلليخ إبراهيللم آل الشلليخ
حفظه الله
وكان برفقته عائلته الكريمة ومنهم ابنه البكر الشيخ
صالح بن إبراهيم آل الشيخ والذي ورث عن والللده صللفاته وأخلقلله
وسمته
قال لي :لم ل تستغل هذه الفرصة بوجودك مع الشيخ وتقرأ عليلله
بعض
الكتب؟؟
فعرضت المر على الشيخ فرحب بذلك
وقال :كونك تركز على كتاب واحد أفضللل لللك مللن أن تتنقللل بيللن
199
الكتب يمنة
ويسرة فعليك بضبط متن معين ضبطا كامل ثم تنتقل لكتاب آخللر..
وهكذ
فطلبت من الشيخ أن يختار لي كتابا هو يراه..
فاختار أن اقرأ عليه كتاب الختيللارات الفقهيللة لشلليخ السلللم ابللن
تيمية
الذي جمعه علء الدين أبو الحسن البعلي رحمه الله والمتوفى عام
803للهجرة
وهو كتاب جليل عظيم النفع جمع فيه اغلب آراء شيخ السلللم ابللن
تيمية
من خلل كتبه وفتاويه ونظمها في مجلدة واحدة ورتبه على أبللواب
الفقه
المعروفة ..
وقد سبق أن صور لي هللذا الكتللاب واحتفللظ بتلللك الصللورة عنللدي
وهي التي قرأتها
على شيخنا ودونت عليها تعليقاته وشروحه ..
كنت أقرأ على الشيخ فللي الللبيت أو المكتللب أو فللي المسللجد بيللن
الذان
والقامة أو في الطللائرة أو فللي السلليارة إن كنللا مللع سللائق غيللري
حسب ما يتيسر من
وقت فيعلق ويشرح على المسألة ثم يعطللي رأيلله فللي قللول شلليخ
السلم
فيوافق أو يخالف ..
ولقد ظننت قبل أن أقرأ عليه هذا الكتاب أن شيخنا ليخالف شيخ
السلم ابن تيمية سوى في مسائل معدودة ..
حصرها احد الطلبة بستة عشر مسألة !!
ولكن تبين لي أن شيخنا يبحث عن الدليل ول يتعصب لقول الشيخ
فللإذا رأى انلله خللالف الللدليل رد قللوله كمللا هللو عللادة العلمللاء
المجتهدين ..
كون شيخنا مشللرفا علللى الللدعوة فللي صللالة الحجللاج وكللذلك فللي
الميناء
200
فقد توجهنا لجدة لزيارة الميناء والصالة ..
حيث عينت الللوزارة عللددا مللن المشللائخ والللدعاة يقومللون بتوعيللة
الحجيج
القادمين من البحر والجو ..
في أحكام الحج والدين والعقيدة وغير ذلك ..
ويوزعللون عليهللم آلف بللل ملييللن المناشللير والكتللب والمصللاحف
والشرطة..
من الدعاة في صالة التفويج في الميناء صاحب الفضيلة الشيخ
عبد الله القصير وأكرم به وانعم من عالم جليل
لقد تعجبت والله حينما رأيته يقف بنفسه يوزع على الحجيج الكتب
ويجيب على أسئلتهم ..
رغم شدة الحر والزحلام الخللانق وانبعلاث الللروائح الكريهللة بسلبب
القرب من
أحواض السفن ...
جاءه رجل من السودان يعترض عليه في مسألة عقدية ذكرت فللي
كتاب قرأه
تتعلق بالقبور والزيارة ونحو ذلك..
فوقلللف لللله الشللليخ عبلللد اللللله يحلللاوره بهلللدوء وأدب ويسلللتمع
لعتراضاته ..
دون أن يضجر من كلمه وخزعبلته!!
فلله در دعاتنا فما أحسن ما يقدمونه للمة ..
ثم حظهم من البعض النيل من أعراضهم والقدح فيهم!!
يذكرني هو وأمثاله من الرجال بقول الشاعر :
وليس أخو الحاجات مللن بللات نائمللا ولكللن أخوهللا مللن يللبيت علللى
رحل!!
جعل الله ذلك في موازين حسناته هو وعشرات الجنود المجهولين
الذين يعملون تحت إشرافه..
أطمأن شيخنا على أحوالهم وتشاور مع المشائخ فيما يقترحون من
برامج
ومناشط وكتب ونحو ذلك ..
ثم انطلقنا لزيارة صالة الحجاج في المطار..
كانت في تلك اليام معرفتي بالطرق في جدة ليست بذاك..
ولقد تهنا في الوصول للصالت لكثر من ساعتين..
أستغرقها شيخنا بقراءة ورده حتى تعب ونام !!
201
وصلنا لمدينة الحجاج أخيرا وقد بلغ بنا التعب مبلغه ..
وهي مدينة بما تعنيه الكلمة من معنى..
تقوم لعدة أسابيع ثم تختفي بين عشية وضحاها ..كما قامت!!
فيها أسواق وبنوك ومحال تجارية ومستشفيات وجوامع
وكل الخدمات العامة التي يحتاجها حجاج بيت الله ..
وصلنا هناك ..وكان ذلك بعد صلة الظهر ..
وقد خرج الناس من المسجد الكبير في وسط الصالت..
حيث كللان اللقللاء متفللق عليلله فللي الجللامع وسلليلقي شلليخنا كلمللة
للحجيج ..
ولكن لتأخرنا فقد خرج الناس وبقي المسجد شبه خال..
توضأنا ودخلنا للمسجد وصلينا الظهر ..
كان شيخنا مجهدا ومرهقا بسبب ضغط اليام الماضية ..
كان الجو لطيفا في المسجد وبرودته معتدلة ..
فاستغل شيخنا تلك الدقائق ولف عمامته علللى وجهلله وتوسللد يللده
ونام!!..
فجاء المشائخ فأشرت لهم من بعيد !!
فأشاروا لي :هل هذا الشيخ ؟؟
فحنيت رأسي وقلت لهم :نعم ودعوه ينام قليل..
فغط في نومة هنيئة حتى شخر !!..
فسعدت بذلك ..واغتبطت ..
وجلست مع المشائخ في زاوية المسجد حتى ل نزعج الشيخ..
ذكر لي شيخنا رحمه الله ..
أنلله كللان فللي سللنوات ماضللية يلقللي دروسللا للحجللاج مللن جميللع
الجنسيات
وغالبهم من أفر يقيا..
تقدم له رجل أفريقي ويتكلم العربية وقال للشيخ :أنت تعلم الناس
مسائل
مهمة في العقيدة والحكام ولكن يحول بينك وبينهم اللغة !!
فغالبهم ل يفهم العربية فما رأيك أن أترجم كلمكم بلغة قومي؟؟
فقال الشيخ :ل بأس ..
فترجم ذلك الرجل لشيخنا مدة من الزمن ..
وفي خلل كلم شيخنا سمع لغطا من خلف الصفوف ..
وقام رجل وقال :ياشيخ إن هذا المترجم رجل كذاب !!
فهو يحرف كلمكم ويبدله بعمد لفساد معتقده ..
202
فقام مجموعة من الناس وأكدوا كلم الرجل..
فالتفت شيخنا للمترجم وقال له :قم ..وسوف أتكلم بالعربية فمن
يفهم
فليفهم وأمري على الله !!
روى لي احد طلبة العلم الثقات يقول :اجتمعت يوما في الحرم في
شهر رمضان
بعدد من المسلمين الفارقة مللن نيجيريللا والللذين تحلقللوا لسللتماع
درس شيخن
محمد رحمه الله في الحرم..
وكان بعضهم يبكي بحرقة ويرفع يديه بالدعاء بكلم ل افهمه!!
فسألتهم :لماذا يبكون ؟؟
فقالوا :كنللا مجموعللة مللن النصللارى أهللدانا أحللد طلبللة العلللم فللي
نيجيريا شريطا
للشيخ محمد في العقيدة فأسلم بسبب ذلك الشريط ثمانيللة عشللر
شابا
ومنهم هؤلء الفتية الذين يبكون فرحا لرؤيتهم للشيخ
ويدعون الله له فالفضل له بعد الله في إسلمهم !!
وأذكللر مللرة أنلله زار شلليخنا فللي الحللج مجموعللة مللن المريكللان
السود ..
وكانوا يتكلمون العربية بفصاحة مطلقة وكأنهم عرب أقحاح؟؟
قالوا للشيخ :نحن تلميذك!!
فقال :ل أذكر أنكم درستم عندي!!
فقالوا :ياشيخ لقد سمعنا شللروحك مللن الشللرطة فللي الواسللطية
وكتاب التوحيد
وغيرها فنحن نعتبر أنفسنا تتلمذنا عليك!!
ذات ليلة قال لي الشيخ مازحا :لدي درس الليلة السللاعة التاسللعة
في أمريكا!!
فقلت له ضاحكا ومتعجبا :أتسخر مني؟؟
فقال :هل تريد ترى هذا بنفسك؟؟
فدخلت معه لملحق بيته ،واتصللل عليلله شللخص مللن أمريكللا علللى
هاتفه
وقال ياشيخ :نحن جاهزون ؟؟
فإذا هي محاضرة عبر الهاتف يلقيها شيخنا و يسللتمع لهللا فللي أكللثر
من خمسين
203
مركزا إسلميا في الوليات المتحدة !!
استيقظ شيخنا من نومه وتلفت حوله ومسح بيديه على وجهه
فلما رآه المشائخ قاموا إليه..
وسلموا عليه وتحلقوا حوله واستمع لهم ولبرامجهم وحصروا بعللض
النواقص
والحتياجات من كتب وغيرها ..
ثم رجعنا لمكة لكي نستعد لداء مناسك الحج..
تكفل الشيخ إبراهيم آل الشيخ بتنظيم كل ما يتعلق بحجنا
من تنقل وسكن وخدمات وتغذية فجزاه الله خير الجزاء.
حيث أن لديه فريقا كبيرا من الرجللال المخلصللين كللل قللد حللدد للله
عمله ووظيفته
أمرني الشيخ ذلك اليوم بالغتسال للباس الحرام كما هي السنة
واغتسل الشيخ ولبس إحرامه وتدهن بقارورة كاملة من الطيب
دهن بها شعر رأسه ولحيته
حتى رأيت الطيب يتقاطر من لحيته..
ولقد فعل شيخنا ذلك تعبدا لله تعللالى واقتللداء برسللول الللله صلللى
الله عليه وسلم
كما روت عائشة رضي الله عنها في إحرامه عليه السلم ..
ركبنا الباص الصغير المخصص لنا وبرفقتنا عائلة الشيخ إبراهيم في
الخلف
كان شيخنا يلبي ويرفع صوته بالتلبية حتى بح صوته ..
كما كان يفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
كان السائق محترفا وخبيرا بالطرق ..
فأوصلنا لمخيمنا في منى والملصق لمخيم سماحة الشيخ ابللن بللاز
رحمه الله
فأنعم بها من جيرة ..
يحتوي المخيم على عدد كثيرة من الخيام جزء منه مستقل للنساء
تتوسطه خيمة كبيرة للصلة والدروس..
يلقي فيهنا الشيخ الدروس والكلمات بعد كل صلة ..
ول يجد شيخنا في تلك اليام الفضيلة وقتا للراحة إل ما ندر
فهو كما قال الشاعر:
فلو لم يجد في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله..
فو الله لم ترى عيني ول ادعي أنه ل يوجد!!
لم ترى عيني رجل يبذل وقتله للعللم والتعليلم وتفقيله النلاس مثلل
204
شيخنا
خل شيخه وإمام الجميع الشيخ ابن باز رحمهما الله
كان الشيخ ابن باز رحمه الله يجل شيخنا ويحبه حبا جما
وكان شيخنا يبر بشيخه ويصله كما يفعل الولد مع أبيه ..
ويفرح الشيخ ابن باز حين يعلم بوجود تلميذه البار..
ذات مرة جئنا لمنزل سماحة الشيخ ابن باز في مكة
فسلم عليه شيخنا وقبل رأس شيخه ..
ثم جلس شيخنا في مكان بعيد عن الشيخ قليل..
وكان بجوار الشيخ ابن باز يجلس أحد المشائخ الفضلء..
فقال الشيخ ابن باز :وين الشيخ محمد ؟؟
وضرب بيده على الكرسي الذي بجواره ..
فقام الشيخ الذي عن يمينه من مكانه واستبدله بمكان شيخنا..
فل تسل عن النس وفرح الشلليخ ابللن بللاز بللأن يوضللع شلليخنا فللي
موضعه الذي
يستحقه ويقدر التقدير الذي يليق به..
ل اعلم أن شيخنا ذهب لمدينة يعلم أن شيخه ابن باز فيه
إل وابتدأ بزيارته والسلم عليه قبل أي شيء آخر..
أذكر مرة ذهبنا لمكتب الشيخ ابن باز في الرياض..
فقيل لشيخنا :هو في اجتماع مع اللجنة الدائمة ..
فيهم سماحة الشيخ وكذلك الشلليخ عبللد العزيللز آل الشلليخ المفللتي
الحالي
والشيخ ابن غديان والشيخ الفوزان والشيخ بكر أبو زيد..
حينما دخلنا عليهم ..
رأيت الشيخ ابن باز مادا رجليه على طاولة وضعت أمامه
و حاسر الرأس..
فأراد المرافق أن يلبسه شماغه فقال الشيخ ابن باز:
ل ..لم يدخل علينا غريب!!
كما قلت كان التلميذ بجوار شيخه في المخيم..
وتحابا في القلوب وتجاورا في قبريهما بمكة في مقبرة العدل..
وأرجو المولى سبحانه أن يتجاورا في القصور في الفردوس العلى
205
فتوى
أو عبادة وذكر وتلوة ..
وفي فراغه إن وجد ليل بعد العشاء كنللت أجلللس معلله وأقللرأ عليلله
مما ييسره الله
كللانت الوفللود والللزوار ل تنقطللع طللوال تلللك اليللام عللن التوافللد
للمخيم ..
ممللن سللعدنا برفقتهللم تلللك اليللام فللي الحللج الخ الشلليخ خالللد
الشريمي حفظه الله
وهذا الرجل مللن أصللحاب شلليخنا ومللن محللبيه لكللثر مللن عشللرين
سنة ..
قمت بتسجيل تلك الدروس والفتاوى طوال مكوثنللا فللي منللى فللي
التروية وكذلك في أيام التشريق ..وقد سلمت تلللك النسللخ ل حقللا
للخوة في مؤسسة الستقامة
كنللت أتلللوا علللى الشلليخ أسللئلة النللاس وغالبهللا يتعلللق بالحللج
والمناسك ..
وكانت بعض السللئلة تحتللاج لنقللاش مللع السللائل لستيضللاح بعللض
التفاصيل
فكان الشيخ قبل أن يجيب على الفتوى يقول أين السائل ؟؟
فإن رفع السائل يده أجابه وإل تركه !!
من المواقف التي أذكرها في تلك الليالي :
حيث صادف أن سأل أحد الناس سللؤال وكللان مللن ضللمن الحضللور
المير بندر بلن عبلد العزيلز ..ومعله مجموعلة ملن حرسله وجنلوده
وحاشيته..
وكلهم جلوس منصتون لشيخنا وحديثه ..
يقول ذلك السائل في أول سؤاله :أنا رجل مقيم في المملكة مللن
سنتين وليس لدي إقامة وأكمل سؤاله ...
فقال الشيخ وهو يضحك :أين السائل ؟؟
فضج الناس بالضحك ..حيث علموا أنه لن يجرأ برفع يده !!
في اليوم التالي توجهنا بالباص إلى عرفات ..
وكان ذلك اليوم شديد السخونة والزحام حول المخيم هائل ..
وتفرغ شيخنا ذلك اليوم كله تقريبا للتعبد والذكر وقراءة القرءان
ول أذكر أنه ألقى دروسا أو محاضرات ..
أحضر لنا مذياع واستمعنا لخطبة مسجد نمرة ..
وبعد انتهاءها أمنا شيخنا بالظهر والعصر جمعا وقصرا
206
بعد صلة العصر وانتشار الظلل وضعت بسط خارج المخيم ..
وجلللس شلليخنا عليهللا واسللتقبل القبلللة ومكللث رافعللا يللديه يللدعوا
ويستغيث
حتى غربت الشمس..
همست في أذنه وهو يدعو بكلم ..
وأرجوا الله تعالى المولى أن يستجيب لدعائه رحمه الله !!
بعد ذلك ركبنا سياراتنا وتوجهنا لمزدلفة ..
صلينا المغرب والعشاء وأوترنا ونمنا ..
عنللد منتصللف الليلل اسللتيقظ الشليخ وتعشلى ..بعللد ذللك افترقنلا
فرقتين
الكبار في السللن العللوائل تللذهب مبكللرا للرمللي كمللا رخللص بللذلك
والمجموعة الخرى تمكث لترمي في اليوم التالي..
وكنت أنا والشيخ مع العوائل وكبار السن ..
قبل أن نصل للجمرة الكبرى أمر الشيخ سائق الباص بالتوقف ..
ثم قال لي :انظر هل غاب القمر؟؟
فخرجت ونظرت فرأيته على وشك الغياب..
فقال الشيخ :إلى أن نصل يكون قد غاب ..توجهنا للجمرة ورمينللا
ثم توجهنا للحرم وطفنا الفاضة وعدنا للمخيم بعد الصبح ..
حلقنا وتحللنا ولبسنا الثياب ..
ول أدري هل حلقنا بعد الرمي مباشرة أم بعد رجوعنا للمخيم ؟؟
ومع ذلك فكله مباح !!
اغتسلت ذلك اليوم ولبست أحسن ثيابي ولم يكن معي سواه!!..
وتبخرت بالعود الذي أحضره الشيخ إبراهيم جزاه الله خيرا..
قال الشيخ لي :اتصل علي الملك ودعاني لقصره للمعايدة ..
فقلت له :هل ممكن أن أرافقكم؟؟
فقال :إن أردت!!
فقلت :بلى أريد..
وبما أننا متمتعون فقد بقي علينا الهدي..
وقد كلف شيخنا أحد رجلال الشليخ إبراهيلم العقلء بشلراء كبشللين
أحدهما عن شيخنا والخر عني..
جزا الله شيخنا عني خير الجزاء فقد تكفل عني بكل شيء..
فهل لمعللاتب للي ،حللق أن يلللومني بكتابللة هللذه الروايللة عللن هللذا
الرجل الكريم ؟؟
أل قاتل الله الظلم والبغي!!
207
قال الشيخ :هيا تعال اذبح هديك!!
فقلت له :والله لم يسبق لي أن ذبحت دجاجة فكيف تريدني أذبللح
هذا المخلوق الكبير؟؟
فقال :اذبحه وغيرك يتولى سلخه وتقطيعه..
فقلت :أعفني..
فقال :أبدا ل أعفيك تعال وسأعلمك وافعل مثلما افعل أنا..
فقدم الكبش الول ووضع شيخنا الشفرة على حلقه فذبحه ولم يبد
لي ذلك عسيرا !! ..
فتشجعت وقلت أنا لها!!
فأمسللكت بالشللفرة وقللرب لللي كبشللي ووضللعت الشللفرة علللى
حلقه ..
فلما رأيت عيون الكبش تزيغ من هول ما يقدم عليه ترددت!!
فقال الشيخ ومن حوله :هيا اذبح وسم وكبر ..
فحركللت الشللفرة فشللخر الكبللش وهللاج وكللاد يفلللت فكبسلله مللن
بجواري وقال :
أجهز عليه !!
فأكملت ذبحه وتطاير الدم حتى امتل ثوبي ووجهي بالدم ..
وسكن الكبش ..
فنظرت لشيخنا فكان وجهه مضلليئا كالصللفيحة وهللو مبتسللم رحملله
الله ورضي عنه..
قلت له :ل أملك غير هذا الثوب حتى أرافقكم للملك..
فقال :مرة ثانيه إن شاء الله ..
تمنيللت رفقللة شلليخنا فهللي التجربللة الولللى لللي فللي رؤيللة هللذه
الشخصية الكبيرة ولكن هذا قدر الله..
ولقد دخلت مع شيخنا للملك فهد رحمه الله عدة مرات ..
أذكر مرة أن شيخنا قال لي :سنذهب الليلة للملك فهد في جده ..
ولم يسبق لي رؤية الملك عيانا قبل ذلك اللقاء..
وكان ذلك بعد اجتماعات هيئة كبار العلماء في الطائف..
رجوت شيخنا أن يبدل ملبسه لذلك اللقاء
فهي شبه بالية ولديه ما هو أنظر منها وعباءته معرفطة!!
و نعله تليك مخيطة الطراف!!
فأبى وقال :أقابلهم بما أقابل به ربي!!
وأردت أن أبدل ثيابي فقال لي :ثوبك جميل ول داعي لتغييره !!
فقلت في نفسي :يسعني ما يسعه ..رحم الله هذا المربي والزاهد
208
..
نزلنا لجده ووصلنا للقصر ..قريبا من منتصف الليل..
حينما وقفنا على البوابة نظر الضابط في وجله الشليخ فعرفله وللم
يطل ..
وقال للجنود :افتحوا الباب للشيخ ابن عثيمين ..
دلفنا للقصر الفخم والكبير والللذي لللم أشللاهد للله مللثيل حللتى هللذه
الساعة
في بهائه وجماله وفخامته ..
رزقنا الله وإياكم القصور في الفردوس العلى..
بحثنا عن موقف لسيارتنا بجوار السيارات الفخمة والبهية ..وبالكاد
وجدت
ولقد سبق أن رجوت الشيخ أن انزله أمام بوابة اليوان
لكي ينزل هو وسوف ألحقه
فرفض وقال :ندخل معا ونخرج معا!!
وصلنا لبوابة اليوان وكان الحرس وخدم القصر ورجاله كالذر عددا
عن اليمين والشمائل..
كل من رآنا جاء للشيخ وسلم عليه ..
فاجأني شيخنا بسرعة خطوه وعجزت عن مسايرته و كان يمر مللن
تحت
أجهزة كشف المعادن ول يتوقف لها ول يعبأ بها ..
بالنسبة لي أنا فقد أمسك بيدي العسكر مرتين ليردوني للتفتيش
فكان الشيخ يشير لهم فيتركوني إكراما له ..
دخلنا اليوان الول ومن بعده إلى إيوان ابهر منه وأجمل وأفسح..
ومنه دخلنا لمجلس كبير وهائل ..
يكاد ضوءه وتوهجه يخطف البصار..
ومع كبر حجمه وفساحته واتساعه إل أنه بل أعمدة تحجب الرؤية!!
قد رصت في جميع أطرافه المقاعد الللوثيرة والفخمللة وعليهللا مللن
البشر والخلق
من ل يحصيهم إل الله ..
فللي صللدره كللان يجلللس الملللك ..وعرفتلله منللذ أن رأيتلله ومنللذا
يخفاه ؟؟
رحمه الله وعفا عنه ..
حينما رأى الملك شيخنا قام فقام كل من فللي المجلللس وهللذا مللن
عاداتهم
209
فخجلت واستحييت وهبت ذلك المنظر..
فدخلت عن يمين المجلس واختفيت خلف الصفوف..
وكنت أراقب ما جرى..
كنت أرى شيخنا يسير لوحده في وسط المجلس الفسيح ..
وتقدم له المللك فالتقيلا فللي وسلط المسلافة ..فاحتضلنا بعضللهما
بعضا ..
وقبل الملك على انف شيخنا كما هي عادتهم..
في إكرام العلماء..
سمعت رجل بجواري متعجبا يقول :من هذا ؟؟
فقال الخر وكللان متكئا ويحللرك سللبحته قللال :هللذا المهنللدس ابللن
عثيمين!!
نرجع لمنى!!
من السنن أن ل يأكل المتمتع شيئا قبل أن يذوق من هديه
كما هو الحال في الضحية..
طبخ لنا من كبد الكبشين فافطرنا عليهما ..
ثم خرج الشيخ من الخيمة ودخل على المخيم المجاور للسلم على
شيخه ابن باز
للمباركة له بالعيد ..
فاستعرت ثوبا من احدهم ولحقت به ..
فوجدته مع الشيخ ومعهما الشيخ حمد الموسى
رفيق الشيخ ابن باز في حله وترحاله..
قال لي مرة الشيخ حمد :أغبطك على صحبة الشيخ محمد !!
قبلت رأس الشيخ ابن باز فسأل :من أنت ؟؟
فقال له شيخنا :هذا أحد تلميذنا واسمه فلن بن فلن..
فدعا لي الشيخ ..
رحمهم الله ورضي عنهم وجمعنا بهم في جنات النعيم
210
فسلم عليه وقال :هل تنتظر أحدا ؟؟
لحظتك واقفا لوحدك؟؟
فقال شيخنا :سائقنا تأخر..
فنادى الميللر سللعود الفيصللل علللى سلليارته الخاصللة وأمللر سللائقه
بتوصيل الشيخ فحمده شيخنا على ذلك وأكبرها منه ..
كنللا فللي أغلللب الوقللات نبقللى فللي المسللجد لسللتماع الللدروس
والفتاوى ..
وهذا هو غالب أمرنا ..
وأما في الوقات الخرى فنجتمع بالشيخ في خيمة كبيرة عبارة عن
مجلس للضيوف ويستقبل فيهلا الوفلود اللزائرة ملن داخلل وخلارج
المملكة..
جاء رجل في تلك اليللام وزعللم للشلليخ أن المسللالخ التابعللة للبنللك
السلمي للتنمية في منى ل تقوم بنحر البل كما هي السنة وكذلك
ذكر ملحظات حول التذكية الشرعية للغنام..
فلم يرد شيخنا أن يجيبه على زعمه حتى يتأكد مما نقله له..
فكلفنللي أنللا وشخصللين اثنيللن بالللذهاب لزيللارة المسللالخ والدارة
المشرفة
للتأكد من صحة تلللك المعلومللات خاصلة وأن البنلك يشلرف سللنويا
على مئات اللوف من الضاحي والهدي ذبحا وتخزينا وتوزيعا حللول
العالم..
وصلنا للمسلخ بعد معاناة وبحثنا عن موقللع نحللر البللل فقللالوا لقللد
انتهوا من ذلك
فلما نتمكن من رؤيتها على الطبيعة ..
توجهنا للدارة فأحالونا لشخص وقالوا :هو مدير هذا القسم ..
فدخلنا عليه مكتبه فاستقبلنا ببرود ولم يعرنا أي أهمية وكان يللدخن
بشراهة
طوال جلستنا معه..
شرحنا له هدفنا من الزيارة ومن كلفنا بذلك فازداد تجاهل لنا!!
ولم يفدنا بشيء ولم يرد إعطائنا أي معلومات ..
فخرجنا من عنده وقد بلغ الحنق بالخوين الخرين مداه..
رجعنا للشيخ وشرحنا له ما حصل ..
فاسترجع وقال :خيرا إن شاء الله !!
في اليوم الثاني وهو الول من أيام التشريق ..
زارنا في المخيم الدكتور محمللد علللي مللدير عللام البنللك السلللمي
211
بنفسه!!
وقدم اعتذاره للشيخ عما حصل ول ادري كيف بلغه الموضوع..
وأصر على شيخنا أن يرافقه بنفسه للمسالخ لرؤية الموضوع علللى
الطبيعة
والدكتور محمد علي رجل مؤدب ومتواضع وخلقلله وبشاشللته تأسللر
القلوب
وهكذا كان!!
انطلقنا بسيارته وأصر على الشيخ أن يركب هو في الخلف وشيخنا
بجوار
السائق وكانت لفتة كريمة منه ..
قبل دخولنا للمسالخ مر بنا الدكتور علللى مكللان الذبللح العللام حيللث
يقوم الحجاج
بذبح هديهم وهذا خارج إشراف البنك ..
ويا للعجب!!
رأينا ذلك اليوم منظرا ل أنساه ما حييت ..
حيث تكدست عشرات اللوف من الغنام المذبوحة على مد البصر
والملقاة بعضها على بعض وقد تعفنللت وتجمعللت عليهللا الحشللرات
وصدرت منها
روائح قاتلة ..
وكان غاية الدكتور أن يري الشلليخ دور البنللك فللي محاولللة القضللاء
على تلك المشكلة
المزمنة ..
حيث رفع عن الناس حرجا شديدا واوجد لهم بديل ملتزما بالضوابط
الشرعية ويبرئ الذمة ..
قال لنا الشيخ ذلك اليوم :قبل سنوات بعيدة في شبابي
اشتريت أنا وعدد من الخوة والصحاب جمل لكي نهديه عنا جميع
وكنا سبعة..
وكان عدد الضاحي ليس بالكثرة الن والحجاج اقل..
يقول شيخنا نظرا لوجود عدد كللبير ملن الفقلراء حولنلا وكللل واحللد
منهم احضر
سكينه وساطوره بيده!!
فقد حاولنا البتعاد عنهم حتى يسلهل علينلا النحلر والسللخ وتقطيلع
الذبيحة..
قال الشيخ :ما إن سقط جملنا حتى تساقط الناس علينللا مللن كللل
212
مكان
فقطعوا البعير وجزءوه في دقائق معدودة !!
أما الحال ألن فهذا الذي نراه والله مأساوي !!
تجولنا في المسالخ وتأكد الشيخ بنفسه مللن سلللمة طريقللة الذبللح
والنحر وأن
العتب على الناقل سامحه الله..
ونحن نتجول في المسلخ جاءنا رجل وعيونه غارقة بالدموع ..
فتأملت وجهه فإذا هو صاحبنا الذي دخلنا عليه بالمس وتجاهلنا
وقد كان كسيرا حزينا فسلم على شلليخنا واعتللذر منلله واعتللذر منللا
جميعا
أخذه شيخنا على انفراد ..
وتحدث معه وابتسم في وجهه وتهلل وجه الرجل وضحك !!..
وأخبرني الشيخ ل حقا انه نصحه بترك الدخان فوعده بذلك
ولعل الله تعالى عافاه..
مرت تلك اليام بوتيرة واحدة ..
كنا نذهب لرمي الجمرات مشيا على القدام ..
حيث أن مخيمنا ليس ببعيد عنها..
وفي الطريق يجيب شيخنا عن أسئلة الناس ..
أذكر أننا في عودتنا ذات مرة من الرمي وكللان ذلللك قبللل الغللروب
بدقائق..
وكلانت منللى شلبه خاليلة حيلث عجلل كللثير ملن الحجلاج كملا هللي
العادة..
فمررنا على رجال يشدون أمتعتهم على سياراتهم..
فلما رأى أحدهم شيخنا وكان في أعلى السيارة الجيب يربط متاعه
نادى على الشيخ مستفتيا ويشير بيده :ياشيخ محمد إحنا معجلين
ومثللل مللا تللرى قللد يللؤذن علينللا ومللا أكملنللا متاعنللا هللل يجللوز لنللا
التعجيل ؟؟
فقال الشيخ :ل باس عليكم إن شاء الله ..
فهذا رجل استفتاه وهو على سيارته دون أن يتكلف عناء النزول!!
ول أدري هل سألهم هل طافوا للوداع أم ل ؟؟
روى لي أحد الطلبة الثقات يقول :مرة كنللا نسللير مللع الشلليخ بعللد
الصلة
من مسجده لبيته ..فنادى رجل من سيارته على الشيخ :
ياشيخ محمد ياشيخ محمد أريد أن أسألكم ؟؟
213
فقال الشيخ له :تعال أنلت وسلأل فلالعلم يلؤتى إليله وحلق عليلك
إكرام العلم وأهله..
ولم يرد الرجل على الشيخ حياء من جوابه ..
ولكن شيخنا لمح في خلف سيارة الرجل عكازا فعرف أنه مبتلى..
فرجع للرجل ودنا منه واستمع لسئلته حتى انتهى ..
لم نعجل كما هو المتبللع مللن شلليخنا فللي كللل عللام وخلللى المخيللم
وحوله تقريبا
جاءنا ذلك اليوم ضيف كريم وهو المير ممدوح بن عبد العزيز وفقه
الله
كنت أنه وهو مع الشيخ ثلتنا ل رابع لنا في السلليارة وقللال لشلليخنا
كلمة
أراد منها أن يشد من عضد الشلليخ قللال للله فللي كلم طويللل أذكللر
بعضه :
)ياشيخ محمد أنللت وشلليخنا ابللن بللاز أقللدما ول تللترددا فللوا لللله إن
إخوتي الكبار
ملللن المللللك وإخلللوانه الكلللرام الخريلللن يقلللولن دائملللا لللللوزراء
والمسئولين
أطيعوا العلماء ول تعصوهم وخصوصا هذين العالمين الجليليللن ابللن
باز والعثيمين
فنحن بالله قمنا ثم بهما !!(
جزى الله المير ممدوح خير الجزاء فهو صادق النصح إن شاء الللله
ول يبتغي من
ذاك شيئا بارك الله فيه
شهدت منه موقفا أكبرته منه ..
حيث أذكر مرة أنه بعث رجل لشيخنا يستفتيه في أمر وهو:
أن هناك مشروع يدر على المير مللدخول كللبيرا ولكنلله يحتللاج لهللذا
المشروع
لرخصة وكونه أميرا ومن أبناء الملك عبد العزيللز فلللن يعسللر عليلله
الحصول على
تلك الرخصة ..ولكنه تحرج من ذلك خوفا من أن يجامل كونه أميرا
!!
وهذا بل شك سيكون!!
فقال شيخنا للوسيط :سلم على المير وبلغلله أن الللورع أن يللتركه
والله يخلف
214
عليه بخير
فتركه رغم أن ربحه مضمون وأرباحه كبيرة للغاية والله يخلف عليه
خيرا منه
في ماله وولده وأهله ..
زار المير ممدوح القصيم في سنة من السنوات
وكان في اغلب بقاءه في القصيم تلك اليام يكون في عنيزة
إما في بيت الشيخ أو فللي جللامعه أو عنللد أحللد المضلليفين للله مللن
عنيزة..
طلب المير ممدوح من شيخنا أن يزور بيته الطين والذي حتى تلك
السنوات
لم يهد وبقي شامخا فللي المكللان المعللروف ألن ..شللمال مسللجد
الجعيفري
على شارع الشريمية ..
التقينللا شلليخنا والميللر وأنللا وجمللع مللن الخللوة أمللام بللاب المنللزل
ضحى ..
وفتح شيخنا باب بيته القديم ..
وأخذ يشرح لنا تفاصيل البيت وتقسيماته ..
حينما تللدخل مللن بللاب المنللزل تواجهللك سللاحة فللي وسللطها نخلللة
طويلة ..
وعليها حبل للتسلق ..
وذكر الشيخ انه كللان يصللعد لعلللى تلللك النخلللة فيلقحهللا أو يحصللد
تمره
فقال لي المير مازحا :هل تستطيع الصعود لعلها يافلن؟؟
فحاولت الصعود وما عرفت طريقة شد الحبللل خلللف الظهللر وهللي
تسهل كثير ا
الصعود..
فقام شيخنا بنفسلله وشللده وصللعد حللتى وصللل قريبللا مللن وسللطها
ونزل..
صعدنا من الدرج ليرينا مكتبته ..
فدخلناها فإذا هي غرفة متوسطة الحجم وفيها رفوف قديمة وشللبه
بالية
مكتوب عليها 1381للهجرة ولعله تاريخ التركيب!!
وجدنا في زاويتها سلكا كهربائيللا قويللا قللد عقللف أعله علللى شللكل
عصى
215
وهو متماسك ومغلف ببلستيك اسود قال الشيخ :هذه عصاي كنت
استعملها
وأنا أسير في الظلم إلى المسجد قبل انتشار الكهرباء..
فحملها المير وكانت ثقيلة ..
واستأذن من شيخنا أن يهبه إياها ففعل..
وكذلك رأى المير سجادة صلللة قديمللة قللد حفللر مقللدمها مللن اثللر
السجود عليه
فقال للشيخ :هل هذه سجادكم ؟؟
قال :نعم ..
فاستو هبه إياها ففعل!!
خشيت أن يستو هب المير الشلليخ كللل شلليء فهمسللت فللي أذنلله
وقلت :
أريد دواليب الكتب إن كنت لست في حاجتها !!
فقال :هي بالية !!
فقلت :حتى!!
فوافق..
فنقلتها لبيتي واحتفظت بها سنوات عديدة حتى سرقت مني!!
ولقد أعطاني الشيخ بناء على طلبي عددا من عباءاته القديمة جللدا
وما زالت
عندي حتى الن ..
واحتفظ بها للذكرى ل للتبرك أو شيء آخر والحمد لله ..
216
يتللم فللي ذللك اللقلاء التعريللف بالمناشلط الللتي تمللت وذكلر بعلض
اليجابيات والسلبيات وطرح الفكار الجديدة..
أذكر ذلك اليوم أن سماحة الشيخ بن بللاز رحملله الللله وشلليخنا ابللن
عثيمين رحمه الله ..
والشيخ صالح الفوزان حفظه الله ..
كانوا متجاورين وعليهم أثر الجهد والتعب..
ولقد رأيت رؤوسهم ثلثتهم تخفللق وتعلللوا مللن النعللاس عفللى الللله
عنهم..
وبهذا الحتفال يكون ختام برنامج التوعية السنوي اسأل الله تعللالى
أن يتقبل منا ومنهم والحمد لله ..
أوصلت شلليخنا لجللده ومنهللا سيواصللل علللى القصلليم أمللا أنللا فقللد
رجعت لعائلتي
في الطائف لكي اقضي لديهم فترة نقاهة فقد كنت مصابا بالزكللام
والحمى
الطائف جوه منعش وجميل طوال العام تقريبا ..
ففي الصيف حرارته معتدلة ول تتجاوز حدود المعقول!!
كما في القصيم والرياض مثل..
أما في الشتاء فإن برودته ليست بشديدة كبرودة أبها والباحة مثل..
أذكر أنني قرأت في كتاب المطالعة في إحدى سني الدراسللة عللن
عالم غربي
مر على الطائف فمدح مناخها وقال هو مللن أفضللل المناخللات فللي
العالم!!!
ول يظنن ظان أني أمتدحها لننللي كنللت يومللا مللن أهلهللا أو عشللت
سنواتي الولى فيها !! ..
أنا أحكي شيئا معلوما ومعروفا للجميع ..
مكثت أياما قليلة في الطائف ثم رجعت للقصيم ..
وصلت لعنيزة ليل..
حيث غبت عنها حوالي الشهر..
وكان السكن كئيبا بسبب قلة الحركة وشعرت بانقباض وضيق ..
وهذا شيء طللبيعي حيللث يشللعر النسللان بتلللك الثللار بعللد الغيللاب
الطويل
القصيم بالنسبة لي تلك اليام هي مللوطني فقللد كنللت أتللم صلللتي
فيها وحينما كنت أذهب للطائف فأنا أعتبر نفسي غير مقيم ..فتحل
لي رخص السفر
217
منذ اليوم الول لدخولي لغرفتي فللي السللكن وأنللا اشللعر أن هنللاك
اختلفا فيها؟؟
بلغت الشيخ بذلك ..فاستغرب وقال :لعلك واهم ؟؟
فتشت في أغراضي وأوراقي وأمتعتي وكتبي فاكتشفت التالي:
وجدت عددا من كتبي قد سرقت !!
وهي عبارة عن كتب صورتها من شيخنا وعليهللا تعليقللاته وحواشلليه
بخط يده وهي كتب ثمينة جدا واحملهللا طللوال تلللك السللنوات فللي
حلي وترحالي..
وكذلك فقدت عددا من أوراق الشخصللية وتزكيللات سللبق أن كتبهللا
لي شيخنا في مناسبات معينة..
وكذلك افتقدت بعض المتعة المهداة أيضا من شيخنا!!
وكذلك افتقدت عددا من الرسائل التي كانت بيني وبين الشيخ ومم
كان يكتبه الشيخ للوالد وأحتفظ بنسخ منها..
توجست في الموضوع وقلت فللي نفسللي :ل يملللك مفتللاح غرفللتي
سوى أنا وشيخنا ورفيقي في السكن !!
ورفيقي رجل ثقة وهو الشيخ محبوب وما حاجته لمثل تلك
الغراض وما مصلحته من أخذها؟؟
ولم ابلغ شيخنا حتى تأكدت أنها سرقت !!
وعلمت من سرقها وشهد شاهد على ذلك لي..
أبلغت شيخنا بالحاصل ..
أذكر ملمح وجهه حينما أخبرته الخبر ..
لقد حزن وتأثر ابلغ تأثير ..واسترجع وكأنه عرف الفاعل فورا ؟؟
دعا بهذا الدعاء :اسأل الله تعالى أن يضيق صدره كما ضيق صدري
حتى يرجع تلك الشياء..
جميعكللم مللن خلل القللراءة السللابقة للحلقللات سلليعرف مللن هللو
الفاعل؟؟
لقد أشترى الستاذ أدوات لفتللح البللواب ودخللل غرفللتي فللي فللترة
الحج وقلب كل حاجياتي ليبحث عن السحر المخفي في متاعي !!!
فلما لم يجد شيئا ولن يجده سوى في مخيلته المريضة التي أملهللا
عليه شياطين الجن والنس عليه !!
حينما لم يجد شيئا سرق تلك الحاجيات !!
لما؟؟
ل أدري ..
ولكن التفسير الوحيد لذلك واضح وضوح الشمس لمن له عينان ..
218
استجاب الله لدعاء شيخنا فلقد بلغني المؤذن عن ذلك الرجللل انلله
مرض وأصيب بصداع شديد فللي رأسلله وتغيللب عللن الللدرس فللترة
طويلة ..
دعاني الشيخ يوما بعد الصلة وسلمني كرتونا به جميع حاجياتي ..
فبحثت فيها فوجدت جميع الشياء المسروقة كاملة موجودة سللوى
بعض الوراق والخطابات وجدت صورها ولم أجد النسخ الصلية
استعادها لي شيخنا لحقا وسلمها لي جزاه الله عني خير الجزاء..
أسمحوا لي أيها القراء الكرام أن أنقل لكم هذه الرسالة التي كتبها
لي شيخنا رحمه الله ..واسترجعتها من يد ذلك المعتدي
وهي موجودة عندي ولعل في نشرها نفعا لمن تأمل وتدبر معانيه
وقد ذكر شيخنا في الرسالة ذاتها سبب كتابتها ..
يقول شيخنا رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى البن ) ( ....حفظه الله تعالى
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد سألتني بارك الله فيك
أن أضع لك منهجا تسير عليه في حياتك...
وإني لسال الله تعالى أن يوفقنللا جميعللا لمللا فيلله الهللدى والرشللاد
والصللواب والسللداد وأن يجعلنللا هللداة مهتللدين صللالحين مصلللحين
فأقول:
أول :مع الله عز وجل
-1احرص على أن تكون دائما مع الله عز وجل مستحضرا عظمتلله
متفكرا فللي آيللاته الكونيللة مثللل خلللق السللموات والرض ومللا أودع
فيهما من بالغ حكمته وباهر قدرته وعظيم رحمته ومنته .
وآياته الشرعية التي بعث بها رسله ول سيما خللاتمهم محمللد صلللى
الله عليه وسلم.
-2أن يكون قلبك مملوءا بمحبة الله تعالى لما يغذوك به من النعم
ويدفع عنك من النقم ول سيما نعمة السلم والستقامة عليه حللتى
يكون أحب شيء إليك.
-3أن يكون قلبك مملوءا بتعظيلم اللله علز وجلل حلتى يكلون فلي
نفسك أعظم شيء..
وباجتماع محبة الله تعالى وتعظيمه في قلبك تستقيم علللى طللاعته
قائما بما أمر به لمحبتك إياه تاركا لما نهى عنه لتعظيمك له.
-4أن تكون مخلصا له جل وعل في عباداتك متوكل عليه في جميللع
أحوالك لتحقق بذلك مقام )إياك نعبد وإياك نستعين(.
219
وتستحضر بقلبك أنك إنما تقوم بما أمر امتثال لمره وتترك ما نهللى
عنه امتثال لنهيه فإنك بذلك تجد للعبادة طعما ل تللدركه مللع الغفلللة
وتجد في المور عونا منه ل يحصل لك مع العتماد على نفسك.
ثانيا :مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
-1أن تقدم محبته على محبة كل مخلوق وهللديه وسللنته علللى كللل
هدي وسنة .
-2أن تتخذه إماما لك في عباداتك وأخلقللك بحيللث تستحضللر عنللد
فعل العبادة أنك متبع له وكأنه أمامك تترسم خطاه وتنهج نهجه.
وكللذلك فللي مخالقللة النللاس أنللك متخلللق بللأخلقه الللتي قللال الللله
عنها)وإنك لعلى خلق عظيم(.
ومللتى الللتزمت بهللذا فسللتكون حريصللا غايللة الحللرص علللى العلللم
بشريعته وأخلقه.
-3أن تكون داعيا لسنته ناصللرا لهللا مللدافعا عنهللا فللإن الللله تعللالى
سينصرك بقدر نصرك لشريعته.
ثالثا :عملك اليومي غير المفروضات
-1إذا قمت من الليل فاذكر الله تعللالى وادع الللله بمللا شللئت فللإن
الدعاء في هذا الموطن حري بالجابللة واقللرأ قللول الللله تعللالى) إن
في خلق السموات والرض ( حللتى تختللم سللورة آل عمللران وهللي
عشر آيات.
-2صل ما كتب لك في آخر الليل واختم صلتك بالوتر.
-3حافظ على ما تيسر لك من أذكار الصباح .قل مئة مرة :ل إللله
إل الله وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شلليء
قدير.
-4صل ركعتي الضحى.
-5حافظ على أذكار المساء ما تيسر لك منها.
رابعا :طريقة طلب العلم.
-1احرص على حفظ كتاب الله تعالى واجعللل لللك كللل يللوم شلليئ
معينا تحافظ على قراءته ولتكن قراءتك بتدبر وتفهم .
وإذا عنت لك فائدة أثناء القراءة فقيدها.
-2احرص على حفظ ما تيسر من صحيح سنة الرسول صلللى الللله
عليه وسلم ومن ذلك حفظ عمدة الحكام.
-3احرص على التركيز والثبات بحيللث ل تأخللذ العلللم نتفللا مللن هللذا
شيء ومن هذا شيء لن هذا يضيع وقتك ويشتت ذهنك.
220
-4أبدا بصغار الكتب وتأملها جيللدا ثللم انتقللل إلللى مللا فوقهللا حللتى
تحصل على العلم شيئا فشيئا على وجه يرسللخ فللي قلبللك وتطمئن
إليه نفسك.
-5احرص على معرفة أصول المسائل وقواعللدها وقيللد كللل شلليء
يمر بك من هذا القبيل فقد قيل :من حرم الصول حرم الوصول.
-5ناقش المسائل مع شيخك أو من تثق به علما ودينا مللن أقرانللك
ولللو بللأن تقللدر فللي ذهنللك أن أحللدا يناقشللك فيهللا إذا لللم تمكللن
المناقشة مع من سمينا.
هذا وأسللال الللله تعللالى أن يعلمللك مللا ينفعللك وينفعللك بمللا علمللك
ويزيدك علما ويجعلك من عباده الصالحين وحزبه المفلحين .
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه محمد الصالح العثيمين في 3رجب 1412هـ
التوقيع.
رحمة الله على شيخنا وجزاه الله عني خير الجزاء
إن كلماته تلك تحمل في كلمة منها معاني سامية خرجت من قلللب
رجل امتل علما وإيمانا وتقى احسبه كذلك والله حسيبه..
221
ولو أنني أذكر أعماله وتصرفاته فليست سوى للعبرة ..
والله يهدينا ويهديه لصراطه المستقيم ..
حينما كتبت بالمس تلك النصيحة التي وجهها شيخنا لي ..
تذكرت أنني قرأتها في تلك اليام ول شك أنني استفدت منها ..
وحرصت على العمل بها بقدر ما آتاني الله من بصيرة !!..
ولكنها اليوم ذات طعم خاص ومذاق مختلف..
منذ فترة بعيدة جدا لم أقرأها ولعل هذا من حسللنات هللذه المقالللة
أن جعلتني أتذكر تلك الوديعة الثمينة..
قرأتها بالمس قراءة تمحيص وتدقيق..
تأملت حروفها ..حيث كتبها بيده وبخطه الجميل..
شممت عطرها الزكي ..على ذلك الورق المتواضع ..
أصغيت لها فتردد في سمعي رنينها العذب...
و ضعتها على صدري فامتزجت همساتها في الفؤاد ..
تذكرت الوقت الثمين الذي قضاه في تدوينها..
تذكرت كم أنه تأمل وفكر فيما هو يصلللح حللالي فللي دينللي ودنيللاي
فرقمه..
تذكرت يده حينما قبضت عللى القللم وأخلذت تخلط تللك الكلملات
الصادقة..
تذكرت كيف كان قلبه في تلك اللحظات ينبللض بالرحمللة والشللفقة
علي..
خرجت بأمر واضح كالشمس:
أيقنت أنها صدرت من قلب كبير..
رحمك الله يا أبا عبد الله ..
رضي الله عنك ياشيخنا محمد..
فوا لله ما قدرتك حق قدرك وما أوفيتك الوفاء الجميل..
والله لو كان لي سبيل إليك لرأيت مني غير ما رأيت ..
ووالله ياوالدي لو تمكنت من رؤيتك والجتماع بك
لتعبدت ربي سبحانه أن أكون خادمك المطيع حتى الممات..
أنت والدي فعلت بي ما يفعله الوالد بولده وأكثر..
كم مرة سمعت أبي أحمد رحمه الله يقول لي بحضور شيخنا:
هذا والدك دوني !!
قلت له :مه !!
فقال :لقد قدم لك كيت وكيت وفعل لك كذا وكذا..
إن للمة حق على هذا الرجل حق عام!!
222
أما أنا وغيري فعلينا له حق خاص..
يجب علينا أن ندفعه له حتى الممات..
أقله الدعاء وهو من الوفاء له ..
ونشر علمه ..
وتعريف الناس بفضائله وهذا الللذي سللماه خليللل الرحمللن إبراهيللم
عليه الصلة والسلم) واجعل لي لسان صدق في الخرين(
وهاأنذا أحكي بعض جميله ..
كنت في تلك اليام رغم بري به والحمد لله والجميع يعرف ذلك
قليل الدراك وهكذا المرء في فتوته وشبابه ..
قد يدرك ول يدرك !!..
يرى المور ويبصرها ولكن ل يفهللم معانيهللا ومضللامينها وروحهللا إل،
لحقا..
ل يقرأ بين السطور..
وبالحرى ل يملك آليات تلك القراءة !!
وهذه هي البصيرة الحقة..
أي منا للم تسللهر والللدته يومللا بجللواره وهللو صلغير حينمللا يئن مللن
المرض ؟؟
أي منا لم يرى كم كان والده يخرج بللاكرا مللن منزلهللم ويعللود فللي
المساء وقد بلغ به العياء والتعب مبلغه..
كنا نرى تلك التصرفات ولكننا ل ندرك جوهرها ول عمقها..
إنه الحنان ..
إنها الرحمة ..
والمحبة والشفقة والفداء والتضحية ..
وكل المعاني السامية تنبعث من تلك التصرفات جملة واحدة..
تلك المعاني تكتشفها للسف لحقا ..
بعد سنوات طويلة ..
وغالبا بعد رحيلهم..
فتبقى في القلب حسرات وآهات ..
وأقول :يا إخوتي وأخواتي
من وفقلله الللله فأبصللر الحقيقللة وعلللم ذلللك علللم اليقيللن ومللا زال
صاحب الفضل
حوله وقريبا منه..
فهذا والله المحظوظ فل تفلت منه الفرصة..
فدونه الجنة فهي أقرب له من شراك نعله!!..
223
بعد موت والدي عليه رحمة الله ..
بشهر تقريبا كنت أسير بسيارتي بين الطائف والرياض..
وكنت حينها لم أستيقظ بعد من هول الصدمة بفقدانه..
كنت أقود السيارة وارى الطريق أمامي ولكللن قلللبي وعقلللي معلله
رحمه الله
يسترجع شريط الذكريات الطويل ..
من الذكريات المحزنة..
وحصل ذلك قبل أسبوع من موته رحمه الله..
حيث أنني أثقلت عليه في موضوع ما!!
وأذكر أنه اتصل علي وعاتبني على ذلك..
حيث وقف ساعات وعانى من هذا المر ..
وكان ذلك على غير قصد مني..
ومع ذلك فإنني شعرت بألم في قلبي وحزن
فأوقفت سيارتي وبكيت حتى كدت افقد وعيي من البكاء والله ..
رحمهم الله ورضي عنهم وجمعنا وإياهم في مقعد صدق عند مليللك
مقتدر
مللرت اليللام والسللاعات وتللوالت الليللالي والحمللد لللله اسللتزدت
تحصيل..
من رعايته رحمه الله بي حيث درسنا في تلك اليام مادة المواريث
وهذه المادة من أصعب علوم الفقه كما هو معلوم..
فكان شيخنا يهون علي المر ويقول :هي سهلة جدا!!
أذكر مرة أنني حضرت في مدينة الطائف درسا في علم المللواريث
) الفرائض(
عند الشيخ علي بن محمل العتيبي وهو قاضي متقاعد من المحكمة
والشيخ علي متقن للغاية لهذا الفن..
حينما استمعت لكلمه طوال ساعة وأزيد
لم أستطع فهم كلمة واحدة ..وأغلق علللي وعسللر ذلللك العلللم مللن
ذلك الدرس
فخرجت وأنا مصدوم من هذا العلم المعقد للغاية..
ولكن شيخنا رحمه الله كما هي قاعدته )الكيف ل الكم(..
جرد لي هذا العلم من كل تلك العقبات فصار ميسرا وسهل التناول
بحمد الله تعالى..
فكنت ادرس عنده في الليل مع الطلب ..وفي الطريق لبيته يملي
علي المسائل
224
ويختبرني ويكلفني بالبحوث حتى أدركته جميعا..
ومللا زلللت حللتى الن أحتفللظ بتلللك الواجبللات وعليهللا تصللحيحاته
وتعليقاته
بالقلم الحمر..
علمت أن شيخنا يعاني من قضية المساعدات التي يقللدمها للنللاس
حيث يأخذ ترتيب تلك المور وتدوينها وجردها وقتا ثمينا منه..
فعرضت عليه أن أساعده في ذلك..
وأراد مرة أن يختبر جديتي في الموضوع!!
حيث اتصل علي شيخنا ذات يوم في السكن..
وقال لي :أريدك تحضر للبيت احتاجك في أمر..
فوصلت لبيته فخرج إلي وفي يده كيس ..وقال:
هذه النقود تذهب بها للبنك وتودعها في حساب الزكاة..
ولم يكن المبلغ كبيرا ولكنني لم احمل مثله من قبل!!
ذهبت للبنك مرورا بالبيوت الطينيللة الواقعللة بيللن شللارع الشللريمية
والبنك في شارع الضليعة..
كانت الشوارع والزقة خالية من الناس والمارة..
فكنللت اسللتعجل الخطللى حللتى أمللر مللن تلللك الللدور المهجللورة
والمخيفة..
دفعت للبنك ذلك المبلغ ..
ومنذ ذلك اليوم ولسنوات صرت احمللل نقللود الزكللوات والصللدقات
وغيره
من البنك للشيخ والعكس..
ولقد كانت تبلغ المبالغ أحيانا أرقاما كبيرة ومخيفة ..
ومع ذلك فلم يحصل أي حادث يللذكر سللوى موقللف وحيللد وتللافه ل
يستحق الذكر!!
في تلك اليام حدثت حادثة غريبة لي ..
225
اتصلت على شيخنا وبلغته بالحاصل..
فقلللق علللي رحملله الللله واتصللل علللى المشللرف العللام ليسللتبين
الموضوع..
وضعت في غرفة جميلة وهادئة وكنت فيها وحيدا ..
وهذه من جمائل الدكتور عبد الله البداح المشرف العام..
بعد صلة العصر ..جاءني في المستشفى للزيارة شيخنا رحمه الله
ومعه جمع كبير من الطلب ..
لم أكن اشعر بشيء خطير سوى تلك اللم التي تأتي ثم تروح ..
ولم يكن يوقفها سوى المهدئات والمسكنات والتي سيكون لها آثللار
جانبية في
المستقبل كما سترون!!..
إن مجرد رؤية هذا الرجللل الشللهم والعللالم الجليللل وهللؤلء الكللرام
حوله
من طلبته الخيار ..
أشعرني بالفخر والشرف أن أنتسب لتلك الطائفة الصللالحة رضللي
الله عنهم
زارني المشرف العام مللرارا ومعلله المللدير الطللبي ورئيللس شللئون
المرضى
وفي بعض الحيان عدة مرات يوميا جزاهم الله خيرا..
كثرت علي التحاليل والشعة حتى أيقنت أن في المر شيئا ما !!
قلت في نفسللي :أخللي الكللبير محمللد رحملله الللله سللبق وأن مللات
بسرطان في دماغه
فهل ياترى توارث المرض لي؟؟
كنت كلما تللذكرت العللذاب الللذي وجللده والللداي ونحللن البنللاء مللن
مرض أخين
الكبير محمد أصاب بالقلق والخوف..
ماذا لو تكرر الموضوع؟؟
أخي محمد رحملله الللله للله قصللة أسللتميح القللراء فللي روايتهللا وإن
طالت ..
هذا الشاب الذي اذكر عنه أشياء بسيطة ،توفي رحمه الله وأنللا مللا
زلت في سن
السابعة أو قريبا منها..
وذلك في سنة 1402للهجرة ..
حيث شعر بللآلم شللديدة فللي رأسلله ..وتعللب الطبللاء وعللانوا فللي
226
اكتشاف
سبب ذلك ..فقائل :هو ورم غير مرئي!!
وقائل :هو مرض نفسي ..
وقائل:هو دلع وتدلل صبياني!!
نقل على أثرها إلى الرياض لمستشفى الملك فيصل التخصصي ..
وهناك شخص المرض بأنه ورم خبيث في الدماغ..
أستأصل الطباء الورم وادعوا نجاح العملية ..
ولكللن اللم لللم تتوقللف ..يئس الوالللد رحملله الللله مللن ذلللك
المستشفى
ونقله لمستشفى عرفان في جده
واستعملوا البر الصينية معه وأنفق مبالغ طائلة وبل طائل!!
لم يسمع أبي بطبيب في شرق المملكة أو غربها أو قريبها وأقصاها
إل وذهب إليه وتعب هو وشقي كما شقي أخي محمد أو كاد..
أستعمل الدوية الشعبية والكوي..
أذكر مرة أنهم كووه المسكين حتى سللمعت صللراخه وأنينلله ونحللن
في السيارة
وكنا نبكي لبكائه رحمه الله ..
أما الوالدة فل تسل عن حالها ول عن كربها خلف الله عليها خيرا..
كنا نتقل بين مدن المملكة لعلج أخينا أينما حل فقد كنللا صللغارا ول
راعي لنا بعد الله سواه..
أشار على الوالد عدد من أصحابه أن يعالجه في الخارج..
فتردد الوالد ولكنه أخيرا عزم ولكن أين وكيف وكم؟؟؟؟
جمع الوالد مبلغا وفيرا من المال وأظنه استدان جزءا منه ..
وسافر بأخي والوالدة واثنين من إخوتي الصغار لمريكا ..
إلى مدينة هيوستن بولية تكساس) ول أدري هل نطقتها صحيحة(..
بقي أخي محمد لشهرين تقريبا مللدركا لمللا يجللري حللتى دخللل فللي
غيبوبة ..
لم يستيقظ منها أبدا..
قرر الطباء أن الوقت تأخر كثيرا !!
وقالوا للوالد :لو أتيت به مبكرا لمكن استئصال الللورم ولكنلله الن
انتشر في دماغه ولو حاولنا إزالته فنجاح العملية فقللط ) %1واحللد
في المائة (!!
ولك القرار؟؟
احتار الوالد ماذا يفعللل واسللتخار ربلله وأخيللرا قللرر أن ل يجللري للله
227
العملية
فهي مخاطرة كبيرة وموت ابنلله فللي بلللده وبيللن أهللله أهللون علللى
نفسه من موته في أمريكا ..
وسلم أمره لله تعالى..
طالب المستشفى الوالد بتسديد ما بقي عليه من مبالغ متأخرة..
فأخبرهم أن ما لديه ل يغطي مصاريفهم ومصاريف السفر..
فقالوا له :أدفع مبالغنا المتبقية ول يعنينا كيللف ترجللع لبلللدكم هللذه
مشكلتك!!.
اتصل الوالد على عدد من شركات الطيران لكي يرتب للعودة..
وجميعها رفض أن يوافق على النقل بسبب خوفهم من مللوت أخللي
وهم في
السماء!!
قال لهم الوالد :أنا اكتب لكم إقرارا أنكم ل تتحملللون أي مسللئولية
عن ذلك وتقع
كل المسئولية علي إن مات ..فأبوا وأصروا على الرفض!!
خوفا على سمعة شركاتهم..
تقول الوالدة :أخذت الحيرة بابيك ولم يدر ما يفعل..
كانت هناك مترجمللة لبنانيللة وعملهللا الصلللي التمريللض فللي نفللس
المستشفى ..
قالت لبي :يا أخ أحمد يوجد أميللر مللن العائلللة المالكللة السللعودية
يتعالج
في القسم الذي تحتنا مباشرة ..فلماذا ل تذهب لتتحللدث معلله عللن
مشكلتك!!
توجه والدي دون أن يرد عليها فورا إلى القسم المذكور ..
وبحث عن أناس بسللحنات عربيللة ..فوجللد مجموعللة مللن الشللباب
ومعهم رجل كبير في السن ويظهر عليه أنه ذو غناء وسلطة !!
سلم عليهم الوالد فردوا التحية وخصوصا ذلك الكبير منهللم ورحبللوا
به ترحيبا كبيرا ..
وزاد سرورهم حينما علموا أنه من المملكة ومن أبناء بلدهم..
واستفسروا عن سبب وجوده ؟؟
فقال لهم :لجل هذا جئتكم!! ..
وروى لهللم حللال الخ محمللد ووضللعه مللع المستشللفى وشللركات
الطيران..
فقال له المير :هون عليك يا أخي واعتللبر الموضللوع منتهللي وجهللز
228
حقائبك للسفر غدا..
أي تيسير من الله تعالى هذا التيسير ؟؟
الحمد لله على نعمه..
سدد الميللر كللل رسللوم المستشللفى وتكفللل لهللم بطللائرة تنقلهللم
مباشرة إلى الرياض..
جزاه الله خيرا ..
بخصوص اسم المير ذاك فإن كنت اذكر قال لي الوالد رحملله الللله
أن اسمه :
محمد بن سعود الكبير فجزاه الله خيرا إن كان هو أو غيره !!
بقي أخي في الرياض لسبوع واحللد ثللم نقللل للطللائف لمستشللفى
القوات المسلحة في الهدى..
وفي صبيحة يوم خميس بعد أسبوع تقريبا من وصوله للطائف..
تقول أمي :كان أخوك ينظر إلى ما حوله دون أن يتكلم ..
فهو ل يشعر بمن حوله ولكنه يشير بأصبعه أحيانا..
في تلك اللحظات وحوالي الساعة التاسعة صباحا ..
جرك إصبعه وأشار إليها فنظرت في وجهه ..
فرأت اختلفا في ملمح وجهه ..
وكأنه يريد أن يقول لها شيئا ولكنه عاجز عن الكلم ..
قالت له :يامحمد ياقرة عيني ماذا تريد ياوالدي ؟؟
خرجت من عينيه دموع بسيطة ولكنها ذات معنى..
قبضت على يده وبقيت ترقب نبضه فقد كان يضعف ويضعف..
حتى فاضت روحه عليه رحمة الله وأسكنه جنات النعيم..
دار في مخيلتي وأنا في عنيزة تلك القصة وتلك المعاناة
هل ستتكرر معي..
دخللل علللي المشللرف العللام علللى المستشللفى ومعلله شللخص أو
شخصين..
وطلبوا رقم شيخنا وكأنهم يريدون تبليغي بأمر والشيخ يسمع!!
قال له الدكتور عبد الله :ياشيخنا الفاضل فلن يجب نقللله بطللائرة
الخلء إلى الرياض فورا !!
قال شيخنا :هل حالته تستلزم ذلك ؟؟
قال :نعم ،فقد ظهر لنا من خلل الشعة وجود ورم في رأسه !!
كان الوالد والوالدة والعائلة تتصل علي يوميا للتابع الخبار..
حينما أبلغت الوالد أنهم سينقلونني بطائرة الخلء..
طلب مني النتظار حتى يقدم ..
229
وصلت طائرة الخلء والوالد معا في نفس الوقت..
نقلت بالسعاف للمستشفى العسكري في الرياض..
لم أكن أشعر بآلم تلك اليام ولكللن يبقللى رأي الطبللاء هللو الحكللم
هنا..
رجوت الوالد أن يرجع للطائف فقد كنللت أعلللم المعانللاة والمشللقة
عليه في بقاءه معي
وترك عمله وعائلته خلفه ..
أستفسر من الطباء عن وضعي فقالوا للله :الموضللوع هللو اشللتباه
واطمئن ول تقلق..
رافقني أحد زملئي وهو الخ سعود الحربللي وأنعللم بلله وأكللرم مللن
أنيس ومعين..
كان يخدمني في تلك اليام محتسبا جزاه الله عني خير الجزاء..
رغم أني أستطيع السير والتنقل ..
كان بجواري شاب مصاب بشلل نصفي مؤقت..
أصيب به في أمريكا وعاد للملكة للعلج..
كان شيخنا رحمه الله يتصل علللي فللي اليللوم عللدة مللرات ليطمئن
علي ويسمع
المستجدات..
سمعني ذلك الشاب وأنا أذكر اسم شيخنا فرجاني أن يكلللم الشلليخ
ولو لكلمتين إن
اتصل علي مرة أخرى ،وهذا ما حصل..
قال لي :هل هو والدك؟؟
قلت :نعم أنا لي والدين اثنين !!
والد بالنسب والدم ..ووالد بالبر والرحمة وكلهما عزيز على قلبي
ولهما حق البوة علي..
رحمهما الله وأسكنهما الفردوس العلى ..
مكثت في المستشفى لسبوعين اثنين ..
وكانت النتائج والحمد لله أنه مجرد اشلتباه واللورم هلو انتفلاخ فلي
أوعية الدماغ ..
واللم التي كنت أشعر بها هي مرض وصداع يسمى طبيللا الصللداع
النصفي وتسميه العرب الشقيقة ..
الحلقة الستون
230
حينما رجعت لعنيزة ..
استفسر شيخنا رحمه الله مني عن طبيعة اللم الذي أشعر به..
فشرحت له وفصلت فقال لي :مرني اليوم بعد صلللة العصللر فللي
المنزل..
وكان والدي قد قدم لعنيزة مرة أخرى للطمئنان علي..
وكانت ضيافته طوال بقائه هناك في عنيزة في منللزل شلليخنا عليلله
رحمة الله..
ونشللأت بينلله وبيللن شلليخنا محمللد علقللة حميمللة مليئة بللالحترام
والتبجيل..
والدي رحمه الله رجل حيي وخجول ولكنه إن نطللق فلسللانه عللذب
ولبق رحمه الله..
ولقد أعجب شيخنا به وبأخلقه وبسلاطته فلي هيئتلله ولباسله وذكللر
ذلك لي عنه
وكأنه وشيخنا في هذا الخصوص صنعا من طينة واحدة!!
كما تقول العامة عندنا..
مررت أنا والوالد على شيخنا بعللد العصللر فنللاولني كيسللا فللي يللده
وكان يتلفت حوله وكأنه يستعجلنا بالذهاب وهذا ماكان..
فتشت الكيس فوجدت فيه بقايا طعام !!
من عظم وبقايا بطيخ مأكول ونحو ذلك!!
لحقنللا الشلليخ للسلليارة وقللال لللي :أخلللط بقايللا الطعللام فللي مللاء
واغتسل به واغسل به رأسك على الخصوص!!
وهذا ما فعلته ولم أسأله لمن ذلك الطعام ول أدري هللو لمللن حللتى
هذه الساعة..
كلفني شيخنا رحمه الله في تلك اليام بعد اعتدال صللحتي والحمللد
لله ..
بترتيب مخزن المكتبة الوطنية ..
وقال لي :إن وجدت كتابا مكررا فخذ نسخة منها لك..
فتحت المخزن فوجدت الرضة قد أكلت جزءا ل يستهان به..
استعنت بعمال المسجد ونظفنا الكتب ووضعناها على الرفوف ..
وألقينا بالتالف جدا والوساخ خارج المخزن..
حصلت على عدد ل بللأس بلله مللن الكتللب المكللررة وكللذلك أخللذت
بعض الكتب بإذن شيخنا..
وأنا أقلب في تلك الكتب كان يلفت نظري تعليقات ورسللائل قليلللة
أجدها موضوعة بين دفتي الكتب..
231
قرأتها وكان غالبها بخط الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله..
ومؤرخة ..وتاريخها قديم يتجاوز الخمسين سنة وأكثر..
والظاهر أن مكتبة الشيخ ابن سعدي أوقفت أو أنه أهدى شلليئا مللن
كتبه للمكتبة العامة والمسماة ) مكتبة عنيزة الوطنية(
وجدت كتيبا اسمه ) صفة صلة النبي صلى الله عليه وسلللم(تللأليف
أبو عبدالرحمن ناصر الدين نوح نجاتي اللباني الساعاتي!!
عرفت أنه كتاب صفة الصلة المشهور والذي كتبلله علمللة الحللديث
الشيخ اللباني رحمه الله ..وهذه هي الطبعة الولللى وكتللب عليهللا
الشيخ اللباني وبخط يده )هديللة المؤلللف إلللى حضللرة الشلليخ عبللد
الرحمن ابن ناصر السللعدي 7/12/72هل ل ناصللر الللدين نللوح نجللاتي
اللباني( ..
الشيخ اللباني علم الحديث وشيخ العصر في ذلك ..
وليس مثلي من يثني عليه أو يسأل عنه ..رحمه الله
قرأت مرة كتابا منذ مدة ألفه الستاذ الديب عبللد اللله بللن خميلس
يروي فيه إحدى رحلته للشللام قبللل حللوالي الخمسللين سللنة وكللان
برفقته علمة النساب والدب وصديقه الحميم الشيخ حمد الجاسللر
رحمه الله ..
وأظن أن ثالثهما هو الديب عبد الكريم الجهيمان ..
ذكر في كتابه أنه زار المكتبة الظاهرية في دمشق ..
و ذكر أنه شلاهد هنلاك رجل منهمكلا فللي البحللث والمطالعلة وذكللر
اسمه وقال كلما بمعناه :ذلللك هللو علمللة الشللام المحللدث الشلليخ
محمد ناصر الدين اللباني .
وكذلك قرأت للشيخ حمد الجاسر قريبا من هذا الكلم في مذكراته
وقال عنه:
هو من أحلس المكتبة الظاهرية..
كان مرة بيني وبين الشلليخ علللي الحلللبي تلميللذ اللبللاني المشللهور
اتصال ونقاش حول بعض التخريجات الحديثية..
وكنت أشعر في نفسي أن هنللاك جفللوة غيللر مفهومللة بيللن شلليخنا
والشيخ اللباني والظاهر أن سببها هو ما يثيره بعض المفسدين في
الرض بين الشيخين ..
مما سبب شيئا من تلك الجفوة وانقطاع التواصل..
ول يأتيني قائل ويزعم أنني أختلق الموضوع من طرفي ..
فمن عاصر قضية حرب الخليج وما حصل فيها من اختلف وشللقاق
وجفاء بين رجالت الصحوة والعلم ،فهم ما أعنيه جيدا!!
232
قلت للشيخ علللي :مللا رأيللك أن نرتللب مكالمللة هاتفيللة بيللن شلليخنا
محمد والشيخ اللباني ..؟؟
ففرح بذلك وأثنى على الفكرة وأيدها وقال سوف أرتب مع الشلليخ
اللباني وأنت رتب مع الشيخ محمد وسنرى ما يكون..
عرضت المر على الشيخ فقللال فللورا :ل بللأس بللذلك وأثنللى علللى
الفكرة ورغب في ذلك ..وذكر لي أنه لم يراه من مدة بعيدة حيللث
كان آخر لقاء بينهما في جده أو قال في مكة ) ..نسيت التاريللخ ( و
ذكر أنه تناقش معه حول موضوع الحجاب ..
ومن طرف الحلبي فقد كان التجاوب مماثل والحمد لله..
حددنا التصال أن يكون في يوم من اليام الساعة العاشللرة صللباحا
ضحى ..
ول أذكر التاريخ بالتحديد ..وأظنه كان يوم جمعة !!
حيللث مللن عللادة شلليخنا فللي ذلللك اليللوم التصللال علللى أقربللائه
والتواصل معهم..
قلت لشيخنا :هل تسمح لي بتسجيل مكالمتكما ؟؟
قال :ل بأس بذلك..
حضرت لبيته وثبت له جهاز التسجيل وأخبرته كيف يديره ..
في اليوم الثاني بعد صلة الظهللر نللاولني شللريطا وقللال :هللذا هللو
تسجيل المكالمة ..
توجهت للغرفة مسرعا واستمعت للشريط..
كان التسجيل رديئا وصوت الشيخ اللباني خافتا نوعا ما ..
ولكنني استوعبت كل ما فيه ..
أستفتح شيخنا كلمه وهو المتصل بعد السلم عليه قائل له :
معكم أخوكم محمد بن صالح العثيمين ..
فرد عليه اللباني :قديما قال الفقهاء :المعرف ل يعرف ..
وفيه من التحية والسلم والللدعاء والنصللح بيللن العلمللاء كمللا عهللدنا
فيهم ذلك وهو ظننا في مشائخنا جزاهم الله عنا خير الجزاء..
تحدث كل منهما عن نشاطه وقال اللباني :لدينا الحمد لللله صللحوة
سلفية وإقبال على طلب علم الحديث ..الخ كلمه
وتكلم شيخنا عن دروسه وقال :أدرس كتاب البلوغ ويحضره بحمد
الله عدد كبير ..الخ كلمه ..
ذكر الشيخ اللباني في آخر مكالمته أنه اتصلل عليله اليلوم شلخص
وزعم أن لديه
رسالة من الشيخ ابن عثيمين موجهة إليه !!
233
فقال الشيخ محمد :أبدا والله أنا لم أبعث أحدا برسالة لكم؟؟
فتعجب الشيخ اللباني من ذلك وقال :الله أكبر عليه!!
سوف أراه اليوم بعد صلة الظهر أو قال الجمعة فللي جللامع صلللح
الدين وأرى ما عنده!!
قال شيخنا :ما أكثر ما ينقللل النلاس عنلي الكلذب ويلبسللونه عللى
الناس ،وأرجو منك تتصل علي وتخبرني ما يقوله الرجل عني..
واتفقا على ذلك ..ول أدري مالذي حصل بعد ذلللك وهللل جللاء ذلللك
الرجل برسالته المزعومة للشيخ اللباني أم ل !!
وانظر أخي القارئ أختي القارئة لحفظ الله تعالى لهللذين الرجليللن
الصالحين
فلربما كان في تلك الرسالة شلرا وفتنلة حيكلت بينهمللا فقلدر اللله
تعالى كشف ذلك
بتوفيق من عنده ..والله أعلم وأحكم سبحانه ..
ليس هذا هو الموقف الوحيد اللذي أحتفلظ بله بيلن هلذين العلميلن
الجليلين ..
كنت مرة في جبال البوسنة والهرسك وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء
الله ..
التقيت برجل أسمر البشرة يكني نفسه بابي عبلد اللله الليلبي هلذا
الرجل أسد في
شجاعته وإقدامه وكان أميرا مللن أمللراء المجاهللدين قتللل علللى يللد
قناص صربي شل الله يده ..
روى لي الخ أبو عبد الله رحمه الله قال :هل تعرف الشيخ اللباني
؟؟
قلت له :ومن ل يعرف اللباني هو علم ومشهور..
قال :أريدك أن تحمل له هذه الرسالة !!
قلت له :وأي رسالة ؟؟
قال :رؤيا رآها أحد الصالحين وطلب مني أن أنقلها للشيخ وأنا كما
ترى عاجز وقد أقتل في أي لحظة!!
قلت له :حدثني..
قال :كان هناك شاب مصري اسمه وحي الدين حافظا لكتاب الللله
تعالى وكان أميرا على جميع المقاتلين العللرب فللي البوسللنة وكللان
غاية في الشجاعة رغم صغر سنه فقد قتل غدرا وعمره حوالي 23
سنة رحمه الله ..
كان وحي الدين هذا محنكا وداهية وكان يوجه المجموعات الكللبيرة
234
ويخرجها من بين المصاعب المهلكة بتوفيق الله تعالى..
ذات مللرة قادنللا وحللي الللدين وكللان أميللرا علينللا وعلللى الجيللش
البوسنوي معا في تلك
العملية التي انتزعت فيها مناطق شاسعة في وسللط البوسللنة مللن
يد الكروات الخونة..
يقول أبو عبد الله :في تلك العمليلة قصللفتنا مدفعيلة ول نلدري مللا
هي الجهة التي تقصفنا فاحتار الجنود مللن ذلللك وكللثر فينللا الثخللان
والقتل فاكتشفنا أن الذي يقصفنا هو الجيش البوسنوي خطأ!!
وسبب ذلك عدم توفر أجهزة للتوجيه وتحديد مواقع العداء ..
واستمر القصف علينا ولم نستطع التقدم لمطاردة العداء الهاربين
..
عنللدها أمللر وحللي الللدين الجنللود بللإحراق كومللات كللبيرة مللن
الحشائش ..
فانتشرت كومة كبيرة من الدخان واتصل على الجيلش وقللال لهللم:
نحن خلف
تلك الكومة المحترقة وبهذا نجونا من موت محقق !!
يقول أبو عبد الله :روى له ذلك الشاب وحي الللدين أنلله فللي ليلللة
من الليالي وقبل قتله من قبل الكروات بفترة وجيللزة رأى فللي مللا
يرى النلائم رسلول اللله صللى اللله عليله وسللم بصلفته الشلرعية
المعروفة ..
وتحدث معه في أمور وسأله عن أشياء وفي نهاية رؤيللاه قللال للله :
يارسول الله
دلني على رجل أتعلم منه حديثك وسننك أو بهذا المعنى ..
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :أذهللب إلللى محمللد ناصللر
الدين اللباني
أو قال له :عليك بكتب محمد ناصر الللدين اللبللاني ..وأثنللى عليلله
وعلى علمه ودينه..
عندما رجعت للمملكة ..
حكيللت لشلليخنا مللا رآه ذلللك الشللاب رحملله الللله وكنللا حينهللا فللي
الطائف..
فقللال لللي الشلليخ :هللذي بشللرى وينبغللي عليللك أن تبلغهللا الخ
اللباني ..
فقلت له :لدي رقمه !!
فناولني التلفون وقال :اتصل عليه الن ..
235
اتصلت فردت عليه امرأة فرجوتها أن تعطيني الشيخ لتحدث معه..
فاعتذرت من ذللك وقلالت :الشليخ مريلض ول يسلتطيع أن يجيلب
على أحد..
بعد سنة أو أكثر رويت تلك الرؤيا لحد طلبة العلم من الردن يقول
:ولقد
بلغ بها الشيخ اللباني في جمع من الناس فتأثر جللدا وشللهق وبكللى
ودع
لشيخنا وتأثر من موقفه وحرصه على أن ابلغه ..
ففرحت أنني أوصلت تلك المانة ولو بعد سنوات ..
وبلغته البشرى والله يغفر له ويرحمه هو وشيخنا وجميع علمائنا ..
236
الحلقة الواحدة والستون
على ذكر المكتبة اتصل علي شيخنا رحمه الله يوما وقال:
سيأتيك أحد الكاديميين ويريد تصوير بعض المخطوطات ..
حيث تحتوي المكتبة على خزانة بها عدد بسلليط مللن المخطوطللات
القديمة وبعضها
كتبت منذ ثمانية قرون..
وقد سبق وقمت بفرزها وترتيبها وفهرستها بأمر شيخنا رحمه الله..
عجيب أمر المخطوطات!!
ما زلت أتذكر أنني كنت أجلس في جللوف الليللالي الهللادئة والنللاس
نيام
والشوارع ساكنة ..
كنت أشعل ضوء المكتبة الخافت وأجلس أتصفح تلك المخطوطات
فأشعر بسكينة عجيبة حيث أنني أنتقل لخمسة قرون خلت أو أكللثر
وأجلس مع ذلك الشيخ أو ذلك الطالب الذي حنى ظهره وكلت يده
في شدة الحر والجوع والمخمصة وهو يدون تلك التحفة العظيمة ..
ل أدري لللو أن الللله تعللالى قللدر علللى طلبللة علللم هللذا الزمللان
المترفين !!
أن يرجعللوا لتلللك الزمللان الغللابرة مللدة شللهر واحللد فقللط مللاهم
فاعلون؟؟؟
جاءني ذلك الكاديمي المذكور ..
وجهه أبيض مشرب بحمرة يلبس مرآة
نظر الوجه عذب اللسان بسيط أنيس ..
انشرح له قلبي منذ أن رأيته ..
عرفني بنفسي قال :أنا أخوك عمر السبيل !!
والذي صار ل حقا إمام الحرم الشريف ..
وفجعنا بموته رحمه الله بعد سنوات جعل الفردوس العلى مثواه..
كان يريد مخطوطة عن اللغاز ..
فتشت له عنها واستخرجتها له ..
أقفل المخطوطللة ونسللينا أمرهللا وبقينللا فللي المكتبللة نتحللدث ولللم
نشعر حتى انتصف الليل..
أمثال الشيخ عمر جلسلت معهللم سلاعات معلدودة ولكلن كلملاتهم
الصادقة ولطفهم وسماحة نفوسهم تبقى خالللدة فللي النفللس حللتى
الممات ..
237
ووالله لو كنت أنظم النثر لرثيته فنعم الرجل عمر ..
رحمة الله عليه وخلف الله على والديه خيرا فيه..
استدعاني الشيخ في تلللك اليللام وأدخلنللي لملحللق بيتلله وقللال لللي
وكان صارما:
أريدك أن تكون صادقا معي فيما أسألك عنه!!
نظرت في عينيه وقلللت للله :والللله سللأكون معللك صللادقا إن شللاء
الله ..
وانتابتني قشعريرة وخشلليت أن يكللون أحللدهم ) ومللا أكللثرهم( قللد
لبسني تهمة جديدة!!
قال :هل تجيبني عما أسألك عنه مهما كان ..؟؟
قلت :أفعل إن شاء الله ..
قال :بلغني من أحدهم أن عليك دينا لبعض الشخاص في الطللائف
قبل قدومك لعنيزة هل هذا صحيح؟؟
خجلت والله واسللتحييت أن أكلللم الشلليخ فللي مثللل هللذه المللور ..
وكنت أعلم أن الشخص الللذي نقللل للله الخللبر هللو الخ محمللد زيللن
العابدين ..
وقد أخبرت محمد منذ مدة عن ذلك حينما كانت الفتنللة بينللي وبيللن
صاحبنا حامية ..ول أذكر مناسبة ذكر هذا الموضوع ولكنه الشللخص
الوحيد الذي أخبرته..
رفعت رأسي وتشجعت وقلت له :نعم علي دين ..
أرخى رأسه وأحنى جفنه وأخفض صوته معاتبا..
قال :لم لم تخبرني ؟؟
ألم اقل لوالدك أنك تحت رعايتي ؟؟
لم أستطع الجواب واحترت !!
استجمعت قواي وقلت له :يا شيخنا تلك أمور حدثت فللي الماضللي
قبل قدومي عليك ولم أكن تشرفت بمعرفتك ..
قال مقاطعا :ولكن المال ما زال في ذمتللك ..والنللاس لللن تتركللك
فكيف تريد أن تطلب العلم وأنت مشغول بهم؟؟؟
آمرك بكتابة تلك الديون وسوف أسددها عنك ..
قلت له :أبدا والله !!
قاطعني وقال :يجب أن أسددها حتى تريح بالي وبالك ..
ثم قال:وثق تماما أنني سأوفي دينك من مالي الخللاص وليللس مللن
أموال الزكاة
أو الصدقة حتى ل أكون مجامل معك من أموال المسلمين!!
238
ثم ناولني ورقة وطلب مني تدوين تلك السماء ومالهم علي ..
فكتبت ودخل لبيته ولم يطل الغياب
ثم ناولني المبلغ كامل وزاد عليه وقللال لللي :هللذا هللو المبلللغ ومعلله
نفقتك تسافر اليوم وتسدد للناس مالهم..
ثم اتبع ذلك قائل لي وأشار بيده :أنت فللي حللرج منللي إن احتجللت
ريال أو مئة
ألف إل طلبت مني فأنا في مقام والدك فل تتحرج مني!!
قبلته بين عينيه وقبلت يده ..
وخرجت من عنده وأنا محتار من كرم هذا الرجل ..
كنت أتساءل من قبل ولعلكم أنتم تساءلتم مثلي:
نرى كثيرا من المشائخ وأهل العلم ولكن قليل منهم من لهم قبللول
في القلوب لماذا؟؟
حينما اختلطت بشيخنا وعاشرته كنت أراه رغم علمه وجللة قللدره
بشرا ..
يأكل وينام ويمشي في الطرقات ويتعب ويمرض ويغضب ..الخ
ولكن حينما رأيت أفعاله وتصرفاته معي ومع غيري عرفت أن الللله
تعالى المطلع على أفعال العباد في السر والشهادة هو الذي يبعللث
القبول للصالحين في قلوب البشر..وغير البشر!!
ل تتعجبوا من ذلك إخوتي أخواتي ..
ذكر لي الشيخ بنفسه قال لي :
جاءه رجل من قراء عنيزة المعروفين وذكر للله أنلله قللرأ علللى احللد
الممسوسين بالجن وأنه تحدث معي الجني ومن حديثه انه قلال لله
) أي الجنللي( :إن جللدي مطللوع يحضللر درس ابللن عللثيمين فللي
الجامع!!
مللرت اليللام والليللالي وانتهللى موسللم الدراسللة وجللاءت الجللازة
الصيفية..
حيث يتكثف برنامج الدروس ..
وتللأتي لعنيللزة كوكبللة و دمللاء جديللدة ووجللوه أخللرى مللن منللاطق
المملكة وخارجها ..
غالبها تأتي للدراسة في إجازة الصيف ثم ترجع لموطنها..
ومنهم من يحالفه الحظ فيبقى وإنه لذو حظ عظيم !!
وقد كان شيخنا يهتم بهؤلء الطلبة كون غالبهم ل يستطيع المكللوث
طويل
فيخصهم بمادة نحو الفرائض أو متن فللي الصللول أو النحللو أو نحللو
239
ذلك
بحيث يرجع الواحد منهم وقللد درس متنللا كللامل بالضللافة للللدروس
الخرى
أذكللر أنلله جاءنللا فللي سللنة مللن السللنوات طلب مللن دولللة روسلليا
يدرسون في الجامعة السلمية ....
وفي سنة من السنوات جاءنا حوالي العشرون شلابا اهتلدوا للسللنة
بعد أن كانوا على المذهب السماعيلي الضال..
وقد اهتم بهم شيخنا جدا حتى أنه خصهم بدرس في بيته كل صللباح
في العقيدة..
استمعت مرة لشريط لشيخنا حيث أنه زاره في مسجده في عنيزة
عدد من الجنود المريكان الذين أسلموا في حرب الخليج يقول لللي
الشيخ عن تلك الجلسة..
كانوا ضخام الجسام طوال وأجلستهم في مكان الدرس المعتاد ..
وحيث أنهم يبدوا لم يعتادوا الجلوس على الرض فقد تمدد بعضللهم
واتكئ على يده أمام الشيخ !!..
يقول الشيخ :ولم أرد أن أعلق على أن ذلللك مللن سللؤ الدب رأفللة
بهم لحداثة إسلمهم..
يستمر ذلك البرنامللج الصلليفي حللوالي الشللهر تقريبللا بعللده يسللافر
شيخنا لمدينة الطلائف لحضللور اجتملاع هيئة كبلار العلملاء كملا هللو
معروف..
وكنت رفيق شيخنا في تلك السفرة للطائف..
توجهنا لجده ومنها توجهنا لمكة لداء العمرة..
وكان في رفقتنا في تلك العمرة الستاذ عبد الرحمن العللثيمين أخللا
الشيخ وكذلك ابنه الصغير عبد الرحيم..
بالضافة للخ علي السهلي..
انتهينا من أداء المناسك سريعا ثم توجهنا بعد العصر للطائف..
وكان مسيرنا عن طريق المسيال وليس عن طريق جبل الهدى ..
كان الجو ممطرا وكنت فرحا مسرورا للغاية وذلك أن شيخنا سوف
يزورن في منزلنا في الطائف..
قلت له :والله بتنور بيتنا ياشيخ بقدومكم ..
فرد علي ابن الشلليخ عبللد الرحيللم :بتنللور كللل الطللائف مللو بيتكللم
فقط!!
فضحكنا من جوابه ونباهته رغم حداثة سنه..
وصلنا فكان الوالد رحمه الله في استقبالنا عند باب البيت..
240
ول تسل عن فرحه وابتهاجه بنزول الشيخ محمد عندنا..
كان الوقت عصر تقريبا ..
حينما وضع شيخنا قدمه في البيت ..
قلت في نفسي :ياسبحان الكريم الخالق ..
ابن عثيمين إمام المسلمين وعالمهم وفقهيهم بنفسه يدخل بيتنا ..
كأنني أقول لبي حينها :قد أغضبتك أنت ووالللدتي بهروبللي وهاأنللذا
اثبت لك يا أبي أن الله تعالى تولني ورحمني ومن علي ..
فهذا الشيخ ابن عثيمين يأتيك زائرا بنفسه إكراما لك ولبنللك وأهللل
بيتك فهل تريد برهانا انصع من هذا البرهان؟؟
ولكأن أبي قللال فللي نفسلله :تللالله لقللد آثللرك الللله علينللا وإن كنللا
لخاطئين !!
استغفر الله من زلل القلم فعفوا إخوتي ..
إن لطعم ذلك اليوم مذاق خاص ..
تستمر حلوته كلما استذكرته فاللهم اغفللر لبللي وشلليخي يللا ارحللم
الراحمين
حينما دخل شيخنا لمجلس المنزل وكللان فللي صللدره صللورة كللبيرة
معلقة لخي الكبير محمد رحمه الله وكنت جهدت من قبل مع أبللي
أن ينزع تلك الصورة كون تعليقها محرما ويمنع دخول الملئكة كمللا
هو المشهور من كلم أهل العلم.
ولكنه رحمه الله كان يتحجج بحجج كثيرة ويرفض رفعها..
حينما دخل الشيخ لفت نظرة تلك الصورة ..
فقال لبي :يابو محمد أطمس هذه الصورة ..
فقام أبي من فوره وأخفاها عن نظر الشيخ ولم يرجعها ابدا !!
الحلقة الثانية والستون
أذكر مرة أن التاجر المعروف في مكة علللوي تونسللي دعللا شلليخنا
ابن عثيمين للعشاء في بيته العامر..
وكان الستاذ علوي قد دعا عددا كللبيرا مللن وجهللاء مكللة وعلماءهللا
وتجارها احتفاء بشيخنا..
سبقت شيخنا للدخول للمجلس حيث الناس تصلافحه وتسللم عليله
عند الباب
حينما دخلت رأيت صورة بشرية وتكاد تمل الجدار من ضخامتها..
توقعت أن ينكر شلليخنا ول يسللكت فهللو كمللا عهللدته ل تأخللذه فللي
الحق لومة لئم..
241
بقيت أنتظره وتساءلت في نفسي :مالذي سيحصل؟؟
وضعت في خاطري عددا من الحتمالت ..
قطع صوت سلم الشيخ حبل التفكير وركزت النظر على عينيلله مللا
هو انطباعه وتصرفه..
حينملا توسلط المجللس الفسليح ل حلظ تللك الصلورة فتأملهلا ثلم
أطرق وهو يمشي واحمر وجهه فهو بين خيارين اثنين :إما أن ينكر
ويرضللي ربلله ومعنللى هللذا إمللا أن تنللزع الصللورة أو أن يخللرج مللن
المجلس!!
فالول متعذر وفيه مشقة هائلة وحرج والثاني أشق وأنكى !!
أو أن يسكت وهذا ما يأباه عليلله دينلله وخللوفه مللن ربللة ثللم اقتللداء
الناس به..
هذا ما تخيلته أنا ..
قال الشيخ :يا أخ علوي تعليق هذه الصللورة ل يجللوز ويمنللع دخللول
الملئكة فأي بركة في مجلس ل تحضره الملئكة؟؟
رأيت وجه علوي تونسي تلون بألوان ل أميزها من الحرج والحياء..
أسعفه شيخنا وقال له :أحضروا لنا غطاء أو شرشفا وغطوا الصور
..
فتفرجت أساريره وكأن الشيخ أزاح جبل هائل عن صدره ..
فأمر أحللد خللدامه فغطللى الصللورة واسللترحنا وانتهللى الحللال علللى
ذلك ..
أذكر مرة أن شيخنا دخل بيت أحد أقرباءه وكان رجل موسللرا وفيلله
تعال وإسراف على نفسه ..فأراد شيخنا تأليف قلبه ودعوته ..
زرناه في منزله في جده وكان مجلسه مليئا بالتماثيل والمجسمات
الحيوانية وغيرها ..
لم يتكلم شيخنا معه حول هذا الموضوع فيما بدا لي ..بللل أنلله ركللز
معه على المر الهللم والللذي للله الولويللة وهللو هدايللة هللذا الرجللل
وإنقاذه من براثن الضياع والضلل..
ولقد رأيت شيخنا يتألفه في الكلم ويتبسط معه ولكللأنه يتكلللم مللع
أعلى الناس منزلة وسلطة ..
فكسب بذلك قلبه وأحب الرجل ذاك شيخنا من ذلللك المجلللس مللع
أنه استقبلنا في أول المر بفتور وتعال..
وما خرجنا من بيته بعد ساعات إل وقد امتلت أسارير وجهلله بشللرا
وحبا وإجلل للشيخ ..
ولقللد زرنللاه فللي المللرة التاليللة بعللد شللهور فلللم أر تلللك التماثيللل
242
والمجسمات أبدا ..
وهكذا هي الدعوة ياعباد الله !!
أكسبوا الناس وتألفوا قلوبهم دون أن تتنازلوا مثقال ذرة عن دينكم
!!
فالحمد لله المر فيه سعة لمن هداه الله ووفقه ..
جعلني الله وإياكم منهم..
كنا مرة في دعوة من الدعوات في جللده وحضللرها عللدد كللبير مللن
المثقفين ومنهم وزير العلم الحالي إياد مدني وكللان حينهللا مللديرا
لتحرير جريدة عكاظ..
و كذلك حضر عدد من التغريللبيين مللن كتلاب الصللحف المشللهورين
والمحسوبين على تيار العلمنة ..
دار بينهم وبين شيخنا نقاش طويل وعميق ..
كان شيخنا يلقمهم بكل حجة من حججهم عشرا ..
كان مستند شيخنا قال الله قال رسوله وهم يستندون للواقع وقللال
فلن وفلن..
قللال إيللاد مللدني لشلليخنا بكللل فظاظللة :لمللاذا تحتكللر العلللم فللي
شخصكم هل الدين ما تراه أنت أو ابن باز فقط؟؟
فرد عليه شيخنا وأفحمه بكلم كثير وطويل ستملون من ذكره ..
وكنت أستغرب كيف مثله ومن هو في منصبه وحاله يقول مثل هذا
الكلم الساقط عن مشائخنا ؟؟
إن أصغر مثقف يستطيع الرد على مثلل هلذا الكلم البلائس واللذي
خللرج مللن واهللم أو صللاحب هللوى ..كمللا قللال ربنللا ) وجحللدوا بهللا
واستيقنتها أنفسهم (
أشفقت على شيخنا بسبب كثرتهم وكللثرة لجللاجهم وهللم كمللا قللال
الول:
حجج تساقط كالزجاج تخالها ذهبا وكل كاسر مكسور
ولم يكن من الدب أن يشارك احد بحضور الشلليخ فقللد كنللا جميعللا
تلميذ له وليسوغ لنا المشاركة معه فبقينا صامتين ..
ولكن حينما انتهى النقاش وقدم العشاء وفض المجلس لحقت بإياد
مدني عند المغاسل ..
فأسمعته كلما شديدا فوقف ينظللر إلللي وقللد اتسللعت حدقللة عينلله
حتى كادت تسقط من وجهه !!..
فلم يكن يتوقع أن يتلقى هذه الصللفعة منللي فقللد كنللت موتللورا ول
أدرك حينها التصرف المثل في مثل هذه المواطن ..
243
نرجع لتسلسل رحلتنا !!
عرض الوالد على شيخنا أن نستضيفه فللي بيتنللا طللوال بقللاءه فللي
الطائف..
فقال الشيخ :والله إنني أعتبر نفسي في بيتي ولكللن يمنعنللي مللن
ذلك بعد المسافة فمنزلكم يا أبللا محمللد فللي الضللواحي وهللذا فيلله
مشقة علي فأنا أبحث عن مكان قريب من مكان دروسي ودوامللي
اليومي في الهيئة ..
ألحيت على الشيخ وألح الوالد ولكنه أصر على ذلك..
وكانت غايتنا أن نتشلرف بوجلوده فلي بيتنلا فلأي شلرف مثلل هلذا
الشرف!!
ملحظة :هذا آخر حلقة أنزلها وأنا مضطر للتوقف عن الكتابة لمللر
طارئ وأعدكم بحول الله أن أعود لكمال الحلقات ل حقللا إن كتللب
الله في العمر بقية ..
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته
تكملة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لللله رب العللالمين والصلللة علللى المبعللوث رحمللة للعللالمين
وعلى آله وصحبه الطاهرين وبعد..
تشاجرت في هذا الصباح مع قلمي ودار بيني وبينه الحوار التالي:
قال لي وهو غضبان أسفا ..
قلي يا مالك في رحلتك إلى النور متى ستلج النور ياهذا ؟؟
أما زلت تسير ولم تصل إليه بعد ؟؟
ثم ما هو النور الذي تبحث عنه ؟؟
أهو شلليء محسللوس أم هللو هللوس بالمغللامرات واقتحللام لللدروب
ومجاهل في الحياة عجيبة ؟؟
متى ستنتهي حكاياتك ؟؟
متى ستتوقف روايتك..
قلت لقلمي :أليست الحياة مواقف ..؟؟
قال :بلى ولكن كل شيء له نهاية..
قلت :ما دام في العمر بقية فستبقى الحياة دروسا وعبر..
244
قال :أليس للناس شغل إل بك وبحياتك ؟؟
قلت :بالتأكيد أن لدى الخرين مثل ما لدي وقد ل تجتمع لهم بعض
ما عندي ولكن يبقى لكل قصته..
ولكللن أعاهللدك يللا قلمللي أن ل اكتللب سللوى مللا أراه مفيللدا لللي
وللخرين ..
أحس قلمي بالملل فهللو يللدرك أنلله لللن يخللرج بفللائدة مللن المللراء
معي..
و قال هات ما لديك فإني أوشك أن أنعس ..
قلت له :أكتب يا صديقي ..
اتكللأت علللى الريكللة ..ووضللعت يللدي علللى موضللع جللرح العمليللة
الجديدة ..
فأحسست بوخزة اللم ..
وأغمضت عيني فعادت بي الذكرى ..
فسبحت في عالم بعيد ..
عاد بي لعشر سنوات تقريبا
ثم بدأت أملي عليه
يقول لي خالد وهو جندي بوسني يبلغ من العمر خمسللة وخمسللون
سنة
بالله عليك يا مالك اقرأ لي تلك الورقة ..
قلت له أنا ل أفهم حروف قومك ..
زم شفتيه التي ل أسنان تحتها حيللث لللم يعللد فللي حلقلله ريللق مللن
العطش؟؟
عطش في سراييفو؟؟
حيث النهار تجري من حولنا ؟؟
ل تعجبوا يا أخوتي ..
فخالد روى لي في تلك الليلة عجبا..
قال لي خالد :تصدق يا مالك ..
أنني حوصرت ومعللي مللائة وخمسللون مللن أبنللاء قريتنللا مللن كتيبللة
صربية لمدة ثمانية أيام وما معنا سلللح سللوى بنللادق الصلليد وشلليئا
من الفؤوس والسلح البيض..
وكنا نسمع خلفنا في القرية بكاء الصبية وصراخ النساء مللن الجللوع
والخوف..
والقائد المسلم الذي يقودنا يقول :لو غادرنا القرية فسوف يسللتبيح
الصرب ما تبقى لنا من كرامة ..
245
ستغتصب النساء وسيذبح الطفال وسيذبح الشيوخ ..
صبرنا يا مالك والصرب من حولنا يصرخون ويزمرون ..
أين إخوانكم المسلمين ؟؟
سنبيدكم ونبيد السلم من سراييفو إلى مكة ..
ثمانية ليال لم نذق النللوم ولللم نطعللم فيلله لقمللة ولللم نشللرب فيلله
شربة بلى شربنا ..
شربنا البول يامالك..
..
ثم هز رأسه كأنه ل يريد إكمال الحكاية .
قال لي خالد..
أرجوك إقرا الورقة..
قلت هات ..
أخرج الورقة من جيبه وكانت ملفوفة بعناية ففتحتهللا وأضللأت نللورا
خافتا من ساعتي
خوفللا أن يرقبنللي القناصللة الصللرب الللذين ل يبعللدون عنللا سللوى
عشرات المتار..
حينها دوى في الوادي صوت المدفع الصربي..
حيث يقصفنا الصراب كل نصف ساعة ..
ليتأكدوا أننا ما زلنا مستيقظين؟؟
لم نعبا بالصوت فقد اعتدنا عليه ..
فالقللذائف تمللر مللن حولنللا وترتطللم فللي الللبيوت الهالكللة خلفنللا
فتتشظى ول تكاد تصيب أحدا..
الورقة مكتوبة بالعربية !!..
يا خالد؟؟
خرجت من وجهه الكئيللب ابتسللامة أضللاءت مللا تبقللى مللن شللحوبة
وجهه الكهل..
قال :أعلم ذلك..اقرأها لي أرجوك..
فقرأت..
الحاج عثمان هوتشش 1123هل الفاتحة آمين!!
لم افهم منها شيء..
سحب خالد مني الورقة ونظر في وجهي نظرة افتخار وهز الورقللة
ثم طواها وأدخلها في جيبه..
246
وقال لي حينمللا للم يجللد الصلرب شلليئا فللي قريتنللا قصلفوا القبلور
فوجدت على قبر جدي جصا حفرت عليه تلك العبارات فنسخت مللا
كتب عليه حتى أعيده بعد ننتقم من هؤلء الوغاد..
قلت له يا خالد ..أل تحكي لي قصة حصار تلك الليالي المرعبة ..
نظر في وجهي نظللرة غريبللة وأرخللى رأسلله وتللدحرجت مللن عينلله
الغائرة دمعة أكاد اشعر أن الرض اهتزت لها حينما ارتطمت بها..
قال :يا مالك يابني ..
بما ذا أحدثك والله ما عاد لي عقل يذكر شيئا ..
ثم مسح رأسه بكفه التي ترجف ورفع حاجبه للقمر المحاط بكومة
من السحب كأنه يستلهمه شيئا ..
وقال غدا سأرويها لك إن شاء الله..
قال لي خالد وكأنه يريد تغيير الحديث ..
بالمس يا مالك حدث موقف غريب ..
قلت :وهو؟
كنت جالسا في مكاني هذا أراقب الجبهللة أمللامي وأتبللادل السللباب
مع الصربي الذي يسمعني واسمعه ..
وفجأة سمعت جلبة خفيفة خلفي ..
فرأيت رجل عجوزا يسير راكعا في الخنادق المحفورة ..
ويحيلللط بللله رجلن جللللدان تكلللاد تظنهملللا أسلللدان ملللن اسلللتواء
اجسامهما !!
متأهبان بالسلح
تساءلت في نفسي من هذا الرجل؟؟
رأيته يتقدم ببطيء في الخنادق يمللر علللى العسللكر ويتكلللم معهللم
ويهمس في آذانهم ويربت على ظهورهم..
قال لي خالد ..
من تظن الرجل..؟؟
قلت وما يدريني؟؟
قال خالد:
اقترب مني ذلك الكهل ..
فقال :السلم عليكم..
فرددت عليه السلم..
حاولت أن أميز وجهه ولكنه أدرك خطورة الموقف فجلس بجللواري
وأشار لي حرسه بالجلوس والصمت ..
وخلع قبعته العسكرية ...
247
وتجلت لي صورته ..
إنه علي عزة بيخوفيتش ؟؟
رئيس جمهورية البوسنة والهرسك؟؟
حدثنا يا مالك ..
ارجع بنا للخلف لماذا قفزت بنا بعيدا ..
ارو لنا عن شيخك فأنت لم تنهي القصة بعد..
يقول لي القلم ذلك بعد أن أخذته الحماسة هيا أكمل ياهذا ..
حدثنا عن فوزي عسيري ؟؟
ذلك الشللاب الصللالح المللؤمن الللذي يقيللم فللي مستشللفى القللوات
المسلحة في الهدى في الطائف من عشرات السنين ؟؟
والذي كنت في زياراتك له تستمع إليه يقول:
أمنيتي في الحياة أن أرى الشيخ ابن عثيمين..
أرو لهم كيف كانت مشاعر فوزي عسلليري حينمللا يللرى نفسلله فللي
غرفته الصغيرة في المستشفى أنا وهو والشيخ ابن عثيمين ..
وبعد أيها القراء الفاضل ..
يتجدد بكللم اللقللاء ويعللود بنللا القلللم لكمللل الحكايللة سللائل المللولى
سبحانه أن يلهمني الحق والصواب وان يجنبني الزلل ويصلللح النيللة
ويجعلها خالصة لوجهه الكريم ..
كم تزدحم الذكريات في رأسي..
والله من يومين لم أذق للنوم طعما حيرة ترددا .بما ذا أبدأ ؟؟
مع ما في القلب من شواغل وما في الجسد من آلم بسبب الدوية
الكثيرة فالعذر يتقللدم لكلل قلاريء عزيللز أن يللدرك الحلال ويتفهللم
الوضع وعلى الله التكلن سبحانه وأخيرا عزمت على الكتابة كيفمللا
يكون وكيفما يرد ..
أيها الخوة الكرام
قبل عدة أيام وهو الخامس عشر من شوال وافق ذلك التاريخ يللوم
رحيل شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وذلك في الساعة الخامسة وربع عصر يوم الربعاء الخللامس عشللر
من شهر شوال سنة 1421للهجرة في مدينة جده ..
وستأتي تلك القصة مفصلة في حينها إن شاء الله تعالى ..
فاللهم اغفر لشيخنا وارض عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة
واجمعنا به ووالدينا وذرياتنا وأهلنا في فردوسك العلى وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين..
أخوكم
248
مالك الرحبي
249
الحلقة الثالثة والستون
250
لم يكن بالجامع الفسيح واقترحت على شيخنا أن يجعل درسه فللي
جامع آخر..
قللال الشلليخ :بعللد العصللر سأسللتمر بالتللدريس فللي هللذا الجللامع
للعامة ..
أما الدروس اليومية بين العشاوين ) أي المغرب والعشاء(
فقال لي وللخ علي أنتما اختارا الجامع المناسب وعجل علي..
ذكر لي الخ علي جامع ابن سند ..
قلت له إن طلبة العلم فللي الطللائف اعتللادوا علللى الللدروس لكبللار
المشللائخ فللي جللامعين معروفيللن بكللثرة مرتللاديه الول جللامع ابللن
عباس الكبير والثاني جامع المير احمد..
والخير فيه دروس شيخنا احمد السهلي ويحضر فيه عدد كللبير مللن
طلبة العلم ..
أستقر رأينللا أخيللرا ذلللك العللام أن تكللون دروس شلليخنا فللي جللامع
المير احمللد وحينمللا رأى الشلليخ كللثرة الحضللور وامتلؤه بالحضللور
فرح بذلك وأثنى على رأيي فالحمد لله ..
تساءل الناس عن ذلك الشاب الصغير والذي هو مالك!!
يجلس بين يدي شيخنا
ويقرأ عليه أسئلة المستفتين !!
يا للعجب!!
ل تسل عن حيائي وعن ضعفي أمام نظرات الناس الللتي لللم اعتللد
عليها إل بعد حين..
قائل يقول :هذا من أبناء الشيخ!!
وقائل يقول :هو نسيبه!!
وقائل يقول :هو من اليمن !!
ولم يصل للحقيقة سوى من قرأ كلمي هذا كله !!
كلمات سمعتها من هنا وهناك ولكن مع الزمللن لللم اعللد أعيرهللا أي
انتباه..
فللي تللك السلنة انتشللرت حملى الدشلوش أو ملا يسللمى الجهلزة
اللقطة..
والتي تكلم عنها الشيخ ناصر العمر بارك الله فيها قبل سنوات فللي
شللريطة المشللهور البللث المباشللر والللذي طبللع لحقللا فللي كتللاب
وانتشر..
251
حذر شيخنا منها كما حذر غيره وناصح الناس والمسئولين وراسلهم
ولقد رايته مهموما بهذا الشأن وكأنه رحمه الله ثكللل مللن كللثرة مللا
يتكلم وينصح من هذا الشر المستطير..
استأذنته مرة ونحن في السيارة لسمعه مقطعا من شريط للشلليخ
عبد الوهاب الطريري حول موضوع الدشوش..
فقال اسمعني :كان اجتماعا بين الطريللري وعلدد ملن المثقفيلن أو
الكاديميين
قال أحد المتفيقهين !!
يا إخوان أنتم كبرتم المسالة وأعطيتموها اكبر من حجمها !!
إن مجتمعنا متماسك وعقيدتنا صلبه ول يمكللن أن تهللتز بمثللل هللذه
اللواقط وثوابتنا راسخة الخ كلمه ..
فرد عليه الطريري بكلم معناه :إذا ليكن النفتاح شامل !!
قال كيف ؟؟
قال ليشمل النفتاح في المور التي تهللدم الللدين وتهللدم سياسللات
الللدول فللأنت تعللرف أن المتربصللين بالدولللة والحكومللة وخاصللة
حكومتنا كللثير فهللل ستسللمح لللك انفتاحللك بفتللح المجللال فللي كللل
شيء؟؟
فأسقط في يد الرجل وصمت ..
وأعجب شيخنا بجواب الطريري وفي اليوم التالي حث الناس علللى
سماع شريطه ذاك وأثنى عليه!!
ل شك أن المور تغيرت الن وبعللد دخللول النللترنت وامتلء فضللائنا
بمئات القنوات الفضائية قد ل يتصور بعضللكم وقللع المصلليبة حينمللا
بدأت بما يقارنه الن من حال..
في تلك الليالي حصل لنا موقف طريف..
حيث نسينا مفتاح شقتنا في داخل المنزل ..
ولم يكن سوى شلليخنا للسللف يحمللل مفتاحللا للبللاب رغللم حرصلله
الشديد وتيقظه في مثل هذه المور..
فهو يحمل در زانة من المفاتيللح ويضللعها فللي جيبلله ومرتبللة بنسللق
عجيب
قلت لعلي ل بد أن نحضر شخصا ليفتح الباب..
رافقنا الشيخ بالطبع !!
توجهنا بسيارتنا الكراسيدا وتوقفنا أمام محلت المفاتيح ..
توسمت في وجوه الناس..
فرأيت شابا قصيرا عليه مرآه يظهر عليه أنه هادئ الطباع ..
252
فوقفت بين يديه ولم يكن عنده أحد وقلت له الحاصل ..
فقال لي :وما يدريني أن هذا منزلكم؟؟
نظرت للخ علي وقلت له :يا أخللي نحللن ثلثللة أشللخاص نقيللم فللي
منزل مضيفنا ..
قال :دع مضيفكم يأتي !!
لطفناه بالعبارة وقلنا سنصور لك هوياتنا إن شئت ..
وبعد تردد حمل حقيبته وركب في سيارتنا ..
حينما رأى ذلك الشاب شيخنا كأنه ارتاح واطمأنت نفسه !!..
ولكنه لم يعرف من يرافق على كل حال..
أخذ شيخنا يسأله عن نفسه ..
ويسأله عن أحواله ..
أذكر انه قال أنه من قبيلة بني مالك وأظن اسمه نايف أو شيئا مللن
هذا القبيل..
وصلنا للشقة ثم نظلر إللي كلأنه يريلد منلي شليئا فوضلعت بطاقلة
أحوالي في يده فنظر فيها ..
ثم أرجعها لي ..
كللان اختيللاره موفقللا فمللا عللن وضللع يللده علللى البللاب حللتى فتحلله
باحترافية عجيبة ..
أرجعته لدكانه فسألني من هذا الرجل الذي وجهه يشع نورا ؟؟
قلت له هذا الشيخ ابن عثيمين!!
قال لي :حرام عليك يارجل هل أخللبرتني مللن قبللل والللله لللن آخللذ
منك ريال مقابل ذلك!!
كانت للشيخ محاضرات ودروس في القاليم المحيطة بالطائف ..
في الحوية والهدى والشلفا وجمعيلات التحفيلظ والمراكلز الصليفية
والمعاهد ويجتمع في مدينة الطائف سنويا فللي تلللك الفللترة كوكبللة
كبيرة من العلماء والمشائخ ممن ل يكاد يحصرهم عاد..
كنا في الجمع ننزل للصلللة فللي الحللرم وكللان شلليخنا يتعجللب مللن
الناس ويقول
لو كنت مقيما في جده أو الطائف لما فاتت علي مللائة ألللف جمعللة
في الحرم!!
نسقنا مرة محاضرة للشيخ في جامع الملك فهد فللي الهللدى وكللان
يوم جمعة ..
وانطلقنا من مكة بعد صلة العصر حيث ل يستغرق وصللولنا للهللدى
سوى ساعة وربع تقريبا ..
253
ولكن حدث مالم يكن في الحسبان ..
حيث نزلت المطار على الهدى وحين وصولنا لجبل الكر..
أوقفللت الللدوريات السلليارات وإمرتهللا بللالرجوع لمكللة والللذهاب
للطائف من طريق المسيل..
وقال الطريق خطر ول يمكن السماح للسيارات بالعبور..
فاسقط في يد الشيخ وتحرج وكان من أصعب المللور علللى نفسلله
أن يفوت وعدا وخاصة أنها محاضرة عامة ..
ولم يكن لدينا وسيلة اتصال..
قال لي :ل ترجع ودعنا نمكث لعل وعسى الطريق يفتح..
هممت أن انزل للجندي واستأذنه واشرح له الوضع ..
ولكن هيهات فلو سمح لنا بالعبور لثللارت عليلله مئات السلليارة مللن
حولنا فدوني نجوم السماء !!
بقيت والشيخ حتى قريبا من العشاء..
حتى اطمأنت نفسه وعرف انه ل حيلة لنا ..
وبعد وقت يسير سمح لنا بالعبور..
فلم يكن هم الشيخ إل أن نذهب للجامع ونبلغ الناس بما حصل..
وصلنا للجامع وقد خرج الناس من الصلة ..
توجهنا للمام ..
فلما رأى الشيخ انكب عليه واحتضنه وقال والللله لقللد قلقنللا عليللك
والناس تساءلت ما لذي حصل لكم ..
وبعضهم ذهب للشيخ ابن باز يسأل عنك..
وأجرينا اتصالت عديدة بالمسئولين !!
بلغه الشيخ بما حصل ..
وكان الرجل نبيها!!
قال يا شيخ محمد :ل يعوضنا منك سوى أن تشللرف أهللل المنطقللة
بعشاء!!
فقال يا ولدي :أنا متعب لو تعفيني!!
أصر الرجل ورتب عشاء في إحدى مزارع منطقة الهدى الجميلة
وحضرها جمع كبير من الناس يكادون يبلغون المئة!!
ول تسل عن فرح الشيخ باجتماعهم حيث شللعر انلله عوضللهم بتلللك
المحاضرة لتطيب نفوسهم بتلك الجلسة التي لللم تخللل مللن فللوائد
وتوجيهات..
يتبع إن شاء الله
الحلقة الرابعة والستون
254
أذكر مرة بعلد سلنوات ملن ملوقفي ملع الشليخ حينملا أغللق جبلل
الهدى بسبب المطار..
موقفا لن أنساه حيث تجرعت فيه مرارة اسمحوا لي بروايتها لكللم
ولو طالت..
فقد يكون فيها شيء من الطرافة ..
كنت عائدا من جده وكنت في ضيافة أحد الزملء ..
وقد حملت في جيبي مبلغا بسيطا من المال..
أظنه ل يتجاوز المئة وخمسون ريال..
ولم تكن تلك اليام قد شاعت في الناس بطاقللات الصللراف اللللي
بل اظنها معدومة..
والمال وفير والحمد لله ولكن لم يكن يدر بخلدي أن احتلاج للقليلل
منه فل أجده..
في الطريق من بيت صاحبي ..
أشار لي رجل مسن بالتوقف ..
وكانت حالته مرثية ويظهر عليلله البللؤس والعيللاء بللل كللان يمشللي
بثقل على عكازين ..فتوقفت بجواره ..وقلت له :نعم ياعم..
فقال :لو قدمتني معك يا ولدي لطراف المدينة..
ففتحت له الباب وجلس بجواري..
أخذ يللدعو لللي ويشللكرني فقلللت للله :ل داعللي أنللا لللم افعللل شلليئا
يستاهل الشكر ومقصدك على طريقي..
قال لي :وددت أنك كنت معي في جيزان فأكرمك كما فعلت معللي
فانا من ساعة أشللير للنللاس فلللم يتوقللف لللي احللد يظننللي النللاس
أتسول..
سكت قليل ثم تنهد وكأنه يريد أن يروي لي معاناته ..
يقول من أي المناطق أنت ؟؟
قلت له :أنا حاليا أقيم في منطقة القصيم
قال :من أي القبائل ..
ثم قال :أنلا ملن قبيللة كلذا ملن جيلزان وأحلترف الزراعلة وعنلدي
بستان فيه ما لذ وطاب من الفواكه والشلجار الظليللة ..ياليتلك إن
جئت لجيزان تعرج علي فأكرمك ..
قلت له :وهل عندك أحد تقيم عنده في جده ..
قال :أبدا أنا كما ترى رجللل كللبير ومريللض جئت هنللا لحللد المللراء
لكي احصل منه على توصية للعلج في إحدى مستشفيات جده ..
255
ولكن للسف لم أتمكن من الوصول للمير مباشللرة لكللثرة النللاس
فوضعت مظروفا مع الناس وسأرجع أدراجي لجيزان الن..
قلت :ولماذا ل تمكث في جده حتى تنتهي معاملتك؟
قال :أبنائي صللغار ول يقللوم عليهللم احللد سللواي ومزرعللتي تحتللاج
لرعاية
فل بللد أن ارجللع لهللم وبعللد أسللبوع سللأعود لمكتللب الميللر لرى
النتيجة!!
قلت له :ولماذا ل ترجع بالطائرة إلى جيللزان فللأنت مثقللل وطريللق
العودة طويل..
قال :لم اركب الطائرة في حياتي ولست اقدر على قيمتها..
والحمد لله سأقف على الطريق العام وسوف أجد مللن يتجلله علللى
جيزان وسأركب معه !!
تأسفت في نفسي لحال هذا المسكين وتمنيت فلي تللك اللحظلات
لو كنت احمل مال أتوجه به للمطللار فل أغللادره حللتى يرجللع لولده
وينام معهم تلك الليلة ولكن هيهات..
حينما وصلنا لمقصده قال لي :يابني كم تطلبني؟؟
قلت له :ل شيء..
ثم أخرجت محفظة نقودي فسحبت منها مبلغللا دون أن أراه وقلللت
له خذ هذا المال استعن به في طريقك..
فدعا لي وشكرني حتى كدت أذوب من الخجل منه ..
ما إن غادر ذلك المسللكين حللتى أضللاءت إشللارة نفللاذ الوقللود فللي
سيارتي..
وجدت محطة وقود قريبة فأشرت للعامل وقلت له أمله!!
تفقدت محفظتي فوجدت فيها مبلغا ل يتجاوز الخمسة عشر ريال!!
فقفزت خارج السيارة وأطفئت مكينة البنزين وقلت للعاملل يكفللي
فقط خمسة عشر ريال!!
وسيارتي من نوع المرسيدس و بالتأكيد لن توصلني إلى مكة بهللذه
الكمية فكيف إلى الطائف!!
وهنا تبدأ الحكاية !!
خرجللت مللن جللده وأنللا أراقللب عللداد البنزيللن وسللرعتي متوسللطة
وأطفأت جهاز
التكييف وبقيت استغفر واهلل وأقول في نفسي مللا الللذي سللأفعله
لو انتهى بي الوقود؟؟
256
لحظت أن البرق يضيء على جبال الهدى والتي ترى للللداخل إلللى
مكة فتوجست خيفة ..
وقلت في نفسي ماذا لو أغلقوا الطريق؟؟
قبل أن ادخل لمكة أضاء العداد بقرب نفاذ الوقود!!
مررت على مكة وأخذت أبحث في رأسي عللن حللل لهللذه الورطللة
فلم أشعر إل وأنا في أطراف مكة على طريق الطائف السريع..
لحظت من بعيد دوريللة مللرور تقللف فللي وسللط الطريللق ..ورأيللت
كثيرا من السيارات تعود أدراجها على مكة!!
وقفت أمام الجندي ففتل شواربه وقال :وين رايح؟؟
قلت :الطائف ..
قال الطريق مغلق رح من المسيال!!
قلت له :ومتى سيفتح ؟
قال :والله ما أدري يمكن ساعة يمكن يوم يمكن يومين؟؟
قلت له :وهل يمنع الذهاب للجبل ؟؟
قللال :أفضللل لللك تللروح مللن المسلليال ،وإذا تبغللى تللروح علللى
مسئوليتك تفضل..
شكرته وتوجهت للجبل..
وليتنللي سللمعت نصلليحته وبقيللت فللي مكللة حللتى يفرجهللا المللولى
سبحانه..
بقيت أسير بهدوء وأراقب العداد وأقول في نفسي ماذا للو تلوقفت
بي في منتصف الطريق الموحشة المظلمة ؟؟
ما لذي سأفعله ؟؟
بمن سأتصل ؟؟
وبالتأكيد سوف يقلق علي أولدي ول وسيلة اتصال لدي !!
وصلت للجبل وفي ذات الموقع الللذي تللوقفت أنللا وشلليخنا بجللواره
قبل سنوات
ولكنني هذه المرة وحيدا فريدا وبل مال!!
وجللدت عشللرات السلليارات متوقفللة وكلهللم مثلللي يأمللل أن يفتللح
الطريق في ساعة أو بضع ساعات أما أنا فكنت احمل هما اكبر هو
هم الوقود!!
نزلت من سيارتي وتوجهت للعسكر لعلي أجد عندهم حل لمشكلتي
التافهة!!
كانوا في جدال وجلبة مع الناس وكل يروي
257
مأساته يقول أحدهم دوامي والخر يقول أنا مواصل للجنوب وثالث
يقول:
أريد أن أوصل أبنائي للمدرسة..
فيرد عليهم الجنود عودوا للمسيال !!
والمسيال لمن ل يعرف المنطقة هو الطريللق الخللر للطللائف وهللو
أبعد قليل من طريق الهدى ..
يقول الجنود:
الطريق خطير والسيول قد جرفت الصللخور والوامللر تقضللي بمنللع
التحرك حتى تصلح العطاب ويزول الخطر..
عدت لسيارتي وأطرقت أفكر في حل لهذه المشكلة ..
ومرت حوالي الساعتين وكانت كعشر ساعات على نفسي..
شعرت بالهدوء مللن حللولي وخفللت جلبللة النللاس وعللاد كللثير منهللم
لطريق المسيال ..
رفعت رأسللي فرأيللت الجنللود قللد جلسللوا علللى بسللط فللي وسللط
الطريق وأخذوا
يتبادلون الحديث وشرب القهوة والشللاي وكللان الجللو عليل ونسلليم
الرياح بعد منتصف الليل أضفى على المكان النس..
تشجعت وقلت في نفسي :لما ل أذهب إليهم فأحكي لهم حالي!!
فالناس لبعضها والخطب يسير وهونت المر على نفسي ..
نزلت من السيارة وقصدتهم ..
فلما اقتربت منهم أطفأ احدهم سيجارته وصافحته وقال :ليش مللا
تنام يا مطوع؟؟
ولم يدعني للجلوس ..
قلت له :هل من جديد ؟؟
التفت وراءه للجبل فلمعت في السماء أضواء البرق ..
وقال :شوفت عينك ما اظنك بتمر الليلة !!
قلت له :لعله بكره الصباح بدري !!
قال :لين تجي الشركة فللي الصللباح وتنظللف الطللرق لعللله الظهللر
بكره!!
وأفضل لك تروح من المسيال !!
هممت أن أقول للعسكري سبب تأخري ولكنني استحييت وخجلللت
فرجعت من عنده وأنا في هم ل يعلمه إل الله..
قلت في نفسي كيف يجرأ الناس على السؤال ؟؟
أعوذ بالله من الذل..
258
رغم أني محتاج ومستحق ولكن ل أدري !!
الحمد لله على المعافاة..
رجعللت لسلليارتي وفتحللت نوافللذها وتوسللدت يللدي ونمللت نللوم
المتوجس والمهموم..
أذن علينا الصبح ..
فتوجهت للمسجد الواقع بجوار محطة البنزين ..
وقدمني المؤذن البنجلديشي للصلة ..
وصليت بالناس الفجر..
بعد الصلة بقيت في المسجد والعامل ينتظللر خروجللي حللتى يغلللق
المسجد ..وكنت أتكلم معه وألطفه واسللأله عللن بلللده وكللل ذلللك
أنني هممت والله أن اطلب منه أن يقرظني أو يهبني عشرين ريال
!!
لكي أمل السلليارة بوقللود يرجعنللي لمكللة ولكللن هيهللات كيللف لهللذا
المسكين أن يثق بشاب عليه اثر الترف وسيارته فارهة يطلب منلله
عشرون ريال ..
أو حتى عشرة ريالت..
ومرة أخرى منعتني كرامتي وصون وجهي عن السؤال ..
فالحمد لله على المعافاة..
تكاثرت السيارات بعد صلة الفجر وجاءت من كل حدب وصوب
وصار المكان غاصللا بللالخلق وطلبللة المللدراس والمعلمللون وتللدافع
الناس على العسكر ..
وزاد المر سوءا انه مر موكب رسمي فلم يللتردد الجنللود بالسللماح
لهم
بالمرور فضج الناس وارتفعت الصوات وقالوا :ونحن أليللس لللدينا
مصالح ؟؟
فقالوا هذا موكب رسمي ..
فقال الناس ونحن نذهب على مسئوليتنا دعونا نمر..
فلم يفلح ذلك في إقناع الجنود..
بقيت ارقب الموقف وبدأ الجوع يدب في بطني ..
كنت أسير وأهيم بين السيارات وأتفللرس وجللوه النللاس لعلللي أجللد
أحدا اعرفه
لم يحفل بي احد فكل بهمه اشتغل..
توجهت لمحطة الوقود..
259
وهممت أن اكلم العامل أن يضع لي وقللودا علللى أن أرجللع للله بعللد
يوم بماله ..
فتوسللمت فللي وجهلله فعلمللت أن كللواكب السللماء اقللرب للي مللن
ذلك!!
رجعت للسيارة وحميت الشمس حتى صار الجو خانقا ..
في الضحى توجهت للعسكر مرة أخرى وكانت الوجوه جديللدة فقلد
تغير فريق العمل..
ولم يكن الجو مشجعا وعلمات العياء بادية عليهم..
اقتربت منهم فلما انتصفت الطريق عدت أدراجي!!
حيرة وحياء من ذل سؤالهم..
وما عساني سأقول لهم :أعطني بالله عشرة ريالت ؟؟
أو أنني محتاج أو جائع ؟؟
كيف سيكون وجهي حينما يسحب ذلك المتعجرف من جيبه عشللرة
ريالت
فيلقيها في يدي فوالله لباطن الرض خير من ظاهرها ..
توجهت للمسجد وتوضأت وبقيت في ركنه ورفعت رأسللي للسللماء
ودعوت الله بالفرج ..
وصليت الظهر مع الجماعلة ثلم عزملت عللى العلودة لمكلة وقللت
وليكن ما يكن!!
جلست على المقعد وذكرت الله تعالى ..
أدرت السيارة فعملت ..
وانطلقت بها وسرت بها سيرا خفيفا..
وبقيت أسبح الله تعالى ..
وطلبت من المولى سبحانه اللطف ..
قطعللت ربللع المسللافة ونصللفها وفللي كللل مللرة أقللول هللاهي
ستتوقف!!..
ولكنها لم تخذلني..
في الطريق ..
تذكرت احد زملء الدراسة في عنيزة وهو مقيم في مكة ..
وما أكثر من اعرفهم في مكة من المشائخ والعلمللاء وطلبللة العلللم
ولكن
كوني اسألهم في مثل هذا الحال وفي مثل هذه القضية فهذا حللرج
ل يقدره سوى من يفهم واقع الحال..والله المستعان..
260
الذي حصل يا إخوتي الكرام أننللي بفضللل المللولى سللبحانه وصلللت
لمكة!!
ولم يكن لي هم سوى أن أصل لمكان صاحبي ذاك..
توجهت من فوري فوجدته واقفا أمام محله فشده لرؤيتي فهو مللن
سنوات لم يرني!!
فلما رآني ابتسم لي ابتسامة أنستني كل الهم الذي كنت فيه ..
سحبته من محللله وطللرت بلله لمحطللة الوقللود وقلللت للله :أمل لللي
السيارة بالوقود وكنت عليه جريئا !!
فاخرج بوكه فنثر كنانته جزاه الله خيرا ولم يسألني وملئها فللودعته
وقال لي انتظر !!
أين ستذهب..
ما هي قصتك يا رجل تغد معي!!
قلت له :قصتي طويلة سأحكيها لك لحقا ..
فغادرته وهو حائر !!
وعلدت لله بعلد أيلام بلوجه غيلر وجهلي فحكيلت لله القصلة فغلص
بالضحك حتى سقط على وجهه..
وصلت لولدي عصر ذلك اليوم ..
وكانوا في غاية القلق ومع ذلك حتى هذا اليوم لم ارو لهم ما حصل
فليقرؤها هنا ..
وليت شيخنا كان حيا فيقرأها رحمة الله عليه
يتبع إن شاء الله..
261
وذهبنا بعد أيام للمستشفى المذكور..
وصلنا للستقبال..
فسألنا عن الشاب..
قلت لهم اسمه فواز العسيري(..
فقال :لعلك تقصد فوزي العسيري!!
فقلت :نعم هو ..
فابتسم في وجهي وقال ..ستجده فللي غرفتلله أو سلليكون الن فللي
الحديقة يتنزه !!
ثم ناولني بطاقة الزيارة وأعطاني رقم غرفته ..
صعدت للغرفة وكنت أتعجب في نفسللي لمللاذا ابتسللم الرجللل مللن
سؤالي!!
لما وصلت الغرفة وجدتها خالية سوى من ممرضة ترتب السرير ..
قلت لها :وين فوزي ؟؟
قالت :سيأتي بعد قليل هو يتنزه في الخارج..
قلت لها :ممكن نجلس؟؟
قالت :نعم ..
جلست أنا وصاحبي وقلبت نظري في غرفة فوزي..
لم تكن غرفة مريض !!
كأنني في غرفتي في عنيزة بعد سنوات!!
رفوف كتب آلف الشرطة ..
مجلت إسلمية كل شيء يدل على العلم ..
قال لي صاحبي :هل أنت متأكد أن هذا صاحبك؟؟
قطع علينا صوت عربية تقترب من الغرفة ..
فكان نظرنا على الداخل..
قالت الممرضة وابتسمت ابتسامة عريضة هذا فوزي وصل..
دعوني اصف لكم فوزي..
مقعد على العربية جسمه كأنه عمرة ست سنوات أو عشر!!
ورأسه مكتمل النمو يزيد على العشرين سنة!!
وجهه كأنه كوكب دري..
جميل وأنت تعجز أن تقول انه جميل..
ابتسم في وجهنا ابتسامة اعجز عن وصفها ..
رقيقة عذبة و جميلة ..
كان يلبس ثوبا ازرق وعلى رأسه طاقية بيضاء ناصعة البياض نبتللت
على وجهه لحية صفراء جميلة ..
262
ووجهه مستدير وصاف كالعسل..
لما رأيناه قمنا له ..
فسلم علينا فدنوت منه لصافحه..
فأرخى رأسه حياء لنه يعجز عن مصافحتي فربت على يده وقبلللت
جبينه..
وفعل صاحبي مثل ما فعلت..
عرفناه بأنفسنا فرحب بنا وشكرنا على زيارته ..
وقال :أنا افرح بزيارة الناس لي ..
كللان يتكلللم و كنللت أفكللر فللي كلم الفقهللاء أن مللن أدب الزيللارة
للمريض عدم الطالة عنده حتى ل تشق عليه ولكن فوزي هذا مللن
طراز مختلف ..
يأسرك بمنطقه وأدبه حتى ل تريد مغادرته والله ..
لم نجرأ عن سؤاله عن مرضه وعن مدة بقائه وما لذي حدث له ..
ولكنه بادرنا بذلك من خلل كلمه ..
قال :مرضي غريب وسماه لنا وهو مرض يتوقف فيه نمللو الجسللم
ماعدا الرأس والعقل ..
حيث تبقى العضاء كما هي دون الرأس فينمو مع السنين..
وقال لنا :أنا منذ ست سنوات مقيم هنا !!
وعائلتي في منطقة عسير ونظرا لحاجتي الماسة للمستشفى فقللد
أصريت على المكوث هنا حتى ل اشق عليهم بإحضاري دوما ..
وكان هذا هو رأي الطباء..
روى لنا تفاصيل حياته وبرنامجه وقراءته وانه حفظ جزءا كبيرا مللن
القرءان وأنه يستمع للدروس والمحاضرات ويقرأ في الكتب ..
وأنه ل يمل من القراءة ول تضيع عليه دقيقة في فراغ..
وقال :أن الناس تزوره دوما وأغلبهم ل يعرفهم..
وأحيانا تتوقف الزيارات فتمر عليه السابيع ول يرى أحدا ..
ولم يتأفف من مرضه وحاله ولم يشك مللن صللحته بللل كللان يحمللد
الله تعالى
ويشكره على أن أبقى له عقللله ليتمكللن مللن السللتفادة والدراسللة
وطلب العلم..
كان فوزي يتحدث وكنت أتأمل وجهه وكلملله وعبللاراته وأقللول فللي
نفسي..
كم نحن محرومون؟؟
لله دره ..
263
كم نحن ضعفاء أمام بهارج الحياة ومشاغلها ..
كان صاحبي يستمع لفوزي فأرى فللي عينيلله الللدموع محتبسللة ممللا
يسمع ..
خرجنا من عند فوزي ونحن واجمون ..
أصر على مرافقتنا للخارج ..
فخرج معنا حتى وصلنا للمصعد ..
وكان الجميع بل استثناء يسلم علللى فللوزي مللن ممرضللات وأطبللاء
وعمال
كلهم يعرفه ويضحك ويبش في وجهه ..
ماهي أخبارك يا فوزي اليوم..
أهل يا فوزي..
وكأنه ليس بمريض..
قال لنا ونحن نغادره ..
لعلكم تزوروني مرة أخرى !!
قلت له :بكل سرور والله ..
فابتسم ابتسامة جميلة أسرت قلبي ول أنساها ما حييت ..
بقيت أنا وصاحبي نتحدث في الطريق عن ذلك الشاب فقال لي:
لم أفرح بزيارة احد كما فرحت اليوم..
رجعت للبيت فحكيت للوالدة عما رأيت ..
وحكيت لكل من اعرف ما رأيت ..
لساتذتي وأصحابي قلت لهم :
أذهبوا وزورا هذا الرجل ..
فوالله ليس من رأى كمن سمع..
لم أنقطع عن زيارة فوزي ..
كنت كلما شعرت بضعف في همتي وحاجتي للنيس ذهبت لزيللارته
بأي وسيلة ممكنة..
بالسيارة بالتاكسي مع زميل كيفما يتيسر لي..
في إحدى زياراتي له وقد أصبحت كالتلميذ له..
قال لي :تصدق يا مالك لي أمنية ؟؟
قلت وما هي ؟
قال :أحب رجل حبا عظيما ..
وليتني أستطيع رؤيته رؤيا العين ..
قلت :ومن هو..
قال :الشيخ ابن عثيمين !!..
264
قلت له :يا فوزي هداك الله وكيف تريللد أن نجلر للك ابللن عللثيمين
في المستشفى؟؟؟
دع أمنياتك معقولة يارجل!!
وجم ثم ضحك وقال :على كل هذه أمنيتي..
ثم اخذ يحدثني بشغف عن الشيخ وعن سللعة علملله ودروسلله وانلله
يستمع لشرطته يوميا
وكأنه حاضر معه في الدرس وقال :هل رأيت الشيخ ؟؟
قلت نعم رأيته في دروس الحرم..
فقال لي :صفه لي يا مالك ..
وصفت له الشيخ كما رأيته ..
فقال :هنيئا لك هذه النعمة ..
مرت اليام والليالي وحدث لمالك ما حدث وطارت به الللدنيا جنوبللا
وشمال
واستقر في القصيم وصار من سكان عنيزة وانقطعللت عنللي أخبللار
فوزي
مدة من الزمن وشغل مالك بنفسه وحياته الجديدة ..
وفي تلك السنة أو التي تليها ..
يقدر الله تعالى أن يحصل للشيخ عبد الله بن منيع عضللو هيئة كبللار
العلماء حادث في مدينللة الطللائف حيللث ارتطمللت بلله سلليارة وهللو
خارج من صلة العصر..
فسقط الشيخ وكاد أن يهلك ..
وكانت في تلك اللحظات سيارة إسعاف مرت بغير ميعللاد فحملللت
الشيخ وهم
ل يعرفونه إلى مستشفى الملك فيصل في الطائف..
فلما رأى الطباء الشيخ وجللدوا أن وسللط جسللمه وخاصللة منطقللة
الحوض قد تكسرت وان حالته حرجة ..
تسامع أبناء الشيخ بالحادث وتسامع المسئولون بالمر..
فنقل على الفور إلى مستشفى القوات المسلحة في الهدى ..
فأجريت له العمليات تلو العمليات وعانى من ذلك اشد المعاناة ..
ومكث شهورا هناك حتى عافاه الله وهو الن بحمد الله في نشللاط
وعافية سمع شيخنا بالحادث ..
وكان ذلك قبل وصولنا للطائف..
وكان الشيخ ابن منيع زميللل شلليخنا فللي هيئة كبللار العلمللاء وكللانت
علقتهما
265
وثيقة ولعلي في حلقات قادمة احكلي مواقلف جلرت بينهملا يصللح
المقام لذكرها..
وصلنا للطائف بعد أسابيع ..
وكان الحادث قد حصل في أول إجازة الصيف ..
لم اسمع بخبر الحادث سوى من الشيخ حينما قال لي:
غدا سنذهب لرؤية الشيخ ابن منيع في المستشفى..
قلت له :أي مستشفى ياشيخنا !!
فللأخرج ورقللة مللن جيبلله فقللال:هللذا اسللمه وعنللوانه ورقللم غرفللة
الشيخ ..
في اليوم التالي انطلقنا للمستشفى ..
وكان شيخنا مرهقا بعد يوم عناء واجتماعات ..
نام قليل وأنا صامت ..
والصمت يفتح باب التفكير والهواجس !!
وأنا في صمتي ذاك تذكرت فوزي عسيري!!
ل أدري والله كيف خطر على بالي ..
بعد سنوات تذكرته ..
تذكرت الزيارة الولى ..وعشرات الزيارات التي تمت بيني وبينه..
نظرت لوجه الشيخ فكان نائما فلم أرد إزعاجه..
تنحنحت وما أخف نومه فاستيقظ..
قال :هل وصلنا ؟؟
قلت :تقريبا ..
وما زلنا في منتصف الطريق ولكنني فرحت باستيقاظه !!
فتوسط في جلسته ومسح وجهه وتمطى قليل ..
ثم أخذ يتحدث معي..
انتظرته حتى ينهي حديثه ثم بادرته بقصة فوزي..
لم يعر الموضوع كثيرا في البداية نظرا لن هموم المسلمين كثيرة
والشيخ
يسمع يوميا آلف القصص الشبيهة فكان يدعو له بالعافية ..
غيرت أسلوبي وطرحت الموضوع بصيغة جديدة ..
فأنصت الشيخ وأخذ يتعجب من كلمي عن ذلك الشاب..
وعلو همته وجده رغم حاله الغريبة ..
فزاد اهتمام شيخنا به ..
حتى قال لي :لم ل نحضره عنيزة ليدرس عندنا !!
أسوة بسامي العقيل!!
266
وهو احد طلبة الشيخ المجدين وسيأتي ذكره لحقا عن شاء الله..
قلت له يا شيخنا :الرجل وضعه مختلف تماما ..
قلت له :حتى أن الرجللل للله أمنيللة فللي الحيللاة كللم مللرة سللمعتها
يتمناها..
قال :وهي؟؟
قلت :أن يراك!!
فقال الشيخ :وأين هو ؟
قلت له :هو مقيم في المستشفى دائما ..
فسكت الشلليخ ثلم قللال :ومللتى أجللد الللوقت لزيللارته أنللت تعللرف
أشغالي..
قلت :هو الن في نفس المستشفى الذي نقصده..
فقال :خلص رتب لي بعد زيارة الشيخ عبد الله ..
طرت فرحا بهذا الخبر وانتشيت وقلت في نفسي ..
يا فوزي لعل مناك سيتحقق وأنت غافل ل تدري..
وصلنا للمستشفى وتوجهنا لغرفة الشيخ عبد الله ..
فوجدناه على حال جيدة وهو ممدد على سريره
وعنللده جمللع مللن الللزوار ومنهللم التللاجر المعللروف عبللد العزيللز
الجميح ..
قبل شيخنا رأس الشيخ ابللن منيللع فأمسللك الشلليخ ابللن منيللع رأس
شيخنا فقبله ..
وتركتهما في حالهمللا وانطلقللت ابحللث عللن فللوزي ..ل الللوي علللى
شيء
سألت عنه فقيل لي موجود!!
ففرحت فقلبت المستشفى رأسا على عقب..
ووجهت له نداء بالسماعات حتى بلغوه ..
فوجدته وبالكاد عرفني فقد تغيرت ملمحي وسمنت قليل ..
فقال لي اينك..؟؟
فقلت له :دعك من خبري الن ..
ألزم غرفتك سآتي لك بشيء بعد قليل..
وخرجت من عنده وتوجهت لغرفة الشيخ ابن منيع ..
فوجدت شيخنا واقفا يريد المغادرة ..
والناس تصافحه ..
نظر شيخنا في وجهلي واخلرج سلاعته ملن جيبله ونظلر فيهلا كلأنه
ينتظر موعدا..
267
فتجاهلت ذلك وقلت له :الرجل في انتظاركم..
قال :هل وجدته ؟؟
قلت :نعم..
ما شاء الله عليك جزاك الله خير..
دخلت على فوزي
فوجدته على سريره
فدخل الشيخ وسلم عليه ..
فلما وقعت عين فوزي على الشيخ كادت عينه تخرج من رأسه ..
ل تسألوني إخوتي عن مشاعره ..
ل أستطيع وصفها والله ..
قلت له:
هذه أمنيتك يا فوزي تحققت ..
ابن عثيمين بلحمه ودمه بين يديك!!
اقترب شيخنا منه وجلس على سريره ..
ودنا من رأسه ومسح عليه ودعا له ..
وقال له وهو مبتسم :كيف حالك يافوزي؟؟
لقد حدثني عنك مالك ..
بقي فوزي صامتا ل يدري ما يقول..
ينظر للشيخ وينظر في وجهي..
كأنه يقول :هل هذا هو!!
والشيخ صامت ويبتسم من مشاعر فوزي المتضاربة..
هززت رأسي لفوزي حتى يتكلم ..
فقال :هذه اسعد لحظة في حياتي والله أن تزورنللي ياشلليخنا فللي
هذه المكان ..
كنت أراك في التلفزيون والجرائد وأتمنى أن ألقاك..
وكنت أدع الله أن يحقق لي ذلك ..
ولكننللي تلوقعت أن يحصلل لللي ذللك بللأن أزورك أنللا ولقلد رجللوت
الناس أن أزور درسك في الحرم أو في دروسللك فللي المحاضللرات
فلم يتحصل لي ذلك..
قال له شليخنا :هلا انلذا أماملك وجلزى اللله البلن ماللك عللى أن
دعاني لزيارتك..
دار بينهمللا حللديث وبقيللت اسللتمتع بهللذه اللحظللات دون أن أتكلللم
بحرف واحد..
268
وأقول في نفسي :دع فوزي يستمتع فربما لللن يتمكللن مللن تكللرار
ذلك أبدا..
مكث الشيخ عنده لعشر دقائق ثم طلب منه الذن فخرجنا ..
وودعت فوزي
ومنذ ذلك التاريخ انقطعت أخباره عني للسف
فاللهم إن كان حيا فوفقه وارض عنه واجمعنا به على خير..
وإن كان ميتا فاغفر له وادخللله فردوسللك العلللى واجمعلله بشلليخنا
في جنات النعيم..
يتبع إ ن شاء الله ..
269
فهو يدركها من فلتات لساني وارتباكي..
ولم يكن ابغض شيء لديه عندي من ذلك!!
فكان يقول لي دوما :الثبات الثبات يابني !!
عليك بالستقرار على رأي واحد إن بورك لك فيه فللالزمه ول تحيللد
عنه..
قال لي مرة أحد كبار طلبته :والله ما خالفت شلليخنا فللي أمللر رآه
إل ندمت
عليه ول سمعت توصيته ولزمتها إل ووجدت التوفيق حليفي..
هذا ماقاله الخ عن نفسه وواقع حاله ..
كان شلليخنا يرانللي غضللا قليللل الخللبرة ضللعيف ومللا زلللت فللي أول
الطريق ..
وهذا هو الواقع ل شك!!
ولذلك كان القرار في مثل هذه المور راجعا إليلله هللو الللذي يحكللم
فيه بما يتناسب مع وضعي..
حينما فاتحته في الموضوع ولمحت له فيه ..
رفض واستهجن وغضب..
وقال :ألحين توك واصل تدرس وقلنلا فلن ماشلي ومجتهللد وتريللد
تطلع !!
خلك في العلم ول يشغلك عنه شيء..
غيرت الموضوع وتناسيت القصة ..
ومرت شهور بعد ذلك ..
وأنا بحمد لله في خير حال ونسينا موضوع الخروج من السكن..
إلى أن جاء موقف ل أنساه وفتح الموضوع من جديد..
ولكن قبل ذلك سأحكي قصة ..
في إحدى الجتماعات الشهرية مع الشيخ ..
اقترح أحد الطلب أن نعد رحلة شهرية لطلب السكن ..
لمدة يوم واحد للستجمام ..
وأيده جميع الطلبة وفرحوا بهذا القتراح ..
وافق شيخنا على ذلك..
بل قال :سأكون رفيقكم في رحلتكم!!..
وافق ذلك هوى في النفوس وشعرنا بنشوة عجيبة أن يرافقنللا هللذا
الحبر رغم أشغاله العظيمة..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
في اليوم الموعود وكان يوم خميس..
270
رتب المشرفون ذلك البرنامج وحدد الموقع ..
وكان ذلك لستراحة التاجر المعروف الهويش..
والواقعة على طريق المذنب على ما أعتقد !!
شمال عنيزة..
بخصوص تنقلت الشيخ في عنيزة ففي الغالب ليس لي بها علقة..
ولكنني طلبت منه ذلك وقلت له :أنا تحت تصرفك شيخنا ..
غير أن الوضع في عنيزة يختلف ..
فأبنللاؤه موجللودون وهللم تحللت تصللرف والللدهم فحللاجته لللي غيللر
واردة ..
قال لي شيخنا قبل موعد الرحلة بأيام
:نسق مع شخص حتى يوصلنا للستراحة..
نسقت مع صديقنا القديم الخ محمد زين العابدين..
انطلق الطلبة باكرا في الصباح ..
أما شيخنا فلم يتحصل له سوى أن يحضر بعد صلة الظهر..
مكثت أنا في غرفتي حتى أرافق شيخنا..
استغرب الطلبة من عدم حضوري ..
وقال لي بعضهم معاتبا :تواضع يارجل !!
ابتسمت في وجه معاتبي ولم اجبه..
بعد الصلة توجهنا مع شيخنا والخ محمد للستراحة المذكورة..
قال الشيخ :ايش البرنامج ..؟؟
قال له محمد :هناك غداء ثم أنت تقرر ماذا يكون بعد ذلك ..
وصلنا بعد حوالي عشرين دقيقة ..
دخلنا من البوابة الرئيسية ..
وصعدنا بالسيارة على طريق مرصوف لليوان الكبير ..
فلما علونا ظهرت لنا الستراحة كاملة ..
كان ترتيبها ومنظرها ساحرا ..
أشجارها منسقه قد رصت على الطرق وانتشر ظللها
وتحيط بها اللوف من شجر النخيل ..
وزاد المنظر جمال تلك البساتين المحيطة الغاصة بكل ما يبهر ..
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
توقفنا أمام اليوان وكان طلبة الشيخ في انتظاره..
نزل فاجتمعوا حوله وسلموا عليه ول تسل عللن فرحهللم وابتهللاجهم
بوجود الشيخ معهم..
دخلنا لليوان الفسيح ..
271
فشممنا رائحة الطعام ..
وجلس الشيخ وتحلق حوله طلبته ..
ثم بدأ في الحديث معهم وقال :كيف كان يومكم ؟؟
فكان الحديث حديثا غير متكلف كما يتحدث الولد مع أبيه ..
وهذا ما كان يريده شيخنا رحمه الله ..
قللدمت القهللوة والعصلليرات البللاردة ..تسللابق الطلبللة فللي خدمللة
شيخهم والتحدث معه ..
فكل يدلي بدلوه وكان الحديث عاما بكل تكلللف ول شللطط وبللأدب
مع الشيخ..
من فوائد تلك الرحلت هو اكتشاف المواهب كما يقولون !!
اكتشفنا أن بيننا طالبا مغمورا ولكنه موهوب !!
موهوب في مجال الطرافة ..
رغم جده واجتهاده في العلم..
في البداية استحى من شلليخنا ولكللن إصللرار الطلبللة عليلله وكللأنهم
خبروه ذلك
النهار كله أجبره على الحديث ..
الخ عبد الله باطرفي !!
وهو من سكان جده واصله من بلد اليمن..
كان جاري في الغرفة المجاورة في السكن ..
ولكللن الجللو العلمللي وانشللغالنا بللالطلب يقلللل لقاءاتنللا سللوى فللي
المطعم أو في الدرس ..
فنادرا ما نتواصل!!
استلم عبد الله الشيخ !!
فكان يسمع تعليقاته من خلف الصللفوف ول يللراه فيضللحك الطلبللة
ويضحك شيخنا له ول يراه!!
وكان نظر شيخنا ضعيفا ..
ولكنه يعرف هذا الصوت !!
فنادى على هذا الطالب وقال :من هذا خلوه يتقدم عندي..
أذكر جيدا وكأنني أرى ذلك المنظر أمامي الساعة..
حينما وقف عبد الله من خلللف الصللفوف وتقللدم خجل حللتى جلللس
بين يدي شيخنا ..
فلما رآه الشيخ عرفه وقال له:
إيه ياعبدالله ايش عندك ؟؟
أتحفنا عبد الله وأسرنا بسواليفه مع الشيخ حتى قدم طعام الغداء..
272
قدم الطعام والذي طبخه الطلبة مع العمال ..
فكان جوا عائليا بين الطلبة وشيخهم..
نزع الشيخ بشته ورمى عمامته فوق رأسه ..
وقام من بين الصفوف وتوجه للمغاسل ..
ثم جلس بين الجميع وأكل معهم ..
وكان عبد الله باطرفي يسأله في مسائل علمية فيقول له الشيخ :
ياعبد الله أنت الن تسألني وأنا أجيب أسألتك فتلتهللم الطعللام وأنللا
أجيبك !!
فضحكنا على عبد الله لن الشيخ ألجمه قليل !!
ولكن شيخنا كان يتحدث بكل بساطة فيضاحك هذا ويرد علللى كلم
هذا
ذكر أحدهم السباحة وقالوا المسبح ..
فقال شيخنا :هل سبحتم ؟؟
قالوا :يوجد مسبح في الخارج ..
قال الشيخ :كنا في أيام الطلب نخرج مع شيخنا ابن سعدي رحملله
الله فنسبح في البرك والوديان ..
فقال عبد الله :هذا في أيام الطلب!!
فقال الشيخ :كأنك تقول أنني كبرت ولم اقدر على ذلك الن!!
فقال :ما أظنك تقدر يا شيخنا !!
فلمعت في وجه الشيخ ابتسامة وقال :سنرى!!
تغدينا ثم قدم الشاي ..
وجلسنا حول الشيخ لننظر ما هو فاعل ..
جاء عبد الله وكان الشيخ ينتظره ..
وقال :هاه ياعبد الله فيك حيل..
وكان عبد الله رجل سمينا ..ويسير بتثاقل..
قال :على أي شيء ؟؟
قال :السباحة !!
قال :بالتحدي ياشيخ ..
فقام الشيخ من فوره ..وتوجه لخارج اليوان ..
خرجنا معهم فلحقت بالشيخ ..وهمست في أذنه ..
وقلت له :هل ستسبح بثوبك ..
فقال لي :هل عندك ملبس سباحة ..؟؟؟
قلت :نعم سأحضرها من السيارة ..
273
دخل الشيخ لغرفة التغيير وخلع ثيابه ولبس ذلك اللباس ولللم يخلللع
فلينته ..
خرج الشيخ بغير ما دخل ..دخل بثوبه وغترته ..
وخرج حاسر الرأس لحيتلله بيضللاء ناصللعة ووجهلله أبيللض تلمللع فيلله
وجهه ابتسامة أضاءت المكان..
لما رأى الطلبة الشيخ وخصوصا عبد الله ..
اجتمعوا حول المسبح ..
فقال شيخنا :طب ياعبد الله ..
فقال :أنت أول !!
حتى إذا غرقت أنقذناك !!
فضحكنا ..
فقفز شيخنا فللي المللاء وسللبح وكللان عمللره حينهللا حللوالي الربعللة
وستون سنة..
ثم لحقه عبد الله ..
ونزلت أنا وغيرنا ..
سبح الشيخ مع تلميذه ودار في المسبح ..
وتوسط الماء ووقف فيه بحيث يثبت في وسط الماء ول يتحرك
وقال :هكذا كنا نفعل مع شيخنا ..
حاولت أنا ولكنني لم اقدر ..
أما عبد الله المطرفي فاكتشفنا انه ل يسبح !!
اسللتمتعنا فللي تلللك الرحلللة مللع شلليخنا وتواضللعه وسللماحته رحملله
الله ..
لقد كانت تلك الرحلة مؤثرة في نفوس الطلبة مع شيخهم ..
فقد عمقت الصلة وقوت الرابطة وزادت المحبة ..
فجزاه الله عنا خير الجزاء..
استأذن الشيخ وخرجت معه برفقة محمد وكان العصر قريبا ..
فقال الشيخ في طريقنا :أريد أن أقيل ولو عشر دقائق قبل العصر
..
فعرضت عليه أن يأتي غرفتي المتواضعة في السكن!!
فقال :ل بأس..
توجهنا للسكن وكان شبه فارغ..
وصعدنا لغرفتي ..
والحمد لله أنها كانت مرتبة ونظيفة!!
وضعت له الفراش فنام حتى أذن العصر ..
274
حينما سمع النداء استيقظ ..
وتوضئ في مواضئ السكن ..
ثم دخل الغرفة وتسنن أربع ركعات ..
ثم جلس ينتظر موعد القامة ..
قلب نظره في غرفتي فرآها ضيقة جدا !!
وقال :ما شاء الله عليك هذا وأنت الحالك!!
حيث تكومت الكتلب فلي الرفلوف وغصلت فوضلعتها فلي أطلراف
الغرفة
بطريقة مبعثرة ول يمكن الستفادة منها إل بصعوبة ..
هذا غير كتب الخ محبوب..
فقال شيخنا :تبي نغير لك غرفة أوسع ؟؟
قلت له :الغرف كلها متقاربة ..
قال :صحيح حنا يوم بنينللا السللكن مللا كنللا نتوقللع هللذا القبللال مللن
الطلبة ..
ولكن سنجد حل لك إن شاء الله ..
يتبع إن شاء الله ..
275
فهناك مجموعة كبيرة من خارج السكن هم أحلس الحلقة ونجومها
فل يعم ذلك الجميع ولكنني أتكلم على الطلبة المستجدين أو الذين
لم يمر على وجودهم فترة طويلة كحالي ..
كل هذه السباب قد جعلت شيخنا يتردد بالسماح لي بللالخروج مللن
السكن ..
كان شيخنا يعرف ابن العمة أحمد ويرى منه الجد والجتهاد..
وكذلك الخ سعود الحربي ذو الخلق العالية والسماحة..
فكنت أذكره أنهما سيكونان رفيقاي خارج السكن ..
وأنني برفقتهما وحرصهما على العلم سنكون خير فريق وسللنتعاون
فيما بيننا على التحصيل..
اتصللل علللي الشلليخ يومللا وقللال :اذهللب وقابللل فلن فللي شللارع
السلسلة بجوار منزلي القديم..
وصلت فوجدت الرجل المذكور فسلم علي ..
وبادر ..
وأدخلني عمارة متهالكة وقديمة تصدر من جنباتها روائح العزاب !!
صعدت معه للطابق الثاني في درج مكسر ووقف أمللام بللاب شللقة
متهالك
ثم فتحة بعد معاناة وما إن رأيت المكللان حللتى أصللابتني قشلعريرة
من اتساخه والروائح الهائلة والغبار ...
كل ذلك وأنا ل ادري عن الحاصل !!
قلت للخ :طيب !!
قال :أظن هذي بتكون شقتك !!
تلبد وجهي وقلت له :ومن يقوله ؟؟
قال :الشيخ هو اللي كلفني بالبحث لك عن سكن!!
بقيت انظر في وجهه وأنا صامت ..
وبقي ينظر إلي محتارا ل يدري ما يقول!!
تذكرت غرفتي في السكن في نفسي فحمدت الله على العافية ..
شكرت الرجل وقلت له جزاك الله خير وما قصرت ..
ناولني المفتاح!!
وقال :هذا مفتاحك استودعك الله !!
وغادر!!
تجولت في شقتي الجديدة !!
غرفة صغيرة عن يمين الداخل ثم حمام أجلكم الللله ..تنبعللث منلله
روائح ..ظن شرا ول تسأل عن الخبر!!
276
ثم بجوارها غرفة أخرى واسللعة قليل قللد نبتللت فللي جنباتهللا خيللوط
العناكب فحولتها إلى غرفة أشباح ..
في زاويتها نافذة متهالكة حاولت فتحها فغمرني منها غبللار لللم أرى
قط مثله في حياتي ..
انتثر على ثيابي وشماغي ورأيت أثر ذلك حينما خرجللت فللي وجللوه
الناس وهي تضحك من منظري!!
هذا كل شيء ..
ول يوجد مطبخ !!
جدرانها صفراء ..
أما الجيران فهم مجموعة من العمالة العربية والسيوية ..
تفللوح فللي جنبللات العمللارة روائح البهللارات والطبللخ منللذ أن تمللر
بجوارها..
قابلت شيخنا ظهرا ..
وبادرني قائل :هه!!
كيف رأيت السكن الجديد!!
قلت له :والله يا شيخ ودي تشوفه أنت أيش رأيك ؟
وصلنا بجوار العمارة وكانت على طريق منزل الشيخ ..
ثم استأذن من الناس ودخل معي ..
كان الشيخ وهو يصعد الدرج يقول :ما شاء الله ..ما شاء الله!!
فكنت أقول في نفسي :اصبر وسترى العجب!!
فتحت الباب ..وكنت أراقب تقاسيم وجه الشيخ !!
فرأيته معجبا مما يرى !!
تجول فيها ونظر هنا وهناك ..وتجول في غرفها ..
قال :أبد استعن بالله وانزل فيها !!
قلت له :هل أعجبتك يا شيخنا ؟؟
قال :ممتازة !!
شكرت شيخنا وقلت له :جزاك الله عني خير الجزاء ..
ونزلنا وشيعته حتى بيته ..
عدت للسكن وأنا حائر ..
أفكر كيف سأنتقل لهذه المرحلة الجديدة ..
دخلت غرفة سكني ..
تذكرت مراحل وصولي لعنيزة ..
آه كيف سيكون حالي في السكن الجديد..؟؟
ل شك أن النسان يرغب أن يكون الجو المحيط به مثاليا ..
277
أنا اعتدت على حياة كما هم أبناء بلدي ..
صحيح أنني عانيت حتى وصلت على ما وصلت إليه ..
ولكن العيش في مثل ذلك المكان شيء صعب للغاية لم أجربه من
قبل..
هل تريدون أكمل مالذي حصل ؟؟
كانت نفقتي ليست بالكبيرة ..
وقلت للشيخ رحمه الله ..
المكان يحتاج لتنظيف وشراء أثاث ووو..
فقال لي :صاحب العمارة سوف يفعل لها صيانة!!
كان خبرا سعيدا ..
وقلت متى سينتهي !!
قال :خلل أيام ..
مررت على السكن بعد أيام لكي أرى الصيانة الجديدة ..
فلما وصلت باب الشقة شممت رائحة الطلء من الخارج..
فاستأنست وأملت شيئا كبيرا ..
فتحت الباب فوجدتها قد طليت ولكن أي طلء!!
ترقيع !!
هنا وهناك وغالبها بالمعجون وليس بالطلء..
هذا كل ما فعل!!
اتصلت على صاحب العمارة وقلت له :هل انتهيتم؟؟
قال :خلص انتهينا ويمكنك النزول الن!!
استحييت أن ابلغ الشيخ بالحاصل ..
واعتبرت الموضوع انتهى..
سأفتقد جو العمارة والمكتبة والبحوث والطلبة الفاضل لنللزل فللي
مكان مختلف الله اعلم كيف سيكون الحال فيه ..
أرجو أن ل أكون أثقلت على إخللوتي بمثللل هللذه التفاصلليل ولكننللي
أريد أن اشعر إخوتي القراء بالجو الذي يعيشه طلبة العلم ..
أنا اعلم أن هناك من طلبة الشيخ ممن اعرفهم أو ل أعرفهم ..
وقد يكون بعضهم يقرأ كلمي هذا ..
قد وجدوا من العنت والظنك والمعاناة شيئا تعجز عن تصديقه ..
أعرف من ينام طاويا كل ليلة ..
اعرف من نام أسابيع في الجامع ول يجد مأوى يأوي إليه ..
رأيت احدهم ل يجد مقصا يقص به أظافره ..
منعهم الحياء والعفاف عن سؤال الناس ..
278
يحضرون الدرس ويخرجون ل يعلم عنهم احد إل الله سبحانه ..
ولكنهم يحملون في نفوسهم همة ورغبة في العلم تفوق الجبال ..
أولئك حصلوا خيرا عظيما وأعرف عددا منهم الن في بلللدانهم هللم
شامة قد أحيا الله على يديهم قلوب اللف ..
اتصلت على سعود واحمد ودعوتهما لرؤية السكن الجديد..
اتفقنا جميعا على أن المكان يحتاج لعداد وتجهيز !!
جمعنا ما لدينا من مال يسير ..
وأخللذنا فللي تنظيفهللا وترقيعهللا كيفمللا تيسللر ..اخللترت أنللا الغرفللة
الولى على الباب مباشرة ..
وسيكون الخ سعود واحمد سويا في الغرفة الكبيرة ..
وهذا ما تم بيننا ..
نقلت مكتبتي..
ونقل سعود واحمد ما لديهم من كتب وكانت قليلة فيما اذكر..
اظننا وضعناها في مكان واحد ل أذكر والله..
كانت مشكلة الطعام !!..
ول أظن واحدا منا يطبخ !!
وأين سنطبخ؟؟
قال شيخنا :تأكلون في السكن مع الطلب!!
وهذا ما حصل ..
كان التأقلم مع الحياة الجديدة صعبا للغاية ..
تعودنا على أذان الجامع ..
وعلى الجو العلمي المحيط بنا
كانت النقلة هائلة على النفس والله ..
وأظن الخوان شعرا بما شعرت به..
أما أنا فقد صرت يوميا انزل لباب العمارة ..
وانتظر قدوم الشيخ فأرافقه للمسجد ..
وهذه ميزة جديدة حصلت عليها !!..
ولم أكن اشغله عن حزبه حيث يقرأ القرءان في الطريق..
ولكنني كنت أرافقه على كل حال ..
يتبع إن شاء الله ..
279
خاصة برفقة الخوين الكريمين أحمد وسعود..
مرت علينا فيها ساعات ألذ من الشهد..
ومرت علينا فيها مواقف عصيبة كما هي الحياة ..دوما لكن ذكرياتها
العطرة أكثر وعبيرها في النفس أبقى
إن التأقلم مع الحياة الجديدة وفي جو جديد يحتاج لصبر ومثابرة..
حاولنللا جميعللا أن نتناسللى مللا مضللى ونبللدأ حياتنللا الجديللدة وبهمللة
ونشاط
أذكر أن أول شيء عانينا منه هو الستيقاظ لصلة الفجر!!
هذا هو الواقع!!
حينما كان يؤذن الريس وهو لقب مؤذن الجامع الكبير..
كانت سماعات المسجد ترن في آذاننا فيقوم الطلب جميعا..
حيث أوصلت لمنائر السكن سماعات أمر شيخنا بوضعها ..
فل يبقى لحد حجة على فوات الصبح..
بل كان الشيخ رحمه الله إن رأى وهو في طريقة للمسجد ..نافذة
مضاءة وظن أن أحدا غرفته ولم ينزل للصلة
يصعد إليه فيضرب عليه الباب ليوقظه للصلة ..
وكم مرة فوجئت بقرع الباب فأجد الشيخ أمامي!!
فل تهاون عند الشيخ في ذلك..
أما هنا فالوضع مختلف!!
يؤذن مؤذننا بارك الله فيه بصوت ل تكاد تسمعه..
وكان رجل مسنا ..
ونحن غالبا نسهر للمذاكرة كعادة الطلبة..
ومن المعيب أمام الله ثم عباده أن يظهر طلبة العلم أمام الناس
بأنهم أكسل الناس عن صلة الفجر ..
اسمحوا لي أن اروي لكم إحدى معاناتي مع المنبهات..
اشتريت لسكني الجديد منبها فكسرته مرارا وأنا نائم ل أشعر!!
كانت تصيبني كآبة حينما استيقظ بعد خروج الناس من المسجد..
وتزيللد كللآبتي حينمللا أرى شلليخنا فللي الظهللر فيقللول لللم أرك فجللر
اليوم!!
فأرخي رأسي حياء وأخبره أنني نمت عن الصلة!!
فيعرض الشيخ عني معاتبا لتكرر ذلك مني!!
كان الخ سعود في أول المر أخفنا نوما ولكنلله رجللل حيللي يطللرق
الباب بأدب ثم ينصرف.
فل يغني ذلك عني شيئا..
280
وليته خلع الباب وأيقظني فل ألومه..
حينما تكررت الحال ..
ذهبت لمحل الساعات فقلت للعامل..
أعطني منبها قويا يصدر صوتا مزعجا !!
كان رجل لبيبا فيما يظهر..
قال :أكيد عندك مشكلة في النوم !!
عندي لك ساعة ممتازة تصللدر صللوت مزعللج وإغلق المنبلله يحتللاج
لشخص مستيقظ!!
يعني ماذا ؟؟
قال :جرب وسترى!!
نقدته 120ريال!!
وأخذت ذلك المنبه السحري..
حينمللا رن فجللرا قبللل الذان أصللدر صللوتا مهللول يللذكرك بجللرس
المدارس ..
قفللزت مللن فراشللي وبحثللت عللن مكللان الغلق فللي المنبلله فلللم
أجده !!
بقي المنبه يصم أذني وظننت أن الجدار سيسقط مللن صللوته حللتى
هممت أن أرطمها به لتلحق صاحباتها!!
ولكنني استيقظت وهذا هو القصد!!
ذهبت للعامل ضحى وقلت له :كيف أغلق هذه الساعة يا رجل؟؟
ضللحك وقللال :هنللا وأشللار لموضللع الغلق حيللث صللنعت الشللركة
موضعا تحتاج لمعانللاة ومشللقة بضللغط عللدة أزرار وعلللى كللل فقللد
انتشرت ويعرفها من يعاني مثل معاناتي حينها!!
يقولون إذا كثر المساس قل الحساس ..
بعد مدة اعتدت على صوت جرس تلك الساعة بحيث أنني لللم أعللد
استيقظ على صوتها المروع !!
فمن أين لي بساعة أخرى!!
جلست مع سعود وأحمد وقللت لهمللا أنلا عجلزت فلي أمللري رجلاء
ابحثوا لي عن حل ..؟؟
فاشتكيا أنهمللا صللارا يعانيللان مثللل معانللاتي وبأنهمللا بسللبب السللهر
والبرد تفوت عليهما الصلة مرارا ..
قررنا في تلك الليلة أن نربط الساعة بحبل فوق مروحة الغرفة!!
ونجرب ذلك فمن يستيقظ أول يوقظ الخرين !!
في اليوم التالي سمعت جلبة في الغرفة المجاورة
281
فدخلت على جيراني
فرأيت سعود وأحمللد يقفللزان كالمجللانين كللل يريللد الوصللول لتلللك
الساعة
الرهيبة ليغلق صوتها الذي يصم الذآن!!
ل أنسى أبدا منظرهما المضحك وهما يصرخان ويولولن ..
حتى انزلها ..
وقال لي :خذ ساعتك هذه ل نريد أن نراها مرة أخرى !!..
سامحوني إخوتي فقصللة السللاعة والسللتيقاظ تلللك وجللدتها ملقللاة
بالذاكرة أحببت
ذكرها ليقرأها أبنائي ومن قد يهتم !!..
أذكر مرة أنني في الطائف قبل أن انتقل للقصيم أنني طلبللت مللن
إحدى
أخواتي أن تربط يدي بالطاولة حتى ل أغلق المنبه الذي بجواري ..
ظنتني جننت ولكنها أذعنت لطلبي..
فنجحت تلك الفكرة ليام قبل أن اكسر الطاولة!!
وهذه حيلتي تلك اليام والله المستعان على زمن الطاعة والتعبد!!
وضعنا لنا سعود وأحمد وأنا
برنامجا صارما في الدراسة ..
كل بحسب رغبته وتوجهه وطريقته في التعلم ..
أخونا احمد كان يجلس وقتا طويل بمسجد الجعيفيري المجاور..
يراجع محفوظاته وهو محب للعزلة من طبعه..
وحصل محفوظات جيده ..
وسعود انشغل بدراسته وكتبلله وجللامعته حيللث كللان طالبللا بجامعللة
المام..
وأنا أكملت برامجي التي اعتدت عليها وبحوثي
كان اللقاء بيننا تقريبا على الطعام وجلسات بسيطة غير منظمة..
لكن نبتت بيننا لحمة ومودة كبيرة نمت مع اليام..
ول تخلوا أبدا من الخلف والنزاع والهجر أحيانا !!
وقد كنا جميعا في مقتبل العمر والحياة تجارب ولكن يعلم الله أنني
أكن
للخوين سعود واحمد من المحبة والمودة مال يمحوه الدهر ..
وأحن لتلك الساعات واليام كما تحن الم على ولدها ..
فسقى الله تلك الليالي واليام..
ومصدر الخلف إن وجد فهو تافه ول يذكر بوزن الن..
282
كانت تدور بيننا نقاشات علمية ومحاورات قد تتطور حتى تصل حللد
الخصومة!!..
وهكذا هو جو طلبة العلم المستجدين حوار ونقاشات ..
فيعود أحدنا لمراجعه وينقب عما يؤيد رأيه وفي اليوم التللالي يلقللي
كل بما عنده فل نصل لنتيجة ..
فيبقى الواحد مخاصما لصاحبه لماذا لم يتبع رأيي!!
كنا أغرارا وقليلو الخبرة وهكذا الحياة ل تتعلم منها سوى بعد فوات
الوان!!
أذكر مرة أنه زار الخ سعود أحد طلبة العلللم فللي شللقتنا ولللم أكللن
اعرف الرجل من قبل وفي تلك اليللام انتشللر فللي السللواق كتللاب
للشيخ اللباني أثار ضجة هائلة بين طلبة العلم ..
حول حكم تارك الصلة..
و كنللت قللد دونللت بحثللا أتعصللب فيلله لللرأي شلليخنا المشللهور فللي
المسألة وهو الحق الذي ل شك فيه عندي
وتتبعت فيه أدلة الشيخ اللباني رحمه الله..
ودونت تعليقات عليها وملحظات ..
فكنت مستوعبا للمسألة ومدركا لكثيرا من تفصيلتها ..
وكأني لمحت من الطالب ذلك انه يميل لرأي اللباني..
وكان سعود محتفيا به فهو ضيفه ويعللرف حللدتي فل يريللد أن يفتللح
بابا للنقاش والذي يعرف حق المعرفة خاتمته..
ولكنني اندفعت عليه وأخذت أسرد عليلله مللن النصللوص والشللواهد
والحجج ما جعله بتلجلج ويخرج من المجلس مغضبا ..
فأخذ سعود في نفسه علي وقال لي :يا أخي ليس هذا وقته!!
ومع ذلك فلم تكن تلك المواقف البسيطة والتافهة لتؤثر في حياتنللا
فلدينا
من الذكريات والجلسللات المفيللدة والمواقللف الحميللدة مللا ل يكللاد
يحصر
لم يكن الخ سعود وأحمد معتادان على الخلطة بالشيخ ..
ولقد كنت خير سبيل لهما في ذلك ..
كان شيخنا رحمه الله يدخل شقتنا في الشهر مرارا..
وكان يدعونا دوما لبيته إن جاءه ضيف ..
وكم عادنا إن مرض أحدنا وبعللث لنللا مللن طعللامه وهللداياه وصلللته
التي لم تنقطع فقد عدنا جيرانه من وجهين ..
جيرانه في بيته القديم والذي عاش فيه اغلب عمره ..
283
وجيرانه في بيته الحديث والواقع في نهاية الشارع ..
في إحدى زيارت الشيخ للشقة قلت له :ارغب يللا شلليخ فللي شللراء
وسائد
لكي نتكيء عليها من برد الجدران وإن جاءنا ضيف تجملنا معه!!
فقال :ليس هذا بضرورة !!
ويكفيك أن تضع قماشا أو شيئا خلف ظهرك وبذلك تتكيء عليه!!
رحمه الله ما أبسطه وأزهده بزخارف الحياة..
ولكنه في النهاية سمح لي بشرائها !!
ولم تمللر شللهور بعللد ذلللك حللتى بللدلنا المكللان فصللار يأتينللا الللزوار
ويقولون لنا..
كأنكم لستم بعزاب !!
يتبع إن شاء الله
284
ل أنسى تلك الوجبات الدافئة من طعام الحنيني !!
وهو مللن الوجبللات الشللعبية فللي القصلليم والللتي كنللا نشللتريها مللن
المحلت وهي مغلفة وجاهزة..
فنطبخها على موقد كهربائي متواضع فلنتهم تلك العجينة المخلوطة
بالتمر والزبد والقشللط فتعطيلك الطاقلة وتللذهب الجللوع وتشلعرك
بالدفئ ..
فتبقى شبعان نشطا طوال نهارك!!
أمللا عللن أوقللات الفللراغ ومللا اقلهللا فكنللا نقظيهللا سللويا فللي زيلارة
المزارع المحيطة بعنيزة وما أكثرها فكنا نتنزه ونسللير بيللن النخيللل
الباسقة والظلل الوارفة ..
ذهبنا مرارا لمزرعة الشيخ عبد الله الجللي والتي هي مفتوحة لكل
من يريد دخولها..
فنسبح في بركتها الكبيرة ..
خرجنا في رحلت بسيطة واستأجرنا سيارة جيب سوزوكي!!
أو كنللا نسللتعير مللن أحللد الخللوة سلليارته فنخللرج لصللحراء عنيللزة
فنطعس فيها فل تسل عن تطعيس أهل الحجاز في نجد!!
لم تكن حياتنا تسير على رتابة واحدة فنحن بشر ..
نعيش في جد وهو غالب شاننا والحمد لله ..
ونخلطه بالهزل والسترواح أحيانا ..
كنت قرأت عن شيخ السلم ابن تيمية رحملله الللله انلله كللان يقللول
عن نفسه كنت أقرأ في تفسير الية مائة تفسير فربما عسللر علللي
من فهما فأخرج وأسير في المزارع أو قللال فللي الطرقللات وادخللل
المساجد المهجورة أو القديمة وأتمرغ في ترابها وابكي وأقللول :يللا
معلم آدم علمني ويا مفهم سليمان فهمني..
ولقد فعلتها مرارا كما كان يفعللل الشلليخ حيللث كللانت تضلليق علللي
بعض المسائل ..
فيفتح الله علي بذلك فتحا عظيما والحمد لله ..
ولقللد سللألت شلليخنا رحملله الللله عللن معنللى قللول الشلليخ :مللائة
تفسير ..
فقال :يقصد شيخ السلم مائة تفسير بمعنى مائة قول ..
فمن المستبعد أن يقصد الشيخ مائة كتاب في اليللة الواحللدة فهللذا
ما يستحيل تخيله ..وهذا نظير قول العلماء عن حفظ المام أحمللد
انه حفظ ألف ألف حديث !!!
فالمقصود هو الروايات والسانيد ل عدد النصوص المروية ..
285
والله اعلم ..
زارنا في تلك الشقة المتواضعة إخوة كرام بقيت ذكراهللم العطللرة
في الذاكرة حتى يومي هذا ..
منهم الشيخ الفاضل مصطفى العدوي بارك الله فيه ولللي مللع هللذا
الرجل مواقف جميلة سأذكرها في حينها إن شاء الله ..
ممن كان يعودنا دوما جارنا إمام المسجد الخ عبللد العزيللز السللليم
وكم سمعته مرارا يقول للخ سعود وأحمد :هل تأتي امرأة للمنزل
فتنظفه لكم؟؟
لما يراه من ترتيب وتنظيم فيها لم يعهده من العزاب!!
هذه شهادة ..
كنت مدمنا للبحث العلمي وقد شجعني شيخنا علللى ذلللك بللل كللان
يكلفني تقريبا كل يوم بكتابة بحث بسيط عن مسألة ثم يقرأ بحللثي
وقد يعلق عليه ويشرح..
وخصوصا تخريج الحاديث ..
سمعته مرارا وقد قالها علنا في دروسه ..
أنه ندم على عدم اشتغاله بعلم الحديث حيث لم يكن في نجلد فلي
تلك الفترة أي اهتمام يذكر بهذا العلم العظيم ..
كنت اجلس فللي تخريللج الحللديث الواحللد وجمللع روايللاته وأسللانيده
والحكم على كل سند ورجل وطبقللة فللأبقى اليللوم واليللومين حللتى
اسلللم البحللث للشلليخ فيقللرأه ثللم يعلللق عليلله بالكتابللة أو شللفهيا
فيقول :ل ،زده بحثا أو هذا يكفي أو نحو ذلك ..
وكم كنت أغتبط حينما يعلق بالقبول على ما قلته ويؤكد ما توصلت
إليه والحمد لله ..
خير من استعنت به من طلبة الشيخ في هذا المجللال هللو الخ زيللاد
النشيري
وهو شاب جمع الله مكتبة حديثية ل يوجد علللى مللا أظللن مللثيل لهللا
في عنيزة بين طلبة العلم..
كنت أعوده في غرفته الباردة دائما في السكن!!
أو فللي عزبتلله الجديللدة فيفتللح لللي مكتبتلله بللارك الللله فيلله فللأقلب
مراجعها واستعين به إن فرغ فأجد بغيتي عنده ..
كان الخ زياد يتعجب مني أحيانا حينما يراني أكاد اقفللز مللن الفللرح
حينما احصل بغيتي بعد عناء ومشقة !!
شعرت مرارا أنا والخ سعود وأحمد بضعفنا الكللبير فللي جمللع فقلله
المام احمد..
286
حيث أننا نرغب في معرفة المذهب على الخصوص ..
كنا ندرس لدى شيخنا رحمه الله فقه المام أحمد فللي الللزاد ولكللن
يختلط علينا أحيانا مذهبه بالمذاهب الخرى ..
فحاولنا أن نجد طريقة لدراسته على انفراد على احد مشائخ عنيزة
المعتبرين..
قام الخوين الكريمين بزيارات ومحاولت مع احد شيوخ عنيزة
وهو الشيخ محمد بن عثمان القاضي ..
وهو من تلميذ الشيخ ابن سعدي ومن تلميذ شلليخنا أيضلا ..ولكنله
اعتذر ورفض!!
وقال :ل أستطيع..
وكم زرناه وتوددنا له ولكنه أصر بالرفض..
ولعله ظننا غير جادين في المسألة ..
كانت قضية ضبط المذهب لوحده أمنية لللي لللم تتحقللق حللتى هللذه
اللحظات والله المستعان ..
رغم ما حصلته من علم شيخنا مللن شللرح الللزاد فهللو خيللر والحمللد
لله ..
في تلك السنة أو التي تليها ..
حدث حفل السنة ..
حيث أعلن في بريدة عن قرب تخريج عدد من طلبللة العلللم الللذين
حفظوا الكتب الستة !!
حينما سمعت من طلبة العلم ممن يذهب لبريدة عن ذلك البرنامللج
ظننته مبالغة !!..
قلت في نفسي :البلوغ أو العمدة أما الكتب الستة فمن سيحفظه
في هذا الزمن!!
سوى ما سمعته عن الشيخ عبللد الللله الللدويش رحملله الللله ..فهللو
فريد زمانه ..هذا ما اعتقدته..
أعلن عن حفل السنة قبل أسبوع ..
وتسامع الناس بذلك ..
وأذكر أن الحفل كان يوم ثلثاء..
قبل الحفل بيوم أو يومين قيل لشلليخنا فللي الللدرس :يللوم الثلثللاء
ليس هناك
درس أليس كذلك ؟؟
قال :ولم ؟
قيل :حفل السنة!!
287
قال الشيخ :لم ادع له!!
وجم الطلب وشعرت بخيبللة فللي نفسللي والللله مللن هللذا التصللرف
الغريب..
فقد سمعنا من الستعدادات لهللذا الحفللل والللدعوات الللتي وجهللت
للعلماء
الكبار في أقطار العالم وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز وغيللره
من جلة
العلماء ثم نفا جيء أن الشيخ ابن عثمين لم يدع !!
على كل الموضع له قصة سأحكيها بتفصيلها في الحلقة القادمة
يتبع إن شاء الله..
المصدر :
منتدى أنا المسلم
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=135394
الساحات
http://alsaha2.fares.net/sahat?230@41.n4KvannsOTZ.0@.1dd7b296
288
ملحق
) في وداع والدي
أبي محمد رحمه
الله (
http://saaid.net/gesah/158.htm
289
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل عدة شهور..
كنت أتنزه على شاطئ البحر
حيث تهب الرياح القادمة من الساحل متناغمللة مللع مللوج البحللر
الدافئ ..
كنت حينها منغمسا في همومي وأحزاني ..
فقد بلغ بي الحنين لطفلي الصغيرين معاذ وحنان وأمهما ..
اللذان يبعدان عني آلف الميال..مبلغا عظيما..
لقد كان القهر والغيظ يكوياني لعجزي عن الوصول إليهم..
وزاد المر سؤا فقدي لعزيز على قلبي..
إنه والدي عليه سحائب الرحمة والغفران..
الذي قتل في حادث مأساوي ..بين ..مكة والطائف
أل ما أضعف النسان..
لو شق صدري في ذلك اليوم لما وسع الناس ما فيه من أسقام
وأوجاع..
هذا ما كنت أظن طبعا!!
كنت في تلك اللحظة وأنا أراقب غياب الشمس..
أتأمل البحر..
خطرت لي حينها فكرة غريبة:
ياترى لو ألقيت نفسي في هذا البحر المخيف..
المليء بالظلمات والمهالك..
وسبحت عددا من الميال..
حتى أجد سفينة تحملني للبلد التي يعيش فيها أبنائي!!..
هل سأنجو؟
كم من القصص الخيالية قرأت!!
والتي ينجو فيها البطل بمغامرة جنونية!!..
ل تلوموني فقد كدت أجن بل جننت فعل!!!
لقد بلغ بي التيه و الشتياق أن فكرت في المر جديا!!!..
وما منعنللي مللن ذلللك والسللتغراق فللي نسللج الخطللة سللوى أن
لمعت لي في تلك اللحظة...
قارورة تخفق في الماء علوا وهبوطا...
كنت أراها من بعيد ..
لم أبالي بها كثيرا في أول المر..
لكن وفي أقل من لمحة،شاهدت شيئا مميزا في هذه القارورة..
290
حمسني ذلك وألهاني عن جنوني!!!
لمحت أنها مغلقة بإحكام!!!..
ولفت بشريط حريري جميل!!..
وطويت بشكل بديع في قماش جميل للغاية يبهر النظر..
يميل إلى البياض المشرب بحمرة..
لفتللت نظللري وألهبللت مشللاعري وظننللت فللي تلللك القللارورة
الظنون!!!..
فلربما حوت كنزا !!..
أو أي شيء يدور في مخيلة شخص مثلي..
سرت بمحاذاة الشاطئ محاول المساك بها
اقتربت منها ،لكن لم أجرؤ أن أمد يللدي لسللحبها فالمللاء عميللق
ومخيف..
استمرت المطاردة برهة من الزمن..
وأخيرا أمسكت بها وقد حشرت في جدار صخري..
رفعتها وكان الظلم قد هبط تقريبا..
سمعت إقامة الصلة للمغرب..
ذهبت للمسجد وصليت المغرب مع الجماعة..
كنت في صلتي أفكر في تلللك القللارورة وقللد فعللل فللي عقلللي
خنزب الفاعيل!!!..
بعد سلم المام وانصراف الناس..
خطرت في رأسي خاطره...
ماذا لو كانت هذه الزجاجة عقدة سحر !!
ماذا لو كان في القارورة شرا ينتظرني!!
..
291
وحين اطمأننت..
فتلت الشريط..
نزعت القماش الحريري..
يا الله...
ما أبرد ملمسه وأنعمه..
أدرت الغطاء ..
فاحت من القارورة رائحة زكية..
لم أشم عطرا كهذا في الدنيا أبدا..
ل والله ما هذه الرائحة برائحة دنيا!!
عجيب !!
ما هذه الخزعبلت!!
أخاطب نفسي!!!..
مللن شللدة شللوقي لمللا فللي داخللل القللارورة هممللت بتكسلليرها
استعجال لما قد يكون فيها..
هززتها مقلوبة ..
بالكاد تستطيع النظر لما في داخلها..
ويا لخيبة أملي..
لقد كانت شبه فارغة..
سوى مللن صللحائف رقيقللة طللويت بإحكللام ..وحشلليت بطريقللة
لطيفة بداخل القنينة..
أصبت بخيبة أمل لني بلغ بي الطمع البشري حدوده..
وما عساني أن أحلم بغير الدرهم والدينار!!! ..
عانيت في استخراج الوراق المطوية...
استعنت بقلمي لخرجها..
آه!!..
كانت الرائحة الزكية تصدر من تلك الوراق..إذا!!
ذكرتني تلك الرائحة بريللح المسللك والكللافور الللذي يوضللع علللى
الميت..
سبحان الله!!..
إن ذكرياتي في تلك اليام ل تنقطع عن الموت وما يتعلق به!!.
والظاهر أن ذلك من نتائج الفجيعة بفقد والدي العزيز....
فهي مرحلة تصيب المكلومين..
ومن ذا يعز علي أكثر من والدي رحمه الله
ووالدتي أطال الله عمرها على الطاعة ورزقني برها..
292
لقللد قللام المغسللل كمللا هللي السللنة بإحضللار الكللافور والسللدر
المدقوق..
ليخلطهما بالماء الذي يغسل به الميت..
كنت حينها واقفا على رأس أبي عليه رحمة الله..
أساعد المغسل في تغسيل والدي ..
كانت الغرفة مليئة برائحة الموت الزكية!!!
وحدث أن صارت كلما فاحت رائحة عطر من أي كان..
تذكرني بتلك العطور التي وضعت على أبي..
دعونا من الموت الن!!..
ما سر هذه الوراق..؟؟
وما سر هذه القارورة..؟؟
حين استخرجت لفافة الوراق..
اتكأت على جدار المسجد وفتحتها ..
لم يبد عليها أنها مكثت كثيرا بداخل القارورة..
ولم يظهر عليها أثر رطوبة أبدا!!..
واضح أنها ألقيت في البحر قبل زمن قريب..
في أعلى الصفحة الولى ..وبعبارة واضحة كالشمس!!!
وأنا أحملق فيها !!
لقد بهت وصدمت حينما رأيت المكتوب:..
تسلم هذه الصحيفة لبنائي..
صالح وعبد المحسن ومازن ووليد ومحمد وأم شللهد وأم هشللام
وأم باسل ورباب!!!..
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته !!!!!...
قفزت من شدة الهول!!!!..
ارتعبت !!!..
وقفت الدماء في عروقي!!!..
غل دماغي خوفا ورعبا !!!
صعقت صرخت ياالهي..
..بسم الله الرحمن الرحيم..
ما هذا الذي أرى؟؟
هذه أسماء إخوتي وأخواتي!!!!
رميت تلك الوراق من يدي..
زحفت للخلف وأنا التفت يمينا وشمال ..
ياترى هل يراني من احد فيظنني مختل في داخل المسجد!!!..
293
أصابتني رجفة وارتعاد..
بقيت شارد الذهن لفترة من الزمن..
ماذا سأفعل..
هل أنا أحلم ..
رفعت يدي نظرت إليها نفخت فيها..
بصقت على يساري ثلث
بعثرت شعر رأسي..
كل شيء حولي يدل على الحقيقة!!!..
ياللهول ما هذه الرسالة ؟؟
من كتبها؟؟
ولماذا وجدتها أنا في البحر؟؟
ولماذا كتب تسلم لبنائي؟؟؟
أبي قد مات من شهر..
وأمي بالكاد تكتب..
وجدي قد خرف..
من هو ..؟؟
من كاتب هذه الرسالة؟؟
آلف التساؤلت مرت كلمح البصر على ذهني..
رقرقت عيناي ..بالدموع..
بكيت ...
تذكرت والدي..
ما أصعب أن يفقد النسان عزيزا فجأة بل مقدمات..
لم أحزن على فقد أحد كما حزنت عليه..
لقد خطفت المنية والدي أحمد من بيننا ..خطفا..
كما تسرق الحدأة فريستها من على مائدة الطعام..
هكذا ..بل مقدمات..
ول إنذار..
حينما نقل إلي خبر الحادث ظننت انه لم يمت ..
حيث لم يشأ الناقل أن يفجعني..
قلت في نفسي ..
سألقى والدي وأقول له ..بصدق..
ل طعم للحياة من بعدك يابو محمد..
اقتربت بحذر من تلك الوراق ..المبعثرة..
عزمت على اكتشاف السر الغامض..
294
استجمعت قواي..
وقلت في نفسي ..هه..
وما ضرني!!!
فأنا منذ شهور وأنا أتلقى الخبار المحزنة والكوارث حتى ..
أصبح قلبي حجرا ل مكان للحزن فيه..
حزنت وحزنت حتى لم يعد للحزن معنى!!!
يقول كاتب تلك الوراق..
إلى أبنائي العزاء..
أنا والدكم أحمد بن محمد الغامدي ..
قد توفاني الله تعالى في الثالث من شهر ذي الحجة ..
وذلك بعد غروب الشمس يوم الجمعة..
بعد أن صليت صلة المغرب والعشاء قصرا وجمعا ..
وذلك في جبل الهدا في الطائف ..
برفقة ابنتي الحبيبة رباب ..
اكتب لكم هذه الرسالة أيها البناء وأنا بعيد عنكم..
بعيد عنكم بعدا ل يوصفه مقياس ..
فأنا الن في دار البرزخ !!!..
حيث يكون الميت في دار انتقال للخرة..
بل بدأت آخرته حقا..
إنني أعيش في حفرة مظلمة ل رفيق لي فيها ول أنيس..
إل ما قدمت لنفسي ..من عمل صالح..
ل أدري هل ستصدقون أن والدكم يكتب لكم بعد موته!!!..
ل ألومكم يا أبنائي..
لم يسبق لكم أن مررتم بمثل هذه التجربة الغريبة..
وما من ميت مثلي خلف أولدا في سنكم وحالكم...
إل ويتمنى أن يفعل ما أفعله ..
إنها آهات يا أبنائي..
إنها كلمات أردت أن أخطها لكم بقلمي ..
وابعثها لكم لتستفيدوا منها..
وتعتبروا بما فيها..
إن آخر واحد منكم رأيته هي ابنتي الصغيرة رباب..
أتذكرين يارباب ..
أتذكرين ياعصفورتي الصغيرة..
حينما نظرت إليك قبل لحظات من الوداع..
295
أتذكرين تقاسيم وجه أبيك..
لقد أردت ياحبيبتي أن أقول لك كلمة ..
أردت أن أحملك رسالة..
ولكني أشفقت عليك..
أن أحمل جسمك الضعيف ..
أمرا ثقيل تعجز عنه الجبال!!!
ولكن..
لقد كفاني يارباب تلك الضمة الخيرة ..
ضممتك لصدري لشم عبيرك يابنتي ..
لقد مضت مشيئة الله أن أرحل من دونك ...
ثم حصل ما حصل من قدر الله..
أتعلمين يابنتي ..الصغيرة..
أنني بعد الحادث لم أمت مباشرة..
لقد استيقظت بعد لحظات بسيطة من الحادث..
كان كل همي أن أراك ..والله
وأطمأن عليك..
زحفت متثاقل وأنا الكهل ابن الستين سنه...
وقد انفلق رأسي..
وسالت دماء جسدي النحيل من حولي..
لقد أيقنت ياصغيرتي أنها النهاية..
لقد زحفت يارباب أبحث عنك ..
حاولت يابنتي أن أصل إليك..
أردت أن اسبق الزمن إليك ولكن هيهات هيهات..
وقف ملك الموت على رأسي..
شامخا كالطود العظيم..
أشار إلي إشارة فهمتها وقال لي..
كفى ياأبا محمد كفى أيها الرجل الصالح..
إنه أمر الله!!..
نظرت إليه بنظرة توسل..
ولمن حوله من ملئكة الرحمة..
الذين امتدت منهم الطرقات مد البصر ..
أي والله هذا ما رآه أباك ياعزيزتي..
توسلت إليه قائل..
أيها الملك الصالح..
296
أيها الملك الصالح..
إنها ابنتي..
نظرة واحدة تكفيني لطمأن عليها!!..
نظرة واحدة..؟؟
ضمة واحدة ..أرجوك..؟؟
طأطأ برأسه وقال...
يا أبا محمد ..إنني عبد مأمور ..ول راد لمر الله...
الحمد لله على قدره ..
سمعت صوتك يارباب ،سمعت استغاثاتك..
أبي ،أبي ،أبي...
لم استطع إجابتك يابنتي فقد كنت أنازع الروح...
أحاطت بي ملئكة الرحمة ..
فخرجت روحي من جسدي ..كما يخرج الماء من في السقاء..
وداعللا يللابنتي العزيللزة وليرعللاك الللله ويحفظللك ويجعلللك مللن
الصالحات العفيفات..
أيها البناء ..
لكلللم تمنيلللت أن يزيلللدني رب الجلللللة فلللي العملللر سلللاعة أو
ساعتين ..
لعود إليكم واجتمع بكم ..للحظات..
لحظات أو دقائق ..فقط!!
لتشفي شوقي وألمي لفراقكم المفاجئ...
أردت أن أعود إليكم لقول لكم وداعا ،وداعا..
لمسح رؤوس..أحفادي..
لوزع ابتسامات صادقة لبنائي..
لهمللس فللي أذن كللل واحللد منكللم بتوصلليات تصلللح أمللر دينلله
ودنياه..
آه ..آه ما أشد مرارتي ..
اشتقت لم محمد..
زوجتي الغالية..
رفيقة دربي لربعين سنة..
آه يا أم محمد ..
أنا أدرى الناس بك وبحزنك على فراقي..
أدرك كم تجدين من وجد علي وهذا والله حالي معك..
ياأختاه لقد تعذبت بألم فراقك كما تتعذبين..
297
ولكن صبرا فإن موعدنا الجنة إن شاء الله..
لو كنت أعلم في تلك اللحظة حينما جلستي أمامي..
قبل ساعة أو أقل من رحيلي من هذه الدنيا..
ووضعت يديك على ركبتي ...
حينما قلتي لي..
أنا ل أذهب بغير إذنك يابو محمد..
لو كنت اعلم بقدر الله تعالى ..لضممتك كما يضم الشللاب الغللر
صبيته...
أتذكرين يا أم محمد ..
كم عشنا في هذه الحياة حلوها ومرها..
في الطائف والباحة والرياض وجده ..
قصص ل تنسى وذكريات تتعطر بها المجالس..
لن تحرمي منها أبنائنا وأحفادنا..
حدثيهم ولو قدر لي لحدثتهم عنك ..
أحدثهم عن صبرك وتحملك ..
أحدثهم عن أربعين خريفا مرت بذكريات عطرة ..
ل يعلم خباياها سوانا بعد الله عز وجل..
وأنت يازوجتي الخرى..
يامن كنت تنتظريني في جده..
رحمتك والله وشفقت عليك..
اسأل الله تعالى أن يعوضك خيرا مما أخذ منك..
أريد يا أبنائي لو استطعت..
أن أزوركم في مجلسنا المعتاد..
اجتمللع بكللم فللي صللالة بيللتي فللي مدينللة الطللائف فللي مخطللط
السحيلي..
الذي لم يعد بيتي بعد اليوم!!!..
أتذكرون يا أبنائي والدكم ذلك الشيخ الكهل الذي اشللتعل رأسلله
شيبا..
أتذكرون..أباكم..
حينما يدخل عليكم في صالة البيت..
أو أجلللس أمللام دكللة جارنللا سللعيد القحطللاني مللع الحبللاب
والصحاب من أترابي..
أو حينما أحمل الفللول والتميلس كلل صللباح مللن الللدكان برفقللة
هشام أو يزيد..
298
أو حينمللا أرجللع بعللد صلللة الظهللر محمل بللالجرائد وأنللا مرهللق
تعبان..
أتذكرون جلسات العصر اليومية وشرب القهوة والشاي..
صدقوني..
ل معنى لتلك اللحظات في حينها ولكنها الن ...
نار تحترق في فؤادي..
إنني أتمنى أن تعود تلك اللحظات لمرة واحدة..
لمرة واحدة فقط..
لرى شمل العائلة حين يجتمع..
أريد أن أقبلكم واحتضنكم واحدا واحدا..
كبيركم وصغيركم..
كلكم في نظللري صلغار ..ولللو كلان عمللر الواحللد منكللم أربعيللن
سنه..
اشتقت لحفادي ..
يزيد حينما يجري في البيت ويلعب ..
هشام رفيقي في روحاتي للبقالة ..
إبراهيم وعبد الله رفاقي للمسجد..
عبد الرحمن ذلك الولد الشقي..
أسماء ولجين وجنا إنهن رياحيني في الدنيا..
احمد وباسل وبسام ووليد وفارس..
آه ما أعظم لوعتي ...
إن أصعب اللحظات يا أبنائي أن يتمنى المرء شيئا يحبه..
ولكنه يعجز عنه...
ل أدري كيف ابدأ ..وماذا أقول..
فمشاعري مضطربة للغاية ..
والشوق يحدوني لسجل آلف الذكريات في هذه الرسالة..
ولكن لن يسمح لي يابنائي سوى بتدوين بضع صفحات فقط..
سأنجزها بأقل العبارات وأصدقها..
أيها البناء العزاء:
إن أول شيء أوصيكم به أن تتقو الله تعالى ..
يا أبنائي إن من خبر ليس كمن سمع!!..
ليس من يحدثكم وهو يرى كمن يحدثكم من كتاب ..
يا أبنائي إن خير الزاد التقوى..
إن خير حمل يحمله النسان في هذه الدنيا هللي طاعللة أو قربللة
299
للمولى جل وعل..
والله الذي ل إله سواه لحسنة واحدة لنا يا أبنائي وفي حالنا خير
لنا من كل ما في الدني
من بيوت وكنوز وقصور وسيارات فارهة وبنوك وسواه..
صدقوني يا أبنائي لو كللان لللي مللن المللر شلليء وعللدت للعمللل
لملت الرض صلة وتسبيحا
وقرءانا ..الحمد لله على ما قضى ويسر..
إنني في غبن شديد على ساعات وأيام وشللهور لللم أقضللها فللي
شيء ينفعني يوم الدين ..
ولكن العوض فيكم ..إن شاء الله
لقد رأيت كيف ينفع عمل الولد والده..
يا أبنائي نحن في الخرة في حاجة للحسنة الواحدة
بتسبيحية
أو كلمة معروف
أو ذكر أو صلة ..وقراءة قرءان..
يا أبنائي لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليل..
لو رأيتم ما رأيت لما انتفعتم من الدنيا بشيء..
لو رأيتم الدود والظلمة في القبر وما يمر به المؤمن من أهللوال
فكيف بالعاصي..
أبنائي العزاء ...
إن أول أمر أوصيكم به بعد تقوى الله هي الصلة..
إن الصلة كالسور يحميك من النار..
إنها الصلة التي تصلك بربك في الدنيا ..وتؤنسك في قبرك فللي
الخرة..
أوصيكم يا أبنائي أن تحذروا من أمور
أحذروا من ألسنتكم ..فإما أن تقولوا خيرا أو اصمتوا..
أحذروا من آذانكم أن تسمعوا حراما أو تتجسسوا ..
أحذروا من مال الحرام يا أبنائي ..
الربا أموال اليتام ،أموال الناس بالباطل ..مال الحللرام كللله ..
الحذر الحذر من ذلك..
أخيرا يا أحبابي ..
أوصيكم أن تجتمعوا ول تتفرقوا ..فإن الشيطان يجرؤ علللى مللن
شذ ...
ول يقترب منكم مجتمعين...
300
إنها مئات بل عشرات الوصايا الثمينة التي أعلللم نفعهللا لكللم إن
شاء الله..
أوصيكم بطاعة الله وتقديمها على طاعة كلل البشلر ملن عظلم
ومن احتقر..
كما أن لي طلبا هو حق لي عليكم..
ل تحرموني ياأولدي من عمل صالح بمالي الذي قد ملكتموه..
ل تحرموني من دعوة صادقة يا أولدي..
ل تحرموني من صدقاتكم وبركم ..
فأنا والله كالغريق يبحث عن كل شيء ينقذه من الهلك..
أسأل الله تعللالى أن يصلللح حللالي وحللالكم وأن يهيللئ لكللم مللن
أمركم رشدا..
وأن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ..
وأن يجعلني من ورثة جنة النعيم..
أبوكم أحمد
يعلم الله تعالى قدر تأثري من تلك الرسالة فقللد انفجللرت باكيللا
ما كتب فيها ..
التف مجموعة من أهل المسجد حولي حينما سمعوا نحيبي ..
أخذوا يهدؤون من روعي ويذكروني بالله..
قم يا عبد الله
قم وأنا أبوك
قم قم بسم الله عليك
ايش فيك تبكي!!! ..
نظرت من حولي فإذا أمي فوق رأسي توقظني من النوم !!!..
لقد روعها بكائي ..فاستيقظت من نومها..
وجاءت توقظني!!..
قم ياولدي قم ..
جلست ومسحت وجهي ..
اجتمع حولي من استيقظ من نومه ..من الصبية والخوات...
لم اصدق ما يدور حولي..
فقد كنت كالتائه..
طلبت الماء ...
وحينها ...
رن جرس التلفون ..
301
رفعت والدتي السماعة ..فهتف المتصل..
السلم عليكم
وعليكم السلم ..
هل هذا منزل الستاذ أحمد الغامدي..
نعم تفضل..
هل ولده )فلن ( موجود..؟؟
نعم موجود ...من يبغاه؟؟
معاكم إدارة المباحث في الطائف؟؟؟
ارتعبت الوالدة وخافت ..فشعر المتحدث بذلك ..فقال لها...
ل تقلقي يا أختي القضية أن مكتب المير محمد بن نايف يبحللث
عن ابنك في موضوع ...
انتهى الفصل الول..
في وداع والدي أبي محمد الفصل الثاني
تعصف بالنسان كثير من المشاكل..
وقل في هذه الدنيا من سلم منها..
وقد كان لي منها بحمد الله حظ وافر!!!..
فالحمد لله الذي ل يحمد على مكروه سواه..
لقد سمعت كثيرا بالمير محمد بن نايف..
وأذكر أنني سمعت به لول مرة على لسان أحد مشللائخنا عليلله
رحمة الله..
فقد سمعته يثني عليه مرارا..
وقد خدمني هذا الشاب عن طريق شلليخنا المللذكور فللي قضللية
سابقة..
وفي قضيتي هذه حدثت مواقف لللي أذكرهللا مللن بللاب التحللدث
بالنعم ..
ومن باب تفريغ شحنات القهر والغيض !!
302
في مواقف أحرجتني في مطارات دولية ..
فقد مررت تقريبا بالتحقيق في كل غرفة مطار أمر به !!..
وهذا ل شك أمر محرج ..
وفي دخولي الخير للملكة ..توجهت في اليوم التالي لجللوازات
مدينة الطائف..
فأريتهم الجواز ..فاختلفت آراء الضباط!!...
فمن قائل :يمكنك السفر به على هذا الحال!!
ومن قائل :لو مررت بي في منفذ لما سمحت لك بالسفر!!
303
فهو معروف بين الناس بأنه ل يظلم عنده أحد !!
وكم من مكروب كان سببا في تفريج كربته ..
فأنا بعيد عن أولدي وزوجي ..وعملي خللارج البلد يتحتللم علللي
سرعة الحضور..
وهذا ما كان..
توسطت عن طريق أحد المعارف للدخول على المير..
وذلك في حياة الوالد عليه رحمه الله..قبللل شللهر رمضللان عللام
25للهجرة..
وجهني صاحبي لشخص سيخدمني وقد أوصاه بي خيرا..
دخلت على ضابط برتبة مقدم ..
استقبلني بوجه طلق..
قلت له هل أنت فلن ..
قال نعم....
قلت له لقد روحنللي لللك فلن لتللدخلني علللى الميللر محمللد بللن
نايف..
قال :ونعم فيك وفيمن روحك ايش موضوعك؟
أكيد زواج ؟؟أنتم المطاوعة تحبون الزواج؟؟
قلت له ل ,الموضوع هو الحصول على جواز...
ل أدري هل فهم عبارتي أو ل ...
ومع أنه قرأ الخطاب المعد إل أنه كرر كلمة الزواج مرارا!! ..
لقد كان همي حينها أن أحصل على الجواز ..فقط
فقد مضى علي عنهم شهورا عدة وزوجتي على وشك الوضع..
أذن علينا الظهر ..
فخفت أن أتزحزح من مكاني للصلة !!..
ثم ل استطيع الدخول مرة أخرى على المير..
فقد رأيت من الزحام عند البوابة ما يجعلني أفكر بذلك حقا!!!
كل هؤلء جاءوا لمقابلة محمد بن نايف ..
كهول وشبابا ونساء وحتى أطفال ومعاقين..
علما أنه ل يقبل فللي الجلسللة سللوى ثمللانين شخصللا فقللط فللي
السبوع مرة واحد ة!!..
وهو قليل للغاية لمجتمع كبير ومشاكله كثيرة!!
وللسف الواسطة مقدمة على الحاجة في كل أمورنا..
على كل ..كان في الغرفللة معللي أربعلة أشللخاص وكلهللم جللاءوا
بواسطة الضابط المذكور..
304
تحرجنا جميعا أن نقوم لجل الصلة خوفا من أن تبدأ الجلسة أو
أن يغيب الضابط..
قال أحد الحضور وهو كبير في السن نحن جئنا من أماكن بعيللده
ونحن مسافرون ..
فيجوز لنا الجمع!!..
تنفست الصعداء ...
وفرحت بهذه الحجة وأيدته فورا!!!
انتظرنا حوالي الساعة نراقب الداخل والخارج..
بعد ها نادى الضابط شخصا مدنيا وهمس في أذنه بكلمات!!..
وقع في نفسي شك فلربما أراد الرجل تصريفنا وتحرج منا فقللد
كنا أربعة...
قال لنا قوموا مع الخ ..
شكرته وودعته وأنا محتار!!..
نزلنا من الدرج من الطابق الول أو الثاني ل أذكر..
لمللا وصلللنا للسللفل أجلسللنا مضلليفنا الجديللد علللى المقاعللد
المرصوصة في بهو الوزارة الفسيح..
أخللذت أتبللادل النظللرات مللع أصللحابي :هللل يللاترى عللدنا مللن
الصفر؟؟
هل يجب أن نسجل مع المجموعات الهائلة؟؟
حينما رأيتهم صامتين مطمئنين ارتحت وبردت أعصابي ..
فالظاهر أنهم قد جربوا المر مرارا..
شاهدت مئات البشر يصفون فللي صللفوف غيللر منضللبطة وفللي
أيديهم الملفات والوراق..
ويقف أمامهم ضباط لتسجيل السماء وتوزيع الرقام..
وكما قلت فالطلب كبير والمعروض نزر يسير..
كنت أرى وأنا منهم طبعللا!! كيلف يتوسلط النللاس مللع مسللئولي
المراسم..
لمن جاء بواسطة فلن وفلن..
وما أسللهل أن يقللول الضللابط لمللن يقللف أمللامه تعللال السللبوع
الجاي!!
طيب هل يعرف هذا المسئول من أين جاء هذا المسكين !!
إن بعضللهم يللأتي مللن مئات الميللال ..مللن شللمال المملكللة
وجنوبها..
ويا ليت المر أنه يضمن مقابلة المير في السبوع التالي..
305
بل يجب عليه أن يسجل من جديد..
وقد يقابل المير وقد ل يقابله !!!..
وقد يعتذر المير من جلسة ذلك السبوع إلى أجل غير منظور!!
إن هذا لشيء مؤسف والله ،فكللم مللن صللاحب حاجللة ول حيلللة
له..
ولكللن إذا لللم يكللن إل السللنة مركللب فمللا حيلللة المضللطر إل
ركوبها..
بعد لحظات تمركز مجموعللة مللن حللرس المراسللم فللي مواقللع
محددة من البهو..
بحيث ل يسمح لحد من الناس بالمرور من تلك المراكز..
وقد كنا نحن في وسط المنطقة ..
ارتحت جدا وفرحت بالخصوصية التي نلتها بالواسطة!!!..
والعلم بيد الله وحده فقد يكون ممن منعوا من هللم أحللوج منللي
آلف المرات !!!
ظننت في البداية أننا سنستقبل المير في البهو..
ولقد خاب ظني طبعا فالذي أنا فيه هو البداية فقط ..
فنظام البروتوكول معقد وفوضوي للغاية!!..
كما هو حال شعبنا للسف!!
صرخ فينا ضابط وقال ادخلوا المجلس ..
كانت الكراسي فاخرة للغاية ..
وبطرفة عين امتلت المقاعد!!!..
ولم أجد مكانا للجلوس..
كانت هناك عدة غرف جانبية تحيط بالمجلس الكبير ..
وقد حشيت حشوا بالناس..
ويظهر أن بعض الغرف هي لكبار الضيوف !! أظن هذا!!
مرت أكثر من ساعة أو ساعتين تخللها توزيع مياه للشرب ..
ومجلة ل أذكر اسمها لكن أتذكر عليها صورة المير نايف ..وزيللر
الداخلية..
وكنت كلما ل حظت حركة واضطرابا من الناس والعسللكر أظللن
المير وصل!!..
ولكن تمر الدقائق ثقيلة ولم يحضر أحد..
بعد فترة من الزمن أمر الضباط مجموعة من الجلللوس بالقيللام
والدخول في سيب صغير..
وقد رصوا صفا واحدا بطريقة فيها شيء من الهانة كما أشعر..
306
كانت إضاءة السيب ضعيفة وفي طرفه اليسر بوابة تدخل منهللا
لمكتب يستقبل فيه المير
الناس ..وكللل دقيقللة يمللر ضللابط ليتأكللد مللن اسللتواء الصللفوف
وانضباطها،
فتراه يقدم ويؤخر وهو متنرفز بشكل واضح!!..
ول أدري لما النرفزة !!
فالمر أهون بكثير ول يحتاج للقلق ..
ثم إن من الناس الوقوف ،من هم من هو في مناصب يجللب أن
تحترم ..
ففيهم الكاديميون على أعلى التخصصات وشيوخ القبائل..
وفيهم التجار والثرياء ونحوهم..
والواجب أن يحترم النسان مهما كان وضعه ..
ول شك أن حسن التدبير مما يضفي على الجلسلة والميلر بهلاء
وتقديرا..
أشغلت تفكيري حول البوابة التي سيأتي منها المير!!..
وفعل حيرتني !!..
على كل وأنا في حيرتي وتفكيري وطول النتظار أخيرا..
جاء المير..
هو بشر مثل البشر !!!
طويللل متوسللط الطويللل معتللدل البنيللة عليلله سلليما التهللذيب
واللطف !!
مع صرامة ل تخفى على ناظر ..فهو بالتأكيد رجل أمن!!....
ل تلوموني ياأخوتي على أوصافي فأنللا صللاحب حاجللة ول بللد أن
أتفرس فيه!!..
جاء يمشي سريعا في حركته بشكل ملفت!!
وهكذا الرجال الجادون !!
وقف أمام صف المعاقين )وكانوا قليل (في البهو الخارجي..
استمع لكل واحد منهم وأخذ الوراق وسلمها لشخص بجواره..
ثم دلف علينا..
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته..
هكذا حيانا المير..
رددنا عليه السلم ثللم دخللل المكتللب مللن البوابللة الماميللة مللن
المجلس..
وفورا بدأ الناس في الدخول على المير..
307
يستقبل المير الناس وهو واقف..
وبعض المتكلمين يطيلون الحديث معه وبعضهم مثلي ..
يقتله الحياء والمهابة من أن يطلب حاجته بشكل مرض..
وعندما وصلت للسيب المظلم أمرنا العسكري بالجلوس ..
واختار الربعة الوائل في الصف ليقفوا بجوار البوابة ..
فالدخول يكون بمجموعات أربعة أربعة ,,وهكذا ..
كانت بخور العود يمل المكان والظاهر أن هذا من عادة المراء..
أن تبخر المجالس بحضورهم..
حينما وقفت على الصف أصابتني قشعريرة ..
فقد كنت أفكر في جواب المير ..
وماذا سأقول له..
ولم تمض دقيقة حتى صرت في الصف قريبا منه ..
تحدث صاحبي الذي أمامي ..
بالغ في السلم والكلم مع المير مما هو معروف ..
ول حظت أن المير يقرب أذنلله بشللكل مهللذب للغايللة للشللخص
المتحدث..
ويللتركه يتحللدث وينصللت للله حللتى ينتهللي ثللم ينظللر فللي عيللونه
ويبتسم في وجهه..
ويقول له :ابشر إن شاء الله تقضى حاجتك أو نحو هذا الكلم..
ثم يلتفت المير لمن بجواره ويهمس في أذنه بكلم ل يسمع..
ولكن المرافق..يدونه فورا في مذكرة بيده..
وبعدها جاء دوري ،صافحت المير ..وحييته:
السلم عليكم ورحمة الله..
وعليكم السلم ورحمة الله ..تفضل ..
قلت له أيها المير ..
أنا قضيتي غريبة ،فمنذ شهور سحب جوازي مني لنه غرق فللي
ماء..
وزوجتي وأطفالي خارج المملكة..
وعملي خارج البلد قد تللأذى كللثيرا بسللبب عللدم حصللولي علللى
الجواز ..الخ الكلم..
قال هل هناك دولة تطلبك ؟؟
قلت أبدا فقد راجعت عدة جهات أمنيللة مللن المبللاحث للداخليللة
للجوازات وكلهم أكدوا
أن ملفي نظيف ل مرية فيه..
308
وبشللكل مفللاجئ قللاطعني الميللر وأمسللك بكتفللي وقللال اصللبر
شوي!!
وأخللذ يهمللس فللي أذن مرافقلله !! والظللاهر أنلله تللذكر شلليئا
بخصوص الشخص الذي قبلي
309
حتى أفلست أو أوشكت..
اختلفت مع الجهة التي كنت اعمل معها ..
ودخلنا معهم في مشاكل ل يعلم مداها إل الله ..
ومللع أننللي صللاحب حللق ومظلللوم إل أن مشللكلة الجللواز هللي
الفيصل..
فأنللا مقيللد ل أسللتطيع السللفر لبلللد العمللل لحضللار المسللتندات
اللزمة ..التي تبرأ ساحتي.
اسللتغل بعضللهم فرصللة غيللابي عللن مكللاتبي ليتلعبللوا بللالوراق
والمستندات كيفما شاءوا..
لم أشعر بطعم رمضان هذا العام للسف..
ول يظن ظان أنني غر متصاب ..بل أنا والحمد لله رجللل أصللبر
على الشدائد..
ولكنهلللا رحملللة فللي قللللبي عللللى ضللعافي وصلللبيتي ..والللله
المستعان..
و في الثر كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول..
جاءني اتصال من مكتب المير وأخبروني برقم معاملتي ..
وطلبي مني متابعتهم تلفونيا..
صرت اتصل كل يومين ..
والجواب منهم يقول :مللا زالللت قضلليتك عنللد الميللر ..ول إفللادة
حتى الساعة..
استدعيت للمباحث في مدينة الطائف!!..
ولم يسبق أن دعيت من إدارة المباحث مطلقا..
قلقت في أول المر ..ولكن أين مفر؟؟؟
فل بد من الحضور..
شعرت عائلتي فللي الطللائف بقلللق شللديد وخاصللة الوالللد عليلله
رحمة الله..
حرصت على تطمينهم وأن المر ل يتعدى الروتين!!..
حينمللا تلقيللت التصللال مللن المبللاحث للحضللور كللان المتحللدث
معي ..
شخصا لبقا ويظهر من نبرته الحترام وسماحة النفس..
كان ذلك من أسباب اطمئناني وزوال الرهبة من ذلك اللقاء..
نزلت لمدينة الطائف ..
في صباح ذلك اليوم اتصلت على زوجتي وأخبرتها بالحال !!
جن جنونها فقللد خشلليت المسللكينة علللي وخشلليت أنللا أيضللا أن
310
يقبض علي!!
قدمت للدارة ..
للسف فإن الجنود الذين على باب الدارة يتعاملون بجفاء كللبير
مع الناس..
ول ألومهم فثقافتهم ثقافة سطحية ..
وتقللدير النللاس ومراعللاة مشللاعرهم ل وجللود للله فللي مبللادئهم
أصل!!
دخلت الستقبال وطلبت الضابط المعني ..
وبعد ثللواني جللاء اتصللال للسللتقبال علللى أثرهللا صللعدت برفقللة
العسكري للطابق الثاني..
لم تكن هذه الزيارة هي الولى لي للمباحث!!.
فقد سبق وان جئت بنفسي دون استدعاء مرتين وقللابلت نللائب
مدير الدارة!!..
طلبت منه أن يفيدني عن وضعي المني؟؟
قال لي :ألحين الناس تهرب منا وأنلت تللأتي طوعللا تبحللث فللي
ملفك؟؟
قلت له إن جوازي ممسوك بدعوى أن لدي ملحظة أمنية!!
صور أوراقي وطلب مني الحضور بعد أسبوع ..
وفعل جئته فأكللد لللي أننللي سللليم وبإمكللاني الللذهاب للجللوازات
لستلم جوازي !!..
وطبعا هذا مالم يحدث!!..
ولقد كررت ذلك مع مباحث عليشة في الريللاض فكللان الجللواب
مماثل!!
عندما وصلت للضابط ..
استقبلني بوجه طلق...
إنه رجل ،يكفي أن أسميه رجل ..
قمة في الخلق والدب..
لقد محا الضابط المذكور بحسن تعللامله ولطفلله وكياسللته معللي
كل صور الظلم والتعذيب
والقهر ..التي سمعتها عن رجال المباحث ...
إن الرجل بللأدبه وبرفقلله يصللل لحللاجته ومللراده أسللرع وأفضللل
وأصدق من طرق العنف..
لقد تولد عن هذا اللقاء علقة وديللة بينللي وبيللن هللذا الرجللل مللا
زالت حتى هذه اللحظة
311
تتجاوز كل وظيفة ورتبللة قياديللة لتصللبح أخللوة وصللداقة ورحمللة
وعاطفة..
بارك الله في أبي وليد فهو رجل فعل يمثل شعبنا الطيب المين
الخلوق..
لن احكي ما تم في اللقاء ولكن خرجنا بنتيجة مفادها..
أن ل علقة بالموضوع بالجواز ..
ولكللن يظهللر لللي وليسللمح لللي أخللي فللإنني استشللفيت مللن
الموضوع
أن هناك وشاية جاءت عني وعن مجموعة من الخلوة ملن جهلة
معروفة..
بالعداء للسلم والسنة في المكان الذي كنت أعمل فيه..
ولذا تم التحقيق ل للتأكد بل لتبريء ساحتي !!
ولكن هل هذا سبب عدم صرف الجواز ؟؟ الله أعلم !!..
عيد بأية حال عدت ياعيد ُ بما مضى أم لمر فيه تجديد ُ
ض أم آباؤه الصيد ُ
ه البي ُ
ة أقوم ُ
م السود المخصي مكرم ً
من عل ّ
ة
ل فكيللف الخصللي ُ وذاك أن الفحللو َ
ل الللبيض عللاجزة عللن الجمي ل ِ
السود
جاء العيد وكنت أؤمل أن يأتيني اتصال قبله من الداخلية ليكللون
عيدي مع أهلي..
فهاهي ستة شهور تمر كستة قرون..
طلب مني الوالد كغير عادته رحمه الله أن أنزل لجللدة لسللتأجر
استراحة للعائلة..
تقضي فيها العائلة فترة العيد ..
ولم يسبق أن استأجرت عائلتنا استراحة في العيد ..
وكأن هذا إرهاصات لنا برحيل الوالد عليه رحمة الله..
لقد شهدت أعيادا كثيرا مع عائلتي في صغري وبعللد أن تزوجللت
312
وكبرت..
والذي أوقن بلله أننللي لللم أرى والللدي مسللرورا فرحللا مللع أهللله
وأولده كمثل أيام العيد هذه..
ل أنسى أبدا ذللك المنظلر اللذي ترسلخ فلي ذهنلي حيلن رأيلت
والدي ووالدتي ..
والعائلة كلها والطفال مجتمعين حول مسبح الستراحة..
اجتمعللت ثلثللة أجيللال فللي مكللان واحللد ..يجمللع بينهللم الفللرح
والسرور ..
كان وجه الوالد متهلل فرحا طوال اليام الثلثة ..
كانت تلمع في عينيه..دموع الفرح!!..
وهل هناك سرور أعظم من سرور الوالد بولده !!
وهل هناك شيء يسعد المرء أكثر من أن يرى أهله حوله سعداء
مسرورين!!
إذا لماذا شقي آباءنا علينا أليس من أجل أن تقر أعينهم بنا!!
أظن الوالد حينما كان ينظر إليهم ساعتها يقول..
313
لم يكشف القدر لنا حينها عن ستره الرقيق ..
ولو انكشف لنا بعضه أو كله..
لحول ليالينا إلى أتراح ...من قادم ل مفر منه..
ولكنها رحمة الله بعباده الضعفاء..
أن يخفي عنهم مالوا اطلعوا عليه لحول حياتهم لبؤس وشقاء..
أي بؤس أعظم من فقد والد أو والدة أو ولد..
اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الرحمين..
عزمت العائلة أن تكون النزلة لجده سنوية ...
وفي عيد الضحى القادم ستنزل العائلة لنفس الستراحة..
ولكن هيهات هيهات !!
فقد خطف الموت الوالد في اليوم الثالث من ذي الحجة
حيث تحول عيدنا ميتما حزينا كئيبا والله المستعان...
بعد انتهاء العيد وعودة الناس لعمالهم
قدمت للرياض لمقابلة المير محمد مرة أخرى..
أتيلت لصلاحبنا المقلدم فتكلرم مشلكورا ببعلثي فلورا للمراسلم
لتسجيلي..
دخلت على المير ووقفت أمامه وقلت له بالحرف الواحد:
ياأبا نايف إني عاجز عن الكلم..
لمح الشاب المير في عينللي الحللزن وفللي نللبرة صللوتي اليللأس
فأمسك بيدي وقبضها !!
وأخذ يقرأ في الخطاب المكتوب ..ثم نظر إلي وقال:
وين تريد تروح ؟؟
قلت لهلي وعملي..
قال أين؟؟
314
انتهى الفصل الثاني
315
بينما القضايا الشخصية تعني صاحبها أول وآخرا...
بعثت عددا من البرقيات ،حوالي ست برقيات..
ولم يتجاوب معي أحد..
والظاهر أن السبب هو غموض القضية وعدم وضوح معالمها !!
مسكين والله من ل حيلة له مثلي..
لم يمر علي في حيللاتي أبللدا ضلليق وحللرج كمللا حللالي فللي تللك
اليام...
شعرت بآلم مرض النقرس التي عادت لي بعد غياب طويل..
راجعت المستشفيات وأشغلت بنفسي..
قال لي الطبيب :الكلى لديك فيها ضعف في نشاطاتها..
وأنت قاب قوسين أو أدنى من الفشل الكلوي..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
طيب مالذي سأفعله؟؟
في خضم هذه المشاكل ...
حدثت الفاجعة الكبرى...
والصاعقة القاتلة لما تبقى في من رمق حياة وأمل!!..
دعوني أروي القصة كاملة..
حصل أن طلبت من والدي أن يهبني عقارا لكي أرهنلله فأحصللل
على سيولة مالية..
وقد دخلت في مشروع إعلمي ..أعتبره قفللزة فللي دنيللا العلم
السلمي لو تم!!!..
وافق الوالد مشكورا على ذلك ..
وفي اليوم الثالث من ذي الحجة ..
اجتمعت بالوالد أنا وكل العائلة ..
سوى من سافر لماليزيا للسياحة ..قبل عدة أيام...
كانت الوالدة وأختي الكبرى أم شهد وأنا نتناقش مع الوالد حول
موضوع الرهن..
وحول المشاريع التي دخلتها ..
ل شك أن الوالد سيقلق علي من غوائل الزمان وما أكثرها..
أذكر جيدا جلسة الوالد ذلك اليوم ..
كانت الجلسة حميمية وعاطفية للغاية ..
وأذكر أن آخر كلمة قلتها له ) إذا تم الموضوع فأنت والللدي ولللو
رفضت فأنت والدي(
لم يكن الوالد راغبللا فللي سللفر الوالللدة للباحللة برفقللتي للقيللام
316
بتقييم قيمة الرض..
ولكن بعد إلحاح وترج وافق علللى ذلللك بشللرط أن نرجللع للللبيت
..قبل ظهر اليوم التالي..
نزلت لبيتي في الدور الول وأحضرت إحدى الكاميرات الجديلدة
لمشروعي القادم..
عرضتها عليه فحرك رأسه سرورا بما يرى..
جلست الوالدة أمامه بعد أن لبست عبايتها وخمارها ..
ووضعت يديها على ركبتي والدي ..
لم اذكر أبدا أنني شاهدت الوالدة تفعل ذلك من قبل..
داعبت لحيته بيدها وقالت له :أتأذن لي حقا بالذهاب؟؟
والله ما ذهبت وأنللت متكللدر وغيللر راض إل كللان ذهللابي مشللقة
وعنتا ..أو نحو هذا الكلم..
كانت تلك هي نظرة الوداع..الخيرة ..
كانت آخر ابتسامة وآخرة نظرة بين الثنين..
ودعت الوالد وانصرفت عنه ..
إنني أكتب هذه العبارات وكأني أنظر لكل شيء أمامي..
نزلت للسيارة ..
وانتظرت الوالدة ..فلم تتأخر ..
وتوجهنا صوب مدينة الباحة ..
كان ذلك قبل صلة المغرب بنصف ساعة..
عزمنا على تأخير الصلة للعشاء جمع تأخير..
الوالدة حفظها الله امرأة خمسينية ذربة اللسان..
تطوف بك في السواليف والحكايات شرقا وغربا..
وبما أننا ذاهبون لتقييم العقللار فكللان الحللديث عللن الرث الللذي
ورثه ...
والدي من جدتي مناسبا ..
حدثتني والدتي عن مرض جدتي أم الوالد التي توفيت فيلله وأنللا
عمري ثلثة شهور..
حيللث اتصلللت العمللة بوالللدي الللذي كللان مللديرا لمدرسللة فللي
الطائف..
ويسكن في داخل هذه المدرسة حينها هو وعائلته!!
ول تستغربوا أيها القراء الكرام فهذه حقيقة..
وقد أخبرتني الوالدة بأنني ولدت بهذه المدرسة..
حينما بلغ الوالد بمرض الجده تللوجه فللورا لمدينللة الباحللة لقريللة
317
اسمها الكرا..
وتقللع شللمال شللرق الباحللة علللى يسللار الللذاهب لمطللار الباحللة
القليمي..
عرف الوالد بصعوبة وضع أمه ..
فقرر نقلها لمستشفى الملك فيصل في الطائف ..
كانت في شبه غيبوبة وتأن تحت ثقل المرض ..
وصلوا للطائف برفقة أمه وأخته الشقيقة وكانت أمي بانتظارهم
بالطائف..
حينما استيقظت الجدة من غيبوبتها ..
سألت عن والدي !!
فجاء من فوره..
قالت اتجه الن ياولدي للباحة وأحضر صكوك العقارات !!
وأصرت وألحت بأن ينطلق من فوره !!..
فقد كانت تخشى أن تسللرق أو أن تؤخللذ مللن الللبيت بغيللر علللم
أبي..
كانت الجدة امرأة حازمة ووالدي ل يعصي لها أمرا أبدا..
توجه الوالد للباحة وأحضر ما طلبته أمه ووصل في الليل متأخرا
متعبا..
حينما عاد أعدت الوالدة الشاي للوالد ليتنشط به من السفر..
ولكن حارس العنبر طلب من الوالد الخروج لنتهاء فترة الزيارة
..
بقيت الوالدة مع الجدة وكنت أنا ثالثهمللا أمللا رابعنللا فهللو ضلليف
كريم!!..
إنه ملك الموت عليه السلم!!
طلبلت الجلدة ملن أملي أن تفلرق لهلا شلعرها فرقلتين وتلدهن
رأسها..
لنها تشعر بصداع شديد وما كانت تعلم بللأن ذلللك مللن عللوارض
الموت..
تمددت جدتي واتكأت بظهرها على أمي وأخذت أمي تمشطها..
صمتت جدتي برهة من الزمان ،وسقطت يداها على الرض..
صاحت بها الوالدة ..يافلنه يافلنه..
لم ترد عليها..
وفجأة فتحت الجدة عينيهللا و قللالت جللدتي بعللد أن مللدت يللديها
كأنها ترى أحدا..
318
تعال يابني تعال ياصالح..تعال ياحبيبي!!
وصالح هللذا أحللد أبناءهلا الللذين توفللو فللي عمللر السللبع سللنوات
تقريبا..
ثم رفعت اصبعها وهزته برفق تريد التشهد ،وتشهدت ثم فاضت
روحها..
هذا ملخص ما حدثتني به الوالدة ..
وأما والدي فإنه حين مغادرتي مع الوالدة للباحة ..
خرج بعدنا بدقائق وتوجه مع أختي الصغيرة رباب..
تحدثني رباب تقول:
كان الوالد يمازحها ويضاحكها طوال الطريق ..
وكنت أريد أحدثه في أمور كثيرة تعنيني..
ولكننللي حينمللا رأيتلله مسللرورا يمللزح كرهللت أن أبللدل مزاجلله
الطيب..
لم تكن تعلم المسكينة سر هذا المزاج الطيب !!..
حينما وصللل لجبللل الهللدى توقللف والللدي فللي الصللندقة المعللدة
للصلة التي في أعلى الجبل ..
وتأكد من مصلى النساء فنزل للصلة ..
وقال لها :صلي المغرب والعشاء فربما ل نعيش يابنتي!!!
سبحان الله !! هل يعلم الميت بدنو أجله..
هل يبلغ بشيء الله أعلم..
غير أني ل حظت فللي والللدي إقبللال علللى العبللادة فللي الشللهور
الخيرة بما ل عهد لي به..
وتقول أختي وهي رفيقته في عدة سفرات :
لم تكن عادته أن يجمع الصلة في السفر..
بل كان يحرص أن يصلي كللل صلللة لوقتهللا فللي المسللجد أينمللا
وجد...
يحدثني شخص زارني للعزاء يقول:
قبللل أسللبوعين هللرب شللخص مللن الشللقق المفروشللة التابعللة
لوالدكم ..
ولم يدفع أجرة الشقق...
فقلت له يابو محمد عندك رقم جوال الرجللل اتصللل عليلله وبلللغ
عنه الشرطة..
قللال الوالللد ل ،دعلله فسللوف اسللترجعها منلله يللوم الللدين فأنللا
سأحتاجها قريبا!!..
319
قرأت في كتاب التذكرة للقرطللبي ،عللن أثللر أن الللله تعللالى إذا
أراد بعبده خيرا وكل له
ملك ينشطه للطاعة قبل موته ثم يقبضلله علللى الطاعللة ..والللله
أعلم.
كان الوالد مع كبر سنه يسرع في قيادة السيارة..
فلقد انطلق بسرعة تفوق الملائة وسلتين فلي الطريلق السلريع
بين الطائف ومكة..
وفجأة ظهرت له سيارة في وسط الخط شبه متوقفة..
ويظهر أنها خرجت من فرجة وسط الطريق...
وقد أنكلر ضلابط الملرور ذللك ..ولكلن أخلتي أكلدته وشلاهدت
السيارة..
على كل حصل أن تنبه الوالد لتلك السيارة ..
فأدار المقللود للجهللة اليمنللي لتنحللرف المركبللة بسللرعة قاطعللة
الطريق من طرفيه...
حينهللا صللرخت الفتللاة وسللقطت فللي تجويللف السلليارة أسللفل
المقاعد..
وهي من نوع الفرت الدفع الرباعي...
تشاغل الوالد بابنته فقد أيقن بالكارثة ..
جذبها نحوه وضمها لصدره وارتمى عليها ..ليحميها..
سقطت السيارة في الوادي وتقلبت أربع قلبات أو أكثر..
تمزقت السيارة فصارت شذر مذر..
وضرب سقفها الحديدي من جهة الخت على رأس الوالد ..
كانت الضربة تلك هي القاتلة ..
أما أختي ففقدت الوعي ..ولم تشعر سوى أنهللا ببطللن الللوادي
فوق شجرة طلح..
علللى بعللد يتجللاوز الخمسللين مللترا تقريبللا ..حيللث نفحتهللا قللوة
استدارة السيارة في الهواء..
وحصل ما حصل مما ذكرته سابقا ...والله المستعان..
كانت تللك الحلداث المؤلملة تلدور رحاهلا فلي طريلق الطلائف
مكة..
وأنا والوالدة نتحدث عن الوالد وأمه !!...وبره بها وكيفية موتها..
تصادف عجيب !!! ..
تزاحم الناس كالعادة على مكان الحادث..
جاء ضابط شهم من قبيلة عتيبة ...
320
ومنع المتطفلين مللن الوصللول للفتللاة ..حيللث لللم تعلللم بمللوت
الوالد ..حينها..
قال أحد العسكر هل الميت يقرب للفتاة ؟؟
فصاحت البنت وولولت..
فقال لها الضابط :ليس أبوك يا أختي إنه الشخص في السلليارة
الثانية..
والدك نقلناه للمستشفى وستلحقينه قريبا ..
لقد قام هذا الشاب النبيل بجمع كل مللا تنللاثر مللن نقللود وذهللب
ومستندات ..
لكثر من ساعتين من بعد الحادث..
وسلمها كما هي لي بغيللر نقصللان ..بعللد عللدة أيللام فجللزاه الللله
خيرا..
حين وصولي لمدينة الباحة ...أدركت العشاء في المسجد..
وبعد الصلة توجهت للسوق لشراء هدايا للقارب..
وحينها اتصل علي ابن العمة!!!...
كنت فرحا باتصاله على غير عادته !!
قال لي أين أنت ؟
قلت له الن وصلت للباحة..
قال والدك أصيب بحادث وأختك بخيللر وهللو بخيللر ويجللب عليللك
الحضور!!
لم أسمع مثل هذه العبللارة مللن قبللل !! أو أن عقلللي مللن هللول
كلمه لم يدركها!!..
طلبته يكرر ما قاله كأنني أبله!!..
وحين أدركت معاني عباراته قذفت بما في يدي من حاجيات..
وحين رأيت الوالدة في السيارة ..ترددت!!
وقفت أنظر إليها من خلف السيارة!!
ماذا عساني أقول لها؟؟
ما هي العبارات المناسبة لموقف مخيف كهذا!!؟؟
اقتربت من النافذة وانحنيت كالمسكين حينما ينكسر للسؤال...
ونظرت في عينيها وقلت لها بصوت خافت وهادئ..
يامه أبي صار عليه حادث لزم نرجع للطائف !!
ايش؟ ما فهمت ايش تقول!! تتعتعت قليل ثم تماسكت وقالت:
كيللف أبللوك ياولللدي؟؟ ووينلله؟؟ وأختللك؟؟ عشللرات العبللارات
انطلقت منها..
321
قلت لها ل أدري خلينا نرجع ونشوف...
استدرت بالسيارة فورا لرحلة العودة..
لمن يعرف طريق الجنوب في الليل فهللو خطيللر للغايللة ومليللء
بالدواب..
ومع ذلك فقد أسرعت بشكل جنوني للحق بأبي محمد..
وما كنت أدري حينها أن الحبيب قد وضع رحاله في دار غير دارنا
والله المستعان..
خلل الطريق لم تتوقف التصالت بيني وبين إخوتي..
فلقد خرجت العائلة عن بكرة أبيها حبا لهذا الرجل ..
ولم يكن يعلم أحد بوفاته قبل وصولنا..
اتصلللت فلي الطريلق علللى جميلع مستشللفيات مكللة المعروفللة
لي ..
رابني ..إفادة الممرض بنقل الوالد لمستشللفى الششلله وأخللتي
لمستشفى النور!!..
لماذا فرقوهما؟؟ قالوا لعدم وجود أسرة بسبب الحج!!..
كانت بعض التصالت من القارب مزعجة..
حيث ل يراعللي البعلض مشلاعر النسللان وهللو يقللود فللي طللرق
خطرة..
ولكن الله سلم..
أمرتني الوالدة بالتوجه لمستشفى الششه فقد كان الهم بالوالد
أكبر!!
ومن ذا يعز عليها أكثر من أبي محمد!!
ولكن أخي الكبير حين علم بوجهتي وقد علم بموت الوالد حينه
خللاطبني بنللبرة عاديللة ولللم يظهللر عليهللا الحللزن ..بللالتوجه
لمستشفى النور..
322
كانت الوالدة طوال الطريق تضرب بيللدها علللى صللدرها بشللكل
متتابع ..وبدون نواح..
ولصدرها أزيز كأزيز المرجل..
وتقول ياولدي أبوك صار له شيء أنا أشعر بذلك!!
أكيد يلابو محملد صلار عليلك شليء ملا شلعرت يمله بمثلل هلذا
الشعور قبل اليوم!!..
كنت أسفه رأيها ،وفي قرارة نفسي أوافقها ولكنني رحمتها...
ولو تركت للظنون سبيل لقلبها لنفطر من حينه ل قدر الله..
وصلت لمستشفى النور وبالكاد حصلت موقفا للسيارات..
كنت والوالدة نلهلث خللف كللل ملن نلراه مقفيللا نحسلبه أخللا أو
والدا!!
وصلللت للسللتقبال ..لحظللت عليلله الللبرود فأشللعرني ذلللك
بالراحة!!..
أعطيته أسماء المصابين..
أشار لي بالذهاب لمكتب التنويم..
وبحمد الله قبل وصولي لهم اتصل أخي ..
فقد كانت عاطفتي والوالدة أشبه ببركان..ينتظر الثوران ..
أصررت على الوالدة أن تجلس على مقاعد النساء..
وبحثت عن أخللوي وحينمللا شللاهدتهما مللن بعيللد ..تفرسللت فللي
وجهيهما ..
لعلي أعرف خبرا ..
وحينما التقينا ،أشاح أحدهما بوجهه عني ليخفللي دمعللة تحللدرت
من عينيه..
ومن ثم ضمياني وبكيا كطفلين صغيرين..
مات أبونا يافلن مات..
استرجعت ،،ولم استطع الستمرار في الوقوف فقعدت على
الرصيف أبكي كيتيم ...
كان الهم عند إخوتي على الوالدة..
فهللي كللبيرة فللي السللن ولربمللا تسللوء الكارثللة ...وتتضللاعف
المصيبة ..
لم تنتظر الوالدة فلقد بحثت عنا فجاءت تتبع الخطى ..
وين أبوكم يامه؟؟
وين أختكم ؟؟
ويش صار وأنا أمكم ..
323
بكى الخوان عندها فصرخت الوالدة وسقطت على الرض..
أما الخت فقد انكسرت ذراعهللا وأصلليبت بشللعور فللي الظهللر..
ولكن الله سلم..
فقد كادت المسكينة تلحق بوالدها ..
فالحمد لله على عافيتها ..
كانت تلك الليلة كابوسا بما تعنيه الكلمة من معنى..
فهول المصيبة ثم ما يترتب عليها من ترتيبات من تغسيل وصلة
ودفن
وغير ذلك تشكل أزمة واستنفارا لكل الطاقات..
لم نذق جميعا طعم النوم ..
كنت في تلك الليلة أفكر بالوالد في الثلجة ..
هممت أن أذهب للثلجة لكون قريبا منه!!
وما عساني أنفعه حينها!!
في ضحى اليوم الثاني ..
اجتمعت العائلة والقارب والعمام ..
انطلقنا للثلجة..
كان يوما مشمسا ،والوجللوه عابسللة ..كنللت وإخللوتي كحفللاري
قبور..
لم نعرف كيف نبدأ كل له رأي وكل يتكلم ولكن ليس بينهللم أبللو
محمد!!..
استكملنا إجراءات استخرج الجثة ومن ثم توجهنا للثلجة..
كللانت سلليارة السللعاف الللتي سللتنقل الوالللد جللاهزة ومفتوحللة
البواب..
قادنا عامل بنغالي يحمل بيده نقالة صغيرة..
لم يظهر عليه أثر الخوف والتردد مثلنا!!!
كانت أمامه ثلثة أبواب حديدية ضخمة..
فتح احدها فخرج منها تيار هوائي بارد للغاية..
ويا للمنظر الموحش..
أكثر من مئة جثة قد رصت بشكل فوضوي ..
دخل العامل للداخل فلحقته لوحدي ..ثم تتابع من جرؤ ورائي..
كانت بقع الدماء تملء المكان ..
والجثللث موضللوعة فللي أدراج كللأدراج الكتللب والضللاءة خللافته
للغاية ..
بحث العامل في الرقام وعيوننا جميعا تسير معه..
324
وأخيرا أشار لبي ..وقال هذا هو !!..دونكموه!!
اقتربنا من الوالد كان رحمه الله دقيق الجسم ..قليل اللحللم ...
رأيت يده فعرفتها..
أذكر أن أعمامي وإخوتي انكبوا على يده فقبلوه
لم يجرؤ أحد على رفع غطاء الوجه..
فقد كان الدم يغطيه بشكل مخيف..
وعلى جوانب النقالة سقط الدم..
كانت يده بارزة وتلمع فيها أزرار كم الثوب الحديدية..
وكان ثوبه أسودا كما تركته بالمس..
لو لم أرى الدماء لظننته نائما رحمه الله فقد كللانت كهيئتلله فللي
ذلك كما عرفته..
أذكر مرة أنني في صغري وأنا لم أتجاوز الثمان سنوات ..
أنني دخلت على الوالد ..وكان نائما في صالة بيتنا القديم..
كان مهيبا ول يجرؤ أحد على إزعاجه...
لكنني جرؤت حينها ووضعت راحة يدي علللى بطللن قللدمه وأريللد
مداعبته..
عنللدها اسللتفاق الوالللد ونظللر مللن حللوله فحيللن رآنللي لفحنللي
بالمخدة وقال لي ياشقي!!
ها أنا الن بعد أكثر من عشرين سنة أحمله جثة هامدة ...
325
ياأبي لكم تمنيت في تلك اللحظات أن أكون فدائك ..ولم تصللب
بخدش!!
ارحل فقد تركت في القلوب جروحا لن يمحوهلا اللدهر لفراقلك
رحمك الله..
يا أبي لو علمت كيف أصبح حالنا من بعدك ..
تشتت حالنا ،وتبدلت القلوب ،وثقل حملنا من دونك
حملناه للحرم الشريف ووضع الوالد بين يدي الشيخ أسللامة بللن
خياط..
فكلللبر الشللليخ ،فكلللبر خلفللله مئات اللف ملللن المصللللين ..
وسيشفعون له إن شاء الله
حينما وصلنا للمقبرة ظننت أن هناك جنازات أخرى غير جنازتنا
فقد هالني الحشد الكبير من الناس..
أناس جاءوا من كل مدن المملكة من أصللحابه وأحبللابه وأقللاربه
بل وحتى طلبه..
لقد مكث الوالد في التعليم خمسة وثلثين سنة ..حتى تقاعده..
صلوا عليه الجنللازة مللرة أخللرى ثللم وضللعته وإخللوتي فللي قللبره
الملحد..
حاولت أن أكشف وجهه لقبله ولكن ضيق القبر حال عن ذلك..
ردمناه بالتراب ..ونفضنا أيدينا ..وانتهى كل شيء..
مرت من تلك اللحظات حتى آخر لقاء معه بالمس حوالي أربعة
وعشرون ساعة..
سبحان الله ما أغرب صروف الحياة..
أسأل الله تعالى أن يجعله
في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
اللهم اغفر لبي زلله وخطأه وتجللاوز عللن سلليئاته واجعللل قللبره
روضة من رياض الجنة..
انتهى الفصل الثالث..
326
أما أنا فحالي كما قال القائل تكاثرت الظباء على خراش ..
فما يدري خراش ما يصيد!!!
جاء العيد بعد موت الوالد بأسبوع فقط ..ويا للعيد !!
ل والد ول ولد ...فالحمد لله على كل حال..
بعد انتهللاء الجللازة الرسللمية للمللوظفين تللوجهت لجللدة قاصللدا
مقابلة المير محمد..
كنت موتورا وبلغ بي الحنق مبلغه..
بلغنللي الحللرس علللى البوابللة بللأنه ل يوجللد أحللد ..والميللر فللي
الرياض..
ذهبت للرياض في اليوم التالي...
ومن المطار توجهت لوزارة الداخلية مباشرة ..
أتيت لمدير مكتب المير...
ولم يكن موجودا حينها..
وحين دخل علينا وقفت له وسلمته معروضا أشرح فيه حالي ..
فقال لي :أنت ممنوع من السفر لسنتين!!
قلت له :لماذا؟
قال القوانين !!
قلت له أي قوانين؟؟ وهل تعرفني؟؟ هل أنا متهللم؟ هللل تعللرف
قضيتي أصل!!
قال ل !! ولكن إذا كان جوازك مفقود فأنت ممنلوع ملن السلفر
سنتين حسب القوانين..
قلللت للله ياأسللتاذي الكريللم أنللا لللم أفقللد جللوازي بللل سلللمته
للجوازات ..ثم لماذا لم تبلغوني..
أليس من الواجب عليكم تبليغي بحالي حللتى أتصللرف فأنللا منللذ
شهرين لم أتلقى أي رد..
نادى أحد موظفيه وقال له :انظر في معاملة المذكور وليش ما
اتصلتم عليه؟
وبعد دقائق جاء برقللم المعاملللة وادعللى أنهللم لللم يتصلللوا علللي
بسبب عدم وجود رقم تلفوني!
قلت له مستحيل الخطاب موجود عليه الرقم جب المعاملة!!
وفعل أكد مدير مكتب المير على ذلك وطلب المعاملة!!
انتظرت ربع ساعة لكي يحظر لي المعاملة فلم يحظرها!!..
اتصل مدير المكتب عليهم وغمغم معهم بكلمات ثم قال لي:
ما يوجد عليها رقم ،ومثل ما قلت لك راجعنا بعد سنتين!!
327
هكذا إذن سنتين!!
سأعيش سنتين في جحيم القلق والنتظار..
لو كنت فعلت جرما استحق عليلله النتظللار لهللان المللر ولكننللي
مظلوم..
ظلمتني قوانيننللا الغامضللة ،ظلمتنللي البيروقراطيللة والتعقيللدات
السخيفة..
ظلمتني حيلتي الضعيفة ..
ولكنني لم أعدم الحيل!!
فمن ضاقت عليه حيل الناس المعهودة فليطرق كل البواب ..
كما قال الشاعر..
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحللاجته ومللدمن القللرع للبللواب أن
يلجا..
قرعت باب المير محمد بن نايف ولكللن هللذه المللرة ليللس مللن
باب مكتبه ..
بل عن طريق الساحة السياسية!!..
كتبت في ذلك اليوم مقال ناريا !!
لم أتشجم فيه العناء!!..
فقد أخذ مني دقائق معدودة..
فقد كنت مهيئا للنهيار...
فقد توالت علي النكبات مما يصلح ذكره ومما ل يصلح ذكره ..
فل مفر من المكروه ..
وما قصدت الشتيمة والله حينها بل أردت أن ألفت النتباه!!..
فأنا صاحب مظلمة وقد دخلت في دوامة ل يعلم مداها إل الله..
ومن خبر متاهات المعللاملت الحكوميللة والللتي قللد تللدور وتللدور
عقودا من الزمان..
لم يلمني في سلوك درب ل تعلم عواقبه !!
ول يمكن التنبؤ بخاتمته!!
ولكن خيرا حصل والحمد لله!!
حينما أنزلت المقال في الساحات ..أضفت رقم سجلي المدني
ورقم تلفوني الجوال..
وطلبت من المير محمللد بللن نللايف أن يسللجنني أو أن يجمعنللي
بأهلي وأبنائي!!
هذا هو عنوان المقال!!..
تباينت ردود المشاركين في الحوار فما بين متعللاطف ومسللتاء ،
328
إلى بعض الذين نبهوني..
إلى خطأ السلوب ،وأن الواجب طلب ذلك سرا...
إلى الذين صبوا علللي جللام غضللبهم علللى جرأتللي ووقللاحتي مللع
المير..
كانت الراء متفاوتة ومتنوعة ولكنها في نهايللة المللر صللبت فللي
مصلحة القضية!!
فقد كنت متيقنا أن التفاعل السلبي أو اليجابي هللو فللي النهايللة
سيوصل للمقصود!!!
وهو لفت النظر ،وخاصة نظر المير...
اتصل علي مجموعة من الخوة على الهاتف وراسلني مجموعللة
برسائل sms
جاءتني مكالمات خارجية ..أذكر واحدة منها جيدا..
هذه المكالمة كادت أن تحور موضوعي لمنحنى خطر ولكن الله
سلم!!..
أصبت بخوف شديد !!
خاصة والدولة حينها استنفرت اسللتنفارا كللبيرا لمللؤتمر الرهللاب
في الرياض..
والذي ستحضره ممثليات دول كثيرة ...
فكان ظهور مقالي حينها غير مناسب بالتأكيد..
لمن يفهم ما أعنيه جيدا!!
وحينها جاءتني خاطرة عجيبة !!
لقد عزمت على الهرب!!
نعم الهرب خارج المملكة!!
كيف ؟؟ ولماذا؟
أما كيف فل أدري فالهارب يسير في الرض الفسيحة حتى يجللد
مأوى يؤويه..
أما لماذا ؟؟ فقد خفت ..خفت أن تكون عواقب فعلي كبيرة ..
فالهروب خير لي من السر والسجن والعذاب!!..
تركت جوالتي وحقائبي وسيارتي وجميع ما أملك من متاع ..في
مدينة الرياض
واستأجرت سائقا بسيارة خصوصي يوصلني لمدينة جيزان!!
سلللكت طريللق الللوادي فهللو أقللرب وأقللل نقاطللا مللن الطللرق
الخرى!!
ولقد صدقت توقعاتي فلقد عمم علللي فللي المنافللذ ولكللن الللله
329
سلم!!
كان رفيقي في الرحلة أو السائق من سكان نجران..
جاء للرياض ليوصل عائلة قريبة له..
لم أكن أعرفه من قبل ..ولكن الرجل كان دمث الخلق حسللن
التعامل ..
وحيللن سللألته عللن عمللله قللال أنللا موظللف فللي قطللاع المللن
الداخلي!!
جرت المور بكل هدوء فلم يظهر علي أي شيء مريب!!
كللان الطريللق طللويل وممل ولكللن السللواليف والقصللص الللتي
أمتعني بها أبو حسن ..
آنستنا وأنستني من تعب السفر وعذابه..
كان انطلقنا حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا ..
ووصلنا لمدينة خميس مشيط حوالي العاشرة مساء..
لم يفارقني أبو حسن ) وهذه كنيته( حتى تأكللد مللن اتفللاقي مللع
سائق آخر ..
أصر علي أن أزوره في نجران وأن يكرمني بحقي بالضيافة فللي
بيته..
330
أتصرف!!!
أخللذت ألهيلله بللالكلم فللي أمللور جللانبيه لشللغله عللن السللئلة
المحرجة؟؟؟
كنت أحسب الوقت وأسابق الزمللن فإمللا أن يقبللض علللي أو أن
أفر!!
ولكن أين الفرار وكيف ؟؟ والله لم أكن أدري !!!
فيفا منطقة ساحرة الجمال وهي جبل ضخم تسكنه قبيلة فيفا..
ومنظر هذه المنطقة ليل أو نهارا منظر بديع للغاية!!
عندما وصلنا قريبا منها شاهدت أضواء متناثرة في ارتفاع شاهق
يكاد يغطي الفق!!
سألت السائق أين نحن متجهون؟؟
قال هذه فيفا !!
تقع المنطقة على الحدود اليمنية ولذلك قصدتها!!!
حينما وصلنا للمفرق المؤدي للجبل رأيت شققا مفروشة..
طمعت في الفراش الوثير فأنا لم أذق طعم النللوم منللذ حللوالي
24ساعة..
وفعل غامرت بالنوم في الشقق مللع أن ذلللك خطللأ قللد يللوقعني
فيما فررت منه!!!
نمت كنوم الذئب ..
وفي الصباح توجهت لسوق المنطقة واسمها ) بني مالك( ..
ومنها يظهر جبل فيفا بوضوح خلفا لليلة الماضية..
اشتريت بعض الحتياجات الضرورية ..
ثم تعاقدت مع سائق يوصلني لجبل فيفا المجاور ..
على أن يجد لي مكانا أسكن فيه هناك...
وهكذا كان..
استغرقت الرحلة من بطن الوادي للجبل حوالي الساعة ..
تدور في طرق ومزالق مهلكة ..
تعاقد لي صاحبي مع صاحب المنزل على أجر متفق عليه..
331
المنزل الذي نزلت فيه يقف على هاوية سحيقة..
ومن نافذته ترى النلاس والسليارات فلي أسلفل اللوادي كحجلم
الذر!!
ومع ضيق الطرقات تسير السيارات فيهللا بجللرأة عجيبللة ل يكللاد
يفعلها سواهم !!
أهل فيفا رجال كرام فيهم النخوة والشهامة ..
ل يشعر الضيف والغريب بأنه خارج أهله ودياره ولكن هيهات!!
فبالنسبة لي ل يغني عللن حللالي مللال ول بنللون إل رحمللة أرحللم
الراحمين!!
كانت المناظر الخلبة من ذللك الجبلل ل تغرينللي ،فقلد صللادفت
قلبا خاويا فارغا!!
وما عساها تنفعني في محنتي وشقائي والله المستعان..
منذ يومين والخبار منقطعة عني ..
ولم أحاول التصللال علللى أي كللان ،خوفللا مللن معرفللة مللوقعي
الحالي!!
وآخر مكالمة لي كانت من الرياض مع أخي وزوجتي ..
وشرحت لهم حالي ...
وقلت لهم توقعوا عدم اتصالي عليكم فترة طويلة!!..
بعللد ذلللك بللدأت فكللرة تحديللد طريقللة العبللور المناسللبة خللارج
البلد ..
كنللت أحللاول الحصللول علللى المعلومللات عللن طريللق الشللباب
الصغار لكي ل ألفت النظر..
كللان بجللوار غرفللتي درج طويللل ورقيللق يوصللل لمسللجد صللغير
للغاية ل تتجاوز مساحته
5x5متر مربع..
وفرشه جديد ومبني بشكل بدائي ،له كوة صغيرة في محرابه
تشرف على الوادي السحيق..
قدمني الناس للصلة بهم مرارا..
وغالب وقتي أجلس في المسللجد متلحللف بجبللة سللميكة ..أقللرأ
وأستخير واصلي فيه..
دعوت الله بصدق أن يهديني إلى الصواب في قولي وفعلي..
دعوته أن يلهمني رشدي ويقيني شر نفسي..
أكثرت من التضرع لله تعالى فأنا مقدم على قرار خطيللر يكللون
له ما بعده..
332
فكرت مرارا وتكرارا ..هل ما أفعله صواب؟
هل كل ما أفعله يفيدني في ديني ودنياي؟
سألت نفسي :انظري يانفس أين أصبحت؟ وأين تسيرين؟
أين سأذهب ؟ ومع من؟ ومن يضمن لي السلمة؟؟
ثم إلى أين؟
تساؤلت كثيرة !! وأجوبة معدومة!!..
333
والمبادرة!!
كل ذلك حصل وأنا ل أدري بما يخبئه القدر لي !!!
طلبت من ابن صاحب المنزل أن يوصلني للوادي !!..
قلق الرجل من هذا القرار المفاجئ !!
وقال خيرا إن شاء الله ظننتك ستمكث عندنا مدة أطول..؟؟
شكرته وأكدت له بأنني سللأعود للله يومللا بصللحبة أهلللي وأبنللائي
فمنطقته تستحق العودة!!
وصلت لمطار جيزان في الليل ..
وقال لي بائع التذاكر :ما فيه مقاعد خالية قبل عشرة أيام!!!
وماذا أفعل في جيزان عشرة أيام!!
ذهبت للفندق ومنه اتصلت على زوجتي..
كانت تبكي بكاء كالطفلل الصلغير ..تقلول هلل ضلربوك ؟؟ هلل
أنت في السجن؟
ماذا فعلوا فيك؟؟ قلت لها :يامرأة أنا بخير !! ل تقلقي ..
وطمأنتها على حالي وأن الفرج قريب!!
اتصلت على الوالدة وهنا كانت المفاجأة ..قالت :
المباحث قالبة الدنيا عليك ..ايش سويت ياولدي!!
أخذت المعلومات منها بالتفصيل ثللم أغلقللت الهللاتف ...حللتى ل
ترصد مكالمتي..
وأخيرا تحققت ظنوني فهاهم القوم يبحثون عني!!
هممت بالرجوع والهروب مرة أخرى..
وقعت في حيرة ماذا أفعل ..
هل ياترى أسلم نفسي..
حاولت الدخول لمنتدى الساحات السياسية من مقهى للنللترنت
ولكن هيهات..
فالمنتدى ممنوع !!
أخيرا رجعت لغرفتي وحاولت النوم وعيني على باب الفنللدق أن
يكسره زوار الليل!!
بعد صلة الجمعة توجهت للمطار ..
سمعت نداء الطائرة على الرياض..
توجهت لبائع التذاكر ..قال لي اذهب سجل انتظار..
عندما وصلت للكاونتر قللال اذهللب جللب التللذكرة بسللرعة هنللاك
مقعد خالي!!!..
طرت من الفرح ،وسابقت الريح لركب هذه الطائرة
334
ولم تقر عيني حتى حملني مقعد الطائرة!!!
في الطائرة تصفحت كل الجرائد قلت لعل اسمي موجود ضمن
قائمة جديدة للمطلوبين!!
وبعد ساعة ونصف وصلت لمطار الرياض..
كنت أمشي فيه وأنا خائف أترقب!!
ومنه توجهت لمكان إقامتي ..
حين وصلت وجدت كل شيء طبيعي تقريبا!!
دخلللت لسللكني فحملللت الجللوال فوجللدت فيلله 166اتصللال
وعشرات الرسائل!!!
لحظت فيها رقما أعرفه لشخص مهم من رجللال الميللر محمللد
بن نايف القريبين منه
وقد أرسل لي رسالة يعرف نفسه ..
اتصلت عليه فقد رغبت أن يعلم المير بأني أسلللم نفسللي قبللل
أن يصلني رجال المباحث..
لم يرد علي في أول المر ..
وبعد صلة العصر ..
اتصل علي ذات الرجل ..فقال لي :يارجل أتعبتنا أين كنت؟؟
قلت له :عفوا تركت الجوال وكنت خارج الرياض!!!..
قال هل تعرف موعدك اليوم ..؟؟
قلت مع من ؟؟
قال مع المير محمد بن نايف!!..
قلت له اليوم جمعة؟؟
قال ليس في مكتبه..بل في بيته!!
قلت له أفعل إن شاء الله ..
طلب عنواني وحدد مكانا وموعدا للقاء السائق الللذي سلليأخذني
لمنزل المير..
بعدها ذهبت لمكان عملي..
كنت شغوفا لدخللل موقللع السللاحات لعللرف أيللن وصلللت إليلله
المور!!
وبعد دخولي وجدت موضوعي هو الول في السياسية ..
بعض التعاليق تؤكد أنه قد قبض علي!!!..
وبعضها يدعوا لي ،ومنها من ترحم ومنها من يشمت!!!
جاءني اتصال من نسيبي قال يافلن هناك شخص يريدك!!
ناوله الهاتف فإذا هو ضابط مباحث من الطائف !!..قال:
335
يا أخي أقلقتنا عليك ونحن نبحث عنللك مللن يللومين!! ونحللو هللذا
الكلم ..وقال:
هل تعلم أن لديك جلسة مع المير اليوم ..؟؟
قلت له :نعم ،بلغت به قبل قليل ..
قللال سأرسللل برقيللة بموقعللك وتلفونللك ليتصللل عليللك رجللال
المباحث في المنطقة !!
سبحان الله مبدل الحوال ..
أصبح القوم يبحثون عني وأنا كنت أبحث عنهم شهورا!!..
كنت قلقا من المقابلة ..
فلم أكن مستعدا لها!!
تمنيت أن تتأخر الجلسة أو أن ينشغل المير..
فقد كنت ل أدري عن اللقاء أين سيقودني ؟؟
فقد يكون المير غاضبا مما كتبته !!
فلعله إن أخرت الجلسة أن يهدأ قليل ..ويبرد الطلب!!..
ولكن الله تعالى أراد شيئا آخر ..
فقد اتصل علي شخص ...
وقال أنا ملن طلرف الميلر محملد بلن نلايف ..وسلوف أوصللك
إليه..
وهكذا أسقط في يدي فحينها ل مفر ول مقر..
حددت الموقع وانتظرت المذكور فجاء على الموعد ..
صافحني بأدب جم ،وعرفني بنفسه..
انطلقنا بسيارته ..
لطفنللي فللي الكلم وكللأنه يريللد التخفيللف علللي مللن مهابللة
الموقف..
ذكر لي أن كثيرا من الناس يدخلون على المير
فتصيبهم مهابة الموقف بالرتباك والوجل.. ..
ولكن بعد أن يجالسوه ويروا شخصيته الحقيقية ..
فإن الوضع يختلف تمامللا فالرجللل متواضللع للغايللة وبسلليط فللي
تعامله ...
وهو يقابل الناس باحترام على اختلف منازلهم ..ومشاربهم....
دخلنا منزل المير الفسيح ..كان شبه خال ..
حسبت أن هناك جلسة عامة للناس في بيته الفسيح..
لم أركز النظر في بيته فأنا لم أجيء لمتع نظري ببيته العامر..
زورت فللي نفسللي كلمللا كللثيرا طللار كللله أو أغلبلله عنللد رؤيللة
336
المير!!...
بقيللت فللي الصللالون الكللبير أشللرب القهللوة والشللاي برفقللة
السائق ..
تحدثنا في أمور كثيرة ..ولم يظهر الرجل أنلله يعلللم بموضللوعي
الذي جئت لجله..
حدثني عن المقابلة التي تمت منذ فترة ..
بين المير محمد ومجموعة من الشباب ..
الذين لديهم مشاكل أمنية ...
حللدثني كيللف أن الميللر محمللد كسللب قلللوب هللؤلء الشللباب
المتحمس برفقه بهم..
وهكذا الرفق ما كان في شيء إل زانه ..
سمعت بهذه الجلسات وقرأت عنها بالنترنت..
استمع المير لمشاكلهم المنية وحتى الجتماعية منها ..
مجتمعين وفرادى ...
كان الواحد منهم يخللوا بللالمير فيفلرغ كلل ملا فلي جعبتلله مللن
مشاكل دون تحرج ورهبه ..
خرجوا جميعا من عنده وقللد حلللت مشللاكلهم وطللويت صللحفهم
وهكذا الحكمة فلتكن..
لقللد انتشللرت قصللص ومواقللف الميللر محمللد مللع هللؤلء فللي
المنتديات والمواقع ..
إن هذا السلوب الجريء ومن رجل أمن بللل هللو الرجللل الثللالث
في المن في كل البلد..
هو بلسم شاف على قلوب كثير من الشباب اللتي عصلفت بهلم
العواطف..
إنهم في حاجة للقلللب الحللاني ولليللد الناعمللة لتمسللح رؤوسللهم
وترجعهم
برفق ولين لجادة الحق والصواب..
فهم والله قريبون ،وهينون ،وغالبهم جاهل ضعيف الحجة ..
ولكن غيرته وحرمانه ممن يوجهه أضله عن السبيل..
لقد كان لهذه المقابلت أثر هللائل فللي نفللوس كللثير مللن شللبابنا
الذين..انحرفوا عن الجادة ..
فكانت سببا لعودتهم للحق ،والتزامهم بالنهج السوي..
إن المير محمد بن نايف قد أقفل بهذا السلوب الحكيم ..
337
أبوابا للفتنة والشر ل يعلم مداه إل رب العالمين..
وما ضره ذلك !!
ما ضره مقابلة هؤلء الفتية ..فهم في مقام الخوة والبناء..
إن السياسة الصادقة والمبنية على الشفقة والرحمة بالمة ..
هي قانون مستنبط من هدى رسللل الللله عليهللم السلللم ومنهللم
رسولنا محمد صلى الله
عليه وسلم ..كما قال تعالى) لقللد جللاءكم رسللول مللن أنفسللكم
حريص عليه ما عنتم
بالمؤمنين رءوف رحيم(...
بينما نحن نتحدث ..أنا وصاحبي ..
وفي حوالي الساعة التاسعة وربعا دخل علينا المير محمد ..
لم يكن وجهه غريبا ..
فقد كان لقاءنا الثالث ولكن هذا المرة ليس أحد سوانا!!..
خرج السائق وبقيت أمام المير لوحدي..
وقفت في مكاني على استحياء منه..
فسلم وصافح بحرارة ..
قال لي هل أنت فلن ؟؟
قلت نعم أنا هو..
قال أهل وسهل فيك ...
الله يحلك يخوي مما قلته في !!..
لقللد فشلللت واسللتحييت مللن كلملله ..فللأردت أن أستوضللح
المقصود..
قلت له مكنيا :
يا أبا نايف وهل قلت فيك مكروها؟؟
قال :ألم تقل عني كذا وكذا ؟؟
قلت له حاشاك والله ...فا أنا لم أقصد ما ذكرت ..
ويبدوا أن المر نقل إليك على غير حقيقته..
هل قرأت كلمي الذي كتبته أيها المير..؟؟
قللال :لقللد مللررت عليلله سللريعا ..فقللد كنللت مشللغول بمللؤتمر
الرهاب ..
قلت له :إن الكلم اللي نقل لكم أيها المير قللد وضللع فللي غيللر
سياقه..
ولو نقل لكم بنصه غير مبتور لوضح لكم المعنى..
تفرجت أساريره رضى بما قلت ..ثم قال:
338
ولكن ما علينا :أنا قد أحللتك سلواء بنظللرك أنللت أسللأت أو لللم
تسيء !!
تحدثنا في أمور تفصيلية ل يصلح الحديث عنها ..
لكنني كنت استمع للفللاظ الميللر وكلمللاته وأنظللر فللي تقاسلليم
وجهه ..
فأعرف صدق مشاعره وطيبته ..
كنت أحيانا أقاطعه في كلمه ..
لم يتبرم من جرأتي وهذه عادتي للسف..
كان يضع يده على يدي ليهديني حين يرغب في استكمال شلليء
بدءه..
هذه اللمسات البسيطة...
أكبرها في المير محمد..
أكبرها وأذكرها من حسناته ..
فقد عهدنا من أمثاله شأنا مختلفا ..
ولو قال قائل ينبغي للمير أن يتعامل بأسلوب أشد مع الناس..
لما لملله أحللد ..فهللو رجللل أمللن ..ول بللد لمللن يمثللل المللن أن
يهاب..
أخذت من المير عفوا شامل عما صار ..
وأمر بصللرف جللواز سللفر لللي ...ومنللح أهلللي وأبنللائي تصللحيحا
قانونيا لوضعهم..
وهكذا انتهت محنتي في لحظات كما بللدأت فللي لحظللات والللله
المستعان..
تملكني الفرح ..
الحمد لله ثم الحمد لله ..
أمسكت بيد المير وضممته كما يضم الولد أباه..
آه لو كان والدي معي في تلك الساعة ..تذكرته والله ..
خرجت من عند المير فرحا مسرورا..
لول الحياء منه لصرخت !!..
سجدت لله تعالى على فضله وتوفيقه..
اتصلت بأهلي أم معاذ وبشرتها بالفرج..
فللي اليللوم الخللر نزلللت هللذا المقللال ..فللي موقللع السللاحات
السياسية..
ياقوم اذهبوا إلى محمد بن نايف فهو يعطي عطاء من ل يخشى
الفقر!!!
339
نعم كان هذا هو عنوان المقال !!!..
وقبل أسبوع كان العنوان ..
يامحمد ابن نايف اسجني أو اجمعني بأهلي وأبنائي!!!..
فرق بين العنوانين كما بين السماء والرض ..
وبينهمللا كللانت معانللاة تعلمهللا أيهللا القللارئ الكريللم مللن هللذه
السطر..
قلت فيها وأقول ...
اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيلله ..اللهللم لللك الحمللد
عدد مثاقيل الجبال
اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضللا نفسللك وزنللة عرشللك ومللداد
كلماتك..
أيها الخوة الكرام..
والدموع تمل عيوني ..
والقلب ينبض فرحا وشكرا وسرورا..
قد فرج الله الغمة ..
ورفع الله الكربة..
ترددت في الكتابة في الموضوع..
حتى ينقضي المر كله ..ولكن..
لم أطق صبرا ..ولم تذق عيني النوم حتى أشكر المير الفالح..
أفلح وجهك يامحمد بن نايف ..
صبحك الله ومساك بكل عافية وصحة وقوة في الخير..
سماه بعضكم ذئب الداخلية..
وأنا أسميه أبو الجميع ...
أخو الجميع..
صديق الجميع..
لم تروع بك مؤمنة يا أبا نايف..
لقد دعاني الكريم
ابن الكريم..
ابن الكرام..
بمكتبه ..ل
ببيته ..ل
بقصره ...ل
بماله ..ل والله..
بجاهه ..بنفوذه ..بسلطته ..ل والله
340
هل أرسل لي جيشا يحاصرني ..ل والله ..
هل بعث من يحضرني بالقوة..
هل هددني..
هل توعدني ..ل
دعاني بسماحته..
بقلبه..
ببشاشته..
بطيبه..
بنقاء معدنه..
بسمو نفسه ..
بحسن استقباله..
بحنانه..
برقته..
برحمته ..وصفحه وجوده..
كل ذلك من فضل الله تعالى عليه..
أرسل لي لدخل بيته العامر..
ويحدثني كما يحدث الب ابنه..
استفتح كلمه بكلمة واحدة خارت لها قواي ..
وندمت على ما قلت فيه..
روح الله يحلك فيما قلته في!!..
وزاد أن منحني الجواز ..وإحضار الهل والبناء ضيوفا لبلدهم..
دفء صللدرك ياأبللا نللايف ذكرنللي بللدفء صللدر رجللل يرقللد فللي
اللحود..
آه يا أبا نايف ..لو كان ابو محمد حيا ..
آه يا أبا نايف لو كا أبو محمد يرجع لدقيقة واحدة فقط ..
أحكي له ما فعلت بي يابن المجاد..
لذرفت دموعه فرحا بما فعلت..
والله لقال لي بيض الله وجهه ...
وكثر الله أمثاله...
وزاده الله من فضله..
وأصلح الله عياله..
وثقل الله ميزانه..
ويسر الله له أمره..
وأعلى الله في الخرة ذكره..
341
ومل الله قلبه نورا..
وبارك له في رزقه..
وأحسن له عاقبته..
وشد الله بالصالحين أمره..
ولكن هيهات ..هيهات ..يا أبا نايف
فقد انقضى الجل ..وقال الجليل..
ل يستقدمون ول يستأخرون ساعة..
لكن أعاهدك يا أبا نايف..
أعاهدك أمام الله وأمام خلقه..
أن أدعو لك بالسحر..
أنا ومن فرجت لي وله الكربة..
وأمرت بقدومهم ... ..إلى آخر المقال..
لقد كان مقال ممتلئا بالمشاعر الجياشة ..
ول عجب فقد كتبته بعد المقابلة ..
فقد شعرت أنني جرحت المير بمقالي السابق..
فأردت أن أطيب خاطره وأشعره بصدق كلمي نحوه..
في اليوم التالي اتصلت على أحد مستشاريه ..
وطلبت منه أن يطلع على المقال ..وطلبت منه أن يطلع المير
عليه..
قال إن المير مشغول ..بالمؤتمر..
أصررت عليه واستحلفته على ذلك..
اتصل علي في المساء وقال لي ..لقد قرأ المير المقللال وفللرح
به وسر
342