You are on page 1of 356

‫تابع ‪ :‬تفسير سورة النساء‬

‫‪148‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سمِيعا عَلِيما }‪.‬‬
‫ل ِإلّ مَن ظُِلمَ َوكَانَ الّلهُ َ‬
‫ن الْقَوْ ِ‬
‫ج ْهرَ بِالسّوَ ِء مِ َ‬
‫ل ُيحِبّ الّلهُ ا ْل َ‬
‫{ّ‬
‫اختلف القراء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء المصار بضمّ الظاء‪.‬‬
‫ن ظَلَ مَ» بف تح الظاء‪ .‬ثم اختلف الذ ين قرءوا ذلك بض مّ الظاء في تأويله‬
‫ل مَ ْ‬
‫وقرأه بعض هم‪« :‬إ ّ‬
‫فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل يحب ال تعالى ذكره أنيجهر أحدنا بالدعاء على أحد‪ ,‬وذلك عندهم‬
‫ل ثناؤه ل يكره‬
‫ن ظُلِم يقول‪ :‬إل من ظُبم فيدعو على ظالمه‪ ,‬فإن ال ج ّ‬
‫ل مَ ْ‬
‫هو الجهر بالسوء إ ّ‬
‫له ذلك‪ ,‬لنه قد رخص له في ذلك‪ .‬ذكر مَن قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8546‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن بن‬
‫يحبـ ال‬
‫ّ‬ ‫ِنـ ال َقوْلِ يقول‪ :‬ل‬
‫ج ْهرَ بالسـّوءِ م َ‬
‫ُحبـ ال ال َ‬
‫أبـي طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬ل ي ّ‬
‫أنيدعو أحد على أحد إل أن يكون مظلوما‪ ,‬فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظََلمَه‪ ,‬وذلك‬
‫ل مَنْ ظُِلمَ وإن صبر فهو خير له‪.‬‬
‫قوله‪ :‬إ ّ‬
‫‪ 8547‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫ن ظُلَمَ فإنه يحبّ الجهر بالسوء من القول‪.‬‬
‫ل مَ ْ‬
‫ن ال َقوْلِ إ ّ‬
‫جهْرَ بالسّو ِء مِ َ‬
‫قوله‪ :‬ل ُيحِبّ ا‪ ,‬ال َ‬
‫‪ 8548‬ـ حدثنا بشر ين معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ل ُيحِ بّ ال‬
‫س ِمعَا عَلي ما عذر ال المظلوم ك ما ت سمعون أن‬
‫ل مَ نْ ظُلِ َم وكا نَ ال َ‬
‫ن ال َقوْلِ إ ّ‬
‫جهْ َر بال سّو ِء م َ‬
‫ال ِ‬
‫يدعو‪.‬‬
‫‪8549‬ـ حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبيد‪ ,‬قال‪ :‬ثناهشيم‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬هو‬
‫الرجل يظلم الرجل‪ ,‬فل يدْعُ عليه‪ ,‬ولكن ليقل‪ :‬اللهمّ أعنيعليه اللهمّ استخرج لي حقي اللهمّ حل‬
‫بينه وبين ما يريد ونحوه من الدعاء‪.‬‬
‫ف « َم نْ» على قول ا بن عباس هذا في مو ضع ر فع‪ ,‬ل نه و جه إلى أن الج هر بال سوء في‬
‫يحبـ ال أن يجهـر‬
‫ّ‬ ‫معنـى الدعاء‪ ,‬واسـتثنى المظلوم منـه‪ ,‬فكان معنـى الكلم على قوله‪ :‬ل‬
‫بال سوء من القول‪ ,‬إل المظلوم فل حرج علي هخ في الج هر به‪ .‬وهذا مذ هب يراه أ هل العرب ية‬
‫خطأ في العربية‪ ,‬وذلك أن «مَ نُ» ل يجوز أن يكون رفعا عندهم باجهر‪,‬لنها في صلة «أ نْ»‪,‬‬
‫وأ نْ لم ينله الج حد فال يجوز الع طف عل يه من الخ طإ عند هم أن يقال‪ :‬ل يعجب ني أن يقوم إل‬
‫ب ال‬
‫ر يد‪ .‬وقد يحت مل أن تكون «مَ نْ» نصبا على تأويل قول ابن عباس‪ ,‬ويكون قوله‪ :‬ل ُيحِ ّ‬
‫ن ال َقوْلِ لما تامّا‪ ,‬ثم قيل‪ :‬إلّ َمنْ ظُِلمَ فل حرد عليه‪ ,‬فيكون «مَنْ» استثناء من‬
‫جهْ ِر بالسّوءِ م َ‬
‫ال َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬لَ سْتُ عََل ْيهِ مْ‬
‫الغ عل‪ ,‬وإن لم ي كن ق بل ال ستثناء ش يء ظا هر ي ستثنى م نه‪ ,‬ك ما قال ج ّ‬
‫طرٍ‪.‬‬
‫ِب ُمسَ ْي ِ‬
‫ن تَوَلى وكَ َفرَ وكقولهم‪ :‬إني لكره الخصومة والمراء‪ ,‬الله مّ إل رجلً يريد ال بذلك‪ .‬ولم‬
‫إلّ مَ ْ‬
‫يذكر قبله شيء من السماء‪ .‬و«مَ نْ» على قول الحسن هذا نصب على أنه مستثنى من معنى‬
‫الكلم‪ ,‬ل من السم كما ذكرنا قبلُ في تأويل ال خيرا فعل كذا وكذا‪.‬‬
‫ب ال الجهر بالسوء من القول‪ ,‬إل من ظُلم فيُخبر بما نيل‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنىذلك‪ :‬ل يح ّ‬
‫منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8550‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن ابن أبي نجيع‪,‬‬
‫عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬هو الرجل ينزل بالرجل‪ ,‬فل يحسن ضيافته‪ ,‬فيخرج من عنده‪ ,‬فيقول‪ :‬أساء‬
‫ضيافتي ولم يحسن‪.‬‬
‫‪ 8551‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬إلّ‬
‫ن ظُلِمَ قال‪ :‬إل من أثَر ما قيل له‪.‬‬
‫مَ ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن محمد بن إسحاق‪ ,‬عن‬
‫ن ظُلِ مَ قال‪ :‬هو‬
‫ل إلّ مَ ْ‬
‫ج ْهرَ بال سّوءِ ِم نَ ال َقوْ ِ‬
‫عبد ال بن أبي نجيع‪ ,‬عن مجا هد‪ :‬ل ُيحِ بّ ال ال ِ‬
‫الضيف المحوّل رحله‪ ,‬فإنه يجهر لصاحيه بالسوء من القول‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ع نى بذلك الر جل ينزل بالر جل فل يَقرِ يه‪ ,‬فينال من الذب لم يَ ْقرِه‪ .‬ذ كر من‬
‫قال لك‪:‬‬
‫‪ 8552‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ل مَنْ ظُِلمَ قال‪ :‬من ظُلم فانتصر يجهر بالسوء‪.‬‬
‫نجيع‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪ :‬إ ّ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثن أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيع‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8553‬ـ وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ,‬عن ابن أبي نجيع‪ ,‬عن إبراهيم بن‬
‫ل إلّ‬
‫ن القَوْ ِ‬
‫ج ْهرَ بالسّوء مِ َ‬
‫أبي بكر‪ ,‬عن مجاهد‪ .‬وعن حميد العرج‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬ل ُيهِبّ ال ال َ‬
‫ن يقول فيه‪.‬‬
‫ن ظُلِمَ‪ .‬قال‪ :‬هو الرجل ينزل بالرجل فل يحسن إليه‪ ,‬فقد رخص ال له أ َ‬
‫مَ ْ‬
‫حدثنيأح مد بن حماد الدّولب يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يع‪ ,‬عن إبراه يم بن أ بي‬
‫ل مَ نْ ظُلِ َم قال‪ :‬هو في الضيافة يأتي‬
‫ن ال َقوْلِ إ ّ‬
‫جهْ ِر بال سّو ِء م َ‬
‫بكر‪,‬عن مجاهد‪ :‬ل ُيحِ بّ ال ال َ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن‬ ‫الر جل القوم فينزل علي هم فل يضيفو نه‪ ,‬ر خص ال له أن يقول في هم‪.‬‬
‫يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الـمثنى بن الصبـاح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪:‬‬
‫ن ال َقوْلِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬ضاف ر جل رجلً‪ ,‬فل ـم يؤدّ إل ـيه‬
‫ج ْهرَ ب ـالسّوءِ ِم َ‬
‫ل ُيحِ بّ الّل ُه ال ـ َ‬
‫ح قّ ضيافته‪ ,‬فلـما خرج أخبر الناس‪ ,‬فقال‪ :‬ضفت فلنا فلـم يو ّد ح قّ ضيافتـي‪ ,‬فذلك جهر‬
‫بـالسوء إلّ َمنْ ظُلِـمَ حين لـم يودّ إلـيه ضيافته‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ,‬قال مـجاهد‪:‬‬
‫ل بفلة من‬
‫إل من ظلـم فـانتصر يجهر بسوء‪ .‬قال مـجاهد‪ :‬نزلت فـي رجل ضاف رج ً‬
‫ن ظُلِـمَ ذكر أنه لـم يضفه‪ ,‬ل يزيد علـى ذلك‪.‬‬
‫الرض فلـم يضفه‪ ,‬فنزلت إلّ مَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬إل من ظُل ـم ف ـانتصر من ظال ـمه‪ ,‬فإن ال قد أذن له ف ـي‬
‫ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8554‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ل مَ نْ ظُلِ ـمَ يقول‪ :‬إن ال ل يح بّ‬
‫ن القَ ْولِ إ ّ‬
‫جهْ َر ب ـالسّو ِء مِ َ‬
‫عن ال سديّ‪ :‬ل ُيحِ بّ اللّ ُه ال ـ َ‬
‫الـجهر بـالسوء من أحدٍ من الـخـلق‪ ,‬ولكن من ظلـم فـانتصر بـمثل ما ظلـم‪ ,‬فلـيس‬
‫علـيه جناح‪.‬‬
‫ف « َم نْ» عل ـى هذه القوال الت ـي ذكرنا ها سوى قول ا بن عب ـاس ف ـي مو ضع ن صب‬
‫علـى انقطاعه من الول‪ ,‬والعرب من شأنها أن تنصب ما بعد إل فـي الستثناء الـمنقطع‬
‫ب ال الـجهر بـالسوء‬
‫فكان معنى الكلم علـى هذه القوال سوى قول ابن عبـاس‪ :‬ل يح ّ‬
‫من القول‪ ,‬ول كن من ظُل ـم فل حرج عل ـيه أن ي خبر ب ـما ن ـيـل م نه أو ينت صر م ـمن‬
‫ظلـمه‪.‬‬
‫ن ظَلَـمَ» وتأوّلوه‪ :‬ل يحبّ ال الـجهر بـالسوء من‬
‫وقرأ ذلك آخرون بفتـح الظاء‪« :‬إلّ مَ ْ‬
‫القول‪ ,‬إل من ظَلـم‪ ,‬فل بأس أن يُجهر له بـالسوء من القول‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8555‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬كان أب ـي يقرأ‪« :‬ل‬
‫ن ظَلَـمَ» قال ابن زيد‪ :‬يقول‪ :‬إل من أقام علـى‬
‫ل إلّ مَ ْ‬
‫جهْرَ بـالسّو ِء مِ نَ القَوْ ِ‬
‫ب اللّ هُ الـ َ‬
‫ُيحِ ّ‬
‫ب ِبئْ سَ‬
‫ذلك النفـاق فـيجهر له بـالسوء حتـى ينزع‪ .‬قال‪ :‬وهذه مثل‪ :‬وَل تَنابَزُوا بـاللْقا ِ‬
‫ب من ذلك‬
‫ن ب عد إذ كان مؤم نا‪َ ,‬ومَ نْ لَ ـمْ َيتُ ْ‬
‫الِ سْمُ الفُ سُوقُ أن ت سميه ب ـالفسق َب ْعدَ الي ـما ِ‬
‫ك ُهمُ الظّالِـمُونَ قال‪ :‬هو أشرّ مـمن قال ذلك له‪.‬‬
‫العمل الذي قـيـل له‪َ ,‬فأُوَل ِئ َ‬
‫ب اللّ هُ‬
‫‪ 8556‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪« :‬ل ُيحِ ّ‬
‫ن فِ ـي ال ّدرْ كِ ال سْفَلِ مِ نَ‬
‫ن ظَلَ ـمَ» فقرأ‪ :‬إ نّ ال ـمُنافِقِـي َ‬
‫ل إلّ مَ ْ‬
‫جهْرَ ب ـالسّو ِء مِ نَ القَوْ ِ‬
‫ال ـ َ‬
‫عظِيـما ثم قال بعد ما قال‪ :‬هم فـي‬
‫ت اللّ ُه الُـم ْؤ ِمنِـينَ أجْرا َ‬
‫س ْوفَ يُؤْ ِ‬
‫النّا ِر حتـى بلغ‪ :‬وَ َ‬
‫ش َك ْرتُـمْ وآ َم ْنتُـمْ وكا نَ الّلهُ شاكِرا عَلـيـما‬
‫ل اللّ ُه ِب َعذَابِكُمْ إ نْ َ‬
‫الدرك السفل من النار‪ .‬ما يَ ْفعَ ُ‬
‫ل إلّ مَ نْ ظَلَ ـمَ» قال‪ :‬ل يح بّ ال أن يقول لهذا‪:‬‬
‫ج ْهرَ ب ـالسّو ِء مِ نَ ال َقوْ ِ‬
‫«ل ُيحِ بّ الّل ُه ال ـ َ‬
‫ن ظَلَـم»‪,‬‬
‫ألست نافقت؟ ألست الـمنافق الذي ظلـمت وفعلت وفعلت؟ من بعد ما تاب‪« ,‬إلّ مَ ْ‬
‫ن ظَلَـمَ»‪.‬‬
‫ل مَ ْ‬
‫إل من أقام علـى النفـاق‪ .‬قال‪ :‬وكأن أبـي يقول ذلك له ويقرؤها‪« :‬إ ّ‬
‫«مَنْ» علـى هذا التأويـل نصب لتعلقه بـالـجهر‪ .‬وتأويـل الكلم علـى قول قائل هذا‬
‫ن ظَلَـمَ»‬
‫القول‪ .‬ل يح بّ ال أن يجهر أحد لحد من الـمنافقـين بـالسوء من القول «إلّ مَ ْ‬
‫منهم‪ ,‬فأقام علـى نفـاقه فإنه ل بأس بـالـجهر له بـالسوء من القول‪.‬‬
‫ن ظُلِ ـمَ‬
‫ل مَ ْ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القراءت ـين ب ـالصواب ف ـي ذلك قراءة من قرأ‪ :‬إ ّ‬
‫بض مّ الظاء‪ ,‬لجماع الـحجة من القرّاء وأهل التأويـل علـى صحتها‪ ,‬وشذوذ قراءة من قرأ‬
‫ذلك بـالفتـح‪ .‬فإذ كان ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب‪ ,‬فـالصواب فـي تأويـل ذلك‪:‬‬
‫ن ظُلِـمَ بـمعنى‪ :‬إل من‬
‫ل مَ ْ‬
‫ل يح بّ ال أيها الناس أن يجهر أحد لحد بـالسوء من القول إ ّ‬
‫ظُلـم فل حرج علـيه أن يخبر بـما أسيء إلـيه‪ .‬وإذا كان ذلك معناه‪ ,‬دخـل فـيه إخبـار‬
‫مـن لــم ُي ْقرَ أو أسـيء ِقرَاه‪ ,‬أو نــيـل بظلــم فــي نفسـه أو ماله عَنوة مـن سـائر الناس‪,‬‬
‫وكذلك دعاؤه علـى من ناله بظلـم أن ينصره ال علـيه‪ ,‬لن فـي دعائه علـيه إعلما منه‬
‫ل ـمن سمع دعاءه عل ـيه ب ـالسوء له‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬ف « َم نْ» ف ـي مو ضع ن صب‪,‬‬
‫َسـتَ عَلَــْيهِمْ‬
‫لنـه منقطـع عمـا قبله‪ ,‬وأنـه ل أسـماء قبله يسـتثنى منهـا‪ ,‬فهـو نظيـر قول‪ :‬ل ْ‬
‫ن تَوَلـىّ وكَ َفرَ‪.‬‬
‫ل مَ ْ‬
‫س ْيطِرٍ إ ّ‬
‫بِـمُ َ‬
‫سمِيعا عَلِـيـما فإنه يعن ـي‪ :‬وكان ال سميعا لـمِا يجهرون به من‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وكا نَ الّل هُ َ‬
‫سوء القول لـمن يجهرون له به‪ ,‬وغير ذلك من أصواتكم وكلمكم‪ ,‬علـيـما بـما تـخفون‬
‫ص كلّ ذلك‬
‫مـن سـوء قولكـم وكلمكـم لــمن تــخفون له بـه‪ ,‬فل تــجهرون له بـه‪ ,‬مــح ٍ‬
‫علـيكم حتـى يجازيَكم علـى ذلك كله جزاءكم الـمسيء بـاساءته والـمـحسن بإحسانه‪.‬‬

‫‪149‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خيْرا أَ ْو ُتخْفُوهْ َأوْ َتعْفُواْ عَن سُوَ ٍء َفإِنّ الّلهَ كَانَ‬
‫{إِن ُت ْبدُو ْا َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عَ ُفوّا َقدِيرا }‪.‬‬
‫يعنــي بذلك جلّ ثناؤه إن ْـ ُت ْبدُوا أيهـا الناس خيرا يقول‪ :‬إن تقولوا جميلً مـن القول لــمن‬
‫أحسن إلـيكم‪ ,‬فتظهروا ذلك شكرا منكم له علـى ما كان منه من حسن إلـيكم‪ ,‬أ ْو تُـخْفُوهُ‬
‫َنـ سـُوءٍ يقول‪ :‬أو تصـفحوا لــمن أسـاء‬
‫يقول‪ :‬أو تتركوا إظهار ذلك فل تبدوه‪ ,‬أوْ َتعْفُوا ع ْ‬
‫إلـيكم عن إساءته‪ ,‬فل تـجهروا له بـالسوء من القول الذي قد أذنت لكم أن تـجهروا له به‪.‬‬
‫ن اللّ هَ كا نَ عَفُوّا يقول‪ :‬لـم يزل ذا عفو عن خـلقه‪ ,‬يصفح لهم عمن عصاه وخالف أمره‪.‬‬
‫فإ ّ‬
‫قَدِيرا يقول‪ :‬ذا قدرة عل ـى النتقام من هم‪ .‬وإن ـما يعن ـي بذلك‪ :‬أن ال ل ـم يزل ذا ع فو عن‬
‫عبـاده مع قدرته علـى عقابهم علـى معصيتهم إياه‪ .‬يقول‪ :‬فـاعفوا أنتـم أيضا أيها الناس‬
‫عمن أتـى إلـيكم ظلـما‪ ,‬ول تـجهروا له بـالسوء من القول وإن قدرتـم علـى الساءة‬
‫إلـيه‪ ,‬كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته علـى عقابكم وأنتـم تعصونه وتـخالفون أمره‪ .‬وفـي‬
‫ن اللّ هَ كا نَ عَ ُفوّا َقدِيرا الدللة‬
‫خيْرا أ ْو تُ ـخْفُوهُ أوْ َتعْفُوا عَ نْ سُو ٍء فإ ّ‬
‫قوله جلّ ثناؤه‪ :‬إ نْ ُت ْبدُوا َ‬
‫ن ظُلِ ـمَ‬
‫ل إلّ مَ ْ‬
‫ب اللّ ُه ال ـجَ ْهرَ ب ـالسّوءِ ِم نَ القَوْ ِ‬
‫الواض حة عل ـى أن تأوي ـل قوله‪ :‬ل ُيحِ ّ‬
‫يحبـ ال الــجهر‬
‫ّ‬ ‫بخلف التأويــل الذي تأوّله زيـد ابـن أسـلـم فــي زعمـه أن معناه‪ :‬ل‬
‫بــالسوء مـن القول لهـل النفــاق‪ ,‬إل مـن أقام علــى نفــاقه‪ ,‬فإنـه ل بأس بــالـجهر له‬
‫خيْرا أ ْو تُـخْفُوهُ أ ْو َتعْفُوا‬
‫ل ثناؤه قال عقـيب ذلك‪ :‬إ نْ ُت ْبدُوا َ‬
‫بـالسوء من القول‪ .‬وذلك أنه ج ّ‬
‫ل ثناؤه لـم يأ مر الـمؤمنـين بـالعفو عن الـمنافقـين علـى‬
‫ع نْ سُوءٍ ومعقول أن ال ج ّ‬
‫َ‬
‫سمّوا من كان منهم معلن النفـاق منافقا‪ ,‬بل العفو عن ذلك مـما ل‬
‫نفـاقهم‪ ,‬ول نهاهم أن يُ َ‬
‫و جه له معقول‪ ,‬لن الع فو ال ـمفهوم إن ـما هو صفح ال ـمرء ع ما له قِبَل غيره من ح قّ‪,‬‬
‫وت سمية ال ـمنافق ب ـاسمه ل ـيس بح قّ ل حد قِبله ف ـيؤمر بعفوه ع نه‪ ,‬وإن ـما هو ا سم له‪,‬‬
‫وغير مفهوم المر بـالعفو عن تسمية الشيء بـما هو اسمه‪.‬‬

‫‪151-150‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَن يُ َفرّقُو ْا َبيْ نَ‬
‫ن بِاللّ هِ َورُ سُلِهِ َو ُيرِيدُو َ‬
‫ن َيكْ ُفرُو َ‬
‫{ِإ نّ اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سـبِيلً *‬
‫ِكـ َ‬
‫ْنـ ذَل َ‬
‫ُونـ أَن َي ّتخِذُو ْا َبي َ‬
‫ْضـ َو ُيرِيد َ‬
‫ْضـ َو َنكْ ُفرُ ِب َبع ٍ‬
‫ِنـ ِب َبع ٍ‬
‫ُونـ ُن ْؤم ُ‬
‫ُسـلِهِ وَيقُول َ‬
‫ّهـ َور ُ‬
‫الل ِ‬
‫عذَابا ّمهِينا }‪.‬‬
‫ع َت ْدنَا لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫ن حَقّا وَأَ ْ‬
‫أُوْلَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلكَا ِفرُو َ‬
‫ن اّلذِي نَ َيكْ ُفرُو نَ بـاللّهِ َورُ سُلِ ِه من الـيهود والنصارى‪َ ,‬و ُيرِيدُون‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إ ّ‬
‫ن يُ َفرّقُوا بـينَ الّلهِ َورُسُلِهِ بأن يكذّبوا رسل ال الذين أرسلهم إلـى خـلقه بوحيه‪ ,‬ويزعمون‬
‫أْ‬
‫أن هم افتروا عل ـى رب هم‪ ,‬وذلك هو مع نى إرادت هم التفري قَ ب ـين ال ور سله‪ ,‬بن ـحلتهم إيا هم‬
‫ض يعنـي أنهم‬
‫الكذب والفرية علـى ال‪ ,‬وادّعائهم علـيهم البـاطيـل‪َ .‬ويَقُولُو نَ ُن ْؤمِ نُ ِب َبعْ ٍ‬
‫يقولون‪ :‬نصدّق بهذا ونكذّب بهذا‪ ,‬كما فعلت الـيهود من تكذيبهم عيسى ومـحمدا صلـى ال‬
‫علـيهما وسلـم وتصديقهم بـموسى وسائر النبـياء قَبله بزعمهم‪ ,‬وكما فعلت النصارى من‬
‫تكذيبهـم مــحمدا صـلى ال عليـه وسـلم وتصـديقهم بعيسـى وسـائر النبــياء قَبله بزعمهـم‪.‬‬
‫سبِـيلً يقول‪ :‬ويريد الـمفرقون بـين ال ورسله‪ ,‬الزاعمون‬
‫خذُوا بـينَ ذَِلكَ َ‬
‫ن َيتّـ ِ‬
‫َو ُيرِيدُونَ أ َ‬
‫أنهـم يؤمنون ببعـض ويكفرون ببعـض‪ ,‬أن يتــخذوا بــين أضعاف قولهـم‪ :‬نؤمـن ببعـض‬
‫النبـياء ونكفر ببعض‪ ,‬سبـيلً‪ :‬يعنـي طريقا إلـى الضللة التـي أحدثوها والبدعة التـي‬
‫ابتدعو ها‪ ,‬يدعون أ هل ال ـجهر من الناس إل ـيه‪ .‬فقال جلّ ثناؤه لعب ـاده‪ ,‬منب ها ل هم عل ـى‬
‫ن حَقّا يقول‪ :‬أيها الناس هؤلء الذين وصفت لكم صفتهم‬
‫ضللتهم وكفرهم‪ :‬أُوَلئِ كَ هُ مُ الكا ِفرُو َ‬
‫هم أهل الكفربـي‪ ,‬الـمستـحقون عذابـي والـخـلو َد فـي ناري حقّا‪ ,‬فـاستـيقنوا ذلك‪,‬‬
‫ول يشككنكم فـي أمرهم انتـحالهم الكذب ودعواهم أنهم يقرّون بـما زعموا أنهم به مقرون‬
‫من الكتب والرسل‪ ,‬فإنهم فـي دعواهم ما ادّعوا من ذلك َكذَبةٌ‪ .‬وذلك أن الـمؤمن بـالكتب‬
‫والر سل‪ ,‬هو ال ـمصدّق بب عض ذلك وكذّب بب عض‪ ,‬ف هو لنبوّة من كذّب بب عض ما جاء به‬
‫جاحـد‪ ,‬ومـن جحـد نبوّة نبــيّ فهـو بـه مكذّب‪ .‬وهؤلء الذيـن جحدوا نبوّة بعـض النبــياء‬
‫وزعموا أنهم مصدّقون ببعض‪ ,‬مكذّبون من زعموا أنهم به مؤمنون‪ ,‬لتكذيبهم ببعض ما جاءهم‬
‫به من عند ربهم‪ ,‬فهم بـال وبرسله الذين يزعمون أنهم بهم مصدّقون‪ ,‬والذين يزعمون أنهم‬
‫بهم مكذّبون كافرون‪ ,‬فهم الـجاحدون وحدانـية ال ونبوّة أنبـيائه‪ ,‬حقّ الـجحود الـمكذّبون‬
‫بذلك حقّ التكذيب‪ ,‬فـاحذروا أن تغترّوا بهم وببدعتهم‪ ,‬فإنا قد أعتدنا لهم عذابـا مهينا‪.‬‬
‫عذَابـا ُمهِينا فإنه يعنـي‪ :‬وأعتدنا لـمن جحد بـال ورسوله‬
‫ع َتدْنا للكا ِفرِي نَ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَأ ْ‬
‫جحود هؤلء الذ ين و صفت ل كم أي ها الناس أمر هم من أ هل الكتاب ولغير هم من سائر أجناس‬
‫الكفـار عذابـا فـي الَخرة مهينا‪ ,‬يعنـي‪ :‬يهين من عذّب به بخـلوده فـيه‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫‪ 8557‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ن نُ ْؤمِ نُ ِب َبعْ ضٍ َو َنكْ ُفرُ‬
‫ن اللّ هِ َورُ سُلِهِ َويَقُولُو َ‬
‫ن أ نْ ُي َفرّقُوا ب ـي َ‬
‫َيكْ ُفرُو نَ ب ـاللّهِ َورُ سُلِهِ َو ُيرِيدُو َ‬
‫ع َتدْ نا للْكا ِفرِي نَ‬
‫سبِـيلً أُوَلئِ كَ هُ مُ الكافِرُو نَ حَقّا وأ ْ‬
‫ك َ‬
‫ن َيتّ ـخِذُوا ب ـينَ ذَل َ‬
‫نأ ْ‬
‫ِب َبعْ ضٍ َويُرِيدُو َ‬
‫عذَابـا ُمهِينا أولئك أعداء ال الـيهود والنصارى‪ ,‬آمنت الـيهود بـالتوراة وموسى وكفروا‬
‫َ‬
‫بـالنـجيـل وعيسى وآمنت النصارى بـالنـجيـل وعيسى وكفروا بـالقرآن وبـمـحمد‬
‫صـلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فــاتـخذوا الــيهودية والنصـرانـية‪ ,‬وهمـا بدعتان لــيستا من ال‪,‬‬
‫وتركوا السلم وهو دين ال الذي بعث به رسله‪.‬‬
‫‪ 8558‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن يُ َفرّقُوا بـينَ الّلهِ َورُسُلِ ِه يقولون‪ :‬مـحمد‬
‫ن اّلذِينَ َيكْ ُفرُونَ بـاللّهِ َو ُرسُلِهِ َو ُيرِيدُونَ أ ْ‬
‫السديّ‪ :‬إ ّ‬
‫ل ل وتقول الــيهود‪ :‬عيسـى لــيس برسـولٍ ل‪ ,‬فقـد فرّقوا بــين ال وبــين‬
‫لــيس برسـو ٍ‬
‫ن نُ ْؤ ِمنُ ِب َبعْضٍ َو َنكْ ُفرُ ِب َبعْضٍ فهؤلء يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض‪.‬‬
‫رسله‪َ .‬ويَقُولُو َ‬
‫‪8559‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬إنّ‬
‫سبِـيلً قال‪ :‬ال ـيهود والن صارى‪:‬‬
‫اّلذِي نَ َيكْ ُفرُو نَ ب ـاللّهِ َورُ سُلِهِ‪ ...‬إل ـى قوله‪ :‬ب ـينَ ذَلِ كَ َ‬
‫آمنت الـيهود بعزير وكفرت بعيسى‪ ,‬وآمنت النصارى بعيسى وكفرت ب ُعزَير‪ ,‬وكانوا يؤمنون‬
‫سبِـيلً قال‪ :‬دِينا يدينون به‬
‫ك َ‬
‫ن ذَلِ َ‬
‫خذُوا بـي َ‬
‫ن َيتّـ ِ‬
‫بـالنبـيّ ويكفرون بـالَخر‪َ .‬و ُيرِيدُو نَ أ ْ‬
‫ال‪.‬‬

‫‪152‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدٍ ّم ْنهُ مْ‬
‫ن َأ َ‬
‫{وَاّلذِي نَ آ َمنُواْ بِالّل هِ َورُ سُلِهِ وَلَ ْم يُ َفرّقُو ْا َبيْ َ‬ ‫القول فــي تأوي ـل قوله تعالــى‪:‬‬
‫غفُورا ّرحِيما }‪.‬‬
‫ن اللّهُ َ‬
‫أُوْلَـ ِئكَ سَ ْوفَ ُي ْؤتِيهِ ْم ُأجُورَ ُهمْ َوكَا َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬والذيـن صـدّقوا بوحدانــية ال‪ ,‬وأقرّوا بنبوّة رسـله أجمعيـن‪,‬‬
‫يعنــي بذلك ج ّ‬
‫حدٍ ِم ْنهُمْ يقول‪:‬‬
‫نأَ‬
‫وصدّقوهم فـيـما جاءوهم به من عند ال من شرائع دينه ولَـمْ يُ َف ّرقُوا بـي َ‬
‫ولـم يكذّبوا بعضهم‪ ,‬ويصدّقوا بعضهم‪ ,‬ولكنهم أقرّوا أن كلّ ما جاءوا به من عند ربهم ح قّ‪.‬‬
‫أوَلئِ كَ يقول‪ :‬هؤلء الذ ين هذه صفتهم من ال ـمؤمنـين ب ـال ور سله‪ ,‬سَ ْوفَ يُ ْؤتِ ـي ِهمْ يقول‪:‬‬
‫سوف يعطي هم ُأجُورَهُ مْ يعن ـي‪ :‬جزاء هم‪ ,‬وثواب هم عل ـى ت صديقهم الر سل ف ـي توح يد ال‬
‫غفُورا يقول‪ :‬يغ فر ل ـمن ف عل ذلك من‬
‫ن اللّ هُ َ‬
‫وشرائع دي نه و ما جاءت به من ع ند ال‪ .‬وكا َ‬
‫خـلقه ما سلف له من آثامه‪ ,‬فـيستر علـيه بعفوه له عنه وتركه العقوبة علـيه‪ ,‬فإنه لـم‬
‫غفُورا َرحِيـما‪ ,‬يعنـي‪ :‬ولـم يزل بهم رحيـما‬
‫يزل لذنوب الـمنـيبـين إلـيه من خـلقه َ‬
‫بتفضله علـيهم الهداية إلـى سبـيـل الـحقّ وتوفـيقه إياهم لـما فـيه خلص رقابهم من‬
‫النار‪.‬‬

‫‪153‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَآ ِء فَ َقدْ‬
‫ن ال ّ‬
‫سأَُلكَ أَهْلُ ا ْل ِكتَا بِ أَن ُت َنزّلَ عََل ْيهِ مْ ِكتَابا مّ َ‬
‫{يَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫خذُواْ ا ْل ِعجْلَ مِن‬
‫خ َذتْ ُهمُ الصّاعِ َقةُ ِبظُ ْل ِمهِ ْم ُثمّ ا ّت َ‬
‫ج ْهرَةً َفَأ َ‬
‫ى َأ ْكبَرَ مِن ذَِلكَ فَقَالُوَ ْا َأ ِرنَا اللّ ِه َ‬
‫سأَلُواْ مُوسَ َ‬
‫َ‬
‫سىَ سُلْطَانا ّمبِينا }‪.‬‬
‫َب ْعدِ مَا جَآ َء ْت ُهمُ ا ْل َب ّينَاتُ َفعَفَ ْونَا عَن ذَِلكَ وَآ َت ْينَا مُو َ‬
‫ِتابـ يعنــي بذلك‪ :‬أهـل التوراة مـن‬
‫ل الك ِ‬
‫ك يـا مــحمد أهْ ُ‬
‫َسـئَل َ‬
‫يعنــي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬ي ْ‬
‫ن السّماءِ‪.‬‬
‫ن ُت َنزّلَ عَلَـ ْي ِهمْ كِتابـا مِ َ‬
‫الـيهود‪ ,‬أ ْ‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الكتاب الذي سأل ال ـيهود م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم أن‬
‫ينزل علـيهم من السماء‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬سألوه أن ينزل علـيهم كتابـا من السماء مكتوبـا‪,‬‬
‫كما جاء موسى بنـي إسرائيـل بـالتوراة مكتوبة من عند ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8560‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن ال سّما ِء قالت ال ـيهود‪ :‬إن ك نت‬
‫ل الكتا بِ أ نْ ُت َنزّلَ عَلَ ـ ْي ِهمْ كِتاب ـا مِ َ‬
‫عن ال سديّ‪ :‬يَ سْئَُلكَ أهْ ُ‬
‫صادقا أنك رسول ال‪ ,‬فأتنا كتابـا مكتوبـا من السماء كما جاء به موسى‪.‬‬
‫‪ 8561‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫كعب القرظي‪ ,‬قال‪ :‬جاء أناس من الـيهود إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن‬
‫مو سى جاء ب ـاللواح من ع ند ال‪ ,‬فأت نا ب ـاللواح من ع ند ال حت ـى ن صدّقك فأنزل ال‪:‬‬
‫ن ال سّماءِ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬وقَوِْلهِ مْ علـى َم ْريَـمَ‬
‫ن ُت َنزّلَ عَلَـ ْيهِمْ كِتابـا مِ َ‬
‫ل الكتا بِ أ ْ‬
‫سئَُلكَ أهْ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫عظِيـما‪.‬‬
‫ُبهْتانا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل سألوه أن ينزّل علـيهم كتابـا خاصة لهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8562‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يَ سْئَُلكَ أهْلُ‬
‫ن ال سّماءِ أي كتابـا خاصة فَ َقدْ سألُوا مُو سَى أ ْك َبرَ مِ نْ ذَلِ كَ‬
‫ن ُت َنزّلَ عَلَـ ْيهِمْ كِتابـا ِم َ‬
‫الكتا بِ أ ْ‬
‫ج ْهرَةً‪.‬‬
‫فَقالُوا أرِنا الّلهَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل سـألوه أن ينزّل علــى رجال منهـم بأعيانهـم كتبــا بــالمر بتصـديقه‬
‫واتبـاعه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8563‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫يَس ْـئَلُكَ أ ْهلُ الكتابِـ أن ْـ ُت َنزّلَ عَلَــْيهِمْ كِتابــا مِنَـ السـّما ِء وذلك أن الــيهود والنصـارى أتوُا‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬لن نتابعك علـى ما تدعونا إلـيه‪ ,‬حتـى تأتـينا بكتاب‬
‫من عند ال إلـى فلن أنك رسول ال‪ ,‬وإلـى فلن بكتاب أنك رسول ال قال ال جلّ ثناؤه‪:‬‬
‫ن ال سّما ِء فَ َقدْ سألُوا مُو سَى أ ْكبَرَ ِم نَ ذَلِ كَ فقالُوا‬
‫سئَلُكَ أ ْهلُ الكتا بِ أ نْ ُت َنزّلَ عَلَـ ْيهِمْ كِتابـا مِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ج ْهرَةً‪.‬‬
‫أرِنا ال َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال‪ :‬إن أهل التوراة سألوا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أن يسأل ربه أن ينزّل علـيهم كتابـا من السماء آية‪ ,‬معجزة جميع‬
‫الـخـلق عن أن يأتوا بـمثلها‪ ,‬شاهدة لرسول ال صلى ال عليه وسلم بـالصدق‪ ,‬آمرة لهم‬
‫ب ـاتبـاعه‪ .‬وجائز أن يكون الذي سألوه من ذلك كتاب ـا مكتوب ـا ينزل عل ـيهم من ال سماء‬
‫إلــى جماعتهـم‪ ,‬وجائز أن يكون ذلك كتبــا إلــى أشخاص بأعينهـم‪ .‬بـل الذي هـو أولــى‬
‫بظا هر التلوة أن تكون م سألتهم إياه ذلك كا نت م سألة ل ـينزل الكتاب الوا حد إل ـى جماعت هم‬
‫ب أ نْ ُت َنزّلَ‬
‫ل الكتا ِ‬
‫سئَُلكَ أهْ ُ‬
‫لذ كر ال تعال ـى ف ـي خبره عن هم الكتاب بل فظ الوا حد‪ ,‬بقوله‪ :‬يَ ْ‬
‫ن السّماءِ ولـم يقل‪« :‬كتبـا»‪.‬‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ كِتابـا مِ َ‬
‫ن ذَلِ كَ فإ نه توب ـيخ من ال جلّ ثناؤه سائلـي الكتاب‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فَ َقدْ سألُوا مُو سَى أ ْك َبرَ مِ ْ‬
‫الذي سألوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن ينزّله عل ـيهم من ال سماء ف ـي م سألتهم إياه‬
‫ذلك‪ ,‬وتقريع منه لهم‪ .‬يقول لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا مـحمد ل يعظمنّ علـيك مسألتهم‬
‫ذلك‪ ,‬فإنهم من جهلهم بـال وجراءتهم علـيه واغترارهم بحلـمه‪ ,‬لو أنزل تُ علـيهم الكتاب‬
‫الذي سـألوك أن تنزله علــيهم‪ ,‬لــخالفوا أمـر ال كمـا خالفوه بعـد إحياء ال أوائلهـم مـن‬
‫صعْقتهم‪ ,‬فعبدوا الع جل‪ ,‬وات ـخذوه إل ها يعبدو نه من دون خالق هم وب ـارئهم الذي أرا هم من‬
‫َ‬
‫ص ال‬
‫قدر ته وعظي ـم سلطانه ما أرا هم لن هم لن يعدوا أن يكونوا كأوائل هم وأ سلفلهم‪ .‬ثم ق ّ‬
‫ك يعنـي‪ :‬فقد سأل‬
‫من قصتهم وقصة موسى ما ق صّ‪ ,‬يقول ال‪ :‬فَ َقدْ سألُوا مُو سَى أ ْكبَ َر مِ نْ ذَلِ َ‬
‫أسلف هؤلء الـيهود وأوائلهم موسى علـيه السلم أعظم مـما سألوك من تنزيـل كتاب‬
‫ج ْهرَةً‪ :‬أي عيانا نعاينه وننظر إلـيه‪ .‬وقد أتـينا علـى‬
‫علـيهم من السماء فقالوا له أرِنا الّل هَ َ‬
‫معنى الـجهرة بـما فـي ذلك من الرواية والشواهد علـى صحة ما قلنا فـي معناه فـيـما‬
‫مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫وقد ذكر عن ابن عبـاس أنه كان يقول فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 8564‬ـ حدثن ـي به ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن هارون بن‬
‫موسى‪ ,‬عن عبد الرحمن بن إسحاق‪ ,‬عن عبد الرحمن بن معاوية‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي هذه‬
‫ج ْهرَةً أرِنا الّلهَ قال‪ :‬هو مقدّم ومؤخّر‪.‬‬
‫الَية‪ ,‬قال‪ :‬إنهم إذا رأوه فقد رأوه‪ ,‬إنـما قالوا‪َ :‬‬
‫وكان ابن عبـاس يتأوّل ذلك أن سؤالهم موسى كان جهرة‪.‬‬
‫خ َذ ْتهُ مُ ال صّاعِ َقةُ فإ نه يقول‪ :‬ف صعقوا بظل ـمهم أنف سهم‪ ,‬وظل ـمهم أنف سهم كان‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فَأ َ‬
‫مسألتهم موسى أن يريهم ربهم جهرة‪ ,‬لن ذلك مـما لـم يكن لهم مسألته‪ .‬وقد بـيّنا معنى‬
‫الصاعقة فـيـما مضى بـاختلف الـمختلفـين فـي تأويـلها والدلـيـل علـى أولـى ما‬
‫قـيـل فـيها بـالصواب‪.‬‬
‫خذُوا ال ِعجْلَ فإنه يعنـي‪ :‬ثم اتـخذ هؤلء الذين سألوا موسى ما سألوه من‬
‫وأما قوله‪ :‬ثُمّ اتّـ َ‬
‫ل الذي كان السامريّ نبذ فـيه‬
‫رؤية ربهم جهرة‪ ,‬بعد ما أحياهم ال‪ ,‬فبعثهم من صعقتهم‪ ,‬ال ِعجْ َ‬
‫ما نبذ من القبضة التـي قبضها من أثر فرس جبريـل علـيه السلم‪ ,‬إلها يعبدونه من دون‬
‫ال‪ .‬و قد أت ـينا عل ـى ذ كر ال سبَب الذي من أجله ات ـخذوا الع جل وك يف كان أمر هم وأمره‬
‫فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬مِ نْ َب ْعدِ ما جا َء ْتهُ مُ البَـيّناتُ يعنـي‪ :‬من بعد ما جاءت هؤلء الذين سألوا موسى ما‬
‫سألوا الب ـيناتُ من ال‪ ,‬والدلل تُ الواضحات بأن هم لن يروا ال عيا نا جهارا‪ .‬وإن ـما ع نى‬
‫ب ـالبـينات‪ :‬أن ها آيات تب ـين عن أن هم لن يروا ال ف ـي أيام حيات هم ف ـي الدن ـيا جهرة‪,‬‬
‫وكا نت تلك الَيات الب ـينات ل هم عل ـى أن ذلك كذلك‪ ,‬إ صعاق ال إيا هم ع ند م سألتهم مو سى‬
‫أن يري هم ر به جهرة‪ ,‬ثم إحياءه إيا هم ب عد م ـماتهم مع سائر الَيات الت ـي أرا هم ال دللة‬
‫ونقصـ عقولهـم‬
‫َ‬ ‫علــى ذلك‪ .‬يقول ال مقبحـا إلــيهم فعلَهـم ذلك وموضحـا لعبــاده جهلهـم‬
‫وأحلمهم‪ :‬ثم أقرّوا للعجل بأنه لهم إله‪ ,‬وهم يرونه عيانا وينظرون إلـيه جهارا‪ ,‬بعد ما أراهم‬
‫رب هم من الَيات الب ـينات ما أرا هم‪ ,‬أن هم ل يرون رب هم جهرة وعيا نا ف ـي حيات هم الدن ـيا‪,‬‬
‫فعكفوا علـى عبـادته مصدّقـين بألوهته‪.‬‬
‫ن ذَلِ كَ يقول‪ :‬فعفو نا ل َع َبدَة العجل عن عبـادتهم إياه‪ ,‬وللـمصدّقـين من هم‬
‫وقوله‪َ :‬فعَفَوْ نا عَ ْ‬
‫بأ نه إله هم‪ ,‬ب عد الذي أرا هم ال أن هم ل يرون رب هم ف ـي حيات هم من الَيات ما أرا هم عن‬
‫ت صديقهم بذلك ب ـالتوبة الت ـي تابو ها إل ـى رب هم بقتل هم أنف سَهم و صبرهم ف ـي ذلك عل ـى‬
‫أمـر ربهـم‪ .‬وآتَ ـيْنا مُوسـَى سُلْطانا ُمبِــينا يقول‪ :‬وآتــينا مو سى ح جة تبــين عن صـدقه‬
‫وحقـية نبوّته‪ ,‬وتلك الـحجة هي الَيات البـينات التـي آتاه ال إياها‪.‬‬
‫‪154‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫{ َو َر َفعْنَا فَ ْوقَهُ مُ الطّورَ ِبمِيثَاقِهِ مْ َوقُلْنَا َلهُ ُم ا ْدخُلُواْ ا ْلبَا بَ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫خ ْذنَا ِم ْن ُهمْ مّيثَاقا غَلِيظا }‪..‬‬
‫سبْتِ وََأ َ‬
‫سجّدا َوقُ ْلنَا َل ُهمْ لَ َت ْعدُو ْا فِي ال ّ‬
‫ُ‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪َ :‬و َرفَعْنـا فَ ْو َقهُم ُـ الطّو َر يعنــي‪ :‬الــجبل‪ ,‬وذلك لــما أمتنعوا مـن‬
‫العمل بـما فِـي التوراة‪ ,‬وقبول ما جاءهم به موسى فـيها‪ .‬بِـمِيثا ِق ِهمْ يعنـي‪ :‬بـما أعطوا‬
‫سجّدا يعن ـي‪:‬‬
‫ال ال ـميثاق والع هد‪ :‬لنعمل نّ ب ـما ف ـي التوراة‪َ .‬وقُلْ نا َلهُ مُ ا ْدخُ ـلُوا الب ـابَ ُ‬
‫بـاب حطة‪ ,‬حين أُمروا أن يدخـلوا منه سجودا‪ ,‬فدخـلوا يزحفون علـى أستاههم‪َ .‬وقُلْنا َلهُمْ‬
‫سبْتِ‪ :‬ل تتـجاوزوا فـي يوم السبت ما‬
‫سبْتِ يعنـي بقوله‪ :‬ل َت ْعدُوا فِـي ال ّ‬
‫ل َت ْعدُوا فِـي ال ّ‬
‫أبـيح لكم إلـى ما لـم يبح لكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8565‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وقُلْنا َلهُ مُ‬
‫سجّدا قال‪ :‬كنا نـحدّث أنه بـاب من أبواب بـيت الـمقدس‪.‬‬
‫ا ْدخُـلوا البـابَ ُ‬
‫سبْتِ أمر القوم أن ل يأكلوا الـحيتان يوم السبت ول يعرضوا لها‪,‬‬
‫َوقُلْنا َلهُمْ ل َت ْعدُوا فِـي ال ّ‬
‫ل لهم ما وراء ذلك‪.‬‬
‫وأح ّ‬
‫سبْتِ‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء أم صار ال سلم‪ :‬ل َت ْعدُوا فِ ـي ال ّ‬
‫ق فــيه‪ ,‬أعدو‬
‫بتــخفـيف الع ين من قول القائل‪ :‬عدوت ف ـي المـر‪ :‬إذا ت ـجاوزت ال ـح ّ‬
‫عدَاءً‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الـمدينة‪َ « :‬وقُلْنا َلهُمْ ل َت ْعدّوا» بتسكين العين‬
‫عدْوانا و َ‬
‫عدْوا و ُ‬
‫َ‬
‫وتشديد الدال والـجمع بـين ساكنـين‪ ,‬بـمعنى‪« :‬تعتدوا» ثم تدغم التاء فـي الدال فتصير‬
‫خذْنا ِم ْنهُمْ مِيثاقا‬
‫ن ل َي ْهدّي بتسكين الهاء‪ .‬وقوله وأ َ‬
‫دالً مشددة مضمومة‪ ,‬كما قرأ من قرأ‪ :‬أمْ ّم ْ‬
‫غَلِـيظا يعنـي‪ :‬عهدا مؤكدا شديدا‪ ,‬بأنهم يعملون بـما أمرهم ال به وينتهون عما نهاهم ال‬
‫عنه مـما ذكره فـي هذه الَية ومـما فـي التوراة‪ .‬وقد بـينا فـيـما مضى السبب الذي‬
‫من أجله كانوا أمروا بدخول البـاب سجدا‪ ,‬وما كان من أمرهم فـي ذلك‪ ,‬وخبرهم وقصتهم‪,‬‬
‫وقصة السبت‪ ,‬وما كان اعتداؤهم فـيه‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته لفـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ت اللّ هِ َو َقتْلِهِ مُ ال ْنبِيَآءَ‬
‫{ َف ِبمَا نَ ْقضِهِ مْ مّيثَا َقهُ مْ َوكُ ْفرِهِم بَآيَا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن ِإلّ قَلِيلً }‪..‬‬
‫طبَعَ الّلهُ عََل ْيهَا ِبكُ ْفرِهِمْ فَلَ ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫ف بَلْ َ‬
‫حقّ َوقَوِْل ِهمْ قُلُو ُبنَا غُ ْل ٌ‬
‫ِب َغيْرِ َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فبن قض هؤلء الذ ين و صفت صفتهم من أ هل الكتاب ميثاق هم‪ ,‬يعن ـي‬
‫يعن ـي ج ّ‬
‫عهودهم التـي عاهدوا ال أن يعملوا بـما فـي التوراة‪ .‬وكُ ْفرِهِ مْ بآيا تِ الّل هِ يقول‪ :‬وجحودهم‬
‫ج بها علـيهم فـي صدق أنبـيائه ورسله‪,‬‬
‫بآيات ال‪ ,‬يعنـي‪ :‬بأعلم ال وأدلته التـي احتـ ّ‬
‫حقَ يقول‪ :‬وبقتلهم النبـياء بعد قـيام‬
‫وحقـية ما جاءوهم به من عنده‪َ .‬و َقتِْل ِهمُ ال ْنبِـيا َء بغيرِ َ‬
‫ال ـحجة عل ـيهم بنبوّت هم بغ ير ح قّ‪ ,‬يعن ـي‪ :‬بغ ير ا ستـحقاق من هم ذلك لكب ـيرة أتو ها ول‬
‫خطيئة ا ستوجبوا الق تل عل ـيها‪ .‬وقول هم‪ :‬قُلُوبُ نا غُلْ فٌ يعن ـي‪ :‬وبقول هم‪ :‬قلوب نا غلف‪ ,‬يعن ـي‬
‫يقولون‪ :‬عل ـيها غشاوة وأغط ية ع ما تدعو نا إل ـيه‪ ,‬فل نَ ْفقَ ُه ما تقول‪ ,‬ول نعقله‪ .‬و قد ب ـينا‬
‫طبَ عَ الّل هُ عَلَ ـيْها‬
‫مع نى الغلف‪ ,‬وذكر نا ما ف ـي ذلك من الروا ية ف ـيـما م ضى ق بل‪ .‬بَلْ َ‬
‫ِبكُ ْفرِهِ مْ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬كذبوا فـي قولهم قلوبنا غلف‪ ,‬ما هي بغلف ول علـيها أغطية ولكن‬
‫ل ثناؤه جعل علـيها طابعا بكفرهم بـال‪ .‬وقد بـينا صفة الطبع علـى القلب فـيـما‬
‫ال ج ّ‬
‫ن إلّ قَلِـيلً يقول‪ :‬فل يؤمن هؤلء الذين وصف ال‬
‫مضى بـما أغنى عن إعادته‪ .‬فَل ُي ْؤمِنو َ‬
‫صفتهم لطبعه علـى قلوبهم‪ ,‬فـيصدّقوا بـال ورسله وما جاءتهم به من عند ال إل إيـمانا‬
‫قلـيلً‪ ,‬يعنـي‪ :‬تصديقا قلـيلً‪ .‬وإنـما صار قلـيلً لنهم لـم يصدقوا علـى ما أمرهم ال‬
‫به‪ ,‬ولكن صدّقوا ببعض النبـياء وببعض الكتب وكذّبوا ببعض‪ ,‬فكان تصديقهم بـما صدّقوا‬
‫به قل ـيلً‪ ,‬لن هم وإن صدّقوا به من و جه‪ ,‬ف هم به مكذّبون من و جه آ خر‪ .‬وذلك من و جه‬
‫تكذيب هم من كذّبوا به من النب ـياء و ما جاءوا به من ك تب ال ور سل ال ي صدّق بعض هم‬
‫بعضا‪ ,‬وبذلك أمر كلّ نبـيّ أمته‪ ,‬وكذلك كتب ال يصدّق بعضها بعضا ويحقق بعض بعضا‪,‬‬
‫فــالـمكذّب ببعضهـا مكذّب بجميعهـا مـن جهـة جحوده مـا صـدّقه الكتاب الذي يقرّ بصـحته‪,‬‬
‫فلذلك صار إيـمانهم بـما آمنوا من ذلك قلـيلً‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8566‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‪َ :‬فبِـما‬
‫طبَ عَ اللّ هُ‬
‫ل َ‬
‫ضهِ مْ مِيثا َقهُ مْ يقول‪ :‬فبنقض هم ميثاقَ هم لعنا هم َوقَوْلهِ مْ قُلُوبُ نا غُلْ فٌ‪ :‬أي ل نف قه‪ ,‬بَ ْ‬
‫نَ ْق ِ‬
‫عَلَـيْها ِبكُ ْفرِ ِهمْ ولعنهم حين فعلوا ذلك‪.‬‬
‫واختلف فـي معنى قوله‪َ :‬فبِـما نَ ْقضِهِ مْ‪ ...‬الَية‪ ,‬هل هو مواصل لـما قبله من الكلم‪ ,‬أو‬
‫هو منفصل منه؟ فقال بعضهم‪ :‬هو منفصل مـما قبله‪ ,‬ومعناه‪ :‬فبنقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات‬
‫طبَ عَ الّل هُ عَلَـيْها بكُ ْفرِهِ مْ ولعنهم‪ .‬ذكر‬
‫ف بَلْ َ‬
‫ال وقتلهم النبـياء بغير ح قّ َوقَوْلهِ مْ قُلُوبُنا غُلْ ٌ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8567‬ـ حدثنا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فَل يُ ْؤ ِمنُو نَ إلّ‬
‫قَلِــيلً لــما ترك القوم أمـر ال‪ ,‬وقتلوا رسـله‪ ,‬وكفروا بآياتـه‪ ,‬ونقضوا الــميثاق الذي أخـذ‬
‫طبَعَ الّلهُ عَلَـيْها ِبكُ ْفرِ ِهمْ ولعنهم‪.‬‬
‫علـيهم‪َ .‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو موا صل لـما قبله قالوا‪ :‬ومعنى الكلم‪ :‬فأخذت هم الصاعقة بظل ـمهم‪,‬‬
‫فبنقضهم ميثاقَهم‪ ,‬وكفرهم بآيات ال‪ ,‬وبقتلهم النبـياء بغير ح قّ وبكذا وكذا أخذتهم الصاعقة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فتبـع الكلم بعضـه بعضـا‪ ,‬ومعناه مردود إلــى أوّله‪ .‬وتفسـير ظلــمهم الذي أخذتهـم‬
‫الصاعقة من أجله بـما فسر به تعالـى ذكره مِن نقضهم الـميثاق‪ ,‬وقتلهم النبـياء‪ ,‬وسائر‬
‫ما بـين من أمرهم الذي ظلـموا فـيه أنفسهم‪.‬‬
‫ضهِ مْ مِيثاقَهُ مْ و ما بعده منف صل معناه من‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك أن قوله‪َ :‬فبِ ـما نَ ْق ِ‬
‫معنى ما قبله وأ نّ معنى الكلم‪ :‬فبـما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات ال‪ ,‬وبكذا وبكذا‪ ,‬لعنّاهم‬
‫طبَ عَ الّل هُ عَلَـيْها ِبكُ ْفرِهِ مْ علـى معنى‬
‫وغضبنا علـيهم‪ ,‬فترك ذكر «لعناهم» لدللة قوله‪ :‬بَلْ َ‬
‫ذلك‪ ,‬إذ كان مَن طبع علـى قلبه فقد لُعن وسُخط علـيه‪.‬‬
‫وإن ـما قل نا ذلك أول ـى ب ـالصواب‪ ,‬لن الذ ين أخذت هم ال صاعقة إن ـما كانوا عل ـى ع هد‬
‫موسى والذين قتلوا النبـياء والذين َرمَوْا مريـم بـالبهتان العظيـم‪ ,‬وقالوا‪ :‬قتلنا الـمسيحَ‪,‬‬
‫كانوا ب عد مو سى بد هر طوي ـل‪ ,‬ول ـم يدرك الذ ين َرمَوْا مري ـم ب ـالبهتان العظي ـم زمان‬
‫صعِق من قو مه‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فمعلوم أن الذ ين أخذت هم ال صاعقة ل ـم‬
‫مو سى ول مَن ُ‬
‫تأخذهم عقو بة ِلرَمي هم مري ـم ب ـالبهتان العظيـم‪ ,‬ول لقول هم‪ :‬إنا قتل نا الـمسيح عي سى ا بن‬
‫مريــم‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فبــين أن القوم الذيـن قالوا هذه الــمقالة‪ ,‬غيـر الذيـن عوقبوا‬
‫ضهِ ْم مِيثا َقهُ مْ من‬
‫ب ـالصاعقة‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان ب ـينا انف صال مع نى قوله‪ :‬فَبِ ـما نَ ْق ِ‬
‫معنى قوله‪ :‬فَأخَ َذ ْت ُهمُ الصّاعِقَ ُة ِبظُلْـ ِم ِهمْ‪.‬‬

‫‪156‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عظِيما }‪..‬‬
‫{ َو ِبكُ ْفرِ ِهمْ َوقَوِْل ِهمْ عََلىَ َم ْر َيمَ ُب ْهتَانا َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يعن ـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وبك فر هؤلء الذ ين و صف صفتهم َوقَوْلِه مْ عَل ـى َم ْريَ ـمَ ُبهْتا نا‬
‫عظِيـما يعنـي‪ :‬بفِريتهم علـيها‪ ,‬و َرمْيهم إياها بـالزنا‪ ,‬وهو البهتان العظيـم لنهم رموها‬
‫َ‬
‫بذلك وهي مـما رموها به بغير ثبْت ول برهان بريئة‪ ,‬فبهتوها بـالبـاطل من القول‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8568‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عظِيـما يعنـي‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وقَوِْلهِمْ علـى َم ْريَـمَ ُبهْتانا َ‬
‫أنهم رموها بـالزنا‪.‬‬
‫‪ 8569‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط عن‬
‫عظِيـما حين قذفوها بـالزنا‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬قوله‪َ :‬وقَوِْل ِهمْ علـى َم ْريَـمَ ُبهْتانا َ‬
‫‪ 8570‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعل ـى بن عب ـيد‪ ,‬عن جو يبر‬
‫عظِيـما قال‪ :‬قالوا زنت‪.‬‬
‫فـي قوله‪َ :‬وقَوِْل ِهمْ علـى َم ْريَـمَ ُبهْتانا َ‬
‫‪157‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل اللّ هِ‬
‫ن َمرْيَ مَ رَ سُو َ‬
‫{ َوقَوِْلهِ ْم إِنّا َقتَلْنَا ا ْلمَ سِيحَ عِي سَى ابْ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ختَلَفُو ْا فِي هِ لَفِي شَ كّ ّمنْ ُه مَا َلهُ مْ بِ ِه مِ نْ عِلْ مٍ‬
‫ناْ‬
‫شبّ َه َلهُ مْ وَِإ نّ اّلذِي َ‬
‫َومَا َقتَلُو هُ َومَا صََلبُو ُه وَلَـكِن ُ‬
‫ِإلّ ا ّتبَاعَ الظّنّ َومَا َقتَلُوهُ يَقِينا }‪..‬‬
‫ن َم ْريَـمَ رَ سُولَ الّل هِ‪ .‬ثم كذّبهم‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وبِ َقوْلِه مْ أنّا َقتَلْنا الـمَسِيحَ عِي سَى ابْ َ‬
‫شبّ َه َلهُ مْ يعنـي‪ :‬وما قتلوا عيسى وما‬
‫ال فـي قِـيـلهم‪ ,‬فقال‪ :‬وَما قَتَلُو هُ وَما صََلبُوهُ وََلكِ نْ ُ‬
‫صلبوه‪ ,‬ولكن شبّه لهم‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي صـفة التشبــيه الذي شُبّه للــيهود فــي أمـر عيسـى‪ ,‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬لـما أحاطت الـيهود به وبأصحابه‪ ,‬أحاطوا بهم‪ ,‬وهم ل يثبتون معرفة عيسى بعينه‪,‬‬
‫وذلك أن هم جمي عا حُوّلوا ف ـي صورة عي سى‪ ,‬فأش كل عل ـى الذ ين كانوا يريدون ق تل عي سى‪,‬‬
‫عي سى من غيره من هم‪ ,‬وخرج إل ـيهم ب عض من كان ف ـي الب ـيت مع عي سى‪ ,‬فقتلوه و هم‬
‫يحسبونه عيسى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8571‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب القميّ‪ ,‬عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن وهب بن منبه‪,‬‬
‫قال‪ :‬أت ـى عي سى وم عه سبعة ع شر من ال ـحواريـين ف ـي ب ـيت‪ ,‬وأحاطوا ب هم‪ ,‬فل ـما‬
‫دخـلوا علـيهم صوّرهم ال كلهم علـى صورة عيسى‪ ,‬فقالوا لهم‪ :‬سحرتـمونا لتبرزنّ لنا‬
‫عيسى أو لنقتَلنّكم جميعا فقال عيسى لصحابه‪ :‬من يشتري نفسه منكم الـيوم بـالـجنة؟ فقال‬
‫رجل منهم‪ :‬أنا‪ .‬فخرج إلـيهم فقال‪ :‬أنا عيسى وقد صوّره ال علـى صورة عيسى‪ ,‬فأخذوه‬
‫فقتلوه و صلبوه‪ .‬ف من ث مّ شُبّه ل هم وظنوا أن هم قد قتلوا عي سى‪ ,‬وظ نت الن صارى م ثل ذلك أ نه‬
‫عيسى‪ ,‬ورفع ال عيسى من يومه ذلك‪.‬‬
‫وقد رُوي عن وهب بن منبه غير هذا القول‪ ,‬وهو ما‪:‬‬
‫حدثن ـي به ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيـل بن ع بد الكري ـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثنـي عبد الصمد بن َمعْقِل‪ ,‬أنه سمع وهبـا يقول‪ :‬إن عيسى ابن مريـم لـما أعلـمه ال أنه‬
‫خارج من الدن ـيا جزع من ال ـموت وش قّ عل ـيه‪ ,‬فد عا ال ـحواريـين و صنع ل هم طعا ما‪,‬‬
‫فقال‪ :‬احضُرون ـي الل ـيـلة‪ ,‬فإن ل ـي إل ـيكم حا جة فل ـما اجت ـمعوا إل ـيه من الل ـيـل‬
‫ض ُئهُ ْم ب ـيده وي ـمسح‬
‫عشّا هم‪ ,‬وقام يخدم هم‪ ,‬فل ـما فرغوا من الطعام أ خذ يغ سل أيدي هم ويو ّ‬
‫َ‬
‫أيدي هم بث ـيابه‪ ,‬فتعاظموا ذلك وتكارهوه‪ ,‬فقال‪ :‬أل من ردّ عل ـيّ شيئا الل ـيـلة م ـما أ صنع‬
‫فلـيس منـي ول أنا منه فأقرّوه‪ ,‬حتـى إذا فرغ من ذلك‪ ,‬قال‪ :‬أما ما صنعت بكم اللـيـلة‬
‫م ـما خدمت كم عل ـى الطعام وغ سلت أيدي كم ب ـيدي‪ ,‬فل ـيكن ل كم ب ـي أ سوة‪ ,‬فإن كم ترون‬
‫أنـي خيركم‪ ,‬فل يتعظّم بعضكم علـى بعض‪ ,‬ولـيبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي‬
‫ل كم‪ .‬وأ ما حاجت ـي الت ـي ا ستعنتكم عل ـيها‪ ,‬فتدعون ل ـي ال وت ـجتهدون ف ـي الدعاء أن‬
‫يوخّر أجلــي فلــما نصـبوا أنفسـهم للدعاء‪ ,‬وأرادوا أن يجتهدوا‪ ,‬أخذهـم النوم حتــى لــم‬
‫يستطيعوا دعاء‪ ,‬فجعل يوقظهم ويقول‪ :‬سبحان ال أما تصبرون لـي لـيـلة واحدة تعينونـي‬
‫فـيها؟ قالوا‪ :‬وال ما ندري ما لنا‪ ,‬لقد كنا نسمُر فنكثر السمر‪ ,‬وما نطيق اللـيـلة سمرا وما‬
‫نر يد دعاء إل حِي ـل ب ـيننا وب ـينه فقال‪ُ :‬يذْهَب ب ـالراعي وتتفرّق الغن ـم‪ .‬وج عل يأت ـي‬
‫ن ب ـي أحد كم ق بل أن ي صيح الد يك‬
‫بكلم ن ـحو هذا ينعَي به نف سه‪ ,‬ثم قال‪ :‬ال ـحقّ ل ـيكفر ّ‬
‫ثلث مرّات‪ ,‬ولَـيبـيعّنـي أحدكم بدراهم يسيرة‪ ,‬ولـيأكلنّ ثمنـي فخرجوا وتفرّقوا‪ .‬وكانت‬
‫الـيهود تطلبه‪ ,‬فأخذوا شمعون أحد الـحواريـين‪ ,‬فقالوا‪ :‬هذا من أصحابه‪ ,‬فجحد‪ ,‬وقال‪ :‬ما‬
‫أنا بصاحبه‪ ,‬فتركوه‪ .‬ثم أخذه آخرون‪ ,‬فجحد كذلك‪ ,‬ثم سمع صوت ديك‪ ,‬فبكى وأحزنه‪ .‬فلـما‬
‫أ صبح أت ـى أ حد ال ـحواريـين إل ـى ال ـيهود‪ ,‬فقال‪ :‬ما ت ـجعلون ل ـي إن دللت كم عل ـى‬
‫الــمسيح؟ فجعلوا له ثلثــين درهمـا‪ ,‬فأخذهـا ودلّهـم علــيه‪ ,‬وكان شُبّه علــيهم قبـل ذلك‪,‬‬
‫فأخذوه فـاستوثقوا منه وربطوه بـالـحبل‪ ,‬فجعلوا يقودونه ويقولون له‪ :‬أنت كنت تـحيـي‬
‫الــموتـى وتنتهـر الشيطان وتـبرىء الــمـجنون؟ أفل تنــجى نفسـك مـن هذا الــحبل؟‬
‫ويبصقون علـيه‪ ,‬ويـلقون علـيه الشوك‪ ,‬حتـى أتوا به الـخشبة التـي أرادوا أن يصلبوه‬
‫شبّه لهم‪ ,‬فمكث سبعا‪ .‬ثم إن أمه والـمرأة التـي كان‬
‫علـيها‪ ,‬فرفعه ال إلـيه‪ ,‬وصلبوا ما ُ‬
‫يداويها عيسى فأبرأها ال من الـجنون جاءتا تبكيان حيث كان الـمصلوب‪ ,‬فجاءهما عيسى‪,‬‬
‫فقال‪ :‬علم تبكيان؟ قالتا علـيك‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي قد رفعنـي ال إلـيه‪ ,‬ولـم يصبنـي إل خير‪,‬‬
‫شبّه لهم‪ ,‬ف ْأمُرا الـحواريـين أن يَـلْقَونـي إلـى مكان كذا وكذا فلقوه إلـى‬
‫وإن هذا شيء ُ‬
‫ذلك ال ـمكان أ حد ع شر‪ ,‬وفُقِد الذي كان ب ـاعه ودلّ عل ـيه ال ـيهود‪ ,‬ف سأل ع نه أ صحابه‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬إنه ندم علـى ما صنع‪ ,‬فـاختنق وقتل نفسه‪ .‬فقال‪ :‬لو تاب لتاب ال علـيه ثم سألهم‬
‫حنّا‪ ,‬فقال‪ :‬هو معكم فـانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدّث‬
‫عن غلم يتبعهم يقال له‪ُ :‬ي َ‬
‫بلغة قوم‪ ,‬فلـينذرهم ولـيدعهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل سأل عيسى من كان معه فـي البـيت أن يُـلْقَـى علـى بعضهم شبهه‪,‬‬
‫فـانتدب لذلك رجل‪ ,‬فأُلقـي علـيه شبه‪ ,‬فَقُتل ذلك الر جل ورُفع عيسى ابن مريـم عل ـيه‬
‫السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8572‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إنّا َقتَلْ نا‬
‫عزِيزا‬
‫ل اللّهِ وَما قَتَلُو ُه وَما صََلبُوهُ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وكانَ الّلهُ َ‬
‫الـ َمسِيحَ عِيسَى ابْنَ َم ْريَـمَ رَسُو َ‬
‫حكِي ـما أولئك أعداء ال ال ـيهود اشتهروا بق تل عي سى بن مري ـم ر سول ال‪ ,‬وزعموا أن هم‬
‫َ‬
‫قتلوه و صلبوه‪ .‬وذُ كر ل نا أن نب ـيّ ال عي سى ا بن مري ـم قال ل صحابه‪ :‬أي كم يُقذف عل ـيه‬
‫شبهي فإنه مقتول؟ فقال رجل من أصحابه‪ :‬أنا يا نبـيّ ال‪ .‬فقُتل ذلك الرجل‪ ,‬ومنع ال نبـيه‬
‫ورفعه إلـيه‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة ف ـي‬
‫شبّ هَ َلهُ مْ قال‪ :‬أُلِقـي شبهه علـى رجل من الـحواريـين‬
‫ن ُ‬
‫قوله‪ :‬وَما َقتَلُو هُ وَما صَلَبُوهُ وََلكِ ْ‬
‫عرَض ذلك علــيهم‪ ,‬فقال‪ :‬أيكـم ألِقــي شبهِي علــيه وله‬
‫فقُتـل‪ ,‬وكان عيسـى ابـن مريــم َ‬
‫الـجنة؟ فقال رجل‪ :‬علـيّ‪.‬‬
‫‪ 8573‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ :‬أن بنـي إسرائيـل حَ صَروا عيسى وتسعة عشر رجلً من الـحواريـين فـي‬
‫بـيت‪ ,‬فقال عيسى لصحابه‪ :‬من يأخذ صورتـي فـيُقتل وله الـجنة؟ فأخذها رجل من هم‪.‬‬
‫صعِد بعي سى إلـى السماء‪ ,‬فلـما خرج ال ـحواريون أب صروهم ت سعة عشر‪ ,‬فأخبروهم أن‬
‫و ُ‬
‫عيسى علـيه السلم قد صُعد به إلـى السماء‪ ,‬فجعلوا يعدّون القوم فـيجدونهم ينقصون رجلً‬
‫من ال ِعدّة‪ ,‬ويرون صورة عيسى فـيهم‪ ,‬فشكّوا فـيه‪ .‬وعلـى ذلك قتلوا الرجل وهم يرون أنه‬
‫شبّ َه َلهُ مْ‪...‬‬
‫ن ُ‬
‫عي سى و صلبوه‪ ,‬فذلك قول ال تب ـارك وتعال ـى‪ :‬وَ ما قَتَلُو ُه وَ ما صََلبُوهُ وََلكِ ْ‬
‫حكِيـما‪.‬‬
‫عزِيزا َ‬
‫إلـى قوله‪ :‬وكانَ الّلهُ َ‬
‫‪ 8574‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن القا سم بن أب ـي بزّة‪ :‬أن عي سى ا بن مري ـم قال‪ :‬أي كم يُ ـلقـي عل ـيه شبهِي ف ـيُقتل‬
‫مكانـي؟ فقال رجل من أصحابه‪ :‬أنا يا رسول ال‪ .‬فأُلقـي علـيه شبهه‪ ,‬فقتلوه‪ ,‬فذلك قوله‪:‬‬
‫شبّ َه َل ُهمْ‪.‬‬
‫وَما َقتَلُوهُ وَما صََلبُو ُه وََلكِنْ ُ‬
‫‪ 8575‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬كان ا سم ملك بن ـي‬
‫ل منهم يقال له‪ :‬داود‪ ,‬فلـما أجمعوا لذلك منه‬
‫إسرائيـل الذي بعث إلـى عيسى لـيقتله‪ ,‬رج ً‬
‫ظعُه‪ ,‬ولـم يجزع منه جزعه‪,‬‬
‫لـم يَ ْفظَع عبدٌ من عبـاد ال بـالـموت فـيـما ذكر لـي َف َ‬
‫ول ـم يدع ال ف ـي صرفه ع نه دعاءه حت ـى إ نه ل ـيقول ف ـيـما يزعمون‪ :‬الله مّ إن ك نت‬
‫صارفـا هذه الكأس عن أحد من خـلقك‪ ,‬فـاصرفها عنـي وحتـى إن جلده من كرب ذلك‬
‫لــيتفصد دَمـا‪ .‬فدخــل الــمدخـل الذي أجمعوا أن يدخــل علــيه فــيه لــيقتلوه هـو‬
‫وأ صحابه‪ ,‬و هم ثل ثة ع شر بعي سى‪ ,‬فل ـما أي قن أن هم داخ ـلون عل ـيه‪ ,‬قال ل صحابه من‬
‫الــحواريـين وكانوا اثنـى عشـر رجلً‪ُ :‬بطْرُس‪ ,‬و َيعْقُوب بـن َز ْبدِي‪ ,‬و ُيحَنّس أخـو يعقوب‪,‬‬
‫وَأ ْن َدرَاوُس‪ ,‬وفِــيـِلبّس‪ ,‬وَأبْ َرثَلْــمَا‪َ ,‬ومّتــى‪ ,‬وتُوماس‪ ,‬ويعقوب بـن حَلْقــيا‪ ,‬و ُتدّاوس‪,‬‬
‫وفتات ـيا‪ ,‬ويُودُ سُ َز َكرِ يا يُو طا‪ .‬قال ا بن حم يد‪ :‬قال سلـمة‪ :‬قال ا بن إ سحاق‪ :‬وكان ف ـيهم‬
‫ل سـوى عيسـى جحدتـه‬
‫فــيـما ذكـر لــي رجـل اسـمه سـرجس‪ ,‬فكانوا ثلثـة عشـر رج ً‬
‫الن صارى‪ ,‬وذلك أ نه هو الذي ش به لل ـيهود مكان عي سى‪ .‬قال‪ :‬فل أدري ما هو من هؤلء‬
‫الثن ـي ع شر‪ ,‬أم كان ثالث ع شر‪ ,‬فجحدوه ح ين أقرّوا لل ـيهود ب صلب عي سى وكفروا ب ـما‬
‫جاء به م ـحمد صلى ال عل يه و سلم من ال ـخبر ع نه‪ .‬فإن كانوا ثل ثة ع شر فإن هم دخ ـلوا‬
‫الــمدخـل حيـن دخــلوا وهـم بعيسـى أربعـة عشـر‪ ,‬وإن كان اثنــي عشـر فإنهـم دخــلوا‬
‫الـمدخـل حين دخـلوا وهم بعيسى ثلثة عشر‪ .‬حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن‬
‫ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي رجل كان نصرانـيا فأسلـم أن عيسى حين جاءه من ال إنّى رَا ِفعُ كَ‬
‫إلـيّ قال‪ :‬يا معشر الـحواريـين‪ :‬أيكم يح بّ أن يكون رفـيقـي فـي الـجنة حتـي يشبه‬
‫للقوم ف ـي صورتـي ف ـيقتلوه مكان ـي؟ فقال سرجس‪ :‬أ نا يا روح ال قال‪ :‬ف ـاجلس ف ـي‬
‫مـجلسي‪ .‬فجلس ف ـيه‪ ,‬ورُفع عيسى صلوات ال علـيه‪ ,‬فدخ ـلوا علـيه فأخذوه‪ ,‬فصلبوه‪,‬‬
‫شبّه لهم به‪ .‬وكانت عدتهم حين دخـلوا مع عيسى معلومة‪ ,‬قد رأوهم‬
‫فكان هو الذي صلبوه و ُ‬
‫فأحصـوا عدتهـم‪ ,‬فلــما دخــلوا علــيه لــيأخذوه وجدوا عيسـى فــيـما يرون وأصـحابه‬
‫وفقدوا رجلً مـن العدّة‪ ,‬فهـو الذي اختلفوا فــيه‪ .‬وكانوا ل يعرفون عيسـى‪ ,‬حتــى جعلوا‬
‫لــيودس ركريايوطـا ثلثــين درهمـا علــى أن يدلهـم علــيه ويعرّفهـم إياه‪ ,‬فقال لهـم‪ :‬إذا‬
‫دخـلتـم علـيه فإنـي سأُ َقبّله‪ ,‬وهو الذي ُأ َقبّل فخذوه فلـما دخـلوا علـيه‪ ,‬وقد رُفع عيسى‪,‬‬
‫س ْرجِس ف ـي صورة عي سى‪ ,‬فل ـم يش كّ أ نه هو عي سى‪ ,‬فأك بّ عل ـيه فقبله‪ ,‬فأخذوه‬
‫رأى َ‬
‫فصلبوه‪ .‬ثم إن يُودُس ر َكرِيايوطا ندم علـى ما صنع‪ ,‬فـاختنق بحبل حتـى قتل نفسه‪ ,‬وهو‬
‫ملعون ف ـي الن صارى‪ ,‬و قد كان أ حد ال ـمعدودين من أ صحابه‪ .‬وب عض الن صارى يز عم أن‬
‫يُودُوس زكريايو طا هو الذي شُبّه ل هم ف صلبوه‪ ,‬و هو يقول‪ :‬إن ـي ل ست ب صاحبكم أ نا الذي‬
‫دللتكم علـيه وال أعلـم أيّ ذلك كان‪.‬‬
‫‪8576‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬بلغنا أن‬
‫عيسى ابن مريـم قال لصحابه‪ :‬أيكم يَنتدب فـيـلقـى علـيه شبهي فـيقتل؟ فقال رجل من‬
‫أصحابه‪ :‬أنا يا نبـيّ ل‪ .‬فألقـي علـيه شبه فقُتل‪ ,‬ورفع ال نبـيه إلـيه‪.‬‬
‫‪ 8577‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫شبّهَ َل ُهمْ قال‪ :‬صلبوا رجلً غير عيسى يحسبونه إياه‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪ُ :‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫شبّهَ َل ُه ْم فذكر مثله‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫مـجاهد‪ :‬وََلكِ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫صلبوا رجلً شبهوه بعيسى يحسبونه إياه‪ ,‬ورفع ال إلـيه عيسى علـيه السلم حيا‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولـى هذه القوال بـالصواب أحد القولـين اللذين ذكرناهما عن وهب بن‬
‫منبه‪ ,‬من أن شبه عيسى ألقـى علـى جميع من كان فـي البـيت مع عيسى حين أحيط به‬
‫وب هم‪ ,‬من غ ير م سألة عي سى إيا هم ذلك‪ ,‬ول كن ل ـيخزي ال بذلك ال ـيهود وين قذ به نب ـيه‬
‫علـيه السلم من مكروه ما أرادوا به من القتل‪ ,‬ويبتلـى به من أراد ابتلءه من عبـاده فـي‬
‫قـيـله فـي عيسى وصدق الـخبر عن أمره‪ .‬أو القول الذي رواه عبد العزيز عنه‪.‬‬
‫وإنـما قلنا‪ :‬ذلك أولـى القولـين بـالصواب‪ ,‬لن الذين شهدوا عيسى من الـحواريـين‬
‫لو كانوا ف ـي حال ما ر فع عي سى‪ ,‬وألق ـى شب هه عل ـى من ألق ـى عل ـيه شب هه‪ ,‬كانوا قد‬
‫ل فـي‬
‫عاينوا عيسى هو يرفع من بـينهم‪ ,‬وأثبتوا الذي ألقـى علـيه شبهه‪ ,‬وعاينوه متـح ّو ً‬
‫صورته بعد الذي كان به من صورة نفسه بـمـحضر منهم‪ ,‬لـم يخف ذلك من أمر عيسى‪,‬‬
‫وأ مر من ألق ـي عل ـيه شب هه عل ـيهم مع معاينت هم ذلك كله‪ ,‬ول ـم ي ـلتبس ول ـم يش كل‬
‫عل ـيهم وإن أش كل عل ـى غير هم من أعدائ هم من ال ـيهود أن ال ـمقتول وال ـمصلوب كان‬
‫غير عيسى‪ ,‬وأن عيسى رفع من بـينهم حيا‪ .‬وكيف يجوز أن يكون كان أشكل ذلك علـيهم‪,‬‬
‫وقد سمعوا من عيسى مقالته‪ :‬من يُـلْقَـى علـيه شبهي ويكون رفـيقـي فـي الـجنة؟ إن‬
‫كان قال لهـم ذلك‪ ,‬وسـمعوا جواب مــجيبه منهـم‪ :‬أنـا‪ ,‬وعاينوا تــحوّل الــمـجيب فــي‬
‫صورة عي سى بع قب جوا به‪ .‬ول كن ذلك كان إن شاء ال عل ـى ن ـحو ما و صف و هب بن‬
‫منبه‪ ,‬إما أن يكون القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت الذي رفع منه من حواريه حوّلهم‬
‫ال جميعا فـي صورة عيسى حين أراد ال رفعه‪ ,‬فلـم يثبتوا عيسى معرفة بعينه من غيره‬
‫لتشابه صُوَر جميعهم‪ ,‬فقتلت الـيهود منهم من قتلت وهم يرونه بصورة عيسى ويحسبونه إياه‪,‬‬
‫ن الذين كانوا فـي البـيت مع عيسى مثل الذي ظنت‬
‫لنهم كانوا به عارفـين قبل ذلك‪ ,‬وظ ّ‬
‫الـيهود‪ ,‬لنهم لـم يـميزوا شخص عيسى من شخص غيره لتشابه شخصه وشخص غيره‬
‫م ـمن كان م عه ف ـي الب ـيت‪ ,‬ف ـاتفقوا جميع هم أعن ـي ال ـيهود والن صارى من أ جل ذلك‬
‫عل ـى أن ال ـمقتول كان عي سى‪ ,‬ول ـم ي كن به‪ ,‬ولك نه ش به ل هم‪ ,‬ك ما قال ال جلّ ثناؤه‪ :‬وَ ما‬
‫شبّ َه َلهُ مْ‪ .‬أو يكون ال مر ف ـي ذلك كان عل ـى ن ـحو ما روى ع بد‬
‫ن ُ‬
‫َقتَلُو هُ وَ ما صََلبُوهُ وََل ِك ْ‬
‫الصمد بن معقل‪ ,‬عن وهب بن منبه‪ ,‬أن القوم الذين كانوا مع عيسى فـي البـيت تفرّقوا عنه‬
‫ق بل أن يدخ ـل عل ـيه ال ـيهود‪ ,‬وبق ـي عي سى‪ ,‬وألق ـي شب هه عل ـى ب عض أ صحابه الذ ين‬
‫كانوا معه فـي البـيت بعد ما تفرّق القوم غير عيسى وغير الذي ألقـى علـيه شبهه‪ ,‬ورُفع‬
‫ن أصحابه والـيهود أن الذي‬
‫عيسى‪ .‬فقُتل الذي تـحوّل فـي صورة عيسى من أصحابه‪ ,‬وظ ّ‬
‫قُتـل وصـلب هـو عيسـى لــما رأوا مـن شبهـه بـه وخفــاء أمـر عيسـى علــيهم لن رفعـه‬
‫وت ـحوّل ال ـمقتول ف ـي صورته كان ب عد تفرّق أصحابه ع نه‪ ,‬و قد كانوا سمعوا عيسى من‬
‫اللـيـل ينعي نفسه ويحزن لـما قد ظنّ أنه نازل به من الـموت‪ ,‬فحكوا ما كان عندهم حقا‪,‬‬
‫والمـر عنـد ال فــي الــحقـيقة بخلف مـا حكوا‪ ,‬فلــم يسـتـحقّ الذيـن حكوا ذلك مـن‬
‫حواريـيه أن يكونوا كذبة‪ ,‬أو حكوا ما كان حقا عندهم فـي الظاهر وإن كان المر عند ال‬
‫فـي الـحقـيقة بخلف الذي حكوا‪.‬‬
‫ختَلَفُوا فِ ـي ِه لَفِ ـي شَ كَ ِمنْ ُه ما َلهُ مْ بِ هِ ِم نْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬وَإ نّ اّلذِي نَ ا ْ‬
‫عِلْـمٍ إلّ اتّبـاعَ الظّنّ وَما َقتَلُوهُ يَقِـينا‪.‬‬
‫ختَلَفُوا فِ ـي ِه ال ـيهود الذ ين أحاطوا بعي سى وأ صحابه‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬وَإ نّ اّلذِي نَ ا ْ‬
‫حين أرادوا قتله‪ .‬وذلك أنهم كانوا قد عرفوا عدّة من فـي البـيت قبل دخولهم فـيـما ذكر‬
‫فلـما دخـلوا علـيهم‪ ,‬فقدوا واحدا منهم‪ ,‬فـالتبس أمر عيسى علـيهم بفقدهم واحدا من العدّة‬
‫التـي كانوا قد أحصوها‪ ,‬وقتلوا من قتلوا علـى ش كّ منهم فـي أمر عيسى‪ .‬وهذا التأويـل‬
‫علـى قول من قال‪ :‬لـم يفـارق الـحواريون عيسى حتـى رُفع ودخـل علـيهم الـيهود‪.‬‬
‫وأما تأويـله علـى قول من قال‪ :‬تفرّقوا عنه من اللـيـل‪ ,‬فإنه‪ :‬وإن الذين اختلفوا فـي‬
‫عي سى‪ ,‬هل هو الذي بق ـي ف ـي الب ـيت من هم ب عد خروج من خرج من هم من العدّة الت ـي‬
‫كانت فـيه أم ل؟ لفـي شكّ منه‪ ,‬يعنـي‪ :‬من قتله‪ ,‬لنهم كانوا أحصوا من العدّة حين دخـلوا‬
‫البـيت أكثر م ـمن خرج م نه ومن وجد ف ـيه‪ ,‬فشكوا فـي الذي قتلوه هل هو عيسى أم ل‬
‫من أ جل فقد هم من فقدوا من العدد الذي كانوا أح صوه‪ ,‬ولكن هم قالوا‪ :‬قتل نا عي سى‪ ,‬ل ـمشابهة‬
‫الـمقتول عيسى فـي الصورة‪ .‬يقول ال جلّ ثناؤه‪ :‬ما َلهُ مْ بِ هِ ِم نْ عِلْـمٍ يعنـي‪ :‬أنهم قتلوا‬
‫من قتلوه عل ـى ش كّ من هم ف ـيه واختلف‪ ,‬هل هو عي سى أم غيره؟ من غ ير أن يكون ل هم‬
‫ن يعنـي جلّ ثناؤه‪ :‬ما كان‬
‫ل اتّبـاعَ الظّ ّ‬
‫بـمن قتلوه علـم من هو‪ ,‬هو عيسى أم هو غيره؟ إ ّ‬
‫لهم بـمن قتلوه من علـم‪ ,‬ولكنهم اتبعوا ظنهم‪ ,‬فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى وأنه الذي يريدون‬
‫قتله‪ ,‬ول ـم ي كن به‪ .‬وَ ما َقتَلُو هُ يَقِ ـينا يقول‪ :‬و ما قتلوا هذا الذي اتبعوه ف ـي ال ـمقتول الذي‬
‫قتلوه و هم يح سبونه عي سى يق ـينا أ نه عي سى‪ ,‬ول أ نه غيره‪ ,‬ولكن هم كانوا م نه عل ـى ظ نّ‬
‫وشبهة وهذا كقول الرجل للرجل‪ :‬ما قتلت هذا المر علـما وما قتلته يقـينا‪ ,‬إذا تكلـم فـيه‬
‫ن علـى غير يقـين علـم فـالهاء فـي قوله‪ :‬وَما َقتَلُوهُ عائدة علـى الظنّ‪.‬‬
‫بـالظ ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8578‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ما َقتَلُو ُه يَقِ ـينا قال‪ :‬يعن ـي‪ :‬ل ـم‬
‫يقتلوا ظنهم يقـينا‪.‬‬
‫‪ 8579‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعل ـى بن عب ـيد‪ ,‬عن جو يبر‬
‫فـي قوله‪ :‬وَما َقتَلُوهُ يَقِـينا قال‪ :‬ما قتلوا ظنّهم يقـينا‪.‬‬
‫وقال السديّ فـي ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 8580‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬وَما َقتَلُوهُ يَقِـينا‪ :‬وما قتلوا أمره يقـينا أن الرجل هو عيسى‪ ,‬بل رفعه ال إلـيه‪.‬‬

‫‪158‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكِيما }‪..‬‬
‫عزِيزا َ‬
‫ن اللّهُ َ‬
‫{بَل ّر َفعَهُ الّل ُه إَِليْهِ َوكَا َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل رَ َفعَ هُ الّل ُه إلَ ـيْ ِه فإ نه يعن ـي‪ :‬بل ر فع ال ال ـمسيح إل ـيه‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬بَ ْ‬
‫أ ما قوله ج ّ‬
‫لـم يقتلوه ولـم يصلبوه‪ ,‬ولكن ال رفعه إلـيه‪ ,‬فطهره من الذين كفروا‪ .‬وقد بـينا كيف كان‬
‫ر فع ال إياه ف ـيـما م ضى‪ ,‬وذكر نا اختلف ال ـمختلفـين ف ـي ذلك وال صحيح من القول‬
‫فـيه بـالدلة الشاهدة علـى صحته بـما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫حكِيـما فإنه يعنـي‪ :‬ولـم يزل ال منتقما من أعدائه‪ ,‬كانتقامه‬
‫عزِيزا َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وكا نَ الّل هُ َ‬
‫ضهِ مْ مِيثا َقهُ مْ‬
‫ص قصتهم بقوله‪َ :‬فبِـما نَ ْق ِ‬
‫من الذين أخذتهم الصاعقة بظلـمهم‪ ,‬وكلعنه الذين ق ّ‬
‫وكُ ْفرِهِ مْ بآيا تِ الّل ِه حكي ـما‪ ,‬يقول‪ :‬ذا حك مة ف ـي تدب ـيره وت صريفه خ ـلقه ف ـي قضائه‪,‬‬
‫يقول‪ :‬فــاحذروا أيهـا السـائلون مــحمدا أن ينزل علــيكم كتابــا مـن السـماء مـن حلول‬
‫ل بـاوائلكم الذين فعلوا فعلكم فـي تكذيبهم رسلـي‪ ,‬وافترائهم علـى‬
‫عقوبتـي بكم‪ ,‬كما ح ّ‬
‫أولـيائي‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 8581‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن إ سحاق بن أب ـي سارة الرّؤَا سيّ‪ ,‬عن‬
‫عزِيزا‬
‫العمش‪ ,‬عن الـمنهال‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي قوله‪ :‬وكا نَ الّل هُ َ‬
‫حكِيـما قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أنه كذلك‪.‬‬
‫َ‬

‫‪159‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِت هِ َو َيوْ مَ‬
‫ب ِإلّ َليُ ْؤ ِم َن ّ‬
‫ل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫{وَإِن مّ نْ أَهْ ِ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫شهِيدا }‪..‬‬
‫الْ ِقيَامَ ِة َيكُونُ عََل ْي ِهمْ َ‬
‫ل الكِتا بِ إلّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬وَإ نْ مِ ْ‬
‫ن بِ هِ يعنـي بعيسى َقبْلَ مَ ْو ِت ِه يعنـي‪ :‬قبل موت عيسى‪ ,‬يوجه ذلك إلـى أن جميعهم‬
‫لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫يصدّقون به إذا نزل لقتل الدجال‪ ,‬فتصير الـملل كلها واحدة‪ ,‬وهي ملة السلم الـحنـيفـية‪,‬‬
‫دين إبراهيـم صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8582‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫ن بِ هِ َقبْلَ مَ ْو ِت ِه قال‪:‬‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْلِ الكِتا بِ إ ّ‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَإ نْ ِم ْ‬
‫قبل موت عيسى ابن مريـم‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِتهِ قال‪ :‬قبل موت عيسى‪.‬‬
‫ل الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫عن ابن عبـاس‪ :‬وَإنْ مِ ْ‬
‫‪ 8583‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن أبـي‬
‫ن بِ هِ َقبْلَ مَ ْو ِت ِه قال‪ :‬ذلك عند نزول عيسى ابن مريـم ل يبقـى‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫مالك فـي قوله‪ :‬إ ّ‬
‫أحد من أهل الكتاب إل لـيومننّ به‪.‬‬
‫‪ 8584‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج بن الـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلـمة‪,‬‬
‫عن حميد‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪َ :‬قبْلَ مَ ْو ِتهِ قال‪ :‬قبل أن يـموت عيسى ابن مريـم‪.‬‬
‫‪8585‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن أبـي رجاء‪ ,‬عن الـحسن فـي قوله‪:‬‬
‫ن بِهِ َقبْلَ َم ْوتِهِ قال‪ :‬قبل موت عيسى‪ ,‬وال إنه الَن لـحيّ عند‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ل الكِتابِ إ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وَإ ْ‬
‫ال‪ ,‬ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون‪.‬‬
‫‪ 8586‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‪ :‬وَإ نْ‬
‫ن بِهِ َقبْلَ َم ْوتِهِ يقول‪ :‬قبل موت عيسى‪.‬‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْلِ الكِتابِ إ ّ‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَإ نْ ِم نْ‬
‫ل مَ ْوتِ ِه قال‪ :‬قبل موت عيسى‪.‬‬
‫ن بِ ِه قَبْ َ‬
‫ب إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫أهْلِ الكِتا ِ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَإ نْ ِم نْ‬
‫ل مَ ْوتِ ِه قال‪ :‬قبل موت عيسى إذا نزل آمنت به الديان كلها‪.‬‬
‫ن بِ ِه قَبْ َ‬
‫ب إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫أهْلِ الكِتا ِ‬
‫حدث نا ا بو وك يع قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن أب ـي جع فر الراز يّ‪ ,‬عن الرب ـيع بن أ نس‪ ,‬عن‬
‫الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬قبل موت عيسى‪.‬‬
‫ن بِهِ َقبْلَ َم ْوتِهِ‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬إ ّ‬
‫قال‪ :‬عيسى ولـم يـمت بعد‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمران بن عي ـينة‪ ,‬عن ح صين‪ ,‬عن أب ـي مالك‪ ,‬قال‪ :‬ل‬
‫يبقـى أحد منهم عند نزول عيسى إل آمن به‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن أبـي مالك‪ ,‬قال‪ :‬ق بل‬
‫موت عيسى‪.‬‬
‫ن أهْلِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫‪ 8587‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِتهِ قال‪ :‬إذا نزل عيسى ابن مريـم فقتل الدجال لـم يبق يهوديّ‬
‫الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫فـي الرض إل آمن به‪ ,‬قال‪ :‬وذلك حين ل ينفعهم اليـمان‪.‬‬
‫‪ 8588‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْوتِ ِه يعنـي‪ :‬أنه‬
‫ل الكِتا بِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫عن أبـيه عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى‪ ,‬فـيؤمنون به‪ ,‬ويوم القـيامة يكون علـيهم‬
‫شهيدا‪.‬‬
‫‪ 8589‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫ل الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَنّ ِبهِ‬
‫ن مِنْ أهْ ِ‬
‫منصور بن زاذان‪ ,‬عن الـحسن أنه قال فـي هذه الَية‪ :‬وَإ ْ‬
‫َقبْلَ مَ ْوتِهِ‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬أظنه إنـما قال‪ :‬إذا خرج عيسى آمنت به الـيهود‪.‬‬
‫ن بعيسى قبل موت الكتابـي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يعنـي بذلك‪ :‬وإن من أهل الكتاب إل لـيؤمن ّ‬
‫ل من نزل به‬
‫ذكر من كان يوجه ذلك‪ ,‬إلـى أنه إذا عاين علـم الـحقّ من البـاطل‪ ,‬لن ك ّ‬
‫الـموت لـم تـخرج نفسه حتـى يتبـين له الـحقّ من البـاطل فـي دينه‪:‬‬
‫‪ 8590‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‬
‫ن بِهِ َقبْلَ َم ْوتِ ِه قال‪:‬‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْلِ الكِتابِ إ ّ‬
‫بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَإنْ ِم ْ‬
‫ل يـموت يهوديّ حتـى يؤمن بعيسى‪.‬‬
‫ن مِ نْ‬
‫‪ 8591‬ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وَإ ْ‬
‫ن بِ هِ َقبْلَ مَ ْو ِت ِه قال‪ :‬ل تـخرج نفسه‪ ,‬حتـى يؤمن بعيسى‪ ,‬وإن غرق‪,‬‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫أهْلِ الكِتا بِ إ ّ‬
‫أو تردّى من حائط‪ ,‬أو أيّ ميتة كانت‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ ,‬عـن ا بن أبــي‬
‫ل مَ ْوتِ ِه كلّ صاحب كتاب ل ـيؤمننّ به‬
‫ن بِ ِه قَبْ َ‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قوله‪ :‬إلّ لَ ـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫بعيسى قبل موته‪ ,‬موت صاحب الكتاب‪.‬‬
‫‪ 8592‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ن بِ ِه كلّ صاحب كتاب يؤ من بعي سى ق بل مو ته‪ ,‬ق بل موت صاحب‬
‫عن م ـجاهد‪ :‬لَ ـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫الكتاب قال ابن عبـاس‪ :‬لو ضُربت عنقه‪ ,‬لـم تـخرج نفسه حتـى يؤمن بعيسى‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تـميـلة يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن واقد‪,‬‬
‫عن يزيد النـحويّ‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬ل يـموت الـيهوديّ‪ ,‬حتـى يشهد‬
‫أن عيسى عبد ال ورسوله‪ ,‬ولو عجل علـيه بـالسلح‪.‬‬
‫‪ 8593‬ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عتاب بن بشير‪,‬‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ‬
‫ل الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫عن خصيف‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَإنْ مِ ْ‬
‫مَ ْوتِ هِ قال‪ :‬هي ف ـي قراءة أب ـيّ‪« :‬ق بل موت هم»‪ .‬ل ـيس يهود يّ ي ـموت أبدا حت ـى يؤ من‬
‫بعيسى قـيـل لبن عبـاس‪ :‬أرأيت إن خرّ من فوق بـيت؟ قال‪ :‬يتكلـم به فـي الهُو يّ‪.‬‬
‫فقـيـل‪ :‬أرأيت إن ضُربت عنق أحد منهم؟ قال‪ :‬يتلـجلـج بها لسانه‪.‬‬
‫حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي أبـو نعيــم الفضـل بـن دكيـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عـن‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَنّ ِبهِ َقبْلَ َم ْوتِ ِه قال‪ :‬ل‬
‫ن مِنْ أ ْهلِ الكِتابِ إ ّ‬
‫خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَإ ْ‬
‫يـموت يهوديّ حتـى يؤمن بعيسى ابن مريـم‪ ,‬قـيـل‪ :‬وإن ضرب بـالسيف؟ قال‪ :‬يتكلـم‬
‫به‪ ,‬قـيـل‪ :‬وإن هَوَى؟ قال‪ :‬يتكلـم به وهو َيهْوي‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أب ـي هارون‬
‫الغنوي‪ ,‬عـن عكرمـة عـن ابـن عبــاس‪ ,‬أنـه قال فــي هذه الَيـة‪ :‬وَإن ْـ مِن ْـ أ ْهلِ الكِتابِـ إلّ‬
‫ن يهوديا وقع من فوق هذا البـيت لـم يـمت حتـى يؤمن‬
‫لَـيُ ْؤ ِمنَنّ ِب هِ َقبْلَ َم ْوتِ ِه قال‪ :‬لو أ ّ‬
‫به يعنـي‪ :‬بعيسى‪.‬‬
‫‪ 8594‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد الصمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن مولـى لقريش‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت عكر مة يقول‪ :‬لو و قع يهود يّ من فوق الق صر‪ ,‬ل ـم يبلغ إل ـى الرض‪ ,‬حت ـى‬
‫يؤمن بعيسى‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي هاشم الرّمانـي‪,‬‬
‫ل مَ ْوتِ هِ قال‪ :‬وإن وقع من فوق البـيت ل يـموت حتـى يؤمن‬
‫عن مـجاهد‪ :‬لَـيُ ْؤ ِم َننّ بِ ِه قَبْ َ‬
‫به‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو بن أبـي قـيس‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫ن بِ هِ َقبْلَ َم ْوتِ هِ قال‪ :‬ل يـموت رجل من أهل الكتاب حتـى‬
‫ل لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ل الكِتا بِ إ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وَإ ْ‬
‫يؤمن به‪ ,‬وإن غرق‪ ,‬أو تردّى‪ ,‬أو مات بشيء‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪:‬‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِتهِ قال‪ :‬ل تـخرج نفسه حتـى يؤمن به‪.‬‬
‫ل الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫وَإنْ مِ ْ‬
‫ن أهْلِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬وَإ ْ‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِت هِ قال‪ :‬ل ي ـموت أحد هم حت ـى يؤ من به‪ ,‬يعن ـي‪ :‬بعي سى‪,‬‬
‫الكِتا بِ إلّ لَ ـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫وإن خرّ من فوق بـيت يؤمن به وهو يهوي‪.‬‬
‫‪8595‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬لـيس‬
‫أحد من الـيهود يخرج من الدنـيا حتـى يؤمن بعيسى‪.‬‬
‫‪ 8596‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن فرات القزاز‪ ,‬عن الـحسن‬
‫ل الكِتا بِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَنّ ِب ِه َقبْلَ مَ ْوتِ ِه قال‪ :‬ل يـموت أحد منهم‪ ,‬حتـى‬
‫ن مِ نْ أهْ ِ‬
‫فـي قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫يؤمن بعيسى‪ ,‬يعنـي‪ :‬الـيهود والنصارى‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسرائيـل‪ ,‬عن فرات‪ ,‬عن‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِتهِ قال‪ :‬ل يـموت أحد منهم‪,‬‬
‫ل الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫الـحسن فـي قوله‪ :‬وَإنْ مِ ْ‬
‫حتـى يؤمن بعيسى قبل أن يـموت‪.‬‬
‫‪8597‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن عطية‪ ,‬عن مـحمد‬
‫ل الكِتابِ إلّ لَـيُ ْؤ ِم َننّ بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِتهِ قال‪ :‬موت الرجل من أهل الكتاب‪.‬‬
‫بن سيرين‪ :‬وَإنْ ِمنْ أهْ ِ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِت هِ قال‪ :‬قال ابن عبـاس‪ :‬لـيس من يهود يّ ول‬
‫ل الكِتا بِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫وَإ نْ مِ ْ‬
‫نصرانـيّ يـموت حتـى يؤمن بعيسى ابن مريـم‪ .‬فقال له رجل من أصحابه‪ :‬كيف والرجل‬
‫يغرق‪ ,‬أو يحترق‪ ,‬أو يسـقط علــيه الــجدار‪ ,‬أو يأكله السـبع؟ فقال‪ :‬ل تــخرج روحـه مـن‬
‫جسده حتـى يقذف فـيه اليـمان بعيسى‪.‬‬
‫حُدثـت عـن الــحسين بـن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبــا معاذ يقول‪ :‬أخبرنـا عبــيد بـن‬
‫ب إلّ لَـيُ ْؤ ِم َننّ بِ ِه قَبْلَ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫ن مِ نْ أهْ ِ‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫مَ ْوتِ ِه قال‪ :‬ل ي ـموت أ حد من ال ـيهود حت ـى يش هد أن عي سى ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ 8598‬ـ حدثن ـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعل ـى‪ ,‬عن جويبر فـي قوله‪:‬‬
‫لَـيُ ْؤ ِمنَنّ ِبهِ َقبْلَ َم ْوتِ ِه قال‪ :‬فـي قراءة أبـيّ‪« :‬قبل موتهم»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وإن من أهل الكتاب إل لـيؤمننّ بـمـحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫قبل موت الكتابـي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8599‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج بن الـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن حميد‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال عكرمة‪ :‬ل يـموت النصرانـيّ والـيهوديّ حتـى يؤمن بـمـحمد صلى ال عليه‬
‫ل مَ ْوتِهِ‪.‬‬
‫ن بِ ِه قَبْ َ‬
‫ب إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن أهْلِ الكِتا ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وسلم يعنـي فـي قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القوال ب ـالصحة وال صواب قول من قال‪ :‬تأوي ـل ذلك‪ :‬وإن من‬
‫ن بعيسى قبل موت عيسى‪.‬‬
‫أهل الكتاب إل لـيؤمن ّ‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من غيره من القوال‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه حكم لكل مؤمن‬
‫بــمـحمد صـلى ال عليـه وسـلم بحكـم أهـل اليــمان فــي الــموارثة والصـلة علــيه‬
‫ل كتاب ـيّ يؤ من بعي سى ق بل مو ته‪,‬‬
‫وإل ـحاق صغار أولده بحك مه ف ـي ال ـملة‪ ,‬فلو كان ك ّ‬
‫لو جب أن ل يرث الكتاب ـيّ إذا مات عل ـى مل ته إل أولده ال صغار أو الب ـالغون من هم من‬
‫أهل السلم‪ ,‬إن كان له ولد صغير أو بـالغ مسلـم‪ ,‬وإن لـم يكن له ولد صغير ول بـالغ‬
‫م سلـم‪ ,‬كان ميرا ثه مصـروفـا ح يث ي صرف مال ال ـمسلـم‪ ,‬ي ـموت ول وارث له‪ ,‬وأن‬
‫يكون حك مه ح كم ال ـمسلـمين ف ـي ال صلة عل ـيه وغ سله وتقب ـيره‪ ,‬لن من مات مؤم نا‬
‫بعي سى ف قد مات مؤم نا ب ـمـحمد وبجم يع الر سل وذلك أن عي سى صلوات ال عل ـيه جاء‬
‫بتصديق مـحمد وجميع الـمرسلـين‪ ,‬فـالـمصدّق بعيسى والـمؤمن به مصدّق بـمـحمد‬
‫وبجم يع أنب ـياء ال ور سله‪ ,‬ك ما أن ال ـمؤمن ب ـمـحمد مؤ من بعي سى وبجم يع أنب ـياء ال‬
‫ورسله‪ ,‬فغير جائز أن يكون مؤمنا بعيسى من كان بـمـحمد مكذّبـا‪.‬‬
‫ن أهْلِ‬
‫فإن ظ نّ ظا نّ أن معنى إيـمان الـيهوديّ بعيسى‪ ,‬الذي ذكره ال فـي قوله‪ :‬وَإ نْ ِم ْ‬
‫ن بِ ِه َقبْلَ مَ ْو ِت هِ إنـما هو إقراره بأنه ل نبـيّ مبعوث دون تصديقه بجميع‬
‫الكِتا بِ إلّ لَـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ن خطأ‪ .‬وذلك أنه غير جائز أن يكون منسوبـا إلـى القرار‬
‫ما أتـى به من عند ال‪ ,‬فقد ظ ّ‬
‫بنبوّة نبـيّ من كان له مكذّبـا فـي بعض ما جاء به من وحي ال وتنزيـله‪ ,‬بل غير جائز‬
‫أن يكون منسـوبـا إل القرار بنبوةّ أحـد مـن أنبــياء ال لن النبــياء جاءت المــمـم‬
‫بتصديق جميع أنبـياء ال ورسله فـالـمكذب بعض أنبـياء ال فـيـما أتـى به أمته من‬
‫عند ال مكذب جميع أنبـياء ال فـيـما دعوا إلـيه من دين عبـاد ال‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫كان فـي إجماع الـجميع من أهل السلم علـى أن كل كتابـي مات قبل إقراره بـمـحمد‬
‫صلوات ال علـيه وما جاء به من عند ال‪ ,‬مـحكوم له بحكم الـمسألة التـي كان علـيها‬
‫أيام حياته‪ ,‬غير منقول شيء من أحكامه فـي نفسه وماله وولده صغارهم وكبـارهم بـموته‬
‫ب إلّ‬
‫ن أهْلِ الكِتا ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫عما كان علـيه فـي حياته‪ ,‬أدلّ الدلـيـل علـى أن معنى قول ال‪ :‬وَإ ْ‬
‫لَــيُ ْؤ ِمنَنّ بِهِـ َقبْلَ َم ْوتِهِـ إنــما معناه‪ :‬إل لــيؤمننّ بعيسـى قبـل موت عيسـى‪ ,‬وأن ذلك فــي‬
‫خا صّ من أ هل الكتاب‪ ,‬ومعنىّ به أ هل زمان من هم دون أ هل كل الزم نة الت ـي كا نت ب عد‬
‫عيسى‪ ,‬وأن ذلك كائن عند نزوله‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 8600‬ـ حدثن ـي ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ع بد‬
‫الرح من بن آدم‪ ,‬عن أب ـي هريرة‪ ,‬أن نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬ال ْنبِ ـيا ُء إخْ َوةٌ‬
‫ن َمرْيَ ـمَ لّن ُه لَ ـمْ َيكُ نْ‬
‫حدٌ‪ ,‬وإنّى أوْل ـى النّا سِ بعِي سَى ا ْب ِ‬
‫شتّ ـى وَد ِي ُنهُ مْ وَا ِ‬
‫ت ُأمّهاتُهُ مْ َ‬
‫ِلعَلّ ٍ‬
‫ع ِرفُوهُ‪ ,‬فإنّ ُه َرجُلٌ َمرْبُو عُ ال ـخَـلْقِ‬
‫بَ ـ ْينِـي َوبَ ـ ْينَ ُه َنبِ ـيّ‪ .‬وَإّن ُه نازِلٌ‪ ,‬فإذَا رأ ْيتُ ـمُوهُ ف ـا ْ‬
‫ُصـبْهُ بَلَلٌ‪ ,‬بــينَ‬
‫َإنـ لَــمْ ي ِ‬
‫رأسـهُ َي ْقطُرُ و ْ‬
‫َ‬ ‫كأنـ‬
‫ّ‬ ‫شعْرِ‬
‫سـْبطُ ال ّ‬
‫إلــى الــحُ ْمرَةِ وَالبَــياضِ‪َ ,‬‬
‫خ ْنزِيرَ‪َ ,‬ويَضَعُـ الــج ْزيَةَ‪َ ,‬ويُفِــيضُ الــمَالُ‪,‬‬
‫صرَتَـيْنِ‪ ,‬فَــَيدُقّ الصّـلِـيبَ‪َ ,‬ويَ ْقتُلُ الــ ِ‬
‫مُــمَ ّ‬
‫ل النّا سَ علـى ال سْلمِ حتـى َيهْلِ كَ الّل ُه فِـي زَمانِ هِ الـمِلَلَ كُلّها غيرَ ال سْلمِ‪ ,‬و ُيهْلِ كُ‬
‫َويُقاتِ ِ‬
‫ب ال ّدجّالَ‪َ ,‬وتَقَ ُع ال َمنَةُ فِـي الرْ ضِ فِـي زَمانِ ِه حتـى‬
‫ح الضّللَةِ ال َكذّا َ‬
‫اللّ ُه فِـي زَمانِ هِ مَ سِي َ‬
‫َترْتَ َع الُ سُودُ م عَ البِلِ والنّـمُورُ مَ َع البَ َقرِ وَالذّئا بُ مَ َع الغَنـمِ‪َ ,‬وتَ ْلعَ بُ الغِلْـمانُ وَالصبْـيانُ‬
‫ْضـ مـا شاء ال» وربــما قال‪:‬‬
‫ُمـ يَــْلبَثُ فِــي الر ِ‬
‫ُمـ َبعْضـا‪ ,‬ث ّ‬
‫ضرّ َب ْعضُه ْ‬
‫حيّاتِ ل َي ُ‬
‫بــالـ َ‬
‫«أربعين سنة‪ ,‬ثم يُتوفـى ويصلـي علـيه الـمسلـمون ويُدفنونه»‪.‬‬
‫ن ب ـمـحمد صلى ال عل يه‬
‫وأ ما الذي قال‪ :‬عن ـي بقوله‪ :‬لَ ـيُ ْؤ ِمنَنّ ِب ِه َقبْلَ مَ ْوتِ هِ ل ـيؤمن ّ‬
‫وسلم قبل موت الكتابـي‪ ,‬فمـما ل وجه له مفهوم لنه مع فساده من الوجه الذي دللّنا علـى‬
‫ن بعيسى قبل موت الكتابـيّ‪ ,‬يزيده فسادا أنه لـم يجر‬
‫فساد قول من قال‪ :‬عنى به‪ :‬لـيؤمن ّ‬
‫ل ـمـحمد عل ـيه ال صلة وال سلم ف ـي الَيات الت ـي ق بل ذلك ذ كر‪ ,‬ف ـيجوز صرف الهاء‬
‫ن بِ هِ ف ـي سياق‬
‫الت ـي ف ـي قوله‪ :‬لَ ـيُ ْؤ ِمنَنّ ِب ِه إل ـى أن ها من ذكره‪ ,‬وإن ـما قوله‪ :‬لَ ـيُ ْؤ ِمنَ ّ‬
‫ذ كر عي سى وأ مه وال ـيهود‪ ,‬فغ ير جائز صرف الكلم ع ما هو ف ـي سياقه إل ـى غيره إل‬
‫بحجة يجب التسلـيـم لها من دللة ظاهر التنزيـل أو خبر عن الرسول تقوم به حجة فأما‬
‫الدعاوي فل تتعذّر علـى أحد‪ .‬فتأويـل الَية إذ كان المر علـى ما وصفت‪ :‬وما من أهل‬
‫ن بعيسـى قبـل موت عيسـى‪ ,‬وحذف «مَنـْ» بعـد «إل» لدللة الكلم‬
‫الكتاب إل مـن لــيؤمن ّ‬
‫علـيه‪ ,‬فـاستغنـي بدللته عن إظهاره كسائر ما قد تقد مّ من أمثاله التـي قد أتـينا علـى‬
‫البـيان عنها‪.‬‬
‫شهِيدا‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َي ْومَ القِـيامَةِ َيكُونُ عَلَـ ْي ِهمْ َ‬
‫شهِيدا يعنـي‪ :‬شاهدا‬
‫ن عيسى علـى أهل الكتاب َ‬
‫ل ثناؤه‪َ :‬ويَوْمَ القِـيامَ ِة َيكُو ُ‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫عل ـيهم بتكذ يب من كذّ به من هم‪ ,‬وت صديق من صدّقه من هم ف ـيـما أتا هم به من ع ند ال‬
‫وبإبلغه رسالة ربه‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 8601‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪َ :‬ويَوْ مَ‬
‫شهِيدا أنه قد أبلغهم ما أرسله به إلـيهم‪.‬‬
‫القِـيامَةِ َيكُونُ عَلَـ ْيهِمْ َ‬
‫‪ 8602‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬ويَوْ َم القِ ـيامَةِ‬
‫شهِيدا يقول‪ :‬يكون عل ـيهم شهيدا يوم الق ـيامة‪ ,‬عل ـى أ نه قد بلّغ ر سالة ر به‬
‫َيكُو نُ عَلَ ـ ْي ِهمْ َ‬
‫وأقرّ بـالعبودية علـى نفسه‪.‬‬

‫‪161-160‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ط ّيبَا تٍ ُأحِلّ تْ َلهُ مْ‬
‫ح ّر ْمنَا عََل ْيهِ مْ َ‬
‫ن هَادُواْ َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{ َفبِظُلْ مٍ مّ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عنْ هُ وََأكِْلهِ مْ َأ ْموَالَ النّا سِ بِا ْلبَاطِلِ‬
‫خذِهِ مُ الرّبَا َو َقدْ ُنهُواْ َ‬
‫سبِيلِ الّل ِه َكثِيرا * وََأ ْ‬
‫َوبِ صَدّ ِهمْ عَن َ‬
‫عذَابا أَلِيما }‪..‬‬
‫ع َت ْدنَا لِ ْلكَا ِفرِينَ ِم ْن ُهمْ َ‬
‫وََأ ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فحرمنـا علــى الــيهود الذيـن نقضوا ميثاقهـم الذي واثقوا ربهـم‪,‬‬
‫يعنــي بذلك ج ّ‬
‫وكفروا بآيات ال‪ ,‬وقتلوا أنبـياءهم‪ ,‬وقالوا البهتان علـى مريـم‪ ,‬وفعلوا ما وصفهم ال فـي‬
‫كتابه طيبـات من الـمآكل وغيرها كانت لهم حللً‪ ,‬عقوبة لهم بظلـمهم الذي أخبر ال عنهم‬
‫فـي كتابه‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫‪8603‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬فبِظُلْـمٍ ِم َ‬
‫ت َلهُ مْ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬عو قب القوم بظل ـم ظَلَ ـموه و َبغْ يٍ َبغَوه‬
‫طيّب ـاتٍ ُأحِلّ ْ‬
‫ح ّرمْ نا عَلَ ـ ْي ِهمْ َ‬
‫هادُوا َ‬
‫حرّمت علـيهم أشياء ببغيهم وبظلـمهم‪.‬‬
‫سبِـيـلِ اللّ هِ َكثِ ـيرا يعن ـي‪ :‬وب صدّهم عب ـاد ال عن دي نه و سبله‬
‫ن َ‬
‫وقوله‪َ :‬وبِ صَدّ ِهمْ عَ ْ‬
‫التــي شرعهـا لعبــاده صـدّا كثــيراٍ‪ ,‬وكان صـدّهم عـن سـبـيـل ال بقولهـم علــى ال‬
‫الب ـاطل‪ ,‬وادّعائ هم أن ذلك عن ال‪ ,‬وتبدي ـلهم كتاب ال وت ـحريف معان ـيه عن وجو هه‪,‬‬
‫وكان من عظيـم ذلك جحودهم نبوّة نبـينا مـحمد صلى ال عليه وسلم وتركهم بـيان ما قد‬
‫علـموا من أمره لـمن جهل أمره من الناس‪ .‬وبنـحو ذلك كان مـجاهد يقول‪.‬‬
‫‪ 8604‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ل اللّهِ َكثِـيرا قال‪ :‬أنفسهم وغيرهم‬
‫سبِـيـ ِ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬‫صدّ ِهمْ َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪َ :‬وبِ َ‬
‫عن الـحقّ‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد مثله‪.‬‬
‫خذِهِ مُ الرّب ـا و هو أخذ هم ما أفضلوا عل ـى رءوس أموال هم لف ضل تأخ ير ف ـي‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْ‬
‫الجل بعد مَـحِلها‪ .‬وقد بـينت معنى الربـا فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته‪ .‬و َقدْ‬
‫عنْهُ‪ :‬يعنـي عن أخذ الربـا‪.‬‬
‫ُنهُوا َ‬
‫وقوله‪ :‬وأكِْلهِمْ أ ْموَالَ النّاسِ بـالبـاطِلِ يعنـي‪ :‬ما كانوا يأخذون من الرشا علـى الـحكم‪,‬‬
‫ن فِ ـي الثْ مِ وال ُعدْوَا نِ وأكِْلهِ مُ‬
‫ك ما و صفهم ال به ف ـي قوله‪َ :‬و َترَى َكثِ ـيرا ِم ْنهُ مْ يُ سارِعُو َ‬
‫ن وكان من أكلهم أموال الناس بـالبـاطل ما كانوا يأخذون من‬
‫سحْتَ َل ِبئْ سَ ما كانُوا َي ْعمَلُو َ‬
‫ال ّ‬
‫أثمان الك تب الت ـي كانوا يكتبون ها بأيدي هم‪ ,‬ثم يقولون‪ :‬هذا من ع ند ال‪ ,‬و ما أش به ذلك من‬
‫الـمآكل الـخسيسة الـخبـيثة‪ .‬فعاقبهم ال علـى جميع ذلك بتـحريـمه ما حرّم علـيهم‬
‫من الطيب ـات الت ـي كا نت ل هم حللً ق بل ذلك‪ .‬وإن ـما و صفهم ال بأن هم أكلوا ما أكلوا من‬
‫أموال الناس كذلك بــالبـاطل بأنهـم أكلوه بغيـر اسـتـحقاق وأخذوا أموالهـم منهـم بغيـر‬
‫عذَاب ـا ألِ ـيـما يعن ـي‪ :‬وجعل نا للكافر ين ب ـال‬
‫ع َتدْ نا للكا ِفرِي نَ ِم ْنهُ مْ َ‬
‫ا ستـيجاب‪ ,‬فقوله‪ :‬وأ ْ‬
‫وبرسوله مـحمد من هؤلء الـيهود العذاب اللـيـم‪ ,‬وهو الـموجع من عذاب جهنـم‪ ,‬عدة‬
‫يصلونها فـي الَخرة‪ ,‬إذا وردوا علـى ربهم فـيعاقبهم بها‪.‬‬

‫‪162‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن يُ ْؤ ِمنُونَ ِبمَآ‬
‫ن فِي ا ْلعِلْمِ ِم ْنهُمْ وَا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫سخُو َ‬
‫{لّـكِنِ الرّا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫خرِ‬
‫لِ‬‫ن بِاللّهِ وَا ْل َيوْمِ ا َ‬
‫ن ال ّزكَا َة وَا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫أُنزِلَ إِلَيكَ َومَآ أُنزِلَ مِن َقبْلِكَ وَا ْلمُقِيمِينَ الصّلَ َة وَا ْلمُ ْؤتُو َ‬
‫عظِيما }‪..‬‬
‫سنُ ْؤتِي ِهمْ َأجْرا َ‬
‫أُوْلَـ ِئكَ َ‬
‫هذا من ال جلّ ثناؤه ا ستثناء‪ ,‬ا ستثنى من أ هل الكتاب من ال ـيهود الذ ين و صف صفتهم‬
‫ك أهْلُ الكِتا بِ أ نْ ُت َنزّلَ عَلَ ـ ْي ِهمْ كِتاب ـا مِ نَ‬
‫سئَلُ َ‬
‫ف ـي هذه الَيات الت ـي م ضت من قوله‪ :‬يَ ْ‬
‫ال سّماءِ ثم قال جلّ ثناؤه لعبـاده‪ ,‬مبـينا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده‪ :‬ما كُلّ‬
‫أهل الكتاب صفتهم الصفة التـي وصفت لكم‪َ ,‬لكِنِ الرّاسِخُونَ فِـي العِلْـ ِم ِم ْنهُمْ وهم الذين قد‬
‫ر سخوا ف ـي العل ـم بأحكام ال الت ـي جاءت ب ها أنب ـياؤه‪ ,‬وأتقنوا ذلك‪ ,‬وعرفوا حق ـيقته‪.‬‬
‫وقـد بــينا معنـى الرسـوخ فــي العلــم بــما أغنـى عـن إعادتـه فــي هذا الــموضع‪.‬‬
‫ن يعنـي‪ :‬والـمؤمنون بـال ورسله‪ ,‬وهم يؤمنون بـالقرآن الذي أنزل ال إلـيك‬
‫وَالـمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫يا مـحمد‪ ,‬وبـالكتب التـي أنزلها علـى من قبلك من النبـياء والرسل‪ ,‬ول يسألونك كما‬
‫سأل هؤلء الـجهلة منهم أن تنزل علـيهم كتابـا من السماء‪ ,‬لنهم قد علـموا بـما قرءوا‬
‫من كتب ال وأتتهم به أنبـياؤهم‪ ,‬أنك ل رسول واجب علـيهم اتبـاعك‪ ,‬ل يسعهم غير ذلك‪,‬‬
‫فل حاجـة بهـم إلــى أن يسـألوك آيـة معجزة‪ ,‬ول دللة غيـر الذي قـد علــموا مـن أمرك‬
‫ب ـالعلـم الرا سخ ف ـي قلوب هم من أخب ـار أنب ـيائهم إيا هم بذلك وب ـما أعطي تك من الدلة‬
‫ك من الكتاب و‬
‫ل إلَـيْ َ‬
‫ن بِـما ُأنْزِ َ‬
‫علـى نبوّتك‪ ,‬فهم لذلك من علـمهم ورسوخهم فـيه ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫ب بـما ُأ ْنزِلَ ِمنْ َقبِْلكَ من سائر الكتب‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8605‬ــ حدثنـا بشـر بـن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬لكِنِـ‬
‫ن َقبْلِ كَ‬
‫ن فِ ـي العِلْ ـمِ ِم ْنهُ مْ وَال ـمُ ْؤ ِمنُونَ ُي ْؤ ِمنُو نَ بِ ـما أ ْنزِلَ إلَ ـ ْيكَ وَ ما ُأ ْنزِلَ ِم ْ‬
‫سخُو َ‬
‫الرّا ِ‬
‫استثنى ال َثنِـيّ ًة من أهل الكتاب‪ ,‬وكان منهم من يؤمن بـال‪ ,‬وما أنزل علـيهم‪ ,‬وما أنزل‬
‫علـى نبـيّ ال‪ ,‬يؤمنون به ويصدّقون به‪ ,‬ويعلـمون أنه الـحقّ من ربهم‪.‬‬
‫ثم اختلف ف ـي ال ـمقـيـمين ال صلة‪ ,‬أ هم الرا سخون ف ـي العل ـم‪ ,‬أم هم غير هم؟ فقال‬
‫بعض هم‪ :‬هم هم‪ .‬ثم اختلف قائلو ذلك ف ـي سبب مخال فة إعراب هم إعراب الرا سخون ف ـي‬
‫العلـم‪ ,‬وهما من صفة نوع من الناس‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬ذلك غلط من الكاتب‪ ,‬وإنـما هو‪ :‬لكن‬
‫الراسخون فـي العلـم منهم‪ ,‬والـمقـيـمون الصلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8606‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج بن الـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلـمة‪,‬‬
‫ن فِـي‬
‫سخُو َ‬
‫ن الرّا ِ‬
‫عن الزبـير‪ ,‬قال‪ :‬قلت لبـان بن عثمان بن عفـان‪ :‬ما شأنها كتبت َلكِ ِ‬
‫ن يُ ْؤمِنونَـ بِــمَا ُأ ْنزِلَ إلَــيكَ وَمَا ُأ ْنزِلَ مِن ْـ َقبْلِكَـ والــمُقِـيـمِينَ‬
‫العِلْــمِ ِم ْنهُم ْـ وَالــمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ن فِـي العِلْـمِ ِم ْنهُ ْم حتـى إذا بلغ قال‪ :‬ما‬
‫سخُو َ‬
‫ن الرّا ِ‬
‫ال صّلةَ؟ قال‪ :‬إن الكاتب لـما كتب َلكِ ِ‬
‫أكتب؟ قـيـل له اكتب والـمُقِـيـمِينَ الصّل َة فكتب ما قـيـل له‪.‬‬
‫‪ 8607‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬أنه سأل‬
‫ـ هادُوا‬
‫ـ آ َمنُوا وَاّلذِين َ‬
‫ـ اّلذِين َ‬
‫ن الصـّلةَ‪ ,‬وعـن قوله‪ :‬إن ّ‬
‫عائشـة عـن قوله‪ :‬وَالــمُقِـيـمِي َ‬
‫حرَانِ فقالت‪ :‬يا ا بن أخت ـي هذا ع مل الكتاب أخطئوا‬
‫ن لَ سا ِ‬
‫ن َهذَا ِ‬
‫وَال صّا ِبئُونَ‪ ,‬و عن قوله‪ :‬إ ّ‬
‫فـي الكتاب‪.‬‬
‫ن الصّلةَ»‪.‬‬
‫وذكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود‪« :‬والـمُقِـيـمُو َ‬
‫وقال آخرون‪ ,‬و هو قول ب عض ن ـحويـي الكو فة والب صرة‪ :‬وال ـمقـيـمون ال صلة من‬
‫صـفة الراسـخون فــي العلــم‪ ,‬ولكـن الكلم لــما تطاول واعترض بــين الراسـخين فــي‬
‫العلـم والـمقـيـمن الصلة ما اعترض من الكلم فطال نصب الـمقـيـمين علـى وجه‬
‫الـمدح‪ ,‬قالوا‪ :‬والعرب تفعل ذلك فـي صفة الشيء الواحد ونعته إذا تطاولت بـمدح أو ذ مّ‬
‫خالفوا بـين إعراب أوّله وأوسطه أحيانا ثم رجعوا بآخره إلـى إعراب أوّله‪ ,‬وربـما أجروا‬
‫إعراب آخره علــى إعراب أوسـطه‪ ,‬وربــما أجروا ذلك علــى نوع واحـد مـن العراب‪.‬‬
‫ن ِب َع ْهدِهِ مْ إذَا عا َهدُوا‬
‫وا ستشهدوا لقول هم ذلك ب ـالَيات الت ـي ذكرناهاا ف ـي قوله‪ :‬وال ـمُوفُو َ‬
‫ن فِـي ال َبأْساءِ والضّرّاءِ‪.‬‬
‫وَالصّابِرِي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ال ـمقـيـمون ال صلة من صفة غ ير الرا سخين ف ـي العل ـم ف ـي هذا‬
‫الــموضع وإن كان الراسـخون فــي العلــم مـن الــمقـيـمين الصـلة‪ .‬وقال قائلو هذه‬
‫الـمقالة جمي عا‪ :‬موضع الـمقـيـمين فـي العراب خفض‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬موضعه خفض‬
‫ل مِ نْ َقبْلِ كَ‬
‫ن بِـمَا ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ وَما ُأ ْنزِ َ‬
‫علـى العطف علـى «ما» التـي فـي قوله‪ُ :‬ي ْؤ ِمنُو َ‬
‫ويؤمنون بـالـمقـيـمين الصلة‪.‬‬
‫ثـم اختلف متأوّلو ذلك فــي هذا التأويــل فــي معنـى الكلم‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معنـى ذلك‪:‬‬
‫وال ـمؤمنون يؤمنون ب ـما أنزل إل ـيك و ما أنزل من قبلك‪ ,‬وبإقام ال صلة‪ .‬قالوا‪ :‬ثم ارت فع‬
‫قوله‪« :‬وال ـمؤتون الزكاة»‪ ,‬عطف ـا عل ـى ما ف ـي «يؤمنون» من ذ كر ال ـمؤمنـين‪ ,‬كأ نه‬
‫قـيـل‪ :‬والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك هم والـمؤتون الزكاة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ال ـمقـيـمون ال صلة‪ :‬ال ـملئكة‪ .‬قالوا‪ :‬وإقامت هم ال صلة‪ :‬ت سبـيحهم‬
‫رب هم وا ستغفـارهم ل ـمن ف ـي الرض‪ .‬قالوا‪ :‬ومع نى الكلم‪ :‬وال ـمؤمنون يؤمنون ب ـما‬
‫أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك وبـالـملئكة‪.‬‬
‫وقال آخرون من هم‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬وال ـمؤمنون يؤمنون ب ـما أنزل إل ـيك و ما أنزل من‬
‫قبلك‪ ,‬ويؤمنون بــالـمقـيـمين الصـلة‪ ,‬هـم والــمؤتون الزكاة‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ :‬يُ ْؤمِنُـ‬
‫ِنـ للِــمُ ْؤ ِمنِـينَ‪ .‬وأنكـر قائلو هذه الــمقالة أن يكون الــمقـيـمين منصـوبـا‬
‫بــاللّهِ َويُ ْؤم ُ‬
‫علـى الـمدح وقالوا‪ :‬إنـما تنصب العرب عل ـى الـمدح من نعت من ذكرته بعد ت ـمام‬
‫عظِي ـما‪ .‬قال‪ :‬فغ ير‬
‫سنُ ْؤتِـيهِمْ أجْرا َ‬
‫خبره قالوا‪ :‬و خبر الرا سخين ف ـي العل ـم قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ َ‬
‫جائز نصب الـمقـيـمين علـى الـمدح وهو فـي وسط الكلم ولـما يتـمّ خبر البتداء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬لكن الرا سخون فـي العلـم من هم‪ ,‬و من الـمقـيـمين الصلة‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬موضع الـمقـيـمين خفض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وإلـى الـمقـيـمين الصلة‪.‬‬
‫وقال أ بو جع فر‪ :‬وهذا الو جه والذي قبله من كر ع ند العرب‪ ,‬ول تكاد العرب تع طف لظا هر‬
‫علـى مكنـيّ فـي حال الـخفض وإن كان ذلك قد جاء فـي بعض أشعارها‪.‬‬
‫وأولــى القوال عندي بــالصواب‪ ,‬أن يكون الــمقـيـمين فــي موضـع خفـض نسـقا‬
‫ِكـ وأن يوجـه معنـى‬
‫ِنـ َقبْل َ‬
‫علــى «مـا» التــي فــي قوله‪ :‬بِــمَا ُأ ْنزِلَ إلَــْيكَ وَمـا ُأ ْنزِلَ م ْ‬
‫ال ـمقـيـمين ال صلة إل ـى ال ـملئكة‪ ,‬ف ـيكون تأوي ـل الكلم‪ :‬وال ـمؤمنون من هم يؤمنون‬
‫بـما أنزل إلـيك يا مـحمد من الكتاب وبـما أنزل من قبلك من كتبـي وبـالـملئكة الذين‬
‫يقـيـمون الصلة ثم يرجع إلـى صفة الراسخين فـي العلـم فـيقول‪ :‬لكن الراسخون فـي‬
‫العلـم منهم‪ ,‬والـمؤمنون بـالكتب‪ ,‬والـمؤتون الزكاة‪ ,‬والـمؤمنون بـال والـيوم الَخر‪.‬‬
‫وإنــما اخترنـا هذا علــى غيره‪ ,‬لنـه قـد ذكـر أن ذلك فــي قراءة أبــيّ بـن كعـب‪:‬‬
‫«والـمقـيـمين»‪ ,‬وكذلك هو فـي مصحفه فـيـما ذكروا‪ ,‬فلو كان ذلك خطأ من الكاتب‬
‫لكان الواجب أن يكون فـي كل الـمصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ‬
‫فـي كتابه بخلف ما هو فـي مصحفنا‪ .‬وفـي اتفـاق مصحفنا ومصحف أبـيّ فـي ذلك‪,‬‬
‫ما يدلّ علـى أن الذي فـي مـحصفنا من ذلك صواب غير خطأ‪ ,‬مع أن ذلك لو كان خطأ‬
‫من جهة الـخط‪ ,‬لـم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يعل ـمون من عل ـموا ذلك من ال ـمسلـمين عل ـى و جه الل ـحن‪ ,‬ول صلـحوه بأل سنتهم‪,‬‬
‫ولقنوه للمـة تعلــيـما علــى وجـه الصـواب‪ .‬وفــي نقـل الــمسلـمين جميعـا ذلك قراءة‬
‫عل ـى ما هو به ف ـي ال ـخطّ مر سوما أدلّ الدل ـيـل عل ـى صحة ذلك و صوابه‪ ,‬وأن ل‬
‫صنع فـي ذلك للكاتب‪.‬‬
‫وأما من وجه ذلك إلـى النصب علـى وجه الـمدح للراسخين فـي العلـم وإن كان ذلك‬
‫قد يحتـمل علـى بعد من كلم العرب لـما قد ذكرنا قبل من العلة‪ ,‬وهو أن العرب ل تعدل‬
‫ل ثناؤه أفصح‬
‫عن إعراب السم الـمنعوت بنعت فـي نعته إل بعد تـمام خبره‪ ,‬وكلم ال ج ّ‬
‫الكلم‪ ,‬فغير جائز توجيهه إل إلـى الذي هو به من الفصاحة‪.‬‬
‫ِنـ‬
‫وأمـا توجيـه مـن وجـه ذلك إلــى العطـف بـه علــى الهاء والــميـم فــي قوله‪َ :‬لك ِ‬
‫ن فِـي العِلْـمِ ِم ْنهُمْ أو إلـى العطف به علـى الكاف من قوله‪ :‬بِـمَا ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ أو‬
‫سخُو َ‬
‫الرّا ِ‬
‫إل ـى الكاف من قوله‪ :‬وَما ُأ ْنزِلَ مِ نْ َقبْلِ كَ فإ نه أبعد من الفصاحة من نصبه عل ـى الـمدح‬
‫لـما قد ذكرت قبل من قبح ردّ الظاهر علـى الـمكنـي فـي الـخفض‪.‬‬
‫وأ ما توج يه من و جه ال ـمقـيـمين إل ـى القا مة‪ ,‬فإ نه دعوى ل برهان عل ـيها من دللة‬
‫ظا هر التنزي ـل ول خبر تث بت حج ته‪ ,‬وغ ير جائز ن قل ظا هر التنزي ـل إل ـى ب ـاطن بغ ير‬
‫برهان‪.‬‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُو نَ وهو من‬
‫ن الزّكاةَ فإنه معطوف به علـى قوله‪ :‬وَالـمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَالـمُ ْؤتُو َ‬
‫صفتهم‪ .‬وتأويـله‪ :‬والذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها ال له وصرفها إلـيه والُـم ْؤ ِمنُونَ‬
‫خرِ يعنــي‪ :‬والــمصدّقون بوحدانــية ال وألوهيتـه‪ ,‬والبعـث بعـد‬
‫لِ‬‫بــاللّهِ وَالــيَ ْومِ ا َ‬
‫عظِيـما يقول‪ :‬هؤلء الذ ين هذه صفتهم‬
‫سنُ ْؤتِـيهمْ أجْرا َ‬
‫ال ـمـمات‪ ,‬والثواب والعقاب أولئك َ‬
‫سنؤتـيهم‪ ,‬يقول‪ :‬سنعطيهم أجرا عظيـما‪ ,‬يعنـي‪ :‬جزاء علـى ما كان منهم من طاعة ال‪,‬‬
‫ب عظيـما‪ ,‬وذلك الـجنة‪.‬‬
‫واتبـاع أمره‪ ,‬وثوا ً‬

‫‪163‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن َب ْعدِ هِ‬
‫ى نُو حٍ وَال ّن ِبيّي َ‬
‫ح ْينَآ إَِل َ‬
‫ح ْينَآ إَِليْ كَ َكمَآ َأ ْو َ‬
‫{ِإنّآ َأ ْو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سبَاطِ َوعِي سَىَ وََأيّو بَ َويُونُ سَ وَهَارُو نَ‬
‫سحَاقَ َو َيعْقُو بَ وَال ْ‬
‫سمَاعِيلَ وَإْ ْ‬
‫حيْنَآ إَِلىَ ِإ ْبرَاهِي مَ وَإِ ْ‬
‫وََأ ْو َ‬
‫َوسَُل ْيمَانَ وَآ َت ْينَا دَاوُودَ َزبُورا }‪..‬‬
‫حيْ نا إل ـى نُو حٍ‪ :‬إ نا أر سلنا إل ـيك يا‬
‫حيْ نا إلَ ـ ْيكَ كمَا أ ْو َ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬إنّا أ ْو َ‬
‫م ـحمد ب ـالنبوّة ك ما أر سلنا إل ـى نوح وإل ـى سائر النب ـياء الذ ين سميتهم لك من بعده‬
‫والذين لـم أسمهم لك‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8608‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن منذر الثوريّ‪ ,‬عن الربـيع بن‬
‫ن َب ْعدِه قال‪ :‬أوحى‬
‫ن مِ ْ‬
‫حيْنا إلـى نُو حٍ وَال ّنبِـيّـي َ‬
‫حيْنا إلَـ ْيكَ كمَا أ ْو َ‬
‫خثَـيْـم فـي قوله‪ :‬إنّا أ ْو َ‬
‫ُ‬
‫إلـيك كما أوحى إلـى جميع النبـيـين من قبله‪.‬‬
‫وذكر أن هذه الَية نزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬لن بعض الـيهود لـما‬
‫سئَُلكَ‬
‫فضحهم ال بـالَيات التـي أنزلها علـى رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذلك من قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫ن ال سّماءِ فتل ذلك عل ـيهم ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ن ُتنَزّلَ عَلَ ـ ْيهِ ْم كِتاب ـا مِ َ‬
‫بأ ْ‬
‫أهْلُ الكِتا ِ‬
‫وسلم‪ ,‬قالوا‪ :‬ما أنزل ال علـى بشر من شيء بعد موسى‪ .‬فأنزل ال هذه الَيات تكذيبـا لهم‪,‬‬
‫وأخبر نبـيه والـمؤمنـين به أنه قد أنزل علـيه بعد موسى وعلـى من سماهم فـي هذه‬
‫الَية وعلـى آخرين لـم يسمهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8609‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬وحدثنا ابن حيـمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪,‬‬
‫عن م ـحمد بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي م ـحمد بن أب ـي م ـحمد مول ـى ز يد بن ثا بت‪ ,‬قال‪:‬‬
‫س َكيْن وعد يّ بن ز يد‪ :‬يا‬
‫ثن ـي سعيد بن جب ـير أو عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬قال ُ‬
‫مـحمد ما نعلـم ال أنزل علـى بشر من شيء بعد موسى‪ ,‬فأنزل ال فـي ذلك من قولهما‪:‬‬
‫ن َب ْعدِه‪ ...‬إلـى آخر الَيات‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫حيْنا إلـى نُوحٍ وَال ّنبِـيّـي َ‬
‫حيْنا إلَـ ْيكَ كمَا أ ْو َ‬
‫إنّا أ ْو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل قالوا‪ :‬لــما أنزل ال الَيات التــي قبـل هذه فــي ذكرهـم مـا أنزل ال‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وَما قَ َدرُوا‬
‫علـى بشر من شيء‪ ,‬ول علـى موسى‪ ,‬ول علـى عيسى‪ ,‬فأنزل ال ج ّ‬
‫شيْءٍ ول علــى موسـى‪ ,‬ول علــى‬
‫شرٍ مِن ْـ َ‬
‫اللّه َـ حَقّـ َقدْرِه ِـ إ ْذ قَالُوا مَا أ ْنزَلَ اللّهُـ عَلــى َب َ‬
‫عيسى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8610‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫ن السّماءِ‪ ...‬إلـى‬
‫ن ُت َنزّلَ عَلَـ ْيهِمْ كِتابـا ِم َ‬
‫بأْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫سئَُلكَ أهْ ُ‬
‫كعب ال ُقرَظيّ‪ ,‬قال‪ :‬أنزل ال‪ :‬يَ ْ‬
‫عظِي ـما‪ ,‬فل ـما تل ها عل ـيهم يعن ـي عل ـى ال ـيهود‬
‫قوله‪َ :‬وقَوِْلهِ مْ عل ـى َم ْريَ ـمَ ُبهْتا نا َ‬
‫ل ما أنزل ال‪ ,‬وقالوا‪ :‬ما أنزل ال عل ـى ب شر من‬
‫وأ خبرهم بأعمال هم ال ـخبـيثة‪ ,‬جحدوا ك ّ‬
‫شيء‪ ,‬ول علـى موسى‪ ,‬ول علـى عيسى‪ ,‬وما أنزل ال علـى نبـيّ من شيء‪ .‬قال‪ :‬فحل‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وَ ما َق َدرُوا الّل َه حَ قّ َق ْدرِ ِه إذْ قَالُوا مَا أ ْنزَلَ‬
‫حبْوَ ته‪ ,‬وقال‪ :‬ول علـى أ حد فأنزل ال ج ّ‬
‫ُ‬
‫ن شَيْءٍ‪.‬‬
‫شرٍ مِ ْ‬
‫اللّهُ عَلـى َب َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وآتَ ـيْنا دَا ُودَ َزبُورا فإن القراء اختل فت ف ـي قراء ته‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء أم صار‬
‫السـلم غيـر نفـر مـن قرّاء الكوفـة‪ :‬وآتَــيْنا دَا ُودَ َزبُورا بفتــح الزاي علــى التوحيـد‪,‬‬
‫بــمعنـي‪ :‬وآتــينا داود الكتاب الــمسمى زبورا‪ .‬وقرأ ذلك بعـض قرّاء الكوفــيـين‪:‬‬
‫«وآتَ ـيْنا دَا ُودَ ُزبُورا» بض مّ الزاي ج مع ُزبُر‪ ,‬كأن هم وجهوا تأوي ـله‪ :‬وآت ـينا داود كتب ـا‬
‫وصحفـا مزبورة‪ ,‬من قولهم‪ :‬زَ َبرْت الكتاب َأزْ ُبرُه َزبْرا‪ ,‬و َذ َبرْته َأ ْذبُرُه َذبْرا‪ :‬إذا كتبته‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وأول ـى القراءت ـين ف ـي ذلك ب ـالصواب عند نا‪ ,‬قراءة من قرأ‪ :‬وآتَ ـيْنا‬
‫دَا ُودَ َزبُورا بفتــح الزاي علــى أنـه اسـم الكتاب الذي أوتــيه داود‪ ,‬كمـا سـمى الكتاب الذي‬
‫أوتـيه موسى التوراة‪ ,‬والذي أوتـيه عيسى النـجيـل‪ ,‬والذي أوتـيه مـحمد الفرقان‪ ,‬لن‬
‫ذلك هو السم الـمعروف به ما أوتـي داود‪ ,‬وإنـما تقول العرب زَبور داود‪ ,‬وبذلك يعرف‬
‫كتابه سائر المـم‪.‬‬

‫‪164‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ّمـ‬
‫ُسـلً ل ْ‬
‫ْكـ م ِن َقبْلُ َور ُ‬
‫صنَاهُمْ عََلي َ‬
‫َصـ ْ‬
‫ُسـلً َقدْ ق َ‬
‫{ َور ُ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ص ُهمْ عََل ْيكَ َوكَّلمَ الّلهُ مُوسَىَ َتكْلِيما }‪..‬‬
‫نَ ْقصُ ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬إنـا أوحينـا إلــيك‪ ,‬كمـا أوحينـا إلــى نوح‪ ,‬وإلــى رسـل قـد‬
‫يعنــي بذلك ج ّ‬
‫ق صصناهم عل ـيك‪ ,‬ور سل ل ـم نق صصهم عل ـيك‪ .‬فل عل قائلً أن يقول‪ :‬فإذا كان ذلك معناه‪,‬‬
‫ف ما ب ـال قوله‪َ :‬ورُ سُلً من صوبـا غ ير مخفوض؟ ق ـيـل‪ :‬ن صب ذلك إذا ل ـم ت عد عل ـيه‬
‫«إلـى» التـي خفضت السماء قبله‪ ,‬وكانت السماء قبلها وإن كانت مخفوضة‪ ,‬فإنها فـي‬
‫معنى النصب‪ ,‬لن معنى الكلم‪ :‬إنا أرسلناك رسولً كما أرسلنا نوحا والنبـيـين من بعده‪,‬‬
‫فعطفت الرسل علـى معنى السماء قبلها فـي العراب‪ ,‬لنقطاعها عنها دون ألفـاظها‪ ,‬إذ‬
‫لـم يعد علـيها ما خفضها‪ ,‬كما قال الشّاعر‪:‬‬
‫سكّرَالـمْ ُيرْضِ ِه ذَِلكَ حتـى َيسْ َكرَا‬
‫طبُوخا مَعا وال ّ‬
‫خ ْبزِ لَ ُه ُم َنشّرَاوالبَـيْضَ َم ْ‬
‫ت بـالـ ُ‬
‫جئْ َ‬
‫َلوْ ِ‬
‫وقـد يحتــمل أن يكون نصـب الرسـل‪ ,‬لتعلق الواو بــالفعل‪ ,‬بــمعنى‪ :‬وقصـصنا رسـلً‬
‫عدّ َلهُم ْـ‬
‫ح َمتِهِـ وَالظّالِــمِينَ أ َ‬
‫ل مَن ْـ يَشا ُء فِــي َر ْ‬
‫علــيك مـن قبـل‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ُ :‬ي ْدخِــ ُ‬
‫ن قَبْلُ‬
‫صصْناهُمْ عَلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫ل قَدْ قَ َ‬
‫عذَابـا ألِـيـما‪ ,‬وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة ُأبَـيّ‪َ « :‬ورُ سُ ٌ‬
‫َ‬
‫ص ُهمْ عَلَـيْكَ» فرفع ذلك إذا قرىء كذلك بعائد الذكر فـي قوله‪ :‬قَ صَصْنا ُهمْ‬
‫ل لَـمْ نَقْ صُ ْ‬
‫َورُ سُ ٌ‬
‫عَلَـ ْيكَ‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وكَلّ ـمَ الّل ُه مُو سَى َتكْلِ ـيـما فإ نه يعن ـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وخا طب ال بكل مه‬
‫موسى خطابـا‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 8611‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا نوح بن أب ـي مري ـم‪,‬‬
‫وسئل‪ :‬كيف كلّـم ال موسى تكلـيـما؟ فقال‪ :‬مشافهة‪.‬‬
‫‪ 8612‬ـ وقد حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن ابن مبـارك‪ ,‬عن معمر ويونس‪,‬‬
‫عن الزهري‪ ,‬عن أبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحرث بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي جزء بن‬
‫جابر الــخثعمي‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت كعبــا يقول‪ :‬إن ال جلّ ثناؤه لــمّا كلــم موسـى‪ ,‬كلــمه‬
‫ب ـاللسنة كل ها ق بل كل مه يعن ـي كلم مو سى فج عل يقول‪ :‬يا ر بّ ل أف هم حت ـى كل ـمه‬
‫ب هكذا كلمك؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬ولو سمعت كلمي أي علـى وجهه‬
‫بلسانه آخر اللسنة‪ ,‬فقال‪ :‬يا ر ّ‬
‫لــم تـك شيئا‪ .‬قال ابـن وكيـع‪ ,‬قال أبـو أسـامة‪ :‬وزادنــي أبـو بكـر الصـغانـي فــي هذا‬
‫الــحديث‪ :‬أن موسـى قال‪ :‬يـا ربّـ هـل فــي خــلقك شيـء يشبـه كلمـك؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬وأقرب‬
‫خـلقـي شبها بكلمي‪ ,‬أشدّ ما تسمع الناس من الصواعق‪.‬‬
‫‪8613‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن عمر بن حمزة بن عبد ال بن عمر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت مـحمد بن كعب ال ُقرَظيّ‪ ,‬يقول‪ :‬سئل موسى‪ :‬ما شبّهتَ كلم ربك مـما خـلق؟ فقال‬
‫موسى‪ :‬الرعد الساكن‪.‬‬
‫حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي يونس‪ ,‬عن‬
‫ابن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي أبو بكر بن عبد الرحمن‪ ,‬أنه أخبره عن جزء بن جابر الـخثعمي‪,‬‬
‫قال‪ :‬لـما كلـم ال موسى بـاللسنة كلها قبل لسانه‪ ,‬فط فق يقول‪ :‬وال يا ر بّ ما أفقه هذا‬
‫ب هذا كل مك؟ قال‪ :‬ل‪,‬‬
‫حت ـى كل ـمه بل سانه آخر الل سنة ب ـمثل صوته‪ ,‬فقال موسى‪ :‬يا ر ّ‬
‫قال‪ :‬هل ف ـي خ ـلقك ش يء يش به كل مك؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬وأقرب خ ـلقـي شب ها بكل مي‪ ,‬أشدّ ما‬
‫يسمع الناس من الصواعق‪.‬‬
‫حدثنــي أبـو يونـس الــمكيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن أبــي ُأوَيـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنــي أخـي‪ ,‬عـن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬عن مـحمد بن أبـي عتـيق‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬عن أبـي بكر بن عبد الرحمن‬
‫جزْء بن جابر الـخثعمي‪ ,‬أنه سمع الحبـار تقول‪ :‬لـمّا‬
‫بن الـحرث بن هشام‪ ,‬أنه أخبره َ‬
‫كل ـم ال مو سى ب ـاللسنة كل ها ق بل ل سانه‪ ,‬فط فق مو سى يقول‪ :‬أي ر بّ‪ ,‬وال ما أف قه هذا‬
‫حتـى كلـمه آخر اللسنة بلسانه بـمثل صوته‪ ,‬فقال موسى‪ :‬أي ر بّ‪ ,‬أهكذا كلمك؟ فقال‪:‬‬
‫ب هل فـي خـلقك شيء يشبه كلمك؟ فقال‪:‬‬
‫لو كلـمتك بكلمي لـم تكن شيئا‪ .‬قال‪ :‬أي ر ّ‬
‫ل‪ ,‬وأقرب خـلقـي شبها بكلمي‪ ,‬أش ّد ما يسمع من الصواعق‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد الرحمين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زهير‪ ,‬عن يحيى‪ ,‬عن الزهريّ‪ ,‬عن‬
‫أبـي بكر ابن عبد الرحمن بن الـحارث بن هشام‪ ,‬عن جزء بن جابر‪ ,‬أنه سمع كعبـا يقول‪:‬‬
‫ل ـما كل ـم ال مو سى ب ـاللسنة ق بل ل سانه‪ ,‬ط فق مو سى يقول‪ :‬أي ر بّ‪ ,‬إن ـي ل أف قه هذا‬
‫حت ـى كل ـمه ال آ خر الل سنة ب ـمثل ل سانه‪ ,‬فقال مو سى‪ :‬أي ر بّ هذا كل مك؟ قال ال‪ :‬لو‬
‫كل ـمتك بكل مي ل ـم ت كن شيئا‪ .‬قال‪ :‬يا ر بّ‪ ,‬ف هل من خ ـلقك ش يء يش به كل مك؟ قال‪ :‬ل‪,‬‬
‫وأقرب خَـلْقـي شبها بكلمي‪ ,‬أشدّ ما يسمع من الصواعق‪.‬‬

‫‪165‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن لِلنّا سِ عَلَى الّل هِ‬
‫ن ِلئَلّ َيكُو َ‬
‫{رّ سُلً ّم َبشّرِي نَ َومُن ِذرِي َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫عزِيزا َ‬
‫ن اللّهُ َ‬
‫حجّةٌ َب ْعدَ ال ّرسُلِ َوكَا َ‬
‫ُ‬
‫ن َب ْعدِه ومن‬
‫حيْنا إلـى نُو حٍ وَال ّنبِـيّـينَ مِ ْ‬
‫حيْنا إلَـ ْيكَ كمَا أ ْو َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬إنّا أ ْو َ‬
‫ذكر من الرسل رُسُلً فنصب به الرسل علـى القطع من أسماء النبـياء الذين ذكر أسماءهم‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬أر سلتهم ر سلً إل ـى خ ـلقـي وعب ـادي مبشر ين بثواب ـي من أطاعن ـي‬
‫ُم َبشّرِي َ‬
‫واتبع أمري وصدّق رسلـي‪َ ,‬و ُم ْن ِذرِي نَ عقابـي من عصانـي وخالف أمري وكذّب رسلـي‪.‬‬
‫حجّ ٌة َب ْعدَ الرّ سُلِ يقول‪ :‬أرسلت رسلـي إلـى عبـادي مبشرين‬
‫ن للنّا سِ علـى الّل ِه ُ‬
‫ِلئَلّ َيكُو َ‬
‫ج من كفر بـي وعبد النداد من دونـي‪ ,‬أو ضلّ عن سبـيـلـي بأن‬
‫ومنذرين‪ ,‬لئل يحتـ ّ‬
‫ل فَن َتبّ عَ آيَاتِ كَ ِم نْ َقبْلِ أ نْ َنذِلّ َونَـخْزَى‪ ,‬فقطع‬
‫ت إلَـ ْينَا رَ سُو ً‬
‫ل أرْ سَلْ َ‬
‫يقول إن أردت عقابه‪ :‬لَ ْو َ‬
‫ح جة كل مب طل أل ـحد ف ـي توحيده وخالف أمره بجم يع معان ـي ال ـحجج القاط عة عذره‪,‬‬
‫إعذارا منه بذلك إلـيهم‪ ,‬لتكون ل الـحجة البـالغة علـيهم وعلـى جميع خـلقه‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8614‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫حجّ ٌة َب ْعدَ ال ّرسُلِ فـيقولوا‪ :‬ما أرسلت إلـينا رسلً‪.‬‬
‫ن للنّاسِ علـى الّلهِ ُ‬
‫عن السديّ‪ِ :‬لئَلّ َيكُو َ‬
‫حكِيـما يقول‪ :‬ولـم يزل ال ذا عزّة فـي انتقامه مـمن انتقم من خـلقه‬
‫عزِيرا َ‬
‫ن اللّ هُ َ‬
‫وكا َ‬
‫علـى كفره به ومعصيته إياه بعد تثبـيته حجته علـيه برسله وأدلته‪ ,‬حكيـما فـي تدبـيره‬
‫فـيهم ما دبره‪.‬‬
‫‪166‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ش َهدُ ِبمَآ أَنزَلَ إَِليْ كَ أَنزَلَ هُ ِبعِ ْلمِ هِ وَا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫{لّـكِنِ الّل ُه َي ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫شهِيدا }‪..‬‬
‫شهَدُونَ َوكَ َفىَ بِاللّ ِه َ‬
‫َي ْ‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن يكفر بـالذي أوحينا إلـيك يا مـحمد الـيهود الذين سألوك أن‬
‫تنزل عل ـيهم كتاب ـا من ال سماء‪ ,‬وقالوا لك‪ :‬ما أنزل ال عل ـى ب شر من ش يء فكذّبوك‪ ,‬ف قد‬
‫كذّبوا ما المر‪ ,‬كما قالوا‪ :‬لكن ال يشهد بتنزيـله إلـيك ما أنزله من كتابه ووحيه‪ ,‬أنزل ذلك‬
‫إلـيك بعلـم منه بأنك خيرته من خـلقه وصفـيه من عبـاده‪ ,‬ويشهد لك بذلك ملئكته‪ ,‬فل‬
‫شهِيدا يقول‪ :‬وح سبك ب ـال‬
‫يحز نك تكذ يب من كذّ بك‪ ,‬وخلف من خال فك‪ .‬وكَفَ ـى ب ـاللّ ِه َ‬
‫شاهدا علـى صدقك دون ما سواه من خـلقه‪ ,‬فإنه إذا شهد لك بـالصدق ربك لـم يضرّك‬
‫تكذيب من كذّبك‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬إن هذه الَية نزلت فـي قوم من الـيهود دعاهم النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم إلـى أتبـاعه‪ ,‬وأخبرهم أنهم يعلـمون حقـيقة نبوّته‪ ,‬فجحدوا نبوّته وأنكروا‬
‫معرفته‪ .‬ذكر الـخبر بذلك‪:‬‬
‫‪8615‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن‬
‫أب ـي م ـحمد مول ـى ز يد بن ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي سعيد بن جب ـير‪ ,‬أو عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬دخـل علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم جماعة من يهود‪ ,‬فقال لهم‪« :‬إنّى‬
‫ش َهدُ‬
‫ن اللّ هِ َي ْ‬
‫ن َأنّى رَ سُولُ ال» فقالوا‪ :‬ما نعلـم ذلك‪ .‬فأنزل ال‪َ :‬لكِ ِ‬
‫وال أعْلَـمُ أ ّنكُ مْ َل َتعْلَـمُو َ‬
‫شهِيدا‪.‬‬
‫شهَدُونَ وكَفَـى بـاللّهِ َ‬
‫ل إلَـيْكَ أ ْنزَلَ ُه ِبعِلْـمِهِ وَالـمَل ِئكَ ُة َي ْ‬
‫بِـمَا َأ ْنزَ َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن أبـي‬
‫م ـحمد‪ ,‬عن عكر مة و سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬دخ ـلتْ عل ـى ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عصابة من الـيهود‪ ,‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫شهَدُ‬
‫‪ 8616‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬لكِ نِ الّل ِه َي ْ‬
‫شهِيدا شهود وال غ ير‬
‫ش َهدُو نَ وكَفَ ـى ب ـاللّهِ َ‬
‫بِ ـمَا َأ ْنزَلَ إلَ ـيْكَ أ ْنزَلَ هُ ِبعِلْ ـمِهِ وَال ـمَل ِئكَةُ َي ْ‬
‫متهمة‪.‬‬

‫‪167‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫للَ‬
‫ل اللّهِ َقدْ ضَلّو ْا ضَ َ‬
‫سبِي ِ‬
‫صدّواْ عَن َ‬
‫ن كَ َفرُواْ وَ َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫َبعِيدا }‪..‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬إن الذين جحدوا يا مـحمد نبوّتك بعد علـمهم بها من أهل الكتاب‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫الذين اقتصصت علـيك قصتهم‪ ,‬وأنكروا أن يكون ال جلّ ثناؤه أوحى إلـيك كتابه‪ ,‬وَصدّوا‬
‫سبِـيـلِ ال يعنـي عن الدين الذي بعثك ال به إلـى خـلقه وهو السلم‪ .‬وكان صدّهم‬
‫عن َ‬
‫ع نه‪ :‬ق ـيـلهم للناس الذ ين ي سألونهم عن م ـحمد من أ هل الشرك‪ :‬ما ن ـجد صفة م ـحمد‬
‫ف ـي كتاب نا‪ ,‬وادّعاء هم أن هم ع هد إل ـيهم أن النبوّة ل تكون إل ف ـي ولد هارون و من ذر ية‬
‫داود‪ ,‬و ما أش به ذلك من المور الت ـي كانوا يثبطون الناس ب ها عن اتب ـاع ر سول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم والتصديق به وبـما جاء به من عند ال‪ .‬وبـما جاء به من عند ال‪ .‬وقوله‪ :‬قَدْ‬
‫ضَلّوا ضَللً َبعِيدا يعنـي‪ :‬قد جاروا عن قصد الطريق جَوْرا شديدا‪ ,‬وزالوا عن الـمـحجة‪.‬‬
‫ل ثناؤه بجور هم عن ال ـمـحجة‪ ,‬وضلل هم عن ها‪ :‬إخطاء هم د ين ال الذي‬
‫وإن ـما يعن ـي ج ّ‬
‫ارتضاه لعبـاده وابتعث به رسله‪ ,‬يقول‪ :‬من جحد رسالة مـحمد صلى ال عليه وسلم وصدّ‬
‫عما بعث به من الـملة من قبل منه‪ ,‬فقد ضلّ فذهب عن الدين الذي هو دين ال الذي ابتعث‬
‫ل بعيدا‪.‬‬
‫به أنبـياءه ضل ً‬

‫‪169-168‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هُ ِل َيغْ ِفرَ َلهُ مْ َولَ‬
‫ن كَ َفرُواْ َوظََلمُو ْا لَ ْم َيكُ ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن ذَِلكَ عَلَى اللّ ِه َيسِيرا }‪..‬‬
‫ن فِيهَآ َأبَدا َوكَا َ‬
‫ج َه ّنمَ خَاِلدِي َ‬
‫ل طَرِيقَ َ‬
‫طرِيقا * ِإ ّ‬
‫ِل َي ْهدِ َي ُهمْ َ‬
‫ن الذين جحدوا رسالة مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكفروا بـال‬
‫ل ثناؤه‪ :‬إ ّ‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫بجحود ذلك وظلـموا بـمقامهم علـى الكفر‪ ,‬علـى علـم منهم بظلـمهم عبـاد ال‪ ,‬وحسدا‬
‫ن اللّ هُ لِـ َيغْ ِفرَ َلهُ مْ يعنـي‪:‬‬
‫للعرب‪ ,‬وبغيا علـى رسوله مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬لَـمْ َيكُ ِ‬
‫ل ـم ي كن ال ل ـيعفو عن ذنوب هم بتر كه عقوبت هم عل ـيها‪ ,‬ولك نه يفضح هم ب ها بعقوب ته إيا هم‬
‫طرِيقا يقول‪ :‬ولـم يكن ال تعالـى ذكره لـيهدى هؤلء الذين كفروا‬
‫علـيها‪ .‬وَل لِـ َي ْه ِديَ ُهمْ َ‬
‫وظل ـموا‪ ,‬الذ ين و صفنا صفتهم‪ ,‬ف ـيوفقهم لطر يق من الطرق الت ـي ينالون ب ها ثواب ال‪,‬‬
‫ويصلون بلزومهم إياه إلـى الـجنة‪ ,‬ولكنه يخذلهم عن ذلك‪ ,‬حتـى يسلكوا طريق جهنـم‪.‬‬
‫وإنـما كنـي بذكر الطريق عن الدين وإنـما معنى الكلم‪ :‬لـم يكن ال لـيوفقهم للسلم‪,‬‬
‫ولك نه يخذل هم ع نه إل ـى طر يق جهن ـم‪ ,‬و هو الك فر‪ ,‬يعن ـي‪ :‬حت ـى يكفروا ب ـال ور سله‪,‬‬
‫ن ذَلِ كَ عل ـى الّل هِ‬
‫ف ـيدخـلوا جهن ـم خالد ين ف ـيها أبدا‪ ,‬يقول‪ :‬مق ـيـمين ف ـيها أبدا‪ .‬وكا َ‬
‫يَسـِيرا يقول‪ :‬وكان تــخـلـيد هؤلء الذيـن وصـفت لكـم صـفتهم فــي جهنــم علــى ال‬
‫يسـيرا‪ ,‬لنـه ل يقدر مـن أراد ذلك بـه علــى المتناع منـه‪ ,‬ول له أحـد يــمنعه منـه‪ ,‬ول‬
‫يسـتصعب علــيه مـا أراد فعله بـه‪ ,‬مـن ذلك‪ ,‬وكان ذلك علــى ال يسـيرا‪ ,‬لن الــخـلق‬
‫خـلقه‪ ,‬والمر أمره‪.‬‬
‫‪170‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل بِا ْلحَ قّ مِن ّر ّبكُ مْ فَآ ِمنُواْ‬
‫{ َيأَ ّيهَا النّا سُ َقدْ جَآ َءكُ مُ الرّ سُو ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫حكِيما }‪..‬‬
‫ن اللّهُ عَلِيما َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْضِ َوكَا َ‬
‫خيْرا ّل ُكمْ وَإِن َتكْ ُفرُو ْا َفإِنّ لّلهِ مَا فِي ال ّ‬
‫َ‬
‫يعن ـي بقوله جلّ ثناؤه‪ :‬يا أيّ ها النّا سُ مشر كي العرب‪ ,‬و سائر أ صناف الك فر‪َ .‬قدْ جا َءكُ مُ‬
‫ن َر ّبكُمْ يقول‪ :‬بـالسلم‬
‫ل يعنى‪ :‬مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قد جاءكم بـالـحَقّ ِم ْ‬
‫الرّسُو ُ‬
‫خيْرا َلكُ مْ يقول‪:‬‬
‫الذى ارتضاه ال لعبـاده دينا‪ ,‬يقول‪ :‬من ربكم‪ :‬يعنـي من عند ربكم‪ .‬فَآ ِمنُوا َ‬
‫فصدقوه وصدقّوا بـما جاءكم به من عند رب كم من الد ين‪ ,‬فإن اليـمان بذلك خير لكم من‬
‫الك فر به‪ .‬وَإ نْ َتكْ ُفرُوا يقول‪ :‬وإن ت ـجحدوا ر سالته‪ ,‬وتكذّبوا به وب ـما جاء كم به من ع ند‬
‫ربكم‪ ,‬فإن جحود كم ذلك وتكذيب كم به لن يضرّ غيركم‪ ,‬وإنـما مكروه ذلك عائد علـيكم دون‬
‫الذي ال أمركم بـالذي بعث به إلـيكم رسوله مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذلك أن لِلّ هِ ما‬
‫ت والرْضِ ملكا وخـلقا‪ ,‬ل ينقص كفركم بـما كفرتـم به من أمره‪ ,‬وعصيانكم‬
‫سمَوَا ِ‬
‫فِـي ال ّ‬
‫حكِي ـما يقول‪:‬‬
‫إياه ف ـيـما ع صيتـموه ف ـيه من مل كه و سلطانه شيئا‪ .‬وكا نَ الّل هُ عَلِ ـيـما َ‬
‫وكان ال علـيـما بـما أنتـم صائرون إلـيه من طاعته فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم‬
‫حكِي ـما يعن ـي‪:‬‬
‫ع نه ومع صيته ف ـى ذلك‪ ,‬وعل ـى عل ـم م نه بذلك من كم أمر كم ونها كم‪َ .‬‬
‫حكيـما فـى أمره إياكم بـما أمركم به وفـي نهيه إياكم عما نهاكم عنه‪ ,‬وفـي غير ذلك‬
‫من تدبـيره فـيكم وفـي غيركم من خـلقه‪.‬‬
‫خيْرا َلكُم ْـ فقال بعـض‬
‫واختلف أهـل العربــية فــي الــمعنى الذي مـن أجله نصـب قوله‪َ :‬‬
‫نـحويـي الكوفة‪ :‬نصب خيرا علـى الـخروج مـما قبله من الكلم‪ ,‬لن ما قبله من الكلم‬
‫قد ت ـم‪ ,‬وذلك قوله‪ :‬فَآ ِمنُوا‪ ,‬وقال‪ :‬قد سمعت العرب تف عل ذلك ف ـي كل خبر كان تامّا ثم‬
‫اتصل به كلم بعد تـمامه علـى نـحو اتصال «خير» بـما قبله‪ ,‬فتقول‪ :‬لتقوم نّ خيرا لك‪,‬‬
‫ولو فعلت ذلك خيرا لك‪ ,‬واتـق ال خيرا لك‪ .‬قال‪ :‬وأمـا إذا كان الكلم ناقصـا‪ ,‬فل يكون إل‬
‫خ ْيرٌ َل ُكمْ‪.‬‬
‫صبِرُوا َ‬
‫ن َت ْ‬
‫بـالرفع كقولك‪ :‬إن تتق ال خير لك‪ ,‬و وَأ ْ‬
‫وقال آ خر من هم‪ :‬جاء الن صب ف ـي «خ ير»‪ ,‬لن أ صل الكلم‪ :‬فآمنوا هو خ ير ل كم‪ ,‬فل ـما‬
‫سـقط «هـو» الذي هـو مصـدر اتصـل الكلم بــما قبله‪ ,‬والذي قبله معرفـة و«خيـر» نكرة‪,‬‬
‫ف ـانتصب لت صاله ب ـالـمعرفة‪ ,‬لن الضمار من الف عل‪ :‬قم ف ـالقـيام خ ير لك‪ ,‬ول ت قم‬
‫فترك القـيام خير لك فلـما سقط اتصل بـالوّل‪ .‬وقال‪ :‬أل ترى أنك ترى الكناية عن المر‬
‫ت صلـح ق بل ال ـخبر‪ ,‬فتقول للر جل‪ :‬ا تق ال هو خ ير لك‪ ,‬أي التقاء خ ير لك‪ .‬وقال‪ :‬ل ـيس‬
‫نصبه علـى إضمار «يكن»‪ ,‬لن ذلك يأتـي بقـياس يبطل هذا‪ ,‬أل ترى أنك تقول‪ :‬اتق ال‬
‫ت كن م ـحسنا‪ ,‬ول يجوز أن تقول‪ :‬ا تق ال م ـحسنا‪ ,‬وأ نت تض مر «كان»‪ ,‬ول ي صلـح أن‬
‫تقول‪ :‬انصرنا أخانا‪ ,‬وأنت تريد‪ :‬تكن أخانا‪ .‬وزعم قائل هذا القول أنه ل يجيز ذلك إل فـي‬
‫ل لك ول تقول‪:‬‬
‫«َأفْعَل» خا صة‪ ,‬فتقول‪ :‬اف عل هذا خيرا لك‪ ,‬ول تف عل هذا خيرا لك وأفض َ‬
‫صلحا لك‪ .‬وزعم أنه إنـما قـيـل مع «أفعل»‪ ,‬لن «أفعل» يدلّ علـى أن هذا أصلـح من‬
‫ذلك‪ .‬وقال بعض نـحويـي البصرة‪ :‬نصب «خيرا» لنه حين قال لهم‪ :‬آمنوا‪ ,‬أمرهم بـما‬
‫هو خ ير ل هم‪ ,‬فكأ نه قال‪ :‬اعملوا خيرا ل كم‪ ,‬وكذلك‪ :‬انتهوا خيرا ل كم‪ ,‬قال‪ :‬وهذا إن ـما يكون‬
‫ف ـي ال مر والن هي خا صة‪ ,‬ول يكون ف ـي ال ـخبر‪ ,‬ل تقول‪ :‬أن أنت هي خيرا ل ـي‪ ,‬ول كن‬
‫يرفع علـى كلمين لن المر والنهي يضمر فـيهما‪ ,‬فكأنك أخرجته من شيء إلـى شيء‪,‬‬
‫لنك حين قلت له ا ْنتَهِ‪ ,‬كأنك قلت له‪ :‬أخرج من ذا‪ ,‬وادخـل فـي آخر واستشهد بقول الشاعر‬
‫عمر بن أبـي ربـيعة‪:‬‬
‫سهَل‬
‫س ْرحَتـيْ ماِلكٍأ ِو الرّبـا بَـ ْي َنهُما أ ْ‬
‫عدِيهِ َ‬
‫فَوَا ِ‬
‫كما تقول‪ :‬واعديه خيرا لك‪ .‬قال‪ :‬وقد سمعت نصب هذا فـي الـخبر‪ ,‬تقول العرب‪ :‬آتـي‬
‫البـيت خيرا ل ـي وأتر كه خيرا لـي‪ ,‬و هو علـى ما فسرت لك فـي ال مر والن هي‪ .‬وقال‬
‫آ خر من هم‪ :‬ن صب «خيرا» بف عل مض مر‪ ,‬واكتف ـى من ذلك ال ـمضمر بقوله‪ :‬ل تف عل هذا‬
‫وافعل ال ـخير‪ ,‬وأجازه ف ـي غ ير «أف عل»‪ ,‬فقال‪ :‬ل تف عل ذاك صلحا لك‪ .‬وقال آخر من هم‪:‬‬
‫نصب «خيرا» علـى ضمير جواب‪ :‬يكن خيرا لكم‪ ,‬وقال‪ :‬كذلك كل أمر ونهي‪.‬‬

‫‪171‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل تَقُولُواْ عَلَى الّل ِه ِإلّ‬
‫ب لَ َتغْلُو ْا فِي دِي ِنكُ مْ َو َ‬
‫{ َيأَهْلَ ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ح ّمنْ ُه فَآ ِمنُو ْا بِاللّ هِ‬
‫ل الّل هِ َوكَِل َمتُ هُ أَلْقَاهَا إَِلىَ َم ْريَ مَ َورُو ٌ‬
‫ا ْلحَ قّ ِإ ّنمَا ا ْلمَ سِيحُ عِي سَى ا ْب نُ َم ْريَ مَ رَ سُو ُ‬
‫س ْبحَانَ ُه أَن َيكُونَ َلهُ وََلدٌ ّلهُ وما فِي‬
‫حدٌ ُ‬
‫خيْرا ّل ُكمْ ِإ ّنمَا الّلهُ إِلَـهٌ وَا ِ‬
‫لثَ ٌة ان َتهُواْ َ‬
‫َو ُرسُلِهِ َولَ َتقُولُواْ ثَ َ‬
‫سمَاوَات َومَا فِي الرْضِ َوكَ َفىَ بِاللّهِ َوكِيلً }‪..‬‬
‫ال ّ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬يا أهْلَ الكِتا بِ‪ :‬يا أ هل الن ـجيـل من الن صارى‪ ,‬ل َتغْلُوا فِ ـي‬
‫ِد ِينِكُ مْ يقول‪ :‬ل ت ـجاوزوا ال ـحقّ ف ـي دين كم فتفرِطوا ف ـيه‪ ,‬ول تقولوا ف ـي عي سى غ ير‬
‫ن قـيـلكم فـي عيسى إنه ابن ال قول منكم علـى ال غير الـحقّ‪ ,‬لن ال لـم‬
‫الـحقّ‪ ,‬فإ ّ‬
‫يت ـخذ ولدا‪ ,‬ف ـيكون عي سى أو غيره من خ ـلقه له اب نا‪ .‬وَل تَقُولُوا عل ـى الّل ِه إلّ ال ـحَقّ‬
‫وأصل الغل ّو فـي كلّ شيء‪ :‬مـجاوزة حده الذي هو حده‪ ,‬يقال منه فـي الدين قد غل ف هو‬
‫يغلو غُلُوّا‪ ,‬وغل بـالـجارية عظمُها ولـحمُها‪ :‬إذا أسرعت الشبـاب‪ ,‬فجاوزت لذاتها‪ ,‬يغلو‬
‫بها غُُلوّا وغَلءً ومن ذلك قول الـحارث بن خالد الـمخزومي‪:‬‬
‫ظمُ‬
‫ع ْ‬
‫شحُهارُ ْؤ ُد الشّبـابِ غلِ بها َ‬
‫خ ْمصَانَةٌ قَِلقٌ مُ َو ّ‬
‫ُ‬
‫‪8617‬ـ وقد حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي جعفر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫ك فــيه‬
‫الرب ـيع‪ ,‬قال‪ :‬صـاروا فريق ـين‪ :‬فر يق غَلَوا فــي الد ين‪ ,‬فكان غلوّ هم ف ـيه‪ :‬الش ّ‬
‫والرغبة عنه‪ .‬وفريق منهم قصروا عنه ففسقوا عن أمر ربهم‪.‬‬
‫ل اللّ هِ وكَلِـ َمتُهُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إنّـمَا الـ َمسِيحُ عِي سَى ابْ نُ َم ْريَـمَ رَ سُو ُ‬
‫ح ِمنْهُ‪.‬‬
‫ألْقاها إلـى َم ْريَـمَ َورُو ٌ‬
‫ن َمرْيَـمُ‪ :‬ما الـمسيح أيها الغالون فـي‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬إنّـمَا الـمَسِيحُ عِي سَى ابْ ُ‬
‫دين هم من أ هل الكتاب ب ـابن ال ك ما تزعمون‪ ,‬ولك نه عي سى ا بن مري ـم دون غير ها من‬
‫الـخـلق‪ ,‬ل نسب له غير ذلك‪ .‬ثم نعته ال جلّ ثناؤه بنعته ووصفه بصفته‪ ,‬فقال‪ :‬هو رسول‬
‫ال‪ ,‬أرسله ال بـالـحق إلـى من أرسله إلـيه من خـلقه‪ .‬وأصل الـمسيح‪ :‬الـمـمسوح‪,‬‬
‫صرف من مفعول إلـى فعيـل‪ ,‬وسماه ال بذلك لتطهيره إياه من الذنوب وقـيـل‪ :‬مسح من‬
‫الذنوب والدناس التــي تكون فــي الَدميــين‪ ,‬كمـا يــمسح الشيـء مـن الذى الذي يكون‬
‫ف ـيه ف ـيطهر م نه‪ ,‬ولذلك قال م ـجاهد و من قال م ثل قوله‪ :‬ال ـمسيح‪ :‬ال صديق‪ .‬و قد ز عم‬
‫بعـض الناس أن أصـل هذه الكلــمة عبرانــية أو سـريانـية « َمشِيح َا» فعرّبـت‪ ,‬فقــيـل‬
‫الــمسيح‪ ,‬كمـا عرّب سـائر أسـماء النبــياء التــي فــي القرآن مثـل إسـماعيـل وإسـحاق‬
‫وموسى وعيسى‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬ول ـيس ما م ثل به من ذلك لل ـمسيح بنظ ير وذلك أن إ سماعيـل وإ سحاق‬
‫وما أشبه ذلك‪ ,‬أسماء ل صفـات‪ ,‬والـمسيح صفة‪ ,‬وغير جائز أن تـخاطب العرب وغيرها‬
‫من أجناس ال ـخـلق ف ـي صفة ش يء إل ب ـمثل ما يف هم ع من خاطب ها‪ ,‬ولو كان ال ـمسيح‬
‫من غير كلم العرب ولـم تكن العرب تعقل معناه ما خوطبت به‪ .‬وقد أتـينا من البـيان عن‬
‫نظائر ذلك فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية عن إعادته‪ .‬وأما الـمسيح الدجال‪ ,‬فإنه أيضا‬
‫بـمعنى الـمـمسوح العين‪ ,‬صرف من مفعول إلـى فعيـل‪ ,‬فمعنى الـمسيح فـي عيسى‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬الـمـمسوح البدن من الدناس والَثام‪ ,‬ومعنى الـمسيح فـي الدجال‪:‬‬
‫الـمـمسوح العين الـيـمنى أو الـيسرى كالذي رُوِ يَ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فـي ذلك‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وكَلِ ـ َمتُ ُه ألْقا ها إل ـى َم ْريَ ـمَ فإ نه يعن ـي ب ـالكلـمة‪ :‬الر سالة الت ـي أ مر ال‬
‫ملئكته أن تأتـي مريـم بها‪ ,‬بشارة من ال لها التـي ذكر ال جلّ ثناؤه فـي قوله‪ :‬إ ْذ قالَتِ‬
‫شرُ كِ ِبكَلِـمَ ٍة ِمنْ ُه يعنـي‪ :‬برسالة منه‪ ,‬وبشارة من عنده‪ .‬وقد‬
‫الـمَل ِئكَ ِة يا َم ْريَـمُ إ نّ الّل هَ ُي َب ّ‬
‫قال قتادة فـي ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 8618‬ـ حدثنابه الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر عن قتادة‪:‬‬
‫وكَلِـ َمتُهُ ألْقاها إلـى َم ْريَـمَ قال‪ :‬هو قوله‪ :‬كن فكان‪.‬‬
‫وقد بـيّنا اختلف الـمختلفـين من أهل السلم فـي ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن‬
‫إعادته فـي هذا الـموضع‪ .‬وقوله‪ :‬ألْقاها إلـى َمرْيَـمَ يعنـي‪ :‬أعلـمها بها وأخبرها‪ ,‬كما‬
‫يقال‪ :‬ألقـيت إلـيك كلـمة حسنة‪ ,‬بـمعنى أخبرتك بها‪ ,‬وكلـمتك بها‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬ورُو حٌ مِنْه فإن أ هل العل ـم اختلفوا ف ـي تأوي ـله‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬مع نى قوله‪:‬‬
‫ح ِمنْه‪ :‬ونفخة منه‪ ,‬لنه حدّث عن نفخة جبريـل علـيه السلم فـي ِدرْع مريـم بأمر‬
‫َورُو ٌ‬
‫ال إياه بذلك‪ ,‬فنسب إل ـى أنه رُوح من ال‪ ,‬لنه بأمره‪ ,‬كان‪ ,‬قال‪ :‬وإنـما سمي النفخ رُوحا‬
‫لنها ريح تـخرج من الروح‪ ,‬واستشهدوا علـى ذلك من قولهم بقول ذي الرمة فـي صفة‬
‫نار نعتها‪:‬‬
‫ش ْبرَا‬
‫فلـمّا َبدَتْ كَ ّف ْنتُها وَ ْهيَ طِفْلَةٌبطَلْساءَ لَـم َت ْكمُل ِذرَاعا وَل ِ‬
‫حكَ وا ْقتَتْ ُه لهَا قِـيتَةً َقدْرَا‬
‫حيِهابُرو ِ‬
‫ت َلهُ ا ْر َفعْها إلَـ ْيكَ وأ ْ‬
‫وقُلْ ُ‬
‫ستْرا‬
‫جعَلْ ي َد ْيكَ لها ِ‬
‫شخْتِ واستعنعلَـيها الصّبـا وا ْ‬
‫وظا ِهرْ لها مِن بـائسِ ال ّ‬
‫شكْرَا‬
‫جرْيا كأ ّن ُهسَنا الب ْرقِ أح َدثْنا لـخالقها ُ‬
‫ل َ‬
‫جرَتْ للْـجَزْ ِ‬
‫فَلَـمّا َ‬
‫وقالوا‪ :‬يعنـي بقوله‪ :‬أحيها بُروحك‪ :‬أي أحْيها بنفخك‪.‬‬
‫ح ِمنْ هُ‪ :‬أ نه كان إن سانا بإحياء ال له بقوله‪ « :‬كن»‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫وقال بعض هم‪ :‬يعن ـي بقوله‪َ :‬ورُو ٌ‬
‫وإنـما معنى قوله‪َ :‬ورُوحٌ ِم ْنهُ‪ :‬وحياة منه‪ ,‬بـمعنى‪ :‬إحياء ال إياه بتكوينه‪.‬‬
‫ل ثناؤه ف ـي مو ضع آ خر‪:‬‬
‫ح ِمنْ هُ ورح مة م نه ك ما قال ج ّ‬
‫وقال بعض هم‪ :‬مع نى قوله‪َ :‬ورُو ٌ‬
‫وأ ّيدَهُم ْـ بِرُوحٍـ ِمنْهـُ‪ .‬قال‪ :‬ومعناه فــي هذا الــموضع‪ :‬ورحمـة م نه‪ .‬قال‪ :‬فجعـل ال عيسـى‬
‫رحمة منه علـى من اتبعه وآمن به وصدّقه‪ ,‬لنه هداهم إلـى سبـيـل الرشاد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬وروح مـن ال خــلقها فصـوّرها‪ ,‬ثـم أرسـلها إلــى مريــم‪,‬‬
‫فدخـلت فـي فـيها‪ ,‬فصيرها ال تعالـى روح عيسى علـيه السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8619‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد ال بن سعد‪,‬‬
‫ي بن كعب فـي قوله‪:‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنـي أبو جعفر‪ ,‬عن الربـيع‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬عن أبـ ّ‬
‫ظهُورِهِ مْ ُذرّ ّي َتهُ مْ قال‪ :‬أخذهم فجعلهم أرواحا‪ ,‬ثم صوّرهم‪ ,‬ثم‬
‫ن ُ‬
‫ك مِ نْ َبنِـي آدَ مَ مِ ْ‬
‫خذَ َربّ َ‬
‫وَإ ْذ أ َ‬
‫ا ستنطقهم‪ ,‬فكان روح عي سى من تلك الرواح الت ـي أ خذ عل ـيها الع هد وال ـميثاق‪ ,‬فأر سل‬
‫ذلك الروح إلـى مريـم‪ ,‬فدخـل فـي فـيها فحملت الذي خاطبها‪ ,‬وهو روح عيسى علـيه‬
‫السلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى الروح هه نا‪ :‬جبري ـل عل ـيه ال سلم‪ .‬قالوا‪ :‬ومع نى الكلم‪ :‬وكل ـمته‬
‫ألقاها إلـى مريـم‪ ,‬وألقاها أيضا إلـيها روح من ال‪ ,‬ثم من جبريـل علـيه السلم‪ .‬ولكلّ‬
‫هذه القوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب‪.‬‬
‫خيْرا َل ُكمْ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فَآمِنُوا بـاللّهِ َو ُرسُلِهِ وَل تَقُولُوا ثَلثَةٌ ا ْن َتهُوا َ‬
‫ـلِ ِه فصـدّقوا يـا أهـل الكتاب بوحدانــية ال‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فَآ ِمنُوا بــاللّهِ َورُس ُ‬
‫يعنــي بقوله ج ّ‬
‫وربوبـيته‪ ,‬وأنه ل ولد له‪ ,‬وصدّقوا رسله فـيـما جاءوكم به من عند ال‪ ,‬وفـيـما أخبرتكم‬
‫به أن ال وا حد ل شر يك له‪ ,‬ول صاحبة له‪ ,‬ول ولد له‪ .‬وَل تَقُولُوا ثَل َثةٌ يعن ـي‪ :‬ول تقولوا‬
‫الربـاب ثلثة‪ .‬ورفعت الثلثة بـمـحذوف دلّ علـيه الظاهر‪ ,‬وهو «هم»‪ .‬ومعنى الكلم‪:‬‬
‫ول تقولوا هم ثل ثة‪ .‬وإن ـما جاز ذلك لن القول حكا ية‪ ,‬والعرب تف عل ذلك ف ـي ال ـحكاية‪,‬‬
‫ل ما ورد من مرفوع بعد القول ل رافع‬
‫ن ثَلثَ ٌة رَابِ ُعهُ مْ كَ ْل ُبهُ مْ وكذلك ك ّ‬
‫سيَقُولُو َ‬
‫ومنه قول ال‪َ :‬‬
‫معـه‪ ,‬ففــيه إضمار اسـم رافـع لذلك السـم‪ .‬ثـم قال لهـم جلّ ثناؤه متوعدا لهـم فــي قولهـم‬
‫العظيــم الذي قالواه فــي ال‪ :‬انتهوا أيهـا القائلون ال ثالث ثلثـة عمـا تقولون مـن الزور‬
‫والشك بـال‪ ,‬فإن النتهاء عن ذلك خير لكم من قِـيـله‪ ,‬لـما لكم عند ال من العقاب العاجل‬
‫لكـم علــى قِــيـلكم ذلك‪ ,‬إن أقمتــم علــيه ولــم تنــيبوا إلــى الــحقّ الذي أمرتكـم‬
‫بـالنابة إلـيه والَجل فـي معادكم‪.‬‬
‫ن َيكُو نَ َل هُ وََل ٌد لَ هُ ما فِـي‬
‫سبْحانَ ُه أ ْ‬
‫حدٌ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إنّـمَا اللّ هُ إَل هٌ وَا ِ‬
‫سمَوَاتِ وَما فِـي الرْضِ وكَفَـى بـال َوكِيلً‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫حدٌ‪ :‬ما ال أيها القائلون‪ :‬ال ثالث ثلثة كما تقولون‪ ,‬لن من‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬إنّـمَا الّل ُه إلَ هٌ وَا ِ‬
‫كان له ولد فلـيس بإله‪ ,‬وكذلك من كان له صاحبة فغير جائز أن يكون ألها معبودا‪ ,‬ولكن ال‬
‫الذي له اللو هة والعب ـادة‪ ,‬إله وا حد معبود‪ ,‬ل ولد له‪ ,‬ول والد‪ ,‬ول صاحبة‪ ,‬ول شر يك‪ .‬ثم‬
‫ن َيكُو نَ‬
‫سبْحانَ ُه أ ْ‬
‫نزّه جلّ ثناؤه نفسه وعظمها ورفعها عما قال فـيه أعداؤه الكفرة به‪ ,‬فقال‪ُ :‬‬
‫لَ هُ وََلدٌ يقول‪ :‬عل ال وجلّ وع ّز وتع ظم وتنزّه عن أن يكون له ولد أو صاحبة‪ .‬ثم أ خبر جلّ‬
‫ثناؤه عبــاده أن عيسـى وأمـه‪ ,‬ومـن فــي السـموات ومـن فــي الرض‪ ,‬عبــيده‪ ,‬وملكـه‪,‬‬
‫وخـلقه‪ ,‬وأنه رازقهم وخالقهم‪ ,‬وأنهم أهل حاجة وفـاقة إلـيه‪ ,‬احتـجاجا منه بذلك علـى‬
‫من ادّعى أن الـمسيح ابنه‪ ,‬وأنه لو كان ابنه كما قالوا لـم يكن ذا حاجة إلـيه‪ ,‬ول كان له‬
‫سمَوَاتِ وَما فِ ـي الرْ ضِ يعن ـي‪ :‬ل ما ف ـي ال سموات‬
‫عبدا مـملوكا‪ ,‬فقال‪َ :‬ل ُه ما فِـي ال ّ‬
‫وما فـي الرض من الشياء كلها‪ ,‬ملكا وخـلقا‪ ,‬وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبرهم‪ ,‬فكيف يكون‬
‫ال ـمسيح اب نا ل و هو ف ـي الرض أو ف ـي ال سموات غ ير خارج من أن يكون ف ـي ب عض‬
‫هذه الماكن‬
‫وقوله‪ :‬وكَفَ ـى بــاللّهِ َوكِيلً يقول‪ :‬وح سب ما فــي السـموات و ما فــي الرض بــال‬
‫قـيـما ومدبرا ورازقا‪ ,‬من الـحاجة معه إلـى غيره‪.‬‬

‫‪172‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫عبْدا للّهِـ َو َ‬
‫ح أَن َيكُونَـ َ‬
‫{لّن يَس ْـتَن ِكفَ ا ْلمَسـِي ُ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫جمِيعا }‪..‬‬
‫شرُهُمْ إِلَيهِ َ‬
‫حُ‬‫سيَ ْ‬
‫س َتكْ ِبرْ َف َ‬
‫عبَا َدتِهِ َو َي ْ‬
‫س َت ْنكِفْ عَنْ ِ‬
‫ا ْلمُ َق ّربُونَ َومَن َي ْ‬
‫س َت ْن ِكفَ ال ـمَسِيحُ‪ :‬لن يأ نف ولن ي ستكبر ال ـمسيح أ نْ َيكُو نَ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪َ :‬ل نْ يَ ْ‬
‫عبْدا ل يعنـي‪ :‬من أن يكون عبدا ل‪ .‬كما‪:‬‬
‫َ‬
‫س َتنْ ِكفَ‬
‫ن يَ ْ‬
‫‪ 8620‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬لَ ْ‬
‫ن يكُون عبدا لِّل هِ وَل الـمَل ِئكَ ُة الـمُقّربُونَ‪ :‬لن يحتشم الـمسيح أن يكون عبدا ل‬
‫حأ ْ‬
‫الـمَسِي ُ‬
‫ول الـملئكة‪.‬‬
‫وأمـا قوله‪ :‬وَل الــمَل ِئكَةُ الــمُقَ ّربُونَ فإنـه يعنــي‪ :‬ولن يسـتنكف أيضـا مـن القرار ل‬
‫بـالعبودية‪ ,‬والذعان له بذلك رُ سُله الـمقرّبون الذين قرّبهم ال ورفع منازلهم علـى غيرهم‬
‫من خـلقه‪.‬‬
‫ورُوي عن الضحاك أنه كان يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪8621‬ــ حدثنــي بـه جعفـر بـن مــحمد البزوري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يعلــى بـن عبــيد‪ ,‬عـن‬
‫الجلـح‪ ,‬قال‪ :‬قلت للضحاك‪ :‬ما الـمقرّبون؟ قال‪ :‬أقربهم إلـى السماء الثانـية‪.‬‬
‫حشُرُ ُهمْ إلَ ـيهِ‬
‫ستَ ْك ِبرْ فَ سَ َي ْ‬
‫س َتنْكفْ عَ نْ عِب ـا َدتِهِ َويَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ :‬و َم نْ يَ ْ‬
‫جمِيعا‪.‬‬
‫َ‬
‫ل ثناؤه بذلك‪ :‬و من يتع ظم عن عب ـادة ر به‪ ,‬ويأ نف من التذلل وال ـخضوع له‬
‫يعن ـي ج ّ‬
‫جمِيعا يقول‪ :‬فسيبعثهم يوم‬
‫شرُ ُهمْ إلـيه َ‬
‫س ْيحُ ُ‬
‫بـالطاعة من الـخـلق كلهم‪ ,‬ويستكبر عن ذلك‪َ ,‬ف َ‬
‫القـيامة جميعا‪ ,‬فـيجمعهم لـموعدهم عنده‪.‬‬

‫‪173‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت فَيُ َوفّيهِ مْ ُأجُورَهُ مْ‬
‫عمِلُواْ ال صّاِلحَا ِ‬
‫ن آ َمنُواْ وَ َ‬
‫{ َفأَمّا اّلذِي َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫جدُونَ َلهُمْ مّن دُو نِ‬
‫ل َي ِ‬
‫عذَابا أَلُيما َو َ‬
‫س َت ْكبَرُو ْا َف ُيعَ ّذ ُبهُمْ َ‬
‫ستَنكَفُواْ وَا ْ‬
‫َويَزيدُهُمْ مّن َفضْلِ هِ وََأمّا اّلذِينَ ا ْ‬
‫اللّهِ وَِليّا َولَ َنصِيرا }‪..‬‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬فأمـا الــمؤمنون الــمقرّون بوحدانــية ال‪ ,‬الــخاضعون له‬
‫بــالطاعة‪ ,‬الــمتذللون له بــالعبودية‪ ,‬والعاملون الصـالـحات مـن العمال‪ ,‬وذلك أن يردوا‬
‫عل ـى رب هم‪ ,‬قد آمنوا به وبر سله‪ ,‬وعملوا ب ـما أتا هم به ر سله من ع ند رب هم‪ ,‬من ف عل ما‬
‫أمرهم به‪ ,‬واجتناب ما أمرهم بـاجتنابه فَـيُ َوفّـي ِهمْ ُأجُورَهُم يقول‪ :‬فـيؤتـيهم جزاء أعمالهم‬
‫الصالـحة وافـيا تاما‪َ .‬و َي ِزيُدهُ ْم مِ نْ َفضْلِ هِ يعنـي جلّ ثناؤه‪ :‬ويزيدهم علـى ما وعدهم من‬
‫الـجزاء علـى أعمالهم الصالـحة والثواب علـيها من الفضل والزيادة ما لـم يعرّفهم مبلغه‬
‫ولــم يحدّ لهـم منتهاه‪ .‬وذلك أن ال وعـد مـن جاء مـن عبــاده الــمؤمنـين بــالـحسنة‬
‫الواحدة ع شر أمثال ها من الثواب وال ـجزاء‪ ,‬فذلك هو أ جر كل عا مل عل ـى عمله ال صالـح‬
‫من أ هل الي ـمان ال ـمـحدود مبل غه‪ ,‬والزيادة عل ـى ذلك تف ضل من ال عل ـيهم‪ ,‬وإن كان‬
‫كل ذلك من فضله عل ـى عب ـاده غ ير أن الذي و عد عب ـاده ال ـمؤمنـين أن يوف ـيهم فل‬
‫ينق صهم من الثواب عل ـى أعمالهم ال صالـحة‪ ,‬هو ما ح ّد مبل غه من الع شر‪ ,‬والزيادة عل ـى‬
‫ذلك غير مـحدود مبلغها‪ ,‬فـيزيد من شاء من خـلقه علـى ذلك قدر ما يشاء‪ ,‬ل حدّ لقدره‬
‫يوقـف علـيه‪ .‬وقد قال بعضهم‪ :‬الزيادة إلـى سبعمائة ضعف‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إلـى ألفـين‪.‬‬
‫وقد ذكرت اختلف الـمختلفـين فـي ذلك فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته فـي‬
‫هذا الـموضع‪.‬‬
‫َاسـَت ْكبَرُوا فإنـه يعنــي‪ :‬وأمـا الذيـن تعظموا عـن القرار ل‬
‫اسـَت ْنكَفُوا و ْ‬
‫ِينـ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وأمّا اّلذ َ‬
‫بــالعبودة والذعان له بــالطاعة‪ ,‬واسـتكبروا عـن التذلل للوهتـه وعبــادته وتسـلـيـم‬
‫جدُو نَ‬
‫عذَاب ـا ألِ ـيـما يعن ـي‪ :‬عذاب ـا موج عا‪ .‬وَل َي ِ‬
‫الربوب ـية والوحدان ـية له‪ .‬فَ ـ ُي َعذّ ُب ُهمْ َ‬
‫ـ وَلِــيـمّا وَل نَصـِيرا يقول‪ :‬ول يجـد الــمستنكفون مـن عبــادته‬
‫ـ اللّه ِ‬
‫ـ دُون ِ‬
‫ـ مِن ْ‬
‫َلهُم ْ‬
‫والـمستكبرون عنها إذا عذبهم ال اللـيـم من عذابه سوى ال لنفسهم ولـيا ينـجيهم من‬
‫عذابه وينقذهم منه‪ .‬ول نصيرا‪ :‬ول ناصرا ينصرهم‪ ,‬فـيستنقذهم من ربهم‪ ,‬ويدفع عنهم بقوّته‬
‫ل بهم من نقمته‪ ,‬كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنـيا فـي الدنـيا‬
‫ما أح ّ‬
‫بسوء من نصرتهم والـمدافعة عنهم‪.‬‬

‫‪174‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مّن ّر ّبكُ مْ وََأ ْنزَ ْلنَآ إَِل ْيكُ مْ‬
‫س قَدْ جَآ َءكُ مْ ُبرْهَا ٌ‬
‫{يَا َأ ّيهَا النّا ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫نُورا ّمبِينا }‪..‬‬
‫ل ثناؤه بقوله‪ :‬يا أيّها النّا سُ َقدْ جا َءكُ مْ ُبرْها نٌ مِ نْ َر ّبكُ مْ‪ :‬يا أيها الناس من جميع‬
‫يعنـي ج ّ‬
‫ص ال جلّ ثناؤه ق صصهم ف ـي هذه‬
‫أ صناف ال ـملل‪ ,‬يهود ها ون صاراها ومشركي ها‪ ,‬الذ ين ق ّ‬
‫ن مِ نْ َر ّبكُ مْ يقول‪ :‬قد جاءتكم حجة من ال تبرهن لكم بطول ما أنتـم‬
‫السورة قَدْ جا َءكُ مْ ُبرْها ٌ‬
‫عل ـيه مق ـيـمون من أديان كم وملل كم‪ ,‬و هو م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬الذي جعله ال‬
‫علـيكم حجة قطع بها عذركم‪ ,‬وأبلغ إلـيكم فـي الـمعذرة بإرساله إلـيكم‪ ,‬مع تعريفه إياكم‬
‫صحة نبوّته وتـحقـيق رسالته‪ .‬وأ ْنزَلْنا إلَـ ْي ُكمْ نُورا ُمبِـينا يقول‪ :‬وأنزلنا إلـيكم معه نورا‬
‫مبـينا‪ ,‬يعنـي‪ :‬يبـين لكم الـمـحجّة الواضحة والسبل الهادية إلـى ما فـيه لكم النـجاة‬
‫من عذاب ال وأل ـيـم عقا به إن سلكتـموها وا ستنرتـم بضوئه‪ .‬وذلك النور ال ـمبـين هو‬
‫القرآن الذي أنزله ال علـى مـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8622‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن َربّ ُكمْ قال‪ :‬حجة‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬بُرْها ٌ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8623‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّ ها‬
‫ن َر ّبكُ مْ‪ :‬أي بـينة من ربكم‪ ,‬وأ ْنزَلْنا إلَـ ْيكُمْ نُورا ُمبِـينا‪ ,‬وهو هذا‬
‫ن مِ ْ‬
‫النّا سُ َقدْ جا َءكُ مْ ُبرْها ٌ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ 8624‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن َربّ ُكمْ يقول‪ :‬حجة‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫السديّ‪ :‬قَ ْد جا َءكُ ْم بُرْها ٌ‬
‫‪ 8625‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ :‬برهان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ببـينة وأ ْنزَلْنا إلَـ ْيكُ ْم نُورا ُمبِـينا قال‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عتَ صَمُو ْا بِ ِه فَ سَ ُي ْدخُِلهُ ْم فِي‬
‫{ َفأَمّا اّلذِي نَ آ َمنُو ْا بِاللّ هِ وَا ْ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ستَقِيما }‪..‬‬
‫َرحْمَ ٍة ّمنْهُ َو َفضْلٍ َو َي ْهدِي ِهمْ إَِليْ ِه صِرَاطا ّم ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فأما الذين صدّقوا بـال‪ ,‬وأقرّوا بوحدانـيته‪ ,‬وما بعث به مـحمدا‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫صمُوا بِهِ يقول‪ :‬وتـمسكوا بـالنور الـمبـين الذي‬
‫عتَ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم من أهل الـملل وَا ْ‬
‫أنزل إلـى نبـيه كما‪:‬‬
‫عتَصَمُوا بِهِ‬
‫‪8626‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج وَا ْ‬
‫قال‪ :‬بـالقرآن‪.‬‬
‫س ُيدْخِـُل ُهمْ فِـي َرحْمَ ٍة ِمنْ هُ َوفَضْلٍ يقول‪ :‬فسوف تنالهم رحمته التـي تنـجيهم من عقابه‬
‫فَ َ‬
‫وتوجـب لهـم ثوابـه ورحمتـه وجنتـه‪ ,‬ويــلـحقهم مـن فضله مـا ألــحق أهـل اليــمان بـه‬
‫والتصـديق برسـله‪ .‬وَي ْهدِيهِم ْـ إلَــيْهِ صِـرَاطا مُس ْـتَقِـيـما يقول‪ :‬ويوفقهـم لصـابة فضله الذي‬
‫تفضل به علـى أولـيائه‪ ,‬ويسدّدهم لسلوك منهج من أنعم علـيه من أهل طاعته‪ ,‬ولقتفـاء‬
‫آثارهم‪ ,‬واتبـاع دينهم‪ .‬وذلك هو الصراط الـمستقـيـم‪ ,‬وهو دين ال الذي ارتضاه لعبـاده‪,‬‬
‫وهـو السـلم‪ .‬ونصـب الصـراط الــمستقـيـم علــى القطـع مـن الهاء التــي فــي قوله‬
‫«إلـيه»‪.‬‬
‫‪176‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ك َليْ سَ‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُلِ الّل هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِي ا ْلكَلَلَ ِة إِن ا ْمرُؤٌ هَلَ َ‬
‫{يَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ف مَا َت َركَ وَ ُهوَ َي ِر ُثهَآ إِن ّلمْ َيكُنْ ّلهَآ وََل ٌد َفإِن كَا َنتَا ا ْث َن َتيْنِ فََل ُهمَا الثُّلثَانِ‬
‫لَهُ وََلدٌ وَلَهُ ُأخْتٌ فََلهَا نِصْ ُ‬
‫ن اللّ هُ َلكُ مْ أَن َتضِلّواْ وَاللّ هُ‬
‫ن ُي َبيّ ُ‬
‫ل حَ ظّ الُن َث َييْ ِ‬
‫ِممّا َترَ كَ وَإِن كَانُوَ ْا ِإخْ َوةً ّرجَالً َونِ سَآءً فَلِل ّذكَرِ ِمثْ ُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‪..‬‬
‫ِبكُلّ َ‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ ي سألونك يا م ـحمد أن تفت ـيهم ف ـي الكللة‪ .‬و قد‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬يَ ْ‬
‫بــينا معنـى الكللة فــيـما مضـى بــالشواهد الدالة علــى صـحته‪ ,‬وقـد ذكرنـا اختلف‬
‫الـمختلفـين فـيه فأغنى ذلك عن إعادته‪ ,‬وبـينا أن الكللة عندنا ما عدا الولد والوالد‪ .‬إ نِ‬
‫ن امْرُ ٌؤ هَلَكَ‪ :‬إن إنسان‬
‫صفُ ما َترَكَ يعنـي بقوله‪ :‬إ ِ‬
‫ت فلَها نِ ْ‬
‫ك لَـيْسَ لَ هُ وََلدٌ وََلهُ ُأخْ ٌ‬
‫ا ْمرُؤٌ هَلَ َ‬
‫من الناس مات‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8627‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن ا ْمرُؤٌ هََلكَ يقول‪ :‬مات‪.‬‬
‫السدّي‪ :‬إ ِ‬
‫ت يعنـي‪ :‬وللـميت أخت لبـيه وأمه‪ ,‬أو لبـيه‪ .‬فَلَها‬
‫لَـيْسَ َل ُه وََلدٌ ذكر ول أنثى وَلَ ُه ُأخْ ٌ‬
‫نِ صْفُ ما َترَ كَ يقول‪ :‬فلخته التـي تركها بعده بـالصفة التـي وصفنا نصف تركته ميراثا‬
‫عنه دون سائر عصبته‪ ,‬وما بقـي فلعصبته‪.‬‬
‫وذُ كر أن أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم َهمّهُم شأن الكللة‪ ,‬فأنزل ال تب ـارك‬
‫وتعالـى فـيها هذه الَية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ك قُلِ اللّ هُ‬
‫ستَ ْفتُو َن َ‬
‫‪ 8628‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬يَ ْ‬
‫ك لَـيْسَ‬
‫يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَللَةِ فسألوا عنها نبـيّ ال‪ ,‬فأنزل ال فـي ذلك القرآن‪ :‬إنِ ا ْمرُ ٌؤ هَلَ َ‬
‫شيْءٍ عَلِـيـمٌ‪ .‬قال‪ :‬وذكر لنا أن أبـا بكر الصدّيق رضي‬
‫ل َ‬
‫لَ هُ وََل ٌد فقرأ حتـى بلغ‪ :‬وَالّل هُ ِبكُ ّ‬
‫ال ع نه قال ف ـي خطب ته‪ :‬أل إن الَ ية الت ـي أنزل ال ف ـي أوّل سورة الن ساء ف ـي شأن‬
‫الفرائض أنزل ها ال ف ـي الولد والوالد‪ ,‬والَ ية الثان ـية أنزل ها ف ـي الزوج والزو جة والخوة‬
‫من الم‪ ,‬والَية التـي ختـم بها سورة النساء أنزلها فـي الخوة والخوات من الب والم‪,‬‬
‫ضهُ مْ أوْلـى ِب َبعْ ضٍ‬
‫والَية التـي ختـم بها سورة النفـال أنزلها فـي ُأوِلـى الرْحا مِ َب ْع ُ‬
‫فِـي كِتابِ الّلهِ مـما جرّت الرحم من ال َعصَبة‪.‬‬
‫‪ 8629‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن الشيبـانـي‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬سأل عمر بن الـخطاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم عن الكللة‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُلِ الّلهُ يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَلَلةِ‪.‬‬
‫«ألَـيْسَ َقدْ بَـيّنَ الّلهُ ذَِلكَ؟» قال فنزلت‪َ :‬ي ْ‬
‫‪ 8630‬ـ حدث نا مؤ مل بن هشام أ بو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيـل بن إبراهي ـم‪ ,‬عن هشام‬
‫الدّستوائيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الزبـير‪ ,‬عن جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬اشتكيت وعندي تسع أخوات‬
‫لـي أو سبع أبو جعفر الذي يش كّ فدخـل علـيّ النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فنفخ وجهي‪,‬‬
‫فأف قت وقلت‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬أل أو صي لخوات ـي ب ـالثلث؟ قال‪« :‬أحْ سَنُ»‪ ,‬قلت‪ :‬الش طر؟‬
‫قال‪« :‬أحْ سَنُ»‪ .‬ثم خرج وتركن ـي‪ ,‬ثم ر جع إل ـيّ فقال‪ « :‬يا جا ِبرُ إنّ ـي ل ُأرَا كَ َميّ تا مِ نْ‬
‫ل َلهُنّـ الثُّلثَــيْنِ»‪ .‬قال‪ :‬فكان جابر‬
‫ل فِــي اّلذِي لِ َءخَوَاتِكَـ َفجَعَ َ‬
‫جعِكَـ َهذَا‪ ,‬وَإنّـ اللّهَـ قَ ْد أنْزَ َ‬
‫َو َ‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُلِ الّلهُ يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَللَةِ‪.‬‬
‫يقول‪ :‬أنزلت هذه الَية فـيّ‪َ :‬ي ْ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن هشام‪ ,‬يعنـي الدّستوائيّ‪ ,‬عن‬
‫أبـي الزبـير‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8631‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن عيـينة‪ ,‬عن ابن الـمنكدر‪ ,‬عن جابر بن‬
‫ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬مر ضت فأتان ـي النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم يعودن ـي هو وأ بو ب كر‪ ,‬وه ما‬
‫ماشيان‪ ,‬فوجدونـي قد أغمى علـيّ‪ ,‬فتوضأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم صبّ علـيّ‬
‫من وَضوئه‪ ,‬فأف قت‪ ,‬فقلت‪ :‬يا ر سول ال ك يف أق ضي ف ـي مال ـي‪ ,‬أو ك يف أ صنع ف ـي‬
‫مالــي؟ وكان له تسـع أخوات ولــم يكـن له والد ول ولد‪ .‬قال‪ :‬فلــم يجبنــي شيئا حتــى‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُلِ الّل هُ يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَلَلةِ‪ ...‬إلـى آخر السورة‪ .‬قال ابن‬
‫نزلت آية الـميراث‪ :‬يَ ْ‬
‫الـمنكدر‪ :‬قال جابر‪ :‬إنـما أنزلت هذه الَية فـيّ‪.‬‬
‫وكان بعض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬إن هذه الَية هي آخر آية أنزلت‬
‫من القرآن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8632‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن وا قد‪ ,‬عن‬
‫أبــي إسـحاق‪ ,‬عـن البراء بـن عازب‪ ,‬قال‪ :‬سـمعته يقول‪ :‬إن آخـر آيـة نزلت مـن القرآن‪:‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُلِ الّلهُ يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَللَةِ‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن أبـي خالد‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن البراء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل اللّ ُه يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَللَةِ‪.‬‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُ ِ‬
‫آخر آية نزلت من القرآن‪َ :‬ي ْ‬
‫حدثنا مـحمد بن خـلف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن النعمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن ِمغْول‪,‬‬
‫ك قُلِ اللّ هُ ُي ْفتِـيكُمْ فِـي‬
‫عن أبـي ال سّفَر‪ ,‬عن البراء‪ ,‬قال‪ :‬آخر آية نزلت من القرآن‪ :‬يَ سْتَ ْفتُو َن َ‬
‫الكَللَةِ‪.‬‬
‫‪ 8633‬ـ حدث نا هارون بن إ سحاق الهمدان ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م صعب بن ال ـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫إسرائيـل‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن البراء‪ ,‬قال‪ :‬آخر سورة نزلت كاملة براءة‪ ,‬وآخر آية نزلت‬
‫ستَ ْفتُو َنكَ قُلِ الّل ُه يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَلَلةِ‪.‬‬
‫خاتـمة سورة النساء‪َ :‬ي ْ‬
‫واختلف فـي الـمكان الذي نزلت فـيه الَية‪ ,‬فقال جابر بن عبد ال‪ :‬نزلت فـي الـمدينة‪.‬‬
‫و قد ذكرت الروا ية بذلك ع نه ف ـيـما م ضى بعض ها ف ـي أوّل ال سورة ع ند ف ـاتـحة آ ية‬
‫الـمواريث‪ ,‬وبعضها فـي مبتدإ الخبـار عن السبب الذي نزلت فـيه هذه الَية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل أنزلت فـي مسير كان فـيه رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8634‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن حم يد‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن ا بن‬
‫ك قُلِ اللّ ُه يُ ْفتِـيكُمْ فِـي الكَللَ ِة والنبـيّ فـي مسير له‪ ,‬وإلـى‬
‫ستَ ْفتُو َن َ‬
‫سيرين‪ ,‬قال‪ :‬نزلت‪ :‬يَ ْ‬
‫جنبه حذيفة بن الـيـمان‪ ,‬فبلّغها النبـيّ صلى ال عليه وسلم حذيفة‪ ,‬وبلّغها حذيفة عمر بن‬
‫الـخطاب وهو يسير خـلفه‪ .‬فلـما استـخـلف عمر سأل عنها حذيفة‪ ,‬ورجا أن يكون عنده‬
‫تف سيرها‪ ,‬فقال له حذي فة‪ :‬وال إ نك لعا جز إن ظن نت أن إمار تك ت ـحملنـي أن أحد ثك ف ـيها‬
‫بـما لـم أحدثك يومئذ فقال عمر‪ :‬لـم أرد هذا رحمك ال‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن ابن‬
‫سيرين بنـحوه‪ ,‬إل أنه قال فـي حديثه‪ :‬فقال له حذيفة‪ :‬وال إنك لحمق إن ظننت‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ا بن عُلَ ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عون‪ ,‬عن مـحمد‬
‫ّهـ‬
‫َسـتَ ْفتُو َنكَ قُلِ الل ُ‬
‫بـن سـيرين‪ ,‬قال‪ :‬كانوا فــي مسـير ورأس راحلة حذيفـة‪ .‬قال‪ :‬ونزلت‪ :‬ي ْ‬
‫يُ ْفتِـي ُكمْ فِـي الكَللَةِ فلقّاها رسول ال صلى ال عليه وسلم حذيفة‪ ,‬فلقاها حذيفة عمر‪ .‬فلـما‬
‫كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة‪ ,‬فقال‪ :‬وال إنك لحمق إن كنت ظننت أنه لقّانـيها رسول‬
‫ال فلقــيتكها كمـا لقانــيها‪ ,‬وال لأزيدك علــيها شيئا أبدا قال‪ :‬وكان عمـر يقول‪ :‬اللهم ّـ إن‬
‫كنت بـينتها له‪ ,‬فإنها لـم تبـين لـي‪.‬‬
‫واختلف عن ع مر ف ـي الكللة‪ ,‬فرُوي ع نه أ نه قال ف ـيها ع ند وف ـاته‪ :‬هو من ل ولد له‬
‫ول والد‪ .‬وقـد ذكرنـا الروايـة عنـه بذلك فــيـما مضـى فــي أول هذه السـورة فــي آيـة‬
‫الـميراث‪ .‬ورُوي عنه أنه قال قبل وفـاته‪ :‬هو ما خل الب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8635‬ـ حدث نا ال ـحسن بن عر فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شب ـابة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫سـالـم بـن أبــي الــجعد‪ ,‬عـن َمعْدان بـن أبــي طلــحة الــيعمريّ‪ ,‬قال‪ :‬قال عمـر بـن‬
‫الـخطاب‪ :‬ما أغلظ لـي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أو ما نازعت رسول ال صلى ال‬
‫عل يه وسلم فـي شيء ما نازعته ف ـي آية الكللة‪ ,‬حتـى ضرب صدري‪ ,‬وقال‪َ « :‬يكْفِـيكَ‬
‫خرِ س ُـوَر ِة النّسـَا ِء يَس ْـتَ ْفتُو َنكَ قُلِ اللّهُـ يُ ْفتِــي ُكمْ فِــي‬
‫ِمنْهـا آيَ ُة الصّـيْفِ الّتــي ُأ ْنزِلَت ْـ فــي آ ِ‬
‫الكَللَةِ» و سأقضي ف ـيها بقضاء يعل ـمه من يقرأ و من ل يقرأ‪ :‬هو ما خل الب كذا ح سب‬
‫قال ابن عرفة قال شبـابة‪ :‬الشكّ من شعبة‪.‬‬
‫ورُوي عنه أنه قال‪ :‬إنـي لستـحيـي أن أخالف فـيه أبـا بكر‪ .‬وكان أبو بكر يقول‪ :‬هو‬
‫ما خل الولد والوالد‪ ,‬و قد ذكر نا الروا ية بذلك ع نه ف ـيـما م ضى ف ـي أوّل ال سورة‪ .‬ورُوي‬
‫عنه أنه قال عند وفـاته‪ :‬قد كنت كتبت فـي الكللة كتابـا وكنت أستـخير ال فـيه‪ ,‬وقد‬
‫رأ يت أن أترك كم عل ـى ما كنت ـم عل ـيه‪ .‬وأ نه كان يت ـمنى ف ـي حيا ته أن يكون له ب ها‬
‫علـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8636‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن حميد الـمعمري‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫جدّ والكللة كتاب ـا‪ ,‬فم كث‬
‫عن سعيد بن ال ـمسيب‪ :‬أن ع مر بن ال ـخطاب ك تب ف ـي ال ـ َ‬
‫طعِنَ دعا بـالكتاب‬
‫يستـخير ال فـيه‪ ,‬يقول‪ :‬اللهمّ إن علـمت فـيه خيرا فأمضه حتـى إذا ُ‬
‫فمـحي‪ ,‬فلـم يدر أحد ما كتب ف ـيه‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي كنت كت بت فـي الـجدّ والكللة كتابـا‬
‫وكنت أستـخير ال فـيه‪ ,‬فرأيت أن أترككم علـى ما كنتـم علـيه‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر عن الزهري‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن الـمسيب‪ ,‬عن عمر‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪8637‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن مرّة‪ ,‬عن مرّة‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم بَ ـ ّينَهنّ ل نا أح بّ‬
‫الهمدان ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬قال ع مر‪ :‬ثلث لن يكون النب ـ ّ‬
‫إلـيّ من الدنـيا وما فـيها‪ :‬الكللة‪ ,‬والـخلفة‪ ,‬وأبواب الربـا‪.‬‬
‫‪ 8638‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العمش‪ ,‬قال‪ :‬سمعتهم يذكرون‪ ,‬ول‬
‫أرى إبراهي ـم إل ف ـيهم‪ ,‬عن ع مر قال‪ :‬لن أكون أعل ـم الكللة أح بّ أل ـيّ من أن يكون‬
‫لـي مثل جزية قصور الروم‪.‬‬
‫‪ 8639‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العمس‪ ,‬عن قـيس بن مسلـم‪ ,‬عن‬
‫طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخذ عمر كتفـا‪ ,‬وجمع أصحاب مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم قال‪:‬‬
‫خدورهنـ فخرجـت حينئذ حيـة مـن‬
‫ّ‬ ‫لقضينـ فــي الكللة قضاء تــحدّث بـه النسـاء فــي‬
‫ّ‬
‫البـيت‪ ,‬فتفرّقوا‪ ,‬فقال‪ :‬لو أراد ال أن يتـمّ هذا المر لتـمه‪.‬‬
‫‪ 8640‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حيان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثنـي الشعبـيّ‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عمر بن الـخطاب يخطب علـى منبر الـمدينة‪,‬‬
‫فقال‪ :‬أيها الناس‪ :‬ثلث وددت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لـم يفـارقنا حتـى يعهد‬
‫إلـينا فـيهنّ عهدا يُنتهَى إلـيه‪ :‬الـجدّ‪ ,‬والكللة‪ ,‬وأبواب الربـا‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬عن سعيد بن أبـي عَروبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سالـم‬
‫بن أبـي الـجعد‪ ,‬عن معدان بن أبـي طلـحة‪ ,‬أن عمر بن الـخطاب‪ ,‬قال‪ :‬ما سألت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن شيء أكثر مـما سألت عن الكللة‪ ,‬حتـى طعن بأصبعه فـي‬
‫خرِ سُوَر ِة النّساء»‪.‬‬
‫صيْفِ التـي فـي آ ِ‬
‫صدري‪ ,‬وقال‪َ « :‬تكْفِـيكَ آيَ ُة ال ّ‬
‫حدثنا إبراهيـم بن سعيد الـجوهري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن بكر السهميّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ ,‬عن سالـم بن أبـي الـجعد‪ ,‬عن معدان‪ ,‬عن عمر‪ ,‬قال‪ :‬لـم أدع شيئا أه مّ عندي من‬
‫أمر الكللة‪ ,‬فما أغلظ لـي رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي شيء ما أغلظ لـي فـيها‪,‬‬
‫حتـى طعن بأصبعه فـي صدري‪ ,‬أو قال فـي جنبـي‪ ,‬فقال‪َ « :‬تكْفِـيكَ الَي ُة الّتـي ُأ ْنزِلَ تْ‬
‫خرِ ال ّنسَاءِ»‪.‬‬
‫فـي آ ِ‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سالـم بن أبـي‬
‫ال ـجعد‪ ,‬عن معدان بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬أن ع مر بن ال ـخطاب خ طب الناس يوم ال ـجمعة‪,‬‬
‫فقال‪ :‬إنـي وال ما أدع بعدي شيئا هو أه مّ إلـيّ من أمر الكللة‪ ,‬وقد سألت عنها رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ف ما أغلظ ل ـي ف ـي ش يء ما أغلظ ل ـي ف ـيها‪ ,‬حت ـى ط عن ف ـي‬
‫خرِ سُورَ ِة النّساءِ»‪ ,‬وإن أعش أقض‬
‫صيْفِ الّتـي ُأ ْنزِلَتْ فـي آ ِ‬
‫نـحري وقال‪َ « :‬تكْفِـيكَ آيَ ُة ال ّ‬
‫فـيها بقضية ل يختلف فـيها أحد قرأ القرآن‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سالـم بن‬
‫أبـي الـجعد‪ ,‬عن معدان بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن عمر بن الـخطاب‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 8641‬ـ حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي يقول‪ :‬أخبرنا‬
‫أ بو حمزة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن ال ـحسن بن م سروق‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪ :‬سألت ع مر و هو يخ طب‬
‫الناس عن ذي قرا بة ل ـي ورث كللة‪ ,‬فقال‪ :‬الكللة‪ ,‬الكللة‪ ,‬الكللة وأ خذ بل ـحيته‪ ,‬ثم قال‪:‬‬
‫وال لن أعل ـمها أح بّ إل ـيّ من أن يكون ل ـي ما عل ـى الرض من ش يء‪ ,‬سألت عن ها‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقال‪« :‬ألــم تسـمع الَيـة التــي أنزلت فــي الصـيف؟»‬
‫فأعادها ثلث مرّات‪.‬‬
‫‪ 8642‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن أبـي‬
‫سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬جاء ر جل إل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ف سأله عن الكللة‪ ,‬فقال‪« :‬ألَ ـمْ‬
‫ن كانَ َرجُلٌ يُورَثُ كَللَةً»‪ ...‬إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫صيْفِ‪ ,‬وَإ ْ‬
‫ليَةَ اّلتِـي ُأ ْنزِلَتْ فِـي ال ّ‬
‫سمَعِ ا َ‬
‫َت ْ‬
‫‪ 8643‬ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن لهيعة‪,‬‬
‫عن يز يد بن أب ـي حب ـيب‪ ,‬عن أب ـي ال ـخير‪ :‬أن رجلً سأل عق بة عن الكللة‪ ,‬فقال‪ :‬أل‬
‫تعجبون من هذا؟ يسألنـي عن الكللة‪ ,‬وما عضل بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫شيء ما أعضلت بهم الكللة‬
‫ك لَـيْسَ لَهُ وََلدٌ وََلهُ ُأخْتٌ‬
‫ن ا ْمرُؤٌ هَلَ َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬فما وجه قوله جلّ ثناؤه‪ :‬إ ِ‬
‫صفُ ما َترَكَ ولقد علـمت اتفـاق جميع أهل القبلة ما خل ابن عبـاس وابن الزبـير‪,‬‬
‫فَلَها نِ ْ‬
‫عل ـى أن ال ـميت لو ترك اب نة وأخ تا‪ ,‬أن لبن ته الن صف‪ ,‬و ما بق ـي فلخ ته إذا كا نت أخ ته‬
‫س لَهُ وََلدٌ وََل ُه ُأخْتٌ فَلَها نِصْفُ‬
‫ن امْرُ ٌؤ هَلَكَ لَـيْ َ‬
‫لبـيه وأمه أو لبـيه؟ وأين ذلك من قوله‪ :‬إ ِ‬
‫ما َترَ كَ وقد ورّثوها النصف مع الولد؟ قـيـل‪ :‬إن المر فـي ذلك بخلف ما ذهبت إلـيه‪,‬‬
‫صفُ ما َترَ كَ إذا‬
‫ت فَلَها نِ ْ‬
‫ك لَـيْسَ لَ هُ وََلدٌ وََل هُ ُأخْ ٌ‬
‫ن ا ْمرُؤٌ هَلَ َ‬
‫إنـما جعل ال جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬إ ِ‬
‫لـم يكن للـميت ولد ذكر ول أنثى وكان موروثا كللة‪ ,‬النصف من تركته فريضة لها مسماة‬
‫فأما إذا كان للـميت ولد أنثى فهي مع عصبة يصير لها ما كان يصير للعصبة غيرها لو لـم‬
‫ت كن‪ ,‬وذلك غير مـحدود بحدّ‪ ,‬ول مفروض لها فرض سهام أهل الـميراث بـميراثهم عن‬
‫ميت هم‪ .‬ول ـم ي قل ال ف ـي كتا به‪ :‬فإن كان له ولد فل ش يء لخ ته م عه‪ ,‬ف ـيكون ل ـما رُوي‬
‫ل ثناؤه مبلغ حقها‬
‫عن ابن عبـاس وابن الزبـير فـي ذلك وجه يوجه إلـيه‪ ,‬وإنـما بـين ج ّ‬
‫إذا ورث الـميت كللة وترك بـيان مالها من ح قّ إذا لـم يورث كللة فـي كتابه وبـينه‬
‫بوحيه علـى لسانه رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فجعلها عصبة مع إناث ولد الـميت‪ ,‬وذلك‬
‫معنى غير معنى وراثتها الـميت إذا كان موروثا كللة‪.‬‬
‫ن َلهَا وََلدٌ‪.‬‬
‫ن لَـمْ َيكُ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَ ُهوَ َي ِرثُها إ ْ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬وأ خو ال ـمرأة يرث ها إن ما تت قبله إذا وُر ثت كللة ول ـم ي كن ل ها‬
‫ولد ول والد‪.‬‬
‫خوَ ًة رِجالً‬
‫ن كانُوا إ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله‪ :‬فإ نْ كانَتا ا ْث َنتَـيْنِ فََلهُما الثّلُثا نِ مِـمّا َترَ كَ وَإ ْ‬
‫ل ْنثَـيَـيْنِ‪.‬‬
‫حظّ ا ُ‬
‫َونِساءً فلل ّذ َكرِ ِمثْلُ َ‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬فإ نْ كانَتا ا ْث َنتَـيْنِ‪ :‬فإن كانت الـمتروكة من الخوات لبـيه وأمه‬
‫أو لبـيه اثنتـين‪ ,‬فلهما ثلثا ما ترك أخوهما الـميت إذا لـم يكن له ولد وورث كللة‪ .‬وَإ نْ‬
‫خوَ ًة يعن ـي‪ :‬وإن كان ال ـمتروكون من إخو ته رجالً ون ساء‪ .‬فلل ّذكَرِ من هم ب ـميراثهم‬
‫كانُوا إ ْ‬
‫ل ْنثَـيَـيْنِ يعنـي‪ :‬مثل نصيب اثنتـين من أخواته‪ ,‬وذلك إذا ورث‬
‫عنه من تركته ِمثْلَ حَ ظّ ا ُ‬
‫كللة‪ ,‬والخوة والخوات إخوته وأخواته لبـيه وأمه‪ ,‬أو لبـيه‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ :‬يبَـيّنُ الّلهُ َل ُكمْ أنْ َتضِلّوا‪.‬‬
‫يعن ـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬يب ـين ال ل كم ق سمة مواريث كم‪ ,‬وح كم الكللة‪ ,‬وك يف فرائض هم أ نْ‬
‫َتضِلّوا ب ـمعنى‪ :‬لئل تضلوا ف ـي أ مر ال ـمواريث وق سمتها‪ :‬أي لئل ت ـجوروا عن ال ـحقّ‬
‫فـي ذلك‪ ,‬وتـخطئوا الـحكم فـيه‪ ,‬فتضلوا عن قصد السبـيـل‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8644‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ُ :‬يبَـيّنُ‬
‫ن َتضِلّوا قال‪ :‬فـي شأن الـمواريث‪.‬‬
‫اللّ ُه َل ُكمْ أ ْ‬
‫‪8645‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن حميد الـمعمري‪ ,‬وحدثنا الـحسن بن يحيى‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق قال جميعا‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬كان عمر‬
‫إذا قرأ‪ُ :‬يبَـيّنُ الّلهُ َل ُكمْ أنْ َتضِلّوا قال‪ :‬اللهمّ من بـينتَ له الكللة فلـم تبـيّن لـي‪.‬‬
‫ن َتضِلّوا نصب فـي قول بعض‬
‫ن اللّ ُه َلكُمْ أ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وموضع «أن» فـي قوله‪ُ :‬يبَـيّ ُ‬
‫أهل العربـية لتصالها بـالفعل‪ ,‬وفـي قول بعضهم خفض‪ ,‬بـمعنى‪ :‬يبـين ال لكم بأن ل‬
‫تضلوا‪ ,‬ولئل تضلوا وأسـقطت «ل» مـن اللفـظ وهـي مطلوبـة فــي الــمعنى‪ ,‬لدللة الكلم‬
‫عل ـيها‪ ,‬والعرب تف عل ذلك‪ ,‬تقول‪ :‬جئ تك أن تلومن ـي‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬جئ تك أن ل تلومن ـي‪ ,‬ك ما‬
‫قال القطاميّ فـي صفة ناقة‪:‬‬
‫ن تُبـاعَا‬
‫رأيْنا ما َيرَى ال ُبصَرَا ُء فِـيهافَآلَـيْنا عَلَـيْها أ ْ‬
‫بـمعنى‪ :‬أل تبـاع‪.‬‬
‫شيّءٍ عَلِـيـمٌ‪.‬‬
‫ل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَالّلهُ ِبكُ ّ‬
‫شيْءٍ من مصالـح عبـاده فـي قسمة مواريثهم وغيرها‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وَاللّ ُه بكُلّ َ‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫وجميع الشياء عَلِـيـمٌ يقول‪ :‬هو بذلك كله ذو علـم‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة النساء‪ ,‬والـحمد ل ربّ العالـمين‪.‬‬

‫سورة المائدة‬
‫اليات ‪50-1 :‬‬
‫سورة الـمائدة مدنـية‬
‫وآياتها عشرون ومائة‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ َبهِيمَةُ‬
‫ّتـ َلك ْ‬
‫ِينـ آ َمنُو ْا أَ ْوفُو ْا بِا ْلعُقُودِ ُأحِل ْ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذ َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ح ُكمُ مَا ُيرِيدُ }‪..‬‬
‫حرُمٌ ِإنّ الّلهَ َي ْ‬
‫غ ْيرَ ُمحِلّي الصّ ْيدِ وََأ ْن ُتمْ ُ‬
‫ل مَا ُيتَْلىَ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫ال ْنعَامِ ِإ ّ‬
‫ِينـ آ َمنُوا أ ْوفُوا‪ :‬يـا أيهـا الذيـن أقرّوا بوحدانــية ال‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫وأذعنوا له بـالعبودية‪ ,‬وسلـموا له اللوهية‪ ,‬وصدّقوا رسوله مـحمدا صلى ال عليه وسلم‬
‫فـي نبوّته وفـيـما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه‪ ,‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ يعنـي‪ :‬أوفوا‬
‫ب ـالعهود الت ـي عاهدت ـموها رب كم والعقود الت ـي عاقدت ـموها إياه‪ ,‬وأوجبت ـم ب ها عل ـى‬
‫أنفسكم حقوقا وألزمتـم أنفسكم بها ل فروضا‪ ,‬فأتـموها بـالوفـاء والكمال والتـمام منكم‬
‫ل ب ـما ألزم كم ب ها‪ ,‬ول ـمن عاقدت ـموه من كم ب ـما أوجبت ـموه له ب ها عل ـى أنف سكم‪ ,‬ول‬
‫تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها‪.‬‬
‫ل ثناؤه بـالوفـاء بها بهذه الَية‪ ,‬بعد‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي العقود التـي أمر ال ج ّ‬
‫إجماع جميعهـم علــى أن معنـى العقود‪ :‬العهود فقال بعضهـم‪ :‬هـي العقول التــي كان أهـل‬
‫الـجاهلـية عاقد بعضهم بعضا علـى النصرة والـمؤازرة والـمظاهرة علـى من حاول‬
‫ظل ـمه أو بغاه سوءا‪ ,‬وذلك هو مع نى ال ـحلف الذي كانوا يتعاقدو نه ب ـينهم‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪ :‬معنى العقود العهود‪:‬‬
‫‪ 8646‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُو ِد يعنـي‪ :‬بـالعهود‪.‬‬
‫‪8647‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال جلّ وعزّ‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ قال‪ :‬العهود‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫‪ 8648‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن أبـي جعفر الراز يّ‪ ,‬عن الربـيع بن‬
‫شخّير وعنده رجل يحدثهم‪ ,‬فقال‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا أ ْوفُوا‬
‫أنس‪ ,‬قال‪ :‬جلسنا إلـى مطرف بن ال ّ‬
‫بـالعُقُودِ قال‪ :‬هي العهود‪.‬‬
‫حدث نا ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن‬
‫الربـيع‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ قال‪ :‬العهود‪.‬‬
‫‪8649‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ‬
‫آ َمنُوا أ ْوفُوا بـالعُقُودِ قال‪ :‬هي العهود‪.‬‬
‫حُدثـت عـن الــحسين بـن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبــا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبرنـا عبــيد بـن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ بـالعهود‪.‬‬
‫‪8650‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‪:‬‬
‫أ ْوفُوا بـالعُقُودِ قال‪ :‬بـالعهود‪.‬‬
‫‪ 8651‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ قال‪ :‬هي العهود‪.‬‬
‫‪8652‬ــ حدثنــي الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت الثوري يقول‪ :‬أ ْوفُوا‬
‫بـالعُقُودِ قال‪ :‬بـالعهود‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والعقود‪ :‬جمع عقد‪ ,‬وأصل العقد‪ :‬عقد الشيء بغيره‪ ,‬وهو وصله به‪ ,‬كما تعقد‬
‫الـحبل بـالـحبل‪ :‬إذا ُوصِل به شدّا‪ ,‬يقال منه‪ :‬عقد فلن بـينه وبـين فلن عقدا فهو يعقده‪,‬‬
‫ومنه قول الـحطيئة‪:‬‬
‫شدّوا ف ْوقَهُ ال َكرَبـا‬
‫شدّوا العِناجَ و َ‬
‫ع َقدُوا عَقْدا لـجارِ ِهمُ َ‬
‫قَ ْو ٌم إذَا َ‬
‫وذلك إذا واثقه علـى أمر‪ ,‬وعاهده علـيه عهدا بـالوفـاء له بـما عاقده علـيه‪ ,‬من أمان‬
‫وذمة‪ ,‬أو نصرة‪ ,‬أو نكاح‪ ,‬أو بـيع‪ ,‬أو شركة‪ ,‬أو غير ذلك من العقود‪.‬‬
‫ذكر من قال الـمعنى الذي ذكرنا عمن قاله فـي الـمراد من قوله‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ‪.‬‬
‫‪ 8653‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‪ :‬يا أيّها‬
‫اّلذِي نَ آ َمنُوا أ ْوفُوا بـالعُقُو ِد أي بعقد الـجاهلـية‪ .‬ذكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ح ِدثُوا عَقْدا فـي السْلمِ»‪ .‬وذكر لنا أن فرات بن‬
‫كان يقول‪« :‬أ ْوفُوا بعَ ْق ِد الـجاهِلِـيّةِ‪ ,‬وَل تُـ ْ‬
‫حيان العجل ـيّ سأل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن حلف ال ـجاهلـية‪ ,‬فقال نب ـيّ ال‬
‫خمٍ َوتْ ـيـمِ الّل هِ؟» فقال‪ :‬ن عم يا نب ـيّ ال‪,‬‬
‫ن حِلْ فِ لْ ـ َ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪« :‬لعَلّ كَ تَ سألُ عَ ْ‬
‫شدّةً»‪.‬‬
‫قال‪« :‬ل َيزِيدُ ُه السْل ُم إلّ ِ‬
‫‪ 8654‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫أ ْوفُوا بـالعُقُودِ قال‪ :‬عقود الـجاهلـية‪ :‬الـحلف‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل هـي الــحلف التــي أخـذ ال علــى عبــاده بــاليـمان بـه وطاعتـه‬
‫فـيـما أحلّ لهم وحرم علـيهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8655‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬عن علـيّ‬
‫بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْوفُوا ب ـالعُقُودِ يعن ـي‪ :‬ما ُأحِلّ‪ ,‬و ما حرّم‪ ,‬و ما‬
‫ع ْهدَ‬
‫فُرض‪ ,‬وما حدّ فـي القرآن كله‪ ,‬فل تغدروا ول تن ُكثُو ثم شدّد ذلك فقال‪ :‬وَاّلذِينَ َينْ ُقضُونَ َ‬
‫ن ما أ َمرَ الّلهُ ِبهِ أنْ يُوصَلَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬سُوءُ الدّارِ‪.‬‬
‫طعُو َ‬
‫ن َب ْعدِ مِيثاقِهِ َويَ ْق َ‬
‫اللّ ِه مِ ْ‬
‫‪ 8656‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ل لهم وحرّم علـيهم‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ ما عقد ال علـى العبـاد مـما أح ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هي العقود الت ـي يتعاقد ها الناس ب ـينهم ويعقد ها ال ـمرء عل ـى نف سه‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8657‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن موسى بن عبـيدة‪ ,‬عن أخيه عبد ال‬
‫بن عب ـيدة‪ ,‬قال‪ :‬العقود خ مس‪ :‬عُقدة الي ـمان‪ ,‬وعقدة النكاح‪ ,‬وعقدة الع هد‪ ,‬وعقدة الب ـيع‪,‬‬
‫وعقدة الـحِلف‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ .‬عن موسى بن عبـيدة‪ ,‬عن مـحمد‬
‫ظيّ أو عن أخيه عبد ال بن عبـيدة‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫بن كعب ال ُق َر ِ‬
‫حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬يا‬
‫ِينـ آ َمنُوا أ ْوفُوا بــالعُقُو ِد قال‪ :‬عقـد العهـد وعقـد الــيـمين‪ ,‬وعقـد الــحلف‪ ,‬وعقـد‬
‫أيّهـا اّلذ َ‬
‫الشركة‪ ,‬وعقد النكاح‪ .‬قال‪ :‬هذه العقود خمس‪.‬‬
‫‪8658‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عتبة بن سعيد الـحمصي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي فـي قول ال جلّ وعزّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا أ ْوفُوا بـالعُقُودِ‬
‫قال‪ :‬العقود خمـس‪ :‬عقدة النكاح‪ ,‬وعقـد الشركـة‪ ,‬وعقـد الــيـمين‪ ,‬وعقدة العهـد‪ ,‬وعقدة‬
‫الـحلف‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل هذه الَيـة أمـر مـن ال تعالــى لهـل الكتاب بــالوفـاء بــما أخـذ بـه‬
‫ميثاقهم من العمل بـما فـي التوراة والنـجيـل فـي تصديق مـحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وما جاءهم به من عند ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8659‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ :‬أ ْوفُوا‬
‫بـالعُقُودِ قال‪ :‬العهود التـي أخذها ال علـى أهل الكتاب أن يعملوا بـما جاءهم‪.‬‬
‫‪8660‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي اللـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يونس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال م ـحمد بن م سلـم‪ .‬قرأت كتاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الذي ك تب لعمرو بن‬
‫حزم حين بعثه إلـى ن ـجران‪ ,‬فكان الكتاب عند أبـي بكر بن حزم‪ ,‬فـيه‪ :‬هذا بـيان من‬
‫سرِيعُ‬
‫ن اللّ هَ َ‬
‫ال ورسوله يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا أ ْوفُوا بـالعُقُودِ‪ .‬فكتب الَيات منها‪ ,‬حتـى بلغ‪ :‬إ ّ‬
‫الـحِسابِ‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك عندنا بـالصواب ما قاله ابن عبـاس‪ ,‬وأن معناه‪ :‬أوفوا يا أيها‬
‫الذيـن آمنوا بعقود ال التــي أوجبهـا علــيكم وعقدهـا‪ ,‬فــيـما أحلّ لكـم وحرّم علــيكم‪,‬‬
‫وألزمكم فرضه‪ ,‬وبـين لكم حدوده‪.‬‬
‫وأنــما قلنـا ذلك أولــى بــالصواب مـن غيره مـن القوال‪ ,‬لن ال جلّ وعزّ أتبـع ذلك‬
‫البـيان عما أحلّ لعبـاده وحرّم علـيهم وما أوجب علـيهم من فرائضه‪ ,‬فكان معلوما بذلك‬
‫أن قوله‪ :‬أ ْوفُوا بـالعُقُودِ أمر منه عبـاده بـالعمل بـما ألزمهم من فرائضه وعقوده عقـيب‬
‫ذلك‪ ,‬ون هي م نه ل هم عن ن قض ما عقده عل ـيهم م نه‪ ,‬مع أن قوله‪ :‬أ ْوفُوا ب ـالعُقُودِ أ مر م نه‬
‫ص منه شيء حتـى تقوم حجة بخصوص‬
‫بـالوفـاء بكلّ عقد أذن فـيه‪ ,‬فغير جائز أن يخ ّ‬
‫شيء منه يجب التسلـيـم لها‪ .‬فإذ كان المر فـي ذلك كما وصفنا‪ ,‬فل معنى لقول من وجّه‬
‫ذلك إلـى معنى المر بـالوفـاء ببعض العقود التـي أمر ال بـالوفـاء بها دون بعض‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬أ ْوفُوا فإن للعرب فـيه لغتـين‪ :‬إحداهما‪« :‬أوفوا» من قول القائل‪ :‬أوفـيت لفلن‬
‫ت له بعهده أفــي‪ .‬واليفــاء بــالعهد‪:‬‬
‫بعهده أو فــي له بـه والخرى مـن قولهـم‪َ :‬وفَــيْ ُ‬
‫إتـمامه علـى ما عُقد علـيه من شروطه الـجائزة‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ :‬أحِلّتْ َل ُك ْم َبهِيـمَ ُة النْعامِ‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي بهي ـمة النعام الت ـي ذ كر ال عزّ ذكره ف ـي هذه الَ ية أ نه‬
‫أحلها لنا‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هي النعام كلها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8661‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫بهيـمة النعام‪ :‬هي البل والبقر والغنـم‪.‬‬
‫‪ 8662‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫فـي قوله‪ُ :‬أحِلّتْ َل ُكمْ َبهِيـمَةُ النْعامِ قال‪ :‬النعام كلها‪.‬‬
‫‪8663‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ُأحِلّتْ َل ُكمْ َبهِيـمَةُ النْعامِ قال‪ :‬النعام كلها‪.‬‬
‫‪ 8664‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫ت َل ُكمْ َبهِيـمَ ُة النْعامِ قال‪ :‬النعام كلها‪.‬‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع بن أنس فـي قوله‪ُ :‬أحِلّ ْ‬
‫‪ 8665‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬بهِيـمَةُ النْعامِ‪ :‬هي النعام‪.‬‬
‫ت َلكُ مْ َبهِيـمَةُ النْعا مِ‪ :‬أجنة النعام التـي توجد فـي‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنـي بقوله‪ُ :‬أحِلّ ْ‬
‫بطون أمهاتها إذا نُـحِرت أو ذبحت ميتة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8666‬ـ حدثنـي الـحرث بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت َلكُ مْ‬
‫أخبرنا أبو عبد الرحمن الفزاري‪ ,‬عن عطية العوفـيّ‪ ,‬عن ابن عمر فـي قوله‪ُ :‬أحِلّ ْ‬
‫َبهِيـمَ ُة النْعامِ قال‪ :‬ما فـي بطونها‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إن خرج ميتا آكلُه؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن زكريا‪ ,‬عن إدريس الودي‪ ,‬عن‬
‫عطية‪ ,‬عن ابن عمر نـحوه‪ ,‬وزاد فـيه‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪ ,‬هو بـمنزلة رِئتها وكبدها‪.‬‬
‫‪ 8667‬ـ حدث نا ا بن حم يد وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬الـجنـين من بهيـمة النعام فكلوه‪.‬‬
‫‪8668‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ِمسْعر وسفـيان‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫ابـن عبــاس‪ :‬أن بقرة نُــحِرت‪ ,‬فوجـد فــي بطنهـا جنــين‪ ,‬فأخـذ ابـن عبــاس بذَن َب‬
‫الـجنـين‪ ,‬فقال‪ :‬هذا من بهيـمة النعام التـي أحلت لكم‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ي ـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬هو من بهيـمة النعام‪.‬‬
‫‪8669‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم ومؤمّل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن‬
‫أبــيه‪ ,‬قال‪ :‬ذبحنـا بقرة‪ ,‬فإذا فــي بطنهـا جنــين‪ ,‬فسـألنا ابـن عبــاس‪ ,‬فقال‪ :‬هذه بهيــمة‬
‫النعام‪.‬‬
‫ُمـ َبهِيــمَةُ‬
‫ّتـ َلك ْ‬
‫وأولــى القولــين بــالصواب فــي ذلك قول مـن قال‪ :‬عَنَى بقوله‪ُ :‬أحِل ْ‬
‫ج َنتّها و سِخالها وكبـارها‪ ,‬لن العرب ل تـمتنع من تسمية جميع ذلك‬
‫النْعا مِ‪ :‬النعام كلها‪ ,‬أ ِ‬
‫بهيـمة وبهائم‪ ,‬ولـم يخصص ال منها شيئا دون شيء‪ ,‬فذلك علـى عمومه وظاهره حتـى‬
‫تأتـي حجة بخصوصه يجب التسلـيـم لها‪ .‬وأما النعم فإنها عند العرب‪ :‬أسم للبل والبقر‬
‫والغنـم خاصة‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬والنْعا مَ خَـلَقَها َلكُ مْ فِـيها ِدفْءٌ َومَنافِ عُ َو ِمنْها َت ْأكُلُو نَ ثم‬
‫حمِيرَ ِل َترْ َكبُوها َوزِينَ ًة ففصل جنس النعم من غيرها من أجناس‬
‫خيْـلَ وَالبِغالَ والـ َ‬
‫قال‪ :‬والـ َ‬
‫ال ـحيوان‪ .‬وأ ما بهائم ها فإن ها أولد ها‪ .‬وإن ـما قل نا‪ :‬ي ـلزم الكب ـار من ها ا سم بهي ـمة ك ما‬
‫ي ـلزم ال صغار‪ ,‬لن مع نى قول القائل‪ :‬بهي ـمة النعام‪ ,‬نظ ير قوله‪ :‬ولد النعام فل ـما كان ل‬
‫يسقط معنى الولدة عنه بعد الكبر‪ ,‬فكذلك ل يسقط عنه اسم البهيـمة بعد الكبر‪ .‬وقد قال قوم‪:‬‬
‫بهيـمة النعام‪ :‬وحشيها كالظبـاء وبقر الوحش والـحمر‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الذي عناه ال بقوله‪ :‬إلّ ما ُيتْلَ ـى عَلَ ـ ْي ُكمْ فقال بعض هم‪ :‬ع نى‬
‫ال بذلك‪ :‬أحلت لكم أولد البل والبقر والغنـم‪ ,‬إل ما بـين ال لكم فـيـما يتلـى علـيكم‬
‫حرّمَتْ عَلَـ ْي ُكمُ الـ َميْتَةُ وَال ّدمُ‪ ...‬الَية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫بقوله‪ُ :‬‬
‫‪8670‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬بهِيـمَةُ النْعامِ إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـ ْي ُكمْ‪ :‬إل الـميتة وما ذكر معها‪.‬‬
‫ت َلكُ مْ َبهِيـمَةُ‬
‫‪ 8671‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ُ :‬أحِلّ ْ‬
‫ل ما ُيتْلَـى عَلَـ ْيكُمْ‪ :‬أي من الـميتة التـي نهى ال عنها وقدّم فـيها‪.‬‬
‫النْعامِ إ ّ‬
‫‪8672‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬إلّ‬
‫ما ُيتْلَـى عَلَـ ْيكُ ْم قال‪ :‬إل الـميتة‪ ,‬وما لـم يذكر اسم ال علـيه‪.‬‬
‫‪8673‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـ ْي ُكمْ‪ :‬الـميتة‪ ,‬والدم‪ ,‬ولـحم الـخنزير‪.‬‬
‫‪ 8674‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ بن أب ـي‬
‫ل ما ُيتْلَـى عَلَـ ْي ُكمْ‪ :‬الـميتة ولـحم‬
‫ت َلكُ مْ َبهِيـمَ ُة النْعا مِ إ ّ‬
‫طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ُ :‬أحِلّ ْ‬
‫الـخنزير‪.‬‬
‫ي بن أبـي طلـحة‪,‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـ ّ‬
‫عن ابن عبـاس‪ُ :‬أحِلّ تْ َلكُ مْ َبهِيـمَةُ النْعا مِ إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ‪ :‬هي الـميتة والدم ولـحم‬
‫ل لغير ال به‪.‬‬
‫الـخنزير‪ ,‬وما أه ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الذي ا ستثنى ال بقوله‪ :‬إلّ ما ُيتْلَ ـى عَلَ ـ ْي ُكمْ ال ـخنزير‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8675‬ـ حدثنـي عبد ال بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن‬
‫علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ قال‪ :‬الـخنزير‪.‬‬
‫‪ 8676‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـ ْي ُكمْ يعنـي‪ :‬الـخنزير‪.‬‬
‫وأول ـى التأوي ـلـين ف ـي ذلك ب ـالصواب تأوي ـل من قال‪ :‬عن ـي بذلك‪ :‬إل ما يتل ـى‬
‫ح ّرمَ تْ عَلَـ ْيكُمُ الـ َم ْيتَةُ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬لن ال‬
‫علـيكم من ت ـحريـم ال ما حرّم علـيكم بقوله‪ُ :‬‬
‫عزّ وجلّ استثنى مـما أبـاح لعبـاده من بهيـمة النعام ما حرّم علـيهم منها‪ ,‬والذي حرّم‬
‫خنْزِيرِ وإن كان‬
‫حمُ الـ ِ‬
‫ح ّرمَ تْ عَلَـ ْي ُكمُ الـ َم ْيتَةُ وَالدّ مُ ولَـ ْ‬
‫علـيهم منها ما بـينه فـي قوله‪ُ :‬‬
‫حرّمه ال علـينا فلـيس من بهيـمة النعام فـيستثنى منها‪ ,‬فـاستثناء ما حرّم علـينا مـما‬
‫دخـل فـي جملة ما قبل الستثناء أشبه من استثناء ما حرّم مـما لـم يدخـل فـي جملة ما‬
‫قبل الستثناء‪.‬‬
‫ح ُكمُ ما ُيرِيدُ‪.‬‬
‫ن اللّ َه َي ْ‬
‫ح ُرمٌ إ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬غيرَ مُـحِلّـى الصّ ْيدِ وأ ْنتُـمْ ُ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا‬
‫بـالعقود غير مـحلـى ال صيد وأنت ـم حرم‪ ,‬أحلت لكم بهيـمة النعام‪ .‬فلذلك علـى قولهم‬
‫مـن الــمؤخر الذي معناه التقديــم‪ ,‬ف «غيـر» منصـوب علــى قول قائلــي هذه الــمقالة‬
‫علــى الــحال مــما فــي قوله‪« :‬أوفوا»‪ ,‬مـن ذكـر الذيـن آمنوا‪ .‬وتأويــل الكلم علــى‬
‫مذهب هم‪ :‬أوفوا أي ها ال ـمؤمنون بعقود ال الت ـي عقد ها عل ـيكم ف ـي كتا به‪ ,‬ل م ـحلـين‬
‫الصيد وأنتـم حرم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أحلت لكم بهيـمة النعام الوحشية من الظبـاء والبقر والـحمر‪,‬‬
‫غير مـحلـي الصيد‪ :‬غير مستـحلـي اصطيادها‪ ,‬وأنتـم حرم‪ ,‬إل ما يتلـى علـيكم‪ .‬ف‬
‫«غير» علـى قول هؤلء منصوب علـى الـحال من الكاف والـميـم اللتـين فـي قوله‪:‬‬
‫«َلكُ مْ» بتأويـل‪ :‬أحلت لكم أيها الذين آمنوا بهيـمة النعام‪ ,‬ل مستـحّلـي اصطيادها فـي‬
‫حال إحرامكم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أحلت لكم بهيـمة النعام كلها‪ ,‬إل ما يتلـى علـيكم‪ ,‬إل ما كان‬
‫ن من قال ذلك‪ ,‬وجه الكلم إلـى معنى‪:‬‬
‫منها وحشيا‪ ,‬فإنه صيد فل يحلّ لكم وأنتـم حرم‪ .‬فكأ ّ‬
‫أحلت ل كم بهي ـمة النعام كل ها‪ ,‬إل ما يتل ـى عل ـيكم‪ ,‬إل ما يُب ـيّن ل كم من وحشي ها‪ ,‬غ ير‬
‫م ستـحلـي ا صطيادها ف ـي حال إحرامكـم‪ ,‬فتكون «غ ير» من صوبة عل ـى قول هم علــى‬
‫الـحال من الكاف والـميـم فـي قوله‪ :‬إلّ ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8677‬ـ حدث نا سفـيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬عن أب ـي جع فر الرازي‪ ,‬عن‬
‫شخّير وعنده رجل‪ ,‬فحدثهم فقال‪ :‬أحلت لكم‬
‫الربـيع بن أنس‪ ,‬قال‪ :‬جلسنا إلـى ُمطَرّ فَ بن ال ّ‬
‫بهي ـمة النعام صيدا‪ ,‬غ ير م ـحلـي ال صيد وأنت ـم حرم‪ ,‬ف هو عل ـيكم حرام‪ .‬يعن ـي‪ :‬ب قر‬
‫الوحش والظبـاء وأشبـاهه‪.‬‬
‫‪ 8678‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫ل ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ غيرَ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع بن أنس فـي قوله‪ُ :‬أحِلّ تْ َلكُ مْ َبهِيـمَةُ النْعا مِ إ ّ‬
‫حرُ مٌ قال‪ :‬النعام كل ها حِلّ إل ما كان من ها وحشيّا‪ ,‬فإ نه صيد‪ ,‬فل‬
‫ص ْيدِ وأ ْنتُ ـمْ ُ‬
‫مُ ـحِلّـي ال ّ‬
‫يحلّ إذا كان مـحرِما‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب عل ـى ما تظا هر به تأوي ـل أ هل التأوي ـل ف ـي‬
‫ْعامـ مـن أنهـا النعام وأجنتهـا وسـخالها‪ ,‬وعلــى دللة ظاهـر‬
‫ُمـ َبهِيــمَةُ الن ِ‬
‫ّتـ َلك ْ‬
‫قوله‪ُ :‬أحِل ْ‬
‫التنزي ـل قول من قال‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬أوفوا ب ـالعقود غ ير م ـحلـي ال صيد وأنت ـم حرم‪ ,‬ف قد‬
‫أحلت ل كم بهي ـمة النعام ف ـي حال إحرام كم أو غير ها من أحوال كم‪ ,‬إل ما يتل ـى عل ـيكم‬
‫ل ما ُيتْلَـى عَلَـ ْي ُكمْ‬
‫ل لغير ال به‪ .‬وذلك أن قوله‪ :‬إ ّ‬
‫تـحريـمه من الـميتة منها والدم وما أه ّ‬
‫لو كان معناه‪ :‬إل ال صيد‪ ,‬لقـيـل‪ :‬إل ما يتل ـى علـيكم من ال صيد غير م ـحلـيه‪ ,‬وفـي‬
‫ل ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ بـما ذكرت‪ ,‬وإظهار ذكر الصيد فـي قوله‪ :‬غيرَ‬
‫ترك ال و صْل قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ل ما ُيتْلَـى عَلَـيْ ُكمْ خبر متناهي ٌة قصته‪,‬‬
‫ص ْيدِ أوضح الدلـيـل علـى أن قوله‪ :‬إ ّ‬
‫مُـحِلّـي ال ّ‬
‫وأن مع نى قوله‪ :‬غيرَ مُ ـحِلّـي ال صّ ْيدِ منف صل م نه‪ .‬وكذلك لو كان قوله‪ُ :‬أحِلّ تْ َلكُ مْ َبهِي ـمَةُ‬
‫ْعامـ مقصـودا بـه قصـد الوحـش‪ ,‬لــم يكـن أيضـا لعادة ذكـر الصـيد لفــي قوله‪ :‬غيرَ‬
‫الن ِ‬
‫ص ْيدِ و جه و قد م ضى ذكره ق بل‪ ,‬ولق ـيـل‪ :‬أحلت ل كم بهي ـمة النعام‪ ,‬إل ما‬
‫مُ ـحِلّـي ال ّ‬
‫يتل ـى عل ـيكم‪ ,‬غ ير م ـحلـيه وأنت ـم حرم‪ .‬وف ـي أظهاره ذ كر ال صيد ف ـي قوله‪ :‬غيرَ‬
‫ص ْيدِ أبـين الدللة علـى صحة ما قلنا فـي معنى ذلك‪.‬‬
‫مُـحِلّـي ال ّ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن العرب ربــما أظهرت ذكـر الشيـء بــاسمه وقـد جرى ذكره بــاسمه؟‬
‫قــيـل‪ :‬ذلك مـن فعلهـا ضرورة شعـر‪ ,‬ولــيس ذلك بــالفصيح الــمستعمل مـن كلمهـم‪,‬‬
‫وتوج يه كلم ال إل ـى الف صح من لغات من نزل كل مه بلغ ته أول ـى ما و جد إل ـى ذلك‬
‫سبـيـل من صرفه إلـى غير ذلك‪.‬‬
‫فمعنى الكلم إذن‪ :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بعقود ال التـي عقد علـيكم‪ ,‬مـما حرّم وأحلّ‪,‬‬
‫ل لكم من بهيـمة النعام الـمذكّاة دون ميتتها‬
‫ل مـحلـين الصيد فـي حَرمكم‪ ,‬ففـيـما أح ّ‬
‫متسع لكم ومستغنى عن الصيد فـي حال إحرامكم‪.‬‬
‫ح ُكمُ ما ُيرِيد‪.‬‬
‫ن اللّ َه َي ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إ ّ‬
‫يعنــي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬إن ال يقضـي فــي خــلقه مـا يشاء مـن تــحلـيـل مـا أراد‬
‫تـحلـيـله‪ ,‬وتـحريـم ما أراد تـحريـمه‪ ,‬وإيجاب ما شاء إيجابه علـيهم‪ ,‬وغير ذلك من‬
‫أحكا مه وقضاياه‪ ,‬فأوفوا أي ها ال ـمؤمنون له ب ـما ع قد عل ـيكم من ت ـحلـيـل ما أحلّ ل كم‬
‫وتـحريـم ما حرّم علـيكم‪ ,‬وغير ذلك من عقوده فل تن ُكثُوها ول تنقضوها‪ .‬كما‪:‬‬
‫حكُمُ ما ُيرِيدُ‪:‬‬
‫ن اللّ َه َي ْ‬
‫‪8679‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قوله‪ :‬إ ّ‬
‫إن ال يحكـم مـا أراد فــي خــلقه‪ ,‬وبــين لعبــاده‪ ,‬وفرض فرائضـه‪ ,‬وحدّ حدوده‪ ,‬وأمـر‬
‫بطاعته‪ ,‬و َنهَى عن معصيته‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شهْرَ‬
‫ل ال ّ‬
‫ّهـ َو َ‬
‫شعَآئِرَ الل ِ‬
‫ِينـ آ َمنُو ْا لَ ُتحِلّو ْا َ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذ َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ل مّن ّر ّبهِ مْ َو ِرضْوَانا وَِإذَا‬
‫ن َفضْ ً‬
‫ت ا ْلحَرَا مَ َي ْب َتغُو َ‬
‫ن ا ْل َبيْ َ‬
‫ل ا ْل َهدْ يَ َولَ الْقَل ِئدَ وَل آمّي َ‬
‫حرَا مَ َو َ‬
‫ا ْل َ‬
‫حرَا مِ أَن َت ْع َتدُواْ َو َتعَا َونُواْ‬
‫جدِ ا ْل َ‬
‫سِ‬‫ع نِ ا ْلمَ ْ‬
‫صدّو ُكمْ َ‬
‫ن قَوْ مٍ أَن َ‬
‫شنَآ ُ‬
‫ل َيجْ ِر َم ّنكُ مْ َ‬
‫صطَادُواْ َو َ‬
‫حَلَ ْلتُ مْ فَا ْ‬
‫ب }‪..‬‬
‫ل ْثمِ وَا ْل ُعدْوَانِ وَاتّقُواْ الّلهَ ِإنّ الّل َه شَدِيدُ آ ْلعِقَا ِ‬
‫ل َتعَا َونُواْ عَلَى ا ِ‬
‫عَلَى الْبرّ وَالتّقْ َوىَ َو َ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى قول ال‪ :‬ل تُ ـحِلّوا شَعا ِئرَ اللّ ِه فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬ل‬
‫حرُمات ال‪ ,‬ول تتعدّوا حدوده‪ .‬كأنهـم وجهوا الشعائر إلــى الــمعالـم‪ ,‬وتأوّلوا ل‬
‫تــحلوا ُ‬
‫تـحلوا شعائر ال‪ :‬معالـم حدود ال‪ ,‬وأمره‪ ,‬ونهيه‪ ,‬وفرائضه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حبـيب الـمعلـم‪ ,‬عن‬
‫عطاء أ نه سئل عن شعائر ال‪ ,‬فقال‪ :‬حرمات ال‪ :‬اجتناب سخط ال‪ ,‬واتب ـاع طاع ته‪ ,‬فذلك‬
‫شعائر ال‪.‬‬
‫حرَ مَ ال‪ .‬فكأن هم وجهوا مع نى قوله‪ :‬شَعا ِئرَ اللّ هِ‪ :‬أي‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى قوله‪ :‬ل تُ ـحِلّوا َ‬
‫حرَم ال من البلد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫معالـم َ‬
‫‪ 8680‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـحِلّوا شَعا ِئرَ الّلهِ قال‪ :‬أما شعائر ال‪ :‬فحُرَم ال‪.‬‬
‫عن السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ج فتضيعوها‪ .‬وكأنهم وجهوا تأويـل ذلك‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل تـحلوا مناسك الـح ّ‬
‫إلـى‪ :‬ل تـحلوا معالـم حدود ال التـي حدّها لكم فـي حجكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8681‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ,‬قال ابن‬
‫عبـاس‪ :‬ل تُـحِلّوا شَعائِ َر اللّ ِه قال‪ :‬مناسك الـحجّ‪.‬‬
‫‪8682‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية‪ ,‬عن علـيّ ابن أبـي‬
‫ّهـ قال‪ :‬كان‬
‫ِينـ آ َمنُوا ل تُــحِلّوا شَعا ِئرَ الل ِ‬
‫طلــحة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫الــمشركون يحجون البــيت الــحرام‪ ,‬ويهُدون الهدايـا‪ ,‬ويعظمون حرمـة الــمشاعر‪,‬‬
‫ويتــجرون فــي حجهـم‪ ,‬فأراد الــمسلـمون أن يُغيروا علــيهم‪ ,‬فقال ال عزّ وجلّ‪ :‬ل‬
‫تُـحِلّوا شَعائِرَ الّلهِ‪.‬‬
‫‪8683‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬شَعا ِئرَ اللّهِ‪ :‬الصفـا والـمروة‪ ,‬والهدي‪ ,‬والبدن‪ ,‬كل هذا‬
‫من شعائر ال‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل تـحلوا ما حرّم ال علـيكم فـي حال إحرامكم‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8684‬ـ حدثنا مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ل تُ ـحِلّوا شَعائِرَ الّل هِ قال‪ :‬شعائر ال‪ :‬ما ن هى ال ع نه أن‬
‫تصيبه وأنت مـحرم‪.‬‬
‫وكأنـ الذيـن قالوا هذه الــمقالة‪ ,‬وجهوا تأويــل ذلك إلــى‪ :‬ل تــحلوا معالــم حدود ال‬
‫ّ‬
‫التـي حرّمها علـيكم فـي إحرامكم‪.‬‬
‫وأول ـى التأويلت بقوله‪ :‬ل تُ ـحِلّوا شَعا ِئرَ اللّ ِه قول عطاء الذي ذكرناه من توجي هه مع نى‬
‫حرُمات ال‪ ,‬ول تضيعوا فرائضه‪ ,‬لن الشعائر جمع شعيرة‪ ,‬والشعيرة‪:‬‬
‫ذلك إلـى‪ :‬ل تـحلوا ُ‬
‫فعي ـلة من قول القائل‪ :‬قد ش عر فلن بهذا ال مر‪ :‬إذا عل ـم به‪ ,‬ف ـالشعائر‪ :‬ال ـمعالـم من‬
‫ذلك‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان معنـى الكلم‪ :‬ل تسـتـحلوا أيهـا الذيـن آمنوا معالــم ال‪,‬‬
‫فـيدخـل فـي ذلك معالـم ال كلها فـي مناسك الـحجّ‪ ,‬من تـحريـم ما حرم ال إصابته‬
‫فــيها علــى الــمـحرم‪ ,‬وتضيــيع مـا نهـى عـن تضيــيعه فــيها‪ ,‬وفــيـما حرم مـن‬
‫استـحلل حرمات حرمه‪ ,‬وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلله وحرامه‪ ,‬لن كل ذلك من‬
‫معال ـمه وشعائره الت ـي جعل ها أمارات ب ـين ال ـحقّ والب ـاطل‪ ,‬يُعل ـم ب ها حلله وحرا مه‬
‫وأمره ونهيه‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك القول أولـى بتأويـل قوله تعالـى‪ :‬ل تُـحِلّوا شَعا ِئرَ الّلهِ لن ال نهى عن‬
‫ا ستـحلل شعائره ومعال ـم حدوده‪ ,‬وإحلل ها نه يا عامّا من غ ير اخت صاص ش يء من ذلك‬
‫دون شيء‪ ,‬فلـم يجز لحد أن يوجه معنى ذلك إلـى الـخصوص إل بحجة يجب التسلـيـم‬
‫لها‪ ,‬ول حجة بذلك كذلك‪.‬‬
‫حرَامَ‪.‬‬
‫شهْرَ الـ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَل ال ّ‬
‫حرَامَ‪ :‬ول تسـتـحلوا الشهـر الــحرام بقتالكـم بـه‬
‫ش ْهرَ الــ َ‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬وَل ال ّ‬
‫ل قِتالٌ فِـيهِ‬
‫شهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ قُ ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫أعداءكم من الـمشركين‪ ,‬وهو كقوله‪ :‬يَ سْئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫َكبِـيرٌ‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال ابن عبـاس وغيره‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8685‬ـ حدثنـي مـحمدقال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫حرَامَ يعنـي‪ :‬ل تستـحلوا قتالً فـيه‪.‬‬
‫ش ْهرَ الـ َ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل ال ّ‬
‫‪ 8686‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫صدّ عن البـيت‪ ,‬فأمروا أن ل يقاتَلوا فـي الشهر الـحرام ول‬
‫قال‪ :‬كان الـمشرك يومئذ ل يُ َ‬
‫عند البـيت‪.‬‬
‫ش ْهرَ الــحَرَامَ فرجـب مضـر‪ ,‬وهـو شهـر‬
‫وأمـا الشهـر الــحرام الذي عناه ال بقوله‪ :‬وَل ال ّ‬
‫كانت مضر تـحرّم فـيه القتال‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬هو فـي هذا الـموضع ذو القَعدة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8687‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬هو ذو القعدة‪.‬‬
‫وقد بـينا الدللة علـى صحة ما قلنا فـي ذلك فـيـما مضى‪ ,‬وذلك فـي تأويـل قوله‪:‬‬
‫ش ْهرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ‪.‬‬
‫عنِ ال ّ‬
‫سئَلُو َنكَ َ‬
‫َي ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَل ال َه ْديَ وَل القَل ِئدَ‪.‬‬
‫أ ما الهدي‪ :‬ف هو ما أهداه ال ـمرء من بع ير أو بقرة أو شاة أو غ ير ذلك إل ـى ب ـيت ال‪,‬‬
‫تقرّبــا بـه إلــى ال وطلب ثوابـه‪ .‬يقول ال عزّ وجلّ‪ :‬فل تسـتـحلوا ذلك فتغضِبوا أهله‬
‫علـيه‪ ,‬ول تـحولوا بـينهم وبـين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا به الـمـحلّ الذي جعله ال‬
‫مَـحِله من كعبته‪ .‬وقد رُوي عن ابن عبـاس أن الهدي إنـما يكون هديا ما لـم يقلّد‪.‬‬
‫‪ 8688‬ـ حدثن ـي بذلك م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫ي قال‪ :‬الهدي ما ل ـم يقلد‪ ,‬و قد ج عل‬
‫أب ـي‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل ال َهدْ َ‬
‫علـى نفسه أن يهديه ويقلده‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ فإنه يعنـي‪ :‬ول تـحلوا أيضا القلئد‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي القلئد الت ـي ن هى ال عزّ وجلّ عن إحلل ها‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫ع نى ب ـالقلئد‪ :‬قلئد الهدي وقالوا‪ :‬إن ـما أراد ال بقوله‪ :‬وَل ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ‪ :‬ول ت ـحلوا‬
‫الهدايا الـمقلدات منها وغير الـمقلدات فقوله‪ :‬وَل ال َهدْ يَ ما لـم يقلد من الهدايا‪ ,‬وَل القَل ِئدَ‬
‫ال ـمقلد من ها‪ .‬قالوا‪ :‬ودلّ بقوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ عل ـى مع نى ما أراد من الن هي عن ا ستـحلل‬
‫الهدايا الـمقلدة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8689‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ القلئد‪ :‬مقلدات الهدي‪ ,‬وإذا قلد الرجل هديه فقد‬
‫أحرم‪ ,‬فإن فعل ذلك وعلـيه قميصه فلـيخـلعه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يعنــي ذلك‪ :‬القلئد التــي كان الــمشركون يتقلدونهـا إذا أرادوا الــحجّ‬
‫سمُر‪ ,‬وإذا خرجوا منها إلـى منازلهم منصرفـين منها‪ ,‬من‬
‫مقبلـين إلـى مكة من لـحاء ال ّ‬
‫الشّعر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8690‬ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫حرَامَ قال‪ :‬كان الر جل ف ـي ال ـجاهلـية إذا خرج من‬
‫شهْ َر ال ـ َ‬
‫ل تُ ـحِلّوا شَعائِرَ الّل هِ وَل ال ّ‬
‫بــيته يريـد الــحجّ تقلد مـن الس ّـمُر فلــم يعرض له أحـد‪ ,‬فإذا رجـع تقلد قلدة شعـر فلــم‬
‫يعرض له أحد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان الرجل منهم يتقلد إذا أراد الـخروج من الـحرم أو خرج من لـحاء‬
‫شجر الـحرم فـيأمن بذلك من سائر قبـائل العرب أن يعرضوا له بسوء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8691‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن مالك بن مغول‪ ,‬عن عطاء‪ :‬وَل القَل ِئدَ قال‪:‬‬
‫كانوا يتقلدون مـن لــحاء شجـر الــحرم‪ ,‬يأمنون بذلك إذا خرجوا مـن الــحرم‪ ,‬فنزلت‪ :‬ل‬
‫تُـحِلّوا شَعائِرَ الّلهِ‪ ...‬الَية‪ ,‬وَل ال َه ْديَ وَل القَل ِئدَ‪.‬‬
‫‪8692‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن لهم‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وَل القَل ِئدَ قال‪ :‬القلئد‪ :‬اللـحاء فـي رقاب الناس والبهائم أم ٌ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8693‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬وَل ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ قال‪ :‬إن العرب كانوا يتقلدون من ل ـحاء ش جر م كة‪,‬‬
‫فـيقـيـم الرجل بـمكانه‪ ,‬حتـى إذا انقضت الشهر الـحرم فأراد أن يرجع إلـى أهله قلد‬
‫نفسه وناقته من لـحاء الشجر‪ ,‬فـيأمن حتـى يأتـي أهله‪.‬‬
‫‪ 8694‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ قال‪:‬‬
‫القلئد‪ :‬كان الر جل يأ خذ ل ـحاء شجرة من ش جر ال ـحرم ف ـيتقلدها‪ ,‬ثم يذ هب ح يث شاء‪,‬‬
‫فـيأمن بذلك‪ ,‬فذلك القلئد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما نهـى ال الــمؤمنـين بقوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ أن ينزعوا شيئا مـن شجـر‬
‫الـحرم فـيتقلّدوه كما كان الـمشركون يفعلون فـي جاهلـيتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8695‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ع بد ال ـملك‪ ,‬عن عطاء ف ـي قوله‪ :‬وَل‬
‫سمُر‪ ,‬ف ـيتقلدونها‪,‬‬
‫ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ كان ال ـمشركون يأخذون من ش جر م كة من ل ـحاء ال ّ‬
‫فـيأمنون بها من الناس‪ ,‬فنهى ال أن يُنزع شجرها فـيُتقلد‪.‬‬
‫‪ 8696‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن أبـي جعفر الرازي‪ ,‬عن الربـيع بن‬
‫أنس‪ ,‬قال‪ :‬جلسنا إلـى مطرف بن الشخير‪ ,‬وعنده رجل‪ ,‬فحدثهم فـي قوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ قال‪:‬‬
‫سمُر ف ـيتقلدون‪ ,‬ف ـيأمنون ب ها ف ـي‬
‫كان ال ـمشركون يأخذون من ش جر م كة من ل ـحاء ال ّ‬
‫الناس‪ ,‬فنهى ال عزّ ذكره أن ينزل شجرها فـيتقلد‪.‬‬
‫والذي هو أولـى بتأويـل قوله‪ :‬وَل القَل ِئدَ إذ كانت معطوفة علـى أوّل الكلم‪ ,‬ولـم يكن‬
‫ف ـي الكلم ما يدلّ عل ـى انقطاع ها عن أوله‪ ,‬ول أ نه ع نى ب ها الن هى عن التقلد أو ات ـخاذ‬
‫القلئد من ش يء أن يكون معناه‪ :‬ول ت ـحلوا القلئد‪ .‬فإذا كان ذلك بتأوي ـله أول ـى‪ ,‬فمعلوم‬
‫ل ذكره عن استـحلل حرمة الـمقلد هديا كان ذلك أو إنسانا‪ ,‬دون حرمة‬
‫أنه نهي من ال ج ّ‬
‫ل بتــحريـمه حرمـة القلدة علــى مـا ذكرنـا مـن حرمـة‬
‫القلدة وأن ال عزّ ذكره إنــما د ّ‬
‫الــمقلد‪ ,‬فــاجتزأ بذكره القلئد مـن ذكـر الــمقلد‪ ,‬إذ كان مفهومـا عنـد الــمخاطبـين بذلك‬
‫معنى ما أريد به‪.‬‬
‫فمع نى الَ ية إذ كان ال مر عل ـى ما و صفنا‪ :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل ت ـحلوا شعائر ال‪ ,‬ول‬
‫الشهر الـحرام‪ ,‬ول الهدي‪ ,‬ول الـمقلد بقسميه بقلئد الـحرم‪.‬‬
‫و قد ذ كر ب عض الشعراء ف ـي شعره‪ ,‬ما ذكر نا ع من تأوّل القلئد أن ها قلئد ل ـحاء ش جر‬
‫الـحرم الذي كان أهل الـجاهلـية يتقلدونه‪ ,‬فقال وهو يعيب رجلـين قتل رجلـين كانا تقلدا‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ن بـال ْيدِي اللّـحا َء الـمُضَ ّفرَا‬
‫ع َورَاكمايُـمِرّا ِ‬
‫جيْنِ إذْ أ ْ‬
‫أَلـمْ تَ ْقتُل الـحِ ْر َ‬
‫والـحِرجان‪ :‬الـمقتولن كذلك‪ .‬ومعنى قوله‪ :‬أعوراكما‪ :‬أمكناكما من عورتهما‪.‬‬
‫ت الـحَرَامَ‪.‬‬
‫ن البَـيْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَل آمّي َ‬
‫ت ال ـحَرَامَ‪ :‬ول ت ـحلوا قا صدين الب ـيت ال ـحرام‬
‫يعن ـي بقوله ع ّز ذكرهوَل آمّي نَ البَ ـيْ َ‬
‫عمَدتـه‪ ,‬وبعضهـم يقول‪ :‬يَــمَـ ْمتُه‪ ,‬كمـا قال‬
‫العامديـة‪ ,‬تقول منـه‪ :‬أمــمت كذا‪ :‬إذا قصـدته و َ‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إنّـي كَذاك إذَا ما سا َءنِـي بََل ٌديَـمَـمْتُ ص ْدرَ َبعِيرِي غيرَ ُه بََلدَا‬
‫والب ـيت ال ـحرام‪ :‬ب ـيت ال الذي بــمكة و قد ب ـينت ف ـيـما مضـى لــم ق ـيـل له‬
‫ن َر ّبهِ مْ يعن ـي‪ :‬ي ـلتـمسون أرب ـاحا ف ـي ت ـجارتهم من ال‪.‬‬
‫ال ـحرام‪َ .‬ي ْب َتغُو نَ َفضْلً مِ ْ‬
‫َو ِرضْوَا نا يقول‪ :‬وأن ير ضى ال عن هم بنُ سُكهم‪ .‬و قد ق ـيـل‪ :‬إن هذه الَية نزلت فـي ر جل‬
‫من بنـي ربـيعة يقال له الـحُطَم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8697‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫حطَم بن هند البكر يّ‪ ,‬ثم أحد بنـي قـيس بن ثعلبة‪ ,‬حتـى أتـي‬
‫عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬أقبل الـ ُ‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم وحده‪ ,‬وخ ـلّف خي ـله خار جة من ال ـمدينة‪ ,‬فدعاه فقال‪ :‬إل مَ‬
‫تدعو؟ فأخبره‪ ,‬وقد كان النبـيّ صلى ال عليه وسلم قال لصحابه‪َ « :‬ي ْدخُـلُ الـيَ ْومَ عَلَـ ْيكُمْ‬
‫ش ْيطَا نٍ»‪ .‬فل ـما أ خبره النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم قال‪:‬‬
‫ن َربِ ـيَعةَ‪َ ,‬ي َتكَلّ ـمُ بل سَانِ َ‬
‫َرجُلٌ مِ ْ‬
‫انظروا لعّل ـي أُ سلـم‪ ,‬ول ـي من أشاوره‪ .‬فخرج من عنده‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ب غا ِدرٍ»‪ .‬فمرّ بسرح من سرح الـمدينة‪ ,‬فساقه‪,‬‬
‫ج بعَقِ ِ‬
‫خرَ َ‬
‫وسلم‪َ« :‬ل َقدْ َدخَـلَ ِب َوجْ ِه كافِرٍ‪َ ,‬و َ‬
‫فـانطلق به وهو يرتـجز‪:‬‬
‫غنَـمٍ‬
‫حطَمْلَـيْسَ ِبرَاعِي إبِلٍ وَل َ‬
‫ق ُ‬
‫َقدْ لَفّها اللّـيْـلُ بسَوّا ٍ‬
‫ضمْبـاتُوا نِـياما وَابْنُ ِه ْن ٍد لَـمْ َينَـمْ‬
‫ظهْرِ ال َو َ‬
‫جزّارٍ عَلـى َ‬
‫وَل ِب َ‬
‫ج السّاقَـيْنِ مَـ ْمسُوحُ ال َق َدمْ‬
‫بـاتَ يُقاسِيها غُل ٌم كالزّلَـ ْمخَدَلّـ ُ‬
‫ثم أق بل من عام قا بل حاجّا قد قلد وأهدى‪ ,‬فأراد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يب عث‬
‫ن البَـيْتَ الـحَرَامَ قال له ناس من أصحابه‪ :‬يا‬
‫إلـيه‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪ ,‬حتـى بلغ‪ :‬وَل آمّي َ‬
‫ل ب ـيننا وبـينه‪ ,‬فإنه صاحبنا قال‪« :‬إنّ ُه َقدْ قَلّدَ»‪ .‬قالوا‪ :‬إنـما هي ش يء كنا‬
‫رسول ال خـ ّ‬
‫نصنعه فـي الـجاهلـية‪ .‬فأبى علـيهم‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪.‬‬
‫‪ 8698‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬قدم الـحطم أخو بنـي ضبـيعة بن ثعلبة البكري الـمدينة فـي عير له يحمل طعاما‪,‬‬
‫فب ـاعه‪ .‬ثم دخ ـل عل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فب ـايعه‪ ,‬وأ سلـم‪ .‬فل ـما ول ـى‬
‫جرِ ووَلّــى بقَــفَـا‬
‫خارجـا نظـر إلــيه‪ ,‬فقال لــمن عنده‪« :‬لَ َقدْ َدخَــلَ علــيّ ب َوجْهِـ فَــا ِ‬
‫غَا ِدرٍ»‪ .‬فل ـما قدم ال ـيـمامة ارتدّ عن ال سلم‪ ,‬وخرج ف ـي ع ير له ت ـحمل الطعام ف ـي‬
‫ذي القعدة‪ ,‬يريد مكة فلـما سمع به أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬تهيأ للـخروج‬
‫إلـيه نفر من الـمهاجرين والنصار لـيقتطعوه فـي عيره‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل‬
‫تُـحِلّوا شعَا ِئرَ اللّ هِ‪ ...‬الَية‪ ,‬فـانتهى القوم‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬قوله‪ :‬وَل آمّي نَ البَـيْتَ الـحَرَامَ‬
‫قال‪ :‬ينهى عن الـحجاج أن تقطع سبلهم‪ .‬قال‪ :‬وذلك أن الـحطم قدم علـى النبـيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم ل ـيرتاد وين ظر‪ ,‬فقال‪ :‬إن ـي داع ية قو مي‪ ,‬ف ـاعرض عل ـيّ ما تقول قال له‪:‬‬
‫شيْئا‪ ,‬وتُقِـيـمَ ال صّلةَ‪ ,‬وتُؤْتـي ال ّزكَاةَ‪ ,‬وتَ صُومَ‬
‫ن َت ْع ُبدَ ُه ول ُتشْرِ كَ به َ‬
‫ك إلـى ال أ ْ‬
‫«أدْعُو َ‬
‫ج البَ ـيْتَ»‪ .‬قال‪ :‬ال ـحطم‪ :‬ف ـي أمرك هذا غل ظة‪ ,‬أر جع إل ـى قو مي‬
‫شهْرَ َر َمضَان‪ ,‬وتَ ـحُ ّ‬
‫َ‬
‫فأذ كر ل هم ما ذكرت‪ ,‬فإن قبلوه أقبلت مع هم‪ ,‬وإن أدبروا ك نت مع هم‪ .‬قال له‪« :‬ا ْرجِ عْ» فل ـما‬
‫عنْدي ُبعْقَبــي غَادِرٍ‪ ,‬ومـا ال ّرجُلُ‬
‫ِنـ ِ‬
‫َجـ م ْ‬
‫خر َ‬‫ْهـ كَا ِفرٍ و َ‬
‫خرج‪ ,‬قال‪« :‬لَ َقدْ َدخَــلَ عَلــيّ بَوج ِ‬
‫بـ ُمسْلِـمٍ»‪ .‬فمرّ علـى سرح لهل الـمدينة‪ ,‬فـانطلق به فطلبه أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليـه وسـلم‪ ,‬ففــاتهم‪ .‬وقدم الــيـمامة‪ ,‬وحضـر الــحجّ‪ ,‬فجهـز خارجـا‪ ,‬وكان عظيــم‬
‫الت ـجارة‪ ,‬ف ـاستأذنوا أن يتلقوه ويأخذوا ما م عه‪ ,‬فأنزل ال عزّ وجلّ‪ :‬ل تُ ـحِلّوا شَعائِرَ الّل هِ‬
‫حرَامَ‪.‬‬
‫حرَامَ وَل ال َهدْيَ وَل القَل ِئدَ وَل آمّينَ البَـيْتَ الـ َ‬
‫شهْرَ الـ َ‬
‫وَل ال ّ‬
‫‪ 8699‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬وَل آمّي نَ‬
‫البَــيْتَ الــحَرَامَ‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬هذا يوم الفتــح جاء ناس يأمّون البــيت مـن الــمشركين‪,‬‬
‫يُهلّون بعمرة‪ ,‬فقال الـمسلـمون‪ :‬يا رسول ال إنـما هؤلء مشركون‪ ,‬فمثل هؤلء فلن ندعهم‬
‫ت الـحَرَامَ‪.‬‬
‫إل أن نغير علـيهم فنزل القرآن‪ :‬وَل آمّينَ البَـيْ َ‬
‫‪ 8700‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫جهَ حاجّا‪.‬‬
‫حرَامَ يقول‪ :‬من تو ّ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَل آمّينَ البَـيْتَ الـ َ‬
‫‪8701‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيـم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن‬
‫حرَامَ يعنـي‪ :‬الـحاج‪.‬‬
‫ن البَـيْتَ الـ َ‬
‫الضحاك فـي قوله‪ :‬وَل آمّي َ‬
‫‪ 8702‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال بن مو سى‪ ,‬عن أب ـي جع فر الرازي‪ ,‬عن‬
‫الربـيع بن أنس‪ ,‬قال‪ :‬جلسنا إلـى مطرف بن الشخير وعنده رجل‪ ,‬فحدثهم فقال‪ :‬وَل آمّي نَ‬
‫البَـيْتَ الـحَرَامَ قال‪ :‬الذين يريدون البـيت‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل العلـم فـيـما نسخ من هذه الَية بعد إجماعهم علـى أن منها منسوخا‪ ,‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬نسخ جميعها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8703‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ب ـيان‪ ,‬عن عام‪ ,‬قال‪ :‬ل ـم ين سخ من‬
‫شهْ َر الـحَرَامَ وَل ال َه ْديَ وَل القَل ِئدَ‪.‬‬
‫الـمائدة إل هذه الَية ل تُـحِلّوا شَعا ِئرَ اللّهِ وَل ال ّ‬
‫‪ 8704‬ـ حدثنا ابن وجيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪ ,‬عن الـحكم‪,‬‬
‫حيْ ثُ‬
‫ن َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُ ـحِلّوا شعَا ِئرَ اللّ ِه ن سختها‪ :‬ف ـا ْقتُلُوا ال ـ ُمشْ ِركِي َ‬
‫عن م ـجاهد‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ج ْدتُـمُو ُهمْ‪.‬‬
‫َو َ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن بـيان‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـحِلّوا‬
‫الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬لـم ينسخ من سورة الـمائدة غير هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫شَعا ِئرَ الّلهِ‪.‬‬
‫‪ 8705‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫حرَامَ‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬منسـوخ‪ .‬قال‪ :‬كان‬
‫ش ْهرَ الــ َ‬
‫ّهـ وَل ال ّ‬
‫فــي قوله‪ :‬ل تُــحِلّوا شَعا ِئرَ الل ِ‬
‫ال ـمشركون يومئذ ل ي صدّ عن الب ـيت‪ ,‬فأمروا أن ل يقاتلوا ف ـي الش هر ال ـحرم ول ع ند‬
‫ج ْدتُـمو ُهمْ‪.‬‬
‫حيْثُ َو َ‬
‫ش ِركِينَ َ‬
‫البـيت‪ ,‬فنسخها قوله‪ :‬فـا ْقتُلُوا الـمُ ْ‬
‫‪8706‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬ل تُـحِلّوا شَعا ِئرَ‬
‫حيْ ثُ‬
‫ن َ‬
‫ش ِركِي َ‬
‫حرَامَ قال‪ :‬نسختها براءة‪ :‬فـا ْقتُلُوا الـمُ ْ‬
‫ن البَـيْتَ الـ َ‬
‫اللّ هِ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وَل آمّي َ‬
‫ج ْدتُـمو ُهمْ‪.‬‬
‫َو َ‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن حبـيب بن أبـي ثابت‪ :‬ل‬
‫ش ْهرَ الـحَرَامَ وَل ال َهدْ يَ وَل القَلئِد قال‪ :‬هذا شيء نهي عنه‪ ,‬فترك‬
‫تُـحلّوا شَعا ِئرِ اللّ هِ ول ال ّ‬
‫كما هو‪.‬‬
‫‪ 8707‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ‬
‫ت ال ـحَرَامَ‬
‫شهْرَ ال ـحَرامَ وَل ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ وَل آمّي نَ البَ ـيْ َ‬
‫آ َمنُوا ل تُ ـحِلّوا شَعا ِئرَ وَل ال ّ‬
‫قال‪ :‬هذا كله منسوخ‪ ,‬نسخ هذا أمره بجهادهم كافة‪.‬‬
‫ش ْهرَ الـحَرَامَ وَل ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ وَل‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي نَسخَ من هذه الَية‪ ,‬قوله‪ :‬وَل ال ّ‬
‫ت الـحَرَامَ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن البَـيْ َ‬
‫آمّي َ‬
‫‪ 8708‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬قرأت عل ـى ا بن أب ـي‬
‫حرَامَ نسختها براءة‪,‬‬
‫ت الـ َ‬
‫ن البَـيْ َ‬
‫عروبة‪ ,‬فقال‪ :‬هكذا سمعته من قتادة نسخ من الـمائدة‪ :‬آمّي َ‬
‫أنـ َي ْع ُمرُوا‬
‫ش ِركِينَ ْ‬
‫ج ْدتُــمُو ُهمْ‪ ,‬وقال‪ :‬مـا كان للْــمُ ْ‬
‫ْثـ َو َ‬
‫حي ُ‬‫ش ِركِينَ َ‬
‫قال ال‪ :‬فــا ْقتُلُوا الــمُ ْ‬
‫ن نَــجَسٌ فَل يَ ْق َربُوا‬
‫ش ِركُو َ‬
‫جدَ اللّ هِ شا ِهدِينَـ عَل ـى أنْفُسِـِهمْ بــالكُ ْفرِ‪ ,‬وقال‪ :‬إنّــما ال ـمُ ْ‬
‫مَسـا ِ‬
‫حرَامَ َب ْعدَ عا ِمهِ ْم َهذَا وهو العام الذي حجّ فـيه أبو بكر‪ ,‬فنادى فـيه بـالذان‪.‬‬
‫جدَ الـ َ‬
‫سِ‬‫الـمَ ْ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحجاج بن ال ـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا همام بن يح يى‪ ,‬عن‬
‫ن البَـيْتَ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـحِلّوا شَعا ِئرَ الّل هِ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬فنسخ منها‪ :‬آمّي َ‬
‫قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫جدْتُ ـمُو ُهمْ‪ ,‬فذ كر ن ـحو حد يث‬
‫حيْ ثُ َو َ‬
‫ن َ‬
‫ال ـحَرَامَ ن سختها براءة‪ ,‬فقال‪ :‬ف ـا ْقتُلُوا ال ـ ُمشْ ِركِي َ‬
‫عبدة‪.‬‬
‫‪ 8709‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن ال ـمفضل‪ ,‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫حرَا َم ثم‬
‫ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬نزل ف ـي شأن ال ـحُطَم‪ :‬وَل ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ وَل آمّي نَ البَ ـيْتَ ال ـ َ‬
‫ث ثَقِـ ْفتُـمُو ُهمْ‪.‬‬
‫حيْ ُ‬
‫نسخه ال فقال‪ :‬ا ْقتُلو ُهمْ َ‬
‫‪8710‬ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن‬
‫ت جمي عا‪ ,‬فن هى ال‬
‫ن البَ ـيْ َ‬
‫ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ل تُ ـحِلّوا شَعائرَ الّل هِ‪ ...‬إل ـى قوله‪ :‬وَل آميّ َ‬
‫ج البـيت أو يعرضوا له من مؤمن أو كافر‪ ,‬ثم أنزل ال‬
‫الـمؤمنـين أن يـمنعوا أحدا أن يح ّ‬
‫حرَامَ َب ْعدَ عا ِمهِ مْ َهذَا‪ ,‬وقال‪ :‬ما‬
‫سجِ َد الـ َ‬
‫ن نَـجَسٌ فَل يَ ْق َربُوا الـ َم ْ‬
‫ش ِركُو َ‬
‫بعد هذا‪ :‬إنّـما الـمُ ْ‬
‫جدَ اللّه ِـ مَن ْـ آمَن َـ بــاللّهِ‬
‫شرِكِينَ أن ْـ َي ْعمُرُوا مَسـاجِدَ اللّهـِ‪ ,‬وقال‪ :‬إنّــما َي ْع ُمرُ مَسـا ِ‬
‫كان َـ للْــُم ْ‬
‫خرِ فنفـي الـمشركين من الـمسجد الـحرام‪.‬‬
‫لِ‬‫وَالـيَ ْومِ ا َ‬
‫‪ 8711‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫حرَامَ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬منسوخ‪ ,‬كان الرجل فـي‬
‫شهْرَ الـ َ‬
‫فـي قوله‪ :‬ل تُـحِلّوا شَعا ِئرَ اللّهِ وَل ال ّ‬
‫سمُر فلـم يعرض له أحد‪ ,‬وإذا رجع‬
‫الـجاهلـية إذا خرج من بـيته يريد الـحجّ‪ ,‬تقلد من ال ّ‬
‫صدّ عن البـيت‪ ,‬وأمروا أن‬
‫تقلد قلدة شعر فلـم يعرض له أحد‪ ,‬وكان الـمشرك يومئذ ل يُ َ‬
‫حيْ ثُ‬
‫ش ِركِينَ َ‬
‫ل يقاتلوا ف ـي الش هر ال ـحُرم ول ع ند الب ـيت‪ ,‬فن سخها قوله‪ :‬ف ـا ْقتُلُوا ال ـمُ ْ‬
‫ج ْدتُـمُو ُهمْ‪.‬‬
‫َو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬لـم ينسخ من ذلك شيء إل القلئد التـي كانت فـي الـجاهلـية يتقلدونها‬
‫من لـحاء الشجر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8712‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫حرَامَ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‬
‫شهْرَ ال ـ َ‬
‫نــجيح‪ ,‬عن م ـجاهد فــي قوله‪ :‬ل تُــحِلّوا شعَائِرَ اللّهِـ وَل ال ّ‬
‫أصحاب مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬هذا كله من عمل الـجاهلـية‪ ,‬فعله وإقامته‪ ,‬فحرّم ال‬
‫ن البَـيْتَ الـحَرَامَ فحرّم ال علـى‬
‫ذلك كله بـالسلم‪ ,‬إل لـحِاء القلئد‪ ,‬فترك ذلك‪ .‬وَل آمّي َ‬
‫كل أحد إخا َفتَهم‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ش ْهرَ‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصحة‪ ,‬قول من قال‪ :‬نسخ ال من هذه الَية قوله‪ :‬وَل ال ّ‬
‫حرَامَ لجماع الـجميع علـى أن ال قد‬
‫حرَامَ وَل ال َهدْ يَ وَل القَل ِئدَ وَل آميّ نَ البَـيْتَ الـ َ‬
‫الـ َ‬
‫أحلّ قتال أ هل الشرك ف ـي الش هر ال ـحُرم وغير ها من شهور ال سنة كل ها‪ ,‬وكذلك أجمعوا‬
‫عل ـى أن ال ـمشرك لو قلد عن قه أو ذراع يه ل ـحاء جم يع أشجار ال ـحرم ل ـم ي كن ذلك له‬
‫أما نا من الق تل إذا ل ـم ي كن تقدم له عَقْد ذ مة من ال ـمسلـمين أو أمان‪ .‬و قد ب ـينا ف ـيـما‬
‫مضى معنى القلئد فـي غير هذا الـموضع‪.‬‬
‫ت ال ـحَرَامَ فإ نه م ـحتـمل ظاهره‪ :‬ول تُ ـحِلّوا حر مة آم ين‬
‫ن البَــيْ َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَل أمّي َ‬
‫الب ـيت ال ـحرام من أ هل الشرك وال سلم‪ ,‬لعموم جم يع من أ مّ الب ـيت‪ .‬وإذا احت ـمل ذلك‪,‬‬
‫ْثـ‬
‫حي ُ‬‫شكـ أن قوله‪ :‬فــا ْقتُلُوا الــُمشْ ِركِينَ َ‬
‫ّ‬ ‫فكان أهـل الشرك داخــلـين فــي جملتهـم‪ ,‬فل‬
‫ج ْدتُ ـمُو ُهمْ نا سخ له‪ ,‬ل نه غ ير جائز اجت ـماع ال مر بقتل هم وترك قتل هم وترك قتل هم ف ـي‬
‫َو َ‬
‫حال واحدة ووقت واحد‪ .‬وفـي إجماع الـجميع علـى أن حكم ال فـي أهل الـحرب من‬
‫الـمشركين قتلهم‪ ,‬أمّوا البـيت الـحرام أو البـيت الـمقدس فـي أشهر الـحرم وغيرها‪,‬‬
‫ما يعلـم أن الـمنع من قتلهم إذا أمّوا البـيت الـحرام منسوخ‪ ,‬ومـحتـمل أيضا‪ :‬ول آمين‬
‫البــيت الــحرام مـن أهـل الشرك‪ ,‬وأكثـر أهـل التأويــل علــى ذلك‪ .‬وإن كان عُنِى بذلك‬
‫شكـ منسـوخ‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك وكان ل‬
‫ّ‬ ‫الــمشركون مـن أهـل الــحرب‪ ,‬فهـو أيضـا ل‬
‫اختلف فـي ذلك بـينهم ظاهر‪ ,‬وكان ما كان مستفـيضا فـيهم ظاهر الـحجة‪ ,‬فـالواجب‬
‫وإن احتـمل ذلك معنى غير الذي قالوا‪ ,‬التسلـيـم لـما استفـاض بصحته نقلهم‪.‬‬
‫ن َر ّبهِمْ َو ِرضْوَانا‪.‬‬
‫ن فَضْلً مِ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬ي ْب َتغُو َ‬
‫يعنــي بقوله‪َ :‬ي ْب َتغُونـَ‪ :‬يطلبون ويــلتـمسون‪ .‬والفضـل‪ :‬الربــاح فــي التــجارة‬
‫ل بغيرهم من المـم‬
‫ل بهم من العقوبة فـي الدنـيا ما أح ّ‬
‫والرضوان‪ :‬رضا ال عنهم‪ ,‬فل يح ّ‬
‫فـي عاجل دنـياهم بحجهم بـيته‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8713‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي‬
‫ِمـ َو ِرضْوَانـا قال‪ :‬هـم الــمشركون يــلتـمسون فضـل ال‬
‫ِنـ َر ّبه ْ‬
‫ُونـ فَضْلً م ْ‬
‫قوله‪َ :‬ي ْب َتغ َ‬
‫ورضوانه فـيـما يصلـح لهم دنـياهم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬قرأت عل ـى ا بن أب ـي عرو بة‪,‬‬
‫ن رَ ّبهِمْ َورِضْوَانا والفضل والرضوان‪:‬‬
‫فقال‪ :‬هكذا سمعته من قتادة فـي قوله‪َ :‬ي ْب َتغُونَ َفضْلً مِ ْ‬
‫اللذان يبتغون أن يصلـح معايشهم فـي الدنـيا‪ ,‬وأن ل يعجل لهم العقوبة فـيها‪.‬‬
‫‪ 8714‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن رَ ّب ِهمْ َورِضْوَانا يعنـي‪ :‬أنهم يترضون ال بحجهم‪.‬‬
‫عبـاس‪َ :‬ي ْب َتغُونَ َفضْلً مِ ْ‬
‫‪ 8715‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن أبـي جعفر الرازي‪ ,‬عن الربـيع بن‬
‫ن فَضْلً‬
‫أ نس‪ ,‬قال‪ :‬جل سنا إل ـى مطرف بن الشخ ير‪ ,‬وعنده ر جل‪ ,‬فحدث هم ف ـي قوله‪َ :‬ي ْب َتغُو َ‬
‫ن رَ ّب ِهمْ َورِضْوَانا قال‪ :‬التـجارة فـي الـحجّ‪ ,‬والرضوان فـي الـحجّ‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫‪ 8716‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫أبـي أميـمة‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن عمر فـي الرجل يحجّ‪ ,‬ويحمل معه متاعا‪ ,‬قال‪ :‬ل بأس به‪ .‬وتل‬
‫ن َر ّبهِمْ َورِضْوَانا‪.‬‬
‫هذه الَية‪َ :‬ي ْبتَغُونَ َفضْلً مِ ْ‬
‫‪8717‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن فَضْلً ِمنْ َر ّب ِهمْ َو ِرضْوَانا قال‪ :‬يبتغون الجر والتـجارة‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬ي ْب َتغُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَإذَا حَلَ ْلتُـمْ فـاصْطادُوا‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وإذَا حَلَ ْلتُــمْ فــاصْطادُوا الصـيد الذي نهيتكـم أن تُــحلوه وأنتــم‬
‫يعنــي بذلك ج ّ‬
‫حرُمُ‪ ,‬يقول‪ :‬فل حرج علـيكم فـي اصطياده واصطادوا إن شئتـم حينئذ‪ ,‬لن الـمعنى الذي‬
‫من أَجله كنت حرّمته علـيكم فـي حال إحرامكم قد زال‪.‬‬
‫وبـما قلنا فـي ذلك قال جميع أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8718‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫أنه قال‪ :‬هي رخصة‪ .‬يعنـي قوله‪ :‬وَإذَا حَلَ ْلتُـمْ فـاصْطادُوا‪.‬‬
‫‪ 8719‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن حجاج‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬خ مس ف ـي كتاب ال رخ صة‪ ,‬ول ـيست بعَزْ مة‪ ,‬فذ كر‪ :‬وَإذَا حَلَ ْلتُ ـمْ ف ـاصْطادُوا قال‪:‬‬
‫من شاء فعل‪ ,‬ومن شاء لـم يفعل‪.‬‬
‫‪8720‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد‪ ,‬عن حجاج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8721‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وَإذَا‬
‫حَلَ ْلتُـمْ فـاصْطادُوا قال‪ :‬إذا حلّ‪ ,‬فإن شاء صاد‪ ,‬وإن شاء لـم يصطد‪.‬‬
‫‪ 8722‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫أنـه كان ل يرى الكـل مـن َهدْى الــمتعة واجبــا‪ ,‬وكان يتأوّل هذه الَيـة‪ :‬وَإذَا حَلَ ْلتُــمْ‬
‫ضيَتِ الصّل ُة فـا ْنتَشرُوا فِـي الرْضِ‪.‬‬
‫فـاصْطادُوا‪ :‬فإذَا ُق ِ‬
‫جرِ َم ّن ُكمْ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَل َي ْ‬
‫جرِ َم ّن ُكمْ ول يحملنكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬وَل ي ْ‬
‫‪ 8723‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن قَ ْومٍ يقول‪ :‬ل يحملنكم شنآن قوم‪.‬‬
‫ج ِر َم ّنكُمْ شَنآ ُ‬
‫عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل ي ْ‬
‫شنَآ نُ‬
‫جرِ َم ّنكُ مْ َ‬
‫‪ 8724‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫قَوْم أي ل يحملنكم‪.‬‬
‫وأ ما أ هل ال ـمعرفة ب ـاللغة‪ ,‬فإن هم اختلفوا ف ـي تأوي ـلها‪ ,‬فقال ب عض الب صريـين‪ :‬مع نى‬
‫جرَ مَ أ نْ َلهُ مِ النّار‪ :‬هو ح قّ أن لهم النار‪ .‬وقال‬
‫ن لكم لن قوله‪ :‬ل َ‬
‫ج ِرمَ ّنكُ مْ‪ :‬ل يحق ّ‬
‫قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫بعض الكوفـيـين معناه‪ :‬ل يحملنكم‪ .‬وقال‪ :‬يقال‪ :‬جرمنى فلن علـى أن صنعت كذا وكذا‪:‬‬
‫ج جميعهم ببـيت الشاعر‪:‬‬
‫أي حملنـي علـيه‪ .‬واحتـ ّ‬
‫ت فَزَارَةَ بعدَها أنْ ي ْغضَبوا‬
‫جرَمَ ْ‬
‫ط ْعنَ ًة َ‬
‫عيَـيْنَ َة َ‬
‫ط َعنْتَ أبـا ُ‬
‫وَلَ َقدْ َ‬
‫فتأوّل ذلك كـل فريـق منهـم علــى الــمعنى الذي تأوّله مـن القرآن‪ ,‬فقال الذيـن قالوا‪ :‬ل‬
‫َيجْ ِر َم ّنكُمْ‪ :‬ل يحقن لكم معنى قول الشاعر‪ :‬جرمت فزارةَ‪ :‬أحقت الطعنة لفزارة الغضب‪ .‬وقال‬
‫الذين قالوا معناه‪ :‬ل يحملنكم‪ :‬معناه فـي البـيت‪« :‬جرمت فزارة أن يغضبوا»‪ :‬حملت فزارة‬
‫ج ِر َمنّكُ مْ‪ :‬ل يك سبنكم شنآن‬
‫عل ـى أن يغضبوا‪ .‬وقال آ خر من الكوف ـيـين‪ :‬مع نى قوله‪ :‬ل َي ْ‬
‫قوم‪ .‬وتأوي ـل قائل هذا القول قول الشا عر ف ـي الب ـيت‪« :‬جر مت فزارةُ»‪ :‬ك سبت فزارة أن‬
‫يغضبوا‪ .‬قال‪ :‬وسمعت العرب تقول‪ :‬فلن جريـمة أهله‪ ,‬بـمعنى‪ :‬كاسبهم‪ ,‬وخرج يجرمهم‪:‬‬
‫يكسبهم‪ .‬وهذه القوال التـي حكيناها عمن حكيناها عنه متقاربة الـمعنى وذلك أن من حمل‬
‫رجلً علـى بغض رجل فقد أكسبه بغضه‪ ,‬ومن أكسبه بغضه فقد أحقه له‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬ف ـالذي هو أح سن ف ـي الب ـانة عن مع نى ال ـحرف‪ ,‬ما قاله ا بن‬
‫شنَآنُـ قَوْم‪ :‬ول يحملنكـم شنآن قوم‬
‫ج ِر َم ّنكُم ْـ َ‬
‫عبــاس وقتادة‪ ,‬وذلك توجيهمـا معنـى قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫علـى العدوان‪.‬‬
‫ج ِرمَنّكُم بفت ـح ال ـياء‬
‫واختل فت القراء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قراء الم صار‪ :‬وَل َي ْ‬
‫جرِمُه‪ .‬وقرأ ذلك ب عض قراء الكوف ـيـين‪ ,‬و هو يح يى ب ـين وثاب والع مش‪,‬‬
‫من‪ :‬جرم ته أ ْ‬
‫ما‪:‬‬
‫‪8725‬ــ حدثنـا ابـن حميـد وابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ,‬عـن العمـش‪ ,‬أنـه قرأ‪« :‬وَل‬
‫ُيجْ ِر َم ّن ُكمْ» مرتفعة الـياء من أجرمته أجرمه وهو ُيجْرمنـي‪.‬‬
‫والذي هـو أولــى بــالصواب مـن القراءتــين‪ ,‬قراءة مـن قرأ ذلك‪ :‬وَل َيجْ ِر َم ّنكُم ْـ بفتــح‬
‫الــياء‪ ,‬لسـتفـاضة القراءة بذلك فــي قرّاء المصـار وشذوذ مـا خالفهـا‪ ,‬وأنهـا اللغـة‬
‫ال ـمعروفة ال سائرة ف ـي العرب‪ ,‬وإن كان م سموعا من بعض ها‪ :‬أجرم ُيجْرم‪ ,‬عل ـى شذوذه‪,‬‬
‫ج َرمْ تُ‪ ,‬قول‬
‫وقراءة القرآن بأف صح اللغات أول ـى وأح قّ من ها بغ ير ذلك و من ل غة من قال‪َ :‬‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫س‬
‫ن َقتْلٍ وَإبآ ُ‬
‫عكْلً وَما ج َر َمتْإلـى القبـائلِ م ْ‬
‫شتَكي ُ‬
‫يا أيّها الـمُ ْ‬
‫شنَآنُ قَ ْومٍ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬‬
‫ن بتـحريك الشين والنون إلـى الفتـح‪,‬‬
‫شنَآ ُ‬
‫اختلفت القراء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه بعضهم‪َ :‬‬
‫بــمعنى‪ :‬بغـض قوم توجيهـا منهـم ذلك إلــى الــمصدر الذي يأتــي علــى َفعَلن نظيـر‬
‫شنْآ نُ قَوْ مٍ بت سكين النون وفت ـح‬
‫طيَران‪ ,‬والنّ سَلن‪ ,‬والعَ سَلن‪ ,‬وال ّرمَلن‪ .‬وقرأ ذلك آخرون‪َ :‬‬
‫ال ّ‬
‫الشين‪ ,‬بـمعنى السم توجيها منهم معناه إلـى‪ :‬ل يحملنكم بغض قوم‪ ,‬فـيخرج شنآن علـى‬
‫ل منه علـى َفعِلَ‪ ,‬كما يقال‪ :‬سكران من سكر‪ ,‬وعطشان من عطش‪ ,‬وما‬
‫تقدير فعلن‪ ,‬لن فَعَ َ‬
‫أشبه ذلك من السماء‪.‬‬
‫شنَآن بفتــح النون‬
‫والذي هـو أولــى القراءتــين فــي ذلك بــالصواب‪ ,‬قراءة مـن قرأ‪َ :‬‬
‫م ـحرّكة‪ ,‬لشائع تأوي ـل أ هل التأوي ـل عل ـى أن معناه‪ :‬ب غض قوم‪ ,‬وتوجيه هم ذلك إل ـى‬
‫مع نى ال ـمصدر دون مع نى ال سم‪ .‬وإذ كان ذلك موج ها إل ـى مع نى ال ـمصدر‪ ,‬ف ـالفصيح‬
‫من كلم العرب ف ـيـما جاء من ال ـمصادر عل ـى الفعلن بفت ـح الف ـاء ت ـحريك ثان ـيه‬
‫دون ت سكينه‪ ,‬ك ما و صفت من قول هم‪ :‬ال ّدرَجان‪ ,‬وال ّرمَلن من َدرَ جَ َورَمَل‪ ,‬فكذلك الشنآن من‬
‫شنَان عل ـى تقد ير َفعَال‪ ,‬ول أعل ـم قارئا قرأ ذلك‬
‫شنَآ نا‪ .‬و من العرب من يقول‪َ :‬‬
‫شنِئة أشنؤه َ‬
‫َ‬
‫كذلك‪ ,‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ن لمَ فـي ِه ذُو الشنّانِ َو َف ّندَا‬
‫ش َتهَىوَإ ْ‬
‫ل ما يَـَلذّ و ُي ْ‬
‫ومَا ال َعيْشُ إ ّ‬
‫وهذا ف ـي ل غة من ترك اله مز من الشنآن‪ ,‬ف صار عل ـى تقد ير َفعَال و هو ف ـي ال صل‬
‫َفعَلن‪.‬‬
‫ن قَ ْومٍ‪ :‬بغض قوم‪.‬‬
‫شنَآ ُ‬
‫ذكر من قال من أهل التأويـل‪َ :‬‬
‫‪ 8726‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫ن قَ ْومٍ‪ :‬ل يحملنكم بُغض قوم‪.‬‬
‫شنَآ ُ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َيجْ ِر َم ّن ُكمْ َ‬
‫وحدثن ـي به ال ـمثنى مرّة أخرى بإ سناده‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬فقال‪ :‬ل يحملن كم عداوة قوم‬
‫أن تعتدوا‪.‬‬
‫ن قَوْمٍ‪ :‬ل‬
‫شنَآ ُ‬
‫ج ِر َمنّكُمْ َ‬
‫‪8727‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَل َي ْ‬
‫يجرمنكم بغض قوم‪.‬‬
‫ج ِر َم ّنكُ مْ‬
‫‪ 8728‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫شنَآنُ قَ ْومٍ قال‪ :‬بغضاؤهم أن تعتدوا‪.‬‬
‫َ‬
‫ن َت ْع َتدُوا‪.‬‬
‫حرَامِ أ ْ‬
‫سجِدِ الـ َ‬
‫صدّو ُكمْ عنْ الـ َم ْ‬
‫ن َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أ ْ‬
‫اختل فت القراء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه ب عض أ هل ال ـمدينة وعا مة قرّاء الكوف ـيـين‪ :‬أَ نْ‬
‫صَدّو ُك ْم بفتـح اللف من «أَن» بـمعنى‪ :‬ل يجرمنكم بغض قوم بصدّهم إياكم عن الـمسجد‬
‫شنَآ نُ قَوْ مٍ‬
‫جرِ َم ّنكُ مْ َ‬
‫ال ـحرام أن تعتدوا‪ .‬وكان ب عض قرّاء ال ـحجاز والب صرة يقرأ ذلك‪ :‬وَل َي ْ‬
‫إ نْ صَدّو ُك ْم بك سر اللف من «إن» ب ـمعنى‪ :‬ول يجرمن كم شنآن قوم إن هم أحدثوا ل كم صدّا‬
‫ص ّد ُكمْ فقراءة‬
‫عن ال ـمسجد ال ـحرام‪ ,‬أن تعتدوا‪ .‬فزعموا أن ها ف ـي قراءة ا بن م سعود‪ :‬إ نْ يَ ُ‬
‫ذلك كذلك اعتبـارا بقراءته‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي‪ ,‬أنهمـا قراءتان معروفتان مشهورتان فــي قراءة‬
‫ل واحدة منه ما‪ .‬وذلك أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم صدّ عن‬
‫الم صار‪ ,‬صحيح مع نى ك ّ‬
‫البـيت هو وأصحابه يوم الـحديبـية‪ ,‬وأنزلت علـيه سورة الـمائدة بعد ذلك‪ .‬فمن قرأ‪ :‬أ نْ‬
‫صَدّو ُك ْم بفتـح اللف من «أن» فمعناه‪ :‬ل يحملنكم بغض قوم أنها الناس من أجل أن صدوكم‬
‫صدّو ُكمْ بك سر‬
‫يوم ال ـحديبـية عن ال ـمسجد ال ـحرام‪ ,‬أن تعتدوا عل ـيهم‪ .‬و من قرأ‪ :‬إ نْ َ‬
‫اللف‪ ,‬فمعناه‪ :‬ل يجرمن كم شنآن قوم إن صَدوكم عن ال ـمسجد ال ـحرام إذا أردت ـم دخوله‪,‬‬
‫لن الذ ين حاربوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه من قر يش يوم فت ـح م كة قد‬
‫صدّهم عن الـمسجد الـحرام قبل أن يكون ذلك من الصّادّين‪ .‬غير أن المر وإن كان‬
‫حاولوا َ‬
‫ك ما و صفت‪ ,‬فإن قراءة ذلك بفت ـح اللف أب ـين مع نى‪ ,‬لن هذه ال سورة ل َتدَافُع ب ـين أ هل‬
‫العل ـم ف ـي أن ها نزلت ب عد يوم ال ـحُ َد ْيبِـيَة‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬ف ـالصدّ قد كان تقدّم من‬
‫الـمشركين‪ ,‬فنهى ال الـمؤمنـين عن العتداء علـى الصادين من أجل صدّهم إياهم عن‬
‫ن َت ْعتَدُوا فإنه يعنـي‪ :‬أن تـجاوزا الـح ّد الذي حدّه ال لكم‬
‫الـمسجد الـحرام‪ ,‬وأما قوله‪ :‬أ ْ‬
‫فـي أمرهم‪ .‬فتأويـل الَية إذن‪ :‬ول يحملنكم بُغض قوم لن صدوكم عن الـمسجد الـحرام‬
‫أيها الـمؤمنون أن تعتدوا حكم ال فـيهم فتـجاوزوه إلـى ما نهاكم عنه‪ ,‬ولكن الزموا طاعة‬
‫ال فـيـما أحببتـم وكرهتـم‪ .‬و ُذكِر أنها نزلت فـي النهي عن الطلب بذحول الـجاهلـية‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8729‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫أنـ َت ْعتَدُوا رجـل مؤمـن مـن حلفــاء مــحمد‪ ,‬قَتَل‬
‫نــجيح‪ ,‬عـن مــجاهد فــي قول ال‪ْ :‬‬
‫حلـيفـا لبـي سفـيان من ُهذَيب يوم الفتـح بعرفة‪ ,‬لنه كان يقتل حلفـاء مـحمد‪ ,‬فقال‬
‫ن َقتَل ِب َذحْلِ الـجاهِلِـيّةِ»‪.‬‬
‫ن الُ مَ ْ‬
‫مـحمد صلى ال عليه وسلم‪َ« :‬لعَ َ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪ .‬وقال آخرون‪ :‬هذا منسوخ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ج ِر َم ّنكُ مْ‬
‫‪ 8730‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫َنـ‬
‫صـدّو ُكمْ ع ِ‬
‫أنـ َ‬
‫أنـ َت ْع َتدُوا قال‪َ :‬بغْضاؤهـم‪ ,‬حتــى تأتوا مـا ل يحلّ لكـم‪ .‬وقرأ ْ‬
‫ْمـ ْ‬
‫َآنـ قَو ٍ‬
‫شن ُ‬ ‫َ‬
‫حرَامِ أنْ َت ْع َتدُوا وتعاونوا‪ ,‬قال‪ :‬هذا كله قد نسخ‪ ,‬نسخه الـجهاد‪.‬‬
‫جدِ الـ َ‬
‫سِ‬‫الـمَ ْ‬
‫وأول ـى القول ـيبن ف ـي ذلك ب ـالصواب قول م ـجاهد‪ :‬إ نه غ ير من سوخ لحت ـماله أن‬
‫تعتدوا الـحقّ فـيـما أمرتكم به‪ .‬وإذا احتـمل ذلك‪ ,‬لـم يجزأن يقال‪ :‬هو منسوخ‪ ,‬إلّ بحجة‬
‫يجب التسلـيـم لها‪.‬‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ :‬وتَعا َونُوا علــى ال ِبرّ وَالتّ ْقوَى وَل تَعا َونُوا علــى الثْمِـ‬
‫وَال ُعدْوَانِ‪.‬‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪َ :‬وتَعا َونُووا علــى ال ِبرّ وَالتّقْوَى ولــيعن بعضكـم أيهـا الــمؤمنون‬
‫بعضـا علــى البرّ‪ ,‬وهـو العمـل بــما أمـر ال بــالعمل بـه والتّقْوَى‪ :‬هـو اتقاء مـا أمـر ال‬
‫ب ـاتقائه واجتنا به من معا صيه‪ .‬وقوله‪ :‬وَل تَعا َونُوا عل ـى الثْ مِ وَال ُعدْوَان يعن ـي‪ :‬ول يُعِن‬
‫بعض كم بع ضا عل ـى ال ثم‪ ,‬يعن ـي‪ :‬عل ـى ترك ما أمر كم ال بفعله‪ .‬وال ُعدْوَا نِ يقول‪ :‬ول‬
‫عل ـى أن تت ـجاوزا ما ح ّد ال ل كم ف ـي دين كم‪ ,‬وفرض ل كم ف ـي أنف سكم وف ـي غير كم‪.‬‬
‫وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬ول يجرمن كم شنآن قوم أن صدوكم عن ال ـمسجد ال ـحرام أن تعتدوا‪,‬‬
‫ولكن لـيعن بعضكم بعضا بـالمر بـالنتهاء إلـى ما حدّه ال لكم فـي القوم الذين صدّوكم‬
‫عن الـمسجد الـحرام وفـي غيرهم‪ ,‬والنتهاء عما نهاكم ال أن تأتوا فـيهم وفـي غيرهم‬
‫وفـي سائر ما نهاكم عنه‪ ,‬ول يعن بعضكم بعضا علـى خلف ذلك‪ .‬وبـما قلنا فـي البرّ‬
‫والتقوى قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8731‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬و َتعَا َونُوا علـى ال ِبرّ والتّقْوَى البرّ‪ :‬ما أُمرتَ به‪ ,‬والتقوى‪ :‬ما نُهيتَ عنه‪.‬‬
‫‪ 8732‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع‪ ,‬عن أبـي العالـية فـي قوله‪ :‬و َتعَا َونُوا علـى ال ِبرّ والتّقْوَى قال‪ :‬البرّ‪:‬‬
‫ما أُمرت به‪ ,‬والتقوى‪ :‬ما نُهيتَ عنه‪.‬‬
‫شدِيدُ العِقابِ‪.‬‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَاتّقُوا اللّهَ إ ّ‬
‫وهذا وعيـد مـن ال جلّ ثناؤه وتهديـد لــمن اعتدى حدّه وتــجاوز أمره‪ .‬يقول ع ّز ذكره‪:‬‬
‫وَاتّقُوا الّل هَ يعن ـي‪ :‬واحذروا ال أي ها ال ـمؤمنون أن تلقوه ف ـي معاد كم و قد اعتديت ـم حدّه‬
‫ف ـيـما حدّ ل كم وخالفت ـم أمره ف ـيـما أمر كم به أن نه يه ف ـيـما نها كم ع نه‪ ,‬فت ستوجبوا‬
‫عقابه وتستـحقوا ألـيـم عذابه ثم وصف عقابه بـالشدة‪ ,‬فقال ع ّز ذكره‪ :‬إن ال شديد عقابه‬
‫ل ـمن عاق به من خ ـلقه‪ ,‬لن ها نار ل ُيطْ فأ حرّ ها‪ ,‬ول َيخْمُد جمر ها‪ ,‬ول ي سكن لهب ها‪ .‬نعوذ‬
‫بـال منها ومن عمل يقرّبنا منها‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ‬
‫{حُ ّرمَ تْ عََل ْيكُ مُ ا ْل َم ْيتَةُ وَا ْلدّ مُ وََلحْ ُم ا ْل ِ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سبُعُ ِإلّ مَا َذ ّك ْيتُمْ َومَا ُذبِحَ عَلَى‬
‫خنِقَةُ وَا ْل َم ْوقُوذَةُ وَا ْل ُم َترَ ّديَةُ وَال ّنطِيحَةُ َومَآ َأكَلَ ال ّ‬
‫ِل َغيْ ِر اللّهِ بِهِ وَا ْل ُم ْن َ‬
‫خشَوْهُ مْ‬
‫س اّلذِي نَ كَ َفرُو ْا مِن دِي ِنكُ مْ فَلَ َت ْ‬
‫سقٌ ا ْليَوْ مَ َيئِ َ‬
‫سمُواْ بِال ْزلَ مِ ذَِلكُ مْ فِ ْ‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫النّ صُبِ وََأ نْ تَ ْ‬
‫طرّ‬
‫ن اضْ ُ‬
‫لمَ دِينا َفمَ ِ‬
‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وََأ ْت َممْ تُ عََل ْيكُ مْ ِن ْع َمتِي َو َرضِي تُ َلكُ مُ الِ سْ َ‬
‫ن ا ْليَوْ مَ َأ ْكمَلْ ُ‬
‫خشَ ْو ِ‬
‫وَا ْ‬
‫ن اللّهَ غَفُورٌ ّرحِيمٌ }‪..‬‬
‫ل ْثمٍ َفإِ ّ‬
‫غ ْيرَ ُم َتجَانِفٍ ِ‬
‫خ َمصَةٍ َ‬
‫فِي َم ْ‬
‫ل مـا له‬
‫يعنــي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬حرّم ال علــيكم أيهـا الــمؤمنون الــميتة‪ ,‬والــميتة‪ :‬ك ّ‬
‫نَفْس سـائلة مـن دوابّـ البرّ وطيره‪ ,‬مــما أبــاح ال أكلهـا‪ ,‬وأهلــيها ووحشيّهـا‪ ,‬فــارقتها‬
‫ب البرّ‬
‫روح ها بغ ير تذك ية‪ .‬و قد قال بعض هم‪ :‬ال ـميتة‪ :‬هو كلّ ما ف ـارقته ال ـحياة من دوا ّ‬
‫ل ال أكله‪ .‬وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بـما قلنا فـي‬
‫وطيره بغير تذكية مـما أح ّ‬
‫ذلك ف ـي كتاب نا‪ :‬كتاب «لط يف القول ف ـي الحكام»‪ .‬وأ ما الدم‪ ,‬فإن الدم ال ـمسفوح دون ما‬
‫حرّما علـى‬
‫جدُ فـيـما أُوحِيَ إلـيّ مُـ َ‬
‫كان منه غير مسفوح‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه قال‪ :‬قُلْ ل أ ِ‬
‫خنْزِيرٍ‪ :‬فأما ما كان قد صار فـي‬
‫ن َم ْيتَةً أوْ دَما مَ سْفُوحا أ ْو لَـحْ َم ِ‬
‫طعَمُ ُه إلّ أ نْ َيكُو َ‬
‫طاعِ مٍ َي ْ‬
‫معنـى اللــحم كالكبـد والطّحال‪ ,‬ومـا كان فــي اللــحم غيـر منسـفح‪ ,‬فإن ذلك غيـر حرام‪,‬‬
‫لجماع الـجميع علـى ذلك‪.‬‬
‫خنْزِيرِ فإنه يعنـي‪ :‬وحرّم علـيكم لـحم الـخنزير‪ ,‬أهلـيه وبرّيه‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬ولَـحْمُ الـ ِ‬
‫ف ـالـميتة والدم مخرجه ما ف ـي الظا هر مخرج عموم‪ ,‬وال ـمراد منه ما ال ـخصوص وأ ما‬
‫ل ـحم ال ـخنزير‪ ,‬فإن ظاهره كب ـاطنه وب ـاطنه كظاهره‪ ,‬حرام جمي عه ل ـم يخ صص م نه‬
‫شيء‪.‬‬
‫وأ ما قوله ومَا أ ِهلّ ِل َغ ْيرِ اللّ ِه بِ ِه فإ نه يعن ـي‪ :‬و ما ذ كر عل ـيه غ ير ا سم ال‪ .‬وأ صله من‬
‫استهلل الصبـيّ وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه‪ ,‬ومنه إهلل الـمـحرّم بـالـحجّ‬
‫إذا َلبّى به‪ ,‬ومنه قول ابن أحمر‪:‬‬
‫ل بـال َف ْر َقدِ ُركْبـانُهاكمَا ُيهِلّ الرّاكِبُ الـ ُم ْعتَـمِرْ‬
‫يُه ّ‬
‫ل لغيرِ الّل ِه بِ هِ‪ :‬وما ذُبح للَلهة وللوثان يسمّى علـيه غير اسم‬
‫وإنـما عنى بقوله‪ :‬وَما أُهِ ّ‬
‫ال‪ .‬وب ـالذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل التأوي ـل‪ ,‬و قد ذكر نا الروا ية ع من قال ذلك ف ـيـما‬
‫مضى فكرهنا إعادته‪.‬‬
‫خنِقَةُ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَالـ ُمنْـ َ‬
‫خنِقَةُ‪.‬‬
‫اختل فت أ هل التأوي ـل ف ـي صفة الن ـخناق الذي عَنَى ال جلّ ثناؤه بقوله وَال ـ ُمنْـ َ‬
‫فقال بعضهم بـما‪:‬‬
‫‪ 8733‬ـ حدثنا مـحمد بن الـجسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫خنِقَ ُة قال‪ :‬الت ـي تُدخِ ـل رأ سَها ب ـين شعبت ـين من شجرة‪ ,‬فت ـختنق‬
‫عن ال سديّ‪ :‬وَال ـمُنْـ َ‬
‫فتـموت‪.‬‬
‫‪ 8734‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو خالد الح مر‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬ف ـي‬
‫الـمنـخنقة‪ ,‬قال‪ :‬التـي تـختنق فتـموت‪.‬‬
‫‪8735‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي‬
‫خنَاقها‪.‬‬
‫خنِقَ ُة التـي تـموت فـي ِ‬
‫قوله‪ :‬وَالـمُنْـ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي التـي تُ ْوثَق فـيقتلها بـالـخناق وثاقها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8736‬ــ حُد ثت عن ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬سمعا أب ـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫خنِقَ ُة قال‪ :‬الشاة توثق‪ ,‬فـيقتلها خناقها‪ ,‬فهي حرام‪.‬‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬وَالـ ُمنْـ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هي البهيـمة من النّع مَ‪ ,‬كان الـمشركون يخنقونها حتـى تـموت‪ ,‬فحرّم‬
‫ال أكلها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8737‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫خنِ َقةُ‪ :‬التـي تُـخنق فتـموت‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ :‬وَالـ ُمنْـ َ‬
‫‪ 8738‬ـ حدث نا ب شر قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَال ـ ُمنْـخَنِ َقةُ‪ :‬كان أ هل‬
‫الـجاهلـية يخنقون الشاة‪ ,‬حتـى إذا ماتت أكلوها‪.‬‬
‫وأولـى هذه القوال بـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬هي التـي تـختنق‪ ,‬إما فـي وِثاقها‪ ,‬وإما‬
‫بإدخال رأسـها فــي الــموضع الذي ل تقدر علــى التــخـلص منـه فتــختنق حتــى‬
‫تـموت‪.‬‬
‫وإن ـما قل نا ذلك أول ـى ب ـالصواب ف ـي تأوي ـل ذلك من غيره‪ ,‬لن ال ـمنـخنقة‪ :‬هي‬
‫الــموصوفة بــالنـخناق دون خنـق عيرهـا لهـا‪ ,‬ولو كان معنــيا بذلك أنهـا مفعول بهـا‬
‫لقـيـل‪ :‬والـمخنوقة‪ ,‬حتـى يكون معنى الكلم ما قالوا‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَالـمَ ْوقُو َذةُ‪:‬‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله وَالـمَ ْوقُوذَةُ‪ :‬والـميتة وقـيذا‪ ,‬يقال منه‪َ :‬و َقذَه يَ ِق ُذ هِ َوقْذا‪ :‬إذا ضربه‬
‫حتـى أشرف علـى الهلك‪ ,‬ومنه قول الفرزدق‪:‬‬
‫شغّارَةً ت ِق ُذ ال َفصِيـ َل برِجْلهافَطّارَةً لِ َقوَا ِدمِ البْكارِ‬
‫َ‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8739‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ :‬وَالـمَ ْوقُوذَ ُة قال‪ :‬الـموقوذة التـي تضرب بـالـخشب حتـى يقذها فتـموت‪.‬‬
‫‪ 8740‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَال ـمَ ْوقُو َذةُ كان أ هل‬
‫الـجاهلـية يضربونها بـالعصا‪ ,‬حتـى إذا ماتت أكلوها‪.‬‬
‫حدثنـا مــحمد بـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شعبـة‪ ,‬عـن قتادة فــي قوله‪:‬‬
‫وَالـمَ ْوقُوذَ ُة قال‪ :‬كانوا يضربونها حتـى يقذوها‪ ,‬ثم يأكلوها‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‪:‬‬
‫وَالـمَ ْوقُوذَ ُة التـي توقذَ فتـموت‪.‬‬
‫‪ 8741‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو خالد الحمـر‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الـمَ ْوقُوذَةُ‪ :‬التـي تضرب حتـى تـموت‪.‬‬
‫‪ 8742‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬وَالـمَ ْوقُوذَ ُة قال‪ :‬هي التـي تضرب فتـموت‪.‬‬
‫‪ 8743‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن‬
‫سـلـمان‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فــي قوله‪ :‬وَالــمَ ْوقُو َذةُ‪ :‬كانـت الشاة أو غيرهـا مـن‬
‫النعام تضرب بـالـخشب لَلهتهم حتـى يقتلوها فـيأكلوها‪.‬‬
‫حدثنا العبـاس بن الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عقبة بن علقمة‪ ,‬ثنـي إبراهيـم بن أبـي عبلة‪,‬‬
‫ل فـي‬
‫قال‪ :‬ثنء نعيـم بن سلمة‪ ,‬عن أبـي عبد ال الصنابحي‪ ,‬قال‪ :‬لـيست الـموقوذة إ ّ‬
‫مالك‪ ,‬ولـيس فـي الصيد وقـيذ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬والـ ُم َت َردّيَةُ‪.‬‬
‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬وحرّمت علـيكم الـميتة تردّيا من جبل‪ ,‬أو فـي بئر‪ ,‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫وتردّيها‪ :‬رميُها بنفسها من مكان عالٍ مشرف إلـى سفله‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8744‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬عن علـيّ‬
‫بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬والـ ُمتَ َر ّديَةُ قال‪ :‬التـي تتردّى من الـجبل‪.‬‬
‫‪ 8745‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬والـ ُم َترَ ّديَةُ‪ :‬كانت تتردّى‬
‫فـي البئر فتـموت فـيأكلونها‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وال ـ ُمتَ َر ّديَةُ قال‪ :‬الت ـي‬
‫تردّت فِـي البئر‪.‬‬
‫‪ 8746‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عـن السـديّ فــي قوله‪ :‬والــ ُم َترَ ّديَ ُة قال‪ :‬هـي التــي َت َردّى مـن الــجبل أو فــي البئر‪,‬‬
‫فتـموت‪.‬‬
‫‪8747‬ــ حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو خالد الحمـر‪ ,‬عـن جويـبر‪ ,‬عـن الضحاك‪:‬‬
‫والـ ُم َترَ ّديَةُ‪ :‬التـي َت َردّى من الـجبل فتـموت‪.‬‬
‫‪ 8748‬ـ حُد ثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬والـ ُم َت َردّيَ ُة قال‪ :‬التـي تـخرّ فـي ركيّ أو من رأس جبل‬
‫فتـموت‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَال ّنطِيحَةُ‪.‬‬
‫يعن ـي بقوله ال ّنطِيحَةُ‪ :‬الشاة الت ـي تنطح ها أخرى فت ـموت من النطاح بغ ير تذك ية‪ ,‬فحرم‬
‫ل ثناؤه ذلك علــى الــمؤمنـين إن لــم يدركوا ذكاتـه قبـل موتـه‪ .‬وأصـل النطيحـة‪:‬‬
‫ال ج ّ‬
‫الـمنطوحة‪ ,‬صرفت من مفعولة إلـى فعيـلة‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف أثبتت الهاء هاء التأنـيث فـيها‪ ,‬وأنت تعلـم أن العرب ل تكاد تثبت‬
‫الهاء فــي نظائرهـا إذا صـرفوها صـرف النطيحـة مـن مفعول إلــى فعيــل‪ ,‬إنــما تقول‪:‬‬
‫ل ـحية ده ين‪ ,‬وع ين كحي ـل‪ ,‬وك فّ خض يب‪ ,‬ول يقولون ك فّ خضي بة ول ع ين كحي ـلة؟‬
‫ق ـيـل‪ :‬قد اختل فت أ هل العرب ـية ف ـي ذلك‪ ,‬فقال ب عض ن ـحويـي الب صرة‪ :‬أثب تت ف ـيها‬
‫الهاء‪ ,‬أعنـي فـي النطيحة‪ ,‬لنها جعلت كالسم مثل الطويـلة والطريقة فكأن قائل هذا القول‬
‫وجه النطيحة إلـى معنى الناطحة‪ .‬فتأويـل الكلم علـى مذهبه‪ :‬وحرمت علـيكم الـميتة‬
‫نطاحـا‪ ,‬كأنـه عنـى‪ :‬وحرّمـت علــيكم الناطحـة التــي تــموت مـن نطاحهـا‪ .‬وقال بعـض‬
‫نـحويـي الكوفة‪ :‬إنـما تـحذف العرب الهاء من الفعيـلة الـمصروفة عن الـمفعول إذا‬
‫جعلتها صفة لسم‪ ,‬قد تقدّمها‪ ,‬فتقول‪ :‬رأينا كفـا خضيبـا وعينا كحيلً‪ .‬فأما إذا حذفت الك فّ‬
‫والعين والسم الذي يكون فعيـل نعتا لها واجتزءوا بفعيـل منها‪ ,‬أثبتوا فـيه هاء التأنـيث‪,‬‬
‫ل ـيعلـم بثبوت ها ف ـيه أن ها صفة لل ـمؤنث دون ال ـمذكر‪ ,‬فتقول‪ :‬رأي نا كحي ـلة وخضي بة‬
‫وأكيـلة السبع‪ ,‬قالوا‪ :‬ولذلك أدخـلت الهاء فـي النطيحة‪ ,‬لنها صفة الـمؤنث‪ ,‬ولو أسقطت‬
‫منهـا لــم ُيدْر أهـي صـفة مؤنـث أو مذكـر‪ .‬وهذا القول هـو أولــى القولــين فــي ذلك‬
‫ب ـالصواب الشائع من أقوال أ هل التأوي ـل‪ ,‬بأن مع نى النطي حة‪ :‬ال ـمنطوحة‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8749‬ـ حدثن ـي الـمثنى‪ ,‬قال حدث نا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن اب ـي‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَالنّطيحَة قال‪ :‬الشاة َتنْطح الشاة‪.‬‬
‫‪8750‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزّبـيري‪ ,‬عن قـيس‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫أبـي ميسرة‪ ,‬قال‪ :‬كان يقرأ‪« :‬والـمنطوحة»‪.‬‬
‫‪ 8751‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬وَال ّنطِيحَةُ‪:‬‬
‫الشاتان تنتطحان فتـموتان‪.‬‬
‫‪ 8752‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ :‬وَال ّنطِيحَة‪ :‬هي التـي تنطحها الغنـم والبقر فتـموت‪ .‬يقول‪ :‬هذا حرام‪ ,‬لن ناسا‬
‫من العرب كانوا يأكلونه‪.‬‬
‫‪ 8753‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وال ّنطِيحَةُ كان الكبشان‬
‫ينتطحان‪ ,‬فـيـموت أحدهما‪ ,‬فـيأكلونه‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وال ّنطِيحَة الكبشان ينتطحان‬
‫فـيقتل أحدهما الَخر‪ ,‬فـيأكلونه‪.‬‬
‫حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ,,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬وال ّنطِيحَ ُة قال‪ :‬الشاة تنطح الشاة فتـموت‪.‬‬
‫سبُعُ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَما أكَلَ ال ّ‬
‫سبُعُ‪ :‬وحرّم عل ـيكم ما أ كل ال سبع غ ير ال ـمعلّـم من‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬وَ ما أكَلَ ال ّ‬
‫الصوائد‪ .‬وكذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8754‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫سبُعُ يقول‪ :‬ما أخذ السبع‪.‬‬
‫ل ال ّ‬
‫عن ابن عبـاس‪ :‬وَما أكَ َ‬
‫‪ 8755‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬وَما أكَلَ‬
‫سبُعُ يقول‪ :‬ما أخذ السبع‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫سبُعُ قال‪ :‬كان‬
‫ل ال ّ‬
‫‪ 8756‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَما أكَ َ‬
‫أهل الـجاهلـية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه‪ ,‬أكلوا ما بقـي‪.‬‬
‫‪8757‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبـيري‪ ,‬عن قـيس‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪,‬‬
‫سبُعِ‪.‬‬
‫عن أبـي الربـيع‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه قرأ‪ :‬وأكيـلُ ال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إلّ ما َذكّ ْيتُـمْ‪.‬‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬إلّ ما َذكّ ْيتُـمْ‪ :‬إلّ ما طهرتـموه بـالذبح الذي جعله ال طهورا‪.‬‬
‫ل ما َذ ّك ْيتُـمْ فقال بعضهم‪ :‬استثنى من‬
‫ثم اختلفت أهل التأويـل فـيـما استثنى ال بقوله‪ :‬إ ّ‬
‫خنِقَةُ وَال ـمَوقُوذَةُ‬
‫ل ل َغ ْيرِ اللّ هِ ِب هِ وال ـمُنْـ َ‬
‫جم يع ما سمى ال ت ـحريـمه‪ ,‬من قوله وَ ما أُهِ ّ‬
‫سبُعُ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل ال ّ‬
‫والـ ُم َترَ ّديَةُ وال ّنطِيحَةُ وَما أكَ َ‬
‫‪ 8758‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل ما َذ ّك ْيتُ ـمْ يقول‪ :‬ما أدر كت ذكا ته من هذا كله‪ ,‬يت ـحرّك له ذ نب أو تطرف له‬
‫عب ـاس‪ :‬إ ّ‬
‫عين‪ ,‬فـاذبح واذكر اسم ال علـيه فهو حلل‪.‬‬
‫ح ّرمَتْ عَلَـ ْي ُكمُ‬
‫‪8759‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الـحسن‪ُ :‬‬
‫خنِقَةُ وَالـمَوقُو َذةُ والـ ُم َترَ ّديَةُ‬
‫ل لغيرِ الّل ِه بِ هِ والـ ُمنْـ َ‬
‫خنْزِيرِ وَما أُه ّ‬
‫حمُ الـ ِ‬
‫الـ َم ْيتَةُ والدّ مُ ولَـ ْ‬
‫ل ما َذ ّك ْيتُـمْ قال الـحسن‪ :‬أ يّ هذا أدركت ذكاته فذكه وكُلْ‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫سبُعُ إ ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫والنّطيحَة وَما أكَ َ‬
‫طرَفت بعينها أو ضربت ب َذنَبها‪.‬‬
‫يا أبـا سعيد كيف أعرف؟ قال‪ :‬إذا َ‬
‫ل ما َذ ّك ْيتُـمْ قال‪ :‬فكلّ‬
‫‪ 8760‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬إ ّ‬
‫هذا الذي سـماه ال عزّ وجلّ ههنـا مـا خل لــحم الــخنزير إذا أدركـت منـه عينـا تطرف أو‬
‫ذنبـا يتـحرّك أو قائمة تركُض‪ ,‬فذكيتَه‪ ,‬فقد أحلّ ال لك ذلك‪.‬‬
‫ل ما‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬إ ّ‬
‫َذ ّكيْتُـمْ من هذا كله‪ ,‬فإذا وجدتها تطرف عينها‪ ,‬أو تـحرك أذنها من هذا كله‪ ,‬فهي لك حلل‪.‬‬
‫‪ 8761‬ـ حدثنا حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي هشيـم وعبـاد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫حجاج‪ ,‬عـن حصـين‪ ,‬عـن الشعبــي‪ ,‬عـن الــحارث‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬إذا أدركـت ذكاة‬
‫ل فكُلْها‪.‬‬
‫الـموقوذة والـمتردية والنطيحة وهي تـحرّك يدا أو رج ً‬
‫‪ 8762‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن‬
‫إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬إذا أكـل السـبع مـن الصـيد أو الوقــيذة‪ ,‬أو النطيحـة أو الــمتردية فأدركـت‬
‫ذكاته‪ ,‬فكُلْ‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مصعب بن سلم التـميـمي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جعفر بن مـحمد‪,‬‬
‫طرَفت بعينها أو حرّكت‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬قال‪ :‬إذا ركضت برجلها أو َ‬
‫ذنبها‪ ,‬فقد أجزأ‪.‬‬
‫‪ 8763‬ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي ابن طاوس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬إذا ذبحتَ فمصعتْ بذنبها أو تـحرّكت فقدحلت لك‪ .‬أو‬
‫حسْبه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ف َ‬
‫‪8764‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج بن الـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن حميد‪,‬‬
‫عـن الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬إذا كانـت الــموقوذة تطرف ببصـرها‪ ,‬أو تركـض برجلهـا‪ ,‬أو تــمصع‬
‫بذنبها‪ ,‬فـاذبح وكل‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬بـمثله‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن ال ـمبـارك‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫أب ـي الزب ـير‪ ,‬أ نه سمع عب ـيد بن عم ير‪ ,‬يقول‪ :‬إذا طر فت بعين ها‪ ,‬أو م صعت بذنب ها‪ ,‬أو‬
‫تـحرّكت‪ ,‬فقد حلت لك‪.‬‬
‫‪8765‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد بن سلـمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الضحاك يقول‪ :‬كان أهل الـجاهلـية يأكلون هذا‪ ,‬فحرّم ال فـي السلم إل ما ذكي‬
‫منه‪ ,‬فما أدرك فتـحرّك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي‪ ,‬فهو حلل‪.‬‬
‫‪8766‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد فــي قوله‪ :‬حُ ّرمَت ْـ‬
‫خنِقَ ُة وَالــمَ ْوقُوذَةُ وَالــُمتَ َر ّديَةُ‬
‫خنْزِيرِ وقوله‪ :‬وَالــُمنْـ َ‬
‫حمُ الــ َ‬
‫ّمـ وَلــ ْ‬
‫عَلَــْي ُكمُ الــَميْتَةُ وَالد ُ‬
‫ل ما ذك ّيتْـمْ هذا كله مـحرّم‪ ,‬إل ما ذكي من هذا‪.‬‬
‫سبُعُ إ ّ‬
‫وال ّنطِيحَةُ‪ ...‬الَية‪ ,‬وَما أكَلَ ال ّ‬
‫فتأوي ـل الَ ية عل ـى قول هؤلء‪ :‬حرّ مت ال ـموقوذة وال ـمتردية إن ما تت التردّي والو قذ‬
‫والنطح و َفرْس السبع‪ ,‬إل أن تدركوا ذكاتها‪ ,‬فتدركوها قبل موتها‪ ,‬فتكون حنـيئذٍ حللً أكلها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو ا ستثناء من الت ـحريـم‪ ,‬ول ـيس ب ـاستثناء من ال ـمـحرّمات الت ـي‬
‫ـ عَلَــْي ُكمُ الــ َم ْيتَةُ لن الــميتة ل ذكاة لهـا ول‬
‫ح ّرمَت ْ‬
‫ذكرهـا ال تعالــى فــي قوله‪ُ :‬‬
‫لل ـخنزير‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ـما مع نى الَ ية‪ :‬حرّ مت عل ـيكم ال ـمتـية والدم‪ ,‬و سائر ما سمينا مع‬
‫ذلك‪ ,‬إل ما ذكيّتـم مـما أحله ال لكم بـالتذكية‪ ,‬فإنه لكم حلل‪ .‬ومـمن قال ذلك جماعة من‬
‫أهل الـمدينة‪ .‬ذكر بعض من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8767‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬و سئل عن الشاة الت ـي‬
‫ي شيء‬
‫يخرق جوفها السبع حتـى تـخرج أمعاوها‪ ,‬فقال مالك‪ :‬ل أرى أن تذكّي ول يؤكل أ ّ‬
‫يذكّي منها‪.‬‬
‫سبُع يعدو علـى الكبش‪ ,‬فـيدقّ‬
‫‪ 8768‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬عن أشهب‪ ,‬قال‪ :‬سئل مالك‪ ,‬عن ال ّ‬
‫سحْر‪ ,‬فل أرى أن يؤ كل‪ ,‬وإن‬
‫ظهره‪ ,‬أترى ن يذكّي ق بل أن ي ـموت ف ـيؤكل؟ إن كان بلغ ال ّ‬
‫كان إنـما أصاب أطرافه‪ ,‬فل أرى بذلك بأسا‪ .‬قـيـل له‪ :‬وثب علـيه فد قّ ظهره؟ قال‪ :‬ل‬
‫يعجبنـي أن يؤكل‪ ,‬هذا ل يعيش منه‪ .‬قـيـل له‪ :‬فـالذئب يعدو علـى الشاة فـيشقّ بطنها‬
‫ق بطنها فل أرى أن تؤكل‪.‬‬
‫ول يشقّ المعاء؟ قال‪ :‬إذا ش ّ‬
‫ل ما َذ ّكيْتُ ـمْ ا ستثناء منقط عا‪ ,‬ف ـيكون تأوي ـل‬
‫وعل ـى هذا القول ي جب أن يكون قوله‪ :‬إ ّ‬
‫الَ ية‪ :‬حرّ مت عل ـيكم ال ـميتة والدم‪ ,‬و سائر ما ذكر نا‪ ,‬ول كن ما ذكّيت ـم من ال ـحيوانات‬
‫التـي أحللتها لكم بـالتذكية حلل‪.‬‬
‫ل ما ذكيّت ـم‬
‫وأول ـى القول ـين ف ـي ذلك عند نا ب ـالصواب القول الوّل‪ ,‬و هو أن قوله‪ :‬إ ّ‬
‫خنِقَةُ وَال ـمَوقُو َذةُ وَال ـمُت َر ّديَةُ وال ّنطِيحَ ُة وَ ما‬
‫ا سثناء من قوله‪ :‬وَ ما أهِلّ لغيرِ ال بِ هِ وال ـ ُمنْـ َ‬
‫سبُعُ لن كلّ ذلك م ستـحقّ ال صفة الت ـي هو ب ها ق بل حال مو ته‪ ,‬ف ـيقال‪ :‬ل ـما قرّب‬
‫أكَلَ ال ّ‬
‫ال ـمشركون لَلهت هم ف سموه ل هم‪ :‬هو ما أهِلّ لغيرِ الّل ِه بِ هِ ب ـمعنى‪ :‬سمى قرب ـانا لغ ير ال‪.‬‬
‫وكذلك الـمنـخنقة‪ :‬إذا انـخنقت‪ ,‬وإن لـم تـمت فهي منـخنقة‪ ,‬وكذلك سائر ما حرّمه ال‬
‫جلّ وعزّ بعد قوله‪ :‬وَما أُ ِهلّ لغيرِ اللّ ِه بِ ِه إل بـالتذكية فإنه يوصف بـالصفة التـي هو بها‬
‫قبل موته‪ ,‬فحرّمه ال علـى عبـاده إل بـالتذكية الـمـحللة دون الـموت بـالسبب الذي‬
‫كان به مو صوفـا‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأوي ـل الَ ية‪ :‬وحرّم عل ـيكم ما أ هل لغ ير ال به‪,‬‬
‫والــمنـخنقة‪ ,‬وكذا وكذا وكذا‪ ,‬إل مـا ذكيّتــم مـن ذلك ف«مـا» إذ كان ذلك تأويــله فــي‬
‫مو ضع ن صب ب ـالستثناء م ـما قبل ها‪ ,‬و قد يجوز ف ـيه الر فع‪ .‬وإذ كان ال مر عل ـى ما‬
‫وصفنا‪ ,‬فكلّ ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيـمة قبل خروج نفسه ومفـارقة روحه جسده‪,‬‬
‫فحلل أكله إذا كان مـما أحله ال لعبـاده‪.‬‬
‫فإن قال ل نا قائل‪ :‬فإذ كان ذلك معناه عندك‪ ,‬ف ما و جه تكريره ما كرّر بقوله‪ :‬و ما أُ ِهلّ لغيرِ‬
‫خنِقَةُ والـمَ ْوقُوذَةُ وَالـمُ َر ّديَةُ وسائر ما عدّد تـحريـمه فـي هذه الَية‪ ,‬وقد‬
‫اللّ هِ ِب هِ وَالـ ُمنْـ َ‬
‫ح ّرمَ تْ عَلَـ ْيكُمُ الـ َميْتَةُ؟ وقد علـمت أن قوله‪ :‬حُ ّرمَ تْ عَلَـ ْيكُ ُم الـ َم ْيتَةُ‬
‫افتتـح الَية بقوله‪ُ :‬‬
‫شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه‪ ,‬من علة به من غير جنابة أحد علـيه‪ ,‬أو كان موته من‬
‫ل كان قوله إن كان ال مر‬
‫ضرب ضارب إياه‪ ,‬أو ان ـخناق م نه أو انتطاح أو فرس سبع؟ وه ّ‬
‫علـى ما وصفت فـي ذلك من أنه معنىّ بـالتـحريـم فـي كلّ ذلك الـميتة بـالنـخناق‬
‫والنطاح والو قذ وأ كل ال سبع أو غ ير ذلك‪ ,‬دون أن يكون معن ـيا به ت ـحريـمه إذا تردّى أو‬
‫انـخنق‪ ,‬أو فَرَسه السبع‪ ,‬فبلغ ذلك منه ما يعلـم أنه ل يعيش مـما أصابه منه إل بـالـيسير‬
‫ح ّرمَ تْ عَلَ ـ ْي ُكمُ ال ـ َم ْيتَ ُة مغنـيا من تكر ير ما كرّر بقوله وَما أهِلّ لغيرِ الّل ِه بِ هِ‬
‫من الـحياة ُ‬
‫خنِقَةُ و سائر ما ذ كر مع ذلك وتعداده ما عدد؟ و جه تكراره ذلك وإن كان ت ـحريـم‬
‫والـ ُمنْـ َ‬
‫ذلك إذا مات من السبـاب التـي هو بها موصوف‪ ,‬وقد تقدم بقوله حُ ّرمَ تْ عَلَـ ْيكُ ْم الـمَ ْيتَةُ‬
‫أن الذين خوطبوا بهذه الَية ل يعدّون الـميتة من الـحيوان‪ ,‬إل ما مات من علة عارضة به‪,‬‬
‫غ ير الن ـخناق والتردّي والنتطاح‪ ,‬وفرّس ال سبع‪ ,‬علة مرض أو أذى كان ب ها ق بل هلك ها‪,‬‬
‫ولكن العلة فـي ذلك أنها لـم يذبحها من أجل ذبـيحته بـالـمعنى الذي أحلها به‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 8769‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫سبُ ُع إلّ ما‬
‫ل ال ّ‬
‫خنِ َقةُ والـمَ ْوقُوذَةُ وَالـ ُمتَ َر ْديَةُ وال ّنطِيحَةُ وَما أكَ َ‬
‫عن السديّ فـي قوله‪ :‬وَالـ ُمنْـ َ‬
‫ذ ّكيْتُــمُ يقول‪ :‬هذا حرام‪ ,‬لن ناسـا مـن العرب كانوا يأكلونـه ول َي ُعدّونـه ميتـا‪ ,‬إنــما يعدّون‬
‫الـميت الذي ي ـموت من الوجع‪ ,‬فحرّمه ال علـيهم‪ ,‬إل ما ذكروا اسم ال عل ـيه وأدركوا‬
‫ذكاته وفـيه الروح‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬ومَا ُذبِحَ علـى النّصُبِ‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وَ ما ُذبِ حَ عل ـى النّ صُبِ‪ :‬وحرّم عل ـيكم أي ضا الذي ذ بح عل ـى‬
‫يعن ـي بقوله ج ّ‬
‫الن صب‪ .‬ف« ما» ف ـي قوله وَ ما ُذبِ حَ ر فع عطف ـا عل ـى « ما» الت ـي ف ـي قوله‪ :‬وَ ما أكَلَ‬
‫سبُعُ‪ .‬والنّ صُب‪ :‬الوثان من ال ـحجارة جما عة أن صاب كا نت ت ـجمع ف ـي ال ـموضع من‬
‫ال ّ‬
‫الرض‪ ,‬فكان الـمشركون يقربون لها‪ ,‬ولـيست بأصنام‪ .‬وكان ابن جريج يقول فـي صفته‬
‫ما‪:‬‬
‫‪8770‬ـ حدثنا القاسم‪ :‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬الّنصُب‪:‬‬
‫لـيست بأصنام‪ ,‬الصنـم يصوّر ويُنقس‪ ,‬وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا‪ ,‬منهم من‬
‫يقول‪ :‬ثلثمائة منهـا لــخزاعة‪ .‬فكانوا إذا ذبحوا‪ ,‬نضحوا الدم علــى مـا أقبـل مـن البــيت‪,‬‬
‫وشرّحوا اللــحم وجعلوه علــى الــحجارة‪ ,‬فقال الــمسلـمون‪ :‬يـا رسـول ال‪ ,‬كان أهـل‬
‫ال ـجاهلـية يعظمون الب ـيت ب ـالدم‪ ,‬فن ـحن أح قّ أن نعظ مه فكان النب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫ن يَنالَ اللّ َه لُ ـحُومُها وَل دِماؤ ها‪ .‬وم ـما ي حق قول ا بن‬
‫و سلم ل ـم يكره ذلك‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬لَ ْ‬
‫جريج فـي أن النصاب غير الصنام ما‪:‬‬
‫‪ 8771‬ـ حدثنا به ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫ح علـى الّنصُبِ قال‪ :‬حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية‪.‬‬
‫وَما ُذبِ َ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ب قال‪ :‬حجارة حول الكع بة‪ ,‬يذ بح عل ـيها أ هل‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال‪ :‬النّ صُ ُ‬
‫الـجاهلـية‪ ,‬ويبدّلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إلـيهم منها‪.‬‬
‫حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو حذيفـة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شبـل‪ ,‬عـن ابـن أب نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8772‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَما ُذبِ حَ علـى‬
‫الّنصُبِ والنصب‪ :‬حجارة كان أهل الـجاهلـية يعبدونها‪ ,‬ويذبحون لها‪ ,‬فنهى ال عن ذلك‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة ف ـي‬
‫قوله‪ :‬وَما َذبِحَ علـى الّنصُبِ يعنـي‪ :‬أنصاب الـجاهلـية‪.‬‬
‫‪ 8773‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ بن أبـي‬
‫طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَما ُذبِ حَ علـى النّ صُبِ والنصب‪ :‬أنصاب كانوا يذبحون ويهلون‬
‫علـيها‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫أب ـي بزة‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ما ُذبِ حَ عل ـى النّ صُبِ قال‪ :‬كان حول الكع بة حجارة كان‬
‫ب إلـيهم منها‪.‬‬
‫يذبح علـيها أهل الـجاهلـية ويبدّلونها إذا شاءوا بحجر هو أح ّ‬
‫‪ 8774‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك بن مزاحم يقول‪ :‬النصاب حجارة كانوا يهلّون لها‪ ,‬ويذبحون علـيها‪.‬‬
‫‪8775‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَما ُذبِحَ علـى‬
‫الّنصُبِ قال‪ :‬ما ذبح علـى النصب‪ ,‬وما أهل لغير ال به‪ ,‬وهو واحد‪.‬‬
‫ستَقْسمُوا بـالزْلم‪.‬‬
‫ن َت ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫َسـتَ ْقسِمُو بــالزْلمِ‪ :‬وأن تطلبوا علــم مـا قسـم لكـم أو لــم يقسـم‪,‬‬
‫وأنـ ت ْ‬
‫ْ‬ ‫يعنــي بقوله‪:‬‬
‫بـالزلم‪ .‬وهو استفعلت من القسم‪ :‬قسم الرزق والـحاجات‪ .‬وذلك أن أهل الـجاهلـية كان‬
‫أحدهـم إذا أراد سـفرا أو عزوًا أو نــحو ذلك‪ ,‬أجال القِداح‪ ,‬وهـي الزلم‪ ,‬وكانـت قداحـا‬
‫مكتوبـا علـى بعضها‪ :‬نهانـي ربـي‪ ,‬وعلـى بعض ها‪ :‬أمرنـي ربـي‪ ,‬فإن خرج القِدح‬
‫الذي هو مكتوب علـيه‪ :‬أمرنـي ربـي‪ ,‬مضى لـما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير‬
‫كفـ عـن الــمضيّ لذلك وأمسـك‬
‫ّ‬ ‫ذلك وإن خرج الذي علــيه مكتوب‪ :‬نهانــي ربــي‪,‬‬
‫سمُوا ب ـالزلمِ لن هم بفعل هم ذلك كانوا كأن هم ي سألون أزلم هم أن يق سمن‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫فق ـيـل‪ :‬وأ نْ تَ ْ‬
‫لهم‪ .‬ومنه قول الشاعر مفتـخرا بترك الستقسام بها‪:‬‬
‫سمْ ف َترْ ُبتَنـي ال ُقسُومُ‬
‫ولَـمْ َأقْ ِ‬
‫وأما الزلم‪ ,‬فإن واحدها زَلـم‪ ,‬ويقال زُلَـم‪ ,‬وهي القِداح التـي وصفنا أمرها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8776‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬عن سفـيان‪,‬‬
‫سمُوا ب ـالزلم قال‪ :‬القداح‪ ,‬كانوا إذا‬
‫عن أب ـي ح صين‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ :‬وأ نْ تَ سْتَ ْق ِ‬
‫أرادوا أن يخرجوا فــي سـفر‪ ,‬جعلوا قداحـا للــجلوس والــخروج‪ ,‬فإن وقـع الــخروج‬
‫خرجوا‪ ,‬وإن وقع الـجلوس جلسوا‪.‬‬
‫‪ 8777‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن شر يك‪ ,‬عن أب ـي ح صين‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ستَ ْقسِمُوا بـالزلمِ قال‪ :‬حصى بـيض كانوا يضربون بها‪.‬‬
‫ن َت ْ‬
‫جبـير‪ :‬وأ ُ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬قال لنا سفـيان بن وكيع‪ :‬هو الشطرنـج‪.‬‬
‫‪ 8778‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عب ـاد بن را شد البزار‪ ,‬عن‬
‫سمُوا بــالزْلمِ قال‪ :‬كانوا إذا أرادوا أمرا أو سـفرا‪ ,‬يعمدون‬
‫الــحسن فــي قوله‪ :‬وأن ْـ تَس ْـتَ ْق ِ‬
‫إل ـى قداح ثل ثة عل ـى وا حد من ها مكتوب‪ :‬أُؤمرن ـي‪ ,‬وعل ـى الَ خر‪ :‬انهن ـي‪ ,‬ويتركون‬
‫الَخـر مــحللً بــينهما لــيس علــيه شيـء‪ .‬ثـم يجيــلونها‪ ,‬فإن خرج الذي علــيه‬
‫«أُؤمرنـي»‪ ,‬مضوا لمرهم‪ ,‬وإن خرج الذي علـيه «انهنى» كفّوا‪ ,‬وإن خرج الذي لـيس‬
‫علـيه شيء أعادوها‪.‬‬
‫‪ 8779‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬ن ابن بـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وأ نْ‬
‫سمُوا بـالزْلمِ حجارة كانوا يكتبون علـيها يسمونها القداح‪.‬‬
‫ستَقْ ِ‬
‫َت ْ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8780‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ .‬عن زهير‪ ,‬عن إبراهيـم بن مهاجر‪ ,‬عن‬
‫سمُوا بـالزْلمِ قال‪ :‬كِعاب فـارس التـي يَ ْقمُرون بها‪ ,‬وسهام العرب‪.‬‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫ن َت ْ‬
‫مـجاهد‪ :‬وأ ْ‬
‫حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زهير‪ ,‬عن إبراهيـم‬
‫ستَ ْقسِمُوا بـالزْلمِ قال‪ :‬سهام العرب وكعاب فـارس والروم‬
‫ن تَ ْ‬
‫بن مهاجر‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وأ ْ‬
‫كانوا يتقامرون بها‪.‬‬
‫‪ 8781‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫سمُوا ب ـالزْلمِ قال‪ :‬كان الر جل إذا أراد أن يخرج م سافرا‪ ,‬ك تب ف ـي‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫ف ـي قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫قداح‪ :‬هذا يأمرن ـي ب ـالـمكث‪ ,‬وهذا يأمرن ـي ب ـالـخروج‪ ,‬وج عل مع ها من ـيحا‪ ,‬ش يء‬
‫ل ـم يك تب ف ـيه شيئا‪ ,‬ثم ا ستقسم ب ها ح ين ير يد أن يخرج‪ ,‬فإن خرج الذي يأ مر ب ـالـمكث‬
‫مكث‪ ,‬وإن خرج الذي يأمر بـالـخروج خرج‪ ,‬وإن خرج الَخر أجالها ثانـية حتـى يخرج‬
‫أحد القِدحين‪.‬‬
‫سمُوا بـالزْلمِ وكان‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وأ نْ تَ ْ‬
‫أ هل ال ـجاهلـية إذا أراد أحد هم خرو جا‪ ,‬أ خذ ِقدْ حا فقال‪ :‬هذا يأ مر ب ـالـخروج‪ ,‬فإن خرج‬
‫ف هو م صيب فــي سفره خيرا ويأ خذ قد حا آ خر فــيقول‪ :‬هذا يأ مر بــالـمكوث‪ ,‬فل ـيس‬
‫يصيب فـي سفره خيرا والـمنـيح بـينهما‪ .‬فنهى ال عن ذلك‪ ,‬وقدّم فـيه‪.‬‬
‫‪ 8782‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمُوا ب ـالزْلمِ قال‪ :‬كانوا ي ستقسمون ب ها ف ـي‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫سمعت الضحاك يقول ف ـي قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫المور‪.‬‬
‫‪ 8783‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪:‬قال ا بن ز يد‪ :‬الزْل مُ قِداح ل هم كان‬
‫أحد هم إذا أراد شيئا من تلك المور ك تب ف ـي تلك القداح ما أراد‪ ,‬ف ـيضرب ب ها‪ ,‬فأ يّ قدح‬
‫خرج وإن كان أبغض تلك‪ ,‬ارتكبه وعمل به‪.‬‬
‫‪8784‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫سمُوا بـالزْلمِ قال‪ :‬الزلم‪ :‬قِداح كانت فـي الـجاهلـية عند الكهنة‪,‬‬
‫عن السديّ‪ :‬وأ نْ تَ سْتَ ْق ِ‬
‫فإذا أراد الرجـل أن يسـافر أو يتزوّج أو يحدِث أمرا‪ ,‬أتــى الكاهـن‪ ,‬فأعطاه شيئا‪ ,‬فضرب له‬
‫بها‪ ,‬فإن خرج منها ش يء يعج به أمره فف عل‪ ,‬وإن خرج منها ش يء يكر هه نهاه فـانتهى‪ ,‬كما‬
‫ضرب عبد الـمطلب علـى زمزم وعلـى عبد ال والبل‪.‬‬
‫‪ 8785‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن كثـير‪ ,‬قال‪ :‬سمعنا أن أهل الـجاهلـية كانوا يضربون بـالقداح فـي الظّعن والقامة أو‬
‫الشيء يريدونه‪ ,‬فـيخرج سهم الظعن فـيظعنون‪ ,‬والقامة فـيقـيـمون‪ .‬وقال ابن إسحاق‬
‫فـي الزلم ما‪:‬‬
‫‪ 8786‬ـ حدثنـي به ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬كانت ُهبَل أعظم‬
‫أ صنام قر يش ب ـمكة‪ ,‬وكا نت عل ـى بئر ف ـي جوف الكع بة‪ ,‬وكا نت تلك البئر هي الت ـي‬
‫يج مع ف ـيها ما يُهدى للكع بة‪ ,‬وكا نت ع ند هُبَل سبعة أقداح‪ ,‬كل قدح من ها ف ـيه كتاب‪ :‬قدح‬
‫فــيه «العقـل» إذا اختلفوا فــي العقـل مـن يحمله منهـم ضربوا بــالقداح السـبعة (فإن خرج‬
‫حمْلُه) وقدح ف ـيه‪« :‬نَعَم» لل مر إذا أرادوا يُضرب به‪ ,‬فإن خرج قِدح‬
‫الع قل ف عل من خرج َ‬
‫« َنعَم» عملوا به وقدح فـيه ل‪ ,‬فإذا أرادوا أمرا ضربوا به فـي القداح‪ ,‬فإذا خرج ذلك القدح‬
‫لــم يفعلوا ذلك المـر‪ .‬وقدح فــيه‪« :‬منكـم»‪ .‬وقدح فــيه‪« :‬مُلْصـق»‪ .‬وقدح فــيه‪« :‬مـن‬
‫غيركـم»‪ .‬وقدح فــيه‪ :‬الــمياه‪ ,‬إذا أرادوا أن يحفروا للــماء ضربوا بــالقداح وفــيها ذلك‬
‫ال ِقدْح‪ ,‬فحيث ما خرج عملوا به‪ .‬وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غل ما‪ ,‬أو أن ينكحوا َمنْك حا‪ ,‬أو أن‬
‫يدفنوا مي تا‪ ,‬و يشكوّا ف ـي ن سب وا حد من هم‪ ,‬ذهبوا به إل ـى هُبَل‪ ,‬وب ـمائة در هم وبجُزور‪,‬‬
‫فأعطوهـا صـاحب القداح الذي يضربهـا‪ ,‬ثـم قرّبوا صـاحبهم الذي يريدون بـه مـا يريدون‪ ,‬ثـم‬
‫قالوا‪ :‬يـا إلهنـا‪ ,‬هذا فلن ابـن فلن‪ ,‬قـد أردنـا بـه كذا وكذا‪ ,‬فأخرج الــحقّ فــيه ثـم يقولون‬
‫لصـاحب القداح‪ :‬اضرب‪ ,‬فــيضرب‪ ,‬فإن (خرج علــيه «منكـم» كان وسـيطا‪ ,‬وإن) خرج‬
‫علــيه‪« :‬مـن غيركـم»‪ ,‬كان حلــيفـا‪ ,‬وإن خرج‪« :‬مُلْصـَق»‪ ,‬كان علــى منزلتـه منهـم‪ ,‬ل‬
‫ن سب له ول حِلف وإن خرج ف ـيه ش يء سوى هذا مــما يعملون به «ن عم» عملوا به وإن‬
‫خرج‪« :‬ل»‪ ,‬أخرّوه عامَ هم ذلك‪ ,‬حت ـى يأتوا به مرة أخرى ينتهون ف ـي أمور هم إل ـى ذلك‬
‫مـما خرجت به القِداح‪.‬‬
‫‪8787‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫سمُوا بـالزْلمِ يعنـي‪ :‬القدح‪ ,‬كانوا يستقسمون بها فـي المور‪.‬‬
‫ستَ ْق ِ‬
‫ن َت ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ذَِل ُكمْ فِسْق‪.‬‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬ذَِلكُ مْ‪ :‬هذه المور الت ـي ذكر ها‪ ,‬وذلك أ كل ال ـميتة والدم ول ـحم‬
‫ِسـقٌ‬
‫الــخنزير وسـائر مـا ذكـر فــي هذه الَيـة مــما حرّم أكله‪ .‬والسـتقسام بــالزلم‪ .‬ف ْ‬
‫يعنـي‪ :‬خروج عن أمر ال وطاعته إلـى ما نهى عنه وزجر‪ ,‬وإلـى معصيته‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8788‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ :‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ق يعنـي‪ :‬من أكل من ذلك كله‪ ,‬فهو فسق‪.‬‬
‫عبـاس‪ :‬ذَِل ُكمْ ِفسْ ٌ‬
‫ن دِي ِن ُكمْ‪.‬‬
‫ن كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬الـيَ ْومَ َيئِسَ اّلذِي َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬الــيَ ْومَ َيئِس َـ اّلذِين َـ كَ َفرُوا مِن ْـ دِي ِنكُمـْ‪ :‬الَن انقطـع طمـع الحزاب‬
‫يعنــي بقوله ج ّ‬
‫وأ هل الك فر وال ـجحود أي ها ال ـمؤمنون من دين كم‪ ,‬يقول‪ :‬من دينِ كم أن تتركوه‪ ,‬فترتدّوا ع نه‬
‫راجعين إلـى الشرك‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 8789‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬ن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن دِي ِنكُ ْم يعنـي‪ :‬أن ترجعوا إلـى دينهم أبدا‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ َك َفرُوا مِ ْ‬
‫عبـاس‪ :‬قوله‪ :‬الـيَ ْومَ َيئِسَ اّلذِي َ‬
‫‪ 8790‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن دِي ِنكُمْ قال‪ :‬أظنّ يئسوا أن ترجعوا عن دينكم‪.‬‬
‫س اّلذِينَ كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫عن السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬الـيَ ْومَ َيئِ َ‬
‫وأيـ يوم هذا الــيوم الذي أخـبر ال أن الذيـن كفروا يئسـوا فــيه مـن ديـن‬
‫ّ‬ ‫فإن قال قائل‪:‬‬
‫ج النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫ال ـمؤمنـين؟ ق ـيـل‪ :‬ذُ كر أن ذلك كان يوم عر فة‪ ,‬عام ح ّ‬
‫حجة الوداع‪ ,‬وذلك بعد دخول العرب فـي السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8791‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال مـجاهد‪:‬‬
‫الـيَ ْومَ يَئ سَ اّلذِي نَ كَ َفرُوا مِ نْ دِي ِنكُ مْ الـيوم أكملت لكم دينكم هذا حين فعلت‪ .‬قال ابن جريج‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذلك يوم عرفة فـي يوم جمعة لـما نظر النبـيّ صلى ال عل يه وسلم‪ ,‬فلـم‬
‫ير إل موحّدا ول ـم ير مشر كا ح مد ال‪ ,‬فنزل عل ـيه جبري ـل عل ـيه ال سلم‪ :‬ال ـيَ ْومَ َيئِ سَ‬
‫ن دِي ِنكُمْ أن يعودوا كما كانوا‪.‬‬
‫اّلذِينَ كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫‪ 8792‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬الـيَ ْومَ َيئِ سَ‬
‫ن دِي ِنكُمْ قال‪ :‬هذا يوم عرفة‪.‬‬
‫اّلذِينَ كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫خشَ ْونِ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فَلَ تَـخْشَوْ ُهمْ وَا ْ‬
‫يعنـي بذلك‪ :‬فل تـخشوا أيها الـمؤمنون هؤلء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه‬
‫خشَ ْو نِ‬
‫من الكف ـار‪ ,‬ول ت ـخافوهم أن يظهروا عل ـيكم ف ـيقهروكم ويردّو كم عن دين كم‪ ,‬وا ْ‬
‫يقول‪ :‬ولكن خافون إن أنتـم خالفتـم أمري واجرأتـم علـى معصيتـي وتعديتـم حدودي‪,‬‬
‫أن أحلّ بكم عقابـي وأنزل بكم عذابـي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8793‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ :‬فَل‬
‫خشَوْنِ‪ :‬فل تـخشوهم أن يظهروا علـيكم‪.‬‬
‫تَـخْشَوْ ُهمْ وَا ْ‬
‫ت َل ُكمْ دِينَ ُكمْ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ ُ‬
‫اختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬الــيَ ْومَ‬
‫ت َلكُمْ دِي َنكُمْ‪ :‬الـيوم أكملت لكم أيها الـمؤمنون فرائضي علـيكم وحدودي‪ ,‬وأمري إياكم‬
‫أ ْكمَلْ ُ‬
‫ونهيـي‪ ,‬وحللـي وحرمي‪ ,‬وتنزيـلـي من ذلك ما أنزلت منه فـي كتابـي‪ ,‬وتبـيانـي‬
‫ما بـينت لكم منه بوحيـي علـى لسان رسولـي‪ ,‬والدلة التـي نصبتها لكم علـى جميع‬
‫ما ب كم ال ـحاجة إل ـيه من أ مر دين كم‪ ,‬فأت ـمـمت ل كم جم يع ذلك‪ ,‬فل زيادة ف ـيه ب عد هذا‬
‫الـيوم‪ .‬قالوا‪ :‬وكان ذلك فـي يوم عرفة‪ ,‬عام ح جّ النبـيّ صلى ال عليه وسلم حجة الوداع‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ل ـم ينزل عل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ب عد هذه الَ ية ش يء من الفرائض ول‬
‫تـحلـيـل شيء ول تـحريـمه‪ ,‬وإن النبـيّ صلى ال عليه وسلم لـم يعش بعد نزول هذه‬
‫الَية إل إحدى وثمانـين لـيـلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8794‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ و هو ال سلم‪ ,‬قال‪ :‬أ خبر ال نب ـيه صلى ال عل يه‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ال ـيَ ْو َم أ ْكمَلْ ُ‬
‫وسلم والـمؤمنـين أنه قد أكمل لهم اليـمان فل يحتاجون إلـى زيادة أبدا‪ ,‬وقد أتـمه ال‬
‫عزّ ذكره فل ينقصه أبدا‪ ,‬وقد رضيه ال فل يسخَطُه أبدا‪.‬‬
‫‪ 8795‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ هذا نزل يوم عر فة‪ ,‬فل ـم ينزل بعد ها حلل ول‬
‫عن ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬ال ـيَ ْومَ أ ْكمَلْ ُ‬
‫حرام‪ ,‬ور جع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم فمات‪ ,‬فقالت أ سماء ب نت عم يس‪ :‬حج جت مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم تلك الـحجة‪ ,‬فبـينـما نـحن نسير إذ تـجلّـى له جبريـل‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم علــى الراحلة‪ ,‬فلــم تطـق الراحلة مـن ثقـل مـا علــيها مـن القرآن‪,‬‬
‫فبركت‪ ,‬فأتـيته فسجيّت علـيه برداء كان علـيّ‪.‬‬
‫‪ 8796‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬مكث‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ب عد ما نزلت هذه الَ ية إحدى وثمان ـين ل ـيـلة‪ ,‬قوله‪ :‬ال ـيَ ْومَ‬
‫أ ْكمَلْتُ َل ُكمْ دِي َن ُكمْ‪.‬‬
‫‪ 8797‬ـ حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل ـمّا نزلت‪ :‬ال ـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وذلك يوم ال ـحجّ ال كبر‪ ,‬ب كى ع مر‪ ,‬فقال له النب ـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما ُي ْبكِيكَ»؟ قال أبكانـي أنا كنا فـي زيادة من ديننا‪ ,‬فأما إذ كمَل فإنه‬
‫صدَقْتَ»‪.‬‬
‫لـم يكمل شيء إل نقص‪ ,‬فقال‪َ « :‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن بشير‪ ,‬عن هارون بن أبـي وكيع‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬فذكر‬
‫نـحو ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬الــيَ ْومَ أ ْكمَلْتُـ لَكم ْـ دِي َنكُمـْ‪ :‬حجكـم‪ ,‬فأفردتــم بــالبلد الــحرام‬
‫تـحجونه أنتـم أيها الـمؤمنون دون الـمشركين ل يخالطكم فـي حجكم مشرك‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8798‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبـي عبة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن الـحكم‪ :‬الـيَوْم‬
‫ج معهم مشرك‪.‬‬
‫أ ْكمَلْتُ َل ُكمْ دِي َن ُكمْ قال‪ :‬أكمل لهم دينهم أن حجوا ولـم يح ّ‬
‫‪ 8799‬ـ حدث نا الـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫الـيَ ْومَ أكمَلْتُ َل ُكمْ دِي َن ُكمْ قال‪ :‬أخـلص ال لهم دينهم‪ ,‬ونفـى الـمشركين عن البـيت‪.‬‬
‫‪ 8800‬ـ حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قـيس‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ :‬الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ َلكُ ْم دِي َنكُ ْم قال‪ :‬تـمام الـحجّ‪ ,‬ونفـي الـمشركين عن‬
‫البـيت‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال‪ :‬إن ال عزّ وجلّ أخبر نبـيه صلى ال عليه‬
‫وسلم والـمؤمنـين به‪ ,‬أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الَية علـى نبـيه دينهم‪ ,‬بإفرادهم بـالبلد‬
‫الــحرام‪ ,‬وإجلئه عنـه الــمشركين‪ ,‬حتــى حجـه الــمسلـمون دونهـم‪ ,‬ل يخالطونهـم‬
‫الـمشركون‪ .‬فأما الفرائض والحكام‪ ,‬فإنه قد اختلف فـيها‪ ,‬هل كانت أكملت ذلك الـيوم أم‬
‫ل؟ فرُوي عن ابن عبـاس والسديّ ما ذكرنا عنهما قبل‪ .‬و ُروِي عن البراء بن عازب أن آخر‬
‫آ ية نزلت من القرآن‪ :‬يَ سْتَ ْفتُو َنكَ قُلِ اللّ ُه يُ ْفتِ ـيكُ ْم ف ـي الكَلَلةِ‪ .‬ول يد فع ذو عل ـم أن الو حي‬
‫لـم ينقطع عن رسول ال صلى ال عليه وسلم إلـى أن قبض‪ ,‬بل كان الوحي قبل وفـاته‬
‫ك قُلِ اللّ ُه يُ ْفتِ ـيكُمْ فِ ـي الكَللَةِ‬
‫ستَ ْفتُو َن َ‬
‫أك ثر ما كان تتاب عا‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان قوله‪ :‬يَ ْ‬
‫ت َلكُمْ‬
‫آخرها نزولً وكان ذلك من الحكام والفرائض‪ ,‬كان معلوما أن معنى قوله‪ :‬الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ ُ‬
‫ـ علــى خلف الوجـه الذي تأوّله مَـن تأوّله‪ ,‬أعنــي‪ :‬كمال العبــادات والحكام‬
‫دِينَكُم ْ‬
‫والفرائض‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما جعل قول من قال‪ :‬قد نزل بعد ذلك فرض أولـى من قول من قال‪ :‬لـم‬
‫ينزل؟ ق ـيـل لن الذي قال ل ـم ينزل‪ ,‬م خبر أ نه ل يعل ـم نزول فرض‪ ,‬والنف ـي ل يكون‬
‫شهادة‪ ,‬والشهادة قول من قال‪ :‬نزل‪ ,‬وغ ير جائز د فع خبر ال صادق فــيـما أم كن أن يكون‬
‫فـيه صادقا‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وأتْـمَـمْتُ عَلَـ ْي ُكمْ ِن ْع َمتِـي‪.‬‬
‫ل ثناؤه بذلك‪ :‬وأتــمـمت نعمتــي أيهـا الــمؤمنون بإظهاركـم علــى عدوّي‬
‫يعنــي ج ّ‬
‫وعدوّكم من الـمشركين‪ ,‬ونفـيـي إياهم عن بلدكم‪ ,‬وقطعي طمعهم من رجوعكم‪ ,‬وعودكم‬
‫إلـى ما كنتـم علـيه من الشرك‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان الـمشركون والـمسلـمون يحجون جميعا‪ ,‬فلـما نزلت براءة‪ ,‬ف َننَفـي الـمشركين‬
‫ج ال ـمسلـمون ل يشارك هم ف ـي الب ـيت ال ـحرام أ حد من ال ـمشركين‪,‬‬
‫عن الب ـيت‪ ,‬وح ّ‬
‫ن ذلك من تـمام النعمة‪ :‬وأتْـمَـمْتُ عَلَـ ْيكُمْ ِن ْع َمتِـي‪.‬‬
‫فكأ ّ‬
‫ت َلكُ مْ‬
‫‪ 8801‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬الـيَ ْو َم أ ْكمَلْ ُ‬
‫دِينَكُ مْ وأتْ ـمَـمْتُ عَلَ ـ ْيكُمْ ِن ْع َمتِ ـي‪ ...‬الَ ية‪ ,‬ذُكِر ل نا أن هذه الَ ية نزلت عل ـى ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة‪ ,‬حين نفـي ال الـمشركين عن الـمسجد الـحرام‪,‬‬
‫وأخـلص للـمسلـمين حجهم‪.‬‬
‫‪8802‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬نزلت‬
‫ج معهم فـي‬
‫هذه الَية بعرفـات‪ ,‬حيث هدم منار الـجاهلـية‪ ,‬واضمـحلّ الشرك‪ ,‬ولـم يحُ ّ‬
‫ذلك العام مشرك‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر فـي هذه الَية‪:‬‬
‫الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـ ْي ُكمْ ِن ْع َمتِـي قال‪ :‬نزلت علـى رسول ال صلى ال‬
‫عليـه وسـلم وهـو واقــف بعرفــات‪ ,‬وقـد أطاف بـه الناس‪ ,‬وتهدّمـت منار الــجاهلـية‬
‫عرْيان‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬ال ـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ‬
‫ومنا سكهم‪ ,‬واضم ـحلّ الشرك‪ ,‬ول ـم يطُف حول الب ـيت ُ‬
‫َل ُكمْ دِي َنكُمْ‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الشعي‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬ورَضيتُ َل ُكمْ السْلمَ دِينا‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ورض يت ل كم ال ستسلم لمري والنق ـياد لطاعت ـي‪ ,‬عل ـى ما‬
‫يعن ـي بذلك ج ّ‬
‫شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالـمه دِينا يعنـي بذلك‪ :‬طاعة منكم لـي‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪َ :‬أوَ ما كان ال راضيا السلم لعبـاده‪ ,‬إل يوم أنزل هذه الَية؟ قـيـل‪ :‬لـم‬
‫ل ثناؤه لــم يزل يصـرّف نبــيه مــحمدا‬
‫يزل ال راضيـا لــخـلقه السـلم دينـا‪ ,‬ولك نه ج ّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه ف ـي درجات ومرات به در جة ب عد در جة ومرت بة ب عد مرت بة‬
‫وحالً بعد حال‪ ,‬حتـى أكمل لهم شرائعه ومعالـمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه‪ ,‬ثم قال‬
‫ت َلكُ مُ ال سْلمَ دِي نا ب ـالصفة الت ـي هو ب ها ال ـيوم‪,‬‬
‫ضيْ ُ‬
‫ح ين أنزل عل ـيهم هذه الَ ية‪َ :‬ورَ ِ‬
‫وال ـحال الت ـي أنت ـم عل ـيها ال ـيوم م نه دِي نا ف ـالزموه ول تف ـارقوه‪ .‬وكان قتادة يقول‬
‫فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 8803‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذكر لنا أنه يـمثّل‬
‫لهـل كـل ديـن دينهـم يوم القــيامة‪ ,‬فأمـا اليــمان فــيبشر أصـحابه وأهله‪ ,‬ويعدهـم فــي‬
‫الـخير حتـى يجيء السلم‪ .‬فـيقول‪ :‬ر بّ أنت السلم وأنا السلم‪ ,‬فـيقول‪ :‬إياك الـيوم‬
‫أقبل‪ ,‬وبك الـيوم أجزي‪.‬‬
‫وأحسـب أن قتادة وج ّه معنـى اليــمان بهذا الــخبر إلــى معنـى التصـديق والقرار‬
‫ب ـاللسان‪ ,‬لن ذلك مع نى الي ـمان ع ند العرب‪ ,‬وو جه مع نى ال سلم إل ـى ا ستسلم القلب‬
‫وخضو عه ل ب ـالتوحيد‪ ,‬وانق ـياد ال ـجسد له ب ـالطاعة ف ـيـما أ مر ون هى‪ ,‬فلذلك ق ـيـل‬
‫للسلم‪ :‬إياك الـيوم أقبل‪ ,‬وبك الـيوم أجزي‪.‬‬
‫ذ كر من قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية بعر فة ف ـي ح جة الوداع عل ـى ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫‪ 8804‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫عن قـيس بن مسلـم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قالت الـيهود لعمر‪ :‬إنكم تقرءون آية لو‬
‫أنزلت فــينا لتــخذناها عيدا‪ .‬فقال عمـر‪ :‬إنــي لعلــم حيـن أنزلت‪ ,‬وأيـن نزلت‪ ,‬وأيـن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم عرفة ورسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ دِي َنك ْ‬
‫ْتـ َلك ْ‬
‫واقــف بعرفـة قال سـفـيان‪ :‬وأشكـّ‪ ,‬كان يوم الــجمعة أم ل الــيَ ْومَ أ ْكمَل ُ‬
‫ضيْتُ َل ُكمُ السْلمَ دِينا‪.‬‬
‫وأتـمَـمْتُ عَلَـ ْي ُكمْ َن ْع َمتِـي َورَ ِ‬
‫حدث نا أ بو كر يب وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـي‪ ,‬عن ق ـيس بن‬
‫مسلـم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قال يهودّي لعمر‪ :‬لو علـمنا معشر الـيهود حين نزلت‬
‫ضيْتُ َلكُمُ السْلم دِينا لو‬
‫هذه الَية‪ :‬الـيَ ْومَ أ ْكمَلْتُ لَكمْ دِي َنكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـ ْي ُكمْ ِن ْع َمتِـي َورَ ِ‬
‫نعلـم ذلك الـيوم اتـخذنا ذلك الـيوم عيدا‪ .‬فقال عمر‪ :‬قد علـمت الـيوم الذي نزلت فـيه‬
‫والساعة‪ ,‬وأين رسول ال صلى ال عليه وسلم حين نزلت نزلت لـيـلة الـجمعة ونـحن مع‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بعرف ـات‪ .‬ل فظ ال ـحديث لب ـي كر يب‪ ,‬وحد يث ا بن وك يع‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جعفر بن عون‪ ,‬عن أبـي ال ُعمَيس‪ ,‬عن قـيس بن مسلـم‪ ,‬عن‬
‫طارق‪ ,‬عن عمر‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪ 8805‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬عن عمار مولـى بنـي‬
‫هاشم‪ ,‬قال‪ :‬قرأ ابن عبـاس‪ :‬الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِينَكُ مْ وعنده رجل من أهل الكتاب‪ ,‬فقال‪ :‬لو‬
‫علـمنا أ يّ يوم نزلت هذه الَية لتـخذناه عيدا‪ ,‬فقال ابن عبـاس‪ :‬فإنها نزلت يوم عرفة يوم‬
‫جمعة‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قب ـيصة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن سلـمة‪ ,‬عن عمار‪ :‬أن ا بن‬
‫ت َلكُمْ دِي َنكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـ ْيكُمْ ِنعْمتِـي َو َرضِيتُ َلكُمُ السْل َم دِينا‬
‫عبـاس قرأ‪ :‬الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ ُ‬
‫فقال يهودي‪ :‬لو نزلت هذه الَ ية علـينا لتـخذنا يومها عيدا‪ ,‬فقال ا بن عب ـاس‪ :‬فإنها نزلت‬
‫فـي يوم عيدين اثنـين‪ :‬يوم عيد‪ ,‬ويوم جمعة‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحجاج بن ال ـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن عمار بن‬
‫أبـي عمار‪ ,‬عن ابن عبـاس نـحوه‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رجاء بن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫خرَشة‬
‫قال‪ :‬أخبرنا عبـادة ابن نسيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أميرنا إسحاق‪ ,‬قال أبو جعفر إسحاق هو ابن َ‬
‫عن قب ـيصة قال‪ :‬قال ك عب‪ :‬لو أن غ ير هذه ال مة نزلت عل ـيهم هذه الَ ية لنظروا ال ـيوم‬
‫الذي أنزلت ف ـيه عل ـيهم ف ـاتـخذوه عيدا يجت ـمعون ف ـيه‪ ,‬فقال ع مر‪ :‬أ يّ آ ية يا ك عب؟‬
‫فقال‪ :‬ال ـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ َلكُ ْم دِي َنكُ ْم فقال ع مر‪ :‬قد عل ـمت ال ـيوم الذي أنزلت ف ـيه‪ ,‬وال ـمكان‬
‫الذي أنزلت فـيه‪ ,‬يوم جمعة‪ ,‬ويوم عرفة‪ ,‬وكلهما بحمد ال لنا عيد‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن عيسى بن حارثة النصاريّ‪ ,‬قال‪ :‬كنا‬
‫جلو سا ف ـي الديوان‪ ,‬فقال ل نا ن صرانـي‪ :‬يا أ هل ال سلم‪ :‬ل قد نزلت عل ـيكم آ ية لو نزلت‬
‫علــينا لتــخذنا ذلك الــيوم وتلك السـاعة عيدا مـا بقــي منـا اثنان‪« :‬الــيَ ْو َم أ ْكمَلْتُـ َلكُم ْـ‬
‫دِينَكُ مْ»‪ .‬فل ـم يج به أ حد م نا‪ ,‬فلق ـيت م ـحمد ا بن ك عب القرظ يّ‪ ,‬ف سألته عن ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬أل‬
‫رددتـم علـيه؟ فقال‪ :‬قال عمر بن الـخطاب‪:‬أنزلت علـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫واق ـف عل ـى ال ـجبل يوم عر فة‪ ,‬فل يزال ذلك ال ـيوم عيدا لل ـمسلـمين ما بق ـي من هم‬
‫أحد‪.‬‬
‫‪ 8806‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬قال حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪,‬‬
‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وأتْ ـمَـمْتُ‬
‫قال‪ :‬أنزلت عل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ال ـيَ ْو َم أ ْكمَلْ ُ‬
‫عَلَـ ْي ُكمْ ِن ْع َمتِـي َو َرضِيتُ َل ُكمْ السْلمَ دِينا عشية عرفة وهو فـي الـموقـف‪.‬‬
‫‪ 8807‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعا مر‪ :‬إن‬
‫الــيهود تقول‪ :‬كيـف ل ـم تــحفظ العرب هذا ال ـيوم الذي أك مل ال ل ها دينهـا فــيه؟ فقال‬
‫ي يوم؟ قال‪ :‬يوم عرفة‪ ,‬أنزل ال فـي يوم عرفة‪.‬‬
‫عامر‪ :‬أو ما حفظته؟ قلت له‪ :‬فأ ّ‬
‫‪ 8808‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬بلغنا أنها نزلت يوم عرفة‪ ,‬ووافق يوم الـجمعة‪.‬‬
‫‪8809‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن حبـيب‪,‬‬
‫عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬أن عمر بن الـخطاب‪ ,‬قال‪ :‬نزلت سورة الـمائدة يوم‬
‫عرفة‪ ,‬ووافق يوم الـجمعة‪.‬‬
‫‪ 8810‬ـ حدثنا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن‬
‫لـيث‪ ,‬عن شهر ابن حوشب‪ ,‬قال‪ :‬نزلت سورة الـمائدة علـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ت لن يُدق ذراعها‪.‬‬
‫وهو واقـف بعرفة علـى راحلته‪ ,‬فَ َتنَ ّوخَ ْ‬
‫‪8811‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن شهر بن حوشب‪ ,‬عن أسماء بنت‬
‫يزيد‪ ,‬قالت‪ :‬نزلت سورة الـمائدة جميعا وأنا آخذة بزمام ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ضدُ الناقة‪.‬‬
‫العضبـاء قالت‪ :‬فكادت من ثقلها أن يدقّ ع ُ‬
‫‪ 8812‬ـ حدثن ـي أ بو عا مر إ سماعيـل بن عمرو ال سّكونـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام بن عمار‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ا بن عياش‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن ق ـيس ال سكونـي أنه سمعت معاوية بن أب ـي‬
‫سفـيان عل ـى ال ـمنبر ينتزع بهذه الَ ية‪ :‬ال ـيَ ْومَ أ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ حت ـى خت ـمها‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫نزلت فـي يوم عرفة‪ ,‬فـي يوم جمعة‪.‬‬
‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ يوم الثن ـين‪,‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَ ية‪ ,‬أعن ـي قوله‪ :‬ال ـيَ ْومَ أ ْكمَلْ ُ‬
‫وقالوا‪ :‬أنزلت سورة الـمائدة بـالـمدينة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8813‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مـحمد بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫لهي عة‪ ,‬عن خالد بن أب ـي عمران‪ ,‬عن حَنَش‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬ولد نب ـيكم صلى ال عل يه‬
‫و سلم يوم الثن ـين‪ ,‬وخرج من م كة يوم الثن ـين‪ ,‬ودخ ـل ال ـمدينة يوم الثن ـين‪ ,‬وأنزلت‬
‫ت َل ُكمْ دِي َنكُمْ ورفع الذكر يوم الثنـين‪.‬‬
‫سورة الـمائدة يوم الثنـين الـيَ ْومَ أ ْكمَلْ ُ‬
‫‪ 8814‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج بن الـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا همام‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬الـمائدة مدنـية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي مسيره فـي حجة الوداع‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8815‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن الرب ـيع بن أ نس‪ ,‬قال‪ :‬نزلت سورة ال ـمائدة عل ـى ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم فـي الـمسير فـي حجة الوداع‪ ,‬وهو راكب راحلته‪ ,‬فبركت به راحلته من ثقلها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل ـيس ذلك ب ـيوم معلوم ع ند الناس‪ ,‬وإن ـما معناه ال ـيوم الذي أعل ـمه أ نا‬
‫دون خـلقـي‪ ,‬أكملت لكم دينكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8816‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬ال ـيَ ْو َم أ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ يقول‪ :‬ل ـيس ب ـيوم معلوم يعل ـمه‬
‫الناس‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي وقت نزول الَية‪ ,‬القول الذي رُوي عن عمر بن الـخطاب أنها نزلت‬
‫يوم عرفة يوم جمعة‪ ,‬لصحة سنده ووَهْي أسانـيد غيره‪.‬‬
‫خمَصَةٍ‪.‬‬
‫ضطُرّ فِـي َم ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬فمَنِ ا ْ‬
‫طرّ‪ :‬ف من أ صابه ضرّ ف ـي مخم صة‪ ,‬يعن ـي ف ـي‬
‫ضُ‬‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقول‪ :‬فَمَ نِ ا ْ‬
‫خمَ صِ ال َبطْ نِ‪ ,‬و هو‬
‫م ـجاعة‪ ,‬و هي مفعلة م ثل ال ـمَـجْبنة وال ـ َمبْخـلة وال ـ َمنْـجبة‪ ,‬من َ‬
‫اضطماره‪ ,‬وأظ نه هو فـي هذا الـموضع معن ـيّ به اضطماره من ال ـجوع وشدة السغب‪,‬‬
‫وقد يكون فـي غير هذا الـموضع اضطمارا من غير الـجوع والسغب‪ ,‬ولكن من خِـلْقة‪,‬‬
‫خمَصِ البطن‪:‬‬
‫كما قال نابغة بنـي ذبـيان فـي صفة امرأة ب َ‬
‫ص لَـيّنٌوالنّـحرُ َتنْ ُفجُه ب َثدْيٍ ُم ْق َعدِ‬
‫ع َكنٍ خَمي ٌ‬
‫وال َبطْنُ ذو ُ‬
‫فمعلوم أنه لـم يرد صفتها بقوله خميص بـالهزال الضرّ من الـجوع‪ ,‬ولكنه أراد وصفها‬
‫بلطا فة ط يّ ما عل ـى الورا كَ والفخاذ من ج سدها‪ ,‬لن ذلك م ـما يحمد من الن ساء‪ .‬ول كن‬
‫الذي فـي معنى الوصف بـالضطمار والهزال من الضرّ‪ ,‬من ذلك‪ ,‬قول أعشى بن ثعلبة‪.‬‬
‫ن خَمائِصَا‬
‫غ ْرثَـي َي ِبتْ َ‬
‫شيَتـى مِل ًء بطو ُن ُكمْوجارَاتُكمْ َ‬
‫ن فِـي الـ َم ْ‬
‫تَبـيتُو َ‬
‫سغَب والضرّ‪ ,‬ف من هذا ال ـمعنى‬
‫يعن ـي بذلك‪ :‬يب تن مضطمرات البطون من ال ـجوع وال ّ‬
‫قوله‪ :‬فــي مخمصـة‪ .‬وكان بعـض نــحويـي البصـرة يقول‪ :‬الــمخمصة‪ :‬الــمصدر مـن‬
‫خمَ صَهُ الـجوع‪ .‬وكان غيره من أهل العربـية يري أنها اسم للـمصدر ولـيست بـمصدر‬
‫َ‬
‫ولذلك تقع الـمفعلة اسما فـي الـمصادر للتأنـيث والتذكير‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8817‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫خ َمصَةٍ يعنـي فـي مـجاعة‪.‬‬
‫طرّ فِـي َم ْ‬
‫ن اضْ ُ‬
‫عبـاس‪َ :‬فمَ ِ‬
‫طرّ فِ ـي‬
‫ن اضْ ُ‬
‫‪ 8818‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬فمَ ِ‬
‫خمَصَ ٍة أي فـي مـجاعة‪.‬‬
‫َم ْ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪( ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق) قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8819‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫َصـةٍ قال‪ :‬ذكـر الــميتة ومـا فــيها وأحلهـا فــي‬
‫خم َ‬‫طرّ فِــي َم ْ‬
‫ضُ‬‫عـن السـديّ‪َ :‬فمَنـه ا ْ‬
‫خ َمصَةٍ يقول‪ :‬فـي مـجاعة‪.‬‬
‫الضطرار‪ .‬فِـي َم ْ‬
‫‪ 8820‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن زيد يقول فـي قوله‪َ :‬فمَ نِ‬
‫خ َمصَةٍ قال‪ :‬الـمخمصة‪ :‬الـجوع‪.‬‬
‫طرّ فِـي َم ْ‬
‫اضْ ُ‬
‫ل ْثمٍ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬غيرَ ُمتَـجانِفٍ ِ‬
‫خمَ صَةٍ إلـى أكل ما حرمت علـيه منكم أيها‬
‫طرّ فِـي َم ْ‬
‫ضُ‬‫يعنـي بذلك جلّ ثناؤه‪َ :‬فمَنه ا ْ‬
‫ال ـمؤمنون من ال ـميتة والدم ول ـحم ال ـخنزير و سائر ما حرّ مت عل ـيه بهذه الَ ية‪ .‬غيرَ‬
‫لثْ مٍ يقول‪ :‬ل مت ـجانفـا ل ثم‪ ,‬فلذلك ن صب «غيرَ» ل ـخروجها من ال سم الذي‬
‫متَ ـجا ِنفٍ ِ‬
‫طرّ وبــمعنى ل‪ ,‬فنصـب بــالـمعنى الذي كان بـه منصـوبـا‬
‫ـ اضْ ُ‬
‫فــي قوله‪ :‬فَمَن ِ‬
‫الـمتـجانف لو جاء الكلم‪ :‬ل متـجانفـا‪ .‬وأما الـمتـجانف للثم‪ ,‬فإنه الـمتـمايـل له‪,‬‬
‫جنَف‬
‫الـمنـحرف إلـيه‪ ,‬وهو فـي هذا الـموضع مراد به الـمتعَمّدله القاصد إلـيه‪ ,‬من َ‬
‫ل أعوج ف هو أّ نف ع ند العرب و قد ب ـينا مع نى ال ـجنف بشواهده‬
‫ي إذا مالوا‪ ,‬وك ّ‬
‫القوم عل ـ ّ‬
‫جنَفـا ب ـما أغنى عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬وأ ما‬
‫ن مُو صٍ َ‬
‫ن خا فَ م ْ‬
‫فـي قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫تـجانف آكل الـميتة فـي أكلها وفـي غيرها مـما حرّم ال أكله علـى الـمؤمنـين بهذه‬
‫الَ ية لل ثم ف ـي حال أكله‪ ,‬فهو تعمّده ال كل لغ ير د فع الضرورة النازلة به‪ ,‬ول كن لـمعصية‬
‫ال وخلف أمره فـيـما أمره به من ترك أكل ذلك‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8821‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫حرّم مـما‬
‫خمَ صَ ٍة غيرَ ُمتَـجا ِنفٍ لثْ مٍ يعنـي‪ :‬إلـى ما ُ‬
‫ن اضْطُر فِـي َم ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬فمَ ِ‬
‫لثْمٍ يقول‪ :‬غير متعمّد لثم‪.‬‬
‫سمى فـي صدر هذه الَية‪ :‬غي َر مُتـجا ِنفٍ ِ‬
‫‪ 8822‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫حرّم‪ ,‬ر خص‬
‫حرْم ال ما َ‬
‫لثْ مٍ‪ :‬غ ير متع مد ل ثم‪ ,‬قال‪ :‬إل ـى ِ‬
‫عن م ـجاهد‪ :‬غيرَ ُمتَ ـجا ِنفٍ ِ‬
‫للـمضطّر إذا كان غير متعمد لثم أن يأكله من جهد فمن بغى أو عدا أو خرج فـي معصية‬
‫ال‪ ,‬فإنه مـحرّم علـيه أن يأكله‪.‬‬
‫لثْمٍ‪:‬‬
‫‪8823‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬غيرَ ُمتَـجا ِنفٍ ِ‬
‫أي غير معترّض لـمعصية‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬غيرَ‬
‫ل ْثمٍ‪ :‬غير متعمد لثم‪ ,‬غير متعرّض‪.‬‬
‫ُمتَـجا ِنفٍ ِ‬
‫‪ 8824‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫لثْ مٍ يقول‪ :‬غ ير متعرّض ل ثم‪ :‬أي يبت غي ف ـيه شهوة‪ ,‬أو يعتدي‬
‫ف ِ‬
‫عن ال سديّ‪ :‬غي َر ُمتَ ـجانِ ٍ‬
‫فـي أكله‪.‬‬
‫‪ 8825‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬غيرَ ُمتَـجا ِنفٍ‬
‫ل ْثمٍ‪ :‬ل يأكل ذلك ابتغاء الثم‪ ,‬ول جراءة علـيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فإنّ الّلهَ غَفُو ٌر َرحِيـمٌ‪.‬‬
‫وف ـي هذا الكلم متروك اكتف ـي بدللة ما ذ كر عل ـيه م نه‪ ,‬وذلك أن مع نى الكلم‪ :‬ف من‬
‫اضطرّ فـي مخصمة إلـى ما حرّمت علـيه مـما ذكرت فـي هذه الَية‪ ,‬غيرَ ُمتَـجا ِنفٍ‬
‫لثْ مٍ فأكله‪ ,‬فإن ال غَفُور َرحِيـمٌ‪ ,‬فترك ذكر‪« :‬فأكله»‪ .‬وذكر‪« :‬له»‪ ,‬لدللة سائر ما ذكر من‬
‫ِ‬
‫الكلم علـيهما‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬فإنّ الّلهَ غَفُورٌ َرحِيـمٌ فإن معناه‪ :‬فإن ال لـمن أكل ما حرّمت علـيه بهذه الَية‬
‫أكله فـي مخمصة‪ ,‬غير متـجانف لثم‪ ,‬غفور رحيـم‪ ,‬يقول‪ :‬يستر له عن أكله ما أكل من‬
‫ذلك بعفوه عـن مؤاخذتـه إياه‪ ,‬وصـفحه عنـه‪ ,‬وعـن عقوبتـه علــيه َرحِيــمٌ يقول‪ :‬وهـو بـه‬
‫رف ـيق‪ ,‬من رحم ته ورف قه به‪ ,‬أب ـاح له أ كل ما أب ـاح له أكله من ال ـميتة و سائر ما ذ كر‬
‫ضرّ الــحاجة‬
‫معهـا فــي هذه الَيـة‪ ,‬فــي حال خوفـه علــى نفسـه‪ ,‬مـن كَلَب الــجوع و ُ‬
‫العارضة ببدنه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وما الكل وعد ال الـمضطرّ إلـى الـميتة وسائر الـمـحرّمات معها بهذه‬
‫الَية غفرانَه إذا أكل منها؟ قـيـل‪ :‬ما‪:‬‬
‫‪ 8826‬ـ حدثنـي عبد العلـى بن واصل السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن القاسم السديّ‪,‬‬
‫عن الوزا عي‪ ,‬عن ح سان بن عط ية‪ ,‬عن أب ـي وا قد الل ـيثـي‪ ,‬قال‪ :‬قل نا يا ر سول ال إ نا‬
‫ط ِبحُوا‪ ,‬أوْ‬
‫صَ‬‫بأرض ت صيبنا ف ـيها مخم صة‪ ,‬ف ما ي صلـح ل نا من ال ـميتة؟ قال‪« :‬إذا لَ ـمْ تَ ْ‬
‫حتَ ِفئُوا بَقْلً‪ ,‬فَشأ ْنكُمْ بِها»‪.‬‬
‫َت ْغ َتبِقُوا‪ ,‬أوْ تَـ ْ‬
‫‪ 8827‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن الـخصيب بن زيد التـميـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫الــحسن‪ :‬أن رجلً سـأل رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقال‪ :‬إلــى متــى يحلّ لــي‬
‫ن الّلبَنِ‪ ,‬أ ْو تَـجِيءَ مِي َر ُت ُهمْ»‪.‬‬
‫ك مِ َ‬
‫الـحرام؟ قال‪ :‬فقال‪« :‬إلـى أنْ ُيرْوَى أهُْل َ‬
‫‪ 8828‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا خ صيب بن ز يد‬
‫التـميـميّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ :‬أن رجلً سأل النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكر مثله‪ ,‬إل‬
‫أنه قال‪« :‬أوْ تَـحيْا مِي َرتُ ُهمْ»‪.‬‬
‫‪ 8829‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمر بن عبد ال‬
‫بن عروة عن جده عروة بن الزبـير‪ ,‬عمن حدثه‪ :‬أن رجلً من العراب أتـى النبـيّ صلى‬
‫ل له‪ ,‬فقال له النب ـيّ صلى ال‬
‫ال عل يه وسلم ي ستفتـيه ف ـي الذي حرم ال عل ـيه والذي أح ّ‬
‫ن تَ ْفتَ ِقرَ إل ـى طَعا مٍ لَ كَ‬
‫لأ ْ‬
‫حرُ مُ عَلَ ـ ْيكَ ال ـخَبـائِثُ‪ ,‬إ ّ‬
‫طيّب ـاتُ‪ ,‬وَي ْ‬
‫ك ال ّ‬
‫عل يه و سلم‪َ « :‬يحِلّ لَ َ‬
‫ل لِ ـي‪ ,‬و ما غناي الذي‬
‫عنْ هُ»‪ ,‬فقال الر جل‪ :‬و ما فقري الذي ُيحِ ّ‬
‫ستَ ْغنِـيَ َ‬
‫فَتأكُلَ ِم ْن هُ حت ـى تَ ْ‬
‫ت َترْجو نِتاجا َفتَبَلّ غَ بلُـحُوم‬
‫يغنـينـي عن ذلك؟ فقال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذَا ُكنْ َ‬
‫طعِ مْ أهْلَ كَ مَا َبدَا لَ كَ‬
‫شيْئا‪ ,‬فأ ْ‬
‫ن ذَلِ كَ َ‬
‫ماشِ َيتِ كَ إل ـى نِتاجِ كَ‪ ,‬أ ْو ُكنْ تَ َترْجُو غِنًى َتطُْلبُ هُ َف َتبَلّغ مِ ْ‬
‫عنْ هُ» فقال الَعرابـيّ‪ :‬ما غناي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال النبـيّ صلى‬
‫س َت ْغنِـيَ َ‬
‫حتـى تَ ْ‬
‫ن طَعامِ‬
‫حرّمَ الّلهُ عَلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫غبُوقا مِنَ اللّـيْـلِ فـاجْ َتنِبْ ما َ‬
‫ال عليه وسلم‪« :‬إذَا أرْ َويْتَ أهْلَكَ َ‬
‫ماِلكَ‪ ,‬فإنّه م ْيسُورٌ كُلّهُ‪ ,‬لَـيْسَ فِـيهِ حَرامٌ»‪.‬‬
‫‪ 8830‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ا بن عل ـية‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬قال‪ :‬وجدت‬
‫سـمُرة‪ ,‬فقرأتـه علــيه‪ ,‬وكان فــيه‪ :‬ويجزي مـن الضطرار غَبوق أو‬
‫عنـد الــحسن كتاب َ‬
‫صَبوح‪.‬‬
‫حدث نا هناد وأ بو هشام الرف ـاعيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن أب ـي زائدة‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ج ْندَب‪ :‬يكفـي من الضطرار أو من الضرورة غَبوق أو صَبوح‪.‬‬
‫سمُرة بن ُ‬
‫قرأت فـي كتاب َ‬
‫‪ 8831‬ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن إدريس‪ ,‬عن‬
‫هشام بن حسان‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬إذا اضطْر الرجل إلـى الـميتة أكل منها قوته يعنـي‪:‬‬
‫سكَته‪.‬‬
‫ُم ْ‬
‫حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مبـارك‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن حسان بن عطية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال ر جل‪ :‬يا ر سول ال إ نا بأرض مخم صة‪ ,‬ف ما يحِل ل نا من ال ـميتة؟ ومت ـى ت ـحلّ ل نا‬
‫ل فَش ْأنُكمْ بِها»‪.‬‬
‫ط ِبحُوا أ ْو َت ْغ َتبِقُوا ولَـمْ تَـحْتَ ِفئُوا بَقْ ً‬
‫الـميتة؟ قال‪« :‬إذَا لَـمْ َتصْ َ‬
‫حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن حسان بن عطية‪,‬‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪ :‬إ نا نكون بأرض مخم صة‪,‬‬
‫عن ر جل قد سمي ل نا‪ ,‬أن رجلً للنب ـ ّ‬
‫حتَ ِفئُوا بَقْلً فَشأ ُنكُمْ‬
‫طبِحُوا ولَـمْ تَـ ْ‬
‫صَ‬‫فمتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال‪« :‬إذَا لَـمْ َت ْغ َتبِقُوا ولَـمْ تَ ْ‬
‫بِها»‪.‬‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬يروى هذا علــى أربعـة أوجـه‪« :‬تــحتفئوا» بــالهمزة‪« ,‬وتــحتفـيوا»‬
‫جتَفوا» بــالـحاء‬
‫بتــخفـيف الــياء والــحاء‪ ,‬و«تــحتفّوا» بتشديـد الفــاء‪ ,‬و«تَــ ْ‬
‫والتـخفـيف‪ ,‬ويحتـمل الهمز‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َاتـ وَمَا‬
‫ط ّيب ُ‬
‫ُمـ ال ّ‬
‫ل ُأحِلّ َلك ُ‬
‫ُمـ قُ ْ‬
‫ك مَاذَآ ُأحِلّ َله ْ‬
‫َسـأَلُو َن َ‬
‫{ي ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫سمَ اللّ هِ‬
‫ن ِممّا عَّل َمكُمُ اللّ ُه َفكُلُواْ ِممّآ َأمْسَكْنَ عََل ْيكُمْ وَا ْذكُرُو ْا ا ْ‬
‫ن ُتعَّلمُو َنهُ ّ‬
‫ح ُمكَّلبِي َ‬
‫ن ا ْلجَوَارِ ِ‬
‫عَّل ْمتُمْ مّ َ‬
‫حسَابِ }‪..‬‬
‫سرِي ُع ا ْل ِ‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫عََليْ ِه وَاتّقُو ْا اللّ َه إِ ّ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ي سألك يا م ـحمد أ صحابك ما الذي أُحلّ ل هم أكله من ال ـمطاعم‬
‫يعن ـي بذلك ج ّ‬
‫ل من ها الطيب ـات‪ ,‬و هي ال ـحلل الذي أذن ل كم رب كم ف ـي أكله من‬
‫وال ـمآكل‪ ,‬ف قل ل هم‪ :‬أح ّ‬
‫الذب ـائح‪ ,‬وأحلّ ل كم أي ضا مع ذلك صيد ما عل ـمتـم من ال ـجوارح‪ ,‬و هن الكوا سب من‬
‫سبـاع البهائم والطير‪ ,‬سميت جوارح لـجرحها لربـابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد‪,‬‬
‫ـي بذلك‪:‬‬
‫ـة أهله‪ :‬يعنــ‬
‫ـبهم خيرا‪ ,‬وفلن جارحـ‬
‫ـه‪ :‬جرح فلن لهله خيرا‪ :‬إذا أكسـ‬
‫يقال منـ‬
‫كاسبهم‪ ,‬ول جارحة لفلنة إذا لـم يكن لها كاسب‪ ,‬ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة‪:‬‬
‫ج َترَحْ‬
‫س ُمهُ ُي ْذ ِكرُ الـجارحَ ما كانَ ا ْ‬
‫خدّ ُم ْنضِجٍ مِي َ‬
‫ت َ‬
‫ذَا َ‬
‫يعن ـي‪ :‬اكت سب‪ .‬وترك من قوله‪ :‬وَ ما عَلّ ـ ْمتُـمْ‪« :‬و صيد» ما عل ـمتـم من ال ـجوارح‬
‫اكتف ـاء بدللة ما ذ كر من الكلم عل ـى ما ترك ذكره‪ .‬وذلك أن القوم ف ـيـما بلغ نا كانوا‬
‫ل ل هم ات ـخاذه من ها‬
‫سألوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح ين أمر هم بق تل الكلب ع ما يح ّ‬
‫وصيده‪ ,‬فأنزل ال عزّ ذكره فـيـما سألوا عنه من ذلك هذه الَية فـاستثنى مـما كان حرم‬
‫اتــخاذه منهـا‪ ,‬وأمـر بقُنــية كلب الصـيد وكلب الــماشية وكلب الــحرث‪ ,‬وأذن لهـم‬
‫بـاتـخاذ ذلك‪ .‬ذكر الـخير بذلك‪:‬‬
‫‪ 8832‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ز يد بن حب ـاب العكل ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مو سى بن‬
‫عبـيدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا صالـح عن القعقاع بن حكيـم‪ ,‬عن سلـمى أم رافع‪ ,‬عن أبـي رافع‪,‬‬
‫قال‪ :‬جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم يستأذن علـيه‪ ,‬فأذن له‪ ,‬فقال‪« :‬قد أذنّا‬
‫ك يا رَ سُولَ اللّه»‪ ,‬قال‪ :‬أجل‪ ,‬ولكنا ل ندخـل بـيتا فـيه كلب‪ .‬قال أبو رافع‪ :‬فأمرنـي أن‬
‫لَ َ‬
‫أقتل كل كلب بـالـمدينة‪ ,‬فقتلت حتـى انتهيت إلـى امرأة عندها كلب ينبح علـيها‪ ,‬فتركته‬
‫رحمة لها‪ ,‬ثم جئت إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأخبرته‪ ,‬فأمرنـي‪ ,‬فرجعت إلـى‬
‫الكلب فقتلته‪ ,‬فجاءوا فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬ما يحلّ لنا من هذه المة التـي أمر تَ بقتلها؟ قال‪:‬‬
‫ُمـ‬
‫ل َلك ُ‬
‫ُمـ قُلْ ُأحِ ّ‬
‫ل َله ْ‬
‫َسـئَلُو َنكَ ماذَا ُأحِ ّ‬
‫فسـكت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬ي ْ‬
‫ح ُمكَّلبِـينَ‪.‬‬
‫طيّبَـاتُ وَما عَلّـ ْمتُـمْ مِنَ الـجَوَارِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫‪ 8833‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪:‬‬
‫أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم بعث أبـا رافع فـي قتل الكلب‪ ,‬فقتل حتـى بلغ العوالـي‪,‬‬
‫فدخـل عاصم بن عد يّ وسعد بن خيثمة وعويـم بن ساعدة‪ ,‬فقالوا‪ :‬ماذا أُحلّ لنا يا رسول‬
‫ِنـ الــجَوَارِحِ‬
‫ُمـ الطّيّبــاتُ وَمـا عَلّــ ْمتُـمْ م َ‬
‫ُمـ قُلْ ُأحِلّ َلك ُ‬
‫ل َله ْ‬
‫َسـئَلُو َنكَ ماذَا ُأحِ ّ‬
‫ال؟ فنزلت‪ :‬ي ْ‬
‫مكَّلبِـينَ‪.‬‬
‫‪ 8834‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الزبـير‪ ,‬قال‪ :‬حدثونا عن‬
‫مـحمد بن كعب القرظ يّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما أمر النبـيّ صلى ال عليه وسلم بقتل الكلب‪ ,‬قالوا‪ :‬يا‬
‫ل َل ُهمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫سئَلُو َنكَ ماذَا ُأحِ ّ‬
‫رسول ال‪ ,‬فماذا يحلّ لنا من هذه المة؟ فنزلت‪َ :‬ي ْ‬
‫ِنـ‬
‫ثـم اختلف أهـل التأويــل فــي الــجوارح التــي عنـى ال بقوله‪ :‬وَمـا عَلّــ ْمتُـ ْم م َ‬
‫الـجَوَارِحِ فقال بعضهم هو كلّ ما علّـم الصيد فتعلـمه من بهيـمة أو طائر‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8835‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ال ـمبـارك‪ ,‬عن إ سماعيـل بن م سلـم‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬كل ما عُلّ ـم ف صاد‪ :‬من‬
‫ال ـحسن ف ـي قوله‪ :‬وَ ما عَلّ ـ ْمتُـمْ مِ نَ ال ـجَوَارِحِ ُمكَّلبِ ـي َ‬
‫كلب‪ ,‬أو صقر‪ ,‬أو َفهِد‪ ,‬أو غيره‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن إ سماعيـل بن م سلـم‪ ,‬عن ال ـحسن‪:‬‬
‫ل ما علـم فصاد من كلب أو فهد أو غيره‪.‬‬
‫ن قال‪ :‬ك ّ‬
‫ُمكَّلبِـي َ‬
‫‪8836‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد فـي صيد الفهد‪ ,‬قال‪ :‬هو من الـجوارح‪.‬‬
‫‪ 8837‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن‬
‫ن الـجَوَارِحِ ُمكَّلبِ ـينَ قال‪:‬‬
‫القاسم بن أب ـي بزّة‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪ :‬وَما عَلّـ ْمتُـمْ مِ َ‬
‫الطير‪ ,‬والكلب‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو خالد الح مر‪ ,‬عن ال ـحجاج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن القا سم بن‬
‫أبـي بزّة‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن حم يد‪ ,‬عن م ـجاهد‪ُ :‬مكَّلبِ ـينَ قال‪ :‬من‬
‫الكلب والطير‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫ن الـجَوَارِحِ ُمكَّلبِـينَ قال‪ :‬من الطير والكلب‪.‬‬
‫مـجاهد فـي قول ال‪ :‬مِ َ‬
‫حدثنـا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو حذيفـة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شبـل‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8838‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة (ح) وثنا ابن‬
‫وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الهيثم‪ ,‬عن طلـحة بن مصرف‪ ,‬قال‪ :‬خيثمة بن عبد‬
‫الرحمن‪ :‬هذا ما قد بـينت لك أن الصقر والبـازي من الـجوارح‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الهي ثم يحدّث عن طل ـحة اليا مي‪ ,‬عن خيث مة‪ ,‬قال‪ :‬أنبئت أن ال صقر‪ ,‬والب ـاز‪ ,‬والكلب‪ :‬من‬
‫الـجوارح‪.‬‬
‫‪8839‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن عمر‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن‬
‫علـيّ بن حسين‪ ,‬قال‪ :‬البـاز الصقر من الـجوارح‪.‬‬
‫‪ 8840‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن ي ـمان‪ ,‬عن شر يك‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن أب ـي‬
‫جعفر‪ ,‬قال‪ :‬البـاز والصقر من الـجوراح الـمكلّبـين‪.‬‬
‫‪ 8841‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن يعنــي بــالـجوارح‪ :‬الكلب‬
‫ح ُمكَّلبِــي َ‬
‫ِنـ الــجَوَارِ ِ‬
‫عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَمـا عَلّــ ْمتُـمْ م َ‬
‫الضواري والفهود والصقور وأشبـاهها‪.‬‬
‫‪ 8842‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ا بن‬
‫طاوس‪ ,‬عن أب ـيه‪ :‬وَ ما عَلّ ـمْتُـمْ مِ نَ ال ـجَوَارِح ُمكَّلبِ ـينَ قال‪ :‬من الكلب وغير ها‪ ,‬من‬
‫الصقور والبِـيزان وأشبـاه ذلك مـما يعلّـم‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ح ُمكَّلبِ ـينَ ال ـجوارح‪ :‬الكلب‬
‫ن ال ـجَوَارِ ِ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ما عَلّ ـ ْمتُـ ْم مِ َ‬
‫والصقور الـمعلـمة‪.‬‬
‫‪ 8843‬ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عمرو بن دينار سمع‬
‫ن الـجَوَارِحِ ُمكَّلبِـينَ قال‪ :‬الكلب والطير‪.‬‬
‫عبـيد بن عمير يقول فـي قوله‪ :‬مِ َ‬
‫ح ُمكَّلبِــينَ‬
‫ِنـ الــجَوَارِ ِ‬
‫ل ثناؤه بقوله‪ :‬وَمـا عَلّــ ْمتُـمْ م َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما عنـى ال ج ّ‬
‫الكلب دون غيرها من السبـاع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8844‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ت ـميـلة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬وَ ما‬
‫ن قال‪ :‬هي الكلب‪.‬‬
‫ح ُمكَّلبِـي َ‬
‫عَلّـ ْمتُـمْ ِمنَ الـجَوَارِ ِ‬
‫‪ 8845‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن ال ـجَوَارِحِ ُمكَّلبِ ـينَ يقول‪ :‬أحلّ ل كم صيد الكلب الت ـي‬
‫ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ما عَلّ ـ ْمتُـمْ مِ َ‬
‫علـمتـموهن‪.‬‬
‫‪ 8846‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن‬
‫عمر‪ ,‬قال‪ :‬أما ما صاد من الطير والبُزاة من الطير‪ ,‬فما أدركت فهو لك‪ ,‬وإل فل تطعَمه‪.‬‬
‫ل ما صاد من الط ير وال سبـاع ف من‬
‫وأول ـى القول ـين بتأوي ـل الَ ية‪ ,‬قول من قال‪ :‬ك ّ‬
‫ال ـجوارح‪ ,‬وإن صيد جم يع ذلك حلل إذا صاد ب عد التعل ـيـم‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه ع مّ بقوله‪:‬‬
‫ل جارحة‪ ,‬ولـم يخصص منها شيئا‪ ,‬فكل جارحة‬
‫وَما عَلّـ ْمتُـمْ مِ نَ الـجَوَارِحِ ُمكَّلبِـينَ‪ :‬ك ّ‬
‫كا نت ب ـالصفة الت ـي و صف ال من كل طائر و سبع فحلل أ كل صيدها‪ .‬و قد روِ يَ عن‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬بن ـحو ما قل نا ف ـي ذلك خبر‪ ,‬مع ما ف ـي الَ ية من الدللة‬
‫التـي ذكرنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك‪ ,‬وهو ما‪:‬‬
‫ي بن‬
‫‪8847‬ـ حدثنا به هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ,‬عن مـجالد‪ ,‬عن الشعبـيّ عن عد ّ‬
‫حات ـم‪ ,‬قال‪ :‬سألت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن صيد الب ـازيّ‪ ,‬ف ـاقل‪ « :‬ما َأمْ سَكَ‬
‫عَلَـ ْيكَ َفكُلْ»‪.‬‬
‫فأبـاح صلى ال عليه وسلم صيد البـازي وجعله من الـجوارح‪ ,‬ففـي ذلك دللة بـينة‬
‫ن ال ـجَوَارِحِ‪ :‬ما عل ـمنا من‬
‫عل ـى ف ساد قول من قال‪ :‬ع نى ال بقوله‪ :‬وَ ما عَلّ ـ ْمتُـمْ ِم َ‬
‫الكلب خاصة دون غيرها من سائر الـجوارح‪.‬‬
‫ن دللة علـى أن الـجوارح التـي ذكرت فـي قوله‪:‬‬
‫فإن ظ نّ ظا نّ أن فـي قوله ُمكَّلبِـي َ‬
‫وَ ما عَلّ ـ ْمتُـمْ مِ نَ ال ـجَوَارِحِ‪ :‬هي الكلب خا صة‪ ,‬ف قد ظ نّ غ ير ال صواب‪ ,‬وذلك أن مع نى‬
‫الَيـة‪ :‬قـل أحلّ لكـم أيهـا الناس فــي حال مصـيركم أصـحاب كلب الطيبــات وصـيد مـا‬
‫علّ ـمتـموه ال صيد من كوا سب ال سبـاع والط ير‪ .‬فقوله‪ُ :‬مكَّلبِ ـينَ صفة للقا نص‪ ,‬وإن صاد‬
‫بغير الكلب فـي بعض أحيانه‪ ,‬وهو نظير قول القائل يخاطب قوما‪ :‬أحلّ لكم الطيبـات‪ ,‬وما‬
‫عل ـمتـم من ال ـجوارح مكلب ـين مؤمن ـين فمعلوم أ نه إن ـما ع نى قائل ذلك إخب ـار القوم‬
‫ل ذكره أحلّ لهم فـي حال كونهم أهل إيـمان الطيبـات‪ ,‬وصيد الـجوارح التـي‬
‫أن ال ج ّ‬
‫طيّبــاتُ وَمـا‬
‫ُمـ ال ّ‬
‫ل َلك ُ‬
‫أعلــمهم أنـه ل يحلّ لهـم منـه إل مـا صـادوه بهـا‪ ,‬فكذلك قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫ن لذلك نظيره ف ـي أن التكل ـيب للقا نص ب ـالكلب كان‬
‫عَلّ ـمْتُـمْ مِ نَ ال ـجَوَارِحِ مكَّلبِ ـي َ‬
‫صيده أو بغيرها‪ ,‬ل أنه إعلم من ال عزّ ذكره أنه ل يحلّ من الصيد إل ما صادته الكلب‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ :‬تعَلّـمُو َنهُنّ مِـمّا عَلّـ َم ُكمُ اللّهُ‪.‬‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ُ :‬تعَلّــمُو َنهُنّ‪ :‬تؤدّبون الــجوارح‪ ,‬فتعلــمونهنّ طلب الصـيد لكـم‬
‫مـما علـمكم ال‪ ,‬يعنـي بذلك‪ :‬من التأديب الذي أدبكم ال والعلـم الذي علـمكم‪.‬‬
‫وقد قال بعض أهل التأويـل‪ :‬معنى قوله‪ :‬مِـمّا عَلّـ َم ُكمُ اللّ هُ‪ :‬كما علـمكم ال‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8848‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ُ :‬تعَلّـمُو َنهُنّ مِـمّا عَلّـمَ ُكمُ الّلهُ يقول‪ :‬تعلـمونهنّ من الطلب كما علـمكم ال‪.‬‬
‫ول سنا نعرف ف ـي كلم العرب « من» ب ـمعنى الكاف‪ ,‬لن « من» تدخ ـل ف ـي كلم هم‬
‫ب ـمعنى التبع يض‪ ,‬والكاف ب ـمعنى التشب ـيه‪ .‬وإن ـما يو ضع ال ـحرف مكان آ خر غيره إذا‬
‫تقارب معنــياهما‪ ,‬فأمـا إذا اختلفـت معانــيهما فغيـر موجود فــي كلمهـم وضـع أحدهمـا‬
‫عق ـيب الَ خر‪ ,‬وكتاب ال وتنزي ـله أحرى الكلم أن يج نب ما خرج عن ال ـمفهوم والغا ية‬
‫فـي الفصاحة من كلم من نزل بلسانه‪.‬‬
‫‪ 8849‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيـل بن صبـيح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو هانىء‪ ,‬عن‬
‫أبـي بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عامر‪ ,‬أن عد يّ بن حاتـم الطائي‪ ,‬قال‪ :‬أتـى رجل رسول ال صلى‬
‫ال عليـه وسـلم يسـأله عـن صـيد الكلب‪ ,‬فلــم يدر مـا يقول له‪ ,‬حتــى نزلت هذه الَيـة‪:‬‬
‫ن مِـمّا عَلّـ َم ُكمُ اللّهُ‪.‬‬
‫ُتعَلّـمُو َنهُ ّ‬
‫س َتشْلَـى لطلب ال صيد إذا‬
‫ق ـيـل‪ :‬اختلف أ هل التأويـل ف ـي ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو أن يُ ْ‬
‫أرسله صاحبه‪ ,‬ويـمسك علـيه إذا أخذه فل يأكل منه‪ ,‬ويستـجيب له إذا دعاه‪ ,‬ول يفرّ منه‬
‫إذا أراده‪ ,‬فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلّـما‪ .‬وهذا قول جماعة من أهل الـحجاز وبعض‬
‫أهل العراق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8850‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ع صام‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جرج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫عطاء‪ :‬كل ش يء قتله صائدك ق بل أن يعلّ ـم وي ـمسك وي صيد ف هو ميَ تة‪ ,‬ول يكون قتله إياه‬
‫ذكاة حتـى يعلّـم ويُـمسك ويصيد‪ ,‬فإن كان ذلك ثم قَتَل فهو ذكاته‪.‬‬
‫‪ 8851‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ال ـمعلّـم من الكلب أن ي ـمسك صيده فل يأ كل م نه‬
‫حتـى يأتـيه صاحبه‪ ,‬فإن أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته‪ ,‬فل يأكل من‬
‫صيده‪.‬‬
‫‪8852‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن طاوس‪ ,‬عن ابن عبـاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا أكل الكلب فل تأكل‪ ,‬فإنـما أمسك علـى نفسه‪.‬‬
‫‪ 8853‬ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا أ بو ال ـمعلـى‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن عب ـاس‪ :‬إذا أر سل الر جل الكلب‬
‫فأكل من صيده ف قد أف سده‪ ,‬وإن كان ذ كر ا سم ال ح ين أرسله فزعم أ نه إنـما أمسك عل ـى‬
‫ن ُتعَلـمُوَنهنّ مِـمّا عَلّـ َم ُكمُ اللّهُ‪ .‬فزعم أنه إذا أكل من‬
‫ح ُمكَّلبِـي َ‬
‫نفسه وال يقول مِنَ الـجَوَارِ ِ‬
‫صيده ق بل أن يأت ـيه صاحبه أ نه ل ـيس ب ـمعلـم‪ ,‬وأ نه ينب غي أن يضرب ويعل ـم حت ـى‬
‫يترك ذلك الـخـلق‪.‬‬
‫‪8854‬ــ حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا معمـر الرقــي‪ ,‬عـن حجاج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابـن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬إذا أخذ الكلب فقتل فأكل‪ ,‬فهو سبع‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي عبـد العلــى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا داود‪ ,‬عـن عامـر‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ل يأ كل م نه‪ ,‬فإ نه لو كان معل ـما ل ـم يأ كل م نه ول ـم يتعل ـم ما عل ـمته‪,‬‬
‫إنـما أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا داود‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنـا مــحمد بـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬إذا أكلت الكلب فل تأكل‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫الشعبـي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬بـمثله‪.‬‬
‫‪ 8855‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عون‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فعلت لعا مر الشعب ـيّ‪ :‬الر جل ير سل كل به ف ـيأكل م نه‪ ,‬أنأ كل م نه؟ ل‪ ,‬ل ـم يتعل ـم الذي‬
‫علـمته‪.‬‬
‫‪ 8856‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عمر‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا أكل الكلب من صيد فـاضربه‪ ,‬فإنه لـيس بـمعلّـم‪.‬‬
‫‪8857‬ـ حدثنا سوّار بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن ابن طاوس‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬إذا أكل الكلب فهو ميتة‪ ,‬فل تأكله‪.‬‬
‫‪8858‬ـ حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‬
‫و سيار‪ ,‬عن الشعب ـيّ ومغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم أن هم قالوا ف ـي الكلب‪ :‬إذا أ كل من صيده فل‬
‫تأكل‪ ,‬فإنـما أمسك علـى نفسه‪.‬‬
‫‪ 8859‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال عطاء‪ :‬إن‬
‫وجدت الكلب قد أكل من الصيد‪ ,‬فما وجدته ميتا فدعه‪ ,‬فإنه مـما لـم يـمسك علـيك صيدا‪,‬‬
‫إنـما هو سبع أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك‪ ,‬وإن كان قد علـم‪.‬‬
‫‪8860‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬بنـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون نــحو هذه الــمقالة‪ ,‬غيـر أنهـم حدّوا لــمعرفة الكَلّب بأن كلبـه قـد قبـل‬
‫التعلـيـم‪ ,‬وصار من الـجوارح الـحلل صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّات ثلثا‪ ,‬وهذا قول‬
‫مـحكيّ عن أبـي يوسف ومـحمد بن الـحسن‪.‬‬
‫وقال آخرون مـمن قال هذه الـمقالة‪ :‬ل حدّ لعلـم الكلّب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل‬
‫كلبه ما وصفنا أنه له تعلـيـم قالوا‪ :‬فإذا فعل ذلك فقد صار معلّـما حللً صيده‪ .‬وهذا قول‬
‫بعض الـمتأخرين‪.‬‬
‫وفرّق بعـض قائلــي هذه الــمقالة بــين تعلــيـم البــازي وسـائر الطيور الــجارحة‪,‬‬
‫وتعل ـيـم الكلب وضاري ال سبـاع ال ـجارحة‪ ,‬فقال‪ :‬جائز أ كل ما أ كل م نه الب ـازي من‬
‫الصيد‪ .‬قالوا‪ :‬وإنـما تعلـيـم البـازي أن يطير إذا استُشْلـي‪ ,‬ويجب إذا دُعي‪ ,‬ول ينفر من‬
‫صاحبه إذا أراد أخذه‪ .‬قالوا‪ :‬ول ـيس من شروط تعل ـيـمه أن ل يأ كل من ال صيد‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8861‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم وحجاج‪ ,‬عن‬
‫عطاء‪ ,‬قال‪ :‬ل بأس بصيد البـازي وإن أكل منه‪.‬‬
‫‪ 8862‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو إ سحاق‪ ,‬الشب ـيانـيّ‪ ,‬عن‬
‫حماد‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه قال فـي الطير‪ :‬إذا أرسلته فقتل فكل‪ ,‬فإن الكلب‬
‫إذا ضربته لـم يعُد وإن تعلـيـم الطير‪ :‬أن يرجع إلـى صاحبه‪ ,‬ولـيس يضرب فإذا أكل‬
‫من الصيد ونتف من الريش فكُلْ‪.‬‬
‫‪ 8863‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حمزة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫الشعبــي‪ ,‬قال‪ :‬لــيس البــازي والصـقر كالكلب‪ ,‬فإذا أرسـلتهما فأمسـكا فأكل فدعوتهمـا‬
‫فأتـياك‪ ,‬فكُلْ منه‪.‬‬
‫‪ 8864‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زبـيد‪ ,‬عن مطرّف‪ ,‬عن حماد‪ ,‬قال إبراهيـم‪ :‬كُل صيد‬
‫البـازي وإن أكل منه‪.‬‬
‫‪ 8865‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬وجابر عن‬
‫الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬كل من صيد البـازي وإن أكل‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيـم‪ :‬إذا أكل البـازي‬
‫والصقر من الصيد‪ ,‬فكل‪ ,‬فإنه ل يعُلّـم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهي ـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬ل بأس بـما أكل منه البـازي‪.‬‬
‫‪ 8866‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬أنه‬
‫قال فـي البـازي‪ :‬إذا أكل منه فكُلْ‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬سواء تعلـيـم الطير والبهائم والسبـاع‪ ,‬ل يكون نوع من ذلك معلّـما‬
‫إل ب ـما يكون به سائر النواع معل ـما‪ .‬وقالوا‪ :‬ل يحلّ أ كل ش يء من ال صيد الذي صادته‬
‫جار حة فأكلت م نه‪ ,‬كائ نة ما كا نت تلك ال ـجارحة بهي ـمة أو طائرا‪ .‬قالوا‪ :‬لن من شروط‬
‫ل به صيدها‪ ,‬أن تـمسك ما صادت علـى صاحبها فل تأكل منه‪ .‬ذكر‬
‫تعلـيـمها‪ .‬الذي يح ّ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8867‬ـ حدثنا هناد وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن سالـم‪,‬‬
‫عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬قال علـيّ‪ :‬إذا أكل البـازي من صيده فل تأكل‪.‬‬
‫‪ 8868‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جعفر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مـجاهد بن سعيد‪ ,‬عن‬
‫الشعبـي‪ ,‬قال‪ :‬إذا أكل البـازي منه فل تأكل‪.‬‬
‫‪ 8869‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫إذا أكل البـازي فل تأكل‪.‬‬
‫‪ 8870‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع عن عمرو بن الولـيد السهميّ‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا أكل البـازي فل تأكل‪.‬‬
‫‪ 8871‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال عطاء‪:‬‬
‫الكلب والب ـازي كلّه وا حد‪ ,‬ل تأ كل ما أ كل م نه من ال صيد إل أن تدرك ذكا ته فتذك يه‪ .‬قال‪:‬‬
‫قلت لعطاء‪ :‬البـازي ينتف الريش؟ قال‪ :‬فما أدركته ولـم يأكل‪ ,‬فكُلْ‪ .‬قال ذلك غير مرّة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬تعل ـيـم كل جار حة من البهائم والط ير وا حد‪ ,‬قالوا‪ :‬وتعل ـيـمه الذي يحلّ‬
‫س َتشْلِـي ويأخذ الصيد‪ ,‬ويدعوه صاحبه فـيجيب‪ ,‬أو ل‬
‫به صيده أن ُيشْلَـى علـى الصيد فـيَ ْ‬
‫يفرّ م نه إذا أخذه‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا ف عل ال ـجارح ذلك كان معل ـما داخلً ف ـي ال ـمعنى الذي قال‬
‫ن ُتعْلّــمونهُنّ مِــمّا عَلّــَم ُكمُ اللّهُـ َفكُلُوا مِــمّا‬
‫ال‪ :‬وَمـا عَلّــمْتُـمْ مِنَـ الــجَوَارِحِ ُمكَّلبِــي َ‬
‫سكْنَ عَلَ ـ ْي ُكمْ قالوا‪ :‬ول ـيس من شرط تعل ـيـم ذلك أن ل يأ كل من ال صيد‪ ,‬قالوا‪ :‬وك يف‬
‫أمْ َ‬
‫يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله؟ ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8872‬ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن سعيد أو سعد‪ ,‬عن سلـمان‪ ,‬قال‪ :‬إذا أر سلت كل بك عل ـى صيد‪ ,‬وذكرت ا سم ال فأ كل‬
‫ثلثـيه وبقـي ثلثه‪ ,‬فكل ما بقـي‪.‬‬
‫حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي القاسم‬
‫بن ربـيعة‪ ,‬عمن حدّثه‪ ,‬عن سلـمان وبكر بن عبد ال‪ ,‬عمن حدثه‪ ,‬عن سلـمان‪ :‬أن الكلب‬
‫يأخذ الصيد فـيأكل منه‪ ,‬قال‪ :‬كُلْ وإن أكل ثلثـيه إذا أرسلته وذكرت اسم ال وكان معلّـما‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬قال سلـمان‪ :‬كل وإن أكل ثلثـيه يعنـي‪ :‬الصيد‬
‫إذا أكل ثلثـيه يعنـي‪ :‬الصيد إذا أكل منه الكلب‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬عن سلـمان‪,‬‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد العزيز بن عبد الصمد‪ ,‬عن شعبة (ح)‬
‫وحدثنا هناد قال‪ :‬حدثنا عبدة جميعا‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫سلـمان‪ :‬إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم ال فأكل ثلثه فكُلْ‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن سلـمان‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا مـجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬عن بكر بن عبد ال الـمزنـي والقاسم‪ ,‬أن‬
‫سلـمان قال‪ :‬إذا أكل الكلب فكل‪ ,‬وإن أكل ثلثـيه‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن داود بن أب ـي الفرات‪ ,‬عن‬
‫م ـحمد بن ز يد‪ ,‬عن سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬قال سلـمان‪ :‬إذا أرسلت كل بك ال ـمعلـم أو‬
‫بـازك‪ ,‬فسمتَ‪ ,‬فأكَل نصفه أو ثلثـيه‪ ,‬فكل بقـيته‪.‬‬
‫‪8873‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي مخرمة بن‬
‫بكير‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن حميد بن مالك بن خثـيـم الدؤلـي‪ ,‬أنه سأل سعد بن أبـي وقاص عن‬
‫الصيد يأكل منه الكلب‪ ,‬فقال‪ :‬كُلْ وإن لـم يبق منه إل حذْية‪ ,‬يعنـي َبضْعة‪.‬‬
‫‪8874‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عبد الصمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عبد ربه بن‬
‫سعيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت بكير بن الشج يحدّث عن سعد‪ ,‬قال‪ :‬كل وإن أكل ثلثـيه‪.‬‬
‫‪8875‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عبد ربه بن‬
‫سعيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت بكير بن الشجّ‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب قال شعبة‪ ,‬قلت‪ :‬سمعت من سعيد؟‬
‫قال‪ :‬ل قال‪ :‬كل وإن أكل ثلثـيه‪ .‬قال‪ :‬ثم إن شعبة قال فـي حديثه عن سعد‪ ,‬قال‪ :‬كل وإن‬
‫أكل نصفه‪.‬‬
‫‪ 8876‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنى عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن أبـي‬
‫هريرة‪ ,‬قال‪ :‬إذا أرسلت كلبك فأكل منه‪ ,‬فإن أكل ثلثـيه وبقـي ثلثه فكُلْ‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن‬
‫الشعبـيّ‪ ,‬عن إبـي هريرة‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن الشعب ـيّ‪ ,‬عن أب ـي‬
‫هريرة‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سالـم بن نوح العطار‪ ,‬عن عمر‪ ,‬يعنـي ابن عامر‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬عن سلـمان‪ ,‬قال‪ :‬إذا أرسلت كلبك الـمعلـم فأخذ فقلت‪ ,‬فكُلْ‬
‫وإن أكل ثلثـيه‪.‬‬
‫‪ 8877‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبد ال (ح)‬
‫وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة‪ ,‬عن عبـيد ال بن عمر‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن عبد ال بن عمر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم ال فكُلْ ما أمسك علـيك‪ ,‬أكل أو لـم يأكل‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن‬
‫عمر‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪8878‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن أبـي ذئب أن نافعا حدثهم‪:‬‬
‫أن عبد ال بن عمر كان ل يرَى بأكل الصيد بأسا‪ ,‬إذا قتله الكلب أكل منه‪.‬‬
‫حدثن ـي يو نس به مرة أخرى‪ ,‬فقال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عب ـيد ال بن ع مر‬
‫وابن أبـي ذئب وغير واحد‪ ,‬أن نافعا حدثهم عن عبد ال بن عمر‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن أبـي ذئب‪ ,‬عن نافع‪,‬‬
‫عن ابن عمر‪ :‬أنه كان ل يرى بأسا بـما أكل الكلب الضاري‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن ا بن أب ـي ذئب‪ ,‬عن بك ير بن ع بد ال بن ال شج‪ ,‬عن‬
‫حم يد بن ع بد ال‪ ,‬عن سعد‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ل نا كلب ضوار يأكلن ويبق ـين؟ قال‪ :‬كل وإن ل ـم‬
‫يبق إل َبضْعة‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قبـيصة‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن أبـي ذئب‪ ,‬عن يعقوب بن عبد ال‬
‫بن الشجّ‪ ,‬عن حميد‪ ,‬قال‪ :‬سألت سعدا‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب عندنا فـي تأويـل قوله‪ُ :‬تعَلّـمُو َنهُنّ مِـمّا عَلّـ َم ُكمُ‬
‫اللّهُـ أن التعلــيـم الذي ذكره ال فــي هذه الَيـة للــجوارح‪ ,‬إنــما هـو أن يعلــم الرجـل‬
‫جارحه الستشلء إذا أُشلـي علـى الصيد‪ ,‬وطلبه إياه أغري‪ ,‬أو إمساكه علـيه إذا أَخذ من‬
‫غ ير أن يأ كل م نه شيئا‪ ,‬وأل يفرّ م نه إذا أراده‪ ,‬وأن يجي به إذا دعاه‪ ,‬فذلك هو تعل ـيـم جم يع‬
‫الـجوارح طيرها وبهائمها‪ .‬وإن أكل من الصيد جارحة صائد‪ ,‬فجارحه حينئذٍ غير معلـم‪.‬‬
‫فإن أدرك صاحبه حيّا فذكّاه حلّ له أكله‪ ,‬وإن أدر كه ميتا لـم يحلّ له‪ ,‬لنه مـما أكله السبع‬
‫سبُع ولـم يدرك ذكاته‪.‬‬
‫الذي حرّمه ال تعالـى بقوله‪ :‬وَما أكَلَ ال ّ‬
‫وإن ـما قل نا ذلك أول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب لتظا هر الخب ـار عن ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بـما‪:‬‬
‫‪8879‬ـ حدثنا به ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن عاصم بن سلـيـمان الحول‪,‬‬
‫عن الشعبـيّ‪ ,‬عن عد يّ بن حاتـم‪ ,‬أنه سأل النبـيّ صلى ال عليه وسلم عن الصيد‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫شيْئا‪,‬‬
‫ل ِمنْهُ‪ ,‬فل َت ْأكُلْ ِم ْن ُه َ‬
‫ن أدْ َر ْكتَهُ وقد َقتَلَ وَأكَ َ‬
‫سمَ اللّه عَلَـيْهِ‪ ,‬فإ ْ‬
‫«إذا أرْسَلْتَ كَ ْلبَكَ فـا ْذ ُكرِ ا ْ‬
‫سكَ علـى نَ ْفسِهِ»‪.‬‬
‫فإنّـما أ ْم َ‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬وأ بو هشام الرف ـاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن فضي ـل‪ ,‬عن ب ـيان بن‬
‫بشر‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن عد يّ بن حاتـم‪ ,‬قال‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقلت‪ :‬إنا‬
‫سمَ اللّ هِ عَلَـيْها‪َ ,‬فكُلْ‬
‫ت كِلبَ كَ الـمُعَلّـمَةَ َو َذ َكرْ تَ ا ْ‬
‫قوم نتصيد بهذه الكلب؟ فقال‪« :‬إذَا أرْ سَلْ َ‬
‫ن إنّـمَا‬
‫ن َيكُو َ‬
‫فأ ْ‬
‫ن أكَلَ َت ْأكُلْ‪ ,‬فإنّـي أخا ُ‬
‫ن َي ْأكُلَ الكَلْ بُ‪ ,‬فإ ْ‬
‫لأ ْ‬
‫سكْنَ عَلَـ ْيكَ وَإ نْ َقتَلْ نَ‪ ,‬إ ّ‬
‫ما أمْ َ‬
‫ح َبسَهُ علـى َن ْفسِهِ»‪.‬‬
‫َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما أنت قائل فـيـما‪:‬‬
‫‪ 8880‬ـ حدثك به عمران بن بكار الكلعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫م ـحمد بن دينار‪ ,‬عن أب ـي إياس‪ ,‬عن سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬عن سلـمان الف ـارسي‪ ,‬عن‬
‫ص ْيدِ فَأ ْد َركَ هُ َو َقدْ أكَلَ ِمنْ هُ‪,‬‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬إذَا أرْ سَلَ ال ّرجُلُ كَ ْلبَ هُ علـى ال ّ‬
‫فَلـيْأكُلْ ما بَقِـيَ»‪.‬‬
‫قـيـل‪ :‬هذا خبر فـي إسناده نظر‪ ,‬فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلـمان‪ ,‬والثقات‬
‫من أ هل الَثار يقـفون هذا الكلم علـى سلـمان ويروو نه عنه من ِقبَله غير مرفوع إلـى‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ .‬والـحفـاظ الثقات إذا تتابعوا علـى نقل شيء بصفة فخالفهم‬
‫واحد منفرد لـيس له حفظهم‪ ,‬كانت الـجماعة الثبـات أح قّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي‬
‫ل ـيس له حفظ هم‪ .‬وإذا كان ال مر ف ـي الكلب عل ـى ما ذكرت من أ نه إذا أ كل من ال صيد‬
‫ل جارحة فـي أن ما أكل منها من الصيد فغير معلّـم‪ ,‬ل يحلّ له‬
‫فغير معلّـم‪ ,‬فكذلك حكم ك ّ‬
‫أكل صيده إل أن يدرك ذكاته‪.‬‬
‫سكْنَ عَلَـ ْيكُمْ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬فكُلُوا مِـمّا أ ْم َ‬
‫ْسـكْنَ عَلَــْي ُكمْ‪ :‬فكلوا أيهـا الناس مــما أمسـكتْ علــيكم‬
‫يعنــي بقوله‪َ :‬فكُلُوا مِــما أم َ‬
‫جوارحكم‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي معنـى ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬ذلك علــى الظاهـر والعموم كمـا‬
‫عم ـمه ال حلل أ كل كل ما أم سكت عل ـينا الكلب وال ـجوارح ال ـمعلـمة من ال صيد‬
‫ال ـحلل أكله‪ ,‬أ كل م نه ال ـجارح والكلب أو ل ـم يأ كل م نه‪ ,‬أدر كت ذكا ته فذُ كي أو ل ـم‬
‫تدرك ذكاتـه حتــى قتلتـه الــجوارح‪ ,‬بجرحهـا إياه أو بغيـر جرح‪ .‬وهذا قول الذيـن قالوا‪:‬‬
‫تعلــيـم الــجوارح الذي يحلّ بـه صـيدها أن تعلّــم السـتشلء علــى الصـيد وطلبـه إذا‬
‫أُشلـيت علـيه وأخذَه‪ ,‬وترك الهرب من صاحبها دون ترك الكل من صيدها إذا صادته‪ .‬وقد‬
‫ذكرنا قول قائلـي هذه الـمقالة والرواية عنهم بأسانـيدها الواردة آنفـا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك عل ـى ال ـخصوص دون العموم‪ ,‬قالوا‪ :‬ومعناه‪ :‬فكلوا م ـما أم سكن‬
‫علـيكم من الصيد جميعه دون بعضه‪ .‬قالوا‪ :‬فإن أكلت الـجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا‪,‬‬
‫فـالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لنها إنـما أمسكت ما أمسكت من ذلك‬
‫الصيد بعد الذي أكلت منه علـى أنفسها ل علـينا‪ ,‬وال تعالـى ذكره إنـما أبـاح لنا كل ما‬
‫سكْنَ عَلَـ ْي ُكمْ دون ما أمسكته علـى‬
‫أمسكته جوارحنا الـمعلّـمة علـيه بقوله‪َ :‬فكُلُوا مِـمّا أمْ َ‬
‫أنفسها‪ ,‬وهذا قول من قال‪ :‬تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها‪ ,‬أن تَ سْ َتشْلـي للصيد إذا‬
‫أُشلـيت فتطلبه وتأخذه‪ ,‬فتـمسكه علـى صاحبها فل تأكل منه شيئا‪ ,‬ول تفرّ من صاحبها وقد‬
‫ذكرنا مـمن قال ذلك فـيـما مضى منهم جماعة كثـيرة‪ ,‬ونذكر منهم جماعة آخرين فـي‬
‫هذا الـموضع‪.‬‬
‫‪8881‬ــ حدث نا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاو ية‪ ,‬عن علــيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬فكُلُوا مِ ـمّا أمْ سَكْنَ عَلَ ـ ْي ُكمْ يقول‪ :‬كلوا م ـما قل تن‪ .‬قال عل ـيّ‪ :‬وكان ا بن‬
‫عبـاس يقول‪ :‬إن قتل وأكل فل تأكل‪ ,‬وإن أمسك فأدركته حيّا ف َذكّه‪.‬‬
‫‪ 8882‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس قال‪ :‬إن أ كل ال ـمعلـم من الكلب من صيده ق بل أن يأت ـيه‬
‫صاحبه فـيدرك ذكاته‪ ,‬فل يأكل من صيده‪.‬‬
‫‪ 8883‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫سكْنَ عَلَـيْ ُكمْ إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولـم يأكل منه‪ ,‬فهو‬
‫عن السديّ‪َ :‬فكُلوا مِـمّا أمْ َ‬
‫حلّ‪ ,‬فإن أكل منه‪ ,‬فـيقال‪ :‬إنـما أمسك علـى نفسه‪ ,‬فل تأكل منه شيئا‪ ,‬إنه لـيس بـمعلّـم‪.‬‬
‫ك ماذَا أُحلّ‬
‫سئَلُو َن َ‬
‫‪8884‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬يَ ْ‬
‫سمَ الّل هِ عَلَ ـيْهِ قال‪ :‬إذا أر سلت كل بك‬
‫سكْنَ عَلَ ـيْ ُكمْ وَا ْذكُرُوا ا ْ‬
‫َلهُ مْ إل ـى قوله‪َ :‬فكُلُوا مِ ـمّا أمْ َ‬
‫الـمعلـم أو طيرك أو سهمك‪ ,‬فذكرت اسم ال‪ ,‬فأخذ أو قتل‪ ,‬فكل‪.‬‬
‫‪ 8885‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن سلـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ :‬إذا أرسلت كلبك الـمعلّـم فذكرت اسم ال حين ترسله فأمسك أو‬
‫قتل فهو حلل‪ ,‬فإذا أكل منه فل تأكله‪ ,‬فإنـما أمسكه علـى نفسه‪.‬‬
‫‪8886‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو معاويـة‪ ,‬عـن عاصـم‪ ,‬عـن‬
‫سكْنَ عَلَ ـ ْي ُكمْ قال‪ :‬قلت يا ر سول ال إن أر ضى‬
‫الشعب ـيّ‪ ,‬عن عد يّ‪ ,‬قوله‪َ :‬فكُلُوا مِ ـمّا أمْ َ‬
‫ن قَتَلَ‪ ,‬فإ نْ‬
‫سكَ عَلَ ـ ْيكَ كَ ْلبَ كَ‪ ,‬وإ ْ‬
‫ل م ـما َأمْ َ‬
‫ت فكُ ْ‬
‫س ّميْ َ‬
‫أرض صيد؟ قال‪« :‬إذا أرْ سَلْتَ كَ ْلبَ كَ وَ َ‬
‫سكَ علـى نَ ْفسِهِ»‪.‬‬
‫َأكَلَ فل َت ْأكُلْ فإنّه إنّـما أ ْم َ‬
‫وقد بـينا أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قبل‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره‪.‬‬
‫ل ال‬
‫سكْنَ عَلَـ ْي ُكمْ‪ ,‬وقد أح ّ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وما وجه دخول «مِن» فـي قوله‪ :‬فَكُلُوا مِـمّا أمْ َ‬
‫لنا صيد جوارحنا الـحلل‪« ,‬ومن» إنـما تدخـل فـي الكلل مبعضة لـما دخـلت فـيه؟‬
‫قــيـل‪ :‬قـد اختلف فــي معنـى دخولهـا فــي هذا الــموضع أهـل العربــية‪ ,‬فقال بعـض‬
‫نـحويـي البصرة حين دخـلت «من» فـي هذا الـموضع لغير معنى‪ ,‬كما تدخـله العرب‬
‫سيّئاتِ ُكمْ‪,‬‬
‫ع ْنكُ مْ ِم نْ َ‬
‫فـي قولهم‪ :‬كان من مطر‪ ,‬وكان من حديث‪ .‬قال‪ :‬ومن ذلك قوله‪َ :‬ويُك َفرْ َ‬
‫ن َبرَدٍ‪ .‬قال‪ :‬و هو ف ـيـما ف سر‪ :‬وينزل من‬
‫ن جِب ـالٍ فِ ـيها مِ ْ‬
‫ن ال سّماء مِ َ‬
‫وقوله‪ :‬ويُنزّلُ مِ َ‬
‫السماء جبـالً فـيها برد‪ .‬قال‪ :‬وقال بعضهم‪ :‬وُينزّل مِ نَ ال سّماء مِ نْ جِبـالٍ فـيها مِ نْ َب َردٍ‬
‫أي من ال سماء من برد‪ ,‬بج عل ال ـجبـال من برد ف ـي ال سماء‪ ,‬وبج عل النزال من ها‪ .‬وكان‬
‫غيره من أ هل العرب ـية يُن كر ذلك ويقول‪ :‬ل ـم تدخ ـل « من» إل ل ـمعنى مفهوم ل يجوز‬
‫الكلم ول يصلـح إل به‪ ,‬وذلك أنها دالة علـى التبعيض‪ .‬وكان يقول‪ :‬معنى قولهم‪« :‬قد كان‬
‫حدّث عند كم‪.‬‬
‫حدِي ثٍ ُ‬
‫طرٍ مَطَر عند كم‪ ,‬و هل من َ‬
‫من م طر‪ ,‬وكان من حد يث»‪ :‬هل كان من َم َ‬
‫سيّئا ِتكُمْ أي ويك فر عن كم من سيئاتكم ما يشار وير يد‪ ,‬وف ـي‬
‫ع ْنكُ مْ ِم نْ َ‬
‫ويقول‪ :‬مع نى َو ُيكَ ّفرْ َ‬
‫ن َبرَدٍ ول يجز‬
‫ل مِنَ السّما ِء مِنْ جِبـالٍ فِـيها ِمنْ َب َردٍ فـيجيز حذف «مِنْ» من مِ ْ‬
‫قوله‪ :‬و ُي َنزّ ُ‬
‫حذفها من «الـجبـال»‪ ,‬ويتأوّل معنى ذلك‪ :‬وينزّل من السماء أمثال جبـال بردَ‪ ,‬ثم أدخـلت‬
‫«مـن» فــي البرَد‪ ,‬لن البرَد مفسـر عنده عـن المثال‪ :‬أعنــي‪ :‬أمثال الــجبـال‪ ,‬وقـد‬
‫أقـيـمت الـجبـال مقام المثال‪ ,‬والـجبـال وهي جبـال برَد‪ ,‬فل يجيز حذف «من» من‬
‫ال ـجبـال‪ ,‬لن ها دالة عل ـى أن الذي ف ـي ال سماء الذي أنزل م نه البرد أمثال جب ـال برد‪,‬‬
‫وأجاز حذف «مِنـْ» مـن «البرد»‪ ,‬لن «البرد» مفسـر عـن المثال‪ ,‬كمـا تقول‪ :‬عندي رطلن‬
‫زيتـا‪ ,‬وعندي رطلن مـن زيـت‪ ,‬ولــيس عندك الرطـل وإنــما عندك الــمقدار‪ ,‬ف«مِنـْ»‬
‫تدخ ـل فــي الــمفسر وت ـخرج منـه‪ .‬وكذلك عنـد قائل هذا القول‪ :‬مـن ال سماء‪ ,‬مـن أمثال‬
‫جبـال‪ ,‬ولـيس بجبـال‪ .‬وقال‪ :‬وإن كان أنزل من جبـال فـي السماء من برد جبـالً‪ ,‬ثم‬
‫حذف «الـجبـال» الثانـية و«الـجبـال» الوّل فـي السماء جاز‪ ,‬تقول‪ :‬أكلت من الطعام‪,‬‬
‫تريد‪ :‬أكلت من الطعام طعاما‪ ,‬ثم تـحذف الطعام ول تسقط «من»‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك‪ ,‬أن « ِم نْ» ل تدخ ـل ف ـي الكلم إل ل ـمعنى مفهوم‪ ,‬و قد‬
‫يجوز حذف ها ف ـي ب عض الكلم وب ـالكلم إل ـيها حا جة لدللة ما يظ هر من الكلم عل ـيها‪,‬‬
‫فأما أن تكون فـي الكلم لغير معنى أفـادته بدخولها‪ ,‬فذلك قد بـينا فـيـما مضى أنه غير‬
‫ْسـكْنَ‬
‫ح مـن الكلم‪ .‬ومعنـى دخولهـا فــي قوله‪ :‬فَكُلُوا مــمّا أم َ‬
‫جائز أن يكون فــيـما صـ ّ‬
‫ل ال لهم لـحومه وحرم‬
‫عَلَـيْ ُكمْ للتبعيض إذ كانت الـجوارح تـمسك علـى أصحابها ما أح ّ‬
‫سكْنَ عَلَـ ْيكُ ْم جوارحكم الطيبـات التـي‬
‫علـيهم فرثه ودمه‪ ,‬فقال جلّ ثناؤه‪َ :‬فكُلُوا مِـمّا أمْ َ‬
‫أحللت لكم من لـحومها دون ما حرّمت علـيكم من خبـائثه من ال َفرْث والدم وما أشبه ذلك‬
‫مـما لـم أطيبه لكم‪ ,‬فذلك معنى دخول «من» فـي ذلك‪.‬‬
‫سيّئا ِت ُكمْ فقد بـينا وجه دخولها فـيه فـيـما مضى بـما أغنى‬
‫ن َ‬
‫ع ْنكُ مْ مِ ْ‬
‫وأما قوله‪َ :‬و ُيكَ ّفرْ َ‬
‫ن جِبـالٍ فسنبـينه إذا أتـينا علـيه‬
‫ن السّماءِ مِ ْ‬
‫عن إعادته‪ .‬وأما دخولها فـي قوله‪ :‬ويُنزّلُ مِ َ‬
‫إن شاء ال تعالـى‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَا ْذ ُكرُوا اسْ َم اللّهِ عَلَـيْهِ‪.‬‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬وا ْذ ُكرُوا ا سْ َم ال علـى ما أمسكت علـيكم جوارح كم من الصيد‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪8887‬ــ حدث نا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاو ية‪ ,‬عن علــي‪ ,‬عن ا بن‬
‫سمَ ال عَلَ ـيْهِ يقول‪ :‬إذا أر سلت جار حك ف قل‪ :‬ب سم ال‪ ,‬وإن ن سيت‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬واذ ُكرُوا ا ْ‬
‫فلحرج‪.‬‬
‫‪8888‬ـ حدثنا مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْذ ُكرُوا اسْمَ‬
‫اللّهِ عَلَـيْ ِه قال‪ :‬إذا أرسلته فسمّ علـيه حين ترسله علـى الصيد‪.‬‬
‫ن اللّ َه سَرِيعُ الـحِسابِ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَاتّقُوا اللّهَ إ ّ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬واتقوا ال أيها الناس فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه‪ ,‬فـاحذروه‬
‫يعنـي ج ّ‬
‫فـي ذلك أن تقدموا علـى خلفه‪ ,‬وأن تأكلوا من صيد الـجوارح غير الـمعلّـمة أو مـما‬
‫لـم تـمسك علـيكم من صيدها وأمسكته علـى أنفسها‪ ,‬أو تَطعَموا ما لـم يسمّ ال علـيه‬
‫من الصيد والذبـائح مـما صاده أهل الوثان وعبدة الصنام ومن لـم يوحد ال من خـلقه‪,‬‬
‫أو ذبحوه‪ ,‬فإن ال قد حرّم ذلك علـيكم فـاجتنبوه‪ .‬ثم خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من‬
‫ذلك و من غيره فقال‪ :‬اعل ـموا أن ال سريع ح سابه ل ـمن حا سبه عل ـى نعم ته عل ـيه من كم‬
‫وشكر الشاكر منكم ربه‪ ,‬علـى ما أنعم به علـيه بطاعته إياه فـيـما أمر ونهى‪ ,‬لنه حافظ‬
‫لــجميع ذلك فــيكم فــيحيط بـه‪ ,‬ل يخفــى علــيه منـه شيـء‪ ,‬فــيجازي الــمطيع منـك‬
‫بطاعته والعاصي بـمعصيته‪ ,‬وقد بـين لكم جزاء الفريقـين‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طعَا ُم اّلذِي نَ أُوتُو ْا ا ْل ِكتَابَ حِلّ‬
‫طيّبَاتُ َو َ‬
‫ل َلكُمُ ال ّ‬
‫{ا ْليَوْمَ ُأحِ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ب مِن قَبِْلكُمْ‬
‫ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَا َ‬
‫ت مِنَ اّلذِي َ‬
‫صنَا ُ‬
‫ن ا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ وَا ْل ُمحْ َ‬
‫صنَاتُ مِ َ‬
‫ل ّلهُمْ وَا ْل ُمحْ َ‬
‫طعَا ُمكُمْ حِ ّ‬
‫ّلكُمْ َو َ‬
‫حبِطَ‬
‫خدَا نٍ َومَن َيكْ ُفرْ بِالِيمَا نِ فَ َقدْ َ‬
‫خذِيَ َأ ْ‬
‫ل ُم ّت ِ‬
‫غ ْيرَ مُسَا ِفحِينَ َو َ‬
‫صنِينَ َ‬
‫ِإذَآ آ َت ْي ُتمُو ُهنّ ُأجُورَهُ نّ ُمحْ ِ‬
‫سرِينَ }‪..‬‬
‫ن ا ْلخَا ِ‬
‫خرَ ِة مِ َ‬
‫لِ‬‫عمَلُ ُه وَهُ َو فِي ا َ‬
‫َ‬
‫ل لكـم أيهـا الــمؤمنون‬
‫طيّبــاتُ‪ :‬الــيوم أح ّ‬
‫ُمـ ال ّ‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬الــيَ ْو َم ُأحِلّ َلك ُ‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ‬
‫ال ـحلل من الذب ـائح وال ـمطاعم‪ ,‬دون ال ـخبـائث من ها‪ .‬قوله‪َ :‬وطَعا مُ اّلذِي َ‬
‫حِلّ َلكُ مْ وذبـائح أهل الكتاب من الـيهود والنصارى‪ ,‬وهم الذين أوتوا التوراة والنـجيـل‪,‬‬
‫وأنزل علـيهم‪ ,‬فدانوا بهما أو بأحدهما حِلّ َلكُ مْ يقول‪ :‬حلل لكم أكله دون ذبـائح سائر أهل‬
‫الشرك الذين ل كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الوثان والصنام‪ ,‬فإن من لـم يكن منهم‬
‫مـمن أقرّ بتوحيد ال ع ّز ذكره ودان دين أهل الكتاب‪ ,‬فحرام علـيكم ذبـائحهم‪.‬‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بِ من أ هل الكتاب‪,‬‬
‫ثم اختلف ف ـيـمن ع نى ال ع ّز ذكره بقوله‪َ :‬وطَعا مُ اّلذِي َ‬
‫ل مـمن أنزل علـيه التوراة والنـجيـل‪ ,‬أو مـمن‬
‫فقال بعضهم‪ :‬عنى ال بذلك ذبـيحة ك ّ‬
‫دخ ـل ف ـي ملت هم فدان دين هم وحرّم ما حرّموا وحلل ما حللوا من هم و من غير هم من سائر‬
‫أجناس المـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8889‬ـ حدث نا م ـحمد بن ع بد ال ـملك بن أب ـي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوا حد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫خَ صيف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬سئل ا بن عب ـاس عن ذب ـائح ن صارى بن ـي تغلب‪ ,‬فقرأ‬
‫خذُوا ال ـ َيهُودَ‪ ...‬إلــى قوله‪َ :‬ومَن ْـ َيتَوَّلهُم ْـ ِم ْنكُ مْ فإنّ هُ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّــ ِ‬
‫هذه الَيـة‪ :‬يا أيهـا اّلذِي َ‬
‫ِم ْنهُمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عثمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن بشر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن‬
‫وعكر مة‪ :‬أنه ما كا نا ل يريان بأ سا بذب ـائح ن صارى بن ـي تغلب وبتزوّج ن سائْهم‪ ,‬ويتلوان‪:‬‬
‫ن َيتَوَّل ُهمْ ِم ْن ُكمْ فإنّهُ ِم ْن ُهمْ‪.‬‬
‫َومَ ْ‬
‫‪ 8890‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ال ـحسن‬
‫وسعيد بن الـمسيب‪ :‬أنهما كانا ل يريان بأسا بذبـيحة نصارى بنـي تغلب‪.‬‬
‫‪ 8891‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫ن رَبكَ َنسِيّا‪.‬‬
‫عن الشعبـيّ‪ :‬أنه كان ل يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب‪ ,‬وقرأ‪ :‬وَما كا َ‬
‫‪ 8892‬ـ حدثنـي ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ بو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جر يج‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي ابن شهاب عن ذبـيحة نصارى العرب‪ ,‬قال‪ :‬تؤكل من أجل أنهم فـي الدين أهل‬
‫كتاب‪ ,‬ويذكرون اسم ال‪.‬‬
‫‪ 8893‬ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪ :‬قال‪:‬‬
‫قال عطاء‪ :‬إنـما يقرءون ذلك الكتاب‪.‬‬
‫‪ 8894‬ـ حدث نا يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫الــحكم وحمادا وقتادة عـن ذبــائح نصـارى بنــي تغلب‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل بأس بهـا‪ .‬قال‪ :‬وقرأ‬
‫ل أمانِـيّ‪.‬‬
‫ن ل َيعْلَـمُونَ الكِتابَ إ ّ‬
‫الـحكم‪َ :‬و ِم ْن ُهمْ ُأ ّميّو َ‬
‫‪ 8895‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪,‬‬
‫عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كلوا من ذبـائح بنـي تغلب‪ ,‬وتزوّجوا من نسائهم‪ ,‬فإن‬
‫ضهُم ْـ‬
‫خذُوا الــَيهُودَ وَالنّصـَارَى أوْلِــيا َء َبعْ ُ‬
‫ال قال فــي كتابـه‪ :‬يـا أيّهـا اّلذِينَـ آ َمنُوا ل َتتّــ ِ‬
‫أوْلِـياءُ َبعْضٍ َو َمنْ َيتَوَّل ُهمْ ِم ْن ُكمْ فإنّهُ ِم ْن ُهمْ فلو لـم يكونوا منهم إل بـالولية لكانوا منهم‪.‬‬
‫‪ 8896‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن ابن أبـي عروبة‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ :‬أن الـحسن كان ل يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب‪ ,‬وكان يقول‪ :‬انتـحلوا دينا‬
‫فذاك دينهم‪.‬‬
‫عنَى بـالذين أوتوا الكتاب فـي هذه الَية‪ ,‬الذين أنزل علـيهم التوراة‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما َ‬
‫والن ـجيـل‪ ,‬من بن ـي إ سرائيـل وأبنائ هم‪ ,‬فأ ما من كان دخيلً ف ـيهم من سائر الم ـم‬
‫ن بهذه الَ ية ول ـيس هو م ـمن‬
‫م ـمن دان بدين هم و هم من غ ير بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬فل ـم ُيعْ َ‬
‫يحلّ أ كل ذب ـائحه ل نه ل ـيس م ـمن أوت ـى الكتاب من قَبْل ال ـمسلـمين‪ .‬وهذا قول كان‬
‫م ـحمد بن إدر يس الشافع يّ يقوله حدث نا بذلك ع نه الرب ـيعّ ويتأوّل ف ـي ذلك قول من كره‬
‫ذبـائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين‪ .‬ذكر من حرّم ذبـائح نصارى العرب‪:‬‬
‫‪ 8897‬ـ حدث نا يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن م ـحمد‪ ,‬عن‬
‫عب ـيدة قال‪ :‬قال عل ـيّ رضوان ال عل ـيه‪ :‬ل تأكلوا ذب ـائح ن صارى بن ـي تغلب‪ ,‬فإن هم‬
‫إنـما يتـمسكون من النصرانـية بشرب الـخمر‪.‬‬
‫حدث نا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشام‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬عن عب ـيدة‪ ,‬عن‬
‫علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬ل تأكلوا ذبــائح نصـارى بنــي تغلب‪ ,‬فإنهـم لــم يتــمسكوا بشيـء مـن‬
‫النصرانـية إل بشرب الـخمر‪.‬‬
‫حدثنا ال ـحسن بن عر فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن ب كر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫سـيرين‪ ,‬عـن عبــيدة‪ ,‬قال‪ :‬سـألت علــيّا عـن ذبــائح نصـارى العرب‪ ,‬فقال‪ :‬ل تؤكـل‬
‫ذبـائحهم‪ ,‬فإنهم لـم يتعلقوا من دينهم إل بشرب الـخمر‪.‬‬
‫‪ 8898‬ـ حدثن ـي عل ـي بن سعيد الكندي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عل ـيّ بن عا بس‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫السائب‪ ,‬عن أبـي البختري‪ ,‬قال‪ :‬نهانا علـيّ عن ذبـائح نصارى العرب‪.‬‬
‫‪8899‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي حمزة‬
‫الق صاب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت م ـحمد بن عل ـيّ يحد ثّ عن عل ـيّ‪ :‬أ نه كان يكره ذب ـائح ن صارى‬
‫بنـي تغلب‪.‬‬
‫‪ 8900‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬ل تأكلوا ذبـائح نصارى العرب وذبـائح نصارى أرمينـية‪.‬‬
‫وهذه الخبـار عن علـيّ رضوان ال علـيه‪ ,‬إنـما تدلّ علـى أنه كان ينهي عن ذبـائح‬
‫نصارى بنـي تغلب من أجل أنهم لـيسوا علـى النصرانـية‪ ,‬لتركهم تـحلـيـل ما تـحلل‬
‫الن صارى وت ـحريـم ما ت ـحرّم غ ير ال ـخمر‪ .‬و من كان منت ـحلً ملة هو غ ير مت ـمسك‬
‫منها بشيء‪ ,‬فهو إلـى البراءة منها أقرب إلـى اللـحاق بها وبأهلها‪ ,‬فلذلك نهى علـيّ عن‬
‫أكل ذبـائح نصارى بنـي تغلب‪ ,‬ل من أجل أنهم لـيسوا من بنـي إسرائيـل‪ .‬فإذا كان ذلك‬
‫كذلك‪ ,‬وكان إجما عا من ال ـحجة إحلل ذبــيحة كلّ ن صرانـيّ ويهود يّ‪ ,‬إن انتــحل د ين‬
‫النصـاري أو الــيهود‪ ,‬فأحلّ مـا أحلوا‪ ,‬وحرّم مـا حرّموا مـن بنــي إسـرائيـل كان أو مـن‬
‫غيرهم‪ ,‬فبّـين خطأ من قال الشافعي فـي ذلك وتأويـله الذي تأوّله فـي قوله‪َ :‬وطَعا مُ اّلذِي نَ‬
‫ل َلكُمـْ‪ :‬أنـه ذبــائح الذيـن أوتوا الكتاب التوراة والنــجيـل مـن بنــي‬
‫ِتابـ حِ ّ‬
‫أُوتُوا الك َ‬
‫إسرائيـل‪ ,‬وصواب ما خالف تأويـله ذلك‪ ,‬وقول من قال‪ :‬إن كل يهود يّ ونصرانـيّ فحلل‬
‫ي أجناس بنـي آدم كان‪.‬‬
‫ذبـيحته من أ ّ‬
‫وأ ما الطعام الذي قال ال‪َ :‬وطَعا مُ اّلذِي نَ أُوتُوا الكِتا بَ فإ نه الذب ـائح‪ .‬وب ـمثل ما قل نا ف ـي‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8901‬ـ حدث نا أ بو كر يب وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن م ـجاهد‪:‬‬
‫َوطَعامُ اّلذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ َل ُك ْم قال‪ :‬الذبـائح‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫ل َل ُكمْ قال‪ :‬ذبـائحهم‪.‬‬
‫أبـي بزة‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪َ :‬وطَعامُ اّلذِينَ ُأتُوا الكِتابَ حِ ّ‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نعي ـم وقب ـيصة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬عن لـيث‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪َ :‬وطَعا ُم الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ َل ُكمْ قال‪ :‬ذبـيحة أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 8902‬ـ حدث نا يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم ف ـي‬
‫ل َل ُكمْ قال‪ :‬ذبـائحهم‪.‬‬
‫ن أُوتُوا الكِتابَ حِ ّ‬
‫قوله‪َ :‬وطَعامُ اّلذِي َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان عن الـمغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪,‬‬
‫بـمثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نعي ـم وقب ـيصة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم مثله‪.‬‬
‫‪ 8903‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ بن‬
‫أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وطَعا ُم اّلذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ َل ُكمْ قال‪ :‬ذبـائحهم‪.‬‬
‫‪ 8904‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعلـى بن أسد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن‬
‫الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن أُوتُوا‬
‫‪ 8905‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وطَعا مُ اّلذِي َ‬
‫الكِتابَ حِلّ َل ُكمْ‪ :‬أي ذبـائحهم‪.‬‬
‫‪ 8906‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ل َل ُكمْ أما طعامهم فهو الذبـائح‪.‬‬
‫ن أُوتُوا الكِتاب حِ ّ‬
‫عن السديّ‪َ :‬وطَعامُ اّلذِي َ‬
‫‪ 8907‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ُمـ قال‪ :‬أحلّ ال لنـا طعامهـم‬
‫ِتابـ حِلّ َلك ْ‬
‫ِينـ أُوتُوا الك َ‬
‫َعامـ اّلذ َ‬
‫الضحاك يقول فــي قوله‪َ :‬وط ُ‬
‫ونساءهم‪.‬‬
‫‪ 8908‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ل َلكُمْ فإنه أحلّ لنا طعامهم‬
‫طعَامُ اّلذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِ ّ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس أما قوله‪َ :‬و َ‬
‫ونساءهم‪.‬‬
‫‪ 8909‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬سألته يعن ـي ا بن يز يد ع ما ذُ بح‬
‫للكنائس وسُمي علـيها فقال‪ :‬أحلّ ال لنا طعام أهل الكتاب‪ ,‬ولـم يستثن منه شيئا‪.‬‬
‫‪ 8910‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن أب ـي الزاهر ية‬
‫حدير بن كريب‪ ,‬عن أبـي السود‪ ,‬عن عمير بن السود‪ :‬أنه سأل أبـا الدرداء عن كبش ذبح‬
‫لكن ـيسة يقال ل ها جر جس أهدوه ل ها‪ ,‬أنأ كل م نه؟ فقال أ بو الدرداء‪ :‬الله مّ عفوا إن هم هم أ هل‬
‫ل لنا وطعامنا حلّ لهم‪ .‬وأمره بأكله‪.‬‬
‫كتاب‪ ,‬طعامهم ح ّ‬
‫ل لهل الكتاب‪.‬‬
‫ل َل ُهمْ فإنه يعنـي‪ :‬ذبـائحكم أيها الـمؤمنون ح ْ‬
‫وأما قوله َوطَعا ُمكُمْ حِ ّ‬
‫ن ال ـمُ ْؤمِنات وال ـمُـحْصَناتُ ِم نَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬وال ـمُـحْصَناتُ ِم َ‬
‫ن ُأجُورَهُنّ‪.‬‬
‫ن َقبْلِ ُكمْ إذا آتَـ ْيتُـمُوهُ ّ‬
‫اّلذِينَ ُأتُوا ال ِكتَابَ أُوتُوا مِ ْ‬
‫ل لكـم أيهـا الــمؤمنون‬
‫ـ الــمُ ْؤمِناتِ أح ّ‬
‫صنَاتُ مِن َ‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬والــمُـحْ َ‬
‫صنَاتُ ِمنَ اّلذِين‬
‫ن أن تنكحوهنّ‪ .‬والـمُـحْ َ‬
‫الـمـحصنات من الـمؤمنات وهنّ الـحرائر منه ّ‬
‫أُوتُوا ال ِكتَا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ يعنـي‪ :‬والـحرائر من الذين أعطوا الكتاب‪ ,‬وهم الـيهود والنصارى‬
‫الذ ين دانوا ب ـما ف ـي التوراة والن ـجيـل من قبل كم أي ها ال ـمؤمنون ب ـمـحمد صلى ال‬
‫ن يعنـي‪ :‬إذا‬
‫ن أيضا إذا آتَـ ْيتُـمُو ُهنّ أجُورَهُ ّ‬
‫عليه وسلم من العرب وسائر الناس‪ ,‬أن تنكحوه ّ‬
‫أعطيتـم من نكحتـم من مـحصناتكم ومـحصناتهم أجورهنّ‪ ,‬وهي مهورهن‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمـحصنات اللتــي عناهنـّ ال عزّ ذكره بقوله‪:‬‬
‫ُمـ فقال‬
‫ِنـ قَبِْلك ْ‬
‫ِتابـ م ْ‬
‫ِنـ اّلذِيـن أُوتُوا الك َ‬
‫تم َ‬‫حصَنا ُ‬
‫ت والــمُـ ْ‬
‫ِنـ الــمُؤمِنا ِ‬
‫تم َ‬‫حصَنا ُ‬
‫والــمُـ ْ‬
‫بعضهم‪ :‬عنـي بذلك الـحرائر خاصة‪ ,‬فـاجرة كانت أو عفـيفة‪ .‬وأجاز قائلوا هذه الـمقالة‬
‫ي أجناس كانت‪ ,‬بعد أن‬
‫نكاح الـحرّة مؤمنة كانت أو كتابـية من الـيهود والنصارى من أ ّ‬
‫تكونَ كتابـية فـاجرة كانت أو عفـيفة‪ ,‬وحرّموا إماء أهل الكتاب أن نتزوّجهنّ بكل حال لن‬
‫ن َي ْنكِ حَ‬
‫س َتطِعْ ِم ْنكُ مْ طَ ْولً أ ْ‬
‫ل ثناؤه شرط من نكاح الماء الي ـمان بقوله‪َ :‬ومَ نْ لَ ـمْ يَ ْ‬
‫ال ج ّ‬
‫ت أيـمَا ُن ُكمْ مِنْ َفتَـيا ِت ُكمُ الـمُ ْؤمِناتِ ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ت الـمُ ْؤمِناتِ َفمِـمّا مََلكَ ْ‬
‫حصَنا ِ‬
‫الـمُـ ْ‬
‫‪ 8911‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ن اّلذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال‪ :‬من الـحرائر‪.‬‬
‫مـجاهد‪ :‬وَالـمُـحْصَنات مِ َ‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ن َقبِْلكُمْ قال‪ :‬من الـحرائر‪.‬‬
‫ن ُأتُوا الكِتابَ مِ ْ‬
‫حصَنات مِنَ اّلذِي َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬والـمُـ ْ‬
‫‪ 8912‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ق ـيس بن‬
‫مسلـم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ :‬إن رجلً طلق امرأته وخطبت إلـيه أخته‪ ,‬وكانت قد أحدثت‪,‬‬
‫ل خيرا فقال‪:‬‬
‫ت منها؟ قال‪ :‬ما رأيت منها إ ّ‬
‫فأتـى عمر فذكر ذلك له منها‪ ,‬فقال عمر‪ :‬ما رأي َ‬
‫زوّجها ول تُـخْبر‪.‬‬
‫‪8913‬ــ حدثنـا ابـن أبــي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الواحـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـلـيـمان‬
‫الشيب ـانـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عا مر‪ ,‬قال‪ :‬زَنَت امرأة من َهمْدان‪ ,‬قال‪ :‬فجلد ها م صدّق ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم الـحدّ‪ ,‬ثم تابت‪ .‬فأتَوا عمر‪ ,‬فقالوا‪ :‬نزوّجها وبئس ما كان من أمرها قال‬
‫عمر‪ :‬لئن بلغنـي أنكم ذكرتـم شيئا من ذلك لعاقبنكم عقوبة شديدة‪.‬‬
‫‪ 8914‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن قـيس بن‬
‫م سلـم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ :‬أن رجلً أراد أن يزوّج أخ ته‪ ,‬فقالت‪ :‬إن ـي َأخْشَى أن أف ضح‬
‫أبـي‪ ,‬فقد بغيت‪ .‬فأتـى عمر فقال‪ :‬ألـيس قد تابت؟ قال‪ :‬بلـى‪ .‬قال‪ :‬فزوّجها‪.‬‬
‫‪8915‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي‬
‫خالد‪ ,‬عن الشعبـي‪ :‬أن نبـيشة امرأة من همدان بغت‪ ,‬فأردات أن تذبح نفسها‪ ,‬قال‪ :‬فأدركوها‬
‫فداووها فبرئت‪ ,‬فذكروا ذلك لعمر‪ ,‬فقال‪ :‬أنكحوها نكاح العفـيفة الـمسلـمة‪.‬‬
‫‪ 8916‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪ :‬أن رجلً‬
‫من أ هل ال ـيـمن أ صابت أخ ته ف ـاحشة‪ ,‬فأمرت الشفرة عل ـى أوداج ها‪ ,‬فأدر كت‪ ,‬فدُووي‬
‫جرح ها حت ـى برئت‪ .‬ثم إن عم ها انت قل بأهله حت ـى قدم ال ـمدينة‪ ,‬فقرأت القرآن ون سكت‪,‬‬
‫حتـى كانت من أنسك نسائهم‪ .‬فخطبت إلـى عمها‪ ,‬وكان يكره أن يدلّسها‪ ,‬ويكره أن يفشي‬
‫عل ـى اب نة أخ يه‪ ,‬فأت ـى ع مر‪ ,‬فذ كر ذلك له‪ ,‬فقال ع مر‪ :‬لو أفش يت عل ـيها لعاقب تك‪ ,‬إذ أتاك‬
‫رجل صالـح ترضاه فزوّجها إياه‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العلــى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا داود‪ ,‬عـن عامـر‪ :‬أن جاريـة‬
‫بـالـيـمن يقال لها نبـيشة‪ ,‬أصابت فـاحشة‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 8917‬ـ حدث نا ت ـميـم بنن نن ال ـمنتصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سماعيـل عن‬
‫عامـر‪ ,‬قال‪ :‬أتــى رجـل عمـر فقال‪ :‬إن ابنـة لــي كانـت وُئدت فــي الــجاهلـية‪,‬‬
‫فـاستـخرجتها قبل أن تـموت‪ ,‬فأدركت السلم‪ ,‬فلـما أسلـمت أصابت حدّا من حدود ال‪,‬‬
‫فعمدت إل ـى الشفرة لتذ بح ب ها نف سها‪ ,‬فأدركت ها و قد قط عت ب عض أوداج ها‪ ,‬فداويت ها حت ـى‬
‫برئت‪ ,‬ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة‪ ,‬فهي تـخطب إلـيّ يا أمير الـمؤمنـين‪ ,‬فأُخبر من شأنها‬
‫ب ـالذي كان؟ فقال ع مر‪ :‬أت ـخبر بشأت ها؟ تع مد إل ـى ما ستره ال فتبدي نه وال لئن أ خبرت‬
‫بشأنها أحدا من الناس‪ ,‬لجعلنك نكالً لهل المصار بل أنكحها بنكاح العفـيفة الـمسلـمة‪.‬‬
‫حدثنا أحمد بن منـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل‬
‫إلـى عمر‪ .‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 8918‬ـ حدثنا مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن أبـي الزبـير‪:‬‬
‫أن رجلً خطب من رجل أخته‪ ,‬فأخبره أنها قد أحدثت‪ .‬فبلغ ذلك عمر بن الـخطاب‪ ,‬فضرب‬
‫الرجل‪ ,‬وقال‪ :‬مالك والـخبر؟ أنكح واسكت‬
‫‪ 8919‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو هلل‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر بن الـخطاب‪ :‬لقد همـمت أن أدع أحدا أصاب فـاحشة فـي‬
‫السلم أن يتزوّج مـحصنة‪ .‬فقال له أبـيّ بن كعب‪ :‬يا أمير الـمؤمنـين‪ ,‬الشرك أعظم من‬
‫ذلك‪ ,‬وقد يقبل منه إذا تاب‬
‫ن الـمُ ْؤ ِمنَاتِ والـمُـحْصَناتُ ِم نَ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما عنى ال بقوله‪ :‬والـمُـحْصَناتُ ِم َ‬
‫اّلذِينَـ ُأتُوا الكِتابَـ مِن ْـ َقبْلِكُمـْ‪ :‬العفــائف مـن الفريقــين‪ ,‬إماءكنّـ أو حرائر‪ .‬فأجاز قائلو هذه‬
‫الـمقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الَية‪ ,‬وحرّموا البغايا من الـمؤمنات وأهل‬
‫الكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8920‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قوله‪:‬‬
‫ن قَبِْل ُكمْ قال‪ :‬العفـائف‪.‬‬
‫ب مِ ْ‬
‫ن ُأتُوا الكِتا َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫والـمُـحْصَناتُ مِ َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8921‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬وابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر عـن مطرف‪ ,‬عـن عامـر‪:‬‬
‫ن َقبِْلكُ مْ قال‪ :‬إحصان الـيهودية والنصرانـية‪ :‬أن‬
‫ن اّلذِي نَ أوتوا ال ِكتَا بَ مِ ْ‬
‫والـمُـحْصَناتُ مِ َ‬
‫ل تزنـي وأن تغتسل من الـجنابة‪.‬‬
‫ت مَ نَ‬
‫حصَنا ُ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن عا مر‪ :‬وال ـمُـ ْ‬
‫ن َقبْلِكُ مْ قال‪ :‬إح صان ال ـيهودية والن صرانـية‪ :‬أن تغت سل من ال ـجنابة‪,‬‬
‫ن ُأتُوا الكِتا بَ ِم ْ‬
‫اّلذِي َ‬
‫وأن تـحصن فرجها‪.‬‬
‫ي فـي‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن الشعبـ ّ‬
‫ن َقبِْلكُ مْ قال‪ :‬إحصان الـيهودية والنصرانـية‪:‬‬
‫ن ُأتُوا الكِتا بَ مِ ْ‬
‫ت مِ نَ اّلذِي َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫قوله‪ :‬والـمُـ ْ‬
‫أن ل تزنـي‪ ,‬وأن تغتسل من الـجنابة‪.‬‬
‫حدثنا الـمثنى قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيـم‪ ,‬عن مطرّف‪ ,‬عن الشعبـي‬
‫ب مِ نْ َقبِْلكُ مْ قال‪ :‬إح صانها أن تغت سل من‬
‫ن اّلذِي نَ ُأتُوا الكِتا َ‬
‫ف ـي قوله‪ :‬وال ـمـحصَناتُ مِ َ‬
‫الـجنابة‪ ,‬وأن تـحصن فرجها من الزنا‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معل ـى بن أ سد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مطرف عن‬
‫عامر‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪8922‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن الـمبـارك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سفـيان‬
‫ن ُأتُوا الكِتابَ قال‪ :‬العفـائف‪.‬‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫يقول فـي قوله‪ :‬والـمُـحْصَناتُ مِ َ‬
‫‪ 8923‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن َقبِْلكُمْ قال‪:‬‬
‫ن ُأتُوا الكِتابَ مِ ْ‬
‫ت مِنَ اّلذِي َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫ن الـمُ ْؤمِناتِ والـمُـ ْ‬
‫السدي‪ :‬والـمُـحْصَناتُ مِ َ‬
‫ن العفـائف‪.‬‬
‫أما الـمـحصنات‪ :‬فه ّ‬
‫‪ 8924‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬أن‬
‫امرأة اتـخذت مـملوكها وقالت‪ :‬تأوّلت كتاب ال‪ :‬وما ملكت أيـمانكم‪ .‬قال‪َ :‬فُأتِـيَ بها عمر‬
‫بن الـخطاب‪ ,‬فقال له ناس من أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬تأوّلت آية من كتاب ال‬
‫ل مسلـم‪.‬‬
‫علـى غير وجهها‪ .‬قال‪ :‬فقرب العبد وجزّ رأسه‪ ,‬وقال‪ :‬أنت بعده حرام علـى ك ّ‬
‫‪ 8925‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫من صور‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ :‬أ نه قال ف ـي الت ـي ت سرى ق بل أن يُدخ ـل ب ها‪ ,‬قال‪ :‬ل ـيس ل ها‬
‫صداق ويفرّق بـينهما‪.‬‬
‫‪ 8926‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أش عث‪ ,‬عن الشعب ـيّ ف ـي‬
‫البكر تهجر‪ ,‬قال‪ :‬تضرب مائة سوط‪ ,‬وتنفـي سنة‪ ,‬وتردّ علـى زوجها ما أخذت منه‪.‬‬
‫‪ 8927‬ـ حدث نا حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أش عث‪ ,‬عن أب ـي‬
‫الزبـير‪ ,‬عن جابر‪ ,‬مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ 8928‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أش عث‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬م ثل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ 8929‬ـ حدث نا يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن يو نس أن ال ـحسن كان‬
‫يقول‪ :‬إذا رأى الرجل من امرأته فـاحشة فـاستـيقن فإنه ل يـمسكها‪.‬‬
‫‪ 8930‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبـي ميسرة‪ ,‬قال‪ :‬مـملوكات‬
‫أهل الكتاب بـمنزلة حرائرهم‪.‬‬
‫ن اّلذِي نَ ُأتُوا الكِتا بَ‬
‫حصَنات مِ َ‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي ح كم قوله ع ّز ذكره‪ :‬وال ـمُـ ْ‬
‫ن قَبِْلكُ مْ أعا مّ أم خا صّ؟ فقال بعض هم‪ :‬هو عا ّم ف ـي العف ـائف منه نّ‪ ,‬لن ال ـمـحصنات‬
‫مِ ْ‬
‫ل حرّة وأمـة كتابــية حربــية كانـت أو ذميـة‪ .‬واعتلوا‬
‫العفــائف‪ ,‬وللــمسلـم أن يتزوّج ك ّ‬
‫ُمـ وأن‬
‫ِنـ َقبِْلك ْ‬
‫ِتابـ م ْ‬
‫ِينـ ُأتُوا الك َ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫فــي ذلك بظاهـر قوله تعالــى‪ :‬والــمُـحْصَناتُ م َ‬
‫الـمعنـيّ بهنّ العفـائف كائنة من كانت منهن‪ .‬وهذا قول من قال‪ :‬عنـي بـالـمـحصنات‬
‫فـي هذا الـموضع‪ :‬العفـائف‪.‬‬
‫ب مِ نْ‬
‫ن اّلذِي نَ ُأتُوا الكِتا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل اللواتـي عنى بقوله جلّ ثناؤه‪ :‬والـمُـحْصَناتُ مِ َ‬
‫َقبْلِكُمـْ‪ :‬الــحرائر منهنـّ‪ ,‬والَيـة عامـة فــي جميعهنـّ‪ ,‬فنكاح جميـع الــحرائر الــيهود‬
‫ن وهذا قول‬
‫ن أو ذميات‪ ,‬من أ يّ أجناس الـيهود والنصارى ك ّ‬
‫والنصارى جائز‪ ,‬حربـيات ك ّ‬
‫جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8931‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫الـمسيب والـحسن‪ :‬أنهما كانا ل يريان بأسا بنكاح نساء الـيهود والنصارى‪ ,‬وقال‪ :‬أحله ال‬
‫علـى علـم‪.‬‬
‫وقال آخرون من هم‪ :‬بل عن ـي بذلك‪ :‬نكاح بن ـي إ سرائيـل الكتاب ـيات منه نّ خا صة دون‬
‫سـائر أجناس المــم الذيـن دانوا بــالـيهودية والنصـرانـية‪ .‬وذلك قول الشافعـي ومـن قال‬
‫بقوله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك معنىّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من الـمسلـمين ذمة وعهد‪ ,‬فأما‬
‫أهل الـحرب فإن نساءهم حرام علـى الـمسلـمين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8932‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عقبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الفزاري‪ ,‬عن سفـيان بن‬
‫ح سين‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن مق سم‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬من ن ساء أ هل الكتاب من يحلّ ل نا‪,‬‬
‫ح ّرمُونَ‬
‫خرِ ول ُي َ‬
‫لِ‬‫ن ل ُي ْؤ ِمنُونَ بـاللّهِ وَل بـالـيَ ْومِ ا َ‬
‫ومنهم من ل يحل لنا‪ .‬ثم قرأ‪ :‬قاتِلُوا اّلذِي َ‬
‫جزْيَةَ‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ حتّـى ُي ْعطُوا الـ ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫حرّم الّل هُ َورَ سُوُلهُ وَل َيدِينُون دِي نَ الـحَقّ ِم ْ‬
‫ما َ‬
‫فمن أعطي الـجزية حلّ لنا نساؤه‪ ,‬ومن لـم يعط الـجزية لـم يحل لنا نساؤه‪ .‬قال الـحكم‪:‬‬
‫فذكرت ذلك لبراهيـم فأعجبه‪.‬‬
‫حصَناتُ‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك عند نا ب ـالصواب قول من قال‪ :‬عن ـي بقوله‪ :‬وال ـمُـ ْ‬
‫ن قَبِْلكُ ْم حرائر الـمؤمنـين وأهل‬
‫ن اّلذِي نَ أُوتُوا الكِتا بَ ِم ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫حصَنا ُ‬
‫ن الـمُ ْؤمِناتِ والـمُـ ْ‬
‫مِ َ‬
‫ن ل هم‬
‫ل ثناؤه ل ـم يأذن بنكاح الماء الحرار ف ـي ال ـحال الت ـي أب ـاحه ّ‬
‫الكتاب‪ ,‬لن ال ج ّ‬
‫ل أن َينْكحَـ الــمُـحْصَناتِ‬
‫إلّ أن يكنّـ مؤمنات‪ ,‬فقال عزّ ذكره‪َ :‬ومَن ْـ لَــمْ يَس ْـتَطِ ْع ِم ْنكُم ْـ طَ ْو ً‬
‫ن إلّ الـمؤمنات‪,‬‬
‫ن َفتَـياتِ ُكمُ الـمُؤمِناتِ فلـم يبح منه ّ‬
‫الـمُؤمِناتِ َفمِـمّا مََلكَ تْ أيـمَا ُن ُكمْ مِ ْ‬
‫ِينـ أُوتُوا‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫تم َ‬‫حصَنا ُ‬
‫ِنـ الــمُ ْؤمِناتِ والــمُـ ْ‬
‫فلو كان مرادا بقوله‪ :‬والــمُـحْصَناتُ م َ‬
‫الكِتا بَ‪ :‬العفـائف‪ ,‬لدخـل العفـائف من إمائهم فـي البـاحة‪ ,‬وخرج منها غير العفـائف‬
‫ن قد أتـين‬
‫من حرائرهم وحرائر أهل اليـمان‪ .‬وقد أحل ال لنا حرائر الـمؤمنات‪ ,‬وإن ك ّ‬
‫بف ـاحشة بقوله‪ :‬وأنْكحُوا اليامَى ِم ْنكُ مْ وَال صّالِـحِينَ ِم نْ عِب ـا ِد ُكمْ وإمائ كم‪ ,‬و قد دلل نا عل ـى‬
‫ل نكاح من أت ـى الف ـاحشة من ن ساء ال ـمؤمنـين وأ هل الكتاب‬
‫ف ساد قول من قال‪ :‬ل يح ّ‬
‫لل ـمؤمنـين ف ـي مو ضع غ ير هذا ب ـما أغن ـي عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪ ,‬فنكاح‬
‫حرائر الـمسلـمين وأهل الكتاب حلل للـمؤمنـين‪ ,‬ك نّ قد أتـين بفـاحشة أو لـم يأتـين‬
‫بفـاحشة‪ ,‬ذمية كانت أو حربـية‪ ,‬بعد أن تكون بـموضع ل يخاف الناكح فـيه علـى ولده‬
‫ـ الــمُ ْؤمِناتِ‬
‫صنَاتُ مِن َ‬
‫أن يجـبر علــى الكفـر‪ ,‬بظاهـر قول ال جلّ وعزّ‪ :‬والــمُـحْ َ‬
‫ن َقبِْلكُ مْ‪ .‬فأما قول الذي قال‪ :‬عنى بذلك نساء بنـي‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ مِ ْ‬
‫ن الذِي َ‬
‫والـمُـحْصَناتُ مِ َ‬
‫إسـرائيـل الكتابــيات منهـن خاصـة‪ ,‬فقول ل يوجـب التشاغـل بــالبـيان عنـه لشذوذه‬
‫والـخروح عما علـيه علـماء المة من تـحلـيـل نساء جميع الـيهود والنصارى‪ .‬وقد‬
‫دلل نا عل ـى ف ساد قول قائل هذه ال ـمقالة من ج هة الق ـياس ف ـي غ ير هذا ال ـموضع ب ـما‬
‫فـيه الكفـاية فكرهنا إعادته‪.‬‬
‫ـ فإن الجـر‪ :‬العوض الذي يبذله الزوج للــمرأة‬
‫ن ُأجُورَهُن ّ‬
‫وأمـا قوله‪ :‬إذَا آتَــْيتُـمُوهُ ّ‬
‫للستـمتاع بها‪ ,‬وهو الـمهر‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪8933‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس فـي قوله‪ :‬آتَـ ْيتُـمُو ُهنّ ُأجُورَهُنّ يعنـي مهورهنّ‪.‬‬
‫خدَانٍ‪ .‬يعنـي‬
‫صنِـينَ غيرَ مُسا ِفحِينَ وَل ُمتّـخِذِي أ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬مُـحْ ِ‬
‫بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬أحلّ لكـم الــمـحصنات مـن الــمؤمنات‪,‬والــمـحصنات مـن الذيـن أوتوا‬
‫الكتاب من قبلكم‪ ,‬وأنتـم مـحصنون غير مسافحين ول متـخذي أخدان‪ .‬ويعنـي بقوله جلّ‬
‫صنِـين‪ :‬أعف ـاء غيرَ مُ سا ِفحِينَ يعن ـي‪ :‬ل معالن ـين ب ـالسفـاح ب كل ف ـاجرة‬
‫ح ِ‬
‫ثناؤه‪ :‬مُ ـ ْ‬
‫َانـ يقول‪ :‬ول منفرديـن ببغيـة واحدة قـد خادنهـا وخادنتـه‬
‫خد ٍ‬ ‫وهـو الفجور وَل مُتــخِذِي أ ْ‬
‫وات ـخذها لنف سه صديقة يف جر ب ها‪ .‬و قد ب ـينا مع نى الح صان ووجو هه ومع نى ال سفـاح‬
‫والـخدن فـي غير هذا الـموضع بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع وهو كما‪:‬‬
‫‪ 8934‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن يعنــي‪ :‬ينكحوهـن بــالـمهر والبــينة‪ ,‬غَيْر‬
‫ن غيرَ مُسـا ِفحِي َ‬
‫صنِـي َ‬
‫ح ِ‬
‫عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬مُــ ْ‬
‫سرّون بـالزنا‪.‬‬
‫ن يعنـي‪ُ :‬ي ِ‬
‫خدَا ٍ‬
‫ُمسَا ِفحِينَ متعالنـين بـالزنا‪ ,‬وَل ُمتّـخِذِي أ ْ‬
‫ل ال لنـا‬
‫‪8935‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬أح ّ‬
‫َانـ ذات‬
‫خد ٍ‬ ‫خذِي أ ْ‬
‫مــحصنتـين‪ :‬مــحصنة مؤمنـة‪ ,‬ومــحصنة مـن أهـل الكتاب وَل ُمتّــ ِ‬
‫الـخدن‪ :‬ذات الـخـلـيـل الواحد‪.‬‬
‫‪ 8936‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن سلـيـمان‬
‫بن الـمغيرة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬سأله رجل‪ :‬أيتزوّج الرجل الـمرأة من أهل الكتاب؟ قال‪:‬‬
‫مـا له ولهـل الكتاب وقـد أكثـر ال الــمسلـمات؟ فإن كان ل بـد فــاعلً‪ ,‬فلــيعمد إلــيها‬
‫حصانا غير مسافحة‪ .‬قال الرجل‪ :‬وما الـمسافحة؟ قال‪ :‬هي التـي إذا لـمـح الرجل إلـيها‬
‫بعينه اتبعته‪.‬‬
‫خرَةِ‬
‫لِ‬‫حبِطَ عمَُلهُ وَهُ َو فِـي ا َ‬
‫ن َيكْ ُفرْ بـاليـمَانِ فَ َقدْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله ع ّز ذكره‪َ :‬ومَ ْ‬
‫سرِينَ‪.‬‬
‫ن الـخا ِ‬
‫مِ َ‬
‫يعن ـي بقوله جلّ ثناؤه‪َ :‬و َم نْ َيكْ ُفرْ ب ـاليـمَانِ و من يج حد ما أ مر ال ب ـالتصديق به من‬
‫توحيد ال ونبوّة مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما جاء به من عند ال‪ ,‬وهو اليـمان الذي‬
‫عمَلُ ُه يقول‪ :‬فقد بطل ثواب عمله الذي كان‬
‫حبِ طَ َ‬
‫ن فَ َقدْ َ‬
‫قال ال جلّ ثناؤه‪َ :‬و َم نْ َيكْ ُفرْ بـالِيـمَا ِ‬
‫لخِرَ ِة مِ نَ ال ـخاسرِينَ‬
‫يعمله فــي الدنــيا‪ ,‬يرجـو أن يدرك بـه منزلة عنـد ال‪ .‬وَهُ َو فِ ـي ا َ‬
‫يقول‪ :‬وهـو فــي الَخرة مـن الهالكيـن الذيـن غبنوا أنفسـهم حظوظهـا مـن ثواب ال بكفرهـم‬
‫ن َيكْ ُفرْ بـاليـمَانِ عُنـي به أهل‬
‫بـمـحمد وعملهم بغير طاعة ال‪ .‬وقد ذكر أن قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫الكتاب‪ ,‬وأنه أنزل علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم من أجل قوم تـحرجّوا نكاح نساء‬
‫طعَا ُمكُمْ‬
‫ل َلكُمْ و َ‬
‫طعَامُ الذّين أُوتُوا ال ِكتَابَ حِ ٌ‬
‫طيّبـاتُ و َ‬
‫ل َلكُمُ ال ّ‬
‫أهل الكتاب لـما قـيـل لهم‪ُ :‬أحِ َ‬
‫ن الّذين أُوتُوا ال ِكتَا بَ ِم نْ َقبِْلكُ مْ‪.‬‬
‫صنَاتُ مِ َ‬
‫ن الـمُ ْؤ ِمنَاتِ والـمُـح َ‬
‫ت مِ َ‬
‫صنَا ُ‬
‫ح َ‬
‫حِلٌ َلهُ مْ والـمُـ ْ‬
‫ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 8937‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذ كر ب نا أن نا سا من‬
‫ال ـمسلـمين قالوا‪ :‬ك يف نتزوّج ن ساءهم يعن ـي ن ساء أ هل الكتاب و هم عل ـى غ ير دين نا؟‬
‫ن الـخاسِرِينَ‬
‫خرَةِ ِم َ‬
‫لِ‬‫عمَُل هُ وَ ُهوَ فِـي ا َ‬
‫حبِ طَ َ‬
‫فأنزل ال عزّ ذكره‪َ :‬ومَ نْ َيكْ ُف ْر بـاليـمَانِ فَ َقدْ َ‬
‫ل ال تزويجهنّ علـى علـم‪.‬‬
‫فأح ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل اليـمان قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪8938‬ـ حدثنا مـحمد ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن‬
‫عمَلُ ُه قال‪ :‬بـاليـمان بـال‪.‬‬
‫حبِطَ َ‬
‫ن َيكْ ُفرْ بـاليـمَانِ‪ ,‬فَ َق ْد َ‬
‫عطاء‪َ :‬ومَ ْ‬
‫َنـ َيكْ ُفرْ‬
‫حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيـى بـن يــمان‪ ,‬عـن واصـل‪ ,‬عـن عطاء‪َ :‬وم ْ‬
‫بـاليـمَانِ قال‪ :‬اليـمان‪ :‬التوحيد‪.‬‬
‫‪8939‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬ومَنْ‬
‫َيكْ ُفرْ بـاليـمَانِ قال‪ :‬بـال‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫عمَلُ ُه قال‪ :‬من يك فر‬
‫حبِ طَ َ‬
‫ن َيكْ ُفرْ ب ـاليـمَانِ‪ ,‬فَ َق ْد َ‬
‫أب ـي بزّة‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫بـال‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬من يكفر بـال‪.‬‬
‫مـجاهد فـي قوله‪َ :‬ومَنْ َيكْ ُفرْ بـاليـمَا ِ‬
‫حدث نا م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬الكفر بـال‪.‬‬
‫مـجاهد فـي قوله‪َ :‬ومَنْ َيكْ ُفرْ بـاليـمَا ِ‬
‫حدثنـا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو حذيفـة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شبـل‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8940‬ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن‬
‫عمَلُهُ قال‪ :‬أخبر ال سبحانه أن اليـمان‬
‫حبِطَ َ‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَنْ َيكْ ُفرْ بـاليـمَانِ‪ ,‬فَ َقدْ َ‬
‫ل به‪ ,‬ول يحرّم الـجنة إلّ علـى من تركه‪.‬‬
‫هو العروة الوثقـى‪ ,‬وأنه ل يقبل عملً إ ّ‬
‫ن إلـى معنى‪ :‬ومن‬
‫فإن قال لنا قائل‪ :‬وما وجّه تأويـل من وجّه قوله‪َ :‬و َمنْ َيكْ ُفرْ بـاليـمَا ِ‬
‫يك فر ب ـال؟ ق ـيـل و جه تأوي ـله ذلك كذلك أن الي ـمان هو الت صديق ب ـال وبر سله و ما‬
‫ابتعثهـم بـه مـن دينـه والكفـر‪ :‬جحود ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬فمعنـى الكفـر بــاليـمان‪ ,‬هـو جحود ال‬
‫وجحود توحيده‪ .‬ففسروا معنى الكلـمة بـما أريد بها‪ ,‬وأعرضوا عن تفسير الكلـمة علـى‬
‫حقـيقة ألفـاظها وظاهرها فـي التلوة‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ف ما تأوي ـلها عل ـى ظاهر ها وحق ـيقة ألف ـاظها؟ ق ـيـل‪ :‬تأوي ـلها‪ :‬و من‬
‫يأب الي ـمان ب ـال وي ـمتنع من توحيده والطا عة له ف ـيـما أمره به ونهاه ع نه‪ ,‬ف قد ح بط‬
‫عمله وذلك أن الك فر هو ال ـجحود ف ـي كلم العرب‪ ,‬والي ـمان‪ :‬الت صديق والقرار‪ ,‬و من‬
‫أبى التصديق بتوحيد ال والقرار به فهو من الكافرين‪ ,‬فذلك تأويـل الكلم علـى وجهه‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ْسـلُواْ‬
‫ُمـ إِلَى الصـّلةِ فاغ ِ‬
‫ِينـ آ َمنُو ْا ِإذَا ُق ْمت ْ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذ َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ط ّهرُواْ‬
‫جنُبا فَا ّ‬
‫سكُمْ وََأ ْرجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َك ْعبَينِ وَإِن كُنتُمْ ُ‬
‫سحُو ْا ِبرُؤُو ِ‬
‫ُوجُو َهكُمْ وََأ ْي ِديَكُمْ إِلَى ا ْل َمرَافِقِ وَامْ َ‬
‫جدُو ْا مَآءً‬
‫ستُمُ النّ سَآ َء فَلَ مْ َت ِ‬
‫لمَ ْ‬
‫حدٌ ّم ْنكُ مْ ّم نَ ا ْلغَائِ طِ أَ ْو َ‬
‫ضىَ َأوْ عََلىَ سَ َفرٍ أَ ْو جَآ َء َأ َ‬
‫وَإِن كُنتُم ّمرْ َ‬
‫حرَج ٍـ‬
‫جعَلَ عََليْكُم مّن ْـ َ‬
‫طيّبا فَامْس َـحُو ْا بِ ُوجُو ِهكُم ْـ وََأ ْيدِيكُم ْـ ّمنْهُـ مَا ُيرِيدُ اللّهُـ ِل َي ْ‬
‫َفتَ َي ّممُو ْا ص َـعِيدا َ‬
‫ش ُكرُونَ }‪..‬‬
‫ط ّهرَ ُكمْ وَِل ُي ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عََل ْي ُكمْ َلعَّل ُكمْ َت ْ‬
‫وَلَـكِن ُيرِيدُ ِل ُي َ‬
‫يعن ـي بذلك جل ثناؤه‪ :‬يا أي ها الذ ين آمنوا إذا قمت ـم إل ـى ال صلة وأنت ـم عل ـى غ ير‬
‫طهر الصلة‪ ,‬فـاغسلوا وجوهكم بـالـماء‪ ,‬وأيديكم إلـى الـمرافق‪.‬‬
‫ل حال قام إلـيها‪,‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأويـل فـي قوله‪ :‬إذَا ُق ْمتُـمْ إلـى ال صّلةِ أمراد به ك ّ‬
‫أو بعضها؟ وأ يّ أحوال القـيام إلـيها؟ فقال بعضهم فـي ذلك بنـحو ما قلنا فـيه من أنه‬
‫معنىّ به ب عض أحوال الق ـيام إل ـيها دون كلّ الحوال‪ ,‬وأن ال ـحال الت ـي عن ـي ب ها حال‬
‫القـيام إلـيها علـى غير طهر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8941‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬قال‪ :‬سئل‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْيدِيكُ مْ إل ـى ال ـ َمرَافقِ‬
‫عكر مة عن قول ال‪ :‬إذَا قُ ْمتُ ـمْ إل ـى ال صّل ِة ف ـا ْ‬
‫فكلّ ساعة يتوضأ؟ فقال‪ :‬قال ابن عبـاس‪ :‬ل وضوء إلّ من حدث‪.‬‬
‫‪ 8942‬ـ حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ي الشيبـانـي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬كان سعد بن أبـي َوقّاص يصلـي‬
‫مسعود بن علـ ّ‬
‫الصلوات بوضوء واحد‪.‬‬
‫‪ 8943‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن حبـيب‪ ,‬عن مسعود بن علـيّ‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬كان سعد بن أبـي وقاص يقول‪ :‬صلّ بطهورك ما لـم تـحدث‪.‬‬
‫‪ 8944‬ـ حدث نا أح مد بن عبدة الضب ـي‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا سلـيـم بن أخ ضر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن‬
‫عون عن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعبـيدة السلـمانـي‪ :‬ما يوجب الوضوء؟ قال‪ :‬الـحدث‪.‬‬
‫‪ 8945‬ـ حدثنا حميد ين مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن واقع بن‬
‫سحبـان‪ ,‬عن يزيد ابن طريف أو طريف بن يزيد أنهم كانوا مع أبـي موسى علـى شاطىء‬
‫دجلة‪ ,‬فتوضئوا ف صلوا الظ هر‪ ,‬فل ـما نودي ب ـالعصر‪ ,‬قام رجال بتوضئون من دجلة‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ل علـى من أحدث‪.‬‬
‫إنه ل وضوء إ ّ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن طريف بن زياد أو‬
‫زياد بن طر يف عن وا قع بن سحبـان‪ :‬أ نه ش هد أب ـا مو سى صلّـى بأ صحابه الظ هر‪ ,‬ثم‬
‫جلسوا حلقا علـى شاطىء دجلة‪ ,‬فنُودي بـالعصر‪ ,‬فقام رجال يتوضئون‪ ,‬فقال أبو موسى‪ :‬ل‬
‫وضوء إلّ علـى من أحدث‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫قتادة يحدث عن وا قع بن سحبـان‪ ,‬عن طر يف بن يز يد أو يز يد بن طر يف قال‪ :‬ك نت مع‬
‫أبـي موسى بشاطىء دجلة فذكر نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ ,‬عن واقع بن سحبـان‪ ,‬عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف عن أبـي موسى‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8946‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد‪ ,‬قال‪ :‬توضأت‬
‫ع ند أب ـي العال ـية الظ هر أو الع صر‪ ,‬فقلت‪ :‬أ صلـي بوضوئي هذا‪ ,‬فإن ـي ل أر جع إل ـى‬
‫أهل ـي إل ـى العت ـمة؟ قال أ بو العال ـية‪ :‬ل حرج‪ .‬وعلّ ـمنا‪ :‬إذا تو ضأ الن سان ف هو ف ـي‬
‫وضوئه حتـى يحدث حدثا‪.‬‬
‫‪8947‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن هلل‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬الوضوء من غير حدث اعتداء‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬حدثنا أبو هلل‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 8948‬ـ حدثن ـي أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية عن الع مش‪ ,‬قال‪ :‬رأ يت إبراهي ـم‬
‫صلّـى بوضوء واحد‪ ,‬الظهر والعصر والـمغرب‪.‬‬
‫‪8949‬ــ حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عثام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا العمـش‪ ,‬قال‪ :‬كنـت مـع يحيـى‪,‬‬
‫فأصلـي الصلوات بوضوء واحد‪ ,‬قال‪ :‬وإبراهيـم مثل ذلك‪.‬‬
‫‪8950‬ــ حدثنـا سـوّار بـن عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا بشـر بـن الــمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد بـن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الـحسن سئل عن الر جل يتوضأ فـيصلـي ال صلوات كلها بوضوء‬
‫واحد‪ ,‬فقال‪ :‬ل بأس به ما لـم يحدث‪.‬‬
‫‪8951‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يصلـي الصلوات بـالوضوء الواحد ما لـم يحدث‪.‬‬
‫‪ 8952‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال حدثنا زائدة عن العمش‪ ,‬عن عمارة‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان السود يصلـي الصلوات بوضوء واحد‪.‬‬
‫‪ 8953‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ ساط‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا إذَا ُق ْمتُـمْ إلـى الصّلةِ يقول‪ :‬قمتـم وأنتـم علـى غير طهر‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫‪8954‬ـ حدثنا أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عمارة‪ ,‬عن السود‪ :‬أنه‬
‫ب قدر ِريّ رجل‪ ,‬فكان يتوضأ ثم يصلـي بوضوئه ذلك الصلوات كلها‪.‬‬
‫كان له َقعْ ٌ‬
‫‪ 8955‬ـ حدث نا م ـحمد بن عب ـاد بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا زياد بن ع بد ال بن الطف ـيـل‬
‫البكائي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الفضـل بـن الــمبشر‪ ,‬قال‪ :‬رأيـت جابر بـن عبـد ال يصـلـي الصـلوات‬
‫بوضوء وا حد‪ ,‬فإذا ب ـال أو أحدث تو ضأ وم سح بف ضل طهوره ال ـخفـين‪ .‬فقلت‪ :‬أب ـا ع بد‬
‫ال أشيء تصنعه برأيك؟ قال‪ :‬بل رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يصنعه‪ ,‬فأنا أصنعه‬
‫كما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يصنع‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتـم من نومكم إلـى الصلة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪8956‬ـ حدثنا حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي من سمع مالك بن أنس‪ ,‬يحدث‬
‫ن آ َمنُوا إذَا ُق ْمتُـمْ إلـى ال صّلةِ قال‪ :‬يعنـي‪ :‬إذا قمتـم‬
‫عن زيد بن أسلـم‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫من النوم‪.‬‬
‫حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب أن مالك بن أنـس‪ ,‬أخـبره عـن زيـد بـن أسـلـم‪,‬‬
‫بـمثله‪.‬‬
‫‪ 8957‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫غسِلُوا ُوجُو ُهكُمْ قال‪ :‬فقال‪ :‬قمتـم إلـى الصلة من‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬إذَا ُق ْمتُـمْ إلـى الصّلة فـا ْ‬
‫النوم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك معنىّ به كل حال ق ـيام ال ـمرء إل ـى صلته أن يجدّد ل ها طهرا‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8958‬ـ حدثنا حم يد بن م سعدة‪ :‬حدث نا سفـيان بن حب ـيب‪ ,‬عن مسعود بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬قلت يا أبـا عبد ال‪ ,‬أتوضأ لصلة الغد ثم آتـي السوق فتـحضر صلة‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫الظ هر فأصلـي؟ قال‪ :‬كان عل ـيّ بن أبـي طالب رضي ال عنه يقول‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫غسِلُوا ُوجُو َه ُكمْ وأ ْي ِد َي ُكمْ إلـى الـمَرَافِقِ‪.‬‬
‫إذَا ُق ْمتُـمْ إلـى الصّل ِة فـا ْ‬
‫حدث نا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ي الشيبـانـي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة يقول‪ :‬كان علـيّ رضي ال عنه يتوضأ‬
‫مسعود بن علـ ّ‬
‫غسِلُوا‬
‫ِينـ آ َمنُوا إذَا ُق ْمتُــمْ إلــى الصـّل ِة فــا ْ‬
‫ل صـلة‪ ,‬ويقرأ هذه الَيـة‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫عنـد ك ّ‬
‫ُوجُو َهكُم‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪ 8959‬ـ حدثنا حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أزهر‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن‬
‫ابن سيرين‪ :‬أن الـخـلفـاء كانوا يتوضئون لكلّ صلة‪.‬‬
‫‪ 8960‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬توضأ عمر‬
‫بن الـخطاب وضوءا فـيه تـجوّز خفـيفـا‪ ,‬فقال‪ :‬هذا وضوء من لـم ُيحْدِث‪.‬‬
‫‪8961‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي وهب بن جرير‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ,‬عن عبد الـملك‬
‫بن ميسرة عن النزال‪ ,‬قال‪ :‬رأيت علـيّا صلّـى الظهر ثم قعد للناس فـي ال ّرحْبة‪ ,‬ثم أُتـي‬
‫حدِثْ‪.‬‬
‫بـماء فغسل وجهه ويديه‪ ,‬ثم مسح برأسه ورجلـيه‪ ,‬وقال‪ :‬هذا وضوء من لـم ُي ْ‬
‫‪ 8962‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ :‬أن‬
‫حدِث‪.‬‬
‫ب فتوضأ وضوءا فـيه تـجوّز‪ ,‬فقال‪ :‬هذا وضوء من لـم ُي ْ‬
‫علـيّا اكتال من حُ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان هذا أمرا من ال ع ّز ذكره نبـيه صلى ال عليه وسلم والـمؤمنـين‬
‫ل صلة‪ ,‬ثم نسخ ذلك بـالتـخفـيف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫به أن يتوضؤا لك ّ‬
‫‪ 8963‬ـ حدثنـي عبد ال بن أبـي زياد القطوانـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنـا أبــي‪ ,‬عـن ابـن إسـحاق قال‪ :‬ثنــي مــحمد بـن يحيـى بـن حبــان النصـاري ثـم‬
‫الــمازنـيّ‪ ,‬مازن بنــي النــجار‪ ,‬فقال لعبــيد ال بـن عبـد ال بن عمـر‪ :‬أخبرنــي عـن‬
‫وضوء عبد ال لكل صلة‪ ,‬طاهرا كان أو غير طا هر‪ ,‬عمن هو؟ قال‪ :‬حد َثتْن ـيه أ سماء اب نة‬
‫زيد بن الـخطاب‪ ,‬أن عبد ال بن زيد بن حنظلة بن أبـي عامر الغسيـل حدثها‪ :‬أن النبـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم أمر بـالوضوء عند كلّ صلة‪ ,‬فشقّ ذلك علـيه‪ ,‬فأمر بـالسواك‪ ,‬ورفع‬
‫عنه الوضوء إلّ من حدث‪ .‬فكان عبد ال يرى أن به قوّة علـيه‪ ,‬فكان يتوضأ‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة بن الفضل‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن مـحمد بن طلـحة‬
‫بن يزيد بن ركانة قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن يحيى بن حبـان النصاري‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعبـيد ال‬
‫بن عبد ال بن عمر‪ ,‬أخبرنـي عن وضوء عبد ال لكل صلة ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪8964‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى وعبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن علقمة بن‬
‫مرثَد‪ ,‬عن سلـيـمان بن بريدة‪ ,‬عن أبـيه قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ‬
‫ل كل صلة‪ ,‬فل ـما كان عام الفت ـح‪ ,‬صلّـى ال صلوات بوضوء وا حد‪ ,‬وم سح عل ـى خف ـيه‪,‬‬
‫عمْدا فَعَ ْلتُهُ»‪.‬‬
‫فقال عمر‪ :‬إنك فعلت شيئاٍ لـم تكن تفعله قال‪َ « :‬‬
‫‪8881‬حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا وكيـع‪ ,‬عـن سـفـيان‪ ,‬عـن مــحارب بـن دثار‪ ,‬عـن‬
‫سلـيـمان بن بريدة‪ ,‬عن أبـيه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلة‪,‬‬
‫فلـما كان يوم فتـح مكة‪ ,‬صلّـى الصلوات كلها بوضوء واحد‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن مـحارب‪ ,‬بن دثار‪ ,‬عن‬
‫سلـيـمان بن بريدة‪ :‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم كان يتوضأ‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن هشام‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن علقمة بن مرثد‪ ,‬عن ابن‬
‫بريدة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬صلّـى رسول ال صلى ال عليه وسلم الصلوات كلها بوضوء واحد‪,‬‬
‫عمْدا َفعَلْته يا ع َمرُ»‪.‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬صنعت شيئا لـم تكن تصنعه؟ فقال‪َ « :‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن مـحارب بن دثار‪ ,‬عن سلـيـمان‬
‫بن بريدة‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪ :‬كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يتو ضأ ل كل صلة‪ ,‬فل ـما‬
‫فتـح مكة‪ ,‬صلّـى الظهر والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد‪.‬‬
‫‪8965‬ـ حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن ظهير‪ ,‬عن مسعر‪,‬‬
‫عن م ـحارب بن دثار‪ ,‬عن ا بن ع مر‪ :‬أن ر سول ال صلّـى صلى ال عل يه و سلم الظ هر‬
‫والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد‪.‬‬
‫ن ظان أن فـي الـحديث الذي ذكرناه عن عبد ال بن حنظلة‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال‬
‫فإن ظ ّ‬
‫عليه وسلم أمر بـالوضوء عند كلّ صلة‪ ,‬دللة علـى خلف ما قلنا من أن ذلك كان ندبـا‬
‫للنبـي علـيه الصلة والسلم وأصحابه‪ ,‬وخيـل إلـيه أن ذلك كان علـى الوجوب فقد ظ نّ‬
‫غير الصواب‪ ,‬وذلك أن قول القائل‪ :‬أمر ال نبـيه صلى ال عليه وسلم بكذا وكذا‪ ,‬مـحتـمل‬
‫من وجوه لمر اليجاب والرشاد والندب والبـاحة والطلق‪ ,‬وإذ كان مـحتـملً ما ذكرنا‬
‫من الو جه‪ ,‬كان أول ـى وجو هه به ما عل ـى صحته ال ـحجة م ـجمعة دون ما ل ـم ي كن‬
‫ل لـم‬
‫علـى صحته برهان يوجب حقـية مدّعية‪ .‬وقد أجمعت الـحجة علـى أن ال عزّ وج ّ‬
‫ل صلة‪ ,‬ثم‬
‫يو جب علـى نب ـيه صلى ال عل يه وسلم ول علـى عبـاده فرض الوضوء لك ّ‬
‫نسـخ ذلك‪ ,‬ففــي إجماعهـا علــى ذلك الدللة الواضحـة علــى صـحة مـا قلنـا مـن أن فعـل‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ما كان يف عل من ذلك كان عل ـى ما و صفنا من إيثاره ف عل ما‬
‫ن آ َمنُوا إذَا‬
‫ندبه ال عزّ ذكره إلـى فعله وندب إلـيه عبـاده الـمؤمنـين بقوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِد َيكُ مْ إل ـى ال ـ َمرَافقِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬وأن تر كه ف ـي‬
‫ُقمْتُ ـمْ إل ـى ال صّل ِة ف ـا ْ‬
‫ذلك الـحال التـي تركه كان ترخيصا لمته وإعلما منه لهم أن ذلك غير واجب ول لزم له‬
‫ول لهم‪ ,‬إلّ من حدَث يوجب نقض الطهر‪ .‬وقد رُوي بنـحو ما قلنا فـي ذلك أخبـار‪:‬‬
‫‪ 8966‬ـ حدثنا ا بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي وهب بن جر ير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫عا مر‪ ,‬عن أ نس‪ :‬أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم أُت ـي بق عب صغير‪ ,‬فتو ضأ‪ .‬قال‪ :‬قلت‬
‫لنس‪ :‬أكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ عند كل صلة؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪ :‬فأنتـم؟‬
‫قال‪ :‬كنا نصلـي الصلوات بوضوء واحد‪.‬‬
‫‪ 8967‬ـ حدث نا سلـيـمان بن ع مر بن خالد الرق ـي‪ ,‬حدث نا عي سى بن يو نس‪ ,‬عن ع بد‬
‫الرحمن بن زياد الفريق ـي‪ ,‬عن أب ـي غطيف‪ ,‬قال‪ :‬صلـيت مع ا بن عمر الظهر‪ ,‬فأتـى‬
‫م ـجلسا فــي داره‪ ,‬فجلس وجل ست م عه‪ ,‬فل ـما نُودي ب ـالعصر د عا بوَضوء فتوضـأ‪ ,‬ثم‬
‫خرج إلـى الصلة‪ ,‬ثم رجع إلـى مـجلسه فلـما نودي بـالـمغرب دعا بوضوء فتوضأ‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬أ سنة ما أراك تصنع؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬وإن كان وضوئي ل صلة الصبح كافـيا لل صلوات كل ها‬
‫ط ْهرٍ‬
‫ن تَ َوضّأ علـى ُ‬
‫ما لـم أُحدث‪ ,‬ولكنـي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬مَ ْ‬
‫حسَناتٍ»‪ ,‬فأنا رغبت فـي ذلك‪.‬‬
‫عشْرُ َ‬
‫ُكتِبَ َلهُ َ‬

‫حدثنـي أبو سعيد البغداي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن منصور‪ ,‬عن هريـم‪ ,‬عن عبد الرحمن‬
‫بن زياد‪ ,‬عن أب ـي غط يف‪ ,‬عن ا بن ع مر‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬م نْ‬
‫حسَناتٍ»‪.‬‬
‫شرُ َ‬
‫عْ‬‫ب لَهُ َ‬
‫طهْرٍ ُكتِ َ‬
‫تَ َوضّأعلـى ُ‬
‫وقد قال قوم‪ :‬إن هذه الَية أنزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم إعلما من ال له‬
‫بها أن ل وضوء علـيه‪ ,‬إلّ إذا قام إلـى صلته دون غيرها من العمال كلها‪ ,‬وذلك أنه كان‬
‫ل ما بدا له من‬
‫إذا أحدث امتنع من العمال كلها حتـى يتوضأ‪ ,‬فأذن له بهذه الَية أن يفعل ك ّ‬
‫الفعال بعـد الــحدث عدا الصـلة توضـأ أو لــم يتوضـأ‪ ,‬وأمره بــالوضوء إذا قام إلــى‬
‫الصلة قبل الدخول فـيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪8968‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن هشام‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن جابر بن عبد ال بن‬
‫أب ـي ب كر‪ ,‬عن عمرو بن حزم‪ ,‬عن ع بد ال بن علق مة بن وقاص‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إذا أراق البول نكل ـمه فل يكل ـمنا ون سلّـم عل ـيه فل يردّ‬
‫علـينا‪ ,‬حتـى يأتـي منزله فـيتوضأ كوضوئه للصلة‪ ,‬فقلنا‪ :‬يا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم نكلـمك فل تكلـمنا ونسلـم علـيك فل تردّ علـينا قال‪ :‬حتـى نزلت آية الرخصة‪ :‬يا‬
‫أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا إذَا قُ ْمتُـمْ إلـى الصّلةِ ‪...‬الَية‪.‬‬
‫غسِلُوا ُوجُو َه ُكمْ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فـا ْ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي حدّ الو جه الذي أ مر ال بغ سله‪ ,‬القائم إل ـى ال صلة بقوله‪ :‬إذَا‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ فقال بعض هم‪ :‬هو ما ظ هر من بشرة الن سان من‬
‫ُقمْتُ ـمْ إل ـى ال صّلةِ ف ـا ْ‬
‫ق صاص ش عر رأ سه‪ ,‬من ـحدرا إل ـى منق طع ذق نه طولً‪ ,‬و ما ب ـين الذن ـين عر ضا‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫فأ ما الذن و ما ب طن من داخ ـل ال فم وال نف والع ين فل ـيس من الو جه ول غيره‪ ,‬ول أح بّ‬
‫غ سل ذلك ول غ سل ش يء م نه ف ـي الوضوء‪ .‬قالوا‪ :‬وأ ما ما غطاه الش عر م نه كالذ قن الذي‬
‫غطاء شعر اللـحية والصدغين اللذين قد عطاهما عذر اللـحية‪ ,‬فإن إمرار الـماء علـى ما‬
‫علـى ذلك من الشعر مـجزىء عن غسل ما بطن منه من بشرة الوجه‪ ,‬لن الوجه عندهم‬
‫هو ما ظهر لعين الناظر من ذلك فقابلها دون غيره‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 8969‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن عب ـيد‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يجزىء اللـحية ما سال علـيها من الـماء‪.‬‬
‫حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمغيرة‪,‬‬
‫عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬يكفـيه ما سال من الـماء من وجهه علـى لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الـمغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪,‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 8970‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن مغيرة ف ـي‬
‫تـخـلـيـل اللـحية‪ ,‬قال‪ :‬يجزيك ما مرّ علـى لـحيتك‪.‬‬
‫‪ 8971‬ـ حدث نا هارون بن إ سحاق الهمدان ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م صعب بن ال ـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫زائدة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬قال‪ :‬رأيت إبراهيـم يتوضأ‪ ,‬فلـم يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن سعيد الزبـيدي‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬يجزيك‬
‫ما سال علـيها من أن تـخـللها‪.‬‬
‫‪ 8972‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن يونس‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫الـحسن إذا توضأ مسح لـحيته مع وجهه‪.‬‬
‫حدثنـا أبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن إدريـس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشام‪ ,‬عـن الــحسن‪ ,‬أنـه كان ل‬
‫يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن الـحسن أنه كان ل يخـلل‬
‫لـحيته إذا توضأ‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن إسماعيـل‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪8973‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لـيس غسل اللـحية من السنة‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عيسى بن يزيد‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الـحسن أنه كان‬
‫إذا توضأ لـم يبلغ الـماء فـي أصول لـحيته‪.‬‬
‫‪8974‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هارون‪ ,‬عـن أبــي شيبـة سـعيد بـن عبـد الرحمـن‬
‫الزبـيدي‪ ,‬قال‪ :‬سألت إبراهي ـم أخ ـلل ل ـحيتـي عند الوضوء ب ـالـماء؟ فقال‪ :‬ل‪ ,‬إن ـما‬
‫يكفـيك ما مرّت علـيه يدك‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬سألت شعبة عن تـخـلـيـل‬
‫اللـحية ف ـي الوضوء‪ ,‬فقال‪ :‬قال الـمغيرة‪ :‬قال إبراهيـم‪ :‬يكفـيه ما سال من الـماء من‬
‫وجهه علـى لـحيته‪.‬‬
‫‪ 8975‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج بن رشد ين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنـا عبـد الــجبـار بـن عمـر‪ :‬أن ابـن شهاب وربــيعة توضئا‪ ,‬فأمرّا الــماء علــى‬
‫لـحاهما‪ ,‬ولـم أر واحدا منهما خـلل لـحيته‪.‬‬
‫‪8976‬ـ حدثنا حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬سألت سعيد‬
‫بن عبد العزيز‪ ,‬عن عرْك العارضين فـي الوضوء‪ ,‬فقال‪ :‬لـيس ذلك بواجب‪ ,‬رأيت مكحولً‬
‫يتوضأ فل يفعل ذلك‪..‬‬
‫‪8977‬ـ حدثنا أبو الولـيد أحمد بن عبد الرحمن القرشيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫سعيد بن بشير‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬لـيس عرك العارضين فـي الوضوء بواجب‪.‬‬
‫حدثنـا أبـو الولــيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الولــيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنــي إبراهيــم بـن مــحمد‪ ,‬عـن‬
‫الـمغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬يكفـيه ما مرّ من الـماء علـى لـحيته‪.‬‬
‫‪8978‬ـ حدثنا حدثنا أبو الولـيد القرشي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن لهيعة‪ ,‬عن‬
‫سـلـيـمان بـن أبــي زينـب‪ ,‬قال‪ :‬سـألت القاسـم بـن مــحمد كيـف أصـنع بلــحيتـي إذا‬
‫توضأت؟ قال‪ :‬لست من الذين يغسلون لـحاهم‪.‬‬
‫‪ 8979‬ـ حدث نا أ بو الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال أ بو عمرو‪ :‬ل ـيس عرك العارض ين‬
‫وتشبـيك اللـحية بواجب فـي الوضوء‪.‬‬
‫ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة فـي غسل ما بطن من الفم والنف‪:‬‬
‫‪8980‬ـ حدثنا حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عبد الـملك‬
‫بن أبـي بشير‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لول التلـمظ فـي الصلة ما مضمضت‪.‬‬
‫‪ 8981‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ع بد ال ـملك يقول‪ :‬سئل‬
‫عطاء‪ ,‬عن رجل صلّـى ولـم يتـمضمض قال‪ :‬ما لـم يسمّ فـي الكتاب يجزئه‪.‬‬
‫‪ 8982‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لـيس الـمضمضة والستنشاق من واجب الوضوء‪.‬‬
‫‪ 8983‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الصبـاح‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬قال‪ :‬كان الضحاك ينهانا‬
‫عن الـمضمضة والستنشاق فـي الوضوء فـي رمضان‪.‬‬
‫‪8984‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت هشاما‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬إذا‬
‫نسـي الــمضمضة والسـتنشاق‪ ,‬قال‪ :‬إن ذكـر وقـد دخــل فــي الصـلة فلــيـمض فــي‬
‫صلته‪ ,‬وإن كان لـم يدخـل تـمضمض واستنشق‪.‬‬
‫‪8985‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬قال‪ :‬سألت الـحكم‬
‫وقتادة‪ ,‬عن رجل ذكر وهو فـي الصلة أنه لـم يتـمضمض ولـم يستنشق‪ ,‬فقال‪ :‬يـمضي‬
‫فـي صلته‪.‬‬
‫ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة من أن الذنـين لـيستا من الوجه‪:‬‬
‫‪8986‬ـ حدثنـي يزيد بن مخـلد الواسطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن غيلن‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن‬
‫عمر يقول‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫حدث نا ع بد الكري ـم بن أب ـي عم ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو مطرف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا غيلن مول ـى‬
‫بنـي مخزوم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عمر يقول‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن يزيد‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن نافع‪,‬‬
‫عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من الرأس‪ ,‬فإذا مسحت الرأس فـامسحهما‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي غيلن بن ع بد ال مول ـى قر يش‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت ا بن ع مر سأله سائل‪ ,‬قال‪ :‬إ نه تو ضأ ون سي أن ي ـمسح أذن ـيه‪ ,‬قال‪ :‬فقال ا بن‬
‫عمر‪ :‬الذنان من الرأس‪ .‬ولـم ير علـيه بأسا‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب بن سويد‪ .‬ح‪ ,‬وحدثنا ابن‬
‫بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن جميعا‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سالـم أبـي النضر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫مرجانة‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬أنه قال‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫حدثنـي ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي وهب بن جرير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن ابن‬
‫عمر‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫‪ 8987‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلـمة‪ ,‬عن علـيّ‬
‫بن زيد‪ ,‬عن يوسف ابن مهران‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫‪ 8988‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫الـحسن وسعيد بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من‬
‫الرأس عن الـحسن وسعيد‪.‬‬
‫حدث نا أ بو الول ـيد الدمشق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد بن م سلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي أ بو عمرو‪,‬‬
‫عن يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من الرأس‪.‬‬
‫حدثنا أبو الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن لهيعة‪ ,‬عن أبـي النضر‪ ,‬عن‬
‫ابن عمر‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون‪ ,‬عن ع يس بن يز يد‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الذنان من الرأس‪.‬‬
‫‪8989‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ,‬عن سنان بن ربـيعة‪,‬‬
‫عن شهر بن حوشب عن أبـي أمامة أو عن أبـي هريرة شك ابن بزيع أن النبـيّ صلى ال‬
‫لذُنانِ ِمنَ الرأسِ»‪.‬‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬ا ُ‬
‫‪ 8990‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معلـى بن منصور‪ ,‬عن حماد بن زيد‪ ,‬عن سنان بن‬
‫ربـيعة‪ ,‬عن شهر بن حوشب‪ ,‬عن أبـي أمامة‪ ,‬قال‪ :‬الذنان من الرأس‪ .‬قال حماد‪ :‬ل أدري‬
‫هذا عن أبـي أمامة أو عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حماد بن ز يد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي سنان بن‬
‫رب ـيعة أ بو رب ـيعة عن ش هر بن حو شب‪ ,‬عن أب ـي أما مة‪ ,‬أن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ن الرأسِ»‪.‬‬
‫لذُنانِ مِ َ‬
‫وسلم قال‪« :‬ا ُ‬
‫‪ 8991‬ـ حدث نا أ بو الول ـيد الدمشق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد بن م سلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي ا بن‬
‫ن مِ نَ‬
‫لذُنا ِ‬
‫جريج وغيره‪ ,‬عن سلـيـمان بن موسى‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬ا ُ‬
‫الرأسِ»‪.‬‬
‫‪ 8992‬ـ حدث نا ال ـحسن بن شب ـيب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عل ـيّ بن ها شم بن البر يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫إسـماعيـل بن م سلـم‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن أبــي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صـلى ال عل يه‬
‫ن الرأسِ»‪.‬‬
‫لذُنانِ مِ َ‬
‫وسلم‪« :‬ا ُ‬
‫‪ 8993‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن حبـيب‪ ,‬عن يونس‪ ,‬أن الـحسن‪,‬‬
‫ل ما دون منا بت ش عر الرأس إل ـى منق طع‬
‫قال‪ :‬الذنان من الرأس‪ .‬وقال آخرون‪ :‬الو جه‪ :‬ك ّ‬
‫الذ قن وعل ـى العارض ين‪ ,‬و ما كان م نه داخ ـل ال فم وال نف‪ ,‬و ما أق بل من الذن ـين عل ـى‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ‪ .‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫ل ذلك عند هم من الو جه الذي أ مر ال بغ سله بقوله‪ :‬ف ـا ْ‬
‫الو جه‪ .‬ك ّ‬
‫ترك شيئا من ذلك الـمتوضىء فلـم يغسله لـم تـجزه صلته بوضوئه ذلك‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 8994‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن بكر وأبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن‬
‫ل أصول شعر لـحيته‪ ,‬ويغلغل بـيده فـي‬
‫جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي نافع‪ :‬أ نّ ابن عمر كان يب ّ‬
‫أصول شعرها حتـى تكثر القطرات منها‪.‬‬
‫حدث نا حم يد بن م سعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان بن حب ـيب‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي‬
‫نافع مولـى ابن عمر‪ :‬أن ابن عمر كان يغلغل يديه فـي لـحيته حتـى تكثر منها القطرات‪.‬‬
‫حدثنا عمران بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا لـيث‪ ,‬عن نافع‪,‬‬
‫عن ابن عمر‪ :‬كان إذا توضأ خـلل لـحيته حتـى يبلغ أصول الشعر‪.‬‬
‫‪ 8995‬ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معلـى بن جابر اللقـيطي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي الزرق ابن قـيس‪ ,‬قال‪ :‬رأيت ابن عمر توضأ فخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدث نا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ل ـيث‪ ,‬عن نافـع‪ :‬أن ابـن ع مر كان‬
‫يخـلل لـحيته بـالـماء حتـى يبلغ أصول الشعر‪.‬‬
‫‪ 8996‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بكر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫عبد ال بن عبـيد ابن عمير‪ :‬أن أبـاه عبـيد بن عمير كان إذا توضأ غلغل أصابعه فـي‬
‫أصول شعر الوجه يغلغلها بـين الشعر فـي أصوله يدلك بأصابعه البشرة‪ .‬فأشار لـي عبد‬
‫ال كما أخبره الرجل‪ ,‬كما وصف عنه‪.‬‬
‫‪ 8997‬ـ حدث نا أ بو الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عمرو‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن‬
‫عمر‪ :‬أنه كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك‪ ,‬وشبك لـحيته بأصابعه أحيانا ويترك‬
‫أحيانا‪.‬‬
‫‪8998‬ـ حدثنا أبو الولـيد‪ ,‬وعلـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬قال حدثنا أبو عمرو‪,‬‬
‫وأخبرنـي عبدة‪ ,‬عن أبـي موسى الشعري نـحو ذلك‪.‬‬
‫‪ 8999‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن م سلـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫رأ يت ا بن أب ـي ل ـيـلـى تو ضأ فغ سل ل ـحيته وقال‪ :‬من ا ستطاع من كم أن يبلغ ال ـماء‬
‫أصول الشعر فلـيفعل‪.‬‬
‫‪ 9000‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن حبـيب‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫حقّ علـيه أن يبلّ أصول الشعر‪.‬‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫‪9001‬ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان مـجاهد يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬أنه كان يخـلل‬
‫لـحيته إذا توضأ‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 9002‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود الـحفري‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن شبرمة‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬ما بـال اللـحية تغسل قبل أن تنبت فإذا نبتت لـم تغسل؟‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن‬
‫عمر‪ :‬أنه كان يخـلل لـحيته إذا توضأ‪.‬‬
‫‪ 9003‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن طاوس‪ ,‬أنه كان‬
‫يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫‪ 9004‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون‪ ,‬عن إ سماعيـل‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬أ نه كان‬
‫يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬سألت شع بة‪ ,‬عن ت ـخـلـيـل الل ـحية‬
‫فـي الوضوء‪ ,‬فذكر عن الـحكم بن عتـيبة‪ :‬أن مـجاهدا كان يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عمرو عن معروف‪ ,‬قال‪ :‬رأيت ابن سيرين توضأ‬
‫فخـلل لـحيته‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9005‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن الزبـير بن عد يّ‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬رأيته يخـلل لـحيته‪.‬‬
‫‪9006‬ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مـحمد بن يزيد‪ ,‬عن أبـي الشهب‪ ,‬عن‬
‫موسى بن أبـي عائشة‪ ,‬عن زيد الـخدري‪ ,‬عن يزيد الرقاشي‪ ,‬عن أنس بن مالك‪ ,‬قال‪ :‬رأيت‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم توضأ فخـلل لـحيته‪ ,‬فقلت‪ :‬لـم تفعل هذا يا نبـيّ ال؟ قال‪:‬‬
‫«أمَرنِـي ِبذَِلكَ َربّـي»‪.‬‬
‫حدث نا ت ـميـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا م ـحمد بن يز يد‪ ,‬عن سلم بن سَلْـم‪ ,‬عن ز يد الع مي‪ ,‬عن‬
‫معاويـة بـن قرة أو يزيـد الرقاشـي‪ ,‬عـن أنـس‪ ,‬قال‪ :‬وضأت النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪,‬‬
‫عزّ»‪.‬‬
‫فأدخـل أصابعه من تـحت حنكه‪ ,‬فخـلل لـحيته‪ ,‬وقال‪ِ « :‬ب َهذَا أ َمرَنِـي َربّـي جَلّ و َ‬
‫حدث نا م ـحمد بن إ سماعيـل الحم سي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمـحاربـي‪ ,‬عن سلم بن سَلْـم‬
‫الـمدينـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد العمي‪ ,‬عن معاوية بن قرة‪ ,‬عن أنس بن مالك‪ ,‬عن النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عب ـيدة ال ـحدّاد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مو سى بن‬
‫شروان‪ ,‬عـن يزيـد الرقاشيـّ‪ ,‬عـن أنـس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪َ « :‬ه َكذَا‬
‫أ َمرَنِـي رَبـي»‪ .‬وأدخـل أصابعه فـي لـحيته‪ ,‬فخـلّلها‪.‬‬
‫‪ 9007‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن هشام وعبـيد ال بن موسى‪ ,‬عن خالد بن‬
‫إل ـياس‪ ,‬عن ع بد ال بن را فع‪ ,‬عن أ مّ سلـمة‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم تو ضأ‪,‬‬
‫فخـلّل لـحيته‪.‬‬
‫‪ 9008‬ـ حدثنا علـيّ بن الـحسين بن الـحر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ربـيعة‪ ,‬عن واصل‬
‫بن ال سائب‪ ,‬عن أب ـي سورة‪ ,‬عن أب ـي أيوب‪ ,‬قال‪« :‬رأي نا النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫توضأ‪ ,‬وخـلل لـحيته»‪.‬‬
‫‪9009‬ــ حدثنـا أبـو هشام الرفــاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا زيـد بـن حبــاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمـر بـن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬عن أب ـي غالب‪ ,‬عن أب ـي أما مة‪« :‬أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم خ ـلّل‬
‫لـحيته»‪.‬‬
‫‪ 9010‬ـ حدثنا مـحمد بن عيسى الدامغانـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عبد الكريـم أبـي‬
‫أمية‪ :‬أن حسان بن ثابت الـمزنـي رأى عمار بن ياسر توضأ وخـلل لـحيته‪ ,‬فقـيـل له‪:‬‬
‫أتفعل هذا‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يفعله‪.‬‬
‫‪ 9011‬ـ حدثنا أبو الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عمرو‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد‬
‫الوا حد بن ق ـيس‪ ,‬عن يز يد الرقا شي وقتادة‪« :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬كان إذا‬
‫توضأ عرك عارضيه‪ ,‬وشبك لـحيته بأصابعه»‪.‬‬
‫‪ 9012‬ـ حدث نا أ بو الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي أ بو مهدي بن سنان‪ ,‬عن‬
‫أبـي الزاهرية‪ ,‬عن جبـير بن نفـير‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪9013‬ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الحمسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي أبو‬
‫عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي واصل الرقاشي‪ ,‬عن أبـي سورة هكذا قال الحمسي عن أبـي أيوب‪,‬‬
‫قال‪« :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا توضأ تـمضمض ومسح لـحيته من تـحتها‬
‫بـالـماء»‪.‬‬
‫ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة فـي غسل ما بطن من النف والفم‪:‬‬
‫‪ 9014‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫نـجيح‪ ,‬قال‪ :‬سمعت مـجاهدا يقول‪ :‬الستنشاق شطر الوضوء‪.‬‬
‫‪9015‬ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬قال‪ :‬سألت حمادا عن‬
‫رجـل ذكـر وهـو فــي الصـلة أنـه لــم يتــمضمض ولــم يسـتنشق‪ ,‬قال حماد‪ :‬ينصـرف‬
‫فـيتـمضمض ويستنشق‪.‬‬
‫‪ 9016‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الصبـاح‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬قال‪ :‬قدمت الكوفة فأتـيت‬
‫حمادا فسـألته عـن ذلك‪ ,‬يعنــي عمـن ترك الــمضمضة والسـتنشاق وصـلّـى فقال‪ :‬أرى‬
‫علـيه إعادة الصلة‪.‬‬
‫‪ 9017‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬كان قتادة‬
‫يقول‪ :‬إذا ترك ال ـمضمضة أو ال ستنشاق أو أذ نه أو طائ فة من رجله حت ـى يدخ ـل ف ـي‬
‫صلته‪ ,‬فإنه ينفتل ويتوضأ‪ ,‬ويعيد صلته‪.‬‬
‫ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة من أن ما أقبل من الذنـين فمن الوجه‪,‬‬
‫وما أدبر فمن الرأس‪:‬‬
‫‪ 9018‬ـ حدثنا أ بو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ح فص بن غياث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أش عث‪ ,‬عن الشعبـيّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬ما أقبل من الذنـين فمن الوجه‪ ,‬وما أدبر فمن الرأس‪.‬‬
‫حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي شعبة‪ ,‬عن الـحكم وحماد‪,‬‬
‫عن الشعبـي فـي الذنـين‪ :‬بـاطنهما من الوجه‪ ,‬وظاهرهما من الرأس‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪,‬‬
‫عن الشعبـي‪ ,‬قال‪ :‬مقدّم الذنـين من الوجه‪ ,‬ومؤخرهما من الرأس‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن ال ـحكم وحماد‪ ,‬عن‬
‫ل أنه قال‪ :‬بـاطن الذنـين‪.‬‬
‫الشعبـي بـمثله‪ ,‬إ ّ‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن جعفـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شعبـة‪ ,‬عـن حماد‪ ,‬عـن‬
‫ل أنه قال‪ :‬بـاطن الذنـين‪.‬‬
‫الشعبـي بـمثله‪ ,‬إ ّ‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن جعفـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شعبـة‪ ,‬عـن حماد‪ ,‬عـن‬
‫الشعبـي‪ ,‬بـمثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬بـاطن الذنـين من‬
‫الوجه‪ ,‬وظاهرهما من الرأس‪.‬‬
‫‪ 9019‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تـميـلة‪ .‬ح‪ ,‬وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال جميعا‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن طلـحة بن‬
‫يز يد بن ركا نة‪ ,‬عن عب ـيد ال ال ـخولنـي‪ ,‬عن ا بن عب ـاس قال‪ :‬قال عل ـيّ بن أب ـي‬
‫طالب‪ :‬أل أتوضأ لكم وضوء رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬قلنا‪ :‬نعم‪ .‬فتوضأ‪ ,‬فلـما‬
‫غ سل وج هه‪ ,‬أل قم إبهام يه ما أق بل من أذن ـيه‪ ,‬قال‪ :‬ثم ل ـما م سح برأ سه م سح أذن ـيه من‬
‫ظهورهما‪.‬‬
‫ل ذكره‬
‫وأول ـى القوال ب ـالصواب ف ـي ذلك عند نا قول من قال‪ :‬الو جه الذي أ مر ال ج ّ‬
‫ل ما انـحدر عن منابت شعر الرأس إلـى منقطع الذقن طولً‪,‬‬
‫بغسله القائم إلـى صلته‪ :‬ك ّ‬
‫و ما ب ـين الذن ـين عر ضا م ـما هو ظا هر لع ين النا ظر‪ ,‬دون ما ب طن من ال فم وال نف‬
‫والعين‪ ,‬ودون ما غطاه شعر اللـحية والعارضين والشاربـين فستره عن أبصار الناظرين‪,‬‬
‫ودون الذنـين‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب وإن كان ما تـحت شعر اللـحية والشاربـين قد كان‬
‫وجها ي جب غسله قبل نبـات الش عر الساتر عن أعين الناظر ين علـى القائم إلـى صلته‪,‬‬
‫لجماع جميع هم عل ـى أن العين ـين من الو جه‪ ,‬ثم هم مع إجماع هم عل ـى ذلك م ـجمعون‬
‫عل ـى أن غ سل ما عله ما من أجف ـانهما دون إي صال ال ـماء إل ـى ما ت ـحت الجف ـان‬
‫منهمـا مــجزىء فإذا كان ذلك منهـم إجماعـا بتوقــيف الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم أمتـه‬
‫ل ما عله ش يء من موا ضع الوضوء من ج سد ا بن آدم من ن فس‬
‫عل ـى ذلك‪ ,‬فنظ ير ذلك ك ّ‬
‫خ ـلقة ساتره ل ي صل ال ـماء إل ـيه إلّ بكل فة ومؤ نة وعلج‪ ,‬ق ـياسا ل ـما ذكر نا من ح كم‬
‫العينـين فـي ذلك‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فل ش كّ أن مثل العينـين فـي مؤنة إيصال الـماء‬
‫إلـيهما عند الوضوء ما بطن من ال نف وال فم وشعر اللـحية وال صدغين والشارب ـين‪ ,‬لن‬
‫كـل ذلك ل يصـل الــماء إلــيه إلّ بعلج ليصـال الــماء إلــيه نــحو كلفـة علج‬
‫ال ـحدقتـين لي صال ال ـماء إل ـيهما أو أشدّ‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان ب ـيّنا أن غ سل من‬
‫غ سل من ال صحابة والتابع ين ما ت ـحت منا بت ش عر الل ـحية والعارض ين والشارب ـين و ما‬
‫بطن من النف والفم‪ ,‬إنـما كان إيثارا منه لشقّ المرين علـيه من غسل ذلك وترك غسله‪,‬‬
‫كما آثر ابن عمر غسل ما تـحت أجفـان العينـين بـالـماء بصبه الـماء فـي ذلك‪ ,‬ل‬
‫ن أن ذلك من فعل هم كان عل ـى‬
‫عل ـى أن ذلك كان عل ـيه عنده فر ضا واجب ـا‪ .‬فأ ما من ظ ّ‬
‫و جه اليجاب والفرض‪ ,‬فإ نه خالف ف ـي ذلك بقوله منهاج هم وأغ فل سبـيـل الق ـياس‪ ,‬لن‬
‫الق ـياس هو ما و صفنا من تــمثـيـل ال ـمختلف فــيه من ذلك ب ـالصل ال ـمـجمع‬
‫علـيه من حكم العينـين‪ ,‬وأن ل خبر عن واحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أوجـب علــى تارك إيصـال الــماء فــي وضوئه إلــى أصـول شعـر لــحيته وعارضيـه‪,‬‬
‫وتارك الــمضمضة والسـتنشاق إعادة صـلته إذا صـلّـى بطهره ذلك‪ ,‬ففــي ذلك أوضـح‬
‫الدلــيـل علــى صـحة مـا قلنـا مـن أن فعلهـم مـا فعلوا مـن ذلك كان إيثارا منهـم لفضـل‬
‫الفعلـين من الترك والغسل‪.‬‬
‫فإن ظنّ ظانّ أن فـي الخبـار التـي رويت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أنه قال‪:‬‬
‫س َت ْن ِثرْ» دل ـيلً عل ـى وجوب ال ستنثار‪ ,‬فإن ف ـي إجماع ال ـحجة‬
‫ح ُدكُ مْ فَلْ ـيَ ْ‬
‫«إذَا َتوَضّأ أ َ‬
‫علـى أن ذلك غير فرض يجب علـى من تركه إعادة الصلة التـي صلها قبل غسله‪ ,‬ما‬
‫يغنـي عن إكثار القول فـيه‪ .‬وأما الذنان فإن فـي إجماع جميعهم علـى أن ترك غسلهما‬
‫أو غ سل ما أق بل منه ما عل ـى الو جه‪ ,‬غ ير مف سد صلة من صلّـى بطهره الذي ترك ف ـيه‬
‫غ سلهما‪ ,‬مع إجماع هم جمي عا عل ـى أ نه لو ترك غ سل ش يء م ـما ي جب عل ـيه غ سله من‬
‫وجهه فـي وضوئه أن صلته ل تـجزئه بطهوره ذلك‪ ,‬ما ينبىء عن القول فـي ذلك مـما‬
‫قاله أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي ذكرنا قولهم إنهما لـيسا من الوجه دون ما‬
‫قاله الشعبـي‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وأ ْي ِد َي ُكمْ إلـى الـمَرَافِقِ‪.‬‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمرافق‪ ,‬هل هي من الـيد الواجب غسلها أم ل؟ بعد إجماع‬
‫جميعهـم علــى أن غسـل الــيد إلــيها واجـب‪ .‬فقال مالك بـن أنـس وسـئل عـن قول ال‪:‬‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِد َيكُ مْ إلـى الـمَرَافِقِ‪ :‬أترى أن يخـلف الـمرفقـين فـي الوضوء؟‬
‫فـا ْ‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ فذهب‬
‫قال‪ :‬الذي أمر به أن يُبلغ «الـمرفقـين»‪ ,‬قال تبـارك وتعالـى‪ :‬فـا ْ‬
‫هذا يغ سل خ ـلفه فق ـيـل له‪ :‬فإن ـما يغ سل إل ـى ال ـمرفقـين والكعب ـين ل يجاوزه ما؟‬
‫فقال‪ :‬ل أدري مـا ل يجاوزهمـا أمـا الذي أمـر بـه أن يبلغ بـه فهذا‪ :‬إلــى الــمرفقـين‬
‫والكعبــين‪ .‬حدثنـا يونـس‪ ,‬عن أش هب ع نه‪ .‬وقال الشافعـي‪ :‬لــم أعلــم مخالفــا فــي أن‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِد َيكُ مْ إلـى أن‬
‫الـمرافق فـيـما يغسل كأنه يذهب إلـى أن معناها‪ :‬فـا ْ‬
‫تغسل الـمَرَافِقِ‪ .‬حدثنا بذلك عنه الربـيع‪.‬‬
‫ُمـ إلــى الــمَرَا ِفقِ غسـل الــيدين إلــى‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما أوجـب ال بقوله‪ :‬وأ ْي ِد َيك ْ‬
‫ال ـمرافق‪ ,‬ف ـالـمرفقان غا ية ل ـما أو جب ال غ سله من آ خر ال ـيد‪ ,‬والغا ية غ ير داخ ـلة‬
‫فـي الـحدّ‪ ,‬كما غير داخـل اللـيـل فـيـما أوجب ال تعالـى علـى عبـاده من الصوم‬
‫بقوله‪ :‬ثُ مّ أتِـمّوا ال صّيامَ إلـى اللّـيْـلِ لن اللـيـل غاية لصوم الصائم‪ ,‬إذا بلغه فقد قضى‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِديَكُ مْ إل ـى ال ـ َمرَا ِفقِ‬
‫ما عل ـيه‪ .‬قالوا‪ :‬فكذلك ال ـمرافق ف ـي قوله‪ :‬ف ـا ْ‬
‫غاية لـما أوجب ال غسله من الـيد‪ .‬وهذا قول زفر بن الهذيـل‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا‪ :‬أن غ سل ال ـيدين إل ـى ال ـمرفقـين من الفرض‬
‫الذي إن تر كه أو شيئا م نه تارك‪ ,‬ل ـم تَ ـجزه ال صلة مع تر كه غ سله‪ .‬فأ ما ال ـمرفقان و ما‬
‫وراءهما‪ ,‬فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إلـيه صلى ال عليه وسلم أمته بقوله‪ُ« :‬أمّتـي‬
‫غ ّرتَ هُ فَلْـيَ ْفعَلْ» فل تفسد‬
‫ن ُيطِيـلَ ُ‬
‫ستَطاعَ ِم ْنكُمْ أ ْ‬
‫ناْ‬
‫ن آثارِ ال ُوضُوءِ‪َ ,‬فمَ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫حجّلُو َ‬
‫ال ُغرّ الـمُـ َ‬
‫صلة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما‪ ,‬لـما قد بـينا قبل فـيـما مضى من أن لك غاية‬
‫حدت ب «إل ـى» ف قد ف قد ت ـحتـمل ف ـي كلم العرب دخول الغا ية ف ـي ال ـحدّ وخروج ها‬
‫منه‪ .‬وإذا احتـمل الكلم ذلك لـم يجز لحد القضاء بأنها داخـلة فـيه‪ ,‬إلّ لـمن ل يجوّز‬
‫خلفه فـيـما بـين وحكم‪ ,‬ول حكم بأن الـمرافق داخـلة فـيـما يجب غسله عندنا مـمن‬
‫يجب التسلـيـم بحكمه‪.‬‬
‫س ُكمْ‪.‬‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَا ْم َ‬
‫س ُكمْ فقال‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي صفة ال ـمسح الذي أ مر ال به بقوله‪ :‬وَامْ َ‬
‫بعض هم‪ :‬وام سحوا ب ـما بدا ل كم أن ت ـمسحوا به من روؤ سكم ب ـالـماء إذا قمت ـم إل ـى‬
‫الصلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9020‬ـ حدث نا ن صر بن عل ـيّ ال ـجهضمي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن م سعدة‪ ,‬عن عي سى بن‬
‫ح فص‪ ,‬قال‪ :‬ذ كر ع ند القا سم بن م ـحمد م سح الرأس‪ ,‬فقال‪ :‬يا نا فع ك يف كان ا بن ع مر‬
‫ي ـمسح؟ فقال‪ :‬م سحة واحدة‪ .‬وو صف أ نه م سح مقدّم رأ سه إل ـى وج هه‪ .‬فقال القا سم‪ :‬ا بن‬
‫عمر أفقهنا وأعلـما‪.‬‬
‫‪9021‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت يحيـى بـن سـعيد‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫أخبرنـي نافع أن ابن عمر كان إذا توضأ ردّ كفـيه إلـى الـماء ووضعهما فـيه‪ ,‬ثم مسح‬
‫بـيديه مقدّم رأسه‪.‬‬
‫‪9022‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫نافع‪ :‬أن ا بن عمر كان يضع بطن كف ـيه علـى الـماء ثم ل ينفضهما ثم يـمسح بهما ما‬
‫ل ذلك مسحة واحدة‪ ,‬مقبلة‬
‫بـين قرنـيه إلـى الـجبـين واحدة‪ ,‬ثم ل يزيد علـيها فـي ك ّ‬
‫من الـجبـين إلـى القرن‪.‬‬
‫حدثنا تـميـم بن الـمنتصر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شريك‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‬
‫النصاري‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ :‬أنه كان إذا توضأ مسح مقدم رأسه‪.‬‬
‫‪ 9023‬ـ حدث نا ت ـميـم بن ال ـمنتصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا شر يك‪ ,‬عن ع بد‬
‫العل ـى الثعلب ـيّ‪ ,‬عن ع بد الرح من بن أب ـي ل ـيـلـى‪ ,‬قال‪ :‬يجز يك أن ت ـمسح مقدّم‬
‫رأسك إذا كنت معتـمرا‪ ,‬وكذلك تفعل الـمرأة‪.‬‬
‫‪ 9024‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال الشجعي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن عجلن‪ ,‬عن‬
‫نافـع‪ ,‬قال‪ :‬رأيـت ابـن عمـر مسـح بــيافوخه مسـحة‪ .‬وقال سـفـيان‪ :‬إن مسـح شعرة أجزأه‬
‫يعنـي واحدة‪.‬‬
‫‪9025‬ـ حدثنا أبو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد السلم بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬أيّ جوانب رأسك مسست الـماء أجزأك‪.‬‬
‫‪ 9026‬ـ حدث نا أ بو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عل ـيّ بن ظب ـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيـل بن أب ـي‬
‫خالد‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا الرفـاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن إسماعيـل الزرق‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9027‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أيوب‪ ,‬عن نافع‪ ,‬قال‪ :‬كان ابن‬
‫عمر يـمسح رأسه هكذا‪ ,‬فوضع أيوب كفه وسط رأسه‪ ,‬ثم أمرّها علـى مقدّم رأسه‪.‬‬
‫‪ 9028‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن الـحبـاب‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬إن مسح رأسه‬
‫بأصبع واحدة أجزأه‪.‬‬
‫‪ 9029‬ـ حدث نا أ بو الول ـيد الدمشق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد بن م سلـم‪ ,‬قال‪ :‬قلت لب ـي‬
‫عمرو‪ :‬ما يجزىء من مسح الرأس؟ قال‪ :‬أن تـمسح مقدم رأسك إلـى القـفـا أحبّ إلـيّ‪.‬‬
‫حدثنـي العبـاس بن الولـيد‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عنه‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فـامسحوا بجميع رءوسكم‪ .‬قالوا‪ :‬إن لـم يـمسح بجميع رأ سه‬
‫بـالـماء لـم تـجزه الصلة بوضوئه ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9030‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أشهب‪ ,‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬من مسح بعض‬
‫رأ سه ول ـم يع مّ أعاد ال صلة ب ـمنزلة من غ سل ب عض وج هه أو ب عض ذرا عه‪ .‬قال‪ :‬و سئل‬
‫مالك عن مسح الرأس‪ ,‬قال‪ :‬يبدأ من مقدّم وجهه‪ ,‬فـيدير يديه إلـى قـفـاه‪ ,‬ثم يردّهما إلـى‬
‫حيث بدأ منه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل يجزىء مسـح الرأس بأقلّ مـن ثلث أصـابع‪ ,‬وهذا قول أبــي حنــيفة‬
‫وأبـي يوسف ومـحمد‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا‪ ,‬أن ال جلّ ثناؤه أ مر ب ـالـمسح برأ سه القائم إل ـى‬
‫صلته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه‪ ,‬ولـم يحدّ ذلك بحدّ ل يجوز التقصير عنه ول‬
‫يجاوزه‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬ف ما م سح به ال ـمتوضىء من رأ سه ف ـاستـحقّ ب ـمسحه ذلك‬
‫أن يقال‪ :‬مسح برأسه‪ ,‬فقد أدّى ما فرض ال علـيه من مسح ذلك لدخوله فـيـما لزمه اسم‬
‫ما مسح برأسه إذا قام إلـى صلته‪.‬‬
‫فإن قال لنا قائل‪ :‬فإن ال قد قال فـي التـيـمـم‪ :‬فـا ْمسَحُوا ب ُوجُو ِهكُمْ وأ ْيدِيكُمْ أفـيجزىء‬
‫ل مـا مسـح مـن ذلك‬
‫الــمسح ببعـض الوجـه والــيدين فــي التــيـمـم؟ قــيـل له‪ :‬ك ّ‬
‫بـالتراب فـيـما تنازعت ف ـيه العلـماء‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬يجزيه ذلك من التـيـمـم‪ ,‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬ل يجزئه‪ ,‬فهو مـجزئه‪ ,‬لدخوله فـي أسم الـماسحين به‪ .‬وما كان من ذلك مـجمعا‬
‫عل ـى أ نه غ ير م ـجزئه‪ ,‬فم سلـم ل ـما جاءت به ال ـحجة نقل عن نب ـيها صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ ,‬ول ح جة ل حد عل ـينا ف ـي ذلك إذ كان من قول نا‪ :‬إن ما جاء ف ـي آي الكتاب عا ما‬
‫فـي معنى فـالواجب الـحكم به علـى عمومه حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له‪ ,‬فإذا‬
‫ص م نه خارجا من ظاهره‪ ,‬وحكم سائره عل ـى العموم‪ .‬وقد‬
‫خ صّ منه منه شيء كان ما خ ّ‬
‫ب ـينا العلة ال ـموجبة صحة القول بذلك ف ـي غ ير هذا ال ـموضع ب ـما أغ نى عن إعاد ته‬
‫ـحُوا‬
‫فــي هذا الــموضع‪ .‬والرأس الذي أمـر ال جلّ وع ّز بــالـمسح بقوله بـه‪ :‬وَامْس َ‬
‫ن هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلـى القـفـا‬
‫س ُكمْ وأ ْرجَُلكُ مْ إلـى ال َك ْعبَـيْ ِ‬
‫ِبرُءُو ِ‬
‫مـما استدبر‪ ,‬ودون ما انـحدر عن ذلك مـما استقبل من ِقبَل وجهه إلـى الـجبهة‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وأ ْرجَُل ُكمْ إلـى ال َك ْعبَـيْنِ‪.‬‬
‫اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه جما عة من قرّاء ال ـحجاز والعراق‪ :‬وأ ْرجُلَكُ مْ إل ـى‬
‫ال َك ْعبَ ـيْنِ ن صبـا‪ .‬فتأوي ـله‪ :‬إذا قمت ـم إل ـى ال صلة‪ ,‬ف ـاغسلوا وجوه كم وأيدي كم إل ـى‬
‫الـمرافق‪ ,‬وأرجُلَكم إلـى الكعبـين‪ ,‬وامسحوا برءوسكم‪ .‬وإذا قرىء كذلك كان من الـمؤخر‬
‫الذي معناه التقديـم‪ ,‬وتكون «الرجل» منصوبة‪ ,‬عطفـا علـى «اليدي»‪ .‬وتأوّل قارئو ذلك‬
‫ل ثناؤه إنـما أمر عبـاده بغسل الرجل دون الـمسح بها‪.‬‬
‫كذلك‪ ,‬أن ال ج ّ‬
‫ن الغسل‪:‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬عنى ال بقوله‪ :‬وأ ْرجَُل ُكمْ إلـى ال َك ْعبَـيْ ِ‬
‫‪ 9031‬ـ حدث نا حم يد بن م سعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد ال ـحذاء‪ ,‬عن‬
‫أبـي قلبة‪ :‬أن رجلً صلـى وعلـى ظهر قدمه موضع ظُفُر‪ ,‬فلـما قضى صلته‪ ,‬قال له‬
‫عمر‪ :‬أعد وضوءك وصلتك‪.‬‬
‫‪9032‬ـ حدثنا حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن‬
‫حسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هزيـل بن شرحبـيـل‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬خـلّلوا الصابع بـالـماء‬
‫ل تـخـلّلها النارُ‪.‬‬
‫‪ 9033‬ـ حدثنا ع بد ال بن الصبـاح العطار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص بن عمر ال ـحوضي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا مرجى‪ ,‬يعنـي ابن رجاء الـيشكري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو روح عمارة بن أبـي حفصة‪ ,‬عن‬
‫الـمغيرة بن حنـين‪ :‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم رأى رجلً يتوضأ وهو يغسل رجلـيه‪,‬‬
‫فقال‪« :‬بهذا ُأ ِمرْت»‪.‬‬
‫‪9034‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن واقد مولـى زيد‬
‫بن خـلـيدة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت مصعب بن سعيد‪ ,‬يقول‪ :‬رأى عمر بن الـخطاب قوما يتوضئون‪,‬‬
‫فقال‪ :‬خَـلّلوا‪.‬‬
‫‪ 9035‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت يح يى‪ ,‬قال‪ :‬سمعت القا سم‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان ابن عمر يخـلع خفـيه‪ ,‬ثم يتوضأ فـيغسل رجلـيه‪ ,‬ثم يخـلّل أصابعه‪.‬‬
‫‪ 9036‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن الزب ـير بن‬
‫غسْلً؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫عديّ‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬قلت للسود‪ :‬رأيت عمر يغسل قدميه َ‬
‫‪9037‬ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن منصور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن‬
‫مسلـم‪ ,‬عن إبراهيـم بن ميسرة‪ ,‬عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لبن أبـي سويد‪ :‬بلغنا‬
‫عـن ثلثـة كلهـم رأوا النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم يغسـل قدميـه غسـلً‪ ,‬أدناهـم ابـن عمـك‬
‫الـمغيرة‪.‬‬
‫‪ 9038‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال صبـاح‪ ,‬عن م ـحمد‪ ,‬و هو ا بن أب ـان‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن الـحرث‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬اغسلوا القدام إلـى الكعبـين‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن أبـي قلبة‪ :‬أن عمر بن الـخطاب‬
‫رأى رجلً قد ترك علـى ظهر قدمه مثل الظفر‪ ,‬فأمره أن يعيد وضوءه وصلته‪.‬‬
‫‪ 9039‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن م ـحمد بن إ سحاق‪ ,‬عن شي بة بن‬
‫نصاح‪ ,‬قال‪ :‬صحبت القاسم بن مـحمد إلـى مكة‪ ,‬فرأيته إذا توضأ للصلة يدخـل أصابع‬
‫رجلـيه يصبّ علـيها الـماء‪ ,‬قلت‪ :‬يا أبـا مـحمد‪ ,‬لـم تصنع هذا؟ قال‪ :‬رأيت ابن عمر‬
‫يصنعه‪.‬‬
‫‪ 9040‬ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي‪ ,‬عن حماد‪,‬‬
‫س ُكمْ‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِديَكُ مْ إل ـى ال ـ َمرَا ِفقِ وامْ َ‬
‫عن إبراهي ـم ف ـي قوله‪ :‬ف ـا ْ‬
‫ن قال‪ :‬عاد المر إلـى الغسل‪.‬‬
‫وأ ْرجَُل ُكمْ إلـى ال َك ْعبَـيْ ِ‬
‫‪ 9041‬ـ حدثن ـي ال ـحسين بن عل ـيّ ال صدائي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن ح فص الغاضري‪,‬‬
‫عن عامر بن كلـيب‪ ,‬عن أبـي عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬قرأ علـيّ الـحسن والـحسين رضوان‬
‫ال علـيهما‪ ,‬فقرءا‪ :‬وأرْجَُلكُ ْم إلـى ال َك ْعبَـيْنِ فسمع علـيّ رضي ال عنه ذلك‪ ,‬وكان يقضي‬
‫بـين الناس‪ ,‬فقال‪« :‬وَأ ْرجُلَ ُكمْ»‪ ,‬هذا من الـمقدّم والـمؤخر من الكلم‪.‬‬
‫‪ 9042‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرهاب بن عبد العلـى‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫سكُمْ وأ ْرجَُلكُمْ بـالنصب‪ ,‬وقال‪ :‬عاد المر إلـى‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬أنه قرأها‪ :‬فـا ْم َ‬
‫الغسل‪.‬‬
‫‪ 9043‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة وأبو معاوية‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه أنه‬
‫قرأها‪ :‬وأ ْرجَُلكُمْ وقال‪ :‬عاد المر إلـى الغسل‪.‬‬
‫‪9044‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن قـيس‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن زرّ‪ ,‬عن‬
‫عبد ال‪ :‬أنه كان يقرأ‪ :‬وأ ْرجُلَ ُكمْ بـالنصب‪.‬‬
‫‪ 9045‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫سكُمْ وأ ْرجَُلكُ مْ إلـى‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِد َيكُ مْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْ سَحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬فـا ْ‬
‫ال َك ْعبَـيْنِ فـيقول‪ :‬اغسلوا وجوهكم‪ ,‬واغسلوا أرجلكم‪ ,‬وامسحوا برءوسكم فهذا من التقديـم‬
‫والتأخير‪.‬‬
‫‪ 9046‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين بن علـيّ‪ ,‬عن شيب ـان‪ ,‬قال‪َ :‬أ ْثبِ تْ لـي عن‬
‫ي أنه قرأ‪ :‬وأ ْرجُلَكم‪.‬‬
‫علـ ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ :‬وأ ْرجَُلكُمْ‬
‫رجع المر إلـى الغسل‪.‬‬
‫‪9047‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9048‬ـ حدثن ـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحمانـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان أصحاب عبد ال يقرءونها‪ :‬وأرْجَُل ُك ْم فـيغسلون‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن ال ـحرث‪ ,‬عن‬
‫علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬اغسل القدمين إلـى الكعبـين‪.‬‬
‫‪ 9049‬ـ حدثنـي عبد ال بن مـحمد الزهري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن عيـينة‪ ,‬عن أبـي‬
‫السوداء‪ ,‬عن ابن عبد خير‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬رأيت علـيّا توضأ‪ ,‬فغسل ظاهر قدميه‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫لول أن ـي رأ يت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف عل ذلك‪ ,‬ظ نت أن ب طن القدم أح قّ من‬
‫ظاهرها‪.‬‬
‫‪ 9050‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الـملك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لـم أر أحدا يـمسح علـى القدمين‪.‬‬
‫‪9051‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي الـحجاج بن الـمنهار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن قـيس‬
‫بن سعد‪ ,‬عن مـجاهد أنه قرأ‪ :‬وأ ْرجُلَ ُكمْ إلـى ال َك ْعبَـيْنِ فنصبها‪ ,‬وقال‪ :‬رجع إلـى الغسل‪.‬‬
‫‪ 9052‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الع مش يقرأ‪ :‬وأ ْرجَُلكُ مْ‬
‫بـالنصب‪.‬‬
‫ْسـحُوا‬
‫‪9053‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا أشهـب‪ ,‬قال‪ :‬سـئل مالك عـن قول ال‪ :‬وام َ‬
‫ن أ هي «أرجلِ كم» أو «أرجلَ كم»؟ فقال‪ :‬إن ـما هو الغ سل‬
‫س ُكمْ وأ ْرجُلَكُ مْ إل ـى ال َك ْعبَ ـيْ ِ‬
‫ِبرُءُو ِ‬
‫ولـيس بـالـمسح‪ ,‬ل تـمسح الرجل‪ ,‬إنـما تغسل‪ .‬قـيـل له‪ :‬أفرأيت من مسح أيجزيه‬
‫ذلك؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫‪ 9054‬ـ حدث نا أح مد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نعي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫سكُ ْم وأ ْرجَُلكُ ْم قال‪ :‬اغسلوها غسلً‪.‬‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫وا ْم َ‬
‫ُوسـُكمْ وأ ْرجُِلكُمـْ» بخفـض‬
‫ْسـحُوا بِرُء ِ‬
‫وقرأ ذلك آخرون مـن قرّاء الــحجاز والعراق‪« :‬وَام َ‬
‫الر جل‪ .‬وتأوّل قارئو ذلك كذلك أن ال إنــما أ مر عب ـاده بــمسح الر جل فــي الوضوء‬
‫دون غ سلها‪ ,‬وجعلوا الر جل عطف ـا عل ـى الرأس‪ ,‬فخفضو ها لذلك‪ .‬ذ كر من قال ذلك من‬
‫أهل التأويـل‪:‬‬
‫‪9055‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن قـيس الـخراسانـي‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن‬
‫عمرو بن دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬الوضوء غسلتان ومسحتان‪.‬‬
‫‪ 9056‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬عن حميد‪ .‬ح‪ ,‬وحدثنا يعقوب‬
‫بـن إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن علــية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حميـد‪ ,‬قال‪ :‬قال موسـى بـن أنـس لنـس‬
‫ون ـحن عنده‪ :‬يا أب ـا حمزة إن ال ـحجاج خطب نا ب ـالهواز ون ـحن م عه‪ ,‬فذ كر الطهور‪,‬‬
‫فقال‪« :‬اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأ ْرجُلَكم‪ ,‬وإنه لـيس شيء من ابن آدم‬
‫أقرب إلـى خبثه من قدميه‪ ,‬فـاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقـيبهما»‪ .‬فقال أنس‪ :‬صدق‬
‫س ُكمْ وأ ْرجُلِكُ مْ» قال‪ :‬وكان أنس إذا مسح قدميه‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫ال وكذب الـحجاج‪ ,‬قال ال‪« :‬وَامْ َ‬
‫بلّهما‪.‬‬
‫‪9057‬ـ حدثنا ابن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عاصم الحول‪ ,‬عن‬
‫أنس‪ ,‬قال‪ :‬نزل القرآن بـالـمسح‪ ,‬والسنة الغَسل‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن موسى بن أنس‪ ,‬قال‪ :‬خطب‬
‫الـحجاج‪ ,‬فقال‪« :‬اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجُلَكم‪ ,‬ظهورَهما وبطونَهما وعراقـيبهما‪ ,‬فإن‬
‫س ُكمْ‬
‫سحُوا بِرُءُو ِ‬
‫ذلك أدنى إلـى خبثكم»‪ .‬قال أنس‪ :‬صدق ال وكذب الـحجاج‪ ,‬قال ال‪« :‬وَامْ َ‬
‫وأ ْرجُِل ُكمْ إلـى ال َك ْعبَـيْنِ»‪.‬‬
‫‪9058‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال العتكي‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬لـيس علـى الرجلـين غسل‪ ,‬إنـما نزل فـيهما الـمسح‪.‬‬
‫‪ 9059‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن أبـي جعفر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫امسح علـى رأسك وقدميك‪.‬‬
‫‪9060‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن الشعبـيّ‪,‬‬
‫قال‪ :‬نزل جبريـل بـالـمسح‪ .‬قال‪ :‬ثم قال الشعبـي‪ :‬أل ترى أن التـيـمـم أن يـمسح ما‬
‫ل ويـلغي ما كان مسحا؟‬
‫كان غس ً‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعب ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬أُ مر ب ـالتـيـمـم‬
‫فـيـما أُمر به بـالغسل‪.‬‬
‫حدثنــي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن علــية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الشعبــي‪ ,‬أ نه قال‪ :‬إنــما هو‬
‫الـمسح علـى الرجلـين‪ ,‬أل ترى أنه ما كان علـيه الغسل جعل علـيه الـمسح‪ ,‬وما كان‬
‫علـيه الـمسح أهمل؟‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر أنه قال‪ :‬أمر أن‬
‫يـمسح فـي التـيـمـم ما أمر أن يغسل ف ـي الوضوء‪ ,‬وأبطل ما أمر أن يـمسح فـي‬
‫الوضوء الرأس والرجلن‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الشعب ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬أ مر أن‬
‫يـمسح بـالصعيد فـي التـيـمـم ما أمر أن يغسل بـالـماء‪ ,‬وأهمل ما أمر أن يـمسح‬
‫بـالـماء‪.‬‬
‫حدثنا ابن أبـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعامر‪ :‬إن ناسا‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬إن جبريــل صـلى ال عليـه وسـلم نزل بغسـل الرجلــين‪ ,‬فقال‪ :‬نزل جبريــل‬
‫بـالـمسح‪.‬‬
‫‪9061‬ـ حدثنا أبو بشر الواسطي إسحاق بن شاهين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن عبد ال‪ ,‬عن يونس‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثن ـي من صحب عكر مة إل ـى وا سط‪ ,‬قال‪ :‬ف ما رأي ته غ سل رجل ـيه‪ ,‬إن ـما ي ـمسح‬
‫علـيهما حتـى خرج منها‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫‪ 9062‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪« :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫س ُكمْ‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫غسِلُوا ُوجُو َهكُ مْ وأ ْي ِديَكُ مْ إل ـى ال ـمَرَافِقِ وامْ َ‬
‫إذَا ُق ْمتُ ـمْ إل ـى ال صّل ِة ف ـا ْ‬
‫وأ ْرجَُل ُكمْ إلـى ال َك ْعبَـيْنِ» افترض ال غسلتـين ومسحتـين‪.‬‬
‫‪ 9063‬ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن يحيى بن وثاب‪,‬‬
‫عن علقمة أنه قرأ‪« :‬وأ ْرجُِل ُكمْ» مخفوضة اللم‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9064‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الـحسين العكلـي‪ ,‬عن عبد الوارث‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد أنه كان يقرأ‪« :‬وأ ْرجُِل ُكمْ»‪.‬‬
‫‪ 9065‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان الشعبـيّ يقرأ‪« :‬وأ ْرجُِل ُكمْ» بـالـخفض‪.‬‬
‫‪ 9066‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن الـحسن بن صالـح‪ ,‬عن غالب‪ ,‬عن أبـي‬
‫جعفر‪ ,‬أنه قرأ‪« :‬وأرْجُِل ُكمْ» بـالـخفض‪.‬‬
‫‪ 9067‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سلـمة‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬أنه قرأ‪« :‬وأ ْرجُِلكُ مْ»‬
‫بـالكسر‪.‬‬
‫وال صواب من القول عند نا ف ـي ذلك‪ ,‬أن ال أ مر بعموم م سح الرجل ـين ب ـالـماء ف ـي‬
‫الوضوء‪ ,‬كمـا أمـر بعموم مسـح الوجـه بــالتراب فــي التــيـمـم‪ ,‬وإذا فعـل ذلك بهمـا‬
‫الــمتوضيء كان مسـتـحقا اسـم ماسـح غاسـل‪ ,‬لن غسـلهما إمرار الــماء علــيهما أو‬
‫إ صابتهما ب ـالـماء‪ .‬وم سحهما‪ :‬إمرار ال ـيد أو ما قام مقام ال ـيد عل ـيهما‪ .‬فإذا ف عل ذلك‬
‫بهما فـاعل فهو غاسل ماسح‪ ,‬ولذلك من احتـمال الـمسح الـمعنـيـين اللذين وصفت من‬
‫العموم وال ـخصوص اللذ ين أحده ما م سح بب عض والَ خر م سح ب ـالـجميع اختل فت قراءة‬
‫القرّاء فـي قوله‪ :‬وأ ْرجُلَكُ مْ فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلـى أن الفرض فـيهما الغسل‬
‫وإنكارا منه الـمسح علـيهما مع تظاهر الخبـار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعموم‬
‫م سحهما ب ـالـماء‪ ,‬وخفض ها بعض هم توجي ها م نه ذلك إل ـى أن الفرض ف ـيهما ال ـمسح‪.‬‬
‫ول ـما قل نا ف ـي تأوي ـل ذلك إ نه معن ـيّ به عموم م سح الرجل ـين ب ـالـماء كره من كره‬
‫لل ـمتوضىء الجتزاء بإدخال رجل ـيه ف ـي ال ـماء دون م سحهما ب ـيده‪ ,‬أو ب ـما قام مقام‬
‫س ُكمْ وأ ْرجُلِكُ مْ إلـى ال َك ْعبَـيْنِ» إلـى مسح جميعهما‬
‫سحُوا برُءُو ِ‬
‫الـيد توجيها منه قوله‪« :‬وَامْ َ‬
‫عاما بـالـيد‪ ,‬أو بـما قام مقام الـيد دون بعضهما مع غسلهما بـالـماء‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9068‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا نافع‪ ,‬عن‬
‫ا بن ع مر‪ .‬و عن الحول‪ ,‬عن طاوس‪ :‬أ نه سئل عن الر جل يتو ضأ ويدخ ـل رجل ـيه ف ـي‬
‫الـماء‪ ,‬قال‪ :‬ما أعدّ ذلك طائلً‪.‬‬
‫وأجاز ذلك من أجاز توجيهه منه إلـى أنه معنـيّ به الغسل‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9069‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت هشاما يذكر عن الـحسن‬
‫فـي الرجل يتوضأ فـي السفـينة‪ ,‬قال‪ :‬ل بأس أن يغمس رجلـيه غمسا‪.‬‬
‫‪ 9070‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي أ بو حرة‪ ,‬عن‬
‫الـحسن فـي الرجل إذا توضأ علـى حرف السفـينة‪ ,‬قال‪ :‬يخضخض قدميه فـي الـماء‪.‬‬
‫فإذا كان فــي الــمسح الــمعنـيان اللذان وصـفنا مـن عموم الرجلــين بــالـماء‪,‬‬
‫وخ صوص بعضه ما به‪ ,‬وكان صحيحا ب ـالدلة الدالة الت ـي سنذكرها ب عد أن مراد ال من‬
‫مسـحهما العموم‪ ,‬وكان لعمومهمـا بذلك معنـى الغسـل والــمسح فبــين صـواب القراءتــين‬
‫جميعـا‪ ,‬أعنــي النصـب فــي الرجـل والــخفض‪ ,‬لن فــي عموم الرجلــين بــمسحهما‬
‫ب ـالـماء غ سلهما‪ ,‬وف ـي إمرار ال ـيد و ما قام مقام ال ـيد عل ـيهما م سحهما‪ ,‬فو جه صواب‬
‫قراءة من قرأ ذلك نصبـا لـما فـي ذلك من معنى عمومهما بأمرار الـماء علـيهما‪ .‬ووجه‬
‫صواب قراءة من قرأه خفضا لـما فـي ذلك من إمرار الـيد علـيهما‪ ,‬أو ما قام مقام الـيد‬
‫مسـحا بهمـا‪ .‬غيـر أن ذلك وإن كان كذلك وكا نت القراءتان كلتاهمـا ح سنا صوابـا‪ ,‬فأعجـب‬
‫القراءتــين إلــيّ أن أقرأهـا قراءة مـن قرأ ذلك خفضـا لــما وصـفت مـن جمـع الــمسح‬
‫الــمعنـيـين اللذيـن وصـفت‪ ,‬ولنـه بعـد قوله‪ :‬وَامْس َـحُوا ِبرُءُوس ِـُك ْم فــالعطف بـه علــى‬
‫الرءوس مع قربه منه أولـى من العطف به علـى اليدي‪ ,‬وقد حيـل بـينه وبـينها بقوله‪:‬‬
‫سكُمْ‪.‬‬
‫سحُوا ِبرُءُو ِ‬
‫وَا ْم َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وما الدلـيـل علـى أن الـمراد بـالـمسح فـي الرجلـين العموم دون أن‬
‫يكون خصوصا نظير قولك فـي الـمسح بـالرأس؟ قـيـل‪ :‬الدلـيـل علـى ذلك تظاهر‬
‫ن القْدَا ِم م نَ‬
‫الخبـار عن رسول ال صلى ال عل يه وسلم أنه قال‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقا بِ َو ُبطُو ِ‬
‫النارِ»‪ ,‬ولو كان مسح بعض القدم مـجزيا عن عمومها بذلك لـما كان لها الويـل بترك ما‬
‫ترك م سحه من ها ب ـالـماء ب عد أن ي ـمسح بعض ها‪ ,‬لن من أدّى فرض ال عل ـيه ف ـيـما‬
‫لز مه غ سله من ها ل ـم ي ستـحقّ الوي ـل‪ ,‬بل ي جب أن يكون له الثواب ال ـجزيـل‪ ,‬فوجوب‬
‫الويـل لعقب تارك غسل عقبه فـي وضوئه‪ ,‬أوضح الدلـيـل علـى وجوب فرض العموم‬
‫بـمسح جميع القدم بـالـماء‪ ,‬وصحة ما قلنا فـي ذلك وفساد ما خالفه‪ .‬ذكر بعض الخبـار‬
‫الـمروية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بـما ذكرنا‪:‬‬
‫‪9071‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫طهَرة‪ ,‬ف ـيقول‪ :‬أ سبغوا الوضوء‬
‫زياد‪ ,‬قال‪ :‬كان أ بو هريرة ي ـمرّ ون ـحن نتو ضأ من ال ـمَ ْ‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫أسبغوا الوضوء قال أبو القاسم‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـيبِ مِ َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مـحمد بن زياد‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬عن‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نـحوه‪ ,‬إل أنه قال‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقا ِ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مـحمد بن زياد‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫أبو هريرة يـمرّ بأناس يتوضئون مسرعين الطهور‪ ,‬فـيقول‪ :‬اسبغوا الوضوء فإنـي سمعت‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫أبـا القاسم صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْلعَقِ ِ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن مـحمد بن زياد‪ ,‬عن أبـي هريرة‪,‬‬
‫عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬عن مـحمد بن زياد‪ ,‬عن أبـي‬
‫هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬عن مـحمد بن زياد‪ ,‬عن أبـي‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقا ِ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن مخـلد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سلـيـمان بن بلل‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫سهيـل‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن أب ـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬ويْ ـلٌ‬
‫ن النّا ِر يَ ْومَ القِـيامَةِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫للَعْقا ِ‬
‫حدثنــي إسـحاق بـن شاهيـن وإسـماعيـل بـن موسـى قال‪ :‬حدثنـا خالد بـن عبـد ال‪ ,‬عـن‬
‫سهيـل بن أبـي صالـح‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫ب مِ نَ النّارِ»‪ ,‬وقال إ سماعيـل ف ـي حدي ثه‪َ « :‬ويْ ـلٌ ل ْل َعرَاقِ ـيبِ ِم نَ‬
‫لعْقا ِ‬
‫و سلم‪َ « :‬ويْ ـلٌ ل َ‬
‫النّارِ»‪.‬‬
‫‪ 9072‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين الـمعلـم‪ ,‬عن‬
‫يح يى بن أب ـي كث ـير‪ ,‬عن سالـم الدو سي‪ ,‬قال‪ :‬دخ ـلت مع ع بد الرح من بن أب ـي ب كر‬
‫عل ـى عائ شة‪ ,‬فد عا بوَضوء‪ ,‬فقالت عائ شة‪ :‬يا ع بد الرح من‪ ,‬أ سبغ الوضوء‪ ,‬فإن ـي سمعت‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقا ِ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن يونس الـحنفـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عكرمة بن عمار‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو‬
‫سالـم مولـى الـمهدي‪ ,‬هكذا قال عمر بن يونس قال‪ :‬خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبـي‬
‫بكر فـي جنازة سعد بن أبـي وقاص‪ ,‬قال‪ :‬فمررت أنا وعبد الرحمن علـى حجرة عائشة‬
‫أ خت ع بد الرح من‪ ,‬فد عا ع بد الرح من بوضوء ف سمعت عائ شة تناد يه‪ :‬يا ع بد الرح من أ سبغ‬
‫ب مِنَ النّارِ»‪.‬‬
‫لعْقا ِ‬
‫الوضوء‪ ,‬فإنـي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ ل َ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن الـمبـارك‪ ,‬عن يحيى بن‬
‫أب ـي كث ـير‪ ,‬عن سالـم مول ـى دوس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عائ شة‪ ,‬تقول لخي ها ع بد الرح من‪ :‬يا‬
‫ع بد الرح من أ سبغ الوضوء‪ ,‬فإن ـي سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪َ « :‬ويْ ـلٌ‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫للَعْقا ِ‬
‫حدثنـي يعقوب وسوّار بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى القطان‪ ,‬عن ابن عجلن‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن أبـي سعيد عن أبـي سلـمة‪ ,‬أن عائشة رأت عبد الرحمن يتوضأ‪ ,‬فقالت‪ :‬أسبغ الوضوء‪,‬‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫فإنـي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقابِ مِ َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة ويح يى بن سعيد القطان‪ ,‬عن ا بن عجلن‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن أبـي سعيد‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬رأت عائشة عبد الرحمن يتوضأ‪ ,‬فقالت‪ :‬أسبغ‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫الوضوء‪ ,‬فإنس سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـيبِ مِ َ‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو رواحة وعبد ال بن راشد‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا حيوة بن شريح‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو السود‪ ,‬أخبرنا عبد ال مولـى شدّاد بن الهاد‪,‬‬
‫حدّثه أنه دخـل علـى عائشة زوج النبـيّ صلى ال عليه وسلم وعندها عبد الرحمن‪ ,‬فتوضأ‬
‫عبد الرحمن‪ ,‬ثم قام فأدبر‪ ,‬فنادته عائشة فقالت‪ :‬يا عبد الرحمن فأقبل علـيها‪ ,‬فقالت له‪ :‬إنـي‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقابِ مِ َ‬
‫‪9073‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو‬
‫إسحاق‪ ,‬عن سعد أو سعيد بن أبـي كرب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال يقول‪ :‬قال رسول ال‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـيبِ مِ َ‬
‫حدث نا خلد بن أ سلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الن ضر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا شع بة‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت ابن أبـي كرب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب أو ال َعرَاقِـيبِ مِ َ‬
‫وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْلعَقِ ِ‬
‫حدثن ـي إ سماعيـل بن م ـحمود ال ـحجيري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫شع بة‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سعيدا يقول‪ :‬سمعت جابرا يقول‪ :‬سمعت ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقابِ ِمنَ النّارِ»‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار وا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن أبـي كرب‪ ,‬عن جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫ب مِنَ النّارِ»‪.‬‬
‫وسلم‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـي ِ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال صبـاح بن م ـحارب‪ ,‬عن م ـحمد بن أب ـان‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن أبـي كرب‪ ,‬عن جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬سمع أذنـي من النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـيبِ ِمنَ النّارِ»‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال صبـاح بن م ـحارب‪ ,‬عن م ـحمد بن أب ـان‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن أبـي كرب‪ ,‬عن جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬سمع أذنـي من النبـيّ صلى‬
‫س ِبغُوا ال ُوضُوءَ»‪.‬‬
‫ال عليه وسلم‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـيبِ ِمنَ النّارِ‪ ,‬أ ْ‬
‫حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن القاسم‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫أبـي سفـيان‪ ,‬عن جابر بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬أبصر النبـيّ صلى ال عليه وسلم رجلً يتوضأ‪,‬‬
‫ب مِنَ النّارِ»‪.‬‬
‫وبقـي من عقبه شيء‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـي ِ‬
‫حدثنـي علـيّ بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن‬
‫العمـش‪ ,‬عـن أبــي سـفـيان‪ ,‬عـن جابر‪ ,‬أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬رأى قومـا‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫يتوضئون لـم يصب أعقابهم الـماء‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـيبِ مِ َ‬
‫‪ 9074‬ـ حدث نا أ بو سفـيان الغنوي يز يد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خ ـلف بن الول ـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثنـي أيوب بن عتبة‪ ,‬عن يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪ ,‬عن معيقـيب‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ل ل ْل َعرَاقِـيبِ مِ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬ويْـ ٌ‬
‫‪ 9075‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫هلل بن يساف‪ ,‬عن أبـي يحيى‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه‬
‫سبِغُوا ال ُوضُوءَ»‪.‬‬
‫ن النّارِ‪ ,‬أ ْ‬
‫ب مِ َ‬
‫وسلم قوما يتوضئون‪ ,‬فرأى أعقابهم تلوح‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـلٌ للَعْقا ِ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن هلل‬
‫بن يساف‪ ,‬عن أبـي يحيى العرج‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬أبصر رسول ال صلى ال‬
‫س ِبغُوا ال ُوضُوءَ‪َ ,‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِ ـيبِ‬
‫عل يه و سلم قوما يتوضئون لـم يت ـموا الوضوء‪ ,‬فقال‪« :‬أ ْ‬
‫ن النّارِ»‪.‬‬
‫ب مِ َ‬
‫أو العْقا ِ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن رجل‬
‫من أ هل م كة‪ ,‬عن ع بد ال بن عمرو‪ ,‬أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم رأى قو ما يتوضئون‪,‬‬
‫لعْقابِ ِمنَ النّارِ»‪.‬‬
‫فلـم يتـموا الوضوء‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـلٌ ل َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن هلل بن يساف‪ ,‬عن‬
‫أبـي يحيى‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬رأى قوما يتوضئون‬
‫س ِبغُوا ال ُوضُوءَ»‪.‬‬
‫لعْقابِ ِمنَ النّارِ‪ ,‬أ ْ‬
‫وأعقابهم تلوح‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـلٌ ل َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن هلل‪ ,‬عن أبـي‬
‫يح يى مول ـى ع بد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ك نا مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ب ـين م كة‬
‫والـمدينة‪ ,‬فسبقنا ناس فتوضئوا‪ ,‬فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فرأى أقدامهم بـيضا‬
‫س ِبغُوا ال ُوضُوءَ»‪.‬‬
‫ب مِنَ النّارِ‪ ,‬أ ْ‬
‫من أثر الوضوء‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـلٌ ل ْل َعرَاقِـي ِ‬
‫‪9076‬ـ حدثنـي علـيّ بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمـحاربـي‪ ,‬عن مطرّح بن يزيد‪,‬‬
‫عن عبـيد ال بن زَحر‪ ,‬عن علـيّ بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبـي أمامة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫لعْقا بِ ِم نَ النّارِ» قال‪ :‬فما بقـي فـي الـمسجد شريف‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬ويْـلٌ ل َ‬
‫ول وضيع إل نظرت إلـيه يقلب عرقوبـيه ينظر إلـيهما‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح سين‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع بد الرح من بن‬
‫سابط‪ ,‬عن أبـي أمامة‪ ,‬أو أخي أبـي أمامة‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أبصر أقواما‬
‫يتوضئون‪ ,‬وف ـي ع قب أحد هم أو ك عب أحد هم م ثل مو ضع الدر هم أو مو ضع الظ فر‪ ,‬ل ـم‬
‫ن النّارِ» قال‪ :‬فجعل الرجل إذا رأى فـي عقبه شيئا‬
‫ب مِ َ‬
‫ل للَعْقا ِ‬
‫يـمسه الـماء‪ ,‬فقال‪َ « :‬ويْـ ٌ‬
‫لـم يصبه الـماء أعاد وضوءه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما أنت قائل فـيـما‪:‬‬
‫‪9077‬ـ حدّثكم به مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن يعلـى بن‬
‫عطاء‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن أوس بن أب ـي أوس‪ ,‬قال‪« :‬رأ يت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫توضأ ومسح علـى نعلـيه‪ ,‬ثم قام فصلـى»‪.‬‬
‫‪ 9078‬ـ و ما حدّ ثك به ع بد ال بن ال ـحجاج بن ال ـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫جر ير بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الع مش‪ ,‬عن أب ـي وائل‪ ,‬عن حذي فة‪ ,‬قال‪« :‬أت ـى ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم سبـاطة قوم‪ ,‬فبـال علـيها قائما‪ ,‬ثم دعا بـماء فتوضأ ومسح علـى‬
‫نعلـيه»‪.‬‬
‫وما حدّثك به الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعلـى‬
‫بن عطاء‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن أوس بن أبـي أوس قال‪« :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أتـى سبـاطة قوم‪ ,‬فتوضأ ومسح علـى قدميه»‪.‬‬
‫ومـا أشبـه ذلك مـن الخبــار الدالة علــى أن الــمسح ببعـض الرجلــين فــي الوضوء‬
‫مـجزىء؟ قـيـل له‪ :‬أما حديث أوس بن أبـي أوس فإنه ل دللة فـيه علـى صحة ذلك‪,‬‬
‫إذ لـم يكن فـي الـخبر الذي رُوِى عنه ذكر أنه رأى النب ـيّ صلى ال عل يه وسلم توضأ‬
‫بعد حدث يوجب علـيه الوضوء لصلته‪ ,‬فمسح علـى نعلـيه‪ ,‬أو علـى قدميه‪ ,‬وجائز أن‬
‫يكون مسحه علـى قدميه الذي ذكره أوس كان فـي وضوء توضأه من غير حدث كان منه‪,‬‬
‫و جب عل ـيه من أجله ت ـجديد وضوئه‪ ,‬لن الروا ية ع نه صلى ال عل يه و سلم أ نه كان إذا‬
‫توضأ لغير حدث‪ ,‬كذلك يفعل‪ .‬يدلّ علـى ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 9079‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو مالك الـجنبـي‪ ,‬عن‬
‫م سلـم‪ ,‬عن ح بة العرن ـي‪ ,‬قال‪ :‬رأ يت عل ـيّ بن أب ـي طالب ر ضي ال ع نه شرب ف ـي‬
‫الرحبة قائما‪ ,‬ثم توضأ ومسح علـى نعلـيه‪ ,‬وقال‪ :‬هذا وضوء من لـم يحدث‪ ,‬هكذا رأيت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم صنع‪.‬‬
‫فقد أنبأ هذا الـخبر عن صحة ما قلنا فـي معنى حديث أوس‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬فإن حديث أوس‪ ,‬وإن كان مـحتـملً من الـمعنى ما قلت‪ ,‬فإنه مـحتـمل أيضا‬
‫ما قاله من قال‪ :‬إ نه معن ـيّ به ال ـمسح عل ـى النعل ـين أو القدم ين ف ـي وضوء توضأه‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من حدث؟ ق ـيـل‪ :‬أح سن حالت ال ـخبر‪ ,‬ما احت ـمل ما‬
‫قلت‪ ,‬إن سلـم له ما ادّ عى من احت ـماله ما ذ كر من ال ـمسح عل ـى القدم أو الن عل ب عد‬
‫ال ـحدث وإن كان ذلك غ ير م ـحتـمله عند نا‪ ,‬إذ كان غ ير جائز أن تكون فرائض ال و سنن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم متنافـية متعارضة‪ ,‬وقد صحّ عنه صلى ال عليه وسلم المر‬
‫بعموم غسل القدم ين فـي الوضوء بـالـماء ب ـالنقل الـمستفـيض القاطع عذر من انت هى‬
‫إلـيه وبلغه‪ .‬وإذا كان ذلك عنه صحيحا‪ ,‬فغير جائز أن يكون صحيحا عنه إبـاحة ترك غسل‬
‫بعض ما قد أوجب فرضا غسله فـي حال واحدة ووقت واحد‪ ,‬لن ذلك إيجاب فرض وإبطاله‬
‫فـي حال واحدة‪ ,‬وذلك عن أحكام ال وأحكام رسوله صلى ال عليه وسلم منتف‪ .‬غير أنا إذا‬
‫سلـمنا ل ـمن ادّ عى ف ـي حد يث أوس ما ادّ عى من احت ـماله م سح النب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫وسلم علـى قدمه فـي حال وضوء من حدث‪ ,‬ففـيه نبأ بـالفلْـج علـيه‪ ,‬فإنه ل حجة له‬
‫ف ـي ذلك‪ .‬قل نا‪ :‬فإذا كان م ـحتـملً ما ادّع يت‪ ,‬أفم ـحتـمل هو ما قلناه إن ذلك كان من‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم فـي حال وضوئه ل من حدث‪ .‬فإن قال‪ :‬ل‪ ,‬ثبتت مكابرته لنه‬
‫ل ب ـيان ف ـي خبر أوس أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ف عل ذلك ف ـي وضوء من حدث‪,‬‬
‫وإن قال‪ :‬بل هو م ـحتـمل ما قلت وم ـحتـمل ما قل نا ق ـيـل له‪ :‬ف ما البرهان عل ـى أن‬
‫تأوي ـلك الذي ادّع يت ف ـيه أول ـى به من تأوي ـلنا؟ فلن يدّ عي برها نا عل ـى صحة دعواه‬
‫فـي ذلك إل عورض بـمثله فـي خلف دعواه‪ .‬وأما حديث حذي فة‪ ,‬فإن الثقات الـحفـاظ‬
‫ي صلى‬
‫من أصحاب العمش‪ ,‬حدّثوا به عن العمش‪ ,‬عن أبـي وائل‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬أن النبـ ّ‬
‫ال عليه وسلم أتـى سبـاطة قوم‪ ,‬فبـال قائما‪ ,‬ثم توضأ ومسح علـى خفـيه‪.‬‬
‫حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الضبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي وائل‪,‬‬
‫عن حذيفة (ح)‪ .‬وحدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن سلـيـمان‪,‬‬
‫عن أبـي وائل‪ ,‬عن حذيفة (ح)‪ .‬وحدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن‬
‫العمش‪ ,‬عن أبـي وائل‪ ,‬عن حذيفة (ح)‪ .‬وحدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن‬
‫العمش‪ ,‬عن شقـيق‪ ,‬عن حذيفة (ح)‪ .‬وحدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن شقـيق‪ ,‬عن حذيفة (ح)‪ .‬وحدثنا ابن حميد‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي وائل‪ ,‬عن حذيفة‪.‬‬
‫ل هؤلء يحدّث ذلك عن العمش‪ ,‬بـالسناد الذي ذكرنا عن حذيفة أن النبـيّ صلى ال‬
‫وك ّ‬
‫عليـه وسـلم مسـح علــى خفــيه‪ ,‬وهـم أصـحاب العمـش‪ .‬ولــم يَنقـل هذا الــحديث عـن‬
‫العمش‪ ,‬غير جرير بن حازم‪ ,‬ولو لـم يخالفه فـي ذلك مخالف لوجب التثبت فـيه لشذوذه‪,‬‬
‫ح ذلك‬
‫فك يف والثقات من أ صحاب الع مش يخالفو نه ف ـي رواي ته ما روى من ذلك؟ ولو ص ّ‬
‫عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم كان جائزا أن يكون مسح علـى نعلـيه وهما ملبوستان فوق‬
‫الــجوربـين‪ ,‬وإذا جاز ذلك لــم يكـن لحـد صـرف الــخبر إلــى أحـد الــمعانـي‬
‫الـمـحتـملها الـخبر إل بحجة يجب التسلـيـم لها‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إلـى ال َك ْعبَـيْنِ‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الكعب‪ ,‬فقال بعضهم بـما‪:‬‬
‫‪ 9080‬ـ حدثن ـي أح مد بن حازم الغف ـاريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نعي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن‬
‫حدّانـي‪ ,‬قال‪ :‬قال أبـو جعفـر‪ :‬أيـن الكعبــان؟ فقال‪ :‬القوم ههنـا‪ ,‬فقال‪ :‬هذا رأس‬
‫الفضـل الــ ُ‬
‫الساق‪ ,‬ولكن الكعبـين هما عند الـمفصل‪.‬‬
‫‪ 9081‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أش هب‪ ,‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬الك عب الذي ي جب الوضوء‬
‫إل ـيه‪ ,‬هو الك عب ال ـملتصق ب ـالساق ال ـمـحاذي الع قب‪ ,‬ول ـيس ب ـالظاهر ف ـي ظا هر‬
‫القدم‪.‬‬
‫وقال آخرون بـما‪:‬‬
‫‪ 9082‬ـ حدث نا الرب ـيع‪ ,‬قال‪ :‬قال الشاف عي‪ :‬ل ـم أعل ـم مخالف ـا ف ـي أن الكعب ـين اللذ ين‬
‫ذكرهما ال فـي كتابه فـي الوضوء هما الناتئان وهما مـجمع فصل الساق والقدم‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك أن الكعبـين هما العظمان اللذان فـي مفصل الساق والقدم‬
‫تسميهما العرب الـ ِمنْـجَمين‪ .‬وكان بعض أهل العلـم بكلم العرب يقول‪ :‬هما عظما الساق‬
‫فـي طرفها‪.‬‬
‫واختلف أهل العلـم فـي وجوب غسلهما فـي الوضوء وفـي الـحدّ الذي ينبغي أن يبلغ‬
‫بـالغسل إلـيه من الرجلـين نـحو اختلفهم فـي وجوب غسل الـمرفقـين‪ ,‬وفـي الـحدّ‬
‫الذي ينب غي أن يبلغ ب ـالغسل إل ـيه من ال ـيدين‪ .‬و قد ذكر نا ذلك ودلل نا عل ـى ال صحيح من‬
‫القول فـيه بعلله فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫ط َهرُوا‪.‬‬
‫جنُبـا فـا ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وإنْ ُك ْنتُـمْ ُ‬
‫جنُبـا‪ :‬وإن كنتـم أصابتكم جنابة قبل أن تقوموا إلـى‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وإ نْ ُك ْنتُـمْ ُ‬
‫يعنـي بقوله ج ّ‬
‫صـلتكم فقمتــم إلــيها فــاطهروا‪ ,‬يقول‪ :‬فتطهروا بــالغتسال منهـا قبـل دخولكـم فــي‬
‫صلتكم التـي قمتـم إلـيها‪ .‬ووحد الـجنب وهو خبر عن الـجميع‪ ,‬لنه اسم خرج مخرج‬
‫عدْل‪ ,‬ورجل زَوْر وقوم زَوْر‪ ,‬وما أشبه ذلك لفظ الواحد‬
‫عدْل وقوم َ‬
‫الفعل‪ ,‬كما قـيـل‪ :‬رجل َ‬
‫ج َتنَبَـ‬
‫جنُ بَ وا ْ‬
‫وال ـجميع والثنــين والذكـر النثـى فــيه واحـد‪ ,‬يقال منـه‪ :‬أجْنَب الر جل و َ‬
‫والفعـل الــجنابة والجناب‪ ,‬وقـد سـمع فــي جمعـه أجناب‪ ,‬ولــيس ذلك بــالـمستفـيض‬
‫الفـاشي فـي كلم العرب‪ ,‬بل الفصيح من كلمهم ما جاء به القرآن‪.‬‬
‫حدٌ ِم ْنكُ مْ ِم نَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَإ نْ ُك ْنتُـمْ َم ْرضَى أوْ علـى سَ َفرٍ أ ْو جاءَ أ َ‬
‫ستُـ ُم النّساءَ‪.‬‬
‫الغائِطِ أوْ ل َم ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وإن كنت ـم جر حى أو م ـجدرين وأنت ـم ج نب‪ ,‬و قد ب ـينا أن ذلك‬
‫يعن ـي بذلك ج ّ‬
‫كذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته‪ .‬وأما قوله‪ :‬أوْ علـى سَ َفرٍ فإنه يقول‪ :‬وإن كنتـم‬
‫حدٌ ِم ْنكُ مْ مِ نَ الغائِ طِ يقول‪ :‬أو جاء أحدكم من الغائط بعد قضاء‬
‫مسافرين وأنتـم جنب أ ْو جا َء أ َ‬
‫ستُـمُ‬
‫حاج ته ف ـيه و هو م سافر وإن ـما ع نى بذ كر م ـجيئه م نه قضاء حاج ته ف ـيه‪ .‬أ ْو لمَ ْ‬
‫النّساءَ يقول‪ :‬أو جامعتـم النساء وأنتـم مسافرون‪ .‬وقد ذكرنا اختلف الـمختلفـين فـيـما‬
‫مضى قبل فـي اللـمس وبـينا أولـى القوال فـي ذلك بـالصواب فـيـما مضى بـما‬
‫أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫ستُـمُ النّ ساءَ إن كان مع نى الل ـمس ال ـجماع‪,‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما و جه تكر ير قوله‪ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫جنُب ـا ف ـاطّ َهرُوا؟ ق ـيـل‪ :‬و جه تكر ير‬
‫ن ُك ْنتُ ـمْ ُ‬
‫و قد م ضى ذ كر الوا جب عل ـيه بقوله‪ :‬وإ ْ‬
‫طهَرُوا غ ير‬
‫جنُب ـا ف ـا ّ‬
‫ذلك أن ال ـمعنى الذي ذكره تعال ـى من فر ضه بقوله‪ :‬وإ نْ ُك ْنتُ ـمْ ُ‬
‫ستُـمُ النّساءَ وذلك أنه بـين حكمه فـي قوله‪ :‬وإ نْ ُك ْنتُـمْ‬
‫الـمعنى الذي ألزمه بقوله‪ :‬أ ْو لمَ ْ‬
‫ط َهرُوا إذا كان له السبـيـل إلـى الـماء الذي يطهره فرض علـيه الغتسال به‬
‫جنُبـا فـا ّ‬
‫ُ‬
‫ثـم بــين حكمـه إذا أعوزه الــماء فلــم يجـد إلــيه السـبـيـل وهـو مسـافر غيـر مريـض‬
‫مقـيـم‪ ,‬فأعلـمه أن التـيـمـم بـالصعيد له حينئذ الطهور‪.‬‬
‫سحُوا‬
‫طيّبـا فـا ْم َ‬
‫صعِيدا َ‬
‫جدُوا ما ًء َفتَـيَـمّـمُوا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فَلَـمْ تَـ ِ‬
‫بُوجُو ِه ُكمْ وأ ْيدِيكُمْ ِم ْنهُ‪.‬‬
‫طيّب ـا فإن ل ـم ت ـجدوا‬
‫صعِيدا َ‬
‫جدُوا ما ًء َفتَ ـيَـمّـمُوا َ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬فَلَ ـمْ تَ ـ ِ‬
‫أيها الـمؤمنون إذا قمتـم إلـى الصلة وأنتـم مرضى مقـيـمون‪ ,‬أو علـى سفر أصحاء‪,‬‬
‫أو قد جاء أ حد من كم من قضاء حاج ته‪ ,‬أو جا مع أهله ف ـي سفره ماء فت ـيـمـموا صعيدا‬
‫طيب ـا‪ ,‬يقول‪ :‬فتعمدوا واق صدوا و جه الرض طيب ـا‪ ,‬يعن ـي طاهرا نظيف ـا غ ير قذر ول‬
‫سحُوا بُوجُو ِهكُ مْ وأ ْيدِيكُ مْ ِمنْ هُ يقول‪ :‬فـاضربوا بأيديكم الصعيد‬
‫نـجس‪ ,‬جائزا لكم حللً‪ .‬فـا ْم َ‬
‫الذي ت ـيـمـمتـموه وتعمدت ـموه بأيدي كم‪ ,‬ف ـامسحوا بوجوه كم وأيدي كم م ـما علق بأيدي كم‬
‫م نه‪ ,‬يعن ـي‪ :‬من ال صعيد الذي ضربت ـموه بأيدي كم من ترا به وغب ـاره‪ .‬و قد ب ـينا ف ـيـما‬
‫مضى كيفـية الـمسح بـالوجوه واليدي منه واختلف الـمختلفـين فـي ذلك والقول فـي‬
‫معنى الصعيد والتـيـمـم‪ ,‬ودللنا علـى الصحيح من كل القول فـي ذلك بـما أغنى عن‬
‫تكريره فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫حرَجٍ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ما ُيرِيدُ اللّ ُه لِـ َيجْعَلَ عَلَـ ْي ُكمْ مِنْ َ‬
‫ج ما ير يد ال ب ـما فرض‬
‫حرَ ٍ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬ما ُيرِيدُ اللّ ُه لِ ـ َيجْعَلَ عَلَ ـ ْي ُكمْ مِ نْ َ‬
‫عل ـيكم من الوضوء إذا قمت ـم إل ـى صلتكم‪ ,‬والغ سل من جنابت كم والت ـيـمـم صعيدا‬
‫ج لـيـلزمكم فـي دينكم من ضيق‪ ,‬ول‬
‫ن حَرَ ٍ‬
‫جعَلَ عَلَـ ْي ُكمْ مِ ْ‬
‫طيبـا عند عدمكم الـماء‪ ,‬لِـ َي ْ‬
‫لـيعنتكم فـيه‪ .‬وبـما قلنا فـي معنى الـحرج‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9083‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أب ـي‪ ,‬عن خالد بن دينار‪ ,‬عن أب ـي العال ـية‪ ,‬و عن‬
‫حرَجٍ قال‪ :‬من ضيق‪.‬‬
‫ن َ‬
‫أبـي مكين‪ ,‬عن عكرمة فـي قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫‪ 9084‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫حرَجٍ‪ :‬من ضيق‪.‬‬
‫ن َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬مِ ْ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫طهّ َر ُكمْ ولِ ـ ُيتِـمّ ِن ْع َمتَ هُ عَلَ ـ ْيكُ ْم لَعّلكُ مْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬وََلكِ نْ ُيرِيدُ لِ ـ ُي َ‬
‫شكُرُونَ‪.‬‬
‫َت ْ‬
‫طهّ َر ُكمْ‪ :‬ولكـن ال يريـد أن يطهركـم بــما فرض‬
‫َكنـ ُيرِيدُ لــُي َ‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬وَل ْ‬
‫علــيكم مـن الوضوء مـن الحداث والغسـل مـن الــجنابة‪ ,‬والتــيـمـم عنـد عدم الــماء‪,‬‬
‫فتنظّفوا وتطهروا بذلك أجسامكم من الذنوب‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9085‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قتادة‬
‫عن شهر بن حوشب‪ ,‬عن أبـي أمامة‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬إ نّ ال ُوضُوءَ‬
‫ُيكَ ّفرُ ما َقبْلَهُ‪ ,‬ثم تَصِيرُ الصّلة نَافِلة»‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أنت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ,‬ل مرّة‪ ,‬ول مرّتـين‪ ,‬ول ثلثَ‪ ,‬ول أربَع‪ ,‬ول خمس‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن شهر‬
‫ي بن عجلن‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫بن حوشب‪ ,‬عن أبـي أمامة صد ّ‬
‫‪ 9086‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬وم ـحمد بن ال ـمثنى ويح يى بن داود الوا سطي‪ ,‬قالوا‪ :‬حدث نا‬
‫إبراهيـم بن يزيد يَزرانبِه القرش يّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا رقبة بن مصقلة العبد يّ‪ ,‬عن شمر بن عطية‪,‬‬
‫ن تَ َوضّأ‬
‫عن شهر بن حوشب‪ ,‬عن أبـي أمامة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬مَ ْ‬
‫س ْمعِهِ َو َبصَرِهِ َو َي َديْهِ َو ِرجْلَـيْهِ»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫خ َرجَتْ ُذنُوبُ ُه مِ ْ‬
‫حسَنَ ال ُوضُو َء ُثمّ قا َم إلـى الصّلةِ‪َ ,‬‬
‫فَأ ْ‬
‫‪9087‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن هشام‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور عن سالـم‬
‫ن َرجُلٍ‬
‫بن أبـي الـجعد‪ ,‬عن كعب بن مرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما ِم ْ‬
‫خ َرجَت ْـ‬
‫عيْهِـ َ‬
‫ل َي َديْهِـ أ ْو ِذرَا َ‬
‫جهِهـِ‪ ,‬وَإذَا غَسَـ َ‬
‫خرَجَت ْـ خَطاياهُـ مِن ْـ َو ْ‬
‫ل َ‬
‫جهَهُـ إ ّ‬
‫ضأُ فَــَيغْسِلُ َو ْ‬
‫َيتَ َو ّ‬
‫خ َرجَ تْ‬
‫ن رأ سِهِ‪ ,‬وَإذَا غَ سَلَ ِرجْلَ ـيْهِ َ‬
‫ت خَطايا ُه مِ ْ‬
‫خرَجَ ْ‬
‫ع ْي هِ‪ ,‬فإذَا مَ سَحَ رأ سَ ُه َ‬
‫ن ذِرَا َ‬
‫خَطايا ُه مِ ْ‬
‫ن رِجْلَـيْهِ»‪.‬‬
‫خَطايا ُه مِ ْ‬
‫‪ 9088‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حاتـم‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫عجلن‪ ,‬عن أبـي عبـيد مولـى سلـيـمان بن عبد الـملك‪ ,‬عن عمرو بن عبسة‪ ,‬أنه قال‪:‬‬
‫ن كَفّ ـيْ ِه ا ْن َتثَرَ تِ ال ـخَطايا‬
‫سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪« :‬إذَا غَ سَلَ ال ـمُ ْؤمِ ُ‬
‫ج َههُ‬
‫خ َريْهِ‪ ,‬وَإذَا غَسَلَ َو ْ‬
‫ن فِـيهِ َو ِمنْـ َ‬
‫خ َرجَتْ خَطايا هُ مِ ْ‬
‫س َت ْنشَقَ َ‬
‫ضمَضَ وا ْ‬
‫ن كَفّـيْهِ‪ ,‬وإذَا تَـمَ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫ن َي َديْ هِ‪ ,‬فإذَا‬
‫خ َرجَ تْ مِ ْ‬
‫ل َيدَيْ ِه َ‬
‫ع ْينَـيْهِ‪ ,‬فإذَا غَ سَ َ‬
‫ن أشْفـارِ َ‬
‫خرُجَ مِ ْ‬
‫جهِ ِه حتـى تَـ ْ‬
‫ت مِ نْ َو ْ‬
‫خرَجَ ْ‬
‫َ‬
‫خ َرجَ تْ حتـى تَـخْرُجَ‬
‫ن رأ سِهِ وأذنَـيْهِ‪ ,‬فإذَا غَ سَلَ ِرجْلَـيْ ِه َ‬
‫خرَجَ تْ مِ ْ‬
‫ح رأ سَهُ وُأ ُذنَـيْ ِه َ‬
‫مَ سَ َ‬
‫حظّ هُ ِمنْ هُ‪ ,‬فإ نْ قا مَ فَ صَلّـى‬
‫ك َ‬
‫ك مِ نْ ُوضُوئِ ِه كا نَ ذَلِ َ‬
‫ن أظْف ـارِ َق َدمَيْ هِ‪ ,‬فإذَا ا ْنتَهَى إلـى ذَلِ َ‬
‫مِ ْ‬
‫جهِهِ َوقَ ْلبِ ِه علـى َربّ ِه كانَ مِنـح خَطايا ُه َكيَ ْومَ وََل َدتْهُ ُأ ّمهُ»‪.‬‬
‫ل فِـيهِما بِ َو ْ‬
‫َركْ َعتَـيْنِ مُ ْقبِ ً‬
‫‪ 9089‬ـ حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي مالك‬
‫بن أنس‪ ,‬عن سهيـل بن أبـي صالـح‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬أن رسول ال صلى‬
‫جهِ هِ‬
‫خ َرجَ تْ مِ نْ َو ْ‬
‫جهَ ُه َ‬
‫ن َفغَ سَلَ َو ْ‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬إذا توضأ ال َع ْبدُ الـ ُمسْلِـمُ أوِ الـمُ ْؤمِ ُ‬
‫طرَ ٍة مِ نَ الـمَاءِ‪ ,‬أ ْو نَـحْوِ َهذَا‪ .‬وَإذَا‬
‫خرِ قَ ْ‬
‫ظرَ إلَـيْها ب َع ْينَـيْ ِه مَ عَ الـمَاءِ‪ ,‬أوْ مَ َع آ ِ‬
‫خطِيئَةٍ َن َ‬
‫كُلّ َ‬
‫ن ال ـمَاءِ‪,‬‬
‫خرِ َقطْرَ ٍة مِ َ‬
‫خطِيئَ ٍة بِ ها َيدَا ُه مَ عَ ال ـمَاءِ‪ ,‬أوْ مَ َع آ ِ‬
‫ل َ‬
‫ن َي َديْ هِ كُ ّ‬
‫خ َرجَ تْ مِ ْ‬
‫غَ سَلَ َي َديْ ِه َ‬
‫خرُجَ نَقِـيّا ِمنَ ال ّذنُوبِ»‪.‬‬
‫حتـى َي ْ‬
‫‪9090‬ـ حدثنا عمران بن بكار الكلعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن عياش‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنـا زيـد بـن أسـلـم‪ ,‬عـن حُمران مولــى عثمان‪ ,‬قال‪ :‬أتــيبت عثمان بـن عفــان‬
‫بوَضوء وهو قاعد‪ ,‬فتوضأ ثلثا ثلثا‪ ,‬ثم قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ‬
‫ن ُذنُوبِ ِه َكيَوْ مَ وََل َدتْ هُ ُأ ّم هُ‪ ,‬وكانَ تْ خُطا هُ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ن تَ ّوضّأ ُوضُوئي َهذَا كا َ‬
‫كوضوئي هذا‪ ,‬ثم قال‪« :‬مَ ْ‬
‫جدِ نافِلَةً»‪.‬‬
‫إلـى الـمَسا ِ‬
‫وقوله‪ :‬وَلِـ ُيتِـ ّم ِن ْعمَتَهُ عَلَـ ْي ُكمْ فإنه يقول‪ :‬ويريد ربكم مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه‬
‫فــيـما فرض علــيكم مـن الوضوء والغسـل إذا قمتــم إلــى الصـلة بــالـماء إن‬
‫وجدتــموه‪ ,‬وتــيـمـمكم إذا لــم تــجدوه‪ ,‬أن يتــمّ نعمتـه علــيكم بإبــاحته لكـم‬
‫التـيـمـم‪ ,‬وتصيـيره لكم الصعيد الطيب طهورا‪ ,‬رخصة منه لكم فـي ذلك مع سائر نعمه‬
‫ن يقول‪ :‬تشكرون ال علـى نعمه التـي‬
‫التـي أنعم بها علـيكم أيها الـمؤمنون َلعَّلكُمْ َتشْ ُكرُو َ‬
‫أنعمها علـيكم بطاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫{وَا ْذ ُكرُواْ ِن ْعمَ َة اللّهِ عََل ْيكُمْ َومِيثَاقَهُ اّلذِي وَاثَ َقكُم ِب ِه ِإذْ قُ ْلتُمْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫صدُورِ }‪..‬‬
‫ط ْعنَا وَاتّقُواْ الّلهَ ِإنّ الّلهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ ال ّ‬
‫س ِمعْنَا وََأ َ‬
‫َ‬
‫ّهـ عَلَــيْ ُكمْ أيهـا الــمؤمنون بــالعقود التــي‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬وَا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَةَ الل ِ‬
‫عقدتـموها ل علـى أنفسكم‪ ,‬واذكروا نعمته علـيكم فـي ذلكم‪ ,‬بأن هداكم من العقود لـما‬
‫فـيه الرضا‪ ,‬ووفقكم لـما فـيه نـجاتكم من الضللة والردى فـي نعم غيرها جمة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9091‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ الّلهِ عَلَـ ْيكُ ْم قال‪ :‬النعم‪ :‬آلء ال‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وأما قوله‪َ :‬ومِيثاقَهُ اّلذِي وَاثَ َقكُمْ بِ ِه فإنه يعنـي‪ :‬واذكروا أيضا أيها الـمؤمنون فـي نعم ال‬
‫التـي أنعم علـيكم ميثاقه الذي واثقكم به‪ ,‬وهو عهده الذي عاهدكم به‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الـميثاق الذي ذكر ال فـي هذه الَية‪ ,‬أ يّ مواثـيقه عنـي؟‬
‫فقال بعض هم‪ :‬عنـي به ميثاق ال الذي واثق به الـمؤمنـين من أصحاب ر سول ال صلى‬
‫ال عليـه وسـلم‪ ,‬حيـن بــايعوا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم علــى السـمع والطاعـة له‬
‫ل ما أمرهم ال به ورسوله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فـيـما أحبوا وكرهوا‪ ,‬والعمل بك ّ‬
‫‪ 9092‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫س ِمعْنا‬
‫عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َة الّل هِ عَلَ ـيْ ُكمْ َومِيثاقَ ُه اّلذِي وَاثَ َقكُ مْ ِب هِ إذْ قُ ْلتُ ـمْ َ‬
‫طعْ نا‪ ...‬الَية‪ ,‬يعنـي‪ :‬حيث بعث ال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأنزل علـيه الكتاب‪,‬‬
‫وأ َ‬
‫فقالوا‪ :‬آمنا بـالنبـيّ وبـالكتاب‪ ,‬وأقررنا بـما فـي التوراة‪ .‬فذكّرهم ال ميثاقه الذي أقرّوا‬
‫به علـى أنفسهم‪ ,‬وأمرهم بـالوفـاء به‪.‬‬
‫‪ 9093‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫طعْ نا فإ نه أ خذ‬
‫س ِمعْنا وأ َ‬
‫ال سديّ‪ :‬وَا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َة الّل هِ عَلَ ـيْ ُكمْ َومِيثاقَ ُه اّلذِي وَاثَ َقكُ مْ ِب هِ إذْ قُ ْلتُ ـمْ َ‬
‫ميثاقنا‪ ,‬فقلنا سمعنا وأطعنا علـى اليـمان والقرار به وبرسوله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ع نى به جلّ ثناؤه‪ :‬ميثا قه الذي أ خذ عل ـى عب ـاده ح ين أخرج هم من‬
‫صلب آدم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأشهدهم علـى أنفسهم‪ :‬ألست بربكم؟ فقالوا‪ :‬بلـى شهدنا‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9094‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪َ :‬ومِيثاقَ ُه اّلذِي وَاثَ َقكُ مْ بِ ِه قال‪ :‬الذي واثق به بنـي آدم فـي‬
‫ظهر آدم‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫وأولـى القوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك‪ :‬قول ابن عبـاس‪ ,‬وهو أن معناه‪ :‬واذكروا‬
‫أي ها ال ـمؤمنون نع مة ال عل ـيكم الت ـي أنعم ها عل ـيكم بهداي ته إيا كم لل سلم وميثا قه الذي‬
‫واثق كم به‪ ,‬يعن ـي‪ :‬وعهده الذي عاهد كم به ح ين ب ـايعتـم ر سوله م ـحمدا صلى ال عل يه‬
‫وسلم علـى السمع والطاعة له فـي الـمنشط والـمكره‪ ,‬والعسر والـيسر‪ ,‬إذ قلتـم سمعنا‬
‫ما قلت ل نا‪ ,‬وأخذت عل ـينا من ال ـمواثـيق وأطعناك ف ـيـما أمرت نا به ونهيت نا ع نه‪ ,‬وأن عم‬
‫علــيكم أيضـا بتوفــيقكم لقبول ذلك منـه بقولكـم له سـمعنا وأطعنـا‪ ,‬يقول‪ :‬ففوا ل أيهـا‬
‫الـمؤمنون بـميثاقه الذي واثقكم به‪ ,‬ونعمته التـي أنعم علـيكم فـي ذلك بإقراركم علـى‬
‫أنفسكم بـالسمع له والطاعة فـيـما أمركم به‪ ,‬وفـيـما نهاكم عنه‪ ,‬يف لكم بـما ضمن لكم‬
‫الوف ـاء به إذا أنت ـم وف ـيتـم له ب ـميثاقه من إت ـمام نعم ته عل ـيكم‪ ,‬وب ـادخالكم جن ته‬
‫وبـانعامكم بـالـخـلود فـي دار كرامته‪ ,‬وإنقاذكم من عقابه وألـيـم عذابه‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من قول من قال‪ :‬عنـي به الـميثاق الذي أخذ علـيهم‬
‫ف ـي صلب آدم صلوات ال عل ـيه‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه ذ كر بع قب تذكرة ال ـمؤمنـين ميثا قه‬
‫الذي واثـق بـه أهـل التوراة بعـد مـا أنزل كتابـه علــى نبــيه موسـى صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫خ َذ اللّ ُه مِيثا قَ بَن ـي إِ سْرَائِيـلَ َو َب َعثْ نا ِم ْنهُ مُ‬
‫ف ـيـما أمر هم به ونها هم ف ـيها‪ ,‬فقال‪ :‬وَلَ َقدْ أ َ‬
‫عشَ َر نَقِ ـيبـا‪ ...‬الَيات بعد ها‪ ,‬منب ها بذلك أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫اثْن ـي َ‬
‫مـحمد علـى مواضع حظوظهم من الوفـاء ل بـما عدهدهم علـيه‪ ,‬ومعرّفهم سوء عاقبة‬
‫أهل الكتاب فـي تضيـيعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به فـي أمره ونهيه‪ ,‬وتعزير‬
‫أنبـيائه ورسله‪ ,‬زاجرا لهم عن ن كث عهودهم‪ ,‬فـيحلّ بهم ما أحلّ بـالناكثـين عهوده من‬
‫أ هل الكتاب قبل هم‪ ,‬فكان إذا كان الذي ذكّر هم فوعظ هم به‪ ,‬ونها هم عن أن يركبوا من الف عل‬
‫مثله ميثاق قوم أ خذ ميثاق هم ب عد إر سال الر سول إل ـيهم‪ ,‬وإنزال الكتاب عل ـيهم واجب ـا‪ ,‬أن‬
‫يكون الـحال التـي أخذ فـيها الـميثاق والـموعوظين نظير حال الذين وعظوا بهم‪ .‬وإذا‬
‫كان ذلك كذلك‪ ,‬كان بـيّنا صحة ما قلنا فـي ذلك وفساد خلفه‪.‬‬
‫ل اسـمه‬
‫َاتـ الصـدُورِ فإنـه وعيـد مـن ال ج ّ‬
‫ّهـ عَلِــيـمٌ ِبذ ِ‬
‫إنـ الل َ‬
‫ّهـ ّ‬
‫وأمـا قوله‪ :‬وَاتّقُوا الل َ‬
‫للـمؤمنـين الذين أطافوا برسوله صلى ال عليه وسلم من أصحابه‪ ,‬وتهديدا لهم أن ينقضوا‬
‫ميثاق ال الذي واثق هم به ف ـي ر سله وعهد هم الذي عاهدوه ف ـيه‪ ,‬بأن يضمروا له خلف ما‬
‫ل ثناؤه‪ :‬واتقوا ال أيهـا الــمؤمنون‪ ,‬فخافوه أن تبدّلوا عهده‬
‫أبدوا له بألسـنتهم‪ .‬يقول لهـم ج ّ‬
‫وتنقضوا ميثاقـه الذي واثقكـم بـه‪ ,‬أو تــخالفوا مـا ضمنتــم له بقولكـم‪ :‬سـمعنا وأطعنـا‪ ,‬بأن‬
‫تضمروا له غير الوفـاء بذلك فـي أنفسكم‪ ,‬فإن ال مطلع علـى ضمائر صدوركم‪ ,‬وعالـم‬
‫بـما تـخفـيه نفوسكم ل يخفـى علـيه شيء من ذلك‪ ,‬فـيحلّ بكم من عقوبته ما ل قبل لكم‬
‫ل بـمن قبلكم من الـيهود من الـمسخ وصنوف النقم‪ ,‬وتصيروا فـي معادكم‬
‫به‪ ,‬كالذي ح ّ‬
‫إلـى سخط ال وألـيـم عقابه‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش َهدَآءَ بِالْقِسْطِ َولَ‬
‫ن آ َمنُو ْا كُونُو ْا قَوّامِينَ لّل ِه ُ‬
‫{يَا َأ ّيهَآ اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫خبِيرٌ بِم َا‬
‫ّهـ َ‬
‫ِنـ الل َ‬
‫ّهـ إ ّ‬
‫َبـ لِلتّ ْق َوىَ وَاتّقُو ْا الل َ‬
‫عدِلُواْ ُهوَ َأ ْقر ُ‬
‫ْمـ عََلىَ َألّ َت ْعدِلُواْ ا ْ‬
‫َآنـ قَو ٍ‬
‫شن ُ‬ ‫ُمـ َ‬
‫َيجْ ِر َم ّنك ْ‬
‫َت ْعمَلُونَ }‪..‬‬
‫يعن ـي بذلك جلّ ثناؤه‪ :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ب ـال وبر سوله م ـحمد‪ ,‬ل ـيكن من أخلق كم‬
‫وصفـاتكم القـيام ل‪ ,‬شهداء بـالعدل فـي أولـيائكم وأعدائكم‪ ,‬ول تـجوروا فـي أحكامكم‬
‫وأفعالكم‪ ,‬فتـجاوزوا ما حددت لكم فـي أعدائكم لعدواتهم لكم‪ ,‬ول تقصروا فـيـما حددت‬
‫ل كم من أحكا مي وحدودي ف ـي أول ـيائكم لوليت هم‪ ,‬ول كن انتهوا ف ـي جميع هم إل ـى حدّي‪,‬‬
‫واعملوا فـيه بأمري‪.‬‬
‫ل َت ْعدِلُوا فإنـه يقول‪ :‬ول يحملنكـم عدواة قوم‬
‫ْمـ علــى أ ّ‬
‫َنآنـ قَو ٍ‬
‫شن ُ‬ ‫ج ِر َم ّنكُم ْـ َ‬
‫وأمـا قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫علـى أل تعدلوا فـي حكمكم فـيهم وسيرتكم بـينهم‪ ,‬فتـجوروا علـيهم من أجل ما بـينكم‬
‫وبـينهم من العداوة‪.‬‬
‫ش َهدَاءِ لِّل هِ‬
‫سطِ ُ‬
‫ن ب ـال ِق ْ‬
‫و قد ذكر نا الروا ية عن أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى قوله‪ :‬كُونُوا قَوّامِي َ‬
‫ْمـ واختلف الــمختلفـين فــي قراءة ذلك والذي هـو‬
‫َآنـ قَو ٍ‬
‫شن ُ‬ ‫ُمـ َ‬
‫ج ِرمَ ّنك ْ‬
‫وفــي قوله‪ :‬وَل َي ْ‬
‫أول ـى ب ـالصواب من القول ف ـيه والقراءة ب ـالدلة الدالة عل ـى صحته ب ـما أغ نى عن‬
‫إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫وقد قـيـل‪ :‬إن هذه الَية نزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم حين همت الـيهود‬
‫بقتله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9095‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫ن قَوْ مٍ‬
‫شنَآ ُ‬
‫ج ِر َم ّنكُ مْ َ‬
‫ش َهدَاءَ ب ـال ِقسْطِ وَل َي ْ‬
‫ن لِلّ ِه ُ‬
‫بن كث ـير‪ :‬يا أيُ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا كُونُوا قَوّامِي َ‬
‫عل ـى ألّ َت ْعدِلُوا اعْدلُوا هُوا أقْرَ بُ للتّ ْقوَى نزلت ف ـي يهود خ يبر‪ ,‬أرادوا ق تل النب ـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬قال عبد ال بن كثـير‪ :‬ذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ن قَوْ مٍ علـى ألّ‬
‫شنَآ ُ‬
‫ج ْر َم ّنكُ مْ َ‬
‫إلـى يهود يستعينهم فـي دية‪ ,‬فهموا أن يقتلوا‪ ,‬فذلك قوله‪ :‬وَل َي ِ‬
‫َت ْعدِلُوا‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫خبِـيرٌ بِـما َت ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫عدِلُوا ُهوَ أ ْقرَبُ للتّ ْقوَى وَاتّقُوا اللّ َه َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ا ْ‬
‫عدِلُوا أيها الـمؤمنون علـى كلّ أحد من الناس ولـيّا لكم كان أو‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬ا ْ‬
‫عدوّا‪ ,‬فـاحملوهم علـى ما أمرتـم أن تـحملوهم علـيه من أحكامي‪ ,‬ول تـجوروا بأحد‬
‫منهم عنه‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬هُ َو أقْربُ للتّ ْقوَى فإنه يعنـي بقوله‪ :‬هو العدل علـيهم أقرب لكم أيها الـمؤمنون‬
‫إل ـى التقوى‪ ,‬يعن ـي‪ :‬إل ـى أن تكونوا ع ند ال ب ـاستعمالكم إياه من أ هل التقوى‪ ,‬و هم أ هل‬
‫الــخوف والــحذر مـن ال أن يخالفوه فــي شيـء مـن أمره‪ ,‬أو يأتوا شيئا مـن معاصـيه‪.‬‬
‫ل ثناؤه العدل ب ـما و صف به من أ نه أقرب للتقوى من ال ـجور‪ ,‬لن من‬
‫وإن ـما و صفه ج ّ‬
‫كان عادلً كان ل بعدله مطي عا‪ ,‬و من كان ل مطي عا كان ل ش كّ من أ هل التقوى‪ ,‬و من كان‬
‫جائرا كان ل عاصيا‪ ,‬ومن كان ل عاصيا كان بعيدا من تقواه‪ .‬وإنـما كنى بقوله‪ُ :‬هوَ أ ْقرَ بُ‬
‫عن الفعـل‪ ,‬والعرب تكنــي عن الفعال إذا كنَت عنهـا ب « هو» وب «ذلك»‪ ,‬ك ما قال جلّ‬
‫خ ْيرٌ َلكُ مْ وذلكم أ ْزكَى َلكُ مْ ولـم لـم يكن فـي الكلم «هو» لكان أقرب «نصبـا»‪,‬‬
‫ثناؤه فهو َ‬
‫خيْرا َل ُكمْ‪.‬‬
‫ب للتقوى‪ ,‬كما قـيـل‪ :‬ا ْن َتهُوا َ‬
‫ولقـيـل‪ :‬اعدلوا أقر َ‬
‫ن فإنه يعنـي‪ :‬واحذروا أيها الـمؤمنون‬
‫خبِـيرٌ بِـمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَاتّقُوا اللّ َه إ ّ‬
‫أن ت ـجوروا فـي عبـاده‪ ,‬فتـجاوزوا فـيهم حك مه وقضاءه الذين ب ـين لكم‪ ,‬فـيحلّ بكم‬
‫خبِ ـيرٌ بِ ـمَا َت ْعمَلُو نَ يقول‪ :‬إن ال ذو خبرة‬
‫عقوب ته‪ ,‬وت ستوجبوا م نه أل ـيـم نكاله‪ .‬إ نّ الّل َه َ‬
‫وعلـم بـما تعملون أيها الـمؤمنون فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه من عمل به أو‬
‫خلف له‪ ,‬مُـحْصٍ ذلكم علـيكم كله‪ ,‬حتـى يجازيكم به جزاءكم الـمـحسن منكم بإحسانه‪,‬‬
‫والـمسيء بـاساءته‪ ,‬فـاتقوا أن تسيئوا‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمِلُو ْا الصـّاِلحَاتِ لَهُم ّمغْ ِفرَةٌ‬
‫عدَ اللّهُـ اّلذِينَـ آ َمنُواْ َو َ‬
‫{ َو َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫عظِيمٌ }‪..‬‬
‫جرٌ َ‬
‫وََأ ْ‬
‫ن آ َمنُوا وَعمِلُوا الصّالِـحاتِ وعد ال أيها الناس الذين‬
‫عدَ الّل ُه اّلذِي َ‬
‫ل ثناؤه بقوله‪َ :‬و َ‬
‫يعنـي ج ّ‬
‫صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وأقرّوا بـما جاءهم به من عند ربهم‪ ,‬وعملوا بـما واثقهم ال به‪ ,‬وأوفّوا‬
‫ن ولنطيعنّ ال ورسوله‪ .‬فسمعوا أمر ال ونهيه‪,‬‬
‫بـالعقود التـي عاقدهم علـيها بقولهم‪ :‬لنسمع ّ‬
‫وأطاعوه فعملوا بــما أمرهـم ال بـه‪ ,‬وانتهوا عمـا نهاهـم عنـه‪ .‬ويعنــي بقوله‪َ :‬لهُم ْـ َمغْ ِفرَةٌ‪:‬‬
‫لهؤلء الذين َوفّوْا بـالعقود والـميثاق الذي واثقهم به ربهم مغفرة‪ ,‬وهي ستر ذنوبهم السالفة‬
‫جرٌ‬
‫منهـم علــيهم‪ ,‬وتغطيتهـا بعفوه لهـم عنهـا‪ ,‬وتركـه عقوبتهـم علــيها وفضيحتهـم بهـا‪ .‬وأ ْ‬
‫عظِيـمٌ يقول‪ :‬ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم جزاء علـى أعمالهم التـي عملوها‬
‫َ‬
‫ووفــائهم بــالعقود التــي عاقدوا ربهـم علــيها أجـر عظيــم‪ ,‬والعظيــم مـن خيـر غيـر‬
‫مـحدود مبلغه ول يعرف منتهاه غيره تعالـى ذكره‪.‬‬
‫ـن آمنوا وعملوا‬
‫ـد الذيـ‬
‫ـه وعـ‬
‫ـة أنـ‬
‫ـي هذه الَيـ‬
‫ـبر فــ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬إن ال جلّ ثناؤه أخـ‬
‫الصالـحات‪ ,‬ولـم يخبر بـما وعدهم‪ ,‬فأين الـخبر عن الـموعود؟ قـيـل‪ :‬بلـى‪ ,‬إنه قد‬
‫عظِيـمٌ‪.‬‬
‫جرٌ َ‬
‫أخبر عن الـموعود‪ ,‬والـموعود هو قوله‪َ :‬ل ُه ْم َمغْ ِفرَةٌ وأ ْ‬
‫عظِيــمٌ خـبر مبتدأ‪ ,‬ولو كان هـو الــموعود‬
‫جرٌ َ‬
‫ـ َمغْ ِفرَةٌ وأ ْ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن قوله‪َ :‬لهُم ْ‬
‫لقــيـل‪ :‬وعـد ال الذيـن آمنوا وعملوا الصـالـحات مغفرة وأجرا عظيــما‪ ,‬ولــم يدخــل‬
‫ف ـي ذلك «ل هم»‪ ,‬وف ـي دخول ذلك ف ـيه دللة عل ـى ابتلء الكلم‪ ,‬وانقضاء ال ـخبر عن‬
‫الو عد؟ ق ـيـل‪ :‬إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت فإ نه م ـما اكتف ـى بدللة ما ظ هر من‬
‫الكلم عل ـى ما ب طن من معناه من ذ كر ب عض قد ترك ذكره ف ـيه‪ ,‬وذلك أن مع نى الكلم‪:‬‬
‫وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالـحات أن يغفر لهم‪ ,‬ويأجرهم أجرا عظيـما لن من شأن‬
‫العرب أن يصحبوا «الوعد» «أن» يعملوه فـيها‪ ,‬فتركت «أن» إذ كان الوعد قولً‪ ,‬ومن شأن‬
‫القول أن يكون ما بعده من جمل الخبـار مبتدأ وذكر بعده جملة الـخبر اجتزاء بدللة ظاهر‬
‫الكلم علـى معناه وصرفـا للوعد الـموافق للقول فـي معناه وإن كان للفظه مخالفـا إلـى‬
‫معناه‪ ,‬فكأنـه قــيـل‪ :‬قال ال للذيـن آمنوا وعملوا الصـالـحات مغفرة وأجـر عظيــم‪ .‬وكان‬
‫ن آ َمنُوا وَعمِلُوا الصّالِـحَاتِ َلهُمْ‬
‫عدَ الّلهُ اّلذِي َ‬
‫بعض نـحويـي البصرة يقول‪ :‬إنـما قـيـل‪َ :‬و َ‬
‫عظِيــمٌ الوعـد الذي وعدوا‪ ,‬فكان معنـى الكلم علــى تأويــل قائل هذا القول‪:‬‬
‫جرٌ َ‬
‫َمغْ ِفرَةٌ وأ ْ‬
‫وعد ال الذي آمنوا وعملوا الصالـحات لهم مغفرة وأجر عظيـم‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َصـحَابُ‬
‫ِينـ كَ َفرُواْ َو َك ّذبُواْ بِآيَاتِنَـآ ُأوْلَــِئكَ أ ْ‬
‫{وَاّلذ َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫جحِيمِ }‪..‬‬
‫ا ْل َ‬
‫ـ كَ َفرُوا‪ :‬والذيـن جحدوا وحدانــية ال‪ ,‬ونقضوا ميثاقـه‬
‫يعنــي بقوله جلّ ثناؤه‪ :‬وَاّلذِين َ‬
‫وعقوده التــي عاقدوهـا إياه‪ .‬و َك ّذبُوا بآياتِنـا يقول‪ :‬وكذّبوا بأدلة ال وحججـه الدالة علــى‬
‫جحِيـمِ يقول‪ :‬هؤلء الذ ين‬
‫صحَابُ ال ـ َ‬
‫وحدان ـيته الت ـي جاءت ب ها الر سل وغير ها‪ .‬أوَلئِ كَ أ ْ‬
‫هذه صفتهم أهل الـجحيـم‪ ,‬يعنـي‪ :‬أهل النار الذين يخـلدون فـيها ول يخرجون منها أبدا‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫{يَا َأ ّيهَآ اّلذِينَ آ َمنُواْ ا ْذ ُكرُو ْا ِن ْعمَةَ الّلهِ عََل ْيكُ ْم ِإذْ هَ ّم قَوْمٌ أَن َيبْسُطُو ْا إَِل ْيكُمْ َأ ْي ِد َيهُمْ َفكَفّ َأ ْي ِد َيهُمْ‬
‫عَن ُكمْ وَاتّقُو ْا اللّهَ َوعَلَى اللّ ِه فَ ْل َيتَ َوكّلِ ا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ }‪..‬‬
‫ن آ َمنُوا‪ :‬أقرّوا بتوحيد ال ورسالة رسوله صلى ال عليه‬
‫ل ثناؤه‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫يعنـي بذلك ج ّ‬
‫وسلم وما جارهم به من عند ربهم‪ .‬ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ تَ الّل هِ عَلَـيْ ُكمْ‪ :‬اذكروا النعمة التـي أنعم ال‬
‫بهـا علــيكم‪ ,‬فــاشكروه علــيها بــالوفـاء له بــميثاقه الذي واثقكـم بـه‪ ,‬والعقود التــي‬
‫عاقدتــم نبــيكم صـلى ال عليـه وسـلم علــيها‪ .‬ثـم وصـف نعمتـه التــي أمرهـم جلّ ثناؤه‬
‫بـالشكر علـيها مع سائر نعمه‪ ,‬فقال‪ :‬هي كفه عنكم أيدي القوم الذين هموا بـالبطش بكم‪,‬‬
‫فصرفهم عنكم‪ ,‬وحال بـينهم وبـين ما أرادوه بكم‪.‬‬
‫ل ثناؤه أ صحاب نب ـيه‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي صفة هذه النع مة الت ـي ذكّر ال ج ّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم ب ها وأمر هم ب ـالشكر له عل ـيها‪ .‬فقال بعض هم‪ :‬هو ا ستنقاذ ال نب ـيه‬
‫مـحمدا صلى ال عليه وسلم وأصحابه مـما كانت الـيهود من بنـي النضير هموا به يوم‬
‫أتوهم يستـحملونهم دية العامريـين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9096‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن عاصم بن عمر بن‬
‫قتادة وعبد ال بن أبـي بكر‪ ,‬قال‪ :‬خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلـى بنـي النضير‬
‫لـيستعينهم علـى دية العامريـين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فلـما جاءهم خل‬
‫بعض هم بب عض‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن كم لن ت ـجدوا م ـحمدا أقرب م نه الَن‪ ,‬فمُروا رجلً يظ هر عل ـى‬
‫هذا الب ـيت ف ـيطرح عل ـيه صخرة ف ـيريحنا م نه فقام عمرو بن جحاش بن ك عب‪ .‬فأت ـى‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم الــخبر‪ ,‬وانصـرف عنهـم‪ ,‬فأنزل ال ع ّز ذكره فــيهم‬
‫سطُوا‬
‫ن َيبْ ُ‬
‫ت اللّه عَلَـ ْيكُمْ إ ْذ هَمّ قَوْمٌ أ ْ‬
‫ن آ َمنُوا ا ْذكُرُوا َن ْعمَ َ‬
‫وفـيـما أراد هو وقومه‪ :‬يا أيها اّلذِي َ‬
‫إلَـ ْيكُمْ أ ْي ِد َي ُهمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪9097‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫سطُوا إلَـ ْيكُمْ أ ْي ِد َيهُمْ قال الـيهود‪ :‬دخـل‬
‫ن َيبْ ُ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬إذْ هَ ّم قَوْمٌ أ ْ‬
‫علـيهم النبـيّ صلى ال عليه وسلم حائطا لهم‪ ,‬وأصحابه من وراء جداره‪ ,‬فـاستعانهم فـي‬
‫مَغرم دية غرمها‪ ,‬ثم قام من عندهم‪ ,‬فـائتـمروا بـينهم بقتله‪ ,‬فخرج يـمشي القهقري ينظر‬
‫إلـيهم‪ ,‬ثم دعا أصحابه رجلً رجلً حتـى تتامّوا إلـيه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ع ْنكُ مْ‬
‫ف أ ْيدِ َيهُ مْ َ‬
‫ن َيبْ سُطُوا إلَـ ْيكُ ْم أ ْيدِ َيهُ مْ َفكَ ّ‬
‫مـجاهد‪ :‬ا ْذكُرُوا َن ْعمَ تَ الّل هِ عَلَـيْ ُكمْ إذْ هَ ّم قَوْ مٌ أ ْ‬
‫يهود ح ين دخ ـل النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم حائ طا ل هم‪ ,‬وأ صحابه من وراء جدار ل هم‪,‬‬
‫فـاستعانهم فـي مغرم فـي دية غرمها‪ ,‬ثم قام من عندهم‪ ,‬فـائتـمروا بـينهم بقتله‪ ,‬فخرج‬
‫يـمشي معترضا ينظر إلـيهم خيفتهم‪ ,‬ثم دعا أصحابه رجلً رجلً حتـى تتاموا إلـيه‪ .‬قال‬
‫ل الـمُ ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ع ْن ُكمْ وَاتّقُوا اللّ َه وَعلـى اللّ ِه فَلْـ َيتَ َوكّ ِ‬
‫ال جلّ وعزّ‪َ :‬فكَفّ أ ْي ِد َي ُهمْ َ‬
‫‪ 9098‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو معشر‪ ,‬عن يزيد‬
‫بن أبـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم بنـي النضير يستعينهم فـي عَقْل‬
‫ل أ صَابَنـي» فقالوا‪ :‬نعم يا‬
‫أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعلـيّ فقال‪« :‬أعِينُونـي فـي عَقْ ٍ‬
‫أب ـا القا سم‪ ,‬قد آن لك أن تأت ـينا وت سألنا حا جة‪ ,‬اجلس حت ـى نطع مك ونعط يك الذي ت سألنا‬
‫فجلس ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه ينتظرو نه‪ ,‬وجاء حي ـي ا بن أخ طب و هو‬
‫رأس القوم‪ ,‬وهو الذي قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال‪ ,‬فقال حيـي لصحابه‪ :‬ل‬
‫ترونـه أقرب منـه الَن‪ ,‬اطرحوا علــيه حجارة فــاقتلوه ول ترون شرّا أبدا فجاءوا إلــى‬
‫رجي لهم عظيـمة لـيطرحوها علـيه‪ ,‬فأمسك ال عنها أيديهم‪ ,‬حتـى جاءه جبريـل صلى‬
‫ت اللّهِ عَلَـ ْي ُكمْ‬
‫ال عليه وسلم فأقامه من ثم‪ ,‬فأنزل ال جلّ وعزّ‪ :‬يا أيّها اّلذِيَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َ‬
‫ع ْنكُ مْ وَاّتقُوا اللّ هَ وَعل ـى اللّ ِه فَلْ ـ َيتَ َوكّلِ‬
‫سطُوا إلَ ـيْ ُكمْ أ ْي ِد َيهُ مْ فَكَ فّ أ ْي ِد َيهُ مْ َ‬
‫ن َيبْ ُ‬
‫إذْ هَ مّ قَوْ ٌم أ ْ‬
‫الـمُ ْؤ ِمنُونَ‪ ,‬فأخبر ال عز ذكره نبـيه صلى ال عليه وسلم ما أرادوا به‪.‬‬
‫‪9099‬ـ حدثنـي القام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫ْسـطُوا إلَــْيكُمْ‬
‫أنـ َيب ُ‬
‫ْمـ ْ‬
‫َمـ قَو ٌ‬
‫ّهـ عَلَــْي ُكمْ إذْ ه ّ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َة الل ِ‬
‫بـن كثــير‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫أ ْي ِديَهُ مْ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬يهود دخ ـل عل ـيهم النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم حائ طا‪ ,‬ف ـاستعانهم‬
‫ف ـي مغرم غر مه‪ ,‬ف ـائتـمروا ب ـينهم بقتله‪ ,‬فقام من عند هم‪ ,‬فخرج معتر ضا ين ظر إل ـيهم‬
‫خيفتهم‪ ,‬ثم دعا أصحابه رجلً رجلً حتـى تتاموا إلـيه‪.‬‬
‫‪ 9100‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم الـمنذر بن عمرو النصاري أحد بنـي النـجار‬
‫و هو أ حد النقب ـاء ل ـيـلة العق بة‪ ,‬فبع ثه ف ـي ثلث ـين راكب ـا من ال ـمهاجرين والن صار‪.‬‬
‫فخرجوا‪ ,‬فلقوا عامر بن الطفـيـل بن مالك بن جعفر علـى بئر معونة‪ ,‬وهي من مياه بنـي‬
‫عا مر‪ ,‬ف ـاقتتلوا‪ ,‬فق تل ال ـمنذر وأ صحابه إل ثل ثة ن فر كانوا ف ـي طلب ضالّة ل هم‪ ,‬فل ـم‬
‫َيرُعْهُم إل والط ير ت ـحوم ف ـي ال سماء‪ ,‬ي سقط من ب ـين خراطي ـمها عَلَ قُ الدم‪ ,‬فقال أ حد‬
‫الن فر‪ :‬ق تل أ صحابنا والرح من ثم تول ـى يشتدّ حت ـى لق ـي رجلً‪ ,‬ف ـاختلفـا ضربت ـين‪,‬‬
‫فل ـما خالط ته الضر بة‪ ,‬ر فع رأ سه إل ـى ال سماء ففت ـح عين ـيه‪ ,‬ثم قال‪ :‬ال أ كبر‪ ,‬ال ـجنة‬
‫عنَق لـيـموتَ»‪ .‬ورجع صاحبـاه‪ ,‬فلقـيا زجلـين من بنـي‬
‫ب العالـمين فكان يدعى «أ ْ‬
‫ور ّ‬
‫سلـيـم‪ ,‬وبـين النبـيّ صلى ال عليه وسلم وبـين قومهما موادعة‪ ,‬فـانتسبـا لهما إلـى‬
‫بنـي عامر‪ ,‬فقتلهما‪ .‬وقدم قومهما إلـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم يطلبون الدية‪ ,‬فخرج‬
‫وم عه أ بو ب كر وع مر وعثمان وعل ـيّ وطل ـحة وع بد الرح من بن عوف‪ ,‬حت ـى دخ ـلو‬
‫علـى كعب بن الشرف ويهود بنـي النّضير‪ ,‬فـاستعانهم فـي عقلهما‪ .‬قال‪ :‬فـاجتـمعت‬
‫الــيهود لقتـل رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم وأصـحابه‪ ,‬واعتلوا بصـنـيعة الطعام‪ ,‬فأتاه‬
‫جبريـل صلى ال عليه وسلم بـالذي اجتـمعت علـيه يهود من الغدر‪ ,‬فخرج ثم دعا علـيّا‪,‬‬
‫عنّ ـي فَقُلْ وَجّه إل ـى‬
‫صحَابـي فَ سَأَلكَ َ‬
‫نأ ْ‬
‫ن خَرَ جَ عَلَ ـ ْيكَ مِ ْ‬
‫فقال‪« :‬ل َت ْبرَ حْ مَقَامَ كَ‪َ ,‬فمَ ْ‬
‫الــمدينة فَأدْ ِركُوه» قال‪ :‬فجعلوا يــمرّون علــى علــيّ‪ ,‬فــيأمرهم بــالذي أمره حتــى‬
‫أتـى علـيه آخرُهم‪ ,‬ثم تبعهم فذلك قوله‪ :‬وَل َتزَالُ َتطّلِعُ عَلـى خاِئنَ ٍة ِم ْنهُمْ‪.‬‬
‫‪ 9101‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫سطُوا‬
‫ن آ َمنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ تَ الّل هِ عَلَ ـ ْيكُمْ إ ْذ هَ مّ قَوْ مٌ أ نْ َيبْ ُ‬
‫أي مالك ف ـي قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ع ْن ُكمْ‪ .‬قال‪ :‬نزلت فـي كعب بن الشرف وأصحابه‪ ,‬حين أرادوا أن‬
‫إلَـ ْي ُكمْ أ ْي ِد َيهُمْ َفكَفّ أ ْي ِد َيهُمْ َ‬
‫يغدروا برسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل النعمة التـي ذكرها ال فـي هذه الَية‪ ,‬فأمر الـمؤمنـين من أصحاب‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ب ـالشكر له عل ـيها‪ ,‬أن ال ـيهود كا نت ه مت بق تل النب ـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم فـي طعام دعوه إلـيه‪ ,‬فأعلـم ال عزّ وجلّ نبـيه صلى ال عليه وسلم‬
‫ما هموا به‪ ,‬فـانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إلـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9102‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَةَ الّلهِ عَلَـ ْيكُمْ‪ ...‬إلـى قوله‪:‬‬
‫ُمـ وذلك أن قومـا مـن الــيهود صـنعوا لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ع ْنك ْ‬
‫ُمـ َ‬
‫َفـ أ ْي ِديَه ْ‬
‫َفك ّ‬
‫وأصحابه طعاما لـيقتلوه إذا أتـى الطعام‪ ,‬فأوحى ال إلـيه بشأنهم‪ ,‬فلـم يأت الطعام وأمر‬
‫أصحابه فأبوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ع نى ال جلّ ثناؤه بذلك النع مة الت ـي أنعم ها عل ـى ال ـمؤمنـين ب ـاطلع‬
‫نبـيه صلى ال عليه وسلم علـى ما ه ّم به عدوّه وعدوّهم من الـمشركين يوم بطن نـخـل‬
‫من اغترار هم إيا هم‪ ,‬واليقاع ب هم إذا هم اشتغلوا عن هم ب صلتهم‪ ,‬ف سجدوا ف ـيها‪ ,‬وتعري فه‬
‫نبـيه صلى ال عليه وسلم الـحذار من عدوّه فـي صلته بتعلـيـمه إياه صلة الـخوف‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9103‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا‬
‫ن َيبْ سُطُوا إلَـ ْيكُمْ أ ْي ِد َيهُ مْ‪ ...‬الَية‪ ,‬ذكر‬
‫أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ تَ اللّ هِ عَلَـ ْي ُكمْ إذْ هَ مّ قَوْ ٌم أ ْ‬
‫لنا أنها نزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو ببطن نـخـل فـي الغزوة السابعة‪,‬‬
‫فأراد بنو ثعلبة وبنو مـحارب أن يفتكوا به‪ ,‬فأطلعه ال علـى ذلك‪ .‬ذكر لنا أن رجلً انتدب‬
‫ي ال صلى ال عل يه و سلم و سيفه موضوع‪ ,‬فقال‪ :‬آخذه يا نب ـيّ ال؟ قال‪:‬‬
‫لقتله‪ ,‬فأت ـى نب ـ ّ‬
‫خذْهُ» قال‪ :‬أستلّه؟ قال‪َ « :‬نعَمْ» فسلّه‪ ,‬فقال‪ :‬من يـمنعك منـي؟ قال‪« :‬ال يَـمْ َن ُعنِـي ِم ْنكَ»‪.‬‬
‫«ُ‬
‫فهدّده أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأغلظوا له القول‪ ,‬فشام ال سيف‪ ,‬وأ مر نب ـيّ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أصحابه بـالرحيـل‪ ,‬فأنزل علـيه صلة الـخوف عند ذلك‪.‬‬
‫‪9104‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫ذكره عن ا بن أب ـي سلـمة‪ ,‬عن جابر‪ :‬أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم نزل منزلً‪ ,‬وتفرّق‬
‫ي صلى ال عليه وسلم سلحه بشجرة‪ ,‬فجاء‬
‫الناس فـي ال ِعضَاه يستظلون تـحتها‪ ,‬فعلق النبـ ّ‬
‫أعراب ـيّ إل ـى سيف ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وأخذه ف سلّه‪ ,‬ثم أق بل عل ـى النب ـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬من يـمنعك منـي؟ والنبـيّ صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬اللّ هُ»‪,‬‬
‫فشام العرابـيّ السيف‪ ,‬فدعا النبـيّ صلى ال عليه وسلم أصحابه‪ ,‬فأخبرهم خبر العرابـي‬
‫وهو جالس إلـى جنبه لـم يعاقبه‪ .‬قال معمر‪ :‬وكان قتادة يذكر نـحو هذا‪ ,‬وذكر أن قوما من‬
‫العرب أرادوا أن يفتكوا بر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأر سلوا هذا العراب ـيّ‪ .‬وتأوّل‪:‬‬
‫سطُوا إلَـ ْي ُكمْ أ ْي ِديَ ُهمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ا ْذكُرُوا ِن ْعمَتَ الّلهِ عَلَـ ْيكُمْ إ ْذ َهمّ قَ ْومٌ أنْ َي ْب ُ‬
‫وأولـى القوال بـالصحة فـي تأويـل ذلك‪ ,‬قول من قال‪ :‬عنى ال بـالنعمة التـي ذكر‬
‫فـي هذه الَية نعمته علـى الـمؤمنـين به وبرسوله‪ ,‬التـي أنعم بها علـيهم فـي استنقاذه‬
‫نبـيهم مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مـما كانت يهود بنـي النضير همت به من قتله وقتل‬
‫من معه يوم سار إلـيهم نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم فـي الدية التـي كان تـحملها عن‬
‫قتـيـلـي عمرو بن أمية‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصحة فـي تأويـل ذلك‪ ,‬لن ال عقب ذكر ذلك برمي الـيهود‬
‫ب صنائعها وقب ـيح أفعال ها وخيانت ها رب ها وأنب ـياءها‪ .‬ثم أ مر نب ـيه صلى ال عل يه و سلم‬
‫بـالعفو عنهم والصفح عن عظيـم جهلهم‪ ,‬فكان معلوما بذلك أنه صلى ال عليه وسلم لـم‬
‫يؤمر ب ـالعفو عن هم وال صفح عق ـيب قوله‪ :‬إذْ هَ مّ قَوْ مٌ أ نْ َيبْ سُطُوا إلَ ـ ْي ُكمْ أ ْي ِد َيهُ مْ و من غيره‬
‫كان يبسط اليدي إلـيهم‪ ,‬لنه لو كان الذين هموا ببسط اليدي إلـيهم غيرهم لكان حريّا أن‬
‫يكون المـر بــالعفو والصـفح عنهـم ل عمـن لــم يجـر لهـم بذلك ذكـر‪ ,‬ولكان الوصـف‬
‫بـالـخيانة فـي وصفهم فـي هذا الـموضع ل فـي وصف من لـم َيجْر لـخيانته ذكر‪,‬‬
‫فف ـي ذلك ما ينب ـيء عن صحة ما قضي نا له ب ـالصحة من التأويلت ف ـي ذلك دون ما‬
‫خالفه‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬واتّقُوا اللّهِ َوعَلـى الّل ِه فَلْـ َيتَ َوكَلّ الـمُ ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬واحذروا ال أيهـا الــمؤمنون أن تــخالفوه فــيـما أمركـم ونهاكـم أن‬
‫يعنــي ج ّ‬
‫تنقضوا ال ـميثاق الذي واثق كم به فت ستوجبوا م نه العقاب الذي ل قِبَل ل كم به‪ .‬وَعَل ـى اللّ هِ‬
‫فَلْ ـ َيتَ َوكّلِ ال ـمُ ْؤ ِمنُونَ يقول‪ :‬وإل ـى ال فل ـيـلق أز مة أمور هم‪ ,‬وي ستسلـم لقضائه‪ ,‬وي ثق‬
‫بنصرته وعونه‪ ,‬الـمقرّون بوحدانـية ال ورسالة رسوله‪ ,‬العاملون بأمره ونهيه‪ ,‬فإن ذلك من‬
‫كمال دين هم وت ـمام إي ـمانهم‪ ,‬وأن هم إذا فعلوا ذلك كل هم ورعا هم وحفظ هم م ـمن أراد هم‬
‫بسوء‪ ,‬كما حفظكم ودافع عنكم أيها الـمؤمنون الـيهود الذين هموا بـما هموا به من بسط‬
‫أيديهم إلـيكم‪ ,‬كلءة منه لكم‪ ,‬إذ كنتـم من أهل اليـمان به وبرسوله دون غيره‪ ,‬فإن غيره‬
‫ل يطيق دفع سوء أراد بكم ربكم ول اجتلب نفع لكم لـم يقضه لكم‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سرَآئِيلَ َو َب َعثْنَا مِنهُ ُم ا ْثنَ يْ‬
‫خذَ الّل ُه مِيثَا قَ َبنِ يَ إِ ْ‬
‫{وَلَ َقدْ َأ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ع ّز ْر ُتمُوهُ مْ‬
‫ل اللّ هُ إِنّي َم َعكُ مْ َلئِ نْ َأ َق ْمتُ مُ ال صّلَةَ وَآ َت ْيتُ مْ ال ّزكَاةَ وَآمَنتُ مْ ِبرُ سُلِي وَ َ‬
‫شرَ نَقِيبا َوقَا َ‬
‫عَ‬‫َ‬
‫حتِهَا ال ْنهَارُ‬
‫ت َتجْرِي مِن َت ْ‬
‫جنّا ٍ‬
‫ل ْدخَِل ّنكُ مْ َ‬
‫سيّئَا ِت ُكمْ َو ُ‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫لكَ ّفرَ نّ َ‬
‫ضتُ مُ الّل َه َقرْضا حَ سَنا ُ‬
‫وََأ ْقرَ ْ‬
‫سبِيلِ }‪..‬‬
‫سوَآ َء ال ّ‬
‫َفمَن كَ َفرَ َب ْعدَ ذَِلكَ ِم ْن ُكمْ فَ َقدْ ضَلّ َ‬
‫وهذه الَ ية أنزلت إعل ما من ال جلّ ثناؤه نب ـيه صلى ال عل يه و سلم وال ـمؤمنـين به‪,‬‬
‫أخلقَ الذين هموا ببسط أيديهم إلـيهم من الـيهود‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 9105‬ـ حدث نا ال ـحرث بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مب ـارك‪ ,‬عن‬
‫سرَائِيـلَ قال‪ :‬الـيهود من أهل الكتاب‪.‬‬
‫ق َبنِـي إ ْ‬
‫خذَ اللّ ُه مِيثا َ‬
‫الـحسن فـي قوله‪ :‬ول َق ْد أ َ‬
‫وأن الذي هموا به من الغدر ون قض الع هد الذي ب ـينهم وب ـينه من صفـاتهم و صفـات‬
‫أوائل هم وأخلق هم وأخلق أ سلفهم قدي ـما‪ ,‬واحت ـجاجا لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم عل ـى‬
‫الـيهود بـاطلعه إياه علـى ما كان علـمه عندهم دون العرب من خفـيّ أمورهم ومكنون‬
‫علومهم‪ ,‬وتوبـيخا للـيهود فـي تـماديهم فـي الغ يّ‪ ,‬وإصرارهم علـى الكفر مع علـمهم‬
‫بخ طإ ما هم عل ـيهم مق ـيـمون‪ .‬يقول ال لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ل ت ستعظموا أ مر‬
‫الذ ين هموا بب سط أيدي هم إل ـيهم من هؤلء ال ـيهود ب ـما هموا به ل كم‪ ,‬ول أ مر الغدر الذي‬
‫حاولوه وأرادوه بكم‪ ,‬فإن ذلك من أخلق أوائلهم وأسلفهم‪ ,‬ل يعدُون أن يكونوا علـى منهاج‬
‫أوّل هم وطر يق سلفهم‪ .‬ثم ابتدأ ال ـخبر ع ّز ذكره عن ب عض غدرات هم وخيانات هم وجراءت هم‬
‫عل ـى رب هم ونقض هم ميثاق هم الذي واثق هم عل ـيه ب ـارئهم‪ ,‬مع نع مه الت ـي خ صهم ب ها‪,‬‬
‫وكراماته التـي طوّقهم شكرها‪ ,‬فقال‪ :‬ولقد أخذ ال ميثاق سلف من ه مّ ببسط يده إلـيكم من‬
‫يهود بن ـي إ سرائيـل يا مع شر ال ـمؤمنـين ب ـالوفـاء له بعهوده وطاع ته ف ـيـما أمر هم‬
‫ونهاهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9106‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا آدم العسقلنـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر الرازي‪ ,‬عن‬
‫سرَائِيـلَ قال‪ :‬أ خذ ال‬
‫خذَ اللّ ُه مِيثا قَ َبنِ ـي إ ْ‬
‫الرب ـيع‪ ,‬عن أب ـي العال ـية ف ـي قوله‪ :‬وَلَ َق ْد أ َ‬
‫مواثـيقهم أن يخـلصوا له ول يعبدوا غيره‪.‬‬
‫عشَ َر نَقِــيبـا يعنــي بذلك‪ :‬وبعثنـا منهـم اثنــي عشـر كفــيلً‪ ,‬كفلوا‬
‫َو َب َعثْنـا ِم ْنهُم ْـ اثْنَى َ‬
‫عل ـيهم ب ـالوفـاء ل ب ـما واثقوه عل ـيه من العهود ف ـيـما أمر هم به‪ ,‬وف ما نها هم ع نه‪.‬‬
‫والنق ـيب ف ـي كلم العرب‪ ,‬كالعر يف عل ـى القوم‪ ,‬غ ير أ نه فوق العر يف‪ ,‬يقال م نه‪ :‬نَقَ بَ‬
‫فلن عل ـى بن ـي فلن ف هو َينْقُب نقب ـا‪ ,‬فإذا أر يد أ نه ل ـم ي كن نق ـيبـا ف صار نق ـيبـا‪,‬‬
‫عرَافَةً‪ .‬فأما الـمناكب‬
‫عرُف علـيهم َيعْرُف ِ‬
‫قـيـل‪ :‬قد نَقُب فهو َينْقب نَقَابة‪ ,‬ومن العريف‪َ :‬‬
‫فإن هم كالعوان يكونون مع العرف ـاء‪ ,‬واحد هم َمنْكِب‪ .‬وكان ب عض أ هل العل ـم ب ـالعربـية‬
‫يقول‪ :‬هو الم ين الضا من عل ـى القوم‪ .‬فأ ما أ هل التأوي ـل فإن هم قد اختلفوا ب ـينهم ف ـي‬
‫تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو الشاهد علـى قومه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫خ َذ اللّ ُه مِيثا قَ‬
‫‪ 9107‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَ َقدْ أ َ‬
‫ل سبط رجل شاهد علـى قومه‪.‬‬
‫عشَرَ نَقِـيبـا‪ :‬من ك ّ‬
‫َبنِـي إسْرائيـل َو َب َعثْنا ِم ْنهُ ْم ا ْثنَـيْ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬النقـيب‪ :‬المين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9108‬ـ حُدثت عن عمار بن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي جعفر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن الربـيع‪,‬‬
‫قال‪ :‬النقبـاء‪ :‬المناء‪.‬‬
‫حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا إسـحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن أبــي جعفـر‪ ,‬عـن أبــيه‪ ,‬عـن‬
‫الربـيع‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وإن ـما كان ال أ مر مو سى نب ـيه صلى ال عل يه و سلم ببع ثه النقب ـاء الثن ـي ع شر من‬
‫قومه بنـي إسرائيـل إلـى أرض الـجبـابرة بـالشام لـيتـجسسوا لـموسى أخبرهم إذ‬
‫أراد هلكهم‪ ,‬وأن يورّث أرضهم وديارهم موسى وقومه‪ ,‬وأن يجعلها مساكن لبنـي إسرائيـل‬
‫بعد ما أنـجاهم من فرعون وقومه‪ ,‬وأخرجهم من أرض مصر‪ ,‬فبعث موسى الذين أمره ال‬
‫ببعثهم إلـيها من النقبـاء‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9109‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬أمر ال بنـي إسرائيـل بـالسير إلـى أريحاء‪ ,‬وهي أرض بـيت الـمقدس‪,‬‬
‫ف ساروا حت ـى إذا كانوا قريب ـا من هم ب عث مو سى اثن ـي ع شر نق ـيبـا من جم يع أ سبـاط‬
‫بنـي إسرائيـل‪ ,‬فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الـجبـابرة‪ ,‬فلقـيهم رجل من الـجبـارين‬
‫حجْزته وعلـى رأسه حزمة حطب‪ ,‬فـانطلق‬
‫يقال له عاج‪ ,‬فأخذ الثنـي عشر‪ ,‬فجعلهم فـي ُ‬
‫بهـم إلــى امرأتـه‪ ,‬فقال‪ :‬انظري إلــى هؤلء القوم الذيـن يزعمون أنهـم يريدون أن يقاتلونـا‬
‫ل عنهـم حتــى‬
‫فطرحهـم بــين يديهـا‪ ,‬فقال‪ :‬أل أطحنهـم برجلــي؟ فقالت امرأتـه‪ :‬بـل خــ ّ‬
‫ي خبروا قوم هم ب ـما رأوا فف عل ذلك‪ .‬فل ـما خرج القوم‪ ,‬قال بعض هم لب عض‪ :‬يا قوم إن كم إن‬
‫أخبرت ـم بنــي إ سرائيـل خبر القوم‪ ,‬ارتدّوا عن نب ـيّ ال عل ـيه ال سلم‪ ,‬ل كن اكت ـموه‬
‫وأ خبروا انِ ـيَ ال‪ ,‬ف ـيكونان ف ـيـما يريان رأيه ما‪ ,‬فأ خذ بعض هم عل ـى ب عض ال ـميثاق‬
‫بذلك لــيكتـموه‪ .‬ثـم رجعوا فــانطلق عشرة منهـم فنكثوا العهـد‪ ,‬فجعـل الرجـل يخـبر أخاه‬
‫وأبـاه بـما رأى من عاج‪ ,‬وكتـم رجلن منهم‪ ,‬فأتوا موسى وهارون‪ ,‬فأخبروهما الـخبر‪,‬‬
‫عشَرَ َنقِـيبـا‪.‬‬
‫سرَائِيـلَ َو َب َعثْنا ِم ْن ُهمُ ا ْثنَـيْ َ‬
‫خذَ الّلهُ مِيثاقَ َبنِـي إ ْ‬
‫فذلك حين يقول ال‪ :‬وََل َقدْ أ َ‬
‫‪9110‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫عشَرَ نَقِـيبـا من كلّ سبط من بنـي إسرائيـل‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬ا ْثنَـيْ َ‬
‫رجـل أرسـلهم موسـى إلــى الــجبـارين‪ ,‬فوجدوهـم يدخــل فــي كم ّـ أحدهـم اثنان منهـم‬
‫ي ـلفونهم لفّ ـا‪ ,‬ول يحمل عنقود عنبهم إل خم سة أن فس بـينهم ف ـي خش بة‪ ,‬ويدخ ـل ف ـي‬
‫ش طر الرما نة إذا نزع حب ها خم سة أن فس أو أر بع‪ .‬فر جع النقب ـاء كلّ من هم ين هي سبطه عن‬
‫قتالهـم إل يُوشَع ابـن نون وكالب بـن يوقنـا يأمران السـبـاط بقتال الــجبـابرة وبجهادهـم‪,‬‬
‫فعصوا هذين وأطاعوا الخرين‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد بنـحوه‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬من بنـي إسرائيـل رجال‪ ,‬وقال أيضا‪ :‬يـلقونهما‪.‬‬
‫‪ 9111‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬أ مر مو سى أن ي سير‬
‫ببن ـي إ سرائيـل إل ـى الرض ال ـمقدسة‪ ,‬وقال‪ :‬إن ـي قد كتبت ها ل كم دارا وقرارا ومنزلً‪,‬‬
‫فـاخرج إلـيها وجاهد من فـيها من العدوّ‪ ,‬فإنـي ناصركم علـيهم‪ ,‬وخذ من قومك اثنـي‬
‫ل سبط نقـيبـا يكون علـى قومه بـالوفـاء منهم علـى ما أمروا به‪,‬‬
‫عشر نقـيبـا من ك ّ‬
‫وقل لهم إن ال يقول لكم‪ :‬إنّـي معكُمْ لِئن أقمتُـم الصّلةَ وآتـيتـمُ الزكاة‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬فقدْ‬
‫سبِـيـلِ‪ .‬وأخذ موسى منهم اثنـي عشر نقـيبـا اختارهم من السبـاط كُفلء‬
‫ضلّ سواءَ ال ّ‬
‫علـى قومهم بـما هم فـيه علـى الوفـاء بعهده وميثاقه‪ ,‬وأخذ من كلّ سبط منهم خيرهم‬
‫ق َبنِـي إ سْرائِيـل و َب َعثْنا ِم ْنهُ مُ اثْنـي‬
‫خذَ اللّ ُه ميثا َ‬
‫وأوفـاهم رجلً‪ .‬يقول ال عزّ وجلّ‪ :‬ولَ َق ْد َأ َ‬
‫عَشرَ نَقِ ـيبـا ف سار ب هم مو سى إل ـى الرض ال ـمقدسة بأ مر ال‪ ,‬حت ـى إذا نزل الت ـيه‬
‫بنــي مصـر والشام‪ ,‬وهـي بلد لــيس فــيها شجـر ول ظلّ‪ ,‬دعـا موسـى ربـه حيـن آذاهـم‬
‫ال ـحرّ‪ ,‬فظلّل عل ـيهم ب ـالغمام‪ ,‬ود عا ل هم ب ـالرزق‪ ,‬فأنزل ال عل ـيهم ال ـمنّ وال سلوى‪.‬‬
‫ل يتــجسسون إلــى أرض كنعان التــي وهبـت لبنــي‬
‫وأمـر ال موسـى فقال‪ :‬أرسـل رجا ً‬
‫إسرائيـل‪ ,‬من كلّ سبط رجلً‪ .‬فأرسل موسى الرءوس كلهم الذين فـيهم‪ ,‬وهذه أسماء الرهط‬
‫الذين بعث ال من بنـي إسرائيـل إلـى أرض الشام‪ ,‬فـيـما يذكر أهل التوراة لـيجوسوها‬
‫لبن ـي إ سرائيـل‪ :‬من سبط روب ـيـل‪ :‬شامون بن ركون‪ ,‬و من سبط شمعون سافـاط بن‬
‫حرب ـي‪ ,‬و من سبط يهوذا كالب بن يوق نا‪ ,‬و من سبط كاذ ميخائي ـل بن يو سف‪ ,‬و من سبط‬
‫يو سف و هو سبط إفرائي ـم يو شع بن نون‪ ,‬و من سبط ب ـينامين فلط بن ذنون‪ ,‬و من سبط‬
‫ربـالون كرابـيـل بن سودي‪ ,‬ومن سبط منشا بن يوسف حدي بن سوشا‪ ,‬ومن سبط دان‬
‫حملئل بن حمل‪ ,‬ومن سبط أشار سابور بن ملكيـل‪ ,‬ومن سبط نفتالـي مـحرّ بن وقسي‪,‬‬
‫ومن سبط يساخر حوليـل بن منكد‪ .‬فهذه أسماء الذين بعثهم موسى يتـجسسون له الرض‪,‬‬
‫سمّى يوشع بن نون‪ :‬يوشع بن نون‪ ,‬فأرسلهم وقال لهم‪ :‬ارتفعوا قبل الشمس‪ ,‬فـارقوا‬
‫ويومئ ٍذ َ‬
‫الــجبل‪ ,‬وانظروا مـا فــي الرض‪ ,‬ومـا الشعـب الذي يسـكنونه‪ ,‬أقوياء هـم أم ضعفــاء؟‬
‫أقلــيـل هـم أم هـم كثــير؟ وانظروا أرضهـم التــي يسـكنون أشمسـة هـي أم ذات شجـر؟‬
‫سمّى لهم من ذلك ثمرة العنب‪.‬‬
‫واحملوا إلـينا من ثمرة تلك الرض وكان فـي أوّل ما َ‬
‫‪ 9112‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عشَرَ نَقِــيبـا فهـم مـن بنــي‬
‫ُمـ ا ْثنَــيْ َ‬
‫عـن أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َب َعثْنـا ِم ْنه ُ‬
‫إ سرائيـل‪ ,‬بعث هم مو سى ل ـينظروا له إل ـى ال ـمدينة‪ .‬ف ـانطلقوا فنظروا إل ـى ال ـمدينة‪,‬‬
‫فجاءوا بحبة من فـاكهتهم ِو ْقرَ رجل‪ ,‬فقالوا‪ :‬قدروا قوّة قوم وبأسهم هذه فـاكهتهم‪ .‬فعند ذلك‬
‫فتنوا‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل نستطيع القتال فَـاذْهَبْ أنْتَ َو َر ّبكَ فَقاتِلَ إنّا َههُنا قَاعِدونَ‪.‬‬
‫‪ 9113‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج ال ـمروزي‪ ,‬قال‪ :‬سمع أب ـا معاذ الف ضل بن خالد‬
‫شرَ نَقِـيبـا أمر ال بنـي إسرائيـل أن يسيروا إلـى‬
‫عَ‬‫يقول فـي قوله‪َ :‬و َب َعثْنا ِم ْنهُ مُ ا ْثنَـيْ َ‬
‫الرض الـمقدّسة مع نبـيهم موسى صلى ال عليه وسلم فلـما كانوا قريبـا من الـمدينة‪,‬‬
‫قال لهـم موسـى‪ :‬ادخــلوها فأبوا وجبنوا‪ ,‬وبعثوا اثنــي عشـر نقــيبـا لــينظروا إلــيهم‪.‬‬
‫ف ـانطلقوا فنظروا‪ ,‬فجاءوا بح بة من ف ـاكهتهم بوِقْر الر جل‪ ,‬فقالوا‪ :‬قدرّوا قوّة قوم وبأ سهم‪,‬‬
‫ت و َر ّبكَ فَقَاتِلَ‪.‬‬
‫ب أنْ َ‬
‫هذه فـاكهتهم فعند ذلك قالوا لـموسى‪ :‬اذْهَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬وَقالَ اللّ هُ إنّ ـي َم َعكُ مْ َلئِ نْ أ َق ْمتُ ـمُ ال صّلةَ وآتَ ـ ْيتُـمُ‬
‫سنَا‪.‬‬
‫حَ‬‫ضتُـمُ الّلهَ َقرْضا َ‬
‫ع ّزرْتـمُو ُهمْ وأقْ َر ْ‬
‫الزّكا َة وآ َم ْنتُـمْ ِب ُرسُلِـي وَ َ‬
‫ل اللّ ُه لبن ـي إسرائيـل إنّ ـي َم َعكُ مْ يقول‪ :‬إنى ناصركم علـى‬
‫يقول ال تعالـى ذكره وَقا َ‬
‫عدوّكم وعدوي الذين أمرتكم بقتالهم إن قاتلتـموهم ووفـيتـم بعهدي وميثاقـي الذي أخذته‬
‫عل ـيكم‪ .‬وف ـي الكلم م ـحذوف ا ستُغنـي ب ـما ظ هر من الكلم ع ما حذف م نه‪ ,‬وذلك أن‬
‫خذَ الّل ُه مِيثاقَ‬
‫معنى الكلم‪ :‬وقال ال لهم‪ :‬إنـي معكم‪ ,‬فترك ذكر «لهم»‪ ,‬استغناء بقوله‪ :‬وَلَ َقدْ أ َ‬
‫ل إذ كان متقدم الـخبر عن قوم مسمّين بأعيانهم كان معلوما أن سياق ما فـي‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫َبنِـي إ ْ‬
‫الكلم من الـخبر عنهم‪ ,‬إذ لـم يكن الكلم مصروفـا عنهم إلـى غيرهم‪ .‬ثم ابتدأ ربنا جلّ‬
‫ثناؤه القسـم‪ ,‬فقال‪ :‬قسـم َلئِن ْـ أ َق ْمتُــمْ معشـر بنــي إسـرائيـل الصـّلةَ وآتَــْيتُـمُ الزّكاةَ‪ :‬أي‬
‫أعطيتــموها مـن أمرتكـم بــاعطائها‪ ,‬وآ َم ْنتُــمْ ِبرُسُـلِـي يقول‪ :‬وصـدّقتـم بــما آتاكـم بـه‬
‫رسـلـي مـن شرائع دينــي‪ .‬وكان الربــيع بـن أنـس يقول‪ :‬هذا خطاب مـن ال للنقبــاء‬
‫الثنـي عشر‪.‬‬
‫‪ 9114‬ـ حُدثت عن عمار بن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبـي جعفر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫الربـيع بن أنس‪ :‬أن موسى صلى ال عليه وسلم قال للنقبـاء الثنـي عشر‪ :‬سيروا إلـيهم‬
‫يعن ـي إلــى ال ـجبـارين فحدثونــي حديثهـم‪ ,‬ومـا أمَرُ هم‪ ,‬ول تــخافوا إن ال معكـم ما‬
‫أقمتــم الصـلة وآتــيتـم الزكاة وآمنتــم برسـلـي وعزّرتــموهم وأقرضتــم ال قرضـا‬
‫حسنا‪.‬‬
‫ولـيس الذي قاله الربـيع فـي ذلك ببعيد من الصواب‪ ,‬غير أن من قضاء ال فـي جميع‬
‫خ ـلقه أ نه نا صرٌ من أطا عه‪ ,‬وول ـىّ من ات بع أمره وت ـجنب مع صيته وجاف ـي ذنو به‪ .‬فإذ‬
‫كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان من طاعته‪ :‬إقام الصلة‪ ,‬وإيتاء الزكاة‪ ,‬واليـمان بـالرسل‪ ,‬وسائر ما‬
‫ندب القوم إلـيه كان معلوما أن تكفـير السيئات بذلك وإدخال الـجنات به لـم يخصص به‬
‫النقب ـاء دون سائر بن ـي إ سرائيـل غير هم‪ ,‬فكان ذلك بأن يكون ندب ـا للقوم جمي عا وحضّا‬
‫لهم علـى ما حضهم علـيه‪ ,‬أح قّ وأولـى من أن يكون ندبـا لبعض وحضّا لـخاصّ دون‬
‫عام‪.‬‬
‫ع ّز ْرتُــمُو ُهمْ فقال بعضه ُم‪ :‬تأويــل ذلك‪:‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل قوله‪ :‬وَ َ‬
‫ونصرتـموهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9115‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ع ّز ْرتُـمُو ُه ْم قال‪ :‬نصرتـموهم‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬وَ َ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9116‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ع ّز ْرتُـمُو ُهمْ قال‪ :‬نصرتـموهم بـالسيف‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬قوله‪ :‬وَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الطاعة والنصرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9117‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبد الرحمن بن زيد يقول فـي‬
‫ع ّزرْتـموهُم قال‪ :‬التعزر والتوقـير‪ :‬الطاعة والنصرة‪.‬‬
‫قوله‪ :‬وَ َ‬
‫واختلف أهل العربـية فـي تأويـله‪ ,‬فذكر عن يونس الـحِرمرِي أنه كان يقول‪ :‬تأويـل‬
‫ذلك‪ :‬أثنـيتـم علـيهم‪.‬‬
‫‪9118‬ـ حُدثت بذلك عن أبـي عبـيدة معمر بن الـمثنى عنه‪.‬‬
‫وكان أبو عبـيدة يقول‪ :‬معنى ذلك نصرتـموهم وأعنتـموهم ووقرتـموهم وعظمتـموهم‬
‫وأيدتـموهم‪ ,‬وأنشد فـي ذلك‪:‬‬
‫ن لَـيْثٍ ُي َعزّزُ فـي ال ّن ِديّ‬
‫ن ماجِ ٍد َل ُهمُ َكرِيـمٍومِ ْ‬
‫و َكمْ مِ ْ‬
‫وكان الفرّاء يقول‪ :‬العزر الردّ عزرر ته ردد ته‪ :‬إذا رأي ته يظل ـم‪ ,‬فقلت‪ :‬ا تق ال أو نهي ته‪,‬‬
‫فذلك العزر‪.‬‬
‫وأول ـى هذه القوال عندي ف ـي ذلك ب ـالصواب قول من قال‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬ن صرتـموهم‪,‬‬
‫ْسـلْناكَ شاهِدا َو ُم َبشّرا َو َنذِيرا ِلتُ ْؤ ِمنُوا‬
‫وذلك أن ال جلّ ثناؤه قال فــي سـورة الفتــح‪ :‬إن ّا أر َ‬
‫بــاللّهِ َورَسـُوِلهِ و ُت َعزّرُوه ُـ َوُت َوقّرُوهـُ‪ .‬فــالتوقـير‪ :‬هـو التعظيــم‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان‬
‫القول فـي ذلك إنـما هو بعض ما ذكرنا من القوال التـي حكيناها عمن حكينا عنه‪ .‬وإذا‬
‫فسد أن يكون معناه التعظيـم‪ ,‬وكان النصر قد يكون بـالـيد واللسان فأما بـالـيد فـالذبّ‬
‫بها عنه بـالسيف وغيره‪ ,‬وأما بـاللسان فحسن الثناء‪ ,‬والذبّ عن العرض‪ ,‬صحّ أنه النصر إذ‬
‫ل مـما حكينا عنه‪.‬‬
‫ل قائل قال فـيه قو ً‬
‫كان النصر يحوي معنى ك ّ‬
‫ضتُـمُ اللّهَ َقرْضا حَسَنا فإنه يقول‪ :‬وأنفقتـم فـي سبـيـل ال‪ ,‬وذلك فـي‬
‫وأما قوله‪ :‬وأ ْقرَ ْ‬
‫جهاد عدوّه وعدوّكـم‪ ,‬قَرْضـا حَسـَنا يقول‪ :‬وأنفقتــم مـا أنفقتــم فــي سـبـيـله‪ ,‬فأصـبتـم‬
‫ال ـحقّ ف ـي إنف ـاقكم ما أنفقت ـم ف ـي ذلك‪ ,‬ول ـم تتعدّوا ف ـيه حدود ال و ما ندب كم إل ـيه‬
‫وحثكم علـيه إلـى غيره‪.‬‬
‫ضتُ ـمْ الّل هَ َقرْ ضا حَ سَنا ول ـم ي قل‪ :‬إقرا ضا ح سنا‪ ,‬و قد‬
‫فإن قال ل نا قائل‪ :‬وك يف قال‪ :‬وأقْ َر ْ‬
‫علـمت أن مصدر أقر ضت‪ :‬القراض؟ قـيـل‪ :‬لو ق ـيـل ذلك كان صوابـا‪ ,‬ولكن قوله‪:‬‬
‫قَرْضا حَ سَنا أخرج مصدرا من معناه ل من لفظه‪ ,‬وذلك أن فـي قوله‪ :‬أقرض معنى قرض‪,‬‬
‫كما فـي معنى أعطى أخذ‪ ,‬فكان معنى الكلم‪ :‬وقرضتـم ال قرضا حسنا‪ ,‬ونظير ذلك‪ :‬والّلهُ‬
‫َأ ْن َب َتكُمْ ِمنَ الرضِ َنبَـاتا إذ كان فـي أنبتكم معنى فنبتـم‪ ,‬وكما قال امرؤ القـيس‪:‬‬
‫ص ْعبَ ًة أيّ إذْللِ )‬
‫( َورُضْتُ َفذَلّتْ َ‬
‫إذ كان فـي رضت معنى أذللت‪ ,‬فخرج الذلل مصدرا من معناه ل من لفظه‪.‬‬
‫جرِي مِ نْ‬
‫ت تَ ـ ْ‬
‫جنّا ٍ‬
‫ل ْدخِ ـَل ّنكُمْ َ‬
‫سيّئا ِت ُكمْ َو ُ‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫لكَ ّفرَ نّ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ُ :‬‬
‫تَـحْتِها النهَارُ‪.‬‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بذلك بنـي إسرائيـل‪ ,‬يقول لهم جلّ ثناؤه‪ :‬لئن أقمتـم الصلة أيها القوم‬
‫الذ ين أعطون ـي ميثاق هم ب ـالوفـاء بطاعت ـي‪ ,‬واتب ـاع أمري‪ ,‬وآت ـيتـم الزكاة‪ ,‬وفعلت ـم‬
‫س ّيئَا َتكُمْ يقول‪ :‬لغطين بعفوي عنكم وصفحي‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫لكَ ّفرَ نّ َ‬
‫سائر ما وعدتكم علـيه جنتـي ُ‬
‫عن عقوبت كم‪ ,‬عل ـى سالف إجرام كم الت ـي أجرمت ـموها ف ـيـما ب ـين وب ـينكم عل ـى‬
‫ذنوب كم الت ـي سلفت من كم من عب ـادة الع جل وغير ها من موبقات ذنوب كم ول ْدخِ ـَل ّن ُكمْ مع‬
‫لنْهارُ‬
‫حتِها ا َ‬
‫ِنـ تَــ ْ‬
‫جرِي م ْ‬
‫ّاتـ تَــ ْ‬
‫جن ٍ‬ ‫تغطيتــي علــى ذلك منكـم بفضلــي يوم القــيامة َ‬
‫فـالـجنات‪ :‬البساتـين‪.‬‬
‫لكَ ّفرَنّ‪ :‬لغطينّ‪ ,‬لن الكفر معناه الـجحود والتغطية والستر‪ ,‬كما‬
‫وإنـما قلت‪ :‬معنى قوله‪ُ :‬‬
‫قال لبـيد‪:‬‬
‫(فِـي لَـيْـلَ ٍة كَ َفرَ النّـجومَ غَمامُها )‬
‫يعنـي‪« :‬غطاها»‪ .‬التفعيـل من الكَفْر‪.‬‬
‫ـ فقال بعـض‬
‫لكَ ّفرَن ّ‬
‫واختلف أهـل العربــية فــي معنـى «اللم» التــي فــي قوله‪ُ :‬‬
‫ن ـحويـيّ الب صرة‪ :‬اللم الول ـى عل ـى مع نى القَ سَم‪ ,‬يعن ـي اللم الت ـي ف ـي قوله‪َ :‬لئِ نْ‬
‫أ َقمْتُـمْ الصّلةَ قال‪ :‬والثانـية معنى قسم آخر‪.‬‬
‫وقال ب عض ن ـحويـيّ الكو فة‪ :‬بل اللم الول ـى وق عت مو قع ال ـيـمين‪ ,‬ف ـاكتفـى ب ها‬
‫عن ال ـيـمين‪ ,‬يعن ـي ب ـاللم الول ـى‪ :‬لئن أقمت ـم ال صلة‪ .‬قال‪ :‬واللم الثان ـية‪ ,‬يعن ـي‬
‫سيّئا َتكُ ْم جواب ل ها‪ ,‬يعن ـي للم الت ـي ف ـي قوله‪َ :‬لئِ نْ أ َق ْمتُ ـمُ ال صّلةَ‪.‬‬
‫ع ْنكُ مْ َ‬
‫لكَ ّفرَ نّ َ‬
‫قوله‪ُ :‬‬
‫لكَ ّفرَنّـ‬
‫واعتلّ لقــيـله ذلك بأن قوله‪َ :‬لئِن ْـ أ َقمْتُــمُ الصـّلةَ غيـر تام ول مسـتغن عـن قوله‪ُ :‬‬
‫سـيّئا ِت ُكمْ قسـما‬
‫ُمـ َ‬
‫ع ْنك ْ‬
‫َنـ َ‬
‫لكَ ّفر ّ‬
‫سـّيئَاتِ ُكمْ‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فغيـر جائز أن يكون قوله‪ُ :‬‬
‫ُمـ َ‬
‫ع ْنك ْ‬
‫َ‬
‫مبتدأ‪ ,‬بل الواجب أن يكون جوابـا للـيـمين إذ كانت غير مستغنـية عنه‪ .‬وقوله‪ :‬تَـجْرِي‬
‫حتِها النهارُ يقول‪ :‬يجري مـن تــحت أشجار هذه البسـاتـين التــي أدخــلكموها‬
‫ِنـ تَــ ْ‬
‫م ْ‬
‫النهار‪.‬‬
‫سبِـيـلِ‪.‬‬
‫ل سَوَا َء ال ّ‬
‫ك ِم ْنكُمْ فَ َقدْ ضَ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬فمَنْ كَ َفرَ َب ْعدَ ذَِل َ‬
‫يقول ع ّز ذكره‪ :‬فمن جحد منكم يا معشر بنـي إسرائيـل شيئا مـما أمرته به‪ ,‬فتركه‪ ,‬أو‬
‫ر كب ما نهي ته ع نه فعمله ب عد أخذي ال ـميثاق عل ـيه ب ـالوفـاء ل ـي بطاعت ـي واجتناب‬
‫ل عن منهج‬
‫سبِـيـلِ يقول‪ :‬فقد أخطأ قصد الطريق الواضح‪ ,‬وز ّ‬
‫معصيتـي‪ ,‬فَ َقدْ ضَلّ سَوَا َء ال ّ‬
‫السبـيـل القاصد‪ .‬والضلل‪ :‬الركوب علـى غير هدى وقد بـينا ذلك بشاهده فـي غير هذا‬
‫الـموضع‪ .‬وقوله‪ :‬سَوَا َء يعنـي به‪ :‬وسط السبـيـل‪ ,‬وقد بـيّنا تأويـل ذلك كله فـي غير‬
‫هذا الـموضع‪ ,‬فأغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َاسـيَةً‬
‫ُمـ ق ِ‬
‫جعَلْنَا قُلُو َبه ْ‬
‫ُمـ َو َ‬
‫ُمـ لَعنّاه ْ‬
‫{ َفبِمَا نَ ْقضِهِم مّيثَا َقه ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ل قَلِيلً‬
‫حظّا ّممّا ُذ ِكرُواْ ِبهِ َولَ َتزَالُ َتطّلِعُ عََلىَ خَآ ِئنَةٍ ّم ْنهُمْ ِإ ّ‬
‫ضعِهِ َونَسُواْ َ‬
‫ن ا ْلكَلِمَ عَن ّموَا ِ‬
‫ُيحَ ّرفُو َ‬
‫سنِينَ }‪..‬‬
‫حِ‬‫ن اللّ َه ُيحِبّ ا ْل ُم ْ‬
‫ح إِ ّ‬
‫ع ْن ُهمْ وَاصْفَ ْ‬
‫عفُ َ‬
‫ّم ْنهُمُ فَا ْ‬
‫يقول جلّ ثناؤه لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬يـا مــحمد‪ ,‬ل تعجبنّـ مـن هؤلء‬
‫الــيهود الذ ين هموا أن يبسـطوا أيديهـم إلــيك وإلــى أ صحابك‪ ,‬ونكثوا الع هد الذي بــينك‬
‫وبـينهم‪ ,‬غدرا منهم بك وأصحابك‪ ,‬فإن ذلك من عاداتهم وعادات سلفهم ومن ذلك أنى أخذت‬
‫ميثاق سلفهم عل ـى ع هد مو سى صلى ال عل يه و سلم عل ـى طاعت ـي‪ ,‬وبع ثت من هم اثن ـي‬
‫عشر نقـيبـا وقد تُـخيروا من جميعهم لـيتـجسسوا أخبـار الـجبـابرة‪ ,‬ووعدتهم النصر‬
‫عل ـيهم‪ ,‬وأن أورث هم أرض هم وديار هم وأموال هم‪ ,‬ب عد ما أريت هم من ال عبر والَيات بإهلك‬
‫فرعون وقو مه ف ـي الب حر وفَلْق الب حر ل هم و سائر ال عبر ما أريت ـم‪ ,‬فنقضوا ميثاق هم الذي‬
‫واثقون ـي ونكثوا عهدي‪ ,‬فلعنت هم بنقض هم ميثاق هم فإذا كان ذلك من ف عل خيار هم مع أياد يّ‬
‫عند هم‪ ,‬فل ت ستنكروا مثله من ف عل آراذل هم‪ .‬وف ـي الكلم م ـحذوف اكتف ـي بدللة الظا هر‬
‫عل ـيه‪ ,‬وذلك أن مع نى الكلم‪ :‬ف من ك فر ب عد ذلك من كم ف قد ضلّ سواء ال سبـيـل‪ ,‬فنقضوا‬
‫ضهِمْ مِيثا َقهُمْ من‬
‫الـميثاق‪ ,‬فلعنتهم‪ ,‬فـيـما نقضهم ميثاقهم لعناهم‪ ,‬فـاكتفـى بقوله‪ :‬فَبِـما نَ ْق ِ‬
‫ضهِم ْـ مِيثَا َقهُم ْـ فبنقضهـم ميثاقهـم‪ .‬كماقال‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فبــما نَ ْق ِ‬
‫ذكـر «فنقضوا»‪ .‬ويعنــي بقوله ج ّ‬
‫قتادة‪.‬‬
‫‪ 9119‬ـ حدث نا ب شر قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬فبِ ـما نَ ْقضِهِ مْ مِيثاقَهُ مْ‬
‫َل َعنّاهُمْ يقول‪ :‬فبنقضهم ميثاقهم لعناهم‪.‬‬
‫‪9120‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن‬
‫ضهِمْ مِيثاقَ ُهمْ قال‪ :‬هو ميثاق أخذه ال علـى أهل التوراة فنقضوه‪.‬‬
‫عبـاس‪ :‬فَبـما نَ ْق ِ‬
‫ضهِ مْ‬
‫وقد ذكرنا معنى اللعن فـي غير هذا الـموضع‪ .‬والهاء والـميـم من قوله‪َ :‬فبِـما نَ ْق ِ‬
‫عائدتان علـى ذكر بنـي إسرائيـل قبل‪.‬‬
‫سيَةً‪.‬‬
‫جعَلْنا قُلُو َب ُهمْ قا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬و َ‬
‫اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل مكة والبصرة‬
‫سيَةً بـاللف‪ ,‬علـى تقدير فـاعلة‪ ,‬من قسوة القلب‪ ,‬من قول القائل‪ :‬قسا قلبه‪ ,‬فهو‬
‫والكوفة‪ :‬قا ِ‬
‫يقسو وهو قاس‪ ,‬وذلك إذا غلظ واشتدّ وصار يابسا صلبـا‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫( َوقَدْ َقسَوْتُ َو َقسَتْ ِلدَاتـي )‬
‫فتأويــل الكلم علــى هذه القراءة‪ :‬فلعنـا الذيـن نقضوا عهدي ولــم يفوا بــميثاقـي مـن‬
‫بن ـي إ سرائيـل بنقض هم ميثاق هم الذي واثقون ـي‪ ,‬وجعل نا قلوب هم قا سية غل ـيظة ياب سة عن‬
‫الي ـمان ب ـي والتوف ـيق لطاعت ـي‪ ,‬منزو عة من ها الرأ فة والرح مة‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء‬
‫جعَلْنا قُلُو َبهُ ْم قَسِيةً»‪.‬‬
‫الكوفـيـين‪َ « :‬و َ‬
‫ثم اختلف الذين قرءوا ذلك كذلك فـي تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬معنى القسوة‪ ,‬لن‬
‫فعيـلة فـي الذمّ أبلغ من فـاعلة‪ ,‬فـاخترنا قراءتها قسيّة علـى قاسية لذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬بل معنى «قسية» غير معنى القسوة وإنـما القسية فـي هذا الـموضع‬
‫القلوب التـي لـم يخـلص إيـمانها بـال‪ ,‬ولكن يخالط إيـمانها كفر كالدراهم القَسِية‪ ,‬وهي‬
‫التـي يخالط فضتها غش من نـحاس أو رصاص وغير ذلك‪ ,‬كما قال أبو زُرَبـيْد الطائي‪:‬‬
‫سيّاتُ فـي أيدِي الصّيارِيفِ‬
‫َلهَا صَوَاهِلُ فـي صُمّ السّلمِ كمَاصاحَ ال َق ِ‬
‫يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان علـى الصخور‪ ,‬وهي السّلم‪.‬‬
‫سيّةً» علـى فعلـية‪,‬‬
‫جعَلْنا قُلُو َبهُ مْ قَ ِ‬
‫وأعجب القراءتـين إلـيّ فـي ذلك قراءة من قرأ‪َ « :‬و َ‬
‫لنها أبلغ فـي ذمّ القوم من قاسية‪.‬‬
‫وأولــى التأوي ـلـين فــي ذلك بــالصواب تأويــل من تأوّله فعي ـلة من الق سوة‪ ,‬كمـا‬
‫ل ثناؤه وصـف القوم بنقضهـم‬
‫قــيـل‪ :‬نفـس زكيـة وزاكيـة‪ ,‬وامرأة شاهدة وشهيدة لن ال ج ّ‬
‫ميثاقهم وكفرهم به‪ ,‬ولـم يصفهم بشيء من اليـمان‪ ,‬فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيـمانها‬
‫يخالطه كفر كالدراهم القسية التـي يخالط فضتها غشّ‪.‬‬
‫عنْ َموَاضِعِهِ‪.‬‬
‫حرّفُونَ الكَلِـمَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ :‬ي َ‬
‫يقول ع ّز ذكره‪ :‬وجعلنـا قلوب هؤلء الذيـن نقضوا عهودنـا مـن بنــي إسـرائيـل قسـية‪,‬‬
‫منزوعـا منهـا الــخير‪ ,‬مرفوعـا منهـا التوفــيق‪ ,‬فل يؤمنون‪ ,‬ول يهتدون‪ ,‬فهـم لنزع ال عزّ‬
‫ل التوف ـيق من قلوب هم والي ـمان يحرّفون كلم رب هم الذي أنزله عل ـى نب ـيهم مو سى‬
‫وج ّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬و هو التوراة‪ ,‬ف ـيبدّلونه ويكتبون بأيدي هم غ ير الذي أنزله ال جلّ وعزّ‬
‫علـى نبـيهم ويقولون لـجهال الناس‪ :‬هذا هو كلم ال الذي أنزله علـى نفسه موسى صلى‬
‫ال عليه وسلم والتوراة التـي أوحاها إلـيه‪ .‬وهذا من صفة القرون التـي كانت بعد موسى‬
‫من الـيهود مـمن أدرك بعضهم عصر نبـينا مـحمد صلى ال عل يه وسلم‪ ,‬ولكن ال عزّ‬
‫ذكره أدخ ـلهم ف ـي عداد الذ ين ابتدأ ال ـخبر عن هم م ـمن أدرك مو سى من هم‪ ,‬إذ كانوا من‬
‫أبنائ هم وعل ـى منهاج هم ف ـي الكذب عل ـى ال والفر ية عل ـيه ون قض ال ـمواثـيق الت ـي‬
‫أخذها علـيهم فـي التوراة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9121‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ضعِ هِ يعن ـي‪ :‬حدود ال ف ـي التوراة‪ ,‬ويقولون‪ :‬إن‬
‫ن مَوَا ِ‬
‫ع ْ‬
‫ن الكَلِ ـمَ َ‬
‫حرّفُو َ‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬ي َ‬
‫أمركم مـحمد بـما أنتـم علـيه فـاقبلوه‪ ,‬وإن خالفكم فـاحذروا‪.‬‬
‫حظّا مِـمّا ُذكّرُوا بِهِ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َنسُوا َ‬
‫حظّا‪ :‬وتركوا نصيبـا‪ ,‬وهو كقوله‪ :‬نَ سُوا اللّ َه فَنَ سِ َي ُهمْ أي‬
‫ينـي تعالـى ذكره بقوله‪َ :‬ونَ سُوا َ‬
‫تركوا أمر ال فتركهم ال وقد مضى بـيان ذلك بشواهده فـي غير هذا الـموضع فأغنـي‬
‫ذلك عن إعادته‪.‬‬
‫وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9122‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫حظّا مِـمّا ُذ ّكرُوا بِهِ يقول‪ :‬تركوا نصيبـا‪.‬‬
‫السديّ‪َ :‬و َنسُوا َ‬
‫‪ 9123‬ـ حدثن ـي ال ـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز قال‪ :‬حدث نا مب ـارك بن فضالة‪ ,‬عن‬
‫عرَى دين هم ووظائف ال جلّ‬
‫ال ـحسن ف ـي قوله‪َ :‬ونَ سُوا حَظّا مِ ـمّا ُذ ّكرُوا بِ ِه قال‪ :‬تركوا ُ‬
‫ثناؤه التـي ل تقبل العمال إل بها‪.‬‬
‫ل قَلِـيلً ِم ْن ُهمْ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَل َتزَالُ َتطّلِعُ علـى خا ِئنَ ٍة ِم ْنهُمْ إ ّ‬
‫يقول تبـارك وتعالـى لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ول تزال يا مـحمد تطلع من‬
‫الـيهود الذين أنبأتك نبأهم من نقضهم ميثاقـي‪ ,‬ونكثهم عهدي‪ ,‬مع أياد يّ عندهم‪ ,‬ونعمتـي‬
‫علــيهم‪ ,‬علــى مثـل ذلك مـن الغدر والــخيانة‪ ,‬إل قلــيلً منهـم‪ .‬والــخائنة فــي هذا‬
‫ال ـموضع‪ :‬ال ـخيانة‪ ,‬و هو ا سم و ضع مو ضع ال ـمصدر‪ ,‬ك ما ق ـيـل خاطئة‪ :‬لل ـخطيئة‪,‬‬
‫وقائلة‪ :‬للقـيـلولة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إلّ قَلِـيلً ِم ْنهُمْ اسثناء من الهاء والـميـم اللتـين فـي قوله‪ :‬علـى خا ِئنَةٍ ِم ْن ُهمْ‪.‬‬
‫وبنـحو الذين قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9124‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ل تَطّلِ ُع علـى خائنَةٍ ِم ْن ُهمْ قال‪ :‬علـى خيانة وكذب وفجور‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬ولَ َتزَا ُ‬
‫‪9125‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ل تَطّلِ عُ عل ـى خا ِئنَةٍ ِم ْنهُ مْ قال‪ :‬هم يهود م ثل‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال‪ :‬وَل َتزَا ُ‬
‫الذي همّوا به من النبـيّ صلى ال عليه وسلم يوم دخـل حائطهم‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪9126‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ,‬قال مـجاهد وعكرمة‪ :‬قوله‪ :‬وَل‬
‫َتزَالُ َتطّلِ عُ عل ـى خا ِئنَ ٍة ِم ْنهُ مْ من يهود م ثل الذي همّوا ب ـالنبـيّ صلى ال عل يه و سلم يوم‬
‫دخـل علـيهم‪.‬‬
‫وقال بعـض القائلــين‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬ول تزال تطلع علــى خائن منهـم‪ ,‬قال‪ :‬والعرب تزيـد‬
‫الهاء فـي آخر الـمذكر كقولهم‪ :‬هو رواية للشعر‪ ,‬ورجل علمة‪ ,‬وأنشد‪:‬‬
‫ل الصْبَعِ‬
‫سكَ بـالوَفـاءِ ولـم ت ُكنْللغ ْدرِ خائنةً ُمغِ ّ‬
‫ح ّدثْتَ نف َ‬
‫َ‬
‫فقال خائنة‪ ,‬وهو يخاطب رجلً‪.‬‬
‫والصواب من التأويـل فـي ذلك القول الذي رويناه عن أهل التأويـل‪ ,‬لن ال عنى بهذه‬
‫الَية القوم من يهود بنـي النضير الذين هموا بقتل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪,‬‬
‫إذ أتاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم يستعينهم فـي دية العامريـين‪ ,‬فأطلعه ال ع ّز ذكره‬
‫ل ثناؤه ب عد تعري فه أخب ـار أوائل هم وإعل مه من هج أ سلفهم‬
‫عل ـى ما قد همّوا به‪ .‬ثم قال ج ّ‬
‫وأن آخرهم علـى منهاج أوّلهم فـي الغدر والـخيانة‪ ,‬لئل يكبر فعلهم ذلك علـى نبـيّ ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال جلّ ثناؤه‪ :‬ول تزال تطلع من الـيهود علـى خيانة وغدر ونقض‬
‫ع هد‪ .‬ول ـم يرد أ نه ل يزال يطلّع عل ـى ر جل من هم خائن‪ ,‬وذلك أن ال ـخبر ابتدىء به عن‬
‫ن َيبْ سُطُوا‬
‫جماعتهم‪ ,‬فقـيـل‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ تَ اللّ هِ عَلَـ ْيكُمـح إذْ هَ ّم قَوْ مٌ أ ْ‬
‫ل تَطّلِ عُ علـى خا ِئنَةٍ ِم ْنهُ مْ‪ ,‬فإذ كان البتداء عن الـجماعة‬
‫إلَـ ْيكُمْ أ ْي ِد َيهُ مْ‪ ,‬ثم قـيـل‪ :‬وَل َتزَا َ‬
‫فلتـختـم بـالـجماعة أولـى‪.‬‬
‫حسِنـينَ‪.‬‬
‫ب الـمُـ ْ‬
‫ن الّلهَ ُيحِ ّ‬
‫ع ْن ُهمْ وَاصْفَحْ إ ّ‬
‫عفُ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فـا ْ‬
‫و هذ أ مر من ال عزّ ذكره نب ـيه م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم ب ـالعفو عن هؤلء القوم‬
‫الذين همّوا أن يبسطوا أيديهم إلـيه من الـيهود‪ ,‬يقول ال جلّ وعزّ له‪ :‬اعف يا مـحمد عن‬
‫هؤلء ال ـيهود الذ ين همّوا ب ـما همّوا به من ب سط أيدي هم إل ـيك وإل ـى أ صحابك ب ـالقتل‪,‬‬
‫ب من أحسن العفو وال صفح‬
‫وا صفح لهم عن جرمهم بترك التعرّض لـمكروههم‪ ,‬فإنـي أح ّ‬
‫إلـى من أساء إلـيه‪ .‬وكان قتادة يقول‪ :‬هذه منسوخة‪ ,‬ويقول‪ :‬نسختها آية براءة‪ :‬قاتِلُوا اّلذِي نَ‬
‫لخِرِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن بـاللّ ِه وَل بـالـيَ ْو ِم ا َ‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫‪ 9127‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫ن بـاللّهِ وَل بـالـيَ ْومِ‬
‫ن ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ح قال‪ :‬نسختها‪ :‬قاتِلُوا اّلذِي َ‬
‫ع ْنهُ مْ وَا صْفَ ْ‬
‫عفُ َ‬
‫فـي قوله‪ :‬فـا ْ‬
‫ح ّرمَ اللّ ُه َورَسُوُلهُ‪.‬‬
‫ن ما َ‬
‫حرّمو َ‬
‫لخِرِ وَل ُي َ‬
‫اَ‬
‫‪ 9128‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج بن ال ـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا همام‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫حسِنِـينَ ولـم يؤمر يؤمئذٍ بقتالهم‪ ,‬فأمره ال عزّ‬
‫ن اللّ َه ُيحِ بّ الـمُـ ْ‬
‫حإّ‬
‫ع ْنهُ مْ وَا صْفَ ْ‬
‫عفُ َ‬
‫فـا ْ‬
‫ن بـاللّ ِه وَل‬
‫ن ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ذكره أن يعفو عنهم ويصفح‪ ,‬ثم نسخ ذلك فـي براءة فقال‪ :‬قاتِلُوا اّلذِي َ‬
‫ن اّلذِي نَ أُوتُوا‬
‫حقّ مِ َ‬
‫ن دِي نَ ال ـ َ‬
‫حرّ َم اللّ هُ َورَ سُولُهُ وَل َيدِينُو َ‬
‫ن ما َ‬
‫حرّمو َ‬
‫خرِ وَل ُي َ‬
‫لِ‬‫ب ـالـيَ ْومِ ا َ‬
‫ن و هم أ هل الكتاب‪ .‬فأ مر ال جلّ ثناؤه‬
‫غرُو َ‬
‫ج ْزيَةَ عَ نْ َيدٍ وَهُ ْم صَا ِ‬
‫الكِتا بَ حت ـى ُيعْطُوا ال ـ ِ‬
‫نبـيه صلى ال عليه وسلم أن يقاتلهم حتـى يسلـموا‪ ,‬أو يقرّوا بـالـجزية‪.‬‬
‫حدثنـا سـفـيان بـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبدة بـن سـلـيـم‪ ,‬قال‪ :‬قرأت علــى ابـن أبــي‬
‫عروبة‪ ,‬عن قتادة نـحوه‪.‬‬
‫والذي قاله قتادة غير مدفوع إمكانه‪ ,‬غير أن الناسخ الذي ل شكّ فـيه من المر‪ ,‬هو ما كان‬
‫ل معان ـي خل فه الذي كان قبله‪ .‬فأ ما ما كان غ ير ناف جمي عه‪ ,‬فل سبـيـل إل ـى‬
‫ناف ـيا ك ّ‬
‫العل ـم بأ نه نا سخ إل ب خبر من ال جلّ وعزّ‪ ,‬أو من ر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ .‬ول ـيس‬
‫لخِ ِر دللة علــى المـر بنفــي‬
‫فــي قوله‪ :‬قاتِلُوا اّلذِينَـ ل يُ ْؤ ِمنُونَـ بــاللّهِ وَل بــالـيَ ْو ِم ا َ‬
‫معانـي الصفح والعفو عن الـيهود‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان جائزا مع إقرارهم بـالصّغار‬
‫وأدائهم الـجزية بعد القتال‪ ,‬المر بـالعفو عنهم فـي غدرة هموا بها أو نكثة عزموا علـيها‪,‬‬
‫ما ل ـم ين صبوا حرب ـا دون أداء ال ـجزية‪ ,‬وي ـمتنعوا من الحكام اللز مة من هم‪ ,‬ل ـم ي كن‬
‫لخِرِ‪ ...‬الَية‪ ,‬بأنه ناسخ‬
‫ن بـاللّ ِه وَل بـالـيَ ْو ِم ا َ‬
‫ن ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫واجبـا أن يحكم لقوله‪ :‬قاتِلُوا اّلذِي َ‬
‫سنِـينَ‪.‬‬
‫حِ‬‫ب الـمُـ ْ‬
‫ع ْن ُهمْ وَاصْفَحْ إنّ الّلهَ ُيحِ ّ‬
‫عفُ َ‬
‫قوله‪ :‬فـا ْ‬

‫‪14‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حظّا‬
‫خ ْذنَا مِيثَا َقهُمْ َفنَسُو ْا َ‬
‫ن اّلذِي نَ قَالُو ْا ِإنّا نَصَا َرىَ َأ َ‬
‫{ َومِ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ى يَوْ مِ الْ ِقيَامَةِ وَ سَ ْوفَ ُي َن ّب ُئهُ مُ اللّ هُ بِمَا كَانُواْ‬
‫غ َريْنَا َب ْي َنهُ مُ ا ْل َعدَا َوةَ وَا ْل َبغْضَآءَ إَِل َ‬
‫مّمّا ُذ ِكرُو ْا بِ ِه َفأَ ْ‬
‫َيصْ َنعُونَ }‪..‬‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬وأخذ نا من الن صارى ال ـميثاق عل ـى طاعت ـي وأداء فرائ ضي واتب ـاع‬
‫ر سلـي والت صديق ب هم‪ ,‬ف سلكوا ف ـي ميثاق ـي الذي أخذ ته عل ـيهم منهاج ال مة الضالة من‬
‫ال ـيهود‪ ,‬فبدّلوا كذلك دين هم ونقضوا نقض هم وتركوا حظهم من ميثاق ـي الذي أخذ ته عل ـيهم‬
‫بـالوفـاء بعهدي وضيعوا أمري‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9129‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬ومِ نَ اّلذِي نَ قالُوا إنّا‬
‫خذْنا مِيثا َقهُ مْ َفنَ سُوا حَظّا مِـمّا ُذ ّكرُوا ِب هِ‪ :‬نسوا كتاب ال بـين أظهرهم‪ ,‬وعهد ال‬
‫نَ صَارَى أ َ‬
‫الذي عهده إلـيه‪ ,‬وأمر ال الذي أمرهم به‪.‬‬
‫‪ 9130‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬قالت النصارى مثل ما قالت الـيهود‪ ,‬ونسوا حظّا مـما ذكّروا به‪.‬‬
‫غ َريْنا بَـ ْي َنهُ ُم ال َعدَاوَةَ وَال َب ْغضَاءَ إلـى يَ ْو ِم القِـيامَةِ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فَأ ْ‬
‫غ َريْ نا بَ ـ ْي َن ُهمْ‪ :‬حرش نا ب ـينهم وألق ـينا‪ ,‬ك ما نُغزي الشيءَ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫بـالشيء‪ .‬يقول جلّ ثناؤه‪ :‬لـما ترك هؤلء النصارى الذين أخذت ميثاقهم بـالوفـاء بعهدي‬
‫حظهم‪ ,‬مـما عهدت إلـيهم من أمري ونهيـي‪ ,‬أغريت بـينهم العداوة والبغضاء‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة إغراء ال بـينهم العداوة والبغضاء‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬كان‬
‫إغراؤه بـينهم بـالهواء التـي حدثت بـينهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9131‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا العوّام بن حوشب‪,‬‬
‫غ َريْنـا بَــْينَ ُهمُ ال َعدَا َوةَ وال َب ْغضَا َء قال‪ :‬هذه الهواء‬
‫عـن إبراهيــم النــخعي فــي قوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫الـمختلفة‪ ,‬والتبـاغض فهو الغراء‪.‬‬
‫حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن العوّام بن حوشب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫غ َريْنـا بَــْي َن ُهمُ ال َعدَاوَ َة وَال َبغْضَاءَ قال‪ :‬أغرى بعضهـم ببعـض بخصـومات‬
‫النــخعي يقول‪ :‬فَأ ْ‬
‫بـالـجدال فـي الدين‪.‬‬
‫‪ 9132‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا العوّام بن‬
‫غ َريْنا بَـ ْي َن ُهمْ ال َعدَاوَةَ وَال َب ْغضَاءَ قال‪ :‬ما‬
‫حوشب‪ ,‬عن إبراهيـم النـخعي والتـيـمي‪ ,‬قوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫أرى الغراء فـي هذه الَية إل الهواء الـمختلفة‪ .‬وقال معاوية بن قرة‪ :‬الـخصومات فـي‬
‫الدين تـحبط العمال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك هو العداوة التـي بـينهم والبغضاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫غ َريْنا بَـ ْي َن ُهمْ‬
‫‪ 9133‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فَأ ْ‬
‫ال َعدَاوَةَ وَال َب ْغضَاءَ إلـى يَوْ ِم القِـيامَةِ‪ ...‬الَية‪ .‬إن القوم لـما تركوا كتاب ال‪ ,‬وعَ صَوا رسله‪,‬‬
‫وضيعوا فرائضـه‪ ,‬وعطلوا حدوده‪ ,‬ألقــى بــينهم العداوة والبغضاء إلــى يوم القــيامة‬
‫بأعمالهم أعمال السوء‪ ,‬ولو أخذ القوم كتاب ال وأمره‪ ,‬ما افترقوا ول تبـاغضوا‪.‬‬
‫وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندنا بـالـحقّ‪ ,‬تأويـل من قال‪ :‬أغرى بـينهم بـالهواء‬
‫الت ـي حد ثت ب ـينهم‪ ,‬ك ما قال إبراهي ـم الن ـخعي لن عداوة الن صارى ب ـينهم‪ ,‬إن ـما هي‬
‫بـاختلفهم فـي قولهم فـي الـمسيح‪ ,‬وذلك أهواء ل وحي من ال‪.‬‬
‫غرَيْنـا‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنىّ بــالهاء والــميـم اللتــين فــي قوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫بَــْي َنهُمُ فقال بعضهـم‪ :‬عنــي بذلك‪ :‬الــيهود والنصـارى‪ .‬فمعنـى الكلم علــى قولهـم‬
‫وتأويـلهم‪ :‬فأغرينا بـين الـيهود والنصارى‪ ,‬لنسيانهم حظّا م ـما ذكّروا به‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9134‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬وقال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ال سديّ‪ :‬قال ف ـي الن صارى أي ضا‪ :‬فن سوا حظّا م ـما ذكّروا به‪ ,‬فل ـما فعلوا ذلك أغرى ال‬
‫عزّ وجلّ بـينهم وبـين الـيهود العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة‪.‬‬
‫غ َريْنا بَـ ْي َن ُهمُ‬
‫‪9135‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫ال َعدَاوَةَ وال َب ْغضَاءَ إلـى يَوْمه القـيامَ ِة قال‪ :‬هم الـيهود والنصارى‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬كما تغري‬
‫بـين اثنـين من البهائم‪.‬‬
‫‪9136‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬ال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫غ َريْنَـا بَــْينَ ُهمُ ال َعدَا َوةَ وَال َب ْغضَا َء قال‪ :‬الــيهود‬
‫نــجيح‪ ,‬عـن مــجاهد فــي قول ال‪ :‬فَأ ْ‬
‫والنصارى‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9137‬ـ حدثنـي القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬هم الـيهود والنصارى‪ ,‬أغرى ال بـينهم العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل عنـى ال بذلك‪ :‬النصـارى وحدهـا‪ .‬وقالوا‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬فأغرينـا بــين‬
‫النصارى عقوبة لها بنـيسانها حظا مـما ذكرت به‪ .‬قالوا‪ :‬وعلـيها عادت الهاء والـميـم‬
‫فـي بـينهم دون الـيهود‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9138‬ـ حدثنـي ال ـمثنى بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي‬
‫جعفـر‪ ,‬عـن أبــيه‪ ,‬عـن الربــيع قال‪ :‬إن ال عزّ ذكره تقدّم إلــى بنــي إسـرائيـل أن ل‬
‫تشتروا بآيات ال ثم نا قل ـيلً‪ ,‬وعلّ ـموا ال ـحكمة ول تأخذوا عل ـيها أجرا‪ .‬فل ـم يف عل ذلك‬
‫إل قلـيـل منهم‪ ,‬فأخذوا الرشوة فـي الـحكم وجاوزوا الـحدود‪ ,‬فقال فـي الـيهود حيث‬
‫حكموا بغ ير ما أ مر ال‪ :‬وأ ْلقَ ـيْنا بَ ـ ْي َن ُهمُ ال َعدَاوَةَ وَال َب ْغضَاءَ إل ـى يَوْ مه القِ ـيامَ ِة وقال ف ـي‬
‫غ َريْنا بَـ ْي َنهُ ْم ال َعدَاوَةَ وَال َب ْغضَاءَ إلـى يَ ْو َم القِـيامةِ‪.‬‬
‫حظّا مِـمّا ُذكّرُوا بِ ِه فأ ْ‬
‫النصارى‪َ :‬ف َنسُوا َ‬
‫وأولـى التأويـلـين بـالَية عندي ما قاله الربـيع بن أنس‪ ,‬وهو أن الـمعنىّ بـالغراء‬
‫بـينهم‪ :‬النصارى فـي هذه الَية خاصة‪ ,‬وأن الهاء والـميـم عائدتان علـى النصارى دون‬
‫الـيهود‪ ,‬لن ذكر الغراء فـي خبر ال عن النصارى بعد تقضي خبره عن الـيهود‪ ,‬وبعد‬
‫ابتدائه خبره عن الن صارى‪ ,‬فأن ل يكون ذلك معن ـيا به إل الن صارى خا صة أول ـى من أن‬
‫يكون معنـيا به الـحزبـان جميعا لـما ذكرنا‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ومـا العداوة التــي بــين النصـارى‪ ,‬فتكون مخصـوصة بــمعنى ذلك؟‬
‫قـيـل‪ :‬ذلك عداوة النّسطورية والـيعقوبـية والـملكية النسطورية والـيعقوبـية‪ ,‬ولـيس‬
‫الذي قاله من قال معنى بذلك‪ :‬إغراء ال بـين الـيهود والن صارى ببع يد‪ ,‬غير أن هذا أقرب‬
‫عندي وأشبه بتأويـل الَية لـما ذكرنا‪.‬‬
‫ص َنعُونَ‪.‬‬
‫س ْوفَ ُي َن ّبئُ ُهمُ الّلهُ بِـمعا كانُوا َي ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َ‬
‫ل ثناؤه لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ا عف عن هؤلء الذ ين هموا بب سط‬
‫يقول ج ّ‬
‫أيديهـم إلــيك وإلــى أصـحابك‪ ,‬واصـفح فإن ال مـن وراء النتقام منهـم‪ ,‬وسـينبئهم ال عنـد‬
‫ورودهم ال علـيه فـي معادهم بـما كانوا فـي الدنـيا يصنعون من نقضهم ميثاقه‪ ,‬ونكثهم‬
‫عهده‪ ,‬وتبديـلهم كتابه‪ ,‬وتـحريفهم أمره ونهيه‪ ,‬فـيعاقبهم علـى ذلك حسب استـحقاقهم‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل ا ْل ِكتَا بِ َقدْ جَآ َءكُ مْ رَ سُوُلنَا ُي َبيّ نُ َلكُ ْم َكثِيرا ّممّا ُك ْنتُ مْ ُتخْفُو نَ ِم نَ ا ْل ِكتَا بِ َو َيعْفُواْ عَن‬
‫{يَا أَهْ َ‬
‫ن الّلهِ نُورٌ َو ِكتَابٌ ّمبِينٌ }‪..‬‬
‫َكثِيرٍ َقدْ جَآ َء ُكمْ مّ َ‬
‫يقول عزّ ذكره لــجماعة أهـل الكتاب مـن الــيهود والنصـارى الذيـن كانوا فــي عصـر‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬يا أ هل الكتاب من ال ـيهود والن صارى‪ ,‬قد جاء كم ر سولنا‪,‬‬
‫يعنـي مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,.‬كما‪:‬‬
‫‪ 9139‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬يا أهْلَ الكِتا بِ َقدْ جا َءكُ مْ‬
‫رَسُولُنا وهو مـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن الكِتا بِ يقول‪ :‬يب ـين ل كم م ـحمد‬
‫ن مِ َ‬
‫وقوله‪ُ :‬يبَ ـيّنُ َلكُ مْ َكثِ ـيرا مِ ـمّا ُك ْنتُ ـمْ تُ ـخْفُو َ‬
‫ر سولنا كث ـيرا م ـما كنت ـم تكت ـمونه الناس ول تب ـينونه ل هم م ـما ف ـي كتاب كم‪ .‬وكان‬
‫مــما يخفونـه مـن كتابهـم فبــينه رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم للناس‪ :‬رجـم الزانــين‬
‫ال ـمـحصنـين‪ .‬وق ـيـل‪ :‬إن هذه الَ ية نزلت ف ـي تب ـيـين ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم للناس من إخفـائهم ذلك من كتابهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9140‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن وا قد‪ ,‬عن‬
‫يزيد النـحوي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬من كفر بـالرجم فقد كفر بـالقرآن من‬
‫ن مِنَ‬
‫ن َلكُمْ َكثِـيرا مِـمّا تُـخْفُو َ‬
‫حيث ل يحتسب‪ ,‬قوله‪ :‬يا أهْلَ الكِتابِ َقدْ جا َءكُمْ رَسُولُنا ُيبَـيّ ُ‬
‫الكِتابِ فكان الرجم مـما أخَفَوْا‪.‬‬
‫شبّو َي هْ‪ ,‬أخبرنا علـيّ بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال بن أحمد بن َ‬
‫حدثنا يزيد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9141‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي‪ ,‬عن خالد‬
‫ن َلكُ مْ‪ ...‬إلـى قوله‪:‬‬
‫ل الكِتا بِ َقدْ جا َءكُ مْ رَ سُولُنا ُيبَـي ُ‬
‫الـحذّاء‪ ,‬عن عكرمة فـي قوله‪ :‬يا أهْ َ‬
‫ص ِـرَاطٍ مُس ْـتَقِـيـمٍ قال‪ :‬إن نبــيّ ال أتاه الــيهود يسـألونه عـن الرجـم‪ ,‬واجتــمعوا فــي‬
‫ب ـيت‪ ,‬قال‪« :‬أيّ كم َأعْلَ ـمُ؟» فأشاروا إل ـى ا بن صُورِيا‪ ,‬فقال‪« :‬أنْ تَ أعْلَ ـ ُم ُهمْ؟» قال‪ :‬سل‬
‫ْتـ أعْلَــ ُم ُهمْ؟» قال‪ :‬إنهـم لــيزعمون ذلك‪ .‬قال‪ :‬فناشده بــالذي أنزل‬
‫عمـا شئت‪ ,‬قال‪« :‬أن َ‬
‫التوراة علــى موسـى‪ ,‬والذي رفـع الطور‪ ,‬وناشده بــالـمواثـيق التــي أُخذت علــيهم‪,‬‬
‫حت ـى أخذه َأفْكَل‪ ,‬فقال‪ :‬إن ن ساءنا ن ساء ح سان‪ ,‬فك ثر ف ـينا الق تل‪ ,‬ف ـاختصرنا ُأخْ صُورة‪,‬‬
‫فجلدنا مِئة‪ ,‬وحلقنا الرءوس‪ ,‬وخالفنا بـين الرءوس إلـى الدّوابّ أحسبه قال‪ :‬البل قال‪ :‬فحُكِم‬
‫ن َلكُ مْ‪ ...‬الَية‪,‬‬
‫ل الكِتا بِ َقدْ جا َءكُ مْ رَ سُولُنا ُيبَـيّـي ُ‬
‫علـيهم بـالرجْم‪ ,‬فأنزل ال فـيهم‪ :‬يا أهْ َ‬
‫ّهـ عَلَــْيكُمْ‬
‫ْضـ قالُوا ُأتَــح ّدثُو َن ُهمْ بِــمَا َفتَــحَ الل ُ‬
‫ُمـ إلــى َبع ٍ‬
‫ضه ْ‬‫وهذه الَيـة‪ :‬وَإذَا خَل َب ْع ُ‬
‫ع ْندَ َر ّبكُمْ‪.‬‬
‫لِـيُحاجّو ُكمُ ِبهِ ِ‬
‫ع نْ َكثِـي ٍر يعنـي بقوله ويعفو‪ :‬ويترك أخذكم بكثـير مـما كنتـم تـخفون‬
‫قوله‪َ :‬و َيعْفُو َ‬
‫من كتابكم الذي أنزله ال إلـيكم‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬فل تعملون به حتـى يأمره ال بأخذكم به‪.‬‬
‫ب ُمبِـينٌ‪.‬‬
‫ن اللْ ِه نُورٌ وكِتا ٌ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬قدْ جا َء ُكمْ مِ َ‬
‫يقول جلّ ثناؤه لهؤلء الذين خاطبهم من أهل الكتاب‪ :‬قد جاءكم يا أهل التوراة والنـجيـل‬
‫من ال نور‪ ,‬يعنـي بـالنور مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬الذي أنار ال به الـحقّ‪ ,‬وأظهر‬
‫به السلم‪ ,‬ومـحق به الشرك فهو نور لـمن استنار به يبـين الـحقّ‪ ,‬ومن إنارته الـحقّ‬
‫ب ُمبِ ـينٌ يقول جلّ‬
‫تب ـيـينه لل ـيهود كث ـيرا م ـما كانوا يخفون من الكتاب‪ .‬وقوله‪ :‬وكِتا ٌ‬
‫َابـ ُمبِــينٌ‬
‫ثناؤه‪ :‬قـد جاءكـم مـن ال تعالــى النور الذي أنار لكـم بـه معالــم الــحقّ‪ .‬و ِكت ٌ‬
‫يعنـي‪ :‬كتابـا فـيه بـيان ما اختلفوا فـيه بـينهم من توحيد ال وحلله وحرامه وشرائع‬
‫دينه‪ ,‬وهو القرآن الذي أنزله علـى نبـينا مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يبـين للناس جميع‬
‫ما بهم الـحاجة إلـيه من أمر دينهم ويوضحه لهم‪ ,‬حتـى يعرفوا حقه من بـاطله‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جهُمْ‬
‫خ ِر ُ‬
‫لمِ َو ُي ْ‬
‫سبُلَ السّ َ‬
‫ن ا ّتبَعَ ِرضْوَانَ ُه ُ‬
‫{ َيهْدِي ِبهِ الّلهُ مَ ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ستَقِيمٍ }‪..‬‬
‫ى صِرَاطٍ ّم ْ‬
‫ت إِلَى النّورِ ِبِإ ْذنِهِ َو َي ْهدِيهِمْ إَِل َ‬
‫ن الظّلُمَا ِ‬
‫مّ ِ‬
‫يعنــي ع ّز ذكره‪ :‬يهدي بهذا الكتاب الــمبـين الذي جاء مـن ال جلّ جلله‪ ,‬و َي ْعنِــي‬
‫بقوله‪َ :‬ي ْهدِي ِبهِ الّلهُ يرشد به ال ويسدّد به‪ .‬والهاء فـي قوله به عائدة علـى الكتاب‪ .‬مَنِ ا ّتبَعَ‬
‫رِضْوَا َنهُ يقول‪ :‬من اتبع رضا ال‪.‬‬
‫واختلف فـي معنى الرضا من ال جلّ وعزّ‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬الرضا منه بـالشيء‪ :‬القبول له‬
‫وال ـمدح والثناء‪ .‬قالوا‪ :‬ف هو قا بل الي ـمان ومز كّ له‪ ,‬وم ثن عل ـى ال ـمؤمن ب ـاليـمان‪,‬‬
‫وواصف اليـمان بأنه نور وهدًى و َفصْل‪.‬‬
‫سخْط‪ ,‬و هو صفة‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى الر ضا من ال جلّ وعزّ مع نى مفهوم‪ ,‬هو خلف ال ّ‬
‫مـن صـفـاته علــى مـا يقعـل مـن معانــي الرضـا‪ ,‬الذي هـو خلف السـخط‪ ,‬ولــيس ذلك‬
‫بـالـمدح‪ ,‬لن الـمدح والثناء قول‪ ,‬وإنـما يثنـي ويـمدح ما قدر ُرضِي قالوا‪ :‬فـالرضا‬
‫معنى‪ ,‬والثناء والـمدح معنى لـيس به‪.‬‬
‫سبُلَ السّلم‪ :‬طرق السلم‪ ,‬والسلم هو ال ع ّز ذكره‪.‬‬
‫ويعنـي بقوله‪ُ :‬‬
‫‪ 9142‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫سبُلَ ال سّلمِ‪ :‬سبـيـل ال الذي شر عه لعب ـاده‪ ,‬ودعا هم إل ـيه‪,‬‬
‫ن ا ّتبَ عَ ِرضْوَانَ هُ ُ‬
‫ال سديّ‪ :‬مَ ِ‬
‫ل إل بـه‪ ,‬ل الــيهودية‪ ,‬ول‬
‫وابتعـث بـه رسـله‪ ,‬وهـو السـلم الذي ل يَقب َل مـن أحـد عم ً‬
‫النصرانـية‪ ,‬ول الـمـجوسية‪.‬‬
‫جهُ ْم مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ بإ ْذنِهِ‪.‬‬
‫خ ِر ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬و ُي ْ‬
‫يقول ع ّز ذكره‪ :‬يهدي ال بهذا الكتاب ال ـمبـين من ات بع رضوان ال إل ـى سبل ال سلم‪,‬‬
‫ُمـ يقول‪ :‬ومـن يخرج مـن اتبـع رضوانـه‪ ,‬والهاء والــميـم فــي‪:‬‬
‫جه ْ‬‫خ ِر ُ‬
‫وشرائع دينـه‪ .‬و ُي ْ‬
‫ويخرج هم إل ـى من ذ كر من الظل ـمات إل ـى النور‪ ,‬يعن ـي‪ :‬من ظل ـمات الك فر والشرك‬
‫إلــى نور السـلم وضيائه بإذنـه‪ ,‬يعنــي‪ :‬بإذن ال جلّ وعزّ‪ .‬وإذنـه فــي هذا الــموضع‬
‫تـحبـيبه إياه اليـمان برفع طاب عَ الكفر عن قلبه‪ ,‬وخاتَـم الشرك عنه‪ ,‬وتوفـيقه لبصار‬
‫سبل السلم‪.‬‬
‫ستَقِـيـمٍ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَي ْهدِي ِهمْ إلـى صِرَاطٍ ُم ْ‬
‫ستَقِـيـمٍ يقول‪ :‬إلـى‬
‫يعنـي ع ّز ذكره بقوله‪ :‬وَي ْهدِيهِ مْ‪ :‬ويرشدهم ويسدّدهم إلـى صِراطٍ مُ ْ‬
‫طريق مسقـيـم‪ ,‬وهو دين ال القويـم الذي ل اعوجاج فـيه‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ابْ نُ َم ْريَ مَ قُلْ‬
‫{لّ َقدْ كَ َفرَ اّلذِي نَ قَآلُوَ ْا إِ نّ الّل َه هُ َو ا ْلمَ سِي ُ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫جمِيعا وَلّل هِ‬
‫ن َم ْريَ مَ وَُأمّ هُ َومَن فِي الرْ ضِ َ‬
‫ن َأرَادَ أَن ُيهْلِ كَ ا ْلمَ سِيحَ ابْ َ‬
‫شيْئا إِ ْ‬
‫ن اللّ ِه َ‬
‫َفمَن َيمْلِ كُ مِ َ‬
‫ل شَيْ ٍء َقدِيرٌ }‪..‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْضِ َومَا َب ْي َن ُهمَا َيخْلُقُ مَا َيشَآءُ وَالّلهُ عََلىَ كُ ّ‬
‫مُ ْلكُ ال ّ‬
‫هذه ذ مّ من ال ع ّز ذكره للنصارى والنصرانـية الذين ضلوا عن سبل السلم‪ ,‬واحتـجاج‬
‫م نه لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم ف ـي فريت هم عل ـيه ب ـادعائهم له ولدا‪ ,‬يقول جلّ‬
‫ثناؤه‪ :‬أقسم لقد كفر الذين قالوا‪ :‬إن ال هو الـمسيح بن مريـم‪ ,‬وكفرهم فـي ذلك تغطيتهم‬
‫الـحقّ فـي تركهم نفـي الولد عن ال جلّ وعزّ‪ ,‬وادّعائهم أن الـمسيح هو ال فرية وكذبـا‬
‫علــيه‪ .‬وقـد بــينا معنـى الــمسيح فــيـما مضـى بــما أغنـى عـن إعادتـه فــي هذا‬
‫الـموضع‪.‬‬
‫ن أرَادَ أ نْ ُيهْلِ كَ الـ َمسِيحَ‬
‫ن اللّ ِه شَيئْا إ ْ‬
‫ل فَمَ نْ يَـمِْلكُ مِ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬قُ ْ‬
‫جمِيعا‪.‬‬
‫ن مَ ْريَـمَ وُأ ّمهُ َومَنْ فِـي الرْضِ َ‬
‫ابْ َ‬
‫ل ثناؤه لنب ـيه مـحمد صلى ال عل يه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد للنصارى الذ ين افتروا‬
‫يقول ج ّ‬
‫ن يَـمْلِكُ‬
‫علـيّ‪ ,‬وضلوا عن سواء السبـيـل‪ ,‬بقـيـلهم‪ :‬إن ال هو الـمسيح ابن مريـم مَ ْ‬
‫شيْئا يقول‪ :‬من الـي يطيق أن يدفع من أمر ال جلّ وع ّز شيئا‪ ,‬فـيردّه إذا قضاه من‬
‫ن الّل ِه َ‬
‫مِ َ‬
‫ن أرادَ أ نْ‬
‫قول القائل‪ :‬ملكت علـى فلن أمره‪ :‬إذا صار ل يقدرأن ينفذ أمرا إل به‪ .‬وقوله‪ :‬إ ْ‬
‫جمِيعا يقول‪ :‬من ذا الذي يقدر أن يردّ من‬
‫ن فـي الرْضِ َ‬
‫ن َمرْيَـمَ وُأ ّمهُ َومَ ْ‬
‫ح ابْ َ‬
‫ُيهْلِكَ الـمَسِي َ‬
‫أ مر ال شيئا إن شاء أن يهلك ال ـمسيح ابْن مري ـم بإعدا مه من الرض وإعدام أ مه مري ـم‪,‬‬
‫وإعدام جميع من فـي الرض من الـخـلق جميعا‪ .‬يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ :‬قل لهؤلء ال ـجهلة من الن صارى لو كان ال ـمسيح ك ما يزعمون أ نه هو ال‪,‬‬
‫ول ـيس كذلك لقدَر أن يردّ أ مر ال إذا جاءه ب ـاهلكه وإهلك أ مه‪ ,‬و قد أهلك أ مه فل ـم يقدر‬
‫عل ـى د فع أمره ف ـيها إذ نزل ذلك‪ ,‬فف ـي ذلك ل كم مع تبر إن اعتبرت ـم‪ ,‬وح جة عل ـيكم إن‬
‫ل هـو الذي ل يغلب ول‬
‫عقلتــم فــي أن الــمسيح بشـر كسـائر بنــي آدم‪ ,‬وأن ال عزّ وج ّ‬
‫يق هر ول يردّ له أ مر‪ ,‬بل هو ال ـحيّ الدائم الق ـيوم الذي يُح يى وي ـميت‪ ,‬وينش يء ويفن ـي‪,‬‬
‫وهو حيّ ل يـموت‪.‬‬
‫سمَوَاتِ والرْ ضِ و ما بَ ـ ْينَهُما َيخْ ـُلقُ ما‬
‫ك ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬ولِّل هِ مُلْ ُ‬
‫يَشاءُ‪.‬‬
‫يعنـي تبـارك وتعالـى بذلك‪ :‬وال له تصريف ما فـي السموات والرض وما بـينهما‪,‬‬
‫يعنـي‪ :‬وما بـين السماء والرض‪ ,‬يهلك من يشاء من ذلك‪ ,‬ويبقـى ما يشاء منه‪ ,‬ويوجد ما‬
‫أراد‪ ,‬ويعدم ما أح بّ‪ ,‬ل يـمنعه من شيء أراد من ذلك مانع‪ ,‬ول يدفعه عنه دافع ينفذ فـيهم‬
‫حكمـه‪ ,‬ويــمضي فــيهم قضاءه‪ ,‬ل الــمسيح الذي إن أراد إهلكـه ربـه وإهلك أمـه‪ ,‬لــم‬
‫يـملك دفع ما أراد به ربه من ذلك‪ .‬يقول جلّ وعزّ‪ :‬كيف يكون إلها يُعبد من كان عاجزا عن‬
‫دفع ما أراد به غيره من ال سوء‪ ,‬وغ ير قادر عل ـى صرف ما نزل به من الهلك؟ بل الله‬
‫ل مـن فــي السـماء والرض ومـا‬
‫ل شيـء‪ ,‬وبــيده تصـريف ك ّ‬
‫الــمعبود الذي له ملك ك ّ‬
‫ب ـينهما‪ .‬فقال جلّ ثناؤه‪ :‬وَ ما بَ ـيْ َنهُما‪ ,‬و قد ذ كر ال سموات بل فظ ال ـجمع‪ ,‬ول ـم ي قل‪ :‬و ما‬
‫بـينهنّ‪ ,‬لن الـمعنى‪ :‬وما بـين هذين النوعين من الشياء‪ ,‬كما قال الراعي‪.‬‬
‫ل‬
‫ح كال ِقسِيّ وحُو ً‬
‫طرَقا َفتِلكَ َهمَا ِهمِي أقْرِيهِماقُلُصا لَوَاقِ َ‬
‫َ‬
‫فقال‪ :‬طرقا‪ ,‬مخبرا عن شيئين‪ ,‬ثم قال‪ :‬فتلك هما همي‪ ,‬فرجع إلـى معنى الكلم‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وينشيء ما يشاء ويوجده‪ ,‬ويخرجه من حال العدم‬
‫وقوله‪َ :‬يخْـُلقُ ما يَشاءُ يقول‪ :‬ج ّ‬
‫إل ـى حال الوجود‪ ,‬ولن يقدر عل ـى ذلك غ ير ال الوا حد القهار‪ ,‬وإن ـما يعن ـي بذلك أن له‬
‫تدبـير السموات والرض وما بـينهما‪ ,‬وتصريفه وإفناءه وإعدامه‪ ,‬وإيجاد ما يشاء مـما هو‬
‫غير موجود ول منشأ‪ ,‬يقول‪ :‬فلـيس ذلك لحد سواي‪ ,‬فكيف زعمتـم أيها الكذبة أن الـمسيح‬
‫إلـيه‪ ,‬وهو ل يطيق شيئا من ذلك‪ ,‬بل ل يقدر علـى دفع الضرر عن نفسه‪ ,‬ول عن أمه‪ ,‬ول‬
‫اجتلب نفع إلـيها‪ ,‬إل بإذنـي‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَالّلهُ علـى كُلّ شَيءٍ َقدِيرٌ‪.‬‬
‫يقول ع ّز ذكره‪ :‬ال الــمعبود هـو القادر علــى كلّ شيـء‪ ,‬والــمالك كـل شيـء‪ ,‬الذي ل‬
‫يعجزه ش يء أراده‪ ,‬ول يغل به ش يء طل به‪ ,‬ال ـمقتدر عل ـى هلك ال ـمسيح وأ مه و من ف ـي‬
‫الرض جميعا‪ ,‬ل العاجز الذي ل يقدر علـى منع نفسه من ضرّ نزل به من ال ول منع أمه‬
‫من الهلك‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حبّاؤُ ُه قُلْ‬
‫ن َأ ْبنَاءُ الّل هِ وََأ ِ‬
‫{ َوقَالَ تِ ا ْل َيهُودُ وَالنّ صَا َرىَ َنحْ ُ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫شرٌ ِممّنْ خَلَقَ َيغْ ِفرُ ِلمَن َيشَآءُ َو ُي َعذّبُ مَن َيشَآءُ وَللّ ِه مُلْكُ ال ّ‬
‫فَلِمَ ُي َع ّذ ُبكُم ِب ُذنُو ِبكُم بَلْ أَنتُمْ َب َ‬
‫وَالرْضِ َومَا َب ْي َن ُهمَا وَإَِل ْيهِ ا ْل َمصِيرُ }‪..‬‬
‫وهذا خبر من ال جلّ وع ّز عن قوم من الـيهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول‪ .‬وقد ذكر‬
‫عن ابن عبـاس تسمية الذين قالوا ذلك من الـيهود‪.‬‬
‫‪ 9143‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫مـحمد بن أبـي مـحمد مولـي زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سعيد بن جبـير‪ ,‬أو عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬أتـى رسول ال صلى ال عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحر يّ بن عمرو‪,‬‬
‫وشأس بـن عديـّ‪ ,‬فكلــموه‪ ,‬فكلّــمهم رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ودعاهـم إلــى ال‬
‫وحذّرهـم نقمتـه‪ ,‬فقالوا‪ :‬مـا تــخوّفنا يـا مــحمد‪ ,‬نــحن وال أبناء ال وأحبــاؤه كقول‬
‫ـيهم‪َ :‬وقَالَتـِ الــ َيهُودُ وَالنّصـَارَى نَــحْنُ أبْناءُ اللّه‬
‫ـارى‪ ,‬فأنزل ال جلّ وع ّز فــ‬
‫النصـ‬
‫حبّـاؤُهُ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪ .‬وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫وأ ِ‬
‫‪9144‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن أبْناءُ الّل ِه وأحبّـا ُؤهُ أما أبناء ال فإنهم قالوا‪ :‬إن ال‬
‫السديّ‪ :‬وَقالَ تِ الـ َيهُودُ والنّ صَارَى نَـحْ ُ‬
‫أوحى إلـى إسرائيـل أن ولدا من ولدك أدخـلهم النار فـيكونون فـيها أربعين يوما حتـى‬
‫تطهرهم وتأكل خطاياهم‪ ,‬ثم ينادي مناد‪ :‬أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيـل‪ ,‬فُأخْرجهم‪.‬‬
‫فذلك قوله‪ :‬لَ نْ تَـمَسّنا النّارُ إلّ أيّاما َم ْعدُودا تٍ‪ .‬وأما النصارى‪ ,‬فإن فريقا منهم قال للـمسيح‪:‬‬
‫ابن ال‪.‬‬
‫والعرب قـد تــخرج الــخبر إذا افتــخرت ُمخْرج الــخبر عـن الــجماعة‪ ,‬وإن كان مـا‬
‫افتـخرت به من فعل واحد منهم‪ ,‬فتقول‪ :‬نـحن الجواد الكرام‪ ,‬وإنـما الـجواد فـيهم واحد‬
‫منهم وغير الـمتكلـم الفـاعل ذلك‪ ,‬كما قال جرير‪:‬‬
‫نَدسْنا أبـا مَندوسة القَـيْنَ بـال َقنَاوَما َر َدمٌ من جارِ بَـ ْيبَ َة ناقعُ‬
‫فقال‪« :‬ندسنا»‪ ,‬وإنـما النادس‪ :‬رجل من قوم جرير غيره‪ ,‬فأخرج الـخبر مخرج الـخبر‬
‫عن جماعة هو أحدهم‪ .‬فكذا أخبر ال ع ّز ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك علـى هذا الوجه‬
‫حبّ ـاؤُهُ و هو ج مع حب ـيب‪ ,‬يقول ال لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه‬
‫إن شاء ال‪ .‬وقوله‪ :‬وأ ِ‬
‫ي شيء يعذّبكم‬
‫وسلم‪ :‬قل لهؤلء الكذبة الـمفترين علـى ربهم فَلِـمَ ُي َع ّذبُكُ مْ َربّكُ مْ؟ يقول‪ :‬فل ّ‬
‫ربكـم بذنوبكـم إن كان المـر كمـا زعمتــم أنكـم أبناؤه وأحبــاؤه‪ ,‬فإن الــحبـيب ل يعذّب‬
‫حبـيبه‪ ,‬وأنتـم مقرّون أنه معذّبكم‪ .‬وذلك أن الـيهود قالت‪ :‬إن ال معذّبنا أربعين يوما عدد‬
‫اليام الت ـي عبد نا ف ـيه الع جل‪ ,‬ثم يخرج نا جمي عا من ها فقال ال ل ـمـحمد صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ :‬قل لهم‪ :‬إن كنتـم كما تقولون أبناءُ ال وأحبـاؤه‪ ,‬فلـم يعذّبكم بذنوبكم؟ يُعلـمهم عزّ‬
‫ذكره أنهم أهل فِرية وكذب علـى ال جلّ وعزّ‪.‬‬
‫ن خَـَلقَ َيغْ ِفرُ لِـمَنْ يَشاءُ َو ُي َعذّبُ مَنْ‬
‫شرٌ مِـمّ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬بَلْ أ ْنتُـمْ َب َ‬
‫يشاءُ‪.‬‬
‫ل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل لهم‪ :‬لـيس المر كما زعمتـم أنكم‬
‫يقول ج ّ‬
‫أبناء ال وأحبـاؤه بل أنتـم بشر مـمن خـلق‪ ,‬يقول‪ :‬خـلق من بنـي آدم‪ ,‬خـلقكم ال مثل‬
‫سائر بنـي آدم‪ ,‬إن أحسنتـم جُوزيتـم بإحسانكم كما سائر بنـي آدم مَـجْ ِزيّون بإحسانهم‪,‬‬
‫وإن أسأتـم جوزيتـم بإساءتكم كما غيركم مـجزىّ بها‪ ,‬لـيس لكم عند ال إل ما لغيركم من‬
‫خ ـلقه‪ ,‬فإ نه يغ فر ل ـمن يشاء من أ هل الي ـمان به ذنو به‪ ,‬ف ـيصفح ع نه بفضله‪ ,‬وي سترها‬
‫عل ـيه برحم ته‪ ,‬فليعاق به ب ها‪ .‬و قد ب ـينا مع نى ال ـمغفرة ف ـي مو ضع غ ير هذا بشواهده‪,‬‬
‫ن يَشاءُ يقول‪ :‬ويعدل علـى من يشاء‬
‫فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع‪َ .‬و ُي َعذّ بُ مَ ْ‬
‫من خـلقه‪ ,‬فـيعاقبه علـى ذنوبه‪ ,‬ويفضحه بها علـى رءوس الشهاد‪ ,‬فل يسترها علـيه‪,‬‬
‫ل وع يد لهؤلء ال ـيهود والن صارى‪ ,‬ال ـمتكلـين عل ـى منازل‬
‫وإن ـما هذا من ال عزّ وج ّ‬
‫سـلفهم الــخيار عنـد ال‪ ,‬الذيـن فضلهـم ال بطاعتهـم إياه‪ ,‬واجتنابهـم معصـيته‪ ,‬لــمسارعتهم‬
‫إلــى رضاه‪ ,‬واصـطبـارهم علــى مـا نابهـم فــيه‪ .‬يقول لهـم‪ :‬ل تغتروا بــمكان أولئك‬
‫منــي‪ ,‬ومنازلهـم عندي‪ ,‬فإنهـم إنــما نالوا منــي بــالطاعة لــي‪ ,‬وإيثار رضاي علــى‬
‫مـحابهم‪ ,‬ل بـالمانـي‪ ,‬فجِدّوا فـي طاعتـي‪ ,‬وانتهوا إلـى أمري‪ ,‬وانزجروا عما نهيتهم‬
‫عنه‪ ,‬فإنـي إنـما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتـي‪ ,‬وأعذّب من أشاء‬
‫تعذي به من أ هل مع صيتـي‪ ,‬ل ل ـمن قرُ بت زل فة آب ـائه من ـي‪ ,‬و هو ل ـي عد ّو ولمري‬
‫ونهيـي مخالف‪ .‬وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 9145‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ب مَ نْ يَشاءُ يقول‪ :‬يهدي منكـم من يشاء ف ـي الدن ـيا‬
‫ن يَشاءُ َو ُي َعذّ ُ‬
‫ال سديّ‪ :‬قوله‪َ :‬يغْ ِفرُ لِ ـمَ ْ‬
‫فـيغفر له‪ ,‬ويـميت من يشاء منكم علـى كفره فـيعذّبه‪.‬‬
‫السـمَواتِ والرْضـه وَمـا بَــيْ َنهُما وإلَــيْهِ‬
‫ْكـ ّ‬‫ّهـ مُل ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪ :‬ولِل ِ‬
‫الـمَصِيرُ‪.‬‬
‫يقول‪ :‬ل تدب ـير ما ف ـي ال سموات و ما ف ـي الرض و ما ب ـينهما‪ ,‬وت صريفه‪ ,‬وب ـيده‬
‫أمره‪ ,‬وله ملكه‪ ,‬يصرّفه كيف يشاء ويدبره كيف أحبه‪ ,‬ل شريك له فـي شيء منه ول لحد‬
‫م عه فـيه ملك‪ ,‬فـاعلـموا أيها القائلون‪ :‬ن ـحن أبناء ال وأحب ـاؤه‪ ,‬أ نه إن عذّبكم بذنوبكم‪,‬‬
‫لـم يكن لكم منه مانع ول لكم عنه دافع لنه ل نسب بـين أحد وبـينه فـيحابـيَه لسبب‬
‫ذلك‪ ,‬ول لحد فـي شيء ومرجعه‪ .‬فـاتقوا أيها الـمفترون عقابه إياكم علـى ذنوبكم بعد‬
‫مرجعكم إلـيه‪ ,‬ول تغترّوا بـالمانـي وفضائل الَبـاء والسلف‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{يَا أَهْلَ ا ْل ِكتَا بِ َقدْ جَآ َءكُ ْم رَ سُوُلنَا ُي َبيّ نُ َلكُ مْ عََلىَ َف ْترَةٍ‬ ‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫شيْءٍ‬
‫ن الرّ سُلِ أَن َتقُولُواْ مَا جَآ َءنَا مِن َبشِيرٍ َولَ َنذِيرٍ فَ َقدْ جَا َءكُ مْ َبشِيرٌ َو َنذِيرٌ وَاللّ هُ عََلىَ كُلّ َ‬
‫مّ َ‬
‫قَدِيرٌ }‪..‬‬
‫ب الـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـيْ مهاجر رسول‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬يا أهْلَ الكِتا ِ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يوم نزلت هذه الَية‪ .‬وذلك أنهم أو بعضهم فـيـما ُذكِر لـما دعاهم‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل ـى الي ـمان به وب ـما جاء هم به من ع ند ال‪ ,‬قالوا‪ :‬ما‬
‫بعث ال من نبـيّ بعد موسى‪ ,‬ول أنزل بعد التوراة كتابـا‪.‬‬
‫‪ 9146‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يونس بن بكير‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ث ـين‬
‫مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ا بن عب ـاس‪ ,‬قال قال معاذ بن ج بل و سعد بن عب ـادة وعق بة بن و هب لل ـيهود‪ :‬يا مع شر‬
‫ال ـيهود‪ ,‬اتقوا ال‪ ,‬فوال إن كم لتعل ـمون أ نه ر سول ال‪ ,‬ل قد كنت ـم تذكرو نه ل نا ق بل مبع ثه‪,‬‬
‫حرْملة وهب بن يهوذا‪ :‬أما قلنا هذا لكم وما أنزل ال من‬
‫وتصفونه لنا بصفته‪ .‬فقال رابع بن َ‬
‫ل فــي (ذلك مـن)‬
‫كتاب بعـد موسـى‪ ,‬ول أرسـل بشيرا ول نذيرا بعده‪ .‬فأنزل ال عزّ وج ّ‬
‫ن تَقُولُوا مَا جَا َءنَا‬
‫ن الرّسُلِ أ ْ‬
‫ل الكِتابِ َقدْ جا َءكُمْ رَسُولُنا ُيبَـيّنُ َلكُمْ علـى َفتْرَ ٍة مِ َ‬
‫قولهما‪ :‬يا أهْ َ‬
‫ل شَيْ ٍء َقدِيرٌ‪.‬‬
‫ن َبشِيرٍ َولَ َنذِي ٍر فَ َقدْ جَا َء ُكمْ َبشِيرٌ َو َنذِيرٌ وَاللّهُ عَلـى كُ ّ‬
‫مِ ّ‬
‫ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه‪َ :‬قدْ جا َءكُمْ رَسُولُنا‪ :‬قد جاءكم مـحمد صلى ال عليه وسلم رسولنا‪,‬‬
‫ُمـ يقول‪ :‬يعرّفكـم الــحقّ‪ ,‬ويوضـح لكـم أعلم الهدى‪ ,‬ويرشدكـم إلــى ديـن ال‬
‫ُيبَــيّنُ َلك ْ‬
‫الـمرتضى‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9147‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬قدْ جا َءكُ مْ رَ سُولُنا‬
‫ن َلكُ مْ عل ـى َف ْترَةٍ ِم نَ الرّ سُلِ و هو م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬جاء ب ـالفرقان الذي‬
‫ُيبَ ـي ُ‬
‫فرق ال به بـين الـحقّ والبـاطل‪ ,‬فـيه بـيان ال ونوره وهداه‪ ,‬وعصمة لـمن أخذ به‪.‬‬
‫ّسـلِ يقول‪ :‬علــى انقطاع مـن الرسـل‪ .‬والفّترة فــي هذا الــموضع‪:‬‬
‫ِنـ الر ُ‬
‫عَلَــى َفتْرَ ٍة م َ‬
‫النقطاع‪ ,‬يقول‪ :‬قـد جاءكـم رسـولنا يبــين لكـم الــحقّ والهدى علــى انقطاع مـن الرسـل‪.‬‬
‫والفترة‪ :‬ال َفعْلة‪ ,‬من قول القائل‪ :‬فَتَر هذا ال مر يَفْتُر فتورا‪ ,‬وذلك إذا هدأ و سكن‪ ,‬وكذلك الفَترة‬
‫فـي هذا الـموضع معناها‪ :‬السكون‪ ,‬يراد به سكون مـجِيـيء الرسُل‪ ,‬وذلك انقطاعها‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي قدر مدة تلك الفترة‪ ,‬ف ـاختُلف ف ـي الروا ية ف ـي ذلك عن‬
‫قتادة‪ .‬فروى معمر عنه‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 9148‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫ل قال‪ :‬كان بــين عي سى وم ـحمد صلـى ال عل ـيهما‬
‫ن الرّ سُ ِ‬
‫ف ـي قوله‪ :‬عل ـى َفتْرَ ٍة مِ َ‬
‫عرُوبة عنه‪ ,‬ما‪:‬‬
‫وسلـم خمسمائة وستون سنة‪ .‬وروى سعيد بن أبـي َ‬
‫‪ 9149‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كا نت الفترة ب ـين‬
‫عيسى ومـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ذكر لنا أنها كانت ستـمائة سنة‪ ,‬أو ما شاء من ذلك ال‬
‫أعلـم‪.‬‬
‫‪9150‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن أصحابه‪,‬‬
‫قوله‪َ :‬قدْ جا َءكُ مْ رَ سُولُنا ُيبَ ـينُ َلكُ مْ عل ـى فَ ْترَ ٍة مِ نَ الرّ سُلِ قال‪ :‬كان ب ـين عي سى وم ـحمد‬
‫صلـى ال علـيهما وسلـم خمسمائة سنة وأربعون سنة‪ .‬قال معمر‪ :‬قال قتادة‪ :‬خمسمائة سنة‬
‫وستون سنة‪ .‬وقال آخرون بـما‪:‬‬
‫‪9151‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫عبـيد بن سلـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬علـى َفتْرَ ٍة مِنَ الرّسُلِ قال‪ :‬كانت‬
‫الفترة ب ـين عي سى وم ـحمد صلـى ال عل ـيهما و سلـم أربعمائة سنة وبض عا وثلث ـين‬
‫سنة‪.‬‬
‫ن َبشِيرٍ وَل َنذِيرٍ‪ :‬أن ل تقولوا‪ ,‬و كي ل تقولوا‪ ,‬ك ما قال‬
‫ن تَقُولُوا ما جاءَ نا مِ ْ‬
‫ويع ين بقوله‪ :‬أ ْ‬
‫ن َتضِلّوا بـمعنى‪ :‬أن ل تضلوا‪ ,‬وكي ل تضلوا‪ .‬فمعنى الكلم‪ :‬قد‬
‫ن اللّ ُه لكُمْ أ ْ‬
‫جلّ ثناؤه‪ُ :‬يبّـي ُ‬
‫جاءكم رسولنا يبـين لكم علـى فترة من الرسل‪ ,‬كي ل تقولوا‪ :‬ما جاءنا من بشير ول نذير‪.‬‬
‫يُعلــمهم ع ّز ذكره أ نه قـد ق طع عذر هم بر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأبلغ إل ـيهم ف ـي‬
‫الـحجة‪ .‬ويعنـي بـالبشير‪ :‬الـمبشر من أطاع ال وآمن به وبرسوله وعمل بـما آتاه من‬
‫ع ند ال بعظي ـم ثوا به ف ـي آخر ته‪ ,‬وب ـالنذير ال ـمنذر من ع صاه وكذّب ر سوله صلى ال‬
‫عليه وسلم وعمل بغير ما أتاه من عند ال من أمره ونهيه بـما ل ِقبَل له به من ألـيـم عقابه‬
‫فـي معاده وشديد عذابه فـي قـيامته‪.‬‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ‪.‬‬
‫ل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فَ َقدْ جا َء ُكمْ َبشِيرٌ َو َنذِيرٌ وَالّلهُ علـى كُ ّ‬
‫يقول جلّ ثناؤه لهؤلء الـيهود الذين وصفنا صفتهم‪ :‬قد أعذرنا إلـيكم‪ ,‬واحتـججنا علـيكم‬
‫برسولنا مـحمد صلى ال عليه وسلم إلـيكم‪ ,‬وأرسلناه إلـيكم‪ ,‬لـيبـين لكم ما أشكل علـيكم‬
‫من أمر دينكم‪ ,‬كيل تقولوا لـم يأتنا من عندك رسول يبـين لنا ما نـحن علـيه من الضللة‪,‬‬
‫فقد جاءكم من عندي رسول‪ ,‬يبشر من آمن بـي وعمل بـما أمرتُ هُ‪ ,‬وانتهى عما نهيته عنه‪,‬‬
‫ويُنذر مـن عصـانـي وخالف أمري‪ ,‬وأنـا القادر علــى ك ّل شيـء‪ ,‬أقدر علــى عقاب مـن‬
‫عصانـي وثواب من أطاعنـي‪ ,‬فـاتقوا عقابـي علـى معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولـي‪,‬‬
‫واطلبوا ثواب ـي عل ـى طاعت كم إياي‪ ,‬وت صديقكم بشيري ونذيري‪ ,‬فإن ـي أ نا الذي ل يعجزه‬
‫شيء أراده ول يفوته شيء طلبه‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سىَ لِ َق ْومِ ِه يَاقَوْ ِم ا ْذكُرُو ْا ِن ْعمَةَ الّل هِ عََل ْيكُ مْ ِإذْ‬
‫{وَِإ ْذ قَالَ مُو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫جعََل ُكمْ مّلُوكا وَآتَا ُكمْ مّا َلمْ ُيؤْتِ َأحَدا مّن ا ْلعَاَلمِينَ }‪..‬‬
‫جعَلَ فِيكُمْ َأ ْن ِبيَآءَ َو َ‬
‫َ‬
‫وهذا أي ضا من ال تعر يف لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم قدي ـم بت ـمادي هؤلء‬
‫الـيهود فـي الغ يّ وبعدهم عن الـحقّ وسوء اختبـارهم لنفسهم وشدّة خلفهم لنبـيائهم‬
‫وبطء إنابتهم إلـى الرشاد‪ ,‬مع كثرة نعم ال عندهم وتتابع أياديه وآلئه علـيه‪ ,‬مسلـيا بذلك‬
‫نب ـيه م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم ع ما يحلّ به من علج هم وينزل به من مقا ساتهم ف ـي‬
‫ذات ال‪ .‬يقول ال له صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تأس علـى علـى ما أصابك منهم‪ ,‬فإن الذهاب‬
‫عن ال والبعد من الـحقّ وما فـيه لهم الـحظّ فـي الدنـيا والَخرة من عاداتهم وعادات‬
‫أسلفهم وأوائلهم‪ ,‬وتعزّ بـما لقـى منهم أخوك موسى صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واذكر إذ قال‬
‫موسى لهم‪ :‬يا قَوْم ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َة اللّهِ عَلَـ ْي ُكمْ يقول‪ :‬اذكروا أياديَ ال عندكم وآلءه قِبَلكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9152‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن الزب ـير‪ ,‬عن ا بن‬
‫عيـينة‪ :‬ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ َة اللّهِ عَلَـ ْي ُكمْ قال‪ :‬أيادي ال عندكم وأيامه‪.‬‬
‫‪ 9153‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَةَ الّلهِ عَلَـ ْيكُمْ يقول‪ :‬عافـية ال‪.‬‬
‫وإنـما أخترنا ما قلنا‪ ,‬لن ال لـم يخصص من النعم شيئا‪ ,‬بل ع مّ ذلك بذكر النعم‪ ,‬فذلك‬
‫علـى العافـية وغيرها‪ ,‬إذ كانت العافـية أحد معانـي النعم‪.‬‬
‫جعََل ُكمْ مُلُوكا‪.‬‬
‫ل فِـي ُكمْ أ ْنبِـياءَ َو َ‬
‫جعَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إذْ َ‬
‫يعن ـي بذلك جلّ ثناؤه‪ ,‬أن مو سى ذكّر قو مه من بن ـي إ سرائيـل بأيام ال عند هم وبآلئه‬
‫ِقبَلهم‪ ,‬فحرّضهم بذلك علـى اتبـاع أمر ال فـي قتال الـجبـارين‪ ,‬فقال لهم‪ :‬اذكروا نعمة‬
‫ن َفضّلَكم بأن جعل فـيكم أنبـياء يأتونكم بوحيه ويخبرونكم بآياته الغيب‪ ,‬ولـم‬
‫ال علـيكم أ ْ‬
‫جعِلوا‬
‫ي عط ذلك غير كم ف ـي زمان كم هذا‪ .‬فق ـيـل إن النب ـياء الذ ين ذكر هم مو سى أن هم ُ‬
‫فـيهم هم الذين اختارهم موسى‪ ,‬إذ صار إلـى الـجبل وهم السبعون الذين ذكرهم ال‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫س ْبعِينَ َرجُلً لِـمِيقاتِنا‪.‬‬
‫واخْتارَ مُوسَى قَ ْومَ ُه َ‬
‫جعََلكُ مْ مُلُوكا سخر لكم من غيركم خدّ ما يخدمونكم‪ .‬وقـيـل‪ :‬إنـما قال ذلك لهم موسى‪,‬‬
‫وَ‬
‫لنه لـم يكن فـي ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بنـي آدم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9154‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ ْذ قال مُوسَى ل َق ْومِهِ‬
‫جعََلكُ مْ مُلُوكا قال‪ :‬كنا نـحدّث أنهم‬
‫ل فِـيكُم أ ْنبِـياءَ َو َ‬
‫جعَ َ‬
‫يا قَوْ مِ ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َة الّل هِ عَلَـيْ ُكمْ إذْ َ‬
‫أوّل من سخر لهم الـخدم من بنـي آدم وملكوا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كلّ من ملك بـيتا وخادما وامرأة‪ ,‬فهو مَلِك كائنا من كان من الناس‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9155‬ـ حدثنا يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو هانىء‪ ,‬أنه‬
‫سمع أبـا عبد الرحمن الـحبلـي يقول‪ :‬سمعت عبد ال بن عمرو بن العاص وسأله رجل‪,‬‬
‫فقال‪ :‬أل سنا من فقراء ال ـمهاجرين؟ فقال له ع بد ال‪ :‬ألك امرأة تأوي إل ـيها؟ ن عم‪ .‬قال‪ :‬ألك‬
‫م سكن ت سكنه؟ قال‪ :‬ن عم‪ .‬قال‪ :‬فأ نت من الغن ـياء‪ .‬فقال‪ :‬إن ل ـي خاد ما‪ .‬قال‪ :‬فأ نت من‬
‫الـملوك‪.‬‬
‫‪9156‬ـ حدثنا الزبـير بن بكار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض‪ ,‬قال‪ :‬سمعت زيد بن‬
‫جعََلكُمْ مُلُوكٍا فل أعلـم إلّ أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬مَنْ‬
‫أسلـم‪ ,‬يقول‪َ :‬و َ‬
‫كانَ َلهُ بَـيْتٌ وَخا ِدمٌ َفهُوَ مَِلكٌ»‪.‬‬
‫‪9157‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العلء بن عبد الـجبـار‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪,‬‬
‫ل مر كب‬
‫جعََلكُ مْ مُلُو كا فقال‪ :‬و هل ال ـملكِ إ ّ‬
‫عن حم يد‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬أ نه تل هذه الَ ية‪َ :‬و َ‬
‫وخادم ودار؟‬
‫فقال قائلو هذه ال ـمقالة‪ :‬إن ـما قال ل هم مو سى ذلك‪ ,‬لن هم كانوا ي ـملكون الدور وال ـخدم‪,‬‬
‫ولهم نساء وأزواج‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9158‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬قال‪ :‬أراه عن‬
‫جعَلَك مْ مُلُوكا قال‪ :‬كانت بنو إسرائيـل إذا كان للرجل منهم بـيت وامرأة وخادم‪,‬‬
‫الـحكم‪َ :‬و َ‬
‫عدّ ملكا‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن سفـيان‪ .‬ح‪ ,‬وحدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ُمـ مُلُوكـا قال‪ :‬الدار والــمرأة والــخادم‪ .‬قال‬
‫جعََلك ْ‬
‫سـفـيان‪ ,‬عـن منصـور‪ ,‬عـن الــحكم‪َ :‬و َ‬
‫سفـيان‪ :‬أو اثنتـين من الثلثة‪.‬‬
‫‪ 9159‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫جعَلكُمْ مُلُوكا قال‪ :‬البـيت والـخادم‪.‬‬
‫رجل‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي قوله‪َ :‬و َ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫ُمـ مُلُوكـا قال‪ :‬الزوجـة والــخادم‬
‫جعََلك ْ‬
‫الــحكم أو غيره‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬فــي قوله‪َ :‬و َ‬
‫والبـيت‪.‬‬
‫‪ 9160‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫جعََل ُكمْ مُلُوكا قال‪ :‬جعل لكم أزواجا وخدما وبـيوتا‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪َ :‬و َ‬
‫حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن مـحمد الطنافسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن حجاج‬
‫جعََلكُ مْ مُلُو كا قال‪:‬‬
‫بن ت ـميـم‪ ,‬عن مي ـمون بن مهران‪ ,‬عن ا بن عب ـاس ف ـي قول ال‪َ :‬و َ‬
‫كان الرجل من بنـي إسرائيـل إذا كانت له الزوجة والـخادم والدار يسمى ملكا‪.‬‬
‫‪9161‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبدالرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي‬
‫جعََلكُمْ مُلُوكا قال‪ :‬ملّكهم الـخدم‪ .‬قال قتادة‪ :‬كانوا أوّل من ملك الـخدم‪.‬‬
‫قوله‪َ :‬و َ‬
‫حدثنـي الـحرث بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن أبـان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن‬
‫جعََل ُكمْ مُلُوكا قال‪ :‬جعل لكم أزواجا وخدما وبـيوتا‪.‬‬
‫العمش‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬و َ‬
‫جعََلكُ مْ مُلُوكا أنهم بـملكون أنفسهم وأهلـيهم وأموالهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما عنى بقوله‪َ :‬و َ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9162‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫جعََل ُكمْ مُلُوكا يـملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله‪.‬‬
‫السديّ‪َ :‬و َ‬
‫ن العالَـمِينَ‪.‬‬
‫ت أحَدا مِ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وآتا ُكمْ ما لَـمْ ُيؤْ ِ‬
‫اختلف فـيـمن عنُوا بهذا الـخطاب‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عُنـي به أمة مـحمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9163‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬أمة مـحمد صلى‬
‫ن العالَـمِي َ‬
‫ت أحَدا مِ َ‬
‫أبـي مالك وسعيد بن جبـير‪ :‬وآتا ُكمْ ما لَـمْ يُؤْ ِ‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنـي به قوم موسى صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9164‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬هم قوم موسى‪.‬‬
‫‪ 9165‬ـ حدثن ـي ال ـحارث بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز بن أب ـان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ِنـ‬
‫ْتـ أحَدا م َ‬
‫ُمـ مـا لَــمْ ُيؤ ِ‬
‫سـفـيان عـن العمـش‪ ,‬عـن مــجاهد‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬وآتاك ْ‬
‫ن قال‪ :‬هم بـين ظهرانـيه يومئذٍ‪.‬‬
‫العالَـمِي َ‬
‫ثم اختلفوا ف ـي الذي آتا هم ال ما ل ـم يؤت أ حد من العال ـمين‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو ال ـمنّ‬
‫والسلوى والـحجر والغمام‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9166‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫وآتا ُكمْ ما لَـمْ ُيؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمينَ قال‪ :‬الـمنّ والسلوى والـحجر والغمام‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ن العالَ ـمِينَ يعن ـي أ هل ذلك الزمان‪,‬‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ :‬وآتاكُ ْم ما لَ ـمْ يُؤْ تِ أحَدا ِم َ‬
‫الـمنّ والسلوى والـحجر والغمام‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الدار والـخادم والزوجة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9167‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن السريّ‪ ,‬عن طلـحة بن‬
‫عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬وآتاكُ مْ ما لَ ـمْ ُيؤْ تِ أحَدا ِم نَ العالَ ـمِينَ قال‪ :‬الر جل‬
‫يكون له الدار والـخادم والزوجة‪.‬‬
‫‪ 9168‬ـ حدثنـي الـحرث‪ .‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫ن الــمنّ والسـلوى‬
‫ِنـ العالَــمِي َ‬
‫ْتـ أحَدا م َ‬
‫ُمـ مـا لَــمْ يُؤ ِ‬
‫مــجاهد‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬وآتاك ْ‬
‫والـحجر والغمام‪.‬‬
‫وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي بـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬وآتاكم ما لـم يؤت أحدا‬
‫ّهـ‬
‫مـن العالــمين‪ ,‬خطاب لبنــي إسـرائيـل‪ ,‬حيـث جاء فــي سـياق قوله‪ :‬ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ الل ِ‬
‫عَلَ ـ ْي ُكمْ ومعطوف ـا عل ـيه‪ .‬ول دللة ف ـي الكلم تدلّ عل ـى أن قوله‪ :‬وآتاكُ مْ ما لَ ـمْ ُيؤْ تِ‬
‫ن مصروف عن خطاب الذين ابتدىء بخطابهم فـي أوّل الَية‪ .‬فإذا كان ذلك‬
‫أحَدا مِنَ العالَـمِي َ‬
‫كذلك‪ ,‬فأن يكون خطابـا لهم أولـى من أن يقال‪ :‬هو مصروف عنهم إلـى غيرهم‪ .‬فإن ظ نّ‬
‫ن ل يجوز أن يكون خطابــا لبنــي‬
‫ظانّـ أن قوله‪ :‬وآتاكُم ْـ مـا لَــمْ يُؤْتِـ أحَدا مِنَـ العالَــمِي َ‬
‫إ سرائيـل‪ ,‬إذ كا نت أ مة م ـحمد قد أوت ـيت من كرا مة ال نب ـيها عل ـيه ال صلة وال سلم‬
‫مـحمدا‪ ,‬ما لـم يؤت أحدا غيرهم‪ ,‬وهم من العالـمين فقد ظنّ غير الصواب‪ ,‬وذلك أن قوله‪:‬‬
‫ن العالَـمِينَ خطاب من موسى صلى ال عليه وسلم لقومه يومئذٍ‪,‬‬
‫وآتاكُ مْ ما لَـمْ يُؤْ تِ أحَدا مِ َ‬
‫ل زمان‪ ,‬ولـم يكن أُوتـي فـي ذلك الزمان من نعم‬
‫وعنى بذلك عالـمي زمانه ل عالـمي ك ّ‬
‫ال وكرامته ما أُوتـي قومه صلى ال عليه وسلم أحد من العالـمين‪ ,‬فخرج الكلم منه صلى‬
‫ل زمان‪.‬‬
‫ال عليه وسلم علـى ذلك ل علـى جميع ك ّ‬

‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب اللّ هُ َلكُ مْ َولَ‬
‫{يَاقَوْ مِ ا ْدخُلُوا الرْ ضَ المُ َقدّ سَةَ الّتِي َكتَ َ‬ ‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫َترْ َتدّوا عََلىَ َأ ْدبَا ِركُ ْم فَ َتنْقَِلبُوا خَاسِرِينَ }‪..‬‬
‫وهذا خـبر مـن ال ع ّز ذكره عـن قول موسـى صـلى ال عليـه وسـلم لقومـه مـن بنــي‬
‫إسرائيـل‪ ,‬وأمره إياهم عن أمر ال إياه‪ ,‬يأمرهم بدخول الرض الـمقدسة‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الرض الت ـي عنا ها ب ـالرض ال ـمقدسة‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫عنى بذلك‪ :‬الطور وما حوله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9169‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬الرض الـمقدسة‪ :‬الطور وما حوله‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9170‬ـ حدثنـي الـحارث بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ض الـمُ َقدّسَ َة قال‪ :‬الطّور وما حوله‪.‬‬
‫العمش‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬ا ْدخُـلُوا الرْ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الشأم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9171‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫ض الـمقدّسة قال‪ :‬هي الشأم‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬الرْ ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي أرض أريحاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9172‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬ا ْدخُ ـلُوا‬
‫الرْضَ الـمُ َق ّدسَة التـي َكتَبَ الّلهُ َل ُك ْم قال‪ :‬أريحاء‪.‬‬
‫‪ 9173‬ـ حدثن ـي يو سف بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬هي أريحاء‪.‬‬
‫‪9174‬ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيـم بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫عن أبـي سعيد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬هي أريحاء‪.‬‬
‫وقـيـل‪ :‬إن الرض الـمقدسة‪ :‬دمشق وفلسطين وبعض الرد نّ‪ .‬وعنى بقوله الـمُ َقدّسَة‪:‬‬
‫الـمطهرة الـمبـاركة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9175‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬الرْضَ الـمُ َق ّدسَة قال‪ :‬الـمبـاركة‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬بـمثله‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬أن يقال‪ :‬هي الرض الـمقدسة‪ ,‬كما قال نبـيّ ال‬
‫مو سى صلى ال عل يه و سلم‪ .‬لن القول ف ـي ذلك بأن ها أرض دون أرض‪ ,‬ل تدرك حق ـيقة‬
‫صحته إلّ ب ـالـخبر‪ ,‬ول خبر بذلك يجوز ق طع الشهادة به‪ ,‬غ ير أن ها لن ت ـخرج من أن‬
‫تكون من الرض الت ـي ب ـين الفرات وعر يش م صر لجماع جم يع أ هل التأوي ـل وال سير‬
‫ب اللّ ُه َلكُ مْ‪ :‬التـي أثبت فـي‬
‫والعلـماء بـالخبـار علـى ذلك‪ .‬ويعنـي بقوله‪ :‬التـي َكتَ َ‬
‫اللوح الـمـحفوظ أنها لكم مساكن‪ ,‬ومنازل دون الـجبـابرة التـي فـيها‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فكيف قال‪ :‬التـي َكتَبَ الّلهُ َلكُمْ‪ ,‬وقد علـمت أنهم لـم يدخـلوها بقوله‪ :‬فإنّها‬
‫حرّمَةٌ عَلَ ـ ْيهِمْ؟ فك يف يكون مثب تا ف ـي اللوح ال ـمـحفوظ أن ها م ساكن ل هم‪ ,‬وم ـحرّما‬
‫مُ ـ َ‬
‫علـيهم سكناها؟ قـيـل‪ :‬إنها كتبت لبنـي إسرائيـل دارا وم ساكن‪ ,‬وقد سكنوها ونزلوها‪,‬‬
‫وصـارت لهـم كمـا قال ال جلّ وعزّ‪ .‬وإنــما قال لهـم موسـى‪ :‬ا ْدخُــلُوا الرْضَـ الــمُ َق ّدسَة‬
‫ب اللّهُ َلكُمْ يعنـي بها‪ :‬كتبها ال لبنـي إسرائيـل وكان الذين أمرهم موسى بدخولها‬
‫التـي َكتَ َ‬
‫من بنـي إسرائيـل ولـم يعن صلى ال عليه وسلم أن ال تعالـى ذكره كتبها للذين أمرهم‬
‫بدخول ها بأعيان هم‪ ,‬ولو قال قائل‪ :‬قد كا نت مكتو بة لبعض هم‪ ,‬ول ـخاصّ من هم‪ ,‬فأخرج الكلم‬
‫عل ـى العموم وال ـمراد م نه ال ـخاص‪ ,‬إذ كان يُوشَع وكالب قد دخل‪ ,‬وكا نا م ـمن خو طب‬
‫بهذا القول‪ ,‬كان أيضا وجها صحيحا‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال ابن إسحاق‪.‬‬
‫‪ 9176‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة عن مـحمد بن إسحاق‪ :‬التـي َكتَ بَ الّل هُ َلكُ مْ‪:‬‬
‫التـي وهب ال لكم‪.‬‬
‫وكان السديّ يقول‪ :‬معنى «كتب» فـي هذا الـموضع بـمعنى «أمر»‪.‬‬
‫‪ 9177‬ـ حدثنا بذلك موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ب اللّ ُه َل ُكمْ‪ :‬التـي أمركم ال بها‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬ا ْدخُـلُوا الرْضَ الـمُ َق ّدسَة التـي َكتَ َ‬
‫سرِينَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَل َت ْرتَدّوا علـى أدْبـا ِر ُكمْ َف َتنْقَِلبُوا خا ِ‬
‫وهذا خبر من ال عزّ ذكره عن قـيـل موسى علـيه السلم لقومه من بنـي إسرائيـل‪,‬‬
‫إذ أمرهم عن أمر ال ع ّز ذكره إياه بدخول الرض الـمقدسة‪ ,‬أنه قال لهم‪ :‬امضوا أيها القوم‬
‫ل مر ال الذي أمر كم به من دخول الرض ال ـمقدسة‪ ,‬وَل َت ْرتَدّوا يقول‪ :‬ل ترجعوا القهقري‬
‫مرتدين علـى أ ْدبَـارِ ُكمْ يعنـي‪ :‬إلـى ورائكم‪ ,‬ولكن امضوا قدما لمر ال الذي أمركم به‬
‫من الدخول علـى القوم الذين أمركم ال بقتالهم والهجوم علـيهم فـي أرضهم‪ ,‬وأن ال عزّ‬
‫ذكره قد كتبها لكم مسكنا وقرارا‪.‬‬
‫سرِينَ‪ :‬أنكم تنصرفوا خائبـين هكذا‪ .‬وقد بـينا معنى الـخسارة‬
‫ويعنـي بقوله‪َ :‬فتَنْقَِلبُوا خا ِ‬
‫فـي غير هذا الـموضع بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما كان و جه ق ـيـل مو سى لقو مه إذ أمر هم بدخول الرض ال ـمقدسة ل‬
‫ترتدّوا عل ـى أدْب ـا ِر ُكمْ فتنقلبوا خا سرين؟ أو ي ستوجب ال ـخسارة من ل ـم يدخ ـل أر ضا‬
‫جعلت له؟ قــيـل‪ :‬إن ال ع ّز ذكره كان أمره بقتال مـن فــيها مـن أهـل الكفـر بـه وفرض‬
‫علــيهم دخولهـا‪ ,‬فــاستوجب القوم الــخسارة بتركهـم‪ .‬إذا فرض ال علــيهم من وجهيـن‪:‬‬
‫أحده ما تضي ـيع فرض ال ـجهاد الذي كان ال فر ضه عل ـيهم‪ .‬والثان ـي‪ :‬خلف هم أ مر ال‬
‫فـي تركهم دخول الرض‪ ,‬وقولهم لنبـيهم موسى صلى ال عليه وسلم إذ قال لهم «ادخـلوا‬
‫خ ُرجُوا ِمنْها فإنّا دَاخِـلُونَ‪.‬‬
‫خ ُرجُوا ِمنْها فإنْ َي ْ‬
‫الرض الـمقدسة»‪ :‬إنّا َلنْ َن ْدخُـلَها حتـى َي ْ‬
‫كان قتادة يقول فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 9178‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا قَوْ مِ ا ْدخُ ـلُوا‬
‫الرْضَـ الــمُ َق ّدسَة التــي َكتَبَـ اللّهُـ َلكُم ْـ أمروا بهـا كمـا أمروا بــالصلة والزكاة والــحجّ‬
‫والعمرة‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جبّارِي نَ وَإِنّا لَن ّن ْدخُلَهَا‬
‫ن فِيهَا قَوْما َ‬
‫سىَ ِإ ّ‬
‫{قَالُوا يَامُو َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫خ ُرجُواْ ِم ْنهَا َفِإنّا دَاخِلُونَ }‪..‬‬
‫حّتىَ َيخْ ُرجُو ْا ِم ْنهَا َفإِن َي ْ‬
‫َ‬
‫وهذا خـبر مـن ال جلّ ثناؤه عـن جواب قوم موسـى علــيه السـلم‪ ,‬إذا أمرهـم بدخول‬
‫الرض الـمقدسة‪ ,‬أنهم أبوا علـيه إجابة إلـى ما أمرهم به من ذلك‪ ,‬واعتلّوا علـيه فـي‬
‫ذلك بأن قالوا‪ :‬إن فـي الرض الـمقدسة التـي تأمرنا بدخولها قوما جب ـارين ل طاقة لنا‬
‫بحربهـم ول قوّة لنـا بهـم‪ .‬وسـموهم جبــارين‪ ,‬لنهـم كانوا بشدّة بطشهـم وعظيــم خــلقهم‬
‫ف ـيـما ذُ كر ل نا قد قهروا سائر الم ـم غير هم‪ .‬وأ صل ال ـجبـار‪ :‬ال ـمصلـح أ مر نف سه‬
‫ق أو بـاطل طلب الصلح لها‬
‫وأمر غيره‪ ,‬ثم استعمل فـي كل من اجترّ نفعا إلـى نفسه بح ّ‬
‫حتـى قـيـل للـمتعدي إلـى ما لـيس له بغيا علـى الناس وقهرا لهم وعتوّا علـى ربه‪:‬‬
‫جب ـار‪ ,‬وإن ـما هو فعّال من قول هم‪ :‬جبر فلن هذا الك سر إذا أ صلـحه ول مه‪ ,‬وم نه قول‬
‫الراجز‪:‬‬
‫حمَنُ مَنْ وَلّـى ال َع َورْ‬
‫ع ّورَ ال ّر ْ‬
‫ج َبرْو َ‬
‫ن اللَهُ َف َ‬
‫ج َبرَ الدّي َ‬
‫َقدْ َ‬
‫يريـد‪ :‬قـد أصـلـح الديـن الله فصـلـح ومـن أسـماء ال تعالــى ذكره الــجبـار‪ ,‬لنـه‬
‫الـمصلـح أمر عبـاده القاهر لهم بقدرته‪ .‬ومـما ذكرته من عظم خـلقهم ما‪:‬‬
‫‪ 9179‬ـ حدثنـي به موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط عن‬
‫السديّ فـي قصة ذكر ها من أمر مو سى وبنـي إ سرائيـل‪ ,‬قال‪ :‬ثم أمرهم بـالسير إلـى‬
‫أريحاء‪ ,‬و هي أرض ب ـيت ال ـمقدس‪ ,‬ف ساروا حت ـى إذا كانوا قريب ـا من هم‪ ,‬ب عث مو سى‬
‫اثن ـي ع شر نق ـيبـا من جم يع أ سبـاط بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬ف ساروا يريدون أن يأتوه ب خبر‬
‫ال ـجبـارين‪ ,‬فلق ـيهم ر جل من ال ـجبـارين‪ ,‬يقال له‪ :‬عوج‪ ,‬فأ خذ الثن ـي ع شر فجعل هم‬
‫فــي حجزتـه‪ ,‬وعلــى رأسـه حملة حطـب‪ ,‬وانطلق بهـم إلــى امرأتـه‪ ,‬فقال‪ :‬انظري لــي‬
‫هؤلء القوم الذ ين يزعمون أن هم يريدون أن يقاتلو نا فطرح هم ب ـين يدي ها‪ ,‬فقال‪ :‬أل أطحن هم‬
‫برجلـي؟ فقالت امرأته‪ :‬ل‪ ,‬بل خـلّ عنهم حتـى يخبروا قومهم بـما رأوا‪ ,‬ففعل ذلك‪.‬‬
‫‪9180‬ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيـم بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال أبـو سـعيد‪ ,‬قال عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬أ ِمرَ موسـى أن يدخــل مدينـة‬
‫الـجبـارين‪ ,‬قال‪ :‬فسار موسى بـمن معه حتـى نزل قريبـا من الـمدينة‪ ,‬وهي أريحاء‪.‬‬
‫ل سبط منهم عينا‪ ,‬لـيأتوه بخبر القوم‪ .‬قال‪ :‬فدخـلوا‬
‫فبعث إلـيهم اثنـي عشر عينا‪ ,‬من ك ّ‬
‫الــمدينة‪ ,‬فرأوا أمرا عظم يا من هيئتهـم وجثثهـم وعظم هم‪ ,‬فدخ ـلوا حائطـا لبعضهـم‪ ,‬فجاء‬
‫صاحب ال ـحائط ل ـيجتنـي الثمار من حائ طه‪ ,‬فج عل يجتن ـي الثمار وين ظر إل ـى آثار هم‬
‫وتتبعهم‪ ,‬فكلـما أصاب واحدا منهم أخذه‪ ,‬فجعله فـي كمه مع الفـاكهة‪ .‬وذهب إلـى ملكهم‬
‫فنثرهـم بــين يديـه‪ ,‬فقال الــملك‪ :‬قـد رأيتــم شأننـا وأمرنـا‪ ,‬اذهبوا فأخـبروا صـاحبكم قال‪:‬‬
‫فرجعوا إلـى موسى فأخبروه بـما عاينوا من أمرهم‪.‬‬
‫‪ 9181‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‪ :‬إ نّ فِـيها قَوْما‬
‫جبّـارِينَ ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخـلق لـيست لغيرهم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 9182‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي جعفر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫الرب ـيع‪ ,‬قال‪ :‬إن مو سى عل ـيه ال سلم قال لقو مه‪ :‬إن ـي سأبعث رجالً يأتونن ـي ب خبرهم‬
‫وإ نه أ خذ من كلّ سبط رجلً‪ ,‬فكانوا اثن ـي ع شر نق ـيبـا‪ ,‬فقال‪ :‬سيروا إل ـيهم وحدثون ـي‬
‫حدث هم و ما أمر هم ول ت ـخافوا إن ال مع كم ما أقمت ـم ال صلة‪ ,‬وآت ـيتـم الزكاة‪ ,‬وآمنت ـم‬
‫برسـله‪ ,‬وعزّرتــموهم‪ ,‬وأقرضتــم ال قرضـا حسـنا‪ .‬ثـم إن القوم سـاروا حتــى هجموا‬
‫علــيهم‪ ,‬فرأوا أقوامـا لهـم أجسـاما عجبـٌ‪ ,‬عظمـا وقوّة‪ ,‬وأنـه فــيـما ذكـر أبصـرهم أحـد‬
‫ال ـجبـارين‪ ,‬و هم ل يألون أن يخفوا أنف سهم ح ين رأوا الع جب‪ ,‬فأ خذ ذلك ال ـجبـار من هم‬
‫رجالً‪ ,‬فأتــى رئيسـهم‪ ,‬فألقاهـم قدامـه‪ ,‬فعجبوا وضحكوا منهـم‪ ,‬فقال قائل منهـم‪ :‬إن هؤلء‬
‫زعموا أنهـم أرادوا غزوكـم‪ ,‬وأنـه لول مـا دفـع ال عنهـم لقتلوا‪ .‬وإنهـم رجعوا إلــى موسـى‬
‫علـيه السلم فحدثوه العجب‪.‬‬
‫‪9183‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ل سبط من بن ـي إ سرائيـل‬
‫شرَ نَقِ ـيبـا من ك ّ‬
‫عَ‬‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال‪ :‬أْئنىْ َ‬
‫رجـل أرسـلهم موسـى إلــى الــجبـارين‪ ,‬فوجدوهـم يدخــل فــي كمّـ أحدهـم اثنان منهـم‪,‬‬
‫ي ـلقونهم إلقاء‪ ,‬ول يح مل عنقود عن هم إلّ خم سة أن فس ب ـينهم ف ـي خش بة‪ ,‬ويدخ ـل ف ـي‬
‫شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حدي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9184‬ـ حدثنـي مـحمد بن الوزير بن قـيس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬إ نّ‬
‫ن قال‪ :‬سِفْلة ل خلق لهم‪.‬‬
‫جبّـارِي َ‬
‫فِـيها قَوْما َ‬
‫خرُجُوا ِمنْها فإنّا‬
‫ن َي ْ‬
‫خ ُرجُوا ِمنْهافإ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إنّا َلنْ َن ْدخُـلَها حتـى َي ْ‬
‫داخِـلونَ‪.‬‬
‫وهذا خـبر مـن ال عزّ ذكره عـن قول قوم موسـى لــموسى جوابــا لقوله لهـم‪ :‬ا ْدخُــلُوا‬
‫ن َن ْدخُـلَها حتـى َيخْ ُرجُوا ِمنْها يعنون‪ :‬من‬
‫الرْضَ الـمُ َق ّدسَة التـي َكتَبَ الّل ُه َلكُمْ فقالوا‪ :‬إنّا َل ْ‬
‫الرض ال ـمقدسة ال ـجبـارون الذ ين ف ـيها‪ ,‬جب نا من هم وجز عا من قتال هم‪ .‬وقالوا له‪ :‬إن‬
‫يخرج منها هؤلء الـجبـارون دخـلناها‪ ,‬وإلّ فإنا ل نطيق دخولها وهم فـيها‪ ,‬لنه ل طاقة‬
‫لنا بهم ول يد‪.‬‬
‫‪ 9185‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬أن كالب بن يوف نا‪ ,‬أ سكت‬
‫الشعب عن موسى صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال لهم‪ :‬إنا سنعلو الرض ونرثها‪ ,‬وإن لنا بهم قوّة‪.‬‬
‫وأما الذين كانوا معه‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل نستطيع نصل إلـى ذلك الشعب من أجل أنهم أجرأ منا‪ .‬ثم إن‬
‫أولئك الــجواسيس أخـبروا بنــي إسـرائيـل الــخبر‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنـا مررونـا فــي أرض‬
‫وأحسـسناها‪ ,‬فإذا هـي تأكـل سـاكنها‪ ,‬ورأينـا رجالهـا جسـاما‪ ,‬ورأينـا الــجبـابرة بنــي‬
‫ال ـجبـابرة‪ ,‬وك نا ف ـي أعين هم م ثل ال ـجراد‪ .‬فأرج فت ال ـجماعة من بن ـي إ سرائيـل‪,‬‬
‫فرفعوا أ صواتهم ب ـالبكاء‪ .‬فب كى الش عب تلك الل ـيـلة‪ ,‬وو سوسوا عل ـى مو سى وهارون‪,‬‬
‫فقالوا لهما‪ :‬يا لـيتنا متنا فـي أرض مصر‪ ,‬ولـيتنا نـموت فـي هذه البرية ولـم يدخـلنا‬
‫ال هذه الرض لنقع فـي الـحرب‪ ,‬فتكون نساؤنا وأبناؤنا وأثقالنا عنـيـمة‪ ,‬ولو كنا قعودا‬
‫ف ـي أرض م صر‪ ,‬كان خيرا ل نا وج عل الر جل يقول ل صحابه‪ :‬تعالوا ن ـجعل عل ـينا رأ سا‬
‫وننصرف إلـى مصر‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َأ ْنعَ مَ الّل هُ عََل ْي ِهمَا ا ْدخُلُواْ‬
‫ن َيخَافُو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{قَالَ َرجُلَ نِ ِم َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عََل ْي ِهمُ ا ْلبَابَ َفِإذَا َدخَ ْل ُتمُو ُه َفِإنّ ُكمْ غَاِلبُونَ َوعَلَى اللّ ِه َفتَ َوكّلُوَ ْا إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ }‪..‬‬
‫وهذا خبر من ال ع ّز ذكره عن الرجل ـين ال صالـحين من قوم مو سى‪ :‬يو شع بن نون‪,‬‬
‫وكالب بـن يوفنـا‪ ,‬أنهمـا وفــيا لــموسى بــما عهـد إلــيهما مـن ترك إعلم قومـه بنــي‬
‫إسرائيـل الدين أمرهم بدخول الرض الـمقدسة علـى الـجبـابرة من الكنعانـيـين‪ ,‬بـما‬
‫رأيا وعاينا من شدة بطش الـجبـابرة وعظم خـلقهم‪ ,‬ووصفهما ال بأنهما مـمن يخاف ال‬
‫ويراقبه فـي أمره ونهيه كما‪:‬‬
‫‪9186‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ .‬ح‪ ,‬وحدثنا ابن‬
‫وك يع‪ ,‬قال حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ .‬ح‪ ,‬وحدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ن أ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَـ ْيهِما قال‪ :‬كلب بن يوفنا‬
‫ن يَخافُو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪َ :‬رجُل نِ مِ َ‬
‫ويوشع بن نون‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو بن أبـي قـيس‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫ن مِ نَ اّلذِي نَ يَخافُو نَ أ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَـ ْيهِما قال‪ :‬يوشع بن نون‪ ,‬وكلب بن يوفنا‪ ,‬وهما‬
‫قال‪َ :‬رجُل ِ‬
‫من النقبـاء‪.‬‬
‫‪9187‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قصة ذكرها‪ ,‬قال‪ :‬فرجع النقبـاء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم‪ ,‬إلّ‬
‫يوشـع بـن نون‪ ,‬وكلب بـن يوفنـا‪ ,‬يأمران السـبـاط بقتال الــجبـارين ومــجاهدتهم‪,‬‬
‫فعصوهما‪ ,‬وأطاعوا الَخرين‪ ,‬فهما الرجلن اللذان أنعم ال علـيهما‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬وسفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثل‬
‫ل أن ا بن حم يد قال ف ـي حدي ثه‪ :‬ه ما من الث نى ع شر‬
‫حد يث ا بن بشار‪ ,‬عن ا بن مهدي‪ ,‬إ ّ‬
‫نقـيبـا‪.‬‬
‫‪9188‬ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيـم بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال أ بو سعيد‪ ,‬قال عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس ف ـي ق صة ذكر ها‪ ,‬قال‪ :‬فرجعوا يعن ـي‬
‫النقب ـاء الثن ـي ع شر إل ـى مو سى‪ ,‬فأ خبروه ب ـما عاينوا من أمر هم‪ ,‬فقال ل هم مو سى‪:‬‬
‫اكت ـموا شأن هم ول ت ـخبروا به أحدا من أ هل الع سكرة فإن كم إن أخبرت ـموهم بهذا ال ـخبر‬
‫ل هذين‬
‫ل رجل منهم‪ ,‬فأخبر قريبه وابن عمه‪ ,‬إ ّ‬
‫فشلوا ولـم يدخـلوا الـمدينة‪ .‬قال‪ :‬فذهب ك ّ‬
‫الرجلـين يوشع بن نون وكلب بن يوفنا‪ ,‬فإنهما كتـما ولـم يخبرا به أحدا‪ ,‬وهما اللذان قال‬
‫ـ‬
‫ـ عَلَــيْهِما‪ ...‬إلــى قوله‪ :‬وبــينَ القَوْم ِ‬
‫ـ اللّه ُ‬
‫ُونـ أ ْنعَم َ‬
‫ِينـ يَخاف َ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫ـم َ‬‫ال‪ :‬قالَ َرجُلن ِ‬
‫الفـاسِقِـينَ‪.‬‬
‫‪ 9189‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن أ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَـ ْيهِما وهما اللذان كتـماهم‪ :‬يوشع بن نون‬
‫ن اّلذِي نَ يَخافُو َ‬
‫السديّ‪ :‬قالَ َرجُل نِ مِ َ‬
‫فتـى موسى‪ ,‬وكالوب بن يوفنة ختن موسى‪.‬‬
‫‪ 9190‬ـ حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬عن فضي ـل بن مرزوق‪ ,‬عن عط ية‪ :‬قالَ‬
‫ن أ ْن َعمَ اللّهُ عَلَـ ْيهِما كالوب ويوشع بن نون فتـى موسى‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ يَخافُو َ‬
‫َرجُلنِ مِ َ‬
‫‪ 9191‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن مِنَ اّلذِينَ يَخافُونَ أ ْنعَمَ اللّهُ عَلَـ ْيهِما والرجلن‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬قالَ َرجُل ِ‬
‫اللذان أنعم ال علـيهما من بنـي إسرائيـل‪ :‬يوشع بن نون‪ ,‬كالوب بن يوفنة‪.‬‬
‫ن مِ نَ اّلذِي نَ‬
‫‪ 9192‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قالَ َرجُل ِ‬
‫يَخافُونَ أ ْن َعمَ الّلهُ عَلَـيْهِما ذُكر لنا أن الرجلـين‪ :‬يوشع بن نون‪ ,‬وكالب‪.‬‬
‫‪ 9193‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن الرب ـيع‪ :‬أن مو سى قال للنقب ـاء ل ـما رجعوا فحدّثوه الع جب‪ :‬ل ت ـحدّثوا أحدا‬
‫ب ـما رأيت ـم‪ ,‬إن ال سيفتـحها ل كم ويظهر كم عل ـيها من ب عد ما رأيت ـم وإن القوم أفشوا‬
‫الـحديث من بنـي إسرائيـل‪ ,‬فقام رجلن من الذين يخافون أنعم ال علـيهما‪ :‬كان أحدهما‬
‫فــيـما سـمعنا يوشـع بـن نون وهـو فتــى موسـى‪ ,‬والَخـر كالب‪ ,‬فقال‪ :‬ادخــلوا علــيهم‬
‫البـاب إن كنتـم مؤمنـين‪.‬‬
‫ِينـ يَخافُونـَ‪ .‬قرأ ذلك قرّاء الــحجاز‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫ُلنـ م َ‬
‫واختلف القرّاء فــي قراءة قوله‪ :‬قالَ َرج ِ‬
‫ّهـ عَلَــْيهِما بفتــح الــياء مـن‬
‫َمـ الل ُ‬
‫ُونـ أ ْنع َ‬
‫ِينـ يَخاف َ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫ُلنـ م َ‬
‫والعراق والشام‪ :‬قالَ َرج ِ‬
‫«يخافون»‪ ,‬علـى التأويـل الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه آنفـا‪ ,‬أنهما يوشع بن نون وكالب‬
‫من قوم موسى‪ ,‬مـمن يخاف ال‪ ,‬وأنعم علـيهما بـالتوفـيق‪ .‬وكان قتادة يقول فـي بعض‬
‫ن أ ْن َعمَ اللّهُ عَلَـ ْيهِما»‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ يَخافُو َ‬
‫ن مِ َ‬
‫ل رَجُل ِ‬
‫القراءة‪« :‬قا َ‬
‫‪ 9194‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ .‬ح‪ ,‬وحدثثنا الـحسن بن‬
‫ن يَخافُو نَ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قالَ َرجُل نِ ِم َ‬
‫أ ْن َعمَ اللّهُ عَلَـ ْيهِما فـي بعض الـحروف‪« :‬يخافون ال أنعم ال علـيهما»‪.‬‬
‫وهذا أي ضا م ـما يدلّ عل ـى صحة تأوي ـل من تأوّل ذلك عل ـى ما ذكر نا ع نه أ نه قال‪:‬‬
‫ِينـ‬
‫منـ اّلذ َ‬
‫ُلنـ َ‬
‫يوشـع‪ ,‬وكالب‪ .‬ورُوي عـن سـعيد بـن جبــير أنـه كان يقرأ ذلك‪« :‬قال َرج ِ‬
‫يُخافونَ» بضم الـياء «أنعم اللّهُ عَلَـ ْيهِما»‪.‬‬
‫‪9195‬ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن‬
‫القاسم بن أبـي أيوب‪ ,‬ول نعلـمه أنه سمع منه‪ ,‬عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرؤها بضم‬
‫الـياء من‪« :‬يُخافُونَ»‪.‬‬
‫ن سعيدا ذ هب ف ـي قراء ته هذه إل ـى أن الرجل ـين اللذ ين أ خبر ال عنه ما أنه ما قال‬
‫وكأ ّ‬
‫لبن ـي إ سرائيـل‪ :‬ادخ ـلوا عل ـيهم الب ـاب فإذا دخ ـلتـموه فإن كم غالبون‪ ,‬كا نا من ر هط‬
‫ال ـجبـابرة‪ ,‬وكا نا أ سلـما واتب عا مو سى‪ ,‬فه ما من أولد ال ـجبـابرة‪ ,‬اغلذ ين يخاف هم ب نو‬
‫إسـرائيـل وإن كان لهـم فــي الديـن مخالفــين‪ .‬وقـد حُكِي نــحو هذا التأويــل عـن ابـن‬
‫عبـاس‪.‬‬
‫‪ 9196‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ض الـمُ َق ّدسَة التـي َكتَ بَ الّل ُه َلكُ مْ وَل تَ ْر َتدّوا علـى أدبـا ِر ُكمْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ا ْدخُـلُوا الرْ َ‬
‫ن قال‪ :‬هي مدنة الـجبـارين‪ ,‬لـما نزل بها موسى وقومه‪ ,‬بعث منهم اثنـي‬
‫َفتَنْقَِلبُوا خا سِرِي َ‬
‫ع شر رجلً‪ ,‬و هم النقب ـاء الذ ين ذ كر نعت هم ل ـيأتوه ب خبرهم‪ .‬ف ساروا‪ ,‬فلق ـيهم ر جل من‬
‫ال ـجبـارين‪ ,‬فجعل هم ف ـي ك سائه‪ ,‬فحمل هم حت ـى أت ـى ب هم ال ـمدينة‪ ,‬ونادى ف ـي قو مه‪,‬‬
‫فــاجتـمعوا إلــيه‪ ,‬فقالوا‪ :‬مـن أنتــم؟ فقالوا‪ :‬نــحن قوم موسـى‪ ,‬بعثنـا إلــيكم لنأتــيه‬
‫بخبركم‪ ,‬فأعطوهم حبة من عنب بوقر الرجل‪ ,‬فقالوا لهم‪ :‬اذهبوا إلـى موسى وقومه‪ ,‬فقولوا‬
‫ل هم‪ :‬اقدُروا قدر ف ـاكهتهم فل ـما أتو هم‪ ,‬قالوا ل ـموسى‪ :‬اذْهَ بْ أنْ تَ َو َربّ كَ فَقاتِل إنّا َههُ نا‬
‫عدُونَ قالَ َرجُلنِ مِنَ اّلذِينَ يَخافُونَ أ ْن َعمَ اللّهُ عَلَـ ْيهِما وكانا من أهل الـمدينة أسلـما واتبعا‬
‫قا ِ‬
‫ـلتُـمُو ُه فَإنّكُم ْـ غالِبونَـ‬
‫موسـى وهارون‪ ,‬فقال لــموسى‪ :‬ا ْدخُــلُوا عَلَــْي ِهمُ البــابَ فإذَا َدخَـ ْ‬
‫وَلعى الّلهِ َفتَ َوكّلُوا إنْ ُك ْنتُـ ْم مُ ْؤ ِمنِـينَ‪.‬‬
‫فعل ـى هذه القراءة وهذا التأوي ـل ل ـم يكت ـم من الث نى ع شر نق ـيبـا أحدا ما أمر هم‬
‫مو سى بكتــمانه بنــي إ سرائيـل مــما رأوا وعاينوا من ع ظم أجسـام ال ـجبـابرة وشدّة‬
‫بطشهم وعجيب أمورهم‪ ,‬بل أفشوا ذلك كله‪ .‬وإنـما القائل للقوم ولـموسى‪ :‬ادخـلوا علـيهم‬
‫الب ـاب‪ ,‬رجلن من أولد الذ ين كان ب نو إ سرائيـل يخافون هم ويرهبون الدخول عل ـيهم من‬
‫الـجبـابرة‪ ,‬كان أسلـما وتبعا نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وأولـى القراءتـين بـالصواب عندنا‪ ,‬قراءة من قرأ مِ نَ اّلذِي نَ يَخافُو نَ أ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَـ ْيهِما‬
‫لجماع قرّاء ف ـيه ال ـخطأ وال سهو‪ .‬ثم ف ـي إجماع ال ـحجة ف ـي تأوي ـلها عل ـى أنه ما‬
‫رجلن من أصحاب موسى من بنـي إسرائيـل وأنهما يوشع وكلب‪ ,‬ما أغنى عن الستشهاد‬
‫علـى صحة القراءة بفتـح الـياء فـي ذلك وفساد غيره‪ ,‬وهو التأويـل الصحيح عندنا لـما‬
‫ذكرنا من أجماعها علـيه‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬أ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَ ـ ْيهِما فإ ته يعنـي‪ :‬أن عم ال علـيهم بطا عة ال ف ـي طا عة نب ـيه‬
‫مو سى صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وانتهائ هم إل ـى أمره‪ ,‬والنزجار ع ما زجره ما ع نه صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬من إفشاء ما عاينا من عجيب أمر الـجبـارين إلـى بنـي إسرائيـل الذي حذّر‬
‫عنه أصحابهما الَخرين الذين كانوا معهما من النقبـاء‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬إن معنى ذلك‪ :‬أنعم الل‬
‫علـيهما بـالـخوف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9197‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خ ـلف بن ت ـميـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ن يَخافُونَ أ ْنعَمَ الّلهُ عَلَـ ْيهِما‬
‫ن مِنَ اّلذِي َ‬
‫إسحاق بن القاسم‪ ,‬عن سهل ابن علـيّ‪ ,‬قوله‪ :‬قالَ َرجُل ِ‬
‫قال‪ :‬أنعم ال علـيهما بـالـخوف‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬كان الضحاك يقول وجماعة غيره‪.‬‬
‫‪ 9198‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عب ـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫ّهـ عَلَــْيهِما‬
‫َمـ الل ُ‬
‫ُونـ أ ْنع َ‬
‫ِينـ يَخاف َ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫ُلنـ م َ‬
‫قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فــي قوله‪ :‬قالَ َرج ِ‬
‫بـالهدى فهداهما‪ ,‬فكانا علـى دين موسى‪ ,‬وكانا فـي مدينة الـجبـارين‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ا ْدخُـلُوا عَلَـيْ ِهمُ البـابَ فإذَا َدخَـ ْلتُـمُوهُ فإ ّنكُمْ غاِلبُونَ‪.‬‬
‫وهذا خبر من ال عزّ ذكره عن قول الرجل ـين اللذ ين يخاف ـان ال لبن ـي إ سرائيـل إذ‬
‫جبنوا وخافوا من الدخول عل ـى ال ـجبـارين ل ـما سمعوا خبرهم‪ ,‬وأ خبرهم النقب ـاءالذين‬
‫أفشوا ما عاينوا من أمرهم فـيهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن فـيها قوما جبـارين وإنا لن ندخـلها حتـى‬
‫يخرجوا منهـا‪ ,‬فقال لهـم‪ :‬ادخــلوا علــيهم أيهـا القوم بــاب مدينتهـم‪ ,‬فإن ال معكـم وهـو‬
‫ناصركم‪ ,‬وإنكم إذا دخـلتـم البـاب غلبتـموهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9199‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن ب عض أ هل العل ـم‬
‫همـ بنـو إسـرائيـل بــالنصراف إلــى مصـر حيـن أخـبرهم‬
‫بــالكتاب الوّل‪ ,‬قال‪ :‬لــما ّ‬
‫النقب ـاء ب ـما أ خبروهم من أ مر ال ـجبـابرة‪ ,‬خرّ مو سى وهارون عل ـى وجوهه ما سجودا‬
‫قدام جما عة بنــي إسـرائيـل‪ ,‬وخرّق يوشـع بـن نون وكالب بـن يوفنـا ثــيابهما‪ ,‬وكانـا مـن‬
‫جواسـيس الرض‪ ,‬وقال لــجماعة بنــي إسـرائيـل‪ :‬إن الرض مررنـا بهـا وجسـسناها‬
‫صالـحة رضيها ربنا لنا فوهبها لنا‪ ,‬وإنها لـم تكن تفـيض لبنا وعسلً‪ ,‬ولكن افعلوا واحدة‪,‬‬
‫ل تعصُوا ال‪ ,‬ول تـخَشوُا الشعب الذين بها‪ ,‬فإنهم جبناء‪ ,‬مدفوعون فـي أيدينا‪ ,‬إن حاربناهم‬
‫ذهبـت منهـم‪ ,‬وإن ال معنـا فل تــخشوهم‪ .‬فأراد مـن بنــي إسـرائيـل أن يرجموهمـا‬
‫بـالـحجارة‪.‬‬
‫‪ 9200‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذ كر لنا أن هم بعثوا‬
‫اثن ـي ع شر رجلً‪ ,‬من كل سبط رجلً‪ ,‬عيو نا ل هم‪ ,‬ول ـيأتوهم بأخب ـار القوم‪ .‬فأ ما عشرة‬
‫فجبّنوا قومهم و َكرّهُوا إلـيهم الدخول علـيهم‪ .‬وأما الرجلن فأمرا قومهما أن يدخـلوها‪ ,‬وأن‬
‫يتبعوا أمر ال‪ ,‬ورغبـا فـي ذلك‪ ,‬وأخبرا قومهما أنهم غالبون إذا فعلوا ذلك‪.‬‬
‫‪9201‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ب قرية الـجبـارين‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬عَلَـ ْيهِ ُم البـا َ‬
‫ن ُك ْنتُـمْ مُ ْؤمِنـينَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وعلـى اللّ ِه َفتَ َوكّلُوا إ ْ‬
‫وهذا أي ضا خبر من ال جلّ وعزّ‪ ,‬عن قول الرجل ـين اللذ ين يخاف ـان ال أنه ما قال لقوم‬
‫موسى يشجعانهم بذلك‪ ,‬ويرغبـانهم فـي الـمضيّ لمر ال بـالدخول علـى الـجبـارين‬
‫فـي مدينتهم‪ :‬توكلوا أيها القوم علـى ال فـي دخولكم علـيهم ويقولن لهم‪ :‬ثقوا بـال فإنه‬
‫ن ُك ْنتُـمْ مُ ْؤ ِمنِـينَ‪ :‬إن‬
‫معكم إن أطعتـموه فـيـما أمركم من جهاد عدوّكم‪ .‬وعنـيا بقولهما إ ْ‬
‫كنتـم مصدّقـي نبـيكم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فـيـما أنبأكم عن ربكم من النصرة والظفر‬
‫عل ـيهم‪ ,‬وف ـي غ ير ذلك من إخب ـاره عن ر به‪ ,‬ومؤمن ـين بأن رب كم قادر عل ـى الوف ـاء‬
‫لكم بـما وعدكم من تـمكينكم فـي بلد عدوّه وعدوّكم‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ّندْخَُلهَآ َأبَدا مّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَ بْ‬
‫سىَ ِإنّا لَ ْ‬
‫{قَالُو ْا يَامُو َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عدُونَ }‪..‬‬
‫أَنتَ َو َر ّبكَ فَقَاتِل ِإنّا هَا ُهنَا قَا ِ‬
‫ل ذكره عـن قول الــمل مـن قوم موسـى لــموسى‪ ,‬إذ رغبوا فــي‬
‫وهذا خـبر مـن ال ج ّ‬
‫جهاد عدوّهم‪ ,‬ووعدوا نصر ال إياهم‪ ,‬إن هم ناهضوهم‪ ,‬ودخـلوا علـيهم بـاب مدينتهم أنهم‬
‫ن َن ْدخُـلَها أبَدا يعنون‪ :‬إنا لن ندخـل مدينتهم أبدا‪ .‬والهاء واللف فـي قوله‪ :‬إنّا‬
‫قالوا له‪ :‬إنّا لَ ْ‬
‫لَ نْ َن ْدخُـلَها من ذكر الـمدينة‪ .‬ويعنون بقولهم‪ :‬أبدا‪ :‬أيام حياتنا ما داموا فـيها‪ ,‬يعنـي‪ :‬ما‬
‫كان الــجبـارون مقــيـمين فــي تلك الــمدينة التــي كتبهـا ال لهـم وأُمروا بدخولهـا‪.‬‬
‫عدُونَ ل نـجيء معك يا موسى إن ذهبت إلـيهم لقتالهم‪,‬‬
‫فـاذْهَبْ أنْتَ َو َر ّبكَ فَقاتِل إنّا َههُنا قا ِ‬
‫ولكن نتركك تذهب أنت وحدك وربك فتقاتلنهم‪.‬‬
‫وكان بعضهم يقول فـي ذلك‪ :‬لـيس معنى الكلم‪ :‬اذهب أنت ولـيذهب معك ربك فقاتل‪,‬‬
‫ولكن معناه‪ :‬اذهب أنت يا موسى‪ ,‬ولـ ُي ِعنْك ربك‪ ,‬وذلك أن ال ل يجوز علـيه الذهاب‪ .‬وهذا‬
‫إن ـما كان يحتاج إل ـى طلب الـمخرج له لو كان الـخبر عن قوم مؤمن ـين‪ ,‬فأما قوم أ هل‬
‫خلف علـى ال عزّ ذكره وسوله‪ ,‬فل وجه لطلب الـمخرج لكلمهم فـيـما قالوا فـي ال‬
‫عزّ وجلّ وافترَوا عل ـيه إل ب ـما يش به كفر هم وضللت هم‪ .‬و قد ذ كر عن ال ـمقداد أ نه قال‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم خلف ما قال قوم موسى لـموسى‪.‬‬
‫‪ 9202‬ـ حدث نا سفـيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬وحدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن‬
‫سفـيان‪ ,‬عن مخارق‪ ,‬عن طارق‪ :‬أن الـمقداد بن السود قال للنبـيّ صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫عدُو نَ ول كن نقول‪:‬‬
‫إ نا ل نقول ك ما قالت ب نو إ سرائيـل‪ :‬اذْهَ بْ أنْ تَ َو َربّ كَ فَقاتِل إنّا َههُ نا قا ِ‬
‫اذهب أنت وربك فقاتل‪ ,‬إنا معكم مقاتلون‪.‬‬
‫‪9203‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذكر لنا أن رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم قال ل صحابه يوم ال ـحديبـية‪ ,‬ح ين ص ّد ال ـمشركون الهدي وحي ـل‬
‫ع ْن َد البَ ـيْتِ»‪ .‬فقال له ال ـمقداد بن‬
‫ب ـينهم وب ـين منا سكهم‪« :‬إنّى ذَاهِ بٌ ب ـال َهدْي فَناحِرُ هُ ِ‬
‫ال سود‪ :‬أ ما وال ل نكون كال ـمل من بنـي إ سرائيـل‪ ,‬إذ قالوا لنب ـيهم‪ :‬اذ هب أ نت وربك‬
‫فقاتل إنا ههنا قاعدون‪ ,‬ولكن‪ :‬اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكم مقاتلون فلـما سمعها أصحاب‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم تتابعوا علـى ذلك‪.‬‬
‫وكان ابـن عبــاس والضحاك بن مزاحـم وجما عة غيرهمـا يقولون‪ :‬إنــما قالوا هذا القول‬
‫لـموسى علـيه السلم حين تبـين لهم أمر الـجبـارين وشدة بطشهم‪.‬‬
‫‪ 9204‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد بن‬
‫سلـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ :‬أ مر ال جلّ وع ّز بن ـي إ سرائيـل أن ي سيروا إل ـى‬
‫الرض الـمقدسة مع نبـيهم موسى صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلـما كانوا قريبـا من الـمدينة‬
‫قال لهـم موسـى‪ :‬ادخــلوها فأبوا وجبنوا‪ ,‬وبعثوا اثنــي عشـر نقــيبـا لــينظروا إلــيهم‪.‬‬
‫ف ـانطلقوا فنظروا‪ ,‬فجاءوا بح بة ف ـاكهة من ف ـاكهتهم بو قر الر جل‪ ,‬فقالوا‪ :‬قدروا قوّة قوم‬
‫عدُونَ‪.‬‬
‫ب أنْتَ َو َر ّبكَ فَقاتِل إنّا َههُنا قا ِ‬
‫وبأسهم هذه فـاكهتهم فعند ذلك قالوا لـموسى‪ :‬اذْهَ ْ‬
‫‪ 9205‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس نـحوه‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{قَالَ رَبّ ِإنّي ل َأمْلِكُ ِإلّ َنفْسِي وََأخِي فَا ْفرُقْ َب ْي َننَا َو َبيْنَ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫الْقَ ْو ِم الْفَاسِقِينَ }‪..‬‬
‫وهذا خبر من ال جلّ وع ّز عن قـيـل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا من قولهم‪:‬‬
‫ن أنه قال عند‬
‫عدُو َ‬
‫ن َن ْدخُـلَها أبَدا ما دَامُوا فِـيها فـاذْهَبْ أنْ تَ َو َربّ كَ فَقاتِل إنّا َههُنا قا ِ‬
‫إنّا َل ْ‬
‫ذلك‪ ,‬وغضب من قـيـلهم لهم داعيا‪ :‬يا ر بّ إنّى ل أمْلِ كُ إلّ نَفْ سِي وأخِي يعنـي بذلك‪ :‬ل‬
‫ب وأريد من طاعتك واتبـاع أمرك ونهيك‪ ,‬إل علـى‬
‫أقدر علـى أحد أن أحمله علـى ما أح ّ‬
‫نف سي وعل ـى أ خي‪ .‬من قول القائل‪ :‬ما أملك من ال مر شيئا إل كذا وكذا‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬ل أقدر‬
‫علـى شيء غيره‪.‬‬
‫ويعنـي بقوله‪ :‬فـافْ ُرقْ بَـ ْينَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ افصل بـيننا وبـينهم بقضاء منك‬
‫تقض يه ف ـينا وف ـيهم فتبعد هم م نا‪ ,‬من قول القائل‪ :‬فَرَ قت ب ـين هذ ين الشيئ ين‪ ,‬ب ـمعنى‪:‬‬
‫فصلت بـينهما من قول الراجز‪:‬‬
‫يا رَبّ فـافْ ُرقْ بَـ ْينَهُ َوبَـيْنـيأشَدّ ما فَ َرقْتَ بـينَ اثنَـيْنِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9206‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن ال َقوْ مِ الفـاسِقِـينَ يقول‪ :‬اقض بـينـي‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬فـا ْف ُرقْ بَـيْنَنا وبـي َ‬
‫وبـينهم‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪:‬‬
‫فـافْ ُرقْ بَـ ْينَنا وبـينَ ال َق ْومِ الفـاسِقِـينَ يقول‪ :‬اقض بـيننا وبـينهم‪.‬‬
‫‪ 9207‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬غضب موسى صلى ال عليه وسلم حين قال له القوم‪ :‬اذْهَبْ أنْتَ َو َربّكَ فَقاتِل إنّا‬
‫ك إلّ نَفْ سِي وأخِي ف ـافْ ُرقْ بَ ـيْنَنا وب ـينَ‬
‫ب إنّى ل أمْلِ ُ‬
‫عدُو نَ‪ ,‬فد عا عل ـيهم فقال‪ :‬رَ ّ‬
‫َههُ نا قا ِ‬
‫القَ ْو ِم الفـاسِقِـينَ وكانت عجْلة من موسى عجلها‪.‬‬
‫‪ 9208‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد بن سلـمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ْمـ الفــاسِقِـينَ يقول‪ :‬اقـض‬
‫سـمعت الضحاك يقول فــي قوله‪ :‬فــا ْفرُقْ بَــيْنَنا وبــينَ القَو ِ‬
‫ب ـيننا وب ـينهم‪ ,‬وافت ـح ب ـيننا وب ـينهم‪ ,‬كل هذا من قول الر جل‪ :‬ا قض ب ـيننا‪ ,‬فق ضى ال‬
‫جلّ ثناؤه بـينه وبـينهم أن سماهم فـاسقـين‪.‬‬
‫وعنى بقوله‪ :‬الفـاسِقِـينَ‪ :‬الـخارجين عن اليـمان بـال وبه‪ ,‬إلـى الكفر بـال وبه‪.‬‬
‫وقد دللنا علـى أن معنى الفسق‪ :‬الـخروج من شيء إلـى شيء‪ ,‬فـيـما مضى‪ ,‬بـما أغنى‬
‫عن إعادته‪.‬‬

‫‪26‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُونـ فِي‬
‫سـنَ ًة َيتِيه َ‬
‫ِينـ َ‬
‫ِمـ َأ ْر َبع َ‬
‫ح ّرمَةٌ عََل ْيه ْ‬
‫{قَالَ َفِإنّهَا ُم َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫الرْضِ فَلَ َتأْسَ عَلَى الْ َق ْومِ الْفَاسِقِينَ }‪..‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي النا صب للربع ين‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬النا صب له قوله‪ :‬مُ ـحَ ّرمَةٌ‬
‫وإنـما حرّم ال جلّ وعزّ علـى القوم الذين عصوه وخالفوا أمره من قوم موسى وأبوا حرب‬
‫ل مدينتهم أربعين سنة‪ ,‬ثم فتـحها علـيهم‪ ,‬وأسكنوها‪ ,‬وأهلك الـجبـارين‬
‫الـجبـارين‪ ,‬دخو َ‬
‫بعد حرب منهم لهم‪ ,‬بعد أن قضيت الربعون سنة‪ ,‬وخرجوا من التـيه‪.‬‬
‫‪ 9209‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬لـما قال لهم القوم ما قالوا ودعا موسى علـيهم‪ ,‬أوحى ال إلـى‬
‫سنَ ًة َيتِ ـيهُونَ فِ ـي الرْ ضِ فَلَ َتأْ سَ عل ـى القَوْ مِ‬
‫ح ّرمَةٌ عَلَ ـيْ ِهمْ أ ْر َبعِي نَ َ‬
‫مو سى‪ :‬إنّ ها مُ ـ َ‬
‫الف ـاسِقِـينَ و هو يومئذ ف ـيـما ذ كر ستـمائة ألف مقا تل فجعل هم ف ـاسقـين ب ـما ع صوا‪,‬‬
‫ل يوم جادّين لكي يخرجوا منها‪,‬‬
‫فلبثوا أربعين سنة فـي فراسخ ستة‪ ,‬أو دون ذلك‪ ,‬يسيرون ك ّ‬
‫حتـى يـمسوا وينزلوا‪ ,‬فإذا هم فـي الدار التـي منها ارتـحلوا‪ .‬وإنهم اشتكوا إلـى موسى‬
‫ما ف عل ب هم‪ ,‬فأنزل عل ـيهم ال ـمنّ وال سلوى‪ ,‬وأعطوا من الك سوة ما هي قائ مة ل هم‪ ,‬ين شأ‬
‫الناشيء فتكون معه علـى هيئته‪ .‬وسأل موسى ربه أن يسقـيهم‪ ,‬فأتـى بحجر الطور‪ ,‬وهو‬
‫ل سبط منهم‬
‫حجر أبـيض‪ ,‬إذا ما نزل القوم ضربه بعصاه فـيخرج منه اثنتا عشرة عينا لك ّ‬
‫عين‪ ,‬قد علـم كلّ أناس َمشْربهم‪ .‬حتـى إذا خـلت أربعون سنة‪ ,‬وكانت عذابـا بـما اعتدوا‬
‫وعصـوا‪ ,‬أوحـى إلــى موسـى أن مرهـم أن يسـيروا إلــى الرض الــمقدسة‪ ,‬فإن ال قـد‬
‫كف ـاهم عدوّ هم‪ ,‬و قل ل هم إذا أتوا ال ـمسجد أن يأتوا الب ـاب وي سجدوا إذا دخ ـلوا‪ ,‬ويقولوا‬
‫حطّ عنهم خطاياهم‪ .‬فأبى عامة القوم‪ ,‬وعصوا‪ ,‬وسجدوا علـى‬
‫حطة‪ .‬وإنـما قولهم حطة‪ ,‬أن َي ُ‬
‫ل ثناؤه‪َ :‬ف َبدّلَ اّلذِين َـ ظَلَــمُوا قَ ْولً غي َر اّلذِي قِــيـلَ َلهُمـْ‪...‬‬
‫خدّهـم‪ ,‬وقاوا حنطـة‪ ,‬فقال ال ج ّ‬
‫إلـى‪ :‬بِـمَا كانُوا يَ ْفسُقُونَ‪.‬‬
‫ن فِ ـي الرْ ضِ‪ .‬قالوا‪ :‬ومع نى الكلم‪ :‬قال‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل النا صب للربع ين‪َ :‬يتِ ـيهُو َ‬
‫فإن ها م ـحرّمة عل ـيهم أبدا يت ـيهون ف ـي الرض أربع ين سنة‪ .‬قالوا‪ :‬ول ـم يدخ ـل مدي نة‬
‫ب أنْ تَ َو َربّ كَ فَقاتِل‬
‫ن َندْخُـلَها أبَدا ما دَامُوا فِـيها فـاذْهَ ْ‬
‫الـجبـارين أحد مـمن قال‪ :‬إنّا لَ ْ‬
‫عدُو نَ‪ ,‬وذلك أن ال ع ّز ذكره حرّم ها عل ـيهم‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ـما دخ ـلها من أولئك‬
‫إنّا َههُ نا قا ِ‬
‫القوم‪ :‬يوشع وكلب اللذان قال لهم‪ :‬ا ْدخُـلُوا عَلَـ ْي ِهمُ البـابَ فإذَا َدخَـ ْلتُـمُو ُه فإ ّنكُ مْ غاِلبُو نَ‬
‫وأولد الذين حرّم ال علـيهم دخولها‪ ,‬فتـيّهم ال فلـم يدخـلها منهم أحد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9210‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو هلل‪ ,‬عن‬
‫ح ّرمَةٌ عَلـي ِهمْ قال‪ :‬أبدا‪.‬‬
‫قتادة فـي قول ال‪ :‬إنهَها مُـ َ‬
‫‪9211‬ـ حدثنا ابن بشار قال‪ :‬سلـيـمان بن حرب قال‪ :‬حدثنا أبو هلل‪ ,‬عن قتادة فـي قول‬
‫ض قال‪ :‬أربعين سنة‪.‬‬
‫ن فِـي الرْ ِ‬
‫ال‪َ :‬يتِـيهُو َ‬
‫‪ 9212‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلـم بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون النـحوي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سنَةً‬
‫ح ّرمَةٌ عَلَ ـيْ ِهمْ أ ْر َبعِي نَ َ‬
‫ثن ـي الزب ـير بن ال ـخرّيت‪ ,‬عن عكر مة ف ـي قوله‪ :‬فإنّ ها مُ ـ َ‬
‫َيتِـيهُونَ فِـي الرْضِ قال‪ :‬التـحريـم ل منتهى له‪.‬‬
‫‪ 9213‬ـ حدث نا مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫ك إلّ نَفْ سِي‬
‫ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬غ ضب مو سى عل ـى قو مه‪ ,‬فد عا عل ـيهم‪ ,‬فقال‪ :‬ر بّ إنّى ل أمْلِ ُ‬
‫ن فِــي‬
‫سـنَ ًة َيتِــيهُو َ‬
‫ِينـ َ‬
‫وأخِي‪ ...‬الَيـة‪ ,‬فقال ال جلّ وعزّ‪ :‬فإنّهـا مُــحَ ّرمَةٌ عَلَــْيهِمْ أ ْر َبع َ‬
‫الرْضِ فلـما ضرب علـيهم التـيه‪ ,‬ندم موسى‪ ,‬وأتاه قومه الذين كانوا يطيعونه‪ ,‬فقال له‪ :‬ما‬
‫صنعت ب نا يا مو سى؟ فمكثوا ف ـي الت ـيه فل ـما خرجوا من الت ـيه‪ ,‬ر فع ال ـمنّ وال سلوى‪,‬‬
‫وأكلوا من البقول‪ .‬والتق ـى مو سى وعوج‪ ,‬فو ثب مو سى ف ـي ال سماء عشرة أذرع‪ ,‬وكا نت‬
‫عصـاه عشرة أذرع‪ ,‬وكان طوله عشرة أذرع‪ ,‬فأصـاب كعـب عوج فقتله‪ .‬ولــم يبـق (أحـد)‬
‫مـمن أبى أن يدخـل قرية الـجبـارين مع موسى إل مات‪ ,‬ولـم يشهد الفتـح‪ .‬ثم إن ال‬
‫لـما انقضت الربعون سنة بعث يوشع بن نون نبـيا‪ ,‬فأخبرهم أنه نبـيّ‪ ,‬وأن ال قد أمره‬
‫أن يقاتل الـجبـارين‪ ,‬فبـايعوه وصدّقوه‪ ,‬فهزم الـجبـارين‪ ,‬واقتـحموا علـيهم يقاتلونهم‪,‬‬
‫فكانت العصابة من بنـي إسرائيـل يجتـمعون علـى عنق الرجل يضربونها ل يقطعونها‪.‬‬
‫‪9214‬ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيـم بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال أ بو سعيد‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما د عا مو سى‪ ,‬قال ال‪ :‬فإنّ ها‬
‫سنَةً َيتِـيهُونَ فِـي الرْ ضِ قال‪ :‬فدخـلوا التـيه‪ ,‬فكلّ من دخـل‬
‫حرّمَةٌ عَلَـ ْيهِ ْم أرْ َبعِي نَ َ‬
‫مُـ َ‬
‫التـيه م ـمن جاوز العشرين سنة مات فـي الت ـيه‪ .‬قال‪ :‬فمات موسى فـي الت ـيه‪ ,‬ومات‬
‫هارون قبله‪ .‬قال‪ :‬فلبثوا ف ـي ت ـيههم أربع ين سنة‪ ,‬فنا هض يو شع ب ـمن بق ـي م عه مدي نة‬
‫الـجبـارين‪ ,‬فـافتتـح يوشع الـمدينة‪.‬‬
‫‪ 9215‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال ال‪ :‬فإنّ ها مُ ـحَ ّرمَةٌ‬
‫سنَ ًة حر مت عل ـيهم (القرى)‪ ,‬وكانوا ل يهبطون قر ية‪ ,‬ول يقدرون عل ـى‬
‫ن َ‬
‫عَلَ ـيْ ِهمْ أ ْر َبعِي َ‬
‫ذلك‪ ,‬إنـما يتبعون الطواء أربعين سنة‪ .‬وذكر لنا أن موسى صلى ال عليه وسلم مات فـي‬
‫الربع ين سنة‪ ,‬وأ نه ل ـم يدخ ـل ب ـيت ال ـمقدس من هم إل أبناؤ هم والرجلن اللذان قال ما‬
‫قال‪.‬‬
‫‪ 9216‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي بعض أهل العلـم‬
‫بــالكتاب الوّل‪ ,‬قال‪ :‬لــما فعلت بنـو إسـرائيـل مـا فعلت‪ ,‬مـن معصـيتهم نبــيهم‪ ,‬وهمّهـم‬
‫بكالب ويوشـع‪ ,‬إذ أمراهـم بدخول مدينـة الــجبـارين‪ ,‬وقال لهـم مـا قال‪ ,‬ظهرت عظمـة ال‬
‫بـالغمام علـى نار فـيه الرمز علـى كلّ بنـي إسرائيـل‪ ,‬فقال جلّ ثناؤه لـموسى‪ :‬إلـى‬
‫متــى يعصـينـي هذا الشعـب وإلــى متــى ل يصـدّقون بــالَيات كلهـا التــي وضعـت‬
‫ب ـينهم؟ أضرب هم ب ـالـموت فأهلك هم‪ ,‬وأج عل لك شعب ـا أشدّ من هم‪ .‬فقال مو سى ي سمع أ هل‬
‫الــمِصر الذيـن أخرجـت هذا الشعـب بقوّتـك مـن بــينهم‪ ,‬ويقول سـاكنو هذه البلد الذيـن قـد‬
‫سمعوا أ نك أ نت ال ف ـي هذا الش عب‪ ,‬فلو أ نك قتلت هذا الش عب كل هم كر جل وا حد‪ ,‬لقالت‬
‫المـم الذين سمعوا بـاسمك‪ :‬إنـما قتل هذا الشعب من أجل ل يستطيع أن يدخـلهم الرض‬
‫ب كما كنت‬
‫التـي خـلق لهم‪ ,‬فقتلهم فـي البرية‪ ,‬ولكن لترتفع أياديك‪ ,‬ويعظم جزاؤك يا ر ّ‬
‫تكلـمت وقلت لهم‪ ,‬فإنه طويـل صبرك‪ ,‬كثـيرة نعمك‪ ,‬وأنت تغفر الذنوب فل توبق‪ ,‬وإنك‬
‫تـحفظ الَبـاء علـى البناء وأبناء البناء إلـى ثلثة أجيال وأربعة‪ ,‬فـاغفر أي ر بّ آثام‬
‫هذا الشعب‪ ,‬بكثرة نعمك‪ ,‬وكما غفرت لهم منذ أخرجتهم من أرض مصر إلـى الَن فقال ال‬
‫جلّ ثناؤه لـموسى صلى ال عليه وسلم‪ :‬قد غفرت لهم بكلـمتك‪ ,‬ولكن قد أنى لـي أنا ال‪,‬‬
‫وقـد ملَت ِـ الرضَـ مــحمدتـي كلّهـا‪ ,‬ألّ يرى القوم الذيـن قـد رأوا مــحمدتـي وآياتــي‬
‫سأَلونـي عشر مرات ولـم يطيعونـي‪ ,‬ل‬
‫التـي فعلت فـي أرض مصر وفـي القـفـاز‪َ ,‬‬
‫يرون الرض التـي خَـلَقْتُ لَبـائهم‪ ,‬ول يراها من أغضبنـي فأما عبدي كالب الذي كان‬
‫روحـه معـي واتبـع هواي‪ ,‬فإنــي مدخــله الرض التــي دخــلها‪ ,‬ويراهـا خَــلَفُه‪ .‬وكان‬
‫العمالـيق والكنعانـيون جلوسا فـي الـجبـال‪ ,‬ثم غدوا فـارتـحلوا فـي القـفـاز فـي‬
‫طريـق يحرسـون‪ ,‬وكلــم ال عزّ وجلّ موسـى وهارون‪ ,‬وقال لهمـا‪ :‬إلــى متــى توسـوس‬
‫علـيّ هذه الـجماعة جماعة السوء؟ قد سمعت وسوسة بنـي إسرائيـل‪ .‬وقال‪ :‬لفعل نّ بكم‬
‫ن جيفكم فـي هذه القـفـار‪ ,‬وحسابكم من بنـي عشرين سنة فما فوق‬
‫كما قلت لكم‪ ,‬وَلتُلْقَـيَ ّ‬
‫ذلك من أ جل أن كم و سوستـم عل ـيّ‪ ,‬فل تدخ ـلوا الرض الت ـي دف عت إل ـيها‪ ,‬ول ينزل‬
‫فـيها أحد من كم غ ير كالب بن يوفنا ويوشع بن نون‪ ,‬وتكون أثقال كم كما كنت ـم الغنـيـمة‪.‬‬
‫وأ ما بنو كم ال ـيوم الذ ين ل ـم يعل ـموا ما ب ـين ال ـخير والشرّ‪ ,‬فإن هم يدخ ـلون الرض‪,‬‬
‫وإنــي بهـم عارف لهـم الرض التــي أردت لهـم وتسـقط جيفكـم فــي هذه القــفـار‪,‬‬
‫وتت ـيهون ف ـي هذه الق ـفـار عل ـى ح ساب اليام الت ـي ج سستـم الرض أربع ين يو ما‬
‫ل يوم سنة وتُقتلون بخطاياكم أربعين سنة‪ ,‬وتعلـمون أنكم وسوستـم‪ :‬قد أنى لـي أنا‬
‫مكان ك ّ‬
‫ال فــاعل بهذه الــجماعة‪ ,‬جماعـة بنــي إسـرائيـل‪ ,‬الذيـن ُوعِدوا بأن يُتــيّهوا فــي‬
‫القــفـار‪ ,‬فــيها يــموتون فأمـا الرهـط الذيـن كان موسـى بعثهـم يتــجسسون الرض‪ ,‬ثـم‬
‫حرّشوا الـجماعة‪ ,‬فأفشوا فـيهم خبر الشرّ‪ ,‬فماتوا كلهم بغ تة‪ ,‬وعاش يوشع وكالب بن يوفنا‬
‫من الرهط الذين انطلقوا يتـحسسون الرض‪ .‬فلـما قال موسى علـيه السلم هذا الكلم كله‬
‫لبنـي إسرائيـل‪ ,‬حزن الشعب حزنا شديدا‪ ,‬وغدوا فـارتفعوا علـى رأس الـجبل‪ ,‬وقالوا‪:‬‬
‫نرتقـي الرض التـي قال جل ثناؤه من أجل أنا قد أخطأنا‪ .‬فقال لهم مو سى‪ :‬لـم َت ْع َتدُون‬
‫فـي كلم ال من أجل ذلك‪ ,‬ل يصلـح لكم عمل‪ ,‬ول تصعدوا من أجل أن ال لـيس معكم‪,‬‬
‫ف ـالَن تنك سرون من قدام أعدائ كم من أ جل العمال قة والكنعان ـيـين أمام كم‪ ,‬فل تقعوا ف ـي‬
‫الـحرب من أجل أنكم انقلبتـم علـى ال فلـم يكن ال معكم فأخذوا يرقون فـي الـجبل‪,‬‬
‫ل ذكره ومو سى من ال ـمـحلة يعن ـي من‬
‫ول ـم يبرح التابوت الذي ف ـيه مواث ـيق ال ج ّ‬
‫ال ـحكمة‪ ,‬حتــى هبـط العمال ـيق والكنعانــيون ف ـي ذلك ال ـحائط‪ ,‬فحرّقو هم وطردو هم‬
‫وقتلو هم‪ .‬فت ـيّهم ال عزّ ذكره فـي الت ـيه أربع ين سنة بـالـمعصية‪ ,‬حت ـى هلك من كان‬
‫شبـ النواشيـء مـن ذراريهـم‪ ,‬وهلك‬
‫ّ‬ ‫اسـتوجب الــمعصية مـن ال فــي ذلك‪ .‬قال‪ :‬فلــما‬
‫آبـاؤهم‪ ,‬وانقضت الربعون سنة التـي تتـيهوا فـيها وسار بهم موسى ومعه يوشع بن نون‬
‫وكالب بن يوف نا‪ ,‬وكان ف ـيـما يزعمون عل ـى مري ـم اب نة عمران أ خت مو سى وهارون‪,‬‬
‫وكان لهما صهرا قدم يوشع بن نون إلـى أريحاء فـي بنـي إسرائيـل‪ ,‬فدخـلها بهم‪ ,‬وقتل‬
‫الـجبـابرة الذين كانوا فـيها‪ ,‬ثم دخـلها موسى ببنـي إسرائيـل‪ ,‬فأقام فـيها ما شاء ال‬
‫أن يقـيـم‪ ,‬ثم قبضه ال إلـيه ل يعلـم قبره أحد من الـخلئق‪.‬‬
‫وأولــى القولــين فــي ذلك عندي بــالصواب‪ ,‬قول مـن قال‪ :‬إن الربعيـن منصـوبة‬
‫ي بـه جميـع قوم موسـى ل‬
‫ح ّرمَةٌ عَلَــْيهِمْ أ ْر َبعِينَـ سَـنَةً معنــ ّ‬
‫بــالتـحريـم‪ ,‬وإن قوله‪ :‬مُــ َ‬
‫ب عض دون ب عض من هم لن ال ع ّز ذكره ع مّ بذلك القوم‪ ,‬ول ـم يخ صصص من هم بعضا دون‬
‫ب عض‪ .‬و قد وف ـى ال ب ـما وعد هم به من العقو بة‪ ,‬فت ـيههم أربع ين سنة‪ ,‬وحرّم عل ـى‬
‫جميعهـم فــي الربعيـن سـنة التــي مكثوا فــيها تائهيـن دخول الرض الــمقدسة‪ ,‬فلــم‬
‫يدخ ـلها من هم أ حد‪ ,‬ل صغير ول كب ـير ول صالـح ول طال ـح‪ ,‬حت ـى انق ضت ال سنون‬
‫التـي حرّم ال عزّ وجلّ علـيهم فـيها دخولها‪ .‬ثم أذن لـمن بقـي منهم وذراريهم بدخولها‬
‫مع نب ـيّ ال مو سى‪ ,‬والرجل ـين اللذ ين أن عم ال عل ـيهما‪ .‬وافتت ـح قر ية ال ـجبـارين إن‬
‫شاء ال نبــيّ ال موسـى صـلى ال عليـه وسـلم وعلــى مقدمتـه يوشـع‪ ,‬وذلك لجماع أهـل‬
‫العلـم بأخبـار الوّلـين أن عوج بن عنق قتله موسى صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلو كان قتله إياه‬
‫قبل مصيره فـي التـيه وهو من أعظم الـجبـارين خـلقا لـم تكن بنو إسرائيـل تـجزع‬
‫من الـجبـارين ال ـجزع الذي ظ هر من ها‪ ,‬ول كن ذلك كان إن شاء ال ب عد فناء ال مة التـي‬
‫جز عت وع صت رب ها وأ بت الدخول عل ـى ال ـجبـارين مدينت هم‪ .‬وب عد‪ :‬فإن أ هل العل ـم‬
‫بأخبـار الوّلـين مـجمعون علـى أن بعلـم بن بـاعوراء كان مـمن أعان الـجبـارين‬
‫بــالدعاء علــى موسـى ومــحال أن يكون ذلك كان وقوم موسـى مــمتنعون مـن حربهـم‬
‫وجهادهـم‪ ,‬لن الــمعونة إنــما يحتاج إلــيها مـن كان مطلوبــا‪ ,‬فأمـا ول طالب فل وجـه‬
‫للـحاجة إلـيها‪.‬‬
‫‪ 9217‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫نوف‪ ,‬قال‪ :‬كان سرير عوج ثمان ـمائة ذراع‪ ,‬وكان طول مو سى عشرة أذرع وع صاه عشرة‬
‫أذرع ووثب فـي السماء عشرة أذرع‪ ,‬فضرب عوجا فأصاب كعبه‪ ,‬فسقط ميتا‪ ,‬فكان جسرا‬
‫للناس يـمرّون علـيه‪.‬‬
‫‪ 9218‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قـيس‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كانت عصا موسى عشرة أذرع ووثبته عشرة أذرع‬
‫وطوله عشرة أذرع‪ ,‬فوثب فأصاب كعب عوج فقتله‪ ,‬فكان جسرا لهل النـيـل سنة‪.‬‬
‫ن فِـي الرْ ضِ‪ :‬يحارون فـيها ويضلون‪ ,‬ومن ذلك قـيـل للرجل الضالّ‬
‫ومعنى‪َ :‬يتِـيهُو َ‬
‫ل سنة يوم‬
‫عن سبـيـل ال ـحقّ تائه‪ .‬وكان ت ـيههم ذلك أن هم كانوا ي صبحون أربع ين سنة ك ّ‬
‫جادّين فـي قدر سته فراسخ للـخروج منه‪ ,‬فـيـمسون فـي الـموضع الذي ابتدءوا السير‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ 9219‬ـ حدثنـي بذلك الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنا‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبـي جعفر‪ ,‬عن أب ـيه‪,‬‬
‫عن الربـيع‪.‬‬
‫‪9220‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نــجيح‪ ,‬عـن مــجاهد‪ ,‬قال‪ :‬تاهـت بنـو إسـرائيـل أربعيـن سـنة‪ ,‬يُصـْبحون حيـث أمسـوا‪,‬‬
‫ويـمسون حيث أصبحوا فـي تـيههم‪.‬‬
‫س علـى ال َق ْومِ الفـاسِقِـينَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله‪ :‬فَل َتأْ َ‬
‫سيَ فلن علـى كذا َيأْ سَى أَ سًى‪,‬‬
‫يعنـي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬فَلَ َتأْ سَ‪ :‬فل تـحزن‪ ,‬يقال منه‪ :‬أَ ِ‬
‫وقد أسيت من كذا‪ :‬أي حزنت‪ ,‬ومنه قول امرىء القـيس‪:‬‬
‫ل‬
‫ن ل َتهِْلكْ أسًى وتَـجَمّ ِ‬
‫طيّ ُهمْيقُولُو َ‬
‫حبِـي علـيّ َم ِ‬
‫صْ‬‫ُوقُوفـا بِها َ‬
‫يعنـي‪ :‬ل تهلك حزنا‪.‬‬
‫وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9221‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ :‬فَل َتأْسَ يقول‪ :‬فل تـحزن‪.‬‬
‫‪9222‬ـ حدثنـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ :‬فَل َتأْسَ علـى‬
‫ن قال‪ :‬لـما ضرب علـيهم التـيه‪ ,‬ندم موسى صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلـما‬
‫القَوْ ِم الفـاسِقـي َ‬
‫ندم أوحى ال إلـيه‪ :‬فَل َتأْسَ عَلَـى ال َقوْمِ الفـاسِقِـينَ‪ :‬ل تـحزن علـى القوم الذين سميتهُم‬
‫فـاسقـين‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{وَاتْلُ عََل ْيهِ مْ َن َبأَ ا ْبنَيْ آدَ مَ بِا ْلحَقّ ِإذْ َقرّبَا قُ ْربَانا َفتُ ُقبّلَ مِن‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫لخَرِ قَالَ ل ْقتَُل ّنكَ قَالَ ِإ ّنمَا َيتَ َقبّلُ الّلهُ ِمنَ ا ْل ُمتّقِي َ‬
‫ناَ‬
‫ل مِ َ‬
‫حدِ ِهمَا وََلمْ ُيتَ َقبّ ْ‬
‫َأ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬واتل علـى هؤلء الـيهود الذين‬
‫هموا أن يبسطوا أيديهم إلـيكم‪ ,‬علـيك وعلـى أصحابك معك‪ ,‬وعرّفهم مكروه عاقبة الظلـم‬
‫خ َبرَ ابنـي‬
‫والـمكر‪ ,‬وسوء مغبة الـجور ونقض العهد‪ ,‬وما جزاء الناكث وثواب الوافـي‪َ ,‬‬
‫آدم هابـيـل وقابـيـل‪ ,‬وما آل إلـيه أمر الـمطيع منهما ربه الوافـي بعهده‪ ,‬وما إلـيه‬
‫صـار أمـر العاصـي منهمـا ربـه الــجائر الناقـض عهده فلتعرف بذلك الــيهود وخامـة غبّـ‬
‫غدرهم‪ ,‬ونقضهم ميثاقهم بـينك وبـينهم‪ ,‬وهمهم بـما هموا به من بسط أيديهم إلـيك وإلـى‬
‫أصـحابك‪ .‬فإن لك ولهـم فــي حسـن ثوابــي وعظـم جزائي علــى الوفــاء بــالعهد الذي‬
‫جازيت الـمقتول الوافـيَ بعهده من ابنـي آدم‪ ,‬وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلً‪.‬‬
‫ل ما‬
‫واختلف أهل العلـم فـي سبب تقريب ابنـي آدم القرب ـان‪ ,‬وسبب قبول ال عزّ وج ّ‬
‫تق بل م نه‪ ,‬و من اللذان قرّب ـا؟ فقال بعض هم‪ :‬كان ذلك عن أ مر ال جلّ وع ّز إياه ما بتقري به‪.‬‬
‫وكان سبب القبول أن الـمتقبل منه قرب خير ماله وقرّب الَخر شرّ ماله‪ ,‬وكان الـمقرّبـان‬
‫ابنـي آدم لصلبه أحدهما‪ :‬هابـيـل‪ ,‬والَخر قابـيـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9223‬ـ حدثنـي ال ـمثنى بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي‬
‫جعفر‪ ,‬عن هشام بن سعيد‪ ,‬عن إسماعيـل بن رافع‪ ,‬قال‪ :‬بلغنـي أن ابنـي آدم لـما أمرا‬
‫ب ـالقربـان‪ ,‬كان أحده ما صاحب غن ـم‪ ,‬وكان ُأنِت ـج له حَمَل ف ـي غن ـمه‪ ,‬فأح به حت ـى‬
‫كان يؤثره بــاللـيـل‪ ,‬وكان يحمله علــى ظهره مـن ح به‪ ,‬حتــى لــم يكـن له مال أحبّـ‬
‫إلـيه منه فلـما أمر بـالقربـان‪ ,‬قرّبه ل فقبله ال منه‪ ,‬فما زال يرتع فـي الـجنة حتـى‬
‫فدَى به ابن إبراهيـم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪9224‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن جعفـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عوف‪ ,‬عـن أبــي‬
‫الـمغيرة‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬إن ابنـي آدم اللذين قرّبـا قربـانا فتقبل من أحدهما‬
‫ول ـم يتق بل من الَ خر‪ ,‬كان أحده ما صاحب حرث‪ ,‬والَ خر صاحب غن ـم‪ ,‬وأنه ما أمرا أن‬
‫يقرّبـا قربـانا وإن صاحب الغنـم قرّب أكرم غنـمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه‪ ,‬وإن‬
‫صاحب الـحرث قرّب شرّ حرثه الكَ ْوزَن والزّوَان غير طيبة بها نفسه وإن ال تقبل قربـان‬
‫ص ال فـي‬
‫صاحب الغنـم ولـم يتقبل قربـان صاحب الـحرث‪ .‬وكان من قصتهما ما ق ّ‬
‫كتا به‪ ,‬وقال‪ :‬ايْ ـمُ ال إن كان ال ـمقتول لشدّ الرجل ـين‪ ,‬ول كن من عه الت ـحرّج أن يب سط يده‬
‫إلـى أخيه‬
‫وقال آخرون‪ :‬لـم يكن ذلك من أمرهما عن أمر ال إياهما به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9225‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان من شأنه ما أ نه ل ـم ي كن م سكين ف ـيتصدّق عل ـيه‪,‬‬
‫وإن ـما كان القرب ـان يقر به الر جل‪ .‬فبَ ـيْنا اب نا آدم قاعدان‪ ,‬إذ قال‪ :‬لو قرب نا قرب ـانا وكان‬
‫الر جل إذا قرّب قرب ـانا فرض يه ال أر سل إل ـيه نارا فأكل ته‪ ,‬وإن لـم ي كن رض يه ال خ بت‬
‫النار‪ .‬فقرّب ـا قرب ـانا‪ ,‬وكان أحده ما راع يا‪ ,‬وكان الَ خر حرا ثا‪ ,‬وإن صاحب الغن ـم قرّب‬
‫خير غنـمه وأسمنها وقرّب الَخر أبغض زرعه‪ ,‬فجاءت النار‪ ,‬فنزلت بـينهما‪ ,‬فأكلت الشاة‬
‫وتركت الزرع‪ .‬وإن ابن آدم قال لخيه‪ :‬أتـمشي فـي الناس وقد علـموا أنك قرّبت قربـانا‬
‫فتقبـل منـك وردّ علــيّ؟ فل وال‪ ,‬ل تنظـر الناس إلــيّ وإلــيك وأنـت خيـر منــي فقال‪:‬‬
‫لقتلنك فقال له أخوه‪ :‬ما ذنبـي‪ ,‬إنـما يتقبل ال من الـمتقـين‪.‬‬
‫‪ 9226‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال‪ :‬إذْ َقرَب ـا ُقرْب ـانا قال‪ :‬اب نا آدم هاب ـيـل‬
‫وقابــيـل لصـلب آدم‪ ,‬فقرّب أحدهمـا شاة وقرّب الَخـر بقلً‪ ,‬فقبـل مـن صـاحب الشاة‪ ,‬فقتله‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9227‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد فـي قوله‪ :‬وَاتْلُ عَلَـ ْي ِهمْ َنبَأ ا ْبنَـيْ آدَم بِـالَـحّق إذْ َقرّبـا ُقرْبـانا قال‪ :‬هابـيـل‬
‫عنَاقا من أحسن غنـمه‪ ,‬وقرّب قابـيـل زرعا من زرعه‪ .‬قال‪:‬‬
‫وقابـيـل‪ ,‬فقرب هابـيـل َ‬
‫ن الـ ُمتّقِـينَ‪.‬‬
‫ل ْقتَُل ّنكَ قَالَ إنّـما َيتَ َقبّلُ الّلهُ مِ َ‬
‫فأكلت النار العناق‪ ,‬ولـم تأكل الزرع‪ ,‬ف قال َ‬
‫‪ 9228‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رجل سمع مـجاهدا فـي‬
‫قوله‪ :‬وَاتْلُ عَلَـيْ ِهمْ َنبَأ ا ْبنَـيْ آدَم بِـالَـحّق إذْ َقرّبـا ُقرْبـانا قال‪ :‬هو هابـيـل وقابـيـل‬
‫لصلب آدم‪ ,‬قرّبـا قربـانا‪ ,‬قرب أحدهما شاة من غنـمه وقرّب الَخر بقلً‪ ,‬فتقبل من صاحب‬
‫الشاة‪ ,‬فقال ل صاحبه‪ :‬لقتل نك فقتله‪ ,‬فع قل ال إحدى رجل ـيه ب ساقها إل ـى فخذ ها إل ـى يوم‬
‫القــيامة‪ ,‬وجعـل وجهـه إلــى الشمـس حيثمـا دارت علــيه حظيرة مـن ثلــج فــي الشتاء‬
‫وعلـيه فـي الصيف حظيرة من نار‪ ,‬ومعه سبعة أملك كلـما ذهب ملك جاء الَخر‪.‬‬
‫‪ 9229‬ـ حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان (ح)‪ .‬وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪,‬‬
‫عن سفـيان‪ ,‬عن ع بد ال بن عثمان بن خث ـيـم‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬وَاتْلُ‬
‫خرِ‬
‫لَ‬‫ناَ‬
‫حدِهِ ما ولَ ـمْ ُيتَ َقبّلْ مِ َ‬
‫ل مِ نْ أ َ‬
‫عَلَ ـ ْي ِهمْ نَبَأ ا ْبنَ ـيْ آدَم بِ ـالَـحّق إذْ قَرّب ـا قُرْب ـانا فَتُ ُقبّ َ‬
‫قال‪ :‬قرّب هذا كب شا وقرّب هذا صُبْرة من طعام فتق بل من أحده ما‪ .‬قال‪ :‬تقبّل من صاحب‬
‫الشاة ولـم يتقبل من الَخر‪.‬‬
‫‪ 9230‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عب ـاس‪ :‬وَاتْلُ عَلَ ـ ْيهِمْ نَبَأ ا ْبنَ ـيْ آدَم بِ ـالَـحّق إ ْذ قَرّب ـا قُرْب ـانا َفتُ ُقبّلَ ِم نْ أحَدهِ ما وَل ـمْ‬
‫خرِ كان رجلن من بنـي آدم‪ ,‬فتقبل من أحدهما ولـم يتقبل من الَخر‪.‬‬
‫لَ‬‫ناَ‬
‫ُيتَ َقبّلْ مِ َ‬
‫‪ 9231‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن فضيـل بن مرزوق‪ ,‬عن عطية‪ :‬وَاتْلُ‬
‫عَلَ ـيْ ِهمْ نَبَأ ا ْبنَ ـيْ آدَم بِ ـالَـحّققال‪ :‬كان أحده ما ا سمه قاب ـيـل والَ خر هاب ـيـل أحده ما‬
‫حمَلً‪ ,‬وقرّب هذا من أردإ‬
‫صاحب غنـم‪ ,‬والَخر صاحب زرع‪ ,‬فقرّب هذا من أمثل غنـمه َ‬
‫حمَل‪ ,‬فقال لخيه‪ :‬لقتلنك‬
‫زرعه‪ .‬قال‪ :‬فنزلت النار‪ ,‬فأكلت الـ َ‬
‫‪ 9232‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن ب عض أ هل العل ـم‬
‫بـالكتاب الوّل‪ :‬أن آدم أمر ابنه قابـيـل أن ينكح أخته توأمة هابـيـل‪ ,‬وأمر هابـيـل أن‬
‫ين كح أخ ته توأ مة قاب ـيـل‪ .‬ف سلـم لذلك هاب ـيـل ور ضى‪ ,‬وأب ـي قاب ـيـل ذلك وكر هه‪,‬‬
‫تكرما عن أخت هابـيـل‪ ,‬ورغب بأخته عن هابـيـل‪ ,‬وقال‪ :‬نـحن ولدة الـجنة وهما من‬
‫ولدة الرض‪ ,‬وأنـا أحقّـ بأختــي ويقول بعـض أهـل العلــم بــالكتاب الوّل‪ :‬كانـت أخـت‬
‫قابـيـل من أحسن الناس‪ ,‬فض نّ بها علـى أخيه وأرادها لنفسه‪ ,‬فـال أعلـم أ يّ ذلك كان‪.‬‬
‫فقال له أبوه‪ :‬يا بنـيّ إنها ل تـحلّ لك فأبى قابـيـل أن يقبل ذلك من قول أبـيه‪ ,‬فقال له‬
‫أبوه‪ :‬يا بن ـيّ فقرّب قربـانا‪ ,‬ويقرّب أخوك هاب ـيـل قربـانا‪ ,‬فأيكما ق بل ال قرب ـانه ف هو‬
‫أحقّ بها‪ .‬وكان قابـيـل علـى َبذْر الرض‪ ,‬وكان هابـيـل علـى رعاية الـماشية‪ ,‬فقرّب‬
‫قابـيـل قمـحا وقرّب هابـيـل أبكارا من أبكار غنـمه وبعضهم يقول‪ :‬قرّب بقرة فأرسل‬
‫ال نارا بــيضاء‪ ,‬فأكلت قربــان هابــيـل وتركـت قربــان قابــيـل‪ ,‬وبذلك كان يقبـل‬
‫القربـان إذا قبله‪.‬‬
‫‪ 9233‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬فـيـما ذكر عن أبـي مالك‪ ,‬وعن أبـي صالـح‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ .‬وعن مرّة‪ ,‬عن‬
‫ابن مسعود‪ ,‬وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬كان ل يولد لَدم مولود إل‬
‫ولد معـه جاريـة‪ ,‬فكان يزوّج غلم هذا البطـن جاريـة هذا البطـن الَخـر‪ ,‬ويزوّج جاريـة هذا‬
‫الب طن غلم الب طن هذا الَ خر‪ .‬حت ـى ولد له ابنان يقال له ما‪ :‬قاب ـيـل‪ ,‬وهاب ـيـل‪ ,‬وكان‬
‫قاب ـيـل صاحب زرع‪ ,‬وكان هاب ـيـل صاحب ضرع‪ .‬وكان قاب ـيـل أكبره ما‪ ,‬وكان له‬
‫أ خت أحسن من أ خت هابـيـل‪ .‬وإن هابـيـل طلب أن ينكح أ خت قابـيـل‪ ,‬فأبى عل ـيه‬
‫وقال‪ :‬هي أ خت ولدت م عي‪ ,‬و هي أح سن من أخ تك‪ ,‬وأ نا أح قّ أن أتزوّج ها‪ .‬فأمره أبوه أن‬
‫يزوّجها هابـيـل فأبى‪ .‬وإنهما قرّبـا قربـانا إلـى ال أيهما أح قّ بـالـجارية‪ ,‬وكان آدم‬
‫يومئذ قد غاب عنهما إلـى مكة ينظر إلـيها‪ ,‬قال ال لَدم‪ :‬يا آدم‪ ,‬هل تعلـم أن لـي بـيتا‬
‫فـي الرض؟ قال‪ :‬الله مّ ل قال‪ :‬فإن لـي بـيتا بـمكة فأته فقال آدم للسماء‪ :‬احفظي ولدي‬
‫بـالمانة‪ ,‬فأبت‪ .‬وقال للرض فأبت‪ ,‬وقال للـجبـال فأبت‪ ,‬وقال لقابـيـل‪ ,‬فقال‪ :‬نعم تذهب‬
‫وترجـع وتــجد أهلك كمـا يسـرّك‪ .‬فلــما انطلق آدم قرّبــا قربــانا‪ ,‬وكان قابــيـل يفخـر‬
‫علـيه‪ ,‬فقال‪ :‬أنا أحقّ بها منك‪ ,‬هي أختـي‪ ,‬وأنا أكبر منك‪ ,‬وأنا وصيّ والديّ‪ .‬فلـما قرّبـا‪,‬‬
‫قرّب هاب ـيـل جذ عة سمينة‪ ,‬وقرّب قاب ـيـل حُز مة سنبل‪ ,‬فو جد ف ـيها سنبلة عظي ـمة‬
‫ففركهـا فأكلهـا‪ .‬فنزلت النار فأكلت قربــان هابــيـل‪ ,‬وتركـت قربــان قابــيـل‪ ,‬فغضـب‬
‫ن الـ ُمتّقِـينَ‪.‬‬
‫وقال‪ :‬لقتلنك حتـى ل تنكح أختـي فقال هابـيـل إنّـمَا َيتَ َقبّلُ اللّ ُه مِ َ‬
‫‪ 9234‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَاتْلُ عَلَ ـ ْي ِهمْ نَبَأ‬
‫ا ْبنَـيْ آدَم بِـالَـحّق ذكر لنا أنهما هابـيـل وقابـيـل‪ .‬فأما هابـيـل فكان صاحب ماشية‪,‬‬
‫فعمد إلـى خير ماشيته‪ ,‬فتقرّب بها‪ ,‬فنزلت علـيه نار فأكلته‪ .‬وكان القربـان إذا تقبل منهم‬
‫نزلت علـيه نار فأكلته‪ ,‬وإذا ردّ علـيهم أكلته الطير والسبـاع‪ .‬وأما قابـيـل فكان صاحب‬
‫زرع‪ ,‬فعمد إلـى أردإ زرعه‪ ,‬فتقرّب به‪ ,‬فلـم تنزل علـيه النار‪ ,‬فحسد أخاه عند ذلك فقال‪:‬‬
‫ل اللّ ُه مِنَ الـ ُمتّقِـينَ‪.‬‬
‫لَ َء ْقتُلَ ّنكَ قالَ إنّـمَا َيتَ َقبّ ُ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة ف ـي‬
‫حقّ قال‪ :‬هما قابـيـل وهابـيـل‪ .‬قال‪ :‬كان أحدهما‬
‫قوله‪ :‬وَاتْلُ عَلَـيْ ِهمْ َنبَأ ا ْبنَـيْ آدَم بِـالَـ ّ‬
‫صاحب زرع والَخر صاحب ماشية‪ ,‬فجاء أحدهما بخير ماله وجاء الَخر بشرّ ماله‪ ,‬فجاءت‬
‫النار‪ ,‬فأكلت قربـان أحدهما وهو هابـيـل‪ ,‬وتركت قربـان الَخر‪ ,‬فحسده فقال‪ :‬لقتلنك‬
‫حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن آدم‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد‪ :‬إذْ‬
‫قَرّبـا قُرْبـانا قال‪ :‬قرّب هذا زرعا وذا عناقا‪ ,‬فتركت النار الزرع وأكلت العناق‪.‬‬
‫ص ال عزّ ذكره قصصهما فـي هذه الَ ية‪ ,‬رجلن‬
‫وقال آخرون‪ :‬اللذان قرّبـا قربـانا وق ّ‬
‫من بنـي إسرائيـل ل من ولد آدم لصلبه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9235‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن يوسف‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫الرجلن اللذان فـي القرآن‪ ,‬اللذان قال ال‪ :‬وَاتْلُ عَلَـ ْي ِهمْ َنبَأ ا ْبنَـيْ آدَم بِـالَـحّق من بـين‬
‫إسرائيـل‪ ,‬ولـم يكونا ابنـي آدم لصلبه‪ ,‬وإنـما كان القربـان فـي بنـي إسرائيـل‪ ,‬وكان‬
‫آدم أوّل من مات‪.‬‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب‪ ,‬أن اللذين قرّبـا القربـان كان ابنـي آدم‬
‫ل صلبه‪ ,‬ل من ذري ته من بن ـي إ سرائيـل‪ .‬وذلك أن ال عزّ وج ّل يتعال ـى عن أن يخا طب‬
‫عبــاده بــما ل يفــيدهم بـه فــائدة‪ ,‬والــمخاطبون بهذه الَيـة كانوا عالــمين أن تقريـب‬
‫القربـان ل لـم يكن إل فـي ولد آدم دون الـملئكة والشياطين وسائر الـخـلق غيرهم‪.‬‬
‫فإذا كان معلوما ذلك عندهم‪ ,‬فمعقول أنه لو لـم يكن معنـيا بـابنـي آدم اللذين ذكرهما ال‬
‫فـي كتابه ابناه لصلبه‪ ,‬لـم يفدْهم بذكره جلّ جلله إياهما فـائدة لـم تكن عندهم‪ .‬وإذا كان‬
‫غ ير جائز أن يخاطب هم خطاب ـا ل يف ـيدهم به مع نى‪ ,‬فمعلوم أ نه ع نى ابن ـي آدم ل صلبه‪ ,‬ل‬
‫ابن ـي بن ـيه الذ ين بَعُد م نه ن سبهم مع إجماع أ هل الخب ـار وال سير والعل ـم ب ـالتأويـل‬
‫علـى أنهما كانا ابنـي آدم لصلبه وفـي عهد آدم وزمانه‪ ,‬وكفـى بذلك شاهدا‪ .‬وقد ذكرنا‬
‫كثـيرا مـمن نصّ عنه القول بذلك‪ ,‬وسنذكر كثـيرا مـمن لـم يذكر إن شاء ال‪.‬‬
‫‪ 9236‬ـ حدثنا مـجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسام بن مصكّ‪,‬‬
‫عن عمار الدهن ـيّ‪ ,‬عن سالـم بن أب ـي ال ـجعف‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما ق تل ا بن آدم أخاه‪ ,‬م كث آدم‬
‫مائة سنة حزينا ل يضحك‪ ,‬ثم أتـى فقـيـل له‪ :‬حيّاك ال وبـيّاك فقال‪ :‬بـيّاك‪ :‬أضحكك‪.‬‬
‫‪ 9237‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن غياث بن إبراهي ـم‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‬
‫ي بن أبـي طالب رضوان ال علـيه‪ :‬لـما قتل ابن آدم أخاه‪ ,‬بكى‬
‫الهمدانـي‪ ,‬قال‪ :‬قال علـ ّ‬
‫آدم فقال‪:‬‬
‫ح‬
‫َت َغّيرَتِ البلدُ َومَنْ عَلَـيْهافَلَ ْونُ الرْضِ ُم ْغ َبرّ قَبـي ُ‬
‫ح‬
‫ط ْعمٍ َوقَلّ بَشاشَةُ ال َوجْ ِه الـمَلِـي َ‬
‫نوَ‬
‫َت َغّيرَ كلّ ذي لوْ ٍ‬
‫فأجيب آدم علـيه السلم‪:‬‬
‫جمِيعاوصَا َر الـحَيّ كالـ َميْتِ ال ّذبِـيحِ‬
‫أبـا هابِـيـلَ قَ ْد قُتِل َ‬
‫ن ِمنْهاعلـى خَ ْوفٍ فجاءَ بها يصيحُ‬
‫شرّةٍ قدْ كا َ‬
‫وجاءَ ِب َ‬
‫وأما القول فـي تقريبهما ما قرّبـا‪ ,‬فإن الصواب فـيه من القول أن يقال‪ :‬إن ال عزّ ذكره‬
‫أخبر عبـاده عنهما أنهما قد قرّبـا‪ ,‬ولـم يخبر أن تقريبهما ما قرّبـا كان عن أمر ال إياهما‬
‫به ول عن غير أمره‪ .‬وجائز أن يكون كان عن أمر ال إياهما بذلك‪ ,‬وجائز أن يكون عن غير‬
‫أمره‪ .‬غير أنه أيّ ذلك كان فلـم يقرّبـا ذلك إل طلب قربة إلـى ال إن شاء ال‪.‬‬
‫وأما تأويـل قوله‪ :‬قالَ لَ َء ْقتَُلنّ كَ فإن معناه‪ :‬قال الذي لـم يتقبل منه قربـانه للذي تقبل منه‬
‫قربـانه‪ :‬لقتلنك فترك ذكر الـمتقبل قربـانه والـمردود علـيه قربـانه‪ ,‬استغناء بـما قد‬
‫جرى من ذكره ما عن إعاد ته‪ ,‬وكذلك ترك ذ كر ال ـمقبل قرب ـانه مع قوله‪ :‬قالَ إنّ ـمَا َيتَ َقبّلُ‬
‫ن الـمُتّقِـينَ‪.‬‬
‫اللّ ُه مِ َ‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك رُوِى الـخبر عن ابن عبـاس‪:‬‬
‫‪ 9238‬ـ حدثنا مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن‬
‫ِنـ‬
‫ّهـ م َ‬
‫ل الل ُ‬
‫ّكـ فقال له أخوه‪ :‬مـا ذنبــي إنّــمَا َيتَ َقبّ ُ‬
‫أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬قالَ لَ َء ْقتَُلن َ‬
‫الـ ُمتّقِـينَ‪.‬‬
‫‪ 9239‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬إنّـمَا َيتَ َقبّلُ‬
‫ن قال‪ :‬يقول‪ :‬إنك لو اتقـيت ال فـي قربـانك تقبل منك‪ ,‬جئت بقربـان‬
‫ن الـمُتّقِـي َ‬
‫اللّ ُه مِ َ‬
‫مغشوش بأشرّ ما عندك‪ ,‬وجئت أ نا بقرب ـان ط يب بخ ير ما عندي قال‪ :‬وكان قال‪ :‬يتق بل ال‬
‫منك ول يتقبل منـي‪.‬‬
‫ويعنــي بقوله‪ :‬مِنَـ الــمُتّقِـينَ‪ :‬مـن الذيـن اتقوا ال وخافوه بأداء مـا كلفهـم مـن فرائضـه‬
‫واجتناب ما نهاهم عنه من معصيته‪.‬‬
‫وقد قال جماعة من أهل التأويـل‪ :‬الـمتقون فـي هذا الـموضع الذين اتقوا الشرك‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9240‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد بن سلـيـمان‪ ,‬عن‬
‫ن الذين يتقون الشرك‪.‬‬
‫ن الـ ُمتّقِـي َ‬
‫ل اللّ ُه مِ َ‬
‫الضحاك‪ ,‬قوله‪ :‬إنّـمَا َيتَ َقبّ ُ‬
‫وقد بـينا معنى القربـان فـيـما مضى‪ ,‬وأنه الفعلن من قول القائل‪ :‬قرّب‪ ,‬كما الفرقان‪:‬‬
‫الفعلن من فرّق‪ ,‬والعدوان من عدا‪ .‬وكانت قرابـين المـم الـماضية قبل أمتنا كالصدقات‬
‫والزكوات فـينا‪ ,‬غير أن قرابـينهم كان يعلـم الـمتقبّل منها وغير الـمتقبل فـيـما ذكر‬
‫بأكـل النار مـا تقبـل منهـا وترك النار مـا لــم يتقبـل منهـا‪ .‬والقربــان فــي أمّتنـا‪ :‬العمال‬
‫الصالـحة‪ :‬من الصلة‪ ,‬والصيام‪ ,‬والصدقة علـى أهل الـمسكنة‪ ,‬وأداء الزكاة الـمفروضة‪,‬‬
‫ول سبـيـل لها إلـى العلـم فـي عاجل بـالـمتقبل منها والـمردود‪.‬‬
‫و قد ذ كر عن عا مر بن ع بد ال الع نبري‪ ,‬أ نه ح ين حضر ته الوف ـاة ب كى‪ ,‬فق ـيـل له‪ :‬ما‬
‫ل اللّ ُه مِنَ الـ ُمتّقِـينَ‪.‬‬
‫يبكيك‪ ,‬فقد كنت وكنت؟ فقال‪ :‬يبكينـي أنـي أسمع ال يقول‪ :‬إنّـمَا َيتَ َقبّ ُ‬
‫‪ 9241‬ـ حدثنـي بذلك مـحمد بن عمر الـمقدمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سعيد بن عامر‪ ,‬عن همام‪,‬‬
‫عمن ذكره‪ ,‬عن عامر‪.‬‬
‫وقد قال بعضهم‪ :‬قربـان الـمتقـين‪ :‬الصلة‪.‬‬
‫‪9242‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن عمران بن سلـيـم‪ ,‬عن عديّ بن‬
‫ثابت‪ ,‬قال‪ :‬كان قربـان الـمتقـين‪ :‬الصلة‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ي إَِليْ كَ‬
‫سطٍ َيدِ َ‬
‫ت إِلَ يّ َيدَ كَ ِلتَ ْقتُلَنِي مَآ َأ َناْ ِببَا ِ‬
‫{َلئِن بَ سَط َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ب ا ْلعَاَلمِي َ‬
‫لقْتَُلكَ ِإّنيَ َأخَافُ الّلهَ رَ ّ‬
‫وهذا خبر من ال تعال ـى ذكره عن ال ـمقتول من ابن ـي آدم أ نه قال لخ يه ل ـما قال له‬
‫أخوه القاتـل لقتلنـك‪ :‬وال َلئِن ْـ بَسَـطْتَ إلــيّ َيدَكَـ يقول‪ :‬مددت إلــيّ يدك ِلتَ ْقتَُلنِــي مـا أنـا‬
‫ي إلَـيك‪ .‬يقول‪ :‬ما أنا بـمادّ يدي إلـيك لِ َء ْقتَُلكَ‪.‬‬
‫سطٍ يَد َ‬
‫بِبـا ِ‬
‫وقد اختلف فـي السبب الذي من أجله قال الـمقتول ذلك لخيه ولـم يـمانعه ما فعل به‪,‬‬
‫ل قتله ول بسط يده إلـيه بـما‬
‫فقال بعضهم‪ :‬قال ذلك إعلما منه لخيه القاتل أنه ل يستـح ّ‬
‫لـم يأذن ال به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9243‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف عن أبـي‬
‫الـمغيرة‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬أنه قال‪ :‬وايـم ال إن كان الـمقتول لشدّ الرجلـين‪ ,‬ولكن‬
‫منعه التـحرّج أن يبسط إلـى أخيه‪.‬‬
‫‪ 9244‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سطْتَ إلـيّ َيدَكَ ِلتَ ْقتَُلنِـي ما أنا بِبـاسِطٍ َيدِيَ إلَـ ْيكَ ل أنا‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ل ِئنْ بَ َ‬
‫بـمنتصر‪ ,‬ولمسكنّ يدي عنك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬لـم يـمنعه مـما أراد من قتله‪ ,‬وقال ما قال له مـما ق صّ ال فـي كتابه‪.‬‬
‫إلّ أن ال ع ّز ذكره فرض علـيهم أن ل يـمتنع من أريد قتله مـمن أراد ذلك منه‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9245‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رجل‪ ,‬سمع مـجاهدا يقول‬
‫ك لِ َءقُتُلَ كَ قال مـجاهد‪:‬‬
‫سطٍ َيدِ يَ إلَـيْ َ‬
‫ت إلـيّ َيدَ كَ ِلتَ ْقتَُلنِـي ما أنا بِبـا ِ‬
‫فـي قوله‪َ :‬لئِ نْ بَ سَطْ َ‬
‫كان كتب ال علـيهم‪ :‬إذا أراد الرجل أن يقتل رجلً تركه ول يـمتنع منه‪.‬‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب أن يقال‪ :‬إن ال ع ّز ذكره قد كان حرّم علـيهم قتل‬
‫نفس بغير نفس ظلـما‪ ,‬وأن الـمقتول قال لخيه‪ :‬ما أنا ببـاسط يدي إلـيك إن بسطت إلـيّ‬
‫يدك لنه كان حراما علـيه من قتل أخيه مثل الذي كان حراما علـى أخيه القاتل من قتله‪.‬‬
‫فأ ما المتناع من قتله ح ين أراد قتله‪ ,‬فل دللة عل ـى أن القا تل ح ين أراد قتله وعزم عل ـيه‬
‫كان الـمقتول عالـما بـما هو علـيه عازم منه ومـحاولٌ من قتله‪ ,‬فتَرَك َد ْفعَه عن نفسه بل‬
‫قد ذ كر جما عة من أ هل العل ـم أ نه قتله غي ـلة‪ ,‬اغتاله و هو نائم‪ ,‬فشدخ رأ سه ب صخرة‪ .‬فإذا‬
‫كان ذلك مـمكنا‪ ,‬ولـم يكن فـي الَية دللة علـى أنه كان مأمورا بترك منع أخيه من قتله‪,‬‬
‫لـم يكن جائزا ادّعاء ما لـيس فـي الَية إل ببرهان يجب تسلـيـمه‪.‬‬
‫ب العالَـمِينَ‪ :‬فإنى أخاف ال فـي بسط يدي إلـيك إن‬
‫وأما تأويـل قوله‪ :‬إنّى أخافُ الّل َه رَ ّ‬
‫ن يعن ـي‪ :‬مالك ال ـخلئق كل ها أن يعاقبن ـي عل ـى ب سط يدي‬
‫ب سطتها لقتلك‪ .‬رَ بّ العَالَ ـمِي َ‬
‫إلـيك‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صحَابِ‬
‫{ِإنّ يَ ُأرِيدُ أَن َتبُو َء ِبِإثْمِي وَِإ ْثمِ كَ َف َتكُو نَ مِ نْ أَ ْ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫جزَآ ُء الظّالِمِينَ }‪..‬‬
‫النّارِ َوذَِلكَ َ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي تأوي ـل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬إن ـي أر يد أن تبوء بإث مي‬
‫من قتلك إياي وإثمك فـي معصيتك ال بغير ذلك من معاصيك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9246‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ فـي حديثه عن أبـي مالك‪ ,‬وعن أبـي صالـح‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ .‬وعن مرّة‪ ,‬عن‬
‫ابن مسعود‪ ,‬وعن ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنّى ُأرِيدُ أ نْ َتبُوءَ بإ ْثمِي‬
‫ن أصَحابِ النّارِ‪.‬‬
‫وإ ْث ِمكَ يقول‪ :‬إثم قتلـي إلـى إثمك الذي فـي عنقك فَ َتكُونَ مِ ْ‬
‫ن َتبُوءَ‬
‫‪ 9247‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إنّى ُأرِيدُ أ ْ‬
‫بإ ْثمِي وإ ْث ِمكَ يقول بقتلك إياي‪ ,‬وإثمك قبل ذلك‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬إنّى ُأرِيدُ‬
‫ن َتبُو َء بإ ْثمِي وإ ْث ِمكَ قال‪ :‬بإثم قتلـي وإثمك‪.‬‬
‫أْ‬
‫‪9248‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬إنّى ُأرِيدُ أ نْ َتبُوءَ بإ ْثمِي وإ ْثمِ كَ يقول‪ :‬إنـي أريد أن يكون‬
‫علـيك خطيئتك ودمي‪ ,‬تبوء بهما جميعا‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد‪:‬‬
‫إنّـي ُأرِيدُ أنْ َتبُوءَ بإ ْثمِي وإ ْثمِكَ يقول‪ :‬إنـي أريد أن تبوء بقتلك إياي‪ .‬وإ ْثمِكَ قال‪ :‬بـما كان‬
‫منك قبل ذلك‪.‬‬
‫‪ 9249‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫ن َتبُو َء بإثْمِي وإ ْثمِكَ قال‪ :‬أما إثمك‪ ,‬فهو‬
‫عبـيد بن سلـيـم‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قوله‪ :‬إنّـي ُأرِيدُ أ ْ‬
‫الثم الذي عمل قبل قتل النفس‪ ,‬يعنـي أخاه‪ .‬وأما إثمه‪ :‬فقتله أخاه‪.‬‬
‫أنـ َتبُوءَ بإثْمِي وإ ْثمِكـَ‪ :‬أي‬
‫وكأن قائلــي هذه الــمقالة وجهوا تأويــل قوله‪ :‬إنّــي ُأرِيدُ ْ‬
‫إن ـي أريد أن تبوء بإثم قتلـي‪ ,‬فحذف القتل واكتفـى بذكر الثم‪ ,‬إذ كان مفهوما معناه عند‬
‫الـمخاطبـين به‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬إن ـي أر يد أن تبوء بخطيئت ـي فتت ـحمل وزر ها وإث مك ف ـي‬
‫قتلك إياي‪ .‬وهذا قول وجدته عن مـجاهد‪ ,‬وأخشى أن يكون غلطا‪ ,‬لن الصحيح من الرواية‬
‫عنه ما قد ذكرنا قبل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9250‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ :‬إنّـي ُأرِيدُ أ نْ َتبُوءَ بإ ْثمِي وإ ْثمِكَ يقول‪ :‬إنـي أريد أن تكون علـيك خطيئتـي‬
‫ودمي‪ ,‬فتبوء بهما جميعا‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك أن يقال‪ :‬إن تأويـله‪ :‬إنـي أريد أن تنصرف بخطيئتك فـي‬
‫ن َتبُو َء بإ ْثمِي‪ .‬وأما معنى وإ ْثمِكَ‪ :‬فهو إثمه بغير‬
‫قتلك إياي‪ ,‬وذلك هو معنى قوله‪ :‬إنّـي ُأرِيدُ أ ْ‬
‫ل ثناؤه فـي أعمال سواه‪.‬‬
‫قتله‪ ,‬وذلك معصية ال ج ّ‬
‫وإنـما قلنا ذلك هو الصواب لجماع أهل التأويـل علـيه‪ ,‬لن ال ع ّز ذكره قد أخبرنا أن‬
‫كلّ عا مل فجزاء عمله له أو عل ـيه‪ ,‬وإذا كان ذلك حكمـه فــي خــلقه فغيـر جائز أن يكون‬
‫آثام ال ـمقتول مأخوذا ب ها القا تل وإن ـما يؤ خذ القا تل بإث مه ب ـالقتل ال ـمـحرّم و سائر آثام‬
‫معاصيه التـي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتـيـله‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو ل ـيس ق تل ال ـمقتول من ب ـين آدم كان مع صية ل من القا تل؟ ق ـيـل‪:‬‬
‫ظمْ بها معصية‪.‬‬
‫عِ‬‫بلـى‪ ,‬وأ ْ‬
‫فإن قال‪ :‬فإذا كان ل جلّ وع ّز معصـية‪ ,‬فكيـف جاز أن يريـد ذلك منـه الــمقتول ويقول‪:‬‬
‫أنـ َتبُوءَ بإثْمِي وقـد ذكرت أن تأويــل ذلك‪ :‬إنــي أريـد أن تبوء بإثـم قتلــي؟‬
‫إنّــي ُأرِيدُ ْ‬
‫فمعناه‪ :‬إنـي أريد أن تبوء بإثم قتلـي إن قتلتنـي لنـي ل أقتلك‪ ,‬فإن أنت قتلتنـي فإنـي‬
‫مريد أن تبوء بإثم معصيتك ال فـي قتلك إياي‪ .‬وهو إذا قتله‪ ,‬فهو ل مـحالة بـاء به فـي‬
‫حكم ال‪ ,‬فإرادته ذلك غير موجبة له الدخول فـي الـخطأ‪.‬‬
‫جزَاءُ الظّالِ ـمينَ يقول‪ :‬فتكون بقتلك إياي‬
‫ويعن ـي بقوله‪َ :‬فتَكُو نَ ِم نْ أ صَحابِ النّارِ َوذَلِ كَ َ‬
‫ن يقول‪ :‬والنار‬
‫جزَاءُ الظّالِـمِي َ‬
‫من سكان الـجحيـم‪ ,‬ووقود النار الـمخـلدين فـيها‪ .‬وذَلِ كَ َ‬
‫ق الزائلـين عن قصد السبـيـل‪ ,‬الـمتعدين ما جعل لهم إلـى‬
‫ثواب التاركين طريق الـح ّ‬
‫ما ل ـم يج عل ل هم‪ .‬وهذا يدلّ عل ـى أن ال ع ّز ذكره قد كان أ مر ون هى آدم ب عد أن أهب طه‬
‫إل ـى الرض‪ ,‬وو عد وأو عد‪ ,‬ولول ذلك ما قال ال ـمقتول للقائل‪ :‬فتكون من أ صحاب النار‬
‫بقتلك إياي‪ ,‬ول أ خبره أن ذلك جزاء الظال ـمين‪ .‬فكان م ـجاهد يقول‪ :‬عل قت إحدى رجل ـي‬
‫القا تل ب ساقها إل ـى فخذ ها من يومئذ إل ـى يوم الق ـيامة‪ ,‬ووج هه ف ـي الش مس حيث ما دارت‬
‫دار‪ ,‬علـيه فـي الصيف حظيرة من نار وعلـيه فـي الشتاء حظيرة من ثلـج‪.‬‬
‫‪ 9251‬ـ حدث نا بذلك القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪,‬‬
‫قال م ـجاهد ذلك‪ .‬قال‪ :‬وقال ع بد ال بن عمرو‪ :‬إ نا لن ـجد ا بن آدم القا تل يقا سم أ هل النار‬
‫قسمة صحيحة العذابَ‪ ,‬علـيه شطرُ عذابهم‪.‬‬
‫وقد رُوِي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنـحو ما رُوي عن عبد ال بن عمرو خبر‪.‬‬
‫‪ 9252‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬وحدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير وأبو معاوية‬
‫(ح)‪ ,‬وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬ووكيع جميعا‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عبد ال بن مرّة‪,‬‬
‫ل ظُلْـما‬
‫ن نَفْ سٍ تُ ْقتَ ُ‬
‫عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما مِ ْ‬
‫ن سَنّ ال َقتْلَ»‪.‬‬
‫ل ِمنْها‪ ,‬ذَِلكَ بأنه أَوّل مَ ْ‬
‫ن آ َدمَ ال ّولِ كِفْ ٌ‬
‫ن علـى ابْ ِ‬
‫إلّ كا َ‬
‫حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أب ـي (ح)‪ .‬وحدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من جمي عا‪,‬‬
‫عن سفـيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عبد ال بن مرّة‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬عن النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم نـحوه‪.‬‬
‫‪9253‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن حسن بن صالـح‪ ,‬عن إبراهيـم بن مهاجر‪,‬‬
‫عـن إبراهيــم النــخعي‪ ,‬قال‪ :‬مـا مـن مقتول يقتـل ظلــما‪ ,‬إل كان علــى ابـن آدم الوّل‬
‫والشيطان كِفْلٌ منه‪.‬‬
‫‪ 9254‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن حكيـم بن حكيـم‪ ,‬أنه‬
‫ن آدم الذي ق تل أخاه‪,‬‬
‫حدّث عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬أ نه كان يقول‪ :‬إن أشقـي الناس رجلً لب ُ‬
‫ما سفك دم فـي الرض منذ قتل أخاه إلـى يوم القـيامة إل لـحق به منه شيء‪ ,‬وذلك أنه‬
‫أوّل من سنّ القتل‪.‬‬
‫وبهذا ال ـخبر الذي ذكر نا عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم تب ـين أن القول الذي قاله‬
‫الـحسن فـي ابنـي آدم اللذَين ذكرهما ال فـي هذا الـموضع أنهما لـيسا بـابنـي آدم‬
‫ل صلبه‪ ,‬ولكنه ما رجلن من بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬وأن القول الذي ح كي ع نه‪ ,‬أن أوّل من مات‬
‫آدم‪ ,‬وأن القربـان الذي كانت النار تأكله لـم يكن إل فـي بنـي إسرائيـل خطأ لن رسول‬
‫ن القتل‪ ,‬وقد كان‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قد أخبر عن هذا القاتل الذي قتل أخاه أنه أوّل من س ّ‬
‫ل ش كّ الق تل ق بل إ سرائيـل‪ ,‬فك يف ق بل ذرّي ته وخ طأ من القول أن يقال‪ :‬أوّل من سنّ الق تل‬
‫ر جل من بن ـي إ سرائيـل‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فمعلوم أن ال صحيح من القول هو قول من‬
‫ن الق تل‪ ,‬فأو جب ال له من العقو بة ما روي نا عن‬
‫قال‪ :‬هو ا بن آدم ل صلبه‪ ,‬ل نه أوّل من س ّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِنـ‬
‫َصـبَحَ م َ‬
‫َهـ َفأ ْ‬
‫ِيهـ فَ َقتَل ُ‬
‫ل َأخ ِ‬
‫ْسـُه قَتْ َ‬
‫َهـ نَف ُ‬
‫َتـ ل ُ‬
‫{ َفطَوّع ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ا ْلخَاسِرِينَ }‪..‬‬
‫ل ثناؤه بقوله فَطَ ّوعَ تْ‪ :‬فأقام ته و ساعدته عل ـيه‪ .‬و هو « َفعّلْت» من الطوع‪ ,‬من‬
‫يعن ـي ج ّ‬
‫قول القائل‪ :‬طاعنـي هذا المر‪ :‬إذا انقاد له‪.‬‬
‫و قد اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي تأوي ـله‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬فشج عت له نف سه ق تل أخ يه‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9255‬ـ حدثن ـي ن صر بن ع بد الرح من الودي وم ـحمد بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام بن‬
‫سلـم‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن أبـي لـيـلـى‪ ,‬عن القاسم بن أبـي بزة‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬فَطَ ّوعَتْ َلهُ‬
‫نَ ْفسُ ُه قال‪ :‬شجعت‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ت لَ ُه نَ ْفسُ ُه قال‪ :‬فشجعته‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬فطَوّعَ ْ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫سهُ َقتْلَ أخِي ِه قال‪ :‬شجعته علـى قتل أخيه‪.‬‬
‫مـجاهد‪ :‬فَطَ ّوعَتْ َلهُ نَ ْف ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬زينت له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سهُ‬
‫‪ 9256‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬فطَوّعَ تْ َل ُه نَفْ ُ‬
‫قال‪ :‬زينت له نفسه قتل أخيه‪ ,‬فقتله‪.‬‬
‫ثم اختلفوا فـي صيغة قتله إياه كيف كانت‪ ,‬والسبب الذي من أجله قتله‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬وجده‬
‫شدَخ رأسه بصخرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫نائما ف َ‬
‫‪ 9257‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ فـيـما ذكر عن أبـي مالك‪ ,‬وعن أبـي صالـح‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ .‬وعن مرّة‪ ,‬عن‬
‫ت لَ ُه نَفْ سُهُ َقتْلُ أخي هِ‬
‫عبد ال‪ .‬وعن ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬فَطَ ّوعَ ْ‬
‫فطل به ل ـيقتله‪ ,‬فراغ الغلم م نه ف ـي رءوس ال ـجبـال‪ .‬وأتاه يو ما من اليام و هو ير عى‬
‫غنـما له فـي جبل وهو نائم‪ ,‬فرفع صخرة فشدخ بها رأسه‪ ,‬فمات‪ ,‬فتركه بـالعراء‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪9258‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمر بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أشعث السجِستانـي يقول‪ :‬سمعت‬
‫ابن جريج قال‪ :‬ابن آدم الذي قتل صاحبه لـم يدر كيف يقتله‪ ,‬فتـمثل إبلـيس له فـي هيئة‬
‫خ رأسه‪ ,‬فعلّـمه القتل‪.‬‬
‫طير‪ ,‬فأخذ طيرا فقصع رأسه‪ ,‬ثم وضعه بـين حجرين فشدَ َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قتله ح يث‬
‫ير عى الغن ـم‪ ,‬فأت ـى فج عل ل يدري ك يف يقتله‪ ,‬فَلَوى برقب ته وأ خذ برأ سه‪ .‬فنزل إبل ـيس‪,‬‬
‫وأخذ دابة أو طيرا‪ ,‬فوضع رأسه علـى حجر‪ ,‬ثم أخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه‪ ,‬وابن آدم‬
‫القاتل ينظر‪ ,‬فأخذ أخاه‪ ,‬فوضع رأسه علـى حجر وأخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه‪.‬‬
‫‪ 9259‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رجل سمع مـجاهدا يقول‪,‬‬
‫فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9260‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عبـاس قال‪ :‬ل ـما أكلت النار قرب ـان ا بن آدم الذي تقبّل قربـانه‪ ,‬قال‬
‫الَخر لخيه‪ :‬أتـمشي فـي الناس وقد علـموا أنك قرّبت قربـانا فتقبل منك وردّ علـيّ؟‬
‫وال ل تن ظر الناس إل ـيّ وإل ـيك وأ نت خ ير من ـي فقال‪ :‬لقتل نك فقال له أخوه‪ :‬ما ذنب ـي‬
‫ن الـ ُمتّقِـينَ؟ فخوّفه بـالنار‪ ,‬فلـم ينته ولـم ينزجر‪ ,‬فطوّعت له نفسه قتل‬
‫ل اللّ ُه مِ َ‬
‫إنّـمَا َيتَ َقبّ ُ‬
‫أخيه‪ ,‬فقتله فأصبح من الـخاسرين‪.‬‬
‫‪ 9261‬ـ حدثن ـي القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرن ـي ع بد ال بن عثمان بن خث ـيـم‪ ,‬قال‪ :‬أقبلت مع سعيد بن جب ـير أر مي ال ـجمرة‬
‫وهو متقنع متوكىء علـى يديّ‪ ,‬حتـى إذا وازينا بـمنزل سمرة الصرّاف‪ ,‬وقـف يحدثنـي‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬نهى أن ينكح الـمرأة أخوها توأمها وينكحها غيره من إخوتها‪ ,‬وكان‬
‫يولد فـي كلّ بطن رجل وامرأة‪ ,‬فولدت امرأة وسيـمة‪ ,‬وولدت امرأة دميـمة قبـيحة‪ ,‬فقال‬
‫أ خو الدمي ـمة‪ :‬أنكحنـي أخ تك وأنك حك أخت ـي قال‪ :‬ل‪ ,‬أنا أح قّ بأخت ـي‪ .‬فقرّب ـا قربـانا‬
‫فتقبـل مـن صـاحب الكبـش‪ ,‬ولــم يتقبـل مـن صـاحب الزرع‪ ,‬فقتله‪ .‬فلــم يزل ذلك الكبـش‬
‫مـحبوسا عند ال حتـى أخرجه فـي فداء إسحاق‪ ,‬فذبحه علـى هذا الصفـا فـي َثبِـيِر‬
‫سمُرة الصراف‪ ,‬وهو علـى يـمينك حين ترمي الـجمار‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬وقال‬
‫عند منزل َ‬
‫آخرون ب ـمثل هذه الق صة‪ .‬قال‪ :‬فل ـم يزل ب نو آدم عل ـى ذلك حت ـى م ضى أرب عة آب ـاء‪,‬‬
‫فنكح ابنة عمه‪ ,‬وذهب نكاح الخوات‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال‪ :‬إن ال ع ّز ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل‬
‫أخاه‪ ,‬ول خبر عند نا يق طع العذر ب صفته قتله إياه‪ .‬وجائز أن يكون عل ـى ن ـحو ما قد ذ كر‬
‫ال سديّ ف ـي خبره‪ ,‬وجائز أن أن يكون كان عل ـى ما ذكره م ـجاهد‪ ,‬وال أعل ـم أ يّ ذلك‬
‫ك فـيه‪.‬‬
‫كان‪ ,‬غير أن القتل قد كان ل ش ّ‬
‫ن فإن تأوي ـله‪ :‬فأ صبح القا تل أخاه من ابن ـي آدم من‬
‫سرِي َ‬
‫ن ال ـخا ِ‬
‫ح مِ َ‬
‫صبَ َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فأ ْ‬
‫حزب الـخاسرين‪ ,‬وهم الذين بـاعو آخرتهم بدنـياهم بإيثارهم إياها علـيها فوُكسوا فـي‬
‫بـيعهم وغُبنوا فـيه‪ ,‬وخابوا فـي صفقتهم‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غرَابا َي ْبحَ ثُ فِي الرْ ضِ ِل ُي ِريَ ُه َكيْ فَ يُوَارِي‬
‫{ َف َبعَ ثَ اللّ هُ ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ح مِ نَ‬
‫صبَ َ‬
‫ب فَأُوَارِ يَ سَ ْوءَ َة أَخِي َفأَ ْ‬
‫ن َأكُو نَ ِمثْلَ هَـذَا ا ْل ُغرَا ِ‬
‫جزْ تُ أَ ْ‬
‫عَ‬‫سَوْ َءةَ َأخِي ِه قَالَ يَا َويَْلتَا َأ َ‬
‫النّادِمِينَ }‪..‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا أيضا أحد الدلة علـى أن القول فـي أمر ابنـي آدم بخلف ما رواه‬
‫عمرو عن ال ـحسن لن الرجل ـين اللذ ين و صف ال صفتهما ف ـي هذه الَ ية لو كا نا من‬
‫بن ـي إ سرائيـل ل ـم يج هل القا تل د فن أخ يه ومواراة سوأة أخ يه‪ ,‬ولكنه ما كا نا من ولد آدم‬
‫لصلبه‪ .‬ولـم يكن القاتل منهما أخاه علـم سنة ال فـي عادة الـموتـى‪ ,‬ولـم يدر ما يصنع‬
‫بأخ يه ال ـمقتول‪ ,‬فذ كر أ نه كان يحمله عل ـى عات قه حي نا حت ـى أرا حت جِيف ته‪ ,‬فأح بّ ال‬
‫تعريفه السنة فـي موتـى خـلقه‪ ,‬فقّـيض له الغرابـين اللذين وصف صفتهما فـي كتابه‪.‬‬
‫ذكر الخبـار عن أهل التأويـل بـالذي كان من فعل القاتل من ابنـي آدم بأخيه الـمقتول‬
‫بعد قتله إياه‪:‬‬
‫‪ 9262‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبـي رَوْق ال َهمْدانـي‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫عن الضحاك‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬مكث يحمل أخاه فـي جراب علـى رقبته سنة‪ ,‬حتـى‬
‫بعث ال جلّ وع ّز الغرابَـين‪ ,‬فرآهما يبحثان‪ ,‬فقال‪ :‬أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟ فدفن‬
‫أخاه‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫غرَابـا َي ْبحَ ثُ فِـي الرْ ضِ لِـيُ ِريَ ُه َكيْ فَ يُوَارِى سَوْ َءةَ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ف َبعَ ثَ اللّ هُ ُ‬
‫أخي ِه ب عث ال جلّ وع ّز غراب ـا ح يا إل ـى غراب م يت‪ ,‬فج عل الغراب ال ـحيّ يواري سوأة‬
‫ن ِمثَلَ َهذَا الغُرا بِ‪...‬‬
‫جزْ تُ َأ نْ أكُو َ‬
‫عَ‬‫الغراب الـميت‪ ,‬فقال ابن آدم الذي قتل أخاه‪ :‬يَا َويْـَلتَا أَ َ‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪ 9263‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬فـيـما ذكر عن أبـي مالك‪ .‬وعن أبـي صالـح‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ .‬وعن مرّة‪ ,‬عن‬
‫عبـد ال‪ .‬وعـن ناس مـن أصـحاب النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬لــما مات الغلم تركـه‬
‫بـالعَراء ول يعلـم كيف ُيدْفن‪ ,‬فبعث ال غرابـين أخوين‪ ,‬فـاقتتل‪ ,‬فقتل أحدهما صاحبه‪,‬‬
‫ن ِمثَلَ َهذَا الغُرا بِ َفأُوا ِرىَ‬
‫ن أكُو َ‬
‫جزْ تُ َأ ْ‬
‫عَ‬‫فحفر له‪ ,‬ثم حثا علـيه‪ ,‬فلـما رآه قال‪ :‬يَا َويْـلَتَا َأ َ‬
‫ث فِـي الرْ ضِ لِـيُ ِريَ ُه َكيْ فَ ُيوَارِى سَوْ َءةَ‬
‫غرَابـا َي ْبحَ ُ‬
‫سَ ْوءَ َة أخِي فهو قول ال‪ :‬فَ َبعَ ثَ اللّ هُ ُ‬
‫أخيهِ‪.‬‬
‫‪9264‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬ي ْبحَ ثُ قال‪ :‬بعث ال غرابـا حتـى حفر لَخر إلـى جنبه ميت وابن‬
‫آدم القاتل ينظر إلـيه‪ ,‬ثم بحث علـيه حتـى غيبه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫لرْ ضِ حتـى حفر لَخر ميت إلـى جنبه‪ ,‬فغيّبه‪ ,‬وابن آدم‬
‫ث فـي ا َ‬
‫مـجاهد‪ :‬غُرابـا َي ْبحَ ُ‬
‫ن ِمثَلَ َهذَا‬
‫جزْتُ َأنْ أكُو َ‬
‫عَ‬‫القاتل ينظر إلـيه حيث يبحث علـيه‪ ,‬حتـى غيبه فقال‪ :‬يَا َويْـَلتَا أَ َ‬
‫الغُرابِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حدثنــي الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عـن منصـور‪ ,‬عـن‬
‫غرَابـا َي ْبحَ ثُ فِـي الرْ ضِ قال‪ :‬بعث ال غرابـا إلـى غراب‪,‬‬
‫ث اللّ هُ ُ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فَ َبعَ َ‬
‫ت أَ نْ‬
‫جزْ ُ‬
‫عَ‬‫حثِ ـي عل ـيه التراب‪ ,‬فقال‪ :‬يَا َويْ ـَلتَا أَ َ‬
‫ف ـاقتتل‪ ,‬فق تل أحده ما صاحبه‪ ,‬فج عل َي ْ‬
‫ح منَ النّا ِدمِينَ‪.‬‬
‫صبَ َ‬
‫ى سَوْأ َة أخِي فأ ْ‬
‫ن ِمثَلَ َهذَا الغُرابِ َفأُوَارِ َ‬
‫أكُو َ‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن‬
‫غرَاب ـا َي ْبحَ ثُ فِ ـي الرْ ضِ قال‪ :‬جاء غراب إل ـى غراب م يت‪,‬‬
‫ا بن عب ـاس‪َ :‬ف َبعَ ثَ الّل هُ ُ‬
‫جزْتُ أَنْ أكُونَ ِمثَلَ‬
‫عَ‬‫فحثـي علـيه من التراب حتـى واراه‪ ,‬فقال الذي قتل أخاه‪ :‬يَا َويْـَلتَا أَ َ‬
‫َهذَا الغُرابِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪ 9265‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبـيد ال بن مو سى‪ ,‬عن فضيـل بن مرزوق‪ ,‬عن‬
‫عطية‪ ,‬قال‪ :‬لـما قتله ندم‪ ,‬فضمه إلـيه حتـى أرْوَح‪ ,‬وعكفت علـيه الطير والسبـاع تنتظر‬
‫متـى يرمي به فتأكلَه‪.‬‬
‫غرَابـا‬
‫‪ 9266‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ف َبعَ ثَ اللّ هُ ُ‬
‫ْضـ لِــيُ ِريَ ُه أنـه بعثـه ال ع ّز ذكره يبحـث فــي الرض ذُكِر لنـا أنهمـا‬
‫َثـ فِــي الر ِ‬
‫َي ْبح ُ‬
‫غراب ـان اقتتل‪ ,‬فق تل أحده ما صاحبه‪ ,‬وذلك يعن ـي ا بن آدم ين ظر‪ ,‬وج عل ال ـحيّ يحث ـي‬
‫ل َهذَا الغُرابِ‪...‬‬
‫ن أكُو نَ ِمثَ َ‬
‫جزْتُ َأ ْ‬
‫عَ‬‫علـى الـميت التراب‪ ,‬فعند ذلك قال ما قال‪ :‬يَا َويْـَلتَا أَ َ‬
‫ن النّادِمِينَ‪.‬‬
‫الَية‪ ,‬إلـى قوله‪ :‬مِ َ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬أما‬
‫قوله‪َ :‬ف َبعَ ثَ الّل هُ غُرابـا قال‪ :‬قتل غراب غرابـا‪ ,‬فجعل يحثو علـيه‪ ,‬فقال ابن آدم الذي قتل‬
‫صبَحَ ِم نَ‬
‫ن ِمثَلَ َهذَا الغُرا بِ َفأُوَا ِرىَ سَ ْوءَ َة أخِي فأ ْ‬
‫ن أكُو َ‬
‫جزْ تُ َأ ْ‬
‫عَ‬‫أخاه ح ين رآه‪ :‬يَا َويْـلَتَا َأ َ‬
‫النّادِمِينَ‪.‬‬
‫غرَابـا‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪ :‬فَ َبعَثَ الّلهُ ُ‬
‫ب الغرا بَ‪ .‬قال‪ :‬كان‬
‫َي ْبحَ ثُ فِ ـي الرْ ضِ لِ ـيُ ِريَ ُه َكيْ فَ يُوَارِى سَوْ َءةَ أخي هِ قال‪ :‬وارى الغرا ُ‬
‫يحمله علـى عاتقه مائة سنة ل يدري ما يصنع به‪ ,‬يحمله ويضعه إلـى الرض حتـى رأى‬
‫صبَحَ‬
‫ن ِمثَلَ َهذَا الغُرا بِ َفأُوَا ِرىَ سَوأة أخِي فأ ْ‬
‫ت أَ نْ أكُو َ‬
‫جزْ ُ‬
‫عَ‬‫يد فن الغراب‪ ,‬فقال‪ :‬يَا َويْـَلتَا أَ َ‬
‫ن النّا ِدمِينَ‪.‬‬
‫مِ َ‬
‫‪ 9267‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معلـى بن أسد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن‬
‫ُرابـ قال‪ :‬بعـث ال‬
‫ِ‬ ‫ل َهذَا الغ‬
‫ُونـ ِمثَ َ‬
‫َنـ أك َ‬
‫ْتـ أ ْ‬
‫جز ُ‬‫عَ‬
‫أبــي مالك فــي قول ال‪ :‬ي َا َويْــَلتَا أَ َ‬
‫ن ِمثْلَ‬
‫ن أكُو َ‬
‫تأ ْ‬
‫جزْ ُ‬
‫عَ‬‫غرابـا‪ ,‬فجعل يبحث علـى غراب ميت التراب‪ ,‬قال‪ :‬فقال عند ذلك‪ :‬أ َ‬
‫ن النّادِمِينَ‪.‬‬
‫ح مِ َ‬
‫َهذَا ال ُغرَابِ َفأُوَا ِرىَ سَوأة أخِي فأصْبَ َ‬
‫‪ 9268‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن‬
‫غرَابـا َي ْبحَ ثُ فـي الرْ ضِ‪:‬‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪َ :‬ف َبعَ ثَ الّل هُ ُ‬
‫بعث ال غرابـا حيا إلـى غراب ميت‪ ,‬فجعل الغراب الـحيّ يواري سوأة الغراب الـميت‪,‬‬
‫ل َهذَا ال ُغرَابِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫جزْتُ أنْ أكونَ ِمثْ َ‬
‫عَ‬‫فقال ابن آدم الذي قتل أخاه‪ :‬يَا َويْـلَتا أ َ‬
‫‪ 9269‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق فـيـما يذكر عن بعض أهل‬
‫العلـم بـالكتاب الوّل‪ ,‬قال‪ :‬لـما قتله سُقِط فـي يديه‪ ,‬ولـم يد كيف يواريه‪ ,‬وذلك أنه كان‬
‫ن أكُو نَ‬
‫جزْ تُ ْ‬
‫عَ‬‫ف ـيـما يزعمون أوّل قت ـيـل من ب ـين آدم‪ ,‬وأول م يت (قال) يا َويْ ـلَتا أ َ‬
‫ن كثـيرا ِم ْنهُ مْ بعد ذل كَ فـي‬
‫ِمثْلَ َهذَا ال ُغرَا بِ َفأُوَارِ يَ سَوأ َة أخي‪ ...‬الَية (إلـى قوله‪ :‬ثُ ّم إ ّ‬
‫الرْ ضِ ل ـ ُمسْرِفون قال‪ ):‬ويز عم أ هل التوراة أن قاب ـيـل ح ين ق تل أخاه هاب ـيـل‪ ,‬قال له‬
‫جلّ ثناؤه‪ :‬يا قابـيـل أين أخوك هابـيـل؟ قال‪ :‬ما أدري ما كنت علـيه رقـيبـا‪ .‬فقال ال‬
‫جلّ وعزّ له‪ :‬إن صـوت دم أخيـك لــَينُادينـي مـن الرض‪ ,‬الَن أنـت ملعون مـن الرض‬
‫الت ـي فتـحت فـاها فبل عت دم أخيك من يدك‪ ,‬فإذا أنت عملت فـي الرض‪ ,‬فإنها ل تعود‬
‫تعطيك حرثها حتـى تكون فزعا تائها فـي الرض‪ .‬قال قابـيـل‪ :‬عظمت خطيئتـي عن‬
‫أن تغفرها‪ ,‬قد أخرجتنـي الـيوم عن وجه الرض‪ ,‬وأتواري من قدّامك‪ ,‬وأكون فزعا تائها‬
‫ل مـن لقــينـي قتلنــي فقال جلّ وعزّ‪ :‬لــيس ذلك كذلك‪ ,‬ول يكون كـل‬
‫فــي الرض‪ ,‬وك ّ‬
‫ل من‬
‫قاتل قتـيلً يجزى واحدا‪ ,‬ولكن يجزي سبعة‪ ,‬وجعل ال فـي قابـيـل آية‪ ,‬لئل يقتله ك ّ‬
‫عدَن الـجنة‪.‬‬
‫وجده‪ .‬وخرج قابـيـل من قدّام ال عزّ وجلّ‪ ,‬من شرقـي َ‬
‫‪ 9270‬ـ حدثنا أبو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جابر بن نوح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العمش‪ ,‬عن خيث مة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لـما قتل ابن آدم أخاه نَشفَت الرض دمه‪ ,‬فُلعنت‪ ,‬فلـم تنشف الرض دما بعد‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم‪ :‬فأثار ال للقاتل إذ لـم يدر ما يصنع بأخيه الـمقتول غرابـا يبحث فـي‬
‫الرض‪ ,‬يقول‪ :‬يحفر فـي الرض‪ ,‬فـيثـير ترابها لـيريه كيف يواري سوءة أخيه‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫لـيريه كيف يواري جيفة أخيه‪ .‬وقد يحتـمل أن يكون عنى بـالسوءة ال َفرْج‪ ,‬غير أن الغلب‬
‫من معناه ما ذكرت من ال ـجِيفة‪ ,‬وبذلك جاء تأوي ـل أ هل التأوي ـل‪ .‬وف ـي ذلك م ـحذوف‬
‫ترك ذكره‪ ,‬استغناء بدللة ما ذكر منه‪ ,‬وهو‪ :‬فأراه بأن بحث فـي الرض لغراب آخر ميت‪,‬‬
‫جزْتُ أنْ أكُونَ ِمثْلَ َهذَا ال ُغرَابِ الذي وارى‬
‫عَ‬‫فواراه فـيها‪ ,‬فقال القاتل أخاه حينئذٍ‪ :‬يا َويْـلَتا أ َ‬
‫ن النّادِمي نَ علـى ما فَرَط‬
‫صبَحَ م َ‬
‫الغرا بَ الَخر الـميت َفأُوارِ يَ سَوأةَ أخِي؟ فواراه حينئذٍ فأ ْ‬
‫م نه من مع صية ال عزّ ذكره ف ـي قتله أخاه‪ .‬وكلّ ما ذ كر ال عزّ وجلّ ف ـي هذه الَيات‪,‬‬
‫مَثَل ضر به ال لبن ـي آدم‪ ,‬وحرّض به ال ـمؤمنـين من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم عل ـى ا ستعمال الع فو وال صفح عن ال ـيهود‪ ,‬الذ ين كانوا َهمّوا بق تل النب ـيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬وقتل هم من بن ـي النض ير‪ ,‬إذ أتو هم ي ستعينونهم ف ـي د ية قت ـيَـلْـي عمرو بن‬
‫ض ْمرِي‪ ,‬وعرّفهم جلّ وعزّ رداءة سجية أوائلهم وسوء استقامتهم علـى من هج الـحقّ‬
‫أم ية ال ّ‬
‫مع كثرة أياديه وآلئه عندهم‪ ,‬وضرب مثلهم فـي عدوّهم ومثل الـمؤمنـين فـي الوفـاء‬
‫لهم والعفو عنهم بـا َبنْـي آدم الـمق ّربَـين قرابـينهما اللذين ذكرهما ال فـي هذه الَيات‪.‬‬
‫ثم ذلك مَثَل ل هم عل ـى التأ سّي ب ـالفـاضل منه ما دون الطال ـح‪ ,‬وبذلك جاء ال ـخبر عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪9271‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫عزّ‬
‫ن ال جلّ َو َ‬
‫قال‪ :‬قلت لبكر بن عبد ال‪ :‬أما بلغك أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬إ ّ‬
‫شرّهُما؟» قال‪ :‬بلـى‪.‬‬
‫خيْرَهُما َودَعُوا َ‬
‫خذُوا َ‬
‫ب َل ُكمُ ا ْبنَـيْ آ َدمَ َمثَلً‪ ,‬ف ُ‬
‫ضَرَ َ‬
‫‪9272‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن‬
‫لمّةِ‬
‫ضرِبـا َمثَلً ِل َهذِ ِه ا ُ‬
‫الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ نّ ا ْبنَـيْ آدَ مَ ُ‬
‫خ ْيرِ ِم ْنهُما»‪.‬‬
‫َفخُذُوا بـالـ َ‬
‫حدثنـا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـويد بـن نصـر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن الــمبـارك‪ ,‬عـن عاصـم‬
‫ب َلكُ مْ ا ْبنَـيْ‬
‫ن اللّ َه ضَرَ َ‬
‫الحول‪ ,‬عن الـحسن قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ ّ‬
‫شرّ»‪.‬‬
‫خ ْيرِهِمْ َودَعُوا ال ّ‬
‫ن َ‬
‫خذُوا مِ ْ‬
‫آ َدمَ َمثَلً‪َ ,‬ف ُ‬

‫‪32‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سرَائِيلَ َأنّ ُه مَن َقتَلَ نَفْسا‬
‫ل ذَلِكَ َك َت ْبنَا عََلىَ َبنِيَ إِ ْ‬
‫{مِنْ َأجْ ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫جمِيعا‬
‫حيَا النّا سَ َ‬
‫حيَاهَا َف َكأَ ّنمَا َأ ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫جمِيعا َومَ ْ‬
‫س أَ ْو فَ سَادٍ فِي الرْ ضِ َف َكَأ ّنمَا َقتَلَ النّا سَ َ‬
‫ِب َغيْرِ نَفْ ٍ‬
‫ض َل ُمسْ ِرفُونَ }‪..‬‬
‫ك فِي الرْ ِ‬
‫ن َكثِيرا ّم ْنهُمْ َب ْعدَ ذَِل َ‬
‫وَلَ َق ْد جَآ َء ْت ُهمْ رُسُُلنَا بِاّل َب ّينَاتِ ُثمّ إِ ّ‬
‫جرّ ذلك وجرير ته وجناي ته‪ ,‬يقول‪ :‬من جرّ‬
‫ن أجْلِ ذَلِ كَ من َ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬مِ ْ‬
‫القا تل أخاه من ابن ـي آدم اللذَ ين اقت صصنا ق صتهما ال ـجريرة الت ـي جرّ ها وجناي ته الت ـي‬
‫جناها‪ ,‬كتبنا علـى بنـي إسرائيـل‪ .‬يقال منه‪ :‬أجَلْ تُ هذا المر‪ :‬أي جرررته إلـيه وكسبته‬
‫آجُلُه له أجْلً‪ ,‬كقولك‪ :‬أخذته أخذا‪ ,‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ل أنا آجِلُ ْه‬
‫ح َترَبوا فِـي عاجِ ٍ‬
‫ت بَـ ْينِ ِهمْقَد ا ْ‬
‫وأهْلِ خِبـاءٍ صَالـحٍ ذا ُ‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬أنا آجله‪ :‬آنا الـجارّ ذلك علـيه والـجانـي‪.‬‬
‫فمعنى الكلم‪ :‬من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلـما‪ ,‬حكمنا علـي بنـي إسرائيـل أنه من‬
‫قتل منهم نفسا ظلـما بغير نفس َقتَلت فُقِتل بها قصاصا أو فَ سَادٍ فـي الرْ ضِ يقول‪ :‬أو قتل‬
‫منهم نفسا بغير فساد كان منها فـي الرض‪ ,‬فـاستـحقت بذلك قتلها‪ .‬وفسادها فـي الرض‬
‫إنـما يكون بـالـحرب ل ولرسوله وإخافة السبـيـل‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9273‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عب ـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫سرَائِيـلَ يقول‪ :‬من‬
‫ل ذَلِ كَ َك َتبْنا علـى َبنِـي إ ْ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬مِ نْ أجْ ِ‬
‫أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلـما‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله جلّ ثناؤه‪ :‬مَنْ َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَفْسٍ أ ْو فَسادٍ فِـي‬
‫جمِيعا فقال بعضهم‪ :‬معنى‬
‫ن أحْياها فَكأنّـما أحيْا النّاس َ‬
‫جمِيعا َو َم ْ‬
‫س َ‬
‫الرْ ضِ فَكأنـمَا َقتَلَ النّا َ‬
‫ذلك‪ :‬ومن قتل نبـيا أو إمام عدل‪ ,‬فكأنـما قتل الناس جميعا‪ ,‬ومن شدّ علـى عضد نبـيّ أو‬
‫إمام عدل‪ ,‬فكأنـما أحيا الناس جميعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ح َريْ ثٍ ال ـ َمرْ َو ِزيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الف ضل بن مو سى‪ ,‬عن‬
‫‪ 9274‬ـ حدثنا أ بو عمار ح سين بن ُ‬
‫الـحسين بن واقد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي قوله‪َ :‬م نْ َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَفْ سٍ أ ْو فَسادٍ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من شدّ‬
‫جمِيعا َومَ نْ أحْياها فَكأنـمَا أحيْا النّا سَ َ‬
‫فِـي الرْ ضِ فَكأنـمَا َقتَلَ النّاسع َ‬
‫عل ـى ع ضد نب ـيّ أو إمام عدل فكأن ـما أح يا الناس جمي عا‪ .‬و من ق تل نب ـيا أو إمام عدل‬
‫فكأنـما قتل الناس جميعا‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ك َك َتبْنا علـى َبنِـي إْسرَائِيـلَ أّن ُه مَ نْ َقتَلَ‬
‫ل ذَلِ َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي قوله‪ :‬مِ نْ أجْ ِ‬
‫جمِي عا يقول‪ :‬من ق تل نف سا واحدة‬
‫ض فَكأنّ ـما َقتَلَ النّاس َ‬
‫نَفْ سا ب َغ ْيرِ نَفْ سٍ أوْ فَ سادٍ فِ ـي الرْ ِ‬
‫حرّمتها‪ ,‬فهو مثل من قتل الناس جميعا‪َ .‬و َم نْ أحْياها يقول‪ :‬من ترك قتل نفس واحدة حرّمتها‬
‫مخافتـي واستـحيا أن يقتلها‪ ,‬فهو مثل استـحياء الناس جميعا يعنـي بذلك النبـياء‪.‬‬
‫جمِيعا عند‬
‫ل نَفْسا ِب َغيْرِ َنفْ سٍ أوْ فَسا ٍد فِـي الرْ ضِ فَكأنَـمَا َقتَلَ النّا سَ َ‬
‫ن قَتَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مَ ْ‬
‫جمِيعـا عنـد‬
‫الــمقتول فــي الثـم َومَن ْـ أحيْاهـا فــاستنقذها مـن هلكـة فَكأنــمَا أحيْا النّاسَـ َ‬
‫الـمستنقذ‪( .‬ذكر من قال ذلك)‪:‬‬
‫‪ 9275‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫فـيـما ذكر عن أبـي مالك‪ ,‬وعن أبـي صالـح‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬وعن مرّة الهمدانـي‪,‬‬
‫ن َقتَلَ نَفْسا ب َغ ْيرِ‬
‫عن عبد ال‪ ,‬وعن ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قوله‪َ :‬م ْ‬
‫جمِيعا عند الـمقتول‪ ,‬يقول فـي الثم‪ :‬ومن‬
‫س َ‬
‫نَفْ سٍ أوْ فَسادٍ فِـي الرْ ضِ فَكأنَـمَا َقتَلَ النّا َ‬
‫أحياها فـاستنقذها من هلكة‪ ,‬فكأنـما أحيا الناس جميعا عند الـمستنقَذ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أن قاتل النفس الـمـحرّم قتلها يصلـي النار كما يصلها لو قتل‬
‫الناس جميعا‪ ,‬من أحيا ها‪ :‬من سلـم من قتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعا‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9276‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن خَ صِيف‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس‪,‬‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من ك فّ عن قتلها فقد أحياها‪ ,‬ومن قتل نفسا‬
‫ن أحْياها فَكأنَـمَا أحيْا النّا سَ َ‬
‫قال‪ :‬مَ ْ‬
‫بغير نفس فكأنـما قتل الناس جميعا‪ .‬قال‪ :‬ومن أوبقها‪.‬‬
‫‪ 9277‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬من أوبق نفسا فكما لو قتل الناس جميعا‪ ,‬ومن أحياها وسلـم من طلبها فلـم‬
‫يقتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعا‪ ,‬ومن أحياها وسلـم من طلبها فلـم يقتلها فقد سلـم من‬
‫قتل الناس جميعا‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن ال ـمبـارك‪ ,‬عن شر يك‪,‬‬
‫جمِيعا‬
‫ن أحْياها فَكأنَـما أحيْا النّا سَ َ‬
‫جمِيعا َومَ ْ‬
‫عن خصيف‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬فَكأنَـمَا َقتَلَ النّا سَ َ‬
‫لـم يقتلها‪ ,‬وقد سلـم منه الناس جميعا لـم يقتل أحدا‪.‬‬
‫‪ 9278‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن الوزاعي‪,‬‬
‫ن قَتَلَ‬
‫قال‪ :‬أخبرنا عبدة ابن أبـي لُبـابة‪ ,‬قال‪ :‬سألت مـجاهدا‪ ,‬أو سمعته يُ سْأل عن قوله‪ :‬مَ ْ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬لو قتل الناس جميعا كان‬
‫نَفْسا ِب َغيْ ِر نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الرْضِ فَكأنَـمَا َقتَلَ النّاسَ َ‬
‫جزاؤه جهنـم خالدا فـيها‪ ,‬وغضب ال علـيه ولعنه‪ ,‬وأعدّ له عذابـا عظيـما‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪:‬ثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن ابن جريج قراءة‪ ,‬عن‬
‫جمِيعا قال‪ :‬الذي يقتل النفس الـمؤمنة‬
‫العرج‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪ :‬فَكأنَـما َقتَلَ النّا سَ َ‬
‫متعمدا‪ ,‬ج عل ال جزاءه جهن ـم‪ ,‬وغ ضب ال عل ـيه ولع نه‪ ,‬وأع ّد له عذاب ـا عظي ـما يقول‪:‬‬
‫لو قتل الناس جميعا لـم يزد علـى مثل ذلك من العذاب قال ابن جريج‪ ,‬قال مـجاهد‪َ :‬ومَ نْ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من لـم يقتل أحدا فقد استراح الناس منه‪.‬‬
‫أحْياها فَكأنَـما أحيْا النّاسَ َ‬
‫‪ 9279‬ـ حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن ي ـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خ صيف‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬أوبق نفسا‪.‬‬
‫‪ 9280‬ـ حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن ي ـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬فـي الثم‪.‬‬
‫ن َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَفْ سٍ أوْ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬مَ ْ‬
‫ج َهنّـمُ‬
‫جزَاؤُ ُه َ‬
‫ن يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِنا ُم َت َعمّدا فَ َ‬
‫جمِيعا‪ ,‬وقوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ل النّا سَ َ‬
‫ض فَكأنـمَا قَتَ َ‬
‫فَسادٍ فِـي الرْ ِ‬
‫قال‪ :‬يصير إلـى جهنـم بقتل الـمؤمن‪ ,‬كما أنه لو قتل الناس جميعا لصار إلـى جهنـم‪.‬‬
‫‪ 9281‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫ل أنّ ُه مَ نْ َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَفْ سٍ أوْ‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫ك َك َتبْنا علـى َبنِـي إ ْ‬
‫ل ذَلِ َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ :‬مِ نْ أجْ ِ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬هو ك ما قال‪ .‬وقال‪َ :‬ومَ نْ أحيْا ها فَكأن ـمَا‬
‫ل النّا سَ َ‬
‫فَسا ٍد فِ ـي الرْ ضِ فَكأنَـما قَتَ َ‬
‫جمِيعا فإحياؤها ل يقتل نفسا حرّمها ال‪ ,‬فذلك الذي أحيا الناس جميعا‪ ,‬يعنـي أنه‬
‫أحيْا النّا سَ َ‬
‫من حرّم قتلها إل بحقّ حيـي الناس منه جميعا‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن العلء بن عبد الكريـم‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫ن أحيْاها قال‪ :‬ومن حرّمها فلـم يقلتها‪.‬‬
‫َومَ ْ‬
‫ن أحْيا ها‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن العلء‪ ,‬قال‪ :‬سمعت م ـجاهدا يقول‪ :‬مَ ْ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من كفّ عن قتلها فقد أحياها‪.‬‬
‫فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ َ‬
‫‪9282‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫جمِي عا قال‪ :‬هي كالت ـي‬
‫ل النّا سَ َ‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬فَكأن ـمَا قَتَ َ‬
‫ج َهنّـ ُم فـي جزائه‪.‬‬
‫ل مُ ْؤمِنا ُم َت َعمّدا فَجَزا ُؤهُ َ‬
‫ن يَ ْقتُ ْ‬
‫فـي النساء‪َ :‬ومَ ْ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ل مُؤمِنا ُم َت َعمّدا فـي‬
‫ن يَ ْقتُ ْ‬
‫جمِيعا كالتـي فـي سورة النساء‪َ :‬ومَ ْ‬
‫س َ‬
‫مـجاهد‪ :‬فَكأنـمَا َقتَل النّا َ‬
‫جزائه َومَنْ أحْياها ولـم يقتل أحدا فقد حيـي الناس منه‪.‬‬
‫‪ 9283‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العلء بن عبد الكريـم‪ ,‬عن مـجاهد فـي‬
‫جمِيعا قال‪ :‬التفت إلـى جلسائه فقال‪ :‬هو هذا وهذا‪.‬‬
‫س َ‬
‫قوله‪َ :‬ومَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬و من ق تل نف سا بغ ير ن فس أو ف ساد ف ـي الرض فكأن ـما ق تل‬
‫الناس جميعا‪ ,‬لنه يجب علـيه من القصاص به والقود بقتله‪ ,‬مثل الذي يجب علـيه من القود‬
‫والقصاص لو قتل الناس جميعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل ذَلِ كَ‬
‫‪ 9284‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬مِ نْ أجْ ِ‬
‫ل أنّ ُه مَ نْ َقتَلَ نَفْسا بِغ ْيرِ نَفْ سٍ أ ْو فَسادٍ فِـي الرْ ضِ فَكأنـمَا َقتَلَ‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫َك َتبْنا علـى َبنِـي إ ْ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬يجب علـيه من القتل مثل لو أنه قتل الناس جميعا‪ .‬قال‪ :‬كان أبـي يقول‬
‫النّا سَ َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى قوله‪َ :‬ومَ نْ أحيْاها من عفـا عمن وجب له القصاص منه فلـم يقتله‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9285‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَم نْ أحيْاها‬
‫جمِي عا يقول‪ :‬من أحيا ها أعطاه ال جلّ وع ّز من ال جر مثلَ لو أ نه أح يا‬
‫فَكأن ـمَا أحيْا النّا سَ َ‬
‫ي القتـيـل‪ ,‬والقتـيـل نفسه‬
‫الناس جميعا‪ .‬أحياها فلـم يقتلها وعفـا عنها‪ .‬قال‪ :‬وذلك ولـ ّ‬
‫يعفو عنه قبل أن يـموت‪ .‬قال‪ :‬كان أبـي يقول ذلك‪.‬‬
‫‪ 9286‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن يو سن‪ ,‬عن‬
‫ج ِميَعا قال‪ :‬من عفـا‪.‬‬
‫ن أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ َ‬
‫الـحسن فـي قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ن أحيْاها فَكأنّـمَا‬
‫حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الـحسن‪َ :‬ومَ ْ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من قُتل حميـم له فعفـا عن دمه‪.‬‬
‫أحيْا النّاسَ َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الـحسن‪َ :‬ومَنْ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬العفو بعد القدرة‪.‬‬
‫أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ َ‬
‫جمِيعا ومن أنـجاها من غرق‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى قوله‪َ :‬و َم نْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّا سَ َ‬
‫أو حرق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن أحيْاها فَكأنَـما‬
‫‪9287‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬ومَ ْ‬
‫حرَق أو هلكة‪.‬‬
‫غرَق أو َ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من أنـجاها من َ‬
‫أحيْا النّاسَ َ‬
‫حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبــي‪ ,‬وحدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا وكيـع‪ ,‬عـن سـفـيان‪ ,‬عـن‬
‫حرَق أو َهدَم‪.‬‬
‫غرَق أو َ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬من َ‬
‫ن أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسع َ‬
‫منصور‪ ,‬عن مـجاه‪َ :‬ومَ ْ‬
‫‪9288‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن‬
‫ن أحيْاها قال‪ :‬أنـجاها‪ .‬وقال الضحاك بـما‪:‬‬
‫مـجاهد‪َ :‬ومَ ْ‬
‫‪ 9289‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ي ـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أب ـي عا مر‪ ,‬عن‬
‫س قال‪ :‬من تروّع أو لـم يتورّع‪.‬‬
‫الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬مَنْ َقتَلَ َنفْسا ِب َغيْرِ نَفْ ٍ‬
‫‪ 9290‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عب ـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫جمِيعا يقول‪ :‬لو لـم يقتله لكان قد‬
‫س َ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬فكأنـمَا أحيْا النّا َ‬
‫أحيا الناس‪ ,‬فلـم يستـحلّ مـحرّما‪ .‬وقال قتادة والـحسن فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 9291‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬مَ نْ َقتَلَ نَفْسا‬
‫عظُم ذلك‪.‬‬
‫س أوْ فَسادٍ فِـي الرْضِ قال‪َ :‬‬
‫ِب َغيْرِ نَفْ ٍ‬
‫ل ذَلِ كَ َك َتبْنا‬
‫‪ 9292‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قوله‪ :‬مِ نْ أجْ ِ‬
‫سرَائِيـلَ أّن ُه مَ نْ َقتَلَ نَفْسا ِب َغيْرِ َنفْ سٍ‪ ...‬الَية‪ :‬من قتلها علـى غير نفس ول‬
‫علـى َبنِـي إ ْ‬
‫جمِي عا عظُم وال‬
‫جمِي عا َو َم نْ أحيْا ها فَكأن ـمَا أحيْا النّا سَ َ‬
‫ف ساد أف سدته فَكأن ـمَا َقتَلَ النّا سَ َ‬
‫جرُهـا‪ ,‬وعظُم ِوزْرُهـا فأحيهـا يـا ابـن آدم بــمالك‪ ,‬وأحيهـا بعفوك إن اسـتطعت‪ ,‬ول قوّة إل‬
‫أْ‬
‫ب ـال‪ .‬وإ نا ل نعل ـمه يحلّ دم ر جل م سلـم من أ هل هذه القبلة إل بإحدى ثلث‪ :‬ر جل ك فر‬
‫بعد إسلمه فعلـيه القتل‪ ,‬أو زنى بعد إحصانه فعلـيه الرجم‪ ,‬أو قتل متعمدا فعلـيه ال َقوَد‪.‬‬
‫‪ 9293‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬قال‪ :‬تل‬
‫جمِيعا‬
‫جمِيعا َومَنْ أحْيها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ َ‬
‫س فَكأنـمَا َقتَلَ النّاسَ َ‬
‫قتادة‪ :‬مَنْ َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَفْ ٍ‬
‫عظُم وال أجرُها‪ ,‬وَعظُم وال ِو ْزرُها‪.‬‬
‫قال‪َ :‬‬
‫‪9294‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن سلم‬
‫ن أجْلِ ذَلِ كَ َك َتبْنا‬
‫بن مسكين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سلـيـمان بن علـيّ ال ّربْعي‪ ,‬قال‪ :‬قلت للـحسن‪ :‬مِ ْ‬
‫سرَائِيـلَ أّن ُه مَ نْ َقتَلَ نَفْسا ِب َغيْرِ َنفْ سً‪ ...‬الَية‪ ,‬أهي لنا يا أبـا سعيد كما كانت‬
‫علـى َبنِـي إ ْ‬
‫لبن ـي إ سرائيـل؟ فقال‪ :‬إي والذي ل إله غيره‪ ,‬ك ما كا نت لبن ـي إ سرائيـل و ما ج عل دماء‬
‫بنـي إسرائيـل أكرم علـى ال من دمائنا‪.‬‬
‫‪ 9295‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن ال ـمبـارك‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن زيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت خالدا أبـا الفضل‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الـحسن تل هذه الَية‪َ :‬فطَوّعَتْ َلهُ‬
‫عظّم وال فـي‬
‫جمِيعا ثم قال‪َ :‬‬
‫ن أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّا سَ َ‬
‫ل أخِي هِ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫نَفْ سُ ُه قَتْ َ‬
‫الوزر كما تسمعون‪ ,‬ورغّب وال فـي الجر كما تسمعون إذا ظننت يا ابن آدم أنك لو قتلت‬
‫ك الشيطان‪.‬‬
‫الناس جميعا فإن لك من عملك ما تفوز به من النار‪َ ,‬كذَ َبتْك وال نفسك‪ ,‬و َك َذبَ َ‬
‫‪ 9296‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن الـحسن فـي قوله‪ :‬فَكأنَـما‬
‫جمِيعا‪ .‬قال‪ :‬أجرا‪.‬‬
‫ن أحيْاها فَكأنّـمَا أحيْا النّاسَ َ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬وزرا َومَ ْ‬
‫َقتَلَ النّاسَ َ‬
‫وأولـى هذه القوال عندي بـالصواب قول من قال‪ :‬تأويـل ذلك أنه من قتل نفسا مؤمنة‬
‫بغير نفس قتلتها فـاستـحقت القود بها والقتل قصاصا‪ ,‬أو بغير فساد فـي الرض‪ ,‬بحرب‬
‫ال ور سوله وحرب ال ـمؤمنـين ف ـيها‪ ,‬فكأنــما ق تل الناس جمي عا ف ـيـما ا ستوجب من‬
‫ن يَ ْقتُلْ ُم ْؤمِنا ُم َت َعمّدا‬
‫ل ثناؤه‪ ,‬كما أوعده ذلك من فعله ربّه بقوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫عظيـم العقوبة من ال ج ّ‬
‫عظِيـما‪.‬‬
‫عذَابـا َ‬
‫ع ّد لَهُ َ‬
‫غضِبَ الّلهُ عَلَـيْهِ وََل َعنَهُ وأ َ‬
‫ج َهنّـمُ خالِدا فِـيها َو َ‬
‫َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫جمِيعا فأول ـى التأويلت به قول من قال‪ :‬من‬
‫س َ‬
‫وأما قوله‪َ :‬ومَ نْ أحيْاها فَكأن ـمَا أحيْا النّا َ‬
‫حرّم ق تل من حرّم ال ع ّز ذكره قتَله عل ـى نف سه‪ ,‬فل ـم يتقدم عل ـى قتله‪ ,‬ف قد حِي ـيَ الناس‬
‫م نه ب سلمتهم م نه‪ ,‬وذلك إحياؤه إيا ها‪ .‬وذلك نظ ير خبر ال عزّ ذكره ع من حا جّ إبراهي ـم‬
‫حيِى وُأمِي تُ‪ .‬فكان معنى‬
‫حيِى ويُـمِيتُ قال أنا ُأ ْ‬
‫فـي ربه‪ ,‬إذ قال له إبراهيـم‪ :‬ربّـيَ اّلذِين ُي ْ‬
‫الكافر فـي قـيـله‪ :‬أنا أحيى وأميت‪ :‬أنا أترك من قدرت علـى قتله وفـي قوله‪ :‬وأميت‪:‬‬
‫َقتْلُه من قتله‪ .‬فكذلك معن الحياء فـي قوله‪َ :‬و َم نْ أحْياها‪ :‬من سلـم الناس من قتله إياهم‪ ,‬إل‬
‫جمِيعا‪.‬‬
‫س َ‬
‫فـيـما أذن ال فـي قتله منهم فَكأنـمَا أحْيا النّا َ‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلت بتأويـل الَية‪ ,‬لنه ل نفس يقوم قتلها فـي عاجل الضرّ‬
‫مقام قتل جميع النفوس‪ ,‬ول إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس فـي عاجل النفع‪ ,‬فكان معلوما‬
‫بذلك أن معنى الحياء‪ :‬سلمة جميع النفوس منه‪ ,‬لنه من لـم يتقدم علـى نفس واحدة‪ ,‬فقد‬
‫سلـم م نه جم يع النفوس‪ ,‬وأن الواحدة من ها الت ـي يقوم قتل ها مقام جميع ها إن ـما هو ف ـي‬
‫الوزر‪ ,‬لنه ل نفس من نفوس بنـي آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها وإن كان فقد بعضها أع مّ‬
‫ضررا من فقد بعض‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعال ـى‪ :‬وَل َقدْ جا َء ْتهُ مْ رُ سُلُنا بـالبَـيّناتِ ثُ مّ إ نّ َكثِـيرا ِم ْنهُ ْم َبعْدَ‬
‫سرِفُونَ‪.‬‬
‫ض لَـمُ ْ‬
‫ذَِلكَ فـي الرْ ِ‬
‫ل ثناؤه أقسم به‪ ,‬إن رسله صلوات ال علـيهم قد أتت بنـي إسرائيـل‬
‫وهذا قسم من ال ج ّ‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫ص ال قصصهم وذكر نبأهم فـي الَيات التـي تقدمت من قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫الذين ق ّ‬
‫ُمـ إلــى هذا الــموضع‪.‬‬
‫ْسـطُوا إلَــْي ُكمْ أ ْي ِد َيه ْ‬
‫أنـ َيب ُ‬
‫ْمـ ْ‬
‫َمـ قَو ٌ‬
‫ّهـ عَلَــْي ُكمْ إذْ ه ّ‬
‫ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ َة الل ِ‬
‫ب ـالبَـيّناتِ يعن ـي‪ :‬ب ـالَيات الواض حة‪ ,‬وال ـحجج الب ـينة عل ـى حق ـية ما أر سلوا به‬
‫إل ـيهم و صحة ما دعو هم إل ـيه من الي ـمان ب هم وأداء فرائض ال عل ـيهم‪ ,‬يقول ال عزّ‬
‫ن يعن ـي أن كث ـيرا من بن ـي‬
‫سرِفُو َ‬
‫ك فِ ـي الرْ ضِ لَ ـ ُم ْ‬
‫ذكره‪ :‬ثُ مّ إ نّ َكثِ ـيرا ِم ْنهُ مْ َب ْعدَ ذَلِ َ‬
‫ن َكثِـيرا ِم ْنهُمْ من ذكر بنـي إسرائيـل‪ ,‬وكذلك‬
‫إسرائيـل‪ ,‬والهاء والـميـم فـي قوله‪ :‬ثُمّ إ ّ‬
‫ذلك ف ـي قوله‪ :‬وَلَ َقدْ جا َر ْتهُ مْ ب عد ذلك‪ ,‬يعن ـي ب عد م ـجيـيء ر سل ال ب ـالبـينات ف ـي‬
‫ن يعن ـي‪ :‬أن هم ف ـي الرض لعاملون ب ـمعاصي ال‪ ,‬ومخالفون أ مر ال‬
‫سرِفُو َ‬
‫الرض‪ .‬ل ـ ُم ْ‬
‫ونهيـه‪ ,‬ومــحادوا ال ورسـله‪ ,‬بــاتبـاعهم أهواءهـم وخلفهـم علــى أنبــيائهم وذلك كان‬
‫إسرافهم فـي الرض‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِي‬
‫سعَوْ َ‬
‫ن ُيحَا ِربُو نَ الّل َه َورَ سُولَهُ َويَ ْ‬
‫جزَآءُ اّلذِي َ‬
‫{ِإنّمَا َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن الرْ ضِ‬
‫ن خِل فٍ َأوْ يُن َفوْاْ ِم َ‬
‫الرْ ضِ فَ سَادا أَن يُ َقتُّلوَاْ َأوْ يُ صَّلبُوَاْ َأوْ تُ َقطّ عَ َأ ْيدِيهِ مْ وََأ ْرجُلُهُم ّم ْ‬
‫عظِيمٌ }‪..‬‬
‫عذَابٌ َ‬
‫لخِرَةِ َ‬
‫خ ْزيٌ فِي ال ّد ْنيَا وََل ُهمْ فِي ا َ‬
‫ذَِلكَ َل ُهمْ ِ‬
‫وهذا ب ـيان من ال عزّ ذكره عن ح كم الف ساد ف ـي الرض الذي ذكره ف ـي قوله‪ :‬مِ نْ‬
‫س أوْ فَ سادٍ فِ ـي الرْ ضِ‬
‫ل نَفْ سا ِب َغ ْيرِ نَفْ ٍ‬
‫ن قَتَ َ‬
‫أجْلِ ذَلِ كَ َك َتبْ نا عل ـى َبنِ ـي إ سْرَائِيـلَ أنّ هُ مَ ْ‬
‫أعل ـم عب ـاده ما الذي ي ستـحقّ ال ـمفسد ف ـي الرض من العقو بة والنكال‪ ,‬فقال تب ـارك‬
‫وتعال ـى‪ :‬ل جزاء له ف ـي الدن ـيا إل الق تل وال صلب وق طع ال ـيد والر جل من خلف أو‬
‫النفـي من الرض‪ ,‬خزيا لهم وأما فـي الَخرة إن لـم يتب فـي الدنـيا فعذاب عظيـم‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـيـمن نزلت هذه الَ ية‪ .‬فقال بعض هم‪ :‬نزلت ف ـي قوم من أ هل‬
‫الكتاب‪ ,‬كانوا أهـل موادعـة لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فنقضوا العهـد وأفسـدوا فــي‬
‫الرض‪ ,‬فعرّف ال نبـيه صلى ال عليه وسلم الـحكم فـيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9297‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫ن اللّهَ َورَسُوَلهُ َويَسْعَ ْونَ فِـي الرْضِ فَسادا‬
‫جزَا ُء اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫قال‪ :‬كان قوم مـن أهـل الكتاب بــينهم وبــين النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم عهـد وميثاق‪,‬‬
‫فنقضوا العهـد وأفسـدوا فــي الرض فخيـر ال رسـوله‪ ,‬إن شاء أن يقتـل وإن شاء أن يقطـع‬
‫أيديهم وأرجلهم من خلف‪.‬‬
‫‪9298‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيـم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬كان قوم ب ـينهم وب ـين ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ميثاق‪ ,‬فنقضوا الع هد‬
‫وقطعوا السـبـيـل وأفسـدوا فــي الرض فخيـر ال جلّ وع ّز نبــيه صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫فـيهم‪ ,‬فإن شاء قتل‪ ,‬وإن شاء صلب‪ ,‬وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلف‪.‬‬
‫حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عب ـيد بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الضحاك يقول‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت فـي قوم من الـمشركين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9299‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن وا قد‪ ,‬عن‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ‪...‬‬
‫جزَا ُء اّلذِي نَ يُحا ِربُو َ‬
‫يزيد‪ ,‬عن عكرمة والـحسن البصريّ‪ ,‬قال‪ :‬قال‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ن اللّ هَ غَفُورٌ َرحِي ـ ٌم نزلت هذه الَ ية ف ـي ال ـمشركين‪ ,‬ف من تاب من هم من ق بل أن‬
‫إل ـى‪ :‬إ ّ‬
‫تقدروا عل ـيه ل ـم ي كن عل ـيه سبـيـل ولـيست تَ ـحْرز هذه الَ ية الرجل ال ـمسلـم من‬
‫الـح ّد إن قتل أو أفسد فـي الرض أو حارب ال ورسوله ثم لـحق بـالكفـار قبل أن يُ َقدَر‬
‫علـيه‪ ,‬لـم يـمنعه ذلك أن يقام فـيه الـحدّ الذي أصاب‪.‬‬
‫جزَاءُ‬
‫‪ 9300‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬إنّـما َ‬
‫ن اللّهَ َو َرسُوَلهُ قال‪ :‬نزلت فـي أهل الشرك‪.‬‬
‫اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫عكْل ارتدّوا عن السلم‪,‬‬
‫عرَينة و ُ‬
‫وقال آخرون‪( :‬ذكر من قال ذلك)‪ :‬بل نزلت فـي قوم من ُ‬
‫وحاربوا ال ورسوله‪.‬‬
‫عرُو بة‪,‬‬
‫‪ 9301‬ـ حدثنا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا روح بن عبـادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن أب ـي َ‬
‫عن قتادة‪ ,‬عن أنس‪ :‬أن رهطا من عُكل وعرينة أتوا النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫ر سول ال أ نا أ هل ضَرْع ول ـم ن كن أ هل ر يف‪ ,‬وإ نا ا ستوخمنا ال ـمدينة‪ .‬فأ مر ل هم النب ـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم بَذوْد وراع‪ ,‬وأمرهم أن يخرجوا فـيها فـيشربوا من ألبـانها وأبوالها‪.‬‬
‫فقتلوا راعي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واستاقوا الذود‪ ,‬وكفروا بعد إسلمهم‪ .‬فأتِـيَ بهم‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فق طع أيدي هم وأرجل هم‪ ,‬و سمل أعين هم‪ ,‬وترك هم ف ـي ال ـحرّة‬
‫ن اللّهَ َو َرسُوَلهُ‪.‬‬
‫جزَاءُ اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫حتـى ماتوا‪ .‬فذكر لنا أن هذه الَية نزلت فـيهم‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن أبـي عبد ال‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنس‬
‫بن مالك‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم بـمثل هذه القصة‪.‬‬
‫‪ 9302‬ـ حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي يقول‪ :‬أخبرنا‬
‫أ بو حمزة‪ ,‬عن ع بد الكري ـم و سئل عن أبوال ال بل‪ ,‬فقال‪ :‬حدثن ـي سعيد بن جب ـير عن‬
‫الــمـحاربـين‪ ,‬فقال‪ :‬كان ناس أتوا النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم فقالوا‪ :‬نبــايعك عـن‬
‫ال سلم فب ـايعوه و هم كذ بة‪ ,‬ول ـيس ال سلمَ يريدون‪ .‬ثم قالوا‪ :‬نا ن ـجتَوي ال ـمدينة‪ .‬فقال‬
‫ِنـ أبْوَالِهَا‬
‫ّقاحـ َت ْغدُو عَلَــْيكُمْ َو َترُوحـُ‪ ,‬فــاشْ َربُوا م ْ‬
‫ِهـ الل ُ‬
‫النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪َ « :‬هذ ِ‬
‫وألْب ـانِها»‪ .‬قال‪ :‬فب ـينا هم كذلك إذ جاء ال صريخ‪ ,‬ف صرخ إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬قتلوا الراعي‪ ,‬وساقوا النعم فأمر نبـيّ ال فنُودي فـي الناس‪ ,‬أن‪ :‬يا خيـل ال‬
‫اركبـي‪ .‬قال‪ :‬فركبوا ل ينتظر فـارس فـارسا‪ .‬قال‪ :‬فركب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫علـى أثرهم‪ ,‬فلـم يزالوا يطلبونهم حتـى أدخـلوهم مأمنهم‪ ,‬فرجع صحابة رسول ال صلى‬
‫جزَاءُ‬
‫ال عليه وسلم وقد أسروا منهم‪ ,‬فأتوا بهم النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬فكان نفـيهم أن نفوهم‪ ,‬حتـى أدخـلوهم مأمنهم‬
‫ن يُحا ِربُو َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫ي ال منهم وصلب وقطع وسمل العين‪.‬‬
‫وأرضهم‪ ,‬ونفوهم من أرض الـمسلـمين‪ ,‬وقتل نبـ ّ‬
‫قال‪ :‬فما مثّل رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل ول بعد‪ .‬قال‪ :‬ونهى عن الـ ُمثْلة‪ ,‬وقال‪« :‬ل‬
‫شيْءٍ» قال‪ :‬فكان أ نس بن مالك يقول ذلك‪ ,‬غ ير أ نه قال‪ :‬أحرق هم ب ـالنار ب عد ما‬
‫تُ ـ َمثّلوا ب َ‬
‫قتلهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وبعضهم يقول‪ :‬هم ناس من بنـي سلـيـم‪ ,‬ومنهم من عرينة وناس من بجيـلة‪.‬‬
‫‪9303‬ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن بن هناد‪ ,‬عن عمرو بن هاشم‪ ,‬عن‬
‫موسى بن عبـيد‪ ,‬عن مـحمد بن إبراهيـم‪ ,‬عن جرير‪ ,‬قال‪ :‬قدم علـى النب ـيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم قوم من عينة حفـاة مضرورين‪ ,‬فأمر بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فلـما‬
‫صحّوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقاح‪ ,‬ثم خرجوا ب ـاللقاح عامد ين ب ها إل ـى أرض قوم هم‪ .‬قال‬
‫جرير‪ :‬فبعثنـي رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي نفر من الـمسلـمين حتـى أدركناهم‬
‫ب عد ما أشرفوا عل ـى بلد قوم هم‪ ,‬فقدم نا ب هم عل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فق طع‬
‫أيديهم وأرجلهم من خلف‪ ,‬وسمل أعينهم‪ ,‬وجعلوا يقولون‪ :‬الـماء ورسول ال صلى ال عليه‬
‫جزَاءُ‬
‫وسلم يقول‪« :‬النّار» حتـى هلكوا‪ .‬قال‪ :‬وكره ال سمل العين‪ ,‬فأنزل هذه الَية‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ن اللّهَ َو َرسُوَلهُ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫‪9304‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن لهيعة‪ ,‬عن أبـي السود‬
‫م ـحمد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن عروة بن الزب ـير (ح)‪ .‬وحدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن‬
‫وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي يحيى بن عبد ال بن سالـم‪ ,‬وسعيد بن عبد الرحمن‪ ,‬وابن سمعان‪ ,‬عن‬
‫هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬أغار ناس من عرينة علـى لقاح رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم‪ ,‬ف ـاستاقوها وقتلوا غل ما له ف ـيها‪ ,‬فب عث ف ـي آثار هم فأُخِذوا‪ ,‬فق طع أيدي هم وأرجل هم‬
‫وسمل أعينهم‪.‬‬
‫‪ 9305‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي عمرو بن ال ـحارث‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن أب ـي هلل عن أب ـي الزناد‪ ,‬عن ع بد ال بن ع بد ال‪ ,‬عن ع بد ال بن ع مر أو‬
‫عمرو‪ ,‬شكّ يونس عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك‪ ,‬ونزلت فـيهم آية الـمـحاربة‪.‬‬
‫‪ 9306‬ـ حدثنا علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الوزاعي‪ ,‬عن‬
‫يح يى بن أب ـي كث ـير‪ ,‬عن أب ـي قل بة‪ ,‬عن أ نس‪ ,‬قال‪ :‬قدم ثمان ـية ن فر من ع كل عل ـى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأسلـموا‪ ,‬ثم اجتووا الـمدينة‪ ,‬فأمرهم رسول ال صلى ال‬
‫عليـه وسـلم أن يأتوا إبـل الصـدقة فــيشربوا مـن أبوالهـا وألبــانها‪ ,‬ففعلوا‪ ,‬فقتلوا رعاتهـا‪,‬‬
‫واستاقوا ال بل‪ .‬فأر سل ر سول ال صلى ال عل يه وسلم ف ـي أثر هم قا فة‪ ,‬فأُت ـي بهم‪ ,‬فقطع‬
‫أيديهم وأرجلهم‪ ,‬وتركهم فلـم يحسمهم حتـى ماتوا‪.‬‬
‫‪ 9307‬ـ حدثنا علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬كانوا‬
‫أربعة نفر من عرينة وثلثة من عكل‪ ,‬فلـما أُوتـي بهم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينِهم‬
‫ولـم يحسمهم‪ ,‬وتركهم يتلقمون الـحجارة بـالـحرّة‪ ,‬فأنزل ال جلّ وع ّز فـي ذلك‪ :‬إنّـمَا‬
‫ن اللّ َه َورَسُوَلهُ‪ ...‬الَية‪,‬‬
‫ن يُحا ِربُو َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫‪ 9308‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬عن ابن لهيعة‪ ,‬عن يزيد بن أبـي حبـيب أن‬
‫عبد الـملك بن مروان كتب إلـى أنس يسأله عن هذه الَية‪ ,‬فكتب إلـيه أنس يخبره أن هذه‬
‫الَية نزلت فـي أولئك النفر العرنـيـين‪ ,‬وهم من بجيـلة‪ ,‬قال أنس‪ :‬فـارتدّوا عن السلم‪,‬‬
‫وقتلوا الراعي‪ ,‬واستقاوا البل‪ ,‬وأخافوا السبـيـل‪ ,‬وأصابوا ال َفرْج الـحرام‪.‬‬
‫‪ 9309‬ـ حدثن ـي مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ َويَ سْعُ ْونَ فِ ـي الرْ ضِ فَ سادا قال‪ :‬أنزلت‬
‫جزَا ُء اّلذِي نَ يُحا ِربُو َ‬
‫ال سديّ‪ :‬إنّ ـمَا َ‬
‫ف ـي سُودان عري نة‪ ,‬قال‪ :‬أتوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وب هم ال ـماء ال صفر‪ ,‬فشكوا‬
‫ذلك إل ـيه‪ ,‬فأمر هم فخرجوا إل ـى إ بل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من ال صدقة‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ن ألْبـانِها وأبْوَاِلهَا»‪ .‬فشربوا من ألبـانها وأبوالها‪ ,‬حتـى إذا صحّوا وبرءوا‪ ,‬قتلوا‬
‫ش َربُوا م ْ‬
‫«ا ْ‬
‫الرعاة واستاقوا البل‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك عندي أن يقال‪ :‬أنزل ال هذه الَية علـى نبـيه صلى ال عليه‬
‫وسلم معرّفة حكمه علـى من حارب ال ورسوله وسعى فـي الرض فسادا‪ ,‬بعد الذي كان‬
‫من فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم بـالعرنـيـين ما فعل‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أول ـى القوال بـالصواب ف ـي ذلك‪ ,‬لن القصص الت ـي ق صها ال جلّ‬
‫وع ّز قبل هذه الَية وبعدها من قصص بنـي إسرائيـل وأنبأئهم‪ ,‬فأن يكون ذلك متوسطا منه‬
‫يعرف الـحكم فـيهم وفـي نظرائهم‪ ,‬أولـى وأح قّ‪ .‬وقلنا‪ :‬كان نزلو ذلك بعد الذي كان من‬
‫فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم بـالعرنـيـين ما فعل لتظاهر الخبـار عن أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك‪ .‬وإذ كان ذلك أولـى بـالَية لـما وصفنا‪ ,‬فتأويـلها‪:‬‬
‫سعَى بفساد فـي الرض‬
‫من أجل كتبنا علـى بنـي إسرائيـل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو َ‬
‫فكأنــما قتـل الناس جميعـا‪ ,‬ومـن أحياهـا فكأنــما أحيـا الناس جميعـا‪ ,‬ولقـد جاءتهـم رسـلنا‬
‫ب ـالبـينات‪ ,‬ثم إن كث ـيرا من هم ب عد ذلك ف ـي الرض ل ـمسرفون‪ ,‬يقول‪ :‬ل ساعون ف ـي‬
‫الرض ب ـالفساد‪ ,‬وقاتلو النفوس بغ ير ن فس وغ ير سعي ف ـي الرض ب ـالفساد حرب ـا ل‬
‫ولر سوله‪ ,‬ف من فعل ذلك من هم يا م ـحمد‪ ,‬فإنـما جزاؤه أن يقتلوا أو ي صلّبوا أو تق طع أيدي هم‬
‫وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض‪.‬‬
‫فإن قال ل نا قائل‪ :‬وك يف يجوز أن تكون الَ ية نزلت ف ـي ال ـحال الت ـي ذكرت من حال‬
‫نقض كافر من بنـي إسرائيـل عهده‪ ,‬ومن قولك إن حكم هذه الَية حكم من ال فـي أهل‬
‫السلم دون أهل الـحرب من الـمشركين؟ قـيـل‪ :‬جاز أن يكون ذلك كذلك‪ ,‬لن حكم من‬
‫عنُوا‬
‫وسـعَى فــي الرض فسـادا مـن أهـل ذمتنـا وملتنـا واحـد‪ ,‬والذيـن ُ‬
‫حارب ال ورسـوله َ‬
‫ب ـالَية كانوا أ هل عهد وذ مة‪ ,‬وإن كان داخلً ف ـي حكم ها كل ذ مي ومل ـيَ‪ ,‬ول ـيس يبطل‬
‫بدخول من دخـل فـي حكم الَية من الناس أن يكون صحيحا نزولها فـيـمن نزلت فـيه‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العلـم فـي نسخ حكم النبـيّ صلى ال عليه وسلم فـي ال ُعرَنـيـين‪ ,‬فقال‬
‫جزَاءُ‬
‫بعض هم‪ :‬ذلك ح كم من سوخ‪ ,‬ن سخه نه يه عن ال ـمثلة بهذه الَ ية‪ ,‬أعن ـي بقوله‪ :‬إنّ ـمَا َ‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ َويَ سْعُ ْونَ ف ـي الرْ ضِ فَ سادا‪ ...‬الَ ية‪ ,‬وقالوا‪ :‬أنزلت هذه الَ ية‬
‫اّلذِي نَ يُحا ِربُو َ‬
‫عتابـا لرسول ال صلى ال عليه وسلم فـيـما فعل بـالعرنـيـين‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم بـالعرنـيـين حكم ثابت فـي نظرائهم‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل ِفعْلُ النبـ ّ‬
‫ن اللّهَ َورَسُوَلهُ‪ ...‬الَية‪ ,‬حكم من‬
‫جزَاءُ اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫أبدا‪ ,‬لـم ُينْسخ ولـم يبدّل‪ .‬وقوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ال فـيـمن حارب وسعى فـي الرض فسادا بـالـحِرَابة‪ .‬قالوا‪ :‬والعرنـيون ارتدوا وقتلوا‬
‫وسرقوا وحاربوا ال ورسوله‪ ,‬فحكمهم غير حكم الـمـحارِب الساعي فـي الرض بـالفساد‬
‫من أهل السلم والذمة‪.‬‬
‫سمُلِ النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم أع ين العرن ـيـين‪ ,‬ولك نه كان أراد‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل ـم يَ ْ‬
‫أن ي سمُل‪ ,‬فأنزل ال جلّ وع ّز هذه الَ ية عل ـى نب ـيه يعرّ فه ال ـحكم ف ـيهم ونهاه عن سمل‬
‫أعينهم‪ .‬ذكر القائلـين ما وصفنا‪:‬‬
‫‪ 9310‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬ذاكرت اللـيث بن‬
‫سعد ما كان من سمل ر سول الله صلى ال عل يه و سلم أعين هم وتر كه حَ سْمهم حت ـى ماتوا‪,‬‬
‫فقال‪ :‬سـمعت مــحمد بـن عجلن يقول‪ :‬أنزلت هذه الَ ية علــى رسـول ال صـلى ال عليـه‬
‫و سلم معات بة ف ـي ذلك‪ ,‬وعَل ـمه عقو بة مثل هم من الق طع والق تل والنف ـي‪ ,‬ول ـم ي سمُل بعده‬
‫مغير هم‪ .‬قال‪ :‬وكان هذا القول ُذكِر لبـي عمرو‪ ,‬فأنكر أن تكون نزلت معاتبة‪ ,‬وقال‪ :‬بلـى‬
‫كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم‪ ,‬ثم نزلت هذه الَية فـي عقوبة غيرهم مـمن حارب بعدهم‬
‫سمْل‪.‬‬
‫فرفع عنهم ال ّ‬
‫‪ 9311‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأُتـي بهم يعنـي العُرنـيـين فأراد‬
‫أن يسمُل أعينهم‪ ,‬فنهاه ال عن ذلك‪ ,‬وأمره أن يقـيـم فـيهم الـحدود كما أنزلها ال علـيه‪.‬‬
‫واختلف أ هل العل ـم ف ـي ال ـمستـحقّ ا سم ال ـمـحارب ل ور سوله الذي ي ـلزمه ح كم‬
‫هذه‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو اللصّ الذي يقطع الطريق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9312‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ن فِـي‬
‫سعَوْ َ‬
‫ن اللّ َه َورَ سُوَلهُ َويَ ْ‬
‫ن يُحا ِربُو َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫عن عطاء الـخراسانـي فـي قوله‪ :‬إنّـما َ‬
‫الرْضِ فَسادا‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا هو اللصّ الذي يقطع الطريق‪ ,‬فهو مـحارب‪.‬‬
‫ص الـمـجاهر بلصوصيته‪ ,‬الـمكابر فـي الـمصر وغيره‪ .‬ومـمن‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الل ّ‬
‫قال ذلك الوزاعي‪.‬‬
‫‪9313‬ـ حدثنا بذلك العبـاس عن أبـيه عنه‪.‬‬
‫وعن مالك واللـيث بن سعد وابن لهَيعة‪.‬‬
‫‪9314‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬قلت لـمالك بن أنس‪:‬‬
‫تكون م ـحاربة ف ـي ال ـمصر؟ قال‪ :‬ن عم‪ ,‬وال ـمـحارب عند نا من ح مل ال سلح عل ـى‬
‫ال ـمسلـمين ف ـي م صر أو خلء‪ ,‬فكان ذلك م نه عل ـى غ ير نائرة كا نت ب ـينهم ول ذَحْل‬
‫ول عداوة‪ ,‬قاطعـا للسـبـيـل والطريـق والديار‪ ,‬مخيفــا لهـم بسـلحه‪ ,‬فقتْل أحدا منهـم قتله‬
‫المام كقتله الـمـحارب لـيس لولـيّ الـمقتول فـيه عفو ول قَوَد‪.‬‬
‫‪ 9315‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سألت عن ذلك الل ـيث بن سعد وا بن‬
‫لهي عة‪ ,‬قلت‪ :‬تكون ال ـمـحاربة ف ـي دور ال ـمصر وال ـمدائن والقرى؟ فقال‪ :‬ن عم‪ ,‬إذا هم‬
‫دخ ـلوا عل ـيهم ب ـالسيوف علن ـية‪ ,‬أو ل ـيلً ب ـالنـيران‪ .‬قلت‪ :‬فقتلوا أو أخذوا ال ـمال‬
‫ولــم يقتلوا؟ فقال‪ :‬نعـم هـم الــمـحاربون‪ ,‬فإن َقتَلوا قتُلوا‪ ,‬وإن لــم يقتلوا وأخذوا الــمال‬
‫قُطعوا من خلف إذا هم خرجوا به من الدار‪ ,‬لـيس من حارب الـمسلـمين فـي الـخلء‬
‫والسبـيـل بأعظم من مـحاربة من حاربهم فـي حريـمهم ودُورهم‪.‬‬
‫‪9316‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو عمرو‪ :‬وتكون الـمـحاربة فـي‬
‫الــمصر شُهِر علــى أهله بسـلحه لــيلً أو نهارا‪ .‬قال علــيّ‪ :‬قال الولــيد‪ :‬وأخبرنــي‬
‫مالك أن ق تل الغي ـلة عنده ب ـمنزلة ال ـمـحاربة‪ .‬قلت‪ :‬و ما ق تل الغِي ـلة؟ قال‪ :‬هو الر جل‬
‫يخدع الرجل والصبـيّ‪ ,‬فـيدخـله بـيتا أو يخـلوا به فـيقتله ويأخذ ماله‪ ,‬فـالمام ولـي‬
‫قتل هذا‪ ,‬ولـيس لولـيّ الدم والـجرح قَوَد ول قصاص‪.‬‬
‫وهو قول الشافعي‪ .‬حدثنا بذلك عنه الربـيع‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الــمـحارب‪ :‬هـو قاطـع الطريـق فأمـا الــمكابر فــي المصـار فلــيس‬
‫بـالـمـحارب الذي له حكم الـمـحاربـين‪ .‬ومن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه‪.‬‬
‫‪ 9317‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن ال ـمفضل‪ ,‬عن داود بن‬
‫أبـي هند‪ ,‬قال‪ :‬تذاكرنا الـمـحارب ونـحن عند ابن هبـيرة فـي ناس من أهل البصرة‪,‬‬
‫فـاجتـمع رأيهم أن الـمـحارب ما كان خارجا من الـمصر‪ .‬وقال مـجاهد بـما‪:‬‬
‫‪ 9318‬ـ حدثنـي القاسم‪ ,‬قال‪:‬ثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫ن فِـي الرْ ضِ فَسادا قال‪ :‬الزنا‬
‫سعَوْ َ‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُولَهُ َويَ ْ‬
‫ن يُحا ِربُو َ‬
‫جزَا ُء اّلذِي َ‬
‫فـي قوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫والسرقة‪ ,‬وقتل الناس‪ ,‬وإهلك الـحرث والنسل‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫ن فِـي الرْ ضِ فَسادا قال‪ :‬الفساد‪ :‬القتل‪ ,‬والزنا‪ ,‬والسرقة‪.‬‬
‫سعَوْ َ‬
‫أبـي َبزّة‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬ويَ ْ‬
‫وأول ـى هذه القوال عندي ب ـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬ال ـمـحارب ل ور سوله من حارب‬
‫حرَابة‪.‬‬
‫فـي سابلة الـمسلـمين وذمتهم‪ ,‬والـمغير علـيهم فـي أمصارهم وقراهم َ‬
‫وإن ـما قل نا ذلك أول ـى القوال ب ـالصواب‪ ,‬ل نه ل خلف ب ـين ال ـحجة أن من ن صب‬
‫حرب ـا لل ـمسلـمين عل ـى الظل ـم م نه ل هم أ نه ل هم م ـحارب‪ ,‬ول خلف ف ـيه‪ .‬ف ـالذي‬
‫وصفنا صفته‪ ,‬ل شك فـيه أنه لهم مناصب حربـا ظلـما‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فسواء كان‬
‫ن صبه ال ـحرب ل هم ف ـي م صرهم وقرا هم أو ف ـي سبلهم وطرق هم ف ـي أ نه ل ولر سوله‬
‫مـحارب بحربه من نهاه ال ورسوله عن حربه‪.‬‬
‫وأما قوله‪َ :‬ويَسْعَ ْونَ فِـي الرْضِ فَسادا فإنه يعنـي‪ :‬يعملون فـي أرض ال بـالـمعاصي‬
‫من إخافة سبل عبـاده الـمؤمنـين به‪ ,‬أو سبل ذمتهم وقطع طرقهم‪ ,‬وأخذ أموالـم ظلـما‬
‫حرَمهم فجورا وفسوقا‪.‬‬
‫وعدوانا‪ ,‬والتوثّب علـى علـى ُ‬
‫ن يُ َقتّلُوا أ ْو يُ صَلّبوا أ ْو تُ َقطّ َع أ ْيدِيهِ ْم وأ ْرجُُلهُ مْ مِ نْ خل فٍ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أ ْ‬
‫ن الرْضِ‪.‬‬
‫أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ما للذي حارب ال ور سوله و سعى ف ـي الرض ف سادا من أ هل ملة‬
‫السلم أو ذمتهم إل بعض هذه الـخلل التـي ذكرها جلّ ثناؤه‪.‬‬
‫ثـم اختلف أهـل التأويــل فــي هذه الــحلل أتلزم الــمـحارب بــاستـحقاقه اسـم‬
‫جرْ مه مختلف ـا ب ـاختلف أجرا مه؟‬
‫ال ـمـحاربة‪ ,‬أم ي ـلزمه ما لز مه من ذلك عل ـى قدر ُ‬
‫(فقال بعضهم‪ :‬يـلزمه ما لزمه من ذلك علـى قدر جرمه‪ ,‬مختلفـا بـاختلف أجرامه) ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9319‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن اللّهَ َو َرسُولَه‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬أوْ‬
‫جزَا ُء اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إنـما َ‬
‫ظهِر علـيه قبل توبته‪ .‬وإذا حارب‬
‫ض قال‪ :‬إذا حار ب ف َقتَل‪ ,‬فعلـيه القتل إذا ُ‬
‫ن الرْ ِ‬
‫ُينْفَوْا مِ َ‬
‫ظهِر علـيه قبل توبته‪ .‬وإذا حارب وأخذ ولـم يقتُل‪,‬‬
‫وأخذ الـمال و َقتَل‪ ,‬فعلـيه الصلب إن ُ‬
‫فعلــيه قطـع الــيد والرجـل مـن خلف إن ظُه ِر علــيه قبـل توبتـه‪ .‬وإذا حارب وأخاف‬
‫السبـيـل‪ ,‬فإنـما علـيه النفـي‪.‬‬
‫‪ 9320‬ـ حدث نا ا بن وك يع وأ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن‬
‫جزَاءُ اّلذِي نَ يُحا ِربُو نَ الّل هَ َورَ سُولَ ُه قال‪ :‬إذا خرج فأخاف اال سبـيـل وأ خذ‬
‫إبراهي ـم‪ :‬إنّ ـمَا َ‬
‫الـمال‪ ,‬قطعت يده ورجله من خلف‪ .‬وإذا أخاف السبـيـل ولـم يأخذ الـمال وقتل‪ ,‬صُلب‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيـم فـيـما أُرى فـي‬
‫الر جل يخرج م ـحاربـا‪ ,‬قال‪ :‬إن ق طع الطر يق وأ خذ ال ـمال قط عت يده ورجله‪ ,‬وإن أ خذ‬
‫الـمال و َقتَل ُقتِل‪ ,‬وإن أخذ الـمال وقتَل ومثّل‪ :‬صُلب‪.‬‬
‫‪9321‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن عمران بن حدير‪ ,‬عن أبـي مـجلز‪ :‬إنّـمَا‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ‪ ...‬الَ ية‪ .‬قال‪ :‬إذا ق تل وأ خذ ال ـمال وأخاف ال سبـيـل‬
‫ن يُحارِبُو َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫صُلب‪ ,‬وإذا قتَل لـم يعدُ ذلك قُتل‪ ,‬وإذا أخذ الـمال لـم يعد ذلك قُطع‪ ,‬وإذا كان يفسد نُفـي‪.‬‬
‫‪9322‬ــ حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال حدثنـا الــحمانـي‪ ,‬قال حدثنـا شريـك‪ ,‬عـن سـماك‪ ,‬عـن‬
‫ض قال‪:‬‬
‫ن الرْ ِ‬
‫جزَاءُ اّلذِي نَ يُحا ِربُو نَ الّل هَ َورَ سُولَهُ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫الـحسن‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫إذا أخاف الطريق ولـم يقتل ولـم يأخذ الـمالَ نُفـي‪.‬‬
‫‪ 9323‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيـم‪ ,‬عن حصين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان يقال‪ :‬مـن حارب فأخاف السـبـيـل وأخـذ الــمال ولــم يقتـل‪ :‬قُطعـت يده ورجله مـن‬
‫خلف‪ .‬وإذا أخذ الـمال وقتَل‪ :‬صُلب‪.‬‬
‫‪ 9324‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬أنه كان يقول فـي قوله‪:‬‬
‫ض حدود أرب عة‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ‪ ...‬إل ـى قوله‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِ نَ الرْ ِ‬
‫جزَا ُء اّلذِي نَ يحا ِربُو َ‬
‫إنّ ـمَا َ‬
‫أنزلهـا ال‪ .‬فأمـا مـن أصـاب الدم والــمال جميعـا‪ :‬صـُلب وأمـا مـن أصـاب الدم وكفّـ عـن‬
‫الـمال‪ :‬قُتل ومن أصاب الـمال وكفّ عن الدم‪ :‬قُطِع ومن لـم يصب شيئا من هذا‪ :‬نُفـي‪.‬‬
‫‪ 9325‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫سمُل أع ين العرن ـيـين الذ ين‬
‫ال سديّ‪ .‬قال‪ :‬ن هى ال نب ـيه عل ـيه ال صلة وال سلم عن أن يَ ْ‬
‫أغاروا علـى لِقا حه‪ ,‬وأمره أن يقـيـم فـيهم الـحدود كما أنزلها ال علـيه‪ .‬فنطر إلـى‬
‫من أ خذ ال ـمال ول ـم يق تل فق طع يده ورجله من خلف‪ ,‬يده ال ـيـمنى ورجله ال ـيسرى‪.‬‬
‫ونظر إلـى من قتل ولـم يأخذ مالً فقتله‪ .‬ونظر إلـى من أخذ الـمال وقَتل فصلبه‪ .‬وكذلك‬
‫ينبغي لكلّ من أخاف طريق الـمسلـمين وقطع أن يصنع به إن ُأخِذ وقد أخذ مالً قطعت يده‬
‫بأخذه ال ـمال ورجله بإخا فة الطر يق‪ ,‬وإن ق تل ول ـم يأ خذ مالً ق تل‪ ,‬وإن ق تل وأ خذ ال ـمال‪:‬‬
‫صُلب‪.‬‬
‫‪ 9326‬ـ حدثن ـي ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا فضي ـل بن مرزوق‪ ,‬قال‬
‫سمعت السديّ يسأل عطية العوفـي‪ ,‬عن رجل مـحارب خرج‪ ,‬فأخذ ولـم يصب مالً ولـم‬
‫ل فــيده بــالـمال ورجله بــما أخاف‬
‫ُيهْرِق دمـا‪ .‬قال‪ :‬النفــي بــالسيف وإن أخـذ ما ً‬
‫ال ـمسلـمين وإن هو قَتَل ول ـم يأ خذ مالً‪ :‬قُتِل وإن هو ق تل وأ خذ ال ـمال‪ :‬صُلِب‪ .‬وأ كبر‬
‫ظنـي أنه قال‪ :‬تُقطع يده ورجله‪.‬‬
‫‪ 9327‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن عطاء‬
‫ن يُحارِبُو نَ الّل هَ َورَ سُولَهُ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫الـخراسانـي وقتادة فـي قوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ص الذي يق طع الطر يق‪ ,‬ف هو م ـحارب‪ .‬فإن قَ تل وأ خذ مالً‪ :‬صُلِب وإن ق تل‪ ,‬ول ـم يأ خذ‬
‫الل ّ‬
‫مالً‪ :‬قُ تل وإن أ خذ مالً ول ـم يَق تل‪ُ :‬قطِ عت يده ورجله وإن أُخِذ ق بل أن يف عل شيئا من ذلك‪:‬‬
‫نُفـي‪.‬‬
‫‪ 9328‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن قـيس بن سعد‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬من خرج فـي السلم مـحاربـا ل ورسوله فقَتل وأصاب مالً‪ ,‬فإنه‬
‫يُقْتل ويُصلب ومن قَتل ولـم يُصب مالً‪ ,‬فإنه يقْتل كما َقتَل ومن أصاب مالً ولـم ي ْقتُل‪ ,‬فإنه‬
‫يقطع من خلف وإن أخاف سبـيـل الـمسلـمين نُفـي من بلده إلـى غيره‪ ,‬لقول ال جلّ‬
‫ن الرْضِ‪.‬‬
‫وعزّ‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا مِ َ‬
‫‪ 9329‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫ن اللّ َه يُحارِبُو نَ الّل هَ َورَ سُلولَ ُه قال‪:‬‬
‫جزَاءُ اّلذِي نَ يُحا ِربُو َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع فـي قوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫كان ناس يسعون فـي الرض فسادا وقتلوا وقطعوا السبـيـل‪ ,‬ف صَلَب أولئك‪ .‬وكان آخرون‬
‫حاربوا واسـتـحلّوا الــمال ولــم َي ْعدُوا ذلك‪ ,‬ف ُقطِعـت أيديهـم وأرجلهـم‪ .‬وآخرون حاربوا‬
‫واعتزلوا ولـم َيعْدُوا ذلك‪ ,‬فأولئك أُخرِجوا من الرض‪.‬‬
‫‪ 9330‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬عن أب ـي هلل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قتادة‪ ,‬عن مورّق‬
‫العجل ـي ف ـي ال ـمـحارب‪ ,‬قال‪ :‬إن كان خرج فقتَل وأ خذ ال ـمَال‪ :‬صُلب وإن قتَل ول ـم‬
‫يأخذ الـمال‪ُ :‬قتِل وإن كان أخذ الـمال ولـم يقتُل‪ :‬قُطِع وإن كان خرج مشاقّا للـمسلـمين‪:‬‬
‫نُفـي‪.‬‬
‫‪9331‬ــ حدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو معاوي‪ ,‬عـن حجاج‪ ,‬عـن عطيـة العوفــي‪ ,‬عـن ابـن‬
‫عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬إذا خرج ال ـمـحارب وأخاف الطر يق وأ خذ ال ـمال‪ :‬قُطِ عت يده ورجله من‬
‫خلف فإن هو خرج فق تل وأ خذ ال ـمال‪ُ :‬قطِ عت يده ورجله من خلف ثم صُلب وإن خرج‬
‫فقَتل ولـم يأخذ الـمال‪ :‬قُتل وإن أخاف السبـيـل ولـم يقتُل ولـم يأخذ الـمال‪ :‬نُفـي‪.‬‬
‫‪ 9332‬ـ حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع بن يزيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثن ـي أ بو صخر‪ ,‬عن م ـحمد بن ك عب القر ظي و عن أب ـي معاو ية‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‬
‫ن فِـي الرْضِ فَسادا قال‪ :‬إن‬
‫سعُوْ َ‬
‫ن الّلهَ َورَسُوَلهُ َويَ ْ‬
‫ن يُحارِبو َ‬
‫جزَءُ اّلذِي َ‬
‫فـي هذه الَية‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫أخاف ال ـمسلـمين‪ ,‬ف ـاقتطع ال ـمال‪ ,‬ول ـم ي سفك‪ :‬قُطِع وإذا سفك د ما‪ :‬قُتِل و صُلِب وإن‬
‫جمعه ما ف ـاقتطع مالً و سفك د ما‪ :‬قُطِع ثم قُتِل ثم صلُب‪ .‬كأ نّ ال صلب ُمثْله‪ ,‬وكأ نّ الق طع‬
‫طعُوا أ ْيدَيهُما‪ ,‬وكأن القتل‪ .‬النفس بـالنفس‪ .‬وإن امتنع فإن من الـحقّ‬
‫ال سّارِقُ وَال سّا ِرقَةُ فـاقْ َ‬
‫علـى المام وعلـى الـمسلـمين أن يطلبوه حتـى يأخذوه فـيقـيـموا علـيه حكم كتاب‬
‫ال‪ ,‬أو ُينْ َفوْا من الرض من أرض السلم إلـى أرض الكفر‪.‬‬
‫واعتلّ قائلوا هذه الـمقالة لقولهم هذا‪ ,‬بأن قالوا‪ :‬إن ال أو جب علـى القاتل القود‪ ,‬وعلـى‬
‫حدَى‬
‫السارق القطع وقالوا‪ :‬قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬لَ يَحلّ دَمُ ا ْمرِىءٍ مُسْلِـمِ إلّ بإ ْ‬
‫ل فَقُتلَ‪َ ,‬و َرجُلٍ زَ نى َبعْ َد إحْ صَانٍ َفرُج مَ‪َ ,‬و َرجُلٍ َك َفرَ َب ْعدَ إ سْلمهِ» قالوا‪:‬‬
‫ل قَتَ َ‬
‫ث خِللٍ‪َ :‬رجُ ٍ‬
‫ثَل ِ‬
‫فحظر النبـيّ صلى ال عليه وسلم قتل رجل مسلـم إل بإحدى هذه الـخلل الثلث‪ ,‬فإما أن‬
‫يقتل من أجل إخافته السبـيـل من غير أن يقتل أو يأخذ مالً‪ ,‬فذلك تقدّ مٌ علـى ال ورسوله‬
‫بـالـخلف علـيهما فـي الـحكم‪ .‬قالوا‪ :‬ومعنى قول من قال‪ :‬المام فـيه بـالـخيار إذا‬
‫قَتَل وأخاف السـبـيـل وأخـذ الــمال فهنالك خيار المام فــي قولهـم بــين القتـل أو القتـل‬
‫والصلب‪ ,‬أو قطع الـيد والرجل من خلف‪ .‬وأما صلبه بـاسم الـمـحاربة من غير أن يفعل‬
‫شيئا من قتل أو أخذ مال‪ ,‬فذلك ما لـم يقله عالـم‪.‬‬
‫أيـ هذه الشياء التــي ذكرهـا ال فــي‬
‫وقال آخرون‪ :‬المام فــيه بــالـخيار أن يفعـل ّ‬
‫كتابه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9333‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬وعن القاسم بن‬
‫ي ذلك شاء فعل‪.‬‬
‫أبـي بزّة‪ ,‬عن مـجاهد فـي الـمـحارب‪ :‬أن المام مخير فـيه أ ّ‬
‫‪ 9334‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن عبـيدة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬عن‬
‫عبـيدة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ :‬المام مخير فـي الـمـحارب‪ ,‬أ يّ ذلك شاء فعل‪ :‬إن شاء قتل‪ ,‬وإن‬
‫شاء قطع‪ ,‬وإن شاء نفـي‪ ,‬وإن شاء صلب‪.‬‬
‫‪ 9335‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن ال ـحسن ف ـي قوله‪ :‬إنّ ـما‬
‫ن الرْ ضِ قال‪ :‬يأخذ المام بأيهما‬
‫ن يُحارِبون اللّ َه َورَ سُوَلهُ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫أحبّ‪.‬‬
‫جزَاءُ‬
‫حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن ال ـحسن‪ :‬إنّ ـمَا َ‬
‫ن اللّهَ َو َرسُوَلهُ قال‪ :‬المام مخير فـيها‪.‬‬
‫اّلذِينَ يُحارِبو َ‬
‫‪9336‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9337‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن قـيس بن سعد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال عطاء‪ :‬يصـنع المام فــي ذلك مـا شاء‪ :‬إن شاء قتـل‪ ,‬أو قطـع‪ ,‬أو نفــي‪ ,‬لقول ال‪ :‬أن ْـ‬
‫ض فذلك إلـى المام‬
‫ن الرْ ِ‬
‫يُ َقتّلُوا أ ْو يُ صَّلبُوا أ ْو تُ َقطّ عَ أ ْيدِيهِ مْ وأ ْرجُُلهُ مْ مِ نْ خِل فٍ‪ ,‬أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫الـحاكم يصنع فـيه ما شاء‪.‬‬
‫‪ 9338‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن يُحارِبو نَ الّل َه َورَسُولَهُ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬من شهر السلح فـي‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫فئة السـلم‪ ,‬وأخاف السـبـيـل‪ ,‬ثـم ظُفِـر بـه و ُقدِر علــيه‪ ,‬فإمام الــمسلـمين فــيه‬
‫بـالـخيار‪ ,‬إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله‪.‬‬
‫‪ 9339‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو هلل‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا قتادة‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن الـمسيب‪ ,‬أنه قال فـي الـمـحارب‪ :‬ذلك إلـى المام‪ ,‬إذا أخذه يصنع به ما شاء‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن أبـي هلل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن الـحسن فـي‬
‫الـمـحارب‪ ,‬قال‪ :‬ذاك إلـى المام يصنع به ما شاء‪.‬‬
‫جزَا ُء اّلذِي نَ‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص بن غياث‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن ال ـحسن‪ :‬إنّ ـمَا َ‬
‫يُحارِبونَ الّلهَ َورَسُوَل ُه قال‪ :‬ذلك إلـى المام‪.‬‬
‫واعتلّ قائلو هذه الــمقالة بأن قالوا‪ :‬وجدنـا العطوف التــي بأو فــي القرآن بــمعنى‬
‫الت ـخيـير ف ـي كلّ ما أو جب ال به فر ضا من ها‪ ,‬وذلك كقوله ف ـي كف ـارة ال ـيـمين‪:‬‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ‪,‬‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ أوْ كِ سْ َو ُت ُهمْ أوْ تَـ ْ‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫ن مِ نْ أوْ َ‬
‫شرَ ِة مَساكِي َ‬
‫عَ‬‫َفكَفّـا َرتُهُ إطْعا مُ َ‬
‫وكقوله‪َ :‬فمَن ْـ كانَـ ِم ْنكُم ْـ َمرِيضـا أوْ بِهِـ أذًى مِن ْـ رأس ِـِه فَ ِف ْديَةٌ مـن صـِيامٍ أ ْو صَـدَقَةٍ أ ْو نُسُـكٍ‪,‬‬
‫عدْلٍ م ْنكُ مْ َهدْ يا ب ـالِغَ ال َك ْعبَةِ أ ْو كَفّ ـارَةُ‬
‫حكُ مُ بِ هِ َذوَا َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ مِ نَ ال ّنعَ مِ َي ْ‬
‫وكقوله‪َ :‬ف َ‬
‫عدْلُ ذَلِكَ صِياما‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا كانت العطوف التـي بأو فـي القرآن فـي كلّ‬
‫طَعامِ مَساكِينَ أوْ َ‬
‫ما أو جب ال به فر ضا من ها ف ـي سائر القرآن ب ـمعنى الت ـخيـير‪ ,‬فكذلك ذلك ف ـي آ ية‬
‫ال ـمـحاربـين المام مخ ير ف ـيـما رأى ال ـحكم به عل ـى ال ـمـحارب إذا قدر عل ـيه‬
‫قبل التوبة‪.‬‬
‫وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك عندنا تأويـل من أوجب علـى الـمـحارب‬
‫من العقوبة علـى قدر استـحقاقه وجعل الـحكم علـى الـمـحاربـين مختلفـا بـاختلف‬
‫أفعال هم‪ ,‬فأو جب عل ـى مخ يف ال سبـيـل من هم إذا ُقدِر عل ـيه ق بل التو بة وق بل أ خذ مال أو‬
‫ق تل‪ :‬النف ـي من الرض وإذا ُقدِر عل ـيه ب عد أ خذ ال ـمال وق تل الن فس ال ـمـحرّم قتل ها‪:‬‬
‫ال صلب ل ـما ذكرت من العلة ق بل لقائي هذه ال ـمقالة‪ .‬فأ ما ما اعتلّ به القائلون‪ :‬إن المام‬
‫فـيه بـالـخيار من أن «أو» فـي العطف تأتـي بـمعنى التـخيـير فـي الفرض‪ ,‬فنقول‪:‬‬
‫ل معنـى له‪ ,‬لن «أو» فــي كلم العرب قـد تأتــي بضروب مـن الــمعانـي لول كراهـة‬
‫إطالة الكتاب بذكر ها لذكرت ها‪ ,‬و قد ب ـينت كث ـيرا من معان ـيها ف ـيـما م ضى و سنأتـي‬
‫عل ـى ب ـاقـيها ف ـيـما ي ستقبل ف ـي أماكن ها إن شاء ال‪ .‬فأ ما ف ـي هذا ال ـموضع فإن‬
‫معناهـا‪ :‬التعق ـيب‪ ,‬وذلك نظيـر قول القائل‪ :‬إن جزاء ال ـمؤمنـين ع ند ال يوم الق ـيامة أن‬
‫يدخ ـلهم ال ـجنة‪ ,‬أو ير فع منازل هم ف ـي عل ـيـين‪ ,‬أو ي سكنهم مع النب ـياء وال صدّيقـين‪.‬‬
‫فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقـيـله إلـى أن جزاء كلّ مؤمن آمن بـال ورسوله‪ ,‬فهو‬
‫فــي مرتبـة واحدة مـن هذه الــمراتب ومنزلة واحدة مـن هذه الــمنازل بإيــمانه‪ ,‬بـل‬
‫ال ـمعقول ع نه أن معناه‪ :‬أن جزاء ال ـمؤمن ل ـم يخ ـلو ع ند ال من ب عض هذه ال ـمنازل‪,‬‬
‫ف ـالـمقتصد منزل ته دون منزلة ال سابق ب ـالـخيرات‪ ,‬وال سابق ب ـالـخيرات أعل ـى م نه‬
‫ع ْد نٍ َي ْدخُـلُونَها‪.‬‬
‫جنّا تُ َ‬
‫ل فـي الـجنة كما قال جلّ ثناؤه‪َ :‬‬
‫منزلة‪ ,‬والظالـم لنفسه دونهما‪ ,‬وك ّ‬
‫ن يُحا ِربُو نَ الّل هَ َورَ سُوَلهُ‪ ...‬الَ ية‪,‬‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫فكذلك مع نى ال ـمعطوف بأو ف ـي قوله‪ :‬إنّ ـما َ‬
‫إنـما هو التعقـيب‪ .‬فتأويـله‪ :‬إن الذي يحارب ال ورسوله‪ ,‬ويسعى فـي الرض فسادا‪ ,‬لن‬
‫يخـلو من أن يستـحقّ الـجزاء بإحدى هذه الـخلل الربع التـي ذكرها ال عزّ ذكره‪ ,‬ل‬
‫أن المام مـحكّم فـيه‪ ,‬ومخير فـي أمره كائنة ما كانت حالته‪ ,‬عظمت جريرته أو خَفّت لن‬
‫شهَر السلح مخيفـا السبـيـل وصلبه‪ ,‬وإن لـم يأخذ‬
‫ذلك لو كان كذلك لكان للمام قتل من َ‬
‫مالً ول قتل أحدا‪ ,‬وكان له نفـي من قَتل وأخذ الـمال وأخاف السبـيـل‪ .‬وذلك قول إن قاله‬
‫قائل خلف ما صحت به الَثار عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من قوله‪« :‬ل يَحلّ دَ مُ‬
‫ن فرُجِمـَ‪ ,‬أوِ ا ْر َتدّ‬
‫حدَى ثَلثـٍ‪َ :‬رجُلٍ َقتَلَ َرجُلً فَ ُقتِلَ‪ ,‬أوْ زَنـى َب ْعدَ إحْصـَا ٍ‬
‫ا ْمرِى ٍء مُسـْلـمٍ إلّ بإ ْ‬
‫عنْ دِينِهِ» وخلف قوله‪« :‬ال َقطْ ُع فِـي ُربْعِ دِينار َفصَاعِدا» وغير الـمعروف من أحكامه‪.‬‬
‫َ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن هذه الحكام التــي ذكرت كانـت عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ف ـي غ ير ال ـمـحارب‪ ,‬ولل ـمـحارب ح كم غ ير ذلك منفرد به؟ ق ـيـل له‪ :‬ف ما ال ـحكم‬
‫الذي انفرد به الـمـحارب فـي سننه‪ ,‬فإن ادّعى عنه صلى ال عليه وسلم حكما خلف الذي‬
‫ذكرنا‪ ,‬أكذبه جميع أهل العلـم‪ ,‬لن ذلك غير موجود بنقل واحد ول جماعة‪ ,‬وإن زعم أن ذلك‬
‫ال ـحكم هو ما ف ـي ظا هر الكتاب‪ .‬ق ـيـل له‪ :‬فإن أح سن حال تك أن يُ سلّـم لك أن ظا هر‬
‫الَية قد يحتـمل ما قلت‪ ,‬وما قاله من خالفك فما برهانك علـى أن تأويـلك أولـى بتأويـل‬
‫الَية من تأويـله‪ .‬وبعد‪ :‬فإذا كان المام مخيرا فـي الـحكم علـى الـمـحارب من أجل أنّ‬
‫«أو» ب ـمعنى الت ـخيـير ف ـي هذا ال ـموضع عندك‪ ,‬أفله أن ي صلبه ح يا ويتر كه عل ـى‬
‫ال ـخشبة م صلوبـا حت ـى ي ـموت من غ ير قتله؟ فإن قال‪ :‬ذلك له‪ ,‬خالف ف ـي ذلك ال مة‪.‬‬
‫وإن زعم أن ذلك لـيس له‪ ,‬وإنـما له قتله ثم صلبه أو صلبه ثم قتله‪ ,‬ترك علته من أن المام‬
‫إنـما كان له الـخيار فـي الـحكم علـى الـمـحارب من أجل أن «أو» تأتـي بـمعنى‬
‫التـخيـير‪ ,‬وقـيـل له‪ :‬فكيف كان له الـخيار فـي القتل أو النفـي أو القطع ولـم يكن له‬
‫ال ـخيار ف ـي ال صلب وحده‪ ,‬حت ـى ت ـجمع إل ـيه عقو بة أخرى؟ وق ـيـل له‪ :‬هل ب ـينك‬
‫وبـين من جعل الـخيار حيث أبـيت وأبى ذلك حيث جعلته حيث جعلته له‪ ,‬فر قٌ كم أصل‬
‫ل ألزم ف ـي الَخر مثله‪ .‬وقد رُوي عن ر سول ال‬
‫أو قـياس؟ فلن يقول ف ـي أحدهما قولً إ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم بتصحيح ما قلنا فـي ذلك بـما فـي إسناده نظر‪ .‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 9340‬ـ حدثنا به علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬عن ابن لهيعة‪ ,‬عن يزيد‬
‫بن أبـي حبـيب‪ :‬أن عبد الـملك بن مروان كتب إلـى أنس بن مالك يسأله عن هذه الَية‪,‬‬
‫فكتب إلـيه أنس يخبره أن هذه الَية نزلت فـي أولئك النفر العرنـيـين‪ ,‬وهم من بجيـلة‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فـارتدوا عن السلم‪ ,‬وقتلوا الراعي‪ ,‬وساقوا البل‪ ,‬وأخافوا السبـيـل‪ ,‬وأصابوا‬
‫الفرْج الـحرام‪ .‬قال أنس‪ :‬فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريـل علـيه السلم عن‬
‫القضاء فــيـمن حارب‪ ,‬فقال‪« :‬مـن سـرق وأخاف السـبـيـل فــاقطع يده بسـرقته و ِرجْلَه‬
‫بإخافته‪ .‬ومن قتل فـاقتله‪ .‬ومن قتل وأخاف السبـيـل واستـحلّ الفرج الـحرام فـاصلبه»‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬أ نه تق طع أيدي هم‬
‫ن خِل فٍ فإ نه يعن ـي ج ّ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬أوْ تُ َقطّ عَ أ ْيدِيهِ مْ وأ ْرجُُلهُ مْ مِ َ‬
‫مخالفــا فــي قطعهـا قطـع أرجلهـم‪ ,‬وذلك أن تقطـع أيــمن أيديهـم وأشمـل أرجلهـم‪ ,‬فذلك‬
‫الــخلف بــينهما فــي القطـع‪ .‬ولو كان مكان «مـن» فــي هذا الــموضع «علــى» أو‬
‫البـاء‪ ,‬فقـيـل‪ :‬أو تقطع أيديهم وأرجلهم خلف أو بخلف‪ ,‬لدّيا عما أدت عنه «مِن» من‬
‫الـمعنى‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى النفـي الذي ذكر ال فـي هذا الـموضع‪ .‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫هو أن يُطلب حتـى يُقدر علـيه‪ ,‬أو يهرب من دار السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9341‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن الرْ ضِ قال‪ :‬يطلب هم المام ب ـالـخيـل والرجال حت ـى يأخذ هم‪,‬‬
‫ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا م َ‬
‫قـيقـيـم فـيهم الـحكم‪ ,‬أو يُنفوا من أرض الـمسلـمين‪.‬‬
‫‪ 9342‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬نفـيه‪ :‬أن يطلب‪.‬‬
‫‪ 9343‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ بن أب ـي‬
‫طلــحة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِنَـ الرْضِـ يقول‪ :‬أو يهربوا حتــى يخرجوا مـن دار‬
‫السلم إلـى دار الـحرب‪.‬‬
‫‪9344‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد ال بن‬
‫َلهِيعة‪ ,‬عن يزيد بن أبـي حبـيب‪ ,‬عن كتاب أنس بن مالك‪ ,‬إلـى عبد الـملك بن مروان‪:‬‬
‫أنـه كتـب إلــيه‪« :‬ونَفْــيُه‪ :‬أن يطلبـه المام حتــى يأخذه‪ ,‬فإذا أخذه أقام علــيه إحدى هذه‬
‫الـمنازل التـي ذكر ال جلّ وع ّز بـما استـحلّ»‪.‬‬
‫‪ 9345‬ـ حدثن ـي عل ـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬فذكرت ذلك لل ـيث بن سعد‪,‬‬
‫فقال‪ :‬نفـيه‪ :‬طلبه من بلد إلـى بلد حتـى يؤخذ‪ ,‬أو يخرجه طلبه من دار السلم إلـى دار‬
‫الشرك والـحرب‪ ,‬إذا كان مـحاربـا مرتدّا عن السلم‪ .‬قال الولـيد‪ :‬وسألت مالك بن أنس‪,‬‬
‫فقال مثله‪.‬‬
‫‪ 9346‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬قلت لـمالك بن أنس واللـيث بن سعد‪:‬‬
‫وكذلك يطلب ال ـمـحارب ال ـمقـيـم عل ـى إ سلمه‪ ,‬يضطره بطل به من بلد إل ـى بلد ح قّ‬
‫يصير إلـى ثغر من ثغور الـمسلـمين‪ ,‬أو أقصى جوار الـمسلـمين‪ ,‬فإن هم طلبوه دخـل‬
‫طرّ مسلـم إلـى ذلك‪.‬‬
‫دار الشرك؟ قال‪ :‬ل ُيضْ َ‬
‫‪ 9347‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا ِم نَ‬
‫الرْضِ قال‪ :‬أن يطلبوه حتـى يعجزوا‪.‬‬
‫حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬ثنـي عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪9348‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِنَ‬
‫الرْضِ قال‪ :‬ينفـى حتـى ل يقدر علـيه‪.‬‬
‫‪ 9349‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن الربـيع‬
‫ن الرْ ضِ قال‪ :‬أخرجوا من الرض أين ـما أدركوا‪ ,‬أُخرجوا‬
‫بن أ نس ف ـي قوله‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫حتـى يـلـحقوا بأرض العدوّ‪.‬‬
‫‪ 9350‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن الزهري فـي قوله‪:‬‬
‫ن الرْضِ قال‪ :‬نفـيه‪ :‬أن يطلب فل يقدر علـيه‪ ,‬كلـما سمع به فـي أرض طلب‪.‬‬
‫أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫‪ 9351‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي سعيد‪ ,‬عن‬
‫ن الرْضِ قال‪ :‬إذا لـم يقتل ولـم يأخذ مالً‪ ,‬طُلب حتـى يعجِز‪.‬‬
‫قتادة‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا مِ َ‬
‫‪ 9352‬ـ حدثنـي ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي نافع بن يزيد‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثن ـي أ بو صخر‪ ,‬عن م ـحمد بن ك عب ال ُقرَظ يّ‪ ,‬و عن أب ـي معاو ية‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ض من أرض السلم إلـى أرض الكفر‪.‬‬
‫جبـير‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا ِمنَ الرْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى النفـي فـي هذا الـموضع‪ :‬أن المام إذا قدر علـيه نفـاه من بلدته‬
‫إلـى بلدة أخرى غيرها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9353‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ن الرْ ضِ قال‪ :‬من أخاف سبـيـل‬
‫عن ق ـيس بن سعد‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫الـمسلـمين نُفـي من بلده إلـى غيره‪ ,‬لقول ال عزّ وجلّ‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا ِمنَ الرْضِ‪.‬‬
‫‪9354‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي اللـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن‬
‫أب ـي حب ـيب وغيره‪ ,‬عن حب ـان بن شر يح‪ ,‬أ نه ك تب إل ـى ع مر بن ع بد العز يز ف ـي‬
‫الل صوص‪ ,‬وو صف له ل صوصيتهم وحب سهم ف ـي ال سجون‪ ,‬قال‪ :‬قال ال ف ـي كتا به‪ :‬إنّ ـما‬
‫سعَ ْونَ فِـي الرْ ضِ فَسادا أ نْ يُ َقتّلُوا أوْ يُ صَلّبُوا أوْ تُ َقطّ عَ‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ َويَ ْ‬
‫ن يُجارِبُو َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫ن الرْضِ‪ .‬فكتب إلـيه عمر بن عبد العزيز‪ :‬أما‬
‫ن خِلفٍ‪ ,‬وترك‪ :‬أ ْو ُينْفَوْا مِ َ‬
‫أ ْيدِي ِهمْ وأ ْرجُلُ ُهمْ مِ ْ‬
‫ن اللّ َه َورَ سُوَلهُ‬
‫ن يُحا ِربُو َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫ب عد‪ ,‬فإ نك كت بت إلــيّ تذ كر قول ال جلّ وعزّ‪ :‬إنّ ـمَا َ‬
‫ن خِلفٍ‪ ,‬وتركت‬
‫ن يُ َقتّلُوا أوْ يُصَّلبُوا أوْ ُت َقطّعَ أ ْيدِيهِمْ وأ ْرجُلُهُمْ مِ ْ‬
‫ض فَسادا أ ْ‬
‫ن فِـي الرْ ِ‬
‫سعَوْ َ‬
‫َويَ ْ‬
‫ن الرْ ضِ‪ ,‬فنبـيّ أنت يا حبـان ابن أ مّ حبـان ل تـحرّك الشياء عن‬
‫قول ال‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا مِ َ‬
‫مواضع ها‪ ,‬أت ـجرّدت للق تل وال صلب كأ نك ع بد بن ـي عق ـيـل من غ ير ما أشبّ هك به؟ إذا‬
‫أتاك كتابـي هذا فـانفهم إلـى شغب‪.‬‬
‫حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي الل ـيث‪ ,‬عن يز يد وغيره بن ـحو هذا‬
‫الـحديث‪ ,‬غير أن يونس قال فـي حديثه‪ :‬كأنك عبد بنـي أبـي عقال من غير أن أشبّهك‬
‫به‪.‬‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي ا بن لهي عة‪ ,‬عن يز يد بن أب ـي‬
‫حب ـيب‪ ,‬أن ال صلت كا تب حب ـان بن شر يح‪ ,‬أ خبرهم أن حب ـان ك تب إل ـى ع مر بن ع بد‬
‫العز يز‪ :‬أن ناسـا من القبـط قامـت عل ـيهم الب ـينة بأنهـم حاربوا ال ورسـوله وسـعوا فــي‬
‫ن اللّهَ َورَسُوَلهُ َويَسْعَ ْونَ فِـي الرْضِ‬
‫جزَا ُء اّلذِينَ يُحا ِربُو َ‬
‫الرض فسادا‪ ,‬وأن ال يقول‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ن خِل فٍ و سكت عن النف ـي‪ ,‬وك تب‬
‫ن يُ َقتّلُوا أوْ يُ صَّلبُوا أوْ ُت َقطّ عَ أ ْيدِيهِ مْ وأ ْرجُلُهُ مْ مِ ْ‬
‫فَ سادا أ ْ‬
‫إلـيه‪ :‬فإن رأى أمير الـمؤمنـين أن يـمضي قضاء ال فـيهم‪ ,‬فلـيكتب بذلك‪ .‬فلـما قرأ‬
‫ع مر بن ع بد العز يز كتا به‪ ,‬قال‪ :‬ل قد اجتزأ حب ـان‪ .‬ثم ك تب إل ـيه‪ :‬إ نه قد بلغن ـي كتا بك‬
‫وفهم ته‪ ,‬ول قد اجتزأت كأن ـما كت بت بكتاب َيزِيدَ بن أب ـي م سلـم أو عِلْ ـج صاحب العراق‬
‫من غير أن أشبهك بهما‪ ,‬فكتبت بأوّل الَية ثم سكتّ عن آخرها‪ ,‬وإن ال يقول‪ :‬أوْ ُينْ َفوْا مِ نَ‬
‫الرْ ضِ فإن كا نت قا مت عل ـيهم الب ـينة ب ـما كت بت به‪ ,‬ف ـاعقد ف ـي أعناق هم حديدا‪ ,‬ثم‬
‫شغْبٍ و َبدَا‪.‬‬
‫غيبهم إلـى َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬شغب وبدا‪ :‬موضعان‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى النف ـي من الرض ف ـي هذا ال ـموضع‪ :‬ال ـحبس‪ ,‬و هو قول أب ـي‬
‫حنـيفة وأصحابه‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك عندي بـالصواب فـي قول من قال‪ :‬معنى النفـي من الرض‬
‫فـي هذا الـموضع‪ :‬هو نفـيه من بلد إلـى بلد غيره وحبسه فـي السجن فـي البلد الذي‬
‫نفـي إلـيه‪ ,‬حتـى تظهر توبته من فسوقه ونزوعه عن معصيته ربه‪.‬‬
‫وإنــما قلت ذلك أولــى القوال بــالصحة‪ ,‬لن أهـل التأويــل اختلفوا فــي معنـى ذلك‬
‫عل ـى أ حد الو جه الثل ثة الت ـي ذكرت‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان معلو ما أن ال جلّ ثناؤه‬
‫إن ـما ج عل جزاء ال ـمـحارب‪ :‬الق تل أو ال صلب‪ ,‬أو ق طع ال ـيد والر جل من خلف‪ ,‬ب عد‬
‫القدرة علـيه ل فـي حال امتناعه كان معلوما أن النفـي أيضا إنـما هو جزاؤه بعد القدرة‬
‫عل ـيه ل قبل ها‪ ,‬ولو كان هرو به من الطلب نف ـيا له من الرض‪ ,‬كان ق طع يده ورجله من‬
‫خلف فـي حال امتناعه وحربه علـى وجه القتال بـمعنى إقامة الـحدّ علـيه بعد القدرة‬
‫ل حدّا له‬
‫علــيه‪ .‬وفــي إجماع الــجميع أن ذلك ل يقوم مقام نفــيه الذي جعله ال عزّ وج ّ‬
‫بعد القدرة علـيه‪ .‬وإذ كان كذلك‪ ,‬فمعلوم أنه لـم يبق إلّ الوجهان الَخران‪ ,‬وهو النفـي من‬
‫ك أنه إذا نفـي من بلدة إلـى أخرى‬
‫بلدة إلـى أخرى غيرها أو السجن‪ .‬فإذ كان كذلك‪ ,‬فل ش ّ‬
‫غير ها فل ـم ي نف من الرض‪ ,‬بل إن ـما نف ـي من أرض دون أرض‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫ل ثناؤه إن ـما أ مر بنف ـيه من الرض‪ ,‬كان معلو ما أ نه ل سبـيـل إلـى نف ـيه‬
‫وكان ال ج ّ‬
‫من الرض إلّ بحب سه ف ـي بق عة من ها عن سائرها‪ ,‬ف ـيكون منف ـيا حينئذٍ عن جميع ها‪ ,‬إلّ‬
‫مـما ل سبـيـل إلـى نفـيه منه‪ .‬وأما معنى النفـي فـي كلم العرب‪ :‬فهو الطرد‪ ,‬ومن‬
‫ذلك قول أوس بن حجر‪:‬‬
‫طرُقِ ال ِكرَامِ كمَا َينْفِـي الـمُطا ِرقُ ما يَـلـي ال َق َردُ‬
‫عنْ ُ‬
‫ُينْ َفوْنَ َ‬
‫ومنه قـيـل للدراهم الرديئة وغيرها من كلّ شيء‪ :‬النّفـاية‪ .‬وأما الـمصدر من نفـيت‪,‬‬
‫فإ نه النف ـي والنّف ـاية‪ ,‬ويقال‪ :‬الدلو ينف ـي ال ـماء‪ .‬ويقال ل ـما تطا ير من ال ـماء من الدلو‬
‫النفـيّ‪ ,‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫طيْرِ علـى الصّفِـيّ‬
‫ن النّفـ ّيمَوَاقِعُ ال ّ‬
‫ن َم ْتنَـيْ ِه مِ َ‬
‫كأ ّ‬
‫شعَرُه‪ :‬إذا سقط‪ ,‬يقال‪ :‬حال لونك ونَفَـى شعرك‪.‬‬
‫ومنه قـيـل‪ :‬نَفَـى َ‬
‫عذَا بٌ‬
‫لخِرَةِ َ‬
‫خزْ يٌ فِ ـي ال ّدنْ ـيا وله مْ فِ ـي ا َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬ذَلِ كَ َلهُ مْ ِ‬
‫عظِيـمٌ‪.‬‬
‫َ‬
‫يعنــي جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬ذَلِكـَ‪ :‬هذا الــجزاء الذي جازيـت بـه الذيـن حاربوا ال ورسـوله‬
‫وسعوا فـي الرض فسادا فـي الدنـيا‪ ,‬من قتل‪ ,‬أو صلب‪ ,‬أو قطع يد ورجل من خلف َلهُمْ‬
‫خزْيٌـ فــي ال ّدنْــيَا يقول‪ :‬هو لهـم شرّ وعار وذلة‪ ,‬ونكال‬
‫يعنــي‪ :‬لهؤلء الــمـحاربـين ِ‬
‫خزْيا‪ ,‬وقوله‪ :‬وََلهُمْ‬
‫خزِيَ هو ِ‬
‫وعقوبة فـي عاجل الدنـيا قبل الَخرة‪ ,‬يقال منه‪ :‬أخزيت فلنا ف َ‬
‫عظِي ـمٌ يقول ع ّز ذكره لهؤلء الذ ين حاربوا ال ور سوله و سعول ف ـي‬
‫عذَا بٌ َ‬
‫ف ـي الَخرةِ َ‬
‫الرض فسـادا فلــم يتوبوا مـن فعلهـم ذلك‪ ,‬حتــى هلكوا فــي الَخرة مـع الــخزي الذي‬
‫جازيتهم به فـي الدنـيا‪ ,‬والعقوبة التـي عاقبتهم بها فـيها عذاب عظيـم‪ ,‬يعنـي‪ :‬عذاب‬
‫جهنـم‪.‬‬

‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن تَابُو ْا مِن َقبْلِ أَن تَ ْق ِدرُواْ عََل ْيهِمْ فَاعَْلمُو ْا أَنّ الّلهَ‬
‫{ِإلّ اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫غَفُورٌ ّرحِيمٌ }‪..‬‬
‫ل الذيـن تابوا مـن‬
‫اختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬إ ّ‬
‫شركهـم ومناصـبتهم الــحرب ل ولرسـوله‪ ,‬والسـعي فــي الرض بــالفساد بــالسلم‪,‬‬
‫والدخول ف ـي الي ـمان من ق بل قدرة ال ـمؤمنـين عل ـيهم‪ ,‬فإ نه ل سبـيـل لل ـمؤمنـين‬
‫عل ـيهم بش يء من العقوب ـات الت ـي جعل ها ال جزاء ل ـمن حار به ور سوله و سعى ف ـي‬
‫الرض ف سادا‪ ,‬من قَتْل‪ ,‬أو صَلْب‪ ,‬أو ق طع يد ور جل من خلف‪ ,‬أو نف ـي من الرض‪ ,‬فل‬
‫تِبـاعة ِقبَله لحد فـيـما كان أصاب فـي حال كفره وحربه الـمؤمنـين فـي مال ول دم‬
‫ول حر مة قالوا‪ :‬فأمـا ال ـمسلـم إذا حارب ال ـمسلـمين أو ال ـمعاهدين وأتــى ب عض ما‬
‫ي جب علـيه العقوبة‪ ,‬فلن تضع توبته عنه عقوبة ذنبه‪ ,‬بل توبته فـيـما بـينه وبـين ال‪,‬‬
‫وعلـى المام إقامة الـحدّ الذي أوجبه ال علـيه وأخذه بحقوق الناس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9355‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬عن ال ـحسين بن وا قد‪ ,‬عن يز يد‬
‫ّهـ‬
‫ُونـ الل َ‬
‫ِينـ يُحا ِرب َ‬
‫جزَاءُ اّلذ َ‬
‫النــحويّ‪ ,‬عـن عكرمـة والــحسن البصـريّ‪ ,‬قال‪ :‬قوله‪ :‬إنّــمَا َ‬
‫َورَ سُولَ ُه َويَ سْعَ ْونَ فِـي الرْ ضِ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬فـاعْلَـمُوا أ نّ الّل هَ غَفُورٌ َرحِيـمٌ نزلت هذه‬
‫الَ ية ف ـي ال ـمشركين‪ ,‬ف من تاب من هم من ق بل أن يُ ْقدَر عل ـيه ل ـم ي كن عل ـيه سبـيـل‪,‬‬
‫ول ـيس ت ـحرز هذه الَ ية الر جل ال ـمسلـم من ال ـحدّ إن ق تل أو أف سد ف ـي الرض أو‬
‫حارب ال ور سوله ثم ل ـحق ب ـالكفـار ق بل أن يُ ْقدَر عل ـيه‪ ,‬ذلك يقام عل ـيه ال ـحدّ الذي‬
‫أصاب‪.‬‬
‫‪ 9356‬ـ حدثنا بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا روح بن عبـادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫غفُورٌ رَحي ـمٌ‬
‫ن اللّ هَ َ‬
‫ن تابُوا مِ نْ َقبْلِ أ نْ تَ ْق ِدرُوا عَلَ ـ ْي ِهمْ ف ـاعْلَـمُوا أ ّ‬
‫عن م ـجاهد‪ :‬إلّ اّلذِي َ‬
‫قال‪ :‬هذا لهل الشرك إذا فعلوا شيئا فـي شركهم‪ ,‬فإن ال غفور رحيـم إذا تابوا وأسلـموا‪.‬‬
‫‪ 9357‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ن فِـي الرْ ضِ فَسادا بـالزنا‪,‬‬
‫سعَوْ َ‬
‫ن اللّ َه َورَسُوَلهُ َويَ ْ‬
‫ن يُحا ِربُو َ‬
‫جزَاءُ اّلذِي َ‬
‫عن مـجاهد‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ن تَ ْق ِدرُوا عَلَ ـ ْيهِمْ‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫ن تَابُوا مِ ْ‬
‫وال سرقة وق تل الن فس‪ ,‬وإهلك ال ـحرث والن سل إلّ اّلذِي َ‬
‫علـى عهد الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪9358‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيـم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬كان قوم بــينهم وبــين الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم ميثاق‪ ,‬فنقضوا العهـد‬
‫وقطعوا السبـيـل وأف سدوا ف ـي الرض‪ ,‬فخ ير ال نب ـيه صلى ال عل يه و سلم ف ـيهم‪ ,‬فإن‬
‫شاء ق تل‪ ,‬وإن شاء صلب‪ ,‬وإن شاء ق طع أيدي هم وأرجل هم من خلف‪ ,‬ف من تاب من ق بل أن‬
‫تقدروا علـيه ُقبِل ذلك منه‪.‬‬
‫‪ 9359‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫ن اللّ هَ َورَ سُوَلهُ‪ ...‬الَية‪ ,‬فذكر نـحو قول‬
‫جزَا ُء اّلذِي نَ يُحا ِربُو َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إنّـمَا َ‬
‫ل أنه قال‪ :‬فإن جاء تائبـا فدخـل فـي السلم ُقبِل منه ولـم يؤاخذ بـما سلف‪.‬‬
‫الضحاك‪ ,‬إ ّ‬
‫ن مِ نْ َقبْلِ أ نْ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫‪ 9360‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬إ ّ‬
‫تَ ْق ِدرُوا عَلَـ ْي ِهمْ قال‪ :‬هذا لهل الشرك إذا فعلوا شيئا من هذا فـي شركهم ثم تابوا وأسلـموا‪,‬‬
‫فإن ال غفور رحيـم‪.‬‬
‫‪ 9361‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن عطاء‬
‫ن تَ ْق ِدرُوا عَلَـيْ ِهمْ فهذه لهل الشرك‪,‬‬
‫لأ ْ‬
‫ن قَبْ ِ‬
‫ل اّلذِي نَ تابُوا مِ ْ‬
‫الـخراسانـي وقتادة‪ ,‬أما قوله‪ :‬إ ّ‬
‫فمن أصاب من الـمشركين شيئا من الـمسلـمين وهو لهم حرب‪ ,‬فأخذ مالً أو أصاب دما ثم‬
‫تاب قبل أن تقدروا علـيه‪ ,‬أُهدر عنه ما مضى‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هذه الَ ية معن ـيّ ب ـالـحكم ب ها ال ـمـحاربون ال ور سوله ال ـحُرّابُ‬
‫من أهل السلم‪ ,‬من قطع منهم الطريق وهو مقـيـم علـى إسلمه‪ ,‬ثم استأمن فأومن علـى‬
‫جنايا ته الت ـي جنا ها و هو لل ـمسلـمين حرب‪ .‬و من ف عل ذلك من هم مرتدّا عن ال سلم ثم‬
‫ل ـحق بدار ال ـحرب‪ ,‬ثم ا ستأمن فأو من قالوا‪ :‬فإذا أم نه المام عل ـى جنايا ته الت ـي سلفت‬
‫لـم يكن قبله لحد تبعة فـي دم ول مال أصابه قبل توبته وقبل أمان المام إياه‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9362‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي أبو أسامة عن أشعث‬
‫بن سوار‪ ,‬عن عامر الشعبـي‪ :‬أن حارثة بن بدر خرج مـحاربـا‪ ,‬فأخاف السبـيـل‪ ,‬وسفك‬
‫الدم‪ ,‬وأخـذ الموال‪ ,‬ثـم جاء تائبــا مـن قبـل أن يُقدر علــيه‪ ,‬فقبـل علــيّ بـن أبــي طالب‬
‫علـيه السلم توبته‪ ,‬وجعل له أمانا منشورا علـى ما كان أصاب من دم أو مال‪.‬‬
‫‪ 9363‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشي ـم‪ ,‬عن م ـجالد‪,‬‬
‫عن الشعبـيّ‪ :‬أن حارثة بن بدر حارب فـي عهد علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬فأتـى الـحسن‬
‫بن علـيّ رضوان ال علـيهما‪ ,‬فطلب إلـيه أن يستأمن له من علـيّ‪ ,‬فأبى‪ .‬ثم أتـى ابن‬
‫جعفر‪ ,‬فأبى علـيه‪ .‬فأتـى سعيد بن قـيس الهمدانـي فأمنه‪ ,‬وضمه إلـيه‪ ,‬وقال له‪ :‬استأمن‬
‫إلـى أمير الـمؤمنـين علـيّ بن أبـي طالب قال‪ :‬فلـما صلّـى علـيّ الغداة‪ ,‬أتاه سعيد‬
‫بن ق ـيس‪ ,‬فقال‪ :‬يا أم ير ال ـمؤمنـين‪ ,‬ما جزاء الذ ين يحاربون ال ور سوله؟ قال‪ :‬أن يقتلوا‬
‫أو ي صلّبوا أو تُقطّع أيدي هم وأرجل هم من خلف أو ينفوا من الرض‪ .‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬إلّ الذ ين‬
‫تابوا من قبل أن تقدروا علـيهم‪ .‬قال سعيد‪ :‬وإن كان حارثة بن بدر؟ قال‪ :‬وإن كان حارثة بن‬
‫بدر قال‪ :‬فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبـا فهو آمن؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فجاء به فبـايعه‪ ,‬و َقبِل‬
‫ذلك منه‪ ,‬وكتب له أمانا‪.‬‬
‫‪ 9364‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن َمغْراء‪ ,‬عن‬
‫مــجالد‪ ,‬عـن الشعبــيّ‪ ,‬قال‪ :‬كان حارثـة بـن بدر قـد أفسـد فــي الرض وحارب ثـم تاب‪,‬‬
‫وكُلّ ـم له عل ـيّ فل ـم يؤم نه‪ .‬فأت ـى سعيد بن ق ـيس فكل ـمه‪ ,‬ف ـانطلق سعيد بن ق ـيس‬
‫إل ـى عل ـيّ‪ ,‬فقال‪ :‬يا أم ير ال ـمؤمنـين‪ ,‬ما تقول ف ـيـمن حارب ال ور سوله؟ فقرأ الَ ية‬
‫كلها‪ ,‬فقال‪ :‬أرأيت من تاب من قبل أن تقدر علـيه؟ قال‪ :‬أقول كما قال ال‪ .‬قال‪ :‬فإنه حارثة‬
‫بن بدر‪ .‬قال‪ :‬فأمنه علـيّ‪ ,‬فقال حارثة‪:‬‬
‫ن إمّا لَقـيتَهاعلـى ال ّن ْأيِ ل يسْلَـ ْم عدُ ّو يَعيبُها‬
‫أل أبِْلغَنْ همَدا َ‬
‫خطِيبُها‬
‫ن َه ْمدَانَ َتتّقِـي الِلَه و َي ْقضِي بـالكِتابِ َ‬
‫ل َع ْمرُ أبـيها إ ّ‬
‫‪ 9365‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ل أنْ تَ ْق ِدرُوا عَلَـيْ ِهمْ وتوبته من قبل أن يقدر علـيه أن‬
‫ن قَبْ ِ‬
‫ن تابُوا ِم ْ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫عن السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫يكتب إلـى المام يستأمنه علـى ما قتل وأفسد فـي الرض‪ :‬فإن لـم يومنـي علـى ذلك‬
‫ل وأخذا للموال أك ثر م ـما فعلت ذلك ق بل‪ .‬فعل ـى المام من ال ـحقّ أن‬
‫ازددت ف سادا وقت ً‬
‫يؤم نه عل ـى ذلك‪ ,‬فإذا أم نه المام جاء حت ـى ي ضع يده ف ـي يد المام‪ .‬فل ـيس ل حد من‬
‫ـل‬
‫ـو له‪ ,‬لكيل يقتـ‬
‫ـفكه ول مال أخذه‪ ,‬وكلّ مال كان له فهـ‬
‫ـه ول يأخذه بدم سـ‬
‫الناس أن يتبعـ‬
‫الــمؤمنـين أيضـا ويفسـده‪ .‬فإذا رجـع إلــى ال جلّ وع ّز فهـو ولــيه يأخذه بــما صـنع‪.‬‬
‫وتوبته فـيـما بـينه وبـين المام والناس‪ ,‬فإذا أخذه المام وقد تاب فـيـما يزعم إلـى ال‬
‫جلّ ثناؤه قبل أن يؤمنه المام فلـيقم علـيه الـحدّ‪.‬‬
‫‪ 9366‬ـ حدثنا علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬عن سعيد بن عبد العزيز‪,‬‬
‫أخبرن ـي مكحول‪ ,‬أ نه قال‪ :‬إذا أعطاه المام أما نا‪ ,‬ف هو آ من ول يقام عل ـيه ال ـحدّ ما كان‬
‫أّصاب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬كلّ مـن جاء تائبــا مـن الــحُرّاب قبـل القدرة علــيه‪ ,‬اسـتأمن‬
‫المام فأمنه أو لـم يستأمنه بعد أن يجيء مستسلـما تاركا للـحرب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9367‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن فضيـل‪ ,‬عن أشعث‪,‬‬
‫عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل من مراد إلـى أبـي موسى وهو علـى الكوفة فـي إمرة عثمان‬
‫بعـد مـا صـلـى الــمكتوبة‪ ,‬فقال‪ :‬يـا أبــا موسـى هذا مقام العائذ بـك‪ ,‬أنـا فلن ابـن فلن‬
‫ال ـمرادي‪ ,‬ك نت حار بت ال ور سوله و سعيت ف ـي الرض‪ ,‬وإن ـي ت بت من ق بل أن ُي ْقدَر‬
‫عل ـيّ‪ .‬فقام أ بو مو سى فقال‪ :‬هذا فلن ا بن فلن‪ ,‬وإ نه كان حارب ال ور سوله و سعى ف ـي‬
‫ل بخير‪ .‬فأقام الرجل‬
‫الرض فسادا‪ ,‬وإنه تاب قبل أن يقدر علـيه‪ ,‬فمن لقـيه فل يعرض له إ ّ‬
‫ما شاء ال‪ ,‬ثم إنه خرج‪ ,‬فأدركه ال بذنوبه فقتله‪.‬‬
‫حدثنــي الــحارث بـن مــحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عـن‬
‫إسماعيـل السديّ‪ ,‬عن الشعبـيّ قال‪ :‬جاء رجل إلـى أبـي موسى‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9368‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬قلت لـمالك‪ :‬أرأيت‬
‫هذا الـمـحارب الذي قد أخاف السبـيـل وأصاب الدم والـمال‪ ,‬فلـحق بدار الـحرب أو‬
‫تـمنّع فـي بلد السلم‪ ,‬ثم جاء تائبـا من قبل أن يُ ْقدَر علـيه؟ قال‪ :‬تقبل توبته‪ .‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫فل يتّ بع بش يء من أحدا ثه؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬إلّ أن يو جد م عه مال بعي نه ف ـيردّ إل ـى صاحبه‪ ,‬أو‬
‫يطل به ول ـيّ من ق تل بدم ف ـي حر به يث بت بب ـينة أو اعتراف ف ـيقاد به وأ ما الدماء الت ـي‬
‫أصابها ولـم يطلبها أولـياؤها فل يتبعه المام بشيء‪ .‬قال علـيّ‪ :‬قال الولـيد‪ :‬فذكرت ذلك‬
‫لب ـي عمرو‪ ,‬فقال‪ :‬تق بل توب ته إذا كان م ـحاربـا للعا مة والئ مة قد آذا هم بحر به فش هر‬
‫سـلحه وأصـاب الدماء والموال‪ ,‬فكانـت له منعـة أو فئة يــلـجأ إلــيهم‪ ,‬أو لــحق بدار‬
‫الــحرب فــارتدّ عـن السـلم‪ ,‬أو كان مقــيـما علــيه ثـم جاء تائبــا مـن قبـل أن ُي ْقدَر‬
‫علـيه‪ُ ,‬قبِلت توبته ولـم ُيتّبع بشيء منه‪.‬‬
‫‪9369‬ــ حدثنــي علــي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الولــيد‪ ,‬قال‪ :‬قال أبـو عمرو‪ :‬سـمعت ابـن شهاب‬
‫الزهري يقول ذلك‪.‬‬
‫‪9370‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬فذكرت قول أبـي عمرو ومالك‬
‫لل ـيث بن سعد ف ـي هذه ال ـمسألة‪ ,‬فقال‪ :‬إذا أعلن ب ـالـمـحاربة للعا مة والئ مة وأ صاب‬
‫الدماء والموال‪ ,‬ف ـامتنع ب ـمـحاربته من ال ـحكومة عل ـيه‪ ,‬أو ل ـحق بدار ال ـحرب ثم‬
‫جاء تائبـا من قبل أن يُ ْقدَر علـيه‪ ,‬قُبلت توبته ولـم يتبع بشيء من أحداثه فـي حربه من‬
‫دم خاصة ول عامة وإن طلبه ولـيه‪.‬‬
‫‪ 9371‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬قال الل ـيث‪ :‬وكذلك ثن ـي مو سى بن‬
‫إسحاق الـمدنـيّ‪ ,‬وهو المير عند نا‪ :‬أن علـيا السدي حارب وأخاف السبـيـل وأصاب‬
‫الدم والـمال‪ ,‬فطلبته الئمة والعامة‪ ,‬فـامتنع ولـم يُ ْقدَر علـيه‪ ,‬حتـى جاء تائبـا وذلك أنه‬
‫سهِمْ ل تَ ْق َنطُوا ِمنْ َرحْم ِة اللّهِ‪...‬‬
‫س َرفُوا علـى أنْفُ ِ‬
‫عبَـا ِديَ اّلذِينَ أ ْ‬
‫سمع رجلً يقرأ هذه الَية‪ :‬يا ِ‬
‫الَ ية‪ ,‬فوق ـف عل ـيه فقال‪ :‬يا ع بد ال‪ ,‬أ عد قراءت ها فأعاد ها عل ـيه‪ .‬فغ مد سيفه‪ ,‬ثم جاء‬
‫سحَر‪ ,‬فـاغتسل‪ ,‬ثم أتـى مسجد رسول ال صلى ال عليه‬
‫تائبـا‪ ,‬حتـى قدم الـمدينة من ال ّ‬
‫و سلم‪ ,‬ف صلّـى ال صبح‪ ,‬ثم ق عد إل ـى أب ـي هريرة ف ـي غمار أ صحابه فل ـما أ سفر عر فه‬
‫ي فقال‬
‫الناس وقاموا إلـيه‪ ,‬فقال‪ :‬ل سبـيـل لكم علـيّ‪ ,‬جئت تائبـا من قبل أن تقدروا علـ ّ‬
‫أبو هريرة‪ :‬صدق‪ .‬وأخذ بـيده أبو هريرة حتـى أنى مروان بن الـحكم فـي إمرته علـى‬
‫الـمدينة فـي زمن معاوية‪ ,‬فقال‪ :‬هذا علـيّ جاء تائبـا ول سبـيـل لكم علـيه ول قتل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتُرك من ذلك كله‪ .‬قال‪ :‬وخرج علـيّ تائبـا مـجاهدا فـي سبـيـل ال فـي البحر‪,‬‬
‫فلقُوا الروم‪ ,‬فقرّبوا سفـينته إلـى سفـينة من سفنهم‪ ,‬فـاقتـحم علـى لروم فـي سفـينتهم‪,‬‬
‫فهُزموا منه إلـى سفـينتهم الخرى‪ ,‬فمالت بهم وبه فغرقوا جميعا‪.‬‬
‫‪ 9372‬ـ حدثنـي أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ُمطَرّف بن َمعْقل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت عطاء قال فـي رجل سرق سرقة فجاء بها تائبـا من غير أن يؤخذ‪ :‬فهل علـيه حدّ؟‬
‫ن تابُوا منْ َقبْلِ أنْ تَ ْق ِدرُوا عَلَـ ْي ِهمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل‪ ,‬ثم قال‪ :‬إلّ اّلذِي َ‬
‫‪ 9373‬ـ حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع بن يزيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثنـي أبو صخر‪ ,‬عن مـحمد بن كعب القرظي‪ ,‬وعن أبـي معاوية‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫ن تابُوا‬
‫قال‪ :‬إن جاء تائبـا لـم يقتطع مالً ولـم يسفك دما تُرك‪ ,‬فذلك الذي قال ال‪ :‬إلّ اّلذِي َ‬
‫ن تَ ْقدِرُوا عَلَـ ْي ِهمْ يعنـي بذلك‪ :‬أنه لـم يسفك دما ولـم يقتطع مالً‪.‬‬
‫ن قَبْلِ أ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫ب من حر به ال ور سوله وال سعي ف ـي‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ع نى ب ـالستثناء ف ـي ذلك التائ َ‬
‫الرض فسادا‪ ,‬بعد لـحاقه فـي حربه بدار الكفر فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقـيـم‬
‫فـي دار السلم وداخـل فـي غمار المة‪ ,‬فلـيست توبته واضعة عنه شيئا من حدود ال‬
‫ول من حقوق الـمسملـين والـمعاهدين‪ ,‬بل يؤخذ بذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9374‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي إسماعيـل‪,‬‬
‫عن هشام بن عروة‪ :‬أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصص فـي السلم فأصاب حدودا ثم‬
‫جاء تائبـا‪ ,‬فقال‪ :‬ل تقبل توبته‪ ,‬لو ُقبِل ذلك منهم اجترءوا علـيه وكان فسادا كبـيرا‪ ,‬ولكن‬
‫لو فرّ إلـى العدو ثم جاء تائبـا‪ ,‬لـم أر علـيه عقوبة‪.‬‬
‫وقد رُوي عن عروة خلف هذا القول‪ ,‬وهو ما‪:‬‬
‫‪ 9375‬ـ حدثنـي به علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي من سمع هشام بن عروة‪,‬‬
‫عن عروة قال‪ :‬يقام عل ـيه حدّ ما فرّ م نه‪ ,‬ول يجوز ل حد ف ـيه أمان يعن ـي‪ :‬الذي ي صيب‬
‫حدّا ثم يفرّ فـيـلـحق الكفـار‪ ,‬ثم يجيء تائبـا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن كا نت حراب ته وحر به ف ـي دار ال سلم‪ ,‬و هو ف ـي غ ير من عة من فئة‬
‫يـلـجأ إلـيها‪ ,‬ثم جاء تائبـا قبل القدرة علـيه‪ ,‬فإن توبته ل تضع عنه شيئا من العقوبة ول‬
‫من حقوق الناس‪ .‬وإن كانت حرابته وحربه فـي دار السلم أو هو لحق بدار الكفر‪ ,‬غير‬
‫أنه فـي كل ذلك كان يـلـجأ إلـى فئة تـمنعه مـمن أراده من سلطان الـمسلـمين‪ ,‬ثم‬
‫جاء تائب ـا ق بل القدرة عل ـيه‪ ,‬فإن توب ته ت ضع ع نه كلّ ما كان من أحدا ثه ف ـي أيام حراب ته‬
‫غرْم ل ـمسلـم أو معا هد‪,‬‬
‫تلك‪ ,‬إلّ أن يكون أ صاب حدّا أو أ مر الرّف قة ب ـما ف ـيه عقو بة أو ُ‬
‫وهو غير ملتـجىء إلـى فئة تـمنعه‪ ,‬فإنه يؤخذ بـما أصاب من ذلك وهو كذلك‪ ,‬ول يضع‬
‫ذلك عنه توبته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9376‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو عمرو‪ :‬إذا قطع الطريق‬
‫ص أو جما عة من الل صوص‪ ,‬فأ صابوا ما أ صابوا من الدماء والموال ول ـم ي كن ل هم فئة‬
‫ل ّ‬
‫ي ـلـجئون إل ـيها ول من عة ول يأمنون إلّ ب ـالدخول ف ـي غمار أمت هم و سواد عامت هم‪ ,‬ثم‬
‫جاء تائبـا من قبل أن ُيقْدر علـيه‪ ,‬لـم تُقبل توبته وأقـيـم علـيه حدّه ما كان‪.‬‬
‫‪ 9377‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد‪ ,‬قال‪ :‬ذكرت لب ـي عمرو قول عروة‪ :‬يقام‬
‫علـيه حدّ ما فرّ منه‪ ,‬ول يجوز لحد فـيه أمان‪ .‬فقال أبو عمرو‪ :‬إن فرّ من حدثه فـي دار‬
‫السلم فأعطاه إمام أمانا‪ ,‬لـم يجز أمانه‪ .‬وإن هو لـحق بدار الـحرب‪ ,‬ثم سأل إماما علـى‬
‫أحداثه‪ ,‬لـم ينبغ للمام أن يعطيه أمانا‪ ,‬وإن أعطاه المام أمانا وهو غير عالـم بأحداثه‪ ,‬فهو‬
‫آمـن‪ ,‬وإن جاء أحـد يطلبـه بدم أو مال‪ُ ,‬ردّ إلــى مأمنـه‪ ,‬فإن أبـى أن يرجـع فهـو آمـن‪ ,‬ول‬
‫يتعرّض له‪ .‬قال‪ :‬وإن أعطاه أمانا علـى أحداثه وهو يعرفها‪ ,‬فـالمام ضامن واجب علـيه‬
‫عَقْل ما كان أصاب من دم أو مال‪ ,‬وكان فـيـما عطّل من تلك الـحدود والدماء آثما‪ ,‬وأمره‬
‫إلــى ال جلّ وعزّ‪ .‬قال‪ :‬وقال أبـو عمرو‪ :‬فإذا أصـاب ذلك وكانـت له منعـة أو فئة يــلـجأ‬
‫إلـيها‪ ,‬أو لـحق بدار الـحربِ فـارت ّد عن السلم‪ ,‬أو كان مقـيـما علـيه ثم جاء تائبـا‬
‫من قبل أن يُ ْقدَر علـيه‪ُ ,‬قبِلت توبته‪ ,‬ولـم ُيتّبع بشيء من أحداثه التـي أصابها فـي حربه‪,‬‬
‫إلّ أن يوجد معه شيء قائم بعينه فـيردّ إلـى صاحبه‪.‬‬
‫‪ 9378‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن لهيعة‪ ,‬عن ربـيعة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل أن يطل به أ حد بدم كان أ صابه ف ـي‬
‫تق بل توب ته‪ ,‬ول يت بع بش يء من أحدا ثه ف ـي حر به إ ّ‬
‫سلـمه قبل حربه فإنه يُقاد به‪.‬‬
‫‪9379‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر الرّقّـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج‪,‬‬
‫عن ال ـحكم بن عت ـيبة‪ ,‬قال‪ :‬قا تل ال ال ـحجاج إن كان ل ـيفقه أمّن رجلً من م ـحاربته‪,‬‬
‫فقال‪ :‬انظروا هل أصاب شيئا قبل خروجه؟‬
‫وقال آخرون تضع توبته عنه حدّ ال الذي وجب علـيه بـمـحاربته‪ ,‬ول يسقط عنه حقوق‬
‫بنـي آدم‪ .‬ومـمن قال ذلك الشافعي‪ ,‬حدثنا بذلك عنه الربـيع‪.‬‬
‫وأولــى هذه القوال فــي ذلك بــالصواب عندي قول مـن قال‪ :‬توبـة الــمـحارب‬
‫ال ـمـمتنع بنف سه أو بجما عة م عه ق بل القدرة عل ـيه‪ ,‬ت ضع ع نه تبعات الدن ـيا الت ـي كا نت‬
‫ل ما كان قائ ما‬
‫لزم ته ف ـي أيام حر به وحِراب ته من حدود ال‪ ,‬وغرم لزم و َقوَد وقِ صاص‪ ,‬إ ّ‬
‫ف ـي يده من أموال ال ـمسلـمين وال ـمعاهدين بعي نه‪ ,‬ف ـيردّ عل ـى أهله لجماع ال ـجميع‬
‫علـى أن ذلك ح كم الـجماعة الـمـمتنعة الـمـحاربة ل ولر سوله ال ساعية فـي الرض‬
‫ف سادا علــى و جه الردّة عن السـلم‪ ,‬فكذلك ح كم كلّ م ـمتنع سعى فــي الرض ف سادا‪,‬‬
‫جما عة كانوا أو واحدا‪ ,‬فأ ما ال ـمستـخفـي ب سرقته وال ـمتلصص عل ـى و جه إغف ـال من‬
‫سرقه‪ ,‬والشاهر السلح ف ـي خلء علـى بعض ال سابلة‪ ,‬و هو عند الطلب غير قادر علـى‬
‫المتناع‪ ,‬فإن حكم ال علـيه تاب أو لـم يتب ما ضٍ‪ ,‬وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب ولـيه‬
‫ختْل مأخوذ‪ ,‬وتوبته فـيـما بـينه وبـين ال قـياسا علـى إجماع الـجميع علـى‬
‫بدم أو َ‬
‫أنه لو أصاب شيئا من ذلك وهو للـمسلـمين سِلْـم ثم صار لهم حربـا‪ ,‬أن حربه إياهم لن‬
‫يضـع عنـه حقـا ل عزّ ذكره ول لَدميـّ‪ ,‬فكذلك حكمـه إذا أصـاب ذلك فــي خلء أو‬
‫ب ـاستـخفـاء و هو غ ير م ـمتنع من ال سلطان بنف سه إن أراده وذلك أن ذلك لو كان حك ما‬
‫فــي أهـل الــحرب مـن الــمشركين دون الــمسلـمين ودون ذمتهـم لوجـب أو ل يسـقط‬
‫إسلمهم عنهم إذا أسلـموا أو تابوا بعد قدرتنا علـيهم ما كان لهم قبل إسلمهم وتوبتهم من‬
‫القتل وما للـمسلـمين فـي أهل الـحرب من الـمشركين‪ .‬وفـي إجماع الـمسلـمين أن‬
‫إسـلم الشرك الــحربـي يضـع عنـه بعـد قدرة الــمسلـمين علــيه مـا كان واضعـه عنـه‬
‫إسـلمه قبـل القدرة علــيه‪ ,‬مـا يدلّ علــى أن الصـحيح مـن القول فــي ذلك قول مـن قال‪:‬‬
‫حرّاب أهـل السـلم أو الذمـة دون مـن‬
‫عنــي بآيـة الــمـحاربـين فــي هذا الــموضع‪ُ :‬‬
‫سواهم من مشركي أهل الـحرب‪.‬‬
‫ن الّل هَ غَفُورٌ رَحيـمٌ فإن معناه‪ :‬فـاعلـموا أيها الـمؤمنون أن ال‬
‫وأما قوله‪ :‬فـاعْلَـمُوا أ ّ‬
‫غ ير مؤا خذ من تاب من أ هل ال ـحرب ل ولر سوله ال ساعين ف ـي الرض ف سادا وغير هم‬
‫بذنوبه‪ ,‬ولكنه يعفو عنه فـيسترها علـيه ول يفضحه بها بـالعقوبة فـي الدنـيا والَخرة‪,‬‬
‫رحيـم به فـي عفوه عنه وتركه عقوبته علـيها‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َيهـ ا ْلوَسـِيلَةَ‬
‫ّهـ وَا ْب َتغُوَاْ إِل ِ‬
‫ِينـ آ َمنُو ْا اتّقُو ْا الل َ‬
‫{يَا َأيّهَا اّلذ َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫سبِيلِ ِه َلعَّل ُكمْ تُفِْلحُونَ }‪..‬‬
‫َوجَا ِهدُو ْا فِي َ‬
‫يعن ـي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله ف ـيـما أ خبرهم ووعد هم من‬
‫ّهـ يقول‪ :‬أجيبوا ال فــيـما أمركـم ونهاكـم بــالطاعة له‬
‫الثواب‪ ,‬وأوعـد مـن العقاب اتّقُوا الل َ‬
‫فـي ذلك‪ ,‬وحققوا إيـمانكم وتصديقكم ربكم ونبـيكم بـالصالـح من أعمالكم‪ .‬وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ‬
‫الوَ سِيـلَ َة يقول‪ :‬واطلبوا القربة إلـيه بـالعمل بـما يرضيه‪ .‬والوسيـلة‪ :‬هي الفعلـية من‬
‫قول القائل‪ :‬توسلت إلـى فلن بكذا‪ ,‬بـمعنى‪ :‬تقرّبت إلـيه‪ ,‬ومنه قول عنترة‪:‬‬
‫ضبِـي‬
‫خ ّ‬
‫ك َت َكحّلِـي وتَـ َ‬
‫خذُو ِ‬
‫إنّ الرّجالَ ل ُهمْ إلَـ ْيكِ َوسِيـلَةٌأنْ ي ْأ ُ‬
‫يعنـي بـالوسيـلة‪ :‬ال ُقرْبة‪ .‬ومنه قول الَخر‪:‬‬
‫عدْنا ِل َوصْلِناوَعادَ الّتصَافِـي بَـ ْينَنا وَالوَسائِلُ‬
‫إذا غَفَلَ الوَاشُونَ ُ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9380‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبـيري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان (ح)‪ ,‬وحدثنا‬
‫ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن الـحبـاب‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن أبـي وائل‪ :‬وَا ْب َتغُوا‬
‫إلَـيْهِ ال َوسِيـل َة قال‪ :‬القربة فـي العمال‪.‬‬
‫‪ 9381‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع (ح)‪ ,‬وحدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن طلـحة‪,‬‬
‫عن عطاء‪ :‬وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ ال َوسِيـلَ َة قال‪ :‬القُربة‪.‬‬
‫‪ 9382‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ :‬يا‬
‫أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا الّلهَ وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ ال َوسِيـلَ َة قال‪ :‬هي الـمسألة والقربة‪.‬‬
‫‪9383‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة قوله‪ :‬وَا ْب َتغُواإلَــيْهِ‬
‫ال َوسِيـلَةَ‪ :‬أي تقرّبوا إلـيه بطاعته والعمل بـما يرضيه‪.‬‬
‫‪ 9384‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ :‬وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ ال َوسِيـلَةَ‪ :‬القربة إلـى ال‪.‬‬
‫‪ 9385‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪,‬‬
‫عن الـحسن فـي قوله‪ :‬وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ ال َوسِيـلَ َة قال‪ :‬القربة‪.‬‬
‫‪ 9386‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن كثـير‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ ال َوسِيـلَ َة قال‪ :‬القربة‪.‬‬
‫‪ 9387‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَا ْب َتغُوا إلَـيْهِ‬
‫ن إلـى َر ّبهِ مُ‬
‫الوَ سِيـلَ َة قال‪ :‬الـمـحبة‪ ,‬تـحببوا إلـى ال‪ .‬وقرأ‪ :‬أوَلئِ كَ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ َي ْب َتغُو َ‬
‫ال َوسِيـلَةَ‪.‬‬
‫سبِـيـلِ ِه َلعَل ُكمْ تُفْلِـحُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَجا ِهدُوا فِـي َ‬
‫ل ثناؤه للـمؤمنـين به وبرسوله‪ :‬وجاهدوا أيها الـمؤمنون أعدائي وأعداءكم فـي‬
‫يقول ج ّ‬
‫سبـيـلـي‪ ,‬يعنـي‪ :‬فـي دينه وشريعته التـي شرعها لعبـاده‪ ,‬وهي السلم‪ ,‬يقول‪ :‬أتعبوا‬
‫أنف سكم ف ـي قتال هم وحمل هم عل ـى الدخول ف ـي ال ـحنـيفـية ال ـمسلـمة َلعَّلكُ مْ تُفْلِ ـحُونَ‬
‫يقول‪ :‬كيـما تنـجحوا فتدركوا البقاء الدائم‪ ,‬والـخـلود فـي جناته‪ .‬وقد دللنا علـى معنى‬
‫الفلح فـيـما مضى بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جمِيعا َو ِمثْلَ هُ‬
‫ض َ‬
‫ن كَ َفرُواْ َلوْ َأ نّ َلهُ مْ مّا فِي الرْ ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ }‪..‬‬
‫ب يَ ْومِ ا ْل ِقيَامَةِ مَا تُ ُقبّلَ ِم ْن ُهمْ وََل ُهمْ َ‬
‫عذَا ِ‬
‫َمعَهُ ِل َي ْف َتدُواْ ِبهِ مِنْ َ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬إن الذ ين جحدوا ربوب ـية رب هم وعبدوا غيره من بن ـي إ سرائيـل الذ ين‬
‫عبدوا العجل ومن غيرهم الذين عبدوا الوثان والصنام‪ ,‬وهلكوا علـى ذلك قبل التوبة‪ ,‬لو أنّ‬
‫ل هم ملك ما ف ـي الرض كل ها وضِع فه م عه ل ـيفتدوا به من عقاب ال إيا هم عل ـى ترك هم‬
‫أمره وعب ـادتهم غيره يوم الق ـيامة‪ ,‬ف ـافتدوا بذلك كله ما تق بل ال من هم ذلك فداء وعو ضا‬
‫من عذابهم وعقابهم‪ ,‬بل هو معذّبهم فـي حميـم يوم القـيامة عذابـا موجعا لهم‪ .‬وإنـما هذا‬
‫إعلم من ال جلّ ثناؤه للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانَـيْ مُهاجَر رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم أن هم وغير هم من سائر ال ـمشركين به سواء عنده ف ـيـما ل هم من العذاب الل ـيـم‬
‫ن تَـ َمسّنا النّارُ إلّ أيّاما َم ْعدُودَةً واغترارا بـال‬
‫والعقاب العظيـم‪ ,‬وذلك أنهم كانوا يقولون‪ :‬لَ ْ‬
‫وكذب ـا عل ـيه‪ .‬فكذب هم تعال ـى ذكره بهذه الَ ية وب ـالتـي بعد ها‪ ,‬وح سم طمع هم‪ ,‬فقال ل هم‬
‫ن َلهُ مْ ما فِ ـي الرْ ضِ جَمي عا َو ِمثْلَ ُه َمعَ هُ‬
‫ن اّلذِي نَ كَ َفرُوا لَ ْو أ ّ‬
‫ول ـجميع الكفرة به وبر سوله‪:‬إ ّ‬
‫خرُجُوا مِ نَ‬
‫ن َي ْ‬
‫نأْ‬
‫ب ألِـيـمٌ ُيرِيدُو َ‬
‫عذَا ٌ‬
‫ل ِم ْنهُمْ وَلهُمْ َ‬
‫ب يَوْمِ القِـيامَ ِة ما تُ ُقبّ َ‬
‫عذَا ِ‬
‫لِـيَ ْف َتدُوا بِ ِه مِ نْ َ‬
‫ب مُقِـيـمٌ يقول لهم جل ثناؤه‪ :‬فل تطمعوا أيها الكفرة‬
‫عذَا ٌ‬
‫ن ِمنْها وَلهُ مْ َ‬
‫النّارِ وَما هُ ْم بِخا ِرجِي َ‬
‫فـي قبول الفدية منكم ول فـي خروجكم من النار بوسائل آبـائكم عندي بعد دخولكموها إن‬
‫أنتـم متـم علـى كفركم الذي أنتـم علـيه‪ ,‬ولكن توبوا إلـى ال توبة نَصُوحا‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ ُرجُو ْا مِ نَ النّارِ وَمَا هُم ِبخَا ِرجِي نَ ِمنْهَا‬
‫{ ُيرِيدُو نَ أَن َي ْ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫عذَابٌ مّقِيمٌ }‪..‬‬
‫وََل ُهمْ َ‬
‫خ َرجُوا مِ نَ النّارِ يريد‪ :‬هؤلء الذين كفروا بربهم يوم‬
‫ن َي ْ‬
‫يعنـي جل ثناؤه بقوله‪ُ :‬يرِيدُو نَ أ ْ‬
‫ب مُقِـيـمٌ يقول‪:‬‬
‫عذَا ٌ‬
‫ن ِمنْها وَلهُ مْ َ‬
‫القـيامة أن يخرجوا من النار بعد دخولها‪ ,‬وَما هُ مْ بِخا ِرجِي َ‬
‫لهم عذاب دائم ثابت ل يزول عنهم ول ينتقل أبدا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫شعْبِ ِمنّـيعَذَابـا دائما َل ُكمُ مُقِـيـمَا‬
‫ن لكمْ بِـيَ ْومِ ال ّ‬
‫فإ ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 9388‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن وا قد‪ ,‬عن‬
‫يزيد النـحوّي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬أن نافع بن الزرق قال لبن عبـاس‪ :‬يا أعمى البصر‪ ,‬أعمى‬
‫القلب‪ ,‬تزعم أن قوما يخرجون من النار‪ ,‬وقد قال ال جلّ وعزّ‪ :‬وَما هُ مْ بِخا ِرجِي نَ ِمنْها؟ فقال‬
‫ابن عبـاس‪ :‬ويحك‪ ,‬اقرأ ما فوقها هذه للكفـار‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سبَا‬
‫جزَآءً بِمَا كَ َ‬
‫طعُوَاْ َأ ْي ِد َيهُمَا َ‬
‫{وَال سّا ِرقُ وَال سّارِقَ ُة فَا ْق َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫حكِيمٌ }‪..‬‬
‫عزِيزٌ َ‬
‫َنكَالً مّنَ الّلهِ وَالّلهُ َ‬
‫يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ومـن سـرق مـن رجـل أو امرأة‪ ,‬فــاقطعوا أيهـا الناس يده‪ .‬ولذلك رفـع‬
‫ال سارق وال سارقة‪ ,‬لنه ما غ ير معين ـين‪ ,‬ولو أر يد بذلك سارق و سارقة بأعيانه ما لكان و جه‬
‫الكلم النصـب‪ .‬وقـد رُوي عـن عبـد ل بـن مسـعود أنـه كان يقرأ ذلك‪« :‬والسـارقو ن‬
‫والسارقات»‪.‬‬
‫‪ 9389‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فــي قراءتنـا قال‪ :‬وربــما قال فــي قراءة عبـد ال‪« :‬والسـارقون والسـارقات فــاقطعوا‬
‫أيـمانهما»‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ :‬ف ـي قراءت نا‪:‬‬
‫«والسارقون والسارقات فـاقطعوا أيـمانهما»‪.‬‬
‫وف ـي ذلك دل ـيـل عل ـى صحة ما قل نا من معناه‪ ,‬و صحة الر فع ف ـيه‪ ,‬وأن ال سارق‬
‫والسـارقة مرفوعان بفعلهمـا علــى مـا وصـفت للعلل التــي وصـفت‪ .‬وقال تعالــى ذكره‪:‬‬
‫طعُوا أ ْي ِديَهُما والـمعنى أيديهما الـيـمنى كما‪:‬‬
‫فـاقْ َ‬
‫‪9390‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫طعُوا أ ْي ِديَهُما‪ :‬الـيـمنى‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬فـاقْ َ‬
‫‪ 9391‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬فـي‬
‫قراءة عبد ال‪« :‬والسارق والسارقة فـاقطعوا أيـمانهما»‪.‬‬
‫ثـم اختلفوا فــي السـارق الذي عناه ال‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬عنــي بذلك سـارق ثلثـة دراهـم‬
‫فصاعدا وذلك قول جماعة من أهل الـمدينة‪ ,‬منهم مالك بن أنس ومن قال بقوله‪ .‬واحتـجوا‬
‫ن قـيـمته ثلثة دراهم»‪.‬‬
‫لقولهم ذلك بأن رسول ال صلى ال عليه وسلم «قطع فـي مـج ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ع نى بذلك‪ :‬سارق ر بع دينار أو ق ـيـمته‪ .‬وم ـمن قال ذلك الوزا عي‬
‫ومـن قال بقوله‪ .‬واحتــجوا لقولهـم ذلك بــالـخبر الذي رُوي عـن عائشـة أنهـا قالت‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال َقطْعُ فـي ُربْعِ دينارٍ َفصَاعِدا»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عن ـي بذلك سارق عشرة درا هم ف صاعدا‪ .‬وم ـمن قال ذلك أ بو حن ـيفة‬
‫وأصحابه‪ .‬واحت ـجوا ف ـي ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عبد ال بن عمر وا بن عب ـاس‪,‬‬
‫ن قـيـمته عشرة دراهم»‪.‬‬
‫أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم «قطع فـي مـج ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ع نى بذلك‪ :‬سارق ر بع دينار أو ق ـيـمته‪ .‬وم ـمن قال ذلك الوزا عي‬
‫ومـن قال بقوله‪ .‬واحتــجوا لقولهـم ذلك بــالـخبر الذي رُوي عـن عائشـة أنهـا قالت‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال َقطْعُ فـي ُربْعِ دينارٍ َفصَاعِدا»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عن ـي بذلك سارق عشرة درا هم ف صاعدا‪ .‬وم ـمن قال ذلك أ بو حن ـيفة‬
‫وأصحابه‪ .‬واحت ـجوا ف ـي ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عبد ال بن عمر وا بن عب ـاس‪,‬‬
‫ن قـيـمته عشرة دراهم»‪.‬‬
‫أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم «قطع فـي مـج ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عن ـي بذلك سارق القل ـيـل والكث ـير‪ .‬واحت ـجوا ف ـي ذلك بأن الَ ية‬
‫ل بحجة يجب التسلـيـم لها‪ .‬وقالوا‪:‬‬
‫ص منها شيئا إ ّ‬
‫علـى الظاهر‪ ,‬وأنه لـيس لحد أن يخ ّ‬
‫سرّاق‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ص من ال ّ‬
‫ح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم خبر بأن ذلك فـي خا ّ‬
‫لـم يص ّ‬
‫والخبـار فـيـما َقطَع فـيه رسول ال صلى ال عليه وسلم مضطربة مختلفة‪ ,‬ولـم يرو‬
‫ع نه أ حد أ نه ُأتِ ـي ب سارق در هم فخ ـلّـى ع نه‪ ,‬وإن ـما رووا ع نه أ نه ق طع ف ـي م ـجنّ‬
‫قـيـمته ثلثة دراهم‪ .‬قالوا‪ :‬ومـمكن أن يكون لو أتـى بسارق ما قـيـمته دانق أن يقطع‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬و قد ق طع ا بن الزب ـير ف ـي در هم‪ .‬ورُوي عن ا بن عب ـاس أ نه قال‪ :‬الَ ية عل ـى‬
‫العموم‪.‬‬
‫‪9392‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الـمؤمن‪ ,‬عن نـجدة‬
‫ال ـحنفـي‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن عب ـاس عن قوله‪ :‬وَال سّارِقُ وال سّارِقَ ُة أخا صّ أم عا مّ؟ فقال‪ :‬بل‬
‫عامّ‪.‬‬
‫ص من ال سراق‪,‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا قول من قال‪ :‬الَ ية معن ـيّ ب ها خا ّ‬
‫و هو سراق ر بع دينار ف صاعدا أو ق ـيـمته‪ ,‬ل صحة ال ـخبر عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم أ نه قال‪« :‬ال َقطْ عُ ف ـي رُب ِع دِينَارٍ ف صَاعِدا»‪ .‬و قد ا ستقصيت ذ كر أقوال ال ـمختلفـين‬
‫ف ـي ذلك مع علل هم الت ـي اعتلوا ب ها لقوال هم‪ ,‬والتل ـميح عن أوْل ها ب ـالصواب بشواهده‬
‫جزَاءً‬
‫فـي كتابنا كتاب السرقة‪ ,‬فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك فـي هذا الـموضع‪ .‬وقوله‪َ :‬‬
‫ّهـ يقول‪ :‬مكافأة لهمـا علــى سـرقتهما وعملهمـا فــي التلصـص‬
‫ِنـ الل ِ‬
‫بِــمَا كَسـَبـا نَكالً م َ‬
‫ن ال يقول‪ :‬عقوبة من ال علـى لصوصيتهما‪ .‬وكان قتادة يقول فـي‬
‫بـمعصية ال‪َ .‬نكَالً ِم َ‬
‫ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 9393‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫عزَيزٌ حَكيـمٌ‪ :‬ل‬
‫جزَاءً بِـمَا كَ سَبـا نِكالٍ ِم نَ الّل هِ وَال َ‬
‫طعُوا أي ِديَهُما َ‬
‫وَال سّارِقُ وال سّارِقَ ُة فـاقْ َ‬
‫َترْثُوا لهم أن تقـيـموا فـيهم الـحدود‪ ,‬فإنه وال ما أمر ال بأمر ق طّ إلّ وهو صلح‪ ,‬ول‬
‫نهى عن أمر قطّ إلّ وهو فساد‪.‬‬
‫وكان عمـر بن الــخطاب يقول‪ :‬اشتدّوا علــى السـّراق فــاقطعوهم يدا يدا ورِجلً رجلً‪.‬‬
‫عزِيزٌ حَكيـمٌ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬وال عزيز فـي انتقامه من هذا السارق والسارقة‬
‫وقوله‪ :‬وَالّل هُ َ‬
‫وغيره ما من أ هل معا صيه‪ ,‬حكي ـم ف ـي حك مه ف ـيهم وقضائه عل ـيهم‪ .‬يقول‪ :‬فل تفرطوا‬
‫إي ها الـمؤمنون ف ـي إقا مة حك مي علـى ال سارق وغير هم من أ هل الـجرئم الذ ين أوج بت‬
‫علـيهم حدودا فـي الدنـيا عقوبة لهم‪ ,‬فإنـي بحكمي قضيت ذلك علـيهم‪ ,‬وعلـمي بصلح‬
‫ذلك لهم ولكم‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن اللّهَ َيتُوبُ عََل ْي ِه إِنّ‬
‫{ َفمَن تَابَ مِن َبعْ ِد ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ َفإِ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫اللّهَ غَفُورٌ ّرحِيمٌ }‪..‬‬
‫يقول جلّ ثناؤه فمَ نْ تَا بَ من هؤلء ال سرّاق‪ ,‬يقول‪ :‬من ر جع من هم ع ما يكر هه ال من‬
‫معصيته إياه إلـى ما يرضاه من طاعته من بعد ظلـمه وظلـمُه‪ :‬هو اعتداؤه وعمله ما نهاه‬
‫ال عنه من سرقة أموال الناس‪ .‬يقول‪ :‬وأصلـح نفسه بحملها علـى مكروهها فـي طاعة ال‬
‫والتو بة إل ـيه م ـما كان عل ـيه من مع صيته‪ .‬وكان م ـجاهد ف ـيـما ذ كر ل نا يقول‪ :‬توب ته‬
‫فـي هذا الـموضع‪ ,‬الـحدّ الذي يقام علـيه‪.‬‬
‫‪ 9394‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ح يقول‪ :‬فتاب علــيه‬
‫وأصـلَـ َ‬
‫ْ‬ ‫ِنـ َب ْعدِ ظُلْــمِ ِه‬
‫تابـ م ْ‬
‫َنـ َ‬‫عـن أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪َ :‬فم ْ‬
‫بـالـحدّ‪.‬‬
‫‪9395‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بـان لهيعة‪ ,‬عن حُيـي بن‬
‫عبد ال‪ ,‬عن أبـي عبد الرحمن الـحُبْلـي‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬سرقت امرأة حلـيّا‪,‬‬
‫فجاء الذين سرقهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال سرقتنا هذه الـمرأة‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫طعُوا َيدَها الـيُـ ْمنَى» فقالت الـمرأة‪ :‬هل من توبة؟ فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪« :‬ا ْق َ‬
‫ن تا بَ ِم نْ‬
‫خطِي َئتِ كِ َكيَوْ مَ وََل َدتْك ُأمّ كِ»‪ .‬قال‪ :‬فأنزل ال جلّ وعزّ‪ :‬فَمَ ْ‬
‫وسلم‪« :‬أنْ تِ الـيَ ْو َم مِ نْ َ‬
‫ن اللّ َه َيتُوبُ عَلَـيْهِ‪.‬‬
‫ح فإ ّ‬
‫َب ْعدِ ظُلْـمِ ِه وأصْلَـ َ‬
‫ب ويرضى عما‬
‫ن اللّ هَ َيتُو بُ عَلَـيْهِ يقول‪ :‬فإن ال جلّ وع ّز يرج عه إلـى ما يح ّ‬
‫وقوله‪ :‬فإ ّ‬
‫ّهـ عَفُورٌ رَحيــمٌ يقول‪ :‬إن ال عزّ ذكره سـاتر‬
‫إنـ الل َ‬
‫يكرهـه ويسـخط مـن معصـيته‪ .‬وقوله‪ّ :‬‬
‫عل ـى من تاب وأناب عن معا صيه إل ـى طاع ته ذنو به ب ـالعفو عن عقوب ته عل ـيها يوم‬
‫القـيامة وتركه فضيحته بها علـى رؤوس الشهاد‪ ,‬رحيـم به وبعبـاده التائبـين إلـيه من‬
‫ذنوبهم‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ ُي َعذّ بُ مَن‬
‫ك ال ّ‬
‫{أَلَ مْ َتعْلَ مْ َأ نّ الّل هَ َل هُ مُلْ ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ }‪..‬‬
‫ى كُلّ َ‬
‫َيشَآءُ َو َيغْ ِفرُ ِلمَن َيشَآءُ وَاللّهُ عََل َ‬
‫َنـ‬
‫يقول جـل ثناؤه لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬ألــم يعلــم هؤلء القائلون‪ :‬ل ْ‬
‫تَــمَسّنا النّارُ إلّ أيّامـا َم ْعدُودَ ًة الزّاعمون أنهـم أبناء ال وأحبــاؤه‪ ,‬أن ال مدبر مـا فــي‬
‫السموات وما فـي الرض‪ ,‬ومصرّفه وخالقه‪ ,‬ل يـمتنع شيء مـما فـي واحدة منهما مـما‬
‫أراده لن كلّ ذلك مل كه وإل ـيه أمره‪ ,‬ول ن سب ب ـينه وب ـين ش يء م ـما ف ـيها ول م ـما‬
‫ف ـي واحدة منه ما ف ـيحابـيه ب سبب قراب ته م نه ف ـينـجيه من عذا به و هو به كا فر ولمره‬
‫ونهيـه مخالف‪ ,‬أو يدخــله النار وهـو له مطيـع لبعـد قرابتـه منـه ولكنـه يعذّب مـن يشاء مـن‬
‫خ ـلقه ف ـي الدن ـيا عل ـى مع صيته ب ـالقتل وال ـخسف وال ـمسخ وغ ير ذلك من صنوف‬
‫عذابه‪ ,‬ويغفر لـمن يشاء منهم فـي الدنـيا بـالتوبة علـيه من كفره ومعصيته‪ ,‬فـينقذه من‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ يقول‪ :‬وال عل ـى تعذ يب من أراد‬
‫الهَلَ كة وين ـجيه من العقو بة‪ .‬وَالّل هُ عل ـى كُلّ َ‬
‫تعذيبه من خـلقه علـى معصيته وغفران ما أراد غفرانه منهم بـاستنقاذه من الهكة بـالتوبة‬
‫علــيه وغيـر ذلك مـن المور كلهـا قادر‪ ,‬لن الــخـلق خــلقه والــملك ملكـه والعبــاد‬
‫ت والرْ ضِ خطاب ـا له صلى ال‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ك ال ّ‬
‫عب ـاده‪ .‬وخرج قوله‪ :‬ألَ ـمْ َتعْلَ ـمْ أن اللّ هَ َل ُه مُلْ ُ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬والـمعنـيّ به من ذكرت من فرق بنـي إسرائيـل الذين كانوا بـمدينة رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم و ما حوال ـيها‪ .‬و قد ب ـينا ا ستعمال العرب نظ ير ذلك ف ـي كلم ها‬
‫بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حزُن كَ اّلذِي نَ يُ سَارِعُونَ فِي ا ْلكُ ْفرِ مِ نَ‬
‫ل لَ َي ْ‬
‫{ َيأَ ّيهَا الرّ سُو ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن لِ َقوْ مٍ‬
‫سمّاعُو َ‬
‫ب َ‬
‫سمّاعُونَ لِ ْل َكذِ ِ‬
‫ن اّلذِي نَ هِادُواْ َ‬
‫اّلذِي نَ قَالُوَ ْا آمَنّا ِبَأفْوَا ِههِ مْ وَلَ مْ ُتؤْمِن قُلُو ُبهُ مْ َومِ َ‬
‫خذُو هُ وَإِن لّ مْ ُت ْؤتَ ْو هُ‬
‫ن أُوتِيتُ مْ هَـذَا َف ُ‬
‫ن إِ ْ‬
‫ضعِ ِه يَقُولُو َ‬
‫ن ا ْلكَلِ مَ مِن َب ْعدِ مَوَا ِ‬
‫حرّفُو َ‬
‫ك ُي َ‬
‫خرِي نَ لَ مْ َي ْأتُو َ‬
‫آَ‬
‫طهّرَ‬
‫ن لَ مْ ُي ِردِ اللّ ُه أَن ُي َ‬
‫شيْئا أُوْلَ ـ ِئكَ اّلذِي َ‬
‫ن الّل هِ َ‬
‫ح َذرُواْ وَمَن ُيرِدِ الّل هُ ِف ْت َنتَ ُه فَلَن َتمْلِ كَ َل هُ مِ َ‬
‫فَا ْ‬
‫عظِيمٌ }‪..‬‬
‫عذَابٌ َ‬
‫خرَةِ َ‬
‫لِ‬‫خ ْزيٌ وََل ُه ْم فِي ا َ‬
‫قُلُو َب ُهمْ َل ُهمْ فِي ال ّد ْنيَا ِ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنـي بهذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬نزلت فـي أب ـي لُبـابة‬
‫بن عبد الـمنذر بقوله لبنـي قريظة حين حاصرهم النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬إنـما هو‬
‫الذبح‪ ,‬فل تنزلوا علـى حكم سعد»‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9396‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن قُلُو ُبهُمْ‬
‫ن قالُوا آ َمنّا بأفْوَا ِههِم ولَـمْ تُ ْؤ ِم ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ن فِـي الكُ ْفرِ مِ َ‬
‫ن يُسارِعُو َ‬
‫السديّ‪ :‬ل يحْ ُزنْكَ اّلذِي َ‬
‫قال‪ :‬نزلت فــي رجـل مـن النصـار زعموا أنـه أبـو لُبــابة أشارت إلــيه بنـو قُريظـة يوم‬
‫الـحصار ما المر؟ وعلم ننزل؟ فأشار إلـيهم‪ :‬إنه الذبح‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت فـي رجل من الـيهود سأل رجلً من الـمسلـمين يسأل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن حكمه فـي قتـيـل قتله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ح ُزنْكَ اّلذِينَ‬
‫‪9397‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بشر‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن عامر‪ :‬ل ي ْ‬
‫ن فِــي الكُ ْفرِ قال‪ :‬كان رجـل مـن الــيهود قتله رجـل مـن أهـل دينـه‪ ,‬فقال القاتـل‬
‫يُسـارِعُو َ‬
‫ل ـحلفـائهم من ال ـمسلـمين‪ :‬سلوا ل ـي م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فإن كان يق ضي‬
‫بـالدية اختصمنا إلـيه‪ ,‬وإن كان يأمرنا بـالقتل لـم نأته‪.‬‬
‫حدث نا ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشي ـم‪ ,‬عن زكر يا‪ ,‬عن عا مر‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت فـي عبد ال بن صُورِيا‪ ,‬وذلك أنه ارتدّ بعد سلمه‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9398‬ـ حدث نا هناد وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫الزهر يّ‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رجلً من مزينة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬أن أبـا هريرة حدثهم‪,‬‬
‫أن أحبـار يهود اجتـمعوا فـي بـيت الـمدارس حين قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الـمدينة‪ ,‬وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بـامرأة من يهود قد أحصنت‪ .‬فقالوا‪ :‬انطلقوا بهذا‬
‫الر جل وبهذه ال ـمرأة إل ـى م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ف ـاسألوه ك يف ال ـحكم ف ـيهما‬
‫فولوه ال ـحكم عل ـيهما‪ ,‬فإن ع مل ف ـيهما بعمل كم من الت ـحميـم‪ ,‬و هو ال ـجلد بح بل من‬
‫لـيف مطلـيّ بقارٍ‪ ,‬ثم يُسوّد وجوههما‪ ,‬ثم يُحملن علـى حمارين وتـحوّل وجوههما من‬
‫قِبَل دبر ال ـحمار‪ ,‬ف ـاتبعوه‪ ,‬فإن ـما هو ملك‪ .‬وإن هو ح كم ف ـيهما ب ـالرجم (فإ نه نب ـيّ)‬
‫فـاحذروه علـى ما فـي أيديكم أن يسلُبكموه‪ .‬قأتوه فقالوا‪ :‬يا مـحمد هذا الرجل قد زنى بعد‬
‫إحصانه بـامرأة قد أحصنت‪ ,‬فـاحكم فـيهما‪ ,‬فقد ولـيناك الـحكم فـيهما فمشى رسول ال‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم حتــى أتــى أحبــارهم فــي بــيت الــمدارس‪ ,‬فقال‪« :‬يـا َم ْعشَرَ‬
‫خ ِرجُوا إلــى أعْلَــمَ ُكمْ» فأخرجوا إلــيه عبـد ال بـن صـُورِيا العور‪ .‬وقـد روي‬
‫الــَيهُودِ أ ْ‬
‫بعض بنـي قريظة أنهم أخرجوا إلـيه يومئ ٍذ مع ابن صوريا أبـا ياسر بن أخطب ووهب بن‬
‫يهودا‪ ,‬فقالوا‪ :‬هؤلء علـماؤنا ف سألهم ر سول ال صلى ال عليه وسلم حتـى حصل أمرهم‪,‬‬
‫إل ـى أن قالوا ل بن صوريا‪ :‬هذا أعل ـم من بق ـي ب ـالتوراة‪ .‬فخل به ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬وكان غل ما شاب ـا من أحدث هم سنا‪ ,‬فأل ظّ به ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫ع ْندَ بنـي إ سْرائيـل‪,‬ألهم رسول‬
‫الـمسألة‪ ,‬يقول‪« :‬يا ابْ نَ صُورِيا أ ْنشُدُك ال وأذكرك أيادِيه ِ‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم حت ـى ح صل أمر هم‪ ,‬إل ـى أن قالوا ل بن صوريا‪ :‬هذا أعل ـم من‬
‫بقـي بـالتوراة‪ .‬فخل به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكان غلما شابـا من أحدثهم سنا‪,‬‬
‫ن صُورِيا أ ْنشُدُك ال وأذكرك‬
‫فأل ظّ به رسول ال صلى ال عليه وسلم الـمسألة‪ ,‬يقول‪« :‬يا ابْ َ‬
‫جمِ فـي‬
‫حكَمَ فـيـمَنْ َزنَى َب ْعدَ إحْصَانِهِ بـال ّر ْ‬
‫ن ال َ‬
‫ع ْندَ بنـي إسْرائيـل‪ ,‬هل َتعْلَـمُ أ ّ‬
‫أيادِيه ِ‬
‫التّ ْورَاة؟» فقال‪ :‬الله مّ نعم أما وال يا أبـا القاسم إنهم لـيعلـمون أن كّ نبـيّ مرسل‪ ,‬ولكنهم‬
‫يحسدونَك‪ .‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأمر بهما فرُجما عند بـاب مسجده فـي‬
‫بنـي عثمان بن غالب بن النـجار‪ .‬ثم كفر بعد ذلك ابن صُوريا‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّها الرّ سُولُ‬
‫ن اّلذِينَ قالُوا آ َمنّا بأفْوَا ِه ِهمْ ولَـمْ تُ ْؤ ِمنْ قُلُو ُب ُهمْ‪.‬‬
‫ن فِـي ال ُك ْفرِ مِ َ‬
‫ح ُز ْنكَ اّلذِينَ يُسارِعُو َ‬
‫ل َي ْ‬
‫‪ 9399‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي (ح) وحدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن‬
‫العمش (ح)‪ ,‬وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيدة بن عبـيد‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عبد ال بن مرّة‪,‬‬
‫عـن البراء بـن عازب‪ ,‬قال‪ُ :‬مرّ علــى النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم بــيهودي مــحمّـم‬
‫حدّ‬
‫ن َ‬
‫جدُو َ‬
‫م ـجلود‪ ,‬فد عا النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم رجلً من علـمائهم‪ ,‬فقال‪« :‬أ َهكَذا تَ ـ ِ‬
‫شدُك بــالذي أ ْنزَلَ التّورَاةَ علــى مُوسـَى‪ ,‬أ َهكَذا‬
‫الزّانــي فِــي ُكمْ؟» قال‪ :‬نعـم‪ .‬قال‪« :‬فأ ْن ُ‬
‫حدّ الزان ـي فـيكم»؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬ولول أ نك َنشَ ْدتَن ـي بهذا ل ـم أحدثك‪ ,‬ولكن الر جم‪,‬‬
‫ن َ‬
‫جدُو َ‬
‫تَ ـ ِ‬
‫ولكن كثر الزنا فـي أشرافنا‪ ,‬فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا علـيه‬
‫ال ـحدّ‪ ,‬فقل نا تعالوا ن ـجتـمع فن ضع شيئا مكان الر جم ف ـيكون عل ـى الشر يف والوض يع‪,‬‬
‫فوضعنا التـحميـم والـجلد مكان الرّجم‪ .‬فقال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬اللهمّ إنـي أنا‬
‫ح ُزنْ كَ اّلذِي نَ يُ سارِعُونَ فِ ـي‬
‫ن َأحْيَا َأ ْمرَ كَ إذْ أَماتُو هُ» فأ مر به فر جم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬ل َي ْ‬
‫ل مَ ْ‬
‫أوّ ُ‬
‫الكُ ْفرِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪ 9400‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن ن صر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن ال ـمبـارك‪ ,‬عن‬
‫معمر‪ ,‬عن الزهر يّ‪ ,‬قال‪ :‬كنت جالسا عند سعيد بن الـمسيب وعند سعي‪ ,‬رجل يوقره‪ ,‬فإذا‬
‫هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الـحديبـية وكان من أصحاب أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو‬
‫هريرة‪ :‬كنت جالسا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم (ح)‪ ,‬وحدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أ بو صالـح كا تب الل ـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي الل ـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عق ـيـل‪ ,‬عن ا بن شهاب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي رجل من مزينة مـمن يتبع العلـم ويعيه‪ ,‬حدّث عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬أن أبـا‬
‫هريرة قال‪ :‬ب ـينا ن ـحن مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬إذ جاءه ر جل من ال ـيهود‪,‬‬
‫وكانوا قد أشاروا فـي صاحب لهم زنى بعد ما أحصن‪ ,‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬إن هذا النبـيّ‬
‫قد بُعث‪ ,‬وقد علـمتـم أن قد فرض علـيكم الرجم فـي التوراة فكتـمتـموه واصطلـحتـم‬
‫بـينكم علـى عقوبة دونه‪ ,‬فـانطلقوا فنسأل هذا النبـيّ‪ ,‬فإن أفتانا بـما فرض علـينا فـي‬
‫التوراة من الرجم تركنا ذلك‪ ,‬فقد تركنا ذلك فـي التوراة‪ ,‬فهي أح قّ أن تطاع وتصدّق‪ .‬فأتوا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبـا القاسم إنه زنى صاحب لنا قد أحصن‪ ,‬فما ترى‬
‫علـيه من العقوبة؟ قال أبو هريرة‪ :‬فلـم يرجع إلـيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حتـى‬
‫قام وقمنا معه‪ ,‬فـانطلق يؤ مّ مدراس الـيهود حتـى أتاهم‪ ,‬فوجدهم يتدارسون التوراة فـي‬
‫شرَ الــَيهُو ِد أ ْنشُ ُدكُم ْـ بــاللّهِ اّلذِي أ ْنزَلَ الّت ْورَاةَ علــى‬
‫بــيت الــمدارس‪ ,‬فقال لهـم‪« :‬يـا َم ْع َ‬
‫ن العُقُو َبةِ علـى مَنْ زَنى َو َقدْ أحْصِن»؟ قالوا‪ :‬إنا نـجده‬
‫ن فِـي الّت ْورَاةِ ِم َ‬
‫جدُو َ‬
‫مُوسَى ماذَا تَـ ِ‬
‫حمّ ـم ويجلده‪ .‬و سكت حبرهم ف ـي جا نب الب ـيت‪ .‬فل ـما رأى ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ُي َ‬
‫ظ به النشدة‪ ,‬فقال حبرهم‪ :‬الله مّ إذ نشدت نا فإ نا ن ـجد عل ـيهم الر جم‪ .‬فقال له‬
‫و سلم صمته أل ّ‬
‫صتُـ ْم بِ ِه أ ْمرَ اللّ هِ»؟ قال‪ :‬زنى ابن‬
‫ل ما تَ َرخّ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬فمَاذَا كا نَ أوّ َ‬
‫ع ّم ملك فلـم يرجمه‪ ,‬ثم زنى رجل آخر فـي أسرة من الناس‪ ,‬فأراد ذلك الـملك رجمه‪ ,‬فقام‬
‫دونه قومه‪ ,‬فقالوا‪ :‬وال ل ترجمه حتـى ترجم فلنا ابن ع مّ الـملك فـاصطلـحوا بـينهم‬
‫عقوب ًة دون الرجم‪ ,‬وتركوا الرجم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬فإنّـي أقْضِي بِـمَا‬
‫ِينـ يُسـارِعُونَ فِــي‬
‫ْكـ اّلذ َ‬
‫ح ُزن َ‬
‫ل ل َي ْ‬
‫فِــي التّ ْورَاةِ»‪ .‬فأ ْنزَلَ ال فــي ذلك‪ :‬يـا أيّهـا الرّسـُو ُ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ فأُوَل ِئكَ ُه ُم الكا ِفرُونَ‪.‬‬
‫ن لَـ ْم َي ْ‬
‫الكُ ْفرِ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُنـي بذلك الـمنافقون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9401‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫ن قالُوا‬
‫ن فِـي الكُ ْفرِ ِم نَ اّلذِي َ‬
‫ن يُسارِعُو َ‬
‫حزُنْ كَ اّلذِي َ‬
‫بن كثـير فـي قوله‪ :‬يا أيّها الرّ سُولُ ل َي ْ‬
‫آ َمنّا بأفْوَا ِههِم ولَـمْ تُ ْؤ ِمنْ قُلُو ُب ُهمْ قال‪ :‬هم الـمنافقون‪.‬‬
‫‪9402‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬آ َمنّا بأفْوَا ِه ِهمْ قال‪ :‬يقول هم الـمنافقون‪.‬‬
‫ِينـ‬
‫ْكـ اّلذ َ‬
‫ح ُزن َ‬
‫عنِــي بذلك‪ :‬ل ي ْ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك عندي بــالصواب أن يقال‪ُ :‬‬
‫ن قُلُو ُبهُ مْ‪ :‬قوم من الـمنافقـين‪.‬‬
‫ن قالُوا آ َمنّا بأفْوَا ِههِم ولَـمْ ُت ْؤمِ ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ن فِـي الكُ ْفرِ مِ َ‬
‫يُسارِعُو َ‬
‫وجائز أن يكون كان مـمن دخـل ف ـي هذه الَية ابن صُوريا‪ ,‬وجائز أن يكون أ بو لُبـابة‪,‬‬
‫وجائز أن يكون غيرهما‪ .‬غير أن أثبت شيء رُوي فـي ذلك ما ذكرناه من الرواية قبل عن‬
‫أبـي هريرة والبراء بن عازب‪ ,‬لن ذلك عن رجلـين من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسـلم‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان الصـحيح مـن القول فــيه أن يقال‪ :‬عُنــي بـه عبـد ال بـن‬
‫صُورِيا‪ .‬وإذا صحّ ذلك كان تأوي ـل الَ ية‪ :‬يا أي ها الر سول ل يحز نك الذ ين ي سارعون ف ـي‬
‫جحود نبوّتك والتكذيب بأنك لـي نبـيّ من الذين قالوا‪ :‬صدّقنا بك يا مـحمد أنك ل رسول‬
‫مبعوث‪ ,‬وعلـمنا بذلك يقـينا بوجودنا صفتك فـي كتابنا وذلك أن فـي حديث أبـي هريرة‬
‫الذي رواه ابن إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬أن ابن صوريا قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أما‬
‫وال يا أبـا القا سم إنهم ل ـيعلـمون أنك نب ـيّ مر سل‪ ,‬ولكن هم يح سدونك‪ .‬فذلك كان عل ـى‬
‫هذا الـخبر من ابن صوريا إيـمانا برسول ال صلى ال عليه وسلم بفـيه‪ ,‬ولـم يكن مصدّقا‬
‫لذلك بقل به‪ ,‬فقال ال لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم مطل عه عل ـى ضم ير ا بن صوريا‬
‫وأنه لـم يؤمن بقلبه‪ ,‬يقول‪ :‬ولـم يصدّق قلبه بأنك ل رسول مرسل‪.‬‬
‫خرِي نَ‬
‫سمّاعُونَ لقَوْ مٍ آ َ‬
‫ب َ‬
‫ن لل َكذِ ِ‬
‫سمّاعُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬ومِ نَ اّلذِي نَ هادُوا َ‬
‫لَـمْ ي ْأتُوكَ‪.‬‬
‫ل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا أيها الرسول‪ ,‬ل يحزنك تسرّع من‬
‫يقول ج ّ‬
‫تسرّع من هؤلء الـمنافقـين الذين يظهرون بألسنتهم تصديقك‪ ,‬وهم معتقدون تكذيبك إلـى‬
‫ل ذكره صفتهم ونعت هم له‬
‫الك فر بك‪ ,‬ول ت سرع ال ـيهود إل ـى جحود نبوّ تك‪ .‬ثم و صف ج ّ‬
‫بنعوتهم الذميـمة وأفعالهم الرديئة‪ ,‬وأخبره معزّيا له علـى ما يناله من الـحزن بتكذيبهم إياه‬
‫مع علـمهم بصدقه أنهم أهل استـحلل الـحرام والـمآكل الرديئة والـمطاعم الدنـيئة من‬
‫سحْت‪ ,‬وأنهم أهل إفك وكذب علـى ال وتـحريف كتابه‪ .‬ثم أعلـمه أنه مـحلّ بهم‬
‫الرّشَا وال ّ‬
‫ن لل َكذِبِ يعنـي هؤلء‬
‫سمّاعُو َ‬
‫خزيه فـي عاجل الدنـيا‪ ,‬وعقابه فـي آجل الَخرة‪ ,‬فقال‪ :‬همْ َ‬
‫الـمنافقـين من الـيهود‪ ,‬يقول‪ :‬هم يسمعون الكذب‪ ,‬وسمعهم الكذب‪ :‬سمعهم قول أحبـارهم‬
‫خرِي نَ لَـمْ‬
‫ن لَقْو ٍم آ َ‬
‫سمّاعُو َ‬
‫أن حكم الزانـي الـمـحْصن فـي التوراة‪ :‬التـحميـم والـجلد‪َ ,‬‬
‫َي ْأتُو كَ يقول‪ :‬ي سمعون ل هل الزان ـي الذي أرادوا الحتكام إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسـلم‪ ,‬وهـم القوم الَخرون الذيـن لــم يكونوا أتوا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم وكانوا‬
‫مصرّين علـى أن يأتوه‪ ,‬كما قال مـجاهد‪.‬‬
‫‪9403‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال مـجاهد‪:‬‬
‫خرِينَ لَـمْ َي ْأتُوكَ‪ :‬مع من أتوك‪.‬‬
‫ن لِ َق ْومٍ آ َ‬
‫سمّاعُو َ‬
‫َ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي السمّاعين للكذب السمّاعين لقوم آخرين‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬سماعون‬
‫لقول آخرين يهود فدك‪ ,‬والقوم الَخرون الذين لـم يأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم يهود‬
‫الـمدينة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9404‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن الزب ـير‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن اّلذِي نَ هادُوا‬
‫عيـينة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زكريا ومـجالد‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬عن جابر فـي قوله‪َ :‬ومِ َ‬
‫ن الكَلِـمَ مِ نْ َب ْعدِ‬
‫حرّفُو َ‬
‫خرِي نَ قال‪ :‬يهود الـمدينة لَـمْ َي ْأتُو كَ ُي َ‬
‫ن لِ َقوْ ٍم آ َ‬
‫سمّاعُو َ‬
‫سمّاعُونَ لل َكذِ بِ َ‬
‫َ‬
‫ضعِهِ قال‪ :‬يهود فدك يقولون لـيهود الـمدينة‪ :‬إن أوتـيتـم هذا فخذوه‪.‬‬
‫مَوَا ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الــمعنىّ بذلك قوم مـن الــيهود كان أهـل الــمرأة التــي بغـت بعثوا بهـم‬
‫يسـألون رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم عـن الــحكم فــيها‪ ,‬والبــاعثون بهـم هـم القوم‬
‫الَخرون‪ ,‬وهم أهل الـمرأة الفـاجرة‪ ,‬لـم يكونوا أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9405‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫حرّفُونَ كان‬
‫ن لَـ ْم َي ْأتُوكَ ُي َ‬
‫خرِي َ‬
‫سمّاعُونَ لِ َقوْمٍ آ َ‬
‫ن لل َكذِبِ َ‬
‫سمّاعُو َ‬
‫ن هادُوا َ‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪َ :‬و ِمنَ اّلذِي َ‬
‫بنو إسرائيـل أنزل ال علـيهم‪ :‬إذا زنى منكم أحد فـارجموه‪ .‬فلـم يزالوا بذلك حتـى زنى‬
‫رجل من خيارهم فلـما اجتـمعت بنو إسرائيـل يرجمونه‪ ,‬قام الـخيار والشراف فمنعوه‪.‬‬
‫ثم ز نى ر جل من الضعف ـاء‪ ,‬ف ـاجتـمعوا ل ـيرجموه‪ ,‬ف ـاجتـمعت الضعف ـاء فقالوا‪ :‬ل‬
‫ترجموه حت ـى تأتوا ب صاحبكم فترجمونه ما جمي عا فقالت ب نو إ سرود يقال ل ها بُ سرة‪ ,‬فب عث‬
‫أبو ها نا سا من أ صحابه إل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪ :‬سلوه عن الز نا و ما نزل‬
‫إل ـيه ف ـيه فإ نا ن ـخاف أن يفضح نا ويخبر نا ب ـما صنعنا‪ ,‬فإن أعطا كم ال ـجلد فخذوه وإن‬
‫أمر كم ب ـالرجم ف ـاحذروه‪ .‬فأتوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف سألوه‪ ,‬فقال‪« :‬الرّجْم»‪.‬‬
‫ُوكـ‬
‫ِينـ لَــمْ َي ْأت َ‬
‫خر َ‬ ‫ْمـ آ َ‬
‫سـمّاعُونَ ِلقَو ٍ‬
‫ِبـ َ‬
‫ن لل َكذ ِ‬
‫سـمّاعُو َ‬
‫ِينـ هادُوا َ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫فأنزل ال عزّ وجلّ‪َ :‬وم َ‬
‫ضعِهِ حين حرّفوا الرجم فجعلوه جلدا‪.‬‬
‫ن َبعْ ِد مَوَا ِ‬
‫ن الكَلِـمَ مِ ْ‬
‫ُيحَ ّرفُو َ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك عندي بــالصواب‪ ,‬قول مـن قال‪ :‬إن السـماعين للكذب‪ ,‬هـم‬
‫ال سماعون لقوم آخر ين‪ .‬و قد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود ال ـمدينة وال ـمسموع ل هم‬
‫من يهود فدك‪ ,‬ويجوز أن يكونوا كانوا من غيرهم‪ .‬غير أنه أ يّ ذلك كان‪ ,‬فهو من صفة قوم‬
‫مـن يهود سـمعوا الكذب علــى ال فــي حكـم الــمرأة التــي كانـت بغـت فــيهم وهـي‬
‫م ـحصنة‪ ,‬وأن حكم ها ف ـي التوراة الت ـحميـم وال ـجلد‪ ,‬و سألوا ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم عن ال ـحكم اللزم ل ها‪ ,‬و سمعوا ما يقول ف ـيها قوم ال ـمرأة الف ـاجرة ق بل أن يأتوا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مـحتكمين إلـيه فـيها‪ .‬وإنـما سألوا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عن ذلك لهم لـيعلـموا أهل الـمرأة الفـاجرة ما يكون من جوابه لهم‪ ,‬فإن لـم‬
‫يكن من حكمه الرجم رضوا به حكما فـيهم‪ ,‬وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا‬
‫به وبحكمه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا كان ابن زيد يقول‪.‬‬
‫‪ 9406‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬سّماعُونَ‬
‫ن قال‪ :‬لقوم آخر ين ل ـم يأتوك من أ هل الكتاب‪ ,‬هؤلء سماعون‬
‫خرِي َ‬
‫سمّاعُونَ ِلقَوْ مٍ آ َ‬
‫لل َكذِ بِ َ‬
‫لولئك القوم الَخر ين الذ ين ل ـم يأتوه‪ ,‬يقولون ل هم الكذب‪ :‬م ـحمد كاذب‪ ,‬ول ـيس هذا ف ـي‬
‫التوراة‪ ,‬فل تؤمنوا به‪.‬‬
‫ن أُوتِ ـيُتـمْ‬
‫نإ ْ‬
‫ضعِ هِ َيقُولُو َ‬
‫ن َب ْعدِ مَوَا َ‬
‫حرّفُو نَ الكَلِ ـمَ مِ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ُ :‬ي َ‬
‫ح َذرُوا‪.‬‬
‫خذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُ ْؤ َتوْ ُه فـا ْ‬
‫َهذَا َف ُ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬يحرّف هؤلء السـماعون للكذب‪ ,‬السـماعون لقوم آخريـن منهـم لــم‬
‫يأتوك بعد من الـيهود الكَلِـم‪ .‬وكان تـحريفهم ذلك‪ :‬تغيـيرهم حكم ال تعالـى ذكره الذي‬
‫أنزله فـي التوراة فـي الـمـحصنات والـمـحصنـين من الزناة بـالرجم إلـى الـجلد‬
‫والتـحميـم‪ ,‬فقال تعال ـى ذكره‪ :‬يَح ّرفُو نَ الكَلِ ـمَ يعن ـي‪ :‬هؤلء ال ـيهود‪ ,‬وال ـمعنى‪ :‬حكم‬
‫الكلـم‪ ,‬فـاكتفـى بذكر الـخبر من تـحريف الكلـم عن ذكر الـحكم لـمعرفة السامعين‬
‫ِهـ والــمعنى‪ :‬مـن بعـد وضـع ال ذلك مواضعـه‪,‬‬
‫ضع ِ‬‫ِنـ َب ْعدِ مَوَا ِ‬
‫لــمعناه‪ .‬وكذلك قوله‪ :‬م ْ‬
‫فـاكتفـى ب ـالـخبر من ذ كر مواض عه عن ذ كر وضع ذلك‪ ,‬ك ما قال تعال ـى ذكره‪ :‬وََلكِ نّ‬
‫لخِرِ وال ـمعنى‪ :‬ول كن البرّ برّ من آ من ب ـال الَ خر‪ .‬و قد‬
‫ن ب ـاللّهِ وَال ـيَ ْو ِم ا َ‬
‫ن آمَ َ‬
‫ال ِبرّ مَ ْ‬
‫يحتـمل أن يكون معناه‪ :‬يحرّفون الكلـم عن مواضعه‪ ,‬فتكون «بعد» وُضعت موضع «عن»‪,‬‬
‫كما يقال‪ :‬جئتك عن فراغي من الشغل‪ ,‬يريد‪ :‬بعد فراغي من الشغل‪.‬‬
‫ن لَـمْ ُت ْؤتَ ْو ُه فـاحْ َذرُوا يقول‪ :‬هؤلء الب ـاغون‬
‫ويعنـي بقوله إ نْ أُوتِـيُتـ ْم َهذَا َفخُذُو ُه وَإ ْ‬
‫السـماعون للكذب‪ ,‬إن أفتاكـم مــحمد بــالـجلد والتــحميـم فــي صـاحبنا فخذوه‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫فـاقبلوه منه‪ ,‬وإن لـم يُفتِكم بذلك وأفتاكم بـالرجم‪ ,‬فـاحذروا‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9407‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي الزهري‪,‬‬
‫ل من مزي نة يحدّث سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬أن أب ـا هريرة حدث هم ف ـي ق صة‬
‫قال‪ :‬سمعت رج ً‬
‫ُوكـ قال‪ :‬بعثوا‬
‫ِينـ لَــمْ َي ْأت َ‬
‫خر َ‬ ‫ْمـ آ َ‬
‫ن لِ َقو ٍ‬
‫سـمّاعُو َ‬
‫ِبـ َ‬
‫سـمّاعُونَ لل َكذ ِ‬
‫ِينـ هادُوا َ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫ذكرهـا‪َ :‬وم َ‬
‫وت ـخـلفوا‪ ,‬وأمرو هم ب ـما أمرو هم به من ت ـحريف الكل ـم عن مواض عه‪ ,‬فقال‪ :‬يحرّفون‬
‫الكلــم مـن بعـد مواضعـه‪ ,‬يقولون‪ :‬إن أوتــيتـم هذا فخذوه للتــحميـم‪ ,‬وإن لــم تؤتوه‬
‫فـاحذروا‪ :‬أي الرجم‪.‬‬
‫‪ 9408‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫خذُو هُ يهود تقوله‬
‫ن أُوتِ ـيُتـمْ هَذا‪ :‬إن وافق كم هذا‪َ ,‬ف ُ‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال‪ :‬إ ْ‬
‫للـمنافقـين‪.‬‬
‫حدثنـا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو حذيفـة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شبـل‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫خذُو هُ‪ :‬إن وافقكم هذا فخذوه‪ ,‬وإن لـم يوافقكم فـاحذروه‪ .‬يهود‬
‫ن أُوتِـيُتـمْ َهذَا َف ُ‬
‫مـجاهد‪ :‬إ ْ‬
‫تقوله للـمنافقـين‪.‬‬
‫‪9409‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ضعِ ِه ح ين حرّفوا الر جم فجعلوه جلدا‪ ,‬يقولون‪ :‬إ نْ‬
‫ن َب ْعدِ مَوَا ِ‬
‫حرّفُو نَ الكَلِ ـمَ مِ ْ‬
‫عن ال سديّ‪ُ :‬ي َ‬
‫حذَرُوا‪.‬‬
‫ن لَـمْ تُ ْؤتُوهُ فـا ْ‬
‫خذُوهُ وَإ ْ‬
‫أُوتِـيُتـمْ َهذَا فَ ُ‬
‫‪ 9410‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن الزب ـير‪ ,‬عن ا بن‬
‫عيــينة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا زكريـا ومــجالد‪ ,‬عـن الشعبــيّ‪ ,‬عـن جابر‪ُ :‬يحَ ّرفُونَـ الكَلِــمَ مِن ْـ َبعْدِ‬
‫خذُو ُه يهود فدك يقولون ل ـيهود ال ـمدينة‪ :‬إن أوت ـيتـم‬
‫ن أُوتِ ـيُتـمْ َهذَا َف ُ‬
‫نإ ْ‬
‫ضعِ ِه يَقُولُو َ‬
‫مَوَا ِ‬
‫هذا الـجلد فخذوه‪ ,‬وإن لـم تؤتوه فـاحذروا الرجم‪.‬‬
‫‪ 9411‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫خذُو هُ وَإ نْ لَ ـمْ‬
‫ن أُوتِ ـيُتـمْ َهذَا َف ُ‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إ ْ‬
‫حذَرُوا هُ مُ ال ـيهود‪ ,‬ز نت من هم امرأة‪ ,‬وكان ال قد ح كم ف ـي التوراة ف ـي الز نا‬
‫تُ ْؤتَ ْو هُ ف ـا ْ‬
‫ب ـالرجم‪ ,‬فنف سوا أن يرجمو ها‪ ,‬وقالوا‪ :‬انطلقوا إل ـى م ـحمد فع سى أن يكون عنده رخ صة‪,‬‬
‫فإن كا نت عنده رخ صة ف ـاقبلوها‪ .‬فأتَوْه فقالوا‪ :‬يا أب ـا القا سم إن امرأة م نا ز نت‪ ,‬ف ما تقول‬
‫حكْ مُ الّل ِه فِـي التّ ْورَا ِة فـي الزّانِـي؟»‬
‫فـيها؟ فقال لهم النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬كيْ فَ ُ‬
‫فقالوا‪ :‬دعنا من التوراة‪ ,‬ولكن ما عندك فـي ذلك فقال‪« :‬ا ْئتُونِـي بأعْلَـ ِم ُك ْم بـالتّ ْورَاةِ التـي‬
‫حرَ‬
‫عوْ نَ وَبـاّلذِي فَلَ قَ َلكُ مْ ال َب ْ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫ُأ ْنزِلَ تْ علـى مُو سَى»‪ .‬فقال لهم‪« :‬بـاّلذِي نَـجّا ُكمْ مِ نْ آ ِ‬
‫حكْ مُ الّل هِ فِ ـي التّ ْورَا ِة فِ ـي الزّانِ ـي»‬
‫خ َب ْرتُ ـمُونِـي ما ُ‬
‫ن إلّ أ ْ‬
‫عوْ َ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫غرَ قَ آ َ‬
‫َفأْن ـجاكمْ وأ ْ‬
‫قالوا‪ :‬حكمه الرجم‪ .‬فأمر بها رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجمت‪.‬‬
‫‪ 9412‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫خذُو هُ وَإ نْ لَـمْ تُ ْؤتَ ْو هُ‬
‫ن أُوتِـيُتـمْ َهذَا َف ُ‬
‫ضعِ ِه يَقُولُو نَ إ ْ‬
‫ن الكَلِـمَ مِ نْ َب ْعدِ َموَا ِ‬
‫حرّفُو َ‬
‫لَـمْ َي ْأتُو كَ ُي َ‬
‫حذَرُوا ذكر لنا أن هذا كان فـي قتـيـل من بنـي قريظة قتلته النضير‪ ,‬فكانت النضير‬
‫فـا ْ‬
‫إذا قتلت من بن ـي قري ظة ل ـم يق ـيدوهم‪ ,‬إن ـما يعطون هم الد ية لفضل هم عل ـيهم‪ ,‬وكا نت‬
‫قري ظة إذا قتلت من النض ير قت ـيلً ل ـم يرضوا إل ب ـالقود لفضل هم عل ـيهم ف ـي أنف سهم‬
‫تعزّزا‪ .‬فقدم نبــيّ ال صـلى ال عليـه وسـلم الــمدينة علــى هيئة فعلهـم هذا‪ ,‬فأرادوا أن‬
‫يرفعوا ذلك إلــى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقال لهـم رجـل مـن الــمنافقـين‪ :‬إن‬
‫قت ـيـلكم هذا قت ـيـل ع مد‪ ,‬مت ـى ما ترفعوه إل ـى م ـحمد صلى ال عل يه و سلم أخ شى‬
‫علـيكم القود‪ ,‬فإن قبل منكم الدية فخذوه‪ ,‬وإل فكونوا منه علـى حذر‪.‬‬
‫‪ 9413‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ُ :‬يحَ ّرفُو نَ‬
‫ِهـ يقول يحرّف هؤلء الذيـن لــم يأتوك الكلــم عـن مواضعـه‪ ,‬ل‬
‫ِنـ َب ْعدِ َموَاضِع ِ‬
‫الكَلِــمَ م ْ‬
‫يضعونه علـى ما أنزله ال‪ .‬قال‪ :‬وهؤلء كلهم يهود‪ ,‬بعضهم من بعض‪.‬‬
‫‪9414‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية وعبـيدة بن حميد‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫حذَرُوا‬
‫ْهـ فــا ْ‬
‫خذُوه ُـ وَإن ْـ لَــمْ تُ ْؤتَو ُ‬
‫إنـ أُوتِــيُتـمْ َهذَا َف ُ‬
‫مرّة‪ ,‬عـن البراء بـن عازب‪ :‬يَقُولُون َـ ْ‬
‫يقولون‪ :‬ائتوا مــحمدا‪ ,‬فإن أفتاكـم بــالتـحميـم والــجلد فخذوه‪ ,‬وإن أفتاكـم بــالرجم‬
‫فـاحذروا‪.‬‬
‫شيْئا‪.‬‬
‫ن تَـمِْلكَ َلهُ ِمنَ الّلهِ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َمنْ ُي ِردِ اللّ ِه ِف ْت َنتَهُ فَلَ ْ‬
‫وهذا ت سلـية من ال تعال ـى ذكره نب ـيه م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم من حز نه عل ـى‬
‫مسارعة الذين قصّ قصتهم من الـيهود والـمنافقـين فـي هذه الَية‪ ,‬يقول له تعالـى ذكره‪:‬‬
‫حتَــمْتُ علــيهم أنهـم ل يتوبون مـن‬
‫ل يحزنـك تسـرّعهم إلــى جحود نبوّتـك‪ ,‬فإنــي قـد َ‬
‫ضللتهم‪ ,‬ول يرجعون عن كفرهم للسابق من غضبـي علـيهم‪ ,‬وغير نافعهم حزنك علـى‬
‫ما ترى من ت سرّعهم إل ـى ما جعل ته سبـيلً لهلك هم وا ستـحقاقهم وعيدي‪ .‬ومع نى الفت نة‬
‫فــي هذا الــموضع‪ :‬الضللة عـن قصـد السـبـيـل‪ .‬يقول تعالــى ذكره‪ :‬ومـن يرد ال يـا‬
‫مـحمد مرجعه بضللته عن سبـيـل الهدى‪ ,‬فلن تـملك له من ال استنقاذا مـما أراد ال به‬
‫من ال ـحيرة والضللة‪ ,‬فل تش عر نف سك ب ـالـحزن عل ـى ما ف ـاتك من اهتدائه لل ـحقّ‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪9415‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫شيْئا‪.‬‬
‫ن ُي ِردِ اللّ ِه ِف ْتنَتَ ُه فَلَنْ تَـمِْلكَ َلهُ ِمنَ الّلهِ َ‬
‫السديّ‪َ :‬ومَ ْ‬
‫طهّرَ قُلُوَبهُ مْ َلهُ مْ فِ ـي‬
‫ن ُي َ‬
‫ك اّلذِي نَ لَ ـمْ ُي ِردِ اللّ ُه أ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬أُوَلئِ َ‬
‫عظِيـمٌ‪.‬‬
‫عذَابٌ َ‬
‫خرَةِ َ‬
‫لِ‬‫خ ْزيٌ‪ ,‬وَل ُهمْ فِـي ا َ‬
‫ال ّدنْـيا ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ل يحز نك الذ ين ي سارعون ف ـي‬
‫ن لَـ ْم يُ ِردِ الّل هُ‬
‫الكفر‪ ,‬من الـيهود الذين وصفت لك صفتهم‪ ,‬وإن مسارعتهم إلـى أُوَلئِ كَ اّلذِي َ‬
‫عظِيـمٌ‪.‬‬
‫عذَابٌ َ‬
‫لخِرَةِ َ‬
‫خ ْزيٌ‪ ,‬وَل ُهمْ فِـي ا َ‬
‫ن ُيطَ ّهرَ قُلُوَب ُهمْ َل ُهمْ فِـي ال ّدنْـيا ِ‬
‫أْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ل يحز نك الذ ين ي سارعون ف ـي‬
‫الكفر‪ ,‬من الـيهود الذين وصفت لك صفتهم‪ ,‬وإن مسارعتهم إلـى لدنـيا وذلك الذلّ والهوان‪,‬‬
‫وفـي الَخرة عذاب جهنـم خالدين فـيها أبدا‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـخزي روي القول عن عكرمة‪.‬‬
‫‪ 9416‬ـ حدثن ـي ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن عل ـيّ بن‬
‫خزْيٌ‬
‫طهّرَ قُلُوَبهُمْ َلهُمْ فِـي ال ّدنْـيا ِ‬
‫ن ُي َ‬
‫ك اّلذِينَ لَـمْ ُي ِردِ اللّ ُه أ ْ‬
‫الرقم وغيره‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬أُوَلئِ َ‬
‫سبَوْن‪.‬‬
‫قال‪ :‬مدينة فـي الروم تُفتـح فـ ُي ْ‬

‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكُ مْ‬
‫سحْتِ َفإِن جَآءُو كَ فَا ْ‬
‫ن لِل ّ‬
‫ب َأكّالُو َ‬
‫سمّاعُونَ لِ ْل َكذِ ِ‬
‫{ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سطِ إِنّ‬
‫حكُ ْم َب ْينَ ُهمْ بِالْ ِق ْ‬
‫ح َكمْتَ فَا ْ‬
‫ن َ‬
‫شيْئا وَإِ ْ‬
‫ك َ‬
‫ع ْنهُمْ فَلَن َيضُرّو َ‬
‫ع ْنهُمْ وَإِن ُت ْعرِضْ َ‬
‫عرِضْ َ‬
‫َب ْي َنهُمْ َأوْ َأ ْ‬
‫سطِينَ }‪..‬‬
‫اللّ َه ُيحِبّ ا ْلمُ ْق ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هؤلء ال ـيهود الذ ين و صفت لك يا م ـحمد كاذب‪ ,‬ل ـيس بنب ـيّ‪,‬‬
‫وقِ ـيـل بعض هم‪ :‬إن ح كم الزان ـي ال ـمـحصَن ف ـي التوراة ال ـجلد والت ـحميـم‪ ,‬وغ ير‬
‫ذلك من الب ـاطيـل وال فك‪ ,‬ويقبلون الر شا‪ ,‬ف ـيأكلونها عل ـى كذب هم عل ـى ال وفريت هم‬
‫علـيه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9417‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلـم بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عقـيـل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت قال‪ :‬تلك ال ـحكام سمعوا‬
‫سحْ ِ‬
‫ن لل ّ‬
‫سمّاعُونَ لل َكذِ بِ أكّالُو َ‬
‫سمعت ال ـحسن يقول ف ـي قوله‪َ :‬‬
‫ِكذْبةً‪ ,‬وأكلوا رِشْ َوةً‪.‬‬
‫سمّاعُونَ‬
‫‪9418‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬‬
‫سحْتِ قال‪ :‬كان هذا ف ـي حكام ال ـيهود ب ـين أيدي كم‪ ,‬كانوا ي سمعون الكذب‬
‫لل َكذِ بِ أكّالُو نَ لل ّ‬
‫ويقبلون الرشا‪.‬‬
‫‪9419‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫سحْتِ قال‪ :‬الرشوة فـي الـحكم وهم يهود‪.‬‬
‫ن لل ّ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬أكّالُو َ‬
‫‪ 9420‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي وإسحاق‬
‫الزرق‪ ,‬وحدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن‬
‫ت قال‪ :‬السحت‪ :‬الرشوة‪.‬‬
‫سحْ ِ‬
‫زرّ‪ ,‬عن عبد ال‪ :‬أكّالُونَ لل ّ‬
‫‪ 9421‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع وواصل بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ابن فضيـل‪ ,‬عن‬
‫الع مش‪ ,‬عن سلـمة بن كهي ـل‪ ,‬عن سالـم بن أب ـي ال ـجعد‪ ,‬قال‪ :‬ق ـيـل لع بد ال‪ :‬ما‬
‫السحت؟ قال‪ :‬الرشوة‪ .‬قالوا‪ :‬فـي الـحكم؟ قال‪ :‬ذاك الكفر‪.‬‬
‫حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا غندر ووهب بن جرير‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن سالـم بن‬
‫أبـي الـجعد‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬السحت‪ :‬الرشوة‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن حريث‪ ,‬عن عامر‪,‬‬
‫عن م سروق‪ ,‬قال‪ :‬قل نا لع بد ال‪ :‬ما ك نا نرى ال سحت إل الرشوة ف ـي ال ـحكم قال ع بد ال‪:‬‬
‫ذاك الكفر‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن عمار‬
‫الدهنـي‪ ,‬عن سالـم بن أبـي الـجعد عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبد ال عن السحت‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫الرجل يطلب الـحاجة فـيقضيها‪ ,‬فـيهدي إلـيه فـيقبلها‪.‬‬
‫حدثنا سوار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن من صور وسلـيـمان‬
‫العمش‪ ,‬عن سالـم بن أبـي الـجعد‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال أنه قال‪ :‬السحت‪ :‬الرشا‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمـحاربـيّ‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن زِرّ‪ ,‬عن عبد‬
‫سحْت‪ ,‬قال‪ :‬الرشوة فـي الدين‪.‬‬
‫ال‪ :‬ال ّ‬
‫‪ 9422‬ـ حدثن ـي أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن خيث مة‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫عمر‪ :‬ما كان من السحت‪ :‬الرشا‪ ,‬ومهر الزانـية‪.‬‬
‫‪9423‬ـ حدثنـي سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫السحت‪ :‬الرشوة‪.‬‬
‫‪ 9424‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ت قال‪ :‬الرشا‪.‬‬
‫سحْ ِ‬
‫قوله‪ :‬أكّالُونَ لل ّ‬
‫‪9425‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن طلـحة‪ ,‬عن‬
‫سحْت‪ ,‬وث من‬
‫حجّام ُ‬
‫سحْت‪ ,‬وك سب ال ـ َ‬
‫ب الف حل ُ‬
‫أب ـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬م هر البغ يّ سُحت‪ ,‬وعَ سْ ُ‬
‫سحْت‪.‬‬
‫الكلب ُ‬
‫‪ 9426‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو خالد الحمـر‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫السحت‪ :‬الرشوة فـي الـحكم‪.‬‬
‫حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن حكيـم بن جبـير‪ ,‬عن‬
‫سالـم بن أب ـي ال ـجعد‪ ,‬عن م سروق‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن م سعود عن ال سحت‪ ,‬قال‪ :‬الر شا‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬فـي الـحكم؟ قال‪ :‬ذاك الكفر‪.‬‬
‫‪ 9427‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫سحْتِ يقول‪ :‬للرشا‪.‬‬
‫عن السديّ‪ :‬أكّالُونَ لل ّ‬
‫‪ 9428‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ه شم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الـملك بن‬
‫أبـي سلـيـمان‪ ,‬عن سلـمة بن كهيـل‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن علقمة‪ :‬أنهما سأل ابن مسعود‬
‫عن الرشوة‪ ,‬فقال‪ :‬هي ال سحت‪ ,‬قال ف ـي ال ـحكم؟ قال‪ :‬ذاك الك فر‪ ,‬ثم تل هذه الَ ية‪َ :‬و َم نْ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَل ِئكَ ُه ُم الكا ِفرُونَ‪.‬‬
‫لَـمْ َي ْ‬
‫‪ 9429‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن الـمسعودي‪ ,‬عن بكير‬
‫بن أب ـي بك ير‪ ,‬عن م سلـم بن صبـيح‪ ,‬قال‪ :‬ش فع م سروق لر جل ف ـي حا جة‪ ,‬فأهدى له‬
‫جارية‪ ,‬فغضب غضبـا شديدا وقال‪ :‬لو علـمت أنك تفعل هذا ما كلـمت فـي حاجتك ول‬
‫أكلـم فـيـما بقـي من حاجتك‪ ,‬سمعت ابن مسعود يقول‪ :‬من شفع شفـاعة لـيردّ بها حقا‬
‫سحْتٌ‪ ,‬فقـيـل له‪ :‬يا أبـا عبد الرحمن ما كنا نرى‬
‫أو يرفع بها ظلـما‪ ,‬فأُهدي له فقبل‪ ,‬فهو ُ‬
‫ذلك إل الخذ علـى الـحكم قال‪ :‬الخذ علـى الـحكم كفر‪.‬‬
‫‪9430‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـيأبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن‬
‫أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬سَـمّاعُونَ لل َكذِبِـ أكّالُونَـ للسّـحْتِ وذلك أنهـم أخذوا الرشوة فــي‬
‫الـحكم وقضوا بـالكذب‪.‬‬
‫‪ 9431‬ـ حدثنا هناد‪,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيدة‪ ,‬عن عمار‪ ,‬عن مسلـم بن صبـيح‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫قال‪ :‬سألت ابن مسعود عن السحت‪ ,‬أهو الرشا فـي الـحكم؟ فقال‪ :‬ل‪ ,‬من لـم َيحْكم بـما‬
‫أنزل ال فهو كافر‪ ,‬ومن لـم يحكم بـما أنزل ال فهو ظالـم‪ ,‬ومن لـم يحكم بـما أنزل ال‬
‫ف هو ف ـاسق‪ ,‬ول كن ال سحت ي ستعينك الر جل عل ـى ال ـ َمظْلِـمة فتعي نه عل ـيها‪ ,‬فَ ـيُهدي لك‬
‫الهدية فتقبلها‪.‬‬
‫‪ 9432‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن عبد ال بن هبـيرة‬
‫ال سبئي‪ ,‬قال‪ :‬من ال سحت ثل ثة‪ :‬م هر البغ يّ‪ ,‬والرشوة ف ـي ال ـحكم‪ ,‬و ما كان ُيعْطَى الكهان‬
‫فـي الـجاهلـية‪.‬‬
‫‪ 9433‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مطيع‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬عن عطاء الـخراسانـي‪,‬‬
‫ضمْرة‪ ,‬عن عل ـيّ بن أب ـي طالب‪ ,‬أ نه قال ف ـي ك سب ال ـحجام‪ ,‬وم هر البغ يّ‪ ,‬وث من‬
‫عن َ‬
‫الكلب‪ ,‬وال ستـجعال ف ـي القض ية‪ ,‬وحلوان الكا هن‪ ,‬وعَ سْب الف حل‪ ,‬والرشوة ف ـي ال ـحكم‪,‬‬
‫سحْت‪.‬‬
‫وثمن الـخمر‪ ,‬وثمن الـمتـية‪ :‬من ال ّ‬
‫سحْتِ‬
‫ن لل ّ‬
‫‪9434‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬أكّالُو َ‬
‫قال‪ :‬الرشوة فـي الـحكم‪.‬‬
‫‪ 9435‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي ع بد الرح من بن أب ـي‬
‫الـموالـى‪ ,‬عن عمر بن حمزة بن عبد ال بن عمر‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت ف ـالنّارُ أوْلَ ـى بِ هِ»‪ .‬ق ـيـل‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬و ما ال سحت؟ قال‪:‬‬
‫سحْ ُ‬
‫حمٍ َأ ْن َبتَ ُه ال ّ‬
‫ل لْ ـ َ‬
‫«كُ ّ‬
‫ح ْكمِ»‪.‬‬
‫«ال ّرشْوَ ُة فِـي الـ ُ‬
‫‪9436‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد الـجبـار بن عمر‪ ,‬عن‬
‫الــحكم بـن عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬قال لــي أنـس بـن مالك‪ ,‬إذا انقلبت ْـ إلــى أبــيك فقـل له‪ :‬إياك‬
‫ط الـمدينة‪.‬‬
‫والرّشوة فإنها سحت وكان أبوه علـى شُ َر َ‬
‫‪9437‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد‬
‫ال‪ ,‬قال‪ :‬الرشوة سحت‪ .‬قال م سروق‪ :‬فقل نا لع بد ال‪ :‬أف ـي ال ـحكم؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬ثم قرأ‪َ :‬ومَ نْ‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه َفأُوَلئِ كَ هُ مُ‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَل اللّ هُ َفأُوَلئِ كَ هُ ُم الكا ِفرُو نَ َومَ نْ لَ ـمْ َي ْ‬
‫لَ ـمْ َي ْ‬
‫ح ُكمْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ ُه َفأُوَل ِئكَ ُهمُ الفـاسِقُونَ‪.‬‬
‫الظّالِـمُونَ َومَنْ لَـمْ َي ْ‬
‫وأصل السحت‪ :‬كلَب الـجوع‪ ,‬يقال منه‪ :‬فلن مسحوت الـمعدة‪ :‬إذا كان أكولً ل يُـلَفـى‬
‫أبدا إل جائ عا‪ .‬وإن ـما ق ـيـل للرّشوة ال سحت‪ ,‬تشيب ها بذلك كأن ب ـالـمسترشِي من الشره‬
‫إلـى أخذ ما يعطاه من ذلك مثل الذي بـالـمسحوت الـمعدة من الشره إلـى الطعام‪ ,‬يقال‬
‫حتَه‪ ,‬لغتان مـحكيتان عن العرب‪ ,‬ومنه قول الفرزدق بن غالب‪:‬‬
‫سَ‬‫منه‪ :‬سَحتَه وأ ْ‬
‫سحَتا أوْ مُـجَّلفُ‬
‫ن الـمَالِ إل ُم َ‬
‫ض زَمانٍ يا ابْنَ َمرْوَانَ لَـمْ َيدَعْم َ‬
‫وَعَ ّ‬
‫يعنــي بــالـمسحت‪ :‬الذي قـد أسـتأصله هلكـا بأكله إياه وإفسـاده‪ ,‬ومنـه قوله تعالــى‪:‬‬
‫حتَ ُكمْ ب َعذَابِ وتقول العرب للـحالق‪ :‬اسحت الشعر‪ :‬أي استأصله‪.‬‬
‫سِ‬‫فَـ ُي ْ‬
‫ن تُعرِضْ‬
‫ع ْنهُمْ وَإ ْ‬
‫عرِض َ‬
‫ح ُكمْ بَـ ْينَ ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ك فـا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فإنْ جاءُو َ‬
‫ح ُكمْ بَـيْ َن ُهمْ بـال ِقسْطِ إنّ الّل َه ُيحَبّ الـمُقسِطينَ‪.‬‬
‫ح َكمْتَ فـا ْ‬
‫ن َ‬
‫شيْئا وَإ ْ‬
‫ضرّوكَ َ‬
‫ع ْن ُهمْ فَلَن يَ ُ‬
‫َ‬
‫ع ْنهُ مْ‪ :‬إن جاء هؤلء‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُ ْم بَ ـ ْي َنهُمْ أوْ أ ْ‬
‫ن جاءُو كَ ف ـا ْ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬فإ ْ‬
‫القوم الَخرون الذ ين ل ـم يأتوك ب عد‪ ,‬و هم قوم ال ـمرأة البغ ية‪ ,‬م ـحتكمين إل ـيك‪ ,‬ف ـاحكم‬
‫بـينهم إن شئت بـالـحقّ الذي جعله ال حكما له‪ ,‬فـيـمن فعَل ِفعْل الـمرأة البغية منهم‪ ,‬أو‬
‫أعرض عنهم‪ ,‬فدع الـحكم بـينهم إن شئت والـخيار إلـيك فـي ذلك‪.‬‬
‫وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9438‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ع ْنهُ مْ يهودُ‪ ,‬زنى رجل منهم له نسب حقـير فرجموه‪ ,‬ثم‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬أوْ أ ْ‬
‫زنـى منهـم شريـف فحمّــموه‪ ,‬ثـم طافوا بـه‪ ,‬ثـم اسـتفتوا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ل ـيوافقهم‪ .‬قال‪ :‬فأفتا هم ف ـيه ب ـالرجم‪ ,‬فأنكروه‪ ,‬فأمر هم أن يدعوا أحب ـارهم ورهب ـانهم‪,‬‬
‫فناشدهم بـال أيجدونه فـي التوراة‪ ,‬فكتـموه إل رجلً من أصغرهم أعور‪ ,‬فقال‪ :‬كذَبوك يا‬
‫رسول ال‪ ,‬إنه لفـي التوراة‬
‫‪ 9439‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي الل ـيث‪ ,‬عن ا بن‬
‫حكُمْ بَ ـ ْي َنهُ ْم كا نت ف ـي شأن‬
‫ن جاءُو كَ ف ـا ْ‬
‫شهاب‪ :‬أن الَ ية الت ـي ف ـي سورة ال ـمائدة‪ :‬فإ ْ‬
‫الرجم‪.‬‬
‫‪ 9440‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس قال‪ :‬إن هم أتوه يعن ـي ال ـيهود ف ـي امرأة من هم ز نت ي سألونه‬
‫ع ْندَكُمْ َم ْكتُوبـا فِـي‬
‫جدُو َنهُ ِ‬
‫عن عقوبتها‪ ,‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬كيْفَ تَـ ِ‬
‫التّ ْورَاةِ؟» فقالوا نؤمر برجم الزانـية‪ .‬فأمر بها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فرجمت‪ ,‬وقد‬
‫ت فـاحْ ُكمْ بَـ ْي َن ُهمْ‬
‫ح َكمْ َ‬
‫ن َ‬
‫شيْئا وَإ ْ‬
‫ن َيضُرّو كَ َ‬
‫ع ْنهُ مْ فَلَ ْ‬
‫قال ال تبـارك وتعالـى‪ :‬وَإ نْ ُت ْعرِ ضْ َ‬
‫ب الـمُ ْقسِطِينَ‪.‬‬
‫سطِ إنّ الّلهَ يُح ّ‬
‫بـالقِ ْ‬
‫‪ 9441‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫ع ْنهُ مْ قال‪ :‬كانوا يَحدّون فـي الزنا‪,‬‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُمْ بَـ ْي َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ن جاءُو كَ فـا ْ‬
‫بن كثـير‪ ,‬قوله‪ :‬فإ ْ‬
‫ب من هم ذو شرف‪ ,‬فقال بعض هم لب عض‪ :‬ل يدعُ كم قو مه ترجمو نه‪ ,‬ول كن‬
‫إل ـى أن ز نى شا ّ‬
‫اجلدوه ومثّلوا به فجلدوه وحملوه عل ـى إكاف حمار‪ ,‬وجعلوا وج هه م ستقبل ذ نب ال ـحمار‪,‬‬
‫إلـى أن زنى آخرُ وضيع لـيس له شرف فقالوا‪ :‬ارجموه ثم قالوا‪ :‬فكيف لـم ترجموا الذي‬
‫قبله؟ ول كن م ثل ما صنعتـم به ف ـاصنعوا بهذا‪ .‬فل ـما كان النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫عرِ ضْ‬
‫حكُمْ بَ ـ ْي َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ن جاءُو كَ ف ـا ْ‬
‫قالوا‪ :‬سلوه‪ ,‬لعل كم ت ـجدون عنده رخ صة فنزلت‪ :‬فإ ْ‬
‫ب الـمُ ْقسِطِينَ‪.‬‬
‫ع ْن ُهمْ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬إنّ الّلهَ يُح ّ‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَية فـي قتـيـل قتل فـي يهود منهم قتله بعضهم‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9442‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬عن م ـحمد بن‬
‫إسـحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي داود بـن الــحصين‪ ,‬عـن عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬أن الَيات فــي‬
‫سطِينَ‬
‫ع ْنهُ مْ‪ ...‬إل ـى قوله‪ :‬ال ـمُ ْق ِ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ال ـمائدة‪ ,‬قوله‪ :‬فإ نْ جاءُو كَ ف ـاحْ ُكمْ بَ ـ ْي َنهُمْ أوْ أ ْ‬
‫إن ـما نزلت ف ـي الد ية ف ـي بن ـي النض ير وبن ـي قري ظة‪ ,‬وذلك أن قتل ـى بن ـي النض ير‬
‫كان لهم شرف تؤدّي الدية كاملة‪ ,‬وإن قريظة كانوا يؤدّون نصف الدية‪ .‬فتـحاكموا فـي ذلك‬
‫إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال ذلك فـيهم‪ ,‬فحملهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫ي ذلك كان‪.‬‬
‫وسلم علـى الـحقّ فـي ذلك‪ ,‬فجعل الدية فـي ذاك سواء‪ .‬وال أعلـم أ ّ‬
‫‪ 9443‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال بن مو سى‪ ,‬عن عل ـيّ بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كانت قريظة والنضير‪ ,‬وكان النضير أشرف من‬
‫قريظة‪ ,‬فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلً من النضير ُقتِل به‪ ,‬وإذا قَتل رجل من النضير‬
‫رجلً من قريظة أدّى مئة وَ سْق تـمر‪ .‬فلـما بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم قَتل رجل‬
‫من النضير رجلً من قريظة‪ ,‬فقالوا‪ :‬ادفعوه إلـينا فقالوا‪ :‬بـيننا وبـينكم رسول ال صلى ال‬
‫سطِ‪.‬‬
‫حكُمْ بَـ ْي َن ُهمْ بـالقِ ْ‬
‫ت فـا ْ‬
‫ح َكمْ َ‬
‫عليه وسلم‪ .‬فنزلت‪ :‬وَإنْ َ‬
‫‪ 9444‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬كان فـي حكم ح يّ بن‬
‫أخ طب للنضري ديتان‪ ,‬وال ُقرَ ظي د ية‪ ,‬ل نه كان من النض ير قال‪ :‬وأ خبر ال نب ـيه صلى ال‬
‫عليه وسلم بـما فـي التوراة‪ ,‬قال‪ :‬وك َت َبنْا عَلَـيْ ِهمْ فِـيها أ نّ الّنفْ سَ بـالنّفْسِ‪ ...‬إلـى آخر‬
‫الَ ية‪ .‬قال‪ :‬فل ـما رأت ذلك قُري ظة‪ ,‬لــم يرضوا بحكـم بن أخ طب‪ ,‬فقالوا‪ :‬نت ـحاكم إل ـى‬
‫ع ْنهُ مْ فخيره‪,‬‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُمْ بَ ـيْ َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ك ف ـا ْ‬
‫ن جاءُو َ‬
‫م ـحمد فقال ال تب ـارك وتعال ـى‪ :‬فإ ْ‬
‫ُمـ التّ ْورَا ُة فِــيها حُك ْم اللّهـِ‪ ...‬الَيـة كلهـا‪ .‬وكان الشريـف إذا زنـى‬
‫َكـ وَع ْندَه ُ‬
‫ح ّكمُون َ‬
‫ْفـ ُي َ‬
‫و َكي َ‬
‫بـالدنـيئة رجموها هي وحمّـموا وجه الشريف‪ ,‬وحملوه علـى البعير‪ ,‬أو جعلوا وجهه من‬
‫قِبَل ذ نب البع ير‪ .‬وإذا ز نى الدن ـيء ب ـالشريفة رجموه‪ ,‬وفعلوا ب ها ذلك‪ .‬فت ـحاكموا إل ـى‬
‫ي صلى ال عليه وسلم قال لهم‪« :‬مَ نْ‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فرجمها‪ .‬قال‪ :‬وكان النبـ ّ‬
‫ـ أعْلَــ ُمهُمْ‬
‫أعْلَــ ُم ُكمْ بــالتّ ْورَاةِ؟» قالوا‪ :‬فلن العور‪ .‬فأرسـل إلــيه‪ ,‬فأتاه‪ ,‬فقال‪« :‬أنْت َ‬
‫شدُ كَ بــاللّهِ‬
‫بــالتّ ْورَاةِ؟» قال‪ :‬كذاك تز عم يهود‪ ,‬فقال له النبــيّ صـلى ال عل يه و سلم‪ُ« :‬أ ْن ُ‬
‫جدُ فِــي التّ ْورَاةِ فِــي‬
‫ْمـ طُورِسـِيناءَ مـا تَــ ِ‬
‫وَبــالتّ ْورَا ِة التــي أ ْنزَله َا علــى مُوسـَى يَو َ‬
‫الزّانِــيَـيْنِ؟» فقال‪ :‬يـا أبــا القاسـم يرجمون الدنــيئة‪ ,‬ويحملون الشريـف علــى بعيـر‪,‬‬
‫ويحمــمون وجهـه‪ ,‬ويجعلون وجهـه مـن قِب َل ذَن َب البعيـر‪ ,‬ويرجمون الدنــيء إذا زنـى‬
‫ُكـ بــاللّهِ‬
‫شد َ‬‫بــالشريفة‪ ,‬ويفعلون بهـا هـي ذلك‪ .‬فقال له النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪َ« :‬أ ْن ُ‬
‫جدُ فِـي التّ ْورَاةِ؟» فجعل يروغ‬
‫وَبـالتّ ْورَا ِة التـي أ ْنزَلهَا عَلـى مُو سَى يَوْ مَ طُورِ سِيناءَ ما تَـ ِ‬
‫شدُه بــال وبــالتوراة التــي أنزلهـا علــى موسـى يوم‬
‫والنبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم َينْ ُ‬
‫طور سيناء‪ ,‬حت ـى قال‪ :‬يا أب ـا القا سم الش يخ والشي خة إذا زن ـيا ف ـارجموهما الب تة‪ .‬فقال‬
‫جمُوهُما»‪ .‬قال ع بد ال‪ :‬فك نت‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬فهُوَ ذَا كَ‪ ,‬اذْ َهبُوا ِبهِ ما ف ـا ْر ُ‬
‫فـيـمن رجمهما‪ ,‬فما زال ُيجْنى ُء علـيها ويقـيها الـحجارة بنفسه حتـى مات‪.‬‬
‫ثـم اختلف أ هل التأويــل فــي ح كم هذه الَ ية هـل هو ثا بت ال ـيوم و هل للــحكام مـن‬
‫ال ـخيار ف ـي ال ـحكم والن ظر ب ـين أ هل الذ مة والع هد إذا احتكموا إل ـيهم‪ ,‬م ثل الذي ج عل‬
‫لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فـي هذه الَية‪ ,‬أم ذلك منسوخ؟ فقال بعضهم‪ :‬ذلك ثابت الـيوم‬
‫لـم ينسخه شيء‪ ,‬وللـحكام من الـخيار فـي كل دهر بهذه الَية مثل ما جعله لرسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9445‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة بن الفضل‪ ,‬عن عمرو بن أبـي قـيس‪ ,‬عن‬
‫مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم والشعبـي‪ :‬إن رُفع إلـيك أحد من الـمشركين فـي قضاء‪ ,‬فإن شئت‬
‫فـاحكم بـينهم بـما أنزل ال‪ ,‬وإن شئت أعرض عنهم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعب ـي وإبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬إذا أتاك‬
‫الــمشركون فحكّموك فــاحكم بــينهم‪ ,‬أو أعرض عنهـم‪ ,‬وإن حكمـت فــاحكم بحكـم‬
‫الـمسلـمين ول ت ْعدُه إلـى غيره‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن مغيرة‪,‬‬
‫ع ْنهُ مْ قال‪ :‬إن شاء ح كم‪,‬‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُمْ بَ ـ ْينَ ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ن جاءُو كَ ف ـا ْ‬
‫عن إبراهي ـم والشعب ـي‪ :‬فإ ْ‬
‫وإن شاء لـم يحكم‪.‬‬
‫‪ 9446‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬إن شاء حكم وإن شاء لـم يحكم‪.‬‬
‫‪ 9447‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مـحمد بن سالـم‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬إذا‬
‫ل عنهم وأهل دينهم‬
‫أتاك أهل الكتاب بـينهم أمر‪ ,‬فـاحكم بـينهم بحكم الـمسلـمين‪ ,‬أو خـ ّ‬
‫يحكمون فـيهم إل فـي سرقة أو قتل‪.‬‬
‫‪ 9448‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الروزاق‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال لـي عطاء‪ :‬نـحن مخيرون‪ ,‬إن شئنا حكمنا بـين أهل الكتاب‪ ,‬وإن شئنا أعرضنا فلـم‬
‫نـحكم بـينهم‪ ,‬وإن حكمنا بـينهم حكمنا بـيننا أو نتركهم وحكمهم بـينهم‪ .‬قال ابن جريج‪:‬‬
‫ع ْن ُهمْ‪.‬‬
‫عرِضْ َ‬
‫حكُ ْم بَـ ْي َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫وقال مثل ذلك عمرو بن شعيب‪ ,‬وذلك قوله‪ :‬فـا ْ‬
‫حدثنـا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيــم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا مغيرة‪ ,‬وحدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشي ـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم والشعب ـي ف ـي قوله‪ :‬فإ نْ‬
‫ع ْنهُ مْ قال‪ :‬إذا جاءوا إل ـى حا كم ال ـمسلـمين‪ ,‬فإن شاء‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُمْ بَ ـ ْينَ ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫جاءُو كَ ف ـا ْ‬
‫حكم بـينهم وإن شاء أعرض عنهم‪ ,‬وإن حكم بـينهم حكم بـينهم بـما فـي كتاب ال‪.‬‬
‫‪ 9449‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫حكُمْ بَــيْ َن ُهمْ يقول‪ :‬إن جاءوك فــاحكم بــينهم بــما أنزل ال‪ ,‬أو أعرض‬
‫فإن ْـ جاءُوكَـ فــا ْ‬
‫عنهم‪ .‬فجعل ال له فـي ذلك رخصة‪ ,‬إن شاء حكم بـينهم‪ ,‬وإن شاء أعرض عنهم‪.‬‬
‫حدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن إبراهيــم والشعبــي‪ ,‬قال‪ :‬إذا أتاك‬
‫ال ـمشركون فحكموك ف ـيـما ب ـينهم‪ ,‬ف ـاحكم ب ـينهم بح كم ال ـمسلـمين ول َت ْعدُه إل ـى‬
‫غيره‪ ,‬أو أعرض عنهم وخـلّهم وأهلَ دينهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل التـخيـير مسنوخ‪ ,‬وعلـى الـحاكم إذا احتكم إلـيه أهل الذمة أن يحكم‬
‫بـينهم بـالـحقّ‪ ,‬ولـيس له ترك النظر بـينهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9450‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن وا قد‪ ,‬عن‬
‫عرِ ضْ‬
‫حكُمْ بَ ـيْ َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ك ف ـا ْ‬
‫ن جاءُو َ‬
‫يز يد الن ـحويّ‪ ,‬عن عكر مة وال ـحسن الب صريّ‪ :‬فإ ْ‬
‫ل اللّهُ‪.‬‬
‫حكُ ْم بَـ ْي َن ُهمْ بِـمَا أنْزَ َ‬
‫ناْ‬
‫ع ْن ُهمْ نسخت بقوله‪ :‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫‪ 9451‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َنهُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ‪.‬‬
‫يقول‪ :‬نسختها وأنِ ا ْ‬
‫‪9452‬ـ حدثنا ابن وكيع ومـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َن ُهمْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّهُ‪.‬‬
‫ناْ‬
‫قال‪ :‬سمعت عكرمة يقول‪ :‬نسختها‪ :‬وأ ِ‬
‫‪ 9453‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪ ,‬عن الـحكم‪,‬‬
‫ح ُكمْ بَــيْ َن ُهمْ أوْ‬
‫عـن مــجاهد‪ :‬لــم ينسـخ مـن الــمائدة إل هاتان الَيتان‪ :‬فإن ْـ جاءُوكَـ فــا ْ‬
‫ل اللّهُ وَل َتتّبعْ أهْوَاءَهُمْ وقوله‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ‬
‫حكُ ْم بَـ ْي َنهُمْ بِـمَا أنْزَ َ‬
‫ع ْنهُمْ نسختها‪ :‬وأنِ ا ْ‬
‫عرِضْ َ‬
‫أْ‬
‫حرَامَ وَل ال َه ْدىَ وَل القَل ِئدَ نســختها‪ :‬اقْتُلُوا‬
‫شهْرَ الـــ َ‬
‫آ َمنُوا ل تُـــحِلّوا شَعائِرَ اللّهــِ وَل ال ّ‬
‫ج ْدتُـمُو ُهمْ‪.‬‬
‫حيْثُ َو َ‬
‫شرِكينَ َ‬
‫الـمُ ْ‬
‫‪ 9454‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشيـم‪ ,‬عن منصور‪,‬‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َنهُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ‪.‬‬
‫عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد قال‪ :‬نسختها‪ :‬وأنِ ا ْ‬
‫‪ 9455‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج بن منهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا همام‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ع ْنهُ مْ يعنـي الهيود‪ .‬فأمر ال نبـيه صلى ال عليه‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُمْ بَـيْ َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫ك فـا ْ‬
‫ن جاءُو َ‬
‫فإ ْ‬
‫وسلم أن يحكم بـينهم‪ ,‬ورخص له أن يعرض عنهم إن شاء‪ ,‬ثم أنزل ال تعالـى الَية التـي‬
‫ل اللّهُـ وَل َت ّتبِع ْـ‬
‫حكُم ْـ بَــْينَ ُهمْ بِــمَا أ ْنزَ َ‬
‫بعدهـا‪ :‬وأ ْنزَلْنـا إلَــيْكَ الكِتابـَ‪ ...‬إلــى قوله‪ :‬وأن ِـ ا ْ‬
‫أهْوَاءَهُ ْم فأمر ال نبـيه صلى ال عليه وسلم أن يحكم بـينهم بـما أنزل ال بعد ما رخص له‬
‫إن شاء أن يعرض عنهم‪.‬‬
‫‪ 9456‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ع بد‬
‫ي بن عديّ‪ :‬إذا جاءك أهل الكتاب‬
‫الكريـم الـجزري‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز كتب إلـى عد ّ‬
‫فـاحكم بـينهم‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َنهُ ْم بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ‪.‬‬
‫عكرمة قال‪ :‬نسخت بقوله‪ :‬وأنِ ا ْ‬
‫‪9457‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو سـفـيان‪ ,‬عـن معمـر‪ ,‬عـن‬
‫ع ْنهُم ْـ قال‪ :‬مضـت السـنة أن ُي َردّوا‬
‫عرِض ْـ َ‬
‫ح ُكمْ بَــْي َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫الزهري‪ ,‬قوله‪ :‬فإن ْـ جاءُوكَـ فــا ْ‬
‫فـي حقوقهم ومواريثهم إلـى أهل دِينهم‪ ,‬إل أن يأتوا راغبـين فـي حدّ يُحكم بـينهم فـيه‬
‫بكتاب ال‪.‬‬
‫‪ 9458‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ع ْنهُ ْم كان النبـيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َنهُمْ أوْ أ ْ‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬لـما نزلت‪ :‬فـا ْ‬
‫حكُ مْ بَ ـ ْي َنهُمْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ‬
‫إن شاء ح كم ب ـينهم‪ ,‬وإن شاء أعرض عن هم‪ .‬ثم ن سخها فقال‪ :‬وأ نِ ا ْ‬
‫اللّهُ وَل َت ّتبِعْ أهْوَاءَ ُهمْ وكان مـجبورا علـى أن يحكم بـينهم‪.‬‬
‫‪ 9459‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـاد بن‬
‫العوّام‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬آيتان نسختا من هذه السورة‪,‬‬
‫ع ْنهُ مْ‪ ,‬فكان النبـيّ صلى ال‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حكُمْ بَـ ْي َن ُهمْ أوْ أ ْ‬
‫يعنـي الـمائدة‪ ,‬آية القلئد‪ ,‬وقوله‪ :‬فـا ْ‬
‫عليه وسلم مخيرا‪ ,‬إن شاء حكم‪ ,‬وإن شاء أعرض عنهم‪ ,‬فردّهم إلـى أن يحكم بـينهم بـما‬
‫فـي كتابنا‪.‬‬
‫وأول ـى القولـين ف ـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال‪ :‬إن حكم هذه الَ ية ثا بت ل ـم‬
‫ينسخ‪ ,‬وإن للـحكام من الـخيار فـي الـحكم بـين أهل العهد إذا ارتفعوا إلـيهم فـاحتكموا‬
‫وترك الـحكم بـينهم والنظر مثل الذي جعله ال لرسوله صلى ال عليه وسلم من ذلك فـي‬
‫هذه الَية‪.‬‬
‫وإن ـما قل نا‪ :‬ذلك أوله ما ب ـالصواب‪ ,‬لن القائل ـين أن ح كم هذه الَ ية من سوخ زعموا أ نه‬
‫حكُ مْ بَ ـ ْي َن ُهمْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ اللّ هُ‪ ,‬و قد دلل نا ف ـي كتاب نا‪« :‬كتاب الب ـيان عن‬
‫ناْ‬
‫ن سخ بقوله‪ :‬وأ ِ‬
‫أصول الحكام» أن النسخ ل يكون نسخا إل ما كان نفـيا لـحكم غيره بكلّ معانـيه‪ ,‬حتـى‬
‫ل يجوز اجتـماع الـحكم بـالمرين جميعا علـى صحته بوجه من الوجوه‪ ,‬بـما أغنى عن‬
‫إعادته فـي هذا الـموضع‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان غير مستـحيـل فـي الكلم أن يقال‪:‬‬
‫وأن احكم بـينهم بـما أنزل ال‪ ,‬ومعناه‪ :‬وأن احكم بـينهم بـما أنزل ال إذ حكمت بـينهم‬
‫بــاخيتارك الــحكم بــينهم إذا اخترت ذلك ولــم تــختر العراض عنهـم‪ ,‬إذ كان قـد تقدم‬
‫إعلم الـمقول له ذلك من قائله أن له الـخيار فـي الـحكم وترك الـحكم كان معلوما بذلك‬
‫ح ُكمْ‬
‫حكُ مْ بَـ ْي َنهُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ أنه ناسخ قوله‪ :‬فإ نْ جاءُو كَ فـا ْ‬
‫أن ل دللة فـي قوله‪ :‬وأ نِ ا ْ‬
‫حكُمْ بَ ـ ْينَ ُهمْ‬
‫ح َكمْ تَ ف ـا ْ‬
‫شيْئا وَإ نْ َ‬
‫ضرّو كَ َ‬
‫ع ْنهُ مْ فَلَ نْ َي ُ‬
‫ن ُتعْرِ ضْ َ‬
‫ع ْنهُ مْ وَإ ْ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫بَ ـ ْي َنهُمْ أوْ أ ْ‬
‫سطِ ل ـما و صفنا من احت ـمال ذلك ما ب ـينا‪ ,‬بل هو دل ـيـل عل ـى م ثل الذي دلّ‬
‫ب ـال ِق ْ‬
‫ح ُكمْ بَ ـ ْي َنهُ ْم ب ـال ِقسْطِ‪ .‬وإذا ل ـم ي كن ف ـي ظا هر التنزي ـل‬
‫ح َكمْ تَ ف ـا ْ‬
‫ن َ‬
‫عل ـيه قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫دلـيـل علـى نسخ إحدى الَيتـين الخرى‪ ,‬ول نفـي أحد المرين حك َم الَخر‪ ,‬ولـم يكن‬
‫عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم خـبر يصـحّ بأن أحدهمـا ناسـخ صـاحبه‪ ,‬ول مـن‬
‫ح ما قلنا من أن كل المرين يؤيد أحدهما صاحبه ويوافق‬
‫الـمسلـمين علـى ذلك إجماع ص ّ‬
‫حكمه حكمه ول نسخ فـي أحدهما للَخر‪.‬‬
‫شيْئا فإن معناه‪ :‬وإن تعرض يا م ـحمد عن‬
‫ضرّو كَ َ‬
‫ع ْنهُ مْ فَلَ نْ َي ُ‬
‫ن ُتعْرِ ضْ َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫الـمـحتكمين إلـيك من أهل الكتاب فتدع النظر بـينهم فـيـما احتكموا ف ـيه إلـيك‪ ,‬فل‬
‫تــحكم فــيه بــينهم‪ ,‬فلن يضرّوك شيئا‪ ,‬يقول‪ :‬فلن يقدروا لك علــى ض ّر فــي ديـن ول‬
‫دنـيا‪ ,‬فدع النظر بـينهم إذا اخترت ترك النظر بـينهم‪.‬‬
‫ح ُكمْ بَـيْ َن ُهمْ بـال ِقسْطِ فإن معناه‪ :‬وإن اخترت الـحكم والنظر يا‬
‫ح َكمْ تَ فـا ْ‬
‫ن َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫مـحمد بـين أهل العهد إذا أتوك‪ ,‬فـاحكم بـينهم بـالقسط‪ ,‬وهو العدل‪ ,‬وذلك هو الـحكم‬
‫بـما جعله ال حكما فـي مثله علـى جميع خـلقه من أمة نبـينا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9460‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‬
‫سطِ قال‪ :‬إن حكم بـينهم حكم بـما فـي كتاب‬
‫حكُمْ بَـ ْينَ ُهمْ بـالقِ ْ‬
‫ح َكمْتَ فـا ْ‬
‫والشعبـي‪ :‬وَإنْ َ‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ 9461‬ـ حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هاون‪ ,‬عن العوّام بن حو شب‪ ,‬عن إبراهي ـم‪:‬‬
‫سطِ قال‪ :‬أمِر أن يحكم فـيهم بـالرجم‪.‬‬
‫حكُمْ بَـ ْي َن ُهمْ بـال ِق ْ‬
‫ح َكمْتَ فـا ْ‬
‫وَإنْ َ‬
‫حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو بـن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا هشيــم‪ ,‬عـن العوّام‪ ,‬عـن‬
‫سطِ قال‪ :‬بـالرجم‪.‬‬
‫حكُمْ بَـ ْي َن ُهمْ بـالقِ ْ‬
‫ت فـا ْ‬
‫ح َكمْ َ‬
‫إبراهيـم التـيـمي فـي قوله‪ :‬وَإنْ َ‬
‫‪ 9462‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫سطِ‪ :‬بـالعدل‪.‬‬
‫مـجاهد‪ :‬بـال ِق ْ‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن العوّام بن حو شب‪ ,‬عن إبراهي ـم الت ـيـمي ف ـي‬
‫سطِ قال‪ :‬أمر أن يحكم بـينهم بـالرجم‪.‬‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َنهُمْ بـال ِق ْ‬
‫قوله‪ :‬فـا ْ‬
‫سطِينَ فمعناه‪ :‬إن ال يحبّـ العاملــين فــي حكمـه بــين‬
‫وأمـا قوله‪ :‬إنّـ اللّهَـ ُيحِبّـ الــمُقْ ِ‬
‫الناس‪ ,‬القاضين بـينهم بحكم ال الذي أنزله فـي كتابه وأمر أنبـياءه صلوات ال علـيهم‪,‬‬
‫ق يُقسط إقساطا به‪ .‬وأما قسط‬
‫يقال منه‪ :‬أقسط الـحاكم فـي حكمه إذا عدل وقضى بـالـح ّ‬
‫حطَبــا يعنــي‬
‫جهَنّـمَ َ‬
‫فمعناه‪ :‬الــجور‪ ,‬ومنـه قول ال تعالــى‪ :‬وأمّا القاس ِـطُونَ فَكانُوا لِــ َ‬
‫بذلك‪ :‬الـجائرين علـى الـحقّ‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكْ مُ اللّ هِ ثُ مّ‬
‫ع ْندَهُ مُ التّ ْورَاةُ فِيهَا ُ‬
‫ح ّكمُونَ كَ َو ِ‬
‫{ َو َكيْ فَ ُي َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ك بِا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ }‪..‬‬
‫َيتَوَلّ ْونَ مِن َب ْعدِ ذَِلكَ َومَآ ُأوْلَـئِ َ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره‪ :‬وك يف يحك مك هؤلء ال ـيهود يا م ـحمد ب ـينهم‪ ,‬ف ـيرضون بك‬
‫حكما بـينهم‪ ,‬وعندهم التوراة التـي أنزلتها علـى موسى‪ ,‬التـي يقرّون بها أنها ح قّ وأنها‬
‫كتابــي الذي أنزلتـه علــى نبــي‪ ,‬وأن مـا فــيه مـن حكـم فمـن حكمـي‪ ,‬يعلــمون ذلك ل‬
‫يتناكرو نه ول يتدافعو نه‪ ,‬ويعل ـمون أن حك مي ف ـيها عل ـى الزان ـي ال ـمـحصن الر جم‪,‬‬
‫ن يقول‪ :‬يتركون الـحكم به بعد اعلـم بحكمي فـيه جراءة علـيّ‬
‫وهم مع عملهم بذلك َيتَولّ ْو َ‬
‫وعصيانا لـي‪ .‬وهذا وإن كان من ال تعالـى ذكره خطابـا لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإنه‬
‫تقريع منه للـيهود الذين نزلت فـيهم هذه الَية‪ ,‬يقول لهم تعالـى‪ :‬كيف تقرّون أيها الـيهود‬
‫بحكـم نبــي مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم مـع جحود نبوّتـه وتكذيبكـم إياه‪ ,‬وأنتــم تتركون‬
‫حكمي الذي تقرّون به أنه حقّ علـيكم واجب جاءكم به موسى من عند ال؟ يقول‪ :‬فإذا كنتـم‬
‫تتركون حك مي ل ـيس مَن ف عل هذا الف عل‪ :‬أي من تول ـى عن ح كم ال الذي ح كم به ف ـي‬
‫كتا به الذي أنزله عل ـى نب ـيه ف ـي خ ـلقه ب ـالذي صدّق ال ور سوله فأقرّ بتوحيده ونبوّة‬
‫نب ـيه صلى ال عل يه و سلم لن ذلك ل ـيس من ف عل أ هل الي ـمان‪ .‬وأ صل التول ـي عن‬
‫الشيء‪ :‬النصراف عنه كما‪:‬‬
‫‪ 9463‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫ن َب ْعدِ ذَِلكَ قال‪ :‬تولـيهم ما تركوا من كتاب ال‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫بن كثـير‪ُ :‬ثمّ َيتَوَّلوْ َ‬
‫‪9464‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫حكْمُ‬
‫ع ْندَهُمُ التّ ْورَا ُة فِـيها ُ‬
‫ح ّكمُونَكَ وَ ِ‬
‫علـي بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬و َكيْفَ ُي َ‬
‫اللّ ِه يعنـي‪ :‬حدود ال‪ ,‬فأخبر ال بحكمه فـي التوراة‪.‬‬
‫ع ْندَهُ مُ‬
‫‪ 9465‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ِ‬
‫ن مِ نْ‬
‫حكْ مُ اللّ هِ‪ :‬أي ب ـيان ال ما تشاجروا ف ـيه من شأن قتـيـلهم‪ ,‬ث مّ َيتَوَّلوْ َ‬
‫التّ ْورَا ُة فِـيها ُ‬
‫َب ْعدِ ذَِلكَ الَية‪.‬‬
‫‪9466‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ع ْندَهُ مُ التّ ْورَا َة فِـيها‬
‫ح ّكمُونَ كَ َو ِ‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬قال يعنـي الر بّ تعالـى ذكره يعيرهم‪ :‬و َكيْ فَ ُي َ‬
‫حُكمُ اللّ ِه يقول الرجم‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حكُ مُ بِهَا ال ّن ِبيّو نَ‬
‫{إِنّآ أَنزَلْنَا الّت ْورَاةَ فِيهَا ُهدًى َونُورٌ َي ْ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ش َهدَآءَ‬
‫س ُتحْ ِفظُواْ مِن ِكتَا بِ الّل هِ َوكَانُواْ عََليْ ِه ُ‬
‫حبَارُ ِبمَا ا ْ‬
‫ن وَال ْ‬
‫اّلذِي نَ أَ سَْلمُو ْا لِّلذِي نَ هَادُواْ وَال ّربّا ِنيّو َ‬
‫شتَرُو ْا بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً وَمَن لّ ْم َيحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الّل ُه فَأُوْلَ ـ ِئكَ‬
‫ل َت ْ‬
‫خشَوْ نِ َو َ‬
‫خشَوُاْ النّا سَ وَا ْ‬
‫فَلَ َت ْ‬
‫ُهمُ ا ْلكَافِرُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬إنا أنزلنا التوراة فـيها بـيان ما سألك هؤلء الـيهود عنه من حكم‬
‫الزانـيـين الـمـحصنـين‪ ,‬ونُورٌ يقول‪ :‬وفـيها جلء ما أظلـم علـيهم وضياء ما التبس‬
‫ن أَ سْلَـمُوا يقول‪ :‬يح كم بح كم التوراة فــي ذلك‪ :‬أي‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫حكُ مُ ب ها ال ّنبِ ـيّو َ‬
‫من ال ـحكم‪َ .‬ي ْ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فـيه من أمر الزانـيـين النبـيون الذين‬
‫فـيـما احتكموا إلـى النبـ ّ‬
‫أسلـموا‪ ,‬وهم الذين أذعنوا الـحكم ال وأقرّوا به‪ .‬وإنـما عنى ال تعالـى ذكره بذلك نبـينا‬
‫مـحمدا صلى ال عليه وسلم فـي حك مه علـى الزانـيـين الـمـحصنـين من الـيهود‬
‫ب ـالرجم‪ ,‬وفـي ت سويته ب ـين دم قتل ـى النض ير وقُري ظة ف ـي الق صاص والد ية‪ ,‬ومَ نْ قبل‬
‫مـحمد من النبـياء يحكم بـما فـيها من حكم ال‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9467‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن أ سْلَـمُوا يعنـي النبـيّ‬
‫حكُ مُ بِها ال ّنبِـيّونَ اّلذِي َ‬
‫السديّ‪ :‬إنّا أ ْنزَلْنا التّ ْورَا َة فِـيها ُهدًى َونُورٌ َي ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 9468‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حكُمُ‬
‫ذكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم كان يقول لـما أنزلت هذه الَية‪« :‬نَـحْنُ نَـ ْ‬
‫ل الدْيانِ»‪.‬‬
‫ن سِوَا ُهمْ ِمنْ أهْ ِ‬
‫علـى الـ َيهُودِ وَعلـى مَ ْ‬
‫‪9469‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا رجل من مزينة ونـحن عند سعيد بن الـمسيب‪ ,‬عن أبـي هريرة قال‪ :‬زنى رجل‬
‫من ال ـيهود ب ـامرأة‪ ,‬فقال بعض هم لب عض‪ :‬اذهبوا ب نا إل ـى هذا النب ـيّ فإ نه نب ـيّ ب عث‬
‫بتـخفـيف‪ ,‬فإن أفتانا بفتـيا دون الرجم قبلناها واحتـججنا بها عند ال وقلنا‪ :‬فتـيا نبـيّ‬
‫مـن أنبــيائك قال‪ :‬فأتوا النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم وهـو جالس فــي الــمسجد فــي‬
‫أصحابه‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبـا القاسم ما تقول فـي رجل وامرأة منهم زنـيا؟ فلـم يكلـمهم كلـمة‪,‬‬
‫ل التّ ْورَاةَ‬
‫حتـى أتـى بـيت الـ ِمدْراس‪ ,‬فقام علـى البـاب‪ ,‬فقال‪َ« :‬أ ْنشُ ُدكُ ْم بـاللّهِ اّلذِي أ ْنزَ َ‬
‫جّبهُ‬
‫حمّـمـم و ُي َ‬
‫ن زَنى إذَا ُأحْصِنَ؟» قالوا‪ُ :‬ي َ‬
‫جدُونَ فِـي التّ ْورَاةِ علـى مَ ْ‬
‫علـى مُوسَى ما تَـ ِ‬
‫ويجلد والتـجبـيه‪ :‬أن يحمل الزانـيان علـى حمار تقابل أقـفـيتهما‪ ,‬ويطاف بهما وسكت‬
‫شدْت نا‪ ,‬فإ نا ن ـجد ف ـي التوراة الر جم‪.‬‬
‫ظ به ال ّنشْدة‪ ,‬فقال‪ :‬الله ّم إذ َن َ‬
‫شاب‪ ,‬فل ـما رآه سكت أل ّ‬
‫فقال النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪« :‬فَمَا أوّلُ ما ا ْرتُ ـخِصَ أ ْمرُ الّل هِ؟» قال‪ :‬ز نى ر جل ذو‬
‫قرا بة من ملك من ملوك نا فأ خر ع نه الر جم‪ ,‬ثم زن ـي ر جل ف ـي أ سرة من الناس‪ ,‬فأراد‬
‫رجمـه‪ ,‬فحال قومـه دونـه‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل ترجـم صـاحبنا حتــى تــجيء بصـاحبك فترجمـه‪,‬‬
‫ف ـاصطلـحوا عل ـى هذه العقو بة ب ـينهم‪ .‬قال النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪« :‬فإنّى أحْكُم‬
‫بِ ـمَا فِ ـي التّ ْورَاةِ»‪ .‬فأمِر به ما فرج ما‪ .‬قال الزهري‪ :‬فبلغ نا أن هذه الَ ية نزلت ف ـيهم إنّا‬
‫ن أسْلَـمُوا فكان النبـيّ منهم‪.‬‬
‫حكُمُ بِها ال ّنبِـيّونَ اّلذِي َ‬
‫أ ْنزَلْنا الّت ْورَاةَ فِـيها ُهدّى َونُو ٌر َي ْ‬
‫‪ 9470‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫ن اّلذِي نَ أ سْلَـمُوا النبـيّ صلى ال عليه وسلم ومن قبله من النبـياء‬
‫حكُ مُ بِها ال ّنبِـيّو َ‬
‫قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫يحكمون بـما فـيها من الـحقّ‪.‬‬
‫‪ 9471‬ـ حدث نا ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا هشي ـم‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن أ سْلَـمُوا يعنـي النبـ ّ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫حكُ مُ بِها ال ّنبِـيّو َ‬
‫الـحسن فـي قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫لِّلذِينَ هادُوا يعنـي الـيهود‪ ,‬فـاحكم بـينهم ول تـخشهم‪.‬‬
‫ستُـحْفِظُوا مِ نْ كِتا بِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬وَالرّب ـانِـيّونَ وَالحْب ـارُ بِ ـمَا ا ْ‬
‫ش َهدَاءَ‪.‬‬
‫اللّ ِه وكانُوا عَلَـيْ ِه ُ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ويحكـم بــالتوراة وأحكامهـا التــي أنزل ال فــيها فــي كلّ زمان‬
‫علـى ما أمر بـالـحكم به فـيها مع النبـيـين الذين أسلـموا‪ ,‬الربـانـيون والحبـار‪.‬‬
‫والرب ـانـيون‪ :‬ج مع رب ـانـيّ‪ ,‬و هم العل ـماء ال ـحكماء‪ ,‬الب صراء ب سياسة الناس وتدب ـير‬
‫أمورهم والقـيام بـمصالـحهم‪ .‬والحبـار‪ :‬هم العلـماء‪ .‬وقد بـينا معنى الربـانـيـين‬
‫فـيـما مضى بشواهده‪ ,‬وأقوال أهل التأويـل فـيه‪ .‬وأما الحبـار‪ :‬فإنهم جمع حبر‪ ,‬وهو‬
‫العالـم الـمـحكم للشيء‪ ,‬ومنه قـيـل لكعب‪ :‬كعب الحبـار‪ .‬وكان الفرّاء يقول‪ :‬أكثر ما‬
‫سمعت العرب تقول فـي واحد الحبـار‪ :‬حِبر بكسر الـحاء‪.‬‬
‫وكان بعض أهل التأويـل يقول‪ :‬عُنى بـالربـانـيـين والحبـار فـي هذا ال ـموضع‪:‬‬
‫ابنا صوريا اللذان أقرّا لرسول ال صلى ال عليه وسلم بحكم ال تعالـى فـي التوراة علـى‬
‫الزانـيـين الـمـحصنـين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9472‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬كان رجلن من ال ـيهود أخوان يقال له ما اب نا صوريا‪ ,‬و قد اتب عا النب ـيّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم ول ـم ي سلـما‪ ,‬وأعطياه عهدا أن ل ي سألهما عن ش يء ف ـي التوراة إل‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‬
‫أ خبراه به‪ .‬وكان أحده ما ِربّ ـيّا‪ ,‬والَ خر حبرا‪ ,‬وإن ـما اتب عا النب ـ ّ‬
‫يتعلـمان منه‪ .‬فدعاهما فسألهما‪ ,‬فأخبراه المر كيف كان حين زنى الشريف وزنى الـمسكين‪,‬‬
‫ِينـ‬
‫ن اّلذ َ‬
‫ُمـ بِهـا ال ّنبِــيّو َ‬
‫حك ُ‬‫وكيـف غيروه‪ .‬فأنزل ال‪ :‬إن ّا أ ْنزَلْنـا التّ ْورَا َة فِــيها ُهدًى َونُورٌ َي ْ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم والربـانـيون والحبـار‪ :‬هما ابنا‬
‫ن هادُوا يعنـي‪ :‬النبـ ّ‬
‫أسْلَـمُوا لّلذِي َ‬
‫ـ هادُوا‪ .‬ثـم ذكـر ابنـى صـوريا‪ ,‬فقال‪ :‬وَالرّبــانِـيّونَ وَالحْبــا ُر بِــمَا‬
‫صـوريا‪ .‬لِّلذِين َ‬
‫ش َهدَاءَ‪.‬‬
‫ب اللّ ِه وكانُوا عَلَـيْ ِه ُ‬
‫ستُـحْ ِفظُوا مِنْ كِتا ِ‬
‫اْ‬

‫والصواب من القول ف ـي ذلك عندي‪ ,‬أن يقال‪ :‬إن ال تعال ـى ذكره أخبر أن التوراة يحكم‬
‫ب ها م سلـمو النب ـياء لل ـيهود والرب ـانـيون من خ ـلقه والحب ـار‪ .‬و قد يجوز أن يكون‬
‫عُنــي بذلك ابنـا صـوريا وغيرهمـا‪ ,‬غيـر أنـه قـد دخــل فــي ظاهـر التنزيــل مسـلـمو‬
‫النب ـياء وكلّ رب ـانـي و حبر‪ ,‬ول دللة ف ـي ظا هر التنزي ـل عل ـى أ نه معنىّ به خا صّ‬
‫من الرب ـانـيـين والحب ـار‪ ,‬ول قا مت بذلك ح جة ي جب الت سلـيـم ل ها‪ ,‬فكلّ رب ـانـي‬
‫وحبر داخـل فـي الَية بظاهر التنزيـل‪.‬‬
‫وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل الحبـار قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9473‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سلـمة‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬الربـانـيون‬
‫والحبـار‪ :‬قرّاؤهم وفقهاؤهم‪.‬‬
‫‪9474‬ــ حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حفـص‪ ,‬عـن أشعـث‪ ,‬عـن الــحسن‪ :‬الربــانـيون‬
‫والحبـار‪ :‬الفقهاء والعلـماء‪.‬‬
‫‪ 9475‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪:‬‬
‫الربـانـيون العلـماء الفقهاء‪ ,‬وهم فوق الحبـار‪.‬‬
‫‪ 9476‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬الرب ـانـيون‪ :‬فقهاء‬
‫الـيهود‪ ,‬والحبـار‪ :‬علـماؤهم‪.‬‬
‫‪ 9477‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سُنـيد بن داود‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫حبَـارُ كلهم يحكم بـما فـيها من الـحقّ‪.‬‬
‫لْ‬‫ن وا َ‬
‫عكرمة‪ :‬وال ّربّـانِـيّو َ‬
‫‪ 9478‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬الرب ـانـيون‪ :‬الولة‪,‬‬
‫والحبـار‪ :‬العلـماء‪.‬‬
‫ن كِتا بِ الّل ِه فإن معناه‪ :‬يحكم النبـيون الذين أسلـموا بحكم‬
‫ستُـحْ ِفظُوا مِ ْ‬
‫وأما قوله‪ :‬بِـمَا ا ْ‬
‫التوراة‪ ,‬والرب ـانـيون والحب ـار يعن ـي العل ـماء ب ـما ا ستودعوا عل ـمه من كتاب ال‬
‫ستُـحْ ِفظُوا من صلة الحبـار‪.‬‬
‫الذي هو التوراة‪ .‬والبـاء فـي قوله‪ :‬بِـما ا ْ‬
‫ش َهدَاءَ فإنه يعنـي أن الربـانـيـين والحبـار بـما استودعوا‬
‫وأما قوله‪ :‬وكانُوا عَلَـيْهِ ُ‬
‫من كتاب ال يحكمون بـالتوراة مع النبـيـين الذين أسملوا للذين هادوا‪ ,‬وكانوا علـى حكم‬
‫النبـيـين الذين أسلـموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا علـيهم بكتاب ال الذي أنزله علـى‬
‫نبـيه موسى وقضائه علـيهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9479‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫شهَدَا َء يعن ـي الرب ـانـيـين والحب ـار هم‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬وكانُوا عَلَ ـيْ ِه ُ‬
‫الشهداء ل ـمـحمد صلى ال عل يه و سلم ب ـما قال أ نه ح قّ جاء من ع ند ال‪ ,‬ف هو نب ـيّ ال‬
‫مـحمد‪ ,‬أتته الـيهود فقضى بـينهم بـالـحقّ‪.‬‬
‫خشَوْ نِ وَل َتشْ َترُوا بآياتِ ـي َثمَ نا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬فَل تَ ـخْشَوُا النّا سَ وَا ْ‬
‫قَلِـيلً‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره لعل ـماء ال ـيهود وأحب ـارهم‪ :‬ل ت ـخشوا الناس ف ـي تنف ـيذ حك مي‬
‫الذي حكمـت بـه علــى عبــادي وإمضائه علــيهم علــى مـا أمرت‪ ,‬فإنهـم ل يقدرون لكـم‬
‫عل ـى ضرّ ول ن فع إل بإذن ـي‪ ,‬ول تكت ـموا الر جم الذي جعل ته حك ما ف ـي التوراة عل ـى‬
‫ل أحد من خـلقـي‪ ,‬فإن النفع والضرّ‬
‫الزانـيـين الـمـحصنـين‪ ,‬ولكن اخشونـي دون ك ّ‬
‫بـيدي‪ ,‬وخافوا عقابـي فـي كتـمانكم ما استـحفظتـم من كتابـي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9480‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن يقول‪ :‬ل تـخشوا الناس فتكتـموا ما أنزلت‪.‬‬
‫خشَوْ ِ‬
‫خشَوُا النّاسَ وَا ْ‬
‫عن السديّ‪ :‬فَل تَـ ْ‬
‫شتَرُوا بآياتِ ـي َثمَ نا قَلِ ـيلً يقول‪ :‬ول تأخذوا بترك ال ـحكم بآيات كتاب ـي‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَل َت ْ‬
‫الذي أنزلته علـى موسى أيها الحبـار عوضا خسيسا‪ ,‬وذلك هو الث من القلـيـل‪ .‬وإنـما‬
‫أراد تعالـى ذكره نهيهم عن أكل السحت علـى تـحريفهم كتاب ال وتغيـيرهم حكمه عما‬
‫حكم به فـي الزّانـيـين الـمـحصنـين‪ ,‬وغير ذلك من الحكام التـي بدّلوها‪ ,‬طلبـا منهم‬
‫للرشا كما‪:‬‬
‫ش َترُوا‬
‫‪ 9481‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬وَل َت ْ‬
‫بآياتِ ـي َثمَ نا قَلِ ـيلً قال‪ :‬ل تأكلوا ال سحت عل ـى كتاب ـي‪ .‬وقال مرّة أخرى‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن‬
‫ش َترُوا بآياتِـي َثمَنا قال‪ :‬ل تأخذوا به رشوة‪.‬‬
‫زيد فـي قوله‪ :‬وَل َت ْ‬
‫‪ 9482‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫طعْما قلـيلً علـى أن تكتـموا ما‬
‫شتَرُوا بآياتِـي َثمَنا قَلِـيلً‪ :‬ول تأخذوا ُ‬
‫عن السديّ‪ :‬وَل َت ْ‬
‫أنزلت‪.‬‬
‫ح ُكمْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ ُه َفأُوَل ِئكَ ُهمُ الكافِرُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َمنْ لَـمْ َي ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن كتـم حكم ال الذي أنزله فـي كتابه‪ ,‬وجعله حكما بـين عبـاده‬
‫فأخفــاه‪ ,‬وحكـم بغيره‪ ,‬كحكـم الــيهود فــي الزانــيـين الــمـحصنـين بــالتـجبـيه‬
‫والتــحميـم‪ ,‬وكتــمانهم الرجـم‪ ,‬وكقضائهـم فــي بعـض قتلهـم بديـة كاملة وفــي بعـض‬
‫بن صف الد ية‪ ,‬وف ـي الشراف ب ـالقصاص وف ـي الدن ـياء ب ـالدية‪ ,‬و قد سوّى ال ب ـين‬
‫ك هُ مُ الكافِرُو نَ يقول‪ :‬هؤلء الذ ين ل ـم‬
‫جميع هم ف ـي ال ـحكم عل ـيهم ف ـي التوراة فَأُوَلئِ َ‬
‫ق الذي أنزله‬
‫يحكموا بــما أنزل ال فــي كتابـه‪ ,‬ولكـن بدّلوا وغيروا حكمـه وكتــموا الــح ّ‬
‫فـي كتابه‪ .‬هُ مُ الكَافِرُو نَ يقول‪ :‬هم الذين ستروا الـحقّ الذي كان علـيهم كشفه وتبـيـينه‬
‫غطّوه عن الناس وأظهروا لهم غيره وقضوا به لسحت أخذوه منهم علـيه‪.‬‬
‫وَ‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الكفر فـي هذا الـموضع‪ .‬فقال بعضهم بنـحو ما‬
‫قل نا ف ـي ذلك‪ ,‬من أ نه ع نى به ال ـيهود الذ ين حرّفوا كتاب ال وبدّلوا حك مه‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9483‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية عن الع مش‪ ,‬عن ع بد ال بن مرّة‪ ,‬عن‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ‬
‫البراء بن عازب‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم فـي قوله‪َ :‬ومَنْ لَـمْ َي ْ‬
‫حكُ مْ‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ َفأُوَلئِ كَ هُ ُم الظّالِـمُونَ‪َ ,‬و َم نْ لَـمْ َي ْ‬
‫ن لَـ ْم َي ْ‬
‫َفأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافِرُو نَ َومَ ْ‬
‫ك ُهمُ الفَـاسِقونَ فـي الكافرين كلها‪.‬‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَل ِئ َ‬
‫بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫‪9484‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا‬
‫حيان‪ ,‬عن أب ـي صالـح‪ ,‬قال‪ :‬الثلث الَيات الت ـي ف ـي ال ـمائدة‪َ :‬و َم نْ لَ ـمْ َي ْ‬
‫ن لـيس فـي أهل‬
‫أ ْنزَلَ اللّهُ َفأُوَلئِكَ هُ ُم الكا ِفرُونَ‪َ ,‬فأُوَلئِكَ هُم الظّالِـمُونَ‪َ ,‬فأُوَلئِكَ هُمُ الفـاسِقُو َ‬
‫السلم منها شيء‪ ,‬هي فـي الكفـار‪.‬‬
‫حكُ مْ‬
‫‪ 9485‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـي حيان‪ ,‬عن الضحاك‪َ :‬و َم نْ لَـمْ َي ْ‬
‫ن والظالـمون والفـاسقون قال‪ :‬نزلت هؤلء الَيات فـي‬
‫بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه فَأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافِرُو َ‬
‫أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪9486‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫س من بنـي عمرو بن سدوس‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبـا‬
‫عمران بن حدير‪ ,‬قال‪ :‬أتـى أبـا مـجلز نا ٌ‬
‫ك هُ مُ الكافِرُو نَ أح قّ هو؟ قال‪:‬‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫مـجلز‪ ,‬أرأيت قول ال‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ن أحَ قّ هو؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه فَأُوَلئِ كَ هُ مُ الظّالِـمُو َ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫نعم‪ .‬قالوا‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ك هُمُ الفـاسِقُونَ أحقّ هو؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬يا أبـا‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫َومَ ْ‬
‫مـجلز‪ ,‬فـيحكم هؤلء بـما أنزل ال؟ قال‪ :‬هو دينهم الذي يدينون به‪ ,‬وبه يقولون‪ ,‬وإل ـيه‬
‫ُيدْعَ ْو نَ‪ ,‬فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبـا‪ .‬فقالوا‪ :‬ل وال‪ ,‬ولكنك َت ْعرَ فّ‪.‬‬
‫قال‪ :‬أنت ـم أول ـى بهذا من ـي ل أرى وإن كم ترون هذا ول ت ـحرّجون‪ ,‬ولكن ها أنزلت ف ـي‬
‫الـيهود والنصارى وأهل الشرك‪ .‬أو نـحوا من هذا‪.‬‬
‫‪ 9487‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن عمران بن حدير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حكُ ْم بِـمَا‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫قعد إلـى أبـي مِـجْلَز نفر من البـاضية‪ ,‬قال‪ :‬فقالوا له‪ :‬يقول ال‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ك ُهمُ الظّالِـمُونَ‪َ ,‬فأُوَل ِئكَ ُه ُم الفـاسِقُونَ‪ .‬قال أبو مـجلز‪:‬‬
‫أ ْنزَلَ اللّ ُه َفأُوَل ِئكَ ُهمُ الكافِرُونَ‪َ ,‬فأُوَل ِئ َ‬
‫إن هم يعملون ما يعملون يعن ـي المراء ويعل ـمون أ نه ذ نب‪ .‬قال‪ :‬وإن ـما أنزلت هذه الَ ية‬
‫فـي الـيهود والنصارى‪ .‬قالوا‪ :‬أما وال إنك لتعلـم مثل ما نعلـم‪ ,‬ولكنك تـخشاهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫أنت ـم أح قّ بذلك م نا‪ ,‬أ ما ن ـحن فل نعرف ما تعرفون ولكن كم تعرفو نه‪ ,‬ول كن ي ـمنعكم أن‬
‫تُـمضوا أمركم من خشيتهم‪.‬‬
‫‪ 9488‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حبـيب بن أبـي ثابت‪ ,‬عن أبـي البَختري‪ ,‬عن حذيفة‬
‫ن قال‪ :‬ن عم الخوة ل كم ب نو‬
‫ك هُ مُ الكا ِفرُو َ‬
‫حكُ ْم بِ ـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ َفأُوَلئِ َ‬
‫ن لَ ـمْ َي ْ‬
‫ف ـي قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ن طريقهم قدر الشراك‪.‬‬
‫ل حلوة ولهم كلّ مرّة‪ ,‬ولتسلك ّ‬
‫إسرائيـل‪ ,‬إن كانت لكم ك ّ‬
‫حكُ مْ‬
‫‪ 9489‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـي حيان‪ ,‬عن الضحاك‪َ :‬و َم نْ لَـمْ َي ْ‬
‫ن والظّالـمون والفَـاسِقُون قال‪ :‬نزلت هؤلء الَيات فـي‬
‫بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه فَأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافِرُو َ‬
‫أهل الكتاب‪.‬‬
‫حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حبـيب بن أبـي ثا بت‪ ,‬عن‬
‫ن ثم‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَلئِكَ هُمُ الكا ِفرُو َ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫أبـي البختري‪ ,‬قال‪ :‬قـيـل لـحذيفة‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ذكر نـحو حديث ابن بشار‪ ,‬عن عبد الرحمن‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثور يّ‪ ,‬عن حبـيب بن‬
‫حكُ مْ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫أبـي ثابت‪ ,‬عن أبـي البختري‪ ,‬قال‪ :‬سأل رجل حذيفة‪ ,‬عن هؤلء الَيات‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ك هُ مُ الكافِرُو نَ‪َ ,‬فأُوَلئِ كَ هُ ُم الظّالِ ـمُونَ‪َ ,‬فأُوَلئِ كَ هُ مُ الف ـاسِقُونَ قال‪:‬‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫بِ ـمَا أ ْنزَ َ‬
‫فقـيـل‪ :‬ذلك فـي بنـي إسرائيـل؟ قال‪ :‬نعم الخوة لكم بنو إسرائيـل‪ ,‬إن كانت لهم كلّ‬
‫مرّة‪ ,‬ولكم كلّ حُلْوة‪ ,‬كل وال لتسلكنّ طريقهم قدر الشراك‪.‬‬
‫‪ 9490‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثور يّ‪ ,‬عن رجل‪,‬‬
‫عن عكرمة قال‪ :‬هؤلء الَيات فـي أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 9491‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَ نْ لَـمْ‬
‫ن ذ كر ل نا أن هؤلء الَيات أنزلت ف ـي قت ـيـل‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ َفأُوَلئِ كَ هُ ُم الكا ِفرُو َ‬
‫َي ْ‬
‫الـيهود الذي كان منهم‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ك هُ مُ الكا ِفرُو نَ والظالـمون والفـاسقون‪ ,‬لهل الكتاب‬
‫ل اللّ هُ َفأُوَلئِ َ‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫َومَ ْ‬
‫كلهم لـمَا تركوا من كتاب ال‪.‬‬
‫‪ 9492‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عبد‬
‫ال بن مرّة‪ ,‬عن البراء بن عازب‪ ,‬قال‪ُ :‬مرّ عل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ب ـيهودي‬
‫ح ّد مَ نْ َزنَى؟» قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فدعا رجلً من‬
‫مـحمّـم مـجلود‪ ,‬فدعاهم فقال‪َ « :‬ه َكذَا تَـجِدُونَ َ‬
‫ح ّد الزّانِ ـي‬
‫عل ـمائهم‪ ,‬فقال‪َ« :‬أ ْنشُد كَ اللّ َه اّلذِي أ ْنزَلَ التّ ْورَاةَ عل ـى مُو سَى‪َ ,‬ه َكذَا تَ ـجِدُونَ َ‬
‫فـي كِتا ِبكُ مْ؟» قال‪ :‬ل‪ ,‬ولول أنك أنشدتنـي بهذا لـم أخبرك‪ ,‬نـجد حدّه فـي كتابنا الرجم‪,‬‬
‫ولكنه كثر فـي أشرافنا‪ ,‬فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا علـيه الـحدّ‪,‬‬
‫فقلنا تعالوا فلنـجتـمع جميعا علـى التـحميـم والـجلد مكان الرجم‪ .‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪« :‬الّلهُ ّم أنّـي أوّلُ َمنْ أحْيا أ ْمرَكَ إ ْذ أماتُو هُ»‪ .‬فأمر به فرجم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّها‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ‬
‫ح ُزنْ كَ اّلذِي نَ يُسارِعُونَ فِـي الكُ ْفرِ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬ومَ نْ لَـمْ َي ْ‬
‫ل ل َي ْ‬
‫الرّ سُو ُ‬
‫ن يعن ـي ال ـيهود‪َ ,‬فأُوَلئِ كَ هُ مُ‬
‫ن يعن ـي ال ـيهود‪َ ,‬فأُوَلئِ كَ هُ ُم الظّالِ ـمُو َ‬
‫َفأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافِرُو َ‬
‫ن للكفـار كلها‪.‬‬
‫الفـاسِقُو َ‬
‫‪ 9493‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪:‬‬
‫ك هُ مُ الكافِرُو نَ قال‪ :‬من ح كم بكتا به الذي ك تب ب ـيده‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَ َ‬
‫ن لَ ـمْ َي ْ‬
‫َومَ ْ‬
‫وترك كتاب ال وزعم أن كتابه هذا من عند ال‪ ,‬فقد كفر‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن ع بد ال بن مرّة‪ ,‬عن البراء بن‬
‫عازب‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نـحو حديث القاسم‪ ,‬عن ال ـحسن‪ .‬غير أن هنادا‬
‫قال ف ـي حدي ثه‪ :‬فقل نا‪ :‬تعالوا فلن ـجتـمع ف ـي ش يء نق ـيـمه عل ـى الشر يف والضع يف‬
‫فـاجتـمعنا علـى التـحميـم والـجلد مكان الرجم‪ .‬وسائر الـحديث نـحو حديث القاسم‪.‬‬
‫‪ 9494‬ـ حدثنا الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي الزناد‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حكُ مْ بِـمَا‬
‫ن لَـم َي ْ‬
‫كنا عند عبـيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود‪ ,‬فذكر رجل عنده‪َ :‬و َم ْ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَلئِكَ هُ ُم الظّالِـمُونَ َومَنْ لَـمْ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫أ ْنزَلَ اللّ ُه َفأُوَلئِكَ هُمُ الكافِرُونَ َومَ ْ‬
‫ن فقال عب ـيد ال‪ :‬أ ما وال إن كث ـيرا من الناس‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه َفأُوَلئِ كَ هُ مُ الف ـاسِقُو َ‬
‫َي ْ‬
‫يتأوّلون هؤلء الَيات علـى ما لـم ينزلن علـيه‪ ,‬وما أنزلن إل فـي حيـين من يهود‪ .‬ثم‬
‫قال‪ :‬هي قري ظة والنض ير وذلك أن إحدى الطائفت ـين كا نت قد غزت الخرى وقهرت ها ق بل‬
‫قدوم النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم الــمدينة‪ ,‬حتــى ارتضوا واصـطلـحوا علــى أن كـل‬
‫قتـيـل قتلته العزيزة من الذلـيـلة فديته خمسون وسقا‪ ,‬وك ّل قتـيـل قتلته الذلـيـلة من‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم و هم‬
‫العزيزة فدي ته مئة و سق‪ .‬فأعطو هم فَرَ قا وضَي ـمْا‪ .‬فقدم النب ـ ّ‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬والنب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫عل ـى ذلك‪ ,‬فذلت الطائفتان ب ـمقدم النب ـ ّ‬
‫وسلم لـم يظهر علـيهما‪ .‬فبـينـما هما علـى ذلك أصابت الذلـيـلة من العزيزة قتـيلً‪,‬‬
‫فقالت العزيزة‪ :‬أعطو نا مائة و سق فقالت الذل ـيـلة‪ :‬و هل كان هذا ق طّ ف ـي حي ـين دينه ما‬
‫ضيْـما‪,‬‬
‫واحد وبلدهما واحد دية بعضهم ضعف دية بعض؟ إنـما أعطيناكم هذا فرقا منكم و َ‬
‫ف ـاجعلوا ب ـيننا وب ـينكم م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم فتراض يا عل ـى أن يجعلوا النب ـيّ‬
‫صلى ال عل يه و سلم ب ـينهم‪ .‬ثم إن العزيزة تذاكرت ب ـينها‪ ,‬فخش يت أن ل يعطي ها النب ـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطي أصحابها منها‪ ,‬فدسوا إلـى النبـيّ صلى‬
‫ال عل يه وسلم إخوان هم من الـمنافقـين‪ ,‬فقالوا ل هم‪ :‬اخبُروا ل نا رأى مـحمد صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ ,‬فإن أعطا نا ما نر يد حكمناه‪ ,‬وإن ل ـم يعط نا حذرناه ول ـم ن ـحكمه فذ هب ال ـمنافق‬
‫إلـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأعلـم ال تعالـى ذكره النبـيّ صلى ال عليه وسلم ما‬
‫لل‬
‫أرادوا من ذلك المر كله‪ .‬قال عبـيد ال‪ :‬فأنزل ال تعالـى ذكره فـيهم‪ :‬يا أيّها الرّ سُو ُ‬
‫ح ُكمْ أهْلــخ‬
‫ن فِــي الكُ ْفرِ هؤلء الَيات كلهـن‪ ,‬حتــى بلغ‪ :‬وَلْــَي ْ‬
‫ِينـ يُسـارِعُو َ‬
‫ْكـ اّلذ َ‬
‫َيحْ ُزن َ‬
‫ل بِ ـمَا أ ْنزَلَ اللّ هُ فِ ـيهِ‪ ...‬إل ـى الف ـاسِقُونَ قرأ عب ـيد ال ذلك آ ية آ ية وف سرها‬
‫النْ ـجِيـ ِ‬
‫علـى ما أنزل‪ ,‬حتـى فرغ من تفسير ذلك لهم فـي الَيات‪ ,‬ثم قال‪ :‬إنـما عنى بذلك يهود‪,‬‬
‫وفـيهم أنزلت هذه الصفة‪.‬‬
‫وقال بعض هم‪ :‬ع نى ب ـالكافرين أ هل ال سلم‪ ,‬وب ـالظالـمين‪ :‬ال ـيهود‪ ,‬وب ـالفـاسقـين‪:‬‬
‫النصارى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9495‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬نزلت «الكافرون»‬
‫فـي الـمسلـمين‪ ,‬و«الظالـمون» فـي الـيهود‪ ,‬و«الفـاسقون» فـي النصارى‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن أبـي السفر‪ ,‬عن الشعبـيّ‪,‬‬
‫قال‪« :‬الكافرون» ف ـي ال ـمسلـمين‪ ,‬و«الظال ـمون» ف ـي ال ـيهود‪ ,‬و«الف ـاسقون» ف ـي‬
‫النصارى‪.‬‬
‫‪ 9496‬ـ حدثنا ابن وكيع وأبو السائب‪ ,‬وواصل بن عبد العلـى‪ ,‬قالوا‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪,‬‬
‫حكُ مْ‬
‫عن ا بن شبر مة‪ ,‬عن الشعب ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬آ ية ف ـينا‪ ,‬وآيتان ف ـي أ هل الكتاب‪َ :‬ومَ نْ لَ ـمْ َي ْ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَلئِكَ هُمُ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫ك هُمُ الكافِرُو نَ فـينا وفـيهم‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫الظّالِـمُونَ و«الفـاسقون» فـي أهل الكتاب‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر‪ ,‬مثل حديث زكريا‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪9497‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪,‬‬
‫ل اللّ ُه َفأُوَلئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال‪:‬‬
‫حكُمْ بِـما أنْزَ َ‬
‫عن ابن أبـي السفر‪ ,‬عن الشعبـي‪َ :‬و َمنْ لَـمْ َي ْ‬
‫ن قال‪ :‬النصارى‪.‬‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَل ِئكَ ُه ُم الفـاسِقُو َ‬
‫ن لَـ ْم َي ْ‬
‫هذا فـي الـمسلـمين‪َ .‬ومَ ْ‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا زكريا بن أبـي زائدة‪ ,‬عن‬
‫ل اللّ هُ‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أنْزَ َ‬
‫ن لَ ـمْ َي ْ‬
‫الشعب ـيّ‪ ,‬قال ف ـي هؤلء الَيات الت ـي ف ـي ال ـمائدة‪َ :‬و َم ْ‬
‫ك هُ مُ‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه َفأُوَلئِ َ‬
‫ن قال‪ :‬ف ـينا أ هل ال سلم‪َ .‬ومَ نْ لَ ـمْ َي ْ‬
‫َفأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافِرُو َ‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ هُ َفأُوُلئِ كَ هُ ُم الف ـاسِقُونَ قال‪:‬‬
‫ن لَ ـمْ َي ْ‬
‫ن قال‪ :‬ف ـي ال ـيهود‪َ .‬و َم ْ‬
‫الظّالِـمُو َ‬
‫فـي النصارى‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن زكريا‬
‫ك هُمُ الكا ِفرُونَ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه َفأُوَلئِ َ‬
‫بن أبـي زائدة‪ ,‬عن الشعبـي فـي قوله‪َ :‬ومَنْ لَـمْ َي ْ‬
‫قال‪ :‬نزلت الولـى فـي الـمسلـمين‪ ,‬والثانـي فـي الـيهود‪ ,‬والثالثة فـي النصارى‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثور يّ‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن‬
‫الشعبـيّ‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعلـى‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن عامر‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُنى بذلك‪ :‬كفردون كفر‪ ,‬وظلـم دون ظلـم‪ ,‬وفسق دون فسق‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9498‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن‬
‫حكُ مْ‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ َفأُوَلئِ كَ هُ ُم الكا ِفرُو نَ َو َم نْ لَـمْ َي ْ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ َفأُوَلئِ كَ هُ ُم الفـاسِقُونَ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫ك هُ مُ الظّالِـمُونَ َومَ ْ‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫قال‪ :‬كفر دون كفر‪ ,‬وفسق دون فسق‪ ,‬وظلـم دون ظلـم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن سلـمة‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫عطاء‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن أيوب بن أبـي تـميـمة‪,‬‬
‫عن عطاء بن أبـي ربـاح بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سعيد‬
‫ن قال‪ :‬لـيس بكفر‬
‫ك هُ مُ الكا ِفرُو َ‬
‫حكُ ْم بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ َفأُوَلئِ َ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫الـمكيّ‪ ,‬عن طاوس‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ينقل عن الـملة‪.‬‬
‫‪9499‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ‬
‫معمر بن راشد‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ومَنْ لَـ ْم َي ْ‬
‫َفأُوَل ِئكَ ُهمُ الكافِرُون قال‪ :‬هي به كفر‪ ,‬ولـيس كفرا بـال وملئكته وكتبه ورسله‪.‬‬
‫حدثنـي الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أ سامة‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَلَ اللّ هُ ف من‬
‫ن لَ ـمْ َي ْ‬
‫أب ـيه‪ ,‬قال‪ :‬قال ر جل ل بن عب ـاس ف ـي هذه الَيات‪َ :‬و َم ْ‬
‫ف عل هذا ف قد ك فر؟ قال ا بن عب ـاس‪ :‬إذا ف عل ذلك ف هو به ك فر‪ ,‬ول ـيس ك من ك فر ب ـال‬
‫والـيوم الَخر وبكذا وكذا‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن‬
‫ن لَـمْ َيحْك مْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ ُه فَأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافرون‬
‫أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬سئل ابن عبـاس عن قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫قال هي به كفر قال ابن طاووس به كفر‪ ,‬ولـيس كمن كفر بـال والـيوم الَخر وبكذا وكذا‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن‬
‫ن لَـمْ َيحْك مْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ ُه فَأُوَلئِ كَ هُ مُ الكافرون‬
‫أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬سئل ابن عبـاس عن قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫قال كفر ل ينقل عن الكلـمة قال وقال قال عطاء‪ :‬كفر دون كفر‪ ,‬وظلـم دون ظلـم‪ ,‬وفسق‬
‫دون فسق‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل نزلت هذه الَيات فــي أهـل الكتاب‪ ,‬وهـي مراد بهـا جميـع الناس‬
‫مسلـموهم وكفـارهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9500‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا الثوريـّ‪ ,‬عـن‬
‫منصور‪ ,‬عن إبراهيـم قال‪ :‬نزلت هذه الَيات فـي بنـي إسرائيـل‪ ,‬ورضي لهذه المة بها‪.‬‬
‫ن لَـمْ‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهي ـم‪َ :‬و َم ْ‬
‫ن قال‪ :‬نزلت فـي بنـي إسرائيـل‪ ,‬ورضي لكم بها‪.‬‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَل ِئكَ ُه ُم الكا ِفرُو َ‬
‫َي ْ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن مصور‪ ,‬عن إبراهيـم‬
‫ن قال‪ :‬نزلت فـي بنـي‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ ُه َفأُوَلئِ كَ هُ مُ الكا ِفرُو َ‬
‫فـي هذه الَية‪َ :‬ومَ نْ لَـمْ َي ْ‬
‫إسرائيـل‪ ,‬ثم رضي بها لهؤلء‪.‬‬
‫‪ 9501‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيـم‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن‬
‫ك هُ مُ الكافِرُو نَ قال‪ :‬نزلت ف ـي‬
‫ل اللّ ُه فَأُوَلئِ َ‬
‫حكُ مْ بِ ـمَا أ ْنزَ َ‬
‫ن لَ ـمْ َي ْ‬
‫ال ـحسن ف ـي قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫الـيهود‪ ,‬وهي علـينا واجبة‪.‬‬
‫‪ 9502‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد ال ـملك بن‬
‫أب ـي سلـيـم‪ ,‬عن سلـمة بن كهي ـل‪ ,‬عن علق مة وم سروق‪ :‬أنه ما سأل ا بن م سعود عن‬
‫الرشوة‪ ,‬فقال‪ :‬من السحت‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أفـي الـحكم؟ قال‪ :‬ذاك الكفر‪ .‬ثم تل هذه الَية‪َ :‬ومَ نْ‬
‫حكُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ َفأُوَل ِئكَ ُه ُم الكا ِفرُونَ‪.‬‬
‫لَـمْ َي ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط‪ ,‬عن‬
‫ت فتركه عمدا وجار‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ يقول‪ :‬ومن لـم يحكم بـما أنزل ُ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫السديّ‪َ :‬ومَ ْ‬
‫وهو يعلـم فهو من الكافرين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ومن لـم يحكم بـما أنزل ال جاحدا به‪ ,‬فأما الظلـم والفسق فهو‬
‫للـمقرّ به ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9503‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه فَأُوَلئِ كَ‬
‫ن لَـمْ َي ْ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ُهمُ الكافِرُونَ قال‪ :‬من جحد ما أنزل ال فقد كفر‪ ,‬ومن أقرّ به ولـم يحكم فهو ظالـم فـاسق‪.‬‬
‫وأولــى هذه القوال عندي بــالصواب‪ ,‬قول مـن قال‪ :‬نزلت هذه الَيات فــي كافـر أهـل‬
‫الكتاب‪ ,‬لن ما قبلها وما بعدها من الَيات ففـيهم نزلت وهم الـمعِنـيون بها‪ ,‬وهذه الَيات‬
‫سياق الـخبر عنهم‪ ,‬فكونها خبرا عنهم أولـى‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن ال تعالـى ذكره قد ع ّم بـالـخبر بذلك عن جميع من لـم يحكم بـما‬
‫أنزل ال‪ ,‬فك يف جعل ته خا صّا؟ ق ـيـل‪ :‬إن ال تعال ـى ع ّم ب ـالـخبر بذلك عن قوم كانوا‬
‫بحكم ال الذي حكم به فـي كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الـحكم علـى سبـيـل‬
‫ما تركوه كافرون‪ .‬وكذلك القول فـي كلّ من لـم يحكم بـما أنزل ال جاحدا به‪ ,‬هو بـال‬
‫كا فر‪ ,‬ك ما قال ا بن عب ـاس ل نه بجحوده حك مَ ال ب عد عل ـمه أ نه أنزله ف ـي كتا به نظ ير‬
‫جحوده نبوّة نبـيه بعد علـمه أنه نبـيّ‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن بِا ْل َعيْ نِ‬
‫{ َو َك َتبْنَا عََل ْيهِ مْ فِيهَآ أَ نّ النّفْ سَ بِالنّفْ سِ وَا ْل َعيْ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ص ّدقَ بِ هِ َفهُ َو كَفّارَةٌ ّل هُ‬
‫ح قِ صَاصٌ فَمَن تَ َ‬
‫جرُو َ‬
‫ن بِال سّنّ وَا ْل ُ‬
‫لذُ نِ وَال سّ ّ‬
‫لذُ نَ بِا ُ‬
‫ف بِالنْ فِ وَا ُ‬
‫وَالنْ َ‬
‫ن }‪..‬‬
‫حكُم ِبمَآ أنزَلَ الّلهُ َفأُوْلَـ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُو َ‬
‫َومَن ّلمْ َي ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وكتبنـا عل ـى هؤلء الــيهود الذيـن يحكمونـك يا مــحمد‪ ,‬وعندهـم‬
‫التوراة فـيها حكم ال‪ .‬ويعنـي بقوله‪َ :‬ك َتبْنا‪ :‬فرضنا علـيهم فـيها أن يحكموا فـي الن فس‬
‫إذا قتلت نفسا بغير ح قّ بـالنفس‪ ,‬يعنـي‪ :‬أن تقتل النفس القاتلة بـالنفس الـمقتولة‪ .‬وال َعيْ نَ‬
‫ب ـال َعيْن يقول‪ :‬وفرض نا عل ـيهم ف ـيها أن يفقئوا الع ين الت ـي ف قأ صاحبها مثل ها من ن فس‬
‫أخرى بــالعين الــمفقوءة‪ ,‬ويجدع النـف بــالنف‪ ,‬ويقطـع الذن بــالذن‪ ,‬ويقلع السـنّ‬
‫ص من ال ـجارح غيره ظل ـما لل ـمـجروح‪ .‬وهذا إخب ـار من ال تعال ـى‬
‫ب ـالسنّ‪ ,‬ويقت ّ‬
‫ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم عن الـيهود‪ ,‬وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم‬
‫به ب عد إقراره بنبوّ ته وإدب ـاره ع نه ب عد إقب ـاله‪ ,‬وتعر يف م نه له جراءت هم قدي ـما وحدي ثا‬
‫عل ـى رب هم وعل ـى ر سل رب هم وتقدم هم عل ـى كتاب ال ب ـالتـحريف والتبدي ـل يقول‬
‫تعالــى ذكره له‪ :‬وكيـف يرضـى هؤلء الــيهود يـا مــحمد بحكمـك إذا جاءوا يحكمونـك‬
‫وعند هم التوراة الت ـي يقرّون ب ها أن ها كتاب ـي ووحي ـي إل ـى ر سولـي مو سى صلى ال‬
‫عليه وسلم فـيها حكمي بـالرجم علـى الزناة الـمـحصَنـين‪ ,‬وقضائي بـينهم أن من قتل‬
‫نفسا ظلـما فهو بها قَوَد‪ ,‬ومن فقأ عينا بغير ح قّ فعينه بها مفقوءة قصاصا‪ ,‬ومن جدع أنفـا‬
‫ص م نه‬
‫فأن فه به م ـجدوع‪ ,‬و من قلع سنَا ف سنه ب ها مقلو عة‪ ,‬و من جرح غيره جر حا ف هو مقت ّ‬
‫مثل الـجرح الذي جرحه‪ ,‬ثم هم مع الـحكم الذي عنده فـي التوراة من أحكامي يتولون عنه‬
‫ويتركون العمل به يقول‪ :‬فهم بترك حكمك وبسخط قضائك بـينهم أحرى وأولـى‪.‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9504‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما‬
‫رأت ُقرَيظة النبـيّ صلى ال عليه وسلم قد حكم بـالرجم وكانوا يخفونه فـي كتابهم‪ ,‬نهضت‬
‫قريظة‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا مـحمد اقض بـيننا وبـين إخواننا بنـي النضير وكان بـينهم دم قبل قدوم‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وكا نت النض ير يتعزّزون عل ـى بن ـي قري ظة وديات هم عل ـى‬
‫أن صاف ديات النض ير‪ ,‬وكا نت الد ية من وُ سُوق الت ـمر أربع ين ومئة و سق لبن ـي النض ير‬
‫و سبعين و سقا لبن ـي قري ظة‪ .‬فقال‪« :‬دَ مُ ال ُق َرضِ يّ َوفَ ـاءٌ مِ نْ دَ مه النّضِير يّ»‪ .‬فغ ضب ب نو‬
‫حكْ مَ‬
‫النضير‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل نطيعك فـي الرجم‪ ,‬ولكن نأخذ بحدودنا التـي كنا علـيها فنزلت‪ :‬أ َف ُ‬
‫س بـالنّفْسِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن النّفْ َ‬
‫الـجاهِلِـيّ ِة َيبْغونَ‪ ,‬ونزل‪ :‬و َك َتبْنا عَلَـ ْي ِهمْ فِـيها أ ّ‬
‫‪ 9505‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫س بـالنّفْسِ وَالَعيْ نَ‬
‫علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬و َك َتبْنا عَلَـ ْي ِهمْ فِـيها أ نّ النّفْ َ‬
‫لذُنِ وَال سّنّ ب ـالسّنّ وَال ـجُرُوحَ قِ صَاصٌ قال‪ :‬ف ما‬
‫لذُ نَ ب ـا ُ‬
‫ب ـال َعيْنِ وَالنْ فَ ب ـالنْفِ وَا ُ‬
‫بـالهم يخالفون‪ ,‬يقتلون النفسين بـالنفس‪ ,‬ويفقئون العينـين بـالعين؟‪.‬‬
‫‪9506‬ــ حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا إسـحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا خلد الكوفــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫حيّـين من النصار قتال‪ ,‬فكان بـينهم‬
‫الثوريّ‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبـي مالك‪ ,‬قال‪ :‬كان بـين َ‬
‫قتلـي‪ ,‬وكان لحد الـحَيّـين علـى الَخر طَوْلٌ‪ .‬فجاء النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فجعل‬
‫يجعـل الــح ّر بــالـحرّ‪ ,‬والعبـد بــالعبد‪ ,‬والــمرأة بــالـمرأة فنزلت‪ :‬الــحُرّ بــالـحُرّ‬
‫س بـالنّفس‪.‬‬
‫وَال َع ْبدُ بـال َعبْدِ‪ .‬قال سفـيان‪ :‬وبلغنـي عن ابن عبـاس أنه قال‪ :‬نسختها‪ :‬النّفْ َ‬
‫‪9507‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قا‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫ن ب ـالعينِ‬
‫س ب ـالنّفْسِ ف ـيها ف ـي التوراة‪ ,‬وَالعي َ‬
‫ن النّفْ َ‬
‫م ـجاهد‪َ :‬و َك َتبْ نا عَلَ ـ ْيهِمْ فِ ـيها أ ّ‬
‫ص قال مـجاهد عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان علـي بنـي إسرائيـل‬
‫جرُوحَ قِصَا ٌ‬
‫حتـى‪ :‬وَالـ ُ‬
‫القصاص فـي القتلـى‪ ,‬لـيس بـينهم دية فـي نفس ول جرح‪ .‬قال‪ :‬وذلك قول ال تعالـى‬
‫ذكره‪ :‬و َك َتبْـا عَلَـ ْيهِمْ فِـيها فـي التوراة‪ ,‬فخفف ال عن أمة مـحمد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فجعل علـيـم الدية فـي النفس والـجراح‪ ,‬وذلك تـخفـيف من ربكم ورحمة‪ ,‬فمن تصدّق‬
‫به فهو كفـارة له‪.‬‬
‫‪ 9508‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن علــيّ بن أبــي طلــحة‪ ,‬عن ابـن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َك َتبْنـا عَلَ ـ ْيهِمْ فِــيها أنّـ النّفْسَـ‬
‫ن والــجُرُوحَ‬
‫ن بــالسّ ّ‬
‫َالسـ ّ‬
‫لذُن بــالذُن و ّ‬
‫ْفـ بــالنْف وا ُ‬
‫ْنـ بــال َعيْنِ وَالن َ‬
‫بــالنّفْسِ وَال َعي َ‬
‫قِصَاصٌ قال‪ :‬إن بنـي إسرائيـل لـم يجعل لهم دية فـيـما كتب ال لـموسى فـي التوراة‬
‫من نفس قتلت‪ ,‬أو جرح‪ ,‬أو سنّ‪ ,‬أو عين‪ ,‬أو أنف‪ ,‬إنـما هو القصاصُ أو العفو‪.‬‬
‫‪ 9509‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬و َك َتبْ نا‬
‫س بـالنّفْسِ‪.‬‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ فِـيها أبـي فـي التوراة‪ ,‬أنّ النّفْ َ‬
‫‪9510‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬و َك َتبْنا عَلَـ ْيهِمْ‬
‫ن النّفْسَ بـالنّفْسِ‪.‬‬
‫فِـيها أي فـي التوراة‪ ,‬أ ّ‬
‫‪9511‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬و َك َتبْنا عَلَـ ْيهِمْ‬
‫ح قَصَاصٌ بعضها ببعض‪.‬‬
‫جرُو َ‬
‫س بـالنّفْسِ‪ ...‬حتـى بلغ‪ :‬والـ ُ‬
‫ن النّفْ َ‬
‫فِـيهَا أ ّ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن عل ـيّ بن‬
‫ن النّفْ سَ‬
‫ن النّفْ سي قوله‪ :‬و َك َتبْ نا عَلَ ـ ْي ِهمْ فِ ـيهَا أ ّ‬
‫أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ّ‬
‫ص بعضها ببعض‪.‬‬
‫ح قَصَا ٌ‬
‫بـالنّفْسِ‪ ...‬حتـى بلغ‪ :‬والـجُرُو َ‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قا‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬عن علـيّ بن أبـي‬
‫ن النّفْسما بـينهم إذا كان عمدا فـي النفس وما دون النفس‪.‬‬
‫طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ّ‬
‫صدّقَ ِبهِ َفهُ َو كَفّـارَ ٌة َلهُ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬فمَنْ َت َ‬
‫ص ّدقَ بِهِ َفهُ َو كَفّـارَةٌ َل ُه فقال بعضهم‪ :‬عُنـي‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنّى به‪َ :‬فمَنْ تَ َ‬
‫بذلك الـمـجروحُ وولـىّ القتـيـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9512‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن قـيس بن‬
‫صدّقَ‬
‫ن تَ َ‬
‫مسلـم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬عن الهثـيـم بن السود‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‪َ :‬فمَ ْ‬
‫بِ ِه فَهُ َو كَفّـارَةٌ َلهُ قال‪ :‬يُهدم عنه يعنـي الـمـجروح مثل ذلك من ذنوبه‪.‬‬
‫حدث نا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ق ـيس بن م سلـم‪ ,‬عن طارق بن‬
‫شهاب‪ ,‬عن الهيثم بن السود‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن قـيس بن‬
‫مسلـم‪ ,‬عن طارق بن شهاب‪ ,‬عن الهيثم بن السود أبـي العريان‪ ,‬قال‪ :‬رأيت معاوية قاعدا‬
‫علـى السرير وإلـى جنبه رجل آخر كأنه مولـى‪ ,‬وهو عبد ال بن عمرو‪ ,‬فقال فـي هذه‬
‫صدّقَ بِهه َفهُ َو كَفّـارَ ٌة لَ ُه قال‪ :‬يُهدم عنه من ذنوبه مثل ما تصدّق به‪.‬‬
‫الَية‪َ :‬فمَنْ َت َ‬
‫‪9513‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‬
‫ن َتصَ ّدقَ بِ ِه َفهُوَ َكفّـارَ ٌة لَ ُه قال‪ :‬للـمـجروح‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬فَمَ ْ‬
‫‪9514‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪,‬‬
‫صدّقَ ِب هِ َفهُ َو كَفّـارَةٌ‬
‫عن عمارة بن أبـي حفصة‪ ,‬عن أبـي عقبة‪ ,‬عن جابر بن زيد‪َ :‬فمَ نْ تَ َ‬
‫لَ ُه قال‪ :‬للـمـجروح‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حِرمي بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عمارة‪,‬‬
‫عن رجل قال حرمي‪ :‬نسيت اسمه عن جابر بن زيد بـمثله‪.‬‬
‫صدّقَ ِب هِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن إبراهيـم‪َ :‬فمَ نْ تَ َ‬
‫َفهُوَ كَفّـارَةٌ َلهُ قال‪ :‬للـمـجروح‪.‬‬
‫‪9515‬ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن يونس بن أبـي‬
‫إ سحاق‪ ,‬عن أب ـي ال سفر‪ ,‬قال‪ :‬د فع ر جل من قر يش رجلً من الن صار‪ ,‬ف ـاندقت َثنِ ـيّته‪,‬‬
‫فرفعه النصاري إلـى معاوية‪ .‬فلـما ألـحّ علـيه الرجل‪ ,‬قال معاوية‪ :‬شأنَك وصاحَبك قال‪:‬‬
‫وأبو الدرداء عند معاوية‪ ,‬فقال أبو الدرداء‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬ما‬
‫خطِيئَةً»‪ .‬فقال‬
‫ع ْنهُ ِبهِ َ‬
‫حطّ َ‬
‫جسَدِ ِه فَـيَ َهبُ ُه إلّ َر َفعَهُ الّلهُ ِبهِ َد َرجَةً َو َ‬
‫ن َ‬
‫شيْءٍ مِ ْ‬
‫ن ُمسْلِـمٍ ُيصَابُ ِب َ‬
‫مِ ْ‬
‫له النصاريّ‪ :‬أنت سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬سمعتْه أذنانـي ووعاه‬
‫قلبـي‪ .‬فخّـلـى سبـيـل القرشيّ‪ ,‬فقال معاوية‪ :‬مروا له بـمال‪.‬‬
‫حدثنا مـحمود بن خِداش‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن الشعبـيّ‪,‬‬
‫سدِهِ‬
‫ح فِـي جَ َ‬
‫ن جُرِ َ‬
‫قال‪ :‬قال ابن الصامت‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬مَ ْ‬
‫ص ّدقَ بِهِ»‪.‬‬
‫عنْهُ ُذنُوبُهُ بِـ ِمثْلِ ما تَ َ‬
‫ص ّدقَ بِها‪ ,‬كُ ّفرَ َ‬
‫جرَاحَ ًة َفتَ َ‬
‫ِ‬
‫‪ 9516‬ـ حدثنا سفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪ ,‬عن‬
‫صدّقَ ِبهِ َفهُ َو كَفّـارَ ٌة لَ ُه قال‪ :‬كفـارة للـمـجروح‪.‬‬
‫الـحسن فـي قوله‪َ :‬فمَنْ َت َ‬
‫‪ 9517‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن زكر يا‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عامرا يقول‪ :‬كف ـارة‬
‫لـمن تصدّق به‪.‬‬
‫ص ّدقَ‬
‫‪9518‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬فمَ نْ تَ َ‬
‫بِ ِه فَهُ َو كَفّـارَةٌ َلهُ يقول‪ :‬لولـيّ القتـيـل الذي عفـا‪.‬‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي شب ـيب بن سعيد‪ ,‬عن شع بة بن‬
‫الـحجاج‪ ,‬عن قـيس بن مسلـم‪ ,‬عن الهيثم أبـي العريان‪ ,‬قال‪ :‬كنت بـالشام‪ ,‬وإذا برجل‬
‫مع معاو ية قا عد عل ـى ال سرير كأ نه مول ـى‪ ,‬قال‪َ :‬فمَ نْ تَ صَ ّدقَ بِ هِ َفهُ َو كَفّ ـارَ ٌة لَ هُ قال ف من‬
‫تصدّق به هدم ال عنه مثله من ذنوبه‪ .‬فإذا هو عبد ال بن عمرو‪.‬‬
‫عنَى بذلك الـجارحَ‪ ,‬وقالوا معنى الَية‪ :‬فمن تصدّق بـما وجب له من قَ َودَ‬
‫وقال آخرون‪َ :‬‬
‫أو قصاص علـى من وجب ذلك له علـيه‪ ,‬فعفـا عنه‪ ,‬فعفوه ذلك عن الـجانـي كفـارة‬
‫لذنـب الــجانـي الــمـجرم‪ ,‬كمـا القصـاص منـه كفــارة له قالوا‪ :‬فأمـا أجـر العافــي‬
‫الـمتصدّق فعلـى ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9519‬ـ حدث نا سفـيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن آدم‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫ق بِ ِه َفهُوَ كَفّـارَةٌ َل ُه قال‪ :‬كفـارة‬
‫صدّ َ‬
‫ن تَ َ‬
‫السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬فمَ ْ‬
‫للـجارح‪ ,‬وأجر الذي أصبب علـى ال‪.‬‬
‫‪ 9520‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪,‬‬
‫ص ّدقَ بِهه َفهُ َو كَفّـارَةٌ َل ُه يا أبـا إسحاق؟‬
‫قال‪ :‬سمعت مـجاهدا يقول لبـي إسحاق‪َ :‬فمَ نْ تَ َ‬
‫قال أبو إسحاق‪ :‬للـمتصدّق‪ .‬فقال مـجاهد‪ :‬للـمذنب الـجارح‪.‬‬
‫‪ 9521‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬قال مغيرة‪ ,‬قال م ـجاهد‪:‬‬
‫للـجارح‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9522‬ـ حدث نا هناد و سفـيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراهي ـم‬
‫وم ـجاهد‪ :‬فَمَ نْ تَ صَ ّدقَ بِ ِه فَهُ َو كَفّ ـارَ ٌة لَ هُ قال‪ :‬الذي ت صدّق عل ـيه‪ ,‬وأ جر الذي أ صبـيب‬
‫علـى ال‪ .‬قال هناد فـي حديثه‪ ,‬قال‪ :‬كفـارة للذي تصدّق به علـيه‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد بن حميد‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 9523‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بشر‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬كفـارة‬
‫لـمن تصدق به علـيه‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مـجاهد وإبراهيـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬كفـارة للـجارج‪ ,‬وأجر الذي أصيب علـى ال‪.‬‬
‫‪ 9524‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت زيد أسلـم يقول‪ :‬إن‬
‫عفـا عنه أو اقتصّ منه‪ ,‬أو قبل منه الدية‪ ,‬فهو كفـارة له‪.‬‬
‫‪9525‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫جرُهُ علـى اللّهِ‪.‬‬
‫قال‪ :‬كفـارة للـجارح وأجر للعافـي‪ ,‬لقوله‪َ :‬فمَنْ عَفـا وأصْلَـحَ فَأ ْ‬
‫‪ 9526‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ص ّدقَ بِ ِه َفهُوَ كَفّ ـارَةٌ َل هُ قال‪:‬‬
‫ن تَ َ‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫كفـارة للـمتصدّق علـيه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معل ـى بن أ سد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح صين‪ ,‬عن‬
‫ص ّدقَ بِ ِه َفهُوَ كَفّـارَةٌ َلهُ قال‪ :‬هي كفـارة للـجارح‪.‬‬
‫ن تَ َ‬
‫ابن عبـاس‪َ :‬فمَ ْ‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪َ :‬فمَ نْ تَ صَ ّدقَ بِ هه َفهُ َو كَفّ ـارَةٌ َل ُه قال‪ :‬ف ـالكفـارة‬
‫للـجارح‪ ,‬وأجر الـمتصدّق علـى ال‪.‬‬
‫حدثنـا الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو حذيفـة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شبـل‪ ,‬عـن عبـد ال بـن كثــير‪ ,‬عـن‬
‫ن َتصَ ّدقَ بِ ِه َفهُوَ كَفّـارَ ٌة لَهُ يقول‪ :‬للقاتل‪ ,‬وأجر للعافـي‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬أنه كان يقول‪َ :‬فمَ ْ‬
‫‪ 9527‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق قال‪ :‬حدثنا عمران بن ظبـيان‪ ,‬عن عد يّ بن‬
‫ثابت‪ ,‬قال‪ُ :‬هتِـم رجل علـى عهد معاوية‪ ,‬فأُعطي دية فلـم يقبل‪ ,‬ثم أُعطي ديتـين فلـم‬
‫يق بل‪ ,‬ثم أُع طي ثل ثا فل ـم يق بل‪ .‬فحدّث ر جل من أ صحاب النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم أن‬
‫ن كَفّ ـارَ ًة له مِ نْ َيوْ مِ‬
‫ص ّدقَ ِبدَ مٍ ف ما دُو َن هُ‪ ,‬كا َ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قوله‪« :‬ف من تَ َ‬
‫َتصَ ّدقَ إلـى يَ ْومِ وُِلدَ»‪ .‬قال‪ :‬فتصدّق الرجل‪.‬‬
‫‪ 9528‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ص ّدقَ بِ ِه فَهُ َو كَفّـارَةٌ َلهُ يقول‪:‬‬
‫جرُوحَ قِصَاصٌ َفمَ نْ تَ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬والـ ُ‬
‫من جُرح فتصدّق بـالذي جرح به علـى الـجارح‪ ,‬فلـيس علـى الـجارح سبـيـل ول‬
‫قود ول ع قل ول جرح عل ـيه من أ جل أ نه ت صدّق عل ـيه الذي جرح‪ ,‬فكان كف ـارة له من‬
‫ظلـمه الذي ظلـم‪.‬‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال‪ :‬عنـي به‪ :‬فمن تصدّق به فهو‬
‫كف ـارة له ال ـمـجروح‪ ,‬فلن تكون الهاء ف ـي قوله «له» عائدة عل ـى من أول ـى من أن‬
‫تكون من ذ كر من ل ـم ي جر له ذ كر إل ب ـالـمعنى دون الت صريح وأحرى‪ ,‬إذ ال صدقة هي‬
‫الـمكفرة ذنب صاحبها دون الـمتصدّق علـيه فـي سائر الصدقات غير هذه‪ ,‬فـالواجب أن‬
‫يكون سبـيـل هذه سبـيـل غيرها من الصدقات‪.‬‬
‫فإن ظ نّ ظا نّ أن القصاص إذ كان يكفر ذنب صاحبه الـمقتصّ منه الذي أتاه فـي قتل من‬
‫قتله ظلـما‪ ,‬لقول النبـيّ صلى ال عليه وسلم إذا أخذ البـيعة علـى أصحابه‪« :‬أ نْ ل تَ ْقتُلُوا‬
‫ح ّدهُ‪ ,‬فَهُ َو كَفّـا َرتُه»‪.‬‬
‫شيْئا َفُأقِـيـمَ عَلَـيْهِ َ‬
‫ن ذَلِكَ َ‬
‫سرِقوا» ثم قال‪َ « :‬فمَنْ َفعَلَ ِم ْ‬
‫وَل َتزْنُوا وَل تَ ْ‬
‫فـالواجب أن يكون عفو العافـي الـمـجنـي علـيه أو ولـيّ الـمقتوقوله‪ .‬فإذ كان غير‬
‫جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذف هُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة‬
‫للقاذف من ذن به الذي رك به‪ ,‬ومع صيته الت ـي أتا ها‪ ,‬وذلك ما ل نعل ـم قائلً من أ هل العل ـم‬
‫يقوله‪ .‬فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذف ُه بـالواجب له‬
‫مـن الــحدّ كفــارة للقاذف مـن ذنبـه الذي ركبـه‪ ,‬كان كذلك غيـر جائز أن يكون ترك‬
‫الـمـجروح أخذ الـجارح بحقه من القصاص كفـارة للـجارح من ذنبه الذي ركبه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو لـــيس لـــمـجروح عندكقوله‪ .‬فإذ كان غيــر جائز أن يكون ترك‬
‫الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذف ُه بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي‬
‫رك به‪ ,‬كان كذلك غ ير جائز أن يكون ترك ال ـمـجروح أ خذ ال ـجارح بح قه من الق صاص‬
‫كفـارة للـجارح من ذنبه الذي ركبه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو لــيس لــمـجروح عندك أخـذ جارحـه بديـة جرحـه مكان القصـاص؟‬
‫قـيـل له‪ :‬بلـى‪ .‬فإن قال‪ :‬أفرأيت لو اختار الدية ثم عفـا عنها‪ ,‬أكانت له ِقبَله فـي الَخرة‬
‫تب عة؟ ق ـيـل له‪ :‬هذا كلم عند نا م ـحال‪ ,‬وذلك أ نه ل يكون عند نا مختار الد ية إل و هو ل ها‬
‫آخذ‪ .‬فأما العفو فإنـما هو عفو عن الدم‪ .‬وقد دللنا علـى صحة ذلك فـي موضع غير هذا‬
‫بـما أغنى عن تكريره فـي هذا الـموضع‪ .‬إل أن يكون مرادا بذلك هبتها لـمن أخذت منه‬
‫بعد الخذ‪ ,‬مع أن عفوه عن الدية بعد اختـياره إياها لو صحّ لـم يكن فـي صحة ذلك ما‬
‫يو جب أن يكون ال ـمعفوّ له عن ها بريئا من عقو بة ذن به ع ند ال لن ال تعال ـى ذكره أو عد‬
‫سخِط‪,‬‬
‫قا تل ال ـمؤمن ب ـما أوعده به‪ ,‬إن ل ـم ي تب من ذن به‪ ,‬والد ية مأخوذة م نه‪ ,‬أح بّ أم َ‬
‫والتو بة من التائب إن ـما تكون تو بة إذا اختار ها وأراد ها وآثر ها عل ـى ال صرار‪ .‬فإن ظ نّ‬
‫ظا نّ أن ذلك وإن كان كذلك‪ ,‬ف قد ي جب أن يكون له كف ـارة ك ما جاز الق صاص كفّ ـارة فإ نا‬
‫إنـما جعلنا القصاص له كفّـارة مع ندمه وبذله نفسه لخذ الـحقّ منها تنصلً من ذنبه‪ ,‬بخبر‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ .‬فأما الدية إذا اختارها الـمـجروح ثم عفـا عنها فلـم يُقْض‬
‫علـيه بحدّ ذنبه‪ ,‬فـيكون مـمن دخـل فـي حكم النبـيّ صلى ال عليه وسلم وقوله‪« :‬فمن‬
‫حدّ ف هو كَفّ ـا َرتُهُ»‪ .‬ثم م ـما يؤ كد صحة ما قل نا ف ـي ذلك‪ ,‬الخب ـار‬
‫أُق ـيـم عل ـيه ال ـ َ‬
‫صدّق بدَ مٍ»‪ ,‬وما أشبه‬
‫التـي ذكرناها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم من قوله‪« :‬فمن تَ َ‬
‫ذلك مـن الخبــار التــي قـد ذكرناهـا قبـل‪ .‬وقـد يجوز أن يكون القائلون أنـه عنـى بذلك‬
‫الـجارح‪ ,‬أرادوا الـمعنى الذي ذكر عن عروة بن الزبـير‪ ,‬الذي‪:‬‬
‫‪ 9529‬ـ حدثنـي به الـحرث بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن‬
‫جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنــي ع بد ال بن كث ـير‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬إذا أ صاب ر جل رجلً ول‬
‫يعل ـم ال ـمصاب من أ صابه ف ـاعترف له ال ـمصيب‪ ,‬قال‪ :‬وكان م ـجاهد يقول ع ند هذا‪:‬‬
‫أ صاب عروة ا بن الزب ـير ع ين إن سان ع ند الر كن ف ـيـما ي ستلـمون‪ ,‬فقال له‪ :‬يا هذا أ نا‬
‫عروة بن الزبـير‪ ,‬فإن كان بعينك بأس فأنا بها‪.‬‬
‫وإذا كان المر من الـجارح علـى نـحو ما كان من عروة من خطأ فعل علـى غير عمد‬
‫ثم اعترف للذي أصابه بـما أصابه فعفـا له الـمصاب بذلك عن حقه قبله‪ ,‬فل تبعة له حينئذٍ‬
‫قبل الـمصيب فـي الدنـيا ول فـي الَخرة لن الذي كان وجب له قبله مال ل قصاص وقد‬
‫أبرأه م نه‪ ,‬فإبراؤه م نه كفّ ـارة له من ح قه الذي كان له أخذه به‪ ,‬فل طل بة له ب سبب ذلك قبله‬
‫فـي الدنـيا ول فـي الَخرة‪ ,‬ول عقوبة تلزمه بها بـما كان منه من أصابه‪ ,‬لنه لـم يتعمد‬
‫إصابته بـما أصابه به فـيكون بفعله إنـما يستـحقّ به العقوبة من ربه لن ال عزّ وجلّ قد‬
‫وضع الـجُناح عن عبـاده فـيـما أخطئوا فـيه ولـم يتعمدوه من أفعالهم‪ ,‬فقال فـي كتابه‪:‬‬
‫ن ما َت َع ّمدَ تْ قُلُو ُبكُ مْ‪ .‬وقد يراد فـي هذا الـموضع‬
‫ط ْأتُـمْ ِب هِ وََلكِ ْ‬
‫خَ‬‫ل جُنا حَ عَلَـ ْيكُمْ فِـيـما أ ْ‬
‫بـالدم‪ :‬العفو عنه‪.‬‬
‫ح ُكمْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّ ُه َفأُوَل ِئكَ ُهمُ الظّالِـمُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َمنْ لـمْ َي ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ومـن لــم يحكـم بــما أنزل ال فــي التوارة مـن قود النفـس القائلة‬
‫ق صاصا ب ـالنفس ال ـمقتولة ظل ـما‪ .‬ول ـم يف قأ ع ين الف ـاقـيء بع ين ال ـمفقوءة ظل ـما‬
‫قصاصا مـمن أمه ال به بذلك فـي كتابه‪ ,‬ولكن أقاد من بعض ولـم يُقِد من بعض‪ ,‬أو قتل‬
‫ض اثنـين بواحد‪ ,‬وإن من يفعل ذلك من الظالـمين‪ ,‬يعنـي مـمن جاء علـى حكم‬
‫فـي بع ِ‬
‫ال ووضع فعله ما فعل من ذلك فـي غير موضعه الذي جعله ال له موضعا‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صدّقا ّلمَا َبيْ نَ‬
‫ن َم ْريَ مَ مُ َ‬
‫ى آثَارِهِم ِبعَي سَى ابْ ِ‬
‫{ َوقَ ّفيْنَا عََل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ِنـ الّت ْورَاةِ وَ ُهدًى‬
‫ْهـ م َ‬
‫ْنـ َي َدي ِ‬
‫ُصـدّقا لّمَا َبي َ‬
‫ِيهـ ُهدًى َونُورٌ َوم َ‬
‫َاهـ الِنجِيلَ ف ِ‬
‫ِنـ التَ ْورَا ِة وَآ َت ْين ُ‬
‫ْهـ م َ‬
‫َي َدي ِ‬
‫عظَ ًة لّ ْل ُمتّقِينَ }‪..‬‬
‫َو َموْ ِ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪ :‬وقَـفّـيْنا علـى آثارِهِمْ أتبعنا‪ ,‬يقول‪ :‬أتبعنا عيسى ابن مريـم‬
‫علـى آثار النبـيـين الذ ين أسلـموا من قبلك يا مـحمد‪ ,‬فبعثناه نبـيا مصدّقا لكتابنا الذي‬
‫أنزلناه إل ـى مو سى من قبله أ نه ح قّ وأن الع مل ب ـما ل ـم ين سخه الن ـجيـل م نه فرض‬
‫وا جب‪ .‬وآتَ ـيْنا ُه الن ـجيـلَ يقول‪ :‬وأنزل نا إل ـيه كتاب نا الذي ا سمه الن ـجيـل‪ .‬فِ ـي ِه ُهدًى‬
‫َونُورٌ يقول‪ :‬ف ـي الن ـجيـل هدى‪ ,‬و هو ب ـيان ما جهله الناس من ح كم ال ف ـي زما نه‪,‬‬
‫َونُورٌ يقول‪ :‬وضياء من ع مي ال ـجهالة‪َ ,‬ومُ صَدّقا لِ ـمَا ب ـينَ َي َديْ هِ يقول‪ :‬أوحي نا إل ـيه ذلك‪,‬‬
‫وأنزلناه إلـيه بتصديق ما كان قبله من كتب ال التـي كان أنزلها علـى كل أمة أنزل إلـى‬
‫نبــيها كتاب للعمـل بــما أنزل إلــى نبــيهم فــي ذلك الكتاب مـن تــحلـيـل مـا حلل‬
‫عظَةً يقول‪ :‬أنزل نا الن ـجيـل إل ـى عي سى م صّدقا للك تب‬
‫وت ـحريـم ما حرّم‪ .‬وَ ُهدًى َومَ ْو ِ‬
‫التـي قبله‪ ,‬وبـيانا لـحكم ال الذي ارتضاه لعبـاده الـمتقـين فـي زمان عيسى وموعظة‬
‫ل هم‪ ,‬يقول‪ :‬وزجرا ل هم ع ما يكر هه ال إل ـى ما يح به من العمال‪ ,‬وتنب ـيها ل هم عل ـيه‪.‬‬
‫حذِروه بترك‬
‫والـمتقون‪ :‬هم الذين خافوا ال وحذروا عقابه‪ ,‬فـاتقوه بطاعته فـيـما أمرهم و َ‬
‫ما نهاهم عن فعله‪ ,‬وقد مضى البـيان عن ذلك بشواهده قبل فأغنـي ذلك عن إعادته‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حكُم ِبمَآ‬
‫ل ْنجِيلِ ِبمَآ أَنزَلَ الّل ُه فِي هِ َومَن لّ مْ َي ْ‬
‫لاِ‬
‫حكُ مْ أَهْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَ ْل َي ْ‬
‫أَنزَلَ اللّ ُه َفأُوْلَـ ِئكَ ُهمُ الْفَاسِقُونَ }‪..‬‬
‫حكُمْ أ ْهلُ النْ ـجِيـلِ فقرأ قرّاء ال ـحجاز والب صرة‬
‫اختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬وَلْ ـ َي ْ‬
‫ح ُكمْ بتسكين اللم علـى وجه المر من ال لهل النـجيـل أن‬
‫وبعض الكوفـيـين‪ :‬ولْـ َي ْ‬
‫يحكموا بـما أنزل ال فـيه من أحكامه‪ .‬وكأ نّ من قرأ ذلك كذلك أراد‪ :‬وآتـيناه النـجيـل‬
‫فـيه هدى ونور‪ ,‬ومصدّقا لـما بـين يديه من التوراة‪ ,‬وأمرنا أهله أن يحكموا بـما أنزل ال‬
‫فـيه‪ .‬فـيكون فـي الكلم مـحذوف ترك استغناء بـما ذكر عما حذف‪.‬‬
‫ح ُكمَ أهْلُ النْـجيـلِ» بكسر اللم من «لـيحكم»‪,‬‬
‫وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة‪« :‬وَلِـ َي ْ‬
‫ب ـمعنى‪ :‬كي يح كم أ هل الن ـجيـل‪ .‬وكأن مع نى من قرأ ذلك كذلك‪ :‬وآت ـيناه الن ـجيـل‬
‫فـيه هدى ونور‪ ,‬ومصدّقا لـما بـين يديه من التوراة‪ ,‬وكي يحكم أهله بـما فـيه من حكم‬
‫فبأيـ ذلك قرأ‬
‫ّ‬ ‫ال‪ .‬والذي يتراءى فــي ذلك أنهمـا قراءتان مشهورتان متقاربتـا الــمعنى‪,‬‬
‫قارىء فمصـيب فــيه الصـواب وذلك أن ال تعالــى لــم ينزل كتابــا علــى نبــيّ مـن‬
‫أنب ـيائه إل ل ـيعمل ب ـما ف ـيه أهله الذ ين أمروا بـالعمل ب ـما ف ـيه‪ ,‬ول ـم ينزله علـيهم‬
‫إل وقد أمرهم بـالعمل بـما فـيه‪ ,‬فللعمل بـما فـيه أنزله‪ ,‬وأمر بـالعمل بـما فـيه أهله‪.‬‬
‫فكذلك النـجيـل‪ ,‬إذ كان من كتب ال التـي أنزلها علـى أنبـيائه‪ ,‬فللعمل بـما فـيه أنزله‬
‫علـى عيسى‪ ,‬وأمر بـالعمل به أهله‪ .‬فسواء قرىء علـى وجه المر بتسكين اللم أو قرىء‬
‫عل ـى و جه ال ـخبر بك سرها لتف ـاق معن ـيـيهما‪ .‬وأ ما ما ذ كر عن أب ـيّ بن ك عب من‬
‫ح به النقل عنه‪ ,‬ولو صحّ‬
‫حكُ مْ» علـى وجه المر‪ ,‬فذلك مـما لـم يص ّ‬
‫قراءته ذلك‪« :‬وإ نِ أ ْ‬
‫أيضـا لــم يكـن فــي ذلك مـا يوجـب أن تكون القراءة بخلفـه مــحظورة‪ ,‬إذ كان معناهـا‬
‫صحيحا‪ ,‬وكان الـمتقدمون من أئمة القرّاء قد قراءوا بها‪ .‬وإذا كان المر فـي ذلك ما بـينا‪,‬‬
‫فتأويـل الكلم إذا قرىء بكسر اللم من «لِـيحكم»‪ :‬وآتـينا عيسى ابن مريـم النـجيـل‪,‬‬
‫ف ـيه هدى ونور‪ ,‬وم صدّقا ل ـما ب ـين يد يه من التوراة‪ ,‬وأمر نا أهله أن يحكموا ب ـما أنزل نا‬
‫ف ـيه‪ ,‬فل ـم يطيعو نا ف ـي أمر نا إيا هم ب ـما أمرنا هم به ف ـيه‪ ,‬ولكن هم خالفوا أمر نا الذي‬
‫أمرناهم به فـيه هم الفـاسقون‪ .‬وكان ابن زيد يقول‪ :‬الفـاسقون فـي هذا الـموضع وفـي‬
‫غيره‪ :‬هم الكاذبون‪.‬‬
‫‪ 9530‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي‬
‫حكُ مْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه َفأُوَلئِ كَ‬
‫حكُ ْم أهْلُ النْـجِيـلِ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل ُه فِـيهِ َومَ نْ لَـمْ َي ْ‬
‫قوله‪ :‬وَلـ َي ْ‬
‫هُ مُ الف ـاسِقُون قال‪ :‬و من ل ـم يح كم من أ هل الن ـجيـل أي ضا بذلك‪ ,‬فأولئك هم الف ـاسقون‬
‫قال‪ :‬الكاذبون بهذا‪ .‬قال‪ :‬وقال ابـن زيـد‪ :‬كلّ شيـء فــي القرآن إل قلــيلً «فــاسق» فهـو‬
‫سقٌ ِب َن َبأٍ قال‪ :‬الفـاسق ههنا‪ :‬كاذب‪.‬‬
‫كاذب وقرأ قول ال‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا إنْ جا َء ُكمْ فـا ِ‬
‫وقد بـينا معنى الفسق بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َي َديْ هِ مِ نَ‬
‫{وَأَنزَلْنَآ إَِليْ كَ ا ْل ِكتَا بَ بِا ْلحَ قّ مُ صَدّقا لّمَا َبيْ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن ا ْلحَ قّ ِلكُلّ‬
‫ك مِ َ‬
‫ا ْل ِكتَا بِ َو ُم َه ْيمِنا عََليْ هِ فَاحْكُم َب ْينَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّ هُ َولَ َت ّتبِ عْ أَهْوَآءَهُ مْ عَمّا جَآءَ َ‬
‫ُمـ فِي مَآ آتَاكُم‬
‫حدَ ًة وَلَــكِن ّل َيبْلُ َوك ْ‬
‫ُمـ ُأمّةً وَا ِ‬
‫جعََلك ْ‬
‫ّهـ َل َ‬
‫عةً َو ِم ْنهَاجا وَلَ ْو شَآءَ الل ُ‬
‫شرْ َ‬
‫ُمـ ِ‬
‫جعَلْنَا مِنك ْ‬
‫َ‬
‫ختَلِفُونَ }‪..‬‬
‫جمِيعا َف ُي َن ّبئُكُم ِبمَا كُن ُتمْ فِيهِ َت ْ‬
‫ج ُعكُمْ َ‬
‫ت إَِلىَ ال َم ْر ِ‬
‫خيْرَا ِ‬
‫س َتبِقُوا ال َ‬
‫فَا ْ‬
‫وهذا خطاب مـن ال تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬يقول تعالــى‬
‫ذكره‪ :‬وأ ْنزَلْنـا إلَــْيكَ يـا مــحمد الكِتابـَ‪ ,‬وهـو القرآن الذي أنزله علــيه‪ .‬ويعنــي بقوله‪:‬‬
‫صدّقا لِـمَا بـينَ َي َديْ هِ ِم نَ‬
‫بـالـحَقّ‪ :‬بـالصدق‪ ,‬ول كذب فـيه‪ ,‬ول ش كّ أنه من عند ال‪ .‬مُ َ‬
‫الكِتا بِ يقول‪ :‬أنزلناه بت صديق ما قبله من ك تب ال الت ـي أنزل ها إل ـى أنب ـيائه‪َ .‬و ُم َهيْ ـمِنا‬
‫عَلَـيْهِ يقول‪ :‬أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إلـيك يا مـحمد مصدقا للكتب قبله‪ ,‬وشهيدا علـيها‬
‫أنها حقّ من عند ال‪ ,‬أمينا علـيها‪ ,‬حافظا لها‪ .‬وأصل الهيـمنة‪ :‬الـحفظ والرتقاب‪ ,‬يقال إذا‬
‫ر قب الر جل الش يء وحف ظه وشهده‪ :‬قد هي ـمن فلن عل ـيه‪ ,‬ف هو يهي ـمن هي ـمنة‪ ,‬و هو‬
‫علـيه مهيـمن‪.‬‬
‫وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك قال أهـل التأويــل‪ .‬إل أنهـم اختلفـت عبــاراتهم عنـه‪ ,‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬شهيدا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9531‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْ ِه يقول‪ :‬شهيدا‪.‬‬
‫‪9532‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْهِ قال‪ :‬شهيدا علـيه‪.‬‬
‫‪ 9533‬ـ حدثنـي بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ْنزَلْنا‬
‫إلَـ ْيكَ الكِتابَ بـالـحَقّ مُصَدّقا لِـما بـينَ َي َديْ هِ مِ نَ الكِتابِ يقول‪ :‬الكتب التـي خـلت قبله‪,‬‬
‫َو ُم َهيْـمِنا عَلَـيْهِ‪ :‬أمينا وشاهدا علـى الكتب التـي خـلت قبله‪.‬‬

‫‪9534‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫َو ُم َهيْـمِنا عَلَـيْهِ‪ :‬مؤتـمنا علـى القرآن وشاهدا ومصدّقا‪ .‬وقال ابن جريج وآخرون‪ :‬القرآن‬
‫أميـن علــى الكتـب فــيـماإذا أخبرنـا أهـل الكتاب فــي كتابهـم بأمـر إن كان فــي القرآن‬
‫فصدَقوا‪ ,‬وإل فكذَبوا‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬أمين علـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9535‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬وحدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫وكيع جميعا‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن التـميـمي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا‬
‫عَلَـيْ ِه قال‪ :‬مؤتـمنا علـيه‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫التـميـميّ‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي قوله‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْ ِه قال‪ :‬مؤتَـمنا علـيه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان وإسرائيـل‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫التـميـمي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان وإسرائيـل‪ ,‬عن أبـي إسحاق بإسناده‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عط ية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سرائيـل‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫التـميـمي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن التـميـمي‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪,‬عن مطرّف‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن رجل من‬
‫تـميـم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫علــيّ بـن أبــي طلــحة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و ُم َهيْــمِنا عَلَــيْ ِه قال‪ :‬والــمهيـمن‪:‬‬
‫المين‪ ,‬قال‪ :‬القرآن أمين علـى كلّ كتاب قبله‪.‬‬
‫‪ 9536‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حقّ مُ صَدّقا لِـمَا بَـينَ َي َديْ هِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ْنزَلْنا إلَـ ْيكَ الكِتا بَ بـالـ َ‬
‫ن الكِتا بِ و هو القرآن‪ ,‬شا هد عل ـى التوراة والن ـجيـل‪ ,‬م صدقا له ما‪ُ .‬م َهيْ ـمِنا عَلَ ـيْهِ‬
‫مِ َ‬
‫يعنـي‪ :‬أمينا علـيه‪ ,‬يحكم علـى ما كان قبله من الكتب‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حم يد بن ع بد الر حن‪ ,‬عن ق ـيس‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫التـميـمي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْهِ قال‪ :‬مؤتـمنا علـيه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن آدم‪ ,‬عن زه ير‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن ر جل من‬
‫بنـي تـميـم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْ ِه قال‪ :‬مؤتـمنا علـيه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى ال ـحمانـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪,‬‬
‫عن التـميـمي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9537‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‬
‫وإسرائيـل‪ ,‬عن علـيّ بن بذيـمة‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْ ِه قال‪ :‬مؤتـمنا‬
‫علـى ما قبله من الكتب‪.‬‬
‫‪9538‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن أبـي رجاء‪ ,‬قال‪ :‬سألت الـحسين‪ ,‬عن‬
‫ن الكِتا بِ َو ُم َهيْـمِنا عَلَـيْهِ‬
‫صدّقا لـمَا بـينَ َي َديْ هِ مِ َ‬
‫قوله‪ :‬وأ ْنزَلْنا لَـ ْيكَ الكِتا بَ بـالـحَقّ مَ َ‬
‫قال‪ :‬مصدّقا لهذه الكتب وأمينا علـيها‪ .‬وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع‪ ,‬فقال‪ :‬مؤتـمنا علـيه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى الـمهيـمن الـمصدّق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9539‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪َ :‬و ُم َهيْ ـمِنا‬
‫ل ش يء أنزله ال من توراة أو إن ـجيـل أو زبور ف ـالقرآن‬
‫عَلَ ـيْ ِه قال‪ :‬م صدّقا عل ـيه‪ .‬ك ّ‬
‫م صدّق عل ـى ذلك‪ ,‬وكلّ ش يء ذ كر ال ف ـي القرآن ف هو م صدّق عل ـيها وعل ـى ما حدّث‬
‫عنها أنه حقّ‪.‬‬
‫ن الكِتا بِ َو ُم َهيْـمِنا عَلَـيْهِ نبـيّ ال‬
‫ن َيدَيْ ِه مِ َ‬
‫صدّقا لِـمَا بـي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بقوله‪ :‬مُ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9540‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْ ِه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مؤتـمن علـى القرآن‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪َ :‬و ُم َهيْـمِنا عَلَـيْ ِه قال‪ :‬مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مؤتـمن علـى القرآن‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم علـى ما تأوله مـجاهد‪ :‬وأنزلنا الكتاب مصدّقا الكتب قبله إلـيك‪ ,‬مهيـمنا‬
‫علــيه‪ .‬فــيكون قوله «مصـدّقا» حالً مـن الكتاب وبعضـا منـه‪ ,‬ويكون التصـديق مـن صـفة‬
‫الكتاب‪ ,‬والـمهيـمن حالً من الكاف التـي فـي «إلـيك»‪ ,‬وهي كناية عن ذكر اسم النبـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬والهاء فـي قوله‪ :‬عَلَـيْهِ عائدة علـى الكتاب‪ .‬وهذا التأويـل بعيد من‬
‫الـمفهوم فـي كلم العرب‪ ,‬بل هو خطأ‪ ,‬وذلك أن الـمهيـمن عطف علـى الـمصدّق‪ ,‬فل‬
‫يكون إل من صفة ما كان ال ـمصدّق صفة له‪ ,‬ولو كان مع نى الكلم ما رُوي عن م ـجاهد‬
‫لق ـيـل‪ :‬وأنزل نا إلـيك م صدّقا لـما ب ـين يد يه من الكتاب مهي ـمنا عل ـيه لنه متقدّم من‬
‫صـفة الكاف التــي فــي «إلــيك»‪ ,‬ولــيس بعدهـا شيـء يكون مهيــمنا علــيه عطفــا‬
‫علــيه‪ ,‬وإنــما عطـف بـه علــى الــمصدّق‪ ,‬لنـه مـن صـفة «الكتاب» الذي مـن صـفته‬
‫«الـمصدّق»‪.‬‬
‫ن ظانّ أن الـمصدّق علـى قول مـجاهد وتأويـله هذا من صفة الكاف التـي فـي‬
‫فإن ظ ّ‬
‫ن َي َديْ ِه مِنَ الكِتابِ يبطل أن يكون تأويـل ذلك كذلك‪ ,‬وأن يكون‬
‫«إلـيك»‪ ,‬فإن قوله‪ :‬لِـمَا بـي َ‬
‫الـمصدّق من صفة الكاف التـي فـي «إلـيك»‪ ,‬لن الهاء فـي قوله‪ :‬بـينَ َي َديْهِ كناية اسم‬
‫غير الـمخاطب‪ ,‬وهو النبـيّ صلى ال عليه وسلم فـي قوله «إلـيك»‪ ,‬ولو كان الـمصدّق‬
‫مـن صـفة الكاف لكان الكلم‪ :‬وأنزلنـا إلــيك الكاب مصـدقا لــما بــين يديـك مـن لكتاب‬
‫ومهيـمنا علـيه‪ ,‬فـيكون معنى الكلم حينئذٍ كذلك‪.‬‬
‫ح ُكمْ بَ ـ ْي َنهُ ْم بِ ـمَا أ ْنزَلَ اللّ هُ وَل َت ّتبِ عْ أهْوَاءَهُ مْ عَمّا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ :‬ف ـا ْ‬
‫ن الـحَقّ‪.‬‬
‫جا َءكَ مِ َ‬
‫وهذا أمـر مـن ال تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم أن يحكـم بــين‬
‫الـمـحتكمين إلـيه من أهل الكتاب وسائر أهل الـملل‪ ,‬بكتابه الذي أنزله إلـيه‪ ,‬وهو القرآن‬
‫الذي خ صه بشريع ته‪ .‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬اح كم يا م ـحمد ب ـين أ هل الكتاب وال ـمشركين‬
‫ل ما احت ـمكوا ف ـيه إل ـيك من ال ـحدود‬
‫ب ـما أنزل إل ـيك من كتاب ـي وأحكا مي‪ ,‬ف ـي ك ّ‬
‫وال ـجروح والقود والنفوس‪ ,‬فــارجم الزانــي ال ـمـحصن‪ ,‬واقتـل الن فس القاتلة ب ـالنفس‬
‫الــمقتولة ظلــما‪ ,‬وافقـأ العيـن بــالعين‪ ,‬واجدع النـف بــالنف‪ ,‬فإن أنزلت إل ـيك القرآن‬
‫مصدّقا فـي ذلك ما بـين يديه من الكتب‪ ,‬ومهيـمنا علـيه‪ ,‬رقـيبـا يقضي علـى ما قبله‬
‫من سائر الكتب قبله‪ .‬ول تتبع أهواء هؤلء الـيهود الذين يقولون‪ :‬إن أوتـيتـم الـجلد فـي‬
‫الزانــي الــمـحصن دون الرجـم‪ ,‬وقتـل الوضيـع بــالشريف إذا قتله‪ ,‬وترك قتـل الشريـف‬
‫بــالوضيع إذا قتله‪ ,‬فخذوه‪ ,‬وإن لــم تُؤتوه فــاحذروا عـن الذي جاءك مـن عنـد ال مـن‬
‫الــحقّ‪ ,‬وهـو كتاب ال الذي أنزله إلــيك‪ .‬يقول له‪ :‬اعمـل بكتابــي الذي أنزلتـه إلــيك إذا‬
‫احتكموا إلــيك‪ ,‬فــاختر الــحكم علــيهم‪ ,‬ول تتركـن العمـل بذلك اتبــاعا منـك أهواءهـم‬
‫وإيثارا لها علـى الـحقّ الذي أنزلته إلـيك فـي كتابـي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9541‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ح ُكمْ بَـ ْي َنهُمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّل هُ يقول‪ :‬بحدود‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس‪ :‬فـا ْ‬
‫ن الـحَقّ‪.‬‬
‫عمّا جا َءكَ مِ َ‬
‫ال‪ ,‬وَل َت َتبِعْ أ ْهوَاءَ ُهمْ َ‬
‫‪9542‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن مسروق‪:‬‬
‫حكُمْ بَـ ْي َنهُ ْم بِـمَا أ ْنزَلَ اللّهُ وأنزل‬
‫أنه كان يحلّف الـيهودي والنصرانـي بـال ثم قرأ‪ :‬وأنِ ا ْ‬
‫شيْئا‪.‬‬
‫ال‪ :‬أنْ ل ُيشْ ِركُوا بِه َ‬
‫شرْعَةً َو ِمنْهاجا‪.‬‬
‫جعَلنْا مِن ُكمْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ :‬لكُلّ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬لكلّ قوم من كم جعل نا شر عة‪ .‬والشر عة‪ :‬هي الشري عة بعين ها‪ ,‬ت ـجمع‬
‫الشرعـة شراعـا‪ ,‬والشريعـة شرائع‪ ,‬ولو جمعـت الشرعـة شرائع كان صـوابـا‪ ,‬لن معناهـا‬
‫ومعنى الشريعة واحد‪ ,‬فـيردّها عند الـجمع إلـى لفظ نظيرها‪ .‬وكلّ ما شرعت فـيه من‬
‫شيء فهو شريعة‪ ,‬ومن ذلك قـيـل لشريعة الـماء‪ :‬شريعة‪ ,‬لنه يشرع منها إلـى الـماء‪,‬‬
‫وم نه سميت شرائع ال سلم شرائع‪ ,‬لشروع أهله ف ـيه‪ ,‬وم نه ق ـيـل للقوم إذا ت ساووا ف ـي‬
‫شرَ عٌ سواء‪ .‬وأما الـمنهاج‪ ,‬فإن أصله‪ :‬الطريق البـين الواضح‪ ,‬يقال منه‪ :‬هو‬
‫الشيء‪ :‬هم َ‬
‫ج بـيّن‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫ج و َمنْه ٌ‬
‫طريق َنهْ ٌ‬
‫طرِيقٌ َنهْجٌ‬
‫شكَ َفهَذَا فَلْـجٌماءٌ رَوَاءٌ َو َ‬
‫َمنْ َيكُ فِـي َ‬
‫ل شيء كان بـينا واضحا يعمل به‪.‬‬
‫ثم يستعمل فـي ك ّ‬
‫جعَلْنا ِم ْنكُمْ فقال بعضهم‪ :‬عنـي بذلك أهل‬
‫ل َ‬
‫ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمنىّ بقوله‪ِ :‬لكُ ّ‬
‫ل ملة شريعة ومنهاجا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫الـملل الـمختلفة‪ ,‬أي أن ال جعل لك ّ‬
‫جعَلْنا‬
‫ل َ‬
‫‪ 9543‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ِ :‬لكُ ّ‬
‫ل وسـنة‪ .‬والسـنن مختلفـة‪ :‬للتوراة شريعـة‪ ,‬وللنــجيـل‬
‫شرْعَةً َو ِمنْهاجـا يقول سـبـي ً‬
‫ُمـ ِ‬
‫ِم ْنك ْ‬
‫ل ال ف ـيها ما يشاء ويحرّم ما يشاء بلءً‪ ,‬ل ـيعلـم من يطي عه‬
‫شري عة‪ ,‬وللقرآن شري عة‪ ,‬يح ّ‬
‫م ـمن يع صيه‪ ,‬ول كن الد ين الوا حد الذي ل يق بل غيره التوح يد والخلص ل الذي جاءت به‬
‫الرسل‪.‬‬
‫‪ 9544‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫شرْعَ ًة َو ِمنْهاجا قال‪ :‬الدين واحد‪ ,‬والشريعة مختلفة‪.‬‬
‫جعَلْنا ِم ْنكُمْ ِ‬
‫ل َ‬
‫قوله‪ :‬لك ّ‬
‫‪ 9545‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن هاشم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سيف‬
‫بن عمر‪ ,‬عن أبـي روق‪ ,‬عن أبـي أيوب‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬اليـمان منذ بعث ال تعالـى‬
‫ذكره آدم صلى ال عل يه و سلم شهادة أن ل إله إل ال‪ ,‬والقرار ب ـما جاء من ع ند ال‪ ,‬لكلّ‬
‫قوم ما جاءهم من شرعة أو منهاج‪ ,‬فل يكون الـمقرّ تاركا ولكنه مطيع‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنـي بذلك أمة مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقالوا‪ :‬إنـما معنى الكلم‪:‬‬
‫قد جعلنا الكتاب الذي أنزلناه إلـى نبـينا مـحمد صلى ال عليه وسلم أيها الناس لكلكم‪ :‬أي‬
‫لكلّ من دخ ـل ف ـي ال سلم وأقرّ ب ـمـحمد صلى ال عل يه و سلم أ نه ل ـي نب ـيّ‪ ,‬شِر عة‬
‫ومنهاجا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9546‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫شرْعَ ًة َو ِمنْها جا قال‪ :‬سنة ومنها جا ال سبـيـل لكل كم‪ ,‬من دخ ـل ف ـي‬
‫جعَلْ نا ِم ْنكُ مْ ِ‬
‫ل َ‬
‫قوله‪ِ :‬لكُ َ‬
‫دين مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقد جعل ال له شرعة ومنهاجا‪ ,‬يقول‪ :‬القرآن هو له شرعة‬
‫ومنهاج‪.‬‬
‫ل أهل ملة منكم أيها‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬لك ّ‬
‫المـم جعلنا شرعة ومنهاجا‪.‬‬
‫حدَةً ولو كان عنـي‬
‫جعَلَ ُكمْ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب لقوله‪ :‬وََلوْ شا َء اللّهُ لَـ َ‬
‫جعََلكُمْ ُأ ّمةً‬
‫جعَلْنا ِم ْنكُمْ أمة مـحمد وهم أمة واحدة‪ ,‬لـم يكن لقوله‪ :‬وََلوْ شا َء اللّ ُه لَـ َ‬
‫بقوله‪ِ :‬لكُلَ َ‬
‫حدَةً و قد ف عل ذلك فجعل هم أ مة واحدة مع نى مفهوم‪ ,‬ول كن مع نى ذلك عل ـى ما جرى به‬
‫وَا ِ‬
‫الــخطاب مـن ال لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم أنـه ذكـر مـا كتـب علــى بنــي‬
‫إسرائيـل فـي التوراة‪ ,‬وتقدّم إلـيهم بـالعمل بـما فـيها‪ .‬ثم ذكر أنه قـفـى بعيسى ابن‬
‫مريـم علـى آثار النبـياء قبله‪ ,‬وأنزل علـيه النـجيـل‪ ,‬وأمر من بعثه إلـيه بـالعمل‬
‫ب ـما ف ـيه‪ .‬ثم ذ كر نب ـينا م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأخبر ها أ نه أنزل إل ـيه الكتاب‬
‫م صدّقا لـما ب ـين يد يه من الكتاب‪ ,‬وأمره ب ـالعمل بـما ف ـيه وال ـحكم ب ـما أنزل إل ـيه‬
‫ف ـيه دون ما ف ـي سائر الك تب غيره وأعل ـمه أ نه قد ج عل له ولم ته شري عة غ ير شرائع‬
‫النب ـياء والم ـم قبله الذ ين ق صّ عل ـيهم ق صصهم‪ ,‬وإن كان دي نه ودين هم ف ـي توح يد ال‬
‫والقرار ب ـما جاء هم به من عنده والنتهاء إل ـى أمره ونه يه واحدا‪ ,‬ف هم مختل فو الحوال‬
‫ل لهم وحرم علـيهم‪.‬‬
‫ل واحد منهم‪ ,‬ولمته فـيـما أح ّ‬
‫فـيـما شرع لك ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي الشرعة والـمنهاج من التأويـل قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9547‬ـ حدثنا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد الرح من بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مسعر‪ ,‬عن أب ـي‬
‫عةً َو ِمنْهاجـا قال‪ :‬سـنة‬
‫ُمـ شِرْ َ‬
‫جعَلْنـا ِم ْنك ْ‬
‫ل َ‬
‫إسـحاق‪ ,‬عـن التــميـمّي‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ِ :‬لكُ َ‬
‫وسبـيلً‪.‬‬
‫حدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا وكيـع‪ ,‬عـن سـفـيان وإسـرائيـل‪ ,‬عـن أبــي إسـحاق‪ ,‬عـن‬
‫عةً َو ِمنْهاجا قال‪ :‬سنة وسبـيلً‪.‬‬
‫جعَلْنا ِم ْن ُكمْ شِرْ َ‬
‫التـميـمي‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ِ :‬لكُلّ َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان وإ سرائيـل وأب ـيه‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪,‬‬
‫عن التـميـميّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو يحيى الرازي‪ ,‬عن أبـي شيبـان‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن يحيى‬
‫عةً َو ِمنْهاجـا قال‪ :‬سـنة‬
‫ُمـ شِرْ َ‬
‫جعَلْنـا ِم ْنك ْ‬
‫بـن وثاب‪ ,‬قال‪ :‬سـألت ابـن عبــاس عـن قوله‪ِ :‬لكُلَ َ‬
‫وسبـيلً‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سرائيـل‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫عةً َو ِمنْهاجا قال‪ :‬سنة وسبـيلً‪.‬‬
‫التـميـميّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬شِرْ َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن رجل‬
‫من بنـي تـميـم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬بـمثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن التـميـمي‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫شرْعَ ًة َو ِمنْهاجا يعنـي‪ :‬سبـيلً وسنة‪.‬‬
‫جعَلْنا ِم ْنكُمْ ِ‬
‫ل َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬لِك َ‬
‫‪ 9548‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الـحسن يقول‪ :‬الشرعة‪ :‬السنة‪.‬‬
‫‪ 9549‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال بن مو سى‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن أي يح يى‬
‫القتات‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬سنة وسبـيلً‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عةً َو ِمنْهاجا قال‪ :‬الشرعة‪ :‬السنة‪ ,‬ومنهاجا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫شرْ َ‬
‫عن مـجاهد فـي قول ال تعالـى ذكله‪ِ :‬‬
‫السبـيـل‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد بنـحوه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫عةً َو ِمنْها جا يقول‪:‬‬
‫شرْ َ‬
‫جعَلنْا ِم ْنكُ مْ ِ‬
‫ل َ‬
‫ي بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ِ :‬لكُ َ‬
‫عل ـ ّ‬
‫سبـيلً وسنة‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحوضي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو إسحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت رجلً من بنـي تـميـم‪ ,‬عن ابن عبـاس بنـحوه‪.‬‬
‫‪9550‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫شرْعَةً َو ِمنْهاجا يقول‪ :‬سبـيلً وسنة‪.‬‬
‫عن السدّي‪ِ :‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن سـعيد بـن‬
‫جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬السنة والسبـيـل‪.‬‬
‫جعَلْنا‬
‫‪9551‬ـ حدثنا بشرب بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قوله‪ِ :‬لكُلّ َ‬
‫عةً َو ِمنْهاجا يقول‪ :‬سبـيلً وسنة‪.‬‬
‫شرْ َ‬
‫ِم ْنكُمْ ِ‬
‫‪9552‬ــ حُدثـت عـن الــحسين بـن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبــا معاذ الفضـل بـن خالد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عةً َو ِمنْهاجـا قال‪:‬‬
‫شرْ َ‬
‫أخبرنــي عبــيد بـن سـلـمان قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فــي قوله ِ‬
‫سبـيلً وسنة‪.‬‬
‫ن لِـ َيبْلُ َو ُكمْ فِـيـما‬
‫حدَةً وََل ِك ْ‬
‫جعََل ُكمْ ُأمّةً وَا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَلَ ْو شاءَ الّل ُه لَـ َ‬
‫آتا ُكمْ‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ولو شاء رب كم ل ـجعل شرائ عك واحدة‪ ,‬ول ـم يج عل لكلّ أ مة شري عة‬
‫ومنهاجـا غيـر شرائع المــم الخـر ومنهاجهـم‪ ,‬فكنتــم تكونون أمـة واحدة‪ ,‬ل تــختلف‬
‫شرائعكـم ومنهاجكـم‪ .‬ولكنـه تعالــى ذكره يعلــم ذلك‪ ,‬فخالف بــين شرائعـك لــيختبركم‬
‫فـيعرف الـمطيع منكم من العاصي والعامل بـما أمره فـي الكتاب الذي أنزله إلـى نبـيه‬
‫صلى ال عليه وسلم من الـمخالف‪ .‬والبتلء‪ :‬هو الختبـار‪ ,‬وقد ثبت ذلك بشواهده فـيـما‬
‫مضى قبل‪ .‬وقوله فِـيـما آتا ُكمْ يعنـي‪ :‬فـيـما أنزل علـيكم من الكتب‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9553‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ :‬وََلكِن ْـ‬
‫لِ ـ َيبْلُو ُكمْ فِ ـيـما آتاكُ مْ قال ع بد ال بن كث ـير‪ :‬ل أعل ـمه إل قال‪ :‬ل ـيبلوكم ف ـيـما آتا كم‬
‫من الكتب‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وك يف قال‪ :‬ل ـيبلوكم ف ـيـما آتا كم‪ ,‬و من ال ـمخاطب بذلك‪ ,‬و قد ذكرت أن‬
‫ي مع النبـياء الذين مضوا قبله وأمـمهم‬
‫ل نبـ ّ‬
‫ل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا لك ّ‬
‫الـمعنى‪ :‬لك ّ‬
‫الذ ين ق بل نب ـينا صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وال ـمخاطب النب ـيّ وحده؟ ق ـيـل‪ :‬إن ال ـخطاب‬
‫وإن كان لنبـينا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإنه قد أريد به الـخبر عن النبـياء قبله وأمـمهم‪,‬‬
‫ولكن العرب من شأنها إذا خاطبت إنسانا وضمت إلـيه غائبـا فأرادت الـخبر عنه أن تغلّب‬
‫ال ـمخاطب ف ـيخرج ال ـخبر عنه ما عل ـى و جه ال ـخطاب‪ ,‬فلذلك قال تعال ـى ذكره‪ِ :‬لكُلَ‬
‫عةً َو ِمنْهاجا‪.‬‬
‫شرْ َ‬
‫جعَلْنا ِم ْنكُمْ ِ‬
‫َ‬
‫ج ُعكُ مْ جَميعا فَـيُ َن ّب ُئ ُكمْ‬
‫س َتبِقُوا الـخَ ْيرَاتِ إلـى الّل هِ َم ْر ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فـا ْ‬
‫ختَلِفُونَ‪.‬‬
‫بِـمَا ُك ْنتُـمْ فِـي ِه تَـ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فبـادروا أيها الناس إلـى الصلـحات من العمال والقرب إلـى ربكم‬
‫بإدمان العمـل بــما فــي كتاب كم الذي أنزله إل ـى نب ـيكم‪ ,‬فإ نه إنــما أنزله امتــحانا لكـم‬
‫وابتلء‪ ,‬ل ـيتبـين ال ـمـحسن من كم من ال ـمسيء‪ ,‬ف ـيجازي جميع كم عل ـى عمله جزاءه‬
‫ل فر يق من كم ب ـما كان يخالف‬
‫ع ند م صيركم إل ـيه‪ ,‬فإن م صيركم إل ـيه جمي عا‪ ,‬ف ـيخبر ك ّ‬
‫ف ـيه الفرق الخرى‪ ,‬ف ـيفصل ب ـينهم بف صل القضاء‪ ,‬ويب ـين ال ـمـحقّ ب ـمـجازاته إياه‬
‫بجناته من الـمسيء بعقابه إياه بـالنار‪ ,‬فـيتبـين حينئذٍ كلّ حزب عيانا‪ ,‬الـمـحقّ منهم من‬
‫الـمبطل‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو لـم ينبئنا ربنا فـي الدنـيا قبل مرجعنا إلـيه ما نـحن فـيه مختلفون؟‬
‫قـيـل‪ :‬إنه بـين ذلك فـي الدنـيا بـالرسل والدلة والـحجج‪ ,‬دون الثواب والعقاب عيانا‪,‬‬
‫فمصدّق بذلك ومكذّب‪ .‬وأما عند الـمرجع إلـيه‪ ,‬فإنه ينبئهم بذلك بـالـمـجازاة التـي ل‬
‫يشكون معها فـي معرفة الـمـحقّ والـمبطل‪ ,‬ول يقدرون علـى إدخال اللبس معها علـى‬
‫أنف سهم‪ ,‬فكذلك خبره تعال ـى ذكره أ نه يبنئ نا ع ند ال ـمرجع إل ـيه ب ـما ك نا ف ـيه ن ـختلف‬
‫ق حينئذٍ من‬
‫ف ـي الدن ـيا‪ .‬وإن ـما مع نى ذلك‪ :‬إل ـى ال مرجع كم جمي عا‪ ,‬فتعرفون ال ـمـح ّ‬
‫الـمبطل منكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪9554‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن حبـاب‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك‬
‫جمِيعا قال‪ :‬أمة مـحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ج ُعكُ مْ َ‬
‫ت إلـى الّل ِه َمرْ ِ‬
‫خيْرَا ِ‬
‫س َتبِقُوا الـ َ‬
‫يقول‪ :‬فـا ْ‬
‫البرّ والفـاجر‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ‬
‫ِعـ أَهْوَآءَه ْ‬
‫ّهـ َولَ َت ّتب ْ‬
‫ل الل ُ‬
‫ُمـ بِمَآ أَنزَ َ‬
‫َنـ احْكُم َب ْي َنه ْ‬
‫{وَأ ِ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ح َذرْهُ مْ أَن يَ ْف ِتنُو كَ عَن َبعْ ضِ مَآ أَنزَلَ الّل ُه إَِليْ كَ َفإِن تَوَّلوْاْ فَاعْلَ ْم َأنّمَا ُيرِيدُ اللّ هُ أَن يُ صِي َبهُم‬
‫وَا ْ‬
‫ن النّاسِ َلفَاسِقُونَ }‪..‬‬
‫ن َكثِيرا مّ َ‬
‫ِب َبعْضِ ُذنُو ِب ِهمْ وَإِ ّ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬وأن اح كم ب ـينهم ب ـما أنزل ال وأنزل نا إل ـيك يا م ـحمد‬
‫الكتاب‪ ,‬مصدّقا لـما ب ـين يديه من الكتاب‪ ,‬وأن احكم بـينهم ف«أ نْ» فـي موضع نصب‬
‫ل اللّهُ‪ :‬بحكم ال الذي أنزله إلـيك فـي كتابه‪.‬‬
‫بـالتنزيـل‪ .‬ويعنـي بقوله‪ :‬بِـمَا أ ْنزَ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَل َت ّتبِ عْ أ ْهوَاءَهُ مْ فإنه نهي من ال نبـيه مـحمدا صلى ال عليه وسلم أن يتبع‬
‫أهواء ال ـيهود الذ ين احتكموا إل ـيه ف ـي قت ـيـلهم وف ـاجِ َريْهم‪ ,‬وأ ْمرٌ م نه له بلزوم الع مل‬
‫ض ما أ ْنزَلَ الّل هُ إلَ ـ ْيكَ يقول‬
‫ع نْ َبعْ ِ‬
‫حذَرْهُ مْ أ نْ ي ْف ِتنُو كَ َ‬
‫بكتا به الذي أنزله إل ـيه‪ .‬وقوله‪ :‬وَا ْ‬
‫تعال ـى ذكره لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬واحذر يا م ـحمد هؤلء ال ـيهود الذ ين جاءوك‬
‫مــحتكمين إلــيك أن يفتنوك‪ ,‬فــيصدّوك عـن بعـض مـا أنزل ال إلــيك مـن حكـم كتابـه‪,‬‬
‫ن تَوَّلوْا فـاعْلَـ ْم أنّـمَا ُيرِيدُ ال‬
‫فـيحملوك علـى ترك العمل به واتبـاع أهوائهم‪ .‬وقوله‪ :‬فإ ْ‬
‫ن يُ صِي َب ُهمْ ِب َبعْ ضِ ُذنُوبِه مْ يقول تعال ـى ذ كر‪ :‬فإن تول ـى هؤلء ال ـيهود الذ ين اخت صموا‬
‫أ ْ‬
‫إلـيك عنك‪ ,‬فتركوا العمل بـما حكمت به علـيهم‪ ,‬وقضيت فـيهم‪ ,‬فـاعلـم أنـما يريد ال‬
‫أن ي صيبهم بب عض ذنوب هم‪ ,‬يقول‪ :‬ف ـاعلـم أن هم ل ـم يتولوا عن الر ضا بحك مك و قد قض يت‬
‫بـالـحقّ إل من أجل أن ال يريد أن يتعجل عقوبتهم فـي عاجل الدنـيا ببعض ما قد سلف‬
‫ن يقول‪ :‬وإن كث ـيرا من ال ـيهود لف ـاسقون‪,‬‬
‫ن النّا سِ لفَ ـاسِقُو َ‬
‫من ذنوب هم‪ .‬وَإ نّ كَث ـيرا مِ َ‬
‫يقول‪ :‬لتاركوا العمل بكتاب ال‪ ,‬ولـخارجون عن طاعته إلـى معصيته‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الرواية عن أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9555‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬قال كعب بن أسد وابن صوريا وشأس بن قـيس بعضهم لبعض‪ :‬اذهبوا بنا‬
‫إل ـى م ـحمد لعل نا نفت نه عن دي نه فأتوه فقالوا‪ :‬يا م ـحمد إ نك قد عر فت أ نا أحب ـار يهود‬
‫وأشرافهـم وسـاداتهم‪ ,‬وأ نا إن اتبعناك اتبعَ نا يهود ولــم يخالفو نا‪ ,‬وإ نّ ب ـيننا وب ـين قوم نا‬
‫خصومة‪ ,‬فنـحاكمهم إلـيك‪ ,‬فتقضيَ لنا علـيهم ونؤمِن لك ونصدّقك فأبـي رسول ال صلى‬
‫ح َذرْهُمْ‬
‫حكُمْ بَـ ْي َن ُهمْ بِـمَا أ ْنزَلَ الّلهُ وَل َت ّتبِ ْع أهْوَاءهُمْ وَا ْ‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال فـيهم‪ :‬وأنِ ا ْ‬
‫ل اللّ ُه إلَـ ْيكَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬لِ َق ْومٍ يُو ِقنُونَ‪.‬‬
‫ن َبعْضِ ما أنْزَ َ‬
‫ن يَ ْف ِتنُوكَ عَ ْ‬
‫أْ‬
‫حذَرْهُم أ نْ‬
‫‪ 9556‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫ل اللّ ُه إلَـ ْيكَ قال‪ :‬أن يقولوا فـي التوراة كذا‪ ,‬وقد بـينا لك ما فـي‬
‫ن َبعْ ضِ ما أنْزَ َ‬
‫يَ ْف ِتنُوكَ عَ ْ‬
‫ن والنْ فَ ب ـالنْفِ‬
‫ن ب ـالعَيْ ِ‬
‫س ب ـالنّفسِ وَال َعيْ َ‬
‫ن النّفْ َ‬
‫التوراة‪ .‬وقرأ‪ :‬و َك َتبْ نا عَلَ ـ ْي ِهمْ فِ ـيها أ ّ‬
‫ح قِصَاصٌ بعضها ببعض‪.‬‬
‫جرُو َ‬
‫ن والـ ُ‬
‫ن بـالسّ ّ‬
‫لذُنِ وَالسّ ّ‬
‫ن بـا ُ‬
‫لذُ َ‬
‫وا ُ‬
‫‪9557‬ــ حدثنــي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيــم‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن الشعبــيّ‪ ,‬قال‪ :‬دخــل‬
‫ح ُكمْ بَـ ْينَ ُهمْ بِـمَا أ ْنزَلَ اللّهُ‪.‬‬
‫ناْ‬
‫الـمـجوس مع أهل الكتاب فـي هذه الَية‪ :‬وأ ِ‬

‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكْما لّقَوْ مٍ‬
‫ن مِ نَ الّل ِه ُ‬
‫ن َأحْ سَ ُ‬
‫ن َومَ ْ‬
‫حكْ مَ ا ْلجَاهِِليّ ِة َي ْبغُو َ‬
‫{َأ َف ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يُو ِقنُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أيبغي هؤلء الـيهود الذين احتكموا إلـيك فلـم يرضوا بحكمك‪ ,‬وقد‬
‫حكمـت فــيهم بــالقسط حكـم الــجاهلـية‪ ,‬يعنــي أحكام عبدة الوثان مـن أهـل الشرك‪,‬‬
‫وعندهم كتاب ال فـيه بـيان حقـيقة الـحكم الذي حكمت به فـيهم‪ ,‬وإنه الـحقّ الذي ل‬
‫يجوز خل فه‪ .‬ثم قال تعال ـى ذكره موب خا لهؤلء الذ ين أبوا قبول ح كم ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم علـيهم ولهم من الـيهود‪ ,‬ومستـجهلً فعلهم ذلك منهم‪ :‬ومن هذا الذي هو أحسن‬
‫حك ما أيها ال ـيهود من ال تعال ـى ذكره عند من كان يو قن بوحدان ـية ال ويق ّر بربوبـيته‪,‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أيّ حكم أحسن من حكم ال إن كنتـم موقنـين أن لكم ربـا وكنتـم أهل‬
‫توحيد وإقرار به‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال مـجاهد‪.‬‬
‫‪9558‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن قال‪ :‬يهود‪.‬‬
‫ح ْكمَ الـجاهِلِـيّ ِة َي ْبغُو َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ :‬أفَ ُ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ح ْكمَ الـجاهِلِـيّ ِة َي ْبغُونَ‪ :‬يهود‪.‬‬
‫مـجاهد‪ :‬أفَ ُ‬
‫ْمـ‬
‫حك َ‬‫حدثنــي الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا شيـخ‪ ,‬عـن مــجاهد‪ :‬أ َف ُ‬
‫ن قال‪ :‬يهود‪.‬‬
‫الـجاهِلِـيّ ِة َي ْبغُو َ‬

‫تابع ‪ :‬سورة المائدة‬


‫اليات ‪81 -51 :‬‬
‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خذُواْ ا ْل َيهُودَ وَالنّ صَارَىَ َأوِْليَآءَ‬
‫ن آ َمنُو ْا لَ َت ّت ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬يَ ـأَ ّيهَا اّلذِي َ‬
‫ن اللّ َه لَ َي ْهدِي الْ َق ْومَ الظّاِلمِينَ }‪..‬‬
‫ض ُهمْ أَوِْليَآ ُء َبعْضٍ َومَن َيتَوَّل ُهمْ مّن ُكمْ َفإِنّ ُه ِم ْن ُهمْ إِ ّ‬
‫َبعْ ُ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بهذه الَية وإن كان مأمورا بذلك جميع الـمؤمنـين‪,‬‬
‫ى ابن سَلُول فـي براءة عبـادة‬
‫فقال بعضهم‪ :‬عنى بذلك‪ :‬عبُـادة بن الصامت وعبد ال بن ُأ َب ّ‬
‫ي ابن سلول بحلف الـيهود بعد ما ظهرت‬
‫من حلف الـيهود‪ ,‬وفـي تـمسك عبد ال بن أبـ ّ‬
‫عداوت هم ل ولر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأ خبره ال أ نه إذا تول هم وت ـمسك بحلف هم أ نه‬
‫منهم فـي براءته من ال ورسوله كبراءتهم منهما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9559‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي‪ ,‬عن عطية بن سعد‪,‬‬
‫قال‪ :‬جاء عبـادة ابن الصامت من بنـي الـحرث بن الـخزرج إلـى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬إن لـي موالـي من يهود كثـير عددهم‪ ,‬وإنـي أبرأ إلـى‬
‫ال ورسوله من ولية يهود وأتولـى ال ورسوله فقال عبد ال بن أبـيّ‪ :‬إنـي رجل أخاف‬
‫الدوائر‪ ,‬ل أبرأ من ولية موالـيّ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعبد ال ابن أبـيّ‪:‬‬
‫ت بِ ِه مِ نْ وِليَ ِة َيهُودَ عل ـى عُبـادَ َة ب نِ ال صّامِتِ َفهُوَ إلَـيكَ‬
‫« يا أب ـا الـحُبـابِ مَا َبخِ ـلْ َ‬
‫خذُوا الـ َيهُودَ والنّ صَارَى أوْلِـياءَ‬
‫دُونَ هُ»‪ .‬قال‪ :‬قد قبلت‪ .‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫ض ُهمْ أوْلِـيا ُء َبعْضٍ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬فتَرى اّلذِينَ فِـي قُلُو ِبهِ ْم مَرَضٌ‪.‬‬
‫َبعْ ُ‬
‫‪ 9560‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي عثمان بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫الزهري‪ ,‬قال‪ :‬لــما انهزم أهـل بدر قال الــمسلـمون لولــيائهم مـن يهود‪ :‬آمنوا قبـل أن‬
‫يصيبكم ال بـيوم مثل يوم بدر فقال مالك ابن صيف‪ :‬غرّكم أن أصبتـم رهطا من قريش ل‬
‫عل ـم ل هم ب ـالقتال‪ ,‬أ ما لو أ سررنا العزي ـمة أن ن ستـجمع عل ـيكم ل ـم ي كن ل كم يد أن‬
‫تقاتلو نا‪ .‬فقال عب ـادة‪ :‬يا ر سول ال إن أول ـيائي من ال ـيهود كا نت شديدة أنف سهم كث ـيرا‬
‫سلحهم شديدة شوكتهم‪ ,‬وإنـي أبرأ إلـى ال وإلـى رسوله من وليتهم‪ ,‬ول مولـى لـي‬
‫إل ال ورسوله‪ .‬فقال عبد ال بن أبـيّ‪ :‬لكنـي ل أبرأ من ولء يهود‪ ,‬إنـي رجل ل بدّ لـي‬
‫منهم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬يا أبـا حُبـابِ أرأيْ تَ اّلذِي نَفَ سْتَ بِ هِ ِم نْ وَلءِ‬
‫َيهُودَ عل ـى عُب ـادَةَ‪َ ,‬فهُ َو لَ كَ دونَ هُ»‪ .‬قال‪ :‬إذن أق بل‪ .‬فأنزل ال تعال ـى ذكره‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫ضهُ مْ أوْلـياءُ َبعْ ضٍ‪ ...‬إلـى أن بلغ إلـى‬
‫خذُوا الـ َيهُودَ والنّ صَارَى أوْلِـياءَ َب ْع ُ‬
‫آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫ن النّاسِ‪.‬‬
‫ص ُمكَ مِ َ‬
‫قوله‪ :‬وَاللّ ُه َيعْ ِ‬
‫‪ 9561‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي والدي إسحاق بن‬
‫ي سار‪ ,‬عن عب ـادة ا بن الول ـيد بن عب ـادة بن ال صامت‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما حار بت ب نو قَ ـينُقاع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬تشبث بأمرهم عبد ال بن أبـيّ‪ ,‬وقام دونهم‪ .‬ومشى عبـادة‬
‫بن الصامت إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكان أحد بنـي عوف بن الـخزرج من‬
‫له حلفهم مثل الذي لهم من عبد ال بن أبـيّ‪ ,‬فخـلعهم إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫وتبرأ إلـى ال وإلـى رسوله من حلفهم‪ ,‬وقال‪ :‬يا رسول ال أتبرأ إلـى ال وإلـى رسوله‬
‫مـن حلفهـم وأتولــى ال ورسـوله والــمؤمنـين‪ ,‬وأبرأ مـن حلف الكفــار ووليتهـم ففــيه‬
‫خذُوا الـيَهُودَ‬
‫وفـي عبد ال بن أبـيّ نزلت الَيات فـي الـمائدة‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫والّنصَارَى أوْلِـياءَ َب ْعضُ ُهمْ أوْلِـيا ُء َبعْضً‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُ نى بذلك قوم من ال ـمؤمنـين كانوا هموا ح ين نال هم بأُ حد من أعدائ هم‬
‫من ال ـمشركين ما نال هم أن يأخذوا من ال ـيهود عِ صَما‪ ,‬فنها هم ال عن ذلك‪ ,‬وأعل ـمهم أن‬
‫من فعل ذلك منهم فهو منهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9562‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ض ُهمْ أوْلِـيا ُء َبعْضٍ‬
‫خذُوا الـ َيهُودَ والّنصَارَى أوْلِـيا َء َبعْ ُ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫عن السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ُمـ قال‪ :‬لــما كانـت وقعـة أُحـد‪ ,‬اشتدّ علــى طائفـة مـن الناس‬
‫ّهـ ِم ْنه ْ‬
‫ُمـ فإن ُ‬
‫ُمـ ِم ْنك ْ‬
‫َنـ َيتَوّله ْ‬
‫َوم ْ‬
‫وت ـخوّفوا أن يُدال عل ـيهم الكف ـار‪ ,‬فقال ر جل ل صاحبه‪ :‬أ ما أ نا فأل ـحقُ بدَهْلَ كَ ال ـيهودي‬
‫فآخـذ منـه أمانـا وأتهوّد معـه‪ ,‬فإنــي أخاف أن تدال علــينا الــيهود‪ .‬وقال الَخـر‪ :‬أمـا أنـا‬
‫فألـحق بفلن النصرانـيّ ببعض أرض الشام فآخذ منه أمانا وأنتصر معه‪ .‬فأنزل ال تعالـى‬
‫ضهُ مْ أوْلِ ـياءُ‬
‫خذُوا ال ـ َيهُودَ والنّ صَارَى أوْلِ ـياءَ َب ْع ُ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّ ـ ِ‬
‫ذكره ينهاه ما‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ن اللّ َه ل َي ْهدِي القَ ْو َم الظّالَـمِينَ‪.‬‬
‫ن َيتَوَّل ُهمْ ِم ْنكُ ْم فإنّ ُه ِم ْنهُمْ إ ّ‬
‫َبعْضٍ َومَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُن ـي بذلك أ بو لب ـابة بن ع بد ال ـمنذر ف ـي إعل مه بن ـي قري ظة إذ‬
‫رضوا بحكم سعد أنه الذبح‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9563‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫ضهُمْ أوْلِـياءُ َبعْ ضٍ َومَ نْ‬
‫خذُوا الـ َيهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ َب ْع ُ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫َيتَوَّلهُمْ ِم ْنكُمْ فإنّ ُه ِم ْنهُمْ قال‪ :‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أبـا لبـابة بن عبد الـمنذر‬
‫من الوس‪ ,‬و هو من بن ـي عمرو بن عوف‪ ,‬فبع ثه إل ـى قري ظة ح ين نق ضت الع هد‪ ,‬فل ـما‬
‫أطاعوا له بـالنزول أشار إلـى حلقه الذبح الذبح‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال‪ :‬إن ال تعالـى ذكره نهى الـمؤمنـين جميعا‬
‫أن يتــخذوا ال ـيهود والن صارى أن صارا وحلف ـاء عل ـى أ هل الي ـمان بــال ور سوله‪,‬‬
‫وأخبر أنه من اتـخذهم نصيرا وحلـيفـا وولـيا من دون ال ورسوله والـمؤمنـين‪ ,‬فإنّه‬
‫منهم فـي التـحزّب علـى ال وعلـى رسوله والـمؤمنـين‪ ,‬وأن ال ورسوله منه بريئان‪.‬‬
‫وقد يجوز أن تكون الَية نزلت فـي شأن عُبـادة بن الصامت وعبد ال بن أبـيّ ابن سلول‬
‫وحلفـائهما من ال ـيهود‪ ,‬ويجوز أن تكون نزلت ف ـي أب ـي لُب ـابة بسبب فعله ف ـي بن ـي‬
‫همـ‬
‫قريظـة‪ ,‬ويجوز أن تكون نزلت فــي شأن الرجلــين اللذيـن ذكـر السـدّيّ أن أحدهمـا ّ‬
‫ح من هذه القوال الثلثة‬
‫بـاللـحاق بدهلك الـيهودي والَخر بنصرانـي بـالشأم‪ ,‬ولـم يص ّ‬
‫خـبر يثبـت بــمثله حجـة فــيسلـم لصـحته القول بأنـه كمـا قــيـل‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‬
‫فـالصواب أن ُيحْكم لظاهر التنزيـل بـالعموم علـى ما ع مّ‪ ,‬ويجوز ما قاله أهل التأويـل‬
‫فـيه من القول الذي ل علـم عندنا بخل فه غير أنه ل شك أن الَية نزلت فـي منافق كان‬
‫يوالـي يهودَ أو نصارى‪ ,‬خوفـا علـى نفسه من دوائر الدهر‪ ,‬لن الَية التـي بعد هذه تدل‬
‫خشَى أ نْ‬
‫ن نَـ ْ‬
‫ن فِـي قُلُو ِبهِمْ َمرَضٌ يُسارِعُونَ فِـي ِهمْ يَقُولُو َ‬
‫علـى ذلك‪ ,‬وذلك قوله‪َ :‬فتَرى اّلذِي َ‬
‫ُتصِيبَنا دَا ِئرَةٌ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ضهُ مْ أوْلِـياءُ َبعْ ضٍ فإنه عنى بذلك أن بعض الـيهود أنصار بعضهم علـى‬
‫وأما قوله‪َ :‬ب ْع ُ‬
‫ال ـمؤمنـين‪ ,‬و يد واحدة عل ـى جميع هم‪ ,‬وأن الن صارى كذلك بعض هم أن صار ب عض عل ـى‬
‫من خالف دينهم وملتهم‪ ,‬معرّفـا بذلك عبـاده الـمؤمنـين أن من كان لهم أو لبعضهم ولـيا‬
‫فإنـما هو ولـيهم علـى من خالف ملتهم ودينهم من الـمؤمنـين‪ ,‬كما الـيهود والنصارى‬
‫لهـم حرب‪ ,‬فقال تعالــى ذكره للــمؤمنـين‪ :‬فكونوا أنتــم أيضـا بعضُكـم أولــياءُ بعـض‪,‬‬
‫وللـيهودي والنصرانـي حربـا كما هم لكم حرب‪ ,‬وبعضهم لبعض أولـياء لن من والهم‬
‫فقد أظهر لهل اليـمان الـحرب ومنهم البراءة‪ ,‬وأبـان قطع وليتهم‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َمنْ َيتَوَّل ُهمْ ِم ْن ُكمْ فإنّهُ ِم ْن ُهمْ‪.‬‬
‫ن َيتَوَّلهُ ْم ِم ْنكُمْ فإنّ ُه ِم ْنهُمْ ومن يتولّ الـيهود والنصارى دون‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪َ :‬و َم ْ‬
‫ال ـمؤمنـين فإ نه من هم‪ ,‬يقول‪ :‬فإن من تول هم ون صرهم عل ـى ال ـمؤمنـين‪ ,‬ف هو من أ هل‬
‫ل أحدا إل وهو به وبدينه وما هو علـيه راض‪ ,‬وإذا رضيه‬
‫دينهم وملتهم‪ ,‬فإنه ل يتولـى متو ّ‬
‫ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه‪ ,‬وصار حكمه حكمه‪ ,‬ولذلك حكم من حكم من أهل‬
‫العل ـم لن صارى بن ـي َتغْلب ف ـي ذب ـائحهم ونكاح ن سائهم وغ ير ذلك من أمور هم بأحكام‬
‫ن صارى بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬ل ـموالتهم إيا هم ورضا هم ب ـملتهم ون صرتهم ل هم عل ـيها‪ ,‬وإن‬
‫كانـت أنسـابهم لنسـابهم مخالفـة وأصـل دينهـم لصـل دينهـم مفــارقا‪ .‬وفــي ذلك الدللة‬
‫ل من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت‬
‫الواضحة علـى صحة ما نقول‪ ,‬من أن ك ّ‬
‫دينونته به قبل مـجيء السلم أو بعده‪ ,‬إل أن يكون مسلـما من أهل ديننا انتقل إلـى ملة‬
‫غيرها‪ ,‬فإنه ل يقرّ علـى ما دان به فـانتقل إلـيه‪ ,‬ولكن يقتل لردّته عن السلم ومفـارقته‬
‫دين الـحقّ‪ ,‬إل أن يرجع قبل القتل إلـى الدين الـحقّ‪ ,‬وفساد ما خالفه من قول من زعم أنه‬
‫ل إلــى‬
‫ل يحكـم بح كم أهـل الكتاب ـين ل ـمن دان بدين هم‪ ,‬إل أن يكون إ سرائيـلـيا أو منتق ً‬
‫دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان‪ .‬فأما من دان بدينهم بعد نزول الفرقان مـمن لـم ي كن‬
‫من هم م ـمن خالف ن سبه ن سبهم وجن سه جن سهم‪ ,‬فإ نه حك مه ل ـحكمهم مخالف‪ .‬ذ كر من قال‬
‫بـما قلنا من التأويـل‪:‬‬
‫‪9564‬ــ حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حميـد بـن عبـد الرحمـن الرواسـي‪ ,‬عن ابـن أبــي‬
‫لـيـلـى‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى‬
‫العرب‪ ,‬فقرأ‪َ :‬ومَنْ َي َتوَّل ُهمْ ِم ْنكُمْ فإنّ ُه ِم ْنهُمْ‪.‬‬
‫‪ 9565‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫خذُوا‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ن َيتَوَّلهُ مْ ِم ْنكُ مْ فإنّ ُه ِم ْنهُ مْ أن ها ف ـي‬
‫ضهُ مْ وْلِ ـياءُ َبعْ ضٍ َومَ ْ‬
‫ال ـ َيهُودَ وَالنّ صَارَى أوْلِ ـياءَ َب ْع ُ‬
‫الذبـائح‪ ,‬من دخـل فـي دين قوم فهو منهم‪.‬‬
‫‪ 9566‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن‬
‫عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬كلوا من ذب ـائح بن ـي َتغْلب‪ ,‬وتزوّجوا من ن سائهم‪ ,‬فإن ال‬
‫ضهُمْ أوْلِـياءُ َبعْضٍ‬
‫خذُوا الـ َيهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ َب ْع ُ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫يقول كتابه‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ن َيتَوَّل ُهمْ ِم ْن ُكمْ فإنّه ِم ْن ُهمْ ولو لـم يكونوا منهم إل بـالولية لكانوا منهم‪.‬‬
‫َومَ ْ‬
‫‪ 9567‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح سين بن عل ـيّ‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن هشام‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫الـحسن ل يرى بذبـائح نصارى العرب ول نكاح نسائهم بأسا‪ ,‬وكان يتلو هذه الَية‪ :‬يا أيّها‬
‫ضهُ مْ أوْلِـياءُ َبعْ ضٍ َومَ نْ َيتَوَّلهُ مْ ِم ْنكُ مْ‬
‫خذُوا الـ َيهُودَ وَالنّصارَى أوْلِـياءَ َب ْع ُ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّـ ِ‬
‫اّلذِي َ‬
‫فإنّ ُه ِم ْن ُهمْ‪.‬‬
‫‪ 9568‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن هارون بن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬سئل ابن سيرين عن رجل يبـيع داره من نصارى يتـخذونها بـيعة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فتل هذه الَية‪ :‬ل َتتّـخِذُوا الـ َيهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ‪.‬‬
‫ن اللّ َه ل َي ْهدِى ال َق ْومَ الظّالِـمِينَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إ ّ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بذلك‪ ,‬أن ال ل يوفق من وضع الولية فـي غير موضعها فوالَـى‬
‫ال ـيهود والن صارى مع عداوت هم ال ور سوله وال ـمؤمنـين عل ـى ال ـمؤمنـين‪ ,‬وكان ل هم‬
‫ظهيرا ونصـيرا‪ ,‬لن مـن تولهـم فهـو ل ولرسـوله وللــمؤمنـين حرب‪ .‬وقـد بــينا معنـى‬
‫الظلـم فـي غير هذا الـموضع وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه بـما أغنى إعادته‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِي قُلُو ِبهِم ّمرَ ضٌ يُ سَارِعُونَ فِيهِ مْ يَقُولُو نَ‬
‫{ َف َترَى اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سرّواْ‬
‫ص ِبحُواْ عََلىَ مَآ أَ َ‬
‫ح أَ ْو َأ ْمرٍ مّ نْ عِندِ ِه َفيُ ْ‬
‫خشَىَ أَن تُ صِي َبنَا دَآئِرَ ٌة َفعَ سَى الّل هُ أَن َي ْأتِ يَ بِالْ َفتْ ِ‬
‫َن ْ‬
‫سهِمْ نَا ِدمِينَ }‪..‬‬
‫فِيَ َأ ْن ُف ِ‬
‫عنِى بها عبد ال بن أبـيّ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنى بهذه الَية‪ ,‬فقال بعض هم‪ُ :‬‬
‫بن سلول‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9569‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي‪ ,‬عن عطية بن سعد‪:‬‬
‫َفتَرَى اّلذِي نَ فِ ـي قُلُو ِبهِ مْ َمرَ ضٌ ع بد ال بن أب ـيّ‪ ,‬يُ سارِعُونَ فِ ـيِهمْ ف ـي وليت هم‪ ,‬يَقُولُو نَ‬
‫س ِهمْ‬
‫سرّوا ف ـي أنْفُ ِ‬
‫ص ِبحُوا عل ـى ما أ َ‬
‫ن تُ صِيبَنا دَا ِئرَةٌ‪ ...‬إل ـى آ خر الَ ية فَ ـيُ ْ‬
‫نَ ـخْشَى أ ْ‬
‫نادِمِينَ‪.‬‬
‫‪ 9570‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي والدي‬
‫ن فِـي قُلُو ِبهِ مْ‬
‫إسحاق بن يسار‪ ,‬عن عبـادة بن الولـيد بن عبـادة بن الصامت‪َ :‬ف َترَى اّلذِي َ‬
‫خشَى أ نْ تُ صِيبَنا دَائِرَ ٌة لقوله‪:‬‬
‫ن فِـي ِهمْ يَقُولُو نَ نَـ ْ‬
‫مَر ضٌ يعنـي‪ :‬عبد ال بن أبـيّ‪ ,‬يُسارِعُو َ‬
‫إنـي أخشى دائرة تصيبنـي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل عنــي بذلك قوم مـن الــمنافقـين كانوا يناصـحون الــيهود ويغشون‬
‫ال ـمؤمنـين ويقولون‪ :‬ن ـخشي أن تكون دائرة لل ـيهود عل ـى ال ـمؤمنـين‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪9571‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن فِـي قُلُو ِبهِ مْ مَر ضٌ يِسارِعُونَ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال تعالـى ذكره‪َ :‬فتَرَى اّلذِي َ‬
‫فِـيهِمْ قال‪ :‬الـمنافقون فـي مصانعة يهود ومناجاتهم‪ ,‬واسترضاعهم أولدهم إياهم‪ .‬وقول ال‬
‫ن ُتصِيبنَا دَائِرةٌ قال‪ :‬يقول‪ :‬نـخشى أن تكون الدائرة للـيهود‪.‬‬
‫تعالـى ذكره‪ :‬تَـخْشَى أ ْ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9572‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫َفتَرَى اّلذِي نَ فِ ـي قُلُو ِبهِ مْ َمرَ ضٌ‪ ...‬إل ـى قوله‪ :‬نا ِدمِي نَ‪ :‬أناس من ال ـمنافقـين كانوا يودّون‬
‫الـيهود ويناصحونهم دون الـمؤمنـين‪.‬‬
‫‪9573‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط عن‬
‫ن تُصِيبَنا‬
‫ن فِـيهِمْ نَـخْشَى يقولون أ ْ‬
‫ض قال‪ :‬شكّ يُسارِعُو َ‬
‫السديّ‪َ :‬ف َترَى اّلذِينَ فِـي قُلُو ِب ِهمْ مَر ٌ‬
‫دَائِرَ ٌة والدائرة‪ :‬ظهور الـمشركين علـيهم‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندنـا أن يقال‪ :‬إن ذلك مـن ال خـبر عـن ناس مـن‬
‫ال ـمنافقـين كانوا يوالون ال ـيهود والن صارى‪ ,‬و َي ُغشّون ال ـمؤمنـين‪ ,‬ويقولون‪ :‬ن ـخشى أن‬
‫عبَدة الوثان أو غير هم عل ـى‬
‫تدور دوائر‪ ,‬إ ما لل ـيهود والن صارى‪ ,‬وإ ما ل هل الشرك من َ‬
‫أ هل ال سلم‪ ,‬أو تنزل بهؤلء ال ـمنافقـين نازلة‪ ,‬ف ـيكون ب نا إل ـيهم حا جة‪ .‬و قد يجوز أن‬
‫يكون ذلك كان من قول ع بد ال بن أب ـيّ‪ ,‬ويجوز أن يكون كان من قول غيره‪ ,‬غ ير أ نه ل‬
‫شك أنه من قول الـمنافقـين‪.‬‬
‫فتأويــل الكلم إذن‪ :‬فترى يـا مــحمد الذيـن فــي قلوبهـم مرض وشكّـ إيــمان بنبوّتـك‪,‬‬
‫وت صديق ما جئت هم به من ع ند ر بك يُ سَارِعُونَ فِ ـي ِهمْ يعن ـي ف ـي ال ـيهود والن صاري‪.‬‬
‫خشَى أ نْ‬
‫ويعن ـي ب ـمسارعتهم ف ـيهم‪ :‬م سارعتهم ف ـي موالت هم وم صانعتهم‪ .‬يَقُولُو نَ نَ ـ ْ‬
‫تُ صِيبَنا دَائِرةٌ يقول هؤلء ال ـمنافقون‪ :‬إن ـما ن سارع ف ـي موالة هؤلء ال ـيهود والن صارى‬
‫خوفـا من دائرة تدور علـينا من عدوّنا‪ .‬ويعنـي بـالدائرة‪ :‬الدّولة‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫ن َتدُورَا‬
‫ك ال َق َدرَ الـمَ ْقدُورَا َودَائِراتِ الدّ ْهرِ أ ْ‬
‫ع ْن َ‬
‫َت ُردّ َ‬
‫يعنـي‪ :‬أن تدول للدهر َدوْلة فنـحتاج إلـى نصرتهم إيانا‪ ,‬فنـحن نوالـيهم لذلك‪ .‬فقال ال‬
‫ع ْندِ هِ فَ ـ ُيصْ ِبحُوا عل ـى ما‬
‫ي ب ـال َفتْـحِ أوْ أ ْمرٍ مِ نْ ِ‬
‫ن َي ْأتِ ـ َ‬
‫تعال ـى ذكره ل هم‪َ :‬فعَ سَى اللّ هُ أ ْ‬
‫سهِمْ نا ِدمِينَ‪.‬‬
‫أسَرّوا فـي أ ْن ُف ِ‬
‫ِهـ‬
‫ع ْند ِ‬
‫ِنـ ِ‬
‫أنـ َي ْأتِــيَ بــال َفتْـحِ أ ْو أ ْمرٍ م ْ‬
‫ّهـ ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ :‬فعَسـَى الل ُ‬
‫س ِهمْ نا ِدمِينَ‪.‬‬
‫صبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْ ُف ِ‬
‫فَـ ُي ْ‬
‫ع ْندِ ِه فلعلّ ال أن‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪َ :‬فعَ سَى الّل هُ أ نْ َي ْأتِ ـيَ ب ـال َفتْـحِ أ ْو أ ْمرٍ مِ نْ ِ‬
‫يأتـي بـالفتـح‪ .‬ثم اختلفوا فـي تأويـل الفتـح فـي هذا الـموضع‪ ,‬فقال بعضهم‪ :,‬عنـي‬
‫به ههنا القضاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9574‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬فعَ سَى الّل هُ أ نْ‬
‫َي ْأتِـيَ بـال َفتْـحِ قال‪ :‬بـالقضاء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنـي به فتـح مكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9575‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمدبن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ح قال‪ :‬فتـح مكة‪.‬‬
‫ن َي ْأتِـيَ بـال َفتْـ ِ‬
‫السديّ‪َ :‬فعَسَى اللّهُ أ ْ‬
‫والفت ـح ف ـي كلم العرب‪ :‬هو القضاء ك ما قال قتادة‪ ,‬وم نه قول ال تعال ـى‪َ :‬ربّ نا ا ْفتَ ـحْ‬
‫حقّ‪ .‬وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعد ال نبـيه مـحمدا‬
‫ن قَ ْومِنا بـالـ َ‬
‫بَـ ْينَنا وَبـي َ‬
‫ن َي ْأتِ ـيَ ب ـال َفتْـحِ فت ـح م كة‪ ,‬لن ذلك كان من‬
‫صلى ال عل يه و سلم بقوله‪َ :‬فعَ سَى اللّ هُ أ ْ‬
‫عظيـم قضاء ال وفصل حكمة بـين أهل اليـمان والكفر‪ ,‬ويقرّر عند أهل الكفر والنفـاق‬
‫ن كيدِ الكافرين‪.‬‬
‫أن ال ُمعْلِـي كلـمتِه ومُوهِ ُ‬
‫ع ْندِ ِه فإن السديّ كان يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫وأما قوله‪ :‬أوْ أ ْمرٍ مِنْ ِ‬
‫‪ 9576‬ـ حدثنـي م ـحمد بن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مفضّل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أسبـاط‪,‬‬
‫ع ْندِ ِه قال‪ :‬المر‪ :‬الـجزية‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬أ ْو أ ْمرٍ مِنْ ِ‬
‫وقد يحتـمل أن يكون المر الذي وعد ال نبـيه مـحمدا صلى ال عليه وسلم أن يأتـي‬
‫به‪ ,‬هو ال ـجزية‪ ,‬ويحت ـمل أن يكون غير ها‪ .‬غ ير أ نه أ يّ ذلك كان ف هو م ـما ف ـيه إدالة‬
‫الـمؤمنـين علـى أهل الكفر بـال وبرسوله‪ ,‬ومـما يسوء الـمنافقـين ول يسرّهم وذلك‬
‫أن ال تعال ـى قد أ خبر عن هم أن ذلك ال مر إذا جاء أ صبحوا عل ـى ما أ سرّوا ف ـي أنف سهم‬
‫نادمين‪.‬‬
‫ِينـ فإنـه يعنــي‪ :‬هؤلء‬
‫ُسـ ِهمْ نا ِدم َ‬
‫أسـرّوا فــي أنْف ِ‬
‫ص ِبحُوا علــى مـا َ‬
‫وأمـا قوله‪ :‬فَــيُ ْ‬
‫ال ـمنافقـين الذ ين يوالون ال ـيهود والن صارى‪ ,‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ل عل ال أن يأتِ ـيَ بأ مر‬
‫من عنده ُيدِيـل به الـمؤمنـين علـى الكافرين الـيهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر‪,‬‬
‫ف ـيصبح هؤلء ال ـمنافقون عل ـى ما أ سرّوا ف ـي أنف سهم من مخالّة ال ـيهود والن صارس‬
‫ومودّتهم وبغضة الـمؤمنـين ومـحادتهم نادمين‪ .‬كما‪:‬‬
‫ص ِبحُوا عل ـى ما‬
‫‪ 9577‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فَ ـيُ ْ‬
‫سهِمْ نا ِدمِينَ من موادّتهم الـيهود‪ ,‬ومن غشّهم للسلم وأهله‪.‬‬
‫أسَرّوا فـي أ ْن ُف ِ‬

‫‪53‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج ْهدَ‬
‫سمُواْ بِاللّ هِ َ‬
‫ن َأقْ َ‬
‫{ َويَقُولُ اّلذِي نَ آ َمنُواْ أَهُ ـؤُل ِء اّلذِي َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سرِينَ }‪..‬‬
‫ص َبحُو ْا خَا ِ‬
‫عمَاُل ُهمْ َفأَ ْ‬
‫ح ِبطَتْ أَ ْ‬
‫َأ ْيمَانِ ِهمْ ِإ ّن ُهمْ َل َم َع ُكمْ َ‬
‫ـ آ َمنُوا فقرأتهــا قرّاء أهــل الـــمدينة‪:‬‬
‫ل اّلذِينـَ‬
‫اختلف القرّاء فـــي قراءة قوله‪َ :‬ويَقُو ُ‬
‫سمُوا‬
‫ن أقْ َ‬
‫ن يَقُول اّلذِي نَ آ َمنُوا أَ َهؤُلءِ الذي َ‬
‫سهِمْ نا ِدمِي َ‬
‫سرّوا ف ـي أنْفُ ِ‬
‫ص ِبحُوا عل ـى ما أ َ‬
‫«فَ ـيُ ْ‬
‫بـاللّهِ» بغير واو‪.‬‬
‫وتأوي ـل الكلم عل ـى هذه القراءة‪ :‬ف ـيصبح ال ـمنافقون إذا أت ـى ال ب ـالفتـح أو أ مر‬
‫من عنده‪ ,‬علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين‪ ,‬يقول الـمؤمنـين تعجبـا منهم ومن نفـاقهم‬
‫وكذبهم واجترائهم علـى ال فـي أيـمانهم الكاذبة بـال‪ :‬أهؤلء الذين أقسموا لنا بـال إنهم‬
‫لـمعنا وهم كاذبون فـي أيـمانهم لنا وهذا الـمعنى قصد مـجاهد فـي تأويـله ذلك الذي‪:‬‬
‫‪9578‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫ع ْندِ ِه حينئذٍ‪ ,‬يقول الذين آمنوا‪ :‬أهؤلء الذين أفسموا‬
‫ن يَأتِـيَ بـال َفتْـحِ أ ْو أ ْمرٍ مِنْ ِ‬
‫َفعَسَى اللّ ُه أ ْ‬
‫بـال جهد إيـمانهم‪ ,‬إنهم لـمعكم‪ ,‬حبطت أعمالهم فأصحوا خاسرين‪.‬‬
‫كذلك ذلك فــي مصـاحف أهـل الــمدينة بغيـر واو‪ .‬وقرأ ذلك بعـض البصـريـين‪َ :‬ويَقُولُ‬
‫ن آ َمنُوا ب ـالواو‪ ,‬ون صب «يقول» عطف ـا به عل ـى «فع سى ال أن يأت ـي ب ـالفتـح»‪.‬‬
‫اّلذِي َ‬
‫وذ كر قارىء ذلك أ نه كان يقول‪ :‬إن ـما أر يد بذلك‪ :‬فع سى ال أن يأت ـي ب ـالفتـح‪ ,‬وع سى‬
‫يقول الذين آمنوا‪ .‬ومـحال غير ذلك‪ ,‬لنه ل يجوز أن يقال‪ :‬وعسى ال أن يقول الذين آمنوا‪,‬‬
‫وكان يقول‪ :‬ذلك نـحو قولهم‪ :‬أكلت خبزا ولبنا‪ ,‬وكقول الشاعر‪:‬‬
‫سيْفـا َورُمـحَا‬
‫جكِ فـي ال َوغَىمُتَقَلّدا َ‬
‫ت زَ ْو َ‬
‫ورأيْ ِ‬
‫فتأويـل الكلم علـى هذه القراءة‪ :‬فعسى ال أن يأتـي بـالفتـح الـمؤمنـين‪ ,‬أو أمر من‬
‫عنده يديـلهم به علـى أهل الكفر من أعدائهم‪ ,‬فـيصبح الـمنافقون علـى ما أسرّوا فـي‬
‫أنف سهم نادم ين‪ ,‬وع سى أن يقول الذ ين آمنوا حينئذٍ‪ :‬هؤلء الذ ين أقسـموا ب ـال كذب ـا ج هد‬
‫ل اّلذِي نَ آ َمنُوا‪ .‬وقرأ‬
‫أي ـمانهم إنهم ل ـمعكم‪ .‬وهي ف ـي م صاحف أ هل العراق ب ـالواو‪َ :‬ويَقُو ُ‬
‫ل اّلذِي نَ آ َمنُوا ب ـالواو ور فع يقول ب ـالستقبـال وال سلمة من‬
‫ذلك قرّاء الكوف ـيـين‪َ :‬و َيقُو ُ‬
‫الـجوازم والنواصب‪.‬‬
‫وتأويـل من قرأ ذلك كذلك‪ :‬فـيصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم يندمون‪ ,‬ويقول الذين‬
‫آمنوا فــيبتدىء «يقول» فــيرفعها‪ .‬وقراءتنـا التــي نــحن علــيها‪َ :‬ويَقُولُ بإثبــات الواو‬
‫فــي‪« :‬ويقول»‪ ,‬لنهـا كذلك هـي فــي مصـاحفنا مصـاحف أهـل الشرق بــالواو‪ ,‬وبرفـع‬
‫«يقول» علـى البتداء‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم إذ كان القراءة عندنا علـى ما وصفنا‪ :‬فـيصبحوا علـى ما أسرّوا فـي‬
‫أنف سهم نادم ين‪ ,‬ويقول ال ـمؤمنون‪ :‬أهؤلء الذ ين حلفوا ل نا ب ـال ج هد أي ـمانهم كذب ـا إن هم‬
‫ح ِبطَت ْـ‬
‫لــمعنا‪ .‬يقول ال تعالــى ذكره مخـبرا عـن حالهـم عنده بنفــاقهم وخبـث أعمالهـم‪َ :‬‬
‫أعماُلهُمْ يقول‪ :‬ذهبت أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا بـاطلً ل ثواب لها ول أجر‪ ,‬لنهم‬
‫عملو ها عل ـى غ ير يق ـين من هم بأن ها عل ـيهم ل فرض وا جب ول عل ـى صحة إي ـمان‬
‫بــال ورسـوله‪ ,‬وإنــما كانوا يعملونهـا لــيدفعوا الــمؤمنـين بهـا عـن أنفسـهم وأموالهـم‬
‫ـبَحُوا خَاسـِرينَ يقول‪ :‬فأصـبح هؤلء‬
‫وذراريهـم‪ ,‬فأحبـط ال أجرهـا إذ لــم تكـن له فأص ْ‬
‫الـمنافقون عند مـجيء أمر ال بإدالة الـمؤمنـين علـى أهل الكفر قد وكسوا فـي شرائهم‬
‫الدنـيا بـالَخرة‪ ,‬وخابت صفقتهم وهلكوا‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آ َمنُو ْا مَن َي ْر َتدّ مِنكُ مْ عَن دِينِ ِه فَ سَ ْوفَ َي ْأتِي‬
‫{ َيأَ ّيهَا اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سبِيلِ الّل هِ َولَ‬
‫ن فِي َ‬
‫عزّةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِي نَ ُيجَا ِهدُو َ‬
‫حبّو َن ُه َأذِلّةٍ عَلَى ا ْلمُ ْؤ ِمنِي نَ َأ ِ‬
‫حبّهُ مْ َو ُي ِ‬
‫اللّ هُ بِ َقوْ ٍم ُي ِ‬
‫َيخَافُونَ َل ْومَ َة لئِ ٍم ذَِلكَ فَضْلُ الّلهِ ُي ْؤتِي ِه مَن َيشَآءُ وَالّلهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }‪..‬‬
‫يقول تعالــى ذكره للــمؤمنـين بــال وبرسـوله‪ :‬يـا أيّهـا اّلذِيـن آ َمنُوا‪ :‬أي صـدّقوا ل‬
‫ن دِينِ هِ‬
‫ن َي ْرتَ ّد ِم ْنكُ مْ عَ ْ‬
‫ورسوله‪ ,‬وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم مـحمد صلى ال عليه وسلم مَ ْ‬
‫يقول‪ :‬من يرجع منكم عن دينه الـحقّ الذي هو علـيه الـيوم‪ ,‬فـيبدّله ويغيرة بدخوله فـي‬
‫الكفر‪ ,‬إما فـي الـيهودية أو النصرانـية أو غير ذلك من صنوف الكفر‪ ,‬فلن يضر ال شيئا‪,‬‬
‫وسيأتـي ال بقوم يحبهم ويحبونه يقول‪ :‬فسوف يجيء ال بدلً منهم الـمؤمنـين الذين لـم‬
‫يبدّلوا ولـم يغيروا ولـم يرتدّوا‪ ,‬بقوم خير من الذين ارتدّوا وبدّلوا دينهم‪ ,‬يحبهم ال ويحبون‬
‫ال‪ .‬وكان هذا الوعيد من ال لـمن سبق فـي علـمه أنه سيرتدّ بعد وف ـاة نبـيه مـحمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكذلك وعده من وعد من الـمؤمنـين ما وعده فـي هذا الَية‪ ,‬لـمن‬
‫سبق له ف ـي عل ـمه أ نه ل يبدّل ول يغ ير دي نه ول يرتدّ‪ .‬فل ـما ق بض ال نب ـيه صلى ال‬
‫عليه وسلم ارتدّ أقوام من أهل الوبر وبعض أهل الـمدر‪ ,‬فأبدل ال الـمؤمنـين بخير منهم‬
‫كما قال تعالـى ذكره‪ ,‬ووفـى للـمؤمنـين بوعده‪ ,‬وأنفذ فـيـمن ارتدّ منهم وعيده‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9579‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد ال بن عياش‪ ,‬عن أبـي‬
‫صخر‪ ,‬عن مـحمد بن كعب‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلـيه يوما وعمر أمير الـمدينة‬
‫يومئذٍ‪ ,‬فقال‪ :‬يا أبـا حمزة‪ ,‬آية أسهرتنـي البـارحة قال مـحمد‪ :‬وما هي أيها المير؟ قال‪:‬‬
‫ن َيرْ َتدّ م ْنكُ مْ ع نْ دِينِ هِ‪ ...‬حت ـى بلغ‪ :‬وَل يَخافو نَ َل ْومَ َة لئ مٍ‪.‬‬
‫قول ال‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا َم ْ‬
‫فقال م ـحمد‪ :‬أي ها الم ير‪ ,‬إن ـما ع نى ال ب ـالذين آمنوا‪ :‬الولة من قر يش‪ ,‬من يرتدّ عن‬
‫الـحقّ‪.‬‬
‫ثـم اختلف أهـل التأويــل فــي أعيان القوم الذيـن أتــى ال بهـم الــمؤمنـين وأبدل‬
‫ال ـمؤمنـين مكان من ارتدّ من هم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو أ بو ب كر ال صدّيق وأ صحابه الذ ين قاتلوا‬
‫أهل الردّة حتـى أدخـلوهم من البـاب الذي خرجوا منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9580‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص بن غياث‪ ,‬عن الف ضل بن دَلَهْم‪ ,‬عن‬
‫ح ّبهُمْ‬
‫عنْ دِينِ ِه فَسَوفَ َي ْأتِـي اللّ ُه بِ َقوْمٍ ُي ِ‬
‫ن آ َمنُوا مَ نْ َي ْر َتدّ ِم ْنكُمْ َ‬
‫الـحسن فـي قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ويُحبّو َنهُ قال‪ :‬هذا وال أبو بكر وأصحابه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن الفضل بن دلهم‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد بن سلـيـمان‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن سهل‪ ,‬عن ال ـحسن ف ـي‬
‫ح ّب ُهمْ ويُحبّو َنهُ قال‪ :‬أبو بكر وأصحابه‪.‬‬
‫قوله‪َ :‬فسَوفَ َي ْأتِـي الّلهُ ِبقَ ْومٍ ُي ِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين بن علـيّ‪ ,‬عن أبـي موسى‪ ,‬قال‪ :‬قرأ الـحسن‪َ :‬فسَوفَ‬
‫ح ّب ُهمْ ويُحبّونَ ُه قال‪ :‬هي وال لبـي بكر وأصحابه‪.‬‬
‫َي ْأتِـي الّلهُ بِ َق ْومٍ ُي ِ‬
‫حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن بشير‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن الـحسن‬
‫ح ّبهُمْ ويُحبّونَ ُه قال‪ :‬نزلت فـي أبـي بكر وأصحابه‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬فَسَوفَ َي ْأتِـي اللّ ُه بِقَ ْو ٍم ُي ِ‬
‫‪ 9581‬ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد بن مسروق الكندي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد‬
‫ح ّبهُمْ ويُحبّونَهُ‬
‫الـمـحاربـي‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فَسَوفَ َي ْأتِـي الّل ُه بِقَ ْومٍ ُي ِ‬
‫ن لَ ْومَةَ‬
‫سبِـيـلِ الّلهِ وَل يَخافُو َ‬
‫ع ّزةٍ علـى الكافِرِينَ يُجا ِهدُونَ فِـي َ‬
‫أذِلّةٍ علـى الـمُ ْؤمِنـينَ أ ِ‬
‫لئم قال‪ :‬هو أبو بكر وأصحابه‪ ,‬لـما ارت ّد من ارتدّ من العرب عن السلم‪ ,‬جاهدهم أبو بكر‬
‫وأصحابه حتـى ردّهم إلـى السلم‪.‬‬
‫ن يَ ْر َتدّ ِم ْنكُ مْ‬
‫‪ 9582‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬مَ ْ‬
‫ح ّبهُمْ ويُحبّونَ هُ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وَاللّ هُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ أنزل ال‬
‫عنْ دِينِ ِه فَسَوفَ َي ْأتِـي اللّ ُه بِ َقوْمٍ ُي ِ‬
‫َ‬
‫هذه الَية‪ ,‬وقد علـم أن سيرتدّ مرتدّون من الناس‪ .‬فلـما قبض ال نبـيه مـحمدا صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ارتدّ عامّة العرب عن السلم إلّ ثلثة مساجد‪ :‬أهل الـمدينة‪ ,‬وأهل مكة‪ ,‬وأهل‬
‫البحر ين من ع بد الق ـيس قالوا‪ :‬ن صلـي ول نز كي‪ ,‬وال ل تُع صب أموال نا فكُلّ ـم أ بو ب كر‬
‫فـي ذلك‪ ,‬فقـيـل له‪ :‬إنهم لو قد فقهوا لهذا‪ ,‬أعطوها وزادوها‪ .‬فقال‪ :‬ل وال‪ ,‬ل أفرّق بـين‬
‫ش يء ج مع ال ب ـينه‪ ,‬ولو منعوا عِقَالً م ـما فرض ال ور سوله‪ ,‬لقاتلنا هم عل ـيه فب عث ال‬
‫عصابة مع أبـي بكر‪ ,‬فقاتل علـى ما قاتل علـيه نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬حتـى‬
‫سبى وق تل وحرق ب ـالنـيران أنا سا ارتدّوا عن ال سلم ومنعوا الزكاة‪ ,‬فقاتل هم حت ـى أقرّوا‬
‫ب ـالـماعون و هي الزكاة صَغرة أقمياء‪ .‬فأت ته وفود العرب‪ ,‬فخير هم ب ـين خ طة مخز ية أو‬
‫حرب مـجلـية‪ ,‬فـاختاروا الـخطة الـمخزية‪ ,‬وكانت أهون علـيهم‪ ,‬أن يعتدّوا أن قتلهم‬
‫فـي النار وأن قتلـى الـمؤمنـين فـي الـجنة‪ ,‬وأن ما أصابوا من الـمسلـمين من مال‬
‫ردّوه علـيهم‪ ,‬وما أصاب الـمسلـمون لهم من مال فهو لهم حلل‪.‬‬
‫‪ 9583‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها‬
‫ح ّبهُ مْ ويُحبّونَ هُ قال ا بن جر يج‪:‬‬
‫ن دِينِ هِ فَ سَوفَ َي ْأتِ ـي اللّ ُه بِقَوْ مٍ ُي ِ‬
‫ن َي ْر َتدّ ِم ْنكُ مْ عَ ْ‬
‫اّلذِي نَ آ َمنُوا مَ ْ‬
‫ارتدوا حين توفـي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقاتلهم أبو بكر‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سيف بن‬
‫ي فـي قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ‬
‫عمر‪ ,‬عن أبـي روق‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن أبـي أيوب‪ ,‬عن علـ ّ‬
‫عنْ دِينِ ِه قال‪ :‬علـم ال الـمؤمنـين‪ ,‬وأوقع معنى السوء علـى الـحشو‬
‫آ َمنُوا مَنْ َي ْر َتدّ ِم ْنكُمْ َ‬
‫ن َي ْرتَدّ‬
‫ن آ َمنُوا مَ ْ‬
‫الذي فـيهم من الـمنافقـين ومن فـي علـمه أن يرتدّوا‪ ,‬قال‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ِم ْنكُم ْـ عَن ْـ دِينِهِـ فَسـَوفَ َي ْأتِــي اللّهُـ الــمرتدّة عـن دينهـم بقوم يحبهـم ويحبونـه بأبــي بكـر‬
‫وأصحابه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يعن ـي بذلك قو ما من أ هل ال ـيـمن‪ .‬وقال ب عض من قال ذلك من هم‪ :‬هم‬
‫رهط أبـي موسى الشعري‪ :‬عبد ال بن قـيس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9584‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫سماك بن حرب‪ ,‬عن عياض الشعري‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما نزلت هذه الَ ية‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا مَ نْ‬
‫ح ّبهُ مْ ويُحبّو َن هُ قال‪ :‬أو مأ ر سول ال صلى ال‬
‫ع نْ دِينِ ِه فَ سَوفَ َي ْأتِ ـي الّل هُ بِ َقوْ مٍ ُي ِ‬
‫َيرْ َتدّ ِم ْنكُ مْ َ‬
‫عليه وسلم إلـى أبـي موسى بشيء كان معه‪ ,‬فقال‪ُ « :‬همْ قَ ْومُ َهذَا»‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت عياضا يحدّث عن أبـي موسى‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم قرأ هذه الَية‪ :‬فَسَوفَ‬
‫ح ّب ُهمْ ويُحبّونَ ُه قال‪ :‬يعنـي قوم أبـي موسى‪.‬‬
‫َي ْأتِـي الّلهُ بِ َق ْومٍ ُي ِ‬
‫حدثنـي أ بو السائب سلـم بن جنادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن شعبة قال أ بو السائب‪,‬‬
‫قال أصحابنا هو عن سماك بن حرب‪ ,‬وأنا ل أحفظ سماكا عن عياض الشعري‪ ,‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ُ « :‬همْ قَ ْومُ َهذَا» يعنـي أبـا موسى‪.‬‬
‫حدثنـا سـفـيان بـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن إدريـس‪ ,‬عـن شعبـة‪ ,‬عـن سـماك‪ ,‬عـن عياض‬
‫الشعري‪ ,‬قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم لبـي موسى‪« :‬هُ ْم قَوْ مُ َهذَا» فـي قوله‪ :‬فَ سَوفَ‬
‫ح ّب ُهمْ ويُحبّونَهُ‪.‬‬
‫َي ْأتِـي الّلهُ بِ َق ْومٍ ُي ِ‬
‫حدثنا مـجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ح ّبهُم ْـ ويُحبّونَهُـ قال‬
‫سـمعت عياضـا الشعريّـ يقول‪ :‬لــما نزلت‪ :‬فَسـَوفَ َي ْأتِــي اللّهُـ بِقَوْمٍـ ُي ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬هُ ْم قَ ْومُ كَ يا أبـا مُو سَى»‪ ,‬أو قال‪« :‬هُ مْ قَوْ مُ َهذَا» يعنـي‬
‫أبـا موسى‪.‬‬
‫‪9585‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان الـحميريّ‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن عياض أو ابن‬
‫ح ّب ُهمْ ويُحبّو َنهُ قال‪ :‬هم أهل الـيـمن‪.‬‬
‫عياض‪َ :‬فسَوفَ َي ْأتِـي الّلهُ بِ َق ْومٍ ُي ِ‬
‫‪ 9586‬ـ حدثنا م ـحمد بن عوف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ بو الـمغيرة قال‪ :‬حدثنا صفوان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ن آ َمنُوا مَ نْ‬
‫عبد الرحمن بن جبـير‪ ,‬عن شريح بن عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬لـما أنزل ال‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫َيرْ َتدّ ِم ْنكُ مْ عَ نْ دِينِ هِ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪ ,‬قال عمر‪ :‬أنا وقومي هم يا رسول ال؟ قال‪« :‬ل بَلْ‬
‫هَذا َوقَ ْومُهُ» يعنـي أبـا موسى الشعري‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬بل هم أهل الـيـمن جميعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9587‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫حبّونَ ُه قال‪ :‬أناس من أهل الـيـمن‪.‬‬
‫حبّ ُهمْ و ُي ِ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ُ :‬ي ِ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9588‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬هم قوم سبأ‪.‬‬
‫‪ 9589‬ـ حدث نا م طر بن م ـحمد الضب ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا شع بة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي من سمع شهر بن حوشب‪ ,‬قال‪ :‬هم أهل الـيـمن‪.‬‬
‫‪9590‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد ال بن عياش‪ ,‬عن أبـي‬
‫صخر‪ ,‬عن مـحمد بن كعب القرظي‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلـيه يوما وهو أمير‬
‫ال ـمدينة ي سأله عن ذلك‪ ,‬فقال م ـحمد‪ :‬يأت ـي ال بقوم‪ ,‬و هم أ هل ال ـيـمن‪ .‬قال ع مر‪ :‬يا‬
‫لـيتنـي منهم قال‪ :‬آمين‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم أنصار رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9591‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ح ّبهُمْ ويُحبّو َنهُ‬
‫ن دِينِ ِه فَسَوفَ َي ْأتِـي الّلهُ بِ َقوْمٍ ُي ِ‬
‫ن َي ْرتَدّ ِم ْنكُمْ عَ ْ‬
‫ن آ َمنُوا مَ ْ‬
‫عن السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫يزعم أنهم النصار‪.‬‬
‫حبّهُ مْ ويُحبّونَ هُ‬
‫وتأويـل الَية علـى قول من قال‪ :‬عنى ال بقوله‪ :‬فَ سَوفَ َي ْأتِـي اللّ ُه بِقَوْ ٍم ُي ِ‬
‫أبـا بكر وأصحابه فـي قتالهم أهل الردّة بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا من ير تد من كم عن دي نه فلن ي ضر ال شيئا‪ ,‬و سيأتـي ال من ارتدّ من كم عن دي نه بقوم‬
‫يحب هم ويحبو نه‪ ,‬ينت قم ب هم من هم عل ـى أيدي هم‪ .‬وبذلك جاء ال ـخبر والروا ية عن ب عض من‬
‫تأوّل ذلك كذلك‪.‬‬
‫‪ 9592‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫سيف بن عمر‪ ,‬عن أبـي روق‪ ,‬عن أبـي أيوب‪ ,‬عن علـيّ فـي قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ح ّبهُمْ قال‪ :‬يقول‪ :‬فسوف يأتـي ال الـمرتدّة‬
‫ن دِينِ ِه فَسَوفَ َي ْأتِـي الّل ُه بِقَوْمٍ ُي ِ‬
‫عْ‬‫ن َي ْر َتدّ ِم ْنكُمْ َ‬
‫مَ ْ‬
‫فـي دورهم‪ ,‬بقوم يحبهم ويحبونه بأبـي بكر وأصحابه‪.‬‬
‫وأما علـى قول من قال‪ :‬عنـي بذلك‪ :‬أهل الـيـمن فإن تأويـله‪ :‬يا أيها الذين آمنوا‪ ,‬من‬
‫يرتدّ من كم عن دي نه‪ ,‬ف سوف يأت ـي ال ال ـمؤمنـين الذ ين ل ـم يرتدّوا بقوم يحب هم ويحبو نه‪,‬‬
‫أعوانا لهم وأنصارا‪ .‬وبذلك جاءت الرواية عن بعض من كان يتأوّل ذلك كذلك‪.‬‬
‫‪ 9593‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن َيرْ َتدّ ِم ْنكُمْ عَنْ دِينِهِ‪...‬‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحية‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا َم ْ‬
‫الَية وعيد من ال أنه من ارتدّ منكم أنه سيستبدل خيرا منهم‪.‬‬
‫وأما علـى قول من قال‪ :‬عنـي بذلك النصار‪ ,‬فإن تأويـله فـي ذلك نظير تأويـل من‬
‫تأوله أنه عنـي به أبو بكر وأصحابه‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك عندنا بـالصواب‪ ,‬ما رُوي به الـخبر عن رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم أن هم أ هل ال ـيـمن قوم أب ـي مو سى الشعري‪ .‬ولول ال ـخبر الذي رُوي ف ـي‬
‫ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بـالـخبر الذي روي عنه ما كان القول عندي فـي‬
‫ذلك إلّ قول من قال‪ :‬هم أ بو ب كر وأ صحابه وذلك أ نه ل ـم يقا تل قو ما كانوا أظهروا ال سلم‬
‫علـى عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم ارتدّوا علـى أعقابهم كفـارا‪ ,‬غير أبـي بكر‬
‫و من كان م عه م ـمن قا تل أ هل الردة م عه ب عد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ولك نا ترك نا‬
‫القول فـي ذلك للـخبر الذي رُوي فـيه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أن كان صلى‬
‫ال عليه وسلم معدن البـيان عن تأويـل ما أنزل ال من وحيه وآي كتابه‪.‬‬
‫فإن قال لنا قائل‪ :‬فإن كان القوم الذين ذكر ال أنه سيأتـي بهم عند ارتداد من ارتدّ عن دينه‬
‫مـمن كان قد أسلـم علـى عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬هم أهل الـيـمن‪ ,‬فهل كان‬
‫أهـل الــيـمن أيام قتال أبــي بكـر أهـل الردّة أعوان أبــي بكـر علــى قتالهـم‪ ,‬حتــى‬
‫ت ستـجيز أن تو جه تأوي ـل الَ ية إل ـى ما وج هت إل ـيه؟ أم ل ـم يكونوا أعوا نا له عل ـيهم‪,‬‬
‫فك يف ا ستـجزت أن تو جه تأوي ـل الَ ية إل ـى ذلك‪ ,‬و قد عل ـمت أ نه ل خ ـلف لو عد ال؟‬
‫ق ـيـل له‪ :‬إن ال تعال ـى ذكره ل ـم ي عد ال ـمؤمنـين أن يبدل هم ب ـالـمرتدّين من هم يومئذٍ‬
‫خيرا الـمرتدّين لقتال الـمرتدّين‪ ,‬وإنـما أخبر أنه سيأتـيهم بخير منهم بدلً منهم‪ ,‬يعد فعل‬
‫ذلك بهم قريبـا غير بعيد‪ ,‬فجاء بهم علـى عهد عمر‪ ,‬فكان موقعهم من السلم وأهله أحسن‬
‫مو قع‪ ,‬وكانوا أعوان أ هل ال سلم وأن فع ل هم م ـمن كان ارتدّ ب عد ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫طغَام العراب وجفــاة أهـل البوادي الذيـن كانوا علــى أهـل السـلم كَلّ‪.‬‬
‫وسـلم مـن َ‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا مَ نْ َي ْر َتدّ ِم ْنكُ مْ عَ نْ دِينِ هِ فقرأته قرّاء أهل‬
‫ن دِينِ هِ» بإظهار التضعيف بدالـين مـجزومة‬
‫ن َي ْر َتدّ ِم ْنكُ مْ عَ ْ‬
‫الـمدينة‪« :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا مَ ْ‬
‫الدال الَخرة‪ ,‬وكذلك ذلك ف ـي م صاحفهم‪ .‬وأ ما قرّاء أ هل العراق فإن هم قرءوا ذلك‪َ :‬م نْ َي ْر َتدّ‬
‫ِم ْنكُم ْـ عَن ْـ دِينِهِـ بــالدْغامِ بدال واحدة وتــحريكها إلــى الفتــح بناء علــى التثنــية‪ ,‬لن‬
‫ال ـمـجزوم الذي يظ هر تضعي فه ف ـي الوا حد إذا ثن ـي أد غم‪ ,‬ويقال للوا حد‪ :‬اردد يا فلن‬
‫إل ـى فلن ح قه‪ ,‬فإذا ثن ـي ق ـيـل‪ :‬ردّ إل ـيه ح قه‪ ,‬ول يقال‪ :‬ارددا‪ .‬وكذلك ف ـي ال ـجمع‬
‫ردّوا‪ ,‬ول يقال‪ :‬ارددوا‪ .‬فتبن ـي العرب أحيا نا الوا حد عل ـى الثن ـين‪ ,‬وتظ هر أحيا نا ف ـي‬
‫الوا حد التضع يف ل سكون لم الف عل‪ ,‬وكل تا اللغت ـين ف صيحة مشهورة ف ـي العرف‪ .‬والقراءة‬
‫فـي ذلك عندنا علـى ما هو به فـي مصاحفنا ومصاحف أهل الـمشرق بدال واحدة مشدّدة‬
‫بترك إظهار التضعيف وبفتـح الدال للعلة التـي وصفتُ‪.‬‬
‫عزّةٍ علـى الكا ِفرِينَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أذِلّ ٍة علـى الـمُ ْؤ ِمنِـينَ أ ِ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬أذِلّةٍ عل ـى ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ‪ :‬أرقاء عل ـيهم رحماء ب هم‪ ,‬من قول‬
‫عزّةٍ عل ـى الكا ِفرِي نَ‪ :‬أشدّاء‬
‫القائل‪ :‬ذلّ فلن لفلن‪ :‬إذا خ ضع له وا ستكان‪ .‬ويعن ـي بقوله‪ :‬أ ِ‬
‫علـيهم غلظاء بهم‪ ,‬من قول القائل‪ :‬قد عزّنـي فلن‪ :‬إذا أظهر العزّة من نفسه له‪ ,‬وأبدى له‬
‫الـجفوة والغلظة‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9594‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن ها شم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫ي فــي قوله‪ :‬أذِلّ ٍة علــى‬
‫سـيف بـن عمـر‪ ,‬عـن أبــي روق‪ ,‬عـن أبــي أيوب‪ ,‬عـن علــ ّ‬
‫عزّ ٍة علـى الكافِرِينَ‪ :‬أهل غلظة علـى من خالفهم‬
‫الـمُ ْؤ ِمنِـينَ‪ :‬أهل رقة علـى أهل دينهم‪ ,‬أ ِ‬
‫فـي دينهم‪.‬‬

‫‪ 9595‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عزّ ٍة علــى‬
‫عـن علــيّ بـن أبــي طلــحة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ :‬أذلّ ٍة علــى الــمُ ْؤ ِمنِـينَ أ ِ‬
‫الكا ِفرِينَ يعنـي بـالذلة‪ :‬الرحمة‪.‬‬
‫‪ 9596‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن جر يج‪ ,‬ف ـي‬
‫ـ قال‪ :‬أشدّاء‬
‫عزّ ٍة علــى الكا ِفرِين َ‬
‫قوله‪ :‬أذِلّ ٍة علــى الــمُ ْؤ ِمنِـينَ قال‪ :‬رحماء بــينهم‪ ,‬أ ِ‬
‫علـيهم‪.‬‬
‫‪ 9597‬ـ حدث نا ال ـحرث بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬قال سفـيان‪ :‬سمعت‬
‫عزّةٍ عل ـى الكافِرِي نَ‪ :‬ضعف ـاء عل ـى‬
‫الع مش يقول ف ـي قوله‪ :‬أذِّلةٍ عل ـى ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ أ ِ‬
‫الـمؤمنـين‪.‬‬
‫ن لَ ْو َمةَ لئ مٍ ذَلِ كَ‬
‫سبِـيـلِ الّل هِ وَل يَخافُو َ‬
‫ن فِـي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬يُجا ِهدُو َ‬
‫ن يَشاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ‪.‬‬
‫فَضْلُ الّلهِ ُي ْؤتِـيهِ مَ ْ‬
‫سبِـيـلِ الّل ِه هؤلء الـمؤمنـين الذين وعد ال‬
‫ن فِـي َ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪ :‬يُجا ِهدُو َ‬
‫الــمؤمنـين أن يأتــيهم بهـم إن ارتدّ منهـم مرتدّ بدلً منهـم‪ ,‬يجاهدون فــي قتال أعداء ال‪,‬‬
‫علــى النــحو الذي أمـر ال بقتالهـم والوجـه الذي أذن لهـم بـه‪ ,‬ويجاهدون عدوّهـم‪ ,‬فذلك‬
‫مـجاهدتهم فـي سبـيـل ال‪ .‬وَل يَخافُو نَ َل ْومَ َة لئ مٍ يقول‪ :‬ول يخافون فـي ذات ال أحدا‪,‬‬
‫ول ي صدّهم عن الع مل ب ـما أمر هم ال به من قتال عدوّ هم لو مة لئم ل هم ف ـي ذلك‪ .‬وأ ما‬
‫قوله‪ :‬ذَلِكَ فَضْلُ الّل ِه فإنه يعنـي‪ :‬هذا النعت الذي نعتهم به تعالـى ذكره من أنهم أذلة علـى‬
‫الـمؤمنـين‪ ,‬أعزّة علـى الكافرين‪ ,‬يجاهدون فـي سبـيـل ال‪ ,‬ول يخافون فـي ال لومة‬
‫لئم‪ ,‬ف ضل ال الذي تف ضل به عل ـيهم‪ ,‬وال يؤت ـي فضله من يشاء من خ ـلقه‪ ,‬مّنةً عل ـيه‬
‫َاسـعٌ يقول‪ :‬وال جواد بفضله علــى مـن جاد بـه علــيه‪ ,‬ل يخاف نفــاد‬
‫ّهـ و ِ‬
‫وتط ّولً‪ .‬وَالل ُ‬
‫خزائ نه ف ـيكفّ من عطائه‪ .‬عَل ـيـمٌ ب ـموضع جوده وعطائه‪ ,‬فل يبذله إلّ ل ـمن ا ستـحقه‬
‫ول يبذل لــمن اسـتـحقه إلّ علــى قدر الــمصلـحة لعلــمه بــموضع صـلحه له مـن‬
‫موضع ضرّه‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن آ َمنُو ْا اّلذِي نَ ُيقِيمُو نَ‬
‫{ِإنّمَا وَِل ّيكُ مُ الّل هُ َورَ سُولُهُ وَاّلذِي َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫الصّلَةَ َويُ ْؤتُونَ ال ّزكَاةَ وَ ُهمْ رَا ِكعُونَ }‪..‬‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪ :‬إنّــمَا وَلِــّيكُمُ اللّهُـ َورَسـُولُهُ وَاّلذِينَـ آ َمنُوا لــيس لكـم أيهـا‬
‫ل ال ور سوله وال ـمؤمنون‪ ,‬الذ ين صفتهم ما ذ كر تعال ـى ذكره‪ .‬فأ ما‬
‫ال ـمؤمنون نا صر إ ّ‬
‫الـيهود والنصارى الذين أمركم ال أن تبرءوا من وليتهم ونهاكم أن تتـخذوا منهم أولـياء‪,‬‬
‫فل ـيسوا ل كم أول ـياء ول نُ صَراء‪ ,‬بل بعض هم أول ـياء ب عض‪ ,‬ول تت ـخذوا من هم ول ـيا ول‬
‫نصيرا‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن هذه الَية نزلت فـي عبـادة بن الصامت فـي تبرئه من ولية يهود‬
‫بن ـي قَ ـينُقاع وحلف هم إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وال ـمؤمنـين‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9598‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إ سحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثنـي والدي إسحاق بن يسار‪ ,‬عن (عبـادة بن الولـيد) بن عبـادة بن الصامت‪ ,‬قال‪ :‬لـما‬
‫حاربت بنو قـينقاع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مشى عبـادة بن الصامت إلـى رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وكان أ حد بن ـي عوف بن ال ـخزرج‪ ,‬فخ ـلعهم إل ـى ر سول ال‪,‬‬
‫و تبرأ إل ـى ال وإل ـى ر سوله من حلف هم‪ ,‬وقال‪ :‬أتول ـى ال ور سوله وال ـمؤمنـين‪ ,‬وأبرأ‬
‫مـن حلف الكفــار ووليتهـم ففــيه نزلت‪ :‬إنّــمَا وَلِــّيكُ ُم اللّهُـ َورَسـُولُهُ وَاّلذِينَـ آ َمنُوا اّلذِينَـ‬
‫ن ال صّلةَ َو ُي ْؤتُو نَ الزّكاةَ وَهُ مْ رَا ِكعُو نَ لقول عب ـادة‪ :‬أتول ـى ال ور سوله والذ ين‬
‫يُقِ ـيـمُو َ‬
‫حزْبَ اللّ ِه ُهمُ الغاِلبُونَ‪.‬‬
‫ن ِ‬
‫آمنوا‪ ,‬وتبرئه من بنـي قـينقاع ووليتهم‪ .‬إلـى قوله‪ :‬فإ ّ‬
‫‪ 9599‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـي‪ ,‬عن عطية بن سعد‪,‬‬
‫قال‪ :‬جاء عبـادة بن الصامت إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9600‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنء معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬إنّ ـمَا وَلِ ـ ّي ُكمُ الّل هُ َورَ سُوُلهُ وَاّلذِي نَ‬
‫آ َمنُوا يعنـي‪ :‬أنه من أسلـم تولـى ال ورسوله‪.‬‬
‫ن فإن أ هل‬
‫ن الزّكاةَ وَهُ مْ رَا ِكعُو َ‬
‫ن يُقِ ـيـمُونَ ال صّلةَ َو ُي ْؤتُو َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَاّلذِي نَ آ َمنُوا اّلذِي َ‬
‫عنِـي به علـيّ بن أبـي طالب‪ .‬وقال‬
‫التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به‪ ,‬فقال بعضهم‪ُ :‬‬
‫بعضهم‪ :‬عُنـي به جميع الـمؤمنـين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9601‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬ثم أ خبرهم ب ـمن يتول هم‪ ,‬فقال‪ :‬إنّ ـمَا وَلِ ـ ّي ُكمُ اللّ هُ َورَ سُوُلهُ وَاّلذِي نَ آ َمنُوا‬
‫ن الزّكاةَ وَهُمْ رَا ِكعُونَ هؤلء جميع الـمؤمنـين‪ ,‬ولكن علـيّ‬
‫ن الصّل َة و ُي ْؤتُو َ‬
‫ن يُقِـيـمُو َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫بن أبـي طالب مرّ به سائل وهو راكع فـي الـمسجد‪ ,‬فأعطاه خاتـمه‪.‬‬
‫‪ 9602‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة‪ ,‬عن ع بد ال ـملك‪ ,‬عن أب ـي جع فر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن الصـّلةَ‬
‫سـألته عـن هذه الَيـة‪ :‬إنّــمَا وَلِــّي ُكمُ اللّهُـ َورَسـُوُلهُ وَاّلذِينَـ آ َمنُوا اّلذِينَـ يُقِــيـمُو َ‬
‫و ُي ْؤتُو نَ الزّكاةَ وَهُمْ را ِكعُو نَ قلنا‪ :‬من الذين آمنوا؟ قال‪ :‬الذين آمنوا قلنا‪ :‬بلغنا أنها نزلت فـي‬
‫علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬قال علـيّ من الذين آمنوا‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمـحاربـيّ‪ ,‬عن عبد الـملك‪ ,‬قال‪ :‬سألت أبـا جعفر‪ ,‬عن‬
‫قول ال‪ :‬إنّـمَا وَلِـ ّي ُكمُ اللّهُ َو َرسُوُلهُ‪ ,‬وذكر نـحو حديث هناد عن عبدة‪.‬‬
‫‪ 9603‬ـ حدث نا إ سماعيـل بن إ سرائيـل الرمل ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أيوب بن سويد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ن آ َمنُوا قال‪ :‬علـي‬
‫عتبة بن أبـي حكيـم فـي هذه الَية‪ :‬إنّـمَا وَلِـ ّي ُكمُ الّل هُ َورَ سُوُلهُ وَاّلذِي َ‬
‫بن أبـي طالب‪.‬‬
‫‪ 9604‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا غالب بن عبـيد ال‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سـمعت مــجاهدا يقول فــي قوله‪ :‬إنّــمَا وَلِــيّ ُكمُ اللّهُـ َورَسـُولُهُ‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬نزلت فــي‬
‫علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬تصدّق وهو راكع‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حزْبَ الّلهِ هُمُ‬
‫ن ِ‬
‫ن آ َمنُو ْا فَإِ ّ‬
‫{ َومَن َيتَ َولّ الّلهَ َورَسُوَلهُ وَاّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ا ْلغَاِلبُونَ }‪..‬‬
‫وهذا إعلم من ال تعالـى ذكره عبـاده جميعا‪ ,‬الذين تبرّءوا من الـيهود وحلفهم رضا‬
‫بوليـة ال ورسـوله والــمؤمنـين‪ ,‬والذيـن تــمسكوا بحلفهـم‪ ,‬وخافوا دوائر السـوء تدور‬
‫عل ـيهم‪ ,‬ف سارعوا إل ـى موالت هم‪ ,‬بأن من و ثق ب ـال وتول ـى ال ور سوله وال ـمؤمنـين‬
‫ومـن كان علــى مثـل حاله مـن أولــياء ال مـن الــمؤمنـين‪ ,‬لهـم الغلبـة والدوائر والدولة‬
‫علــى مـن عاداهـم وحادّهـم‪ ,‬لنهـم حزب ال‪ ,‬وحزب ال هـم الغالبون دون حزب الشيطان‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 9605‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السـديّ‪ ,‬قال‪ :‬أخـبرهم يعنــي الرب ّـ تعالــى ذكره مـن الغالب‪ ,‬فقال‪ :‬ل تــخافوا الدولة ول‬
‫ب اللّ هِ هُمُ الغاِلبُو نَ والـحزب‪ :‬هم‬
‫حزْ َ‬
‫ن ِ‬
‫الدائرة‪ ,‬فقال‪َ :‬ومَ نْ َي َتوَلّ الّل هَ َورَسُولَهُ وَاّلذِي نَ آ َمنُوا فإ ّ‬
‫النصار‪.‬‬
‫حزْبَ الّلهِ‪ :‬فإن أنصار ال‪ ,‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫ويعنـي بقوله‪ :‬فإنّ ِ‬
‫ل حِ ْزبِـي )‬
‫(و َك ْيفَ أضْوَى َوبِل ٌ‬
‫يعنــي بقوله أضْوَى‪ :‬أُسـتضعف وأضام‪ ,‬مـن الشيـء الضاوي‪ .‬ويعنــي بقوله‪ :‬وبلل‬
‫حزبـي‪ ,‬يعنـي ناصري‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خذُو ْا دِينَكُ مْ ُهزُوا‬
‫خذُواْ اّلذِي نَ ا ّت َ‬
‫ل َت ّت ِ‬
‫{يَـَأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ مِن َقبِْل ُكمْ وَا ْلكُفّارَ َأوِْليَآءَ وَاتّقُو ْا اللّ َه إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ }‪..‬‬
‫وََلعِبا ّمنَ اّلذِي َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لل ـمؤمنـين به وبر سوله م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫خذُوا دِي َنكُ مْ ُهزُوا وََلعِبـا مِ نَ اّلذِي نَ أُوتُوا‬
‫ن اتّـ َ‬
‫خذُوا اّلذِي َ‬
‫آ َمنُوا‪ :‬أي صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬ل َتتّـ ِ‬
‫ن َقبْلِكُمْ يعنـي الـيهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والنبـياء‪ ,‬وأنزلت علـيهم‬
‫الكِتابَ مِ ْ‬
‫الك تب من ق بل ب عث نب ـينا صلى ال عل يه و سلم و من ق بل نزول كتاب نا أول ـياء‪ .‬يقول‪ :‬ل‬
‫تت ـخذوهم أي ها ال ـمؤمنون أن صارا وإخوا نا وحلف ـاء‪ ,‬فإن هم ل يألون كم خب ـالً وإن أظهروا‬
‫لكـم مودّة وصـداقة‪ .‬وكان اتــخاذ هؤلء الــيهود الذيـن أخـبر ال عنهـم الــمؤمنـين أنهـم‬
‫ات ـخذوا دين هم هزوا ولعب ـا الد ين عل ـى ما و صفهم به رب نا تعال ـى ذكره‪ ,‬أن أحد هم كان‬
‫يظ هر لل ـمؤمنـين الي ـمان و هو عل ـى كفره مق ـيـم‪ ,‬ثم يرا جع الك فر ب عد ي سيء من‬
‫ال ـمدّة بإظهار ذلك بل سانه قولً ب عد أن كان يبدي بل سانه الي ـمان قولً و هو للك فر م ستبطن‪,‬‬
‫تلعبـا ب ـالدين وا ستهزاء به‪ ,‬كما أ خبر تعال ـى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله‪ :‬وَإذَا لَقُوا‬
‫ن اللّ هُ‬
‫س َت ْهزِءُو َ‬
‫ن مُ ْ‬
‫ن آ َمنُوا قالُوا آ َمنّا وَإذَا خَـلَوْا إلـى شيَاطِينِه مْ قَالُوا إنّا َم َعكُ مْ إنّـمَا نَـحْ ُ‬
‫اّلذِي َ‬
‫طغْيانِهِمْ َي ْعمَهُونَ‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك حاء الـخبر عن‬
‫س َتهْزِىءُ ِبهِمْ ويَـمُدّ ُهمْ فِـي ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ابن عبـاس‪.‬‬
‫‪ 9606‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن‬
‫إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي م ـحمد بن أب ـي م ـحمد مول ـى ز يد بن ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي سعيد بن‬
‫جبــير أو عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬كان رفــاعة بـن زيـد بـن التابوت وسـويد بـن‬
‫الــحارث قـد أظهرا السـلم‪ ,‬ثـم نافقـا‪ ,‬وكان رجال مـن الــمسلـمين يوادّونهمـا‪ ,‬فأنزل ال‬
‫ن أُوتُوا‬
‫خذُوا دِي َنكُ مْ ُهزُوا وََلعِب ـا مِ نَ اّلذِي َ‬
‫ن اتّ ـ َ‬
‫خذُوا اّلذِي َ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّ ـ ِ‬
‫ف ـيهما‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ن َقبْلِ ُكمْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وَاللّهُ أعلَـمُ بِـمَا كانُوا َي ْكتُـمُونَ‪.‬‬
‫الكِتابَ مِ ْ‬
‫فقد أبـان هذا الـخبر عن صحة ما قلنا من أن اتـخاذ من اتـخذ دين ال هزوا ولعبـا‬
‫مـن أهـل الكتاب الذيـن ذكرهـم ال فــي هذه الَيـة‪ ,‬إنــما كان بــالنفـاق منهـم وإظهارهـم‬
‫للـمؤمنـين اليـمان واستبطانهم الكفر وقـيـلهم لشياطينهم من الـيهود إذا خـلو بهم‪ :‬إنا‬
‫معكـم‪ .‬فنهـى ال عـن موادّتهـم ومــحالفتهم‪ ,‬والتــمسك بحلفهـم والعتداء بهـم أولــياء‪,‬‬
‫وأعل ـمهم أن هم ل يألون هم خب ـالً‪ ,‬وف ـي دين هم طع نا وعل ـيه إزراء‪ .‬وأ ما الكف ـار الذ ين‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ فإنهم‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ذكرهم ال تعالـى ذكره فـي قوله‪ِ :‬م َ‬
‫ال ـمشركون من عبدة الوثان ن هى ال ال ـمؤمنـين أن يت ـخذوا من أ هل الكتاب و من عبدة‬
‫الوثان وسائر أهل الكفر أولـياء دون الـمؤمنـين‪.‬‬
‫وكان ابن مسعود فـيـما‪:‬‬
‫‪ 9607‬ـ حدثن ـي به أح مد بن يو سف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن‬
‫ب مِنْ َقبِْل ُكمْ َو ِمنَ اّلذِين أشْ َركُوا»‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ ُأتُوا الكِتا َ‬
‫هارون‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬يقرأ‪« :‬مِ َ‬
‫ففـي هذا بـيان صحة التأويـل الذي تأوّلناه فـي ذلك‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه جماعـة مـن أهـل الــحجاز والبصـرة والكوفـة‪:‬‬
‫«والكُفّ ـارِ أوْلِ ـياءَ» بخ فض «الكف ـار»‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل تت ـخذوا الذ ين‬
‫اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‪ ,‬ومن الكفـار أولـياء‪ .‬وكذلك‬
‫ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب فـيـما بلغنا‪« :‬من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفـارِ‬
‫أولــياء»‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء أهـل الــمدينة والكوفـة‪ :‬والكُفّــارَ أوْلِــياءَ بــالنصب‪,‬‬
‫بـمعنى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا والكفـارَ‪ ,‬عطفـا‬
‫بـالكفـار علـى الذين اتـخذوا‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك أن يقال‪ :‬إنهما قراءتان متفقتا الـمعنى صحيحتا الـمخرَج‪,‬‬
‫قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء‪ ,‬فبأ يّ ذلك قرأ القارىء فقد أصاب لن النهي عن‬
‫ات ـخاذ ول ـيّ من الكف ـار ن هي عن ات ـخاذ جميع هم أول ـياء‪ ,‬والن هي عن ات ـخاذ جميع هم‬
‫أولـياء نهي عن اتـخاذ بعضهم ولـيا‪ .‬وذلك أنه غير مشكل علـى أحد من أهل السلم أن‬
‫ال تعال ـى ذكره إذا حرّم اتـخاذ ول ـيّ من الـمشركين عل ـى الـمؤمنـين‪ ,‬أ نه لـم ي بح‬
‫لهم اتـخاذ جميعهم أولـياء‪ ,‬ول إذا حرم اتـخاذ جميعهم أولـياء أنه لـم يخصص إبـاحة‬
‫اتـخاذ بعض هم ولـيا‪ ,‬ف ـيجب من أجل إشكال ذلك علـيهم طلب الدلـيـل علـى أولـى‬
‫القراءتــين فــي ذلك بــالصواب‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فسـواء قرأ القارىء بــالـخفض أو‬
‫بـالنصب لـما ذكرنا من العلة‪.‬‬
‫ن فإ نه يعن ـي‪ :‬وخافوا ال أي ها ال ـمؤمنون ف ـي‬
‫ن ُك ْنتُ ـمْ ُم ْؤ ِمنِ ـي َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَاتّقُوا اللّ َه إ ْ‬
‫هؤلء الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفـار أن تتـخذوهم‬
‫أولـياء ونصراء‪ ,‬وارهبوا عقوبته فـي فعل ذلك إن فعلتـموه بعد تقدّمه إلـيكم بـالنهي عنه‬
‫إن كنتـم تؤمنون بـال وتصدّقونه علـى وعيده علـى معصيته‪.‬‬
‫خذُوهَا ُهزُوا وََلعِبا ذَلِكَ ِبَأ ّنهُمْ‬
‫{وَِإذَا نَا َديْتُمْ إِلَى ال صّلَ ِة ا ّت َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫قَ ْومٌ لّ َيعْقِلُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا أذّن مؤذّنكم أيها الـمؤمنون بـالصلة‪ ,‬سخر من دعوتكم إلـيها‬
‫هؤلء الكفــار مـن الــيهود والنصـارى والــمشركين‪ ,‬ولعبوا مـن ذلك‪ ,‬ذَلِك َـ بأ ّنهُم ْـ قَوْمٌـ ل‬
‫َيعْقِلُون َـ يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪« :‬ذلك» فعلهـم الذي يفعلونـه‪ ,‬وهـو هزؤهـم ولعبهـم مـن‬
‫الدعاء إل ـى الصلة‪ ,‬إنـما يفعلونه بجهلهم بربهم‪ ,‬وأنهم ل يعقلون ما لهم فـي إجابت هم إن‬
‫أجابوا إل ـى ال صلة و ما عل ـيهم ف ـي ا ستهزائهم ولعب هم ب ـالدعوة إل ـيها‪ ,‬ولو عقلوا ما‬
‫لـمن فعل ذلك منهم عند ال من العقاب ما فعلوه‪ .‬وقد ذكر عن السديّ فـي تأويـله ما‪:‬‬
‫‪9608‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫خذُوها ُهزُوا وَلعِب ـا كان ر جل من الن صارى‬
‫عن ال سديّ‪ :‬وَإذَا نا َد ْيتُ ـمْ إل ـى ال صّلةِ اتّ ـ َ‬
‫حرّق الكاذب‬
‫بــالـمدينة إذا سـمع الــمنادي ينادي‪ :‬أشهـد أن مــحمدا رسـول ال‪ ,‬قال‪ُ :‬‬
‫فدخــلت خادمـه ذات لــيـلة مـن اللــيالـي بنار وهـو نائم وأهله نــيام‪ ,‬فسـقطت شرارة‪,‬‬
‫فأحرقت البـيت‪ ,‬فـاحترق هو وأهله‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خذُو ْا دِينَكُ مْ ُهزُوا‬
‫خذُواْ اّلذِي نَ ا ّت َ‬
‫ل َت ّت ِ‬
‫{يَـَأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ مِن َقبِْل ُكمْ وَا ْلكُفّارَ َأوِْليَآءَ وَاتّقُو ْا اللّ َه إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ }‪..‬‬
‫وََلعِبا ّمنَ اّلذِي َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لل ـمؤمنـين به وبر سوله م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫خذُوا دِي َنكُ مْ ُهزُوا وََلعِبـا مِ نَ اّلذِي نَ أُوتُوا‬
‫ن اتّـ َ‬
‫خذُوا اّلذِي َ‬
‫آ َمنُوا‪ :‬أي صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬ل َتتّـ ِ‬
‫ن َقبْلِكُمْ يعنـي الـيهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والنبـياء‪ ,‬وأنزلت علـيهم‬
‫الكِتابَ مِ ْ‬
‫الك تب من ق بل ب عث نب ـينا صلى ال عل يه و سلم و من ق بل نزول كتاب نا أول ـياء‪ .‬يقول‪ :‬ل‬
‫تت ـخذوهم أي ها ال ـمؤمنون أن صارا وإخوا نا وحلف ـاء‪ ,‬فإن هم ل يألون كم خب ـالً وإن أظهروا‬
‫لكـم مودّة وصـداقة‪ .‬وكان اتــخاذ هؤلء الــيهود الذيـن أخـبر ال عنهـم الــمؤمنـين أنهـم‬
‫ات ـخذوا دين هم هزوا ولعب ـا الد ين عل ـى ما و صفهم به رب نا تعال ـى ذكره‪ ,‬أن أحد هم كان‬
‫يظ هر لل ـمؤمنـين الي ـمان و هو عل ـى كفره مق ـيـم‪ ,‬ثم يرا جع الك فر ب عد ي سيء من‬
‫ال ـمدّة بإظهار ذلك بل سانه قولً ب عد أن كان يبدي بل سانه الي ـمان قولً و هو للك فر م ستبطن‪,‬‬
‫تلعبـا ب ـالدين وا ستهزاء به‪ ,‬كما أ خبر تعال ـى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله‪ :‬وَإذَا لَقُوا‬
‫ن اللّ هُ‬
‫س َت ْهزِءُو َ‬
‫ن مُ ْ‬
‫ن آ َمنُوا قالُوا آ َمنّا وَإذَا خَـلَوْا إلـى شيَاطِينِه مْ قَالُوا إنّا َم َعكُ مْ إنّـمَا نَـحْ ُ‬
‫اّلذِي َ‬
‫طغْيانِهِمْ َي ْعمَهُونَ‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك حاء الـخبر عن‬
‫س َتهْزِىءُ ِبهِمْ ويَـمُدّ ُهمْ فِـي ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ابن عبـاس‪.‬‬
‫‪ 9606‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن‬
‫إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي م ـحمد بن أب ـي م ـحمد مول ـى ز يد بن ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي سعيد بن‬
‫جبــير أو عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬كان رفــاعة بـن زيـد بـن التابوت وسـويد بـن‬
‫الــحارث قـد أظهرا السـلم‪ ,‬ثـم نافقـا‪ ,‬وكان رجال مـن الــمسلـمين يوادّونهمـا‪ ,‬فأنزل ال‬
‫ن أُوتُوا‬
‫خذُوا دِي َنكُ مْ ُهزُوا وََلعِب ـا مِ نَ اّلذِي َ‬
‫ن اتّ ـ َ‬
‫خذُوا اّلذِي َ‬
‫ن آ َمنُوا ل َتتّ ـ ِ‬
‫ف ـيهما‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ن َقبْلِ ُكمْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وَاللّهُ أعلَـمُ بِـمَا كانُوا َي ْكتُـمُونَ‪.‬‬
‫الكِتابَ مِ ْ‬
‫فقد أبـان هذا الـخبر عن صحة ما قلنا من أن اتـخاذ من اتـخذ دين ال هزوا ولعبـا‬
‫مـن أهـل الكتاب الذيـن ذكرهـم ال فــي هذه الَيـة‪ ,‬إنــما كان بــالنفـاق منهـم وإظهارهـم‬
‫للـمؤمنـين اليـمان واستبطانهم الكفر وقـيـلهم لشياطينهم من الـيهود إذا خـلو بهم‪ :‬إنا‬
‫معكـم‪ .‬فنهـى ال عـن موادّتهـم ومــحالفتهم‪ ,‬والتــمسك بحلفهـم والعتداء بهـم أولــياء‪,‬‬
‫وأعل ـمهم أن هم ل يألون هم خب ـالً‪ ,‬وف ـي دين هم طع نا وعل ـيه إزراء‪ .‬وأ ما الكف ـار الذ ين‬
‫ن أُوتُوا الكِتا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ فإنهم‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ذكرهم ال تعالـى ذكره فـي قوله‪ِ :‬م َ‬
‫ال ـمشركون من عبدة الوثان ن هى ال ال ـمؤمنـين أن يت ـخذوا من أ هل الكتاب و من عبدة‬
‫الوثان وسائر أهل الكفر أولـياء دون الـمؤمنـين‪.‬‬
‫وكان ابن مسعود فـيـما‪:‬‬
‫‪ 9607‬ـ حدثن ـي به أح مد بن يو سف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن‬
‫ب مِنْ َقبِْل ُكمْ َو ِمنَ اّلذِين أشْ َركُوا»‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ ُأتُوا الكِتا َ‬
‫هارون‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬يقرأ‪« :‬مِ َ‬
‫ففـي هذا بـيان صحة التأويـل الذي تأوّلناه فـي ذلك‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه جماعـة مـن أهـل الــحجاز والبصـرة والكوفـة‪:‬‬
‫«والكُفّ ـارِ أوْلِ ـياءَ» بخ فض «الكف ـار»‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل تت ـخذوا الذ ين‬
‫اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‪ ,‬ومن الكفـار أولـياء‪ .‬وكذلك‬
‫ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب فـيـما بلغنا‪« :‬من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفـارِ‬
‫أولــياء»‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء أهـل الــمدينة والكوفـة‪ :‬والكُفّــارَ أوْلِــياءَ بــالنصب‪,‬‬
‫بـمعنى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا والكفـارَ‪ ,‬عطفـا‬
‫بـالكفـار علـى الذين اتـخذوا‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك أن يقال‪ :‬إنهما قراءتان متفقتا الـمعنى صحيحتا الـمخرَج‪,‬‬
‫قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء‪ ,‬فبأ يّ ذلك قرأ القارىء فقد أصاب لن النهي عن‬
‫ات ـخاذ ول ـيّ من الكف ـار ن هي عن ات ـخاذ جميع هم أول ـياء‪ ,‬والن هي عن ات ـخاذ جميع هم‬
‫أولـياء نهي عن اتـخاذ بعضهم ولـيا‪ .‬وذلك أنه غير مشكل علـى أحد من أهل السلم أن‬
‫ال تعال ـى ذكره إذا حرّم اتـخاذ ول ـيّ من الـمشركين عل ـى الـمؤمنـين‪ ,‬أ نه لـم ي بح‬
‫لهم اتـخاذ جميعهم أولـياء‪ ,‬ول إذا حرم اتـخاذ جميعهم أولـياء أنه لـم يخصص إبـاحة‬
‫اتـخاذ بعض هم ولـيا‪ ,‬ف ـيجب من أجل إشكال ذلك علـيهم طلب الدلـيـل علـى أولـى‬
‫القراءتــين فــي ذلك بــالصواب‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فسـواء قرأ القارىء بــالـخفض أو‬
‫بـالنصب لـما ذكرنا من العلة‪.‬‬
‫ن فإ نه يعن ـي‪ :‬وخافوا ال أي ها ال ـمؤمنون ف ـي‬
‫ن ُك ْنتُ ـمْ ُم ْؤ ِمنِ ـي َ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَاتّقُوا اللّ َه إ ْ‬
‫هؤلء الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفـار أن تتـخذوهم‬
‫أولـياء ونصراء‪ ,‬وارهبوا عقوبته فـي فعل ذلك إن فعلتـموه بعد تقدّمه إلـيكم بـالنهي عنه‬
‫إن كنتـم تؤمنون بـال وتصدّقونه علـى وعيده علـى معصيته‪.‬‬
‫خذُوهَا ُهزُوا وََلعِبا ذَلِكَ ِبَأ ّنهُمْ‬
‫{وَِإذَا نَا َديْتُمْ إِلَى ال صّلَ ِة ا ّت َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫قَ ْومٌ لّ َيعْقِلُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا أذّن مؤذّنكم أيها الـمؤمنون بـالصلة‪ ,‬سخر من دعوتكم إلـيها‬
‫هؤلء الكفــار مـن الــيهود والنصـارى والــمشركين‪ ,‬ولعبوا مـن ذلك‪ ,‬ذَلِك َـ بأ ّنهُم ْـ قَوْمٌـ ل‬
‫َيعْقِلُون َـ يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪« :‬ذلك» فعلهـم الذي يفعلونـه‪ ,‬وهـو هزؤهـم ولعبهـم مـن‬
‫الدعاء إل ـى الصلة‪ ,‬إنـما يفعلونه بجهلهم بربهم‪ ,‬وأنهم ل يعقلون ما لهم فـي إجابت هم إن‬
‫أجابوا إل ـى ال صلة و ما عل ـيهم ف ـي ا ستهزائهم ولعب هم ب ـالدعوة إل ـيها‪ ,‬ولو عقلوا ما‬
‫لـمن فعل ذلك منهم عند ال من العقاب ما فعلوه‪ .‬وقد ذكر عن السديّ فـي تأويـله ما‪:‬‬
‫‪9608‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫خذُوها ُهزُوا وَلعِب ـا كان ر جل من الن صارى‬
‫عن ال سديّ‪ :‬وَإذَا نا َد ْيتُ ـمْ إل ـى ال صّلةِ اتّ ـ َ‬
‫حرّق الكاذب‬
‫بــالـمدينة إذا سـمع الــمنادي ينادي‪ :‬أشهـد أن مــحمدا رسـول ال‪ ,‬قال‪ُ :‬‬
‫فدخــلت خادمـه ذات لــيـلة مـن اللــيالـي بنار وهـو نائم وأهله نــيام‪ ,‬فسـقطت شرارة‪,‬‬
‫فأحرقت البـيت‪ ,‬فـاحترق هو وأهله‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آ َمنّا بِاللّ هِ َومَآ‬
‫ل أَ ْ‬
‫ل تَن ِقمُو نَ ِمنّآ ِإ ّ‬
‫{قُلْ يَـأَهْلَ ا ْل ِكتَابِ هَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن َأ ْك َث َركُمْ فَاسِقُونَ }‪..‬‬
‫أُنزِلَ إَِل ْينَا َومَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَ ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لهل الكتاب من الـيهود‬
‫والنصارى‪ :‬يا أ هل الكتاب‪ ,‬هل تكرهون منا أو ت ـجدون علـينا حتـى ت ستهزءوا بديننا إذا‬
‫ن آ َمنّا بـال يقول‪ :‬إلّ‬
‫أنتـم إذا نادينا إلـى الصلة اتـخذتـم نداءنا ذلك هزوا ولعبـا‪ ,‬إلّ أ ْ‬
‫أن صدقنا وأقررنا بـال فوحّدناه‪ ,‬وبـما أنزل إلـينا من عند ال من الكتاب‪ ,‬وما أنزل إلـى‬
‫ل أن أكثركم مخالفون أمر‬
‫ن أ ْك َثرَكُمْ فـاسِقُونَ يقول‪ :‬إ ّ‬
‫أنبـياء ال من الكتب من قبل كتابنا‪ .‬وأ ّ‬
‫ِمـ وبـه قرأ‬
‫ْتـ علــيك كذا أنْق ُ‬
‫ال‪ ,‬خارجون عـن طاعتـه‪ ,‬تكذبون علــيه‪ .‬والعرب تقول‪ :‬نَ َقم ُ‬
‫ْتـ أنق َم لغتان‪ ,‬ول نعلــم قارئا قرأ بهـا‬
‫القرّاء مـن أهـل الــحجاز والعراق وغيرهـم ونَ ِقم ُ‬
‫بـمعنى وجدت وكرهت‪ ,‬ومنه قول عبد ال بن قـيس الرقـيات‪:‬‬
‫غضِبُوا‬
‫ما نَ ِقمُوا مِنْ َبنِـي ُأ َميّ َة إلّأ ّنهُمْ َيحْلُـمُونَ إنْ َ‬
‫وقد ذكر أن هذه الَية نزلت بسبب قوم من الـيهود‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9609‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد‪ ,‬مولـى زيد بن ثابت‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سعيد بن جبـير أو‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬أتـى رسول ال صلى ال عليه وسلم نفرٌ من الـيهود فـيهم‬
‫أ بو يا سر بن أخ طب‪ ,‬ورا فع بن أب ـي را فع‪ ,‬وعازَر‪ ,‬وز يد وخالد‪ ,‬وأزار بن أب ـي أزار‪,‬‬
‫ن بـاللّهِ وَما ُأ ْنزِلَ إلَـيْنا‪ ,‬وَما ُأ ْنزِلَ إلـى‬
‫وأشيع‪ ,‬فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال‪ُ« :‬أ ْومِ ُ‬
‫إ ْبرَاهِيـمَ وإ سْماعِيـلَ وإ سْحاقَ َو َيعْقُو بَ وَال سْبـاطِ‪ ,‬وَما أُوتِـيَ مُو سَى َوعِي سَى‪ ,‬وَما أُوتِـيَ‬
‫حدٍ ِم ْنهُ مْ ونَ ـحْنُ َل ُه مُ سْلِـمُونَ»‪ .‬فل ـما ذ كر عي سى‬
‫ن مِ نْ َر ّبهِ مْ‪ ,‬ل نُ َفرّق ب ـينَ أ َ‬
‫ال ّنبِ ـيّو َ‬
‫ل َتنْ ِقمُو نَ‬
‫جحدوا نبوّ ته وقالوا‪ :‬ل نؤ من ب ـمن آ من به فأنزل ال فـيهم‪ :‬قُلْ يا أ ْهلَ الكِتا بِ هَ ْ‬
‫ن أ ْكثَ َر ُكمْ فـاسِقُونَ‪.‬‬
‫ِمنّا إلّ أنْ آ َمنّا بـاللّهِ وَما ُأ ْنزِلَ إلَـيْنا وَما ُأ ْنزِلَ ِمنْ َقبْلُ وأ ّ‬
‫عطفـا بها علـى «أنْ» التـي فـي قوله‪ :‬إلّ أنْ آ َمنّا بـاللّ ِه لن معنى الكلم‪ :‬هل تنقمون‬
‫منا إلّ إيـماننا بـال وفسقكم‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرّ مّن ذَِلكَ َمثُو َبةً عِندَ اللّهِ مَن ّل َعنَ ُه اللّهُ‬
‫ل هَلْ ُأ َن ّب ُئكُمْ ِب َ‬
‫{قُ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫شرّ ّمكَانا وََأضَلّ عَن‬
‫ُوتـ ُأوْلَــِئكَ َ‬
‫ع َب َد الطّاغ َ‬
‫خنَازِيرَ وَ َ‬
‫ُمـ ا ْل ِقرَدَةَ وَا ْل َ‬
‫جعَلَ ِم ْنه ُ‬
‫ْهـ َو َ‬
‫ِبـ عََلي ِ‬
‫غض َ‬‫َو َ‬
‫سبِيلِ }‪..‬‬
‫سَوَآ ِء ال ّ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قـل يـا مــحمد لهؤلء الذيـن‬
‫اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفـار‪ :‬هل أنبئكم يا معشر‬
‫أهل الكتاب بشرّ من ثواب ما تنقمون منا من إيـماننا بـال‪ ,‬وما أنزل إلـينا من كتاب ال‪,‬‬
‫و ما أنزل من قبل نا من كت به؟ غ ير أن الع ين ل ـما سكنت‪ ,‬نقلت حركت ها إل ـى الف ـاء‪ ,‬و هي‬
‫الثاء من «مثوبة»‪ ,‬فخرجت مخرج مقولة‪ ,‬ومـحورة‪ ,‬ومضوفة‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫صفَ السّاقَ ِم ْئ َزرِي‬
‫ش ّمرُ حتـى َي ْن ُ‬
‫و ُكنْتُ إذَا جارِي دَعا لِـمَضُوفَةٍُأ َ‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ :‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9610‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ع ْندَ الّلهِ يقول‪ :‬ثوابـا عند ال‪.‬‬
‫ن ذَِلكَ َمتُوبَةً ِ‬
‫شرَ مِ ْ‬
‫ل ُأ َن ّبئُ ُكمْ ِب َ‬
‫السديّ‪ :‬قُلْ هَ ْ‬
‫‪9611‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬هَلْ ُأ َن ّب ُئكُمْ َبشَرَ‬
‫ع ْندَ الّل ِه قال‪ :‬ال ـمثوبة‪ :‬الثواب‪ ,‬مثو بة‪ ,‬مثو بة ال ـخير ومثو بة الشرّ‪ ,‬وقرأ‪:‬‬
‫ن ذَلِ كَ َمثُوبَةً ِ‬
‫مِ ْ‬
‫شرّ ثَوَابـا»‪.‬‬
‫«َ‬
‫ن ذَلِكَ‬
‫ن َل َعنَ ُه الّل ُه فإنه فـي موضع خفض ردّا علـى قوله‪ِ :‬بشَرّ ِم ْ‬
‫وأما «مَن» فـي قوله‪َ :‬م ْ‬
‫‪.‬‬
‫فكأن تأويـل الكلم إذ كان ذلك كذلك‪ :‬قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند ال بـمن لعنه‬
‫ال‪ .‬ولو ق ـيـل هو ف ـي مو ضع ر فع لكان صوابـا عل ـى ال ستئناف‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬ذلك من‬
‫لعنه ال‪ ,‬أو هو من لعنه ال‪ .‬ولو قـيـل هو فـي موضع نصب لـم يكن فـاسدا‪ ,‬بـمعنى‪:‬‬
‫قل هل أنبئكم من لعنه ال‪ ,‬فـيجعل «أنبئكم» علـى ما فـي من واقعا علـيه‪ .‬وأما معنى‬
‫ل ِم ْنهُمُ‬
‫جعَ َ‬
‫قوله‪ :‬مَنْ َل َع َن ُه اللّهُ فإنه يعنـي‪ :‬من أبعده ال وأسحقه من رحمته وغضب علـيه‪َ .‬و َ‬
‫ال ِق َردَةَ والـخَنازِيرَ يقول‪ :‬وغضب علـيه‪ ,‬وجعل منهم الـمسوخ القردة والـخنازير‪ ,‬غضبـا‬
‫منه علـيهم وسخطا‪ ,‬فعجّل لهم الـخزي والنكال فـي الدنـيا‪ .‬وأما سبب مسخ ال من مسخ‬
‫منهم قردة ف قد ذكرنا بعضه فـيـما مضى من كتابنا هذا‪ ,‬وسنذكر بقـيته إن شاء ال فـي‬
‫مكان غير هذا‪.‬‬
‫وأما سبب مسخ ال من ُمسِخ منهم خنازير‪ ,‬فإنه كان فـيـما‪:‬‬
‫‪ 9612‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة بن الف ضل‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫كثــير بـن أفلــح مولــى أبــي أيوب النصـاري‪ ,‬قال‪ :‬حدثـت أن الــمسخ فــي بنــي‬
‫إسرائيـل من الـخنازير كان أن امرأة من بنـي إسرائيـل كانت فـي قرية من قرى بنـي‬
‫إ سرائيـل‪ ,‬وكان ف ـيها ملك بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬وكانوا قد ا ستـجمعوا عل ـى الهل كة‪ ,‬إلّ أن‬
‫تلك الـمرأة كانت علـى بقـية من السلم متـمسكة به‪ ,‬فجعلت تدعو إلـى ال حتـى إذا‬
‫اجت ـمع إل ـيها ناس فتابعو ها عل ـى أمر ها‪ ,‬قالت ل هم‪ :‬إ نه ل بدّ ل كم من أن ت ـجاهدوا عن‬
‫ديـن ال وأن تنادوا قومكـم بذلك‪ ,‬فــاخرجوا فإنــي خارجـة فخرجـت وخرج إلــيها ذلك‬
‫الـملك فـي الناس‪ ,‬فقتل أصحابها جميعا‪ ,‬وانفلتت من بـينهم‪ .‬قال‪ :‬ودعت إلـى ال حتـى‬
‫تـجمّع الناس إلـيها‪ ,‬حتـى إذا رضيت منهم أمرتهم بـالـخروج‪ ,‬فخرجوا وخرجت معهم‪,‬‬
‫وأ صيبوا جمي عا وانفل تت من ب ـينهم‪ .‬ثم د عت إل ـى ال‪ ,‬حت ـى إذا اجت ـمع إل ـيها رجال‬
‫استـجابوا لها‪ ,‬أمرتهم بـالـخروح‪ ,‬فخرجوا وخرجت‪ ,‬فأصيبوا جميعا‪ ,‬وانفلتت من بـينهم‪.‬‬
‫فرج عت و قد أي ست‪ ,‬و هي تقول‪ :‬سبحان ال لو كان لهذا الد ين ول ـيّ ونا صر ل قد أظهره ب عد‬
‫قال‪ :‬فب ـاتت م ـحزونة‪ ,‬وأ صبح أ هل القر ية ي سعون ف ـي نواحي ها خناز ير و قد م سخهم ال‬
‫فـي لـيـلتهم تلك‪ ,‬فقالت ح ين أصبحت ورأت ما رأت‪ :‬الـيوم أعلـم أن ال قد أعزّ دي نه‬
‫وأمر دينه قال‪ :‬فما كان مسخ الـخنازير فـي بنـي إسرائيـل إلّ علـى يدي تلك الـمرأة‪.‬‬
‫‪9613‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫جعَلَ ِم ْن ُهمُ ال ِق َردَةَ وَالـخَنازِيرَ قال‪ :‬مسخت من يهود‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪َ :‬و َ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وللـمسخ سبب فـيـما ذكر غير الذي ذكرناه سنذكره فـي موضعه إن شاء ال‪.‬‬
‫سـوَاءِ‬
‫َنـ َ‬
‫شرّ مَكانـا وأضَلّ ع ْ‬
‫ِكـ َ‬
‫ُوتـ أُوَلئ َ‬
‫ع َبدَ الطّاغ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ :‬و َ‬
‫سبِـيـلِ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته قرّاء الـحجاز والشام والبصرة وبعض الكوفـيـين‪:‬‬
‫ع َبدَ الطّاغُوتَ بـمعنى‪ :‬وجعل منهم القردة والـخنازير ومن عبد الطاغوت‪ ,‬بـمعنى‪ :‬عابد‪,‬‬
‫َو َ‬
‫فجعل «عبد» فعلً ماضيا من صلة الـمضمر‪ ,‬ونصب «الطاغوت» بوقوع عبد علـيه‪ .‬وقرأ‬
‫ع ُبدَ ماضيا من صلة الـمضمر‪ ,‬ونصب «الطاغوت» بوقوع‬
‫ذلك جماعة من الكوفـيـين‪َ « :‬و َ‬
‫ع ُبدَ الطاغو تِ» بفت ـح الع ين من ع بد‬
‫ع بد عل ـيه‪ .‬وقرأ ذلك جما عة من الكوف ـيـين‪َ « :‬و َ‬
‫وضمّ بـائها وخفض «الطاغوت» بإضافة «عبد» إلـيه‪ ,‬وعنوا بذلك‪ :‬وخدم الطاغوت‪.‬‬
‫‪9614‬ـ حدثنـي بذلك الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد‪,‬‬
‫ع ُبدَ الطّاغُو تِ» يقول‪ :‬خدم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي حمزة‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن يحيى بن وثاب أنه قرأ‪« :‬وَ َ‬
‫قال عبد الرحمن‪ :‬وكان حمزة كذلك يقرؤها‪.‬‬
‫‪ 9615‬ـ حدثن ـي ا بن وك يع وا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن الع مش أ نه كان يقرؤ ها‬
‫كذلك‪.‬‬
‫جلٍ‪ ,‬فهو وجه وال أعلـم‪.‬‬
‫وكان الفرّاء يقول‪ :‬إن يكن فـيه لغة مثل ح ِذرٍ وحذُر‪ ,‬وعجِلٍ وع ُ‬
‫وإل فإن أراد قول الشاعر‪:‬‬
‫ع ُبدُ‬
‫ن أبـا ُكمُ َ‬
‫ن ُأ ّم ُكمُأمَةٌ وإ ّ‬
‫أ َبنِـي ُلبَـ ْينَـي إ ّ‬
‫فإن هذا من ضرورة الشعر‪ .‬وهذا يجوز فـي الشعر لضرورة القوافـي‪ ,‬وأما فـي القراءة‬
‫ت ذ كر ذلك عن الع مش‪ ,‬وكأن من قرأ ذلك كذلك أراد‬
‫ع ُب َد الطّاغُو ِ‬
‫فل‪ .‬وقرأ ذلك آخرون وَ ُ‬
‫عبُدا‪ ,‬مثل ثمار و ُثمُر‪ .‬وذكر‬
‫جمع الـجمع من العبد‪ ,‬كأنه جمع العبد عبـيدا‪ ,‬ثم جمع العبـيد ُ‬
‫ع ِبدَ الطّاغُوتُ‪.‬‬
‫عن أبـي جعفر القارىء أنه يقرؤه‪َ :‬و ُ‬
‫‪ 9616‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬كان أبو جعفر‬
‫ت كما يقول‪ :‬ضُرِبَ عبد ال‪.‬‬
‫ع ِبدَ الطّاغُو ُ‬
‫النـحوي يقرؤها‪ :‬و ُ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذه قراءة ل معنى لها‪ ,‬لن ال تعالـى إنـما ابتدأ الـخبر بذمّ أقوام‪ ,‬فكان‬
‫عبِد‪ ,‬فلـيس من نوع‬
‫فـيـما ذمهم به عبـادتهم الطاغوت‪ .‬وأما الـخبر عن أن الطاغوت قد ُ‬
‫ال ـخبر الذي ابتدأ به الَ ية‪ ,‬ول من ج نس ما خت ـمها به‪ ,‬ف ـيكون له و جه يو جه إل ـيه من‬
‫الصحة‪ .‬وذكر أن بريدة السلـمي كان يقرؤه‪« :‬وعا ِب َد الطاغوتِ»‪.‬‬
‫‪9617‬ـ حدثنـي بذلك الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شيخ‬
‫بصري‪ :‬أن بريدة كان يقرؤه كذلك‪.‬‬
‫ع َبدَ الطاغو تِ»‪ ,‬ب ـالكسر كان له مخرج ف ـي العرب ـية صحيح‪ ,‬وإن‬
‫ولو قرىء ذلك‪« :‬و َ‬
‫ل ـم أ ستـجز ال ـيوم القراءة ب ها‪ ,‬إذ كا نت قراءة ال ـحجة من القرّاء بخلف ها وو جه جواز ها‬
‫عبَدة الطاغوت‪ ,‬ثم حذ فت الهاء من العبدة للضا فة‪ ,‬ك ما‬
‫ف ـي العرب ـية أن يكون مرادا ب ها و َ‬
‫قال الراجز‪:‬‬
‫ص ْرخَدَا )‬
‫(قامَ وُلها َفسَقوْهخ َ‬
‫يريد‪ :‬قام ولتها‪ ,‬فحذف التاء من ولتها للضافة‪.‬‬
‫وأ ما قراءة القرّاء فبأ حد الوجه ين اللذ ين بدأت بذكره ما‪ ,‬و هو‪« :‬وَعَب َد الطّاغُو تَ» بن صب‬
‫ع َبدَ» ف ـيه‪ ,‬وتوج يه «عبد» إلـى أنه فعل ماض من العب ـادة‪ .‬والَ خر‪:‬‬
‫الطاغوت وإعمال « َ‬
‫ع ُب َد الطّاغُو تِ» عل ـى مثال فَعُل‪ ,‬وخ فض «الطاغوت» بإضا فة «عبُد» إل ـيه‪ .‬فإذا كا نت‬
‫«َ‬
‫ح مخر جا ف ـي‬
‫قراءة القرّاء بأ حد هذ ين الوجه ين دون غيره ما من الو جه الت ـي هي أ ص ّ‬
‫ُوتـ‬
‫ع َبدَ الطّاغ َ‬
‫العربــية منهمـا‪ ,‬فأولهمـا بــالصواب مـن القراءة قراءة مـن قرأ ذلك‪ :‬و َ‬
‫ب ـمعنى‪ :‬وج عل من هم القردة وال ـخنازير‪ ,‬و من ع بد الطاغوت ل نه ذ كر أن ذلك ف ـي قراءة‬
‫ع َبدُ والطّاغُو تَ» ب ـمعنى‪:‬‬
‫ل ِم ْنهُ مْ القِردَةَ وال ـخنازيرَ وَ َ‬
‫جعَ َ‬
‫أب ـيّ بن ك عب وا بن م سعود‪َ « :‬و َ‬
‫والذ ين عبدوا الطاغوت‪ .‬فف ـي ذلك دل ـيـل وا ضح عل ـى صحة ال ـمعنى الذي ذكر نا من‬
‫أ نه مراد به‪ :‬و من ع بد الطاغوت‪ ,‬وأن الن صب ب ـالطاغوت أول ـى عل ـى ما وصفت ف ـي‬
‫القراءة لعمال «عبد» فـيه‪ ,‬إذ كان الوجه الَخر غير مستفـيض فـي العرب ول معروف‬
‫فــي كلمهـا علــى أن أهـل العربــية يسـتنكرون إعمال شيـء فــي «مَنـْ» و«الذي‬
‫الـمضمرين مع «مِ نْ» و«فـي» إذا كفت «مِ نْ» أو «فـي» منهما‪ ,‬ويستقبحونه‪ ,‬حتـى كان‬
‫ع ُب َد الطاغوتـِ»‪ ,‬فهـو‬
‫بعضهـم يحيــل ذلك ول يجيزه‪ .‬وكان الذي يحيــل ذلك يقرؤه‪« :‬و َ‬
‫علـى قوله خطأ ولـحن غير جائز‪ .‬وكان آخرون منهم يستـجيزونه علـى قبح‪ ,‬فـالواجب‬
‫علـى قولهم أن تكون القراءة بذلك قبـيحة وهم مع استقبـاحهم ذلك فـي الكلم قد اختاروا‬
‫القراءة بها‪ ,‬وإعمال وجعل فـي « َم نْ» وهي مـحذوفة مع «مِن» ولو كنا نستـجيز مخالفة‬
‫الــجماعة فــي شيـء مــما جاءت بـه مــجمعة علــيه‪ ,‬لخترنـا القراءة بغيـر هاتــين‬
‫القراءت ـين‪ ,‬غ ير أن ما جاء به ال ـمسلـمون م ستفـيضا‪ ,‬ف هم ل يتناكرو نه‪ ,‬فل ن ستـجيز‬
‫الــخروج منـه إلــى غيره فلذلك لــم نسـتـجز القراءة بخلف إحدى القراءتــين اللتــين‬
‫ذكرنا أنهم لـم يعدوهما‪.‬‬
‫وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا‪ ,‬فتأويـل الَية‪ :‬قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند ال‪:‬‬
‫من لع نه‪ ,‬وغ ضب عل ـيه‪ ,‬وج عل من هم القردة وال ـخنازير‪ ,‬و من ع بد الطاغوت‪ .‬و قد ب ـينا‬
‫معنى الطاغوت فـيـما مضى بشواهده من الروايات وغيرها‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته ههنا‪.‬‬
‫سبِـيـلِ فإه يعنـي بقوله‪« :‬أولئك»‪ :‬هؤلء‬
‫سوَاءِ ال ّ‬
‫ع نْ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ شَر مَكانا وأضَلّ َ‬
‫الذ ين ذكر هم تعال ـى ذكره‪ ,‬و هم الذ ين و صف صفتهم‪ ,‬فقال‪ :‬من لع نه ال‪ ,‬وغ ضب عل ـيه‪,‬‬
‫وجعـل منهـم القردة والــخنازير‪ ,‬وعبـد الطاغوت وكـل ذلك صـفتهم‪ ,‬فقال‪ :‬مـن لعنـه ال‪,‬‬
‫وغضب علـيه‪ ,‬وجعل منهم القردة والـخنازير‪ ,‬وعبد الطاغوت وكل ذلك من صفة الـيهود‬
‫من بن ـي إ سرائيـل‪ .‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هؤلء الذ ين هذه صفتهم شرّ مكا نا ف ـي عا جل‬
‫الدنـيا والَخرة عند ال مـمن نقمتـم علـيهم يا معشر الـيهود إيـمانهم بـال وبـما أنزل‬
‫ن سَوَاء‬
‫ع ْ‬
‫إلـيهم من عند ال من الكتاب وبـما أنزل إلـى من قبلهم من النبـياء‪ ,‬وَأضَلّ َ‬
‫سبِـيـل يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وأنت ـم مع ذلك أي ها ال ـيهود‪ ,‬أشدّ أخذا عل ـى غ ير الطر يق‬
‫ال ّ‬
‫القويــم‪ ,‬وأجور عـن سـبـيـل الرشـد والقصـد منهـم‪ .‬وهذا مـن لَــحْنِ الكلم‪ ,‬وذلك أن ال‬
‫تعالـى ذكره إنـما قصد بهذا الـخبر إخبـار الـيهود الذين وصف صفتهم فـي الَيات قبل‬
‫هذه بقب ـيح فعال هم وذمي ـم أخلق هم وا ستـيجابهم سخطه بكثرة ذنوب هم ومعا صيهم‪ ,‬حت ـى‬
‫مُسـِخ بعضهـم قردة وبعضهـم خنازيـر‪ ,‬خطابــا منـه لهـم بذلك تعريضـا بــالـجميـل مـن‬
‫الـخطاب‪ ,‬ولَـحَنَ لهم بـما عرفوا معناه من الكلم بأحسن اللّـحن‪ ,‬وعلّـم نبـيه صلى ال‬
‫عل يه و سلم من الدب أح سنه‪ ,‬فقال له‪ :‬قل ل هم يا م ـحمد‪ ,‬أهؤلء ال ـمؤمنون ب ـال وبكت به‬
‫الذين تستهزءون منهم شرّ أم من لعنه ال؟ وهو يعنـي الـمقول ذلك لهم‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَجُواْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإذَا جَآءُوكُ ْم قَالُوَ ْا آمَنّا َو َقدْ ّدخَلُو ْا بِا ْلكُ ْفرِ وَهُ مْ َقدْ َ‬
‫بِهِ وَالّلهُ َأعَْلمُ ِبمَا كَانُو ْا َي ْكتُمُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا جاءكم أيها الـمؤمنون هؤلء الـمنافقون من الـيهود‪ ,‬قالوا لكم‪:‬‬
‫«آمنا»‪ :‬أي صدّقنا بـما جاء به نبـيكم مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واتبعناه علـى دينه‪,‬‬
‫وهم مقـيـمون علـى كفرهم وضللتهم‪ ,‬قد دخـلوا علـيكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم‬
‫خ َرجُوا به يقول‪:‬‬
‫ويضمرونه ف ـي صدورهم‪ ,‬وهم يبدون كذب ـا الت صديق ل كم بأل سنتهم‪ .‬و َقدْ َ‬
‫وقد خرجوا بـالكفر من عندكم كما دخـلوا به علـيكم لـم يرجعوا بـمـجيئهم إلـيكم عن‬
‫كفرهم وضللتهم‪ ,‬يظنون أن ذلك من فعلهم يخفـي علـى ال جهلً منهم بـال‪ .‬وَاللّهُ أعْلَـمُ‬
‫بِــمَا كانُوا َي ْكتُــمُونَ يقول‪ :‬وال أعلــم بــما كانوا عنـد قولهـم لكـم بألسـنتهم‪ :‬آمنـا بــال‬
‫وبـمـحمد وصدّقنا بـما جاءبه‪ ,‬يكتـمون منهم بـما يضمرونه من الكفر بأنفسهم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9618‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإذَا جا َءكَ مْ‬
‫قالُوا آمَنّا‪ ...‬الَ ية‪ :‬أ نا من ال ـيهود كانوا يدخ ـلون عل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫فـيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بـالذي جاء به‪ ,‬وهم متـمسكون بضللتهم والكفر‪ ,‬وكانوا‬
‫يدخـلون بذلك ويخرجون به من عند نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪9619‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫خ َرجُوا ِب ِه قال‪ :‬هؤلء ناس من‬
‫ال سديّ‪ :‬وَإذَا جاءُك ْم قالُوا آمَنّا‪َ ,‬و َقدْ َدخَ ـلُوا ب ـالكُ ْفرِ وَهُ مْ َقدْ َ‬
‫الـمنافقـين كانوا يهود‪ .‬يقول‪ :‬دخـلوا كفـارا وخرجوا كفـارا‪.‬‬
‫‪ 9620‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫خ َرجُوا‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬وَإذَا جا ُءكُ مْ قالُوا آ َمنّا َو َقدْ َدخَـلُوا بـالكُ ْفرِ وَهُ مْ َقدْ َ‬
‫سرّ قلوبهم الكفر‪ ,‬فقال‪ :‬دخـلوا بـالكفر وهم‬
‫بِ هِ وإنهم دخـلوا وهم يتكلـمون بـالـحقّ وتُ ِ‬
‫قد خرجوا به‪.‬‬
‫‪ 9621‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي‬
‫ل الكِتابِ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫خ َرجُوا ِبهِ وَقالَتْ طائِفَ ٌة مِ ْ‬
‫قوله‪ :‬وَإذَا جاءُكمْ قالُوا آ َمنّا َو َقدْ َدخَـلُوا بـالكُ ْفرِ وَهُمْ َ‬
‫ن فإذا رجعوا‬
‫جعُو َ‬
‫خرَ ُه َلعَّلهُ مْ َي ْر ِ‬
‫آ ِمنُوا ب ـاّلذِي ُأ ْنزِلَ عل ـى اّلذِي نَ آ َمنُوا َوجْ هَ النّارِ وَاكْ ُفرُوا آ ِ‬
‫إلـى كفـارهم من أهل الكتاب وشياطينهم‪ ,‬رجعوا بكفرهم‪ .‬وهؤلء أهل الكتاب من يهود‪.‬‬
‫‪ 9622‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫خ َرجُوا بِهِ‪ :‬أي إنه من عندهم‪.‬‬
‫بن كثـير‪َ :‬وقَ ْد َدخَـلُوا بـالكُفْرِ وَ ُهمْ قَدح َ‬
‫لثْمِ وَا ْل ُعدْوَانِ وََأكِْلهِمُ‬
‫{ َوتَ َرىَ َكثِيرا ّم ْنهُمْ ُيسَارِعُونَ فِي ا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫سحْتَ َل ِبئْسَ مَا كَانُو ْا َي ْعمَلُو َ‬
‫ال ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وترى يا م ـحمد كث ـيرا من‬
‫هؤلء الــيهود الذيـن قصـصت علــيك نبأهـم مـن بنــي إسـرائيـل يُسـَارِعُونَ فِــي الثْمِـ‬
‫وال ُعدْوَا نِ يقول‪ :‬يعجلون ب ـمواقعة ال ثم‪ .‬وق ـيـل‪ :‬إن ال ثم ف ـي هذا ال ـموضع معنىّ به‬
‫الكفر‪.‬‬
‫‪9623‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ فـي قوله‪َ :‬و َترَى َكثِـيرا ِم ْنهُمْ يُسارِعُونَ فِـي ال ْثمِ وَالعُدوَانِ قال‪ :‬الثم‪ :‬الكفر‪.‬‬
‫‪ 9624‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وتَرى‬
‫حكّام الـيهود بـين أيديكم‪.‬‬
‫ن وكان هذا فـي ُ‬
‫ن فِـي ال ْثمِ وَال ُع ْدوَا ِ‬
‫َكثِـيرا ِم ْن ُهمْ يُسارِعُو َ‬
‫‪ 9625‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬يُ سارِعُونَ‬
‫ن لَوْل َينْهاهُ مْ ال ّربّـانِـيّونَ‪...‬‬
‫فِـي الثْ مِ وال ُعدْوَا نِ قال‪ :‬هؤلء الـيهود َل ِبئْ سَ ما كانُوا َي ْعمَلُو َ‬
‫ن قال‪ :‬يصـنعون ويعملون واحـد‪ .‬قال‪ :‬لهؤلء ح ين ل ـم‬
‫ص َنعُو َ‬
‫إلــى قوله‪َ :‬ل ِبئْسَـ ما كانُوا يَ ْ‬
‫ُي ْنهُوا‪ ,‬كما قال لهؤلء حين عملوا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا القول الذي ذكرناه عن ال سديّ وإن كان قولً غ ير مدفوع جواز صحته‪ ,‬فإن الذي‬
‫هو أول ـى بتأوي ـل الكلم أن يكون القوم مو صوفـين بأن هم ي سارعون ف ـي جم يع معا صي‬
‫ال ل يت ـحاشَوْن من ش يء من ها ل من ك فر ول من غيره لن ال تعال ـى ذكره ع مّ ف ـي‬
‫وصفهم بـما وصفهم به من أنهم يسارعون فـي الثم والعدوان من غير أن يخصّ بذلك إثما‬
‫ل مـا حدّه لهـم‪.‬‬
‫دون إثـم‪ .‬وأمـا العدوان‪ ,‬فإنـه مــجاوزة الــحدّ الذي حدّه ال لهـم فــي ك ّ‬
‫وتأوي ـل ذلك أن هؤلء ال ـيهود الذ ين و صفهم ف ـي هذه الَيات ب ـما و صفهم به تعال ـى‬
‫ذكره‪ ,‬ي سارع كث ـير من هم ف ـي معا صي ال وخلف أمره‪ ,‬ويتعدّون حدوده الت ـي حدّ ل هم‬
‫سحْت‪ ,‬وذلك الرشوة التـي يأخذونها من الناس‬
‫فـيـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم فـي أكلهم ال ّ‬
‫علـى الـحكم بخلف حكم ال فـيهم‪ .‬يقول ال تعالـى ذكره‪َ :‬ل ِبئْ سَ ما كانُوا َي ْعمَلُو نَ يقول‪:‬‬
‫أقسم لبئس العمل ما كان هؤلء الـيهود يعملون فـي مسارعتهم فـي الثم والعدوان وأكلهم‬
‫السحت‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَجُواْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإذَا جَآءُوكُ ْم قَالُوَ ْا آمَنّا َو َقدْ ّدخَلُو ْا بِا ْلكُ ْفرِ وَهُ مْ َقدْ َ‬
‫بِهِ وَالّلهُ َأعَْلمُ ِبمَا كَانُو ْا َي ْكتُمُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا جاءكم أيها الـمؤمنون هؤلء الـمنافقون من الـيهود‪ ,‬قالوا لكم‪:‬‬
‫«آمنا»‪ :‬أي صدّقنا بـما جاء به نبـيكم مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واتبعناه علـى دينه‪,‬‬
‫وهم مقـيـمون علـى كفرهم وضللتهم‪ ,‬قد دخـلوا علـيكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم‬
‫خ َرجُوا به يقول‪:‬‬
‫ويضمرونه ف ـي صدورهم‪ ,‬وهم يبدون كذب ـا الت صديق ل كم بأل سنتهم‪ .‬و َقدْ َ‬
‫وقد خرجوا بـالكفر من عندكم كما دخـلوا به علـيكم لـم يرجعوا بـمـجيئهم إلـيكم عن‬
‫كفرهم وضللتهم‪ ,‬يظنون أن ذلك من فعلهم يخفـي علـى ال جهلً منهم بـال‪ .‬وَاللّهُ أعْلَـمُ‬
‫بِــمَا كانُوا َي ْكتُــمُونَ يقول‪ :‬وال أعلــم بــما كانوا عنـد قولهـم لكـم بألسـنتهم‪ :‬آمنـا بــال‬
‫وبـمـحمد وصدّقنا بـما جاءبه‪ ,‬يكتـمون منهم بـما يضمرونه من الكفر بأنفسهم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9618‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإذَا جا َءكَ مْ‬
‫قالُوا آمَنّا‪ ...‬الَ ية‪ :‬أ نا من ال ـيهود كانوا يدخ ـلون عل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫فـيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بـالذي جاء به‪ ,‬وهم متـمسكون بضللتهم والكفر‪ ,‬وكانوا‬
‫يدخـلون بذلك ويخرجون به من عند نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪9619‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫خ َرجُوا ِب ِه قال‪ :‬هؤلء ناس من‬
‫ال سديّ‪ :‬وَإذَا جاءُك ْم قالُوا آمَنّا‪َ ,‬و َقدْ َدخَ ـلُوا ب ـالكُ ْفرِ وَهُ مْ َقدْ َ‬
‫الـمنافقـين كانوا يهود‪ .‬يقول‪ :‬دخـلوا كفـارا وخرجوا كفـارا‪.‬‬
‫‪ 9620‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫خ َرجُوا‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬وَإذَا جا ُءكُ مْ قالُوا آ َمنّا َو َقدْ َدخَـلُوا بـالكُ ْفرِ وَهُ مْ َقدْ َ‬
‫سرّ قلوبهم الكفر‪ ,‬فقال‪ :‬دخـلوا بـالكفر وهم‬
‫بِ هِ وإنهم دخـلوا وهم يتكلـمون بـالـحقّ وتُ ِ‬
‫قد خرجوا به‪.‬‬
‫‪ 9621‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي‬
‫ل الكِتابِ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫خ َرجُوا ِبهِ وَقالَتْ طائِفَ ٌة مِ ْ‬
‫قوله‪ :‬وَإذَا جاءُكمْ قالُوا آ َمنّا َو َقدْ َدخَـلُوا بـالكُ ْفرِ وَهُمْ َ‬
‫ن فإذا رجعوا‬
‫جعُو َ‬
‫خرَ ُه َلعَّلهُ مْ َي ْر ِ‬
‫آ ِمنُوا ب ـاّلذِي ُأ ْنزِلَ عل ـى اّلذِي نَ آ َمنُوا َوجْ هَ النّارِ وَاكْ ُفرُوا آ ِ‬
‫إلـى كفـارهم من أهل الكتاب وشياطينهم‪ ,‬رجعوا بكفرهم‪ .‬وهؤلء أهل الكتاب من يهود‪.‬‬
‫‪ 9622‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫خ َرجُوا بِهِ‪ :‬أي إنه من عندهم‪.‬‬
‫بن كثـير‪َ :‬وقَ ْد َدخَـلُوا بـالكُفْرِ وَ ُهمْ قَدح َ‬
‫لثْمِ وَا ْل ُعدْوَانِ وََأكِْلهِمُ‬
‫{ َوتَ َرىَ َكثِيرا ّم ْنهُمْ ُيسَارِعُونَ فِي ا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫سحْتَ َل ِبئْسَ مَا كَانُو ْا َي ْعمَلُو َ‬
‫ال ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وترى يا م ـحمد كث ـيرا من‬
‫هؤلء الــيهود الذيـن قصـصت علــيك نبأهـم مـن بنــي إسـرائيـل يُسـَارِعُونَ فِــي الثْمِـ‬
‫وال ُعدْوَا نِ يقول‪ :‬يعجلون ب ـمواقعة ال ثم‪ .‬وق ـيـل‪ :‬إن ال ثم ف ـي هذا ال ـموضع معنىّ به‬
‫الكفر‪.‬‬
‫‪9623‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ فـي قوله‪َ :‬و َترَى َكثِـيرا ِم ْنهُمْ يُسارِعُونَ فِـي ال ْثمِ وَالعُدوَانِ قال‪ :‬الثم‪ :‬الكفر‪.‬‬
‫‪ 9624‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وتَرى‬
‫حكّام الـيهود بـين أيديكم‪.‬‬
‫ن وكان هذا فـي ُ‬
‫ن فِـي ال ْثمِ وَال ُع ْدوَا ِ‬
‫َكثِـيرا ِم ْن ُهمْ يُسارِعُو َ‬
‫‪ 9625‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬يُ سارِعُونَ‬
‫ن لَوْل َينْهاهُ مْ ال ّربّـانِـيّونَ‪...‬‬
‫فِـي الثْ مِ وال ُعدْوَا نِ قال‪ :‬هؤلء الـيهود َل ِبئْ سَ ما كانُوا َي ْعمَلُو َ‬
‫ن قال‪ :‬يصـنعون ويعملون واحـد‪ .‬قال‪ :‬لهؤلء ح ين ل ـم‬
‫ص َنعُو َ‬
‫إلــى قوله‪َ :‬ل ِبئْسَـ ما كانُوا يَ ْ‬
‫ُي ْنهُوا‪ ,‬كما قال لهؤلء حين عملوا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا القول الذي ذكرناه عن ال سديّ وإن كان قولً غ ير مدفوع جواز صحته‪ ,‬فإن الذي‬
‫هو أول ـى بتأوي ـل الكلم أن يكون القوم مو صوفـين بأن هم ي سارعون ف ـي جم يع معا صي‬
‫ال ل يت ـحاشَوْن من ش يء من ها ل من ك فر ول من غيره لن ال تعال ـى ذكره ع مّ ف ـي‬
‫وصفهم بـما وصفهم به من أنهم يسارعون فـي الثم والعدوان من غير أن يخصّ بذلك إثما‬
‫ل مـا حدّه لهـم‪.‬‬
‫دون إثـم‪ .‬وأمـا العدوان‪ ,‬فإنـه مــجاوزة الــحدّ الذي حدّه ال لهـم فــي ك ّ‬
‫وتأوي ـل ذلك أن هؤلء ال ـيهود الذ ين و صفهم ف ـي هذه الَيات ب ـما و صفهم به تعال ـى‬
‫ذكره‪ ,‬ي سارع كث ـير من هم ف ـي معا صي ال وخلف أمره‪ ,‬ويتعدّون حدوده الت ـي حدّ ل هم‬
‫سحْت‪ ,‬وذلك الرشوة التـي يأخذونها من الناس‬
‫فـيـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم فـي أكلهم ال ّ‬
‫علـى الـحكم بخلف حكم ال فـيهم‪ .‬يقول ال تعالـى ذكره‪َ :‬ل ِبئْ سَ ما كانُوا َي ْعمَلُو نَ يقول‪:‬‬
‫أقسم لبئس العمل ما كان هؤلء الـيهود يعملون فـي مسارعتهم فـي الثم والعدوان وأكلهم‬
‫السحت‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لثْمَ وََأكِْلهِمُ‬
‫حبَارُ عَن قَوِْلهِمُ ا ِ‬
‫{لَ ْولَ َي ْنهَاهُمُ ال ّربّانِيّونَ وَال ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ص َنعُونَ }‪..‬‬
‫سحْتَ َل ِبئْسَ مَا كَانُو ْا َي ْ‬
‫ال ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هل ينهـى هؤلء الذ ين ي سارعون فــي ال ثم والعدوان وأكـل الرشـا‬
‫فــي الــحكم مـن الــيهود مـن بنــي إسـرائيـل ربــانـيوهم‪ ,‬وهـم أئمتهـم الــمؤمنون‪,‬‬
‫ن قَوِْلهِ مُ الثْ مَ يعن ـي‪:‬‬
‫و ساستهم العل ـماء ب سياستهم وأحب ـارهم‪ ,‬و هم عل ـماؤهم وقوّاد هم عَ ْ‬
‫عن قول الكذب والزور وذلك أنهم كانوا يحكمون فـيهم بغير حكم ال‪ ,‬ويكتبون كتبـا بأيديهم‬
‫ثم يقولون‪ :‬هذا من حكم ال‪ ,‬وهذا من كتبه‪ .‬يقول ال‪ :‬فَ َويْـلٌ َلهُ مْ مِـمّا َك َتبَ تْ أ ْيدِيهِ مْ َو َويْـلٌ‬
‫سبُونَ‪.‬‬
‫َل ُهمْ مِـمّا َيكْ ِ‬
‫ت فإنه يعنـي به الرشوة التـي كانوا يأخذونها علـى حكمهم بغير‬
‫سحْ ُ‬
‫وأما قوله‪ :‬وأكِْلهِ مْ ال ّ‬
‫كتاب ال ل ـمن حكموا له به‪ .‬و قد ب ـينا مع نى الرب ـانـيـين والحب ـار ومع نى ال سحت‬
‫س ما كانُوا‬
‫بشوا هد ذلك ف ـيـما م ضى ب ـما أغ نى عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪َ .‬ل ِبئْ َ‬
‫يَ صْ َنعُونَ وهذا ق سم من ال أق سم به‪ ,‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أق سمُ لبئس ال صنـيع كان ي صنع‬
‫هؤلء الربـانـيون والحبـار فـي تركهم نهى الذين يسارعون منهم فـي الثم والعدوان‬
‫وأ كل ال سحت ع ما كانوا يفعلون من ذلك‪ .‬وكان العلــماء يقولون‪ :‬ما ف ـي القرآن آ ية أشدّ‬
‫توبـيخا للعلـماء من هذه الَية ول أخوف علـيهم منها‪.‬‬
‫‪ 9626‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة بن ُنبَـيط‪,‬‬
‫عن الضحاك بن مزاحم فـي قوله‪ :‬لَوْل َينْهاهُمُ ال ّربّـانِـيّونَ والحْبـارُ عَنْ قَوِْلهِمُ الثْمَ قال‪:‬‬
‫ما فـي القرآن آية أخوف عندي منها أنّا ل ننهى‪.‬‬
‫‪9627‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قـيس‪ ,‬عن العلء بن الـمسيب‪,‬‬
‫عن خالد بن دينار‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ما ف ـي القرآن آ ية أشدّ توب ـيخا من هذه الَ ية‪:‬‬
‫ت َل ِبئْ سَ ما كانُوا َي ْعمَلُو نَ‬
‫سحْ َ‬
‫ن قَوِْلهِ مُ الثْ مَ وأكِْلهِ مُ ال ّ‬
‫ن والحبْ ـارُ عَ ْ‬
‫لَوْل َينْهاهُ مُ ال ّربّ ـانِـيّو َ‬
‫قال‪ :‬كذا قرأ‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9628‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ا بن وكيع قال‪ :‬حدثنا أب ـي‪ ,‬عن سلـمة بن‬
‫سحْتُ‬
‫ن قَوِْلهِ مُ الثْ مَ وأكِْلهِ مُ ال ّ‬
‫نب ـيط‪ ,‬عن الضحاك‪َ :‬لوْل َينْهاهُ مُ ال ّربّ ـانِـيّونَ والحْب ـارُ عَ ْ‬
‫َل ِبئْسَ ما كانُوا َيصْ َنعُونَ‪.‬‬
‫‪ 9629‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪َ :‬لوْل َينْاهُمُ ال ّربّـانِـيّونَ والحْبـارُ عَنْ‬
‫ن يعنـي الربـانـيـين أنهم لبئس ما كانوا‬
‫ص َنعُو َ‬
‫س ما كانُوا يَ ْ‬
‫سحْتَ َل ِبئْ َ‬
‫قَوِْلهِ مُ الثْ مَ وأكِْلهِ مُ ال ّ‬
‫يصنعون‬

‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{ َوقَالَ تِ ا ْل َيهُو ُد َيدُ اللّ ِه َمغْلُوَلةٌ غُلّ تْ َأ ْيدِيهِ مْ وَُل ِعنُو ْا بِمَا‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫طغْيَانا‬
‫ن َكثِيرا ّمنْهُم مّآ أُنزِلَ إَِليْ كَ مِن ّربّ كَ ُ‬
‫طتَانِ يُنفِ قُ َكيْ فَ َيشَآءُ وََل َيزِيدَ ّ‬
‫ل َيدَا هُ َمبْ سُو َ‬
‫قَالُواْ بَ ْ‬
‫ّهـ‬
‫ْبـ َأطْ َفأَهَا الل ُ‬
‫حر ِ‬‫ْمـ الْ ِقيَامَ ِة كُلّمَآ َأ ْوقَدُو ْا نَارا لّ ْل َ‬
‫ى يَو ِ‬
‫ُمـ ا ْل َعدَاوَ َة وَا ْل َبغْضَآءَ إَِل َ‬
‫َوكُفْرا وَأَلْ َقيْنَا َب ْي َنه ُ‬
‫سدِينَ }‪..‬‬
‫ب ا ْلمُ ْف ِ‬
‫ن فِي الرْضِ َفسَادا وَاللّ ُه لَ ُيحِ ّ‬
‫سعَوْ َ‬
‫َو َي ْ‬
‫وهذا خبر من ال تعالـى ذكره عن جراءة الـيهود علـى ربهم ووصفهم إياه بـما لـيس‬
‫مـن صـفته‪ ,‬توبــيخا لهـم بذلك وتعريفــا منـه نبــيه صـلى ال عليـه وسـلم قديــمَ جهلهـم‬
‫ي مبعوث ورسول مرسل أن كا نت هذه‬
‫واغترارهم به وإنكارهم جميع جميـل أياديه له نب ـ ّ‬
‫النبـاء التـي أنبأهم بها كانت من خفـيّ علومهم ومكنونها التـي ل يعلـمها إل أحبـارهم‬
‫ل عن ال مة الم ية من العرب الذ ين ل ـم يقرءوا‬
‫وعل ـماؤهم دون غير هم من ال ـيهود فض ً‬
‫كتابـا ول وَعَوْا من علوم أهل الكتاب علـما فأطلع ال علـى ذلك نبـيه مـحمدا صلى ال‬
‫عل يه و سلم و سلـم ل ـيقرّر عند هم صدقه ويق طع بذلك حجت هم‪ .‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وَقالَ تِ‬
‫الـ َيهُودُ من بـين إسرائيـل َيدُ الّل ِه َمغْلُوَلةٌ يعنون‪ :‬أن خير ال مـمسك‪ ,‬وعطاءه مـحبوس‬
‫عن الت ساع عل ـيهم‪ ,‬ك ما قال تعال ـى ذكره ف ـي تأد يب نب ـيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وَل‬
‫سطِ‪ .‬وإنـما وصف تعالـى ذكره الـيد‬
‫ل البَ ْ‬
‫عنُقِ كَ وَل َتبْ سُطْها كُ ّ‬
‫ك َمغْلُولَ ًة إلـى ُ‬
‫جعَلْ َيدَ َ‬
‫تَـ ْ‬
‫بذلك‪ ,‬والــمعنى‪ :‬العطاء‪ ,‬لن عطاء الناس وبذل معروفهـم الغالب بأيديهـم‪ ,‬فجرى اسـتعمال‬
‫الناس فـي وصف بعضهم بعضا إذا وصفوه بجود وكرم أو ببخـل وش حّ وضيق‪ ,‬بإضافة ما‬
‫كان من ذلك من صفة الـموصوف إلـى يديه‪ ,‬كما قال العشى فـي مدح رجل‪:‬‬
‫جدٍ َف َكفّ مُفِـيدَةٌو َكفّ إذا ماضُنّ بـالزّادِ ُتنْ ِفقُ‬
‫َيدَاكَ َيدَا مَـ ْ‬
‫فأضاف ما كان صفة صاحب ال ـيد من إنف ـاق وإف ـادة إل ـى ال ـيد وم ثل ذلك من كلم‬
‫العرب فــي أشعارهـا وأمثالهـا أكثـر مـن أن يحصـى‪ .‬فخاطبهـم ال بــما يتعارفونـه‪,‬‬
‫ويت ـحاورونه ب ـينهم ف ـي كلم هم‪ ,‬فقال‪َ :‬وقَال تِ ال ـ َيهُودُ َي ُد اللّ ِه َمغْلُولَ ٌة يعن ـي بذلك أن هم‬
‫قالوا‪ :‬إن ال يبخــل علــينا ويــمنعنا فضله فل يفضـل‪ ,‬كالــمغلولة يده الذي ل يقدر أن‬
‫يبسـطها بعطاء ول بذل معروف‪ .‬تعالــى ال عمـا قال أعداء ال فقال ال مكذّبهـم ومخـبرهم‬
‫ب سخطه عل ـيهم‪ :‬غُّل تْ أ ْيدِيهِ مْ يقول‪ُ :‬أمْ سكت أيدي هم عن ال ـخيرات‪ ,‬و ُقبِ ضت عن النب ساط‬
‫بـالعطيات‪ ,‬وُلعِنوا بـما قالوا‪ ,‬وُأ ْبعِدوا من رحمة ال وفضله بـالذي قالوا من الكفر وافتروا‬
‫طتَانِ يقول‪ :‬بـل يداه مبسـوطتان‬
‫َاهـ َمبْسـُو َ‬
‫ل َيد ُ‬
‫علــى ال ووصـفوه بـه مـن الكذب‪ ,‬والفـك‪ .‬بَ ْ‬
‫ب ـالبذل والعطاء وأرزاق عب ـاده وأقوات خ ـلقه‪ ,‬غ ير مغلولت ـين ول مقبوضت ـين‪ُ .‬ينْفِ قُ‬
‫ف َيشَاءُ يقول‪ :‬يعطى هذا ويـمنع هذا فـيقتر علـيه‪.‬‬
‫َكيْ َ‬
‫وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9630‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬وقَال تِ ال ـ َيهُودُ َيدُ الّل ِه َمغْلُولَةٌ غُّل تْ‬
‫أ ْيدِيهِمْ وَُل ِعنُوا بِـمَا قالُوا‪ .‬قال‪ :‬لـيس يعنون بذلك أن يد ال موثقة‪ ,‬ولكنهم يقولون‪ :‬إنه بخيـل‬
‫أمسك ما عنده‪ .‬تعالـى ال عما يقولون علوّا كبـيرا‬
‫‪9631‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قول ال‪َ :‬يدُ اللّ ِه َمغْلُولَ ٌة قال‪ :‬ل قد يجهد نا ال يا بن ـي إ سرائيـل‬
‫حتـى جعل ال يده إلـى نـحره‪ .‬وكذبوا‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مــجاهد‪َ :‬يدُ اللّهِـ َمغْلُولَ ٌة قال‪ :‬الــيهود تقول‪ :‬لقـد يجهدنـا ال يـا بنــي إسـرائيـل ويـا أهـل‬
‫الكتاب حتـى إن يده إلـى نـحره‪ .‬بل يداه مبسوطتان‪ ,‬ينفق كيف يشاء‪.‬‬
‫‪ 9632‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وقَال تِ الـ َيهُودُ َيدُ‬
‫اللّهِ َمغْلُوَلةٌ غُلّتْ أ ْيدِيهِمْ وَُل ِعنُوا بِـمَا قالُوا‪ ...‬إلـى‪ :‬والّل ُه ل ُيحِبّ الـمُ ْفسِدِينَ‪ .‬أما قوله َيدُ الّلهِ‬
‫ن ُينْ ِفقُ َك ْيفَ َيشَاءُ‪.‬‬
‫طتَا ِ‬
‫َمغْلُولَ ٌة قالوا‪ :‬ال بخيـل غير جواد‪ ,‬قال ال‪ :‬بلْ َيدَا ُه َم ْبسُو َ‬
‫‪ 9633‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن ُينْفِ قُ‬
‫ت أ ْيدِيهِ مْ وَُل ِعنُوا بِـمَا قالُوا بَلْ َيدَا هُ َمبْ سُوطَتا ِ‬
‫السديّ‪َ :‬وقَال تِ الـ َيهُودُ َيدُ الّل ِه َمغْلُولَةٌ غُّل ْ‬
‫ف يَشاءُ قالوا‪ :‬إن ال وضع يده علـى صدره فل يبسطها حتـى يردّ علـينا ملكنا‪.‬‬
‫َكيْ َ‬
‫وأما قوله‪ُ :‬ينْ ِفقُ َك ْيفَ يَشاءُ يقول‪ :‬يرزق كيف يشاء‪.‬‬
‫‪ 9634‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫عكرمة‪َ :‬وقَالتِ الـ َيهُو ُد َيدُ اللّ ِه َمغْلُولَةٌ‪ ...‬الَية‪ ,‬نزلت فـي فنـحاص الـيهوديّ‪.‬‬
‫‪9635‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو تــميـلة‪ ,‬عـن عبــيد بـن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬عن الضحاك بن مزا حم‪ ,‬قوله‪َ :‬يدُ الّل هِ َمغْلُوَلةٌ يقولون‪ :‬إ نه بخي ـل ل ـيس بجواد‬
‫َاهـ‬
‫ل َيد ُ‬
‫قال ال‪ :‬غُلّت أ ْيدِيهِمـْ‪ :‬أمسـكت أيديهـم عـن النفقـة والــخير‪ .‬ثـم قال يعنــي نفسـه‪ :‬بَ ْ‬
‫جعَلْ َي َدكَ َمغْلُوَلةٌ يقول‪ :‬ل تـمسك يدك عن النفقة‪.‬‬
‫َم ْبسُوطَتان ُينْ ِفقُ َك ْيفَ يَشاءُ وقال‪ :‬ل تـ ْ‬
‫واختلف أ هل ال ـجدل ف ـي تأوي ـل قوله‪ :‬بَلْ َيدَا ُه َمبْ سُوطَتانِ فقال بعض هم‪ :‬عُن ـي بذلك‬
‫نعمتاه‪ ,‬وقال‪ :‬ذلك بـمعنى‪ :‬يد ال علـى خـلقه‪ ,‬وذلك نعمه علـيهم وقال‪ :‬إن العرب تقول‪:‬‬
‫لك عندي يد‪ ,‬يعنون بذلك‪ :‬نعمة‪.‬‬
‫وقال آخرون منهـم‪ :‬عنـى بذلك القوّة‪ ,‬وقالوا‪ :‬ذلك نظيـر قول ال تعالــى ذكره‪ :‬وَا ْذ ُكرْ‬
‫عِبـادَنا إ ْبرَاهِيـمَ وإسْحاقَ َو َيعْقُوبَ أُولـى ال ْيدِي‪.‬‬
‫وقال آخرون من هم‪ :‬بل يده ملكـه وقال‪ :‬معنـى قوله‪َ :‬وقَالتِـ الــَيهُودُ َيدُ اللّهِـ َمغْلُوَلةٌ‪ :‬ملكـه‬
‫وخزائنـه‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك كقول العرب للــمـملوك‪ :‬هـو ملك يــمينه‪ ,‬وفلن بــيده عقدة نكاح‬
‫صدَقَةً‪.‬‬
‫فلنة‪ :‬أي يـملك ذلك‪ ,‬وكقول ال تعالـى ذكره‪ :‬فَ َقدّمُوا بـينَ َي َديْ نَـجْوَا ُكمْ َ‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬بل يد ال صفة من صفـاته هي يد‪ ,‬غير أنها لـيست بجارحة كجوارح‬
‫بن ـي آدم‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك أن ال تعال ـى ذكره أ خبر عن خ صوصية آدم ب ـما خ صه به من‬
‫خ ـلقه إياه ب ـيده‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كان ل ـخصوصية آدم بذلك و جه مفهوم‪ ,‬إذ كان جم يع خ ـلقه‬
‫مخـلوقـين بقدرته ومشيئته فـي خـلقه تعمه وهو لـجميعهم مالك‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا كان تعالـى‬
‫ذكره قد خ صّ آدم بذكره خ ـلقه إياه ب ـيده دون غيره من عب ـاده‪ ,‬كان معلو ما إ نه إن ـما‬
‫خ صه بذلك ل ـمعنى به ف ـارق غيره من سائر ال ـخـلق‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬ب طل‬
‫قول مـن قال‪ :‬معنـى الــيد مـن ال القوّة والنعمـة أو الــملك فــي هذا الــموضع‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون إن يد ال فـي قوله‪َ :‬وقَالتِ الـيَهُو ُد َيدُ اللّ ِه َمغْلُولَةٌ‬
‫هي نعم ته‪ ,‬لق ـيـل‪ :‬بل يده مب سوطة‪ ,‬ول ـم ي قل‪ :‬بل يداه‪ ,‬لن نع مة ال ل ت ـحصى بكثرة‬
‫وبذلك جاء التنزي ـل‪ ,‬يقول ال تعال ـى‪ :‬وَإ نْ َت ُعدّوا ِن ْعمَ َة اللّ هِ ل تُ ـحْصُوها قالوا‪ :‬ولو كا نت‬
‫نعمتـين كانتا مـحصاتـين‪.‬‬
‫ن أن النعمتـين بـمعنى النعم الكثـيرة‪ ,‬فذلك منه خطأ وذلك أن العرب‬
‫ن ظا ّ‬
‫قالوا‪ :‬فإن ظ ّ‬
‫قد تـخرج الـجميع بلفظ الواحد لداء الواحد عن جميع جنسه‪ ,‬وذلك كقول ال تعالـى ذكره‪:‬‬
‫ن الكافِرُ علـى َربّهِ‬
‫ن النْسانَ َلفِـي خُسْرٍ‪ ,‬وكقوله‪ :‬لَ َقدْ خَـلَقْنا النْسانَ‪ ,‬وقوله‪ :‬وكا َ‬
‫وَالعَصْرِ إ ّ‬
‫ظهِيرا‪ .‬قال‪ :‬فل ـم ُيرَدْ ب ـالنسان والكافـر ف ـي هذه الما كن إن سان بعي نه‪ ,‬ول كافـر مشار‬
‫َ‬
‫إلـيه حاضر‪ ,‬بل عُنـي به جميع النس وجميع الكفـار‪ ,‬ولكن الواحد أدّى عن جنسه كما‬
‫تقول العرب‪ :‬ما أك ثر الدر هم ف ـي أيدي الناس‪ ,‬وكذلك قوله‪ :‬وكا نَ الكافِ ُر معناه‪ :‬وكان الذ ين‬
‫كفروا‪ .‬قالوا‪ :‬فأمـا إذا ثنــي السـم‪ ,‬فل يؤدّي عـن الــجنس‪ ,‬ول يؤدّي إل عـن اثنــين‬
‫بأعيانهمـا دون الــجميع ودون غيرهمـا‪ .‬قالوا‪ :‬وخطـأ فــي كلم العرب أن يقال‪ :‬مـا أكثـر‬
‫الدرهمين فـي أيدي الناس بـمعنى‪ :‬ما أكثر الدراهم فـي أيديهم‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك أن الدرهم إذا‬
‫ثنـي ل يؤدّي فـي كلمها إل عن اثنـين بأعيانهما‪ .‬قالوا‪ :‬وغير مـحال‪ :‬ما أكثر الدرهم‬
‫فـي أيدي الناس وما أكثر الدراهم فـي أيديهم لن الواحد يؤدّي عن الـجميع‪ .‬قالوا‪ :‬ففـي‬
‫قول ال تعالـى‪ :‬بَلْ َيدَا ُه َمبْسُوطَتانِ مع إعلمه عبـاده أن نعمه ل تـحصى‪ ,‬ومع ما وصفنا‬
‫من أ نه غ ير معقول ف ـي كلم العرب أن اثن ـين يؤدّيان عن ال ـجميع‪ ,‬ما ي نبىء عن خ طأ‬
‫قول من قال‪ :‬معنى الـيد فـي هذا الـموضع‪ :‬النعمة‪ ,‬وصحة قول من قال‪ :‬إ نّ َيدَ الّل ِه هي‬
‫له صـفة‪ .‬قالوا‪ :‬وبذلك تظاهرت الخبــار عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬وقال بـه‬
‫العلـماء وأهل التأويـل‪.‬‬
‫طغْيانا‬
‫ن َربّ كَ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَلَـيزِيدَنّ َكثِـيرا ِم ْنهُ مْ ما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ ِم ْ‬
‫وكُفْرا‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬إن هذا الذي أطلعناك عل ـيه من‬
‫خفـيّ أمور هؤلء الـيهود مـما ل يعلـمه إل علـماؤهم وأحبـارهم‪ ,‬احتـجاحا علـيهم‬
‫لصحة نبوّتك‪ ,‬وقطعا لعذر قائل منهم أن يقول‪ :‬ما جاءنا من بشير ول نذير‪ ,‬لـيزيدنّ كثـيرا‬
‫من هم ما أنزل إل ـيك من ر بك طغيا نا وكفرا‪ ,‬يعن ـي ب ـالطغيان‪ :‬الغل ّو ف ـي إنكار ما قد‬
‫عل ـموا صحته من نبوّة م ـحمد صلى ال عل يه و سلم والت ـمادي ف ـي ذلك‪ .‬و ُكفْرا يقول‪:‬‬
‫ويزيدهم مع غلوهم فـي إنكار ذلك جحودهم عظمة ال ووصفهم إياه بغير صفته‪ ,‬بأن ينسبوه‬
‫إل ـى البخ ـل‪ ,‬ويقولوا‪َ :‬يدُ الّل ِه َمغْلُوَلةٌ‪ .‬وإن ـما أعل ـم تعال ـى ذكره نب ـيه صلى ال عل يه‬
‫و سلم أن هم أ هل عت ّو وت ـمرّد عل ـى رب هم‪ ,‬وأن هم ل يذعنون ل ـحقّ وإن عل ـموا صحته‪,‬‬
‫ولكن هم يعاندو نه ي سلـي بذلك نب ـيه م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم عن ال ـموجِدة ب هم ف ـي‬
‫ذهابهم عن ال وتكذيبهم إياه‪ .‬وقد بـينت معنى الطغيان فـيـما مضى بشواهده بـما أغنى‬
‫عن إعادته‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن َكثِـيرا ِم ْنهُمْ ما‬
‫‪9636‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَلَـيزِيدَ ّ‬
‫طغْيانا وكُفْرا حملهم حسد مـحمد صلى ال عليه وسلم والعرب علـى‬
‫ن رَبّ كَ ُ‬
‫ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫أن كفروا به‪ ,‬وهم يجدونه مكتوبـا عندهم‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وأ ْلقَـيْنا بَـ ْي َن ُهمُ ال َعدَاوَةَ وال َب ْغضَاءَ إلـى يَو ْم القِـيامَةِ‪.‬‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬وأ ْلقَ ـيْنا بَ ـ ْي َن ُهمُ ال َعدَاوَةَ وال َب ْغضَاءَ إل ـى يَو ْم القِ ـيامَةِ ب ـين‬
‫الـيهود والنصارى‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9637‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ :‬وأ ْلقَـيْنا بَـ ْي َن ُهمُ ال َعدَاوَةَ وال َب ْغضَاءَ إلـى يَو ْم القِـيامَةِ الـيهود والنصارى‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيـف قــيـل‪ :‬وألْقَــيْنا بَــْينَ ُهمُ ال َعدَا َوةَ وال َبغْضَا َء جعلت الهاء والــميـم‬
‫فــي قوله بَــْي َنهُمْ كنايـة عـن الــيهود والنصـارى‪ ,‬ولــم يجـر للــيهود والنصـارى ذكـر؟‬
‫ضهُ مْ‬
‫خذُوا ال ـ َيهُودَ والنّ صَارَى أوْلِ ـيا َء َبعْ ُ‬
‫ق ـيـل‪ :‬قد جرى ل هم ذ كر‪ ,‬وذلك قوله‪ :‬ل َتتّ ـ ِ‬
‫ض جرى ال ـخبر ف ـي ب عض الَي عن الفريق ـين وف ـي ب عض عن أحده ما‪,‬‬
‫أوْلِ ـياءُ َبعْ ٍ‬
‫إلـى أن انتهى إلـى قوله‪ :‬وألْقَـيْنا بَـيْ َن ُهمُ ال َعدَا َوةَ وال َبغْضَاءَ‪ ,‬ثم قصد بقوله‪ :‬ألْقَـيْنا بَـ ْينَ ُهمُ‬
‫الـخبر عن القريقـين‪.‬‬
‫حرْبِ أطْفَأها الّلهُ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬كُلّـما أ ْو َقدُوا نارا للـ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬كلـما جمع أمرهم علـى شيء فـاستقام واستوى فأرادوا مناهضة من‬
‫ناوأهم‪ ,‬شتته ال علـيهم وأفسده‪ ,‬لسوء فعالهم وخبث نـياتهم‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 9638‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫ض مَ ّرتَـيْنِ وََل َتعْلُ نّ عُلُوّا َكبِـيرا فإذَا جاءَ‬
‫ن فِـي الرْ ِ‬
‫سدُ ّ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬لتُفْ ِ‬
‫شدِيدٍ فَجاسـُوا خِللَ الدّيارِ وَكانَـ وَعْدا‬
‫عدُ أُولهُمـا َب َعثْنـا عَلَــْي ُكمْ عِبــادا لَنـا أُولــى َبأْسٍـ َ‬
‫َو ْ‬
‫ـ الكَرّةَ عَلَــْيهِمْ‪ .‬قال‪ :‬كان الفسـاد الوّل‪ ,‬فبعـث ال علــيهم عدوّا‪,‬‬
‫ـ َر َددْنـا َلكُم ُ‬
‫ل ثُم ّ‬
‫مَ ْفعُو ً‬
‫فـاستبـاحوا الديار واستنكحوا النساء واستعبدوا الولدان وخرّبوا الـمسجد‪ .‬فَغَبروا زمانا‪ ,‬ثم‬
‫بعـث ال فــيهم نبــيّا‪ ,‬وعاد أمرهـم إلــى أحسـن مـا كان‪ .‬ثـم كان الفسـاد الثانــي بقتلهـم‬
‫النبـياء‪ ,‬حتـى قتلوا يحيى بن زكريا‪ ,‬فبعث ال علـيهم بختنصر‪ ,‬قتل من قتل منهم و سَبى‬
‫من سَبى وخرّب الـمسجد‪ ,‬فكان بختنصر للفساد الثانـي‪ .‬قال‪ :‬والفساد‪ :‬الـمعصية‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫ل َمرّةٍ‪...‬‬
‫ُمـ وَلِــَي ْدخُـلُوا الــ َمسْجدَ كمـا َدخَــلُوهُ أوّ َ‬
‫خرَةِ لِــَيسُوؤُا ُوجُو َهك ْ‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫فإذَا جاءَ َو ْ‬
‫عزَيزا‪ ,‬و قد كان علّ ـم التوراة وحفظ ها ف ـي‬
‫عدْ نا فب عث ال ل هم ُ‬
‫ع ْدتُ ـمْ ُ‬
‫إل ـى قوله‪ :‬وَإ نْ ُ‬
‫عزَيرٌ‪ ,‬وكا نت أحداث‪ ,‬ون سوا‬
‫صدره‪ ,‬وكتب ها ل هم‪ .‬فقام ب ها ذلك القرن‪ ,‬ولبثوا ون سوا‪ .‬ومات ُ‬
‫ل َيدَا هُ َمبْ سُوطَتانِ‬
‫ت أ ْيدِيهِ مْ وَُل ِعنُوا بـمَا قالُوا بَ ْ‬
‫العهد‪ ,‬وبخّـلوا ربهم‪ ,‬وقالوا‪َ :‬يدُ الّل ِه َمغْلُولَةٌ غُلّ ْ‬
‫عزَيرٍ‪ :‬إن ال اتـخذه ولدا‪ .‬وكانوا يعيبون ذلك علـى النصارى‬
‫ُينْفِ قُ َكيْ فَ يَشا ُء وقالوا فـي ُ‬
‫فـي قولهم فـي الـمسيح‪ ,‬فخالفوا ما َن َهوْا عنه وعملوا بـما كانوا ُيكَفّرون علـيه‪ .‬فسبق من‬
‫ال كلــمة عنـد ذلك أنهـم لــم يظهروا علــى عد ّو آخـر الدهـر‪ ,‬فقال‪ :‬كُلّــما أ ْو َقدُوا نارا‬
‫سدِينَ‪ ,‬فبعـث ال‬
‫ن فِــي الرْض ِـ فَسـادا وَاللّه ُـ ل ُيحِبّـ الــمُ ْف ِ‬
‫حرْبِ أطْفَأهـا اللّهُـ َويَس ْـعَوْ َ‬
‫للــ َ‬
‫عل ـيهم ال ـمـجوس الثل ثة أرب ـابـا‪ ,‬فل ـم يزالوا كذلك وال ـمـجوس عل ـى رقاب هم و هم‬
‫يقولون‪ :‬يا ل ـيتنا أدرك نا هذا النب ـيّ الذي ن ـجده مكتوب ـا عند نا‪ ,‬ع سى ال أن يفك نا به من‬
‫الـمـجوس والعذاب الهون فبعث مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واسمه مـحمد‪ ,‬واسمه فـي‬
‫الن ـجيـل أح مد فَلَ ـمّا جَاءَهُ ْم مَا عَرفُوا كَ َفرُوا بِ هِ‪ ,‬قال‪ :‬فََل ْعنَ ُة اللّ هِ عل ـى الكافِرِي نَ وقال‪:‬‬
‫غضَبٍ‪.‬‬
‫فَبـاءُوا ِب َغضَبٍ علـى َ‬
‫‪ 9639‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫حرْبِ أطْفَأها الّلهُ هم الـيهود‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ :‬كُلّـما أ ْو َقدُوا نارا للـ َ‬
‫‪9640‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ :‬كُلّــما أ ْو َقدُوا نارا‬
‫ض فَ سادا أولئك أعداء ال ال ـيهود‪ ,‬كل ـما أوقدوا‬
‫ن فِ ـي الرْ ِ‬
‫سعَوْ َ‬
‫ب أطْفَأ ها اللّ هُ َويَ ْ‬
‫لل ـحَرْ ِ‬
‫نارا للـحرب أطفأها ال‪ ,‬فلن تلقـى الـيهود ببلد إل وجدتهم من أذلّ أهله‪ ,‬لقد جاء السلم‬
‫حين جاء وهم تـحت أيدي الـمـجوس أبغضِ خـلقه إلـيه‪.‬‬
‫‪9641‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫حرْبِ أطْفَأها الّل هُ قال‪ :‬كلـما أجمعوا أمرهم علـى شيء‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬كُلّـما أ ْو َقدُوا نارا للـ َ‬
‫حدّهم ونارهم‪ ,‬وقذف فـي قلوبهم الرعب‪.‬‬
‫فرّقه ال‪ ,‬وأطفأ َ‬
‫وقال مـجاهد بـما‪:‬‬
‫‪ 9642‬ـ حدثن ـي القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫م ـجاهد قوله‪ :‬كُلّ ـما أ ْو َقدُوا نارا لل ـحَرْبِ أطْفَأ ها اللّ ُه قال‪ :‬حرب م ـحمد صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ب الـمُ ْفسِدِينَ‪.‬‬
‫سعَ ْونَ فِـي الرْضِ فَسادا وَاللّ ُه ل ُيحِ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و َي ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ويعمـل هؤلء الــيهود والنصـارى بــمعصية ال‪ ,‬فــيكفرون بإياتـه‬
‫سدِينَ‬
‫ويكذّبون رسله ويخالفون أمره ونهيه‪ ,‬وذلك سعيهم فـيها بـالفساد‪ .‬وَالّل هُ ل ُيحِ بّ الـمُ ْف ِ‬
‫ل بـمعاصيه فـي أرضه‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وال ل يحبّ من كان عام ً‬

‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ّيئَا ِتهِمْ‬
‫ع ْنهُ مْ َ‬
‫ن أَهْلَ ا ْل ِكتَا بِ آ َمنُواْ وَاتّ َقوْ ْا َلكَ ّفرْنَا َ‬
‫{وَلَ ْو أَ ّ‬ ‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫جنّاتِ ال ّنعِيمِ }‪..‬‬
‫وَل ْدخَ ْلنَاهُ ْم َ‬
‫ل الكِتا بِ و هم ال ـيهود والن صارى‪ ,‬آ َمنُوا ب ـال وبر سوله‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ولَ ْو أ نّ أهْ َ‬
‫م ـحمد صلى ال عل يه و سلم فصـدّقوه واتبعوه و ما أنزل عل ـيه‪ .‬وَاتّ َقوْا ما نهاهـم ال ع نه‬
‫سيّئا ِتهِمْ يقول‪ :‬مـحونا عنهم ذنوبهم‪ ,‬فغطينا علـيها ولـم نفضحهم‬
‫ع ْنهُ مْ َ‬
‫فـاجتنبوه‪َ .‬لكَ ّفرْنا َ‬
‫جنّاتِ ال ّنعِيـمِ يقول‪ :‬ولدخـلناهم بساتـين ينعمون فـيها فـي الَخرة‪.‬‬
‫ل ْدخَـلْنا ُهمْ َ‬
‫بها‪ .‬و َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9643‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَ ْو أ نّ أ ْهلَ الكِتا بِ‬
‫سيّئا ِتهِمْ‪.‬‬
‫ع ْنهُمْ َ‬
‫آمَنوا واتّ َقوْا يقول‪ :‬آمنوا بـما أنزل ال‪ ,‬واتقوا ما حرّم ال‪َ .‬لكَ ّفرْنا َ‬
‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل إِلَيهِ مْ مّن‬
‫ل ْنجِيلَ وَمَآ أُنزِ َ‬
‫{وَلَ ْو َأ ّنهُ مْ َأقَامُو ْا التّ ْورَاةَ وَا ِ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫صدَةٌ َو َكثِيرٌ ّم ْنهُمْ سَآ َء مَا َي ْعمَلُو َ‬
‫ّربّ ِهمْ لكَلُو ْا مِن فَ ْو ِقهِمْ َومِن َتحْتِ َأ ْرجُِلهِم ّم ْنهُمْ ُأ ّمةٌ مّ ْق َت ِ‬
‫ُمـ أقامُوا التّورَا َة والنْــجِيـلَ ولو أنهـم عملوا بــما‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪ :‬وَلوْ أ ّنه ْ‬
‫ف ـي التوراة والن ـجيـل‪ ,‬وَ ما ُأ ْنزِلَ إلَ ـ ْيهِمْ ِم نْ َر ّبهِ مْ يقول‪ :‬وعملوا ب ـما أنزل إل ـيهم من‬
‫ربهم من الفرقان الذي جاءهم به مـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وك يف يق ـيـمون التوراة والن ـجيـل و ما أنزل إل ـى م ـحمد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬مع اختلف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضا؟ قـيـل‪ :‬وإن كانت كذلك فـي بعض‬
‫أحكامها وشرائعها‪ ,‬فهي متفقة فـي المر بـاليـمان برسل ال والتصديق بـما جاءت به‬
‫من عند ال فمعنى إقامتهم التوراة والنـجيـل وما أنزل إلـى مـحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫تصديقهم بـما فـيها والعمل بـما هي متفقة فـيه وكلّ واحد منها فـي الـخبر الذي فرض‬
‫العمل به‪.‬‬
‫ت أ ْرجُلِهِمْ فإنه يعنـي‪ :‬لنزل ال علـيهم من‬
‫ن تَـحْ ِ‬
‫وأما معنى قوله‪ :‬لَ َءكَلُوا مِنْ فَ ْو ِقهِمْ َومِ ْ‬
‫السماء قطرها‪ ,‬فأنبتت لهم به الرض حبها ونبـاتها فأخرج ثمارها‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬ومِ نْ تَ ـحْتِ أ ْرجُِلهِ مْ فإ نه يعن ـي تعال ـى ذكره‪ :‬لكلوا من بر كة ما ت ـحت‬
‫أقدامهم من الرض‪ ,‬وذلك ما تـخرجه الرض من حبها ونبـاتها وثمارها‪ ,‬وسائر ما يؤكل‬
‫مـما تـخرجه الرض‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9644‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬ولَ ْو أ ّنهُ مْ أقامُوا التّورَا َة والنْ ـجِيـلَ وَ ما‬
‫ن تَـحْتِ‬
‫لكَلُوا مِ نْ فَ ْو ِقهِ مْ يعنـي‪ :‬لرسل السماء علـيهم مدرارا‪َ .‬ومِ ْ‬
‫ُأ ْنزِلَ إلَـ ْي ِهمْ مِ نْ َر ّبهِ مْ َ‬
‫أ ْرجُلِ ِهمْ‪ :‬تـخرج الرض بركتها‪.‬‬
‫‪ 9645‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَلوْ أ ّنهُ مْ أقامُوا التّورَاةَ‬
‫ن تَ ـحْتِ أ ْرجُِلهِ مْ يقول‪ :‬إذا‬
‫ن فَ ْو ِقهِ مْ َومِ ْ‬
‫لكَلُوا مِ ْ‬
‫ن َر ّبهِ مْ َ‬
‫والنْ ـجِيـلَ وَ ما ُأ ْنزِلَ إلَ ـ ْي ِهمْ مِ ْ‬
‫لعطتهم السماء بركتها والرض نبـاتها‪.‬‬
‫‪ 9646‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن فَ ْوقِهِمْ َومِنْ‬
‫لكَلُوا ِم ْ‬
‫ن رَ ّبهِ ْم َ‬
‫السديّ‪ :‬ولَ ْو أ ّنهُمْ أقامُوا التّورَاةَ والنْـجِيـلَ وَما ُأ ْنزِلَ إلَـيْ ِهمْ مِ ْ‬
‫تَ ـحْتِ أ ْرجُِلهِ مْ يقول‪ :‬لو عملوا ب ـما أنزل إل ـيهم م ـما جاء هم به م ـحمد صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬لنزلنا علـيهم الـمطر فأنبت الثمر‪.‬‬
‫‪ 9647‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ن َر ّبهِ مْ أ ما إقامت هم‬
‫عن م ـجاهد‪ :‬وَل ْو أ ّنهُ مْ أقامُوا التّورَا َة والنْ ـجِيـلَ وَ ما ُأ ْنزِلَ إلَ ـ ْي ِهمْ مِ ْ‬
‫التوراة‪ :‬فـالعمل بها‪ ,‬وأما ما أنزل إلـيهم من ربهم‪ :‬فمـحمد صلى ال عليه وسلم وما أنزل‬
‫لكَلُوا ِم نْ فَ ْو ِقهِ مْ َو ِم نْ تَـحْتِ أ ْرجُِلهِ مْ أما من فوقهم‪ :‬فأرسلت علـيهم مطرا‪,‬‬
‫علـيه‪ .‬يقول‪َ :‬‬
‫ت لهم من الرض من رزقـي ما يغنـيهم‪.‬‬
‫وأما من تـحت أرجلهم‪ ,‬يقول‪ :‬لنب ّ‬
‫‪9648‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫ن تَ ـحْتِ أ ْرجُِلهِ مْ قال‪ :‬بركات ال سماء والرض‪ .‬قال ا بن جر يج‪:‬‬
‫ن فَ ْو ِقهِ مْ َومِ ْ‬
‫قوله‪ :‬لَ َءكَلُوا مِ ْ‬
‫لكلوا من فوقهم الـمطر‪ ,‬ومن تـحت أرجلهم من نبـات الرض‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬مِ نْ فَ ْو ِقهِ مْ َومِ نْ تَـحْتِ أ ْرجُِلهِ مْ يقول‪ :‬لكلوا من الرزق الذي‬
‫ن تَـحْتِ أ ْرجُِلهِمْ يقول‪ :‬من الرض‪.‬‬
‫ينزل من السماء‪ ,‬ومِ ْ‬
‫ت أ ْرجُلِهِ مْ التوسعة‪ ,‬كما‬
‫وكان بعضهم يقول‪ :‬إنـما أريد بقوله‪ :‬لَ َءكَلُوا مِ نْ فَ ْو ِقهِ مْ َومِ نْ تَـحْ ِ‬
‫يقول القائل‪ :‬هو فـي خير من َفرْقه إلـى قدمه‪ .‬وتأويـل أهل التأويـل بخلف ما ذكرنا من‬
‫هذا القول‪ ,‬وكفـى بذلك شهيدا علـى فساده‪.‬‬
‫صدَةٌ َو َكثِـيرٌ ِم ْنهُمْ سا َء ما َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ :‬م ْن ُهمْ ُأمّ ٌة مُ ْقتَ ِ‬
‫صدَةٌ يقول‪ :‬مقت صدة ف ـي القول‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ِ :‬م ْنهُ مْ ُأمّةٌ‪ :‬من هم جما عة‪ .‬مُ ْقتَ ِ‬
‫فـي عيسى ابن مريـم قائلة فـيه الـحقّ إنه رسول ال وكلـمته ألقاها إلـى مريـم وروح‬
‫منه‪ ,‬ل غالـية قائلة إنه ابن ال‪ ,‬تعالـى عما قالوا من ذلك ول مقصرة قائلة هو لغير رشدة‪.‬‬
‫و َكثِ ـيرٌ ِم ْنهُ مْ يعن ـي من بن ـي إ سرائيـل من أ هل الكتاب‪ ,‬ال ـيهود والن صارى‪ .‬ساءَ ما‬
‫ُونـ يقول‪ :‬كثــير منهـم سـيىء عملهـم‪ ,‬وذلك أنهـم يكفرون بــال‪ ,‬فتكذّب النصـارى‬
‫َي ْعمَل َ‬
‫بــمـحمد صـلى ال عليـه وسـلم وتزعـم أن الــمسيح ابـن ال‪ ,‬وتكذّب الــيهود بعيسـى‬
‫ن فـي ذلك‬
‫وبـمـحمد صلـى ال علـيهما‪ ,‬فقال ال تعالـى فـيهم ذامّا لهم‪ :‬سا َء ما َي ْعمَلُو َ‬
‫من فعلهم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9649‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ِ :‬م ْن ُهمْ ُأمّ ٌة مُ ْق َتصِدَ ٌة وهم مسلـمة أهل الكتاب َو َكثِـيرٌ ِم ْن ُهمْ سا َء ما َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫‪ 9650‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ش بل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن‬
‫كثـير‪ ,‬أنه سمع مـجاهدا يقول‪ :‬تفرّقت بنو إسرائيـل فرقا‪ ,‬فقالت فرقة‪ :‬عيسى هو ابن ال‪,‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬هو ال‪ ,‬وقالت فرقة‪ :‬هو عبد ال وروحه وهي الـمقتصدة‪ ,‬وهي مسلـمة أهل‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫‪9651‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال ال‪ِ :‬م ْنهُمْ ُأمّ ٌة مُ ْقتَصِدَةٌ‪:‬‬
‫يقول‪ :‬علـى كتابه وأمره‪ .‬ثم ذمّ أكثر القوم‪ ,‬فقال‪َ :‬و َكثِـيرٌ ِم ْنهُمْ سا َء ما َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫‪9652‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ِ :‬م ْن ُهمْ ُأمّ ٌة مُ ْق َتصِدَ ٌة يقول‪ :‬مؤمنة‪.‬‬
‫‪ 9653‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ِ :‬م ْنهُ مْ ُأمّةٌ‬
‫صدَةٌ َو َكثِ ـيرٌ ِم ْنهُ مْ ساءَ ما َي ْعمَلُو نَ قال‪ :‬ال ـمقتصدة أ هل طا عة ال‪ .‬قال‪ :‬وهؤلء أ هل‬
‫مُ ْقتَ ِ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫‪ 9654‬ـ حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن الربـيع بن أنس‪ ,‬فـي قوله‪ِ :‬م ْنهُمْ ُأمّ ٌة مُ ْقتَصِدَ ٌة َو َكثِـيرٌ ِم ْنهُمْ ساءَ ما َي ْعمَلُونَ قال‪:‬‬
‫فهذه المـة الــمقتصدة الذيـن ل هـم فسـقوا فــي الديـن ول هـم غلوْا‪ .‬قال‪ :‬والغلوّ‪ :‬الرغبـة‪,‬‬
‫والفسق‪ :‬التقصير عنه‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{يَـَأيّهَا ال ّرسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إَِل ْيكَ مِن ّربّكَ وَإِن لّ ْم تَ ْفعَلْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن اللّ َه لَ َي ْهدِي الْ َق ْومَ ا ْلكَافِرِينَ }‪..‬‬
‫ن النّاسِ إِ ّ‬
‫ص ُمكَ مِ َ‬
‫ت ِرسَاَلتَهُ وَالّلهُ َي ْع ِ‬
‫َفمَا بَّلغْ َ‬
‫وهذا أمر من ال تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بإبلغ هؤلء الـيهود‬
‫والنصارى من أهل الكتابـين الذين ق صّ ال تعالـى قصصهم فـي هذه السورة وذكر فـيها‬
‫معايب هم وخ بث أديان هم واجتراء هم عل ـى رب هم وتوثب هم عل ـى أنب ـيائهم وتبدي ـلهم كتا به‬
‫وتـحريفهم إياه ورداءة مطاعمهم ومآكلهم وسائر الـمشركين غيرهم‪ ,‬ما أنزل علـيه فـيهم‬
‫من معايبهم والزراء علـيهم والتقصير بهم والتهجين لهم‪ ,‬وما أمرهم به ونهاهم عنه‪ ,‬وأن ل‬
‫يش عر نف سه حذرا من هم أن ي صيبه ف ـي نف سه مكروه‪ ,‬ما قام ف ـيهم بأ مر ال‪ ,‬ول جز عا من‬
‫كثرة عددهم وقلة عدد من معه‪ ,‬وأن ل يتقـى أحدا فـي ذات ال‪ ,‬فإن ال تعالـى كافـيه كلّ‬
‫أ حد من خ ـلقه‪ ,‬وداف عٌ ع نه مكروه كل من يتق ـي مكرو هه‪ .‬وأعل ـمه تعال ـى ذكره أ نه إن‬
‫قصر عن إبلغ شيء مـما أنزل إلـيه إلـيهم‪ ,‬فهو فـي تركه تبلـيغ ذلك وإن قلّ ما لـم‬
‫يبلغ منه‪ ,‬فهو فـي عظيـم ما ركب بذلك من الذنب بـمنزلته لو لـم يبلغ من تنزيـله شيئا‪.‬‬
‫وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9655‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‬
‫ن َربّ كَ وَإ نْ‬
‫بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها الرّ سُولُ بَلّ ْغ ما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫لَـمْ تَ ْفعَلْ َفمَا بَّلغْ تَ رساَلتَهُ يعنـي‪ :‬إن كتـمت آية مـما أنزل علـيك من ربك‪ ,‬لـم تبلغ‬
‫رسالتـي‪.‬‬
‫‪ 9656‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬يا أيّها الرّ سُولُ‬
‫بَلّغْ ما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ ِمنْ َربّكَ‪ ...‬الَية‪ ,‬أخبر ال نبـيه صلى ال عليه وسلم أنه سيكفـيه الناس‬
‫ويع صمه من هم‪ ,‬وأمره ب ـالبلغ‪ .‬ذكِر ل نا أن نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم ق ـيـل له‪ :‬لو‬
‫حبْ ُت ُهمْ»‪.‬‬
‫ل ْب ِديَنّ عَقِبـي للنّاسِ ما صَا َ‬
‫احتـجبت فقال‪« :‬واللّ ِه ُ‬
‫‪9657‬ـ حدثنـي الـحارث بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان الثوريّ‪,‬‬
‫حدٌ‪,‬‬
‫ن َربّكَ قال‪« :‬إنّـما أنا وَا ِ‬
‫ك مِ ْ‬
‫عن رجل‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬لـما نزلت‪ :‬بَلّغْ ما ُأ ْنزِلَ إلَـيْ َ‬
‫ت رساَلتَهُ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ل َفمَا بَّلغْ َ‬
‫جتَـمِعُ علـيّ الناسُ» فنزلت‪ :‬وَإنْ لَـمْ تَ ْفعَ ْ‬
‫ف أصْنَعُ؟ تَـ ْ‬
‫َكيْ َ‬
‫‪ 9658‬ـ حدث نا هناد وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ثعل بة‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ل فَمَا‬
‫ن لَ ـمْ تَ ْفعَ ْ‬
‫ن رَبّ كَ وَإ ْ‬
‫ل بَلّ غْ ما ُأ ْنزِلَ إلَ ـ ْيكَ مِ ْ‬
‫جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬ل ـمّا نزلت‪ :‬يا أيّ ها الرّ سُو ُ‬
‫حرُسُونِـي‬
‫ص ُمكَ مِنَ النّاسِ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ل تَـ ْ‬
‫ت رساَلتَهُ واللّهُ َيعْ ِ‬
‫بَّلغْ َ‬
‫ص َمنِـي»‪.‬‬
‫ع َ‬
‫ن رَبـيّ َقدْ َ‬
‫إّ‬
‫‪ 9659‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬عن الـجريري‪,‬‬
‫عن ع بد ال بن شق ـيق‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم كان يعتق به ناس من أ صحابه‪,‬‬
‫ص ُمكَ مِ نَ النّا سِ خرج فقال‪ « :‬يا أيّ ها النّا سُ الْ ـحَقُوا بِ ـمَلحِ ِق ُكمْ‪ ,‬فإ نّ‬
‫فل ـما نزلت‪ :‬وَاللّ هُ َيعْ ِ‬
‫ن النّاسِ»‪.‬‬
‫ص َمنِـي مِ َ‬
‫ع َ‬
‫اللّ َه َقدْ َ‬
‫‪9660‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن عاصم بن مـحمد‪ ,‬عن مـحمد بن كعب القرظي‪,‬‬
‫ل بَلّ ْغ ما‬
‫قال‪ :‬كان النبـيّ صلى ال عليه وسلم يتـحارسه أصحابه‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّها الرّ سُو ُ‬
‫ت رَساَلتَهُ‪ ...‬إلـى آخرها‪.‬‬
‫ن لَـمْ تَ ْفعَلْ َفمَا بَّلغْ َ‬
‫ن رَ ّبكَ وَإ ْ‬
‫ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫‪9661‬ــ حدثنــي الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا مسـلـم بـن إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحارث بـن‬
‫عبـيدة أبو قدامة اليادي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد الـجريري‪ ,‬عن عبد ال بن شقـيق‪ ,‬عن عائشة‪,‬‬
‫ص ُمكَ مِ نَ‬
‫قالت‪ :‬كان النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم يُحرس‪ ,‬حت ـى نزلت هذه الَ ية‪ :‬وَالّل هُ َيعْ ِ‬
‫النّا سِ قالت‪ :‬فأخرج النبـيّ صلى ال عليه وسلم رأسه من القبة‪ ,‬فقال‪« :‬أيّها النّا سُ انْ صَ ِرفُوا‪,‬‬
‫ص َمنِـي»‪.‬‬
‫ع َ‬
‫فإنّ الّلهَ َقدْ َ‬
‫‪ 9662‬ـ حدث نا عمرو بن ع بد ال ـحميد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن القر ظي‪ :‬أن‬
‫ن النّاسِ‪.‬‬
‫ص ُمكَ مِ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ما زال يحرس حتـى أنزل ال‪ :‬وَالّل ُه َيعْ ِ‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي السـبب الذي مـن أجله نزلت هذه الَيـة‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬نزلت‬
‫ب سب أعراب ـيّ كان ه مّ بق تل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فكف ـاه ال إياه‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9663‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫كعـب القرظـي وغيره‪ ,‬قال‪ :‬كان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم إذا نزل منزلً اختار له‬
‫أ صحابه شجرة ظل ـيـلة‪ ,‬ف ـيقـيـل ت ـحتها‪ ,‬فأتاه أعراب ـي‪ ,‬ف ـاخترط سيفه ثم قال‪ :‬من‬
‫يـمنعك منـي؟ قال‪« :‬ال»‪ .‬فرعدت يد العرابـي‪ ,‬وسقط السيف منه‪ .‬قال‪ :‬وضرب برأسه‬
‫ن النّاسِ‪.‬‬
‫ص ُمكَ مِ َ‬
‫الشجرة حتـى انتثر دماغه‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬وَاللّ ُه َيعْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت لنه كان يخاف قريشا‪ ,‬فأومن من ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9664‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫ن النّا سِ استلقـى ثم‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم يهاب قريشا‪ ,‬فلـما نزلت‪ :‬وَاللّ هُ َيعْ صِ ُمكَ ِم َ‬
‫خذُلْنِـي» مرّتـين أو ثلثا‪.‬‬
‫قال‪َ « :‬منْ شا َء فَلْـ َي ْ‬
‫‪ 9665‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن أبـي خالد‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬قال‪ :‬قالت‬
‫عائ شة‪ :‬من حدّ ثك أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم كت ـم شيئا من الو حي ف قد كذب‪ .‬ثم‬
‫ل بَلّغْ ما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫قرأت‪« :‬يا أيّها الرّسُو ُ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ال ـمغيرة‪ ,‬عن الشعب ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬قالت عائ شة‪ :‬من‬
‫قال إن مـحمدا صلى ال عليه وسلم كتـم فقد كذب وأعظم الفرية علـى ال‪ ,‬قال ال‪ :‬يا أيّها‬
‫ن َربّكَ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫الرّسُولُ بَلّ ْغ ما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا داود بن أبـي هند‪ ,‬عن‬
‫الشعب ـيّ‪ ,‬عن م سروق‪ ,‬قال‪ :‬قال عائ شة‪ :‬من ز عم أن م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم كت ـم‬
‫ل إلَـيْكَ‬
‫ل بَلّ غْ ما ُأ ْنزِ َ‬
‫شيئا من كتاب ال فقد أعظم علـى ال الفرية‪ ,‬وال يقول‪ :‬يا أيّها الرّ سُو ُ‬
‫ن رَبّك‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي اللـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي خالد‪,‬‬
‫عن سعيد بن أبـي هلل‪ ,‬عن مـحمد بن الـحميـم‪ ,‬عن مسروق بن الجدع‪ ,‬قال‪ :‬دخـلت‬
‫عل ـى عائ شة يو ما‪ ,‬ف سمعتها تقول‪ :‬ل قد أع ظم الفر ية من قال‪ :‬إن م ـحمدا كت ـم شيئا من‬
‫ن َر ّبكَ‪.‬‬
‫الوحي‪ ,‬وال يقول‪ :‬يا أيّها ال ّرسُولُ بَلّ ْغ ما أ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ مِ ْ‬
‫ن النّا سِ‪ :‬يـمنعك من أن ينالوك بسوء‪ ,‬وأصله من عصام‬
‫ويعنـي بقوله‪ :‬وَاللّ هُ َيعْ صِ ُمكَ ِم َ‬
‫القربة‪ ,‬وهو ما توكأ به من سير وخيط‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ن فِـي النّاسِ عاصِمُ‬
‫ن كا َ‬
‫ن مالِكاس َي ْعصِ ُمكْم إ ْ‬
‫َوقُلْتُ عَلَـ ْي ُكمْ مالِكا إ ّ‬
‫ن فإنه يعنـي‪ :‬إن ال ل يوفق‬
‫ل َي ْهدِي القَوْ مَ الكا ِفرِي َ‬
‫يعنـي‪ :‬يـمنعكم‪ .‬وأما قوله‪ :‬إ نّ الّل هَ َ‬
‫للرشد من حاد عن سبـيـل الـحقّ وجار عن قصد السبـيـل وجحد ما جئته به من عند‬
‫ال‪ ,‬ولـم ينته إلـى أمر ال وطاعته فـيـما فرض علـيه وأوجبه‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حتّىَ ُتقِيمُواْ الّت ْورَاةَ‬
‫شيْ ٍء َ‬
‫س ُتمْ عََلىَ َ‬
‫{قُلْ يَـأَهْلَ ا ْل ِكتَابِ لَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ط ْغيَانا َوكُفْرا فَلَ‬
‫ل إَِل ْيكَ مِن ّربّكَ ُ‬
‫ن َكثِيرا ّم ْن ُهمْ مّآ ُأ ْنزِ َ‬
‫ل ْنجِيلَ َومَآ أُنزِلَ إَِل ْي ُكمْ مّن ّر ّبكُمْ وََل َيزِيدَ ّ‬
‫وَا ِ‬
‫َتأْسَ عَلَى الْقَ ْو ِم ا ْلكَا ِفرِينَ }‪..‬‬
‫وهذا أ مر من ال تعال ـى ذكره نب ـيه صلى ال عل يه و سلم ب ـابلغ ال ـيهود والن صارى‬
‫الذ ين كانوا ب ـين ظهران ـيْ مهاجره‪ ,‬يقول تعال ـى ذكره له‪ :‬قل يا م ـحمد لهؤلء ال ـيهود‬
‫ِتابـ التوراة والنــجيـل‪ ,‬لسـتـم علــى شيـء مــما تدّعون أنكـم‬
‫والنصـارى‪ :‬يـا أَهْلَ الك ِ‬
‫عل ـيه م ـما جاء كم به مو سى صلى ال عل يه و سلم مع شر ال ـيهود‪ ,‬ول م ـما جاء كم به‬
‫عيسى معشر النصارى‪ ,‬حتـى تقـيـموا التوراة والنـجيـل وما أنزل إلـيكم من ربكم ما‬
‫جاءكم به مـحمد صلى ال عليه وسلم من الفرقان‪ ,‬فتعملوا بذلك كله وتؤمنوا بـما فـيه من‬
‫ل ذلك مـن عنـد ال‪ ,‬فل‬
‫اليــمان بــمـحمد صـلى ال عليـه وسـلم وتصـديقه‪ ,‬وتقرّوا بأن ك ّ‬
‫تكذبوا بشيء منه ول تفرّقوا بـين رسل ال فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض‪ ,‬فإن الكفر بواحد‬
‫مـن ذلك كفـر بجميعـه‪ ,‬لن كتـب ال يصـدّق بعضهـا بعضـا‪ ,‬فمـن كذّب ببعضهـا فقـد كذّب‬
‫بجميعها‪ .‬وبنـحو ما قلنا فـي ذلك جاء الثر‪:‬‬
‫‪9666‬ـ حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن‬
‫إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـي زيد بن ثابت‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬أو عن سعيد‬
‫بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬جاء ر سول ال صلى ال عل يه و سلم را فع بن حار ثة‪,‬‬
‫وسلم بن ِمشْكم‪ ,‬ومالك بن الصيف‪ ,‬ورافع بن حريـملة‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا مـحمد ألست تزعم أنك‬
‫عل ـى ملة إبراهي ـم ودي نه‪ ,‬وتؤ من ب ـما عند نا من التوراة‪ ,‬وتش هد أن ها من ال ح قّ؟ فقال‬
‫خذَ‬
‫ح ْدتُ ـمْ ما فِ ـيها مِ ـمّا ُأ ِ‬
‫جَ‬‫ح َد ْثتُ ـمْ و َ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬بَل ـى‪ ,‬وَل ِك ّنكُ مْ أ ْ‬
‫ن أحْدا ِثكُمْ»‬
‫ن الـمِيثاقِ‪ ,‬و َكتَـ ْمتُـمْ ِمنْها ما أ ِم ْرتُـمْ أنْ ُتبَـ ّينُو ُه للنّاسِ‪ ,‬وأنا َبرِيءٌ مِ ْ‬
‫عَلَـ ْي ُكمْ مِ َ‬
‫خذُ بـما فـي أيدينا‪ ,‬فإنا علـى الـحقّ والهدى‪ ,‬ول نؤمن بك ول نتبعك‪ .‬فأنزل‬
‫قالُوا‪ :‬فإنّا َن ْأ ُ‬
‫شيْ ٍء حتـى تِقِـيـمُوا الّت ْورَاةَ‪ ,‬والنْـجِيـلِ وَما ُأ ْنزِلَ‬
‫ستُـمْ علـى َ‬
‫ب لَ ْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫ل يا أهْ َ‬
‫ال‪ :‬قُ ْ‬
‫إلَـ ْيكُمْ ِمنْ َر ّب ُكمْ‪ ...‬إلـى‪ :‬فَل َتأْسَ علـى القَ ْومِ الكا ِفرِينَ‪.‬‬
‫‪ 9667‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬قُلْ يا أ ْهلَ‬
‫ن َربّكُ مْ‬
‫شيْءٍ حتـى ُتقِـيـمُوا التّ ْورَا َة والنْـجِيـلَ وَما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْي ُكمْ مِ ْ‬
‫ستُـمْ علـى َ‬
‫الكِتا بِ لَ ْ‬
‫قال‪ :‬فقد صرنا من أهل الكتاب التوراة للـيهود والنـجيـل للنصارى‪ .‬وما أنزل إلـيكم من‬
‫ربكم‪ ,‬وما أنزل إلـينا من ربنا‪ .‬أي لستـم علـى شيء حتـى تقـيـموا حتـى تعملوا بـما‬
‫فـيه‪.‬‬
‫طغْيانا‬
‫ن َربّ كَ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ولَـيزِيدَنّ َكثِـيرا ِم ْنهُ مْ ما ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ ِم ْ‬
‫س علـى ال َق ْومِ الكافِرِينَ‪.‬‬
‫وكُفْرا فَل َتأْ َ‬
‫طغْيانا وكُفْرا‪:‬‬
‫ل إلَـ ْيكَ مِنْ َربّكَ ُ‬
‫ن َكثِـيرا ِم ْنهُمْ ما ُأ ْنزِ َ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪ :‬ولَـيزِيدَ ّ‬
‫وأقسم لـيزيدنّ كثـيرا من هؤلء الـيهود والنصارى الذين ق صّ قصصهم فـي هذه الَيات‬
‫الكتا بُ الذي أنزلته إلـيك يا مـحمد طغيانا‪ ,‬يقول‪ :‬تـجاوزا وغلوّا فـي التكذيب لك علـى‬
‫ما كانوا علـيه لك من ذلك قبل نزول الفرقان‪ ,‬كُفْرا يقول‪ :‬وجحودا لنبوّتك‪ .‬وقد أتـينا علـى‬
‫البـيان عن معنى الطغيان فـيـما مضى قبل‪.‬‬
‫سيَ‬
‫ن يعن ـي‪ :‬يقول فَل َتأْس فل ت ـحزن‪ ,‬يقال‪ :‬أ ِ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فَل َتأْ سَ عل ـى ال َقوْ ِم الكا ِفرِي َ‬
‫فلن علـى كذا‪ :‬إذا حزن يأسَى أسًى‪ ,‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫لسَى )‬
‫ن َفرْطِ ا َ‬
‫عيْناهُ مِ ْ‬
‫(وانْـخَـلَبتْ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه‪ :‬ل تـحزن يا مـحمد علـى تكذيب هؤلء الكفـار من الـيهود‬
‫والن صارى من بن ـي إ سرائي لك‪ ,‬فإن م ثل ذلك من هم عادة وخ ـلق ف ـي أنب ـيائهم‪ ,‬فك يف‬
‫فـيك؟‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9668‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن َربّكَ‬
‫ن َكثِـيرا ِم ْنهُمْ ُأ ْنزِلَ إلَـ ْيكَ ِم ْ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَلَـيزِيدَ ّ‬
‫طغْيانا و ُكفْرا قال‪ :‬الفرقان‪ .‬يقول‪ :‬فل تـحزن‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪9669‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬فَل َتأْسَ علـى ال َق ْومِ الكا ِفرِينَ قاال‪ :‬ل تـحزن‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اّلذِي نَ آ َمنُو ْا وَاّلذِي نَ هَادُواْ وَال صّا ِبئُونَ وَالنّ صَارَىَ‬
‫{إِ ّ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ح َزنُونَ }‪..‬‬
‫خ ْوفٌ عََل ْي ِهمْ َولَ ُهمْ َي ْ‬
‫ل صَالِحا فَلَ َ‬
‫عمِ َ‬
‫خرِ و َ‬
‫لِ‬‫ن بِاللّهِ وَا ْليَ ْومِ ا َ‬
‫ن آمَ َ‬
‫مَ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إن الذ ين صدّقوا ال ور سوله‪ ,‬و هم أ هل ال سلم‪ ,‬والّذ ين هَادُوا و هم‬
‫لخِرِ ف صدّق‬
‫ال ـيهود وال صابئون‪ .‬و قد ب ـينا أمر هم‪ .‬والنّ صَارى مَ نْ آ َم نَ ب ـاللّه وال ـيَ ْو ِم ا َ‬
‫ب ـالبعث ب عد ال ـمـمات‪ ,‬وع مل من الع مل صالـحا ل ـمعاده‪ ,‬فل خَوْ فٌ عل ـيهم ف ـيـما‬
‫قدّموا عل ـيه من أهوال الق ـيامة‪ ,‬ول هُ ْم َيحْ َزنُو نَ عل ـى ما خ ـلفوا وراء هم من الدن ـيا‬
‫وعيش ها ب عد معاينت هم ما أمرم هم ال به من جزي ـل ثوا به‪ .‬و قد ب ـينا و جه العراب ف ـيه‬
‫فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫‪70‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سرَائِيلَ وََأرْسَ ْلنَآ إَِل ْيهِمْ رُسُلً كُّلمَا‬
‫خ ْذنَا مِيثَاقَ َبنِيَ إِ ْ‬
‫{لَ َق ْد َأ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫س ُهمْ َفرِيقا َك ّذبُواْ َوفَرِيقا يَ ْقتُلُونَ }‪..‬‬
‫ل َتهْ َوىَ َأنْ ُف ُ‬
‫جَآءَ ُهمْ َرسُولٌ ِبمَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أق سم ل قد أخذ نا ميثاق بن ـي إ سرائيـل عل ـى الخلص وتوحيد نا‪,‬‬
‫والع مل ب ـما أمرنا هم به‪ ,‬والنتهاء ع ما نهينا هم ع نه وأر سلنا إل ـيهم بذلك ر سلً‪ ,‬ووعدنا هم‬
‫عل ـى أل سن ر سلنا إل ـيهم عل ـى الع مل بطاعت نا ال ـجزيـل من الثواب‪ ,‬وأوعدنا هم عل ـى‬
‫الع مل ب ـمعصيتنا الشد يد من العقاب‪ ,‬كل ـما جاء هم ر سول ل نا ب ـما ل تشته يه نفو سهم ول‬
‫يوا فق م ـحبتهم كذبوا من هم فري قا ويقتلون من هم فري قا‪ ,‬نق ضا ل ـميثاقنا الذي أخذناه عل ـيهم‪,‬‬
‫وجراءة علـينا وعلـى خلف أمرنا‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صمّواْ ثُ مّ تَا بَ اللّ هُ‬
‫ن فِ ْتنَ ٌة َفعَمُو ْا وَ َ‬
‫ل َتكُو َ‬
‫سبُوَاْ َأ ّ‬
‫{ َوحَ ِ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫صمّواْ َكثِيرٌ ّم ْن ُهمْ وَالّلهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ }‪..‬‬
‫عمُواْ َو َ‬
‫عََل ْي ِهمْ ُثمّ َ‬
‫يقول تعالـى‪ :‬وظ نّ هؤلء ال سرائيـلـيون ال ـين و صف تعال ـى ذكره صفتهم أ نه أخذ‬
‫ميثاقهم وأنه أرسل إلـيهم رسلً‪ ,‬وأنهم كانوا كلـما جاءهم رسول بـما ل تهوى أنفسم كذّبوا‬
‫فري قا وقتلوا فري قا‪ ,‬أن ل يكون من ال ل هم ابتلء واختب ـار ب ـالشدائد من العقوب ـات ب ـما‬
‫وصـمّوا يقول‪ :‬فعموا عـن الــحقّ والوفــاء بــالـميثاق الذي أخذتـه‬
‫َ‬ ‫كانوا يفعلون‪َ .‬ف َعمُوا‬
‫علــيهم مـن إخلص عبــادتـي‪ ,‬والنتهاء إلــى أمري ونهيــي‪ ,‬والعمـل بطاعتــي‬
‫بح سبـانهم ذلك وظن هم‪ ,‬و صموا ع نه‪ .‬ثم ت بت عل ـيهم‪ ,‬يقول‪ :‬ثم هديت هم بل طف من ـي ل هم‪,‬‬
‫حت ـى أنابوا ورجعوا ع ما كانوا عل ـيهم من معا صيّ وخلف أمري‪ ,‬والع مل ب ـما أكر هه‬
‫صمّوا‬
‫عمُوا و َ‬
‫من هم إل ـى الع مل ب ـما أح به‪ ,‬والنتهاء إل ـى طاعت ـي وأمري ونهي ـي‪ .‬ثُ مّ َ‬
‫َكثِـي ٌر ِم ْنهُ مْ يقول‪ :‬ثم عموا أيضا عن الـحقّ والوفـاء بـميثاقـي الذي أخذته علـيهم من‬
‫الع مل بطاعت ـي والنتهاء إل ـى أمري واجتناب معا صيّ‪ ,‬وَ صمّوا َكثِ ـيرٌ من هم يقول‪ :‬ع مي‬
‫كثـير من هؤلء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بنـي إسرائيـل بـاتبـاع رسلـي والعمل‬
‫بـما أنزلت إلـيهم من كتبـي عن الـحقّ‪ ,‬وصموا بعد توبتـي علـيهم واستنقاذي إياهم من‬
‫الهل كة‪ .‬وَالّل هُ بَ صِيرٌ بِ ـمَا َي ْعمَلُو نَ يقول‪ :‬ب صير ف ـيرى أعمال هم خير ها وشرّ ها‪ ,‬ف ـيجازيهم‬
‫يوم القـيامة بجميعها‪ ,‬إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّ‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ل َتكُو نَ‬
‫سبُوا أ ْ‬
‫‪9670‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وحَ ِ‬
‫ِفتْنَةٌ‪...‬الَ ية‪ ,‬يقول‪ :‬ح سب القوم أن ل يكون بلء فعموا و صموا‪ ,‬كل ـما عرض بلء ابتلوا به‬
‫هلكوا فـيه‪.‬‬
‫‪ 9671‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن فِ ْتنَ ٌة َف َعمُوا وَ صَمّوا يقول‪ :‬حسـبوا أن ل يبتلوا‪ ,‬فعموا عن‬
‫ن ل َتكُو َ‬
‫عن ال سديّ‪َ :‬وحَ سِبُوا أ ْ‬
‫الـحقّ وصمّوا‪.‬‬
‫ن ل َتكُونَ‬
‫سبُوا أ ْ‬
‫‪9672‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن مبـارك‪ ,‬عن الـحسن‪َ :‬وحَ ِ‬
‫ِفتْنَ ٌة قال بلء‪.‬‬
‫‪ 9673‬ـ حدث نا ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن ِف ْتنَةٌ قال‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫سبُوا أنْ ل تكو َ‬
‫حِ‬‫عبـاس‪َ :‬و َ‬
‫‪ 9674‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫صمّوا قال‪ :‬الـيهود‪.‬‬
‫ن ِف ْتنَةٌ َف َعمُوا و َ‬
‫سبُوا أنْ ل َتكُو َ‬
‫حِ‬‫عن مـجاهد فـي قوله‪َ :‬و َ‬
‫‪9675‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪:‬‬
‫َفعَمُوا وَص َـمّوا قال‪ :‬يهود‪ .‬قال ابـن جريـج‪ ,‬عـن عبـد ال بـن كثــير‪ ,‬قال‪ :‬هذه الَيـة لبنــي‬
‫إسرائيـل‪ .‬قال‪ :‬والفتنة‪ :‬البلء والتـمـحيص‪.‬‬

‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َمرْيَمَ َوقَالَ‬
‫ن اللّ هَ ُه َو ا ْلمَ سِيحُ ا ْب ُ‬
‫ن قَالُوَاْ ِإ ّ‬
‫{لَ َق ْد كَ َفرَ اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫جنّةَ‬
‫حرّ مَ الّل هُ عَلَي ِه ا ْل َ‬
‫ع ُبدُو ْا اللّ هَ رَبّي َو َر ّبكُ مْ ِإنّ هُ مَن ُيشْرِ كْ بِاللّ ِه فَ َقدْ َ‬
‫سرَائِيلَ ا ْ‬
‫ح يَابَنِ يَ إِ ْ‬
‫ا ْلمَ سِي ُ‬
‫ن أَنصَارٍ }‪..‬‬
‫َو َمأْوَاهُ النّارُ َومَا لِلظّاِلمِينَ مِ ْ‬
‫وهذا خبر من ال تعالـى ذكره عن بعض ما َفتَن به السرائيـلـيـين الذين أخبر عنهم‬
‫أنهم حسبوا أن ل تكون فتنة‪ .‬يقول تعالـى ذكره‪ :‬فكان مـما ابتلـيتهم واختبرتهم به فنقضوا‬
‫ف ـيه ميثاق ـي وغيروا عهدي الذي ك نت أخذ ته عل ـيهم‪ ,‬بأن ل يعبدوا سواي ول يت ـخذوا‬
‫ربــا غيري‪ ,‬وأن يوحدونــي‪ ,‬وينتهوا إلــى طاعتــي عبدي عيسـى ابـن مريــم‪ ,‬فإنــي‬
‫خ ـلقته وأجر يت عل ـى يده ن ـحو الذي أجر يت عل ـى يد كث ـير من ر سلـي‪ ,‬فقالوا كفرا‬
‫من هم‪ :‬هو ال‪ .‬وهذا قول ال ـيعقوبـية من الن صارى‪ ,‬عل ـيهم غ ضب ال يقول ال تعال ـى‬
‫ذكره‪ :‬فلــما اختـبرتهم وابتلــيتهم بــما ابتلــيتهم بـه أشركوا بــي قالوا لــخـلق مـن‬
‫خ ـلقـي وع بد مثل هم من عب ـيدي وبَشَر ن ـحوهم معروف ن سبه وأ صله مولود من الب شر‬
‫يدعوهم إلـى توحيدي ويأمرهم بعبـادتـي وطاعتـي ويقرّ لهم بأنـي ربه وربهم وينهاهم‬
‫عن أن يشركوا بـي شيئا‪ ,‬هو إلههم جهلً منهم ال وكفرا به‪ ,‬ول يَنبغي ل أن يكون والدا ول‬
‫مولودا‪.‬‬
‫ع ُبدُوا الّل َه رَب ـي َو َر ّبكُ مْ يقول‪ :‬اجعلوا‬
‫سرَائِيـلَ ا ْ‬
‫ويعن ـي بقوله‪ :‬وَقالَ ال ـمَسيحُ يا َبنِ ـي إ ْ‬
‫العب ـادة والتذلل للذي له يذلّ كلّ ش يء وله يخ ضع كل موجود‪ ,‬رب ـي ورب كم‪ ,‬يقول‪ :‬مال كي‬
‫حرّ مَ الّل هُ عَلَـيْهِ‬
‫ومالككم‪ ,‬وسيدي وسيدكم‪ ,‬الذي خـلقنـي وإياكم‪ .‬إنّ ُه مَ نْ ُيشْر كْ بـاللّهِ فَ َقدْ َ‬
‫جنّ َة أن يسكنها فـي الَخرة‪ ,‬وَمأْوَا ُه النّارُ يقول‪ :‬ومرجعه ومكانه الذي يأوي إلـيه ويصير‬
‫الـ َ‬
‫ف ـي معاده‪ ,‬من ج عل ل شري كا ف ـي عب ـادته نار جهن ـم‪ .‬وَ ما للظّالِ ـمِينَ يقول‪ :‬ول ـيس‬
‫ن أنْ صَارٍ ينصرونه‬
‫لـمن فعل غير ما أبـاح ال له وعبد غير الذي له عبـادة الـخـلق‪ ,‬مِ ْ‬
‫يوم القـيامة من ال‪ ,‬فـينقذونه منه إذا أورده جهنـم‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن إِلَـهٍ‬
‫لثَ ٍة َومَا ِم ْ‬
‫ن اللّ هَ ثَالِ ثُ ثَ َ‬
‫ن قَالُوَاْ ِإ ّ‬
‫{لّ َق ْد كَ َفرَ اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ب أَلِيمٌ }‪..‬‬
‫عذَا ٌ‬
‫ن اّلذِينَ كَ َفرُواْ ِم ْن ُهمْ َ‬
‫عمّا يَقُولُونَ َل َي َمسّ ّ‬
‫حدٌ وَإِن ّلمْ يَن َتهُواْ َ‬
‫ِإلّ إِلَـهٌ وَا ِ‬
‫وهذا أيضا خبر من ال تعالـى ذكره عن فريق آخر من السرائيـلـيـين الذين وصف‬
‫صفتهم فـي الَيات قبل أنه لـما ابتلهم بعد حسبـانهم أنهم ل يتبلون ول يفتنون‪ ,‬قالوا كفرا‬
‫بربهـم وشركـا‪ :‬ال ثالث ثلثـة‪ .‬وهذا قول كان علــيه جماهيـر النصـارى قبـل افتراق‬
‫الــيعقوبـية والــملكانـية والنسـطورية‪ ,‬كانوا فــيـما بلغنـا يقولون‪ :‬الله القديــم جوهـر‬
‫واحـد يعمّـ ثلثـة أقانــيـم‪ :‬أبــا والدا غيـر مولود‪ ,‬وابنـا مولودا غيـر والد‪ ,‬وزوجـا متتبعـة‬
‫حدٌ‬
‫بـينهما‪ .‬يقول ال تعالـى ذكره مكذّبـا لهم فـيـما قالوا من ذلك‪ :‬وما مِ نْ إل ٍه إلّ إل هٌ وَا ِ‬
‫يقول‪ :‬ما لكم معبود أيها الناس إل معبود واحد‪ ,‬وهو الذي لـيس بوالد لش يء ول مولود‪ ,‬بل‬
‫ُونـ يقول‪ :‬إن لــم ينتهوا قائلوا هذه‬
‫وإنـ لــم َي ْن َتهُوا عَم ّا َيقُول َ‬
‫ْ‬ ‫هـو خالق كلّ والد ومولود‪.‬‬
‫ب ألِ ـيـمٌ‬
‫عذَا ٌ‬
‫ن كَ َفرُوا ِم ْنهُ مْ َ‬
‫ال ـمقالة عما يقولون من قول هم‪ :‬ال ثالث ثل ثة‪ ,‬لَـيَـ َمسّنّ اّلذِي َ‬
‫ن الذ ين يقولون هذه ال ـمقالة‪ ,‬والذ ين يقولون ال ـمقالة الخرى هو ال ـمسيح‬
‫يقول‪ :‬ل ـيـمس ّ‬
‫ا بن مري ـم لن الفريق ـين كله ما كفرة مشركون‪ ,‬فلذلك ر جع ف ـي الوع يد ب ـالعذاب إل ـى‬
‫العموم‪ .‬ولـم يقل‪« :‬لـيـمسنهم عذاب ألـيـم»‪ ,‬لن ذلك لو قـيـل كذلك صار الوعيد من‬
‫ال تعالــى ذكره خاصـّا لقائل القول الثانــي‪ ,‬وهـم القائلون‪ :‬ال ثالث ثلثـة‪ ,‬ولــم يدخــل‬
‫ـ بــالوعيد تعالــى ذكره كـل كافـر‪ ,‬لــيعلـم‬
‫فــيهم القائلون‪ :‬الــمسيح هـو ال‪ .‬فعم ّ‬
‫الـمخاطبون بهذه الَيات أن وعيد ال وقد شمل كل الفريقـين من بـين إسرائيـل ومن كان‬
‫من الكفـار علـى مثل الذي هم علـيه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وإن كان ال مر عل ـى ما و صفت فعل ـى من عادت الهاء وال ـميـم اللتان‬
‫فـي قوله‪ِ « :‬م ْن ُهمْ»؟ قـيـل‪ :‬علـى بنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫فتأوي ـل الكلم إذ ان ال مر عل ـى ما و صفنا‪ :‬وإن ل ـم ين ته هؤلء ال سرائيـلـيون ع ما‬
‫يقولون فـي ال من عظيـم القول‪ ,‬لـيـمسنّ الذين يقولون منهم إن الـمسيح هو ال والذين‬
‫يقولون إن ال ثالث ثلثة وكلّ كافر سلك سبـيـلهم عذابٌ ألـيـم بكفرهم بـال‪.‬‬
‫وقد قال جماعة من أهل التأوي نـحو قولنا فـي أنه عنى بهذه الَيات‪ :‬النصارى‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9676‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن اللّ َه ثالِ ثُ ثَل َثةٍ قال‪ :‬قالت النصارى‪ :‬هو الـمسيح وأمه‪,‬‬
‫ن قالُوا إ ّ‬
‫عن السديّ‪ :‬لَ َق ْد كَ َفرَ اّلذِي َ‬
‫ن اللّهِ‪.‬‬
‫ن دُو ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫خذُونِـي وُأ ّميَ إَل َهيْ ِ‬
‫ت قُلْتَ للنّاسِ اتّـ ِ‬
‫فذلك قول ال تعالـى‪ :‬أأنْ َ‬
‫‪ 9677‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ث ثَلثَ ٍة نـحوه‪.‬‬
‫ن قالُوا إنّ الّلهَ ثالِ ُ‬
‫مـجاهد‪ :‬لَ َقدْ كَ َفرَ اّلذِي َ‬

‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َتغْ ِفرُونَهُ وَالّلهُ غَفُو ٌر ّرحِيمٌ }‪..‬‬
‫ى اللّهِ َو َي ْ‬
‫{َأفَلَ َيتُوبُونَ إَِل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أفل يرجع هذان الفريقان الكافران‪ ,‬القائل أحدهما‪ :‬إن ال هو الـمسيح‬
‫ابن مريـم والَخر القائل‪ :‬إن ال ثالث ثلثة‪ ,‬عما قال من ذلك‪ ,‬ويتوبـان بـما قال وقطعا به‬
‫من كفره ما‪ ,‬وي سألن ربه ما ال ـمغفرة م ـما قال‪ .‬وال غفور لذنوب التائب ـين من خ ـلقه‪,‬‬
‫الـمنـيبـين إلـى طاعته بعد معصيتهم‪ ,‬رحيـم بهم ي قبوله توبتهم ومراجعتهم إلـى ما‬
‫يحب مـما يكره‪ ,‬فـيصفح بذلك من فعلهم عما سلف من إجرامهم قبل ذلك‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ت مِن قَبْلِ هِ‬
‫ل رَ سُولٌ َقدْ خَلَ ْ‬
‫ن َم ْريَ مَ ِإ ّ‬
‫{مّا ا ْلمَ سِيحُ ابْ ُ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ت ُثمّ ا ْنظُرْ َأّنىَ ُي ْؤفَكُونَ }‪..‬‬
‫ليَا ِ‬
‫ظرْ َك ْيفَ ُن َبيّنُ َل ُهمُ ا َ‬
‫طعَامَ ا ْن ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫صدّيقَةٌ كَانَا َي ْأكُلَ ِ‬
‫الرّسُلُ وَُأمّ ُه ِ‬
‫وهذا (خبرٌ) من ال تعال ـى ذكره احت ـجاجا لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه وسلم علـى‬
‫فرق الن صارى ف ـي قول هم ف ـي ال ـمسيح‪ .‬يقول مكذّب ـا لل ـيعقوبـية ف ـي ق ـيـلهم‪ :‬هو‬
‫ال‪ ,‬والَخريـن قــي قــيـلهم‪ :‬هـو ابـن ال‪ :‬لــيس القول كمـا قال هؤلء الكفرة فــي‬
‫الـمسيح‪ ,‬ولكنه ابن مريـم ولدته ولدة المهات أبناءه نّ‪ ,‬وذلك من صفة البشر ل من صفة‬
‫خالق البشـر‪ ,‬وإنــما هـو ل رسـول كسـائر رسـله الذيـن كانوا قبله فمضوا وخــلوا‪ ,‬أجرى‬
‫علـى يده ما شاء أن يجريه علـيها من الَيات والعبر حجة له علـى صدقه وعلـى أنه ل‬
‫ر سول إل ـى من أر سله إل ـيه من خ ـلقه‪ ,‬ك ما أجرى عل ـى أيدي من قبله من الر سل من‬
‫الَيات والعبر حجة لهم علـى حقـيقة صدقهم فـي أنهم ل رسل‪ .‬وُأمّ ُه صِدّيقَة يقول تعالـى‬
‫ذكره‪ :‬وأ مّ ال ـمسيح صدّيقة‪ ,‬وال صدّيقة‪ :‬ال ِفعّي ـلة من ال صدق‪ ,‬وكذلك قول هم فلن صـدّيق‪:‬‬
‫ن أبـا‬
‫شهَدَاءِ‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬إ ّ‬
‫صدّيقِـينَ وال ّ‬
‫فعيـل من الصدق‪ ,‬ومنه قوله تعالـى ذكره‪ :‬وَال ّ‬
‫ب كر ال صدّيق ر ضي ال ع نه إن ـما ق ـيـل له ال صدّيق ل صدقه‪ ,‬و قد ق ـيـل‪ :‬إن ـما سمي‬
‫صدّيقا لتصديقه النبـيّ صلى ال عليه وسلم فـي مسيره فـي لـيـلة واحدة إلـى بـيت‬
‫ن الطّعا مَ خبر من ال تعالـى ذكره عن‬
‫الـمقدس من م كة وعوده إلـيها‪ .‬وقوله‪ :‬كانَا يَأكُل ِ‬
‫ال ـمسيح وأ مه أنه ما كا نا أ هل حا جة إل ـى ما يغذوه ما وتقوم به أبدانه ما من ال ـمطاعم‬
‫ن من كان كذلك‪ ,‬فعير كائن إلها لن الـمـحتاج‬
‫والـمشارب كسائر البشر من بنـي آدم‪ .‬فإ ّ‬
‫إل ـى الغذاء قوا مه بغيره‪ ,‬وف ـي قوا مه بغيره وحاج ته إل ـى ما يق ـيـمه دل ـيـل وا ضح‬
‫علـى عجزه‪ ,‬والعاجز ل يكون إلّ مربوبـا ل ربّـا‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ا ْنظُرْ َك ْيفَ ُنبَـيّنُ َل ُه ُم الَياتِ ُثمّ ا ْنظُرْ أنّى يُ ْؤ َفكُونَ‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ان ظر يا م ـحمد ك يف نب ـين‬
‫لهؤلء الكفرة من ال ـيهود والن صارى الَيات‪ ,‬و هي الدلة والعلم وال ـحجج عل ـى بطول‬
‫ما يقولون ف ـي أنب ـياء ال‪ ,‬وف ـي فريت هم عل ـى ال‪ ,‬وادّعائ هم له ولدا‪ ,‬وشهادت هم لب عض‬
‫خ ـلقه بأ نه ل هم ر بّ وإله‪ ,‬ثم ل يرتدعون عن كذب هم وب ـاطل ق ـيـلهم‪ ,‬ول ينزجرون عن‬
‫فِرْيتهـم علــى ربهـم وعظيــم جهلهـم‪ ,‬مـع ورود الــحجج القاطعـة عذرهـم علــيهم‪ .‬يقول‬
‫تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ثم انظر يا مـحمد أنّى يؤفكون؟ يقول‪ :‬ثم‬
‫انظر مع تبـيـيننا لهم آياتنا علـى بطول قولهم‪ :‬أيّ وجه يُصْرفون عن بـياننا الذي بـينته‬
‫ل م صروف‬
‫ل هم‪ ,‬وك يف عن الهدى الذي نهدي هم إل ـيه من ال ـحقّ يضِلون؟ والعرب تقول لك ّ‬
‫عن شيء‪ :‬هو مأفوك عنه‪ ,‬يقال‪ :‬قد َأ َفكْتُ فلنا عن كذا‪ :‬أي صرفته عنه‪ ,‬فأنا آفِكه أفْكا‪ ,‬وهو‬
‫مأفوك‪ ,‬وقد ُأ ِفكَتِ الرضُ‪ :‬إذا صرف عنها الـمطر‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َيمْلِكُ َلكُمْ ضَرّا َولَ َنفْعا‬
‫ن اللّ ِه مَا َ‬
‫ن مِن دُو ِ‬
‫ل َأ َت ْعبُدُو َ‬
‫{قُ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ }‪..‬‬
‫وَالّلهُ ُهوَ ال ّ‬
‫وهذا أي ضا احتـجاج من ال تعال ـى ذكره لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم عل ـى النصارى‬
‫القائل ـين ف ـي ال ـمسيح ما و صف من ق ـيـلهم ف ـيه ق بل‪ .‬يقول تعال ـى ذكره ل ـمـحمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لهؤلء الكفرة من النصارى الزاعمين أن الـمسيح ربهم‬
‫والقائلــين إن ال ثالث ثلثـة‪ :‬أتعبدون سـوى ال الذي يــملك ضُرّكـم ونفعكـم وهـو الذي‬
‫خـلقكم ورزقكم وهو يحيـيكم ويـميتكم‪ ,‬شيئا ل يـملك لكم شرّا ول نفعا؟ يخبرهم تعالـى‬
‫ذكره أن الـمسيح الذي زعم من زعم من النصارى أنه إله‪ ,‬والذي زعم من زعم منهم أنه ل‬
‫ابن‪ ,‬ل يـملك لهم ضرّا يدفعه عنهم إن أحله ال بهم‪ ,‬ول نفعا يجلبه إلـيهم إن لـم يقضه ال‬
‫ب ال ـمعبود‬
‫ل هم‪ .‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فك يف يكون رب ـا وإل ها من كا نت هذه صفته؟ بل الر ّ‬
‫ل ش يء‪ ,‬فإياه ف ـاعبدوا وأخ ـلصوا له العب ـادة دون‬
‫الذي ب ـيده كلّ ش يء والقادر عل ـى ك ّ‬
‫غيره من العجزة الذين ل ينفعونكم ول يضرّون‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَاللّهُـ هُ َو السّـمِيعُ العَلِــيـمُ فإنـه يعنــي تعالــى ذكره بذلك‪ :‬وال هو ال سميع‬
‫ل ستغفـارهم لو ا ستغفروه من ق ـيـلهم ما أ خبر عن هم أن هم يقولو نه ف ـي ال ـمسيح‪ ,‬ولغ ير‬
‫ذلك من منظقهم ومنطق خـلقه‪ ,‬العلـيـم بتوبتهم لو تابوا منه‪ ,‬وبغير ذلك من أمورهم‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غ ْيرَ ا ْلحَ قّ َولَ‬
‫ل يَ ـأَهْلَ ا ْل ِكتَا بِ لَ َتغْلُو ْا فِي دِي ِنكُ مْ َ‬
‫{قُ ْ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سبِيلِ }‪..‬‬
‫سوَآ ِء ال ّ‬
‫َت ّت ِبعُوَاْ أَ ْهوَآ َء قَ ْومٍ َقدْ ضَلّواْ مِن َقبْلُ وََأضَلّواْ َكثِيرا َوضَلّواْ عَن َ‬
‫وهذا خطاب مـن ال تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ .‬يقول تعالــى‬
‫ل الكِتا بِ يعن ـي‬
‫ذكره‪ :‬قل يا م ـحمد لهؤلء الغال ـية من الن صارى ف ـي ال ـمسيح‪ :‬يا أهْ َ‬
‫ب ـالكتاب‪ :‬الن ـجيـل‪ ,‬ل َتغْلُوا فِ ـي دِي ِنكُ مْ يقول‪ :‬ل تفْرطوا ف ـي القول فـيـما تدينون به‬
‫من أمر الـمسيح‪ ,‬فتـجاوزوا فـيه الـحقّ إلـى البـاطل‪ ,‬فتقولوا فـيه‪ :‬هو ال‪ ,‬أو هو ابنه‬
‫ول كن قولوا‪ :‬هو ع بد ال وكل ـمته ألقا ها إل ـى مري ـم وروح م نه‪ .‬وَل َت ّت ِبعُوا أهْوَا َء قَوْ مٍ َقدْ‬
‫ضَلّوا ِم نْ َقبْلُ وأضَلّوا َكثِـيرا يقول‪ :‬ول تتبعوا أيضا فـي الـمسيح أهواء الـيهود الذين قد‬
‫ضلوا قبلكم عن سبـيـل الهدي فـي القول فـيه‪ ,‬فتقولون فـيه كما قالوا‪ :‬هو لغير ِرشْدة‪,‬‬
‫و َتبْهتوا أمـه كمـا بــيهتونها بــالفرية‪ ,‬وهـي صـدّيقة‪ .‬وأضَلّوا َكثِــيرا يقول تعالــى ذكره‪:‬‬
‫وأضلّ هؤلء ال ـيهود كث ـيرا من الناس‪ ,‬فحادوا ب هم عن طر يق ال ـحقّ وحملو هم عل ـى‬
‫سبِـيـلِ يقول‪ :‬وضلّ هؤلء الـيهود‬
‫ن سَوَاءِ ال ّ‬
‫عْ‬‫الكفر بـال والتكذيب بـالـمسيح‪َ .‬وضَلّوا َ‬
‫عن ق صد الطر يق‪ ,‬وركبوا غ ير م ـحجة ال ـحقّ وإن ـما يعن ـي تعال ـى ذكره بذلك كفر هم‬
‫بـال وتكذيبهم رسله عيسى ومـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذهابهم عن اليـمان و ُبعْدهم‬
‫منه‪ .‬وذلك كان ضللهم الذي وصفهم ال به‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9678‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫سبِـيـلِ قال‪ :‬يهود‪.‬‬
‫ن سَوَا ِء ال ّ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪َ :‬وضَلّوا عَ ْ‬
‫‪9679‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن َقبْلُ وأضَلّوا َكثِـيرا فهم أولئك الذ ين ضلوا وأضلوا‬
‫السديّ‪ :‬ل َت ّتبِعُوا أ ْهوَاءَ قَوْ مٍ َقدْ ضلّوا مِ ْ‬
‫سبِـيـلِ عن عدل السبـيـل‪.‬‬
‫عنْ سَوَاءِ ال ّ‬
‫أتبـاعهم‪َ .‬وضَلّوا َ‬
‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن دَاوُودَ‬
‫سرَائِيلَ عََلىَ لِ سَا ِ‬
‫ن اّلذِي نَ كَ َفرُواْ مِن َبنِ يَ إِ ْ‬
‫{ُلعِ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫عصَوْا ّوكَانُو ْا َي ْع َتدُونَ }‪..‬‬
‫َوعِيسَى ا ْبنِ َم ْر َيمَ ذَِلكَ ِبمَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل لهؤلء النصارى الذين وصف‬
‫تعال ـى ذكره صفتهم‪ :‬ل تغلوا فتقولوا ف ـي ال ـمسيح غ ير ال ـحقّ‪ ,‬وة تقولوا ف ـيه ما قالت‬
‫الـيهود الذين قد لعنهم ال علـى لسان أنبـيائه ورسله داود وعيسى ابن مريـم‪ .‬وكان لعن‬
‫ال إياهم علـى ألسنتهم‪ ,‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 9680‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَا ُودَ‬
‫ن َبنِـي إ ْ‬
‫ن كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬لعِ نَ اّلذِي َ‬
‫ل لسـان‪ ,‬لعنوا علــى عهـد موسـى فــي التوراة‪ ,‬ولعنوا‬
‫ْنـ َم ْريَــمَ قال‪ :‬لعنوا بك ّ‬
‫َوعِيسـَى اب ِ‬
‫عل ـى ع هد داود ف ـي الزبور‪ ,‬ولعنوا عل ـى ع هد عي سى ف ـي الن ـجيـل‪ ,‬ولعنوا عل ـى‬
‫عهد مـحمد صلى ال عليه وسلم فـي القرآن‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫سرَائِيـلَ عَلـى‬
‫ن َبنِـي إ ْ‬
‫ن كَ َفرُوا ِم ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ي بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ُ :‬ل ِع َ‬
‫علـ ّ‬
‫ن َم ْريَـمَ يقول‪ :‬لعنوا فـي النـجيـل علـى لسان عيسى ابن مريـم‪,‬‬
‫لِ سَان دَا ُودَ وَعيسَى ا ْب ِ‬
‫ولعنوا فـي الزبور علـى لسان داود‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫سرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَا ُودَ َوعِيسَى ابْنِ َم ْريَـمَ‬
‫ن َبنِـي إ ْ‬
‫ن كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫عن ابن عبـاس‪ُ :‬لعِنَ اّلذِي َ‬
‫قال‪ :‬خالطو هم ب عد الن هي ف ـي ت ـجاراتهم‪ ,‬فضرب ال قلوب بعض هم بب عض‪ ,‬ف هم ملعونون‬
‫علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم‪.‬‬
‫‪9681‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن مـجاهد‪ُ :‬لعِ نَ اّلذِي نَ كَ َفرُوا مِ نْ‬
‫سرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَا ُودَ َوعِي سَى ابْ نِ َم ْريَـمَ قال‪ :‬لعنوا علـى لسان داود فصاروا‬
‫َبنِـي إ ْ‬
‫قردة‪ ,‬ولعنوا علـى لسان عيسى فصاروا خنازير‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫ل ل سان لعنوا عل ـى ع هد مو سى‬
‫سرَائِيـلَ بك ّ‬
‫ن كَ َفرُوا مِ نْ َبنِ ـي إ ْ‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬ل ِع نَ اّلذِي َ‬
‫فـي التوراة‪ ,‬وعلـى عهد داود فـي الزبور‪ ,‬وعلـى عهد عيسى فـي النـجيـل‪ ,‬ولعنوا‬
‫علـى لسان مـحمد صلى ال عليه وسلم فـي القرآن‪.‬‬
‫ن دَا ُودَ‬
‫قال ابـن جريـج‪ ,‬وقال آخرون‪ُ :‬لعِنَـ اّلذِينَـ كَ َفرُوا مِن ْـ َبنِــي إس ْـرَائِيـلَ علــى لِسـا ِ‬
‫علـى عهده‪ ,‬فلعنوا بدعوته‪ .‬قال‪ :‬مرّ داود علـى نفر منهم وهم فـي بـيت‪ ,‬فقال من فـي‬
‫الب ـيت؟ قالوا‪ :‬خناز ير‪ ,‬قال‪ :‬الله مّ اجعل هم خناز ير فكانوا خناز ير ثم أ صابتهم لعن ته‪ .‬ود عا‬
‫علـيهم عيسى فقال‪ :‬الله ّم العن من افترى علـيّ وعلـى أمي‪ ,‬واجعلهم قردة خاسئين‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫‪ 9682‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ُ :‬لعِ َ‬
‫سرَائِيـلَ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬لعن هم ال عل ـى ل سان داود ف ـي زما نه فجعل هم قردة‬
‫كَ َفرُوا ِم نْ َبنِ ـي إ ْ‬
‫خاسئين‪ ,‬وفـي النـجيـل علـى لسان عيسى فجعلهم خنازير‪.‬‬
‫‪ 9683‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أو مـحصن حصين بن نـمير‪,‬‬
‫ن َبنِ ـي‬
‫ن اّلذِي نَ كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫عن ح صين‪ ,‬يعن ـي ا بن ع بد الرح من‪ ,‬عن أب ـي مالك‪ ,‬قال‪ُ :‬لعِ َ‬
‫إسـرَائِيـلَ علــى لِسـانِ دَا ُودَ قال‪ :‬مسـخوا علــى لسـان داود قردة‪ ,‬وعلــى لسـان عيسـى‬
‫ْ‬
‫خنازير‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ ,‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن أبـي مالك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9684‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي‪ ,‬عن العلء بن‬
‫الـمسيب‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن سالـم الفطس‪ ,‬عن أبـي عبـيدة‪ ,‬عن ابن‬
‫ن إذَا‬
‫سرَائِيـلَ كا َ‬
‫ل مِ نْ َبنِ ـي إ ْ‬
‫م سعود‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إ نّ ال ّرجُ َ‬
‫ن َيكُونَ‬
‫ن مِنَ ال َغدِ لَـمْ يَـ ْم َنعْهُ ما رأى ِمنْهُ أ ْ‬
‫ع ْن ُه َتعْذيرا‪ ,‬فإذَا كا َ‬
‫ب نَها هُ َ‬
‫رأس أخاهُ علـى ال ّذنْ ِ‬
‫ضهِ مْ عل ـى َبعْ ضٍ‪,‬‬
‫ب بِقُلُو بِ َب ْع ِ‬
‫ضرَ َ‬
‫شرِيبَه‪ .‬فَلَ ـمّا رأى ذَلِ كَ ِم ْنهُ مْ َ‬
‫أكِي ـلَهُ َوخَ ـلِـيطَهُ و َ‬
‫وََل َع َنهُ مْ علـى لِسانِ َنبِـ ّي ِهمْ دَا ُودَ َوعِي سَى اب نِ َم ْريَـمَ ذَلِ كَ بِـمَا عَ صَوْا وكانُوا َي ْع َتدُو نَ»‪ .‬ثم‬
‫خذُ نّ علـى َيدَ يِ‬
‫ن الـ ُم ْنكَرِ‪ ,‬وَل َت ْأ ُ‬
‫قال‪« :‬وَاّلذِي نَفْ سِي بِـيَدِ ِه َلتَأ ُمرُ نّ بـالـ َم ْعرُوفِ‪ ,‬وَل َت ْنهَوُ نّ عَ ِ‬
‫ُمـ علــى َبعْضـٍ‪,‬‬
‫ضك ْ‬‫ُوبـ َبعْ ِ‬
‫ّهـ قُل َ‬
‫ن الل ُ‬
‫الــمُسِيء‪ ,‬ولتأطرُنّه علــى الــحقّ َأطْرا لَــَيضْ ِربَ ّ‬
‫ولَـيَـ ْل َعنَ ّن ُكمْ كمَا َل َع َن ُهمْ»‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن بشير بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قـيس‬
‫الـملئي‪ ,‬عن علـيّ بن بذيـمة‪ ,‬عن أبـي عبـية‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬لـما فشا الـمنكر‬
‫ف ـي بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬ج عل الر جل ي ـلقـي الر جل ف ـيقول‪ :‬يا هذا ا تق ال ثم ل ي ـمنعه‬
‫ذلك أن يؤاكله ويشاربـه‪ .‬فلــما رأى ال ذلك منهـم ضرب بقلوب بعضهـم علــى بعـض‪ ,‬ثـم‬
‫ن دَا ُودَ وَعِي سَى ابْ نِ‬
‫ن كَ َفرُوا مِ نْ َبنِ ـي إ سْرَائِيـلَ عل ـى لِ سا ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫أنزل ف ـيهم كتاب ـا‪ُ :‬لعِ َ‬
‫َمرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا َي ْع َتدُون كانُوا َيتَناهَوْنَ عَنْ ُم ْن َكرٍ َفعَلُو ُه َل ِبئْسَ ما كانُوا يَ ْفعَلُونَ‪.‬‬
‫وكان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم متكئا‪ ,‬فجلس وقال‪« :‬كَلّ وَاّلذِي نَفْسـِي بِــَيدِهِ حتــى‬
‫حقّ أطْرا»‪.‬‬
‫طرُوا الظّالِـمَ علـى الـ َ‬
‫تأْ ِ‬
‫حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمومل بن إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا عل ـيّ بن بذي ـمة عن أب ـي عب ـيدة أظ نه عن م سروق عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ل ال ّرجُلُ‬
‫جعَ َ‬
‫ظهَرَ ِم ْنهُ ُم الـ ُم ْنكَرُ َ‬
‫سرَائِيـلَ لَـمّا َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ نّ َبنِـي إ ْ‬
‫ن أكِيـلَهُ‬
‫ن أ نْ َيكُو َ‬
‫ك مِ ْ‬
‫حبَهُ علـى الـ ُم ْنكَرِ فَـ َينْهاهُ‪ ,‬ثُ مّ ل يَـمْ َنعُ ُه ذَلِ َ‬
‫َيرَى أخاه وَجارَ هُ وَ صَا ِ‬
‫ضهِ مْ علـى َبعْ ضٍ‪ ,‬وَُل ِعنُوا علـى لِسانِ دَا ُودَ َوعِي سَى‬
‫ب اللّ هُ قُلُو بَ َب ْع ِ‬
‫ضرَ َ‬
‫شرِيبَ ُه و َندِيـمَهُ‪ ,‬فَ َ‬
‫َو َ‬
‫َصـوْا وكانُوا َي ْعتَدُونـَ‪ ...‬إلــى (فــاسِقُونَ)»‪ .‬قال عبـد ال‪ :‬وكان‬
‫ِكـ بِــمَا ع َ‬
‫ْنـ مِ ْريَــمَ ذَل َ‬
‫اب ِ‬
‫خذُوا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم متكئا فـاستوى جالسا‪ ,‬فغضب وقال‪« :‬ل وَالّل ِه حتـى ت ْأ ُ‬
‫حقّ أطْرا»‪.‬‬
‫طرُوهُ علـى الـ َ‬
‫علـى َي َديِ الظّالِـمِ َف َتأْ ِ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال حدث نا ا بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان عن عل ـيّ بن بذي ـمة‪ ,‬عن‬
‫ن َبنِ ـي إ سْرائِيـلَ لَ ـمّا َوقَ عَ‬
‫أب ـي عب ـيدة‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إ ّ‬
‫ن ال َغدُ لَـمْ يَـمْ َنعْ ُه ما‬
‫ع ْنهُ‪ ,‬فإذَا كا َ‬
‫ص كا نَ ال ّرجُلُ َيرَى أخا هُ علـى ال ّريْبِ فَـ َينْهاهُ َ‬
‫فِـيهِم النّقْ ُ‬
‫ضهِ مْ ِب َبعْ ضٍ‪ ,‬ونزل‬
‫ضرَ بَ الّل ُه قُلُو بَ َب ْع ِ‬
‫شرِيبَ هُ َوخَ ـلِـيطَ ُه فَ َ‬
‫ن أكِي ـلَ ُه و َ‬
‫رأى ِمنْ ُه أ نْ َيكُو َ‬
‫سرَائِيـلَ عل ـى لِ سانِ دَا ُودَ َوعِي سَى ابْ نِ‬
‫ف ـيهم القرآن‪ ,‬فقال‪ُ :‬لعِ نَ اّلذِي نَ كَ َفرُوا مِ نْ َبنِ ـي إ ْ‬
‫ن كَثـيرا ِم ْنهُمْ فـاسِقُونَ»‪ .‬قال‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫َمرْيَـمَ حتـى بلغ‪ :‬وََلكِ ّ‬
‫حقّ أطْرا»‪.‬‬
‫طرُوه علـى الـ َ‬
‫متكئا‪ ,‬فجلس وقال‪« :‬ل حتـى َت ْأخُذُوا َي َديِ الظّالِـمِ َف َتأْ ِ‬
‫حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬أمله علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن أبــي‬
‫الوضاح‪ ,‬عن علـيّ بن بذيـمة‪ ,‬عن أبـي عبـيدة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬عن النبـي صلى ال عليه‬
‫وسلم بـمثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪,‬‬
‫عن علـيّ بن بذيـمة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا عبـيدة يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فذ كر ن ـحوه‪ .‬غ ير أنه ما قال ف ـي حديثه ما‪ :‬وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم متكئا‪,‬‬
‫َيـ الظّالِــمِ‪,‬‬
‫خذُوا علــى َيد ِ‬
‫فــاستوى جالسـا ثـم قال‪« :‬كَلّ وَاّلذِي نَفْسـِي بِــَيدِهِ حتــى َت ْأ ُ‬
‫حقّ أطْرا»‪.‬‬
‫طرُوه علـى الـ َ‬
‫فَتأ ِ‬
‫‪ 9685‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ُ :‬لعِ نَ اّلذِي نَ‬
‫ن دَا ُودَ وَعِيسـَى ابْنِـ َم ْريَــمَ قال‪ :‬فقال‪ :‬لعنوا فــي‬
‫كَ َفرُوا مِن ْـ َبنِــي إس ْـرَائِيـلَ علــى لِسـا ِ‬
‫الن ـجيـل وفـي الزبور‪ .‬وقال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪« :‬إ نّ َرحَى اليـمَانِ‬
‫ث دَارَ‪ ,‬فإنّ ُه َقدْ فَرَ غَ الّل هُ مِـمّا ا ْف َترَ ضَ فِـيهِ‪ .‬وإنّ ُه كانَ تْ ُأمّةٌ‬
‫حيْ ُ‬
‫قَ ْد دَارَ تْ‪ ,‬فَدُورُوا مَ عَ القُرآ نِ َ‬
‫خذَهُ مْ‬
‫ن ال ـ ُم ْنكَرِ‪ ,‬فأ َ‬
‫ن ب ـالـ َم ْعرُوفِ َو َي ْنهَ ْو نَ عَ ِ‬
‫عدْلٍ‪َ ,‬ي ْأ ُمرُو َ‬
‫سرَائِيـلَ كانُوا أهْلَ َ‬
‫ن َبنِ ـي إ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫ُمـ بَقِــيّةٌ‪ ,‬فَلَــمْ‬
‫خشَبِ‪َ ,‬و َبقِــيَتْ ِم ْنه ْ‬
‫َصـلَبُو ُه ْم علــى الــ َ‬
‫ِمـ بــالـمَناشِيرِ‪ ,‬و َ‬
‫ُمـ َف َنشَرُوه ْ‬
‫قَ ْو ُمه ْ‬
‫ب اللّ هُ‬
‫َيرْضَوْا حت ـى دَاخَ ـلُوا الُ ـملُوكَ وَجالَ سُو ُهمْ‪ ,‬ثُ مّ لَ ـمْ َيرْضَوْا حت ـى وَاكَلُوهُ مْ‪َ ,‬فضَرَ َ‬
‫ن َبنِـي‬
‫ن كَ َفرُوا مِ ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫حدَةً»‪ ,‬فذلك قول ال تعالـى‪ُ :‬لعِ َ‬
‫جعَلَها وَا ِ‬
‫تِلْ كَ القُلُو بَ َب ْعضَها ِب َبعْ ضٍ َف َ‬
‫ن ماذا كانت معصيتهم؟‬
‫سرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَا ُودَ‪ ...‬إلـى ذَلِ كَ بِـمَا عَ صَوْا وكانُوا َي ْع َتدُو َ‬
‫إ ْ‬
‫قال‪« :‬كَانُوا ل َي َتنَاهَوْنَ عن ُم ْن َكرٍ َفعَلُوهُ‪َ ,‬ل ِبئْسَ ما كَانُوا يَ ْفعَلُونَ»‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم إذن‪ :‬لعن ل الذين كفروا من الـيهود بـال علـى لسان داود وعيسى ابن‬
‫مريـم‪ ,‬ولعن وال آبـاؤهم علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم‪ ,‬بـما عصوا ال فخالفوا‬
‫أمره وكانوا يعتدون‪ ,‬يقول‪ :‬وكانوا يتـجاوزون حدوده‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س مَا كَانُو ْا يَ ْفعَلُونَ‬
‫{كَانُو ْا لَ َي َتنَاهَ ْونَ عَن مّنكَرٍ َفعَلُو ُه َل ِبئْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫}‪..‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬كان هؤلء ال ـيهود الذ ين لعن هم ال ل َي َتنَاهَوْ نَ يقول‪ :‬ل ينتهون عن‬
‫منكر فعلوه‪ ,‬ول ينهى بعضهم بعضا‪ .‬ويعنـي بـالـمنكر‪ :‬الـمعاصي التـي كانوا يعصون‬
‫ن وهذا قسم من‬
‫س ما كَانُوا يَ ْفعَلُو َ‬
‫ال بها‪ .‬فتأويـل الكلم‪ :‬كانوا ل ينتهون عن منكر أتوه‪ ,‬ل ْبئْ َ‬
‫ال تعالـى ذكره‪ ,‬يقول‪ :‬أقسم لبِئس الفعل كانوا يفعلون فـي تركهم النتهاء عن معاصي ال‬
‫تعالـى وركوب مـحارمه وقتل أنبـياء ال ورسله كما‪:‬‬
‫‪ 9686‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ :‬كانُوا ل‬
‫ن ُم ْن َكرٍ فَعَلُو ُه ل تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا فـي فـي الكفر‪.‬‬
‫َيتَناهْوَنَ عَ ْ‬
‫‪80‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن اّلذِي نَ كَ َفرُو ْا َل ِبئْ سَ مَا قَ ّدمَ تْ‬
‫{ َت َرىَ َكثِيرا ّم ْنهُ مْ َيتَوَّلوْ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سخِطَ الّلهُ عََل ْي ِهمْ َوفِي ا ْل َعذَابِ ُه ْم خَالِدُونَ }‪..‬‬
‫س ُهمْ أَن َ‬
‫َل ُهمْ أَن ُف ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ترى يا م ـحمد كث ـيرا من بن ـي إ سرائيـل يتولون الذ ين كفروا‪,‬‬
‫ت َلهُ مْ‬
‫س ما َق ّدمَ ْ‬
‫يقول‪ :‬يتولون ال ـمشركين من عبدة الوثان‪ ,‬يعادون أول ـياء ال ور سله ل ِبئْ َ‬
‫سهُ ْم يقول تعال ـى ذكره‪ُ :‬أقْ سم لبئس الش يء الذي قد مت ل هم أنف سهم أمام هم إل ـى معاد هم‬
‫َأنْفُ ُ‬
‫خطَ اللّ هُ عَلَ ـ ْي ِهمْ ف ـي مو ضع ر فع ترج مة عن « ما» الذي ف ـي قوله‪:‬‬
‫سِ‬‫ن َ‬
‫ف ـي الَخرة‪ .‬أ ْ‬
‫ن يقول‪ :‬وف ـي عذاب ال يوم الق ـيامة هم خالدون‪ ,‬دائم‬
‫ب ه مْ خالدو َ‬
‫َل ِبئْ سَ ما‪ .‬وَف ـي العذا ِ‬
‫مُقامهم ومُكثهم فـيه‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ْهـ م َا‬
‫ِيـ وَم َا ُأ ْنزِلَ إَِلي ِ‬
‫ُونـ بِال وال ّنب ّ‬
‫{وََل ْو كَانُوا يُ ْؤ ِمن َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ن َكثِيرا ّم ْنهُمْ فَاسِقُو َ‬
‫خذُو ُهمْ أَوِْليَآءَ وَلَـكِ ّ‬
‫ا ّت َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولو كان هؤلء الذين يتولون الذين كفروا من بنـي إسرائيـل ُي ْؤ ِمنُونَ‬
‫بـال وال ّنبِـيّ يقول‪ :‬يصدّقون بـال ويقرّون به ويوحدونه ويصدّقون نبـيه مـحمدا صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬بأ نه ل نب ـيّ مبعوث ور سول مر سل‪ .‬و ما ُأ ْنزِلَ إلَ ـيْهِ يقول‪ :‬يقرّون ب ـما‬
‫أنزل إلـى مـحمد صلى ال عليه وسلم من عند ال من آي الفرقان‪ .‬ما اتّـخَذُو ُهمْ أوْلِـيَاءٍ‬
‫ن َكثِـيرا ِم ْنهُ مْ فـاسِقُونَ‬
‫يقول‪ :‬ما اتـخذوهم أصحابـا وأنصارا من دون الـمؤمنـين‪ .‬وََل ِك ّ‬
‫يقول‪ :‬ول كن كث ـيرا من هم أ هل خروج عن طا عة ال إل ـى مع صيته وأ هل ا ستـحلل ل ـما‬
‫حرّم ال علـيهم من القول والفعل‪ .‬وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪9687‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫خذُو ُهمْ‬
‫ن بـاللّهِ وَال ّنبِـيّ وَما ُأ ْنزِلَ إلَـيْ ِه ما اتّـ َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وََلوْ كانُوا يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫أوْلِـياءَ قال‪ :‬الـمنافقون‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن َأقْ َر َبهُ ْم مّ َودّ ًة لّّلذِي نَ‬
‫جدَ ّ‬
‫ش َركُواْ وََل َت ِ‬
‫ن آ َمنُو ْا ا ْل َيهُودَ وَاّلذِي نَ َأ ْ‬
‫عدَا َوةً لّّلذِي َ‬
‫شدّ النّا سِ َ‬
‫جدَ نّ َأ َ‬
‫{َل َت ِ‬
‫ستَ ْك ِبرُونَ }‪..‬‬
‫ل َي ْ‬
‫ن ِم ْنهُمْ ِقسّيسِينَ َورُ ْهبَانا وََأ ّن ُهمْ َ‬
‫آ َمنُو ْا اّلذِينَ قَالُوَ ْا ِإنّا َنصَا َرىَ ذَِلكَ ِبأَ ّ‬
‫شدّ النّا سِ‬
‫ن يا م ـحمد أ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪َ :‬لتَ ـجِدَ ّ‬
‫عدَا َوةٍ للذ ين صدّقوك واتبعوك و صدّقوا ب ـما جئت هم به من أ هل ال سلم‪ ,‬ال ـ َيهُودَ واّلذِي نَ‬
‫َ‬
‫جدَنّ‬
‫أشْ َركُوا يعنــي عبدة الوثان الذيـن اتــخذوا الوثان آلهـة يعبدونهـا مـن دون ال‪ .‬وََلتَــ ِ‬
‫ن أقرب الناس مودّة وم ـحبة‪ .‬وال ـمودّة‪ :‬ال ـمفعلة‪,‬‬
‫أقْ َر َبهُ مْ مَ َودّ ٍة لّلذِي نَ آ َمنُوا يقول‪ :‬ولت ـجد ّ‬
‫من قول الر جل‪َ :‬و ِددْ تُ كذا أودّه ُودّا و ِودّا و َودّا ومودّة‪ :‬إذا أحبب ته‪ .‬للذ ين آمنوا‪ ,‬يقول‪ :‬للذ ين‬
‫ن قالوا إنّا نَ صَارَى ذَل كَ بأ نّ ِم ْنهُ مْ‬
‫صدّقوا ال ور سوله م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم‪ .‬اّلذِي َ‬
‫ن عن قبول الـحقّ واتبـاعه والذعان به‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن‬
‫ستَ ْك ِبرُو َ‬
‫قِسّيسِينَ َورُهْبـانا وأ ّنهُمْ ل يَ ْ‬
‫هذه الَ ية والت ـي بعد ها نزلت ف ـي ن فر قِدموا عل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من‬
‫ن صارى ال ـحبشة‪ ,‬فل ـما سمعوا القرآن أ سلـموا واتبعوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪.‬‬
‫وقـيـل‪ :‬إنها نزلت فـي النـجاشي ملك الـحبشة وأصحاب له أسلـموا معه‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9688‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن ع بد ال ـملك بن أب ـي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوا حد بن‬
‫زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خَ صِيف‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬ب عث الن ـجاشيّ وفدا إل ـى النب ـيّ‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم فأ سلـموا‪ .‬قال‪ :‬فأنزل ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقرأ عل ـيهم النب ـ ّ‬
‫ن أشْ َركُوا‪ ...‬إل ـى آ خر‬
‫ن أقْ َر َبهُ مْ مَ َو ّدةً لّلذِي نَ آ َمنُوا ال ـ َيهُودَ وَاّلذِي َ‬
‫جدَ ّ‬
‫تعال ـى ف ـيهم‪ :‬وََلتَ ـ ِ‬
‫الَية‪ .‬قال‪ :‬فرجعوا إلـى النـجاشي فأخبروه‪ ,‬فأسلـم النـجاشيّ‪ ,‬فلـم يزل مسلـما حتـى‬
‫ُمـ النّــجاشِي َقدْ ماتـَ‪ ,‬فَصـلّوا‬
‫«إنـ أخاك ُ‬
‫ّ‬ ‫مات‪ .‬قال‪ :‬فقال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪:‬‬
‫عَلَــيْهِ» فصـلـى علــيه رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم بــالـمدينة والنــجاشيّ‬
‫بـالـحبشة‪.‬‬
‫‪ 9689‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ِينـ قالُوا إنّا‬
‫ِينـ آ َمنُوا اّلذ َ‬
‫ُمـ مَ َودّ ًة لّلذ َ‬
‫جدَنّ أ ْقرَ َبه ْ‬
‫نــجيح‪ ,‬عـن مــجاهد‪ ,‬فــي قوله ال‪ :‬وََلتَــ ِ‬
‫َنصَارَى قال‪ :‬هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الـحبشة‪.‬‬
‫‪ 9690‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن قالُوا‬
‫ن آ َمنُوا اّلذِي َ‬
‫جدَنّ أ ْق َربَهُمْ مَ َودّ ًة لّلذِي َ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وََلتَـ ِ‬
‫إنّا نَ صَارَى قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بـمكة خاف علـى أصحابه من‬
‫ال ـمشركين‪ ,‬فب عث جع فر بن أب ـي طالب وا بن م سعود وعثمان بن مظعون ف ـي ر هط من‬
‫أ صحابه إلـى الن ـجاشيّ ملك ال ـحبشة فل ـما بلغ ذلك ال ـمشركين‪ ,‬بعثوا عمور بن العاص‬
‫ف ـي ر هط من هم ذ كر أن هم سبقوا أ صحاب النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم إل ـى الن ـجاشيّ‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬إ نه خرج ف ـينا ر جل سفّه عقول قر يش وأحلم ها ز عم أ نه نب ـيّ‪ ,‬وإ نه ب عث إل ـيك‬
‫ره طا ل ـيفسدوا عل ـيك قو مك‪ ,‬فأحبب نا أن نأت ـيك ون ـخبرك خبرهم‪ .‬قال‪ :‬إن جاءون ـي‬
‫نظرت فــيـما يقولون‪ .‬فقدم أصـحاب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فأقاموا ببــاب‬
‫النـجاشي‪ ,‬فقالوا‪ :‬أتأذن لولـياء ال؟ فقال‪ :‬ائذن لهم‪ ,‬فمرحبـا بأولـياء ال فلـما دخـلوا‬
‫علــيه سـلـموا‪ ,‬فقال له الرهـط مـن الــمشركين‪ :‬أل ترى أيهـا الــملك أنـا صـدقناك‪ ,‬لــم‬
‫يحيوك بتـحيتك التـي تـحيا بها؟ فقال لهم‪ :‬ما منعكم أن تـحيّونـي بتـحيتـي؟ فقالوا‪ :‬إنا‬
‫حي ـيناك بت ـحية أ هل ال ـجنة وت ـحية ال ـملئكة‪ .‬قال ل هم‪ :‬ما يقول صاحبكم ف ـي عي سى‬
‫وأ مه؟ قال‪ :‬يقول‪ :‬هو ع بد ال وكل ـمة من ال ألقا ها إل ـى مري ـم وروح م نه‪ ,‬ويقول ف ـي‬
‫مريـم‪ :‬إنها العذراء البتول‪ .‬قال‪ :‬فأخذ عودا من الرض‪ ,‬فقال‪ :‬ما زاد عيسى وأمه علـى ما‬
‫قال صاحبكم قدر هذا العود فكره ال ـمشركون قوله‪ ,‬وتغيرت وجوه هم‪ .‬قال ل هم‪ :‬هل تعرفون‬
‫شيئا م ـما أنزل عل ـيكم؟ قالوا‪ :‬ن عم‪ .‬قال‪ :‬اقراءوا فقرءوا‪ ,‬وهنالك من هم ق سيسون ورهب ـان‬
‫و سائر الن صارى‪ ,‬فعر فت كلّ ما قرءوا‪ ,‬وان ـحدرت دموع هم م ـما عرفوا من ال ـحقّ‪ .‬قال‬
‫س ِمعُوا ما ُأ ْنزِلَ‬
‫ن وإذَا َ‬
‫ال تعالـى ذكره‪ :‬ذَلِ كَ بأ نّ ِم ْنهُ مْ قِسيّسِينَ َورُهْبـانا وأ ّنهُ مْ ل يَ سْ َت ْك ِبرُو َ‬
‫إلـى الرّسُولِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪9691‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط عن‬
‫ِينـ قالُوا إن ّا نَصـَارَى‪ ...‬الَيـة‪ .‬قال‪ :‬بعـث‬
‫ِينـ آ َمنُوا اّلذ َ‬
‫ُمـ مَ َودّ ًة لّلذ َ‬
‫جدَنّ أ ْق َر َبه ْ‬
‫السـديّ‪ :‬وََلتَــ ِ‬
‫الن ـجاشيّ إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم اثن ـي ع شر رجلً من ال ـحبشة‪ ,‬سبعة‬
‫قسيسين وخمسة رهبـانا‪ ,‬ينظرون إلـيه ويسألونه‪ .‬فلـما لقوه فقرأ علـيهم ما أنزل ال بكوا‬
‫س ِمعُوا ما ُأ ْنزِلَ إلـى الرّ سُولِ َترَى‬
‫ستَكبرُونَ وَإذَا َ‬
‫وآمنوا‪ ,‬فأنزل ال علـيه فـيهم‪ :‬وإ ّنهُ مْ ل يَ ْ‬
‫حقّ يَقُولُو نَ َربّ نا آمَنّا ف ـا ْك ُتبْنا مَ عَ الشّا ِهدِي نَ‬
‫ع َرفُوا مِ نَ ال ـ َ‬
‫ع ُي َنهُ مْ تَفِ ـيضُ ِم نَ ال ّدمْ عِ مِ ـمّا َ‬
‫أْ‬
‫فآمنوا ثم رجعوا إل ـى الن ـجاشيّ‪ .‬فها جر الن ـجاشيّ مع هم‪ ,‬فمات ف ـي الطر يق‪ ,‬ف صلـى‬
‫علـيه رسول ال صلى ال عليه وسلم والـمسلـمون واستغفروا له‪.‬‬
‫‪ 9692‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ن قالُوا إنّا نَ صَارَى‪ ...‬الَية‪ ,‬هم ناس‬
‫ن آ َمنُوا اّلذِي َ‬
‫ن أقْ َر َبهُ مْ َم َودّةً لّلذِي َ‬
‫عطاء فـي قوله‪ :‬وََلتَـجِدَ ّ‬
‫من الـحبشة آمنوا‪ ,‬إذ جاءتهم مهاجرة الـمؤمنـين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هذه صفة قوم كانوا علـى شريعة عيسى من أهل اليـمان فلـما بعث‬
‫ال تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى ال عليه وسلم آمنوا به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جدَنّ‬
‫‪ 9693‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وََلتَـ ِ‬
‫أقْ َر َبهُ مْ َم َودّةً لّلذِي نَ آ َمنُوا‪ ,‬فقرأ حتـى بلغ‪ :‬فـا ْك ُتبْنا مَ عَ الشّا ِهدِي نَ‪ :‬أناس من أهل الكتاب كانوا‬
‫ق م ـما جاء به عي سى‪ ,‬ويؤمنون به وينتهون إل ـيه فل ـما بعث ال‬
‫علـى شري عة من الـح ّ‬
‫نبـيه مـحمدا صلى ال عليه وسلم صدّقوا به وآمنوا‪ ,‬وعرفوا الذي جاء به أنه الـحقّ‪ ,‬فأثنى‬
‫علـيهم ما تسمعون‪.‬‬
‫والصواب فـي ذلك من القول عندي أن ال تعالـى وصف صفة قوم قالوا‪ :‬إنا نصارى‪ ,‬أن‬
‫نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم يجدهم أقرب الناس ودادا لهل اليـمان بـال ورسوله‪ ,‬ولـم‬
‫يسمّ لنا أسماءهم‪ .‬وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النـجاشيّ‪ ,‬ويجوز أن يكون أريد به‬
‫قوم كانوا عل ـى شري عة عي سى فأدرك هم ال سلم فأ سلـموا ل ـما سمعوا القرآن وعرفوا أ نه‬
‫الـحقّ‪ ,‬ولـم يستكبروا عنه‪.‬‬
‫ك بأ نّ ِم ْنهُ مْ قِ سّيسِينَ َورُهْب ـانا فإ نه يقول‪ :‬قر بت مودّة هؤلء الذ ين‬
‫وأ ما قوله تعال ـى‪ :‬ذَلِ َ‬
‫وصـف ال صـفتهم للــمؤمنـين مـن أجـل أن منهـم قسـيسين ورهبــانا‪ .‬والقسـيسون‪ :‬جمـع‬
‫قسيس‪ ,‬وقد يجمع القسيس‪« :‬قُسوس»‪ ,‬لن القسّ والقسيس بـمعنى واحد‪ .‬وكان ابن زيد يقول‬
‫فـي القسيس بـما‪:‬‬
‫عبّـادهم‪.‬‬
‫‪9694‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬القسيسين‪ُ :‬‬
‫وأمـا الرّهبــان‪ ,‬فإنـه يكون واحدا وجمعـا فأمـا إذا كان جمعـا‪ ,‬فإن واحدهـم يكون راهبــا‪,‬‬
‫ويكون الرا هب حينئذ ف ـاعلً من قول القائل‪ :‬رَهب ال فلن‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬خا فه‪َ ,‬يرْهَبُه رَهَب ـا‬
‫ورَهْبــا‪ ,‬ثـم يجمـع الراهـب رهبــان‪ ,‬مثـل راكـب وركبــان‪ ,‬وفــارس وفرسـان‪ .‬ومـن‬
‫الدلـيـل علـى أنه قد يكون عند العرب جمعا قول الشاعر‪:‬‬
‫ل الفـادِرِ‬
‫ف العُقو ِ‬
‫شعَ ِ‬
‫ن َ‬
‫صمُ م ْ‬
‫ن لَ ْو رأ ْوكِ َت َنزّلُواوال ُع ْ‬
‫رُهْبـانُ َم ْديَ َ‬
‫و قد يكون الرهب ـان واحدا‪ ,‬وإذا كان واحدا كان جم عه رهاب ـين‪ ,‬م ثل قرب ـان وقراب ـين‪,‬‬
‫وجُردان وجراد ين‪ .‬ويجوز جم عه أي ضا رهاب نة إذا كان كذلك‪ .‬و من الدل ـيـل عل ـى أ نه قد‬
‫يكون عند العرب واحدا قول الشاعر‪:‬‬
‫حدَ َر الرّهْبـانُ يَـ ْمشِي َو َنزَلْ‬
‫ن َد ْيرٍ فِـي القُلَلْلنـ َ‬
‫َلوْ عا َينَتْ رُهْبـا َ‬
‫ُمـ قِسـّيسِينَ َورُهْبــانا فقال‬
‫بأنـ ِم ْنه ْ‬
‫ِكـ ّ‬‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنـيّ بقوله‪ :‬ذَل َ‬
‫بعض هم‪ :‬عن ـي بذلك قوم كانوا ا ستـجابوا لعي سى ا بن مري ـم ح ين دعا هم‪ ,‬واتبعوه عل ـى‬
‫شريعته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9695‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن حصين عمن حدّثه‪ ,‬عن ابن‬
‫ن ِم ْنهُ مْ قِ سّيسِينَ َورُهْبـانا قال‪ :‬كانوا نَوَاتـيّ فـي البحر يعنـي‬
‫عبـاس فـي قوله‪ :‬ذَلِ كَ بأ ّ‬
‫مَلّحيـن قال‪ :‬فمرّ ب هم عيسـى ابـن مريــم‪ ,‬فدعا هم إلــى ال سلم فأجابوه‪ .‬قال‪ :‬فذلك قوله‪:‬‬
‫قِسّيسِينَ َورُهْبـانا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنـي بذلك القوم الذين كان النـجاشيّ بعثهم إلـى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9696‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عنبسة عمن حدثه‪ ,‬عن أبـي‬
‫صالـح فـي قوله‪ :‬ذَلِ كَ بأ نّ ِم ْنهُ مْ قِ سّيسِينَ َورُهْبـانا قال‪ :‬ستة وستون‪ ,‬أو سبعة وستون‪ ,‬أو‬
‫اثنان وستون من الـحبشة‪ ,‬كلهم صاحب صومعة‪ ,‬علـيهم ثـياب الصوف‪.‬‬
‫‪ 9697‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهد يّ‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ :‬ذَلِ كَ بأ نّ ِم ْنهُ مْ قِ سّيسِينَ َورُهْبـانا قال‪ :‬بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم خمسين أو سبعين من خيارهم‪ ,‬فجعلوا يبكون‪ ,‬فقال‪ :‬هم هؤلء‪.‬‬
‫‪9698‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قـيس‪ ,‬عن سالـم الفطس‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ :‬ذَلِ كَ بأ نّ ِم ْنهُ مْ قِ سّيسِينَ َورُهْبـانا قال‪ :‬هم رسل النـجاشيّ الذين أرسل‬
‫بإسلمه وإسلم قومه‪ ,‬كانوا سبعين رجلً اختارهم الـخير فـالـخير‪ .‬فدخـلوا علـى رسول‬
‫ن الـحَكِيـمِ فبكوا وعرفوا الـحقّ‪ ,‬فأنزل‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقرأ علـيهم‪ :‬يس وال ُقرْآ ِ‬
‫ِينـ‬
‫َسـَت ْكبِرُونَ‪ ,‬وأنزل فــيهم‪ :‬اّلذ َ‬
‫ُمـ ل ي ْ‬
‫ُمـ قِسـّيسِينَ َورُهْبــانا‪ ,‬وأ ّنه ْ‬
‫بأنـ ِم ْنه ْ‬
‫ِكـ ّ‬‫ال فــيهم‪ :‬ذَل َ‬
‫ن بِـمَا صَبرُوا‪.‬‬
‫جرَ ْهمْ َمرّتـي ِ‬
‫آتَـيْنا ُهمُ الكِتابَ ِمنْ َقبْلِ ِه ُهمْ بِ ِه يُ ْؤ ِمنُونَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬يُ ْؤتَ ْونَ أ ْ‬
‫وال صواب ف ـي ذلك من القول عند نا أن يقال‪ :‬إن ال تعال ـى ذكره أ خبر عن الن فر الذ ين‬
‫أثنى علـيهم من النصارى بقرب مودتهم لهل اليـمان بـال ورسوله‪ ,‬أن ذلك إنـما كان‬
‫منهـم لن منهـم أهـل اجتهاد فــي العبــادة وترهيـب فــي الديارات والصـوامع‪ ,‬وأن منهـم‬
‫علـماء بكتبهم وأهل تلوة لها‪ ,‬فهم ل يبعدون من الـمؤمنـين لتواضعهم للـحقّ إذا عرفوه‪,‬‬
‫ول يستكبرون عن قبوله إذا تبـينوه لنهم أهل دين واجتهاد فـيه ونصيحة لنفسهم فـي ذات‬
‫ال‪ ,‬ول ـيسوا كال ـيهود الذ ين قد َد ِربُوا بق تل النب ـياء والر سل ومعاندة ال ف ـي أمره ونه يه‬
‫وتـحريف تنزيـله الذي أنزله فـي كتبه‪.‬‬

You might also like